You are on page 1of 19

‫خطة البحث‬

‫مقدمة‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم المرفق العام‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف‬

‫المطلب الثاني‪ :‬عناصر المرفق العام‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المبادئ التي تحكم المرفق العام‬

‫المطلب األول‪ :‬مبدأ استمرارية المرفق العام‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مبدأ المساواة بين المنتفعين‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مبدأ قابلية المرفق العام للتغير‬

‫الخاتمة‬

‫قائمة المراجع و المصادر‬


‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫مقدمة‬

‫إن مهام ووظائف اإلدارة عديدة ومتنوعة وختتلف حسب النظام السياسي‪ ،‬وهي حمل اهتمام كل من علماء اإلدارة‬
‫والقانون اإلداري واملهتمني بالعلوم السياسية‪ ،‬وإذا كان علم اإلدارة يهتم خاصة بوظيفة التخطيط والتنفيذ‪ ،‬فإن‬
‫فقهاء القانون اإلداري يهتمون باإلدارة من حيث نشاطها وأمواهلا وموظفيها ومنازعاهتا باعتبارها شخًص ا من‬
‫أشخاص القانون اإلداري‪.‬‬

‫واحلقيقة أيا كانت وظائف اإلدارة ومهامها فإن نشاطها يظل مرهون خبدمة اجلمهور‪ ،‬وإال ملا عمدت السلطة العامة‬
‫إىل تزويد اإلدارة باجلانب البشري اجلانب املادي وإحاطتها بنسيج من النصوص القانونية مبا يساعدها على القيام‬
‫مبهمتها‪ ،‬ويتخذ النشاط اإلداري مظهرين أو صورتني مها‪ :‬صورة الضبط اإلداري‪ ،‬وهو جمموعة من اإلجراءات‬
‫واألوامر والقرارات اليت تتخذها السلطة املختصة للمحافظة على النظام العام مبدلوالته الثالثة<<األمن‪ ،‬الصحة‪،‬‬
‫السكينة>> وصورة املرفق العام‪ ،‬الذي يعد املظهر اإلجيايب لنشاط اإلدارة‪ ،‬تتواله اإلدارة بنفسها‪ ،‬أو باالشرتاك مع‬
‫األفراد‪ ،‬وتسعى من خالله إىل إشباع احلاجات العامة وتعد فكرة املرافق العامة من أهم موضوعات القانون اإلداري‪،‬‬
‫وترد إليها معظم النظريات واملبادئ اليت ابتدعها القضاء اإلداري كالعقود اإلدارية واألموال العامة والوظيفة العامة‪.‬‬

‫وعليه السؤال املطروح هو‪ :‬ما هو املرفق العام؟ وما هي أهم املبادئ األساسية اليت حتكمه؟‬

‫ولإلجابة على اإلشكاالت املطروحة اتبعنا اخلطة التالية‪:‬‬


‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫المبحث األول‪ :‬مفهوم المرفق العام‬

‫لتحديد مفهوم املرفق العام جيب التطرق لتعريف املرفق العام مث حتديد أهم عناصره‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬تعريف المرفق العام‬

‫تعترب فكرة املرفق العام من أبرز املفاهيم الشائكة والغامضة يف القانون اإلداري رغم أمهيتها كمعيار للنظام اإلداري‬
‫برمته‪ ،‬نظًر ا الرتباطها باملعطيات السياسية واالقتصادية واالجتماعي السائدة بالدولة‪.‬‬

‫والفقه والقضاء عادة ما يلجأ لتحديد مفهوم املرفق العام إىل استعمال معيارين أساسيني مها‪ :‬املعيار العضوي‪-‬‬
‫الشكلي‪ ،‬والذي يركز يف تعريفه للمرفق العام على اعتباره منظمة أو جهاز إداري عام‪.‬‬

‫واملعيار الثاين يركز على اجلانب املادي املوضوعي للمرفق العام‪ ،‬أي يعرف املرفق العام باعتباره نشاط عام يستهدف‬
‫حتقيق أغراض عامة تتمثل يف إشباع احلاجات العامة يف الدولة‪ ،‬وهناك اجتاه آخر جيمع بني اجلوانب واملعاين العضوية‬
‫‪1‬‬
‫واملادية لفكرة املرفق العام‪.‬‬

‫الفرع األول‪ :‬المعيار العضوي‬

‫يقصد باملرفق العام حسب املعيار العضوي‪ /‬الشكلي‪ ،‬اهليكل أو اهليئة أو املؤسسة أو التنظيم املتكون من جمموعة من‬
‫األشخاص واألموال واألشياء‪ ،‬الذي ينشأ ويؤسس إلجناز مهمة عامة معينة‪ ،‬مثل اجلامعة‪ ،‬املستشفى ووحدات‬
‫وأجهزة اإلدارة العامة بشكل عام‬

‫كذلك من التعاريف اليت تركز على اجلانب الشكلي جند تعريف األستاذ حممود حافظ بقوله <<املرفق العام هو‬
‫منظمة عامة من السلطات واالختصاصات اليت تكفل القيام خبدمة معينة تسديها للجمهور على حنو منظم‬
‫ومطرد>>‪.‬‬

‫واملالحظ أن املعيار العضوي يعترب املرفق العام جهاز يرتبط باإلدارة العامة ويتمتع بأساليب السلطة العامة‪.‬‬

‫الفرع الثاين‪ :‬املعيار املادي‪:‬‬

‫يقصد باملرفق العام حسب املعيار املوضوعي الوظيفي املادي‪ ،‬النشاط أو الوظيفة أو اخلدمة اليت تليب حاجيات عامة‬
‫للمواطنني‪ ،‬مثل التعليم العام‪ ،‬الرعاية الصحية‪ ،‬الربيد واملواصالت‪ ،‬بغض النظر عن اجلهة أو اهليئة القائمة به‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫عمار بوضياف‪ ،‬النشاط اإلداري‪ ،‬مقال منشور على شبكة اإلنترنت‪ ،‬تاريخ الولوج‪ 05/04/2015 :‬على الساعة ‪.17:30‬‬
‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫وعلى هذا األساس املعيار املادي يعرف املرفق العام انطالقا من فكرة النشاط خبالف املعيار العضوي الذي يعرفه‬
‫انطالقا من فكرة املؤسسة‪ ،‬أما املعىن املوضوعي فيتعلق بالنشاط الصادر عن اإلدارة هبدف إشباع حاجات عامة‬
‫والذي خيضع لتنظيم وإشراف ورقابة الدولة‪ ،‬وهو أيًض ا كل نشاط يهدف إىل إشباع املصلحة العامة فهو خيتلف عن‬
‫‪2‬‬
‫النشاط اخلاص ألن هذا األخري حتركه األرباح‪.‬‬

‫وعلى ذلك ميكن القول بأن املرفق العام هو يف حالة السكون املنظمة اليت تقوم بنشاط معني‪ ،‬أما يف حالة احلركة فهو‬
‫النشاط الذي يهدف إشباع حاجات عامة بغض النظر عن اجلهة اليت تؤديه‪.‬‬

‫وقد تراوح التعريف بني هذين املعنيني فقد أكد بعض الفقهاء على العنصر العضوي للمرفق العام‪ ،‬بينما تناوله‬
‫البعض اآلخر من الناحية الوظيفية أو املوضوعية‪.‬‬

‫ومن أهم التعاريف اليت تركز على اجلانب املادي للمرفق العام تعريف دوجي‪ ،‬الذي يعرف املرفق العام بأنه‪:‬‬
‫<<كل نشاط جيب ان يكفله و ينظمه و يتواله احلكام الن اإل طالع هبذا النشاط ال غىن عنه لتحقيق التضامن اإل‬
‫جتماعي ال ميكن حتقيقه على أكمل وجه إال عن طريق تدخل السلطة احلاكمة>>‪.‬‬

‫ويأيت تعريف األستاذ ‪ André de lambadera‬على أن املرفق العام نشاط تباشره سلطة عامة بقصد الوفاء‬
‫حباجة ذات نفع عام‪.‬‬

‫نالحظ أن هذا التعريف مجع بني اجلانبني العضوي واملادي‪.‬‬

‫ويعرف أيضا املرفق العام مبعناه الوظيفي بأنه‪<< :‬نشاط يهد ف إىل حتقيق الصاحل العام‪ ،‬أو نشاط تتواله اإلدارة‬
‫بنفسها أو يتواله فرد عادي حتت توجيهها ورقابتها وإشرافها بقصد إشباع حاجات عامة للجمهور>>‪ ،‬وميكن‬
‫القول أنه ميكن اجلمع بني املعىن العضوي والوظيفي للوصول إىل تعريف سليم للمرفق العام لوجود التقاء بني‬
‫املعنيني‪ ،‬عندما تسعى اهليئات العامة التابعة لشخص من أشخاص القانون العام إىل حتقيق النفع العام‪ ،‬وإشباع‬
‫حاجات األفراد‪ ،‬وهذا حيصل دائما يف املرافق العامة اإلدارية‪.‬‬

‫غري أن تطور احلياة اإلدارية والتغريات الكثرية اليت طرأت يف القواعد اليت تقوم عليها فكرة املرافق العامة أدى إىل‬
‫ظهور املرافق العامة االقتصادية أو التجارية اليت ميكن أن تدار بواسطة األفراد أو املشروعات اخلاصة مما أدى إىل‬

‫‪2‬‬
‫محمد الصغير بعلي‪ ،‬القانون اإلداري (التنظيم اإلداري‪ ،‬النشاط اإلداري)‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬دار العلوم للنشر والتوزيع‪ ،‬عنابة‪ ،‬الجزائر‪ ،2004 ،‬ص‪.205‬‬
‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫انفصال العنصر العضوي عن املوضوعي وأصبح من حق اإلدارة أن تنظم نشاط معني يف صورة مرفق عام وتعهد به‬
‫إىل األفراد فيتوافر فيه العنصر املوضوعي دون العضوي‪.‬‬

‫وقد اعرتف جملس الدولة يف فرنسا للمرافق االقتصادية والتجارية بصفة املرفق العام بل أطلق هذه الصفة على بعض‬
‫املشروعات اخلاصة ذات النفع العام اليت ختضع لرتخيص إداري مقيد ببعض الشروط‪ ،‬وفق ما يعرف بفكرة املرافق‬
‫العامة الفعلية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬عناصر المرفق العام‬

‫من التعريف السابق يتضح لنا أن هناك ثالثة عناصر جيب توافرها حىت يكتسب املشروع صفة املرفق العام ويعود‬
‫العنصر األول إىل اهلدف املوكل إىل املرفق العام الذي يقوم بالنشاط والثاين ارتباط املشروع باإلدارة ورقابتها لسري‬
‫‪3‬‬
‫العمل فيه‪ ،‬وأخريا استخدام امتيازات السلطة العامة‪.‬‬

‫فرع أول‪ :‬عنصر اهلدف‪:‬‬

‫املرفق العام هو مشروع عام‪ ،‬واملشروع هو عبارة عن نشاط منظم ومتناسق متارسه جمموعة بشرية قيادية وتوجيهية‬
‫وإدارية وتنفيذية‪ ،‬بوسائل مادية وفنية وقانونية لتحقيق غرض حمدد‪.‬‬

‫البد أن يكون كذلك الغرض من املرفق العام حتقيق املنفعة العامة وإشباع حاجات األفراد أو تقدمي خدمة عامة‪،‬‬
‫وهذه احلاجات أو اخلدمات قد تكون مادية كمد األفراد باملياه والكهرباء أو معنوية كتوفري األمن والعدل‬
‫للمواطنني‪.‬‬

‫ومع ذلك فإن حتقيق بعض املرافق العامة للربح ال يعين حتما ‪ ،‬افتقادها صفة املرفق العام‪ ،‬طاملا أن هدفها الرئيس‬
‫ليس حتقيق الربح‪ ،‬وإمنا حتقيق النفع العام كما أن حتصيل بعض املرافق لعوائد مالية لقاء تقدميها اخلدمات إىل‬
‫املواطنني‪ ،‬كما هو احلال بالنسبة ملرفق الكهرباء والقضاء ال يسعى لكسب عوائد مالية بقدر ما يعد وسيلة لتوزيع‬
‫األعباء العامة على كل املواطنني‪.‬‬

‫وعليه فإن هدف املنفعة العامة اليت اعرتف القضاء اإلداري به عنصًر ا من عناصر املرفق العام ال ميكن حتديده بدقة‪،‬‬
‫فهذا اهلدف قابل للتطوير‪ ،‬ويتوقف على تقدير القاضي إىل حد كبري‪،‬و يف هذا السبيل ذهب جانب من الفقه ان‬

‫‪ 3‬محمد الصغير بعلي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.206‬‬


‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫املشروعات ايل تنشأها الدولة تعترب مرافق عامة ألن تستهدف حتقيق وجه من وجوه النفع العام الذي عجز األفراد‬
‫وأشخاص النشاط اخلاص عن القيام هبا‪ ،‬أو ال يستطيعون القيام هبا على أكمل وجه‪.‬‬

‫ويرتتب على ذلك أن املرافق العامة إمنا تقوم بتقدمي خدماهتا أصًال بصورة جمانية رغم ما قد تفرض من رسوم ال‬
‫ترقى أبًد ا إىل مستوى سعر تكلفة اخلدمة املقدمة‪ ،‬مثل رسوم االستفادة من خدمات املستشفيات العامة‪ ،‬أو الدراسة‬
‫باجلامعات‪.‬‬

‫الفرع الثاني‪ :‬عنصر اإلدارة‬

‫تقوم الدولة بإنشاء املرافق العامة وجيب أن يكون نشاط املرفق العام منظًم ا من جانب اإلدارة وموضوًعا حتت‬
‫إشرافها ورقابتها‪ ،‬وخاضًع ا لتوجيهها لضمان عدم احنرافه عن املصلحة العامة حلساب املصاحل اخلاصة‪.‬‬

‫وعليه ال يكفي الكتساب صفة املرفق العام على منظمة إدارية ما أن يستهدف هذا املشروع حتقيق املنفعة العامة‪ ،‬بل‬
‫البد باإلضافة إىل ذلك ان يكون املشروع مرتبط ارتباًطا عضويا ومصرييا ووظيفيا بالدولة وباإلدارة العامة‪ ،‬وفكرة‬
‫ارتباط املرفق العام بالدولة و اإلدارة أي بالسلطة العامة يف الدولة أمر منطقي باعتبار أن املرفق العام هو أداة الدولة‬
‫لتحقيق وظيفة املصلحة العامة عن طريق إشباع احلاجات العامة يف الدولة بانتظام واطراد وبكفاية ويف نطاق مبدأ‬
‫‪4‬‬
‫تكافؤ الفرص‪.‬‬

‫ويرتتب على ارتباط املرفق العام باإلدارة‪ ،‬خضوع املرفق العامل للسلطات العامة املختصة يف الدولة من حيث اإلنشاء‬
‫واإلدارة والتسيري والرقابة واإلشراف‪ ،‬وهذا ما يزيد يف حتديد املرفق العام ومييزه عن املشروعات اخلاصة‪.‬‬

‫وإذا عهدت اإلدارة إىل أحد األشخاص املعنوية العامة بإدارة املرفق فإن هذا ال يعين ختليها عن ممارسة رقابتها‬
‫وإشرافها عليه من حيث حتقيقه للمصلحة العامة وإشباع احلاجات العامة لألفراد‪.‬‬

‫الفرع الثالث‪ :‬وجود امتيازات السلطة العامة‬

‫يلزم لقيام املرافق العامة أن تتمتع اجلهة املكلفة بإدارة املرفق العام بامتيازات غري مألوفة يف القانون اخلاص تالئم‬
‫الطبيعة اخلاصة للنظام القانوين الذي حيكم املرافق العامة‬

‫‪4‬محمد الصغير بعلي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.207‬‬


‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫غري أن هذا الشرط خمتلف فيه بني الفقهاء على اعتبار أ التطورات االقتصادية صناعية وجتارية خيضع يف اجلانب‬
‫األكرب من نشاطها إىل أحكام القانون اخلاص كما أن خضوع املرفق العام هو جمرد نتيجة لثبوت الصفة العامة‬
‫للمرفق‪ ،‬ومن غري املنطقي أن تعرف الفكرة بنتائجها‪.‬‬

‫واملقصود بالنظام القانوين اخلاص واالستثنائي الذي حيكم املرفق العام هو جمموعة األحكام والقواعد واملبادئ‬
‫القانونية اليت ختتلف اختالًفا جذريا عن قواعد القانون اخلاصة بصفة عامة وعن قواعد النظام القانوين الذي حيكم‬
‫املشروعات اخلاصة بصفة خاصة‪.‬‬

‫مادامت فكرة املرفق العام قد لعبت وتلعب دوًر ا أساسًيا وحيويا يف تأسيس وجود القانون اإلداري كقانون مستقل‬
‫عن قواعد القانون اخلاص وخمتلف عنه جوهريا وما دامت فكرة املرفق العام هي وسيلة وأداة السلطة العامة يف الدولة‬
‫إذن خيضع املرفق العام لنظام قانوين خاص واستثنائي ليتالءم وينطبق عليه يف إنشائه وتنظيمه وتسيريه وإلغائه ويف‬
‫‪5‬‬
‫الرقابة عليه‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫عمار عوابدي‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬الجزء الثاني‪ ،‬النشاط اإلداري‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،2002 ،‬ص‪.56‬‬
‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫المبحث الثاني‪ :‬المبادئ األساسية التي تحكم سير المرافق العمومية‬


‫يتفق الفقهاء على أن هناك مبادئ أساسية مشرتكة ما بني خمتلف املرافق العمومية حتكم تسيري هذه املرافق‪ ،‬فقد قام‬
‫أحد الفقهاء وهو ''لويس روالن'' بتنظيم هذه املبادئ بصفة متناسقة يف شكل ثالث مبادئ أساسية وتسمى يف‬
‫بعض األحيان بقوانني روالن‪ ،‬وهي‪ :‬مبدأ استمرارية املرفق العمومي‪ ،‬مبدأ املساواة أمام املرفق العمومي‪ ،‬ومبدأ‬
‫التكييف الدائم للمرفق العمومي‪.‬‬
‫المطلب األول‪ :‬مبدأ استمرارية المرفق العمومي‪:‬‬

‫تؤدي املرافق العامة دوًر ا كبريا داخل اجملتمع أيا كان موضوع نشاطها وهذا يفرض أن تقدم خدماهتا للجمهور‬
‫بشكل مستمر ومتواصل‪ ،‬فال ميكن أن يتصور مثًال توقف جهاز القضاء عن الفصل يف اخلصومات‪ ،‬أو توقف جهاز‬
‫األمن عن أداء مهامه‪ ،‬أو مرفق الدفاع‪ ،‬إن توقف أحد هذه األجهزة وغريها سينجم عنه إحلاق ضرر بالغ باملصلحة‬
‫العامة وحبقوق األفراد‪ ،‬ولو ملدة قصرية‪ ،‬هلذا أمجع الفقهاء على أن استمرارية املرفق العمومي تعترب أحد املبادئ‬
‫األساسية اليت حتكم عمل املرافق العمومية‪.‬‬

‫لذلك كان من الضروري أن ال تكتفي الدولة بإنشاء املرافق العامة بل تسعى إىل ضمان املبادئ األساسية اليت يقوم‬
‫عليها القانون اإلداري‪ ،‬ومع أن املشرع يتدخل يف كثري من األحيان إلرساء هذا املبدأ يف العديد من جماالت النشاط‬
‫اإلداري‪ ،‬فإن تقريره ال يتطلب نص تشريعي ألن طبيعة نشاط املرافق العامة تستدعي االستمرار واالنتظام‪.‬‬

‫ويقتضي مبدأ االستمرارية توفر مجلة من الضمانات تعمل مجيًع ا على جتسيده يف أرض الواقع‪ ،‬ومن هذه الضمانات‬
‫ما وضعه املشرع ومنها ما رسخه القضاء اإلداري‪ ،‬وتتجلى هذه الضمانات يف تنظيم ممارسة حق االستقالة‪ ،‬وممارسة‬
‫حق اإلضراب‪ ،‬وسن قواعد خاصة حلماية أموال املرفق‪ ،‬وهي مجيعا متثل ضمانات تشريعية أي من صنع املشرع‬
‫وهناك ضمانات أخرى كنظرية املوظف الفعلي ونظرية الظروف الطارئة وهي من صنع القضاء‪ ،‬نفصل هذه‬
‫الضمانات فيما يلي‪:‬‬

‫الضمانات التشريعية‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬


‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫تنظيم ممارسة حق اإلضراب‪ :‬يقصد باإلضراب توقف األعوان العموميني يف املرافق العمومية عن القيام بأعماهلم‬ ‫‪-‬‬
‫‪6‬‬
‫أو االمتناع عن أدائها ملدة معينة‪.‬‬

‫كوسيلة محل اإلدارة على تلبية مطالب مهنية معينة أو اجتماعية دون أن تنصرف نيتهم إىل ترك العمل هنائًيا‪.‬‬

‫ولإلضراب نتائج بالغة اخلطورة على سري العمل يف املرفق العام وقد تتعدى نتائجه إىل اإلضرار باحلياة االقتصادية‬
‫واألمن يف الدولة وليس هناك موقف موحد بشأن اإلضراب‪ ،‬ومدى حترميه فهناك من الدول اليت تسمح به يف نطاق‬
‫ضيق‪ ،‬غري أن أغلب الدول حترمه وتعاقب عليه ضماًنا لدوام استمرار املرافق العامة‪.‬‬

‫أما بالنسبة للمشرع اجلزائري فقد جاء يف املادة ‪ 20‬من دستور ‪1963‬م بأن حق اإلضراب معرتف به وميارس يف‬
‫إطار القانون‪ ،‬وعندما صدر القانون األساسي للوظيفة العامة يف الثاين من شهر جوان ‪1966‬م‪ ،‬مل يشر بيان أسبابه‬
‫وال أحكامه إىل حق اإلضراب وذات املسلك نراه يف األمر رقم ‪ 74-71‬املتعلق بالتسيري االشرتاكي للمؤسسات‬
‫الذي اكتفى باإلعالن عن جمموعة من احلقوق كاحلق يف األجر واحلق يف املشاركة يف التسيري واحلق يف األرباح‬
‫والتكوين والراحة‪ ،‬دون إشارة حلق اإلضراب وهذا أمر طبيعي فرضته طبيعة املرحلة فال ميكن أن يتصور أن العمال‬
‫يف ظل الفلسفة االشرتاكية هم من جهة رواد التنمية االقتصادية ومن جهة أخرى يعرتف هلم املشرع حبق اإلضراب‪.‬‬

‫فجاء دستور ‪1976‬م ومل يفصح املؤسس فيه عن موقفه من حق اإلضراب يف القطاع العام االقتصادي‪ ،‬سواء‬
‫إداري أو اقتصادي واكتفت املادة ‪ 61‬منه باالعرتاف حبق اإلضراب يف القطاع اخلاص‪.‬‬

‫ومل جتز قواعد القانون األساسي العام للعامل صراحة ممارسة حق اإلضراب يف القطاع العام االقتصادي‪ ،‬بل أجازته‬
‫وبصريح العبارة فقط يف القطاع اخلاص (املادة‪ )21‬جتسيدا للمبدأ الدستوري‪.‬‬

‫ومحل دستور ‪ 1989‬وألول مرة شيًئا جديًد ا خبصوص اإلضراب متثل يف االعرتاف مبمارسته يف مجيع القطاعات إال‬
‫ما استثين بنص خاص فنصت املادة ‪ 54‬منه على أن احلق باإلضراب معرتف به و ميارس يف إطار القانون و ميكن أن‬
‫مينع القانون ممارسة هذا احلق أو أن جيعل حدوًد ا ملمارسته يف ميادين الدفاع الوطين أو األمن أو يف مجيع اخلدمات أو‬
‫األعمال العمومية ذات املنفعة العامة للمجتمع‪.‬‬

‫وصدر بعده القانون رقم ‪02-90‬‬

‫‪ 6‬عمار عوابدي‪ ،‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪.57‬‬


‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫وصدر بعده القانون رقم ‪ 02-90‬املؤرخ يف ‪ 06‬فرباير ‪1990‬م‪ ،‬املتعلق بالوقاية من النزاعات اجلماعية يف العمل‬
‫وتسويتها وممارسة حق اإلضراب املعدل واملتمم بالقانون رقم ‪ 27-91‬املؤرخ يف ‪ 21‬ديسمرب ‪1991‬م‪ ،‬وتضمنت‬
‫قواعده‪ .‬كيفية ممارسة حق اإلضراب وإجراءاته وآثاره ‪ ،‬وأخريا صدر األمن ‪ 03-06‬املؤرخ يف ‪ 15‬جويلية‬
‫‪ 2006‬املتضمن القانون األساسي العام للوظيفة العمومية‪ ،‬واعرتفت املادة ‪ 36‬منه للموظف مبمارسة حق اإلضراب‬
‫يف ظل التشريع املعمول به أي يف ظل القانون ‪ 02-90‬املعدل واملتمم‪.‬‬

‫<<مينع اللجوء إىل اإلضراب يف ميادين األنشطة األساسية اليت قد تعرض توقفها حياة أو أمن أو صحة املواطنني أو‬
‫االقتصاد الوطين للخطر‪.‬‬

‫وهبذه الصفة مينع اللجوء إىل اإلضراب على القضاة‪ ،‬املوظفني‪ ،‬املعينني مبرسوم أو املوظفني الذين يشغلون مناصب يف‬
‫اخلارج‪ ،‬أعوان مصاحل األمن‪ ،‬األعوان امليدانيني العاملني يف مصاحل احلماية املدنية‪ ،‬أعوان مصاحل استغالل شبكات‬
‫اإلشارة الوطنية يف وزاريت الداخلية والشؤون اخلارجية‪ ،‬األعوان املدنيني العاملني يف اجلمارك عمال املصاحل اخلارجية‬
‫إلدارة السجون>>‬

‫ب ‪ -‬بالقيود الواردة على ممارسة حق اإلضراب‪:‬‬

‫قد ينجم عن اإلضراب عواقب وخيمة يعود بالسوء على املنتفع بالدرجة األوىل لذا وجب أن يسعى املشرع إىل‬
‫ضبط ممارسة حق اإلضراب بقيود إجرائية حتول دون تعسف اجلهة القائمة به‪ ،‬كما أنه بإمكان املشرع وألسباب‬
‫موضوعية أن مينع ممارسة هذا احلق يف قطاعات معينة‪ ،‬ميكن إمجال أهم هذه القيود فيما يلي‪:‬‬

‫عقد اجتماعات دورية‪ :‬درءا للخالفات اجلماعية اليت قد تسود داخل اإلدارات العمومية أوجب املشرع مبقتض‬ ‫‪-‬‬
‫املادة ‪ 15‬من القانون ‪ 02-90‬إجراء اجتماعات دورية بني ممثلي العمل وممثلي اإلدارة املستخدمة‪ ،‬هبدف‬
‫عرض اإلشكاالت املطروحة‪ ،‬وإجياد حل هلا كآليات الوقاية من املنازعات اجلماعية‪.‬‬
‫رفع اخلالفات إىل اجلهات الوصية‪ :‬إذا اختلف الطرفان يف حل املسائل املدروسة أو بعضها يرفع ممثلوا العمال‬ ‫‪-‬‬
‫أهم املسائل املختلف بشأهنا إىل السلطات اإلدارية املختصة على مستوى الوالية‪ ،‬وإذا كان اخلالف يكتسي‬
‫طابًع ا جوهريا أو وطنيا‪ ،‬يرفع األمر إىل الوزير أو من ميثله‪ ،‬وتتوىل هذه السلطات إجراء املصاحلة حبضور ممثلي‬
‫السلطة املكلفة بالوظيفة العامة ومفتشية العمل املختصة إقليميا وتعد حمضًر ا تضمنه املسائل املتفق بشأهنا واملسائل‬
‫املتنازع حوهلا‪.‬‬
‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫إحالة اخلالف على جملس الوظيفة العمومية املتساوي األعضاء‪ :‬أعلنت املادة ‪ 21‬من القانون ‪ 02-90‬عن‬ ‫‪-‬‬
‫ميالد جملس متساوي األعضاء يتكون من اإلدارة وممثلي العمل‪ ،‬يوضع حتت السلطة املكلفة بالوظيفة العامة‪،‬‬
‫وهو عبارة عن جهاز مصاحله يف جمال منازعات العمل‪.‬‬
‫موافقة مجاعة العمل‪ :‬إذا كان اإلضراب حقا دستوريا فإن ممارسته ختضع جلملة من الضوابط يأيت على رأسها‬ ‫‪-‬‬
‫موافقة مجاعة العمل على اللجوء لإلضراب‪ ،‬وهذا ال يتم إال بعقد مجعية يف مواقع العمل تضم نصف عدد‬
‫العمال على األقل ويبت يف هذا االمر عن طريق االقرتاع السري‪.‬‬
‫اإلشعار املسبق‪ :‬ويتمثل يف أجل حمدد ال يقل عن مثانية أيام يتم االتفاق عليه مفاوضة بني أطراف اخلالف و‬ ‫‪-‬‬
‫ينجم عن انتهائه الدخول يف اإلضراب‪ ،‬وقد أوجب القانون إيداع اإلشعار باإلضراب لدى املستخدم مع إعالم‬
‫مفتشية العمل‪.‬‬
‫اختاذ إجراءات احملافظة على املمتلكات‪ :‬إن اللجوء لإلضراب ال يعين هجر اإلدارة املستخدمة ومواقع العمل‬ ‫‪-‬‬
‫هجًر ا مجاعيا‪ ،‬بل يلزم العمل باختاذ التدابري الالزمة للمحافظة على ممتلكات اإلدارة املستخدمة‪ ،‬وهذا من باب‬
‫تطبيق مبدأ االستمرارية‪.‬‬
‫ضمان احلد األدىن للخدمة‪ :‬وهذا جتسيدا ملبدأ سري املرفق العامة بانتظام واطراد‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إمكانية اللجوء للتسخري‪ :‬ميكن أن يأمر بتسخري العمال املضربني يف اهليئات أو اإلدارات العمومية أو املؤسسات‬ ‫‪-‬‬
‫بغرض أداء أعمال ضرورية لضمان استمرار بعض احلاجات الضرورية‪.‬‬
‫تنظيم ممارسة حق االستقالة‪ :‬إذا كان من حق املوظف أن يستقيل من عمله باملرفق العام‪ ،‬فإنه ليس من حقه أن‬ ‫‪-‬‬
‫يرتك ويتخلى عن أداء مهامه فجأة كما يشاء وبدون إجراءات‪.‬‬

‫وسعيا منه لضمان استمرارية املرافق العامة ينص قانون الوظيف العمومي على جمموعة من القيود والشروط تنظم‬
‫االستقالة تتمثل فيما يلي‪:‬‬

‫أ‪ -‬تقدمي طلب االستقالة يف شكل كتايب إىل السلطة صاحبة التعيني‪.‬‬

‫ب‪ -‬بقاء املوظف ملزما بتأدية الواجبات املرتبطة مبهامه حىت صدور قرار قبول االستقالة خالل مدة ‪ 03‬أشهر‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫ميكن متديدها إىل فرتة إضافية أقصاها ‪ 6‬أشهر‪.‬‬

‫ج‪ -‬اعتبار التوقف عن اخلدمة فجأة وبدون مراعاة اإلجراءات القانونية خطأ مهين جسيم‪ ،‬بسبب إمهال املنصب‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫مازن ليلو راضي‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬دار المطبوعات الجامعية اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،2005 ،‬ص‪.168‬‬
‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫وأحسن املشرع عندما اعترب االستقالة حًق ا وهذا ما نصت عليه املادة ‪ 93‬من القانون األساسي العام للعامل وأكدته‬
‫املواد من ‪ 133‬وما بعدها من القانون األساسي النموذجي للعمال واملؤسسات واإلدارات العامة لسنة ‪،1985‬‬
‫وتبدو احلكمة يف االعرتاف باالستقالة كحق أن إلزام املوظف بالعمل حلساب املؤسسة املستخدمة رغم إرادته يشكل‬
‫صورة من صور املساس حبرية العمل‪ ،‬واليت بات معرتف هبا يف سائر التشريعات احلديثة‪.‬‬

‫ورجوعا لألمر ‪ 03-06‬املتضمن قانون الوظيفة العامة اجلديد جنده مل يورد االستقالة حتت عنوان حقوق املوظف‬
‫وإمنا ورد ذكرها يف الباب العاشر حتت عنوان إهناء اخلدمة‪ ،‬وإن كانت املادة ‪ 217‬من األمر املذكور قد اعرتفت‬
‫بصريح العبارة أن االستقالة حق للموظف ميارسه ضمن إطار القانون وأكدت املادة ‪ 218‬و‪ 219‬على وجوب‬
‫تقدمي طلب كتايب يعرب فيه املوظف عن رغبته يف قطع العالقة الوظيفية يرسل عن طريق السلم اإلداري للسلطة‬
‫املخولة بصالحية التعيني‪ ،‬ويلزم باالستمرار يف أداء عمله إىل غاية صدور القرار‪ ،‬ومىت قبلت االستقالة فال جمال‬
‫للرتاجع فيها‪.‬‬

‫‪ -‬عدم جواز احلجز على أموال املرفق العام‪:‬‬

‫خالفا للقاعدة العامة اليت جتيز احلجز على أموال املدين الذي ميتنع عن الوفاء بديونه ال جيوز احلجز على أموال‬
‫املرافق العامة‪ ،‬وفاء ملا يتقرر للغري من ديون يف مواجهتها ملا يرتتب على ذلك من تعطيل للخدمات اليت تؤديها‪.‬‬

‫فمن أجل أداء املرافق العامة ملهامها تلبية الحتياجات اجلمهور‪ ،‬أضفى املشرع محاية خاصة ومتميزة على أمالك‬
‫وأموال اإلدارات العامة سواء كانت محاية مدنية أو جنائية‪.‬‬

‫أ‪ -‬محاية مدنية‪ :‬تنص املادة ‪ 689‬من القانون املدين على ما يلي‪<< :‬ال جيوز التصرف يف أموال الدولة أو‬
‫حجزها‪ ،‬أو متلكها بالتقادم غري أن القوانني اليت ختصص هذه األموال إلحدى املؤسسات املشار إليها يف املادة ‪688‬‬
‫حتدد شروط إدارهتا‪ ،‬وعند االقتضاء شروط عدم التصرف فيها‪.‬‬

‫ب‪ -‬احلماية اجلنائية‪ :‬يفرض القانون اجلنائي عقوبات مشددة على كل مساس بأموال وأمالك املرافق العامة‪ ،‬خاصة‬
‫إذا كانت ماسة باالقتصاد الوطين‪.‬‬

‫ب‪ -‬الضمانات القضائية‪ :‬لقد ساهم القضاء اإلداري يف فرنسا مسامهة كبرية يف إظهار النظريات اليت ختدم مبدأ‬
‫حسن سري املرفق بانتظام واطراد ويتجلى ذلك خاصة يف نظرية الظروف الطارئة ونظرية املوظف الفعلي‪.‬‬
‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫‪ -‬نظرية الظروف الطارئة‪ :‬تفرت ض نظرية الظروف الطارئة أنه إذا وقعت حوادث استثنائية عامة غري متوقعة بعد‬
‫إبرام العقد وأثناء تنفيذه وخارجة عن إرادة املتعاقد وكان من شأهنا أن تؤدي إىل إحلاق خسائر غري مألوفة وإرهاق‬
‫املتعاقد مع اإلدارة‪ ،‬فإن لإلدارة أن تتفق مع املتعاقد على تعديل العقد وتنفيذه بطريقة ختفف من إرهاق املتعاقد‪،‬‬
‫ويتحمل بعض عبئ هذا اإلرهاق بالقدر الذي ميكن املتعاقد من االستمرار بتنفيذ العقد فإن مل حيصل هذا االتفاق‬
‫فإن للقضاء أن حيكم بتعويض املتعاقد تعويًض ا نسبيا‪.‬‬

‫وهذه النظرية من خلق جملس الدولة الفرنسي‪ ،‬أقرها خروجا على األصل يف عقود القانون اخلاص اليت تقوم على‬
‫قاعدة ''العقد شريعة املتعاقدين'' ضماًنا الستمرار سري املرافق العامة وللحيلولة دون توقف املتعاقد مع اإلدارة عن‬
‫تنفيذ التزاماته وتعطيل املرافق العامة‪.‬‬

‫‪ -‬نظرية املوظف الفعلي‪ :‬ضماًنا ملبدأ استمرارية اخلدمة العامة صاغ القضاء الفرنسي نظرية املوظف الفعلي‪ ،‬وهذا‬
‫لتحقيق املقصد بالنسبة بنظرية الظروف الطارئة‪ ،‬واملوظف الفعلي شخص ميارس اختصاًص ا إداريا معينا رغم وجود‬
‫عيب جسيم يف قرار تعيني شغله هلذه الوظيفة أو لعدم صدور قرار التعيني‪.‬‬

‫وتقتضي مبادئ القانون إلغاء مجيع تصرفاته ألهنا صادرة من شخص غري خمتص غري أن القضاء وسعيا منه عدم‬
‫ارتباك أداء اخلدمات العامة بانتظام وإطراد أضفى مشروعيته على هذه األعمال‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مبدأ المساواة بين المنتفعين‬

‫يقوم هذا املبدأ على أساس التزام اجلهات القائمة على إدارة املرافق بأن تؤدي خدماهتا لكل من يطلبها من اجلمهور‬
‫ممن تتوافر فيهم شروط االستفادة منها دون متييز بينهم بسبب اجلنس أو اللون أو اللغة أو املركز االجتماعي أو‬
‫االقتصادي وهلذا فإن املساواة أمام اإلدارة واملرفق العمومي ليس إال نتيجة على املستوى اإلداري للمبدأ العام املتمثل‬
‫يف املساواة أمام القانون‪ ،‬وميثل هذا األخري اليوم حقا من حقوق اإلنسان‪.‬‬

‫ولقد كرست هذه القاعدة كل الدساتري اجلزائرية بداية بدستور ‪ 1963‬م إىل غاية دستور ‪1996‬م‪ ،‬الذي أشار‬
‫صراحة إىل هذا املبدأ السيما من خالل املادة ‪ 29‬منه اليت تنص‪" :‬كل املواطنني سواسية أو القانون" ويرتتب على‬
‫هذا القول نتائج تتمثل يف مبادئ فرعية هي املساواة بني املنفعتني من خدمات واملساواة يف االلتحاق بالوظائف‬
‫العامة‪ ،‬كذلك املساواة يف حتمل األعباء العامة‪.‬‬
‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫أ‌‪ -‬مساواة املنفعتني من خدمات املرفق‪ :‬تقتضي هذا املبدأ وجوب معاملة املرفق لكل املنفعتني معاملة واحدة دون‬
‫تفضيل البعض على البعض األخر ألسباب تتعلق باجلنس أو اللون أو الدين أو احلالة املالية وغريها ويعود سر إلزام‬
‫املرفق باحلياد بعالقته باملنفعتني إىل أن املرفق مث إحداثه بأموال عامة بغرض أداء حاجة عامة ومن هنا تعني عليه أن ال‬
‫يفاضل يف جمال االنتفاع بني شخص وشخص‪ ،‬وفئة وأخرى ممن يلبون شروط االنتفاع من خدمات املرفق‪ ،‬وال‬
‫يتناىف هذا املبدأ مع سلطة املرفق يف فرض بعض الشروط اليت تستوجبها القوانني والتنظيمات كالشروط املتعلقة بدفع‬
‫الرسوم واتباع بعض األجراءات أو تقدمي بعض الوثائق‪.‬‬

‫ب‌‪ -‬املساواة يف االلتحاق بالوظائف العامة ‪ ،‬يرتتب على املبدأ وهو املساواة أمام القانون ‪ ،‬مساواة املواطنني يف‬
‫االلتحاق بالوظائف العمومية وهذه املساواة األخرية أصبحت اليوم حقا دستوريا حبيث تنص املادة ‪ 51‬من الدستور‪:‬‬
‫"يتساوى مجيع املواطنني يف تقلد املهام والوظائف يف الدولة دون أية شروط أخرى غري الشروط اليت حيددها القانون"‬
‫وهو املبدأ الذي كرسه كذلك دستور ‪( 1989‬املادة ‪ )48‬ودستور ‪( 1976‬املادة ‪ )44‬وعلى املستوى التشريعي‬
‫وعلى سبيل املثال فقد أكد على هذا املبدأ األمر رقم ‪ 66/133‬املؤرخ يف ‪ 02‬جوان ‪ 1966‬املتعلق بالقانون‬
‫األساسي للوظيفة العامة (العامة ‪ )05‬إال أن التمتع هبذا احلق ال مينع املشرع أن يضبط اإللتحاق بالوظائف العمومية‬
‫بشروط حمددة تتعلق بالسن وحسن السرية‪ ،‬وإجراء الدخول يف مسابقة‪ ،‬واملستوى التعليمي‪...‬‬

‫ولكن جيب اإلشارة ‪ ،‬فإذا كان ليس لكل املواطنني احلق الدخول يف الوظيفة العمومية ‪ ،‬إال أنه جيب أن ال يتعرضوا‬
‫للتمييز إذا توفرت لديهم الشروط القانونية املطلوبة‪.‬‬

‫ج‪ -‬املساواة يف االلتزامات واألعباء‪ :‬املساواة يف االلتزامات واألعباء هي مظهر من مظاهر املساواة أمام املرفق‬
‫العمومي‪ .‬فيما خيص املساواة أمام االلتزامات ميكن أن نذكر على سبيل املثال املساواة أمام أعباء اخلدمة الوطنية‬
‫حبيث تنص املادة ‪ 01‬من األمر ‪ 74/103‬املؤرخ يف ‪ 15‬نوفمرب ‪ 1974‬املتضمن قانون اخلدمة الوطنية‪" :‬إن‬
‫اخلدمة الوطنية إلزامية بالنسبة جلميع األشخاص املتمتعني باجلنسية اجلزائرية و املكملني ‪ 19‬سنة من عمرهم"‪ .‬وهي‬
‫على قدم املساواة جتاه اجلميع" أما فيما خيص األعباء ‪ ،‬فهي تستهدف أساسا املساواة أمام األعباء اجلبائية وذلك‬
‫مبوجب قاعدة مساواة اجلميع أمام الضريبة‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬مبدأ قابلية المرفق العام للتغير‬

‫إن املرافق العامة ختضع لقوانني ‪ ،‬وتنظيمات منها ما حيكم املرفق العام من حيث تنظيمه وهيكله‪ ،‬وال يقتصر التغيري‬
‫على القواعد املنظمة للمرفق العام بل ميتد أيضا إلسلوب إدارته ‪ ،‬فيحق تغيري أسلوب اإلدارة من اإلدارة املباشرة‬
‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫إ‘ى املؤسسة العامة‪ ،‬أو من املؤسسة العامة إىل الشركة املختلطة ‪ ،‬وللمرفق أيضا أن يفرض رسوم لقاء اخلدمات اليت‬
‫يقدمها أو أن خيفض من هذه الرسوم إذا رأى يف ذلك مصلحة‪ ،‬وال جيوز ألي كان االحتجاج على هذا التغري وبناء‬
‫على هذا املبدأ إذا كثرت اإلدارة يف نظام املرفق من أسلوب إىل إىل آخر فليس للموظفني التمسك مبجانية اخلدمة‬
‫خاصة إذا غريت اإلدارة األسلوب إىل آخر ‪ ،‬فليس للموظفني التمسك بالنظام القدمي الذي كاد حيكمهم ‪ ،‬كما أنه‬
‫ليس من حق املنتفعني التمسك مبجانية اخلدمة خاصة إذا غريت اإلدارة األسلوب من طريقة االستغالل املباشر إىل‬
‫أسلوب املؤسسة‪.‬‬

‫كما أنه ليس من حق املتعاقد مع اإلدارة يف عقد اإللتزام أن حيول دون ممارسة حقها يف تغري بعض بنود العقد مبا‬
‫يتماشى ومصلحة املنتفعني ومصلحة املنتفعني مع االحتفاظ حبقه يف التوازن املايل‪.‬‬

‫واملالحظ أن هذا املبدأ هو تلبية ملتطلبات الواقع واستجابة لقانون موضوعي للنظام االجتماعي والبديهية الطبيعية ‪،‬‬
‫ألن املرفق العام هو نشاط ملموس وإذا كانت خدمة الصاحل االقتصادي وضخامة الطلب االجتماعي ‪ ،‬وبعبارة‬
‫‪8‬‬
‫أخرى تسيري املرافق جيب أن يتكييف باستمرار مع متطلبات الصاحل العام املتغرية‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫هيام مروة‪ ،‬القانون اإلداري الخاص‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬لبنان‪ ،2003 ،‬ص‪7‬‬
‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬

‫الخاتمة ‪:‬‬

‫ظل املرفق العام يشكل حمورا أساسيا يف القانون اإلداري ‪ ،‬سواء مت النظر إليه من خالل العمل القضائي أو الفقهي ‪،‬‬
‫فإن هناك من يرى أن املرفق العام ميثل أساس خمتلف نظريات القانون اإلداري‪.‬‬

‫وبالتايل فإن النظر إىل مفهوم املرفق العام كإشكالية عامة يتيح الوقوف على عدة مالحظات من قبيل أن املرفق العام‬
‫أصبح رهينة لتجاذبات صعبة تقف ورائها األزمات القدمية والتحديات اجلديدة ‪ ،‬على حد سواء وذلك بسبب‬
‫اتساع جمال استعماالت املرفق العام واهتزاز االختيارات االقتصادية بدرجات معينة ‪ ،‬مع ما يرافق ذلك من تطورات‬
‫عديدة ومتالحقة مست بالوظائف واألنظمة القانونية وجممل اإلشكاالت التعريفية ملفهوم املرفق العام‪.‬‬

‫إن ما ميكن استنتاجه مما سبق‪ ،‬هو تسجيل حيول عميق على املفهوم التقليدي للمرفق العام خاصة من حيث املبادئ‬
‫اليت حتكم هذا األخري حبيث مل يعد يرسي خصوصياته كنظام قانوين وأمناط تدبريية على مقولة املصلحة العامة اليت‬
‫أصبحت عبارة عن مفهوم عام وفضفاض‪ ،‬يستخدم بطريقة احتياطية من أجل أن يصلح ألي شيء وكذلك حدوث‬
‫اندفاع قوي باجتاه ثقافة تسري له تكون قائمة على معايري جديدة ‪ ،‬من قبيل النجاعة والتقومي إىل درجة تطوير‬
‫املؤشرات واملبادئ القانونية التقليدية للمرفق العام‪.‬‬
‫املبادئ التي تحكم سير املرفق العام‬
‫قائمة املراجع و املصادر‬

‫قائمة المراجع و المصادر‬

‫عمار بوضياف‪ ،‬النشاط اإلداري‪ ،‬مقال منشور على شبكة اإلنرتنت‪ ،‬تاريخ الولوج‪05/04/2015 :‬‬ ‫‪‬‬
‫على الساعة ‪.17:30‬‬
‫حممد الصغري بعلي‪ ،‬القانون اإلداري (التنظيم اإلداري‪ ،‬النشاط اإلداري)‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬دار العلوم للنشر‬ ‫‪‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬عنابة‪ ،‬اجلزائر‪ ،2004 ،‬ص‪.205‬‬
‫حممد الصغري بعلي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.206‬‬ ‫‪‬‬
‫حممد الصغري بعلي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.207‬‬ ‫‪‬‬
‫عمار عوابدي‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬اجلزء الثاين‪ ،‬النشاط اإلداري‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬ديوان املطبوعات اجلامعية‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫اجلزائر‪ ،2002 ،‬ص‪.56‬‬
‫عمار عوابدي‪ ،‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪.57‬‬ ‫‪‬‬
‫مازن ليلو راضي‪ ،‬القانون اإلداري‪ ،‬بدون طبعة‪ ،‬دار املطبوعات اجلامعية اإلسكندرية‪ ،‬مصر‪ ،2005 ،‬ص‬ ‫‪‬‬
‫‪.168‬‬
‫هيام مروة‪ ،‬القانون اإلداري اخلاص‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬املؤسسة اجلامعية للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬لبنان‪،‬‬ ‫‪‬‬
‫‪ ،2003‬ص‪.7‬‬

You might also like