You are on page 1of 141

‫المطرفية‪ :‬الفكر والمأساة‬

‫زيـد بن علي الوزير‬


‫بـدر الدين الحـوثي‬
‫محمـد يحيى عزان‬
‫لمحة مختصرة عن المطرفية‬
‫كتب األستاذ المفكر زيد بن على الوزير في مجلة المسار العدد األول الصادر (شتاء‬
‫‪1420‬هـ)‪ ،‬مقاال بعنوان "الهجر الجامعات اليمنية" تعرض فيه لذكر المطرفيه‪ ،‬وكان مما جاء فيه‪:‬‬
‫)كان المطرفيون في وقش ‪-‬كما قال مؤلف "المستطاب" ‪ -‬يؤمنون بخلق العناصر األربعة‪،‬‬
‫وباالنفعال فيما عدى ذلك‪ .‬وهذا هو عين مذهب أبي القاسم البلخي‪ ،‬وهو الذي صح عنهم ووجد في‬
‫كتبهم بحدوث العالم وإثبات الصانع‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن الحوادث اليومية كالنباتات والمولودات واأللم‬
‫ونحوها حادثة من الطبائع الحاصلة في األجسام وال تأثير للقديم فيها أصالً‪ ،‬وكان أهل الظاهر‬
‫مخترعة يقولون بأن هللا سبحانه وتعالى يخترع كل شيء في وقته‪ .‬وقال‪ :‬ومحصول مقالتهم أن هللا‬
‫تعالى خلق األربعة األصول وهي الماء‪ ،‬والنار‪ ،‬والهواء‪ ،‬والثرى‪ ،‬ثم خلق منها كل شيء من الفروع‬
‫باإلحالة واالستحالة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وهللا تعالى هو الذي خلق االستحاالت والفروع‪ ،‬لكن ليس بالمعنى األول الذي هو خلق‬
‫االختراع‪ ،‬بل خلق تركيب وفطرة وبنية وجبلة‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فالورق الخارج من النواة يخلقه هللا تعالى على معنى الفطرة والتركيب ال على معنى‬
‫االختراع‪.‬‬
‫خلق النبات من‬
‫الغاصب في أرض الغير‪ ،‬بأنه إذا اخترع هللا َ‬
‫ُ‬ ‫قالوا‪ :‬ألنه يلزم ‪ -‬فيما إذا بذر‬
‫الظلم‪ ،‬وهللا تعالى ال يفعل القبيح وال الظلم تعالى هللا عن ذلك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫البذر الغصب ‪-‬‬
‫وقال سائر علماء اإلسالم بأن هللا تعالى هو المخترع لجميع األشياء‪ :‬األصول والفروع‪ ،‬وإنما‬
‫جعلها من الماء كما قال هللا تعالى‪﴿ :‬وجعلنا من الماء كل شيء حي﴾ لحكمة علمها‪ ،‬وكما خلق هللا‬
‫آدم من الطين‪ ،‬وخلق الجان من النار‪ ،‬وإال فهو تعالى القادر على خلق ذلك كله من غير‬
‫تعالى َ‬
‫شيء‪ ،‬والزرع ينبته من غير بذر‪ ،‬والرزق قرنه بالكسب‪ .‬ويكفينا الشبهة التي أوردوها في بذر‬
‫الجملي‪ ،‬في أن جميع أفعاله على العدل والحكمة‪ ،‬كما قال تعالى ﴿إني أعلم ما ال‬
‫الغصب العلم ُ‬
‫تعلمون﴾ لما قالت المالئكة‪﴿ :‬أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء﴾ فأجاب عليهم برد الحكمة‬
‫إليه تعالى وأن أفعاله كلها حسنة‪ .‬ولعل الحكمة في خلقه تعالى للنبات من البذور في الغصب‬
‫كالحكمة في تسليط بعض الحيوان على بعض‪ ،‬فإنه في الحقيقة عدل وحكمة وليس بظلم‪.‬‬
‫وقالت المخترعة‪ :‬أنكرت المطرفية أربعمائة وستين آية‪ ،‬وهذا أحد وجوه كفرهم‪ .‬وقالت‬
‫المطرفية‪ :‬نحن نب أر إلى هللا من إنكار آية أو بعض آية أو إنكار شيء مما نزل على محمد أو جاء‬
‫به من كتاب أو سنة‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن ذلك الزم لكم‪ .‬أليس هللا يقول‪﴿ :‬يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن‬
‫يشاء الذكور أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً﴾ وأنتم تقولون ذلك باالنفعال عن الطبائع األربع فقد أنكرتم هذه‬
‫اآلية وعلى هذا النحو من اإللزام في سائر اآلي‪.‬‬
‫وقالت المطرفية‪ :‬نلزمكم إنكار هذه اآلية بنظير هذا اإللزام بأن هللا لم يخلق شيئاً‪ ،‬وال وهبه‪ ،‬إذ‬
‫ليس هلل عندكم في المخلوقات إالَّ مجرد اكتساب الصفة فإنه لو حلف حالف بطالق امرأته ما خلق‬
‫هللا شيئاً لم يحنث ولم ينكر منك اًر لقوله‪﴿ :‬خالق كل شيء﴾ إذ لم يخلق هللا شيئاً‪ ،‬ونظير ذلك مما‬
‫من العدد األول من المسار‪.‬‬ ‫هو في هذا المسلك اإللزامي‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫المطرفية الفكر والمأساة‬
‫ثم كتب األستاذ المفكر زيد الوزير في العدد الثاني من "المسار" مقاالً مطوال عن المطرفية‬
‫بعنوان "المطرفية الفكر والمأساة" كشف فيه عن حقائق كثيرة‪،‬‬
‫وهذا هو المقال‪:‬‬

‫املطرفية واملأساة‬
‫وال بد للمتخالفين في االعتقاد أن يرمي كل واحد صاحبه بما لم يقل به في أهل الحق‬
‫والباطل‪.‬‬
‫احمد بن عبد هللا الوزير‬
‫توضيحات على الطريق‬
‫(‪)1‬‬
‫آاثر مقال "اجلامعات – املساجد يف مشال اليمن‪ -‬صور من اجلدل الفكري" عتب بعض األخوة األعزاء بسبب‬
‫تعرضه ملأساة املطرفية على يقني منهم أنه ميس براءة اإلمام الكبري"عبد هللا بن محزة" من قضية إابدهتا‪ .‬وأان إذ أقدر هلم هذا‬
‫الشعور أريد أن أؤكد أن جتاهل فكر ضخم كفكر املطرفية‪ ،‬وحدث جسيم كإابدهتا اجتمعا يف مكان وزمن واحد من‬
‫املستحيل متاما جتنبه؛ مث إنه مناقض للمنهج العلمي ال ميكن التغاضي عنه‪ ،‬مث ألن الفكر املطريف هو جزء من مذهب اهلادي‬
‫ال ميكن تناسيه‪ ،‬مث إن قضية الصدام أصبح جزءا من اتريخ ال ميكن تناسيه‪ ،‬ومن مث فإن احلديث عن املطرفية فكرا ومأساة‬
‫هو استمرار اترخيي مرتابط ال ميكن برته من قضيته‪ .‬ومن مث فتجنبه أمر عسري‪.‬‬
‫على أن إثارة هذه القضية ليست بنت اليوم‪ .‬لم يثرها أستاذنا الباحث األديب الشاعر الكبير‬
‫احمد الشامي‪ ،‬بقصد إدانة اإلمام أو تبرئته‪ ،‬ولكنه تحدث عنها كجزء تاريخي حدث‪ ،‬ولم يثرها‬
‫المغرضون المعاصرون ذوو النوايا المشبوهة بقصد البحث العلمي ولكن بقصد التشوية‪ .‬فهي قضية‬
‫مثارة أردنا أم لم نرد ‪ ،‬وستظل مثارة ما دام هناك تاريخ يكتب؛ ولن ينطفئ سعيرها‪ :‬بعضهم بقصد‬
‫اإلنصاف وتبرئة المظلوم‪ ،‬وبعضهم بقصد غرض سياسي الهدف منه تشويه تاريخ األئمة كلهم‪ .‬فهي‬
‫إذن قضية مثارة تقدم نفسها ألقالم مترصدة للبحث العلمي‪ ،‬وألقالم متوثبة لالصطياد في الماء‬
‫العكر على السواء‪.‬‬
‫إن اإلمام "عبد هللا" متهم بق ارره‪ ،‬والمطرفية متهمة بأفكارها‪ .‬وخير ما يعمل في هذا الباب أن‬
‫يفتح ملفها للتحقيق فيها على ضوء الوقائع التاريخية ال الدعائية للوصول منها إلى إثبات التهمة أو‬
‫نفيها‪ .‬ولن يتم ذلك إال إذا طرحت القضية على بساط البحث العلمي الموضوعي بكل تجرد‪ .‬وأنا‬
‫عندما كتبت المقال ا لسابق لمست الموضوع لمسا خفيفا‪ ،‬لعله أثار غضب وعتب بعض األصدقاء‬
‫فثبت لي أن ذلك المقال غير مستوف أسباب أحكامه فعدت ألوضح ما خفي ال بقصد إدانة هذا‬
‫وتبرئة ذاك‪ ،‬وإنما بهدف إعادة البناء التاريخي على نحو ما كان أو قريبا مما كان‪.‬‬
‫فإذا كان ألحد األخوة رأيا أخر غير ما توصلت إليه فما عليه إال أن يشرع قلمه ويكتب ما‬
‫يملي عليه علمه و ضميره؛ فيرد التهمة بالوقائع‪ ،‬وينقض األحكام باألدلة‪ ،‬وسوف تفتح لهم "مجلة‬
‫المسار" صفحاتها بكل ترحيب ليدافعوا عما يعتقدون بكل شجاعة‪ ،‬وال يجدون في أنفسهم غضاضة‬
‫أن يفضوا بشهادتهم‪ .‬وإذا كانوا يجدون في موقف اإلمام الكبير صوابا فليدافعوا عنه بدال من أن‬
‫ُي ِّ‬
‫حبوه بصمت جبا غريبا ال يريق قطرة مداد في الدفاع عنه‪.‬‬
‫إن براءة اإلمام من تهمة إبادة المطرفية ال تتم بالعتب على من أثارها‪ ،‬أو تحدث عنها‪ ،‬أو‬
‫حتى على أولئك الذين يحاولون استغاللها عنصريا ليخدموا غرضا سياسيا‪ ،‬وإنما بالدفاع عنها‬
‫بالحقائق والوثائق؛ فجدير بهؤالء األخوة أن يشرعوا أقالمهم فيتحفونا بوقائع تبرى ساحة اإلمام الكبير‬
‫مما هو متهم به‪ .‬ولن تتم إثبات تهمة وال نفيها بدون حضور االدعاء وحضور الدفاع‪ .‬أما إذا سكت‬
‫المدافع عما يعتقد فهو إقرار ضمني بواقع التهمة؛ ولكي يبرئ المحامي المتهم فعليه أن يطرح ما‬
‫عنده من حقائق وأدلة وإلثباتات حتى يبين للجميع أنه الحق التاريخي؛ وإال فسيتشابه موقفه مع‬
‫موقف آبائنا األقدمين الذين يذهبون إلى التغاضي عن ذكر خطاء عصيان "معاوية" تحت شعار تلك‬
‫أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ليبرروا سكوتهم عن إدانة من بغى وشق عصا‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫إن اإلمام عبد هللا بن حمزة كالخليفة المأمون عالم كبير وقائد محنك وداري بارز‪ ،‬لكن هذا‬
‫الجانب المضي واإليجابي من حياته ال يغطي على الجانب السلبي منها‪ .‬وكما أن خصال المأمون‬
‫ذو العقلية الرائعة لم تشفع له تصرفه األرعن في فرض القول بخلق القرآن‪ ،‬فكذلك ال ينكر أحد تبحر‬
‫اإلمام عبد هللا وسعة أفقه وكثرة معلوماته وحسن جهاده لكن ذلك ال يعفي أي مؤرخ من لومه على‬
‫ما صنع بالمطرفية‪ ،‬كما لم يعف المؤرخون أنفسهم من توجيه اللوم إلى خليفة واسع العقل راجح‬
‫الرأي يبق له ان ارتكب خطاء أقل من هذا الخطأ‪ .‬ثم هما بعد كل حساب إنسانان يخطئان‬
‫ويصيبان‪ .‬ومن ذا الذي ماساء قط‪ .‬ومهمة المؤرخ أن يبحث عن السلبيات واإليجابيات ال أن يقتصر‬
‫على جانب المدح أو جانب الهجاء‪.‬‬
‫(أ)‬
‫بعد هذا علينا أن نوضح قضااي إن مل تتوضح فستظل توزع خداعها فتحجب الرؤية احلقيقية وحتول دون تلمسها و‬
‫استبياهنا‪ .‬واألهم من ذلك أهنا تظل قضية مغلوطة معرتفا‪-‬يف الوقت نفسه‪ -‬بصواهبا‪ ،‬مع أهنا يف حقيقة األمر على خالف‬
‫ما أخذت به‪ ،‬وظهرت عليه‪.‬‬
‫من هذه التوضيحات قضية أن اإلمام زيد مل يكن من علماء الكالم‪ ،‬وإمنا كان على مذهب السلف على ما ذهب‬
‫إىل ذلك العالمة املؤرخ حيىي بن احلسني الذي قال مانصه‪:‬‬
‫(كان السلف من أهل البيت قبل استقرار املذاهب جمتهدون مستقلون‪.‬ومنهم راجعون إىل غريهم من الصحابة‬
‫والتابعني يف زماهنم؛ فما زالوا كذلك مدهتم‪ .‬واجملتهدون مثل احلسنني وأوالدهم كعلي بن احلسني والصادق والباقر وزيد‬
‫بن علي‪ ،‬وكانوا يف األصول الدينية على قول واحد حسبما كان عليه سيد الربية وأصحابه‪ .‬وأما الفروع الفقهية‬
‫‪1‬‬
‫فيختلفون فيها حبسب اجتهادهم كما تضمنه كتاب "اجلامع الكايف" يف فقههم وأصول دينهم)‬
‫هذا القول حباجة إىل توضيح بل تصحيح‪ ،‬وهو قد ينطبق على غري اإلمام زيد من أهل البيت لكنه ال ينطبق عليه؛‬
‫ألنه يناقض متاما واقع التاريخ فاملؤرخون جيمعون على أن اإلمام زيد كان من رواد علم الكالم‪ ،‬ولكنهم خيتلفون يف كونه‬
‫تلميذا لواصل بن عطا أو شيخا له‪ .‬وسواء أكان تلميذا لواصل أم شيخا فهو يف كال احلالتني يعترب أحد منبعي الفكر‬
‫الك المي‪ .‬ولذلك فإن الزيدية تعد بني الفرق‪ ،‬ال يف املذاهب‪ .‬وإذا كان واصل بن عطاء قد انصرف كلية إىل امليدان العقلي‬
‫وكان فارسه األول فقد انصرف زيد ملعاجلة التدهور السياسي‪ ،‬وكان فيه بطله األول‪ ،‬لكن ال يعين ذلك أن زيدا مل يشاركه يف‬
‫املنطلقات الكالمية األساسية‪ ،‬بل كان فيها معلما ابرزا‪ .‬ويكفي لدحض تلك الشبهة القول إن زيدا يف حالة أستاذيته قد‬
‫أثر يف تلميذه واصل‪ ،‬أو انه يف حالة تلمذته عليه قد أثر فيه‪ .‬وال ميكن إغفال هذا التأثري عند حتليل الوقائع‪ .‬وهكذا علينا‬
‫أن نستقبل ما رواه حيىي بن احلسني يف املستطاب بقبول غري حسن‪ .‬إن علينا نفرق بني زمن الصحابة الفطري وبني زمن‬
‫زيد الفلسفي‪ ،‬وان نفرق بني كيفية تناول القضااي يف الزمنني؛ فقد تناول الصحابة تلك القضااي تناوال فطراي مل يكلفوا أنسهم‬
‫جهدا عقليا كبريا يف حبث الغيبيات بل سلموا به تسليما إميانيا عميقا‪ .‬بينما تناول زيد وعطاء تلك القضااي نفسها بعد مائة‬
‫عام من املزج احلضاري عاشه املسلمون يف مدن وارثة حلضارات ومعتقدات متعددة أوجد حاالت ال ميكن للفكر الفطري‬
‫أن جييب عليها‪ .‬فال ميكن واحلالة قد تغريت هذا التغيري أن يكون زيد على ما كان عليه وضع الصحابة الفكري الفطري‬
‫البسيط وغري املعقد ‪ .‬وعليه ميكن القول أبن زيدا وواصال كاان البداية ملنهج سيفرض نفسه بقوة‪ .‬ومن هنا خفي على مؤلف‬
‫"اجلامع الكايف" و "املستطاب" دور زيد يف علم الكالم‪.‬‬
‫املهم يف هذا التوضيح هو أن القول إبخراج زيد من دائرة علم الكالم خيرج املطرفية‪-‬وهي من علماء الكالم‪ -‬من‬
‫الدائرة الزيدية‪ .‬ويفك االرتباط بينهما‪ ،‬ويلغي‪ -‬من مث‪ -‬الوالء الذي تتمسك به املطرفية أشد التمسك‪ .‬ومن اجللي أن إقرار‬
‫هذا القول ليس سوى إبعاد للمطرفية عن االنتماء لزيد بن علي من حيث أن ما تقول به املطرفية مل يقل به زيد عليه السالم‬
‫‪ .‬ورمبا أن زيد مل يقل مبا قالته املط رفية ابلضبط وابلشكل الذي طرحته‪ ،‬لكن ما من شك أنه امتداد لفكرة أو طريفة بدأ هبا‬
‫"زيد بن علي" و "واصل بن عطاء"‪ .‬وهكذا يبدو الغرض من الفصل بينهما إذا استجليناه من جهى معاكسة أي من انحية‬
‫أته إذا ما ثبت دور زيد يف أتسيس علم الكالم فقد بطل الفصل بني الزيدية واملطرفية‪ .‬وثبت االنتماء‪.‬‬
‫(ب)‬
‫ومن هذه التوضيحات –وهو متعلق ابألول‪ -‬ما ذكره العالمة حيىي بن احلسني أيضا من أن‪ :‬مذهب زيد يف األصول‬
‫قد غلبه مذهب اهلادي وهذا نص كالمه‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫املستطاب‪3 :1‬‬
‫(مل يبق ملذهب زيد بن علي األول يف األصول والفروع منهم متابع أصال) ومضى يؤكد قوله‬
‫(وكان شيخ اهلادي يف األصول الشيخ أاب القاسم البلخي املعتزيل فعليه اخذ األصول وعلم الكالم فلذلك يرى‬
‫أقواله يف األصول متابعة أليب القاسم يف الغالب‪ .‬وأما الفروع فاستقل فيها ابجتهاده فخالف زيد يف مذهبه ومل يتقيد‬
‫ألقواله[!]اليت يضمها جمموع الفقه الكبري)‬
‫‪2‬‬

‫فهو يؤكد افرتاق "اهلادي" يف األصول عن "زيد" حبجة أن شيخ اهلادي هو "البلخي"‪ ،‬وافرتاقه يف الفروع حبجة‬
‫اجتهاداته اخلاصة؛ ومن مث فهو يفصل بني مرحلتني‪ :‬املرحلة األوىل وهي مذهب زيد بن علي ومن بعده‪ ،‬وهي مرحلة ما كان‬
‫عليه سيد الربية‪ ،‬واملرحلة الثانية وهي ظهور مذهب اهلادي يف اليمن والناصر يف اجليل والديلم املتأثرين ابملعتزلة‪.‬‬
‫ولكن ما أورده ال يقف أمام البحث العلمي؛ فزيد ودوره يف علم الكالم حقيقة اترخيية اثبتة كما قدمنا‪ .‬وواصل هو‬
‫رأس املعتزلة و البلخي شيخ اهلادي أحد اتباعه الكبار‪ ،‬فحلقة الوصل بني اهلادي وزيد أتكدت عن طريقني‪ :‬طريقة آابئه‬
‫وأجداده‪ ،‬وطريقة البلخي املعتزيل‪ .‬وهذا يضعنا أمام مسلمة أخرى وهي أن أتثر اهلادي حيىي بن احلسني أبيب القاسم البلخي‬
‫ليس انسالخا أو خروجا عن أراء اإلمام زيد بل هي انتساب موصول وامتداد متصل وتطور مستمر‪ .‬ألن زيد وواصل بن‬
‫عطاء كاان من مدرسة واحدة‪.‬‬
‫ويؤكد هذا االنتماء أن معتقد اهلادي يف التوحيد والعدل والوعد والوعيد ما تزال هي اليت أرساها اإلمام زيد تقريبا‬
‫‪ .‬مث إن إمجاع اهلادوية على إمامة زيد يعين ربطها بقيادته السياسية والفكرية ابلرغم من خمالفة اهلادي له يف بعض الشروط إال‬
‫أن االلتزام إبمامته وجممل آرائه يشده إليه‪ .‬واخلالفات بينهما هي اجتهادات يقرها املذهب الزيدي نفسه‪ .‬أما يف الفروع‬
‫فللهادي اجتهادات خاصة أملتها ضرورات الزمان واملكان لتواكب متطلبات عصره‪ .‬وال يعين ذلك خروجا على األساس‬
‫بطبيعة احلال‪.‬‬
‫ولعل وراء شبهة االنفصال بني اهلادي وزيد سببان األول يرجع إىل وجوب االجتهاد يف املذهب الزيدي وأن كل‬
‫جمتهد مصيب ولكثرة اجتهاد اهلادي ظن من ظن أن أراء اهلادي الكثرية خمالفة لزيد وليست إثراء وإخصااب لفكر يتطور‪.‬‬
‫والسبب الثاين أن أصحاب اهلادي عمدوا إىل أفكار اهلادي فخرجوها وقاسوها وفرعوها على غرار ما عمل أصحاب‬
‫املذاهب األربعة‪ .‬وذكر فؤاد السيد أن األئمة من بعد اهلادي خرجوا له وقاسوا على نصوصه وفرعوا (كما فعل أصحاب‬
‫‪3‬‬
‫األئمة األربعة‪ ..‬فالنسبة إىل اهلادي كالنسبة إىل الشافعية واحلنفية وغريمها وهي يف الفروع)‬
‫وما حدث لزيدية اليمن حدث لزيدية اجليل والديلم (فقال أهل الديلم مبقالة الناصر األطروش يف الفروع‪ ،‬وقال‬
‫أهل اجليل مبقالة القاسم الرسي يف الفروع أيضا)‪.4‬‬
‫وإزاء هذه احلالة ترآى للمستعجل أن هناك مذهبني قضى اآلخر فيها على األول‪ .‬وهو تصور كليل مل يقدر على‬
‫النفاذ إىل حلف الرؤية السرابية‪ .‬والثابت أن الزيدية‪ -‬اهلادوية يف األصول فرقة واحدة مهما تنوعت أجنحتها وتعددت مثارها‬

‫‪2‬‬
‫املستطاب‪.3 :1‬‬
‫‪3‬‬
‫‪.241‬الطبعذة األوىل‪ .1988/1408‬الذدار املصذرية اللبنانيذة‪ .‬ومصذدره العالمذة حيذىي‬ ‫امين فواد السيد‪ :‬اتريخ املذذاهب الدينيذة يف الذيمن حذي هنايذة القذرن السذادس اهلجذري‬
‫محيد املقرائي يف كتابه نزهة األنظار يف ذكر األئمة األطهار ورقة ‪ 15‬وانظر كتاب املذهب الزيدي للعالمة احلسني بن امحد السياغي يف هذا املوضوع‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ 241‬ومصدره نزهة األنظار أيضا ورقة ‪15‬‬ ‫اتريخ املذاهب الدينية‬
‫وتلونت أزاهريها؛ ألهنا تبسق من أساس واحد مث تتفرع غصوان ومثرا خمتلفا ألوانه شأهنا شأن املدارس املعتزلية واألشعرية‬
‫وغريمها‪.‬‬
‫(ج)‬
‫والتوضيح الثالث هو حول ما رواه حيىي بن احلسني عن اإلمام املهدي" أمحد بن حيىي املرتضى" من أن املطرفية‬
‫‪5‬‬
‫واحلسنية انبثقتا من اجلارودية‬
‫لن نتحدث هنا عن احلسينية بسبب أهنا مل تقدم شيئا يف هذا املوضوع‪ ،‬وأهنا مفرغة من أي حمتوى فكري أو منهج‬
‫اقتصادي أو اجتماعي وليست سوى هرطقة سياسية وفقهية خرافية‪ ،‬إذ مل تقدم شيئا سوى أن احلسني بن القاسم مل يقتل‪،‬‬
‫وأنه اإلمام املنتظر‪ ،‬وأن كالمه أهبر من القرآن‪ ،‬وأنه أفضل من النيب‪ ،‬فهذه إن صحت عنه أو عن أتباعه تعترب خروجا عن‬
‫اإلسالم ال ميكن أن يقبله بني مذاهبه‪ .‬ولكنا سنناقش فقط دعواه عن انبثاق املطرفية من اجلارودية؛ فهذا هو ما حيسن‬
‫الكالم فيه‪.‬‬
‫علينا أن نعرف ما هي اجلارودية أوال ‪.‬‬
‫يلخص حيىي بن احلسني نفسه مذهب أيب اجلارود السياسي نقال عن املهدي فيقول‪( :‬وهذا أبو اجلارود هو الذي‬
‫أثبت النص على "علي" عليه السالم ابلوصف الذي ال يوجد إال فيه دون التسمية على معىن أنه مل يكن النص على‬
‫إمامته صرحيا ابمسه‪ ،‬بل أبوصاف واضحة مل توجد إال فيه‪ ،‬وملا اختصت به جعلوها كالنص عليه ابمسه‪ ،‬وأثبت هو ومن‬
‫اتبعه اإلمامة يف البطنني ابلدعوة مع العمل والفضل)‬
‫‪6‬‬

‫وهنا نصل إىل سؤال هل تصج نسبة أيب اجلارود إىل الزيدية جملرد قوله بفكرة النص ابلوصف و إمامة البطنني ؟‬
‫اجلواب ابختصار أنه هبما خيالف رأي اإلمام زيد كل املخالفة‪ ،‬ويناقض رأيه كل املناقضة بل يناقضه يف بقية أفكاره كإمامة‬
‫املفضول على األفضل‪ ،‬و تويل اخللفاء الراشدين‪ ،‬و الرتضية عليهم‪ .‬فماذا بقي من لقاء؟‬
‫لكن ملاذا صنف أبو اجلارود زيداي؟ اجلواب ابختصار أيضا أن الوالء السياسي قدميا كان حمورا مركزاي يف تصنيف‬
‫التوجهات‪ .‬وهلذا ملا توىل "أبو اجلارود" إمامة زيد ودافع عنها وزاد عليها إمامة البطنني اعتربه أصحاب هذه األفكار زيداي‪.‬‬
‫وهذه قضية نعاين منها يف دراسة الفرق واملذاهب؛ فكثريا ما يصبح التالقي حول فكرة واحدة انتماء إىل مذهب من‬
‫املذاهب‪ .‬وهلذا عدوا "أبو حنيفة" م ثال يف املرجئة إلرجائه الكبائر إىل هللا مع أنه ميلك مذهبا متكامال ال ميكن أن حيسب‬
‫على فرقة أخرى وإن كان له رأي يوافق هذه الفرقة أو تلك‪ ،‬لكن آابءان كانوا على هذه الطريقة عاكفني‪ .‬وحي املعتزلة‬
‫املتميزة بقواعد اثبتة جند بعض األقدمني يسلكوهنا يف اجلربية أو القدرية أو املرجئة لرأي يراه أحدهم أو ينسب إليه بدون‬
‫حتقيق‪ .‬وهكذا فعلينا التنبه إىل تلك الظاهرة القدمية حي ال نقع يف شباكها‪.‬‬
‫وعليه فموالة أيب اجلارود إلمامة زيد ال تدخله ضمن املذهب الزيدي إال إذا اعتربان اخلوارج زيدية ألهنم قاتلوا مع‬
‫اإلمام زيد وراثه شاعرهم "حبيب بن جدرة اهلاليل" راثء شجيا‪ 7‬وواىل أبو حنيفة زيدا واألئمة الزيدية وقال إبمامتهم ودعم‬

‫‪5‬‬
‫املستطاب‪3 :1‬‬
‫‪ 6‬املستطاب‪23 :1‬‬
‫‪ 7‬تيارات الفكر اإلسالمي ‪ .115‬طبعة الشروق ‪.1991/1411‬‬
‫خروجهم ومل ينسب إليهم‪ .‬وإذن فإن االنتماء ال يتم بلقاء فكرة واحدة أو حي أكثر من واحدة‪ ،‬وإمنا مبجموعة من الثوابت‬
‫يتم اإلميان هبا‪ .‬وهذا ما ليس موجودا بني زيد وأيب اجلارود‪.8‬‬
‫فهل كان هادواي؟‬
‫ال نعتقد ذلك أيضا وإذا كان اهلادي قد وافقه على إمامة البطنني فقد خالفه يف أمرين رئيسيني األول أن اهلادي‬
‫يقول ابلنص الصريح يف إمامة أمري املؤمنني بينما يذهب أبو اجلارود إىل النص ابلوصف‪ .‬والثانية أن اهلادي يرضي على‬
‫اخللفاء الراشدين‪ ،‬بينما يذهب "أبو اجلارود" إىل الشتم‪ .9‬وقد ثبت أن اهلادي أمر جبلد من يسب اخللفاء الراشدين‪ 10‬وثبت‬
‫أيضا أن مقال (اجلمهور من الزيدية القول مبقالة زيد بن علي من الرتضية والوالء هلم)‪ 11‬وحي إمام املخرتعة اإلمام عبد‬
‫هللا بن محزة كان يرضي على اخللفاء‪ .‬فأين هي هذه اجلارودية السياسية اليت انبثق عنها علماء املطرفية كما قال املهدي‬
‫ونقلها حيىي بن احلسني ؟‬
‫يتبني من هذا النقاش أن أاب اجلارود ليس زيداي وال هادواي‪ ،‬ولكنه مستقل مبذهب خا به‪ ،‬يوافق زيدا يف بعض‬
‫القضااي واهلادي يف بعض ويوافق غريمها يف بعض‪ .‬ويعرض علينا حيىي بن احلسني صورة من اجلدل حول إقحام أيب اجلارود‬
‫على الزيدية فيقول‪ ( :‬إن قيل فكيف صح انتساب أيب اجلارود إىل زيد بن علي مع خمالفته لزيد يف التحامل على‬
‫الصحابة فإن أاب اجلارود مل يوافق زيدا رمحه هللا إال يف جمرد قوله إبمامته ال يف اتباعه عن الكف عن الصحابة قيل له أن‬
‫امل ذكور قد أخذ بطرف من قول الرافضة وطرف من قول زيد‪ .‬أما الطرف األول فموافقته للرافضة على التحامل‬
‫عليهم وتكفريهم وسبهم‪ .‬وأما الطرف الثاين قوله إبمامة زيد بن علي وصحتها فيه‪ .‬والرافضة ال يقولون بصحة اإلمامة‬
‫فيه إذ األئمة عندهم االثين عشر الغريهم)‬ ‫‪12‬‬

‫فلماذا أقحم أبو اجلارود على الزيدية مثال ومل يقحم على اإلمامية مثال؟‬
‫اجلواب أن البحث املركزي السياسي عند املخرتعة كان التفتيش عن دعم لفكرة البطنني – وهي فكرة مركزية عند‬
‫اإلمام عبد هللا بن محزة بوجه خا ‪ -‬فلما وجدهتا املخرتعة عند أيب اجلارود أخذهتا عنه وأدخلت أىب اجلارود ضمن اهلادوية‬
‫من خالل قوله إبمامة زيد‪ :‬مع أنه خيتلف عنها كما بينا‪ .‬وقد كانت اإلمامة هي العباءة الفضفاضة اليت يدخل حتتها‬
‫املنتمون إليها‪ .‬فلما اعتنق أبو اجلارود إمامة زيد وتشدد يف إمامة البطنني ضمته االخرتاعية قسرا إىل الزيدية واهلادوية‪ .‬وإذن‬

‫‪ 8‬ذهب د أمحذد شذوقي إبذراهيم العمرجذي بعذد أن اسذتعرض أراء اجلاروديذة وفروعهذا إىل خمالفذة أيب اجلذارود ل مذام زيذد ‪( :‬وقذد خذالف أبذو اجلذارود إمامذة زيذد بذن علذي يف كثذري خمالفذة جتعلذه بعيذا عذن‬
‫مذهب الزيدية) ونقل عذن النذو يت قولذه يف اجلاروديذة‪( :‬فسذمول كلهذم يف اجلملذة زيديذة إال أهنذم خمتلفذون فيمذا بيذنهم يف القذرأن والسذنن والشذرائع والفذرائض واألحكذام) (ومصذدره النذو يت‪،‬‬
‫فذ ذذرق الش ذ ذذيعة ‪( )56‬د أمحذ ذذد ش ذ ذذوقي إب ذ ذراهيم العمرجذ ذذي‪ ،‬احلي ذ ذذاة السياس ذ ذذية والفكريذ ذذة للزيدي ذ ذذة يف املشذ ذذرق اإلس ذ ذذالمي‪ ،975-749/365-132-‬الق ذ ذذاهرة‪ :‬مكتبذ ذذة متب ذ ذذويل الطبع ذ ذذة‬
‫‪230-229:‬‬ ‫األوىل‪ .85: 2000‬وذكر أوجه التالقي بني اجلارودية واإلمامية (نفس املصدر‪،‬‬
‫‪ 9‬املستطاب‪23 :1‬‬
‫‪10‬‬
‫جممذذوع بلذذدان الذذيمن وقبائلهذذا ‪ .277-376 :1‬أتليذذف املذذؤرخ العالمذذة القاضذذي حممذذد بذذن أمحذذد احلجذذري اليمذذاين‪ .‬حتقيذذق وتصذذحيح ومراجعذذة إ اعيذذل بذذن علذذي األكذذوع‪ .‬يف‬
‫أربعة أجزاء‪ .‬دار احلكمة اليمانية الطبعة الثانية‪ 1996/1416‬وقال فيه‪ :‬أن الذي ذكر ذلك هو القاضي أمحد بن سعيد الريعذاين قاضذي اإلمذام املنصذور عبذد هللا بذن محذزة روايذة‬
‫عن حيىي بن احلسني يف املستطاب وقال‪ :‬وقد حكاه ابن الوزير يف حاشية اهلداية‬
‫‪11‬‬
‫املستطاب‪23 :1‬‬
‫‪ 12‬املستطاب‪23 :1‬‬
‫فإن إحلاق أيب اجلارود ابلزيدية كان إحلاقا غري شرعي‪ .‬بل كان احلاقا سياسيا وافق حاجة الفكر احلمزوي إىل شرعية إمامة‬
‫البطنني‪.‬‬
‫فإذا تقرر لنا أن اجلارودية ليست هادوية فقد وصلنا إىل نتيجة قاطعة وهي أن املطرفية كفرقة كالمية مل تنبثق من‬
‫اجلارودية بل أهنا تبسق من تعاليم اإلمام حيىي بن احلسني عليه السالم‪ ،‬وأهنا توصف أبتباعه املتمسكني ابجتهاده‪ ،‬الذين‬
‫حيرمون اجتهاد غريه على اجتهاده‪ .‬وأهنا هبذا احلر على أفكار اهلادي مل خترج من إهاب اجلارودية‪.‬‬
‫(د)‬
‫التوضيح الرابع هو حول مصطلح الطبائعية اليت يت به املطرفية‪.‬‬
‫أغناان حيىي بن احلسني نفسه بتعريفه عن أي تعريف آخر بقوله‪ :‬أن املطرفية‪(:‬ال يعتقدون "عقيدة الطبائعية"‬
‫نفسها؛ ألن الطبائعية الذين ينفون التأثري هلل تعاىل وأصول األشياء وحيكمون ابلطبع لنفيهم الصانع سبحانه‪ ،‬وليس‬
‫كذلك املطرفية؛ فإهنم حكموا أبن التأثري هلل تعاىل يف أصول األشياء‪ ،‬ولوال أنه تعاىل جرب األصول على ما يتولد منها‬
‫ويستحيل ملا حصل شيء منها من التوالد و االستحاالت وجعلوا التأثري من األصول ابلتوالد واالستحالة حقيقة ومن‬
‫‪13‬‬
‫هللا جمازا‪).‬‬

‫‪2‬‬
‫مىت‬
‫مل يكن فكر اهلادي قد سيطر على الساحة عندما تويف عام‪ 911 -10/ 14298‬ولكنه كان قد أوجد ألفكاره‬
‫أرضية خصبة عرب سبعة وسبعني كتااب ورسالة شعرا ونثرا‪ ،‬وعرب جهاد مرير ما لبثت أن أنبت من كل زوج هبيج‪ ،‬وطلع‬
‫نضيد‪ .‬وطيلة املائة سنة التالية سار خلفاؤه من بعده على هنجه يفرعون ويؤصلون مذهبه‪.‬‬
‫كان هناك مذاهب أخرى متأل حيزا من اجملال الفكري كاملذهب اإل اعيلي والقرمطي‪ .‬وكان هناك فرق جربية‬
‫الواسعة االنتشار‪ ،‬وكان ما يزال لألابضية وجود ملحوظ‪ .‬وإذ كان املذهب اإل اعيلي قد تضاءل عقب وفاة منصور اليمن‬
‫فإن القرمطية بقيادة علي بن الفضل وأتباعه كانت تشكل حتداي حقيقيا‪.‬‬
‫وجدت اهلادوية نفسها إزاء هذا اخلضم من املذاهب املتصارعة جتادل ابلقلم اجلربية وبقية األابضية‪ ،‬وتقارع ابللسان‬
‫والسنان اإل اعيلية والفضلية‪ .‬وبقي احلال على هذا املنوال طيلة عهد األئمة املرتضى والناصر والداعي يوسف وكلهم‬
‫يستظلون أبفكار اهلادي واجتهاداته ويناضلون دوهنا‪ ،‬وال جييزون اجتهادا على اجتهاد سابق‪ ،‬فكان الفكر اهلادوي هو الزاد‬
‫والعتاد‪ ،‬مدعوما برافد قوي من زيدية اجليل والديلم‪ ،‬مث من معتزلة العراق‪ ،‬حيث كانت هناك وشائج قوية بني تلك األجنحة‬
‫املرتابطة‪ .‬ومنذ وقت مبكر كانت اهلجرة متبادلة بني هذه البالد فكانت الوفود تتابع وتتواصل ‪ .‬وحيدد د‪ .‬امين أواسط القرن‬
‫اخلامس اهلجري اعتمادا على ابن أيب الرجال بدء هذه اهلجرات‪ 15‬لكنا ال نذهب هذا املذهب فالزايرات مل تنقطع منذ أايم‬
‫اهلادي نفسه فكان الطربيون يصلون إليه‪ ،‬وأبنه الناصر نفسه أقبل من احلجاز أوائل القرن الرابع‪ .‬ومن أوالده من ذهب إىل‬
‫‪13‬‬
‫املستطاب ‪ 99 :1‬وانظر اتريخ املذاهب الدينية ‪ .248‬ويسميهم السيد امحد الشامي طبائعيون ولكنهم مؤمنون‪ .‬انظر اتريخ اليمن الفكري ‪) 110 :3‬‬
‫‪ 14‬اعتمدت على استخراج التاريخ امليالدي على برانمج ‪ bahaziq.com‬يف االنرتنت‬

‫اتريخ املذاهب الدينية‪255‬‬ ‫‪15‬‬


‫مصر والعراق‪ .‬فالصلة إذن كانت أقدم من القرن اخلامس‪ .‬لكن ميكن القول أبن القرن اخلامس كان ذروة هذه اللقاءات؛ إذ‬
‫يروي العالمة نشوان احلمريي (‪ ) 977/573‬أن كثريين من معتزلة بغداد يف القرن السادس ينتسبون إىل زيد يف كتبهم‬
‫‪16‬‬
‫ويقولون حنن زيدية‬
‫يف عام ‪ 999/389‬وصل اإلمام املنصور القاسم بن علي العياين؛ وابيعه بعض اليمنيني وكان جيتهد يف الفروع‬
‫بغري اجتهاد اهلادي‪ ،‬وكانت اهلادوية آنذاك تعتقد أن املصيب يف االجتهاد واحد واحلق معه‪ 17.‬هذه االجتهادات مل تعجب‬
‫البعض فقاوموها‪ .‬وكان على رأسهم العالمة "عبد امللك بن غطريف الصايدي" وكان معاصرا ل مام القاسم العياين فخالفه‬
‫هلذا السبب وختلف هو ومن تبعه عن إمامته‪ 18‬ومع أن خطوة القاسم العياين كانت خطوة متقدمة إذ غ ّذت النهر مبدد‬
‫جديد‪ .‬إال أهنا أوجدت خالفات بني مؤيد ومعارض‪.‬‬
‫ويف أايم اإلمام القاسم العياين هذا افرتقت الزيدية فيما بينها بني طبائعية وخمرتعة‪ .‬يقول "أمحد بن عبد هللا الوزير‪(:‬‬
‫كان أصل افرتاق الزيدية إىل “االخرتاع“ و “التطريف“ أنه كان يف الزيدية رجالن أحدمها “علي بن شهر“ وكان‬
‫مبوضوع يقال له “بيت اكلب“ من نواحي “جبال عيال يزيد" وكان رأس املخرتعة‪ .‬واآلخر “علي بن حرب“ وكان‬
‫بـ"ريده“ وهو رئيس “املطرفية“)‬ ‫‪19‬‬

‫كما هو واضح مل حيدد ابن الوزير فرتة االفرتاق‪ ،‬ولكن "امين فؤاد السيد" نقال عن كتاب مسلم اللحجي حدد الفرتة‬
‫اليت وقع فيها اخلالف بني الرجلني أبهنا أايم اإلمام القاسم العياين فذكر (أن مناظرة وقعت يف زمن اإلمام القاسم العياين‬
‫بني رجلني عاملني مها علي بن شهر وكان بـ"بيت أكلب" و"علي بن حمفوظ" وكان بـ"ريدة" ظهر فيها من اخلالف بني‬
‫الرجلني حول وجود األعراض ما أدى إىل افرتاق الزيدية اهلادوية إىل فرقتني‪ :‬خمرتعة ومطرفية‪ .‬املخرتعة يقولون بقول‬
‫علي بن شهر واملطرفية يقولون بقول علي بن حمفوظ)‬
‫‪20‬‬

‫وهنا نقع يف إرابك بني "علي بن حرب" و "علي بن حمفوظ" ومن هو الذي منهما جادل "علي بن شهر" ومن‬
‫الثابت حي اآلن أن "علي بن حمفوظ" هو غري "علي بن حرب" بشهادة مسلم عن عليان بن إبراهيم عن الشيخ العابد‬
‫‪21‬‬
‫الزاهد علي بن حرب أنه ذكر قصة عن حمفوظ تدل على أنه رجل أخر وسابق يف زمانه عنه‬
‫‪22‬‬
‫ويطرح حيىي بن احلسني إرابكا آخر حني حيدد (ظهورهم يف زمن "أىب طالب" األخري وزمن "القاسم العياين")‬
‫فزمن أيب طالب األخري هو أوائل القرن السادس‪ ،‬وزمن العياين هو أواخر القرن الرابع‪ .‬وقد تويف األمام "أبو طالب" األخري‬

‫نشوان بن سعيد‪ :‬احلور العني ‪186‬‬ ‫‪16‬‬

‫‪17‬‬
‫اتريخ بين الوزير ‪213‬أ املستطاب‪71 :1‬‬
‫‪18‬‬
‫اتريخ بين الوزير ‪213‬أ املستطاب‪71 :1‬‬
‫‪19‬‬
‫اتريخ بين الوزير ‪197‬أ‬
‫‪20‬‬
‫‪ .242‬ومصذدره مسذلم اللحجذي‪ :‬كتذاب فيذه شذيء مذن أخبذار الزيديذة يف اليمن(خمطوطذة بذرلني رقذم‪ )9664‬اتريذخ بذين الذوزير ‪102‬و ‪.‬‬ ‫اتريذخ املذذاهب الدينيذة يف الذيمن‬
‫‪ 197‬أ)‪ .‬وكذلك املستطاب( ‪)71‬‬ ‫والنسخ اليت بني أيدينا من اتريخ بين الوزير تنسب املناظرة إىل علي بن شهر رئيس املخرتعة وعلي بن حرب رئيس املطرفية (‬
‫‪21‬‬
‫املستطاب ‪.49‬‬
‫‪22‬‬
‫املستطاب ‪78 :1‬‬
‫عام ‪ 1130 23/524‬أي يف الربع األول من القرن السادس‪ ،‬وزمن اإلمام القاسم العياين كان قبل ذلك ب‪ 122‬عاما إذ‬
‫وصل العياين عام ‪ 999 /389‬وتوىف عام‪1003 -2/393‬م‪ 24‬فال يعقل أن يكون املطرفية قد ظهرت يف عصر إمامني‬
‫متباعدي الزمن‪ .‬ولعله قصد زمن أيب طالب األول‪ 25)1033-951 /424-340(.‬إذ العهد بينهما متقارب‪ .‬ولعل‬
‫كلمة األخري سقطت سهوا من املؤلف أو الناسخ‪.‬‬
‫لكن وجود رواية ُمسلَّم أبن اختالف علي بن حرب وعلي بن شهر كان يف أثناء القاسم العياين يعزز القول بظهورهم‬
‫يف زمن اإلمام القاسم العياين‪.‬‬
‫وأليب الرجال قوالن فهو يقول يف موضع أن‪(:‬بدعة التطريف نشأت عام‪ 1058 /450‬وكادت تعم)‪ 26‬ومعىن‬
‫ذلك أن التطريف نشا يف منتصف القرن اخلامس‪ .‬والقول األخر أن التطريف (ومل ينشأ التطريف إال من بعد أايمه)‪ 27‬أي‬
‫إبراهيم بن ابلغ‪ .‬وإبراهيم هذا كان قبل مطرف بزمن؛ إذ أن والده "ابلغ" تتلمذ على اهلادي اعا‪ .‬ولعل ابن أيب الرجال أراد‬
‫بقوله األول ظهور فكرة مطرف بن شهاب‪ .‬وهو هبذا الرأي قد اتبع اإلمام عبد هللا بن محزة الذي ذكرها بوضوح يف‬
‫مقصورته الشعرية مستعرضا االنشقاقات يف الزيدية خمطئا ابن جرير وصاحل ومطرف ومصواب رأي اجلارود‪ .‬يقول اإلمام عبد‬
‫هللا بن محزة‪:‬‬
‫أقوال ضاالت روهتا العلما‬ ‫وانتشرت يف الشيعة األخيار‬
‫قول وللجارود أقوال سوا‬ ‫البن جرير والفي بن صاحل‬
‫ماحاكه مطرف وما حكى‬ ‫وزان من أطرفها مقالة‬
‫‪28‬‬
‫يسبق إليه قبله رب حجى‬ ‫يف سنة اخلمسني واألربع مل‬
‫ولعل اإلمام املنصور اعتمد على قول اإلمام أمحد بن سليمان قوله يف كتاب "احلكمة الدرية" حيث يروي عنه ابن‬
‫احلسني قوله ( كانت الزيدية يف اليمن فرقة واحدة فمرقت املطرفية وكان سبب خروجهم أن رجال يسمى مطرف بن‬
‫شهاب‪ ..‬عمد هو وصاحبان معه موضعا يقال له سناع أبرض صنعاء وابتنوا فيها هجرة وبنوا فيها مسجدا ومطاهر‬
‫‪29‬‬
‫وجعلوا قواعد دينهم وأساسه أبن قالوا العامل حييل ويستحيل)‬
‫فهذا حتديد واضح ملا طوره "مطرف" من فكر اعتربه املنصور‪-‬خطاء‪ -‬بداية االنشقاق‪ ،‬وأنه مل يسبق إليه قبله رب‬
‫حجى‪ .‬وكما هو واضح فمطرف ليس هو بداية النشأة كما قال أبو الرجال؛ فاملطرفيون يعيدون بدايتهم إىل اهلادي حيىي بن‬
‫احلسني من خالل سبعة إسنادات‪ ،‬وليس فقط إىل علي بن حرب كما يقول ابن الوزير‪ .30‬وعليه فإن املذهب مل يتبلور‬
‫‪23‬‬
‫املقتطف ‪177‬‬
‫‪24‬‬
‫غاية األماين‪ 337 :1‬ويف حكام اليمن انه دعا عام ‪388‬هذ(‪)58‬‬
‫‪ 25‬أعالم املؤلفني الزيدية‪1121‬‬
‫‪26‬‬
‫‪ 392‬ترمجة مطرف بن شهاب‬ ‫مطلع البدور‬
‫‪ 27‬مطلع البدور‪377 :1‬‬
‫‪28‬‬
‫السرية املنصورية ‪873 :2‬‬
‫‪ 29‬املستطاب‪77 :1‬‬
‫‪30‬‬
‫اتريخ بين الوزير ‪197‬أ‬
‫بشكل انضج إال على يد مطرف بن شهاب وقد يكون نسبة املطرفية إليه اعرتافا أبنه هو الذي بلورها ابلشكل الذي انتهت‬
‫إليه‪ ،‬وإال فنحن نعرف أن "حممد بن سليمان اهلرمثي" كان تلميذا للمرتضى بن اهلادي وكان لديه كتاب فيه أصول النظرية‬
‫املطرفية كما تقدم‪ ،‬وأن "علي بن حمفوظ" و "علي بن حرب" كاان من أئمة املطرفية‪.‬‬
‫مل خيتلف املؤرخون حول بداية االنشقاق الزيدي فحسب؛ بل جعلت املخرتعة منه بداية ظهور املطرفية كفرقة‬
‫جديدة منبتة عن أصوهلا‪ .‬وعلى هذا األساس مضى مؤرخوها كما رأينا‪ .‬وهي دعوى يف رأيي ابطلة كما سنرى‪ .‬ومهما يكن‬
‫من شيء فلعل اصح األقوال أن االنشقاق الكبري بدأ يف زمن اإلمام املنصور القاسم العياين (‪-999 /393 -389‬‬
‫‪ )1003‬إي يف الربع األخري من القرن الرابع‪.‬‬
‫كان القرن الرابع اهلجري هو بداية قرن املطرفية العلمية واملخرتعة التقليدية واحلسيينية اجملنونة إىل جانب الشافعية‬
‫املربورة واإل اعيلية الفلسفية‪ .‬إىل جانب املرجئة واجملربة واملشبهة‪ .‬قرن النمو واجلدال وحماولة تثبيت األفكار ودفع اخلصوم‬
‫ابملنطق والكلمة واحلوار‪ .‬عصر اختالف األفكار واصطراع املذاهب‪ .‬وهكذا مل أيت القرن اخلامس إذن إال واملطرفية حاضرة‬
‫بكل افكارها العلمية‪.‬‬
‫ويذكر حيىي بن احلسني أن وجود املطرفية قد استمر (إىل أول مدة اإلمام املهدي"علي بن حممد" إال انه مل يبق‬
‫إالّ القليل ألن اإلمام املنصور ابهلل شردهم ونكل هبم)‪ 31.‬وكان اإلمام املهدي قد بويع عام ‪ 1349/750‬ومن هنا‬
‫نعرف أن املطرفية قد عاشت من بعد عام ‪ 999 -98/389‬ما يقرب من ‪ 362‬عاما كان هلا يف هذه العصور دوي‬
‫وإبداع‬
‫(‪)3‬‬
‫ومن؟‬‫َ‬
‫وشيء آخر حنب أن نتحدث عنه هو من الذي انشق عن مذهب اهلادي يف هذه القضية‪ .‬أهي املطرفية كما هو‬
‫شائع ومسلم به؟ أم هي األخرتاعية اليت تدعي أهنا الوارثة الشرعية للهادوية كما هو شائع ومسلم به؟‬
‫قبل اإلجابة البد من النظر إىل هذين السؤالني من خالل دعاية مكثفة أصبح هلا مع األايم قوة اليقني‪ .‬هذه الدعاية‬
‫شنها خصومهم االخرتاعيون وهي أن املطرفية مل خترج عن اهلادوية‪ ،‬بل عن اإلسالم‪ .‬وهبذا مت ابعادهم ذهنيا عن اهلادوية‬
‫هنائيا وأصبحت تلك التهمة إحدى املسلمات عند الغالبية‪ .‬وعليه فيمكن القول أبن اهتام املطرفية ابخلروج عن اإلسالم قد‬
‫طغى على القضااي األخرى فلم تعد األكثرية تنظر إىل "املطرفية" إال من خالل ذلك االهتام حي غاصت احلقائق املطرفية‬
‫حتت أمواج التهم املتدافعة‪ ،‬مع أن دراسة متأنية قد توصلنا إىل أن املنشقني على فكر اهلادي األصويل هم غري الطبائعية‪ .‬أما‬
‫املطرفية فهي اليت حافظت على رأي "أيب القاسم البلخي" شيخ اهلادي يف العقائد‪ ،‬أي على رأي اهلادي‪.‬‬
‫وهنا أراين مضطرا أن أديل برأي قد يؤذي مشاعر األكثرية من أصحابنا عندما أقرر أبن املخرتعة هي اليت انشقت‬
‫عن مذهب اهلادي يف هذه القضية‪ .‬أي القضية الطبائعية‪.‬‬
‫لقد ذكر اإلمام أمحد بن سليمان كما أشران إليه آنفا أن الزيدية يف اليمن كانت فرقة واحدة فمرقت املطرفية‬
‫وهذا يف رأيي حباجة إىل إعادة نظر‪ .‬ومن خالل دراسيت هلذا املوضوع توصلت إىل أن الذي مرق هي املخرتعة وليست‬

‫‪31‬‬
‫املستطاب ‪78 :1‬‬
‫املطرفية‪ .‬ودليلي على ذلك السند الذي ترتكز عليها املدرسة املطرفية‪ .‬واليت حتدد أن "علي بن حرب" مل يكن منبع فكرة‬
‫التطريف‪ ،‬ومن مث فلم يكن بداية الفكرة‪ ،‬وإمنا كان بداية االختالف مع املنشقني عن الفكر اهلادوي‪ ،‬وهم املخرتعة؛ وهذا‬
‫اخلالف الذي حدث بينهما أطّر األفكار املختلف عليها وأظهر ما كان يدور من حوار مستور بني العلماء حي أصحر به‬
‫"علي بن شهر" حتت شعار املخرتعة منشقا عن الفكر اهلادي الطبائعي‪ .‬والعلماء الكبار يقررون أن ما قالته املطرفية هو‬
‫نفس ما قاله أبو القاسم البلخي – شيخ اهلادي‪ .‬كما أن قوهلم بعدم عذاب القرب هو ترجيع قوي لرأي اهلادي يف هذه‬
‫القضية‪ .‬كما أن رؤيتهم السياسية مربوطة إىل الفكر السياسي اهلادوي برابط وثيق وسأفرد له حديثا خاصا بعد قليل‪ .‬وهناك‬
‫نص "ملسلم اللحجي" يستوحى منه أن علي بن شهر هو سبب اخلالف‪ ،‬ففي حديثه عن األخوين علي واحلسني ابين عبيد‬
‫هللا يقول مسلم (كان علي أعرف أبصول الدين‪ ..‬وكان احلسني بن عبيد هللا إمام الصالة مبسجد ريدة وكان يرى شيئا‬
‫من اخلالف الذي قال به "علي بن شهر"[ شيخ املخرتعة يف وقته] ويقول فيه ابعتدال وال يغلو وال يبغض خمالفه فكانوا‬
‫‪32‬‬
‫يصلون خلفه وال يتوقفون وكانوا يتوالون حىت حدثت العداوة من علي بن شهر مث هلم جرا"‬
‫ويتفق علماء املخرتعة على أن مذهب املطرفية يف الفروع واإلمامة هو مذهب اهلادي‪ .‬بل أن حيىي بن احلسني مل‬
‫يذكرهم يف مستطابه إال هلذا السبب‪ 33‬وألن معظمهم كما يقول قد رجعوا عما كانوا يؤمنون‪ .34‬وإذن فإن جزءا من التهمة‬
‫قد حل ابعرتاف خصومها‪ .‬ويف هذا اإلطار ميكن وضع والئهم الشديد ألفكار اهلادي وحترمي أي اجتهاد على اجتهاده دليل‬
‫آخر على قوة ذلك االنتماء؛ فقد كانوا من اشد امللتزمني ابهلادوية‪ .‬وحي أنه يف الوقت اليت خرجت فيه اهلادوية من أحقية‬
‫االجتهاد الواحد وتقبلت مبدأ كل جمتهد مصيب بقيت املطرفية على النقيض من عقالنيتها تتمسك بتحرمي االجتهاد على‬
‫اجتهاد سابق‪ .‬وحي عندما حاول العالمتان عبد هللا بن زيد العنسي وحيىي ابن احلسني دحض انتماء املطرفية إىل اهلادي مل‬
‫يفلحا يف ذلك كما سنرى‪.‬‬
‫إن اخلالف حول حق االجتهاد يكشف عن مدى تعلق املطرفية أبفكار اهلادي ومن مث الوالء هلا والتشبث هبا‪ .‬لكن‬
‫هذه القضية أعين قضية االجتهاد على االجتهاد كان مشكال زيداي قبل أن حيل بقاعدة كل جمتهد مصيب‪ .‬ومن اخلري أن‬
‫نتحدث عن هذه القضية بشيء من التفصيل املركز‪ .‬ولكن قبل ذلك علينا أن نصحح مفهوما مغلوطا البد من تصحيحه‬
‫وإال يضل احلديث مشوشا‪ .‬ذلك أن البعض يعتقد أن املطرفية كانت متنع االجتهاد مطلقا‪ ،‬ورمبا يرون يف بيت شعر اجملتهد‬
‫الكبري حممد بن إبراهيم‪:‬‬
‫يف رأيه كمحمد‬ ‫قد خالف اهلادي بنوه لصلبه‬
‫وكأمحد‬
‫ما يثبت عدم صحة قول املطرفية ألن املرتضى والناصر ومها إمامان متبعان من قبل املطرفية قد اجتهدا‪ .‬وهذا يدل‬
‫على أن امل طرفية مل متنع االجتهاد مطلقا لكن الذي متنعه هو االجتهاد على اجتهاد سابق‪ .‬حرصا منها على عدم متييع‬

‫‪32‬‬
‫املستطاب‪71 -70 :1‬‬
‫‪ 33‬املستطاب‬
‫‪ 34‬املستطاب‪112 :1‬‬
‫القضااي ألن االجتهادات املرتاكبة تؤدي إىل التمييع يف النهاية‪ .‬وقد اجتهد ابين اهلادي‪ :‬املرتضى والناصر اجتهادات أخرى‬
‫لكنها ليست على اجتهادات اهلادي‪ .‬وعلى كل حال فهذا حبث آخر حباجة إىل حتقيق‪.‬‬
‫فإذا خلصنا من هذا التوضيح نتحدث عن مشكل االجتهاد قبل قاعدة كل جمتهد مصيب‪ .‬واحلق أنه مل تكن‬
‫وحدها يف هذه النظرة الضيقة؛ فقد كان خلفاء اهلادي وتالميذه يف موقف ال يعرفون كيف خيرجون منه حي حلت هذه‬
‫القضية أبحقية تعدد االجتهادات‪ .‬وابلرغم من هذا التطور الفكري الذي فتح الباب أمام الفكر الزيدي ليحلق يف أجواء‬
‫عالية فإن املطرفية – وهم أصحاب العقلية العلمية – مل أيخذوا هبا فتحجروا يف هذه الناحية وحجروا واسعا‪ ،‬وإن اإلنسان‬
‫ليأخذه العجب أن يرفض أصحاب العقلية اجلدلية املتفتحة هذا احلل الرائع‪ .‬وليس من تفسري لذلك الرفض إال إعجاهبم‬
‫الشديد مبذهب اهلادي ولو كان اهلادي موجودا لرمبا اخذ به أو أحدثه‪.‬‬
‫كانت "الزيدية اليمنية" تعتقد أن املصيب يف االجتهادايت واحد واحلق معه‪ ،‬فال جيوز االجتهاد عليه واستمر ذلك‬
‫فيهم إىل زمن اإلمام املتوكل "امحد بن سليمان" وكذا كانت "زيدية اجليل" تعتقد ذلك إىل زمن اإلمام "أيب عبد هللا الداعي"‬
‫وملا وصلت كتب "املؤيد ابهلل" عليه السالم إىل اليمن ظهر من "أىب ثور" ميل إىل شيء من ذهب اإلمام املؤيد فتجنبته‬
‫ويقول حيىي بن احلسني أن اهلادوية كانت يف بداية األمر تعتقد(أن املصيب يف االجتهادات‬ ‫‪35‬‬
‫الشيعة واعظموا ذلك منه‪.‬‬
‫واحد واحلق معه إىل زمن املتوكل على امحد بن سليمان‪ .‬وهكذا كان على هذا زيدية اجليل إىل زمن أىب عبد هللا‬
‫الداعي وكان الناصرية ختطيء القامسية‪ ،‬والقامسية ختطي الناصرية؛ فأحدث أبو عبد هللا القول أبن كل جمتهد مصيب‪).‬‬
‫‪ 36‬وبذلك حل اإلشكال‪.‬‬
‫وقال حيىي بن احلسني عن مسلم اللحجي (والذي كان عليه مشايخ الزيدية يف عصره [ايب السعود] تقليد‬
‫اهلادي يف الفقهيات ال يعدلون عن مذهبه‪ ،‬ويستنكرون التصويب لسواه يف الفروع فضال عن األصول ويرون ذلك‬
‫خطبا خموفا عليه‪ .‬وإن أحتج منهم حمتج على ذلك فإمنا يرتكب طريقة قياس على رأي ال على نصوص الكتاب والسنة‬
‫احملكمة والسماع من "آل رسول هللا" صلى هللا عليه وأله وسلم‪ .‬ومسعت "إبراهيم بن أيب اهليثم" رمحه هللا أايم قدوم‬
‫"حممد بن عيسى" هذا الرجل الديلمي يقول للناس‪ :‬ال تكونوا تنخدعون هلذه األشياء اجلديدة‪ ،‬وتنشطون لكل‬
‫مستظرف حادث‪ ،‬ومتلون ما أبيديكم من احلق فإن" اهلادي" قال يف "األحكام"‪ :‬كتاب مستقصى فيه أصول كل ما‬
‫حيتاج إليه؛ فاحتذوا النظر فيه وامسعوا منه وال تسمعوا عليه وال أتخذوا إالّ ما وافق نصوص"اهلادي")‪.‬‬
‫(قال مسلم‪":‬وألن يف هذه الكتب من يردد مصنفوها يف األقوال والوقوف يف شيء والرجوع عن آخر حنو‬
‫مارووا يف سرية املؤيد ابهلل من قوله عند موته‪":‬وددت أين أمتكن من فتاوي‪-‬أو قال تصانيفي‪ -‬فأحرقها إىل آخر ما‬
‫‪37‬‬ ‫ذكر)‬
‫وليس بعد هذا التشدد يف االنتماء من والء‪.‬‬
‫سند اعتقاد املطرفية‬

‫‪35‬‬
‫‪213‬‬ ‫اتريخ بين الوزير‬
‫‪.239‬‬ ‫املستطاب‪ .71 :1‬وانظر اتريخ املذاهب الدينية يف بالد اليمن‬ ‫‪36‬‬

‫‪ 37‬املستطاب ‪103 :1‬‬


‫قلت أن سند معتقد املطرفية يؤيد أهنم تالمذة اهلادي املخلصني‪ .‬فلننظر يف هذه األسانيد‪.‬‬
‫يروي مسلم سند املطرفية إىل اهلادي عن ست طرق‪ .‬ويضيف ابن الوزير طريقا سابعا‪:‬‬
‫الطريقة األوىل‬
‫قال مسلم أنه(أخذ هذا الدين عن شيخه إبراهيم بن اهليثم بن كهالن وهو أخذه عن مطرف بن شهاب وأخذه‬
‫مطرف عن "علي بن حمفوظ" بريدة قال مسلم اللحجي وعلي "ابن حمفوظ" أخذ من طريقني‪ :‬أحدمها عن أيب احلسني‬
‫"أمحد بن موسى الطربي" عن املرتضى حممد بن اهلادي‪ .‬واألخرى عن إبراهيم بن ابلغ الوزيري عن أبيه[ابلغ] عن‬
‫‪38‬‬
‫اهلادي)‬
‫ويقول حيىي بن احلسني أن (املطرفية من اهلدوية يزعمون انه[أي أىب احلسني الطربي] شيخ شيوخهم وعنهم أخذوا‬
‫‪39‬‬
‫مذهب اهلادي يف األصول والفروع)‬
‫وقد ترجم حيىي بن احلسني ترجم للشيح حمفوظ وقال أنه (كان بريدة‪ ،‬وكان يعتمد مذهب اهلادي يف األصول‬
‫‪40‬‬
‫وأكد مسلم اللحجي يف اترخيه بسنده عن عليان بن إبراهيم عن الشيخ العابد الزاهد علي بن‬ ‫والفروع وعنده كتبه‪).‬‬
‫حرب أن علي بن حمفوظ كان قوي الصلة أبيب احلسني الطربي‪ :‬قال‪( :‬كانت الكتب ذخر آل حمفوظ بريدة السيما‬
‫كتب آل حممد صلى هللا عليه وآله وسلم فرغب الشيخ أبو احلسني أمحد بن موسى الطربي مع علمه وفضله وصحبته‬
‫حملمد بن حيىي يف االزدايد من اخلري فكان يواصلهم يف هللا لواليتهم ولتلك الكتب واالستفادة منها فبينما هو يف بعض‬
‫أوقاته عند حمفوظ ينسخ شيئا من كتب األئمة من آل رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم إذ دعته نفسه إىل أكل‬
‫شيء من اللحم فأخذ درمهني وخرج فأتى السوق الذي كان بريدة تلك املدة السابقة مث أخذ هبما من حلم اجلزار ما‬
‫أيكله‪ .‬وكان حمفوظ ال يرى ذلك وال أيكل حلم السوق فقالت له امرأته‪:‬أنت ال أتكل حلم السوق والشيخ أبو احلسني‬
‫أيكله‪ .‬أنت أعلم أم هو؟ قال‪ :‬بل هو ولكين أورع منه‪ ...‬فقال [الطربي]‪ :‬صدقت اي بين ودليل ذلك قول هللا تعاىل‪:‬‬
‫إمنا خيشى هللا من عباده اجلهالء فسكت حمفوظ منقطعا‪).‬‬
‫‪41‬‬

‫ومن هذا النص يبدو أنه اصغر سنا من الطربي إذ كان هذا يناديه اي بين‪ .‬وقد توىف الطربي كما يرجح السيد‬
‫‪42‬‬
‫الشامي يف النصف األول من القرن الرابع أي بعد ‪ 951/340‬بعد أن جاوز السبعني‬
‫الطريقة الثانية‬
‫وقال حيىي بن احلسني‪ (:‬قال ُمسلَّم اللحجي أخذت املذهب عن حممد بن إبراهيم بن رفاد الصنعاين بوقش يف‬
‫سنة عشر ومخسمائة[‪ )]1117-16‬ومسعته يقول مسعت من أدركت من مشاخينا من الزيدية يقولون أخذان القول‬
‫ابلعدل والتوحيد ‪ ..‬عن مطرف بن شهاب‪.43‬‬

‫‪38‬‬
‫املستطاب ‪78 :1‬و‪79‬‬
‫‪39‬‬
‫املستطاب ‪ 49 :1‬وقد انقش األستاذ أمحد الشامي موضوع مطرفية الطبريي يف كتابه القيم املفيد اتريخ اليمن الفكري‪165 :1‬‬
‫‪ 40‬املستطاب ‪49 :1‬‬
‫‪41‬‬
‫املستطاب ‪.49 :1‬‬
‫‪42‬‬
‫اتريخ اليمن الفكري‪.166 :1‬‬
‫الطريقة الثالثة‬
‫وقال ُمسلّم‪( :‬ورويت ومسعت املذهب عن شيخي "إبراهيم بن اهليثم"‪ .‬قال وكنت أمسع الشيخ إبراهيم بن‬
‫‪44‬‬
‫اهليثم" يقول‪ :‬أخذت عن مطرف ومطرف عن ابن حمفوظ عن إبراهيم بن ابلغ وإبراهيم بن ابلغ عن أبيه عن اهلادي)‬
‫الطريقة الرابعة‬
‫قال ابن الوزير (وعن علي بن حرب اخذ "مطرف بن شهاب العبادي الشهايب" و "هند بن الصباح العنسي"‬
‫‪46‬‬
‫وكان نظريا "ملطرف" يف املعرفة‪ 45).‬وكان "علي بن حرب" شيخ الزيدية ابلبون األسفل وأرض الصيد من بالد مهدان‬
‫وكان عاملا مكثرا استقر بريدة‪ .‬وقد أقام يف منزله سنة ال خيرج منه عاكفا على كتب األئمة‪ ،‬وعنه أخذ املطرفية العقيدة‪.‬‬
‫الطريقة اخلامسة‬
‫وقال حيىي بن احلسني‪ (:‬قال مسلم‪ :‬ومسعت الشريفني الفاضلني العباس وامحد ابين حممد بن امحد بن علي بن‬
‫احملسن العلوي العباسي يوصيا إىل أن آابئهما اعتقدوا هذا املذهب ال من طريق أحد من هؤالء الذين ذكران بل عن‬
‫‪47‬‬
‫آابئهم وشيعتهم عن أبين اهلادي أو عن اهلادي‪).‬‬
‫الطريقة السادسة‬
‫قال مسلم اللحجي‪(:‬وكذا لقيت وأان غالم الشيخ أاب عبد هللا "حممد بن سليمان اهلرمثي الوادعي وهو شيخ كبري‬
‫السن من أبناء السبعني أو الثمانني أو أكثر يف بالدان من شظب‪..‬وهو يرى رأينا ومعه كتاب متقدم فيه كتب من كتب‬
‫األئمة عليهم السالم وفيه جمرد مسألة العامل ومسائل احلقائق والفروق ابللفظ الذي يعرفه اآلن وتدارسته الزيدية يف‬
‫‪48‬‬
‫هجرها وتشرحه بكالمها‪ ،‬وهو يكتب الكتاب ملن طلبه من الناس)‬
‫ويذكر حيىي بن احلسني يف ترمجة "حممد بن سليمان اهلرمثي" ‪ -‬من هرامث وادعة‪ -‬انه‪(:‬كان من عباد هللا‬
‫الصاحلني‪ ،‬وأهل واليته‪ ،‬ومن عليه سيماء اخلري‪ ،‬وكان حييي القول ابلعدل والتوحيد‪ ،‬وكان من أهل الطبقة األوىل ألنه‬
‫مسع عن املرتضى حممد بن حيىي‪ ..‬وكان بقي يف يده ويد ورثته اهلرامث ما يدل على صحة ما كان يذهب إليه مطرف بن‬
‫شهاب‪ ،‬من شيعة اهلادي‪ .‬وكان له كتاب خبط قدمي حسن فيه أصول املسألة عن العامل والفروق بني األشياء واحلقائق‬
‫‪49‬‬
‫صريح يف الذهب)‬
‫الطريقة السابعة‬

‫‪43‬‬
‫املستطاب‪79 :1‬‬
‫‪44‬‬
‫املستطاب‪61 :1‬‬
‫‪45‬‬
‫اتريخ بين الوزير ‪197‬‬
‫‪46‬‬
‫املستطاب‪49 :1‬‬
‫‪47‬‬
‫املستطاب‪61 :1‬‬
‫‪48‬‬
‫املستطاب‪61 :1‬‬
‫‪49‬‬
‫املستطاب‪105 :1‬‬
‫قال مسلم اللحجي يف ترمجة عامر بن متيم (وكنت حني مسعت من شيخي إبراهيم بن علي االعتقاد قلت أيها‬
‫الشيخ هذا هو اعتقاد أهل سناع و وقش فهل أتيتهما قال‪ :‬ال؛قلت‪ :‬أفلقيت مطرفا أو هندا قال‪:‬ال‪ ،‬قلت‪ :‬فمن أين‬
‫أصبت هذا املذهب؟ فكأنه أغتاظ مين أو عجب مين فرفع صوته وحتركت نفسه وقال‪ :‬أخذته من شيعة اهلادي‪ .‬أو‬
‫مذهب اهلادي قد خفي حىت ال يوجد إال عند أولئك؟ أو قال عند مطرف أو حنو هذا من الكالم‪ .‬أخذت عن عامر‬
‫بن صعرت‪ ،‬عن عامر بن متيم عن أبيه عن جده عن اهلادي إىل احلق)‬
‫‪50‬‬

‫مل يعطنا املستطاب شيئا كثريا عن "عامر بن متيم" سوى ما كان له من مكانة لدى أتباعه وأن شيخ ُمسلَّم اللحجي‬
‫"إبراهيم بن علي بن رفادة" كان إذا ذكر "عامر بن متيم" يتوقف على ذكره ويعظمه جهده ويصفه ابلتبحر يف علم الدين‬
‫‪51‬‬
‫وبكل فضل فيه حي ميأل صدري بتعظيمه وعلو قدره يف الزيدية ويعرتف أبن حفيده عامر بن صعرت كان دونه يف التبحر‪.‬‬
‫*‬
‫من خالل مطالعتنا لرجال اإلسناد هؤالء يتضح أهنا تنتهي كلها ابهلادي‪ ،‬عرب ثالث طرق رئيسية األول عن طريق‬
‫"ابلغ الوزيري" والثاين عن طريق "متيم بن عامر" ولكل منهما تالمذة؛ والثالثة عن طريق املرتضى ابن اهلادي‪ .52‬وعن‬
‫املرتضى أخذ كل من حممد بن سليمان اهلرمثي وأمحد بن موسى الطربي‪ 53.‬والرابعة عن طريق الطربي‪ .‬وعنه أحذ علي بن‬
‫حمفوظ‪ .‬ومما يؤكد تلمذهتم للطربي أن حيىي بن احلسني قد أنكر على الطربي قوله بعدم عذاب القرب وقال‪( :‬إن هذا القول‬
‫ال يقول به من الزيدية إالّ املطرفية‪ .‬وقد انقرضوا حبمد هلل)‪ 54‬فهذا يؤكد ما يذهبون إليه من انتماء إىل شيخهم الطربي‬
‫فيما أخذوا عنه‪ .‬وليس جمرد زعم كما يقول حيىي بن احلسني أبهنم (يزعمون أنه شيخ شيوخهم وعنه أخذوا)‪ 55‬ومن هنا‬
‫حق ملطرف أن يقول للشيخ "حممد بن املظفر املسوري"‪ -‬وكان أحد عباد هللا‪ (:-‬ال حتسبوا أننا أخذان هذا العلم‬
‫واعتقدان هذا العلم من األوراق‪ .‬أخذانه من بني شوارب الرجال‪ .‬يريد اإلسناد إىل اهلادي)‬
‫‪56‬‬

‫تلك األسانيد القوية جتيب على سؤال من هو الذي انشق عن مذهب اهلادي يف األصول الكالمية‪ ،‬وتثبت أن‬
‫املطرفية هم أتباع اهلادي وولديه املرتضى والناصر‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫املستطاب ‪61 :1‬‬
‫‪51‬‬
‫املستطاب ‪61 :1‬‬
‫‪ 52‬املرتضى إمام جمتهد ولد عام‪ 891/278‬قام حمتسبا عذام ‪ 911/299‬ختلذى عذن املسذئولية السياسذية هنائيذا عذام ‪ ، 915/303‬تذويف عليذه السذالم عذام ‪ 922 /310‬علذى اغلذب األقذوال‬
‫‪53-46‬‬ ‫أنظر حكام اليمن املؤلفون اجملتهدون‬
‫‪53‬‬
‫اتريخ اليمن الفكري‪167-159 :1‬‬
‫‪54‬‬
‫املسذذتطاب ‪ 48 :1‬وقذذد تذذرجم لذذه يف املسذذتطاب (‪ )49-44‬ترمجذذة وافيذذه وكذذذلك يف مطلذذع البذذدور(‪ )293-285 :1‬وقذذد كتذذب عنذذه السذذيد"امحد بذذن حممذذد الشذذام كتابذذة‬
‫مستفيضة اتريخ اليمن الفكري‪.156 :1‬‬
‫‪55‬‬
‫املستطاب‪.49 :1‬‬
‫‪56‬‬
‫املستطاب‪ 80 :1‬ومن هنا أنخذ رأي املهدي أبن املطرفية قد تولدت من متأخري اجلارودية بعدم القبول‪ .‬وقد يكون صحيحا ابلنسبة للمخرتعة واحلسينية‪.‬‬
‫وقد أدرك االخرتاعيون مدى خطورة هذا االنتماء فعمدوا –كما يبدو يل‪ -‬وهو ميلكون وسائل احلكم وسطوته وقوته‬
‫إىل طمس هذه احلقيقة وسعوا إىل إزالتها‪ ،‬وحاولوا عدم اثباهتا ويف املستطاب صور من ذلك اجلهد سنقتضب منه شيئا ما‬
‫يف املبحث اخلامس عند احلديث عن مصدر عقيدهتم‪:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫عقائد المطرفية‬
‫واآلن ما هي املطرفية؟‬
‫بعد تلك الطرق السبع من اإلسناد وتلك احلجج اليت شقناها ال يبقى مقال يف أن املطرفية هادوية صرفة‪ ،‬وعليه‬
‫ميكن تلخيص عقائدهم اعتمادا على ما حكاه حيي بن احلسني عن مسلم وغريه‪.‬‬
‫(قال "مسلم اللحجي"‪ :‬أنه مسع "حممد بن إبراهيم بن رفاد الصنعاين يقول‪" :‬مسعت من أدركت من مشاخينا من‬
‫الزيدية يقولون‪ :‬أخذان القول ابلعدل والتوحيد وأن األعراض تعلم ابلدليل من احملسوسات من األجسام وال حتس‪ ،‬وأن‬
‫ليس بني هللا وبني خلقه من األجسام‪ ،‬و‪ 57..‬من األعراض من فعله وال من فعل خلقه‪ ،‬وال يصح توسط ذلك بينه‬
‫خملوقُه‪ ،‬وصنعته مصنوعه‪ ،‬وتدبري مدبره‪ ،‬وفعله مفعوله‪ ،‬خبالف قول فعله غري‬
‫وبينها‪ ،‬وأن إرادة هللا مراده وخلقه ُ‬
‫مفعوله من املخلوقني‪ ،‬وأن هذا العامل قد خلقه مقروان جسمه بعرضه الذي من فعله هو‪.‬يقال ال يصح إنفكاك أحدمها‬
‫عن األخر‪ ،‬وال يقدمه عليه‪ ،‬وال يصح وجود جسم من دون عرض يقرتن به‪ ،‬وال عرض ال يعرض يف جسم‪ ،‬وأن‬
‫األجسام متالحقة الوجود يصح أن تقوم أبعينها إىل غري هذا من املذهب املعروف عن “مطرف بن شهاب”)‪.58‬‬
‫قال حيىي بن احلسني ‪( :‬وأعلم أن قد وقع املطرفية يف مقالة عظيمة خالفوا فيها السلف الصاحل من األئمة‬

‫وسائر علماء املسلمني؛ فقوهلم ال خيفى بطالنه‪ ،‬ولذلك رجع منهم كثري حىت مل يبق عليه أحد حبمد هللا اآلن‪ ..‬وجعلوا‬

‫قواعد دينهم وأساسه أبن قالوا العامل حييل ويستحيل‪ .‬وقالوا‪ :‬قد ساوى بني اخللق يف ست خصال‪ :‬يف اخللق والرزق‬

‫واملوت واحلياة والبعيد واجملازاة‪ ،‬ونفوا مجيع األفعال عن هللا وغري ذلك)‪.59‬‬

‫ويقول حيىي بن احلسني‪ (:‬قلت‪ :‬واملطرفية هم القائلون حبدوث العامل وإثبات الصانع‪ ،‬ويقولون أن احلوادث‬
‫اليومية كالنبااتت واملولودات واألمل وحنوها حادثة من الطبائع احلاصلة يف األجسام وال أتثري للقدمي فيها أصال‪ .‬هذا ما‬
‫‪61‬‬
‫يعتقدونه كما ذكر النحوي يف"شرح القالئد"‪ 60‬وهللا اعلم‪).‬‬

‫‪57‬‬
‫كلمة مل أمكن من قراءهتا‬
‫‪ 58‬املستطاب‪79 :1‬‬
‫‪ 59‬املستطاب‪77 :1‬‬
‫‪60‬‬
‫املراد به احلسن بن حممد النحوي‪.‬‬
‫وميكن تلخيص زبدة أقواهلم يف كلمتني مها‪( :‬اإلحالة واالستحالة) وهم ينسبوهنا إىل اهلادي "حيىي بن احلسني"‪.‬‬
‫وانقشهم فيها العالمة "عبد هللا بن زيد العنسي" كما تقدم‪.‬‬
‫هذا ما فهمته املطرفية واعتقدته وأذاعته بني الناس‪ .‬أما ما فهمه خصومها فشيء ستقرأه يف هذا البحث؛ وهم‬
‫خمتلفون يف تفسريه ومهنا أن نذكر خالصة عقائدهم برتكيز أما بقية عقائدهم وعقائد خصومهم فيهم فنحيل إىل نصي ابن‬
‫الوزير يف اتريخ بين الوزير و حيىي بن احلسني يف املستطاب‪ .‬وحنن هنا نركز على األساس النظري والعقيدي فقط‪ .‬يقول ابن‬
‫الوزير‪( :‬املطرفية يقولون خبلق العناصر األربعة وابالنفعال فيما عدى ذلك وهذا هو عني مذهب "أىب القاسم" وهو‬
‫الذي صح عنهم ووجد يف كتبهم‪ ،‬وأما غري ذلك مما نسب إليهم فلم يوجد يف كتبهم وال اعرتفوا بنسبته إليهم ‪ ،‬بل‬
‫تربءوا منه اشد الرباءة‪ ،‬وقصيدة "ابن النساخ " يف سرية اإلمام املنصور فيها تصريح ابلرباءة من ذلك وغريه‪ ،‬وكثري من‬
‫علمائهم قد ذكر ذلك وشدد النكري واالستعاذة من مجيع ما رموا به‪ .‬والظاهر أن ذلك الذي اسند إليهم على طريق‬
‫اإللزام كما يروي أن بعض املخرتعة قال لبعضهم‪" :‬لو فرضنا أن موحد العناصر إنعدم بعد إجياده لزم وجود العامل‬
‫بدونه" فقال املطريف‪" :‬ولو فرضنا عدم الصانع لزم ثبوت الذوات بدونه" ونظري ذلك من اإللزامات على األصول‬
‫والقواعد)‪ 62‬ويقول‪( :‬واملخرتعة إمنا مسوا بذلك لقوهلم ابخرتاع هللا األعراض يف األجسام ‪ ،‬مث مل يزل انر العداوة يف‬
‫‪63‬‬
‫هاتني الفرقتني مشبوبة على تزايد)‬
‫ويقول حيىي بن احلسني‪( :‬وحمصول مقالتهم أن هللا تعاىل خلق األربعة األصول وهي املاء والنار واهلواء والثرى‪،‬‬
‫مث خلق منها كل شيء من الفروع ابإلحالة واالستحالة‪.‬قالوا‪ :‬وهللا تعاىل هو الذي خلق االستحاالت والفروع‪ ،‬لكن‬
‫ليس ابملعىن األول الذي هو خلق االخرتاع‪ ،‬بل خلق تركيب وفطرة وبنية وجبلة مبا جبلها عليه‪ ،‬وجربها يف االبتداء‪.‬‬
‫‪64‬‬
‫ركب أمهات الفروع‪ ،‬وفطر من األصل املخرتع على ما حيدث منها ابإلحالة واالستحالة‪).‬‬
‫إن اإلحالة واالستحالة هي النظرية اليت مل يستوعبها املخرتعة‪ ،‬ومن مث أدى عدم فهمها وسط مناخ ال يستوعب‬
‫الفكرة إىل تكفري املطرفية الذي أدى بدوره إىل جتميد الفكر الزيدي كله يف هذه الناحية‪.‬‬
‫ولكن ما هي اإلحالة واالستحالة؟‬
‫يشرحها "امين فؤاد السيد" معتمدا على املستطاب واتريخ بين الوزير فيقول‪( :‬يعتقد املطرفية يف فلسفة طبيعية‬
‫ويقولون حبدوث العامل‪ ،‬وأن هللا فاعل خمتار خلق األصول األربعة وهي املاء والنار واهلوى والثرى‪ ،‬وهي اليت تدبر‬
‫ال عامل‪ ،‬مث خلق منها كل شيء‪ ،‬وجعلها خمتلفة ومضادة‪ ،‬كل منها لألخرى لكي تؤثر بعضها على بعض وحتدث‬
‫التغيري(أي اإلحالة) وتغري نفسها بنفسها(أي االستحالة) أي أتثري هللا تعاىل يف أصول األشياء دون فروعها؛ وعلى ذلك‬

‫‪ 61‬املستطاب‪72-71 :1‬‬
‫‪ 62‬اتريخ بين الوزير ‪199‬‬
‫‪ 63‬اتريخ بين الوزير ‪199‬‬
‫‪64‬‬
‫املستطاب‪75 :1‬‬
‫فإن "احلوادث اليومية كالنبات واملولودات واألمل حادثة من الطبائع احلاصلة يف األجسام وال أتثري فيها للقدمي‬
‫‪65‬‬
‫أصال")‬
‫(‪)5‬‬
‫مصدر عقيدتهم‬
‫ليس من شك أن املصدر األساسي لتفكريهم العقلي أو الكالمي هو اهلادي كما رأينا‪ .‬وقد حاول حيىي بن احلسني‬
‫أن ينقض دعواهم هذه فقال ردا على ما ذكروه أنه بقي يف يد اهلرمثي وورثته ما يدل على صحة ما كان يذهب إليه‬
‫مطرف بن شهاب‪ ،‬ومطابقته لرأي اهلادي‪( :‬قلت‪ :‬يعين مذهب املطرفية واملراد مطابقة شيء منه هلم وإن كانت األصول‬
‫اليت أخذهتا املطرفية من أقوال اهلادي بعيدة فيما يستدلون به على اإلحالة واالستحالة فإن أقوال اهلادي جمملة ال‬
‫تصريح فيها مبا يذهب إليه القوم‪ ،‬وإمنا أحذ هذا الرأي مطرف بن شهاب بفكرته ونظره وتوهم أنه يوافق أصول‬
‫‪66‬‬
‫اهلادي‪ ،‬وهي موافقة بعيدة)‬
‫وقال حيىي بن احلسني(قال القاضي "عبد هللا بن زيد العنسي"‪ :‬مما احتجوا به من قول اهلادي يف املسرتشد يف‬
‫ابب القدوس‪ :‬أن هللا تعاىل (جبل األشياء وجربها على ما شاء من تصوير خلقها وتركيب أجسامها)‪ .67‬مث قال أيضا يف‬
‫كتابه املسرتشد‪ ":‬احلمد هلل الذي جبل العباد وجربهم على ما يشاء من تركيب خلقهم" انتهى ويف كتاب املسرتشد‬
‫للهادي من جمموعه مما استدلوا به على تنقل األشياء من حال إىل حال ومسوه ابإلحالة واالستحالة وحنو ذلك من‬
‫أصوهلم فقالوا‪ :‬قال اهلادي يف املسرتشد ما لفظه‪" :‬إن الفروع ال يقاس عليها األصول فاألشياء يف قوله تعاىل{ولقد‬
‫خلقنا اإلنسان من ساللة من طني}اآلية إمنا هي خملوقات تنتقل من خلق إىل خلق يف احلاالت" حىت قال اهلادي يف‬
‫كتابه املسرتشد من جمموعه ما لفظه‪" :‬ولو أنكم أنصفتم عقولكم وتركتم املكابرة عنكم مث رددمت متشابه األمور إىل‬
‫حمكمها وما شذ من فروعها إىل أصلها‪ ،‬مث نظرمت إىل النطفة مم هي؟ ومم كانت حىت تنتهوا إىل ما منه ابتدأت وابنت‬
‫لوجدمت أصل ذلك إن شاء هللا من الطني وأصل الطني من املاء أبيقن اليقني‪ ،‬وكذلك فأصل خلق الشياطني فمن مارج‬
‫من انر؛ فإذا رجعتم يف األصول الثالثة املقطورة املبتدعة الريح اجلارية املسخرة‪ ،‬وما خلق من املاء وفطر فوقه من‬
‫عجيب اهلواء مث خلق من هذه الثالثة األشياء مجيع ما ذرأ وبرأ"‪ .‬انتهى بلفظه‪ .‬مث فرعوا عن هذا النص للهادي‬
‫فروعهم الكثرية وعزوها إىل اهل ادي أخذا من هذا األصل وجعلوا اخللق ألصل الثالثة سببا من هللا حقيقة وفروع ذلك‬
‫من التنقل من احلاالت خلق عمل من هللا جمازا‪ .‬واحلقيقة ما جربها وطبعها عليه‪ .‬هذا حمصول عقيدهتم‪ .‬وكالم اهلادي‬
‫حيتمل غري ما محّلوه عليه من القول الفاسد؛ فإنه أراد بيان أصل املخلوقات وفروعها والكل حقيقة من خلق هللا تعاىل‪،‬‬
‫والعلم عند هللا بدليل نصه يف جواب‪:‬حممد بن احلسن بن احلنفية يف آخره قال ما لفظه‪ :‬قوله تعاىل{يؤيت أكلها كل‬

‫‪65‬‬
‫‪256‬‬ ‫اتريخ املذاهب الدينية‬
‫‪66‬‬
‫املستطاب‪104 :1‬‬
‫‪ .178‬حتقيق علي أمحد حممد الرازحي‪.‬الطبعة األوىل‪ .2000/1420‬دار‬ ‫‪ 67‬ما بني القوسني هو ما ورد يف املسرتشد‪ .‬انظر اجملموعة الفاخرة‪ -‬جمموع كتب ورسائل اإلمام اهلادي‬
‫احلكمة اليمانية صنعاء‪.‬‬
‫حني أيمر رهبا}‪ .‬قال نسب إىل الشجرة أتت أكلها وهو اخلالق هلا ولثمرها أنتهي‪ .‬قالت املطرفية خلقها مبا جربها عليه‬
‫‪68‬‬
‫وجبلها‪ ،‬ال مبعىن اخرتعها‪ .‬وقال أهل احلق‪ :‬بل مبعىن اخرتعها‪).‬‬
‫واحلق أن اهلادي يف شرح كلميت اجلبار واملتكرب قد أكد انتماء املطرفية إليه بشكل حاسم؛ فقال عن اجلبار أنه(هو‪:‬‬
‫املالك القاهر‪ ،‬الذي ما جرب من األشياء كلها إنرب‪ ،‬فكان على ما جربه عليه وصوره من األجسام‪ ،‬فتبارك هللا ذو‬
‫اجلالل واإلنعام‪ ،‬الذي جبل األشياء‪ ،‬وجربها على ما شاء‪ ،‬من تصوير خلقها‪ ،‬وتركيب أجسامها وأبعاضها‪ ،‬وتقدير‬
‫ألواهنا وأماكنها‪ ،‬وتغيري طعم مأكوهلا واختالفها؛ فجرب السموات على ما أراد من االرتفاع‪ ،‬وجبل وجرب األرضني على‬
‫ما أراد من اإلندحاء واإلتضاع‪ ،‬وجرب ما بينهما على ما شاء من التصوير واخللق‪ ،‬والتقدير والرتكيب‪ ،‬وجبل وجرب‬
‫العباد على ما شاء من تصويرهم‪ ،‬وخلق ما خلق من تقديرهم‪ ،‬فجعلهم من ضعف‪ ،‬مث جعل من بعد الضعف قوة‪ ،‬مث‬
‫جعل من بعد القوة ضعفا وشيبة‪{ ،‬خيلق ما يشاء} كما قال هللا سبحانه‪{ :‬هللا الذي خلقكم من ضعف مث جعل من‬
‫بعد ضعف قوة مث جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة خيلق ما يشاء وهو العليم القدير}(الروم‪ .)54 :‬وكذلك جبلهم على‬
‫ما شاء من خلق أجسامهم‪ ،‬فجعل منهم الطويل والقصري‪ ،‬وجعل منهم النبيل يف جسمه واحلقري‪ ،‬وكلهم مريد لألفضل‬
‫من األمور‪ ،‬فكانوا كما شاء أن جيعلهم‪ ،‬وجعل فعله فيهم ويف غريهم آية هلم‪ ،‬كما قال سبحانه‪{ :‬ومن آايته خلق‬
‫السموات واألرض واختالف ألسنتكم وألوانكم إن يل ذلك آلايت للعاملني} (الروم‪ ،)22 :‬فكان تركيب خلقهم كما‬
‫أراد من تصويرهم‪ ،‬ال اختالف يف ذلك وال تفاوت‪ ،‬كما قال سبحانه‪( :‬ما ترى يف خلق الرمحن من تفاوت فارجع‬
‫البصر هل ترى من فطور مث ارجع البصر كرتني ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسري} (امللك‪ )14-3 :‬فاحلمد هلل‬
‫الذي جبل العباد وجربهم على ما شاء من تركيب خلقهم‪ ،‬حمبوهبم من ذلك وغري حمبوهبم‪ ،‬ومل جيربهم على شيء من‬
‫أفعاهلم‪ ،‬صغريها وال كبريها‪ ،‬دقيقها وال جليلها‪ ،‬بل أمرهم وهناهم‪ ،‬وبصرهم غيهم وهداهم‪ ،‬مث بعث إليهم النبيئني‪،‬‬
‫فأمروهم بطاعة رب العاملني‪ ،‬وحذروهم أن يكونوا له من العاصني‪ ،‬وخلق للمطيعني ثوااب‪ ،‬وللعاصني نكاال وعقااب‪ ،‬مث مل‬
‫حيل بني أحد وبني طاعته‪ ،‬و مل جيرب أحدا على معصيته‪ ،‬بل أمر عباده ختيريا‪ ،‬وهناهم سبحانه حتذيرا‪ ،‬مث قال ذو املن‬
‫والعزة واجلالل‪ ،‬من بعد إكمال احلجة عليهم يف كل حال‪{ :‬قمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إان أعتدان للظاملني‬
‫انرا أحاط هبم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا مباء كاملهل يشوي الوجوه بئس آلشراب وساءت مرتفقا} (الكهف‪:‬‬
‫‪ )129‬وقال تعاىل ة (فمن يعمل مثقال ذرة خريا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره} (الزلزلة‪ )18-7 :‬فتبارك‬
‫املتقدس عن خلق أفعاهلم‪ ،‬املتعايل عن جربهم على شئ من أعماهلم‪ ،‬العدل يف كل أفعاله‪ ،‬الصادق يف كل مقاله‪ ،‬الربي‬
‫من شبه اجملعوالت‪ ،‬املتعايل عن درك الغفلة والسنات‪ .‬و (املتكرب) فهو‪ :‬العظيم اجلبري‪ ،‬الذي ال يشبهه يف القدرة‬
‫‪69‬‬
‫والعظمة كبري‪).‬‬
‫ويؤكد ذلك االنتماء حديث اهلادي عن اإلحالة أثناء حديثه عن اإلرادة اإلهلية‪( :‬فإن قال قائل‪ :‬إن معىن قول هللا‬
‫للشيء‪{ :‬كن فيكون} هو أن يقول للشيء‪ :‬كن شيئا آخر‪ ،‬مثل الصلصال واحلماء‪ ، *70‬قال له‪ :‬كن صورة وبشرا‪،‬‬

‫‪68‬‬
‫املستطاب‪105-104 :1‬‬
‫‪ 69‬اجملموعة الفاخرة ‪ .179-178‬وقد أشار إىل املقارنة بني صحة ما ذكره العنسي عنهم وما جاء يف املسرتشد أستاذان أمحد الشامي يف اتريخ اليمن الفكري ‪129 :3‬‬
‫‪*70‬الصلصال من الطني هو‪ :‬الذي له صوت كالفخار‪ .‬واحلمأ‪ :‬الطني األسود‪ .‬وقد وضعنا النجمة للتدليل على احلواشي من حمقق النص‪.‬‬
‫فكان كما أمره ربه حقا‪ .‬ومثل النطفة قال هلا‪:‬كوين علقة‪ ،‬فكانت علقة‪ ،‬مث أمر العلقة فكانت مضغة‪ ،‬مث قال‬
‫وجسمها بقدرته جسما‪ ،‬فهذه أشياء غري مفقودة‪ ،‬تؤمر فتنتقل‬
‫للمضغة‪ :‬كوين عظاما فكانت عظاما‪ ،‬فكساها حلما‪ّ ،‬‬
‫أجساما موجودة‪ .‬قيل له‪ :‬إن الفروع ال تقاس على األصل‪ ، *71‬وإمنا ترد الفروع إىل ما هي منه من األصول‪ *72‬وهذه‬
‫األشياء اليت ذكرت فإمنا هي خملوقات‪ ،‬تنتقل من خلق إىل خلق يف احلاالت‪ ،‬وكذلك قال فيها‪ ،‬ومساها ابخللق ودعاها‪،‬‬
‫رب األرابب‪ ،‬فيما نزل من حمكم الكتاب‪ ،‬أال تسمع كيف يذكر أنه خلقها‪ ،‬ومل يذكر يف شيء من ذلك أنه أمرها؟‬
‫وذلك قوله عز وحل‪{ :‬ولقد خلقنا اإلنسان من ساللة من طني مث جعلناه نطفة يف قرار مكني مث خلقنا النطفة علقة‬
‫فخلقنا العلقة مضعغة فخلفنا املضغة عظاما فكسوان العظام حلما مث أنشأانه خلقا آخر فتبارك هللا أحسن‬
‫اخلالقني}(املؤمنون‪ )4 -12 :‬ففي كل ذلك يذكر تبارك وتعاىل أنه خالق مصور‪ *73‬لعبده ُمن ِّّقل يف هذه األشياء‪ ،‬ومل‬
‫يذكر‪ -‬فيما احتججت به يف هذه اآلية‪ -‬له دون اخللق أمرا‪ ،‬واخللق من هللا فال اختالف بيننا وبينكم فيه‪ ،‬وإمنا‬
‫االختالف بيننا وبينكم يف األمر‪ ،‬الذي أزحتموه عن معىن اخللق ومل تقيسوه عليه‪ ،‬طمعا أن تثبتوا قدم اإلرادة على‬
‫الفعل من هللا احلميد‪ ،‬فتثبتوا بذلك عليه سبحانه التشبيه وتدفعوا التوحيد‪ ،‬فتشاركوا النصارى يف قوهلا‪ ،‬ومتازجوا‬
‫أبموركم أمرها‪ ،‬ولو أنكم أنصفتم عقولكم‪ ،‬وتركتم املكابرة عنكم‪ ،‬مث رددمت متشابة األمور إىل حمكمها‪ ،‬وما شذ من‬
‫فرعها إىل أصلها‪ ،‬مث نظرمت إىل النطفة مم هي؟ ومم كانت؟ حىت تنتهوا إىل ما منه ابتدأت وابنت‪ ،‬لوجدمت أصل ذلك‬
‫إن شاء هللا من الطني‪ ،‬وأصل الطني فمن املاء أبيقن اليقني‪ ،‬وكذلك فأصل خلق الشياطني فمن مارج‪ *74‬من انر‪ ،‬فإذا‬
‫رجعتم إىل األصول الثالثة‪ ،‬املفطورة املبتدعة‪ :‬من الرايح اجلارية املسخرة‪ ،‬وما خلق هللا سبحانه من املاء‪ ،‬وما فطر‬
‫فوقه من عجيب اهلواء‪ ،‬مث خلق من هذه الثالثة األشياء مجيع ما ذرأ وبرأ‪ *75‬لكان‪ *76‬حينئذ يصح لكم القياس‪ ،‬وال‬
‫يقع عليكم إن شاء هللا االلتباس‪ ،‬ويبطل األمر الذي تقولون به وتذهبون إليه إذ ال بد أن تقروا أن هذه الثالثة‬
‫األول املوجد ألصل كل ما أوجد‪ *77‬وبرأ؛ فيسقط ما قلتم‬
‫األشياء خلقت وابتدعت من غري ما أصل مبتدأ‪ ،‬وأن هللا ّ‬
‫به يف معىن القول من هللا للشيء من أنه أمر من اآلمر للمأمور‪ ،‬ويثبت القول للموحدين أبن القول من هللا للشيء هو‪:‬‬
‫اج من العدم إىل الوجود والتصوير‪ ،‬أو تثبتوا مع هللا يف األزلية والقدم شيئا‬
‫اإلجياد له والتكوين والتقدير‪ ،‬واإلخر ُ‬
‫وأشياء‪ ،‬فتعاىل عن ذلك العلي األعلى‪ .‬ومن قال من املخلوقني بذلك‪ ،‬وقع حبمد هللا يف غياابت املهالك‪ ،‬وخرج من‬
‫معرفة الرمحن‪ ،‬وأكذب ما ذكر هللا يف القرآن‪ ،‬من قوله‪{ :‬هللا خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل* له مقاليد‬

‫‪ *71‬يف ج‪ :‬ال تقاس عليها األصول‬


‫‪ *72‬األصول‪ :‬هي العناصر األوىل إىل ابتدعت من العدم‪ ،‬والفروع هي إىل تركب وتولف صن موجودة‪ ،‬فاهلواء واملاء والريح والنار أصول تفرعت وركبت منها سائر األجسام‪.‬قلت‪ :‬مل يذكر‬
‫اهلادي منها إال ثالثة‬
‫‪ *73‬يف أ ‪ :‬مصرف‬
‫‪ *74‬املارج‪ :‬اللهب املتقد يف اهلواء‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫* الذرء والربء‪.‬مبعىن‪ :‬اخللق‪.‬‬
‫‪ *76‬قوله‪ :‬لكان جواب ولو‪.‬‬
‫‪ *77‬يف أ و ج ‪ :‬كل ما يوجد ويرى‪.‬‬
‫السموات واألرض والذين كفروا آبايت هللا أولئك هم اخلاسرون} (الزمر‪ )163 ، 62 :‬ولو كان مل خيلق شيئا واحدا‬
‫إذا ملا كان خالقا لكل ما ذكر من األشياء‪ .‬ويف أقل مما قلنابه وتكلمنا‪ ،‬فرق بني إرادة هللا وإرادتنا)‪.78‬‬
‫فالرأي الذي ساقه العالمة حيىي بن احلسني عنه وعن القاضي عبد هللا العنسي ال ينفي يف احلقيقة الصلة بني آراء‬
‫مطرف واملرتضى فاهلادي‪ .‬بل يعززه‪ .‬وإذا كان حيىي بن احلسني يعتقد أبن مطرف توهم أنه يوافق اهلادي فإن التوهم نفسه –‬

‫إذا سلمنا به جدال‪ -‬منبثق من شيء له أساس‪ ،‬فهمه مطرف فأحسن فهمه وعمل على تطويره‪ .‬وحي لو نفرتض أنه إذا‬
‫كان قد انبثق عن أصول هادوية فإن بروزه وكأنه ال يوافق اصله فمرد ذلك إىل التطور ونضوج الفكرة‪.‬‬
‫وقد وقف حيىي بن احلسني نفسه موقفا أنكر فيه على املنصور قوال رواه عنهم‪ .‬قال‪ ( :‬ورأيت لإلمام املنصور ابهلل‬
‫يف "الدرة اليتيمة" أو غريها التشنيع العظيم عليهم يف قوهلم أبن صفات هللا تعاىل وأمساؤه هي نفس ذاته حىت الزمهم ما‬
‫ألزم من اإللزام الشنيع هبذا القول‪ ،‬وكأنه مل يعلم أبنه نص اهلادي رضوان هللا عليه يف جمموعه‪ ،‬وبىن عليه من األئمة‬
‫املتأخرين"احلسني بن القاسم" وغريه؛ وهلذا حرم احملققون أبنه ال تكفري ابإللزام كما ذكرانه؛ إذ يؤدي إىل تكفري أكثر‬
‫أهل اإلسالم وهللا أعلم)‪.79‬‬
‫علينا أن نالحظ أن أراء القاضي "عبد هللا بن زيد" قد جاءت يف وقت مل تعد فيه املطرفية بقادرة على الرد ألن‬
‫سيف اإلمام عبد هللا قد حز الرقاب واجلم األلسن‪.‬‬
‫ويؤكد االنتماء إىل اهلادي أيضا أن ما قال به املطرفيون هو رأي املفكر البلخي املعتزيل شيخ اهلادي‪ .‬قال ابن الوزير‪:‬‬
‫( ذكر اإلمام املهدي "امحد بن حييي املرتضى" انه وقع بينه وبني شيخه القاضي "حيىي بن حممد التأي املرادي‬
‫املذحجي"‪-‬وكان عالمة األصولني ‪ -‬مراجعة يف أمر املطرفية واعتقادهم ‪ ،‬فقال اإلمام "املهدي" اعتقادهم هو اعتقاد‬
‫"أيب القاسم البلخي" بعينه ‪ ،‬وأنكر القاضي ذلك قال اإلمام فأتيته به نصا له يف كتابه "عيون املسائل" واريته إايه‪ ،‬كذا‬
‫‪80‬‬
‫ذكره يف شرحه "الدامغ" لكن يتحقق الكتاب هل هو "عيون املسائل" أم غريه)‬
‫ويقول حيىي بن احلسني‪(:‬ومقالة املطرفية أيضا مقالة النظام واجلاحظ من املعتزلة‪ .‬قال ابن نباتة‪ 81‬يف شرح رسالة‬
‫بن زيدون أن النظام كان يقول‪ :‬أن هللا تعاىل خلق املوجودات دفعة واحدة على ما هي عليه اآلن معادان ونباات وحيواان‬
‫‪82‬‬
‫وإنساان‪ ،‬ومل يتقدم خلق آدم على خلق أوالده‪ ،‬غري أن هللا أكمن بعضها يف بعض)‬
‫ويقول د‪ .‬امين فؤاد السيد‪ (:‬ويتفق املطرفية مع مدرسة املعتزلة البغدادية اليت أتثر هبا كثريا اإلمام اهلادي إىل احلق‬
‫نفسه حىت أن سليمان احمللي مؤلف كتاب"الربهان الرائق" كثريا ما نده يؤيد أراء البغداديني يف مسائل اخلالف بني‬

‫‪172-170‬‬ ‫‪ 78‬اجملموعة الفاخرة‬


‫‪ 79‬املستطاب ‪74‬‬
‫‪80‬‬
‫اتريخ بين الوزير ‪196‬أ‪ .‬وانظر املستطاب ‪ 72 :1‬و‪73‬‬
‫‪81‬‬
‫النظام‪ :‬أبو إسحاق إبراهيم بن سيار بن هاين املصري من أئمة املعتزلة‪ .‬تويف عام‪( 945/231‬األعالم‪ .36 :1‬املنجد ‪)535‬‬
‫اجلاحظ ولد ابلبصرة عام ‪ .180– 79 /163‬تويف عام ‪( 869/255‬األعالم ‪ .239 :5‬املنجد ‪)123‬‬ ‫‪‬‬
‫‪)530‬‬ ‫ابن نباته‪ :‬عبد الرحيم ولد يف ميافارقني بداير بكر عام ‪ .946 /335‬تويف ‪( 984/374‬األعالم ‪ .123-122 :4‬املنجد‬ ‫‪‬‬

‫‪82‬‬
‫املستطاب ‪73 :1‬‬
‫معتزلة البصرة ومعتزلة بغداد‪ ،‬وكثريا ما يذكر اتفاق آرائه مع آراء املعتزلة البغدادية‪ ،‬ويعتمد يف ذلك على كتاب‬
‫املقاالت ألىب القاسم البلخي الكعيب املتوىف سنة ‪ 931/319‬أحد شيوخ املعتزلة البغداديني‪ ،‬وهو يؤيد آراء املعتزلة‬
‫البغداديني يف أن أول واجبات اإلنسان تكون يف معرفة هللا وليس يف النظر الذي يؤدي إىل معرفة هللا كما يقول معتزلة‬
‫‪83‬‬
‫البصرة)‬
‫ومع ذلك فإن املطرفية‪-‬كما يقول د‪ .‬امين السيد‪ -‬ختالف املعتزلة البغدادية (عندما خيالفون تعاليم اهلادي فيذكر‬
‫سليمان احمللي‪":‬أن املعدوم ليس شيئا" وهذا عكس رأي معتزلة بغداد‪ .‬كما يوافقون اهلادي يف القول أبن الصفات‬
‫‪84‬‬
‫اإلهلية متساوية كلها ابألخرى ومع الذات‪ .‬وهذا رأي ال يتفق عليه املعتزلة‪.‬‬
‫(كذلك يرفض املطرفية تفكري املعتزلة يف [النظرية الذرية] فرفضوا وجود الذرات حيث أن اجلوهر عندهم جزء‬
‫ال يتجزأ‪ ،‬ويعتقدون أن أعراض األجسام ليست إالّ أوصافها‪ -‬أي الصفات واألحوال اليت متر هبا؛ فاحلوادث ال حتدث‬
‫إذن كما يقول املعتزلة بصفة عفوية خمتارة من هللا‪،‬إمنا تنتج من تغيري العوامل على طبيعتها‪.‬‬
‫( كذلك خيتلفون مع املعتزلة يف أن احلوادث ميكن أن ترى وتسمع أو تدرك ابحلواس؛ فاألجسام فقط هي اليت‬
‫ميكن أن تدرك ابحلواس)‬
‫‪85‬‬

‫إذن فاملطرفية متلك ابلرغم من أتثرهم أبقوال املعتزلة رأاي مستقال وواضحا بنته على أفكار اهلادي‪ .‬ومن هنا فنحن مع‬
‫د‪ .‬امين يف استبعاد أي أتثري للفلسفتني اليواننية واإل اعيلية عليه‪ 86.‬وذهب مع الربفسور مادلونج املتخصص يف الدراسات‬
‫الزيدية والذي توفر على درس كتاب "إ اعيل احمللي" "الربهان الرائق املخلص من ورط املضائق" وهو األثر الوحيد الباقي من‬
‫‪87‬‬
‫كتب املطرفية‪ .‬وخرج منه رافضا قبول أي آاثر ملفردات يواننية أو إ اعيلية‪.‬‬
‫وبعد هذا كله ال يسعنا إال أن نوافق أحد كبار علماء الزيدية املخرتعة املنصفني "علي بن عبد هللا بن أىب اخلري‬
‫الصائدي“ الذي وصفهم بقوله بعد أن درس كتبهم ‪(:‬وقفت ابلرجو مع بعض أهله‪ -‬وكان الرجو من داير التطريف‪-‬‬
‫على كتب عديدة فيها خالصة مذهبهم وحتقيق قواعد قواعدهم فلم أجد فيها شيئا من املوجب لتكفريهم وإمنا‬
‫اعتقادهم اعتقاد أىب القاسم البلخي قال "‪ :‬وهم عندي أئمة حماريب)‬
‫‪88‬‬

‫هذه إذن هي املطرفية وهي قد سعت إىل حتقيق أفكارها عرب تطور فكري متنام حي بلغ نضجه بعد حني‪ .‬وكأي‬
‫فكرة عقلية منفتحة فإهنا تتوسع وتنتشر‪ .‬وقد قال خصمهم الشديد الغيظ العالمة "عبد هللا بن زيد العنسي" أهنا تشعبت إىل‬
‫مخس فرق‪ .89‬وهذا يدعو إىل مزيد من الدراسة ملعرفة رأي كل فرقة كما هو احلال مع املعتزلة وإسناد ما قالت إليها هي‬

‫‪83‬‬
‫‪Madelung, op.cit.,p.76‬‬ ‫‪ .252‬ويعتمد يف رأيه هذا على‬ ‫اتريخ املذاهب الدينية‬
‫‪84‬‬
‫على‪Ibid.,pp.77:‬‬ ‫نفس املصدر معتمدا‬
‫‪85‬‬
‫على‪Ibid.,o.78:‬‬ ‫‪ .253‬معتمدا‬ ‫اتريخ املذاهب الدينية‬
‫‪86‬‬
‫‪Strothmann,R.,<Die Litteratur der Zaiditen>,Der Islam 11(19 11)p.69‬‬ ‫اتريخ املذاهب ‪ .250‬معتمدا على‬
‫‪87‬‬
‫‪Madelung,op.cit.,p79‬‬ ‫نفس املصدر‪ .‬معتمدا على‪:‬‬
‫‪ 88‬اتريخ بين الوزير ‪196‬أ‪ .‬وانظر املستطاب ‪ 72 :1‬و‪73‬‬
‫‪89‬‬
‫املستطاب‪76 :1‬‬
‫وليس إىل املطرفية ككل‪ .‬فالكمونية ليست رأي كل املعتزلة أمنا قال هبا البعض‪ ،‬ومن مث فال ميكن أن ننسبها إىل املعتزلة‬
‫كفرقة وإمنا إىل املعتزيل كمفكر‪ ،‬ولكن كتب املطرفية قد أبيدت ومل يبق منها سوى كتاب واحد هو "الربهان الرائق املخلص‬
‫من ورط املضائق" للعالمة سليمان بن حممد احمللي فال نستطيع أن نعيد كل رأي إىل فرقة ما وال نقومها تقوميا علميا حمضا‪.‬‬
‫ولكن علينا أن نتابع ونستخرج من بطون الكتب املتفرقة‪ .‬ومن هنا ميكن القول أبنه قد يوجد بعض آراء شاذة شأهنا شأن‬
‫بقية املذاهب األخرى‪ .‬على أننا جيب أن ننبه بقوة إىل أن كثريا منها ورد عن طريق اإللزام وليس عن طريق النص‪ .‬واإللزام‬
‫هو استنتاج ملا يفهمه املرء‪ .‬ومن هنا فقول خصومهم‪ :‬قالت املطرفية ال يعين أنه منزوع من نص دائما‪ ،‬وإمنا يعين أنه‬
‫مستوحى منه أو مستنتج عنه أحياان‪ .‬ولغياب النصو فمن املتعذر احلكم األخري‪ .‬والدليل على ذلك أن كل من ترجم هلم‬
‫يقر بقوة إمياهنم وشديد خوفهم من هللا وأهنم عباد حماريب‪ .‬واخلوف منه تعاىل ال ينجم من كفر‪ ،‬وإمنا من إميان كإميان‬
‫األنبياء؛ فقد كان رسول هللا وهو الذي غفر له ما تقدم من ذنب وما أتخر شديد اخلوف من هللا وكثري العبادة‪.‬‬
‫وكأي مذهب فكري فإنه يطور نفسه‪ .‬وقد شهد هذا الفكر تطورا هادائ منذ اهلادي حيىي بن احلسني إىل أن مت‬
‫القضاء عليه‪.‬‬
‫تكفري املطرفية وغريهم ابإللزام ال جيوز ‪.‬‬
‫وهنا نصل إىل قضية مهمة كانت سببا رئيسيا يف استحالل الدماء وكبت احلرايت وهي قضية التكفري والتفسيق‬
‫مقدمة إلصدار حكم إدانة‪ .‬وكان موقف اإلمام عبد هللا بن محزة هذا أول موقف أدخل الزيدية فيما دخل فيه احلكام‬
‫األمويون والعباسيون عندما كانوا يدينون الناس ويقتلوهنم بسبب أفكارهم‪.‬‬
‫قال حيىي بن احلسني عن صاحب الفضائل‪( :‬وقد اختلفت الزيدية يف تكفري املطرفية؛ فقال اإلمام املنصور‬
‫ابهلل"عبد هللا بن محزة" أهنم كفار تصرحيا‪ ،‬وال يفرق يف ذلك بني دار احلرب ودار الكفر يف حق املطرفية وأهل اجلرب‬
‫وحنوهم من املشبهة‪ .‬قال[املنصور] يف حق املطرفية‪ :‬زادوا على كفار اجملوس والنصارى‪ .‬وكذا اجملربة‪ ،‬وحيكم عليهم‬
‫حكم احملاربني‪ ،‬وسار فيهم بذلك‪.‬‬
‫وأما ا ألمري املنتصر"حممد بن املفضل" املعروف ابلعفيف وأبنا أخيه فلم يعتقدوا تكفري املطرفية وال تكفري اجملربة‬
‫وحنوهم بناءا على رأي من مل يكفر ابإللزام والتأويل من أهل البيت كاملؤيد ابهلل "امحد بن احلسني اهلاروين" [‪-333‬‬
‫‪/411‬من ‪ 944‬إىل ‪]1021-20‬ورواه عن كافة أهل البيت‪ .‬وقال يف "الزايدات"‪" :‬ال أرى فيما أرى أحدا يكفر‬
‫ابإللزام" وقال مثل ذلك القاضي "عبد هللا الدواري" يف "شرح الزايدات"‪ 90‬قال‪" :‬وهذا هو الذي يصححه أصحابنا‬
‫وهو املعمول عليه‪ .‬ومراد املؤيد ابهلل أنه مل ير ذلك أحد من املتقدمني وإالّ فقد ذهب "حممود املالمحي" وغريه إىل‬
‫ذلك" قال القاضي "عبد هللا الدواري" رمحه هللا يف تعليق"شرح األصول اخلمسة" "قال اجلمهور ال يكفر ابإللزام وال‬
‫يفسق‪ .‬وقال "حممود" بل يكفر به ويفسق"‪ .‬قال صاحب الفضائل‪":‬وما قاله[حممود] ضعيف ألنه لو صح لزم كفر كثري‬
‫من أهل املذاهب وتفسيقهم‪ .‬والكفر والفسق إمنا يكوانن ملا يدين به املكلف قوال وعمال واعتقادا الما يكره ويتربأ‬
‫منه‪ .‬قال يف البحر‪" :‬هو كاإلكراه يف عدم ثبوت الردة به" وكذا ذكره الفقيه "علي بن أيب اخلري" وقال‪":‬اإللزام نوع من‬
‫القياس"‪ .‬قال اإلمام "حيىي بن محزة"‪":‬وهو ظين ال يكفر به‪ .‬قال‪ :‬ونقل أصحابنا عن اهلادي والقاسم القول بكفر‬

‫‪ 90‬يسميه حيىي بن احلسني يف املستطاب اإلرادات على الزايدات‪ .‬ويسميه الشوكاين‪ :‬كسف املراد على على الزايدات (أعالم املؤلفني الزيدية ‪)572‬‬
‫املتأول فلم أجده نصا وال وجدت ما ُخيرج عليه ذلك من مذهبهم‪ .‬وكذلك ذكره الفقيه"علي الوشلي"‪ 91‬إالّ انه قال‪":‬‬
‫وهو ختريج هلما" وقال "الدواري" يف كتابه "الديباج" [معلقا]على قوله يف اللمع‪" :‬واخلرب كفر على ظاهر قول القاسم‬
‫وحيىي" فقال الدواري‪" :‬ظاهر كالم أيب طالب وكالم أصحابنا يف مواضع أنه ختريج" انتهى‪ .‬قلت‪ :‬وذلك ألن مجيع ما‬
‫أطلقه اهلادي يف جمموعه من الكفر فإمنا هو واقع على ما الزم به فقط ألنه يُلزم أوال‪ ،‬مث نقول ومن قال بذلك فهو‬
‫كافر وهم ال يلتزمونه فلذلك مل يوجد له تصريح بكفر املتأول ابإللزام كما ذكره اإلمام حيىي[بن محزة] والفقيه علي‬
‫الوشلي‪ .‬وأما قول الفقيه علي‪ :‬انه ختريج هلما ذلك فقول ساقط ألن املسألة علمية فال يعلم ابلتخريج نصهما وال‬
‫قوهلما أصال‪ .‬والظاهر‪ :‬أن قوهلما عدم تكفري املتأول ابإللزام أصال‪ ،‬وال سيما مع ورعهما الشديد يف ذلك‪ ،‬وأعرتض‬
‫أبن قد ذكر اهلادي يف مسألة الذابئح من جمموعه حترمي ذبيحة اجملربة واملشبهة‪ .‬وذكر"محيد الشهيد" يف "احلدائق‬
‫الوردية" يف ترمجة اهلادي أنه ملا دخل جهة "آمل" مل أيكل من اللحم فقيل له يف ذلك فقال ألن يف هذه البالد جمربة‬
‫مشبهة‪ .‬وأجيب أن ما ذكره يف اجملموع يف مسألة الذابئح فذلك يف ذبيحة اجملرب امللتزم للجرب العامل به الشارح صدره‪.‬‬
‫والكالم يف التكفري ابإللزام ملن ال يلتزمه‪ .‬فأما املعتقد للجرب فهذا ليس هو حمل النزاع‪ .‬وأما ما ذكره يف"احلدائق" فهو‬
‫يف سياق الورع للهادي؛ فإن "محيد الشهيد" صاحب احلدائق ذكر ورع اهلادي يف أشياء عدها‪ ،‬مث ذكر ذلك من‬
‫مجلتها‪ ،‬أو أنه كان ذلك الوقت يف تلك األرض جمربة يلتزمون اجلرب ويعتقدونه‪ 92.‬وما روي من إمجاع "أهل البيت"‬
‫على كفر اجملربة واملشبهة فاملراد به الذين يلتزمون التشبيه واجلرب ويعتقدونه‪ .‬وأما من مل يلتزمه منهم فاخلالف ابرز كما‬
‫‪93‬‬ ‫ذكره العلماء‪).‬‬
‫فما هو اإللزام؟‬
‫جييب ابن الوزير ‪( :‬اإللزام هو أن يلزم الغري على ما يقول به ما ال يقول به فيقول‪ .‬واىل ذلك ذهب كثري من‬
‫املتأخرين من" املعتزلة و "االشعرية" فال يكفر عندهم املشبه الذي ال يقول ابللحمية والدمية‪ ،94‬واآلراء يف ذلك‬
‫خمتلفة وكذا الرواايت عن العلماء واألئمة ‪ ،‬ومذاهب كثري من أئمتنا املتأخرين القول ابلتكفري كمذهب أيب طالب‬
‫وروايته عن "اهلادي" و "القاسم" ‪ ،‬واكثر األئمة بعد اهلادي عليه السالم خال أن اإلمام املنصور ابهلل عليه السالم‬
‫خالف األئمة ابعتقاده لكفرهم وال يفرق بني دار احلرب ودار الكفر‪ ،‬وقال يف حق املطرفية زادوا على كفار اجملوس‬
‫‪96‬‬
‫والنصارى وكذا "اجملربة"‪ 95‬وحكم عليهم حبكم " احملاربني " وسار فيهم بذلك)‬
‫فهل جيوز التكفري ابإللزام؟‬

‫‪ 91‬علي بن حيىي الوشلي‪ :‬من كبار علماء الزيدية‪ .‬تويف ليلة االثنني ‪ 15‬شوال عام ‪ 7/777‬مارس ‪ 1376‬بصعدة (أعالم املؤلفني الزيدية ‪)729-728‬‬
‫‪92‬‬
‫قلت‪ :‬ولعله كان رأاي للهادي يف شبابه مث انصرف عنه بدليل أننا مل جند عنده تصرحيا به ولو كان رأيه لكرره وأعلنه‪ .‬وهللا اعلم‪ -‬احملقق‬
‫‪ 93‬املستطاب‪ .73-72 :1‬وانظر اتريخ بين الوزير ‪199‬أ‬
‫‪ 94‬اللحمية والدمية يشرحهما يف املستطاب فيقول‪ :‬يعين بل مطلق اجلسمية ال كاألجسام‬
‫‪ 95‬اجملربة سنتحدث عنهم بعد قليل‪.‬واحملاربني الذين حياربون هللا ورسوله‬
‫‪ 96‬اتريخ بين الوزير ‪100‬أ املستطاب‪ .72 :1‬واحلق أن اجتهاد اإلمام السياسي مل خيل من ضرر‪ ،‬ولذا فيجب أن يلغى العمل به ر يذا ويظذل اختيذاراي وإال كيذف نقبذل أن أي مثذل اإلمذام‬
‫عبد هللا بن محزه فيجتهد أن طائفة من املسلني ليسوا كفارا وللكفار حرمة دينهم وأمواهلم وأعراضذهم وعقائذدهم وإمنذا هذم أيضذا دار حذرب حذ الل دمذائهم وأعراضذهم وأمذواهلم ‪ ،‬لقذد دعذوان‬
‫يف كتابنا تصحيح املسار والفردية إىل تقييد االجتهادات السياسية بلجنة خمتصة من كبار العلماء اتبعة جمللس الشورى هلذا السبب ولئال ما أي جمتهد اخر فيحل الدماء ‪.‬‬
‫جييب ابن الوزير‪ :‬اجلمهور ال يكفر ابإللزام وال يفسق و (من ال يكفر ابإللزام والتأويل من "أهل البيت" كاملؤيد‬
‫ابهلل‪ 97‬عليه السالم ورواه عن اجلميع من "أهل البيت" فقال يف "الزايدات"‪( :‬ال أرى فيما حيفظ أحدا يكفر ابإللزام)‬
‫وقال مثل ذلك القاضي "عبد هللا"‪ 98‬يف "شرح الزايدات"‪ 99‬يف هذا املوضوع فقال‪" :‬وهذا الذي يصححه أصحابنا‬
‫‪100‬‬
‫وغريه إىل‬ ‫وهو املعمول عليه ومراد "املؤيد ابهلل" انه مل يرد ذلك ألحد من املتقدمني وإال فقد ذهب "حممود"‬
‫ذلك" وكذا قال القاضي "عبد هللا" يف تعليق الشرح"‪" :‬اجلمهور ال يكفر ابإللزام وال يفسق وقال "حممود" بل يكفر به‬
‫ويفسق‪ ،‬وما قاله ضعيف‪ ،‬ألنه لو صح لزم تكفري كثري من أهل املذاهب وتفسيقهم والفسق والكفر إمنا يكوانن مبا‬
‫يدين به املكلف قوال وعمال أو اعتقادا إال ما ينكره ويتربأ منه" وقال يف "البحر"‪ " :‬هو كاإلكراه يف عدم ثبوت الردة‬
‫به"‪ 101‬وكذا ذكره الفقيه "علي بن عبد هللا بن آيب اخلري" وقال‪" :‬اإللزام نوع من القياس" قال اإلمام "حيىي" "وهو ظين‬
‫ال يكفر به" قال اإلمام حيىي يف "العمدة"‪" 102‬نقل أصحابنا عن اهلادي و"القاسم" القول بكفر املتأول ومل أجد هلما‬
‫نصا وال وجدت ما خيرج عليه من ذلك مذهبهما" وكذا ذكر الفقيه "علي بن حيي الوشلي"إال انه قال‪" :‬هو خترج‬
‫‪103‬‬
‫هلما")‬
‫ويقول حيىي بن احلسني‪:‬‬
‫(واعلم أن التكفري ابإللزام‪ :‬اجلمهور على أنه ال يكفر به وال يفسق‪ ،‬إالّ أن يلتزمه‪ .‬وقد قال بعدم التكفري من‬
‫وفقهاؤه‪ ،‬واإلمام "عز الدين بن احلسن"‪ 105‬وولده اإلمام "احلسن"‪ 106‬والسيد"حممد‬ ‫‪104‬‬ ‫املتأخرين اإلمام "شرف الدين"‬

‫‪97‬‬
‫املؤي ذذد ابهلل امح ذذد ب ذذن احلس ذذني ب ذذن ه ذذارون‪ .‬ول ذذد م ذذل طربس ذذتان ع ذذام‪.944 /333‬دعذ ا س ذذنة‪ 990 /380‬و مم ذذن ابيع ذذه قاض ذذي القض ذذاة اهلم ذذداين والص ذذاحب ب ذذن عباد‪.‬ل ذذه‬
‫مؤلفات شهرية تبلغ حوايل‪ 17‬كتااب‪ .‬تويف يوم عرفة‪( 1020/411‬التحف ‪ )87-85‬الوجيه مقدمة (األمايل الصغرى‪)27-8‬‬
‫‪98‬‬
‫القاضي عبد هللا‪ :‬املراد به شيخ اإلسالم الكبري عبد هللا بن احلسن الدواري‪ .‬ولد‪ . 1315/715‬تويف ‪6‬صفر‪ 28/800‬أكتوبر‪( 1397‬البدر الطالع‪)381-1:381‬‬
‫‪ 99‬ذكر حيىي ابن احلسني اسم هذا الكتاب منسواب إىل الدواري (الطبقات ‪ )72‬لكن احلبشي نسبه للعالمة احلسن بن حممد النحوي وذكر أن حيىي بن احلسني يف املستطاب ا للعالمة عبد‬
‫هللا بن احلسن الدواري كتاب اإلرادات على الزايدات أو كشف املراد على الزايدات كما اه الشوكاين يف إحتاف األكابر(مصادر احلبشي ‪112‬و‪ )113‬وقد سبق أن له شرحا بقلم‬
‫أبو مضر سريح‪.‬‬
‫‪ 100‬املراد به حممود املالمحي‬
‫‪ 101‬يقصد به " البحر الزخار اجلامع ملذاهب علماء االمصار " ل مام املهدي امحد بن حيىي املرتضى‬
‫‪ 102‬يقصد به اإلمام حيي بن محزة تقدمت ترمجته ‪ .‬والعمدة ‪ :‬كتاب يف الفقه قال زابرة ‪ :‬يقع يف ستة جملدات اشتمل على مجيع إيرادات املذاهب ابحلجج والشواهد من القرآن واألحاديث‬
‫والقياسات (أئمة اليمن ‪ .229 :1‬حكام اليمن ‪)144‬‬
‫‪103‬‬
‫اتريخ بين الوزير ‪199‬أ ومن مل يكفر ابإللزام العالمة ابن الفضل الشرويين صاحب املؤيد اهلاروين (الطبقات ‪)56‬‬
‫‪104‬‬
‫اإلم ذذام ش ذذرف ال ذذدين حي ذذىي ب ذذن ص ذذس ال ذذدين‪ :‬ول ذذد حبص ذذن حض ذذور الش ذذيخ ع ذذام‪ .1472/877‬ت ذذوىل احلك ذذم ع ذذام ‪ .1506-912‬وت ذذويف ع ذذام ‪ 1557/965‬ع ذذد ل ذذه‬
‫احلبشي‪ 24‬كتااب ورسالة(حكام اليمن ‪)223-216‬‬
‫‪105‬‬
‫اإلمذام عذذز الذذدين بذذن احلسذن‪ :‬ولذذد سذذنة ‪ .1441/845‬دعذذا إىل نفسذذه عذام‪ .1474/879‬تذذويف عذذام‪ 1494/900‬عذذد لذذه احلبشذي ‪ 23‬كتذذاب ورسذذالة (حكذذام الذذيمن‬
‫‪)212-206‬‬
‫‪106‬‬
‫احلسن بن عز الدين بن احلسذن‪ :‬ولذد عذام ‪1457/862‬م دعذا إىل نفسذه عذام ‪ .1494/900‬تذويف عذام‪ .1522/929‬عذد لذه احلبشذي مخسذة كتب(حكذام الذيمن‬
‫‪)215-213‬‬
‫صاحب "الفصول"‪ .‬وصرح السيد"إبراهيم‬ ‫‪107‬‬
‫بن إبراهيم الوزير" وصنوه "اهلادي" وهو قول السيد إبراهيم بن حممد"‬
‫بن حممد" املذكور بعدم كفر املطرفية وهو قول السيد"اهلادي بن حيىي" صنو "املهدي" والسيد"حممد بن عز الدين‬
‫املفيت" ووالدان العالمة "احلسني بن أمري املؤمنني" وخالئق آخرون‪ ،‬وعليه األشاعرة كافة فإهنم ال يكفرون ابإللزام‪ .‬قال‬
‫صاحب الفضائل‪" :‬وكان قول اإلمام املنصور ابهلل ابلتكفري ابإللزام تصرحيا بسبب نفرة املطرفية عنه ألجل ما حدث‬
‫منه من املخالفة للهادي يف مسائل‪ ،‬ونفرة اإلمام أيضا عنهم‪ ،‬وإالّ فقد كانوا من مجلة شيعته واملتابعني له واملؤمتني‬
‫جبمعته ومجاعته‪ .‬مث انه قام اإلمام املنصور ابهلل عليهم ونكلهم وقتلهم يف مجيع أماكنهم وهدم مساجدهم حىت املساجد‬
‫اليت بوقش وسناع‪ -‬ومسجدهم بسناع هو املسجد املعروف مبسجد عزابه‪ -‬واستباح اإلمام منهم ما استباح وأعلن‬
‫تكفريهم يف كتبه ورسائله وأشعاره وأراجيزه واحتجاجاته وسائر مقصوراته‪ .‬ومن أشعاره قصيدته الرائية اليت ذكر فيها‬
‫ابتداء مذهبهم‪ .‬وكذا ذكره القاضي "عبد هللا الدواري" يف "الشريدة" وأجاب هذه القصيدة عالمتهم"احلسن بن حممد‬
‫النساخ" صاحب الرسالة املشهورة ‪ ..‬حىت انه ذكر يف جوابه على هذه القصيدة خالصة مذهبهم وتربأ من أمور نسبت‬
‫إليهم ال يقولون هبا‪ .‬قلت‪ :‬ورأيت لإلمام املنصور ابهلل يف "الدرة اليتيمة" أو غريها التشنيع العظيم عليهم يف قوهلم أبن‬
‫صفات هللا تعاىل وأمساؤه هي نفس ذاته حىت الزمهم ما ألزم من اإللزام الشنيع هبذا القول‪ ،‬وكأنه مل يعلم أبنه نص‬
‫اهلادي رضوان هللا عليه يف جمموعه‪ ،‬وبىن عليه من األئمة املتأخرين"احلسني بن القاسم وغريه؛ وهلذا حرم احملققون أبنه‬
‫‪108‬‬‫ال تكفري ابإللزام كما ذكرانه؛ إذ يؤدي إىل تكفري أكثر أهل اإلسالم وهللا أعلم‪).‬‬
‫(‪)6‬‬
‫نشاطهم العلمي‬
‫تلك كانت هي املطرفية‪ .‬ويبدو أن أفكارها وجدت استجابة واسعة يف صال اليمن حي قال ابن الوزير (وكانوا قد‬
‫انتشروا وأتسس مذهبهم يف مجيع بالد الزيدية وطالت مدة لبثهم إىل حنو ثالمثائة سنة)‪ .109‬وقال حيىي بن احلسني‪:‬‬
‫(وقد كان هؤالء املطرفية قبائل ضخمة فأقمأهم هللا تعاىل وطهر البالد منهم ملا حارهبم اإلمام املنصور ابهلل وقتل منهم‬
‫واحتج عليهم حبجج كثرية‪ ،‬واألكثر منهم اتبوا ورجعوا وصاروا سيوفا على الباقي من املطرفية‪ .110).‬وقال أبو الرجال‪:‬‬
‫(بدعة التطريف نشأت عام‪1058 /450‬وكادت تعم)‪ 111‬وهذا يعين انه أصبح هلم مكانة يف اجملتمع حيسب هلم‬
‫حساب‪ ،‬ويؤخذ رأيهم حبسبان؛ وهلذا ملا مل يوافقوا اإلمام عبد هللا بن محزة يف خطه السياسي والفكري – وقد أصبحوا بتلك‬
‫القوة‪ -‬أزعجه ذلك األمر كما أزعج إماما له من قبل هو "أمحد بن سليمان" فاختذ املنصور من آرائهم سببا لقتاهلم واستباحة‬
‫أمواهلم وأعراضهم‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫صارم الدين إبراهيم بن حممد مؤلف الفصول اللؤلؤية املشهور توىف ‪ 2‬مجادى اآلخرة ‪ 27 /913‬سيبتمرب‪1508‬‬
‫‪ 108‬املستطاب‪74-73 :1‬‬
‫‪ 109‬اتريخ بين الوزير ‪197‬آ‬
‫‪ 110‬املستطاب ‪77 :1‬‬
‫‪111‬‬
‫‪ 392‬ترمجة مطرف بن شهاب‪ .‬وقد قدمنا أهنا نسأت قبل هذه الفرتة ولكنها كانت يف هذا العام قد استوت على عودها وأطلقت أشرعتها‪.‬‬ ‫مطلع البدور‬
‫نشط املطرفيون يف نشر معتقداهتم نشاطا عظيما‪ ،‬فأنشئوا اهلجر العلمية يف كل املناطق الزيدية‪ .‬واستجاب الناس‬
‫هلم وانثالوا إليهم‪ .‬وتكونت نتيجة لذلك ثقافة شعبية رفيعة حقق فيها املطرفية التعاونية املطلقة والتضامن املذهل‪ .‬ونظرة‬
‫واحدة إىل هجرهم العلمية يرتد الطرف وهو مبهور مبا رأى مكرب ملا شاهد‪ .‬ونظرة أخرى إىل تعاوهنم وتضامنهم وإخائهم يرن‬
‫السمع أبعجب العجاب‪ ،‬ونظرة واحدة إىل إمياهنم وحسن عبادهتم وخوفهم من هللا يطرق البصر خاشعا متبتال مبا أنعم هللا‬
‫عليهم‪.‬‬
‫ومن أشهر هذه اهلجر هجرة ريدة وكان حمفوظ تلميذ الطربي يسكن ريدة‪ 112‬وكذلك علي بن أيب الفوارس و"عبد‬
‫هللا بن أيب عبد هللا‪ 113‬وعلي بن حرب‪ .‬ونبغ أو عاش فيها طائفة من نوابغ املطرفية؛ كذ"عبيد هللا" وولديه "علي" و"احلسني"‬
‫اللذين سبق احلديث عنهما‪ .‬ومن أشهرها هجرة سناع اليت أسسها مطرف نفسه و هجرة مدر ال نعرف مي أتسست‬
‫و هجرة‬ ‫‪114‬‬
‫ولكننا نعرف أن كثريين من املطرفيني كانوا ينزلوهنا كمطرف بن شهاب وولده علي بن مطرف بن شهاب‬
‫الرجو وهجرة قاعة و هجرة شعب بن زايد وهجرة دار أحيد‪ ،‬وأشهرهن على اإلطالق هجرة وقش اليت أسسها على‬
‫التقوى ابن أيب اهليثم ال وكانت كلها مراكز علمية‪ ،‬ذات مكتبات عظيمة‪.‬‬
‫إىل جانب اهلجر كانت البيوت تقوم مبا تقوم به األندية الثقافية‪ .‬ويذكر لنا مسلم اللحجي أن علي بن عبيد‬
‫هللا(كان يتسع هلم يف داره[أي ملشايخ الزيدية] للحديث كل ليلة ويتدارسون العلم)‬
‫‪115‬‬

‫ويف ترمجة إ اعيل املزين جند صورة رائعة لألخوة اإليثارية اليت كان يقوم هبا إلسعاد أصدقائه من املطرفية؛ فيذكر‬
‫مسلم ‪ :‬أن إ اعيل كان مقيما مبدر‪ ،‬وأنه كان لديه حقل عنب واسع وكان(عند اجتماع الزيدية مبدر يف اخلريف جيعل منه‬
‫يوم اجلمعة فيأخذهم إىل عنبه فيأكلون يومهم ويزينهم‪ ،‬وحيلق روؤسهم وينفعهم من صناعته مبا حيسن‪ ،‬ويصلح من‬
‫شأهنم ما ميكنه‪،‬مث يروح هلم فيعشيهم فكان هذا دأبه حىت يتفرقوا يف البالد)‬
‫‪116‬‬

‫وكانوا يسعون إىل نشر العلم يف القرى واألماكن البعيدة والقاصية فيعلمون النساء والصبيان‪ .‬يقول حيىي بن‬
‫احلسني‪(:‬وكان هلم شيخ أعمى يطوف يف املشارق واملغارب‪ ،‬ويغرس عقائدهم‪ ،‬ويعلم النساء والصبيان فأمر اإلمام‬
‫[املنصور] مجاعة فجاءوا به إليه فضرب عنقه)‬
‫‪117‬‬

‫وكان البعض منهم جيين العلم من كل مصدر‪ ،‬ويتسقطه من كل فم متعلم‪ .‬قال مسلم اللحجي عن فضائل‬
‫"إ اعيل بن أيب بكر" التعليمية‪( :‬أنه كان يغتنم اجتماع املشايخ ورجال العلم منهم؛ فإذا تفرقوا لطهور أو صالة أو‬
‫قضى حاجة يف منازهلم دار إىل الصبيان واألحداث فيلقاهم يف الطرقات فيقول هلذا‪ :‬علمين مسألة‪ .‬ويقول ما كانت‬

‫املستطاب‪49 :1‬‬ ‫‪112‬‬

‫املستطاب‪69 :1‬‬ ‫‪113‬‬

‫اتريخ اليمن الفكري ‪118 :3‬‬ ‫‪114‬‬

‫‪115‬‬
‫املستطاب‪70 :1‬‬
‫‪116‬‬
‫املستطاب‪93 :1‬‬
‫‪117‬‬
‫املستطاب ‪112 :1‬‬
‫مسألتك اليت تعلمت فيخربه ويستعيده‪ ،‬ويلتمس آخر فيقول له كذلك ال يرى أن مير به ساعة من عمره يف غري ما هو‬
‫أوىل به من طلب ما يعينه يف صالح دينه‪ .‬وكانت صناعته خياطة الثياب)‬
‫‪118‬‬

‫ومن خالل بعض الرتاجم تعرفنا على وسائلهم يف التعليم فكان هلم اجتماعات ليلية يف بيت من البيوت كما كان‬
‫احلال مع علي بن عبيد هللا الذي (كان يتسع هلم يف داره للحديث كل ليلة ويتدارسون العلم وكان ال يزال يذبح الذابئح‬
‫‪119‬‬
‫ويعمل الطعام ويدعو الزيدية ويطعمهم)‬
‫وكان أليب الفوارس جملس علم يقصده كل راغب يف العلم وقد ذكر مسلم أنه كان عبدا لبعض الناس وكان من‬
‫‪120‬‬
‫الصاحلني كان يشتغل مع مواله هناره (مث أي حمل أيب الفوارس فيسمع منهم ويكتب يف لوحه ما حيتاج إليه)‬
‫وكانوا يف غاية من التقوى العملية فيذكر مسلم أن إ اعيل املزين كان يقسم عنبه على سهمني مث يقسم سهما‬
‫منهما أمخاسا حلماة العنب ُمخُ ُسه وألولياء هللا تعاىل ُمخُ ُسه‪ 121‬وقد ضرب علي بن أيب الفوارس يف هذا الباب منوذجا رفيعا‪.‬‬
‫وذكر حيىي بن احلسني‪ :‬أن "ابن أىب اهليثم" ترك مدر ومل يلتفت (إىل ما مبدر من أموال هللا والوصااي والصدقات‬
‫اليت تصرف إىل اهلادوية‬
‫)‪122‬‬

‫وكانوا يصدرون عن رأي األكثرية ويتخذون قراراهتم حسبما يصل إليه جملس الشورى السنوي العام‪ .‬نلمس ذلك من‬
‫فقرة وردت يف سرية اإلمام عبد هللا بن محزة أثناء حديثه عن اجتماعهم يف وقش ملناقشة سرية اإلمام عبد هللا بن محزة فقال‬
‫(واجتمع إليهم من أطـراف البـالد خلـق حلضـور "اجمللس فـي وقش" على ما يعتادون ذلك يف كل سنه)‬
‫‪123‬‬

‫خلقت تلك اهلجر وتلك اجلهود حركة علمية مباركة ونشطة ما لبثت أن توسعت وانتشرت يدعمها سلوك ممتاز‪،‬‬
‫وعقلية مدركة وتطبيق أمني ملا تؤمن به‪ .‬إن قائمة حافلة بشخصيات هذه املرحلة تعكس أتلق النظرية من خالل ممارسات‬
‫منقطعة النظري‪ .‬فذ "علي أبو الفوارس اهلمداين اللعوي" وزوجه العظيمة "مرمي بنت جهيش" ميثالن ما نقوله خري متثيل‪ .‬فقد‬
‫كان علي أبو الفوارس كما يصفه مسلم‪( :‬فاضل زمانه يف اجلود والسخاء يف ذات هللا‪ ،‬واإلتيان ابملوجود‪ ،‬وحسن املعونة‬
‫يف دين هللا والصرب‪ ،‬والتوكل عليه والعبادة‪ ،‬وخلوص النية‪ ،‬وطلب العلم‪ ،‬والتعليم وصحبة العلماء‪ .‬وكان من أصحاب‬
‫‪124‬‬
‫أيب احلسني الطربي الذي أخذ عنه القول ابلعدل والتوحيد حنو علي بن حمفوظ وعبد هللا بن عبد هللا ونظرائهم)‬
‫‪126‬‬
‫وكانت زوجه مرمي بنت جهيش‪( :‬ليس هلا نظري يف نساء اليمن) ‪125‬ويقول عنها أبو الرجال‪(:‬صاحبة كرامات)‬
‫وكانت هي وزوجها يتعاوانن يف إقناع اآلخرين‪ .‬وقد روى مسلم اللحجي عن مشاخيه أهنم قالوا‪(:‬دخل ريدة بعض متكلمي‬

‫‪118‬‬
‫املستطاب‪97 :1‬‬
‫‪ 119‬املستطاب ‪70 :1‬‬
‫‪ 120‬املستطاب ‪70 :1‬‬
‫‪ 121‬املستطاب ‪93 :1‬‬
‫‪122‬‬
‫املستطاب ‪96 :1‬‬
‫‪ 123‬السرية املنصورية‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫املستطاب‪69 :1‬‬
‫‪125‬‬
‫املستطاب‪69 :1‬‬
‫‪126‬‬
‫مطلع البدور ‪ .155 :3‬معجم النساء اليمنيات ‪177‬‬
‫املرجئة فحضره مجاعة من الزيدية فيهم علي بن أيب الفوارس فاحتجوا عليه يف خلود أهل النار بقول هللا تعاىل{ال يفتح‬
‫هلم أبواب السماء وال يدخلون اجلنة حىت يلج اجلمل يف سم اخلياط} فقال وجود هذا ممكن هني على هللا لقدرته‬
‫ورمحته إذا شاء أوجل اجلمل يف سم اخلياط‪ ..‬فقام علي بن أىب الفوارس إىل منزله يفكر فيما حيل هذه الشبهة‪ ...‬فسألته‬
‫امرأته عن خربه فأخربها فقالت‪ :‬قال هللا تعاىل{حىت يلج اجلمل} فاعال ال مفعوال به فانتبه هلا وقرت عينه وانم؛ فلما‬
‫‪127‬‬
‫اصبح ب ّكر إىل أصحابه فتكلم بذلك وأن هللا تعاىل قال‪ :‬يلج ومل يقل يوجل فانقطع املرجي)‬
‫إميان عقلي وزهد روحي‬
‫وخالصة القول يف هذه الفرقة العظيمة أن أحدا من خصومهم مل يشك يف إمياهنم وورعهم وزهدهم وعبادهتم وتعاوهنم‬
‫على اخلري‪ .‬ومع ذلك تبلغ اجلرأة ابلبعض إىل حد تكفريهم‪ ،‬وعدم لوم من قتلهم‪ .‬وتقواهم املتفق عليها ال ميكن أن تكون‬
‫هتمة للضالل والتكفري‪ ،‬بل مدعاة ل ميان العميق‪ .‬ومع ذلك فقد وجد التكفري والتفسيق طريقه ضد قوم مؤمنني‪ !.‬ومما ال‬
‫شك فيه أن معرفتهم العقلية للطبائعية اإلهلية قد وقرهم علما ابهلل وخوفا منه وقادهم إىل اإلميان املستبصر‪ .‬ومن مث غلبت‬
‫عليهم شدة التقوى واخلوف من هللا‪ .‬وليس هذا اخلوف ينحصر بواحد منهم بل بكل من ترجم له منهم؛ فظاهرة اخلوف من‬
‫هللا ومن يوم القيامة جاءت نتيجة علم ويقني حي أن إبراهيم بن أىب اهليثم‪-‬خليفة مطرف‪ -‬كاد يصاب ابجلنون من اخلوف‬
‫من هللا‪ 128‬ويف حياة التقي "احملروف" ما يؤكد أن إميانه بلغ مرحلة من اخلوف حي لكأنه يرى هللا رؤية العني‪ 129‬وقد‬
‫وصفهم األمري حممد العفيف للمنصور بقوله ( فيهم من اإلقبال على العلم والتعليم واالشتغال به‪ ،‬واإلخالص يف‬
‫الطاعة‪ ،‬واإلقبال على العبادة‪ ،‬وكانوا كذلك هلم يف أعمال الطاعة البدنية ما ليس ألحد من أهل القبلة بال شك وال‬
‫مرية‪ ،‬وهلم زهد وال مريه‪ ،‬وهلم زهد على مجيع الناس يف زماهنم) ‪ 130‬وروى اهلادي بن إبراهيم الوزير (لقد حكى اإلمام‬
‫املتوكل على هللا "امحد بن سليمان" انه دخل مساجدهم وصلى هبم قال‪ :‬فلقد دخلت مساجدهم "بوقش" فوجدهتم‬
‫بني راكع وساجد أال اهنم يصلون الفجر عند طلوع الفجر األول‪ .‬هذا كالمه‬
‫)‪131‬‬

‫وهي ظاهرة ال جندها نسقا موصوال يف رجال بقية املذاهب‪ .‬قد جند شخصيات هنا وهناك لكنا ال جند هذا النسق‬
‫املتواصل العجيب إال عند املطرفية‪.‬‬
‫(‪)7‬‬
‫مذهبهم السياسي‬
‫أكد البحث احلديث مبا ال يدع جماال للشك ما ذهب إليه األقدمون من أن املطرفية كانوا من أشد أتباع اهلادي‬
‫متسكا رائه االعتقادية والفروعية؛ فاملطرفية‪ -‬كما يذكر ابن الوزير‪ -‬كانت ال ترى خمالفة اهلادي أبدا‪ ،‬وهي قد أخذت على‬

‫‪127‬‬
‫املستطاب‪70-69 :1‬‬
‫‪128‬‬
‫املستطاب‪96 :1‬‬
‫‪129‬‬
‫املستطاب‪92-90 :1‬‬
‫‪130‬‬
‫ثبت بين الوزير ‪203‬أ‬
‫‪131‬‬
‫ثبت بين الوزير ‪207‬أ‬
‫املنصور خمالفته للهادي يف اجتهاداته‪ .‬ويذكر ابن الوزير‪ :‬أن تلك املخالفة كانت أحد أسباب تفرقهم عن اإلمام ألجل ما‬
‫حدث منه من املخالفة "للهادي" يف مسائل الفروع ونفرة اإلمام منهم وإال فقد كانوا من مجلة شيعته واملتابعني له وامللتزمني‬
‫مجعته ومجاعته‪ 132‬وهم لذلك السبب كانوا شيعة "اهلادي" وأصدق اتباعه‪ ،‬كما يعتقدون‪ ،‬وال يرون جواز اخلروج عن‬
‫مذهبه‪ ،‬ويعتقدون أن احلق يف االجتهادايت مع واحد‪ ،‬فلذلك حظروا اخلروج عن مذهب حيىي عليه السالم‪ 133‬وقد اشتدت‬
‫عداوة املنصور هلم إلنكارهم على من أراد أن خيالف "اهلادي" واعتقادهم أن خمالفته حرام على فاعلها وحمظورة عليه‪ ،‬وهو‬
‫‪134‬‬
‫يلزم يف ذلك لوازم يف حق اإلمام املنصور ابهلل‪.‬‬
‫وقد سبق أن ذكران األدلة على والء املطرفية للهادي على ضوء ما أثبته العلم القدمي‪ .‬أما ما أثبته العلم احلديث‬
‫فقد جاء على لسان الدكتور "علي حممد زيد" يف كتابه القيم "تيارات معتزلة اليمن يف القرن السادس اهلجري" اعتمادا على‬
‫كتاب أحد علماء املطرفية أنفسهم وليس نقال من خصومهم‪ .‬والدكتور كان يرد على كتاب "ابن األمري وعصره" ملؤلفه‬
‫املرحوم "قاسم غالب" وآخرين معه رضوا مبا كتب أو أكرهوا على الرضى مبا كتب وهذا الكتاب جاء يف ذروة الفتنة العنصرية‬
‫بيت القحطانية والعداننية اليت اشتعل أوارها‪ .‬وكان مثريو هذه الفتنة يسعون إىل استبدال أسرة قحطانية حمل أسرة هاصية‬
‫ومن أجل هذه الغاية سعوا إىل التشويه ابحلق وابلباطل مما ألقى ظالال على جوهر حركة املعارضة حيث غاصت املطالب‬
‫الوطنية حتت زخم الصراع العنصري وكان له اإلثر الكبري على مستقبل احللم السياسي حيث متحور اهلدف حول عرقية‬
‫شخصية احلاكم بغض النظر عن املؤهالت وبغض النظر إىل املطالب‪ .‬وقد سجل الشيخ سنان يف مذكراته "اليمن‪ :‬حقائق‬
‫وواثئق عشتها" الطبعة الثانية ‪ 284‬أن فاسم عالب مؤلف الكتاب املذكور زارع يف عدن بعد عودته من القاهرة وأثىن‬
‫على البيضاين – متزعم هذا التيار‪ -‬وأخرب سنان أهنم اعتمدوا يف سياستهم إاثرة القحطانية واهلاصية بعد أن انتهت الشافعية‬
‫والزيدية (ألهنا [أي القحطانية واهلاصية] كانت مفيدة‪.‬‬
‫ومع األسف البالغ أن املرحوم غالب قاسم سجل أ اء علماء أجالء معه كمؤلفني للكتاب بدوت رضاهم ورغم‬
‫احتجاجهم كالقاضي العالمة املرحوم "احلسني بن أمحد السياغي" رئيس جملس القضاء الذي كتب يل رسالة ط يده ينفي‬
‫اشرتاكه يف أتليفه‪ ،‬وأنه عندما علم أن ا ه وضع على الغالف وكان الكتاب يف املطبعة طلب رفع ا ه من قائمة املؤلفني‬
‫فرفض طلبه‪ .‬وكانت الفرتة مشتعلة ابلعنصرية فلم جيرؤ على االحتجاج إذ كانت صولة املصريني والعنصريني يف أوج قوهتا‪.‬‬
‫وقد طلب مين أن أنشر رسالته بني الناس‪ ،‬وسأفعل‪.‬‬
‫وقد بلغ التشنج السياسي مداه عندما ذهب هذا الكتاب إىل إنكار نسب بيت اإلمام القاسم بن حممد وانتماءه إىل‬
‫اهلاصيني بل تشكك يف نسب اإلمام اهلادي حيىي بن احلسني عليه السالم وذلك ليربر هدم حكم بيت محيد الدين وإقامة‬
‫حكم قحطاين متسنن‪ .‬ومن أجل هذه الغاية ذهب يفتش عن أي معارض سياسي يف املاضي ليقوله ما مل يقل‪ .‬وهذا ما‬
‫جنده عنده يف حديثه عن امل طرفية عندما زعم أهنا خالفت اهلادي يف النظرية السياسية وقالت أبهنا يف املسلمني مجيعا‪ .‬وقد‬
‫ردد هذه الدعوى القاضي إ اعيل األكوع يف كتابني له مها "هجر العلم" و "املدخل إىل هجر العلم" فاندفع لنفس الغرض‬

‫‪132‬‬
‫اتريخ بين الوزير ‪203‬‬
‫‪133‬‬
‫اتريخ بين الوزير ‪201‬‬
‫‪134‬‬
‫اتريخ بين الوزير ‪212‬‬
‫ليقر شيئا يرغب به فؤاده وال تقره عليه وقائعه‪ .‬ومن الواضح أن هذه الكتب الثالثة قد اختلقت تلك الرواية من أجل غرض‬
‫سياسي ال من اجل البحث نفسه‪ .‬ومن هنا فقدت قيمتها مع األسف‪.‬‬
‫اعتمد الدكتور"علي حممد زيد" يف دراسة فكر املطرفية السياسي على كتاب العالمة "سليمان بن أمحد احمللي"‬
‫"الربهان الرائق‪ ،‬املخلص من ورط املضائق" وهو الكتاب الوحيد الناجي من كتبهم والذي يعرض جانبا من أفكارهم‬
‫السياسية‪ .‬أي أنه عاد إىل الينبوع الصحيح لفكر املطرفية يف اإلمامة؛ فاستقى منه‪ ،‬ومل يعتمد على ما يقوله خصومها معها‬
‫أو ضدها‪.‬‬
‫أمهية كتاب العالمة احمللي أنه ينبع يف هذه القضية ابلذات من كونه قد أولف قبل املذحبة البشعة‪ .‬أي أثناء صراع‬
‫املطرفية الفكري مع العالمة "جعفر بن عبد السالم" واتباعه الذين يسميهم ابجلعفريني‪ .‬بدليل أنه مل يتحدث عن اخلالف مع‬
‫اإلمام "عبد هللا بن محزة" وعليه فنتفق مع الدكتور على أنه‪( :‬ميكن االستنتاج من ذلك أن املؤلف من رجال أواسط القرن‬
‫‪135‬‬
‫السادس اهلجري وأنه ألف هذا املؤلف بعد اخلالف مع جعفر واإلمام أمحد بن سليمان)‬
‫اعتمد الدكتور على كتاب عامل مطريف وليس على كتب خصومهم فتوصل منطلقا منه إىل ‪( :‬أن نظرية اإلمامة عند‬
‫املطرفية هي نفسها عند اإلمام اهلادي واإلمام القاسم الرسي مع شيء من التشدد يف الشروط املكتسبة لإلمام‪...‬‬
‫وهبذا تكون نظرية اإلمامة عند املطرفية هي النظرية الزيدية يف صياغتها املنطقية املتسقة مع اتريخ الدعوة الزيدية ومع‬
‫‪136‬‬
‫التاريخ الشيعي بعامة)‬
‫نص ابن الوزير يف ترمجة مسلم اللحجي فقال‪( :‬فمن املطرفية "مسلم بن حممد اللحجي" رمحه هللا "وكان‬
‫وقد َّ‬
‫أحد املربزين ممن يعد يف درجة القاضي "جعفر" وله رد على من يرجح تقليد "املؤيد" وعلى صاحب سرية " الناصر "‬
‫يف ترجيح تقليده وتفضيله على "اهلادي" وانتصر لرتجيح تقليد "حيىي "[أي اهلادي] ومن مجلة كالمه يف حق "املؤيد"‬
‫انه قال بيتا يف " الصاحب بن عباد " ال يصلح أن يقال يف غري هللا وهو قوله‪:‬‬
‫ألغنيت حىت ليس يف األرض معدم‬ ‫وأعطيت حىت ليس يف األرض سائل‬
‫‪137‬‬‫يف كالم طويل ‪ ،‬وله كتاب " الطبقات " وكان عالمة جامعا نسابة ال يفته شيء من أنواع العلوم‪).‬‬
‫ونص حيىي بن احلسني على أن مذهب املطرفية يف اإلمامة مذهب اهلادي نفسه (وإمنا ذكران من أطلعنا على ذكره‬
‫َّ‬
‫من اهلادوية املطرفية يف هذا الكتاب ألن مذهبهم يف الفروع واإلمامة مذهب اهلادوية)‬
‫‪138‬‬

‫ويؤكد ما ذهب إليه حيىي بن احلسني من املتقدمني و الدكتور "علي حممد زيد" من املتأخرين أن العالمة "أبو السعود‬
‫بن املنصور" (وكان من كبار املطرفية) قد بعث شعرا إىل "عليان بن أسعد" رئيس املطرفية يقول فيه‪:‬‬
‫بلغ األرحيي "عليان" عين‬ ‫ومجيع اإلخوان ممن يليه‬
‫أنين مصطف من الدين ما كان‬ ‫نيب اهلدى لنا يصطفيه‬

‫‪135‬‬
‫‪ .203‬أتليف د‪ .‬علي حممد زيد‪ .‬الطبعة األوىل‪ .1997‬املركز الفرنسي للدراسات اليمنية‬ ‫تيارات معتزلة اليمن يف القرن السادس اهلجري‬
‫‪136‬‬
‫‪103‬‬ ‫تيارات معتزلة اليمن‬
‫‪ 137‬اتريخ بين الوزير ترمجة مسلم اللحجي‪.‬‬
‫‪ 138‬املستطاب ‪78 :1‬‬
‫مذهيب مذهب األئمة زيد‬ ‫بن علي وقاسم وبنيه‬
‫لست إن كنت ذا اعرتاض أرى‬ ‫اجلرب وال االخرتاع والتشبيه)‬
‫‪139‬‬

‫ويؤكده أيضا قول العالمة املطريف الشاعر العالمة "أبو السعود بن زيد بن احلسن بن علي"‬
‫آمنت ابهلل وابلشريعة‬ ‫مقتداي بعلماء الشيعة‬
‫الفرقة السامعة املطيعة‬ ‫أرجو بذاك الدرج الرفيعة‬
‫ِّ‬
‫الفواطم‬ ‫ابلطيبني من بين‬ ‫بين النيب األبطحي اهلامشي‬
‫كمثل حيىي واإلمام القاسم‬ ‫واملرتضى الرب التقي العامل‬
‫ما ضل رأي أحكموا إبرامه‬ ‫‪140‬‬
‫عن رهبم وأبرموا أحكامه)‬
‫ودليل آخر هو أن اإلمام املنصور مل أيخذ عليهم ما رواه املتقولون‪ ،‬وإمنا أخذ عليهم تشددهم يف الشروط املكتسبة‬
‫وهذه الشروط اليت تتلخص يف أن يكون اإلمام أعلم‬ ‫‪141‬‬
‫(أبنه تعطيل لإلمامة من حيث يستحيل العثور على األفضل)‬
‫الناس وأزهدهم وأشجعهم وأن تتوفر فيه غري ذلك من صفات الفضل هي كما عرب عنها اإلمام عبد هللا بن محزة‪( :‬شروط‬
‫‪142‬‬
‫تؤدي إىل سد ابب اإلمامة على الناس فال يصلح فيها أحد لتعذر توفر هذه الشروط جمتمعة يف شخص واحد)‬
‫وكما يقول الدكتور علي حممد زيد‪-‬حبق‪( -‬فاملطرفية من حيث هي فرقة من فرق الزيدية قد وجدت نفسها‬
‫تعيش ظروفا اجتماعية اجتهدت للتعامل معها نظراي ولكن من داخل الفكر الزيدي اآلخذ أبفكار املعتزلة‪ .‬وأخذت‬
‫مثل غريها من الزيدية من علم الكالم املعتزيل ما ال يتعارض صراحة مع معتقدات الزيدية‪ .‬ومل يكن متوقعا أن تذهب‬
‫إىل حد إلغاء نظرية اإلمامة الزيدية وإبطاهلا؛ فإذا فعلت فإهنا تكون قد خرجت من الزيدية متاما؛ ألن املوقف من‬
‫‪143‬‬
‫اإلمامة هو الذي مييز فرق الشيعة بعضها عن بعض)‬
‫وهلذا ‪-‬يتابع الدكتور‪ -‬قائال‪( :‬مل تتهم املطرفية قط يف عصرها أبهنا أبطلت نظرية اإلمامة الزيدية‪ .‬بل إن أكرب‬
‫خصومها وهو اإلمام عبد هللا بن محزة اهتمها بتعطيل اإلمامة عن طريق التشدد يف شروطها حىت جعلت من املستحيل‬
‫اختيار إمام يكون أعلم الناس وأزهدهم وأحلمهم وأقواهم)‬
‫‪144‬‬

‫واهلادوية تشرتط يف اإلمام أن يكون عاملا شجاعا فاضال‪ ،‬وال تشرتط األفضل واألعلم واألشجع كما تذهب املطرفية‬
‫املنتمية بقوة إىل القاسم الرسي‪ ،‬وحفيده اهلادي وابنيه‪ :‬املرتضى والناصر‪ ،‬وكأن ما تذهب إليه هو رأي أولئك األئمة‪ .‬ويعزز‬
‫هذا أن املطرفية ما كانت جتيز اجتهادا على اجتهاد اهلادي‪ .‬واالجتهاد األول هو املصيب واحلق معه‪ .‬وهذا يعين أهنا‬

‫‪139‬‬
‫‪ .92 :1-2‬أتليف حممد بن حممد زابرة الطبعة األوىل‪.1999/1419 .‬‬ ‫خالصة املتون يف أبناء ونبالء اليمن امليمون‬
‫‪140‬‬
‫‪94‬‬ ‫خالصة املتون‬
‫‪141‬‬
‫‪103‬‬ ‫تيارات‬
‫‪142‬‬
‫‪181‬‬ ‫تيارات‬
‫‪143‬‬
‫‪95‬‬ ‫تيارات‬
‫‪144‬‬
‫‪95‬‬ ‫تيارات‬
‫متسكت ابجتهاد أولئك فقط ورفضت القاعدة اليت جاء هبا من طربستان اإلمام أيب عبد هللا الداعي الذي أحدث القول‬
‫أبن كل جمتهد مصيب‪ 145.‬وقد اتبعت معظم الزيدية هذه القاعدة‪ ،‬ومل تتقبلها املطرفية‪.‬‬
‫وألن املطرفية يشرتطون يف األئمة الشروط الرفيعة اليت يندر اجتماعها كلها يف شخص واحد فإهنم تبعا لذلك مل‬
‫يصح عندهم من األئمة إال األخيار وهم قلة‪ .‬واحلق أهنم ليسو وحدهم يف هذا االجتاه فبعض العلماء الزيود يفرقون بني‬
‫كثري من األئمة‪ ،‬فصارم الدين إبراهيم بن حممد الوزير يعترب األئمة الذين التزموا طريق النبوة هم علي واحلسنني وزبد وحيىي‬
‫والنفس الزكية وأخوه إبراهيم واحلسني الفخي واهلادي والقاسم إما معظم األئمة املتأخرين فأهنم مل يسريوا السرية املطلوبة ولذا‬
‫‪146‬‬
‫ال يفسق من خيرج عليهم‪.‬‬
‫وتبعا لشروطها املثالية فقد كانت املطرفية تبحث عن إمام مكتمل الشروط فتجرب هذا أو ذاك فإذا وجدته قد أخل‬
‫بشيء منها ختلت عنه؛ فهي قد ابيعت اإلمام أمحد بن سليمان ابعتباره مكتمل الشروط‪ 147‬ولكنها أخذت عليه أشياء‬
‫فاحتدم الصراع الفكري بينهما‪ 148‬لكنه مل يكفرهم أو يبح دمائهم بل كان يصلي بصالهتم‪ .‬ولقد حكى اإلمام املتوكل على‬
‫هللا "امحد بن سليمان" انه دخل مساجدهم وصلى هبم قال ‪ :‬فلقد دخلت مساجدهم "بوقش" فوجدهتم بني راكع وساجد‬
‫إال اهنم يصلون الفجر عند طلوع الفجر األول هذا كالمه‪ 149‬وهي قد ابيعت املنصور ولكنها أخذت عليه أشياء يف سريته‪.‬‬
‫وختلت عنه‪.‬‬
‫يتلخص رأي املطرفية يف موضوع الفضل والشرف أن الشرف ليس ابتداء وإمنا يكتسب اكتسااب‪ .‬وقد أسهب‬
‫الدكتور "علي حممد زيد" يف شرح هذه النقطة شرحا مسهبا مستوفيا‪ 150‬والذي يقرأ ذلك الفصل خيرج منه أن املطرفية كانت‬
‫تعرب عن رأي اإلمام "زيد بن علي" خري تعبري‪ .‬لكنها ألبت فئات اجملتمع العايل عليها‪ .‬وهذا يفسر لنا أهنم مل جيدوا النصرة‬
‫من األقوايء وإن وجدوا تعاطفا من بعض كبار العلماء الكبار تعاطف بدون حول وال قوة‪.‬‬
‫من هنا نتأكد أن املطرفية كانت ملتزمة أبئمة أهل البيت بشروط مثالية رفيعة املستوى إىل حد التعجيز‪ .‬وهذه‬
‫الشروط كانت سببا لغضب املنصور عليهم‪.‬‬
‫ومن مث فال منطق جيعلنا نقبل ما ذهب إليه صديقنا األكوع من قول غري صحيح ومناف ملا قالته املطرفية نفسها‪.‬‬
‫واألكثر حزان وأسفا أن جنده يسند هذا القول املختلق إىل رجال مل يتلفظوا به‪ .‬فهو يقول عن املطرفية‪( :‬هي فرقة من الزيدية‬
‫ابيعته[أي املنصور] وآزرته عند قيامه مث اختلفت معه يف مسائل فرعية اجتهادية كما جاء يف اتريخ بين الوزير‪ ،‬إذ ورد‬

‫‪145‬‬
‫‪.239‬‬ ‫اتريخ املذاهب الدينية يف بالد اليمن‬
‫‪146‬‬
‫ضوء النهار املشرق على صفحات األزهار ‪2521 :4‬‬
‫‪147‬‬
‫‪ 84‬حيث نص اإلمام املتوكل أهنم كانوا قد ابيعوه مث نكثوها‬ ‫‪.54‬وانظر‬ ‫تيارات‬
‫‪148‬‬
‫انظر مآخذهم على األمام أمحد بن سليمان يف تيارات يف فصل املطرفية وأمحد بن سليمان ‪86-81‬‬
‫‪149‬‬
‫‪208‬‬ ‫اتريخ بين الوزير‬
‫‪150‬‬
‫‪177-164‬‬ ‫انظر فصل اخلالف حول الشرف يف تيارات‬
‫فيها أهنا نفرت منه ألجل ما حدث منه للمخالفة لإلمام اهلادي يف مسائل الفروع كما أهنا كانت ترى أن اإلمامة تصلح‬
‫يف املسلمني مجيعا فكفرها ابإللزام)‬
‫‪151‬‬

‫فأنت ترى أنه روى رأاي جاء به من كتاب اتريخ بين الوزير‪ .‬وكان عليه كعادة الباحثني أن يشري إىل هناية النص‪،‬‬
‫لكنه مل يفعل بل أكمل من عنده رأاي آخر هو أن املطرفية كانت ترى اإلمامة تصلح يف املسلمني مجيعا‪ ،‬وال خيفى ما يف هذا‬
‫األسلوب من دهاء ألن عدم الفصل بني ما رواه ابن الوزير وبني ما قاله هو يظهر النص كله وكأنه رأي ابن الوزير نفسه‪.‬‬
‫وهو ما مل يروه وال ميكن أن يرويه ألنه مل يكن هذا هو رأي املطرفية‪ .‬وأما قضية التكفري ابإللزام فقد ذكره ابن الوزير ولكن‬
‫ليس من أجل ما ادعاه عليهم من قول‪ ،‬ولكن من أجل اخلالف حول الطبائعية ذات القوانني الثابتة واإلخرتاعية اليت تقول‬
‫ابخرتاع هللا سبحانه لألشياء وقتها‪ ،‬كما قدمنا‪.‬‬
‫ولو أخذان رأيه جدال سنحتاج وال شك إىل جرعة كبرية تساعد على ابتالع هذا الرأي األكوعي الذي أدىل به يف‬
‫ساعة غياب وعي‪ ،‬ويف حلظة انتشاء ابنتصار حاقد‪ ،‬وإال كيف نستسيغ قبول أن املطرفية خالفت املنصور ألنه خالف اإلمام‬
‫اهلادي يف مسائل الفروع‪ ،‬ويف الوقت نفسه يقرر أهنا خالفت اهلادي يف مسائل اإلمامة اليت كانت تعد من األصول‪.‬‬
‫ومن اخلري أن أهديه أبياات قاهلا بعض املطرفية ل مام "أمحد بن سليمان" يعربون عن حبهم ألهل البيت ويرفعوهنم‬
‫فوق اآلخرين ومع ذلك فهم مل يعرتفوا إبمامته ألن الشروط السياسية اليت يروهنا مل تكتمل فيه؛ (فكان من ذلك اهنم ال‬
‫يذكرون اإلمام "امحد بن سليمان" ابإلمامة إمنا يسمونه األمري وكتب إليه بعضهم أبياات منها ‪:‬‬
‫أقر السالم على األمري‬ ‫تسليم من هو لألمري يصون‬
‫ورهطه‬
‫ويرى ابن وداد آل حممد‬ ‫أجرا له وبه يتم الدين‬
‫فهم األفاضل والربية دوهنم‬ ‫أين يقاس إىل الرفيع الدون‬
‫من مل يكن من حزب آل‬ ‫فهو اللئيم اخلاسر املغبون‬
‫حممد‬
‫من مل يدن بيقني ما دانوا به‬ ‫فهو الضنني وما يقول ضنني‬
‫‪152‬‬
‫ويقول "حيىي" وابنه وجدوده‬ ‫منا ولسنا ابخلالف ندين‬
‫ويف كتابه عن نشوان عاد قاضينا إىل نفس النقطة األخرية فقال أن املطرفية كانت‪( :‬ترى اإلمامة العظمى تصلح يف‬
‫‪153‬‬
‫األفضل واألعلم من املسلمني)‬

‫‪151‬‬
‫‪.109‬‬ ‫املدخل‬
‫‪ 152‬اتريخ بين الوزير ‪ 216-215‬أ‬
‫‪153‬‬
‫‪ .19‬أتليذف القاضذي إ اعيذل بذن علذي األكذوع‪ .‬دار الفطذر‪ -‬دمشذق‪ .‬دار الفكذر املعاصذر‪-‬‬ ‫نشوان بن سذعيد احلمذريي والصذراع الفكذري والسياسذي واملذذهيب يف عصذره‬
‫بريوت‪ .‬الطبعة األوىل ‪1997 /1918‬‬
‫مل يسند رأيه هذا إىل أحد فتبني أنه اتبع هبذا الرأي كتاب بن األمري وعصره وهو كتاب شديد العنصرية وهذا‬
‫الكتاب بدوره ليس له مستند فثبت من ذلك وعلى ضوء أفكار املطرفية وخصومها على السواء أمنا نسب إىل املطرفية كان‬
‫حمض اختالق‪ .‬ومن حقي هنا أن أداعب صديقنا األكوع إبهدائه ماقاله الشاعر العظيم شوقي يف قصيدته الشهرية‪:‬‬
‫أمن سرق اخلليفة وهو‬ ‫يعف عن امللوك مكفنينا‬
‫حي‬
‫فكتاب ابن األمري وعصره هو مرجع صديقنا األكوع ‪ ،‬وهو على يقني من هدفه‪ ،‬وعدم موضوعبته لكن ألنه خيدم‬
‫هوى واجده فقد تبناه‪.‬و كان حيسن به كعامل أن اليعتمده‪ .‬مث هو قد يعلم أن ما ذكره هو حمض افرتاء على املطرفية؛ فهم مل‬
‫يرووا ومل يقولوا أن اإلمامة العظمى تصلح يف األفضل واألعلم من املسلمني؛ إذ الثابت أن املطرفية تذهب إىل أن اإلمامة اليت‬
‫يعتقدوهنا هي اإلمامة اليت أرساها اإلمامان القاسم الرسي واهلادي حيىي بن احلسني‪ ،‬وكانت من أشد املتمسكني حبق أهل‬
‫البيت يف اإلمامة‪ ،‬ولكنها وضعت شروطا مثالية اعتربها املنصور نفسه تعجيزية بل مستحيلة‪.‬‬
‫ولو كانوا قالوها ملا كان يف ذلك ضرر عليهم ألن اإلمام زيد أجاز اخلالفة يف غري أهل البيت ورمبا يف غري قريش‬
‫وكثري من املعتزلة ورجال الفكر اندوا إبلغاء العلوية الفاطمية وإلغاء القرشية كاملة وحاربت من أجل أفكارها هذه ومل تبد ومل‬
‫تسب نساؤها كما كان احلال مع املطرفية‪ .‬لقد دعا العالمة "نشوان احلمريي" إىل إلغاء القرشية من األساس‪ ،‬ودخل يف‬
‫صراع فكري مع اإلمام املتوكل على هللا "أمحد بن سليمان" واثر وفشل مث عاش بقية عمره مؤلفا‪ .‬وعاد الصفاء بينهما إىل‬
‫سابق عهده‪ ،‬وضمت مدينة حيدان قربيهما معا جنبا إىل جانب‪ .‬وقد المه من الم ودافع عنه من دافع؛ لكنهم مل ينكروا له‬
‫قول الناس ما مل يقولوا به بغية غرض‬ ‫قوال ومل يضيفوا إليه رأاي‪ .‬والقضية ليست هنا‪ .‬إمنا القضية كل القضية أن أي من يُ ِّّ‬
‫سياسي‪.‬‬
‫ولو صح ما أورده القاضي "األكوع" من أن "املطرفية" ال ترى اإلمامة يف قريش أو أهل البيت وإمنا هي يف األفضل‬
‫من املسلمني لكان ذلك لصاحل اإلمام "عبد هللا بن محزة" للتشهري هبم عند الشيعة اليت تقول ابخلالفة يف أهل البيت وأهل‬
‫السنة اليت تقول هبا يف قريش‪ ،‬ولو أنه كانت ترى ذاك لكانت قدمت للمنصور املربر لقتاهلم ابعتبارهم خمالفني للهادي يف‬
‫مسألة أصولية‪ .‬ولوجد يف هذا القول مربرا يضيفه إىل التربيرات اليت برر هبا قتلهم ولوجد له هبا أنصارا ومؤيدين وحجة له‬
‫عليهم؛ ألهنم بذلك النفي قد خرجوا على املذهب اهلادوي وخرجوا على إمجاع املسلمني السائد حول القرشية وأهنم إبلغائها‬
‫قد شقوا العصا‪ .‬لكن املنصور نفسه مل يقل أهنم قالوا هذا القول‪ ،‬وال اهتمهم به حي عن طريق اإللزام‪ .‬ومن هنا تتضح‬
‫مأساة التأليف العبثي ذي األغراض السياسية‪.‬‬
‫لقد أبيدت هذه الفرقة الشهيدة وهي من أكثر اهلادوية متسكا بنظرية "اهلادي" و"القاسم الرسي" السياسية؛ وهنا‬
‫تتجسم املأساة حيث مت قتل مؤيدي أهل البيت بيد واحد من أئمة أهل البيت‪ .‬وليس ذلك فحسب بل مت قتل اإلمامة‬
‫املثالية اليت قدمتها املطرفية يف أروع مثاليتها ومل تذرف عليها عني دامعة‪.‬‬
‫وقد حاول صديقنا األكوع أن يعمق هذا الزعم على املطرفية من أكثر من ابب فنراه يقول يف حديث عن هروب‬
‫بعض العلماء من حجة نتيجة دعوة اإلمام عبد هللا بن محزة‪( :‬وملا دعا اإلمام عبد هللا بن محزة إىل نفسه ابإلمامة سنة‬
‫‪ 1196 – 95/593‬وامتد نفوذه إىل بالد حجة غادر علي بن مسعود املخالفة ورحل إىل هتامة ومعه ستون طالبا‬
‫‪154‬‬
‫خوفا من بطش اإلمام عبد هللا بن محزة بغري أصحاب مذهبه)‬
‫ويف كتابه املدخل كرر القول بصيغة أخرى فقال أن العالمة علي بن مسعود هرب (خوفا من بطش اإلمام عبد هللا‬
‫بن محزة ابلعلماء من غري مذهبه وأتباعهم بعد أن قضى على فرقة املطرفية‪).‬‬
‫‪155‬‬

‫ففي النص األول أنه هرب بعد عام ‪ 1196-95/593‬بعد أن امتد نفوذ اإلمام إىل حجة‪ .‬ويف النص الثاين أنه‬
‫هرب منها بعد أن قضى اإلمام على املطرفية‪ .‬وذكر األكوع نفسه أن اإلمام خرب وقش وشرد املطرفية عام‬
‫‪ 1217-16156/613‬فكيف ميكن فهم أن علي بن مسعود هرب من اإلمام قبل أن يقتل اإلمام املطرفية بعشرين عاما‪.‬‬
‫أال يفسر لنا هذا أن صديقنا قد أعماه البعض حي مل بعد يرى الفوارق الزمنية‪ .‬ولوال غلبة اهلواء يف اإلدانة ألدرك صاحبنا‬
‫بعد املسافة واستحال عليه القول أن الشيخ هرب بعد القضاء على الطرفية‪.‬‬
‫من جانب آخر ال خيفي قاضينا إعجابه ابملطرفية‪ .‬وحنن نشاطره ذلك اإلعجاب واإلكبار‪ ،‬ولكنه ما كان حباجة إىل‬
‫إدانة ذبح املطرفية بتلك املزاعم املختلقة ولكن كما يبدو أن اهلوى السياسي قد قحمه هذه الصعاب الوعرة‪ .‬والدليل على‬
‫ذلك أنه يدين سيف املنصور "عبد هللا بن محزة" اهلاصي ولكنه ال يدين قلم جده القاضي علي األكوع مؤلف سرية‬
‫املنصور الذي كفر املطرفية وأابح دمهم وحث عليها وولغ فيها هو وابن دغثم وابن الوليد أبقالمهم وحتريضهم‪ .‬ومن املؤكد‬
‫أن املنصور مل يفعل فعلته الشنيعة إال مبؤازرة أقالم غري هاصية مهدت إلابدة املطرفية‪ .‬ومع ذلك مل يدهنا‪.‬‬
‫*‬
‫ومرة اثنية يقدم القاضي على جزر احلقيقة جزرا فعليا كما جزر املنصور رقاب قوم مؤمنني‪ .‬ومن مظاهر هذا اجلزر‬
‫أن املؤلف يسند رأيه إىل قول مل يقله صاحبه فيضع مايريد وضعه يف سياق خيفي على غري املدقق مغزاه‪ ،‬فيوهم أنه يستقي‬
‫رأيه من مؤرخ ما على حنو ما أشران إليه سابقا‪ .‬ويف هذه املرة يكرر أسلوبه فيقول عن العالمة اجلليل مطرف بن شهاب‪ :‬أنه‬
‫( كان أحد علماء الزيدية الكبار‪ ،‬وكان على مذهب اهلادي يف الفروع إال أنه كان يرى أن اإلمامة تصلح يف األفضل‬
‫واألعلم من املسلمني فلقيت دعوته استجابة عند كثري من العلماء وقد عرفوا ابملطرفية‪ ،‬وقال حيىي بن احلسني يف‬
‫كتابه أنباء الزمن يف أخبار سنة ‪" ] 1003-2[393‬وكان أصوهلم‪ -‬أي املطرفية‪ -‬تعتقد أن التأثري هلل تعاىل يف أصول‬
‫األشياء دون فروعها على تفاصيل ذكروها غري صحيحة")‬
‫‪157‬‬

‫فوضع على لسان مطرف كلمات‪ :‬من املسلمني بدال من األفضل واألعلم من العلوي الفاطمي‪ .‬هذه واحدة‪.‬‬
‫والثانية أن هذا االستدالل حبرف العطف كأنه يؤكد رأي العامل اجلليل حيىي بن احلسني‪ ،‬لكن عند التدقيق جند نص العالمة‬
‫حيىي يتحدث عن شيء آخر ال صلة له ابإلمامة قط وإمنا هو حديث حول أمور عقلية فلسفية‪ ،‬ولكنه أراد أن يوجد مثل‬

‫‪154‬‬
‫هجر‪ .35 :1‬هو مل يدع يف هذه السنة بل جدد دعوته إذ كان قد دعا عام قبل ذلك بعشر سنوات‪ .‬أي عام‪118-87/583‬‬
‫‪155‬‬
‫‪.109‬‬ ‫املدخل‬
‫‪156‬‬
‫هجر ‪ .2344 :4‬والعجيب أنه ذكر حرب املنصور عليهم عام ‪ .613‬معتمدا على حيىي بن احلسني لكن حيي ذكرها يف عام ‪ 611‬ال ‪..613‬‬
‫‪157‬‬
‫‪148-147‬‬ ‫املدخل‬
‫هذا الشعور وكأن ابن احلسني يسند رأيه‪ .‬وأان أقول للصديق األكوع‪ :‬حنن يف عصر ال يقبل االختالقات والتحايالت؛‬
‫فاألقالم اليوم وإن احتمت حتت مظلة اإلرهاب هي حتت اجملهر العلمي يف الوقت نفسه‪.‬‬
‫(‪)8‬‬
‫الصدام الفكري‬
‫(أ)‬
‫الحوار‬
‫يقول ابن الوزير‪ (:‬متادى اخلالف بني هاتني الطائفتني من "الزيدية" وبني الفرقة الثالثة منهم وهم "احلسينية"‬
‫والزمان واحد‪).‬‬
‫‪158‬‬

‫وقد بدأ احلوار سلميا وانتهى عنيفا دمواي‪ .‬وهذا أمر طبيعي مع كل فكر يشكل خطرا ما على فكر أو وضع آخر؛‬
‫فيبدأ هادائ مث يزداد سخونة مث ينفجر وقد يتفجر ؛ فقد ذكر"مسلم اللحجي" عن ابين عبيد هللا‪" :‬علي بن عبيد هللا بن‬
‫شبرية" وأخيه "احلسني" ما يؤيد هذا‪( :‬كان علي أعرف أبصول الدين‪ ..‬وكان احلسني بن عبيد هللا إمام الصالة مبسجد‬
‫ريدة‪ ،‬وكان يرى شيئا من اخلالف الذي قال به "علي بن شهر"[شيخ املخرتعة يف وقته] ويقول فيه ابعتدال وال يغلو‬
‫وال يبغض خمالفه؛ فكانوا يصلون خلفه وال يتوقفون‪ ،‬وكانوا يتوالون حىت حدثت العداوة من علي بن شهر مث هلم جرا‬
‫فلم يزل أبناء عبيد هللا على ذلك ما أنكر بينهما شيء‪ ،‬على أهنما خمتلفان يف الرأي حىت حدث من احلسني ما أخربين‬
‫به امحد بن داود عن مشاخيه‪ :‬أنه كان ذات يوم ودعا علي بن عبيد هللا أخاه احلسني ليأكل عنده وكان ال يزال يذبح‬
‫‪159‬‬
‫ويعمل الطعام فكره احلسني أكل ذبيحة أخيه فقدم إليه كبشا فقال‪ :‬اذبح أنت فأان آكل ذبيحتك)‬
‫فأنت ترى أن "احلسني بن عبيد هللا" كان مع "علي بن شهر" ولكن بدون غلو‪ .‬وعندما اشتد اخلالف بعد أن سعره‬
‫زعيم املخرتعة قابل األخ أخاه ابنفتاح وتسامح‪ .‬وكانوا قدميا ال أيكلون من حلم اجملربة واملشبهة وأدخلت حلوم املطرفية ضمن‬
‫التحرمي فحل علي اإلشكال ألخيه بطريقة متساحمة‪.‬‬
‫وقد وصف حيىي بن احلسني القرن اخلامس أبنه (كان اليمن يف هذا التأريخ وهو سنة أربعمائة إىل مخس مائة فيه‬
‫اختالف شديد يف املذاهب واضطراب وفنت وشبه يوردها كل فريق فكان فيه الزيدية فريقني‪ :‬خمرتعة ومطرفية‪ ،‬وساير‬
‫اليمن األسفل حنابلة وشافعية‪ .‬وملا كان رأس مخسمائة فيما بعد غلب على اليمن األسفل مذهب األشعري ملا خرج‬
‫‪160‬‬
‫من الشام مع بين أيوب‪..‬فمال إليها أكثر األشعرية يف ذلك الوقت)‬

‫‪158‬‬
‫اتريخ بين الوزير ‪197‬أ‬
‫‪159‬‬
‫املستطاب‪71 - 70 :1‬‬
‫‪160‬‬
‫املستطاب‪109 :1‬‬
‫وكانت املطرفية يف هذا القرن اخلامس ملء الساحة واأل اع واألبصار‪ ،‬وكان "مطرف" معلما ابرزا فيه‪ .‬ومن مث البد‬
‫أن يشتعل بينهم وبني اآلخرين اجلدال واحلوار‪ ،‬وكان اإلمام أبو الفتح الديلمي الشهيد عام‪1053-52/444‬من مجلة من‬
‫‪161‬‬
‫وقف ضدهم وألف كتابه عنهم أ اه "الرسالة املبهجة يف الرد على فرقة الضالل املتلجلجة"‬
‫عندما جاء القرن السادس ازدادت سخونة الصراع نتيجة ظهور املعتزلة يف اليمن‪ ،‬وقاعدة كل جمتهد مصيب‪،‬‬
‫وكانت املطرفية قد واصلت انتشارها وقوهتا‪ .‬يذكر ابن الوزير أن العالمة املطريف حيىي بن احلسني البحريي قال ألهله –وهو‬
‫يس تعد ملواجهة العالمة االخرتاعي "جعفر بن عبد السالم"‪ :‬حنن سبعمائة فاعلموا‪ .‬وهو يقصد ابلسبعمائة علماء املطرفية‬
‫بوقش‪ 162‬وحيتمل علماء آل البحريي إذا كان جلهم مطرفيون‪ .‬وقال حيىي بن احلسني أنه يف منتصف القرن السادس وصل‬
‫إىل وقش من اجليل والديلم حممد بن عيسى العراقي(وهي يومئذ مملؤة ابلتطريف)‪( 163‬ويف هذا الوقت ظهرت مذاهب‬
‫‪164‬‬
‫املعتزلة يف اليمن)‬
‫وشهد هذا القرن وصول العالمة زيد بن احلسن البيهقي عام ‪ 1146-45/540‬الذي (وصل ابلكتب النفيسة‬
‫من العراق ورد على املطرفية بدعتهم)‪ 165‬وينص أبو الرجال على وصوله يف مجادى األوىل ‪ /541‬أكتوبر‪-‬نوفمرب ‪1146‬‬
‫أو سنة ‪ 1146-45/540‬ويسميه زيد بن علي بن احلسني البيهقي ومعه كتب غريبة وعلوم حسنة عجيبة‪ 166‬وكذلك‬
‫وصول العالمة حممد بن عيسى العراقي القادم من اجليل والديلم إىل اليمن يف أواسط القرن السادس اهلجري وهو ممن يرى‬
‫رأي اإلمام املؤيد اهلاروين‪ .‬كذلك تعترب رحلة القاضي جعفر بن عبد السالم إىل العراق وعودته منها يف هذا الباب‪ .‬وكانت‬
‫هذه الرحالت هلا صلة مباشرة ابملطرفية فالعالمة زيد البيهقي محل بقلمه عليهم وكذلك شهر يراعه حممد بن عيسى العراقي‬
‫وجعفر بن عبد السالم كما سنرى‪.‬‬
‫يف عام ‪ 1138 -37/532‬دعا اإلمام الكبري "أمحد بن سليمان" وتعترب دعوته يف رأي الكثريين اليقظة الزيدية‬
‫الثانية سواء على املستوى السياسي أو الفكري‪ .‬ومع ذلك فإن املطرفية ( لسعة علومهم وصالبة تدينهم وصربهم على‬
‫العبادة والقيام والصيام حيتقرون معارف غريهم‪ ،‬ويقع من بعضهم إعجاب ابلتبحر يف العلوم وللعلم طغيان كطغيان‬
‫املال‪ .‬فكان من ذلك اهنم ال يذكرون اإلمام "امحد بن سليمان" ابإلمامة إمنا يسمونه األمري وكتب إليه بعضهم‬
‫أبياات)‪ 167‬ذكرانها سابقا‪ .‬ولكن املطرفية عادت فبايعته عندما قتل غيلة العالمة "حممد بن عليان" فاجتمع اجلناحان على‬
‫‪168‬‬
‫حرب السلطان "حامت بن أمحد اليامي" وابيعا اإلمام "أمحد بن سليمان"‬
‫وشهدت هذه الفرتة حوارا خصبا بينه وبني املطرفية‪ .‬ولكن اخلالف بني كل األجنحة‪ -‬مهما أشتد‪ -‬يظل‬
‫خالفا فكراي ال يوصل إىل امتشاق سيف‪ ،‬وال اشراع رمح ؛ فمن ذلك ما جرى من نقاش بني القاضي الرشيد‬

‫‪161‬‬
‫حكام اليمن ‪ .71-69‬اتريخ اليمن للمطاع‪256‬‬
‫اتريخ بين الوزير ‪220‬أ‪ .‬املستطاب‪87 :1‬‬ ‫‪162‬‬

‫مطلع البدور‪394-393 :4‬‬ ‫‪163‬‬

‫املستطاب‪71 :1‬‬ ‫‪164‬‬

‫املستطاب‪ .114 :1‬ويسميه أبو الرجال زيد بن علي بن احلسني البيهقي‪.‬‬ ‫‪165‬‬

‫مطلع البدور‪.237 : 2‬‬ ‫‪166‬‬

‫‪ 167‬اتريخ بين الوزير ‪216-215‬أ ‪.‬‬

‫اتريخ بين الوزير ‪ .149‬املستطاب‪85 :1‬‬ ‫‪168‬‬


‫اإلمساعيلي الواصل من مصر إىل السلطان حامت فإنه أورد على الشيخ "عليان بن سعد املطريف" ومن معه من الشيعة يف‬
‫نران أسئلة وراجعهم وكانوا ال يردون إال أبقوال األئمة و تدخل "نشوان بن سعيد احلمريي" معهم فما زال به حىت‬
‫أفحمه‪ 169‬وكان جعفر بن عبد السالم يعظم العالمة حيىي بن احلسني البحريي وجيله وزاره إىل وقش فتحاورا وألفا معا‬
‫كتاب رادمة األبواب‪170‬أصله للقاضي جعفر وجوابه ليحىي البحريي‪171‬وبعد عودته بقيا يتكاتبان ويتحاوران‪ .‬وحىت‬
‫عندما فشل القاضي جعفر عندما أرسله اإلمام إلقناع الناس عن املطرفية فإنه استعان ابإلمام امحد بن سليمان لنصرته‬
‫فقال وجب علينا نصرة القاضي مث قام بزايرات كثري من املناطق فخطب يف اجلماهري حمذرا من أفكار املطرفية واصدر‬
‫عدة كتيبات‪ .‬ولكنه مل يؤذهنم حبرب‪.‬‬
‫وعندما زار اإلمام "أمحد بن سليمان" وقش ونزل عند "مفضل بن احلجاج الوزير" طلب من مضيفه أال حيضر أبنه‬
‫حيىي الذابئح ألنه يرى رأي املطرفية فلم يعقب مفضل إال اببتسامة وادعة وقال‪ :‬إنه أبنك‪ 172‬وقد دخل اإلمام "أمحد بن‬
‫‪173‬‬
‫سليمان" مساجدهم بوقش وصلى هبم‪ ،‬ومل ير فيهم نكرا‪ ،‬إال أهنم يصلون الفجر يف الفجر األول‪.‬‬
‫ول مام امحد بن سليمان املتوىف عام ‪ 1171-70/566‬كتاابن ضد املطرفية مها "الرسالة الصادقة يف بيان ارتداد‬
‫الفرقة املارقة" والكتاب الثاين "الرسالة اهلاصة ألنف الضالل من مذهب املطرفية اجلهال" ‪ 174‬فأنت ترى أنه اهم يف األول‬
‫ضالّل‪ .‬ولكنه مع ذلك مل حيارهبم‪ .‬ولست أدري ما هي مصادر من قال أن اإلمام "أمحد بن سليمان"‬ ‫مرتدة ويف الثاين ُ‬
‫كفرهم وأابح دمائهم وهو قد صلى هبم‪ .‬ولكن الشيء الثابت أن حواره معهم ظل يف إطار احلوار ابلقلم مهما بلغت سخونة‬
‫الكلمة وحرارهتا‪.‬‬
‫(ب)‬
‫احلوار يزداد حدة‬
‫بقيت املطرفية تنشر علومها نشر الضوء السافر‪ ،‬وتقيم هجرها منارات للناس‪ ،‬إىل أن تلبدت الغيوم يف ائها مث‬
‫أمطرت بعاصف فيه رعد وبرق وإعصار‪.‬‬
‫منذ أن تويف اإلمام "أمحد بن سليمان" عام ‪ 1171-70/566‬وإىل حني ظهور اإلمام املنصور "عبد هللا بن‬
‫محزة" عام ‪ 1188-87 / 175583‬شغل الساحة السياسية يف املنطقة الزيدية األمري العفيف حممد بن املفضل فكان نعم‬
‫العون للمطرفية وسيكون نعم العون هلا يف محايتها عندما تتعرض للخطر‪.‬‬
‫قام العفيف حمتسبا هلل (يف زمن "طغتكني بن أيوب" املعروف بسيف اإلسالم وأايم ابنه "املعز بن سيف‬
‫‪176‬‬
‫فجاهد يف هللا حق جهاده‪ ،‬وبذل جهده‪ ،‬وفعل جهده‪ ،‬وشن الغارات عليهم من أطراف البالد وأقام يف‬ ‫اإلسالم"‬

‫‪ 169‬اتريخ بين الوزير ‪221‬أ‪ .‬املستطاب ‪85‬‬


‫‪ 170‬اتريخ بين الوزير ‪221‬أ‬

‫املستطاب‪.86 :1‬‬ ‫‪171‬‬

‫‪ 172‬اتريخ بين الوزير ‪222‬أ‬

‫اتريخ بين الوزير ‪208‬أ‬ ‫‪173‬‬

‫‪ . 78‬اتريخ اليمن الفكري ‪147 :1‬‬ ‫حكام اليمن‬ ‫‪174‬‬

‫‪ 175‬بقيت دعوة اإلمام املنصور األوىل عشرة أعوام وهي تروح مكاهنا حي عام ‪. 1002/593‬انظذر اللطذائف السذنية‪ .62‬أتليذف حممذد بذن إ اعيذل الكبسذي ‪ .‬بذدون اتريذخ طبعذة املرحذوم عبذد‬
‫‪ .182-181‬أتليف عبد هللا عبد الكرمي اجلرايف منشورات العصر احلديث الطبعة الثانية ‪.1987/1407‬‬ ‫هللا غمضان‪ .‬املقتطف‬
‫"بيت بوس"‪ 177‬وهو ابلقرب من صنعاء حصن حصني يقيم به من أراد حرب من "بصنعاء" من السالطني‪ . .‬ومل يزل‬
‫‪178‬‬
‫األمري املنتصر ابهلل حيرب الغز من هذا احلصن ومن غريه إىل أن قام اإلمام املنصور"عبد هللا بن محزة")‬
‫وكان هذا األمري اجلليل‪( :‬عاملا فاضال يصلح لإلمامة والرائسة العامة)‪ 179‬وهبذه الكفاءة بذل جهده يف مناصرة‬
‫اإلمام املنصور عبد هللا بن محزة‪ .‬ولكن بقيت دعوة اإلمام بدون أتثري واضح حي عام ‪1197-96 /593‬حني مات‬
‫السلطان طغطكني بن أيوب فضعف حال األيوبيني يف اليمن فجدد اإلمام دعوته وبدأ منذ ذلك العام أتثريه القوي‪ ..‬ويف‬
‫هذا العام نفسه ‪ 1197-96/593‬جهز اإلمام األمري املنتصر‪ ( :‬يف عصابة من األجناد إىل هتامة فاستفتح‬
‫ويبدو أنه حقق انتصارا أوليا لكن اجلند اكتفوا مبا غنموه وقفلوا راجعني‪ .‬ويقول زابرة (كان مقصده بقاء‬ ‫‪180‬‬
‫"العمد")‬
‫اجلند‪ .‬وأن يلحق الغز إىل هتامـة ولكن اجلند قفلوا بغنائم واسعة)‪.‬‬
‫وىف نفس هذا العام ‪ 593‬هنض اإلمام إىل "حصن ثال" (وبعث األمري حممد بن املفضل‪ ،‬واألمري "حممد بن على"‬
‫يف عسكر إىل بـالد حضور‪ ،‬فلما علم هبم "الغز"خرجوا من صنعاء فأحاطوا هبم وقتلوا األمري حممد بن علـي رمحه‬
‫هللا)‪ 181‬مث يف عام ‪ 1198-97/594‬عني املنصور األمري العفيف قائدا حلملة حضور‪ 182‬ويف عام ‪1199-98/ 595‬‬
‫‪183‬‬
‫فتح اإلمام ذمار فامتدحه الفقيه املطريف الشاعر بقصيدة رائعة‬
‫هذه املؤازرة من قبل العفيف واملطرفية للمنصور مل تلق رضى ابن أخيه األمري "حممد بن منصور" ألنه كما يقول ابن‬
‫الوزير (رمبا اعتقد قصور املنصور ابهلل يف العلم وعنف عمه "العفيف "على مبايعة املنصور ابهلل وقال ‪" :‬ال خري يف إمامة‬
‫صيب" انتهى كالمه)‬ ‫‪184‬‬

‫واآلن نتساءل مي تغري والء املطرفية للمنصور؟ ومن مث مي بدأ اخلصام بعد أن كانت التعاون بينهما قائما كما‬
‫قدمنا؟‪.‬‬
‫ليس لدينا ما جنزم به لكن على ضوء بعض الوقائع ميكن القول أن البداية كانت يف ‪18‬شوال عام‪10 /598‬‬
‫يوليو ‪ 1202‬عندما انتقل اإلمام عبد هللا بن محزة إىل بيت مساك للقاء األمري شهاب الدين اجلزري‪ ،‬ولعقد الصلح بينهما‬
‫والذي أسفر عن حصة اإلمام منها هي الطاعة اال ية من دعاء وزكاة واألمر‪ ،‬أما األمر والنهي فلشهاب الدين‪.185‬‬
‫هذا االتفاق مل يرضي املطرفية وال العفيف ورأوا فيه هتاوان يف اجلهاد‪ .‬وبدأ الشك يسري يف الصدورمن موقف اإلمام‪.‬‬
‫ويذكر مؤلف سرية املنصور أول موقف متشكك للمطرفية عقب اتفاقية بيت مساك إذ وصل (الفقيه حممد بن سليمان‬

‫‪ 176‬املعز‪ :‬إ اعيل بن طغطكني‪ .‬توىل ملك اليمن عقب وفاة والده عام‪ 1194 /590‬توىل امللك يف ‪ 19‬القعدة‪ 3/593‬اكتوبر‪ 1197‬قتله جنده يف ‪ 18‬رجب‪ 13/598‬ابريل‪1202‬‬
‫‪ 177‬بيت بوس ‪ :‬بلدة وحصن ابجلنوب الغريب من صنعاء مبسافة ‪ 5‬ك م ( معجم املدن ‪) 60‬‬
‫‪ 178‬اتريخ بين الوزير ‪193‬‬
‫‪71‬‬ ‫‪ 179‬اللطائف السنية‬
‫‪ 180‬مل يذكر احلجري عمد التهامية يف حني ذكر عمد سنحان وعمد عنس وعمد عيال سريح وعمد رداع( جمموع بلدان اليمن ‪).611 :3‬‬
‫‪ 181‬غاية األماين‪341 :1‬‬
‫‪ 182‬غاية األماين‪343 :1‬‬
‫‪ 183‬غاية األماين‪347 :1‬‬
‫‪ 184‬اتريخ بين الوزير ‪ 227‬أ‬
‫السرية املنصورية ‪50 -44 :1‬‬ ‫‪185‬‬
‫العنسي يف مجاعة من أصحابه من هنج هتامة‪ ..‬فلما حضروا جملسه عليه السالم‪ ..‬حكوا أهنم ملا وصلوا إىل هجرة‬
‫وقش اجتهد أهلها يف تثبيطهم وردهم عن قصدهم‪ ،‬وذكروا هلم خوف الطرق وانقطاعها إىل صعدة‪ .‬قالوا‪ :‬فبقينا بني‬
‫‪186‬‬
‫إقدام وإحجام وما أدركنا الغرض فلم نر إالّ اإلقدام فما رأينا إال خريا)‬
‫وقد أشار ابن الوزير إىل دور املشككني يف إشعال اخلالف بينهما فقال‪ ( :‬مث إن شيعة اإلمام كثروا يف "املطرفية"‬
‫إىل اإلمام ورووا عنهم أمورا مجة يف املعتقدات على صفة شنيعة صرحية‪ ،‬وكثر النقل إىل اإلمام يف ذلك‪ ،‬مث نقلوا أيضا‬
‫‪187‬‬
‫عنهم اعرتاضات على اإلمام وقبحا يف بعض السرية بعد املشايعة فأفضى ذلك إىل املنافرة بينهم وبني اإلمام)‬
‫ويف شوال ‪/598‬يوليو ‪ 1202‬وصلت إليه وفود كثرية هتنئه (ومن مجلة من وصل مجاعة من الشيعة املرتدة‬
‫من "هجرة قاعة" وأهل "هجرة العشاوة" مستسلمني مظهرين صحة اإلمامة ممتثلني لألوامر يف إقامة اجلمعة معتذرين‬
‫أن ما منعهم من ذلك إالّ خوف الغز‪ .‬وبذلك جرت عادهتم عند استظهار اإلمام عليه السالم‪ 188).‬ومؤلف السرية‬
‫يكرر مثل هذا التعبري وهو تعبري يعكس وجهة نظر مؤلف سرية اإلمام واإلمام نفسه‪ ،‬لكنه قد ال يكون هو احلق إال بعد‬
‫املقارنة بوجهة نظر أخرى‪ .‬ووجهة نظر املطرفية تقوم على مفهومها بوجوب مقاومة الظلمة مهما كانت هناك قوة لذلك‪.‬‬
‫ومن هنا نالحظ أهنا كانت تقف مع اإلمام إذا حارب وحتاججه إذا سامل‪ .‬وليس املهم أهنم كانوا على خطاء يف تقدير‬
‫املعارك واإلمام على صواب فهذه قضية تكتيكية‪ ،‬لكن املهم هو املوقف من القتال نفسه‪ .‬ومهادنة الظلمة واالتفاق معهم‬
‫هو ما كانت املطرفية والعفيف يرفضونه كل الرفض‪ .‬وهكذا أيدوه يف معركة صنعاء وكل املعارك‪ .‬و ملا وقعت اتفاقية بيت‬
‫مساك مل ميتسك الوالء بعد ذلك‪.‬‬
‫كانت املطرفية وبشهادة مؤلف سرية املنصور قد تقبلت "اتفاقية بيت مساك" ابالمتعاض والنصح ويذكر مؤلف‬
‫السرية أن العالمة الكبري "علي بن حيىي البحريي" كتب من وقش إىل اإلمام يهنئه وحيذره من مكر شهاب ويعرض مبصافاته‬
‫لسالطني بين حامت‪ 189‬ولألسف فالسرية املنصورية مل تذكر نص رسالة البحريي للمنصور ولكنها تذكر الرد كامال‪.‬‬
‫لكن مع ذلك يعكس جواب اإلمام جانبا من الصورة؛ وبعد أن يتحدث عن انتصاراته كأنه يهزمه نفسيا قال‪(:‬نعم‬
‫ونساان عبد احلميد وقلنا‪:‬‬
‫وفهمنا ما يف كتابك من اإلشارات وحلو العبارات ومليح االستعارات فذكران اببن العميد ّ‬
‫كيف جاء ابن عباد واملوعد التناد‪ .‬فأما شهاب فأنت تعلم أان مفزع الناس ومقر األنس وعصمة املنجودين وغياث‬
‫اجملهودين‪ .‬ملا الذ ببابنا وأعتصم بفنائنا نصبناه يف ميدان اجلدال وأنصفنا يف اجلواب ويف السؤال فأعرتف على إمساعيل‬
‫ابلكفر وعلى نفسه ابملروق عن الدين واظهر النصيحة فقبلنا العهود‪ ،‬ورفعت عن صنعاء املنكرات وأزيلت‬
‫املسكرات‪ ،‬ونودي حبي على خري العمل‪ .‬وماذا بعد طاعتنا نريد؟ والذي أدى شهااب إلينا حىت طلع عقبة بيت مساك‬
‫كاملرتقي إىل السماك‪ ،‬راجال إجالال للخالفة النبوية واإلمامية العلوية‪ .‬وكان يتمكن من الركوب قرب منه كل بعيد‬
‫وهون كل شديد فنسأل هللا أن يوزعنا شكر نعمه ابلقول والعمل واالعتقاد‪.‬‬

‫السرية املنصورية ‪51 :1‬‬ ‫‪186‬‬

‫‪ 187‬اتريخ بين الوزير ‪.201 -200‬‬


‫السرية املنصورية ‪ .61-60 :1‬وقد وصلوا إليه مرة أخرى بعد ‪ 5‬أشهر كما سيأ ‪.‬‬ ‫‪188‬‬

‫السرية املنصورية ‪ .61 :1‬غاية األماين‪362 :1‬‬ ‫‪189‬‬


‫وما أشار إليه من رفع وإهراق الغرب وإن أهبجت وإصالح أمورهم وإن إنفسدت‪ .‬واجلواب أان مل نقم لذلك‬
‫وقد سلكنا فيه ألطف املسالك‪ .‬وقد قيل يف مثل ذلك‪:‬‬
‫مايل أكفك عن سعد ويشتمين‬ ‫ولو شتمت بين سعد لقد‬
‫سكنوا‬
‫جهال علينا وجبنا عن عدوهم‬ ‫لبئست اخللتان البخل واجلب‬
‫صم إذا مسعوا خريا ذكرت به‬ ‫وإن ذكرت بشر عندهم أذن‬
‫وأنت تعلم أين فقئت عني الفتنة‪ ،‬وأمخدت انر الضاللة‪ ،‬ومل يفقأها أحد قبلي‪ ،‬وال أمخدها أحد سواي‪ .‬قمت‬
‫والباطل واسع النطاق متباعد األطراف‪ ،‬قد صعد ضفتيه وأحدر مقلتيه‪ .‬فلم يزل وشاحي جبادي‪ ،‬ودرعي وسادي‪ ،‬بل‬
‫درعي شعاري‪ ،‬وجبادي داثري طاحما يف الصولة‪ ،‬راكضا يف اجلولة‪ ،‬حىت ضرب الباطل جبرانه ونكص املارد من سلطانه‪:‬‬
‫وليث هريت الشدق مينع حالك‬ ‫وقلت ‪ :‬ارتعي هذا غدير وروضة‬
‫ويسلك يف إرضاك أهدى املسالك‬ ‫يراك بعني الود وهي غضيضة‬
‫فتسدرت وتنمرت وصالت وثرثرت‪ ،‬فقلت كما قال جدي‪ ،‬ومل يصلب عند ذلك زندي‬
‫عين وعنهم أخربوا أصحايب‬ ‫أعلي تقتحم الفوارس هكذا‬
‫ّ‬
‫حىت إذا إنحر كل انبح‪ ،‬واستفتحت مثود بصاحل‪{ :‬اي صاحل آاتان مبا تعدان إن كنت من الصادقني} فصاحت‬
‫الصيحة فـ{نينا صاحلا والذين آمنوا معه}‪ .‬وجاءت كتب الصنو عماد الدين [حيىي بن محزة]غرة شهر القعدة يذكر أن‬
‫اجلنود أتوه إىل ذمار ودخلوا يف الغمار ومشروا يف خدمة اخلالفة العلوية اإلزار‪ ،‬وخلعوا يف منابذة الدولة العباسية‬
‫‪190‬‬
‫الصدار)‬
‫من هذا الكتاب نستفيد أن املنصور مل يرد على التعريض يف مصافاة السالطني أل حامت‪ ،‬كما نالحظ ثقة املنصور يف نفسه واعتزازه بقدراته فهو الذي فقأ عني الفتنة‪ .‬كما نالحظ أنه ملح له بطول‬
‫صربه على نقد املطرفيني له متمثال بثالثة أبيات شعر عن بين سعد‪.‬‬

‫ويف دوامة الشكوك تلك بذل العفيف جهده يف محاية املطرفية وسعى إلزالة سوء الدعاية عنها انفيا كل ثلمة وهتمة‬
‫يوضح ابن الوزير هذه النقطة فيقول‪( :‬وكان رمبا قد نقل بعض ذلك يف أايم" املنتصر ابهلل" وهو يراجع اإلمام هلم‪ ،‬ويذب‬
‫عنهم‪ ،‬ويعرف اإلمام أبهنم يتربءون من األمور املنسوبة إليهم‪ ،‬واهنم شيعة "اهلادي" واتباعه‪ ،‬وال يرون جواز اخلروج عن‬
‫مذهبه‪ ،‬ويعتقدون أن احلق يف االجتهادايت مع واحد‪ ،‬فلذلك حظروا اخلروج عن مذهب حيىي عليه السالم)‬
‫‪191‬‬

‫وطيلة عهد العفيف مل يتجرأ اإلمام أن ميسهم بسوء ملكانة العفيف عنده وعند الناس‪ .‬ولكنه كان يهيء الناس‬
‫ضدهم يف جمالسه العلمية وكان العالمة الكبري"علي بن حيىي البحريي" جيادل اإلمام ابحلسىن ويربيء ساحة املطرفية يف حجة‬
‫أديب‪ ،‬ورصانة اثئر‪ ،‬ويطلب منه الكف عن التشويش والتشويه على حنو ما يفصله املؤرخ حيىي بن احلسني نقال عن سرية‬
‫املنصور‪ .‬فيقول (وله كتاب كتب به إىل املنصور ابهلل بسبب رجل منهم وصل إىل اإلمام‪ ،‬وهو إذ ذاك بذي مرمر يقال‬
‫له "عمار بن انصر الشهايب" فحضر املدرسة املنصورية هنالك‪ ،‬وجرى كالم يف مذاهب املخالفني‪ ،‬وانتهى حديثهم يف‬

‫السرية املنصورية ‪67-65‬‬ ‫‪190‬‬

‫‪ 191‬اتريخ بين الوزير ‪ 201 -200‬أي مذهب اهلادي وهذه املعتقدات متس نظرية اإلمام عبد هللا بن محزة يف القلب وهذي يف الوقذت نفسذه حتجذر وتضذيق وعجيذب مذنهم وهذم العلمذاء الواسذعو‬
‫األفق أن يتحجروا على مذهب واحد ‪.‬‬
‫ذلك إىل ذكر مسألة اآلالم‪ ،‬وذكروا على اجلملة أن فرقة خالفت فرق اإلسالم يف نسبة األفعال إىل هللا تعاىل‪ ،‬ونسبة‬
‫أفعاله إىل العباد‪ ،‬وطال الكالم يف ذلك وغريه من مسائل اخلالف للتفريق بذلك‪ ،‬فانصرف املذكور وقد ملئ غيظا‪،‬‬
‫وراح إىل هجرة "وقش" فبث شكواه وذكر انه دخل على اإلمام فلم حيفل به‪ ،‬وال التفت إليه‪ ،‬وال سأله عن احلال‪ ،‬مث‬
‫حكى ما جيري من السب يف "املدرسة املنصورية" واألذية‪ -‬ومل يكن إال حكاية مذهب "املطرفية" ومسائل اخلالف‬
‫وكسره ابلرباهني اجللية‪ 192-‬فجاء الكتاب من البحريي املذكور معرضا بذلك‪ ،‬وعاتبا فيما جرى من السب واألذى‬
‫وما حضر به ذلك الرجل من االستخفاف والبذاء‪ ،‬وجعل يف صدر رسالته أبياات قال فيها‪:‬‬
‫مقام أمري املؤمنني ابن محزة‬ ‫أجل وأعلى أن حييط به وصفي‬
‫رفعت إليك الطرف فارتد خاسئا‬ ‫وال غرو أن يرتد من خجل‬
‫طريف‬
‫وأيقنت أن الصيد ما ضمه الفرا‬ ‫فقلت لكفي عن كتابته كفي‬
‫على أنين يف القرب والبعد عنده‬ ‫مواالته حصين املنيع‪ ،‬وال‬
‫أخفي‬
‫وقال بعد السالم ‪( :‬واململوك فما أتخر عن الواجب عليه‪ ،‬وأحب األشياء إليه‪ ،‬إال حبال أثقلت فقاره‪،‬‬
‫وأوجبت ازوراره‪ ،‬فمن {عسى أن يبدله هللا خريا منه زكاة وأقرب رمحا} فهو ممن انفق من قبل الفتح[لعله يقصد فتح‬
‫صنعاء] وقاتل‪ ،‬مث مل يتعزب بعد اهلجرة‪ ،‬وال انفق بعد النصرة‪ ،‬وال كان "كحاطب" يوم ألقى ابملودة‪ ،‬وال "كتميم" يوم‬
‫اندوا من وراء احلجرات ‪ ،‬بل أقام على مكانته‪ ،‬وأخلص من مودته‪ ،‬ولكن ما أوجب بعاده‪ ،‬إال ما قال موالان سالم هللا‬
‫عليه وال أعاده‪ ،‬وإمنا هو ممن قرب من األحزاب‪ ،‬واستأثر ابلفيء ومل يوجف عليه خبيل وال ركاب‪ ..‬وفقراء اهلجرة‪،‬‬
‫ومساكني الصفة {تفيض أعينهم من الدمع حزان أال جيدوا ما ينفقون} والسابقون األولون منا ومن أهل النصرة‬
‫{مرجون ألمر هللا} ولعل العواطف اإلمامية‪ ،‬واآلراء املوفقة املنصورية‪ ،‬أن تؤنس اململوك بكف تلك األذية واخليار‬
‫إليه‪ ،‬سالم هللا عليه‪ ،‬من قبل {أن تزيغ قلوب فريق منا} فاإلنسان {خلق هلوعا} فقد كان يف أول األمر أصح الناس‬
‫رمحاء بينه م ال تسمع إال سالما سالما‪ ،‬وكل شيء على منتهى أمله من سكون الدمهاء‪ ،‬وحسن احلال ومتام النعمى‪،‬‬
‫والدعاء ألمري املؤمنني بطول البقاء ملا ساق هللا إىل اجلميع بسببه‪ ،‬وأجراه من الصالح على لسانه ويده‪ ،‬ابلرفق الذي‬
‫ال ضعف معه‪ ،‬والشدة اليت ال يشوهبا عنف‪ ،‬وعلو اهلمة‪ ،‬وقلة الغفلة‪ ،‬وإحكام السياسة‪ ،‬وصواب التدبري‪ ،‬فأشد‬
‫الناس عندك القريب‪ ،‬وأقرهبم منك يف حق هللا كالغريب‪ .‬فما أحد يعدو قدره‪ ،‬وال يتجاوز حده‪ ،‬وال يتكلم إال فيما‬
‫يعنيه) إىل آخر كتابه‪ .‬فأجاب اإلمام على الفقيه املذكور وذكر أول الكتاب أبياات منها قوله‪:‬‬
‫هلموا إىل داع دعاكم إىل‬ ‫بصري حيط اللج ميمنة القف‬
‫اهلدى‬
‫املستبصرون‬ ‫يستوى‬ ‫فما‬ ‫وقوم حيارى يعبدون على حرف‬

‫‪ 192‬مل أمتكن من قراءة الثالث الكلمات اليت كأهنا وكثرة ابلرباهني اجللية‬
‫بدينهم‬
‫(وأتى جواب الفقيه يعتذر فيه ويذكر أن الشيعة [أي املطرفية] مل يساعدوه على الوصول‪ ،‬فكتب إليه اإلمام‬
‫‪193‬‬
‫كتااب طويال ابلتحريض على الوصول إليه‪ ،‬فأمهلوا الكتاب‪ ،‬ومل جييبوا عليه بشيء‪).‬‬
‫وقد علق األستاذ أمحد الشامي على هذه الرسالة بقوله‪ ( :‬لعل هذه الرسالة من مقدمات نشوب الصراع‪ ..‬بني‬
‫اإلمام ابن محزة وأتباع "مطرف الشهايب" ولعله قد بدأ جدال ومنابزة بني فقهاء املدرستني "املنصورية احلمزية" و "‬
‫املطرفية اهلدوية" ويف الرسالة ما يشري إىل أن "املطرفيني" كانوا من أنصار عبد هللا بن محزة واهنم قد قاتلوا معه‪ ،‬وضحوا‬
‫أبنفسهم وأمواهلم‪ ،‬وفيها عتب مرير على اإلمام أبنه قد أبعدهم‪ ،‬وهم املهاجرون واألنصار األولون‪ ،‬وقرب وآثر من مل‬
‫يوجفوا معه على العدو خبيل وال ركاب‪ ،‬مث هاهو ال يطلب من اإلمام إال إيناسه بكف االذية‪ ،‬من قبل أن تزيغ قلوب‬
‫‪194‬‬
‫فريق من أصحابه‪ ،‬وحيبب إليه االعتدال‪ ،‬وإحكام السياسة)‬
‫ويضيف (وكأن اإلمام يف كتابه قد طلب من "البحريي" الوصول إليه‪ ،‬ألن املؤرخ حيىي قد قال‪( :‬وأتى جواب‬
‫الفقيه يعتذر فيه ويذكر أن الشيعة [كأنه يعين أصحابه] مل يساعدوه على الوصول‪ ،‬فكتب إليه اإلمام كتااب طويال‬
‫ابلتحريض على الوصول إليه‪ ،‬فأمهلوا الكتاب‪ ،‬ومل جييبوا عليه بشيء ) ولو أن السيد حيىي قد أورد نصوص تلك‬
‫املراسلة لعرفنا املزيد من طبيعة املشكلة وأسرار قضية "املطرفية" وإابدة اإلمام هلم‪ ،‬ويظهر من قول املؤرخ (فأمهلوا‬
‫الكتا ب ومل جييبوا عليه بشيء) إن "البحريي" مل يعد هو وحده الذي يراسل اإلمام بل قد تعصب معه قومه وأصحابه‪.‬‬
‫وهنا املدخل إلثبات أن اإلمام قد حاول إقناعهم ابحلجج واملناظرة‪ ،‬ولكن يظهر أن تسامي اإلمام ابلفخر‪ ،‬وإنه وحده‬
‫املستبصر بدينه وهؤالء ممن (يعبدون هللا على حرف) قد نفر البحريي وأصحابه من االستجابة لدعوة اإلمام والذهاب‬
‫‪195‬‬
‫إليه‪)،‬‬
‫مهما يكن من شيء كانت "اتفاقية بيت مساك" هي الشرخ الفاصل بني الطرفني وقد ازداد توسعا ابلرغم من‬
‫حماوالت جربه وكان اجلو بني اإلمام واملطرفية متوترا حيث كانوا دائما يرفضون مهادنة "الغز" بصرامة‪ .‬وقد الحظ أستاذان‬
‫الشامي أن ال أحد ذكر( أن زعيما من زعماء املطرفية أو شيخا من مشاخيهم أو قبيلة من قبائلهم قد انضم إىل األيوبيني‬
‫أو الغز ضد اإلمام ابن محزة أو سلفه ابن سليمان‪ ،‬وأهنم كانوا عماد جيش احملتسب الزيدي العفيف حممد بن املفضل‬
‫قبل دعوة ابن محزة مث كانوا من أقوى وأخلص أنصاره حني دعا لنفسه وقد أشار إىل ذلك الفقيه علي البحريي يف‬
‫‪196‬‬
‫رسالته اليت عاتب هبا ابن محزة)‬
‫وقد دارت احلوادث بني مد وجزر يف العالقات بني املطرفية واإلمام تبعا ملوقفه من املقاومة واملهادنة‪ .‬فبعد تلك‬
‫االتفاقية و يف ‪ 8‬القعدة‪30 /598‬يونيو ‪ 1202‬قدم املنصور من بيت مساك إىل حصن ذي مرمر وبقي (به سبعة أشهر‬
‫تنقص أربعة أايم) أي إىل ‪ 4‬مجادى اآلخرة ‪ 18/599‬فرباير‪ 1203‬وتقول السرية‪(:‬ومن مجلة الواصلني إىل اإلمام عليه‬

‫‪ 193‬املستطاب ‪111-110 :1‬‬


‫‪ 194‬اتريخ اليمن الفكري ‪134 :3‬‬
‫‪ 195‬اتريخ اليمن الفكري ‪134 :3‬‬
‫‪ 196‬اتريخ اليمن الفكري ‪136 :3‬‬
‫السالم‪ -‬ملا استحكم أمره وظهرت كلمته ودخل اجلند من الغز يف طاعته وأمتروا أبمره‪ -‬مشايخ هجرة وقش وكبارهم‬
‫املطرفية املرتدة الغوية مع األمريين " حممد بن مفضل"[العفيف]و "أيب الفتح بن حممد العباسي العلوي" ومها أمراء‬
‫املطرفية وكاان ابقيني على التطريف وماات على الضاللة ابعتقاد مذهب اإلحالة‪ .‬وكان إظهار ما أظهروه نفاقا ال وفاقا‬
‫فنعوذ ابهلل من الشقوة وهم السلطان "حممد بن إمساعيل الشهايب"والفقيه "علي بن حيىي البحريي" والشيخ "انصر بن‬
‫علي العرشي" و "حممد بن أمحد بن مداعس اجلنيب" يف عدة وافرة مل أعرف أمساءهم‪ ،‬وما أنكر أحد منهم شيئا من أمر‬
‫اإلمامة‪ ،‬وال بقي عنده شك يف استحقاق اخلالفة والزعامة‪ ،‬وال بقي متوقف يف تلك احلال وال انصر وال ابعث يف‬
‫ذلك وال مناظر)‪.197‬‬
‫ويبدو اهنم اتفقوا على أن يتولوا ل مام على شرط إظهار منابذة العدو وقتاله‪ .‬تضيف السرية ‪(:‬وجرى الكالم‬
‫فيما بينهم وبني اإلمام عليه السالم يف أمر البالد وإنفاذها إىل الوالة والعمال واملتصرفني لقبض األموال وحفظها‬
‫وتوفريها‪ ،‬وكذلك يف استقبال الثمار‪ ،‬ومظهرين العزم على منابذة العدو والقتال وإجابة دعوة اإلمام عليه السالم عند‬
‫مقر عليها‪ .‬واألمري أبو‬
‫احلاجة أو بدو البادي من هنج اليمن من الغز ؛فاألمري حممد بن مفضل على واليته املتقدمة ٌ‬
‫الفتح كذلك يف مقري واهلان وبالد بكيل‪ 198‬وما يتصل هبا‪ .‬وأضيف إىل السلطان بشر بن حامت‪ -‬عن رأيهما ومشورة‬
‫من حضر منهم‪ -‬حضور وأعماهلا واجلحادب واألغمور وما يتصل هبا من كرار وحراز وما يواليها‪ 199‬وتوىل السلطان‬
‫"حممد بن إمساعيل" البالد املتصلة بوقش من الربوايت وبالد بين مطر وبالد بين شهاب‪ 200‬وتوىل الشيخ "انصر بن‬
‫‪201‬‬
‫علي العرشي" مشارق بالد خوالن وما يتصل به‪ .‬وتوىل"حممد بن أمحد بن مداعس اجلنيب" بالد بين حبيب"‬
‫(وتوجه كل منهم عن أمر اإلمام عليه السالم لنفاذ األوامر األمامية والتأهل لوقت احلاجة‪ ،‬وإقامة اجلمعة يف‬
‫‪202‬‬
‫هجرهم‪ ،‬والقيام ابملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬وجتييش اجليوش إىل ثغور اجلهاد)‬
‫ويظهر أن هؤالء األمراء دخلوا يف معارك مع الغز وجاهدوا مع اإلمام أفضل جهاد إذ تتابع السرية‬
‫حصل من أموال هللا تعاىل يف‬
‫كالمها‪(:‬وكتب عليه السالم إىل األمري "أيب الفتح بن حممد" يطلب منه املعونة بشيء مما ّ‬
‫جهته؛ فعاد جوابه يقول فيه وهذه نسخة كتابه خبط يده قال يف آخره ‪ " :‬وينهي قدومه إىل هجرة وقش بتعويل من‬
‫األمري السيد العفيف ومن كافة أهل وقش بعد اتصال اململوك حبضرته العالية بعد أن كان منه يف األايم املاضية ما‬
‫أمكنه من إصالح البالد وقمع أهل الظلم والفساد‪ ،‬ورد املظامل إىل أهلها‪ ،‬وكف الرعية عن جهلها‪ ،‬واالنتقام بثأر‬
‫اإلسالم ممن قاد عليهم[اجلند يف]‪ 203‬املساجد واملوارد واملنازل فهدمت دايرهم وهتكت أستارهم‪ .‬مث أقبل عليهم بعد‬
‫ذلك من الغز "الغبش" و"إبن كز" ٍ‬
‫خبيل كثري ورجل فحاربناهم يف مثار فكسرانهم وقتلنا فيهم وعقران من خيلهم‪ .‬مث‬

‫السرية ‪87-86‬‬ ‫‪197‬‬

‫تعرف اآلن ببالد آنس‪.‬‬ ‫‪198‬‬

‫وهو ما يعرف اآلن حبضور الشيخ الذي هو اآلن جزء من بين مطر واحليمة وحراز‬ ‫‪199‬‬

‫وهو ما يعرف اآلن ببين مطر‪.‬‬ ‫‪200‬‬

‫حبيب من قبائل اليمن كانت تقطن شبام عند ذي مرمر‪.‬‬ ‫‪201‬‬

‫السرية ‪.89 :1‬‬ ‫‪202‬‬

‫قال حمقق السري‪ :‬إضافة إىل النص ليستقيم املعىن‪ .‬قلت ولكنه مل يستقم‪.‬‬ ‫‪203‬‬
‫انصرفوا خائبني‪ ،‬مث نقلوا حمطتهم إىل مسح فانتقلنا يف وجوههم إىل بيحان وكهال فحاربوان ستة أايم فقتلنا منهم أكثر مما‬
‫انلوا منا‪ .‬مث رجعوا إىل جهران وما انلوا من البالد مدا واحدا‪ ،‬وال درمها فردا‪ ،‬وصار ندهم ناد جهران‪ .‬وسكنت‬
‫البالد بسعادة موالان وبركته وهيبته‪ .‬وما ذكره موالان من معونة فلم يكن اململوك آمرا بقبض شيء من البالد إالّ شيئا‬
‫قريبا من مقري فلم يقم مبا حيتاج إليه‪ .‬فأما بكيل واهلان وآنس فلم حيصل منها شيء‪ .‬واململوك موقف نفسه بني أمر‬
‫‪204‬‬
‫موالان وهنيه يدين هللا تعاىل مبحبته ويعتقد وجوب واليته ولزوم طاعته)‬
‫ويظهر من رسالة األمري أيب الفتح العباسي إىل اإلمام املنصور ابهلل أن املطرفية قاوموا الغز ابلقوة واحلرب‪ .‬وهذه‬
‫الرسالة مل يذكر ابن دغثم سوى آخرها ومل ندر شيئا عن بقية حمتواها‪ .‬وحنن هنا نستعرض وجهة نظر املنصور ألن مؤلف‬
‫سريته ال يعرض منها إال ما فيه مصلحته ولكن من خالل العرض تومض بعض القضااي فنعرف منها هنجا سلكته املطرفية‪.‬‬
‫ومع أن الرسالة قد ختمها صاحبها إبعالنه التمسك مبواالة املنصور إالّ أن األحداث كانت تتحرك صوب سالم بني وردسار‬
‫واإلمام فرمبا اعتربت املطرفية ذلك هتاوان من اإلمام فتهاونوا معه‪.‬‬
‫وكان "وردسار" قد طلع إىل صنعاء يف ‪ 13‬احلجة ‪ 2 /598‬سبتمرب‪ 1202‬وقوي أمره فاهتمتهم السرية (انتقض‬
‫ذلك كله وتفرقوا للخريف يف أطراف البالد‪ ،‬ومل يقيموا مجعة‪ ،‬وال أزالوا منكرا‪ .‬واجتمع إليهم من أطراف البالد خلق‬
‫حلضور اجمللس يف وقش على ما يعتادون ذلك يف كل سنة‪ ،‬فكتب اإلمام عليه السالم حيضهم على إقامة اجلمعة‬
‫فاعتذروا أبهنم بني انظر يف األمر وغري مساعد‪ ،‬وقالوا البد من الوصول لتقع املراجعة)‪ 205‬ولكن هذه التهمة ال تنسجم‬
‫مع رسالة أيب الفتح وشرحه ملا أبلى ضد الغز‪.‬‬
‫ويف ربيع األول ‪/599‬نوفمرب‪-‬ديسمرب ‪ 1202‬انتصر اإلمام على الغز يف اجلنات‪ .‬قال ابن دغثم‪( :‬وحكى الشيخ‬
‫امحد الرصاص قال ملا انقضى احلرب على اجلنات‪ ،‬ووقع االستظهار على الغز‪ ،‬أقبل من هجرة قاعة وهجرة العشاوة‬
‫مجاعة منهم‪ ،‬فيهم شيخهم "عواض بن أيب الفتح" ابلسالح وآلة اجلهاد يراءون الناس؛ فأقاموا يف احملطة حىت تفرق‬
‫‪206‬‬
‫العسكر‪ ،‬وعادوا إىل أماكنهم)‬
‫وعلق ابن دغثم قائال‪( :‬وبذلك جرت العادة منهم؛ فإن اإلمام عليه السالم ملا إستقر بذي مرمر قدم إليه كبار‬
‫وقش ومشائخهم صحبة األمريين حممد بن مفضل" و"أيب الفتح" فتولوا عن أمره يف البالد وقبضوا احلقوق‪ .‬وقد تقدم‬
‫ذكر أمسائهم وأمساء البالد اليت تولوها‪ .‬مث تفرقوا من عنده على القيام واجلهاد‪ ،‬وإاثرة احلرب‪ ،‬ومجع كلمة العرب‪،‬‬
‫وإغتنام فرصة العدو وقود العسكر فاشتغلوا ابخلريف حىت إنقضى وعادوا إىل هجرهم بعد مدة طويلة؛ فأثبتوا ما‬
‫حيتاجون إليه من اإلنفاق على اجمللس الذي جيتمعون إليه من أطراف البالد يف كل سنة للدراسة‪ ،‬ونسوا ماإفرتقو عليه‬
‫بذمرمر واشتغلوا بصالح أمورهم ومنافعهم‪ .‬ولبث اإلمام عليه السالم ستة أشهر ينتظر فما أحدثوا حداث وال نكوا‬
‫‪207‬‬
‫عدوا)‬

‫السرية ‪.90-89 :1‬‬ ‫‪204‬‬

‫السرية ‪.89 :1‬‬ ‫‪205‬‬

‫السرية ‪168 :1‬‬ ‫‪206‬‬

‫رسالة أبو الفتح اجلوابية على اإلمام املنصور تفند رأي ابن دغثم فقد حدثت معارك مع بعض قادة الغز‬ ‫‪207‬‬
‫وتتابع السرية‪( :‬وحدثين من حضر جملسهم أنه أاتهم يف جمتمعهم كتاب من إخواهنم بـ"هجرة قاعة"‪ ،‬يشكون ما‬
‫حدث عليهم يف بالدهم اليت كانوا أيخذون أموال هللا منها‪ ،‬وما فعله القاضي"حيىي بن جعفر" من اإلستيالء على‬
‫الوصااي‪،‬ومنعهم من أخذ الزكاة يف تلك املغارب حىت ضاقت عليهم األحوال وأصحبوا كتاهبم شعرا يف ذلك اجملمع‬
‫فغصهم ما أصاهبم‪ ،‬وأشتوروا يف ذات بينهم يف أمرهم وكيف السبيل إىل املدافعة عنهم؛فاجتمع رأيهم على إقامة األمري‬
‫ّ‬
‫العفيف حمتسبا ليدافع عن الكافة منهم‪ ،‬وابيعوه على ذلك‪ ،‬وعلى القيام واملنابذة عنهم فبايعهم على ذلك‪ ،‬وجعلوا‬
‫أمرهم مكتوما‪ ،‬ومل جيعلوا البيعة عموما على من حضر اجمللس؛ فجاءت بذلك األخبار من جهات شىت‪ .‬ووقعت على‬
‫كتاب من الشيخ "أمحد بن أسعد الفضيلي" وهو شيخ هجرة قاعة وعاملهم إىل الشريف محزة بن حيىي بن احلسني إىل‬
‫هجرة أمد يبشره مبا أمجع عليه املسلمون بوقش وأهنم قد أقاموا العفيف وابيعوه للدفاع عن املسلمني واملنابذة عنهم‪،‬‬
‫‪208‬‬
‫فلبث مدة طويلة وأصابه مرضه الذي تويف منه هنالك)‬
‫ويضع حيىي بن احلسني هذا األمر يف حوادث عام‪ 1202/599‬ويقول أن املطرفية أقامت العفيف أمريا عليها من‬
‫أجل ( يتوصلون إىل قبض ما منعهم اإلمام عن قبضه من الزكوات واألوقاف‪ .‬فلما دار ا الصلح بني اإلمام والغز حلق‬
‫املطرفية وغريهم من املتغلبني على احلقوق اخلوف من متام الصلح‪ ،‬ملا يف الفتنة من اشتغال اإلمام عن طلب احلقوق‪،‬‬
‫فسعوا يف املناقضة فوصل إىل اإلمام الفقيه "علي بن حيىي البحريي" من عند العفيف بن حمد‪ ،‬حيرض اإلمام على حرب‬
‫ا لغز‪ ،‬وخيربوه أن أهل جهته وعريهم قد اجتمعوا لقتاهلم‪ .‬وكذلك وصل مجاعة من أهل صنعاء مبثل ما وصل به‬
‫البحريي‪ ،‬فنهاهم اإلمام عن ذلك فخالفوا رأيه فناهلم من الغز ما سيأيت) ‪.209‬‬
‫وهذا رأي استقاه حيىي بن احلسني من كتاب السرية املنصورية وهو كتاب خصم ينبغي االحرتاز من أحكامه وعدم‬
‫تبنيها قبل أن يتم اإلطالع على رؤية اخلصم األخر ليتوضح الطريق إىل النطق ابحلكم الصائب‪ .‬وحاصة وقد ثبت أن‬
‫الكتاب أيضا مملؤ ابلدعاية ضد املطرفية وضد العفيف‪ .‬وقد قال امحد بن عبد هللا الوزير حبق (والبد للمتخالفني يف‬
‫‪210‬‬
‫االعتقاد أن يرمي كل واحد صاحبه مبا مل يقل به يف أهل احلق والباطل)‬
‫ونالحظ أن حيىي بن احلسني غفل يف نصه أن يذكر موقف املطرفية ورغبتها الشديدة يف القتال ضد الظلمة مع أن‬
‫صاحب السرية نفسه مل ينكرها‪ ،‬بل أثبتها أكثر من مرة وذكر حتريضهم اإلمام على قتال الغز مرات‪.‬‬
‫ومل خيف ابن دغثم رمحه هللا إحلاح الناس وليس املطرفية فقط على القتال‪( :‬فلما وقع صلح وردسار ورأى‬
‫اإلمام عليه السالم ذلك أصلح فانتشر ذكره يف البالد كره الناس ذلك لراحة كانت قد وقعت هلم ابشتغال وردسار‬
‫عنهم ابحلرب‪ ،‬وخوفه من جهة اإلمام عليه السالم؛ فمنهم من وصل كتابه إليه يشري ابحلرب واغتنام الفرصة‪ ،‬وحيكي‬
‫ضعف الغز‪ ،‬ومنهم من أتى بنفسه وكان ممن أاته الفقيه "علي بن حيىي البحريي" من جهة "العفيف" والساكنني‬
‫بـ"هجرة وقش" حيكي ما أمجع عليه رأي الكل من العزم على احلرب‪ ،‬ولزم بيت "بوس"‪ ،‬ووصول مجاعة من مشايخ‬
‫أهل صنعاء إليهم يستنهضون األمري"العفيف" وكانوا قد أتوا إىل اإلمام عليه السالم وذكروا له ما قد عزموا عليه من‬

‫السرية ‪.169 -168 :1‬‬ ‫‪208‬‬

‫‪ 209‬غاية األماين‪.371 :1‬‬


‫‪ 210‬اتريخ بين الوزير ‪210‬أ‬
‫قتال الغز الذين بصنعاء فمنعهم من ذلك ومل يشر عليهم به وخالفوا رأيه فجرى عليهم من املصائب ما أييت ذكره يف‬
‫موضعه إن شاء هللا‪ ،‬وترك أقوال الناس جانبا وفعل ما توخى فيه املصلحة ووفقه هللا تعاىل له)‬
‫‪211‬‬

‫ويعرتف ابن دغثم أن اإلمام ملا توجه من ذي مرمر إىل حوث أمن وردسار فدمر البالد اليت حتت يده ومد يده‬
‫إىل ارض السالطني بين حامت فاعترب ذلك نقضا للصلح فثار أهل صنعاء ولزموا أخو وردسار يف مجاعة معه وجاء كتاهبم‬
‫يطلب الغارة إليهم واتى السلطان بشر بن حامت إىل اإلمام عند وصول كتاب أهل صنعاء يف آخر لليلة املسفرة عن يوم‬
‫اجلمعة ‪13‬مجادى اآلخرة ‪ 28 /599‬فرباير ‪ 1203‬حيض اإلمام على النهوض بنفسه ففرق الكتب الستنفار الناس‬
‫‪212‬‬
‫والعمل ابألانة على بصرية فأمر حيىي بن محزة وحممد بن إبراهيم وهو بشوابة ابالستنفار وإىل السالطني آل حامت وغريهم‬
‫ومل يستطع ابن دغثم أن خيفي إحلاح العفيف على املنصور ابلقتال‪( :‬كتب إىل األمري العفيف‪ -‬وكان له اجتهاد‬
‫عظيم وعناية شديدة يف إزعاج اإلمام عليه السالم للقود إىل صنعاء ومساعدة أهلها على ما كانوا قد راموه يف أمر‬
‫الغز‪ ،‬وأمره إبثبات أمور بين شهاب والتقرب يف لقاء األمري عماد الدين ومجع العسكر من املشرق واملغرب والقود إىل‬
‫‪213‬‬
‫صنعاء و شدادة أهلها)‬
‫وملا عاد اإلمام إىل حرب الغز استجاب العفيف واملطرفية لدعوة اإلمام – مع أهنم قد رفعت أيديهم عن قبض‬
‫الزكاة اليت حياول صاحب السرية أن يغمزهم هبا‪ -‬فقدم األمري العفيف إىل "بيت بوس" على حدود صنعاء‪ 214‬وكان و‬
‫ردسار عند ثورة أهل صنعاء يف مغارب كوكبان فلزم حصن براش وأراد مفوضة أهل صنعاء فامتنعوا‪ ،‬وقلبت بعض القبائل‬
‫والئها له فكانوا اشد ضررا على أهل صنعاء من غريهم فحاصروا صنعاء وزحف و ردسار لنقب سور املدينة فوقع قتال‬
‫‪215‬‬
‫شديد كان النصر حليف أهل صنعاء‪.‬‬
‫ويبدو أن اإلمام مل يكن يرغب كثريا يف أتييد الثورة الصنعانية ألننا جند ابن دغثم يقول‪( :‬وكان اإلمام عليه‬
‫السالم قد أوصى األمري عماد الدين حيىي بن محزة أبن جيتهد يف الصلح بني أهل صنعاء و وردسار والعناية يف ذلك‪،‬‬
‫‪216‬‬
‫وتكون منة عنده ويسلموا مما أصاهبم بعد ذلك منه ويبقى هيبتهم وتنقطع املادة من جهة الغز)‬
‫لكن األمري حيي وكبار مهدان أشاروا الف ماراه اإلمام عندما ظنوا أن الفرصة مواتية لتملك البالد (وامجع رأيهم‬
‫على النقض على و ردسار فساعدهم على ذلك‪ ،‬وكتب على ورقة عليها خط اإلمام ‪..‬كان قد أعدها يف مجلة أوراق‬
‫عليها عالمات إن دعت حاجة مهمة إىل إنشاء كتاب عليها ابلنقض فيما بني اإلمام ‪ ..‬وورد سار فاضطربت حمطته‬
‫‪217‬‬
‫وصار الناس يف كل جهة يتوقعون قدوم اإلمام)‬

‫السرية‪ 170-169‬لكن اإلمام عاد كما حتكي السرية فأمر العفيف مبهامجة الغز بعذد نقذض الصذلح وفشذلوا‪ .‬وهذذا يذدل علذى أن املعركذة كانذت مبوافقتذه ومل تكذن ضذد رأيذه ومذا جذرى علذيهم‬ ‫‪211‬‬

‫من املصائب كانت مبوافقته‪.‬‬


‫انظر تفاصيل هذه األخبار يف السرية من صفحة ‪ .215 -208 :1‬ومل نتعرض إال ملا فيه عن موقف املطرفية‪ .‬غاية األماين ‪374 :1‬‬ ‫‪212‬‬

‫السرية ‪.215 :1‬‬ ‫‪213‬‬

‫‪ 214‬غاية األماين ‪.374 :1‬‬


‫انظر تفاصيل تلك األخبار يف السرية‪218-217: 1‬‬ ‫‪215‬‬

‫السرية‪.218 :1‬‬ ‫‪216‬‬

‫السرية‪.218 :1‬‬ ‫‪217‬‬


‫لكن مل حتدث أية عمليات مهمة بسبب منع مهدان هلا‪ .‬وإزاء ذلك (مل ير األمري لالستقرار فيها وجها وال حصل‬
‫به نفع؛فنهض يريد بالد بين شهاب واالجتماع ابألمري" العفيف" واحملطة ببيت بوس‪ ،‬وهجم وعسكره يف حمطتهم أو‬
‫حرهبم والغارة عليهم من قريب)‪ .218‬وطلب من اإلمام اإلمداد فكان ميده ابملال وبقيت املناوشات واملعارك تدور حي‬
‫‪219‬‬
‫وصل األمري سنقر فدخل صنعاء وثبت وردسار وفرض على أهل صنعاء غرائم جائرة‪.‬‬
‫بقيت احلالة بني اإلمام واملطرفية متوترة فكانوا يثبطون قدر جهدهم على املنصور عندما يثبط على القتال‪ .‬ونفهم‬
‫من السري أن اإلمام كان قد اعتقل ولد لقاسم بن مطرف وان األمري املؤيد استشفع اإلمام بطلب من أبيه قاسم فقبل‬
‫‪221‬‬
‫شفاعته‪ .220‬وملا كتب اإلمام كتابه‪ ":‬األجوبة الشافية عن املسائل املنافية" وردت عليه مطاعن من املطرفية وسواهم‬
‫وبقي احلال على ذلك التوتر حي انتقل األمري العفيف إىل ربه يف شهر صفر عام ‪/600‬أكتوبر ‪ 1203‬فانزاح عن‬
‫كاهل املنصور شخصية كبرية ال ميكن له أن ينال من املطرفية وهو حي‪ .‬وقد أمر املنصور إبرسال األمري عماد الدين حيىي بن‬
‫محزة إىل وقش مع مراثة طنانة أشاد فيها ابألمري إشادة ابلغة‪.222‬‬
‫واآلن ما هي األسباب اليت أدت إىل اخلالف بعد الوالء؟‬
‫ميكن إمجاهلا يف مخس نقاط‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬اعتقاد املطرفية مبخالفة املنصور للهادي يف اإلمامة ومسائل الفروع‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬طبيعة الفكر الذي حيملونه‪ .‬فبينه وبني فكر املنصور هوة التردم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الشروط الرفيعة ملن يتبوأ منصب اإلمامة واليت من شأهنا أن تفقد املنصور حقا قانونيا‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬إمياهنم ابستمرار املقاومة وعدم مهادنة الظلمة‪.‬‬
‫اخلامس‪ :‬تكفري اإلمام هلم‪.‬‬
‫(‪)10‬‬
‫من اللسان إىل السنان‬
‫مات األمري العفيف فخلي امليدان من أكرب محاة املطرفية وفتح الباب ل مام املنصور ملهامجتهم‪ .‬وتوىل أمر وقش‬
‫األخوين "حيىي بن منصور" و"حممد بن منصور" وكان ( "منصور بن مفضل" ‪ ..‬من أهل العلم والكمال‪ ،‬ومن أعظم‬
‫سادات اآلل وهو اكرب من أخيه حممد وكان جامعا حملمود اخلصال وحماسن اجلالل مقدما يف الشجاعة والفصاحة‬
‫والرباعة ‪ .‬وكان ال يرى تكفري املطرفية‪ .‬وروى صاحب سرية اإلمام املنصور ‪ -‬وكان بغيضا كما ذكران ذلك ‪ -‬أن‬
‫اإلمام " أمحد بن سليمان " ملا قدم على األمري "املفضل بن احلجاج" إىل "وقش" فأكرمه وأضافه واحسن نزله‪ ،‬قال ‪:‬‬

‫السرية‪.219 :1‬‬ ‫‪218‬‬

‫انظر تفاصيل ذلك يف السرية‪.222-219 :1‬‬ ‫‪219‬‬

‫انظر تفاصيلها يف السرية ‪.2420244 :1‬‬ ‫‪220‬‬

‫السرية‪.286 :1‬‬ ‫‪221‬‬

‫‪.344 :‬‬ ‫السرية ‪ 341-338 :1‬وانظر‬ ‫‪222‬‬


‫ولدك منصور فانه ال يرى كفر املطرفية ويواليهم" قال فضحك "مفضل بن احلجاج" من ذلك‬ ‫‪223‬‬
‫ال حيضر الذابح‬
‫‪224‬‬
‫وقال‪ ":‬هو ولدك")‬
‫وبني موت العفيف وعام ‪ 1207-6/603‬اشتد احلوار واجلدل‪ .‬يقول حيىي بن احلسني‪( :‬وزادهم نفورا ما ظهر‬
‫يف جمالس اإلمام من تقرير العقائد املوجبة لكفرهم‪ ،‬وبقوا على ذلك مدة‪ ،‬وشاعت مذاهبهم يف جهات بين شهاب‬
‫‪225‬‬
‫ووقش وقاعه‪ ،‬وغري هذه البالد‪ ،‬مث إن اإلمام رأى جهادهم‪ ،‬وإزالة هذه العقائد الباطلة)‬
‫ويف هذه األثناء بذل األمري "حيىي بن منصور" جهده يف محاية املطرفية عند "املنصور" على حنو ما يفصله ابن الوزير‪:‬‬
‫((كان األمريان "حيىي بن منصور" وأخوه "حممد بن منصور" اقل من عمهما خلطة لإلمام وإال فهما من مجلة من وصله‬
‫وانصره واتبعه وابيعه ولكن اكتفيا بعمهما بعد ذلك فلما أفضى األمر إليهما‪ ،‬ومل يكن منهما ما كان من عمهما مل‬
‫يكن قوهلما عند اإلمام قوله يف القبول‪ ،‬فأراد املراجعة عن هذه الطائفة واملدافعة مع اهنم يعتقدون خطأ هذه الطائفة‪،‬‬
‫‪226‬‬
‫ولكن عقيدهتما مثل معتقد من سلف من األئمة اهلادين وكثري من العلماء الراشدين يف عدم اإلكفار ابلتأويل)‬
‫ومل يكتف حيىي بن منصور ابملكاتبة‪ ،‬بل إنه سار إىل اإلمام بنفسه‪( :‬مث انه سار األمري املعتضد ابهلل "حيىي بن‬
‫منصور" إىل اإلمام وراجعه فيهم وقال‪" :‬هؤالء شيعة جدك "اهلادي" واتباعه‪ ،‬ويعتقدون حرمة اخلروج عن مذهبه بناء‬
‫على التخطية يف االجتهادايت")‪.227‬‬
‫ويبدو أن األمري جنح يف مسعاه إذ يذكر ابن الوزير ‪( :‬كأن اإلمام إرعوى بعض اإلرعواء لكالم األمري فيهم‪ ،‬وملا‬
‫وصفه من حاهلم‪ ،‬وملا تبني من براءهتم من اكثر ما نسب إليهم‪ ،‬وبتذكريه مبسلك اإلمام املتوكل على هللا [أمحد بن‬
‫سليمان] فيهم‪ ،‬ويف من سلك حنو طرائقهم من أهل االعتقادات اخلاطئة‪ .‬وكانت هذه أحد أسباب تفرقهم عن اإلمام‬
‫ألجل ما حدث منه من املخالفة "للهادي" يف مسائل الفروع ونفرة اإلمام منهم وإال فقد كانوا من مجلة شيعته‬
‫واملتابعني له وامللتزمني مجعته ومجاعته مث ذكرهم مبا فيهم من اإلقبال على العلم والتعليم واالشتغال به‪ ،‬واإلخالص يف‬
‫ا لطاعة‪ ،‬واإلقبال على العبادة‪ ،‬وكانوا كذلك هلم يف أعمال الطاعة البدنية ما ليس ألحد من أهل القبلة بال شك وال‬
‫‪228‬‬
‫مرية‪ ،‬وهلم زهد وال مريه‪ ،‬وهلم زهد ‪..‬على مجيع الناس يف زماهنم)‬
‫على أن طبول احلرب عادت تدق وتبني أن اإلمام عاد إىل موقفه و مل يبق وقد رفض اإلمام كل حماولة إصالح إال‬
‫احلرب‪ .‬وهنا يشرح لنا حيىي ابن احلسني تفاصيل ما حدث عام ‪ 1207-6/603‬فيقول (فنهض [املنصور] إىل "مدع"‬
‫وخطب خطبة يف الناس‪ ،‬وأعلن بردهتم وكفرهم‪ ،‬ليعرف القبائل بتلك اجلهات بطالن معتقدهم‪ .‬فلما انصرف الناس‬
‫"مدع" ومشاخيهم مجاعة إىل هجرة "قاعة" فعرفوا أهلها ما جرى من الكالم‪،‬‬
‫عن ذلك املوقف‪ ،‬تقدم من كبار أهل ُ‬
‫وأنه مل يبق ألحد خروج عن طاعة االمام‪ ،‬وسألوهم احلضور للمناظرة‪ ،‬وكان شيخهم "الفصيلي" قد هرب إىل "مسور"‬

‫‪223‬‬
‫يعين ذابئح الضيافة‪ .‬وكانوا يف تلك الفرتة ال أيكلون من حلوم اجملربة واملشبهة وال أتكل بعض املخرتعة من ذابئح املطرفية‪.‬‬
‫‪ 224‬اتريخ بين الوزير ‪227‬أ‪.‬‬
‫‪ 225‬املستطاب‪.111 :1‬‬
‫‪ 226‬اتريخ بين الوزير ‪202‬أ‬
‫‪ 227‬اتريخ بين الوزير ‪203‬أ‬
‫‪ 228‬اتريخ بين الوزير ‪204‬أ‬
‫ملا علم إبقبال اإلمام إىل البالد احلمريية‪ ،‬وبقي "أبو وهان" و "احلمالين" و"علي بن حيىي" فهؤالء كبارهم‪ ،‬واملعدودون‬
‫يف أهل العلم منهم؛ فأتوا املناظرة‪ ،‬وبعثوا مجاعة ممن هو حال معهم من أهل "مدع" وممن ال خيشون عليه بزعمهم‬
‫‪229‬‬
‫سطوة اإلمام‪ ،‬وأمروهم ابملدافعة عنهم‪ ،‬فلما حضروا عقد هلم اإلمام جملسا حضره مشايخ البالد وكبار محري و‪..‬‬
‫العسكر من قبائل العرب‪ ،‬فانتظروا من الواصلني اجلواب عما أمرهم ابألمس فرتاخى[فرتاخوا] فشرح اإلمام شرحا‬
‫طويال‪ ،‬وعرف الناس أبمورهم‪ ،‬ودعاهم إىل املناظرة يف حصن "مسور" أو "ثال" أو "ذي مرمر" فلما وصل إليهم‬
‫طلب[طلبوا] املعاذير والعلل‪ ،‬وسألوه تسيري رجل عامل من جهته معهم إىل أهل "هجرة قاعة"‪ ،‬لدخوهلم يف اإلسالم‪،‬‬
‫وخروجهم من مذهب املطرفية‪ ،‬فأجاهبم إىل ما سألوه‪ ،‬وجعل هلم أجال لثالثة أايم وكتب هلم مشروحا[لعله عهد] شهد‬
‫عليهم من حضر‪ ،‬وشرط فيه إابحة دمائهم وتغنم أمواهلم بعد انقضاء هذا األجل‪ ،‬إن أبوا الدخول يف اإلسالم وبعث‬
‫إليهم القاضي الفاضل شرف الدين "إبراهيم بن أمحد بن األسد القهمي" يف مجاعة من االشراف‪ ،‬وطائفة من املسلمني‬
‫قدر مخسني رجال؛ فلما حضروا "ملسجد قاعة" وحضر أهلها وعلماؤها أمجعوا مع القاضي يف مسائل اخلالف كلها‬
‫اليت كان يعرفها ويناظرونه عليها سوى مسألة واحدة وهي قوهلم‪ :‬إن فعل العبد ال يعدوه وال يوجد يف غريه‪ .‬مث ملا‬
‫استقر ذلك ودخل اإلمام "قاعه" وأقام يف التدريس الفقيه "حممد بن أمحد احمللي" هبجرة قاعه‪ ،‬يف التوحيد والعدل‪ ،‬ومل‬
‫يبق ألهلها تصرف‪ ،‬وكان هلم شيخ أعمى يطوف يف البالد ويغرس عقائدهم ويعلم النساء والصبيان فأمر اإلمام مجاعة‬
‫فجاءوا به إليه‪ ،‬فضرب عنقه‪ ،‬فلما وقع هذا احلادث جاء كتاب أهل وقش من سائر املطرفية يذكرون فيه أن‬
‫اعتقادهم هو نفس اعتقاد أهل احلق‪ ،‬واعتقاد العدلية املخرتعة ال يزيد حرفا وال ينقص حرفا‪ ،‬بل هو إىل التصريح‬
‫ابحلق أميل‪ ،‬وقالوا هذا اعتقادان فمن نسب إلينا غريه‪ ،‬أو روى عنا خالفه فاهلل ينصفنا منه‪ ،‬هكذا ذكر مؤلف سرية‬
‫‪230‬‬
‫املنصور ابهلل عبد هللا ابن محزة وهللا أعلم)‬
‫تساءل أستاذان الشامي هل تراخى املطرفية عن املناظرة؟‬
‫مث أجاب بعد أن استعرض كل ما ذكره ابن احلسني يف ترمجة البحريي وسبق نقله‪( :‬هذا هو كل ما وجدته اآلن ‪..‬‬
‫وهو إثبات أن اإلمام عبد هللا قد حاول إقناع املطرفية ابحلوار واملناظرة واحلجاج ألجد له عذرا يربر التجائه إىل العنف‬
‫أن نكصوا عن املناظرة وهو حسب رواية مؤرخ سرية اإلمام‪ ،‬وليس فيما رواه بيان مىت كان ذلك الرتاسل‪ ،‬وهل قبل‬
‫وفاة "ابن العفيف" أم بعد وفاته سنة ‪ 1203/600‬وهل قبل قيام السيد حممد بن منصور امللقب ابملشرقي مع‬
‫املطرفية أهل وقش وإنكاره ما وقع من اإلمام من تكفريهم عام ‪ 1214 -13/610‬أم بعد ذلك؟ وقد سبق أن أشران‬
‫إىل تلك األحداث‪ ،‬فهل يستطيع الناقد احلريص على تلمس أي مربر شرعي أن يفهم مما سرده مؤلف سرية املنصور‬
‫ابهلل إنه قد حاول إقناع املطرفية ابحلجج ودعاهم إىل املناظرة فرتاخوا‪،‬؟ أم أنه فقط طلب منهم االعرتاف أبهنم قد‬
‫‪231‬‬
‫كفروا وخرجوا من اإلسالم واهنم يريدون الدخول يف دين اإلسالم من جديد؟)‬

‫‪ 229‬مل أمتكن من قراء الكلمة‪.‬‬


‫‪ 230‬املستطاب‪.112-111 :1‬‬
‫‪ 231‬اتريخ اليمن الفكري ‪.135-134 :3‬‬
‫مث قال‪( :‬سؤال مطروح على الزمالء واألخوان من علماء وفقهاء الزيدية‪ .‬ومن يعلم عن تلك القضية غري ما‬
‫سردان فعليه اإلدالء به إنصافا لتاريخ إمام كبري‪ .‬هل أابدهم بعد البغي واخلروج عليه)‬
‫‪232‬‬

‫وأضيف هنا أن هذا احلوار كان قبل خروج املشرقي ألن خروجه كما حققه ابن الوزير كان بعد خراب وقش‪ .‬أما‬
‫كتاب البحريي فكان واضحا أنه أايم العفيف وأايم بقاء اإلمام بذي مرمر أي ما بني عام ‪ 1202/598‬و عام‬
‫‪ 233 1203/599‬وذلك قبل وفاة العفيف بعام واحد أو عامني‪ .‬أما دخول اإلمام قاعة فإنه كان عام ‪-6 234/603‬‬
‫‪1207‬أي بعد وفاة العفيف بثالث سنوات‪.‬‬
‫وكان املطرفية تلح يف احلوار معه وقد وسطوا بينهم وبني اإلمام بعض العلماء الختبار اإلمام فقد روى أبو الرجال يف‬
‫ترمجة "سليمان بن محزة احلسين السراجي" أن املطرفية اختارته ليكون واسطة بينهم وبني اإلمام لتحديد موعد خيتربونه‪.‬‬
‫‪235‬‬
‫وموضوع مطالبتهم ابختبار اإلمام أشارت إليه السرية املنصورة أكثر من مرة‪.‬‬
‫هناك إذن اتفاق على أن تكفري املطرفية بدأ يف مدع عام ‪ 1207-6/603‬ولكن هناك خالف حول اتريخ‬
‫تصفيتهم؛ إذ يذكر ابن الوزير نقال عن روضة احلبوري أن اإلمام املنصور ابهلل بدأ بقتل (املطرفية بعد وفاة األمري املذكور يف‬
‫سنة ثالثة وستمائة‪ ،‬قال وخرج األمري املشرقي "حممد بن منصور بن املفضل" مدافعا عن "املطرفية" ومنكرا عليه يف‬
‫السرية‪ ،‬وهو من ولد "حيىي بن الناصر بن اهلادي" عليهم السالم سنة سبع وستمائة‪ /‬ويف هذه السنة أخرب اإلمام‬
‫ويوافقه حيىي بن احلسني يف حتديد بداية العمل العسكري وهو عام ‪ 1207-6 /603‬عندما‬ ‫‪236‬‬ ‫املنصور "هجرة وقش")‬
‫حكم اإلمام (بتكفريهم وجواز تشتيتهم واستباحة أمواهلم)‪ 237‬لكن حيىي بن احلسني يقول أن خراب وقش وسناع كان عام‬
‫‪ 1215 -14 238611‬م وأن ثورة املشرقي كانت عام ‪ 2391214-13/610‬قبل خراب وقش بسنة وهو ما ال‬
‫يذهب إليه احلجوري وال اهلادي بن إبراهيم يف ثبت بين الوزير‪ 240‬وال أمحد بن عبد هللا الوزير يف اتريخ بين الوزير‪ 241‬حيث‬
‫يؤكدان أن خراب وقش كان هو السبب يف ثورة األمري حممد بن منصور‪ .‬لكن يبدو أن رأي "حيىي بن احلسني" من أن خروج‬

‫‪ 232‬اتريخ اليمن الفكري ‪.135-134 :3‬‬


‫‪ 233‬غاية األماين‪.365 :1‬و ‪.372‬‬
‫‪ 234‬غاية األماين‪.390 :1‬‬
‫انظر حاشية يف السرية ‪ 283 :1‬نقال عن ابن أيب الرجال ‪283 :2‬‬ ‫‪235‬‬

‫‪ 236‬اتريخ بين الوزير ‪224‬أ‬


‫‪ 237‬غاية األماين ‪390 :1‬‬
‫‪ 238‬يقول يف حوادث عام ‪ /611‬أن املنصور (أمر عبد هللا بن يرحب إبخراب مسجد املطرفية يف سنع وإخراب وقش دورهذا ومسذاجدها فأخربذت ومحلذت أخشذاهبا إىل قذاهرة ظفذار وخذرج أهذل‬
‫وقش إىل بالد آنس وخوالن وذهبوا كل مذهب) غاية األماين ‪400 :1‬‬
‫‪ 239‬غاية األماين ‪( .398-397 :1‬دخلت سنة ‪ ]1213[610‬وفيها قام رجل يسمى حممد بن منصور بن مفضل بذن احلجذاج مذع املطرفيذة أهذل وقذش‪ ،‬وأنكذر علذى اإلمذام املنصذور ابهلل مذا‬
‫وقع منه مذن تكفذريهم‪ .‬وسذار إىل "مذدع" و "مسذور" وحذارب أهذل عذران واملصذنعة ومهذا حصذنان ل مذام وأجابذه كثذري مذن محذري فجهذز علذيهم اإلمذام أخذاه األمذري حيذىي بذن محذزة بعسذكر مذن‬
‫حاشد وبكيل فلم يظفر هبم فتوجه إىل بين الفليحي غريب مدع فقتلهم وسباهم وأرعب قلوب أهل تلك اجلهة فصاحله سالطني مسور‪ .‬قال بعضهم‪ :‬ولقد رأيت مقربة عظيمة ابلقذرب‬
‫من قذرى بذين الفليحذي علذى طريذق احملذدد فذأخربين بعذض أهذل تلذك اجلهذة أن مذن يف تلذك املقذربة قتلذى فقلذت لعلهذم هذؤالء الذذين قذتلهم األمذري حيذىي بذن محذزة وقذد يكونذون الذذين قتلذوا يف‬
‫احلرب الواقع بني اإلمام جمد الدين واملطهر بن شرف الدين)‬
‫‪ 240‬يقذذول اهلذذادي بذذن إبراهيم‪(:‬وافذذق خذراب "هجذذرة وقذذش" وأمذذر املنصذذور أمذريا بعسذذكر وافذذر وأمذذرهم هبذذدمها وهذذدم مسذذاجدها‪ .‬وأعذذرتض يف هذذدم املسذذاجد فأنشذذأ رسذذالة يف ذلذذك وجعذذل املسذذاجد‬
‫ضرارية ورسالته معروفة‪ .‬ووقع يف نفس "املشرقي" ما وقع وخرج إىل "انس" وقيل انه ى ابإلمامة ومل اقف على صحة ذلك‪ .‬لكن يف شعر "املنصور" ما يدل على هذا(ثبت ‪)5‬‬
‫‪ 241‬اتريخ بين الوزير ‪221‬أ‬
‫األمري "حممد" كان عام ‪ 1214-13/610‬له عضد من قصيدة املنصور‪( :‬من تيمت قلبه رقاش) اليت هاجم فيها املهدي‬
‫مؤرخة عام ‪ 1214-13/.610‬ومعىن هذا أن املهدي كان قد اثر على املنصور يف هذا العام وأن خراب وقش اليت من‬
‫أجلها اثر املشرقي –إذا أخذان برأي ابن الوزير‪-‬كانت عام ‪ 1211-10/607‬وخراب وقش هو الشعرة اليت قصمت ظهر‬
‫البعري‪.‬‬
‫مهما يكن من شيء فإن اإلابدة قد بدأت ويقول ابن الوزير شارحا مربرات األمريين يف وقوفهما ضد املنصور‪:‬‬
‫( وحني رأى األمريان ما عزم عليه اإلمام املنصور ابهلل فيهم غضبا له واعتقدا أن ذلك كله بسبب املخالفة له يف اإلمامة‬
‫ومسائل الفروع‪ ،‬وانه لو كان ذلك عنه من أول أمره وقد كان هلم مكرما وكانوا متبعني مبايعني مناصرين وهم على‬
‫ذلك االعتقاد ‪ -‬وتشوشت خواطرمها يف أمر اإلمامة بذلك السبب وملا وقع يف أايمه من قتل األمري الكبري "حييي بن‬
‫‪242‬‬
‫وانه خنق ابلعمامي فطرح يف احملطة فلم ينكر اإلمام على أخيه "حيىي بن‬ ‫امحد بن سليمان" على الصفة القبيحة‬
‫محزة" وسائر من نسب إليه ذلك من اخوته وقرابته‪ ،‬وذلك من اعظم املناكري‪ ،‬وقد أكثر الناس على اإلمام إنكار‬
‫ذلك حىت قال "حم مد بن نشوان" يف اعرتاضاته ‪( :‬ومنها انه قتل ابن إمامه وهو معتد بشرابه وطعامه) وجاءته الرسائل‬
‫يف ذلك من مجيع اجلهات ‪ ..‬وكان رأى األمريين فيهم التخطية يف بعض االعتقادات املنسوبة إليهم نسبة صحيحة‪،‬‬
‫وقبول قوهلم يف إنكار ما رموا به من سائر االعتقاد‪ ،‬وتعظيمهم يف غري ذلك من أمور الدايانت والطاعات‪ ،‬وكانوا أبلغ‬
‫أهل زماهنم يف ذلك وأعالهم حاال‪ ،‬فحثهم ذلك على املدافعة عنهم ‪ ..‬وملا ذب عنهم األمريان السيدان "حيىي بن‬
‫منصور" وأخوه "حممد بن منصور" تعدى عليهم صاحب السرية‪ :‬سرية اإلمام ونسبهم إىل "التطريف" جملرد الذب‬
‫عنهم‪ ،‬وأحل قهم هبم حبكم املواالة وعلى طريقة اإللزام يف نسبة القول إىل الشخص لعالقة أو الزم بعيد‪ ،‬فجعل عدم‬
‫اعتقاد كفرهم وإابحة دمائهم والذب عنهم مع اعتقاد خطاءهم ال إىل حد اجلزم بكفرهم واستباحتهم يوجب أن حيكم‬
‫‪243‬‬
‫على معتقد ذلك حبكمهم وتسميته ابمسهم وكان ذلك أيضا هو رأي اإلمام على ما حكاه "أبو فراس بن دغثم")‬
‫وأضاف ابن الوزير إىل ذلك سببا آخر فقال‪( :‬وكان من حوامل األمريين على املدافعة عنهم أن اإلمام مل يعامل‬
‫"احلسينية" مبثل تلك املعاملة وكانوا يصرحون أبقوال كفرية ال أتويل فيها مثل قوهلم‪ :‬أن "احلسني بن القاسم" افضل‬

‫‪242‬‬
‫‪205‬أ‬ ‫عن صفة قتل األمري حيىي بن اإلمام امحد بن سليمان " انظر حاشية يف اتريخ بين الوزير‬
‫‪243‬‬
‫اتريذذخ بذذين الذذوزير ‪ 205 -204‬أ‪ .‬ومل يذذرد يف األجذزاء املوجذذودة مذذن السذذرية املنصذذورية شذذيء مذذن هذذذا القبيذذل‪ .‬ورمبذذا كذذان ذلذذك يف األجذزاء الضذذائعة‪ .‬وقذذد اهتذذم ابذذن الذذوزير ابذذن‬
‫دغذثم أبنذه (كثذري التحامذل علذى أصذحابنا وحيذب القذدح علذيهم والتشذنيع فيمذا كذان لذه اصذل‪ ..‬وحكذى صذاحب سذرية اإلمذام أن املشذرقي وافذق "أاب بكذر بذن سذيف اإلسذالم " و"أاب‬
‫بكر عادي بن جهيل"يف دخوهلم إىل "صنعاء" ومل يكذن بيذنهم وبذني اإلمذام املنصذور كذل احلذرب ابلقتذال والسذالح إال انذه ملذا أخذرب اإلمذام "مسذاجد وقذش" تقذدم املشذرقي واخذرب‬
‫"بيذذت مجيذذع" هذذذا كذذل مذذا وقذذع منذذه‪ .‬وحكذذى صذذاحب السذذرية أشذذياء ملفقذذة مذذن أكذذاليم وأحاديذذث كقولذذه أن "حيذذىي بذذن منصذذور" تقذذدم إىل مكذذة إىل األمذذري "قتذذادة" وأظهذذر القذذول‬
‫‪243‬‬
‫وان األمري املنتصذر ابهلل "العفيذف بذن مفضذل" قذد هذم مبقاومذة اإلمذام املنصذور والقيذام يف وجهذه لذوال مذا عاقذه عذن ذلذك مفاجذأة احلمذام وحنذو ذلذك مذن أقوالذه‬ ‫ابملنصور خدعه‬
‫الباطلذذة الذذيت هذذي عذذن التحلذذي ابإلنصذذاف عاطلذذة‪ .‬أمذذا األمذذري املنتصذذر ابهلل فذذأقوال املنصذذور لذذه شذذاهدة إىل حذذال وفاتذذه ‪-‬وهذذو يف سذذنة سذذتمائة‪ ،‬واملنصذذور تذذوىف يف سذذنة أربذذع عشذذرة‬
‫وسذتمائة فمذي كذذان اهل ّذم أو كيذذف اطلذع علذى ذلذذك ومل يطلذع عليذذه اإلمذام عليذه السذذالم وأمذا ولذذد أخيذه األمذريان "حيذذىي" و"حممذد" فقذذد كذان بينهمذا مذذا ذكذر ولكذذن عقيذدهتما عقيذذدة‬
‫آابئهما عليهما السالم)‬
‫من رسول هللا‪ ،‬وان كالمه اهبر من "القرآن" إىل غري ذلك من أقواهلم وضالهلم‪ ،‬وهلم قواعد أربع كل واحد منها كفر‬
‫‪244‬‬
‫صريح وهلم كتب يف ذلك وتصانيف ورسائل وأشعار)‬
‫مث قال‪( :‬وكان األمريان "حيىي بن منصور" وأخوه "حممد بن منصور" اقل من عمهما خلطة لإلمام وإال فهما من‬
‫مجلة من وصله وانصره واتبعه وابيعه‪ 245‬ولكن اكتفيا‪ 246‬بعمهما بعد ذلك فلما أفضى األمر إليهما‪ ،‬ومل يكن منهما ما‬
‫كان من عمهما مل يكن قوهلما عند اإلمام قوله يف القبول‪ ،‬فأراد املراجعة عن هذه الطائفة واملدافعة مع اهنم يعتقدون‬
‫خطأ هذه الطائفة‪ ،‬ولكن عقيدهتما مثل معتقد من سلف من األئمة اهلادين وكثري من العلماء الراشدين يف عدم‬
‫اإلكفار ابلتأويل و اإللزام فلم يقبل اإلمام منهما ذلك وال سلك فيهما مثل مسلك اكرب أئمة اهلدى ومصابيح الدجى‬
‫يف اعتقاد الكفر دون استحالل احملاربة‪ ،‬بل جعل حكمهم حكم "احلربيني" وأستحل دمائهم‪ ،‬وأمواهلم‪ ،‬واخرب‬
‫دايرهم‪ ،‬ومساجدهم‪ ،‬وحكم أبهنا مساجد ضرارية‪247‬وكذا حكم بذلك على "اجملربة" واستباح نساؤهم‪ ،‬وسباهم‬
‫"ابملهجم" وأم ولده "سليمان" من سبااي املهجم‪ ..‬فلما كان ذلك من اإلمام وقد كان سبقه اإلمام "امحد بن سليمان"‬
‫‪248‬‬
‫ومن بعده من األئمة ومعتقدهم واحد يف تكفريهم‬ ‫وكان يعتقد كفرهم وحلق بعده اإلمام " "امحد بن احلسني"‬
‫ولتكفري غريهم من "اجملربة" و"املشبهة" وسائر فرق الضالل ومل يستبيحوا ذلك‪ ،‬وال قضوا به‪ ،‬بل فرقوا بني "دار‬
‫‪250‬‬
‫الكفر" و "دار احلرب"‪ 249‬وأما اإلمام وشيعته يف حياته وبعد موته فقضوا مجيعا ابن الدار واحدة واحلكم واحد‪)..‬‬
‫مهد اإلمام بذلك التكفري الطريق إلابدهتم‪ .‬وهكذا مابني عام ‪ 607‬و‪ 1210 / 610‬و ‪ 1213‬أمكن له‬
‫ختريب وقش وتشريد املطرفية قال ابن الوزير‪( :‬نكلهم وقتلهم يف مجيع أماكنهم وهدم مساجدهم حىت املساجد اليت‬
‫"بوقش" و"سناع" ومسجدهم "بسناع" هو املسجد املعروف "مبسجد غرابة" وملا استباح اإلمام منهم ما استباح أعلن‬
‫‪251‬‬
‫تكفريهم يف كتبه ورسائله وأشعاره واحتجاجاته وأراجيزه ومقصوراته وأشعاره‪).‬‬
‫فأغضب ذلك األمري املشرقي فقام بثورته ضد املنصور (وسار إىل مدع ومسور وحارب أهل عران واملصنعة ومها‬
‫حصنان لإلمام وأجابه كثري من محري فجهز عليهم اإلمام أخاه األمري حيىي بن محزة بعسكر من حاشد وبكيل فلم‬
‫‪ 244‬اتريخ بين الوزير ‪208‬أ‬
‫‪245‬‬
‫ابيعه زايدة من نسخة ب و ش‪.‬‬
‫‪246‬‬
‫يف نسخة أ اكتفا‬
‫‪247‬‬
‫مساجد ضرارية نسبة اىل مسجد ضرار الذي هدمه الرسول بسبب اختاذه مركزا حملاربة هللا ورسوله‪.‬‬
‫‪248‬‬
‫امحد بن احلسني(اإلمام املهدي) ولد عام‪1215/612‬وبلغ من العلم درجة عالية دعا يف‪ 1248/646‬استشهد يف شوابه عام‪.1258/656‬‬
‫‪ 249‬هذا القول يتناىف مع ما ذهب إليه املؤلف من أن كثريين من األئمة مل يكفروا بطريقذة اإللذزام‪ .‬ومبذا أن الزيديذة حتتضذن املعتزلذة واملطرفيذة تعتقذد رأي أىب القاسذم البلخذي فذال نظذن أن األئمذة مذن‬
‫بعد امحد بن سليمان واملهدي أمحد بن احلسني يكفروهنم‪ .‬ويتناىف مع قوله أبن اإلمام صلى هبم يف وقش وقال أنذه مل جيذد عنذدهم خالفذا كبذريا‪ .‬ورمبذا كذان للمتوكذل أمحذد بذن سذليمان رأي‬
‫سابق متشدد ورأي الحق متأخر‪ .‬وحنقق هذه القضية يف كتابنا عن املطرفية إن شاء هللا‪.‬‬
‫‪250‬‬
‫قال ابن الوزير‪( :‬ملا وقعت املراجعة بينهم [أي] شيعة اإلمام املنصوٍر وبني اإلمام املعتضد "حيىي بن احملسن بذن حمفذوظ" يف ذلذك وحنذوه الذزمهم أن "مكذة املشذرفة" دار حذرب‬
‫والتزموا ذلك ‪ ،‬وقال يف أبيات يف هذا املعىن‪:‬‬
‫وقالوا أن "مكة" دار حرب‬ ‫محاها هللا من طاغ وعاد‬

‫‪ 251‬اتريخ بين الوزير‪203 -202‬أ‬


‫يظفر هبم فتوجه إىل "بين الفليحي" غريب مدع فقتلهم وسباهم وأرعب قلوب أهل تلك اجلهة فصاحله سالطني مسور‪.‬‬
‫قال بعضهم ‪ :‬ولقد رأيت مقربة عظيمة ابلقرب من قرى "بين الفليحي" على طريق احملدد فأخربين بعض أهل تلك‬
‫اجلهة أن من يف تل ك املقربة قتلى فقلت لعل هؤالء الذين قتلهم األمري حيىي بن محزة وقد يكونون الذين قتلوا يف‬
‫‪252‬‬
‫احلرب الواقع بني اإلمام جمد الدين واملطهر بن شرف الدين يف املوضع املذكور)‬
‫وأخريا فشلت حركة احلماية سعى األمري "حيىي بن منصور" يف (اهلدنة بني املنصور وبني هذا السيد اجلليل على‬
‫‪253‬‬ ‫يد أخيه حيىي)‬

‫(‪)11‬‬
‫بعد العاصفة‬
‫هل انتهى فكر املطرفية بعد املذحبة؟‬
‫ذكر حيىي بن احلسني أن اإلمام أمر‪( :‬إبخراب مسجد املطرفية بسنع و إخراب وقش ودورها ومساجدها‬
‫فـأخربت ومحلـت أخشاهبا إىل قاهره ظفار‪ .‬وخرج أهل وقش إىل بالد انس وخوالن وذهبوا كل مذهب)‪ 254.‬وحيدد مرة‬
‫أخرى اتريخ انقراضهم ببداية عهد اإلمام املهدي علي بن حممد الذي بويع عام ‪ 1349/750‬ويقول مرة أخرى ‪( :‬قال‬
‫فالظاهر أنه مل‬ ‫‪255‬‬ ‫اإلمام املهدي وقد انقرضت هذه الفرقة يف هذه األعصار ومل يبق إالّ املخرتعة‪ .‬قلت وأما يف زماننا‬
‫يبق هلم ذكر)‪ .256‬ومن هنا نعرف أن املطرفية قد عاشت إىل القرن الثامن اهلجري‪ .‬لكن يبدو أهنا ظلت يف تناقص‬
‫وانكماش حي غاب نزرها هنائيا إال من حملات‪ .‬لقد بقيت احلملة الفكرية قائمة عليهم من بعد اإلمام املنصور فقد ذكر‬
‫حيىي بن احلسني أن "محيد احمللي" املتوىف ‪( 1255-54/652‬له رسائل وردود على املطرفية والباطنية ‪[..‬وله] كتاب‬
‫يف الرد على املطرفية يف زمنه وذكر مسائلهم وجواابهتا وحل شبهها وإبطاهلا يف جملد)‬
‫‪257‬‬

‫ويذكر أستاذان الشامي نقال عن ابن أيب الرجال أن القاضي عبد هللا بن زيد العنسي املتوىف عام ‪-68/667‬‬
‫‪ 2581269‬بعد وفات املنصور بذ ‪ 53‬عاما ألف مثانية كتب ضد املطرفية هي ‪ -1‬الرسالة الناطقة بضالل املطرفية الزاندقة‪.‬‬
‫‪ -2‬الرسالة املنقذة من العطب السالكة ابلنصيحة إىل أهل شظب‪ - 3 .‬الرسالة الداعية إىل اإلميان يف الرد على املطرفية‪.‬‬
‫‪ -4‬التمييز بني اإلسالم واملطرفية الطغام‪ -5 .‬التوقيف على توبة أهل التطريف‪ -6 .‬الرسالة احلاكمة بتحرمي مناكحة الفرقة‬

‫‪ 252‬غاية األماين ‪398 :1‬‬


‫‪ 253‬اتريخ بين الوزير ‪221‬أ‬
‫‪ 254‬غاية األماين‪400 :1‬‬
‫‪ 255‬أي يف القرن احلادي عشر اهلجري‬
‫‪ 256‬املستطاب ‪77 :1‬‬
‫املستطاب ‪ .149-148 :1‬اتريخ اليمن الفكري‪305 :3‬‬ ‫‪257‬‬

‫اتريخ اليمن الفكري ‪305 :3‬‬ ‫‪258‬‬


‫املطرفية الظاملة‪ -7 .‬الفتاوى النبوية املفصحة عن أحكام املطرفية‪ -8 .‬الرسالة الناعية املصارحة للكفار من املطرفية‬
‫‪259‬‬
‫األشرار‬
‫فهذه احلملة املسعورة اليت بلغت حد التكفري تدل على أن نبض املعتزلة بعد خراب اهلجر املطرفية وإابحة دمائهم‬
‫ما يزال قواي أو أن رد الفعل على مذحبتهم كان عنيفا مما استلزم عند املخرتعة هذا السيل من الكتب للدفاع عن موقفهم‪.‬‬
‫لكننا بعد ذلك جند صوت املطرفية قد خف إىل حد بعيد لكنه ظل كامنا أيتلق حتت رماده‪ .‬وكان أول من كشف‬
‫عن مذحبتهم وبعض أفكارهم بتجرد هو "أمحد بن عبد هللا الوزير" مث "حيىي بن احلسني" وإن كان ال يؤيداهنم لكن ابن الوزير‬
‫كان أكثر حيادا من غريه‪ .‬ويف هذا العصر جاء األستاذ الكبري "أمحد بن حممد الشامي" مث الدكتور "علي حممد زيد"‬
‫فأنصفاهم‪ .‬إن صوت املطرفية يتخلق من جديد‪ .‬وأن أي يقظة عقلية البد أن يعود إليها ويقتبس منها‪ .‬وما دوهنا فنوع‬
‫اخلمود العقلي‪ .‬لقد عاد جنم املطرفية إىل الصعود‪.‬‬

‫أعالم املؤلفني الزيدية ‪ .591 -589‬وانظر اتريخ اليمن الفكري ‪ 309 :3‬السرية ‪90-89 :1‬‬ ‫‪259‬‬
‫تعليق العالمة بدر الدين الحوثي‬

‫ويبدو أن العالمة "بدر الدين" كفب مقاله األول قبل أن يطلع على مقال" المطرفية‪ :‬الفكر‬
‫والمأساة" ولذا اكتفى بالتعليق على اللمحة المقتضبة التي في العدد األول من "المسار" تحت عنوان‬
‫"المدارس – الجامعات في شمال اليمن" فعقب عليه بما لفظه‪:‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الذين اصطفى‪ ..‬وبعد‬
‫الحمد هلل وسالم على عباده َ‬
‫في هذا الزمان أظهر الخالف في شأن المطرفية بعض النواصب ليتصلوا إلى ذم وتحقير‬
‫بعض أئمة الهدى‪ ،‬وتبع النواصب أو اغتر بكالمهم من ليس مثلهم‪ ،‬فرأيت أن تنزيه المطرفية والجزم‬
‫ببراءتهم يعني الطعن في اإلمام عبد هللا بن حمزة عليه السالم وإلحاقهم له بأهل التعصب المذهبي‪،‬‬
‫ومن عرف الحقيقة عرف براءته من ذلك‪.‬‬
‫فنقول وباهلل التوفيق‪:‬‬
‫قد حكى مذاهبهم اإلمام أحمد بن سليمان في حقائق المعرفة في مواضع مفرقة تبعاً للمسائل‬
‫التي تستدعي ذكر خالفهم فيها‪.‬‬
‫وممن ذكر بعض خالفاتهم زيد بن علي الوزير كما في مجلة المسار العدد األول شتاء‬
‫مؤلف المستطاب‪ :‬يؤمنون بخلق‬‫‪1420‬هـ قال فيها (ص ‪" :)23‬كان المطرفيون في وقش‪ ،‬كما قال ِّ‬
‫العناصر األربعة‪ ،‬وباالنفعال ف يما عدا ذلك‪ ،‬وهو عين مذهب أبي القاسم البلخي‪ ،‬وهو الذي صح‬
‫عنهم‪ ،‬ووجد في كتبهم بحدوث العالم وإثبات الصانع‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن الحوادث اليومية كالنباتَات‬
‫والمولودات واألَلم ونحوها حادثة من الطبائع الحاصلة في األجسام‪ ،‬وال تأثير للقديم فيها أصالً" ثُ َّم‬
‫قال‪" :‬ومحصول مقالتهم‪ :‬إن هللا تعالى خلق األربعة األصول‪ ،‬وهي الماء والنار‪ ،‬والهواء‪ ،‬والثرى‪ ،‬ثُ َّم‬
‫خلق االستحاالت والفروع‪،‬‬ ‫خلق منها كل شيء من الفروع باإلحالة واالستحالة‪ ،‬قالوا‪ :‬وهللا هو الذي َ‬
‫لكن ليس بالمعنى األول الذي هو خلق االختراع‪ ،‬بل خلق تركيب وفطرة وبنية َّ‬
‫وجبلة‪ ،‬قالوا‪ :‬ألنه يلزم‬
‫فيما إذا بذر الغاصب في أرض الغير بأنه إذا اخترع هللا خلق النبات من البذر الغصب الظلم‪ ،‬وهللا‬
‫تعالى ال يفعل القبيح وال الظلم‪ ،‬تعالى هللا عن ذلك‪ ،‬وقال سائر علماء اإلسالم‪ :‬بأن هللا هو المخترع‬
‫لجيمع األشياء األصول والفروع" انتهى‪.‬‬
‫فقد حكى مذهبهم في أول كالمه وآخره‪ ،‬حيث قال‪" :‬ويقولون‪ :‬إن الحوادث اليومية كالنباتات‬
‫والمولودات واأللم ونحوها حادثة من الطبائع التي في األجسام‪ ،‬وال تأثير للقديم فيها أصالً"‪ .‬وحكى‬
‫مذهبهم وحققه في آخر كالمه‪ ،‬حيث قال حاكياً عنهم‪" :‬قالوا‪ :‬ألنه يلزم فيما إذا بذر الغاصب في‬
‫ع هللا خلق النبات من البذر الغصب الظلم‪ "..‬الخ‪ ،‬فحقق أنهم يعنون أن‬ ‫أرض الغير بأنه إذا اختر َ‬
‫المتولد ليس صنع هللا ال بطريقة االبتداء وال بالتولد من فعله‪.260‬‬
‫فأما قوله‪" :‬ومحصول مذهبهم"‪ ،‬فهو كالمه ال كالمهم‪ ،‬وكان عليه أن ينقل مستنده من‬
‫كالمهم؛ ليصحح ما ادعاه لهم؛ ألنه قد خالف ما حكاه عنهم‪ ،‬وليس محصوله ما زعم‪ ،‬بل هي‬
‫لغير مدع‪ ،‬وكيف يصح ذلك؟ وهم يحتجون لدعواهم أن الفروع ليست من هللا بقولهم كما حكاه‬ ‫دعوى َ‬
‫عنهم‪ .‬قالوا‪ :‬ألنه يلزم فيما إذا بذر الغاصب في أرض الغير‪ ..‬الخ‪ ،‬فإن معناه‪ :‬أن إنبات الزرع من‬
‫البذر لو كان فعل هللا فنزهوا هللا عن أن يكون أنبته وجعلوا ذلك دليالً على أن اإلنبات من البذر‬
‫ونحوه ليس فعل هللا‪ ،‬إنما هو فعل الطبيعة وأثرها المتولد بها وال فعل هلل فيه أصالً‪ ،‬فما بقي بعدها‬
‫مجال لينسب إليهم ما زعم أنه محصول مذهبهم أنه خلق من األربعة العناصر كل شيء من الفروع‬
‫باإلحالة واالستحالة؛ ألن ذلك لو كان مذهبهم لكان النبات من البذر الغصب خلقه‪ ،‬فلم يقولوا‪ :‬يلزم‬
‫الظلم بل أرادوا أن النبات ليس خلقه ال بطريقة التولد من فعله وال بطريقة االبتداء‪ ،‬فظهر بطالن ما‬
‫حصله لمذهبهم‪ ،‬وأنه دعوى لغير مدع‪.‬‬
‫وكذا قوله في سياق ذكره لمحصول كالمهم‪" :‬قالوا‪ :‬وهللا تعالى هو الذي خلق االستحاالت‬
‫والفروع" فهو قول ال أصل له من كالمهم ـ أعني قوله‪ :‬والفروع ـ فلو كان لهم قول يثبت أن هللا خلق‬
‫الفروع لذكر محله من كتب من في عصرهم أو من أدركهم‪ .‬وهللا الموفق‪.‬‬
‫مر ذكره‪" :‬وكان أهل‬
‫وقد قال زيد بن علي الوزير في خالل حكايته لكالم المطرفية الذي َّ‬
‫الظاهر مخترعة يقولون بأن هللا سبحانه وتعالى يخترع كل شيء في وقته" انتهى‪ ،‬وكأنه يعني أنهم‬
‫ينكرون التولد‪ ،‬فإن كان عني هذا وأراد أنهم ال يثبتون وجود مسبب عن سبب‪ ،‬فهذا غير صحيح‪ ،‬بل‬
‫هم يجعلون أفعال هللا تعالى قسمين‪ :‬قسم مخترع ابتداء‪ ،‬وقسم مخترع متولد عن سببه‪ ،‬ولو شاء هللا‬
‫تعالى ألبطل سببية السبب فلم يحصل عنه المسبَّب‪ ،‬وقد أفاد ذلك المنصور باهلل عليه السالم في‬
‫الشافي في المجلد األول ج‪ 2‬ص ‪ ،214‬حيث قال‪ :‬ألنه سبحانه يفعل أفعاله اختراعاً سواء كانت‬
‫مبتدأة أو متولدة‪ ،‬فإن المتولد في حكم المبتدأ‪ ..‬الخ‪.‬‬

‫ما نقله العالمة احلوثي عن كالم األستاذ زيد الوزير فهو من مقال له عن املدارس الفكرية يف اليمن وكان قبل مقال املطرفية الفكر واملأساة‬ ‫‪260‬‬
‫وهكذا أفاد اإلمام أحمد بن سليمان عليه السالم في حقائق المعرفة‪ ،‬حيث قال‪ :‬محتجاً بما‬
‫حكاه عن المرتضى عليه السالم ما لفظه‪ :‬وقال محمد بن يحيى عليهما السالم في كتاب اإليضاح‪:‬‬
‫إن سأل سائل فقال‪ :‬هل يصح للجمادات فعل من األفعال ويجوز ذلك في االعتقاد والمقال؟ قيل له‪:‬‬
‫وال قوة إال باهلل‪ :‬ال يصح الفعل من الجمادات إالَّ على مجاز الكالم‪ ،‬فأما الطبائع فمن ذي الجالل‬
‫واإلكرام؛ لما في ذلك من الفضل واإلنعام؛ لئن الحيوانات إنما استقامت أرواحها بطبائع األطعمة‬
‫والشراب وذلك من حكمة رب األرباب ومصلح األسباب باألسباب؛ ألن األغذية ال تعقل أعاجيب‬
‫التدبير وال ُيتم إصالح األمور وعجائب الحكمة والتصوير إال هللا العليم الخبير‪ ..‬الخ‪ .‬انظره قبيل‬
‫فصل في الكالم في األنوار‪.‬‬
‫فصح أنهم يثبتون صنع هللا للمتولد كما يثبتون صنعه للمبتدأ‪ ،‬وتبين أن الخالف في المتولد‬
‫هل هو صنع هللا؟ أو ال؟ والمثبت لذلك أنه صنع هللا هو المتبع للقرآن والنافي هو المخالف للقرآن‪.‬‬
‫بدر الدين الحوثي‬
‫صعدة‬
‫تعقيب األستاذ محمد عزان على تعليق العالمة بدر الدين‬
‫وعندما اطلع العالمة محمد يحيى عزان على تعليق العالمة بدر الدين كتب مايلي‪:‬‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل والصالة والسالم على سيدنا محمد األمين وعلى آله الطاهرين‪ ،‬وبعد‬
‫فهذا تعليق مختصر على كالم لشيخنا العالمة الكبير السيد بدر الدين الحوثي‪ ،‬أورده في شأن‬
‫المطرفية تعليقاً على مقال للمفكر اإلسالمي السيد زيد بن علي الوزير في مجلة (المسار) العدد‬
‫األول الصادر صيف ‪ 1421‬هـ‪ .‬وذلك بهدف البحث عن الحقيقة والوصول إلى رؤية واضحة حول‬
‫ما يثار في هذا الجانب‪ ،‬أرجو أن يتسع له صدر شيخنا إذ المقصود الفائدة والحصول على رضى‬
‫هللا‪.‬‬
‫فأقول وباهلل التوفيق‪:‬‬
‫(‪ )1‬ـ بدأ شيخنا بوصف مخالفيه المدافعين عن المطرفية بـ(النواصب) أو المغترين بهم‪.‬‬
‫والمالحظ أن كلمة ناصبي‪ ..‬رافضي‪ ..‬مبتدع‪ ..‬ألقاب تطلق كثي اًر على غير أهلها‪ ،‬بقصد‬
‫إرهاب المخالف للمألوف لدى هذه الجماعة أو تلك‪ ،‬مع أن هذا النوع من التخويف بالتسميات ال‬
‫يكشف حقيقة وال يرفع إشكاالً‪ ،‬واألولى تجنب ذلك والتوجه إلى كشف الحقائق بطريقة موضوعية‬
‫مقنعة بغض النظر عمن تناولها أو أثارها‪.‬‬
‫(‪ ) 2‬ـ ثم رأى شيخنا أن تنزيه المطرفية والجزم ببراءتهم‪ ،‬يعني الطعن في اإلمام عبدهللا بن‬
‫حمزة وإلحاقه بأهل التعصب المذهبي‪.‬‬
‫وهذا الكالم فيه نظر من وجهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه ال تالزم بين تنزيه المطرفية والطعن في اإلمام عبد هللا بن حمزة‪ ،‬على كل حال؛‬
‫ومعني باألمر أكثر من غيره‪ ،‬فقد‬
‫ٌّ‬ ‫ألنه يمكن أن يقال‪ :‬إن اإلمام حكم بما أدى إليه نظره وهو مجتهد‬
‫بنى فعله تجاه المطرفية على أمور ال نعلم جميعها بالتفصيل‪ ،‬وهذا يوجب له الحمل على السالمة‪،‬‬
‫وشأنه في ذلك شأن األئمة الذين وقعت بينهم حروب قتل فيها خلق كثير من الناس‪ ،‬ومع ذلك لم‬
‫يجزم أحد من الزيدية بهالك طرف معين منهم‪ ،‬وتُرك أمر الجميع إلى هللا تعالى المطلع على خفايا‬
‫القلوب والضمائر‪.‬‬
‫تصويبه في كل شيء وعلى كل حال‪ ،‬وال يصح الحكم‬ ‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬أنه ال يلزم الحترام أي شخص‬
‫سلفاً على مخالفيه بأنهم مخطؤون خطأ يوجب لهم القتل والتشريد وسبي األهل والذرية‪ ،‬اللهم إال إذا‬
‫وخولف في تشريع يوجب هذا النوع من التنكيل‪ .‬واإلمام عبد هللا بن حمزة وسائر أئمة‬
‫كان معصوماً ُ‬
‫الزيدية ال يدعون العصمة ألنفسهم‪ ،‬وال يقطعون بعدم وقوعهم في الخطأ‪ .‬يقول إمام أهل البيت زيد‬
‫بن علي " إنما نحن مثل الناس ‪ ،‬منا المخطئ ومنا المصيب‪ ،‬فسائلونا وال تقبلوا منا إال ما وافق‬
‫كتاب ّللا وسنة نبيئه صلى ّللا عليه وآله وسلم"‪.261‬‬
‫الثالث أن األستاذ زيد الوزير إنمـا رأى‪" :‬إن تجاهل فكر ضخم كفكر المطرفية‪ ،‬وحدث جسيم‬
‫كإبادتها اجتمعا في مكان وزمان واحد غير ممكن ومناقص للمنهج العلمي؛ ثم ألن الفكر المطرفي‬
‫هو جزء من مذهب الهادي نفسه ال يمكن تناسيه‪ ،‬ثم إن قضية الصدام أصبح جزءا من تاريخ ال‬
‫يمكن التغاضي عنه‪ ،‬ومن ثم فإن الحديث عن المطرفية فك ار ومأساة هو استمرار تاريخي مترابط ال‬
‫يمكن بتره من قضيته"‪.‬‬
‫وأضاف‪" :‬إن براءة األمام من تهمة إبادة المطرفية ال تتم بالعتب على من أثارها‪ ،‬أو تحدث‬
‫عنها‪ ،‬أو حتى على أولئك الذين يحاولون استغاللها عنصريا ليخدموا غرضا سياسيا‪ ،‬وإنما بالدفاع‬
‫عنه بالحقائق والوثائق؛ فجدير بهؤالء األخوة أن يشرعوا أقالمهم فيتحفونا بوقائع تبرئ ساحة اإلمام‬
‫الكبير مما هو متهم به"‪.262‬‬
‫(‪ )3‬ـ ذكر األستاذ الوزير‪ :‬أن المخلوقات عند المطرفية على نوعين‪ :‬النوع األول أصول‬
‫األشياء التي يسمونها‪( :‬العناصر األربعة) الماء والنار والهواء والثرى‪ ،‬وهذه خلقها هللا إختراعاً وجعل‬
‫فيها طبائع معينة‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬الحوادث اليومية‪ ،‬كالنباتَات والمولودات واأللم ونحوها‪ ،‬فهذه حادثة من الطبائع‬
‫التي جعلها هللا في األجسام‪.‬‬
‫ولكن لشيخنا استنكر تفسير الوزير لمذهبهم في النوع الثاني‪ ،‬ورأى أن مذهبهم فيه يقضي بأن‬
‫المتولد ليس صنع هللا ال بطريقة االبتداء وال بالتولد من فعله‪ ،‬وعليه فهم يجعلونه فعالً للطبيعة وليس‬
‫هلل به عالقة‪.‬‬
‫المهلِّكين لهم اختلفوا في الحكم عليهم بسبب االختالف في‬
‫وبهذا يتبين أن المنزهين للمطرفية و َ‬
‫تفسير مذاهبهم في هذه المسألة وغيرها‪ ،‬ال بسبب أنهم نواصب أو قاصدون الطعن في اإلمام عبد هللا‬
‫بن حمزة!! وهذا يعني أنه البد من تحقيق واسع ومنصف في المسألة‪ ،‬إذ كل فريق مدع تفسي اًر معيناً‬
‫اإلمام القاسم بن حممد يف اإلرشاد إىل سبيل الرشاد ‪ 74‬بتحقيقنا‬ ‫‪261‬‬

‫زيد بن علي الوزير يف جملة املسار العدد الثاين الصادر صيف ‪1421‬‬ ‫‪262‬‬
‫وتلك الدعاوى ال تقبل إال بمستند علمي؛ من نص صريح للمطرفية يوضح كالمهم‪ ،‬أو قرينة ظاهرة‬
‫لم تعارض بمثلها‪ ،‬أما مجرد اإللزام واالستنتاج فال يفيد إال أضعف مستويات الظن‪ ،‬وال يمكن أن‬
‫يبنى عليه حكم صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬ـ أكد شيخنا في أكثر من مكان في تعليقه‪ ،‬أن المطرفية ينكرون أن يكون هلل تأثير في‬
‫الحوادث الفرعية المتولدة‪ ،‬وأنكر على األستاذ الوزير قوله إن المطرفية يقولون‪ :‬إن هللا تعالى هو‬
‫الذي خلق االستحاالت والفروع"‪ .‬وقال‪" :‬فلو كان لهم قول يثبت أن هللا خلق الفروع لذكر محله من‬
‫كتب من في عصرهم أو من أدركهم"‪.‬‬
‫وقد أثار إهتمامي تركيز شيخنا على هذه المسألة وأخذت أبحث عنها في مظانها‪ ،‬فوجدت أن‬
‫ما حكاه األستاذ الوزير هو المشهور عنهم‪ ،‬ويمكن توضيحه فيما يلي‪:‬‬
‫* يقول العالمة المطرفي الشهير "سليمان بن محمد بن أحمد المحلي" في كتابه (البرهان‬
‫ال اريق المخلص من ورط المضايق) مخطوط‪" :‬إن هللا أوجد األصول من غير شيء ثم خلق الفروع‬
‫منها"‪ .‬فصرح بأن هللا خلق الفروع‪ ،‬وأكد ذلك في موضع من كتابه وجادل عنه‪ ،‬وأورد كثي اًر من‬
‫الحجج على ذلك‪ ،‬ونقل كثي اًر من نصوص األئمة فيه‪.‬‬
‫* ذكر القاضي جعفر بن أحمد ـ الذي كان في يوم من األيام على مذهبهم‪ ،‬ثم صار ألد‬
‫خصومهم ـ في (مقاود االنصاف ص ‪ :)38‬أن المطرفية يقولون‪ :‬إن هللا سبحانه خلق جميع الفروع؛‬
‫ولكنهم يقولون إنه لم يقصد إيجاد أي منها‪ ،‬ألن ذلك حاصل بفطرة األجسام وتركيبها‪.‬‬
‫* وقال اإلمام عز الدين بن الحسن في (المعراج ـ مخطوط)‪" :‬إن المطرفية يقولون‪ :‬األجسام‬
‫واألعراض حدثت بالفطرة والتركيب‪ ،‬وإن هللا تعالى هو الذي فطرها وركبها على أن يكون طبعها‬
‫وعادتها الكون على ما كانت عليه"‪ .‬وأكد على أنهم يسمون ذلك فطرة وال يسمونه طبعاً‪.‬‬
‫* وقد اشتهر أن قول المطرفية في هذه المسألة هو نفس قول أبي القاسم البلخي وغيره من‬
‫المعتزلة‪ ،‬وهم يقولون‪ :‬إن تركيب اإلنسان وغيره من التراكيب الحادثة حاصلة من تركيب الطبائع‬
‫األربع‪ ،‬مع أن هللا قادر على أن يبتدئ الخلقة من غير تركيب‪( .‬انظر‪ :‬االحتراس من نار النبراس ـ‬
‫مخطوط ‪ ،‬والمعراج ـ مخطوط)‬
‫وعلى هذا فحاصل مذهبهم‪ :‬أن هلل تعالى تأثي اًر في المتولد الحادث عن طريق األسباب والعلل‬
‫التي فطر المخلوقات المبتدأة عليها وركبها فيها‪.‬‬
‫وهنا تجدر اإلشارة إلى أن هذا القول هو مذهب كثير من أئمة الزيدية والمعتزلة‪ ..‬يقول اإلمام‬
‫المرتضى محمد بن اإلمام الهادي في (كتاب اإليضاح)‪" :‬أما الطبائع فمن ذي الجالل واإلكرام؛ لما‬
‫في ذلك من الفضل واإلنعام؛ ألن الحيوانات إنما استقامت أرواحها بطبائع األطعمة والشراب وذلك‬
‫من حكمة رب األرباب‪ ،‬ومصلح األسباب باألسباب؛ ألن األغذية ال تعقل أعاجيب التدبير‪ ،‬وال ُيتم‬
‫إصالح األمور وعجائب الحكمة والتصوير‪ ،‬إال هللا العليم الخبير"‪( .‬ذكر ذلك اإلمام احمد بن سليمان‬
‫في حقائق المعرفة ـ مخطوط)‪.‬‬
‫وهذا ما اختاره شيخنا نفسه‪ ،‬وفسر به قول المخترعة‪ ،‬فقد ذكر أنهم "يجعلون أفعال هللا تعالى‬
‫قسمين‪ :‬قسم مخترع ابتداء‪ ،‬وقسم مخترع متولد عن سببه‪ ،‬ولو شاء هللا تعالى ألبطل سببية السبب‪،‬‬
‫المسبب"‪ .‬فأثبت أن المتولد ناتج عن سبب وليس فعالً مباش اًر هلل تعالى‪ ،‬ولكنه مؤثر‬
‫َّ‬ ‫فلم يحصل عنه‬
‫في السبب‪.‬‬
‫(‪ )5‬وأما ما استشهد به شيخنا لما ذهب إليه من تفسير كالم المطرفية؛ بأنهم يحتجون‬
‫لدعواهم‪ :‬بأنه يلزم الظلم فيما إذا بذر الغاصب في أرض الغير؛ فاخترع هللا خلق ذلك النبات من‬
‫البذر الغصب‪ ،‬وهللا تعالى ال يفعل القبيح وال الظلم‪ ،‬تعالى هللا عن ذلك‪ ..‬فهو قول ال يختلف عن ما‬
‫يروى عن اإلمام القاسم بن إبراهيم‪ ،‬الذي سأله ولده محمد بن القاسم عن َّ‬
‫الحمى الناتجة عن الضربة‪:‬‬
‫الحمى عن الضربة الموجعة؛ فإن هللا جعلها تكون من‬
‫أهي من الضربة أم من الطبيعة؟ فقال‪" :‬أما َّ‬
‫الطبيعة‪ ،‬فالضربة من الضارب‪ ،‬والحمى فمن الطبائع‪ ،‬أال ترى أن الحمى لو كانت من الضارب‬
‫لزمه فيها القصاص والَق َود "‪ .‬ذكر ذلك في كتاب (مسائل محمد بن القاسم‪ ،‬المطبوع ضمن مجموع‬
‫اإلمام القاسم بن إبراهيم)‪.‬‬
‫وهذا معنى قول المطرفية‪ " :‬إن أفعال الناس قائمة بهم‪ ،‬ال تتعداهم‪ ،‬وال توجد في غيرهم‪ ،‬ال‬
‫على سبيل االنتقال‪ ،‬وال على سبيل التولد"‪(.‬كذا في البرهان الرائق)‪ .‬والحمد هلل رب العالمين‬
‫محمد يحيى عزان‬
‫‪10‬صنعاء ـ ربيع األول ‪ 2 /1422‬يونيو ‪2001‬‬
‫تعقيب زيد الوزير على العالمة بدر الدين‬
‫بعد إطالع األستاذ زيد الوزير على تعقيب العالمة بدر الدين‪ ،‬وتعليق األستاذ محمد عزان ‪،‬‬
‫كتب ما لفظه‪:‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫ال يجهل أحد العالمة التقي بدر الدين الحوثي وال مكانته العلمية‪ ،‬فهو عالم جليل ومؤمن بر‬
‫تقي‪ ،‬نعتز بعلمه وبفضله وتقواه‪ .‬وإذا كان قد اختلف معنا واختلفنا معه في قضية المطرفية‪ ،‬فذلك‬
‫ألن للعلم حرمة ال تدانيها حرمة‪ ،‬وللحق قرابة ال تعلو عليها قرابة‪ ،‬وضمن هذا المنطلق يناقشنا‬
‫شيخنا الجليل ونناقشه وخارج هذا اإلطار ال يرضى به هو‪ ،‬وال نرضى به نحن‪.‬‬
‫وكنت قد طرحت في (العدد الثاني من المسار) قضية المطرفية وهي قضية شائكة ومعقدة إلى‬
‫جانب أنها غصة حقيقية في الذاكرة التاريخية والوجدانية ال تزول بدون اتضاح رؤيتها تماما‪ ،‬وتبرئة‬
‫اإلمام عبد هللا بن حمزة منها براءة تامة‪ ،‬وهذا يستدعي البحث واالستقصاء حتى يتم الوصول إلى ما‬
‫يطمئن به التاريخ وتنتهي‪ -‬من ثم ‪ -‬غصة الذاكرة‪.‬‬
‫إن قضية المطرفية قضية مروعة حقاً‪ ،‬تحتاج إلى إنصاف للقاتل أو إنصاف للمقتول‪ .‬وكما‬
‫قلت في مقالي األول إن اإلمام "عبد هللا" متهم بق ارره‪ ،‬والمطرفية متهمة بأفكارها‪ ،‬وخير ما يعمل في‬
‫هذا الباب أن يفتح ملفها للتحقيق فيها على ضوء الوقائع التاريخية ال الدعائية‪ ،‬للوصول منها إلى‬
‫إثبات التهمة أو نفيها"‪.‬‬
‫وليس المراد ـ علم هللا ـ الرغبة في إدانة أحد خاصة في ظل هذه الظروف التي تقطر عنصرية‬
‫وتمذهبا وتعصبا‪ ،‬ولكن الحق أحق أن يقال بالرغم من معرفتي وتأكدي من أن العنصريين‬
‫والمتمذهبين قد يرحبون بما أكتب ال من أجل البحث عن كشف حقيقة غائمة وإنما من أجل‬
‫استغاللها لتثبيت ما يذهبون إليه من أحكام جائرة ضد األئمة عامة الهداة منهم والمقتصدين‪ ،‬ولو‬
‫كنت أعير هذا األمر أذنا لما أثرت الموضوع في هذا الظرف العنصري المتمذهب‪ ،‬ولكني أومن بأن‬
‫الحق هو الباقي والتضليل هو الفاني‪ ،‬ومن ثم وجب نصرة الحق في أي ظرف وفي أي مكان‪.‬‬
‫وأنا ال أشك أن شيخنا الجليل يشاطرني هذا الرأي وأن الخالف مع شيخنا ليس خالف‬
‫تعصب‪ ،‬وال هو من المتعصبين‪ ،‬ولكنه يرى ما وقع فيه اإلمام عبد هللا بن حمزة حقا ال خطأ فيه ألنه‬
‫يعتقد بصحته‪ ،‬ولعله كاإلمام وغيره من العلماء يرى استحالل الدم باإللزام الذي أجرى اإلمام فيهم حد‬
‫القتل بموجبه‪ ،‬ونحن ممن ال يرى ذلك قط‪ ،‬ومن هنا نجزم بأن شيخنا الجليل ليس متعصبا بغير‬
‫حق‪ ،‬ولكنه معتقدا لذلك‪ ،‬ومن حقه أن يعتقد ما يشاء‪ ،‬والدفاع عن المعتقد ال يعني التعصب‪ ،‬ولكنه‬
‫يعني صعوبة تحليله مما يعتقد‪ ،‬وما دام األمر كذلك فإن إعادة كشف األدلة بتؤدة وروية‪ ،‬فيها‬
‫اإلنصاف كله‪ ،‬خصوصا إذا كان المعتقد فيه شخصية في حجم اإلمام "عبد هللا بن حمزة"‪.‬‬
‫وإنني أرجو أن يكون بدرنا الحوثي بد ار في التاريخ كما هو بدر في علوم الدين‪ ،‬فيسهم بقلم‬
‫العلم والعالم في إزالة عتمة دم هذه المأساة‪ ،‬وهو قبل غيره مدعو إلى ذلك إلثبات أن صلة القربى‬
‫والمذهب ال تضيع جهد من أحسن عمال‪ ،‬وكما قرأنا في التاريخ أن أهل البيت أصال هم فوق صالة‬
‫القربى وفوق المذهبيات ألنهم علموا من جدهم الرسول الكريم أنه ال يغني عنهم شيئا‪ ،‬وألنهم أكثر‬
‫علماء المسلمين الذين حملوا علم النبي إذا قسنا العلماء بأسرهم‪ ،‬فكيف يمكن أن يتعصبوا وهم حملة‬
‫الرسالة‪.‬‬
‫واإلمام عبد هللا بن حمزة إمام كبير وال شك وله إيجابيات كثيرة وجهاد رائع وقيادة حسنة‪ ،‬ولكن‬
‫أيضا له سلبياته‪ ،‬واإليجابيات ال تمحو السلبيات وكل تلك المحاسن التي ملكها اإلمام الكبير لن‬
‫تطفئ موقفه من مذبحة المطرفية ما لم تبين األدلة تبيينا أن الحق معه لدون تعصب‪.‬‬
‫وليس لي من إضافة على ما قد كتب العالمة محمد يحيى عزان؛ فما أجاب به فهو جوابي وال‬
‫حاجة للتكرار‪ ،‬بيد أني أشير إلى نقطة واحدة ذكرها شيخنا الجليل معقبا على ما نقلته من‬
‫(المستطاب)‪( :‬فأما قوله‪" :‬ومحصول مذهبهم" فهو كالمه ال كالمهم‪ ،‬وكان عليه أن ينقل مستنده من‬
‫كالمهم؛ ليصحح ما ادعاه لهم؛ ألنه قد خالف ما حكاه عنهم‪ ،‬وليس محصوله ما زعم‪ ،‬بل هي‬
‫دعوى َ‬
‫لغير مدع)‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن جملة (ومحصول مذهبهم‪ ..‬إلخ) ليست من عندي وال من كالمي ولكنها من عند‬
‫العالمة يحيى بن الحسين في (المستطاب) ومن كالمه‪ .‬أما ما ذهب إليه عالمتنا بدر الدين من‬
‫ضرورة نقل المس تندات من مصادرها فصحيح كل الصحة‪ ،‬ولكن هذا الكالم يوجه لكتاب المستطاب‬
‫وليس لي‪ ،‬والمعروف أن يحيى بن الحسين عالم ثبت منصف بالرغم من حمالته الشديدة على‬
‫المطرفية‪ ،‬وأنا قد استقيت منه‪ ،‬ومرجعه كما يظهر هم خصوم المطرفية فعنهم نقل ومنهم استقى‪.‬‬
‫والحق أنه لم يبق من مصادرهم سوى كتاب واحد هو (البرهان الرائق المخلص من ورط‬
‫المضايق) أو ما حكاه عنهم خصومهم في بعض جمل وفقرات‪ ،‬وما حكوه عنهم يدل على سعة‬
‫علومهم وعمق إيمانهم‪ ،‬وألن الوضع على هذه الصورة الجافة؛ فأنا أتفق مع العالمة "محمد يحيى‬
‫عزان" في أن أفضل الطرق للوصول إلى الحقيقة هو تجميع المواد التاريخية من بطون الكتب حتى‬
‫نتمكن من جمع ملف كامل للمطرفية ليقرأه من يقرأه عن بينة‪ ،‬وليكتب عنهم من يكتب عن بينة‪،‬‬
‫ومن حسن الحظ أنني قد كدت أفرغ من تحقيق نصين مهمين عنهم هما‪ :‬ما كتبه العالمة "أحمد بن‬
‫عبد هللا الوزير" في كتابه (تاريخ بني الوزير) وما كتبه العالمة المؤرخ "يحيى بن الحسين" في كتابه‬
‫(المستطاب) وكال العالمين من شيعة المنصور‪ ،‬لكن لديهما فضل إنصاف‪ .‬وهما في نصيهما أقرب‬
‫إلى الدفاع عن اإلمام من الهجوم عليه‪ ،‬لكنهما وإن لم يصرحا يعتقدان أن الفعل كان قاسياً‪ ،‬وسنبدأ‬
‫في (العدد الخامس من المسار) باألقدم نصا وهو أحمد بن عبد هللا الوزير‪ ،‬على أن يكون نص‬
‫يحيى بن الحسين في العدد القادم‪ ،‬مع ما يتوفر من نصوص أخرى‪ ،‬والقصد من ذلك ‪ -‬ما دام‬
‫والملف قد فتح ‪ -‬تسهيل الرجوع إلى المصادر الموثوقة‪ ،‬واالستقاء من المناهل الصحيحة‪.‬‬
‫وأريد أن أشير إلى ما قد سيتهمني البعض من تعاطف مع المطرفية بسبب موقف جدنا الكبير‬
‫األمير العفيف‪ ،‬ولكني أقسم بالذي فلق الحبة وب أر النسمة أن ال شيء من ذلك‪ ،‬فمن صدق فإن هللا‬
‫يجب الصادقين‪ ،‬ومن لم يصدق فسامحه هللا‬
‫زيد بن علي الوزير‬
‫واشنطن‬
‫‪ 20‬ربيع األول ‪ 12 /1422‬يونيو ‪2001‬‬
‫تعليق العالمة بدر الدين على تعقيب األستاذ محمد عزان‬
‫وقد أجاب السيد العالمة بدر الدين على تعقيب األستاذ محمد عزان بما لفظه‪:‬‬
‫تعقيب على ما عقب به أحد العاملين في مجلة المسار على تعليقنا السابق‬
‫قال‪ :‬بدأ شيخنا بوصف مخالفيه المدافعين عن المطرفية بالنواصب أو المغترين بهم‪،‬‬
‫والمالحظ أن كلمة (ناصبي‪ ،‬رافضي‪ ،‬مبتدع) ألقاب تطلق كثي اًر على غير أهلها بقصد إرهاب‬
‫المخالف للمألوف‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫أقول‪ :‬البدعة هي االبتداع في الدين‪ ،‬فأما األسماء ألهل البدع فال تسمى بدعة‪ ،‬بل البدعة ما‬
‫ألجله سمي بها من سمي‪ ،‬وقد استعمل نحو هذا االسم اإلمام زيد بن علي عليهما السالم في‬
‫المجموع في مواضع منه‪ ،‬وجاء في الحديث الشريف‪" :‬صنفان من أمتي ال تنالهما شفاعتي القدرية‬
‫والمرجئة"‪ ،‬فال تعاب التسمية الصادقة‪ ،‬إنما يعاب الكذب‪ ،‬قال‪ :‬واألولى التو ُّجه إلى كشف الحقائق‪..‬‬
‫الخ‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هو ما فعلت‪ ،‬فإني لم أقتصر على التسمية‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم رأى شيخنا‪ :‬أن تنزيه المطرفية والجزم ببراءتهم يعني الطعن في اإلمام عبدهللا بن‬
‫حمزة وإلحاقه بأهل التعصب المذهبي‪ ،‬وهذا الكالم فيه نظر من وجهين‪ :‬أنه ال تالزم على كل حال‬
‫بين تنزيه المطرفية والطعن في اإلمام عبدهللا بن حمزة‪ ،‬ألنه يمكن أن يقال‪ :‬إن اإلمام حكم بما أداه‬
‫إليه نظره‪ ،‬وهو مجتهد‪ ،‬ومعني باألمر أكثر من غيره‪ ،‬فقد بنى فعله تجاه المطرفية على أمور ال نعلم‬
‫جميعها بالتفصيل‪.‬‬
‫أقول‪ :‬معنى تبرأتهم من موجب قتلهم وسبيهم أن قتلهم وسبيهم كان جو اًر‪ ،‬وكان الحكم عليهم‬
‫بهما حكماً جائ اًر‪ ،‬وإذا كان الحدث جو اًر وظلماً‪ ،‬فما بقي إالَّ اشتقاق اسم الفاعل لفاعله جائ اًر وظلماً‪،‬‬
‫فالمالزمة واضحة‪.‬‬
‫قال‪ :‬فشأنه في ذلك شأن األئمة الذين وقعت بينهم حروب طاحنة قتل فيها خلق كثير من‬
‫الناس‪ ،‬ومع ذلك لم يجزم أحد من الزيدية بهالك طرف معين منهم‪ ،‬وترك أمر الجميع إلى هللا تعالى‬
‫المطلع على خفايا القلوب والضمائر‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن المنزهين للمطرفية لم يسلكوا هذا الطريق‪ ،‬أال ترى أنهم تحيزوا إلى المطرفية‪،‬‬
‫وجزموا بأن قتلهم كان بغير حق‪ ،‬فلو فعل الزيدية مثل ذلك في أحد اإلمامين المتقاتلين لما كانوا‬
‫تركوا أمر الجميع إلى هللا تعالى‪ ،‬فأنتم إما أن تجزموا بأن اإلمام حكم باجتهاده‪ ،‬وأن األمر يعنيه‬
‫دوننا وتكليفه دوننا‪ ،‬فليس لنا أن نتدخل فيما ال يعنينا‪ ،‬ونحن نحكم بتصويبه‪ ،‬باإلضافة على ما‬
‫وجب عليه‪ ،‬وكلما صوبتم المطرفية أو برأتموهم قرنتم ذلك بتصويب اإلمام لدفع التهمة عن أنفسكم‪،‬‬
‫وإما أن ال تحكموا ببراءتهم بل تقفوا في أمرهم‪ ،‬وتكلوا أمرهم إلى هللا‪ ،‬فتكونوا قد سلكتم طريقة الزيدية‬
‫في اإلمامين المتقاتلين‪ ،‬وسلمتم الطعن في إمام الهدى ـ الذي هو علم من أعالم الزيدية ـ بغير حقيقة‬
‫توجب الطعن‪.‬‬
‫قال‪ :‬الثاني‪ :‬أنه ال يلزم الحترام أي شخص تصويبه في كل شيء‪ ،‬وعلى كل حال‪ ،‬وال يصح‬
‫الحكم سلفاً على مخالفيه بأنهم مخطئون خطئاً يوجب لهم القتل والتشريد وسبي األهل والذرية‪.‬‬
‫أقول‪ :‬يلزم الحترام إمام الهدى الكامل الشروط الذي قد بايعه وارتضاه كبار علماء الزيدية‬
‫وجمهورهم أن يثبت له أحكام اإلمامة‪ ،‬ومنها أن يتصرف فيما كلف به من الدفاع عن الدين على ما‬
‫أداه إليه نظره واجتهاده‪ ،‬وعلى ما ال يخالف المعلوم من كتاب هللا وسنة رسوله صلى هللا عليه وآله‬
‫وسلم‪ ،‬فليس للمتأخرين عن زمانه االعتراض عليه‪ ،‬والتخطئة له‪ ،‬ألن المتأخرين متعاطون لما ليس‬
‫إليهم‪ ،‬وليس معنى تصويبه إالَّ باإلضافة إلى ما وجب عليه‪ ،‬وهذا هو ما نريد‪.‬‬
‫فأما قوله‪ :‬وال يصح الحكم َسَلفاً على مخالفيه بأنهم مخطئون خطأ يوجب لهم القتل‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن حكم المخالفين المطرفية لم يثبت لهم لمجرد الخالف لإلمام‪ ،‬فالكالم فيه مغالطة‪،‬‬
‫وهل تقولون في بني حنيفة أنهم قتلوا وسبوا لخالفهم ألبي بكر‪ ،‬بل الخالف إن كان ردة فله حكمها‪،‬‬
‫وإن كان بغياً على اإلمام فله حكم البغي‪ ،‬وإن كان غير ذلك فلكل خالف حكم‪ ،‬وقتل المطرفية بأمر‬
‫اإلمام ليس بأمرنا‪ ،‬واحتر ِّ‬
‫امنا لإلمام‪ ،‬فالكالم منكم في غير محله‪ ،‬ولم نوجب تصويبه لمجرد احترامه‪،‬‬
‫بل على فرض صحة السبب الموجب للحكم عليهم‪ ،‬وفرض صحته ال مانع منه لشهرة خالفهم الذي‬
‫حكم ألجله بكفرهم‪ ،‬فليس األمر مجرد احترام‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم ألن الفكر المطرفي هو جزء من مذهب الهادي نفسه ال يمكن تناسيه‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن الخالف بيننا على الفكر المطرفي ما هو وكان عليك أن تبين صدق ما تدعي في‬
‫هذا بذكر فكر المطرفية الذي تعني وذكر مذهب الهادي الذي تعني أن الفكر المطرفي جزء منه‪،‬‬
‫فأما المغالطة بإبهام العبارة‪ ،‬فإنما هي توهم الباطل‪ ،‬فهل تعني ما حكاه اإلمام عز الدين في المعراج‬
‫(ص ‪ 181‬ـ خ) حيث قال‪" :‬ومنهم من يجعل الحوادث اليومية كالنباتات والمولودات والحياة والموت‬
‫واآلالم حادثة بالطبائع الحاصلة في األجسام‪ ،‬وال تأثير للقديم فيها أصالً‪ ،‬وهم المطرفية‪ ،‬والفرق‬
‫بينهم وبين من تقدم ذكره أنهم يقرون بحدوث العالم وثبوت الصانع المختار‪ ،‬بخالف من ذكر أوالً‬
‫من الطبائعية‪ ،‬ولهذا قيل‪ :‬المطرفية أسوأ حاالً من الطبائعية الجاحدين للصانع المختار‪ ،‬ألنهم‬
‫اعترفوا بالصانع‪ ،‬ثم أضافوا التأثير إلى غيره" انتهى‪.‬‬
‫فهل تعني أن هذا المذهب المطرفي جزء من مذهب الهادي‪ ،‬فذلك باطل واضح البطالن‪.‬‬
‫قال‪ :‬ويضيف إن براءة اإلمام من تهمة إبادة المطرفية ال تتم بالعتب على من أثارها أو تحدث‬
‫عنها أو حتى أولئك الذين يحاولون استغاللها عنصرياً ليخدموا غرضاً سياسياً‪ ،‬وإنما بالدفع عنه‬
‫بالحقائق والوثائق‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إذا كان ال يبرئ اإلمام إالَّ الحقائق والوثائق‪ ،‬فلماذا تبرئون المطرفية بال حقائق وال‬
‫وثائق؟! أين اإلنصاف‪ :‬أما نحن فمن وثائقنا ما حكاه زيد بن علي الوزير وأورده مسلماً وهو مدافع‬
‫عن المطرفية في مجلة (المسار) من قولهم‪" :‬لو غصب رجل أرضاً فزرعها لكان إنبات الزرع ظلماً‪،‬‬
‫فوجب تنزيه هللا عنه"‪.‬‬
‫فهذا يحقق أنهم ال يرون الزرع وال غيره من النبات والمتولدات من هللا‪ ،‬ألنهم احتجوا بالشبهة‬
‫المذكورة على مذهبهم فيها‪.‬‬
‫ومنها ما حكاه اإلمام عز الدين عليه السالم وذكرناه آنفاً‪ ،‬ومنها ما حكاه اإلمام أحمد بن‬
‫سليمان عليه السالم في حقائق المعرفة‪ ،‬والفقيه حميد وغيرهم‪ ،‬وقال السيد العالمة عبدهللا بن حمود‬
‫العزي في كتابه عن حياة المنصور باهلل (ص ‪ :)24‬وعلى سبيل المثال قصة راشد األهنومي كان‬
‫مطرفياً‪ ،‬وكان شيخاً معتمداً عند أصحابه‪ ،‬وقال عبدهللا بن زيد العنسي‪ ،‬وكان راشد المذكور قد رأى‬
‫يوماً حبة شعير قد نبتت في جانب المسجد من داخل الجدران بعد أمطار غزيرة‪ ،‬فسأل أصحابه‪ :‬هل‬
‫يجوز ألحد أن يخدش المسجد ولو بإبرة؟ قالوا‪ :‬ال يجوز هذا‪ .‬قال راشد‪ :‬ولِّ َم؟ قالوا‪ :‬ألن ذلك قبيح‪،‬‬
‫ولو زاد الخدش ووسع لخرب المسجد‪ ،‬وخرابه قبيح‪ ،‬فتركهم أياماً حتى كبرت نبتة الشعير‪ ،‬ثم سألهم‪:‬‬
‫ما تقولون في هذه النبتة في جدار المسجد أليست قد خدشت في موضعها‪ .‬قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬فهذا‬
‫قبيح أو حسن؟ قالوا‪ :‬حسن‪ ،‬قال‪ :‬ألستم قلتم باألمس أن خدش المسجد قبيح‪ ،‬قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فهذا‬
‫خدش له‪ ،‬وربما لو كبر وكثر لشغل حي اًز وضايق المصلين‪ .‬فقال عوامهم‪ :‬هذا صحيح وما هو إالَّ‬
‫قبيح‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬هذا القول ال يجوز لكم‪ ،‬ألن هللا الخالق هو الذي أنبت الشعير وكثر الجدل‬
‫وكبرت المناظرة واكتسحت الشبهة قلوب العامة‪ ،‬واشتعلت نار الحمية‪ ،‬وكادت أن تؤدي إلى فتنة‪ ،‬ثم‬
‫أفتاهم الشيخ راشد بقوله‪ :‬إن هذا النبات ليس من خلق هللا‪ ،‬وإنما حصل من المواد والطبائع‪ ،‬وبلغته‬
‫حيلته حيث أراد‪ .‬انتهى‬
‫وهذه موافقة لمسألة الزرع في األرض المغصوبة‪ ،‬وداللتهما على مذهبهم واضحة‪ ،‬والحكايات‬
‫عنهم متوافقة‪.‬‬
‫نعم! لعل مطرفاً وأوائل أتباعه كانوا أهون حاالً‪ ،‬وإنما زادوا في فلسفتهم وفرحهم بما عندهم‪،‬‬
‫وتطوروا حتى وقعوا في األباطيل المهلكة‪ ،‬وهللا أعلم‪.‬‬
‫قال اإلمام عز الدين بن الحسن عليه السـالم في المعراج (‪ 178‬ـ ج‪ :)1/‬وقد قيل‪ :‬أن األصل‬
‫في مقالة المطرفية‪ ،‬ألن مطرف بن شهاب قال به أوالً‪ ،‬ثم لم تزل مقالته ومقالة متابعيه من بعده‬
‫تزداد حتى أفضت إلى األمور الشنيعة في أكثر المسائل‪ .‬انتهى‬
‫وأكد هذا ما سيأتي من كالم الشامي حيث جعلهم الشامي طبقات‪ ،‬وكالمه في المتأخرين‪.‬‬
‫قال‪ :‬وهذا يعني أنه ال بد من تحقيق واسع ومنصف في المسألة‪ ،‬إذ كل فريق مدع تفسي اًر‬
‫معيناً‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ليس المدعى مجرد تفسير كالم محتمل‪ ،‬بل حكيت نصوص كالمهم على نفي تأثير هللا‬
‫في الحوادث اليومية‪ ،‬كما مر في الزرع في المغصوب والزراعة في المسجد‪ ،‬وما حكاه اإلمام عز‬
‫الدين عليه السالم‪.‬‬
‫قال‪ :‬يقول العالمة المطرفي الشهير سليمان بن أحمد المحلي في كتابه (البرهان الرائق‬
‫المخلص من ورط المضائق) مخطوط منه نسخة في مكتبة األوقاف في الجامع الكبير بصنعاء برقم‬
‫(‪ :)673‬إن هللا أوجد األصول من غير شيء‪ ،‬ثم خلق الفروع منها‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذا الرجل فيما يفيده كالم علي محمد زيد متقدم من الطبقة المتوسطة‪ ،‬فالجواب فيه‬
‫كالجواب في القاضي جعفر‪.‬‬
‫قال‪ :‬وقال اإلمام عز الدين بن الحسن في (المعراج) مخطوط‪ :‬إن المطرفية يقولون األجسام‬
‫واألعراض حدثت بالفطرة‪ ،‬والتركيب‪ ،‬وهللا تعالى هو الذي فطرها وركبها‪ ،‬على أن يكون طبعها‬
‫وعادتها الكون على ما كانت عليه‪ ،‬وأكد على أنهم يسمون ذلك فطرة وال يسمونه طبعاً‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذا الكالم عقيب الكالم السابق‪ ،‬بل قريب منه بعده في (المعراج) حيث قال‪ :‬ومنهم من‬
‫يجعل الحوادث اليومية كالنباتات والمولودات والحياة والموت حادثة بالطبائع الحصالة في األجسام‪،‬‬
‫وال تأثير للقديم فيها أصالً‪ ،‬فهذا خاص للحوادث اليومية‪ ،‬فيحمل قوله األجسام واألعراض على‬
‫األصول‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬وأكد على أنهم يسمون ذلك فطرة‪ ،‬وال يسمونه طبعاً‪ ،‬فلم أجد التأكيد‪ ،‬وال أنهم‬
‫يسمونه طبعاً‪.‬‬
‫قال‪ :‬ذكر القاضي جعفر بن أحمد الذي كان في يوم من األيام على مذهبهم‪ ،‬ثم صار ألد‬
‫خصومهم في (مقاود اإلنصاف) ص ‪ 38‬إن المطرفية يقولون‪ :‬إن هللا سبحانه خلق جميع الفروع‪،‬‬
‫ولكنهم يقولون أنه لم يقصد إيجاد أي منها‪ ،‬ألن ذلك حاصل بفطرة األجسام وتركيبها‪.‬‬
‫تعرف تاريخ تأليف القاضي جعفر لكتابه‬
‫أقول‪ :‬إنه ينبغي تحقيق المسألة بدقة‪ ،‬ومن ذلك ُّ‬
‫(مقاود اإلنصاف)‪ ،‬وقد قيل‪ :‬أنه رجع من العراق معه الكتب ليجادل المطرفية سنة ‪ 544‬هـ‪ ،‬فيحمل‬
‫عهد عليه المطرفية حين كان منهم‪ ،‬وال ينافي ذلك تطور مذهبهم في‬ ‫كالمه في كتابه على ما َ‬
‫الحوادث اليومية‪ ،‬إلى عهد اإلمام المنصور باهلل‪ ،‬بل وقبل ذلك‪ ،‬ألنه يمكن تحولهم في سنة واحدة‪،‬‬
‫وقد كان قولهم ذلك مظنة أن يتحولوا عنه‪ ،‬ألنهم كانوا في األصل على مذهب الهادي عليه السالم‬
‫في اإلرادة‪ ،‬فخرجوا من ذلك وخصوه بإرادة االختراع‪ ،‬أو المعجز‪ ،‬أو النقمة‪ ،‬وأخرجوا الحوادث اليومية‬
‫عن إرادة هللا تعالى كما حكماه القاضي جعفر‪ ،‬وكان ذلك لتنزيه هللا مما يظنونه قبيحاً‪ ،‬كمسألتي‬
‫الزرع‪ ،‬ومسألة كشف الريح للعورة‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬ولكن ذلك المذهب لم يخلصهم من اإلشكال‪ ،‬الذي‬
‫ظنوه‪ ،‬وألجله نزهوا هللا تعالى عن إرادة الفروع‪ ،‬وإن كان هو الذي حداهم على مخالفتهم لمذهب‬
‫الهادي عليه السالم في إرادة خلقه كله‪ ،‬فال بد أنهم وقعوا في هذه المشكلة‪ ،‬فألجأهم ذلك بعد مدة من‬
‫الزمن إلى أن يقولوا هم ومن خلفهم من المطرفية بما اشتهر عنهم من جعل الحوادث اليومية غير‬
‫مخلوقة هلل تعالى‪ ،‬ليتخلصوا من مشكلتين‪ :‬مشكلة إضافة القبيح إلى هللا تعالى بزعمهم ـ ومشكلة‬
‫إثبات مخلوق هلل لم يرده هللا تعالى‪.‬‬
‫وعلى الجملة فاختالف تاريخ المقالتين يمنع تعارض الروايتين‪ ،‬فال ننفي ما روي عن أوائلهم‪،‬‬
‫ولكن كثرة فلسفتهم أدتهم إلى الخالف‪ ،‬وأداهم تعصبهم لقائدهم مطرف بن شهاب إلى اإلصرار بسبب‬
‫توجيه االعتراض من القاضي جعفر‪ ،‬ثم من بعده إلى الكل في عدة مسائل‪ ،‬ولعل ذلك هو الذي‬
‫حمل اآلخرين على اإلصرار مع أنهم قد تطوروا في الفساد ولم يبقوا على مذهب أوائلهم‪ ،‬وال نسلم‬
‫صالح مذهب أوائلهم في كل شيء‪ ،‬ولكن ال َن ُعم الجميع بحكم اآلخرين‪ ،‬فانتبهوا لهذا‪.‬‬
‫قال‪ :‬فحاصل مذهبهم إن هلل تأثي اًر في المتولد الحادث عن طريق األسباب‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذا الحاصل ال يتفرع على شيء إالَّ أن يريد كالم األولين‪ ،‬والنزاع في اآلخرين الذين‬
‫كفرهم اإلمام عبدهللا بن حمزة‪ ،‬وأجرى الحكم عليهم حكم الحربيين‪.‬‬
‫قال‪ :‬فهو قول ال يختلف عن ما يروى عن اإلمام القاسم بن إبراهيم الذي سأله ولده محمد بن‬
‫ـح َّمى الناتجة من الضربة أهي من الضربة أم من الطبيعة؟‬
‫القاسم عن ال ُ‬
‫فقال‪ :‬أما الحمى عن الضربة الموجعة فإن هللا جعلها تكون من الطبيعة‪..‬الخ‪.‬‬
‫أقول‪ :‬مذهب القاسم عليه السالم إن هللا هو خالق األصول وفروعها‪ ،‬انظر كالمه في كتاب‬
‫مجموع ِّه‪ ،‬وأما قولكم فهو قول ال يختلف عما يروى عن اإلمام القاسم‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫الدليل الكبير من‬
‫فالجواب‪ :‬أن هذه دعوى أعني قوله‪ :‬ال يختلف‪.‬‬
‫ألن مذهبهم عندنا كما ذكرنا‪ ،‬فال يستوي القول الذي يقول فإن هللا جعلها‪ ،‬وقول من يقول‪ :‬ال‬
‫تأثير للصانع فيها‪.‬‬
‫قال‪ :‬هذا معنى قول المطرفية أن أفعال الناس قائمة بهم ال تتعداهم وال توجد في غيرهم ال‬
‫على سبيل االنتقال وال على سبيل التولد‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذه مسألة أخرى غير التي نحن بصددها‪ ،‬وهي تقرب إلى أنهم أحدثوا القول بأن‬
‫المتولدات من الحوادث اليومية كذلك ليست من صنع هللا الذي صنع المولد‪ .‬اهـ‪ .‬وغلطهم في مسألة‬
‫المتولد واضح‪ ،‬ألن المترتب على فعل العبد قسمان‪ ،‬قسم يتولد منه كتولد الجراحة من الضربة‬
‫بالسيف‪ ،‬أال ترى أن في مثل هذا يستحق القصاص بال إشكال‪ ،‬ولو زرع رجل لغماً في الطريق‬
‫فانفجر ببعض الناس لزمه القصاص‪ ،‬ولم يقبل منه نفي كونه فعله وهللا تعالى يقول‪﴿ :‬فإذا لقيتم‬
‫الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق﴾[محمد‪ ]4 :‬وقال تعالى‪﴿ :‬ما كان لنبي‬
‫أن يكو َن له أسرى حتى يثخن في األرض﴾ [األنفال‪ ]67 :‬وقال تعال‪﴿ :‬ولقد صدقكم هللا وعده إذ‬
‫تحسونهم بإذنه﴾ [آل عمران‪ ]152 :‬واألدلة على هذا كثيرة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما ليس فعل المخلوق‪ ،‬وهو مترتب على فعله‪ ،‬كنبات الزرع‪ ،‬وحمل األنثى‪ ،‬ومن هذا‬
‫القسم الحمى المترتبة على الضربة في هذه الرواية‪ ،‬ألن األصل براءة ذمة الضارب‪ ،‬وال نعلم تولدها‬
‫من الضربة كتولد الجراحة من الضربة بالسيف‪ ،‬ولعل هذا معنى قول القاسم عليه السالم عقيب هذا‪،‬‬
‫وهذا ما ال يعلمه أحد‪ ،‬أي فاألصل البراءة‪.‬‬
‫ومن الدليل على إثباتهما لفعل الفاعل المتعدي منسوباً إليه قول القاسم عليه السالم‪ :‬الذي رواه‬
‫الهادي عليه السالم في الذبح‪ ،‬فقال‪ :‬حدثني أبي عن أبيه‪ ،‬أنه سئل عن رجل سرق شاة‪ ،‬وأخذها‬
‫فذبحها من غير علم صاحبها‪ .‬قال‪ :‬ال يجوز له أن يأكلها إذا سرقها‪ ،‬وال غيره‪ ،‬وال يحل له ما حرم‬
‫هللا منها بذبحه لها‪ .‬انتهى‬
‫وقال الهادي عليه السالم في األحكام‪ :‬ال بأس بذبيحة المرأة إذا كانت َبرة مسلمة‪ ،‬وعرفت‬
‫الذبح‪ ،‬وأقامت حدوده‪ ،‬وَف َرت األوداج‪ ،‬واستقبلت القبلة‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن ذبيحة المرأة‪ ،‬فقال‪ :‬ال بأس بذبيحتها‪ ..‬الخ‪ ،‬وال‬
‫نطيل في هذا فهو خارج عن الموضوع المهم‪.‬‬
‫ولنرجع إلى ما كنا بصدده من تصحيح أن مذهب المطرفية المتأخر هو نفي كون هللا جل‬
‫جالله خالقاً للم تولدات‪ ،‬وجعل ذلك من فعل الطبيعة وحدها‪ ،‬لشهرتهم عنهم‪ ،‬وعدم المعارض‬
‫المقتضي لدفع الروايات معارضة متحققة ال احتمال فيها‪.‬‬
‫وقد قلت فيما مضى أن مذهب المطرفية في الذي تولد من فعل العبد أنه ليس من العبد‪ ،‬وهو‬
‫ُيقرب إلى أنهم أحدثوا القول بأن المتولد من صنع هللا المتفرع عنه ليس من هللا‪.‬‬
‫وقال أحمد بن محمد الشامي في كتابه المسمى (تاريخ اليمن الفكري) ص (‪ 137‬ـ ‪:)138‬‬
‫"وإنصافاً لإلمام وتاريخه‪ ،‬فأنا ال أستطيع أن أعذر المتأخرين من فقهاء المطرفية المعاصرين لإلمام‬
‫ابن حمزة في أواخر القرن السادس وبداية السابع الهجري‪ ،‬فقد تطرف بعضهم فعالً وغالى في مسألة‬
‫اإلحالة واالستحالة‪ ،‬وحقيقة التوالد والتَّ َخلق‪ ،‬واإلنبات وحولوها‪ ،‬وابتعدوا بها عن الهدف الفلسفي‬
‫العلمي الذي كان يرمي إليه أساتذتهم إلى ما يشبه الوساوس التافهة والتخرصات الباطلة‪ ،‬فبينما كان‬
‫أصحاب الهادي والمرتضى وتالمذتهم‪ ..‬إلى قوله‪ :‬إذا بنا نرى أحفادهم وتالميذ تالميذهم وقد تحول‬
‫بعضهم إلى فقهاء متعنتين موسوسين كذلك السخيف الذي أوجد من نبتة الشعيرة الناجمة في إحدى‬
‫زوايا مسجد األهنوم موضوع نقاش وجدل‪ ..‬إلى قوله‪ :‬وفتَن العامة وضعاف العقول"‪ .‬انتهى‬
‫نقلت ذا ليدل على أن القصة عنده صحيحة‪ ،‬وهو قد خالف في تكفيرهم‪ ،‬وأما ما حكاه في‬
‫ص (‪ ) 141‬عن ابن أبي الخير الصائدي أنه قال‪ :‬وقفت بـ (الرجو) على كتب عديد فيها خالصة‬
‫مذهبهم وتحقيق قواعد عقائدهم‪ ،‬فلم أجد فيها شيئاً من موجبات تكفيرهم‪ .‬انتهى‬
‫فأقول هذه الكتب ال ندري متى كتبت‪ ،‬ولعلها موروثة من أسالفهم‪ ،‬فال يعارض بها ما ثبت‬
‫عن المتأخرين منهم‪ ،‬وهذا واضح‪ ،‬وأيضاً لعل ابن أبي الخير ال يرى التكفير بالالزم مطلقاً‪ ،‬أما‬
‫التفكير بالالزم فينبغي فهم معناه أوالً‪ ،‬ومعرفة اختالفه في الحكم‪ ،‬وذلك أن القائل مثالً بالتشبيه وهو‬
‫يشهد أن ال إله إال هللا يلزمه أنه يعبد ويوحد غير هللا‪ ،‬العتقاده أن هللا هو ذو صورة طويل عريض‬
‫ذو يدين ورجلين وأعضاء كأعضاء الحيوان‪ ،‬فهو يعتقد أن صاحب الصورة المذكورة هو هللا‪ ،‬ولذلك‬
‫فهو يعبد غيره واللزوم في هذا واضح‪ ،‬وإن كان يجهله ويعتقد أنه يعبد هللا فتكفيره غير بعيد‪ ،‬ألن هللا‬
‫تعالى قد قال في اليهود والنصارى‪﴿ :‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون هللا﴾ [التوبة‪ ]31 :‬فهل‬
‫صرحوا بأنهم أرباب‪ ،‬أم لم يكن منهم إالَّ االلتزام بتحليلهم وتحريمهم‪ ،‬وإن أحلوا ما حرم هللا أو حرموا‬
‫ما أحل هللا‪ ،‬فكان ذلك يلزم منه أنهم اتخذوهم أرباباً‪ ،‬والتكفير لمن خالف القرآن كمن قال صراحة‪:‬‬
‫إن اإلنسان لم يخلقه هللا هو من هذا القبيل‪ ،‬ألنه قد لزمه تكذيب بعض القرآن‪ ،‬وقد قال تعالى في‬
‫من يؤمن ببعض ويكفر ببعض‪﴿ :‬أولئك هم الكافرون حقاً﴾ [النساء‪ ]151 :‬فهذا واضح‪.‬‬
‫وكلما كان التالزم فيه ضرورياً لزم صاحبه حكم الالزم وإن أبى‪ ،‬لن كالمه قد أفاده بداللة‬
‫االلتزام القطعية‪ ،‬وهي إحدى الدالئل‪ ،‬أال ترى أنه إذا قال القائل‪ :‬قد طلعت الشمس‪ ،‬فقد لزم من‬
‫كالمه أن النهار قد حصل‪ ،‬وقد دل كالمه عليه داللة االلتزام‪ ،‬فأما ما كان التالزم فيه محل نظر‬
‫واجتهاد فال َّ‬
‫يكفر به‪.‬‬
‫نعم‪ ..‬قد يكون الخالف لفظياً فال يكفر به المخالف‪ ،‬كما لو زعم المطرفي أنه ال ينسب إلى‬
‫الفاعل نسبة حقيقة إالَّ الفعل األصلي ال ما تولد منه‪ ،‬فنسبته إليه مجازية‪ ،‬وهو مع هذا يثبت للمتولد‬
‫حكم األصل في أنه نعمة إن كان إحساناً وظلم إن كان ض اًر بغير حق‪ ،‬وفي أن المتولد من صنع‬
‫هللا تعالى آية وحكمة ونعمة وال ِّ‬
‫يجوز اعتقاد شيء من المتولد من صنع هللا أنه قبيح‪ ،‬ألنه من هللا‬
‫الحكيم العليم الذي ال يغفل وال يجهل وال يصدر عن صنعه ما ال يريد‪.‬‬
‫وعلى الجملة ُي ِّثبت له حكم الفعل المخترع‪ ،‬فهذا ال يكفر‪ ،‬ألن خالفه لفظي لغوي‪ ،‬أما من نفى‬
‫نسبة المتولد إلى هللا بناء على أنه لو كان من هللا لكان قبيحاً في بعض الصور كالزرع في‬
‫المغصوب والزرعة في المسجد‪ ،‬وكشف الريح للعورة‪ ،‬فهذا ليس خالفه لفظياً‪.‬‬
‫هذا‪ ..‬ولعلك تقول‪ :‬هذه الحكايات عن المطرفية لم تتواتر‪ ،‬فال يجوز لنا أن نكفرهم‪ ،‬ألن‬
‫التكفير والتفسيق ال يصح إالَّ بقاطع‪.‬‬
‫أن ما حكي عن متأخرين موجب للكفر في حق فاعله كائناً من كان‪،‬‬‫والجواب‪ :‬أنه ثبت قطعاً َّ‬
‫ولم يبق إالَّ صحة نسبة ذلك إليهم قطعاً‪ ،‬فإنا نقول‪ :‬ليس المطلوب أن نكفرهم نحن‪ ،‬أو نلزمكم‬
‫تكفيرهم‪ ،‬إنما المطلوب أنه ال يصح تبرئة المتأخرين منهم‪ ،‬رجماً بالغيب‪ ،‬ألن الروايات المشهورة‬
‫مفيدة لخالفهم المكفر لهم‪ ،‬فال بد أن اإلمام قد علمه قطعاً‪ ،‬ألن اإلمام المعاصر لهم المجاور لهم‬
‫ٍ‬
‫وتعاط لما لم يكلف المعترض‪.‬‬ ‫هو أعلم بهم‪ ،‬واالعتراض عليهم تطفل‬
‫فأما قولكم‪ :‬إنها مسألة تاريخية جر إليها البحث في التاريخ‪.‬‬
‫قلنا‪ :‬الحكم ليس وظيفة المؤرخ‪ ،‬وهذا في حق كتاب التاريخ المتسلسل‪ ،‬فأما تعاطي مسألة‬
‫المطرفية وحدها أو مع قليل يكتب كمقدمة لها‪ ،‬ونتائج لها‪ ،‬فذلك مظنة تهمه‪ ،‬وال شك أن بعضهم قد‬
‫تحامل عليه‪ ،‬أعني على اإلمام‪.‬‬
‫هذا ونسأل هللا السالمة والتوفيق‪ ،‬والحمد هلل رب العالمين وصلى هللا على محمد وعلى آله‬
‫الطاهرين‪.‬‬
‫بدر الدين الحوثي‬
‫صعدة‬
‫‪/1‬شهر ربيع األول‪ 1422/‬هـ‬
‫تعليق العالمة األستاذ محمد عزان على تعليق العالمة بدر الدين عليه‬
‫بعد إطالع األستاذ محمد عزان على تعليق السيد بدر الدين كتب إليه‪:‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬
‫الوالد العالمة ‪ /‬بدر الدين الحوثي حفظه هللا‪ ..‬السالم عليكم ورحمة هللا ‪ ..‬وبع ــد‬
‫كنت قد سلمتكم رسالة فيها تعليق على تعليقكم على مقال السيد زيد بن علي الوزير في مجلة‬
‫اعتبرت ذلك مراسلة‬
‫ُ‬ ‫(المسار)‪ ،‬حباً في البحث معكم عن حقيقة قضية قد أثيرت على نطاق عالمي‪ ،‬و‬
‫خاصة بيني وبينكم‪ ،‬وأكدت لكم ذلك شفوياً‪ ،‬وبعد انتظار لم يصلني جواب منكم‪ ،‬فظننت أنكم فضلتم‬
‫إغالق ملف هذه القضية فسكت‪ ،‬وبعد عدة أسابيع فوجئت بأن جواباً منكم قد طبع في كتيب وهو‬
‫يوزع بعلمكم‪ ،‬فعلمت أنكم استحسنتم خروج المسألة إلى أوساط القراء؛ وما كنت أفضل ذلك‪ ،‬ولكن‬
‫ليس في ذلك بأس ما دمتم قد رأيتم ذلك مناسباً‪.‬‬
‫وهنا أود التأكيد على أنه ال دافع لنا في المشاركة في بحث هذه القضية إال حسن الظن‬
‫بالمسلمين‪ ،‬وألن ما نسب إلى المطرفية من أفكار شاذة لم تثبت عنهم بمنهج علمي يعتمد عليه في‬
‫مثل هذه المسائل الشائكة‪ ،‬رغم أنني قد رجعت إلى كثير مما كتب عنهم مدحاً ًً أو قدحاً‪ ،‬بل وجدنا‬
‫في أقوالهم ما يدل على أنهم زيدية هادوية في األصول والفروع‪ ،‬فإن كان هنالك مطرفية غير أولئك؛‬
‫فكل يتحمل مسؤولية ما ثبت عنه من قول أو فعل‪ ،‬وليس التنقيص من اإلمام المنصور باهلل عبدهللا‬
‫بن حمزة هدفا لنا ـ كما يزعم بعض الغوغاء ـ وال نرتضيه وال نقر عليه‪ ،‬فهو مجتهد عالج خالفه مع‬
‫كل من خالفه بالطريقة التي رأى صحتها وذلك ما يلزمه‬
‫وقد بحثت عن جوابكم المنشور‪ ،‬وبعد متابعة وصلتني منه نسخة‪ ،‬فقرأته وأعجبني مضمونه؛‬
‫ألننا اتفقنا فيه على أهم القضايا الجوهرية‪ ،‬غير أن لي عليه بعض المالحظات‪ ،‬أوجزها فيما يلي‪:‬‬
‫قولكم‪ :‬أحد العاملين في مجلة (المسار)‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذا غير صحيح‪ ،‬فلست عامالً في مجلة (المسار)‪ ،‬وإن كنت أتشرف بذلك‪ ،‬وكان‬
‫يمكنكم نسبة ذلك التعليق إلي فأنا ال أخشى مما كتبت أن ينسب إلى‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬فال تعاب التسمية الصادقة‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إنما عبت التسمية؛ ألنها غير مطابقة‪ ،‬فصاحب المقال الذي عبتم عليه وهو السيد‬
‫العالمة زيد بن علي الوزير ليس من النواصب‪ ،‬وال من المتأثرين بهم‪ ،‬وذلك معروف لدى الجميع‪،‬‬
‫ومن ق أر مقاله فإنه يجد فيه احتراما وإجالالً لإلمام المنصور‪.‬‬
‫فعلت‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬وهو ما ُ‬
‫اقتصرت على تكريس اتهام المطرفية‪ ،‬وصد ما نقل الوزير عن يحيى بن الحسين‬
‫َ‬ ‫أقول‪ :‬بل‬
‫بن القاسم من تحصيل لمذهبهم‪ ،‬بدون استناد منكم إلى نص صريح من كالمهم‪ ،‬بل قررتم في بدء‬
‫أيت أن تنزيه المطرفية والجزم ببراءتهم يعني الطعن في اإلمام عبدهللا‬
‫كالمكم عدم تبرأتهم‪ ،‬فقلتم‪ " :‬فر ُ‬
‫بن حمزة عليه السالم" ‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬معنى تبرأتهم من موجب قتلهم وسبيهم أن قتلهم وسبيهم كان جو اًر‪.‬‬
‫أقول‪ :‬يلزمكم هذا فيما شجر من تقاتل بين األئمة عندنا أو بين الصحابة عند غيرنا‪ ،‬فإما أن‬
‫ٍ‬
‫بمخالفة أو جبت قتله‪ ،‬أو تحكموا بجور وطغيان قاتله‪ ،‬أو ال تحكموا بشيء من‬ ‫تحكموا على المقتول‬
‫ذلك فينتفى التالزم وهو ما نريده‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬إن المنزهين للمطرفية لم يسلكوا هذا الطريق‪.‬‬
‫أقول‪ :‬تعليقكم كان على زيد الوزير‪ ،‬وهو ممن سلك هذا المسلك‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬إما أن تجزموا بأن اإلمام حكم باجتهاده‪ ،‬وأن األمر يعنيه دوننا‪ ،‬وتكليفه دوننا‪ ،‬فليس‬
‫لنا أن نتدخل فيما ال يعنينا‪ ،‬ونحن نحكم بتصويبه باالضافة إلى ما وجب عليه‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذا تأكيد منكم لما ذكرناه‪ ،‬فإنه ال يلزم تصويب المجتهد إال باإلضافة إلى ما وجب‬
‫عليه‪ ،‬ال باإلضافة إلى الواقع‪ ،‬إال إذا كنتم ترون أن ما توصل إليه المجتهد هو مراد هللا تعالى‪ ،‬وهذا‬
‫ماال نعرفه عنكم‪ ،‬وهو خالف ظاهر كالمكم‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬فليس للمتأخرين عن زمانه االعتراض عليه والتخطئة له؛ ألن المتأخرين متعاطون لما‬
‫ليس لهم‪.‬‬
‫أقول‪ :‬إن أردت عدم التخطئة فيما وجب عليه فمسلم‪ ،‬وإن أردت أنه ليس ألحد تخطئته فيما‬
‫طلب فغير مسلم؛ ألن ذلك من خصائص المعصوم على قول‪.‬‬
‫وإن ُسلم لكم أنه ليس من حق المتأخر نقد المتقدم‪ ،‬لزم أال ينظر المتأخر فيما وقع من المتقدم‬
‫كائناً من كان ومهما كان‪ ،‬خصوصاً إذا ادعا أو ادعي له أنه فعل ما فعل تنفيذاً لما رأى أنه واجب‬
‫عليه‪.‬‬
‫وعليه فليس لك تخطئة المطرفية ألنك ستكون بذلك متعاط لما ليس لك‪ ،‬وعليك أن تصوبهم‬
‫بالنسبة لما وجب عليهم‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬لم نوجب تصويبه لمجرد احترامه‪ ،‬بل على فرض صحة السبب الموجب للحكم عليهم‪.‬‬
‫أقول‪ :‬فرضكم صحة السبب الموجب للحكم عليهم‪ ،‬ليس بأولى من فرض غيركم عدم صحته‪،‬‬
‫فالمسألة إذاً مسألة اختالف أنظار في الشواهد والقرائن التاريخية‪ ،‬وليس نصباً‪ ،‬وذلك ما نريد‪ ،‬فال‬
‫أنتم تعابون على ما فرضتم‪ ،‬وال يعاب غيركم على ما فرض‪ ،‬والعبرة بقوة مستند كل طرف على ما‬
‫يدعي‪.‬‬
‫ومثل هذا يقال في قضية قتل أبي بكر لمن ُعرفوا بأهل الردة‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬إن الخالف بيننا على الفكر المطرفي‪ :‬ما هو؟ وكان عليك أن تبين صدق ما تدعي‬
‫بذكر فكر المطرفية الذي تعني‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ما علقتم عليه هنا هو كالم حكيته عن السيد زيد الوزير وليس كالمي‪ ،‬ثم إنني قد‬
‫أيت أنه فكرهم‪ ،‬وبعثت بها إليك ضمن تعليقي على‬ ‫ذكرت جملة من النصوص تدل على ما ر ُ‬
‫كالمك‪ ،‬ولم أجزم بنسبة فكرة معينة إليهم ولن أجزم إال بعد التحقق‪ ،‬ولكنك لم تذكر نصاً واحداً على‬
‫مدعاك فيما نسبت إليهم‪ ،‬واكتفيت بالتخريج من ظاهر ما حكي عنهم في مسألة اإلنبات‪ ،‬بل قررت‬
‫سلفاً عدم براءتهم خوفاً من لزوم الطعن على اإلمام المنصور‪ ،‬وليس بالزم كما تقدم‪.‬‬
‫قولكم ـ بعد نقل كالم لإلمام عز الدين عن المطرفية ـ ‪ :‬فهل تعني أن هذا المذهب المطرفي‬
‫جزء من مذهب الهادي فذلك باطل واضح البطالن‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذا الكالم يوجه لإلمام عز الدين نفسه القائل‪" :‬وهؤالء المطرفية القائلون بهذا المذهب‬
‫رأيهم رأينا في كثير من أحكام الشرع‪ ،‬ويعتمدون مذهب الهادي عليه السالم"‪ .‬وهو الذي استندنا إلى‬
‫كالمه في بيان قول المطرفية‪ ،‬كما استندتم‪ ،‬وليس حمل أحد القولين على اآلخر بأولى من العكس‪،‬‬
‫فالعبرة بالقرائن‪ ،‬وفيما حكيناه عنهم من غير طريق اإلمام عز الدين قرينة نافعة‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬إذا كان ال يبرئ اإلمام إال الحقائق والوثائق‪ ،‬فلماذا تبرئون المطرفية بال حقائق وال‬
‫وثائق؟ أين اإلنصاف؟!‬
‫أقول‪ :‬لست القائل‪" :‬ال يبرئ اإلمام إال الحقائق والوثائق"‪ ،‬ثم إني قد نقلت لك من كالمهم‬
‫وكالم خصومهم ما يبرئهم مما ُن ِّس َب إليهم من القول بأنه ال تأثير هلل في الفروع‪ ،‬فيمكنك مراجعته‪.‬‬
‫وأضف إلى ذلك ما وقفت عليه في (البرهان الرائق) ونصه في باب اإلحالة واالستحالة‪" :‬‬
‫نقول‪ :‬إن هللا سبحانه خلق العالم يحيل ويستحيل‪ ،‬ومعنى ذلك‪ :‬يؤثر وينفع إذا استعمله اإلنسان على‬
‫ما َّ‬
‫علم سبحانه‪ ،‬ويضر إذا خالف تعليم هللا‪ ،‬كل ذلك جب اًر ال اختيا اًر‪ ،‬فما حصل منه من تأثير في‬
‫شيء‬
‫ٌ‬ ‫الوجهين جميعاً فهو فعل هللا سبحانه ال فاعل له غيره‪ ،‬وال موجد له سواه‪ ،‬وإنما قلنا ذلك ألنه‬
‫كائن بعد العدم خارج عن مقدور العبد‪ ،‬فيجب أن يكون فعالً للقديم سبحانه‪ ،‬ومعنى قولنا‪ :‬يحيل‪ ،‬هو‬
‫يتغير أو ينتفع أو يضطر‪ ،263‬وذلك كما يقول القائل‪ :‬النار تحرق‪ ،‬والماء يروي‪ ،‬والطعام يشبع‪،‬‬
‫واللحاف يدفي ويستر‪ ،‬والدواء ينفع ويشفي‪ ،‬والسم يقتل ويفني‪ ،‬كل ذلك بجبر هللا تعالى له‪ ،‬وكذلك‬
‫يستحيل أيضاً جب اًر من هللا سبحانه ال اختيا اًر‪ ،‬والخالق للمحيل والمستحيل وما يحدث من األعراض‬
‫الضرورية هو هللا سبحانه‪ ،‬ال أن المحيل َف َع َل وال المستحيل‪ ،‬ولوال أنه كذلك ما صح التكليف‬
‫واالمتحان‪ ،‬واألمر والنهي‪ ،‬والتعليم‪ ،‬والترغيب والترهيب ‪ ،‬بل يكون ذلك لغير معنى‪ ،‬ومن فعل فعالً‬
‫لغير معنى‪ ،‬فليس بحكيم‪ ،‬والمعنى الذي خلق له الخلق انتفاع المكلفين به؛ ألن هللا سبحانه لو خلقها‬
‫غير محيلة وال مستحيلة ثم أمر عز وجل بتفعيلها وتناولها أو نهى عن ذلك‪ ،‬لكان قد كلف ما ال‬
‫يطاق‪ ،‬أال ترى أنه أوجب على من حنث في اليمين إشباع عشرة من المساكين‪ ،‬فلو كان شيء ال‬
‫يشبع؛ لكان قد كلف ما ليس في الوسع واإلمكان‪ ،‬ولو كانت ال تنفع وال تضر‪ ،‬ثم َّ‬
‫علم سبحانه عباده‬
‫الضار من النافع لكان قد عرف منفعة غير نافع‪ ،‬ومضرة غير ضار‪ ،‬وهذا لعب وعبث يتعالى هللا‬
‫عنه"‪ .‬واسترسل بعد ذلك في ضرب األمثلة‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬من وثائقنا ما حكاه زيد الوزير‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ما حكاه زيد الوزير صريح في خالف ما استنتجتموه‪ ،‬وقد ع از ذلك إلى مصادره‪،‬‬
‫فرددتموه ظناً منكم أنه تحصيل منه لكالمهم‪ ،‬وإنما هو من كالم يحيى بن الحسين بن القاسم حكاية‬
‫عنهم وتحصيالً لمذهبهم‪ ،‬ونصه في (المستطاب)‪" :‬ومحصول مقالتهم‪ :‬إن هللا خلق األربعة‬
‫األصول‪ ،‬وهي‪ :‬الماء والنار والهوى والثرى‪ ،‬ثم خلق منها كل شيء من الفروع باإلحالة االستحالة‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬وهللا تعالى هو الذي خلق االستحاالت والفروع‪ ،‬ولكن ليس بالمعنى األول الذي هو خلق‬
‫تركيب وفطرة وب ِّْنية َّ‬
‫وجبلة‪ ،‬بما جبلها عليه وجبرها في االبتداء"‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫االختراع‪ ،‬بل خلق‬
‫َ‬
‫وتحصيل يحيى بن الحسين هذا تحصيل عن تتبع واطالع على مذاهبهم‪ ،‬فقد وجدت على‬
‫غالف كتاب (البرهان الرائق) تمليكاً يدل على أنه من مكتبته‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬حكاية عن العالمة الشامي‪" :‬وقد تحول بعضهم إلى فقهاء متعنتين موسوسين‪ ،‬كذلك‬
‫السخيف الذي أو جد من نبتة الشعيرة الناجمة في إحدى زوايا مسجد األهنوم موضع نقاش وجدل"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ليس من السخف أن يحتج أحد لما يذهب إليه بما يحتقره اآلخرون وإن أثار الجدل‪ ،‬فقد‬
‫رد هللا على من استسخف التمثيل بالذبابة وجادل في ذلك‪ ،‬بقوله‪ ( :‬إن هللا ال يستحيي أن يضرب‬
‫مثالً ما بعوضة فما فوقها )‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬وهذه مو ِّافقة لمسألة الزرع في األرض المغصوبة‪.‬‬

‫قرأت ما حتته خط كهذا‪.‬‬ ‫‪263‬‬


‫أقول‪ :‬قصة السنبلة والزرع في األرض المغصوبة‪ ،‬ال يصح أن ُي َخ َّرج لهم منها مذهب قد‬
‫نصوا على خالفه‪ ،‬وإال لزم صحة نسبة المذاهب التي يستنتجها كل خصم من كالم خصمه‪ ،‬كما‬
‫نسبها خصوم الشيعة إليهم‪ ،‬تخريجاً على كالم لهم‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬ليس المدعى مجرد تفسير كالم محتمل‪.‬‬
‫حصلت‪ ،‬فال‬
‫َ‬ ‫حصل لهم يحيى بن الحسين خالف ما‬‫أقول‪ :‬هذه مصادرة‪ ،‬بل هو محتمل؛ فقد َّ‬
‫يصح أن تجعل ما فهمته من كالمهم في مسألة الزرع نصاً غير محتمل‪ ،‬وقد نصوا على خالفه‪ ،‬كما‬
‫نقلنا عنهم وهو مفصل في (البرهان الرائق)‪ ،‬فهم أولى بتفسير كالمهم!‬
‫قولكم‪ :‬هذا الرجل ـ يعني سليمان المحلي ـ فيما يفيده كالم علي محمد زيد متقدم من الطبقة‬
‫المتوسطة‪.‬‬
‫أقول‪ :‬بل متأخر‪ ،‬نص على ذلك يحيى بن الحسين في (المستطاب)‪ ،‬وقد أورد في كتابه‬
‫مسألة النبات وغيرها‪ ،‬وإن يسر هللا نشره فسيكون فيه بيان لحقيقة أفكار المطرفية‪ ،‬ما لهم وما عليهم‪.‬‬
‫ولسنا نريد الدفاع عنهم على أية حال‪ ،‬ولكننا نحرص على أن ال ينسب إليهم إال ما قالوا وما‬
‫فعلوا‪ ،‬ويحمل على الوجه الصحيح‪ ،‬وال ُيشهر بهم إال بما وقعوا فيه من الباطل‪ ،‬فذلك أقرب إلى‬
‫التقوى واإلنصاف‪ ،‬وال يدرك أهمية ذلك إال من اكتوى بنار التقوالت وااللزامات‪ ،‬وفرض المذاهب‪،‬‬
‫والتشهير‪ ،‬وإثارة الغوغاء‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬فيحمل قوله على األصول‪ .‬ـ يعني قول اإلمام عز الدين‪" :‬إن المطرفية يقولون‪:‬‬
‫األجسام واألعراض حدثت بالفطرة والتركيب‪ ،‬وإن هللا تعالى هو الذي فطرها وركبها على أن يكون‬
‫طبعها وعادتها الكون على ما كانت عليه"‬
‫أقول‪ :‬في حمله على ذلك تكلف ال يخفى؛ ألنه صريح في أن الفطرة مؤثرة بالتركيب الذي‬
‫أودعه هللا فيها‪ ،‬فيصح نسبة التأثير إليها باعتبارها محال للنظام المودع فيها‪ ،‬كما يصح نسبة التأثير‬
‫إلى الفاعل بواسطة اإلرادة باعتبار اإلرادة نظاماً موجوداً فيه‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬فلم أجد التأكيد وال أنهم ال يسمونه طبعاً‪.‬‬
‫أقول‪ :‬جاء تأكيد اإلمام عز الدين على أن المطرفية يسمون سبب التأثير في الفروع فطرة ال‬
‫طبعاً عقيب الكالم الذي نقلت عن (صفحة ‪/178‬ج‪ ،)1‬فقال‪" :‬ومن الوجوه الفارقة بينهم أن المطرفية‬
‫يقولون‪ :‬األجسام واألعراض حدثت بالفطرة والتركيب وأن هللا تعالى هو الذي فطرها وركبها ‪ ..‬إلى أن‬
‫قال‪ :‬والطبائعية يضيفون األمور كلها إلى الطبع "‪ .‬وقال عند حكاية المذاهب في المؤثرات‪" :‬أحدها‪:‬‬
‫الكسب‪ .‬وثانيها‪ :‬الطبع الذي تزعمه الطبائعية‪ ،‬والفطرة التي ذهبت إليها المطرفية"‪ .‬وهو عين‬
‫المصطلح الذي استخدمه يحيى بن الحسين عند حكاية أقوالهم‪.‬‬
‫قولكم‪ :‬فاختالف تاريخ المقالة يمنع تعارض الروايتين فال ننفي ما روي عن أوائلهم‪ .‬وقولكم‬
‫بعد ذلك ‪ :‬هذا الحاصل ال يتفرع على شيء إال أن يريد كالم األولين‪ ،‬والنزاع في اآلخرين الذين‬
‫كفرهم اإلمام عبد هللا بن حمزة‪.‬‬
‫أقول‪ :‬هذا اعتراف بسالمة ما حكينا عنهم‪ ،‬ولكن التخلص بجعل المطرفية قسمين‪ :‬متقدمين‬
‫ليس في كالمهم ما يوجب تكفيرهم‪ ،‬ومتأخرين يلزمهم ما ألزموا به من األمور التي باحت دمائهم‬
‫تخلص غير مخلص؛ ألنه يقال في المتأخرين كما قيل في المتقدمين‪ :‬ال يصح نسبة‬ ‫ٌ‬ ‫وأعراضهم‪،‬‬
‫شيء إليهم بمجرد التخمين وااللزام‪ ،‬وال يعتبر حكم اإلمام عبد هللا عليهم بالكفر صواباً في الواقع‪،‬‬
‫وإن اعتبرناه صواباً بالنسبة لما وجب عليه‪ .‬خصوصا وأنه قد شهد بتنزيههم أفاضل علماء العترة في‬
‫عصره ونهوه عن تكفيرهم‪:‬‬
‫* فقال‪ :‬األمير المنتصر محمد العفيف وهو من عيون علماء العترة في رسالة إلى اإلمام عبد‬
‫هللا بن حمزة ‪" :‬إنهم أفاضل شيعة الهادي والقاسم وأتباعهم‪ ،‬وال مصلحة في حربهم‪ ،‬واعتقاد كفرهم‪،‬‬
‫وهم أطهار وليسوا بأشرار وال كفار"‪.‬‬
‫* وأنكر األمير المعتضد يحيى بن منصور بن مفضل‪ ،‬وأخوه المهدي لدين هللا محمد بن‬
‫منصور وهما من عظماء العترة على اإلمام المنصور تكفيرهم وقتلهم وخراب مساجدهم واستحالل‬
‫ذلك منهم‪.‬‬
‫* وأنكر عليه اإلمام الداعي يحيى بن المحسن بن محفوظ‪.‬‬
‫* وأنكر عليه بعض أعمامه‪ ،‬فأجاب عليه اإلمام بقصيدة‪ ،‬هي في ديوانه‪.‬‬
‫* وقال العالمة الكبير علي ابن أبي الخير‪" :‬وقفت على كتب عديدة فيها خالصة مذهبهم‬
‫وتحقيق قواعد عقائدهم‪ ،‬فلم أجد فيها شيئاً من الموجبات لتكفيرهم"‪.‬‬
‫أقول‪ :‬بين يدي كتاب (البرهان الرائق) وقد وجدت فيه ما يثبت براءتهم مما نسب إليهم‪.‬‬
‫* وأنكر عليه قاضي الشافعية في عصره سري بن إبراهيم‪ ،‬فقال ‪ :‬إنه قتل المطرفية وهم عباد‬
‫هذه األمة وزهادها ورهبانها‪.‬‬
‫* وذكر أحمد بن عبد هللا الوزير أن تنزيه المطرفية هو رأي اإلمام يحيى بن حمزة‪ .‬وعن‬
‫اإلمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى‪ :‬أن مذهبهم هو عين مذهب أبي القاسم البلخي‪ .‬ولم يفرق‬
‫بين قدماء ومتأخرين؟‬
‫‪264‬‬
‫من عاصرهم واطلع على حقيقة مذهبهم عن كثب‪ ،‬فال بد من أخذها بعين‬ ‫فهذه شهادات‬
‫االعتبار‪.‬‬
‫قال يحيى بن الحسين في (المستطاب)‪" :‬وقد قال بعدم تكفيرهم من المتأخرين‪ :‬اإلمام شرف‬
‫الدين وفقهاؤه‪ ،‬واإلمام عزالدين بن الحسن‪ ،‬وولده الحسن‪ ،‬والسيد محمد بن إبراهيم الوزير‪ ،‬وصنوه‬
‫الهادي‪ ،‬وهو قول صاحب الفصول السيد إبراهيم بن محمد‪ ،‬وهو قول السيد الهادي بن يحيى أخي‬
‫اإلمام المهدي‪ ،‬والسيد عز الدين المفتي ووالدنا العالمة الحسين بن القاسم‪ ،‬وخالئق آخرون"‪ .‬فهال‬
‫وسعنا ما وسعهم‪.‬‬
‫وأما ما ختمتم به تعليقكم من كالم حول اإللزام والتكفير به‪ ،‬فهو بحث واسع لسنا بصدده‬
‫وهللا الموفق‬ ‫اآلن‪ ،‬وإن كنتم ترونه جائ اًز‪ ،‬فال يلزم غيركم البناء على أصل ال يلتزمه‪.‬‬
‫محمد يحيى عزان‬
‫صنعاء‬
‫‪26‬جمادى األولى ‪ 16 /1422‬أغسطس ‪2001‬م‬

‫ذكر هذا القول أمخد بن عبد هللا الوزير يف كتابه اتريخ بين الوزير‪.‬‬ ‫‪264‬‬
‫خاتمة الحوار‬
‫بقلم األستاذ زيد بن علي الوزير‬

‫الحوار الدائر بين العالمة "بدر الدين الحوثي" و العالمة "محمد يحيى سالم عزان" وبين كاتب‬
‫هذه السطور‪ ،‬حول المطرفية ومأساتها دل على نقلة نوعية في طبيعة الحوار‪ ،‬وفي التقدم حول‬
‫التخوم األخيرة‪ .‬أي الوصول إلى الحقائق الناصعة‪ .‬إن الحوار الذي يدور سلبا وإبجابا قد وضح كثي ار‬
‫من المتشابه‪ ،‬وإن لم ُيَّقرب بين المسافات‪ ،‬فما تزال المسافة متباعدة ولكن الرؤية بين الموقعين قد‬
‫أصبحت أكثر صفاء ووضوحا‪ .‬وهذا في جد ذاته خطوة متقدمة‪ .‬وهي نقلة نشجعها ونباركها ونعتز‬
‫ب ها‪ ،‬وندعو إليها وإلى أمثالها من المبهمات والمتشابكات حتى ال تبقى القضايا التي تستغل سياسيا‬
‫ومذهبيا وعنصريا مجلبة لنكال الماضي‪ ،‬قبل أن تكون نكاالً على عالقات الحاضر‪.‬‬
‫إن الحوار حتى اآلن يسير رخاء بدون تشنجات مألوفة وإن هبت أحيانا زخات ساخنة‪ ،‬إال أنها‬
‫في مسا رها العام تتجه بوضوح في طريق علمي يخرج من دائرة ما اعتاد الناس عليه من التكفير‬
‫القاطع والتفسيق الحاسم‪ .‬أصبح الحوار الهادئ هو الذي يدور‪ .‬وهذا في حد ذاته أيضا خطوة متقدمة‬
‫ونقلة نوعية حتى ولو بقيت بعض التعابير تغتلي بسخونة ملموسة؛ لكن الطابع العام –كما قلنا ‪-‬‬
‫طابع علمي يسعى إلى الوصول إلى استكشاف الحقائق الضائعة‪ .‬وهو ما نطلبه ونسعى إليه‪ ،‬وليس‬
‫القصد منه إدانة هذا وال تبرئة ذلك‪ ،‬بل محاولة الوصول إلى الحقائق المجردة من الهوى‪.‬‬
‫إذا استوعبنا ذلك فإننا سوف نتمكن بلغة الحوار والحقائق‪ ،‬وعن طريق التوثيق والوثائق إلى‬
‫حل كل ما سنواجهه في تاريخنا الذي يعرض الكثير من مثل هذه القضايا‪ ،‬وال بد من مواجهتها‬
‫بشجاعة وبإنصاف‪ ،‬وال بد من الوقوف عندها أيضا بنفس األسلوب العلمي‪ ،‬والطريقة المنهجية‪ ،‬حتى‬
‫ينجلي غسق الشك عن صبح اليقين‪ .‬وإذا ظل هذا هو المناخ العلمي فسوف نصل إلى الحقائق‬
‫مجردة من أي هوى‪ .‬واعتقد أننا بدأنا الطريق المستقيم‪.‬‬
‫وأريد في هذا الحديث أن أضيف بعض نقاط وأن استعيد بعض نقاط من أجل التاكيد على‬
‫مسار حيوية الفكرة والتفكير‪.‬‬
‫فالنقطة األولى التي أريد أن أؤكد عليها ليس ألن لها داللة على براءة الفكر المطرفي من‬
‫الزيغ فحسب‪ ،‬بل وألنها تسهم في حل معظم القضايا المعقدة األخرى‪ .‬واعني بذلك ضرورة االهتمام‬
‫بدراسة زمنية األفكار‪ .‬أي دراسة تطور األفكار بدأً ونهاية‪ ,‬إن كان لها نهاية‪ ,‬ومعرفة ما وصلت إليه‬
‫في كل فترة‪ ،‬وما اعتورها من مخضل الندى أو لفحات الشقاء؛ فالتعرف عليها في مختلف حاالتها‬
‫يبين لنا كيف تطورت‪ ،‬ومتى انكمشت‪ ،‬ومتى ازهرت ومتى ذبلت‪.‬‬
‫زمنية األفكار تسلمنا إلى تحديد الزمان والمكان واألشخاص‬
‫هذه الطريقة أعني التعرف على َّ‬
‫حتى ال نظلم آخرين لقول واحد منهم ضل سبيله‪ ،‬أو نذيب إبداعه في المجموع فننسى فضله‪ .‬إن فهم‬
‫الزمنية حاجة مهمة وال شك‪.‬‬
‫ولكن هذه الطريقة المهمة مع األسف الشديد ال تمدنا بالقدرة على االستفادة منها في معرفة‬
‫أفكار المطرفية؛ ألن ضياع كتبهم جميعها أحرمنا من استثمار تلك النقطة ومعرفة تطور هذا الفكر‬
‫الحيوي المتميز على نحو مفيد‪ .‬ولكن لو أخذنا بالقاعدة المتبعة –ولها استثناء‪ -‬وهي أن الفكر يمر‬
‫بفترة شابة فنضج فاكتمال فإن ما كتبه العالمة "سليمان بن أحمد المحلي" في كتابه "البرهان الرائق‬
‫المخلص من ورط المضايق" يؤكد‪ -‬وهو المتأخر زمنا‪ -‬أن الفكر المطرفي ‪-‬وهو في نهاية تطوره‬
‫تقريبا‪ -‬لم يكن فيه شيء مما يعيب‪ .‬والعالمة"المحلي" ليس من الطبقة المتوسطة كما ذكره العالمة‬
‫"الحوثي" وإنما من الطبقة المتأخرة كما ذكر العالمة عزان‪ .‬ومعرفة هذه النقطة مهمة ألن العالمة‬
‫"الحوثي" قد أراد بتقديمه زمنا أن يحسب أفكاره في المعتدلين‪ ،‬وليس في المتأخرين‪ ،‬حتى يزيل قوة‬
‫االحتجاج بأقوال العالمة "المحلي" من مكانها المرموق‪ ،‬مكتفيا بالتركيز من ثم على الطبقة المتأخرة‬
‫مستشهدا بما قاله أستاذنا الكبير "أحمد بن محمد الشامي" في هذا المجال‪ .‬وأن هذه الطبقة المتأخرة‬
‫في عرفه هي التي عاصرت اإلمام "عبد هللا بن حمزة" وهي التي حملت أفكارها الخاطئة‪ .‬ولكن وجود‬
‫العالمة المحلي في المتأخرين ال يلبي ما ذهب إليه عالمنا "الحوثي" من هنا يأتي دراسة فكر العالمة‬
‫"المحلي" من األهمية بمكان‪ .‬وألن كتاب المحلي هو الوحيد سواء أكان متقدما أم متأخ ار فهو الوثيقة‬
‫الوحيدة التي ال يفيد كثي ار معرفة وضعها في أي زمان ألنه ال توجد كتب أخرى نتمكن من خاللها‬
‫وزن أفكار المحلي على حقيقتها‪ .‬كل ما لدينا أنه وثيقة سامية تضع أفكار المطرفية في مكان‬
‫مرتفع‪.‬‬
‫ونقطة أخرى أريد أن أعود فأنقل تعريف المؤرخ الثبت "يحيى بن الحسين" لحقيقة المطرفية‪،‬‬
‫ألن في ذلك التعريف ما ينفي عنهم ما يقال‪ ،‬ويوضح معتقداتهم التي تتنافى تماما مع مصطلح‬
‫الطبائعية الخال صة‪ .‬وهو عندما يتحدث عنهم فإنما يتحدث عنهم في مختلف أطوارهم بداية ونهاية‬
‫مما يعني أيضا أن أفكارهم لم تبعد عن أصولها‪ ،‬ولم تخرج عن قطب جاذبيتها‪ .‬قال يحيى بن‬
‫الحسين‪( :‬هم ال يعتقدون عقائد الطبائعية نفسها ألن الطبائعية الذين ينفون التأثير هلل تعالى‬
‫وأصول األشياء ويحكمون بالطبع لنفيهم الصانع سبحانه‪ ،‬وليس كذلك المطرفية فإنهم حكموا بأن‬
‫التأثير هلل تعالى في أصول األشياء ولوال أنه تعالى جبر األصول على تولد منها وتستحيل لما‬
‫حصل شيء منها من التوالد واإلستحاالت‪ ،‬وجعلوا التأثير من األصول بالتوالد واإلستحالة حقيقة‬
‫ومن هللا مجا از)‪.265‬‬
‫واضح من هذا النص أن التـأثير كله مبتدا ومنتهى هو هلل سبحانه وتعالى ولكن الوسائل هي‬
‫التي تختلف‪ ،‬وإذ ذهبت المطرفية أن هللا خلق األسباب‪ ،‬وخلق حيويتها‪ ،‬وأودع فيه سر الخلق‪ ،‬وأنه‬
‫إذا ما توفرت اسباب خلقها الكامن وتالقت وتالقحت أنتجت بفعل الكمونية اإللهية فيها‪ ،‬تذهب‬
‫المخترعة إلى األمر األلهي المباشر‪ .‬ولو تدبرنا هذين الفاصلين لرأينا أن الخالف عمليا يتمحور في‬
‫الوسائل‪ ،‬وليس في األصول‪ .‬وهو خالف اليوجب تكفي ار وال تفسيقا‪..‬‬
‫وقد نقل العالمة عزان في العدد الخامس من المسار عن العالمة المطرفي الشهير "المحلي"‬
‫في كتابه "البرهان الرايق" (إن هللا أوجد األصول من غير شيء ثم خلق الفروع منها) فصرح بأن‬
‫هللا خلق الفروع‪ ،‬وأكد ذلك في موضع من كتابه وجادل عنه‪ ،‬وأورد كثي اًر من الحجج على ذلك‪ ،‬ونقل‬
‫كثي اًر من نصوص األئمة فيه‪ .‬ونقل أيضا قول القاضي جعفر بن أحمد ألد خصومهم‪( :‬أن المطرفية‬
‫يقولون‪ :‬إن هللا سبحانه خلق جميع الفروع؛ ولكنهم يقولون إنه لم يقصد إيجاد أي منها‪ ،‬ألن ذلك‬
‫حاصل بفطرة األجسام وتركيبها)‪ .‬ومن الواضح أن قول العالمة جعفر بن عبد السالم ولكنهم يقولون‬
‫أنه لم يقصد إيجاد أي منها هو الزام منه وليس نصا منهم‪ .‬كما نقل قول اإلمام عز الدين بن الحسن‬
‫في‪( :‬إن المطرفية يقولون‪ :‬األجسام واألعراض حدثت بالفطرة والتركيب‪ ،‬وإن هللا تعالى هو الذي‬
‫فطرها وركبها على أن يكون طبعها وعادتها الكون على ما كانت عليه) وأكد على أنهم يسمون ذلك‬
‫فطرة وال يسمونه طبعاً‪.‬‬
‫وأما مانقله العالمة الحوثي قول اإلمام عز الدين بن الحسن في المعراج (ولهذا قيل ‪:‬‬
‫المطرفية أسوأ حاال من الطبائعية الجاحدين للصانع المختار ألنهم اعترفوا بالصانع ثم أضافوا‬
‫التأثير إلى غيره ) فهو تأكيد على التفريق بين المطرفية والطبائعية حتى وإن وردت في تعبير متجهم‬
‫وقاس لكن اإلمام وهو الدقيق في تعبيراته رواها عن طؤيق التضعيف قيل‪ .‬ثم إن المطرفية نفسها‬
‫كما نقلنا عن يحيى بن الحسين يضيفون التأثير إلى هللا ال إلى غيره‪ .‬وإسناد التأثير إلى هلل يلقي ظال‬
‫من الشك حول من نسب إليهم عن طريق قيل بأنهم أضافوا التأثير إلى غير هللا‪ .‬والمثبت أولى من‬
‫النافي خاصة في مجال العقائد والضمائر‪.‬‬

‫‪ 265‬املستطاب ‪99‬‬
‫وأظننا‪ -‬بتأكيد المؤالف والمخالف على إيمان المطرفية بخلق هللا لألصول والفروع‪ -‬قد انتهينا‬
‫من هذه المشكلة‪ :‬مشكلة إيمانهم ونحن على بصيرة من هللا بحسن إيمانهم‪ ،‬بل بسمو إيمانهم‪ ،.‬وألتهم‬
‫بالفعل كانوا أئمة محاريب يصرفون معظم أوقاتهم وخاصة الطرف األخير من الليل بين قائم وقاعد‬
‫وراكع وساجد ومفكر في خلق السماوات واألرض‪.‬‬
‫وإذن فإن أي بحث بعد اآلن يبقى في هذا اإلطار‪ ،‬إنما هو نوع من المماحكة‪ .‬وعلينا أن ننتقل‬
‫من بحث هذه القضية ونتخطاها إلى بحث أفكارهم‪ -‬ضمن إطار اإليمان الخارجه‪ -‬ورؤية ما فيها‬
‫من خطأ وصواب‪ ،‬كما تدرس أفكار الفرق األخرى بدون تكفير وال تفسيق‪ .‬إن مدرسة "البغدادي" في‬
‫توزيع الكفر واإليمان على الفرق اإلسالمية قد جرت إلى أوخم العواقب في الفريق والتمزيق‪ ،‬وال‬
‫ينبغي استعادتها بعد أن قبرها هللا يوم فجر العقل نوره في يقظته الثانية على يد المصلحين‪.‬‬
‫إذن لنتجاوز قضية اإليمان نفسه التي اصبحت واضحة كالشمس إلى قضايا تسلمنا إلى معرفة‬
‫أفكار المطرفية وماذا قدمت من خير عميم كما يعتقد البعض أو شر مقيم كما يعتقد البعض اآلخر‬
‫لنصل بها إلى حقيقتها النقية‪.‬‬
‫وفي هذا السبيل أطرح النقطة الثالثة في شكل سؤال له ثالث شعب هو‪ :‬هل سمت المطرفية‬
‫نفسها بالطبائعية؟ ومن الذي سماها؟ ثم هل أقرت هي تلك التسمية؟ أم فرض عليها؟‪.‬‬
‫وطرح هذا السؤال اليعني الرد على كل األسئلة المطروحة‪ ،‬ولكنه يوصلنا إلى الحقيقة عن‬
‫طريق تفكيك الكتلة الصلدة إلى كتل صفيرة تجرى عليها األبحاث لمعرفة الكتلة الصلدة‪ .‬والعلماء‬
‫يرجعون إلى مثل هذه الطريقة في حالة صعوبة تفتيت الكتلة المتراصة فيعمدون إلى التدرج في‬
‫معرفتها عن طريق تفتيتها لمعرفة عناصرها حتى يتم تكاملها‬
‫فهل سمت المطرفية أفكارها بالطبائعية؟ أما أنا فأذهب إلى أن المطرفية لم تسم أفكارها بتلك‬
‫التسمية بل إنها لم تقرها وإنما هي من وضع خصومها‪ .،‬والهدف من ذلك واضح بين وهو أن تسمية‬
‫فكرها بتلك التسمية التشكيكية تضع فكرها‪ -‬من خالل التقارب اللفظي‪ -‬على تخوم الطبائعية‬
‫الصرفة‪ ،‬ويؤدي ذلك تلقائيا إلى إحساس بالتقارب بينهما ومن ثم يسهل الوسم بالكفر والمروق‪.‬‬
‫والدليل على ذلك أن نصوص المطرفية التي بين أيدينا لم تذكر شيئا عن الطبائعبة‪ ،‬أو‬
‫استخدموا هذه التعابير‪ .‬وإذا ما وردت كلمة طبائعية أوالمواد أوالطبائع مثال فهي في األصل تعني‬
‫إستحالة وإحالة‪ :‬األساس األصلي لكل افكارهم‪ .‬والتي كانوا يطرحونها بكثافة للتدليل على آرائهم‪.‬‬
‫وتعبير اإلحالة واالستحالة ال تعني الطبائعية الصرف بأية حال‪ ،‬بل إن تعبير اإلحالة واالستحالة في‬
‫حد ذاتهما إيمان علمي عميق‪ ،‬ألنهما‪ -‬أي اإلحالة واالستحالة‪ -‬يعكسان إحساسا بالحركة والحياة‬
‫التي أودعهما هللا سبحانه فيهما وهما يقودان –بهذا المعنى‪ -‬إلى إيمان مستبصر واثق ال يشوبه‬
‫شيء من الغموض‪.‬‬
‫ومن هنا فإن تسمية أفكار المطرفية بالطبائعية ال ينطبق أساسا على أفكارهم‪ ،‬مما يؤكد أنها‬
‫من وضع خصومهم‪ .‬ثم أنه حتى اآلن فكل ما يروى عنهم‪ -‬باستثاء كتاب "البرهان الرائق"‪ -‬إنما‬
‫جاء في كتابات خصومهم‪.‬‬
‫وإذا ما تقرر ذلك أي أن تسمية الطبائعية من صنع خصومهم فإننا نكون قد انتهينا من تفكيك‬
‫دزء من الكتلة الصلدة وخلصنا منها وألغينا شبهة تفسيه تسجها خصوم أذكيا أنطلت حتى على من‬
‫اتخذ الحياد سبيال‪ .‬ونكون بذلك قد تحلصنا من عقبة أوقفتنا وجها لوجه أمام المطرفية في اإلحالة‬
‫واالستحالة‪ .‬ومن ثم سيكون التعامل أكثر وضوحا بعد زوال عبش الطبائعية المصطنع‪ .‬ولعلي أعود‬
‫إلى هذا الموضوع مرة أخرى أو يعود إليه غيري حتى يكون االنتهاء من أمر الطبائعية نهائيا وعلميا‪.‬‬
‫ومن هنا فإن الشك يحيط بكل ما يروى عن المطرفية من طريق خصومهم‪ .‬إذ ال يمكن من‬
‫حكم على دعوى‬
‫الناحية العلمية والقضائية القبول المطلق بكل ما يرويه خصم‪ ،‬وال يجوز أن ينبني ٌ‬
‫خصم‪ ،‬وخاصة إذا استخدمها السياسة‪.‬‬
‫والذي الشك فيه علميا هو أنه ليس لدينا قراءة حقيقية ألفكارهم إال من خالل قراءة "البرهان‬
‫الرائق" ‪-‬مهما كانت النواقص‪ -‬ألنه الوثيقة التاريخية الحقيقية الباقية‪ .‬أما ما عداه فاستئناس أو‬
‫استنتاج على أحسن الفروض‪.‬‬
‫وإذا أخذنا برأي العالمة الحوثي من أن أفكارهم المتأخرة قد تردت فإن كتاب "البرهان الرائق" –‬
‫وهو من المتأخرين‪ -‬بصبح حجة على من يقول بذلك‪ ،‬فهذا الكتاب‪ -‬الذي هو في نظرهم رؤية‬
‫الطبقة المتأخرة الرديئة‪ ،‬والذي هي بنظري قمة تطور المطرفية‪ -‬يعكس أفكارالمطرفية الحقيقية في‬
‫كال الحالتين‪ .‬وكم أتمنى أن يحقق هذا الكتاب ألنه سيقطع جهيزة قول كل خطيب‪ ،‬إذ أن من مواده‬
‫سيتألف النطق بالحكم الصحيح‪.‬‬
‫وفي ختام هذا التعقيب أود أن ألفت نظر العالمة "بدر الدين" عندما قال‪( :‬قال [ويقصد‬
‫العالمة محمد سالم عزان] ويضيف أن براءة اإلمام من تهمة إبادة المطرفية ال تتم بالعتب على من‬
‫أثارها أو نحدث عنها او حتى أولئك الذين يحاولون استعاللها عنصريا ليخدموا غرضا سياسيا‪،‬‬
‫وإنما بالدفع عنها بالحقائق والوثائق) الخ أن هذا القول قولي وليس قول العالمة "عز الدين"‪ .‬ثم‬
‫تساءل حفظه هللا (إذا كان ال يبريء اإلمام إال الحقائق والوقائع؛ فلماذا تبرئون المطرفية بال‬
‫حقائق وال وثائق؟ أين اإلنصاف؟) وقد تولى العالمة "عزان" الرد على هذه النقطة‪ .‬ولكني أحب أن‬
‫ألفت نظر العالمة "الحوثي" أن وثائق المطرفية قد أبيدت‪ ،‬ولم يبق منها إال وثيقة واحدة ومع ذلك‬
‫فهي كافية إلظهار أفكارها الحقيقية والرئيسية‪ ،‬وهي كافية في الرد على كل التهم‪ .‬وعليه فنحن‬
‫عندما نستند إليها فإنما نستند إلى وثيقة تاريخية قاطعة‪ .‬هذه واحدة والثانية أننا نستند إلى أقوال‬
‫المنصفين من الموالين لإلمام عبد هللا بن حمزة‪ .‬وبهذا نكون قد استندنا على واقع ثم أتينا بشاهد من‬
‫أهله؛ فنحن إذن نستند إلى وثيقة مطرفية مهمة‪ ،‬وإلى شهود من جانب علماء يكنون لإلمام "عبد هللا‬
‫بن حمزة" مكانة رفيعة المستوى‪ .‬أما عالمنا الجليل فيجعل من اإلمام الخصم والحكم‪ ،‬وال يأخذ‬
‫بأقوالهم هم فكأن المطرفية تهديه هذا البيت الحكيم‪:‬‬
‫فيك الخصام وأنت الخصم والحكم‪.‬‬ ‫يا أعدل الناس إال في محاكمتي‬
‫حوار حول المطرفية‬

‫تعليق على مقال المطرفيه الفكر والماساة‬

‫للعالمة بدر الدين الحوثي‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الذين اصطفى‪ ..‬وبعد‬
‫الحمد هلل وسالم على عباده َ‬
‫بعض النواصب ليتوصلوا إلى ذم وتحقير‬ ‫ففي هذا الزمان أظهر الخالف في شأن المطرفية ُ‬
‫وتبع النواصب‪ ،‬واغتر بكالمهم من ليس مثلهم‪ ،‬فرأيت أن تنزيه المطرفية والجزم‬
‫بعض أئمة الهدى ُ‬
‫ببراءتهم يعني الطعن في اإلمام "عبد هللا بن حمزة" عليه السالم وإلحاقهم له بأهل التعصب المذهبي‪،‬‬
‫ومن عرف الحقيقة عرف براءته من ذلك‪.‬‬
‫فنقول وباهلل التوفيق‪:‬‬
‫قد حكى مذاهبهم اإلمام "أحمد بن سليمان" في "حقائق المعرفة" في مواضع مفرقة تبعاً للمسائل‬
‫التي تستدعي ذكر خالفهم فيها‪ ،‬وممن ذكر بعض خالفاتهم "زيد بن علي الوزير" كما في "مجلة‬
‫المسار" العدد األول شتاء ‪1420‬هـ قال فيها ص ‪( :23‬كان المطرفيون في وقش‪ ،‬كما قال ِّ‬
‫مؤلف‬
‫المستطاب‪ :‬يؤمنون بخلق العناصر األربعة‪ ،‬وباالنفعال فيما عدا ذلك‪ ،‬وهو عين مذهب أبي القاسم‬
‫البلخي‪ ،‬وهو الذي صح عنهم‪ ،‬ووجد في كتبهم بحدوث العالم وإثبات الصانع‪ ،‬ويقولون‪ :‬إن الحوادث‬
‫اليومية كالنباتَات والمولودات واألَلم ونحوها حادثة من الطبائع الحاصلة في األجسام‪ ،‬وال تأثير للقديم‬
‫فيها أصالً)‬
‫ثُ َّم قال‪( :‬ومحصول مقالتهم‪ :‬إن هللا تعالى خلق األربعة األصول‪ ،‬وهي الماء والنار‪ ،‬والهواء‪،‬‬
‫خلق‬
‫َ‬ ‫والثرى‪ ،‬ثُ َّم خلق منها كل شيء من الفروع باإلحالة واالستحالة‪ ،‬قالوا‪ :‬وهللا هو الذي‬
‫االستحاالت والفروع‪ ،‬لكن ليس بالمعنى األول الذي هو خلق االختراع‪ ،‬بل خلق تركيب وفطرة وبنية‬
‫َّ‬
‫وجبلة‪ ،‬قالوا‪ :‬ألنه يلزم فيما إذا بذر الغاصب في أرض الغير بأنه إذا اخترع هللا خلق النبات من‬
‫البذر الغصب الظلم‪ ،‬وهللا تعالى ال يفعل القبيح وال الظلم‪ ،‬تعالى هللا عن ذلك‪ ،‬وقال سائر علماء‬
‫اإلسالم‪ :‬بأن هللا هو المخترع لجميع األشياء األصول والفروع) انتهى‪.‬‬
‫فقد حكى مذهبهم في أول كالمه وآخره‪ ،‬حيث قال‪( :‬ويقولون‪ :‬إن الحوادث اليومية كالنباتات‬
‫والمولودات واأللم ونحوها حادثة من الطبائع التي في األجسام‪ ،‬وال تأثير للقديم فيها أصالً)‪ .‬وحكى‬
‫مذهبهم وحققه في آخر كالمه‪ ،‬حيث قال حاكياً عنهم‪( :‬قالوا‪ :‬ألنه يلزم فيما إذا بذر الغاصب في‬
‫ع هللا خلق النبات من البذر الغصب الظلم‪ )..‬الخ‪ ،‬فحقق أنهم يعنون أن‬ ‫أرض الغير بأنه إذا اختر َ‬
‫المتولد ليس صنع هللا ال بطريقة االبتداء وال بالتولد من فعله‪.‬‬
‫فأما قوله‪( :‬ومحصول مقالتهم) فهو كالمه ال كالمهم‪ ،‬وكان عليه أن ينقل مستنده من‬
‫كالمهم؛ ليصحح ما ادعاه لهم؛ ألنه قد خالف ما حكاه عنهم‪ ،‬وليس محصوله ما زعم‪ ،‬بل هي‬
‫لغير مدع‪ ،‬وكيف يصح ذلك؟ وهم يحتجون لدعواهم أن الفروع ليست من هللا بقولهم كما حكاه‬ ‫دعوى َ‬
‫عنهم‪ .‬قالوا‪ :‬ألنه يلزم فيما إذا بذر الغاصب في أرض الغير‪ ..‬الخ‪ ،‬فإن معناه‪ :‬أن إنبات الزرع من‬
‫البذر لو كان فعل هللا فنزهوا هللا عن أن يكون أنبته وجعلوا ذلك دليالً على أن اإلنبات من البذر‬
‫ونحوه ليس فعل هللا‪ ،‬إنما هو فعل الطبيعة أو أثرها المتولد بها وال فعل هلل فيه أصالً‪ ،‬فما بقي بعدها‬
‫مجال لينسب إليهم ما زعم أنه محصول مذهبهم أنه خلق من األربعة العناصر كل شيء من الفروع‬
‫باإلحالة واالستحالة؛ ألن ذلك لو كان مذهبهم لكان النبات من البذر الغصب خلقه‪ ،‬فلم يقولوا‪ :‬يلزم‬
‫الظلم بل ارادوا أن النبات ليس خلقه ال بطريقة التولد من فعله وال بطريقة االبتداء‪ ،‬فظهر بطالن ما‬
‫حصله لمذهبهم‪ ،‬وأنه دعوى لغير مدع‪.‬‬
‫وكذا قوله في سياق ذكره لمحصول كالمهم‪" :‬قالوا‪ :‬وهللا تعالى هو الذي خلق االستحاالت‬
‫والفروع" فهو قول ال أصل له من كالمهم ـ أعني قوله‪ :‬والفروع ـ فلو كان لهم قول يثبت أن هللا خلق‬
‫الفروع لذكر محله من كتب من في عصرهم أو من أدركهم‪ .‬وهللا الموفق‬
‫مر ذكره‪" :‬وكان أهل‬
‫وقد قال زيد بن علي الوزير في خالل حكايته لكالم المطرفية الذي َّ‬
‫الظاهر مخترعة يقولون بأن هللا سبحانه وتعالى يخترع كل شيء في وقته" انتهى‪ ،‬وكأنه يعني أنهم‬
‫ينكرون التولد‪ ،‬فإن كان عنى هذا وأراد أنهم ال يثبتون وجود مسبب عن سبب‪ ،‬فهذا غير صحيح‪ ،‬بل‬
‫هم يجعلون أفعال هللا تعالى قسمين‪ :‬قسم مخترع ابتداء‪ ،‬وقسم مخترع متولد عن سببه‪ ،‬ولو شاء هللا‬
‫تعالى ألبطل سببية السبب فلم يحصل عنه المسبَّب‪ ،‬وقد أفاد ذلك المنصور باهلل عليه السالم في‬
‫الشافي في المجلد األول ج‪ 2‬ص ‪ ،214‬حيث قال‪ :‬ألنه سبحانه يفعل أفعاله اختراعاً سواء كانت‬
‫مبتدأة أو متولدة‪ ،‬فإن المتولد في حكم المبتدأ‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫وهكذا أفاد اإلمام أحمد بن سليمان عليه السالم في حقائق المعرفة‪ ،‬حيث قال‪ :‬محتجاً بما‬
‫حكاه عن المرتضى عليه السالم ما لفظه‪ :‬وقال محمد بن يحيى عليهما السالم في كتاب اإليضاح‪:‬‬
‫إن سأل سائل فقال‪ :‬هل يصح للجمادات فعل من األفعال ويجوز ذلك في االعتقاد والمقال؟ قيل له‪:‬‬
‫وال قوة إال باهلل‪ :‬ال يصح الفعل من الجمادات إالَّ على مجاز الكالم‪ ،‬فأما الطبائع فمن ذي الجالل‬
‫واإلكرام؛ لما في ذلك من الفضل واإلنعام؛ لئن الحيوانات إنما استقامت أرواحها بطبائع األطعمة‬
‫والشراب وذلك من حكمة رب األرباب ومصلح األسباب باألسباب؛ ألن األغذية ال تعقل أعاجيب‬
‫التدبير وال ُيتم إصالح األمور وعجائب الحكمة والتصوير إال هللا العليم الخبير‪ ..‬الخ‪.‬‬
‫‪266‬‬

‫فصح أنهم يثبتون صنع هللا للمتولد كما يثبتون صنعه للمبتدأ‪ ،‬وتبين أن الخالف في المتولد‬
‫هل هو صنع هللا؟ أو ال؟ والمثبت لذلك أنه صنع هللا هو المتبع للقرآن والنافي هو المخالف للقرآن‪.‬‬
‫بدر الدين الحوثي‬

‫تعقيب على التعقيب‬


‫المطـ َّـرف َّـيــة ‪ :‬بين الحقائق واإلشاعات‬
‫للعالمة محمد يحيى سالم عزان‬

‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬


‫الحمد هلل والصالة والسالم على سيدنا محمد األمين وعلى آله الطاهرين‪ ،‬وبعد‬
‫فهذا تعليق مختصر على كالم لشيخنا العالمة الكبير السيد بدر الدين الحوثي‪ ،‬أورده في شأن‬
‫المطرفية تعليقاً على مقال للمفكر اإلسالمي السيد زيد بن علي الوزير في مجلة "المسار" العدد‬
‫الثاني الصادر صيف ‪ 1421‬هـ‪ .‬وذلك بهدف البحث عن الحقيقة والوصول إلى رؤية واضحة حول‬
‫ما يثار في هذا الجانب‪ ،‬أرجو أن يتسع له صدر شيخنا إذ المقصود الفائدة والحصول على رضى‬
‫هللا‪.‬‬
‫فأقول وباهلل التوفيق‪:‬‬
‫(‪ )1‬ـ بدأ شيخنا بوصف مخالفيه المدافعين عن المطرفية بـ(النواصب) أو المغترين بهم‪.‬‬
‫والمالحظ أن كلمة ناصبي‪ ..‬رافضي‪ ..‬مبتدع‪ ..‬ألقاب تطلق كثي اًر على غير أهلها‪ ،‬بقصد‬
‫إرهاب المخالف للمألوف لدى هذه الجماعة أو تلك‪ ،‬مع أن هذا النوع من التخويف بالتسميات ال‬
‫‪ 266‬أنظره قبيل فصل يف الكالم يف األنوار‬
‫يكشف حقيقة وال يرفع إشكاالً‪ ،‬واألولى تجنب ذلك والتوجه إلى كشف الحقائق بطريقة موضوعية‬
‫مقنعة بغض النظر عمن تناولها أو أثارها‪.‬‬
‫(‪ )2‬ـ ثم رأى شيخنا أن تنزيه المطرفية والجزم ببراءتهم‪ ،‬يعني الطعن في اإلمام "عبد هللا بن‬
‫حمزة" وإلحاقه بأهل التعصب المذهبي‪.‬‬
‫وهذا الكالم فيه نظر من وجهين‪:‬‬
‫األول‪ :‬أنه ال تالزم بين تنزيه المطرفية والطعن في اإلمام عبدهللا بن حمزة‪ ،‬على كل حال؛‬
‫ومعني باألمر أكثر من غيره‪ ،‬فقد‬
‫ٌّ‬ ‫ألنه يمكن أن يقال‪ :‬إن اإلمام حكم بما أدى إليه نظره وهو مجتهد‬
‫بنى فعله تجاه المطرفية على أمور ال نعلم جميعها بالتفصيل‪ ،‬وهذا يوجب له الحمل على السالمة‪،‬‬
‫وشأنه في ذلك شأن األئمة الذين وقعت بينهم حروب قتل فيها خلق كثير من الناس‪ ،‬ومع ذلك لم‬
‫يجزم أحد من الزيدية بهالك طرف معين منهم‪ ،‬وتُرك أمر الجميع إلى هللا تعالى المطلع على خفايا‬
‫القلوب والضمائر‪.‬‬
‫تصويبه في كل شيء وعلى كل حال‪ ،‬وال يصح الحكم‬ ‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬أنه ال يلزم الحترام أي شخص‬
‫سلفاً على مخالفيه بأنهم مخطئون خطأ يوجب لهم القتل والتشريد وسبي األهل والذرية‪ ،‬اللهم إال إذا‬
‫وخولف في تشريع يوجب هذا النوع من التنكيل‪ .‬واإلمام عبد هللا بن حمزة وسائر أئمة‬
‫كان معصوماً ُ‬
‫الزيدية ال يدعون العصمة ألنفسهم‪ ،‬وال يقطعون بعدم وقوعهم في الخطأ‪ .‬يقول إمام أهل البيت زيد‬
‫بن علي (إنما نحن مثل الناس‪ ،‬منا المخطئ ومنا المصيب‪ ،‬فسائلونا وال تقبلوا منا إال ما وافق‬
‫ّللا عليه وآله وسلم)‪.267‬‬
‫ّللا وسنة نبيئه صلى ه‬
‫كتاب ه‬
‫(‪ )3‬ـ ذكر األستاذ الوزير‪ :‬أن المخلوقات عند المطرفية على نوعين‪ :‬النوع األول أصول‬
‫األشياء التي يسمونها‪( :‬العناصر األربعة) الماء والنار والهواء والثرى‪ ،‬وهذه خلقها هللا اخت ارعا وجعل‬
‫فيها طبائع معينة‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬الحوادث اليومية‪ ،‬كالنباتَات والمولودات واأللم ونحوها‪ ،‬فهذه حادثة من الطبائع‬
‫التي جعلها هللا في األجسام‪.‬‬
‫ولكن شيخنا استنكر تفسير الوزير لمذهبهم في النوع الثاني‪ ،‬ورأى أن مذهبهم فيه يقضي بأن‬
‫المتولد ليس صنع هللا ال بطريقة االبتداء وال بالتولد من فعله‪ ،‬وعليه فهم يجعلونه فعالً للطبيعة وليس‬
‫هلل به عالقة‪.‬‬

‫‪ 74‬بتحقيقنا‬ ‫اإلمام القاسم بن حممد‪ :‬اإلرشاد إىل سبيل الرشاد‬ ‫‪267‬‬


‫المهلِّكين لهم اختلفوا في الحكم عليهم بسبب االختالف في‬
‫وبهذا يتبين أن المنزهين للمطرفية و َ‬
‫تفسير مذاهبهم في هذه المسألة وغيرها‪ ،‬ال بسبب أنهم نواصب أو قاصدون الطعن في اإلمام "عبد‬
‫هللا بن حمزة"!! وهذا يعني أنه البد من تحقيق واسع ومنصف في المسألة‪ ،‬إذ كل فريق مدع تفسي اًر‬
‫معيناً وتلك الدعاوى ال تقبل إال بمستند علمي؛ من نص صريح للمطرفية يوضح كالمهم‪ ،‬أو قرينة‬
‫ظاهرة لم تعارض بمثلها‪ ،‬أما مجرد اإللزام واالستنتاج فال يفيد إال أضعف مستويات الظن‪ ،‬وال يمكن‬
‫أن يبنى عليه حكم صحيح‪.‬‬
‫(‪ )4‬ـ أكد شيخنا في أكثر من مكان في تعليقه‪ ،‬أن المطرفية ينكرون أن يكون هلل تأثير في‬
‫الحوادث الفرعية المتولدة‪ ،‬وأنكر على األستاذ الوزير قوله إن المطرفية يقولون‪( :‬إن هللا تعالى هو‬
‫الذي خلق االستحاالت والفروع) وقال‪( :‬فلو كان لهم قول يثبت أن هللا خلق الفروع لذكر محله من‬
‫كتب من في عصرهم أو من أدركهم)‪.‬‬
‫وقد أثار اهتمامي تركيز شيخنا على هذه المسألة وأخذت أبحث عنها في مظانها‪ ،‬فوجدت أن‬
‫ما حكاه األستاذ الوزير هو المشهور عنهم‪ ،‬ويمكن توضيحه فيما يلي‪:‬‬
‫* يقول العالمة المطرفي الشهير "سليمان بن محمد بن أحمد المحلي" في كتابه "البرهان‬
‫الرايق المخلص من ورط المضايق" (إن هللا أوجد األصول من غير شيء ثم خلق الفروع منها)‪.268‬‬
‫فصرح بأن هللا خلق الفروع‪ ،‬وأكد ذلك في موضع من كتابه وجادل عنه‪ ،‬وأورد كثي اًر من الحجج على‬
‫ذلك‪ ،‬ونقل كثي اًر من نصوص األئمة فيه‪.‬‬
‫* ذكر القاضي جعفر بن أحمد ‪ -‬الذي كان في يوم من األيام على مذهبهم‪ ،‬ثم صار ألد‬
‫خصومهم‪ :‬أن المطرفية يقولون‪ :‬إن هللا سبحانه خلق جميع الفروع؛ ولكنهم يقولون إنه لم يقصد إيجاد‬
‫أي منها‪ ،‬ألن ذلك حاصل بفطرة األجسام وتركيبها‪.269‬‬
‫* وقال اإلمام عز الدين بن الحسن في‪( :‬إن المطرفية يقولون‪ :‬األجسام واألعراض حدثت‬
‫بالفطرة والتركيب‪ ،‬وإن هللا تعالى هو الذي فطرها وركبها على أن يكون طبعها وعادتها الكون على ما‬
‫وأكد على أنهم يسمون ذلك فطرة وال يسمونه طبعاً‪.‬‬ ‫‪270‬‬
‫كانت عليه)‬
‫* وقد اشتهر أن قول املطرفية يف هذه املسألة هو نفس قول أيب القاسم البلخي‪ ،‬وغريه من املعتزلة‪ ،‬وهم يقولون‪ :‬إن تركيب اإلنسان وغريه من الرتاكيب احلادثة‬
‫‪271‬‬
‫حاصلة من تركيب الطبائع األربع‪ ،‬مع أن هللا قادر على أن يبتدئ اخللقة من غري تركيب‪).‬‬

‫خمطوط منه نسخة يف مكتبة األوقاف يف اجلامع الكبري بصنعاء‪ ،‬برقم ‪:673‬‬ ‫‪268‬‬

‫‪38‬‬ ‫مقاود اإلنصاف‬ ‫‪269‬‬

‫املعراج ذ خمطوط‬ ‫‪270‬‬

‫انظر‪ :‬االحرتاس من انر النرباس ‪ -‬خمطوط‪ ،‬واملعراج خمطوط‬ ‫‪271‬‬


‫وعلى هذا فحاصل مذهبهم‪ :‬أن هلل تعالى تأثي اًر في المتولد الحادث عن طريق األسباب والعلل‬
‫التي فطر المخلوقات المبتدأة عليها وركبها فيها‪.‬‬
‫وهنا تجدر اإلشارة إلى أن هذا القول هو مذهب كثير من أئمة الزيدية والمعتزلة‪ ..‬يقول اإلمام‬
‫المرتضى محمد بن اإلمام الهادي في "كتاب اإليضاح"‪( :‬أما الطبائع فمن ذي الجالل واإلكرام؛ لما‬
‫في ذلك من الفضل واإلنعام؛ ألن الحيوانات إنما استقامت أرواحها بطبائع األطعمة والشراب وذلك‬
‫من حكمة رب األرباب‪ ،‬ومصلح األسباب باألسباب؛ ألن األغذية ال تعقل أعاجيب التدبير‪ ،‬وال ُيتم‬
‫‪272‬‬
‫إصالح األمور وعجائب الحكمة والتصوير‪ ،‬إال هللا العليم الخبير)‬
‫وهذا ما اختاره شيخنا نفسه‪ ،‬وفسر به قول المخترعة‪ ،‬فقد ذكر أنهم "يجعلون أفعال هللا تعالى‬
‫قسمين‪ :‬قسم مخترع ابتداء‪ ،‬وقسم مخترع متولد عن سببه‪ ،‬ولو شاء هللا تعالى ألبطل سببية السبب‪،‬‬
‫فلم يحصل عنه المسبَّب"‪ .‬فأثبت أن المتولد ناتج عن سبب وليس فعالً مباش اًر هلل تعالى‪ ،‬ولكنه مؤثر‬
‫في السبب‪.‬‬
‫(‪ )5‬وأما ما استشهد به شيخنا لما ذهب إليه من تفسير كالم المطرفية؛ بأنهم يحتجون‬
‫لدعواهم‪ :‬بأنه يلزم الظلم فيما إذا بذر الغاصب في أرض الغير؛ فاخترع هللا خلق ذلك النبات من‬
‫البذر الغصب‪ ،‬وهللا تعالى ال يفعل القبيح وال الظلم‪ ،‬تعالى هللا عن ذلك‪ ..‬فهو قول ال يختلف عن ما‬
‫يروى عن اإلمام القاسم بن إبراهيم‪ ،‬الذي سأله ولده محمد بن القاسم عن َّ‬
‫الحمى الناتجة عن الضربة‪:‬‬
‫الحمى عن الضربة الموجعة؛ فإن هللا جعلها تكون من‬
‫أهي من الضربة أم من الطبيعة؟ فقال‪" :‬أما َّ‬
‫الطبيعة‪ ،‬فالضربة من الضارب‪ ،‬والحمى فمن الطبائع‪ ،‬أال ترى أن الحمى لو كانت من الضارب‬
‫لزمه فيها القصاص والقود "‪.273).‬‬
‫وهذا معنى قول المطرفية‪" :‬إن أفعال الناس قائمة بهم‪ ،‬ال تتعداهم‪ ،‬وال توجد في غيرهم‪ ،‬ال‬
‫على سبيل االنتقال‪ ،‬وال على سبيل التولد"‪.274).‬‬
‫محمد يحيى يالم عزان‬

‫تعقيب على مقال العالمة بد الدين الحوثي‬

‫ذكر ذلك اإلمام امحد بن سليمان يف "حقائق املعرفة ذ خمطوط‪.‬‬ ‫‪272‬‬

‫ذكر ذلك يف جمموع اإلمام القاسم بن إبراهيم ‪ ،‬كتاب مسائل حممد بن القاسم‬ ‫‪273‬‬

‫‪ 274‬كذا يف الربهان الرائق‬


‫زيد بن علي الوزير‬
‫ال يجهل أحد العالمة التقي بدر الدين الحوثي وال مكانته العلمية‪ ،‬فهو عالم جليل ومؤمن بر‬
‫تقي‪ .‬نعتز بعلمه وتقواه‪ .‬وإذا كان قد اختلف معنا واختلفنا معه في قضية المطرفية فذلك مورد سلكه‬
‫العلماء المنصفون‪ ،‬وسنه العلماء الكبار فال غرابة أن يحدث الحوار ألن اختالف الرأي أمر طبيعي‪،‬‬
‫يثري الفكر ‪ ،‬وولوال التحاور لما أضيئت الغرف المقفلة‪ ،‬ولما أنيرت الزوايا المظلمة‪ .‬ومن هنا يبدو‬
‫أن اختالف الرأي مطلوب ومحتوم ليس فقط ألنه ال يفسد للود قضية بل ألنه يوضح األخطاء ويقيم‬
‫المعوج‪ ،‬ويوسع اآلفاق‪.‬‬
‫ثم ألن للحق حرمة ال تدانيها حرمة‪ ،‬وقرابة ال يعلو عليها قرابة‪ .‬ومن هنا فال يدخل فيها‬
‫حساب لقربى‪ ،‬وال صلة مودة‪ ،‬وال وشيجة دم‪ ،‬بل وال معتقد مذهب؛ ألن تلك كلها تلون الوقائع‬
‫بألوانها هي فإما أن تسكب عليها حب ار أسود من أجل تشويهها أو تصبغها بألوان زاهية من أجل‬
‫إبرازها بغير حقيقتها‪.‬‬
‫بهذا المقياس نقوم اختالف عالمنا معنا واختالفنا معه‪ .‬والمحكم هو حرمة الحقيقة لنا أو علينا‬
‫فليس يضير في شيء إن كان رأيه هو الصواب‪ ،‬أو رأينا أو رأي غيرنا؛ إذ الهدف المشترك هو‬
‫الوصول إلى الحقيقة‪ ،‬وضمن هذا المنطلق يناقشنا شيخنا الجليل ونناقشه‪ ،‬وخارج هذا اإلطار ال‬
‫يرضى به هو‪ ،‬وال نرضى به نحن‪.‬‬
‫وكنت قد طرحت في العدد الثاني من المسار قضية المطرفية‪ ،‬وطالبت بمناقشتها العتبارها‬
‫من القضايا التي ترتب على حدوثها تحول كبير في المسار الفكري‪ .‬وإلى جانب هذا فهي‪ -‬بما‬
‫رافقها من مأساة‪ -‬تشكل غصة كبيرة في الذاكرة التاريخية والوجدانية بحيث ال تزول إال إذا اتضحت‬
‫رؤيتها تماما‪ .‬ولن يتم ذلك إال بالبحث العلمي واالستقصاء الموضوعي‪ ،‬وبدون تحيز ألي طرف أو‬
‫حتى ميل إذ من مال فقد تحيز‪ .‬وبهذه الشروط النزيهة يتم الوصول إلى ما يطمئن به التاريخ‬
‫وتنتهي‪-‬من ثم‪ -‬غصة الذاكرة‪.‬‬
‫إن قضية المطرفية قضية مروعة حقا‪ ،‬تحتاج إلى بحث واستقصاء‪ ،‬وكما قلت في مقالي‬
‫األول إن اإلمام "عبد هللا" متهم بق ارره‪ ،‬والمطرفية متهمة بأفكارها‪ .‬وخير ما يعمل في هذا الباب أن‬
‫يفتح ملفها للتحقيق فيها على ضوء الوقائع التاريخية ال الدعائية للوصول منها إلى إثبات التهمة‬
‫‪275‬‬
‫أو نفيها‪.‬‬

‫‪ 275‬املسار العدد الثاين‬


‫وليس المراد علم هللا الرغبة في إدانة أحد خاصة في ظل هذه الظروف التي تقطر عنصرية‬
‫وتمذهبا وتعصبا‪ .‬ولكن الحق أحق أن يقال بالرغم من معرفتي وتأكدي من أن العنصريين‬
‫والمتمذهبين‪ -‬من أمثال صديقنا القاضي إسماعيل األكوع ‪ -‬قد يرحبون بما يكتب حول هذه النقطة‬
‫ال من أجل البحث عن كشف حقيقة غائمة‪ ،‬وال أنصاف فئة مظلومة وإنما من أجل استغاللها لتثبيت‬
‫ما يذهبون إليه من أحكام جائرة ضد األئمة عامة الهداة منهم والمقتصدين‪.‬‬
‫ولو كنت أعير هذا األمر أذنا لما أثرت الموضوع في هذا الظرف العنصري المتمذهب‪ ،‬ولكني‬
‫أومن بأن الحق هو الباقي‪ ،‬والتضليل هو الفاني‪ ،‬مهما كانت صولة الباطل‪ ،‬ومن ثم وجب نصرة‬
‫الحق في أي ظرف وفي أي مكان‪.‬‬
‫وأنا ال أشك أن شيخنا الجليل بدر الدين يشاطرني هذا الرأي‪ ،‬وأن اإلختالف معه ليس خالف‬
‫تعصب أعمى‪ ،‬وال هو من المتعصبين‪ ،‬ولكنه يرى ما وقع فيه اإلمام عبد هللا بن حمزة حقا ال خطأ‬
‫فيه ومعظم العلماء يعتقدون صحة ما ذهب إليه اإلمام من استحالل الدم باإللزام‪ ،‬وهي القضية‬
‫المركزية التي أجرى اإلمام فيهم حد القتل بموجبها‪.‬‬
‫وأنا ممن ال يرى صواب تلك القاعدة لما فيها من مخاطر شديدة على كل فكر‪ .‬وقد أنكر القتل‬
‫عن طريق اإللزام كبار من علماء الزيدية أيضا‪.‬‬
‫وإذن فمنشأ الخالف بيننا وبين شيخنا‪ -‬كما أراه‪ -‬ليس مصدره التعصب األعمى ولكن‬
‫االعتقاد المطمئن‪ .‬وألن األمر كذلك فقد وجب الحوار بمنطق الحق الذي يعتقده كالنا‪ .‬أي البحث‬
‫عن الحقيقة والوصول إلى الحقيقة ال يأتي إال عن حقيقة‪.‬‬
‫وأنا ال أريد هنا أن أعيد بحث الموضوع فهو متشعب‪ ،‬ولكني أحب أن أشير إلى نقطة مهمة‬
‫تقربنا من الوصول إلى معرفة الحقيقة‪ ،‬وهي هل أجرى اإلمام عليهم القتل بنصوص صريحة من‬
‫كتبهم أم عن طريق اإللزام؟ فإن وجدوا في كتبهم كف ار صريحا فليدلوا به‪ ،‬أو فليذكروا ما نقله اإلمام‬
‫من كتبهم بالنص‪ ،‬وحتى اآلن فإن الحكم كان على أساس اإللزام‪ .‬ولم أجد أحدا قال بالقتل باإللزام‬
‫سوى اإلمام وأتباعه‪.‬‬
‫إذا ثبت أن القتل كان عن طريق اإللزام فقد قربنا خطوة كبيرة نحو فهم ما يجري‪ .‬إن على‬
‫المدافعين عن اإلمام عبد هللا بن حمزة أن يثبتوا لنا أنه قتلهم بموجب نصوصهم‪ ،‬أما عن طريق‬
‫اإللزام فأخشى أال يكون في صالحهم إذ اإللزام بداهة يناقض مناقضة واضحة قاعدة دينة متفق عليها‬
‫هي‪ :‬ادفعوا الحدود بالشبهات‪.‬‬
‫شيخنا الجليل إذن ليس متعصبا بغير حق‪ ،‬ولكنه معتقدا لذلك‪ .‬ومن حقه أن يعتقد ما يشاء‪.‬‬
‫والدفاع عن المعتقد ال يعني التعصب‪ .‬ولكنه يعني صعوبة تحليله مما يعتقد‪ .‬وما دام األمر كذلك‬
‫فإن إعادة كشف األدلة بتؤدة وروية فيها اإلنصاف كله‪ ،‬خصوصا إذا كان المعتقد فيه شخصية في‬
‫حجم اإلمام "عبد هللا بن حمزة"‪ .‬وبداية الطريق هي التأكد من المبرر الذي تم به القتل هل أدينوا‬
‫بنصوص كالمهم أم بتأويلها وإلزامهم بتأويل خصومهم؟‪.‬‬
‫وإنني أرجو أن يكون بدرنا الحوثي بد ار في التاريخ كما هو بدر في علوم الدين فيسهم بقلم‬
‫العلم والعالم في إزالة عتمة هذه المأساة‪ .‬وهو قبل غيره مدعو إلى ذلك إلثبات أن صلة القربى‬
‫والمذهب ال تضيع جهد من أحسن عمال‪ .‬وكما قرأنا في التاريخ أن أهل البيت أصال هم فوق صالة‬
‫القربى وفوق المذهبيات ألنهم علموا من جدهم الرسول الكريم أنه ال يغني عنهم شيئا‪ ،‬وألنهم أكثر‬
‫علماء المسلمين الذين حملوا علم النبي‪ -‬إذا قسنا العلماء بأسرهم‪ -‬مسئولية؛ فكيف يمكن أن‬
‫يتعصبوا وهم حملة الرسالة‪ .‬واإلمام عبد هللا بن حمزة إمام كبير وال شك وله إيجابيات كثيرة وجهاد‬
‫رائع وقيادة حسنة‪ ،‬ولكن أيضا له سلبياته‪ ،‬واإليجابيات ال تمحو السلبيات‪ ،‬والمحاسن التي ملكها‬
‫اإلمام الكبير لن تطفئ موقفه من مذبحة المطرفية ما لم تبين األدلة تبيينا أن الحق معه بدون‬
‫تعصب‪ ،‬كما أن عمله في المطرفية‪ -‬إن ثبت ظلمه لهم‪ -‬ال يمحوا ما له من إيجابيات؛ فكل لها‬
‫ميزان‪.‬‬
‫وليس لي من إضافة على ما قد كتب العالمة محمد يحيى عزان؛ فما أجاب به فهو جوابي وال‬
‫حاجة للتكرار‪ ،‬بيد أني أشير إلى نقطة واحدة ذكرها شيخنا الجليل معقبا على ما نقلته من المستطاب‬
‫قال‪( :‬فأما قوله‪( :‬ومحصول مذهبهم) فهو كالمه ال كالمهم‪ ،‬وكان عليه أن ينقل مستنده من‬
‫كالمهم؛ ليصحح ما ادعاه لهم؛ ألنه قد خالف ما حكاه عنهم‪ ،‬وليس محصوله ما زعم‪ ،‬بل هي‬
‫دعوى ل َغير مدع)‬
‫أقول إن جملة (ومحصول مذهبهم) ليست من عندي وال من كالمي‪ ،‬ولكنها من عند العالمة‬
‫يحيى بن الحسين في المستطاب ومن كالمه‪ ،‬ومرجعها مسطور في المقال‪ .‬أما ما ذهب إليه عالمتنا‬
‫بدر الدين من ضرورة نقل المستندات من مصادرها واالعتماد عليها وليس على خصومها فصحيح‬
‫كل الصحة‪ ،‬ونؤيده كل التأييد‪ ،‬ونحن معه‪ ،‬وال نختلف حوله‪ ،‬ولكن هذا الكالم يوجه لكتاب‬
‫المستطاب وليس لي‪ .‬والمعروف أن يحيى بن الحسين عالم ثبت منصف بالرغم من حمالته الشديدة‬
‫على المطرفية‪ ،‬وأنا قد استقيت منه‪ ،‬ومرجعه كما يظهر هم خصوم المطرفية فعنهم نقل ومنهم‬
‫استقى‪.‬‬
‫ومن المؤسف أن غياب كتب المطرفية – وتلك مأساة ثانية ومجال بحث آخر‪ -‬قد سمح‬
‫لخصومهم أن يملئوا الساحة بخيلهم ورجلهم‪ ،‬وأن يسقوا بمياههم كل المساحات‪ ،‬فملئت األذهان‬
‫واألفكار بأقوالهم بحيث لم يعد يوجد رأي أخر‪.‬‬
‫والمعروف أنه لم يسلم من كتبهم إال كتاب واحد هو "البرهان الرايق المخلص من ورط‬
‫المضايق" وما رواه ال يدل على كفر وال فسق‪ ،‬ولكن على عقل سليم ودين قويم‪ ،‬مع التسليم بأن هذا‬
‫الكتاب ليس كافيا ليظهر رأيهم جميعا؛ فقد يكون ما رواه هو رأي خاص‪ ،‬وقد يكون غير ذلك‪ ،‬لكن‬
‫المؤكد أنه ال يحسم األمر وحده‪ ،‬وإن كان قد عزز بآراء خصوم المطرفية الذين نقلوا من كتبهم ما‬
‫اعتبروه كف ار وليس فيه كفر ألن ما روي عنهم قد جرى إحراجه من النص إلى التأويل فاإللزام‪ .‬وكل‬
‫تلك المنقوالت تدل داللة قاطعة على أال مجال للتكفير فيها مهما أجهدنا أنفسنا‪.‬‬
‫نجم عن غياب كتب المطرفية ونراكم التأويل واإللزام أن ضاع الفكر المطرفي بين الزحام‬
‫وخلت الساحة من أفكارهم تماما‪.‬‬
‫قال أحمد بن عبد هللا الوزير (والظاهر أن ذلك الذي اسند إليهم على طريق "اإللزام" كما‬
‫يروي أن بعض المخترعة قال لبعضهم‪" :‬لو فرضنا أن موحد العناصر إنعدم بعد إيجاده لزم وجود‬
‫العالم بدونه" فقال المطرفي "ولو فرضنا عدم الصانع لزم ثبوت الذوات بدونه " ونظير ذلك من‬
‫االلزامات على األصول والقواعد‪.‬‬
‫وكان قد نقل إلى اإلمام عنهم ما ال يليق من هذه االلزامات ويحكونها عنهم بالتصريح‬
‫وللناس بعد تقرر المذاهب سيما في مسائل االعتقاد عداوة شديدة‪ ،‬وتحامل يفضي إلى التجاهل‬
‫ونسبته ما يعلمون من جانب من نسب إليه خالف ما نسبوا‪ ،‬لكن تحملهم العداوة على ذلك‪،‬‬
‫ويروج ذلك عندهم‪ ،‬والبنا على أن ما لزم الشخص على اصله قد صار مذهبه وقوله وينسب إليه‬
‫ويصح أن يقال فيه قال فالن كذا‪ ،‬وان نفى ذلك عنه‪ ،‬وأعلن البراءة منه مثل قول "المخترعة"‬
‫أنكرت "المطرفية" أربعمائة وستين آية‪ ،‬وهذا أحد وجوه كفرهم‪ ،‬وقالت "المطرفية" نحن نب أر إلى هللا‬
‫من إنكار آية أو بعض آية أو إنكار شيء مما نزل على "محمد" أو جاء به من كتاب أو سنة‪،‬‬
‫فقالوا أن ذلك الزم لكم أليس هللا يقول {يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم‬
‫ذكرانا وإناثا} وانتم تقولون ذلك باالنفعال عن الطبائع األربع‪ ،‬فقد أنكرتم هذه اآلية وعلى هذا النحو‬
‫من اإللزام في سائر اآلي‪.‬‬
‫وقالت المطرفية‪ :‬نلزمكم إنكار هذه اآلية بنظري هذا اإللزام بان هللا لم يخلق شيئا‪ ،‬وال وهبه‬
‫إذ ليس هلل عندكم ‪198/‬أ‪ /‬في المخلوقات إال مجرد اكتساب الصفة فانه لو حلف حالف بطالق‬
‫امرأته ما خلق هللا شيئا لم يحنث ولم ينكر منك ار لقوله {خالق كل شيء} إذ لم يخلق هللا شيئا‪،‬‬
‫ونظير ذلك مما هو في هذا المسلك اإللزامي ‪.‬‬
‫فهذا تحقيق ما بين الطائفتين من المقاالت وان تعددت مفردات المسائل والمخترعة إنما‬
‫سموا بذلك لقولهم باختراع هللا األعراض في األجسام‪ ،‬ثم لم يزل نار العداوة في هاتين الفرقتين‬
‫‪276‬‬
‫مشبوبة على تزايد)‬
‫فاإللزام كما ترى طريقة خطرة تماما ال تبقي رأيا سليما‪ ،‬إذ في وسع كل خصم أن يلزم صاحبه‬
‫بما يريد وقد الزمت المخترعة المطرفية بأشياء والزمت المطرفية المخترعة بأشياء لكن المطرفية لم‬
‫تكفر أحدا ولكنها استخدمت نفس السالح حتى تري المخترعة قدرتها على مجابهتها بنفس سالحها‪.‬‬
‫وقد روى خصومهم عنهم ما يدل على سعة علومهم وعمق إيمانهم وروعة تعبدهم‪ ،‬وأنهم أئمة‬
‫محاريب‪ .‬وهذه العبادة الرائعة وحدها تنفي عنهم أي ضالل‪ .‬وقد يقال أن عبادة الخوارج لم تمنعهم‬
‫من الضالل وأن حالة المطرفية شبيهة بتلك ولكن هذا المثال غير سليم فالحاالت مختلفة والمطرفية‬
‫لم تكن فرقة سياسية مسلحة كالخوارج‪ ،‬ولم يطلبوا الحكم ألنفسهم كالخوارج‪ ،‬ولم يكفروا أحدا من‬
‫المسلمين كالخوارج‪ ،‬ولكنهم كانوا فئة أمنت بربها‪ ،‬ولها أفكار مثالية في الحاكم ربما تكون تعجيزية‬
‫لكنها مهما قلنا فيها فليست ضالال‪.‬‬
‫ومما يدل على ذلك أن خصومهم لم يجدوا في صريح كالمهم وواضح منطوقهم ومفهومهم ما‬
‫يحكمون به عليهم إال باإللزام‪ .‬واإللزام يشبه إلى حد ما منطق محاكم التفتيس اإلسبانية‪ .‬أي الزام‬
‫الناس باالعتراف بما يريد القاضي من أحل إدانة المتهم‪.‬‬
‫فنحن كما ترى ال نشكك فيما رواه خصومهم عنهم مع أن ذلك مجال تشكيك ولكنا نتحاكم إلى‬
‫ما رووا عنهم وما رووه ليس فيه مجال تكفير لكنهم فسروا باطال من اإللزام‪ ،‬وانتضوا صارما من‬
‫الحكم وقالوا صدقنا فقال البعض نعم وقلنا ال‪ .‬ونحن باتخاذنا هذا الموقف نفتش عن األدلة والبراهين‬
‫إلثبات براءة المتهمين مما نسب إليهم‪ ،‬وفي الوقت نفسه نتقبل البراهين األخرى لو ثبتت‪ ،‬فليس هدفنا‬
‫اإلدانة وإنما إقرار حق ضائع‪ .‬والحق كما قال أمير المؤمنين عليه السالم ال يضيع في أصالب‬
‫الرجال مهما تقادم العهد‪.‬‬
‫وفي هذا السبيل فأنا أتفق مع العالمة "محمد يحيى عزان" في أن أفضل الطرق للوصول إلى‬
‫الحقيقة هو تجميع المواد التاريخية من بطون الكتب حتى نتمكن من جمع ملف كامل للمطرفية ليقرأه‬
‫من يقرأه عن بينة وليكتب عنهم من يكتب عن بينة‪.‬‬

‫اتريخ بين الوزير ‪ 198‬أ‬ ‫‪276‬‬


‫ومن حسن الحظ أنني قد كدت أفرغ من تحقيق نصين مهمين عنهم هما‪ :‬ما كتبه العالمة‬
‫"أحمد بن عبد هللا الوزير" في كتابه "تاريخ بني الوزير" وما كتبه العالمة المؤرخ "يحيى بن الحسين"‬
‫في كتابه المستطاب وكال العالمين من شيعة المنصور لكن لديهما فضل إنصاف‪ .‬وهما في نصيهما‬
‫أقرب إلى الدفاع عن اإلمام من الهجوم عليه لكنهما وإن لم يصرحا يعتقدان أن الفعل كان قاسيا‪.‬‬
‫وربما نبدأ في العدد القادم بتجميع هذه النصوص‪ ،‬وسنحاول أن نحافظ على التسلسل التاريخي‬
‫إن أمكن لكي نتفهم طبيعة العصر الذي كتب فيه النص‪ .‬والقصد من ذلك ‪ -‬ما دام والملف قد فتح‪-‬‬
‫تسهيل الرجوع إلى المصادر الموثوقة‪ ،‬واالستقاء من المناهل الصحيحة‪.‬‬
‫زيد بن علي الوزير‬
‫بعد أن صدر كتاب المسار الثاني المطرفية الفكر والمأساااد ل ااب للااة ال قااا‬
‫األليااب ساان محمااد ايااد وكاناات المعلوماااه التااي ل ااب ب ااا تركااد اارورة‬
‫التو يح ألنه من الصعب أن تتحلب المتراكماه المسلم ب ااا بمواارول بحااثن أو‬
‫بحثسن كانت فرصة أ رى إلقاء المزيد من األصواء عن المطرفية‬

‫محنة المطرفية وشيخ اإلسالم العمري‬

‫بقلم‪/‬حسن محمد زيد‬

‫مقدمة‬
‫تابعت الجدل الذي دار بين سيدي المولى‪ /‬بدر الدين بن أمير الدين الحوثي واألديب‬
‫السيد‪/‬زيد بن علي الوزير واألستاذ المحقق محمد يحيى سالم عزان‪ ،‬والذي نشر فيما بعد في كتيب‬
‫بعنوان (المطرفية‪ ,‬الفكر والمأساة) فاستثرت الهتمامي الخاص والقديم بالمطرفية لذا أحببت أن أعلق‬
‫على ما قرأته عن فكر المطرفية الغائب عن الحوار والمأساة المؤلمة التي لم تفهم حتى اآلن فكانت‬
‫هذه األسطر الموجهة إلى األديب األستاذ‪ /‬زيد بن علي الوزير التفاقي معه حول أهمية فكر‬
‫المطرفية المجهول حتى اآلن‪ ,‬إال إذا كان فكر الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين وجده القاسم‬
‫(عليهما السالم) كما أعتقد ومشاركتي له إدانة عمليات القتل ممن كانت‪ ,‬آمالً أن يشاركني إدانة‬
‫اغتيال اإلمام يحيى حميد الدين‪ ,‬وحفيده‪ ,‬وشيخ اإلسالم الحسين بن عبد هللا العمري (رحمهم هللا)‬
‫وكل من قتل ويقتل دون حكم شرعي نهائي بات‪ ،‬فإذا جاز قتل اإلمام يحيى ومن معه غيلة فكل دم‬
‫مباح‪.‬‬
‫هدف التعرض لفكر المطرفية‬
‫يقول السيد األستاذ‪ :‬زيد بن علي الوزير إن هدفه من التعرض لفكر المطرفية هو إيقاظ للفكر‬
‫العلمي من سباته‪ .‬والمطرفية هم رموز هذا الفكر بدون شك وال يمكن للفكر العلمي أن يستيقظ إال إذا‬
‫‪277‬‬
‫تم استرجاع الفكر المطرفي من اإلبعاد القسري والنفي اإلجباري فهم وحدهم رجال هذا الميدان‬
‫ويقول أيضاً‪ 278‬تصحيحاً لما أورده يحيي بن الحسين في المستطاب والذي جاء فيه أن السلف من‬
‫أهل البيت قبل استقرار المذاهب مجتهدون مستقلون ومنهم راجعون إلى غيرهم من الصحابة والتابعين‬
‫في زمانهم‪ ،‬فما زالوا كذلك مدتهم والمجتهدون مثل الحسنين وأوالدهم كعلي بن الحسين والصادق‬

‫‪.)6( :‬‬ ‫‪ 277‬املطرفية الفكر واملاساة‬

‫‪.)36( :‬‬ ‫‪ 278‬املصدر السابق‬


‫والباقر وزيد بن علي وكانوا في األصول الدينية على قول واحد حسبما كان عليه سيد البرية وأما‬
‫الفروع الفقهية فيختلفون فيها بحسب اجتهادهم )‬
‫يقول زيد عن ذلك ‪ -‬إن هذا القول إن صدق على غير اإلمام زيد من أهل البيت إال أنه ال‬
‫ينطبق عليه ألنه يناقض التاريخ !!! فالمؤرخون مجمعون على أن اإلمام زيداً كان من رواد علم‬
‫اء كان شيخاً أو تلميذاً لواصل فهو في كلتا الحالتين يعتبر أحد منبعي الفكر الكالمي‬ ‫الكالم وسو ً‬
‫اء كان تلميذاً لواصل أو شيخاً له فقد أثر فيه أو‬ ‫ق‬
‫لذلك فإن الزيدية تعد بين الفر ال في المذاهب‪ .‬وسو ً‬
‫تأثر به‪ .‬وهكذا علينا أن نستقبل ما رواه يحيى بن الحسين في المستطاب بقبول غير حسن‪ ،‬ألن زيداً‬
‫وواصالً كانا بداية لمنهج سيفرض نفسه بقوة‪.‬‬
‫اإلمام زيد (ع) والمطرفية‪:‬‬
‫وحرص األستاذ زيد على تأكيد عالقة اإلمام زيد بعلم الكالم مبني على اعتقاده تالزم القول‬
‫بإخراج زيد من علم الكالم بخروج المطرفية وهم من علماء الكالم من الزيدية ويفك االرتباط بينهما‬
‫ويلغي من ثم الوالء الذي تتمسك به المطرفية أشد التمسك‪ ،‬ومن الجلي أن إقرار هذا القول‪ -‬ويعني‬
‫به األستاذ زيداً أن اإلمام زيد وأئمة أهل البيت المتقدمين كانوا في األصول الزيدية على قول واحد‬
‫كما كان عليه سيد البرية‪ -‬يقول زيد إن هذا القول ليس سوى إبعاد للمطرفية عن االنتماء لزيد بن‬
‫علي من حيث أن ما تقول به المطرفية لم يقل به اإلمام زيد عليه السالم‪ ،‬ويقول‪ -‬ربما أن زيداً لم‬
‫يقل بما قالته المطرفية بالضبط وبالشكل الذي طرحته ولكن ما من شك أنه امتداد لفكرة أو طريقة بدأ‬
‫بها زيد بن علي و واصل بن عطا‪ .‬وهكذا يبدو الغرض من الفصل بينهما إذا استجليناه من جهة‬
‫معاكسه‪ .‬أي من ناحية أنه إذا ما ثبت دور زيد في تأسيس علم الكالم فقد بطل الفصل بين الزيدية‬
‫والمطرفية وثبت االنتماء)‪. (279‬‬
‫دور اإلمام زيد في علم الكالم‬
‫ويرفض بشده ما ذهب إليه يحيى بن الحسين‪ -‬من أن مذهب الهادي إلى الحق في األصول‬
‫والفروع قد طغى على مذهب اإلمام زيد بن علي‪ -‬لعدم قدرة ما قاله يحيى بن الحسين‪ -‬على‬
‫الوقوف أمام البحث العلمي‪.‬‬
‫إن دور زيد في علم الكالم حقيقة تاريخية ثابتة كما قدمنا‪ ،‬وواصل هو رأس المعتزلة والبلخي‪-‬‬
‫شيخ الهادي‪ -‬أحد أتباعه الكبار فحلقة الوصل بين الهادي وزيد تأكدت من طريقين طريقة آبائه‬
‫وأجداده وطريقة البلخي المعتزلي‪ ،‬وهذا يضعنا أمام ُمسلمة أخرى وهي أن تأثر الهادي بأبي القاسم‬

‫‪.)37( :‬‬ ‫(‪ )279‬املطرفية الفكر واملأساة‬


‫البلخي ليس انسالخاً أو خروجاً عن آراء اإلمام زيد بل هي انتساب موصول وامتداد متصل وتطور‬
‫مستمر ألن زيداً وواصالً بن عطاء كانا من مدرسة واحدة‪ .‬يؤكد هذا االنتماء أن معتقدات الهادي في‬
‫التوحيد والعدل والوعد والوعيد ما تزال هي التي أرساها اإلمام زيد تقريباً ‪ -‬ثم إن إجماع الهادوية‬
‫على إمامة زيد تعني ربطها بقيادته السياسية والفكرية بالرغم من مخالفة الهادي له في بعض‬
‫الشروط‪.‬‬
‫والخالفات بينهما هي اجتهادات خاصة أملتها ضرورة الزمان والمكان لتواكب متطلبات‬
‫عصره ويقرها المذهب الزيدي نفسه ويورث شبهة االنفصال بين الهادي وزيد سببان‪:‬‬
‫األول‪ :‬يرجع إلى وجوب االجتهاد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن أصحاب الهادي عمدوا إلى أفكار الهادي فخرجوها وقاسوها وفرعوها على غرار ما‬
‫عمل أصحاب المذاهب األربعة‪ ..‬فالنسبة إلى الهادي كالنسبة إلى الشافعية والحنفية وغيرهما وهي‬
‫في الفروع‪.‬‬
‫وإزاء هذه الحالة تراءى للمستعجل أن هناك مذهبين قضى اآلخر على األول وهو تصور كليل‬
‫لم يقدر على النفاذ إ لى خلف الرؤية السرابية‪ ،‬والثابت أن الزيدية الهادوية في األصول فرقة واحدة‬
‫مهما تنوعت أجنحتها‪ ....‬ألنها تنبثق من أساس واحد)‪.(280‬‬
‫عالقة أبي الجارود بالزيدية والهادوية‬
‫ويقول األستاذ زيد عن عالقة المطرفية بالجارودية التي أثبتها يحيى بن الحسين نقال عن‬
‫اإلمام المهدي أحمد بن يحيى المرتضى إن علينا أن نعرف ما هي الجارودية ‪-‬؟ ‪ -‬ينقل عن يحيى‬
‫بن الحسين نفسه قوله إن أبا الجارود هو الذي أثبت النص على اإلمام علي عليه السالم على معنى‬
‫أنه لم يكن النص على إمامته صريحاً باسمه بل بأوصاف واضحة لم توجد إال فيه‪ ،‬ولما اختصت به‬
‫جع لوها كالنص عليه باسمه وأثبت هو ومن أتبعه اإلمامة في البطنين بالدعوة مع العمل والفضل)‪-‬‬
‫ويضع األستاذ زيد سؤاالً! هل تصح نسبة أبي الجارود إلى الزيدية لمجرد قوله بفكرة النص بالوصف‬
‫وإمامة البطنين؟‬
‫ويجيب أنه بهما يخالف رأي األمام زيد كل المخالفة ويناقض رأيه كل المناقضة‪ ،‬بل يناقضه‬
‫في بقية أفكاره كإمامة المفضول على األفضل وتولي الخلفاء الراشدين والترضية عليهم فماذا بقي من‬
‫لقاء؟‬

‫‪.)40( :‬‬ ‫(‪ )280‬املطرفية الفكر واملأساة‬


‫ويخلص إلى القول‪ ,‬وعليه فمواالة أبي الجارود إلمامه زيد ال تدخله ضمن المذهب الزيدي إال‬
‫إذا اعتبرنا الخوارج زيدية ألنهم قاتلوا مع اإلمام زيد‪ ..‬ووالى أبو حنيفة زيداً واألئمة الزيدية وقال‬
‫بإمامتهم ودعم خروجهم ولم ينسب إليهم‪ .‬إذن فاالنتماء ال يتم بلقاء فكرة واحدة أو حتى أكثر من‬
‫واحد ة وإنما بمجموعة من الثوابت يتم اإليمان بها وهذا ما ليس موجوداً بين زيد وأبي الجارود‪).‬‬
‫ويضع سؤاالً آخر‪:‬‬
‫هل كان أبو الجارود هادوياً؟ ويجيب إنه ال يعتقد ذلك أيضاً وإذا كان الهادي قد وافقه على‬
‫إمامة البطنين فقد خالفه في أمرين رئيسيين‪- :‬‬
‫األول‪ :‬أن الهادي يقول بالنص الصريح في إمامة أمير المؤمنين ‪ -‬بينما يذهب أبو الجارود‬
‫إلى النص بالوصف‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬أن الهادي يرضي على الخلفاء الراشدين‪ ،‬بينما يذهب أبو الجارود إلى الشتم ‪ .‬وقد‬
‫ثبت أن الهادي أمر بجلد من يسب الخلفاء الراشدين‪ ،‬وثبت أيضاً أن مقال الجمهور من الزيدية‬
‫القول بمقالة زيد بن علي من الترضية والوالء لهم وحتى إمام المخترعة اإلمام عبد هللا بن حمزة كان‬
‫يرضي على الخلفاء فأين هي هذه الجارودية السياسية التي انبثق عنها علماء المطرفية كما قال‬
‫المهدي ونقلها يحيى بن الحسين‪.‬‬
‫عالقة المطرفية بالجارودية‪:‬‬
‫ويتبين من هذا النقاش‪ -‬والكالم كله ال يزال لألستاذ زيد‪ -‬أن أبا الجارود ليس زيدياً وال هادوياً‬
‫ولكنه مستقل بمذهب خاص به يوافق زيداً في بعض القضايا‪ ،‬والهادي في بعض القضايا‪ ،‬ويتهم‬
‫المخترعة بإدخال أبي الجارود ضمن الهادوية من خالل قوله بإمامة زيد وإمامة البطنين ألنها الفكرة‬
‫المركزية عند اإلمام عبد هللا بن حمزة بوجه خاص‪ .‬بل إن المخترعة ضمته إلى الزيدية الهادوية قس اًر‬
‫وهو إلحاق غير شرعي بل كان إلحاقاً سياسياً وافق حاجة الفكر الحمزوي إلى شرعية إمامة‬
‫‪281‬‬
‫‪ .‬ويصل في النهاية إلى الجزم أو الحكم حيث يقول‪ :‬فإذا تقرر لنا أن الجارودية ليست‬ ‫البطنين‬
‫هادوية فقد وصلنا إلى نتيجة قاطعة وهي أن المطرفية كفرقة كالمية لم تنبثق من الجارودية بل إنها‬
‫تنبثق من تعاليم اإلمام يحيى بن الحسين عليه السالم وإنها توصف بأتباعه المتمسكين باجتهاده‬
‫الذين يحرمون اجتهاد غيره على اجتهاده‪ ،‬وإنها بهذا الحرص على أفكار الهادي لم تخرج من إهاب‬
‫الجارودية‪ .282‬وختم األستاذ زيد تمهيده لمشاركته في الحوار بالتوضيح الرابع‪ .‬وفيه نفى عن‬
‫المطرفية تطابقهم مع الطبائعية)‪.‬‬

‫‪.)45( :‬‬ ‫‪ 281‬املطرفية الفكر واملأساة‬

‫‪.)46( :‬‬ ‫‪ 282‬املصدر السابق‬


‫ومع إعجابي الشديد بلغة األستاذ زيد وأسلوبه الراقي في التعبير عن قناعاته واتفاقي معه في‬
‫أغلب ما استنتجه وتوصل إليه ومشاركتي إياه اإلعجاب بالمطرفية كفكر وتسليمي بأن لغيابها دو اًر‬
‫سلبياً في تطور الفكر ‪ -‬العلمي ‪ -‬والديني‪ ...‬في اليمن‪.‬‬
‫حيثيات بال منهج‪:‬‬
‫ومع ذلك إال أنني شعرت بقلق وتوتر لعدم وضوح الحيثيات التي بنى األستاذ زيد أحكامه‬
‫عليها ولذلك سمحت لنفسي بمناقشة ما ورد في كالمه الذي حرصت على نقله بالنص وأطلت في‬
‫النقل ليتسنى لمن لم يطلع على المسار أو الكتاب الثاني للمسار أن يفهم بوضوح موضوع الحوار‬
‫الذي أردت به التعريف بالكتاب الثاني للمسار أو التمهيد للتعريف به‪.‬‬
‫ويرجع قلقي إلى أن الحيثيات افتقرت للمنهج العلمي الذي يدافع األستاذ زيد عنه ولنبدأ‬
‫باألولى‪ ،‬وهي قول األستاذ زيد إنه ال يمكن للفكر العلمي أن يستيقظ إال إذا تم استرجاع الفكر‬
‫المطرفي‪.......‬ف هم وحدهم رجال هذا الميدان وهذا النص كما أعتقد فيه مبالغة ال يمكن أن تصدر‬
‫إال من زيد األديب المتعصب لما يكتب عنه وليس المؤرخ أو المفكر ألن العالقة بين المطرفية‬
‫والتفكير العلمي ليست عالقة شرطية أو سببية‪.‬‬
‫وال أظن األستاذ يعتقد فعالً أن المطرفية باب مدينة التفكير العلمي الوحيد في هذا العالم أو‬
‫في اليمن أو لدى الزيدية‪ ..‬ألن من الممكن أن يوجد المفكر العلمي دون أن يسمع بالمطرفية أو يعلم‬
‫عن وجودهم وكما وجد المطرفية سيوجد غيرهم واإلشارة إلى هذا النص من كالم األستاذ زيد ليس‬
‫مقصوداً لذاته ولكنه محاولة للفت نظر األستاذ وقارئه إلى عدم تحري األستاذ زيد الدقة العلمية في‬
‫إصدار األحكام حتى ال يحمل كالمه أكثر مما يحتمل‪ ،‬فاألستاذ متعصب للمطرفية حتى أنه يراها‬
‫الخير كله ومخالفها الشر كله‪ .‬أو أن بعث فكرها الذي لم نعلم عنه بعد إال القول باإلحالة واالستحالة‬
‫هو الشرط الوحيد الستيقاظ الفكر العلمي إنني ال أريد هنا التشكيك في مدى وعي األستاذ زيد بهدفه‬
‫من مناقشة مأساة المطرفية وفكرها مع أن هذا وارد بجالء كامل كما أني ال أريد أن يفهم ‪ -‬من‬
‫محاولتي مناقشة األحكام المتسرعة لألستاذ زيد لعدم اتفاقي معه على أغلب النتائج التي توصل إليها‬
‫‪ -‬اهتما مي بموضوع مناقشة مأساة المطرفية بل على العكس فأنا كنت منذ أن سمعت عن المطرفية‬
‫في شوق لإلطالع عن الموضوع وكما قلت سابقاً فأنا أتفق معه على أن المطرفية تعرضت لمأساة‬
‫كان التاريخ الزيدي في غنى عنها ولكني لست متعصباً للمطرفية ‪ -‬كاألستاذ ‪ -‬وأعتقد أن تعصب‬
‫األستاذ للمطرفية سيحرمه من القدرة على أنصافهم وبعث فكرهم من جديد ألنه سيقاتل بتعصب بل‬
‫وسيبدو وكأنه ال يريد أكثر من استئناف المعركة الفكرية بين المطرفية والمخترعة وأخشى أن يتم‬
‫بتبادل األدوار بين مخترعة اليوم و مطرفية اليوم فيتحول الضحية بفعل التعصب الذي يحكم لغته‬
‫إلى حمزاوي والعكس ‪.‬‬
‫اإلمام زيد وواصل بن عطاء‪:‬‬
‫وعنف األستاذ قاده إلى مشاركة من يتهمون اإلمام زيداً والزيدية من بعده باالبتداع ومخالفة ما‬
‫كان عليه النبي صلى هللا عليه وآله والمتقدمين من آل البيت وإن اختلفت دوافع األستاذ عن دوافع‬
‫خصوم الزيدية كإسماعيل األكوع في كتابه (حقيقة المذهب الزيدي) فما الذي قاله اإلمام زيد مخالفاً‬
‫ألئمة آل البيت؟ هل في العدل أم التوحيد أم وجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر أم اإلمامة؟‬
‫وما الذي أخذه عن واصل أو نقله إلى واصل مما لم يقله المعاصرون له من أهل البيت؟‬
‫وما الذي كان عليه خير البرية ‪ -‬وخالفه اإلمام زيد فيه‪ ،‬ليتفق مع واصل؟ وهل يوجد في‬
‫نص يحيى بن الحسين الذي وصمه األستاذ زيد بالكليل ما يفيد ولو ضمناً نفي ريادة اإلمام زيد‬
‫ومشاركته في الجدل الكالمي؟ والظاهر أن األستاذ يعتبر مجرد القول ‪ -‬أن اإلمام زيد كآبائه وإخوانه‬
‫من أهل البيت في عصره في كونه مجتهداً وعلى قول واحد معهم على ما كان عليه سيد البرية ‪-‬‬
‫في األصول ‪ -‬انتقاصاً من اإلمام زيد وبهذا يتفق مع إسماعيل األكوع في التأكيد على أن اإلمام زيد‬
‫مبتدع إال أن فعل البدعة عند األكوع وصمة وجريمة وعند األستاذ زيد حسنة وفضيلة‪.‬‬
‫لم يقدم األستاذ زيد ما الذي اتفق فيه اإلمام زيد مع واصل واختلف فيه مع علماء أهل البيت‪.‬‬
‫هل هو القول المنسوب لواصل ‪ -‬بأن اإلمام علياً (ع) لم يكن على يقين من الصواب في‬
‫حروبه مع معاوية‪ ,‬وأن أحدهما فاسق ال بعينه أم في القول بالمنزلة بين المنزلتين؟ أم وجوب الخروج‬
‫والثورة؟‬
‫من ا لمؤكد أن عقيدة اإلمام زيد (ع) عن حروب اإلمام علي (ع) ال تختلف عن عقيدة آبائه‬
‫وإخوانه وأغلب األمة في أن الحق مع اإلمام علي (ع) وأن معاوية هو الباغي ألن إمامة اإلمام علي‬
‫(ع) شرعية والخارج عليه باغ وأن اإلمام علياً (ع) كان يعتقد أنه على صواب في حروبه ولم‬
‫يخالجه شك في وجوب ذلك عليه‪ .‬ألن اإلمام زيداً يرى القتل على الشك كالقتل ظلماً ًً وال أظن‬
‫األستاذ زيداً يخالفنا هذه المسلمة الواضحة بل البديهية ألن كل من روى مواقف اإلمام زيد وق أر ما‬
‫نسب إليه‪ ,‬يعلم بوضوح أن موقف اإلمام زيد من خالف اإلمام علي (ع) والخارجين عليه ال يختلف‬
‫عن موقف الشيعة وأغلب أهل السنة وهو تخطئة الخارجين على اإلمام والجزم بأن الحق كل الحق‬
‫مع اإلمام‪.‬‬
‫وبالنسبة للقول بالمنزلة بين المنزلتين فلم يثبت استخدام اإلمام زيد بن علي (ع) لهذا‬
‫المصطلح اآلن عدم استخدامه ال يعني إطالقاً عدم اتفاقه مع واصل بن عطاء أو عدم اتفاق واصل‬
‫معه ومع السائد آنذاك بين علماء األمة بمن في ذلك الحسن البصري وأغلب المرجئة ألن الخالف‬
‫لفظي‪ .‬والمنزلة بين المنزلتين ترجمة أو توضيح لمعنى فاسق الذي هو في منزلة بين الكفر‬
‫واإليمان‪ -‬أو العاصي‪.‬‬
‫ووجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو بحد السيف ليس اجتهاداً خاصاً بواصل أو‬
‫باإلمام زيد بن علي (ع) فخروج الحسين بن علي (ع) وثورته أوضح تعبير عن كونها مبدءاً أصيالً‬
‫في الفكر الذي أسماه األستاذ الفطري وما دور اإلمام زيد بن علي عليه السالم إال إحياء له‪ -‬مشاركاً‬
‫في ذلك من قبل الخوارج الذين‪ -‬وإن اختلفوا مع الزيدية والمعتزلة في عدم القول بتوسط الفسق‬
‫والعصيان بين منزلة اإليمان والكفر‪ -‬أال أنهم من القائلين بوجوب األمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر والخارجون على عثمان رضي هللا عنه كانوا من القائلين‪ -‬بالخروج والثورة‪ -‬وهم زمنياً أسبق‬
‫‪283‬‬
‫(لقومناك‬ ‫في الوجود من واصل واإلمام زيد (ع) واإلعرابي الذي أجاب أبا بكر رضي هللا عنه‬
‫بسيوفنا) كان يعبر عن شيوع ورسوخ هذا المبدأ في الذهنية الفطرية‪.‬‬
‫العدلية والقاسم المشترك‪:‬‬
‫إن الريادة التي تحسب لواصل وعمرو بن عبيد ليست نظرية ‪ -‬كما قد تبدو للمتعجل في‬
‫التصنيف‪ -‬ولكنها في األساس عملية تتمثل في إعداد تنظيم سياسي يقوم على إرسال الدعاة للثورة‬
‫والتحريض عليها بأسلوب منظم شارك في وصول الناقص من األموية إلى السلطة‪ ,‬والتف حول عمر‬
‫بن عبد العزيز ثم تبنى البحث عمن يقود الثورة ضد السلطة األموية التي فقدت مبررات وجودها‬
‫وكان من الطبيعي أن يتجه إلى اإلمام زيد بن علي (ع) باعتباره ‪ -‬كما عرف آنذاك ‪ -‬أفضل‬
‫هاشمي في عصره‪ .‬يتبنى الثورة والخروج على الظالم‪.‬‬
‫وريادة اإلمام زيد نظرية وعملية‪ ،‬نظرية في تأصيله لثورة اإلمام الحسين عليه السالم وتجسيد‬
‫النظرية في موقفه العملي بالدعوة والخروج السياسي والفكري واالجتماعي‪.‬‬
‫أما الفكر كفكر العدل والتوحيد واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو القاسم المشترك بين‬
‫جميع من عرفوا بالعدلية فيما بعد من شيعة ومعتزلة وخوارج وجمهور أهل السنة الذين شاركوا في كل‬
‫الثورات ضد السلطة أو عمالها كالحجاج وأبن زياد وغيرهما‪ .‬وكما تعجل األستاذ زيد دون حيثيات‪-‬‬
‫في إثبات تتلمذ اإلمام زيد على واصل أو العكس لميله إلى المعتزلة تأث اًر بمن يخاطبهم في المسار‪-‬‬

‫‪ 283‬الصحيح هو أمري املؤمنني عمر بن اخلطاب – رئيس التحرير‪.‬‬


‫تعجل أيضاً في نفي انتماء الجارودية إلى الزيدية‪ ،‬تأث اًر بحملة بعضهم على الجارودية مع أن‬
‫الجارودية حتى وإن خالفوا اإلمام زيداً في موقفه من الشيخين أبي بكر وعمر إال أنهم زيدية‪ .‬ألن‬
‫الخالف منحصر في موقف اإلمام زيد (ع) من المتقدمين على اإلمام علي (ع) وهو خالف تحتمله‬
‫الزيدية كما احتملت الخالف بين واصل واإلمام زيد (ع) في الموقف من اإلمام علي (ع) وهو أولى‬
‫وأخطر‪.‬‬
‫هل يتفق اإلمام زيد مع ما نسب إلى أبي الجارود ومن وافقه أم ال؟‪.‬‬
‫وإذا ثبت نسبة كتاب اإلمامة والصفوة وما جمعه األستاذ العالمة المحقق محمد يحيى سالم‬
‫عزان في كتاب(مجموع كتب ورسائل اإلمام زيد (ع) وهو ثابت ‪ -‬فان القول بالنص الخفي على‬
‫إمامة اإلمام علي عليه السالم وأبنائه من فاطمة عليها السالم هو عين مذهب اإلمام زيد (ع) وبهذا‬
‫فان دعوى األستاذ زيد‪ -‬مخالفة الجارودية لإلمام زيد (ع) ومناقضتهم كل المناقضة‪ -‬ال يجد لها‬
‫سنداً في الواقع‪ ,‬بل على العكس تماماً فان أبا الجارود يتفق مع اإلمام زيد في مسألة اإلمامة تمام‬
‫االتفاق إذا استثنينا رأي أبي الجارود من الصحابة المتقدمين على اإلمام علي (ع) ودعوى مناقضة‬
‫الجارودية لإلمام زيد (ع) في جواز إمامة المفضول على الفاضل ال يوجد لها سند فكري‪ ،‬من أفكار‬
‫اإلمام زيد (ع) أو أبي الجارود ألن باالمكان الجمع بالقول‪ :‬إن عدم تكفير اإلمام زيد أو تفسيقه‬
‫للمتقدمين على اإلمام علي (ع) ال يعني تصحيح اإلمامة فيهم ألن عدم البراءة منهم شيء وإقرارهم‬
‫على ما فعلوا شيء آخر‪.‬‬
‫ولو ق أر األستاذ زيد كتاب "الرائق" أو كتاب د‪ /‬على محمد زيد "معتزلة اليمن في القرن‬
‫السادس" لوجد التطابق الكامل بين أفكار مطرف بن شهاب والمطرفية في مسألة اإلمامة مع ما روي‬
‫عن أبي الجارود ويبدو أن األستاذ زيداً خلط بين مذهب نشوان والمطرفية أو تأثر بما قيل عن‬
‫المطرفية في كتاب أبن األمير وعصره الذي أنتقده د‪ /‬علي محمد زيد قائالً (ليس صحيحاً ما قاله‬
‫كتاب ابن األمير وعصره بعد قيام الجمهورية سنة ‪ 1962‬وما يشاع على ألسنة الكثيرين دون‬
‫تمحيص من أن المطرفية ال تشترط أن يكون األمام من منصب مخصوص كما يقال في علم الكالم‬
‫الزيدي‪ -‬أي من آل الحسن والحسين‪ -‬ذلك أن المخطوطة الوحيدة الباقية في علم الكالم المطرفي‬
‫توضح ذلك بال لبس وتبين أن المطرفية تأخذ نظرية اإلمامة عند الهادي والقاسم الرسي مع التشدد‬
‫في شروطها ولم تتهم المطرفية قط بأنها أبطلت نظرية اإلمامة الزيدية بل إن أكبر خصومها اإلمام‪-‬‬
‫عبد هللا بن حمزة‪ -‬أتهمها بالتشدد في شروطها حتى عطلتها)‬
‫وينقل عن مؤلف الرائق قوله في مقام الرد على من لم يجزم بخالفة اإلمام علي (ع) لرسول‬
‫هللا صلى هللا عليه وآله وسلم بال فصل قوله‪(- :‬وإنما بنى الكل ممن قدمنا ذكره ذلك على أصل فاسد‬
‫وهو القول بوالية من تقدم على أمير المؤمنين على بن أبي طالب وأن خطيئة من تقدم عليه صغيره‬
‫مغفورة‪.‬‬
‫المطرفية والمخترعة‪:‬‬
‫والذي يذهب إليه أهل البيت عليهم السالم ومن طابقهم من علماء اإلسالم أن أمير المؤمنين‬
‫(علياً) أفضل الناس بعد رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬وأن من تقدمه أو جلس مجلسه‬
‫فمخطئ في ذلك‪ ،‬وكذلك الحسن والحسين أفضل الناس بعد أبيهما وإليه ذهب أبو ذر الغفاري‬
‫وسلمان الفارسي والمقداد بن األسود وعمار بن ياسر ونظراؤهم من الصحابة وهو مذهب الشيخ أبي‬
‫عبد هللا البصري والمدرس ة البغدادية وقاضي القضاة (الشيخ عبد الجبار) والشيخ أبي رشيد‪ ،‬وهو‬
‫الصحيح المعول عليه‪ .‬ص ‪ .96 - 95‬كما ينقل عن الرائق الرد على القائلين بجواز إمامة‬
‫المفضول مع وجود الفاضل بأدلة من الكتاب الكريم والسنة واإلجماع‪ .‬أي أن مذهبهم عين مذهب‬
‫الجارودية في اإلمامة والموقف من الصحابة فهل يخرجهم األستاذ زيد عن الزيدية كما أخرج أبا‬
‫الجارود‪ ،‬ويجب أن يخرج معهم أغلب معتزلة بغداد من االنتماء للمعتزلة‪ .‬ألنهم في اإلمامة‬
‫كالجارودية ‪ -‬في تفضيل اإلمام علي على من تقدمه ‪ -‬وأن األمة أخطأت في صرفها عنه والخالف‬
‫ليس في القول بالخطأ ولكن بالحكم هل الخطأ كبيرة أم صغيرة مغفورة والظاهر من كالم الرائق أنه‬
‫من القائلين بأن الخطأ ‪ -‬ليس صغي اًر‪ ،‬وهو قول المطرفية إن صحت نسبة الرائق إليهم ‪ .‬وهذا عين‬
‫ما تميزت به الجارودية عما روي عن اإلمام زيد‪.‬‬
‫لقد كان األستاذ زيد في غنى عن التعرض بالذكر ‪ -‬للجارودية ‪ -‬وكذلك كان في غنى عن‬
‫التعرض لنص يحيى بن الحسين ‪ -‬عن أن اإلمام زيداً بن علي كإبائه وإخوانه ومعاصريه من أئمة‬
‫آل البيت على قول واحد في األصول وهو ما كان عليه سيد البرية ألنه ‪ -‬أراد أو لم يرد ‪ -‬أثار‬
‫مشكلة ولم يبذل جهداً كافياً لحلها‪ ،‬والمقارنة بين اإلمام الهادي عليه السالم وأبي الجارود كان في‬
‫غنى عنها وإذا كان والبد فكان عليه أن يتحرى الدقة في حديثه عن مذهب اإلمام الهادي عليه‬
‫السالم والجارودية‪ ،‬فالقول بأن اإلمام الهادي عليه السالم يقول بالنص الجلي معناه تخطئة من لم‬
‫يعمل به وإدانة من خالفه‪ .‬والقول بعدم جواز سب أبي بكر وعمر رضي هللا عنهما ومعاقبة اإلمام‬
‫الهادي عليه السالم ال يعني أنه يرضي عنهما ألنه قد يكون كموقف اإلمام علي (ع) في نهيه‬
‫أصحابه عن سب أصحاب معاوية معلالً ذلك بأن السب ليس من أخالق المؤمنين المؤمن ليس‬
‫بسباب وال لعان‪.‬‬
‫وقد يكون نهي الهادي (ع) مبنياً على قوله تعالى (وال تسبوا الذين يدعون من دون هللا فيسبوا‬
‫هللا عدواً بغير علم) أقول هذا مع اعتقادي أن الهادي ال يكفر وال يفسق كبار الصحابة رضوان هللا‬
‫عليهم‪ .‬ولم يفصل أحد من المخترعة بين المطرفية واإلمام زيد (ع) بحجة أن المطرفية علماء كالم‪.‬‬
‫واإلمام زيد (ع) ليس كذلك ألن المخترعة ينتسبون إلى علم الكالم أيضاً ولم يعتبر المخترعة خروج‬
‫المطرفية عن الدين لموافقتهم المعتزلة بل على العكس من ذلك تزعم المخترعة مخالفة المطرفية‬
‫لمشائخ المعتزلة ألن المخترعة أيضاً يقرون بمشيخه المعتزلة لهم ‪ .‬فالمطرفية ليسوا أولى بالتتلمذ‬
‫على المعتزلة من المخترعة بل على العكس لقد لجأ القاضي جعفر بن عبد السالم إلى الفكر‬
‫اإلعتزالي للرد على حجج المطرفية‪ ،‬والخالف بين المطرفية والمخترعة لم يكن على األصول العامة‬
‫للزيدية أو العدلية في العموم ولكنه حول قضية واحد وما ترتب عليها وهي لخصها األستاذ زيد في‬
‫قول المطرفية باإلحالة واالستحالة ‪ -‬وقول المخترعة باالختراع وهذه المقولة لم يقل بها اإلمام زيد بن‬
‫علي (ع) وال غيره من أئمة آل البيت‪ ،‬أو مشائخ المعتزلة أو غيرهم ممن يجمعهم القول بالعدل‬
‫والتوحيد وبهذا فأن المطرفية ال يمكن أن يكونوا أولى من المخترعة باإلمام زيد بن علي (ع) وأيضاً‬
‫العكس‪ .‬ولم يدع مطرف بن شهاب أو أي ممن وافقه أنه يختص ‪ -‬دون مخالفيه من الزيدية آنذاك‬
‫‪ -‬باإلمام زيد بن علي (ع) ولكن المطرفية أدعوا أنهم أقرب إلى الهادي والقاسم عليهما السالم‪ .‬في‬
‫موضوع كيفية خلق هللا للعالم وما انبثق عنها‪.‬‬
‫الخالف عقدي أم سياسي؟‬
‫أريد أن أقول أن األستاذ زيداً أختلق قضية ال عالقة لها بفكر المطرفية أو مأساتها‪ ،‬وأيضا ال‬
‫عالقة لها بفكر المخترعة وليست معنية بها‪ .‬والقضية هي هل الخالف بين اإلمام عبد هللا بن حمزة‪،‬‬
‫والمطرفية‪ ،‬فكري عقدي أم سياسي؟ وهل هذا الخالف الفكري بين اإلمام عبد هللا بن حمزة ومن قبله‬
‫اإلمام أحمد بن سليمان والمخترعة من جهه والمطرفية من جهة أخرى هو السبب في انفجار الصراع‬
‫بين اإلمام عبد هللا بن حمزة والمطرفية؟‬
‫وإذا كان األمر كذلك فلماذا تأخرت المعركة الفاصلة بين الطرفين؟ ولماذا أتسمت بتلك الحدة‬
‫‪.‬؟ بمعنى لماذا لم يستبح اإلمام عبد هللا بن حمزة أو أي من أئمة المخترعة من قبله ومن بعده دماء‬
‫من كفروهم تصريحاً أو تأويالً من المعاصرين لهم في كل زمن إذا كان القول بإلزام ‪ -‬فرقة أو‬
‫مذهب ‪ -‬بالكفر يترتب عليه استباحة الدماء والفروج؟‪ .‬وهل كل من يفتي ‪ -‬بجواز فعل ما يستدل‬
‫من فتواه أنه فعل أو سيفعل ما أجازه كالفتوى بجواز الجمع بين أربع زوجات‪.‬؟ وهل إثارة الصراع من‬
‫جديد طبعاً في الجذور الفكرية بين المطرفية والمخترعة يحقق الهدف المعلن لألستاذ زيد وغيره من‬
‫إثارة الموضوع؟ أم إن اإلثارة عبث وتمزيق للفرقة الزيدية وصرفها عن مسؤوليتها التاريخية في‬
‫اإلسهام مع مختلف الفرق والمذاهب اإلسالمية ‪ -‬في عملية التجديد واإلحياء والتنوير للقيام بعملية‬
‫اإلصالح المطلوب‪.‬‬
‫أصول اإلمامين يحيى وزيد (ع) واحدة‪:‬‬
‫قبل االسترسال في وضع األسئلة التي أعتقد أنها ملحة ولها األولوية ؛‬
‫أود أن أتعرض لما قاله العالمة يحيى بن الحسين وعلق عليه األستاذ زيد عن اإلمام الهادي‬
‫اء في األصول أو الفروع‪.‬‬
‫(ع) لمنهج اإلمام زيد ومذهبه من عدم ذلك سو ً‬
‫هل التزم الهادي (ع) منهج اإلمام زيد ومذهبه‪.‬؟‬
‫أعتقد جازماً أن اإلمام الهادي يحيى بن الحسين ‪ -‬كان يعتقد ‪ -‬اعتقاداً جازماً أن مذهبه هو‬
‫وعين مذهب أي إمام من أئمة أهل البيت المتقدمين ويجب أن يكون‬ ‫عين مذهب اإلمام زيد (ع) ْ‬ ‫ْ‬
‫مذهب أي إمام من أئمة أهل البيت ‪.‬‬
‫هل يوجد أي اختالف بين مذهب اإلمام زيد في األصول والفروع ومذهب الهادي؟ في الواقع‬
‫ونفس األمر‪-‬؟ أعتقد أنه ال يوجد أي اختالف ألننا لو قلنا بوجود خالف في األصول ونحن نعني‬
‫باألصول ما تعرف به عند الزيدية أو غيرهم من أنها التي ال يجوز فيها التقليد والمتابعة ألن الحق‬
‫احد فرد‬
‫فيها واحد غير متعدد كاإليمان باهلل ومالئكته وكتبه ورسله واليوم اآلخر‪ ،‬أو اإليمان بأن هللا و ٌ‬
‫صمد ال شريك له وال شبيه أو ند ‪ -‬ال يفعل القبيح لغناه عنه وأنه أمرنا ونهانا عما نقدر على فعله‬
‫ونستطيع االمتناع عنه وأنه ال يرضى الظلم أو يحبه ولم يرده‪ ..‬بهذا المعنى ‪ -‬ال يوجد أي اختالف‬
‫بين الهادي واإلمام زيد واإلمام علي (ع)‪ ،‬أو الباقر والصادق والقاسم والناصر ومن جاء بعدهم سالم‬
‫هللا عليهم‪ ،‬وإن أختلف التعبير عنها من إمام إلى آخر‪ ,‬بحسب المقام والمتلقي ‪.‬‬
‫ويحيى بن الحسين وصاحب الجامع الكافي لم يقصدا أن اإلمام زيد واإلمام الهادي مختلفان‬
‫في العدل والتوحيد‪ ،‬أو اإلمامة والوعد والوعيد‪ ،‬ووجوب األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬ولو‬
‫بحد السيف‪ ،‬فهما عدليان في مقابل الجبرية‪ ،‬وهما غير مشبهين في مواجهة المجسمة والمشبهة وهما‬
‫وعيديان في مقابل المرجئة وهما قائالن بوجوب الدعوة والخروج والثورة على الظالم عند توفر‬
‫الشروط لذلك ويتفقان على إمامة البطنين‪........‬إلخ ‪ .‬ووجوب النظر وعدم جواز التقليد للقادر على‬
‫االجتهاد ووجوب العرض على القرآن فيما روى عن الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم‪ ،‬وأختلف فيه‪،‬‬
‫وإن إجماع أهل البيت حجة ألن ما أجمعوا عليه ال يمكن أن يخالفوا الحق فيه‪ ،‬وأن الطريق إلى‬
‫اإلمامة هي الدعوة والخروج للجهاد‪ .‬ولقد وافق األستاذ زيد في قوله بأن الزيدية تعد بين الفرق‬
‫الكالمية‪ ،‬وأود اإلضافة بأنها فرقة كالمية وحركة سياسية ومذهب فقهي‪ .‬فرقة كالمية كعدلية لها‬
‫رؤية في مسائل العدل والتوحيد واألمر بالمعروف والنهي عن المنكر والمنزلة بين المنزلتين والنبوة‬
‫واإلمامة والمعاد ‪ -‬في مقابل المرجئة والمشبهة والمجسمة والجبرية‪ ،‬وحركة سياسية تتفق مع‬
‫اإلسماعيلية و الخوارج في وجوب الخروج وتختلف معهم في التكفير والتفسيق واإلمامة‪ ،‬ويختلفون‬
‫‪..‬عن الجعفرية والحنابلة في القول بعدم جواز الخروج على الحاكم ‪ .‬ومذهب فقهي في مقابل الحنفي‬
‫والمالكي والحنبلي وإن كان المذهب يتميز عن المذاهب الفقهية األخرى في أن قواعده‪ ،‬نفي وإقرار‬
‫للتمذهب‪ ،‬نفي للتمذهب ال يجابها االجتهاد على كل قادر على االجتهاد وعدم تجويز االكتفاء بالظن‬
‫فيما يمكن العلم به وإيجابها تقديم اإلنسان لعلم نفسه على علم غيره ‪ -‬كائناً من كان اآلخر ‪ -‬وتقديم‬
‫ظن اإلنسان لنفسه على ظن غيره‪ .‬وإقرار للتمذهب بتجويزها التقليد لغير القادر على االجتهاد‬
‫وتصويب فعل العامي فيما فعله معتقداً لصوابه ما لم يخرق اإلجماع واإللزام في المعامالت بمذهب‬
‫الحاكم حتى لو خالف اجتهاد الفاعل وهو مذهب اإلمام زيد واإلمام القاسم والناصر والمرتضى‬
‫بمعنى منهجهم في كيفية االستنباط حتى لو خالف المذهب النتائج التي توصل إليها أي واحد من‬
‫أئمة المذهب ألن مذهبه في االستنباط بمعنى المنهج أو القاعدة التي سار عليها في استنباط الحكم‬
‫الشرعي هي المذهب وليست النتيجة التي توصل إليها ولهذا خالف المذهب‪ ،‬اإلمام زيد أو اإلمام‬
‫الهادي أو اإلمام القاسم والناصر ‪ -‬بل وبعض ما روى عن اإلمام علي سالم هللا عليهم التزاماً‬
‫بمنهج هؤالء األئمة كما فعل اإلمام الشافعي في مخالفة نفسه أو بمعنى أدق عندما تغيرت البيئة‬
‫وتوسعت معرفته بالنصوص وكل مذهب فقهي هو كذلك حتى مذهب أهل الحديث والظاهرية ألنهم‬
‫يلتزمون القواعد‪ .‬والقواعد األصولية ‪ -‬كالهندسة أو الرياضيات‪ -‬ال يمكن أن يبتدعها كلها شخص‬
‫واحد‪ -‬بل يبني المتأخر ويضيف إلى ما ابتكره المتقدم ولكن الريادة لألول وكما توسعت وتشعبت‬
‫قضايا أصول الدين لدى المتكلمين حتى وصلت إلى فرعيات تطبيقية حول األفعال المتولدة والطفرة‬
‫يتجز واإلحالة واالستحالة‪ ,......‬حدث بشكل أوضح هذا‬
‫أ‬ ‫والكمون والجزيء والذرة والجزء الذي ال‬
‫التطور في الجدل الفقهي المذهبي وكما حدث التمايز واالنقسام بين المذاهب حدث التمايز واالنقسام‬
‫داخل كل مذهب‪.‬‬
‫أصوليون وإخباريون‪:‬‬
‫إال أن استكمال بناء القواعد‪ -‬في المذهب الزيدي نتيجة للتنوع الذي مثله علماء المذهب‬
‫نماء‬
‫ومجتهدوه وتنوع البيئات التي وجد فيها يجعله كما يقول عنه محمد أبو زهرة‪ -‬أكثر المذاهب ً‬
‫مميز عن ماهية المذهب الزيدي‬
‫بحث ٌ‬‫عبر العصور‪ ،‬وللشيخ محمد أبو زهرة في كتابه‪( ،‬اإلمام زيد) ٌ‬
‫بالمقارنة مع المذهب الحنفي والمالكي والشافعي‪ .‬واألهم من كل ما سبق ‪ -‬فيما يتعلق بفكر‬
‫المطرفية ومأساتها هو اإلجابة عن السؤال‪.‬‬
‫لماذا استباح اإلمام عبد هلل بن حمزة من المطرفية ما لم يستبحه من غيرهم؟ إن كانت عقيدة‬
‫المطرفية كما وصفت في كتب المخترعة فلماذا قبل اإلمام عبد هللا بن حمزة البيعة منهم؟‬
‫في إجابة ‪ -‬السيد المولى العالمة المجتهد بدر الدين الحوثي ما يفيد أن متأخري المطرفية‬
‫ليسوا كمتقدميهم ‪ -‬بمعنى أن تطور الجدل بين المخترعة والمطرفية قاد متأخري المطرفية إلى الغلو‬
‫فيما ذهبوا إليه مما يلزم منه الكفر‪ .‬ولكن إجابة ‪ -‬المولى بدر الدين الحوثي مبنية على مسلمة لدية‬
‫وهي أنه ال يمكن أن يصدر من اإلمام عبد هللا إال الحق والعدل باعتباره إماماً له ما لإلمام من حق‬
‫علينا في اعتقاد ذلك‪ ،‬وهذه المسلمة ليست واضحة أو مسلم بها لدى الجميع ألن اإلمام عبد هللا بن‬
‫حمزة مهما كان فضله وعلمه وتقواه بشر معرض للخطأ في الحكم خصوصاً مع الخصومة‪ ،‬إال أن‬
‫هذا القول ال يعن ي الجزم بخطأه وأدانته ألن اإلمام حكم بما أدى إليه نظره وهو مجتهد معنى باألمر‬
‫بحسب تعبير العالمة محمد يحيى عزان (ص ‪ 179‬المطرفية الفكر والمأساة) إال أن مناقشة ما حدث‬
‫وفهمه واستيعابه ضرورة لعدم تك ارره أو االستفادة منه في فهم أسباب وعوامل الصراعات التاريخية‪.‬‬
‫وما حدث ال يمكن أن يكون سببه طرفاً واحداً ألن الصراع بين طرفين أسهم كل طرف ولو بنفسه في‬
‫تكوين العالقة بينهما ودفعها إلى ما وصلت إليه‪ .‬واألهم أننا كمسلمين معنيون بسبر أغوار مكوننا‬
‫العقيدي لنجيب على األسئلة المطروحة بحدة علينا‪.‬‬
‫متى يستباح دم المسلم؟ ومتى يستباح دم اإلنسان؟‬
‫ومن هو المسلم المعصوم الدم والمال والعرض؟ وهل الخروج من دائرة العصمة يتم بمجرد‬
‫قول ما يعتقد اآلخر المسلم أنه يلزم من قول ذلك الكفر؟ ولو فرضنا أن المطر فيه لم يكونوا قوة‬
‫سياسية شبه منظمة هل كانت أفكارهم ستقود إلى حدوث ما حدث ‪-‬؟ ولو فرضنا أن المطرفية حققوا‬
‫النصر على اإلمام عبد هللا بن حمزة‪ ،‬هل كانوا سيعصمون دمه وما له وعرضه؟ ودماء وأعراض‬
‫وأموال المخترعة ‪-‬؟‬
‫أقول هذا ألن ثوار ‪ 1948‬استباحوا دم إمام معصوم الدم وهو اإلمام يحيى حميد الدين وقتلوا‬
‫معه حفيده وهو طفل ورئيس وزرائه دون أن يكون لهم مأخذ عليه وهو عدل من وجهة نظرهم وقتل‬
‫بعد مقتله بعض أوالده مع أن المقتول والقاتل موحدو العقيدة والمذهب والثقافة والعرق وحتى اللحظة‬
‫ال يزال بعض اإلسالميين يفاخرون بفعلتهم اغتيال اإلمام يحيى وحفيده العباس بن الحسن دون أن‬
‫يبرروا شرعاً بالمبرر الشرعي الذي أجاز لمن أفتى بقتل اإلمام "غيل ًة" وتعريض حياة من قد يكون‬
‫معه للخطر وحرمة قتل الطفل أعظم من حرمة السبي ومن قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً‪ ،‬ألن‬
‫استحالل قتل نفس ومليار هو نفسه‪ ،‬وكلنا من نفس واحدة آدم وكل واحد منا آدم هذا على فرض‬
‫جواز قتل اإلمام يحيى‪ ،‬مع أنني حتى اآلن رغم متابعتي لم أجد أي مبرر شرعي لما حدث‪ .‬وهذا‬
‫أسوأ ما في الموضوع ‪ ،‬ألنه يعني بأن من يفاخر بالمشاركة ولو بالتأييد المعنوي في إهدار دمه ال‬
‫يكلف نفسه التبرير وكأن األصل إباحة الدماء وليس العكس إن على السيد بدر الدين وأي زيدي يرى‬
‫أن اإلمام عبد هللا بن حمزة نموذجاً لإلمام الزيدي العظيم‪ ،‬أن يجيب على األسئلة التي لم يجب عليها‬
‫اإلمام نفسه فيما يتعلق باستحالله لدماء وأعراض المطرفية ومن جاورهم ‪.‬‬
‫وعداء لدولة اإلسالم من كفار قريش يوم الفتح الذين قال عنهم‪ .‬الرسول‬
‫ً‬ ‫هل هم أكثر كف اًر‬
‫صلى هللا عليه وآله وسلم اذهبوا فأنتم الطلقاء؟‬
‫عداء من خوارج النهروان وبغاة صفين والجمل؟‬
‫ً‬ ‫هل هم أكثر‬
‫وما حكم "العلمانيين" فيما لو قامت دولة اإلسالم !!! التي قدوتها اإلمام عبد هللا بن حمزة ‪-‬‬
‫وهؤالء أكثر بعداً من المطرفية؟‬
‫لقد خالف اإلمام عبد هللا بن حمزة باعترافه سيرة اإلمام علي عليه السالم ولم يجد مبر اًر إال‬
‫من سيرة أبي بكر الصديق‪ ،‬مع من سموا بالمرتدين؟‬
‫أنني ال أشارك في اتهام اإلمام عبد هللا بن حمزة في التنكيل بالمطرفية كما نقل إلينا وأميز بين‬
‫ما نقل من أقوال اإلمام في الحكم الشرعي عليهم وبين ما فعله بالفعل فيهم ‪-‬؟ أي أن ما كل ما‬
‫أفتى بجوازه فعله بالمطرفية وأميل إلى القول أن اإلمام عبد هللا بن حمزة تعامل مع المطرفية كبغاة‬
‫مثلوا خط اًر على دولة اإلسالم التي يمثلها‪ ،‬ألنهم بدأوا بما أعتبره بغياً (الخروج على اإلمام ونصب‬
‫داعية وأخذهم الزكاة) مع أنهم ملزمون ببيعة ورفضوا كما ذكر د‪ /‬علي محمد زيد الحوار معه ‪-‬‬
‫ولكنني ال أستطيع التبرير لإلمام عبد هللا بن حمزة ألنه تجاوز فيما أفتى به ما ألتزمه اإلمام علي‬
‫(ع) في تعامله مع البغاة والخارجين عليه‪ .‬واألستاذ زيد مطالب باإلجابة على األسئلة نفسها ولكن‬
‫من زاوية أخرى هل يجوز للمطرفية‪ ،‬استباحة دم اإلمام عبد هللا بن حمزة بدعوى الخروج عليه‬
‫لظلمه‪ ،‬وهم ملزمون بعقد بيعة أي بمعنى‪ -‬هل يجوز االنقالب عليه وقتل الحاكم المسلم لمجرد‬
‫اء جاز التكفير باإللزام أم لم يجز‪ ،‬فهل تعصم الصالة والصيام وأداء الزكاة‬
‫المخالفة في الرأي‪-‬؟ وسو ً‬
‫واإلقرار بالشهادة‪ ،‬دم المسلم حتى لو أعتقد ما نعتقده كفرا‪.‬؟ وهل عصمت الصالة والصيام والقيام دم‬
‫شيخ اإلسالم الحسين بن علي العمري والطفل عباس؟‬

‫بقلم‪ /‬حسن محمد زيد‬


‫توضيح وتعقيب على مقال محنة المطرفية وشيخ اإلسالم‬
‫(‪)1‬‬
‫التوضيح‬
‫أظهر مقال األستاذ حسن زيد "محنة المطرفية وشيخ اإلسالم" نقصا في معرفة المطرفية‬
‫ينبغي أن ُيمأل‪ ،‬وفيضا من العاطفة يجب أن ُيخفف‪ ،‬وحاجة ملحة إلى مزيد من األضواء يحسن أن‬
‫تُلقى‪ ،‬وهذا التوضيح والتعقيب محاولة لمزيد من إلقاء األضواء عليها حسب الجهد والعلم‪.‬‬
‫إن أول ما يجب إيضاحه والتأكيد عليه أنه ينبغي أال يتم تناول أي موضوع إال بعد اإلحاطة‬
‫به ُخبرا‪ ،‬أما أن يكتب‪-‬مثال‪ -‬عن المطرفية –دفاعا أو هجوما‪ -‬والمعلومات عنها تكاد تكون‬
‫معدومة‪ ،‬وفكرها مجهول‪ ،‬وال ُيعلم منه (إال القول باإلحالة واالستحالة) كما يقول المقال‪ ،‬فإن الكتابة‬
‫عنها كمن يقدم على دخول الظلمات بدون مصباح‪ ،‬أو ما يسمى حاطب ليل اليدري ما يحتطب‬
‫أأفعى أم خشب على قول الشاعر المرحوم الزبيري‪ .‬وهذه الطريقة تنافي شروط البحث العلمي تماما‪،‬‬
‫ومن المعروف والمسلم به إنه إذا ُفقد هذا الشرط األساس فالمنهج العلمي اليمنح شهادة الموضوعية‬
‫نقاش راي مجهول قبل كشف تفاصيله‪ ،‬أو معظمه على‬ ‫لبحث غير مستوف شروطه؛ فال يستجيز َ‬
‫األقل‪ .‬إن أفضل طريقة في هذه الحالة أن يتم البحث عن هذه األفكار وإستخراجها من تحت الركام‪،‬‬
‫قبل مناقشتها‪ ،‬إذ تفرض المنهجية عدم اإلقدام على تكوين الرأي إال بعد أن تكون اإلحاطة قد تمت‬
‫بأي قضية أو بمجملها‪ ،‬وإال فكل رأي يأتي‪ -‬بدون استناد على معلومات موثقة وواضحة‪ -‬هو قائم‬
‫على غير أساس بالضرورة‪.‬‬
‫والحق أن فكر المطرفية ‪-‬كتيار شعبي عند العامة والمقلدين‪ -‬ليس معلوما على حقيقته‪ ،‬ولكن‬
‫مايزال له في األروقة العلمية ولدى النخبة –بالرغم من اختفاء كتبها‪ -‬ساطع التوهج‪ .‬لم تعد تشكل‬
‫تيا ار شعبيا بعد القضاء عليها كما كانت‪ ،‬لكنها حصرت في األروقة العلمية ولدى النخبة‪ ،‬المدافعين‬
‫عنها والمناؤين لها على السواء‪ ،‬وعلى العكس من المطرفية بقيت استنتاجات المخترعة وتأويالتها‬
‫وتفسيراتها طاغية كتيار شعبي جارف‪ .‬وفي إطار الملحمة الفكرية‪ -‬التي دارت بعد المذبحة بين‬
‫المؤيدين والمناوئين‪ -‬أشتد الخالف بين الفريقين فمنهم من عرفها فدافع عنها‪ ،‬ومنهم من انكرها ولم‬
‫يفهمها فحاربها‪ ،‬وتجلى ذلك في مواقفهم من عدم التكفير –والتكفير‪ -‬باإللزام‪ ،‬وبالتالي عدم‬
‫استباحة‪-‬واستباحة‪ -‬دمائها‪ ،‬وعدم رضاهم‪-‬ورضاهم‪-‬عما فعله اإلمام بها‪ .‬هذه الثنائية الموجودة‬
‫دليل على بقاء الفكر المطرفي يشع في أجواء المخترعة فيعكسون ضوء ظالما‪.‬‬
‫وال شك أن إختفاء كتب المطرفية من التناول قد أفقدنا الكثير من التفاصيل عنها‪ ،‬لكن كثي ار‬
‫من األسس قد حفظت عند المخترعة نفسها‪ ،‬وبالتحديد في ردودهم عليها بالرغم من اعتساف‬
‫التفسيرات وقسر التأويالت‪ ،‬وأن ماحفظ منها بدون قصد كان كمية كبيرة منها‪ .‬ونحن نعرف أن‬
‫مصادر الخصوم عادة ما تكون مريبة‪ ،‬لكن هناك كثير من المخترعة كانت أمينة على النقل إن لم‬
‫يكن بالنص ‪-‬وهذا نقص كبير‪ -‬فبالمعنى‪ ،‬لكنها أسأت فهم النص فبنت ردودها على سوء الفهم هذا‬
‫‪ ،‬فاألصل إذا باق وسليم‪ ،‬وما علينا إال أن نخلع عنه سوء اإلستنتاجات ليكون أمامنا فكر مطرفي‬
‫علمي مصفى‪ .‬وعليه فيمكن القول بأن ردود المخترعة قد حفظت شيئن(‪ )1‬فكر مطرفي غابت عنه‬
‫أشياء (‪ ) 2‬واستنتاج إختراعي لم يغب منه شيئا‪ ،‬وبهما يتم التعرف على علم الفريقين‪ ،‬حيث يقدمان‬
‫مادة واسعة يمكن االستفادة منها لدراسة الفكرين المطرفي والمخترعي‪ ،‬وإذ تعكس المطرفية عقال‬
‫علميا‪ ،‬تعكس المخترعة فقها صرفا‪ ،‬وفهما ناقصا للحقائق العلمية‪ ،‬بينما نجده متسعا وعميقا لدى‬
‫المطرفية‪ ،‬وهو العلم الذي أتقنته المطرفية وبنت عليه تنزيه هللا من كل ظلم يلحق بعباده منه سبحانه‬
‫وتعالى معتمدة على المنهج العلمي‪ .‬ومن هنا فعلينا أال نرفض استنتاجات المخترعة فهي ضرورية‬
‫على ما بها من تعسف ال لمعرفة الفكر المطرفي فقظ زإنما لدراسة المناخ العام أيضا‪.‬‬
‫ومن ناحية ثانية حفظ لنا العالمان الكبيران المطرفيان "مسلم اللحجي" في الجزء الرابع من‬
‫طبقاته وفيما بقي م ن "كتاب أخبار الزيدية من أهل البيت وشيعتهم باليمن" و"سليمان بن أحمد‬
‫المحلي" في "البرهان الضائق المخلص من ورط المضايق" معظم أفكار المطرفية وعقائدها‪ .‬وهناك‬
‫كتابان للعالمة البحيري في طريقها إلى النشر‪ .‬وقد نقل "أحمد بن عبد هللا الوزير" و "يحيى بن‬
‫الحسين بن القاسم" عن مسلم –وخاصة ابن الحسين‪ -‬شيئا كثيرا‪ ،‬لكن هذه النقوالت كثي ار ما اقتصرت‬
‫على مواصفات المطرفيين الشخصية من التقوى والعبادة والزهد الخ‪ ،‬وهي على أهميتها في معرفة‬
‫رجال المطرفية ال تتحدث كثي ار عن عقائدهم بنفس المقدار التي ينقل ابن الحسين استنتاجات‬
‫المخترعة بقيادة العالمين الكبيرين المخترعين "جعفر بن عبد السالم" و "عبد هللا العنسي"‪ ،‬فإذا أضفنا‬
‫إلى ذلك كتب اإلمام عبد هللا بن حمزة الواسعة االنتشار‪ ،‬نعرف أن استنتاجات المخترعة هي التي‬
‫طمت وعمت‪ ،‬ولكن اليعني أن األفكار األصلية قد ُجهلت تماما فهي موجودة في األروقة العلمية‬
‫وعلى مستوى النخبة‪ ،‬بل وفي أسس االستنتاجات المتعسفة أيضا‪ .‬وال ريب أن قاعدة اإلحالة‬
‫واإلستحالة هي أحد الينابيع األساس الذي فجر الطاقات العلمية المتولدة منها‪ ،‬لكن معرفتها وحدها‬
‫غير كاف لمعرفة اإلبداعات األخرى‪ .‬إنما كمثل باقة زهر فواح يدل على أن وجود حديقة غناء‪ ،‬على‬
‫الباحث أن يذهب إليها وال يفتن فقط بالزهر المقطوف‪ .‬والخالصة أن القول بأن فكرهم مجهول‪ ،‬وأنه‬
‫ال يعلم عنه إال قول واحد غير دقيق‪ .‬فهناك كمية من األفكار يمكن أن تقدم تعريفا جيدا بالمطرفية‪.‬‬
‫وهنا أحب أن أؤكد أن الخالف بين المطرفية العلمية والمخترعة الفقهية ليس فقط حول اإلحالة‬
‫واالستحالة‪ ،‬بل إنه دار حول حول نقاط كثيرة‪.‬‬
‫وقد أسعدني أن يكتب األستاذ "حسن زيد" في هذا الموضوع‪ ،‬ويسعدني أن يكتب غيره أيضا‬
‫فالكتابة‪ -‬مهما بلغت درجة االختالف‪ -‬تثري الموضوع‪ .‬إن تحريك قضية راكدة هي في حد ذاتها‬
‫إنجاز‪ ،‬خاصة إذا أدركنا أن كثيرين يرغبون أال تثار حتى التكون –في مبررهم‪ -‬فتنة في المذهب‬
‫وفساد بين الناس‪ .‬أي لئال ينزعج المطمئن إلى ما قد اطمئان عليه‪ ،‬واستفر في وجدانه‪ ،‬حتى ولو‬
‫كان في ذلك ظلم كبير على آخرين‪ .‬وأنا من مدرسة ترى أن إقامة المعوج ليس إثارة فتنة‪ ،‬وأن إبقاء‬
‫األغطية فوق جثث المظلومين يعتبر ظلما في حد ذاته‪ ،‬وأن في رفعها عنه متنفسا للروائح الظالمة‪،‬‬
‫ومن ثم فالبحث عنها إنما هو إنصاف وانتصاف‪ ،‬ودروس وعبر ُيستفاد منها حتى ال تتكرر أمثالها‪.‬‬
‫ولكي تصل األبحاث إلى غاياتها المطلوبة فإنه ينبغي أن نفرق بين دراسة قضية‪ ،‬وبين دراسة‬
‫شخص؛ ففي الحالة األولى يكون التركيز على القضية نفسها‪ ،‬ومن ثم يبدو دور الشخص فيها جزءا‬
‫من ُك ٍل‪ ،‬ال ُكال من جزء كما هو في الحالة الثانية‪ ،‬فعندما نتناول دراسة شخصية ما فهنا يكون‬
‫التركيز عليه وعلى خصاله وآثاره الخ ويتم إستعراض األحداث من خالل سيرته‪ ،‬باعتباره هو منطقة‬
‫البحث المقصود‪ ،‬وهكذا يتضح أن التفريق بين دراسة المجموع وبين دراسة الفرد‪ ،‬اليعني فصال‬
‫حاسما بينهما‪ ،‬وإنما يعني التركيز على منطقة البحث المقصود‪ ،‬فإن كان قضية فهي التي تستأثر‬
‫بالتركيز‪ ،‬وإن كان شخصا فهو األولى باالهتمام‪ .‬وعلى ذلك فالحديث هنا عن المطرفية هو حديث‬
‫قضية‪ ،‬ومثلها كمثل الحديث عن الخالفة الراشدة والملك العضوض‪ ،‬حيث تبدو أبعد من موضوع‬
‫شخصي بين علي ومعاوية‪ ،‬ألن مايجب أن يدرس في هذا اإلطار هو صراع بين تيارين أحدهما‬
‫يمثله اإلمام والثاني يمثله معاوية‪ .‬وعندئذ يأتي الحديث عن الرجلين رديفا‪ .‬ولو تم التركيز على‬
‫القضية ال الشخص لما وجد أولئك الذين يدعون إلى عدم إثارة الخالف بين أمير المؤمنين علي وبين‬
‫معاوية بحجة عدم إثارة الفتنة بين المسلمين‪ ،‬وبدعوى أن تلك أمة قد خلت‪ ،‬ألنهم بهذا المنطق‬
‫يدافعون عن شخص ال قضية‪ ،‬في حين أنما حدث هو قضية قانون ومبدأ دستوري تجلى بين‬
‫الشرعية و البغي‪ .‬وإذت فإن الدراسة التي تقوم على المساق الشخصي تقلل إلى حد كبير من فاجعة‬
‫ما حدث ضد الدستور والنظام كله‪ ،‬لكن الدراسة على مساق القضية تحدد أبعاد الفاجعة وتظهر‬
‫الرشد القانوني كما يجسده أمير المؤمنين وقضية البغي كما يجسدها معاوية‪ ،‬وليست مسئلة علي‬
‫ومعاوية‪ .‬وال أحد ينكر أن لمعاوية خصاال رفيعة على المستوى الشخصي‪ ،‬لكن له إفعاال ضارة على‬
‫مستوى القضية‪ .‬ومن هنا اليمكن أن تغطي هذه الخصال الوجه الحقيقي للفعل‪ .‬وهذا ‪-‬في رأيي‪ -‬ما‬
‫يجب أن يقوم عليه البحث‪ ،‬ويقوم الحوار في كل قضية مشابهة‪.‬‬
‫*‬
‫سأحاول في هذا التوضيح إبقاء النقاش ما أمكن في إطار الوقائع والنصوص؛ ألن التركيز‬
‫على معرفة الوقائع التاريخية ومعرفة النصوص كما وردت‪ ،‬هو الذي يفضي إلى إمكانية تركيب‬
‫اآلراء‪ ،‬واستخالص النتائج بسهولة‪ ،‬ويحميهما من الزيغان في مسارب ثانوية أو خارجة عن‬
‫الموضوع‪ .‬وعليه فإن معرفة الوقائع كما كانت عليه‪ ،‬وقراءة النصوص بحروف مؤلفها ال برغبة‬
‫قارئها هي التي تفضي بالضرورة إلى صحة الرأي أو خطئه‪ ،‬ومتى صححت الوقائع وقرأت‬
‫النصوص بمدلوالتها فإن اآلراء تصحح نفسها‪ .‬أما ما يطرح من رأي ‪-‬وخاصة إذا كانت القضايا ما‬
‫تزال عند صاحبها غائمة ‪ -‬فيحسن أال تناقش أصال‪ ،‬وإنما ينصرف البحث إلى دراسة الوقائع أو‬
‫النصوص‪ ،‬ومتى تم ذلك فأن الرأي أواالستنتاج يقوم على قاعدة‪ ،‬أما إذا كان قائما على مجهول فهو‬
‫في الحقيقة ناتج ظن صرف‪ ،‬وبعض الظن إثم‪ ،‬فإذا أضفنا إلى ذلك مايكمن خلف الرأي من ميول‬
‫وتعاطف وارتباطات أدركنا أن الرأي يتولد من التوجه الخاص‪ .‬وعليه فيلزم من ذلك أن ينصب‬
‫اإلهتمام على دراسة الوقائع وتفحص النصوص‪ ،‬قبل إبداء الرأي واستخالص االستنتاج‪ .‬هذا مع‬
‫التسليم المطلق بأن لكل إنسان الحق كل الحق فيما يراه صوابا‪ ،‬وله الحق كل الحق أن يعرض‬
‫آرائه‪ ،‬ولكن البحث العلمي ال يقبل رأيا إال على أسس واضحة‪.‬‬
‫*‬
‫كنت قد كتبت عن المطرفية بحثا اقتضى المنهج مني أن أوضح نقاطا ال نصل بدونها إلى‬
‫فهم المطرفية كما يجب‪ .‬وقد تمحورالتوضيح حول أربع نقاط‪ :‬األولى‪ :‬أن اإلمام زيداً كان من علماء‬
‫الكالم وليس كما يوحي به كالم المؤرخ المنصف يحيى بن الحسين‪ .‬والثانية‪ :‬أن مذهب الهادي لم‬
‫يغلب على مذهب زيد كما ذكر المؤرخ يحيى أيضا‪ .‬والثالثة أن المطرفية لم تنبثق من الجارودية‬
‫على ما ذكره ابن المرتضى؛ ألن الجارودية لم تكن تنتمي إلى الزيدية وال الهادوية أصال‪ .‬والرابعة‪:‬‬
‫هو حقيقة ما يعني مصطلح الطبائعية التي كانوا يسمون بها المطرفية‪ .284‬وكانت تلك النقاط بمثابة‬
‫تمهيد الطريق للدخول إلى حرم الفكر المطرفي أستبيانا للحقيقة واستنطاقا للمعالم الغائمة‪.‬‬
‫وقد استقى ذلك البحث مصادره من ينبوعين‪ ،‬األول‪ :‬مما صح انتسابه إلى المطرفية وهذا ما‬
‫ال شك فيه‪ .‬والثاني‪ :‬ما نسبه إليها خصومها من أراء‪ ،‬وهذا مااحتاج إلى بحث وتنقيب‪ ،‬فرواية‬

‫‪ 284‬انظر تفاصيل كل ذلك يف حوار عن املطرفية‪ :‬الفكر واملأساة ‪46-35‬‬


‫الخصوم البد أن تغربل قبل رفضها أو قبولها ألنها تحمل قد ار من الشك في مصداقية الخصم عموما‬
‫يرغم على بحثها بطبيعة الحال‪ .‬وقد تبين لي من خالل قراءتي لنصوصها ونصوص خصومها أن‬
‫المشكلة ال تكمن فيما يروونه عنها‪ ،‬ولكن فيما استنتجوه هم منها‪ ،‬واستخرجوه من أصولها‪ ،‬والذي‬
‫توصلت إليه أن تلك اإلستنتاجات واالستخراجات التتفق مع ما أرادته المطرفية قط‪ ،‬فالحقائق العلمية‬
‫كتكون المطر والبرد والسحب واألسقام والمرض والرزق واإلحالة واإلستحالة‬
‫التي أطلقتها المطرفية ُّ‬
‫أبحاث علمية رائدة أقرها العلم الحديث‪ ،‬وبنى عليها هذه الحضارة المتفوقة‪ .‬أما ما استنتجه خصومها‬
‫عن تلك األفكار فهي‪-‬إلى جانب تعسفها‪ -‬تمثل فك ار ارتداديا كابحا‪ .‬ونحن معنيون بحقيقة هذا الفكر‬
‫ال باستنتاج وإلزام‪ ،‬إال من حيث أنه يجسد فقها ذابال‪.‬‬
‫ومن هنا فلم استبعد من مصادر بحثي ما رواه عنها خصومها‪ ،‬ولكني لم التزم باستنتاجاتهم أو‬
‫إلزاماتهم‪ ،‬ألنها ال تتسق مع ما أرادته المطرفية‪ ،‬وما رووه عنهم هو حجة للمطرفية على المخترعة؛‬
‫ألن ما اعتبره خصومهم كفرا‪ ،‬هو في حقيقته علم راجح‪ ،‬وإبداع متطور‪ ،‬وإيمان مطمئن ليس فيه ما‬
‫يريب‪ .‬من هنا يأتي األسف والشجى على أن ال يظل هذا التراث تيا ار علميا قويا‪ ،‬إذ الشك أن‬
‫‪285‬‬
‫ضعفه قد أورث غيبوبة علمية حتى اليوم‪.‬‬
‫واألن لنطرح بعض األضواء على النقطة األولى وهي أن اإلمام زيد كان من علماء الكالم‬
‫فالمقال لم يعارض ما ذهبت إليه‪ ،‬ولكنه طرح قضايا خارج إطار الموضوع فمن ذلك مثال أنه قال‬
‫أنني لم أقدم ل لقراء (ما الذي اتفق فيه اإلمام زيد مع واصل واختلف فيه مع علماء أهل البيت) فهنا‬
‫ينبغي إقرار أن طبيعة البحث العلمي وشروطه هو البقاء حول الفكرة المحورية أو العمود الفقري‬
‫للموضوع‪ ،‬وليس التشعب واإلستطراد‪ .‬والموضوع الرئيس كان هو إثبات التالقي بين اإلمام زيد‬
‫والعالمة واصل‪ ،‬وما دام قد ثبت ذلك فليس من طبيعة البحث العلمي الخروج منه لدراسة كل ما اتفقا‬
‫عليه أو اختلفا فيه‪ ،‬فذلك موضوع مستقل ومفيد ومهم‪ ،‬لكنه خارج إطار بحث مقيد بقضية محددة‪.‬‬
‫ولم أكن ألدخل في تفصيل كل أوجه التالقي المختلفة بينهما‪ ،‬وإال كنت خرجت عن الموضوع‪،‬‬
‫وإنما كان علي أن أثبت هذا التالقي‪ ،‬وقد فعلت‪ .‬ألني إن فعلت ما أراد خرجت بالبحث عن‬
‫موضوعه‪ .‬وأكثر إغراقا من ذلك هو أنه كان علي أن أتناول ما اتفق فيه اإلمام زيد مع واصل‬
‫واختلف فيه مع علماء أهل البيت‪ ،‬فبرغم أنه موضوع مهم ومفيد‪ ،‬لكنه يبتعد عن الموضوع إبتعادا‬
‫شاسعا‪ ،‬فمالي وأنا أكتب عن المطرفية أن أكتب عما اختلف فيه مع علماء أهل البيت‪.‬‬

‫‪ 285‬وقبل الدخول يف التعقيب كنت أمتىن على الصديق احلسن‪-‬من أجل القراء واستكماال لشروط البحث املوضوعي أن يقوس بداية النص ولذذيس فقذذط هنايتذذه‬
‫كما فعل ألن يف التقويس إبعاد قلم الكاتب ‪-‬أي كاتب‪ -‬عن هتمة التحايل على اللفظ‪ ،‬وهذه الطريقة تتيح للقاري أن يرجع إىل النص ليتأمل مقاصده‪ ،‬ومن‬
‫مث يستبني حقيقة وأبعاد ومرامي اخلالف‪.‬‬
‫األمر الثاني‪ :‬الذي ينبغي إلقاء مزيد من الضوء عليه هو ما ذهب إليه المقال من أن‬
‫(المخترعة ينتسبون إلى علم الكالم أيضاً) وال أعرف لماذا طرحه فلم يقل أحد أن المخترعة ال تنتمي‬
‫إلى علم الكالم وإلى المعتزلة أيضا‪ .‬ففيهم الكثير من علماء الكالم ومعظمهممن المعتزلة‪ .‬وربما‬
‫كان لنا فيما طرحه فرصة لمزيد من إيضاح هذه النقطة‪ ،‬وهنا أريد أن أقول أن الخالف بين المطرفية‬
‫والمخترعة –وكالهما ينتميان إلى المعتزلة‪ -‬هو خالف بين مدرستي بغداد والبصرة المعتزلتين‪ .‬وقد‬
‫فصلت الخالف بين المدرستين في كتابي عن اإلمام "مطرف بن شهاب" الذي سيظهر قريبا إنشا‬
‫هللا‪.‬‬
‫واألمر الثالث الذي بحاجة إلى توضيح هو‪ :‬ما ذهب إليه المقال من أن اإلحالة واالسـتحالة لـم‬
‫يقــل بهــا اإلمــام زيــد‪ .‬وحــول هــذه النقطــة‪ -‬التــي قــد ُيظــن أنــه يترتــب علــى صــحتها قطــع الصــلة بــين‬
‫المطرفية واإلمام زيـد‪ -‬أريـد أن أوضـح أن ال أحـد زعـم أن اإلحالـة واالسـتحالة قـال بهـا اإلمـام زيـد بـن‬
‫علــي (ع) به ــذا اللف ــظ وبهــذا التعبي ــر‪ ،‬ولكنه ــا ‪-‬ف ــي أريــي‪ -‬كامن ــة ف ــي نهجــه العقالن ــي القاب ــل للتط ــور‬
‫بالض ــرورة‪ ،‬فم ــا وص ــل إلي ــه المطرفي ــة كان ــت بس ــبب ذل ــك الكم ــون العقل ــي ف ــي الزيدي ــة المنفتح ــة الت ــي‬
‫تخلقت‪ -‬عبر سلسلة من التطور‪ -‬ضمن مـنهج اإلمـام العقالنـي المفضـي بالضـرورة إلـى االستكشـاف‬ ‫َّ‬
‫واالبداع‪ ،‬فاإلحالة واالستحالة إذن‪ -‬وإن لم يقل بها‪ -‬نبت من غراسه‪ ،‬وفـرع مـن شـجره‪ ،‬مـرت بـأطوار‬
‫كمــا ن ارهــا عنــد اإلمــامين القاســم والهــادي وبلغــت نضــجها عنــد المطرفيــة‪ .‬وادعــاء المطرفيــة أنهــم أقــرب‬
‫إلــى الهــادي والقاســم عليهمــا الســالم فــي موضــوع كيفيــة خلــق هللا للعــالم‪ ،‬ومــا انبثــق عنهــا دليــل علــى‬
‫اتصالهم بزيد بن علي عن طريق الصالحية الزيدية‪ ،‬الالجارودية كما سنفصله في غير هـذا الحـديث‪،‬‬
‫وعندئذ سنرى عجبا‪.‬‬
‫يؤكـد تطـور األفكــار مـن ينبـوع خــالَّق أن الفكـر المطرفـي نفســه بقـي فـي عمليــة تطـوير دائمــة‪،‬‬
‫وقبل أن ينطفي نور الفكر العلمي كان الشيخ "سليمان بـن سـالمة" قـد طـرح فكـرة علميـة أقرهـا العلمـاء‬
‫في يومنا هذا‪ ،‬وهي أن كل المخلوقات تتفاعـل باسـتمرار وتغيـر حلقهـا األول وتظـل فـي تخلـق مسـتمر‬
‫‪286‬‬
‫المذكور‪ ،‬وتبعه مقدار ثالثين رجال‪ ،‬ثم إنهـم‬ ‫وهذه الفكرة كانت (بعد موت القاضي جعفر بن أحمد‬
‫وممن تابعه في هذا الـرأي العالمـة الحسـن بـن سـعيد المسـوري (وكـان رجـال متبوعـا‬ ‫‪287‬‬
‫تزايدوا وكثروا)‬
‫في المطرفية)‪.‬‬
‫*‬

‫‪ 286‬توىف القاضي جعفر بن أمحد عام ‪1178-77/573‬أو ‪1181-576،80‬‬

‫‪ 287‬املستطاب أ ‪ ,132 :‬ب ‪114‬‬


‫وســوف نتجــاوز النقطــة الثانيــة وهــي عــن أن مــذهب الهــادي هــو مــذهب زيــد فالمقــال لــم يــأت‬
‫بشيء مخالف حول هذه النقطة حتى نوضح ونعقب‪ ،‬ونصل إلى النقطة الثالثة وهي انتماء الجارودية‬
‫إلى الزيدية والهادويـة مـن عـدمها‪ .‬وأسـارع فـأقول أننـي بـاق عنـد أريـي األول وهـو أن أبـا الجـارود لـيس‬
‫زيديا وليس هادويا‪ ،‬وألن صاحب المقال لم يقتنع بما سبق من حجج‪ ،‬فقد لزم إلقاء المزيد مـن الضـوء‬
‫على هذه القضية‪.‬‬
‫ففي فقرة "حيثيات بال منهج" علق على ما نفيته من إنتماء أبي الجارود إلى اإلمامين زيد‬
‫والهادي‪ ،‬ومن ثم المطرفية الذين قال فيهم ابن المرتضى أنها قد انبثقت عن الجارودية‪ ،‬قائال بعد‬
‫الثناء الجم على إسلوبي‪( :‬مع ذلك إال أنني شعرت بقلق وتوتر لعدم وضوح الحيثيات التي بنى‬
‫األستاذ زيد أحكامه عليها)‬
‫أوقفني قوله هذا عن شعوره بالقلق والتوتر ألستجلي حالة الكتابة تحت ضغط التوتر والقلق‪،‬‬
‫فإنه من المؤكد أنهما ثم يضعان التجرد والموضوعية تحت رحمة التوتر والقلق‪ ،‬ألنهما أي التجرد‬
‫والموضوعية تصبحان واقعتين تحت مشاعر هائجة متوترة وقلقة‪ .‬ولكني حقيقة ال أعرف معنى لهذا‬
‫التوتر‪ ،‬ألن هدف الجميع كما أعتقد هو الوصول إلى الحقيقة بابتهاج وصدر مفتوح‪ ،‬وإذا كان مقالي‬
‫لم يوضح الحيثيات كما يقول فال يستدعي ذلك حصول قلق وتوتر؛ فالقلق والتوتر يأتيان نتيجة‬
‫انفعال متوتر‪ ،‬ال رؤية واضحة‪ ،‬وفي ظل التوتر ال يصل اإلنسان إلى الرؤية الصافية‪ ،‬وأخشى أن‬
‫يكون ذلك القلق وذلك التوتر قد سيط ار ووجها على بقية المقال‪.‬‬
‫ثم بعد هذا التوضيح السريع أعود إلى ما قاله من أن (دعوى األستاذ زيد مخالفة الجارودية‬
‫لإلمام زيد (ع) ومناقضتهم كل المناقضة‪ ،‬ال يجد لها سنداً في الواقع‪ ,‬بل على العكس تماماً فان أبا‬
‫الجارود يتفق مع اإلمام زيد في مسألة اإلمامة تمام االتفاق إذا استثنينا رأي أبي الجارود من‬
‫الصحابة المتقدمين على اإلمام علي (ع) ودعوى مناقضة الجارودية لإلمام زيد (ع) في جواز إمامة‬
‫المفضول على الفاضل ال يوجد لها سند فكري‪ ،‬من أفكار اإلمام زيد (ع) أو أبي الجارود)‬
‫البد من اإلستماع إلى صوت الوقائع والنصوص هنا‪ ،‬فماذا يقوالن؟ لقد أعلن اإلمام األعظم‬
‫رفض تبرؤه من خالفة الشيخين‪ ،‬وأعلن أنه لم يجد أحدا من أهل بيته تب أر منهما‪ .‬هذا حديث النص‪،‬‬
‫أما حديث الوقائع التي ووثقت النص فإنه خسر معركته بسبب تمسكه بمواالتهما‪ .‬ولو كان قد‬
‫خطأهما على األقل لما انصرف عنه الغالية من الشيعة‪ .‬ثم كيف يتب أر منهما وأمير المؤمنين علي‬
‫عليه السالم قد توالهما وبايعهما؟ هل يتب أر من اإلمام علي الذي ارتضى خالفتهما وأخلص لهما؟‪.‬‬
‫المنطق يقضي أنه لو تب أر منهما لتب أر‪-‬في الوقت نفسه‪ -‬من موقف اإلمام علي‪ ،‬وهو ما لم يفعله‬
‫أمير المؤمنين عليا في هذه المواالة؟‪ .‬وعليه‬
‫يد َ‬‫اإلمام ز ٌ‬
‫ُ‬ ‫قط‪ ،‬وإذن فلماذا‪-‬منطقيا وتاريخيا‪ -‬يخالف‬
‫فإن قول المقال بأن عدم البراءة منهم شيء‪ ،‬وإقرار خالفتهم شيء آخر اليطابق المنطق وال ينسجم‬
‫مع الحدث‪.‬‬
‫وأخلص م ن هذه العوارض إلى ذكر نص آخر يميز بين موقف المطرفية وبين موقف‬
‫الجارودية من الخلفاء الراشدين‪ ،‬وهذا النص يوضح أن المطرفية بالرغم من إعتقادهم حق اإلمام‬
‫علي في الخالفة‪ ،‬إال أنهم لم يكونوا يسبون الخلفاء الراشدين‪ ،‬وكانوا يعتبرون عائشة‪ -‬وموقفها من‬
‫اإلمام أشد من موقف الشيخين‪ -‬في الجنة‪ .‬وهذا على خالف رأي أبي الجارود الذي يكفرهم ويقضي‬
‫بسبهم‪ .‬وأهمية هذا الدليل أن الذي رواه وكتبه بخط يده وأشهد عليه هو خصم المطرفية الشديد‬
‫العالمة الكبير الشهير جعفر بن عبد السالم‪ ،‬كما أن الذي رواه عنه هو المجتهد المطلق محمد بن‬
‫إبراهيم الوزير‪ .‬روى الستاذ إسماعيل األكوع عن العالمة المؤرخ الثقة الحسين بن القاسم أنه قال في‬
‫"أنباء الزمن" في أخبار سنة ‪"( :/568‬أجمعت الزيدية المخترعة والمطرفية أن عائشة رضي هللا عنها‬
‫زوج النبي في الجنة‪ ،‬وأنه ال يجوز سب أبي بكر وال عمر وال غيرهما من الصحابة وذلك بمسجد‬
‫الجامع بذمار"‪ .‬هكذا ذكره السيد "إبراهيم بن محمد الوزير" في "حواشي الهداية" قال‪ :‬وعلى ذلك خط‬
‫القاضي "جعفر بن عبد السالم" واإلشهاد عليه‪ .‬وهللا أعلم)‪.288‬‬
‫فنحن هنا أمام واقعة تاريخية في "مسجد ذمار" حصلت بين الخصوم وانتهت إلى وفاق ووقع‬
‫عليه كبير المخترعة وأش هد عليه‪ .‬وعليه فالرأي الذي جاء به المقال ال محل له من اإلعراب‪ .‬ونحن‬
‫نعلم أن كثيرين من المخترعة ما عدى كبار األئمة وكبار العلماء لم يلتزموا بذلك‪ ،‬وكان بعضهم‬
‫يمارس السب‪ ،‬وبعضهم يتوقف في حين لم نجد أحدا من المطرفية حتى اآلن قد سب الصحابة أو‬
‫شتمهم‪.‬‬
‫أما القول بأن جلد الهادي لمن سب الصحابة (ال يعني أنه يرضي عنهما ألنه قد يكون‬
‫كموقف اإلمام علي (ع) في نهيه أصحابه عن سب أصحاب معاوية معلالً ذلك بأن السب ليس من‬
‫أخالق المؤمنين‪ ،‬المؤمن ليس بسباب وال لعان) فهو رأي نحترمه‪ .‬لكنا نعتقد أن هناك رأيا آخر أقرب‬
‫إلى فهم الواق عة وهو أن الهادي لم يأمر بالجلد إال العتقاده بأن المجلود قد ارتكب كبيرة‪ ،‬ألن الجلد‬
‫من عقوبات الكبائر‪ ،‬وال نعتقد الهادي ‪ -‬وهو نموذج العدل‪ -‬يقدم على هذه الخطوة إال إذا كان‬
‫صاجبها يستحقها ألنه معروف عن الهادي أنه كان يضع األحكام في مواضعها‪ ،‬وال يمكن أن يجلد‬
‫شخصا بدون مبرر كاف؟‪ .‬وهذا يسلمنا إلى القول بأن هذا سب الخلفاء عند الهادي من الكبائر‪،‬‬

‫‪ .73‬أتليف القاضي ا اعيل بن علي األكوع‪ .‬دار الفكذر‪ .‬دمشذق‪ .‬دار الفكذر املعاصذر بذريوت الطبعذة الثالثذة ‪ )1997/1418‬مذع الذتحفظ علذى لفذظ الذنص‪ ،‬ألن لألسذتاذ "ا اعيذل األكذوع" جرئذة كبذرية علذى‬ ‫‪3‬انظر عن الزيدية نشأهتا ومعتقداهتا‬

‫تبديل الكلمات وحتريفها كما اثبتنا ذلك يف مقدمة "مكنون السر" فانظره‪.‬‬
‫وعليه فاألقرب إلى االصواب أن الهادي كان يرضي عنهم ؛ ألن من سبهم قد ارتكب كبيرة من‬
‫الكبائر يستحق عليها الجلد‪ ،‬وارتكاب الكبائر جريمة في حق الخلفاء فكيف ال يرضي عنهم وهو‬
‫يعتقد أن سبهم كبيرة من الكبائر‪ ،‬وكان األولى بصاحب المقال أن يشكك في الجلد‪ ،‬أما إذا أثبته فإن‬
‫رأيه لن يتناغم مع طبيعة الحدث‪.‬‬
‫ثم قال‪( :‬ولو ق أر األستاذ زيد كتاب "الرائق" أو كتاب د‪ .‬على محمد زيد "معتزلة اليمن في‬
‫القرن السادس" لوجد التطابق الكامل بين أفكار مطرف بن شهاب والمطرفية في مسألة اإلمامة مع‬
‫ما روي عن أبي الجارود)‬
‫وقد قرأته ولم أجد فيما تحدث به د "علي محمد زيد" شيئا من هذا القبيل‪ ،‬وما أراده المقال لم‬
‫يرده الدكتور في النص الذي جاء به‪ ،‬ألن الدكتور كان يرد على من زعم أن المطرفية أبطلت نظرية‬
‫اإلمامة‪ ،‬وأدار حديثه حول هذه النقطة‪ ،‬ولم يتحدث عن أي لقاء بين مطرف وابي الجارود‪ .‬وقد‬
‫يكون ألحد من المطرفية رأي متشدد‪ ،‬لكنه اليمثل الفكر العام‪ ،‬وهذا يحدث في كثير من المذاهب‪،‬‬
‫وفي الزيدية من خالف اإلمام زيد واجتهد غير اجتهاده‪ ،‬ولم يخرج عن الزيدية‪ ،‬إذ أن المهم هو‬
‫األسس الثابتة التي يعتبر بها الزيدي زيديا والمعتزلي معتزليا‪.‬‬
‫وأخي ار يحسن توضيح نقطة مهمة ليس فقط لمواجهة هذه الحالة بل لمواجهة كل الحاالت‬
‫اء جاز التكفير باإللزام أم لم‬
‫المشابهة‪ ،‬وهي موضوع التكفير تفسه‪ ،‬وقد أغتنم فرصة قوله‪( :‬وسو ً‬
‫يجز‪ ،‬فهل تعصم الصالة والصيام وأداء الزكاة واإلقرار بالشهادة دم المسلم حتى لو أعتقد ما نعتقده‬
‫كفرا) ألشرح ما أعتقده حول هذه النقطة ألهميتها وخطورتها وجنايتها عبر التاريخ وفي الحاضر حتى‬
‫التستمر في المستقبل؛ فينبغي أن يتوافق المورخون على أن يزيلوا من أذهانهم وما ترسب في‬
‫وجدانهم قضية التكفير بااللزام إ و بغيره‪ ،‬وأن ليس من حق أحد أن يكفر أحدا من المسلمين‪ ،‬ال‬
‫باإللزام وال بغيره مالم يعلن اإلنسان عن كفره بنفسه‪ .‬أما مادام يشهد أن ال إله إال هللا وأن محمدا‬
‫رسول هللا‪ ،‬فقد عصم دمه‪ ،‬ألنه لم يكفر‪ .‬وإذا أخطأ فلكل خطيئة اسم‪ .‬لقد ضمن اإلسالم لغير‬
‫المسلم حريته‪ ،‬أفال يضمن اإلسالم للمسلمين حريته في إطار دينه وقد ضمنها لمن لم يسلم؟‪ .‬ثم من‬
‫من هو الذي له الحق في إصدار التكفير؟ هللا؟ أم البشر؟ ومن يضمن أن الحاكم لم يظلم في حكمه‬
‫وقد أصدرت الخوارح أحكاما على خصومها بالتكفير واستباحت دمائهم فهل كان حكمهم عادال؟ إذن‬
‫في قضية ال تكفير حطيرة ال أنها تعتدي على المخلوقين بل تعدي على حق هللا‪ ،‬وليس ألحد أن‬
‫يعتدي على حقوق هللا فيجعل ذاك كاف ار وذاك مؤمنا‪ ،‬ألننا لو فعلنا ذلك لن نبقي لرب العلمين‬
‫حقوقه؛ وسنشاركه فيها؛ فلندع حقوق هللا هلل‪ ،‬ونناقش ماأوكلنا إليه رب الناس‪ ،‬ونعوذ به من الوسواس‬
‫ا لخناس‪ ،‬الذي يوسوس بالباطل على معتقدات الناس‪ .‬وفي هذا اإلطار لم يكفر اإلمام علي الخوارج‬
‫‪-‬وهم من يقول بالتكفير‪ -‬وإنما دعاهم ‪-‬بخلق سماوي رفيع‪ -‬إخواننا بغوا علينا فهم مسلمون بغاة‪،‬‬
‫وهكذا نسمي األسماء بمسمياتها فهناك مسلمون فاسقون ومسلمون زناة الخ بدون تكفير‪.‬‬
‫إذا تجنبنا التكفير كأساس لألحكام في ابحاثنا‪ ،‬تاركين ذلك هلل سبحانه‪ ،‬فإننا سنحقق قدرتنا‬
‫كبشر على تناول القضايا بروح أقرب إلى التقوى التاريخية‪ ،‬حيث يكون ميزان القضايا بالقسط أقرب‬
‫إلى قدراتنا اإلنسانية‪ ،‬ومؤهالتنا العلمية‪ ،‬وسيمكننا ذلك من وضع ما يحتلف الناس عليه في ِّ‬
‫إطار‬
‫خطأ أو صواب‪ ،‬ال ِّ‬
‫إطار إيمان أو كفر‪ ،‬وبهذا تظل القضايا خاضعة للخطأ والصواب‪ ،‬أما إذا قلنا‬
‫بالتكفير فقد اخرجناها من قدراتنا كبشر‪ ،‬وأعلقنا أبواب البحث بأقفال ثقال‪.‬‬
‫من هنا يجب النظر إلى قضية المطرفية‪ -‬وكل القضايا‪ -‬بعيدا عن مجال التكفير‪ ،‬وعلينا أن‬
‫نتن اول أفكارهم وننظر فيها من حيث هي جيدة أو غير جيدة‪ ،‬مصيبة أو مخطئة‪ ،‬وفي هذه الحالة‬
‫نتفهم راي من يقول بخطأ أفكارهم‪ ،‬وإن لم نقبله‪ ،‬لكنا نحترم فهمه‪ ،‬وال نجبره على رأي آخر‪ ،‬وكما‬
‫هوثابت فإن صواب الرأي من عدمه مرجعه إلى طبيعة المتلقي وثقافته فإن اعتبرها خاطئة أو صوابا‬
‫فهو وما يعتقد‪ ،‬لكن اليجعل من رأيه سيفا حادا‪ ،‬وال رمحا قاتال‪.‬‬
‫ولكي اليظل اإللتباس قائما ومختلطا حول الحوار عن المطرفية فإننا نطرح جانبين لقضية‬
‫المطرفية‪ ،‬األول تكفيرها‪ ،‬والثانية قتلها‪ ، ،‬أي أن القضية هنا مزدوجة‪ :‬كفر وقتل‪ .‬والتفريق بينهما‬
‫ضروري‪ ،‬إذ قد يجد الناس لإلمام عذ ار لو أن المطرفية ُقتلت بسبب خالفها السياسي مع اإلمام‬
‫المنصور‪ ،‬أو أي سبب أخر غير ديني‪ ،‬وقد يجدون له قضايا مشابهة في التاريخ السياسي‪ ،‬ولو بقي‬
‫األمر بدون تكفير لكان العبء أقل وطأة والثقل أخف حمال‪ ,‬أما أن تقتل بسبب أفكارها ومعتقداتها‬
‫فإن العذر يضيق حتى ال يوجد له شبيها إال في صنع الخوارج‪.‬‬
‫وليس أدل من فساد اإلحتجاج بالتكفير من أن الذين قالوا بتكفير المطرفية سيواجهون اليوم‬
‫حرجا ما بعده حرج‪ ،‬ألن العلم الحديث أقر مادعت إليه المطرفية ونادت به‪ ،‬فهل المسلمون العلماء‬
‫اليوم كافرين ألنهم يرددون هذه األفكارإن التكفير في حد ذاته لعبة خطرة ومؤقتة‪ ،‬قد يقبلها جيل‬
‫محكوم بمفاهيم معينة لكنها ما تلبث أن تتعرى بحكم اإلستكشاف الموعود في اآلفاق وفي األنفس‪،‬‬
‫وألن الكفر أصال أمر غيبي ال يعرفه إال عالم الغيوب‪ ،‬فقد بطل التكفير من األساس‪.‬‬
‫في الحقل الذي تكون فيه قدراتنا فادرة عليه فإن أقصى ما يحتمله البحث عن فكر المطرفية‬
‫هو إما أن يكون فك ار مخطئا‪ ،‬أو فك ار مصيبا‪ ،‬فإن كان مخطئا فهو إجتهاد إن إخطأ فله أجر واحد؛‬
‫إذ ليس للفكر عقوبة‪ ،‬وإن كان مصيبا فله أجران‪ ،‬إذ للفكر مثوبة‪ ،‬ومن ثم يبدو الحكم الذي قضى‬
‫عليهم ‪-‬بعد إسقاط كل حساب‪ -‬كان خطأ محضا‪ ,‬وظلما واقعا‪ ،‬وألن القضية ليس فيها تنفيذ حكم‪،‬‬
‫فقد أوكلوا جميعا إلى رب العالمين‪ ،‬مكتفيين‪ -‬نحن من ال يرى رأي التكفيريين ‪ -‬بالنطق بالحكم‬
‫بوقوع الظلم‪ .‬ومن يريد أن يدافع عن هذا الظلم من حقه تماما‪ .‬أما أن يكفرهم فال نعتقد ذلك سبيال‬
‫سويا‪ ،‬وإنما نراه خطئا كبيرا‪ ،‬وغير مقبول عقال ونقال‪ .‬ولذا فنحن في ابحاثنا نرفع موضوع الكفر من‬
‫قائمة البحث‪ ،‬ونضع محله وقائع للبحث‪ .‬وفي هذا السياق فإنما نضع تكفير المطرفية تحت البحث‬
‫ال نضعه من حيث صحته وصوابه‪ ،‬وإنما من حيث وقوعه من الناحية التاريخية‪ ،‬كشيئ حصل‪،‬‬
‫ونحن ملزمون بالوقائع‪ ،‬والوقائع تثبت أن المطرفية ‪ -‬بشهادة خصومها‪ -‬كانت عميقة التقوى عميقة‬
‫اإليمان‪ .‬ومن هنا فدراسة قتل المطرفية كنتيجة لكفر أفكارها خطأ كبير‪.‬‬
‫وعليه فينبغي إستبعاد التكفير من إطار البحث تماما إال كواقعة حصلت‪ ،‬واإلبقاء على دراسة‬
‫األفكار نفسها للوصول إلى تقييم الخطأ والصواب فيها‪ ،‬وإذن فنتلمس دوافع القتل في غير هذا‬
‫المجال‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫التعقيب‬
‫بعد تلك التوضيحات أدخل األن في التعقيب إما على نقاط خرجت من دائرة البحث‪ ،‬وإما على‬
‫نقاط لم تفهم فأخطأت سبيلها‪ ،‬وفي الحالتين يحتاج األمر إلى التنبيه إليهما‪.‬‬
‫من تلك التي خرجت عن دائرة البحث إقحام موضوع الثورة الدستورية وقتل اإلمام يحيى على‬
‫موضوع المطرفية‪ ،‬ففي صدد مشاركته لي(إدانة عمليات القتل ممن كانت) اضاف (آمالً أن‬
‫يشاركني إدانة اغتيال اإلمام يحيى حميد الدين‪ ,‬وحفيده‪ ,‬وشيخ اإلسالم الحسين بن عبد هللا العمري‬
‫"رحمهم هللا" وكل من قتل ويقتل دون حكم شرعي نهائي بات‪ ،‬فإذا جاز قتل اإلمام يحيى ومن معه‬
‫غيلة فكل دم مباح‪).‬‬
‫ليس من شك أني اشاركه إدانة كل من قتل دون حكم شرعي‪ ،‬ولكن ال اشاركه أن اإلمام‬
‫يحيى قتل بدون حكم شرعي‪ ،‬ألنه قتل بالفعل بفتوى أكبر العلماء في حينه وهو الشهيد العظيم حسين‬
‫الكبسي واإل مام عبد هللا بن أحمد الوزير والفضيل الورتالني وغيرهم‪ .‬وإذن فالقضية محسومة من‬
‫ناحية الفتوى‪ ،‬ولكن لمن يريد أن يستأنف الحكم وينظر فيه‪ ،‬فله الحق في ذلك‪ ،‬أما أن ينكر الفتوى‬
‫من األساس فمصادرة مجحفة لقضية حية‪ .‬و"مجملة المسار" ترحب بنشر أي مرافعة دفاعية‪ .‬إذن‬
‫فليس في اإلمكان إنكار واقعة تاريخية‪ ،‬ولكن لنا جميعا الحق أن نناقشها‪ .‬على أن الواقع يفرق بين‬
‫الموقف السياسي وبين الموقف الفكري ولكل دراسته الخاصة‪ ،‬وليس الحاكم كالمفكر؛ فبينهما بعد‬
‫شاسع‪ ،‬وليس اإلمام‪-‬أي إمام‪ -‬وبيده القوة والسلطة المطلقة كالمحكوم الذي اليملك من أمره شيئا‬
‫فعصمة دمه أكثر حرمة من دم إي إمام استباح الدم‪ ،‬واإلمام يحيى قد قتل "بيت أبو دنيا" على‬
‫الظن‪ ،‬وأسف على فعلته‪.‬‬
‫أريد أن أوضح هنا ما سبق قوله عن القضية والشخص وهو أن تناول قضية اإلمام يحيى‪،‬‬
‫وايضا اإلمام عبد هللا بن حمزة‪ ،‬اليعني‪ -‬والحديث عن الثورة الدستورية أو المطرفية‪ -‬تناوال شخصيا‪،‬‬
‫وإنما بحثا عن قضية‪ .‬بل ليس تأييدا لمذهب وال شجبا آلخر‪ ،‬وإنما هو محاولة إعادة تركيب تاريخ‬
‫مضى‪ .‬وهنا أريد أن أسأل لو أن ملكا أيوبيا أورسوليا أو طاهريا هو الذي تولى ذبح المطرفية هل‬
‫سيكون للمطرفية قضية عند هؤالء المدافعين عن اإلمام عبد هللا بن حمزة؟ أما أنا فأعتقد أن‬
‫المطرفية كانت ستتحول إلى قضية عند هؤالء بخالف لو أن كان قاتلها من داخل المذهب فإن‬
‫التأويالت ستنهمر‪ ،‬فالشخص الكبير ‪-‬داخل هذا اإلطار‪ -‬يقف عائقا عن فحصها كقضية‪ .‬ذلك أننا‬
‫عندما نتحدث عن شخص ما تبهرنا خصاله وأقواله ويتحول هذا اإلعجاب إلى مجن ُيتقي به صولة‬
‫المغيرين‪ ،‬فمثال على ذلك يتحدث المؤرخون عن خصال معاوية وصبره وحلمه َ‬
‫وش َع َرته المعروفة‬
‫فيعجبون بها ويتحول إعجابهم بهذه الخصال للدفاع عن قضية بشعة إرتكبها‪ ،‬وهي البغي على‬
‫الخليفة الشرعي وتحويل الشورى إلى فردية‪ ،‬والخالفة إلى ملك‪ ،‬واالختيار واالنتخاب إلى تغلب‬
‫وسيطرة وانتزاء على األمة بالسيف‪ .‬وكل خصاله التي يذكرونها لم تمنعه من ارتكاب كل ذلك‪ .‬ولكن‬
‫استمرار الحديث عن الخصال‪-‬ولمعاوية خصال التنكر‪ -‬هو محاولة تبرير للفعل في الوقت الذي‬
‫التتطابق فيه األفعال مع الخصال أو األقوال‪ .‬لو نظرنا إلى الخلفاء الراشدين لوجدنا تطابقا كبي ار بين‬
‫خصالهم وأقوالهم وأفعالهم‪ .‬ومن هنا فالبحث العلمي يوجه إهتمامه الرئيس إلى القضية لدراستها‬
‫ويكون فيها دراسة الشخص من أجل دوره فيها مصيبا كان أو مخطئا ومعنى ذلك أن الدراسة لم‬
‫تستهدفه في األساس وإنما ُج َّر إلى القض ية كمطلوب يوضح موقفه‪ ,‬ومن هنا فالحديث عنه هو عن‬
‫بعضه ال كله اي ليس في مجمل حياته‪ .‬وعليه فدراسة المطرفية وأفكارها ال َتلمس بقي َة االيجابيات‬
‫في حياة اإلمام المنصور‪ ،‬وعندما نتحدث عن قتل اإلمام يحيى فنحن ال نتحدث عنه كليا فله علم‬
‫واسع وكفاح ونضال‪ ،‬وإنما نتحدث عن قضية حكمه فال أحد ينكر أن اإلمام يحيى –مثل اإلمام عبد‬
‫هللا بن حمزة‪ -‬كان عالما متفوقا وإداريا قديرا‪ ،‬وله إيجابيات في مجاالت وسلبيات في مجاالت‪،‬‬
‫ووسيلتنا إلى معرفتها هي معرفتنا لهما من خالل أفعال واعمال وتطبيق‪ .‬ومن هنا نبتعد عن‬
‫الموضوع الشخصي عندما تكتب عن قضية ما ويصبح الحكم الفاصل هو معرفة القضية‪ .‬وفي إطار‬
‫"المواجهة مع قضية" يتساجل المتحاورون‪.289‬‬
‫ومع علمي أن طرح المقال لمقتل اإلمام يحيى في هذه القضية هو خارج إطار الموضوع‪،‬‬
‫وكان في اإلمكان تجاهله تماما لخروجه عما نحن بسبيله‪ ،‬لكني أتخذت منه وسيلة للمزيد من‬
‫التعقيب حول طبيعة األبحاث العلمية الم ِّ‬
‫ركزة‪ .‬وعليه فأنا أتناولها هنا ألصل منها إلى نقطة أخرى‬ ‫ُ‬
‫إلى شيء ظنه المقال مغريا‪ ،‬وهو هذه المساومة في قوله أنه يشاركني (إدانة عمليات القتل ممن‬
‫كانت‪ ,‬آمالً أن يشاركني إدانة اغتيال اإلمام يحيى حميد الدين‪ ,‬وحفيده‪ ,‬وشيخ اإلسالم الحسين بن‬
‫عبد هللا العمري رحمهم هللا) ‪ ،‬فأحب أن أؤكد أنه ليس في طبيعة البحث العلمي مجاال لمساومة وال‬
‫مقايضة‪ ،‬وال على أمل أن يكون كذا في مقابل كذا‪ ،‬فإدانة قتل المطرفية‪-‬مثال‪ -‬ليس شرطا إلدانة‬
‫قتل اإلمام يحيى بأي حال من األحوال‪ ،‬والعكس صحيح‪ ،‬بل إني أذهب إلى أنه اليوجد ربط بين‬
‫قتل اإلمام يحيى وبين قتل غيره من اإلئمة‪ ،‬فلكل حالة ظرفها الخاص وسببها ودوافعها‪ .‬إن البحث‬
‫العلمي يقضي بأن تأخذ الثورة الدستورية مستقلة‪ ،‬ويتم التعامل مع وقائعها وأحداثها على حدة‪ ،‬ومن‬
‫ثم تدان لو ثبت خطأها‪ ،‬أو ال تدان لو ثبت صالحها‪ ،‬بدون عرض مغر بإدانة قتل األخرين‪ .‬وكذلك‬
‫القول في مذبحة المطرفية فأدانتها وتبرئتها الترتبط بحادثة إخرى‪ ،‬وإنما تناقش حسب ظروفها‬
‫ودوافعها‪ .‬وأنا أعتقد أن القضيتين منفصلتان تماما وال وجه للشبه بينهما‪ ،‬ومن المؤكد عندي أنه ال‬
‫تشابه بين قتل اإلمام يحيى‪ ،‬وهو فرد حاكم أُختلف في تقويم حكمه‪ ،‬وبين مذبحة المطرفية‪ ،‬وهي‬
‫جماعة تعد باأللوف‪ ،‬ال ذنب لها سوى ما تؤمن به من حقائق علمية‪ ،‬إن المنهج يقضي علميا بأن‬
‫تؤخذ كل القضايا مستقلة‪ ،‬ألن قضايا التاريخ ليست من إفراز حدث واحد‪ ،‬أوفعل واحد‪ ،‬أوظرف‬
‫واحد‪ ،‬أو دافع واحد‪ .‬وأنا من مدرسة ال ترى بين الوقائع المتناقضة نسبا وصهرا‪ ،‬ولو اتبعنا هذه‬
‫الطريقة أللحقنا الظلم بأحدهما بل بكليهما قبل أن نفتح صفحة أو نخط كلمة‪ .‬إن أوجه الشبة منعدمة‬
‫تماما‪ ،‬وليس هناك أي تالق بين ذبح فرقة كاملة بما رافقها من سبي وهتك وتدمير وخراب‪ ،‬وبين‬
‫قتل إمام حاكم ثار عليه بعض علماؤه بحكم مذهبه وبفتوى مجتهدين‪ .‬ومن هنا فموضوع حق الثورة‬
‫على اإلمام يحيى واغتياله يجب أن تدرس مستقلة‪ ،‬وتناقش الدعاوى والبينات التي طرحها الثوار‪،‬‬
‫وينظر فيها أهي حق أم باطل‪ ،‬أما المقارنة بينها وبين مذبحة المطرفية فليس إلى ذلك سبيل‪ .‬ألن‬
‫الثورة الدستورية لها أسبابها ودوافعها البعيدة كل البعد عن مذبحة المطرفية‪ ،‬وبدون هذا التفريق سوف‬
‫تختلط األوراق وندخل في المتاهة التي دخل فيها كثير من الفقهاء في عدم التفريق بين الخالفة‬

‫‪ 289‬أرجو أال يفهم من هذا التشبيه املقابلة فأان لن أ رد ذلك وإمنا أردت ضرب املثل للحديث عن الكتابة عن قضية ما وشخص ما‪ .‬كما مل يرد األستاذ املقابلة‬
‫بني موقف اهلادي من اخللقاء الراشدين كموقف علي من أصحاب معاوية‪ .‬فاألمثال هنا تضرب للتوضيح ل للمقابة‬
‫الراشدة والملك العضوض‪ ،‬والشرعية والبغي ألن الكل لديهم خلفاء والحكم خالفة‪ ،‬متجاهلين الفارق‬
‫بين الخالفة االنتخابية والملك العضوض وبين الشرعية والبغي‪ .‬كما أنه البد من طرح قضية حق‬
‫الثورة على اإلمام تبعا لقواعد المذهب الزيدي نفسه في حق الخروج على اإلمام الظالم‪ ،‬والظروف‬
‫األن مهيأة لدراسة تلك الحادثة الفذة‪ .‬وأحب أن أؤكد للجميع الذين مع وضد الثورة الدستورية أن‬
‫"مجلة المسار" ترحب بأي دراسة علمية موضوعية بشرط أن تكون الدراسة والحوار معها قائم على‬
‫استبصار رشيد‪ ،‬ال على انتماء عاطفي أو عرقي أو مذهبي‪ .‬وبعيدا من العواطف واالنتماءات‬
‫والميول واألهواء و الترسبات‪.‬‬
‫خالصة هذه النقطة أن قضية مصرع اإلمام يحيى قضية التتشابه‪-‬في نظر البحث العلمي‪-‬‬
‫بقضية ذبح فرقة كاملة من المسلمين‪ ،‬وسبي نسائهم ومصادرة أموالهم وخراب بيوتهم ومساجدهم؛ فإذا‬
‫أراد كاتب ما أن يدين قتل اإلمام يحيى فهو حر وما يعتقد‪ ،‬وليأت ببيناته وشهوده وأدلته‪ ،‬ويعلنها من‬
‫"منبر المسار" إن أراد أو من غيرها‪ ،‬وإذا أراد أن يدين الثورة الدستورية فهو حر أيضا‪ .‬أما أن يقارن‬
‫بين مصرع اإلمام يحيى وبين مذبحة جماعية لم يخرج أصحابها ثائرين على الحاكم‪ ،‬ولم يكن لهم‬
‫مأرب في الحكم‪ ،‬بل كانوا يعتزلون الحكام في هجرهم العلمية ثم مع ذلك يجزرون جزرا‪ ،‬فأمر‬
‫اليهضمه البحث التاريخي حتى لو جرع معه مسهالت التوفيق والتبرير‪ .‬فليس من شك في معتقدي‬
‫أن المطرفية لم يرتكبوا ذنبا يستحقون عليه السجن بل القتل‪ ،‬ولم يعملوا سوى أنهم دافعوا عن‬
‫أفكارهم‪ ،‬وأصروا على إيمانهم‪ ،‬وتمسكوا بمعتقداتهم‪ ،‬ومع ذلك ذبحوا‪ .‬فكان الحري بنا بدون تعصب‬
‫أن نرفع لهم الرايات إحتراما لس بقهم العلمي ولريادتهم الفكرية ال أن نصفق لقتلهم‪ ،‬أو نحوقل بهدوء‪،‬‬
‫أو نتأوه بصمت‪ .‬وليس ذلك فحسب فقد سبيت نسائهم وأبيحت أعراضهم وهن مطرفيات مؤمنات‬
‫مطهرات‪ .‬وليس ذلك فحسب بل لم َّيد ِّع أحد أن أسرة اإلمام يحيى تعرضت للسبي أو حتى اإلهانة‬
‫أو مصادرة األموال‪ ،‬بل ُكرموا تكريما وأعطوا من األموال ما جعلهم يستخدمونها في اإلنقالب على‬
‫إمام الدستور واإلطاحة به‪ !!..‬فإين المقابلة؟‬
‫و قال‪( :‬ثوار ‪ 1948‬استباحوا دم إمام معصوم الدم وهو اإلمام يحيى حميد الدين وقتلوا معه‬
‫حفيده وهو طفل ورئيس وزرائه دون أن يكون لهم مأخذ عليه وهو عدل من وجهة نظرهم‪ ،‬وقتل بعد‬
‫مقتله بعض أوالده مع أن المقتول والقاتل موحدو العقيدة والمذهب والثقافة والعرق)‬
‫فقوله أنهم قتلوا اإلمام يحيى وليس لهم مآخذ عليه‪ ،‬وهو عدل الخ كالم ال يستند إلى شيئ‪،‬‬
‫ألنه يعلم علم اليقين أن هناك مـآخذ على حكمه‪ ،‬ولو لم يكن يعلم فكيف يناقش موضوعا يجهله‪،‬‬
‫كان عليه أن يتساءل ال أن يجزم‪ .‬وهل الميثاق المقدس إال ترجمة جهيرة لتلك المآخذ؟ ثم ألم يفكر‬
‫بأن علماء أجالء أقدموا على الموافقة على قتله ؟ وهل يتصور أن يقدموا بدون مآخذ؟ أفهم أنه لو‬
‫قال أن تلك المآخذ التبرر قتله‪ ،‬لكان حديثه صالحا للنقاش‪ ،‬أما أن ينكر المآخذ فقول أبعد ما يكون‬
‫عن الصواب؛ فالحق ‪-‬من الناحية التاريخية‪ -‬أن لهم مآخذ عليه‪ ،‬وأنه لم يعد يمثل اإلمامة العادلة‬
‫كما كان في بداية أمره‪ ،‬وأنه لم يعد عدال في نظرهم‪ ،‬وإال لماذا قتلوه؟ وإنما أصبح يمثل الملك‬
‫الوراثي الذي تحاربه الزيدية نفسها‪ ،‬وبتبنيه لورية العهد ألغى كل ٍ‬
‫مبرر لثورات الزيدية على السابقين‪،‬‬
‫كما اليمكن إنكار أن ثورتهم وجدت شرعيتها من المذهب الزيدي نفسه الذي لم يفرق بين حاكم‬
‫ومحكوم والذي يوجب قتل اإلمام الجائر‪ .‬وإذا كان األستاذ حسن رغم متابعته‪-‬كما يقول‪ -‬لم يجد أي‬
‫مبرر شرعي لما حدث‪ ،‬فقد وجد علماء مجتهدون مبر ار لذلك‪ .‬وقوله ذاك نوع من مصارة أفكار‬
‫اآلخرين‪ ،‬وهو أسلوب عفا الدهر عليه‪ .‬على أن مجرد وجود مثل هذه األقوال ‪-‬في عالم من‬
‫المفروض أن يمارس فيه البحث العلمي‪ -‬يدل على أن مستوى الجهل بقضية معاصرة ما يزال‬
‫سائدا‪ ،‬األمر الذي يستدعي ضرورة فتح هذا الملف الذي ال أظن أن فتحه وتقليب صفحاته يعتبر‬
‫عبثا وتمزيقا‪ ،‬فليس في اثبات الحق سوى الترميم والبناء‪ .‬وخالصة هذا الموضوع أن علينا أن‬
‫نفحص كل حالة من الحاالت على انفراد‪.‬‬
‫*‬
‫ومما يحسن تصحيحه عدة نقاط جاءت في المقال‪.‬‬
‫األولى أنه قال‪ ( :‬ويبدو أن األستاذ زيداً خلط بين مذهب نشوان والمطرفية أو تأثر بما قيل‬
‫عن المطرفية) فأريد أن أؤكد أن ما استنتجه من الخلط بين المطرفية والعالمة المجتهد األكبر‬
‫"نشوان بن سعيد" رضوان هللا عليه هو استنتاج بدون اصل‪ .‬ولست أدري من أين جاء له هذا‬
‫االستنتاج‪ ،‬فأنا لم أخلط قط بينهما‪ ،‬مع العلم أنني أشتبه –وأنا احقق هذه القضية‪ -‬أن هذا العالمة‬
‫الكبير قد يكون من المطرفية أو قريبا من أفكارهم‪ .‬وسوف يظهر رأيي هذا في كتاب سوف أنجزه‬
‫قريبا عن رائد العلم اإلمام مطرف بن شهاب‪.‬‬
‫الثانية في هذا السياق قال (وهل عصمت الصالة والصيام والقيام دم شيخ اإلسالم الحسين بن‬
‫علي العمري والطفل عباس؟) فأنا أوال متأكد والناس أجمعين متأكدون أن شيخ اإلسالم الحسين بن‬
‫علي العمري لم يقتل قط وأنه مات في فراشه قبل مقتل اإلمام يحيى بست سنوات‪ .‬أي في شهر‬
‫شوال ‪/1361‬أكتوبر‪-‬نوفمبر‪ .1942‬وربما خرج اإلمام يحيى بنفسه لتشييعه‪ .‬فعلينا إذن أن نعرف‬
‫اسم القتيل قبل أن نناقش قضيته ونستدل به‪ .‬ومن المؤكد أن الذي قتل مع اإلمام يحيى هو القاضي‬
‫الرئيس الجليل عبد هللا العمري رئيس وزراء اإلمام يحيى‪ ،‬وليس والده شيخ اإلسالم الحسين‪ ،‬ولم يكن‬
‫يقصد قتله‪ .‬ولم يكن رحمه هللا شيخ إسالم وإنما كان رحمه هللا عالما إداريا قدي ار كامال‪.‬‬
‫كذلك علينا أن نتفق على اسم الطفل الذي قتل في السيارة مع اإلمام يحيى فمن المؤكد أن‬
‫اسمه ليس عباس‪ ،‬وإنما اسمه الحسين بن الحسن‪ .290‬ولمعلومات األستاذ الفاضل فلم يكن قتله‬
‫مقصودا‪.‬‬
‫وأخر قولنا في هذه النقطة أن القول بعصمة الصالة والصيام سالح ذوحدين وقول يمكن أن‬
‫يرفعه الظالم والمظلوم‪ ،‬وفي مكنة اإلمام وأنصاره أن يردوده عن المطرفية وفي وسع المطرفية‬
‫وأنصارها أن يرفعوه في وجه اإلمام فاإلمام والمطرفية من المصلين الصائمين المؤدين للشعائر فهل‬
‫عصمت صالة اإلمام دم المطرفية مثال‪.‬؟ إذن فمثل هذه الشعارات ال تجدي في البحث فتيال‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬قوله ( أريد أن أقول أن األستاذ زيداً أختلق قضية ال عالقة لها بفكر المطرفية أو‬
‫مأساتها‪ .‬والقضية هي هل الخالف بين اإلمام عبد هللا بن حمزة‪ ،‬والمطرفية‪ ،‬فكري عقدي أم‬
‫سياسي؟)‬
‫لقد قلبت األمر على جوانبه ألصل إلى القضية التي اختلقتها فلم أجدها‪ ،‬ولم أصل إلى نتيجة؛‬
‫فالخالف قطعا إما أن يكون فكريا‪ ،‬أو عقديا‪ ،‬أو سياسيا‪ ،‬وال يمكن غير ذلك‪ ،‬كما أنه ال يمكن‬
‫لإلمام عبد هللا بن حمزة أن يقتل الناس بدون خالف معهم فكريا أو عقائديا أو سياسيا‪ ،‬وإال فسيكون‬
‫قد أدان نفسه‪.‬‬
‫أما تأخر المعركة الفاصلة بين اإلمام والمطرفية –التي اعترض بها‪ -‬فأسبابها واضحة وليرجع‬
‫إلى تاريخ بني الوزير والمستطاب فسيجد بعضها هناك‪.‬‬
‫الرابعة قوله (أنني ال أشارك في اتهام اإلمام عبد هللا بن حمزة في التنكيل بالمطرفية كما ُنقل‬
‫إلينا‪ ،‬وأميز بين ما نقل من أقوال اإلمام في الحكم الشرعي عليهم وبين ما فعله بالفعل فيهم ؟ أي أن‬
‫ما كل ما أفتى بجوازه َف َعله بالمطرفية)‬
‫من حقه أن ال يشارك في اتهام اإلمام عبد هللا بن حمزة في التنكيل بالمطرفية إلخ ولكن هل‬
‫يسعفه التاريخ بجواب مؤيد؟ فمن ترى فعل بهم ذلك؟ من المؤكد أنهم لم يقتلوا أنفسهم‪ ،‬ولم يسبوا‬
‫نسائهم‪ ،‬ولم يهتكوا أعراضهم‪ .‬فمن الذي أبادهم؟ وأي دليل على رأيه هذا؟‪ .‬واإلمام لم يفرق بين أقواله‬
‫وأفعاله‪ ،‬وكل كتبه التي أدارها عن المطرفية هي تبرير لما فعله فيهم من قتل وسبي وتشريد إلخ‪ .‬فهل‬
‫نحن إزاء حالة ما يسمى بملكي أكثر من الملك؟‬

‫‪ 328‬طبعة منشورات العصر احلديث‬ ‫‪ 290‬انظر ا ه يف املقتطف‬


‫الخامسة قوله‪( :‬لقد خالف اإلمام عبد هللا بن حمزة باعترافه سـيرة اإلمـام علـي عليـه السـالم ولـم‬
‫يجــد مبــر اًر إال مــن ســيرة أبــي بكــر الصــديق‪ ،‬مــع مــن ســموا بالمرتــدين؟) وإذن فهــو يعتــرف بــأن اإلمــام‬
‫عاملهم كمرتدين ولم يعاملهم كبغاة كما عمل اإلمام علي لكنه ما لبـث أن قـال (وأميـل إلـى القـول أن‬
‫اإلمام عبد هللا بن حمزة تعامل مع المطرفية كبغاة مثلوا خط اًر على دولة اإلسالم التي يمثلها)‬
‫والسؤال اآلن أي من رأييه نتبع؟ هل نتبع رأيه أن اإلمام عبد هللا بن حمزة خالف سيرة اإلمام‬
‫علي واتبع سيرة أبي بكر فاعتبرهم مرتدين وعاملهم معاملة الكفار الحربيين؟ أم نتبع رأيه اآلخر وهو‬
‫أنه م بغاة ال مرتدين؟ هل نتبع صاحب القضية والمعاصر لهم؟ أو رأي االستاذ حسن الذي عاش‬
‫بعدهم بما يقرب من تسعمائة عام فيرى غير رأي صاحب القضية المعترف بأنه عاملهم كمرتدين ال‬
‫كبغاة‪ .‬وكان األولى وقد أثبت أن اإلمام عاملهم كمرتدين أن ينفي صحة هذا الحكم أو ُيثبته‪ ،‬أما أن‬
‫يعطي رأيا مخالفا لنصوص اإلمام فحالة تستدعي عجبا‪.‬‬
‫لو أقرينا أن اإلمام اعتبرهم بغاة كالخوارج على اإلمام علي‪ ،‬ثم حكم عليهم بأحكام الردة‬
‫لتضاعفت بشاعة الحكم‪ ،‬ألن اإلمام عاملهم بما ليس فيهم‪ ،‬أي عاملهم كمرتدين‪ ،‬في حين أنهم بغاة‬
‫في نظر صاحب المقال‪ ،‬وهناك فرق شرعي بين أحكام البغاة وأحكام المرتدين‪ .‬وعليه فإن التبرير هنا‬
‫مضر باإلمام نفسه وهو موقف يشبه موقف الهرة عندما تأكل‪ -‬من شدة الحب‪ -‬بنيها‪ .‬واألقرب إلى‬
‫االعتدال القول بأنه إنما استباح دمائهم وسبي نسائهم ألنهم في اعتقاده مرتدين محاربين فعال‪ .‬والبد‬
‫من أن نفترض هذا اإلعتقاد لديه‪ ،‬بالرغم من أن موقفه من الحسينية يرد على هذا‪ ،‬والننا لم نسمع‬
‫رأيه في الحسينية فإن اإلفتراض باقتناعه قائما‪ ،‬وهو لم يخفه‪ ،‬بل كتب عن معتقده وشرحه في أكثر‬
‫من كتاب ورسالة وشعر ومقصورة‪ ،‬فليس وقد أظهر معتقده إال أن نأخذ به‪ .‬وعليه فتكون النقطتان‬
‫الج وهريتان في هذا الموقف أو القضية هي‪ :‬هل كانت أفكارالمطرفية مرتدة‪ ،‬أم مؤمنة؟ هذه واحدة‪.‬‬
‫والثانية هل لكل من يعتقد كفر اآلخر الحق في إبادته؟ هذان هما لب الخالف مع وضد‪ ،‬وال ينفع‬
‫التهرب من مواجهة الواقع‪ .‬أما أنا فال يخالطني شك في إيمانية أفكارهم وعظمتها وعمقها‪ ،‬وفي عدم‬
‫حق أي إنسان في قتل مخالفي الرأي‪ .‬ولو لم نقل بهذا لصوبنا ُح ْكم غالة الخوارج في قتل من ال‬
‫يؤمن بأرائهم‪ .‬واإلمام "علي" وهو المرجع في محاربة البغاة لم يقاتل الخوارج عندما لم يحملوا السيف‪،‬‬
‫بل حفظ لهم ‪ -‬عليه السالم‪ -‬كل حقوقهم وهم يكفرونه‪ ،‬بل لم يستخدم األسلوب الوقائي فيحتجزهم‬
‫قبل أن يخرجوا عليه‪ ،‬بل تركهم أح ار ار يشيعون افكارهم ضد فكره ماداموا لم يشهروا سيفا‪ ،‬حتى إذا‬
‫شهروا سيوفهم قاتلهم‪ .‬وهو يعرف أرائهم وتكفيرهم له‪ .‬فهل خرجت المطرفية باغية على المنصور؟‬
‫لو كان ذلك كذلك لعاملهم معاملة البغاة‪ ،‬ولحكم عليهم بحكم أمير المؤمنين الذي لم يستبح عرضا‪،‬‬
‫وال سبى أمرأة‪ ،‬وال هدم بيتا وال مسجدا‪ .‬وأعتقد أن الخوارج كانوا على أمير المؤمنين أشد ضراوة من‬
‫المطرفية على اإلمام المنصور بما ال يمكن أن يقارن‪ .‬ولكن اإلمام المنصور عاملهم معاملة‬
‫المرتدين فثبت من ذاك أنه قتلهم وسبا نساؤهم –كما أعلن وصرح وألف‪ -‬بسبب آرائهم‪ ،‬ال بسبب‬
‫خروجهم عليه‪ .‬ألنهم –لسبب بسيط‪ -‬لم يخرجوا عليه‪.‬‬
‫أما قتل اإلمام –أي إمام‪ -‬فينبغي أن نوضح‪-‬مادام كل شيء كما يبدو بحاجة إلى التوضيح‪-‬‬
‫أن قتل الحاكم الظالم يمارس ال بسبب أنه قد كفر‪ ،‬وإنما ألنه قد ظلم‪ ،‬والتفريق بين الحاالت مهم‪،‬‬
‫والظالم ليس بكافر ومع ذلك فهو يستحق القتل‪.‬‬
‫السادسة‪ :‬قوله (من زاوية أخرى هل يجوز للمطرفية‪ ،‬استباحة دم اإلمام عبد هللا بن حمزة‬
‫بدعوى الخروج عليه لظلمه‪ ،‬وهم ملزمون بعقد بيعة أي بمعنى‪ :‬هل يجوز االنقالب عليه وقتل‬
‫الحاكم المسلم لمجرد المخالفة في الرأي) وقوله (ولو فرضنا أن المطرفيه لم يكونوا قوة سياسية شبه‬
‫منظمة هل كانت أفكارهم ستقود إلى حدوث ما حدث؟ ولو فرضنا أن المطرفية حققوا النصر على‬
‫اإلمام عبد هللا بن حمزة‪ ،‬هل كانوا سيعصمون دمه وما له وعرضه؟ ودماء وأعراض وأموال‬
‫المخترعة؟)‬
‫ال يلبي البحث العلمي هذا الطرح لسبب بسيط أنه لم يحدث‪ ،‬ومنطق التاريخ ال يناقش ما‬
‫اليحدث‪ ،‬واليقبل افتراضات تائهة‪ ،‬وال يمكن أن يصدر حكم على‪" :‬لو" وعلى ‪" :‬افترضنا" إن الوقائع‬
‫تثبت أن المطرفية لم يستبيحوا دم اإلمام عبد هللا بن حمزة‪ ،‬ولم يهموا بالخروج عليه‪ ،‬ولم يكن يكونوا‬
‫طالب حكم حتى ندين هم؟ حتى لو هموا ولم يخرجوا فحكمهم حكم من لم يخرج‪ .‬أن التاريخ ال يحكم‬
‫على إفتراض وال على نوايا‪ ،‬وال يحاكم على مكنون الضمائر‪ ،‬وقد شجب العالم "محاكم التفتيش" على‬
‫نجاوى األنفس ومكنون األعماق‪ُ ،‬‬
‫وكتب اإلمام كلها وهي مطبوعة تقر بأنهم لم يخرجوا عليه‪ ،‬وإنما‬
‫تشككوا في صحة بيعتهم له‪ .‬أما الذين ذكروا الخروج عليه فهم مؤرخو سيرته ليبرروا ما حدث‪ .‬وقد‬
‫حدث فعال أن ثار المشرقي بدوافع غير مطرفية ألنه لم يكن مطرفيا‪ ،‬وإنما بدوافع إحساسه بالظلم‬
‫النازل على فرقة زادها هللا إيمانا وهدى‪ .‬وهو لم يثر إال بعد أن بدأت المجزرة دفاعا عن نساء وولدان‬
‫وأعراض كما كان يعتقد‪ .‬علينا بحق عندما نتصدى لقراءة التاريخ أن نتخلى عن ترسباتنا وعواطفنا‬
‫ونتعامل مع الحدث بدون أي انتماء مسبق‪ ،‬وهذا وحده هو السبيل اآلمن للوصول إلى الحقائق‪ .‬أما‬
‫أن نتأرجح بين واقع النقدر على نكرانه‪ ،‬وبين عواطف خاصة النقدر على االنفالت منها فذلك ال‬
‫ولن يوصلنا إلى البحث العلمي‪.‬‬
‫والسؤال ينبغي على ضوء وقائع التاريخ أن يعكس على الشكل التالي (هل يجوز لإلمام عبد‬
‫هللا استباحة دم المطرفية بدعوى وهم الخروج عليه واعتقادهم لظلمه‪ ،‬بدون أن يعدوا قوة ضده وهو‬
‫ملزم بالوفاء بشروط بيعته أي بمعنى ‪ -‬هل يجوز قتل الجماعة المسلمة لمجرد مخالفتها لرأيه؟)‬
‫والثابت تاريخيا حتى اآلن أن المطرفية لم يستبيحوا دم المنصور ولم يخرجوا عليه ولم يحملوا سيفا‬
‫في وجهه وحتى لو خرجوا عليه فلماذا سبي النساء؟‪ .‬الحقيقة أن المقارنة بين القضيتين غير واردة‬
‫تماما‪.‬‬
‫*‬
‫وأخي ار فهناك ما هو له وما هو عليه فإما ما هو له فتساؤالته التي طرحها‪( :‬لماذا استباح‬
‫اإلمام عبد هلل بن حمزة من المطرفية ما لم يستبحه من غيرهم؟ إن كانت عقيدة المطرفية كما وصفت‬
‫في كتب المخترعة فلماذا قبل اإلمام عبد هللا بن حمزة البيعة منهم؟) الخ هي أسئلة جوهرية حقيقية‬
‫بال بحث وعليه أن يجيب عليها ما دام وقد طرحها‪ ،‬ألنها تبدو على وشك الدخول إلى الخيمة‬
‫المطرفية‪ ،‬إال أن ثمة شيء يمنعها من الدخول فيها‪ ،‬ولعل اإلعجاب باإلئمة الكبار واالعتقاد بأنهم ال‬
‫يرتكبون األخطاء الكبيرة وراء تلك المراوحة النفسية الصعبة بين اإلقدام واالحجام‪ ،‬والتي يصعب‬
‫الخروج منها بسهولة‪ ،‬فليس سهال أن يتخلى اإلنسان عن إعجابه المفرط بمجرد الصدمة األولى‪ .‬وهنا‬
‫أود أن أؤكد أنه ليس في حب األئمة الكبار ما يالم عليه الناس؛ فالمنصفون من الناس يحبونهم‬
‫ويقدرونهم ويرفعون من شأنهم إن أصابوا‪ ،‬وقد أصابوا كثيرا‪ ،‬لكنه اليعميهم حبهم للقادة العظام عن‬
‫رؤية األخطاء الجسام‪ .‬كما أحب أن أثبت حقيقة مهمة‪ ،‬وهي أن نقد أحد هؤالء الكبار ال يعني‬
‫إطرادا شامال على بقية األئمة‪ ،‬كما يعمل عنصريو هذا الزمن‪ ،‬ففيهم الهداة حقا‪ ،‬والمنصفون حقا‬
‫فليس إلى التعميم سبيل‪ ،‬وانما هناك مقياس للتعامل معهم ال يغيب عن المنصف هو المقياس الذي‬
‫قررته القاعدة القرآنية {كل نفس بما كسبت}‪ .‬فالقضايا التي أتناولها عن المطرفية وعن غيرها ال‬
‫أقصد بها إدانة أحد‪ ،‬وإنما أهدف إلى معرفتها على ما كانت عليه‪ ،‬ألنني إن فعلت غير ذلك فقد‬
‫افع ينشر قضايا يطرحها من أجل إعادة أوراق الملفات إلى أصولها‪،‬‬
‫ظلمت نفسي‪ ،‬وأنا في األخير مر ٌ‬
‫ال قاض يصدر حكما‪ .‬لو تمكنا من االنفالت من جاذبية داخلية لربما ُرفع عن أعيننا الكثير من‬
‫أغشية الضباب‪.‬‬
‫وأما ما هو عليه فتناقضه في بعض ما طرح‪ .‬قال بالحرف‪( :‬ومع إعجابي الشديد بلغة األستاذ‬
‫زيد ‪ ..‬واتفاقي معه في أغلب ما استنتجه وتوصل إليه) فهو هنا يتفق معي على أغلب ما استنتجته‪،‬‬
‫لكنه عاد فقال (كما أني ال أريد أن يفهم من محاولتي مناقشة األحكام المتسرعة لألستاذ زيد لعدم‬
‫اتفاقي معه على أغلب النتائج التي توصل إليها) وهو في هذه الفقرة قال أنه اليتفق معي في أغلب‬
‫ما استنتجته فأي الجمل تين نأخذ؟ إن كانت األولى فلم يعد للحوار أهمية‪ ،‬وإن كانت الثانية فإن‬
‫الحوار مستمرا‪ .‬عليه أن يقرر‪ .‬وربما كان القلق والتوتر خلف هذا التناقض؟‬
‫وقال أنه يشاركني (اإلعجاب بالمطرفية كفكر وتسليمي بأن لغيابها دو اًر سلبياً في تطور الفكر‬
‫‪ -‬العلمي ‪ -‬والديني‪ ...‬في اليمن) وإذا كان لغياب الفكر المطرفي دو ار سلبيا في تطور الفكر العلمي‬
‫فما الحاجة بعد هذا إلى النقاش‪ .‬أما إلى أي مدى كان هذا التأثير فأمر ثانوي ما دمنا قد سلمنا‬
‫بوجود فكر علمي أثر غيابه سلبا على المسيرة العلمية الهادوية ومن ثم فهل كان هذا الفكر الذي أثر‬
‫غيابه سلبا يستحق اإلعدام‬
‫وقد يدخل في هذا الموضوع ما جاء في المقال من هجوم شخصي على ضؤ المنهج‬
‫العلمي‪ .‬ففي فقرة "حيثيات بال منهج" بدأ إيقاع التوتر في االرتفاع‪ ،‬وبدأت طبول الهجوم في تصاعد‪.‬‬
‫والحيثيات التي تفتقر إلى المنهج (الذي يدافع األستاذ زيد عنه) هي أني حصرت الفكر العلمي في‬
‫المطرفية‪ ،‬وأن هذا القول (ال يمكن أن تصدر إال من زيد األديب المتعصب لما يكتب عنه‪ ،‬وليس‬
‫المؤرخ أو المفكر ألن العالقة بين المطرفية والتفكير العلمي ليست عالقة شرطية أو سببية‪ .‬وال أظن‬
‫األستاذ يعتقد فعالً أن المطرفية باب مدينة التفكير العلمي الوحيد في هذا العالم أو في اليمن أو لدى‬
‫الزيدية‪ ..‬ألن من الممكن أن يوجد الفكر العلمي دون أن يسمع بالمطرفية أو يعلم عن وجودهم)‬
‫وأتبع ذلك سلسلة من مثل هذا الكالم (عدم تحري األستاذ زيد الدقة العلمية في إصدار األحكام)‬
‫و(األستاذ متعصب للمطرفية حتى أنه يراها الخير كله ومخالفها الشر كله‪ ).‬و (األحكام المتسرعة)‬
‫ويقول عن نفسه(ولست متعصباً للمطرفية كاألستاذ) الخ؛ فهذا التتابع في دقات الطبول يعكس‬
‫ماذكره عن التوتر والقلق الذي أحس به‪ ،‬ومن ثم فهي تخل بالمنهج العلمي ‪ ،‬وما دام عرف السبب‬
‫وهو القلق والتوتر فقد بطل العجب‪ .‬ولكني أريد أن أوضح هنا لو أني تعصبت ألحد لتعصبت البن‬
‫عمي اإلمام عبد هللا بن حمزة‪ ،‬وكان لي في علمه الواسع مندوحة ومبررا‪ .‬إن اإلمام "عبد هللا بن‬
‫حمزة" من أكبر األئمة‪ ،‬وأكبر العلماء وأكبر الشعراء‪ ،‬وقائد عسكري كبير‪ ،‬وهو ذو مواصفات فكرية‬
‫عالية‪ ،‬وما يربطني به من وشائج قربي هي أقرب إلي من اإلمام "مطرف بن شهاب" لكن الحق‬
‫أحق أن يتبع‪.‬‬
‫ومما يحتاج إيضاحه‪ -‬نتيجة عدم اإللتزام بداللة الكلمة‪ -‬إلى أني لم أقل أن المطرفية هي‬
‫الوحيدة في العالم‪ ،‬أو أنها باب مدينة العلم قط‪ ،‬فايرادها بهذا الشكل يرجع إلى ضغط التوتر والقلق‪.‬‬
‫وما قلته كان حديثا عن الحركة العلمية في اليمن وليس في العالم‪ .‬و في هذا الموقع الجغرافي كانت‬
‫المطرفية وحدها بين المذاهب األخرى الشافعية والحنفية والمخترعة الهادوية هي التي نهجت منهجا‬
‫علميا بالمعني اإلصطالحي الحديث لمفهوم العلم‪ .‬فتحدثت علميا عن تكون السحب ونزول البرد‬
‫وه طول المطر واإلحالة واإلستحالة واستمرار الخلق والصوت واأللفاظ وهي العلوم التي تحقق اآلن‬
‫علميا بعد ألف سنة‪ .‬بينما تذهب بقية المذاهب ال إلى السنن إلتى ثبتها هللا في نظام كامل متكامل‬
‫أودع هللا فيه كل ما يريد ويشاء‪ ،‬ولكن إلى نفي أفعال وتفاعل هذه السنن حسب تكوينها اإللهي‬
‫وتدخل هللا الدائم والفوري في كل شيء سواء ماكان ضا ار أو مفيدا‪ .‬وهللا العادل اليصنع الضرر‪ .‬إن‬
‫تدخل هللا لم ينفه أحد‪ ،‬ولكن المطرفية تذهب إلى تدخله من خالل نظام كامل متكامل عبر عنه‬
‫القرآن بقوله‪{ :‬ولن تجد لسنة هللا تبديال} وبهذا الفهم وضعت نفسها في الطريق العلمي‪ .‬صحيح أن‬
‫لإلسماعيلية فك ار علميا‪ ،‬ولكنه علم انحصر في علم النجوم وما شابه‪ ،‬أما المطرفية فقد طرحت من‬
‫األفكار العلمية ما لم تطرحه فرقة أخرى في اليمن كالقول بتكون المطر والبرد والسحب واإلحالة فأي‬
‫فرقة أو مذهب طرح مثل هذه األفكار العلمية فيما هو منشور مشاع حتى اليوم‪ .‬وهذه األفكار‬
‫العلمية –بما فيها األفكار االجتماعية واالقتصادية والسياسية‪ -‬هي التي أثارت المخترعة‪ ،‬ولوال أنها‬
‫أفكار علمية غريبة عليهم وجديده لما أنكروها ذلك النكر‪ ،‬ولما استوحوا منها ماهو فوق مدلولها إال‬
‫لجهلهم بها‪ ،‬فليحدثنا من يريد– ومن حقه أن يحدثنا‪ -‬عن أي فرقة أو مذهب تم طرح مثل هذه‬
‫القضايا العلمية‪.‬‬
‫وأظن ظنا قويا أن ما وجدناه عند اإلمام "المهدي "أحمد بن يحيى المرتضى" من أفكار علمية‬
‫عن الصوت والتلقي وقوة الجذب وغيرها قد كانت صدى وترديدا لمدرسة المطرفية‪ .‬والمعروف عنه‬
‫أنه ممن لم يكفر بالالزام‪ .‬وبالتالي لم يكفر المطرفية‪ ،‬بل أن ما وصل إلينا من النصوص توحي بأنه‬
‫كان يدافع عنهم‪ .‬ولعل الدكتور المحقق "أحمد الماخذي" الواسع المعرفة بفكر اإلمام "المهدي" أن‬
‫يتحفنا بما لديه في هذه القضية إثراء لهذا الموضوع الهام ثم أن غيابه قد طال عن المسار‪.‬‬
‫ومما يدخل في سياق الهجوم الشخصي ويحسن إيضاحه والتأكيد عليه مرة ثانية هو أن‬
‫االستنتاج يجب أن يقوم على أصل‪ ،‬فأين األصل في قوله‪ -‬وهو يتحدث عن اإلمام "زيد" و "واصل‬
‫بن عطاء" ‪ -‬أنني أتفق مع األستاذ "إسماعيل األكوع" في كتابه "حقيقة المذهب الزيدي" (في التأكيد‬
‫على أن اإلما م زيد مبتدع إال أن فعل البدعة عند األكوع وصمة وجريمة وعند األستاذ زيد حسنة‬
‫وفضيلة) فأوال الضير في أن يلتقي المرء مع آخر حتى لو كان له خصما؛ واألستاذ إسماعيل ليس‬
‫خصما شخصيا بكل تأكيد‪ ،‬لكني ال اتفق معه في عنصريته ومذهبيته‪ ،‬والحكمة ضالة المؤمن فإن‬
‫وجدتها لديه أخذتها منه‪ .‬إما إذا كان البحث قد أوصل إلى نتيجتين متناقضتين فأين يكون اللقاء‪،‬‬
‫وإذا كان صديقنا األكوع يراها وصمة وجريمة‪ ،‬وأنا أراها حسنة وفضيلة؛ فليس ثمة لقا بين الوصمة‬
‫والجريمة‪ ،‬وبين الحسنة والفضيلة‪ .‬ومع هذا كله فأنا لم أقل قط أن زيدا مبتدع‪ ،‬وإنما أقول دائما هو‬
‫مبدع‪ .‬وشتان بين القولين‪.‬‬
‫ومما يدخل في سياق الهجوم الشخصي قوله قوله (هل إثارة الصراع من جديد طبعاً في‬
‫الجذور الفكرية بين المطرفية والمخترعة يحقق الهدف المعلن لألستاذ زيد وغيره من إثارة الموضوع؟‬
‫أم إن اإلثارة عبث وتمزيق للفرقة الزيدية وصرفها عن مسؤوليتها التاريخية في اإلسهام مع مختلف‬
‫الفرق والمذاهب اإلسالمية ‪ -‬في عملية التجديد واإلحياء والتنوير للقيام بعملية اإلصالح المطلوب)‪.‬‬
‫أقول أن إثارة البحث الموضوعي في فكر ما ليس صراعا وال مجالدة‪ ،‬وإنما هو إحياء وإيقاظ‬
‫لهذا الفكر من مرقده‪ ،‬ألن للفكر تاريخا ال يجوز أن يوئد‪ ،‬والفكر المطرفي فكر علمي بكل ما تحمل‬
‫الكلمة من معنى‪ ،‬وليس الهدف من إثارته إال اإلستفادة منه والدفاع عنه ما دمنا نؤمن بأنه فكر بناء‪،‬‬
‫فمن الحق لنا أن نبحث عنه وعما أصاب أصحابه من سوء‪ ،‬أما العبث والتمزيق فال يصدر إال من‬
‫مغرض وما هو العرض من تمزيق الزيدة‪ .‬وبما أن الغرض معدوم فرفع هذه المقولة هو محاولة لصد‬
‫إحياء عناصر اإلبداع عن طريق التخويف في أي مذهب كان‪ ،‬ولماذا يعتبر إحياء فكر المطرفية‬
‫تمزيقا وعبثا وال يعتبر دعما وإثراء‪ .‬فليس في بعث فكر أي صراع وإنما الخوف واإلشفاق هو الخوف‬
‫من دراسة ما حدث لهم من مأساة هو السبب فكثير يريد تعمية الحديث حتى ال يصاب اإلمام عبد‬
‫هللا بن حمزة بسهم يذكر‪ ،‬واإلمام عندهم وعندنا كبير الشأن عظيم المكانة لكن الكبير عندنا ليس‬
‫معصوما من الخطأ الصغير والكبير‪ .‬وفي نظرنا أن اإلمام كان يعتقد أنه على صواب‪ ،‬وأنه كان‬
‫شجاع الرأي ال يخفي أفكاره وإنما ينشرها على الناس جهارا‪ ،‬وإال لما أقدم على تلك المجزرة‪ ،‬ونحن‬
‫نعتقد أن اعتقاد اإلمام نفسه فيهم كان هو الخطأ‪ .‬ولهذا نناقشه فيه الفي معتقده عنهم‪ ،‬واألهم من‬
‫ذلك أن نستخلص العبرة مما حدث‪ ،‬ونعترف جميعا بأن التكفير وما يترتب عليه باطل أصال‪ .‬وبهذا‬
‫نعيد للفكر الزيدي المتسامح ‪-‬الذي يؤمن بأن لكل مجتهد حقا‪ -‬تماسكه‪ .‬وهكذا فليس فيما نكتبه عبثا‬
‫وتمزيقا‪ ،‬ومن المؤكد أنه بدون إعادة الفكر العلمي إلى الهادوية فستظل مذهبا فقهيا‪ .‬باختصار فنحن‬
‫ال نعتبر الحوار صراعا‪ ،‬وال بعث الفكر العلمي عبثا وتمزيقا‪ ،‬وكل ميسر لما خلق له‪.‬‬
‫إذن فتصحيح وضع مغلوط ومظلوم ليس فتنة وإنما هو‪-‬بعد إسقاط كل حساب‪ -‬أخذ العبر‬
‫والدروس حتى ال يصاب الناس بمأساة جديدة‪ .‬ولهذا فقد أسعدني أن يتفاعل الحوار حول مأساة‬
‫المطرفية‪ ،‬وأن يأخذ اشكاال متباينة‪ ،‬ووجهات نظر مختلفة‪ ،‬من أجل إثراء الموضوع‪ .‬ومجلة المسار‬
‫التي عاهدت نفسها أال تحتكر األراء تفسح المجال لرأي غيرها‪ ،‬وترحب بأي حوار على أمل الوصل‬
‫إلى ما يطمئن إليه الفكر الباحث‪ ،‬والتنقيب الهادف‪.‬‬

You might also like