You are on page 1of 273

‫الجامعة المستنصرية‬

‫كلية التربية ‪ /‬قسم الترايخ‬


‫المرحلة ألولى‬

‫تاريخ العرب قبل اإلسالم‬


‫الجامعة المستنصرية – كلية التربية – قسم التاريخ‬

‫المرحلة األولى‬

‫‪2020‬‬ ‫بغداد‬ ‫‪1441‬ه‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪1‬‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫ُك‬ ‫ا‬ ‫َن‬ ‫ْل‬ ‫َع‬ ‫َج‬ ‫ى‬ ‫َث‬‫ُأن‬ ‫ٍر‬ ‫َك‬ ‫َذ‬ ‫ن‬ ‫ِّم‬ ‫م‬ ‫ُك‬ ‫ا‬ ‫َن‬ ‫ْق‬‫َل‬ ‫َخ‬ ‫ا‬ ‫َّن‬ ‫ِإ‬ ‫َيا َأُّيَها الَّناُس‬
‫ْم‬ ‫َو‬ ‫َو‬
‫ُك‬ ‫ا‬ ‫ْتَق‬ ‫َأ‬ ‫ُش وبًا َق اِئَل ِلَت ا ُفوا ِإَّن َأْك ُك ِع نَد الَّلِه‬
‫ْم‬ ‫َر َم ْم‬ ‫َع َر‬ ‫ُع َو َب‬
‫َّل ِل‬
‫ِإَّن ال َه َع يٌم َخ ِبيٌر‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪2‬‬
‫صدق اهلل العظيم‬
‫سورة الحجرات ‪13 :‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪3‬‬
‫المحتويات‬
‫الصفحة‬ ‫الموضوع‬
‫‪8-38‬‬ ‫الفصل األول ‪:‬مصادر التاريخ الجاهلي‬
‫‪9‬‬ ‫النقوش والكتابات‬
‫‪10‬‬ ‫التوراة والتلمود والتفاسير والشروح العبرانية‬
‫‪10‬‬ ‫الكتب اليونانية والالتينية والسريانية‬
‫‪12‬‬ ‫المصادر العربية االسالمية المدونة‬
‫‪16‬‬ ‫الساميون‬
‫‪20‬‬ ‫العرب‬
‫‪28‬‬ ‫جغرافية شبه الجزيرة العربية‬
‫‪32‬‬ ‫الحياة السياسية في الجزيرة العربية قبل االسالم‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪4‬‬
‫‪34‬‬ ‫اليمن‬
‫‪36‬‬ ‫الحياة السياسية في اليمن‬
‫‪39-89‬‬ ‫الفصل الثاني ‪ :‬ممالك جنوب الجزيرة العربية‬
‫‪39‬‬ ‫الدولة المعينية‬
‫‪43‬‬ ‫الدولة القتبانية‬
‫‪45‬‬ ‫دولة الحضارمة‬
‫‪47‬‬ ‫مملكة أوسان‬
‫‪54‬‬ ‫الدولة السبأية‬
‫‪59‬‬ ‫الدولة الحميرية‬
‫‪72‬‬ ‫مملكة كندة‬
‫‪79‬‬ ‫مملكة لحيان‬
‫‪90-109‬‬ ‫الفصل الثالث ‪:‬بالد الشام قبل االسالم‬
‫‪91‬‬ ‫دولة االنباط‬
‫‪96‬‬ ‫دولة تدمر‬
‫‪104‬‬ ‫دولة الغساسنة‬
‫‪110-149‬‬ ‫الفصل الرابع ‪ :‬ممالك العراق قبل االسالم‬
‫‪111-129‬‬ ‫نشؤ وتطور مملكة ميسان‬
‫‪130‬‬ ‫الحضر‬
‫‪134‬‬ ‫المناذرة‬
‫‪150-171‬‬ ‫الفصل الخامس‪ :‬مدن الحجاز‬
‫‪151‬‬ ‫مدن الحجاز‬
‫‪159‬‬ ‫مكة‬
‫‪162‬‬ ‫يثرب‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪5‬‬
‫‪169‬‬ ‫الطائف‬
‫‪172-269‬‬ ‫الفصل السادس‪:‬الحياة االجتماعية في المجتمع الجاهلي‬

‫‪173‬‬ ‫الحياة االجتماعية في المجتمع الجاهلي‬


‫‪187‬‬ ‫المعتقدات الدينية عند العرب قبل االسالم‬
‫‪270-271‬‬ ‫المصادر والمراجع‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪6‬‬
‫الفصل األول‬
‫مصادر التاريخ الجاهلي‬
‫يعتبر تاريخ العرب في العص‪TT‬ر الجاهلي اض‪TT‬عف قس‪TT‬م كتب‪TT‬ه المؤرخون العرب‬
‫عن أحداث تلك الحقبة من الزمن ‪ ،‬واغلب ما وصلنا عن تاريخ العرب الجاهلية ال يعدو‬
‫ان يكون أساطير وروايات خرافية وقصص شعبية ‪ ،‬وأخب‪T‬ار اخذت عن اه‪T‬ل الكتاب وال‬
‫س‪TT‬يما اليهود ‪ ،‬وأخرى وض‪TT‬عها االخب‪TT‬اريون في العص‪TT‬ر االس‪TT‬المي ‪ .‬وقد أس‪TT‬تمر االعتماد‬
‫على ه ‪TT T‬ذه الموارد على أنها تاريخ الجاهلية ح ‪TT T‬تى القرن التاس ‪TT T‬ع عشر ‪ ،‬حيث قام‬
‫المستشرقون ب‪TT‬البحث عن مص‪TT‬ادر أخرى لهذا التاريخ ‪ ،‬ووجهوا اهتمامهم الى النقوش‬
‫والكتاب‪TT‬ات العربية ال‪TT‬تي دونها العرب قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ‪ ،‬فترجموا كثيرا من ه‪TT‬ذه النص‪TT‬وص‬
‫الى لغاتهم ‪ ،‬وعملوا على نشرها بالمسند وبالحروف الالتينية او العبرانية او العربية في‬
‫بعض االحيان وعلى استخالص ما ورد فيها من أمور متنوعة عن التاريخ العربي(‪.)1‬‬

‫) جواد علي ‪ ،‬المفصل في تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ ، 1‬ص‪. 123 _ 43_42‬‬ ‫‪1‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪7‬‬
‫وبفض ‪TT‬ل ه ‪TT‬ذه الجهود ال ‪TT‬تي ب ‪TT‬ذلها المستشرقون أمكن الحص ‪TT‬ول على أخب ‪TT‬ار دول‬
‫وأقوام عربية لم يرد لها ذكر في المص ‪TT‬ادر االس ‪TT‬المية الن اخب ‪TT‬ار تلك ال ‪TT‬دول وأولئك‬
‫االقوام كانت قد انقطعت وطمس ‪TT‬ت قب ‪TT‬ل االس ‪TT‬الم ‪ ،‬فلم تبلغ أه ‪TT‬ل األخب ‪TT‬ار ‪ ،‬ومما س ‪TT‬اعد‬
‫المستشرقون على شرح الكتاب‪T‬ات الجاهلية وتفس‪T‬يرها ‪ .‬معرفتهم بلغ‪T‬ات عديدة كالعبرانية‬
‫والس‪TT‬ريانية والبابلية ‪ .‬وكان للس‪TT‬ياح ال‪TT‬ذين جابوا مواض‪TT‬ع متعددة من جزيرة العرب وال‬
‫سيما القسم الغربي والجنوبي منها فضل كبير في بعث الحياة في الكتاب‪T‬ات الجاهلية ‪ ،‬فقد‬
‫أخذ اولئك الس‪T‬ياح بعض الكتاب‪T‬ات وص‪TT‬وروا البعض اآلخر ‪ ،‬وبفض‪TT‬ل التعاون مع علماء‬
‫اللغ‪T‬ات الشرقية أمكن ح‪T‬ل رموز تلك الكتاب‪T‬ات ‪،‬واس‪T‬تطاعوا ب‪T‬ذلك تدوين ما توص‪T‬لوا اليه‬
‫من التاريخ الجاهلي الذي بين أيدينا االن ‪ ،‬وقد تجمعت مادتة من الموارد التالية(‪:)1‬‬
‫أ‪ -‬النقوش والكتابات ‪.‬‬
‫ب‪ -‬التوراة والتلمود والكتب العبرانية االخرى ‪.‬‬
‫ت‪ -‬الكتب اليونانية والالتينية والسريانية ونحوها ‪.‬‬
‫ث‪ -‬المصادر العربية االسالمية ‪.‬‬

‫أ‪-‬النقوش والكتابات ‪:‬‬


‫تعتبر النقوش والكتابات المسجلة على اآلثار عماد البحث في التاريخ الجاهلي ‪،‬‬
‫النها الشاهد الناطق الحي الب‪TT T‬اقي من تلك األيام ‪ ،‬يس‪TT T‬تند عليها المؤرخ في تاريخه‬
‫للح‪TT T‬وادث ‪ ،‬فهي تح‪TT T‬ل مح‪TT T‬ل المص‪TT T‬ادر األرشيفية في س‪TT T‬رد وقائع تاريخ العرب قب‪TT T‬ل‬
‫االسالم(‪. )2‬‬
‫والنقوش والكتاب‪TT‬ات نوعان ‪ ،‬نقوش وكتاب‪TT‬ات غ‪TT‬ير عربية تناولت ذكر العرب ‪.‬‬
‫كالنص ‪TT‬وص اَالشورية او البابلية ‪ ،‬ونص ‪TT‬وص وكتاب ‪TT‬ات عربية كتبت بلهجات مختلف ‪TT‬ة ‪،‬‬
‫ومعظمها عثر علية في بالد العرب الجنوبية ‪ ،‬ويدخل ض ‪TT‬منها تلك ال ‪TT‬تي وجدت في‬
‫مص ‪TT T‬ر أو في جزر اليونان أو في الحبشة ‪ ،‬وهي من كتاب ‪TT T‬ات المعينيين والس ‪TT T‬بئيين ‪،‬‬
‫وكذلك النقوش ال ‪TT‬تي عثر عليها العلماء في بالد العرب الشمالية _ وهي قليلة _ وفي‬
‫بالد الشام ومواضع اخرى ‪ ،‬واغلب هذه النقوش تتعلق بأمور شخص‪TT‬ية ‪ ،‬ل‪T‬ذا فان فائدتها‬

‫() المرجع نفسه ‪،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 124-43‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ماجد ‪ :‬التاريخ السياسي للدولة العربية ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪ - 15‬سالم ؛ دراسات ص‪. 16-15‬‬ ‫‪2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪8‬‬
‫تنحصر في الدراسات اللغوية ‪ .‬والقليل منها الذي تناول ذكر النواحي السياسية او الدينية‬
‫او االجتماعية او العلمية ‪ ،‬ح‪TT‬تى النص‪TT‬وص العربية الجنوبية ال‪TT‬تي تم العثور عليها ح‪TT‬تى‬
‫االن ‪ ،‬تتح‪TT T‬دث في أمور شخص‪TT T‬ية في الغ‪TT T‬الب ‪ ،‬كانشاء بيت ‪ ،‬أو بناء معب‪TT T‬د ‪ ،‬أو بناء‬
‫س‪TT‬ور‪ ،‬أو شفاء من مرض ‪ ،‬ومع ه‪TT‬ذا فال يمكن اغف‪TT‬ال أهميتها الكب‪TT‬يرة في تدوين تاريخ‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫العرب الجنوبية ‪ ،‬فقد أمدتنا هذه النقوش باسماء عدد من الملوك‬
‫أما الكتاب ‪TT‬ات الثمودية واللحيانية والص ‪TT‬فوية ‪ ،‬فانها عديدة اال انها قص ‪TT‬يرة وفي‬
‫امور شخصية ‪ ،‬وفائدتها تنحص‪T‬ر في اس‪T‬تخراج أس‪T‬ماء بعض االص‪T‬نام وبعض المواض‪T‬يع‬
‫الحص‪TT‬ول على اس‪TT‬ماء بعض القبائل وغ‪TT‬ير ذل‪TT‬ك من المعلومات ال‪TT‬تي تلقي بعض الض‪TT‬وء‬
‫على التاريخ الجاهلي(‪.)2‬‬
‫ويالحظ ان جميع هذه الكتابات لم يؤرخ لها ‪ ،‬ولم يتمكن العلماء من تقويم ثابت‬
‫كان يستعمله العرب قبل االسالم مدة طويلة فقد كانوا يس‪T‬تعملون عدة ط‪T‬رق في تاريخهم‬
‫للح‪TT‬وادث ‪ ،‬فأرخوا بحكم الملوك ‪ ،‬فيشيرون الى الح‪TT‬ادث بانه ح‪TT‬دث في ايام الملك فالن‬
‫أو في الس‪TT‬نة كذا في حكم الملك فالن ‪ ،‬وكذلك كانوا يؤرخون بأيام الرؤوس‪TT‬اء وس‪TT‬ادات‬
‫القبائل وارب‪TT T‬اب األس‪TT T‬ر ‪ ،‬وقد شاع ه‪TT T‬ذا النوع من التاريخ عند المعينين والس‪TT T‬بئيين‬
‫والقتب ‪TT T‬انيين وعند غ ‪TT T‬يرهم ‪ ،‬في مختلف انح ‪TT T‬اء جزيرة العرب ‪ ،‬ويظهر من النقوش‬
‫والكتاب ‪TT‬ات ال ‪TT‬تي عثر عليها ان العرب الجنوب ‪TT‬يين كانوا يس ‪TT‬تعملون التقويم الشمس ‪TT‬ي في‬
‫الزراعة والتقويم القمري والنجمي َاي الذي يقوم على رصد النجوم (‪.)3‬‬
‫ب_ التوراة والتلمود والتفاسير والشروح العبرانية ‪:‬‬
‫يعتبر التوراة_ وه‪T‬و كتاب اليهود المقدس _ أقدم المص‪TT‬ادر غ‪T‬ير العربية لتاريخ‬
‫العرب قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ‪ .‬فورد فيه ذكر العرب بعدد من االس‪TT‬فار عند الح‪TT‬ديث عن عالقة‬
‫العبرانيين ب‪TT‬العرب في الف‪TT‬ترة ما بين ‪ 750‬ق‪ .‬م والقرن الثاني قب‪TT‬ل الميالد ‪ ،‬كذلك جاء‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ذكر العرب في التلمود الذي يكمل أحكام التوراة‬
‫أما الف ‪TT‬ترة بين ال ‪TT‬زمن ال ‪TT‬ذي انتهى فيه من كتاب ‪TT‬ه التوراة وال ‪TT‬زمن ال ‪TT‬ذي ب ‪TT‬دأ فيه‬
‫بكتاب ‪TT‬ة التلمود فيس ‪TT‬تعان في تدوينها باألخب ‪TT‬ار ال ‪TT‬تي أورده ‪TT‬ا بعض الكتاب وفي مقدمتهم‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ج‪ 1‬ص ‪. 44‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ج‪ 1‬ص ‪. 36‬‬ ‫‪2‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ج‪ 1‬ص ‪. 48‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 38‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪9‬‬
‫المؤرخ اليهودي ( يوس ‪TT‬ف فالفيوس) ال ‪TT‬ذي عاش بين ‪37‬م – ‪ 100‬م ‪ ،‬ومن المؤلف ‪TT‬ات‬
‫التي اشتملت على معلومات مهمة عن تاريخ العرب ‪ :‬كتاب باليونانية في تاريخ عادات‬
‫اليهود ‪ ،‬تنتهي حوادثة س ‪TT T‬نة ‪ 66‬م ‪ ،‬وكتاب في تاريخ ح ‪TT T‬روب اليهود من اس ‪TT T‬تيالء‬
‫انطيوخوس افيف‪TT T‬انوس على القدس س‪TT T‬نة ‪170‬ق‪.‬م الى االس‪TT T‬تيالء عليها ثانية في عهد‬
‫طيطس عام ‪70‬م ‪ ،‬وقد ورد في ه‪TT‬ذه المؤلف‪TT‬ات اخب‪TT‬ار مفص‪TT‬لة عن عرب االنب‪TT‬اط ال‪TT‬ذين‬
‫كانوا في أيامه يقطنون في منطقة واسعة تمتد من نهر الفرات متاخمة لبالد الشام وممتدة‬
‫الى البح ‪TT T‬ر االحمر ‪ ،‬وقد أهتم المؤرخ يوس ‪TT T‬ف فالفيوس بعالقة العبرانيين بهؤالء‬
‫االنباط(‪.)1‬‬
‫ج _ الكتب اليونانية والالتينية والسريانية ‪:‬‬
‫ورد في كتب التاريخ اليونانية والالتينية والس ‪TT‬ريانية ال ‪TT‬تي ألفت قب ‪TT‬ل االس ‪TT‬الم ‪،‬‬
‫معلومات هامة وذات قيمة كب‪TT‬يرة عن تاريخ العرب في العص‪TT‬ر الجاهلي ‪ ،‬وقد اس‪TT‬تقى‬
‫مؤلفوه ‪TT‬ا معلوماتهم عن طريق المح ‪TT‬اربين اليونان والرومان والتجار واص ‪TT‬حاب الس ‪TT‬فن‬
‫ال ‪TT‬ذين احتكوا ب ‪TT‬العرب ‪ .‬وكذلك الس ‪TT‬ياح ال ‪TT‬ذين اختلط ‪TT‬وا بقبائل العرب أو أقاموا بينهم ‪،‬‬
‫والسيما في بالد االنباط ‪ .‬وقد كانت االسكندرية من اهم المراكز التي تعني بجمع أخب‪TT‬ار‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫العرب واحوالهم ومنتوجات بالدهم‬
‫واقدم من ذكر العرب من مؤرخي اليونان ‪ :‬أخيلس أو أيس ‪TT‬كيلوس اليوناني (‬
‫‪ 456_525‬ق‪.‬م) ‪ ،‬وه ‪TT‬يرودتس (‪ 425_480‬ق‪.‬م) ال ‪TT‬ذي ذكر العرب عند حديثه عن‬
‫الحرب بين فارس ومصر في عصر قمب‪TT‬يز ‪ ،‬والمؤرخ ثيوفراس‪TT‬توس (‪287_371‬ق‪.‬م )‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬وايراتوستينس (‪ 194_276‬ق‪.‬م ) وديودورس الصقلي(‪40‬ق‪.‬م)‬
‫وممن ذكر العرب من الجغرافيين اليونان ووص‪TT‬فوا مدنهم وأح‪TT‬والهم االجتماعية‬
‫واالقتص‪TT‬ادية في الجزيرة الجغ‪TT‬رافي س‪TT‬ترابون (س‪TT‬ترابو)(‪64‬ق‪.‬م _‪ 19‬م) وقد كتب ه‪TT‬ذا‬
‫الرحال‪TT‬ة كتاب‪TT‬ا مهما باللغ‪TT‬ة اليونانية في س‪TT‬بعة عشر جزءا أس‪TT‬ماه (جغرافيا) ‪ ،‬وقد أفرد‬
‫فص ‪TT‬ال خاص ‪TT‬ا من الكتاب الس ‪TT‬ادس عشر عن بالد العرب ذكر فيه مدائنهم وقب ‪TT‬ائلهم في‬

‫() جواد علي ‪ ،‬المفصل ج ‪ 1‬ص ‪. 55‬‬ ‫‪1‬‬

‫() المرجع نفسه‪ ،‬المفصل ج‪ 1‬ص ‪ 56‬؛ سالم دراسات ص ‪.39‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 39‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪10‬‬
‫عهده ووص ‪TT‬ف اح ‪TT‬والهم التجارية ‪ ،‬وتح ‪TT‬دث عما شاهده بنفس ‪TT‬ه عندما أشترك في حملة‬
‫(أوليوس غالوس)على اليمن سنة ‪ 24‬ق‪.‬م(‪. )1‬‬
‫ومنهم أيض‪TT‬ا بطليموس ال‪TT‬ذي عاش في االس‪TT‬كندرية في القرن الثاني الميالدي ‪.‬‬
‫وألف كتابا في الجغرافية عرف بجغرافية بطليموس وقد قسم فيه االقاليم بحس‪T‬ب درجات‬
‫الط‪TT T‬ول والعرض وتح‪TT T‬دث عن مدن العرب وقب‪TT T‬ائلهم وأح‪TT T‬والهم ‪ .‬ومنهم بلنيوس ( ت‬
‫‪79‬م) ‪ ،‬وهناك مؤلف يوناني مجهول وضع كتابا سماه (الط‪TT‬واف ح‪TT‬ول البح‪TT‬ر األرتيري)‬
‫وص ‪TT‬ف فيه تطوافه في البح ‪TT‬ر االحمر وس ‪TT‬واحل بالد العرب الجنوبية ‪ .‬ويعتقد بعض‬
‫العلماء ان الكتاب المذكور أل‪TT‬ف في ح‪TT‬والي س‪TT‬نة ‪80‬م ‪ ،‬في حين يرى َاخرون أنه ربما‬
‫ألف في حوالي سنة( ‪ 225‬أو ‪ 210‬م) ‪ .‬وممن تحدث عن العرب أيضا نذكر ‪ :‬أريان (‬
‫‪175_95‬م) ‪ ،‬وهيروديان (‪250_165‬م) وه‪TT‬و مؤرخ س‪TT‬يرياني أل‪TT‬ف في اليونانية كتاب‪TT‬ا‬
‫في تاريخ قياصرة الروم من وفاة القيصر ماركوس أوريليوس الى سنة ‪ 238‬م(‪. )2‬‬
‫المصادر النصرانية ‪ :‬تحتل هذه المصادر أهمية خاص‪TT‬ة في تدوين تاريخ انتشار‬
‫النصرانية في بالد العرب وتاريخ القبائل العربية وعالقة ه‪TT‬ذه القبائل باليونان والف‪TT‬رس ‪،‬‬
‫وتمتاز ه‪TT T T‬ذه المؤلف‪TT T T‬ات ب‪TT T T‬دقتها من الناحية التاريخية ‪ ،‬وقد كتب أغلبها باليونانية‬
‫والس‪TT T‬ريانية ‪ ،‬ومن أشهرها مؤلف‪TT T‬ات (أويس‪TT T‬بيوس) (‪340_263‬م)‪ ،‬واثناس‪TT T‬يوس (‪_296‬‬
‫‪371‬م) وجيالسيوس (‪394_320‬م) أسقف قيصرية ‪ ،‬وروفينوس تيراتيوس (ت‪419‬م )‬
‫‪ ،‬والمؤرخ س‪TT‬قراط ‪ ،‬وكان من فقهاء الكنيس‪TT‬ة ‪ ،‬وقد وردت في مؤلفاته اخب‪TT‬ار عن بالد‬
‫العرب ‪ ،‬ومنهم المؤرخ س ‪TT T T‬وزومينوس( ‪443_400‬م )‪ ،‬وتيودوريث ‪(،‬ت‪457‬م) ‪،‬‬
‫وزوس‪TT‬يموس‪ ،‬وشمعون االرشامي ص‪TT‬احب (رس‪TT‬ائل الشهداء الحميرين ) ال‪TT‬تي تبحث في‬
‫تعذيب ذي نواس للنصارى في نجران ‪ ،‬وبروكوبيوس من رجال القرن السادس المالدي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬ويوحنا مالال ( ت ‪578‬م ) وغيرهم‬
‫وهناك طائف‪TT‬ة من المؤرخين النص‪TT‬ارى من روم وس‪TT‬ريان عاشوا في أيام الدول‪TT‬ة‬
‫االموية والعباس‪T‬ية وألف‪T‬وا في التاريخ العام وفي تواريخ النص‪TT‬رانية الى أيامهم ‪ ،‬وتح‪T‬دثوا‬
‫عن العرب في الجاهلية وفي االس‪TT‬الم ‪ ،‬وأكثر ه‪TT‬ذه المؤلف‪TT‬ات أما مخطوط‪TT‬ة أو مطبوعة‬

‫() جواد على ‪ :‬المفصل ج ص ‪. 58‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جواد علي ‪ ،‬المفصل ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 61_ 60_ 56‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المرجع نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 61_60‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪11‬‬
‫ولكنها نادرة النها طبعت منذ عشرات الس‪TT T‬نين‪ ،‬كما أنها كتبت في لغاتها األص‪TT T‬يلة‬
‫كاليونانية او الالتينية أو السريانية‬
‫(‪)1‬‬

‫د – المصادر العربية االسالمية المدونة ‪:‬‬


‫المصادر العربية االسالمية كثيرة ومتنوعة ‪ ،‬منها مص‪TT‬نفات في التاريخ ‪ ،‬ومنها‬
‫مص‪TT T‬نفات في األدب ومنها كتب في البلدان وال ‪TT‬رحالت والجغرافية ‪ ،‬وفي موض‪TT T‬وعات‬
‫عديدة أخرى بعض‪T‬ها ال يعد من ص‪T‬ميم التاريخ اال انها مع ذل‪T‬ك تعتبر مص‪T‬ادر مهمة في‬
‫تدوين تاريخ الجاهلية القريب ‪TT T‬ة من االس ‪TT T‬الم ‪ ،‬نظ ‪TT T‬را لما تض ‪TT T‬منته ه ‪TT T‬ذه المص ‪TT T‬ادر من‬
‫معلومات غزيرة عن تلك الف‪TT‬ترة ‪ .‬والتفس‪TT‬ير وكتب الس‪TT‬ير والمغ‪TT‬ازي والفتوح‪ ،‬والشعر‬
‫الجاهلي وكتب التاريخ والجغرافية‪.‬‬
‫‪ )1‬القران الكريم‪ :‬يعتبر القرَان الكريم أقدم المص‪TT‬ادر العربية االس‪TT‬المية المدونة وأص‪TT‬دقها‬
‫على االطالق ‪ ،‬ألنه تنزيل من اهلل تعالى ال س‪T‬بيل الى الشك في ص‪TT‬حة نص‪TT‬ه ‪ ،‬وقد‬
‫تض‪T‬منت َايات القرَان الكريم ذكر لبعض مظ‪T‬اهر حياة العرب السياس‪T‬ية واالجتماعية‬
‫واالقتص‪TT‬ادية ‪ ،‬قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ‪ ،‬ووص‪TT‬ف تفكيرهم وعقائدهم ‪ ،‬وفيه ذكر لبعض أخب‪TT‬ار‬
‫الشعوب العربية القديمة ال‪TT‬تي ب‪TT‬ادت وانقرض‪TT‬ت مثل عاد وثمود ‪ ،‬واص‪TT‬حاب الفيل ‪،‬‬
‫والس ‪TT‬يل العرم (انهيا س ‪TT‬د مأرب) ‪ ،‬واص ‪TT‬حاب األخدود ‪ ،‬أورده ‪TT‬ا كعبرة وموعظ ‪TT‬ة‬
‫للمعارض ‪TT‬ين من العرب لالس ‪TT‬الم ‪ ،‬وتذكيرا بما أص ‪TT‬اب شعوب العرب البائدة من‬
‫العذاب لتكذيبهم الرس‪TT‬ل واالنبياء ‪ ،‬وقد اثبتت الحقائق التاريخية والكشوف األثرية‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫صحة ما جاء به القرَان الكريم من أخبار العرب البائدة ودقتها‬
‫‪ )2‬الحديث ‪ :‬وهو المصدر الثاني للشريعة االسالمية بما تضمنه من أحكام وقوانين للمجتمع‬
‫االس ‪TT‬المي ‪ ،‬ويعتبر أص ‪TT‬دق المص ‪TT‬ادر التاريخية بعد القرَان الكريم لتدوين أخب ‪TT‬ار‬
‫الجاهلية القريب ‪TT‬ة من االس ‪TT‬الم ‪ .‬وعلى ال ‪TT‬رغم من ان الح ‪TT‬ديث لم يدون بالفعل اال في‬
‫أواخر القرن الثاني الهجري _الثامن الميالدي _ اال أنه يعتبر أص‪TT‬ح المص‪TT‬ادر في‬
‫تاريخ القرنين األولين في االس ‪TT‬الم ‪ ،‬بس ‪TT‬بب الدقة ال ‪TT‬ذي اتبعت في نقله ‪ ،‬فقد كانت‬
‫األح ‪TT‬اديث تروى عن طريق سلس ‪TT‬لة الحف ‪TT‬اظ أو مايعرف بالس ‪TT‬ند أو االس ‪TT‬ناد ‪ ،‬ح ‪TT‬تى‬
‫تص‪TT‬ل الى النبي ص‪TT‬لى اهلل عليه وس‪TT‬لم أو الس‪TT‬لف األول من الص‪TT‬حابة أو التابعين أو‬

‫() المرجع نفسه ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 65‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سالم ‪ :‬دراسات ‪ ،‬ص‪. 21،22‬‬ ‫‪2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪12‬‬
‫تابعي التابعين (‪( .)1‬وهو ما يسمى بعلم (الجرح والتعديل)‪ ،‬أو (علم الرجال) ‪ ،‬وه‪TT‬ذا‬
‫العلم دقيق جليل القدر عظيم الفائدة ‪ ،‬يهدف الى خدمة الس‪TT‬نة والكشف عن اح‪TT‬وال‬
‫رواتها واح‪TT‬دا واح‪TT‬دا وتمييز الص‪TT‬ادق من الكاذب والض‪TT‬ابط من ال‪TT‬واهم ‪ ،‬والموثوق‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫بروايته من المطعون فيها )‬
‫ويمكن للب ‪TT‬احث االعتماد على المجموعات الص ‪TT‬حاح في الح ‪TT‬ديث ‪ ،‬كالجامع‬
‫للبخاري (ت‪275‬ه) ‪ ،‬وصحيح مسلم (ت ‪262‬ه) ‪ ،‬وسنن أبي داود (ت ‪275‬ه) ‪،‬‬
‫وسنن الترمذي (ت‪279‬ه) ‪ ،‬وموط‪TT‬أ مال‪TT‬ك (ت‪179‬ه) ‪ ،‬وابن ماجة (ت ‪273‬ه) ‪،‬‬
‫وهناك عدة شروح للبخاري ومس ‪TT‬لم ‪ ،‬منها ‪ :‬النووي (ت‪667‬ه) ‪ ،‬وكتاب ‪TT‬ه شرح‬
‫ص‪TT T T‬حيح مس ‪TT T‬لم علي ه ‪TT T‬امش كتاب القس ‪TT T‬طالني ‪ :‬ارشاد الس ‪TT T‬اري لشرح ص‪TT T T‬حيح‬
‫البخاري ‪ ،‬والعس‪T‬قالني (ت‪852‬ه) ‪ :‬فتح الب‪T‬اري بشرح ص‪TT‬حيح البخاري ‪ ،‬والعيني‬
‫(ت‪ : )855‬عمدة القارئ في شرح صحيح البخاري(‪.)3‬‬
‫كتب التفس ير ‪ :‬تتض ‪TT‬من ه ‪TT‬ذه الكتب شروحا مفص ‪TT‬لة لما ورد في القرَان الكريم من‬ ‫‪)3‬‬
‫أخبار مختصرة عن بعض االح‪TT‬داث في الجاهلية وعص‪TT‬ر النب‪TT‬وة األول ‪ ،‬أو ما أغلق‬
‫علينا فهمه من معاني القرَان الكريم وتعابيره ‪ ،‬وقد نشأ التفس‪TT‬ير في عص‪TT‬ر النبي‬
‫‪ ( ،‬باعتب ‪TT‬ارهم‬ ‫(‪)4‬‬
‫ص ‪TT‬لى اهلل عليه وس ‪TT‬لم ‪ ،‬ثم تولى الص ‪TT‬حابة من بعده ه ‪TT‬ذه المهمة‬
‫ال‪TT‬واقفين على أس‪TT‬راره ‪ ،‬المهتدين بهدى النبي ص‪TT‬لى اهلل عليه وس‪TT‬لم ) ‪ ،‬ومن أشهر‬
‫المفس‪TTT‬رين من الص‪TTT‬حابة ‪ :‬عب‪TTT‬د اهلل بن عب ‪TT‬اس ‪ ،‬وعن الص ‪TT‬حابة أخذ التابعون وعن‬
‫‪ .‬ومن‬ ‫(‪)5‬‬
‫التابعين أخذ تابعوا التابعين ‪ ،‬فجمعوا أقوال من تقدمهم وص‪T‬نفوا التفاس‪T‬ير‬
‫أشهر كتب التفس‪TT T‬ير ‪ ،‬التفس‪TT T‬ير التاريخي المعروف بتفس‪TT T‬ير لط‪TT T‬بري (ت ‪ 310‬ه)‬
‫( جامع البيان في تفس ‪TT‬ير َاي القرَان ) ‪ ،‬وتفس ‪TT‬ير ابن كثير الدمشقي (ت ‪774‬ه) ‪،‬‬
‫وه ‪TT‬ذه عرفت بكتب التفس ‪TT‬ير بالمأثور ‪ ،‬اما كتب التفس ‪TT‬ير ب ‪TT‬الرأي فأشهرها ‪ :‬تفس ‪TT‬ير‬

‫() عبد الكريم زيدان ‪ ،‬المدخل لدراسات الشريعة االسالمية ‪ ،‬ص ‪. 18‬‬ ‫‪1‬‬

‫() عبد الكريم زيدان ‪ ،‬المدخل لدراسة الشريعة االسالمية ‪ ،‬ص ‪. 18‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ماجد ‪ ،‬التاريخ السياسي للدولة العربية ‪،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 20‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سالم ‪ ،‬دراسات ‪ ،‬ص ‪. 24‬‬ ‫‪4‬‬

‫() صبحي الصالح ‪ ،‬مباحث في علوم القرَان ‪ ،‬ص ‪ ، 333_331‬دمشق ‪. 1966‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪13‬‬
‫ال ‪TT‬رازي (ت‪606‬هـ) ‪ ،‬المس ‪TT‬مى مف ‪TT‬اتيح الغيب (‪ ،)1‬ومنها تفس ‪TT‬ير البيض‪TTT‬اوي ( أنوار‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫التنزيل وأسرار التأويل) ‪،‬وتفسير ابي السعود ‪ ،‬وتفسير النسفي وتفسير الخازن‬
‫‪ )4‬كتب السير والمغازي والفتوح ‪:‬تعرضت هذه الكتب أيضا ألخب‪TT‬ار الجاهلية ‪ ،‬القريب‪TT‬ة من‬
‫االسالم ‪ ،‬وفي مقدمة هذه الكتب ‪ :‬كتاب ابن هشام (ت ‪218‬ه) المعروفة بالس‪TT‬يرة ‪،‬‬
‫وقد أرخ في هذا الكتاب لسيرة النبي صلى اهلل عليه وسلم وتح‪T‬دث عن تاريخ العرب‬
‫قب‪TT T‬ل االس‪TT T‬الم معتمدا على الرواية الشفوية ‪ ،‬وعلى كتب ض‪TT T‬اعت ‪ ،‬وجمع اخب‪TT T‬ار‬
‫الس‪TT‬يرة من ابن أس‪TT‬حق (ت‪151‬ه) ‪ ،‬وأض‪TT‬اف اليها بعض الروايات األخرى ال‪TT‬تي لم‬
‫يذكرها ابن اس‪TT T T‬حق ‪ ،‬ويعتبر عروة بن الزب‪TT T T‬ير (ت‪92‬ه) من أقدم من كتب في‬
‫المغازي ‪ ،‬وقد وصلتنا بعض رسائله في كتب الواقدي والط‪T‬بري ‪ ،‬وتأتي بعد عروة‬
‫أب‪TT T‬ان بن عثمان بن عف‪TT T‬ان (ت‪105‬ه) ‪ ،‬ومحمد بن س‪TT T‬الم بن شهاب الزه‪TT T‬ري (ت‬
‫‪124‬ه) ‪ ،‬وشرحبيل بن سعد (ت‪123‬ه) ‪ ،‬والواقدي (ت‪207‬ه) ‪ ،‬ومحمد بن س‪TT‬عد‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫(ت‪230‬ه)‬
‫‪ )5‬الشعرلجاهلي ‪ :‬يعتبر الشعر الجاهلي ايض‪TT‬ا مص‪TT‬در من مص‪TT‬ادر التاريخ الجاهلي ‪ ،‬وقد‬
‫قيل في الشعر الجاهلي انه ( ديوان العرب) ‪ ،‬وه‪TT‬و( ديوان علمهم ومنتهى حكمهم ‪،‬‬
‫به يأخذون ‪ ،‬واليه يصيرون )(‪ ، )4‬وبه حفظت االنس‪T‬اب وعرفت المآثر ومنه تعلمت‬
‫العربية (‪.)5‬‬
‫وعلى ال ‪TT‬رغم من ان الشعر الجاهلي تعرض للض ‪TT‬ياع بتركه يتناقل على الس ‪TT‬نة‬
‫الرواة شفاها نحو قرنين من الزمان الى ان دون في تاريخ متأخر ‪ ،‬وعلى ال‪TT‬رغم من ان‬
‫وص ‪TT‬لنا منه على قلته مشكوك في اص ‪TT‬الته مخول عليه ‪ ،‬فإن على قلته يعتبر مص ‪TT‬درا‬
‫اساسيًا في تصوير حياة العرب في الجاهلية ‪ .‬ومن اشهر شعراء الجاهلية ‪ :‬امرئ القيس‬
‫‪ ،‬وعبيد بن األب‪TT‬رص ‪ ،‬وعلقمة الفح‪TT‬ل ‪ ،‬واوس‪ ،‬وطرفة بن العب‪TT‬د‪ ،‬وعمرو بن كلثوم ‪،‬‬

‫() ص‪TT‬بحي الص‪TT‬الح ‪ ،‬مب‪TT‬احث في علوم القرَان ‪ ،‬ص‪ 336‬؛ ماجد ‪ ،‬تاريخ الحض‪TT‬ارة االس‪TT‬المية ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 196-165‬‬
‫() سالم ‪ :‬دراسات ‪ ،‬ص ‪. 25_24‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ماجد ‪ :‬التاريخ السياسي ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪ 14_23‬؛ سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 26_25‬‬ ‫‪3‬‬

‫() الجمحي ‪ :‬طبقات الشعراء ‪ ،‬ص ‪ 10‬طبعة ليدن‬ ‫‪4‬‬

‫() السيوطي ‪ :‬المزهر في علوم اللغة ‪ ،‬ج ‪ ، 2‬ص ‪. 470‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪14‬‬
‫والح‪TT T T‬رث بن حلزة ‪ ،‬والنابغ‪TT T T‬ة ال‪TT T T‬ذبياني‪ ،‬وعنترة بن شداد‪ ،‬واعشى قيس ‪ ،‬وطفيل‬
‫الغنوي(‪.)1‬‬
‫وقد تولى جمع الشعر الجاهلي في االسالم جماعة من الرواة الحاذقين تخصصوا‬
‫برواية الشعر ‪ ،‬وممن اشتهر بجمعه منهم ‪ :‬حماد الراوية‪ ،‬فروى الجمحي انه ( كان‬
‫اول من جمع اشعار العرب وساق احاديثها ‪ ....‬وكان غير موثوق به ‪ ،‬كان ينح‪TT‬ل شعر‬
‫الرجل غيره ‪ ،‬ويزيد في االشعار )(‪ ، )2‬وابو عمرو بن العال (ت ‪ 154‬ه) ‪ ،‬وابو عبيدة‬
‫‪ ،‬واألصمعي ‪ ،‬والمفضل بن محمد الكوفي صاحب المفضليات ‪ ،‬واب‪TT‬و عمرو اس‪TT‬حاق بن‬
‫مرار الشيباني (ت ‪ 206‬ه)‪ ،‬واب‪TT‬و عبداهلل محمد بن زياد االعرابي (ت ‪231‬ه)‪،‬واب‪TT‬و‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫محمد جناد بن واصل الكوفي‪ ،‬وخالد بن يزيد الباهلي‪ ،‬وغيرهم‬
‫‪ -6‬كتب الت اريخ والجغرافي ة ‪ :‬هناك نوعان من مؤلف‪TT‬ات العرب المس‪TT‬لمين ال‪TT‬ذين دونوا‬
‫تاريخ العرب الجاهلية ‪ ،‬يتناول االول منهما اخبار العرب في الجاهلية المغرقة في القدم‬
‫وه‪TT‬و عب‪TT‬ارة عن قص‪TT‬ص واس‪TT‬اطير‪ ،‬اخذت من مص‪TT‬ادر مختلف‪TT‬ة او انها كانت من ابتكار‬
‫ال‪TT‬رواة ‪ ،‬وفي طليعة المشتغلين ‪ ،‬برواية اخب‪TT‬ار العرب في العص‪TT‬ر الجاهلي ‪ :‬عبيد بن‬
‫شرية ‪ ،‬وكعب األحبار ‪ ،‬ووهب بن منبه (ت ‪ 110‬ه) ‪ ،‬ومحمد بن السائب الكلبي (ت‬
‫‪146‬ه) ‪ ،‬وابنه اب‪T‬و المنذر هشام بن محمد بن الس‪T‬ائب الكلبي (ت‪204‬ه) ‪ ،‬واب‪T‬و عبيدة‬
‫معمر بن المثنى (ت ‪209‬ه) ‪ ،‬وعلي بن محمد المدائني (ت ‪225‬ه) ‪ ،‬ويض‪TTT‬اف الى‬
‫ه‪TT‬ذه الجمهرة من المؤرخين ‪ ،‬العالم الجغ‪TT‬رافي اب‪TT‬و محمد الحس‪TT‬ن بن احمد الهمداني (ت‬
‫‪ 334‬ه) ص‪TT‬احب كتاب االكليل ‪ .‬ال‪TT‬ذي يبحث في ماض‪TT‬ي اليمن ‪ ،‬وكتاب ص‪TT‬فة جزيرة‬
‫العرب ال ‪TT‬ذي يعتبر من المص ‪TT‬ادر الهامة في تاريخ العرب قب ‪TT‬ل االس ‪TT‬الم خصوص ‪TT‬ا بالد‬
‫العرب الجنوبية ‪ .‬وبعض ه‪TT T‬ؤالء المؤرخين امثال‪ :‬عبيد بن شربة وكعب االحب‪TT T‬ار‪،‬‬
‫ووهب بن منب ‪TT T‬ه ‪ ،‬هم قص ‪TT T‬اص اس ‪TT T‬اطير ورواة خرافات وس ‪TT T‬مر ‪ ،‬مس ‪TT T‬تمد من أس ‪TT T‬اطير‬
‫اليهود(‪. )4‬‬

‫() سالم‪ :‬دراسات ‪ ،‬ص ‪37-36‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الجمحي ‪ :‬طبقات الشعراء ‪ ،‬ص ‪.14‬‬ ‫‪2‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪69-68‬‬ ‫‪3‬‬

‫() جواد علي ‪ ،‬المفصل ‪ ،‬ج ‪1 ،‬ص‪ ، 83‬سالم ‪ :‬دراسات ‪ ،‬ص ‪35-8‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪15‬‬
‫اما النوع الثاني من الكتاب‪TT‬ات التاريخية فيتناول اخب‪TT‬ار في الجاهلية القريب‪TT‬ة من‬
‫االسالم او المتصلة بحياة الرس‪T‬ول ص‪T‬لى اهلل عليه وس‪T‬لم ‪ ،‬وكأيام العرب ‪ ،‬وهي االخب‪T‬ار‬
‫ال ‪TT‬تي تروي ما كان يح ‪TT‬دث بين القبائل من ح ‪TT‬روب ‪ ،‬وه ‪TT‬ذه االخب ‪TT‬ار اقرب الى الحقيقة‬
‫التاريخية النها كانت ما تزال تعيها الذاكرة وألنها قريبة العهد باالسالم (‪.)1‬‬
‫الساميون‬
‫الس ‪TT‬اميون مجموعة بشرية يتميزون بحض ‪TT‬ارة ذات عناص ‪TT‬ر مشتركة‬
‫تميزهم عن غيرهم من االمم وخاصة اللغة التي هي اهم ما يميز الس‪TT‬اميين ‪،‬‬
‫وعلى ال‪TT T‬رغم من ان الس‪TT T‬اميين كانوا يتكلمون بلغ‪TT T‬ات مختلف‪TT T‬ة ‪ ،‬لكنها كانت‬
‫تشترك في خص‪TT T T‬ائص عديدة تميزه‪TT T T‬ا عن غيره‪TT T T‬ا من اللغ‪TT T T‬ات ‪ ،‬من تلك‬
‫الخص‪TT‬ائص ‪ :‬وجود عدد كب‪TT‬ير من الكلمات المشتركة بينها ‪ ،‬االس‪TT‬اس فيها‬
‫الفعل الماض ‪TT T‬ي ‪ ،‬كما ان تص ‪TT T‬ريف االفعال متشابهة فيها ‪ ،‬وتعتمد على‬
‫الس‪TT‬واكن ال الحركات ‪ ،‬واص‪TT‬ل الكلمات مكون من ثالثة اح‪TT‬رف في الغ‪TT‬الب ‪،‬‬
‫والفعل ه‪TT‬و اس‪TT‬اس الجملة ويعتمد عليه االس‪TT‬م والض‪TT‬مير ‪ ،‬وان لالس‪TT‬ماء فيها‬
‫ص‪TT‬يغتان‪ :‬المذكر والمؤنث ‪ ،‬وليس فيها ص‪TT‬يغة ثالثة (‪) Neuter gender‬‬
‫الموجودة في اللغ‪T‬ات االوربية ‪ ،‬واللغ‪T‬ة الس‪T‬امية بص‪T‬ورة عامة بس‪T‬يطة مباشرة‬
‫ال تستعمل االفعال المساعدة وقلما تستعمل حروف الربط ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وفي عام ‪ 1869‬م قس‪TT T‬م العلماء اللغ‪TT T‬ات الس‪TT T‬امية الى مجموعتين ‪ :‬المجموعة‬
‫الس ‪TT T‬امية الشمالية ‪ ،‬والمجموعة الس ‪TT T‬امية الجنوبية ‪ ،‬وتتألف المجموعة الشمالية من‬
‫العبرانية والفينيقية واآلرامية واألشورية والبابلية والكنعانية‪ .‬اما المجموعة الجنوبية‬
‫‪ .‬وقد الح ‪TT‬ظ العلماء ان الشعوب ال ‪TT‬تي كانت‬ ‫(‪)3‬‬
‫فتتألف من العربية بلهجاتها والحبشية‬
‫تتخاطب بهذه اللغ ‪TT T T T‬ات تتشابه من حيث الخص ‪TT T T T‬ائص الجس ‪TT T T T‬مانية ومن حيث النظم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫االجتماعية والمعتقدات‬

‫() سالم ‪ :‬التاريخ والمؤرخين العرب ‪ ،‬ص ‪ ،7‬طبع مكتبة االسكندرية‬ ‫‪1‬‬

‫() صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ‪ ،‬بغدد ‪ ، 1967 ،‬ص‪.9‬‬ ‫‪2‬‬

‫() جواد علي‪ :‬المفصل ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪223‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سالم ‪ ،‬دراسات ‪ ،‬مصر ‪ ، 1968 ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪62‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪16‬‬
‫أما في التوراة فقد وردت لفظ‪TT‬ة س‪TT‬امي في س‪TT‬فر التكوين ‪ ،‬وجاء فيها انه كان‬
‫لنوح ثالثة اوالد انح‪TT‬در منهم البشر بعد الطوفان ‪ ،‬هم ‪ :‬س‪TT‬ام وح‪TT‬ام ويافث ‪ .‬وقد س‪TT‬كن‬
‫الساميون وهم احفاد سام في منطقة الشرق االوسط (‪.)1‬‬
‫ويالح ‪TT‬ظ ان التوراة حشرت فيها شعوبا ال يمكن عدها من الشعوب الس ‪TT‬امية ‪،‬‬
‫مثل العيالميين واللوديين ‪ ،‬واقض‪T‬ت منها جماعة من ال‪T‬واجب عدها من الس‪T‬اميين ‪ ،‬مثل‬
‫الفينيقين والكنعانيين ‪ ،‬ويرى ب‪TT‬روكلمن ان العبرانيين كانوا قد تعمدوا اقص‪TT‬اء الكنعانيين‬
‫من جدول انس‪TT‬اب س‪TT‬ام‪ ،‬الس‪TT‬باب سياس‪TT‬ية ودينية ‪ ،‬ب‪TT‬الرغم مما كان بينهم وبين الكنعانيين‬
‫من صالت عنصرية ولغوية (‪.)2‬‬
‫وكان المستشرق االلماني ‪ :‬اوغس‪TT‬ت ل‪TT‬دوك فون شلوتزر ‪ ،‬اول من اطلق لفظ‪TT‬ة‬
‫س‪TT T‬امي في العص‪TT T‬ر الح‪TT T‬ديث ‪ ،‬س‪TT T‬نة ‪ ، 1781‬معتمدا في ذل‪TT T‬ك على تقارب لغ‪TT T‬ات ه‪TT T‬ذه‬
‫المجموعة البشرية ‪ ،‬وشاركه في ذلك عالم الماني اخر يدعى ‪ :‬يوهن كوتر آيشهورن ‪،‬‬
‫وايدهم في ذل‪TT‬ك غ‪TT‬يرهم من العلماء ‪ ،‬وهناك بعض الدارس‪TT‬ين للغ‪TT‬ات الس‪TT‬امية يعترض‪TT‬ون‬
‫على هذه التسمية لوجود بعض الساميين من ال يتكلم بلغة س‪TT‬امية كالعيالميين واللوديين ‪،‬‬
‫فهؤالء ساميون حسب ما اوردته التوراة اال ان لغ‪T‬اتهم غ‪T‬ير س‪T‬امية ‪ ،‬وكذلك هناك لغ‪T‬ات‬
‫سامية ال ينتمي الناطقون بها الى الجنس السامي كاالحباش ‪،‬وعلى هذا االساس فأن فكرة‬
‫ارجاع ه‪TT‬ذه الشعوب الس‪TT‬امية الى جد واح‪TT‬د اص‪TT‬بحت اليوم مس‪TT‬ألة مشكوك فيها ال يقره‪TT‬ا‬
‫العلماء (‪.)3‬‬
‫اما عن الموطن االص‪TT T‬لي للس‪TT T‬اميين ‪ ،‬فقد اختلف العلماء وتعددت آرائهم في‬
‫تحديده وظهرت عدة نظريات ‪،‬اقدمها نظرية المستشرق االيطالي اغناص كويدي ‪ ،‬ال‪T‬تي‬
‫تقول بأن العراق ه‪T‬و الموطن االص‪TT‬لي للس‪T‬اميين فقد قام بدراس‪T‬ة اللغ‪T‬ات الس‪T‬امية المتعددة‬
‫وقارن بينها ‪ ،‬فوجد ان اغلب الكلمات ال‪T‬تي تدل على الس‪T‬هول والمياه والنباتات مشتركة‬
‫بين ه‪TT T‬ذه اللغ‪TT T‬ات ‪ ،‬فاس‪TT T‬تنتج من ذل‪TT T‬ك ان ه‪TT T‬ذه اللغ‪TT T‬ات كان يتكلم بها في االص‪TT T‬ل اقوام‬
‫يس‪TT‬كنون في مناطق س‪TT‬هلية غزيرة المياه والنباتات ‪ ،‬وه‪TT‬ذا ما ينطب‪TT‬ق على بالد العراق‬
‫باعتب‪TT‬اره المنطقة القريب‪TT‬ة ال‪TT‬تي تتوفر فيها تلك الظ‪TT‬واهر وقد تأثر في ذل‪TT‬ك بما اوردته‬

‫() التوراة ‪ ،‬سفر التكوين ‪12-10‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪244‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سالم ‪ :‬دراسات ‪ ،‬ص ‪.62،63‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪17‬‬
‫التوراة من ان س ‪TT‬فينة نوح كانت قد رس ‪TT‬ت بعد الطوفان على جب ‪TT‬ل الجودي الواقع في‬
‫المنطقة الشمالية من العراق(‪ . )1‬وبهذه النظرية يف ‪TT‬ترض كويدي انتقال الس ‪TT‬اميين من‬
‫منطقة خص‪TT‬بة الى بالد ص‪TT‬حراوية وه‪TT‬ذا عكس ما تقرره القوانين االجتماعية(‪ ، )2‬ورأى‬
‫فريق اخر من العلماء ان ارمينية في منطقة ح‪T‬دودها مع كردس‪T‬تان هي الموطن االص‪T‬لي‬
‫للس ‪TT‬اميين ‪ ،‬وقال آخرون ‪ ،‬ان افريقيا الشرقية والحبشة بال ‪TT‬ذات‪ ،‬هي موطن الس ‪TT‬اميين‬
‫االص‪TT‬لي ‪ ،‬نظ‪T‬را لقرب بالد الحبشة من بالد العرب اقليميا ولغ‪T‬ة ‪ ،‬ويرى اص‪TT‬حاب ه‪T‬ذه‬
‫النظرية ومنهم ‪ :‬سالت رويتر‪،‬ان الس‪T‬اميين عبروا الى جزيرة العرب عن طريق بوغ‪T‬از‬
‫ب‪TT‬اب المندب الى اليمن ‪ ،‬حيث انتقلوا بعد ذل‪TT‬ك الى الحجاز ونجد والبح‪TT‬رين ‪ ،‬ثم نزحت‬
‫طائف ‪TT T‬ة منهم الى فلس ‪TT T‬طين واخرى الى العراق وطائف ‪TT T‬ة الى فينيقية وقد غلب ه ‪TT T‬ؤالء‬
‫الس‪TT T‬اميون على تلك البالد ال‪TT T‬تي انتشروا فيها ‪ ،‬وانشأوا دول باب‪TT T‬ل وفينيقية وفلس‪TT T‬طين‬
‫وغيرها ‪ ،‬كما يرى ه‪T‬ؤالء العلماء ان العدنانيين كانوا قد نزح‪T‬وا من الحجاز واالراميين‬
‫من نجد الن آرام معناه‪TT‬ا الجب‪TT‬ال ونجد بالد جبلية ‪ ،‬ويستشهدون على ص‪TT‬حة رأيهم ه‪TT‬ذا‬
‫بما ذكره ه‪TT‬رودتس ‪ Herodotus‬عن نزوح الفينيقين في االص ‪TT‬ل من خليج فارس اي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫(خليج العرب )‬
‫وهناك من العلماء من يرى ان المواطن االص ‪TT‬لي للس ‪TT‬اميين ه ‪TT‬و منطقة شمال‬
‫افريقيا ‪ ،‬اما النظرية القائلة بأن شبه جزيرة العرب هي الموطن االص‪TT‬لي للجنس الس‪T‬امي‬
‫فيؤيدها كال العلماء شبرنكر ‪ ،‬كاتياني فيلبي ‪ ،‬س ‪TT T‬ايس ‪ ،‬دي غوية أرنول ‪TT T‬د ‪ ،‬كارل‬
‫‪ .‬وقد دلت‬ ‫(‪)4‬‬
‫ب ‪TT‬روكلمن ‪ ،‬مايزر ‪ ،‬ارنس ‪TT‬ت رينان ‪ ،‬ديس ‪TT‬و ‪ ،‬ايره ‪TT‬ود شردار وغ ‪TT‬يرهم‬
‫الدراس‪TT‬ات ال‪TT‬تي قام بها المستشرق االيط‪TT‬الي كاتياني على وجود اثار مياه ونباتات في‬
‫الجزيرة العربية كما وجد برترام توماس بقايا بحيرة في الرب‪T‬ع الخالي عند منخفض اب‪T‬و‬
‫بحر ‪ ،‬وآثار نباتات وحيوانات في جبل العترا (‪.)5‬‬

‫() زيدان ‪ ،‬العرب قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ‪ ،‬ص‪ ،41‬ص‪TT‬الح العلي ‪ ،‬محاض‪TT‬رات في تاريخ العرب‪ ،‬ص ‪- 9‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪10‬‬
‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ‪،‬ج‪، 7‬ص ‪.12‬‬ ‫‪2‬‬

‫() زيدان‪،‬العرب قبل االسالم ص‪42 – 41‬؛ سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 73-72‬‬ ‫‪3‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ‪،‬ج‪ ، 7‬ص ‪12‬‬ ‫‪4‬‬

‫() صالح العلي ‪ :‬محاضرات ‪ ،‬ص ‪11‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪18‬‬
‫ويرجع ه‪TT‬ؤالء العلماء اس‪TT‬باب هجرة الس‪TT‬اميين الى خارج الجزيرة العربية الى‬
‫ازدياد السكان في الجزيرة ‪ ،‬مما ادى الى عجزه‪TT‬ا عن امدادهم بالغ‪TT‬ذاء الض‪TT‬روري حيث‬
‫ان معظمها بالد ص‪TT‬حراوية ومن اس‪TT‬باب ض‪TT‬يق جزيرة العرب عن اس‪TT‬تيعاب العدد الكلي‬
‫من الس‪TT‬كان تغ‪TT‬ير مس‪TT‬تمر ط‪TT‬رأ عليها ‪ ،‬أدى الى انحب‪TT‬اس االمط‪TT‬ار عنها وشيوع الجف‪TT‬اف‬
‫فيها مما أثر على قشرتها وعلى احيائها ‪ ،‬فهلك من هلك وه‪TT‬اجر من ه‪TT‬اجر ‪ ،‬وقد اس‪TT‬تمر‬
‫هذا التغير آالفا من السنين حتى حول بالد العرب الى ارض ص‪TT‬حراوية يس‪TT‬ودها الجف‪TT‬اف‬
‫‪ .‬فكان من الطبيعي ان يرحل الفائض من الس‪T‬كان الى المناطق الخص‪TT‬بة المجاورة(‪ )1‬وقد‬
‫ح ‪TT‬دثت تلك الهجرات الجماعية على شكل موجات ‪ ،‬وفي فترات متباعدة من التاريخ‬
‫واتجهت الى المناطق المجاورة ‪ .‬واهم تلك الهجرات هي(‪:)2‬‬
‫‪ -1‬هجرة االكدين الى العراق ‪ ،‬ح‪TT‬دود س‪TT‬نة (‪ 3500‬ق ‪.‬م) ‪ ،‬حيث أس‪TT‬س ه‪TT‬ؤالء الدول‪TT‬ة‬
‫األكدية ال‪T‬ذي اس‪T‬تطاع ملكها س‪T‬رجون االول ان يوح‪T‬د العراق ويمد نف‪T‬وذه الى اعالي نهر‬
‫دجلة ‪.‬‬
‫‪ -2‬هجرة العموريين ( االموريين ) الى العراق في ح‪TT‬دود س‪TT‬نة (‪ 3500‬ق ‪ .‬م) ‪ .‬حيث‬
‫كونوا دولة بابل ‪ ،‬والتي اشتهر من ملوكها حمورابي ‪ ،‬الذي يعد أول مشرع في التاريخ‬
‫‪ ،‬وقد ص‪TT‬احب العموريين في ه‪TT‬ذه الهجرة ‪ :‬الكنعانيون ‪ ،‬والفينيقيون ال‪TT‬ذين اتجهوا الى‬
‫بالد سورية ‪.‬‬
‫‪ -3‬هجرة األراميين الى س ‪TT‬وريا وفلس ‪TT‬طين وشمال العراق ‪ ،‬والعبرانيين في فلس ‪TT‬طين ‪،‬‬
‫والكلدانيين في جنوب العراق حوالي سنة (‪ 1500‬ق‪.‬م) ‪.‬‬
‫‪ -4‬هجرة االنباط والتدمريين حوالي سنة (‪ 500‬ق‪ .‬م) ‪.‬‬
‫‪ -5‬الموجات االسالمية في القرن السابع الميالدي ‪.‬‬

‫العرب ‪:‬‬
‫عرف س‪TT‬كان شبه الجزيرة العربية بأس‪TT‬م "العرب " ‪ ،‬وقد ظهر ه‪TT‬ذا االس‪TT‬م ألول‬
‫مرة في التاريخ في القرن التاسع عشر قبل الميالد فورد في احد الوثائق االشورية للملك‬
‫شلما نص‪TT‬ر الثالث ملك اشور (‪ 853‬ق ‪.‬م ) ‪ ،‬وقد أشار فيها الى اح‪TT‬د الزعماء الثوار‬

‫() جواد علي‪ :‬المفصل ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪241- 240‬‬ ‫‪1‬‬

‫() محمد مبروك نافع ‪ :‬عص ‪TT‬ر ما قب ‪TT‬ل االس ‪TT‬الم ‪ ،‬ص ‪ ،12‬ص ‪TT‬الح العلي ‪ :‬محاض ‪TT‬رات في تاريخ‬ ‫‪2‬‬

‫العرب ‪ ، 12‬سالم ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ‪ ،‬ص ‪67‬‬


‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪19‬‬
‫الذين تغلب عليهم واسمه " جنديبو العربي " ال‪T‬ذي س‪T‬اعد ( ب‪T‬يرادري) الدمشقي ض‪T‬د شلما‬
‫نصر الثالث في موقعه " قرقر " الواقعة شمال حماة(‪ ،)1‬ثم اخذت لفظ‪T‬ة عرب تتردد منذ‬
‫ذلك الوقت في الوثائق االشورية والبابلية في ص‪TT‬يغ متعددة منها عربي ‪ ، Aribi‬وعربي‬
‫‪ ، Urbi‬وعربي ‪ . Arbi‬ثم ظهرت لفظ‪TT T T T T‬ة عرباية ‪ Arbaya‬للمرة االولى في‬
‫النص ‪TT‬وص الفارس ‪TT‬ية المكتوب ‪TT‬ة باألخمينية عام ‪ 530‬ق‪.‬م ‪ ،‬وقد جاءت بمعنى البادية‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الفاصلة بين العراق والشام بما فيها شبه جزيرة سيناء‬
‫وهناك الفاظا أخرى استعملت بمعنى عرب فاس‪T‬تعمل اليونان كلمة ‪ Saracen‬و‬
‫‪ ، Saracenes‬واس‪TT T T‬تعملها الالتين على ه‪TT T T‬ذه الص‪TT T T‬ورة ‪ Saracnus :‬واطلقوه‪TT T T‬ا على‬
‫قبائل عربية كانت تقيم في بادية الشام وفي ط ‪TT‬ور س ‪TT‬يناء ‪ ،‬وفي الص ‪TT‬حراء المتص ‪TT‬لة "‬
‫بأدوم " وقد توسع مدلولها بعد الميالد في القرن الراب‪TT‬ع والخامس والس‪TT‬ادس فاطلقت على‬
‫العرب عامة ‪ .‬وأقدم من ذكرها " ديوسقوريدس ‪ " Dioscurides‬ال‪TT‬ذي عاش في القرن‬
‫االول للميالد ‪ ،‬وشاع اس‪TT‬تعمالها في القرون الوس‪TT‬طى حيث اطلقها النص‪TT‬اري على جميع‬
‫العرب ‪ ،‬وشملت في بعض االحيان جميع المسلمين (‪.)3‬‬
‫وقد اطلق بعض المؤرخين من امثال يو س ‪TT‬بيوس ‪ Eusebius‬وه ‪TT‬يرونيموس‬
‫‪ Hieronymus‬لفظة ‪ Saracenes‬على االشماعيليين ال‪TT‬ذين كانوا يعيشون في ال‪TT‬براري‬
‫في "فادش " في بوية ( فاران )‪ ،‬أو مدين حيث جب ‪TT T‬ل ح ‪TT T‬وريب‪ ،‬وقد عرفت ايض ‪TT T‬ا‬
‫‪ .‬أما بخصوص أصل هذه التسمية (‪S‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫بالمهاجرين ثم دعيت فيما بعد بـ ‪Saracenes‬‬
‫‪ ، ) Saraceni () arakenoi‬فقد أختلف العلماء في ذل‪TT‬ك ‪ ،‬فيرى بعض‪TT‬هم انه مركب‬
‫من س ‪TT‬ارة زوج اب ‪TT‬راهيم (ع) ‪ ،‬ولف ‪TT‬ظ آخر ربما ه ‪TT‬و ( قين) ‪ ،‬وعلى ه ‪TT‬ذا االس ‪TT‬اس يكون‬
‫المعنى عبيد س‪TT‬ارة ‪ ،‬وذهب آخرون أن اللف‪TT‬ظ مشتق من ( س‪TT‬رق) فيكون المقص ‪TT‬ود من‬
‫كلمة ‪ Saraceni‬س‪TT T‬راكين ( الس‪TT T‬راقين ) أو ( الس‪TT T‬ارقين ) اشارة الى غ‪TT T‬زوهم وكثرة‬
‫س‪TT T‬طوهم ‪ ،‬أو من ‪ Saraka‬بمعنى ‪ Sherk‬أي ( شرق) ‪ ،‬اي االرض ال‪TT T‬تي تقع الى‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفص‪T‬ل ‪ ،‬ج ‪ / 1‬ص‪ 575 – 574‬؛ ص‪T‬الح العلي ‪ :‬محاض‪T‬رات في تأريخ العرب‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪. 15‬‬
‫() جرجي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪ ، 43‬مبروك نافع ‪ :‬عصر ما قبل االسالم ص ‪.13‬‬ ‫‪2‬‬

‫() جواد علي‪ :‬المفصل ‪،‬ج‪ 1‬ص ‪. 27‬‬ ‫‪3‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ج‪ 1‬ص ‪. 27‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪20‬‬
‫شرق النب‪TTT‬ط ‪ ،‬ويرى ونكلر ان ه‪TTT‬ذه التس‪TTT‬مية جاءت من لفظ ‪TT‬ة (شرقو) وتعني س‪TTT‬كان‬
‫الصحراء أو أوالد الصحراء ‪ ،‬بينما يرى فريق َاخر من العلماء أنه تص‪TT‬حيف (شرقيين)‬
‫أو شارق على نحو مايفهم من كلمة قدموني ‪ Qaclmoni‬في التوراة ‪ ،‬بمعنى شرقي أو‬
‫أبناء الشرق (‪ ، )Benekedem‬وكانت ه ‪TT‬ذه التس ‪TT‬مية تطلق خاص ‪TT‬ة على القبائل ال ‪TT‬تي‬
‫أرجع النس‪TT T‬ابون العبرانيون نس‪TT T‬بها الى قط‪TT T‬ورة ‪ ،‬وقد أخذ بهذا ال‪TT T‬رأي أكثر العلماء‬
‫والب ‪TT T T T T‬احثين ‪ ،‬فأعتبروا ان سرس ‪TT T T T T‬ين أو س ‪TT T T T T‬ركين أو ‪ Sarakenoc‬من شرق وأن‬
‫‪ Benkedem‬و ‪ Qadmoni‬العبرانيتين هما ترجمتان للفظة ‪.)1( Saraceni‬‬
‫أما أص‪TT‬حاب ال‪TT‬رأي القائل أن س‪TT‬ارقين من أص‪TT‬ل س‪TT‬ارة زوج اب‪TT‬راهيم (ع) ‪ ،‬ومن‬
‫قين بمعنى عب‪T‬د فهؤالء متأثرون بما جاء في التورة ‪ ،‬وليس ل‪T‬ديهم أدل‪T‬ة أخرى غ‪T‬ير ه‪T‬ذا‬
‫التشابة اللفظي ال ‪TT T‬ذي نالحظ ‪TT T‬ة بين سرس ‪TT T‬ين وبين س ‪TT T‬ارقين ( وه ‪TT T‬و من قبيل المص ‪TT T‬ادفة‬
‫‪ .‬وقد ذكر المس ‪TT‬عودي ان ال ‪TT‬روم كانوا يطلقون على‬ ‫(‪)2‬‬
‫والتالعب بااللف ‪TT‬اظ وال شك )‬
‫العرب اسم " ساراقينوس" ‪ ،‬وقال ان ملك ال‪T‬روم نقف‪T‬ور انكر على ال‪T‬روم تس‪T‬ميتهم العرب‬
‫‪ .‬ووردت لفظ ‪TT‬ة عرب في األس ‪TT‬فار‬ ‫(‪)3‬‬
‫بهذا االس ‪TT‬م ‪ ،‬وقال ‪ :‬تس ‪TT‬ميتهم عبيد س ‪TT‬ادة كذب‬
‫القديمة من التوراة (سفر اشعيا ) بمعنى البدو ‪ ،‬وأعراب ‪ ،‬وذكرها بعض الكتاب اليونان‬
‫في أواخر القرن الخامس قبل الميالد ‪ ،‬فذكرها اسكيلوس سنة ‪456‬ق‪.‬م عند االشارة الى‬
‫قائد عربي كان معروفا في جيش (احشويرش) ‪ ،‬ثم ذكرها هيرودتس في منتصف القرن‬
‫الخامس قب‪TT‬ل الميالد فاطلق لفظ‪TT‬ة ‪ Arabae‬على بالد العرب‪ ،‬وقص‪TT‬د بها س‪TT‬كان جزيرة‬
‫‪ .‬أما في‬ ‫(‪)4‬‬
‫العرب كلها بما في ذل‪TT‬ك ص‪TT‬حراء مص‪TT‬ر الشرقية بين النيل والبح‪TT‬ر االحمر‬
‫الجزيرة العربية نفس‪TT‬ها فلم يرد ذكر لكلمة عرب اال في النقوش الس‪TT‬بئية المتأخرة ال‪TT‬تي‬
‫يرجع تاريخها الى القرن األول قب‪T‬ل الميالد‪ ،‬وقد وردت بمعنى األعراب ‪ ،‬كذلك وردت‬
‫في نقش مكتوب بنبطية مشوبة بالعربية على قبر أمرئ القيس بن عمرو بن عدي ‪ ،‬ملك‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪28‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 29‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المسعودي ‪ :‬التنبية واالشراف ج‪ 1‬ص ‪ ، 143‬طبعة ليدن ‪. 1968‬‬ ‫‪3‬‬

‫() لرنارد لويس ‪ :‬العرب في التاريخ ‪ ،‬بيروت ‪ ، 1954‬ص ‪. 11‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪21‬‬
‫الحيرة ( ‪ 328- 288‬م ) والنقش يشير الى أن ( امرئ القيس البن عمرو ملك العرب‬
‫كلهم الذي تقلد التاج ‪ ،‬واخضع قبيلتي اسد ونزار وملوكهم وهزم مذحج الى اليوم )(‪. )1‬‬
‫واول مص‪TT‬در وردت فيه لفظ‪TT‬ة العرب للدالل‪TT‬ة على معنى قومي يتعلق ب‪TT‬الجنس‬
‫العربي ه ‪TT‬و القرآن الكريم ‪ " ،‬فليس من المنطقي ان يخاطب القرآن الكريم قوما بهذا‬
‫المعنى اال اذا كان لهم سابق علم به "(‪.)2‬‬
‫وقد وردت لفظة اعراب عشر مرات ‪ ،‬كما وردت لفظة عربي احدى عشر مرة‬
‫‪ ،‬منها عشر مرات نعتا للغة التي نزل بها القرآن بانها لغة واضحة فقال تعالى ‪:‬‬
‫وفي قول‪TT‬ه تعالى ( وكذلك وحينا اليك‬ ‫(‪)3‬‬
‫( أنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون‬
‫قرأنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها )(‪ )4‬وقوله تعالى ( كتاب فصلت اياته قرانا عربيا‬
‫لقوم يعملون )(‪ )5‬ثم وردت في موض ‪TT‬ع واح ‪TT‬د لتنعت شخص الرس ‪TT‬ول الكريم (ص) في‬
‫قوله تعالى – ( ولو جعلناه قرآنا اعجميا لقالوا لوال فصلت اياته أأعجمي وعربي قل ه‪TT‬و‬
‫للذين آمنوا ‪ ،‬هدى وشفاء والذين ال يؤمنون في آذانهم وقر وه‪TT‬و عليهم عمي اولئك من‬
‫مكان بعيد )(‪.)6‬‬
‫اما عن معنى لفظة ( عرب) ومصدر اشتقاقها ‪ ،‬فقد اختلف علماء اللغ‪TT‬ة في ذل‪TT‬ك‬
‫بالرغم من كثرة التفس‪T‬يرات اللغوية ال‪T‬تي تناولت ه‪T‬ذا الموض‪T‬وع ويرى فريق من العلماء‬
‫ان كلمة عرب مشتقة من اصل سامي قديم بمعنى ( الغرب) وان العرب انما س‪T‬موا ب‪T‬ذلك‬
‫الرتح‪TT T‬الهم من وطن الس‪TT T‬اميين االص‪TT T‬لي وه‪TT T‬و ما بين النهرين الى الغ‪TT T‬رب من بالدهم ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫واللغة السامية العين فيها فعرب ترادف غرب‬
‫ويرد الباحثون على هذا الرأي بأن العرب كانوا يستخدمون هذا االسم اذا تحدثوا‬
‫عن انفسهم وليس بالنسبة لموقع بالدهم الى غيرهم من الشعوب المجاورة لهم(‪. )8‬‬

‫() جرحي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪. 277‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سالم ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ص ‪79‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة الزخرفة ‪ 43‬اية ‪3‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة الشورى ‪ 42 :‬اية ‪6‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة فصلت ‪ 41 :‬اية ‪3‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة فصلت ‪ 41 :‬اية ‪44‬‬ ‫‪6‬‬

‫() مبروك نافع – عصر ما قبل االسالم ‪13‬‬ ‫‪7‬‬

‫() برنارد لويس – العرب في التأريخ ص ‪9‬‬ ‫‪8‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪22‬‬
‫أما المؤرخون العرب فقد ذكروا ان العربية منس ‪TT‬وبة الى يعرب بن قحط‪TTT‬ان‬
‫ومشتقة من اسمه ‪ ،‬وفي ذلك يقول حسان بن ثابت ‪:‬‬
‫تعلمتم من منطق الشيخ يعرب – ابينا فصرتم معربين ذوي نفر‬
‫(‪)1‬‬
‫كالم وكنتم كالبهائم في القفر ‪.‬‬ ‫وكنتم قديما مالكم غير عجمة –‬
‫ويرى بعض الب ‪TT‬احثين ان لفظ ‪TT‬ة عرب مشتقة من الكلمة العبرية ( أراب ‪TT‬ا ) ومعناه ‪TT‬ا‬
‫االرض الداكنة أو المغطاة بالكأل ‪ ،‬وهذا المعنى األخير يشير الى حالة ه‪TT‬ؤالء القوم االجتماعية‬
‫القائمة على التنقل والسعي الى موارد العشب‪ .‬وذكر البعض االخر ان اللفظ‪TT‬ة مشتقة من الكلمة‬
‫العبرية ‪ ،‬أرب ‪ ،‬وتعني الحرية وعدم الخضوع لنظام ما‪ ،‬بينما قال آخرون ان ه‪TT‬ذه اللفظ‪TT‬ة ذات‬
‫صلة باللفظة العبرية ‪ ،‬عابار ‪ ،‬بمعنى التنقل والتحرك من موضع الى اخر (‪.)2‬‬
‫طبقات العرب‬
‫(‪)3‬‬
‫يتفق المؤرخون العرب على تقسيم العرب الى ثالث طبقات ‪:‬‬
‫العرب البائدة ‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫العرب العارية ‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫العرب المستعربة‬ ‫‪-3‬‬

‫اوال‪ :‬العرب البائدة ‪:‬‬


‫يقص‪TT T‬د ب‪TT T‬العرب البائدة الشعوب العربية القديمة ‪ .‬ال‪TT T‬تي كانت تس‪TT T‬كن جزيرة‬
‫العرب ‪ ،‬ثم هلكت واندثرت اخباره‪TT‬ا قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم بفعل عاملين ‪ :‬الرمل الزاح‪TT‬ف ال‪TT‬ذي‬
‫طغى على العمران القديم في اواسط شبه الجزيرة وفي االحقاف ‪ ،‬ثم هياج ال‪TT‬براكين وما‬
‫ترتب عليه تدمير المدن (‪.)4‬‬
‫وقد ذكر المؤرخون اس ‪TT‬ماء كثيرة من قبائل العرب البائدة مثل عاد وثمود‬
‫والعمالقة وطسم وجديس واميم وجرهم وعبيل وجاسم(‪.)5‬‬

‫()االصمعي – تأريخ العرب قبل االسالم ‪ ،‬تحقيق محمد حسين ال ياسين ط بغداد ‪ 1959‬ص ‪. 8‬‬ ‫‪1‬‬

‫()سالم‪ :‬دراسات ص ‪. 76‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جرجي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪ ،45‬جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج ‪ 1‬ص ‪. 220‬‬ ‫‪3‬‬

‫() عمر فروخ ‪ :‬تأريخ الجاهلية ط بيروت ‪ 1964‬ص ‪. 45‬‬ ‫‪4‬‬

‫() زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪ – 49‬سالم‪ :‬دراسات في تأريخ العرب ص ‪88‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪23‬‬
‫ويعتبر المؤرخون ان عاد هي اقدم العرب البائدة ‪ ،‬فذكر المس‪T‬عودي انها ب‪T‬ادت‬
‫قب‪TT‬ل س‪TT‬ائر ممال‪TT‬ك العرب كلها ‪ ،‬وقد ورد في القرآن الكريم قول‪TT‬ه تعالى ‪ (:‬وان ه أهل ك‬
‫عادوا األولى وثم ود فم ا أبقى ) (‪ .)1‬وأن هناك عادا ثانية ‪ ،‬أخبر اهلل عن ملكهم ونط‪TT‬ق‬
‫‪.‬وه‪TT T‬ؤالء هم اص‪TT T‬حاب ه‪TT T‬ود ‪ .‬ال‪TT T‬ذين عص‪TT T‬وا واس‪TT T‬تكبروا في االرض ‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫بقوة بطشهم‬
‫فحلت عليهم نقمة اهلل وانزل بهم العقاب الشديد فدمرهم تدميرا ‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫( فأرس لنا عليهم ريح ا صرص را في أي ام نحس ات لن ذيقهم ع ذاب الخ زي في‬
‫الحياة الدنيا ولعذاب اآلخرة أخزى وهم ال ينصرون )(‪.)3‬‬
‫وكانت منازل عاد في االحقاف من بالد اليمن ‪ ،‬بين اليمن وعمان الى‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫حضرموت والشجر‬
‫أما ثمود فهم قوم ص‪TT T‬الح (ع) ‪ ،‬وكانوا يعب‪TT T‬دون األص‪TT T‬نام ‪ ،‬ولهم معاب‪TT T‬د دينية‬
‫ثابتة ‪ ،‬ومن أص‪TT T‬نام ثمود ( ود) وه‪TT T‬و من االلهة القديمة عند العرب والص‪TT T‬نم ( ج –‬
‫هد ) ‪ ،‬وله عندهم معابد وس‪TT‬دنة يخدمونه ‪ ،‬ومن اص‪TT‬نامهم ايض‪TT‬ا ‪ :‬شمس ومناف وكاه‪TT‬ل‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫وبعل ورضو او رضى ويثع وسمع ال سميع وهبل وغيرهم‬
‫وذكر المس ‪TT‬عودي أن ثمود تنس ‪TT‬ب الى ثمود بن عاد بن ارم بن س ‪TT‬ام بن نوح ‪،‬‬
‫وأن منازلهم كانت بين الشام والحجاز الى س‪TT‬احل البح‪TT‬ر الحبشي ‪ ،‬وبيوتهم منحوتة في‬
‫وقد ورد ذكرهم في القرآن الكريم ‪ ،‬قال تعالى ‪ ( :‬وثمود‬ ‫(‪)6‬‬
‫الص‪TT‬خر ب‪TT‬أبواب ص‪TT‬غار ‪،‬‬
‫ويؤكد ابن خلدون ان منازل ثمود كانت ب‪TT‬الحجر وواد‬ ‫(‪)7‬‬
‫الذين جابوا الص خر ب الواد )‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)8‬‬
‫القرى فيما بين الحجاز والشام‬
‫وقد تمكن المستشرقون من التعرف على الثموديين من الكتاب ‪TT T‬ات والمؤلف ‪TT T‬ات‬
‫الكالس‪TT‬يكية ‪ ،‬فوجدوا اس‪TT‬م ثمود في اح‪TT‬د النص‪TT‬وص االشورية ال‪TT‬تي تعود الى ( س‪TT‬رجون‬

‫() سورة النجم ‪.53‬‬ ‫‪1‬‬

‫() المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج‪ 2‬ص ‪. 40‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة فصلت ‪ 41‬اية ‪. 16‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ابن خلدون ‪ :‬العبر ج‪ 2‬ص ‪ ، 19‬جواد علي ‪ :‬المفصل ج‪ 1‬ص ‪305‬‬ ‫‪4‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ج ‪ 1‬ص ‪. 331‬‬ ‫‪5‬‬

‫() المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج ‪ 2‬ص ‪42‬‬ ‫‪6‬‬

‫() القرآن الكريم سورة الفجر ‪ 89‬اية ‪. 9‬‬ ‫‪7‬‬

‫() ابن خلدون ‪ :‬العبر ‪ ،‬مجلد ‪ 2‬ص ‪. 41‬‬ ‫‪8‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪24‬‬
‫الثاني)‪ ،‬وقد عرفوا بـ ‪ Thamudi Gamudi‬كما وجد ه‪TT‬ؤالء المستشرقون اس‪TT‬م ثمود‬
‫ايضا في النصوص والكتابات الثمودية ‪ ،‬وقد عثر عليها في مواض‪TT‬ع مختلف‪T‬ة من جزيرة‬
‫العرب ‪ ،‬اما في النص‪TT T T T‬وص الكالس‪TT T T T‬يكية فقد عرفوا باس‪TT T T T‬م ‪ Thamudeni)1(:‬و‬
‫‪ Thamudeno‬و ‪ Nhamydenoi‬و ‪ Thamyditai‬أما عن تاريخ ثمود فقيل انهم‬
‫كانوا في جملة الشعوب ال‪TT‬تي ح‪TT‬اربت االشوريين في عهد س‪TT‬رجون الثاني ال‪TT‬ذي اجالهم‬
‫من مواط ‪TT‬نيهم الى ( الس ‪TT‬امرة ) ‪ ،‬ويرى بعض الب ‪TT‬احثين ان اخر ذكر ورد في الوثائق‬
‫لقوم ثمود كان في القرن الخامس للميالد ‪ ،‬حيث ورد ان قوما منهم كانوا فرس ‪TT‬انا في‬
‫جيش الروم ‪ ،‬ويبدو ان قوم ثمود كانوا يشتغلون بالزراعة ورعي الماشية ‪ ،‬وانهم كانوا‬
‫اقرب الى الحضر منهم الى اهل الوبر ‪ ،‬فاستقروا في مستوطنات ثانية ‪ ،‬وكان من بينهم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫من اشتغل بالتجارة‬
‫وقد عاث قوم ثمود في االرض فس‪TT‬ادا ‪ ،‬فأرس‪TT‬ل اهلل تعالى اليهم اخاهم ص‪TT‬الحا‬
‫(ع) فدعاهم الى عبادة اهلل ‪ ،‬فكذبوه فانزل اهلل بهم العذاب فأصبحوا في ديارهم جاثمين ‪،‬‬
‫قال تعالى ‪ ( :‬واخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها‬
‫‪.‬‬ ‫اال ان ثمودا كفروا ربهم اال بعد لثمود )‬
‫(‪)3‬‬

‫اما طلسم وجديس فهما قبيلتان عربيتان من القبائل البائدة ‪ ،‬وقيل انهما من ابناء‬
‫الوذ بن حارم ‪ ،‬وكانت مس‪T‬اكنهم من اليمامة والبح‪T‬رين ‪ ،‬ونزل بعض‪TT‬هم الح‪T‬رم وبعض‪TT‬هم‬
‫الشام ‪ ،‬ومنهم العماليق ‪ ،‬تفرقوا في البالد ‪ ،‬واخوهم أميم نزل ارض فارس ‪ .‬ونزل‬
‫عبيل بن عوض يثرب واتخذوها منزال لهم ‪ ،‬واقامو فيها الى ان ابادهم العماليق(‪.)4‬‬
‫أما قبيلة جرهم اليمنية فكانت ديارهم ب‪T‬اليمن ‪ ،‬ثم ه‪T‬اجروا فيما بعد الى الحجاز‬
‫واقاموا في مكة ح‪TT‬تى قدم عليهم اس‪TT‬ماعيل (ع) ‪ ،‬فص‪TT‬اهرهم (‪ ،)5‬واص‪TT‬بحت والية ال‪TT‬بيت‬
‫بيد جرهم ح‪TT‬تى انتزعتها منهم خزاعة وكنانة فنزلوا بين مكة ويثرب ‪ ،‬وذكر البالذري‬
‫ان جرهم هلكت بعد ذلك بسبب وباء تفش بينهم فأفناهم (‪.)6‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ج ‪ 1‬ص ‪. 324‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ج‪ 1‬ص ‪330 – 326‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة هود ‪ 11‬اية ‪. 68 – 67‬‬ ‫‪3‬‬

‫() المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج ‪ 1‬ص ‪ ، 42‬ج‪ 2‬ص ‪148‬‬ ‫‪4‬‬

‫() المسعودي‪ :‬مروج الذهب ج‪ 1‬ص ‪42‬‬ ‫‪5‬‬

‫() البالذري ‪ :‬انساب االشراف ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1959‬ج‪ 1‬ص ‪8-7‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪25‬‬
‫ثانيًا – العرب العاربة ‪:‬‬
‫وهم عرب الجنوب ‪ ،‬وينس ‪TT‬بون الى قحط ‪TT‬ان بن عابر بن شالخ بن أرفكشاد بن‬
‫‪ ،‬وكانت موطنهم بالد اليمن ‪ ،‬وقحطان بن عابر هو تعريب السم يقطان‬ ‫(‪)1‬‬
‫سام بن نوح‬
‫ال‪T‬ذي ورد في التوراة عند الكالم عن تف‪T‬رق ذرية نوح بعد الطوفان (‪ ،)2‬وس‪T‬موا بالعارب‪T‬ة‬
‫(‪)3‬‬
‫لرسوخهم في العربية ‪ ،‬ويعتبرهم المؤرخون اقدم سكان الجزيرة العربية‬
‫وقد عثر على اس‪TT T‬م قبيلة عربية عرفت بقبيلة ( قحطن ) ‪ ،‬اي قحط‪TT T‬ان ‪ ،‬في‬
‫نصوص المس‪T‬ند ‪ ،‬وال يس‪T‬تبعد ال‪T‬دكتور جواد علي ان يكون الس‪T‬مها عالقة بقحط‪T‬ان ال‪T‬ذي‬
‫صيره اهل االخبار جدا لكل العرب الجنوبيين فقد ذكر بعد اسم (كدت ) ال‪TT‬ذي ه‪TT‬و (كندة)‬
‫في النص ‪ ، Jamme635‬وكان على قبيلة قحط‪TT‬ان وكندة ملك واح‪TT‬د اس‪TT‬مه (ربيعت )‬
‫أي ( ربيعة ) وه‪TT‬و من آل ثور ‪ ،‬وثور ه‪TT‬و جد قبيلة كندة في عرف النس‪TT‬ابيين من ايام‬
‫الملك شعر اوتر اما العبرانيون فليس ل ‪TT‬ديهم من اخب ‪TT‬ار قحط ‪TT‬ان س ‪TT‬وى انه اح ‪TT‬د اوالد‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫(عابر) واخرهم ‪ ،‬وانه جد قبائل عديدة قديمة‬
‫ويروي االخب‪TTT‬اريون العرب ان يعرب كان اول من تولى الملك بعد قحط‪TTT‬ان‬
‫ب‪TT T‬اليمن ‪،‬وغلب بقايا عاد ‪ ،‬ووزع اخوته في االقط‪TT T‬ار ‪ ،‬فأقر اخاه حض‪TT T‬ر موت على‬
‫االرض ‪TT‬ين ال ‪TT‬تي عرفت بأس ‪TT‬مه فقيل لها حض ‪TT‬ر موت ‪ ،‬وعين اخاه عمان على ارض‬
‫عمان‪ ،‬وولى جرهما على بالد الحجاز وقد ورد اسم يعرب هذا في شعر حسان بن ثابت‬
‫‪:‬‬
‫فصرتم معربين ذوي نفر‬ ‫تعلمتم من منطق الشيخ يعرب أبينا‬
‫وفي شعر اخر ينسب الى مضاض بن عمرو الجرهمي من جرهم ‪ ،‬قيل انه لما‬
‫اخرجتهم االزد من مكة ‪ ،‬ويشك الدكتور جواد علي في نس‪TT‬بة ه‪TT‬ذين الشعرين الى حس‪TT‬ان‬
‫(‪)5‬‬
‫ومضاض‬
‫ثالثا‪ -‬العرب المستعربة ‪:‬‬

‫() المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج ‪ 1‬ص ‪71‬‬ ‫‪1‬‬

‫() التوراة – التكوين االصحاح العاشر اية ‪ 25‬فما بعدها‬ ‫‪2‬‬

‫() مبروك نافع ‪ :‬عص‪TT‬ر ما قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ص ‪ ، 41‬علي اب‪TT‬راهيم حس‪TT‬ن ‪ :‬التأريخ االس‪TT‬المي العام‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪. 25‬‬
‫()جواد علي ‪ :‬المفصل ج ‪ 1‬ص ‪358 – 357‬‬ ‫‪4‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ج ‪1‬ص ‪. 360 – 358‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪26‬‬
‫وهم عرب الشمال ويقال لهم العدنانيون او النزاريون او المعديون وينتسبون الى‬
‫عدنان بن ادد من ول‪TT T T‬د ثابت بن الهمس‪TT T T‬يع بن تيمن بن نبت بن قيدر بن اس‪TT T T‬ماعيل بن‬
‫‪ .‬وسموا بالمس‪TT‬تعربة ألن قيدر اس‪TT‬ماعيل حين نزل مكة مع ابيه‬ ‫(‪)1‬‬
‫ابراهيم عليه السالم‬
‫ابراهيم وامه هاجر كان يتكلم العبرانية فلما صاهر قبيلة جرهم اليمنية تعلم العربية وتكلم‬
‫بها هو وابناؤه ‪ ،‬وتركوا العبرانية ‪ ،‬فسموا بالعرب المستعربة (‪.)2‬‬
‫وذكر االخباريون انه كان الس‪T‬ماعيل اثني عشر ول‪T‬دا من زوجته (زعلة) وهم ‪:‬‬
‫ثابت ‪ ،‬وقيذر ‪ ،‬واذبل وميشا ومس‪T‬معا وماشي ودما واذر وطيما ويط‪T‬ور ونبش وقيذما ‪،‬‬
‫وقد ورد اسما نابت وقيذر كثيرا في الرويات العربية ‪ .‬واخذ النسابون هذه االس‪TT‬ماء من التوراة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫أما عن عدنان فلم يرد اس‪TT T T T‬مه في النص‪TT T T T‬وص الجاهلية وال في المؤلف‪TT T T T‬ات‬
‫(الكالس ‪TT T‬يكية) ‪ ،‬وفي الشعر الجاهلي ورد اس ‪TT T‬م عدنان في بيت ينس ‪TT T‬ب الى عب ‪TT T‬اس بن‬
‫مرداس ‪ ،‬مما يدل على ان عدنان لم يكن جدا كبيرا في الجاهلية كما ص‪TT‬وره االخب‪TT‬اريون‬
‫اذ ( لو كان عدنان جدا كبيرا لوجب عقال تردد اسمه وورد شيء عنه والغ‪T‬ريب اننا نجد‬
‫اسم معد مذكورا عند بروكوبيوس وفي القديم من الشعر الجاهلي مع انه ابن عدنان )(‪.)4‬‬
‫وقد وردت في الكتابات النبطية والثمودية اس‪TT‬ماء قريب‪TT‬ة من اس‪TT‬م عدنان مثل ‪" :‬‬
‫عب‪TT‬د عدنون " و " عدنون " ‪ ،‬اما الكتاب‪TT‬ات الجاهلية ال‪TT‬تي عثر عليها في اليمن ‪ ،‬فلم يرد‬
‫فيها هذا االسم ‪ ،‬او اسم اخر قريب منه (‪.)5‬‬
‫وتعتبر تهامة مواطن العدنانيين ‪ ،‬ولكن اح ‪TT‬واال قاهرة اض ‪TT‬طرتهم الى التف ‪TT‬رق‬
‫والهجرة فقد كانت القبائل العدنانية متشاحنة يح‪T‬ارب بعض‪T‬ها بعض‪T‬ا ‪ ،‬دفعهم الى ذل‪T‬ك فقر‬
‫البادية ‪ .‬والتقاتل على الكأل والماء ‪ .‬وكانت قض‪TT‬اعة اول من تشتت وتف‪TT‬رق بس‪TT‬بب قتال‬
‫وقع بينها وبين نزار ‪ ،‬واعقب ذل‪TT T‬ك هجرات اخرى ‪ ،‬فانتشر العدنانيون في مناطق‬

‫() مبروك نافع ‪ :‬عصر ما قبل االسالم ص ‪ ، 44‬سالم ‪ :‬دراسات ص ‪84‬‬ ‫‪1‬‬

‫() المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج ‪ 2‬ص ‪71‬‬ ‫‪2‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ج‪ 1‬ص ‪375‬‬ ‫‪3‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ج‪ 1‬ص ‪380- 379‬‬ ‫‪4‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬المفصل ج‪ 1‬ص ‪380‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪27‬‬
‫واسعة من جزيرة العرب ح‪T‬تى وص‪T‬لوا الى العراق والشام واختلط‪T‬وا بالقبائل االخرى وتفرقوا‬
‫في كل مكان (‪.)1‬‬
‫جغرافية شبه الجزيرة العربية‬
‫تقع بالد العرب في القسم الجنوبي الغربي من قارة اسيا ‪ ،‬ويبلغ طولها من رأس‬
‫الخليج العربي الى العقب‪TT T‬ة ح‪TT T‬والي ال‪TT T‬ف ميل ‪ ،‬ومن البح‪TT T‬ر العربي الى اط‪TT T‬راف الهالل‬
‫الخصيب حوالي الف ومائتي ميل ‪ ،‬وهي هضبة مرتفعة في الغ‪TT‬رب تنح‪TT‬در تدريجيا نح‪TT‬و‬
‫‪ .‬وقد عرفت بالد العرب‬ ‫(‪)2‬‬
‫الشرق – ح‪TT‬تى تص‪TT‬بح كالس‪TT‬هل عند س‪TT‬واحل الخليج العربي‬
‫عند مؤرخي اليونان والرومان باس‪TT‬م أرابيا ‪ Arabia‬بينما يطلق عليها مؤرخو العرب‬
‫وجغرافييهم أسم " جزيرة العرب " ‪ ،‬وهي تس‪T‬مية مجازية الن بالد العرب ليس‪T‬ت جزيرة‬
‫‪ ،‬ولكن العرب كانوا يس‪TT‬مون شبه الجزيرة جزيرة ‪ ،‬فهم يس‪TT‬مون‬ ‫(‪)3‬‬
‫وانما شبه جزيرة‬
‫شبه جزيرة ايبيريا جزيرة االندلس ‪ ،‬واطلقوا على ما بين النهرين في العراق اس ‪TT‬م‬
‫‪ .‬اما عن ح‪TT‬دود شبه الجزيرة العربية فيح‪TT‬دها من الشرق الخليج العربي‬ ‫(‪)4‬‬
‫جزيرة اقور‬
‫وبح‪TT T‬ر عمان ومن الغ‪TT T‬رب البح‪TT T‬ر االحمر ‪ ،‬ومن الشمال بادية الشام ‪ ،‬ومن الجنوب‬
‫المحيط الهندي ‪ ،‬وتختلف بالد العرب من حيث طبيعتها ب ‪TT‬اختالف اجزائها ‪ ،‬فبعض ‪TT‬ها‬
‫تغطيه كثبان الرمل ‪ ،‬والبعض تكس‪TT‬وه الص‪TT‬خور ‪ ،‬والبعض منخفض ‪ ،‬والبعض مرتف‪TT‬ع ‪،‬‬
‫وتمتد على طول ساحل البحر االحمر سلسلة جب‪TT‬ال الس‪TT‬راة " ويزداد ارتفاعها في الشمال‬
‫حيث يبلغ معدل ارتفاعها ‪ 2000‬م ثم تنخفض في الوس ‪TT T T‬ط ح ‪TT T T‬تى تص ‪TT T T‬بح كالتالل‬
‫المتقطعة ‪ ،‬ثم تعود الى االرتف ‪TT‬اع في الجنوب حيث يص ‪TT‬بح ارتفاعها ح ‪TT‬والي ‪ 12‬قدم ‪،‬‬
‫ويمتد من وسط الجزيرة سلسلتا جبال أجا وسلمى او جبلي شمر ‪ ،‬ويبلغ ارتفاعها ح‪TT‬والي‬
‫‪ .‬وفيها ص‪T‬حراوان كبيرتان ‪ :‬ص‪TT‬حراء االحقاف في الجنوب ‪ ،‬وص‪TT‬حراء‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪ 5500‬قدم‬
‫النف‪TT‬وذ في الشمال وبين الص‪TT‬حراوين والسلس‪TT‬لتين ( أجا وس‪TT‬لمى ) ‪ ،‬تنتشر انجاد متس‪TT‬عة‬
‫تكثر فيها الواح‪TT‬ات ‪ ،‬وتنمو فيها اشجار النخيل ‪ ،‬اما الب‪TT‬وادي فأراض‪TT‬ي جافة تنشأ عادة‬
‫من اط ‪TT‬راف البط ‪TT‬اح الخص ‪TT‬بة ‪ ،‬وتتالشى في طالئع الرمال الص ‪TT‬حراوية ‪ ،‬وتتح ‪TT‬ول في‬

‫() جواد علي ‪ :‬المفصل ج ‪ 1‬ص ‪381‬‬ ‫‪1‬‬

‫()صالح العلي – محاضرات في تاريخ العرب ص‪13‬‬ ‫‪2‬‬

‫() االلوسي – بلوغ االرب في معرفة احوال العرب ط مصر ‪ 1342‬هـ ج‪ 1‬ص ‪187‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سالم – دراسات في تاريخ العرب ص‪103‬‬ ‫‪4‬‬

‫() صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص‪13‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪28‬‬
‫موس‪TT‬م االمط‪TT‬ار الى مراع كثيرة الخص‪TT‬ب ‪ ،‬وتنتشر الواح‪TT‬ات والح‪TT‬رات في الب‪TT‬وادي على‬
‫غ ‪TT‬ير انتظ ‪TT‬ام ‪ ،‬وتكثر في الواح ‪TT‬ات منابع المياه فتنبت فيها المزروعات ‪ ،‬ويتكاثر فيها‬
‫الس‪TT‬كان ‪ ،‬اما الح‪TT‬رات فهي مناطق جافة وعرة تكثر فيها الحجارة الس‪TT‬وداء ويقل فيها‬
‫وقد قسم اليونان والرومان بالد العرب الى ثالثة اقسام طبيعية تتفق مع حال‪TT‬ة‬ ‫(‪)1‬‬
‫العمران‬
‫العرب السياسية في القرن االول الميالدي هي(‪:)2‬‬
‫بالد العرب الصخرية ‪ Arabia Petraea‬او ‪ Arabia Petrix‬وتقع في الشمال‬ ‫‪.1‬‬
‫من بالد العرب ‪ ،‬جنوب غربي بادية الشام وتضم شبه جزيرة سيناء ‪.‬‬
‫بالد العرب السعيدة ‪ ، Arabia felix :‬وهي اليمن والحجاز وعمان ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫بالد العرب الص‪T‬حراوية ‪ ، Arabia Deserta‬وهي البادية الكبرى ال‪T‬تي تمتد من‬ ‫‪.3‬‬
‫ح‪TT T‬دود س‪TT T‬ورية والعراق الى المحيط الهندي محاذية الخليج العربي وتشكل بالد‬
‫العرب الصحراوية القسم االعظم من هذه االقسام الثالثة ‪ .‬اما جغرافيو العرب فقد‬
‫‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫قسموا بالدهم الى خمسة اقسام كبرى وهي‬
‫تهامة او الغور ‪ :‬وهي االراضي الممتدة في محاذاة الساحل الشرقي للبح‪TT‬ر االحمر‬ ‫‪)1‬‬
‫من اليمن جنوبا حتى العقبة شماال ‪ ،‬ويحجزها عن داخل شبة الجزيرة سلسلة جبال‬
‫السراه وقد سميت تهامة لشدة حره‪T‬ا ‪ ،‬وركود ريحها ‪ ،‬وس‪TT‬ميت غ‪TT‬ورا النخف‪TT‬اض أرض‪TT‬ها‬
‫‪.‬‬
‫الحجاز ‪ :‬ويقع شرقي تهامة وشمالي بالد اليمن ‪ ،‬ويمتد الحجاز شماال ح‪TTT‬تى‬ ‫‪)2‬‬
‫فلسطين ‪ ،‬وقد سمي كذلك ألنه يحجز بين نجد وتهامة ‪ ،‬ويض‪TT‬م من المدن ‪ :‬يثرب‬
‫والطائف وخبير وفدك وتيماء ‪.‬‬
‫نجد ‪ :‬وهي الهض ‪TT‬بة الوس ‪TT‬طى في شبه الجزيرة العربية ‪ ،‬وتقع بين اليمن جنوب ‪TT‬ا‬ ‫‪)3‬‬
‫وبادية السماوة شماال ‪ ،‬واطراف العراق شرقا ‪ ،‬وسميت نجدا الرتفاعها ‪.‬‬
‫اليمن ‪ :‬ويمتد من نجد شماال الى المحيط الهندي جنوب‪T‬ا ‪ ،‬وشرقا الى حض‪T‬ر موت‬ ‫‪)4‬‬
‫وعمان ‪ ،‬وفيه التهائم والنجد ‪ ،‬وسميت بهذا االسم ألنها بالد يمن وخير وبركة ‪.‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ص ‪108-105‬‬ ‫‪1‬‬

‫()جرجي زيدان ‪ :‬العرب قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ‪ ، 38-37‬مبروك نافع ‪ :‬ما قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ص‪ ، 15‬س‪TT‬الم ‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫دراسات ص ‪105-104‬‬
‫()االلوس ‪TT‬ي ‪ :‬بلوغ االدب ج‪ 1‬ص‪ ، 187‬مبروك نافع ‪ :‬عص ‪TT‬ر ما قب‪TT T‬ل االس ‪TT‬الم ص ‪، 22-18‬‬ ‫‪3‬‬

‫سالم ‪ :‬دراسات ص ‪114-109‬‬


‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪29‬‬
‫العروض ‪ :‬وتشمل بالد اليمامة والبح ‪TT‬رين ‪ ،‬وس ‪TT‬ميت عروض ‪TT‬ا العتراض جبالها‬ ‫‪)5‬‬
‫بين اليمن ونجد والعراق وكانت اليمامة تسمى قديما " جوا " فلما نزلتها طسم ‪ .‬أما‬
‫مناخ شبه الجزيرة العربية فص‪TT‬حراوي ‪ ،‬ح‪TT‬ار جدا في الص‪TT‬يف ‪ ،‬وب‪TT‬ارد جدا في‬
‫الشتاء ‪ ،‬ومن حيث االمط‪TT‬ار فقليلة تس‪TT‬قط ص‪TT‬يفا بفعل الرياح الموس‪TT‬مية االتية من‬
‫شرقي افريقيا ‪ ،‬وتتوفر المياه الباطنية في معظم انح‪T‬اء الجزيرة ‪ ،‬وغالب‪T‬ا ما تكون‬
‫قريبة من سطح االرض ‪ .‬حيث تكون كمياتها كافية للزراعة واالس‪T‬تيطان ‪ ،‬وكذلك‬
‫تتوفر المياه في بطون االودية وفي بالد اليمن مما ساعد على الزراعة واالس‪TT‬تقرار‬
‫‪ .‬اما من ناحية الحاص‪TT T‬الت الزراعية والنباتات ‪ ،‬فيأتي‬ ‫(‪)1‬‬
‫ونشوء الحض‪TT T‬ارات‬
‫النخيل في مقدمتها ‪ ،‬ويكثر وجودة في الواح‪TT‬ات ‪ ،‬وخصوص‪TT‬ا في خيبر والمدينة‬
‫وفي هجر من بالد البح‪TT T T‬رين وفي اليمامة ويزرع من الحب‪TT T T‬وب القمح والشعير‬
‫والذرة والدخن وتشتهر فدك ووادي القرى وخيبر والمدينة والبحرين بإنتاج الشعير‬
‫اما القمح فيكثر في اليمامة ‪ ،‬وال ‪TT‬ذرة في عس ‪TT‬ير وتشتهر الط ‪TT‬ائف بإنتاج الكروم‬
‫وانواع الفاكهة ‪ ،‬ويزرع البرتقال والسفرجل في المناطق المرتفعة ‪ ،‬والموز في بعض‬
‫الوديان الصالحة نحو الجنوب (‪.)2‬‬

‫العصر الجاهلي ‪:‬‬


‫عرف عصر ما قبل االسالم في الجزيرة العربية " بالعصر الجاهلي ‪ ،‬والجاهلية‬
‫هنا ال تؤخذ بمعنى الجهل ال‪TT‬ذي ه‪TT‬و نقيض العلم ‪ .‬ب‪TT‬ل تعني الس‪TT‬فة والغض‪TT‬ب واالنف‪TT‬ة ‪،‬‬
‫وهي الحال التي كانت عليها العرب قبل االسالم لما كانوا عليه من مزيد الجهل في كثير‬
‫‪ .‬ويرى بعض المؤرخين ان الجاهلية في المعنى الص‪TT‬حيح في‬ ‫(‪)3‬‬
‫من االعمال واالحكام‬
‫ذلك العصر الذي لم يكن لبالد العرب فيه ناموس وازع ‪ ،‬وال نبي ملهم وال كتاب منزل‬
‫‪ .‬اي ان عرب الجاهلية كانوا على جهل بالشرائع الحقة واالحكام العادل ‪TT‬ة والمثل‬ ‫(‪)4‬‬

‫() صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص‪15‬‬ ‫‪1‬‬

‫() مبروك نافع ‪ :‬عصر ما قبل االسالم ص ‪ ، 28‬صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص ‪15‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن منظ‪TT‬ور ‪:‬لس‪TT‬ان العرب ‪ ،‬ط ب‪TT‬والق ‪ 1303‬هـ ‪ ،‬ج‪ 13‬ص‪ ، 136‬االلوس‪TT‬ي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪1‬‬ ‫‪3‬‬

‫ص ‪17‬‬
‫() فيليب حتي ‪ :‬تاريخ العرب ج‪ 1‬ص ‪117‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪30‬‬
‫العليا ال‪TT‬تي جاء بها االس‪TT‬الم ‪ ،‬وعلى ه‪TT‬ذا االس‪TT‬اس يص‪TT‬ح اطالق لف‪TT‬ظ الجاهلية ه‪TT‬ذا على‬
‫‪ .‬وقد ورد لف ‪TT T‬ظ الجاهلية في القران الكريم‬ ‫(‪)1‬‬
‫العص ‪TT T‬ر الس ‪TT T‬ابق لعص ‪TT T‬ر النبي (ص)‬
‫والح‪TT‬ديث النب‪TT‬وي والشعر الجاهلي ‪ ،‬قال تعالى في س‪TT‬ورة البقرة ‪ ( :‬قالوا أتخذنا ه‪TT‬زوا‬
‫قال اعوذ باهلل ان أكون من الجاهلين ) ‪ ،‬وفي س‪TT T‬ورة االعراف ‪( :‬خذ العف‪TT T‬و وأمر‬
‫ب‪TT T‬المعروف واعرض على الجاهلين ) ‪ ،‬وفي س‪TT T‬ورة الفرقان ‪( :‬وعب‪TT T‬اد ال‪TT T‬رحمن ال‪TT T‬ذين‬
‫يمشون على االرض هونا ‪ ،‬واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سالمًا ) ‪ ،‬وقال تعالى ‪( :‬أفحكم‬
‫‪ ،‬وقوله عز وجل ‪( :‬يظنون باهلل غ‪T‬ير الح‪T‬ق ظن الجاهلية)(‪ ، )3‬و ‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الجاهلية يبغون )‬
‫‪ .‬وقول‪TT‬ه تعالى ‪ ( :‬وقرن‬ ‫(‪)4‬‬
‫( اذ جعل ال‪TT‬ذين كف‪TT‬روا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية )‬
‫في بيوتكن وال تبرجن تبرج الجاهلية االولى ) ‪ .‬وقد اختلفت اراء المفس‪TT‬رين في المراد‬
‫بالجاهلية االولى ‪ ،‬فقيل انها ال ‪TT‬زمن ال ‪TT‬ذي ول ‪TT‬د فيه اب ‪TT‬راهيم عليه الس ‪TT‬الم ‪ ،‬حيث كانت‬
‫المرأة تلبس ال ‪TT‬درع من اللؤل ‪TT‬ؤ فتمشي في وس ‪TT‬ط الطريق تعرض نفس ‪TT‬ها على الرجال ‪،‬‬
‫وقيل انها الفترة ما بين ادم ونوح (ع) وهي ثمانمائة س‪T‬نة ‪ ،‬ورأى فريق اخر انها الف‪T‬ترة‬
‫ما بين نوح وادريس ‪ ،‬ومنهم من جعلها ما بين نوح واب‪TT‬راهيم (ع) ‪ ،‬وانها تعني الف‪TT‬ترة‬
‫ما بين موس ‪TT‬ى وعيس ‪TT‬ى (ع) ‪ ،‬في حين ذكر اخرون انها لف ‪TT‬ترة ما بين عيس ‪TT‬ى ومحمد‬
‫‪ .‬وجاء في الح‪TT‬ديث النب‪TT‬وي ان رس‪TT‬ول اهلل ص‪TT‬لى اهلل عليه وس‪TT‬لم قال ألبي ذكر‬ ‫(‪)5‬‬
‫(ص)‬
‫وقد تحير رجال بأمه ‪ ( :‬انك امرؤ فيك جاهلية ) ‪ ،‬اي فيك روح الجاهلية ‪ ،‬وقريب من‬
‫‪ .‬ورد في قول عمرو بن كلثوم‬ ‫(‪)6‬‬
‫ه ‪TT‬ذا المعنى اس ‪TT‬تعمالهم اس ‪TT‬تجهله الشيء اي اس ‪TT‬تخفه‬
‫التغلبي قوله ‪:‬‬
‫فنجهل فوق جهل الجاهلينا‬ ‫أال ال يجهلن أحد علينا‬
‫ويظهر مما تقدم ان كلمة الجاهلية اس‪TT T‬تخدمت منذ القدم للدالل‪TT T‬ة على الس‪TT T‬فة‬
‫والطيش والحمق ‪ ،‬وقد اخذت تطلق على العص ‪TT‬ر القريب من االس ‪TT‬الم او بعب ‪TT‬ارة ادق‬

‫() عبدالكريم زيدان ‪ :‬المدخل لدراسة الشريعة االسالمية – بغداد ‪ ، 1969‬حاشية ص ‪15‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سورة المائدة ‪ :‬اية ‪50‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة ال عمران ‪ :‬اية ‪154‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة الفتح ‪ :‬اية ‪26‬‬ ‫‪4‬‬

‫() االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 1‬ص ‪17‬‬ ‫‪5‬‬

‫() احمد امين ‪ :‬فجر االسالم ص ‪70 – 69‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪31‬‬
‫على العصر السابق له مباشرة وكل ما كان فيه من وثنية واخالق قوامها الحمية واالخذ‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بالثأر واقتراف ما حرمه الدين من الموبقات‬
‫الحياة السياسية في الجزيرة العربية قبل االسالم‬
‫كانت القبيلة هي الوحدة السياسية عند العرب في العصر الجاهلي ‪ ،‬فأفراد القبيلة‬
‫ينتمون او يعتقدون انهم ينتمون الى اصل واحد مشترك تجمعهم وحدة الجماعة وتربطهم‬
‫رابط ‪TT‬ة العص ‪TT‬بية لأله ‪TT‬ل والعشيرة ‪ ،‬ورابط ‪TT‬ة العص ‪TT‬بية هي شعور بالتماس ‪TT‬ك والتض ‪TT‬امن‬
‫واالندماج بين من تربطهم رابطة الدم ‪ ،‬فهي بذلك مصدرا للقوة السياسية والدفاعية ال‪TT‬تي‬
‫ترب‪TTT‬ط بين افراد القبيلة ‪ ،‬فتعمل ب‪TTT‬ذلك على بقاء المجتمع وحف ‪TT‬ظ كيانه ‪ ،‬وهي تعادل‬
‫الشعور بالقومية في العص‪TT‬ر الحاض‪TT‬ر ‪ ،‬ولكن رابط‪TT‬ة ال‪TT‬دم فيها اقوى واوض‪TT‬ح ‪ ،‬والف‪TT‬رد‬
‫‪ .‬والعص ‪TT‬بية عند العرب‬ ‫(‪)2‬‬
‫يرتب ‪TT‬ط ارتباط ‪TT‬ا وثيقا بقبيلته وينص ‪TT‬رها ظالمة او مظلومة‬
‫نوعان ‪ :‬عص‪TT‬بية ال‪T‬دم وهي أس‪T‬اس القراب‪T‬ة ومص‪T‬در التراب‪T‬ط الوثيق بين افراد القبيلة ‪ ،‬ثم‬
‫عص‪TT‬بية االنتماء الى اب بعيد او جد مشترك من نس‪TT‬له تكونت القبيلة او القبائل المنتمية‬
‫اليه ‪ ،‬وعلى هذا االس‪T‬اس لم تكن للعرب في الجاهلية نزعة او شعور بالقومية الشاملة ‪،‬‬
‫ذل‪TT‬ك الن وعيها السياس‪TT‬ي كان ض‪TT‬عيفا مح‪TT‬دودا ال يتجاوز القبيلة او القبائل المنتمية الى‬
‫‪ .‬وهكذا كان المجتمع العربي في الجاهلية مجتمعا مفككا سياس‪TT‬يا ينقس‪TT‬م‬ ‫(‪)3‬‬
‫الجد المشترك‬
‫الى وح‪TT‬دات متعددة قائمة ب‪TT‬ذاتها ‪ ،‬تمثلها القبائل المختلف‪TT‬ة ‪ ،‬فالعص‪TT‬بية في ذل‪TT‬ك المجتمع‬
‫قض ‪TT‬ت على فكرة التراب ‪TT‬ط السياس ‪TT‬ي ‪ ،‬ح ‪TT‬تى في حال ‪TT‬ة االنتس ‪TT‬اب الى اح ‪TT‬دى المجموعتين‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الكب ‪TT‬يرتين ‪ :‬العدنانية والقحطانية مما ادى الى قيام ص ‪TT‬راع بين ه ‪TT‬اتين العص ‪TT‬بيتين‬
‫وتس‪T‬توفي القبيلة كافة مقومات الدول‪T‬ة س‪T‬وى االرض الثابتة ال‪T‬تي تح‪T‬دد منطقة نفوذه‪T‬ا فقد‬
‫كان ض‪T‬يق اس‪T‬باب الحياة في الص‪TT‬حراء ح‪T‬افزا لتلك القبائل على التنقل والحركة والس‪T‬عي‬
‫وراء العيش اال انها في بعض االحيان تكون لها منطقة خاصة تتجول في نطاقها وتدعى‬
‫الدار او قد تنشئ لنفسها حمي اي منطقة ثابتة من االرض ال يجوز لغيره‪T‬ا ان يخترقها‬
‫‪ .‬اما عن نظم الحكم الس‪TT‬ائدة في تلك المجتمعات القبلية ‪ ،‬فقد كان لكل‬ ‫(‪)5‬‬
‫او يس‪TT‬تعملها‬

‫() شوقي ضيف ‪ :‬العصر الجاهلي ط الربعة ‪ 1960‬ص ‪39‬‬ ‫‪1‬‬

‫() صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص ‪ ، 152‬سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 569‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سالم دراسات ‪ :‬دراسات ص ‪570‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سالم ‪ :‬دراسات ص ‪570‬‬ ‫‪4‬‬

‫()صالح العلي ‪ ،‬محاضرات ص ‪153 ، 150‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪32‬‬
‫قبيلة مجلس من شيوخها يرأس‪TT‬ه رجل يتم اختياره من بين افراد القبيلة ‪ ،‬ويطلقون عليه‬
‫‪ .‬ويشترط فيمن يتولى هذا المنصب‬ ‫(‪)1‬‬
‫عدة القاب منها ‪ :‬الرئيس والشيخ واالمير والسيد‬
‫ان تتوفر فيه عدة ص‪T‬فات تؤهله لقيادة القبيلة ورئاس‪T‬تها منها الشجاعة والحكمة والص‪T‬بر‬
‫والكرم وان يكون ذا نف ‪TT‬وذ عظيم وقوة في البيان ورأى ثاقب ‪ .‬وقد ذكر الجاح ‪TT‬ظ في‬
‫كتاب شرائع المروة ( ان العرب كانت تس‪TT‬ود على اشياء اما مض‪TT‬ر فتس‪TT‬ود ذا رأيها ‪،‬‬
‫واما ربيعة فمن اطعم الطعام ‪ ،‬واما اليمن فعلى النسب ‪ ،‬وكان اه‪T‬ل الجاهلية ال يس‪T‬ودون‬
‫(‪)2‬‬
‫اال من تكاملت فيه ست خصال ‪ :‬السخاء والنجدة والصبر والحلم والتواضع والبيان )‬
‫‪ .‬وتتم رئاس ‪TT‬ة القبيلة باالنتخاب الح ‪TT‬ر بين االفراد ‪ ،‬اذ لم يكن مب ‪TT‬دأ الوراثة مقب ‪TT‬وال عند‬
‫العرب لما قد يؤدي اليه ذلك من تقييد للحريات ‪ .‬واذا حدث انتخاب االبن بعد ابيه فإنما‬
‫‪ .‬وكان على سيد القبيلة واجبات اهمها قيادة الجيش‬ ‫(‪)3‬‬
‫يتم ذلك لتوفر شروط الرياسة فيه‬
‫اوقات الحروب ‪ ،‬وتولي امر المفاوضات مع القبائل االخرى ‪ ،‬وفض المنازعات والحكم‬
‫في الخالفات ‪ ،‬واعانة الض ‪TT‬عفاء ‪ ،‬وايواء الغ ‪TT‬ريب واجازة المجير وال ‪TT‬ذود عن النس ‪TT‬اء‬
‫والمحافظ‪TT‬ة على وح‪TT‬دة القبيلة(‪ . )4‬ومن واجباته ايض‪TT‬ا تقس‪TT‬يم الغنائم بين المقاتلين ‪ ،‬ول‪TT‬ه‬
‫(‪)5‬‬
‫فيها حقوق وامتيازات ‪ ،‬اجملها عبداهلل الظبي في البيت التالي ‪:‬‬
‫وحكمك والنشيطة والفضول‬ ‫لك المرباع منها والصفايا‬
‫وكان مجلس القبيلة يعقد اجتماعاته ب‪TT T‬دار الندوة ‪ ،‬او المنتدي ‪ ،‬حيث تناقش‬
‫االمور والمس ‪TT T‬ائل ال ‪TT T‬تي تخص القبيلة ‪ ،‬كإعالن الح ‪TT T‬رب ‪ ،‬او اقرار الس ‪TT T‬لم ‪ ،‬وتتخذ‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫القرارات بعد التشاور والمناقشات باألغلبية‬
‫اليمن‬

‫()ماجد ‪ :‬التاريخ السياسي للدولة العربية ج‪ 1‬ط مصر ‪ 1967‬ص ‪49‬‬ ‫‪1‬‬

‫()االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 2‬ص ‪187‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ص‪TT‬الح العلي ‪ :‬محاض‪TT‬رات في تاريخ العرب ص ‪ . 157‬س‪TT‬الم ‪ :‬دراس‪TT‬ات في تاريخ العرب ص‬ ‫‪3‬‬

‫‪573-572‬‬
‫()علي ابراهيم حسن ‪ :‬التاريخ االسالمي العام ص ‪.482-481‬‬ ‫‪4‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 1‬ص ‪. 372‬‬ ‫‪5‬‬

‫() صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص ‪ ، 155‬وعلى ابراهيم حسن ‪ :‬التاريخ االس‪TT‬المي‬ ‫‪6‬‬

‫‪.‬العام ص ‪. 478‬سالم ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ص ‪. 575‬‬


‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪33‬‬
‫تقع بالد اليمن في القس‪TT‬م الجنوبي من شبه جزيرة العرب ‪ ،‬وقد امتازت ب‪TT‬وفرة‬
‫امطاره‪TT‬ا ال‪TT‬تي تس‪TT‬قط ص‪TT‬يفا بفعل الرياح الموس‪TT‬مية االتية من شرقي افريقية وكان ذل‪TT‬ك‬
‫عامال لنشوء النهيرات الص‪TT T‬غيرة والس‪TT T‬يول ال‪TT T‬تي يس‪TT T‬تفاد منها في الزراعة ال‪TT T‬تي ادى‬
‫ازدهارها في هذه البالد الى االس‪T‬تقرار وظهور بيئات حض‪T‬رية في شكل ممال‪T‬ك مزده‪T‬رة‬
‫‪ .‬وقد اختلفت االخب ‪TT‬اريون في اص ‪TT‬ل تس ‪TT‬مية اليمن بهذا االس ‪TT‬م ‪ ،‬فذكر المس ‪TT‬عودي ان‬ ‫(‪)1‬‬

‫اليمن انما س ‪TT‬مي يمنا ألنه عن يمين الكعب ‪TT‬ة وه ‪TT‬و ال ‪TT‬تيمن ‪ ،‬وس ‪TT‬مي الشام شاما ألنه عن‬
‫‪ .‬وقيل ايض‪TT‬ا ان‬ ‫(‪)2‬‬
‫شمال الكعب‪T‬ة ‪ ،‬وس‪T‬مي الحجاز حجازا ألنه حجز بين اليمن والشام‬
‫اليمن سمي يمنا ليمنه والشام شاما لشؤمه في حين يرى البعض االخر ان اص‪TT‬ل التس‪TT‬مية‬
‫جاءت حين تفرقت لغات الناس ‪ ،‬ببابل فتيمن بعضهم يمين الشمس وهو اليمن(‪. )3‬‬
‫اما في النصوص السبأية القديمة فقد ورد اسم اليمن في عدة صيغ منها ‪-:‬‬
‫يمنات ويمنت ‪ ،‬أما عند مؤرخي اليونان والرومان فقد عرفت ببالد العرب‬
‫‪ ،‬وقد ذكر االلوس ‪TT‬ي بالد اليمن فقال ( ه ‪TT‬ذا‬ ‫(‪)4‬‬
‫الس ‪TT‬عيدة ‪ Arabia Felix‬لكثرة خيراتها‬
‫اقليم عظيم متس ‪TT‬ع االرجاء متباعد االط‪TTT‬راف واالنح ‪TT‬اء ‪ ،‬ولم تزل محمودة على الس ‪TT‬نة‬
‫االصفياء لما اودع اهلل فيها من البركة في جميع االشياء ‪ ،‬وكانت تسمى الخض‪TT‬راء لكثرة‬
‫‪ .‬وقد اشتهرت اليمن‬ ‫(‪)5‬‬
‫مزارعها او نخيلها واشجارها واثماره ‪TT‬ا ومراعيها وريعها )‬
‫بتجارة العطور والبخور والطيوب والمر والكافور وغيره‪T‬ا وكانت لهذه المنتجات اهمية‬
‫كبرى في العالم القديم ‪ ،‬فلقيت س ‪TT‬وقا رائجة في مص ‪TT‬ر الفرعونية فقد كان المص ‪TT‬ريون‬
‫يس‪TT T T‬تخدمون الطيب والبخور لتحنيط جثث الموتى ‪ ،‬وباإلض‪TT T T‬افة الى قيام اه‪TT T T‬ل اليمن‬
‫بتص‪TT‬ريف منتجاتهم الوطنية ‪ ،‬فقد كانوا يعملون وس‪TT‬طاء للتجارة بين الهند وبالد العراق‬
‫ومصر والشام ‪ ،‬فعن طريق اليمن كانت آللئ الخليج العربي والتواب‪T‬ل والس‪T‬يوف الهندية‬
‫‪ .‬والى‬ ‫(‪)6‬‬
‫والحرير الصيني والعاج والذهب االثيوبي ‪ ،‬تصل الى مص‪TT‬ر والشام والعراق‬
‫جانب ما اشتهرت ب‪TT‬ه اليمن من انتاج انواع الطيوب والمر والكافور ‪ ،‬اشتهرت كذلك‬

‫() صالح العلي – محاضرات في تاريخ العرب ص‪ – 17‬ماجد التاريخ السياس‪TT‬ي للدول‪TT‬ة العربية ج‪1‬‬ ‫‪1‬‬

‫ص ‪. 66‬‬
‫() المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج‪ 2‬ص ‪.69‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ص ‪.69‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سالم ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ص ‪. 126‬‬ ‫‪4‬‬

‫() االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 1‬ص ‪. 3-2 – 202‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪34‬‬
‫ومن معادنها‬ ‫(‪)9‬‬
‫ومأرب‬ ‫(‪)8‬‬
‫وبتوافر ه ‪TT‬ذا المعدن في عشم وض ‪TT‬نكان‬ ‫(‪)7‬‬
‫بوجود ال ‪TT‬ذهب‬
‫ايض‪TT‬ا الفض‪TT‬ة والرص‪TT‬اص والحديد ويتوافر ه‪TT‬ذا االخير في عدن واالراض‪TT‬ي الممتدة بين‬
‫صعدة والحجاز وفي احد جبال نجران ‪ ،‬اما الفض‪TT‬ة فتوجد في الرض‪TT‬راض ويوجد معدن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)10‬‬
‫الرصاص في المنطقة المحصورة ما بين فهم وخوالن‬

‫الحياة السياسية في اليمن ‪:‬‬


‫يب‪TT‬دو ان القبيلة كانت هي الوح‪TT‬دة االجتماعية والسياس‪TT‬ية ال‪TT‬تي اض‪TT‬طلعت ب‪TT‬واجب‬
‫تنظيم المجتمع في اليمن في مراحله المبكرة شأنه في ذل ‪TT‬ك شأن بقية المجتمعات ال ‪TT‬تي‬
‫اقامتها االقوام العربية القديمة ‪ ،‬غ‪TT‬ير ان حياة االس‪TT‬تقرار ال‪TT‬تي نشأت عن الزراعة وما‬
‫تعلق بها من ح‪T‬رف وخدمات ونشاطات تجارية قد ادت الى نشأة القرى والمدن وال‪T‬دول‬
‫مما يعني ان الس‪TT‬كان في المنطقة الواح‪TT‬دة لم يعودوا مقتص‪TT‬رين على ابناء قبيلة واح‪TT‬دة ‪،‬‬
‫وإ نما اخذوا يتألفون من ابناء عدة قبائل يجمعهم نوع من التحالف ال‪TT‬ذي تفرض‪TT‬ه المص‪TT‬الح‬
‫المشتركة ‪ ،‬وقد ادى ه‪T‬ذا التط‪T‬ور الى ظهور مص‪TT‬طلح ( شعب) وه‪T‬و مص‪TT‬طلح يدل على‬
‫ظهور (( جماعة)) تتجاوز في تكوينها ح ‪TT‬دود القبيلة لتتألف من مجموعة قبائل بينها‬
‫عالقات الجوار والمص‪TT‬الح المشتركة ‪ ،‬ويتزعمها شيوخ القبائل ال‪TT‬ذين يتكون منهم ذل‪TT‬ك‬
‫الشعب (( يرى هارتمان ان لف‪T‬ظ شعب كان في البداية تنظيما دينيا ‪ ،‬اي جماعة إرتب‪TT‬ط‬
‫نشاطها بعبادة إله ما وبمعب‪T‬د ه‪T‬ذا االل‪T‬ه )) ‪ ،‬وهكذا فقد اص‪T‬بح المعب‪T‬د ه‪T‬و المركز الموجه‬
‫للحياة االقتص ‪TT‬ادية واالجتماعية والسياس ‪TT‬ية والثقافية للشعب ‪ ،‬وكان القائم على شؤون‬
‫المعبد هو الناطق بأسم اله الشعب ‪ ،‬وه‪T‬و الموجه لمجمل الحياة العامة ‪ ،‬وب‪T‬ذلك اجتمعت‬

‫() فيليب ح‪TT‬تي ‪ :‬تاريخ العرب ص‪ ، 59‬ماجد ‪ :‬التاريخ السياس‪TT‬ي ج‪ 1‬ص ‪ ، 67‬س‪TT‬الم ‪ :‬دراس‪TT‬ات‬ ‫‪6‬‬

‫ص ‪. 128‬‬
‫() فيليب حتي ‪ :‬تاريخ العرب ص ‪. 57‬‬ ‫‪7‬‬

‫()االلوسي – بلوغ االرب ج‪ 2‬ص ‪. 204‬‬ ‫‪8‬‬

‫()ابن رسته – االعالق النفسية ‪ ،‬ط لندن ‪ 1891 ،‬ص‪. 113‬‬ ‫‪9‬‬

‫()االلوسي – بلوغ االرب ج‪ 1‬ص ‪. 204‬‬ ‫‪10‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪35‬‬
‫في يده السلطتين الدينية والسياسية ‪ ،‬ومن ثم كان اول لقب حمله الحكام في دولة سبأ ه‪TT‬و‬
‫( مكرب ) اي المقرب من األله ‪ ،‬بمعنى الحاكم الديني او امير الكنهوت‪.‬‬
‫ان قيام المعبد بقيادة الحياة الدينية والسياسية في اليمن قد جعل من حقه ان تكون‬
‫ل ‪TT‬ه امالكه الخاص ‪TT‬ة ومص ‪TT‬الحه المتميزة ‪ ،‬فض ‪TT‬ال عن حقه في فرض الض ‪TT‬رائب وبعض‬
‫الواجبات على ابناء الشعب ‪ ،‬وهكذا نشأت في اليمن س‪TT‬لطة اقطاعية تهيمن على االرض‬
‫واس‪TT‬تغاللها بأس‪TT‬م اهلل والمعب‪TT‬د والملك ‪ ،‬فكان للمعب‪TT‬د امالكه واقطاعياته وال‪TT‬تي تعني في‬
‫الواقع اقطاعيات الملك واعوانه من سادات القبائل واشراف المجتمع ‪ ،‬كما اص‪TT‬بح للملك‬
‫ولالشراف امالكهم واقطاعياتهم الخاص ‪TT‬ة بهم في مرحلة الحقة من تط ‪TT‬ور المجتمع في‬
‫اليمن ‪ ،‬ان التط ‪TT‬ورات اآلنف ‪TT‬ة ال ‪TT‬ذكر قد اوجدت المناخ المالئم لظهور ال ‪TT‬دول في اليمن‬
‫وكانت القص ‪TT‬ور‬ ‫(‪)1‬‬
‫وتوس ‪TT‬عها ‪ ،‬وقد امتاز اليمن بكثرة الحص ‪TT‬ون والمس ‪TT‬الح والقص ‪TT‬ور‬
‫تعرف بالمحافد ‪ ،‬ومن تلك المحافد – غمدان وناعط ‪ ،‬وص ‪TT‬رواح وس ‪TT‬لحين وظف ‪TT‬ار ‪،‬‬
‫وهكر وضهر ‪ ،‬وشبام ‪ ،‬وبينون ‪ ،‬و ريام ‪ ،‬وبراقش ‪ ،‬ومعين وهند ‪ ،‬وهنيدة ‪ ،‬وعمران‬
‫‪ ،‬ويعرف ص‪TT T‬احب المحف‪TT T‬د والقص‪TT T‬ر ب‪TT T‬ذي ‪ ،‬وجمعها اذواء ‪ ،‬فيقال ذو غمدان ‪ ،‬وذو‬
‫صرواح ‪ ،‬وذو معين ‪ ،‬واذا انضم عدد من هذه المحافد في مقاطعة كب‪T‬يرة س‪T‬مي مخالف‬
‫واشهر مخاليف اليمن مخالف‬ ‫(‪)2‬‬
‫ويتولى الحكم فيه امير يعرف بقيل ‪ ،‬جمعها اقيال‬
‫ص ‪TT‬نعاء ‪ ،‬ومخالف شاكر ‪ ،‬ومخالف ض ‪TT‬نكان ‪ ،‬ومخالف همدان ‪ ،‬ومخالف خوالن ‪،‬‬
‫وذكر اليعقوبي ان اليمن كان يشتمل على (‪ ) 84‬مخالفا (‪.)3‬‬
‫ومن اشهر قص‪TT‬ور اليمن قص‪TT‬ر غمدان ‪ ،‬وس‪TT‬حلين ‪ ،‬وبينون ‪ ،‬وقد ذكره‪TT‬ا اح‪TT‬د‬
‫الشعراء في البيت التالي ‪-:‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وبعد بينون يبني الناس بنيانا‬ ‫هل بعد غمدان او سلحين من أثر‬
‫اما عن مدن اليمن القديمة فأشهرها " مأرب " ال‪T‬تي عرفت قديما باس‪T‬م س‪T‬بأ نس‪T‬بة‬
‫ويرى‬ ‫(‪)5‬‬
‫الى س‪TT‬بأ بن يشجب بن يعرب بن قحط‪TT‬ان اول ملوك الدول‪TT‬ة الس‪TT‬بأية في اليمن‬

‫()اقس‪TT‬ام سياس‪TT‬ية اشبه ما تكون باألماكن المحص‪TT‬نة او االقس‪TT‬ام االدارية ( ماجد ‪ :‬تاريخ السياس‪TT‬ي ج‬ ‫‪1‬‬

‫‪، 1‬ص ‪. ) 68‬‬


‫() جواد علي – تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪ ، 137‬سالم – دراسات ص ‪. 134 ، 133‬‬ ‫‪2‬‬

‫() اليعقوبي – تاريخ اليعقوبي ج‪ 1‬ص ‪ 201‬ط بيروت ‪.1960‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ابن الفقيه الهمذاني – مختصر كتاب البلدان ط ليدن ‪ 1885‬ص ‪. 35‬‬ ‫‪4‬‬

‫() االلوسي – بلوغ االرب ج‪ 1‬ص ‪. 207‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪36‬‬
‫ياقوت الحموي ان اسم سبأ لم يكن يشمل سوى منطقة نفوذ السبئيين وان اسم مأرب كان‬
‫‪ .‬وتقع مأرب الى الجنوب الشرقي من ص‪T‬نعاء ‪ ،‬بينها وبين‬ ‫(‪)1‬‬
‫يطلق على احد قصورهم‬
‫صنعاء ‪ 60‬ميال وقد اشتهرت هذه المدينة كمركز تجاري هام لطريق القوافل بين حض‪TT‬ر‬
‫موت جنوبا والحجاز شماال وازدهرت ازدهارا ال مثيل له في ظل الس‪TT‬بائيين فشيدوا فيها‬
‫ومن مدن‬ ‫(‪)2‬‬
‫السدود والمعابد والقصور والحصون التي ما زالت أثارها باقية ح‪T‬تى اليوم‬
‫اليمن القديمة ايضا ‪ ،‬صنعاء " ذمار" التي ذكر ياقوت انها كانت على مقرب‪T‬ة من ص‪T‬نعاء‬
‫‪ .‬ثم أتخذ االحب ‪TT‬اش ص ‪TT‬نعاء حاض ‪TT‬رة لهم بعد‬ ‫(‪)3‬‬
‫وفي رأي اخر ان ذمار اس ‪TT‬م لص ‪TT‬نعاء‬
‫‪ ،‬ومنها مدينة‬ ‫(‪)4‬‬
‫غ‪TT T‬زوهم اليمن ‪ ،‬وأنشأ فيها ابره‪TT T‬ة الكنس‪TT T‬ية المشهورة باس‪TT T‬م القليس‬
‫نجران ‪ ،‬ال ‪TT‬تي كانت مركزا للنص ‪TT‬رانية في جنوب شبه الجزيرة العربية منذ ان تمكن‬
‫ال‪TT T‬راهب فيميون من نشر ال‪TT T‬دين المس‪TT T‬يحي بها في س‪TT T‬نة ‪ 500‬م وأس‪TT T‬س كنيس‪TT T‬ة على‬
‫كذلك لعبت مدينة ص‪TT‬رواح دور هاما في تاريخ اليمن القديم ‪،‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫المذهب المونوفيزيتي‬
‫وكان موقعها بين صنعاء ومأرب ‪ ،‬وكان السبأيون قد اتخذوا هذه المدينة في بادئ االمر‬
‫ومن‬ ‫(‪)6‬‬
‫عاصمة لهم ‪ ،‬فأقاموا فيها المعاب‪TT‬د ‪ ،‬وتعتبر ص‪TT‬رواح من أهم أثار اليمن القديمة‬
‫مدن اليمن ايض‪TT‬ا معين ‪ ،‬عاص‪TT‬مة المعينيين ال‪TT‬تي كانت باس‪TT‬م" قرناو " ثم مدينة " ظف‪TT‬ار "‬
‫عاص‪TTT‬مة الدول‪TTT‬ة الحميرية وكان موقعها على الطريق الموص ‪TT‬ل من ص‪TTT‬نعاء الى ذمار‬
‫وتريم من الجنوب ‪.‬‬
‫ومن أهم الممالك العربية التي قامت في اليمن قبل االسالم هي ‪:‬‬
‫الدولة المعينية‬ ‫‪.1‬‬
‫الدولة القتبانية‬ ‫‪.2‬‬
‫دولة الحضارمة‬ ‫‪.3‬‬
‫مملكة أوسان‬ ‫‪.4‬‬
‫الدولة السبأية‬ ‫‪.5‬‬

‫() ياقوت ‪ :‬معجم البلدان ط بيروت ‪ 1955‬ص ‪ 34‬المجلد الخامس ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سالم ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ‪. 138‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ياقوت ‪ :‬معجم البلدان مجلد ‪ 3‬ص‪.7‬‬ ‫‪3‬‬

‫()ابن االثير – الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 442‬‬ ‫‪4‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ص‪.139‬‬ ‫‪5‬‬

‫()صالح العلي – محاضرات في تاريخ العرب ص‪ ، 21‬سالم – دراسات ص‪. 140‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪37‬‬
‫الدولة الحميرية‬ ‫‪.6‬‬

‫الفصل الثاني‬
‫ممالك جنوب الجزيرة العربية‬
‫دولة اليمن قبل االسالم‬
‫‪ .1‬الدولة المعينية‬
‫‪ .2‬الدولة القتبانية‬
‫‪ .3‬دولة الحضارمة‬
‫‪ .4‬مملكة أوسان‬
‫‪ .5‬الدولة السبأية‬
‫‪ .6‬الدولة الحميرية‬
‫‪ .7‬كندة‬
‫‪ .8‬لحيان‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪38‬‬
‫الدولة المعينية‬
‫تعتبر الدولة المعينية من اقدم الدويالت التي قامت ببالد اليمن قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ‪،‬‬
‫وقد اورد اس‪TT T‬م المعينيين في المص ‪TT T‬ادر اليونانية والرومانية ‪ ،‬فس‪TT T‬ماهم اس‪TT T‬ترابون‬
‫وديودور الص ‪TT‬قلي وبلنيوي ب ( ‪ ، ) Minaei‬وذكر اس‪TT‬ترابون ان عاص ‪TT‬متهم مدينة‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫( قرناو ) (‪)Karna‬‬
‫ولم يكن العلماء يعرفون معين وال اكتشفوا انقاض‪TT‬ها ‪ ،‬فذهب بعض‪TT‬هم الى ان‬
‫لفظة ‪ Minaei‬نسبة الى جبل منى قرب مكة ‪ ،‬حتى وفق المستشرق جوزيف هالفي‬
‫الى ارتياد بالد الجوف الجنوبي شرقي ص‪TT T‬نعاء ‪ ،‬واكتشف انقاض معين ‪ ،‬وقرأ‬
‫اس ‪TT‬مها عليها بالمس ‪TT‬ند وبجانبها ب ‪TT‬راقش ‪ ،‬فذهب ه ‪TT‬اليفي ووافقه في ذل ‪TT‬ك جالزر ان‬
‫معين هي البلد التي ينتسب اليها المعينيون ‪ ،‬وان هذه المدن ال‪TT‬تي اكتشفها ه‪TT‬اليفي في‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الجوف هي مدن معينية وال سيما براقش التي كانت تعرف باسم ( يثيل )‬
‫وبفض‪TT‬ل الدراس‪TT‬ات العلمية ال‪TT‬تي قام بها (مولر) على النقوش ال‪TT‬تي اكتشفها‬
‫جالزر وجوسن ‪ ،‬استطعنا معرفة الكثير عن تاريخ وملوك ه‪TT‬ذه الدول‪TT‬ة ‪ ،‬وقد حص‪TT‬ر‬
‫مولر عدد الملوك ال‪TT‬ذين قرأ اس‪TT‬ماءهم في ه‪TT‬ذه النقوش ‪ ،‬فذكر (‪ )26‬اس‪TT‬ما موزعين‬
‫على خمس اس ‪TT T T‬رات ‪ ،‬في حين ذكر )فلبي) اس ‪TT T T‬ماء (‪ )22‬ملكا نظمهم في خمس‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ‪ ،‬ص‪. 142‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جرجي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ‪ ،‬ص‪.130‬‬ ‫‪2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪39‬‬
‫اس‪TT‬رات ‪ ،‬وذهب الى القول ب‪TT‬أن اول عهد مملكة معين بهذه االس‪TT‬رات قد رجع الى‬
‫(‪، )1‬‬
‫عام ( ‪1120‬ق‪.‬م) حيث حكمت االسرة االولى ‪ ،‬وكان عدد ملوكها اربعة‬
‫ويظهر من دراسة النقوش المعينية ان نظ‪TT‬ام الحكم في دول‪TT‬ة معين كان ملكيا‬
‫وراثيا مقيدا ‪ ،‬وقد يشارك االبن اب ‪TT‬اه في الحكم ‪ ،‬وهناك مجلس استشاري يعاون‬
‫الملك في الحكم ويحد من سلطانه(‪. )2‬‬
‫ومن الملوك المعينيين ( اليف ‪TT T‬ع وقة ) ال ‪TT T‬ذي عثر على اس ‪TT T‬مه في الخرب ‪TT T‬ة‬
‫السوداء ‪ ،‬وهي مدينة (نشان) في الكتابات المعينية ‪ ،‬وذكر معه اس‪T‬م ابنه ( وقة ايل‬
‫ص ‪TT‬دق ) ال ‪TT‬ذي خلف ‪TT‬ه في حكم اليمن ‪ ،‬كما ورد اس ‪TT‬م ( اليف ‪TT‬ع وقة ) مع اس ‪TT‬م ابن ل ‪TT‬ه‬
‫يدعى ‪ ( ،‬اب ‪TT‬و كرب يثع ) ‪ ،‬في نقش عثر عليه في ديدن ( العال) ‪ ،‬ومن ملوكهم‬
‫ايضا الملك ( اب يدع يثع ) و( وقة ايل ريام ) و( يثع ايل ص‪TT‬ديق ) و( يثع ايل ريم‬
‫) وابنه ( تب‪TT‬ع كرب ) ‪ ،‬وفي عهد ه‪TT‬ذين االخرين ض‪TT‬عفت الدول‪TT‬ة المعينية وخض‪TT‬عت‬
‫لنفوذ السبأيين(‪ ، )3‬وكانت هناك مجالس تعرف باسم ( مسود ) تدير شؤون الحكم في‬
‫(‪)4‬‬
‫المدن المعينية في السلم والحرب ‪ ،‬وتشابه دار الندوة في مكة في العص‪TT‬ر الجاهلي‬
‫‪ ،‬وتمتع ه‪T‬ذه المدن باس‪T‬تقالل ذاتي ‪ ،‬ويراس مجلس شيوخها رئيس ينتخب لمدة س‪T‬نة‬
‫واحدة قابلة للتجديد ‪ ،‬وكان لهؤالء الرؤساء مكانة س‪TT‬امية ‪ ،‬فقد كانت اس‪TT‬ماؤهم تدون‬
‫في س ‪TT‬جالت المدينة او المعاب ‪TT‬د ‪ ،‬ويذكرهم المؤرخون في وثائقهم ‪ ،‬ح ‪TT‬تى ان بعض‬
‫(‪)5‬‬
‫الملوك كانوا يؤرخون توليتهم ويحددونها بذكر الرئيس الذي كان قائما آنذاك‬
‫اما عن نظام الضرائب في مملكة معين ‪ ،‬فتدل النقوش انها كانت تنقس‪TT‬م الى‬
‫ثالثة انواع(‪: )6‬‬
‫ضرائب تعود جبايتها الى خزانة الملك‬ ‫‪.1‬‬

‫جرجي زيدان ‪ :‬العرب قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ‪ ،‬فؤاد حس‪TT‬نين ‪ :‬أس‪TT‬تكمال كتاب التاريخ العربي القديم ‪ ،‬ص ‪ . 270‬س‪TT‬الم ‪:‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫دراسات ‪ ،‬ص‪.143‬‬
‫() زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ‪ ،‬ص‪ ، 131‬صالح العلي ‪،‬محاضرات في تاريخ العرب ‪ ،‬ص‪.20‬‬ ‫‪2‬‬

‫جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قب‪T‬ل االس‪T‬الم ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪ ، 293-387‬فؤاد حس‪T‬نين ‪ :‬اس‪T‬تكمال التاريخ العربي القديم ‪،‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫ص‪.273-272‬‬
‫() نفس المرجع ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪.405‬‬ ‫‪4‬‬

‫() صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ‪ ،‬ص‪.20‬‬ ‫‪5‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص‪.406‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪40‬‬
‫ض ‪TT T‬رائب تعود جبايتها الى المعاب ‪TT T‬د ‪ ،‬وه ‪TT T‬ذه نوعان ‪ :‬نوع يعرف باس ‪TT T‬م‬ ‫‪.2‬‬
‫( اكرب ) وهي الض ‪TT‬رائب ال ‪TT‬تي تقدمها القبائل تقرب ‪TT‬ا لآللهة ‪ ،‬ونوع آخر‬
‫اجباري كان يفرض على المواطنين يقال له ( العشر )‬
‫ضرائب تعود جبايتها الى المشايخ والحكام ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الحياة االقتصادية ‪:‬‬
‫مارس المعينيون التجارة ‪ ،‬فس‪TT T‬يطروا على الط‪TT T‬رق التجارية بين الشمال‬
‫والجنوب وامتد نف‪TT‬وذهم السياس‪TT‬ي الى الحجاز شماال ‪ ،‬فدخلت معان وديدن ‪ ،‬تحت‬
‫النف‪TT T‬وذ المعيني(‪ ، )1‬وكان الطريق التجاري ال‪TT T‬بري ال‪TT T‬ذي يرب‪TT T‬ط بين اليمن والشام‬
‫ومصر والذي يمر بغربي تيماء تحت سيطرة المعينيين تارة والسبأيين تارة اخرى ‪،‬‬
‫االمر ال‪TT T‬ذي اس‪TT T‬تلزم مرابط‪TT T‬ة طائف‪TTT‬ة من الحكام المعينيين او الس‪TT T‬بأيين ال‪TT T‬ذين كانوا‬
‫يعاهدونهم على الطريق التجاري الذي تسلكه القوافل التجارية ‪ ،‬وكانت تراب‪TT‬ط معهم‬
‫حاميات عس‪TT‬كرية للحماية وجاليات جنوبية من التجار ‪ ،‬كما كانت تقيم معهم جالية‬
‫من االفريقيين الكوشيين الذين كانوا يمارسون التجارة مع المعينيين او السبأيين بحكم‬
‫الجوار(‪ ،)2‬وكانت الظ‪TT‬روف الدولية آنذاك قد س‪TT‬اعدت حكام معين على تثبيت ملكهم‬
‫ومد نفوذهم التجاري في منطقة الشرق االوس‪TT‬ط ‪ ،‬ففي مص‪TT‬ر لم يتمكن ملوك االس‪TT‬رة‬
‫الحادية والعشرين الض ‪TT‬عفاء من التدخل في شؤون الجزيرة العربية ‪ ،‬وفي العراق‬
‫كان يحكم بابل ملوك ضعفاء ‪ ،‬وفي آشور كان تجالت بالس‪TT‬ر منشغال في حروب‪TT‬ه‬
‫في شمال العراق وقد ادى ه‪TT T‬ذا التوس‪TT T‬ع الى احتكاك المعينيين بآشور‬
‫والفينقيين(‪. )3‬‬
‫وقد ادى اشتغال المعينيين بالتجارة الى المامهم بالكتاب ‪TT T‬ة وتدوين‬
‫الحس‪TT T‬ابات التجارية فأقتبس‪TT T‬وا االبجدية الفينقية ‪ ،‬لس‪TT T‬هولة اس‪TT T‬تعمالها وقرب‬
‫تناولها ‪ .‬الى الجرف المس ‪TT‬ماري فدونوا بها لغتهم ‪ ،‬وتنوعت تلك االبجدية‬

‫() سالم ‪ :‬دراسات ‪ ،‬ص‪.144‬‬ ‫‪1‬‬

‫() موسل ‪ :‬شمال الحجاز ‪ ،‬ترجمة ‪ :‬الدكتور عبد المحسن الحسني ‪ ،‬طبعة االسكندرية ‪ ، 1952 ،‬ص‪. 88 – 87‬‬ ‫‪2‬‬

‫() صالح العلي ‪ ،‬محاضرات في تاريخ العرب ‪ ،‬ص‪ ، 519‬مبروك – مصر ما قبل االسالم ‪ ،‬ص‪. 54 – 53‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪41‬‬
‫‪ ،‬وعثر على‬ ‫(‪)1‬‬
‫على مر االجيال ح‪TT‬تى ص‪TT‬ارت الى الح‪TT‬رف المس‪TT‬ند المشهور‬
‫كتاب‪TT‬ات معينية في منطقة الجيزة في مص‪TT‬ر ‪ ،‬وفي جزيرة ديلوس من جزر‬
‫اليونان يرجع عهدها الى القرن الثاني قب ‪TT‬ل الميالد ‪ ،‬مما يدل على انتشار‬
‫‪ .‬وراء تجارتهم ح ‪TT‬تى بعد س ‪TT‬قوط دولتهم ‪ ،‬ومن‬ ‫(‪)2‬‬
‫المعينيين في بالد واس ‪TT‬عة‬
‫طويل محتفظين بنشاطهم االقتصادي كما عثر على كتاب‪TT‬ات معينية في منطقة‬
‫أور والوركاء في العراق(‪.)3‬‬

‫الدولة القتبانية‬
‫كان موض ‪TT T‬ع ه ‪TT T‬ذه الدول ‪TT T‬ة في الط ‪TT T‬رف الجنوبي الغ ‪TT T‬ربي من بالد اليمن ‪ ،‬الى‬
‫‪ ،‬وقد ذكر ياقوت في معجم‬ ‫(‪)4‬‬
‫الجنوب من بالد الس‪TT T‬بأيين وعلى تخوم حض‪TT T‬ر موت‬
‫‪ .‬اتخذ القتب‪TT‬انيون مدينة ( تمنع ) في وادي‬ ‫(‪)5‬‬
‫البلدان ان قتب‪TT‬ان موض‪TT‬ع في نواحي عدن‬
‫بيحان عاصمة لهم ‪ ،‬وتعرف في الوقت الحاضر باسم " كحالن " وكانت ه‪TT‬ذه المنطقة قد‬
‫عرفت قديما بخصبها وبكثرة مياهها وبساتينها ‪ ،‬وال تزال أثار نظم ال‪TT‬ري القديمة تشاهد‬
‫هناك حتى اليوم ‪ ،‬كما ان النقود الذهبية التي عثر عليها في مدينة (تمنع ) وفي ( ح‪TT‬ريب‬
‫) وفي اماكن اخرى والتماثيل المص ‪TT T‬نوعة من المعدن وبعض المص ‪TT T‬نوعات المعدنية‬
‫‪ .‬ويرجع الفضل لما ورد من اخب‪TT‬ار عن‬ ‫(‪)6‬‬
‫االخرى تشير الى تقدم القتبانيين وحضارتهم‬
‫مملكة قتب ‪TT‬ان الى النقوش القتبانية ال ‪TT‬تي جمعها " كالس ‪TT‬ر " في رحلته الى اليمن س ‪TT‬نة (‬
‫‪ 1894-1892‬م) فكانت اول كتاب‪TT‬ات قتبانية تص‪TT‬ل الى أورب‪TT‬ا ‪ ،‬وقد القت ه‪TT‬ذه النقوش‬
‫الض ‪TT‬وء على ما غمض من حض ‪TT‬ارة ه ‪TT‬ذه الدول ‪TT‬ة ال ‪TT‬تي عاص ‪TT‬رت كل من حكومة معين‬

‫‪ )(1‬جرجي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ‪ ،‬ص‪.133‬‬


‫‪ )(2‬صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ‪ ،‬ص‪.20‬‬
‫‪3‬‬
‫‪() Philpy , The back ground of lslam , p.42.‬‬
‫() سالم ‪ :‬دراسات ص ‪149‬‬ ‫‪4‬‬

‫() ياقوت ‪ :‬معجم البلدان ج‪ 4‬ص‪310‬‬ ‫‪5‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص ‪43‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪42‬‬
‫‪ .‬اما عن تاريخ قيام ه‪TT T‬ذه الدول‪TT T‬ة‬ ‫(‪)1‬‬
‫وحكومة س‪TT T‬بأ ‪ ،‬وشهدت س‪TT T‬قوط الدول‪TT T‬ة المعينية‬
‫ونهايتها ‪ ،‬فقد اختلف الباحثون في هذا الموضوع ‪ ،‬فيرى " كالس‪T‬ر " انها قامت فيما بين‬
‫عامي (‪ 24 – 200‬ق‪.‬م )‪ ،‬وربما قب‪T‬ل ذل‪T‬ك ‪ ،‬في حين يرى غ‪T‬يره ان ه‪T‬ذه النهاية كانت‬
‫‪ ،‬اما فلبي فيذكر ان اقدم مكارب قتب‪TT‬ان يرجع‬ ‫(‪)2‬‬
‫بعد الميالد بح‪TT‬والي مائتي عام تقريب‪TT‬ا‬
‫الى ح ‪TT‬دود س ‪TT‬نة (‪ 568‬ق‪.‬م )‪ ،‬وان قتب ‪TT‬ان اندمجت في دول ‪TT‬ة س ‪TT‬بأ نهائيا في س ‪TT‬نة (‪540‬‬
‫‪ .‬في حين ان النقوش ال ‪TT‬تي حص ‪TT‬لت عليها بعثة وندل فيلبس تؤكد ب ‪TT‬أن المدن‬ ‫(‪)3‬‬
‫ق‪.‬م)‬
‫القتبانية كانت آهلة بالس ‪TT‬كان في االل ‪TT‬ف الثاني قب ‪TT‬ل الميالد ‪ ،‬اي انها عاص ‪TT‬رت الدول ‪TT‬ة‬
‫‪ .‬ويعتقد بعض الب ‪TT T‬احثين ان الف ‪TT T‬ترة ال ‪TT T‬تي امتد فيها حكم‬ ‫(‪)4‬‬
‫المعينية والدول ‪TT T‬ة الس ‪TT T‬بأية‬
‫المكربين ( المقربين ) تقع بين القرنين الس‪T‬ابع والخامس قب‪T‬ل الميالد ‪ ،‬وفي ه‪T‬ذه المرحلة‬
‫من تاريخ قتب‪T‬ان يقوم المكرب " يدعى اب ذبيان " في القرن الخامس ق‪.‬م بمهاجمة س‪T‬بأ‬
‫واالس‪TT‬تيالء على اقليم مراد ‪ ،‬ويرجح انه شيد المدخل الجنوبي لمدينة تمنع ‪ ،‬وورد في‬
‫بعض النقوش التي تنسب الى هذا المكرب انه خلع على نفسه ألقاب‪T‬ا أخرى ‪ ،‬فهو مكرب‬
‫‪ .‬وأوس‪TT‬ان وكح‪TT‬د ودهس وتبنو ‪ .‬وفي نقش اخر يلقب ايض‪TT‬ا‬ ‫(‪)5‬‬
‫قتب‪TT‬ان وجميع ابناء "عم "‬
‫بمكرب يرفع وابناء الجنوب والشمال ‪ ،‬ويرى بعض الب‪T‬احثين ان يدع اب ذبيان اول من‬
‫توج نفسه ملكا على قتبان او من بين الملوك الذين جلسوا على عروشها ‪ ،‬وبوفاته تنتهي‬
‫االس‪TT‬رة الملكية القتبانية االولى ‪ .‬وتلى ه‪TT‬ذا العص‪TT‬ر عص‪TT‬ر اخر يمتد من ‪ 350‬ق‪.‬م الى‬
‫‪ 250‬ق‪.‬م ‪ ،‬تولت فيه اس ‪TT‬رة ثانية من بين ملوكها " شهر يجيل " ال ‪TT‬ذي اعتلى عرش‬
‫قتب‪T‬ان في عام ‪ 300‬ق‪.‬م تقريب‪T‬ا ‪ ،‬وينس‪T‬ب اليه بناء معب‪T‬د لإلل‪T‬ه " عم " في وادي لبخ وفي‬
‫مدينة " ذو غيل " ‪ ،‬وقد ورد في احد النقوش المنسوبة اليه انه قوض عرش معين ‪ ،‬ثم‬
‫خلفه اخوه شهر هالل بو هثعم (يوهنعم ) ‪ ،‬صاحب مسلة تمنع وسيد المعينيين ‪ ،‬وبوفاته‬
‫تنتهي االسرة الملكية القتبانية الثانية ‪ .‬ويلي هذا العصر ‪ ،‬عص‪TT‬ر ثالث تناوب فيه عرش‬
‫البالد عدد من الملوك اخرهم يدع اب غيالن ‪ ،‬وينس‪TT‬ب اليه بناء بيت " يفش " وزخرفة‬

‫() نفس المرجع ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص‪ 12-11‬سالم ‪ :‬دراسات ص‪150‬‬ ‫‪1‬‬

‫() نفس المرجع ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص‪12‬‬ ‫‪2‬‬

‫()فؤاد حسنين ‪ :‬استكمال لكتاب التاريخ العربي القديم ص ‪280‬‬ ‫‪3‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص‪151‬‬ ‫‪4‬‬

‫()عم ‪ :‬االله الرسمي لقتبان‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪43‬‬
‫باألس‪TT‬د ال‪TT‬برونزي ‪ ،‬ثم اعقب ذل‪TT‬ك اس‪TT‬رة ملكية اخرى تس‪TT‬تمر من س‪TT‬نة (‪ 100‬ق‪.‬م – الى‬
‫‪ 25‬ق‪.‬م ) ‪ ،‬واول ملوك هذه الفترة ‪ :‬هوف عم يو هنعم ‪ ،‬وابنه شهر يجيل يوهرجب ‪،‬‬
‫ال ‪TT‬ذي أعاد بناء ب ‪TT‬رج المدخل الجنوبي ل ‪TT‬بيت يفش ‪ ،‬ثم جاء بعده ابنه ورو ال غيالن‬
‫يوهنعم ويرجح انه اول من سك نقودا ذهبية قتبانية ‪ ،‬ثم تولى بعده اخوه " فرع كرب‬
‫يوهودع " وهو اخر ملك في ه‪TT‬ذه االس‪TT‬رة جلس على عرش قتب‪TT‬ان ‪ .‬ويعتبر عص‪TT‬ر قتب‪TT‬ان‬
‫ال ‪TT‬ذهبي ه ‪TT‬و الممتد من ‪ 50 – 350‬ق‪.‬م ‪ ،‬فوص ‪TT‬لت من ه ‪TT‬ذا العص ‪TT‬ر اهم مجموعة من‬
‫النقوش ‪ ،‬ومنها يتبين ان قتبان كانت في ذلك العصر اهم مملكة في بالد العرب الجنوبية‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬حيث أخضعت لسلطانها معين وسبأ‬
‫وقبيل الميالد ( اي في ‪ 50‬ق‪.‬م ) تعرض ‪TT‬ت مدينة تمنع لغ ‪TT‬زو من شعب غ ‪TT‬ير‬
‫معروف فأحرقت ودمرت تدميرا تاما ‪ ،‬كما ظهرت مملكة اخرى الى عالم الوجود هي‬
‫‪ .‬واس‪TT‬تنادا‬ ‫(‪)2‬‬
‫مملكة س‪TT‬بأ وذو ريدان ال‪TT‬تي قامت على انقاض كل من قتب‪TT‬ان وس‪TT‬بأ ومعين‬
‫الى الكتابات القتبانية القديمة يتبين ان حكام قتب‪T‬ان كانوا يتلقب‪T‬ون بلقب مكرب ‪ ،‬في ب‪T‬ادئ‬
‫امرهم ‪ ،‬ثم تطوروا فأضافوا الى لقبهم هذا لقب ( ملك ) ‪ ،‬ثم نزعوا عنهم لقبهم القديم (‬
‫مكرب ) واكتف‪TT T‬وا ب‪TT T‬اللقب الجديد ‪ ،‬وقد كان ه‪TT T‬ؤالء المكرب‪TT T‬ون يحكمون في جماعتهم‬
‫وط‪TT‬وائفهم حكما يشبه حكم قض‪TT‬اة ب‪TT‬ني اس‪TT‬رائيل ‪ ،‬فلما توس‪TT‬ع س‪TT‬لطانهم وتجاوزوا ح‪TT‬دود‬
‫‪ .‬وكان نظ‪TT‬ام الحكم في قتب‪TT‬ان‬ ‫(‪)3‬‬
‫المعب‪TT‬د والجماعة ‪ ،‬وتشبهوا ب‪TT‬الملوك وتلقب‪TT‬وا بألقابهم‬
‫يشبه ما كان س‪TT‬ائدا في معين ‪ ،‬والحكم ينتقل من االب‪TT‬اء الى االبناء ‪ ،‬ويالح‪TT‬ظ ايض‪TT‬ا ان‬
‫الملوكية تنتقل الى االخوة مع وجود االبناء ‪ ،‬وكان يدير شؤون المملكة حكام نياب‪T‬ة عن‬
‫الملك ومشايخ يقال للواحد منهم ( كبير) ‪ ،‬وتتألف المملكة من حضر ‪ ،‬وهم سكان القرى‬
‫والمدن وينس‪TT‬بوهم الى مدنهم ‪ ،‬ومن ( أشعب ) اي قبائل ‪ ،‬ويكون للمجتمع كالمدينة او‬
‫القرية او القبيلة دار ندوة تجتمع فيها للتشاور في تص‪TT‬ريف االمور في الس‪TT‬لم والح‪TT‬رب‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫يقال لها " مشود "‬

‫() فؤاد حسنين ‪ :‬استكمال لكتاب التاريخ العربي القديم ص‪289 – 286‬‬ ‫‪1‬‬

‫() فؤاد حسنين ‪ :‬استكمال لكتاب التاريخ العربي القديم ص‪288‬‬ ‫‪2‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص ‪14-13‬‬ ‫‪3‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص ‪50 – 49‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪44‬‬
‫اما من الناحية االقتص‪TT T T‬ادية ‪ ،‬فقد اس‪TT T T‬تفاد القتب‪TT T T‬انيون من موقعهم الجغ‪TT T T‬رافي‬
‫ومجاورتهم لحضر موت ‪ ،‬التي اشتهرت بإنتاج اجود انواع البخور ‪ ،‬فاشتغلوا بالتجارة‬
‫‪ ،‬فجنوا ارباح ‪TT‬ا كب ‪TT‬يرة ‪ ،‬واص ‪TT‬بحت لهم قوة عظيمة ‪ ،‬كان لها أثر في الح ‪TT‬د من نف ‪TT‬وذ‬
‫‪ .‬وقد أس‪TT‬فرت الحفريات االثرية ال‪TT‬تي اجريت في موض‪TT‬ع كحالن ( تمنع )‬ ‫(‪)1‬‬
‫المعينيين‬
‫عن كشف كثير من التح‪TT‬ف المص‪TT‬نوعة من المعادن والخزف والمتأثرة ب‪TT‬الفن اليوناني ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫كما عثر على عمالت هيلينية ورومانية‬
‫دولة الحضارمة‬
‫تقع بالد حضر موت الى الشرق من اليمن في أرض تكثر فيها الجب‪T‬ال والوديان‬
‫‪ ،‬وذكر المقدس ‪TT‬ي ان ( حض ‪TT‬ر موت هي قص ‪TT‬بة االحقاف موض ‪TT‬وعة في الرمال عامرة‬
‫نائية عن الس ‪TT‬احل ‪ ،‬اهلة لهم في العلم والخير رغب ‪TT‬ة ‪ ،‬اال انهم شراة شديد س ‪TT‬مرتهم )‬
‫‪ .‬اما ياقوت فذكر انها ( ناحية واس‪T‬عة في شرقي عدن بقرب البح‪T‬ر ‪ ،‬وحولها رمال‬ ‫(‪)3‬‬

‫‪ .‬وينس‪TT‬ب االخب‪TT‬اريون بالد حض‪TT‬ر موت الى حض‪TT‬ر موت بن‬ ‫(‪)4‬‬
‫كثيرة تعرف االحقاف )‬
‫يقطن بن عامر بن شالخ ‪ ،‬معتمدين في ذل‪T‬ك على رواية التوراة ‪ ،‬أما بطليموس فس‪T‬ماها‬
‫‪ ،‬ويفس‪TT T‬ر‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪ ، Chathramitae‬وحض‪TT T‬ر موت تعني في اللغ‪TT T‬ة العبرية ‪ :‬دار الموت‬
‫ياقوت هذه التسمية بأن حضر موت هو عامر بن قحطان وانه سمي بهذا االسم ألنه كان‬
‫اذا حضر حربا اكثر من القتل فلقب بذلك حضر موت(‪.)6‬‬
‫وقد ورد اس ‪TT T‬م حض ‪TT T‬ر موت في الكتاب ‪TT T‬ات المعينية ‪ ،‬كما عثر على كتاب ‪TT T‬ات‬
‫‪ .‬وبفض‪TT‬ل النقوش والكتاب‪TT‬ات‬ ‫(‪)7‬‬
‫حض‪TT‬رمية ورد فيها اس‪TT‬ماء عدد من ملوك حض‪TT‬ر موت‬
‫التي عثر عليها العلماء في الحريضة وشبوه أمكن معرفة تاريخ ه‪TT‬ذه الدول‪TT‬ة ‪ ،‬فظهر انها‬
‫كانت معاصرة لدولة معين ‪ ،‬وس‪TT‬بأ ‪ ،‬وقتب‪TT‬ان ‪ ،‬وانها فقدت اس‪TT‬تقاللها واندمجت نهائيا في‬
‫مملكة س ‪TT‬بأ وذو ريدان في عهد شمر يهرعش ال ‪TT‬ذي تلقب بلقب ملك س ‪TT‬بأ وذو ريدان‬

‫()صالح العلي – محاضرات في تاريخ العرب ص‪19‬‬ ‫‪1‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص ‪44 – 43‬‬ ‫‪2‬‬

‫()المقدسي ‪ :‬احسن التقاسيم في معرفة االقاليم ص‪87‬‬ ‫‪3‬‬

‫()ياقوت ‪ :‬معجم البلدان ج‪ 2‬ص‪270‬‬ ‫‪4‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص‪. 65-64‬سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 154 – 153‬‬ ‫‪5‬‬

‫() ياقوت ‪ :‬معجم البلدان ج‪ 2‬ص ‪. 270‬‬ ‫‪6‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص ‪. 82 – 81‬‬ ‫‪7‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪45‬‬
‫‪ .‬اما عن ملوك حض ‪TT‬رموت فيذكر الب ‪TT‬احثون ان اولهم ه ‪TT‬و ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وحض‪TTT‬رموت ويمنات‬
‫صدق ال ( صديق ايل) الذي كان ملكا على حضرموت ومعين في ان واح‪TT‬د ‪ ،‬وانه حكم‬
‫فيما يقرب من س‪TT‬نة (‪ 1020‬ق‪.‬م) ثم خلف‪TT‬ه ‪ :‬علن بن ص‪TT‬دق ال وتولي الحكم في ح‪TT‬والي‬
‫س‪TT‬نة (‪ 1000‬ق‪.‬م) ‪ ،‬ويرى فلبي ان حض‪TT‬ر موت الحقت بعد موت معد يكرب بمملكة‬
‫معين وظلت تابعة لها الى ح‪TT T‬والي س‪TT T‬نة( ‪ 650‬ق‪.‬م )‪ ،‬ويذكر ايض‪TT T‬ا ان حض‪TT T‬ر موت‬
‫‪ .‬كان‬ ‫(‪)2‬‬
‫اصبحت جزء من قتبان او س‪TT‬بأ منذ س‪TT‬نة( ‪ 590‬ق‪.‬م )وح‪TT‬تى س‪TT‬نة (‪ 180‬ق‪.‬م)‬
‫نظ ‪TT‬ام الحكم في مملكة حض ‪TT‬ر موت يشبه ما كان س ‪TT‬ائدا في الممال ‪TT‬ك العربية الجنوبية‬
‫فالملك يس‪TT‬تمد قوته من حقه المقدس ‪ ،‬في نفس ال‪TT‬وقت ال‪TT‬ذي كان فيه مجلس عام ‪ ،‬مما‬
‫جعل حكم الملك حكما دس ‪TT‬توريا ‪ ،‬اما في المدن فتوجد حكومات محلية يعين افراده ‪TT‬ا‬
‫بطريقة االنتخاب ‪ ،‬ويعاونهم مجلس من شيوخ المدنية(‪. )3‬‬
‫وكانت مدينة ميفعة عاص‪TT‬مة للقتب‪TT‬انيين في مب‪TT‬ادئ االمر ‪ ،‬ثم انتقلت الى شبوة ‪،‬‬
‫وقد كشفت التنقيب‪TT‬ات ال‪TT‬تي اجريت في شبوه ‪ ،‬على اثار كثيرة تتض‪TT‬من عددا من المعاب‪TT‬د‬
‫والقص‪TT T‬ور القديمة وبقايا الس‪TT T‬دود ال‪TT T‬تي كانت قد اقيمت على وادي شبوه لحص‪TT T‬ر مياه‬
‫االمطار واالستفادة منها لري المناطق المجاورة(‪.)4‬‬
‫مملكة اوسان‬
‫وعرف من الكتاب‪TT‬ات القتبانية ‪ ،‬شعب يقال ل‪TT‬ه ( أوس‪TT‬ن ) أو (أوس‪TT‬ان) ‪ ،‬وكانت‬
‫(‪)5‬‬

‫أرض‪TT‬ه تكون جزءًا من مملكة قتب‪TT‬ان‪ ،‬مثل دهس و (دتنت ) (دتنه) و ( تب‪TT‬نى ) ومناطق‬
‫أخرى كانت تابعة لقتبان ‪ ،‬وقد عرف من الكتابات ان األوسانيين كونوا حكومة ‪ ،‬حكمها‬
‫ملوك ‪ ،‬وص‪T‬لت أس‪T‬ماء بعض‪T‬هم الينا ولكنها حكومة ص‪T‬غيرة لم تبلغ مبلغ حكومة قتب‪T‬ان ‪،‬‬
‫أو حضرموت أو معين ‪ ،‬أو سبأ ‪.‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قب ‪TT‬ل االس ‪TT‬الم ج‪ 2‬ص‪ ، 91‬فؤاد حس ‪TT‬نين ‪ :‬اس ‪TT‬تكمال لكتاب التاريخ‬ ‫‪1‬‬

‫العرب ص ‪. 276‬‬
‫() جواد علي‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص‪ 91‬وما بعدها ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫()فؤاد حسنين ‪ :‬استكمال لكتاب التاريخ العربي القديم ص ‪279‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص ‪84 – 83‬‬ ‫‪4‬‬

‫() ‪R EPIG .454, Hartmann, Arabische Frage, S. 185 , Lidzbarski , Ephemeris‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪. , II,S.385 , Beitrage, S.57 .II‬‬


‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪46‬‬
‫ولعل األوس ‪TT‬انيين ال ‪TT‬ذين أدركوا االس ‪TT‬الم ‪ ،‬هم من بقايا( أوس ‪TT‬ان)‪ ،‬وقد كان من‬
‫جملة من اعتمد عليهم الهمداني في أخبار اليمن القديمة ‪ ،‬رجل ينسب الى أوسان ‪ ،‬هو (‬
‫محمد بن احمد األوساني) ‪ ،‬زعم انه كان يحسن قراءة الكتابات العربية الجاهلية المدونة‬
‫(‪)1‬‬
‫بالمسند‬
‫وقد وهبت لنا ه‪TT‬ذه المملكة الص‪TT‬غيرة بض‪TT‬عة تماثيل منحوتة من الرخام ‪ ،‬يجوز‬
‫ان نعدها من انفس ما عثر عليه من تماثيل من جزيرة العرب ح‪TT‬تى اآلن ‪ ،‬وهي تماثيل‬
‫بعض ملوك أوس ‪TT‬ان ‪ ،‬وتعد اول تماثيل العرب ‪ ،‬وقد كتب على قاعدة كل تمثال اس ‪TT‬م‬
‫الملك الذي يمثله ‪ ،‬فهذا تمثال كتب عليه ‪ (:‬يصدق إل فرعم ملك أوس‪T‬ان بن معد آل ) ‪،‬‬
‫وه‪TT‬ذا تمثال ثان نقش على قاعدته اس‪TT‬م الملك ال‪TT‬ذي يمثله ‪ ( :‬زيدم س‪TT‬يلن بن معدال)‪،‬‬
‫وتمثال ثالث كتب تحت قدم ص‪TT T T‬احبه اس‪TT T T‬مه ( معد ال س‪TT T T‬لحن بن يص‪TT T T‬دق آل ملك‬
‫أوس‪TT‬ان ) ‪،‬وراب‪TT‬ع كتب على وجه قاعدته من امام ‪ ( :‬يص‪TT‬دق آل فرعم شرح عت ملك‬
‫أوس‪TT‬ن بن آل س‪TT‬لحن ملك أوس‪TT‬ن ) ‪.‬ويرى ( فون وزمن ) أن الملك ( يص‪TT‬دق أيل فرعم‬
‫شرح عت بن معد أي سلحن ) ‪ ،‬هو الملك (يصدق أيل فرعم ملك أوس‪TT‬ان بن معد أيل )‬
‫نفسه ‪ ،‬فاالسمان اذن في نظره ‪ ،‬لمسمى واحد ‪ ،‬ويكون والده الملك ( معد أيل سلحن بن‬
‫يصدق أيل أوسان ) ‪ ،‬ووال‪T‬د ( معد أيل س‪T‬لحن ‪ ،‬اذن ه‪T‬و ( يص‪T‬دق أيل ) ال‪T‬ذي ال يعرف‬
‫اسم ابيه(‪.)2‬‬
‫وعثر على اسم ملك اخر من ملوك أوسان ‪ ،‬هو ( يصدق آل فرعم شرح عت (‬
‫عثت) بن ودم ) ( يص ‪TT T‬دق أيل فرع ( الف ‪TT T‬ارع) شرح عثت بن ود ) ‪ ،‬ورد لمناس ‪TT T‬بة‬
‫تقديمه نذرًا ‪ ،‬وهو ( معمر ) أي مذبح ) أو ( مبخرة ) الى أحد األلهة ‪ ،‬ولم يذكر الملك‬
‫اسم ذلك االله(‪ ، )3‬وقد استدل بعض الباحثين من جملة ( بنودم) أي (ابن ود) على وجود‬
‫فكرة تأليه الملوك عند األوس‪TT‬انيين ‪ ،‬وان الجملة تعني أن الملك المذكور كان يرى انه‬

‫() االكليل (‪ ( ) 78 ،77 ،8/65‬طبعة نبيه) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪()Biragc , S . 70‬‬
‫‪3‬‬
‫وقد اختلف الباحثون في المراد من ( مصر) ‪ ،‬كما اختلفوا في تفسير النص ‪ ،‬ألنه من النص‪TT‬وص )(‬
‫‪ Margoliouth , Two South Arabian Inscription , p.6, Margoliouth , In‬الغامض‪TT‬ة‬
‫‪proceedings . Briti . Academy , Vol ., XI ., p.6, Rhodlkanakis , Altesabaische‬‬
‫‪Texten , I,s. 96, Orientalia , Vol ., I , p. 269 .‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪47‬‬
‫‪ ،‬وعندي ان لفظة ( ود ) هنا هي مجرد اس‪TT‬م لشخص ما ‪ ،‬وفي‬ ‫(‪)1‬‬
‫من نسل االله ( ود)‬
‫كتب االنس‪TT‬اب والخب‪TT‬ار اس‪TT‬ماء عدد من الرجال ‪ ،‬هي في ال‪TT‬وقت نفس‪TT‬ه أس‪TT‬ماء الهة ‪ ،‬ولم‬
‫يقل أح‪TT‬د أن اص‪TT‬حاب تلك االس‪TT‬ماء كانوا يرون انفس‪TT‬هم آلهة ‪ ،‬أو من أبناء الهة ‪،‬وبينهم‬
‫أناس كانوا من سواد الناس ‪.‬‬
‫وال نعرف من أمر ه ‪TT‬ؤالء الملوك شيئًا يذكر ‪ ،‬والظ ‪TT‬اهر أن تمثال ( معد آل‬
‫(س‪TT‬لحن) ( معد أيل س‪TT‬لحان ) يمثل وال‪TT‬د ( يص‪TT‬دق أيل فرعم شرح) كما جاء ذل‪TT‬ك مدونًا‬
‫في قاعدة التمثال الراب‪TT‬ع ‪ ،‬ويظهر أن ( يص‪TT‬دق أيل فرعم) ه‪TT‬و غ‪TT‬ير( يص‪TT‬دق أيل فرعم‬
‫شرح عثت) كما يتبين ذل‪TT‬ك من اختالف ص‪TT‬ورتي التمثالين ‪ ،‬وتفيدنا ه‪TT‬ذه التماثيل فائدة‬
‫كب ‪TT T‬يرة في التعرف على نماذج مالبس االوس ‪TT T‬انيين وعلى زينتهم وكيفية تنظيم شعور‬
‫رؤوس ‪TT‬هم ‪ ،‬وعلى غ ‪TT‬ير ذل ‪TT‬ك مما ل ‪TT‬ه عالقة بمظهر االنس ‪TT‬ان ‪ ،‬وب ‪TT‬الفن من حيث الجودة‬
‫والخلق والتعبير عن النفس واالتقان ‪.‬‬
‫وجاء اس‪TT T‬م الملك ( يص‪TT T‬دق آل فرعم شرح عت ) في كتاب‪TT T‬ة اوس‪TT T‬انية أمرت‬
‫بكتابتها امراة اس‪TT‬مها (رثدت) ( رثدة ) ‪ ،‬وقد جاء فيها انها قدمت الى س‪TT‬يدها المذكور‬
‫‪ ،‬وهي كتاب ‪TT‬ات‬ ‫(‪)2‬‬
‫ملك أوس ‪TT‬ان ‪ ،‬تمثاًال من ال ‪TT‬ذهب ‪ ،‬ليحف ‪TT‬ظ في معب ‪TT‬د ( نعمن ) نعمان)‬
‫النذور ‪ ،‬ويظهر انها قدمت ه‪TT‬ذا النذر لح‪TT‬ادث وقع للملك فتوس‪TT‬لت ل‪TT‬دى الهة أوس‪TT‬ان ب‪TT‬أن‬
‫تمن على الملك وتبارك فيه ‪ ،‬وهي في مقابل ذلك تقدم لها نذرًا تمثاًال من ذهب ‪ ،‬وال ب‪TT‬د‬
‫ان تكون هذه المراة من االسر الرفيعة التي لها شأن ومكانة ‪ ،‬ولعلها كانت من أسرته ‪.‬‬
‫وجاء في كتاب‪TT‬ه أوس‪TT‬انية أخرى تحطم ص ‪TT‬احبها وزالت معالمه ‪ :‬أنه قدم تمثاًال‬
‫( صلمت) من ذهب الى سيده ( مراس ( مرأس) ( يص‪TT‬دق أيل فرعم شرح عتت ) ملك‬
‫أوسان(‪ )3‬وال بد ان يكون هذا التقديم لمناسبة حدث للملك ‪ ،‬فأراد ه‪TT‬ذا الوجيه التعب‪TT‬ير عن‬
‫‪ ،‬وتشبه هذه الكتابة الكتاب‪TT‬ة‬ ‫(‪)4‬‬
‫تقديره لسيدة الملك بتقديم هذا التمثال المصنوع من الذهب‬
‫المرقمة بـ ‪ Jaussen Nr. 159 bis‬وهي ألخت ه‪TT‬ذا الملك ‪ ،‬وقد اس‪TT‬مها من الكتاب‪TT‬ة‬

‫‪1‬‬
‫‪()Beitrage , S. 58 , Conti Rossini ., 94 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()REP. EPIG ., Tome I, 6,350 , 461 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Orientalia ,Vol ., p. 127 .‬‬
‫()( صلمت ذهبن) ( تمثال ذهب) ‪ ( ،‬صلم من ذهب )‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪48‬‬
‫بتهشم ح‪TT‬دث في الحجر ‪ ،‬وبقيت منه بقية هي ‪ ( :‬ذت بغيثت اخت ‪ ،)1() ...‬وجاء فيها‬
‫‪ ،‬ولم تذكر‬ ‫(‪)2‬‬
‫انها قدمت الى س‪TT‬يدها ( س‪TT‬قنت مراس) ص‪TT‬نمًا من ذهب ( ص‪TT‬لم ذ ذهبم )‬
‫المناسبة التي دعتها لتقديمه ‪ ،‬وكان له شقيق هو ( زيد سيلن ) ( زيد سيالن)(‪.)3‬‬
‫ويرى بعض الب ‪TT‬احثين ان زمان حكم الملك ( يص ‪TT‬دق ال فرعون شرح عت )‬
‫(يص ‪TT‬دق ايل فارع شرح عت ) كان في النص ‪TT‬ف االول من القرن الخامس قب‪TT‬ل الميالد‬
‫‪ ،‬وقد اس‪TT‬تدلوا على ذل‪TT‬ك من ط‪TT‬راز التمثال‬ ‫(‪)4‬‬
‫ح‪TT‬تى ح‪TT‬والي الس‪TT‬نة ( ‪ ) 450‬قب‪TT‬ل الميالد‬
‫الذي نحت ليمثل ذل‪T‬ك الملك ‪ ،‬فأن شكل اللب‪T‬اس ال‪T‬ذي نحته النح‪T‬ات ليكون لب‪T‬اس الملك ‪،‬‬
‫هو على النس‪T‬ق اليوناني في التماثيل اليونانية المنحوتة قب‪T‬ل منتص‪T‬ف القرن الخامس قب‪T‬ل‬
‫الميالد ‪ ،‬ويرى الب‪TT‬احثون احتمال شراء ه‪TT‬ذه التماثيل من ( غ‪T‬زة ) في فلس‪TT‬طين ‪،‬اذ كانت‬
‫سوقًا مهمة يفد عليها العرب لإلتجار ‪ ،‬وفيها معروضات يونانية وغيره‪TT‬ا ‪ ،‬ينقلها التجار‬
‫الى جزيرة العرب ‪ ،‬وفي جملتها االص ‪TT‬نام ال ‪TT‬تي أثرت في الفنانين العرب ‪ ،‬فص ‪TT‬اروا‬
‫ينحتون تماثيلهم على شاكلتها ‪ ،‬وفي جملتها تمثال الملك المذكور الذي يجب ان يكون قد‬
‫نحت فيما بين النص‪TTT‬ف االول من القرن الخامس قب ‪TT‬ل الميالد الى ح ‪TT‬والي الس‪TTT‬نة (‪450‬‬
‫وعرفت اس ‪TT‬ماء الملوك اخرين من ملوك أوس ‪TT‬ان ‪ ،‬ال نعلم من امر اص ‪TT‬حابها‬ ‫(‪)5‬‬
‫ق‪.‬م )‬
‫وقد رأى ( جوس‪TT‬ن ) ‪Janssen‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫شيئًا يذكر ‪ ،‬منها ( معد أيل س‪TT‬لحان بن ذي يدم )‬
‫‪ ،‬ولقب ( س‪TT‬لحن ) ( س‪TT‬لحان ) من‬ ‫(‪)7‬‬
‫ان االس‪TT‬م االخير ه‪TT‬و ( زيدم ) ب‪TT‬دًال من (ذ يدم )‬
‫االلقاب ال ‪TT‬تي تكرر وروده ‪TT‬ا مدونة على تماثيل ملوك أوس ‪TT‬ان ‪ ،‬وعلى بعض الكتاب ‪TT‬ات‬

‫‪1‬‬
‫‪()Mordtmann und Eugen Mittwoch , Altusbarabische Inschriften , Roma ,‬‬
‫‪1933, S. 18 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Orientalia , Vol ., I , p . 124 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Background , p . 85 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Wissmann-Hofner, Beitrage,S .8,58,69,142, Pirenne , Royaume de‬‬
‫‪Qataban , P .138 , 199 , conti Rossini , Chrest , 93,94, Le Museon , 1964 ,‬‬
‫‪3-4 P.442‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Beotrage , S . 8 , 58 , 70‬‬
‫()( معد ال سلحن بن ذيدم ) ‪ ،‬ذويدوم‬ ‫‪6‬‬

‫‪7‬‬
‫‪()Mordtmann und Eugen Mittwoch , Alisudarabische Inschriften , Roma ,‬‬
‫‪1933 , S .13‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪49‬‬
‫ال ‪TT T T‬تي عثر عليها في (ابنة ) وفي المعاه ‪TT T T‬دة المعقودة بين ( س ‪TT T T‬لحن ) و ( زررن )‬
‫( زراران ) ‪ ،‬اي بين ملك ( نجاشي ) الحبشة وملك ( س ‪TT‬بأ ) ‪ ،‬ويرى ( ميتوخ ) ان‬
‫( س‪TT‬لحن ) (س‪TT‬لحان ) اح‪TT‬د المتعاقدين في المعاه‪TT‬دة المذكورة ما كان ملكًا حبشيًا ‪ ،‬ولكن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ملكًا من ملوك أوسان ‪ ،‬وأما ( زررن ) ‪ ،‬فانه ملك من ملوك قتبان‬
‫‪ ،‬محف‪TT‬ورًا‬ ‫ووجد اسم ملك اخر من ملوك أوسان ‪ ،‬ه‪TT‬و ( عم يثع غلين لحى )‬
‫(‪)2‬‬

‫‪ ،‬وقد نعثر في المس‪TT T‬تقبل على تماثيل‬ ‫(‪)3‬‬


‫على تمثال من المرمر مكتوب ‪ًT T‬ا كتاب‪TT T‬ة حس‪TT T‬نة‬
‫أخرى لملوك العرب الجنوبيين من أو سانيين غ‪TT‬يرهم ‪ ،‬اذ ال يعقل انف‪TT‬راد أوس‪TT‬ان من بين‬
‫س‪TT‬ائر الشعوب العربية الجنوبية بص‪TT‬نع التماثيل ‪ .‬وذكر ( فلبي ) ملكًا من ملوك أوس‪TT‬ان‬
‫يقال ل‪TT‬ه ( يص‪TT‬دق أيل فرعم زغمهن الشرح ) ‪ ،‬وال نعرف من أمره شيئًا ‪ ،‬ووردت في‬
‫الكتابتين الموس‪TT T‬ومتين ب ‪ Janssen 72,73‬وب ‪ Janssen 75,83‬اس‪TT T‬ماء ملوك‬
‫أوس‪TT T‬انيين منها ‪ ( :‬زيحمن بن الشرح ملك أوس‪TT T‬ان ) ‪ ،‬و ( عم يثع ملك أوس‪TT T‬ان ) و‬
‫( يص‪TT‬دق أيل فرعم عم يثع ) ‪ ،‬و ( الشرح بن يص‪TT‬دق ايل ) ‪ ،‬وهي أس‪TT‬ماء لقب بعض‪TT‬ها‬
‫‪ .‬وقد‬ ‫(‪)4‬‬
‫بلقب ملك ‪ ،‬وح ‪TT‬رم بعض ‪TT‬ها ه ‪TT‬ذا اللقب ‪ ،‬وال نعرف عن اص ‪TT‬حابها شيئًا يذكر‬
‫كانت ( أوسان ) قبل استيالء قتبان عليها وادماجها في حكومة قتبان ‪ ،‬مملكة ذات تجارة‬
‫مع الخارج ‪ ،‬تتاجر مع افريقية ‪ ،‬وتحكم أرضين أخرى ليست في االصل من ( أوسان )‬
‫‪ ،‬مثل ‪ ( :‬دهس ) ‪ ،‬و ( تينو ) و ( كح ‪TT‬د ) ‪ ،‬اس ‪TT‬تدل بعض الب ‪TT‬احثين من اطالق مؤل ‪TT‬ف‬
‫كتاب ( الط‪TT‬واف ح‪TT‬ول البح‪TT‬ر األريتري ) على الس‪TT‬احل االفريقي الواقع شمال ( بمب‪TT‬ا )‬
‫‪ Pemba‬و ( زنزب ‪TT T T‬ار ) ( زنجب ‪TT T T‬ار ) اس ‪TT T T‬م ( الس ‪TT T T‬احل األوس ‪TT T T‬اني ) عليه ‪ ،‬على ان‬
‫األوس‪TT‬انيين كانوا قد حكموه ‪ ،‬ونزح بعض ‪TT‬هم اليه فس‪TT‬كنه ‪ ،‬وص ‪TT‬ار تابعًا ألوس‪TT‬ان ‪ ،‬وال‬
‫يمكن ح ‪TT‬دوث ذل ‪TT‬ك ب ‪TT‬الطبع ل ‪TT‬و لم يكن األوس ‪TT‬انيون اقوياء ولهم ارض واس ‪TT‬عة في العربية‬
‫الجنوبية ذات عدد كبير من الس‪TT‬كان بحيث يس‪TT‬مح لهم باالس‪TT‬تيالء على الس‪TT‬احل االفريقي ‪،‬‬
‫ويرجح العلماء زمان حكم األوس‪TT‬انيين ل‪TT‬ذلك الس‪TT‬احل االفريقي الى ما قب‪TT‬ل الس‪TT‬نة ( ‪400‬‬

‫‪1‬‬
‫‪()Orientalia , I , P 119 , Janssen 1,2,17,57 .‬‬
‫()( عميثع غيالن لحي ) ( عم يثع غيالن لحي )‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫)‪()Orientalia , Vol , P , 30 , 119 , (932‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Beitrage , S . 70 .‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪50‬‬
‫‪ .‬وتقع مملكة أوس ‪TT T‬ان في جنوب ( قتب ‪TT T‬ان ) ‪ ،‬وهي من الحكومات العربية‬ ‫(‪)1‬‬
‫ق‪.‬م )‬
‫الجنوبية الص‪TT‬غيرة ‪ ،‬اال انها كانت ذات اهمية ‪ ،‬اذ كانت تملك الس‪TT‬احل االفريقي ال‪TT‬ذي‬
‫اشرت اليه ‪ ،‬وتتاجر مع سكانه ‪ ،‬وقد كان ميناء ( عدن ) من جملة االماكن التابعة لهذه‬
‫‪ .‬ومن ملوك أوسان ‪ ،‬ملك ذكر اسمه في النص الموسوم ب ‪Glaser 1600‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المملكة‬
‫ال ‪TT‬ذي تح ‪TT‬دث عن حملة قام بها الملك ( كرب أيل وتر ) على جملة قبائل وامارات‬
‫بين‬ ‫(‪)3‬‬
‫وحكومات ملكية ص ‪TT‬غيرة ‪ ،‬فبعد ان اس ‪TT‬تولى ه ‪TT‬ذا الملك على مدينة ( شرجب )‬
‫الجوف ونجران ‪ ،‬س ‪TT‬اق جيوشه الى ( أوس ‪TT‬ان ) ‪ ،‬فقتل س ‪TT‬تة عشر ال ‪TT‬ف رجل ‪ ،‬واس ‪TT‬ر‬
‫اربعين ‪ ،‬واحتل أماكن اخرى كانت تابعة ألوس ‪TT‬ان ‪ ،‬وهي ‪ ( :‬حمن ) ( حمان ) ‪ ،‬و‬
‫( انفم ) ( انف ) و (حبن ) ( ح‪TT T‬ان ) و ( ديب ) ( دياب ) و ( رشا ) ( رشاى ) ‪ ،‬و‬
‫( جردن ) ( جردان ) ‪ ،‬و ( دتنت ) ( دتنه ) ‪ ،‬و ( تف‪TT T‬ذ ) الى س‪TT T‬احل البح‪TT T‬ر ‪ ،‬وذكر‬
‫‪ .‬اما ملك (‬ ‫(‪)4‬‬
‫النص بعد ذلك معبد ( مرتوم ) ( مرتم ) ( مرتو ) الذي اسمه ( مس‪TT‬ور)‬
‫‪ .‬وقد كانت قتب ‪TT‬ان حليف ‪TT‬ة لس ‪TT‬بأ في ه ‪TT‬ذه‬ ‫(‪)5‬‬
‫أوس ‪TT‬ان ) فكان اس ‪TT‬مه ( مرتوم ) ( مرتو )‬
‫الح ‪TT‬رب ‪ ،‬وقد يكون تعبيرنا أدق وأص ‪TT‬ح ل ‪TT‬و قلنا انها كانت تابعة لها في ه ‪TT‬ذا العهد ‪،‬‬
‫ولذلك اشتركت مع السبئيين ضد األوسانيين ‪ ،‬اما (أوسان ) ‪ ،‬فكان الى جانبها ( دتنت )‬
‫و ( دهس ) و ( تب‪T‬نى ) وبعض قبائل ( كح‪T‬د ) ‪ ،‬وقد رأيت ان جميع ه‪T‬ذه القبائل ومعها‬
‫( أرسان ) كانت تابعة لمملكة قتب‪T‬ان ‪ ،‬ويظهر انها ثارت على قتب‪T‬ان ‪ ،‬وانفص‪T‬لت عنها ‪،‬‬
‫فتكونت مملكة أوسان ‪ ،‬ودخلت القبائل االخرى في هذه المملكة ‪ ،‬اي مملكة أوس‪T‬ان ‪ ،‬او‬
‫انها تح ‪TT‬الفت معها ‪ ،‬واس ‪TT‬تقلت كل في منطقتها فكونت امارة او مملكة ص ‪TT‬غيرة ‪ ،‬فلما‬
‫انتهى ( كرب أيل وتر ) من مملكة أوس‪TT T‬ان ‪ ،‬تعقب ه‪TT T‬ذه القبائل واخض‪TT T‬عها لحكمه ‪،‬‬
‫ويظهر ان ملك ( دهس ) الذي كان في حلف مع أوسان ‪ ،‬او خاضعًا لها ‪ ،‬انتهز فرص‪TT‬ة‬
‫انتص‪TT‬ار ( كرب أيل وتر ) على أوس‪TT‬ان فأعلن انفص‪TT‬اله عنهم وانض‪TT‬مامه الى الس‪TT‬بئيين ‪،‬‬
‫(‪)6‬‬
‫فكافأه ( كرب أيل وتر ) بإعطائه جزءًا من ارض أوسان هو ارض ( ادوم ) ( أود )‬
‫‪1‬‬
‫‪()Beirage , s . 74 , Periplus Maris Erythrael , 22, A .Arabien , s. 25 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Disciveries , P . 39 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Glaser , Skizze , 2 , S.89‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Glaser , Skizze , 2 , S.89 , Hartmann , Arabische Frage , S. 185‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Beitrage S . 8 , Background P. 144‬‬
‫‪6‬‬
‫‪()Glaser , 1000 A7 , Rhodokanakis , KTB , I , S.28‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪51‬‬
‫‪ .‬وقد احتل السبئيون ارض أوسان وارض تبنى ‪ ،‬ووهب‪T‬وا ارض ( كح‪T‬د ذ حض‪T‬نم ) ألل‪T‬ه‬
‫س ‪TT‬بأ ( المقه ) ‪ ،‬اي ان الملك ( كرب ال ) ( كربئيل ) ( كرب أيل ) وهبها لحكومة‬
‫ولشعب س‪TT T T‬بأ ‪ ،‬وانعم على قتب‪TT T T‬ان وحض‪TT T T‬ر موت ببعض االرض‪TT T T‬ين ال‪TT T T‬تي غنمها من‬
‫االوس ‪TT‬انيين ‪ ،‬ويظهر انها كانت قتبانية وحض ‪TT‬رمية في االص ‪TT‬ل ‪ ،‬غ ‪TT‬ير ان االوس ‪TT‬انيين‬
‫اغتص‪TT‬بوها منهم ‪ ،‬فأعاده‪TT‬ا ( كرب أيل ) الى قتب‪TT‬ان وحض‪TT‬ر موت لمس‪TT‬اعدتهما ل‪TT‬ه ‪ ،‬وقد‬
‫كان ملك قتبان الملك ( وروايل ) اذ ذاك ‪ .‬ويظهر من عبارة (وقني كرب أيل كل قس‪TT‬ط‬
‫كحد ‪ ...‬جوم ال لمقه ولسبا ) ‪ ،‬ومن جملة (كل قسط كح‪TT‬د حره‪TT‬و وعب‪TT‬دهو ) ‪ ،‬ان ارض‬
‫( كح‪TT‬د ) ذ حض‪TT‬نم ) ال‪TT‬تي وهبت ألل‪TT‬ه مقه ولشعب س‪TT‬بأ ‪ ،‬اص‪TT‬بحت ملكًا خاص ‪ًT‬ا بالملك‬
‫( كرب أيل ) ‪ ،‬وان جميع اه‪TT‬ل ( كح‪TT‬د ) اح‪TT‬رارًا وعبيدًا ص‪TT‬اروا اتباعًا ل‪TT‬ه ‪ ،‬يس‪TT‬تغلون‬
‫‪ .‬وقد جعل ( فلبي ) الملك ( مرتو ) في رأس قائمته‬ ‫(‪)1‬‬
‫االرض ويدفعون اليه الغالت‬
‫ال‪TT‬تي وض‪TT‬عها لملوك ( أوس‪TT‬ان ) ‪ ،‬وجعل زمان حكمه فيما بين الس‪TT‬نة (‪ )620‬والس‪TT‬نة (‬
‫(‪)2‬‬
‫‪600‬ق‪.‬م) وذلك ليجعله معاصرًا ل( كرب أيل وتر ) الذي جعل حكمه في هذا الزمن‬
‫‪ ،‬وه‪TT‬و رأي يعارض‪TT‬ه اكثر الب‪TT‬احثين في العربيات الجنوبية ‪ ،‬اذ جعلوا حكمه في ح‪TT‬والي‬
‫‪ .‬ووضع ( فلبي ) اسم الملك ( ذ بدم )‬ ‫(‪)3‬‬
‫السنة ( ‪ ) 450‬قبل الميالد ‪ ،‬او بعد ذلك بقليل‬
‫( ذ ب ‪TT‬د ) ( زيد ) ‪ ،‬بعد اس ‪TT‬م الملك (مرتو ) ‪ ،‬وجعل زمان حكمه في ح ‪TT‬والي الس ‪TT‬نة (‬
‫‪ 230‬ق‪.‬م ) ‪ ،‬فترك ب ‪TT‬ذلك فجوة كب ‪TT‬يرة ال يدري من حكم فيها ‪ ،‬ولم يعرب اس ‪TT‬م وال ‪TT‬د‬
‫‪ .‬ثم ذكر ( فلبي ) ‪ ( ،‬معد‬ ‫(‪)4‬‬
‫الملك ( ذ يدم ) ‪ ،‬وقد ذكر انه كان من عشيرة (بغيثت )‬
‫أيل س ‪TT‬لحن ) بعد ( ذ ب ‪TT‬د ) ‪ ،‬وجعله ابنًا ل ‪TT‬ه ‪ ،‬وجعل حكمه في ح ‪TT‬والي الس ‪TT‬نة ( ‪210‬‬
‫ق‪.‬م ) وذلك جريًا على طريقته في وضع مدة ( ‪ 20‬سنة ) لكل ملك يقضيها في الحكم ‪،‬‬
‫ثم جعل ( يص‪TT‬دق أيل فرعم شرح عت ) من بعد ( معد ايل ) وجعله ابنًا ل‪TT‬ه ‪ ،‬وص‪TT‬ير‬
‫زمن حكمه في حوالي السنة (‪ 190‬ق‪.‬م ) وجعل ( زيد سلحن ) شقيقا له ‪ ،‬كما جعل ل‪TT‬ه‬
‫اختًا ثم وض ‪TT‬ع الملك ( معد أيل س ‪TT‬لحن ) بعد (يص ‪TT‬دق أيل فرعم ) ‪ ،‬وجعله ابنًا ل ‪TT‬ه ‪،‬‬
‫وجعل زمان حكمه في حوالي السنة (‪ 170‬ق‪.‬م ) ‪ ،‬ثم صير ( يصدق أيل فرعم عم يثع‬

‫‪1‬‬
‫‪()Rhodokanais , KTB , I , S.30‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Background , P.144‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Beitrage , S.8‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Background , P .144‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪52‬‬
‫) ملكًا من بعده ‪ ،‬وه‪TT‬و ابن ( معد أيل س‪TT‬لحن ) ‪ ،‬وجعل حكمه في ح‪TT‬والي الس‪TT‬نة ( ‪150‬‬
‫ق‪.‬م ) ‪ ،‬ثم جعل ( فرعم زهمهن الشرح ) ملكًا من بعده ‪ ،‬وه‪TT‬و ابن ( يص‪TT‬دق أيل فرعم‬
‫عم يثع ) ‪ ،‬وجعل حكمه في ح ‪TT T‬والي الس ‪TT T‬نة ( ‪ 135‬ق‪.‬م ) ‪ ،‬ثم ذكر ( عم يثع غيلن‬
‫لحى ) من بعده ‪ ،‬وهو ابن (يصدق أيل فرعم عم يثع ) ‪ ،‬وقد جعل حكمه ح‪TT‬والي الس‪TT‬نة‬
‫( ‪ 120‬ق‪.‬م )(‪. )1‬‬
‫ولم يذكر ( فلبي ) ملكًا اخر بعد ه‪T‬ذا الملك ‪ ،‬وانما ذكر انه في ح‪T‬والي الس‪T‬نة (‬
‫‪ 115‬ق‪.‬م ) ضم ( الشرح يحض‪T‬ب ) ( ملك س‪T‬بأ وذي ريدان ) مملكة أوس‪T‬ان الى أرض‬
‫‪ .‬ويعارض ترتيب ( فلبي ) ألس‪TT‬ماء ملوك ( أوس‪TT‬ان ) رأي كثير من علماء‬ ‫(‪)2‬‬
‫الس‪TT‬بئيين‬
‫العربيات الجنوبية ‪ ،‬فقد ذهب اكثرهم الى تقديم الملوك ال‪TT‬ذين ذكرهم ( فلبي ) بعد الملك‬
‫( مرتو ) عليه ‪ ،‬وجعلوا زمانهم أقدم من زمانه ‪ ،‬فقدروا زمان الملك ( يص ‪TT‬دق أيل‬
‫فرعم شرح ايل ) في النصف االول من القرن الخامس قب‪TT‬ل الميالد مثًال ‪ ،‬اي قب‪TT‬ل الس‪TT‬نة‬
‫( ‪ 450‬ق‪.‬م ) ‪ ،‬وه ‪TT‬ذا يعني انه اقدم عهدًا من ( مرتو ) ‪ ،‬اي ان رأيهم ه ‪TT‬و عكس ما‬
‫‪ .‬وقد ذهبت ( ب‪TT‬يرين ) ‪ .PirenneJ‬الى ان أوس‪TT‬ان كانت مملكة‬ ‫(‪)3‬‬
‫ذهب (فلبي ) اليه‬
‫في اواخر القرن االول قبل الميالد ‪ ،‬او بعد الميالد بقليل ‪ ،‬وان حكم الملك ( يص‪TT‬دق أيل‬
‫فرعم شرحعت بن ودم ) كان في حوالي السنة (‪ 24‬ق‪.‬م )(‪. )4‬‬
‫الدولة السبأية‬
‫ورد اس‪TT T‬م س‪TT T‬بأ في روايات كثيرة ومختلف‪TT T‬ة ‪ ،‬ففي التوراة ورد االس‪TT T‬م في عدة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫مناسبات ‪ ،‬منها ان سبأ من كوش بن حارم ‪ ،‬وفي رواية اخرى انها من ول‪TT‬د يقط‪TT‬ان‬
‫اما في الروايات العربية ‪ ،‬فقد ورد ان س‪T‬بأ من ول‪T‬د يشجب بن يعرب بن قحط‪T‬ان ‪ ،‬وان‬

‫‪1‬‬
‫‪()Background , P.144‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Background , P.144‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Beitrage , S.8‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Le Museon , 1964 , 3-4 , P 442, Beitrage , S.58 , J.Pireene , Royaume‬‬
‫‪de Qataban , P.138,199, Rathiens , Kulturelle Einfiuse in sw-Arabien‬‬
‫‪besondere berucksichtigunu des JeHellenismus, Jahrb . f.Kleinasiat .‬‬
‫‪Forschung , I , 1950 , S.27‬‬
‫() سالم ‪ :‬دراسات ص‪157‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪53‬‬
‫‪ ،‬وذكر اليعقوبي ان س‪TT‬بأ اول من ملك من ملوك العرب ‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اس‪TT‬مه الحقيقي عب‪TT‬د شمس‬
‫وسار في االرض ‪ ،‬وس‪TT‬بي الس‪TT‬بايا(‪ . )2‬وقد جاء ذكر الس‪TT‬بئيين في حوليات الملك تجالت‬
‫بالس‪TT T‬ر الثالث (‪ 745‬ق‪.‬م – ‪ 727‬ق‪.‬م ) ‪ ،‬وفي نقوش س‪TT T‬رجون الثاني (‪705-772‬‬
‫ق‪.‬م ) ونقش يرجع الى عهد س‪TT T‬نحاريب ح‪TT T‬والي ‪ 685‬ق‪.‬م ‪ ،‬وتشير ه‪TT T‬ذه النقوش الى‬
‫‪ .‬اما عن أص‪TT‬ل الس‪TT‬بئيين ‪ ،‬فيرى‬ ‫(‪)3‬‬
‫هدايا كان يقدمها الحكام السبئيين الى هؤالء الملوك‬
‫" هومل " انهم كانوا في االص‪TT‬ل يس‪TT‬كنون الجوف في بالد العرب الشمالية ‪ ،‬ثم انح‪TT‬دروا‬
‫نحو الجنوب في القرن الثامن قبل الميالد ‪ ،‬حيث اتخذوا " صرواح " أول االمر عاص‪TT‬مة‬
‫‪ .‬ويرى بعض الب ‪TT‬احثين ان نزوح الس ‪TT‬بئيين الى‬ ‫(‪)4‬‬
‫لهم ‪ ،‬ثم انتقلوا فيما بعد الى مأرب‬
‫جنوب الجزيرة كانت نتيجة ض ‪TT‬غط االشوريين عليهم من الشمال ‪ ،‬فاس ‪TT‬تقروا في بالد‬
‫اليمن ‪ ،‬مس‪TTT‬تفيدين من ض‪TTT‬عف المعينيين من جهة ‪ ،‬وتعاظم قوتهم العس‪TTT‬كرية من جهة‬
‫‪ .‬واستغل السبأيون موقع بالدهم المط‪TT‬ل على طريق‬ ‫(‪)5‬‬
‫اخرى ‪ ،‬فامتد نفوذهم الى الجوف‬
‫الهند والبح ‪TT‬ر االحمر ‪ ،‬فس ‪TT‬يطروا على الطريق التجاري الرئيس ‪TT‬ي ال ‪TT‬ذي يرب ‪TT‬ط جنوب‬
‫الجزيرة العربية بالشام ومصر ‪ ،‬مما ساعد على عظم ثرواتهم ‪ ،‬وقد اشار القران الكريم‬
‫الى ه‪TT T‬ذا ال‪TT T‬ثراء ‪ ،‬فقال تعالى ((" لق د ك ان لس بأ في مس كنهم اي ة ‪ .‬جنت ان عن يمين‬
‫‪.‬وتفيد‬ ‫(‪)6‬‬
‫ويس ار‪ ،‬كل وا من رزق ربكم واش كروا ل ه ‪ .‬بل دة طيب ة ورب غف ور))‬
‫المعلومات المس‪TT T‬تمدة من الكتاب‪TT T‬ات والنقوش الس‪TT T‬بأية ان اول مكرب س‪TT T‬بأي يرجع اليه‬
‫الفضل في تأسيس دولة سبأية في صرواح ه‪TT‬و المكرب ( س‪TT‬مه علي ) ‪ ،‬وذل‪TT‬ك في ح‪TT‬دود‬
‫س‪TT‬نة ‪ 800‬ق‪.‬م ‪ ،‬وقيل ان ه‪TT‬ذا المكرب قدم بجحافل الس‪TT‬بئيين من الشمال واجتاح بالد‬
‫المعينين ومن جاورهم من الحض‪TT T‬ارمة والقتب‪TT T‬انيين ‪ ،‬وذكرت النقوش ايض ‪ًT T‬ا ان (س‪TT T‬مه‬
‫علي) قدم هدية من البخور والمر لإلله (المقه) ال‪T‬ذي أرشد القبيلة بعد تجوالها الى ارض‬
‫‪ .‬وقد اصطلح العلماء على تقسيم الدولة السبأية الى عصرين ‪:‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫فيها اللبن والعسل‬

‫() االصمعي ‪ :‬تاريخ العرب قب االسالم ‪ ،‬بغداد ‪ 1959‬ص ‪13‬‬ ‫‪1‬‬

‫() اليعقوبي ‪ :‬تاريخ اليعقوبي ج‪ 1‬ص ‪195‬‬ ‫‪2‬‬

‫() فيليب حتي ‪ :‬تاريخ العرب ج‪ 1‬ص‪ ، 44‬مبروك نافع ‪ :‬عصر ما قبل االسالم ص‪56‬‬ ‫‪3‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص ‪106‬‬ ‫‪4‬‬

‫() صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص‪21‬‬ ‫‪5‬‬

‫() سورة سبأ ‪ :‬اية ‪. 15‬‬ ‫‪6‬‬

‫() صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص‪ ( 1‬ورد اسم سمح علي بدال من سمه علي )‬ ‫‪7‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪54‬‬
‫العص ‪TT‬ر االول ‪ :‬عهد المكربين ( ‪ 800‬ق‪.‬م – ‪ 650‬ق‪.‬م ) وه‪TT‬و اقدم عهد من‬
‫عهود تاريخ سبأ ‪ ،‬وقد تلقب حكام س‪TT‬بأ في ه‪TT‬ذا العهد بلقب ( مكرب ) اي ‪ :‬المقرب بين‬
‫‪ ،‬وكان ه‪TT‬ؤالء الحكام في الواقع كهانا ‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ ،‬او انها تعني المقدس‬ ‫(‪)1‬‬
‫االلهة والناس‬
‫مقامهم مقام المزواد عند المعينين ‪ ،‬وكانت العاصمة صرواح ثم انتقلت الى مأرب ‪.‬‬
‫العص ‪TT‬ر الثاني ‪ :‬عهد ملوك س ‪TT‬بأ ( ‪ 650‬ق‪.‬م – ‪ 115‬ق‪.‬م ) وه ‪TT‬و العهد ال ‪TT‬ذي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تلقبت فيه حكام سبأ بلقب ( ملك سبأ ) ‪ ،‬وكانت مأرب عاصمة السبئيين‬
‫عهد المكربين‬
‫اول مكارب س‪TT‬بأ ه‪TT‬و ( س‪TT‬مه علي ) ال‪TT‬ذي يعتبر مؤس‪TT‬س دول‪TT‬ة س‪TT‬بأ وقد خلف‪TT‬ه في‬
‫الحكم ابنه يدع ايل ذريح في حدود سنة ‪ 780‬ق‪.‬م وينس‪T‬ب الى ه‪T‬ذا المكرب بناء المعاب‪T‬د‬
‫في ص‪T‬رواح ومأرب لإلل‪T‬ه المقة ‪ ،‬وقدم القرابين الى االل‪T‬ه عشر (‪ .)4‬وجاء بعد يدع ايل‬
‫ذريح ول‪TT‬ده يثع أمر ‪ ،‬ال‪TT‬ذي ينس‪TT‬ب اليه بناء معب‪TT‬د لإلل‪TT‬ه المقة في قرية داب‪TT‬ر في منتص‪TT‬ف‬
‫الطريق بين مأرب ومعين في الجوف مما يؤيد اص ‪TT T‬طدام الس ‪TT T‬بأيين في ذل ‪TT T‬ك الحين‬
‫بالمعينيين ‪ ،‬وتولي الحكم بعد هذا المكرب ابنه (يدع ال بين) ‪ ،‬ال‪T‬ذي قام بتحص‪T‬ين اب‪T‬راج‬
‫‪ .‬ثم تولى الحكم في س‪T‬بأ س‪T‬مه على‬ ‫(‪)5‬‬
‫مدينة نشق في الجوف عند ح‪T‬دود الدول‪T‬ة المعينية‬
‫ينف بن ذمر ‪ ،‬ال ‪TT‬ذي تم في عهده انشاء اعظم مشروع للري عرفته بالد العرب في‬
‫العص‪TT‬ر القديم وه‪TT‬و ( س‪TT‬د مأرب ) ال‪TT‬ذي عرف بس‪TT‬د رحب او رحيم في س‪TT‬نة ‪ 650‬ق‪.‬م‬
‫وقد اقيم ه‪TT T‬ذا الس‪TT T‬د على مدخل وادي ذنة بمأرب حيث تنس‪TT T‬اب المياه من فوق التالل‬
‫ويبلغ‬ ‫(‪)6‬‬
‫والجبال ‪ ،‬فنظم بذلك وسائل الري وجعل االرض ص‪TT‬الحة للزراعة ط‪T‬وال العام‬
‫ط ‪TT‬ول ه ‪TT‬ذا الس ‪TT‬د من الشرق الى الغ ‪TT‬رب نح ‪TT‬و ‪ 800‬ذراع ‪ ،‬وعلوه بض ‪TT‬عة عشر ذراعا‬
‫وعرضة ‪ 150‬ذراعا‪ .‬والسد مبني ب‪TT‬التراب والحجارة ينتهي اعاله بس‪TT‬طحين مائلين على‬
‫زاوية منفرجة تكس‪TT‬وهما طبقة من الحص‪TT‬ى كالرص‪TT‬يف يمنع انجراف ال‪TT‬تراب عند تدفق‬

‫فؤاد حسنين ‪ :‬استكمال لكتاب التاريخ العربي القديم ص ‪289‬‬


‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ‪،‬ج‪ 2‬ص ‪ ، 108-107‬سالم ‪ :‬دراسات ص‪161‬‬ ‫‪1‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص‪21‬‬ ‫‪2‬‬

‫() مبروك نافع ‪ :‬عصر ما قبل االسالم ص‪56‬‬ ‫‪3‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص ‪ ، 112-111‬صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص‪21‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫‪()Philp ,P.37‬‬
‫() فؤاد حسنين ‪ :‬استكمال لكتاب التاريخ العربي القديم ص ‪. 290‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪55‬‬
‫المياه ويستند هذا السد من طرفيه على جبلين ( هما جبل بلق االيمن ‪ ،‬وجبل بلق االيس‪TT‬ر‬
‫) وعند كل منهما تتفرع ‪ ،‬القنوات ال‪TT‬تي كانت تعرف بالميازيب مفرده‪TT‬ا ميزاب ‪ ،‬وعلى‬
‫فتحة كل قناة سد اخر ذو فتحة مبنى بالحجارة وبذلك تنحصر مياه الس‪TT‬يول بين الجبلين ‪،‬‬
‫ويرتف ‪TT‬ع مس ‪TT‬توى الماء ح ‪TT‬تى يقارب مس ‪TT‬توى الجبلين ‪ ،‬وتتم عملية االرواء بفتح فوه ‪TT‬ات‬
‫القنوات فتدخل منها المياه وتتدفق على س‪TT‬طح الجبلين ‪ ،‬وتغلق ه‪TT‬ذه القنوات بعد عملية‬
‫‪ .‬غير ان هذا السد لم يف بكل حاجات االراض‪TT‬ي‬ ‫(‪)1‬‬
‫االرواء بأبواب من الخشب والحديد‬
‫المزروعة من المياه ‪ ،‬فتولى يثع امر بين وه‪T‬و ابن س‪T‬مه على ينف ‪ ،‬اس‪T‬تكمال بناء الس‪T‬د‬
‫الذي اقامه والده فزاد فيه طوال وعرضا وارتفاعا ‪ ،‬وانشأ سدا جديدا عرف بسد حب‪TT‬ابض‬
‫‪ ،‬فزادت ب‪TT T‬ذلك مس‪TT T‬احة االراض‪TT T‬ي المزروعة زيادة كب‪TT T‬يرة ‪ ،‬وعظمت ثروات البالد ‪،‬‬
‫وجني السبأيون ارباحا طائلة وبفض‪TT‬ل ه‪TT‬ذا الس‪TT‬د ازدادت اهمية مأرب واص‪TT‬بحت عاص‪TT‬مة‬
‫للس‪TT T‬بأيين ب‪TT T‬دال من ص‪TT T‬رواح ‪ ،‬وقام يثع امر بين بعدة حمالت عس‪TT T‬كرية ض‪TT T‬د القبائل‬
‫‪ .‬بناه‪T‬ا‬ ‫(‪)2‬‬
‫والدويالت المجاورة ‪ ،‬كما دلت على ذل‪T‬ك النقوش ال‪T‬تي عثر عليها في مأرب‬
‫بجبل بلق ‪ ،‬واقامة بابين لها ‪ .‬وبناء عدد من السدود ‪ ،‬منها سد وينس‪T‬ب الى يثع امر بين‬
‫‪ .‬ويعتبر (كرب ال وتر) اخر‬ ‫(‪)3‬‬
‫ايض‪TT‬ا تحص‪TT‬ين مدينة مأرب ب‪T‬البروج ومنهيت ومقران‬
‫مكارب اليمن وه‪TT‬و اول من اتخذ لقب الملك وقد اتب‪TT‬ع ه‪TT‬ذا الملك سياس‪TT‬ة عس‪TT‬كرية تقوم‬
‫على التوس‪TT‬ع ‪ ،‬فح‪TT‬الف الملك " يدع ايل " حض‪TT‬ر موت " ودار وايل " ملك قتب‪TT‬ان وه‪TT‬اجم‬
‫مملكة أوس‪TT‬ان ال‪TT‬تي كانت قد ظهرت في الجنوب الغ‪TT‬ربي من اليمن وتحكمت في حض‪TT‬ر‬
‫موت وسيطرت على الطرق التجارية االتية منها ‪ ،‬مس‪T‬تغلة في ذل‪T‬ك ض‪T‬عف القتب‪T‬انيين ‪.‬‬
‫فتمكن كرب ال وتر من القض‪TT‬اء على ه‪TT‬ذه المملكة واخض‪TT‬اع عدد من القبائل المتحالف‪TT‬ة‬
‫معها ‪ ،‬وتمت له السيطرة على طرق تجارة البخور االتية من الجنوب(‪. )4‬‬
‫ملوك سبأ ‪:‬‬

‫() جرجي زيدان ‪ :‬العرب قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ص ‪ ، 176 – 175‬ص‪TT‬الح العلي ‪ :‬محاض‪TT‬رات ص ‪-22‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 23‬‬
‫() ص‪TT‬الح العلي ‪ :‬محاض‪TT‬رات ص ‪ ، 23‬فؤاد حس‪TT‬نين ‪ :‬اس‪TT‬تكمال التاريخ العربي القديم ص‪-290‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪. 291‬‬
‫() جواد علي – تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص‪. 130‬‬ ‫‪3‬‬

‫() صالح العلي – محاضرات في تاريخ العرب ص‪. 24-23‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪56‬‬
‫كان (كرب ال وتر) اول ملوك س‪TT‬بأ ويرجع اليه الفض‪TT‬ل في توطيد كيان الدول‪TT‬ة‬
‫الس ‪TT‬بأية وتأمين س ‪TT‬المتها ‪ ،‬بما حققه من االنتص ‪TT‬ارات على الدول ‪TT‬ة المعينية واالمارات‬
‫المجاورة لها ‪ .‬وقد تتابع على حكم س‪TT‬بأ عدد من الملوك منه ( س‪TT‬مه علي ذرح ) وابنه‬
‫( الشرح ) ال‪TT‬ذي ينس‪TT‬ب اليه بناء جدار لمعب‪TT‬د االل‪TT‬ه المقة في مح‪TT‬رم بلقيس بمأرب ورم‬
‫‪ .‬ثم توالى على حكم ه ‪TT‬ذه الدول ‪TT‬ة عدد من الملوك‬ ‫(‪)1‬‬
‫اب ‪TT‬راج ه ‪TT‬ذا المعب ‪TT‬د وحف ‪TT‬ر الخنادق‬
‫الذين دخلوا في صراع مع الدولة القتبانية انتهى بالقضاء على استقالل قتبان ‪ ،‬ومنذ س‪TT‬نة‬
‫‪ 500‬ق‪.‬م بدأت تظهر اس‪T‬رات قوية على مس‪T‬رح االح‪T‬داث في اليمن ‪ ،‬وقد تمكنت بعض‬
‫ه‪TT T‬ذه االس‪TT T‬رات وهي االس‪TT T‬رة الهمدانية من اغتص‪TT T‬اب العرش من ملوك س‪TT T‬بأ في بعض‬
‫الف‪TT‬ترات ‪ ،‬ولمعت اس‪TT‬ماء الهة جديدة لم تكن لها شأن خط‪TT‬ير قب‪TT‬ل ه‪TT‬ذا العهد وهي الهة‬
‫ب ‪TT‬رزت بفض ‪TT‬ل ه ‪TT‬ذه االس ‪TT‬ر ال ‪TT‬تي كانت تتعب ‪TT‬د لها مثل ‪ :‬تألب ريام ‪ ،‬وذو س ‪TT‬ماوى ( ذو‬
‫الس‪TT‬ماء ) او رب الس‪TT‬ماء وظهرت نعوت جديدة لم تكن مس‪TT‬تعملة في ايام المكربين وال‬
‫عند ه‪TT‬ؤالء الملوك ال‪TT‬ذين خلف‪TT‬وهم ‪ ،‬وهي نعوت قريب‪TT‬ة من النعوت ال‪TT‬تي كان يس‪TT‬تعملها‬
‫القتب‪TT‬انيون ‪ ،‬مثل يهأمن ويهنعم ويهرجب ‪ ،‬ويدل ظهور ه‪TT‬ذه االس‪TT‬ماء في الكتاب‪TT‬ات على‬
‫ح ‪TT‬دوث تط ‪TT‬ور خط ‪TT‬ير في حكومة س ‪TT‬بأ ‪ ،‬وعلى تغ ‪TT‬ير مهم في االتجاه العام في السياس ‪TT‬ية‬
‫‪ .‬وفي س ‪TT‬نة ‪ 350‬ق‪ .‬م تولى عرش س ‪TT‬بأ ( ال كرب يهنعم )‬ ‫(‪)2‬‬
‫وفي ال ‪TT‬دين واالجتماع‬
‫وأسس اسرة ملكية ثالثة اصلها من حدقان شمالي ص‪T‬نعاء ‪ .‬ودخل ملوك ه‪T‬ذه االس‪T‬رة في‬
‫ح‪TT‬روب طويلة مع االمارات والقبائل المجاورة اض‪TT‬عفت الدول‪TT‬ة الس‪TT‬بئية وأتاحت للدول‪TT‬ة‬
‫االجنبية التدخل في شؤونها ‪ ،‬وفقدت س‪T‬بأ س‪T‬يطرتها على البح‪T‬ر االحمر وس‪T‬واحل افريقيا‬
‫‪ .‬ثم تمكن ( نص‪TT‬ر‬ ‫(‪)3‬‬
‫بعد ان انتقلت التجارية البحرية من ايديهم الى اليونان والرومان‬
‫يهنعم ) من تأس‪TT‬يس االس‪TT‬رة الس‪TT‬بأية الرابعة في س‪TT‬نة ‪ 200‬ق‪.‬م ودخل ملوك ه‪TT‬ذه االس‪TT‬رة‬
‫في ص‪TT T‬راع عنيف مع الريداينين من حمير ‪ ،‬انتهى بانتص‪TT T‬ار اه‪TT T‬ل ريدان وانتزاعهم‬
‫العرش من الس ‪TT‬بئيين ‪ ،‬حيث أسس ‪TT‬وا في س ‪TT‬نة ‪ 115‬ق‪.‬م اس ‪TT‬رة جديدة تلقب ملوكها بلقب‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫( ملوك س‪TT‬بأ وذي ريدان ) وهم الحميريون ال‪TT‬ذي نقلوا العاص‪TT‬مة الس‪TT‬بأية الى ظف‪TT‬ار‬

‫() جواد علي – تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص‪ . 157‬سالم ‪ :‬دراسات ص‪. 1965‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 1‬ص ‪168- 161‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سالم ‪ :‬دراسات ص ‪166‬‬ ‫‪3‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص‪213‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪57‬‬
‫اما عن نظام الحكم في سبأ فقد كان الملك يقوم ب‪T‬الحكم ويتولى قيادة الجيش في الح‪T‬روب‬
‫وكان يساعده مجلس شعبي ‪ ،‬كما كان هناك موظفون يرثون مناص‪TT‬بهم يس‪TT‬مى كل منهم (‬
‫الكب‪TT‬ير) ‪ ،‬وقد كون ه‪TT‬ؤالء بمرور ال‪TT‬زمن طبقة وراثية حلت مح‪TT‬ل المجلس الشعبي ‪ ،‬ثم‬
‫‪ .‬وكانت االدارة تعتمد‬ ‫(‪)1‬‬
‫اصبحوا فيما بعد طبقة اقطاعية ادت الى اضعاف سلطة الملك‬
‫على ملكية االرض ‪ ،‬وتف ‪TT T‬رض الض ‪TT T‬رائب على االرض والتجارة كما كانت تف ‪TT T‬رض‬
‫‪ .‬وقد جنى الس ‪TT‬بأيون‬ ‫(‪)2‬‬
‫ض ‪TT‬رائب اس ‪TT‬تثنائية الغ ‪TT‬رض منها س ‪TT‬د نفقات الحمالت الحربية‬
‫ارباح‪TT‬ا طائلة من التجارة ‪ ،‬بحكم موقعهم الجغ‪TT‬رافي ‪ ،‬فقد كانت القوافل االتية من الهند‬
‫وبالد الحبشة والمحملة بمختلف انواع الطيوب والبخور والتواب‪TT T‬ل تنقل من شواطئ‬
‫الجزيرة العربية الى مص‪TT‬ر والشام والعراق وكانت ص‪TT‬عوبة المالح‪TT‬ة في البح‪TT‬ر االحمر‬
‫تجعل طريق ال ‪TT‬بر مفض ‪TT‬ال في نقل البض ‪TT‬ائع بين بالد الشام ‪ ،‬وكان خط س ‪TT‬ير القوافل‬
‫التجارية يبدأ من شبوة في حضر موت ويتجه شماال الى يثرب ومنها مكة ‪ ،‬ثم الب‪TT‬تراء ‪،‬‬
‫‪ .‬وكان من نتيجة ه‪TT‬ذا الرخاء االقتص‪TT‬ادي واتس‪TT‬اع‬ ‫(‪)3‬‬
‫فغ‪TT‬زة على س‪TT‬احل البح‪TT‬ر المتوس‪TT‬ط‬
‫ثروات البالد ‪ ،‬ان امتد نف‪TT T‬وذ الس‪TT T‬بأيين الى اط‪TT T‬راف الجزيرة العربية شماال وشرقا‬
‫واحتفروا الترع وبنوا السدود وحولوا الرمال الى تربة خص‪T‬بة وشيدوا القص‪T‬ور والمحافد‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫والهياكل وتفننوا في تزيينها وزخرفتها واقاموا حولها االسوار واغترسوا الحدائق‬
‫الدولة الحميرية‬
‫كان بداية ظهور الدول‪TT‬ة الحميرية في س‪TT‬نة ‪ 115‬ق‪.‬م ‪ ،‬حيث تمكن الحميريون‬
‫من انتزاع العرش السبأي وتأسيس اسرة جديدة عرف ملوكها " بملوك سبأ وذي ريدان "‬
‫‪ .‬اما عن اص‪TT T T T‬ل الحميرين ‪،‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫واتخذوا مدينة ظف‪TT T T T‬ار ‪ Sapphar‬عاص‪TT T T T‬مة لهم‬
‫‪"،‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫فاالخب‪T‬اريون العرب ينس‪T‬بونهم الى حمير بن س‪T‬بأ بن يشجب بن يعرب بن قحط‪T‬ان‬
‫وقد عرف ملوكهم بالتبابعة وورد ذكرهم في القران الكريم ‪ :‬اهم خير قوم تبع والذين‬

‫() صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص‪24‬‬ ‫‪1‬‬

‫() صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص‪24‬‬ ‫‪2‬‬

‫() محمد مبروك نافع ‪ :‬عصر ما قبل االسالم ص ‪59‬‬ ‫‪3‬‬

‫() جرجي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪140‬‬ ‫‪4‬‬

‫() جواد علي‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 2‬ص ‪ ، 213‬سالم ‪ :‬دراسات ص ‪167‬‬ ‫‪5‬‬

‫() ابن حزم ‪ :‬جمهرة انساب العرب ‪ ،‬ص‪406‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪58‬‬
‫‪ .‬وقد اتف‪TT‬ق المؤرخون على تقس ‪TT‬يم الدول ‪TT‬ة‬ ‫(‪)1‬‬
‫من قبلهم أهلكن اهم انهم ك انوا مج رمين "‬
‫الحميرية الى عصرين ‪:‬‬
‫الدول ‪TT‬ة الحميرية االولى ‪ 115( :‬ق‪.‬م – ‪ 300‬م) وقد تلقب ملوك ه ‪TT‬ذا العص ‪TT‬ر‬
‫بلقب ‪ " :‬ملوك سبأ وذي ريدان " ‪.‬‬
‫الدول ‪TT‬ة الحميرية الثانية ‪ 300 ( :‬م – ‪ 525‬م ) وعرف ملوكها " بملوك س ‪TT‬بأ‬
‫‪ .‬وفي حوالي سنة ‪ 400‬م اض‪TT‬اف أس‪TT‬عد اب‪TT‬و كرب‬ ‫(‪)2‬‬
‫وذي ريدان وحضر موت ويمنات‬
‫لقب ( واالعراب في الطود وتهامة الى اللقب السابق )‬
‫اوال ‪ :‬الدول ‪TT T‬ة الحميرية االولى ( ‪ 115‬ق‪.‬م – ‪ 300‬م ) ‪ :‬يرجع االخب ‪TT T‬اريون‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫تأسيس هذه الدولة الى ال شرح يحضب الذي ينسب اليه بناء قصر غمدان‬
‫ومن اهم االح‪TT T‬داث الب‪TT T‬ارزة في عص‪TT T‬ر الدول‪TT T‬ة الحميرية االولى محاول‪TT T‬ة غ‪TT T‬زوا‬
‫الرومان لبالد اليمن س‪T‬نة(‪ 24‬ق‪.‬م) في عهد االمبراطور " أغس‪T‬طس " ‪ Augustus‬ال‪T‬ذي‬
‫أوعز الى ح‪TT‬اكم مص‪TT‬ر الروماني " اليوس جالوس " ‪ " ، Alius Gallus‬بغ‪TT‬زو اليمن ‪،‬‬
‫فخرج في جيش قوامه عشرة االف مقاتل ‪ ،‬وكان ه ‪TT T‬دف الرومان في ه ‪TT T‬ذه الحملة‬
‫الس ‪TT‬يطرة على ط ‪TT‬رق التجارة ال ‪TT‬تي كان يحتكره ‪TT‬ا " ملوك س ‪TT‬بأ وذي ريدان " واس ‪TT‬تغالل‬
‫ثروات اليمن(‪، )4‬وقد س‪TT‬لكت ه‪TT‬ذه الحملة الطريق ال‪TT‬بري ‪ ،‬واس‪TT‬تعان الرومان باألنب‪TT‬اط ‪،‬‬
‫فأمدهم عب‪TT‬ادة الثالث ( ‪ 9 – 30‬ق‪.‬م ) ب‪TT‬وزيره " ص‪TT‬الح " " س‪TT‬ايليوس " ليكون دليال لهم‬
‫في هذه الحملة فسار بالجيش عبر بالد الحجاز الى وادي " حرب‪T‬د " حيث تتوفر المياه ‪،‬‬
‫ثم واصل اليوس جالوس زحفه جنوبا فوصل نجران واس‪T‬تولى عليها ثم اس‪T‬تولى بعد ذل‪T‬ك‬
‫‪ ،‬ثم‬ ‫(‪)5‬‬
‫على مدينة اس ‪TT T‬كا (‪ ( ) Asca‬نشق ) وتمس ‪TT T‬ى البيض ‪TT T‬اء في ال ‪TT T‬وقت الحاض ‪TT T‬ر‬
‫تقدمت الحملة الى داخل البالد فبلغت مدينة مارس ‪TT‬يابا ( ‪ ) Marseiaba‬ويرى بعض‬
‫الب ‪TT T‬احثين ومنهم جالس ‪TT T‬ر ان (مارس ‪TT T‬يابا) ال يقص ‪TT T‬د بها مدينة مأرب كما اعتقد بعض‬
‫العلماء ‪ ،‬وانما هي اسم موض‪TT‬ع في الجوف ‪ ،‬ويس‪TT‬تبعد وص‪TT‬ول حملة اليوس جالوس الى‬

‫()سورة الدخان ‪ ، 44‬اية ‪37‬‬ ‫‪1‬‬

‫()مبروك نافع ‪ :‬عصر ما قبل االسالم ص ‪ ، 63 ،62‬سالم ‪ :‬دراسات ص ‪175 – 169‬‬ ‫‪2‬‬

‫()الهمداني ‪ :‬االكليل ج ‪ 8‬ص‪ . 19‬فيليب ح‪TT‬تي ‪ :‬تاريخ العرب ص ‪ . 56‬فؤاد حس‪TT‬نين ‪ :‬اس‪TT‬تكمال‬ ‫‪3‬‬

‫الكتاب التاريخ العربي القديم ص‪300‬‬


‫()‪Philby , op . cit. P .100‬‬ ‫‪4‬‬

‫() صالح العلي ‪ :‬محاضرات ‪ ،‬تاريخ العرب ص ‪25‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪59‬‬
‫ولم تحقق ه‪TTT‬ذه الحملة الهدف ال ‪TT‬ذي خرجت من اجله ‪ ،‬فقد تعرض الجند‬ ‫(‪)1‬‬
‫مأرب‬
‫ألمراض واوبئة باإلض‪TT‬افة الى وعورة الطريق ومقاومة اليمانيين الشديدة ‪ ،‬فعاد اليوس‬
‫جالوس الى مصر عن طريق نجران ‪ ،‬حيث أبحر من أح‪TT‬د موانئ البح‪TT‬ر االحمر بعد ان‬
‫‪ .‬وقد كان فشل الرومان في الس‪TT‬يطرة على بالد اليمن‬ ‫(‪)2‬‬
‫خس‪TT‬ر عددا كب‪TT‬يرا من رجال‪TT‬ه‬
‫عس‪TT‬كريا دافعا لهم على تغيير سياس‪TT‬تهم التوس‪TT‬عية ه‪TT‬ذه ‪ ،‬فعمدوا الى تحس‪TT‬ين عالقتهم مع‬
‫اليمن وذكر بعض المؤرخين ان بعض ملوك حمير كانوا على ص‪TT‬الت حس‪TT‬نة بالرومان‬
‫‪ .‬ثم ب ‪TT‬دأ الض ‪TT‬عف يدب في كيان الدول ‪TT‬ة الحميرية االولى ( ملوك س ‪TT‬بأ وذو ريدان )‬ ‫(‪)3‬‬

‫نتيجة لمزاحمة الرومان لها في الطريق البح ‪TT‬ري من جهة ‪ ،‬وتناقض اهمية الطريق‬
‫البح‪TT‬ري عبر الحجاز من جهة اخرى ‪ ،‬وقد ادى ذل‪TT‬ك الى االض‪TT‬رار باقتص‪TT‬اديات اليمن‬
‫‪ .‬واخر ملوك هذه الدولة في عص‪TT‬رها االول ه‪TT‬و الملك " ياس‪TT‬ر يهنعم "‬ ‫(‪)4‬‬
‫اضرارا بالغا‬
‫الذي عرف باسم " ناشر النعم " ونس‪T‬به المس‪T‬عودي الى عمرو بن يعف‪T‬ر وجعل مدة حكمه‬
‫‪ .‬اما االخباريون فذكروا ان ناشر النعم ه‪T‬ذا ه‪T‬و مال‪T‬ك بن يعف‪T‬ر بن‬ ‫(‪)5‬‬
‫خمسا وثالثين سنة‬
‫عمرو بن حمير بن السياب بن عمرو بن زيد بن سكسك بن حمير بن سبأ ‪ ،‬وانه سمي "‬
‫وينس‪TT‬ب‬ ‫(‪)6‬‬
‫ناشر النعم " ألنه احيا ملك حمير بعد أربعين عاما ايام س‪TT‬ليمان بن داود (ع)‬
‫المؤرخون الى ناشر النعم والغ‪TT T‬زوات والفتوح‪TT T‬ات العظمى ‪ ،‬فذكروا انه جمع حمير‬
‫وقبائل قحط‪TT‬ان وخرج ب‪TT‬الجيوش الى المغ‪TT‬رب ح‪TT‬تى بلغ البح‪TT‬ر المحيط ‪ ،‬فأمر ابنه شمر‬
‫يهرعش ان يركب البحر المحيط فركب في عشرة االف مركب وس‪TT‬ار يريد وادي الرمل‬
‫‪ ،‬وقال ل‪TT‬ه ال ترجع ح‪TT‬تى تعبره وترجع لي بما رأيت ونزل ناشر النعم على ص‪TT‬نم ذي‬
‫القرنين ‪ .‬فاخرج عس‪TT‬اكره الى االفرنج ‪ ،‬وعبرت عس‪TT‬اكره الى ارض الص‪TT‬قالبة فغنموا‬
‫االموال وسبوا الذراري ورجعوا اليه بسبي من كل امة في جزائر الحبشة وارض ال‪TT‬ترك‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫وطبرستان وجبال الصعد وانه مات بدينور فدفنه ولده شمر وتولى الملك من بعده‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪172‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪()Philby , op . cit . P.101‬‬
‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص‪. 138‬‬ ‫‪3‬‬

‫() مبروك نافع ‪ :‬عصر ما قبل االسالم ص ‪. 65 – 64‬‬ ‫‪4‬‬

‫() مروج الذهب ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 196‬‬ ‫‪5‬‬

‫()وهب بن منبه ‪ :‬التيجان ص‪. 220‬‬ ‫‪6‬‬

‫()وهب بن منبه ‪ :‬التيجان ص ‪221-220‬‬ ‫‪7‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪60‬‬
‫ويؤكد العلماء ان ه‪TT‬ذه الفتوح‪TT‬ات والغ‪TT‬زوات ال‪TT‬تي ينس‪TT‬بها االخب‪TT‬اريون العرب الى‬
‫ناشر النعم ال نص‪TT‬يب لها من الص‪TT‬حة فان ناشر النعم كان يس‪T‬مى " ياس‪T‬ر يهنعم " وانه لم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫يدرك ايام سليمان بن داود اسمه في نقش مؤرخ سنة ‪ 270‬م‬
‫الدولة الحميرية الثانية ( ‪ 300‬م – ‪ 525‬م ) ‪:‬‬
‫عرف ملوك ه‪TT‬ذه الدول‪TT‬ة بملوك س‪TT‬بأ وذو ريدان وحض‪TT‬رموت ويمنات واول من‬
‫تلقب بهذا اللقب من ملوك حمير هو " شمر يهرعش " ‪ ،‬ال‪T‬ذي عرف ب " شمر يهرعش‬
‫" ‪ ،‬وهو ابن ناشر النعم (‪)2‬وهو عند االخباريين تبعا االكبر " ألنه لم يقم للعرب قائم قط‬
‫أحفظ لهم منه ‪ ،‬وكان أعقل من رأوه من الملوك وأعالهم همة وأشدهم مكرا لمن ح‪TT‬ارب‬
‫وذكروا ان شمر يهرعش زح‪T‬ف بجيوشه الى أرمينية ‪ ،‬وه‪T‬زم ال‪T‬ترك وه‪T‬دم المدائن‬ ‫(‪)3‬‬
‫"‬
‫ب‪TT‬دينو وس‪TT‬نجار بين نهاوند ودينوا " فجميع االرض ال‪TT‬تي خربها شمر يرعش س‪TT‬ماها بنو‬
‫فارس شمر كند اي شمر خرب باللس‪TT‬ان الفارس‪TT‬ي ‪ ،‬فأعربته العرب بلس‪TT‬انها ‪ ،‬فقالوا "‬
‫وقيل ايضا انه بس‪T‬ط نف‪T‬وذه على الهند وعين اح‪T‬د ابناء‬ ‫(‪)4‬‬
‫سمرقند " وهو اسمها الى اليوم‬
‫ملوك الهند ملكا على الص‪T‬ين ‪ ،‬ثم عاد فس‪T‬ار الى مص‪T‬ر ومنها الى بالد الحبشة فاس‪T‬تولى‬
‫عليها ‪ ،‬وه‪TT‬رب االحب‪TT‬اش الى البح‪TT‬ر المحيط فتبعهم شمر ح‪TT‬تى بلغ المحيط ثم عاد الى‬
‫‪ .‬وال شك ان ما نسبه المؤرخون من غزوات وفتوحات الى (شمر يهرعش)‬ ‫(‪)5‬‬
‫المشرق‬
‫ه ‪TT‬ذا ال يعدو قصص ‪TT‬ا خرافية ‪ ،‬فالثابت انه انتص ‪TT‬ر على مناطق كثيرة من بالد العرب‬
‫الجنوبية وس ‪TT‬ير حملة عس ‪TT‬كرية الى قبائل تهامة ال ‪TT‬تي كانت تس ‪TT‬كن على س ‪TT‬احل البح ‪TT‬ر‬
‫كما س‪TT T‬يطر على شرق‬ ‫(‪)6‬‬
‫االحمر ‪ ،‬فانتص‪TT T‬ر عليها وتعقب تلك القبائل ح‪TT T‬تى البح‪TT T‬ر‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫الجزيرة ووصلت جيوشه جنوب العراق‬
‫الغزو الحبشي االول لبالد اليمن ‪:‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص‪ ، 141‬سالم – دراسات ص‪175‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪141 – 139‬‬ ‫‪2‬‬

‫() وهب بن منبه ‪ :‬التيجان ص ‪ ، 222‬االكليل ص ‪210‬‬ ‫‪3‬‬

‫() وهب بن منبه ‪ :‬التيجان ص‪227‬‬ ‫‪4‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪143 – 142‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬‬
‫سالم ‪ :‬دراسات ص ‪()Philby , Background , P.111 . 177‬‬
‫() العسلي ‪ :‬حملة شمر يهرعش على شرق الجزيرة ( مجلة العرب ‪ ،‬الس‪T‬نة الخامس‪T‬ة ) ايار ‪ ،‬ص‬ ‫‪7‬‬

‫‪. 835 – 820‬‬


‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪61‬‬
‫كان غزو االحباش لليمن فيما يقرب من س‪T‬نة (‪ 340‬م ) ‪ .‬في عهد يريم يرحب‬
‫بن شمر يهرعش ويؤكد بعض الباحثين ان غزو االحباش لبالد اليمن كان رد فعل للغزو‬
‫ال‪TT‬ذي قام ب‪TT‬ه ملوك حمير للس‪TT‬واحل الشرقية للحبشة ولم يكن للعامل ال‪TT‬ديني دخل في ه‪TT‬ذا‬
‫الغ‪TT‬زو ‪ ،‬فقد كان " االعميد " وه‪TT‬و النجاش ال‪TT‬ذي فتح اليمن وثنيا على دين ابائه ولم يرد‬
‫في االخب‪TT‬ار انه اعتنق النص‪TT‬رانية ‪ ،‬وعلى ه‪TT‬ذا االس‪TT‬اس فان للعامل االقتص‪TT‬ادي دوره في‬
‫بلقب ملك‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪ .‬وقد تلقب ملك " اكس‪T‬وم "‬ ‫(‪)1‬‬
‫هذا الغزو ال‪T‬ذي قام ب‪T‬ه االحب‪T‬اش لبالد اليمن‬
‫اكس‪TTT‬وم وحمير وذي رايدان وحبشت وس‪TTT‬بأ وتهامة ‪ ،‬واض ‪TT‬طر يريم يرحب بن شمر‬
‫‪ .‬اما االحب‪TT‬اش فقد‬ ‫(‪)3‬‬
‫يهرعش للفرار هو وابناؤه الى يثرب حيث تأثروا باليهودية هناك‬
‫شجعوا على نشر المسيحية واتخذوا من نص‪T‬اري اليمن س‪T‬ندا قويا لهم ‪ ،‬وكانت المس‪T‬يحية‬
‫قد ب‪TT‬دأت في االنتشار في عهد الدول‪TT‬ة الحميرية بفض‪TT‬ل الجهود ال‪TT‬تي عام بها المبشرون‬
‫اليعاقب‪TT‬ة ال‪TT‬ذين جاؤا من الحبشة ‪ ،‬واسس‪TT‬وا الكنائس في عدن وظف‪TT‬ار ونجران‪ ،‬كما س‪TT‬اهم‬
‫المبشرون النس‪T‬اطرة القادمون من الح‪T‬يرة ومن الشام في نشر الديانة المس‪T‬يحية من اليمن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫فاعتنقها عدد من السكان‬
‫ولم يدم احتالل األحب‪TT‬اش لليمن ط‪TT‬ويال ‪ ،‬فقد انتهز اليمانيون فرص‪TT‬ة انشغل ملك‬
‫الحبشة (عيزان) في اخماد الشعوب االفريقية ال‪T‬تي كانت خاض‪T‬عة لحكم اكس‪T‬وم والس‪T‬اكنة‬
‫في جنوب الحبشة ‪ ،‬فتمكنوا من اس ‪TT‬ترداد البالد وط ‪TT‬رد االحب ‪TT‬اش منها فيها بين ‪-370‬‬
‫‪ 378‬م ‪ .‬وتولى حكم حمير " ملك الكرب يهامن" ‪ ،‬وقد ورد اس‪TT‬م ه‪TT‬ذا الملك مع ابنيه‬
‫"أب‪TT‬و كرب أس‪TT‬عد" و" ورا أمر أيمن" في نقش يعود تاريخه الى عام ‪378‬م‪ ،‬جاء فيه ان‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫هؤالء جميعا "اقاموا معبدا لإلله "ذو سموى" أي اله السماء أو رب السماء‬
‫واستناد الى ما ورد في النقش المذكور يظهر أن هناك تطورا خطيرا في الناحية‬
‫الدينية ط ‪TT‬رأ على اليمن بعب ‪TT‬ادتهم لإلل ‪TT‬ه " ذو س ‪TT‬موي" مما يدل على اتس ‪TT‬اع أفق العرب‬
‫الجنوب‪TT‬يين ال‪TT‬ديني بعد احتكاكهم بالمبشرين المس‪TT‬يحين وباألحب‪TT‬اش المتنص‪TT‬رين وباألحب‪TT‬ار‬

‫() جواد علي – العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪. 149‬‬ ‫‪1‬‬

‫() اكسوم‪ :‬عاصمة المملكة الحبشية ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫() اليعقوبي _ تاريخ اليعقوبي ج‪ 1‬ص‪ ( 160‬ط النجف ‪1358‬ه) ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫() صالح العلي _ محاضرات تاريخ العرب ص ‪. 28‬‬ ‫‪4‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص‪. 153_152‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪62‬‬
‫اليهود ‪ ،‬ويرى ال‪T‬دكتور جواد علي " ان عب‪T‬ادة االل‪T‬ه ذو س‪T‬موى " ال تعني توحيد على ما‬
‫يفهم من فكرة التوحيد في االديان المعروفة خاص‪TT‬ة في االس‪TT‬الم " وانما هي خط‪TT‬وة " نح‪TT‬و‬
‫تصفية الحساب مع العقيدة الوثنية القديمة ال‪T‬تي تعترف بإلهة عديدة مع االلهة المحلية ‪،‬‬
‫‪ .‬ثم تعاقب على حكم اليمن بعد‬ ‫(‪)1‬‬
‫واالعتقاد بوجود اله واحد اعلى قاهر هو رب السماء‬
‫( ملك كرب يهأمن ) اوالده من بعده ( اب‪TT T T‬و كرب أس‪TT T T‬عد ) و ( ورا أمر ايمن) و‬
‫( شرحبيل يعفر ) الذي تم في عهده ترميم س‪T‬د مأرب س‪T‬نة ‪ 449‬م لكن الس‪T‬د س‪T‬رعان ما‬
‫انهار بعد عام واح‪TTT‬د اي في س‪TTT‬نة ‪ 450‬م فهربت جماعات كب ‪TT‬يرة من اه‪TTT‬ل اليمن الى‬
‫الجب‪TT‬ال فقام شرحبيل ببناء الس‪TT‬د من جديد في عام ‪ 451‬م ‪ ،‬ثم تتابع على عرش حمير‬
‫عدد من الملوك اخرهم ذي نواس ( ‪ ) 525 – 510‬ال ‪TT‬ذي تم في عهده س ‪TT‬قوط الدول ‪TT‬ة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الحميرية بيد االحباش في سنة ‪525‬م‬

‫االحتالل الحبشي الثاني لليمن وسقوط الدولة الحميرية ‪:‬‬


‫تمكن ال ‪TT‬روم من ادخال المس ‪TT‬يحية الى اليمن بفض ‪TT‬ل الجهود ال ‪TT‬تي ب ‪TT‬ذلها الرهب ‪TT‬ان‬
‫اليعاقب ‪TT‬ة ال ‪TT‬ذين جاءوا من الحبشة ‪ ،‬باإلض ‪TT‬افة الى وفود المبشرين النس ‪TT‬اطرة من الح ‪TT‬يرة‬
‫وسوريا ‪ ،‬وقد قام هؤالء الرهبان والمبشرون ببناء الكنائس في عدد من المدن اليمانية ‪،‬‬
‫ونجح ال‪TTT‬راهب فيميون في تأس‪TTT‬يس كنيس‪TTT‬ة في نجران ال ‪TT‬تي كانت تض ‪TT‬م اكبر عدد من‬
‫النصارى وكان هدف الرومان من وراء نشر المسيحية هو تمهيد االفكار والنفوس لقب‪TT‬ول‬
‫‪ .‬وقد ادرك ملوك حمير ما يهدد كيانهم‬ ‫(‪)3‬‬
‫التس ‪TT‬لط السياس ‪TT‬ي الروماني في بالد اليمن‬
‫السياس‪TT‬ي من الخط‪TT‬ر الشديد ففكروا في امض‪TT‬ى االس‪TT‬لحة لمقاومة المس‪TT‬يحية في بالدهم ‪،‬‬
‫وفي س ‪TT‬نة ‪ 510‬م تولي‬ ‫(‪)4‬‬
‫فاعتنقوا اليهودية ليقاوموا دينا توحيديا ب ‪TT‬دين توحيدي أخر‬
‫عرش حمير الملك " ذو نواس " الذي عرف عند مؤرخي العرب باس‪T‬م زرعة ذي نواس‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪. 153‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 181‬‬ ‫‪2‬‬

‫() اسرائيل ولفنسون ‪ :‬تاريخ اليهود في بالد العرب ط مصر ‪. 1927‬‬ ‫‪3‬‬

‫() المرجع السابق ‪ :‬تاريخ اليهود في بالد العرب ص ‪. 36‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪63‬‬
‫‪ .‬ويرى بعض المؤرخين‬ ‫(‪)1‬‬
‫بن تبان أسعد " وذكروا انه اعتنق اليهودية وتس‪TT‬مى يوس‪TT‬ف‬
‫ان ذا نواس كان وثنيا ولم يكن يهوديا كما ذكر االخب ‪TT T‬اريون ‪ ،‬وكان اض ‪TT T‬طهاده –‬
‫للنص ‪TT T‬ارى دون اليهود ألنه رب ‪TT T‬ط بين انتشار المس ‪TT T‬يحية في اليمن وبين ازدياد النف ‪TT T‬وذ‬
‫الب ‪TT T T‬يزنطي والحبشي في بالده وعرف ذو نواس في النص ‪TT T T‬وص النص ‪TT T T‬رانية باس ‪TT T T‬م "‬
‫‪ " Dimnus‬و ( ‪ ) Damian‬و ( ‪ ) Dimianos‬و ( ‪ ) Damnus‬و ( مس ‪TT T T T T T T T‬روق ) ‪.‬‬
‫وهناك تشابها كب ‪TT‬يرا بين ( ‪ ) Dimnus‬و ( ‪ ) Damian‬و ( ‪ ) Damnus‬وكلمة ذو‬
‫نواس العربية ‪ .‬ويرى ال‪TT T‬دكتور جواد علي انها تحريف نشأ عن االص‪TT T‬ل ‪ ،‬اما في‬
‫النصوص الحبشية فقد عرف باسم ( فنحاس ) ( ‪ ) phin has‬وهو اسم من اس‪TT‬ماء يهود‬
‫‪ .‬وقد ورد في الروايات الحبشية ان نص‪TT T‬ارى نجران كانوا يرس‪TT T‬لون بهداياهم الى‬ ‫(‪)2‬‬

‫نجاشي الحبشة ويدفعون اليه الض‪TT‬رائب ‪ ،‬فكان من الط‪TT‬بيعي اال يس‪TT‬كت ملك حمير على‬
‫‪ .‬وفي س ‪TT‬نة‪ 523‬ه ‪TT‬اجم ذو نواس مدينة نجران ال ‪TT‬تي‬ ‫(‪)3‬‬
‫ه ‪TT‬ذا التدخل الحبشي في بالده‬
‫كانت أكبر مركز للمس ‪TT‬يحية في اليمن ‪ ،‬فخير اهلها بين االرتداد عن دينهم او الموت‬
‫حرقا فاثر البعض القتل ‪ ،‬فحف ‪TT‬ر لهم اخاديد اح ‪TT‬رقهم فيها واح ‪TT‬رق انجيلهم ‪ ،‬وقيل انه‬
‫‪ .‬وقد ورد ذكر ه‪TT‬ذه الحادثة في‬ ‫(‪)4‬‬
‫احرق بالنار وقتل بالسيف ما يقرب من عشرين الف‪T‬ا‬
‫القران الكريم فقال تعالى " قتل اصحاب االخدود النار ذات الوق ود اذ هم عليه ا قع ود ‪.‬‬
‫وهم على م ا يفعل ون ب المؤمنين ش هود وم ا نقم وا منهم اال ان يؤمن وا باهلل العزي ز‬
‫‪ .‬وقد اس‪TT‬تغل االحب‪TT‬اش ه‪TT‬ذه الحادثة ‪ ،‬واتخذوها ذريعة لغ‪TT‬زو اليمن ال س‪TT‬يما‬ ‫(‪)5‬‬
‫الحميد "‬
‫وان الحبشة كانت تس‪T‬عى لتأديب الحميريين ال‪T‬ذين كانوا يتعرض‪TT‬ون لقوافلهم التجارية في‬
‫البح ‪TT‬ر االحمر ‪ .‬ويرى بعض العلماء ان اس ‪TT‬باب غ ‪TT‬زو الحبش لليمن يرجع الى عوامل‬
‫سياس ‪TT T‬ية واقتص ‪TT T‬ادية ‪ ،‬فقد كانت بيزنط ‪TT T‬ة تس ‪TT T‬عى الى الس ‪TT T‬يطرة على الط ‪TT T‬رق التجارية‬
‫الموص ‪TT‬لة للمحيط الهندي ‪ ،‬وبالتالي بس ‪TT‬ط نفوذه ‪TT‬ا السياس ‪TT‬ي على العرب لمناؤة اعدائها‬
‫الفرس ‪ .‬وال يخفى ان للعامل الديني اثره في ه‪TT‬ذا الموض‪TT‬وع ‪ .‬فاتخذت بيزنط‪TT‬ة والحبشة‬

‫() الطبري – تاريخ الرسل والملوك ج‪ 2‬ص ‪. 119‬‬ ‫‪1‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪. 190‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قب ‪TT‬ل االس ‪TT‬الم ‪ ،‬ج‪ 3‬ص‪ ، 176‬س ‪TT‬الم ‪ :‬دراس ‪TT‬ات ص ‪ ، 185‬ماجد ‪:‬‬ ‫‪3‬‬

‫التاريخ السياسي ج‪ 1‬ص ‪. 75‬‬


‫()الطبري ‪ :‬تاريخ الطبري ج‪ 2‬ص ‪ . 122‬ابن االثير ‪ ،‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 429‬‬ ‫‪4‬‬

‫()سورة البروج اية ‪. 85‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪64‬‬
‫من اضطهاد الحميريين لنص‪TT‬ارى اليمن ذريعة للتدخل باعتب‪T‬ار ان االمبراطور الب‪T‬يزنطي‬
‫‪ .‬وقد افلت من ه‪T‬ذه المذبح‪T‬ة رجل يقال‬ ‫(‪)1‬‬
‫(جستنيان ) يعد نفس‪T‬ه حاميا للكنيس‪T‬ة الشرقية‬
‫له " دوس ذو ثعلبان" فسار الى ملك الحبشة واخبره بما فعل ذو نواس بأه‪TT‬ل دينه ‪ ،‬واتاه‬
‫باإلنجيل وقد احرقت النار بعضه ‪ ،‬فقال له ‪ " :‬الرجال عندي كثير ‪ ،‬وليست عندي س‪TT‬فن‬
‫وانا كاتب الى قيص‪TT T‬ر ان يبعث الي بس‪TT T‬فن احمل فيها الرجال ‪ ،‬فكتب الى قيص‪TT T‬ر في‬
‫‪ .‬وأورد‬ ‫(‪)2‬‬
‫ذل ‪TT T‬ك ‪ ،‬وبعث اليه باإلنجيل المح ‪TT T‬رق ‪ .‬فبعث اليه قيص ‪TT T‬ر بس ‪TT T‬فن كثيرة‬
‫الط‪TT‬بري ايض‪TT‬ا رواية اخرى ذكر فيها ان ذو ثعلب‪TT‬ان ه‪TT‬ذا قدم الى قيص‪TT‬ر ال‪TT‬روم يستنص‪TT‬ر‬
‫على ذي نواس وجنوده ‪ ،‬فقال له قيصر ‪ " :‬بعدت بالدك من بالدنا ‪ ،‬ونأت عنا فال نقدر‬
‫ان تناولها ب‪TT‬الجنود ‪ ،‬ولكني س‪TT‬أكتب ل‪TT‬ك الى ملك الحبشة ‪ ،‬فانه على ه‪TT‬ذا ال‪TT‬دين ‪ ،‬وه‪TT‬و‬
‫أقرب الى بالدك منا ‪ ،‬فينص‪TT‬رك ويمنعك ويطلب ل‪TT‬ك بثأرك ممن ظلمك ‪ ،‬واس‪TT‬تحل منك‬
‫ومن اه‪TT‬ل دينك ما اس‪TT‬تحل " ‪ .‬فكتب معه قيص‪TT‬ر الى ملك الحبشة يذكر ل‪TT‬ه حقه وما بلغ‬
‫منه ومن اه‪TT‬ل دينه ‪ ،‬ويأمره بنص‪TT‬ره وطلب ثأره ممن بغي عليه وعلى اه‪TT‬ل دينه ‪ .‬فلما‬
‫قدم دوس ذو ثعلبان بكتاب قيصر على النجاشي ‪ ،‬بعث معه سبعين الفا من الحبشة بقيادة‬
‫رجل يقال ل‪TT‬ه ارياط ومعه ابره‪TT‬ة ‪ ،‬وعهد اليه ‪ :‬ان ظهرت عليهم فأقتل ثلث رجالهم ‪،‬‬
‫‪ .‬ونزلت القوات الحبشية على "‬ ‫(‪)3‬‬
‫واخرب ثلث بالدهم ‪ ،‬وأس‪TT‬بي ثلث نس‪TT‬ائهم وابنائهم‬
‫س‪TT‬احل زبيد من ارض اليمن " ‪ ،‬فخرج اليهم ذو نواس بمن معه من حمير وقبائل اليمن‬
‫ودار القتال بين الفريقين ‪ ،‬فانهزم ذو نواس هزيمة نكراء وقتل عدد من رجال‪T‬ه ‪ " ،‬فلما‬
‫رأى ذو نواس ما رأى مما نزل به وبقومه وجه فرس‪T‬ه الى البح‪T‬ر ‪ ،‬ثم ض‪T‬ربه فدخل فيه‬
‫فخاض به ضحضاح البحر ‪ ،‬حتى افضي ب‪TT‬ه الى غمرة ‪ ،‬فاقحمه فيه ‪ ،‬فكان اخر العهد‬
‫‪ .‬ودخل أرياط " دمار " ال‪TT‬تي س‪TT‬ميت بص‪TT‬نعاء ‪ ،‬وانتهى ب‪TT‬ذلك ملك الحميرين في‬ ‫(‪)4‬‬
‫ب‪TT‬ه "‬
‫‪ .‬وقد انتقم االحب ‪TT T‬اش من الحميرين انتقاما شديدا ‪ ،‬فقتلوا ثلث رجالهم‬ ‫(‪)5‬‬
‫بالد اليمن‬

‫() سالم ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ص ‪. 189‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الطبري ‪ :‬تاريخ الطبري ج‪ 2‬ص ‪. 124-123‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الطبري ‪ :‬تاريخ الطبري ج‪ 2‬ص ‪. 125-124‬‬ ‫‪3‬‬

‫()الطبري ‪ :‬تاريخ الطبري ج ‪ 2‬ص ‪. 125‬‬ ‫‪4‬‬

‫()الدينوري ‪ :‬االخبار الطوال ‪ ،‬ط ‪ 1960‬ص ‪. 162‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪65‬‬
‫وخرب‪TT‬وا ثلث بالدهم وبعثوا بثلث الس‪TT‬بي الى ملك الحبشة ‪ ،‬وه‪TT‬دموا القص‪TT‬ور وفي ذل‪TT‬ك‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫يقول الشاعر علقمة ذو جدن الحميري‬
‫ال تهلكي أسفا في ذكر من ماتا‬ ‫هونك ليس يرد الدمع ما فاتا‬
‫وبعد سلحين يبني الناس بنيانا‬ ‫ابعد بينون ال عين وال أثر‬
‫وهكذا تم لألحب‪T‬اش فتح اليمن ‪ ،‬وتولى ارياط حكم البالد باس‪T‬م النجاشي ‪ ،‬وتذكر‬
‫المص‪TT T‬ادر العربية ان نزاعا نشب بين ارياط وابره‪TT T‬ة ح‪TT T‬ول الس‪TT T‬لطة‪ ،‬فانقس‪TT T‬م معس‪TT T‬كر‬
‫االحب‪TT‬اش الى فريقين ‪ :‬فريق يؤيد ارياط واالخر يؤيد ابره‪TT‬ة ‪ ،‬فارس‪TT‬ل ه‪TT‬ذا األخير الى‬
‫أرياط يطلب مبارزتة ‪ ،‬فوافقه على ذلك ‪ ،‬وبرز كل منها الى صاحبه ‪ "،‬فلما دنا اح‪TT‬دهما‬
‫من صاحبة رفع أرياط الحربة فضرب بها على رأس ابره‪T‬ة فوقعت الحرب‪T‬ة على جبهة‬
‫ابرهة ‪ ،‬فشرمت حاجب‪T‬ه وعينه وانف‪T‬ه وشفته ‪ ،‬فب‪T‬ذلك س‪T‬مي ابره‪T‬ة االشرم ‪ ،‬وحمل غالم‬
‫ابره ‪TT‬ة على أرياط فقتله ‪ ،‬وانص ‪TT‬رف جند ارياط الى ابره ‪TT‬ة ‪ ،‬فاجتمعت عليه الحبشة‬
‫وبلغ النجاشي أمر ذل‪TT‬ك ال‪TT‬نزاع وتغلب ابره‪TT‬ة على أرياط وانف‪TT‬راده في حكم‬ ‫(‪)2‬‬
‫ب‪TT‬اليمن "‬
‫اليمن ‪ ،‬فغض‪TT T‬ب غض‪TT T‬با شديدا ‪ ،‬ثم ما لبث أن أقر ابره‪TT T‬ة في الحكم وكتب اليه ‪ " :‬أن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫أثبت على عملك بارض اليمن"‬
‫وتختلف الروايات العربيه مع ما ذكره المؤرخ بروكوبيوس من أن النجاشي كان‬
‫قد نص‪TT‬ب على اليمن بعد مقتل ذي نواس رجال من نص‪TT‬اري حمير ه‪TT‬و الس‪TT‬ميفع اشوع‬
‫(ايس‪TT T‬يميفاوس ‪ )Esimiphaeus‬وان االحب‪TT T‬اش في اليمن اعلنوا الثورة على الس‪TT T‬ميفع ‪،‬‬
‫واقاموا مكانه عب ‪TT‬دا" نص ‪TT‬رانيا" يدعى أبراه ‪TT‬ام (ابره ‪TT‬ة) فغض ‪TT‬ب النجاشي ‪ ،‬وارس ‪TT‬ل قوة‬
‫مؤلف‪TT‬ة من ثالثة االف رجل لتأديب ابره‪TT‬ة ومن انض‪TT‬م اليه‪ ،‬فلما وص‪TT‬لت القوة المذكورة‬
‫انح‪T‬از جنوده‪T‬ا الى ابره‪T‬ة بعد أن وثب‪T‬وا على قائدهم _ وه‪T‬و من ذوي القراب‪T‬ة للنجاشي _‬
‫فأرس ‪TT‬ل قوة جديدة الى اليمن لكنها انهزمت امام ابره ‪TT‬ة ‪ ،‬ولم يفكر النجاشي بعد ه ‪TT‬ذه‬
‫الهزيمة في أرس ‪TT‬ال قوة جديدة ‪ ،‬وح ‪TT‬دث ان توفى النجاشي ‪ ،‬فص ‪TT‬الح ابره ‪TT‬ة النجاشي‬

‫()الطبري ‪ :‬تاريخ الطبري ج‪ 2‬ص ‪. 125‬‬ ‫‪1‬‬

‫()الطبري ‪ :‬تاريخ الطبري ج‪ ، 2‬ص ‪. 129‬‬ ‫‪2‬‬

‫() الطبري ‪ :‬تاريخ الطبري ج‪ 2‬ص‪ 130‬المسعودي المروج ج‪ 2‬ص‪. 78‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪66‬‬
‫الجديد على ان يدفع جزية س‪TT‬نوية وان يكون نائب‪TT‬ا عنه في حكم اليمن ‪ ،‬فاقره النجاشي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫على ذلك‬
‫وانف‪TT T‬رد ابره‪TT T‬ة في حكم اليمن ‪ ،‬ولقب نفس‪TT T‬ه ب‪TT T‬اللقب الرس‪TT T‬مي لملوك حمير في‬
‫دولتهم الثانية مع أضافة عبارة تشير الى انه نائب ملك الحبشة في اليمن(‪. )2‬‬
‫حملة ابرهة على مكة (عام الفيل ‪570‬م) ‪:‬‬
‫دأب االحب ‪TT‬اش منذ اس ‪TT‬تيالئهم على اليمن الى نشر الديانة المس ‪TT‬يحية ‪ ،‬وكان من‬
‫أهم اعمال ابره‪TT‬ة في اليمن بناؤه كنيس‪TT‬ة في " ص‪TT‬نعاء" س‪TT‬ماها " القليس" ( وه‪TT‬و تحريف‬
‫للكلمة اليوناينة اكلبزا ‪ Ekklessia‬أي الكنيس ‪TT‬ة) ‪ ،‬وقد ب ‪TT‬الغ ابره ‪TT‬ة في االعتناء بهذه‬
‫الكنيسة وتزيينها واتقانها ‪ ،‬فنقشها بالذهب والفضة والزجاج والفسيفس‪TT‬اء وال‪TT‬وان االص‪TT‬باغ‬
‫‪.‬وقد ذكر ياقوت ان أبرهة " استذل أهل اليمن في بناء هذه الكنيسة‬ ‫(‪)3‬‬
‫وصنوف الجواهر‬
‫‪ ،‬وجشمهم فيها أنواعا من الس ‪TT‬خر ‪ ،‬وكان ينقل اليها اَالت البناء كالرخام والحجارة‬
‫المنقوشة بال‪T‬ذهب من قص‪TT‬ر بلقيس ص‪TT‬احبة س‪TT‬ليمان (ع) ‪ ،‬وكان من موض‪TT‬ع ه‪TT‬ذه الكنيس‪TT‬ة‬
‫على فراسخ ‪ ،‬وكان فيه بقايا من َاثار ملكهم ‪ ،‬فاس‪TT‬تعان ب‪TT‬ذلك على ما أراده من بناء ه‪TT‬ذه‬
‫الكنيس ‪TT‬ة وبهجتها وبهائها ونص ‪TT‬ب فيها ص ‪TT‬لبانا من ال ‪TT‬ذهب والفض ‪TT‬ة ‪ ،‬ومنابر من العاج‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫واالبنوس"‬
‫ولما فرغ أبرهة من بناء هذه الكنيسة أرسل الى نجاشي الحبشة يقول " قد ب‪TT‬نيت‬
‫لك ايها الملك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ‪ ،‬ولس‪T‬ت بمنته ح‪T‬تى َاص‪T‬رف اليها ح‪T‬اج‬
‫العرب " (‪ .)5‬فلما تحدث العب بذلك ‪ ،‬كبر عليها ‪ ،‬فاقدم رجل من النسأة من ب‪TT‬ني فقيم بن‬
‫عدي بن عامر بن ثعلب ‪TT‬ة على تدنيس القليس ببعض القاذورات ‪ ،‬فلما بلغ ذل ‪TT‬ك ابره ‪TT‬ة‬
‫غضب غضبا شديدا وقال ‪ :‬من ص‪TT‬نع ه‪T‬ذا ؟ فقيل ص‪TT‬نعه رجل من أه‪T‬ل ه‪T‬ذا ال‪T‬بيت ال‪T‬ذي‬
‫تحج العرب اليه بمكة ‪ ،‬لما سمع من قولك ‪ :‬اصرف اليه ح‪T‬اج العرب " ‪ ،‬فاقس‪T‬م ابره‪T‬ة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫ليسيرن الى البيت فيهدمه‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪. 192_191‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سالم دراسات ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ص‪. 197‬‬ ‫‪2‬‬

‫() جرحى زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪.151‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ياقوت ‪ :‬معجم البلدان المجلد الرابع ص ‪. 395‬‬ ‫‪4‬‬

‫() الطبري ‪ :‬تاريخ الطبري ج‪ 2‬ص ‪ ، 130‬ابن االثير ‪ ،‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 332‬‬ ‫‪5‬‬

‫() نفس المصدر ‪ :‬الطبري ص‪. 131 ،130‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪67‬‬
‫وس ‪TT‬ار ابره ‪TT‬ة الى مكة على رأس جيش كب ‪TT‬ير من االحب ‪TT‬اش يتقدم فيل يقال ل ‪TT‬ه‬
‫‪ .‬وذكر المؤرخ‬ ‫(‪)1‬‬
‫محمود (وهو تحريف للفظ‪TT‬ة ماموث ‪ Mammouth‬ومعناه‪TT‬ا الفيل )‬
‫فخرج على ابره‪TT‬ة رجل من اشراف‬ ‫(‪)2‬‬
‫ابن االثير انه كان مع الجيش ثالثه عشر فيال‬
‫اليمن يدعى ذو نفر فدعا قومة من العرب لقتال ابره‪T‬ة ومن معه فقاتلهم ‪ ،‬فهزمه ابره‪T‬ة‬
‫وأخذه أس ‪TT‬يرا ‪ ،‬ثم تابع االحب ‪TT‬اش المس ‪TT‬ير نح ‪TT‬و مكة ح ‪TT‬تى اذا كانوا ب ‪TT‬أرض خثعم خرج‬
‫عليهم نفيل بن ح ‪TT‬بيب الخثعمي فيمن تبعه من قبائل العرب ‪ ،‬فقاتلهم ثم ه ‪TT‬زم ووقع في‬
‫األس‪TT‬ر ‪ ،‬ولما وص‪TT‬ل ابره‪TT‬ة الط‪TT‬ائف بعث أهلها رجل يدل‪TT‬ه على الطريق يقال ل‪TT‬ه " اب‪TT‬و‬
‫رغال" فنزلوا في "المغمس" حيث هلك ابو رغ‪T‬ال في ذل‪T‬ك الموض‪TT‬ع فرجمت العرب قبره‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫بعد ذلك‬
‫ولما اقترب ابرهة من مكة بعث طائفة من الجند بقيادة رجل يقال ل‪T‬ه االس‪T‬ود بن‬
‫مقصود فساق اليه اموال أهل مكة ‪ ،‬واص‪TT‬اب مائتي بعير لعب‪TT‬د المطلب بن هاشم بن عب‪TT‬د‬
‫‪ ،‬أتاه عب‪TT‬د‬ ‫(‪)4‬‬
‫مناف سيد قريس فلما كان ابرهة في الموضع المعروف " بحب المحصب"‬
‫المطلب بن هاشم ‪ ،‬فعظمه ابره‪TT‬ة وهاب‪TT‬ه وأجله وقال ل‪TT‬ه ‪ :‬س‪TT‬لني يا عب‪TT‬د المطلب ‪ .‬فأني‬
‫ان يس‪TT‬أله اال ابال ل‪TT‬ه فأمر برده‪TT‬ا عليه‪ ،‬وقال ‪ :‬اال تس‪TT‬ألني الرجوع فقال ‪ :‬انا رب ه‪TT‬ذه‬
‫األبل وللبيت رب سيمنعه منك "(‪. )5‬‬
‫ثم عاد عب ‪TT‬د المطلب الى مكة ‪ ،‬وامر قريشا ان تحلق ببط ‪TT‬ون االودية ورؤس‬
‫الجبال من معرة الجيش واخذ بحلقة باب الكعبة وقال ‪:‬‬
‫يارب فامنع منهم حماكا‬ ‫يارب ال أرجو لهم سواكا‬
‫(‪)6‬‬
‫امنعهم ان يخربو فناكا‬ ‫ان عدو البيت من عاراكا‬
‫ولما تهيأ ابره‪TT‬ة للهجوم على مكة ب‪TT‬رك الفيل في المغمس ‪ ،‬ولم يح‪TT‬رك س‪TT‬اكنا ‪،‬‬
‫وذكر البالذري ان الفيل نخس بالرماح فلم ينهض ‪ ،‬ثم بعث اهلل الى الجيش ط‪TT‬يرا ‪ ،‬مع‬

‫() مبروك نافع ‪ :‬عصري ما قبل االسالم ص ‪، 71‬سالم داسات ص ‪. 200‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ابن االثير ‪ :‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 442‬‬ ‫‪2‬‬

‫()الطبري ‪ :‬تاريخ الطبري ج‪ 2‬ص‪ ،132‬المسعودي ‪ ،‬المروج ج‪ 2‬ص‪. 78‬‬ ‫‪3‬‬

‫()حب المحصب ‪ :‬موضع ما بين مكة ومنى وهو الى منى اقرب ‪ ،‬ياقوت ‪ ،‬المجلد ‪ 5‬ص ‪. 62‬‬ ‫‪4‬‬

‫()المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج‪ 2‬ص‪. 201_200‬‬ ‫‪5‬‬

‫()ابن االثير ‪ :‬الكامل ج‪ 1‬ص‪.444‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪68‬‬
‫" وقد ذكر اهلل تعالى ه‪TT‬ذه‬ ‫(‪)1‬‬
‫كل ط‪TT‬ير ثالثة أحجار ‪ ،‬فالقتها عليهم ‪ ،‬فلم ينج منهم شفر‬
‫الحادثة في القرَان الكريم فقال عز وجل " ‪ " :‬الم تر كيف فعل ربك باصحاب الفي ل ‪ .‬الم‬
‫يجع ل كي دهم في تض ليل ‪ .‬وأرس ل عليهم ط يرا ابابي ل ت رميهم بحج ارة من س جيل ‪.‬‬
‫فجعلهم كعصف مأكول " (‪.)2‬‬
‫وتذكر المص‪TT‬ادر العربية أن هناك عالقة بين ما أص‪TT‬اب جيش ابره‪T‬ة بس‪T‬بب ه‪T‬ذه‬
‫الطيور االبابيل وبين وب‪TT‬اء الحص‪TT‬بة والجدري ال‪TT‬ذي عرف الول مرة في أرض العرب‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫في عام الفيل‬
‫وهكذا انتهت حملة ابره ‪TT‬ة بالفشل ال ‪TT‬ذريع ‪ ،‬فعاد الى اليمن منهزما وهلك بعد‬
‫عودتة بقليل ‪ ،‬فخلفه في الحكم ابنه يكس‪TT‬وم " فاس‪TT‬اء الس‪TT‬يرة واتب‪TT‬ع سياس‪TT‬ة تقوم على اذالل‬
‫اه‪TT‬ل اليمن ودام حكم يكس‪TT‬وم ه‪TT‬ذا عشرون عاما ‪ ،‬وتولى الحكم من بعد اخوه "مس‪TT‬روق"‬
‫(‪)4‬‬
‫فكان أكثر تعسفا منه " وعم َاذاه سائر الناس ‪ ،‬وزاد على ابيه واخيه في األذى"‬
‫وأدت هذه السياسة الى نف‪TT‬ور اه‪TT‬ل اليمن من حكم االحب‪TT‬اش وتطلعهم الى التخلص‬
‫من نفوذهم وتحرير البالد منهم ‪ ،‬فتزعم هذه الحركة رجال من حمير ه‪T‬و " س‪T‬يف بن ذي‬
‫فس ‪TT‬ار الى القس ‪TT‬طنطينية ملتمس ‪TT‬ا العون من االمبراطور‬ ‫(‪)5‬‬
‫يزن " المعروف ب ‪TT‬أبي مرة‬
‫الب ‪TT T‬يزنطي (جس ‪TT T‬تين الثاني ) ‪ ،‬وقد قوب ‪TT T‬ل طلب س ‪TT T‬يف بن ذي يزن ه ‪TT T‬ذا ب ‪TT T‬الرفض من‬
‫االمبراطور لما كان يرب‪T‬ط ال‪T‬روم باألحب‪T‬اش من عالقات دينية وسياس‪T‬ية واقتص‪TT‬ادية وقال‬
‫(‪)6‬‬
‫له ‪ " :‬انتم يهود والحبشة نصارى وليس في الديانة ان ننصر المخالف على الموافق "‬
‫‪ .‬ولم يجد سيف بن ذي يزن ازاء هذا الموقف بدأ من التحول الى كسرى أنو شروان (‬
‫‪ 578 – 531‬م ) ‪ ،‬فاس‪TT‬تنجد بالنعمان بن المنذر ملك الح‪TT‬يرة ال‪TT‬ذي كان يرتب‪TT‬ط برابط‪TT‬ة‬
‫ال‪TT‬والء والتبعية مع كس‪TT‬رى فارس ليقدمه بنفس‪TT‬ه الى امام كس‪TT‬رى ‪ ،‬فوافق النعمان على‬
‫‪ .‬ونجح ابن ذي يزن في مقابلة كس ‪TT T‬رى ‪ ،‬فطلب منه‬ ‫(‪)7‬‬
‫ذل ‪TT T‬ك ووعده بتنفيذ رغبته‬

‫()البالذري ‪ :‬انساب االشراف ص ‪. 67‬‬ ‫‪1‬‬

‫()القرَان الكريم ‪ :‬سورة الفيل ‪. 105‬‬ ‫‪2‬‬

‫() ابن هشام ‪ :‬السيرة ج‪ 1‬ص‪ ، 56‬الطبري ‪ ،‬تاريخ الطبري ‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪. 138‬‬ ‫‪3‬‬

‫()المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج‪ 2‬ص‪.447‬‬ ‫‪4‬‬

‫()الطبري ‪ :‬تاريخ الطبري ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪.139‬‬ ‫‪5‬‬

‫() المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج‪ 2‬ص ‪. 80‬‬ ‫‪6‬‬

‫() مبروك نافع ‪ :‬عصر ما قبل االسالم ص‪ ، 73‬سالم ‪ :‬دراسات ص ‪.207‬‬ ‫‪7‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪69‬‬
‫مس‪TT T‬اعدته في اخراج االحب‪TT T‬اش وتحرير اليمن ‪ ،‬وقال ل‪TT T‬ه ‪ ":‬جئتك لتنص‪TT T‬رني عليهم ‪،‬‬
‫وتخرجهم عني ‪ ،‬ويكون ملك بالدي ل‪TT‬ك ‪ ،‬فانت أحب الينا منهم " " فقال ل‪TT‬ه كس‪TT‬رى ‪" :‬‬
‫بعدت أرضك من ارضنا ‪ ،‬وهي أرض قليلة الخير وانما بها الشاه والبعير وذل‪T‬ك مما ال‬
‫حاجة لنا ب‪TT‬ه " ‪ ،‬ثم أمر ل‪TT‬ه بعشرة االف درهم وكس‪TT‬اه كس‪TT‬وة حس‪TT‬نة ‪ " ،‬فغض‪TT‬ب س‪TT‬يف بن‬
‫ذي يزن من ذل‪TT‬ك ونثر دراهم كس‪TT‬رى على الص‪TT‬بيان والعبيد ‪ ،‬فلما بلغ ذل‪TT‬ك كس‪TT‬رى أمر‬
‫بإحضاره وقال له ‪ " :‬عمدت الى حب‪T‬اء الملك ال‪T‬ذي حب‪T‬اك ب‪T‬ه تنثره للناس " فقال ‪ " :‬وما‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اص ‪TT‬نع بال ‪TT‬ذي اعط ‪TT‬اني الملك ما جب ‪TT‬ال أرض ‪TT‬ي ال ‪TT‬تي جئت منها اال ذهب ‪TT‬ا وفض ‪TT‬ة "‬
‫واثارت أجاب‪TT‬ه س‪TT‬يف بن ذي يزن ه‪TT‬ذه طمع كس‪TT‬رى في بالد اليمن ‪ ،‬فقرر مس‪TT‬اعدته في‬
‫طرد االحباش ‪ ،‬وارسل معه من كان في سجونه من الفرس ‪ ،‬وكانوا ثمانمائة رجل ولي‬
‫عليهم " وهرز بن الكامجار " ‪ ،‬فانجزت الحملة في ثمان س‪T‬فن ‪ ،‬وص‪T‬لت س‪T‬ت س‪T‬فن منها‬
‫‪ .‬ويستبعد بعض المؤرخين ان يكون‬ ‫(‪)2‬‬
‫فقط الى ساحل عدن ‪ ،‬وغرقت اثنتان في البحر‬
‫الجيش الذي ارسله كسرى لطرد االحباش جيشا من السجناء فقد كان كسرى يحرص كل‬
‫الح‪TT‬رص على نجاح ه‪TT‬ذه الحملة ‪ ،‬ليقض‪TT‬ي ب‪TT‬ذلك على نف‪TT‬وذ ال‪TT‬روم السياس‪TT‬ي واالقتص‪TT‬ادي‬
‫‪ .‬ولما بلغ نزول الفرس ساحل اليمن خرج اليهم بمن معه من االحباش‬ ‫(‪)3‬‬
‫في بالد اليمن‬
‫فالتقي الفريقان ورمي وه ‪TT‬رز مس ‪TT‬روقا بس ‪TT‬هم فقتله فانهزم االحب ‪TT‬اش ‪ ،‬وقتل منهم عددا‬
‫كبيرا ‪ ،‬ودخل وهرز صنعاء ‪ ،‬وكتب الى كسرى يخبره بالفتح فارسل اليه كس‪TT‬رى يأمره‬
‫بقتل كل اسود باليمن وتولية سيف بن ذي يزن على البالد نظير جزية وخراج معلوم في‬
‫‪ ،‬وفي‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪ .‬وذكر بعض المؤرخين ان كس ‪TT‬رى اس ‪TT‬تدعي وه ‪TT‬رز الى فارس‬ ‫(‪)4‬‬
‫كل عام‬
‫حين ذكر اخرون ان وه‪TTT‬رز بقي في اليمن بص‪TT T‬حبة س ‪TT‬يف بن ذي يزن ولم يطلب اليه‬
‫‪ .‬وكان س‪TT‬يف بن ذي يزن قد اس‪TT‬تبقى بعض االحب‪TT‬اش في‬ ‫(‪)6‬‬
‫كس‪TT‬رى العودة الى فارس‬

‫() الطبري – تاريخ الطبري ج‪ 2‬ص‪. 140‬‬ ‫‪1‬‬

‫() الط ‪TT T‬بري ‪ :‬تاريخ الط ‪TT T‬بري ص‪ ( 141‬ذكر المس ‪TT T‬عودي ان كس ‪TT T‬رى وعد س ‪TT T‬يف بن ذي يزن‬ ‫‪2‬‬

‫بالمساعدة لكنه شغل بحرب ال‪T‬روم ‪ ،‬فمات بن ذي يزن في تلك االثناء بعد ان مكث في فارس س‪T‬بع‬
‫سنين‪ ،‬فأتى ولده معد بكرب وهو الذي امده كسرى بحملة وهرز‪ .‬المروج ‪ ،‬ج‪ 2‬ص‪. ) 80‬‬
‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 209‬‬ ‫‪3‬‬

‫()الدنيوري – االخبار الطوال ص‪ ، 64‬الطبري ‪ ،‬تاريخ الطبري ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪. 142‬‬ ‫‪4‬‬

‫()الطبري ‪ ،‬تاريخ الطبري ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪ ، 450‬ابن االثير ‪ ،‬الكامل ج ‪ 1‬ص ‪. 142‬‬ ‫‪5‬‬

‫()حمزة االصفهاني ‪ :‬تاريخ سني ملوك االرض واالنبياء ط برلين ‪ 1340‬ه ص ‪. 90‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪70‬‬
‫اليمن واتخذ بعضهم عبيدا ل‪TT‬ه يمشون بين يديه ب‪TT‬الحراب اذا ركب ‪ ،‬فوثب‪TT‬وا عليه في اح‪TT‬د‬
‫االيام وقتلوه بح‪TT T‬رابهم وهرب‪TT T‬وا الى رؤوس الجب‪TT T‬ال ‪ ،‬فلما بلغ ذل‪TT T‬ك كس‪TT T‬رى بعث اليهم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وه ‪TT‬رز في اربعة االف من الف ‪TT‬رس ‪ ،‬استأص ‪TT‬ل بهم من بقي في اليمن من االحب ‪TT‬اش‬
‫ويرجع بعض العلماء س ‪TT‬بب مص ‪TT‬رع س ‪TT‬يف بن ذي يزن الى طمع الف ‪TT‬رس ببالد اليمن ‪،‬‬
‫فسعوا الى أبعاد سيف بن ذي يزن الذي أراد التخلص منهم ‪ ،‬فدبروا مؤامرة لقتله ليخلو‬
‫‪ .‬وتولى وه‪T‬رز حكم اليمن من قب‪T‬ل كس‪T‬رى وخلف‪T‬ة في‬ ‫(‪)2‬‬
‫لهم الجو ويستأثروا ببالد اليمن‬
‫الحكم ول ‪TT T T‬ده " المرزب ‪TT T T‬ان بن وه ‪TT T T‬رز " فلما هلك امر كس ‪TT T T‬رى بعده ( البينجان بن‬
‫المرزب ‪TT‬ان ) ‪ ،‬ثم " خرخس ‪TT‬رو بن البينجان " ال ‪TT‬ذي غص ‪TT‬ب عليه كس ‪TT‬رى بس ‪TT‬بب ميله الى‬
‫العرب ونظمه الشعر العربي فأمر بعزله وولي مكانه " ب‪TT‬اذان " وه‪TT‬و اخر من ولي اليمن‬
‫‪ .‬وقد عاص‪TT‬ر ب‪TT‬اذان ه‪TT‬ذا ظهور االس‪TT‬الم واس‪TT‬تجاب ل‪TT‬دعوة النبي ص‪TT‬لى اهلل‬ ‫(‪)3‬‬
‫من الف‪TT‬رس‬
‫عليه وس‪TT‬لم فأس‪TT‬لم ودخلت اليمن في االس‪TT‬الم ‪ ،‬س‪TT‬نة ‪ 628‬م وقض‪TT‬ى االس‪TT‬الم رس‪TT‬ميا على‬
‫الوثنية واليهودية والنص‪TT‬رانية وعلى الحكم االجنبي في البالد ‪ ،‬فلم يب‪TT‬ق حكم حبشي وال‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫فارسي ‪ ،‬ووحد االسالم بين ابناء الجزيرة العربية ‪ ،‬وجعلهم بنعمة اهلل اخوانا‬

‫مملكة كندة‬
‫تقع بالد كندة شرقي بالد اليمن مما يلي حضر موت ‪ ،‬وكندة قبيلة عربية تنس‪TT‬ب‬
‫الى ثو بن عف‪TT‬ير بن عدي بن الح‪TT‬ارث بن مرة ‪ ،‬وقيل ان كندة لقب ثور بن عف‪TT‬ير(‪. )5‬‬
‫ويرى بعض االخبارين ان كندة من قبائل قحطان ‪ ,‬في حين يرى البعض االخر انها من‬
‫العدنانيين ‪ ,‬وه ‪TT‬ذا االختالف ناتج عن اختالطهم بالقحط ‪TT‬انيين والعدنانيين معا (‪ ,)6‬وذكر‬
‫الهمداني ان كندة س‪T‬كنت حض‪TT‬رموت بعد نزوحها عن البح‪T‬رين والمشقر وغمر ذي كندة‬

‫() االص ‪TT‬فهاني ‪ :‬تاريخ س ‪TT‬ني ملوك االرض واالنبياء ص ‪ 90‬الط ‪TT‬بري ‪ ،‬تاريخ الط ‪TT‬بري ‪،‬ج‪ 2‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ، 148‬المسعودي‪ ،‬المروج ج‪ 2‬ص ‪. 85‬‬


‫()ماجد ‪ :‬التاريخ السياسي ج‪ 1‬ص ‪ ، 77-76‬سالم ‪ :‬الدراسات ص ‪.213‬‬ ‫‪2‬‬

‫()الطبري ‪ :‬تاريخ الطبري ج‪ 2‬ص ‪ ، 148‬ابن االثير ‪ :‬الكامل ص ‪. 451‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪. 214‬‬ ‫‪4‬‬

‫()الهمداني ‪ ،‬صفة جزيرة العرب ‪ ،‬ص‪ ، 85‬ابن خلدون ‪ ،‬تاريخ ج‪ 2‬ص ‪. 76‬‬ ‫‪5‬‬

‫()سالم ‪ ,‬دراسات ص ‪. 402‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪71‬‬
‫أما ياقوت فذكر أن كندة مخالف‬ ‫(‪)1‬‬
‫في الجاهلية ‪ ,‬فنزل منهم ثالثون الفا في حضرموت‬
‫ثم نزحت كندة ثانية من حضر موت نح‪TT‬و الشمال فنزلت أرض‬ ‫(‪)2‬‬
‫باليمن وهم أسم قبيلة‬
‫معد بنجد ‪ ,‬وذكر اليعقوبي أن نزوح كندة من حض‪TT‬رموت كان بس‪TT‬بب الح‪TT‬رب الطويلة‬
‫ال‪TT‬تي اندلعت نيرانها بين كندة وحض‪TT‬ر موت وقتل فيها عدد كب‪TT‬ير من الط‪TT‬رفين ‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫((وكان بين كندة وحض‪TT T‬رموت ح‪TT T‬روب افنت عامتهم ‪ ,‬وكانت كندة قد اجمعت على‬
‫رجلين اح ‪TT T‬دهما س ‪TT T‬عيد بن عمرو بن النعمان بن وهب ‪ ,‬وكان على ب ‪TT T‬ني الح ‪TT T‬ارث بن‬
‫معاوية عمرو بن زيد ‪ ,‬وشرحبيل بن ح‪TT‬ارث على الس‪TT‬كون ‪ ,‬واجتمعت حض‪TT‬رموت على‬
‫عدة رؤساء منهم ‪ :‬مسعر بن مستعر ‪ ,‬واسامة بن حجر ‪ ,‬وشرحبيل بن مرة ‪ ,‬وعدة بعد‬
‫ه ‪TT T T‬ؤالء ‪ ,‬فزال ه ‪TT T T‬ؤالء كلهم وط ‪TT T T‬الت الح ‪TT T T‬رب بينهم ‪ ,‬وفتنت رجالهم ‪ ,‬ودامت ح ‪TT T T‬تى‬
‫ضرستهم ‪ ,‬وكثر القتل في كندة ‪ .‬وملكت حضرموت علقمة بن ثعلب ‪ ,‬وه‪T‬و يؤمئذ غالم‬
‫‪ ,‬فالنت كندة بعض اللين وكرهت محارب‪TTT‬ة حض‪TT T‬ر موت ‪ ,‬ودخل اه ‪TT‬ل اليمن التشتيت‬
‫والتفريق فلما افترق أهل اليمن وانتشروا في بالد ملك كل قوم عظيمهم ‪ ,‬وص‪TT‬ارت كندة‬
‫الى أرض معد ‪ ,‬فجاورتهم ‪ ,‬ثم ملكوا رجال منهم وكان اول ملوكهم يقال ل‪TT‬ه مرتع بن‬
‫وأورد المؤرخون العرب ايض‪TT‬ا اس‪T‬باب اخرى‬ ‫(‪)3‬‬
‫معاوية بن ثور ‪ ,‬فملك عشرين س‪T‬نة))‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫لنزوح كندة من حضر موت‬

‫ملوك كندة ‪:‬‬


‫ان المعلومات التاريخية ح‪TT T‬ول ملوك كندة االول قليلة جدًا ‪ ,‬فليس ل‪TT T‬دينا من‬
‫أخبارهم سوى اس‪T‬ماء وس‪T‬ني حياتهم كما أورده‪T‬ا المؤرخ اليعقوبي ‪ ,‬ال‪T‬ذي ذكر أن مرتع‬
‫بن معاوية بن ثور كان أول ملوك كندة وخليفة ثور بن مرتع ومعاوية بن ثور والح‪T‬ارث‬
‫بن معاوية ووهب بن الحارث وحجر بن عمرو َال مرار وعمرو بن حجر والح‪TT‬ارث بن‬
‫‪ .‬وقد اجمع مؤرخو العرب على أن حجر بن عمرو بن معاوية بن ثور‬ ‫(‪)5‬‬
‫عمرو‬

‫()الهمداني ‪ ,‬صفة جزيرة العرب ص ‪. 88‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ياقوت ‪ :‬معجم البلدان ج‪ 4‬ص ‪.482‬‬ ‫‪2‬‬

‫()اليعقوبي ‪ :‬تاريخ اليعقوبي ج‪ 1‬ص‪. 216‬‬ ‫‪3‬‬

‫()انظ‪TT‬ر حمزة االص‪TT‬فهاني ‪ ،‬تاريخ س‪TT‬ني ملوك االرض ‪ ،‬ص‪ , 92‬وابن خلدون ‪ ،‬تاريخ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص‬ ‫‪4‬‬

‫‪. 576_569‬‬
‫()اليعقوبي ‪ :‬تاريخ اليعقوبي ج‪ 1‬ص ‪.216‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪72‬‬
‫المعروف بحجر أكل المرار أول ملوك كندة في نجد بعد نزوحهم من حض‪TT T‬رموت‬
‫وقيل أن حس‪T‬ان بن تب‪T‬ع واله على معد بن عدنان فيما يقرب من‬ ‫(‪)1‬‬
‫ونزولهم ببطن عاقل‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫سنة ‪480‬م‬
‫وقد عمل حجر بن عمرو على توس ‪TT T‬يع س ‪TT T‬لطانة في بالد العرب عن طريق‬
‫المص‪TT‬اهرة مع بعض القبائل العربية ‪ ,‬فكانت ل‪TT‬ه ثالث زوجات ‪ ,‬وهن ‪ :‬هند بنت ظ‪TT‬الم‬
‫بن وهب ‪ ,‬وام ناس بنت عوف بن محلم الشيباني ‪ ,‬أما زوجتة الثالثة فكانت من حمير‬
‫(‪ .)3‬اتخذ حجر َاكل المرار مقره في غمر كندة ‪ ,‬وقام بتوجيه الحمالت ض ‪TT‬د القبائل‬
‫الساكنة في الحجاز وشمال الجزيرة العربية والبح‪T‬رين وذكر ابن االثير ((أن حجرا اغ‪T‬ا‬
‫ببكر فاتنزع عامة ماكان بأيدي اللخميين من أرض بكر وبقي كذلك الى أن مات فدفن‬
‫وتاريخ وفاة حجر اكل المرار غ ‪TT‬ير معروف على وجه التحديد ‪,‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ببطن عاقل ))‬
‫ويرجع بعض المؤرخون أنه مات في الس ‪TT T‬نين العشرة االخير من القرن الخامس‬
‫الميالدي(‪. )5‬‬
‫واعقب حجر أكل المرار ول‪TT‬ده عمرو بن حجر ‪ ,‬ال‪TT‬ذي عرف بالقص‪TT‬ور ‪ ,‬النه‬
‫قصر على ملك ابيه ‪ ,‬وكان ملكه قاص‪TT‬را على مناطق ربيعة ومعد في نجد ‪,‬وتخلى عن‬
‫وكانت عالقة عمرو المقص‪TTT‬ور‬ ‫(‪)6‬‬
‫اليمامة ألخيه معاوية المعروف باس ‪TT‬م ((الجون))‬
‫بالمناذرة في الحيرة عالقة مودة وحسن جوار ‪ ,‬وتوثقت ه‪TT‬ذه العالقة بعد ال‪TT‬زواج االس‪TT‬ود‬
‫‪| ,‬أما عالقتة بالغساس‪TT‬نة في الشام فقد‬ ‫(‪)7‬‬
‫بن المنذر ملك الحيرة من ابنة عمرو المقصور‬
‫كانت س‪TT‬يئة ‪ ,‬فاشتبك معهم في عدة ح‪TT‬روب انتهت بمقتله على يد الح‪TT‬ارث بن ابي شمر‬
‫(‪)9‬‬
‫‪ .‬وخلف عمرو المقصور في الحكم ولده الحارث بن عمرو(‪)528-495‬‬ ‫(‪)8‬‬
‫الغساني‬
‫‪ ,‬وكان الح‪TT‬ارث اقوى ملوك كندة وأكثرهم طموح‪TT‬ا ‪ ,‬ووص‪TT‬فه المؤرخ ابن االثير بانه‬

‫()ابن االثير ‪ ,‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 512‬‬ ‫‪1‬‬

‫()جرجي زيدان ‪ ,‬العرب قبل االسالم ص ‪ , 243‬فيليب حتى‪ ،‬تاريخ العرب ص ‪ 115‬ح‪.1‬‬ ‫‪2‬‬

‫()سالم ‪ ،‬الدراسات ص ‪. 409‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ابن االثير – الكامل ج‪ 1‬ص‪ , 512‬صالح العلي ‪ ,‬محاضرات ص‪. 85‬‬ ‫‪4‬‬

‫()سالم الدراسات ص ‪.409‬‬ ‫‪5‬‬

‫()ابن االثير _ الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 512‬‬ ‫‪6‬‬

‫()حمرة االصفهاني ‪ :‬تاريخ سني ملوك االرض ‪ ،‬ص‪. 69‬‬ ‫‪7‬‬

‫()اليعقوبي _ تاريخ اليعقوبي ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪. 216‬‬ ‫‪8‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪73‬‬
‫((كان شديد الملك بعبد الصوت )) (‪)1‬وقد تولى الحارث االمارة على معد بعد ان مزقتها‬
‫حرب البسوس التي دامت اربعين عاما ‪ ,‬فتوسط بين بكر وتغلب وعقد بينهما صلحا ‪ ,‬ثم‬
‫‪ .‬ثم اس ‪TT‬تغل الح ‪TT‬ارث تدهور العالقات بين‬ ‫(‪)2‬‬
‫تمكن بعد ذل ‪TT‬ك أن يبس ‪TT‬ط نف ‪TT‬وذه على بكر‬
‫المناذرة والساسانيين ‪ ,‬فاصبح ملكا على الح‪T‬يرة بتأييد من قب‪T‬اذ ال‪T‬ذي ابعد المنذر بن ماء‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫السماء عن الحكم في حيرة بسبب رفضه اعتناق المزدكية‬
‫وكان للح‪TT‬ارث أربعة اوالد عينهم ملوكا على قبائل العرب الخاض‪TT‬عين لحكمه ‪،‬‬
‫فولى حجرا اكبر ابنائه على اسد وكنانة وغطفان ‪ ،‬وكانت منازلهم عند وادي الرمة بين‬
‫جب ‪TT‬ل شمر وخيبر ‪ ،‬في الشمال الغ ‪TT‬ربي من نجد ‪ .‬وعين شرحبيل على بكر والرب ‪TT‬اب‬
‫وحنظلة وتميم ‪ ،‬وكانوا شرقي نجد بين الف‪T‬رات والبح‪TT‬رين ‪ ،‬وولي ابنه معد يكرب على‬
‫قيس عيالن ‪ ،‬في تهامة واط‪TT T‬راف الحجاز ‪ ،‬وعين س‪TT T‬لمة على تغلب والنمر بن قاس‪TT T‬ط‬
‫‪ .‬وبقي الح ‪TT‬ارث‬ ‫(‪)4‬‬
‫وب ‪TT‬ني س ‪TT‬عد بن زيد مناة من تميم ‪ .‬وكانت منازلهم في بادية الشام‬
‫ملكا على الحيرة حتى وفاة قب‪T‬اذ ‪ ،‬فلما تولى كس‪T‬رى انو شيروان عرش فارس ‪ ،‬ح‪T‬ارب‬
‫المزدكية وقضى على نفوذهم ‪ ،‬واعاد المنذرين ماء الس‪TT‬ماء الى الحكم في الح‪TT‬يرة ‪ ،‬وفر‬
‫الحارث بماله واوالده ‪ ،‬فتبعه المنذر بالخيل من تغلب واياد وبهراء ‪ ،‬فلح‪TT‬ق ب‪TT‬ارض كلب‬
‫‪ ،‬ونجا وانتهب بنو تغلب مال ‪TT‬ه وهجائنه ‪ ،‬واخذوا ثمانية واربعين اس ‪TT‬يرا من ب ‪TT‬ني اكل‬
‫المرار ‪ ،‬وكان من بينهم ولدان للح‪TT‬ارث هما ‪ :‬عمرو ومال‪TT‬ك ‪ ،‬فقدموا بهم على المنذر ‪،‬‬
‫فقتلهم في ديار بني مرينا‪ ،‬وفيهم امرؤ القيس(‪. )5‬‬
‫يساقون العشية يقتلونا‬ ‫ملوك من بني حجر بن عمرو‬
‫ولكن في ديار بني مرينا‬ ‫فلو في يوم معركة اصيبوا‬
‫ولكن في الدماء مرملينا‬ ‫ولم تغسل جماجمهم بغسل‬

‫()سالم _ دراسات ص‪( . 411‬قيل ايضا ان مدة حكمة كانت بين عامي ‪ ,534_ 595 , 525‬انظر‬ ‫‪9‬‬

‫جرجي زيدان حاشية ص‪ 244‬وسالم ‪ ,‬دراسات ‪ ,‬حاشية ص‪. )411‬‬


‫()ابن االثير‪ :‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 512‬‬ ‫‪1‬‬

‫()صالح العلي‪ :‬محاضرات ص ‪. 86‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ابن االثير ‪ :‬الكامل ج ‪ 1‬ص ‪. 512‬‬ ‫‪3‬‬

‫()اليعقوبي ‪ :‬تاريخ اليعقوبي ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ، 217‬ابن االثير الكامل ج‪ 1‬ص ‪ ، 514 ، 513‬ص ‪TT‬الح‬ ‫‪4‬‬

‫العلي ‪ ،‬محاضرات ص ‪. 87‬‬


‫()ابن االثير ‪ :‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 513 ، 512‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪74‬‬
‫وتنتزع الحواجب ولعيون‬ ‫تظل الطير عاكفة عليهم‬
‫واختلفت روايات في مص‪TT‬ير الح‪TT‬ارث بن عمرو بعد هرب‪TT‬ه من الح‪TT‬يرة ‪ ،‬فذكروا‬
‫اما علماء كندة فيزعمون " ان‬ ‫(‪)2‬‬
‫وقيل ب‪TT‬ل قتله ملوك الح‪TT‬يرة‬ ‫(‪)1‬‬
‫انه قتل في ديار كلب‬
‫الحارث خرج يتصيد فتبع تيسا من الظب‪T‬اء فأعجزه فاقس‪T‬م ان ال يأكل شيئا اال من كب‪T‬ده ‪،‬‬
‫فطلبته الخيل فأتي ب‪TT‬ه بعد ثالثة ‪ ،‬وقد كاد يهلك جوعا ‪ ،‬فشوي ل‪TT‬ه بطنه فأكل فلذة من‬
‫‪ .‬كان الحارث قد ولى ابناءه االربعة على القبائل الخاض‪TT‬عة لحكمه‬ ‫(‪)3‬‬
‫كبده حارة فمات "‬
‫قب‪TT‬ل وفاته ‪ ،‬وقد كان حجر اكبر ابنائه واكثرهم ذكرا عند االخب‪TT‬اريين ‪ ،‬وكانت منطقة‬
‫نفوذة على اسد وكنانة وغطفان ‪ ،‬وتختلف الروايات في كيفية مقتله ‪ ،‬فاليعقوبي يذكر ان‬
‫‪ .‬وأورد المؤرخ ابن االثير‬ ‫(‪)4‬‬
‫بنو اس ‪TT‬د اجتمعت على قتله ‪ ،‬فقتلوه لس ‪TT‬وء س ‪TT‬يرته فيهم‬
‫رواية اخرى عن مقتل حجر بن الح‪TT‬ارث ‪ ،‬فذكر انه بعث الى ب‪TT‬ني اس‪TT‬د جباته لتحص‪TT‬يل‬
‫االتاوة الس‪TT‬نوية ‪ ،‬فامتنع بنو اس‪TT‬د وط‪TT‬ردوا لرس‪TT‬ل وض‪TT‬ربوهم ‪ ،‬فلما بلغ ذل‪TT‬ك حجرا س‪TT‬ار‬
‫اليهم بجند من ربيعة ومن قيس وكنانة فهاجم ب‪T‬ني اس‪T‬د " واخذ س‪T‬رواتهم وخيارهم وجعل‬
‫يقتلهم بالعصا واباح االموال وس‪TT‬يرهم الى تهامة وحبس منهم جماعة من اشرافهم ‪ ،‬فيهم‬
‫عبيد بن االب‪T‬رص الشاعر فقال شعرا بس‪T‬تعطفه لهم ‪ ،‬فرق لهم وارس‪T‬ل من يردهم ‪ ،‬فلما‬
‫ص ‪TT‬اروا على يوم منه تكهن كاهنهم ‪ ،‬وه ‪TT‬و عوف بن ربيعة بن عامر االس ‪TT‬دي ‪ ،‬فقال‬
‫لهم ‪ :‬من الملك الص‪TT T‬لهب ‪ ،‬الغالب غ‪TT T‬ير المغلب ‪ ،‬في االب‪TT T‬ل كانها الرب‪TT T‬وب ه‪TT T‬ذا دمه‬
‫يتشعب ‪ ،‬وهو غدا اول من يس‪TT‬تلب ؟ قالوا ‪ :‬من ه‪TT‬و ؟ قال ‪ :‬ل‪TT‬و ال تجيش نفس خاشية ‪،‬‬
‫ال خبرتكم انه حجر ض‪TT‬احية ‪ ،‬فركب‪TT‬وا كل ص‪TT‬عب وذل‪TT‬ول ح‪TT‬تى بلغ‪TT‬وا الى عس‪TT‬كر حجر‬
‫‪ .‬وقيل ايض‪T‬ا ان حجرا اخذ اس‪T‬يرا في المعركة وجعل‬ ‫(‪)5‬‬
‫فهجموا عليه في قتبته فقتلوه "‬
‫في قبة ‪ ،‬فوثب عليه ابن اخت علباء فض‪TT‬ر ب‪T‬ه بحديدة كانت معه الن حجرا كان قد قتل‬
‫‪ .‬اما شرحبيل وسلمه ابني الحارث فقد سعى بينهما المنذر ملك الح‪TT‬يرة ‪ ،‬وفرق‬ ‫(‪)6‬‬
‫اباه "‬
‫بينهما ‪ ،‬فيقال انه وجه الهدايا الى سلمه ‪ ،‬ثم ارسل الى شرحبيل من يقول ل‪TT‬ه ‪ :‬ان س‪TT‬لمه‬

‫()ابن االثير ‪ ،‬الكامل ‪ ،‬ص ‪ ، 513‬ابو الفدا ‪ ،‬المختصر ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 93‬‬ ‫‪1‬‬

‫()اليعقوبي ‪ :‬تاريخ اليعقوبي ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 217‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ابن االثير ‪ :‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 513‬‬ ‫‪3‬‬

‫()اليعقوبي‪ :‬تاريخ اليعقوبي ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪. 217‬‬ ‫‪4‬‬

‫()ابن االثير ‪ :‬الكامل ج ‪ 1‬ص ‪. 514‬‬ ‫‪5‬‬

‫() ابن االثير ‪ ،‬الكامل ‪ ،‬ص ‪. 515‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪75‬‬
‫اكبر منك ‪ ،‬وهذه الهدايا تأتية من المنذر ‪ ،‬وما زال يح‪T‬رض كل منهما على االخر ح‪T‬تى‬
‫ثم ان س‪TT‬لمة بن الح‪TT‬ارث اخرجته تغلب عنها ‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫نشبت الح‪TT‬رب بينهما ‪ ،‬فقتل شرحبيل‬
‫فاضطر للجوء الى بكر بن وائل ‪ ،‬فاذ عنت له وحشدت عليه وقالوا ‪ ( :‬ال يملكنا غ‪TT‬يرك‬
‫‪ ،‬فارس ‪TT‬ل اليهم المنذر ملك الح ‪TT‬يرة يدعوهم للدخول في طاعته فرفض ‪TT‬وا ذل ‪TT‬ك ‪ ،‬فاقس ‪TT‬م‬
‫المنذر ليس ‪TT T‬يرن اليهم فان ظف ‪TT T‬ر بهم فليذبحنهم على قلة جب ‪TT T‬ل أوراه ح ‪TT T‬تى يبلغ ال ‪TT T‬دم‬
‫الحض ‪TT‬يض ) ثم زح ‪TT‬ف نح ‪TT‬وهم ودارت معركة هائلة بين الط ‪TT‬رفين انهزمت فيها بكر ‪،‬‬
‫ووقع يزيد بن شرحبيل في االس‪TT‬ر ‪ ،‬فأمر المنذر بقتله ‪ .‬وعرف ه‪TT‬ذا اليوم بيوم أوراه‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫االول‬
‫اما االبن الراب‪T‬ع للح‪T‬ارث وه‪T‬و معد يكرب واله اب‪T‬وه على قيس عيالن فقد قض‪TT‬ى‬
‫بقية حياته حزينا بعد مقتل اخوية شرحبيل وحجر وموت اخيه س ‪TT‬لمة ‪ ،‬وزاد حزنه‬
‫‪ .‬ثم ح‪T‬اول امرؤ القيس بن حجر ان يثأر ألبيه من‬ ‫(‪)3‬‬
‫( حتى اعتراه وس‪T‬واس هلك ب‪T‬ه )‬
‫فارتح‪T‬ل الى‬ ‫(‪)4‬‬
‫بني اسد وكان مقيما ب‪T‬دمون من ارض حض‪TT‬رموت عندما بلغ‪T‬ه مقتل ابيه‬
‫بكر وتغلب وس‪TT‬ألهم ان ينص‪TT‬روه على ب‪TT‬ني اس‪TT‬د فأجابوه ‪ ،‬فارس‪TT‬ل امرؤ القيس من يأتيه‬
‫بأخبارهم وكان بنو اسد قد لجئوا الى بني كنانة فلما علموا ان عيون امرؤ القيس تتعقبهم‬
‫رحلوا عنهم ليال دون علمهم ‪ ،‬ثم اقب ‪TT‬ل امرؤ القيس بمن معه من بكر وتغلب وغ ‪TT‬يرهم‬
‫ح‪TT‬تى انتهى الى ب‪TT‬ني كنانة ‪ ،‬وه‪TT‬و يظنهم ب‪TT‬ني اس‪TT‬د ‪ ،‬فهاجمهم وه‪TT‬و يص ‪TT‬يح " يا لثارات‬
‫الملك ! يا لثارات الهمام ! فقيل ل‪T‬ه ‪ :‬ابيت اللعن ! لس‪T‬نا ل‪T‬ك بثأر ‪ ،‬نحن بنو كنانة فدونك‬
‫ومضى امرؤ القيس يتعقب بني اس‪TT‬د ويقول‬ ‫(‪)5‬‬
‫ثأرك فاطلبهم فان القوم قد ساروا باألمس‬
‫‪:‬‬
‫هم كانوا الشفاء فلم يصابوا‬ ‫اال يا لهف نفسي بعد قوم‬
‫وباألشقين ما كان العقاب‬ ‫وقاهم جدهم ببني ابيهم‬

‫()اليعقوبي ‪ :‬تاريخ اليعقوبي ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 217‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ابن االثير ‪ :‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 552‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ابن خلدون ‪ :‬تاريخ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪. 472‬‬ ‫‪3‬‬

‫()ابن قتيبة ‪ :‬الشعر والشعراء ‪ ،‬تحقيق احمد محمد شاكر ‪ ،‬ج‪ 1‬ص‪ ، 54‬االص‪TT‬فهاني ‪،‬االغ‪TT‬اني ج‪8‬‬ ‫‪4‬‬

‫ص‪ . 133‬ابن االثير ‪ ،‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 516‬‬


‫()ابن االثير ‪ :‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪516‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪76‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ولو ادركته صفر الرطاب‬ ‫وافلتهن علباء جريضا‬
‫ثم ادركهم امرؤ القيس ظهر اليوم التالي وقد انهك الس ‪TT‬ير خيله ونال رجال ‪TT‬ه‬
‫العطش وبنوا أسد نازلون على الماء ‪ ،‬فقاتلهم ح‪T‬تى كثرت القتلى بينهم ‪ ،‬وتمكن بنو اس‪T‬د‬
‫من الف ‪TT‬رار ‪ ،‬واراد امرؤ القيس ان يتعقبهم ‪ ،‬فامتنعت بكر وتغلب ‪ ،‬بحجة انه اص ‪TT‬اب‬
‫ثأره من ب‪TT‬ني اس‪TT‬د ‪ ،‬فانص‪TT‬رفوا عنه ‪ ،‬فلما يئس من نص‪TT‬رتهم ل‪TT‬ه ‪ ،‬س‪TT‬ار الى اليمن ونزل‬
‫ب‪TT‬أزد شنؤه طالب‪TT‬ا معونتهم على ب‪TT‬ني اس‪TT‬د ‪ ،‬فأبوا ان ينص‪TT‬روه ‪ ،‬فارتح‪TT‬ل ح‪TT‬تى نزل عند‬
‫مرثد الخير بن ذي جدن الحميري اح ‪TT T‬د اقيال اليمن ‪ ،‬وكان بينهما قراب ‪TT T‬ة ‪ ،‬فأمده‬
‫بخمس‪T‬مائة رجل من حمير ‪ ،‬اال ان مرثد مات قب‪T‬ل ان يرح‪T‬ل امرؤ القيس ‪ ،‬فخلف‪T‬ه رجل‬
‫من حمير يقال له قرمل فسير ذلك الجيش ‪ ،‬وتبعه شذاذ من العرب واس‪TT‬تأجر غ‪TT‬يرهم من‬
‫‪ .‬واضطر بنو اس‪TT‬د لاللتجاء الى‬ ‫(‪)2‬‬
‫قبائل اليمن فسار بهم الى بني اسد فقاتلهم وظفر بهم‬
‫المنذر بن ماء الس‪TT‬ماء واالحتماء ب‪TT‬ه وكان المنذر قد بس‪TT‬ط نف‪TT‬وذه على الجزيرة فارس‪TT‬ل‬
‫الجيوش ليتعقب امرؤ القيس ومن معه فأراد امرؤ القيس العودة الى اليمن فخاف حض‪TT‬ر‬
‫موت وطلبته بنو اس‪TT‬د وقبائل معد وتف‪TT‬رق عنه من كان معه من حمير وغ‪TT‬يرهم ‪ ،‬وبقي‬
‫في جماعة من اهله ‪ ،‬واخذ يطوف القبائل طالبا النصرة والعون دون جدوى ثم س‪TT‬ار في‬
‫صحبة رجل من فزارة الى السمو الى بن عاديا بتيماء فنزل عنده ثم طلب منه ان يكتب‬
‫له الى الحارث بن ابي شمر الغساني ليوصله الى قيصر الروم ( جس‪TT‬تينان ) فأجاب‪TT‬ه الى‬
‫ذل ‪TT‬ك ورح ‪TT‬ل امرؤ القيس الى الح ‪TT‬ارث واودع اهله وادراعه عند الس ‪TT‬مؤال فلما وص ‪TT‬ل‬
‫القس‪TT‬طنطينية رجل من ب‪TT‬ني اس‪TT‬د يقال ل‪TT‬ه الطماح فدخل على قيص‪TT‬ر فوشى ب‪TT‬أمرؤ القيس‬
‫وقال له ‪ :‬ان امرؤ القيس غوي عاهر وانه كان يراسل ابنتك ويقول فيها اشعارا اشهرها‬
‫بها في العرب ‪ ،‬فغض ‪TT‬ب قيص ‪TT‬ر ‪ ،‬وبعث اليه بحلة وشي منس ‪TT‬وجة بال ‪TT‬ذهب مس ‪TT‬مومة ‪،‬‬
‫وامره ان يلبسها ‪ ،‬فلما لبس امرؤ القيس الحلة دب فيه الس‪T‬م ‪ ،‬وس‪T‬قط جلده ‪ ،‬فلما وص‪T‬ل‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الى موضع من بالده الروم يقال له انقرة مات فدفن هناك‬
‫حضارة كندة ‪:‬‬

‫()اليعقوبي ‪ :‬تاريخ ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪ ، 218‬ابن االثير ‪ ،‬الكامل ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 516‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ابن االثير ‪ :‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 517 ، 516‬‬ ‫‪2‬‬

‫()اليعقوبي ‪ :‬تاريخ ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪ ، 220 ، 218‬ابن االثير ‪ ،‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 519 – 518‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪77‬‬
‫احتف‪TT T‬ظ الكنديون ب‪TT T‬النظم البدوية الس‪TT T‬ائدة في الجزيرة العربية ‪ ،‬ولم يح‪TT T‬الوا ان‬
‫يغيروا النظم السياسية القبلية ‪ ،‬فتركوا كل قبيلة تحتفظ بتنظيماتها وتقاليدها ب‪TT‬ل ورؤس‪TT‬ائها‬
‫مكتفين ب ‪TT T T‬االعتراف برئاس ‪TT T T‬تهم العليا ‪ ،‬وب ‪TT T T‬ذلك كون الكنديون نوعا من االتح ‪TT T T‬اد (‬
‫‪ .‬ولم تكن للكنديين‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪ ) Confederation‬كان لكندة ح‪TT T‬ق رئاس‪TT T‬ة وتنظيمه وتوجيهه‬
‫حضارة على مستوى حضارة الغساس‪TT‬نة او المناذرة ‪ ،‬فلم يكونوا قد ادخلوا الى الجزيرة‬
‫دينا او ثقافة جديدة ولم تكن لهم حواض ‪TT T‬ر ثابته ‪ ،‬وانما كانوا يتنقلون بين الجنوب‬
‫‪ .‬اال ان الحركة االدبية في كندة موئل الشعراء العرب في الجاهلية ونب‪TT‬غ‬ ‫(‪)2‬‬
‫والشمال‬
‫فيهم عدد من الشعراء ‪ ،‬وفي مقدمتهم الشاعر امرؤ القيس الذي كان ل‪T‬ه فض‪TT‬ل كب‪T‬ير على‬
‫‪ .‬اما‬ ‫(‪)3‬‬
‫الشعر العربي ‪ ،‬فقد ادخل فيه فنونا وابواب‪T‬ا جديدة س‪T‬ار عليها الشعراء من بعده‬
‫عن الناحية الدينية ‪ ،‬فقد كانت عب‪TTT‬ادة االص ‪TT‬نام هي الس ‪TT‬ائدة في كندة ‪ ،‬ومن اص‪TT T‬نامهم‬
‫كذلك انتشرت اليهودية في‬ ‫(‪)4‬‬
‫المشهورة ذو الخصلة ‪ ،‬وكانوا يستقسمون عنده باألزالم‬
‫كنانة وكندة بس ‪TT‬بب مجاورة اليهود لب ‪TT‬ني كنانة في يثرب وخيبر ‪ ،‬ومن اتص ‪TT‬ال كندة‬
‫بالتبايعة في العهد االخير وتبعيتهم لهم ‪ ،‬اما المسيحية فكانت اكثر حظ‪TT‬ا في االنتشار من‬
‫اليهودية في بالد نجد فكان بنو تغلب وجماعة من ب‪TT‬ني اس‪TT‬د وقد اعتقنوا المس‪TT‬يحية وقد‬
‫انحدرت المسيحية الى العرب عن طريق الغساسنة في الشام والعب‪TT‬اد من نص‪TT‬ارى الح‪TT‬يرة‬
‫في العراق كذلك كان ل‪T‬دخول االحب‪T‬اش في بالد اليمن اثر كب‪T‬ير في انتشار المس‪T‬يحية بين‬
‫العرب ويذكر المؤرخون ان اول من تنص‪TT‬ر من ملوك كندة ه‪TT‬و " معد يكرب " الملقب‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫بذي التاج االوضح‬
‫مملكة لحيان‬
‫واما ( لحيان ) فمعارفنا عنهم مع ض‪TT‬التها وقلتها خير من معارفنا عن ديدان ‪،‬‬
‫ويعود الفض‪TT‬ل في ذل‪TT‬ك الى ما ورد عنهم في مؤلف‪T‬ات بعض الكتب‪TT‬ة اليونان والالتين والى‬
‫الكتاب‪TT‬ات اللحيانية ال‪TT‬تي عثر عليها الرح‪TT‬الون ‪ ،‬فأنها اكثر عددًا من الكتاب‪TT‬ات الديدانية ‪،‬‬

‫() صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص ‪ ، 93‬سالم ‪ ،‬دراسات ص ‪. 432‬‬ ‫‪1‬‬

‫() سالم ‪ :‬دراسات ص ‪ ( 432‬ورد ذكر دمون في شعر امرؤ القيس‬ ‫‪2‬‬

‫ولم أشهد الغارات يوما بعندل‬ ‫كأني لم الهوا بدمون مرة‬


‫() صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص ‪ ، 92‬سالم ‪ ،‬دراسات ص ‪. 433‬‬ ‫‪3‬‬

‫() ابن الكلبي ‪ :‬االصنام ص ‪. 37 ، 34‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سالم ‪ ،‬دراسات ص ‪. 435 ، 434‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪78‬‬
‫واكثر منها كالمًا ‪ ،‬فإننا حين نجد الكتاب ‪TT‬ات الديدانية قد الذت بالص ‪TT‬مت فلم تذكر من‬
‫ملوكها اال ملكًا واحدًا ‪ ،‬نجد الكتابات اللحيانية قد نطقت باس‪TT‬م اكثر من ملك واح‪TT‬د ‪ ،‬وان‬
‫لم تأت بشيء من ه‪TT T‬ذه المادة كثير ‪ .‬وقد وص‪TT T‬لت الينا اس‪TT T‬ماء ملوك حكموا مملكة‬
‫(لحيان ) ‪ ،‬وهي مملكة ص ‪TT‬غيرة تقع ارض ‪TT‬ها جنوب ارض حكومة النب ‪TT‬ط ‪ ،‬ومن اشهر‬
‫مدنها ‪( :‬ددان ) ‪ ،‬وهي خرائب ( العال ) ( الخريب‪TT T T T T‬ة ) في ال‪TT T T T T‬زمن الحاض‪TT T T T T‬ر ‪ ،‬و‬
‫(الحجر) ‪ ،‬وقد عرفت ب ( ‪ ) Hegra‬و ( ‪ ) Egra‬عند اليونان والالتين ‪ ،‬ومن‬
‫الكتابات اللحيانية واالثار التي عثر عليها في مواطنهم ‪ ،‬اس‪T‬تطعنا اس‪T‬تخراج معارفنا عن‬
‫‪ .‬وقد كان شعب لحيان من شعوب العربية الجنوبية في االص‪TT‬ل في‬ ‫(‪)1‬‬
‫المملكة لحيان‬
‫رأي بعض الب‪TT T‬احثين ‪ ،‬وقد ذكرهم ( بلينيوس ) في جملة شعوب العربية الجنوبية ‪،‬‬
‫وقد ذهب بعض الب‪TT‬احثين الى‬ ‫(‪)2‬‬
‫وس‪TT‬ماهم ‪ Lexianes‬او = ‪Laccanitac Lechicini‬‬
‫ان الحميريين اس‪T‬تولوا على مواطن اللحيانيين في ح‪T‬والي س‪T‬نة ( ‪ 115‬ق‪.‬م ) ‪ ،‬فخض‪TT‬عوا‬
‫‪ .‬ومما يؤيد وجهة نظ‪TT‬ر من يرى ان اللحيانيين هم من اص‪TT‬ل‬ ‫(‪)3‬‬
‫ب‪TT‬ذلك لحكم الحميريين‬
‫عربي جنوبي ‪ ،‬ورد اس‪TT‬م ( لحيان ) في نص عربي جنوبي قص‪TT‬ير ‪ ،‬ه‪TT‬ذا نص‪TT‬ه ‪ ( :‬اب‬
‫‪ ،‬وفي هذا النص دالل‪T‬ة على ان اللحيانيين كانوا‬ ‫(‪)4‬‬
‫يدع ذلحين ) اي ( أبيدع ذو لحيان )‬
‫في العربية الجنوبية ن ويظهر ان ( أبيدع ) المذكور كان اح‪T‬د أقيال ( لحيان ) في ذل‪T‬ك‬
‫الزمن ‪.‬‬
‫ويرى ( كاس ‪TT T‬ل ) ان اللحيانيين كانوا يقيمون على الس ‪TT T‬احل على مقرب ‪TT T‬ة من‬
‫( ددن ) ( الديدان ) ‪ ،‬وكانت لهم ص‪TT‬الت وثيقة بمص‪TT‬ر ‪ ،‬وتأثروا بالثقافة اليونانية ال‪TT‬تي‬
‫كانت شائعة في مصر اذ ذاك ‪ ،‬حتى انهم سموا ملوكهم بأس‪T‬ماء يونانية ‪ ،‬مثل ( تخمي )‬
‫‪ ، Tachmi‬و ( بتحمي ) ‪ ، Ptahmy‬و( تلمي ) ‪ Tulmi‬وقد اخذت من‬
‫‪ .‬اما الكتابات اللحيانية او الكتاب‪T‬ات االخرى مثل النبطية‬ ‫(‪)5‬‬
‫(بطليموس ) ‪Ptolemaios‬‬

‫‪1‬‬
‫‪()Arabien , S. 48, Die Araber , I ; S. 94 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Die Araber , I, S.94 , Pliny , 6 , 155 . Arabian, S.23 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()W.Caskel , Das Allarabische Komigreich Lijan (1951) ,S; 10, J.Ryckmans ,‬‬
‫‪in Bibliotheca Orientalis , 18 . 10, ( 1961 ) , 219 , W.F.Albright , Von Ugarit‬‬
‫‪nach Qumran , ( 1961 ) , S; G .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()REP.EPIG 3902 , 10 , Die Araber , I , S; 93 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Lihyanisch , S; 39 , Die Araber , I , S; 102 .‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪79‬‬
‫او العمودية او المعينية وغيره ‪TT‬ا ‪ ،‬فأنها لم تتح ‪TT‬دث ب ‪TT‬أي ح ‪TT‬ديث عن اص ‪TT‬ل اللحيانيين ‪.‬‬
‫ويعود الفض ‪TT‬ل في حص ‪TT‬ولنا على ما س ‪TT‬ندونه عن تاريخ لحيان الى الكتاب ‪TT‬ات اللحيانية ‪،‬‬
‫وهي وان كانت قليلة واكثرها في امور شخص‪TT‬ية ‪ ،‬فقد افادتنا فائدة قيمة في الكشف عن‬
‫بعض تاريخ اللحيانيين ‪ ،‬وس ‪TT‬تزيد معرفنا ب ‪TT‬الطبع في المس ‪TT‬تقبل كلما زاد عثور العلماء‬
‫على كتاب‪TT‬ات لحيانية جديدة ‪ ،‬وال يس‪TT‬تبعد ان يكون عدد منها ما يزال مطمورا في بطن‬
‫االرض ‪ .‬وقد عالج بعض المستشرقين موض ‪TT‬وع ( لحيان ) ‪ ،‬ومنهم (كاس ‪TT‬كل ) فكتب‬
‫‪ ،‬ذهب فيهما الى ان اللحيانيين كانوا كأكثر الشعوب‬ ‫(‪)1‬‬
‫فيهم كتابين باللغ‪TT T‬ة االلمانية‬
‫تجارًا وكانت تجارتهم مع ( مص‪T‬ر ) بالدرجة االولى ‪ ،‬وقد انتزعوا الحكم من الجاليات‬
‫المعينية ال‪TT T‬تي كانت تقيم في ه‪TT T‬ذه االرض‪TT T‬ين ال‪TT T‬تي كانت في االص‪TT T‬ل جزءًا من مملكة‬
‫معين ‪ ،‬فلما ض ‪TT‬عف امر حكومة معين في اليمن ولم يب ‪TT‬ق في اس ‪TT‬تطاعتها الس ‪TT‬يطرة على‬
‫امالكها البعيدة عنها ‪ ،‬طمع الطامعون ومنهم اللحيانيون في المعينيين الشماليين الس‪TT‬اكنين‬
‫في هذه االرضين ‪ ،‬فانتزعوا الحكم منهم وسيطروا عليهم ‪ ،‬واندمج المعينيون فيهم ح‪TT‬تى‬
‫ص‪TT T‬اروا جزءًا منهم ‪ ،‬وكان ذل‪TT T‬ك – على رأيه – في القرن الثاني قب‪TT T‬ل الميالد ‪ ،‬وفي‬
‫‪ .‬ويرى ( كاس‪TT‬كل ) ان المعينيين كانوا قد بقوا‬ ‫(‪)2‬‬
‫ح‪TT‬والي ( ‪ ) 160‬قب‪TT‬ل الميالد تقريب ‪ًT‬ا‬
‫يحكمون ( ديدان ) مكونين حكومة ( مدينة ) الى ح‪TT‬والي الس‪TT‬نة ( ‪ 150‬ق‪.‬م ) وعندئذ‬
‫اغ ‪TT‬ار عليهم اللحيانيون وانتزعوا الحكم منهم ‪ ،‬ويرى ان من المحتمل ان الملك االول‬
‫ال‪TT‬ذي حكم اللحيانيين كان من اه‪TT‬ل الشمال ‪ ،‬وربما كان من النب‪TT‬ط غ‪TT‬ير ان ال‪TT‬ذين جاؤوا‬
‫‪ .‬وقد كان المعينيون يس ‪TT‬يطرون على اعالي الحجاز في‬ ‫(‪)3‬‬
‫بعده كانوا من اللحيانيين‬
‫القرن الخامس قب‪TT‬ل الميالد ‪ ،‬مكونين مس‪TT‬توطنات معينة غايتها حماية الط‪TT‬رق التجارية‬
‫ال‪T‬تي تمر من بالد الشام الى العربية الجنوبية ‪ ،‬وقد عرفت تلك المس‪T‬تعمرة ال‪T‬تي تح‪T‬دثت‬
‫عنها س ‪TT‬الفًا باس ‪TT‬م ( معين مص ‪TT‬ران ) ‪ ،‬وعاص ‪TT‬متها مدينة ( علت ) ‪ ،‬وهي ( العال ) في‬
‫ال ‪TT‬زمن الحاض ‪TT‬ر ‪ ،‬ومن مدنها االخرى ديدان و ( الحجر ) وغيرهما (‪ .)4‬وقد اختلف‬

‫‪1‬‬
‫‪()Das Altarabische Konigreich Lihjian , 1951 , Lihyan und Lihyanisch ,‬‬
‫‪1954 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪() Die Araber , I, S; 94 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪() Das Altarabische Konigreich , S; 9 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪() Arabien , S; 26 .‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪80‬‬
‫الب‪TTT‬احثون فيمن س‪TTT‬كن ه‪TTT‬ذه االرض‪TT T‬ين اوال ومن حكم قبًال ‪ :‬الديدانيون ‪ ،‬ام المعينيون ام‬
‫اللحيانيون ؟ فذهب بعض ‪TT‬هم الى ان اللحيانيين انما جاؤوا بعد المعينيين ‪ ،‬وهم ال ‪TT‬ذين‬
‫قض ‪TT T‬وا عليهم وانتزعوا منهم الحكم والف ‪TT T‬وا مملكة لحيانية ‪ ،‬وذهب بعض اخر الى ان‬
‫اللحيانيين كانوا قد سبقوا المعينيين في الحكم ‪ ،‬وان حكمهم هذا دام ح‪TT‬تى جاء المعينيون‬
‫فانتزعوا منهم في زمن اختلف‪TT T‬وا في تعيينه ‪ ،‬وذهب اخرون الى تقديم الديدانيين على‬
‫المعينيين واللحيانيين وقد اختلف ‪TT T‬وا كذلك في زمان نهاية حكم كل حكومة من ه ‪TT T‬ذه‬
‫‪ .‬ويرى بعض الباحثين ان مملكة لحيان ظهرت ايام (بطليموس الثاني ) ‪،‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الحكومات‬
‫بتشجيع من البطالمة وبتأييدهم ليتمكنوا من الض ‪TT T‬غط على النب ‪TT T‬ط ح ‪TT T‬تى يكونوا ط ‪TT T‬وع‬
‫ايديهم ‪ ،‬وقد جعل بعض‪TT‬هم ذل‪TT‬ك االس‪TT‬تقالل فيما بين الس‪TT‬نة ( ‪ 280‬ق‪.‬م ) ‪ ،‬وس‪TT‬نة ( ‪200‬‬
‫‪ ،‬ويرى غيرهم ان ذلك كان قبل هذا العهد ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ق‪.‬م )‬
‫وقد كان اللحيانيون يكره‪TT‬ون النب‪TT‬ط ‪ ،‬ألنهم كانوا يطعمون في بالدهم ويعرقلون‬
‫تجارتهم ال‪TT‬تي كان ال ب‪TT‬د لها من المرور ب‪TT‬أرض النب‪TT‬ط ‪ ،‬ولهذا لجئوا الى ( البطالمة )‬
‫يحتمون بهم ‪ ،‬ويتوددون اليهم ليحموهم من تحكم النب ‪TT‬ط في شؤونهم ‪ ،‬بقوا على ذل‪TTT‬ك‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫طوال ايام ( البطالمة ) ‪ ،‬فلما حل الرومان محلهم ‪ ،‬توددوا اليهم كذلك للس‪TT‬بب نفس‪TT‬ه‬
‫ويرى بعض الب‪TT T‬احثين ان النب‪TT T‬ط هم ال‪TT T‬ذين قض‪TT T‬وا على مملكة لحيان ‪ ،‬باس‪TT T‬تيالئهم على‬
‫( الحجر ) س‪TT‬نة ( ‪ 65‬ق‪.‬م ) وعلى ديدان س‪TT‬نة ( ‪ 9‬ق‪.‬م ) ‪ ،‬على حين يرى اخرون ان‬
‫‪ ،‬وذهب ( كاس ‪TT‬كل ) الى ان النب ‪TT‬ط قض ‪TT‬وا‬ ‫(‪)4‬‬
‫نهايتها كانت في القرن الثاني بعد الميالد‬
‫على مملكة ( لحيان ) ‪ ،‬وذلك بعد السنة ( ‪ 24‬ب ‪.‬م ) ‪ ،‬اال ان حكم النب‪TT‬ط لم يدم ط‪TT‬ويًال‬
‫‪ ،‬الن الرومان كانوا قد اس‪TT‬تولوا على مملكة النب‪TT‬ط س‪TT‬نة ( ‪ 106‬م ) ‪ ،‬وكونوا منها ومن‬
‫ارضين عربية اخرى مجاورة اسم ( المقاطعة العربية ) (الكورة العربية ) وب‪T‬ذلك انتهى‬
‫‪ .‬وال نعرف ماذا كان عليه موقف اللحيانيين من احتالل‬ ‫(‪)5‬‬
‫حكم النب‪TT T‬ط على لحيان‬

‫‪1‬‬
‫‪()J.H Mordtmann , Beitrage , zur Mainischen Epignaphik , Weimar , 1897 ,‬‬
‫‪S; XI , BOASOOR , NUM; 73 , 1939 , NUM; 129 , 1953 , P.23 , Le Museon‬‬
‫‪, 51 , ( 1938 ) , P. 307 , Arabien , S; 46 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Ency ; Vol; III, P. 26 , Die Araber , I , S; 104 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Die Araber , I , S; 104 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Lihyanisch , S; 35 , Die Araber , I, S;95 , CIH, 2, I 332 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Arabien , S; 48 , Lihyanisch, S;42, Die Araber , I, S;97 .‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪81‬‬
‫الرومان ألرض النب ‪TT‬ط ومن تكوين الرومان لما يس ‪TT‬مى ب ( الكورة العربية ) ‪ ،‬ال ‪TT‬تي‬
‫جاورت ارض اللحيانيين ‪ ،‬ويرى (كاسكل ) ان موقف اللحيانين من الرومان كان موقف‪ًT‬ا‬
‫وديًا ‪ ،‬النهم انقذوهم من سيطرة النبط عليهم ‪ ،‬ويرى احتمال تكوين اتصال سياسي بينهم‬
‫‪ .‬وقد اس‪TT‬تدل ( كاس‪TT‬كل ) من شاهد قبر يعود زمنه الى ح‪TT‬والي الس‪TT‬نة‬ ‫(‪)1‬‬
‫وبين الرومان‬
‫التاس‪TT T T‬عة قب‪TT T T‬ل الميالد ‪ ،‬عثر علية في ( العال ) أرخ بحكم الملك ( الح‪TT T T‬ارث الراب‪TT T T‬ع)‬
‫‪ ،‬على ان اللحيانيين كانوا يومئذ تحت حكم ملوك النب‪TT‬ط ‪ ،‬واس‪TT‬تدل على‬ ‫(‪)2‬‬
‫‪Aretas IV‬‬
‫رأيه هذا بعدم اشارة ( سترابون ) الى مملكة لحيانية في اثناء حديثة عن حملة ( اوليوس‬
‫كالوس ) ( اوليوس غالوس ) على اليمن التي وقعت في ح‪TT‬والي س‪TT‬نة (‪ 25‬م ) ‪ ،‬وكالمه‬
‫على ملوك النبط ‪ ،‬وكأن ملكهم قد شمل أرض لحيان ‪ ،‬حتى بلغ مكانًا ال يبعد كثيرًا عن‬
‫( المدينة ) ( يثرب ) ورأى في ذل‪TT T‬ك عالمة على ان ملوك النب‪TT T‬ط كانوا قد اس‪TT T‬تذلوا‬
‫‪ .‬ويظن ان النص اللحياني‬ ‫(‪)3‬‬
‫اللحيانيين وقض‪TT‬وا على اس‪TT‬تقاللهم زمانًا لم يح‪TT‬دد بالض‪TT‬بط‬
‫الموسوم ب ‪ ، JS 349‬من نهاية القرن الثاني قب‪TT‬ل الميالد على رأي بعض‪TT‬هم ‪ ،‬ه‪TT‬و من‬
‫اقدم النص‪TT‬وص اللحيانية ‪ ،‬دونه رجل اس‪TT‬مه ( نرن بن حض‪TT‬رو ) (ناران بن حاض‪TT‬رو )‬
‫( نوران بن حاض‪TT‬ر ) ‪ ،‬وذل‪TT‬ك بأيام ( جشم بن شهر ) و ( عب‪TT‬د ) ال‪TT‬ذي كان واليًا على‬
‫‪ .‬وقد ذكر في النص اس‪TT‬م الملك ال‪TT‬ذي كتب النص في عهده ‪ ،‬اال ان‬ ‫(‪)4‬‬
‫( ددان ) يومئذ‬
‫الزمان عبث به ‪ ،‬اذ اصيب بكسر فسقط تمام االسم منه ‪ .‬وقد تجسست بعض النص‪TT‬وص‬
‫اللحيانية على ملوك لحيان ‪ ،‬فقدمت للب‪TT T T‬احثين بعض اس‪TT T T‬مائهم ‪ ،‬واعلمتنا ب‪TT T T‬ذلك ان‬
‫اللحيانيين كانوا قد كونوا لهم مملكة حكمت امدًا ‪ ،‬ثم زالت من الوجود كما زال غيره‪T‬ا‬
‫من ممال‪TT‬ك ‪ ،‬واذ لم يقم العلماء في ( العال ) وفي االرض‪TT‬ين اللحيانية االخرى بحفريات‬
‫متنظمة ‪ ،‬فليس بمستبعد ان يعثر فيه يومًا ما على نصوص لحيانية اخرى تكشف النقاب‬
‫‪ .‬ومن الملوك ال‪TT T‬ذين عرفنا اس‪TT T‬ماءهم من‬ ‫(‪)5‬‬
‫عن اس‪TT T‬ماء عدد اخر من ملوك لحيان‬
‫النص‪TT‬وص المذكورة ‪ ،‬ملك اس‪TT‬مه ‪ ( :‬هنوس بن شهر ) (ه‪TT‬انوس بن شهر ) ( ه‪TT‬انواس‬
‫‪1‬‬
‫‪()Lihyanisch , S; 42 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()CIH , II , I , 332 , Die Araber , I , S ; II .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Die Araber , I S;95 , Konigreich Lihjan , S; II .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Lihyanisch , S; 39 , 101 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Arabien , 1963 , S;76 , Die Araber , I , S;100, 103, Lihyanisch ,S;41 , W.‬‬
‫‪Tarn , in Journal of Egypt .Archeol ; 15 , 1929 , 19 Ency ; III , P.26 .‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪82‬‬
‫بن شهر ) ‪ ،‬وقد ذكر معه في النص اسم ملك اخر شاركه في الحكم ‪ ،‬اال انه س‪TT‬قط منه‬
‫بعبث حدث له ‪ ،‬فأضاع علينا اسمه ‪ ،‬وقد اصيب النص بتلف في مواض‪TT‬ع منه ‪ ،‬فأض‪TT‬اع‬
‫علينا المعنى ‪ ،‬والظ ‪TT T‬اهر انه دون لمناس ‪TT T‬بة انشاء الملكين طريقًا يمر بجب ‪TT T‬ل ‪ ،‬فشقا‬
‫‪ .‬وعرفنا من تلك‬ ‫(‪)1‬‬
‫االرض ‪ ،‬ورص‪TT T‬فا وجهها وكس‪TT T‬وها بمادة تملس‪TT T‬ها الس‪TT T‬ير عليها‬
‫النص‪TT‬وص ملكَا اخر عرفه ب (ذ اس‪TT‬فعن تخمي بن ل‪TT‬ذن) (ذو أس‪TT‬فعينتخمي بن ل‪TT‬وذان) ‪،‬‬
‫والى‬ ‫(‪)2‬‬
‫وقد قدر (كاس‪TT‬كل) زمان حكمة في النص‪TT‬ف االول من القرن االول قب‪TT‬ل الميالد‬
‫أيامه تعود الكتابة الموسوية بـ‪ js 85 :‬وقد دونت لماسبة انشاء (بيت) لإلل‪TT‬ه ( ذو غ‪TT‬ابت)‬
‫‪ .‬وورد اس‪TT T‬م الملك‬ ‫(‪)3‬‬
‫( ذو غاب‪TT T‬ه) ال‪TT T‬ه لحيان ‪ ،‬وذل‪TT T‬ك للس‪TT T‬نة االولى لحكم ه‪TT T‬ذا الملك‬
‫( شمت جشم بن لذن) (شامت جشم بن لوذان) في الكتابة الموسومة بـ ‪ ، JS ( 85‬وقد‬
‫دونت بمناسبة تقديم شخص نذرَا الى االله (ذو غابة ) ‪ ،‬وذلك في السنة التاسعة من حكم‬
‫ه‪TT‬ذا الملك ‪ ،‬وقد قدر ( كاس‪TT‬كل ) زمان حكمه في ما بين الس‪TT‬نة ( ‪ 9‬ق‪.‬م) والس‪TT‬نة (‪56‬‬
‫وذكر في كتاب ‪TT T‬ه الموس ‪TT T‬وعة بـ ‪ JS 83‬ملك يس ‪TT T‬مى ( جلتقس) (جلت قوس)‬ ‫(‪)4‬‬
‫ق‪.‬م)‬
‫(ملتقس) ‪ ،‬وقد ارخت بأيامه ‪ ،‬اذ دونت في السنة التاسعة والعشرين من حكمة ‪ ،‬ودونت‬
‫لمناسبة تقديم شخص نذرَا ( ذنذر ) (نذر) الى اإلل‪T‬ه (عجلبن) ( عجل ب‪T‬ون) (عجل بن )‬
‫وهو ( صلم) اي صنم ‪ ،‬قدمة الى معبد ذلك اإلله (‪.)5‬‬
‫ورد اس‪TT‬م الملك ( منعى ل‪TT‬ذن بن هناس ) ( منهى ل‪TT‬وذان بن ه‪TT‬انؤاس) في الكتاب‪TT‬ة‬
‫الموسومة بـ ‪ ، JS 82‬وقد دونت الس‪T‬نة الخامس‪T‬ة والثالثين من حكم ه‪T‬ذا الملك ‪ ،‬لمناس‪T‬بة‬
‫تقديم نذر ‪ ،‬ه ‪TT‬وه (ص ‪TT‬لم) اي (ص ‪TT‬نم) الى اإلل‪TT‬ه (عجلبن) ص ‪TT‬نعه ( هص ‪TT‬نع ) رجل اس ‪TT‬مة‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫( سلمى ) ‪ ،‬وخط الكتابة ( هسفر ) كاتب اسمة ( خرج )‬
‫وقد كان حكمه – على ح‪TT T‬د قولي ( كاس‪TT T‬كل )‪ -‬فيما بين الس‪TT T‬نة ( ‪ 35‬ق‪.‬م )‬
‫‪ .‬وفي عهد ه‪TT‬ذا الملك أص‪TT‬يبت ( ديدان ) بهزة أتت على المعب‪TT‬د‬ ‫(‪)7‬‬
‫والس‪TT‬نة (‪ 30‬ق‪.‬م )‬

‫‪1‬‬
‫‪()Lihyanisch , S; 40 , 41 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Lihyanisch, S; 41,88-89 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Lihyanisch , s ; 88-89‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Lihyanisch, s; 41,90 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Lihyanisch, S; 41,91,Die Araber , I , S ; 103 , Arabien , S; 289 .‬‬
‫‪6‬‬
‫‪()Lihyanisch, S; 41,93 .‬‬
‫‪7‬‬
‫‪() Lihyanisch,S; 41 .‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪83‬‬
‫ومن كان فيه ‪ ،‬اذ س‪TT‬قط س‪TT‬قفه على اعض‪TT‬اء مجلس المدينة (هجب‪TT‬ل) (ه‪TT‬ا‪ -‬جب‪TT‬ل) ‪ ،‬فقتل‬
‫ويظهر من بعض‬ ‫(‪)1‬‬
‫اكثرهم ثم اعيد بنائهم بين الس‪TT T‬نة ( ‪ 127‬ب‪.‬م ) و(‪ 134‬ب‪.‬م )‬
‫‪ ،‬وه‪TT‬ذا‬ ‫(‪)2‬‬
‫النص‪TT‬وص اللحيانية المتأخرة ان اعادة بناء المعب‪TT‬د قد اس‪TT‬تغرقت زمنَا ط‪TT‬ويَال‬
‫مما يدل على ان الحال ‪TT‬ة االقتص ‪TT‬ادية لم تكن حس ‪TT‬نة في ذل ‪TT‬ك العهد ‪ ،‬وأن االمور لم تكن‬
‫جارية على وفق المرام ‪ ،‬وان الحكومة كانت ضعيفة فلم تتمكن من اعادة بنائه بالس‪TT‬رعة‬
‫المطلوب‪TT T‬ة ‪ .‬ويرى ( كاس‪TT T‬كل ) ان النب‪TT T‬ط هيمنوا على اللحيانيين في القرن االول قب‪TT T‬ل‬
‫الميالد ‪ ،‬واخذوا يض‪TT T‬ايقونهم ‪ ،‬ثم حكموهم ‪ ،‬وقد امتد حكمهم للحيانيين الى ما بعد‬
‫الميالد ‪ ،‬فقب‪TT T‬ل س‪TT T‬نة ( ‪ 65‬ق‪.‬م ) اس‪TT T‬تولى النب‪TT T‬ط على ( الحجر ) ‪ ،‬ثم س‪TT T‬اروا منها الى‬
‫( تيماء ) ‪ ،‬ثم قطعوا كل اتص‪TT‬ال للحيان ب‪TT‬البحر ‪ ،‬واس‪TT‬تولوا على ميناء ( لويكة كومة )‬
‫وكان تابعًا للحيان ‪ ،‬وتقدموا منه الى مواض‪TT‬ع اخرى ‪ ،‬ح‪TT‬تى اح‪TT‬اطوا بلحيان من جميع‬
‫‪ .‬ويظن (كاس‪TT‬كل ) ان حكم النب‪TT‬ط للحيان قد وقع بين الس‪TT‬نة ( ‪25‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الجهات وحكموهم‬
‫– ‪ 24‬ق‪.‬م ) والس ‪TT‬نة ( ‪ 9‬ق‪.‬م ) ويظن ( كاس ‪TT‬كل ) ان حكم النب ‪TT‬ط للحيان دام منذ ذل ‪TT‬ك‬
‫ال ‪TT‬زمن ح ‪TT‬تى ح ‪TT‬والي الس ‪TT‬نة ( ‪ 80‬ق‪.‬م ) ‪ ،‬ففي ه ‪TT‬ذا العهد كان حكم النب ‪TT‬ط نفس ‪TT‬ه يتدهور‬
‫بتزايد س‪TT‬لطان الرومان في بالد الشام وب‪TT‬دخول حكومة ( المكابين ) اليهودية في حماية‬
‫االمبراطورية الرومانية ‪ ،‬والنب‪TT‬ط هم في جوار المكابين في الجنوب ‪ ،‬ولما قهر جيش‬
‫( تراجان ) النب ‪TT‬ط ‪ ،‬وقض ‪TT‬ى على اس ‪TT‬تقاللهم ‪ ،‬تخلص اللحيانيون من حكم النب ‪TT‬ط وعادوا‬
‫فاس‪TT‬تقلوا في ادارة شؤونهم فحكمتهم اس‪TT‬رة منهم ‪ ،‬يظهر انها من االس‪TT‬رة الملكية القديمة‬
‫(‪)4‬‬
‫التي كانت تحكمهم قبل استيالء النبط عليهم‬
‫وكان جالء حكم النب‪TT‬ط عن لحيان في عهد الملك ( رب ال ) ( رب ايل ) اخر‬
‫ملوك النب‪T‬ط ال‪T‬ذي انتزع الرومان االقس‪T‬ام الشمالية من مملكته في س‪T‬نة ‪ 105‬للميالد ‪ ،‬ثم‬
‫اخذوا االقس‪T‬ام الجنوبية من مملكته بعد س‪T‬نة تقريب‪ًT‬ا ‪ ،‬اي س‪T‬نة ‪ 106‬للميالد ‪ ،‬وب‪T‬ذلك زال‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫حكم النب‪TT‬ط عن اللحيانيين ‪ ،‬فاس‪TT‬تعادوا اس‪TT‬تقاللهم برئاس‪TT‬ة الملك ( هناس بن تلمي )‬

‫‪1‬‬
‫‪()Arabien , S; 66 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪() Lihyanisch , S;42 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪(), S; 40, 42. Lihyanisch‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Lihyanisch, S; 42 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Lihyanisch, S; 42 .‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪84‬‬
‫وقد عثر الب‪TT‬احثون على كتابتين ‪ ،‬ورد في اح‪TT‬داهما ‪ ( :‬مس‪TT‬عودو ‪ :‬ملك لحيان ) وورد‬
‫في االخرى ‪( :‬ملك لحيان ) ‪ ،‬وقد سقط منها اسم الملك لتلف أص‪T‬اب الكتاب‪T‬ة ‪ ،‬وقد ذهب‬
‫(كاسكل ) الى ان الكتابتين من عهد استيالء النبط على لحيان وذهب ايض‪TT‬ا الى ان الملك‬
‫( مس‪TT‬عودو ) اي ( مس‪TT‬عود ) لم يكن ملكًا ب‪TT‬المعنى الحقيقي ‪ ،‬وانما كان ملكًا اس‪TT‬مًا ‪ ،‬وان‬
‫الملك االخر الذي أزال العطب اسمه من الكتابة الثانية ‪ ،‬هو الملك (مسعود ) نفسه ‪ ،‬ولم‬
‫يذكر كيف جوز ص ‪TT‬احب الكتاب ‪TT‬ة لنفس ‪TT‬ه نعت مس ‪TT‬عود ‪ ،‬بنعت (ملك لحيان ) على حين‬
‫‪ .‬ويرى ( كاس ‪TT‬كل ) ان في جملة من حكم‬ ‫(‪)1‬‬
‫كانت مملكة لحيان تابعة لمملكة النب ‪TT‬ط‬
‫اللحيانيين في ه ‪TT‬ذا العهد ‪ ،‬عهد تدهور حكم النب ‪TT‬ط وزوال س ‪TT‬لطانهم عن لحيان ‪ ،‬ملكًا‬
‫اسمه (هناس بن تملي ) ( هانؤاس بن تملي ) ‪ ،‬وقد ورد اسمه في كتابة دونت في الس‪TT‬نة‬
‫الخامس‪TT‬ة من حكمه ‪ ،‬دونها ( عقرب بن مر ) ‪ ،‬ص‪TT‬انع تماثيل ( هص‪TT‬نع ) لمناس‪TT‬بة نحته‬
‫طرفي صخرة قبره ‪ ،‬وصيرهما يمثالن اإلله ( اب ايالف ) (أبا ل‪T‬ف ) ‪ ،‬وذل‪T‬ك في الس‪T‬نة‬
‫‪ .‬وقد جعل (كاس‪TT‬كل ) حكم الملك المتقدم ( هناس بن‬ ‫(‪)2‬‬
‫المذكورة من حكم ه‪TT‬ذا الملك‬
‫تملي ) مب‪TT‬دأ لحكم اس‪TT‬رة جديدة ‪ ،‬او حكومة جديدة ‪ ،‬تولت الحكم بعد زوال هيمنة النب‪TT‬ط‬
‫عن اللحيانيين ‪ ،‬وكان الملك (لوذن بن هنواس ) ( ل‪T‬وذان بن هنواس ) اخر من حكم من‬
‫الحكومة القديمة في لحيان ‪ ،‬اي اخر من حكم قب‪TT‬ل اس‪TT‬تيالء النب‪TT‬ط على لحيان كما يرى‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬وكان حكمه في حوالي السنة ( ‪ 30‬ق‪.‬م ) على تقدير (كروهمن )‬ ‫(‪)3‬‬
‫(كاسكل)‬
‫وورد اسم الملك ( تملي بن هناس ) (تملي بن هنؤاس ) في كتاب‪TT‬ة أرخت بالس‪TT‬نة‬
‫الثانية من س‪TT‬ني حكمه ‪ ،‬لمناس‪TT‬بة شراء رجل اس‪TT‬مه ( عب‪TT‬د خرج ) ارض ‪ًT‬ا ‪ ،‬ب‪TT‬ني عليها‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫ضريحًا ( هكفر ) ليكون مقبرة ( همثبرن ) ( ها مثبرن ) ‪ ،‬يدفن هو وأهله‬
‫وأورد ( كاس‪TT T‬كل ) اس‪TT T‬م الملك ( س‪TT T‬موي بن تلمي بن هناس ) بعد اس‪TT T‬م الملك‬
‫‪ ،‬وهو ملك ورد اس‪T‬مه في كتاب‪T‬ة س‪T‬جلها ( وهب اله ) ( وهب اهلل ) وكان قيمًا‬ ‫المتقدم‬
‫(‪)6‬‬

‫‪1‬‬
‫‪()Lihyanisch, S;42, Die Araber , I, S; 100, Jausen-Savignac, 334, 335 , 337‬‬
‫‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪() Lihyanisch, S; 41 , 100, JS 75, M.25 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;4.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Arabien, S; 65,289 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Lihyanisch, s; 41,III , JS , 45 , M. 9 .‬‬
‫‪6‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;41 .‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪85‬‬
‫( قيمه ) على ( نعم ) أنعام اإلل‪T‬ه ( ذغبت ) ( ذو غاب‪TT‬ة ) لمناس‪TT‬بة قيامة بإتمام بناء معب‪TT‬د‬
‫‪.‬وورد اسم ملك اخر من ملوك لحيان ‪ ،‬في‬ ‫(‪)1‬‬
‫( ديدان ) الذي كان الزلزال قد عبث به‬
‫‪ ،‬دونها ( ابو ايالف بن حيو ) ‪ ،‬وكان‬ ‫(‪)2‬‬
‫كتابة دونت في السنة الخامسة من سني حكمه‬
‫( كبير هشعت ) ( ها – شعت ) اي كب‪T‬ير الجماعة ‪ ،‬وه‪T‬و نعت يدل على انه كان وجيه‬
‫القوم ووجههم ‪ ،‬وقد اشار فيها الى مجلس القوم ( هيجل ) ‪ ،‬وكان ذل‪TT T‬ك في الس‪TT T‬نة‬
‫الخامس‪TT T‬ة من س‪TT T‬ني حكم ( راى ) ( رأى ) الملك ( عب‪TT T‬دن هناس ) ( عب‪TT T‬دان بن ه‪TT T‬ا –‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪ ،‬ويرى ( كاس ‪TT‬كل ) ان حكمه كان في ح ‪TT‬والي الس ‪TT‬نة ( ‪ 110‬ب ‪.‬م )‬ ‫(‪)3‬‬
‫نؤاس )‬
‫ووض ‪TT‬ع ( كاس ‪TT‬كل ) ملكًا اس ‪TT‬مه ( س ‪TT‬لح ) ( س ‪TT‬ليح ) ( س ‪TT‬الح ) بعد اس ‪TT‬م الملك ( عب ‪TT‬دان‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫هانؤاس ) ‪ ،‬وقد حكم – على رأيه – في حوالي السنة (‪ ) 125‬بعد الميالد‬
‫وقد ورد اس‪TT‬مه في كتاب‪TT‬ة دونت قب‪TT‬ل ثالثة ايام ( تلت أيم ‪ :‬قب‪TT‬ل راي س‪TT‬لح ) من‬
‫تولى ( س‪TT‬ليح ) الحكم ‪ ،‬وأرخ ذل‪TT‬ك بس‪TT‬نة عشرين من ظهور عتمة ‪ ،‬اي ح‪TT‬دوث ( س‪TT‬نت‬
‫‪ ،‬والظاهر ان كس‪T‬وفًا وقع فأظلمت ال‪T‬دنيا وعتمت ‪ ،‬وذل‪T‬ك قب‪T‬ل عشرين‬ ‫(‪)6‬‬
‫عشرين عتم )‬
‫سنة من تولي هذا الملك الحكم ‪ ،‬فأرخ الناس عندئذ بح‪T‬دوثها ‪ ،‬وفي جملتهم ص‪T‬احب ه‪T‬ذه‬
‫الكتاب‪TT‬ة (‪ .)7‬وحكم في ح‪TT‬والي الس‪TT‬نة ( ‪ 127‬ب ‪.‬م ) ملك اس‪TT‬مه ( تلمي هناس) (تلمي ه‪TT‬ا‬
‫‪ ،‬وقد جاء اس‪TT T‬مه في كتاب‪TT T‬ة دونت لمناس‪TT T‬بة دفع دية‬ ‫(‪)8‬‬
‫نؤاس ) على رأي (كاكس‪TT T‬ل )‬
‫‪ .‬ووض‪TT T‬ع‬ ‫(‪)9‬‬
‫( وديو ) عن قتيل قتل في الس‪TT T‬نة الثانية والعشرين من حكم ه‪TT T‬ذا الملك‬
‫( كاسكل) الملك ( فض‪TT‬ج ) ‪ ،‬بعد الملك ( تلمي بن ه‪T‬انؤاس ) ‪ ،‬وجعل حكمه في ح‪T‬والي‬
‫‪ ،‬ويظهر من كتاب ‪TT‬ة ورد فيها اس ‪TT‬مه انه حكم اكثر من تس ‪TT‬ع‬ ‫(‪)10‬‬
‫الس ‪TT‬نة ( ‪ 134‬ب ‪.‬م )‬

‫‪1‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;41,42,112, JS 54 , M 4 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;41 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;41 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;113, JS, 72 , M 23 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;41 .‬‬
‫‪6‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;41 .‬‬
‫‪7‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;115 , JS , 68 M 55.‬‬
‫‪8‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;41.‬‬
‫‪9‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;116, JS,77, M 27 .‬‬
‫‪10‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;41 .‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪86‬‬
‫وعشرين س ‪TT‬نة (‪ .)1‬ويرى ( كاس ‪TT‬كل ) ان الملوك اللحيانيين المتأخرين لم يكونوا على‬
‫شاكلة الملوك اللحيانيين االول من حيث المكانة والشخص ‪TT‬ية ‪ ،‬ويرى ان الح ‪TT‬ل والعقد‬
‫صارا في يد ( الجبل ) ( هجبل ) ‪ ،‬اي ‪ :‬مجلس الشعب ‪ ،‬أو مجلس االمة بتعب‪T‬ير قريب‬
‫من تعبير هذا الزمان في الغالب ‪ ،‬وان الناس لم يعودوا يحلفون بكتابة لقب ( ملك لحيان‬
‫) بعد اس‪TT‬م الملك ‪ ،‬وفي ه‪TT‬ذا االهمال تعب‪TT‬ير عن نظ‪TT‬رة التس‪TT‬اهل وعن عدم االهتمام ب‪TT‬أمر‬
‫‪ .‬ويتبين من النص‪TT‬وص اللحيانية المتأخرة ان ه‪TT‬ذا ال‪TT‬دور الثاني ‪ ،‬اي ال‪TT‬دور‬ ‫(‪)2‬‬
‫الملوك‬
‫المتأخر من حكم حكومة لحيان ‪ ،‬لم يكن حكمًا مس ‪TT‬تقرا وطيد االركان ‪ ،‬ل ‪TT‬ذلك تفشت‬
‫السرقات ‪ ،‬وكثرت حوادث القتل فيه ‪ ،‬ويرى ( كاكسل) من ورود أسماء في بعض هذه‬
‫الكتاب‪TT T‬ات اللحيانية المتأخرة يشعر منها ان اص‪TT T‬حابها من أفريقية ومن جنس ح‪TT T‬امي ‪،‬‬
‫احتمال مهاجمة الحبش لس‪TT‬احل البح‪TT‬ر االحمر الواقع فيما بين ( لوبكة كومة ) وح‪TT‬دود‬
‫‪ .‬ويرى (كاس‪TT‬كل ) ان الكتاب‪TT‬ات المشار‬ ‫(‪)3‬‬
‫مملكة س‪TT‬بأ ونزول الحبش في ه‪TT‬ذه االرض‪TT‬ين‬
‫اليها ‪ ،‬هي من زمن يجب ان يكون محص‪T‬ورًا بين الس‪T‬نة ( ‪ ) 150‬والس‪T‬نة ( ‪ ) 300‬بعد‬
‫(‪)4‬‬
‫الميالد ‪ ،‬وفي هذه المدة يجب ان يكون وقوع غزو الحبش للسواحل العربية المذكورة‬
‫‪ ،‬ويرى باحثون اخرون ان ملك الحبشة الذي يمكن ان يكون قد غزا هذه السواحل ‪ ،‬ه‪TT‬و‬
‫الملك ‪ ، Sembruthes‬وه‪T‬و من ملوك (أكس‪T‬وم ) ‪ ،‬وقد عثر الب‪T‬احثون على طائف‪T‬ة من‬
‫الكتاب‪TT‬ات ‪ ،‬مدونة باليونانية تعود الى ايامه ‪ ،‬ويجب ان يكون غ‪TT‬زوه لتلك الس‪TT‬واحل قد‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫وقع بين نهاية القرن الراب‪TT‬ع لميالد وبين النص‪TT‬ف االول من القرن الخامس للميالد‬
‫ويرى ( كاسكل ) ان الرومان الذين استولوا على مملكة النبط لم يبلغواأرض لحيان ‪ ،‬بل‬
‫وقف‪T‬وا عند ح‪T‬دود النب‪T‬ط ‪ ،‬او عند أرض تبعد مس‪T‬افة عشرة كيلو مترات عن ( ديدان ) ‪،‬‬
‫ب ‪TT‬دليل انقط ‪TT‬اع الكتاب ‪TT‬ات ال ‪TT‬تي كان يكتبها الجنود الرومان ويتركونها في االماكن ال ‪TT‬تي‬
‫(‪)6‬‬
‫ينزلون بها عند الحد المذكور ‪ ،‬فلم يعثر السياح على كتابة يونانية بعد البعد المذكور‬
‫‪ .‬ويظهر من كتاب‪TT T T‬ة لحيانية وس‪TT T T‬ميت ب ‪ M 28‬ان رجًال من لحيان كان قد زار‬
‫‪1‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;119, JS 70, M52 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;43 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;43 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Die Araber, I, S; 100 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Die Araber , I , S; 100 .‬‬
‫‪6‬‬
‫‪()Das Altarabische, S;18 .‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪87‬‬
‫‪ ،‬والكتاب‪TT T‬ة‬ ‫(‪)1‬‬
‫المواض‪TT T‬ع ‪ ( :‬ص‪TT T‬ار ) ( ص‪TT T‬وأر ) ‪ ،‬و ( نشور ) و ( رب‪TT T‬غ ) ( راب‪TT T‬غ )‬
‫غامض‪T‬ة وزاد في غموض‪T‬ها وعس‪T‬ر فهمها س‪T‬قوط كلمات منها ‪ ،‬ل‪T‬ذلك ال يدرى ما المواد‬
‫من ذكر هذه المواضع ‪ ،‬هل ايد به استيالؤه عليها وض‪TT‬مها الى النب‪T‬ط ؟ او اريد ب‪T‬ه توليه‬
‫الجباية فيها ؟ او ه‪TT‬و زاره وتاجر معها ؟ وقد يس‪TT‬تنتج منها ان ه‪TT‬ذه المواض‪TT‬ع كانت من‬
‫‪ .‬و ( ص‪TT‬ار ) ( ص‪TT‬أور ) ‪ ،‬موض‪TT‬ع على الطريق بين‬ ‫(‪)2‬‬
‫مدن اللحيانيين في ذل‪TT‬ك العهد‬
‫الحجر ويثرب ‪ ،‬وهو الموض‪T‬ع ال‪T‬ذي ذكر في جغرافية ( بطليموس ) باس‪T‬م = ‪Assara‬‬
‫‪ ،‬وهو موضع ال يبعد كثيرا عن ( الحجر ) ‪ ،‬ويقع عند موض‪TT‬ع ( الب‪TT‬دائع )‬ ‫(‪)3‬‬
‫‪Asvara‬‬
‫ال ‪TT‬ذي يبعد زه ‪TT‬اء واح ‪TT‬د وعشرين كيلو مترًا جنوبي شرقي ( العال ) ‪ ،‬اما ( نشأر )‬
‫( نشير ) فهو موض ‪TT‬ع ذكره ( ياقوت الحموي ) في معجم البلدان ‪ ،‬ولم يعين مكانه ‪،‬‬
‫واما ( راب‪TT‬غ ) ‪ ،‬فموض‪TT‬ع ال نس‪TT‬تطيع ان نؤكد انه ( راب‪TT‬غ ) الحالية ‪ ،‬وان كانت التس‪TT‬مية‬
‫‪ .‬ولس‪TT‬نا نعلم بعد كيف كانت نهاية حكومة لحيان ‪ ،‬ومن قض‪TT‬ى عليها ‪ ،‬والى‬ ‫(‪)4‬‬
‫واح‪TT‬دة‬
‫اين ذهب اللحيانيون بعد س ‪TT‬قوط مملكتهم ال ‪TT‬ذي كان بعد الميالد كما رأينا ‪ .‬ويظهر ان‬
‫قومًا منهم هاجروا الى الجنوب ‪ ،‬وان قومًا منهم هاجروا الى العراق فاستقروا ب‪TT‬الحيرة ‪،‬‬
‫اذ نزل ‪TT‬وا في موض ‪TT‬ع عرف باس ‪TT‬مهم ‪ ،‬وقد كانوا يتاجرون معها في ايام اس ‪TT‬تقاللهم ‪،‬‬
‫ويظن ان موض‪TT T‬ع ( الس‪TTT‬لمان ) المعروف في البادية منس ‪TT‬وب الى اإلل ‪TT‬ه ( س‪TTT‬لمان ) ال‪TTT‬ه‬
‫لحيان ورب القوافل عندهم ‪ ،‬وقد كان اللحيانيون ينزلون ب‪T‬ه في ط‪T‬ريقهم الى العراق (‪ .)5‬وال‬
‫يس ‪TT‬تبعد ان يكون القس ‪TT‬م االعظم منهم قد عاد الى البادية ‪ ،‬واندمج في القبائل ‪ ،‬مفض‪ًT T‬ال حياة‬
‫الب‪TT‬داوة على حياة العبودية والفوض‪TT‬ى ‪ ،‬فأندمج في القبائل االخرى على نح‪TT‬و ما ح‪TT‬دث لغ‪TT‬يرهم‬
‫من الناس(‪ . )6‬وقد عثر مزهرية في ( تل أب‪TT‬و الص‪TT‬البيخ ) في جنوب العراق ‪ ،‬وجدت عليها‬
‫كلمة ( ب ‪TT‬رك َال ) ( ب ‪TT‬رك أيل ) (ب ‪TT‬ارك أيل ) ‪ ،‬مدونة بقلم ذهب بعض الب ‪TT‬احثيين الى أنه قلم‬

‫‪1‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;40,94 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;40,94 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Ptolemaus, V, BK; 7 , & 30 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;40,94 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;44 , Das Altarabische, S; 19 Rothstien, Lachmiden, S; 52 ,‬‬
‫‪64.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪()Lihyanisch, s;44 .‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪88‬‬
‫(‪)1‬‬
‫لحياني ‪ ،‬وذهب بعض َاخر الى أنة من قلم ( المسند ) ‪ ،‬وأن أصحابها من العرب الجنوب‪TT‬يين‬
‫‪.‬‬
‫وقد نسب أه‪T‬ل األخب‪T‬ار ( أوس بن قالم بن بطينا بن جميهر ) ألى (لحيان ) وه‪T‬و من مشاهير‬
‫أه‪TT‬ل الح‪T‬يرة ‪ ،‬حكم الح‪T‬يرة أمدا (‪)2‬وقد يكون للحيان ال‪T‬ذين ينس‪T‬ب( أوس ) اليهم عالقة باللحيانيين ال‪T‬ذين‬
‫أتحدث عنهم ‪.‬‬
‫وقد يكون (بنو لحيان) ال‪T‬ذين يذكرهم أه‪T‬ل األخب‪T‬ار ‪ ،‬من بقية ذل‪T‬ك الشعب الس‪TT‬اكن في‬
‫(الديدان) ‪ ،‬أما اللحيانيون ‪ ،‬فهم من ( ب‪TT‬ني لحيان بن ه‪TT‬ذيل بن مدركة بن ٍا لياس بن مض‪TT‬ر ) ‪،‬‬
‫(‪)3‬‬
‫‪ ،‬والظاهر أنهم لم يكونوا من القبائل‬ ‫فهم عدنانيون ‪ ،‬وقد كانوا ينزلون في شمال شرقي مكة‬
‫القوية عند ظهور االس‪TT‬الم ‪ ،‬ول‪TT‬ذلك ال نجد لهم ذكرَا في أخب‪TT‬ار ظهور االس‪TT‬الم وفي أيام ص‪TT‬در‬
‫االسالم(‪.)4‬‬
‫وكانت منازل (لحيان) عند ظهور االس ‪TT‬الم في أرض جبلية ‪ ،‬وقد غ ‪TT‬زاهم الرس ‪TT‬ول‬
‫(ص) بغزوة عرفت بـ( غزوة بني لحيان ) ‪ ،‬فاعتصموا برؤوس الجبال ‪ ،‬وهجم الرسول (ص)‬
‫على طائف‪TT T‬ة منهم على ماء لهم ‪ ،‬يقال ل‪TT T‬ه ‪ :‬الكدر ‪ ،‬فهزموا ‪ ،‬وغنم المس‪TT T‬لمون أموالهم (‪،)5‬‬
‫وأرسل الرسول (ص) عليهم سرية بقيادة ( مرثد بن كنان الغنوي ) الى ( الرجيع) ‪ ،‬فلقي ب‪T‬ني‬
‫(‪)6‬‬
‫‪.‬‬ ‫لحيان ‪ ،‬وقد قتل مرثد في المعركة ‪ ،‬وذلك في السنة الرابعة من الهجرة‬
‫وقد هجاهم (حسان بن ثابت ) فرماهم بالغدر ‪ ،‬وذكر موضعهم وهو (الرجيع) ‪ ،‬وذكر‬
‫أنهم تواصوا بأكل الجار ‪ ،‬فهم من أغدر الناس ‪ ،‬و(دار لحيان ) هي دار الغدر(‪.)7‬‬

‫الفصل الثالث‬
‫‪1‬‬
‫‪()Arabien , S; 273 .‬‬
‫()المحبر (ص ‪Lihjan , S; 44 ، )358‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ابن قتيبة ‪ ،‬المعارف(ص‪ ، )31‬الزبيدي ‪ ،‬تاج العروس (‪ ، )10/324‬ابن دريد ‪ ،‬االشتقاق (‪. )1/109‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫‪()Ency; III, P.26‬‬
‫()ابن حبيب ‪ ،‬المحبر (‪. )144‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ Ency ; III, PP. 26,27 , .‬المحبر (‪())118‬‬
‫فأت الرجيع ‪ ،‬وسل عن دار لحيان‬ ‫()أن سرك الغدر صرفا الخراج له‬ ‫‪7‬‬

‫ديوان حسان بن ثابت (ص‪( ، )37‬طبعة هرشفلد)‬


‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪89‬‬
‫بالد الشام قبل االسالم‬
‫دولة االنباط ‪.‬‬
‫دولة تدمر ‪.‬‬
‫دولة الغساسنة ‪.‬‬

‫دولة االنباط‬
‫كانت بالد الشام وجنوب فلس‪TT‬طين مركزًا لهجرات متتابعة من جنوب الجزيرة‬
‫العربية أوائل التاريخ المس‪TT‬يحي مثل قبيلة تنوح وقبيلة ب‪TT‬ني س‪TT‬ليح وال جفنة ‪ ،‬ح‪TT‬تى ان‬
‫قرية (بوريكة ) الواقعة باللجة كانت تعرف في العص‪TT T‬ر الروماني باس‪TT T‬م ( بوريكة‬
‫الس ‪TT‬بئيين )(‪ .)1‬اال ان اس ‪TT‬تقرار القبائل العربية في بادية الشام يرجع الى عص ‪TT‬ور س ‪TT‬ابقة‬
‫للعص‪TT‬ر الروماني ‪ ،‬ومن تلك الشعوب العربية ال‪TT‬تي اس‪TT‬تقرت في جنوبي فلس‪TT‬طين شعب‬

‫()رينيه ديسو ‪ :‬العرب في سوريا قبل االسالم ‪ ،‬ص‪. 10‬‬ ‫‪1‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪90‬‬
‫‪ .‬وقد نشأت ه ‪TT‬ذه‬ ‫(‪)1‬‬
‫األنب ‪TT‬اط ‪ ،‬ال ‪TT‬ذي عرف عند اليونان باس ‪TT‬م ‪ Nabataea‬او النب ‪TT‬ط‬
‫الدولة في المنطقة الشمالية الغربية من جزيرة العرب ‪ .‬في الموض‪TT‬ع ال‪TT‬ذي عرف باس‪TT‬م ‪:‬‬
‫بالد العرب الحجرية او الص‪TT T T T‬خرية ( ‪ . ) Arabiapetraea‬وقد اجمع العلماء‬
‫والب‪TT T‬احثون على ان النب‪TT T‬ط هم شعب من العرب ‪ .‬وان اس‪TT T‬تعملوا اآلرامية في كتاب‪TT T‬اتهم‬
‫فأغلب اس‪TT‬ماءهم هي اس‪TT‬ماء عربية خالص‪TT‬ة مثل حارثة ومغ‪TT‬يرة وجذيمة وقص‪TT‬ي وكليب‬
‫وشارك النب‪TT T T‬ط العرب في ديانتهم فعب‪TT T T‬دوا بعض االص‪TT T T‬نام‬ ‫(‪)2‬‬
‫وعدي وعمر وكعيب‬
‫المعروفة عند عرب الحجاز ‪ .‬مثل " ذي الشرى " المعروف عندهم باسم ‪ ( :‬ذو شرى )‬
‫والالت " الت " ومناة ‪ " :‬منوتن " وهبل " هبلوا " ‪ .‬ومن ناحية اخرى نجد ان المؤرخين‬
‫المختصين بشؤون االنباط وتاريخهم ومنهم المؤرخ اليهودي ‪ " :‬يوس‪T‬فوس " قد اطلقوا‬
‫كلمة ( العرب ) على النب ‪TT‬ط ‪ .‬ثم انهم اطلقوا اس ‪TT‬م ( ‪ ) Arabia Petrea‬وال ‪TT‬تي تعني‬
‫‪ .‬ويرى بعض الب‪TT‬احثين ان االنب‪TT‬اط ليس‪TT‬وا عرب‪TT‬ا‬ ‫(‪)3‬‬
‫العربية الص‪TT‬خرية على بالد االنب‪TT‬اط‬
‫وانما هم من االراميين ‪ .‬بحجة انهم كانوا يستعملون اآلرامية في كتابتهم ‪ ،‬ويرى ه‪TT‬ؤالء‬
‫العلماء ان تشابه االس ‪TT‬ماء واشتراكها بين االنب ‪TT‬اط والعرب من ناحية وامتزاج االلف ‪TT‬اظ‬
‫العربية في اللغة اآلرامية من ناحية اخرى ‪ ،‬ه‪TT‬و نتيجة االختالط واالتص‪TT‬ال بين الشعبين‬
‫‪ .‬اال ان بعض الباحثين العرب ردوا على مزاعم ه‪T‬ؤالء العلماء‬ ‫(‪)4‬‬
‫بحكم رابطة الجوار‬
‫بخصوص اص‪T‬ل النب‪T‬ط ‪ .‬فذكروا ان هناك اقوام من غ‪T‬ير النب‪T‬ط ومن غ‪T‬ير ب‪T‬ني ارم كتب‪T‬وا‬
‫بلغ‪TT‬ة االراميين وبقلمهم اال ان اح‪TT‬د من العلماء لم يقل ان جميع من كتب بلغ‪TT‬ة االراميين‬
‫هم من االراميين ‪ .‬فاآلرامية كانت قد تغلبت على اكثر لغ‪TT‬ات الشرق االدنى ‪ .‬واص‪TT‬بحت‬
‫‪ .‬اما ما جاء عن النب‪TT T‬ط في كتب‬ ‫(‪)5‬‬
‫لغ‪TT T‬ة الكتاب والتدوين قب‪TT T‬ل الميالد وبعده بقرون‬
‫االخباريين العرب فال يعدو كونهم جيل من العجم كانوا ينزلون البط‪T‬ائح بين العراقيين ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫وانهم سموا بهذا االسم لكثرة النبط عندهم وهو الماء‬

‫()سالم ‪ :‬تاريخ الدولة العربية ‪ ،‬بيروت ‪ ، 1971‬ص ‪101‬‬ ‫‪1‬‬

‫()صالح العلي – محاضرات في تاريخ العرب ص ‪. 43‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج ‪ 3‬ص ‪ . 9‬سالم ‪ :‬دراسات ‪. 222‬‬ ‫‪3‬‬

‫() اليعقوبي ‪ ،‬تاريخ ‪ ،‬ج‪ ، 1‬ص ‪. 135‬‬ ‫‪4‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ‪ ،‬ج‪ 3‬ص ‪10-9‬‬ ‫‪5‬‬

‫() الزبيدي ‪ ،‬تاج العروس ج‪ 5‬ص ‪ . 229‬لسان العرب ج‪ 9‬ص ‪. 228‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪91‬‬
‫ويرى ولفنس‪TT‬ون ان النب‪TT‬ط ال‪TT‬ذين قص‪TT‬دهم االخب‪TT‬اريون العرب ‪ .‬هم بقايا الشعوب‬
‫القديمة ال ‪TT‬ذين كانوا ينزلون البط ‪TT‬ائح ‪ ،‬ومنهم مترس ‪TT‬بات االراميين في العراق والشام ‪،‬‬
‫قبيل االسالم وفي العصر االسالمي ‪ ،‬وكان هؤالء يتكلمون بلهجات عربية ولكن برطانة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫اعجمية ظاهرة‬
‫اما عن الموطن االصلي الذي انحدر منه النبط فالراجح انهم كانوا يسكنون بادية‬
‫الشام وجنوب سورية في القرن السادس قبل الميالد تقريبًا ‪ .‬ثم رحلوا في هجرة جماعية‬
‫نح‪TT‬و الغ‪TT‬رب ( اي نح‪TT‬و ارض االدوميين ) واغتص‪TT‬بوا ارض‪TT‬هم المطلة على س‪TT‬احل البح‪TT‬ر‬
‫االحمر ‪ ،‬فاض‪TTT‬طر االدميون الى الرحيل نح ‪TT‬و الشمال ‪ ،‬واس ‪TT‬تقروا المناطق الخص‪TTT‬يبة‬
‫‪ .‬وتتميز‬ ‫(‪)2‬‬
‫المشرفة على البح‪TT‬ر المتوس‪TT‬ط وكان ذل‪TT‬ك في ح‪TT‬دود س‪TT‬نة ‪ 587‬ق‪.‬م تقريب ‪ًT‬ا‬
‫بالد االنباط بانها أرض جبلية قليلة المياه تكثر فيها المرتفعات الصخرية الوعرة ‪ .‬واتخذ‬
‫االنباط (البتراء) عاصمة لهم وقد وص‪TT‬فها س‪T‬ترابون فقال ‪ :‬انها مدينة ص‪TT‬خرية قائمة في‬
‫مس ‪TT‬توى من االرض وتحيط ب ‪TT‬ه الص ‪TT‬خور كالس ‪TT‬ور المنيع ‪ ،‬وليس وراءه ‪TT‬ا غ ‪TT‬ير الرمال‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫المحرقة‬
‫وقال عنها االص ‪TT‬طخري ‪ ( :‬انها مدينة بقرب البلقاء ‪ ،‬وهي ص ‪TT‬غيرة منحوتة‬
‫‪ .‬وتعرف الب‪TT‬تراء في المص‪TT‬ادر‬ ‫(‪)4‬‬
‫بيوتها كلها وجدرانها من ص‪TT‬خر كأنها حجر واح‪TT‬د )‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫العربية باسم الرقيم ‪ ،‬وقيل انها المدينة التي أقام فيها أهل الكهف‬

‫ملوك النبط ‪:‬‬


‫يعتبر الح ‪TT T‬ارث االول أريتاس االول ‪ 169 ( Aretas‬ق‪.‬م – ‪ 46‬ق‪.‬م ) اول ملوك‬
‫النب ‪TT‬ط ال ‪TT‬ذين ورد ذكرهم في كتب التاريخ وفي الفص ‪TT‬ل الخامس من أس ‪TT‬فار المكابيين ‪.‬‬
‫وكان الح‪TT‬ارث االول معاص‪TT‬رًا النطيوخوس الراب‪TT‬ع الس‪TT‬لوقي ملك س‪TT‬وريا ‪ ،‬وبطليموس‬
‫‪ .‬وقد دخل الح‪TT‬ارث االول في حلف مع جيرانه المكابين ب‪TT‬ني‬ ‫(‪)6‬‬
‫فليو ماتر ملك مص‪TT‬ر‬

‫()ولفنسون ‪ :‬ص ‪ ، 135‬جواد علي ‪ ،‬العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص‪. 11-10‬‬ ‫‪1‬‬

‫()زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪ . 82‬جواد علي ‪ :‬العرب قب االسالم ج‪ 3‬ص ‪. 15‬‬ ‫‪2‬‬

‫()زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪. 83‬‬ ‫‪3‬‬

‫()االصطخري ‪ :‬المسالك والممالك ص ‪ 47‬ط مصر ‪ 1961‬تحقيق محمد جابر عبد العال ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫()ياقوت الحموي ‪ ،‬معجم البلدان مجلد ص ‪. 603‬‬ ‫‪5‬‬

‫()فيليب حتي ‪ :‬تاريخ سورية ولبنان وفلسطين ‪ ،‬ج‪ ، 1‬بيروت ‪ 1958‬ص ‪. 419‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪92‬‬
‫حثمناي ضد السلوقيين ‪ ،‬فنجح يهوذا المكابي في احتالل بيت المقدس في سنة ‪ 168‬ق‪.‬م‬
‫‪ .‬ومن ملوك االنب‪TT‬اط ايض ‪ًT‬ا الح‪TT‬ارث الثاني ( ‪ 110‬ق‪.‬م – ‪ 96‬ق‪.‬م ) ‪ ،‬ال‪TT‬ذي عرف‬ ‫(‪)1‬‬

‫باس‪TT T‬م ابروتيموس(‪ . )2‬وقد كانت العالقات مع المكابين في عهده حس‪TT T‬نة ‪ ،‬وان دول‪TT T‬ة‬
‫االنب‪TTT‬اط كانت على درجة كب‪TTT‬يرة من القوة (‪ .)3‬اما أشهر ملوك االنب ‪TT‬اط على االطالق‬
‫فهو ‪ :‬الح‪TT T‬ارث الثالث ( ‪ 62 – 87‬ق‪.‬م ) ‪ .‬ويقترن اس‪TT T‬م الح‪TT T‬ارث بفتوح‪TT T‬ات كبرى‬
‫وانتصارات هيأت لألنب‪T‬اط ان يوس‪T‬عوا مناطق نف‪T‬وذهم على حس‪T‬اب الس‪T‬لوقيين واليهود في‬
‫ان واحد ‪ .‬لذلك فأن المؤرخين يعتبرون الحارث الثالث المؤسس الحقيقي لدولة االنب‪T‬اط ‪.‬‬
‫‪ .‬وقد تمكن الح‪TT‬ارث الثالث من هزيمة‬ ‫(‪)4‬‬
‫ويعرف عن المؤرخين ب " رب ايل االول "‬
‫الس ‪TT‬لوقيين بقيادة انطيوخوس هزيمة نكراء في س ‪TT‬نة ‪ 86‬ق‪.‬م في معركة عنيف ‪TT‬ة ح ‪TT‬دثت‬
‫قريب يافا س‪TT‬قط فيها ملك الس‪TT‬لوقيين ص‪TT‬ريعا ‪ .‬وب‪TT‬ذلك اح‪TT‬اطت حكومة الح‪TT‬ارث الثالث‬
‫واس‪TT‬تغل الح‪TT‬ارث انتص‪TT‬اره ه‪TT‬ذا فواص‪TT‬ل زحف‪TT‬ه‬ ‫(‪)5‬‬
‫بمملكة المكابين من الشرق والجنوب‬
‫الى دمشق بناء على رغب‪T‬ة اهلها فدخلها دون مقاومة س‪T‬نة ‪ 85‬ق‪.‬م ‪ .‬وقد رحب ب‪T‬ه أه‪T‬ل‬
‫ثم اشتبك مع اليهود في معركة‬ ‫(‪)6‬‬
‫دمشق وس ‪TT‬موه ‪ :‬محب الهلينيين (‪) Philhllenic‬‬
‫ح ‪TT‬دثت قرب " اللد " فمزق جيشهم وارغمهم على توقيع معاه ‪TT‬دة للص ‪TT‬لح وفقا لشروطه‬
‫‪ .‬ولما جاء القائد الروماني بومبي الى الشرق ‪ .‬ح‪T‬اول احتالل بالد‬ ‫(‪)7‬‬
‫التي امالها عليهم‬
‫االنب‪TT‬اط ‪ .‬فارس‪TT‬ل حملة ض ‪TT‬دهم اال ان الح‪TT‬ارث اس‪TT‬تطاع ان يقف بوجه تلك الحملة وان‬
‫‪ .‬وفي عام ( ‪ 66‬ق‪.‬م )‬ ‫(‪)8‬‬
‫يحتف‪TT‬ظ باس‪TT‬تقالل بالده رغم انه خس‪TT‬ر نف‪TT‬وذه في بالد س‪TT‬وريا‬
‫قام الح ‪TT‬ارث بمهاجمة مملكة يهوذا فجرد جيشا قوامه خمس ‪TT‬ون ال ‪TT‬ف جندي ‪ ،‬واجبر‬

‫()تاريخ يوسيفوس ‪ ،‬طبعة صادر بيروت ‪ ،‬ص ‪. 70‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪()G.A Cooke , Ency . of Religion and Ethic ???? , Article Nabataei , Vol .‬‬
‫‪P.121 ( 1630 ) .‬‬
‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪. 26‬‬ ‫‪3‬‬

‫()زيدان ‪ :‬تاريخ العرب قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ص ‪، 86‬وجواد علي‪ :‬تاريخ العرب قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ‪،‬ج‪ 3‬ص‬ ‫‪4‬‬

‫‪255‬‬
‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪. 26‬‬ ‫‪5‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص ‪. 40‬‬ ‫‪6‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 232‬‬ ‫‪7‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص ‪. 41‬‬ ‫‪8‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪93‬‬
‫‪ ،‬فأرسل الح‪TT‬ارث وراءه فرقة من الجيش‬ ‫(‪)1‬‬
‫ارسطو بولس على الفرار الى بيت المقدس‬
‫حاصرت عاصمة اليهود وكادت تفتحها لوال ان تدخل الرومان في ذلك الوقت ‪ ،‬فاضطر‬
‫‪ .‬وخلف الح ‪TT‬ارث في حكم االنب ‪TT‬اط‬ ‫(‪)2‬‬
‫الح ‪TT‬ارث الى رفع الحص ‪TT‬ار واالنس ‪TT‬حاب الى بالده‬
‫ابنه عب‪TT‬ادة الثاني ( ‪ 47 – 62‬ق‪.‬م ) ‪ .‬وعثر على عمالت من الفض‪TT‬ة من فئة ال‪TT‬دراخا‬
‫ض‪TT T‬ربت باس‪TT T‬مه وقد امتد نف‪TT T‬وذ الرومان في عهده الى الشرق ‪ ،‬فاس‪TT T‬تولوا على اس‪TT T‬يا‬
‫الصغرى وسورية ومصر ‪ ،‬وانتزع الرومان ما كان قد استولى عليه الح‪T‬ارث الثالث في‬
‫‪ .‬وبعد عب ‪TT‬ادة الثاني جاء الى الحكم مال ‪TT‬ك االول ( ‪ 30 – 47‬ق‪.‬م )‬ ‫(‪)3‬‬
‫الشام من قب ‪TT‬ل‬
‫وفي عهده اخذ االنب‪TT‬اط يس‪TT‬عون للتقرب من االمبراطورية الرومانية ال‪TT‬تي اس‪TT‬تولت على‬
‫اس‪TT‬يا الص‪TT‬غرى ثم ض‪TT‬مت مص‪TT‬ر وس‪TT‬وريا فاشتركوا بفرقة من الفرس‪TT‬ان لمس‪TT‬اعدة يوليوس‬
‫‪ .‬وفي عهد مال‪TT‬ك االول تمكن الرومان من اس‪TT‬قاط‬ ‫(‪)4‬‬
‫قيص‪TT‬ر في حملته على االس‪TT‬كندرية‬
‫االسرة المكابية اليهودية في بيت المقدس ووضعوا مكانها االس‪TT‬رة الهيرودية الموالية لهم‬
‫‪ .‬ثم خلف مال‪TT T‬ك االول في الحكم ابنه عب‪TT T‬ادة الثالث ( ‪ 9 – 30‬ق‪.‬م ) فس‪TT T‬ار على‬ ‫(‪)5‬‬

‫سياس‪TT T‬ة ابية في التقرب الى الرومان ‪ .‬فس‪TT T‬اعد اليوس جاليوس في حملته ض‪TT T‬د اليمن‬
‫وامدهم باألدالء ‪ .‬وبالرغم من ان هذه الحملة لم تحقق اه‪TT‬دافها ألس‪TT‬باب ارجعها الرومان‬
‫الى تغ ‪TT T‬ير س ‪TT T‬وء نية ادالء االنب ‪TT T‬اط وتغريرهم ب ‪TT T‬الجيش الروماني ‪ .‬فان العالقات بين‬
‫االمبراطورية الرومانية واالنب‪TT‬اط ظلت حس‪TT‬نة واس‪TT‬تمر النف‪TT‬وذ النبطي في جنوب فلس‪TT‬طين‬
‫‪ .‬وبلغت دول‪T‬ة االنب‪T‬اط ذروة‬ ‫(‪)6‬‬
‫وشرقي االردن وجنوبي شرقي س‪T‬وريا وشمال الجزيرة‬
‫عظمتها وازدهارها في عهد الحارث الرابع ( ‪ 9‬ق‪.‬م –‪ 40‬م ) ‪ .‬وكان عهده عهد رخاء‬
‫وس‪TT‬الم ‪ .‬وخلف الح‪TT‬ارث ابنة مال‪TT‬ك الثاني ( ‪ 30‬م – ‪ 71‬م ) ‪ .‬ال‪TT‬ذي س‪TT‬اعد االمبراطور‬
‫الروماني طيطس في حملته ضد بيت المقدس في سنة ‪ 67‬م ‪ .‬فاشترك بجيش عدته ال‪TT‬ف‬
‫‪ .‬واخر ملوك االنب ‪TT‬اط مال ‪TT‬ك الثالث (‪– 101‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫من الفرس ‪TT‬ان وخمس ‪TT‬ة االف من المشاة‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪. 27‬‬ ‫‪1‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ص ‪. 233‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ص‪، 30‬سالم ‪ :‬تاريخ الدولة العربية ص ‪. 109‬‬ ‫‪3‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬تاريخ العرب ص ‪. 41‬‬ ‫‪4‬‬

‫()سالم ‪ :‬تاريخ الدولة العربية ص ‪. 110‬‬ ‫‪5‬‬

‫()فيليب حتي ‪ :‬تاريخ العرب ‪ ،‬ص ‪. 56‬‬ ‫‪6‬‬

‫() فيليب حتي‪ :‬تاريخ سورية ولبنان وفلسطين ج‪ 1‬ص ‪. 423‬‬ ‫‪7‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪94‬‬
‫‪ 106‬م ) ‪ ،‬وفي عهده قض‪TT‬ي االمبراطور الروماني تراجان على دول‪T‬ة االنب‪T‬اط ‪ ،‬فارس‪T‬ل‬
‫في س ‪TT‬نة ‪ 106‬م حملة عس ‪TT‬كرية بقيادة (كورنليوس بالما) نائب ‪TT‬ه في دمشق الى الب ‪TT‬تراء‬
‫فتمكن من االس ‪TT‬تيالء عليها وض ‪TT‬مها الى مقاطعات الدول ‪TT‬ة الرومانية ( الكورة العربية )‬
‫ال‪T‬تي أقامها الرومان لتحمي س‪T‬وريا من هجمات الب‪T‬دو وجعلوا عاص‪TT‬متها (بص‪TT‬رى ) ال‪T‬تي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ورثت البتراء اقتصاديا وسياسيا‬
‫حضارة االنباط واثارهم‬
‫كانت حضارة االنباط مركبة ‪ ،‬فهي عربية في لغتها آرامية في كتابتها ‪ ،‬سامية‬
‫في ديانتها ويونانية رومانية في فنها وهندس ‪TT‬تها المعمارية ولكنها حض ‪TT‬ارة عربية في‬
‫‪ .‬وكان االنب‪TT‬اط وثنيون يعب‪TT‬دون االص‪TT‬نام ‪ ،‬فشاركوا في ه‪TT‬ذه العب‪TT‬ادة عرب‬ ‫(‪)2‬‬
‫جوهره‪TT‬ا‬
‫الحجار ويعد "دو شرى " االل ‪TT‬ه الرئيس ‪TT‬ي عند النب ‪TT‬ط ‪ ،‬وقد شاعت عب ‪TT‬ادة ه ‪TT‬ذا االل ‪TT‬ه في‬
‫الب ‪TT‬تراء خاص ‪TT‬ة ثم انتشرت الى ب ‪TT‬اقي مناطق البالد ‪ ،‬واقام النب ‪TT‬ط لإللهة العزى معب ‪TT‬دا‬
‫خاص ‪TT‬ا على مكان مرتف ‪TT‬ع من الب ‪TT‬تراء ‪ .‬وكانوا يحجون الى الب ‪TT‬تراء تقرب ‪TT‬ا من االل ‪TT‬ه (ذو‬
‫‪ .‬وحض ‪TT‬ارة االنب ‪TT‬اط تقوم أس ‪TT‬اس على التجارة ‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫شرى ) وزيارة معب ‪TT‬ده في المدينة‬
‫فالبتراء كانت مركزا تجاريا هاما بين الشرق والغ‪TT‬رب والجنوب والشمال ‪ ،‬وكانت لها‬
‫السيطرة على الطرق التجارية ما بين غ‪T‬زة وبص‪T‬رى ‪ ،‬وما بين دمشق وآيلة ‪ .‬وقد امتد‬
‫نشاطهم التجاري الى س ‪TT‬لوقية واالس ‪TT‬كندرية ورودوس وموانئ س ‪TT‬ورية واهم الس ‪TT‬لع ال ‪TT‬تي‬
‫كان االنب‪TT‬اط يتاجرون فيها ‪ :‬االفاوية من ( اليمن ) ‪ ،‬والحرير من الص‪TT‬ين والحناء من‬
‫عس ‪TT‬قالن ‪ ،‬والزجاج وص ‪TT‬بغ االرجوان من ص ‪TT‬يدا وص ‪TT‬ور ‪ ،‬اللؤل ‪TT‬ؤ من الخليج العربي ‪،‬‬
‫والخزف من روما ‪ ،‬باإلض‪TT‬افة الى منتجات بالد النب‪TT‬ط من ذهب وفض‪TT‬ة وزيت السمس‪TT‬م‬
‫‪ .‬اما في مجال الزراعة فقد قام النب‪TT‬ط بحف‪TT‬ر االب‪TT‬ار وشق القنوات واقامة المشاريع‬ ‫(‪)4‬‬

‫(‪)5‬‬
‫الزراعية في البالد ‪ .‬فحولوا بعض المناطق الصحراوية الى أراض‪TT‬ي زراعية خص‪TT‬بة‬

‫()صالح العلي ‪ :‬تاريخ العرب ص ‪ . 42‬سالم ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ص ‪. 238‬‬ ‫‪1‬‬

‫()فيليب حتي ‪ :‬تاريخ سورية ج‪ 1‬ص ‪. 426‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج ‪ 3‬ص ‪. 49‬‬ ‫‪3‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬تاريخ العرب ص ‪. 43‬‬ ‫‪4‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص ‪. 42‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪95‬‬
‫وفي الصناعة اشتهر النب‪T‬ط ب‪T‬األواني الفخارية ال‪T‬تي كانت ال تقل في الجودة واالتقان عن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الخزف الصيني آنذاك‬
‫واهم أثار النب‪TT‬ط ‪ :‬خزنة فرعون ‪ :‬وه‪TT‬و بناء محف‪T‬ور بالص‪TT‬خر ‪ ،‬والمس‪TT‬رح ال‪TT‬ذي‬
‫يفضي الى سهل فس‪T‬يح تتناثر فيه الكهوف الطبيعية او المحف‪T‬ورة في الص‪TT‬خر ويتس‪T‬ع ه‪T‬ذا‬
‫‪ .‬ومن اثار النب‪TT‬ط ايض ‪ًT‬ا البناء المعروف بال‪TT‬دير وه‪TT‬و بناء‬ ‫(‪)2‬‬
‫المس‪TT‬رح ل ‪ 4000‬متف‪TT‬رج‬
‫فخم عرض‪TT T T‬ه ‪ 50‬مترًا وارتفاعه ‪ 45‬م ويرجع بناء ه‪TT T T‬ذا ال‪TT T T‬دير الى القرن الثالث‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الميالدي‬
‫دولة تدمر‬
‫كان موقع تدمر في الشمال الشرقي من دمشق على نح‪T‬و ‪ 150‬ميال وقد انشأت‬
‫ح‪TT‬ول نب‪TT‬ع ماء يقع في منتص ‪TT‬ف المس‪TT‬افة بين الف‪TT‬رات من جهة وبين دمشق وحمص من‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫جهة اخرى ‪ .‬فهي بذلك تعتبر مركزا هاما للقوافل التجارية بين العراق وبالد الشام‬
‫وقد ورد اس‪TT‬م تدمر ألول مرة في التاريخ في نقش يرجع الى ايام الملك تجالت بالس‪TT‬ر‬
‫االول ( فيما يقرب من ‪ 1100‬ق‪.‬م ) وذكر االسم على هذه الصورة ‪( :‬تدمر أمورو ) ‪.‬‬
‫وعرفت عند مؤرخي اليونان والرومان باس‪T‬م بلميرا (‪ ) Palmyra‬ويرى بعض العلماء‬
‫انه ربما تكون هناك ص‪T‬لة بين المقط‪T‬ع االخير من كلمة ( تدمر ) وه‪T‬و (‪ ) Mor‬وبين )‬
‫‪ ) Myra‬وه ‪TT‬و المقط ‪TT‬ع االخير من كلمة (‪ ) Palmyra‬وان اليونانية والالتينية ح ‪TT‬رفت‬
‫‪ .‬ويعتقد بعض الب ‪TT‬احثين ان كلمة‬ ‫(‪)5‬‬
‫اس ‪TT‬م المدينة االص ‪TT‬لي وص ‪TT‬يرته على ه ‪TT‬ذا الشكل‬
‫( بلميرا ) مشتقة من كلمة ( بالما )(‪ ) Palma‬الالتينية ومعناه‪TT‬ا (النخل ) وانها س‪TT‬ميت‬
‫‪ ،‬في حين يرى‬ ‫(‪)6‬‬
‫بلميرا منذ ان تغلب عليها االس ‪TT‬كندر ‪ .‬لكثرة غاب ‪TT‬ات النخيل حولها‬
‫البعض اآلخر ان كلمة بلميرا ترجمة للكلمة ثامارا العبرانية ال ‪TT‬تي تعني النخلة ‪ ،‬وان‬
‫ثامارا العبرانية هي اسم موضع الى الجنوب الشرقي من يهوذا وفقا لما ورد في التوراة‬
‫حيث ذكرت انها من جملة المدن ال‪T‬تي اسس‪T‬ها س‪T‬ليمان ‪ ،‬ولكنها ذكرت تحت اس‪T‬م تدمر ‪،‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ص ‪. 242‬‬ ‫‪1‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ص ‪. 51‬‬ ‫‪2‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ص ‪. 244‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جرجي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪ . 98‬صالح العلي ‪ :.‬محاضرات ص ‪. 46‬‬ ‫‪4‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج ‪ 3‬ص ‪. 71‬‬ ‫‪5‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات في تاريخ العرب ص ‪. 244 – 243‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪96‬‬
‫وان ورود اسم تدمر على ه‪T‬ذه الص‪T‬ورة كان نتيجة خط‪T‬أ ارتكب‪T‬ه كتب‪T‬ة اس‪T‬فار اخب‪T‬ار االيام‬
‫فخلط‪TT‬وا بين ثامارا الواقعة جنوبي البح‪TT‬ر الميت وبين تدمر المدينة المشهورة ‪ ،‬ثم كتب‬
‫‪ ،‬ونتيجة لهذا التحريف والخلط‬ ‫(‪)1‬‬
‫في سفر الملوك االول تحت اسم تدمر بدال من ثامارا‬
‫اص‪TT‬بح بناء ( تدمر ) منس‪TT‬وبا الى س‪TT‬ليمان ‪ ،‬فورد في الروايات العربية ال‪TT‬تي اخذت عن‬
‫التوراة ان تدمر مما بناه الجن لسليمان ‪ ،‬وينسب االخباريون العرب بناء تدمر الى تدمر‬
‫بنت حس‪TT T‬ان بن اذينة بن الس‪TT T‬ميدع بن مزيد بن عمليق بن الوذ بن س‪TT T‬ام بن نوح(‪، )4‬‬
‫والواقع ان تدمر لم تكن من بناء سليمان ‪ ،‬الن ملكه لم يمتد الى ه‪TT‬ذه البالد واغلب الظن‬
‫ان تدمر نشأت ح‪T‬ول نب‪T‬ع ماء في البادية فقص‪T‬دها الب‪T‬دو واس‪T‬تقروا في واحاتها ‪ ،‬فقد ورد‬
‫اس‪TT‬م تدمر في نقوش تجالت بالس‪TT‬ر االول المتعلقة بحمالته ض‪TT‬د العموريين س‪TT‬نة(‪1115‬‬
‫ق‪.‬م) وس ‪TT‬اعد اهلها نبوخذ في هجومه على القدس وامدوه ب(‪ )8000‬من رماه النب ‪TT‬ال‬
‫وب ‪TT‬دأت تدمر تظهر منذ ذل ‪TT‬ك الحين كمركز تجاري ه ‪TT‬ام وطريق للقوافل بين العراق‬
‫والشام ‪.‬‬
‫واس ‪TT‬تمرت تدمر محتفظ ‪TT‬ة بموقعها الممتاز ومكانتها الطيب ‪TT‬ة في عهد الس ‪TT‬لوقيين‬
‫ال‪TT‬ذين وح‪TT‬دوا س‪TT‬وريا والعراق وشجعوا الطريق التجاري المار ب‪TT‬العراق وتدمر لينافس‪TT‬وا‬
‫البطالمة ال ‪TT‬ذين كانوا يعملون على تغيير خط س ‪TT‬ير التجارة الهندية الى البح ‪TT‬ر االحمر‬
‫ومص ‪TT T‬ر ‪ ،‬وقد ادى س ‪TT T‬قوط الس ‪TT T‬لوقيين وقيام الدول ‪TT T‬ة البارثية في العراق وايران الى‬
‫االض ‪TT‬رار بمص ‪TT‬الح تدمر فقد فص ‪TT‬ل العراق عن س ‪TT‬وريا ‪ ،‬اال ان ه ‪TT‬ذا الوض ‪TT‬ع لم يس ‪TT‬تمر‬
‫طويال فس‪T‬رعان ما فرض الرومان س‪T‬يطرتهم على س‪T‬ورية وفلس‪T‬طين ومص‪TT‬ر واتبعوا في‬
‫عهد اغسطوس سياسة سلمية فهادنوا البارثيين ‪ ،‬وعادت التجارة الشرقية تمر بتدمر ‪ ،‬ثم‬
‫تطلع الرومان لالستيالء على تدمر ‪ ،‬فح‪TT‬اول ماركوس انطونيوس االس‪TT‬تيالء عليها س‪TT‬نة(‬
‫‪ 41‬ق‪.‬م) فاض ‪TT‬طر اهلها الى الجالء عنها ح ‪TT‬املين معهم اموالهم وامتعتهم ‪ ،‬وال يعرف‬
‫على وجه التحديد ما اس ‪TT‬فرت عنه حملة انطونيوس ه ‪TT‬ذه ‪ ،‬ويرجح ان تدمر اعترفت‬
‫بسيادة روما مع احتفاظها باستقاللها ‪ ،‬ويرى بعض المؤرخون انها دخلت في فلك الدول‪TT‬ة‬
‫الرومانية ‪ ،‬في أواخر القرن االول الميالدي ‪ ،‬فقد كانت من بين المدن ال‪TT T‬تي أدخلها‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫االمبراطور تراجان في الكورة العربية ‪ 106‬م‬

‫()اخبار االيام الثاني ‪ ،‬االصحاح ‪ 4-8‬سفر الملوك االول ‪ ،‬اصحاح ‪.17 -9‬‬ ‫‪1‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 248‬‬ ‫‪2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪97‬‬
‫‪ ،‬وفي س ‪TT T‬نة ‪ 130‬م زاره ‪TT T‬ا االمبراطور هادريان ومنحها لقب ‪Hardrianan‬‬
‫وقد عثر‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪ ( Palmyra‬هادريانا بلميرا ) و ( ‪ Hadriana Polis‬هادريانا ب ‪TT‬وليس )‬
‫في آثار تدمر على نقش يرجع تاريخه الى س‪TT‬نة ‪ 137‬م ‪ .‬مدون فيه باآلرامية واليونانية‬
‫معلومات تخص االح ‪TT T‬وال التجارية في ه ‪TT T‬ذه المدينة اص ‪TT T‬درها مجلس شيوخها لتنظيم‬
‫‪ .‬وكان مجلس شيوخ المدينة‬ ‫(‪)2‬‬
‫التجارة في تدمر ‪ ،‬وتثبيت الضرائب ‪ ،‬وكيفية جبايتها‬
‫يتمتع بسلطة سن القوانين والتشريع وله رئيس وكاتب وعدد من االعض‪TT‬اء ويشرف على‬
‫السلطة االجرائية شيخان ( ‪ ) Archontes‬وديوان يتألف من عشرة حكام ‪ .‬اما الس‪T‬لطة‬
‫القض ‪TT‬ائية فينظ ‪TT‬ر فيها بعض ال ‪TT‬وكالء " ‪ " Syndios‬وغ ‪TT‬يرهم من العمال (‪)3‬وقد منحت‬
‫تدمر درجة مستعمرة رومانية عليا فاصبح لها حق االمتالك التام ‪ ،‬وح‪TT‬ق اعف‪T‬اء تجارتهم‬
‫من الض ‪TT‬رائب ‪ ،‬والحرية الكاملة في ادارة سياس ‪TT‬ة المدينة ‪ .‬وكان اكتس ‪TT‬اب تدمر لهذه‬
‫االمتيازات في عهد هادريان ‪ ،‬وقيل في عهد س ‪TT‬بتي موس س ‪TT‬فروس ( ‪211 – 193‬‬
‫م ) ‪ ،‬والثابت انها كانت تتمتع بهذه االمتيازات في عهد كركال (‪ 217 – 211‬م ) ‪،‬‬
‫ويرى بعض الب‪TT‬احثين ان منح تدمر درجة ( مس‪TT‬تعمرة ) ال يعني انها اص‪TT‬بحت مقاطعة‬
‫رومانية مئة بالمئة ب‪TT‬ل كانت في الواقع حكومة مس‪TT‬تقلة ذات س‪TT‬لطة واس‪TT‬تقالل في ادارة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫شؤونها وخاضعة خضوعا شكليا لحكم الرومان‬
‫ثم اس‪TT‬تغل التدميريون فرص ‪TT‬ة انشغال الرومان في مشاكلهم الداخلية وفي ص ‪TT‬د‬
‫الغ‪TT T‬زوات الجرمانية ال‪TT T‬تي كانت تهدد دولتهم في أورب‪TT T‬ا الغربية فوس‪TT T‬عوا رقعة بالدهم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫واخضعوا القبائل المجاورة لهم‬
‫وفي سنة( ‪ 226‬م) قامت الدولة الساسانية على يد اردشير بن باب‪TT‬ك ال‪TT‬ذي ح‪TT‬ارب‬
‫الرومان واس ‪TT‬تولى على ح ‪TT‬ران ونص ‪TT‬يبين ‪ ،‬وقد اس ‪TT‬تغلت اح ‪TT‬دى اس ‪TT‬رات تدمر العريقة‬
‫ال ‪TT‬نزاع بين الساس ‪TT‬انيين والرومان احس ‪TT‬ن اس ‪TT‬تغالل ‪ ،‬واس ‪TT‬تطاع زعيم ه ‪TT‬ذه االس ‪TT‬رة وه ‪TT‬و‬
‫سبتيموس‪TT‬اودوناتوس ‪ ) odaenathus ( ،‬المعروف بالمص‪TT‬ادر العربية باس‪TT‬م " أذنيه بن‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪. 85‬‬ ‫‪1‬‬

‫()جرجي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪. 99‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج ‪ 3‬ص ‪. 85‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪Cooke , Enc. Brit. Vol. 71 P.192 .‬‬


‫() جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪. 86‬‬ ‫‪4‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص ‪. 48-47‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪98‬‬
‫الس‪TT‬ميدع " ان يس‪TT‬تقل بتدمر ويلقب بلقب ملك في س‪TT‬نة ‪ 250‬م ‪ ،‬واص‪TT‬بح ل‪TT‬ه مكانة كب‪TT‬يرة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫في المجتمع التدمري ‪ .‬وأذنيه هذا هو ابن حيران بن وهب الالت‬
‫وقد ادرك الرومان نوايا أذنيه التوس‪TT T‬عية ومدى خطورتها على مص‪TT T‬الحهم ‪.‬‬
‫‪ ،‬بعد وفاة‬ ‫(‪)2‬‬
‫فأوعز االمبراطور الى " س‪TT‬بتيموس ح‪TT‬يران " رياس‪TT‬ة مجلس شيوخ تدمر‬
‫سبتيموس هذا تولى الحكم اخوه أذنيه الثاني " ‪ " Odenatus‬وقد اتص‪TT‬ف أذنيه بالشجاعة‬
‫والجرأة ‪ ،‬وكان يحمل درجة قنص ‪TT‬ل في عهد االمبراطور فالريانوس ان أذنيه ط ‪TT‬الب‬
‫االمبراطور باالنتقام من روفينوس قاتل ابيه ‪ ،‬لكن االمبراطور لم يس‪TT‬تجب ل‪TT‬ه ‪ ،‬االمر‬
‫ال ‪TT‬ذي اغض ‪TT‬ب أذنيه وحملة على التفكير باالتص ‪TT‬ال ب ‪TT‬الفرس اعداء الرومان ‪ ،‬فبلغ ‪TT‬ه نب ‪TT‬أ‬
‫انتص ‪TT‬ار الف ‪TT‬رس الساس ‪TT‬انيون بقيادة ملكهم شابور االول بن اردشير (‪ 272 – 241‬م )‬
‫على الجيش الروماني ووقوع االمبراطور فالريانوس في االس‪TT‬ر في س‪TT‬نة ‪ 260‬م فاغتنم‬
‫أذنيه هذه الفرصة وارسل الى شابور وفدا حمل هدايا كثيرة وكتابا يتودد فيه اليه ويظهر‬
‫رغبته في مصالحته ومحالفته ‪ ،‬لكن شابور استهان ب‪T‬امر أذنيه واس‪T‬اء اس‪T‬تقبال رس‪T‬له اليه‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وأمر بالقاء هداياه في النهر ‪ ،‬وتوعد أذنيه بالعقاب جزاء تجاسره في مخاطبته‬
‫وكان تص‪TT‬رف ملك الف‪TT‬رس ه‪TT‬ذا قد أثار ثائرة أذنيه فقرر مهاجمة شابور فجمع‬
‫فرسان تدمر وانظم اليه جنود فالريانوس ‪ ،‬فزحف بهم على طيسفون ( المدائن ) ودارت‬
‫على ضفاف الفرات معركة هائلة انتهت بهزيمة شابور هزيمة نكراء ‪ ،‬وكتب أذنيه الى‬
‫جالينوس بن فالريانوس يخبره بانتصاره على الفرس واخالص‪TT‬ه لإلمبراطورية الرومانية‬
‫‪ ،‬فانعم عليه في س ‪TT T T‬نة ‪ 262‬م بلقب قائد عام على جميع جيوش الشرق " ‪Dux‬‬
‫‪ .‬ففتح نص‪TT‬يبين وح‪TT‬ران فكافئه االمبراطور على اخالص‪TT‬ه مرة ثانية‬ ‫(‪)4‬‬
‫‪" Orientes‬‬
‫في سنة ‪ 264‬م بان منحة لقب " ‪ " Imperator TotiusOrientis‬أمبراطور على جميع‬
‫بالد المشرق " اي على الشام والجزيرة واس‪TT‬يا الص‪TT‬غرى عدا منطقة ( بيتينية ) وبعض‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 250 – 249‬‬ ‫‪1‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ج ‪ 31‬ص ‪ 89-88‬ذكر بعض المؤرخين ان س‪TT‬بتموس‬ ‫‪2‬‬

‫حيران قتل مع والده أذنيه ‪ ،‬انظر حاشية ص ‪ 89‬ج ‪ 3‬جواد علي ‪.‬‬
‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ص ‪ ، 9‬سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 251 – 250‬‬ ‫‪3‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪ ، 91 – 90‬سالم ‪ ،‬ص ‪. 252 – 251‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪99‬‬
‫المناطق الشمالية ‪ ،‬وض ‪TT‬ربت النقود باس ‪TT‬مه ونقش عليها ص ‪TT‬ورته ووراءه بعض اس ‪TT‬رى‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الفرس ‪ ،‬وجعل تحت قيادته جميع القوات الرومانية المعسكرة في الشرق"‬
‫ثم لقب أذنيه نفسه بلقب اخر هو " ملك الملوك " ومنح لقبا اخر ه‪TT‬و " اغس‪TT‬طس "‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الذي كان يلقب به قياصرة الروم‬
‫ولم يكتف أذنيه بما احرزه من انتصارات على الفرس ‪ ،‬فقرر مواص‪TT‬لة الح‪TT‬رب‬
‫ضدهم ‪ ،‬وخرج مع ول‪T‬ده " س‪T‬بتميوس ه‪T‬يرودس " وحاص‪TT‬ر طيس‪T‬فون " المدائن " مدة ‪ ،‬ثم‬
‫اض ‪TT‬طر الى رفع الحص ‪TT‬ار والعودة الى بالد الشام ‪ ،‬بعد ان بلغ ‪TT‬ه نزول القوط بميناء "‬
‫هرقلية " وزحفهم نح‪T‬و " قبادونية " وما ان علم القوط بعودة أذنيه ح‪T‬تى ب‪T‬ادروا بركوب‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫سفنهم والعودة الى بالدهم‬
‫وفي سنة ‪ 267-266‬م قتل أذنيه مع ول‪T‬ده ه‪T‬يرودس في حمص بيد " معنيوس "‬
‫ابن أخيه ال ‪TT‬ذي انتهز نزول أذنيه في حمص الراح ‪TT‬ة الجند فانقض عليه مع نف ‪TT‬ر من‬
‫‪ .‬وخلف أذنيه في حكم تدمر ول‪TT‬ده " وهب‬ ‫(‪)4‬‬
‫مؤيديه وقتلوه غدرا " مع ول‪TT‬ده ه‪TT‬يرودس "‬
‫الالت " وكان ص ‪TT‬غير فتولت الوص ‪TT‬اية عليه والدته زنوبيا او " الزب ‪TT‬اء " ال ‪TT‬تي تعد من‬
‫الشخص ‪TT‬يات الهامة في تاريخ الشرق االدنى القديم وكانت تتقن اآلرامية واالغريقية‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫والالتينية ‪ ،‬وترعى العلوم واآلداب فعاش في بالطها الفيلسوف لونجينوس‬
‫وكانت زنوبيا تطمع في توسيع حدود بالده‪TT‬ا فاختارت وقتا مناس‪TT‬با للقيام بأعمال‬
‫الحربية عندما دب الضعف في كيان اإلمبراطورية الرومانية بعد ان اس‪T‬تنفذت قواه‪T‬ا في‬
‫حروبها مع الساس ‪TT‬انيين وقد شعر الرومان بأطماع زنوبيا واه ‪TT‬دافها التوس ‪TT‬عية ‪ ،‬فرأى‬
‫االمبراطور جالينوس مهاجمتها في عقر داره‪TT‬ا قب‪TT‬ل ان يس‪TT‬تفحل امره‪TT‬ا ‪ ،‬فارس‪TT‬ل جيشا‬
‫الى الشرق متظ ‪TT‬اهرا انه يريد ب ‪TT‬ه مهاجمة الف ‪TT‬رس فلما بلغ ذل ‪TT‬ك الزب ‪TT‬اء اس ‪TT‬تعدت للقاء‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قب ‪TT‬ل االس ‪TT‬الم ص ‪ ، 93‬مبروك نافع ‪ :‬عص ‪TT‬ر ما قب ‪TT‬ل االس ‪TT‬الم ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪. 92‬‬
‫()جرجي زيدان ‪:‬العرب قبل االسالم ص‪ ، 100‬جواد علي‪ :‬تاريخ العرب قب‪T‬ل االس‪T‬الم ج‪ 3‬ص ‪93‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.‬‬
‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 252‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪. 95‬‬ ‫‪4‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص ‪. 48‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪100‬‬
‫وتص‪TT‬دت للقوات الرومانية ‪ ،‬ودارت بين الط‪TT‬رفين معركة عنيف‪TT‬ة انتهت بانتص‪TT‬ار جيوش‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تدمر وهزيمة الرومان من أرض المعركة تاركين قائدهم هرقليانوس قتيال‬
‫ثم اس‪TT T‬تغلت الزب‪TT T‬اء مص ‪TT T‬رع االمبراطور الروماني جالينوس في س‪TT T‬نة ‪ 268‬م‬
‫وانتقال العرش الى أوريليوس كلوديوس وما أص‪TT‬اب روما من ارتب‪TT‬اك بس‪TT‬بب غ‪TT‬زوات‬
‫االلمان والقوط للح‪TT‬دود الغربية من االمبراطورية الرومانية ‪ ،‬فجردت حملة كب‪TT‬يرة من‬
‫سبعين الف مقاتل الى مصر بقيادة ( زبدا ) فاصطدم مع الرومان الذين قاتلوا قتاال عنيف‪TT‬ا‬
‫وانتهت المعركة بانتصار قوات تدمر ‪ ،‬فقرر " زب‪T‬دا " العودة الى تدمر بعد ان ترك في‬
‫مص ‪TT‬ر حامية من خمس ‪TT‬ة االف رجل بقيادة " تيما جينيس " ال ‪TT‬ذي عين نائب ‪TT‬ا عن الملكة‬
‫زنوبيا في مصر ‪ ،‬فلما بلغ ذل‪T‬ك بروب‪T‬وس ح‪T‬اكم مص‪T‬ر الروماني ال‪T‬ذي كان قد خرج في‬
‫االس ‪TT T‬طول لمط ‪TT T‬اردة القراص ‪TT T‬نة ‪ ،‬اس ‪TT T‬رع في العودة الى مص ‪TT T‬ر وتعقب افراد الحامية‬
‫التدمرية وعمل فيهم السيف ‪ ،‬فأمرت الزباء قائدها ( زب‪TT‬دا ) ب‪TT‬العودة الى مص‪TT‬ر ‪ ،‬فجرت‬
‫معارك بين الطرفين انتهت بانتص‪TT‬ار زب‪TT‬دا على الرومان عند " ب‪TT‬ابليون " ( اي الفس‪TT‬طاط)‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫ويعتقد بعض المؤرخين ان زنوبيا عقدت اتفاقا مع روما يقض‪TT‬ي ببقاء الجيوش‬
‫التدمرية في مصر نظ‪T‬ير اعتراف تدمر بس‪T‬يادة الرومان على مص‪TT‬ر فقد عثر على عملة‬
‫تدمرية ض ‪TT‬ربت في االس ‪TT‬كندرية في س ‪TT‬نة ‪ 270‬م نقشت عليها ص ‪TT‬ورة وهب الالت الى‬
‫جانب ص‪TT‬ورة وجه االمبراطور اوريليانوس مما يدل ان وهب الالت اص‪TT‬بح حاكما على‬
‫‪ .‬ثم وص‪TT‬لت زنوبيا سياس‪TT‬تها التوس‪TT‬عية فجردت‬ ‫(‪)3‬‬
‫مص‪TT‬ر من قب‪TT‬ل االمبراطور الروماني‬
‫حملة عس‪TT T T‬كرية الى اس‪TT T T‬يا الص‪TT T T‬غرى فتوغلت فيها وبس‪TT T T‬طت نفوذه‪TT T T‬ا هناك ‪ ،‬فقرر‬
‫االمبراطور محاربتها ‪ ،‬فالحق الجيش الروماني الهزيمة بالقوات التدمرية في مصر س‪TT‬نة‬
‫‪271‬م ‪ .‬في نفس ال‪TT‬وقت ال‪TT‬ذي كانت فيه القوات الرومانية تجتاح اس‪TT‬يا الص‪TT‬غرى وتدخل‬
‫سورية فحاولت جيوش تدمر بقيادة زب‪T‬دا الوقوف امام زح‪T‬ف الرومان لكنه اخف‪T‬ق وه‪T‬زم‬
‫في انطاكية وتراجع الى حمص حيث الح‪TT‬ق ب‪TT‬ه الرومان هزيمة ثانية ‪ ،‬واص‪TT‬بح الطريق‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪ 105‬ن سالم ‪ ،‬دراسات ص ‪. 256‬‬ ‫‪1‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج ‪ 3‬ص ‪. 107‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫‪()Cooke , Enc. Brit. P.193.‬‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪101‬‬
‫‪ .‬ثم ض‪TT‬رب الرومان الحص‪TT‬ار ح‪TT‬ول تدمر ‪ ،‬وايقنت الزب‪TT‬اء عجزه‪TT‬ا‬ ‫(‪)1‬‬
‫مفتوح‪TT‬ا الى تدمر‬
‫عن ال ‪TT‬دفاع فح ‪TT‬اولت االس ‪TT‬تنجاد ب ‪TT‬الفرس ‪ .‬فدبرت خط ‪TT‬ة للخروج من تدمر ونجحت في‬
‫الوص ‪TT‬ول الى ض ‪TT‬فاف الف ‪TT‬رات ‪ .‬حيث قبض عليها فرس ‪TT‬ان الرومان ووقعت في االس ‪TT‬ر‬
‫ففت ذل‪TT T T‬ك في عض‪TT T T‬د المدافعين عن تدمر وفتح‪TT T T‬وا اب‪TT T T‬واب مدينتهم للرومان فدخلها‬
‫اورليانوس في مطلع س‪TT‬نة ‪273‬م وعف‪TT‬ا عن س‪TT‬كان تدمر باس‪TT‬تثناء بعض القادة ال‪TT‬ذين امر‬
‫بقتلهم ‪ ،‬وابقي على الزب‪TT‬اء وابنها وهب الالت ليعود بهما الى روما ومض‪TT‬ى الى حمص‬
‫في طريقة الى روما فلما وصل " تراقيه " بلغه ان اه‪T‬ل تدمر اعلنوا الثورة على الحامية‬
‫الرومانية ونص‪TT T‬بوا انطيوخوس ملكا عليهم ‪ ،‬فقرر العودة الى تدمر ‪ ،‬فدخلها ب‪TT T‬دون‬
‫مقاومة فدمرها وهدم اسوارها وقالعها وقتل معظم سكانها ثم أمر بعد ذلك جنوده ب‪T‬الكف‬
‫عن المذابح ‪ ،‬وامر ب ‪TT‬ترميم معب ‪TT‬د الشمس واالس ‪TT‬وار ثم عاد ومعه زنوبيا وابنها وهب‬
‫‪ .‬حيث قض‪TT‬ت بقية حياتها مع اوالده‪TT‬ا في بيت خص‪TT‬ص لها‬ ‫(‪)2‬‬
‫الالت اس‪TT‬يرين الى روما‬
‫في " تيبور " ‪.‬‬
‫حضارة ت دمر ‪ :‬كانت الحض‪TT‬ارة التدمرية مزيجا من عناص‪TT‬ر مختلف‪TT‬ة يونانية‬
‫(‪)3‬‬
‫وس ‪TT‬ورية وفارس ‪TT‬ية ‪ ،‬على ال ‪TT‬رغم من ان س ‪TT‬كان تدمر كانوا عرب ‪TT‬ا من بقايا العماليق‬
‫وكانت لغ‪TT T‬ة التخاطب والكتاب‪TT T‬ة عندهم لهجة من اللهجات اآلرامية الغربية تنتمي الى‬
‫االص‪TT‬ل ال‪TT‬ذي اس‪TT‬تمدت منه النبطية ‪ ،‬وتظم كثيرا من المص‪TT‬طلحات اليونانية والالتينية ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫وكان الخط الذي يكتبون فيه هو تطور للخط اآلرامي القديم‬
‫ويتكون س‪TTT‬كان تدمر من المواط‪TTT‬نين والعبيد واالجانب ال ‪TT‬ذين كانوا اغلبهم من‬
‫االغريق والعبيد المح‪TT‬ررين ‪ ،‬ولم تكن لهؤالء مكانة كب‪TT‬يرة في المجتمع ‪ .‬اما االح‪TT‬رار‬
‫فكانوا يتألفون من عدد من العشائر ال‪TT‬تي ينتس‪TT‬ب افراد كل منها الى جد واح‪TT‬د ‪ ،‬واغلب‬
‫افراد العشائر كانوا يتس‪TT‬مون بأس‪TT‬ماء س‪TT‬امية ‪ ،‬ماعدا قليال منهم تس‪TT‬مى بأس‪TT‬ماء اغريقية ‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫‪()Ioid . P 163.‬‬
‫‪ ،‬صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص ‪ ، 49‬سالم ‪ :‬تاريخ الدولة العربية ص ‪128‬‬
‫()جرجي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪. 105‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪. 124‬‬ ‫‪3‬‬

‫()مبروك نافع ‪ :‬تاريخ عصر ما قبل االسالم ص ‪. 94 ، 93‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪102‬‬
‫وكان في تدمر ايض‪TT‬ا عدد من الف‪TT‬رس من الطبقة االرس‪TT‬تقراطية ‪ ،‬ويعاملون كمواط‪TT‬نين‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫كما ان هناك بعض الرومانيين من الموظفين‬
‫وقد اس ‪TT T‬تفادت تدمر كثيرا من موقعها الجغ ‪TT T‬رافي الواقع في مف ‪TT T‬ترق الط ‪TT T‬رق‬
‫الص‪TT‬حراوية ال‪TT‬تي تربطها ب‪TT‬البتراء ‪ ،‬ومنها الى عدن من جهة وبموانئ الس‪TT‬احل الس‪TT‬وري‬
‫من جهة اخرى ‪ ،‬فأص‪TT‬بحت تدمر متحكمة في الشبكة الهامة من الط‪TT‬رق التجارية ال‪TT‬تي‬
‫تربط السواحل السورية بآسيا والهند فكانت تص‪TT‬ل الى ه‪TT‬ذه المدينة المنس‪TT‬وجات الحريرية‬
‫والجواهر والآللئ والطيوب والبخور والعاج واالبنوس من الهند والص‪TT‬ين وبالد العرب‬
‫الجنوبية فربح التدمريون من هذه التجارة مكاسب هائلة من الضرائب التي كانت تف‪T‬رض‬
‫على تلك البضائع التي كانت القوافل التدمرية تقوم بنقلها الى بلدة دورا أوروبس الواقعة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫على الحدود الخارجية لمملكة تدمر‬
‫ولم يكن دور التدمريين مقتص‪TT T‬را على القيام بنقل البض‪TT T‬ائع او تزويد القوافل‬
‫المارة بهم ‪ ،‬ب ‪TT‬ل كانوا يمارس ‪TT‬ون التجارة بأنفس ‪TT‬هم فامتد نشاطهم التجاري الى مناطق‬
‫عديدة من العالم في ميس‪TT T‬ان وس‪TT T‬لوقية والشام والمدن الفينيقية ومص‪TT T‬ر وروما والغ‪TT T‬ال‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫( فرنسا ) واسبانيا كما عقدوا معاهدات مع القبائل المقيمة على ضفاف الفرات‬
‫اما عن الديانة في تدمر فهي ال تختلف كثيرا عن االديان الس ‪TT‬ائدة في س ‪TT‬ورية‬
‫الشمالية وعند القبائل العربية في البادية وقد وردت اس ‪TT T‬ماء اص ‪TT T‬نامهم في الكتاب ‪TT T‬ات‬
‫التدمرية بعض‪T‬ها كان معروفا عند العرب وبعض‪T‬ها االخر ارامي ‪ ،‬واشهر االلهة شمس‬
‫وااللهة بعل ( ب ‪TT‬ل ) " ويرح ب ‪TT‬ول " ‪ :‬وعجل ب ‪TT‬ول " ز (الت) الالت ‪ ،‬ورحم أي رحيم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫واشتر ( عشتار ) وعزيزو ( عزيز ) وبعل شمين (بعل السماء )‬
‫أثار تدمر ‪ :‬اب‪TT‬رز االثار الباقية معب‪TT‬د بعل ( ب‪TT‬ل ) ‪ ،‬وه‪TT‬و أروع ما تخلف من‬
‫أثار تدمر ‪ ،‬والمعب ‪TT‬د مقام على مرتف ‪TT‬ع من االرض أمامه قوس هائل وطريق عريض‬
‫طوله ‪ 1240‬ياردة وعلى جوانبه ‪ 270‬عمودا طول كل منها ‪ 55‬قدما ‪ ،‬وال يزال قائما‬
‫منها ‪ 150‬عمودا ‪ ،‬منح‪TT T T‬وت معظمها من المرمر االبيض وبعض‪TT T T‬ها من الجرانيت‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص ‪. 51 – 50‬‬ ‫‪1‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 264‬‬ ‫‪2‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص ‪. 54 – 50‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ص ‪ 130 ، 129‬نافع ‪ ،‬ص ‪ ، 94‬سالم ‪. 266‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪103‬‬
‫واالعمدة مرتبط‪TTT‬ة ببعض‪TTT‬ها من االعلى ويعرف ه ‪TT‬ذا الطريق بطريق االعمدة ويعتبر‬
‫الشارع الرئيس ‪TT T‬ي في تدمر ومنه تتف ‪TT T‬رع ال ‪TT T‬دروب الفرعية وعلى جانبيه الح ‪TT T‬وانيت‬
‫والمخازن(‪. )1‬‬
‫والى جانب هذا المعبد هناك معابد اخرى كانت مبنية بالحجارة ومزينة ب‪TT‬النقوش‬
‫والص‪TT‬ور وبعض التماثيل ‪ ،‬كذلك تبقت في تدمر أثار حمامات ‪ ،‬ودور خاص‪TT‬ة مبلط‪TT‬ة‬
‫بالفسيفس ‪TT T‬اء والرخام ‪ ،‬واعمدة تذكارية ‪ ،‬واثار قص ‪TT T‬ر الزب ‪TT T‬اء يعتبر معجزة في فن‬
‫النحت(‪ . )2‬ومن اثار تدمر ايضا المدافن التي كانت كأبراج مس‪T‬تطيلة ‪ ،‬يزيد عددها على‬
‫مائة مدفن متناثرة حول المدينة ويتألف من اربع طبقات ارتفاعها ثمانون قدما وعرض‪TT‬ها‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ثالثون قدما وله باب خاص يدخلون منه الى الطبقات‬
‫دولة الغساسنة‬
‫كانت قبائل االزد اليمنية قد ه‪T‬اجرت الى بالد الشام على أثر انكس‪T‬ار س‪T‬د مأرب‬
‫وتدهور نظم الزراعة واعمال ال‪TT‬ري في جنوب الجزيرة العربية ‪ ،‬وقد نزل االزد في‬
‫اما المس‪T‬عودي‬ ‫(‪)4‬‬
‫البلقاء واستقروا حول نبع ماء يعرف باسم " غسان " فعرفوا بالغساسنة‬
‫فيذكر ان نبع غسان كان في بالد اليمن فيقول " انما غسان ماء فشربوا منه فس‪TT‬موا ب‪TT‬ذلك‬
‫وه‪TT T‬و ما بين زبيد ورمع ‪ ،‬وادى االشعريين ب‪TT T‬ارض اليمن " وأورد المس‪TT T‬عودي شعرا‬
‫لحسان بن ثابت ‪:‬‬
‫(‪)5‬‬
‫االزد نسبتنا والماء غسان‬ ‫أما سألت فانا معشر نجب‬
‫وعرف الغساس‪T‬نة ايض‪T‬ا ب‪T‬ال جفنة نس‪T‬بة الى اول ملوكهم جفنة بن عمرو مزيقاء‬
‫‪ .‬كما‬ ‫(‪)6‬‬
‫بن عامر بن ماء السماء بن حارثة بن أمرئ القيس بن ثعلب‪TT‬ة بن مازن بن االزد‬
‫‪ .‬وكان يس‪TT‬كن بادية‬ ‫(‪)7‬‬
‫عرفوا ب‪TT‬ال ثعلب‪TT‬ة نس‪TT‬بة الى جد لهذه االس‪TT‬رة ه‪TT‬و ثعلب‪TT‬ة بن مازن‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص ‪ ، 54 ، 53‬سالم ‪ ،‬ص ‪. 267 – 266‬‬ ‫‪1‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 268‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جرجي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ‪. 106‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جرجي زيدان ‪ :‬العرب قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ص ‪ ، 207‬علي اب‪TT‬راهيم ‪ :‬التاريخ االس‪TT‬المي العام ص ‪80‬‬ ‫‪4‬‬

‫ماجد ‪ ،‬التاريخ السياسي ج‪ 1‬ص ‪. 88‬‬


‫()المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج‪ 2‬ص ‪. 107 – 106‬‬ ‫‪5‬‬

‫()المصدر السابق ‪ :‬التنبيه واالشراف طبعة بيروت ص ‪. 186‬‬ ‫‪6‬‬

‫() نولدكة ‪ :‬امراء غسان ط بيروت ‪ 1933‬ترجمة بندلي جوزي وقسطنطين زريق ص ‪. 4‬‬ ‫‪7‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪104‬‬
‫الشام قب ‪TT‬ل قدوم الغساس ‪TT‬نة قوم عرفوا بالض ‪TT‬جاعمة من قض ‪TT‬اعة ‪ ،‬فلما نزل الغساس ‪TT‬نة‬
‫بجوارهم فرض هؤالء عليهم االتاوة ‪ ،‬وظل الغسانيون يؤدونها لهم حتى اندلعت الح‪TT‬رب‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بين الطرفين وانتهت بتغلب وانفرادهم بالسلطة دون غيرهم‬
‫واول امراء غسان في بالد الشام ه‪T‬و جفنة بن عمرو مزيقياء ‪ ،‬وقد ذكر حمزة‬
‫االص‪TT‬فهاني ان جفنة ه‪T‬ذا لما ملك قتل ملوك قض‪TT‬اعة من س‪T‬ليح ال‪T‬ذين يدعون الض‪TT‬جاعمة‬
‫في حين يذكر المس ‪TT‬عودي ان اول من ملك‬ ‫(‪)2‬‬
‫ودانت ل ‪TT‬ه قض ‪TT‬اعة ومن بالشام من ال ‪TT‬روم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫من الغساسنة هو الحارث بن عمرو بن عامر بن حارثة‬
‫ويعتبر الح ‪TT‬ارث بن جبلة ( ‪ 569 – 529‬م ) اعظم ملوك غس ‪TT‬ان وأشهرهم ‪،‬‬
‫وكان الح‪TT‬ارث ه‪TT‬ذا معاص‪TT‬را لإلمبراطور جس‪TT‬تنيان ( ‪ 565 – 527‬م ) ‪ ،‬وكس‪TT‬رى انو‬
‫شروان ( ‪ 579 – 531‬م ) ‪ ،‬وقد ذكر المؤرخ بروكوبيوس ان جس‪TTT‬تنيان أنعم على‬
‫الح ‪TT‬ارث بلقب " ملك " ‪ Basileus‬وبس ‪TT‬ط نف ‪TT‬وذه على كثير من القبائل العربية بالشام ‪،‬‬
‫وكان االمبراطور يقصد بذلك ان يجعل الحارث خص‪T‬ما قويا في وجه المنذر بن النعمان‬
‫‪ .‬ويعتقد بعض العلماء ومنهم ( نولدكه ) ان‬ ‫(‪)4‬‬
‫المعروف ب‪TT‬ابن ماء الس‪TT‬ماء ملك الح‪TT‬يرة‬
‫االمبراطور لم يمنح الح‪TT‬ارث لقب " ملك " فقد كان ه‪TT‬ذا اللقب قاص ‪TT‬را على القياص ‪TT‬رة ‪،‬‬
‫فال يمنح لغ ‪TT‬يرهم وان ما لقب ب‪TT‬ه الح‪TT‬ارث وغ ‪TT‬يره من ال جفنة ه‪TT‬و لقب " البطريق " او لقب‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫شيخ القبيلة ( فيالركوس )‬
‫وقد قام الحارث بن جبلة بضبط امور سورية اثناء انشغال االمبراطور جس‪TT‬تنيان‬
‫بحروب ‪TT‬ة في اس ‪TT‬بانيا وشمال افريقيا ‪ ،‬واس ‪TT‬تطاع ان يقيم جبهة قوية امام المنذر بن ماء‬
‫‪ .‬وقد قامت الحرب بين الح‪TT‬ارث‬ ‫(‪)6‬‬
‫السماء ملك الحيرة ‪ ،‬وحارب الفرس اعداء الرومان‬
‫بن جبلة والمنذر بن ماء الس‪TT‬ماء في س‪TT‬نة ‪ 538‬م ‪ .‬بس‪TT‬بب االراض ‪TT‬ي ال‪TT‬تي اطلق عليها‬
‫الرومان اس‪TT‬م ‪ Strata‬وهي االراض‪TT‬ي الممتدة على جانبي الطريق الحربية من دمشق‬
‫الى ما بعد تدمر حتى مدينة سروج ‪ ،‬فقد ادعى المنذر ان القبائل العربية النازل‪TT‬ة في تلك‬

‫()ابن خلدون ‪ :‬العبر ج‪ 2‬ص ‪. 583‬‬ ‫‪1‬‬

‫()حمزة االصفهاني ‪ :‬تاريخ سني ملوك االرض واالنبياء ص ‪. 77‬‬ ‫‪2‬‬

‫()المسعودي – مروج الذهب ج‪ 2‬ص ‪. 157‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 4‬ص ‪. 129-128‬‬ ‫‪4‬‬

‫()نولدكه ‪ :‬امراء غسان ص ‪ 14 ، 12‬جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 4‬ص ‪. 129 – 128‬‬ ‫‪5‬‬

‫()نافع ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪ 113 ، 112‬ماجد ‪ ،‬التاريخ السياسي ج‪ 1‬ص‪. 89‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪105‬‬
‫االراض‪TT‬ي خاض‪TT‬عة لس‪TT‬لطانة وانها تدفع ل‪TT‬ه الجزية ‪ ،‬فنازعه الح‪TT‬ارث على ه‪TT‬ذه الس‪TT‬لطة‬
‫وقامت الح‪TT‬رب بينهما فانتص‪TT‬ر كس‪TT‬رى للمنذر واوعز اليه بالتوغ‪TT‬ل في س‪TT‬ورية فوص‪TT‬لت‬
‫هجماته الى انطاكية(‪ . )1‬وفي س‪TT‬نة ‪ 541‬م اشترك الح‪TT‬ارث في القتال الى جانب ال‪TT‬روم‬
‫فعبر بجيوشه نهر دجلة لكنه س‪TT‬رعان ما عاد الى مواقعة الس‪TT‬ابقة عن طريق آخر غ‪TT‬ير‬
‫الطريق ال‪TT‬تي س‪TT‬لكها معظم الجيش ‪ ،‬وقد أثار تص‪TT‬رفه ه‪TT‬ذا شكوك ال‪TT‬روم في اخالص‪TT‬ه ‪.‬‬
‫ولم يمض على ه‪TT T‬ذا الح‪TT T‬ادث س‪TT T‬وى فترة قص‪TT T‬يرة ح‪TT T‬تى تجددت الح‪TT T‬رب بين الح‪TT T‬ارث‬
‫والمنذر في س‪TT‬نة ‪544‬م ‪ .‬فهزم الغساس‪TT‬نة ووقع اح‪TT‬د ابناء الح‪TT‬ارث اس‪TT‬يرا في يد المنذر‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫فقدمة ضحية لإللهة العزى‬
‫واس‪TT‬تمر العداء س‪TT‬ائدا بين الغساس‪TT‬نة والمناذرة ‪ ،‬ح‪TT‬تى تمكن الح‪TT‬ارث من اح‪TT‬راز‬
‫النص‪TT‬ر على المنذر ملك الح‪TT‬يرة في س‪TT‬نة ‪ 554‬م في المعركة ال‪TT‬تي ح‪TT‬دثت ب‪TT‬القرب من "‬
‫قنسرين " وقتل فيها المنذر نفسه ‪ ،‬وخسر الحارث احد ابنائه ويدعى " جبلة " فدفنه اب‪T‬وه‬
‫في قلعة عين عوداجه بالقرب من قنسرين(‪.)3‬‬
‫وبعد وفاة الحارث بن جبلة سنة ‪ 569‬م خلفة في الحكم المنذر بن الح‪T‬ارث ال‪T‬ذي‬
‫عرف في المص‪TT‬ادر اليونانية والالتينية باس‪TT‬م ‪ Alamundaros‬كما لقب بالمنذر االكبر‬
‫‪ .‬وقد اس ‪TT‬تهل المنذر عهده بمحارب ‪TT‬ة المناذرة‬ ‫(‪)4‬‬
‫تمييزا ل ‪TT‬ه عن أخيه المنذر االص ‪TT‬غر‬
‫فانتصر على ملكهم قابوس بن المنذر في موقعة " عين اب‪T‬اغ " ال‪T‬تي ح‪T‬دثت في س‪T‬نة ‪570‬‬
‫‪ .‬وكانت العالقات بين الغساس‪TT‬نة وال‪TT‬روم قد أخذت تس‪TT‬وء بس‪TT‬بب‬ ‫(‪)5‬‬
‫ب‪TT‬القرب من الح‪TT‬يرة‬
‫موقف المنذر المؤيد للمذهب المونوفيزيتي ( اليعقوبي ) ‪ ،‬فأوعز االمبراطور جس‪TT‬تين‬
‫الثاني ( ‪ 578 – 565‬م ) الى البطريق مرقيانوس بتدبير مؤامرة لقتل المنذر ‪ ،‬فلما‬
‫احس المنذر ب ‪TT‬ذلك ه ‪TT‬رب الى البادية وشق عص ‪TT‬ا الطاعة على االمبراطور مدة ثالث‬
‫س ‪TT‬نوات ‪ ،‬فاغتنم المناذرة الفرص ‪TT‬ة وه ‪TT‬اجموا س ‪TT‬وريا وعاشوا بها ‪ ،‬فاض ‪TT‬طر ال ‪TT‬روم الى‬
‫مفاوضة المنذر واسترضائه فعقد الصلح بينهما في أواخر ايام االمبراطور جستين الثاني‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص ‪ ، 57‬علي ابراهيم ‪ ،‬التاريخ االسالمي ص ‪. 81‬‬ ‫‪1‬‬

‫()نولدكه ‪ :‬امراء غسان ص ‪ ، 18‬سالم ‪ ،‬دراسات ص ‪. 281‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ ، 4‬ص ‪. 61‬‬ ‫‪3‬‬

‫()حمزة االصفهاني ‪ :‬ص ‪. 78‬‬ ‫‪4‬‬

‫()جرجي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪. 217‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪106‬‬
‫‪ .‬وقد قام المنذر بزيارة القس ‪TT‬طنطينية في ‪ 8‬مارس س ‪TT‬نة ‪ 580‬م فاس ‪TT‬تقبل اس ‪TT‬تقباال‬ ‫(‪)1‬‬

‫حافال ‪ ،‬وانعم عليه االمبراطور الجديد طيب‪T‬اريوس ( ‪ 582 – 578‬م ) بالتاج ب‪T‬دال من‬
‫‪ .‬ولم تلبث العالقات بين المنذر‬ ‫(‪)2‬‬
‫االكليل ال‪TT‬ذي ينعم ب‪TT‬ه ال‪TT‬روم على عمالهم من العرب‬
‫وال‪TT‬روم ان تدهورت على أثر أشتراك المنذر في الحملة ال‪TT‬تي قام بها موريق ( قومس‬
‫الشرق ) ضد الفرس ‪ ،‬فقد عزى الرومان فشل هذه الحملة الى تواطئ المنذر مع الف‪TT‬رس‬
‫‪ ،‬فقد وجد موريق الجس‪TT‬ر الكب‪TT‬ير على نهر الف‪TT‬رات مهدما فظن ان في االمر خيانة من‬
‫جانب الملك الغس ‪TT‬اني فزاد ه ‪TT‬ذا الح ‪TT‬ارث من أيغ ‪TT‬ار ص ‪TT‬دور ال ‪TT‬روم ض ‪TT‬د المنذر فأرس ‪TT‬ل‬
‫االمبراطور طيب ‪TT‬اريوس الى " ماجنوس " ‪ .‬الح ‪TT‬اكم الروماني في س ‪TT‬وريا يأمره ب ‪TT‬القبض‬
‫على المنذر ‪ ،‬ولم يس‪TT‬ع ماجنوس اال ان ينف‪TT‬ذ أمر اإلمبراطور رغم الص‪TT‬داقة ال‪TT‬تي كانت‬
‫تربط‪TT‬ه بالمنذر ‪ ،‬فأرس‪TT‬ل الى المنذر يدعوه الى حض‪TT‬ور حف‪TT‬ل افتتاح أح‪TT‬دى الكنائس في‬
‫بلدة الحواريين ( بين تدمر ودمشق ) ‪ ،‬فلما حض‪TT‬ر المنذر القي القبض عليه وأرس‪T‬ل الى‬
‫‪ .‬ثم توفي االمبراطور طيب ‪TT‬اريوس وتولى‬ ‫(‪)3‬‬
‫القس ‪TT‬طنطينية مع أب ‪TT‬نين ل ‪TT‬ه واح ‪TT‬دى نس ‪TT‬ائه‬
‫الحكم بعده موريق (‪ ) 602 – 582‬عدو المنذر اللدود ‪ ،‬فأمر بنفي المنذر الى جزيرة‬
‫ص ‪TT‬قلية ‪ ،‬ولم يكتفي ب ‪TT‬ذلك ب ‪TT‬ل عمد الى قط ‪TT‬ع المعونة الس ‪TT‬نوية ال ‪TT‬تي كانت تقدمها الدول ‪TT‬ة‬
‫البيزنطية الى أس‪T‬رة المنذر من ال جفنة فأثار ه‪T‬ذا التص‪TT‬رف ابناء المنذر االربعة وشقوا‬
‫عصا الطاعة على ال‪TT‬روم ‪ ،‬فأوغلوا في الص‪TT‬حراء تحت قيادة اخيهم االكبر – النعمان –‬
‫واخذوا يشنون الغ ‪TT‬ازات على أراض ‪TT‬ي الدول ‪TT‬ة البيزنطية فقاموا بهجمات عنيف ‪TT‬ة ض ‪TT‬د "‬
‫بص‪TTT‬رى " ال‪TTT‬تي كانت أكبر قاعدة بيزنطية في جنوب س ‪TT‬وريا ‪ ،‬فاض ‪TT‬طر االمبراطور‬
‫موريق الى تجهيز حملة بقيادة ماجنوس لمحارب‪TT‬ة أوالد المنذر فاس‪TT‬تطاع ان يلقي القبض‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫على النعمان بن المنذر بالخديعة والدهاء ‪ ،‬وأرسله الى القسطنطينية في سنة ‪ 583‬م‬
‫وقد اعقب أس ‪TT‬ر النعمان بن المنذر تص ‪TT‬دعا في دول ‪TT‬ة الغساس ‪TT‬نة ‪ ،‬فتفككت وح ‪TT‬دة‬
‫العرب في س‪TT‬وريا وانقس‪TT‬موا الى ( ‪ ) 15‬فرقة لكل منها أمير ‪ ،‬وب‪TT‬دأت القبائل تط‪TT‬احن‬
‫فيما بينها ‪ ،‬كما أخذ بعض‪TT T‬هم يشن الغ‪TT T‬ارات على المناطق المتحض‪TT T‬رة في س‪TT T‬وريا ‪،‬‬

‫()نولدكه ‪ :‬ص ‪ 26-25‬علي ابراهيم حسن – التاريخ االسالمي العام ص ‪. 83‬‬ ‫‪1‬‬

‫()جرجي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص‪ ، 217‬سالم ‪ ،‬دراسات ص ‪. 287‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج ‪ 4‬ص ‪ ، 138‬صالح العلي ‪ ،‬محاضرات ص ‪. 59‬‬ ‫‪3‬‬

‫()نولدكه ‪ :‬ص ‪ 32‬مبروك نافع ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪. 113‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪107‬‬
‫فاض‪TT‬طر الرومان الى اقامة أمير جديد للغساس‪TT‬نة ب‪TT‬دال من المنذر ‪ ،‬وحرص‪TT‬وا ان يكون‬
‫االمير الجديد من ال جفنة لما كان يتمتع به هؤالء من مكانة وهيبة في نفوس العرب في‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سوريا‬
‫واختلف االخب‪TT T‬اريون العرب في ذكر اس‪TT T‬ماء امراء الغساس‪TT T‬نة بعد المنذر بن‬
‫الح‪TT‬ارث ‪ ،‬كما انقط‪TT‬ع المؤرخون الس‪TT‬وريون والب‪TT‬يزنطيون عن ذكر اخب‪TT‬ار ال جفنة بعد‬
‫المنذر ‪ ،‬وكانت مدة حكمهم قص‪TT‬يرة وقد أورد حمزة االص‪TT‬فهاني قائمة بأس‪TT‬مائهم تختلف‬
‫عن االس ‪TT‬ماء ال ‪TT‬تي أورده ‪TT‬ا المس ‪TT‬عودي وابن قتيب ‪TT‬ة ثم تف ‪TT‬رق ال جفنة في الص ‪TT‬حراء وفر‬
‫بعضهم الى بالد الروم على أثر اس‪T‬تيالء الف‪T‬رس على بالد الشام في س‪T‬نة ‪ 613‬م ‪ ،‬وبعد‬
‫نجاح االمبراطور هرقل في استرداد الشام من الفرس في س‪T‬نة ‪ 629‬م أس‪T‬ند حكم س‪T‬ورية‬
‫الى اح‪TT‬د االمراء الغساس‪TT‬نة وه‪TT‬و ( جبلة بن االيهم ) ‪ ،‬ال‪TT‬ذي اشترك مع ال‪TT‬روم في قتال‬
‫المسلمين بقيادة خالد بن الوليد في " دومة الجندل " س‪T‬نة ‪ 634‬م ‪ ،‬كما اشترك مع ال‪T‬روم‬
‫في موقعة اليرموك سنة ‪ 636‬م ‪ ،‬واسلم بعد هذه الموقعة ‪ ،‬غير انه ما لبث ان أرتد عن‬
‫االسالم وهرب الى القسطنطينية (‪.)2‬‬
‫حضارة الغساسنة‬
‫كانت ديار الغساسنة تمتد ما بين الجوالن واليرموك ‪ ،‬وكانوا يقيمون بالقرب من‬
‫دمشق في موضع على نهر بردى يعرف " بجلق " وكانت الجوالن قاعدة لملك الغساس‪TT‬نة‬
‫ومعس‪TT‬كر لهم واتخذوا مدينة الجابية مركزا إلماراتهم ‪ ،‬وكان موقعها ب‪TT‬القرب من مرج‬
‫الصفر في شمال ح‪T‬وران ‪ ،‬وليس هناك ما يشير الى ان الغساس‪T‬نة كانوا يمتلكون أيا من‬
‫االماكن المحص‪TT‬نة او من المدن ال‪TT‬تي كانت مس‪TT‬اكن للجيش كدمشق وبص‪TT‬رى او كتدمر‬
‫التي حصنها جستنيان(‪. )3‬‬
‫وقد مارس الغساس ‪TT‬نة الزراعة واهتموا بشؤونها ‪ ،‬فاس ‪TT‬تغلوا مياه ح ‪TT‬وران ال ‪TT‬تي‬
‫تندفق من أعالي الجب ‪TT T‬ال في الزراعة ‪ ،‬فعمرت القرى والض ‪TT T‬ياع ‪ ،‬وبنوا القناطر‬
‫واصلحوا الصهاريج ‪ ،‬والى جانب اهتمام الغساسنة بالزراعة ‪ ،‬اهتموا بالعمارة والبنيان‬
‫‪ ،‬فشيدوا كثيرا من القص ‪TT T T‬ور واالديرة ‪ ،‬ومن القص ‪TT T T‬ور ال ‪TT T T‬تي تنس ‪TT T T‬ب الى االمراء‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص ‪ ، 60‬سالم ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫()البالذري ‪ :‬تاريخ ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪ ، 160‬ابن قتيبة ‪ :‬كتاب المعارف ‪ ،‬ص ‪. 217‬‬ ‫‪2‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص ‪ ، 63‬سالم ‪ ،‬دراسات ص ‪. 296 ، 295‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪108‬‬
‫الغسانيون ‪ ،‬قصر المشتي وهو بناء متأثر الى حد كبير بفن العمارة الساس‪TT‬انية ال‪TT‬ذي كان‬
‫‪ .‬وقص ‪TT‬ر الص ‪TT‬فا وقص ‪TT‬ر المنارة وقص ‪TT‬ر الس ‪TT‬ويداء‬ ‫(‪)1‬‬
‫س ‪TT‬ائدا في الح ‪TT‬يرة وقص ‪TT‬ر الطوب ‪TT‬ة‬
‫والقصر االبيض وقص‪TT‬ر بركة وقص‪TT‬ر ح‪TT‬ارب وغيره‪TT‬ا ‪ .‬ومن االديرة ‪ :‬دير ح‪TT‬الي ودير‬
‫كما شيد الغساس‪TT T‬نة عددا من‬ ‫(‪)2‬‬
‫الكهف ودير هند ودير البنوة ‪ ،‬وقلعة القس‪TT T‬طل ‪.‬‬
‫‪ .‬وكانت الديانة الس‪TT‬ائدة عند‬ ‫(‪)3‬‬
‫الحمامات العامة والمس‪TT‬ارح والكنائس واقواس النص‪TT‬ر‬
‫الغساس‪TT‬نة هي النص‪TT‬رانية ‪ ،‬بحكم والئهم للروم ‪ ،‬وكانوا على المذهب المنوفس‪TT‬تي ‪ ،‬ال‪TT‬ذي‬
‫عرف فيما بعد باس ‪TT‬م المذهب اليعقوبي نس ‪TT‬بة الى يعقوب ال ‪TT‬برادعي الره ‪TT‬وي ‪ ،‬واتخذ‬
‫الغساسنة اللغة العربية لغتهم ‪ ،‬كما استعملوا اللغة اآلرامية لغة ثانية(‪.)4‬‬

‫()اختلف العلماء في نس‪TT‬بة ه‪TT‬ذين القص‪TT‬رين ‪ ،‬فبعض‪TT‬هم ينس‪TT‬بها الى االمويين والبعض االخر ينس‪TT‬بهما‬ ‫‪1‬‬

‫الى الغساسنة ‪ .‬انظر‬


‫‪.Creswell, Early Muslim architecture, Vol.1 P.390-405‬‬
‫()جرجي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪ ، 220 ،219‬سالم ‪ ،‬دراسات ص ‪. 298 ، 297‬‬ ‫‪2‬‬

‫()مبروك نافع ‪ :‬عصر ما قبل االسالم ص ‪. 115‬‬ ‫‪3‬‬

‫() مبروك نافع ‪ :‬عصر ما قبل االسالم ص ‪. 115‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪109‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫ممالك العراق قبل االسالم‬
‫ميسان ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫الحضر ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫المناذرة ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫نشوء وتطور مملكة ميسان‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪110‬‬
‫ورد في اح ‪TT‬دث كتابين ب ‪TT‬اللغتين اآلرامية واالفريقية اس ‪TT‬م مملكة ميس ‪TT‬ان ال ‪TT‬تي‬
‫لعبت دورًا ب‪TT T‬ارزًا في االح‪TT T‬داث السياس‪TT T‬ية واالقتص‪TT T‬ادية في العراق خالل الف‪TT T‬ترة من‬
‫منتصف القرن الثاني ق‪.‬م الى الربع االول من القرن الثالث للميالد ‪ ،‬حيث عثر على‬
‫كتابتين منقوشتين على فخذي تمثال برونزي لإلل‪TT‬ه هرقل ( ص ‪TT‬ورة ‪ ) 2 ، 1‬عثر‬
‫‪ ،‬ولقد اثبتت دراس‪TT T‬ة التمثال الفنية‬ ‫(‪)1‬‬
‫عليه عن طريق الص‪TT T‬دفة في عام ‪1984‬‬
‫وقراءة وتحليل الكتابتين على انهما على جانب كب ‪TT‬ير من االهمية النهما تس ‪TT‬لطان‬
‫ض ‪TT‬وًء جديدًا على جوانب مختلف ‪TT‬ة ومتعددة من العالقات التاريخية بين الفرثيين من‬
‫جهة ومملكة ميسان من جهة اخرى ‪ .‬اض‪TT‬افة الى ما تقدمة من اهمية دينية تكمن في‬
‫تط‪T‬ابق الهة عراقية او شرقية ‪ .‬واس‪T‬م ميس‪T‬ان دل ‪ ،‬في الف‪T‬ترة المتأخرة ‪ ،‬على جنوب‬
‫وتتف ‪TT‬ق معظم المص ‪TT‬ادر على ان س ‪TT‬كانها كانوا من القبائل العربية‬ ‫(‪)2‬‬
‫العراق بأكمله‬
‫الذين اعتمدوا اللغ‪TT‬ة االغريقية في كتاب‪TT‬ة نقوش نقودهم في ب‪TT‬ادئ االمر ثم تحول‪TT‬وا الى‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اللغة اآلرامية وتركوا اثارهم اللغوية الى حد ما في الكتابات الندائية الحالية‬
‫ان مكانة ميسان بين مقاطعات وممالك الدولة الفرثية واعتدادها بنفس‪TT‬ها جعلها‬
‫تتس‪T‬م باالس‪T‬تقالل احيانًا في اموره‪T‬ا عن س‪T‬لطان البالط الف‪T‬رثي ‪ .‬ولكنها لم تدرس لح‪T‬د‬
‫االن دراسة تاريخية أثرية مستفيضة بسبب عدم شمولها بأعمال التنقيبات االثارية‬
‫والذي سنستعرضه في مقالنا هذا من تأسيس المملكة وتاريخها يعتمد بالدرجة‬
‫االساس‪TT‬ية على اللقى االثارية المختلف‪TT‬ة ال‪TT‬تي اكتشفت في مواقع عديدة تمتد من تدمر‬
‫وكبيس ‪TT T‬ة وس ‪TT T‬لوقيه على دجلة وح ‪TT T‬تى مواقع من الخليج العربي وبعض الملتقط ‪TT T‬ات‬
‫الس‪TT‬طحية من بعض التالل ‪ ،‬واهم تلك اللقى هي نقوده‪TT‬ا الرس‪TT‬مية ال‪TT‬تي شكلت اس‪TT‬اس‬
‫كتاب‪TT‬ة تاريخها ألنها تحمل تاريخا حس‪TT‬بت س‪TT‬نواته على اس‪TT‬اس التقويم الس‪TT‬لوقي ال‪TT‬ذي‬

‫()د‪ .‬واثق الص‪TT‬الحي ‪ " ،‬دراس‪TT‬ة تحليلية لتمثال برونزي لهرقل " س‪TT‬ومر ‪ ) 1984 ( 43‬قدمت‬ ‫‪1‬‬

‫المقالة للنشر ولم تصادر المجلة لحد هذا التاريخ ‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫‪()M. Streck, Encyclopaedia of Islam " Maisen" P.146.‬‬
‫وناحية ميسان كانت تطلق على مرقد الغدير ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Nodelman, Op. Cit, P.84.‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪111‬‬
‫ابتدأ في عام ‪ 212/311‬ق‪.‬م وهي الس ‪TT‬نة ال ‪TT‬تي نعت فيها س ‪TT‬لوقس االول ملكًا على‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫امبراطورية عرفت بعدئذ في التاريخ باسم االمبراطورية السلوقية‬
‫وتشير بعض المص‪TT‬ادر الى ان المدينة قد تعرض‪T‬ت للفيض‪TT‬انات مرات عديدة‬
‫وانها لم ترق الى حلم االس‪TT‬كندر وان‬ ‫(‪)2‬‬
‫وخاص‪TT‬ة في عهد الملوك الس‪TT‬لوقيين االوائل‬
‫تكون ميناء مهمًا وقد يعزى س‪T‬بب ذل‪T‬ك الى عدم اهتمام الس‪T‬لوقيين بها ول‪T‬بروز مدينة‬
‫الجره ‪TT T‬اء العربية ‪ ،‬الميناء التجاري المهم الواقع في الجزء الجنوبي من الخليج‬
‫العربي ‪ ،‬وال‪TT‬تي س‪TT‬يطرت على تجارة الجزيرة العربية والهند منذ القرن الراب‪TT‬ع ق‪.‬م‬
‫لتزويد االس ‪TT T‬واق الغربية بمنتجاتها والتقت القوافل البرية القادمة من تيماء ومن‬
‫الجزيرة العربية فيها وامتدت عالقاتها التجارية لتشمل الحكام الس‪TT‬لوقيين والبطالس‪TT‬ة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫من خالل التجار االنباط‬
‫ولكن الظ‪TT T‬روف السياس‪TT T‬ية ال‪TT T‬تي مرت بها المنطقة زادت من اهمية مدينة‬
‫االس‪TT‬كندرية فقد تولى الحكم فيها رجل يدعى تيخون ( ‪ ) Tychon‬بعد ثورة مول‪TT‬ون‬
‫على حكم انطيوخوس الثالث في ح‪T‬دود عام ‪ 221‬ق‪.‬م وكان قب‪T‬ل ذل‪T‬ك رئيس‪ًT‬ا ألركان‬
‫الجيش الس ‪TT T‬لوقي (‪)4‬ويب ‪TT T‬دو ان تعيين ح ‪TT T‬اكم ذي منزل ‪TT T‬ة عالية يدل على ب ‪TT T‬دء اهتمام‬
‫الس‪T‬لوقيين بها لما لها من اهمية س‪T‬وقية اقتص‪T‬ادية واورد ه‪T‬ذا الح‪T‬اكم ان يعيد س‪T‬يطرته‬
‫على طرق التجارة العالمية وازداد كذلك نشاط االس‪T‬طول الس‪T‬لوقي في الخليج العربي‬
‫بهدف حرية المالح ‪TT‬ة في الخليج والمحافظ ‪TT‬ة على طرقها البحرية المؤدية الى الهند‬
‫‪ .‬وب‪TTT‬اعتالء انطيوخوس الراب‪TTT‬ع عرش الس ‪TT‬لوقيين وكان طموح‪ًT T‬ا فقد ص‪TT T‬مم على‬ ‫(‪)5‬‬

‫تحس‪T‬ين حال‪T‬ة اقتص‪T‬اد مملكته المتردية وألجل ذل‪T‬ك وض‪T‬ع خط‪T‬ة لتحويل مركز النشاط‬
‫التجاري نحو منطقته فاص‪TT‬در أوامره بأعاده بناء مدينة االس‪T‬كندرية لتح‪T‬ل مح‪T‬ل مدينة‬

‫‪1‬‬
‫‪()Hansaman, Op. Cit. pP.21-58 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Ibid.‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()M.Rostovtzeff, The Social and Econo- mic History of the Helllenistic‬‬
‫‪World, Oxford, 1941, P.457. Nodelman, Op. cit, P.85 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Polybius, V, 46,54.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Nodelman, Op. cit, P.85 .‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪112‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الجره ‪TT T‬اء كحلقة وص ‪TT T‬ل بين الس ‪TT T‬لوقيين والشرق واطلق عليها اس ‪TT T‬م انطاكية‬
‫واكتسبت المدينة حلة جديدة في حدود عام ‪ 165-166‬ق‪.‬م وعين عليها حاكم عربي‬
‫اس‪TT T T T‬مه هيسباوس‪TT T T T‬ينس (‪ ) Hyspaosines‬س‪TT T T T‬اكدودوناكس ( ‪) Sagdodonacus‬‬
‫ويذكر بلني انه لقب ملكًا ولم يكن ممثًال للحاكم الس‪TT‬لوقي وكان في حينه بين ‪40-30‬‬
‫‪ .‬وانتعشت المدينة بهذا االهتمام المتزايد من قبل الملوك السلوقيين‬ ‫(‪)2‬‬
‫عاما من عمره‬
‫ال‪T‬ذي لم يدم س‪T‬وى فترة قص‪TT‬يرة من ال‪T‬زمن اذ انتهى بوفاة انطيوخوس الراب‪T‬ع في عام‬
‫‪ 163‬ق‪.‬م حيث دب الض ‪TT T‬عف في جس ‪TT T‬م الدول ‪TT T‬ة الس ‪TT T‬لوقية نتيجة الص ‪TT T‬راع في داخل‬
‫البالط بين المتنافسين على السلطة مما ادى بالتالي الى انفص‪TT‬ال اجزاء واقاليم شرقية‬
‫ولكن اهم‬ ‫(‪)3‬‬
‫مهمة عن السيطرة السلوقية واعالن استقاللها مثل عيالم وفارس وميديا‬
‫حركات االنفص‪TT‬ال كانت تلك ال‪TT‬تي قام بها الفرثيون بقيادة زعيمهم مثراداتس االول‬
‫الذي استقل في اقليم بارثيا الواقع في المنطقة الجنوبية الشرقية من بح‪TT‬ر الخزر وكان‬
‫‪ .‬اس‪TT‬تطاع‬ ‫(‪)4‬‬
‫يهدف احتالل معظم االراض‪TT‬ي ال‪TT‬تي يس‪TT‬يطر عليها الس‪TT‬لوقيون في اس‪TT‬يا‬
‫هيسباوس ‪TT T‬ينس ان يحافظ على دولته بعيدًا عن تلك الص ‪TT T‬راعات والمنازعات وان‬
‫يستشر النشاط التجاري المزده‪T‬ر في انعاش اقتص‪TT‬اده ال‪T‬ذي كان يمر من خالل مدينته‬
‫‪ ،‬وكان باس‪TT‬تطاعته ان‬ ‫(‪)5‬‬
‫ال‪TT‬تي اص‪TT‬بحت االن فعًال حلقة اتص‪TT‬ال بين الشرق والغ‪TT‬رب‬
‫يعلن استقالله عن الدولة السلوقية ‪ ،‬بيد ان تسارع االحداث جعلته يقف موقف المدافع‬
‫وكأنه ال‪TT‬وريث الشرعي للس‪TT‬لوقيين ‪ .‬فقد تقدم مثراداتس االول ص‪TT‬وب باب‪TT‬ل وانتص‪TT‬ر‬
‫على ديمتريوس الثاني ملك السلوقيين ودخل مدينة سلوقية على دجلة في ‪ 8‬تموز من‬
‫عام ‪ 141‬ق‪.‬م ولكن ديمتريوس استطاع في محاولة ناجحة من استعادة سيطرته على‬
‫وأثرت ه‪TT‬ذه االح‪TT‬داث‬ ‫(‪)6‬‬
‫بالد باب‪TT‬ل بعد ان دح‪TT‬ر قوات الفرس‪TT‬يين في معارك متعددة‬
‫السياس ‪TT‬ية على موقف هيسباس ‪TT‬ينس حيث اعلن اس ‪TT‬تقالله خالل االعوام من ‪ 141‬ق‪.‬م‬
‫‪1‬‬
‫‪()Pliny, VI, 139.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Ibid .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()M. College, Parthian Art, London, 1977, P.10 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()N. Debevoise, A political History of Parthia , Chicago, 1938, P.21.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Ibid, P.23.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪()Ibid, P.24.‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪113‬‬
‫الى ‪ 139‬ق‪.‬م عن الدول‪TT‬ة الس‪TT‬لوقية ال‪TT‬تي وص‪TT‬لت الى نهايتها عندما س‪TT‬يطر متراداتس‬
‫‪ .‬وفي‬ ‫(‪)1‬‬
‫االول على سلوقية بعد ان هزم ديتمريوس الثاني مرة اخرى واقتاده اس‪TT‬يرًا‬
‫اثناء ه‪T‬ذه المعارك المص‪TT‬يرية الطاحنة ب‪T‬دا هيسباوس‪T‬ينس في س‪T‬ك نقوده الرس‪T‬مية وهي‬
‫تشبه نقود ديمتريوس الس‪TT‬لوقي في نقش قفاه‪TT‬ا بص‪TT‬ورة االلهه اثينا ب‪TT‬االس ويب‪TT‬دو انه‬
‫كان على عالقة جيدة مع الملك الس‪T‬لوقي وقد مد ل‪T‬ه يد المس‪T‬اعدة والعون عن طريق‬
‫القيام بهجمات على معس‪T‬كرات الفرثيين عندها وافق على تنص‪TT‬يب هيسباوس‪T‬ينس ملكًا‬
‫رسميًا على دولة ميسان المستقلة ‪ ،‬واتسم موقفه في هذه االحداث باالنحياز التام‬
‫تذكر المص‪TT‬ادر الكالس‪TT‬يكية (‪)2‬وان ملكًا باس‪TT‬م اب‪TT‬و داكس ( ‪ ) Apodakos‬قد‬
‫خلفه على حكم ميسان ويتأكد ذلك من خالل مسكوكاته التي تحمل تاريخ عام ‪/ 109‬‬
‫‪ .‬والتي يظهر فيها شبيهًا لهيسباوسينس ‪ ،‬وهي اشارة الى انه ابنه وان‬ ‫(‪)3‬‬
‫‪ 108‬ق‪.‬م‬
‫اخر مسكوكاته مؤرخة في عام ‪ 104 / 105‬ق‪.‬م ( صورة ‪. ) 4‬‬
‫وفي عهد ه‪TT‬ذا الح‪TT‬اكم احتلت ميس‪TT‬ان مركزًا اساس‪TT‬يا ‪ ،‬خاص‪TT‬ة بعد ان اس‪TT‬تتب‬
‫الحكم للفرثيين ‪ ،‬في التجارة الدولية مع الهند والشرق االقص‪TT‬ى ح‪TT‬تى بلغ االمر الى‬
‫نقش مقدمة س‪TT T‬فينة على النقود وهي دالل‪TT T‬ة واض‪TT T‬حة ورمز اهتمام الملك ب‪TT T‬النواحي‬
‫التجارية بيد ان مقدمة السفينة المنقوشة لم تكن سفينة تجارية ألنها تحمل منجنيقًا مما‬
‫يدل على انها سفينة حربية استخدمت ض‪TT‬من االس‪TT‬طول الح‪TT‬ربي لحماية حرب‪TT‬ة المالح‪TT‬ة‬
‫‪ .‬وشهد عص‪TT‬ر تيرايوس تط‪TT‬ورات اقتص‪TT‬ادية‬ ‫(‪)4‬‬
‫في الخليج العربي وس‪TT‬فنها التجارية‬
‫مهمة ‪ ،‬فالطريق التجاري الذي يمتد من موانئ الخليج العربي المح‪TT‬اذي لنهري دجلة‬
‫والف‪TT‬رات كان طريقًا س‪TT‬هًال ومريح ‪ًT‬ا للقوافل وكذلك الطريق النهري ‪ .‬لكن االح‪TT‬داث‬
‫ال ‪TT‬تي شهدتها س ‪TT‬ورية في بداية القرن االول ق‪.‬م ونزاعات طبقة النبالء على عرش‬
‫البالط الفرثي وما صاحبها من تنصيب وعزل المتنافس‪TT‬ين عليه ‪ ،‬كل ه‪TT‬ذه جعلت ه‪TT‬ذه‬

‫‪1‬‬
‫‪()Nodelman, Op. cit, P.87 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Lucian, Makrobioi, XVL .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()G. F. HII, BM , Arabis, CXCVII, pl. XLIII .‬‬
‫ويطلق د‪ .‬سامي سعيد االحمد اسم عبود على ابو داكس – الخليج العربي ص ‪. 360‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Le Rider, Op. Cit, P. 233 .‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪114‬‬
‫الطرق طرقًا غير امنة وتكلف التجار مزيدًا من المال ل‪T‬دفعهم ض‪T‬ريبة مرور القوافل‬
‫ل‪TT‬ذلك اس‪TT‬تبدلوها بطريق يجتاز الص‪TT‬حراء تح‪TT‬ف ب‪TT‬ه المخاطر وه‪TT‬و‬ ‫(‪)1‬‬
‫عبر االراض‪TT‬ي‬
‫الطريق ال‪TTT‬ذي يرب‪TTT‬ط الب‪TTT‬تراء بمدينة الكرخة والجره ‪TT‬اء ‪ .‬وكان ه ‪TT‬ذا الطريق تحت‬
‫س‪TT‬يطرة التجار االنب‪TT‬اط ‪ ،‬وقد اس‪TT‬تفاد تيرايوس االول من عالقته بهم بعد ان اص‪TT‬بحوا‬
‫المعتمدين في وص‪TT‬ول البض‪TT‬ائع العربية والهندية الى االس‪TT‬واق الغربية مثل االحجار‬
‫الكريمة والتواب‪TTT‬ل والعط‪TTT‬ور والبخور ‪ ،‬وقد ب ‪TT‬ذلوا جهودًا في تذليل ص‪TTT‬عوبات ه‪TTT‬ذا‬
‫الطريق الصحراوي عن طريق حفر االبار وانشاء الخانات ومراكز الحماية ‪ ،‬ويؤيد‬
‫ذل‪TT T‬ك العثور على بعض من نقوشهم المكتوب‪TT T‬ة في واح‪TT T‬ة دمائه وعلى الطريق بيت‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الكرخة وفرات ‪ ،‬والميناء المهم االخر في دولة ميسان‬
‫تشير بعض ال‪TT‬دالئل الفنية المس‪TT‬تقاة من نقود خليفته تيرايوس الثاني ‪ ،‬ال‪TT‬ذي‬
‫اعتلى العرش بعد وفاة ابيه في ح‪TT‬دود ‪ 77 / 78‬ق‪.‬م واس‪TT‬تمر الحكم ح‪TT‬تى عام ‪/ 48‬‬
‫‪ 47‬ق‪.‬م ‪ ،‬الى ان المملكة قد تميزت بازدهار اقتصادها واستقرارها السياسي ‪ ،‬ويبدو‬
‫ان تيرايوس االول قد اس‪TT‬تفاد من عالقته بالتجار االنب‪TT‬اط ومن المنازعات الداخلية في‬
‫البالط الف ‪TT‬رثي ‪ ،‬واس ‪TT‬تمر تيرايوس الثاني في ب ‪TT‬ذل جهوده من اجل اس ‪TT‬تمرار مورده‬
‫االقتص ‪TT‬ادي الوحيد وه ‪TT‬و التجارة مع الغ ‪TT‬رب بالتعاون مع االنب ‪TT‬اط ولكنه لم يفلح في‬
‫مس ‪TT‬عاه وانعكس ذل ‪TT‬ك في االنحط ‪TT‬اط الواض ‪TT‬ح في ص ‪TT‬ناعة النقود وظهرت ألول مرة‬
‫اح ‪TT‬رف آرامية عليها ولكن اس ‪TT‬لوبها كان س ‪TT‬مجًا ربما يعزى الى تعثر تجارته مع‬
‫الغ ‪TT‬رب بس ‪TT‬بب التغ ‪TT‬يرات الجديدة والمنازعات ال ‪TT‬تي ط ‪TT‬رأت على البالط الف ‪TT‬رثي حيث‬
‫اغتيل افرهاط الثالث في عام ‪ 57 / 58‬ق‪.‬م من قبل اوالده مثراداتس الثالث وورود‬
‫الثاني ال‪TT‬ذي انشغل بح‪TT‬رب اهلية طاحنة ح‪TT‬تى انتص‪TT‬اره في ح‪TT‬دود ‪ 55‬ق‪.‬م وقد احتل‬
‫مثراداتس الثالث مدن بابل وسلوقية لفترة من الزمن خالل تلك السنة(‪. )3‬‬
‫وقد شكلت ه ‪TT‬ذه االح ‪TT‬داث خط ‪TT‬رًا على الط ‪TT‬رق التجارية البرية والنهرية بين‬
‫الخليج العربي وس ‪TT‬ورية ‪ ،‬ويب ‪TT‬دو ان لملك ميس ‪TT‬ان دورًا فاعًال في تلك االح ‪TT‬داث مما‬

‫‪1‬‬
‫‪()Strabo, XVI, I, 27 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Nodelman, P. 93 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Debevoise, Op. Cit, P. 75-78 .‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪115‬‬
‫جعله ينقش ص‪TT‬ورة الهة النص‪TT‬ر على نقوده ‪ ،‬ال‪TT‬تي تط‪TT‬رأ عليها تحس‪TT‬ن في االس‪TT‬لوب‬
‫والص‪TT‬ناعة ( ص‪TT‬ورة ‪ ) 5‬مما يدل على الفوائد ال‪TT‬تي حص‪TT‬ل عليها من خالل مس‪TT‬اندته‬
‫للملك ورود الثاني في تلك الح‪T‬رب الفرثية الطاحنة ‪ ،‬وتذكر المص‪TT‬ادر انه توفي عن‬
‫عمر ناهز الثانية والتس‪TT‬عين وجاء بعده اتامبيلوس االول ال‪TT‬ذي يدل اس‪TT‬مه على تعظيم‬
‫االله بل ‪ ،‬بعل " وهي اشارة واض‪T‬حة الى كونه عربيًا على ال‪T‬رغم من اس‪T‬تمرار نقش‬
‫ص ‪TT‬ورة هرقل الجائس على قف ‪TT‬ا نقوده ‪ ،‬وفي عهده توترت العالقات بين الفرثيين‬
‫والرومان وقامت ح ‪TT T T‬روب متواص ‪TT T T‬لة بين االعوام ‪ 33-54‬ق‪.‬م واعقبتها فترة‬
‫اض ‪TT T T‬طرابات في البالد الف ‪TT T T‬رثي تعزى الى تدخل الرومان في الشؤون الداخلية‬
‫ومناص‪TT‬رتهم لتيراداتس الثاني للجلوس على العرش وايده في ذل‪TT‬ك اتامبيلوس االول‬
‫ال‪TT T‬ذي ض‪TT T‬رب نقودًا برونزية عليها نقش إللهة النص‪TT T‬ر واطلق على نفس‪TT T‬ه ‪Phil-‬‬
‫‪ ،‬ولكن االح‪TT‬داث لم تجر لص‪TT‬الحه حيث اس‪TT‬تطاع‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪ ( Romai‬اي محب الرومان )‬
‫افره‪TTT‬اط الراب‪TTT‬ع ان ينتص‪TT T‬ر على ختمه وعلى اتامبيلوس ويس ‪TT‬تدل على ذل‪TTT‬ك انه قام‬
‫بض‪TT‬رب نقش نقوده ‪ ،‬فوق نقوش اتاملبيوس في ح‪TT‬دود عام ‪ 26-28‬ق‪.‬م وتوجد في‬
‫‪ .‬وتشير ال ‪TT‬دالئل المس ‪TT‬تقاة من‬ ‫(‪)2‬‬
‫المتح ‪TT‬ف العراقي نماذج من نقود اتاملبيوس االول‬
‫المس ‪TT T‬كوكات ال ‪TT T‬تي تميزت بص ‪TT T‬ناعة وبنقوش رديئة ‪ ،‬ان الف ‪TT T‬ترة الالحقة اتص ‪TT T‬فت‬
‫بالمنازعات ح‪T‬ول العرش الف‪T‬رثي انعكس‪T‬ت بشكل مباشر على سياس‪T‬ة واقتص‪TT‬اد ميس‪T‬ان‬
‫ال‪TT‬تي اص‪TT‬بحت تحت هيمنة الس‪TT‬لطات الفرثية ‪ .‬فقد تولى الحكم فيها خالل ه‪TT‬ذه الف‪TT‬ترة‬
‫ثيونيسيوس‪ ( Theonesios‬ص‪TT‬ورة ‪ ) 6‬واتامبيلوس الثاني ال‪TT‬ذي س‪TT‬ك نقودًا برونزية‬
‫تعود بتاريخها الى الفترة بين ‪ 16 / 17‬ق‪.‬م الى ‪ 9 / 8‬ميالدي ( ص‪T‬ورة ‪ ) 7‬وهي‬
‫تحمل احرافًا آرامية(‪ . )3‬ولم تض ‪TT T‬رب في ميس ‪TT T‬ان منذ ه ‪TT T‬ذا التاريخ غ ‪TT T‬ير النقود‬
‫البرونزية والظ‪TT‬اهر ان ملوك ميس‪TT‬ان لم يرغب‪TT‬وا في منافس‪TT‬ة نقود المدن االخرى مثل‬
‫انطاكية وس‪TT‬لوقية ولكنها س‪TT‬محت ‪ ،‬بوص‪TT‬فها مركزًا تجاريًا دوليًا بحرية تداول نقود‬

‫‪1‬‬
‫‪()Wroth, BMO, Parthia, 135 .‬‬
‫()وداد القزاز ‪ " -‬نقود تكشف دول‪TT‬ة مجهول‪TT‬ة في تاريخ العراق القديم " المس‪TT‬كوكات ‪( 9-8 ،‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ) 1978 -77‬ص ‪. 60‬‬


‫‪3‬‬
‫‪()Nodelman, Op. Cit, P. 96.‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪116‬‬
‫ال ‪TT‬دول االخرى وتذكر بعض المص ‪TT‬ادر بعض ح ‪TT‬االت اعادة دفع ال ‪TT‬ديون المقترض ‪TT‬ة‬
‫بموجب عقود تدفع بنقود معينة لم يعد لها وجود وال‪TT‬دفع يجب ان يكون بنقود متداول‪TT‬ة‬
‫معاصرة ‪ ،‬فعلى المدين في مثل هذه الحاالت ‪ ،‬ان يذهب الى مملكة ميسان الستبدالها‬
‫" الن فيها تتداول جميع العمالت ومنذ حكم اتامبيلوس الثاني اص ‪TT‬بحت المعامالت‬
‫وفي عهد ه ‪TT‬ذا الملك ح ‪TT‬دث اول‬ ‫(‪)1‬‬
‫التجارية تعتمد على اس ‪TT‬تعمال النقود االجنبية "‬
‫اتص ‪TT‬ال مباشر بين ملك ميس ‪TT‬ان وبين الرومان وفي ح ‪TT‬دود عام ‪ 1‬ق‪.‬م و ‪ 4‬ميالدي‬
‫عندما اختير كايوس قيصر ‪ ،‬حفيد اوغسطس وابنه بالتبني لرئاسة بعثة خاصة لتنظيم‬
‫عالقات روما مع الشرق ‪ ،‬وقد اتص ‪TT T‬ل بجغ‪TT T‬رافي يدعى دايونيس‪TT T‬وس من مدينة‬
‫الكرخة ‪ ،‬ويذكر بلني ان ه‪TT T‬ذا الجغ‪TT T‬رافي كان قد انتهى من كتاب‪TT T‬ة وص‪TT T‬ف للكرة‬
‫‪ ،‬ل ‪TT T‬ذلك قام بأعداد كراس لمس ‪TT T‬اعدة البعوث الروماني احتوى على‬ ‫(‪)2‬‬
‫االرض ‪TT T‬ية‬
‫معلومات جغرافية وتاريخية عن المنطقة ويب ‪TT‬دو ان جوب ‪TT‬ا ‪ Juba‬قد اس ‪TT‬تفاد من ه ‪TT‬ذا‬
‫‪ .‬وذكر بلني ايض ‪ًT‬ا ب‪TT‬ان الرومان قد ح‪TT‬افظوا‬ ‫(‪)3‬‬
‫الكراس في كتابته عن بعثة كايوس‬
‫على عالقات سياس‪TT‬ية واقتص ‪TT‬ادية جيدة مع دول‪TT‬ة ميس‪TT‬ان ألنها كانت المس‪TT‬يطرة على‬
‫طرق التجارة التي تزود االسواق الغربية بالبضائع الهندية والعربية ‪.‬‬
‫وبعد اتاملبيوس الثاني جاء الى حكم ميس‪T‬ان ملك اس‪T‬مه عب‪T‬د نركال االول في‬
‫حدود ‪ 9 / 8‬ميالدي ‪ ،‬وقد اختلف الب‪T‬احثون في لف‪T‬ظ اس‪T‬مه تبعًا الختالف نقش االس‪TT‬م‬
‫على مس‪TT‬كوكاته ال‪TT‬تي ب‪TT‬دا بض‪TT‬ربها س‪TT‬نة ‪ 11 / 10‬ميالدي وهي تحمل ص‪TT‬ورته على‬
‫الوجه وحول رأسه اكليل وكتابته اغريقية تصفه بالمنقذ ( ‪ ) Soter‬وعلى القف‪T‬ا يظهر‬
‫االل‪T‬ه هرقل جالس‪ًT‬ا( ص‪T‬ورة ‪ . )8‬لقد جاءت بعض مس‪T‬كوكاته المتميزة بعدم الوض‪T‬وح‬
‫وعليها اس‪TT T‬م ابينر كال ‪ Abinergalon‬ووص‪TT T‬لتنا اخريات تحمل اس‪TT T‬م ادينر كال‬
‫‪ ،)4(Adinnergalon‬وجاءتنا نقود تحمل صيغة ثالثة مختلفة لهذه االس‪TT‬ماء وه‪TT‬و االس‪TT‬م‬
‫ابينر كوس الذي يعود بتاريخه الى حدود عام ‪ 30‬ميالدي ‪ .‬ومن خالل دراس‪TT‬تنا لهذه‬

‫‪1‬‬
‫‪()Ibid .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Pliny, VI, 141 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Ibid .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Le Rider,238 .‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪117‬‬
‫االسماء ومقارنتها مع دالئل اثارية وكتابية من مواقع مختلف‪T‬ة يتض‪TT‬ح لنا ب‪TT‬أن اس‪TT‬م ه‪TT‬ذا‬
‫الملك ه‪TT‬و عب‪TT‬د نركال‪ Abdinergel‬وان الص‪TT‬يغ االخرى ال‪TT‬تي جاءت على النقود هي‬
‫شكل من اشكاله ‪ .‬بهذه الص ‪TT‬يغة ذكر في كتاب‪TT‬ات دورايوروبس(الص ‪TT‬الحية الحالية )‬
‫وعثر في كتاب ‪TT T‬ات الحض ‪TT T‬ر على اس ‪TT T‬م ( عب ‪TT T‬د‬ ‫(‪)1‬‬
‫شخص اس ‪TT T‬مه ( عب ‪TT T‬د نركالوس)‬
‫وفي بعض من كتابتها وكتابات مدينة تدمر يتم دمج الح‪TT‬رفين ( ب ‪ .‬د )‬ ‫(‪)2‬‬
‫نرجول )‬
‫ب‪TT T‬الحرف (ب) واشهر االمثلة على ذل‪TT T‬ك ه‪TT T‬و اس‪TT T‬م ( عب‪TT T‬د س‪TT T‬ميا) ولي العهد والملك‬
‫‪ .‬ونركال او نرجول ‪ ،‬انه العالم‬ ‫(‪)3‬‬
‫س‪TT T‬نطروق االول حيث ورد بشكل ( عبس‪TT T‬ميا)‬
‫االسفل في وادي الرافدين منذ العص‪T‬ر الس‪T‬ومري ‪ ،‬قد تط‪T‬ابق في ه‪T‬ذه الف‪T‬ترة مع االل‪T‬ه‬
‫وتدمر‬ ‫(‪)4‬‬
‫هرقل في معظم المدن ال ‪TT T‬تي ورثت معتقدات وادي الرافدين كالحض ‪TT T‬ر‬
‫(‪)5‬ويب‪TT‬دو ان هرقل البط‪TT‬ل واالل‪TT‬ه في معتقدات االغريق قد عبدته في ميس‪TT‬ان الجالية‬
‫االغريقية باس‪TT‬مه المعروف اما الس‪TT‬كان العرب فقد عرفوه بااللهنركال او نرجول ‪،‬‬
‫ونقشوا صوره على نقودهم واقاموا ل‪TT‬ه التماثيل في دور عب‪TT‬ادتهم ‪ ،‬وتمثالنا ال‪TT‬برونزي‬
‫خير شاهد على ذل ‪TT‬ك حيث وص ‪TT‬ف في الكتاب ‪TT‬ة بأنه ال ‪TT‬ه ميس ‪TT‬ان وس ‪TT‬نأتي على وص ‪TT‬فه‬
‫الحقًا ‪ .‬وكما ذكرنا في فقرات س ‪TT‬ابقة ان عرش ملك ميس ‪TT‬ان كان متأثرًا بالص ‪TT‬راع‬
‫ال‪TT‬داخلي للبالط الف‪TT‬رثي نقد ازيح عب‪TT‬د نركال عن الحكم قب‪TT‬ل عام ‪ 19‬م بقليل من ميل‬
‫اورابس(‪ )6‬وح ‪TT‬دث في اثناء ذل ‪TT‬ك ان قام جرمانكس االبن المتب ‪TT‬نى لتايبريوس بمهمة‬
‫رسمية في الشرق تشابه تلك التي قام بها كايوس قيصر قبله ‪ ،‬واتصل بمدينة الكرخة‬
‫عن طريق وس ‪TT‬اطة رجل تدمري اس ‪TT‬مه االس ‪TT‬كندر ال ‪TT‬ذي زار ميس ‪TT‬ان واتص ‪TT‬ل بملكها‬

‫‪1‬‬
‫‪()Nodelman, P. 98.‬‬
‫() فؤاد سفر ومحمد علي مصطفى – الحضر مدينة الشمس بغداد ‪ 1974‬ص ‪. 405‬‬ ‫‪2‬‬

‫() المصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ 213‬وكذلك د‪ .‬واثق الصالحي – " كتابات الحضر " ‪ ،‬سومر ‪( 34 ،‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ) 1978‬ص ‪. 241 – 240‬‬


‫‪4‬‬
‫)‪()Wathiq Al-Salihi , "Hercules-Nergal at Hatra " , Iraq , XXXV , (1973‬‬
‫‪PP.65-68.‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()H . Seyrig , " Heracles – Nergal " Syria – XXXIV , (1944 l 5) P. 70 ,‬‬
‫‪No . 4 .‬‬
‫‪6‬‬
‫‪()Nodelman, Op. Cit, P. 99 .‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪118‬‬
‫اورابسس ‪ ،‬كما تذكر كتابة وجدت في انقاض معبد بل في تدمر(‪ . )1‬ويبدو ان اهتمام‬
‫التدمريين بالتجارة عن طريق الكرخة ب‪TT‬دا ينافس نشاط االنب‪TT‬اط في ه‪TT‬ذا المض‪TT‬مار ‪.‬‬
‫ونستخلص من ه‪T‬ذه االشارات الى ان دول‪T‬ة ميس‪T‬ان قد تمتعت باس‪T‬تقالل ذاتي بعيد عن‬
‫الهيمنة التامة للدولة الفرثية ‪ ،‬وتذكر بعض المص‪T‬ادر عالقاتها مع الممال‪T‬ك االخرى ‪،‬‬
‫فعلى سبيل المثال ‪ ،‬عالقة الص‪TT‬داقة ال‪TT‬تي كانت ترب‪TT‬ط مونوب‪TT‬ازوس االول ملك ح‪TT‬دياب‬
‫وربما تعزى ه‪TT‬ذه‬ ‫(‪)2‬‬
‫بعب‪TT‬د نركال االول ‪ ،‬ال‪TT‬ذي اعيد الى الحكم في ح‪TT‬دود ‪ 22/23‬م‬
‫العالقات الودية الى المركز السياس ‪TT‬ي المهم ال ‪TT‬ذي تمتعت ب ‪TT‬ه ه ‪TT‬ذه الدول ‪TT‬ة والمتأتي ‪،‬‬
‫بدون شك ‪ ،‬من اقتصادها المتنامي الذي اعتمد على النشاط التجاري ‪.‬‬
‫واس‪TT‬تمر عب‪TT‬د نركال االول في الحكم ح‪TT‬تى ح‪TT‬دود عام ‪ 36‬للميالد حيث اعقب‪TT‬ه‬
‫ثيونيس‪TT‬يوس الثاني ال‪TT‬ذي س‪TT‬ك نقودًا تحمل التواريخ ‪ 45 / 46‬و ‪ 53 / 52‬للميالد‬
‫( ص‪TT‬ورة ‪ ) 9‬وح‪TT‬دث في عهده تص‪TT‬اعد ح‪TT‬دة ال‪TT‬نزاع بين اعض‪TT‬اء طبقة النبالء الفرثية‬
‫على العرش ولكنها لم تؤثر على تزايد انتعاش نشاطها التجاري وخاص ‪TT‬ة في نقل‬
‫البضائع الهندية من ميناء بارباركون اذ تذكر بعض المصادر رحلة عودة تاجر اس‪TT‬مه‬
‫اب‪TT T‬و لونيوس من الهند في عام ‪ 47‬م حيث اس‪TT T‬تأجر س‪TT T‬فينة ابح‪TT T‬رت ب‪TT T‬ه الى الخليج‬
‫وربما تعداها الى‬ ‫(‪)3‬‬
‫العربي ثم الى موانئ ميس‪TT‬ان ومنها عبر نهر الف‪TT‬رات الى باب‪TT‬ل‬
‫الموانئ العليا لنهر الف‪TT‬رات ومنها الى تدمر ‪ ،‬وقد عثر في تدمر على كتاب‪TT‬ة مؤرخة‬
‫الى ‪ 51 / 50‬م او ‪ 70/71‬م تذكر فيها ان الجالية التدمرية التجارية في مدينة‬
‫‪ .‬ونتيجة لتزايد النشاط التجاري‬ ‫(‪)4‬‬
‫الكرخة اقامت تمثاًال لشخص اس‪TT‬مه زب‪TT‬دي ب‪TT‬ول‬
‫للتدمريين حدث انتعاش وازدهار لالقتصاد في المملكة انعكس على تحسن واض‪TT‬ح في‬
‫وعاشت‬ ‫(‪)5‬‬
‫ص‪TT T‬ناعة النقود وخاص‪TT T‬ة في نقش ص‪TT T‬ورة الملك وفي الكتاب‪TT T‬ة االغريقية‬
‫المملكة فترة اخرى من االنتعاش في عهد ملكها اتامبيلوس الثالث ال‪T‬ذي ض‪T‬رب نقودًا‬

‫‪1‬‬
‫‪()Le Rider, Op. Cit, .252 .Nodelman, Op. Cit, P. 99.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪(1) Josephus, Antiquities, XX, 2, 17-37, 54 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Philastratus, Life of Apollonius, 50-58 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Nodelman, P. 101 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Ibid, P. 101 .‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪119‬‬
‫وعاص‪TT‬ر‬ ‫(‪)1‬‬
‫مهمة خالل الس‪TT‬نوات ‪ 74 / 72 – 55 / 54‬ميالدي ( ص‪TT‬ورة ‪) 10‬‬
‫نيرون ح ‪TT‬اكم روما ال ‪TT‬ذي تهافت على اس ‪TT‬تعمال العط ‪TT‬ور والبخور الشرقية مما ادى‬
‫بالتالي الى اهتمامه بشؤون الرومان في الشرق ‪ ،‬ونتيجة ل‪TT T‬ذلك لقد قام التجار‬
‫الميس ‪TT‬انيون بمنافس ‪TT‬ة االنب ‪TT‬اط والتدمريين وتذكر الكتاب ‪TT‬ات التدمرية ان قوافل االنب ‪TT‬اط‬
‫كانت تحمل بالبض ‪TT‬ائع من مدينة فرات ثم تتب ‪TT‬ع الطريق الص ‪TT‬حراوي ال ‪TT‬ذي يربطنا‬
‫اما التدمريون فقد س ‪TT‬لكوا طريقًا اقص ‪TT‬ر فقد عبروا الص ‪TT‬حراء الى دورا‬ ‫(‪)2‬‬
‫ب ‪TT‬البتراء‬
‫وتشير كتاب‪TT‬ة عثر عليها‬ ‫(‪)3‬‬
‫يورويس ثم اتبعوا وادي نهر الف‪TT‬رات الى الخليج العربي‬
‫في تدمر مؤرخة في ح‪TT‬دود ‪ 70‬ميالدي الى رجل قاد قافلة من مدينة الكرخة اس‪TT‬متها‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الكتابة " كرخة سباسينو "‬
‫ومن مدن المملكة االخرى مدينة االبال ‪ Apologus‬الواقعة مقاب ‪TT‬ل فرات‬
‫عبر شط العرب وقد تمتعت كس‪TT T‬ائر الموانئ االخرى بمركز دولي مهم لتس‪TT T‬ويق‬
‫البضائع المختلفة حيث استوردت من بريجازاو برباريكون في الهند التواب‪T‬ل والعط‪T‬ور‬
‫وال‪TT T‬دهون واالحجار الكريمة والنح‪TT T‬اس وخشب الص‪TT T‬ندل وخشب الص‪TT T‬اج االبنوس‬
‫وصدرت اللؤلؤ والمالبس واالرجوان والخمر والتمر والذهب الى بريجازا(‪ . )5‬ويب‪T‬دو‬
‫ان الخمر كان يس‪T‬تورد من الغ‪T‬رب ويص‪T‬در الى الهند حيث فض‪T‬ل الس‪T‬كان هناك النوع‬
‫المسمى يافانا‪ ، Yavana‬وكان االرجوان يستورد من فينيقيا ‪.‬‬
‫وتزايدت طلب ‪TT‬ات الس ‪TT‬وق الرومانية الى الحرير الي ربما كان يس ‪TT‬تورد عن‬
‫طريق الحرير الشمالي وقد عثر على بقايا حرير ص‪TT‬يني في قبر تدمري يؤرخ في‬
‫او عن طريق بح‪TT T T‬ري حيث كان ينقل الحرير الى موانئ‬ ‫(‪)6‬‬
‫ح‪TT T T‬دود ‪ 83‬ميالدي‬
‫التص‪TT‬دير الهندية ومنها الى مص‪TT‬ر او الكرخة لتص‪TT‬ديره بواس‪TT‬طة القوافل الى مراكز‬
‫التجارة في س‪T‬ورية ‪ .‬وخالل حكم اتامبيلوس جرت اتص‪T‬االت سياس‪T‬ية مع روما حيث‬
‫‪1‬‬
‫‪()Le Rider, Op. Cit, P. 239f .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Pilny, VI, 145 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Nodelman, P. 102.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()J. Cantineau, Inventaire de, inserip-tions de palmyre, X, P.13 f .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()W. Tarn The Greeks in Bactria and India, 148 .‬‬
‫‪6‬‬
‫‪()M, Colledgem The Art of Palmyrsm Lon-don , 1976, P. 224 .‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪120‬‬
‫الى هيئات دبلوماسية عربية الب‪T‬د وانها كانت من ميس‪T‬ان ألنه في مكان‬ ‫(‪)1‬‬
‫يشير بلني‬
‫وبما ان كتاب‪TT‬ه في التاريخ الط‪TT‬بيعي الف‪TT‬ه في‬ ‫(‪)2‬‬
‫اخر يذكر ب‪TT‬ان الميس‪TT‬انين كانوا عرب‪TT‬ا‬
‫ح‪TT‬دود ‪ 77‬م فان الهيئات الدبلوماس‪TT‬ية ال‪TT‬تي ذكره‪TT‬ا وجد روما حليف‪TT‬ة ل‪TT‬ه ض‪TT‬د س‪TT‬لطان‬
‫الملك الفرثي ‪.‬‬
‫وتضيف المصادر ال‪TT‬تي اشارت الى اس‪TT‬تقالل دول‪TT‬ة ميس‪TT‬ان الى قيام اتامبيلوس‬
‫الثالث في التوس‪TT‬يع على حس‪TT‬اب الفرثيين وض‪TT‬م اراض‪TT‬ي جديدة واس‪TT‬عة ‪ ،‬ولكن اعتالء‬
‫ولجش االول عرش البالط الف‪TT‬رثي ال‪TT‬ذي حكم لف‪TT‬ترة طويلة من ح‪TT‬والي ‪– 53 / 51‬‬
‫‪ ،‬فبعد ان قام ببعض االعمال العسكرية‬ ‫(‪)3‬‬
‫‪ 80 / 79‬م وضع حدًا لتوسع ملك ميسان‬
‫ال ‪TT‬تي من شأنها توطيد حكمه ‪ ،‬التفت الى اهمية التجارة اللدولية لتعزيز اقتص ‪TT‬اده ‪،‬‬
‫لذلك امر بتأسيس ولجاشيه على نهر الفرات بالقرب من باب‪TT‬ل في ح‪TT‬دود عام ‪70-60‬‬
‫م لتكون ميناءًا ومحط ‪TT‬ة للقوافل تنافس س ‪TT‬لوقية ال ‪TT‬تي كانت تمر بها ط ‪TT‬رق التجارة‬
‫‪ .‬وتشير ال‪TT‬دالئل التاريخية واالثارية الى انه قد اخض‪TT‬ع‬ ‫(‪)4‬‬
‫المرتبط‪TT‬ة بموانئ ميس‪TT‬ان‬
‫مملكة ميسان السلطانة مباشرة بعد ان عزل ملكها اتامبيلوس الثالث في ح‪T‬دود ‪/ 73‬‬
‫‪ 74‬م حيث توقف عن س‪TT‬ك نقوده ونص‪TT‬ب اورابس ملكا وكان شيخا طاعنا في الس‪TT‬ن‬
‫يقدر عمره بحوالي ‪ 86‬سنة ‪.‬‬
‫وبالرغم من س‪T‬يطرة الفرثيين وتب‪T‬دل الحكام فقد اس‪T‬تمر النشاط التجاري حيث‬
‫تذكر كتابة تدمرية مؤرخة في شهر اب من عام ‪ 81‬ميالدي ان شخص‪ًT‬ا اس‪TT‬مه زب‪TT‬دي‬
‫‪ .‬وتوقف ضرب النقود اس‪T‬تمر ح‪T‬تى عام ‪101‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫بول قاد قافلة من الكرخة الى تدمر‬
‫‪ 102 /‬م وهي السنة التي اعتلى فيها الملك القوي اتامبيلوس الراب‪T‬ع عرش الكرخة ‪.‬‬
‫وفي نهاية القرن االول للميالد زارها " كان بنكك " ( ‪ ) kanying‬مبعوثًا من ال‪TT‬زعيم‬
‫الص‪TT T‬يني " ب‪TT T‬ان جاو " ( ‪ ) Pan Tchao‬من س‪TT T‬اللة ه‪TT T‬ان لالتص‪TT T‬ال باإلمبراطورية‬
‫‪1‬‬
‫‪()Pliny, VI, 140 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Pliny, VI, 139 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Nodelman, Op. Cit , P. 105 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Pliny, VI, 22 .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Debevoise, Op. Cit, P.204 .J. Cantineau, " Inscription Palmy-‬‬
‫‪renniennes " Revue d Assyriologie, XXVII, (1930), 33 .‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪121‬‬
‫الرومانية مباشرة ‪ .‬وتذكر المصادر انه اتب‪T‬ع طريق القوافل من ح‪T‬يرات ( ‪) Herat‬‬
‫ووص‪TT‬ل الى " تياوجه " ( ‪ ) Tiao-tche‬اي ميس‪TT‬ان في ح‪TT‬دود ‪ 17‬م ووص‪TT‬ف " كان‬
‫ينكك " " عاصمة تياوجه " حيث قال بانها عالية مبنية على مرتفع ومحاطة بالماء من‬
‫كل جوانبها تقريبًا عدا الزاوية الشمالية الغربية منها ويبلغ محيطها ح‪T‬والي ‪ 13‬ميالد‬
‫‪ .‬وذكر المبعوث الص‪T‬يني ب‪T‬ان ارض‪T‬ها‬ ‫(‪)2‬‬
‫ويتطابق هذا الوصف مع ما ذكره بلني‬ ‫(‪)1‬‬

‫ح ‪TT T‬ارة واطئة وبها من الحيوانات االس ‪TT T‬ود والجاموس والكركدن او وحيد القرن‬
‫والطاووس الذي كان يستورد من الجزيرة العربية ‪ .‬وكانت تزدحم بالس‪TT‬كان واض‪TT‬اف‬
‫بان الفرثيين يس‪TT‬يطرون عليها وتدار من قبلهم مباشرة بعد ان كانت في الس‪TT‬ابق تحكم‬
‫من قب‪TT‬ل ملوك حيث اشار الى ان بقور الثاني كان يدير شؤون ميس‪TT‬ان مباشرة ‪ ،‬ولم‬
‫يعين ملكًا على ميسان بعد وفاة اورابسس ‪ .‬وكان " كان ينكك " وهو المبعوث الوحيد‬
‫الذي استطاع التغلغل حتى ميس‪TT‬ان يريد ان يص‪TT‬ل الى روما ويجري مباحثاته مباشرة‬
‫مع حكامها وكان على علم ب ‪TT‬الطريق البح ‪TT‬ري من الكرخة الى مص ‪TT‬ر ولم يكن يعلم‬
‫بطريق القوافل الى س ‪TT T‬ورية ومع ذل ‪TT T‬ك فانه رغب في ركوب س ‪TT T‬فينة توص ‪TT T‬له الى‬
‫االمبراطورية الرومانية ولكن البحارة اقنعوه بعدم االقدام على ه‪T‬ذه الرحلة لما تتخلله‬
‫من اخط ‪TT‬ار من بينها اذا كانت الرياح غ ‪TT‬ير مواتيه فان الرحلة قد تس ‪TT‬تغرق عامين‬
‫واخبروه ببعض القصص عن موت بعض الرجال من حنينهم الى الوطن بسبب ط‪TT‬ول‬
‫ويب‪TT‬دو ان التجار الميس‪TT‬انيين ارادوا من ذل‪TT‬ك ان يكونوا وس‪TT‬طاء بين روما‬ ‫(‪)3‬‬
‫الرحلة‬
‫والصين ‪.‬‬
‫وخالل ه‪TT‬ذه الف‪TT‬ترة عاش اشهر مواطن تنجب‪TT‬ه مدينة الكرخة ه‪TT‬و الجغ‪TT‬رافي "‬
‫ازادورالكرخي " وقد وص ‪TT‬لنا اح ‪TT‬د كتب ‪TT‬ه " المنازل الفرثية " ال ‪TT‬ذي يص ‪TT‬ف فيه ط ‪TT‬رق‬
‫القوافل التجارية في ذلك الزمن وكتب وصفًا عامًا للعالم اس‪TT‬تعمله بلني واقتبس بعض‪ًT‬ا‬

‫‪1‬‬
‫‪(2) Nodelman, Op. Cit, P.106 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Pliny, VI, 138 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Nodelman, Op. Cit, P.107.‬‬
‫د‪.‬سامي االحمد – الخليج العربي ‪ ،‬ص ‪260‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪122‬‬
‫‪ .‬وورد‬ ‫(‪)1‬‬
‫من مقاطعة وخاص‪TT‬ة تلك ال‪TT‬تي يذكر فيها ص‪TT‬يد اللؤل‪TT‬ؤ في الخليج العربي‬
‫في لوقيانوس " ‪ " Lucian‬بعض اقتباسات لكتاب تاريخي كان ه‪TT‬و مس‪TT‬ؤوًال عن تأليف‪TT‬ه‬
‫وقد كتب باللغ ‪TT‬ة‬ ‫(‪)2‬‬
‫يتعلق بتسلس ‪TT‬ل حكام ملوك ميس ‪TT‬ان منذ تأسيس ‪TT‬ها وح ‪TT‬نى عص ‪TT‬ره‬
‫االغريقية اال انه كان يعرف اآلرامية ( لغة ميسان ) ‪.‬‬
‫شهدت الس‪TT T‬نوات االخيرة من القرن االول الميالدي فوض‪TT T‬ى ونزاع داخلي‬
‫على العرش الفرثي حيث يعتقد بان بقور الثاني قد عزل من منصبه كما يستدل على‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ذلك من عدم ضرب النقود خالل الس‪TT‬نوات بين ‪ 93-88‬م وبين ‪ 97‬الى ‪ 105‬م‬
‫اما في ميسان فتشير ال‪TT‬دالئل الى اعتالء الملك اتامبيلوس الراب‪TT‬ع العرش وباشر بس‪TT‬ك‬
‫‪ .‬النقوش عليها ص‪TT‬ورة هرقل الجالس ‪ ،‬رمز عائلة‬ ‫(‪)4‬‬
‫النقود في س‪TT‬نة ‪ 101/102‬م‬
‫هيسباوسينس ‪ ،‬واضاف الى اسمه لقب المحسن والمنقذ واستمر حتى عام ‪105/106‬‬
‫‪ .‬وقد اكتشفت في موقع ال‪TT‬دور في االمارات العربية المتح‪TT‬دة مس‪TT‬كوكة برونزية‬ ‫(‪)5‬‬
‫م‬
‫تعود بتاريخها الى عص‪TT‬ر اتامبيلوس الراب‪TT‬ع مما يدل على اس‪TT‬تمرار النشاط التجاري‬
‫‪ .‬وانحس‪TT‬رت س‪TT‬يطرة الملك " الف‪TT‬رثي على ميس‪TT‬ان في عهد الملك‬ ‫(‪)6‬‬
‫البح‪TT‬ري للمملكة‬
‫ثيونيسيوس الثالث الذي استطاع ان يحرز بعض االنتصارات وان يعيد ميسان الى ما‬
‫‪ ،‬وقد خلد انتص‪TT‬اراته بنقش بعض الرموز على‬ ‫(‪)7‬‬
‫كانت عليه ايام اتامبيلوس الثالث‬
‫مسكوكاته وهي نجمة سداسية الشكل وسعفة ‪ .‬وتتصاعد االحداث في المنطقة باعتالء‬
‫االمبراطور تراجان عرش روما الذي ابدى اهتمامًا خاصًا في شؤون المنطقة المحلية‬
‫وما يتعلق بتس‪TT‬هيل مهمة التجارة البحرية لمملكة ميس‪TT‬ان ‪ ،‬فقد اعاد فتح القناة ال‪TT‬تي‬

‫()فؤاد سفر ‪ " ،‬المنازل الفرثية السادور الكرخي " ‪ ،‬سومر ( ‪ ، ) 1946‬ص‪. 178-165‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫‪()Lucian, Makrobioim XV, XVI .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Debevoise, Op. Citm P.216 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Hill, Op. Cit, ccll, 299 .‬‬
‫()ربيع القيسي –"تحريات وتنقيب‪T‬ات اثريه في دول‪T‬ة االمارات العربية المتح‪T‬دة – الخليج العربي "‬ ‫‪5‬‬

‫سومر ‪ ( 1975 ( 31‬ص ‪ 127-125 ، 106‬صورة رقم ‪. 28‬‬


‫()ربيع القيسي –"تحريات وتنقيب‪T‬ات اثريه في دول‪T‬ة االمارات العربية المتح‪T‬دة – الخليج العربي "‬ ‫‪6‬‬

‫سومر ‪ ( 1975 ( 31‬ص ‪ 127-125 ، 106‬صورة رقم ‪. 28‬‬


‫‪7‬‬
‫‪()Dio Cassius, LXVIII, 28 .‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪123‬‬
‫تربط بين النيل وخليج السويس وض‪TT‬م مملكة االنب‪TT‬اط في ح‪TT‬دود عام ‪ 106‬ميالدي الى‬
‫إمبراطوريه وانض ‪TT‬مت تدمر اليه ض ‪TT‬من اتح ‪TT‬اد سياس ‪TT‬ي وقامت ب ‪TT‬دور نشط كوس ‪TT‬يط‬
‫تجاري ‪ .‬وفي عام ‪ 114‬م اعلن تراجان حرب‪ًT‬ا شاملة ض‪TT‬د الف‪TT‬ريين وقاد بنفس‪TT‬ه حملة‬
‫عس‪TT T‬كرية الى المشرق ب‪TT T‬دوافع منها انه اراد ان يحقق حلما كان يراوده وبتشبه‬
‫باإلسكندر المقدوني في س‪T‬يطرته على العالم القديم ومنها بالد وادي الرافدين وللتقليل‬
‫عن اهمية الس‪TT‬يادة الفرثية وكذلك ألس‪TT‬باب اقتص‪TT‬ادية تتلخص في الس‪TT‬يطرة التامة على‬
‫التجارة الدولية ‪ ،‬ول ‪TT‬ذلك تذكر المص ‪TT‬ادر كثرة التعامل ب ‪TT‬النقود الفض ‪TT‬ية والذهبية في‬
‫االسواق الرومانية لشراء البضائع العربية والهندية‪.‬‬
‫اس‪TT‬تطاع تراجان في ص‪TT‬يف عام ‪ 116‬م ان يحقق المع انتص‪TT‬ار ل‪TT‬ه ويس‪TT‬يطر‬
‫على العاص ‪TT‬مة طيس ‪TT‬فون وتص ‪TT‬بح البالد بأجمعها تحت س ‪TT‬يطرة الجيوش الرومانية ‪.‬‬
‫وتابع تراجان ورحلته الى الجنوب عن طريق دجلة متجهًا نح ‪TT‬و ميس ‪TT‬ان ال ‪TT‬تي كان‬
‫اتاملبيوس الخامس يحكمها ‪ ،‬وتص ‪TT‬ف المص ‪TT‬ادر الكالس ‪TT‬يكية رحلة تراجان النهرية‬
‫واس‪TT‬تقباله اس‪TT‬تقباًال ح‪TT‬افًال في ميس‪TT‬ان من قب‪TT‬ل ملكها ال‪TT‬ذي كان على رأس مس‪TT‬تقبليه في‬
‫افاميا الواقعة على الح ‪TT‬دود الشمالية للمملكة ‪ .‬يدل ه ‪TT‬ذا الح ‪TT‬ادث على تمتع المملكة‬
‫وبعد وفاته‬ ‫(‪)1‬‬
‫باس‪TT‬تقالل تام بعيدًا عن الس‪TT‬يطرة الفرثية وبحرية في اختيار اص‪TT‬دقائها‬
‫في عام ‪117‬م تخلى الرومان عن اطماعهم في الشرق وانهى هادريان جميع‬
‫النزاعات مع الفرثيين ‪ ،‬ولكن اهتمام الرومان في التجارة اس ‪TT T‬تمر وتشير كتب‬
‫الرومان الى زيارته لمدينة تدمر في االعوام بين ‪ 129‬و ‪ 138‬م حيث اعطى‬
‫س‪TT T‬كانها بعض االمتيازات واص‪TT T‬لح نظ‪TT T‬ام الض‪TT T‬رائب فيها ‪ ،‬ومع ذل‪TT T‬ك فقد اس‪TT T‬تمرت‬
‫القوافل بين تدمر وموانئ الخليج دون تدخل من الفرثيين ‪ ،‬ال‪T‬ذين ابتلوا ب‪T‬نزاع داخلي‬
‫جديد حيث تنافس على العرش ثالثة ادعياء بقور الثاني ( اختفى بعد ‪ 115/116‬م )‬
‫وخس ‪TT‬رو ( ‪ 128/129 – 109/110‬م) وولجش الثالث (‪147 – 106 /105‬م )‬
‫وتقاس‪TT T‬موا المملكة فيما بينهم خالل الس‪TT T‬نوات المؤشرة ازاء اس‪TT T‬مائهم ‪ .‬وقد ناص‪TT T‬ب‬

‫‪1‬‬
‫‪()Debevoise , Op. Cit, P. 234.‬‬
‫وقد اعلنت الحفر عصيانها على تراجان الذي حاول ان يسيطر عليها بعد ان تضرب حص‪T‬ارًا حولها‬
‫ولكنه فشل في مسعاء ‪.‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪124‬‬
‫خس‪TT‬رو العداء لميس‪TT‬ان ولملكها اتامبيلوس الخامس بس‪TT‬بب اس‪TT‬تقبالهم الغ‪TT‬ازي الروماني‬
‫االجنبي ولسنوات طويلة امتدت حتى بعد تنص‪T‬يب ميراداتس ( مثراداتس ) ملكًا على‬
‫ميس‪TT‬ان حيث تشير ال‪TT‬دالئل االثارية الى انهه كان يدير دفة الحكم في عام ‪ 131‬م ‪،‬‬
‫فقد ورد اسمه في كتابة آرامية وض‪TT‬عت في س‪T‬وق مدينة تدمر تذكر اس‪T‬مه مييريداتس‬
‫‪ .‬ويعتقد بعض الب‪T‬احثين واس‪T‬تنادًا الى دالئل‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪ Meeredates‬وتص‪T‬فه بملك الكرخة‬
‫عديدة بازده ‪TT‬ار التجارة وانتظ ‪TT‬ام القوافل التدمرية النازل ‪TT‬ة نح ‪TT‬و الكرخة في طريق‬
‫مألوف يتميز بعالمات بارزة وعليه عدد من االب‪T‬ار والخانات وتحميه عدد من القالع‬
‫المزودة بمجاميع من النبال‪TT T‬ة وتشير بعض المص‪TT T‬ادر ان في دور ايوروبس وعانه‬
‫‪ .‬وقد ساهم التجار التدمريون في تأسيس مس‪TT‬تعمرة لجالية‬ ‫(‪)2‬‬
‫وهيت حاميات عسكرية‬
‫تدمرية في مدينة الكرخة وقاموا بأعمال تدل على مس‪TT T‬اهمتهم الفاعلة في تنشيط‬
‫االقتص‪TT T‬اد من خالل ازده‪TT T‬ار حركة التجارة فتذكر كتاب‪TT T‬ة على تمثال اقامه مجلس‬
‫الشيوخ في تدمر لتخليد ذكرى تاجر اسمه يارحيبوال بن ليشمش ولما قدمه من اعمال‬
‫وتذكر كتاب‪TT‬ة اخرى مؤرخة بشهر ايلول ‪ 140‬م‬ ‫(‪)3‬‬
‫تس‪TT‬هل مهمة التجار في ميس‪TT‬ان‬
‫ح‪TT T‬اكم مدينة فرات لما قدمه من عون الى قافلة تدمرية قادمة من الكرخة ومن‬
‫ولجاشية(‪ . )4‬وعثر في موقع ام العماد القريب من تدمر على كتاب ‪TT‬ة منقوشة على‬
‫عمود بجانب طريق القوافل تخلد ذكرى شخص اس ‪TT‬مه س ‪TT‬ويد قام بمس ‪TT‬اعدة التجار‬
‫والقوافل وبعض من مواطنية في ولجاشية وكافأه المجلس التدمري على اعمال‪T‬ه واقام‬
‫ل‪TT‬ه اربعة تماثيل وض‪TT‬عت في تدمر وي ولجاشية وفي الكرخة(‪ )5‬وقد تس‪TT‬نم بعض من‬
‫افراد تلك الجالية مناص ‪TT‬ب ادارية مهمة في بالط ميس ‪TT‬ان وكان ح ‪TT‬اكم مدينة فرات‬
‫تدمريًا ‪ ،‬كما تشير ب‪T‬ذلك كتاب‪T‬ة تؤرخ في ‪ 140‬م ‪ .‬تذكر كتابتنا المنقوشة على تمثال‬

‫‪1‬‬
‫‪()Cantineau, Inventairem 25f .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Nodelman, Op. Cit, P.111 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Cantineau, Op. Cit, P.32 .‬‬
‫‪4‬‬
‫‪()Ibid, P. 67f .‬‬
‫‪5‬‬
‫‪()Nodelman, P. 113 .‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪125‬‬
‫االل ‪TT‬ه هرقل وال ‪TT‬تي تلقي ض ‪TT‬وًء جديدًا على العالقات الفرثيةالميس ‪TT‬انية(‪ ، )1‬ب ‪TT‬أن ولجش‬
‫الراب ‪TT‬ع ال ‪TT‬ذي اعتلى عرش طيس ‪TT‬فون في ح ‪TT‬دود ‪ 147‬م واس ‪TT‬تمر في الحكم ح ‪TT‬تى عام‬
‫‪ 192‬م وه‪TT‬و ابن مثراداتس الراب‪TT‬ع المتح‪TT‬دي والمنافس لعرش الفرثيين قد قام بحملة‬
‫عس‪TT T T‬كرية في عام ‪ 150/151‬م ض‪TT T T‬د ميس‪TT T T‬ان ( ميشن ) وض‪TT T T‬د ملكها ميراداتس‬
‫( مثراداتس ) بن بقور (الثاني ) ملك الفرثيين وبعد ان ط‪TT‬رده وس‪TT‬يطر عليها امر‬
‫بنقل تمثال الهها ( هرقل –فيراثراكنا ) الى ممتلكات معب‪T‬د ابول‪T‬و ( نابو ) في س‪T‬لوقية‬
‫ووضعه امام البوابة البرونزية ‪ .‬لهذه الكتابة اهمية تاريخية استثنائية اوًال ألنها اطول‬
‫نص وص‪TT T‬لنا لح‪TT T‬د االن من ه‪TT T‬ذه الف‪TT T‬ترة وثانيًا ألنها تتعلق بف‪TT T‬ترة غامض‪TT T‬ة تس‪TT T‬تدعي‬
‫التساؤل وتحتاج الى دراس‪TT‬ة وتحميص دقيقين ‪ .‬فما هي االس‪TT‬باب وال‪TT‬دوافع ال‪TT‬تي دعت‬
‫الى قيام ولجش الرابع حملة عسكرية على ميس‪TT‬ان واخض‪TT‬اعها ؟ يب‪TT‬دو ان هناك العديد‬
‫من الظ‪TT T‬واهر المس‪TT T‬تقاة من االدل‪TT T‬ة االثارية ال‪TT T‬تي قام بها ميراداتس ملك ميس‪TT T‬ان قد‬
‫استدعى تدخل الملك الفرثي بارتدائه لباس‪ًT‬ا مزركشا واض‪TT‬حًا فوق رأس‪TT‬ه قلنس‪TT‬وة عالية‬
‫ب‪TT‬دًال عن االكليل البس‪TT‬يط ال‪TT‬ذي كان يرتديه معظم ملوك ميس‪TT‬ان وال‪TT‬تي قد تدل على "‬
‫تأكيد استقالله السياسي " ألن ارتداء القلنسوة العالية يعتبر رمزًا ألشغال وظيف‪TT‬ة عالية‬
‫ونقش على قف‪TT‬ا نقوده ص‪TT‬ورة‬ ‫(‪)2‬‬
‫ومهمة جدًا في البالط الفرثياهم من ارتداء االكليل‬
‫الهة حامية المدينة ب‪TT‬دًال عن نقش ص‪TT‬ورة هرقل الجالس ( ص‪TT‬ورة ‪ ) 13‬ال‪TT‬ه ميس‪TT‬ان‬
‫ورمزها ‪ ،‬وهو بذلك أظهر العداء لساللة هيسباسينس كما وانه نقل دور الض‪TT‬رب من‬
‫ومع ذل‪T‬ك فان المتأمل‬ ‫(‪)3‬‬
‫الكرخة الى فرات ب‪T‬دليل نوعية المعدن والص‪T‬ناعة المختلف‪T‬ة‬
‫في االوض‪TT‬اع السياس‪TT‬ية للمنطقة يالح‪TT‬ظ ان اعتالء الملك القوي ولجش الراب‪TT‬ع عرش‬
‫الفرثيين يمثل تغييرًا في توازن القوى ‪ ،‬فقد ب‪TT‬دا ‪ ،‬وكما تشير المص‪TT‬ادر التاريخية الى‬
‫ترصين جبهته الداخلية واس‪T‬تقرارها قب‪T‬ل مواجهة تح‪T‬ديات الرومان ال‪T‬ذين غ‪T‬زوا البالد‬
‫وس‪TT T‬يطروا على العاص‪TT T‬مة طيس‪TT T‬فون تحت قيادة تراجان ‪ .‬في حين كانت تص‪TT T‬رفات‬

‫() د‪ .‬واثق الص‪TT‬الحي – " دراس‪TT‬ة تحليلية لتمثال برونزي لهرقل " س‪TT‬ومر ‪ )1984 ( 43‬قدمت‬ ‫‪1‬‬

‫للنشر ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Nodelman, Op. Cit, P. 112 .‬‬
‫‪3‬‬
‫‪()Ibid, P. 114 .‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪126‬‬
‫وافعال ميراداتس المتأرجح‪TT‬ة بين مناص‪TT‬بته العداء للملك الف‪TT‬رثي من جهة والى س‪TT‬كان‬
‫الكرخة من جهة اخرى تثير بوادر تدخل الملك الف‪T‬رثي ال‪T‬ذي عزل‪T‬ه عن منص‪T‬به وعين‬
‫بدًال عنه اورابسس الثاني ‪.‬‬
‫وتشير الكتاب‪TT T‬ات التدمرية الى اس‪TT T‬تمرار التجار التدمريين في قيادة حركة‬
‫القوافل ونقل البض‪TT T‬ائع الهندية الى موانئ ميس‪TT T‬ان تمهيدًا لتص‪TT T‬ديرها الى االس‪TT T‬واق‬
‫الغربية وتوجد منحوتة تدمرية تظهر عليها س ‪TT‬فينة تجارية ويقف ربانها امام دفة‬
‫وتشير المصادر الى استخدام جزيرة خرج في الخليج العربي محط‪T‬ة للس‪T‬فن‬ ‫(‪)1‬‬
‫القيادة‬
‫‪ .‬وفي عهد اورابس‪TT T‬س الثاني‬ ‫(‪)2‬‬
‫الذاهب‪TT T‬ة والقادمة من الكرخة الى الهند وب‪TT T‬العكس‬
‫اس‪T‬تمرت دور الض‪T‬رب في فرات في س‪T‬ك النقود ال‪T‬تي امتازت نوعية وص‪T‬ناعة رديئة‬
‫وصورته مرتديًا االكليل البسيط حول رأسه وعليها نقش بصورة هرقل الجالس ولكن‬
‫بشكل بس‪TT‬يط متميز بخط‪TT‬وط مختص‪TT‬رة (شكل ‪ . )14‬وازده‪TT‬رت حركة التجارة ونقل‬
‫البضائع وانشغل التدمريون والميسانيون على حد س‪TT‬واء في ذل‪TT‬ك النشاط االقتص‪TT‬ادي ‪.‬‬
‫وعلى ال ‪TT‬رغم من انتف ‪TT‬اعهم المادي ‪ ،‬اال ان التجار الميس ‪TT‬انيين قد عانوا من احتكار‬
‫التدمريين ‪ ،‬بعد انتهاء دول ‪TT‬ة االنب ‪TT‬اط ‪ ،‬في االس ‪TT‬واق الغربية وفي منافس ‪TT‬تهم في نقل‬
‫البضائع من الهند ‪.‬‬
‫لقد انتهى حكم اورابسس بحدوث ثورة تمخض‪TT‬ت عن تعين عب‪TT‬د نركال الثاني‬
‫ملكًا على ميس ‪TT‬ان وقد اتس ‪TT‬م حكمه بتغيير في سياس ‪TT‬ة المملكة حيث رجع الى نقش‬
‫ص‪TT T‬ورة هرقل الجالس على مس‪TT T‬كوكاته وظهر الملك واض‪TT T‬عًا االكليل ح‪TT T‬ول شعره‬
‫المجعد وامتاز بلحية مدببة ‪.‬‬
‫واعاد عب‪T‬د نركال الثاني دور الض‪TT‬رب ثانية الى الكرخة وه‪T‬و بهذا قد اح‪T‬رز‬
‫رض ‪TT‬ا شعبه وخاص ‪TT‬ة في مناص ‪TT‬بهم العداء للملوك الفرثيين حيث اس ‪TT‬تغل الميس ‪TT‬انيون‬
‫فرصة هزيمة الفرثيين على يد الرومان بقيادة افيديوسكاسيوس في عام ‪ 165‬م وال‪TT‬تي‬

‫‪1‬‬
‫‪()H. Ingholt , Gandharan Art in Pakis-tan, N.Y. 1957,28 .‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()R. Boucharlat and J.F. salles, " The History and Archaeology of the Gulf‬‬
‫‪" . Proceedings of the Seminar for Arabian Studies, Vol. II, 1981,‬‬
‫‪P.70.71.‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪127‬‬
‫رافقها س‪TT‬قوط طيس‪TT‬فون وس‪TT‬لوقية ايض ‪ًT‬ا(‪ )3‬واهتم عب‪TT‬د نركال الثاني ب‪TT‬النقوش اآلرامية‬
‫على المس‪TT T‬كوكات وهي دالل‪TT T‬ة واض‪TT T‬حة على تأكيد هوية الشخص‪TT T‬ية القومية للس‪TT T‬اللة‬
‫الحاكمة ‪ .‬وعلى الرغم من قلة المعلومات ال‪TT‬تي وص‪TT‬لتنا عن الس‪TT‬نوات الس‪TT‬تين االخيرة‬
‫من عهد المملكة ورداءة ص ‪TT‬ناعة المس ‪TT‬كوكات وشحتها في ان واح ‪TT‬د اال انها واظبت‬
‫على تس‪TT‬يير القوافل البرية مما يدل على اس‪TT‬تمرار النشاط التجاري فقد وص‪TT‬لتنا كتاب‪TT‬ة‬
‫من بلدة كبيسة الواقعة على بعد ‪ 21‬كم الى الغرب من هيت على الض‪TT‬فة اليمنى لنهر‬
‫الفرات ‪ .‬والكتابة منقوشة على شاهد قبر من حجر بالخط التدمري البس‪T‬يط ( ص‪T‬ورة‬
‫‪ ) 16‬تشير فيه الى قبر شخص اسمه عجا بن شمش جرم بن ( عجا ) وقد وضعه له‬
‫‪ .‬وه ‪TT‬ذه الس ‪TT‬نة تقع ض ‪TT‬من حكم الملك‬ ‫(‪)4‬‬
‫رجال قافلة ميس ‪TT‬ان س ‪TT‬نة ‪183 ( 494‬م )‬
‫اتاملبيوس السادس الذي حكم في الفترة بين ‪ 195—180‬م ( صورة ‪ ) 17‬وجاء من‬
‫بعده ابنه ماغ ‪TT‬ا ال ‪TT‬ذي امتد حكمه من ‪ 195‬الى ‪ 120‬م ( ص ‪TT‬ورة ‪ . ) 18‬ووص ‪TT‬لتنا‬
‫دالئل تشير الى اس‪T‬تمرار النشاط التجاري في عهده من خالل الكتاب‪T‬ات التدمرية ال‪T‬تي‬
‫‪ .‬وربما تعود الى ه ‪TT‬ذه الف ‪TT‬ترة ايض ‪TT‬ا بعض‬ ‫(‪)5‬‬
‫تذكر اس ‪TT‬ماء بعض التجار التدمريين‬
‫ابيات وردت في كتاب " مزمار الروح " المنسوب الى بارديس‪TT‬نس‪ Bardesnes‬تشير‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫الى النشاط التجاري الذي اضطلعت به ميسان‬
‫ملتقى تجار الشرق ‪ ،‬وكرة اخرى‬ ‫عبرت حدود ميســــــــــــــــان‬
‫بلغت ميسان العظمـــــــــــــــــــــــــــــــى‬ ‫تركت بابل على شمالـــــــي‬
‫وراكبه سيف البحــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــار‬ ‫مثوى التجـــــــــــــــــــــــــــــــــــار‬
‫وشهد العالم القديم في ه‪T‬ذه الف‪T‬ترة تغ‪T‬يرات ومنعطف‪T‬ات مهمة تركت أثرًا بالغ‪ًT‬ا‬
‫في موازين القوى في ه ‪TT T‬ذه المنطقة ‪ ،‬حيث دب الض ‪TT T‬عف في جس ‪TT T‬م االمبراطورية‬
‫الفرثية وتوض ‪TT‬ح ذل ‪TT‬ك خالل حملة سبتميوسس ‪TT‬فيروس الى الشرق بين ‪ 200-197‬م‬

‫‪3‬‬
‫‪()Debevoise, Op. Cit, P.251 .‬‬
‫() فؤاد سفر ‪ " ،‬كتابة من كبيسة " ‪ ،‬سومر ‪ ) 1968 ( 24‬ص ‪. 36-33‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫‪()Carrtineau, Op. Cit, P. 18 f .‬‬
‫()فؤاد جميل " الخليج العربي – في مدونات المؤرخين البلدانيين االقدمين " سومر ‪1966 ( 22‬‬ ‫‪6‬‬

‫) ‪ ،‬ص‪. 54‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪128‬‬
‫التي احتل فيها بالد وادي الرافدين وس‪T‬قطت العاص‪T‬مة طيس‪T‬فون بيد الجنود الرومان ‪.‬‬
‫اما في ميسان ‪ ،‬فيذكر الطبري اخر ملك حكم فيها باسم باندو ‪ ،‬ويبدو انه محرف من‬
‫بيناكا ‪ ،‬ال ‪TT‬ذي ه ‪TT‬و في الواقع ابينركايوس الثالث ( اي عب ‪TT‬د نركال الثالث ) ال ‪TT‬ذي لم‬
‫يترك لنا أثرًا عنه ‪ .‬وكانت في فرات اس‪T‬قفية مس‪T‬يحية وتذكر بعض المص‪T‬ادر الى ان‬
‫ولما كان لموقع ميس‪TT‬ان الس‪TT‬وقي‬ ‫(‪)1‬‬
‫ماني كان يترعرع في ميس‪TT‬ان خالل ه‪TT‬ذه الف‪TT‬ترة‬
‫اهمية بالغ ‪TT‬ة في السياس ‪TT‬ة واالقتص ‪TT‬اد ‪ ،‬فقد اص ‪TT‬بحت الس ‪TT‬يطرة عليها مطمع كل غ‪TT‬از‬
‫يطمع في ثرواتها وخيراتها ‪ ،‬فقد كان اخر ملوكها ينظ‪TT‬ر بعين قلقة الى تزايد قوة‬
‫اردشير ‪ ،‬والي الفرثيين على اقليم فارس ال‪TT‬ذي تمرد عليهم في ح‪TT‬دود ‪ 222-221‬م‬
‫وب‪TT‬دا بالتوس‪TT‬ع على حس‪TT‬اب االقاليم االخرى ‪ ،‬ويتهيأ للمعركة الفاض‪TT‬لة مع الفرثيين ‪،‬‬
‫ويأمر من أرطب ‪TT‬ان الخامس ‪ ،‬الملك الف ‪TT‬رثي ‪ ،‬تح ‪TT‬رك ملك عيالم لمواجهة الخط ‪TT‬ر‬
‫ولكنه فشل في حرب‪TT‬ه مع اردشير ال‪TT‬ذي اس‪TT‬تطاع الس‪TT‬يطرة على اقليم عيالم ثم تح‪TT‬رك‬
‫ص ‪TT‬وب ميس ‪TT‬ان واس ‪TT‬تولى على الكرخة وفرات وانهى حكم س ‪TT‬اللة هيسباوس ‪TT‬ينس بقتل‬
‫عبد نركال الثالث في عام ‪ 222‬م ال‪TT‬ذي لم يس‪TT‬تطع الص‪TT‬مود امام زح‪TT‬ف أردشير على‬
‫الرغم من استعداداته العسكرية وقيامه بتقوية التحصينات الدفاعية في الكرخة ‪.‬‬
‫اطلق الساسانيون المحتلون اسم استر اباد أردشير على مدينة الكرخة وبهمان‬
‫واضمحلت تدريجيًا اهمية المدينتين بسبب س‪T‬يطرة الساس‪T‬انيين‬ ‫(‪)2‬‬
‫أردشير على الفرات‬
‫على خط ‪TT‬وط التجارة االمر ال ‪TT‬ذي ح ‪TT‬د من نشاط التجار التدمريين وبالتالي توقفت‬
‫التجارة مع اليمن(‪.)3‬غ‪TT‬رب الهند على ح‪TT‬د س‪TT‬واء ‪ .‬واس‪TT‬تمرت المدينتان ح‪TT‬تى الف‪TT‬ترات‬
‫االسالمية االولى ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪()Nodelman, P. 119.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪()Hansman, Op. Cit, P.73 .‬‬
‫()المورد – العدد الثالث ‪ ،‬مج ‪. 1986 ، 15‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪129‬‬
‫(( دولة الحضر ))‬
‫الموقع ‪:‬تقع في منطقة الجزيرة وتبعد عن مدينة الموص‪TT‬ل بح‪TT‬والي ‪ 110‬كم‬
‫الى الجنوب الغربي منها ‪ ،‬وال يتوافر فيها الماء الجاري لبعدها عن دجلة والف‪T‬رات‬
‫اذ تعتمد مياه االب ‪TT‬ار واالمط ‪TT‬ار في س ‪TT‬قي المزروعات ومياه الشرب تحيط بالمدينة‬
‫أراض مرتفعة فتظهر الحضر وكأنها منخفض تصب فيه سيول االمطار ‪.‬‬
‫(( نشأة دولة الحضر ))‬
‫لم يتوص‪TT T‬ل الب‪TT T‬احثون على وجه الدقة عن تاريخ اس‪TT T‬تيطان البشر في ه‪TT T‬ذه‬
‫المنطقة اال ان المس‪TT‬توطنات ال‪TT‬تي انتشرت ب‪TT‬القرب منها او حولها تعود الى العص‪TT‬ور‬
‫الحجرية مثل ( الدباغية وتلول ودبيشي وام تليل) مما يلقي الض‪TT‬وء على ان المنطقة‬
‫شهدت تجمعات س ‪TT‬كانية منذ ان اهتدى االنس ‪TT‬ان للزراعة ‪ ،‬ويب ‪TT‬دو ان ابناء القبائل‬
‫العربية ال‪TT‬ذين اس‪TT‬توطنوا في منطقة الحض‪TT‬ر بس‪TT‬بب توافر الماء والمراعي قد اخذوا‬
‫يوس ‪TT‬عون ه ‪TT‬ذه القرية فأنشأوا بيتا لألص ‪TT‬نام يقدمون فيه نذورهم ويحجون اليه في‬
‫اعيادهم ‪.‬‬
‫وتوس‪TT‬عت قرية الحض‪TT‬ر بعد اس‪TT‬تيالء االس‪TT‬كندر المقدوني (‪ 321-331‬ق‪.‬م)‬
‫على بالد الشرق ‪ ،‬وما اعقب ذل ‪TT T‬ك من تاس ‪TT T‬يس مدن وظهور شبكة من الط ‪TT T‬رق‬
‫والمس‪T‬الك من باب‪T‬ل الى جميع الجهات وقد س‪T‬اعد ه‪T‬ذا على انتعاش الحض‪TT‬ر ‪ ،‬ال س‪T‬يما‬
‫في العهد الس‪TTT‬لوقي حيث اص‪TTT‬بحت واقعة على اح ‪TT‬د ط ‪TT‬ريقين يربط ‪TT‬ان بين عاص‪TTT‬متي‬
‫السلوقيين ( سلوقية قرب المدائن في العراق وانطاكية في س‪TT‬هل االس‪TT‬كندرية في اعلى‬
‫س‪TT‬وريا) ‪ ،‬ولم تص‪TT‬ل لنا معلومات على الظ‪TT‬روف السياس‪TT‬ية واالقتص‪TT‬ادية ال‪TT‬تي اح‪TT‬اطت‬
‫بالحض‪TT‬ر في القرون الثالثة االولى قب‪TT‬ل الميالد ‪ ،‬وال‪TT‬تي ادت الى تط‪TT‬ور الحض‪TT‬ر من‬
‫قرية الى مدينة متط ‪TT‬ورة ب ‪TT‬رزت بص ‪TT‬ورة واض ‪TT‬حة منذ القرن االول الميالدي وح ‪TT‬تى‬
‫منتصف القرن الثالث الميالدي ‪ ،‬وقد تظافرت عدة عوامل رئيس‪TT‬ية لهذا التط‪TT‬ور وهي‬
‫‪:‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪130‬‬
‫عامل الموقع والمناخ ‪:‬‬
‫حيث اس ‪TT T‬تفادت الحض ‪TT T‬ر من موقعها على اس ‪TT T‬تقرار القبائل العربية على‬
‫طريق التجارة الدولية بين الشرق والغ‪TT‬رب فأص‪TT‬بحت مدينة من مدن القوافل شانها‬
‫شان ( بط‪TT‬را وتدمر ) كان س‪TT‬كانها يحمون القوافل ويوفرون ما تحتاجه القوافل من‬
‫خدمات ومن المحتمل انهم كانوا يدخلون في ص‪TT‬فقات تجارية مربح‪TT‬ة من خالل تب‪TT‬ادل‬
‫السلع والبضائع والخدمات توفرت لهم من خالل ذلك عوامل الثروة والغنى ‪.‬‬
‫عامل السياسة والحرب ‪:‬‬
‫اس ‪TT‬تفادت الحض ‪TT‬ر من ظ ‪TT‬روف الص ‪TT‬راع السياس ‪TT‬ي ال ‪TT‬تي كانت قائمة بين‬
‫دول المنطقة فأخذت تتمتع بنوع من االس ‪TT‬تقاللية وتقوم ب ‪TT‬دور الدول ‪TT‬ة الح ‪TT‬اجزة بين‬
‫االطراف المتصارعة بحكم عالقاتها الواس‪T‬عة مع القبائل العربية في العراق والشام ‪،‬‬
‫ل‪TT T‬ذلك فأن اهميتها العس‪TT T‬كرية قد ب‪TT T‬رزت في ال‪TT T‬دفاع عن االمبراطورية الفرثية منذ‬
‫الحروب التي دارت في آسيا الص‪TT‬غرى مع الرومان زمن الملك الف‪T‬رثي افراط الثالث‬
‫(‪57-69‬ق‪.‬م) وابنه ورود الثاني(‪36-57‬ق‪.‬م) ‪ ،‬ومنذ ذل ‪TT T‬ك الحين اس ‪TT T‬تمر خط ‪TT T‬ر‬
‫الرومان طيلة العصر الفرثي ونتيجة لذلك برزت اهمية القبائل العربية ال‪TT‬تي اص‪TT‬بحت‬
‫الحضر اكبر مركزها كقوة عسكرية اساسية يحسب لها الحساب في الدفاع والهجوم ‪.‬‬
‫(( اطوار تطور مدينة الحضر ))‬
‫دور التك وين ‪ :‬ب ‪TT‬رزت الحض‪TTT‬ر على مس ‪TT‬رح التاريخ بس ‪TT‬بب الظ ‪TT‬روف ال ‪TT‬تي‬
‫قدمنا ذكرها منذ منتص‪TT‬ف القرن االول للميالد ‪ ،‬كانت الس‪T‬لطة في ه‪T‬ذا ال‪T‬دور موزعة‬
‫بين شيوخ القبائل الذي يطلق على احدهم وصف ( ربا ) اي الزعيم او الشيخ ‪ ،‬وبين‬
‫س‪TT‬نة المعب‪TT‬د ال‪TT‬ذي كان يطلق عليهم ( رب – بيتا ) اي ص‪TT‬احب ال‪TT‬بيت يشاركهم قادة‬
‫الجيش وارباب القوافل ‪.‬‬
‫ان االمور العامة كانت تناقش في اجتماعات عامة يحض‪TT‬رها ذوي الحس‪TT‬ب‬
‫والنسب والنفوذ في المدينة واحيانا جميع اهل المدينة ‪.‬‬
‫دور الس ادة ‪ :‬امتد ه ‪TT‬ذا ال ‪TT‬دور لمدة قرن تقريب ‪TT‬ا من منتص ‪TT‬ف القرن االول‬
‫للميالد حكم الحضر فيها ستة رجال بالتعاقب من اسرة واحدة وهم ‪:‬‬
‫( شهريب االول ‪ ،‬ورورد ‪ ،‬نص‪TT T‬رو ‪ ،‬شهريب الثاني ‪ ،‬معنو ‪ ،‬ولجش )‬
‫وحمل ه‪TT‬ؤالء الحكم ص‪TT‬فة ( مريا ) اي الس‪TT‬يد كما اطلق على ولجش الس‪TT‬يد بعد توليه‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪131‬‬
‫الحكم بثالث س‪TT T‬نوات لقب الملك واس‪TT T‬تمر الحكم في ه‪TT T‬ذه االس‪TT T‬رة بعد ان تح‪TT T‬ول الى‬
‫الملكية في ال ‪TT‬دور – الالح ‪TT‬ق ومارس الس ‪TT‬ادة – الملوك ‪ ،‬جميع الس ‪TT‬لطات السياس ‪TT‬ية‬
‫واالدارية والدينية من اب‪T‬رز س‪T‬مات ه‪T‬ذه الف‪T‬ترة زيادة ح‪T‬دة الص‪TT‬راع بين االمبراطورية‬
‫الرومانية وال‪TTT‬تي بس‪TTT‬طت نفوذه‪TTT‬ا على س‪TTT‬وريا ومص ‪TT‬ر ‪ ،‬واالمبراطور الفرثية ال‪TTT‬تي‬
‫سيطرت على بالد وادي الرافدين‪.‬‬
‫دور الملوك‬
‫يتداخل هذا الدور مع الدور الذي س‪TT‬بقه الن ولجش ال‪TT‬ذي تلقب خالل الس‪TT‬نوات‬
‫الثالث االولى من حكمه بلقب ( السيد ) ثم اتخذ لنفسه لقب ( ملك ) بعد ذل‪T‬ك وقد ب‪T‬دا‬
‫دور الملوك في منتص‪TT‬ف القرن الثاني الميالدي واس‪TT‬تمر ح‪TT‬تى س‪TT‬نة ( ‪241‬م ) حينما‬
‫تمكن الملك الساس ‪TT‬اني ( شاهبور ) من احتالل مدينة الحض ‪TT‬ر حكم خالل ه ‪TT‬ذه الف ‪TT‬ترة‬
‫التي تقل عن مائة عام اربعة ملوك على التوالي‪:‬‬
‫ولجش ‪ ،‬سنطروق االول ( ‪ 190-165‬م ) وهو اخو الملك ولجش ‪ ،‬والملك‬
‫عب‪TT‬د س‪TT‬يما ( ‪ 200-190‬م ) وه‪TT‬و ابن س‪TT‬نطروق االول ‪ ،‬وس‪TT‬نطروق الثاني ( ‪-200‬‬
‫‪ 241‬م ) وهو ابن عبد سيما ‪.‬‬
‫(( الحياة االقتصادية ))‬
‫لم تكن الموارد الزراعية او ال‪TT‬ثروة الحيوانية هي العامل االس‪TT‬اس في الحياة‬
‫االقتص ‪TT T‬ادية وذل ‪TT T‬ك الن الحض ‪TT T‬ر تقع في ب ‪TT T‬وادي تقل فيها المياه ومن ثم لم تس ‪TT T‬اعد‬
‫ال‪TT‬واردات الزراعية في رفد الحياة االقتص‪TT‬ادية اال في مرحلة متاخرة حينما فرض‪TT‬ت‬
‫س‪TT T‬يطرتها على شمال الجزيرة يشمل مناطق زراعية مثل ( س‪TT T‬نجار وتلعف‪TT T‬ر ) ‪.‬‬
‫وتس ‪TT‬تدل من كثرة المعاب ‪TT‬د ان المدينة كانت مركزا دينيا مقدس‪ًT T‬ا للعب ‪TT‬ادة عند عرب‬
‫الجزيرة مما اتاح موردا بس‪TT‬بب ما ينفعه زوار المدينة من اموال على شكل نذور‬
‫وهدايا للمعابد ‪.‬‬
‫اما العامل االساس‪TT‬ي ال‪TT‬ذي قام عليه اقتص‪TT‬اد الحض‪TT‬ر ه‪TT‬و وقوعها على طريق‬
‫التجارة الدولية بين الشرق والغ‪TT‬رب اشتغال اهلها في تجارة القوافل س‪TT‬واء كان ذل‪TT‬ك‬
‫عن طريق تقديم الخدمات او توفير االداء والحماية لها او المس ‪TT‬اهمة فيها وتب ‪TT‬ادل‬
‫السلع والبضائع مع اصحابها ‪.‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪132‬‬
‫وقد كان التجار في الحض ‪TT‬ر يتمتعون بمنزل ‪TT‬ه رفيعة في المجتمع الحض ‪TT‬ري‬
‫وعثر على تماثيل لتجار واص‪TT‬حاب قوافل في معاب‪TT‬د الحض‪TT‬ر وكان التاجر يظهر في‬
‫التمثال وبيده اليس‪TT‬رى كيس ال‪TT‬دراهم ويده اليمنى مرفوعة للتحية اما اص‪TT‬حاب القافلة‬
‫فكان يظهر بمالبس الفرس ‪TT‬ان وبيده اليس ‪TT‬رى كيس دراهم ملف‪TT‬وف وعلى جنب ‪TT‬ه االيمن‬
‫خنجر ‪.‬‬
‫قامت في الحض ‪TT‬ر عدة ح ‪TT‬رف كالهندس ‪TT‬ة والبناء والنحت والح ‪TT‬دادة والنجارة‬
‫والصيدلة والطب وكان ألصحاب هذه المهن اهمية ومكانة في المدينة‪.‬‬
‫(( الحياة االجتماعية ))‬
‫كانت الحياة االجتماعية متأثرة ب ‪TT‬الظروف االقتص ‪TT‬ادية والسياس ‪TT‬ية والثقافية‬
‫فالتركيب االجتماعي يقوم على القبيلة والعشيرة والعائلة ‪.‬‬
‫اعتنى اهل الحضر بأنسابهم فكان الشخص يذكر اسمه واسم ابيه وجده ووال‪T‬د‬
‫جده احيانا وربما س‪TT‬تة اجداد وه‪TT‬ذا دليل على عروبتهم فالمعروف عن العرب انهم‬
‫يعتنون بالنسب اكثر من عناية غيرهم به ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من ان غالب سكان الحضر من العرب حيث ان الملوك وضعوا‬
‫امام اس‪TT‬مائهم ص‪TT‬فة ملك العرب او ملك العرب المظف‪TT‬ر اال ان ه‪TT‬ذا ال يعني ان جميع‬
‫سكان الحضر من العرب فقد وجد االراميين وجاليات يونانية ورومانية وفارس‪TT‬ية الن‬
‫الحض‪TT‬ر كانت مدينة تجارية فكان من الط‪T‬بيعي ان تعيش فيها جاليات اجنبية ‪ .‬وكان‬
‫الناس منقس‪TTT‬مون الى اح‪TTT‬رار ورقيق وان االح ‪TT‬رار ينقس ‪TT‬مون الى نبالء من اص‪TT T‬حاب‬
‫ال ‪TT T T‬ثروة او الس ‪TT T T‬لطان السياس ‪TT T T‬ي او ال ‪TT T T‬ديني وعامة من اص ‪TT T T‬حاب الح ‪TT T T‬رف والجنود‬
‫واالعراب‪.‬‬
‫(( الحياة الثقافية ))‬
‫تدل االثار المكتشفة في الحض‪TT‬ر على ان الحياة الثقافية كانت على قدر كب‪TT‬ير‬
‫من التط ‪TT‬ور وبخاص ‪TT‬ة في مجال العمارة والفنون وال ‪TT‬دين ولكن لم تص ‪TT‬ل الينا نقوش‬
‫تساعدنا على التعرف على الحياة الفكرية واالدبية في الحضر ‪.‬‬
‫كان الخط االرامي ه ‪TT‬و الخط ال ‪TT‬ذي يكتب ب ‪TT‬ه اه ‪TT‬ل الحض ‪TT‬ر لكونها اي اللغ ‪TT‬ة‬
‫اآلرامية هي اللغ ‪TT T‬ة الس ‪TT T‬ائدة آنذاك في مجال التدوين والمراس ‪TT T‬لة لس ‪TT T‬هولة حروفها‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪133‬‬
‫الهجائية ل‪TTT‬ذلك فان االنتاج الفكري واالدبي أله ‪TT‬ل الحض ‪TT‬ر كان قد كتب باآلرامية‬
‫واصبح جزءا من تراثها مما يتطلب البحث عن اصوله ضمن التراث االرامي ‪.‬‬
‫(( الحياة الدينية ))‬
‫كانت الديانة تمثل الموقع االساسي في ثقافة اهل الحضر وحياتهم وكان اكبر‬
‫االلهة وس‪TT‬يدها ( ال‪TT‬ه الشمس ) فشيدوا ل‪TT‬ه اكبر المعاب‪TT‬د وعدوا مدينتهم ملكًا ل‪TT‬ه ل‪TT‬ذلك‬
‫ض‪TT‬ربوا على نقودهم عب‪TT‬ارة ( الحض‪TT‬ر مدينة الشمس ) فالشمس من اشهر المعب‪TT‬ودات‬
‫عند االقوام العربية القديمة ‪ ،‬واص‪T‬بح معب‪T‬د الشمس في الحض‪T‬ر مركز النشاط ال‪T‬ديني‬
‫واالجتماعي ليس للحض‪TT T‬ر وح‪TT T‬دهم ب‪TT T‬ل لجميع س‪TT T‬كان الجزيرة يحج اليه الناس من‬
‫مسافات بعيدة ويقدمون نذورهم ‪.‬‬
‫وألل‪TT‬ه الشمس زوجة طلقوا عليها ( مرتن ) اي س‪TT‬يدتنا وان لهذين ال‪TT‬زوجين‬
‫ولد اطلقوا عليه اسم ( برمرين ) اي ابن سيدنا على هيئة شاب قوي ‪.‬‬
‫ل ‪TT‬ذلك فان عقيدة اه ‪TT‬ل الحض ‪TT‬ر قامت على عقيدة التثليث فعب ‪TT‬دوا االب واالم‬
‫واالبن وهذه الصورة من العبادة ‪ .‬عرفت عند العراقيين القدماء وعلى اشكال مختلف‪T‬ة‬
‫نحو عبادتهم للشمس والقمر ( س‪T‬ن ) والزه‪T‬رة ( عشتار ) والتثليث غ‪T‬ير الثالوث ألنه‬
‫االخير هو عبادة ثالثة الهة مندمجة في اله واحد ‪.‬‬
‫كما اه‪TT‬ل الحض‪TT‬ر غ‪TT‬ير ه‪TT‬ذه االل‪TT‬ه مثل ( الالت ) ومجموعة مكونة من س‪TT‬بعة‬
‫الهه تمثل الكواكب الخمسة المعروفة لديهم والشمس والقمر ‪.‬‬
‫دولة المناذرة‬
‫كان المناذرة او اللخميون من القبائل العربية الجنوبية التي ه‪TT‬اجرت من اليمن‬
‫على أثر تص‪TT‬دع س‪TT‬د مأرب وقب‪TT‬ل او بعد الس‪TT‬يل العرم ‪ ،‬وكان نزول ه‪TT‬ذه القبائل في‬
‫اول االمر في منطقة البح‪TT‬رين حيث اس‪TT‬تقرت هناك " تنوخت " وتح‪TT‬الفت فيما بينها ‪،‬‬
‫وقد كانت ه‪TT‬ذه القبائل تتطلع الى االس‪TT‬تقرار في مشارف العراق ‪ ،‬فانتهزت فرص‪TT‬ة‬
‫اندالع الحرب االهلية في بالد فارس في اواخر عصر الدولة البارثية ‪ ،‬فهاجرت الى‬
‫منطقة الح‪TT‬يرة واالنب‪TT‬ار وعلى ه‪TT‬ذا النح‪TT‬و أص‪TT‬بحت المنطقة المجاورة للف‪TT‬رات الجنوبي‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪134‬‬
‫هدفا لهجرة عربية في عصر الطوائف ‪ ،‬وهي فترة االنتقال بين سقوط الدولة البارثية‬
‫وقيام الدولة الساسانية(‪. )1‬‬
‫اتخذ المناذرة مدينة " الح‪TT‬يرة " عاص‪TT‬مة لهم ‪ ،‬وكان موقعها جنوبي الكوفة‬
‫على بعد ثالثة اميال منها ويجري ب‪TT‬القرب منها نهر الف‪T‬رات ال‪TT‬ذي يتف‪T‬رع في اطرافها‬
‫الى عدة فروع ‪ ،‬وتأخذ منه جداول وترع تروي تلك المنطقة ويص ‪TT‬ل اليها بعض‬
‫االنهار كنهر كافر ونهر الح‪TT‬يرة ونهر يوس‪TT‬ف ‪ .‬وقد ذكر المس‪TT‬عودي ان أغلب مياه‬
‫الف ‪TT‬رات تنتهي الى بالد الح ‪TT‬يرة ( ونهر بين الى ه ‪TT‬ذا ال ‪TT‬وقت وه ‪TT‬و يعرف ب ‪TT‬العتيق ‪،‬‬
‫وعليه كانت وقعة المس ‪TT‬لمين مع رس ‪TT‬تم ‪ ،‬وهي وقعة القادس ‪TT‬ية ‪ ،‬فيص ‪TT‬ب في البح ‪TT‬ر‬
‫الحبشي ‪ ،‬وكان البحر حينئذ في الموض‪TT‬ع المعروف ب‪TT‬النجف في ه‪TT‬ذا ال‪TT‬وقت ‪ ،‬وكانت‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫تقدم هناك سفن الصين والهند ترد الى ملوك الحيرة )‬
‫وقد اشتهرت الحيرة برقة هواءه‪TT‬ا وص‪TT‬فاء جوه‪TT‬ا وعذوب‪TT‬ة مائها ‪ ،‬ح‪TT‬تى قيل "‬
‫‪ ،‬وقد تعددت أراء المؤرخين ح‪TT‬ول اص‪TT‬ل‬ ‫(‪)3‬‬
‫يوم وليلة ب‪TT‬الحيرة خير من دواء س‪TT‬نة "‬
‫تسمية هذه المدينة فمنهم من يرى انها مشتقة من الكلمة اآلرامية (حرتا ) ال‪T‬تي تعني‬
‫المخيم او المعس ‪TT‬كر ‪ ،‬وان حيرتا ‪ Herta‬وح ‪TT‬يرة ‪ Hira‬في التواريخ الس ‪TT‬ريانية ال ‪TT‬تي‬
‫تعرضت لذك الغساسنة تقابل كلمة عسكر عند العرب(‪. )4‬‬
‫اما االخب‪TT‬اريون العرب فيذكرون ان االس‪TT‬م مشتق من الح‪TT‬يرة اي " الض‪TT‬الل "‬
‫وانها س‪TT‬ميت بهذا االس‪TT‬م الن تبعا االكبر لما قص‪TT‬د خراس‪TT‬ان ترك بعض الجند ب‪TT‬ذلك‬
‫الموضع وقال لهم ‪ " :‬حيروا ب‪T‬ه ‪ ،‬اي اقيموا ب‪T‬ه ‪ ،‬وفي رواية اخرى قيل ان تبعا لما‬
‫‪ ،‬وقيل ايض ‪ًT‬ا ان‬ ‫(‪)5‬‬
‫أقب‪TT‬ل بجيوشه فبلغ موض ‪TT‬ع الح‪TT‬يرة ض ‪TT‬ل دليلة وتح‪TT‬ير ‪ ،‬فس‪TT‬ميت‬
‫واقدم نص يتض‪TT‬من اس‪TT‬م الح‪TT‬يرة (‬ ‫(‪)6‬‬
‫الحيرة من الحوار ‪ ،‬اي البياض ‪ ،‬لبياض ابنيتها‬
‫حيرتا ) نص يرجع الى شهر ايلول من س ‪TT‬نة ‪ 443‬من التاريخ الس ‪TT‬لوقي الموافق‬

‫()سالم – دراسات في تاريخ العرب ص ‪. 303‬‬ ‫‪1‬‬

‫()المسعودي – مروج الذهب ج‪ 1‬ص ‪ ، 103‬صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص ‪. 73‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ابن الفقيه – مختصر كتاب البلدان ط ليدن ‪ 1885‬م ص ‪. 181‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 4‬ص‪ ، 6 ، 5‬صالح العلي ‪ ،‬محاضرات ص ‪. 73‬‬ ‫‪4‬‬

‫()البكري ‪ :‬معجم ما استعجم ‪ ،‬ص ‪ ، 478‬ياقوت ‪ ،‬معجم البلدان ‪ ،‬ج ‪ ،3‬ص ‪. 329‬‬ ‫‪5‬‬

‫()جرجي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪. 223‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪135‬‬
‫لشهر اب من س‪TT‬نة ‪ 132‬م ‪ ،‬وعلى ه‪TT‬ذا االس‪TT‬اس فان الح‪TT‬يرة اقيمت في عص‪TT‬ر س‪TT‬ابق‬
‫اما االخب‪TT T‬اريون العرب فيرجعون انشاءها الى نبوخذ نص‪TT T‬ر‬ ‫(‪)1‬‬
‫للعص‪TT T‬ر الساس‪TT T‬اني‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫مؤسس االنبار ‪ ،‬في حين يذكر ياقوت الحموي انها من بناء تبع االكبر‬
‫ملوك الحيرة التنوخيون ‪:‬‬
‫اتفقت الروايات العربية على ان اول من حكم الحيرة من تنوخ هو " مال‪TT‬ك بن‬
‫وقد دام حكمه عشرون عاما ‪ ،‬ثم مات‬ ‫(‪)3‬‬
‫فهم األزدي " وكان منزله مما يلي االنب‪TT‬ار‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫على أثر سهم رماه به سليمه بن مالك‬
‫واعقب مال ‪TT T T T‬ك بن فهم أخوه عمرو بن فهم ثم جذيمة بن مال ‪TT T T T‬ك بن فهم‬
‫المعروف بجذيمة االب‪T‬رش ‪ ،‬والوض‪T‬اح اي االب‪T‬رص يبرص كان ب‪T‬ه ‪ " ،‬وكان جذيمة‬
‫من أفض‪T‬ل ملوك العرب رأيا ‪ ،‬وابعدهم مغ‪T‬ارا ‪ ،‬واشدهم نكاية واول من اس‪T‬تجمع ل‪T‬ه‬
‫الملك ب ‪TT‬أرض العراق ‪ ،‬وض ‪TT‬م اليه العرب وغ ‪TT‬زا ب ‪TT‬الجيوش وكان ب ‪TT‬ه ب ‪TT‬رص فكنته‬
‫وقد اس‪T‬تغل جذيمة االب‪T‬رش‬ ‫(‪)5‬‬
‫العرب عنه ‪ ،‬فقيل ‪ :‬الوض‪T‬اح ‪ ،‬واالب‪T‬رش اعظاما ل‪T‬ه "‬
‫فترة الض‪TT‬عف واالض‪TT‬محالل ال‪TT‬تي مرت بها الدول‪TT‬ة البارثية فعمل على توس‪TT‬يع نف‪TT‬وذه‬
‫على الض‪TT‬فة الغربية للف‪TT‬رات ‪ ،‬فقيل انه بس‪TT‬ط س‪TT‬يطرته على معد وأرض اليمن وعلى‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫البحرين‬
‫ثم ب‪TT‬دأ الساس‪TT‬انيون يدركون أهمية ال‪TT‬دور ال‪TT‬ذي يمكن ان يقوم ب‪TT‬ه المناذرة في‬
‫العراق فاعترفوا بحكم جذيمة االب‪T‬رش وتح‪T‬الفوا معه ‪ ،‬ليض‪T‬منوا بهذه المحالف‪T‬ة وقوفه‬
‫امام هجمات الب‪TT T‬دو في العراق وتأمين ح‪TT T‬دودهم الغربية من جهة ومس‪TT T‬اعدتهم في‬
‫‪ .‬وقد ذكر المؤرخون ان جذيمة االب‪TT‬رش اراد‬ ‫(‪)7‬‬
‫حروبهم مع ال‪TT‬روم من جهة اخرى‬
‫يضفي على حكمه صفة دينية فتكهن واتخذ ل‪T‬ه ص‪T‬نمان ص‪T‬نعهما لما تكهن ‪ ،‬وس‪T‬ماهما‬

‫()جواد علي‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 3‬ص ‪ ، 87‬ج‪ 4‬ص ‪. 6‬‬ ‫‪1‬‬

‫()حمزة االصفهاني – االغاني ‪ ،‬ص‪ 6‬ق‪ ، 6‬ياقوت ‪ ،‬معجم البلدان ‪ ،‬ج‪ ، 3‬ص ‪. 329‬‬ ‫‪2‬‬

‫()المسعودي – مروج الذهب ج‪ 2‬ص‪ ، 90‬ابن االثير ‪ ،‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 341‬‬ ‫‪3‬‬

‫()مبروك نافع – العرب قبل االسالم ص ‪. 97‬‬ ‫‪4‬‬

‫()ابن االثير – الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 342‬‬ ‫‪5‬‬

‫()علي ابراهيم حسن – التاريخ االسالمي العام ص‪ ، 57‬صالح العلي ‪ ،‬محاضرات ص ‪. 65‬‬ ‫‪6‬‬

‫()صالح العلي – محاضرات ص ‪. 65‬‬ ‫‪7‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪136‬‬
‫الض‪TT‬يزيين وكان موض‪TT‬عهما في الح‪TT‬يرة معروفا وكان يستس‪TT‬قي بهما ويستنص‪TT‬ر بهما‬
‫على االعداء ‪ ،‬وانتهى حكم جذيمة بمقتله على يد الزباء ملكة تدمر انتقاما منه ألبيها‬
‫عمرو بن ظرب بن حسان بن اذينة بن الس‪T‬ميدع ال‪T‬ذي قتله جذيمة في اح‪T‬دى المعارك‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫ملوك الحيرة اللخميون‬


‫انتقل الحكم بعد مقتل جذيمة االبرش الى ابن اخته عمرو بن عدي بن نص‪TT‬ر‬
‫‪ ،‬ال‪TT T‬ذي تولى االمارة على عرب الح‪TT T‬يرة واالنب‪TT T‬ار فيما بين س‪TT T‬نة ( ‪288-268‬م )‬
‫وعمرو بن عدي " أول من اتخذ الح ‪TT‬يرة منزال من ملوك العرب ‪ ،‬وأول من مجده‬
‫أهل الحيرة في كتبهم من ملوك العرب بالعراق ‪ ،‬واليه ينسبون وهم ملوك ال نص‪TT‬ر "‬
‫‪ .‬وقد انضم عمرو بن عدي الى جانب الفرس الساسانيين ‪ ،‬منتهجا في ذلك سياسة‬ ‫(‪)2‬‬

‫س‪TTT‬لفة جذيمة االب‪TTT‬رش ‪ ،‬فعظم نف‪TTT‬وذه على العرب في العراق ‪ ،‬ويرجع الفض‪TT T‬ل الى‬
‫(‪)3‬‬
‫عمرو بن عدي في تمصير الحيرة التي اصبحت منذ ذل‪T‬ك ال‪T‬وقت عاص‪T‬مة المناذرة‬
‫‪ .‬ثم حكم بعد عمرو بن عدي ول‪TT‬ده امرؤ القيس ( ‪328-288‬م ) ال‪TT‬ذي عرف ب‪TT‬أمرؤ‬
‫القيس الب‪TT T‬دء اي االول وه‪TT T‬و اول من تنص‪TT T‬ر من ملوك ال نص‪TT T‬ر بن ربيعة وعمال‬
‫ملوك الفرس ‪ ،‬وقد ذكر الط‪T‬بري ان امرئ القيس ه‪T‬ذا حكم ‪ 114‬س‪T‬نة ‪ ،‬وانه عاص‪TT‬ر‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫س‪TT‬ابور بن ارد يشر وهرمز بن س‪TT‬ابور وبهرام بن هرمز بن بهرام بن هرمز‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫اما اليعقوبي فقد جعل مدة حكمه خمس وثالثون سنة‬
‫وقد عثر العلماء في خرائب المنارة بح‪TT‬وران على اس‪TT‬م امرئ القيس منقوشا‬
‫على حجر مربع الشكل من البازلت ‪ ،‬من بقايا قبر قديم مس‪T‬احته ‪ 30,3 × 54,4‬م ‪،‬‬
‫يتض‪TT‬من خمس‪TT‬ة اس‪TT‬طر منقوشة ب‪TT‬الحرف النبطي واللس‪TT‬ان العربي الشمالي كتب فيه "‬

‫()اليعقوبي – تاريخ ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪ ، 165‬المس‪T‬عودي ‪ ،‬المروج ج‪ 2‬ص ‪ ، 90‬ابن االثير ‪ ،‬الكامل‬ ‫‪1‬‬

‫ج‪ 1‬ص ‪. 350-342‬‬


‫()حمزة االص‪TT‬فهاني – االغ‪TT‬اني ‪ ،‬ج ‪ ، 4‬ص ‪ ، 65‬ابن االثير ‪ ،‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪، 351-350‬‬ ‫‪2‬‬

‫جرجي زيدان ‪،‬العرب قبل االسالم ‪ ،‬ص ‪. 226‬‬


‫()صالح العلي – محاضرات ص ‪ ، 66‬سالم ‪ ،‬دراسات ص ‪. 318‬‬ ‫‪3‬‬

‫()الطبري‪ -‬تاريخ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪. 53‬‬ ‫‪4‬‬

‫()اليعقوبي – تاريخ ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 170‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪137‬‬
‫هذا قبر امرئ القيس بن عمرو ملك العرب كلهم ال‪T‬ذي تقلد التاج واخض‪T‬ع قبيلتي اس‪T‬د‬
‫ونزار وملوكهم وهزم مذحج الى اليوم وقاد على الظفر الى أسوار نجران مدينة شمر‬
‫واخض‪TT‬ع معدا واس‪TT‬تعمل بنيه على القبائل وانابهم عنه ل‪TT‬دى الف‪TT‬رس وال‪TT‬روم ‪ ،‬فلم يبلغ‬
‫ملك مبلغه الى اليوم ‪ ،‬توفي سنة ‪ 223‬في يوم ‪ 7‬مكس‪T‬ول وفق بنو الس‪T‬عادة " ويوافق‬
‫وقد اس‪TT‬تغل امرئ القيس ض‪TT‬عف الدول‪TT‬ة الساس‪TT‬انية‬ ‫(‪)1‬‬
‫وفاته ب‪TT‬التقويم الميالدي ‪ 328‬م‬
‫ونجاح ال‪TT T‬روم في االس‪TT T‬تيالء على بعض المقاطعات التابعة لها ‪ ،‬فعمل على تقوية‬
‫نف‪TT‬وذه وتوس‪TT‬يع س‪TT‬لطانة ‪ ،‬فاخض‪TT‬ع القبائل العربية في بادية الشام والجزيرة وهي أس‪TT‬د‬
‫‪ .‬ثم تعاقب على الحكم بعد امرئ القيس االول عدد من‬ ‫(‪)2‬‬
‫ونزار ومذجح ومعد‬
‫الملوك الذين لم تكن لهم اعمال بارزة حتى جاء النعمان االول بن امرئ القيس الثاني‬
‫( ‪ 418-390‬م ) الذي عرف بالنعمان االعور والنعمان السائح ‪ ،‬ألنه زهد في ال‪TT‬دنيا‬
‫في اخر عهده فتخلى عن الحكم ولبس المس ‪TT‬وح وس ‪TT‬اح في االرض بعد حكم دام ‪29‬‬
‫س ‪TT‬نة واربعة اشهر ‪ ،‬وذكر المؤرخون ان النعمان قام بغ ‪TT‬زو الشام مرارا ‪ ،‬واكثر‬
‫المصائب في اهلها ‪ ،‬وسبي وغنم ‪ ،‬وانه كان من أشد الملوك نكاية في عدوه وابعدهم‬
‫‪ .‬وكان ملك الف‪TT‬رس قد جعل مع النعمان كتيبتان ‪ ،‬يقال الح‪TT‬داهما ‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مغ‪TT‬ارا فيهم "‬
‫دوس ‪TT T‬ر وهي لتنوخ ‪ ،‬ولألخرى الشهباء وهي لف ‪TT T‬ارس ‪ ،‬وهما اللتان يقال لهما‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫القبيلتان ‪ ،‬فكان يغزو بهما بالد الشام ومن لم يدن له من العرب‬
‫وقد كانت دوسر التنوخية من القوة بحيث ضرب العرب بها المثل في البطش‬
‫‪ ،‬وباإلض‪TT T‬افة الى كتيب‪TT T‬تي دوس‪TT T‬ر والشهباء كان جيش‬ ‫(‪)5‬‬
‫فقالوا – أبطش من دوس‪TT T‬ر‬
‫‪:‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫النعمان يتألف من ثالثة كتائب اخرى هي‬

‫()جرجي زيدان – العرب قبل االسالم ص ‪. 228 – 227‬‬ ‫‪1‬‬

‫()صالح العلي – محاضرات ‪ ، 68-66‬ابن االثير ‪ ،‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 401-400‬‬ ‫‪2‬‬

‫()الطبري – تاريخ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪ ، 68-67‬ابن االثير ‪ ،‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 401-400‬‬ ‫‪3‬‬

‫()الطبري ‪،‬المصدر السابق – ج‪ 2‬ص ‪ ، 67‬ابن االثير ‪ ،‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 400‬‬ ‫‪4‬‬

‫()الميداني – مجمع االمثال ج‪ 1‬ط القاهرة ‪ 1352‬هـ ص ‪. 124‬‬ ‫‪5‬‬

‫()االلوسي‪ -‬بلوغ االرب ج‪ 2‬ص ‪. 176‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪138‬‬
‫الره ‪TT‬ائن – وكانوا خمس ‪TT‬مائة رجل ره ‪TT‬ائن لقبائل العرب يقيمون على ب ‪TT‬اب‬ ‫‪.1‬‬
‫الملك س‪T‬نة ‪ ،‬ثم يجيء ب‪T‬دلهم خمس‪T‬مائة اخرى وينص‪T‬رف اولئك الى احيائهم ‪،‬‬
‫فكان الملك يغزو بهم ويوجههم في أموره ‪.‬‬
‫الص‪TT‬نائع – وهم بنو قيس وبنو تيم الالت اب‪T‬ني ثعلب‪T‬ة وكانوا خواص الملك ال‬ ‫‪.2‬‬
‫يبرحون بابه ‪.‬‬
‫الوض ‪TT‬ائع – كانوا ال ‪TT‬ف رجل من الف ‪TT‬رس ‪ ،‬يض ‪TT‬عهم ملك الف ‪TT‬رس في الح ‪TT‬يرة‬ ‫‪.3‬‬
‫نجدة لملوك العرب ‪ ،‬وكانوا يقيمون س‪TT‬نة ‪ ،‬ثم ينص‪TT‬رفون ويأتي ب‪TT‬دلهم ال‪TT‬ف‬
‫رجل اخرين ‪.‬‬
‫وينس‪T‬ب الى النعمان بناؤه قص‪T‬ري الخورنق والس‪T‬دير ‪ ،‬وقيل ان بناء النعمان‬
‫للخورنق كان تلبية لرغب‪TT‬ة يزد جرد ابن بهرام ال‪TT‬ذي كان ال يعيش ل‪TT‬ه ول‪TT‬د فس‪TT‬أل عن‬
‫منزل بريء صحيح من االدواء واالسقام ‪ ،‬فدل على ظهر الحيرة فدفع ابنه جور الى‬
‫النعمان هذا وأمره ببناء الخورنق مس‪T‬كنا ل‪T‬ه وانزل‪T‬ه اياه ‪ .‬وامره بإخراجه الى ب‪T‬وادي‬
‫‪ .‬وقد تمتع النص‪TT‬ارى في‬ ‫(‪)1‬‬
‫العرب وكان ال‪TT‬ذي ب‪TT‬ني الخورنق رجال يقال ل‪TT‬ه س‪TT‬نمار‬
‫عهد النعمان السائح بحرية كاملة ‪ ،‬فأب‪TT‬اح لهم ممارس‪TT‬ة شعائرهم الدينية كما س‪TT‬مح لهم‬
‫ببناء الكنائس ويؤكد بعض الب‪T‬احثين ان النعمان لم يعتنق المس‪T‬يحية ومن المحتمل انه‬
‫وذكر بعض المؤرخين ان النعمان " جلس‬ ‫(‪)2‬‬
‫كان يتأهب لتقبلها او انه كان يميل اليها‬
‫يوما في مجلس‪TT‬ه من الخورنق ‪ ،‬فاشرف على النجف وما يليه من البس‪TT‬اتين والنخل‬
‫والجنان واالنهار مما يلي المغ‪TT‬رب ‪ ،‬وعلى الف‪TT‬رات مما يلي المشرق وه‪TT‬و على متن‬
‫النجف في يوم من ايام الربيع ‪ ،‬فاعجبه ما رأى من الخضرة واالنهار ‪ ،‬فقال ل‪TT‬وزيره‬
‫وصاحبه هل رأيت مثل هذا المنظر قط ! فقال – ال ‪ ،‬لو كان يدوم ! قال – فما ال‪TT‬ذي‬
‫يدوم ! قال ‪ :‬ما عند اهلل في االخرة ‪ ،‬قال – فيم ينال ذل ‪TT‬ك ؟ قال – بتركك ال ‪TT‬دنيا‬
‫وعبادة اهلل والتماس ما عنده ‪ .‬فترك ملكه من ليلته ولبس المس‪TT‬وح ‪ ،‬وخرج مس‪TT‬تخفيا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫هاربا ال يعلم به "‬

‫()الطبري – تاريخ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪ – 65‬ابن االثير الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 400‬‬ ‫‪1‬‬

‫()سالم – دراسات ص ‪. 335‬‬ ‫‪2‬‬

‫()الطبري – تاريخ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪. 66‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪139‬‬
‫وجاء بعد النعمان عدد من الملوك ساعدوا الفرس في حروبهم مع البيزنط‪TT‬يين‬
‫وحاولوا بسط نفوذهم على قبائل الجزيرة العربية ‪ ،‬فاشتبكوا مع بعض تلك القبائل في‬
‫عدة معارك ‪ ،‬ومن اشهر هؤالء الملوك المنذر بن امرئ القيس المعروف بالمنذر بن‬
‫ماء الس ‪TT T‬ماء " وماء الس ‪TT T‬ماء " لقب امه مارية بنت عوف بن جشم بن هالل بن‬
‫ربيعة ‪ ،‬وقد سميت بماء الس‪TT‬ماء لحس‪TT‬نها وجمالها(‪ ، )1‬كما عرف المنذر ب‪TT‬ذي القرنين‬
‫‪ ،‬وقد عاص‪TT‬ر المنذر حكم قب‪TT‬اذ بن فيروز الفارس‪TT‬ي ‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫لضفيرتين كانتا له من شعره‬
‫وس ‪TT‬اعده في حروب ‪TT‬ه االولى مع البيزنط ‪TT‬يين ‪ ،‬ثم ما لبثت العالقات ان س ‪TT‬اءت بينهما‬
‫بسبب اعتناق قب‪T‬اذ المزدكية ‪ ،‬وعمل على فرض‪T‬ها على المناذرة ‪ ،‬فرفض المنذر بن‬
‫ماء الس‪TT‬ماء االعتراف بها ‪ ،‬االمر ال‪TT‬ذي اغض‪TT‬ب قب‪TT‬اذ فنح‪TT‬اه عن الحكم ووض‪TT‬ع مكانه‬
‫الحارث بن عمرو الكندي الذي كان قد قبل الزندقة فاضطر المنذر اللجوء الى القبائل‬
‫العربية في الص‪TT‬حراء ‪ ،‬وبقي هناك ح‪TT‬تى مات قب‪TT‬اذ وتولى مكانه كس‪TT‬رى انو شروان‬
‫ال ‪TT‬ذي أخذ على عاتقه محارب ‪TT‬ة الزندقة ‪ ،‬فانزل بهم الهزيمة ورد المنذر الى عرش‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الحيرة‬
‫وقد اتصف المنذر بالشجاعة والبسالة فقضي حياته في الحروب المعارك ففي‬
‫س ‪TT T‬نة ‪ 519‬م ه ‪TT T‬اجم بالد ال ‪TT T‬روم ونجح في اح ‪TT T‬دى المعارك من أس ‪TT T‬ر القائدين هما‬
‫س‪T‬تراثوس ويوحنا ‪ ،‬فارس‪T‬ل اليه االمبراطور جس‪T‬تين في س‪T‬نة ‪ 524‬م وفدا لمفاوض‪T‬ته‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫في اطالق سراح القائدين المذكورين‬
‫كما شارك المنذر في الح‪TT‬روب ال‪TT‬تي قامت بين الساس‪TT‬انيين وال‪TT‬روم ‪ ،‬فهاجم‬
‫بالد ال ‪TT‬روم س ‪TT‬نة ‪528‬م مؤيدا الف ‪TT‬رس فتوغ ‪TT‬ل في بالد ال ‪TT‬روم وغنم غنائم كثيرة ‪ ،‬ثم‬
‫عاود الهجوم على المنطقة نفسها في العام التالي فوصل الى ح‪TT‬دود انطاكية ‪ ،‬واشتبك‬

‫()المسعودي – مروج الذهب ج‪ 2‬ص ‪. 98‬‬ ‫‪1‬‬

‫()الطبري – تاريخ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪. 104‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ابن االثير – الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 435 ، 434‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جواد علي – العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص ‪. 59‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪140‬‬
‫مع الح‪T‬ارث بن جبلة الغس‪T‬اني في عدة معارك انتهت بمص‪TT‬رع المنذر بن ماء الس‪T‬ماء‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫في موقعة حليمة او موقعة خيار في سنة ‪ 554‬م‬
‫ثم تولى الحكم بعد المنذر ول ‪TT‬ده عمرو بن المنذر بن امرئ القيس (‪-554‬‬
‫‪ 574‬م ) ‪ .‬الذي عرف بعمرو بن هند نس‪T‬بة الى امه هند ابنه الح‪T‬ارث بن عمرو بن‬
‫حجر اكل المرار الكندي ‪ ،‬وقد عاص‪TT T‬ر عمرو بن هند ه ‪TT‬ذا كس ‪TT‬رى انو شروان‬
‫(‪)2‬واس ‪TT‬تغل ض ‪TT‬عف دول ‪TT‬ة كندة واض ‪TT‬محاللها ‪ ،‬فعمل على توس ‪TT‬يع نف ‪TT‬وذه وس ‪TT‬لطانه في‬
‫الجزيرة ‪ ،‬فقيل انه غ ‪TT‬زا تميما في داره ‪TT‬ا فقتل من ب ‪TT‬ني دارم ‪ 150‬شخص ‪TT‬ا في يوم‬
‫أواره الثاني ‪ ،‬والقي ب‪TT T‬القتلى في النار ‪ ،‬فعرف ل‪TT T‬ذلك " بمح‪TT T‬رق " وفي س‪TT T‬نة ‪563‬م‬
‫اغ‪TT‬ار عمرو بن هند على بالد الشام ‪ ،‬وح‪TT‬ارب الح‪TT‬ارث بن جبلة الغس‪TT‬اني ‪ ،‬ثم قتل‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫على يدي عمرو بن كلثوم التغلبي‬
‫وتعاقب على امارة الح‪TT‬يرة بعد عمرو بن هند اخوته – قابوس بن المنذر (‬
‫‪ 578-574‬م ) ‪ ،‬والمنذر بن المنذر ( ‪ 583-579‬م ) ثم تولى النعمان بن المنذر‬
‫امارة الحيرة في سنة ‪ 583‬م وقد دام حكمه الى سنة ‪ 605‬م والنعمان هو اخر ملوك‬
‫اللخميين في الح‪TT T‬يرة ‪ ،‬وعرف ب‪TT T‬ابي قابوس ‪ ،‬وعاص‪TT T‬ر من ملوك الف‪TT T‬رس كس‪TT T‬رى‬
‫ابرويز ‪ ،‬وعاش في كفنه عدد من الشعراء في مقدمتهم النابغ ‪TT‬ة ال ‪TT‬ذبياني والمنخل‬
‫اليشكري والمثقب العب‪TT‬دي وح‪TT‬اتم الط‪TT‬ائي واالس‪TT‬ود بن يعف‪TT‬ر وقد عرف النعمان بانه "‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ص‪TT‬احب النابغ‪TT‬ة " فقد كانت ص‪TT‬لته ب‪TT‬ه وثيقة جدا ومدح‪TT‬ه بعدة قص‪TT‬ائد مشهورة‬
‫وذكر بعض المؤرخين ان النعمان بن المنذر اعتنق المس‪TT‬يحية وترك عب‪TT‬ادة االوثان ‪،‬‬
‫وزعموا ان الفض ‪TT‬ل في تح ‪TT‬ول النعمان الى المس ‪TT‬يحية يعود الى عدي بن زيد ال ‪TT‬ذي‬
‫‪ .‬وقد ساءت العالقات بين النعمان وملك الف‪TT‬رس‬ ‫(‪)5‬‬
‫تولى تنشئته واشرف على تربيته‬
‫كسرى ابرويز ‪ ،‬بسبب اقدام النعمان على قتل عدي بن زيد بس‪TT‬جنه في الح‪TT‬يرة ‪ ،‬وقد‬

‫()ابن قتيبة ‪ :‬المعارف ‪ ،‬ص ‪ 216‬مبروك نافع – العرب قبل االسالم ص ‪. 105 ، 104‬‬ ‫‪1‬‬

‫()الطبري – تاريخ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪. 104‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ابن االثير – الكامل ج‪ 1‬ص ‪ ، 548‬جرجي زيدان ص ‪ ، 235‬ص‪TT T‬الح العلي ‪ ،‬ص ‪، 69‬‬ ‫‪3‬‬

‫سالم دراسات ‪. 347‬‬


‫()صالح العلي – محاضرات ص ‪ ، 70 ، 69‬سالم ‪ ،‬دراسات ص ‪. 360‬‬ ‫‪4‬‬

‫()حمزة االصفهاني – ص ‪. 74‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪141‬‬
‫كان لعدي غالم يدعى زيدا خلف اباه في العمل ببالط كس‪TT‬رى فعزم زيد على االنتقام‬
‫من قاتل ابيه ‪ ،‬فذكر لكس‪TTT‬رى نس‪TTT‬اء ال المنذر ووص‪TT T‬فهن ل ‪TT‬ه ‪ ،‬فرغب كس‪TTT‬رى في‬
‫مص‪TT‬اهرة النعمان وارس‪TT‬ل كتاب‪TT‬ا مع زيد يأمر فيه النعمان ان يبعث اليه بأخته ‪ ،‬فلما‬
‫قرأ النعمان كتابه قال لزيد بن عدي ‪ :‬يا زيد ‪ ،‬اما لكسرى في مها السواء كفاية ح‪TT‬تى‬
‫يتخطى الى العربيات ؟ فقال زيد – انما أراد الملك أكرامك– ابيت اللعن –‬
‫بصهرك ‪ ،‬ولو علم ان ذلك يشق عليك لما فعله ‪ ،‬وسأحسن ذل‪T‬ك عنده ‪ ،‬واعذرك بما‬
‫يقبله فقال ل ‪TT‬ه النعمان ‪ :‬فافعل ‪ ،‬فقد تعرف ما على العرب في تزويج العجم من‬
‫الغضاضة والشناعة )(‪. )1‬‬
‫فلما قدم زيد بن عدي على كس‪TT‬رى اخبره امتناع النعمان عن تلبية طلب‪TT‬ه ‪،‬‬
‫وبالغ في ذلك ‪ ،‬وادى اليه قول النعمان في " مها الس‪T‬واد " على أقبح الوجوه ‪ ،‬أوجده‬
‫عليه ‪ ،‬فسأل كس‪T‬رى " ما المها ؟ فقال – البقر فأخذ عليه وقال – رب عب‪T‬د قد ص‪T‬ار‬
‫ولما بلغ قول كس‪TT‬رى ه‪TT‬ذا النعمان ‪ ،‬خافه وتوقع‬ ‫(‪)2‬‬
‫في الطغيان الى اكثر من ه‪TT‬ذا "‬
‫منه الشر ‪ ،‬فاتاه كتاب كسرى يأمره فيه بالحضور الى المدائن ‪ ،‬فادرك النعمان س‪TT‬وء‬
‫المصير ‪ ،‬فحمل سالحه وماله ‪ ،‬ثم مض‪TT‬ى الى ب‪TT‬ني طي لص‪TT‬هر كان ل‪TT‬ه فيهم ‪ ،‬وطلب‬
‫منهم ان يمنعوه فأبوا عليه خوفا من كس ‪TT‬رى ‪ .‬فط ‪TT‬اف النعمان بقبائل العرب طالب ‪TT‬ا‬
‫المنعة ‪ ،‬فنزل ب ‪TT‬ذي قار في ب ‪TT‬ني شيبان س ‪TT‬را ‪ ،‬فلقي ه ‪TT‬انئ بن مس ‪TT‬عود بن عامر بن‬
‫عمرو بن ابي ربيعة بن ذهل من شيبان وكان سيدا منيعا ‪ ،‬فاس‪TT‬تودعه س‪TT‬الحه وأوالده‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫ثم توجه النعمان الى المدائن ‪ ،‬فص‪TT‬ف ل‪TT‬ه كس‪TT‬رى ثمانية االف جارية عليهن‬
‫المص ‪TT‬بغات ص ‪TT‬فين فلما ص ‪TT‬ار النعمان بينهن قلن ل ‪TT‬ه – ام فينا للملك غ ‪TT‬نى عن بقر‬
‫السواد ؟ فعلم النعمان انه غير ناج منه ‪ ،‬ولقيه زيد بن عدي ‪ ،‬فقال ل‪T‬ه النعمان –انت‬
‫فعلت هذا بي ‪ ،‬لئن تخلصت ألسقينك بكأس ابيك ‪ ،‬فقال ل‪TT‬ه زيد – امض‪TT‬ي نعيم ‪ ،‬فقد‬
‫اخيت ل‪TTT‬ك اخيه ال يقطعها المهر األران ثم امر كس ‪TT‬رى بالنعمان ‪ ،‬فس‪TTT‬جن بس‪TTT‬اباط‬

‫()المسعودي – مروج الذهب ج‪ 2‬ص ‪. 101 – 100‬‬ ‫‪1‬‬

‫()المرجع السابق – مروج الذهب ج‪ 2‬ص ‪. 101‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ابن االثير – الكامل ج ‪ 1‬ص ‪. 487‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪142‬‬
‫المدائن ‪ ،‬وقيل بخانفين ثم امر به فرمي تحت أرجل الفيلة ‪ ،‬وقيل بل مات في سجنه‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫بساباط المدائن ‪ ،‬وفي موته يقول هانئ بن مسعود‬
‫ان ذا التاج ال أب‪T‬ا ل‪T‬ك اض‪T‬حى في ال‪T‬ورى رأس‪T‬ه تخوت الفيول ان كس‪T‬رى عدا‬
‫على الملك النعمان ح‪TT T‬تى س‪TT T‬قاه مر البليل وانتهى بمقتل النعمان حكم المناذرة في‬
‫الح ‪TT T‬يرة ‪ ،‬فاس ‪TT T‬تعمل كس ‪TT T‬رى أياس بن قبيص ‪TT T‬ة بن ابي عف ‪TT T‬راء بن النعمان بن حية‬
‫الط‪TT‬ائي ‪ ،‬وقد س‪TT‬اعد أياس بن قبيص‪TT‬ة الف‪TT‬رس في ح‪TT‬روبهم مع ال‪TT‬روم فوجهه كس‪TT‬رى‬
‫‪ .‬ومن أهم االح‪TT T‬داث‬ ‫(‪)2‬‬
‫ابرويز لقتال ال‪TT T‬روم فانزل بهم الهزيمة ب‪TT T‬القرب من ارزن‬
‫الب‪TT‬ارزة ال‪TT‬تي وقعت في عهد اياس بن قص‪TT‬يبة " يوم ذي قار " وذو قار ماء لبكر بن‬
‫وائل يقع قريبا من الكوفة ‪ ،‬بينهما وبين واسط ‪ ،‬وبالقرب من هذا الموضع " حنو ذي‬
‫قار " على بعد ليلة من ذي قار(‪.)3‬‬
‫موقعة ذي قار ‪:‬‬
‫لما قتل النعمان ارسل كسرى الى عامله على الحيرة أياس بن قص‪TT‬يبة الط‪TT‬ائي‬
‫يطالب‪TT‬ه بتركه النعمان ‪ ،‬فاخبره قص‪TT‬يبة بانها وديعة عند بكر بن وائل فأمره كس‪TT‬رى‬
‫بإعادتها اليه ‪ ،‬فارس‪T‬ل اياس الى ه‪T‬انئ بن مس‪T‬عود الشيباني يأمره ب‪T‬رد ودائع النعمان‬
‫من أموال ودروع وغيره‪TT‬ا ‪ ،‬وعدتها ثمانمائة ‪ ،‬وقيل اربعمائة درع ‪ ،‬فامتنع ه‪TT‬انئ‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ورفض ان يسلمه ودائع النعمان‬
‫ولما بلغ كس‪TT‬رى ذل‪TT‬ك غض‪TT‬ب غض‪TT‬با شديدا وه‪TT‬دد باستئص‪TT‬ال بكر بن وائل ‪،‬‬
‫فنصحه النعمان بن زرعة التغلبي ‪ ،‬وكان يكره بكر بن وائل ويس‪T‬عى لهالكهم ‪ ،‬ب‪T‬ان‬
‫يمهل بكرا ح‪TT‬تى الص‪TT‬يف وقال ل‪TT‬ه ‪ " :‬امهلهم ح‪TT‬تى تقيظ ‪ ،‬فانهم ل‪TT‬و قاظوا تس‪TT‬اقطوا‬
‫على ماء لهم يقال ل‪T‬ه ذو قار ‪ ،‬تس‪T‬اقط الف‪T‬راش في النار ‪ ،‬فأخذتهم كيف شئت ‪ ،‬وانا‬
‫فلما ح‪T‬ل الص‪T‬يف خرجت بكر بن وائل ونزلت الحنو وه‪T‬و " حنو ذو قار "‬ ‫(‪)5‬‬
‫اكفيهم‬
‫فارس ‪TT‬ل اليهم كس ‪TT‬رى النعمان بن زرعة يخبرهم اح ‪TT‬دى خص ‪TT‬ال ثالث – االستس ‪TT‬الم‬

‫()المسعودي – مروج الذهب ج‪ 2‬ص ‪. 102 – 101‬‬ ‫‪1‬‬

‫()سالم – دراسات ص ‪. 364‬‬ ‫‪2‬‬

‫()الطبري – تاريخ ‪ ،‬ج‪ 2‬ص ‪ ، 207‬ياقوت ‪ ،‬معجم البلدان ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص ‪. 293‬‬ ‫‪3‬‬

‫()الطبري ‪ ،‬المصدر السابق – ج‪ 2‬ص ‪ ، 207‬ابن االثير ‪ ،‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪. 488‬‬ ‫‪4‬‬

‫()المرجع السابق – ج‪ 2‬ص ‪. 207‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪143‬‬
‫لكس‪TT‬رى يفعل بهم ما يشاء ‪ ،‬او الرحيل او الح‪TT‬رب فأشار حنظلة بن ثعلب‪TT‬ة بن س‪TT‬يار‬
‫العجلي على قومه بكر بالقتال ‪ ،‬فأرس ‪TT‬ل اليهم كس ‪TT‬رى جيشا من الف ‪TT‬رس على رأس ‪TT‬ه‬
‫الهامرز التس‪TT‬تري المرزب‪TT‬ان االعظم لكس‪TT‬رى ‪ ،‬وكان يقود ال‪TT‬ف فارس من المعجم ‪،‬‬
‫وال ‪TT‬ف فارس اخرين بقيادة جال ب ‪TT‬زين ‪ ،‬وخرج معهم أياس بن قبيص ‪TT‬ة في كتيب ‪TT‬تين‬
‫شهباوين وفي كتيب‪TT‬ة دوس‪TT‬ر ومعه خال‪TT‬د بن يزيد البهراني في بهراء واياد ‪ ،‬والنعمان‬
‫بن زرعة التغلبي في تغلب والنمر بن قاسط وقيس بن مسعود بن ذي الجدين ‪ ،‬عامل‬
‫كس ‪TT‬رى على ط ‪TT‬ف س ‪TT‬فوان ‪ ،‬وجعل كس ‪TT‬رى قيادة ه ‪TT‬ذه الجيوش ال يأس بن قبيص‪TTT‬ة‬
‫الط ‪TT T‬ائي ‪ ،‬فلما اقبلت جيوش الف ‪TT T‬رس ‪ ،‬تس ‪TT T‬لل قيس بن مس ‪TT T‬عود بن ذي الجدين الى‬
‫معس‪TT‬كر ه‪TT‬انئ بن مس‪TT‬عود الشيباني واشار عليه ب‪TT‬ان يوزع أس‪TT‬لحة النعمان على أفراد‬
‫قبيلته يتسلحون بها ثم يردونها اليه فوافق ه‪T‬انئ على ذل‪T‬ك وقس‪T‬م ال‪T‬دروع والس‪T‬الح في‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ذوي القوى والجلد من قومه‬
‫واشتبك العرب والف ‪TT‬رس في قتال عنيف ‪ ،‬وكان النص ‪TT‬ر حليف الف ‪TT‬رس في‬
‫وفي اليوم الثاني من المعركة تراجعت جيوش الف‪TT‬رس الى‬ ‫(‪)2‬‬
‫اليوم االول من القتال‬
‫الجبايات ‪ ،‬فتبعتهم بكر وعجل ‪ ،‬وابلت عجل يومئذ بالء حس‪TT T‬نا ‪ ،‬وكانت اح‪TT T‬دى‬
‫‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫نسائهم تحثهم على القتال وتقول‬
‫ايها فداء لكم بنو عجل‬ ‫ان يظفروا يحرزوا فينا الغزل‬
‫واشتد العطش بعس‪TT‬اكر الف‪TT‬رس ‪ ،‬فمالوا الى بطح‪TT‬اء ذي قار ‪ ،‬وانض‪TT‬مت اياد‬
‫الى عرب بكر واتفقوا مع بكر على ان ينهزموا عند اللقاء ‪ ،‬وفي اليوم الثالث من‬
‫المعركة نص ‪TT‬ب يزيد بن حمار الس ‪TT‬كوني وكان حليف ‪TT‬ا لب ‪TT‬ني شيبان كمينا للف ‪TT‬رس في‬
‫مكان من ذي قار يس‪TT‬مى " الجب " واشتد القتال بين العرب والف‪TT‬رس ‪ ،‬وب‪TT‬ادر حنظلة‬
‫العجلي الى ه ‪TT‬ودج ابنته مارية فقط ‪TT‬ع وض ‪TT‬نيه ‪ ،‬فوقعت على االرض ‪ ،‬وأخذ يقط ‪TT‬ع‬

‫()الطبري – ج‪ 2‬ص ‪. 208 – 207‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ياقوت – مادة قار ص ‪. 294‬‬ ‫‪2‬‬

‫()الطبري ج‪ 2‬ص ‪. 206-208‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪144‬‬
‫وض‪TT‬ني النس‪TT‬اء ‪ ،‬وص‪TT‬رخت ابنة القرين الشيبانية تحت رجال قومها على االستبس‪TT‬ال‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫في القتال ‪:‬‬
‫ويها بني شيبان صفا بعد صف ان تهزموا يصبغوا فينا القلف‬
‫فعمد س ‪TT‬بعمائة نف ‪TT‬ر من ب ‪TT‬ني شيبان الى قط ‪TT‬ع أيدي اقبيتهم من قب ‪TT‬ل مناكبهم‬
‫ليسهل عليهم الطعن والضرب وتخف ايديهم لض‪TT‬رب الس‪T‬يوف ‪ ،‬فبرز الهامرز للقتال‬
‫ب‪TT‬رد بن حارثة اليشكري والتحم الفريقان في معركة هائلة ‪ ،‬ونف‪TT‬ذت أياد وعدها في‬
‫خذالن الفرس فولت منهزمة من المعركة ‪ ،‬فاح‪T‬دث ذل‪T‬ك اض‪T‬طرابا شديدا في ص‪T‬فوف‬
‫الف‪TT‬رس فانهزموا هزيمة نكراء وقتل منهم عدد كب‪TT‬يرا وتمكن حنظلة العجلي من قتل‬
‫جالبزين(‪ ، )2‬وانتصر العرب انتصارا باهرا في أول معركة مع جيوش فارس ‪ ،‬مما‬
‫اعط‪TT T T‬اهم الثقة بأنفس‪TT T T‬هم فجرأت القبائل االخرى على الهجوم المباشر على بالد‬
‫الفرس ‪ ،‬وكانت هذه المعركة بمثابة حركة استطالعية ومقدمة للفتوح االس‪T‬المية ال‪T‬تي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اكتسحت امبراطورية الساسانيين‬
‫وفي انتص‪TT‬ار العرب على الف‪TT‬رس قال رس‪TT‬ول اهلل ص‪TT‬لى اهلل عليه وس‪TT‬لم " ه‪TT‬ذا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫اول يوم انتصفت فيه العرب من المعجم ونصرت عليهم بي "‬
‫وقد اختلف المؤرخون في تحديد تاريخ ه‪TT‬ذه الموقعة ‪ ،‬فقيل انها ح‪TT‬دثت بعد‬
‫هجرة الرس‪T‬ول ص‪T‬لى اهلل عليه وس‪T‬لم الى يثرب ‪ ،‬وقيل انها ح‪T‬دثت لتمام اربعين س‪T‬نة‬
‫ويعتقد بعض الب‪TT‬احثين ان‬ ‫(‪)5‬‬
‫من مولده ‪ ،‬وفي رواية اخرى انها كانت بعد بدر بأشهر‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫الموقعة حدثت في حدود سنة ‪ 610‬م‬
‫اقام كس‪TT‬رى على الح‪TT‬يرة بعد موقعة ذي قار حاكما فارس‪TT‬يا يحكمها بص‪TT‬ورة‬
‫مباشرة هو ازاد به بن ماهبان بن مهرا بغداد وكانت مدة حكمه على الحيرة ‪ 17‬عاما‬

‫()المرجع السابق – ج == ص ‪. 211-210‬‬ ‫‪1‬‬

‫()المرجع السابق – ص ‪. 211‬‬ ‫‪2‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص ‪. 71‬‬ ‫‪3‬‬

‫()المسعودي – مروج الذهب ج‪ 1‬ص ‪. 278‬‬ ‫‪4‬‬

‫()الطبري – ج‪ ، 2‬ص ‪ ، 208‬المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج‪ 1‬ص ‪. 278‬‬ ‫‪5‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 371‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪Nicholson, a literary history of the Arabs, P.70 .‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪145‬‬
‫ثم اس ‪TT T‬تغل عرب الح ‪TT T‬يرة فرص ‪TT T‬ة اندالع الفتن في الدول ‪TT T‬ة‬ ‫(‪)1‬‬
‫( ‪ 631 – 614‬م )‬
‫الساسانية ‪ ،‬فاعلنوا الثورة وتمكنوا من اقصاء ازاد به عن الحكم ‪ ،‬واقاموا مكانه اح‪TT‬د‬
‫ابناء النعمان بن المنذر وه ‪TT‬و المنذر بن النعمان المعروف ب ‪TT‬المغرور ‪ ،‬وقد ذكر‬
‫البالذري ان المنذر المغ‪TT‬رور تص‪TT‬دى لجيوش المس‪TT‬لمين بقيادة خال‪TT‬د بن الوليد ‪ ،‬وانه‬
‫ح ‪TT T‬ارب العالء بن الحض ‪TT T‬ري في البح ‪TT T‬رين ‪ ،‬ثم قتل في يوم جواثا(‪ . )2‬وقد تم فتح‬
‫الح ‪TT‬يرة ص ‪TT‬لحا على يد خال ‪TT‬د بن الوليد ‪ ،‬وتعهد اهلها ب ‪TT‬دفع مائة ال ‪TT‬ف درهم على ان‬
‫يكونوا عيونا للمس‪T‬لمين على اه‪T‬ل فارس ‪ ،‬وان ال يهدم المس‪T‬لمين لهم قص‪TT‬را وال بيعة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬

‫حض ارة المن اذرة ‪ :‬كان اغلب س ‪TT‬كان الح ‪TT‬يرة هم من العرب الب ‪TT‬دو ال ‪TT‬ذين‬
‫كانوا يؤمنوها البتياع بعض الحاجيات ثم ال يلبثوا ان يقيموا فيها ‪ ،‬ولذلك كان سكان‬
‫الح‪TT‬يرة خليط من امم شتى اغلبهم من العرب وقد قس‪TT‬م المؤرخون س‪TT‬كان الح‪TT‬يرة الى‬
‫ثالث طوائف(‪.)4‬‬
‫عرب الض‪TT‬احية ‪ :‬وهم التنوخيون االوائل ال‪TT‬ذين ه‪TT‬اجروا من اليمن ‪ ،‬وكانوا‬ ‫‪.1‬‬
‫يسكنون المضال والبيوت من الشعر ا الوبر في غربي الفرات ما بين الح‪TT‬يرة‬
‫واالنبار ‪.‬‬
‫العب‪TT‬اد ‪ :‬وهم من نص‪TT‬ارى العرب ال‪TT‬ذين ينتمون الى قبائل شتى ‪ ،‬وكانوا قد‬ ‫‪.2‬‬
‫سكنوا الحيرة وابتنوا فيها المنازل ‪ ،‬وسموا بالعب‪TT‬اد النهم اعتنقوا النص‪TT‬رانية ‪،‬‬
‫وقد شاع في تسميتهم اسم " عبد " ‪.‬‬
‫االحالف ‪ :‬كانوا من القبائل العربية ال‪TT‬ذين لحقوا بأه‪TT‬ل الح‪TT‬يرة ونزل‪TT‬وا فيهم ‪،‬‬ ‫‪.3‬‬
‫ولم يكونوا من تنوخ ال ‪TT‬ذين س ‪TT‬كنوا بيوت الشعر او من العب ‪TT‬اد ‪ ،‬وقد ح ‪TT‬الف‬
‫هؤالء المناذرة واعترفوا بسيادتهم عليهم ‪.‬‬

‫()حمزة االصفهاني – ص ‪. 74‬‬ ‫‪1‬‬

‫()البالذري – فتوح البلدان ج‪ 1‬ص ‪. 103-102‬‬ ‫‪2‬‬

‫()المرجع السابق – فتوح البلدان ج‪ 2‬ص ‪. 297‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جرجي زيدان – العرب قبل االسالم ص ‪ ، 224‬مبروك نافع ‪ ،‬صالح العلي ‪ ،‬ص ‪ 74‬سالم ‪،‬‬ ‫‪4‬‬

‫دراسات ص ‪. 321‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪146‬‬
‫والى جانب ه‪TT T‬ذه الطوائف الثالث س‪TT T‬كن الح‪TT T‬يرة ايض ‪ًT T‬ا قوم من النب‪TT T‬ط وهم‬
‫وكانوا يشتغلون‬ ‫(‪)1‬‬
‫س‪TT T‬كان العراق االص‪TT T‬ليون من الكلدانيين والب‪TT T‬ابليين واالراميين‬
‫بالزراعة ‪ ،‬وس‪TT‬كن الح‪TT‬يرة كذلك جماعة من اليهود ال‪TT‬ذين اس‪TT‬تقروا بهذه المنطقة بعد‬
‫الس ‪TT‬بي الب ‪TT‬ابلي ‪ ،‬وانشأوا لهم المدارس ‪ ،‬وكان لجاليتهم رئيس خاص يعرف باس ‪TT‬م‬
‫( رأس جالوتا ) وفي ه ‪TT‬ذه المنطقة كتب التلمود الب ‪TT‬ابلي ال ‪TT‬ذي يعتبر من أعظم كتب‬
‫‪ .‬وكان‬ ‫(‪)2‬‬
‫الفقه اليهودية والى جانب النب ‪TT‬ط واليهود س ‪TT‬كن الح ‪TT‬يرة قوم من الف ‪TT‬رس‬
‫لوقوع الحيرة في أرض السواد الوفيرة المياه أثر كب‪T‬ير في ازده‪T‬ار الحياة االقتص‪T‬ادية‬
‫وتقدمها ‪ ،‬فكانت بس‪TTT‬اتين النخيل والجنان والمزارع تنتشر في نواحيها ممتدة من‬
‫النجف ح‪TT‬تى الف‪TT‬رات ‪ ،‬وقد اتاح للمناذرة ‪ ،‬قرب الح‪TT‬يرة من الف‪TT‬رات ركوبهم الس‪TT‬فن‬
‫ح ‪TT‬تى االبله ‪ ،‬حيث يبح ‪TT‬رون من هناك الى بالد الهند والص ‪TT‬ين شرقا والى البح ‪TT‬رين‬
‫وعدن غرب ‪TT‬ا ‪ ،‬فمارس ‪TT‬وا التجارة وجنوا منها ارباح ‪ًT‬ا طائلة ‪ ،‬فكانت القوافل تحمل‬
‫‪ .‬وازده‪T‬رت‬ ‫(‪)3‬‬
‫تجارة الهند والصين وعمان والبحرين من الحيرة الى تدمر وح‪T‬وران‬
‫الصناعات في الحيرة ورقيت رقيا كبيرا فاشتهرت صناعة النسيج وخصوصا الحرير‬
‫والكتان والص‪TT‬وف فذكر عدد من الشعراء في اشعارهم نس‪TT‬اجي الح‪TT‬يرة فقال عمرو‬
‫(‪)4‬‬
‫بن كلثوم ‪:‬‬
‫من بالخورنق من قين ونساج‬ ‫واذ ال ترجى سليمى ان يكون لها‬
‫واعتاد ملوك الح‪TT‬يرة ان يخلعوا على الشعراء والمقربين ممن ينالوا الرض‪TT‬ى‬
‫اثواب‪TT‬ا تعرف ( ب‪TT‬أثواب الرض‪TT‬ا ) ‪ ،‬وهي عب‪TT‬ارة عن جب‪TT‬اب كانت اطواقها من ال‪TT‬ذهب‬
‫كما اشتهرت الح‪TT‬يرة ح‪TT‬تى العهد االس‪TT‬المي بالوشي بالقص‪TT‬ب‬ ‫(‪)5‬‬
‫في قض‪TT‬يب الزمرد‬
‫والتطريز بخيوط ال ‪TT‬ذهب ‪ ،‬ونس ‪TT‬يج االنماط والط ‪TT‬وع الحارية ال ‪TT‬تي ورد ذكره ‪TT‬ا على‬
‫‪:‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫لسان عدد من الشعراء ‪ ،‬فقال النابغة‬

‫()يوسف رزق غنيمة – الحيرة المدنية والمملكة العربية ‪ ،‬ط بغداد ‪ ، 1936‬ص ‪. 18‬‬ ‫‪1‬‬

‫()صالح العلي – محاضرات ص ‪. 75‬‬ ‫‪2‬‬

‫()سالم ‪ ،‬دراسات ص ‪. 384‬‬ ‫‪3‬‬

‫()يوسف رزق غنيمة – الحيرة ص ‪. 82‬‬ ‫‪4‬‬

‫()المرجع السابق – الحيرة ص ‪. 83‬‬ ‫‪5‬‬

‫()صالح العلي – محاضرات ص ‪. 77‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪147‬‬
‫مشدودة برحال الحيرة الجدد‬ ‫واالدم قد خيست فتال مرافقها‬
‫وقال امرؤ القيس ‪:‬‬
‫الى كل حاري جديد مشطب‬ ‫فلما دخلناه اضفنا ظهورنا‬
‫واشتهرت الح‪TT‬يرة كذلك بص‪TT‬ناعة االس‪TT‬لحة من س‪TT‬يوف ونص‪TT‬ال ورماح ‪ ،‬وقد‬
‫اكتسبت السيوف الحجرية س‪TT‬معة واس‪TT‬عة بين العرب واب‪TT‬دع الح‪TT‬يريون بص‪TT‬ناعة ادوات‬
‫الزينة من ذهب وفض‪TT T‬ة ‪ ،‬فكانوا يرص‪TT T‬عونها ب‪TT T‬الجواهر واليواقيت ‪ ،‬وذاعت شهرة‬
‫الخزف الح‪TT T‬يرى وأواني الفخار والنقوش ‪ ،‬كما عرفوا ص‪TT T‬ناعة الجلود والدباغ‪TT T‬ة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫والتحف المصنوعة من العاج‬
‫وتقدم فن البناء والعمارة تقدما ملموس ‪TT‬ا فاشتهرت الح ‪TT‬يرة بقص‪TT T‬ورها ال‪TTT‬تي‬
‫ضربت االمثال في عظمتها من تلك القص‪TT‬ور قص‪TT‬ري الخورنق والس‪TT‬دير –والخورنق‬
‫من بناء الملك النعمان االول بن امرؤ القيس وكان موض‪TT T‬عه بظ‪TT T‬اهر الح‪TT T‬يرة على‬
‫مس‪TT‬افة ميل نح‪TT‬و الشرق ‪ ،‬اما قص‪TT‬ر الس‪TT‬دير فهو يلي الخورنق في الشهرة وه‪TT‬و من‬
‫بناء النعمان أيضا ‪ ،‬ويقع ب‪TT‬القرب من الخورنق في وس‪TT‬ط البرية ال‪TT‬تي تتجه الى الشام‬
‫‪ .‬وباإلضافة الى هذين القصرين هناك قصور كثيرة انشأت في الح‪TT‬يرة منها قص‪TT‬ر‬ ‫(‪)2‬‬

‫الفرس ‪ ،‬وقصر الزوراء ‪ ،‬والقص‪TT‬ر االبيض وقص‪TT‬ر س‪TT‬نداد ال‪TT‬ذي كان يقع بين الح‪TT‬يرة‬
‫واالبلة ‪ ،‬وقصري العذيب والصنبر اللذين بناهما امرؤ القيس بن النعمان ب‪TT‬القرب من‬
‫الف ‪TT‬رات ‪ ،‬وقص ‪TT‬ر مقاتل ودار المقط ‪TT‬ع ‪ ،‬ومن قص ‪TT‬ور الح ‪TT‬يرة المشهورة ايض ‪TT‬ا قص ‪TT‬ر‬
‫العدسيين الذي ينسب الى بني عمار بن عبد المس‪TT‬يح بن قيس بن حرملة بن علقمة بن‬
‫عشير الكلبي وس ‪TT‬مي بقص ‪TT‬ر العدس ‪TT‬يين نس ‪TT‬بة الى جدتهم عدس ‪TT‬ة بنت مال ‪TT‬ك بن عوف‬
‫الكلبي ‪ ،‬وكان موقعه في طرف الحيرة ‪ ،‬وهم أول قصور الحيرة ال‪TT‬تي اس‪TT‬تولى عليها‬
‫‪ .‬ولم يقتص‪TT‬ر فن البناء على القص‪TT‬ور فقط ‪ ،‬فقد ازدحمت الح‪TT‬يرة بعدد‬ ‫(‪)3‬‬
‫المس‪TT‬لمون‬
‫كب ‪TT‬ير من الكنائس واالديرة ‪ ،‬بعد ان اص ‪TT‬بحت الح ‪TT‬يرة اس ‪TT‬قفية تابعة لكرس ‪TT‬ي جاثليق‬

‫()غنيمة الحيرة ص ‪ 84‬صالح العلي – محاضرات – ص ‪ – 77‬سالم – دراسات ص ‪. 386‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ابن االثير ‪ /‬الكامل ج‪ 1‬ص ‪ ، 342‬ص ‪TT T‬الح العلي ‪ ،‬محاض ‪TT T‬رات ص ‪ 79 ، 78‬س ‪TT T‬الم ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫دراسات ص ‪. 399‬‬
‫()يوسف غنيمة ‪ /‬الحيرة ص ‪. 30‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪148‬‬
‫‪ .‬اما عن الحياة الدينية في الح‪TT‬يرة ‪ ،‬فقد كان هناك عدة طوائف ‪ :‬منهم‬ ‫(‪)1‬‬
‫المدائن‬
‫الوثنيون الذين يعبدون االصنام ‪ ،‬والص‪TT‬ابئة والمجوس والنص‪TT‬ارى واليهود ‪ ،‬وقد عب‪T‬د‬
‫س‪TT‬كان الح‪TT‬يرة االص‪TT‬نام في اول االمر ‪ ،‬فذكر المؤرخون ان جذيمة االب‪TT‬رش كان قد‬
‫اتخذ له صنمان يعرفان بالضيزيين كان جذيمة يستس‪TT‬قي ويستنص‪TT‬ر بهما على العدو ‪،‬‬
‫وقد ظ‪TT‬ل ه‪TT‬ذان الص‪TT‬نمان ح‪TT‬تى ايام المنذر بن ماء الس‪TT‬ماء حيث نقلهما واقامهما على‬
‫‪ ،‬ومن اص‪TT‬نامهم ايض‪ًT‬ا ‪ ،‬ص‪TT‬نم يقال‬ ‫(‪)2‬‬
‫ب‪TT‬اب الح‪TT‬يرة ينح‪TT‬ني لهما ال‪TT‬داخلون الى المدينة‬
‫ل‪TT‬ه " س‪TT‬بد " كانوا يحلف‪TT‬ون ب‪TT‬ه ويقول‪TT‬ون " ح‪TT‬ق س‪TT‬بد " كما عب‪TT‬د اه‪TT‬ل الح‪TT‬يرة " العزى "‬
‫وقيل ان المنذر بن ماء الس‪TT‬ماء ض‪TT‬حى لها بأربعمائة من االس‪TT‬رى وكان هناك طائف‪TT‬ة‬
‫من الزندقة والمزدقية ال‪T‬تي ح‪T‬اول نشرها الملك الفارس‪T‬ي " قب‪T‬اذ " فوقف المنذر بوجه‬
‫ه‪TT‬ذه المحاول‪TT‬ة فنح‪TT‬اه قب‪TT‬اذ عن الحكم ‪ ،‬ويعتقد بعض الب‪TT‬احثين ان ال‪TT‬زراد شتيته كانت‬
‫‪ .‬اما المسيحية‬ ‫(‪)3‬‬
‫موجودة بين الجاليات الفارسية وربما دان ايضا بعض سكان الحيرة‬
‫فقد زاد انتشارها في الح ‪TT T‬يرة وذكر الط ‪TT T‬بري ان امرئ القيس االول كان اول من‬
‫‪ ،‬وذكر بعض المؤرخين كذلك ان النعمان بن‬ ‫(‪)4‬‬
‫تنصر من ملوك ال نصر بن ربيعة‬
‫المنذر ‪ ،‬اعتنق المس‪TT‬يحية وترك عب‪TT‬ادة بعض االص‪TT‬نام ‪ ،‬واب‪TT‬اح للنص‪TT‬ارى وممارس‪TT‬ة‬
‫شعائرهم الدينية بحرية كاملة ‪ ،‬فبينت الكنائس واالديرة واصبحت الح‪TT‬يرة تض‪TT‬م طائف‪TT‬ة‬
‫‪ .‬وكان معظم نص ‪TT‬ارى الح ‪TT‬يرة هم من‬ ‫(‪)5‬‬
‫كب ‪TT‬يرة من النص ‪TT‬ارى ال ‪TT‬ذين عرفوا بالعب ‪TT‬اد‬
‫القس‪TT‬اطرة فأسس‪TT‬وا اس‪TT‬قفية في الح‪TT‬يرة واشتركوا في المجامع الكنس‪TT‬ية ال‪TT‬تي كانت تعتقد‬
‫في المدائن مركز البطريركية ‪ ،‬اما اليعاقب‪TT‬ة فقد انشأوا لهم مركزا دينيا في عاقول‬
‫‪ .‬اما عن الحياة العلمية ‪ ،‬فقد كانت الح‪TT‬يرة مركزا‬ ‫(‪)6‬‬
‫( الكوفة ) في ط‪TT‬رف الح‪TT‬يرة‬
‫علميا هاما وملتقى االدب‪TT‬اء العرب في الجاهلية ‪ ،‬وعاش في كنف النعمان بن المنذر‬
‫عدد من الشعراء ‪ .‬وكان لمعرفة االه‪T‬ل الح‪T‬يرة للغ‪T‬ة الفارس‪T‬ية اثر كب‪T‬ير في نقل كثير‬

‫()صالح العلي ‪ /‬محاضرات ص ‪ ، 79‬سالم دراسات ص ‪. 400‬‬ ‫‪1‬‬

‫()حمزة االصفهاني ‪ :‬ص ‪. 74‬‬ ‫‪2‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص ‪. 80 – 79‬‬ ‫‪3‬‬

‫()الطبري ‪ :‬ج‪ 3‬ص ‪. 53‬‬ ‫‪4‬‬

‫()حمزة االصفهاني – ص ‪. 74‬‬ ‫‪5‬‬

‫()صالح العلي – محاضرات ص ‪. 80-79‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪149‬‬
‫من آداب الفرس الى العربية ‪ ،‬ولعبت االديرة دورا هاما في الحياة العلمية وس‪TT‬اعدت‬
‫على رقي نظ‪TT‬ام التعليم عندهم ‪ ،‬وذكر ياقوت الحموي ان الص‪TT‬بيان في الح‪TT‬يرة كانوا‬
‫يتعلمون القراءة والكتابة في كنيسة قرية من قراها اسمها النقيرة(‪. )1‬‬
‫وعندما قام العرب بحركة الترجمة الى العربية في العص‪TT‬ر العباس‪T‬ي االول ‪،‬‬
‫لعب س‪TT‬ريان الح‪TT‬يرة دورا ب‪TT‬ارزا في تلك الحركة فترجموا عددا كب‪TT‬يرا من الكتب الى‬
‫العربية ‪ ،‬ولم يكن دورهم مقص‪TT‬ورا على الترجمة فحس‪TT‬ب ب‪TT‬ل وعلى الشرح والتأليف‬
‫والدرس سواء في الفلسفة او الطب او العلوم ‪ ،‬فكان لهذه المدينة االثر االول في نقل‬
‫تراث الفكر اليوناني الى العرب وفي ترويض اللغ ‪TT‬ة العربية وجعلها اداة ممتازة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫للتعبير عن الفلسفة والعلوم‬

‫الفصل الخامس‬
‫مدن الحجاز‬
‫‪ .1‬مكة ‪.‬‬
‫‪ .2‬يثرب ‪.‬‬
‫‪ .3‬الطائف ‪.‬‬

‫()ياقوت – معجم البلدان ج‪ 5‬ص ‪ ، 301‬صالح العلي ‪ ،‬محاضرات ص ‪. 80‬‬ ‫‪1‬‬

‫()صالح العلي – محاضرات ص ‪. 81 – 80‬‬ ‫‪2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪150‬‬
‫مدن الحجاز‬
‫اهمية بالد الحجاز ‪:‬‬
‫تعتبر بالد الحجاز من أهم اقس ‪TT T‬ام الجزيرة العربية من الناحيتين الدينية‬
‫واالقتصادية ‪ ,‬فمن الناحية الدينية كانت بالد الحجاز ملتقى االديان فانتشرت فيها الى‬
‫والحجاز هو الموطن االول‬ ‫(‪)1‬‬
‫جانب الوثنية ‪ ,‬الديانات السماوية كاليهودية والمسيحية‬
‫للدعوة االس‪TT‬المية ‪ ,‬فيه ول‪TT‬د الرس‪TT‬ول ص‪TT‬لى اهلل عليه وس‪TT‬لم وعلى أرض‪TT‬ه خط‪TT‬ا ‪ ,‬وه‪TT‬و‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫منزل الوحي ومشرق النور ‪ ,‬ومنه انطلقت صيحة االصالح ودعوة االسالم‬
‫أما من الناحية االقتصادية ‪ ,‬فقد كان الحجاز جس‪T‬رًا يرب‪T‬ط بالد الشام وح‪T‬وض‬
‫البح‪TT‬ر المتوس‪TT‬ط ب‪TT‬اليمن والحبشة والص‪TT‬ومال والس‪TT‬واحل المطلة على المحيط الهندي ‪,‬‬
‫فكان ل ‪TT‬ذلك أعظم االثر في قيام المدن التجارية وازدهاره ‪TT‬ا بالحجاز ‪ ,‬وال ‪TT‬تي كانت‬
‫بمثابة محطات تجارية على ه‪T‬ذا الطريق التجاري فازدهرت مكة والط‪T‬ائف ويثرب ‪,‬‬
‫وقد س‪TT T‬اعد على ازدهاره‪TT T‬ا ه‪TT T‬ذه المدن ايض‪TT T‬ا عامل آخر ه‪TT T‬و قربها من االس‪TT T‬واق‬
‫التجارية المشهورة ال‪TT‬تي كانت تعقد في االشهر الح‪TT‬رم ‪ ,‬مثل س‪TT‬وق عكاظ ‪ ,‬وس‪TT‬وق‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مجنة ‪ ,‬وسوق حباشة ‪ ,‬وسوق ذي المجاز‬

‫()ماجد ‪ :‬التاريخ السياسي للدولة العربية ج ‪ 1‬ص ‪. 78 , 77‬‬ ‫‪1‬‬

‫()احمد شلبي ‪ :‬التاريخ االسالمي والحضارة االسالمية ج ‪ 1‬ط مصر ‪ 1964‬ص ‪. 60 ، 59‬‬ ‫‪2‬‬

‫()سالم _ دراسات ص ‪. 490 _ 485‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪151‬‬
‫مـكــة‬
‫‪ - 1‬الموقع والمناخ ‪:‬‬
‫تقع مكة في بطن وادي يعرف ببطن مكة وتشرف عليها الجب‪TT‬ال من جميع‬
‫النواحي وص ‪TT‬فها اليعقوبي فقال ‪ ( :‬ومكة بين جب ‪TT‬ال عظ ‪TT‬ام وهي اودية ذات شعاب‬
‫فجبالها المحيط ‪TT‬ة بها ‪ :‬اب ‪TT‬و قبيس الجب ‪TT‬ل االعظم منه تشرق الشمس على المس ‪TT‬جد‬
‫الحرام ‪ ,‬وقيقعان وفاض‪TT‬ح ‪ ,‬والمحص‪TT‬ب وثور عند الص‪TT‬فا ‪ ,‬وثب‪TT‬ير ‪ ,‬وتفاح‪TT‬ة والمط‪TT‬ابخ‬
‫والفلق والحجون ‪ ,‬وسقر ‪ .‬ولها من الشعاب ‪ :‬شعب الحجون ‪ ,‬وشعب دار مال اهلل ‪,‬‬
‫وشعب البط ‪TT‬اطين ‪ ,‬وشعب فلق ابن الزب ‪TT‬ير ‪ ,‬وشعب ابن عامر ‪ ,‬وشعب الجوف ‪,‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وشعب الخوز ‪)) ...‬‬
‫وكانت المياه بمكة شحيحة ‪ ,‬فكان سكانها يشربون من آبار خارجة من الحرم‬
‫‪ ,‬فيحملون الماء في المزاد والقرب ‪ ,‬ويس‪TT T‬كبونها في حياض من أدم بفناء الكعب‪TT T‬ة‬
‫ليشرب حجاج ال‪TT‬بيت ‪ ,‬وذكر ابن هشام ان قريشا قب‪TT‬ل دخولها مكة كانت تشرب من‬
‫حياض ومص‪TT‬انع على رؤوس الجب‪TT‬ال ومن ب‪TT‬ئر حفره‪TT‬ا ل‪TT‬ؤي بن غ‪TT‬الب خارج الح‪TT‬رم‬
‫عرفت باس‪TT‬م اليس‪TT‬يرة ‪ ,‬كانت بظ‪TT‬اهر مكة ‪ ,‬وينس‪TT‬ب المؤرخون الى قص‪TT‬ي وهاشم بن‬
‫عبد مناف وامية بن عب‪T‬د شمس ‪ ,‬وعدة بط‪T‬ون من قريش حف‪T‬ر آب‪T‬ار كثيرة ح‪T‬ول مكة‬
‫‪ .‬وكان لوقوع مكة في واد غ ‪TT‬ير ذي زرع س ‪TT‬ببا في اعتماد اهلها على االقوات‬ ‫(‪)2‬‬

‫والمحاصيل التي تحمل اليها من المناطق المجاورة وخصوصا من الطائف والس‪TT‬راة‬


‫(‪)3‬‬

‫‪.‬‬
‫أما مناخ مكة ‪ ,‬فهو قاري ح‪TT‬ار جدا في الص‪TT‬يف ‪ ,‬وكانت الس‪TT‬يول الجارفة‬
‫تهدد المدينة في فصل الخريف ‪ ,‬واقدم سيل ورد ذكره هو السيل الذي ح‪TT‬دث في عهد‬
‫الجرهميين ودخل الكعبة وهدمها ‪ ,‬فأعادت جرهم بناءه‪TT‬ا ‪ ,‬وح‪TT‬دث س‪TT‬يل أخر في عهد‬

‫()اليعقوبي _ البلدان جامعة النجف ‪ . 1957‬ص ‪. 74‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ابن هشام ‪ :‬الس‪TT‬يرة ج ‪ 1‬ص ‪ 158 , 157 , 156‬االزرقي ‪ :‬اخب‪TT‬ار مكة ج ‪ 2‬ص ‪_ 174‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪. 176‬‬
‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 498‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪152‬‬
‫‪ ,‬وقد تنب‪T‬ه الخلف‪T‬اء‬ ‫(‪)1‬‬
‫خزاعة واح‪T‬اطت المياه بالكعب‪T‬ة ‪ ,‬وعرف ذل‪T‬ك الس‪T‬يل س‪T‬يل قارة‬
‫الراشدون لهذا الخطر فأقاموا السدود في االحياء المرتفعة ‪ ,‬كما ح‪T‬دث في عهد عمر‬
‫‪.‬‬
‫بن الخطاب (رض) وفي عهد الخلفاء االموي عبد الملك بن مروان‬
‫(‪)2‬‬

‫ب ‪ -‬اشتقاق اسم مكة وتفسيره ‪:‬‬


‫وردت آراء وتفسيرات كثيرة حول اشتقاق اس‪T‬م مكة ‪ ,‬فقيل انما س‪T‬ميت كذلك‬
‫((الزدحام الناس بها من قولهم ‪ :‬قد امتك الفصيل ضرع امه اذا مصه مصا شديدًا ))‬
‫‪ ,‬وقيل ايض‪TT‬ا ‪ (( :‬انما س‪TT‬ميت مكة الن العرب في الجاهلية كانت تقول ال يتم حجنا‬
‫ح ‪TT‬تى نأتي مكان الكعب ‪TT‬ة فنمك فيه أي نص ‪TT‬فر ص ‪TT‬فير المكاء ح ‪TT‬ول الكعب ‪TT‬ة ‪ ,‬وكانوا‬
‫يصفرون ويصفقون بأيديهم اذا كانوا بها ‪ ,‬والمكاء بتشديد الكاف طائر يأوي الرياض‬
‫‪ ,‬وقال أخرون ‪ :‬س‪TT T‬ميت مكة ألنها بين جبلين مرتفعين ‪ ,‬وهي في هبط‪TT T‬ة بمنزل‪TT T‬ة‬
‫وورد‬ ‫(‪)3‬‬
‫المكوك ‪ ,‬وقيل ‪ (( :‬س‪TT‬ميت مكة ألنها تملك الجب‪TT‬ارين أي تذهب تخوتهم ))‬
‫اس‪TT T‬م مكة في جغرافية بطليموس بص‪TT T‬يغة ماكوراب‪TT T‬ا(‪ )Macoraba‬وه‪TT T‬و مشتق من‬
‫ال ‪TT‬تي تعني المقدس ‪ ,‬وه ‪TT‬و لقب كان‬ ‫(‪)4‬‬
‫الكلمة الس ‪TT‬بأية ((مكرب)) أو (( مكوراب ‪TT‬ا ))‬
‫يحمله الكهنة في س‪TT‬بأ قب‪TT‬ل أن يتحول‪TT‬وا الى ملوك ومن المرجح انها تعني (( المقرب‬
‫‪ ,‬ويذهب بروكلمان ان مكة مشتقة من لف‪TT‬ظ مكرب‬ ‫(‪)5‬‬
‫الى اهلل )) النها مدينة مقدس‪TT‬ة‬
‫‪ .‬ويرى‬ ‫(‪)6‬‬
‫او مقرب ال‪TT‬تي شاع اس‪TT‬تعمالها في جنوب جزيرة العرب ومعناه‪TT‬ا الهيكل‬
‫بعض العلماء ان اس‪T‬م مكة مشتق من الكلمة البابلية (( مكا)) وال‪T‬تي تعني ال‪T‬بيت وه‪T‬و‬
‫‪ .‬وعرفت مكة بأس‪T‬ماء أخرى منها ال‪T‬ذي ورد في القرآن‬ ‫(‪)7‬‬
‫اسم الكعب‪T‬ة عند العرب‬
‫الكريم في قول‪TT T‬ه تعالى ‪ (( :‬أن أول بيت وض ع للن اس لل ذي ببك ة مبارك ا وه دى‬

‫()االزرقي ‪ :‬اخبار مكة ج ‪ 1‬ص ‪ , 43‬ج ‪. 134 2‬‬ ‫‪1‬‬

‫()البالذي ‪ :‬فتوح البلدان ج ‪ 1‬ص ‪ , 62‬االزرقي ‪ ,‬اخبار مكة ‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪. 136‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ياقوت ‪ :‬معجم البلدان مادة مكة ج ‪ 5‬ص ‪. 182_ 181‬‬ ‫‪3‬‬

‫()فيليب حتي ‪ :‬تاريخ العرب ج‪ 1‬ص ‪. 144‬‬ ‫‪4‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪492‬‬ ‫‪5‬‬

‫()كارل بروكلمان ‪ :‬تاريخ الشعوب االسالمية ج ‪ 1‬ص‪. 33‬‬ ‫‪6‬‬

‫()جرجي زيدان ‪ :‬العرب قبل االسالم ص ‪275‬‬ ‫‪7‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪153‬‬
‫‪ ,‬وقيل ان المقص‪TT‬ود ببكة موض‪TT‬ع ال‪TT‬بيت اي الكعب‪TT‬ة ومكة تعني القرية‬ ‫(‪)1‬‬
‫للعالمين ))‬
‫‪ .‬وقيل ان بكة الكعب‪TT‬ة والمس‪TT‬جد ‪ ,‬ومكة ذو ط‪TT‬وى وه‪TT‬و بطن ال‪TT‬وادي وذكر‬ ‫(‪)2‬‬
‫نفس‪TT‬ها‬
‫ياقوت ايضا ان بكة هو موضع البيت ومكة الحرم كله(‪. )3‬‬
‫وكذلك سميت مكة بأم القرى في قوله تعالى ‪ (( :‬لتنذر أم القرى ومن حولها‬
‫))(‪ , )4‬وعرفت باسم معاد والحاطمة النها تحطم من اس‪T‬تخف بها ‪ ,‬والح‪T‬رم ‪ ,‬وص‪T‬الح‬
‫‪ .‬والبلد االمين في قول‪TT‬ه‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪ ,‬والعرش ‪ ,‬والقادس النها تقدس أي تطهر من ال‪TT‬ذنوب‬
‫‪ .‬وال‪TT‬بيت العتيق في‬ ‫(‪)6‬‬
‫تعالى ‪ ( :‬والتين والزيتون وطور سنين ‪ ,‬وه‪TT‬ذا البلد االمين )‬
‫‪ ,‬وال ‪TT‬بيت المح ‪TT‬رم في قول ‪TT‬ه تعالى ‪:‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫قول ‪TT‬ه عز وجل ( ليطوفوا ب ‪TT‬البيت العتيق )‬
‫‪ .‬ويس‪TT‬تنتج‬ ‫(‪)8‬‬
‫(( ربنا اني اسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المح‪TT‬رم ))‬
‫‪.‬‬ ‫من هذه التسميات ان مكة كانت في أول عهدها مقاما دينيا ومركزا للعبادة‬
‫(‪)9‬‬

‫ج ‪ -‬الحياة االقتصادية ‪:‬‬


‫كان لموقع مكة على طريق القوافل التجارية ما بين اليمن وبالد الشام في‬
‫تدفق المنتجات الشرقية عن طريق الخليج العربي واليمن ‪ ,‬ومنتجات مص‪TT‬ر والشام‬
‫عن طريق الشام ‪ ,‬فكانت مكة تقوم ب‪TT‬دور الوس‪TT‬يط بين عالمين ‪ ,‬شأنها في ذل‪TT‬ك شأن‬
‫تدمر بالنسبة للفرس والرومان ‪ ,‬وقد سعى المكيون الى التفاوض مع ال‪TT‬دول المجاورة‬
‫لبالد العرب للحص‪TT T‬ول على ض‪TT T‬مانات لتأمين تجارتهم ‪ ,‬فنجح القريشيون في عقد‬
‫المعاه ‪TT‬دات التجارية مع الرومان والف‪TT‬رس ‪ ,‬كما عقدوا معاه ‪TT‬دات مماثلة مع أمراء‬

‫()سورة آل عمران ‪ 3‬اية ‪96‬‬ ‫‪1‬‬

‫()النويري ‪ :‬نهاية االرب ‪ ،‬ج ‪ 1‬ص ‪. 313‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ياقوت ‪ :‬معجم البلدان ج ‪ 5‬ص ‪. 182‬‬ ‫‪3‬‬

‫()سورة االنعام ‪ 6‬أية ‪. 92‬‬ ‫‪4‬‬

‫()سالم ‪ ,‬دراسات ص ‪. 494‬‬ ‫‪5‬‬

‫()سورة التين ‪. 95‬‬ ‫‪6‬‬

‫()سورة الحج ‪. 22‬‬ ‫‪7‬‬

‫()سورة ابراهيم ‪. 13‬‬ ‫‪8‬‬

‫()فيليب حتي ‪ :‬تاريخ العرب ج ‪ 1‬ص ‪. 144‬‬ ‫‪9‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪154‬‬
‫وذكر‬ ‫(‪)1‬‬
‫العرب في الجزيرة وملوك الغساس ‪TT T‬نة في الشام والمناذرة في العراق‬
‫المس‪TT T‬عودي ان زعماء قريش كانوا يفرض‪TT T‬ون ض‪TT T‬ريبة من يدخل مكة من التجار‬
‫‪ ,‬وقد نزل عدد من التجار ال ‪TT‬روم في مكة‬ ‫(‪)2‬‬
‫الغرب‪TTT‬اء عن قريش عرفت بالعشر‬
‫واتخذها دارا مقام لهم وتوافد عليها تجار من الف‪TT‬رس وتح‪TT‬الفوا مع اثريائها ‪ ,‬ومنهم‬
‫من اقام في مكة نظ‪T‬ير دفع جزيه لحمايته وحف‪T‬ظ أموال‪T‬ه وتجارته ‪ ,‬وكان تجار الشام‬
‫يجلب ‪TT‬ون الى مكة منتجات بالدهم من القمح والزيوت والخمور والمص ‪TT‬نوعات ‪ ,‬كما‬
‫حمل اليها تجار الجنوب من بالد الهند ال ‪TT‬ذهب واالحجار الكريمة والعاج وخشب‬
‫الص‪TT‬ندل والتواب‪TT‬ل والمنس‪TT‬وجات الحريرية والقطنية والكتانية واالرجوان والزعف‪TT‬ران‬
‫واالنية الفض ‪TT‬ية والنحاس ‪TT‬ية ‪ ,‬كما كانوا يحملون منتجات افريقيا الشرقية واليمن من‬
‫العط‪TT‬ور واالطياب وخشب االبنوس وريش النعام واللب‪TT‬ان والمر واالحجار الكريمة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫والجلود ‪ ,‬ومن البحرين الآللي والياقوت‬
‫وقد س‪TT‬اعد على احتكار قريش لتجارة الهند والحبشة واليمن اشتباك بيزنط‪TT‬ة‬
‫والف‪TT‬رس في ح‪TT‬روب متواص‪TT‬لة ‪ ,‬مما عرقل التجارة العالمية المارة ب‪TT‬العراق ‪ ,‬وحمل‬
‫البيزنطيين على االهتمام بطريق البحر االحمر الذي كان خارجا عن نف‪T‬وذ الساس‪T‬انيين‬
‫ال‪TT T‬ذين احتلوا اليمن في عهد كس‪TT T‬رى انوشروان اال ان ذل‪TT T‬ك لم يقض‪TT T‬ي على تجارة‬
‫البيزنط ‪TT‬يين لبعد اليمن عن بالد فارس ‪ ،‬فبقيت التجارة نشطة بين اليمن والشام عن‬
‫طريق مكة ولم يكتف المكيون ب‪TT‬ان تكون مدينتهم ممرا للقوافل ب‪TT‬ل س‪TT‬اهموا بأنفس‪TT‬هم‬
‫في النشاط التجاري فمدوا تجارتهم الى االقط‪TT‬ار االخرى في س‪TT‬وريا واليمن والحبشة‬
‫‪ .‬ويرجع الفضل الى هاشم بن عب‪TT‬د مناف في س‪TT‬ن رحلتي قريش ‪ :‬رحلة‬ ‫(‪)4‬‬
‫والعراق‬
‫وقيل ‪ ,‬رحلة الشتاء الى اليمن‬ ‫(‪)5‬‬
‫الشتاء الى الشام ورحلة الص ‪TT T‬يف الى الحبشة‬
‫وذكر اليعقوبي ان تجارة قريش‬ ‫(‪)6‬‬
‫والحبشة والعراق ‪ ,‬ورحلة الص ‪TT‬يف الى لشام‬

‫()سالم ‪ ,‬دراسات ص ‪. 505 _ 504‬‬ ‫‪1‬‬

‫()المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج ‪ 2‬ص ‪. 58‬‬ ‫‪2‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 508 _ 507‬‬ ‫‪3‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص ‪. 96_ 95‬‬ ‫‪4‬‬

‫()اليعقوبي ‪ :‬تاريخ ج ‪ 1‬ص ‪. 242‬‬ ‫‪5‬‬

‫()البالذري ‪ :‬انساب االشراف ص ‪. 59‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪155‬‬
‫كانت التعدوا مكة فكان القريشيون يعانون ض‪T‬يقا بس‪T‬بب ذل‪T‬ك الى أن رح‪T‬ل هاشم الى‬
‫بالد الشام ‪ ,‬وشاع عنه الكرم ‪ ,‬وكان من احس‪TT T‬ن الناس واجملهم فذكر لقيص‪TT T‬ر ‪,‬‬
‫فارسل اليه فلما رآه وس‪T‬مع كالمه واعجب‪T‬ه وجعل يرس‪T‬ل اليه فقال هاشم ‪ :‬ايها الملك‬
‫ان لي قوما ‪ ,‬وهم تجار العرب فتكتب لهم كتابا يؤمنهم ويؤمن تجارتهم حتى يأتو بما‬
‫يس ‪TT‬تطرف من آدم الحجاز وثياب ‪TT‬ه ففعل قيص ‪TT‬ر ذل ‪TT‬ك وانص ‪TT‬رف هاشم ‪ ,‬فجعل كلما‬
‫مربحي من العرب اخذ من اشرافهم االيالف ان يأمنوا عندهم وفي ارض‪TT‬هم فأخذوا‬
‫‪ ,‬رحلتي قريش هذه يقول مطرود بن كعب الخزاعي‬ ‫(‪)1‬‬
‫االيالف من مكة والشام وفي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫هال نزلت بآل عبد مناف‬ ‫يا أيها الرجل المحول رحلة‬
‫والراحلون لرحلة االيالف‬ ‫اآلخذون العهد من آفاقها‬
‫ونتج عن اشتغال المكيين بالتجارة معرفتهم بالكتاب ‪TT‬ة والحس ‪TT‬اب وبالمكاييل‬
‫والموازين والمقاييس وقد ورد في القران الكريم كثير من التعابير المالية والتجارية‬
‫كالحس‪TT‬اب والميزان والقس‪TT‬طاس وال‪TT‬ذرة والمثقال والقرض ‪ ,‬وعرف تجار مكة نظ‪TT‬ام‬
‫االمانات والودائع ونظ ‪TT‬ام الص ‪TT‬كوك وغ ‪TT‬ير ذل ‪TT‬ك مما يتطلب ‪TT‬ه العمل بالتجارة وكانت‬
‫العمالت السائدة في مكة هي الدرهم والدينار(‪.)3‬‬
‫وباالض ‪TT T‬افة الى حرفة التجارة ‪ .‬وكان الحج من مص ‪TT T‬ادر الثورة في مكة‬
‫_فالحج الى جانب كونه مظهرا دينيا للعرب الجاهلية ‪ ,‬ووس‪TT‬يلة لالجتماع وااللتقاء‬
‫والتعارف ‪ ,‬كان وس ‪TT‬يلة من وس ‪TT‬ائل التكس ‪TT‬ب بالتجارة ‪ ,‬فكانت تقام في مواس ‪TT‬م الحج‬
‫اس ‪TT‬واق تجارية وادبية مثل س ‪TT‬وق عكاظ وس ‪TT‬وق مجنة وس ‪TT‬وق ذي المجاز وفي ه ‪TT‬ذه‬
‫االسواق كان العرب من سائر انحاء شبه الجزيرة بقدمون بس‪TT‬لعهم المختلف‪T‬ة فيتيحون‬
‫‪ .‬وقامت في مكة صناعات بس‪TT‬يطة‬ ‫(‪)4‬‬
‫بذلك للمكيين سوقا تجاريا للمبادلة واالستهالل‬

‫()اليعقوبي ‪ :‬تاريخ ج ‪ 1‬ص ‪ ( 243 , 242‬االيالف ‪ :‬العهد ) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫()البالذري ‪ :‬انساب االشراف ص ‪. 6‬‬ ‫‪2‬‬

‫()صالح العلي ‪ /‬محاضرات ص ‪ , 96‬سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 513 , 512‬‬ ‫‪3‬‬

‫()المرجع السابق = نفس المرجع السابق ص ‪. 513‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪156‬‬
‫كصناعة االس‪TT‬لحة من رماح وس‪TT‬كاكين وس‪TT‬يوف ودروع ونب‪TT‬ال ‪ ,‬كذلك عرفوا ص‪TT‬ناعة‬
‫‪.‬‬ ‫الفخار من قدور وجفان وصحاف واباريق ‪ ,‬وصناعة االسرة واالرائك‬
‫(‪)1‬‬

‫د‪-‬سكان مكة ‪:‬‬


‫تذكر المص‪TT‬ادر العربية أن أقدم من حكم مكة والحجاز هم العمالقة ثم خلفتهم‬
‫قبيلة جرهم القحطانية ‪ ,‬وكان اب‪TT‬راهيم عليه الس‪TT‬الم قد اس‪TT‬كن ول‪TT‬ده اس‪TT‬ماعيل مكة مع‬
‫امه ه ‪TT‬اجر ‪ ,‬فتزوج اس ‪TT‬ماعيل امرأة من جرهم ‪ ,‬ثم زار اب ‪TT‬راهيم عليه الس ‪TT‬الم مكة‬
‫مرتين وفي المرة الثانية امره اهلل تعالى ببناء ال‪T‬بيت وس‪T‬اعده في بنائه ول‪T‬ده اس‪T‬ماعيل‬
‫وقد أشار اهلل تعالى الى ذل‪TT‬ك‬ ‫(‪)2‬‬
‫ال‪TT‬ذي يأتي ب‪TT‬الحجر من عدة جب‪TT‬ال الى موض‪TT‬ع ال‪TT‬بيت‬
‫في القرآن الكريم ‪ ( :‬واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واس ماعيل ربن ا تقب ل من ا‬
‫‪ .‬ثم امر تعالى اب‪TT‬راهيم ان يؤذن في الناس ب‪TT‬الحج فقال‬ ‫(‪)3‬‬
‫انك انت الس ميع العليم )‬
‫تعالى ‪ ( :‬واذن في الن اس ب الحج ي أتوك رج اال وعلى ك ل ض امر ي أتين من ك ل فج‬
‫‪ .‬ووفدت خزاعة الى مكة بعد الس‪TT‬يل العرم فنزلوا بظاهره‪TT‬ا فأبت جرهم‬ ‫(‪)4‬‬
‫عميق )‬
‫الس‪TT‬ماح لهم باإلقامة في مكة فنشبت الح‪TT‬رب بينهما ثالثة أيام انتهت بهزيمة جرهم ‪,‬‬
‫وتولت خزاعة أمر ال‪T‬بيت ‪ ,‬وكان أول من ولي ال‪T‬بيت منهم ه‪T‬و عمر بن لحي ‪ ,‬ال‪T‬ذي‬
‫غ ‪TT‬ير دين اب ‪TT‬راهيم وادخل عب ‪TT‬ادة االوثان فقيل انه استحض ‪TT‬ر معه من الشام اص ‪TT‬ناما‬
‫نص‪TT‬بها ح‪TT‬ول الكعب‪TT‬ة ‪ .‬وظلت خزاعة تلي امر ال‪TT‬بيت ‪ ,‬أما مض‪TT‬ر فقد احتفظت بح‪TT‬ق‬
‫‪ .‬ثم تشعبت بط‪TT‬ون‬ ‫(‪)5‬‬
‫االجازة بالناس من عرفة واالفاض‪TT‬ة بهم غ‪TT‬داة النح‪TT‬ر الى منى‬
‫كنانه ومضر كلها وصاروا احياء وبيوتات متفرقة وكانوا آنذاك يقيمون بظاهر مكة ‪,‬‬
‫الى ان تمكن قص ‪TT T T T‬ي بن كالب بن مرة من انتزاع الس ‪TT T T T‬يادة واالدارة المكية من‬
‫خزاعة ‪ .‬ويرجع الفض‪TT‬ل الى قص‪TT‬ي في جمع قريش وتقس‪TT‬يمها الى بط‪TT‬ون ‪ ,‬فميز بين‬

‫()سالم ‪ /‬دراسات ص ‪. 513 , 512‬‬ ‫‪1‬‬

‫()المس ‪TT‬عودي ‪ /‬مروج ال ‪TT‬ذهب ج ‪ 2‬ص ‪ , 49_ 47‬زيدان ‪ /‬العرب قب ‪TT‬ل االس ‪TT‬الم ص ‪, 275‬‬ ‫‪2‬‬

‫على ابراهيم حسن التاريخ االسالمي العام ص ‪. 78‬‬


‫()سورة البقرة ‪. 127‬‬ ‫‪3‬‬

‫()سورة الحج ‪. 27‬‬ ‫‪4‬‬

‫()ابن الكلبي ‪ :‬االص‪TT T‬نام ‪ ,‬ص ‪ 28‬المس‪TT T‬عودي ‪ ,‬مروج ال‪TT T‬ذهب ‪ ،‬ج ‪ 2‬ص ‪ , 56‬على اب‪TT T‬راهيم‬ ‫‪5‬‬

‫حسن ‪ :‬التاريخ االسالمي العام ‪ ,‬ص ‪ 88‬سالم ‪ ,‬دراسات ص ‪. 514‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪157‬‬
‫قريش البط ‪TT‬اح وقريش الظ ‪TT‬واهر (( واخراجهم عن نط ‪TT‬اق الفوض ‪TT‬ى واالض ‪TT‬طراب ‪,‬‬
‫‪ .‬وقريش البطاح هي البط‪TT‬ون ال‪TT‬تي كانت‬ ‫(‪)1‬‬
‫وادخلهم قلب مكة فاقامهم فيها اسيادا ))‬
‫تس ‪TT T‬كن مكة نفس ‪TT T‬ها ‪ ,‬وكان بيد رجالها االدارة والوظ ‪TT T‬ائف الكبرى ومنهم التجار‬
‫واالثرياء ‪ ,‬وهي قبائل عبد مناف وبني عبد الدار وبني عبد العزى ابن قصي وزه‪T‬رة‬
‫‪ ,‬ومخزوم ويتم بن مرة ‪ ,‬وجمح ‪ ,‬وس ‪TT‬هم ‪ ,‬وعدى ‪ ,‬وبنو عتيك بن عامر بن ل ‪TT‬ؤي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫أما قريش الظواهر فهي البطون التي سكنت اطراف مكة ومنهم بنو مح‪TT‬ارب‬
‫‪ ,‬والح‪TT T‬ارث بن فهر ‪ ,‬وبنو االردم بن غ‪TT T‬الب بن فهر وبنو هص‪TT T‬يص بن عامر بن‬
‫ل ‪TT‬ؤي ‪ ,‬ولم يكن لهذه البط ‪TT‬ون دورا مهما عند ظهور ال ‪TT‬دعوة االس ‪TT‬المية او بعدها اال‬
‫‪ .‬وبجانب ه‪TT‬ذه القبائل ال‪TT‬تي‬ ‫(‪)3‬‬
‫انهم كانوا في الجاهلية يس‪TT‬اهمون في ال‪TT‬دفاع عن مكة‬
‫س‪TT‬كنت مكة كان هناك قبائل بدوية لم تكن تتمثل في النظ‪TT‬ام القائم في مكة ولم تنظم‬
‫الى قبائلها ‪ ,‬وه‪TT‬ؤالء هم ((االحالف)) واغلبهم من كنانة وكانوا يشاركون اه‪TT‬ل مكة‬
‫في معظم ح‪T‬روبهم ويس‪T‬مون ((باالح‪T‬ابيش)) ‪ ,‬واس‪T‬توطن بمكة ايض‪T‬ا عدد من االجانب‬
‫المنتمين الى عشائر أو أمم شتى ‪ ,‬وكثير ما سكن هؤالء في الشعاب المحيط‪TT‬ة بمكة ‪,‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫وقد ابيح لبعضهم حق دخول دار الندوة‬
‫أما بخصوص تس‪T‬مية قريش فقد تعددت آراء اللغ‪T‬ويين ح‪T‬ول ه‪T‬ذا الموض‪T‬وع ‪,‬‬
‫كما اختلف االخب‪T‬اريون فيمن تس‪T‬مى بهذا االس‪T‬م ألول مرة من ب‪T‬ني مض‪T‬ر ‪ ,‬وقد أورد‬
‫اليعقوبي بعض تلك اآلراء فذكر ( ان النض‪TT T‬ر بن كنانة اول من س‪TT T‬مي القريشي ‪,‬‬
‫لتقريشه وارتفاع همته ‪ ,‬وقيل لتجارته ويساره ‪ ,‬ويقال لدابة في البحر تسمى القرش ‪,‬‬
‫س ‪TT T‬مته امه قريشا تص ‪TT T‬غير قريش ‪ ,‬فمن لم يكن من ول ‪TT T‬د النض ‪TT T‬ر بن كنانه ‪ ,‬فليس‬
‫بقريشي )(‪. )5‬‬

‫()المس‪TT‬عودي ‪ :‬مروج ال‪TT‬ذهب ج ‪ 2‬ص ‪ , 58‬علي اب‪TT‬راهيم حس‪TT‬ن ‪ ,‬تاريخ االس‪TT‬المي العام ‪ ,‬ص‬ ‫‪1‬‬

‫‪ . 90‬صالح العالي ‪ ,‬ص ‪. 105‬‬


‫() المسعودي ‪ ،‬نفس المصدر ‪ ,‬ج‪ 2‬ص‪. 59‬‬ ‫‪2‬‬

‫()نفس المصدر ‪ ،‬ص ‪ , 095‬صالح العلي محاضرات ص ‪. 108‬‬ ‫‪3‬‬

‫()صالح العلي ‪ ,‬محاضرات ص ‪ , 108‬ماجد ‪ :‬التاريخ السياسي للدول العربية ج ‪ 1‬ص‪. 79‬‬ ‫‪4‬‬

‫()اليعقوبي ‪ :‬تاريخ ج ‪ 1‬ص ‪. 233 , 232‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪158‬‬
‫أما الط‪TT T‬بري فاجمل تلك اآلراء والتفس‪TT T‬يرات بقول‪TT T‬ه ‪ :‬س‪TT T‬ميت قريش قريشا‬
‫بقريش بن بدر بن يخلد بن الحارث بن يخلد بن النض‪TT‬ر بن كنانة ‪ ,‬وب‪TT‬ه س‪TT‬ميت قريش‬
‫قريشا ‪ ,‬الن عير ب‪TT‬ني النض‪TT‬ر كانت اذا قدمت قالت العرب ‪ :‬قد جاءت عبر قريش‬
‫قالوا ‪ :‬وكان ه ‪TT‬ذا دليل ب ‪TT‬ني النض ‪TT‬ر في أس ‪TT‬فارهم ‪ ,‬وص ‪TT‬احب ميرتهم ‪ ..‬وقال ابن‬
‫الكلبي ‪ :‬انما قريش جماع نسب ‪ ,‬ليس بأب وال أم وال حاضنة ‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬انما‬
‫سمي بنو النضر بن كنانة قريشا ‪ ,‬ألن النضر بن كنانة خرج يوما على نادي قومه ‪,‬‬
‫فقال بعضهم لبعض ‪ :‬انظروا الى النضر ‪ ,‬كأنه جمل قريش ‪ ...‬وقيل ان النض‪TT‬ر بن‬
‫كنانه كان يقرش عن حاجة الناس فيسدها بما له ‪ ,‬والتقريش _ فيما زعموا _ التفتيش‬
‫‪ .‬وكان بنوه يقرشون اه ‪TT‬ل الموس ‪TT‬م عن الحاجة فيس ‪TT‬دونها بما يبلغهم ‪ ...‬وقيل ‪ :‬ان‬
‫النض‪TT‬ر بن كنانه كان اس‪T‬مه قريشا ‪ ..‬وقيل ‪ :‬انما قيل قريش ‪ ,‬من أجل انها تقرشت‬
‫عن الغ ‪TT‬ارات ‪(( ,‬وذكر الط ‪TT‬بري ايض ‪TT‬ا عن محمد بن س ‪TT‬عد فقال ‪ :‬ان عب ‪TT‬د الملك بن‬
‫مروان س‪TT‬أل محمد بن جب‪TT‬ير ‪ :‬متى س‪TT‬ميت قريش قريشا ؟ قال ‪ :‬حين اجتمعت الى‬
‫الح‪TT‬رم من تفرقها ‪ ,‬فذلك التجمع التقريش ‪ ,‬فقال عب‪TT‬د الملك ‪ :‬ما س‪TT‬معت ه‪TT‬ذا ‪ ,‬ولكن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫سمعت أن قضيا كان يقال له القريش ‪ ,‬ولم تسم قريش قبله ))‬
‫أما االزرقي فينس‪TT‬ب قريش الى قص‪TT‬ي بن كالب ‪ ,‬فقال ‪ (( :‬لما جمع قص‪TT‬ي‬
‫قريشا بمكة سمي مجمعا ‪ ...‬ويقال انه من أجل تجمع قريش الى قصي س‪TT‬ميت قريش‬
‫قريشا ))(‪ . )2‬ونخرج من هذه اآلراء جميعا ان قريشا ربما تكون اس‪T‬ما الح‪T‬د اعقاب‬
‫النض ‪TT‬ر بن كنانة ‪ ,‬أو أنها اس ‪TT‬م داب ‪TT‬ه في البح ‪TT‬ر ‪ ,‬أو انها من التقرش وه ‪TT‬و االشتغال‬
‫بالتجارة واالكتساب أي غني ويسر الشخص المنعوت بهذا االس‪TT‬م الشتغاله بالتجارة ‪.‬‬
‫وقد عرفت قريش بعدة اس‪T‬ماء في الجاهلية منها ‪ -:‬العالمية ‪ ,‬وقيل انها س‪T‬ميت بهذا‬
‫االسم لفضلهم وعلمهم ‪ ,‬كما بآل اهلل وجيران اهلل وس‪T‬كان اهلل ‪ ,‬ومن أشهر اس‪T‬مائها في‬
‫الجاهلية ‪ :‬السخينة ‪ ,‬وقد ظل هذا االسم مالزما لها حتى ظهور االسالم(‪. )3‬‬
‫هــ‪ -‬نظام الحكم في مكة ‪:‬‬
‫()الطبري ‪ :‬تاريخ الطبري ج‪ 2‬ص ‪( 265_ 263‬الجمل القرشي ‪ :‬الشديد ) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫()االزرقي ‪ :‬اخبار مكة ‪. 61_60 ,‬‬ ‫‪2‬‬

‫()علي اب‪TT‬راهيم ‪ :‬التاريخ االس‪TT‬المي العام ص ‪ , 91‬والس‪TT‬خينة نوع من الطعام يتخذ من ال‪TT‬دقيق‬ ‫‪3‬‬

‫ويؤكل ايام القحط والشدة ) ‪.‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪159‬‬
‫كان اجتماع الناس واستقرارهم في مكة عامال ألضعاف مظاهر التكتل القبلي‬
‫‪ ,‬وتكيف الناس الى المجتمع الجديد ‪ ,‬وقد كان تقديس العرب للكعب‪T‬ة س‪T‬ببا في اهتمام‬
‫قريش بتنظيم الحج اليها ‪ ,‬فترتب على ذل ‪TT‬ك ظهور انظمة سياس ‪TT‬ية ووظ ‪TT‬ائف دينية‬
‫اختص بها اشرافهم ‪ ,‬وهي (‪:)1‬‬
‫المـــأل ‪:‬‬
‫وه‪TT T‬و أشبه بمجلس الشيوخ ‪ ,‬وكان يتكون من اشخاص تؤهلهم مواهبهم‬
‫وقابلياتهم لقيادة الناس في الشدائد ‪ ,‬وقد ذكر المؤرخون بعض ه‪TT T‬ؤالء الرؤس‪TT T‬اء‬
‫كقص‪TT‬ي بن كالب ‪ ,‬وعب‪TT‬د مناف ‪ ,‬وعب‪TT‬د المطلب وهشام بن المغ‪TT‬يرة ‪ ,‬وقيس بن عدي‬
‫‪ ,‬وظهور ه‪T‬ذه الجماعة من الرؤس‪T‬اء‬ ‫(‪)2‬‬
‫بن سهم ‪ ,‬وعبد اهلل بن جدعان ‪ ,‬واب‪T‬و س‪T‬فيان‬
‫في مكة ممن اشتهر بالحرب والسياس‪TT‬ة والتجارة ‪ ,‬س‪TT‬اعد على تأليف ما يشبه حكومة‬
‫النقابات في العصور الوسطى ‪ ,‬وحكومة الجمهورية التي يسيطر عليها افراد قالئل ‪,‬‬
‫‪.‬‬
‫او مجلس من االعيان ذو الثورة والجاه‬
‫(‪)3‬‬

‫دار الندوة ‪:‬‬


‫كان قصي بن كالب اول من اصاب الملك بمكة من ولد كعب بن ل‪TT‬ؤي ‪ ,‬فلما‬
‫اس‪TT T‬تقامت ل‪TT T‬ه االمور ‪ ,‬واطاعة الناس ‪ ,‬ب‪TT T‬ني دار الندوة ‪ ,‬قرب الكعب‪TT T‬ة من الجهة‬
‫الشمالية ‪ ,‬فأص‪TTT‬بحت مجتمع المالء من قريش وكانت اشبه بمجلس شورى او دار‬
‫حكومة يديرها المالء من قريش وهي تشبه االكليس ‪TT‬يا في اثينا والس ‪TT‬ناتو في روما ‪,‬‬
‫وتناقش فيها امور الح‪TT‬رب والس‪TT‬لم ومختلف الشؤون العامة ال‪TT‬تي تهم المجتمع المكي‬
‫سياس‪TT‬يا واقتص‪TT‬اديا واجتماعيا ‪ ( ,‬فال ينكح رجل من قريش ‪ ,‬وال يتشاورون في أمر‬
‫وال يعقدون لواء بالحرب ‪ ,‬وال يعذرون غالما ‪ ,‬اال في دار الندوة ) (‪.)4‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص ‪ . 110‬ماجد ‪ :‬التاريخ السياسي ج‪ 1‬ص ‪. 81‬‬ ‫‪1‬‬

‫()صالح العلي ‪ ،‬ص ‪109_ 108‬‬ ‫‪2‬‬

‫()عبد اللطيف الطيباوي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب واالس‪T‬الم ط ب‪T‬يروت ‪ , 1963‬ص ‪120‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.‬‬
‫()اليعقوبي _ تاريخ ج ‪ 1‬ص ‪ . 240‬زيدان _ العرب قب‪T‬ل االس‪T‬الم ص ‪ , 277‬س‪T‬الم ‪ ,‬دراس‪T‬ات‬ ‫‪4‬‬

‫ص ‪. 515‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪160‬‬
‫ولم تكن للمأل س‪TT‬لطات تنفيذية ‪ ,‬فكان الب‪TT‬د لقراراته ان تأخذ ص‪TT‬فة االجتماع‬
‫لتكون ملزمة للجميع ‪ ,‬وكان بامكان االكثرية اذا اقرت قرارا أن تقاطع معارض‪TT‬يها أو‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫تستخدم الضغط االجتماعي ضدهم‬
‫وكان ال يدخل دار الندوة من قريش او غ ‪TT‬يرهم ‪ ,‬اال من بلغ االربعين س ‪TT‬نة‬
‫من عمره ‪ ,‬عدا أوالد قص‪TT‬ي فكانوا يدخلونها جميعا مع حلف‪TT‬اؤهم وتعتبر دار الندوة‬
‫ملكا خاصا لبني عبد الدار يتوارثونها ‪ ,‬ولم تكن من االبنية العامة(‪. )2‬‬
‫أما عن الوظ‪TT‬ائف والمهام الدينية المتص‪TT‬لة بالكعب‪TT‬ة فيذكر الط‪TT‬بري ان قص‪TT‬ي‬
‫( أقر للعرب في شأن حجهم ما كانوا عليه ‪ ,‬وذل‪T‬ك آلنه كان يراه دينا في نفس‪T‬ه ‪ ,‬ال‬
‫‪ .‬وقد احتف ‪TT‬ظ قص ‪TT‬ي لنفس ‪TT‬ه باالض ‪TT‬افة الى رئاس ‪TT‬ة دار الندوة‬ ‫(‪)3‬‬
‫ينبغي ل ‪TT‬ه تغييره ))‬
‫بالحجاب‪TT T‬ة والرفاد والس‪TT T‬قاية واللواء ‪ ,‬أما الحجاب‪TT T‬ة والرفاد والس‪TT T‬قاية واللواء ‪ ,‬أما‬
‫الحجاب‪TT‬ة فكان القائم بها يمتلك مف‪TT‬اتيح الكعب‪TT‬ة ‪ ,‬ويأذن للناس في دخولها ‪ ,‬ثم الس‪TT‬قاية‬
‫وهي التكف‪TT‬ل بس‪TT‬قاية الحجاج عن طريق اح‪TT‬واض من االدم توض‪TT‬ع بفناء الكعب‪TT‬ة ومنى‬
‫وعرفات ‪ ,‬والرفادة وهي (( خرجا تخرجة قريش في كل موس‪TT T‬م من أموالها الى‬
‫قص ‪TT‬ي بن كالب ‪ ,‬فيص ‪TT‬نع ب ‪TT‬ه طعاما للح ‪TT‬اج يأكله من لم تكن ل ‪TT‬ه س ‪TT‬عة وال زاد ممن‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫يحضر الموسم ))‬
‫واللواء ه‪TT‬و العلم ال‪TT‬ذي يحمل في الح‪TT‬رب ‪ ,‬وتدور حول‪TT‬ه المعارك وباإلض‪TT‬افة‬
‫الى ه‪TT‬ذه الوظ‪TT‬ائف كانت هناك مهام أخرى تتعلق بشؤون الح‪TT‬رب ‪ ,‬كالقيادة واالعنة‬
‫والحكومة ‪ ,‬اما القيادة فهي قيادة الجيش في المعرك وهي اللواء ‪ ,‬وكانت بيد ب ‪TT‬ني‬
‫(‪)5‬‬
‫أمية‬

‫()صالح العلي _ محاضرات ص ‪. 111‬‬ ‫‪1‬‬

‫()نفس المصدر _ ص ‪. 110‬‬ ‫‪2‬‬

‫()الطبري _ تاريخ الطبري ج ‪ 2‬ص ‪. 259‬‬ ‫‪3‬‬

‫()نفس المصدر _ج‪ 2‬ص ‪. 260‬‬ ‫‪4‬‬

‫()صالح العلي _ محاضرات ص ‪. 119‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪161‬‬
‫أما االعنة فيكون ص‪TT‬احبها المقدم على خيول قريش في الح‪TT‬رب ‪ ,‬والحكومة‬
‫هي االموال ال‪TTT‬تي يس‪TTT‬مونها أللهتهم ‪ ,‬وكانت عند ظهور االس ‪TT‬الم للح ‪TT‬ارث بن قيس‬
‫السهمي(‪.)1‬‬
‫أما عن القض ‪TT‬اء في مكة ‪ ,‬فلم يكن هناك وظيف‪TT‬ة لقاض أو ح‪TT‬اكم يفص ‪TT‬ل بين‬
‫الناس ‪ ,‬فكان رئيس القبيلة هو الحكم في المنازعات ال‪T‬تي تنشأ بين افراد قبيلته ‪ ,‬واذا‬
‫ح‪TT T‬دث خالف بين افراد قبائل مختلف‪TT T‬ة فكان يلجأ ه‪TT T‬ؤالء الى الكهنة او يستقس‪TT T‬موا‬
‫باألنص‪TTT‬اب وااليس ‪TT‬ار وقد عهد الى ( ابي بكر) في الجاهلية االشراف على ال ‪TT‬ديات‬
‫والمغ‪TT‬ارم وه‪TT‬و ما عرف باالشناق ‪ ,‬اال أن الفص‪TT‬ل في الخالفات كان يترك لتراض‪TT‬ي‬
‫الناس وموافقتهم ‪ ,‬اذ لم تكن هناك س ‪TT‬لطة تنف ‪TT‬ذ قرارات الحكام فادى ه ‪TT‬ذا الى غبن‬
‫الض‪TT‬عفاء وكثرة المظلومين ‪ ,‬االمر ال‪T‬ذي دفع قبائل قريش الى تكوين حلف الفض‪TT‬ول‬
‫فتعاه‪TT‬دوا فيه على أن ال يظلم بمكة غ‪TT‬ريب وال قريب ‪ ,‬وال ح‪TT‬ر وال عب‪TT‬د ‪ ,‬اال كانوا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫معه حتى يأخذوا له حقه من أنفسهم ومن غيرهم‬
‫يثرب‬
‫آ_ الموقع والمناخ _ تقع مدينة يثرب على بعد ‪ 300‬ميال شمال مكة في ح‪T‬رة س‪T‬بخة‬
‫االرض كثيرة المياه والشجار والدوحات ‪ ,‬فوق هضبة بالد العرب الوسطى ‪ ,‬واقرب‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الجبال اليها هو جبل احد ويقع في شمالها‬
‫وذكر اليعقوبي ان ليثرب (( أربعة أودية يأتي مأوه‪TT T‬ا في وقت االمط‪TT T‬ار‬
‫والس‪TT‬يول في جب‪TT‬ال بموض‪TT‬وع يقال ل‪TT‬ه ح‪TT‬رة ب‪TT‬ني س‪TT‬ليم على مقدار عشرة فراس‪TT‬خ من‬
‫المدينة وهي _ وادي بطح‪TT‬ان والعتيق الكب‪TT‬ير والعتيق الص‪TT‬غير ووادي قناة ‪ ,‬وتجتمع‬
‫مياه ه ‪TT‬ذه االودية كلها بموض ‪TT‬وع يقال ل ‪TT‬ه الغاب ‪TT‬ة ويخرج الى وادي يقال ل ‪TT‬ه وادي‬
‫اضم )) (‪.)4‬‬

‫()نفس المرجع _=ص‪. 119‬‬ ‫‪1‬‬

‫()احمد امين ‪ :‬فجر االس‪TT T‬الم ط ب‪TT T‬يروت ‪ , 1969‬ص‪ , 227‬ص‪TT T‬الح العلي _ محاض‪TT T‬رات ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪. 120‬‬
‫()المقدسي _ احسن التقاسيم ص ‪ , 80‬سالم ‪ ,‬دراسات ص ‪. 539_ 538‬‬ ‫‪3‬‬

‫()اليعقوبي _ البلدان ص ‪. 72‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪162‬‬
‫وامتازت يثرب بكثرة االب ‪TT‬ار والعيون واشهر تلك االب ‪TT‬ار ب ‪TT‬ئر رومة وب ‪TT‬ئر‬
‫عروة ويعتمد عليها س‪T‬كان يثرب ط‪T‬وال الس‪T‬نة باالض‪T‬افة الى آب‪T‬ار اخرى ‪ ,‬اما العيون‬
‫فمنها _ عين الصورين وعين ثنية مروان وعين الخانقين وعين ابي زياد وعين ب‪TT‬رد‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أزواج النبي‬
‫اما ح‪TT‬رات يثرب فهي ثالث _ ح‪TT‬رة واقم في الشرق ‪ ,‬وعرفت أيض‪TT‬ا بح‪TT‬رة‬
‫قريظة النهم كانوا ينزلون بطرفها القبلي ‪ ,‬كما عرفت أيض‪TT‬ا بح‪T‬رة زه‪T‬رة لمجاورتها‬
‫لها ‪ .‬وزه‪TT T‬رة من اعظم قرى يثرب بين ح‪TT T‬رة واقم والس‪TT T‬افلة ‪ ,‬ثم ح‪TT T‬رة ال‪TT T‬وابرة في‬
‫الغرب من يثرب وعرفت بحرة بني بياض‪TT‬ة ‪ ,‬وكانت على بعد ثالثة اميال من يثرب‬
‫مشرفة على وادي العتيق الذي يليها غربا ‪ ,‬ثم حرة قباء وتقع الى الجنوب من يثرب‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫هي _ حرة شوران وحرة ليلي ‪ ,‬وحرة النار بالقرب من حرة ليلى‬
‫والمناخ في يثرب شبيه بمناخ مكة فهو شديد الح‪TT‬رارة ص‪TT‬يفا وب‪TT‬ارد شتاء ‪.‬‬
‫وتسقط امطارها في أوقات قصيرة ولكنها بعنف محدثة س‪TT‬يوال في كثير من االحيان ‪,‬‬
‫وتتخلف عن ه‪TT‬ذه االمط‪TT‬ار غ‪T‬دران ومس‪TT‬تنقعات وب‪TT‬رك ‪ ,‬ومن أشهر الغ‪TT‬دران في وادي‬
‫العقيق _ غ‪TT‬دير الس‪TT‬در وغ‪TT‬دير خم وغ‪TT‬دير س‪TT‬الفة وغ‪TT‬دير ال‪TT‬بيوت ‪ ,‬وغ‪TT‬دير حص‪TT‬ير ‪,‬‬
‫وغ‪TT‬دير المجاز ‪ ,‬وغ‪TT‬دير المرس‪TT‬ي ‪ ,‬وينشأ عن ركود المياه في ه‪TT‬ذه المناطق انتشار‬
‫االوبئة واالمراض(‪.)3‬‬
‫ب_ اس ماء ي ثرب _ ‪ :‬يثرب مدينة قديمة ورد ذكره ‪TT‬ا في الكتاب ‪TT‬ات المعينية ‪ ,‬وقد‬
‫اقامت فيها بعض الجاليات المعينية ‪ ,‬ثم آل امر المدينة الى الس‪TT T‬بئيين بعد س‪TT T‬قوط‬
‫الدول‪TT T T T‬ة المعينية وقد ورد ذكر يثرب في جغرافية بطليموس باس‪TT T T T‬م يثرب‬
‫‪Iathrippa‬وفي نقوش س ‪TT T‬بأ ‪ :‬ي ث ر ب ‪ ,‬وذكره ‪TT T‬ا اص ‪TT T‬طيفانوس الب ‪TT T‬يزنطي باس ‪TT T‬م‬
‫‪.)4(Iathrippa polis‬‬

‫()المصدر السابق _ البلدان ص ‪. 72‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ياقوت _ معجم البلدان ‪ ،‬ج‪ ، 2‬ص‪.67‬‬ ‫‪2‬‬

‫()سالم ‪ ,‬دراسات ص ‪. 544_ 543‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جواد علي ‪ ,‬العرب قب‪TT‬ل االس‪T‬الم ج ‪ 4‬ص ‪ , 181‬فيليب ح‪T‬تي تاريخ العرب مط‪T‬ول ج ‪ 1‬ص‬ ‫‪4‬‬

‫‪ , 146‬سالم ‪ ,‬دراسات ص ‪. 535‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪163‬‬
‫أما عند االخباريين العرب فقد عرفت باسم اثرب ويثرب ‪ ,‬وذكر المس‪TT‬عودي‬
‫أن يثرب س ‪TT‬ميت كذلك نس ‪TT‬بة الى يثرب بن قانية بن مهليل بن أرم بن عبيل نزلها‬
‫فسميت باسم(‪.)1‬‬
‫ويرى بعض المؤرخون ان يثرب مأخوذة من ال ‪TT T‬ثرب بمعنى الفس ‪TT T‬اد أو‬
‫التثريب أي المؤخوذة بالذنب ‪ ,‬وقيل ان الرسول صلى اهلل عليه وسلم نهى عن تس‪TT‬مية‬
‫وقد ورد ذكر يثرب في‬ ‫(‪)2‬‬
‫يثرب بهذا االس‪T‬م ‪ ,‬وس‪T‬ماها طيب‪T‬ة وطاب‪T‬ة كراهية للتثريب‬
‫القرآن الكريم فقال (( واذ قالت طائف‪TT T‬ة منهم يا أه‪TT T‬ل يثرب ال مقام لكم فارجعوا‬
‫ويس‪TT‬تئذن فريق منهم النبي يقول‪TT‬ون انن بيوتنا عورة ‪ ,‬وما هي بعورة ان يريدون اال‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫فرارا ))‬
‫وبعد هجرة الرس‪TT‬ول الكريم من مكة الى يثب اص‪TT‬بح اس‪TT‬مها (( المدينة)) أي‬
‫مدينة الرس‪TT T‬ول وقد عرفت باس‪TT T‬ماء أخرى كثيرة منها _ طيب‪TT T‬ة وطاب‪TT T‬ة والمس‪TT T‬كينة‬
‫والعذراء والجب‪TT‬ارة والمحب‪TT‬ة والمحبب‪TT‬ة والمحب‪TT‬ورة والناجية وغ‪TT‬ير ذل‪TT‬ك وذكر بعض‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫المؤرخين ان لها ‪ 94‬اسما‬
‫ج_ الحي اة االقتص ادية في ي ثرب _ تعتبر يثرب واح‪TT T‬ة حقيقة ذات ترب‪TT T‬ة ص‪TT T‬الحة‬
‫للزراعة ‪ ,‬فارضها بركانية خصبة وتتوافر فيها مياه االودية والعيون واآلب‪TT‬ار ‪ ,‬ويأتي‬
‫النخيل في مقدمة الحاص‪TT‬الت الزراعية في يثرب (( فأكثر اموال اهلها النخل ومنه‬
‫‪ .‬وباالض‪TT‬افة الى‬ ‫(‪)5‬‬
‫معاشهم واقواتهم ‪ ,‬واخراجها من أعشار النخيل والص‪TT‬دقات ))‬
‫شهرة يثرب بانتاج افض‪TT‬ل انواع التمور ‪ ,‬قامت فيها زراعة الحب‪T‬وب المختلف‪T‬ة ويأتي‬
‫الشعير في المرتب‪TT T‬ة الثانية بعد التمور ‪ ,‬ثم القمح وانواع الفواكه كالعنب والموز‬
‫والرمان والليمون والبطيخ(‪.)6‬‬

‫()المسعودي ‪ ,‬مروج الذهب ج ‪ , 18 2‬ابن خردذابة ‪ ,‬المسالك والممالك ص ‪. 128‬‬ ‫‪1‬‬

‫()سالم ‪ ,‬دراسات ص ‪536‬‬ ‫‪2‬‬

‫()سورة االحزاب _ ‪ 33‬آية ‪. 13‬‬ ‫‪3‬‬

‫()ياقوت معجم البلدان ‪ ،‬ج‪ ، 8‬ص‪. 165‬‬ ‫‪4‬‬

‫()اليعقوبي _ البلدان ص ‪ , 73‬ابن خردذاب ‪TT‬ة ‪ ,‬المال ‪TT‬ك والممال ‪TT‬ك ص ‪ , 128‬المقدس ‪TT‬ي ‪ ,‬احس ‪TT‬ن‬ ‫‪5‬‬

‫التقاسيم ‪ ,‬ص ‪. 80‬‬


‫()احمد الشريف ‪ :‬مكة والمدينة ‪. 357_ 356‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪164‬‬
‫وكان لموقع يثرب على طريق القوافل التجارية بين اليمن والشام أثره في‬
‫نشاط الحركة التجارية فيها ذكر اليعقوبي ذل‪TT T‬ك فقال (( أن البح‪TT T‬ر االعظم البح‪TT T‬ر‬
‫االحمر )) يبعد منها على ثالثة أيام ‪ ,‬وس‪T‬احلها موض‪TT‬ع يقال ل‪T‬ه (الجار) ‪ ,‬اليه ترس‪T‬ي‬
‫فكانت تص‪TT‬ل الى ب‪TT‬ثرب‬ ‫(‪)1‬‬
‫مراكب البحار والمراكب التي تحمل الطعام من مص‪TT‬ر ))‬
‫منتجات الشام واليمن س‪TT‬الكة الطريق ال‪TT‬بري والطريق البح‪TT‬ري عبر البح‪TT‬ر االحمر ‪,‬‬
‫واقيمت االسواق التجارية ومن أشهر تلك االس‪TT‬واق في الجاهلية ‪ :‬س‪TT‬وق ب‪TT‬ني قينقاع ‪,‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وسوق زبالة ‪ ,‬وسوق الجسر ‪ ,‬وسوق الصفاصف ‪ ,‬وسوق البطحاء‬
‫أما من الناحية الص‪TT T‬ناعية فقد قامت في يثرب بعض الص‪TT T‬ناعات البس‪TT T‬يطة‬
‫كص‪TT T‬ناعة الخمور المس‪TT T‬تخرجة من التمور ‪ ,‬ثم ص‪TT T‬ناعة المكاتل والقف‪TT T‬ف من س‪TT T‬عف‬
‫النخيل ‪ ,‬كما برع يهود بني قنيقاع بصناعة التحف المعدنية كالحلي وأدوات الزينة ثم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫صناعة االسلحة والدروع‬
‫د _ سكان يثرب _ كان أول من نزل من يثرب هم العماليق ‪ ,‬فأقام فيها قبائل منهم _‬
‫بنو هف وسعد بن هفان وبنو مطرويل _ ثم سكنها بعدهم اليهود ‪ ,‬وبعد الس‪TT‬يل العرم‬
‫وانهيار س ‪TT‬د مأرب قدمت الى يثرب قبائل االوس والخزرج فانتشرت في جنوبها‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫وشمالها حتى أحد‬
‫(‪ )1‬اليهود _ ذكر االخباريون العرب ان اول سكن لليهود بالحجاز ويثرب كان على أيام‬
‫موس ‪TT‬ى بن عمران عليه الس ‪TT‬الم فزعموا انه أرس ‪TT‬ل جندا من ب ‪TT‬ني اس ‪TT‬رائيل الى‬
‫الحجاز وأمرهم ب ‪TT‬ان ال يس ‪TT‬تقبوا من العماليق اح ‪TT‬دا بلغ الحلم (فقدموا فأظهرهم‬
‫اهلل ‪ ,‬فقتلوهم ‪ ,‬واص ‪TT‬ابوا ابن ملكهم االرقم وكان احس ‪TT‬ن الناس وجها فلم يقتلوه‬
‫واخذوه معهم الى موسى عليه السالم والذي كان قد توفي قب‪T‬ل عودتهم فلم يس‪T‬مح‬

‫()اليعقوبي _ البلدان ص ‪. 73‬‬ ‫‪1‬‬

‫()حتي _ تاريخ العرب ج ‪ 1‬ص ‪ , 146‬سالم _ دراسات ص ‪. 562‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ولفنسن تاريخ اليهود _ ص‪. 19‬‬ ‫‪3‬‬

‫()زيدان _ العرب قبل االسالم ص ‪ , 281 , 280‬علي ابراهيم حس‪T‬ن ‪ ,‬التاريخ االس‪T‬المي العام‬ ‫‪4‬‬

‫ص ‪. 111 _ 110‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪165‬‬
‫لهم اليهود باالقامة بالشام النهم خالفوا أمر نبيهم ‪ ,‬فرجعوا الى الحجاز واقاموا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫به ونزل جمهورهم يثرب )‬
‫أما الروايات اليهودية فتب‪TTT‬دوا اقرب الى الحقيقة من الرواية الس‪TTT‬ابقة ‪,‬‬
‫فذكر بنو قريظة ان الروم ظهروا على الشام فقتلوا من بني اسرائيل خلقا كثيرا ‪,‬‬
‫فخرج بنو قريظة والنضير وهدل هاربين من الشام يريدون الحجاز ال‪T‬ذي فيه بنو‬
‫اسرائيل ليسكنوا معهم فلما فصلوا من الشام وجه ملك ال‪TT‬روم في طلبهم ن يردهم‬
‫فاعجزوا رسله وفاتوهم ))(‪. )2‬‬
‫وهكذا كان ظهور ال‪TTT‬روم في بالد الشام ومهاجمتهم فلس ‪TT‬طين قد أدى الى‬
‫تقويض اركان الدول‪TT‬ة اليهودية فبس‪TT‬ط ال‪TT‬روم نف‪TT‬وذهم على البالد اال أن اليهود اليهود‬
‫قاموا بعدة ثورات ‪ ,‬فعمد الرومان الى اس‪TT T‬تعمال الشدة في اخماد تلك الثورات‬
‫فاضطر اليهود الى النزوح الى الجزيرة لعربيه (( ال‪TT‬تي كانت احب اليهم من غيره‪TT‬ا‬
‫نظ ‪TT‬را ألنظمتها البدوية الح ‪TT‬رة ونظ ‪TT‬را لوجوده ‪TT‬ا في أقاليم رملية بعيدة تعوق س ‪TT‬ير‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫القوات الرومانية المنظمة وتمنع توغلها ))‬
‫وفي س‪TT‬نة ‪ 70‬م قام الرومان في عهد االمبراطور طيطس بمهاجمة اليهود‬
‫فدمروا معب ‪TT T‬دهم (( هيكل بيت القدس )) مما أدى الى ه ‪TT T‬روب من بقي منهم الى‬
‫جزيرة العرب فاس ‪TT‬توطنوا أخص‪TTT‬ب بقاع الحجاز في يثرب وفدك وخيبر وتيماء‬
‫ووادي القري(‪.)4‬‬
‫وكانت يثرب تض‪TT‬م من اليهود قب‪TT‬ل أن يس‪TT‬كنها االوس والخزرج قبائل _ بنو‬
‫عكرمة وبنو ثعلبة وبنو محمر وبنو زعةرا وبنو قينقاع وبنو زيد وبنو النض‪TT‬ير وبنو‬
‫قريظ‪TTT‬ة وبنو بهدل وبنو عوف وبنو القص‪TT T‬يص ‪ .‬وفي يثرب اقام ه‪TTT‬ؤالء اليهود‬
‫الحصون ( االطام) على قمم الجمال ليتحص‪T‬نوا بمها في اوقات الح‪T‬روب ويلجأ اليها‬

‫()المسعودي ‪ :‬وفاء الوفاء ص ‪. 109‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ياقوت _ معجم البلدان ‪،‬ج‪ ، 8‬ص‪. 165‬‬ ‫‪2‬‬

‫()اس ‪TT‬رائيل ولفنس ‪TT‬ون _ تاريخ اليهود في بالد العرب في الجاهلية وص ‪TT‬در االس ‪TT‬الم ط مص ‪TT‬ر‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 1927‬ص ‪. 9‬‬
‫()سالم _ دراسات ص ‪. 547‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪166‬‬
‫النس ‪TT‬اء والشيوخ واالطف ‪TT‬ال فكثروا ما كان اليهود يتعرض ‪TT‬ون لغ ‪TT‬زو الط ‪TT‬امعين في‬
‫اموالهم وحص‪TT T‬االتهم الزراعية من االعراب او البط‪TT T‬ون اليهودية االخرى ‪ ،‬ومن‬
‫اشهر تلك الحص‪TT T‬ون حص‪TT T‬ن االبلق للس‪TT T‬مؤل وحص‪TT T‬ن القمومي لب‪TT T‬ني ابي الحقيق‬
‫‪ .‬وكان اكبر تلك القبائل اليهودية‬ ‫(‪)1‬‬
‫وحصون الساللم والوطيح وناعم وسعد بن معاذ‬
‫في يثرب ثالث – بنو قريظ‪TT‬ة وبنو النض‪TT‬ير وبنو قينقاع واقامت بجوارهم بط‪TT‬ون‬
‫يهودية ص‪TT‬غيرة فكان بنو قريظ‪TT‬ة ينزلون على وادي مهزور مع اخوانهم بنو ه‪TT‬ذل‬
‫وعمرو ‪ ،‬اما بنو النض ‪TT‬ير فقد نزل ‪TT‬وا على مذينيب ‪ ،‬ونزل بنو قينقاع عند منتهى‬
‫‪ .‬وقد تأثر ه‪T‬ؤالء بجيرانهم العرب ‪ ،‬فانقس‪T‬موا الى‬ ‫(‪)2‬‬
‫جس‪T‬ر بطح‪T‬ان مما يلي العالية‬
‫قبائل وبط‪TT‬ون ‪ ،‬واتخذوا اس‪TT‬ماء عربية ‪ ( ،‬وكانت لغتهم العربية لكنها غ‪TT‬ير خالص‪TT‬ة‬
‫مشوبة بالرطانة العبرية النهم لم يتركوا اس‪T‬تعمال اللغ‪T‬ة العبرية تركا تماما ب‪T‬ل كانوا‬
‫يستعملونها في صلواتهم ودراستهم فكان من الضروري ان يدخل في عربيتهم بعض‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫كلماتها )‬
‫‪ .2‬العرب ‪ :‬كان يس‪TT T‬كن يثرب مع اليهود عدة بط‪TT T‬ون عربية قب‪TT T‬ل هجرة االوس‬
‫والخزرج من تلك البط‪TT‬ون – بنو الحرمان وهم حي من اليمن ‪ ،‬وبنو مرثد حي من‬
‫بلي ‪ ،‬وبنو نيف حي من بلي ايض ‪ًT‬ا ‪ ،‬وبنو معاوية وهم حي من ب ‪TT‬ني س ‪TT‬ليم ‪ ،‬ثم بنو‬
‫الح‪T‬ارث بن بهته وبنو الشظية حي من غس‪T‬ان ‪ ،‬وقد بقيت ه‪T‬ذه البط‪T‬ون العربية اديان‬
‫ابائها القديمة ولم تعتنق اليهودية فعدت من موالي (‪ .)4‬ثم نزحت قبائل االوس‬
‫والخزرج من اليمن على أثر انكسار سد مأرب ( السيل العرم ) فنزلوا يثرب واقاموا‬
‫فيها مع اليهود فس‪TT‬كن االوس جنوب وشرق يثرب اما الخزرج فس‪TT‬كنوا في شمالها‬
‫الغ‪TT T‬ربي وجاوروا يهود ب‪TT T‬ني قينقاع ووجد االوس والخزرج ان الس‪TT T‬يادة في يثرب‬
‫لليهود واالموال واآلطام بأيديهم والعدة والقوة معهم فرغب‪TT‬وا في مس‪TT‬لمتهم وس‪TT‬ألوهم ان‬

‫()ولفنسون – تاريخ اليهود ص ‪ ، 16‬جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 6‬ص ‪.11‬‬ ‫‪1‬‬

‫سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 549-548‬‬


‫()سالم – دراسات ‪ ،‬ص ‪. 549‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ولفنسون – تاريخ اليهود ص ‪. 20‬‬ ‫‪3‬‬

‫()االصفهاني – االغاني ج ‪19‬ص ‪ ، 95‬ولفنسون ‪ ،‬تاريخ اليهود‪ ،‬ص‪. 14‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪167‬‬
‫يعقدوا معهم حلف‪TT‬ا وجوارا يأمن ب‪TT‬ه بعض‪TT‬هم من بعض فأجابهم اليهود الى ذل‪TT‬ك رغب‪TT‬ة‬
‫منهم في ض‪TT‬مان س‪TT‬يادتهم على يثرب من جهة وليس‪TT‬تخدموا حلف‪TT‬اءهم في ال‪TT‬دفاع عنها‬
‫من جهة اخرى باإلض ‪TT T‬افة الى االس ‪TT T‬تفادة من خبرات ه ‪TT T‬ؤالء العرب في المجال‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الزراعي والتجاري‬
‫وقد افاد عرب االوس والخزرج من ه ‪TT‬ذا الحلف وص ‪TT‬ار لهم مال وعدة ‪،‬‬
‫االمر ال ‪TT‬ذي أثار مخاوف اليهود فس ‪TT‬عوا الى نقض الحلف ال ‪TT‬ذي بينهما ‪ " ،‬فأقامت‬
‫االوس والخزرج في منازلهم وهم خائفون ان تحتلهم يهود " فظهر بين االوس‬
‫والخزرج رجل انف ان يظ‪TT‬ل قومه تحت رحمة اليهود ‪ ،‬فعزم على وض‪TT‬ع ح‪TT‬د ل‪TT‬ذلك‬
‫الرجل ه ‪TT‬و مال ‪TT‬ك بن العجالن ‪ ،‬وتذكر الروايات العربية ان مال ‪TT‬ك وثب على زعيم‬
‫يهودي يقال له الفطيون وقتله ‪ ،‬ثم خرج الى بالد الشام ملتمسا النصرة من ابي جبيلة‬
‫على يهود يثرب ‪ ،‬فلم يتردد الملك الغس‪TT‬اني في نص‪TT‬رته وس‪TT‬ار الى بالد‬ ‫(‪)2‬‬
‫الغس‪TT‬اني‬
‫متظ ‪TT‬اهرا بقص ‪TT‬د بالد اليمن فلما اص ‪TT‬بح على مشارف يثرب اتص ‪TT‬ل بزعماء االوس‬
‫والخزرج الذين نص‪T‬حوه ب‪T‬دعوة رؤوس‪T‬اء اليهود ووجوههم واستئص‪T‬الهم ‪ ،‬فص‪T‬نع ملك‬
‫غس ‪TT‬ان طعاما دعي اليه رؤوس ‪TT‬اء اليهود فلما حض ‪TT‬روا عنده وثب عليهم وقتلهم عن‬
‫اخرهم ‪ ،‬فاصبح للعرب الغلبة على يهود يثرب ‪ .‬واتخذوا ال‪TT‬ديار واالموال " وتف‪T‬رقت‬
‫االوس والخزرج في عالية المدينة وس‪T‬افلتها ونزل يعض‪TT‬هم في مناطق كانت مهجورة‬
‫فعمروها ومنهم من لجأ الى قرية من قرى يثرب واتخذوا االموال وااللهام ‪ ،‬وابتنوا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مائة وسبعة وعشرين أطما‬
‫اال ان الخالف س‪TT‬رعان ما وقع بين االوس والخزرج فاندلعت الح‪TT‬روب بين‬
‫الط‪TT‬رفين واس‪TT‬تمرت ح‪TT‬تى قبيل الهجرة النبوية الى يثرب ‪ ،‬وكان اول تلك الح‪TT‬روب‬
‫الح‪TT‬رب المعروفة بح‪TT‬رب س‪TT‬عير ‪ ،‬ثم يوم الس‪TT‬رارة ويوم ال‪TT‬ديك ويوم فارع ‪ ،‬ثم يوم‬

‫()علي ابراهيم حسن – التاريخ االسالمي العام ص ‪. 114‬‬ ‫‪1‬‬

‫()لعل المقص‪T‬ود ب‪T‬ابي جبيلة الغس‪T‬اني ه‪T‬و الح‪T‬ارث بن جبيلة الغس‪T‬اني اح‪T‬د ملوك الغساس‪T‬نة ( س‪T‬الم‬ ‫‪2‬‬

‫دراسات ‪ ،‬ص ‪. ) 546‬‬


‫()محمد بن محمود بن النجار – ال‪TT T‬درة الثمينة في تاريخ المدينة ط مص‪TT T‬ر ‪ 1956‬ص ‪327‬‬ ‫‪3‬‬

‫السمهودي وفاء الوفا ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 134‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪168‬‬
‫الفجار االول والثاني وكان اخرها يوم بعاث الذي حدث قبل الهجرة بخمس سنين وقد‬
‫لعب يهود يثرب دورا ب‪TT‬ارزا في اشعال نيران الفتنة بين االوس والخزرج طعما في‬
‫وكان من نتائج الح ‪TT‬روب‬ ‫(‪)1‬‬
‫تف ‪TT‬تيت وح ‪TT‬دتهم وامال في اس ‪TT‬ترجاع س ‪TT‬يادتهم في يثرب‬
‫بيت عرب االوس والخزرج اض ‪TT‬طراب الحياة االقتص ‪TT‬ادية في يثرب وفقد الفريقان‬
‫خسائر كبيرة في االرواح واالموال واالمالك ‪ ،‬االمر الذي دفعهم الى التفكير ب‪TT‬إحالل‬
‫السالم بينهما ‪ ،‬لقط‪T‬ع الطريق امام يهود يثرب ال‪T‬ذين كانوا يس‪T‬عون الى ابقاء الخالف‬
‫بين االوس والخزرج فاتفق رأيهما على تولية واح‪TT‬د منهم اميرا وس‪TT‬يدا عليهم ‪ ،‬فكان‬
‫عب‪TT T‬د اهلل بن علي بن س‪TT T‬لول العوفي س‪TT T‬يدا على الخزرج وابي عامر عب‪TT T‬د عمر بن‬
‫ص ‪TT‬يفي بن النعمان س ‪TT‬يدا على االوس وبينما كانت الخزرج تنوي تتويج عبداهلل ابن‬
‫ابي ملكا وتنظم ل‪TT‬ه الخرز – شار الملك عندهم – فاجأهم الرس‪TT‬ول االعظم ص‪TT‬لى اهلل‬
‫عليه وس ‪TT‬لم ب ‪TT‬الهجرة المباركة الى يثرب ‪ ،‬تلك الهجرة ال ‪TT‬تي كانت نقط ‪TT‬ة تح ‪TT‬ول في‬
‫تاريخ االسالم ‪ ،‬فلما رأى عبداهلل بن ابي انص‪TT‬راف قومه عنه ودخولهم في االس‪TT‬الم "‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫دخل فيه كارها مصرا على نفاق وضعن "‬
‫اما اب‪TT‬و عامر س‪TT‬يد االوس فانه غ‪TT‬ادر يثرب في بض‪TT‬عة عشر رجال الى مكة‬
‫مفارقا لإلس‪TT‬الم ‪ ،‬فلما فتح اهلل تعالى على رس‪TT‬وله مكة تركها الى الط‪TT‬ائف فلما فتحها‬
‫الرسول صلى اهلل عليه وسلم ودخل اهلها في االس‪T‬الم س‪T‬ار الى بالد الشام حيث مات‬
‫هناك(‪.)3‬‬
‫الطائف‬
‫أ‪ .‬الموقع والمناخ ‪ :‬تقع الط‪T‬ائف في الجنوب الشرقي من مكة على بعد خمس‪T‬ة وس‪T‬بعين‬
‫ميال نهت ‪ ،‬ترتف ‪TT‬ع عن س ‪TT‬طح البح ‪TT‬ر نح ‪TT‬و خمس ‪TT‬ة االف واربعمائة قدم على ظهر‬
‫ويحيط بالط‪TT‬ائف‬ ‫(‪)4‬‬
‫جب‪TT‬ل غ‪TT‬زوان من جب‪TT‬ال الس‪TT‬راة ال‪TT‬تي تمتد بح‪TT‬ذاء البح‪TT‬ر االحمر‬
‫نط ‪TT‬اق من المزارع والبس ‪TT‬اتين تمتد نح ‪TT‬و ثالثة او اربعة كيلومترات من المركز‬

‫()السمهودي – وفاء الوفا ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 155‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ابن هشام – السيرة ج‪ 2‬ص ‪ ، 235 ، 234‬علي ابراهيم حسن – التاريخ االسالمي العام ص‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ، 115‬سالم دراسات في تاريخ العرب ‪ ،‬ص ‪. 560‬‬


‫()نفس المصدر = السيرة ج‪ 2‬ص ‪. 235‬‬ ‫‪3‬‬

‫()المقدسي – احسن التقاسيم ص ‪، 79‬علي ابراهيم حسن – التاريخ االسالمي العام ص ‪. 116‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪169‬‬
‫العمراني بالمدينة ‪ ،‬ويط‪T‬وق جب‪T‬ل غ‪T‬زوان جابنا من ه‪T‬ذه المزارع بينما ينفتح س‪T‬هل‬
‫الط‪T‬ائف تجاه مكة ‪ .‬والى الشرق من الط‪T‬ائف يقع وادي لية ‪ ،‬وب‪T‬القرب منها ايض‪ًT‬ا‬
‫‪ .‬اما مناخ الطائف فمعتدل نظرا الرتفاعها وكثرة‬ ‫(‪)1‬‬
‫يقع وادي ركبة ووداي مطار‬
‫المزارع والبس‪TT T‬اتين حولها ‪ ،‬وقد وص‪TT T‬فها المقدس‪TT T‬ي ( بانها شامية الهواء ب‪TT T‬اردة‬
‫الماء ) فكانت مص‪TT‬يفا أله‪T‬ل مكة يلجئون اليها عند اشتداد الح‪T‬رارة ص‪TT‬يفا ‪ ،‬اما في‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الشتاء فيكون فيها الطقس بارد الى حد تتجمد معه المياه‬
‫وكانت الط ‪TT‬ائف تعرف قديما باس ‪TT‬م ( وج ) نس ‪TT‬بة الى وادي وج ال ‪TT‬ذي ينس ‪TT‬ب‬
‫‪ ،‬ويرجع بعض المؤرخين تس ‪TT‬ميتها بالط ‪TT‬ائف‬ ‫(‪)3‬‬
‫الى وج بن عب ‪TT‬د الحي من العماليق‬
‫الى ان رجال من الص‪TT T‬دف يقال ل‪TT T‬ه ال‪TT T‬دمون بن عب‪TT T‬د الملك كان قد قتل ابن عم ل‪TT T‬ه‬
‫حض ‪TT‬رموت فخرج هارب ‪TT‬ا ح ‪TT‬تى نزل بموض ‪TT‬ع الط ‪TT‬ائف ‪ ،‬فح ‪TT‬الف اح ‪TT‬ر اشارفها وه ‪TT‬و‬
‫مس ‪TT‬عود بن معتب الثقفي ‪ ،‬وتزوج من ثقيف فأقام لهم في مقاب ‪TT‬ل طوقا مثل الحائط‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫حتى ال يصل اليهم احد من العرب فسمي الموضع بالطائف‬
‫ب‪ .‬س‪T‬كان الط‪T‬ائف ‪ :‬كان غالبية س‪T‬كان الط‪T‬ائف من ثقيف وقد كان لهم فيها بيتا يس‪T‬ترونه‬
‫بالثياب ويهدون له الهدى ويطوفون حوله ويسمونه الربة يضم بداخلة صخرة‬
‫‪ ،‬باإلض‪TT‬افة‬ ‫(‪)5‬‬
‫مربعة تعرف بالالت فكانوا يعظمونه كتعظيم اه‪TT‬ل مكة للكعب‪TT‬ة‬
‫الى ثقيف س‪TT T‬كن الط‪TT T‬ائف جماعة من حمير وهم من أزد الس‪TT T‬راة وقوم من‬
‫قريش من كنانة وعذرة كما س‪TT T‬كنها جماعة من ه‪TT T‬وزان واالوس ومزينة‬
‫وجهينة وطائف ‪TT‬ة من اليهود ال‪TTT‬ذين اقاموا فيها للتجارة كما س ‪TT‬كنها قوم من‬
‫الروم(‪.)6‬‬
‫الحياة االقتص‪TT T‬ادية في الط‪TT T‬ائف ‪ :‬تأتي الط‪TT T‬ائف بعد مكة من حيث االهمية‬ ‫ت‪.‬‬
‫االقتصادية فاسمها يقترن عادة بمكة فيقال مكة من الطائف والط‪T‬ائف من مكة‬

‫()سالم – دراسات في تاريخ العرب ص ‪. 522‬‬ ‫‪1‬‬

‫()المقدسي – احسن التقاسيم ص ‪. 79‬‬ ‫‪2‬‬

‫()سالم – دراسات ص ‪. 521‬‬ ‫‪3‬‬

‫()ياقوت – معجم البلدان ‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪. 198‬‬ ‫‪4‬‬

‫()ابن هشام – السيرة ج‪ 1‬ص ‪ ، 49‬علي ابراهيم حسن التاريخ االسالمي ص ‪. 118-117‬‬ ‫‪5‬‬

‫()سالم ‪ -‬دراسات ص ‪. 532-531‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪170‬‬
‫وكانتا تس‪TT‬ميان ب‪TT‬القريتين من قول‪TT‬ه تعالى " وقالوا ل‪TT‬وال نزل ه‪TT‬ذا القران على‬
‫وتعتبر الزراعة عماد ال‪TT‬ثروة االقتص‪TT‬ادية في‬ ‫(‪)1‬‬
‫رجل من القريتين عظيم "‬
‫الطائف وقد ساعد على قيامها جودة التربة وتوافر المياه ومالئمة المناخ مما‬
‫ادى الى قيام نشاط زراعي على نط ‪TT‬اق واس ‪TT‬ع ‪ ،‬فانتشرت حولها المزارع‬
‫والبساتين التي تنتج انواع الفاكهة والخض‪TT‬روات ‪ ،‬وكانت مكة تعتمد على ما‬
‫وفي مقدمة حاص‪TT‬الت الط‪TT‬ائف الرمان والموز‬ ‫(‪)2‬‬
‫تنتجه الط‪TT‬ائف من الفواكه‬
‫وال‪TT T‬تين والعنب والزيتون والخوخ والس‪TT T‬فرجل والبطيخ والقمح وكان لتمور‬
‫وكروم الط ‪TT‬ائف شهرة واس ‪TT‬عة في بالد العرب وقد ذكر ياقوت ذل ‪TT‬ك فقال‬
‫( فيها العنب العذب ما ال يوجد مثله في بلد من البلدان واما زبيبها فيض‪TT‬رب‬
‫‪ .‬والى جانب من حرفة الزراعة مارس اهل الطائف تربية‬ ‫(‪)3‬‬
‫بحسنة المثل )‬
‫النح‪TT‬ل فقد كان العمل اح‪TT‬د مص‪TT‬ادر ال‪TT‬ثروة االقتص‪TT‬ادية عندهم واكتس‪TT‬ب عس‪TT‬ل‬
‫الط ‪TT‬ائف شهرة واس ‪TT‬عة في س ‪TT‬ائر بالد العرب في الجاهلية واالس ‪TT‬الم ‪ ،‬كذلك‬
‫اس‪TT T‬تفاد س‪TT T‬كان الط‪TT T‬ائف من اشجار الغاب‪TT T‬ات المجاورة لهم على س‪TT T‬فوح جب‪TT T‬ل‬
‫غ‪TT T T‬زوان فاتخذوا الحطب للوقود وص‪TT T T‬ناعة الفحم واس‪TT T T‬تخرجوا القط‪TT T T‬ران ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫باإلضافة الى استغالل تلك الغابات لصيد مختلف الحيوانات والفهود‬
‫اما من ناحية التجارة فكان لموقع الط ‪TT‬ائف على ط ‪TT‬رق القوافل االتية من‬
‫الجنوب اثره في انتعاش التجارة فيها وكانت القوافل تخرج الى مكة حاملة ال‪TT‬زبيب‬
‫والقمح والعسل واالديم كل يوم باإلض‪TT‬افة الى العط‪TT‬ر ال‪TT‬ذي كان يمد الى اه‪TT‬ل مكة بما‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫يحتاجونه من طيب‬

‫()سورة الزخرف ‪ 43‬اية ‪ 31‬سالم ‪ ،‬دراسات ‪. 524‬‬ ‫‪1‬‬

‫()المقدسي – احسن التقاسيم ص ‪. 79‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ياقوت – معجم البلدان ج‪ ،6‬ص‪.178‬‬ ‫‪3‬‬

‫()سالم – دراسات ‪. 528-527‬‬ ‫‪4‬‬

‫()علي ابراهيم حسن – التاريخ االسالمي العام ص ‪. 117‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪171‬‬
‫الفصل السادس‬
‫التاريخ الحضاري عند العرب قبل‬
‫االسالم‬
‫طبقات المجتمع ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫صفات العرب ‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫األسرة في المجتمع الجاهلي ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫مكانة المرَاة في العصر الجاهلي ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫الوأد ‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫المعتقدات الدينية عند العرب قبل األسالم‬
‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪172‬‬
‫االصنام ‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫االوثان‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫االنصاب ‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫الحج ‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫األديان الخارجية‬
‫اليهودية‬ ‫‪.1‬‬
‫النصرانية‬ ‫‪.2‬‬
‫أديان اخرى‬ ‫‪.3‬‬
‫التاريخ الحضاري‬ ‫‪.4‬‬
‫الحياة االجتماعية في المجتمع الجاهلي‬
‫أوال طبقات المجتمع ‪ :‬ينقسم المجتمع الجاهلي الى ثالث طبقات اجتماعية ‪:‬‬
‫العرب الصليبة ‪ :‬وهم جمهور ابناء القبيلة الص‪T‬رحاء وعماده‪T‬ا وقوامها ال‪T‬ذين‬ ‫‪)1‬‬
‫يرتبط ‪TT‬ون فيما بينهم برابط ‪TT‬ة ال ‪TT‬دم ‪ ،‬وينح ‪TT‬درون من أص ‪TT‬ل واح ‪TT‬د مشترك ه ‪TT‬و‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الجد األعلى للقبيلة ‪ ،‬وكان لهؤالء حق االحتفاظ بحريتهم وحق االجارة‬
‫الحلف‪TT T‬اء ‪ :‬وافراد ه‪TT T‬ذه الطبقة من المجتمع الجاهلي لم تكن تربطهم بابناء‬ ‫‪)2‬‬
‫القبيلة رابط ‪TT‬ة ال ‪TT‬دم ‪ ،‬انما لجأوا الى القبيلة على اس ‪TT‬اس المواالة ب ‪TT‬الجوار ‪،‬‬
‫ومعظم ه‪TT T‬ؤالء من الخلعاء ال‪TT T‬ذين ارتكب‪TT T‬وا من الجرائم ما دعي قب‪TT T‬ائلهم الى‬
‫التبرأ منهم وخلعهم ‪ ،‬وكان الخلع يتم في االس ‪TT T‬واق والمحافل على مرأى‬
‫ومس ‪TT‬مع من الناس ‪ ،‬وفي ه ‪TT‬ذه الحال ‪TT‬ة يض ‪TT‬طر الخليع الى اللجوء الى اح ‪TT‬دى‬
‫القبائل ويض‪TT‬ع نفس‪TT‬ه في خدمتها ‪ ،‬في مقاب‪TT‬ل الحص‪TT‬ول على حمايتها والعيش‬
‫ويص‪TT‬بح من واجب‪TT‬ه الوفاء بجميع حقوقها ‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫في كنفها بأمان وينال شرفها‬

‫()كمال اليازجي ‪ :‬معالم الفكر العربي في العص‪T‬ر الوس‪T‬يط ‪ ،‬ب‪TT‬يروت ‪ ، 1960‬ص ‪ . 18‬ص‪T‬الح‬ ‫‪1‬‬

‫العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص‪. 134‬‬


‫()صالح العلي ‪ :‬محاظرات في تاريخ العرب ص‪ ،134‬سالم دراسات ص ‪. 60‬‬ ‫‪2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪173‬‬
‫مثله مثل ابنائها ‪ ،‬ومن ه‪TT‬ؤالء الخلعاء طائفية الص‪TT‬عاليك المشهورة ‪ ،‬وكانوا‬
‫يمض‪TT‬ون على وجوههم في الص‪TT‬حراء فيتخذون النهب وقط‪TT‬ع الطريق س‪TT‬يرتهم‬
‫ودأبهم ‪ .‬مثل ‪ :‬تأب‪TT T‬ط شرا ‪ ،‬والس‪TT T‬ليك بن الس‪TT T‬لكة ‪ ،‬والشنفري ‪ ،‬ومنهم من‬
‫يظل في قبيلة لفضل فيه مثل عروة بن الورد ‪ ،‬فقد كان كريما ‪ ،‬فأثر عن انه‬
‫كان يجمع الى خيمته فقراء قبيلته عبس ومعوزيها ومرض ‪TT‬اها ‪ ،‬متخذا لهم‬
‫حض‪TT‬ائر يأوون فيها ‪ ،‬قاس‪TT‬ما بينه وبينهم مغانمة(‪. )1‬وقد شاع نظ‪TT‬ام االحالف‬
‫وانتشر انتشارا واس ‪TT‬عا قبيل االس ‪TT‬الم ‪ ،‬واالحالف اما فردية أو جماعية أي‬
‫تح ‪TT‬الف قبيلة مع قبيلة أخرى ‪ ،‬والحلف في ه ‪TT‬ذه الحال ‪TT‬ة األخيرة أقرب الى‬
‫المعاه‪TT T‬دات ‪ ،‬ومن امثال ه‪TT T‬ذا النوع من االحالف ‪ :‬حلف المطيبين وحلف‬
‫الفضول ‪ ،‬وحلف الرباب ‪ ،‬وحلف الحمس ‪ ،‬وحلف قريش واألح‪T‬ابيش ‪ ،‬ويتم‬
‫الحلف عادة بالقسم ليكتسب ص‪TT‬بغة دينية ‪ ،‬فكان العرب يعتقدون الحلف على‬
‫دم ال‪TT‬ذبائح ‪ ،‬أو بغمس األيدي في جف‪TT‬ان مملوءة بال‪TT‬دماء فيعلق ال‪TT‬دم ليعوض‬
‫ال ‪TT T‬دم الملعوق عن ال ‪TT T‬دم الموروث ‪ ،‬أو بغمس األيدي في الطيب ( كحلف‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫المطيبين) ‪ ،‬أو في الرب ‪ ،‬وهو عصارة الثمار (كحلف الرباب )‬
‫العبيد ‪ :‬وهم أدنى طبقات المجتمع ‪ ،‬واغلب أفراد ه‪TT‬ذه الطبقة هم من أس‪TT‬رى‬ ‫‪)3‬‬
‫الح ‪TT‬روب ‪ ،‬وكان بعض ‪TT‬هم نتيجة الشراء من افريقية او ال ‪TT‬والدة أو ال ‪TT‬دين أو‬
‫القمر ‪ ،‬ويعتبرون ملكا يب ‪TT‬اع ويشترى بيع األموال المنقول ‪TT‬ة ‪ ،‬ويعهد اليهم‬
‫باالعمال اليدوية ال‪TT‬تي يأنف العرب القيام بها ‪ ،‬كالرعي والح‪TT‬دادة والحجامة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫والنجارة‬
‫‪ ،‬مثقلة‬ ‫(‪)4‬‬
‫وطبقة العبيد ه ‪TT‬ذه طبقة محرومة ال تملك شيئا من الحرية االجتماعية‬
‫بالواجب ‪TT‬ات نح ‪TT‬و س ‪TT‬اداتها ‪ ،‬وكان يح ‪TT‬دث في بعض االحيان أن يس ‪TT‬تعيد بعض‬

‫() شوقي ضيف ‪ :‬العصر الجاهلي ص ‪. 67‬‬ ‫‪1‬‬

‫() ص ‪TT‬الح العلي محاض ‪TT‬رات في تاريخ العرب ‪ . 136 ،134‬ماجد ‪ :‬التاريخ السياس ‪TT‬ي للدول ‪TT‬ة‬ ‫‪2‬‬

‫العربية ج‪ 1‬ص ‪. 52‬‬


‫() سالم ‪ :‬دراسات ص‪. 601_600‬‬ ‫‪3‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 8‬ص ‪.42‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪174‬‬
‫هؤالء العبيد حريتهم مقابل خدماتهم ألسيادهم تبرر عتقهم وتحرير رقابهم(‪.)1‬‬
‫وقد عرف ابناء االماء ال ‪TT‬بيض من َاب ‪TT‬اء عرب بالهجناء ‪ ،‬أما ابناء االمام‬
‫‪.‬‬ ‫السود فيطلق عليهم اسم أغربة العرب‬
‫(‪)2‬‬

‫ثانيا ‪ :‬صفات العرب ‪:‬‬


‫أ‪ -‬الكرم ‪ :‬أشتهر العرب منذ القدم بكرمهم وترحيبهم بالض‪TT‬يف واالحتف‪TT‬اء ب‪TT‬ه ‪ ،‬فلم‬
‫‪ .‬وقد اعتبر‬ ‫(‪)3‬‬
‫تكن عندهم خص ‪TT‬لة تف ‪TT‬وق خص ‪TT‬لة الكرم واغاثة الب ‪TT‬ائس الفقير‬
‫العربي الكرم اح‪TT‬دى مظ‪TT‬اهر الس‪TT‬يادة عندهم ‪ ،‬فكانوا يتب‪TT‬اهون بكثرة األض‪TT‬ياف ‪،‬‬
‫وكان من عاداتهم المشهورة في ذل‪T‬ك ‪ ،‬انهم كانوا يوقدون النا في الليالي الب‪T‬اردة‬
‫لتمكن الغرب‪TT‬اء من االهتداء بها وال‪TT‬نزول ض‪TT‬يوفا على اص‪TT‬حابها ‪ ،‬وكانوا يوقدون‬
‫النيران في االماكن المرتفعة لتكون أشهر ‪ ،‬وربما أوقدوها (بالمندلي ال‪TT‬رطب )‬
‫ليهتدي بها العميان ‪ ،‬وهذه النار عندهم أجل سائر نيرانهم ‪ ،‬وفي ذلك‬ ‫(‪)4‬‬

‫يقول الشاعر ‪:‬‬


‫اذا النيران ألبست القناعا‬ ‫(‪)5‬‬
‫له نار تشب على يفاع‬
‫(‪)6‬‬
‫ولكن كان أربحهم ذراعا‬ ‫ولم يِك اكثر الفتيان ماال‬
‫كما كانوا يجتذبون الض‪TT T‬يف بنب‪TT T‬اح الكالب ‪ .‬واذا ح‪TT T‬دث ان ض‪TT T‬ل أح‪TT T‬د‬
‫الغرب ‪TT‬اء الطريق ولم ير نارا نبح كما تنبح الكالب ‪ .‬فتنبح الكالب على نباح ‪TT‬ه ‪،‬‬
‫فيتمكن ب ‪TT T T‬ذلك من االهتداء الى مكان الحي ‪ ،‬وكنت الكالب تكافئ على ذل ‪TT T T‬ك‬
‫بنصب من لحوم الماشية التي تنحر للضيوف ‪ .‬وفي ذلك يقول نابغة بن جعدة ‪:‬‬

‫()اليازجي ‪ :‬معالم الفكر العربي ص ‪. 18‬‬ ‫‪1‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 601‬‬ ‫‪2‬‬

‫()احمد امين ‪ :‬فجر االسالم ‪ ،‬بيروت ‪ ، 1969‬ص‪ . 10‬شلبي ‪ :‬التاريخ االسالمي ج‪ 1‬ص ‪83‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪.‬‬
‫()المندلي الرطب ‪ :‬عطر ينسب الى مندل _ بلدة من بالد الهند _ مما يتبخ به ( االلوسي ‪ :‬بلوغ‬ ‫‪4‬‬

‫االرب ج‪ 1‬ص ‪. ) 69‬‬


‫()اليفاع ‪ :‬المكان المرتفع ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫()الذراع ‪ :‬يراد به النفس ‪ .‬االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 1‬ص‪. 70 _69‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪175‬‬
‫لينبح كلب او ليف‪TT T T‬زع نوم‬ ‫عوى في س‪TT T T‬واد الليل بعد اعتس‪TT T T‬افه‬
‫له عند اتيان الملمين مطعم‬ ‫فجاوبة متسمع الصـ ـ ــوت للقرى‬
‫(‪)1‬‬
‫يكلمة من حبه وهو أعجم‬ ‫يكاد اذا ما ابصر الضيف مقبال‬
‫وقد أشتهر عدد من رجاالت العرب ممن عرفوا بكرمهم ‪ ،‬وض ‪TT‬ربوا‬
‫المثل في السخاء منهم حاتم الطائي ‪ ،‬أحد شعاء الجاهلية وهو القائل ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وما في اال تلك من شيمة العبد‬ ‫واني لعبد الضيف ما دام ثاويا‬
‫ومنهم كعب بن ما مه األيادي الذي قيل فيه ‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫والجود بالنفس اقصى غاية الجود‬ ‫يجود بالنفس اذا ضن البخيل بها‬
‫ومن ض ‪TT‬رب بكرمهم المثل أيض ‪TT‬ا أوس بن حارثة بن الم الط ‪TT‬ائي ال ‪TT‬ذي‬
‫اشتهر "بابن سعدى" وفيه يقول أحد الشعراء ‪:‬‬
‫ليقضي حاجتي فيمن قضاها‬ ‫الى أوس بن حارثة بن الم‬
‫(‪)4‬‬
‫وال لبس النعال وال احتذاها‬ ‫فما وطئ الثرى مثل ابن سعدى‬
‫وهماك كثيرون من العرب ممن اشتهر بجوده وكرمه ‪ ،‬مثل عبداهلل بن‬
‫حبيب العنبري ‪ ،‬وعبداهلل بن جدعان وقيس بن سعد وغيرهم ‪.‬‬
‫الشجاعة‪ :‬كان للشجاعة والفروس‪T‬ية عند العرب منزل‪T‬ة ال تعلوه‪T‬ا منزل‪T‬ة ‪،‬‬
‫فعرفوا بشجاعتهم وعدم مب‪TT‬االتهم ب‪TT‬الموت ‪ ،‬فكانوا يس‪TT‬تهينون بأنفس‪TT‬هم في س‪TT‬بيل‬
‫ال‪TT‬دفاع عن الشرف وص‪TT‬يانة العرض ‪ ،‬وفي س‪TT‬بيل ه‪TT‬ذه الحياة وروح الكف‪TT‬اح ال‪TT‬تي‬
‫التهبت بها نفس العربي ازدارى الموت واس‪TT‬تهجن البكاء وَانف ان يموت حتف‬
‫انف‪TT‬ه ‪ ،‬الن الميتة الكريمة هي ال‪TT‬تي يموت فيها في س‪TT‬احة الح‪TT‬رب قطعا ب‪TT‬أطراف‬
‫الرماح وموتا تحت ظالل السيوف ‪ ،‬وفي ذلك يقول السمؤل بن عادياه ‪:‬‬
‫وال طل منا حيث كان قتيل‬ ‫وما مات منا سيد حتف أنفة‬

‫()االلوس‪TT T‬ي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 1‬ص‪ ( ، 51‬االعتس‪TT T‬اف ‪ :‬اَالخذ في الطريق على غ‪TT T‬ير هداية ‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫الملمين ‪ :‬االضياف ) ‪.‬‬


‫()نفس المصدر ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 1‬ص ‪. 75‬‬ ‫‪2‬‬

‫()نفس المصدر ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 1‬ص ‪. 82‬‬ ‫‪3‬‬

‫()نفس المصدر ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 1‬ص ‪. 84‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪176‬‬
‫(‪)5‬‬
‫وليست على غير الظباة تسيل‬ ‫تسيل على حد الظباة نفوسنا‬
‫وقال عمرو بن كلثوم ‪:‬‬
‫( ‪)2‬‬ ‫على هالك أو ان نضج من القتل‬ ‫معاذ االله ان تنوح نساؤنا‬
‫بأرض براح ذي أراك ودي اثل‬ ‫قراع السيوف بالسيوف أحلنا‬
‫ويرى بن خلدون أن عرب البادية كانوا أكثر شجاعة من أه ‪TT‬ل المدن‬
‫النغماس ه‪TT‬ؤالء في النعيم وال‪TT‬ترف ‪ .‬واعتمادهم على ال‪TT‬والي والح‪TT‬اكم في ال‪TT‬دفاع‬
‫‪ .‬وقد أورد االخب ‪TT‬اريون العرب اس ‪TT‬ماء عدد كب ‪TT‬ير من‬ ‫(‪)3‬‬
‫عن اموالهم وانفس ‪TT‬هم‬
‫اشتهر بالشجاعة واالقدام ‪ ،‬منهم خال ‪TT‬د بن جعف ‪TT‬ر بن كالب العامري ومجمع بن‬
‫هالل بن خال‪TT T T‬د بن مال‪TT T T‬ك وعتيب‪TT T T‬ة بن الح‪TT T T‬ارث وعنترة بن شداد وزيد الخيل‬
‫ومالعب االس‪TT‬نة وعامر بن الطفيل وعمرو بن معد بن كرب وعمرو بن كلثوم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫وغيرهم‬
‫الوفاء ‪ :‬الوفاء ص‪TT‬فة مالزمة للعرب فكانوا ال يقدرون شيئا كما يقدرون الوفاء ‪،‬‬
‫فعرفوا بوفائهم للعهود وكراهيتهم للغ ‪TT‬در واس ‪TT‬تهجانهم الكذب وتقبيح ‪TT‬ه ‪ .‬فالوفاء‬
‫بالعهد عندهم دينا يتمس‪TT T‬كون ب‪TT T‬ه ويس‪TT T‬تهينون في س‪TT T‬بيل الوفاء ب‪TT T‬ه قتل أوالدهم‬
‫وتخريب ديارهم ‪ ،‬وكان العرب يغلون في الوفاء للجار والحليف ح ‪TT‬تى يكون‬
‫وقد وردت في كتب االخب‪TT‬ار أمثله كثيرة‬ ‫(‪)5‬‬
‫عندهم مقدما على االبناء واالخوان‬
‫عن الوفاء ‪ ،‬كقص ‪TT‬ة الس ‪TT‬مؤال ال ‪TT‬ذي أبي أن يس ‪TT‬لم الح ‪TT‬ارث بن أبي شمر الغس ‪TT‬اني‬
‫دروع امرئ القيس ال‪TT‬تي اودعها عنده ‪ ،‬وقص‪TT‬ه وفاء ه‪TT‬انئ بن مس‪TT‬عود الشيباني‬
‫لودائع النعمان وال ‪TT‬تي تس ‪TT‬بب في قيام الحب بين العرب والف ‪TT‬رس في ذي قار ‪.‬‬
‫وقص‪TT‬ة وفاء ابن زه‪TT‬ير المازني ال‪TT‬ذي قتل اخاه لغ‪TT‬دره بجار ل‪TT‬ه ووفاء حنظلة بن‬

‫()االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 1‬ص ‪ ( 104_103‬الظباة ‪ :‬جمع ظبة وهي حد السيف ) ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫()نفس المص‪T‬د ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 1‬ص ‪ ( 113‬ال‪T‬براح ‪ :‬االرض الخالية من العمران ‪ ،‬واالرائك‬ ‫‪2‬‬

‫واالثل ‪ :‬نوعان من الشجر تنبتان في االرض السهلة ) ‪.‬‬


‫()ابن خلدون ‪ :‬المقدمة ج‪ 1‬ص ‪. 419 _418‬‬ ‫‪3‬‬

‫()االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 1‬ص ‪.121 – 120‬‬ ‫‪4‬‬

‫()الخض‪T‬ري ‪ :‬محاض‪T‬رات في تاريخ االمم االس‪T‬المية ج‪ 1‬ص ‪ ، 42_41‬شوقي ض‪T‬يف‪ :‬العص‪T‬ر‬ ‫‪5‬‬

‫الجاهلي ص ‪. 69‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪177‬‬
‫عف ‪TT‬راء ‪ ،‬وغ ‪TT‬يرهم ‪ ،‬وقص ‪TT‬ص الوفاء ه ‪TT‬ذه تكس ‪TT‬ب اص ‪TT‬حابها وَالهم شرفا عظيما‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ينتقل الى االعقاب‬
‫العفة ‪ :‬اتص‪TT‬ف العرب بالعف‪T‬ة وغض النظ‪TT‬ر عن النس‪TT‬اء ‪ ،‬واعتبروا العف‪T‬ة من شروط‬
‫الس‪TT‬يادة عندهم كالشجاعة والكرم ‪ ،‬فكانوا يفتخرون بها ‪ .‬وفي ذل‪TT‬ك يقول عنترة‬
‫‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫بن شداد‬
‫واغض طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها‬
‫وكقول الخنساء في اخيها صخرا (‪)3‬لم تره جار يمشي بساحتها لريبة حتى يخلى بيته‬
‫الجار‬
‫‪ _3‬االسرة في المجتمع الجاهلي ‪:‬‬
‫أ‪ -‬الزواج ‪ :‬كان اهتمام العرب واض‪T‬حا في اختيار زوجاتهم فحرص‪T‬وا على أن تكون‬
‫الزوجة من المنجب ‪TT‬ات المتوفرة فيهن النجاب ‪TT‬ة وال ‪TT‬ذكاء والجمال ‪ ،‬فعليها يتوقف‬
‫مس ‪TT‬تقبل العشيرة ومكانة الجيل الجديد ‪ ،‬وانها قد تقوم ب ‪TT‬دو سياس ‪TT‬ي واجتماعي‬
‫ه ‪TT‬ام ‪ ،‬فالزواج قد يؤدي الى تراب ‪TT‬ط األس ‪TT‬ر البعيدة ‪ ،‬وينتج عن المص ‪TT‬اهرة بين‬
‫االثنين ألف‪TT‬ة بين القبيلتين ومواالة بين العشيرتين ‪ ،‬فان رابط‪TT‬ة الف‪TT‬رد مع عشيرة‬
‫أخوال ‪TT‬ه قد ال تقل قوة عن رابطته مع اعمامه وفي ه ‪TT‬ذا أثر كب ‪TT‬ير على تقارب‬
‫الناس وتعاونهم(‪. )4‬‬
‫وكان لعرب الجاهلية في ال‪TT T‬زواج جملة عقود تختلف ب‪TT T‬اختالف االماكن‬
‫وباختالف اوضاعها االجتماعية واتصالها بالخارج ‪ ،‬ولم تكن انواع الزواج هذه ب‪TT‬دعا‬
‫خاص‪TT‬ا بالجاهليين ‪ ،‬ب‪TT‬ل كانت معروفة عند الس‪TT‬اميين وهي مراح‪TT‬ل مرت على جميع‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫البشر ‪ ،‬وال يزال الكثير منها قائما في انحاء عديدة من العالم‬
‫انواع الزواج ‪:‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 6‬ص ‪ ، 342‬سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 610‬‬ ‫‪1‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 609‬‬ ‫‪2‬‬

‫()محمد احمد الحوفي ‪ :‬الحياة العبية في الشعر الجاهلي ص ‪. 283‬‬ ‫‪3‬‬

‫()االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 2‬ص‪ ، 6‬صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص‪. 142‬‬ ‫‪4‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص ‪. 253‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪178‬‬
‫الزواج البعولة ‪ :‬كان هذا النوع من الزواج شائعا عند العرب وفي كل انح‪TT‬اء‬ ‫‪.1‬‬
‫الجزيرة العربية بين أه‪T‬ل الحض‪T‬ر واه‪T‬ل ال‪T‬وبر ‪ ،‬ويتم ب‪T‬ان يخطب الى الرجل‬
‫ابنته فيص‪TT‬دقها أي يعين ص‪TT‬داقها ويس‪TT‬مى مقداره ثم يعقد عليها بالتراض‪TT‬ي مع‬
‫أه ‪TT‬ل الزوجة ‪ .‬ولم يكن العرب في جاهليتهم يح ‪TT‬ددون عدد الزوجات فكان‬
‫مباح ‪TT‬ا للرجل ان يتزوج من النس ‪TT‬اء ما أحب ‪ ،‬وقد نهى االس ‪TT‬الم الجمع بين‬
‫فقال تعالى‬ ‫(‪)1‬‬
‫أكثر من اربع زوجات ‪ ،‬واشترط وجوب العدل بين الزوجات‬
‫‪" :‬وان خفتم اال تقس ‪TT‬طوا في اليتامى فانكحوا ما ط ‪TT‬اب لكم من النس ‪TT‬اء مثنى‬
‫(‪)2‬‬
‫وثالث ورباع ‪ ،‬فان خفتم أال تعدلوا فواحدة أو ملكت ايمانكم "‬
‫زواج المتعة ‪ :‬وه‪TTT‬و ال‪TTT‬زواج الى أجل مس ‪TT‬مى فاذا انقض‪TT T‬ى وقعت الفرقة ‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫وتختلف مدة العقد حس‪T‬ب اتف‪T‬اق الط‪T‬رفين ‪ .‬وينس‪T‬ب األوالد في ه‪T‬ذه الح‪T‬ال الى‬
‫امهاتهم ‪ .‬وكان ال‪T‬دافع الى ح‪T‬دوث ه‪T‬ذا النوع من ال‪T‬زواج ه‪T‬و التنقل واالس‪T‬فار‬
‫والح‪TT‬روب حيث يض‪TT‬طر المرء الى القتران ب‪TT‬أمرأة ألجل مح‪TT‬دد على ص‪TT‬داق‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫معين فاذا انتهى انفسخ العقد‬
‫وذكر لمؤخرون أن الرس‪TT‬ول ص‪TT‬لى اهلل عليه وس‪TT‬لم كان قد أب‪TT‬اح المتعة في غ‪TT‬زوة‬
‫ب‪TT‬ني المص‪TT‬طلق وفي فتح مكة لمدة ثالثة أيام ثم ح‪TT‬رمت بعد ذل‪TT‬ك ‪ ،‬وقيل ان‬
‫الخليفة الثاني عمر بن الخطاب (رض) شدد في تحريم هذا النوع من ال‪TT‬زواج‬
‫مستندا على شهادة شهود في تحريم الرسول صلى اهلل عليه وسلم لها (‪.)4‬‬
‫‪ .3‬زواج الشغار ‪ :‬ويتم هذا النوع من الزواج دون مهر ‪ ،‬فكان الرجل يزوج ابنته‬
‫أو اخته على ان يزوجه اَالخر بابنته أو اخته ‪ ،‬فكان يقال في الجاهلية ‪":‬‬
‫شاغرني أي زوجي أختك أو ابنتك أو من تلي امها ح ‪TT‬تى ازوجك اختي أو‬

‫()االلوسي ‪:‬بلوغ االرب ج‪ 2‬ص‪ ، 3‬جواد علي ‪ ،‬العرب قبل االسالم ‪،‬ج‪ 5‬ص‪. 256‬‬ ‫‪1‬‬

‫()سورة النساء ‪. 30‬‬ ‫‪2‬‬

‫()االلوس‪T‬ي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 2‬ص‪ ، 5‬جواد علي ‪ ،‬العرب قب‪TT‬ل االس‪T‬الم ‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪. 254،255‬‬ ‫‪3‬‬

‫صالح العلي محاضرات ص ‪. 146‬‬


‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات ص‪. 147_146‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪179‬‬
‫بنتي او من الي امرها وال(‪ )1‬يكون بينهما مهر " ‪ ،‬وقد نهى االس‪TT‬الم عن ه‪TT‬ذا‬
‫‪ ،‬وجاء في الح‪T‬ديث أن رس‪T‬ول اهلل ص‪T‬لى اهلل عليه وس‪T‬لم‬ ‫(‪)2‬‬
‫النوع من ال‪T‬زواج‬
‫قال ‪ ( :‬الشغار في االسالم ) (‪.)3‬‬
‫‪ . 4‬زواج المقت ‪ :‬تعامل المرأة فيهذه الحال‪TT T‬ة معاملة التركة ‪ ،‬فيتزوج الرجل‬
‫زوجة ابيه كجزء من ميراثة(‪ ،)4‬وقد ابطل االسالم هذا النوع من الزواج فقال‬
‫تعالى في القرأن الكريم ‪ :‬وال تنكح ‪TT‬وا ما نكح اب ‪TT‬اؤكم من النس ‪TT‬اء اال ما قد‬
‫وقول‪TT‬ه عز وجل ‪ ( :‬يا ايها‬ ‫(‪)5‬‬
‫س‪TT‬لف ‪ ،‬انه كان فاحشة ومقتا وس‪TT‬اء س‪TT‬بيال‬
‫ال‪TT‬ذين امنوا ال يح‪TT‬ل لكم ان ترثوا النس‪TT‬اء كره‪TT‬ا وال تعض‪TT‬لوهن لتذهبوا ببعض‬
‫ما اتيتموهم)‬
‫(‪)6‬‬

‫‪ .5‬زواج االس ‪TT‬ر ‪ :‬كان اس ‪TT‬ر النس ‪TT‬اء من العادات المألوفة في الجاهلية وقد اطلق‬
‫على المرأة االس‪TT‬يرة اس‪TT‬م النزيعة اي ال‪TT‬تي انتزعت من اهلها كره‪TT‬ا ‪ ،‬وتعتبر‬
‫ملكا خاص‪TT‬ا لس‪TT‬يدها ان شاء تزوجها او زوجها لغ‪TT‬يرة او باعها بيع العبيد ‪،‬‬
‫وال‪TT‬زواج في ه‪TT‬ذه الحال‪TT‬ة يتم ب‪TT‬دون مهر ايض‪TT‬ا(‪)7‬وباالض‪TT‬افة الى ما تقدم عرف‬
‫العرب انواعا اخرى من ال ‪TT T‬زواج لكنها لم تكن شائعة عند الجميع ب ‪TT T‬ل‬
‫اقتص‪TTT‬رت في احياء معينة من بالد العرب‪ ،‬كزواج االستبض ‪TT‬اع والمخادنة‬
‫والبدل والرهط(‪.)8‬‬

‫()االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 2‬ص ‪ ، 5‬جواد علي ‪ ،‬العرب قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪ ، 255‬علي‬ ‫‪1‬‬

‫ابراهيم حسن ‪ :‬التاريخ االسالمي العام ص ‪. 499‬‬


‫()عبد الكريم زيدان ‪ :‬المدخل لدراسة الشريعة االسالمية ص ‪26‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ ،‬العرب قبل االسالم ‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪. 257‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جواد علي ‪ ،‬العرب قبل االسالم ‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪.257‬‬ ‫‪4‬‬

‫()سورة النساء االية ‪.32‬‬ ‫‪5‬‬

‫()سورة النساء ‪. 19‬‬ ‫‪6‬‬

‫()علي ابراهيم حسن ‪ :‬التاريخ االس‪T‬المي العام ص ‪ ،449‬جواد علي ‪ ،‬العرب قب‪T‬ل االس‪T‬الم ‪ ،‬ج‬ ‫‪7‬‬

‫‪ 5‬ص ‪. 268‬‬
‫()االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪2‬ص‪ ، 50‬صالح العلي ‪ :‬محاضرات ‪ ،‬ص ‪.148-147‬‬ ‫‪8‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪180‬‬
‫ب‪ -‬الطالق ‪ :‬كان الطالق مباح‪TT T‬ا عند العرب ‪ ،‬وه‪TT T‬و من المص‪TT T‬طلحات الجاهلية‬
‫القديمة ‪ ،‬ويعني عندهم تنازل الرجل عن كل حقوقه ال‪TT‬تي كانت ل‪TT‬ه على زوجته‬
‫ومفارقته لها ‪ .‬وكان الطالق بيد الرجل ‪ .‬اما النساء فلهن العدة ‪ ،‬اال انه وجد من‬
‫النس‪TT‬اء من اشترطن ان يكون امرهن بأيديهن ‪ ،‬ان شئن اقمن ‪ ،‬وان شئن تركن‬
‫معاشرتهم واوقعن الطالق ‪ ،‬من ه ‪TT‬ؤالء النس ‪TT‬وة ‪ :‬س ‪TT‬لمى بنت(‪)1‬عمرو بن زيد بن‬
‫لبيد الخزجيه وفاطمة بنت الخرشباالنمارية ‪ ،‬وعاتكة بنت مرة ‪ ".‬وكان العرب‬
‫في الجاهلية يطلقون ثالثا على التفرقة ‪ .‬واول من س‪TT T‬ن ذل‪TT T‬ك لهم اس‪TT T‬ماعيل بن‬
‫ابراهيم عليها السالم ثم فعلت العرب ذلك ‪ ،‬فكان احدهم يطلق زوجته واحدة وهو‬
‫اي انه بعد‬ ‫(‪)2‬‬
‫اح ‪TT‬ق الناس بها ح ‪TT‬تى اذا اس ‪TT‬توفى الثالث انقط ‪TT‬ع الس ‪TT‬بيل عنها "‬
‫الطالق الثالث ال يمكن لرجوع الى الزوجة ‪ ،‬فتص‪TT‬بح طالقة طالقا بائنا وتكون‬
‫عندئذ بائنة عليه(‪ )3‬وقد اقر االس‪T‬الم ذل‪T‬ك ‪ ،‬وح‪T‬رم جواز الرجوع الى الزوجة بعد‬
‫التطليقات الثالث حتى تنكح زوجا غيره ‪ ،‬فقال تعالى ‪ ( :‬الطالق مرتان فأمس‪TT‬اك‬
‫بمعروف او تس‪TT‬ريح باحس‪TT‬ان وال يح‪TT‬ل لكم ان تأخذوا مما اتيتموهن شيئا اال ان‬
‫يخافا اال يقيما ح‪T‬دود اهلل خفتم اال يقيما ح‪T‬دود اهلل فال جناح عليهما فيما افتدت ب‪T‬ه‬
‫تلك حدود اهلل فال تعتدوها ومن يتعد حدود اهلل فأولئك هم الظالمون )(‪. )4‬‬
‫وعرف عند العرب الجاهلية ايض ‪TT T‬ا انواعا اخرى من الطالق ‪ ،‬ومنها ‪ :‬طالق‬
‫(الظهار ) وهو تشبيه الرجل زوجته او زوجته او ما يعبرب‪TT‬ه عنها او جزء شائع‬
‫بمحرم عليه تأبيدا ‪ ،‬كأن يقول ‪ :‬انت علي كظهر امي ‪ ،‬او كبطنها ‪ ،‬او كفخذها‬
‫‪ ،‬وقد اشار القران الكريم الى ذلك فقال تعالى ‪( :‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪ ،‬او كظهر اختي ‪ ،‬او عمتي‬
‫وال ‪TT‬ذين يظ ‪TT‬اهرون من نس ‪TT‬ائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير –رقب ‪TT‬ة من قب ‪TT‬ل ان‬
‫يتماس‪TT‬ا ذلكم توعظ‪TT‬ون ب‪TT‬ه ‪ ،‬واهلل بما تعملون خب‪TT‬ير ‪ .‬فمن لم يجد فص‪TT‬يام شهرين‬

‫()جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪. 272-270‬‬ ‫‪1‬‬

‫()االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 2‬ص‪. 49‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ ،‬العرب قبل االسالم ‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪. 270‬‬ ‫‪3‬‬

‫()سورة البقرة ‪. 230-229‬‬ ‫‪4‬‬

‫() االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 2‬ص‪ ، 50‬جواد علي ‪ ،‬العرب قبل االسالم ‪،‬ج‪ 5‬ص ‪270‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪181‬‬
‫اما طالق‬ ‫(‪)1‬‬
‫متتابعين من قب‪TT‬ل ان يتماس‪TT‬ا فمن لم يس‪TT‬تطع فاطعام س‪TT‬تين مس‪TT‬كينا )‬
‫( االيالء ) ‪ ،‬فيعني تحديد فراق الرجل لزوجته بأجل ال يقترب في خالل‪T‬ه منها ‪،‬‬
‫وكان ايالء العرب في الجاهلية الس‪TT‬نة والس‪TT‬نتين ‪ ،‬فجعل في االس‪TT‬الم اربعة اشهر‬
‫فمن كان ايالؤه اقل من اربعة اشهر فليس ب ‪TT‬ايالء(‪ )2‬فقال عز وجل ‪ " :‬للذين‬
‫يؤل ‪TT‬ون من شأنهم تربص اربعة اشهر ‪ ،‬فان افأوا فان اهلل غف ‪TT‬ور رحيم ‪ .‬وان‬
‫عزموا الطالق فان اهلل سميع عليم"(‪. )3‬‬
‫وفي بعض الح‪TT‬االت تبقى الزوجة في عص‪TT‬مة زوجها ولكنه اليراجعها وال يطلقها ‪.‬‬
‫ويظل مفارقا لها ‪ ،‬بقصد ارغامها على دفع مقدار من المال ‪ ،‬ليسمح لها ب‪TT‬الطالق‬
‫وال ‪TT‬زواج من غ ‪TT‬يره ‪ ،‬وعرف ه ‪TT‬ذا النوع من الطالق "طالق العض ‪TT‬ل" ‪ ،‬وقد نهى‬
‫االسالم ذلك وحرمه (‪ ،)4‬فقال تعالى في القرَان الكريم ‪:‬‬
‫(واذا طلقتم النس‪TTT‬اء فبلغن اجلهن فامس‪TTT‬كوهن بمعروفه أو س ‪TT‬رحوهن بمعروف ‪ ،‬وال‬
‫(‪)5‬‬
‫تمسكوهن ضرارا لتعيدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه)‬
‫وكان من العرب يطلق زوجته ويفارقها ‪ ،‬اال انه لم يكن يسمح لها بالزواج من غيره‬
‫فيهددها ويهدد أهلها اذا ح‪TT‬اولت ال‪TT‬زواج أو يعمد الى ارض‪TT‬اء أهلها بالمال لمنعها‬
‫(‪)6‬‬
‫من الزواج‬
‫وقد ح‪TT T‬رم االس‪TT T‬الم ذل‪TT T‬ك في قول‪TT T‬ه عز وجل‪ ( :‬واذا طلقتم النس‪TT T‬اء فبلغن اجلهن فال‬
‫تعض‪TT‬لوهن ان ينكحن ازواجهن اذا تراض‪TT‬وا بينهم ب‪TT‬المعروف ذل‪TT‬ك يوعظ ب‪TT‬ه ‪ ،‬من‬
‫كان منكم يؤمن باهلل واليوم االخر ذلكم أزكى لكم واطهر واهلل يعلم وانتم ال‬
‫تعلمون)(‪. )7‬‬
‫رابعا ‪ :‬مكانه المرأة في العصر الجاهلي ‪:‬‬

‫()سورة المجادلة ‪. 4،3،2‬‬ ‫‪1‬‬

‫()االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 2‬ص‪ ، 50‬صالح العلي ‪ :‬محاضرات ‪148 ، 147‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪. 271‬‬ ‫‪3‬‬

‫()نفس المرجع ‪ :‬ج‪ 5‬ص ‪ ، 270‬صالح العلي ‪ ،‬محاضرات ص ‪. 148‬‬ ‫‪4‬‬

‫()سورة البقرة ‪. 230‬‬ ‫‪5‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص ‪. 271‬‬ ‫‪6‬‬

‫()سورة البقرة ‪. 232‬‬ ‫‪7‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪182‬‬
‫كان للمرأة العربية مكانة كب‪T‬يرة في المجتمع الجاهلي فظهرت أشد ما تكون‬
‫قوة واكثر ما تكون حرية ‪ ،‬وكان هناك نوعان من النس‪T‬اء ‪ ،‬اماء وح‪T‬رات ‪ ،‬واالماء‬
‫كثيرات ‪ ،‬منهن القيان والجواري ‪ ،‬وقد يرعين االب ‪TT‬ل واالغنام ‪ ،‬وكن في منزل ‪TT‬ة‬
‫دانية ‪ ،‬وكان العرب اذا اس‪TT‬تولدوهن لم ينس‪TT‬بوا الى انفس‪TT‬هم أوالدهن ‪ ،‬اال اذا اظهروا‬
‫بطول‪TT‬ة تشرفهم على نح‪TT‬و ما ه‪TT‬و معروف عن عنترة بن شداد ‪ ،‬فان أب‪TT‬اه لم يلحقه‬
‫بنس ‪TT‬به اال بعد ان اثبت شجاعة فائقة ردت اليه اعتب ‪TT‬اره ‪ .‬اما الح ‪TT‬رة فكانت تقوم‬
‫بطهي الطعام ونسج الثياب واصالح الخباء ‪ ،‬اال اذا كانت من الشريفات المخدومات‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪ ،‬فانه كان يقوم لها على هذه االعمال بعض الجواري‬
‫وكان اح‪TT T T‬ترام الرجال للنس‪TT T T‬اء واض‪TT T T‬حا ‪ ،‬انعكس‪TT T T‬ت ص‪TT T T‬ورة في االغ‪TT T T‬اني‬
‫والقصص والتاريخ ‪ ،‬فكانوا يخاطبونها وهي ذات زوج يلقبونها بخير االلقاب‪ ،‬كقول‬
‫الشاعر(‪: )2‬‬
‫ضمي اليك رحال القوم والقربا‬ ‫يا ربة البيت قومي غير صاغرة‬
‫وكانوا يعدونها جزء ال يتجرأ من عرض ‪TT‬هم ‪ ،‬ولم يكن شيء يثيرهم كس ‪TT‬بي‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫نس ‪TT‬ائهم فكانوا يركب ‪TT‬ون كل وعر ح ‪TT‬تى يلحقوا بهن وينقذوهن من عار الس ‪TT‬بي‬
‫وشاركت المرأة الرجل في كل أموره ‪ ،‬فكن يرافقن ازواجهن الى الح‪TT‬رب ‪ ،‬يشدون‬
‫من عزائم الرجال بما ينشدن من اناشيد حماس ‪TT‬ية ‪ ،‬ح ‪TT‬تى اذا مات فارس ندبنه ندبا‬
‫حارا حاضات على األخذ بثأره واالنتقام من قتلته ‪ .‬وكن يستشطن غض‪TT‬با اذا رض‪TT‬يت‬
‫العشيرة بأخذ الدية ‪ ،‬ومالت الى الصلح حقنا للدماء (‪.)4‬‬
‫وكان من ح‪TT‬ق المرأة االحتف‪TT‬اظ بأمالكها الخاص‪TT‬ة ح‪TT‬تى بعد زواجها ‪ ،‬اذا ان‬
‫عقد ال‪TT‬زواج كان يبيح للزواج ح‪TT‬ق الحياة مع الزوجة وح‪TT‬ق انجاب األوالد ل‪TT‬ه ال ح‪TT‬ق‬
‫تملكها ‪ ،‬وغالب‪TT‬ا ما كان يؤخذ رأيها في ال‪TT‬زواج ‪ ،‬فكن يخترن ازواجهن ويتركنهم اذا‬

‫()شوقي ضيف ‪ :‬العصر الجاهلي ص ‪. 72‬‬ ‫‪1‬‬

‫()الخضري ‪ :‬تاريخ االمم االسالمية ج‪ 1‬ص ‪. 18‬‬ ‫‪2‬‬

‫()شوقي ضيف ‪ :‬العصر الجاهلي ص ‪. 73‬‬ ‫‪3‬‬

‫()المرجع السابق ‪ :‬العصر الجاهلي ص ‪. 73‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪183‬‬
‫لم يحس‪TT‬نوا معاملتهن (‪ .)1‬وكانت المرأة تظ‪TT‬ل ح‪TT‬تى بعد زواجها مرتبط‪TT‬ة بقبيلة أهلها‬
‫‪ .‬وكان الرجل يستشير زوجته في كل اموره ويقف عند‬ ‫(‪)2‬‬
‫التي تحميها وتدافع عنها‬
‫رأيها ‪ ،‬فلم يكن يزوج بناته اال بعد ان يستشيرها ويأخذ موافقتها ‪.‬‬
‫وكان بعض العرب يفتخرون بنس‪TT‬بهم الى امهاتهم ‪ ،‬كما يفتخرون بنس‪TT‬بهم الى‬
‫َاب‪TT‬ائهم ‪ ،‬ووجد من الملوك من نس‪TT‬ب الى أمه ‪ .‬كالمنذر بن ماء الس‪TT‬ماء ملك الح‪TT‬يرة (‬
‫‪ 554_512‬م) ‪ ،‬وماء الس‪TT T T‬ماء لقب امه مارية بنت عوف ‪ ،‬وعمرو بن المنذر‬
‫المعروف بعمرو بن هند ‪ ،‬وه‪TT T‬و من ملوك الح‪TT T‬يرة أيض‪TT T‬ا (‪574 _554‬م) ‪ ،‬ومن‬
‫مظ ‪TT‬اهر اعتزاز العرب ب ‪TT‬األم ما ورد على لس ‪TT‬ان عدد من شعرائهم ‪ ،‬كقول القتال‬
‫‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الكالبي في أمة عمرة بنت حرقة‬
‫من الالء لم يحضرن في القيظ دندنا‬ ‫لقد ولدتني حرة ربعــيــة‬
‫(‪)4‬‬
‫وقول الشنفري الشاعر الصعلوك الذي يظهر اعتزازه بأمه الحرة فيقول‬
‫وأمي ابنه األحرار لو تعرفينها‬ ‫انا ابن خيار الحجر بيتا ومنصبا‬
‫وب‪TT‬الرغم مما عرف عن العرب من حبهم للب‪TT‬نين وايثارهم على البنات ‪،‬‬
‫فقد وجد من كان يعط‪T‬ف على بناته ويرى انهن اكثر وفاء لآلب‪T‬اء من الص‪TT‬بيان ‪،‬‬
‫كقول معن بن اوس ‪:‬‬
‫وفيهن ال تكذب نساء صوالح‬ ‫رأيت رجاال يكرهون بناتهم‬
‫عوائد ال يمللنه ونوائــــــــــــــح‬ ‫وفيهن واأليام يعثن بالفتى‬
‫وهناك من العرب من تسمى بأس‪TT‬ماء بناته ‪ ،‬كربيعة بن رياح وال‪TT‬د زه‪TT‬ير‬
‫الشاعر ‪ ،‬الذي كان يكني ب‪T‬ابي س‪T‬لمى ‪ ،‬والنابغ‪T‬ة ال‪T‬ذبياني ال‪T‬ذي عرف ب‪T‬ابي امامه‬

‫()االص‪TT T T T‬فهاني ‪ ،‬االغ‪TT T T T‬اني ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪ 13‬وما بعدها ‪ .‬طبعة دار الكتب المص‪TT T T T‬رية ‪ .‬علي‬ ‫‪1‬‬

‫الهاشمي ‪ :‬المرأة في الشعر الجاهلي ص ‪. 60‬‬


‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص ‪. 272‬‬ ‫‪2‬‬

‫()االغاني ‪ :‬ج‪ 20‬ص ‪. 381‬‬ ‫‪3‬‬

‫()المصد السابق ‪ :‬ج‪ 21‬ص ‪. 205‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪184‬‬
‫وغ‪TT‬يرهم ‪.‬وبلغ من منزل‪TT‬ة المرأة العربية انها كانت تحمي من يس‪TT‬تجير بها وترد‬
‫حريته اذا استشفع بها (‪.)1‬‬
‫وظهرت في الجاهلية طبقة من النس ‪TT T‬اء لعبن دورا ب ‪TT T‬ارزا في المجتمع‬
‫الجاهلي في الميادين واالقتصاد والدين واالدب كزنوبيا ملك تدمر ‪ ،‬وبلقيس ملكة‬
‫س‪TT T‬بأ ‪ ،‬وس‪TT T‬جاح التميمية ‪ ،‬والخنس‪TT T‬اء بنت عمرو ‪ ،‬وهند بنت عتب‪TT T‬ة زوجة أبي‬
‫س‪TT‬فيان بن ح‪TT‬رب ‪ ،‬والس‪TT‬يدة خديجة بنت خويلد زوجة رس‪TT‬ول اهلل ص‪TT‬لي اهلل عليه‬
‫وس‪TT‬لم فقد كانت تس‪TT‬تأجر الرجال في اموالها ‪ ،‬وفي مكة نفس‪TT‬ها كان مفتاح الكعب‪TT‬ة‬
‫(‪)2‬‬
‫بيد امرأة هي حبى بنت حليل الخزاعي زوجة قصي بن كالب‬
‫وفي الحياة العامة كانت المرأة تعين الرجل وتمده بص‪TT T‬ائب آرائها ‪،‬‬
‫وتنظم سلوكه ‪ ،‬ولها شأن كبير في حياة األسرة والقبيلة األمر الذي يفس‪T‬ر لنا ب‪T‬الغ‬
‫العناية بها في معظم القص ‪TT T‬ائد ال ‪TT T‬تي وص ‪TT T‬لتنا من العص ‪TT T‬ر الجاهلي ‪ ،‬ومن أهم‬
‫ال ‪TT‬دالئل على س ‪TT‬مو منزلتها في البيئة الجاهلية من عرفت بأص ‪TT‬الة ال ‪TT‬رأي وحس ‪TT‬ن‬
‫النظ‪TTT‬ر ‪ ،‬فروى عن عمرة ابنة عامر بن الظ ‪TT‬رب أنها كانت تس ‪TT‬اعد أباه‪TTT‬ا في‬
‫(الفتيا) عندما تقدم ب‪T‬ه الس‪T‬ن وتستشار في األمور ‪ ،‬وقيل انها كانت ترفع العص‪T‬ا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫اذا رأته سها في حكمة‬
‫أما المرأة وهي فتاة فكانت تعيش في بين وال‪TT‬دها وتلقي منه كل عط‪TT‬ف‬
‫ومن حقها ان تنعم بحياة وفيرة ‪ ،‬وقد عاشت بنات األشراف _ خاص‪TT‬ة _ عيشة‬
‫رغيدة ناعمه ‪ ،‬فورد في الشعر الجاهلي أنهن كن يلبس‪TT T T‬ن الخز والحرير‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫والديباج ‪ ،‬وتقوم االماء الكثيرات على خدمتهن والسهر على راحتهن‬
‫ولم يكن العرب ل ‪TT‬يرهقوا نس ‪TT‬اءهم باألعمال والواجب ‪TT‬ات كما فعل غ‪TT‬يرهم‬
‫من الشعوب كالفرس واليونان ‪ ،‬فكانت نس ‪TT T‬اء األس ‪TT T‬ر الراقية نادرا ما يقمن‬
‫باألعمال المنزلية ‪ ،‬اذ تكفيهن االماء والخادمات مؤونة الطبخ وض ‪TT‬رب الخيام‬

‫()شوقي ضيف ‪ :‬العصر الجاهلي ص ‪ ، 72‬سالم ‪ :‬دراسات ص‪. 613‬‬ ‫‪1‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪ ، 480‬علي الهاشمي ‪ :‬المرأة في الشعر الجاهلي ص ‪. 57_56‬‬ ‫‪2‬‬

‫()علي الهاشمي ‪ :‬المرأة في الشعر الجاهلي ص ‪. 57_55‬‬ ‫‪3‬‬

‫()المرجع السابق ‪ :‬المرأة في الشعر الجاهلي ص ‪. 59‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪185‬‬
‫وجلب الماء والى غ‪TT‬ير ذل‪TT‬ك من االعمال المنزلية ‪ ،‬يجعل الخيار ‪ ،‬وكانت فيهن‬
‫بنت لقيس بن عاص‪TT‬م ‪ ،‬فاختارت س‪TT‬ابيها على زوجها ‪ ،‬فنذر قيس بن عاص‪TT‬م ان‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫يدس كل بنت تولد له في التاب فوأد بضع عشرة بنتا‬
‫ويعتقد بعض الب‪TT‬احثين ان ه‪TT‬ذه الرواية ال نص‪TT‬يب لها من الص‪TT‬حة ‪ ،‬وان‬
‫قيس بن عاص ‪TT‬م لم يكن اول من وأد بناته في الجاهلية ‪ ،‬فقد ادرك قيس االس ‪TT‬الم‬
‫واعلن اسالمه ‪ ،‬وليس من المعقول ان يكون الوأد قد ظهر قبيل االس‪T‬الم بس‪T‬نوات‬
‫بل على العكس من ذلك كان الوأد على وشك االنقراض (‪.)2‬‬
‫وهناك رواية أخرى تقول ان الوأد كان في ربيعة ‪ ،‬وسبب ذلك انه أغ‪TT‬ار‬
‫عليهم بعض اعدائهم فس ‪TT T‬بيت بنت امير لهم ‪ ،‬فلما عقد الص ‪TT T‬لح بين الط ‪TT T‬رفين‬
‫اختارت ابنته البقاء عند َاس‪TT‬رها وَاثرته على أبيها ‪ ،‬فغض‪TT‬ب وس‪TT‬ن لقومه ال‪TT‬وأد‬
‫ففعلوه غيرة منهم ومخافة ان يقع لهم بعد مثل ما وقع فشاع ذلك بين العرب (‪.)3‬‬
‫أما في القرَان الكريم فقد ورد فيه مايفيد أن ال‪TT‬دوافع للوأد ه‪TT‬و الخوف من‬
‫الفقر واالمالق ‪ ،‬فقال تعالى ‪ ( :‬وال تقتلوا أوالدكم خشية امالق ‪ ،‬نحن نرزقهم‬
‫‪ ،‬وقول ‪TT T‬ه عز وجل ‪ ( :‬وال تقتلوا‬ ‫(‪)4‬‬
‫واياكم ‪ .‬ان قتلهم كان خطئت كب ‪TT T‬يرا )‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫أوالدكم من االمالق نحن نرزقكم واياهم )‬
‫ولم يكن ال‪TT‬وأد في الجاهلية مقتص‪TT‬را على البنات ب‪TT‬ل وجد من العرب من‬
‫كان يقدم على قتل االوالد ال‪T‬ذكور ‪ .‬ويرى بعض الب‪T‬احثين أن ه‪T‬ذه العادة هي من‬
‫بقايا الشعائر الدينية والقديمة ‪ ،‬فتقديم الض‪T‬حايا البشرية الى االلهة لخير المجتمع‬
‫وس ‪TT‬المته وارض ‪TT‬اء االلهة من الشعائر الدينية المعروفة عند قدماء المص ‪TT‬ريين‬

‫()المرجع السابق ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 3‬ص‪ ، 43_42‬جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قب‪TT‬ل االس‪T‬الم ‪ ،‬ج‬ ‫‪1‬‬

‫‪ 5‬ص ‪. 303_299‬‬
‫() احمد محمد الح‪TT‬وفي ‪ :‬المرأة في الشعر الجاهلي ص ‪ ، 235‬على اب‪TT‬راهيم حس‪TT‬ن ‪ ،‬التاريخ‬ ‫‪2‬‬

‫االسالمي ص ‪. 503‬‬
‫()االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 3‬ص ‪. 43‬‬ ‫‪3‬‬

‫()سورة االسراء ‪ 17‬اية ‪. 31‬‬ ‫‪4‬‬

‫()سورة االنعام ‪ 6‬اية ‪. 151‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪186‬‬
‫وقد أشار القرَان الكريم الى ذل‪TT‬ك في قول‪TT‬ه عز وجل ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫واليونانيين والرومان‬
‫(وكذلك زين للشركين قتل أوالدهم شركاؤهم ل ‪TT‬يردوهم وليلبس ‪TT‬وا عليهم دينهم ‪.‬‬
‫وقول‪TT‬ه تعالى ايض‪TT‬ا ( قد خس‬ ‫(‪)2‬‬
‫ول‪TT‬و شاء اهلل ما فعلوه ‪ ،‬فذرهم وما يف‪TT‬ترون )‬
‫ال‪TT‬ذين قتلوا اوالدهم س‪TT‬فها بغ‪TT‬ير علم وحرموا ما رزقهم اهلل افتراءا على اهلل ‪ .‬قد‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ضلوا وما كانوا مهتدين )‬
‫اال ان قتل األوالد ال‪T‬ذكور في الجاهلية كان أقل انتشارا من وأد البنات ‪،‬‬
‫باعتب‪TT‬ار ان الول‪TT‬د عنص‪TT‬ر مهم في الس‪TT‬لم والح‪TT‬رب وأقدر على الكس‪TT‬ب من االنثى ‪،‬‬
‫ثم أن وقوعه في األس‪TT T‬ر ال يجلب العار الى أهله أو عشيرته ‪ .‬وبرجع بعض‬
‫الب‪TT T‬احثين وأد ال‪TT T‬ذكور الى عوامل تتعلق بص‪TT T‬حة المول‪TT T‬ود كأن يكون ض‪TT T‬عيفا او‬
‫مشوها فيقضي عليه الوالدان برجع بعض الب‪TT‬احثين وأد ال‪TT‬ذكور الى عوامل تتعلق‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫بصحة المولود كأن يكون ضعيفا او مشوها فيقضي عليه الوالدان‬
‫وقد وجد من العرب من عارض ه‪TT T‬ذه العادة الذميمة ودعا الى منع‬
‫ال ‪TT‬وأد ‪ ،‬فذكر االخب ‪TT‬اريون ان زيد بن عمرو بن نفيل وصعص ‪TT‬عة بن ناجية جد‬
‫الفرزدق بن عمرو بن نفيل كان يقول للرجل اذا أراد ان يقتل ابنته ‪ ( :‬ال تقتلها‬
‫أنا اكفيك مؤنتها ‪ ،‬فيأخذها ‪ ،‬فاذا ترعرت قال ألبيها ان شئت دفعتها اليك وان‬
‫شئت كفيتك مؤتنها )‬
‫(‪)5‬‬

‫ثانيا ‪ :‬المعتقدات الدينية عند العرب قبل االسالم ‪:‬‬


‫كثرت ال‪TT T‬ديانات الوثنية في بالد العرب قب‪TT T‬ل دخول ال‪TT T‬ديانات الس‪TT T‬ماوية‬
‫كاليهود والنص‪TTT‬رانية واالس ‪TT‬الم ‪ .‬ونشأت ه ‪TT‬ذه ال ‪TT‬ديانات الوثنية من فكرة عب ‪TT‬ادة‬
‫العرب لمظ ‪TT‬اهر الطبيعية ال ‪TT‬تي تقع تحت ابص ‪TT‬ارهم كاألرض والس ‪TT‬ماء والنجوم‬
‫والكواكب ‪ .‬والوثنية هي الطور الذي تمر به كل أمة في بداوتها قبل ان تنقل الى‬
‫التوحيد وقد قاوم العرب في جاهليتهم فكرة التوحيد ولم يتأثروا ب‪TT T‬اليهود او‬

‫()جواد علي ‪ ،‬تاريخ العرب قبل االسالم ‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪. 32‬‬ ‫‪1‬‬

‫()االنعام ‪. 136‬‬ ‫‪2‬‬

‫()االنعام ‪. 140‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جواد علي ‪ ،‬تاريخ العرب قبل االسالم ‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪. 303_ 302‬‬ ‫‪4‬‬

‫()االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 3‬ص ‪. 45‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪187‬‬
‫المس‪TT‬يحية ‪ ،‬ويب‪TT‬دو أن الس‪TT‬بب في ذل‪TT‬ك يرجع الى ان الوثنية كانت تتف‪TT‬ق مع نظ‪TT‬ام‬
‫العرب القبلي القائم على االستقالل ‪ ،‬فكانت لكل قبيلة مقوماتها ومعتقداتها فالفرد‬
‫يف ‪TT‬ني في القبيلة والقبيلة مثله األعلى ‪ .‬وقد اعتقد العرب بوجود قوى روحية‬
‫كامنة مؤثرة في العالم واالنسان في بعض الحيوانات والطيور والنب‪T‬ات والجماد ‪،‬‬
‫وفي بعض مظ‪TT T‬اه الطبيعية المحيط‪TT T‬ة ب‪TT T‬ه كالكواكب ‪ .‬فرب‪TT T‬ط بين ه‪TT T‬ذه الكائنات‬
‫والموجودات والظ‪T‬واهر الطبيعية وبيت القوى الخفية وقدس‪T‬ها ‪ ،‬ثم تط‪T‬ورت وثنية‬
‫العربي الى عبادة قطع الصخور ‪ ،‬ومعظمها كانت بيضاء اللون لها عالقة ب‪T‬الغنم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫والجمل ولبنهما‬
‫كذلك نس‪T‬ج العربي ح‪T‬ول اآلب‪T‬ار والجب‪T‬ال واالشجار ‪ ،‬قصص‪T‬ا وأس‪T‬اطير ‪،‬‬
‫ورسم صورا خيالية حول بعض االحجار فمثال جعل من الص‪TT‬فا والمروة ‪ ،‬وهما‬
‫ص‪TT‬خرتان ‪ ،‬رجال وامرأة مس‪TT‬خهما اهلل حجرين ‪ ،‬وكذلك بالنس‪TT‬بة ألس‪TT‬اف ونائلة ‪،‬‬
‫فقد قيل انهما رجال وامرأة مس‪TT T‬خا حجرين على موض‪TT T‬ع زمزم ‪ ،‬فكانوا ينح‪TT T‬رون‬
‫عندهما(‪. )2‬‬
‫ويعتقد بعض الب ‪TT‬احثين ان عب ‪TT‬ادة العربي وتقديس ‪TT‬ه للمظ ‪TT‬اهر الطبيعية لم‬
‫تكن على أساس انها تمثل أربابا ‪ ،‬وان االصنام التي عبدها لم تكن هي االلهة ب‪TT‬ل‬
‫كانت سكنا لهم وألرواحهم فهي تمثل استقرار القوى الروحية في االشياء المادية‬
‫‪ .‬وليس من الضروري ان تكون بصورة َالهة ‪ ،‬ولكنها عندما ينحط التفكير تحاط‬
‫‪.‬‬
‫ذاتها بالتعظيم كأنها االلهة‬
‫(‪)3‬‬

‫أ‪ -‬االصنام ‪:‬‬


‫انتشرت عب‪TTT‬ادة االص‪TT T‬نام انتشارا واس ‪TT‬عا في بالد العرب ‪ ،‬فكان لكل قبيلة‬
‫ص‪TT‬نما خاص‪TT‬ا بها ‪ ،‬ويرى بعض العلماء أن عب‪TT‬ادة االص‪TT‬نام ه‪TT‬ذه لم تكن عب‪TT‬ادة خاص‪TT‬ة‬
‫ب ‪TT‬العرب ب ‪TT‬ل عرفت عندهم غيهم من الشعوب الس ‪TT‬امية وغ ‪TT‬ير الس ‪TT‬اميين ‪ .‬وان لفظ ‪TT‬ة‬

‫()محمد عب ‪TT‬د المعيد خان ‪ :‬االس ‪TT‬اطير العربية قب ‪TT‬ل االس ‪TT‬الم ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 1937‬ص‪ . 98‬جواد‬ ‫‪1‬‬

‫علي ج‪ 5‬ص ‪. 22‬‬


‫()ابن هشام ‪ :‬السيرة ج‪ 1‬ص ‪. 84‬‬ ‫‪2‬‬

‫()عبد المعيد خان ‪ :‬االساطير العربية ص ‪ ، 107‬صالح العلي ‪ ،‬محاضرات ص ‪. 194_193‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪188‬‬
‫ص‪TT T‬نم وص‪TT T‬لمن من الكلمات ال‪TT T‬واردة في اللهجات العربية القديمة قب‪TT T‬ل االس‪TT T‬الم في‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫نصوص المسند ‪ ،‬وتعني تمثال‬
‫اما االوثان فهي أيضا من الكلمات التي وردت في النص‪TT‬وص المس‪TT‬ند ‪ ،‬ويب‪TT‬دو‬
‫ان هناك فرقا بين االصنام واالوثان ‪ ،‬فذكر ابن الكلبي ان التمثال اذا كان معموال من‬
‫خشب أو ذهب أو فضة على صورة انسان فهو صنم ‪ ،‬واذا كان من حجارة فهو وثن(‪. )2‬‬
‫وكانت أص‪TT‬نام الجاهلية على اشكال ‪ ،‬فمنها ما كان على هيأة بشر أو على‬
‫هيأة حيوان أو احجار أو اشكال اخرى ‪ ،‬وكان لتلك االص‪TT‬نام عند عاب‪TT‬ديها مدلوالت‬
‫وأساطير ‪ ،‬وهي تصنع من مواد مختلف‪T‬ة كالشخب والحجارة أو من المعادن أو اشياء‬
‫اخرى تخضع لتفكير عبدتها وتأثيرهم بالظواهر الطبيعية ال‪T‬تي تحيط بهم ‪ ،‬وقد يكون‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الصنم من حجارة البراكين أو من النيازك التي اعتقدوا بوجود قوة خارقة فيها‬
‫وقد ورد ذكر االصنام في القرَان الكريم فقال تعالى ‪ ( :‬رب اجعل ه‪T‬ذا البلد‬
‫وقوله عز وجل ‪ ( :‬قالوا نعب‪T‬د اص‪TT‬ناما فنظ‪T‬ل‬ ‫(‪)4‬‬
‫َامنا واجبني وبني أن نعيد االصنام )‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫‪ ،‬وقوله تعالى ‪ ( :‬تا هلل ألكيدن اصنامكم بعد ان تولوا مدبرين‬ ‫(‪)5‬‬
‫لها عاكفين )‬
‫ويظهر ان الوثنيين كانوا يعتقدون بعب‪TT‬ادتهم االص‪TT‬نام عب‪TT‬ادة اهلل تعالى والتقب‬
‫فقال تعالى في القرَان‬ ‫(‪)7‬‬
‫اليه ‪ ،‬ولتكون واس‪TT T‬طة بينهم وبين اهلل وشفعاء لهم عنده‬
‫الكريم ‪ :‬ويعب‪TT‬دون من دون اهلل ماال يض‪TT‬رهم وال ينفعهم ويقول‪TT‬ون ه‪TT‬ؤالء شفعاؤنا عند‬
‫اهلل قل أتنب ‪TT T T‬ون بما ال يعلم في الس ‪TT T T‬موات وال في االرض س ‪TT T T‬بحانه وتعالى عما‬
‫‪ ،‬وقول‪TT‬ه عز وجل ‪ ( :‬أال هلل ال‪TT‬دين الخالص وال‪TT‬ذين اتخذوا من دونه‬ ‫(‪)8‬‬
‫يشركون )‬
‫أولياء ما نعبدهم اال ليقربونا الى اهلل زلفى ان اهلل يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون ‪.‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص ‪. 78_77‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ابن الكلبي ‪ :‬االصنام ص ‪. 53‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص‪. 81‬‬ ‫‪3‬‬

‫()سورة ابراهيم ‪. 35‬‬ ‫‪4‬‬

‫()سورة الشعراء ‪. 217‬‬ ‫‪5‬‬

‫()سورة االنبياء ‪. 57‬‬ ‫‪6‬‬

‫()االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪2‬ص ‪ ، 197‬صالح محاضرات ص ‪. 174‬‬ ‫‪7‬‬

‫()سورة يونس ‪. 88‬‬ ‫‪8‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪189‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫أن اهلل يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون ‪ .‬أن اهلل ال يهدي من هو كاذب كفار )‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫و ( وجعلوا هلل اندادا ليضلوا عن سبيله قل تمتعوا فان مصيركم الى النار )‬
‫ويفهم من اآليات السابقة ان المشركين كانوا يعترفون بوجود اهلل سبحانه وانه‬
‫خالق العالم ومدبر أمرهم ‪ ،‬وقد اشار اهلل تعالى في القرَان الكريم الى ذل‪T‬ك في قول‪T‬ه‬
‫عز وجل ‪ ( :‬ولئن س‪TT‬ألتهم من خلق الس‪TT‬موات واألرض ليقولن اهلل ‪ .‬قل الحمد هلل ب‪TT‬ل‬
‫‪ .‬وقوله تعالى ‪ ( :‬قل لمن االرض ومن فيها ان كنتم تعلمون‬ ‫(‪)3‬‬
‫اكثرهم ال يعلمون )‬
‫‪ .‬س‪TT‬يقولون اهلل قل أفال تذكرون ‪ .‬قل من رب الس‪TT‬موات الس‪TT‬بع ورب العريش العظيم‬
‫سيقولون اهلل قل أفال تتقون ‪ .‬قل من بيده ملكوت كل شيء وه‪T‬و يجير وال يجار عليه‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫ان كنتم تعلمون ‪ .‬سيقولون اهلل قل فأني تسحرون )‬
‫ب_ االوثان ‪ :‬اما االوثان فقد ورد ذكره ‪TT‬ا في القرَان الكريم أيض ‪TT‬ا ‪ ،‬فقال‬
‫تعالى ‪ ( :‬واب‪TT‬راهيم اذ قال لقومة اعب‪TT‬دوا اهلل واتقوا ذلكم خير لكم ان كنتم تعلمون ‪.‬‬
‫انما تعبدون من دون اهلل اوثانا وتخلفون افكا ان الذين تعب‪T‬دون من دون اهلل ال يملكون‬
‫وقول‪TT‬ه عز‬ ‫(‪)5‬‬
‫لكم رزقا فابتغوا عند اهلل الرزق واعبدوه واشكروا ل‪TT‬ه واليه ترجعون )‬
‫وجل ‪( :‬وأحلت لكم االنعام اال ما يتلى عليكم فاجتنبوا ال‪TT‬رجس من االوثان واجتنب‪TT‬وا‬
‫قول الزور)(‪. )6‬‬
‫ج _ االنصاب ‪:‬‬
‫وباإلض‪TT‬افة الى االص‪TT‬نام واالوثان ‪ ،‬كان هناك اص‪TT‬طالح ديني َاخر وه‪TT‬و ما‬
‫عرف بالنص‪TT‬ب واالنص‪TT‬اب ‪ ،‬وقد اختلفت َاراء العلماء في تحديد معنى ه‪TT‬ذه الكلمة ‪،‬‬
‫فمنهم من قال ‪ :‬ان النص ‪TT‬ب كل ما عب ‪TT‬د من دون اهلل تعالى ‪ .‬ويرى فريق َاخر أن‬
‫النص ‪TT‬ب ص ‪TT‬نم أو حجر في الجاهلية ‪ ،‬يذبح عنده ‪ ،‬فيحمر للدم ‪ ،‬وقال َاخرون ان‬

‫()سورة الزمر ‪. 3‬‬ ‫‪1‬‬

‫()سورة ابراهيم ‪. 30‬‬ ‫‪2‬‬

‫()سورة لقمان ‪. 25‬‬ ‫‪3‬‬

‫()سورة المؤمنون ‪. 89_ 84‬‬ ‫‪4‬‬

‫()سورة العنكبوت ‪. 16‬‬ ‫‪5‬‬

‫()سورة الحج ‪. 30‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪190‬‬
‫(‪)1‬‬
‫االنص‪TT‬اب حجارة كانت ح‪TT‬ول الكعب‪TT‬ة تنص‪TT‬ب فيها عليها ‪ ،‬ويذبح لغ‪TT‬ير اهلل تعالى‬
‫وقد يكون النص‪TT‬ب حجرا للعب‪T‬ادة او منح‪T‬را ح‪T‬ول الى ص‪TT‬نم يعبدونه ويقدس‪T‬ونه بمرور‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫األيام يطوفون به ويعترون عنده‬
‫وقد ورد ذكر االنص ‪TT‬اب في القرَان الكريم في قول ‪TT‬ه تعالى ‪ :‬ح ‪TT‬رمت عليكن‬
‫الميتة وال‪TT T‬دم ولحم الخنزير وما أه‪TT T‬ل لغ‪TT T‬ير اهلل ب‪TT T‬ه والمنخنقة والموقوذة والمتردية‬
‫‪ ،‬وقول‪TT‬ه عز وجل ‪:‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫والنطيحة وما أكل الس‪TT‬بع اال ما ذكيتم وما ذبح على النص‪TT‬ب‬
‫( يا ايها ال ‪TT T‬ذين َامنوا انما الخمر والميس ‪TT T‬ر واالنص ‪TT T‬اب واالزالم رجس من عمل‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون )‬
‫وقد ذكر بعض االخباريين العرب ان عب‪TT‬ادة الحجارة كانت في ب‪TT‬ني اس‪TT‬ماعيل‬
‫بن ابراهيم ‪ ،‬فقيل ( انه كان ال يظعن من مكة ظاعن منهم اال احتمل معه من حجارة‬
‫الح‪TT T‬رم تعظيما للح‪TT T‬رم وص‪TT T‬بابة بمكة وبالكعب‪TT T‬ة ‪ ،‬فحيثما حلوا وض‪TT T‬عوه فط‪TT T‬افوا ب‪TT T‬ه‬
‫كالطواف بالكعب ‪TT T‬ة ‪ ،‬ح ‪TT T‬تى س ‪TT T‬لخ ذل ‪TT T‬ك بهم الى ان كانوا يعب ‪TT T‬دون ما استحس ‪TT T‬نوا من‬
‫الحجارة واعجبهم من حجارة الح‪TT‬رم خاص‪TT‬ة ‪ ،‬ح‪TT‬تى خلقت الخلوف ونس‪TT‬وا ما كانوا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫عليه واستبدلوا بدين ابراهيم واسماعيل غيره فعبدوا االوثان )‬
‫أما عن أصل ظهور عبادة االصنام في بالد العرب فيرجعها االخب‪TT‬اريون الى‬
‫عمرو بن لحي الخزاعي فذكروا انه كان اول من غ‪TT T‬ير دين اس‪TT T‬ماعيل الى عب‪TT T‬ادة‬
‫االوثان ‪ ،‬وذل‪TT‬ك عندما خرج الى الشام في بعض أموره ‪ ،‬فلما قدم مَاب من أرض‬
‫البلقاء ‪ ،‬وبها يومئذ العماليق ‪ ..‬رآهم يعب‪TT‬دون االص‪TT‬نام فقال ‪ :‬ما ه‪TT‬ذه االص‪TT‬نام ال‪TT‬تي‬
‫أراكم تعب‪TT‬دون ؟ قالوا ل‪TT‬ه ‪ :‬ه‪TT‬ذه اص‪TT‬نام نعب‪TT‬دها ‪ ،‬فنس‪TT‬تمطرها فتمطرنا ‪ ،‬ونستنص‪TT‬رها‬
‫فتنص‪TT T T‬نا ‪ ،‬فقال لهم ‪ :‬أال تعط‪TT T T‬وني منها ص‪TT T T‬نما ‪ ،‬فأس‪TT T T‬ي ب‪TT T T‬ه الى أرض العرب ‪،‬‬

‫()جواد علي ‪ ،‬العرب قبل االسالم ‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪. 79_ 78‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ابن الكلبي ‪ :‬االصنام ص ‪ ، 4‬سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 632‬‬ ‫‪2‬‬

‫()سورة المائدة االية ‪. 3‬‬ ‫‪3‬‬

‫()سورة المائدة اآلية ‪. 90‬‬ ‫‪4‬‬

‫()االزرقي ‪ :‬اخبار مكة ج‪ 2‬ص ‪ ، 62‬ابن الكلبي ‪ :‬االصنام ص ‪. 6‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪191‬‬
‫فيعب ‪TT‬دوه ؟ فا عط ‪TT‬وه ص ‪TT‬نما قال ل ‪TT‬ه هب ‪TT‬ل‪،‬فقدم ب ‪TT‬ه مكة فنص ‪TT‬به ‪ ،‬وأم الناس بعبادته‬
‫وتعظيم ) (‪.)1‬‬
‫ويروى أن من اتخذ االص‪TT‬نام من ب‪TT‬ني اس‪TT‬ماعيل بن اب‪TT‬راهيم وس‪TT‬موا بأس‪TT‬مائهم‬
‫حين فارقوا دين اسماعيل ‪ :‬هذيل بن مدركة بن الياس أرض ينب‪TT‬ع ‪ ،‬وقد عبدته ايض‪TT‬ا‬
‫بنو كنانة ومزينة وعمو بن قيس بن عيالن ‪ ،‬وكان س‪TT‬دتنه من ب‪TT‬ني لحيان ‪ ،‬وارجع‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫ابن الكلبي انتشار عبادة سواع الى عمرو بن لحي‬
‫وهناك روايات اخرى تذكر ان س ‪TT‬واع كان موض ‪TT‬عه بنخلة على مقرب ‪TT‬ة من‬
‫مكة وان عبدته هم َال ذي الكالع ‪ ،‬ويرى بعض الب ‪TT T‬احثين ان س ‪TT T‬واعا لم يكن من‬
‫االصنام الكبرى عند ظهور االس‪T‬الم ‪ ،‬لعدم ورود اس‪T‬مه في االعالم المركب‪T‬ة مما يدل‬
‫على عدم انتشار عبادته بين القبائل العربية ! (‪)3‬أما الصنم ود فكان على صورة رجل‬
‫‪ ،‬وعبدنه كلب بن وب‪T‬رة من قض‪T‬اعة ‪ ،‬وكان موض‪T‬عه ( بدومة الجندل ) ‪ ،‬وعب‪T‬د أه‪T‬ل‬
‫جرش من مذحج وانعم من طيء يغوث بجرش وكان على ص‪TT‬ورة أس‪TT‬د ‪ .‬أما الص‪TT‬نم‬
‫يعوق فكان بارض همدان من بالد اليمن وعبدته حيوان وهم بطن من همدان ‪ .‬وكان‬
‫يعوق على هيئة الف ‪TT‬رس ‪ ،‬واتخذ ذو الكالع من حمير الص ‪TT‬نم (نس ‪TT‬ر) وكان ب ‪TT‬ارض‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫حمير وانتشرت عبادته الى اعالي الحجاز )‬
‫وقد أشار اهلل تعالى في القرَان الكريم الى هذه االصنام في قوله عز وجل ‪( :‬‬
‫قال نوح رب انهم عص‪T‬وني واتبعوا من لهم يزده مال‪T‬ه وول‪T‬ده اال خس‪T‬ارا ومكروا مكا‬
‫(‪)5‬‬
‫كبار ‪ .‬وقالوا ال تذرن الهتكم وال تذرن ودا وال سواعا وال يغوث ويعوق ونس‪TT‬را )‬
‫‪.‬‬
‫ومن أصنام العرب القديمة ايض‪T‬ا مناة والالت والعزى ‪ ،‬وكانت ( مناة) على‬
‫هيأت ص‪TT T‬خرة ‪ .‬وموض‪TT T‬عها على س‪TT T‬احل البح‪TT T‬ر وناحية المشلل بقديد بين المدينة‬

‫()ابن هشام ‪ :‬السيرة ج‪ 1‬ص ‪. 79‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ابن الكلبي ‪ :‬االصنام ص ‪، 10_9‬ابن هشام ‪ :‬السيرة ج‪ 1‬ص‪. 81_ 80‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪. 84‬‬ ‫‪3‬‬

‫()ابن هشام ‪ :‬السيرة ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪. 82_81‬‬ ‫‪4‬‬

‫()سورة نوح ‪ 71‬اية ‪. 23 _21‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪192‬‬
‫ومكة ‪ ،‬وكان عب‪T‬دتها من االوس والخزرج ( ومن ينزل المدينة ومكة وما قارب من‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫المواضيع يعظمونه ويذبحون له ‪ ،‬ويهدون له )‬
‫وكانت مناة َالهة الموت والقد عند الب‪TT‬ابليين وتعرف باس‪TT‬م (ما مناتو ) وورد‬
‫‪ ،‬وقد انتشرت عبادتها انتشارا واس‪TT‬عا‬ ‫(‪)2‬‬
‫اسم (مناة) ايضا في النقوش النبطية القديمة‬
‫بين كثير من قبائل العرب في الجاهلية وتس‪TT‬موا باس‪TT‬مها مثل زيد مناة ‪ ،‬وعب‪TT‬د مناة ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫وعوف مناة ‪ ،‬وسعد مناة‬
‫وكانت الالت االلهة الرئيس ‪TT‬ية عند العرب في عهد المؤرخ ه ‪TT‬يرودوتس ‪،‬‬
‫وانتشرت عبادتها عند العرب الشماليين ‪ ،‬وهي (الالت)في نص‪TT T T‬وص (الحجر)‬
‫(وص‪TT‬لخد) ‪ ( ،‬وتدمر) أي في النص‪TT‬وص النبطية ال‪TT‬تي عثر عليها في ه‪TT‬ذه الجهات ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫وبه تسمى (وهب الالت) ابن الزباء ملكة تدمر‬
‫وتمثل الالت فصل الصيف عند البابليين (الالتو) ‪ ،‬أما النبط فكانوا يعتبرونها‬
‫وكان لهذا االلهة معاب‪TT‬د‬ ‫(‪)5‬‬
‫ال‪TT‬ه الشمس ‪ ،‬في حين نس‪TT‬ب العرب اليها فص‪TT‬ل الص‪TT‬يف‬
‫كثيرة منتشرة في بالد العب أهم تلك المعاب‪TT‬د المعب‪TT‬د الشهير في الط‪TT‬ائف مركز قبيلة‬
‫ثقيف ‪ ،‬وكان عب‪TT‬ارة عن ص‪TT‬خرة مربعة بيض‪TT‬اء ‪ ،‬اقامت ثقيف عليها بيتا يس‪TT‬ترونه‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫بالثياب ووادي يحرمونه ‪ .‬وكانت قريش وجميع العرب تعظمها‬
‫أما االلهة العزى فهي صنم أنثى وتعتبر أحدث عهدا من الالت ومناة ‪ ،‬وكان‬
‫موض‪T‬عها ب‪T‬واد من نخلة الشامية ـ يقال ل‪T‬ه ح‪T‬راض على بعد ح‪T‬والي ‪ 75‬ميال من مكة‬
‫في الطريق الى العراق ‪ .‬وذكروا ان العزى كانت من بين االلهة التي جاء بها عمرو‬
‫بن لحي ‪ ،‬وعبدتها قريش وبنو كنانة (‪)7‬وقد اشار اهلل تعالى في القرَان الكريم الى ه‪TT‬ذه‬

‫()ابن الكلبي ‪ :‬االصنام ص ‪. 13‬‬ ‫‪1‬‬

‫()عبد المعيد خان ‪ :‬االساطير العربية ‪ ،‬ص ‪. 128‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪:‬ج‪ 5‬ص ‪. 91‬‬ ‫‪3‬‬

‫()المرجع السابق ‪ :‬ج‪ 5‬ص‪. 92_91‬‬ ‫‪4‬‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 640‬‬ ‫‪5‬‬

‫()جواد علي ‪ ،‬العرب قب‪T‬ل االس‪T‬الم ‪ ،‬ج‪ 5‬ص‪ ، 94_93‬علي اب‪T‬راهيم حس‪T‬ن ‪ ،‬التاريخ االس‪T‬المي‬ ‫‪6‬‬

‫العام ص ‪ ، 135‬صالح العلي محاضرات ص‪. 184‬‬


‫()ابن الكلبي ‪ :‬االصنام ص‪ ، 17‬ابن هشام ‪ :‬السيرة ج‪ 1‬ص ‪. 86‬‬ ‫‪7‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪193‬‬
‫االصنام في قوله عز وجل ‪ :‬أفرأيتم الالت والعزي ومناة الثالثة االخرى ‪ ،‬ألكم الذكر‬
‫ول‪TT‬ه االنثى تلك اذا قس‪TT‬مة ض‪TT‬يزى ‪ .‬ان هي اال اس‪TT‬ماء س‪TT‬ميتموها انتم وَاب‪TT‬اؤكم ‪ ،‬وما‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫انزل اهلل بها من سلطان )‬
‫وباإلضافة الى هذه االص‪TT‬نام هناك اص‪TT‬ناما عديدة أخرى وض‪TT‬عتها قريش في‬
‫جوف الكعبة ‪ ،‬وكان اعظمها(هبل) ‪ ،‬وكان يستفتى في المشكالت الشخص‪TT‬ية كالزواج‬
‫وال‪TT‬والدة والرحلة والعمل ‪ .‬فكانوا يستقس‪TT‬مون عنده ب‪TT‬االزالم ‪ ،‬وه‪TT‬و من عقيق أحمر‬
‫على ص‪T‬ورة انس‪T‬ان مكس‪T‬ور اليد اليمنى ‪ ،‬فجعلت قريش ل‪T‬ه يدا من ذهب ‪ ،‬وكانت ل‪T‬ه‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫خزانة للقربان ‪ ،‬وقيل ان مقدار قربانه مئة بعير ‪ ،‬ول‪TT‬ه ح‪TT‬اجب يقوم على خدمته‬
‫وقد ورد اس‪TT T‬م (هب‪TT T‬ل ) في الكتاب‪TT T‬ات النبطية ال‪TT T‬تي عثر عليها في الحجر مع اس‪TT T‬م‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الصنمين ذي الشرى ( دوشرا) ومناة (منوتن)‬
‫أما اس‪T‬اف ونائلة فهما ايض‪T‬ا من اص‪T‬نام قريش ‪ ،‬ويذكر اإلخب‪T‬اريون ان ه‪T‬ذين‬
‫الص‪TT‬نمين كانا انس‪TT‬انان عمال عمال قبيح‪TT‬ا في الكعب‪TT‬ة ‪ ،‬فمس‪TT‬خنا حجرين ‪ ،‬ووض‪TT‬عها في‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫موضعهما فعبدتهما خزاعة وقريش ‪ ،‬وكانوا يبحرون عندهما‬
‫ومن اص‪TT‬نام العرب في الجاهلية أيض‪TT‬ا (رض‪TT‬ي) وه‪TT‬و من االص‪TT‬نام المعروفة‬
‫عند الثموديين ‪ ،‬وانتشرت عبادته بين عرب الشمال ‪ ،‬ومنها (مناف) وذو الخلص‪TT‬ة‬
‫وسعد ‪ ،‬وذو الكفين وذو الشرى واال قيصر ونهم وعائم ومحرق ‪ ،‬وعوض ‪ ،‬وعوف‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫‪ ،‬ومحب ‪ ،‬ورئام ‪ ..‬وغيرها‬
‫الحج ‪:‬‬
‫كان الحج من الشعائر الدينية القديمة عند الس‪TT T‬اميين ‪ ،‬ويعني التوجه الى‬
‫االماكن المقدسة في أوقات معينة من الس‪TT‬نة للتبرك بها وللتقرب اليها ‪ ،‬وكلمة (حج)‬

‫()سورة النجم ‪ 53‬اية ‪. 23_19‬‬ ‫‪1‬‬

‫()االزرقي ‪ :‬اخبار مكة ج‪ 1‬ص ‪. 69_68‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ج‪ 5‬ص ‪.103‬‬ ‫‪3‬‬

‫()ابن الكلبي ‪ :‬االصنام ص ‪. 29‬‬ ‫‪4‬‬

‫()جواد علي ج‪ 5‬ص‪. 119_ 104‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪194‬‬
‫من الكلمات السامية القديمة من أصل (ح ك ‪ )hg.‬و (ح ج) وهي ( ح‪TT‬ك ‪ )Hagh‬في‬
‫العبرانية ‪ ،‬ووردت الكلمة في كتابات مختلف الشعوب المنسوبة الى السامين(‪. )1‬‬
‫ولم يكن مقص ‪TT T‬ورا على بيت واح ‪TT T‬د يحج اليه العرب جميعا ‪ ،‬فالنص ‪TT T‬وص‬
‫الكالسيكية من يونانية والتينية وس‪T‬ريانية ‪ ،‬أشارت الى وجود الحج عند العرب والى‬
‫ذه ‪TT T‬اب القبائل العربية القاطنة في الكورة العربية أو من نزل منهم في الب ‪TT T‬وادي‬
‫المالص‪TT T‬قة إلقليم الشام وفلس‪TT T‬طين الى الحج ل‪TT T‬بيوت كانت تقدس‪TT T‬ها ‪ ،‬مثل معب‪TT T‬د (ذي‬
‫الشرى) عند نب‪TT‬ط بط‪TT‬را (‪ .)2‬ووفقا للروايات الس‪TT‬ابقة يظهر ان هناك عددا من االلهة‬
‫كان العرب يشدون الرحال اليها للحج والتبرك بها ‪ ،‬فذكر ابن الكلبي ان االزد كانوا‬
‫يحجون في مكة ‪ ،‬وان قريش تزور العزى وتهدي اليها ‪ ،‬في حين كانت قبائل لخم‬
‫وقض‪TTT‬اعة وجذام واه‪TTT‬ل الشام يحجون الى اال قيص ‪TT‬ر ‪ ،‬أما مذحج فكانت تحج الى‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الصنم (يغوث)‬
‫وأورد االخباريون اسماء عدد من البيوت المقدسة ‪ ،‬كبيت العزى على مقرب‪TT‬ة‬
‫من عرفات ‪ ،‬وبيت الالت في الط‪TT T‬ائف ‪ ،‬وكعب‪TT T‬ة س‪TT T‬نداد ‪ ،‬وبيت رئام ‪ ،‬والس‪TT T‬عيدة ‪،‬‬
‫وذي الكعب‪TT‬ات ال‪TT‬ذي كانت تحجه ربيعة في الجاهلية ‪ ،‬وبس‪TT‬اء وه‪TT‬و بيت بنته غطف‪TT‬ان‬
‫وسمته مضاهاة للكعبة ‪ ،‬وبيت مناة ‪ ،‬وبيت ذي الخلصة وبيت نجران (‪.)4‬‬
‫وكانت مواس‪TT T‬م الحج اعيادا يجتمع الناس فيها ب‪TT T‬ابهى ما عندهم من حلل‬
‫معتقدين انهم ب‪TT‬ذلك يدخلون الس‪TT‬رور على انفس‪TT‬هم وعلى انفس‪TT‬هم وعلى انفس َالهتهم ‪،‬‬
‫ويرافق هذه االحتفاالت ذبح الحيوانات ‪ ،‬وكل يذبح على قدر طاقته ومكانته ‪ ،‬فيأكل‬
‫منها الفقراء (‪.)5‬‬
‫الحج الى مكة ‪ :‬ولم يرد في كتب المؤرخين من أخب ‪TT‬ار مدونة عن مناس‪TTT‬ك‬
‫الحج وشعائره في الجاهلية ‪ ،‬عدا الحج الى مكة بيت اهلل الح ‪TT T‬رام ‪ ،‬نظ ‪TT T‬را لص ‪TT T‬لته‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص ‪. 214‬‬ ‫‪1‬‬

‫()المرجع السابق ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص ‪. 217‬‬ ‫‪2‬‬

‫()ابن الكلبي ‪ :‬االصنام ص ‪. 14،18،27،48،57‬‬ ‫‪3‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات تاريخ العرب ص ‪. 202‬‬ ‫‪4‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ج‪ 5‬ص ‪ ، 218_217‬ص‪TT‬الح العلي محاض‪TT‬رات ص‬ ‫‪5‬‬

‫‪. 210_202‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪195‬‬
‫الوثيقة باإلس‪TT‬الم ‪ ،‬ول‪TT‬ورود بعض مناس‪TT‬كة في القرَان الكريم في معرض االقرار أو‬
‫التعديل أو االبط‪TT T‬ال ‪ ،‬وقد جاء ذكر الكعب‪TT T‬ة في بعض آيات ال‪TT T‬ذكر الحكيم ‪ ،‬فقال‬
‫تعالى ‪( :‬جعل اهلل الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الح‪TT‬رام والهدي والقالئد ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ذلك لتعلموا ان اهلل يعلم ما في السموات وما في االرض وان اهلل بكل شيء عليم )‬
‫‪ .‬وقوله عز وجل ‪ ( :‬يا أيها الذين َامنوا ال تقتلوا الص‪T‬يد وانتم ح‪T‬رم ‪ ،‬ومن قتله منكم‬
‫متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذو عدل منكم هديا بلغ الكعبة ) (‪.)2‬‬
‫والكعب‪TT T‬ة بناء مكعب غ‪TT T‬ير منتظم األض‪TT T‬الع ‪ ،‬وكان األس‪TT T‬اس ال‪TT T‬ذي وض‪TT T‬عه‬
‫اب‪TT‬راهيم عليه الس‪TT‬الم ل‪TT‬ه ( جعل طول‪TT‬ه في الس‪TT‬ماء تس‪TT‬عة اذرع ‪ ،‬وعرض‪TT‬ه في االرض‬
‫اثنين وثالثين ذراعا من الركن االسود الى الركن الشامي الذي عند الحجر من وجهه‬
‫‪ ،‬وجعل عرض ما بين ال ‪TT‬ركن الشامي الى ال ‪TT‬ركن الغ ‪TT‬ربي ال ‪TT‬ذي فيه الحجر اثنين‬
‫وعشرون ذراعا ‪ ،‬وجعل عرض شقها اليماني من ال‪TT‬ركن االس‪TT‬ود الى ال‪TT‬ركن اليماني‬
‫وأول تس ‪TT‬قيفه للكعب ‪TT‬ة كان في التعمير ال ‪TT‬ذي أوجدته قريش في‬ ‫(‪)3‬‬
‫عشرين ذراعا )‬
‫النص ‪TT‬ف الثاني من القرن الس ‪TT‬ادس الميالدي ‪ ،‬وقد أقيم الس ‪TT‬قف على س ‪TT‬تة اعمدة من‬
‫الخشب ‪.‬‬
‫وزعت في صفين ‪ ،‬وكل صف ثالثة دعايم ‪ ،‬وجعلوا ارتفاعها من خارجها‬
‫من االرض الى اعاله‪TT‬ا ثمانية عشر ذراعا ‪ ،‬وكانت قب‪TT‬ل ذل‪TT‬ك تس‪TT‬عة اذرع ‪ ،‬فزادت‬
‫قريش في أرتفاعها في السماء تسعة اذرع أخر وبنوها من اعالها الى أس‪TT‬فلها بمدماك‬
‫من حجارة ومدماك من خشب ‪ ،‬وكان الخشب خمس‪TT‬ة عشرة مدماكا والحجارة س‪TT‬تة‬
‫عشر مدماكا ‪ .‬وجعلوا في دعائمها ص‪T‬ور االنبياء وص‪T‬ور الشجر وص‪T‬ور المالئكة ‪،‬‬
‫وقد ازيلت جميع هذه الصور يوم دخل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم مكة فاتح‪TT‬ا في‬
‫العام الثامن للهجرة(‪.)4‬‬

‫()سورة المائدة اية ‪. 97‬‬ ‫‪1‬‬

‫()سورة المائدة اية ‪. 95‬‬ ‫‪2‬‬

‫()االزرقي ‪ :‬اخبار مكة ج‪ 2‬ص ‪. 30‬‬ ‫‪3‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص‪. 206_205‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪196‬‬
‫وذكر ابن هشام ان الكعب ‪TT‬ة كانت تكس ‪TT‬ى القبط ‪TT‬اني وهي ثياب بيض كانت‬
‫تصنع بمصر ‪ ،‬ثم كسيت البرود وه‪T‬و نوع من ثياب اليمن ‪ ،‬وأول من كس‪T‬اها ال‪T‬ديباج‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الحجاج بن يوسف ‪ ،‬وكان الزبير قد كساها قبل الحجاج‬
‫وعندما انتهت قريش من بناء الكعبة وضعت فيه الحجر األس‪T‬ود ‪ ،‬وه‪T‬و حجر‬
‫ناري متوس ‪TT‬ط الحجم ‪ ،‬كان موض ‪TT‬عه في االص ‪TT‬ل على جب ‪TT‬ل أبي قبيس ‪ ،‬وذكروا ان‬
‫هذا الحجر كان يض‪TT‬يء أله‪T‬ل مكة في ليالي الظلم كما يض‪TT‬يء القمر ‪ ،‬فأنزلته قريش‬
‫قبيل ظهور االسالم من أبي قبيس ووضعته في الجانب الشمالي من الكعبة(‪. )2‬‬
‫وكان للحجر األس‪TT‬ود أهمية خاص‪TT‬ة في الجاهلية ‪ ،‬فكان أقدس شيء عندهم ‪،‬‬
‫ب‪T‬دليل تنازعهم وتخاص‪TT‬مهم فيما بينهم على شرف وض‪TT‬عه في محله ‪ ،‬وكانوا يلمس‪T‬ونه‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫للتبرك به ‪ ،‬ويتحالفون ويحلفون عنده‬
‫وكان الحج الى مكة يتم في أشهر معينة من الس‪T‬نة ‪ ،‬وقد أشار اهلل تعالى الى‬
‫ذل ‪TT‬ك في القرَان الكريم فقال عز وجل ‪ ( :‬الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن‬
‫‪ ،‬واالشهر المعلومات هي شوال‬ ‫(‪)4‬‬
‫تاحج فال رفث وال فس‪TT‬وق وال جدال في الحج )‬
‫وموعد الحج كان في األيام العشرة األولى من ذي‬ ‫(‪)5‬‬
‫وذي القعدة وعشر ذي الحجة‬
‫الحجة ‪ ،‬أما األشهر االخرى الباقية فال يعرف بالض‪TT‬بط ما اذا كانت تتم فيها العمرة‬
‫فقط أم تجري فيها عب‪TT‬ادات أخرى ‪ ،‬ويرى بعض الب‪TT‬احثين ان الحج كان ثابتا معنيا‬
‫في اح‪TT‬د مواس‪TT‬م الس‪TT‬نة ‪ .‬أي انه يتب‪TT‬ع الس‪TT‬نة الشمس‪TT‬ية ‪ ،‬ولما كانت العرب تتب‪TT‬ع النظ‪TT‬ام‬
‫القمري فقد وجد النس‪T‬ئ للتوفيق بين الس‪T‬نة الشمس‪T‬ية والقمرية وذل‪T‬ك بإض‪TT‬افة شهر كل‬
‫ثالث س ‪TT‬نوات لكي تتط ‪TT‬ابق الس ‪TT‬نة الشمس ‪TT‬ية مع القمرية ‪ ،‬وه ‪TT‬ذا يؤدي الى تغيير في‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫االشهر الحرم ‪ ،‬وكان المختص بالنسيء هو الذي يعين الشهر المضاف‬
‫مراسيم الحج الى مكة‬

‫()ابن هشام ‪ :‬السيرة ج‪ 1‬ص ‪. 211‬‬ ‫‪1‬‬

‫()صالح العلي ‪ :‬محاضرات في تاريخ العرب ص ‪. 207_206‬‬ ‫‪2‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬تاريخ العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص ‪. 219_ 218‬‬ ‫‪3‬‬

‫()سورة البقرة ‪. 197‬‬ ‫‪4‬‬

‫()تفسير الطبري ج‪ 2‬ص ‪ ، 153_150‬المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج‪ 2‬ص ‪. 205‬‬ ‫‪5‬‬

‫()صالح العلي ‪ ،‬محاضرات في تاريخ العرب ص ‪. 211_114_113‬‬ ‫‪6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪197‬‬
‫عرف تجمع الحجاج بـ عرفة بيوم عرفة ‪ ،‬وموقف عرفه ‪ ،‬وعرفة على‬
‫اميال شرق مكة ومنها تكون االجازة لإلفاض‪T‬ة الى المزدلف‪T‬ة ومن المزدلف‪T‬ة الى منى ‪،‬‬
‫وكان العرب في جاهليتهم يفيض‪TT‬ون في عرفه عند غ‪T‬روب الشمس ‪ ،‬أما في المزدلف‪T‬ة‬
‫فعند غروبها (‪)1‬وكان ط ‪TT‬وافهم ب ‪TT‬البيت س ‪TT‬بعة أشواط ‪ ،‬وهم ص ‪TT‬نفان ‪ :‬ص ‪TT‬نف يط ‪TT‬وف‬
‫بالبيت عريانا وهم ( الحلة) ‪ ،‬وصنف يطوف بثيابه ويعرف ه‪TT‬ؤالء بـ (الحمس) س‪TT‬موا‬
‫ب‪TT T‬ذلك لتشددهم في دينهم ‪ ،‬أما من كان من غ‪TT T‬ير الحمس ‪ ،‬فيمكنه الط‪TT T‬واف بثياب‬
‫يأخذها من الحمس على س‪TT‬بيل االعارة أو الكراء ‪ ،‬أو الط‪TT‬واف بثياب‪TT‬ه وعليه في ه‪TT‬ذه‬
‫الحال‪TT‬ة االخيرة ط‪TT‬رح ثياب‪TT‬ه بعد اكمال الط‪TT‬واف ح‪TT‬ول ال‪TT‬بيت ‪ ،‬فال يجوز ل‪TT‬ه اس‪TT‬تعمالها‬
‫مرة ثانية ‪ ،‬فاذا القيت ال يمس‪TT‬ها أح‪TT‬د ‪ ،‬وال يحركها ح‪TT‬تى تبلى من وطئ االقدام ومن‬
‫تأثير الشمس والرياح ‪ ،‬ويطلق على ه‪T‬ذه الثياب ال‪T‬تي تط‪T‬رح بعد الط‪T‬واف اس‪T‬م(اللقى)‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫وكات هناك طائف ‪TT‬ة أخرى من العرب عرفوا بـ( الطلس) وه ‪TT‬ؤالء كانوا في‬
‫ط‪TT‬وافهم بين الحلة والحمس (يص‪TT‬نعون في اح‪TT‬رمهم ما يص‪TT‬نع الحلة ‪ .‬ويص‪TT‬نعون في‬
‫ثيابهم ودخولهم ال ‪TT T‬بيت ما تص ‪TT T‬نع الحمس ‪ ،‬وكانوا ال يتعرون ح ‪TT T‬ول الكعب ‪TT T‬ة وال‬
‫يس‪TT‬تعيرون ثياب‪TT‬ا ويدخلون ال‪TT‬بيوت من ابوابها ‪ ،‬وكإنو ال يئدون بناتهم و كإنو يقف‪TT‬ون‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫مع الحلة ويصنعون ما يصنعون )‬
‫وكانوا يطوفون بالص‪TT T‬فا والمروة ‪ ،‬وعليهما ص‪TT T‬نمان يمس‪TT T‬حونهما ‪ ،‬وكان‬
‫(‪)4‬‬
‫طوافهم بهما س‪T‬بعة اشواط ‪ ،‬كما انهم يقدمون األض‪T‬احي ويقص‪TT‬ون شعورهم هناك‬
‫ومن العادات المتص‪TT‬لة ب‪T‬الحج في الجاهلية أيض‪TT‬ا عادة (االرتجام) ‪ ،‬أي رمي الحص‪TT‬ى‬
‫أو االحجار (رمي الجمرات ) أو (ال‪T‬رجم) ‪ ،‬واالرتجام كان معروفا في الجاهلية كما‬
‫‪ ،‬وه‪TT‬و معروف ايض‪TT‬ا عند‬ ‫(‪)5‬‬
‫كان معروفا عند العبرانيين كما ورد ذل‪TT‬ك في التوراة‬

‫()ابن هشام ‪ :‬السيرة ج‪ 1‬ص‪ ، 126‬جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص ‪. 211‬‬ ‫‪1‬‬

‫()االزرقي ‪ :‬اخب ‪TT‬ار مكة ج‪ 1‬ص‪ ، 114_ 112‬ابن هشام الس ‪TT‬يرة ‪ ،‬الس ‪TT‬يرة ‪ ،‬ج‪ 1‬ص ‪_214‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ، 215‬جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص ‪. 224‬‬


‫()جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص‪ 229‬نقال عن المحبر ص ‪. 18‬‬ ‫‪3‬‬

‫()المرجع السابق ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص‪. 230‬‬ ‫‪4‬‬

‫()سفر التكوين االصحاح الحادي والثالثون ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪198‬‬
‫ب‪T‬ني ارم ‪ ،‬وكلمة ( ر ج م ) من الكلمات الس‪T‬امية القديمة وتعني ايض‪TT‬ا االحجار ال‪T‬تي‬
‫تنص ‪TT‬ب على القبر ‪ .‬وللرجم في االس ‪TT‬الم معنى يختلف كل االختالف عن معناه في‬
‫الجاهلية ‪ ،‬فهو في االس‪TT‬الم للذين يقومون بعمل مناف للشريعة االس‪TT‬المية ‪ ،‬أما في‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الجاهلية فهو للتقدير والتعظيم‬
‫ويتصل بالحج تقديم العتائر (الضحية في االسالم) وكانت تذبح عند االنص‪TT‬اب‬
‫‪ ،‬فتوزع على الحاض‪TT T‬رين ليأكلوه‪TT T‬ا جماعة أو تعطى لألفراد ‪ ،‬وقد تترك للطيور‬
‫والوح‪TT‬وش فال (يص‪TT‬د عنها انس‪TT‬ان وال س‪TT‬بع ) (‪ ،)2‬وكانت تميز الحيوانات ال‪TT‬تي يهيئها‬
‫اص‪TT T T‬حابها أو مشتروها للذبح في الحج بعالمات ‪ ،‬فيوض‪TT T T‬ع عليها قالئد تجعلها‬
‫معروفة ‪ ،‬أو ان يحدث لها جرح ليسيل منه الدم ليكون ذلك عالمة انها ه‪TT‬دي ‪ ،‬ويقال‬
‫لذلك أشعار ‪ ،‬ومنه أشعار الب‪T‬دن ‪ ،‬وذل‪T‬ك ب‪T‬ان يشق اح‪T‬د جنبي س‪T‬نام البدنة ح‪T‬تى يس‪T‬يل‬
‫‪.‬‬
‫منه الدم ليكون ذلك عالمة الهدي‬
‫(‪)3‬‬

‫األديان الخارجية ‪:‬‬


‫لم تكن ديانة العرب قاص‪TT‬رة على الوثنية ‪ ،‬ب‪TT‬ل أن الجزيرة العربية تعرض‪TT‬ت‬
‫الى كثير من المؤثرات الخارجية ‪ ،‬فدخلت ال‪TT‬ديانات الس‪TT‬ماوية كاليهودية والنص‪TT‬رانية‬
‫في انح‪TT‬اء متعددة من بالد العرب ‪ ،‬اال ان انتشارهما كان على نط‪TT‬اق ض‪TT‬يق ‪ ،‬فبقيت‬
‫عب‪TT‬ادة االص‪TT‬نام واالوثان ديانة الغالبية العظمى من س‪TT‬كان شبه الجزيرة العبية ح‪TT‬تى‬
‫ظهور االسالم ‪.‬‬
‫‪ -1‬اليهودية ‪:‬‬
‫دخل اليهود بالد العرب على شكل جماعات متعاقب ‪TT‬ة اس ‪TT‬تقرت في الواح ‪TT‬ات‬
‫الخص‪TT T‬بة من الحجاز كوادي القرى وتيماء وخيبر وفدك ويثرب ‪ ،‬كما انتشرت‬
‫جماعات منهم في بالد اليمن واليمامة والبحرين ‪ .‬وال يعرف على وجه التحديد زمن‬
‫دخول هؤالء اليهود بالد العرب أو كيفية مجيئهم واستقرارهم فيها(‪. )4‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص ‪. 231‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ابن هشام ‪ :‬السيرة ج‪ 1‬ص ‪.100‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ‪ ،‬ج‪ 5‬ص ‪. 232‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 6‬ص‪ ، 9‬صالح العلي ‪ :‬محاض‪TT‬رات في تاريخ العرب ص‬ ‫‪4‬‬

‫‪. 171‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪199‬‬
‫وكانت يثرب المركز االكبر لليهودية عند ظهور االسالم ‪ ،‬وأما في اليمن فقد‬
‫تعرض يهودها الى ضغط االحباش الذي فتحوا اليمن في جاليات يهودية أخرى كانت‬
‫منتشرة في االجزاء الشرقية من جزيرة العرب ‪ ،‬وقد دفع ه‪T‬ؤالء الجزية فيمن دفعها‬
‫من أه‪T‬ل الذمة ‪ ،‬ول‪T‬ك يرد في االخب‪T‬ار ما يشير الى وجود جاليات يهودية في هض‪T‬بة‬
‫نجد ( وهذا ال يعني نفي ذهاب أسر اليها لإلتجار في تلك االنحاء ) (‪.)1‬‬
‫وقد تأثر ه ‪TT T‬ؤالء اليهود بجيرانهم العرب ولم يح ‪TT T‬افظوا على دينهم وعلى‬
‫خصائص‪TT‬هم ال‪TT‬تي يمتازون بها محافظ‪TT‬ة شديدة كما ه‪TT‬و شأنهم في االقط‪TT‬ار االخرى ‪،‬‬
‫فانقس ‪TT‬موا الى قبائل وبط ‪TT‬ون ‪ ،‬واتخذوا اس ‪TT‬ماء عربية ‪ .‬وكان الشعر المنس ‪TT‬وب الى‬
‫شعراءهم يحمل الطابع العربي والفكر العربي ‪ ،‬وفي حياتهم االجتماعية عاش اليهود‬
‫في الجزيرة العربية معيشة أهلها ‪ ،‬فلبس ‪TT‬وا لباس ‪TT‬هم وتظ ‪TT‬اهروا معهم ‪ ،‬وتمتع ه ‪TT‬ؤالء‬
‫اليهود بمحبة واسعة ‪ ،‬لم يحصلوا عليها في أي بلد َاخر من البالد ال‪T‬تي كانوا بها في‬
‫ذل‪TTT‬ك العهد ‪ ،‬وكانت لهم بيوت للعب‪TTT‬ادة ومدارس يتدارس ‪TT‬ون فيها في أمور دينهم ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وكانت لهم كتب دينية ومنهم من كان يعرف العبرانية ويكتب بها‬
‫وعلى ال ‪TT‬رغم من اختالط اليهود ب ‪TT‬العرب وتعايشهم معهم اال انهم لم ينجح ‪TT‬وا‬
‫في نشر عقيدتهم بين العرب ‪ ،‬ألسباب عديدة منها ‪ :‬عدم اهتمامهم بالتبشير بديانتهم ‪،‬‬
‫ألنها في نظرهم ديانة خاصة بشعبهم المختار من بين الشعوب ‪ ،‬فلم يكونوا يرحب‪TT‬ون‬
‫ب‪TT‬دخول الغرب‪TT‬اء فيها ‪ ،‬الن س‪TT‬واهم من الشعوب غ‪TT‬ير جديرة ب‪TT‬ذلك‪ ،‬وكانت جهودهم‬
‫منص‪TT T‬بة نح‪TT T‬و جمع ال‪TT T‬ثروات والس‪TT T‬يطرة بها على من جاورهم من الناس ‪ ،‬فعرفوا‬
‫‪.‬‬‫بتهافتهم على جمع المال ونقضهم للعهود والمواثيق‬
‫(‪)3‬‬

‫‪ _2‬النصرانية ‪:‬‬
‫كانت النص‪TT T T‬رانية اكثر حظ‪TT T T‬ا في االنتشار من اليهودية بين العرب قب‪TT T T‬ل‬
‫االسالم ‪ ،‬وقد ورد في الشعر الجاهلي اشارات كثيرة الى انتشارها بين عدد من قبائل‬

‫()المرجع السابق ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 6‬ص ‪. 9_8‬‬ ‫‪1‬‬

‫()المرجع السابق ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 6‬ص ‪. 21_20‬‬ ‫‪2‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬العرب قب‪TT‬ل االس‪TT‬الم ج‪ 6‬ص ‪ ، 346‬علي حس‪TT‬ني الخرب‪TT‬وطلي ‪ ،‬العرب واليهود‬ ‫‪3‬‬

‫في العصر االسالمي ص ‪.25_24‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪200‬‬
‫العرب ‪ ،‬اال أن النص‪TT‬رانية لم تس‪T‬تطيع مع ذل‪T‬ك التغلغ‪T‬ل في قلب شبه الجزيرة العربية‬
‫نفسها(‪. )1‬‬
‫وقد كان دخول النص‪TT‬رانية بالد العرب عن طريق بعض النس‪T‬اك والرهب‪T‬ان ‪،‬‬
‫وبالتجارة ب ‪TT‬القيق من الجنس ‪TT‬ين ‪ ،‬كذلك كان لألديرة تأثير كب ‪TT‬ير في معرفة التجار‬
‫العرب واالعراب بالنص ‪TT‬رانية ‪ ،‬فوجد ه ‪TT‬ؤالء في أكثر تلك االديرة اماكن للراح ‪TT‬ة‬
‫واللهو والشرب ‪ ،‬والتزود بالماء ‪ ،‬فاطلع العرب على شيء من الديانة النص‪TT‬رانية من‬
‫خالل الشعائر ال‪TT T‬تي كان يؤدونها ه‪TT T‬ؤالء الرهب‪TT T‬ان ‪ ،‬ولم يقتص‪TT T‬ر دور األديرة على‬
‫العبادة ‪ ،‬وانما كانت مراكز للتبشير بالنصرانية ‪ .‬وقد نجح الرهبان في اقامة عدد من‬
‫األديرة في اماكن نائية من بالد العرب ‪ ،‬فوجد عدد منها في نجد والحجاز وفي‬
‫جنوب جزيرة العرب وشرقيها ‪ ،‬وكانت ه ‪TT‬ذه االديرة تعتمد على المس ‪TT‬اعدات من‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الكنائس النصرانية في العراق والشام ومن الروم‬
‫ويرجع س‪T‬بب انتشار النص‪TT‬رانية في اط‪T‬راف جزيرة العربية ( غ‪T‬رب وجنوب‬
‫وشرقي الجزيرة ) ‪ ،‬اتص‪TT‬الها بط‪TT‬رق التجارة مع البالد النص‪TT‬رانية ‪ ،‬ومجيء التجار‬
‫النص‪TT‬اري والمبشرين مع القوافل الى ه‪TT‬ذه المناطق ‪ .‬ويالح‪TT‬ظ أن النص‪TT‬رانية لم يكن‬
‫لها في المواض‪TT‬ع من بالد العرب ما كان لليهود من المس‪TT‬توطنات ‪ ( ،‬جنوبي دومة‬
‫الجندل وفدك وأيلة ح‪T‬تى اليمن وفي يثرب ) ‪ ،‬كذلك يالح‪T‬ظ أن معظم س‪T‬كان المنطقة‬
‫الممتدة من يثرب حتى نجران وصنعاء كانوا وثنيين شديدي التمس‪TT‬ك بعب‪TT‬ادة االص‪TT‬نام‬
‫واألرواح(‪.)3‬‬
‫وتعتبر(الحيرة) من المراكز النصرانية التي كان لها أثر كب‪TT‬ير في انتقال ه‪TT‬ذه‬
‫الديانة الى بالد العرب ‪ ،‬فقد أص‪TT T‬بحت ه‪TT T‬ذه المدينة مركزا اس‪TT T‬قفيا س‪TT T‬نه ‪ 410‬م ‪،‬‬
‫وتح‪TT‬ول كثير من عربها الى النص‪TT‬رانية وعرفوا بالعب‪TT‬اد ‪ ،‬وكان يأتيها عدد من تجار‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص‪. 653‬‬ ‫‪1‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 6‬ص ‪. 60‬‬ ‫‪2‬‬

‫()المرجع السابق ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 6‬ص‪. 61‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪201‬‬
‫مكة ومن الطائف وبقية انحاء الحجاز ‪ ،‬فانتقلت النص‪TT‬رانية عن طريق اتص‪TT‬ال ه‪TT‬ؤالء‬
‫التجار بنصاري الحيرة (‪.)1‬‬
‫كذلك كانت بالد الحبشة من المراكز ال ‪TT‬تي انبعثت منها النص ‪TT‬رانية الى بالد‬
‫اليمن والحجاز ‪ ،‬بفض ‪TT‬ل بعض المبشرين الس ‪TT‬وريين منهم( فيميون الره ‪TT‬اب) ‪ ،‬وكان‬
‫من الزه‪TT‬اد ‪ ،‬وقيل انه اتص‪TT‬ل ب‪TT‬ه رجل من أه‪TT‬ل الشام يدعى ( ص‪TT‬الح) ‪ ،‬فتوغال في‬
‫بالد العرب فاختطفتهما س‪TT‬يارة من العرب وباعوهما بنجان ‪ ،‬فنجح فيميون في حمل‬
‫أهلها على اعتناق النص ‪TT‬رانية وتمكن من تأس ‪TT‬يس كنيس ‪TT‬ة يعقوبية ‪ ،‬وفي س ‪TT‬نة ‪ 356‬م‬
‫أرس‪TT T‬ل االمبراطور الب‪TT T‬يزنطي قيس‪TT T‬طنطوس بعثة الى بالد العرب الجنوبية برئاس‪TT T‬ة‬
‫(ثيوفيلس اند االريوس ‪TT‬ي ) _ كان على مذهب َاريوس ال ‪TT‬ذي انكر لهوت المس ‪TT‬يح _‬
‫‪ .‬وفي اعقاب‬ ‫(‪)2‬‬
‫وافلح ثيوفليس في انشاء بيعة في عدن وبيعتين في أرض حمير‬
‫الفتح الحبشي لبالد اليمن س ‪TT‬نة ‪525‬م ‪ ،‬انتشرت النص ‪TT‬رانية انتشارا واس ‪TT‬عا ‪ ,‬وأتخذ‬
‫أبرهة من نجران مركزا رئيسيا للتبشير بالنصرانية بين عرب اليمن ‪ ،‬وبني القليس ‪،‬‬
‫وبالغ في االعتناء بها وتزيينها ولما فرغ ابره‪TT‬ة من بناءه‪TT‬ا كتب الى النجاشي يقول ‪:‬‬
‫( قد ب ‪TT‬نيت ل ‪TT‬ك ايها الملك كنيس ‪TT‬ة لم يبن مثلها لملك كان قبلك ‪ ،‬ولس ‪TT‬ت بمنته ح ‪TT‬تى‬
‫أصرف اليها حاج العرب)(‪. )3‬‬
‫أما في الشمال الشرقي من شبه الجزيرة العربية فكان للنص‪TT‬رانية مراكز في‬
‫الرها ونصيبين واربل وجنديسابور وسلوقيه وطيس‪T‬فون ‪ ،‬فالره‪T‬ا كانت من أهم معاقل‬
‫االدب الس ‪TT‬رياني للنس ‪TT‬اطرة الس ‪TT‬يما في عص ‪TT‬ر االس ‪TT‬قف ايب ‪TT‬اس (‪457_436‬م) اال انهم‬
‫اضطروا للرحيل عنها في عهد االسقف نونوس الذي خلف االس‪T‬قف ايب‪T‬اس ‪ ،‬فقد كان‬
‫االس‪TT T‬قف الجديد كاره‪TT T‬ا للنس‪TT T‬طورية فدخلوا في حماية الف ‪TT‬رس وس‪TT T‬مح لهم بالتبشير‬
‫بمذهبهم واتخذوا سلوقيه على نه دجله مقابل العاصمة طيس‪TT‬فون مركزا لهم واص‪TT‬بحت‬

‫()سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 655‬‬ ‫‪1‬‬

‫()ح ‪TT‬تى ‪ :‬تاريخ العرب مط ‪TT‬ول ج‪ 1‬ص ‪ 81_ 80‬طبعة ب ‪TT‬يروت ‪ ،1965‬جود علي ‪ ،‬تاريخ‬ ‫‪2‬‬

‫العرب قبل االسالم ‪ ،‬ج‪ 6‬ص ‪. 64‬‬


‫()الطبري ‪ :‬تاريخ الطبري ج‪ 2‬ص ‪ ، 132‬المسعودي ‪ :‬مروج الذهب ج‪ 2‬ص ‪. 78‬‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪202‬‬
‫من أهم معاقل النس ‪TT‬طورية والتبشير في العراق وفي س ‪TT‬ائر االمبراطورية الفارس ‪TT‬ية‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬

‫والى جانب اليهودية والنص‪T‬رانية عرفت بالد العرب أديان خارجية أخرى ‪،‬‬
‫اغلبها جاءت الى العرب عن طريق الف‪TT‬رس ‪ ،‬كالمجوس‪TT‬ية ومنها المزدكية والمانوية‬
‫والزردشتية وهم القائلون ب‪TT‬النور والظلمة وعرفوا بالثنوية ‪ ،‬ومنها الدهرية وه‪TT‬ؤالء‬
‫‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫القائلون بال‪TT‬دهر ‪ ،‬وقد انكروا الخالق والبعث وقالوا الطب‪TT‬ع المحي وال‪TT‬دهر المف‪TT‬ني‬
‫وقد أشار القرَان الكريم الى ه ‪TT‬ؤالء في قول ‪TT‬ه عز وجل ‪ ( :‬وقالوا ماهي اال حياتنا‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫الدينا نموت ونحيا وما يهلكنا اال الدهر )‬
‫والمجوسية من الكلمات المعرب‪T‬ة ‪ ،‬عربت عن لف‪T‬ظ مجوس اليونانية المأخوذة‬
‫من أصل فاسي قديم ه‪TT‬و مكوش ‪ ،‬وقد دخلت العربية اما عن اليونانية أو عن طريق‬
‫ب‪TT‬ني ام ‪ ،‬وكان معظم مجوس جزيرة العرب من الف‪TT‬رس المقيمين في البح‪TT‬رين وفي‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫اليمن وعمان‬
‫ووجد من العرب فريق عبد النجوم والكواكب كالشمس والقمر والزه‪TT‬رة وهم‬
‫ال‪TT T‬ذين عرفوا بالص‪TT T‬ائبة ‪ ،‬وقيل أن األص‪TT T‬ل في تس‪TT T‬مية ه‪TT T‬ذه الطائف‪TT T‬ة بالص‪TT T‬ائبة النهم‬
‫خرجوا على دينهم ‪ ،‬وأخذوا ما راق لهم من ديانات العالم ومذاهبهم ‪ ،‬فس‪TT T T‬موا‬
‫بالصائبة أي الخارجين ‪ .‬فقد خرجوا عن تقييدهم بجملة كل دين وتفص‪TT‬يله اال ما رأوه‬
‫منه الح ‪TT‬ق ‪ ،‬والص ‪TT‬ائبة فريقان ‪ ،‬ص ‪TT‬ائبة حنف ‪TT‬اء وص ‪TT‬ائبة مشركون ‪ ،‬والمشركون هم‬
‫ال ‪TT T‬ذين كانوا يعظمون الكواكب الس ‪TT T‬بعة وال ‪TT T‬بروج االثني عشر ويص ‪TT T‬ورونها في‬
‫هياكلهم ‪ ،‬وكانت للكواكب عندهم هياكل مخصوص‪TT‬ة وهي المتعب‪T‬دات الكب‪T‬ار كالكنائس‬
‫عند النصاري والبيع بالنس‪T‬بة لليهود (‪ .)5‬وكانت بعض قبائل لخم وخزاعة وقريش قد‬
‫عبدت الشعري العبور وهي الشعري اليمانية ‪ ،‬في حين عبدت طيء الثريا والمرزم‬

‫()جواد علي ‪ ،‬العرب قبل االسالم‪ ،‬ج‪ 6‬ص ‪. 75_84‬‬ ‫‪1‬‬

‫()االلوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 2‬ص‪ . 220‬جواد علي ‪ :‬العرب قب‪T‬ل االس‪T‬الم ج‪ 5‬ص ‪364_363‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪ ،‬سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 651_650‬‬


‫()سورة الجاثية اية ‪. 24‬‬ ‫‪3‬‬

‫()جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 6‬ص ‪. 285‬‬ ‫‪4‬‬

‫()اَاللوسي ‪ :‬بلوغ االرب ج‪ 2‬ص ‪. 225_223‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪203‬‬
‫وسهيل وذكر بعض االخباريين ان طائف‪TT‬ة من تميم عب‪TT‬دت ال‪TT‬دبران والعب‪TT‬وق وان كنانة‬
‫عبدت القمر(‪.)1‬‬
‫وكان بين العرب جماعة س‪TT‬مت نفوس‪TT‬هم عن عب‪TT‬ادة االوثان ولم يجنح‪TT‬وا الى‬
‫اليهودية أو النص‪T‬رانية وهم ال‪T‬ذين عرفوا باالحناف ‪ ،‬جمع ح‪T‬نيف وهي ص‪T‬فة اب‪T‬راهيم‬
‫(عليه الس ‪TT‬الم ) وهي كلمة التعني جماعة معينة ودينا خاص ‪TT‬ا كما ه ‪TT‬و الح ‪TT‬ال في‬
‫اليهودية والنص ‪TT‬رانية واالس ‪TT‬الم ‪،‬انما هي ص ‪TT‬فة اطلقت على من عرف بنب ‪TT‬ذه الشك‬
‫وقد أشار القران الكريم الى ه‪TT T‬ؤالء في قول‪TT T‬ه عز وجل ‪:‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫وميله الى التوحيد‬
‫( وقالوا كونوا ه ‪TT‬ودا أو نص ‪TT‬اري تهتدوا ‪ ،‬قل ب ‪TT‬ل ملة اب ‪TT‬راهيم حنيف ‪TT‬ا وما كان من‬
‫المشركين)(‪ )3‬وفي قول ‪TT‬ه تعالى ‪ ( :‬ما كان اب ‪TT‬راهيم يهوديا وال نص ‪TT‬رانيا ولكن حنيف‪TT‬ا‬
‫وقوله عز وجل ‪( :‬فلما جن عليه الليل رأى كوكبا‬ ‫(‪)4‬‬
‫مسلما وما كان من المشركين )‬
‫قال ه‪TT‬ذا ربي ‪ ،‬فلما أفل قال ال أحب اَالفلين ‪ .‬فلما رأى القمر بازغ‪TT‬ا قال ه‪TT‬ذا بي ‪،‬‬
‫فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي ألكونن من القوم الض‪TT‬الين ‪ .‬فلما رأى الشمس بازغ‪T‬ة‬
‫قال ه ‪TT‬ذا ربي ه ‪TT‬ذا أكبر فلما أفل قال يا قوم اني ب ‪TT‬رئ مما تشركون ‪ .‬اني وجهت‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)5‬‬
‫وجهي للذي فطر السموات واألرض حنيفا وما كنت من المشركين‬
‫ما قبل االسالم فهو في االسالم للذين يقومون بعمل مناف للشريعة االس‪TT‬المية‬
‫‪ ،‬اما قبل االسالم فهو للتقدير والتعظيم ‪.‬‬
‫ويتصل بالحج تقديم العتائر(الذبيحة) (الضحية في االسالم ) وكانت تذبح عند‬
‫االنصاب ‪ ،‬فتوزع على الحاضرين ليأكلوها جماعة او تعطى لألفراد‪.‬‬

‫(( صالت العرب الحضارية مع االمم االخرى ))‬


‫‪ .1‬الصالت مع دول وشعوب اسيا ‪.‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص ‪ ، 368_367‬سالم دراسات ص ‪. 650_ 649‬‬ ‫‪1‬‬

‫() جواد علي ‪ :‬العرب قبل االسالم ج‪ 5‬ص ‪ ، 370‬سالم ‪ :‬دراسات ص ‪. 659‬‬ ‫‪2‬‬

‫() سورة البقرة ‪. 135‬‬ ‫‪3‬‬

‫() سورة َال عمران ‪. 67‬‬ ‫‪4‬‬

‫() سورة االنعام ‪. 79_76‬‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪204‬‬
‫وتعود الص ‪TT T‬الت بين العرب ودول اس ‪TT T‬يا الى عص ‪TT T‬ور قديمة ‪ ،‬وقد امدتنا‬
‫المصادر التاريخية بمعلومات حول نشاط العرب الحض‪TT‬ارمة والعمانيون التجاري مع‬
‫دول اس ‪TT‬يا حيث اص ‪TT‬بح ه ‪TT‬ؤالء ال ‪TT‬وكالء الرئيس ‪TT‬يين للتجارة بين مص ‪TT‬ر والهند ‪ ،‬وانهم‬
‫اتخذوا من ميناء اكيال الواقع على مقرب‪TT T T‬ة من رأس الخيمة ( مس‪TT T T‬ندم) في الخليج‬
‫العربي منطلقا لهم ‪ ،‬وتتابعت هجرات عرب جنوب شبه الجزيرة العربية نح‪TT T‬و‬
‫س‪TT‬واحل الهند الغربية فكانت هجرة الحض‪TT‬ارمة في القرن الراب‪TT‬ع الميالدي من اوس‪TT‬ع‬
‫الهجرات العربية الى تلك الس‪TT T T‬واحل حيث كون العرب المهاجرون في مدينة‬
‫(كوجرات) او (ذزرات) جالية كب‪TT T‬يرة لطلق عليها الهنود اس‪TT T‬م (عربتو‪)Arabita‬‬
‫واصل العرب بعدها انتشارهم حتى بلغوا جزائر الهند الشرقية وبالد الصين ‪.‬‬
‫والواقع ان الصالت بين العرب ودول اسيا قد شهدت تحوالت جذرية لص‪TT‬الح‬
‫التجاة العالمية بين الط‪TT‬رفين ففي منتص‪TT‬ف لقرن الثالث الميالدي تح‪TT‬ولت ه‪TT‬ذه التجارة‬
‫تدريجيا من البح ‪TT‬ر المتوس ‪TT‬ط الى الخليج لعربي والمحيط الهندي ‪ ،‬ولما ح ‪TT‬ل القرن‬
‫الس‪TT‬ابع الميالدي ال‪TT‬ذي شهد ظهور االس‪TT‬الم وقيام الدول‪TT‬ة العربية االس‪TT‬المية اص‪TT‬بحت‬
‫بغ‪TT‬داد مركزا للتجارة العالمية والنشاط االقتص‪TT‬ادي مع دول وشعوب اس‪TT‬يا واص‪TT‬بحت‬
‫البص‪T‬رة و(االبلة) منطلقا للتجارة عبر الخليج العربي والمحيط الهندي فكانت الرحلة‬
‫تبدأ بالبصرة الى االبلة عبر شط العرب الى عبدان عند مصبه حيث انشئت منارة في‬
‫البحر ترتشد بها السفن مما يجنبها ضحالة الماء وقرصان البحر ‪ ،‬وقد قدرت المس‪TT‬افة‬
‫بين البصرة وسيراف بحوالي (‪ )360‬ميال وعند سيراف هناك طريقان يوص‪TT‬الن الى‬
‫الشرق يب‪T‬دءان بالبص‪TT‬رة ويلتقيان في (كولم ملي ) كويلون الحالية في الهند ‪ ،‬اح‪T‬دهما‬
‫يسير بمح‪T‬اذاة س‪T‬احل ايران والس‪T‬ند والهند ح‪T‬تى مالب‪T‬ار ‪ ،‬وه‪T‬و طريق طويل يس‪T‬تغرق‬
‫ما يزيد على الشهر ‪ ،‬اما الطريق االخر فانه يختص‪TT‬ر المس‪T‬افة الى النص‪TT‬ف ويب‪T‬دا من‬
‫سيراف الى مسقط بعمان ومنها مباشرة الى كولم بساحل المالبار بالهند ‪.‬‬
‫‪ . 2‬الصالت مع دول الشعوب افريقيا ‪:‬‬
‫والواقع ان لمض‪TT‬يق ب‪TT‬اب المندب وشبه جزيرة س‪TT‬يناء دور ملح‪TT‬وظ في تيس‪TT‬ير‬
‫س ‪TT‬بل االتص ‪TT‬ال البشري بين الجانبين حيث كانت س ‪TT‬واحل المحيط الهندي االفريقية‬
‫والعربية تمثل نقاط تواص‪TT‬ل مهمة بين المنطقة من خالل ال‪TT‬رحالت ال‪TT‬تي كانت تقوم‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪205‬‬
‫بها الس ‪TT‬فن العربية مس ‪TT‬تغلة الرياح الموس ‪TT‬مية لتس ‪TT‬هيل رحالتها في حين ادت القوافل‬
‫البرية دورها المشهود عبر شبه جزيرة سيناء ‪.‬‬
‫وكانت بالد اليمن وما يليها الى الشمال والجنوب مص ‪TT‬درا لهجرات عديدة‬
‫اثرت تأثيرا بالغ‪TT‬ا في هض‪TT‬بة الحبشة واعالي النيل االزق وس‪TT‬واحل افريقية الشرقية‪،‬‬
‫على ان تلك الهجرات لم تكن مقتص‪TT‬رة على بالد اليمن فحس‪TT‬ب فكان الحجاز ب‪TT‬دورهم‬
‫كانوا يعرفون الحبشة تمام المعرفة منذ عهود سبقت االسالم بقرون عديدة ‪.‬‬
‫ومما يؤكد الص‪TT‬لة بين س‪TT‬كان المنطقتين ذل‪TT‬ك التشابه العرقي واللغ‪TT‬وي بينهما‬
‫االمر ال ‪TT‬ذي دفع بعض الب ‪TT‬احثين الى ترجيح ال ‪TT‬راي القائل ب ‪TT‬ان ه ‪TT‬اتين المجموعتين‬
‫البشريتين قد عاشتا في موض‪TT‬ع واح‪TT‬د وربما تنتميان في اص‪TT‬ولهما البعيدة الى شعب‬
‫واحد‪.‬‬
‫وال شك ان ه ‪TT‬ذه العالقات والص ‪TT‬الت العرقية واللغوية بين س ‪TT‬كان الجزيرة‬
‫العربية وس‪TT‬واحل افريقية الشرقية مهما كانت درجتها تؤكد ان تب‪TT‬ادل التأثير الثقافي‬
‫بين المجموعتين ذو جذور عميقة في التاريخ ففي العص‪TT‬ور الس‪TT‬ابقة لظهور االس‪TT‬الم‬
‫كانت هناك مجموعات افريقية اس‪T‬تقرت في بالد العرب وانص‪T‬هرت في بوقتة القبائل‬
‫العربية فلم يكن من العس ‪TT‬ير اجتياز البح ‪TT‬ر االحمر بالس ‪TT‬فن الص ‪TT‬غيرة اذ لم يكن هناك‬
‫مايحول دون االتص‪TT‬ال بين شاطئية العربي واالفريقي وهكذا وجدنا الكثير من عرب‬
‫اليمن يهاجرون الى الس‪TT‬واحل االفريقية قب‪TT‬ل فجر االس‪TT‬الم بقرون عديدة حيث انشاوا‬
‫عالقات تجارية وثقافية مع كل من ساحل الحبشة وساحل الصومال وس‪T‬واحل الشرق‬
‫افريقية وقد اس‪TT‬توطن بعض ه‪TT‬ؤالء اليمنيين مدن ه‪TT‬ذه الس‪TT‬واحل وتزاوجوا مع اهاليها‬
‫وكونوا عددا من المس‪TT‬توطنات هناك ‪ ،‬ويرى بعض الب‪TT‬احثين ان نقط‪TT‬ة االنطالق في‬
‫تاريخ الحبشة تتصل اتصاال وثيقا بجنوب الجزيرة العربية تدفق س‪TT‬كانها باتجاه جبالها‬
‫وسهولها الواسعة وطوروا بمرور الزمن حض‪TT‬ارة اض‪TT‬افوا اليها من حض‪TT‬ارتهم س‪TT‬مات‬
‫كثيرة ‪.‬‬
‫واستناد الى المصادر التاريخية العربية القديمة فان اص‪TT‬ل الحبش من المنطقة‬
‫الواقعة غ‪TT T‬رب بالد اليمن حيث جب‪TT T‬ل ( ح‪TT T‬بيش) ال‪TT T‬ذي يمكن ان يكون الس‪TT T‬مه ص‪TT T‬لة‬
‫بالحبيش الذي هاجروا الى افريقية فيما بعد واطلقوا اس‪T‬مهم على االرض ال‪T‬تي عرفت‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪206‬‬
‫باس‪TT T‬مهم (حبشت) او الحبشة ‪ .‬ويس‪TT T‬تفاد من النقوش المكتشفة الى ان قبائل عربية‬
‫جنوب ه‪T‬اجرت من اليمن عبر البح‪T‬ر االحمر عن طريق مض‪TT‬يق ب‪T‬اب المندب وجزر‬
‫دهلك ‪ ،‬وكانت وجهتها مرتفعات ارتيريا والحبشة وعلى راس تلك القبائل النازح‪TT‬ة‬
‫واقدمها قبيلة ‪ :‬االجاعز او جعيزان ال‪TT‬تي قامت بتأس‪TT‬يس مملكة على ارض الحبشة‬
‫واليهم نسب لغة االحباش المعروفة بالجعزية أي لغة الجعز ‪.‬‬
‫ومن الهجرات المهمة والكب ‪TT‬يرة ال ‪TT‬تي قامت بها الجماعات اليمنية الهجرة‬
‫السبأية التي حدثت خالل القرن الخامس او السادس قبل الميالد وال‪TT‬تي رافقتها جماعة‬
‫من الحبش ال‪T‬ذين يس‪T‬كنون المناطق الواقعة غ‪T‬رب اليمن ‪ ،‬وقد اح‪T‬دثت هجرة الس‪T‬بأيين‬
‫الى افريقية تط‪TTT‬ورا كب‪TTT‬يرا في جميع ميادين الحياة في افريقية باعتب ‪TT‬ارهم اص‪TTT‬حاب‬
‫حض‪TT T‬ارة عريقة ‪ ،‬فقد حمل الس‪TT T‬بأيون لغتهم ونظمهم كما نقلوا المهارات وانشاء‬
‫المدرجات والمسطحات على سفوح اجبال وزراعتها بالمحاصيل واالشجار ‪.‬‬
‫وتجدد االشارة اليه ان الس‪TT T‬بايين اقاموا اعظم س‪TT T‬د عرفته بالد العرب في‬
‫تاريخها القديم ب‪T‬ه س‪T‬د مارب ال‪T‬ذي اس‪T‬تند على قمتي جب‪T‬ل ول‪T‬ق االيمن وااليس‪T‬ر وح‪T‬ول‬
‫االراضي القاحلة الى جنات تمد اه‪TT‬ل اليمن بمختلف الثمرات وقد اشار اهلل تعالى في‬
‫القران الكريم الى ه‪T‬ذا الس‪T‬د في قول‪T‬ه عز وجل " لقد كان لس‪T‬با في مس‪T‬كنهم ايه جنتان‬
‫عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا ل ‪TT T T‬ه بلدة طيب ‪TT T T‬ة ورب غف ‪TT T T‬ورا "‬
‫وباالضافة الى موروثهم الزراعي ه‪T‬ذا حمل الس‪T‬بايون فنونهم المعمارية ال‪T‬تي اشتملت‬
‫على نحت الحجر وبناء القص‪TT‬ور والمعاب‪TT‬د الفخمة ال‪TT‬تي اشتهروا بها خالل عهودهم‬
‫الس‪TT‬ابقة وادخل الس‪TT‬بايون الى افريقية الجمل والحص‪TT‬ان وبعض االدوات واآلالت ال‪TT‬تي‬
‫تس‪TT‬تخدم في الزراعة وفي مقدمتها المح‪TT‬راث ال‪TT‬ذي لم يس‪TT‬بق اله‪TT‬ل افريقية ان عرفوه‬
‫من قبل ‪.‬‬
‫حضارة اليمن‬
‫أن المعطيات الحضارية التي وصلت ألينا عن اليمن عبر تاريخه الطويل في عص‪T‬ر‬
‫ماقب‪TT T‬ل االس‪TT T‬الم هي جزء من المعطيات الحض‪TT T‬ارية العامة ال‪TT T‬تي أب‪TT T‬دعها ابناء شبه‬
‫الجزيرة العربية في شمالها وجنوبها‪ ,‬فهي فرع من دوح‪TT‬ة عظيمة إس‪TT‬مها الحض‪TT‬ارة‬
‫العربية او الثقافة العربية ‪ .‬وقد تنب‪TT‬ه بعض الب‪TT‬احثين في تاريخ العرب القديم الى ه‪TT‬ذه‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪207‬‬
‫المسألة منذ فترة قصيرة فذكر نيلسين أنه (( منذ مائة عام خلت كان االهتمام متجها‬
‫الى قس‪TT T‬م ص‪TT T‬غير فقط في بالد العرب الجنوبية ‪ ,‬اما اآلن فقد إتس‪TT T‬ع امامنا االفق‬
‫واصبحنا نقف امام ثقافة عربية مجدة يمتد أثره‪T‬ا من أقص‪T‬ى جنوب بالد العرب الى‬
‫دمشق ‪ ,‬ومن البح‪TT‬ر االحمر ح‪TT‬تى قلب الجزيرة )) ثم أض‪TT‬اف (( والواقع ان النقوش‬
‫المختلفة التي وصلتنا بالرغم من وجود بعض الفوارق الزمنية والمكانية تتب‪T‬ع جميعها‬
‫دائرة ثقافية واحدة ‪ ,‬وتجمع بينها لغ‪T‬ة واح‪T‬دة ‪ ,‬وخط واح‪T‬د ‪ .‬وعناص‪TT‬ر ثقافية واح‪T‬دة ‪,‬‬
‫سواء من ناحية الفن أو المعمار أو الدين ()‬
‫(‪)1‬‬

‫والحقيقة ان الحض‪TT‬ارة العربية في اليمن بإبعاده‪T‬ا االقتص‪TT‬ادية واالجتماعية والسياس‪T‬ية‬


‫والثقافية هي نتاج للتفاعل بين قدرات االنس ‪TT‬ان وبين العوامل الجغرافية الس ‪TT‬ائدة في‬
‫ه ‪TT‬ذه البالد ‪ .‬فقد س ‪TT‬اعد موقع اليمن على ط ‪TT‬رق المواص ‪TT‬الت العالمية في العص ‪TT‬ور‬
‫القديمة أه‪TT‬ل اليمن على ممارس‪TT‬ة دور تجاري واس‪TT‬ع جلب الغ‪TT‬نى والمعرفة لهم وذل‪TT‬ك‬
‫نتيجة لتعاملهم واتصالهم مع ابناء الحضارات المختلف‪T‬ة ‪ .‬كما س‪T‬اعدت خص‪TT‬وبة الترب‪T‬ة‬
‫وتوافر المياه الناس في مناطق عدة من اليمن على اح ‪TT‬تراف الزراعة والتوس ‪TT‬ع في‬
‫زراعة المحصوالت التي تلقى رواجا عالميا كالبخور والعطور وغيرها ‪.‬‬
‫وقد وفرت ه ‪TT‬ذه القاعدة االقتص ‪TT‬ادية المس ‪TT‬تقرة ‪ .‬الظ ‪TT‬روف المناس ‪TT‬بة لنشأة ال ‪TT‬دول‬
‫وتطوره‪TT‬ا في اليمن ‪ .‬كما أوض‪TT‬حنا ذل‪TT‬ك في المب‪TT‬احث الس‪TT‬ابقة ‪ .‬وكان من متطلب‪TT‬ات‬
‫استقرار هذه الدول وتقدمها ان تعمل على إيجاد المؤسسات االدارية والثقافية فظهرت‬
‫التشريعات القانونية ال ‪TT T T‬تي تنظم الحياة االقتص ‪TT T T‬ادية واالجتماعية واالدارية في‬
‫البالد ‪.‬وب‪TT‬النظر الى ان حكام ه‪TT‬ذه ال‪TT‬دول كانوا(( مكارب)) اي حكاما كهنة فانهم قد‬
‫أول‪TT‬وا الحياة الدينية عناية خاص‪TT‬ة فأنشاوا المعاب‪TT‬د الض‪TT‬خمة ‪ .‬وخصص‪TT‬وا لها االموال‬
‫الكب‪TT‬يرة ومنح‪TT‬وا القائمين عليها مكانة متميزة في المجتمع ‪ .‬ل‪TT‬ذا كان من الط‪TT‬بيعي ان‬
‫يكون المعبد مركز القيادة في الحياة الثقافية لدى اهل اليمن ‪.‬‬
‫وب ‪TT‬النظر الى اننا قد درس ‪TT‬نا الحياة االقتص ‪TT‬ادية والسياس ‪TT‬ية من حض ‪TT‬ارة اليمن في‬
‫إط ‪TT‬ار دراس ‪TT‬تنا لنشأة وتط ‪TT‬ور ال ‪TT‬دول اليمنية في المب ‪TT‬احث الس ‪TT‬ابقة ‪ .‬ل ‪TT‬ذا فاننا س ‪TT‬نركز‬

‫نيلس ون ‪ ،‬ت اريخ العلم ونظ رة ح ول الم ادة في كت اب الت اريخ الع ربي الق ديم ‪ ,‬ص ‪-51‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.52‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪208‬‬
‫حديثنا في هذا المبحث على الجوانب الثقافية من حضارة اليمن وهي تدور حول اللغة‬
‫والكتابة والدين والفنون ‪.‬‬
‫كتابات اهل اليمن ولغتهم‬
‫ان اللغة العربية كما جاء بها القرآن الكريم كانت حص‪TT‬يلة تط‪T‬ور طويل وتفاعل‬
‫واس ‪TT‬ع بين لهجات القبائل واالقوام العربية القديمة ‪ .‬ويغلب على ه ‪TT‬ذه اللغ ‪TT‬ة ط ‪TT‬ابع‬
‫االقوام العربية الشمالية ‪ .‬ح ‪TT‬تى لقد ذهب بعض الب ‪TT‬احثين الى ان ه ‪TT‬ذه اللغ ‪TT‬ة هي لغ ‪TT‬ة‬
‫قبيلة قريش ‪ ,‬وهي اللغة العربية الفصحى التي نزل بها القرآن الكريم((‪ ))1‬ويب‪T‬دو ان‬
‫هذه اللغة كانت قد بسطت سلطانها على معظم انحاء شبه الجزيرة العربة قبل االسالم‬
‫واص ‪TT‬بحت لغ ‪TT‬ة الثقافة واألدب ال ‪TT‬تي تح ‪TT‬دث بها الخطب ‪TT‬اء وكتب بها الشعراء ‪ .‬اما‬
‫اللهجات الخاص ‪TT‬ة بالقبائل العرب ‪TT‬ة فقد ح ‪TT‬افظت على وجوده ‪TT‬ا بص ‪TT‬فتها لهجات محلية‬
‫خاص‪TT‬ة ‪ .‬وقد اطلق على لهجة أه‪TT‬ل اليمن((اللغ‪TT‬ة الحميرية)) وهي في حقيقتها ليس‪TT‬ت‬
‫لغة مستقلة عن العربية وانما هي لهجة ‪ .‬كما ان اهل اليمن لم يكونوا يتحدثون بلهجة‬
‫واحدة ‪ ,‬وإ نما بلهجات عدة ‪.‬وقد بقيت هذه اللهجات قائمة حتى العصر العباس‪TT‬ي ‪ ,‬وقد‬
‫تح ‪TT‬دث عنها الهمداني في معرض كالمه عن لهجات اه ‪TT‬ل اليمن في عص ‪TT‬ره ‪ ,‬فقال‬
‫على س‪TT‬بيل المثال عن مدينة ص‪TT‬نعاء إن (( في أهلها بقايا من العربية المحض‪TT‬ة ونب‪TT‬ذ‬
‫من كالم حمير )) ‪ .‬وقال عن بلد االشعر وبلد عك ‪ (( :‬الب‪T‬أس بلغتهم اال من س‪T‬كن‬
‫منهم القرى ))(‪. )2‬‬
‫ويبدو من دراسة نقوش المس‪TT‬ند ال‪TT‬تي عثر عليها اآلثاريون في اليمن ‪ ,‬وهي نقوش‬
‫يرجع اقدمها الى القرن التاس‪TT‬ع قب‪TT‬ل الميالد واح‪TT‬دثها الى القرن الس‪TT‬ادس الميالدي انه‬
‫كان ل‪TT T‬دى اه‪TT T‬ل اليمن لهجة عربية متميزة ‪ ,‬وهي قريب‪TT T‬ة جدا من اللهجة العربية‬
‫الشمالية ال‪TT‬تي نزل بها القرآن ‪ .‬غ‪TT‬ير ان بعد عهد لهجة ه‪TT‬ذه النقوش عن عهد اللغ‪TT‬ة‬
‫العربية الفص‪TT‬حى ال‪TT‬تي نزل بها القرآن وه‪TT‬و يص‪TT‬ل في ح‪TT‬ده االقص‪TT‬ى الى ح‪TT‬والي ال‪TT‬ف‬
‫وس‪TT‬تمائة عام قد جعل الف‪T‬وارق كب‪TT‬يرة بين اللهجتين ح‪TT‬تى انه ليس باالمكان فهم لهجة‬
‫المسند إال من قبل المتخصصين فيها ‪ .‬إال أن هذا اليعني ان اه‪TT‬ل اليمن كانوا يجدون‬

‫شوقي ضيف ‪ .‬العصر الجاهلي‪ .‬صص ‪.132‬‬ ‫‪1‬‬

‫الهمداني ‪ .‬صفة جزيرة العرب ‪ .‬ص ‪.250-248‬‬ ‫‪2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪209‬‬
‫صعوبة في التف‪T‬اهم مع ابناء القبائل العربية في الشمال‪ ,‬إذ ان االختالف في اللهجات‬
‫كان معروفا ل‪T‬ديهم ‪ ,‬كما ان اللغ‪T‬ة العربية الموح‪T‬دة كانت قد اخذت تس‪T‬ود بين العرب‬
‫كلغ‪TT‬ة أدب وثقافة قبيل االس‪TT‬الم ‪ .‬ومن ثم فلم يجد اه‪TT‬ل اليمن الص‪TT‬عوبة في التف‪TT‬اهم مع‬
‫اخوانهم عرب الشمال حينما توح ‪TT‬دوا في إط ‪TT‬ار الرس ‪TT‬الة االس ‪TT‬المية ال ‪TT‬تي قامت على‬
‫اساس لغة القرآن(‪ . )1‬وقد قدمت لنا كتب االدب قوائم باس‪TT‬ماء كثير من شعراء اليمن‬
‫ال ‪TT‬ذين نظموا القص ‪TT‬ائد الشعرية الجميلة باللغ ‪TT‬ة الفص ‪TT‬حى وان لم تخل من بعض آثار‬
‫أما لغ‪TT‬ة المس‪TT‬ند فانه لم يص‪TT‬ل الينا من خاللها شيء من الشعر أو‬ ‫(‪)2‬‬
‫اللهجة اليمنية‬
‫االدب ‪ ,‬وان جميع النص‪TT T‬وص ال‪TT T‬تي وص‪TT T‬لت إلينا منها (( ذات ط‪TT T‬ابع عملي بشكل‬
‫ص‪TT T‬ارم ‪ ,‬وذل‪TT T‬ك النها التخرج عن كونها تشريعات قانونية او نص‪TT T‬ب جنائزية او‬
‫س‪TT‬جالت معمارية او تقدمات متعلقة بوفاء النذور‪ .‬والنوع االخير كثيرا ما احتوى‬
‫على وصف للحمالت العسكرية ))(‪ .)3‬غير أن ماتقدم اليعني خلو لغة المس‪T‬ند من اية‬
‫آثار فكرية او ادبية ‪ .‬فقد أشارت المص ‪TT‬ادر االس ‪TT‬المية الى ان لعمارة اليمني كتاب ‪TT‬ا‬
‫بعنوان‪ ( :‬اشعار اهل اليمن ) ‪ ،‬كما ذكر اآلمدي (كتاب نهد وكتاب جرم وكتاب ب‪T‬ني‬
‫ح‪TT‬ارث وكتاب شعراء كندة وكتاب اشعار حمير) ‪ ،‬وذكر البن الكلبي كتاب بعنوان‬
‫( امثال حمير) ‪ ،‬ومن المعروف ان الجزء التاس‪TT‬ع ( المفقود) من االكليل لمحمد بن‬
‫الحسن الهمداني قد جعله مؤلفه ( في امثال حمير وحكمها واللسان الحميري وحروف‬
‫المسند)(‪ ،)4‬غير ان مما يؤسف له ان هذه الكتب واآلثار لم تص‪TT‬ل الى أيدينا ‪ ,‬ومن ثم‬
‫فانه ليس باالمكان بيان الرأي في قيمتها العلمية او االدبية ‪.‬‬
‫الحياة الدينية في اليمن‬
‫لم تزودنا النقوش االثرية في اليمن بمعلومات كافية لدراسة الحياة الدينية في اليمن‬
‫بص‪TT‬ورة متكاملة ‪ .‬وجل ما وص‪TT‬ل الينا عنها اس‪TT‬ماء عدد كب‪TT‬ير من االلهة ال‪TT‬تي كانوا‬
‫يتقرب‪TTT‬ون اليها بالعب‪TTT‬ادة ‪ ,‬وقد وص‪TT T‬ل عددها الى ح ‪TT‬والي المائة ‪ ,‬اال اننا في الواقع‬

‫بافقيه ‪ ،‬تاريخ اليمن القديم ص‪.204‬‬ ‫‪1‬‬

‫د هاشم الطعان ‪ ,‬األدب الجاهلي بين لهجات القبائل واللغة الموحدة ‪ ,‬ص‪.218 -209‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬

‫الطعان‪ .‬االدب الجاهلي ‪ ,‬ص ‪.207‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪210‬‬
‫(( نجهل معرفة خمس ‪TT‬ين منها معرفة تفص ‪TT‬يلية )(‪ .)1‬وقد أشير الى انه من الخط ‪TT‬أ‬
‫االعتقاد ب‪TT‬ان كل اس‪TT‬م من ه‪TT‬ذه االس‪TT‬ماء يدل على ال‪TT‬ه خاص مس‪TT‬تقل ‪ ,‬وذل‪TT‬ك الن اه‪TT‬ل‬
‫اليمن كانوا قد اطلقوا على االل‪T‬ه الواح‪T‬د عدة اس‪T‬ماء ‪ ,‬ومعظم تلك االس‪T‬ماء هي بمثاب‪T‬ة‬
‫(‪)2‬‬
‫صفات لها‬
‫ويالحظ ان الديانة اليمنية القديمة كانت ديانة فلكية ‪ ,‬اي انها تقوم على عب‪T‬ادة الهة‬
‫تجسدها اجرام س‪T‬ماوية ‪ ,‬تماما كبقية االقوام العربية الشمالية ((ومهما اختلفت اس‪T‬ماء‬
‫االلهة عند قبائل اليمن وممالكها اال انه يمكن ادراجها تحت اح‪TT‬د اجزاء ثالوث يتكون‬
‫من الزهرة والشمس والقمر ))(‪.)3‬‬
‫ويب ‪TT‬دو ان ال ‪TT‬ه القمر كان ه ‪TT‬و االل ‪TT‬ه ال ‪TT‬رئيس في اليمن ‪ .‬وه ‪TT‬و يتميز بكثرة االس ‪TT‬ماء‬
‫وااللقاب ال‪TT‬تي اطلقت عليه ح‪TT‬تى لقد ذهب اح‪TT‬د الب‪TT‬احثين الى وص‪TT‬ف ديانة اه‪TT‬ل اليمن‬
‫بالديانة القمرية ‪ .‬وفي ه ‪TT‬ذا يختلف عرب الجنوب عن عرب الشمال ال ‪TT‬ذين كانوا‬
‫يعدون الشمس هي االل‪TT T‬ه ال‪TT T‬رئيس ‪ .‬وقد عللت ه‪TT T‬ذه الظ‪TT T‬اهرة ب‪TT T‬اختالف الظ‪TT T‬روف‬
‫الجغرافية بين شمال الجزيرة وجنوبها ‪ (( ,‬فالشمس مفيدة رحيمة في الشمال ‪ ,‬اما‬
‫في الجنوب ‪ ,‬فالشمس محرقة متعبة ‪ .‬بينما القمر هو دليل الح‪TT‬ادي ورس‪TT‬ول القافلة ))‬
‫(‪ .)4‬وقد أطلق اليمنيون على ال‪TT T‬ه القمر اس‪TT T‬ماء وص‪TT T‬فات عدة ‪ ,‬فهو (( أب )) و‬
‫(( عم )) و ((كهل )) النهم نظ ‪TT‬روا اليه بص ‪TT‬فته الجد االكبر لهم وه ‪TT‬و لنفس الس ‪TT‬بب‬
‫(( الحكيم )) و (( العادل )) و ((القدوس))‪ .‬وكذلك ه ‪TT T T‬و ((ود )) اي الحب ‪ ,‬و‬
‫(( المعين )) و(( الحامي)) و(( المبارك )) ويظهر من النقوش اليمنية القديمة ان كل‬
‫شعب من شعوب اليمن الكب‪TT‬ير قد انتس‪TT‬ب الل‪TT‬ه القمر بص‪TT‬فته ابنه ‪ ,‬فالمعينيون اطلقوا‬
‫على انفس ‪TT‬هم (اوال ود ) ‪ ,‬والشعب القتب ‪TT‬اني تس ‪TT‬موا بـ ( اوالد ود ) اما الس ‪TT‬بئيون فهم‬
‫(( اوالد المقة )) ‪ ,‬والمقة ه ‪TT‬و اس ‪TT‬م ال ‪TT‬ه القمر عند الس ‪TT‬بئيين ‪ .‬وقد أشير الى ان من‬
‫جملة اس‪T‬ماء القمر عند اه‪T‬ل اليمن ((آل)) او ((إل‪T‬ه)) وال‪T‬تي تط‪T‬ورت بعد ذل‪T‬ك لتص‪TT‬بح‬

‫نيلسون‪ ,‬الديانة العربية القديمة ‪ .‬في التاريخ العربي القديم‪ ,‬ص‪.84‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.187‬‬ ‫‪2‬‬

‫بافقيه‪ ,‬تاريخ اليمن القديم ‪ ,‬ص‪.212‬‬ ‫‪3‬‬

‫()نيلسن ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.207-206‬‬ ‫‪4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪211‬‬
‫(( اهلل)) (‪)1‬غ ‪TT T‬ير ان هناك من ينكر ه ‪TT T‬ذه الص ‪TT T‬لة بين ((آل )) والقمر ‪ ,‬ويرى ان‬
‫((آل )) هو إله مستقل يعلو على القمر والشمس وغيره‪T‬ا من االلهة وانه أص‪TT‬ل عقيدة‬
‫(‪)2‬‬
‫التوحيد عند العرب القدماء‬
‫وقد تقرب اهل اليمن الى الهة ( الشمس) بالعبادة ‪ ,‬واطلقوا عليها تسميات عدة فهي‬
‫عند المعينين (نكرح) وه‪TT‬و اس‪TT‬م غ‪TT‬ريب غ‪TT‬امض ‪ ,‬وعند الس‪TT‬بئيين ( ذات حميم) اي‬
‫ذات الح‪T‬رارة القوية ‪ ,‬وهي عند القتب‪T‬انيين ( أثرت) اي ذات أثر بمعنى الس‪T‬يدة شديدة‬
‫اللمعان ‪ .‬وقد أطلق عليها ايض‪TT‬ا اس‪TT‬م (( الالت)) اي االلهة النهم تص‪TT‬وروا الشمس‬
‫انثى ‪ ,‬وذهب‪TT‬وا في تص‪TT‬وارتهم االس‪TT‬طورية الى ان الهة الشمس( الالت) قد تزوجت‬
‫من إل ‪TT‬ه القمر ( آل) وقد أنجبت من ه ‪TT‬ذا ال ‪TT‬زواج االل ‪TT‬ه (عثتر) وه ‪TT‬و نجم الزه ‪TT‬رة اي‬
‫نجمة الصباح ‪ ,‬وقد تقرب اليه اهل اليمن بالعبادة باعتباره االل‪T‬ه االبن ‪ ,‬واطلقوا عليه‬
‫وص‪TTT‬ف (ذو الخلص‪TTT‬ا )اي الط‪TTT‬اهر النقي و(الملك) الس ‪TT‬ماوي (‪ . )3‬وإ ن االمر الجدير‬
‫بالمالحظ‪TT‬ة ان اه‪TT‬ل اليمن لم يص‪TT‬نعوا اللهتهم اص‪TT‬ناما او تمثيل يتقرب‪TT‬ون اليها بالعب‪TT‬ادة‬
‫كما فعل عرب الشمال ‪ ,‬وإ نما رس ‪TT‬موا رموزا بس ‪TT‬يطة على النص ‪TT‬ب التذكارية في‬
‫معابدهم للداللة عللى آلهتهم ‪ ,‬فرسموا افقسن على هيئة الهالل ل‪TT‬ترمز الى إل‪TT‬ه القمر ‪.‬‬
‫وجعلوا الدائرة رمزا اللهة الشمس اما الهة الزهرة فقد رمزوا لها بصورة النجمة(‪.)4‬‬
‫ولم تقدم لنا المص ‪TT T‬ادر ص ‪TT T‬ورة واض ‪TT T‬حة عن طقوس العب ‪TT T‬ادة ال ‪TT T‬تي كان يمارس ‪TT T‬ها‬
‫اليمنييون وهنال‪T‬ك اشارة يس‪T‬يرة اورده‪T‬ا الهمداني عن اح‪T‬د ه‪T‬ذه الطقوس الندري مدى‬
‫دقتها يتح‪TT‬دث فيها عن بيت رئام يقول فيه ‪ (( :‬وقدام ب‪TT‬اب القص‪TT‬ر حائط فيه بالط‪TT‬ة‬
‫فيها صورة الشمس والهالل ‪ ,‬فاذا خرج الملك لم يقع بص‪TT‬ره اال على اول منها ‪ ,‬فاذا‬
‫ولم‬ ‫(‪)5‬‬
‫رأه‪TT‬ا كف‪TT‬ر ب‪TT‬ان يض‪TT‬ع راحته تحت ذقنه عن وجه يس‪TT‬تره ثم يخر بذقنه عليها))‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.216 -208‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫بافقيه ‪ ,‬تاريخ اليمن القديم ‪,‬ص‪.213‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫نيلسن ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪.227-216‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص ‪.197-16‬‬ ‫()‬ ‫‪4‬‬

‫الهمداني‪ ,‬الكليل ‪ ,‬ج‪,8‬ص‪.66‬‬ ‫()‬ ‫‪5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪212‬‬
‫تص‪TT‬ل الى ايدينا ص‪TT‬يغ كتبيه عن االدعية والص‪TT‬لوات ال‪TT‬تي كان يتقرب بها الناس الى‬
‫الهتهم‪.‬‬
‫ولم تصل الى ايدينا ص‪T‬يغ كتابية عن االدعية والص‪TT‬لوات ال‪T‬تي كان يتقرب بها الناس‬
‫الى الهتهم ‪ .‬وهناك ل ‪TT T‬وح نحاس ‪TT T‬ي محف‪TT T‬وظ في المتح ‪TT T‬ف البريط ‪TT T‬اني عثر عليها في‬
‫(شبوة) مدون فيه ان مقدمه قد وهب االل‪TT‬ه (س‪TT‬ين) اي إل‪TT‬ه القمر (( ذهب‪TT‬ا وبخورا ‪,‬‬
‫‪ .‬ان‬ ‫(‪)1‬‬
‫ووضع في رعاية االلهة روح‪T‬ه وحواس‪T‬ه ‪ ,‬وابناءه ومقتنياته وذاكرة قلب‪T‬ه ))‬
‫ماتقدم يدل على قوة الشعور الديني عند اه‪T‬ل اليمن ‪ ,‬كما يشير الى وجود معاب‪T‬د تقدم‬
‫فيها النذور الى االل‪T‬ه ‪ (( .‬وعلى قلة ما نعرفه عن نظ‪T‬ام تخطيط المعاب‪T‬د ‪ ,‬فإن مابين‬
‫أيدينا يكفي للحكم بانها كانت تتكون من اجزاء عديدة تدل على ممارس ‪TT‬ة طقوس‬
‫دينية مختلف ‪TT‬ة يؤديها المتعب ‪TT‬دون فيها ‪ ,‬ومنها نظ ‪TT‬ام االغتس ‪TT‬ال ال ‪TT‬ديني ‪ .‬وفي (ه ‪TT‬رم )‬
‫بالجوف يبدو ان الناس كانوا يمارسون نوعا من االعتراف العلني بالذنوب ))(‪. )2‬‬
‫وقد ارتب‪TT‬ط بنظ‪TT‬ام المعاب‪TT‬د واداء طقوس العب‪TT‬ادة فيها وجود طبقة من الكهنة ال‪TT‬ذين‬
‫يتول‪TT T T‬ون ادارة المعاب‪TT T T‬د وتوجيه الناس في العب‪TT T T‬ادة وكان يطلق على الكاهن اس‪TT T T‬م‬
‫(( رشو)) ‪ .‬ويبدو من دراسة تاريخ دول اليمن انه كان لهوالء الكهنة دور واس‪TT‬ع في‬
‫الحياة الدينية والسياس‪TT‬ية واالقتص‪TT‬ادية في المجتمع ‪ ,‬ح‪TT‬تى ان حكام اليمن االوائل قد‬
‫خرجوا من ص ‪TT‬فوفهم وكانوا يحملون ص ‪TT‬فة ((المكارب)) اي الحكام الكهنة ‪ .‬كما‬
‫يظهر ان المعاب‪TT‬د في اليمن قد (( عرفت نظ‪TT‬ام العرافة ‪ ,‬وان الناس كانوا يأتون الى‬
‫العراف الستشارته في شؤون حياتهم المقبلة ‪ ,‬فالنقوش تح‪TT‬دثنا عن تقديم النذور الى‬
‫االلهة وفاء النجازه‪TT‬ا لما وعدت ب‪TT‬ه مما يوحي ب‪TT‬ان الوعد قد تم على يد الكاهن او‬
‫العراف))(‪. )3‬‬

‫نيلسن ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪.228‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫بافقيه ‪,‬المرجع السابق‪ ,‬ص ‪.214‬‬ ‫()‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.215 ,‬‬ ‫()‬ ‫‪3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪213‬‬
‫ويب‪TT‬دو ان اه‪TT‬ل اليمن كانوا يعتقدون بوجود حياة اخرى بعد الموت ب‪TT‬دليل انهم‬
‫كانوا يض ‪TT‬عون الى جانب موتاهم في المدافن وبخاص ‪TT‬ة الكهفية منها اواني ومواد‬
‫(‪)1‬‬
‫حياتية اخرى الستخدامها في حياتهم االخرى‬
‫ويالحظ انه في النصف الثاني من القرن الراب‪TT‬ع الميالدي ب‪TT‬دأت تظهر عالمات تح‪TT‬ول‬
‫في الديانة العربية القديمة في اليمن‪ ,‬فبعد ان كان ملوك سبأ يتقربون الى إل‪TT‬ه القمر ((‬
‫المقة )) ب‪T‬دوا يتقرب‪T‬ون الى االل‪T‬ه (( ذي س‪T‬ماوي )) اي رب الس‪T‬موات مما يدل على‬
‫‪ .‬ولكن ماطبيعة ذل‪T‬ك التوحيد ‪ ,‬وه‪T‬ل كانت‬ ‫(‪)2‬‬
‫انهم بدأوا يتجهون نح‪T‬و عقيدة التوحيد‬
‫له صلة بيد انتشار اليهودية والنص‪TT‬رانية في اليمن ؟‪ ..‬ان ه‪TT‬ذه المس‪TT‬ألة مازالت مجاال‬
‫لكثير من الخالف بسبب عدم توافر النصوص التاريخية لدراستها ‪.‬‬
‫غ ‪TT‬ير ان من الثابت ان اليهودية والنص ‪TT‬رانية قد اخذت منذ اواخر القرن الراب ‪TT‬ع‬
‫الميالدي نجد لها اتباعا في اليمن ‪ ,‬ويب‪TT‬دو ان بعض ه‪TT‬ؤالء االتب‪TT‬اع كانوا على اتص‪TT‬ال‬
‫بأشراف القبائل وذوي النف‪TT‬وذ في البالد ‪ .‬وقد ترتب على ذل‪TT‬ك نشوب ص‪TT‬راع عنيف‬
‫بين الديانة اليمنية القديمة وبين اليهودية والنص ‪TT‬رانية ‪ .‬وكان مما زاد في ح ‪TT‬دة ه ‪TT‬ذا‬
‫الص‪TT‬راع ارتب‪TT‬اط ه‪TT‬ذه ال‪TT‬ديانات بالمص‪TT‬الح السياس‪TT‬ية واالقتص‪TT‬ادية المحلية والدولية كما‬
‫اوضحنا ذلك انفا‪.‬‬
‫وكان من اثار ه‪TT‬ذا الص‪TT‬راع محاول‪TT‬ة حكام اليمن فرض عقيدتهم على الناس ب‪TT‬القوة‬
‫فحينما تولى ذونؤاس الملك عمل على اض‪TT‬طهاد النص‪TT‬ارى في اليمن ونشر اليهودية‬
‫فيها ‪ .‬وعندما افلح االحباش في احتالل اليمن وإ زاحة ذي نؤاس عن الملك اض‪TT‬طهدوا‬
‫اليهود واصحاب الديانة اليمنية القديمة وح‪T‬اولوا ص‪TT‬بغ بالد اليمن بالص‪TT‬بغة المس‪T‬يحية ‪.‬‬
‫لذا فإنه اص‪T‬بح من الص‪TT‬عب التعرف الى مدى انتشار كل ديانة من ه‪T‬ذه ال‪T‬ديانات في‬
‫اليمن بس‪TT T‬بب غياب حرية العقيدة ‪ .‬وقد ذهب اح‪TT T‬د الب‪TT T‬احثين الى ان النص‪TT T‬ارى في‬
‫الجنوب العربي كانوا (( في بداية القرن الس‪TT‬ادس اكثر عددا من اليهود ‪ ,‬وان كانوا‬
‫اقل عددا من اتب‪T‬اع ال‪T‬ديانات المتعددة االلهة من عب‪T‬دة النجوم والطقوس الزراعية او‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.216‬‬ ‫()‬ ‫‪1‬‬

‫جواد علي ‪ ,‬المفصل ‪ ,‬ج‪ ,2‬ص‪.567-568‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪214‬‬
‫حتى الديانات الوحدانية المبهمة ))(‪ .)1‬غ‪T‬ير انه في نهاية القرن الس‪T‬ادس اي بعد اقل‬
‫من قرن من س ‪TT‬يطرة االحب ‪TT‬اش ذوي العقيدة المس ‪TT‬يحية على اليمن اص ‪TT‬بح المس ‪TT‬يحيون‬
‫يمثلون غالب سكان اليمن حسب تقدير الباحث نفسه(‪ . )2‬واليقدم لنا هذا الباحث االدل‪TT‬ة‬
‫ال‪TT T‬تي ب‪TT T‬نى عليها احكامه العامة ه‪TT T‬ذه ‪ ..‬ويب‪TT T‬دو انها تقديرات مبنية على الح‪TT T‬دس‬
‫والتخمين‪ ...‬وان للب‪TT‬احث ان يف‪TT‬ترض اس‪TT‬تنادا الى المعطيات نفس‪TT‬ها ان ه‪TT‬ذه النس‪TT‬بة قد‬
‫اخذت تميل ضد ص‪TT‬الح النص‪TT‬ارى بعد زوال حكم االحب‪T‬اش وح‪T‬تى جاء االس‪T‬الم فدخل‬
‫غالب اهل اليمن تحت رايته التي وحدت ابناء االمة العربية كافة ‪.‬‬
‫العمارة والفنون‬
‫إن االزده‪TT‬ار االقتص‪TT‬ادي والسياس‪TT‬ي ال‪TT‬ذي عرفته اليمن في تاريخها الطويل قد كان‬
‫من اثاره الواض‪TT‬حة قيام نهض‪TT‬ة عمرانية وفنية كب‪TT‬يرة في المدن الكب‪TT‬يرة مثل مأرب‬
‫ومعين وب‪TTT‬راقش وظف‪TTT‬ار وشبوة وناعط وبينون وص‪TT T‬نعاء وغيره ‪TT‬ا ‪ .‬كما تمثلت في‬
‫تشييد القالع العظيمة ( المحافد) ال‪TT T‬تي تض‪TT T‬م في داخلها قص‪TT T‬ورا فخمة يعيش فيها‬
‫االذواء واالقيال وهم سادة االقطاع في اليمن ‪.‬‬
‫ويب‪TT‬دو ان المدينة في اليمن كانت تض ‪TT‬م في داخلها محافد كثيرة وهي إشبه ب‪TT‬القالع‬
‫ويتف ‪TT‬ق ه ‪TT‬ذا‬ ‫(‪)3‬‬
‫الهياكل ‪ ,‬وكان في داخل كل منها مجموعة من ال ‪TT‬بيوت والقص ‪TT‬ور ‪.‬‬
‫النظ‪TT‬ام الس‪TT‬كني مع طبيعة النظ‪TT‬ام االقط‪TT‬اعي ال‪TT‬ذي كان س‪TT‬ائدا في اليمن ‪ ,‬وقد وص‪TT‬لتنا‬
‫نص‪TTT‬وص قديمة تشير الى س ‪TT‬عة بعض مدن اليمن وجمال قص ‪TT‬ورها ومبانيها ‪ ,‬فقد‬
‫وصلتنا نصوص قديمة تشير الى سعة بعض مدن اليمن وجمال قص‪TT‬ورها ومبانيها ‪,‬‬
‫فقد ((اط‪TT T‬رى اس‪TT T‬ترابون زخرف تلك القص‪TT T‬ور وقال انها تشبه بشكلها القص‪TT T‬ور‬
‫المصرية ‪ .‬وذكر بليونس ان في مدينتي ناجية وتمناء ب‪TT‬اليمن ‪ 65‬هيكال ‪ ,‬وفي شبوة‬
‫قصبة حضرموت ‪ 60‬هيكال ))(‪.)4‬‬
‫وكان الهمداني وه‪TT‬و من اه‪TT‬ل اليمن ‪ ,‬قد زار بقايا مدن وآثار وس‪TT‬دود اليمن وال‪TT‬ف‬
‫عنها الجزء الثامن من كتاب ‪TT‬ه االكليل في القرن الراب ‪TT‬ع الهجري ‪ ,‬وقد شهد بعض‬

‫كوبيشانوف ‪ ,‬الشمال الشرقي في العصور الوسيطة المبكرة ‪ ,‬ص‪.30‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.195‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫جرجي زيدان ‪ ,‬العرب قبل االسالم ‪ ,‬ص‪.162‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.162‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪215‬‬
‫العلماء المعاص‪TT‬رون ب‪TT‬أن كثيرا من المعلومات ال‪TT‬تي حواه‪TT‬ا ه‪TT‬ذا الكتاب هي معلومات‬
‫هامة (( اليمكن االستغناء عنها ‪ ,‬وذل‪T‬ك الن كثيرا من المب‪T‬اني ال‪T‬تي تعرض لها كانت‬
‫ما زالت قائمة ح ‪TT‬تى وقت تأليف كتاب ‪TT‬ه ‪ .‬فمعاب ‪TT‬د وقص ‪TT‬ور الس ‪TT‬بئيين والمينيين كانت‬
‫قائمة في ذلك العصر شاهدة على عظمة الماضي وقوة س‪TT‬لطان وجبروت بالد العرب‬
‫السعيدة ‪ .‬هذه االثار للشعراء والعلماء آية العظمة ورمز الحض‪TT‬ارة البائدة ال‪TT‬تي كانوا‬
‫يفخرون باالشادة بها ))(‪.)1‬‬
‫وقد س‪TTT‬اعدت ارض اليمن الغنية باالحجار وبخاص ‪TT‬ة الكرانيت والجبس واالحجار‬
‫الجيرية والبازلت فضال عن االخشاب ال‪TT‬تي جادت بها غاب‪TT‬ات اليمن ‪ ,‬المعمار اليمني‬
‫على التفنن في العمارة واقامة القص‪TT‬ور والمعاب‪TT‬د ذات االعمدة الض‪TT‬خمة ‪ ,‬واالب‪TT‬راج‬
‫الشاهقة (‪.)2‬‬
‫وقد لوح ‪TT‬ظ ان المعمار اليمني قد اس ‪TT‬تعان بمعدن الرص ‪TT‬اص في رب ‪TT‬ط الص ‪TT‬خور‬
‫واالعمدة ببعضها حتى تبدو وكأنها قطعة واحدة ‪ .‬وقد اوضح هذا الجانب من فن‬
‫العمارة في اليمن جرومان بقول‪TT T‬ه ‪ (( :‬اما المب‪TT T‬اني العربية الجنوبية فقد اس‪TT T‬تكملت‬
‫تطوره‪TT‬ا المعماري ‪ .‬فالص‪TT‬خور الرخامية الكب‪TT‬يرة كانت تنحت نحتا منتظما ‪ ,‬ويب‪TT‬نى‬
‫بها بطريقة النكاد نتبين منها تعدد االحجار وإ رس‪TT‬ائها الى جانب بعض‪TT‬ها ‪ ,‬وكانت‬
‫تتماس‪TT‬ك عن طريق بعض االوتاد الرصاص‪TT‬ية ال‪TT‬تي كانت ترب‪TT‬ط المداميك عن طريق‬
‫ثقوب ‪ .‬كما الحظ ذلك ( جالزر) في سد مأرب وكما يرجح وجود ه‪T‬ذه الطريقة في‬
‫ب‪TT‬رج غمدان ‪ .‬وكانت االعمدة ترب‪TT‬ط بقواعدها واالجزاء الب‪TT‬ارزة منها ‪ ,‬أعني ه‪TT‬ذه‬
‫االجزاء ال‪TT‬تي تشبه االفاريز عن طريق أوتاد مربعة بقدر الحاجة ‪ ,‬كما كان يص‪TT‬ب‬
‫(‪)3‬‬
‫الرصاص إمعانا في تدعم البناء وتثبيته ))‪.‬‬
‫في ضوء ما تقدم نستطيع تصور ماذكره الهمداني في وص‪TT‬ف قص‪TT‬ر غمدان ال‪T‬ذي‬
‫بناء اليشرح يحض ‪TT‬ب في ص ‪TT‬نعاء في ح ‪TT‬والي القرن االول للميالد ‪ ,‬وظ ‪TT‬ل باقيا الى‬

‫ادولف جرومان ‪ ,‬الناحية االثرية لبالد العرب الجنوبية في كتاب ‪:‬التاريخ العربي القديم ‪ ,‬ص‬ ‫‪)(1‬‬

‫‪.150‬‬
‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.152-151‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص ‪.152‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪216‬‬
‫خالفة عثمان بن عف‪T‬ان (رض) ‪ ,‬فيكون قد عاش نح‪T‬و ‪ 620‬س‪T‬نة ‪ ,‬وشاهد الهمداني‬
‫بقاياه قصرا عظيما كالجبل (‪ .)1‬وقال في وصف انه يتالف من عشرين سقفا اي طابقا‬
‫‪ ,‬وارتفاع كل سقف عشر اذرع ‪ ,‬فيكون مجموع ارتف‪TT‬اع القص‪TT‬ر مائتي ذراع ‪ .‬ويب‪TT‬دو‬
‫ان الهمداني قد شعر ان ه‪TT‬ذا االرتف‪TT‬اع يكاد يكون اشبه بالمس‪TT‬تحيل في مقاييس ذل‪TT‬ك‬
‫الزمان ‪ ,‬ل‪TT‬ذا فقد عقب على ذل‪TT‬ك بقول‪TT‬ه ‪ (( :‬ولن يتعذر لقدرتهم على كل معجز من‬
‫البناء ))(‪.)2‬‬
‫وان مما يزيد االنس‪T‬ان عجب‪T‬ا من امر ه‪T‬ذا البناء وما اس‪T‬تخدم فيه من الفنون ماذكره‬
‫الهمداني من ان صاحب غمدان لما (( بلغ غرفته العليا اطب‪T‬ق رخامة واح‪T‬دة (شفافة)‬
‫وكان يستلقي على فراشه في الغرفة فيمر بها الط‪T‬ائر ‪ ,‬فيعرف ب‪T‬ه الغ‪T‬راب من الح‪T‬دأة‬
‫من تحت الرخامة ‪ .‬وكان على حروفها – اي اطرافها – اربعة تماثيل اس‪TT T‬ود من‬
‫نحاس مجوفة فإذا هبت ال‪T‬ريح فدخلت اجوافها س‪T‬مع لها زئير كزئير االس‪T‬د ))(‪ )3‬وقد‬
‫ذكر الهمداني ان هذا القصر كان مربع الشكل ‪ ,‬وكان وجه من وجوه القص‪TT‬ر قد ب‪TT‬ني‬
‫بحجارة يختلف لونها عن ل ‪TT‬ون الوجه االخر (( وجه مب ‪TT‬ني بحجارة بيض ‪ ,‬ووجه‬
‫بحجارة سود ‪ ,‬ووجه بحجارة خضر ‪ ,‬ووجه بحجارة حمر ))(‪. )4‬‬
‫والحقيقة ان ماذكره الهمداني عن قص‪TT‬ر غمدان قد اليخلو من مبالغ‪T‬ة وتهويل ‪ ,‬الن‬
‫الرجل لم يشاهد س ‪TT‬وى انقاض القص ‪TT‬ر وخرائب ‪TT‬ه لكن الص ‪TT‬ورة ال ‪TT‬تي قدمها عن ه ‪TT‬ذا‬
‫القص‪TT‬ر وعن كثير من القص‪TT‬ور والمعاب‪TT‬د ال‪TT‬تي شاهد بقاياه‪TT‬ا في اليمن لتدل بمااليقب‪TT‬ل‬
‫‪ .‬ول‪T‬وال‬ ‫(‪)5‬‬
‫الشك على مدى التقدم العمراني ال‪T‬ذي تحقق فيها خالل العص‪T‬ور القديمة‬
‫خشية االطالة لقدمنا الكثير من التفاصيل عن عناصر العمارة في اليمن وخصائص‪TT‬ها‬
‫المميزة وال‪TT‬تي يعتقد انه كان لها تأثير واض‪TT‬ح على فن العمارة االس‪TT‬المية ‪ .‬ذل‪TT‬ك ان‬

‫جرجي زيدان ‪ ,‬العرب قبل االسالم ‪ ,‬ص‪.165‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫الهمداني ‪ ,‬االكليل ‪ ,‬ج‪ ,8‬ص‪.19-18‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المصدر نفسه ‪ ,‬ج‪ ,8‬ص ‪.18‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫المصدر نفسه ‪ ,‬ج‪ ,8‬ص‪.20-19‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫المصدر نفسه ‪ ,‬ج‪ ,8‬ص‪ .114-3‬ويقارن بـ ( دراسة ميدانية لمسوحات مواقع اثرية في‬ ‫‪)(5‬‬

‫شطري القطر اليماني ) ص‪.60 -18‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪217‬‬
‫اه‪TT‬ل اليمن قد حملوا رس‪TT‬الة االس‪TT‬الم وانتشروا في دياره الواس‪TT‬عة ‪ ,‬ووظف‪TT‬وا خبراتهم‬
‫(‪)1‬‬
‫العمرانية في البلدان التي عاشوا فيها‬
‫تشيي ـ ــد السدود‬
‫ولم تقتص‪TT T‬ر جهود اه‪TT T‬ل اليمن على اقامة المدن وتشييد القالع والقص‪TT T‬ور ‪ ,‬ب‪TT T‬ل‬
‫امتدت باتجاه شق الط‪TT‬رق وإ قامة الس‪TT‬دود لحجز المياه من اجل االس‪TT‬تفادة منها في‬
‫اعمال الري والتوسع في الزراعة ‪.‬‬
‫وقد اورد الهمداني اس‪TT‬ماء عشرات من الس‪TT‬دود ال‪TT‬تي كانت قائمة في اليمن ‪ ,‬غ‪TT‬ير‬
‫ان اكبر هذه السدود واشهرها هو سد مأرب الذي كان يسمى (( سد العرم ))(‪. )2‬‬
‫وقد أنشأ ه‪TT‬ذا الس‪TT‬د ملوك س‪TT‬بأ في ح‪TT‬والي القرن الثامن قب‪TT‬ل الميالد واس‪TT‬تمر قائما‬
‫ح‪TT‬تى القرن الس‪TT‬ادس الميالدي‪ ,‬وب‪TT‬ذلك تكون حياة ه‪TT‬ذا الس‪TT‬د قد وص‪TT‬لت الى ح‪TT‬والي‬
‫‪ 1300‬عام ‪ .‬وقد أجريت على ه‪TT‬ذا الس‪TT‬د خالل ه‪TT‬ذه الف‪TT‬ترة عدة إص‪TT‬الحات بمناس‪TT‬بة‬
‫تعرض جسم السد للتصدع والتآكل نتيجة عوامل الطبيعة وضغط سيول المياه ‪.‬‬
‫وتعتمد معلوماتنا على هذا السد في ال‪TT‬وقت الحاض‪TT‬ر على ماذكره القرن الكريم‬
‫عنه ‪ ,‬وما أورده الهمداني من أوص‪TT T‬اف لبقاياه ال‪TT T‬تي شاهدها بنفس‪TT T‬ه ‪ ,‬فض‪TT T‬ال عن‬
‫المعلومات التي قدمها االثاريون المعاصرون ال‪TT‬ذين زاروا موقع الس‪TT‬د وقدموا اوص‪TT‬افا‬
‫(‪)3‬‬
‫علمية دقيقة لطبيعة االرض وبقايا السد على الطبيعة ‪.‬‬
‫ويس‪TT‬تنتج من مجمل االوص‪TT‬اف ال‪TT‬تي وص‪TT‬لت الينا عن س‪TT‬د مأرب ( العرم ) ان ه‪TT‬ذا‬
‫السد قد انشا في ( وادي ذنة ) ال‪T‬ذي تص‪T‬ب فيه روافد مياه االمط‪T‬ار ال‪T‬تي تاتي من‬
‫المناطق المجاورة ‪ .‬وبذلك تشكل المياه المتجمعة امام جدار السد في وادي ذنة خزانا‬
‫مائيا كب‪TT‬يرا اشبه ب‪TT‬البحيرة ‪ .‬ويقع وادي ذنة في فرجة بين س‪TT‬طحي جب‪TT‬ل بلق ‪ ,‬وه‪TT‬و‬
‫جب‪TT‬ل بركاني إرتفاعه ‪ 400‬م ‪ ,‬وتبلغ س‪TT‬عة ه‪TT‬ذه الفرجة في أولها ال‪TT‬تي تشكل خزان‬
‫الس‪TT‬د ‪ 200‬م ثم تتس‪TT‬ع كلما ابتعدنا عن مدخل الخزان ح‪TT‬تى يبلغ عرض‪TT‬ا في منتص‪TT‬فه‬

‫للتفصيل يراجع ‪ ,‬جرمان ‪ :‬الناحية االثرية لبالد العرب الجنوبية ‪ ,‬ص‪ , 171-151‬د‪ .‬سعد‬ ‫‪)(1‬‬

‫زغلول الرحمن ‪ .,‬في تاريخ العرب قبل االسالم ‪,‬ص‪.392-375‬‬


‫الهمداني ‪ ,‬االكليل ‪ ,‬ج‪ , 8‬ص‪.117-115‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫احمد سوسة ‪ ,‬حضارة العرب ومراحل تطورها ‪ ,‬ص‪.226 -221‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪218‬‬
‫الى نحو ‪ 500‬م ‪ ,‬ثم تاخذ في الضيق الى ان تبلغ نحو ‪ 175‬م في مخرج الخزان ‪,‬‬
‫وقد أنشا جس‪TT‬م الس‪TT‬د عن ه‪TT‬ذا الموض‪TT‬ع ‪ .‬ويبلغ ط‪TT‬ول خزان المياه في وادي ذنة من‬
‫اول‪TT‬ه الى آخره ح‪TT‬والي اربعة كيلو مترات ‪ .‬أما الس‪TT‬د نفس‪TT‬ه (( فهو عب‪TT‬ارة عن حائط‬
‫ض ‪TT‬خم مب ‪TT‬ني على عرض ال ‪TT‬وادي على زواية منفرجة يمتد من الجنوب الى الشمال‬
‫مس ‪TT T T‬افة ‪650‬م ‪ .‬وفي الس ‪TT T T‬د ثالثة مخارج للمياه ‪ ,‬مخرجان الرواء االراض ‪TT T T‬ي‬
‫الزراعية )) على الجهة الشمالية والجنوبية من السد ‪ ,‬اما المخرج الثالث فهو ص‪TT‬مام‬
‫امان لتصريف المياه الفائضة في أوقات الطواريء ‪.‬‬
‫ويرتب‪TT‬ط بمخارج المياه ه‪TT‬ذه المجموعة من الجداول ال‪TT‬تي توزع مياه الس‪TT‬د على‬
‫االراضي الزراعية ال‪T‬تي ينخفض مس‪T‬تواها عن مس‪T‬توى خزان الس‪T‬د وب‪T‬ذلك يتم إرواء‬
‫(‪)1‬‬
‫أكبر مسافات ممكنة من االراضي الصالحة للزراعة في منطقة مأرب‪.‬‬
‫وقد أشير الى ان بناء ه‪TT T‬ذا الس‪TT T‬د كان يعبر عن مهارة عالية في فن العمارة ‪,‬‬
‫ويتطلب قدرة كب‪TT T‬يرة على اس‪TT T‬تخدام مواد البناء بحيث تص‪TT T‬مد أمام عوامل التعرية‬
‫والتآكل التي تصيب السدود ل‪T‬ذا فقد ذكر ان حائط الس‪T‬د قد شيد بص‪TT‬ورة متقنة بحيث‬
‫(( اليمكن للمرء ان يدخل بين الحجر والحجر إب‪TT‬رة ‪ ,‬ويظهر أنهم كانوا يس‪TT‬تعملون‬
‫في البناء مادة شبيهة باألس ‪TT‬منت بين الحجارة ‪ ,‬ويرى في أرض العب ‪TT‬ارة أو الفتح ‪TT‬ة‬
‫ثقوب كبيرة يظهر انها مكان عمدان حديدية كانت تس‪T‬تعمل كب‪T‬اب متح‪T‬رك يفتح ويغلق‬
‫(‪)2‬‬
‫بحسب الحاجة ))‪.‬‬
‫على ال‪TT‬رغم من ان الس‪TT‬د بحجمه وامكاناته يعد من الس‪TT‬دود الص‪TT‬غيرة في العالم‬
‫في ال‪TT‬وقت الحاض‪TT‬ر ‪ ,‬االانه كان يعد في الماض‪TT‬ي اس‪TT‬تنادا الى مقاييس وإ مكانات ذل‪TT‬ك‬
‫الزمان (( اشهر آثار اليمن واعظم عمل هندسي في الجزيرة العربية كلها ))(‪. )3‬‬
‫ومن أجل تصور مقدار الجهود التي كانت تتطلبها عملية صيانة السد والمحافظ‪TT‬ة‬
‫عليه نذكر ما جاء في النقش ال‪TT‬ذي تركه ابره‪TT‬ة الحبشي بمناس‪TT‬بة اص‪TT‬الحه للس‪TT‬د في‬
‫س ‪TT‬نة ‪ 542‬م حيث يقول أنه لما بلغ ‪TT‬ه خبر تص ‪TT‬دع الس ‪TT‬د (( إهتم لألمر وارس ‪TT‬ل من‬

‫المرجع نفسه ‪ 230 -226 ,‬وللمزيد من االيضاح تراجع الفاظ الخرائط في ص‪.314-312‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.229‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫بافقية ‪ ,‬تاريخ اليمن القديم ‪ ,‬ص‪,197‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪219‬‬
‫يدعو القبائل للعمل في إص‪TT‬الحه ‪ ,‬وان العمل اس‪TT‬تمر اح‪TT‬د عشر شهرا ‪ ,‬وان مقدار‬
‫المؤن التي ص‪TT‬رفت في اثناء العمل كانت (‪ )50806‬اكياس من ال‪TT‬دقيق و (‪)26000‬‬
‫جمل من البلح ‪ ,‬وانه نحر (‪ )3000‬جمل وثورا و (‪ )207000‬رأس من الغنم ليأكل‬
‫الرجال لحمها ))(‪. )1‬‬
‫ويالح‪TT‬ظ ان ترميم ابره‪TT‬ة لس‪TT‬د مأرب آخر ترميم ل‪TT‬ه ‪ ,‬ولم يمض وقت طويل‬
‫حتى تهدم مرة اخرى ‪ ,‬ولم تعد ل‪T‬ه قائمة بعد ذل‪T‬ك ‪ .‬وقد تح‪T‬ير المؤرخون العرب في‬
‫مس‪TT T T‬ألة تهدم الس‪TT T T‬د وخراب‪TT T T‬ه وأرجع ذل‪TT T T‬ك الى عوامل غيبية ‪ .‬يقول المس‪TT T T‬عودي‬
‫(( والخالف بين ذوي الدراية منهم ان العرم ه‪TT T‬و المس‪TT T‬ناة ال‪TT T‬تي قد احكموا عملها‬
‫لتكون ح ‪TT T‬اجزا بين ض ‪TT T‬ياعهم وبين الس ‪TT T‬يل ‪ ,‬ففجرته فأرة ليكون ذل ‪TT T‬ك أظهر في‬
‫االعجوب‪TT‬ة ‪ ,‬كما أفار اهلل تعالى ماء الطوفان من جوف تنور ليكون اثبت في العبر‬
‫واوكد في الحجة ))‪ )2(.‬غير ان المسعودي يعود لينفرد بتقديم تعليل النهدام الس‪TT‬د يتف‪TT‬ق‬
‫ومعطيات العلم الح‪TT‬ديث يقول ‪ ... (( :‬وعمل الماء في اص‪TT‬ول ذل‪TT‬ك المخراق – اي‬
‫الس‪TT‬د واض‪TT‬عفه ممر الس‪TT‬نين عليه وتدافع الماء حول‪TT‬ه ‪ ,‬وقد قيل في المثل ‪ :‬إذا اثر‬
‫تواتر الماء(‪ .)3‬على الحجر الص ‪TT T‬لد ‪ ,‬فما ظنك بس ‪TT T‬يل يتدافع على حديد وحجر‬
‫مصنوع ؟)) فنحن هنا ‪ ,‬أمام ظ‪T‬اهرة التعرية والتآكل ال‪T‬تي اض‪T‬عفت الس‪T‬د ‪ ,‬مع اهمال‬
‫الصيانة الدائمة بسبب ضعف دول اليمن ووقوع البالد تحت التسلط االجنبي‪.‬‬
‫ويالح‪TT‬ظ أن س‪TT‬د مأرب قد تعرض منذ قيامه لمشكالت كثيرة كان ابرزه‪TT‬ا‬
‫(( تجمع الطمي في الح‪TT‬وض القائم خلف‪TT‬ه ‪ ,‬تماما كما ح‪TT‬دث ويح‪TT‬دث اليوم في الس‪TT‬دود‬
‫الص‪TT T‬غيرة ‪ ,‬والب‪TT T‬د ان ذل‪TT T‬ك قد ادى الى ارتف‪TT T‬اع مس‪TT T‬تمر لقاع الح‪TT T‬وض ‪ ,‬ثم تناقض‬
‫مستمر ايضا في كمية المياه المتجمعة فيه وفيض‪T‬ان كميات اكثر من فوق جدار الس‪T‬د‬
‫ويؤكد ح ‪TT‬دوث ذل ‪TT‬ك عمليات التعلية الظ ‪TT‬اهرة ‪ ,‬فقد بلغ ارتف ‪TT‬اع الس ‪TT‬د في المراح ‪TT‬ل‬

‫القيسي والشكري ‪ ,.‬دراسة ميدانية لمسوحات مواقع أثرية في شطري القطر اليماني ‪,‬ص‪-55‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫‪.56‬‬
‫المسعودي ‪ ,‬مروج الذهب ‪,‬ج‪,2‬ص‪.196‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المصدر نفسه ‪ ,‬ج‪ ,2‬ص‪.195‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪220‬‬
‫االخيرة الى ‪ 14‬م فوق س ‪TT‬طح ال ‪TT‬وادي ))(‪ .)1‬وفض ‪TT‬ال عما تقدم تعرض الس ‪TT‬د الى‬
‫سيول عدة ‪ ,‬نتيجة سقوط االمطار بكميات غزيرة في بعض االوقات تفوق طاقة الس‪TT‬د‬
‫على خزن المياه مما ترتب عليه حص‪TT‬ول تهدم وانكس‪TT‬ار في جس‪TT‬م الس‪TT‬د وقد اض‪TT‬عفت‬
‫الترميمات المتوالية جدار الس ‪TT‬د ‪ .‬وادى تراكم الطمي والغ ‪TT‬رين في قاع ال ‪TT‬وادي الى‬
‫اضعاف طاقته على خزن المياه ‪ )2(.‬فانهار الس‪TT‬د بص‪TT‬ورة كاملة واص‪TT‬بح اثرا من اثار‬
‫الماضي التليد ‪....‬‬
‫دولة كندة ودورها الحضاري‬
‫على ال ‪TT T T‬رغم من ان المص ‪TT T T‬ادر التاريخية قد وجهت معظم اهتمامها الى الجانب‬
‫السياس ‪TT T‬ي والعس ‪TT T‬كري من تاريخ ملوك كندة فإن باإلمكان ان نعثر على ال ‪TT T‬دور‬
‫الحض‪TT T T‬اري ال‪TT T T‬ذي قامت ب‪TT T T‬ه ه‪TT T T‬ذه الدول‪TT T T‬ة على المس‪TT T T‬توى االقتص‪TT T T‬ادي واالجتماعي‬
‫والسياسي والثقافي في إطاره العام ‪.‬‬
‫وهو يتلخص بالنقاط االتية ‪- :‬‬
‫مثلت دولة كندة (( حلف‪T‬ا لقبائل ربطت بينها مجموعات اس‪T‬رية ‪ ,‬وكانت ه‪T‬ذه‬ ‫‪-1‬‬
‫القبائل تنتمي الى كندة ومعد ‪ ,‬وتشكل نظاما شوريا عس‪T‬كريا جهد في الرب‪T‬ط‬
‫بين جماعات عربية كب ‪TT‬يرة من الحض ‪TT‬ر واالخر من الب ‪TT‬دو وفريق ثالث هم‬
‫اشباه الب‪TT T‬دو ال‪TT T‬ذين ينتشرون على مس‪TT T‬احات شاس‪TT T‬عة ‪ .‬غ‪TT T‬ير ان اتح‪TT T‬اد دول‪TT T‬ة‬
‫الكنديين الفتية هذا لم يكتب له االستقرار ‪ ,‬ولكنه كان يعمل في إطار مناطق‬
‫وأرضين كانت اول ما دخل – من بعد – في تكوين الدول‪TT‬ة االس‪TT‬المية ‪ .‬وه‪TT‬ذا‬
‫وح‪TT‬ده يجعل من كندة اشبه مايكون بالمحاول‪TT‬ة االولى ال‪TT‬تي س‪TT‬بقت قيام دول‪TT‬ة‬
‫المس‪TT‬لمين فيما بعد ‪ .‬وكان تكوينها االجتماعي مرتكزا على دول‪TT‬ة فتية ذات‬
‫قدرة على القتال ‪ ,‬ولكن روابطها الداخلية لم تكن متماس ‪TT‬كة بالقدر الكافي ‪,‬‬
‫وعلى عكس هذا حظيت دولة االسالم بكثير من الصالبة كان مرده‪TT‬ا بدرجة‬

‫بافقيه ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.199-198‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.199‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪221‬‬
‫كب‪TT‬يرة الى العقيدة الجديدة ال‪TT‬تي ربطت بين القبائل بعروة وثقى وس‪TT‬اعدت في‬
‫دعم التماسك بينها وعلى ايقاف التناحر القبلي ))(‪. )1‬‬
‫‪ -2‬ان نجاح قبيلة كندة في إقامة دول‪TT T‬ة في وس‪TT T‬ط شبه الجزيرة العربية‬
‫تس‪T‬يطر على ط‪T‬رق تجارة القوافل بين جنوب شبه الجزيرة العربية وشماليها‬
‫قد اعطى لدول‪TT‬ة كندة دورا اقتص‪TT‬اديا مهما من اجل تأمين ه‪TT‬ذه الط‪TT‬رق ومنع‬
‫هجمات القبائل البدوية عليها ‪ .‬وربما شكل ذل ‪TT‬ك اح ‪TT‬د ال ‪TT‬دوافع المهمة ال ‪TT‬تي‬
‫حملت ملوك حمير على دعم دول ‪TT T‬ة كندة ومس ‪TT T‬اعدتها ‪ .‬وقد اشير الى ان‬
‫اإلمبراطورية البيزنطية كانت تشجع ملوك حمير على التحالف مع دولة كندة‬
‫إلعتبارات اقتصادية وسياسية حيث ان قبائل معد الخاضعة لملوك كندة كانوا‬
‫– شأنهم شأن قبيلة قريش – يقومون ب ‪TT‬دور الوس ‪TT‬يط التجاري بين بيزنط ‪TT‬ة‬
‫وحمير ‪ .‬كما ان وقوف دول‪TT‬ة كندة الى جانب دول‪TT‬ة حمير وبيزنط‪TT‬ة سيس‪TT‬اعد‬
‫البيزنطيين كثيرا في صراعهم ضد االمبراطورية الساسانية وحلفائها المناذرة‬
‫(‪)2‬‬

‫لقد كانت الوحدة االجتماعية عند العرب هي القبيلة ‪ ,‬وقد س‪T‬اعدت دول‪T‬ة كندة‬ ‫‪-3‬‬
‫من خالل تحالفاتها الواس ‪TT T‬عة بين قبائل من جنوب شبه الجزيرة العربية‬
‫ووس‪TT‬طها وشمالها على إيجاد رابط‪TT‬ة اوس‪TT‬ع‪ .‬من الرابط‪TT‬ة القبلية الض‪TT‬يقة هي‬
‫رابطة التحالف بين عدة قبائل ‪.‬‬
‫وعلى ال ‪TT‬رغم من ان ه ‪TT‬ذه الرابط ‪TT‬ة التحالفية كانت هشة ‪ ,‬وهي اض ‪TT‬عف من‬
‫الرابطة القبلية التي كانت ذات جذور راسخة ‪ ,‬فان بإمكاننا ان نعد التحالف‪TT‬ات‬
‫التي انجزها الكنديون خط‪T‬وة اتحادية على طريق الوح‪T‬دة العربية ال‪T‬تي حقهها‬
‫(‪)3‬‬
‫االسالم بعد ذلك‪.‬‬
‫أما على المس ‪TT T‬توى الثقافي ‪ ,‬فان من المعلوم ان الكنديين هم من اص ‪TT T‬ول‬ ‫‪-4‬‬
‫يمنية ‪ ,‬اي انهم قد حملوا معهم من اليمن لهجتهم الحميرية الخاصة وخطهم (‬

‫بيفوليفسكيا ‪ ,‬العرب على حدود بيزنطة وايران ‪ ,‬ص‪.186‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫كوبيشانوف ‪ ,‬الشمال الشرقي االفريقي في العصور الوسيطة المبكرة ‪ ,‬ص‪.99‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫العلي ‪ ,‬محاضرات في تاريخ العرب ‪ ,‬ص‪.92‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪222‬‬
‫المس‪TT‬ند) ال‪TT‬ذي يختلف عن خط العرب الشمال ‪ .‬والب‪TT‬د انهم في خالل اقامتهم‬
‫بنجد ال‪TT‬تي امتدت على مدى اكثر من قرن قد س‪TT‬اعدوا على حص‪TT‬ول تفاعل‬
‫واس ‪TT‬ع بين عرب جنوب شبه الجزيرة العربية ووس ‪TT‬طها وشمالها فتقاربت‬
‫اللهجات والخط‪TT‬وط الكتابية ‪ ,‬وظهرت في ه‪TT‬ذه الف‪T‬ترة اللغ‪TT‬ة العربية الفص‪TT‬حى‬
‫والشعر ( الجاهلي ) ‪ .‬وكان ابرز من حمل ل‪TT‬واء ه‪TT‬ذا الشعر ه‪TT‬و امرؤ القيس‬
‫بن حجر اشهر ابناء ملوك كندة ‪ .‬وقد قدم هذا الشاعر للشعر العربي خدمة‬
‫كبيرة من خالل االغراض الجديدة التي اتى بها ونس‪TT‬ج على منوالها كثير من‬
‫الشعراء في عصور مختلفة ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫حضارة االنباط ‪ -:‬لقد قامت حضارة االنباط على االسس االتية ‪-:‬‬
‫الحياة االقتصادية والتجارية‬ ‫‪-1‬‬
‫كانت التجارة حجر الزاوية ال‪TT‬تي قامت عليها حض‪TT‬ارة االنب‪TT‬اط ‪ ,‬وذل‪TT‬ك الن بالدهم‬
‫تقع على طريق التجارة الدولية ال ‪TT‬تي ترب ‪TT‬ط الشرق ب ‪TT‬الغرب ‪ ,‬فكانت تجارة الهند‬
‫المتجهة الى البح‪TT‬ر االبيض المتوس‪TT‬ط تمر ببالدهم وبخاص‪TT‬ة اذا س‪TT‬لكت الطريق ال‪TT‬ذي‬
‫يمر ب ‪TT‬اليمن – الحجاز بط ‪TT‬را ‪ ..‬ومنها الى غ ‪TT‬زة او غ ‪TT‬يره من مؤاني البح ‪TT‬راالبيض‬
‫المتوسط ‪.‬‬
‫وقد نشأت مدينة بطرا في االساس (( كمحطة للطرق التجارية ‪ ,‬فالعجب ان تكون‬
‫التجارة ‪ ,‬وخدمة القوافل ‪ ,‬العمل الرئيس ‪TT T‬ي لالنب ‪TT T‬اط واالس ‪TT T‬اس ال ‪TT T‬ذي قامت عليه‬
‫مدينتهم ‪ .‬وقد مد االنب‪TT T‬اط نف‪TT T‬وذهم الى مايجاورهم من البالد والمدن ‪ ,‬فحص‪TT T‬نوها‬
‫واقاموا فيها حاميات للقوافل واماكن الستغالل المناجم ‪ .‬واص‪T‬بحت مدينتهم في القرن‬
‫االول قب‪TT‬ل الميالد المدينة الرئيس‪TT‬ية للقوافل ‪ ,‬وس‪TT‬وقا عظيما ‪ ,‬فس‪TT‬يطرت على ط‪TT‬رق‬
‫غ‪TT‬زة وبص‪TT‬رى ودمشق وايلة ‪ .‬وقد حف‪TT‬روا اآلب‪TT‬ار ‪ ,‬واقاموا مشاريع المياه ‪ ,‬وحول‪TT‬وا‬
‫(‪)2‬‬
‫بعض المناطق الصحراوية الى اراضي زراعية ))‬
‫وكانت خدمة القوافل تتطلب كثيرا من الخدمات الصحاب القوافل من طعام ولب‪TT‬اس‬
‫وس‪TT‬كن وغ‪TT‬ير ذل‪TT‬ك ‪ ,‬فنشأت بعض الح‪TT‬رف في بط‪TT‬را وغيره‪TT‬ا من مدن االنب‪TT‬اط لتلبية‬

‫ابن قتيبة ‪ ,‬الشعر والشعراء ‪ ,‬ص‪ ,68 ,63 ,52 ,‬شوقي ضيف العصر الجاهلي ‪ ,‬ص ‪-118‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫‪.121‬‬
‫العلي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.41‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪223‬‬
‫ه‪TT T‬ذه الخدمات كالح‪TT T‬دادة والتجارة والتعامل بالمنس‪TT T‬وجات ‪ .‬كما تطلب التعامل مع‬
‫اصحاب القوافل نشاط المعامالت التجارية من بيع وشراء واقراض وصيرفة وغيرها‬
‫‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وقد اشير الى ان النشاط التجاري لالنباط كان ((سببا في ب‪TT‬روز مظ‪TT‬اهر كثيرة في‬
‫الحياة النبطية في مقدمتها العناية بتربية الجمال والح ‪TT‬رص على القط ‪TT‬ران ل ‪TT‬دوائها ‪,‬‬
‫وتوفر المؤونة لها ‪ ,‬وال ‪TT T‬تزود بكل االدوات ال ‪TT T‬تي تعين على (توض ‪TT T‬يب) البض ‪TT T‬ائع‬
‫واالحتفاظ بها وترتبيها وتص‪TT‬نيفها ‪ ,‬وبناء الس‪T‬فن والتدريب على شؤون البح‪T‬ر ‪ ,‬وكل‬
‫ما تتطلبه الموانيء من معدات مثل مينائي الحوراء وأيلة ‪ ,‬وتخصيص اماكن للتفريغ‬
‫والتخزين ‪ ,‬ومن امثلة ذل‪TT‬ك تلك الكهوف الكب‪TT‬يرة في الب‪TT‬ارد بمدينة ب‪TT‬ترا فان حجومها‬
‫تدل على انها كانت مخازن إيداع ولم تكن مس‪T‬اكن ‪ ,‬اي ان الب‪T‬ارد كانت نقط‪T‬ة تفريغ‬
‫وتعبئة واقعة خارج المدينة ‪ ,‬كما دفع هذا النشاط التجاري في طريقه حيوية ص‪TT‬ناعية‬
‫‪.‬‬ ‫وزراعية ورعوية وتعدينية ))‬
‫(‪)2‬‬

‫ولم يكتف االنب ‪TT T‬اط بتقديم الخدمات للقوافل التجارية ‪ ,‬ب ‪TT T‬ل كانوا هم انفس ‪TT T‬هم‬
‫يمارس‪TT‬ون التجارة على نط‪TT‬اق واس‪TT‬ع بالبض‪TT‬ائع المحلية والبض‪TT‬ائع المس‪TT‬توردة ‪ .‬وكانت‬
‫اهم البضائع التي يتاجرون فيها البخور والعطريات من اليمن (( والحرير من الص‪TT‬ين‬
‫‪ ,‬والحناء من عس‪TT‬قالن ‪ ,‬والزجاج وص‪TT‬بغ االرجوان من ص‪TT‬يدا وص‪TT‬ور ‪ ,‬واللؤل‪TT‬ؤ من‬
‫الخليج العربي ‪ ,‬والخزف من روما ‪ ,‬ه‪TT‬ذا بجانب ما كانت تنتجه بالدهم من ال‪TT‬ذهب‬
‫(‪)3‬‬
‫والفضة والقار وزيت السمسم ))‪.‬‬
‫فض‪TT‬ال عن البلس‪TT‬م ال‪TT‬ذي كان ينتج من اشجار في اريح‪TT‬ا ‪ .‬ويب‪TT‬دو ان المقص‪TT‬ود بإنتاج‬
‫ال‪TT‬ذهب والفض‪TT‬ة ه‪TT‬و ص‪TT‬ياغة الحلي وادوات الزينة ‪ .‬اما انتاج القار فقد ذكر ديودور‬
‫الصقلي ان االنباط كانوا ياخذونه من البحر الميت بكميات كبيرة تتراوح مابين عشرة‬
‫االف الى ثالثين ال‪TT‬ف قدم مكعب في الس‪TT‬نة ‪ .‬وكان القار يس‪TT‬تفاد منه في تقوية المواد‬
‫واالدوات لكي تص ‪TT‬بح قادرة على ان تمس ‪TT‬ك الماء فال يقط ‪TT‬ر او ان يتخذ عنص ‪TT‬را في‬

‫المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪.42‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫احسان عباس ‪ ,‬ص‪.108‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫العلي ‪ ,‬المرجع السابق ‪.43 ,‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪224‬‬
‫التغرية ‪ .‬كذلك كان المص‪TT‬ريون يس‪T‬تعملونه في ص‪TT‬نع المجوهرات الزائف‪T‬ة وفي تلوين‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫المعادن وغير ذلك‬
‫ويالح ‪TT‬ظ ان ب ‪TT‬ترا كانت ملركزا ص ‪TT‬ناعيا فض ‪TT‬ال عن انها كانت مركزا تجاريا ‪.‬‬
‫وكانت من اب‪TT‬رز الص‪TT‬ناعات ل‪TT‬دى االنب‪TT‬اط ص‪TT‬ناعة الخزف ال‪TT‬ذي كان يتم ص‪TT‬نعه على‬
‫نط ‪TT‬اق واس ‪TT‬ع وبمس ‪TT‬توى فني رفيع ‪ .‬كما اب ‪TT‬دي االنب ‪TT‬اط مهارة في ص ‪TT‬ناعة القناديل‬
‫بص‪TT‬ورة تتجلى فيها القدرة الفنية على التنويع والتس‪TT‬اوي في الحجم وحس‪TT‬ن الزخرفة‬
‫واالشكال ‪ )2(.‬وقد اشير الى ان االنب ‪TT‬اط (( مارس ‪TT‬وا بعض المص ‪TT‬نوعات المعدنية ‪,‬‬
‫فكانت نقودهم تس‪TT‬ك من ال‪TT‬برونز واالقل منها كان من الفض‪TT‬ة ‪ ,‬ولكنهم فيما يب‪TT‬دو لم‬
‫يس‪TT T‬تعملوا العملة الذهبية ‪ .‬ومن ال‪TT T‬برونز ايض‪TT T‬ا ص‪TT T‬نعوا بعض التماثيل الص‪TT T‬غيرة ‪.‬‬
‫وص ‪TT T T T T‬اغوا نماذج من الحلي الص ‪TT T T T T‬غيرة ‪ ,‬واس ‪TT T T T T‬تعملوا الحديد احيانا في بعض‬
‫مصنوعاتهم ‪ .‬ومع اننا النجد في اثارهم اسلحة ‪ ،‬فان توافره‪T‬ا في رس‪T‬ومهم يدل على‬
‫انها كانت كثيرة االس‪TT‬تعمال س‪T‬واء اكانت مس‪T‬توردة او مص‪TT‬نوعة محليا ‪ .‬ويدل قطعهم‬
‫للص‪TT‬خور وجوبهم لها على اس‪TT‬تعمال االالت المعدنية الالزمة ل‪TT‬ذلك ‪ .‬كما ان نشاطهم‬
‫ال‪TT‬زراعي يشير الى اس‪TT‬تخدامهم االدوات الص‪TT‬الحة للزراعة ‪ .‬وهكذا يقال في االواني‬
‫المعدنية الص‪TT‬الحة للطبخ او تلك ال‪TT‬تي اليس‪TT‬تغنى عنها في سياس‪TT‬ة ال‪TT‬دواب كاللجم وما‬
‫اشبه ‪ .‬وقياس‪TT‬ا على المجتمعات االخرى الب‪TT‬د ان نف‪TT‬ترض انهم ط‪TT‬وروا انواعا اخرى‬
‫من الصناعات مثل الحياكة والنس‪T‬يج وص‪TT‬ناعة االحذية واالدوات الموس‪T‬يقية واالقواس‬
‫والسهام وبعض االسلحة الصغيرة ))‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫وقد اعتنى االنب ‪TT‬اط بالزراعة وبخاص ‪TT‬ة حينما اخذت تجارتهم تتعرض للمنافس ‪TT‬ة‬
‫الشديدة من قب‪TT‬ل الرومان وغ‪TT‬يرهم ‪ ,‬فأقاموا الس‪TT‬دود واالح‪TT‬واض والص‪TT‬هاريج لحف‪TT‬ظ‬
‫الماء ‪ ,‬كما حف‪TT T T‬روا القنوات والمجاري من اجل ري االراض‪TT T T‬ي واستص‪TT T T‬الحها‬
‫لألغراض الزراعة ‪ ,‬وان االثار ال‪TT‬تي وجدت في بالد االنب‪TT‬اط تدل على انهم كانوا قد‬
‫حققوا تقدما كبيرا في مجال الهندسة المائية ‪.‬‬

‫احسان عباس ‪ ,‬المرجع السابق ‪.110-109 ,‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫احسان عباس ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.112‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص ‪.113-112 ,‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪225‬‬
‫فهل كان ذلك من ابتكاراتهم ام انهم قد اقتبسوا تلك المهارات عن اه‪T‬ل وادي الرافدين‬
‫او اليمن او س‪TT‬كان البالد القدماء او غ‪TT‬يرهم ‪ ..‬تلك مس‪TT‬الة لم تحس‪TT‬م بعد ‪ ...‬ولكن ايا‬
‫كان ال ‪TT‬رأي النهائي فإن تقدم االنب ‪TT‬اط في ه ‪TT‬ذا المجال يدل على قدرة عالية على‬
‫‪.‬‬
‫التكيف والتعلم وهي إحدى سمات المجتمعات المتحضرة‬
‫(‪)1‬‬

‫الحياة االجتماعية والسياسية‬ ‫‪-2‬‬


‫تشير اآلثار واالخب‪TT‬ار ال‪TT‬تي وص‪TT‬لت الينا من االنب‪TT‬اط انه قد واكب تقدمهم في الحياة‬
‫االقتص‪TT‬ادية تقدما مماثال في الحياة السياس‪TT‬ية واالجتماعية ‪ ,‬فاقام االنب‪TT‬اط نظاما ملكيا‬
‫مس ‪TT T‬تقرا ‪ ,‬وقد نجح ملوك االنب ‪TT T‬اط كما اوض ‪TT T‬حنا في اقامة نظ ‪TT T‬ام حكم ذي مس ‪TT T‬حة‬
‫ديمقراطية ويب ‪TT‬دوا ان دول ‪TT‬ة االنب ‪TT‬اط قد عرفت حكم القانون وظهر فيها مؤسس ‪TT‬ات‬
‫تطب‪TT‬ق احكامه كالمح‪TT‬اكم ‪ .‬فقد اشار س‪TT‬ترابو الى وجود مح‪TT‬اكم في بط‪TT‬را للفص‪TT‬ل في‬
‫قض‪TT‬ايا الغرب‪TT‬اء ‪ ,‬وذل‪TT‬ك يدل على وجود وظيف‪TT‬ة القاض‪TT‬ي وما يتص‪TT‬ل بها من تنظيمات‬
‫وقد ورد في بعض النقوش النبطية عب ‪TT‬ارات شرعية تتص ‪TT‬ل ب ‪TT‬العقود واخرى تنص‬
‫على غرامات ونص‪TT‬وص تتعلق بالشهادة في مجلس القض‪TT‬اء وقد وردت إشارات الى‬
‫وجود نظ‪TT‬ام مالي يتولى جمع الض‪TT‬رائب ‪ ,‬فقد ذكر ( بليني ) انه وجد عند الح‪TT‬وراء‬
‫( ليدقه قومه) جب‪TT‬اة ياخذون ‪ 0/0 20‬ض‪TT‬ريبة على الس‪TT‬لع ‪ .‬والب‪TT‬د انه كان هناك‬
‫جب‪TT‬اة اخرون على ه‪TT‬ذا النمط في مواقع اخرى من المملكة يجمعون الض‪TT‬رائب على‬
‫حاص ‪TT‬الت الزراعة والص ‪TT‬ناعة وغيره ‪TT‬ا باالض ‪TT‬افة الى مشرفين على االس ‪TT‬واق لمنع‬
‫(‪)2‬‬
‫التالعب باالسعار والغش ‪.‬‬
‫ويظهر مما وصل الينا من نصوص ان االنباط كانوا يديرون بالدهم بشكل جيد ‪,‬‬
‫وان ذلك كان مثار إعجاب بعض كتاب الرومان ‪ .‬فقد ذكر س‪T‬ترابو ان دول‪T‬ة االنب‪T‬اط‬
‫تتمتع بحكم جيد وانها كانت مثار إعجاب ص‪TT‬ديقه اثنودورس ‪ ,‬وه‪TT‬و فيلس‪TT‬وف عاش‬
‫فترة من ال‪TT‬زمن في بط‪TT‬را وكان مبعث إعجاب‪TT‬ه ه‪TT‬و ان حكومة االنب‪TT‬اط كفلت نوعا من‬
‫العدال‪TT‬ة بين الناس بحيث قلت ح‪TT‬اجتهم الى التقاض‪TT‬ي ‪ .‬كما اشار الى ان عدد الرقيق‬

‫المرجع نفسه ‪.114 -113 ,‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.118 -117‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪226‬‬
‫بينهم كان قليال ‪ ,‬لذا فإنهم كانوا يخدمون انفسهم بانفسهم في معظم االحيان ‪ ,‬او يخدم‬
‫(‪)1‬‬
‫احدهم اآلخر ‪ ,‬وهذه العادة تشمل الملوك انفسهم ‪.‬‬
‫غ ‪TT‬ير ان ماتقدم ‪ ,‬اليعني اختف ‪TT‬اء الف ‪TT‬وارق االجتماعية واالقتص ‪TT‬ادية بين الناس ‪ ,‬فقد‬
‫وجد في مجتمع االنب‪TT‬اط اح‪TT‬رار وعبيد ‪ ,‬اغنياء وفقراء ‪ ,‬وحكام ومحكمون ‪ ....‬كما‬
‫نقلت لنا ص‪TT‬ور عن مظ‪TT‬اهر الغ‪TT‬نى والب‪TT‬ذخ ال‪TT‬تي كان يعيش في ظلها االغنياء ‪ ..‬فقد‬
‫وص‪TT‬ف لنا س‪TT‬ترابو جانب‪TT‬ا من ذل‪TT‬ك فقال ‪ :‬ب‪TT‬أنهم كانوا يعدون مآداب عامة في فئات ‪،‬‬
‫تض‪TT‬م كل فئة منها ثالثة عشر شخص‪TT‬ا ‪ ,‬ويقيم الملوك حفالت شرب على نس‪T‬ق رفيع‬
‫ولكن اليتجاوز اح‪TT‬د في شربه اح‪TT‬دى عشرة كأس‪TT‬ا ‪ ,‬مس‪TT‬تعمال في كل مرة كأس‪TT‬ا دهية‬
‫جديدة ‪ )...‬اما عن عاداتهم في الملبس فيقول س‪T‬ترابو (( وهم يمشون دون ان يلبس‪T‬وا‬
‫السترات الرومانية الطويلة ‪ Tunics‬وقد تمنطقوا بالمناطق ح‪TT‬ول االحشاء ‪ ,‬وانتعلوا‬
‫االخفاف في ارجلهم ‪ ,‬وذل‪T‬ك يص‪TT‬دق ح‪T‬تى في ح‪T‬ال الملوك ‪ ,‬اال ان اللون ال‪T‬ذي يؤثره‬
‫هؤالء هو االرجوان ))‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫اما عن الحياة األس‪T‬رية عند االنب‪T‬اط فقد كانت األس‪T‬رة هي الوح‪T‬دة االس‪T‬اس ال‪T‬تي يقوم‬
‫عليها المجتمع ‪ .‬ويب‪TT‬دو ان الرواب‪TT‬ط بين افراده‪TT‬ا كانت شديدة التماس‪TT‬ك ‪ ,‬فكان الناس‬
‫يحرصون على النسب ‪ ,‬ويفضلون التزاوج بينهم ‪ ,‬وان كانت قد وص‪TT‬لت الينا اخب‪TT‬ار‬
‫عن حاالت زواج بين االنباط وبين بعض الغرباء كاليهود ‪ ,‬ولكن ذلك كان محص‪TT‬ورا‬
‫في الطبقة العليا ‪ ,‬وكانت دوافع ذلك الزواج سياسة في الغالب‪.‬‬
‫وقد اشارت المص‪T‬ادر الى ان مركز المرأة في االس‪T‬رة والمجتمع كان جيدا ‪ ,‬فكانت‬
‫المرأة تعامل ب ‪TT T‬احترام ‪ ,‬وكانت حقوقها مص ‪TT T‬ونة ‪ ,‬إذ كان لها الح ‪TT T‬ق في التملك‬
‫والتصرف بأموالها فضال عن حقها في الوراثة ‪ .‬وكان من مظاهر قوة مركز المرأة‬
‫في دول‪TT‬ة االنب‪TT‬اط ظهور ص‪TT‬ور الملكات الى جانب ص‪TT‬ور الملوك على العملة ومعها‬
‫لقبها‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫النشاط العمراني والفني‬ ‫‪-3‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪. 120 -119 ,‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.122-121,‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.123-122‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪227‬‬
‫إذا كان الط‪TT‬ابع العام لحياة االنب‪TT‬اط قد اتس‪TT‬م في بداياته بس‪TT‬مة الب‪TT‬داوة فإن اس‪TT‬تقرارهم‬
‫لقرون عدة ‪ ,‬واح ‪TT‬ترافهم التجارة والص ‪TT‬ناعة والزراعة ‪ ,‬واحتكاكهم ب ‪TT‬أقوام متقدمة‬
‫حض‪TT‬اريا بحكم موقع بالدهم كس‪TT‬كان وادي الرافدين ووادي النيل وبالد الشام ‪ ,‬فض‪TT‬ال‬
‫عن اتص‪TTT‬الهم باليونان والرومان والف ‪TT‬رس ‪ ,‬قد اتاح فرص ‪TT‬ة التط ‪TT‬ور والتحض‪TTT‬ر في‬
‫مجاالت الحياة كافة ‪ .‬وكان من الط ‪TT T‬بيعي ان يعبر االنب ‪TT T‬اط عن مظ ‪TT T‬اهر تقدمهم‬
‫الحضاري في المجال العمراني والف‪T‬ني فيقيموا المعاب‪T‬د والقص‪TT‬ور والمس‪T‬ارح والمدافن‬
‫الضخمة ‪ ,‬ويزينوا هذه المنشآت بالتماثيل والتحف الفنية التي تعبر عن ما وص‪T‬ل اليه‬
‫ذوقهم من تقدم ورفعة ‪.‬‬
‫وقد اشير الى ان (( الفن المعماري النبطي فريد في انتقائيته وقدرته على‬
‫االستمداد من فنون امم اخرى ‪ ,‬فأنت قد ترى فيه مالمح مصرية او بارثية او يونانية‬
‫او غير ذلك ‪ ,‬ولكنك تجده في صورته العامة ( نبطيا ) في طابعه ))‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وقد تجلى الفن المعماري النبطي في اجلى ص ‪TT‬ورة في المعاب ‪TT‬د والقب ‪TT‬ور المجوب ‪TT‬ة في‬
‫الص ‪TT‬خر اي المحف ‪TT‬ورة في ص ‪TT‬خور الجب ‪TT‬ال(( فكان الص ‪TT‬انع يب ‪TT‬دأ بنحتها في لح ‪TT‬ف(اي‬
‫س‪TT T‬فح) هض‪TT T‬بة او مرتف‪TT T‬ع ‪ ,‬فيجعل س‪TT T‬طحها املس ثم ينحت الواجهة ال‪TT T‬تي مدها من‬
‫االعلى الى االس‪TT‬فل ‪ ,‬يس‪TT‬اعده في ذل‪TT‬ك الص‪TT‬خر الط‪TT‬بيعي بما فيه من طواعيه نس‪TT‬بيه ‪,‬‬
‫وه‪TT T‬و بهذا العمل يتحاشى التعقيدات المعمارية الن لح‪TT T‬ف الجب‪TT T‬ل‪ -‬اي س‪TT T‬فحه ‪, -‬‬
‫اليحتاج الى دعم وال الى ارس‪TT T‬اء اس‪TT T‬س ‪ ....‬ثم يتم العمل حس‪TT T‬ب خط‪TT T‬ة مرس‪TT T‬ومة ‪,‬‬
‫فتفتح اماكن النوافذ في الطبقات العليا ويتم الحفر الثاني على عمق ضحل في الص‪TT‬خر‬
‫وتنحت االعمدة في الغ ‪TT‬الب عارية من الزخرفة في تيجاتها يس ‪TT‬تثنى من ذل ‪TT‬ك اعمدة‬
‫الخزانة ‪ .‬واحيانا تزود تيجان االعمدة ب‪TT T‬رؤوس بشرية ‪ ,‬ولكن بقاءه‪TT T‬ا دون اية‬
‫زخرفة هو الط‪T‬ابع العام ‪ ,‬كذلك فان الرموز المص‪TT‬احبه لهذه االحزمة تكاد ال تتغ‪T‬ير‬
‫فهي الص‪TT‬قر والجرة والقناع اآلدمي ‪ )) ....‬ويختلف الفن المعماري في المعاب‪TT‬د عنه‬
‫في القب‪TT‬ور من حيث ان المعاب‪TT‬د التنحت احيانا في الص‪TT‬خر ‪ ,‬ب‪TT‬ل تب‪TT‬نى في الحجارة ‪,‬‬
‫ويهتم النحات بالزخرفة وتجميل المعبد بالمنحوت البارزة‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.141 ,‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪228‬‬
‫فإذا انتقلنا من الفن المعماري ال ‪TT‬ديني الى الفن المدني وجدنا اب ‪TT‬رز معالم ه ‪TT‬ذا الفن‬
‫المس ‪TT‬رح ال ‪TT‬رئيس في ب ‪TT‬ترا ‪ ,‬وقد تمثلت فيه قدرة المعمار النبطي على اتقان النحت‬
‫وقدرته على البناء بالحجر ‪...‬‬
‫ويالح ‪TT‬ظ ان اب ‪TT‬رز مايميز الفن المعماري عند االنب ‪TT‬اط ه ‪TT‬و عنايته بالمنحوتات‬
‫الناتئه ‪ ,‬اي الب‪TT‬ارزة ‪ ,‬فض‪TT‬ال عن اهتمامهم ب‪TT‬تزيين اب‪TT‬نيتهم بالتماثيل الص‪TT‬غيرة ‪ ,‬ومنها‬
‫تماثيل حيوانات كالخيل والجمال وبقر الوح‪TT‬وش والقرود‪ ,‬كما وجدت ل‪TT‬ديهم بعض‬
‫التماثيل اآلدمية ‪.‬‬
‫ولم يهمل الفنان النبطي الرس‪TT T‬م على الجدران ‪ ,‬فقد عثر على رس‪TT T‬وم على اح‪TT T‬د‬
‫السقوف الداخلية ‪ ,‬الحد المعابد في منطقة البارد قرب بطرا فيه رسوم تشبه المناظر‬
‫التي ترسم على السجاد وهي حافلة بالكرمة واالزدهار والطيور واالشكال الخرافية ‪.‬‬
‫غ‪TT‬ير ان اهم ماتميز ب‪TT‬ه الفن النبطي خارج اط‪TT‬ار النحت وفن العمارة ه‪TT‬و ص‪TT‬ناعة‬
‫الخزف والرس ‪TT‬م على الخزف ‪ .‬ويتمييز الخزف النبطي (( برهافته الشديدة ورقته‬
‫ح ‪TT‬تى ليشبه في الرقة بقشرة البيض ‪TT‬ة ‪ ...‬واللون الغ ‪TT‬الب في ه ‪TT‬ذا النوع ه ‪TT‬و االحمر‬
‫القرميدي او المائل الى الس‪TT T‬مرة ‪ ,‬وينتظم الطاس‪TT T‬ات والكؤوس واالكواب والجرار‬
‫واالب‪TT T‬اريق الص‪TT T‬غيرة ‪ .‬والزخرفة على الطاس‪TT T‬ات تغطي الص‪TT T‬فحة الداخلية ‪ ,‬وكذلك‬
‫الح‪TT T T‬ال في بعض االكواب ‪ ,‬اما االص‪TT T T‬ناف االخرى فالزخرفة فيها على الوجه‬
‫الخارجي ‪))...‬‬
‫ولم يقف الفن النبطي عنده هذه الحدود بل تعداها الى االهتمام بالص‪TT‬ناعات المعدنية‬
‫وعلى االخص ص‪TT T‬ناعة الحلي كالخالخيل واالط ‪TT‬واق واالس ‪TT‬اور والعقود واالقراط ‪.‬‬
‫غ‪TT‬ير ان تميز االنب‪TT‬اط في ه‪TT‬ذا المجال لم يكن كب‪TT‬يرا ‪ .‬كما اعتنى االنب‪TT‬اط بس‪TT‬ك العملة‬
‫والتفنن في وضع الرسوم والنقوش عليها ‪ .‬وعلى ال‪T‬رغم من تاثر الفنان النبطي ب‪T‬الفن‬
‫الهلنس ‪TT‬تي في ه ‪TT‬ذا المجال فإن الط ‪TT‬ابع العام ال ‪TT‬ذي طب ‪TT‬ع االشكال والرس ‪TT‬وم على ه ‪TT‬ذه‬
‫العملة كان طابعا مشرقيا ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫الحياة الدينية والثقافية‬ ‫‪-4‬‬

‫المرجع نفسه ‪,‬ص ‪.149 ,-141‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪229‬‬
‫ان ما وص‪TT‬ل عن االنب‪TT‬اط يشير الى انهم كانون يعب‪TT‬دون االص‪TT‬نام ويقدس‪TT‬ونها شانهم‬
‫في ذلك شأن غالب عرب الشمال ‪ .‬وكانت االصنام التي عبدها االنباط بص‪TT‬ورة عامة‬
‫هي االصنام نفسها التي كان يعبدها اهل مكة وغيرهم من مشركي العرب عند ظهور‬
‫االس‪TT‬الم ‪ ,‬كذي شرى والالت ومناة والعزى ‪ ...‬فهل اخذ عرب الحجاز عب‪TT‬ادة ه‪TT‬ذه‬
‫االص‪TT‬نام عن االنب‪TT‬اط كما يذكر ابن الكلبي ام انها كانت اص‪TT‬نام قديمة عند العرب ‪.‬‬
‫وان االنب‪TT‬اط قد عب‪TT‬دوها جريا على تقاليدهم القديمة بص‪TT‬فتهم من اقوام شبه الجزيرة‬
‫العربية ؟ ‪ ...‬تلك مس‪TT‬ألة لم تحس‪TT‬م بعد لعدم توافر االدل‪TT‬ة الكافية بشأنها ‪ ..)1(.‬ولكن‬
‫المهم مالحظ‪TT‬ة عناص‪TT‬ر التشابه في العب‪TT‬ادة بين عرب الحجاز واالنب‪TT‬اط مما يشير الى‬
‫وحدة الثقافة الناشئة عن وحدة االصل وتبادل التأثر والتأثير بينهما ‪.‬‬
‫إن اشهر اآللهة ال ‪TT‬تي كان االنب ‪TT‬اط يعب ‪TT‬دونها (( ذوي شرى )) بص ‪TT‬فته كب ‪TT‬ير اآللهة‬
‫وربما عده االنباط إله الس‪TT‬ماء ‪ ,‬فكان في ه‪TT‬ذه الص‪TT‬فة شبيها ببعل ‪ ,‬وبعل شمين (رب‬
‫الس ‪TT‬موات ) عند بقية الس ‪TT‬اميين ‪ .‬وقد اس ‪TT‬ماه االنب ‪TT‬اط بهذا االس ‪TT‬م نس ‪TT‬بة الى منطقة‬
‫الشراة الواقعة قرب بطرا فقالوا ذو شرى اي صاحب منطقة الشراة وحاميها ‪ )2(.‬وقد‬
‫اشير الى ان ه ‪TT‬ذا االل ‪TT‬ه اكتس ‪TT‬ب بعض ص ‪TT‬فات اآللهة اليونانية في نظ ‪TT‬ر االنب ‪TT‬اط بعد‬
‫تأثرهم بهم ((فاكتسب صفات ديونيسوس وباخوس إلهي الخمر ))(‪. )3‬‬
‫وقد اشار المؤلف‪T‬ون اليونان الى ان االنب‪T‬اط اتخذوا في عاص‪T‬متهم بط‪T‬را رمزا لعب‪T‬ادة‬
‫دي الشرى يتمثل في حجر اسود ذو ارب‪T‬ع زوايا يبلغ ارتفاعها اربعة اقدام وعرض‪T‬ها‬
‫قدمين تصب عليه او امامه دماء القرابين (‪.)4‬‬
‫وقد عبد االنباط ايضا ((الالت )) بصفتها الهة الشمس وام اإلله ذو شرى وقد تحدث‬
‫ابيفانيوس ( في القرن الرابع للميالد) عن عيد سنوي يقيمه االنب‪TT‬اط في ب‪TT‬ترا ألم ال‪TT‬رب‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪ ,128‬جواد علي ‪ ,‬اديان العرب قبل االسالم في دراسات تاريخ الجزيرة‬ ‫‪)(1‬‬

‫العربية ‪ ,‬الكتاب الثاني ‪,‬ص‪.109‬‬


‫احسان عباس ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪ .129‬عبد العزيز سالم ‪ ,‬تاريخ العرب قبل االسالم ‪,‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫ص‪.97‬‬
‫فيليب حتي ‪ ,‬تاريخ العرب ( مطول) ‪,‬ص‪.96‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫‪Noldek. The Arabs Aneient Eney , of Relijon and Ethies , Vol. I .‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫‪.p. 663‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪230‬‬
‫‪ .‬وقد تمثلت عند النبط ‪TT T‬يين بشكل ص ‪TT T‬خرة بيض ‪TT T‬اء‬ ‫(‪)1‬‬
‫النبطي االكبر ذي الشرى‬
‫(‪)2‬‬
‫مربعة ‪.‬‬
‫وكان االنب ‪TT‬اط يعب ‪TT‬دون ((العزى )) بص ‪TT‬فتها نجمة الص ‪TT‬باح او فينوس ‪ ,‬كما عب ‪TT‬دوا‬
‫((مناة ))بصفتها إلهة القدر والموت ‪ ,‬إال ان مكانة ه‪T‬ذين المعب‪T‬ودين كانت دون مكانة‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)3‬‬
‫ذو الشرى والالت عندهم بكثير‬
‫وقد اتص‪TT T‬لت بعب‪TT T‬ادة االص‪TT T‬نام عند االنب‪TT T‬اط بعض الطقوس الدينية كتقديم النذور‬
‫والقرابين لها ‪ ,‬وكانت القرابين تتكون بشكل اس‪TT‬اس من الحيوانات ال‪TT‬تي يض‪TT‬حى بها‬
‫امام االنصاب ‪ ,‬إال انه كان يقدم لها ايضا بعض الثمار والحبوب وغيرها ‪.‬‬
‫وقد كان االنباط يقيمون والئم مقدسة ألكل لح‪TT‬وم االض‪TT‬احي حيث يشارك في اكلها‬
‫موظفوا المعبد والعباد في غرف خاصة ‪ .‬وكانت الوجبة التعبدية تعني المشاركة بين‬
‫اإلله وعابديه في المؤاكلة ‪.‬‬
‫وقد تطلب تنظيم العبادة في المعابد ‪ ,‬وتقديم النذور ‪ ,‬وجود فئة تخصص‪TT‬ة من الكهنة‬
‫لهذا الغ‪TT‬رض ‪ .‬وقد اشارت النقوش النبطية الى وجود شخص يدعى (االفكل) وه‪TT‬و‬
‫(‪)4‬‬
‫الساده الحكيم‪.‬‬
‫ويالح ‪TT‬ظ ان اوس ‪TT‬ع واوثق ما وص ‪TT‬ل الينا عن حياة االنب ‪TT‬اط الثقافية ه ‪TT‬و مايتص ‪TT‬ل‬
‫ب ‪TT‬الفنون وال ‪TT‬دين والخط او الكتاب ‪TT‬ة ويرجع الفض ‪TT‬ل في ذل ‪TT‬ك الى الكشوفات ال ‪TT‬تي تمت‬
‫ح‪TT T‬ديثا من خالل الحفريات والتنقيب عن االثار القديمة ‪ .‬اما ماعدا ذل‪TT T‬ك من شعر‬
‫وقصص وحكايات واخبار تاريخية فإنه لم يصل الينا عنها شيء من مص‪TT‬ادر نبطية ‪.‬‬
‫اما المص ‪TT‬ادر غ ‪TT‬ير النبطية كالمص ‪TT‬ادر اليونانية والرومانية واليهودية ‪ ,‬فقد ذكرت‬
‫بعض أخبار االنباط في إطار حديثها عن عالقات هؤالء االقوام معهم ‪ .‬وقد دفع ه‪T‬ذا‬
‫الواقع بعض الباحثين الى محاولة افتراض وجود عناصر ثقافية عديدة لدى االنب‪TT‬اط لم‬
‫تصل الينا ‪ ,‬إذ (( ليس من السهل ان نتصور امة لم تخلف لنفسها تاريخيا مدونا على‬

‫احسان عباس ‪ ,‬المرجع السابق ‪,‬ص‪.128‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫العلي ‪ ,‬المرجع السابق ‪,‬ص‪.184‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪ ,184‬احسان عباس ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.129‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫احسان عباس ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.139-130‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪231‬‬
‫نح‪TT T‬و اخب‪TT T‬اري او س‪TT T‬ردي او تحليلي ‪ ,‬او ان اليكون لها رواة او قص‪TT T‬اص يتناقلون‬
‫تأريخها في شكله ال‪TTT‬واقعي او االس‪TTT‬طوري ‪ ,‬ويتزيدون فيه او ينقص ‪TT‬ون منه كيفما‬
‫شاءوا ‪ ,‬وحين تكون ه‪TT‬ذه االمة ذات حض‪TT‬ارة متميزة فإن االمر يص‪TT‬بح أغ‪T‬رب ‪ :‬امة‬
‫كان لديها رسامون ونحاتون ومغنون ومغنيات ‪ :‬ترى بماذا كانوا يتغنون وبأية لغ‪TT‬ة ؟‬
‫وأين ذهب الشعر ال‪TT‬ذي كانوا يغنونه ‪ ,‬وهب المؤرخ لم يوجد الس‪TT‬باب تتعلق بمدى‬
‫شيوع الكتاب‪TT‬ة في الشؤون الحض‪TT‬ارية فإين الشاعر ال‪TT‬ذي يمجد بط‪TT‬والت أمته وينظم‬
‫المالحم والقصائد في أربابها وملوكها ))‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫االوضاع الحضارية في دولة الحضر‬


‫ان النص‪TTT‬وص ال‪TTT‬تي وص‪TTT‬لت الينا عن الحياة االقتص ‪TT‬ادية واالجتماعية والثقافية في‬
‫الحضر محدودة جدا وهي بمجملها التس‪T‬اعدنا على تكوين ص‪T‬ورة واض‪T‬حة عنها ‪ .‬ل‪T‬ذا‬
‫فانه المناص امامنا من ان نعرض صورة مجملة ريثما تكشف الحفريات المزيد من‬
‫النقوش واآلثار عن جوانب الحياة المتنوعة في الحضر ‪.‬‬
‫ويتضح من مشاهدة اسوار ومعابد وتماثيل الحضر ان هذه المدينة كانت قد بلغت‬
‫درجة عالية من التقدم االقتص‪TT‬ادي واالجتماعي والثقافي النه ليس من المتص‪TT‬ور ان‬
‫يتحقق ه‪T‬ذا التقدم العمراني والف‪T‬ني دون ان تقف وراءه امكانات اقتص‪T‬ادية وحض‪T‬ارية‬
‫كبيرة ‪.‬‬
‫الحياة االقتصادية‬ ‫‪-1‬‬
‫لم تكن الموارد الزراعية او ال‪TT T‬ثروة الحيوانية هي العامل االس‪TT T‬اس في الحياة‬
‫االقتصادية الهل الحضر‪ ,‬وذلك الن الحض‪T‬ر تقع في ب‪T‬وادي تقل فيها المياه ‪ .‬ومن‬
‫ثم لم تس‪TT‬اعد ال‪TT‬واردات الزراعية والحيوانية في رفد الحياة االقتص‪TT‬ادية للحض‪TT‬ر اال‬
‫في مرحلة متأخرة حينما توس‪TT‬عت دول‪TT‬ة الحض‪TT‬ر وامتد س‪TT‬لطانها الى شمال الجزيرة‬
‫(‪)2‬‬
‫ليشمل مناطق زراعية خصبة مثل سنجار وتلعفر وغيرها ‪.‬‬
‫ويستدل من كثير من المعابد في مدينة الحضر على ان هذه المدينة كانت مركزا‬
‫دينيا مقدس‪TT‬ا للعب‪TT‬ادة عند عرب الجزيرة وقد اتاح ه‪TT‬ذا الواقع اله‪TT‬ل الحض‪TT‬ر موردا‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.9‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫فؤاد سفر ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص ‪.42‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪232‬‬
‫اقتصاديا جيدا بسبب ما ينفقه زوار المدينة فيها من اموال وما يقدمونه للمعاب‪T‬د من‬
‫نذور وه‪TT T‬دايا ‪ .‬كما ان ادارة ه‪TT T‬ذه المعاب‪TT T‬د وتنظيم طقوس العب‪TT T‬ادة فيها قد اوجد‬
‫(‪)1‬‬
‫وظائف وفرص عمل متنوعة الهل الحضر في هذا المجال ‪.‬‬
‫ان العامل االس ‪TT T‬اس ال ‪TT T‬ذي قام عليه اقتص ‪TT T‬اد مدينة الحض ‪TT T‬ر وأدى الى تقدمها‬
‫وازدهارها هو وقوعها على طريق التجارة الدولية بين الشرق والغ‪T‬رب ‪ ,‬وانشغال‬
‫اهلها في تجارة القوافل س‪TT‬واء اكان ذل‪TT‬ك عن طريق تقديم الخدمات للقوافل المارة‬
‫في المدينة ‪ ,‬او توفير االدالء والحماية لها او المس ‪TT T‬اهمة فيها وتب ‪TT T‬ادل الس ‪TT T‬لع‬
‫(‪)2‬‬
‫والبضائع مع اصحابها‪.‬‬
‫وعلى ال‪TT‬رغم من انه لم تص‪TT‬ل الينا معلومات مفص‪TT‬لة عن حياة التجار في الحض‪TT‬ر‬
‫فانه ثمة اشارات عدة تدل على انهم كانوا يتمتعون بمنزل ‪TT‬ة رفيعة في المجتمع‬
‫الحضري ‪ .‬اذ عثر على تماثيل لتجار واص‪TT‬حاب قوافل في معاب‪T‬د الحض‪TT‬ر ‪ ,‬وكان‬
‫التاجر يظهر في التمثال وبيده اليس ‪TT T‬رى كيس ال ‪TT T‬دراهم ويده اليمنى مرفوعة‬
‫للتحية ‪ )3(.‬اما ص ‪TT‬احب القافلة فكان يظهر بمالبس الفرس ‪TT‬ان وبيده اليس ‪TT‬رى كيس‬
‫(‪)4‬‬
‫دراهم ملفوف ‪ .‬وعلى جنبه االيمن خنجر ‪.‬‬
‫ومن اجل تلبية حاجات الناس المتنوعة ‪ ,‬فقد نشأت في الحض ‪TT‬ر ح ‪TT‬رف كثيرة‬
‫ويس‪TT T‬تدل من التماثيل ال‪TT T‬تي عثر عليها وجود ح‪TT T‬رف الهندس‪TT T‬ة والبناء والنحت ‪.‬‬
‫والح‪TT‬دادة والتجارة والص‪TT‬يدلة والطب وغيره‪TT‬ا ‪ .‬وانه كان الص‪TT‬حاب ه‪TT‬ذه الح‪TT‬روف‬
‫اهمية ومكانة في المدينة ب‪TT T‬دليل اشارة النقوش الموجودة في المعاب‪TT T‬د الي بعض‬
‫اصحاب هذه الحرف باسمائهم ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫وقد نشأت في المدينة بعض الوظ‪TTT‬ائف واالعمال ذات الص ‪TT‬لة المباشرة بالدول‪TTT‬ة‬
‫وادارتها ‪ .‬وهي تتفاوت في اهميتها وسموها من وظيفة الملك والس‪TT‬يد وال‪TT‬زعيم الى‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.47 -46‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.20-19‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص ‪.258‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص ‪.91 -90‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.415 -405‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪233‬‬
‫رئيس الكهنة والكهنة والكتاب وقادة الجيش والفرس‪TT T‬ان ورؤس‪TT T‬ائهم وحامل العلم‬
‫والمح‪TT‬اربين وغ‪TT‬يرهم ‪ .‬وقد وص‪TT‬ل الينا كثير من تماثيل ه‪TT‬ؤالء وهي منص‪TT‬وبة في‬
‫(‪)1‬‬
‫المعابد مما يؤكد اهميتها واهمية اصحابها في ادارة دولة الحضر ‪.‬‬
‫وكان منصب السيد او الملك في الحضر ذات طبيعة وراثية ‪ ,‬كانت س‪T‬لطاته في‬
‫الحكم واس‪TT‬عة إال انها لم تكن س‪TT‬لطات مطلقة ‪ ,‬الن الس‪TT‬لطة في الحض‪TT‬ر في مراح‪TT‬ل‬
‫تكوينها االولى كانت موزعة بين الزعيم او السيد وبين سدنه المعب‪TT‬د ( رجال ال‪TT‬دين‬
‫) وفي المرحلة الالحقة اص‪TT‬بحت الس‪TT‬لطة مشتركة بين الملك وبين اص‪TT‬حاب النف‪TT‬وذ‬
‫في المدينة من قادة الجيش وارب ‪TT‬اب القوافل التجارية وغ ‪TT‬يرهم وكانت القرارات‬
‫المهمة تتخذ في مجلس للتشاور يعقد في مدرج داخل المعب ‪TT‬د الكب ‪TT‬ير ‪ .‬ولم يكن‬
‫(( التنس‪TT T‬يب لمنص‪TT T‬ب او العمل مقب‪TT T‬وال اال باغلبية آراء اعض‪TT T‬اء المجلس واحيانا‬
‫ب ‪TT‬آراء اه ‪TT‬ل المدينة جميعهم كما تدل على ذل ‪TT‬ك إح ‪TT‬دى الكتاب ‪TT‬ات الخاص ‪TT‬ة بانتخاب‬
‫شمثبرك س‪TT T‬ادنا ‪ ,‬حيث اشترك في ذل‪TT T‬ك كافة س‪TT T‬كان المدينة شيبا وشبانا س‪TT T‬واء‬
‫المقيمين دائميا فيها او المارين بها وكذلك االعراب المتجولون حولها ))‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ولم تصل الينا نصوص كافيه لتساعدنا على التعرف الى النظام القانوني ال‪TT‬ذي كان‬
‫س‪TTT‬ائدا في الحض‪TTT‬ر ‪ ,‬اإل ان ما وص‪TTT‬ل الينا من نص ‪TT‬وص قليلة يشير الى ان ه‪TTT‬ذه‬
‫القوانين كانت تتخذ باغلبية اراء اه‪T‬ل المدينة ‪ ,‬وانها كانت قوانين تس‪T‬تهدف حماية‬
‫الملكية ومعاقبة السراق بصراحة شديدة تصل الى حد القتل او الرجم والجلد‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫‪ -2‬الحياة االجتماعية‬
‫اما الحياة االجتماعية في الحض‪TT‬ر فكانت متاثرة الى ح‪T‬د كب‪T‬ير بطبيعة تكوين المجتمع‬
‫الحضري والظروف االقتصادية والسياسية والثقافية التي كان يعيش في ظلها إذ من‬
‫المعروف ان الحضر قد نشأت في بادية الجزيرة ‪ ,‬وهي منطقة تسكنها قبائل عربية‬
‫‪ ,‬لذا فإن التركيب االجتماعي فيها يقوم على القبيلة والعشيرة والعائلة ‪ ,‬وقد وردت‬
‫في الكتاب ‪TT‬ات المكتشفة في الحض ‪TT‬ر إشارة الى قبائل عربية مثل ب ‪TT‬ني تيماء وب ‪TT‬ني‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.93-74 ,‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.27‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫الشمس ‪ ,‬الحضر العاصمة العربية ‪ ,‬ص‪.74‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪234‬‬
‫عص‪TT‬يليا وب‪TT‬ني رفشمش وب‪TT‬ني اقلة ‪ .‬كما اشير الى بعض البيوتات مثل بيت عقوب‪TT‬ا‬
‫(‪)1‬‬
‫وبيت رفشا ‪.‬‬
‫ويظهر من دراسة االسماء المنقوشة على تماثيل الحضر مدى عناية اهل الحض‪TT‬ر‬
‫بانسابهم ‪ ,‬فكان الشخص اليكتفي بذكر اسمه ابيه (( وإ نما يذكر فيها اس‪TT‬م جده ايض‪TT‬ا‬
‫‪ ,‬واس‪TT‬م وال‪TT‬د جده احيانا ‪ ,‬وقد عثر على كتاب‪TT‬ه ورد فيها اس‪TT‬م س‪TT‬ته اجداد))(‪ . )2‬وقد‬
‫الحظ بعض الب‪T‬احثين ان عناية الحض‪T‬ريين بحف‪T‬ظ انس‪T‬ابهم دليل على عروبتهم ‪ ,‬الن‬
‫(‪)3‬‬
‫من المعروف عن العرب انهم يعتنون بالنسب اكثر من عناية غيرهم به‪.‬‬
‫وعلى ال‪TT T‬رغم من ان غ‪TT T‬الب س‪TT T‬كان الحض‪TT T‬ر كانوا من العرب ح‪TT T‬تى ان ملوكهم‬
‫وضعوا امام اس‪T‬مائهم في النقوش ال‪T‬تي عثر عليها في الحض‪T‬ر ص‪T‬فة ملك العرب او‬
‫فإن ذل ‪TT‬ك اليعني ان جميع س ‪TT‬كان‬ ‫(‪)4‬‬
‫ملك العرب المظف ‪TT‬ر ‪ .‬او ملك البالد العربية‪.‬‬
‫الحض‪TT‬ر كانوا عرب‪TT‬ا ‪ ,‬فقد وجد في الحض‪TT‬ر الى الجانب العرب اقوام من اآلراميين‬
‫وهم من ابناء شبه الجزيرة العربية ايض‪TT‬ا ‪ ,‬فض‪TT‬ال عن بعض الجاليات من اليونان‬
‫والرومان والف ‪TT T‬رس ‪ ,‬وذل ‪TT T‬ك الن الحض ‪TT T‬ر كانت مدينة تجارية تقع على تخوم‬
‫االمبراطورية الرومانية واالمبراطورية الفرثية ‪ ,‬فكان من الط‪TT‬بيعي ان تعيش فيها‬
‫جاليات اجنبية متعددة ‪ (( ,‬غير ان هذه الجاليات كانت مح‪T‬دودة العدد‪ ,‬والكثير منها‬
‫(‪)5‬‬
‫لم تكن تقيم فيها دائما ‪ ,‬كما انها خضعت للنفوذ الثقافي السائد في الحضر ))‪.‬‬
‫ولم تزودنا النقوش االثرية بمعلومات مح‪TT‬ددة عن طبيعة العالقات االجتماعية في‬
‫الحض‪TT T‬ر‪ ,‬ل‪TT T‬ذا فان للب‪TT T‬احث ان يف‪TT T‬ترض اس‪TT T‬تنادا الى روح العص‪TT T‬ر وطبيعة مجتمع‬
‫الحضر ان الناس كانوا منقس‪T‬مين الى اح‪T‬رار ورقيق ‪ ,‬وان االح‪T‬رار كانوا ينقس‪T‬مون‬
‫الى نبالء من اص ‪TT‬حاب ال ‪TT‬ثروة او الس ‪TT‬لطان السياس ‪TT‬ي او ال ‪TT‬ديني وعامة من اص ‪TT‬حاب‬
‫الح‪TT‬رف والجنود واالعراب وغ‪TT‬يرهم ‪ .‬كما كانت الكلمة العليا في الحض‪TT‬ر للرجال‬

‫فؤاد سفر ‪ ,‬المرجع السابق‪ ,‬ص‪.20‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫جواد علي ‪ ,‬المفصل في تاريخ العرب ‪,‬ج‪ ,2‬ص‪.611‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ج‪,2‬ص‪.612‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫فؤاد سفر ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.416 -412‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.20‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪235‬‬
‫دون النساء لذا كانت المناصب العليا محصورة بأيدي الرجال ‪ ,‬غير ان ذلك اليعني‬
‫تدني مركز المرأة في المجتمع ‪ ,‬اذ يس ‪TT‬تنتج من مشاهدة تماثيل النس ‪TT‬اء ال ‪TT‬تي عثر‬
‫عليها في الحض‪TT‬ر ان المرأة كانت تحظى بمكانة جيدة ب‪TT‬دليل اقامة تماثيل لكثيرمن‬
‫النساء وهن يرتدن أفخر الثياب ويتزين بحلي ثمينة ومتنوعة ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪ -3‬الحياة الثقافية‬
‫اما الحياة الثقافية في الحض‪TT‬ر فإن اآلثار المكتشفة فيها تدل على انها كانت على‬
‫قدر كب‪T‬ير من التط‪T‬ور وبخاص‪T‬ة في مجال العمارة والفنون وال‪T‬دين ‪ .‬ومن المؤس‪T‬ف‬
‫انه لم تص‪TT‬ل الينا نقوش وكتاب‪TT‬ات تس‪TT‬اعدنا على التعرف الى الحياة الفكرية واالدبية‬
‫في الحضر ‪ ,‬اذ انه على الرغم من معرفتنا باالصول العربية أله‪TT‬ل الحض‪TT‬ر اال اننا‬
‫النعلم ح‪T‬تى اآلن اي اللهجات العربية كانوا يتكلمون بها ‪ ,‬وه‪T‬ل كان ل‪T‬ديهم شعر او‬
‫نثر ادبي او غير ذلك من االمور ‪.‬‬
‫ان النقوش التي عثر عليها في الحض‪T‬ر تدل على ان الخط ال‪T‬ذي كان يكتب ب‪T‬ه اه‪T‬ل‬
‫الحض‪TT‬ر ه‪TT‬و الخط اآلرامي ‪ ,‬وان اللغ‪TT‬ة ال‪TT‬تي كتب‪TT‬وا بها نقوشهم هي اللغ‪TT‬ة اآلرامية ‪,‬‬
‫وذلك النه في تلك االزمنة كانت هذه اللغة هي اللغة السائدة في المنطقة في التدوين‬
‫والمراس ‪TT‬لة لس ‪TT‬هولة حروفها الهجائية ‪ ،‬والن االداب اآلرامية كانت قد س ‪TT‬مت بين‬
‫ل‪TT‬ذا فإن من المف‪TT‬ترض ان النتاج الفكري واالدبي اله‪TT‬ل‬ ‫(‪)2‬‬
‫اآلداب المعاص‪TT‬رة لها ‪.‬‬
‫الحض ‪TT‬ر كان قد كتب باآلرامية واص ‪TT‬بح جزءا من تراثها مما يتطلب البحث عن‬
‫اصوله ضمن ال‪T‬تراث اآلرامي ‪ .‬ومن يدري فربما تكشف الحفريات في الحض‪T‬ر او‬
‫في مناطق اخرى جانبا من التراث الفكري واالدبي الهل الحضر ‪.‬‬
‫ويالح ‪TT‬ظ انه في ال ‪TT‬وقت ال ‪TT‬ذي ض ‪TT‬نت علينا المكتشفات االثرية في الحض ‪TT‬ر بما‬
‫يس‪TT‬اعدنا على دراس‪TT‬ة الحياة الفكرية واالدبية فيها ‪ ,‬فإنها كانت كريمة فيما يتص‪TT‬ل‬
‫باآلثار التي تساعد على دراسة الحياة الدينية والعمرانية فيها ‪.‬‬
‫‪ -4‬الحياة الدينية‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪ .58‬ص‪,70‬ص‪.116-111‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪20‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪236‬‬
‫ان مشاهدة اثار الحض‪TT‬ر ‪ ,‬وما فيها من معاب‪TT‬د فخمة واس‪TT‬عة وتماثيل كثيرة تجس‪TT‬د‬
‫افكارهم عن االلهة التي توجهوا نحوها بالعبادة ‪ ,‬لتؤكد ان الديانة كانت تحتل الموقع‬
‫االساس في ثقافة اهل الحضر وحياتهم ‪.‬‬
‫وقد اشير الى ان عبادة اهل الحض‪TT‬ر قد جاءت نتاجا للموروث الحض‪TT‬اري العربي‬
‫القديم ‪ ,‬وال ‪TT T‬تراث االشوري الب ‪TT T‬ابلي في مجال ال ‪TT T‬دين فض ‪TT T‬ال عن بعض المؤثرات‬
‫االغريقية الرومانية ال‪TT T‬تي جاءت الى المنطقة مع فتوح‪TT T‬ات االس‪TT T‬كندر المقدوني ‪,‬‬
‫والمؤثرات الفارسية القديمة ‪ .‬غير ان ذلك لم يفقد ديانة اه‪T‬ل الحض‪TT‬ر تميزه‪T‬ا عن كل‬
‫من ال‪TT T‬ديانات الس‪TT T‬ابقة وذل‪TT T‬ك النها نتاج تأريخي لسلس‪TT T‬ة غ‪TT T‬ير منظ‪TT T‬ورة من عمليات‬
‫(( انتقاء وتنس ‪TT‬يق وتمثيل ‪ .‬وقد اشترك بتلك العمليات كل من االراميين واالنب ‪TT‬اط‬
‫(‪)1‬‬
‫والعرب ‪ ,‬بعقلية واحدة منشؤها الجزيرة العربية ))‪.‬‬
‫وقد خص الحض‪TT‬ريون بعب‪TT‬ادتهم الهة عدة ‪ ,‬كان اكبره‪TT‬ا وس‪TT‬يدها إل‪TT‬ه الشمس ‪ ,‬وقد‬
‫شيدوا ل‪TT‬ه اكبر معاب‪TT‬دهم ‪ ,‬وعدوا مدينتهم ملكا ل‪TT‬ه ‪ ,‬ل‪TT‬ذا ض‪TT‬ربوا على نقودهم عب‪TT‬ارة‬
‫(( الحض‪TT‬ر مدينة الشمس )) ‪ .‬ويالح‪TT‬ظ ان الشمس كانت من اشهر المعب‪TT‬ودات عند‬
‫االقوام العربية القديمة ‪ .‬وقد جاء في احد تراتيل الب‪TT‬ابليين ما يعبر عن مكانة الشمس‬
‫في معتقداتهم حيث كانوا يخاطبون ال‪TT‬ه الشمس بقولهم ‪ (( :‬ياشمس انت ملك الس‪TT‬ماء‬
‫واالرض ‪ .‬وس‪TT T‬يد الكائنات العليا والس‪TT T‬فلى ‪ ,‬يا شمس رهن يديك بعث الحياة في‬
‫الموتى ‪ ,‬واطالق س‪TT‬راح االس‪TT‬رى ‪ ,‬انت القاض‪TT‬ي المس‪TT‬تقيم ال‪TT‬ذي يدير شؤون البشرية‬
‫الس ‪TT‬ليل االمجد االبن االعظم واالنب ‪TT‬ل ه ‪TT‬و االرض ‪ ,‬ص ‪TT‬انع كل مافي الس ‪TT‬ماء ومافي‬
‫(‪)2‬‬
‫االرض ))‪.‬‬
‫ويب‪T‬دو ان عقيدة اه‪T‬ل الحض‪T‬ر في ال‪T‬ه الشمس كانت شبيهة بعقيدة الب‪T‬ابليين ‪ .‬ل‪T‬ذا فقد‬
‫اص‪TT‬بح معب‪TT‬د شمس مركزا للنشاط ال‪TT‬ديني واالجتماعي ليس للحض‪TT‬ريين وح‪TT‬دهم ‪ ,‬ب‪TT‬ل‬
‫لجميع س ‪TT‬كان الجزيرة الفراتية ‪ ,‬يحج اليه الناس من مس ‪TT‬افات بعيدة ويقدمون فيه‬
‫ندورهم ‪ ,‬ويدفنون بجواره موتاهم ‪ .‬وفي ص‪TT‬حنه الواس‪TT‬ع كانت تعقد االجتماعات ‪,‬‬
‫وتقام ال‪TT T T‬والئم واالحتف‪TT T T‬االت واالعياد ‪ .‬وتوجد في المعب‪TT T T‬د اماكن معينة لجمع‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.41‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.41‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪237‬‬
‫التبرعات ‪ ,‬وتوزيع الصدقات واماكن اخرى الطعام الزوار واروائهم وتوفير س‪TT‬كناهم‬
‫‪.‬‬
‫وقد تص‪T‬ور الحض‪T‬ريون ال‪T‬ه الشمس بهيئة رجل كهل مقطب الجبين ح‪T‬ول راس‪T‬ه هال‪T‬ة‬
‫مشعة وفوق جبينه ط‪TT‬وق وقرنان ‪ ,‬ويخرج جس‪TT‬مه من وراء الجب‪TT‬ال والغيوم ‪ ,‬وقد‬
‫اطلقوا عليه وصف (( مرن )) اي سيدنا ‪.‬‬
‫كما اعتقد الحض‪T‬ريون انه كان إلل‪T‬ه الشمس س‪T‬يدة اي زوجة اطلقوا عليها وص‪T‬ف‬
‫(( مرتن)) اي س‪T‬يدتنا ‪ .‬وقد تص‪TT‬ورها الحض‪TT‬ريون بهيئى‪T‬ة امرأة فوق رأس‪T‬ها هالل‬
‫او جسمها خارج من هالل ‪ ,‬مما يحمل على الظن ان مرتن قد تكون القمر‪.‬‬
‫وقد ذهب الحض‪TT‬ريون الى االعتقاد بانه كان لهذين ال‪TT‬زوجين ( إل‪TT‬ه الشمس وإ لهة‬
‫القمر) ول‪TT‬د اطلقوا عليه اس‪TT‬م ( برمرين) اي ابن س‪TT‬يدينا ‪ .‬وقد ص‪TT‬وروه على هيئة‬
‫شاب قوي‬
‫حول رأسه هالة ووراءه هالل ويخرج جسمه من هالل ثان ‪ ,‬وقد تعني ه‪TT‬ذه االشعة‬
‫لهالالن ان برمرين ه‪TT‬و ابن الشمس والقمر وانه يجمع بين ص‪TT‬فاتيهما ‪ ,‬إذ ه‪TT‬و إل‪TT‬ه‬
‫حاضر في النهار والليل‪.‬‬
‫وهكذا نالحظ ان عقيدة الحضريين قد قامت على عقيدة التثليث فعب‪TT‬دوا االب واالم‬
‫واالبن ‪ ,‬وهذه الصورة من العبادة قد عرفت عند العراقيين القدماء ‪ ,‬باشكال مختلف‪T‬ة‬
‫نح‪TT‬و عب‪TT‬ادتهم للشمس (شمس) والقمر (س‪TT‬ن) وكوكب الزه‪TT‬رة (عشتار) ‪ .‬وقد اشير‬
‫الى ان التثليث ه‪T‬و غ‪T‬ير الثالوث وذل‪T‬ك الن التثليث يقوم على عب‪T‬ادة ثالثة الهة بينما‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫الثالوث يقوم على عبادة ثالثة الهة مندمجين في إله واحد‬
‫وقد عد الحض‪TT T T‬ريون فض‪TT T T‬ال عن االلهة الثالثة المتقدمة الهة اخرى مثل‬
‫(بعلتس‪TTT‬مين ) اي س‪TTT‬يد الس‪TTT‬ماوات و( اترعتا) ال ‪TT‬تي يعتقد انها قرينة بعلثس‪TTT‬مين ‪,‬‬
‫و( نرجول) الذي اقتبسوا عبادته من االشوريين ( ترجال) ‪ ,‬وقد صوره الحضريون‬
‫في منحوتاهم (( بالشكل ال‪T‬ذي كان يص‪T‬ور فيه هرقل عند اليونان اي عاري الجس‪T‬م‬
‫بيده ه‪TT T‬راوة وعلى س‪TT T‬اعده جلد االس‪TT T‬د ال‪TT T‬ذي تمكن هرقل من قتله )) ‪ .‬وقد عب‪TT T‬د‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪ ,41‬ويراجع ايضا الشمس ‪ ,‬الحضر العاصمة العربية ‪,‬ص‪.100-96‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪238‬‬
‫الحض‪TT T‬ريون نرجول العتقادهم بأنه كان يقوم بحماية اس‪TT T‬وار مدينتهم وحراس‪TT T‬ة‬
‫مدافنها‪.‬‬
‫وهنالك الهة اخرى عدها الحضريون كان من ابرزها (( الالت )) وقد وجدت لها‬
‫تماثيل في الحض‪TT‬ر على هيئة االلهة ( اثينا) عند اليونان ب‪TT‬بزة عس‪TT‬كرية ‪ .‬كما كان‬
‫من معب‪TT‬ودات اه‪TT‬ل الحض‪TT‬ر مجموعة مكونة من س‪TT‬بعة الهة تمثل الكواكب الخمس‪TT‬ة‬
‫المعروفة ل‪TT‬ديهم مض‪TT‬افا اليها الشمس والقمر وقد كان لكل من الهة ه‪TT‬ذه المجموعة‬
‫يوم من ايام االسبوع الخاص به ‪.‬‬
‫وشيد اه ‪TT‬ل الحض ‪TT‬ر معاب ‪TT‬دهم على شكل مكعب ‪TT‬ات ‪ ,‬الن (( التكعيب ه ‪TT‬و االس ‪TT‬لوب‬
‫الشائع عند العرب كافة ‪ ,‬فقد كانت بيوت االصنام عندهم مكعبة وكذلك المعاب‪TT‬د ال‪TT‬تي‬
‫شيدوها للشمس في س‪TT‬ورية ‪ ....‬وفي كعب‪TT‬ة الحض‪TT‬ر مجال للط‪TT‬واف ح‪TT‬ول ثالثة من‬
‫جوانبها من الخارج حيث وضعت لهذا الغرض انصاب كثيرة ونحتت على جدرانها‬
‫عيون واذان ‪ ,‬واقيمت وراءها س‪T‬قيفة وض‪T‬عت فيها اص‪T‬نام وتماثيل لس‪T‬نطروق االول‬
‫(‪)1‬‬
‫وولديه ‪.))...‬‬
‫وقد كان يشرف على تنظيم الحياة الدينية في الحض‪TT T‬ر وتنظيم طقوس العب‪TT T‬ادة‬
‫وادارة شؤون المعاب‪TT T‬د رجال ال‪TT T‬دين ‪ ,‬وهم يتالفون من طبقات (( اعاله‪TT T‬ا االفكل‬
‫والنعرف الى االن سوى شخص واحد كان يشغل هذا المنص‪TT‬ب الرفيع وه‪TT‬و نص‪TT‬رو‬
‫وال‪TT T‬د الملك س‪TT T‬نطروق االول ‪ .‬ويليه من رتب ال‪TT T‬دين ( كمرا وكمرتا) اي الكاهن‬
‫والكاهنة ‪ ,‬ثم (قشيشا) اي القس‪TT‬بس ‪ ,‬ودون ه‪TT‬ؤالء رتب ص‪TT‬غيرة يس‪TT‬اعد الشاغلون‬
‫لها على تأدية الطقوس خدمة المعب‪TT‬د‪ .‬ومن ال‪TT‬رتب الدينية ( الس‪TT‬قرا) اي الكاتب وه‪TT‬و‬
‫المس‪TT T‬ؤول على المحافظ‪TT T‬ة على كتب ال‪TT T‬دين وعن ص‪TT T‬حة استنس‪TT T‬اخها والتمس‪TT T‬ك بعدم‬
‫التحريف فيها ‪ ...‬وكان لكل إل‪TT‬ه في الحض‪TT‬ر كاتب‪TT‬ه المتخص‪TT‬ص بالنص‪TT‬وص الدينية‬
‫الخاصة به))‪.‬‬

‫المرجع نفسه ‪,‬ص‪.42‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪239‬‬
‫وقد كان لكل معب‪T‬د في الحض‪T‬ر شخص مس‪T‬ؤول عن ادارة المعب‪T‬د يدعى ( رب‬
‫– بيتنا ) اي رب المعبد او سيده يتولى (( مالحظة نظافته واالشراف على ممتلكاته‬
‫(‪)2‬‬
‫والعمل على توسيع وارداته اضافة الى تولية الطواف واالحتفاالت ))‪.‬‬
‫لقد كان ه‪T‬دف اه‪T‬ل الحض‪TT‬ر من تشييد المعاب‪T‬د كما يفهم من النص ال‪T‬ذي عثر عليه‬
‫في معبد االل‪T‬ه نرجول ه‪T‬و ان يطيل ه‪T‬ذا االل‪T‬ه حياتهم في ه‪T‬ذه ال‪T‬دنيا ويخلص ارواح‬
‫اب‪TT T‬ائهم في ال‪TT T‬دنيا الثانية ‪ .‬وه‪TT T‬ذا يدل على ان اه‪TT T‬ل الحض‪TT T‬ر كانوا يؤمنون بخلود‬
‫االرواح بعد الموت ‪ ,‬وانهم كانوا يرجون الس‪TT‬المة والرحمة لهذه االرواح من خالل‬
‫الصلوات والنذور والقرابيين التي يقدمونها لاللهة ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وقد امن اه‪TT T‬ل الحض‪TT T‬ر ب‪TT T‬االحالم واثرهم في مص‪TT T‬ير االنس‪TT T‬ان كما اعتقدوا ب‪TT T‬ان‬
‫االحالم هي الوسيط الذي تحقق فيه االلهة ارادتها وتنقل الى االنسان اوامره‪T‬ا ‪ .‬وقد‬
‫كان لهذا االعتقاد اثره الواض‪TT‬ح في تشييد الحض‪TT‬ريين للمعاب‪TT‬د ‪ .‬فقد ورد في اح‪TT‬د‬
‫النصوص ان االله (برمرين) طلب في الحلم من شخص اسمه (جدي ابن ابيجد) ان‬
‫يشيد المعبد الكبير الله الشمس ( مرن) والد (برمرين ) ‪ ,‬فقدم اه‪TT‬ل الحض‪TT‬ر بتشييد‬
‫(‪)3‬‬
‫ذلك المعبد ‪.‬‬
‫لقد شكل العامل ال ‪TT‬ديني كما قدمنا ح ‪TT‬افزا كب ‪TT‬يرا اله ‪TT‬ل الحض ‪TT‬ر في تشييد اض ‪TT‬خم‬
‫المعابد عن عوامل اخرى ‪ ,‬وقد ادى ذل‪T‬ك الى قيام نهض‪T‬ة عمرانية وفنية كب‪T‬يرة في‬
‫مدينة الحض‪TT‬ر ‪ .‬ل‪T‬ذا فإن من الض‪TT‬روري ان نقدم نب‪T‬ذة موجزة عن ه‪T‬ذا الجانب المهم‬
‫من الحياة لثقافية والفنية لدى اهل الحضر ‪.‬‬

‫‪ -5‬العمارة والفنون‬
‫ان اجزاء كبيرة من سور مدينة الحضر وكذلك مبانيها قد قاومت عوادي ال‪TT‬زمن‬
‫ووص ‪TT‬لت الينا س‪TT‬ليمة على شكلها تقريب‪TT‬ا ‪ ,‬وذل‪TT‬ك النها قد شيدت من مادة الحجر‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.47‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪46‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.46‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪240‬‬
‫والجص فض‪TT T‬ال عن الرخام والحالن الموص‪TT T‬ليان على خالف غ‪TT T‬الب مدن العراق‬
‫القديم التي شيدت ساسا من مادة اللبن والطين ‪.‬‬
‫لقد احيطت مدينة الحضر ألغراض دفاعية بسور شبه دائري قطره كيلو مترين ‪,‬‬
‫ويتميز بابراجه الكب ‪TT‬يرة والص ‪TT‬غيرة ‪ ,‬ووجود اربعة بواب ‪TT‬ات ل ‪TT‬ه ‪ .‬كما احيط ه ‪TT‬ذا‬
‫السور بخندق لغرض تعزيز الدفاع عن المدينة ‪.‬‬
‫وفي وسط المدينة يقوم (( المعبد الكب‪TT‬ير)) ببنائه المهيب يحيط ب‪TT‬ه شارع عرض‪TT‬ه‬
‫نح‪TT T‬و خمس‪TT T‬ين مترا‪ .‬وتنتشر بين المعب‪TT T‬د الكب‪TT T‬ير وس‪TT T‬ور المدينة معاب‪TT T‬د ص‪TT T‬غيرة‬
‫مستعرض‪TTT‬ة فض‪TTT‬ال عن بيوت المدينة ومقابره ‪TT‬ا البرجية وبقية المرافق االخرى‬
‫ممايدل على قدم المدينة وانها قد نمت نموا تدريجيا ‪ ,‬فكانت اقدام المب ‪TT‬اني في‬
‫(‪)1‬‬
‫الوسط ثم توسعت بموجب االضافات التالية ‪.‬‬
‫ان دراس ‪TT T T‬ة آثار الب ‪TT T T‬احثين على ان المعمار الحض ‪TT T T‬ري قد نجح في تط ‪TT T T‬وير‬
‫(( عناص‪TT T‬ر مختلف‪TT T‬ة متناقض‪TT T‬ة في بعض الب‪TT T‬احثين‪ ,‬للعمارة المعاص‪TT T‬رة والعمارة‬
‫العراقية القديمة واس ‪TT‬اليب العمارة الهلنس ‪TT‬تية ‪ ,‬وبعض عناص ‪TT‬ر العمارة الشرقية‪-‬‬
‫الرومانية ‪ ,‬ووضعها في ما يشبه بودقة انصهار وحصل على اسلوب جديد متميز‬
‫‪ ,‬فهو مثال ص‪TT T‬مم وب‪TT T‬نى االعمدة الحض‪TT T‬رية بنوعيها الح‪TT T‬ر والملتص‪TT T‬ق من الحجم‬
‫المهندم بالطريقة االغريقية التقليدية حيث اقامها بواس ‪TT‬طة س ‪TT‬اطين الوح ‪TT‬دة فرق‬
‫ألخرى وجعل قياسات ثلثها العلوي تتناقض بحسب مباديء العمارة ‪.‬‬
‫حضارة تدمر‬
‫إس ‪TT‬تفاد س ‪TT‬كان تدمر من موقع مدينتهم على طريق التجارة الدولية ‪ ,‬واتص ‪TT‬الهم‬
‫بال‪TT T T‬دول والحض‪TT T T‬ارات المجاورة فاس‪TT T T‬تطاعوا ان ينهض‪TT T T‬وا بمس‪TT T T‬توى حياتهم الى‬
‫مس‪TT‬تويات حض‪TT‬ارية متقدمة وأثبتوا ان باس‪TT‬تطاعة العرب من ب‪TT‬ني البادية ان يبلغ‪TT‬وا‬
‫(‪)2‬‬
‫ذرى التقدم الثقافي والحضاري إذا تهيأت لهم الظروف المساعدة على ذلك ‪.‬‬
‫ويمكن دراسة حضارة تدمر من خالل المجاالت اآلتية ‪- :‬‬
‫الحياة االقتصادية‬ ‫‪-1‬‬

‫الشمس ‪ ,‬الحضر العاصمة العربية ‪ .‬ص‪.144-143‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫فيليب حتي ‪ ,‬تاريخ العرب ( مطول ‪ ,‬ص‪.100‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪241‬‬
‫إن موقع مدينة تدمر على طريق التجارة الدولية بين الشرق والغ‪T‬رب ‪ ,‬وشحة‬
‫الموارد الطبيعية فيها جعلها تعتمد في حياتها بص ‪TT‬ورة اس‪TT‬اس على التجارة ‪ ,‬وعلى‬
‫الخص‪TT‬وص تجارة النقل وتب‪TT‬ادل الس‪TT‬لع ‪ ,‬ل‪TT‬ذا فقد وص‪TT‬فت مدينة تدمر بانها (( مدينة‬
‫وقد توزعت اعمال سكان المدينة على تنظيم القوافل‬ ‫(‪)1‬‬
‫قوافل –‪. ))Caravan City‬‬
‫وخدمتها والنشاطات ال‪TT‬تي تتف‪TT‬رع عنها ‪ .‬فكان هنال‪TT‬ك المول‪TT‬ون الكب‪TT‬ار ال‪TT‬ذين يمتلكون‬
‫جمال القافلة وآخرون يستثمرون اموالهم في البض‪TT‬ائع ال‪T‬تي تنقلها ه‪T‬ذه القوافل ‪ ,‬وكان‬
‫للقافلة شيخ يقوده ‪TT‬ا ( رب شير) وح ‪TT‬راس يتول ‪TT‬ون حمايتها ‪ ,‬وخدم وعبيد يقومون‬
‫بتحميل البض‪TTT‬ائع والقيام على شؤون جمال القافلة ‪ ,‬فض ‪TT‬ال عن اص ‪TT‬حاب ال ‪TT‬دكاكين‬
‫والخانات والسماسرة وغيرهم الذين يتعاملون مع التجار والمسافرين وغير ذلك ‪.‬‬
‫وب‪TT‬النظر الى ان التجارة كانت هي عماد الحياة في المدينة ‪ ,‬فقد كان التجار هم‬
‫س ‪TT‬ادة المدينة الحقيقيون ‪ ,‬منهم امراؤهم وحكامها واعض ‪TT‬اء مجالس الشيوخ فيها ‪,‬‬
‫والمتول‪TT‬ون للوظ‪TT‬ائف والقيادات العامة ‪ .‬وكان التكريم في المدينة من نص‪TT‬ب الرجال‬
‫(‪)2‬‬
‫الذين يقدمون فضل الخدمات للقوافل التجارية وحمايتها ‪.‬‬
‫فكانت تنص‪TT‬ب التماثيل لتخليد ذكراهم في الشوارع والس‪TT‬احات العامة ‪ .‬ومن اب‪TT‬رز‬
‫رجال القوافل ال‪TT‬ذين عرفتهم تدمر رجل شجاع يدعي عجيل (( ال‪TT‬ذي انقذ القوافل‬
‫مرارا من خط ‪TT‬ر جس ‪TT‬يم محقق فنص ‪TT‬بت ل ‪TT‬ه عدة تماثيل في االغ ‪TT‬ورا ) باس ‪TT‬م مجلس‬
‫(‪)3‬‬
‫الشيوخ والشعب وفي غيرها باسم القبائل التدمرية االربع)) ‪.‬‬
‫ويالحظ ان التجار التدمريون لم يقتص‪T‬روا في تجارتهم على نقل البض‪T‬ائع او تزويد‬
‫القوافل المارة بمدينتهم بالخدمات ‪ ,‬ب‪TT‬ل اخذوا يقومون بالتجارة بانفس‪TT‬هم ‪ ,‬فظهر منهم‬
‫وكالء وجاليات في باب‪TT T‬ل وفولوكاس‪TT T‬يا ( وهي مدينة ب‪TT T‬القرب من الكوفة ) ‪ ,‬وكرخ‬
‫ميس ‪TT T‬ان ‪ ,‬وفي الشام والمدن الفينيقية ومص ‪TT T‬ر وروما ‪ ,‬وامتد نشاطهم الى داس ‪TT T‬يا‬
‫(‪)4‬‬
‫( رومانيا الحالية ) ‪ ,‬وبالد الغال ( فرنسا ) ‪ ,‬واسبانيا ‪.‬‬

‫البني ‪ ,‬تدمر والتدمريون ‪ .‬ص‪.104‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ .‬ص‪.108 – 106‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.109‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫العلي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.50‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪242‬‬
‫وقد ترتب على هذا النشاط التجاري الواسع ان حقق بعض التجار في تدمر ارباح‪TT‬ا‬
‫طائلة ‪ ,‬وتكدس‪T‬ت في خزائنهم ثروات كب‪T‬يرة ‪ ,‬وقد ب‪T‬رز تاثير ه‪T‬ذه ال‪T‬ثروات والغ‪T‬نى‬
‫في طريقة حياتهم ومظهرهم ومب ‪TT‬انيهم العامة والمس ‪TT‬توى الحض ‪TT‬اري العام للمجتمع‬
‫التدمري وقد شجعت االمبراطورية الرومانية ‪ ,‬وحكومة تدمر النشاط التجاري في‬
‫تدمر ‪ ,‬النه كان يدر عليها إيرادات كب‪TT‬يرة من خالل الرس‪TT‬وم والض‪TT‬رائب الكمركية‬
‫ال‪TT‬تي كانت تفرض‪TT‬ها على البض‪TT‬ائع عند دخولها الى تدمر او خروجها منها ‪ .‬وكانت‬
‫نس ‪TT‬بة الض ‪TT‬ريبة المفروض ‪TT‬ة على البض ‪TT‬ائع عالية جدا ‪ ,‬فقد ذكر ان جب ‪TT‬اة الض ‪TT‬رائب‬
‫المتركزون على الح ‪TT‬دود ‪ ,‬كانوا يجلب ‪TT‬ون رس ‪TT‬وما على البض ‪TT‬ائع تعادل رب ‪TT‬ع قيمتها ‪,‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وثمة كتابات في االغورا بتدمر تنوه بذكر جباة الربع ))‪.‬‬
‫ويب‪TT T‬دو ان ض‪TT T‬ريبة الرب‪TT T‬ع ه‪TT T‬ذه كانت تجبي عند الح‪TT T‬دود لحس‪TT T‬اب االمبراطورية‬
‫الرومانية ‪ .‬أما حكومة تدمر فكانت تجبي ض‪TT‬ريبة أخرى على ه‪TT‬ذه البض‪TT‬ائع عند‬
‫دخولها تدمر او عند إعادة تصديرها مباشرة او تصنيعها وإ عادة تصديرها ‪.‬‬
‫وقد حدد هذه الضريبة قانون مالي تدمري وص‪TT‬لت الينا وه‪T‬و يعد اهم واط‪T‬ول نص‬
‫قانوني يتعلق باالقتص ‪TT‬اد في العالم الروماني النه باالض ‪TT‬افة الى اهميته من الناحية‬
‫اللغوية ‪ (( ,‬يدخلنا في الناحية الخاص ‪TT T‬ة للمدينة التجارية ‪ ,‬ويوقفنا على الحركة‬
‫الكبرى للناس والحيوانات والبض ‪TT‬ائع ‪ ....‬والمناقشة بين السماس ‪TT‬رة والجب ‪TT‬اة وباعة‬
‫الرخص ‪TT‬ة ‪ ,‬واص ‪TT‬حاب المشكالت والموظفين ‪ ,‬ذل ‪TT‬ك الجمهور الص ‪TT‬اخب ال ‪TT‬ذي يتدافع‬
‫تحت االروقة ‪ .... ,‬كما يقفنا على الجهاز االداري ‪ :‬مجلس الشيوخ ورئيس‪TT‬ه وأمين‬
‫س ‪TT T T‬ره ‪ ,‬والشيخين المكلفين بالس ‪TT T T‬لطة االجرائية ومجلس العشرة ووكالء الس ‪TT T T‬لطة‬
‫(‪)2‬‬
‫القضائية ))‪.‬‬
‫في ض‪TT‬وء ماتقدم يب‪TT‬دو تشجيع الدول‪TT‬ة في تدمر للتجارة ولرؤس‪TT‬اء القوافل التجارية‬
‫امرا طبيعيا النه الطريق ال‪TT‬رئيس لتحقيق الرفاهية والغ‪TT‬نى للدول‪TT‬ة والمجتمع ‪ .‬وقد‬

‫البني ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪ ,115‬لمزيد من التفاصيل يراجع متحق القانوني التدمري في‬ ‫‪)(1‬‬

‫كتاب د ؟؟؟ تدمر والتدمريون ‪ .‬ص‪.256-237‬‬


‫البني ‪ ,‬المرجع السابق ‪,‬ص‪ ,115‬لمزيد من التفاصيل يراجع ملحق القانون اهالي التدمري‬ ‫‪)(2‬‬

‫في كتاب د تدمر والتدمريون ‪ .‬ص‪.256-237‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪243‬‬
‫عثر على نقش اثري يعبر عن تكريم الدول‪TT‬ة وتشجيعها للذين يقدمون خدمات مميزة‬
‫للتجارة والقوافل التجارية جاء فيه ‪ (( :‬ه‪T‬ذا التمثال على شرف س‪T‬واد بن بوليدع بن‬
‫سواد ‪ ,‬الرجل التقي ‪ ,‬الوفي لوطنه ‪ ,‬الذي ساعد في مناسبات عديدة هامة ‪ ,‬بنبل كرم‬
‫‪ ,‬التجار والقوافل والمواط‪TT‬نين المقيمين في فولوجزياد – فولوكاس‪TT‬يا ‪ , -‬وال‪TT‬ذي يجود‬
‫بنفسه وماله لمواطنيه ‪ ,‬فكرم من اجل ذل‪T‬ك بقرارات ومراس‪T‬يم وتماثيل باس‪T‬م الدول‪T‬ة ‪,‬‬
‫وكذلك بكتب رسمية فضال عن براءة من بوبليكوس مارسللوس القنصل الرفيع الشأن‬
‫‪ ,‬أقيم بمناس‪T‬بة إنقاذه قافلة كانت قادمة منذ وقت قريب من فولوجزياد من خط جس‪T‬يم‬
‫كان يهددها ‪ .‬والقافلة المذكورة قد اقامت له اربعة تماثيل عرفانا بقدره ونبله وتقواه ‪,‬‬
‫في هيكل زوس (المقص ‪TT‬ود بعل شمين ) واآلخر في الغاب ‪TT‬ة المقدس ‪TT‬ة (؟) وواح ‪TT‬د في‬
‫هيكل آريس ‪ ,‬والراب ‪TT T‬ع في هيكل انركاتيس ‪ ,‬على يد شيخي القوافل حجاج بن‬
‫(‪)1‬‬
‫يرحبوال وتيم آرصو‪ ,‬عام ‪ 443‬بشهر بربسيوس‪ ( ,‬اي شباط ‪632‬م ))‪.‬‬
‫وقد اشير الى ان تجار تدمر لم يقتص‪TT‬ر نشاطهم على التجارة البرية وح‪TT‬دها ‪ ,‬ب‪TT‬ل‬
‫تعداه الى التجارة البحرية (( فثمة نص يذكر تجارا عادوا من بالد الس‪TTT‬كيث على‬
‫مركب تاجر تدمري إس‪T‬مه بعلي ‪ ,‬ونص يذكر آخرين اس‪T‬تعاروا للقيام بالرحلة نفس‪T‬ها‬
‫(‪)2‬‬
‫– مركب التدمري حنين ابن حدودان ))‪.‬‬
‫ان النشاط التجاري الكب ‪TT‬ير ال ‪TT‬ذي عرفته تدمر قد نشأت عنه وواكبته ص ‪TT‬ناعات‬
‫وحرف وخدمات متنوعة من اجل اشباع حاجات المجتمع التدمري ‪ ,‬فظهر اص‪TT‬حاب‬
‫ال ‪TT T‬دكاكين ال ‪TT T‬ذين يتاجرون بالجملة والمف ‪TT T‬رق في شتى البض ‪TT T‬ائع والس ‪TT T‬لع كاالغذية‬
‫واالواني الفخارية والزجاجية وغيره ‪TT‬ا ‪ .‬وظهر اص ‪TT‬حاب ص ‪TT‬نائع وح ‪TT‬رف كثيرون‬
‫ذكرت النص ‪TT‬وص اس ‪TT‬ماء بعض ‪TT‬هم كاألطب ‪TT‬اء والعط ‪TT‬ارين والنح ‪TT‬اتين وص ‪TT‬انعي الجلود‬
‫وصانعي القرب ‪ ,‬والحدادين ‪ ,‬وشغيلة الذهب والفضة ‪.‬‬
‫وقد كان ألص‪TT T‬حاب ه‪TT T‬ذه الح‪TT T‬رف نقاب‪TT T‬ات خاص‪TT T‬ة بهم ‪ ,‬وكانت لهم تنظيمات تحمي‬
‫(‪)3‬‬
‫حقوقهم وتدافع عن مصالحهم ‪.‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.110‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.111‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع نفسه ‪.119-118 ,‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪244‬‬
‫وعلى الرغم من ان التجارة كانت هي عماد الحياة االقتص‪TT‬ادية في تدمر ‪ ,‬فقد اب‪TT‬دي‬
‫التدمريون بعض االهتمام بالزراعة من اجل تلبية احتياجاتهم الى المواد الغذائية ‪....‬‬
‫إال ان قلة المواد المائية في البيئة المحيط ‪TT‬ة بمدينتهم جعل توس ‪TT‬عهم في ه ‪TT‬ذا المجال‬
‫امرا متعذرا ‪ .‬وقد وص‪TT‬لت الينا بعض النص‪TT‬وص ال‪TT‬تي تشير الى اس‪TT‬تثمار التدمريين‬
‫لينابيع المياه الموجودة في مدينتهم عن طريق انشاء بعض البس‪T‬اتين ال‪T‬تي تزرع فيها‬
‫اشجار النخيل والزيتون والتين والرمان والتفاح واالجاص ‪ ,‬كما اشار القانون المالي‬
‫التدمري الى الحنط‪TT T‬ة وال‪TT T‬تين المتبقي بعد الحص‪TT T‬اد ممايدل على زراعتها في بعض‬
‫(‪)1‬‬
‫المناطق في موسم سقوط االمطار ‪.‬‬
‫ولوقوع تدمر في وسط البادية ذات المراعي الغنية فقد اهتم بعض التدمريين بتربية‬
‫الجمال والمواشي كاالغنام والماعز ‪ ...‬ووردت اشارات في القانون المالي التدمري‬
‫(‪)2‬‬
‫الى هذه الحيوانات ‪ ,‬وفرض بعض الرسوم الخفيفة على سمنها وجلودها ‪....‬‬
‫وهكذا نجد ان التجارة والصناعة والزراعة تعاونت بنسب مختلفة في توفير القاعدة‬
‫المادية الضرورية لتطور المجتمع التدمري ونهوضه الحضاري ‪.‬‬
‫الحياة االجتماعية والسياسية‬
‫كان غ‪TT‬الب افراد المجتمع التدمري ينتمون الى قبائل عربية اس‪TT‬تقرت في تدمير في‬
‫اوقات متفاوتة ‪ ,‬ومن ثم فقد كان انباء تدمر االحرار (( مكونين من عدد من العشائر‬
‫‪ ,‬ينتس‪TT‬ب افراد كل منها الى جد واح‪TT‬د ‪ ,‬ول‪TT‬دينا من اس‪TT‬ماء ه‪TT‬ذه القبائل ‪ :‬بنو انويات‬
‫بلتي ‪ ,‬بلعا ‪ ,‬برس‪TT‬عة ‪ ,‬جد بعل ‪ ,‬جنجن ‪ ,‬زيد بعل ‪,‬حتار ‪ ,‬ه‪TT‬اال ‪ ,‬حنفي ‪,‬حشاش ‪,‬‬
‫(‪)3‬‬
‫يديب ‪ ,‬قمر ‪ ,‬مجدات ‪ ...‬الخ ))‪.‬‬
‫وكانت ه ‪TT‬ذه العشائر متفاوته في مركزه ‪TT‬ا االجتماعي ‪ ,‬ربما بس ‪TT‬بب عوامل ال ‪TT‬ثروة‬
‫والنفوذ السياسي ‪ .‬وكان لكل عشيرة زعماؤها ومجالسها الخالص ال‪TT‬ذي يدبر شؤونها‬
‫وكانت تحص‪TT‬ل بين العشائر القوية منافس‪TT‬ات وخص‪TT‬ومات بس‪TT‬بب التطلع الى المراكز‬
‫العليا في ادارة شؤون المدينة ‪ .‬وقد وصلت الينا اخب‪T‬ار عن منازعات ح‪T‬دثت بين ب‪T‬ني‬

‫المرجع نفسه ‪.120-119 ,‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ,‬ص ‪.120‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫العلي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.50‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪245‬‬
‫قمر وب‪TT‬ني متابول ‪ ,‬وكثيرا ما كانت ه‪TT‬ذه المنازعات تؤدي الى عقد محالف‪TT‬ات بين القبائل‬
‫(‪)1‬‬
‫المتنازعة ‪.‬‬
‫ولم يس‪TT‬تطع المجتمع التدمري ان يتجاوز القيم القبلية على ال‪TT‬رغم من اشتغال معظم‬
‫ابنائه بالتجارة واالعمال الحض ‪TT‬رية وذل ‪TT‬ك الن تدمر كانت تقع في وس ‪TT‬ط البادية ‪,‬‬
‫وكانت تجارة القوافل تتطلب إقامة شبكة من العالقات الوثيقة مع ابناء القبائل البدوية‬
‫من اجل تأمين الحماية الالزمة لحركة القوافل على طرقات التجارة الص‪TT‬حراوية ‪.‬‬
‫وهكذا بقى المجتمع التدمري نصف حضري لقوة ارتباطه بمجتمع البادية ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وفي ضوء ما تقدم نجد ان الرجل في المجتمع التدمري ‪ ,‬هو رب االسرة ‪ (( ,‬وهو‬
‫حجر الزاوية في ال ‪TT‬بيت يزيد قدره بزيادة س ‪TT‬نه واتس ‪TT‬اع عدد افراد اس ‪TT‬رته وحرمه‬
‫وعلى ال ‪TT‬رغم مما‬ ‫(‪)3‬‬
‫وعبيده ‪ ,‬وه ‪TT‬و الس ‪TT‬يد المطلق على اس ‪TT‬رته وال راد لمشيئته ))‪.‬‬
‫تقدم ‪ ,‬فيب‪TT‬دوا ان الحياة الحض‪TT‬رية قد ح‪TT‬ددت من س‪TT‬لطات رب االس‪TT‬رة قليال إذ يس‪TT‬تنتج‬
‫من بعض المنحوتات والص‪TT‬كوك ال‪TT‬تي عثر عليها انه كان للمرأة ح‪TT‬ق التملك ‪ ,‬وانها‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)4‬‬
‫كانت ترث وتورث ‪ ,‬وكان تعدد الزوجات في المجتمع التدمري حال ‪TT‬ة نادرة‬
‫ويس‪TT‬تنتج من دراس‪TT‬ة ال‪TT‬دور ال‪TT‬ذي اض‪TT‬طلعت ب‪TT‬ه الزب‪TT‬اء في حياة تدمر السياس‪TT‬ة انه كان‬
‫في امكان المرأة ان تص‪TT T‬ل الى قيادة الدول‪TT T‬ة وتص‪TT T‬بح ملكة على شعبها إذا امتلكت‬
‫المؤهالت الضرورية للقيادة وساعدتها الظروف على تحقيق طموحاتها‪.‬‬
‫ويالح‪TT‬ظ ان غ‪TT‬الب ابناء المجتمع التدمري كانوا يشتغلون في التجارة ‪ ,‬وقد تألفت‬
‫ارس‪TT‬تقراطية تدمر من ه‪TT‬ؤالء التجار ال‪TT‬ذين اس‪TT‬تطاعوا بس‪TT‬بب ثروتهم وقوة عص‪TT‬بيتهم‬
‫القبلية ان يتول‪TT T T‬وا حكم المدينة ويخلدوا ذكراهم من خالل المنجزات واالعمال‬
‫العمرانية ال ‪TT T‬تي أقاموه ‪TT T‬ا في المدينة كالمعاب ‪TT T‬د والمس ‪TT T‬ارح والقاعات والحمامات ‪,‬‬
‫واالسواق العامة والمدافن الفخمة والتماثيل وغير ذلك من مظاهر الحياة الدينية ‪.‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.50‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫البني ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.103‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.190‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.191-190‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪246‬‬
‫وقد شهد المجتمع التدمري الى جانب هذه الفئة االرستقراطية فئة متوس‪TT‬طة ‪ ,‬كانت‬
‫تض‪TT T‬م غ‪TT T‬الب االفراد فض‪TT T‬ال عن نس‪TT T‬بة عالية من االجانب ‪ ,‬وكان ه‪TT T‬ؤالء يشتغلون‬
‫بالتجارة وخدمة القوافل ‪ .‬وممارس‪TTT‬ة الح‪TTT‬رف والمهن ال ‪TT‬تي تشبع احتياجات الناس‬
‫(‪)1‬‬
‫المتنوعة ‪.‬‬
‫ولم يخل مجتمع تدمر من الرقيق ويبدوا ان معظم هؤالء االرقاء كانوا يشتغلون في‬
‫الزراعة ‪ ,‬وممارس‪TT T‬ة الح‪TT T‬رف ‪ ,‬وخدمة القوافل ‪ .‬وقد كان النظ‪TT T‬ام الس‪TT T‬ائد اليعطي‬
‫للرقيق اية حقوق فكانوا ملكا الس ‪TT‬يادهم يتص ‪TT‬رفون بهم وفقا لمص ‪TT‬الحهم واه ‪TT‬وائهم ‪.‬‬
‫والحقيقة انه لم تص‪TT‬ل الينا معلومات واض‪TT‬حة ودقيقة عن اح‪TT‬وال الرقيق في المجتمع‬
‫التدمري ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫النشاط العمراني والفني‬


‫يعود معظم مظاهر النشاط العمراني والف‪TT‬ني في تدمر الى القرون الثالثة االولى‬
‫بعد الميالد ‪ .‬وعلى الرغم من عوادي الزمن واندثار الكثير من معالم مدينة تدمر‬
‫ومبانيها وتماثيلها ‪ .‬فإن كثيرا من اثار ه ‪TT‬ذه المدينة التزال قائمة ‪ ,‬وهي منذ‬
‫ح‪T‬والي قرنين من الزمان تجود علينا بالكشوف االثرية والحض‪T‬ارية والمعمارية ‪.‬‬
‫وقد لفتت المكتشفات االثرية في تدمر انظ ‪TT‬ار الب ‪TT‬احثين في تاريخ الحض ‪TT‬ارات ‪,‬‬
‫واثارت اعجاب الكثيرين منهم ‪ ,‬ح‪TT‬تى قال عنها س‪TT‬تاركي إنها ((واح‪TT‬دة من اكثر‬
‫حضارات الشرق االدنى اصالة واخذا بمجامع القلب ))‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫ويس‪TT‬تنتج من دراس‪TT‬ة اآلثار المكتشفة عن مدينة تدمر ان الفن التدمري كان فنا‬
‫واقعيا منطقيا ينب ‪TT‬ع من اعمق التقاليد الشرقية ‪ .‬وقد تاثر ه ‪TT‬ذا الفن عند نشأته‬
‫ب ‪TT‬الفن الف ‪TT‬رثي المعاص ‪TT‬ر ال ‪TT‬ذي كان منتشرا في العراق وال ‪TT‬ذي (( نض ‪TT‬ح من معين‬
‫التقاليد البابلية واآلشورية والس ‪TT‬ورية عموما كما اس ‪TT‬تقت من الفن اليوناني ال ‪TT‬ذي‬
‫(‪)4‬‬
‫استشرق ))‪.‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.102‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.104 -103‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫البني ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.211‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.125‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪247‬‬
‫وقد تاثر اه‪T‬ل تدمر بالتقاليد اليونانية – الرومانية في تخطيط المدن وتنظيم س‪T‬احاتها‬
‫وشوارعها وحماماتها ومس‪T‬رحها والهياكل المركزية في معاب‪T‬دها ‪ ,‬اال ان ه‪T‬ذا التأثير‬
‫كان ظاهريا ولم يؤثر كثيرا في اذهان التدمريين ‪ ((,‬فاذا كان المخطط العمراني العام‬
‫للمدينة يونانيا‪ -‬رومانيا ‪ ,‬وكذلك التيجان واالعمدة وبعض التفاص‪TT‬يل االخرى ‪ ,‬فان‬
‫االثار الفنية ب‪TT‬المعنى االص‪TT‬لي للكلمة ‪ ,‬كالكثرة الس‪TT‬احقة من الزخارف البالغ‪TT‬ة الفن ‪,‬‬
‫ظلت ذات اس ‪TT T‬لوب شرقي اص ‪TT T‬يل ‪ ,‬واكثر التماثيل والمنحوتات الدينية والمدنية‬
‫والص ‪TT‬ور الجدارية بقيت الى ح ‪TT‬د كب ‪TT‬ير خاض ‪TT‬عة لقاعدة التوجه الى االمام واالعتماد‬
‫على الخط‪TT‬وط الواض‪TT‬حة والتأكيد على الوجود ال‪TT‬روحي لكل شخص بمف‪TT‬رده في كل‬
‫(‪)2‬‬
‫تركيب فني دون االهتمام بالتأليف الدراماتيكي لكل موضوع من المواضيع ))‪.‬‬
‫والحقيقة ان الكتاب‪TT‬ة عن تفاص‪TT‬يل العمارة والفن في تدمر يتطلب مؤلف‪TT‬ا كب‪TT‬يرا لوح‪TT‬ده‬
‫في االقل ‪ ,‬ل‪TT T‬ذا فان ه‪TT T‬ذه الدراس‪TT T‬ة التطمح الى اكثر من تقديم ص‪TT T‬ورة موجزة عن‬
‫(‪)3‬‬
‫الخطوط العريضة لهذا الجانب من حضارة تدمر ‪.‬‬
‫لم تتب ‪TT‬ع تدمر في اول عهدها مخطط ‪TT‬ا عمرانيا مح ‪TT‬دودا ‪ ,‬وكان غ ‪TT‬الب بيوتها مبنيا‬
‫ب ‪TT‬اللبن او اآلجر وبعض الحجر ‪ ,‬وكانت مبانيها تتركز ح ‪TT‬ول معب ‪TT‬د ب ‪TT‬ل ( بعل ) او‬
‫حول الساحة المعروفة حاليا بالساحة البيضوية ‪.‬‬
‫ومع االزدهار االقتصادي والسياسي الذي شهدته تدمر منذ القرن االول بعد الميالد‬
‫‪ ,‬اخذت المدينة تتس ‪TT‬ع وتنتظم بشكل رائع ‪ ,‬وقد ظهر ذل ‪TT‬ك جليا منذ أواخر ذل ‪TT‬ك‬
‫القرن ‪ .‬وكان يشق تدمر طريق فس‪TT‬يح يبلغ طول‪TT‬ه ح‪TT‬والي ‪ 1070‬م ويعرف بطريق‬
‫االعمدة ‪ ,‬إذ كان يحف به من الجانبين صفان من االعمدة الضخمة التي يص‪T‬ل عددها‬
‫الى ‪ 275‬عمودا ‪ ,‬لم يتب ‪TT‬ق منها في ال ‪TT‬وقت الحاض ‪TT‬ر س ‪TT‬وى ‪ 150‬عمودا بتيجانها ‪,‬‬
‫وكانت االعمدة ترتب‪TT‬ط من اعاله‪TT‬ا بوس‪TT‬اطة افريز متص‪TT‬ل فتشكل ب‪TT‬ذلك اروقة تظلل‬
‫المحالت التجارية والمشاة ‪ .‬وينتهي هذا الشارع قرب معبد بعل بقوس النصر ‪.‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.125‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫لمزيد من االطالع يمكن الرجوع الى ‪Mfalcolm A. R. Colledge The Art of :‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫‪.Palmyrn London. 1976.p.p.1-320‬‬


‫وكتاب الدكتور عدنان البني ‪ ,‬تدمر والتدمريون ‪ ,‬ص‪.170-123‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪248‬‬
‫ويعد قوس النص‪TT‬ر من اب‪TT‬رز معالم مدينة تدمر ‪ ,‬وقد أنشيء بعد منتص‪TT‬ف القرن‬
‫الثاني للميالد‪ .‬ول ‪TT T‬ه ثالثة مداخل فوقها اقواس حافلة ب ‪TT T‬أروع النقوش الهندس ‪TT T‬ية‬
‫والنباتية ‪ .‬وقد شيد قوس النص ‪TT‬ر بطريقة تنح ‪TT‬رف بالشارع ال ‪TT‬رئيس ال ‪TT‬ذي يمر ب ‪TT‬ه‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫ويحوله بلطف نحو معبد بعل‬
‫اما معب‪TT‬د بعل فان آثاره تعد من اروع مابقى من مدينة تدمر ‪ .‬وقد شيد ه‪TT‬ذا المعب‪TT‬د‬
‫على أنقاض معبد سابق يحمل االسم نفسه يعود تاريخ إنشائه الى ماقب‪TT‬ل الميالد ‪ .‬وقد‬
‫كان الشروع في بناء ه‪T‬ذا المعب‪TT‬د في طليعة القرن االول للميالد ‪ ,‬حيث اكمل الهيكل‬
‫المركزي للمعب‪TT T‬د في عام ‪32‬م ‪ ,‬وظ‪TT T‬ل المعماريون والفنانون التدمريون يزينون‬
‫(‪)2‬‬
‫ويوسعون ويجددون فيه جيال بعد جيل حتى آخر ايام تدمر ‪.‬‬
‫لقد أقيم هذا المعبد (( على نسق المعابد الشرقية فهو يشتمل على هيكل رئيس شامخ‬
‫يتوسط فناء مربع الشكل ‪ ,‬مع طول كل ض‪T‬لع منه مائتي متر ‪ ,‬ويحيط بافناء المرب‪T‬ع‬
‫سور تحف به اروقه رائعة تطل عليه بواسطة صف من االعمدة ذات تيجان ‪ .‬ويقوم‬
‫في الفناء مذبح وحوض وقنوات وممر للض‪TT‬حايا ‪ .‬ويمثل ه‪T‬ذا المعب‪T‬د من حيث النظ‪T‬ام‬
‫المعماري نظام البناء التدمري ‪ .‬اما العناصر المعمارية كاالعمدة والتيجان فقد اتبعت‬
‫االس‪TT‬لوب الروماني الشائع ))‪ )3(.‬وقد عد اح‪TT‬د الب‪TT‬احثين معب‪TT‬د بعل ‪ ,‬ال‪TT‬ذي ه‪TT‬و مركز‬
‫عبادة كبير آلهة تدمر ومعه ثالثة آلهة اخرى هي يرحب‪T‬ول وعقلب‪T‬ول وملكب‪T‬ول ‪ ,‬ليس‬
‫(‪)4‬‬
‫اكبر اثر ديني في تدمر فحسب بل هو اكبر االثار الدينية في الشرق القديم ‪.‬‬
‫وهنال‪TT‬ك عدد كب‪TT‬ير من االثار التدمرية الجديرة بالوص‪TT‬ف والتنويه اليتس‪TT‬ع المجال‬
‫لذكرها مثل المسرح ‪ ,‬و(( االغورا)) اي الميدان ال‪TT‬ذي تعقد فيه االجتماعات العامة ‪,‬‬
‫وقص ‪TT‬ر اس ‪TT‬رة الزب ‪TT‬اء ‪ ,‬والمدافن ال ‪TT‬تي تف ‪TT‬نى التدمريون في بنائها على شكل اب ‪TT‬راج‬
‫(‪)5‬‬
‫مربعة ‪ ,‬او بيوت مزينة ب‪TT‬النقوش والزخرفة اطلقوا عليها (( ال‪TT‬بيوت االبدية )) ‪.‬‬

‫البني ‪ ,‬المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪, .153-151‬عبدالعزيز سالم ‪ ,‬تاريخ العرب ‪.‬ص‪231‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫البني ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.161‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫عبدالعزيز سالم ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.120‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫البني ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.161‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫لالطالع على التفاصيل يراجع ‪ ,‬البني ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.170-153‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪249‬‬
‫ويالح‪TT‬ظ ان آثار تدمر لم تقتص‪TT‬ر على المعاب‪TT‬د العمرانية للمدينة ‪ ,‬ب‪TT‬ل ض‪TT‬مت اعدادا‬
‫كب‪TT‬يرة من التماثيل الدينية والمدنية وبعض المنحوتات االخرى ‪ .‬ويس‪TT‬تنتج من دراس‪TT‬ة‬
‫تلك االثار ان النحت كان اب‪TT‬رز آثار الفن التدمري ‪ ,‬وكان مما يس‪TT‬ر مهمة النح‪TT‬اتين‬
‫التدمريين ان جبال تدمر القريبة كانت غنية ب‪T‬انواع كثيرة من الحجر الكلس‪T‬ي الص‪T‬الح‬
‫لنحت التماثيل ومختلف االشكال الفنية ‪ .‬وقد نجح الفنان التدمري في النحت وبخاص‪TT‬ة‬
‫في نحت المعبودات الدينية ‪ ,‬إذ بذل هذا الفنان (( جهده في تمييز معبوداته واخراجها‬
‫باكثر مايستطيع من جمال وقوة وجعلها احيانا تس‪T‬وق لعرب‪T‬ات الحربية وتلبس ال‪T‬دروع‬
‫وتمتطي ص‪TT‬هوات الجياد وظهور االب‪TT‬ل وتشرع الرماح وتتمنط‪TT‬ق بالس‪TT‬يوف وترمي‬
‫بالس ‪TT‬هام وتس ‪TT‬ير المواكب وتقف ص ‪TT‬فوفا ‪ .‬وفي ه ‪TT‬ذه الناحية مجال كب ‪TT‬ير لالب ‪TT‬داع في‬
‫ح‪TT‬دود امكانية العص‪TT‬ر ورغب‪TT‬ة المتعب‪TT‬دين ‪ .‬واليس‪TT‬تطيع اح‪TT‬د ان يتهم التدمريون ب‪TT‬انهم‬
‫كانوا يشترون ه ‪TT‬ذه المنحوتات الدينية جاهزة من الس ‪TT‬وق ‪ ,‬وخاص ‪TT‬ة وان فيها قدرا‬
‫ملحوظا من التنوع والطرافة ))‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ولم يقتصر الفن التدمري على النحت وح‪TT‬ده ‪ ,‬ب‪TT‬ل تجاوزه الى فن الرس‪TT‬م ‪ ,‬وان كان‬
‫ما اكتشف من نماذج في ه ‪TT‬ذا المجال يعد قليال بالنس ‪TT‬بة لما اكتشف من منحوتات ‪,‬‬
‫وسبب ذلك ان الرسوم اليمكن لها ان تصمد امام عوادي ال‪TT‬زمن ط‪TT‬ويال‪ .‬وعلى ال‪TT‬رغم‬
‫من كل ذل‪T‬ك فإن ما وص‪T‬ل إلينا من ص‪T‬ور ورس‪T‬وم تدل على اص‪T‬الة الفنان التدمري ‪,‬‬
‫وان الص‪TT T‬ور التدمرية المكتشفة ذات شأن كب‪TT T‬ير في دراس‪TT T‬ة تاريخ الفن (( إذ انها‬
‫توض‪TT T‬ح بجالء التأثيرات الشرقية في التص‪TT T‬وير اليوناني – الروماني ‪ ,‬وهي بمثاب‪TT T‬ة‬
‫مصدر للفن البيزنطي المقب‪T‬ل ‪ ,‬والعالقة بينها وبين الفسيس‪T‬اء والفريس‪T‬كات وااليقونات‬
‫المسيحية في ذلك العهد اليمكن نكرانها ))‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫‪ -2‬الحياة الدينية والثقافية‬


‫كانت الوثنية هي العقيدة الس‪TT‬ائدة في تدمر ‪ ,‬وان التدمريين عب‪TT‬دوا االص‪TT‬نام بص‪TT‬فتها‬
‫آلهة وقد وص‪TT‬ل عددها عندهم الى ح‪TT‬والي الس‪TT‬تين ‪ .‬وقد انح‪TT‬در عدد كب‪TT‬ير منها من‬
‫المعتقدات الدينية العربية القديمة ‪ ,‬كالالت والعزى ومناة وشمس وشيع القوم وغيره‪TT‬ا‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.134‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.150‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪250‬‬
‫‪ ...‬كما انح‪TT‬در بعض أخر من العراق كبعل ونب‪TT‬و وعشتار ونرغ‪T‬ال وغيره‪TT‬ا ‪ ،‬وقد‬
‫تأثر التدمرين ببعض معتقدات اليونان والرومان نتيجة اختالطهم بهم فحملت بعض‬
‫اصنامهم صفات اصنامهم وامتزجت بها كزوس وأبولو واثينا وهرقل ‪.‬‬
‫غير ان الطابع العام الذي يطبع االلهة عند التدمريين ه‪T‬و ان ه‪T‬ذه اآللهة تمثل قوى‬
‫سماوية كالشمس والقمر والنجوم ‪ .‬فضال عن اعتقادهم ان هذه االلهة تتص‪TT‬ف بالطيب‪TT‬ة‬
‫والرحمة ‪.‬‬
‫ويعد ال ‪TT‬رب ب ‪TT‬ل او بعل ه ‪TT‬و رأس االرب ‪TT‬اب التدمريين وه ‪TT‬و يماثل مردوخ عند‬
‫البابلين و ( زوس – جوبيتر) لدى اليونان والرومان ‪.‬‬
‫ويعد ال ‪TT‬رب الى جانب بعل ‪ ,‬عجلب ‪TT‬ول ( رب القمر ) ويرحب ‪TT‬ول ( رب الشمس)‬
‫فيكون ثالثتهم الثالوث التدمري الشهير ال‪TT‬ذي اتخذ ل‪TT‬ه التدمريون اكبر معاب‪TT‬دهم ال‪TT‬ذي‬
‫هو معبد بعل ‪.‬‬
‫وقد تص‪TT‬ور التدمريون لهذه االرب‪TT‬اب اوالدا ‪ .‬فذكروا ان (( بنو)) ه‪TT‬و االبن البكر‬
‫للرب بعل ‪ ,‬وقد اعتقدوا ان بنو يقوم بوظيف‪T‬ة كاتب االرب‪T‬اب ال‪T‬ذي يس‪T‬جل المقادير في‬
‫اللوح المحفوظ فهو سيد القلم ‪.‬‬
‫أما ( بعلشمين) فهو في نظ ‪TT‬رهم س ‪TT‬يد الس ‪TT‬ماوات ‪ ,‬ومهماته وص ‪TT‬فاته قد تختلط‬
‫بمهمات ( بعل) النه يعد ايض‪TT‬ا س‪TT‬يد الخلود وس‪TT‬يد العالم ‪ ,‬وقد وص‪TT‬فه التدمريون بـ‬
‫(( الطيب ‪ ,‬والكب‪TT‬ير والمثيب وال‪TT‬رحمن ))‪ .‬وقد علت شعبية بعلشمين عند التدمريين‬
‫منذ منتص‪TT‬ف القرن الثاني الميالدي ح‪TT‬تى س‪TT‬قوط تدمر في اواخر القرن الثالث بحيث‬
‫طغت على مكانة بقية االرباب فوصف بانه (( الرب االحد )) ‪ .‬وقد رأى البعض في‬
‫‪ .‬وربما جاء ذل‪TT‬ك نتيجة لتأثر‬ ‫(‪)1‬‬
‫ه‪TT‬ذه الظ‪TT‬اهرة اتجاه‪TT‬ا من التدميريين نح‪TT‬و التوحيد‬
‫التدمريين باصحاب الديانات التوحيدية كاليهودية والنص‪TT‬رانية ال‪TT‬ذين كان يعيش عددا‬
‫كبيرا منهم في مدينة تدمر كما سنوضح ذلك في الصفحات االتية ‪.‬‬
‫وقد نشأ عن عبادة هذه االصنام ‪ ,‬واتخاذ التدمريين بيوتا لها بصفتها معابد ‪ ,‬ض‪TT‬رورة‬
‫وجود فئة من الكهنة تتولى ادارة ه‪TT‬ذه المعاب‪TT‬د وتنظم الطقوس واالعياد الدينية في‬
‫أوقات معينة من الس‪TT T‬نة ‪ .‬وقد يكون كهنة تدمر فئة قوية وذات نف‪TT T‬وذ كب‪TT T‬ير في‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.179-173‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪251‬‬
‫المجتمع ‪ .‬فكان افرده ‪TT T‬ا يشرفون على تنظيم االحتف ‪TT T‬االت الدينية وتقديم النذور‬
‫والقراب ‪TT‬يين في المعاب ‪TT‬د ‪ ,‬فض‪TTT‬ال عن تنظيم ال ‪TT‬والئم المقدس ‪TT‬ة ال ‪TT‬تي تقدم فيها االطعمة‬
‫للكهنة الكبار وعلية القوم ‪ .‬وكان اهم عيد في تدمر هو العيد الذي يقوم س‪TT‬نويا في( ‪6‬‬
‫نيس‪T‬ان) ‪ ,‬بمناس‪T‬بة تكريس معب‪T‬د بعل ‪ ,‬وقد وص‪TT‬ف يوم العيد ه‪T‬ذا ب ـ ((اليوم الطيب))‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وكان من ابرز الطقوس التي يمارسها التدمريون في ه‪TT‬ذا العيد الط‪TT‬واف (( ال‪TT‬ذي يثير‬
‫حماس الجمهور ‪ ,‬وهو يتضمن انزال ص‪TT‬نم ال‪TT‬رب – بعل – من محراب‪TT‬ة يمين الهيكل‬
‫المركزي وحمله على س‪TT‬رير مذهب ‪ ,‬وال‪TT‬نزول ب‪TT‬ه على منح‪TT‬در الهيكل الى الباح‪TT‬ة ‪,‬‬
‫والمرجع انه كان يحمل بعد ذل‪TT‬ك على جمل كريم ويط‪TT‬اف ب‪TT‬ه ح‪TT‬ول الهيكل ووراءه‬
‫نساء محجبات وسدنه ‪ ,‬ولقد عثر على مشهد لهذا الطواف منقوش على جسر حجري‬
‫كب‪TT‬ير كان في س‪TT‬قف رواق المعب‪TT‬د ‪ ,‬وه‪TT‬ذا المشهد يمثل جمال عليه قب‪TT‬ة حمراء يقوده‬
‫س‪TT‬ادن وامامه وخلف‪TT‬ه رجال رافعوا االيدي ‪ .‬ان ه‪TT‬ذا المشهد مط‪TT‬ابق لما نعرفه عن‬
‫(‪)2‬‬
‫الطقوس العربية قبل االسالم ‪ ,‬وطابعه العربي الشك فيه ))‪.‬‬
‫واذا كان غالب التدمريين يدينون بعبادة االصنام التي قدمنا الحديث عنها ‪ ,‬فان هنال‪TT‬ك‬
‫من االخبار مايدل على وجود جاليات من اليهود والنصارى ‪ ،‬فقد عاشت في تدمر ((‬
‫جالية كب‪TT‬يرة من اليهود تمتعت بممارس‪TT‬ة شعائرها الدينية بكل حرية ‪ ,‬ونالت حقوق‬
‫المواطنة ال‪TT‬تي كان يتمتع بها التدمريون ))‪ )3(.‬ويب‪TT‬دو ان غ‪TT‬الب افراد ه‪TT‬ذه الجالية قد‬
‫هاجروا الى تدمر بعد خراب القدس على يد القص‪T‬ير تيتوس في س‪T‬نة ‪70‬م ‪ ,‬فاشتغلوا‬
‫(‪)4‬‬
‫بالتجارة وحققوا ارباحا طائلة مماجعل لهم شأنا يذكر في مدينة تدمر‪.‬‬
‫وقد أشير الى انه كان للنص‪TT‬رانية اتب‪TT‬اع في مدينة تدمر ه‪TT‬ؤالء قد مارس‪TT‬وا ح‪TT‬ريتهم‬
‫الدينية من غ‪TT‬ير اض‪TT‬طهاد ‪ .‬ب‪TT‬ل ان ب‪TT‬ولس الشميشاطي اس‪TT‬قف انطاكية كان قد تمتع‬
‫بحماية الزب ‪TT‬اء ملكة تدمر ورعايتها على ال ‪TT‬رغم من معاقب ‪TT‬ة مجمع انطاكية الكنس ‪TT‬ي‬

‫المرجع نفسه‪ ,‬ص‪.203 -199‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.201-200‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫جواد علي ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ج‪.108 ,3‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ج‪ ,3‬ص‪.108‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪252‬‬
‫الذي انعقد في ‪264‬م له بط‪T‬رده من منص‪TT‬به وحرمانه بس‪T‬بب ارائه الدينية ويالح‪T‬ظ ان‬
‫الزباء لم تتدخل (( في القرارات التي اتخذها رجال الكنيس‪TT‬ة تجاه ب‪TT‬ولس ‪ ,‬كما انها لم‬
‫تنفذ قراراتهم بحقه ‪ ,‬بل ابقته في مركزه وتركته ماكان عليه))(‪. )1‬‬
‫والحقيقة ان موقف الزب‪TT‬اء المتس‪TT‬امح مع اتب‪TT‬اع الديانة اليهودية والنص‪TT‬رانية في تدمر‬
‫وحمايتها لحرية العقيدة فيها يدل على مدى س‪TT‬عة افق ملكة تدمر الفكري ‪ ,‬ويثبت‬
‫بعض مالمح الحياة الثقافية في ه‪TT T‬ذه المدينة التجارية ال‪TT T‬تي لم تكن مركز تواص‪TT T‬ل‬
‫تجاري فقط وانما كانت حلقة اتصال فكري وحضاري بين الشرق والغرب‪.‬‬
‫لقد عاش في تدمر فض ‪TT‬ال عن س ‪TT‬كانها العرب جاليات من اليونايين والرومانيين‬
‫والفرس واليهود وغيرهم وتف‪T‬اعلت في إط‪TT‬ار ه‪TT‬ذه المدينة ثقافات بالد وادي الرافدين‬
‫ومصر واليمن وبالد فارس واليونان والرومان وغيره‪T‬ا ‪ .‬فال عجب ان يتص‪T‬ف ابناء‬
‫تدمر بصفات الطيبة والتسامح واالنفتاح على االفكار والفلسفات المختلفة ‪.‬‬
‫االوضاع الحضارية في دولة الحيرة‬
‫نشأت دول ‪TT T‬ة الح ‪TT T‬يرة في منطقة ذات تاريخ حض ‪TT T‬اري عريق ‪ ,‬وكانت عاص ‪TT T‬متها‬
‫(( الح ‪TT‬يرة)) تقع على اح ‪TT‬د ط ‪TT‬رق تجارة القوافل ال ‪TT‬ذي يرب ‪TT‬ط بين الشرق ب ‪TT‬الغرب ‪.‬‬
‫وفض‪TT‬ال عن ذل‪TT‬ك نشأت الح‪TT‬يرة في منطقة ذات مياه وفيرة وترب‪TT‬ة خص‪TT‬بة مما س‪TT‬اعد‬
‫على ازده‪TT T‬ار الزراعة فيها ‪ .‬وقد قامت دول‪TT T‬ة الح‪TT T‬يرة ب‪TT T‬دور الدول‪TT T‬ة الح‪TT T‬اجزة بين‬
‫امبراطوريتين كبيرتين هما االمبراطورية الساسانية واالمبراطورية البيزنطية ‪ ,‬فكان‬
‫من الطبيعي ان تكون الح‪T‬يرة اح‪T‬د مراكز التفاعل الحض‪T‬اري بين معطيات الحض‪T‬ارة‬
‫العربية والمعطيات الحضارية لدول الجوار في مجاالت الحياة المختلف‪T‬ة ‪ .‬ومن اجل‬
‫تقديم ص‪TT‬ورة واض‪TT‬حة عن االوض‪TT‬اع الحض‪TT‬ارية في دول‪TT‬ة الح‪TT‬يرة ‪ ,‬فإننا س‪TT‬ندرس ه‪TT‬ذه‬
‫االوضاع من الناحية السياسية واالجتماعية واالقتصادية والثقافية ‪.‬‬
‫‪ -1‬االوضاع السياسية في دولة الحيرة‬
‫لم يقتصر سلطان دولة الحيرة على مدينة الحيرة التي كانت عاص‪TT‬مة الدول‪TT‬ة وإ نما لها‬
‫نفوذها ليشمل معظم سواد العراق والبحرين ونجد وبادية الشام ‪ .‬ولم يتسم نف‪T‬وذ ه‪T‬ذه‬
‫الدول ‪TT‬ة على ه ‪TT‬ذه المناطق بالثب ‪TT‬ات واالس ‪TT‬تمرار ط ‪TT‬وال حياتها ‪ ,‬ب ‪TT‬ل انه كان يض ‪TT‬يق‬
‫ويتسع حسب قوة ملوكها والظروف السياسية المحيطة بهم ‪.‬‬
‫المرجع نفسه ‪,‬ج‪ ,3‬ص‪.109‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪253‬‬
‫وقد استند ملوك الحيرة في حكمهم على عدة قبائل عربية تح‪TT‬الف بعض‪TT‬ها مع بعض‬
‫على (( التنوخ)) اي االقامة في مكان معين ‪ ,‬وتعاقدوا على التآزر والتناص‪TT T‬ر ‪,‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فصاروا كأنهم يد واحدة على الناس ‪.‬‬
‫وفي ضوء ماتقدم ‪ ,‬فقد كان ملوك الح‪T‬يرة في حقيقتهم زعماء تح‪T‬الف قبلي ‪ .‬وكان‬
‫الملك ه‪TT‬و القائد العس‪TT‬كري لهذه القبائل ال‪TT‬ذي يقع على عاتقه تحقيق التناس‪TT‬ق ووح‪TT‬دة‬
‫الكلمة بين هذه القبائل وخاصة في اوقات الحروب‪.‬‬
‫وعلى ال‪TT‬رغم من كل المظ‪TT‬اهر الملكية ال‪TT‬تي اح‪TT‬اط بها المناذرة انفس‪TT‬هم ‪ .‬فقد ظلت‬
‫الروح القبلية حية في داخل هذا النظام (( كما ظلت حية ايضا التقاليد الديمقراطية (‬
‫(‪)2‬‬
‫الشورى ) وروح الجماعة ‪ ,‬واحترام ‪ ,‬رأي الشيوخ وصلة الرحم ))‪.‬‬
‫ولحاجة االمبراطورية الساس‪T‬انية لدول‪T‬ة الح‪T‬يرة في حماية ح‪T‬دودها من هجمات القبائل‬
‫البدوية ‪ ,‬فضال عن حاجتها اليها كدولة حاجزة في وجه االمبراطورية البيزنطية ال‪TT‬تي‬
‫كانت في حال‪TT T‬ة ح‪TT T‬رب معها في معظم االوقات ‪ ..‬فقد س‪TT T‬محت الى اقامة عالقات‬
‫تح‪TT‬الف وتعاون معها ‪ .‬وقد وجد المناذرة ان من مص‪TT‬لحتهم اقامة مثل ه‪TT‬ذه العالقات‬
‫والمحافظ‪TT T T‬ة عليها ‪ ,‬النه لم يكن بوس‪TT T T‬عهم الوقوف في وجه ه‪TT T T‬ذه االمبراطورية‬
‫لوحدهم ‪.‬‬
‫وهكذا فقد اس‪TT‬تفاد ملوك المناذرة من قوة الساس‪TT‬انيين في دعم قواعد ملكهم على‬
‫المناطق الخاض ‪TT‬عة لهم والعمل على توس ‪TT‬يع نف ‪TT‬وذهم وس ‪TT‬لطانهم بين القبائل العربية ‪.‬‬
‫وكان من جملة ماقدمه الساس‪TT T T‬انيون من دعم لملوك المناذرة بعض االراض‪TT T T‬ي‬
‫الزراعية على ح‪TT‬دود الف‪TT‬رس قرب الح‪TT‬يرة الس‪TT‬تثمارها لص‪TT‬الحهم واالنف‪TT‬اق منها على‬
‫(‪)3‬‬
‫القبائل العربية المتحققة معهم ‪.‬‬

‫الطبري ‪ ,‬تاريخ ‪ ,‬ج‪ , 1‬ص‪.10‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫بيفوليفسكيا ‪ ,‬العرب على حدود بيزنطة وايران ‪ ,‬ص‪.133‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫غنيمة الحيرة ومكة ‪ ,‬ص‪.18‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪254‬‬
‫كما وض ‪TT‬ع الساس ‪TT‬انيون قوة عس ‪TT‬كرية تدعى (الوض ‪TT‬ائع) مؤلف ‪TT‬ة من ال ‪TT‬ف رجل في‬
‫خدمة المناذرة الس ‪TT T‬تخدامها الى جانب مال ‪TT T‬ديهم من قوة عس ‪TT T‬كرية في دعم نف‪TT T‬وذهم‬
‫(‪)4‬‬
‫وسلطانهم في الحيرة وبقية المناطق التابعة لهم ‪.‬‬
‫ومن اجل والء شيوخ القبائل العربية لدول‪TT‬ة الح‪TT‬يرة ‪ ,‬فقد كان عليهم ان يقدموا لهم‬
‫بعض االمتيازات السياس‪TT T‬ية والمالية ‪ .‬ل‪TT T‬ذا فقد اوجدوا نظ‪TT T‬ام (الردافة) و (اآلكال)‬
‫لتحقيق ه‪TT‬ذا الغ‪TT‬رض ‪ .‬اما نظ‪TT‬ام الردافة فهو شبيه بنظ‪TT‬ام ال‪TT‬وزارة ‪ ,‬فكان الرديف ‪,‬‬
‫يجلس على يمين الملك في بالطه ‪ .‬ويركب معه اذا ركب ‪ .‬ول‪T‬ه رب‪T‬ع غنية الملك من‬
‫كل غزوة يغزوها ‪ .‬ويتسلم بعض الهات من رعايا الملك اما نظام ذوي اآلكال ‪ ,‬فهو‬
‫يقوم على اقط‪TT‬اع اشراف القبائل بعض االراض‪TT‬ي الس‪TT‬تثمارها لص‪TT‬الحهم ‪ .‬مكأفاة لهم‬
‫(‪)2‬‬
‫على خدماتهم للدولة وضمانا الستمرار والئهم لها وتعاونهم معها ‪.‬‬
‫لقد كان ابناء القبائل العربية ينقسمون في نظرملوك الحيرة الى ثالث فئات ‪ ,‬القبائل‬
‫المستقلة ( للقاح ) ال‪T‬تي تغ‪T‬ير على ممتلكات ملوك الح‪T‬يرة ‪ .‬وكانت تغ‪T‬زى من قبلهم ‪.‬‬
‫والقبائل التي عقدت احالفا معهم وفقا لشروط خاص‪TT‬ة ‪ .‬والقبائل الخاض‪TT‬عة لهم ‪ .‬وهي‬
‫(‪)3‬‬
‫غالبا من القبائل المقيمة في الحيرة او التي تعيش في جوارها‪.‬‬
‫وقد تألفت ايرادات ملوك الح ‪TT‬يرة من غلة االقطاعات ال ‪TT‬تي كانت لهم في اراض ‪TT‬ي‬
‫العراق ‪ .‬وما كانوا يحققونه من ارب‪TT‬اح القوافل التجارية ‪ ,‬اللط‪TT‬ائم ‪ .‬وما يجبونه من‬
‫ضرائب وأتاوات ‪ ,‬وما يحصلون عليه من غنائم في اوقات الحروب (‪.)4‬‬
‫وقد كان ملوك الح‪T‬يرة يفرض‪TT‬ون نف‪T‬وذهم وقراراتهم على الناس إما من خالل رؤس‪T‬اء‬
‫القبائل المتعاونين معهم لقاء امتيازات معينة كما اوضحنا ذلك أنفا ‪ ,‬اومن خالل القوة‬
‫العسكرية التي يمتلكونها ‪ .‬وقد اشير الى انه لدى المناذرة عدة كتائب عس‪TT‬كرية ‪ ,‬كان‬
‫اشهرها واشدها باس ‪TT‬ا هي كتيب ‪TT‬ة الدوس ‪TT‬ر ‪ ,‬وكان فرس ‪TT‬انها يجمعون من ابناء القبائل‬
‫العربية المختلف‪T‬ة وبخاص‪TT‬ة قبيلة بكر ‪ ,‬وكتيب‪TT‬ة الشهباء ‪ .‬وكانت في عهد النعمان أبي‬

‫المرجع نفسه ‪,‬ص‪.36‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫المرجع نفسه ‪,‬ص ‪.16-15‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع نفسه ‪,‬ص‪.20‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.27-26‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪255‬‬
‫قابوس مؤلفة من اخوته وبني عمه واتباعهم واعوانهم ‪ ,‬وقد شبهت بالحرس الملكي ‪.‬‬
‫والى جانب هاتين الكتيبتين كانت هنالك كتيبة مؤلفة من خمسمائة رجل ياخذهم الملك‬
‫ره ‪TT‬ائن من قبائل العرب ليقيموا عنده س‪TTT‬نة ويس ‪TT‬تعملهم في حروب ‪TT‬ه وغزواته‪ .‬وهم‬
‫يتب‪TT‬دلون كل س‪TT‬نة ‪ .‬وفض‪TT‬العن ذل‪TT‬ك فقد كان ل‪TT‬دى الملك كتيب‪TT‬ة فارس‪TT‬ية من ال‪TT‬ف رجل‬
‫(‪)1‬‬
‫تدعى (الوضائع) يستخدمها الملك في تدعيم مركزه عن الحاجة ‪.‬‬
‫وقد اتخذ ملوك الح ‪TT‬يرة بعض المراس ‪TT‬يم الملكية لتقوية مركزهم وهيبتهم في نظ ‪TT‬ر‬
‫الناس فلبس ‪TT‬وا التيجان ‪ ,‬واقاموا حجاب ‪TT‬ا ينظمون مقابلة الناس لهم ‪ ,‬وفرض ‪TT‬وا على‬
‫الناس ان يحيوهم بعب ‪TT T‬ارة خاص ‪TT T‬ة بهم وهي (( أبيت اللعن ))‪ ,‬وكان لملك الح ‪TT T‬يرة‬
‫رديف خاص به ‪ ,‬اشبه بالمرافق او الوزير ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ويالح ‪TT‬ظ ان النظ ‪TT‬ام السياس ‪TT‬ي في دول ‪TT‬ة الح ‪TT‬يرة اليمكن إدراك ابعاده الكاملة اال من‬
‫خالل االط‪TT‬ار االجتماعي واالقتص‪TT‬ادي والثقافي ال‪TT‬ذي كان يعمل من خالل‪TT‬ه ‪ ,‬وه‪TT‬و ما‬
‫سنوضحه في الصفحات اآلتية ‪:‬‬
‫االوضاع االجتماعية في دولة الحيرة‬ ‫‪-2‬‬
‫كان غالب دولة الحيرة من العرب ‪ ,‬ومن ثم فقد غلبت عليهم القيم االجتماعية العربية‬
‫كاالنتس‪TTT‬اب الى القبيلة والتعص‪TTT‬ب لها واالعتزاز بالعائلة وص ‪TT‬لة ال ‪TT‬رحم ‪ ,‬والتمس‪TTT‬ك‬
‫بالفضائل العربية في مجاالت الحياة كافة ‪.‬‬
‫ويب‪TT‬دوا من دراس‪TT‬ة ما وص‪TT‬ل الينا من نص‪TT‬وص عن س‪TT‬كان دول‪TT‬ة الح‪TT‬يرة أنهم كانوا‬
‫يتألفون من ثالث فئات رئيسة ‪ ,‬هي ‪:‬‬
‫العبادة‬ ‫‪-1‬‬
‫(( وهم ال ‪TT‬ذين س ‪TT‬كنوا الح ‪TT‬يرة وابتنوا بها ))‪ ,‬وقد اض ‪TT‬اف الط ‪TT‬بري في وص ‪TT‬ف العب ‪TT‬اد‬
‫‪ .‬وهذا يدل على ان العبادة كانوا قوما متحض‪TT‬رين‬ ‫(‪)3‬‬
‫بأنهم (( الذين دانوا ألردشير))‬
‫يعيشون حياة التمدن واالس‪TT T‬تقرار منذ زمن بعيد ‪ ,‬وانهم كانوا قد خض‪TT T‬عوا لحكم‬

‫العلي ‪ ,‬محاضرات في تاريخ العرب‪ ,‬ص‪.77-76‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه‪,‬ص ‪.76‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫الطبري ‪ ,‬تاريخ ‪,‬ج‪,2‬ص‪.43‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪256‬‬
‫اردشير ملك الفرس ‪ .‬وربما كان هذا سبب تسميتهم بـ (( العبادة)) الن ملوك الف‪T‬رس‬
‫(‪)1‬‬
‫ونبالءهم كانوا عامة الناس عبيدا‪.‬‬
‫ويالح‪TT‬ظ ان ه‪TT‬ذه الفئة من س‪TT‬كان الح‪TT‬يرة قد ض‪TT‬مت العرب ال‪TT‬ذين جاءوا الى العراق‬
‫في شبه الجزيرة العربية في مرحلة مبكرة نسبيا عند تأسيس الحيرة ‪ ,‬وكذلك (( النبط‬
‫)) وهم من بقايا العراقيين القدماء كالبابليين والكلدانيين واالراميين ‪ ,‬وكانوا يتكلمون‬
‫ولط ‪TT‬ول مخالطتهم مع عرب الح ‪TT‬يرة ‪ ,‬أخذوا يتكلمون العربية‬ ‫(‪)2‬‬
‫اللغ ‪TT‬ة االرامية ‪.‬‬
‫ل‪TT‬ذا فقد‬ ‫(‪)3‬‬
‫برطانة ظ‪TT‬اهرة ‪ ,‬فتأثر عرب الح‪TT‬يرة بهذة الرطانة ‪ ,‬فب‪TT‬دت على ألس‪TT‬نتهم ‪.‬‬
‫ذكر ان خالد بن الوليد حين دخل الحيرة عند تحريرها سأل عبد المسيح بن بقيلة ‪(( :‬‬
‫(‪)4‬‬
‫أعرب انتم ام نبط قال ‪ :‬نبط استعربنا ‪ ,‬وعرب استنبطنا ))‪.‬‬
‫وقد كان سكان الحيرة على الديانة الوثنية شأنهم عرب الجزيرة العربية ‪ .‬فلما أخذت‬
‫الديانة المس‪TT‬يحية تنتشر في العراق اخذ بعض العب‪TT‬اد في اعتناق ه‪TT‬ذه العقيدة ‪ ,‬ح‪TT‬تى‬
‫كثر اتباعها وأصبح لها أس‪T‬قف إس‪T‬مه (هوشع) إشترك في المجمع الكنس‪T‬ي ال‪T‬ذي أنعقد‬
‫في عام ‪410‬م ‪ .‬ل‪TT T‬ذا فقد ذهب بعض االخب‪TT T‬اريين الى انهم س‪TT T‬موا باس‪TT T‬م العب‪TT T‬اد النهم‬
‫وبذلك اصبح‬ ‫كانوا يعبدون اهلل او لكثرة من تسمى منهم باسم عبد ‪ ,‬كعبد المسيح ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫اس ‪TT T‬م ( العب ‪TT T‬اد) ص ‪TT T‬فة تطلق على نص ‪TT T‬ارى الح ‪TT T‬يرة لتميزهم عن غ ‪TT T‬يرهم من س ‪TT T‬كان‬
‫الحيرة ‪.‬‬
‫وقد اشير الى ان العب ‪TT T‬اديين كانوا (( اكثر اه ‪TT T‬ل الح ‪TT T‬يرة ثقافة ‪ ,‬ح ‪TT T‬ذق بعض ‪TT T‬هم‬
‫الص‪TT‬ناعات ‪ ,‬ودرس بعض‪TT‬هم العلوم ‪ ,‬وفاق بعض آخر في اللغ‪TT‬ات ‪ ,‬فح‪TT‬ذق العربية ‪,‬‬
‫وتعلم الفارس‪TT‬ية ‪ .‬وكانوا يتقنون في الغ‪TT‬الب لغ‪TT‬ة ب‪TT‬ني إرم ( االرامية ) بحكم تنص‪TT‬رهم‬
‫واعتب ‪TT‬ار النص ‪TT‬ارى لها لغ ‪TT‬ة مقدس ‪TT‬ة ألنها لغ ‪TT‬ة ال ‪TT‬دين ‪ ,‬ل ‪TT‬ذلك كان لهم وجه ومقام في‬
‫(‪)6‬‬
‫الحيرة ))‪.‬‬

‫كرستنس ‪ ,‬ايران في عهد الساسانيين‪ ,‬ص‪.7‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫غنيمة ‪ ,‬الحيرة ‪,‬ص‪.18‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫جواد علي ‪ ,‬المفصل ‪ ,‬ج‪,3‬ص‪.172‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫الحميري ‪ ,‬كتاب الروض المعطار ‪ ,‬ص‪.208‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫جواد علي ‪ ,‬المفصل ‪,‬ج‪,3‬ص‪.171 ,169,157‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫المرجع نفسه ‪,‬ج‪, 3‬ص‪.171‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪257‬‬
‫ب‪ -‬تنوخ‬
‫وهم العرب ال‪TT‬ذين س‪TT‬كنوا (( المظ‪TT‬ال وبيوت الشعر والعرب في غ‪TT‬ربي الف‪TT‬رات ‪,‬‬
‫وقد اطلق على ه ‪TT‬ؤالء اس ‪TT‬م تنوخ ألنهم‬ ‫(‪)1‬‬
‫فيما بين الح ‪TT‬يرة واالنب ‪TT‬ار وما فوقها ))‪.‬‬
‫تح‪TTT‬الفوا على التنوخ اي االقامة في ه‪TTT‬ذه المنطقة لالشتغال في الزراعة او ال‪TTT‬رعي‬
‫(‪)2‬‬
‫االبل والمواشي فيها‪.‬‬
‫ويالح‪TTT‬ظ ان ه‪TTT‬ؤالء التنوخيين ال‪TTT‬ذين س‪TTT‬كنوا في ب ‪TT‬اديء االمر في ض‪TT T‬واحي مدن‬
‫الحيرة واالنبار وغيرها قد نجحوا في اقامة كيان سياس‪TT‬ي لهم في زمن مال‪TT‬ك بن فهم ‪,‬‬
‫وما زال ملكهم يتوس‪TTT‬ع ح‪TTT‬تى أص‪TTT‬بحوا ملوك الح ‪TT‬يرة في عهد االس ‪TT‬رة اللخمية كما‬
‫اوض‪TT‬حنا ذل‪TT‬ك في بداية ه‪TT‬ذا الفص‪TT‬ل ‪ .‬وقد ض‪TT‬م التنوخيون ابناء قبائل عربية متعددة‬
‫(‪)3‬‬
‫كاللخميين وكانت منهم االس‪TT T‬رة المالكة ومذحج وطيء وكلب وتميم ‪ ,‬وغ‪TT T‬يرهم‬
‫ويبدو ان دولة الحيرة قد استندت على القوة العس‪TT‬كرية البناء ه‪TT‬ذه القبائل ومن تح‪TT‬الف‬
‫معهم في الدفاع عن كيانها وتوسيع نفوذها وسلطانها بين العرب‪.‬‬
‫جـ ‪ .‬االحالف‬
‫(( وهم ال ‪TT T‬ذين لحقوا بأه ‪TT T‬ل الح ‪TT T‬يرة ‪ ,‬ونزل ‪TT T‬وا فيهم ممن لم يكن من تنوخ ال ‪TT T‬وبر ‪,‬‬
‫والمن‬
‫العباد الذين دانوا ألردشير ))(‪ .)4‬ويالح‪TT‬ظ ان عدد ه‪TT‬ؤالء االحالف لم يكن ثابتا ‪ .‬الن‬
‫ذلك يتوقف على المدى الذي يصل اليه نفوذ دولة الحيرة بين العرب ‪ ,‬وعلى القبائل‬
‫التي تعترف بسيادتهم وسلطانهم عليها ‪ (( :‬والراجح انه في اواخر ايام المناذرة كان‬
‫اهم االحالف تغلب التي هاجرت بعد حرب البسوس في ايام عمرو بن هند واس‪TT‬تقرت‬
‫(‪)5‬‬
‫على ضفاف الفرات شمال الحيرة ‪ ,‬وكذلك بكر وخاصة بني وشيبان ))‪.‬‬
‫‪ -3‬االوضاع االقتصادية في دولة الحيرة‬

‫الطبري ‪ ,‬تاريخ ‪,‬ج‪,2‬ص‪.43‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫الطبري ‪,‬ج‪,1‬ص‪ .610‬جواد علي ‪ ,‬المفصل ‪,‬ج‪,3‬ص‪.166‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫غنيمة ‪ ,‬الحيرة ‪,‬ص‪.46‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫الطبري ‪ ,‬تاريخ ‪,‬ج‪,2‬ص‪.46‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫العلي ‪ ,‬محاضرات في تاريخ العرب ‪ ,‬ص‪.75-74‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪258‬‬
‫ان موقع الح ‪TT‬يرة ومناخها وخص ‪TT‬وبة تربتها وتوفر المياه فيها ‪ .‬قد أوجد الظ ‪TT‬روف‬
‫المالئمة لالزدهار االقتص‪TT‬ادي في مجاالت الزراعة والتجارة والص‪TT‬ناعة والخدمات ‪.‬‬
‫ومن أجل اعطاء صورة واضحة عن ذلك سنعرض لكل مجال من ه‪TT‬ذه المجاالت في‬
‫النقاط اآلتية بايجاز ‪-:‬‬
‫أ ‪ .‬الزراعة والثروة الحيوانية‬
‫لقد قادت لنا بعض المص ‪TT‬ادر اوص ‪TT‬افا ذات ط ‪TT‬ابع ادبي تس ‪TT‬اعدنا على أدراك مدى‬
‫على منطقة الحيرة من الناحية الزراعية وما يرتب‪T‬ط بها من ثرواة حيوانية‪ .‬فقد اورد‬
‫حمزة االص‪TT‬فهاني وص‪TT‬فا لهذا الجانب في س‪TT‬ياق حديثه عن النعمان بن امريء القيس‬
‫فقال ان‬
‫النعمان أشرف ذات يوم من قص‪TT T‬ر الخورنق على (( النجف وما يليه من النخل‬
‫والبس ‪TT T‬اتين والجنان واالنهار ممايلي المغ ‪TT T‬رب ‪ ,‬وعلى الف ‪TT T‬رات ممايلي المشرق ‪.‬‬
‫فأعجب ‪TT‬ه في ال ‪TT‬بر من الخض ‪TT‬رة والنور واالنهار الجارية ولقاط الكمأة وكثرة االب ‪TT‬ل‬
‫وصيد الضباء واألرانب وفي الفرات من المالحين والغواصين ‪ .‬ففكر وقال في نفس‪TT‬ه‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ :‬أي درك في هذا الذي قد ملكته اليوم ويملكه غدا غيري ؟))‪.‬‬
‫وقد أشير الى ان ه‪TT‬ذه ال‪TT‬ثروات قد وفرت أله‪TT‬ل الح‪TT‬يرة مس‪TT‬توى رفيعا من المعيشة‬
‫كما وفرت غالت‬ ‫(‪)2‬‬
‫وأمنت لهم نوعا من االكتف ‪TT‬اء ال ‪TT‬ذاتي من جميع الوجوه تقريب ‪TT‬ا‪.‬‬
‫االراض ‪TT‬ي الزراعية دخال جيدا ألص ‪TT‬حابها فض ‪TT‬ال عما يقدمونه للدول ‪TT‬ة من خراج ‪.‬‬
‫وعلى س‪TT T‬بيل المثال ‪ ,‬فقد ذكر أب‪TT T‬و البقاء انه كان يجبى للنعمان بن المنذر من‬
‫االقطاعات الممنوح ‪TT‬ة ل ‪TT‬ه ‪ (( ,‬في كل س ‪TT‬نة مائة ال ‪TT‬ف درهم ‪ ,‬ه ‪TT‬ذا ماذكر على عظم‬
‫ارتفاعه ألهله وكثرة مس ‪TT‬تغله لمالكه ‪ ,‬وذكر انه اليعرف في االرض برية أكثر‬
‫ريعا وال أخف خراجا وال اقل مؤونة منها ‪ ,‬وانها كانت تغ‪TT‬ل ألهلها في كل س‪TT‬نة‬
‫ثالثين الف كر حنطة بالمعدل س‪TT‬وى غيره‪TT‬ا من الغالت والثمرات وس‪TT‬ائر االشياء ))‬
‫(‪.)3‬‬

‫االصفهاني ‪ ,‬تاريخ سي ملوك االرض ‪,‬ص‪.80‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫الحميري ‪ ,‬الروض المعطار‪ ,‬ص‪.209‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫ابو البقاء ‪ ,‬المناقب المزيدية ‪ ,‬مخطوطة الورقة ‪145‬ب ( نقال عن كستر ‪ ,‬الحيرة ومكة ‪,‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫ص‪.18‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪259‬‬
‫ب‪ .‬التجارة‬
‫لقد كان لموقع العراق الوس‪T‬ط بين الشرق والغ‪T‬رب وإ طاللته على الخليج العربي ‪.‬‬
‫فض‪TT‬ال عن وجود دجلة والف‪TT‬رات الص‪TT‬الحين للمالح‪TT‬ة في االقس‪TT‬ام الجنوبية منهما أثر‬
‫كب ‪TT‬ير في انتعاش التجارة في العراق ‪ ,‬وبخاص ‪TT‬ة في الف ‪TT‬ترات ال ‪TT‬تي يس ‪TT‬ود فيها األمن‬
‫واالستقرار بين دول المنطقة ‪.‬‬
‫وكان من اب‪TT‬رز النشاطات التجارية ال‪TT‬تي مارس‪TT‬ها س‪TT‬كان دول‪TT‬ة الح‪TT‬يرة تجارة النقل‬
‫اي ( الترانس‪TT‬يت) ‪ ,‬فكانوا يعملون على نقل البض‪TT‬ائع ال‪TT‬تي تأتي من أقص‪TT‬ى المشرق‬
‫كالص ‪TT‬ين والهند عبر الخليج العربي الى س ‪TT‬وريا وبالد ال ‪TT‬روم واليونان ‪ .‬كما كانوا‬
‫ينقلون منتجات العراق وما يرد اليه من س ‪TT‬وريا وبالد ال ‪TT‬روم من بض ‪TT‬ائع كالحديد‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫والنحاس والقصدير الى سواحل الخليج العربي وأفريقيا‬
‫ويب‪T‬دو ان ممارس‪T‬ة النشاط التجاري لم تكن مقص‪TT‬ورة على تجار الح‪T‬يرة وغ‪T‬يرهم من‬
‫سكان الدولة ‪ ,‬بل شاركهم في هذا النشاط ملوك دولة الحيرة أنفسهم فقد ذكر انه كان‬
‫للنعمان ابن المنذر عالقة تجارية ببالد الشام ‪ ,‬كما كان النعمان نفس‪TT‬ه يبعث في كل‬
‫سنة بقافلة تجارية (لطيمة) الى سوق عكاظ في الحجاز فتباع ويشتري له بثمنها األدم‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫والحرير والبرود من القصب والوشي وغيره‬
‫وألهمية تجارة النقل التي تمر عبر العراق فقد شملت معاهدة الصلح التي اب‪TT‬رمت بين‬
‫االمبراطوريتين الساس ‪TT T‬انية والبيزنطية في عام ‪562 -561‬م احكام ذات ص ‪TT T‬لة‬
‫مباشرة ب‪T‬العرب المتح‪T‬الفين مع كل منهما ‪ .‬وقد تبين من دراس‪T‬ة االحكام ال‪T‬تي نص‪TT‬ت‬
‫عليها المعاهدة (( ان العرب اخذوا طرفا في تجارة المرور ( ال‪TT‬ترانزيت) وكانت لهم‬
‫الريادة في ه ‪TT‬ذا الميدان ‪ .‬وانه كان باس ‪TT‬تطاعتهم نقل الس ‪TT‬لع ليس ب ‪TT‬الطرق المعروفة‬
‫فحسب ‪ ,‬بل بطرق أخرى يستطيعون بها تفادي نقاط المكوس))(‪.)3‬‬
‫ويب ‪TT‬دو ان دول ‪TT‬ة الح ‪TT‬يرة كانت تثقل التجارة بكثرة ما تفرض ‪TT‬ه عليهم من ض‪TTT‬رائب‬
‫ومكوس ‪ .‬لذا فقد تشكى احد الشعراء من ذلك ‪ .‬وهو جابر التغلبي (‪564‬م) فقال ‪:‬‬

‫غنيمة ‪ ,‬الحيرة ‪,‬ص‪.92-91‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.92‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫بيفوليفسكيا ‪,‬العرب على حدود بيزنطة وايران‪ ,‬ص‪.137-136‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪260‬‬
‫وفي كل ما باع امرؤ مكس درهم‬ ‫وفي كل أسواق العراق اتاوة‬
‫وقد س ‪TT T‬اعد النشاط التجاري في العراق بعض اه ‪TT T‬ل الح ‪TT T‬يرة على اح ‪TT T‬تراف مهنة‬
‫الص‪TT‬يرفة والتعامل ب‪TT‬العمالت المختلف‪TT‬ة كال‪TT‬دينار الب‪TT‬يزنطي وال‪TT‬درهم الساس‪TT‬اني وغيره‪TT‬ا‬
‫من‬
‫‪ .‬كما حمل ه‪TT‬ذا النشاط الكثير من ابناء الح‪TT‬يرة على الس‪TT‬فر والعيش بعيد‬ ‫(‪)1‬‬
‫العمالت‬
‫عن بلدهم ‪ ,‬لذا فقد ذكر انك الترى بلدا في االرض ليس فيه حيري ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫جـ ‪ .‬الصناعة‬
‫لم تزودنا المص‪TT‬ادر التاريخية بمعلومات مباشرة عن الص‪TT‬ناعة ومدى تقدمها عند‬
‫اه ‪TT‬ل الح ‪TT‬يرة ‪ ,‬اال أن ماورد من إشارات غ ‪TT‬ير مباشرة في الشعر خاص ‪TT‬ة عن بعض‬
‫السلع والحاجيات التي كان يستخدمها الناس في حياتهم اليومية يوص‪TT‬لنا الى ان بعض‬
‫الص ‪TT‬ناعات كانت قد وص ‪TT‬لت درجة عالية من الجودة واالتقان عند اه ‪TT‬ل الح ‪TT‬يرة ‪.‬‬
‫وربما كانت ص‪TT‬ناعة النس‪T‬يج من اكثر الص‪TT‬ناعات شيوعا وتقدما عندهم ‪ .‬فقد ذكر أن‬
‫النس‪TT‬اجين في الح‪TT‬يرة كانوا ينس‪TT‬جون القز والكتان والص‪TT‬وف ‪ .‬وكانوا يوشون القماش‬
‫احيانا بالقصب او بخيوط الذهب (‪.)3‬‬
‫وقد أشير الى ان مهنة الح‪TT‬دادة كانت متقدمة عند اه‪TT‬ل الح‪TT‬يرة (( فكانوا يص‪TT‬نعون‬
‫ل‪TT‬وازم العمارة من الحديد كالب‪TT‬اب الحديدي ال‪TT‬ذي كان موض‪TT‬وعا على دير األس‪TT‬كون ‪,‬‬
‫ويصنعون شكات السالح والسيوف النارية الشهيرة والسهام ونصال الرماح وغيره‪TT‬ا‬
‫مما كان يتخذ اس ‪TT‬لحة لكتائب الجيش ))(‪ .)4‬وقد ذهب بعض الب ‪TT‬احثين الى ان اه ‪TT‬ل‬
‫الح‪TT‬يرة (( كانوا قد بلغ‪TT‬وا بص‪TT‬ناعة االس‪TT‬لحة وآالت القتال درجة رفيعة من التقدم ‪,‬‬
‫وان هذا التقدم في التقنية العسكرية هو الذي اثار اهتمام الفرس بص‪TT‬ورة خاص‪TT‬ة ))‪.‬‬
‫(‪)5‬‬

‫وجعلهم يعملون للقضاء على دولة الحيرة‪.‬‬

‫غنيمة ‪ ,‬الحيرة ‪,‬ص‪.94-93‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫العلي ‪ ,‬محاضرات في تاريخ العرب ‪.75,‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫غنيمة ‪ ,‬الحيرة ‪,‬ص‪.83-82‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.84‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫بيفوليفسكيا ‪ ،‬العرب على حدود ايران وبيزنطة ‪,‬ص‪.147‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪261‬‬
‫وفضال عما تقدم فقد عرف الح‪TT‬يريون كثيرا من الص‪TT‬ناعات ال‪TT‬تي تمس الحاجة اليها‬
‫في حياتهم اليومية كصناعة االواني والخزف وصنع مختلف االطعمة واالشربة ‪ ,‬مما‬
‫(‪)1‬‬
‫يدل على رقي الحياة المدنية عندهم ‪.‬‬
‫وقد جاء في بعض المص‪TT‬ادر ان اح‪TT‬د الح‪TT‬يريين استض‪TT‬اف شخص‪TT‬ا عنده فأكرمه ثم‬
‫تحداه ان يدله على شي مما قدمه ل‪T‬ه ليس من ص‪T‬نع اه‪T‬ل الح‪T‬يرة فعجز عن ال‪T‬رد على‬
‫التح‪TT‬دي ‪ .‬وكان مما جاء في الح‪TT‬وار بينهما (( ه‪TT‬ل رأيتني اس‪TT‬تعنت على شيء مما‬
‫رأيت ‪ ,‬وأكلت ‪ ,‬وشربت ‪ ,‬وآفترشت ‪ ,‬وشممت بغ ‪TT T‬ير مافي الح ‪TT T‬يرة ؟ قال ‪ :‬ال‬
‫واهلل ‪. )2()) ...‬‬
‫‪ .4‬االوضاع الثقافية في دولة الحيرة‬
‫اتسمت الحياة الثقافية في دول‪T‬ة الح‪T‬يرة ب‪T‬الغنى والتنوع في مجاالتها كافة ‪ ,‬الدينية ‪,‬‬
‫واالدبية والفنية والعمرانية ‪ .‬ومن اجل اعط‪TT‬اء ص‪TT‬ورة واض‪TT‬حة ‪ ,‬متكاملة عن ابعاد‬
‫هذه الحياة سنقوم بالحديث عنها على شكل نقاط وكما هو مدون ادناه ‪.‬‬
‫الحياة الدينية ‪ - :‬شغل ال‪TT‬دين موقعا مركزيا في حياة الناس منذ العص‪TT‬ور‬ ‫أ‪.‬‬
‫القديمة ‪ ,‬وقد انح‪TT‬در كثير من المعتقدات القديمة ال‪TT‬تي كانت س‪TT‬ائدة في العراق القديم‬
‫الى اه‪TT‬ل الح‪TT‬يرة وذل‪TT‬ك لوح‪TT‬دة االنتماء والحض‪TT‬ارة ‪ .‬وكانت العقيدة الس‪TT‬ائدة بين غ‪TT‬الب‬
‫السكان دول‪T‬ة الح‪T‬يرة هي الوثنية او عب‪T‬ادة آلهة متعددة ‪ .‬ومن اب‪T‬رز اآللهة ال‪T‬تي توجه‬
‫اليها اهل الحيرة في العبادة هي العزى والتي كانت تمثل نجمة الص‪TT‬باح ( الزه‪TT‬رة) او‬
‫عشتروت عند العراقيين القدماء ‪ .‬وقد اشير الى ان ملوك الح‪TT‬يرة كانوا يقدمون لها‬
‫النذور والقرابين كما ذكر ان اه ‪TT‬ل الح ‪TT‬يرة عرفوا عب ‪TT‬ادة إل ‪TT‬ه القمر ‪ )3(.‬وقد اوردت‬
‫المصادر ان جذيمة االبرش حينما تكهن اتخذ له صنمين يقال لهما الضيزنان (( فكان‬
‫يستس‪TT‬قي بهما ويستنص‪TT‬ر بهما على العدو))(‪ .)4‬ممايدل على ان ه‪TT‬ذين الص‪TT‬نمين ربما‬

‫غنيمة ‪ ,‬الحيرة ‪ ,‬ص‪.85-84‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫الحميري ‪ ,‬كتاب الروض المعطار‪,‬ص‪.209‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫غنيمة ‪ ,‬الحيرة‪ ,‬ص‪.30‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫اليعقوبي ‪ ,‬تاريخ‪,‬ج‪.208‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪262‬‬
‫مثال في نظر جذيمة إله السماء او إله المطر‪ .‬وثمة إشارة الى وجود صنم في الح‪TT‬يرة‬
‫(‪)1‬‬
‫إسمه (سبه) ‪ ,‬فكان اهل الحيرة يحلفون به ويقولون (( وحق سد)) ‪.‬‬
‫والحقيقة انه لم تص‪TT‬ل الينا معلومات ح‪TT‬ول المعاب‪TT‬د او طقوس العب‪TT‬ادة الوثنية‬ ‫ب‪.‬‬
‫في الحيرة على الرغم من ان هذه العقيدة ظلت قائمة فيها حتى ظهور االسالم ‪.‬‬
‫وفض‪TT‬ال عن الوثنية فقد وجد في دول‪TT‬ة الح‪TT‬يرة من يدين باليهودية إذ ذكر ان كثيرا‬
‫منهم كانوا يعيشون في مدينة تدعى ( فومبيديثة ) وقد عدت ه‪TT‬ذه المدينة ال‪TT‬تي تقع‬
‫بجوار مدينة االنب‪T‬ار (( من اهم المراكز العلمية ال‪T‬تي اخرجت طائف‪T‬ة من كب‪T‬ار احب‪T‬ار‬
‫اليهود ‪ .‬اسهموا في تدوين التلمود وفي جمع التراث اليهودي القديم))‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وثمة اشارات الى وجود اتب‪TT‬اع للديانتين الزرادشتية والمزدكية في الح‪TT‬يرة وبخاص‪TT‬ة‬
‫بين الفرس الذين كانوا مقيمين فيها‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫اال ان اهم ال‪TT‬ديانات ال‪TT‬تي نافس‪TT‬ت الوثنية في دول‪TT‬ة الح‪TT‬يرة واس‪TT‬تطاعت ان تكس‪TT‬ب لها‬
‫انظارا بصورة مطردة المسيحية ‪ ,‬اذ اخذ المبشرون بهذه العقيدة يعملون على نشرها‬
‫في العراق منذ القرن االول للميالدي ‪ .‬ويظهر مما اوردته بعض المص ‪TT T‬ادر ان‬
‫المسيحية قد وجدت لها اتباعا اقوياء في دواة الحيرة في القرن الخامس للميالد بحيث‬
‫تخوف النعمان ملك الحيرة من نفوذهم على ملكه وفكر في اضطهادهم ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫وقد استطاعت المسيحية ان تكسب الى صفها بعض ملوك الح‪T‬يرة كالنعمان الس‪T‬ائح (‬
‫‪481-390‬م ) والنعمان بن المنذر المعروف ب‪TT‬أبي قابوس (ت ‪602‬م) ‪ ,‬واياس بن‬
‫قبيص‪TT T‬ة الط‪TT T‬ائي (‪611-602‬م ) ‪ .‬وقد س‪TT T‬اعد ذل‪TT T‬ك على انتشار االديرة والكنائس‬
‫والمدارس الدينية في دول ‪TT‬ة الح ‪TT‬يرة ‪ ,‬وكان من اشهر االديرة في الح ‪TT‬يرة دير هند‬
‫الكبرى الذي بنته هند بنت الحارث زوجة المنذرين ماء الس‪TT‬ماء وأم عمرو بن المنذر‬
‫(‪)5‬‬
‫وكانت قد اعتنقت النصرانية‪.‬‬

‫غنيمة ‪ ,‬الحيرة‪ ,‬ص‪.30‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫جواد علي ‪ ,‬المفصل ‪,‬ج‪ ,3‬ص‪.175‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫العلي ‪,‬محاضرات في تاريخ العرب‪,‬ص‪.79‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫بيفوليفسكيا ‪ ,‬المرجع السابق ‪.291 ,‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪ ,134‬العلي ‪ ,‬محاضرات ‪ ,‬ص‪.80-79‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪263‬‬
‫وقد لوحظ ان ه‪T‬ذا التنوع في العقائد الدينية في دول‪T‬ة الح‪T‬يرة كانت ل‪T‬ه اثار واض‪TT‬حة‬
‫في توس ‪TT T‬يع مدارك الناس العقلية ‪,‬وتعميق البحث الفكري والفلس ‪TT T‬في بين المهتمين‬
‫بالدراسات الدينية ‪.‬‬
‫ب‪ -‬الحياة االدبية ‪ -:‬كانت اللغة العربية هي اللغ‪T‬ة الس‪T‬ائدة ل‪T‬دى س‪T‬كان دول‪T‬ة الح‪T‬يرة ‪.‬‬
‫س‪TT‬واء اكانوا من ابناء القبائل العربية ‪ .‬ام من العراقيين القدماء ال‪TT‬ذين عرفوا بالنب‪TT‬ط‬
‫وذلك نتيجة الختالطهم المستمر بابنأء القبائل العربية ‪ .‬غ‪T‬ير ان ه‪TT‬ذا اليعني ان اللغ‪TT‬ة‬
‫العربية كانت هي اللغ‪TT‬ة الوحيدة ل‪TT‬دى اه‪TT‬ل الح‪TT‬يرة ‪ .‬فقد ذكر (( ان الح‪TT‬يريين كانوا‬
‫يتعلمون اكثر من لغ ‪TT‬ة واح ‪TT‬دة فكانوا يتقنون العربية النها لغتهم ‪ ,‬وكانوا يعرفون‬
‫اآلرامية اي الس‪TTT‬ريانية‪ .‬وهي لغ‪TTT‬ة بيعتهم وص ‪TT‬لواتهم ‪ ,‬كما انها لغ ‪TT‬ة االنب‪TTT‬اط منهم ‪,‬‬
‫يتكلمونها في بيوتهم ‪ .‬ان مدارس الح‪TT‬يرة الدينية علمت على ه‪TT‬ذه اللغ‪TT‬ة ‪ ,‬ونح‪TT‬دس ان‬
‫الحيريين الفوا كثيرا فيها))‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وفضال عما تقدم فقد كان بين اه‪TT‬ل الح‪TT‬يرة من يعرف العبرية واليونانية والفارس‪TT‬ية ‪,‬‬
‫بل ان من عرب الح‪TT‬يرة من عملوا في بالط كس‪TT‬رى بوظيف‪T‬ة مترجمين من امثال زيد‬
‫بن عدي وغيره ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وقد تطلبت الحياة الدينية والثقافية في دولة الحيرة انشاء المدارس ‪ .‬فكان لدى اليهود‬
‫والنصارى ‪ ,‬وربما غيرهم ايضا ‪ ,‬مدارسهم التي تعلم القراءة والكتاب‪TT‬ة واص‪TT‬ول ال‪TT‬دين‬
‫والفلسفة ‪ .‬وقد اشير الى بعض كبار الدين ال‪T‬ذين تخرجوا من ه‪T‬ذه المدارس مثل ايليا‬
‫الحيري مؤسس دير مار ايليا في الموصل ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫وربما كان لهذه المدارس وغيره‪TT‬ا الفض‪TT‬ل في تط‪TT‬ور الخط العربي وانتشاره كما‬
‫‪ .‬كما كان لها الفض ‪TT‬ل في تدوين كثير من اخب ‪TT‬ار ملوك الح ‪TT‬يرة‬ ‫(‪)4‬‬
‫يذكر البالذري‬
‫والمحافظ‪T‬ة عليها ‪ .‬فقد ذكر الط‪T‬بري انه ح‪T‬دث عن هشام بن محمد الكلبي انه قال ‪:‬‬
‫(( إني كنت اس‪TT‬تخرج اخب‪TT‬ار العرب وانس‪TT‬اب آل نص‪TT‬ر بن ربيعة ‪ ,‬ومب‪TT‬الغ اعمار من‬

‫غنيمة الحيرة ‪,‬ص ‪.57-56‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫غنيمة ‪ ,‬الحيرة ‪,‬ص‪.58-57‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع نفسه ‪,‬ص‪.55-54‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫البالذي ‪ ,‬فتوح البلدان ‪,‬ص‪.457-456‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪264‬‬
‫عمل منهم آلل كسرى وتاريخ سنيهم من بيع الحيرة ‪ ,‬وفيها ملكهم وامورهم كلها ))‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ويالح‪TT T‬ظ ان الشعر العربي قد ازده‪TT T‬ر في خالل النص‪TT T‬ف الثاني من حكم ملوك‬
‫المناذرة ‪ ,‬وكان اب‪TT T‬رز شعراء العربية يقص‪TT T‬دون بالط الح‪TT T‬يرة لينشدوا اشعارهم ‪,‬‬
‫ويتلقوا ض ‪TT‬روب التشجيع والتكريم من ل‪TT‬دن ملوك المناذرة ‪ .‬وقد حفلت كتب االدب‬
‫باخب‪TT‬ارهم ه‪TT‬ؤالء الشعراء وقصص‪TT‬هم مع اولئك الملوك وكان من اب‪TT‬رزهم المرقش‬
‫االكبر والمنخل البشكري والنابغ‪T‬ة ال‪T‬ذبياني وح‪T‬اتم الط‪T‬ائي وعمرو بن كلثوم ولبيدبن‬
‫ربيعة وحس ‪TT‬ان بن ثابت وغ ‪TT‬يرهم ‪ .‬وقد أنجبت الح ‪TT‬يرة عددا من الشعراء كان من‬
‫اشهرهم عدي بن زيد العب‪T‬ادي وولديه زيد وعمرو وكان كالهما شاعرا ‪ ,‬وعدي بن‬
‫مرينا وأياسبن قبيصة ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وقد اشارت بعض المص ‪TT‬ادر الى ان االجواء االدبية والشعرية الراقية الس ‪TT‬ائدة في‬
‫الح ‪TT‬يرة قد تركت اثرا عميقا في نفس وعقل بهرام جور قب ‪TT‬ل توليه الملك في بالد‬
‫فارس ‪ ,‬وكان من نتائج هذا التأثير كما يقول محمد عوفي في كتاب (لب‪T‬اب االلب‪T‬اب)‬
‫وه‪TT T‬و أول كتاب في تاريخ االدب الفارس‪TT T‬ي (( أن بهرام جور اول من أنشأ شعرا‬
‫بالفارسية ‪ ,‬وانه تعلم الشعر من العرب‪ ,‬إذ نشأ بينهم وعرف دقائق لغتهم ‪ ,‬وكان ل‪T‬ه‬
‫(‪)3‬‬
‫شعر عربي بليغ))‬
‫جـ‪ .‬العمارة والفنون‪ -:‬يعد االهتمام بالعمارة والفنون اح‪TT‬د مظ‪TT‬اهر التقدم الحض‪TT‬اري‬
‫في مجتمع ‪ ,‬وقد حفلت المص ‪TT‬ادر بالح ‪TT‬ديث عن القص ‪TT‬ور والمب ‪TT‬اني الجميلة والفنون‬
‫المتنوعة التي وجدت في الحيرة عاصمة المناذرة ‪.‬‬
‫ويس‪TT‬تنتج مما وص‪TT‬ل الينا اخب‪TT‬ار انه لم يكن يحيط بمدينة الح‪TT‬يرة س‪TT‬ور يح‪TT‬دد شكلها‬
‫وحجمها ويساعد على الدفاع عنها في اوقات الح‪T‬روب ‪ .‬ل‪T‬ذا فقد جعل زعماء الح‪T‬يرة‬
‫قص‪TT‬ورهم على هيئة حص‪TT‬ون حربية كي يلجأ الناس اليها في اوقات الح‪TT‬روب ‪ .‬وقد‬
‫اشار البالذري الى ان خالد بن الوليد حينما وصل الحيرة لتحريره‪T‬ا من تس‪T‬لط الف‪T‬رس‬

‫الطبري ‪ ,‬تاريخ‪,‬ج‪ ,1‬ص‪.628‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫غنيمة ‪ ,‬الحيرة ‪,‬ص‪.76-58‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫احمد محمد الحوفي ‪,‬تيارات ثقافية بين العرب والفرس ‪ ,‬القاهرة ‪,1968,‬ص‪.87‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪265‬‬
‫وحينما‬ ‫(‪)1‬‬
‫(( تحص‪TT‬ن اهلها في القص‪TT‬ر االبيض وقص‪TT‬ر ابن بقلية قص‪TT‬ر العدس‪TT‬يين ))‪.‬‬
‫سأل خالدبن الوليد عبدالمس‪T‬يح ابن بقلية إن كان اه‪T‬ل الح‪T‬يرة يريدون الح‪T‬رب ام الس‪T‬لم‬
‫قال ‪(( :‬بل السلم ‪ .‬قال‪:‬بنينا للسفيه يجيء الحليم ‪ ,‬ثم تذاكرا الصلح فاصطلحا‪)) ...‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وقد اشتهرت الحيرة بكثرة قصورها واهمها قصرا الخورنق والس‪TT‬دير ال‪TT‬ذين بناهما‬
‫النعمان السالح (‪ , .)3‬وقصر االبيض‪ ,‬وقصر الزوراء ‪ ,‬وقصر العدسيين (‪.)4‬‬
‫وقد ذكرت المص‪TT‬ادر ان مب‪TT‬اني الح‪TT‬يرة كانت ذات ط‪TT‬راز متميز من حيث التخطيط‬
‫وفن الريازة ‪ .‬وقد عرف ه‪TT‬ذا الط‪TT‬راز في البناء بـ ((الح‪TT‬يري))‪ .‬وقد ذكر المس‪TT‬عودي‬
‫ان الخليف ‪TT‬ة المتوكل قد شيد ل ‪TT‬ه قص ‪TT‬را على الط ‪TT‬راز الح ‪TT‬يري فتابعه الناس في ذل ‪TT‬ك‬
‫فشاعواشتهر ‪ .‬ويتألف المبنى على الطراز الحيري من ايوان في صدره غرفة ‪ ,‬وفي‬
‫جانبيه غرفتين ‪ .‬وقد ظ‪TT‬ل ه‪TT‬ذا الط‪TT‬راز مس‪TT‬تخدما في بناء ال‪TT‬بيوت العراقية ح‪TT‬تى وقت‬
‫قريب(‪. )5‬‬
‫وقد اس‪TT‬تخدم الح‪TT‬يريون في تشييد مب‪TT‬انيهم اللبن واآلجر والمرمر والجص والقرمد ‪.‬‬
‫كما تفننوا بنقشها وزخرفتها بالرس‪T‬وم وبطالء س‪T‬قوفها بالفسيفس‪T‬اء وال‪T‬ذهب ‪ .‬وقد لفت‬
‫نظ‪TT‬ر االثريين خلو ه‪TT‬ذه الرس‪TT‬وم من تمثيل االنس‪TT‬ان في الح‪TT‬يرة واالقتص‪TT‬ار على تمثيل‬
‫الزه‪TT‬ور والفواكه والبقول في وقت س‪TT‬بق ظهور االس‪TT‬الم‪ )6(.‬وه‪TT‬ذا يدل في حال‪TT‬ة ثبوته‬
‫على ان ثمة صلة بين توجهات الفن الحيري في الرسم والزخرفة وبين توجهات الفن‬
‫االسالمي‬
‫ولم يقتص ‪TT‬ر عمل الفنان الح ‪TT‬يري على فن البناء والعمارة ‪ ,‬ب ‪TT‬ل امتد ليشمل بعض‬
‫االعمال اليدوية كص‪TT T‬ناعة الف‪TT T‬رش الظريف‪TT T‬ة ‪ ,‬واواني الفخار المطلية ب‪TT T‬ألوان بهية‬
‫وص‪TT‬ناعة االطب‪TT‬اق الجميلة ال‪TT‬تي تقدم فيها فاكهة ‪ ,‬فض‪TT‬ال عن ص‪TT‬ناعة ادوات ال‪TT‬ترف‬

‫البالذري ‪,‬فتوح البلدان‪ ,‬ص‪.345‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المصدر نفسه ‪ ,‬ص‪.344‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫االصبهاني ‪,‬تاريخ سني ملوك االرض ‪,‬ص‪.79‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫العلي ‪,‬محاضرات ‪ ,‬ص‪.18‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫المسعودي ‪ ,‬مروج الذهب ‪,‬ج‪,4‬ص‪ .100-99‬العلي ‪ ,‬محاضرات ‪,‬ص‪.78‬‬ ‫‪)(5‬‬

‫غنيمة ‪ ,‬الحيرة ‪,‬ص‪.87-86‬‬ ‫‪)(6‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪266‬‬
‫والزينة كعمل المص‪T‬وغات الذهبية والفض‪T‬ية وترص‪T‬يعها ب‪T‬الجواهر ‪ ,‬او اس‪T‬تخدام العاج‬
‫في صنع االسورة وغير ذلك (‪.)1‬‬
‫وتشير المص‪TT‬ادر الى ان اه‪TT‬ل الح‪TT‬يرة قد اهتموا بالموس‪TT‬يقى والغناء كثيرا ‪ ,‬فعرفوا‬
‫آالت الموسيقى المختلفة واجادوا أستخدامها وكان من ابرزه‪T‬ا العود وال‪T‬دف والمزمار‬
‫‪ .‬اما الغناء فقد (( ط‪TT‬ارت شهرة الغناء الح‪TT‬يري في آالفاق ‪ ,‬وكانت القيان اللواتي‬
‫يغ‪T‬نين غناء الح‪T‬يرة يبعثن الى الملوك واالمراء ‪ ,‬فبعث أياس بن قص‪TT‬يبة الى جبلة بن‬
‫االيهم خمس قيان يغ ‪TT‬نين غناء اه ‪TT‬ل الح ‪TT‬يرة ‪ ,‬وذكر المس ‪TT‬عودي انه لم تمكن قريش‬
‫تعرف من الغناء إالالبض ح‪TT‬تى قدم النض‪TT‬ربن كلدة بن علقمة من العراق وافدا على‬
‫كسرى بالحيرة فتعلم ضرب العود والغناء عليه ‪ ,‬فقدم مكة فعلم أهلها ))‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وهكذا نالح ‪TT T‬ظ ان اه ‪TT T‬ل الح ‪TT T‬يرة قد اهتموا بجميع ص ‪TT T‬ور التعب ‪TT T‬ير الف ‪TT T‬ني واالدبي‬
‫والثقافي ‪ .‬وكان ذل‪TT‬ك نتيجة طبيعية لما حققته دول‪TT‬ة الح‪TT‬يرة من تقدم وازده‪TT‬ار عبر‬
‫حياتها التي امتدت حوالي اربعة قرون‪.‬‬
‫االوضاع الحضارية لدولة الغساسنة‬
‫لم تقدم لنا المصادر معلومات واسعة عن االوضاع الحضارية لدولة الغساس‪TT‬نة ‪ ,‬ل‪TT‬ذا‬
‫فاننا سنعرض لهذه االوضاع من الناحية االقتص‪TT‬ادية واالجتماعية والسياس‪TT‬ية والثقافية‬
‫بصورة موجزة وبقدر ماتمسح به المعلومات المتيسرة ‪ ,‬وحسب النقاط اآلتية ‪:‬‬
‫لقد ترجح ل ‪TT‬دينا في ه ‪TT‬ذا الفص ‪TT‬ل ان الغساس ‪TT‬نة هم تح ‪TT‬الف قبلي نشأ عند ماء‬ ‫‪.1‬‬
‫غس‪TT‬انثم انتقلوا بعد ذل‪TT‬ك الى بادية الشام حيث نجح‪TT‬وا في بس‪TT‬ط س‪TT‬يادتهم على القبائل‬
‫العربية الموجودة في تلك الرب‪TT‬وع واسس‪TT‬وا دولتهم فيها ‪ .‬ويب‪TT‬دو من دراس‪TT‬ة اوض ‪TT‬اع‬
‫الغساس‪TT‬نة في الشام انهم كانوا يعتمدون في معيشتهم اساس‪TT‬ا على حياة ال‪TT‬رعي شأنهم‬
‫في ذلك شأن القبائل البدوية والقبائل نصف الحضرية ‪ .‬وقد افلح الغساس‪TT‬نة في اض‪TT‬افة‬
‫مورد مالي آخر يس‪TT T T‬اعدهم في تأمين معاشهم حين اقاموا عالقات وثيقة مع‬
‫االمبراطورية البيزنطية ‪ ,‬إذ اخذوا على عاتقهم حماية الح‪TT‬دود الشرقية لبالد الشام‬
‫والمساهمة في حروب الروم ضد الفرس الساسانيين مقاب‪TT‬ل حص‪TT‬ولهم على منح س‪TT‬نوية‬

‫المرجع نفسه ‪,‬ص‪.89-84‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه‪ ,‬ص‪.89‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪267‬‬
‫ومكافآت نقدية وعينية من االمبراطورية البيزنطية فض ‪TT‬ال عما يحص ‪TT‬لون عليه من‬
‫(‪)1‬‬
‫غنائم في اثناء الحروب التي كانوا يشاركون فيها ‪.‬‬
‫وقد كان من الطبيعي ان يحص‪TT‬ل زعماء الغساس‪TT‬نة على نص‪TT‬يب من المكافآت والغنائم‬
‫أكبر مما يحص ‪TT‬ل عليه عامة الناس ‪ ,‬مما افس ‪TT‬ح المجال لظهور فئة االعيان بين‬
‫الغساسنة ‪ .‬وبذلك تألف المجتمع القبلي للغساسنة من اسرة حاكمة تتألف من الشيخ او‬
‫الملك واخوانه وابنائه ‪ ,‬ثم تأتي بعدهم في المنزل‪T‬ة فئة االعيان ‪ ,‬وهم رؤس‪T‬اء البط‪T‬ون‬
‫(‪)2‬‬
‫واالسر في االتحاد القبلي واخيرا تاتي فئة عامة افراد القبيلة االحرار‪.‬‬
‫وللطابع العسكري الذي طبع حياة دولة الغساسنة في الشام ‪ ,‬واشتراك جميع‬ ‫‪.2‬‬
‫القادرين على القتال من الغساس ‪TT‬نة في الح ‪TT‬روب اص ‪TT‬بح مفهوم (العس ‪TT‬كر) او الجيش‬
‫مرادفا لمفهوم الشعب او االتح‪TT‬اد القبلي (( ل‪TT‬ذا فإن الفكرة عن الشعب قد تم التعب‪TT‬ير‬
‫عنها بلفظ ( العسكر) و ( المعسكر) ‪. )3()) ...‬‬
‫وكان الذي يترأس االتحاد القبلي للغساسنة ( العسكر) ه‪T‬و الملك‪ ,‬إذ يس‪T‬تند في س‪T‬لطانه‬
‫على الوراثة ال ‪TT‬تي انحص ‪TT‬رت في اس ‪TT‬رة حاكمة تنتمي الى العشيرة ال ‪TT‬تي خرج منها‬
‫الملك‪ .‬وكان الملك ينتقل من االب الى ابنه االكبر عن الغساس‪TT T‬نة وليس من االخ‬
‫الكب‪TT T‬ير الى اخيه االص‪TT T‬غر منه حس‪TT T‬ما تقض‪TT T‬ي ب‪TT T‬ه التقاليد القبلية مما يدل على ان‬
‫الغساسنة كانوا قد تأثروا بالنظم الملكية في الدول المجاورة ‪.‬‬
‫ولم يكن الملك يمارس مسؤليات القيادة والحكم بصورة مطلقة ‪ ,‬ب‪T‬ل كان يراعي في‬
‫عمله قاعدة الشورى ‪ ,‬إذ كان الملك يستشير أعيان قومه في المس‪TT‬ائل ذات االهمية‬
‫قبل اتخاذ اي قرار ‪ ,‬الن ه‪TT‬ؤالء االعيان كانوا يمثلون ابناء قب‪TT‬ائلهم وعشائرهم ال‪TT‬ذين‬
‫يضطلعون بمعظم المهمات الواجب تنفيذها سواء في اوقات الحرب او اوقات الس‪TT‬لم ‪.‬‬
‫(‪)4‬‬

‫بيفوليفسكيا ‪ ,‬المرجع السابق ‪.291 ,‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫المرجع نفسه ‪,‬ص‪.289-287‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.288‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫المرجع نفسه ‪,‬ص‪.289‬‬ ‫‪)(4‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪268‬‬
‫وتشير المص‪TT‬ادر الى ان عاص‪TT‬مة الغساس‪TT‬نة كانت عب‪TT‬ارة عن معس‪TT‬كر (( حيرثا‬ ‫‪.3‬‬
‫الح ‪TT‬ارث الغس ‪TT‬اني)) اي معس ‪TT‬كره (‪ .)1‬ومن المرجح ان ه ‪TT‬ذا ( المعس ‪TT‬كر‪ -‬العاص ‪TT‬مة)‬
‫كان يقع في (الجابية ) بمنطقة الجوالن ‪ .‬ووردت اشارات ل‪TT T‬دى الشعراء الى ان‬
‫مراكز إقامة ملوك الغساسنة (( جلق )) وهي موضع يقع على نهر بردي ب‪TT‬القرب من‬
‫(‪)2‬‬
‫دمشق ‪.‬‬
‫ويب‪TT‬دو مما تقدم ان ملوك الغساس‪TT‬نة لم يكونوا يرغب‪TT‬ون في العيش في مدينة محص‪TT‬نة‬
‫ذات ابنية وقصور على عادة ملوك الحضر ‪ ,‬وانما كانوا يفض‪TT‬لون التنقل والعيش في‬
‫مخيمات (عسكرية ) على طريقة اهل البادية الن ذل‪TT‬ك يعطيهم حرية الحركة وينس‪TT‬جم‬
‫مع الط‪TT‬ابع العس‪TT‬كرية ل‪TT‬دولتهم ‪ .‬ل‪TT‬ذا فان نولدكه يشكل في ص‪TT‬حة مانس‪TT‬به اليهم حمزة‬
‫االص‪TT‬فهاني من قص‪TT‬ور وعمائر ‪ ,‬ويقول ‪ (( :‬إننا النرى قط إشارة الى ان الغساس‪TT‬نة‬
‫كانوا يمتلكون ايا من االماكن المحص ‪TT‬نة او من المدن ال ‪TT‬تي كانت مراكز للجيش‬
‫‪ .‬ومن ثم فإنه المجال للح‪TT T‬ديث عن الناحية‬ ‫(‪)3‬‬
‫كدمشق وبص‪TT T‬رى او كتدمر‪)) ...‬‬
‫الفنية والعمرانية ل‪TT‬دى الغساس‪TT‬نة النهم لم يكونوا يقيمون في المدن ولم يثبت أنه كان‬
‫ل‪TT‬ديهم ول‪TT‬ع بتشييد القص‪TT‬ور والمب‪TT‬اني العظيمة كما كان يفعل الملوك المس‪TT‬تقرون في‬
‫الحواضر والمدن ‪.‬‬
‫اما الناحية الثقافية فقد كان الغساس ‪TT‬نة عرب ‪TT‬ا ‪ ,‬ومن ثم كان من الط ‪TT‬بيعي ان‬ ‫‪.4‬‬
‫تكون لغتهم هي لغ‪TT T‬ة العرب نفس‪TT T‬ها وكذلك االمر بالنس‪TT T‬بة لحكمهم وامثالهم وادبهم‬
‫وطريقة حياتهم ‪ ,‬ل ‪TT‬ذا فقد حفلت كتب االدب بالح ‪TT‬ديث عن ص ‪TT‬الت ملوك الغساس ‪TT‬نة‬
‫بالشعراء العرب من امثال النابغ‪TTT‬ة ال‪TTT‬ذبياني وحس ‪TT‬ان بن ثابت واالعشى والمرقش‬
‫االكبر وعلقمة الفح ‪TT‬ل ‪ .‬وقد وص ‪TT‬ل الينا كثير من القص ‪TT‬ائد الشعرية ال ‪TT‬تي تشير الى‬
‫الغساس ‪TT‬نة وتمدح ملوكهم ‪ .‬وكان اب ‪TT‬رز الشعراء ال ‪TT‬ذين مدحوا الغساس ‪TT‬نة حس ‪TT‬ان بن‬
‫ثابت حيث يقول ‪:‬‬
‫يوما بحلق في الزمان االول‬ ‫هلل در عصابة نادمتهم‬

‫المرجع نفسه ‪ ,‬ص‪.288‬‬ ‫‪)(1‬‬

‫نولدكة ‪ ,‬امراء غسان ‪,‬ص‪.51‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫المرجع نفسه ‪,‬ص‪ .51‬ينظر ايضا ‪,‬ص‪.57-53‬‬ ‫‪)(3‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪269‬‬
‫كما قال النابغة في رثاء النعمان ابن الحارث ‪:‬‬
‫وحوران منه موحش متضائل (‪.)1‬‬ ‫بكى حارث الجوالن من فقد ربه‬
‫وقد كان ملوك الغساس‪TT‬نة يدينون بالعقيدة المس‪TT‬يحية على المذهب اليعقوبي‬ ‫‪.5‬‬
‫كما اوض‪TT‬حنا ذل‪TT‬ك آنف‪TT‬ا ‪ ,‬وهم لم يكتف‪TT‬وا بمجرد التمس‪TT‬ك بهذا االعتقاد على المس‪TT‬توى‬
‫الشخص‪TT‬ي ب‪TT‬ل إنهم دافعوا بحماس‪TT‬ة عن اتب‪TT‬اع ه‪TT‬ذا المذهب‪ ,‬وح‪TT‬اولوا اس‪TT‬تخدام نف‪TT‬وذهم‬
‫ل‪TT‬دى قياص‪TT‬رة ال‪TT‬روم من اجل تأمين الحماية ألص‪TT‬حاب ه‪TT‬ذا المذهب وض‪TT‬مان الحرية‬
‫الدينية ألتباعه وقد كف‪TT‬ل لهم ه‪TT‬ذا الموقف محب‪TT‬ة أتب‪TT‬اع ه‪TT‬ذا المذهب وحماس‪TT‬تهم لهم في‬
‫كل مكان مما رفع من منزلتهم وتأثيرهم في مختلف ارجاء االمبراطورية البيزنطية‬
‫وبخاص ‪TT‬ة في الواليات الشرقية ال ‪TT‬تي انتشر فيها ه ‪TT‬ذا المذهب على نط ‪TT‬اق واس ‪TT‬ع بين‬
‫الناس ‪ .‬وقد اثار حماسة الغساسنة للمذهب اليعقوبي ودفاعهم عنه التخوف في نف‪T‬وس‬
‫قياص ‪TT‬رة ال ‪TT‬روم والطبقة العليا في االمبراطورية البيزنطية ‪ ,‬الن ه ‪TT‬ذا المذهب كان‬
‫مخالف‪TT‬ا للمذهب الرس‪TT‬مي لالمبراطورية ‪ .‬ومن ثم فقد عدت مناص‪TT‬رة ملوك الغساس‪TT‬نة‬
‫ل‪TT‬ه ودفاعهم عن اتباعه نوعا من المعارض‪TT‬ة لسياس‪TT‬ة االمبراطورية ومحاول‪TT‬ة التدخل‬
‫في شؤونها والتأثير في توجهاتها العامة ‪ .‬ومن المرجح ان ه‪T‬ذا العامل كان من اب‪T‬رز‬
‫العوامل ال‪TT‬تي دفعت قياص‪TT‬رة ال‪TT‬روم على التامر على ملوك الغساس‪TT‬نة والقض ‪TT‬اء على‬
‫دولتهم‪.‬‬
‫وإ ذا كان قياص‪TT T‬رة ال‪TT T‬روم قد اعتقدوا ان القض‪TT T‬اء على دول‪TT T‬ة الغساس‪TT T‬نة كان في مص‪TT T‬لحة‬
‫امبراطوريتهم ‪ ,‬فإن الدراس‪TT‬ات الحديثة قد اثبتت انهم كانوا مخط‪TT‬ئين كثيرا في ه‪TT‬ذا المجال‬
‫وذل ‪TT‬ك النه (( منذ اللحظ ‪TT‬ة ال ‪TT‬تي فقدت بيزنط ‪TT‬ة مؤازرة الغساس ‪TT‬نة ‪ ,‬فإن وض ‪TT‬عها السياس ‪TT‬ي‬
‫الخارجي س‪TT‬اء بص‪TT‬ورة ملحوظ‪TT‬ة ‪ ,‬فال‪TT‬دفاع ض‪TT‬د الف‪TT‬رس اض‪TT‬حى اكثر ص‪TT‬عوبة ‪ ,‬ويقف دليال‬
‫على هذا ماتاله هؤالء من انتصارات في نهاية القرن السادس‪ .‬واكثر خط‪T‬ورة من ه‪T‬ذا كان‬
‫وضع االمبراطورية عند هجوم المسلمين ‪ .‬ذلك ان الدور المخف‪T‬ف ال‪T‬ذي كان من الممكن ان‬
‫تقوم به دول‪T‬ة العرب العازل‪T‬ة لم يتحقق ‪ ,‬وبهذا وجدت بيزنط‪T‬ة نفس‪T‬ها وجها لوجه اما قوات‬
‫العرب المس‪TT‬لمين ‪ ,‬تلك القوات الفتية الموح‪TT‬دة الكلمة ‪ ,‬وال‪TT‬تي افعم قلوب افراده‪TT‬ا االيمان‬

‫احمد امين ‪ ,‬فجر االسالم ‪,‬ص‪ , .21-20‬عبد العزيز سالم ‪,‬تاريخ العرب قبل االسالم ‪,‬ص‬ ‫‪)(1‬‬

‫‪.137-136‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪270‬‬
‫بالعقيدة الجديدة وهي االسالم ‪ .‬فلم تستطع بيزنطة ان تفيق من الضربة الشديدة ال‪TT‬تي وجهت‬
‫(‪)2‬‬
‫اليها ‪ ,‬ولم تقدر على حماية عاصمتها نفسها إال بمشقة وعناء شديدين))‬

‫المصادر والمراجع‬
‫‪-‬القرآن الكريم‬
‫االصفهاني ‪ ،‬حكمزة بن الحسن ‪ ،‬تاريخ سني ملوك االرض واالنبياء‪.‬‬ ‫‪.1‬‬
‫االصطخري ‪ ،‬ابو اسحق ابراهيم ‪ ،‬المسالك والممالك‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫االصعمي ‪ ،‬عبد الملك ‪ ،‬تاريخ العرب قبل االسالم‪.‬‬ ‫‪.3‬‬
‫االزرقي ‪ ،‬اب‪TT T‬و الوليد محمد بن عب‪TT T‬د اهلل ‪ ،‬اخب‪TT T‬ار مكة وما جاء فيها من‬ ‫‪.4‬‬
‫االثار‪.‬‬
‫البالذري ‪ ،‬احمد بن يحيى ‪ ،‬فتوح البلدان‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫البالذري ‪ ،‬احمد بن يحيى ‪ ،‬انساب االشراف ‪ ،‬ج‪ ، 1‬طبعة القاهرة ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫الجمعي ‪ ،‬الفضل بن الحباب ‪ ،‬طبقات شعراء الجاهلية ‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫المسعودي ‪ ،‬ابو الحسن ‪ ،‬مروج الذهب ‪ ،‬أربعة اجزءا‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫المسعودي ‪ ،‬ابو الحسن ‪ ،‬التنبيه واالشراف ‪ ،‬طبعة بيروت ‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫المقدسي ‪ ،‬شمس الدين ابو عبد اهلل ‪ ،‬احست التقاسيم في معرفة االقاليم‪.‬‬ ‫‪.10‬‬
‫الطبري ‪ ،‬محمد بن جرير ‪ ،‬تاريخ الرسل والملوك ‪ ،‬ج‪.2‬‬ ‫‪.11‬‬
‫العلي ‪ ،‬د‪ .‬ص‪TTT‬الح احمد ‪ ،‬محاض‪TTT‬رات في تاريخ العرب ‪ ،‬محاض‪TTT‬رات في‬ ‫‪.12‬‬
‫التاريخ االسالمي‪.‬‬
‫ابن شبه ‪ ،‬أبو زيد البصري ‪ ،‬تاريخ المنورة ‪ ،‬اجزاء‪.‬‬ ‫‪.13‬‬
‫علي ‪ ،‬د‪ .‬جواد ‪ ،‬المفص‪TT T‬ل في تاريخ العرب قب‪TT T‬ل االس‪TT T‬الم ‪ ،‬ج‪ 1‬؛ تاريخ‬ ‫‪.14‬‬
‫العرب قبل االسالم ‪ 8 ،‬اجزاء‪.‬‬
‫الكبيسي ‪ ،‬د‪ .‬حمدان ‪ ،‬اسواق العرب التجارية‪.‬‬ ‫‪.15‬‬
‫س‪TT‬الم ‪ ،‬د‪ .‬عب‪TT‬د العزيز ‪ ،‬دراس‪TT‬ات في تاريخ العرب ‪ ،‬ج‪ .1‬؛ تاريخ الدول‪TT‬ة‬ ‫‪.16‬‬
‫العربية ‪ ،‬طبعة بيروت‪.‬‬

‫بيفوليفسكيا ‪ ,‬المرجع السابق ‪ ,‬ص‪.274‬‬ ‫‪)(2‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪271‬‬
‫الهمداني ‪ ،‬أبو محمد الحسن ‪ ،‬كتاب االكليل ‪ 21 ،‬صفحة جزيرة العرب‪.‬‬ ‫‪.17‬‬
‫الهاشمي ‪ ،‬د‪ .‬علي ‪ ،‬المرأة في الشعر الجاهلي‪.‬‬ ‫‪.18‬‬
‫اليعقوبي ‪ ،‬احمد يغقوب ‪ ،‬كتاب البلدان ‪ ،‬طبعة النجف ؛ تاريخ اليعقوبي ‪،‬‬ ‫‪.19‬‬
‫جزءان‪.‬‬
‫ابن الكلبي ‪ ،‬ابو المنذر هشام ‪ 25 ،‬كتاب االصنام ‪ ،‬طبعة القاهرة‪.‬‬ ‫‪.20‬‬
‫ابن هشام ‪ ،‬ابو محمد عبد الملك ‪ ،‬السيرة النبوية ‪ ،‬اربعة اجزاء ‪.‬‬ ‫‪.21‬‬
‫ياقوت الحموي ‪ ،‬شهاب ال‪TT‬دين عب‪TT‬د اهلل ‪ ،‬معجم البلدان ‪ ،‬اجزاء ‪، 28‬معجم‬ ‫‪.22‬‬
‫االدباء اجزاء‪.‬‬
‫جواد علي ‪ ،‬المفصل في تاريخ العرب قبل االسالم‪.‬‬ ‫‪.23‬‬
‫د‪ .‬منذر البكر ‪ ،‬دراسات في تاريخ العرب قبل االسالم‪.‬‬ ‫‪.24‬‬
‫فؤاد حمزة ‪ ،‬قلب جزيرة العرب‪.‬‬ ‫‪.25‬‬
‫د‪ .‬صالح العلي ‪،‬محاضرات في تاريخ الرعب‪.‬‬ ‫‪.26‬‬
‫احمد أبو الفضل عوض اهلل ‪ ،‬مكة في عصر ما قبل السالم‪.‬‬ ‫‪.27‬‬
‫توفيق بروا ‪ ،‬تاريخ العرب القديم وعصر الرسول‬ ‫‪.28‬‬
‫فيليب حتي ‪ ،‬تاريخ العرب ( مطول)‪.‬‬ ‫‪.29‬‬
‫مصطفى مراد الدباغ ‪ ،‬جغرافية شبه جزيرة العرب‪.‬‬ ‫‪.30‬‬
‫احمد الشامي ‪ ،‬في تاريخ العرب قبل االسالم‪.‬‬ ‫‪.31‬‬

‫رقم االيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد ( ‪ )3921‬لسنة ‪2017‬‬

‫نشر وتوزيع مكتبة الصفوة‬

‫مكتبة الصفوة – بغداد – العراق ‪2017 -‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪272‬‬
‫‪07712291449‬‬

‫قرب الباب الرئيسي للجامعة المستنصرية‬ ‫مكتبة الصفوة – بغداد‪ -‬شارع فلسطين –‬
‫‪273‬‬

You might also like