You are on page 1of 31

‫‪13‬‬

‫أسباب انهيار الدول‬


‫يف مقدمة ابن خلدون‬
‫‪The reasons for the collapse of states are at the‬‬
‫‪forefront of Ibn Khaldun‬‬

‫الباحث‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬
‫اجلامعة العراقية‪ /‬كلية الرتبية للبنات‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫خالصة البحث‬
‫عنوان البحث (أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون)‬
‫يعد العالمة ابن خلدون‪ ،‬املؤرخ والعامل االجتامعي والفقيه املعروف‪ ،‬من اهم العلامء املسلمني والعرب الذين‬
‫بقي ذكرهم اىل العهد الراهن‪ ،‬واشتهر بكتابه املقدمة‪ ،‬وعرفه علامء الغرب هبا‪ ،‬واشتهر عندهم‪ ،‬ملا يف افكاره من بعد‬
‫نظر‪ ،‬وحماولة جادة لدراسة املجتمع االنساين من مجيع جوانبه‪ ،‬حتى عد مؤسس علم االجتامع‪ ،‬تم امهال اجلذور‬
‫االسالمية لفكر ابن خلدون بشكل متعمد من قبل اغلب من كتب عنه‪ ،‬علام» ان اغلب افكار ابن خلدون مستمدة‬
‫من الكتاب والسنة بشكل اساس‪ ،‬وأهم البحث النتائج ما ييل‪:‬‬
‫‪ .1‬أن لكل أمة أج ً‬
‫ال حمدد ًا‪ ،‬وابرز من تكلم عن ذلك ابن خلدون‪ ،‬معتمدا» يف ما توصل اليه عىل القرآن الكريم‬
‫والسنة املطهرة‪ ،‬بشكل اساس‪.‬‬
‫‪ .2‬نبذ الدين وانتشار الفواحش واملعايص سبب اساس يف اهنيار الدول‪ ،‬ولألحكام الرشعية دور كبري يف حفظ‬
‫املجتمع من االهنيار االخالقي‪ ،‬ألهنا انام جاءت حلفظ الرضوريات‪ ،‬ال سيام حفظ الدين‪.‬‬
‫‪ّ .3‬‬
‫الظلم مؤذنا بانقطاع ال ّنوع وختريب العمران‪ ،‬وهو سبب مهم من اسباب اهنيار الدول فظال» عن انه خمالفة‬
‫كبرية لرشع اهلل واحكام االسالم‪.‬‬
‫‪ .4‬االهنزام الفكري وتقليد الغالب اورث االمة اخلنوع‪ ،‬وهو سبب من اسباب اهنيار الدول‪.‬‬
‫‪ .5‬الرتف عالمة عىل ادبار وانقراض الدولة‪ ،‬لذلك كان سبب مهم من اسباب اهنيار الدول‪.‬‬
‫‪ .6‬زيادة الرضائب‪ ،‬واكل اموال الناس بالباطل‪ ،‬وعمل احلكام بالتجارة‪ ،‬من اسباب اهنيار الدول‪.‬‬
‫‪ .7‬لقد حدد ابن خلدون املدة الالزمة لإلصالح امة بأربعني سنة‪ ،‬واساس هذا االصالح هو الرتبية والتعليم‪،‬‬
‫فضال» عن توفري البيئة االزمة لنجاح االصالح‪ ،‬واالهتامم بالعلامء وتوقريهم الهنم اساس االصالح واملعرفة وانه ال‬
‫هنوض لألمم ال هبم‪.‬‬

‫‪337‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬
‫البحوث املحكمة‬ ‫أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون‬

Research summary
Research title (Reasons for the collapse of states in the introduction to Ibn Khaldun)
The scholar Ibn Khaldun, the historian, social scientist and well-known jurist, is
considered one of the most important Muslim and Arab scholars who have remained in the
present era. Its aspects, even being considered the founder of sociology, the Islamic roots
of Ibn Khaldun’s thought were deliberately neglected by most of those who wrote about
him, knowing that “most of Ibn Khaldun’s ideas are mainly derived from the Qur’an and
Sunnah, and the most important research results are the following:
11) That every nation has a specific term, and the most prominent person who spoke
about that was Ibn Khaldun, relying mainly on what he reached on the Holy Qur’an and
the Sunnah.
22) The rejection of religion and the spread of immorality and sin is a fundamental
reason for the collapse of states. The legal rulings have a great role in preserving society
from moral collapse, because they came to preserve the necessities, especially the
preservation of religion.
33) Injustice signifies the cessation of gender and the sabotage of urbanization, which
is an important reason for the collapse of states, so that it is a major violation of the law of
God and the provisions of Islam.
44) . Intellectual defeat and the imitation of the victor bequeathed the nation to
subservience, and it is one of the causes of the collapse of states.
55) Luxury is a sign of the rule and the extinction of the state. Therefore, it was an
important reason for the collapse of states.
66) Increasing taxes, consuming people’s money unlawfully, and rulers doing trade,
are among the causes of the collapse of states.
77) Ibn Khaldun specified the period required for reforming a nation to forty years,
and the basis of this reform is education, as well as “providing the necessary environment
for the success of reform, and the concern and reverence for scholars because they are the

basis of reform and knowledge and that there is no advancement of nations without them.

338
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫فهم اكرب ألرائيه‪ ،‬فضال عن حل مشاكل املجتمع‬


‫املقدمة‬
‫وتاليف االسباب التي تؤدي اىل اهنيار الدول يف العهد‬
‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬وأفضل الصالة وأتم‬
‫الراهن‪ ،‬ونحن نالحظ ان هذا االمر هو مطلب الكثري‬
‫التسليم عىل سيدنا حممد الصادق الوعد األمني وعىل‬
‫من الدول املتقدمة‪ ،‬ألهنا حترص عىل ضامن مستقبل‬
‫آله وصحبه أمجعني‪. . .‬‬
‫شعوهبا من خالل البحث عن االسباب التي تؤدي‬
‫يعد العالمة ابن خلدون‪ ،‬املؤرخ والعامل‬
‫اىل اهنيار املجتمع ومن ثم اهنيار الدولة وبعد حتديد‬
‫االجتامعي والفقيه املعروف‪ ،‬من اهم العلامء املسلمني‬
‫االسباب تضع احللول التي حتافظ عىل املجتمع‬
‫والعرب الذين بقي ذكرهم اىل العهد الراهن‪ ،‬واشتهر‬
‫والدولة من خالل خطط طويلة االمد‪.‬‬
‫بكتابه املقدمة‪ ،‬وعرفه علامء الغرب هبا‪ ،‬واشتهر‬
‫وبام ان املسلمني كان هلم السبق يف هذا املجال من‬
‫عندهم‪ ،‬ملا يف افكاره من بعد نظر‪ ،‬وحماولة جادة‬
‫خالل فكر ابن خلدون وغريه من العلامء‪ ،‬فيفرتض ان‬
‫لدراسة املجتمع االنساين من مجيع جوانبه‪ ،‬حتى عد‬
‫نكمل الطريق‪ ،‬واألمراض التي تعجل باهنيار املجتمع‬
‫مؤسس علم االجتامع‪.‬‬
‫والدولة‪ ،‬معظمها اسباب من املمكن عالجها وواجبنا‬
‫ومع وجود الكثري من املراكز البحثية التي‬
‫يدعونا للبحث عن عالج‪ ،‬فإما ان نسهم يف احلل او‬
‫اهتمت بفكر ابن خلدون من مجيع اجلوانب‪ ،‬تم امهال‬
‫نقف نبكي فوق التل بعيدا» عن امليدان‪.‬‬
‫اجلذور االسالمية لفكر ابن خلدون بشكل متعمد من‬
‫وقد قسمت هذا البحث اىل سبع مطالب‪- :‬‬
‫قبل اغلب من كتب عنه‪ ،‬علام» ان اغلب افكار ابن‬
‫‪ -‬يف املطلب االول سنعرف بابن خلدون ونمهد‬
‫خلدون مستمدة من الكتاب والسنة بشكل اساس‪،‬‬
‫للبحث‪.‬‬
‫وذلك واضح من كثرة استدالله بالقرآن والسنة يف‬
‫‪-‬وسنتكلم يف املطلب الثاين عن نبذ الدين‬
‫مقدمته‪ ،‬لذلك قمنا يف هذا البحث‪ ،‬بتأصيل الفكر‬
‫والفساد االخالقي ودوره يف اهنيار الدولة‪.‬‬
‫السيايس عند ابن خلدون السيام يف جانب نشوء‬
‫‪-‬وسنتكلم يف املطلب الثالث الظلم ودوره يف‬
‫الدول واهنيارها‪ ،‬لذلك كل مطلب يف البحث سيبدأ‬
‫اهنيار الدولة‪.‬‬
‫بذكر االصل الرشعي للمسائلة من الكتاب والسنة‪،‬‬
‫‪ -‬وسنتكلم يف املطلب الرابع تقليد غري املسلمني‬
‫ثم عرض راي ابن خلدون بالتفصيل‪.‬‬
‫ودوره يف اهنيار الدولة‪.‬‬
‫لذلك كان عنوان هذا البحث (أسباب اهنيار‬
‫‪-‬وسنتكلم يف املطلب اخلامس عن الرتف ودوره‬
‫الدول يف مقدمة ابن خلدون)‪.‬‬
‫يف اهنيار الدولة‪.‬‬
‫ان دراسة هذا اجلانب يف فكر ابن خلدون يعطينا‬
‫‪-‬وسنتكلم يف املطلب السادس عن االسباب‬

‫‪339‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬
‫البحوث املحكمة‬ ‫أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون‬

‫أعامرهم وأوقاهتم باملظامل وتوافه األمور‪ ،‬كانوا خونة‬ ‫االقتصادية ودورها يف اهنيار الدولة‪.‬‬
‫األمانة وعالة عىل التاريخ‪ ،‬فالعقالء هم الذين يعمرون‬ ‫‪-‬وسنتكلم يف املطلب السابع عن احللول‬
‫حياهتم بجالئل األعامل املفيدة لألمة والديار»(‪.)3‬‬ ‫واملعاجلات‪.‬‬
‫ومن ابرز من تكلم يف هذا اجلانب من حياة االمم‬ ‫‪-‬وسننهي البحث بخامتة فيها خالصة البحث‪.‬‬
‫والشعوب والدول هو العالمة املالكي ابن خلدون‬
‫مستندا» فيام قال عىل ثقافة اسالمية عالية قائمة‬ ‫املطلب االول‬
‫عىل الكتاب والسنة‪ ،‬مستنبطة منها احلكم والعرب‪،‬‬ ‫التمهيد‬
‫للوصول اىل عمق احلقائق والسنن الكونية يف ظهور‬ ‫ﭧ ﭨ ‪‬ﮞ ﮟ ﮠﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ‬
‫واندثار االمم والدول‪ ،‬لذلك نمهد هلذا البحث‬ ‫ﮦ ﮧﮨ ﮩ ﮪ ﮫ‪.)1(‬‬
‫بالتعريف بابن خلدون وبيان منهجه يف هذا االمر‪.‬‬ ‫«فقد أخرب تعاىل فيها أن لكل أمة أج ً‬
‫ال حمدد ًا أي‬
‫«هو عبد الرمحن بن حممد بن حممد‪ ،‬ابن خلدون‬ ‫وقت ًا معين ًا يتم هالكها فيه ال تتقدمه بساعة وال تتأخر‬
‫أبو زيد‪ ،‬ويل الدين احلرضمي االشبييل‪ ،‬من ولد وائل‬ ‫عنه بأخرى‪ .‬ويف هذا إشارة أفصح من عبارة وهي أن‬
‫بن حجر‪ ,)4(‬الفيلسوف املؤرخ‪ ،‬العامل االجتامعي‬ ‫هالك األمم واجلامعات واألفراد يتم بسبب انحرافهم‬
‫البحاثة‪ .‬أصله من إشبيلية‪ ،‬ومولده ومنشأه بتونس‪.‬‬ ‫عن منهج احلياة‪ ،‬من شأهنا أن تودي بحياة مرتكبيها ال‬
‫رحل إىل فاس وغرناطة وتلمسان واألندلس‪ ،‬وتوىل‬ ‫حمالة ما مل يتوبوا منها وتصلح حاهلم بالعودة إىل منهج‬
‫أعامال‪ ،‬واعرتضته دسائس ووشايات‪ ،‬وعاد إىل‬ ‫احلياة الذي وضع اهلل يف اإليامن والتوحيد والطاعة هلل‬
‫تونس‪ .‬ثم توجه إىل مرص فأكرمه سلطاهنا‪ .‬وويل‬ ‫ورسوله بفعل كل أمر وترك كل هني»(‪.)2‬‬
‫فيها قضاء املالكية‪ ،‬ومل يتزي بزي القضاة حمتفظا بزي‬ ‫«األمم والشعوب واألفراد ترتبط حياهتم بأزمان‬
‫بالده‪ .‬وعزل‪ ،‬وأعيد‪ .‬وتويف فجأة يف القاهرة‪ .‬كان‬ ‫معينة وتواريخ حمددة‪ ،‬والزمان والتاريخ سجل أمني‬
‫فصيحا‪ ،‬مجيل الصورة‪ ،‬عاقال‪ ،‬صادق اللهجة‪ ،‬عزوفا‬ ‫حافل بأعامل البرش‪ ،‬فهم إن مألوا صفحة احلياة‬
‫بأفعال جميدة تفيد البالد واألوطان‪ ،‬كانوا مؤ ّدين‬
‫رسالة احلياة بأمانة ورشف وكرامة‪ ،‬وهم إن شغلوا‬

‫((( التفسري الوسيط للزحييل‪ ،‬املؤلف‪ :‬د‪ .‬وهبة الزحييل‪ ،‬دار‬


‫الفكر ‪ ،‬دمشق ط‪ 1422 ،1‬هـ‪.654 /1 ،‬‬ ‫((( سورة االعراف‪ ،‬اية ‪.34‬‬
‫ش ِ‬
‫اف‪،‬‬ ‫ض ِمي َأ َحدُ َ‬
‫األ ْ َ‬ ‫بن ُح ْجر بنِ َس ْع ٍد َأ ُبو ُهن َْيدَ َة َ‬
‫احل ْ ِ‬ ‫((( َوائِ ُل ُ‬ ‫((( أيرس التفاسري لكالم العيل الكبري‪ ،‬جابر بن موسى بن عبد‬
‫ان َس ِّيدَ َق ْو ِمه َلهُ ِو َفا َدةٌ‪َ ،‬و ُص ْح َب ٌة‪َ ،‬و ِر َوا َي ٌة‪ ,‬سري اعالم‬
‫َك َ‬ ‫القادر بن جابر أبو بكر اجلزائري‪ ،‬النارش‪ :‬مكتبة العلوم‬
‫النبالء‪.572/2,‬‬ ‫واحلكم‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬ط‪.168 /2 ،5‬‬

‫‪340‬‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫حكام االنام يف القضاء (‪.)4‬‬ ‫عن الضيم‪ ،‬طاحما للمراتب العالية»(‪.)1‬‬


‫«ما أكثر ما كتب عن ابن خلدون ومقدمته من‬ ‫فإن ولدت بتونس‬
‫يقول ابن خلدون‪« :‬أ ّما نشأيت ّ‬
‫أبحاث ودراسات يف الرشق والغرب‪ ،‬طيلة القرنني‬ ‫ور ّبيت يف حجر والدي رمحه اهلل إىل أن أيفعت وقرأت‬
‫األخريين‪ ،‬حتى أن هذه الكتابات تشكل اليوم‪،‬‬ ‫القرآن العظيم عىل األستاذ أيب عبد اهلل حممد بن سعد‬
‫بحق‪ ،‬مكتبة غنية تزداد امتال ًء يوم ًا بعد يوم‪ . .‬ولكنه‬ ‫بن برال األنصاري»(‪« ،)2‬وكان إماما يف القراءات ال‬
‫وحيث أشبعت بحث ًا النواحي االجتامعية واالقتصادية‬ ‫يلحق شأوه وبعد أن استظهرت القرآن العظيم عن‬
‫واجلغرافية والتارخيية والسياسية واحلضارية والفلسفية‬ ‫حفظي‪ ،‬قرأته عليه بالقراءات السبع املشهورة»(‪.)3‬‬
‫واألدبية واملقارنة واملنهجية؛ مل تنل املسألة الدينية أي‬ ‫وهذا يدل عىل الرتبية الدينية املتجذرة يف حياة‬
‫اهتامم يذكر‪ ،‬عىل عمقها واتساعها يف املقدمة‪ ،‬وعىل‬ ‫ابن خلدون‪.‬‬
‫ارتباطها هبذه اجلوانب اآلنفة الذكر مجيع ًا»(‪.)5‬‬ ‫وله مؤلفات كثرية منها يف الفقه واحلديث‬
‫«واذا كان املرء ابن بيئته وحصاد جمتمعه‪ ،‬ونتاج‬ ‫والتاريخ وعلم االجتامع واملنطق واحلساب‪ ،‬نذكر‬
‫ثقافته‪ ،‬فقد كان ابن خلدون كذلك انه عامل من علامء‬ ‫كتب الفقه واحلديث منها (اختصار كتاب املقدمات‬
‫املسلمني‪ ،‬وفقيه من فقهاء الرشيعة‪ ،‬وعلم من اعالم‬ ‫املمهدات وكتاب بداية املجتهد وهناية املقتصد)‬
‫املذهب املالكي‪ ،‬ومن ثم صدر يف نظرياته مجيعا» من‬ ‫وشفاء السائل يف هتذيب املسائل يف الفقه‪ ،‬ولباب‬
‫منطلق اسالمي حمض‪ ،‬وهو ما مل ينتبه اليه دارسوه يف‬ ‫املحصل يف اصول الدين‪ ،‬ورشح الرجز يف اصول‬
‫الغرب واكثر دارسيه يف الرشق»‬
‫(‪.)6‬‬
‫الفقه‪ ،‬وتذكري السهوان يف احلديث‪ ،‬ومزيل املالم عن‬
‫«ويبقى ابن خلدون‪ ،‬رغم هذا كله‪ ،‬ابن االسالم‪،‬‬
‫وليد البيئة االسالمية الرشعية‪ ،‬وتبقى مقدمته عىل‬
‫((( األعالم‪ ,‬خري الدين بن حممود بن حممد بن عيل بن فارس‪،‬‬
‫مستوى الفكر ومستوى احلياة‪ ،‬ثمرة ناضجة من‬
‫الزركيل الدمشقي (املتوىف‪1396 :‬هـ)دار العلم‬
‫للماليني‪,‬ط‪2002 1, 5‬م‪,330/3 ,‬ذيل التقييد يف رواة‬
‫السنن واألسانيد‪ ,‬حممد بن أمحد بن عيل‪ ،‬تقي الدين‪ ،‬أبو‬
‫((( ينظر‪ :‬ابن خلدون وآراؤه االعتقادية‪ ،‬عبداهلل عبدالرشيد‬ ‫الطيب املكي احلسني الفايس (املتوىف‪832 :‬هـ)‪ ,‬دار الكتب‬
‫عبداهلل‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة ام القرى‪ ،‬كلية الدعوة و‬ ‫العلمية‪ ،‬بريوت‪ ،‬لبنان‪,‬ط ‪1410 1,‬هـ‪1990/‬م ‪.100/2 ,‬‬
‫اصول الدين‪ ،‬مكة‪ 1420 ،‬ه‪ ،‬ص‪.106‬‬ ‫((( بن برال‪ ،‬حممد بن سعد األنصاري‪ ،‬اصله من االندلس‪ ،‬اخذ‬
‫((( ابن خلدون اسالميا»‪ ،‬عامد الدين خليل‪ ،‬طبع املكتب‬ ‫عن مشايخ بالنسية‪ ،‬وكان اماما يف القراءات‪ ،‬مل اجد من‬
‫االسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1983 ،1‬م‪ ،‬ص ‪.5‬‬ ‫ترجم له غري تلميذه ابن خلدون‪ ،‬تاريخ ابن خلدون‪/5 ،‬‬
‫((( االسس االسالمية يف فكر ابن خلدون ونظرياته‪ ،‬د‪ .‬مصطفى‬ ‫‪511‬‬
‫الشكعة‪ ،‬طبع الدار املرصية اللبنانية‪ ،‬ط ‪ ،3‬بال‪ ،‬ص‪.14‬‬ ‫((( تاريخ ابن خلدون‪.511 /7 ،‬‬

‫‪341‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬
‫البحوث املحكمة‬ ‫أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون‬

‫وتوهم ّ‬
‫أن ذلك البنيان‬ ‫ّ‬ ‫احلافظة لبناء جمدهم واحتقرها‬ ‫ثامرها املرتعة»(‪.)1‬‬
‫مل يكن بمعاناة وال تك ّلف وإنّام هو أمر وجب هلم‬ ‫فكان من الطبيعي ان ينعكس ذلك عىل كل ما‬
‫بمجرد انتساهبم وليس بعصابة وال‬
‫ّ‬ ‫منذ ّأول ال ّنشأة‬ ‫كتب ابن خلدون من نظريات واآلراء وما بينه من‬
‫بخالل ملا يرى من ال ّتج ّلة بني ال ّناس وال يعلم كيف‬ ‫اسباب للظواهر السياسية واالجتامعية وكذلك ما‬
‫ويتوهم أنّه ال ّنسب فقط فريبأ‬
‫ّ‬ ‫كان حدوثها وال سببها‬ ‫اقرتحه من حلول ويتضح ذلك جليا» عندما كتب عن‬
‫عصبيته ويرى الفضل له عليهم وثوقا‬
‫ّ‬ ‫بنفسه عن أهل‬ ‫اسباب اهنيار الدول والسياسات التي تودي اىل هذا‬
‫(‪.)3‬‬
‫رب فيه من استتباعهم»‬
‫بام ّ‬ ‫االهنيار فضال» عن الوسائل التي تؤخر هذا االهنيار‪،‬‬
‫ولكنه ال جيعل املر حتمي بل ربام تتدخل عوامل‬ ‫بعد عمر حمدد يطول وينقص بحسب عوامل خمتلفة‬
‫ثانية يف حتديد عمر الدولة فيقول‪« :‬واشرتاط األربعة‬ ‫لكن االهنيار حتمي‪.‬‬
‫يف األحساب إنّام هو يف الغالب ّ‬
‫وإل فقد يدّ ثر البيت‬ ‫لذلك يقول‪« :‬وهذه األجيال الثّالثة عمرها مائة‬
‫من دون األربعة ويتالشى وينهدم وقد ي ّتصل أمرها‬ ‫مر وال تعدو الدّ ول يف الغالب‬
‫وعرشون سنة عىل ما ّ‬
‫والسادس ّإل أنّه يف انحطاط وذهاب‬
‫ّ‬ ‫إىل اخلامس‬ ‫هذا العمر بتقريب قبله أو بعده ّإل إن عرض هلا‬
‫واعتبار األربعة من قبل األجيال األربعة بان ومبارش‬ ‫عارض آخر من فقدان املطالب فيكون اهلرم حاصال‬
‫له ومق ّلد وهادم وهو ّ‬
‫أقل ما يمكن وقد اعتربت‬ ‫والطالب مل حيرضها ولو قد جاء ّ‬
‫الطالب ملا‬ ‫مستوليا ّ‬
‫األربعة يف هناية احلسب يف باب املدح والثّناء»(‪.)4‬‬ ‫وجد مدافعا»(‪.)2‬‬
‫مستشهدا» عىل كالمه بقوله تعاىل‪ :‬ﮱ ﯓ‬ ‫ويف فصل اخر يقول‪« :‬أن هناية احلسب يف العقب‬
‫ﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝ‬ ‫الواحد أربعة اباء‪ ،‬وذلك ّ‬
‫أن باين املجد عامل بام عاناه يف‬
‫يم ا ْب ُن َ‬
‫الك ِر ِ‬
‫يم‬ ‫َ‬
‫((الك ِر ُ‬ ‫ﯞ‪ ،)5(‬وقول الرسول‪: :‬‬ ‫بنائه وحمافظ عىل اخلالل ا ّلتي هي أسباب كونه وبقائه‬
‫وب ْب ِن إِ ْس َح َ‬
‫اق‬ ‫وس ُف ْب ُن َي ْع ُق َ‬ ‫يم ا ْب ِن َ‬
‫الك ِر ِ‬
‫يم ُي ُ‬ ‫ا ْب ِن َ‬
‫الك ِر ِ‬ ‫وابنه من بعده مبارش ألبيه فقد سمع منه ذلك وأخذه‬
‫(‪.)7()6‬‬
‫يم))‬ ‫ْب ِن إِ ْب َر ِ‬
‫اه َ‬ ‫السامع ّ‬
‫بالشء عن‬ ‫عنه ّإل أنّه ّ‬
‫مقص يف ذلك تقصري ّ‬
‫ثم إذا جاء الثّالث كان ّ‬
‫حظه االقتفاء وال ّتقليد‬ ‫املعاين له ّ‬
‫فقص عن الثّاين تقصري املق ّلد عن املجتهد ّ‬
‫ثم‬ ‫خاصة ّ‬
‫ّ‬
‫((( املصدر نفسه‪.171/1 ،‬‬
‫((( املقدمة ‪.171 /1‬‬ ‫قص عن طريقتهم مجلة وأضاع اخلالل‬
‫الرابع ّ‬
‫إذا جاء ّ‬
‫((( سورة فاطر‪ ،‬اية ‪.17-16‬‬
‫((( صحيح البخاري‪ ،‬كتاب تفسري القرآن ‪ ،‬باب ويتم نعمته‬
‫عليك‪ ،‬رقم (‪.76 /6 ،)4688‬‬ ‫((( ابن خلدون اسالميا»‪ ،‬عامد الدين خليل‪ ،‬ص‪.8‬‬
‫((( املقدمة ‪.171 /1‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬املقدمة ‪215/1‬‬

‫‪342‬‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫الش ِء بِ َم‬
‫يام عىل ْ‬ ‫اس ُة‪ِ :‬‬
‫الق ُ‬ ‫{والس َي َ‬ ‫َأي ُأ ِّمر ُ‬
‫وأ ِّم َر َعليه‪.‬‬ ‫بل ان ابن خلدون كان خيتتم كل فصل من‬
‫ِّ‬
‫ُي ْص ِل ُحه»(‪.)3‬‬ ‫فصول املقدمة بآية قرآنية او أكثر‪ ،‬وأحيانا» خيتمه‬
‫وشوع ًا‪:‬‬
‫شع ًا ُ‬ ‫«شعَ الوا ِر ُد َي ْ َ‬
‫شعُ َ ْ‬ ‫الرشيعة لغة‪َ َ :‬‬ ‫بحديث نبوي رشيف‪ ،‬فضال» عن االبتهاالت اىل‬
‫وشعٌ ‪َ َ :‬‬
‫ش َع ْت َن ْح َو‬ ‫ودواب ُشوعٌ ُ َّ‬ ‫ُّ‬ ‫َاو َل املا َء ِ‬
‫بفيه‪.‬‬ ‫َتن َ‬ ‫الذات االهية‪ ،‬وهو يلتزم يف أكثر اخلواتيم اجلملة التي‬
‫املواضع ا َّلتِي‬
‫ُ‬ ‫عة‪:‬‬ ‫يعة والشِّ اعُ واملَ ْ َ‬
‫ش ُ‬ ‫اء‪ .‬والشَّ ُ‬ ‫ْالَ ِ‬ ‫اصطلح علامء املسلمني عليها‪( ،‬اهلل اعلم) او (واهلل‬
‫اء ِم ْن َها‪َ ،‬ق َ‬
‫ال ال َّل ْي ُث‪َ :‬و ِ َبا ُس ِّم َي َما َ َ‬
‫شعَ‬ ‫ُي ْن َحدر إِىل ْالَ ِ‬ ‫ورسوله اعلم)(‪.)1‬‬
‫ِ‬
‫للعباد َشيع ًة»(‪.)4‬‬ ‫اهلل‬ ‫لذلك دراسة ابن خلدون بعيد ًا عن الرشيعة‬
‫وعرف ابن خلدون السياسة الرشعية وتكلم‬ ‫االسالمية دراسة عقيمة ال يمكن ان توصل اىل نتائج‬
‫عن أكثر من تعريف تتفق عىل هدف واحد هو حفظ‬ ‫مهمة او مفيدة للمجتمع‪ ،‬لذلك كان هذا البحث هو‬
‫الدين وتنفيذ احكام الرشع ومراعاة مصالح الناس‬ ‫دراسة اراء ابن خلدون وفق ما تكلم به وستدل به‬
‫للحفاظ عىل الدولة وتوسيع سلطاهنا‪ ،‬مما يودي بأمر‬ ‫وتقيد به من نصوص الرشعية يف املقدمة‪ ،‬لذلك جيب‬
‫اهلل ومشيئته اىل اعزاز الدين واخلري للناس واطالة عمر‬ ‫ان نوضح مقاصد ابن خلدون يف السياسة الرشعية‬
‫هذه الدولة‪.‬‬ ‫من خالل تعريف السياسة الرشعية عند ابن خلدون‬
‫«فالسياسة وامللك هي كفالة‬
‫ّ‬ ‫السياسة الرشعية‪:‬‬ ‫ودور هذا السياسة يف حفظ الدولة وتأخري اهنيارها‪.‬‬
‫للخلق وخالفة للَّ يف العباد لتنفيذ أحكامه فيهم‬ ‫وس‬
‫يس ُ‬
‫ريه ُ‬ ‫الطعام وغ ُ‬
‫ُ‬ ‫«ساس‬
‫َ‬ ‫السياسة لغة‪:‬‬
‫وأحكام اهلل يف خلقه وعباده إنّام هي باخلري ومراعاة‬ ‫َس ْو ًسا‪ ،‬فهو سائِ ٌس‪ ،‬وأساس ُي ِسيس إساس ًة‪ ،‬فهو‬
‫املصالح»(‪.)5‬‬ ‫(‪.)2‬‬
‫ُم ِسيس»‬
‫املدنية هي تدبري‬
‫السياسة املدنية إذ السياسة ّ‬
‫«علم ّ‬ ‫س‪َ :‬أ َم ْر ُتَا َ‬
‫ون َْيت َُها‪.‬‬ ‫اس ًة‪َ ،‬‬
‫بالك ْ ِ‬ ‫الر ِع َّي َة} ِس َي َ‬
‫«{س ْس ُت َّ‬
‫ُ‬
‫املنزل أو املدينة بام جيب بمقتىض األخالق واحلكمة‬ ‫الن ُم ََّر ٌب‪ ،‬قد‬ ‫قام بِ ِه‪َ .‬و ُي َقال‪ُ :‬ف ٌ‬‫اس ًة‪َ :‬‬ ‫َ‬
‫{وساس األ ْم َر} ِس َي َ‬
‫َ‬
‫وسيس َع َليه‪َ ،‬أي َأ َّد َب‪ُ ،‬‬
‫ليحمل اجلمهور عىل منهاج يكون فيه حفظ ال ّنوع‬ ‫حاح‪:‬‬
‫الص ِ‬ ‫وأ ِّد َب َو ِف ّ‬ ‫{ساس} ِ َ ْ‬ ‫َ‬

‫((( تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬حممد بن حممد‪ ،‬ابو‬ ‫((( ينظر‪ :‬االسس االسالمية يف فكر ابن خلدون‪ ،‬الشكعة‪،‬‬
‫الفيض‪ ،‬امللقب باملرتىض‪ ،‬الزبيدي (املتوىف‪1205 :‬هـ)‪،‬‬ ‫ص‪.112‬‬
‫املحقق‪ :‬جمموعة من املحققني‪ ،‬دار اهلداية‪.157/ 16 ،‬‬ ‫((( ا ُملن ََّجد يف اللغة (أقدم معجم شامل للمشرتك اللفظي)‪،‬‬
‫((( لسان العرب‪ ،‬حممد بن مكرم‪ ،‬أبو الفضل‪ ،‬مجال الدين‪ ،‬ابن‬ ‫املؤلف‪ :‬عيل بن احلسن ا ُهلنائي األزدي‪ ،‬أبو احلسن امللقب‬
‫منظور االنصاري (املتوىف‪711 :‬هـ)‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪،‬‬ ‫بـ «كراع النمل» (املتوىف‪ :‬بعد ‪309‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬دكتور أمحد‬
‫ط‪ 1414 ،3‬هـ‪.175 /8 ،‬‬ ‫خمتار عمر‪ ،‬دكتور ضاحي عبد الباقي النارش‪ :‬عامل الكتب‪،‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.179 /1 ،‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬ط‪ 1988 ،2‬م‪ ،‬ص ‪.82‬‬

‫‪343‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬
‫البحوث املحكمة‬ ‫أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون‬

‫عىل هذه االمور‪ ،‬ال يعني باي حال تقليل من جهود‬ ‫وبقاؤه»‬
‫(‪.)1‬‬

‫الرجل‪.‬‬ ‫«السياسة ّ‬
‫بالشيعة وأحكامها املراعية ملصالح‬ ‫ّ‬
‫للر ّق يف الغالب أمم‬
‫مثل قوله‪« :‬إنّام تذعن ّ‬ ‫العمران ظاهرا وباطنا وتتابع فيها اخللفاء عظم حينئذ‬
‫اإلنسانية فيهم وقرهبم من عرض‬
‫ّ‬ ‫السودان لنقص‬
‫ّ‬
‫(‪.)2‬‬
‫ملكهم وقوي سلطاهنم»‬
‫احليوانات العجم كام قلناه»(‪ ،)4‬وال خيفى ان هذا‬ ‫عل ًام ان هذه التعاريف واالهداف تتفق معها مجيع‬
‫القول خيالف احكام االسالم‪.‬‬ ‫كتب السياسة الرشعية عند املسلمني (‪ ،)3‬وان اختلفت‬
‫العبارة‪ ،‬مما يدلل عىل االثر الكبري للعلامء املسلمني‬
‫املطلب الثاني‬ ‫الذين سبقوا ابن خلدون فيام توصل اليه‪ ،‬وان فكر ابن‬
‫نبذ الدين والفساد األخالقي‬ ‫خلدون هو نتاج علمي مشرتك خلص فيه ابن خلدون‬
‫ﭧ ﭨ «ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ‬ ‫جهود من سبقه من علامء االسالم‪ ،‬وبلور هذه املعرفة‬
‫ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ» (‪.)5‬‬ ‫االسالمية بالصورة التي سنجدها يف املقدمة‪.‬‬
‫حز َب الس َعدَ ِاء‪َ ،‬و ُهم ْ َ‬
‫ال ْنبِ َي ُاء‪،‬‬ ‫َ«لَّا َذ َك َر َت َع َال ْ‬ ‫ولكن هذا ال يعني ان ابن خلدون مل يطلع عىل‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ي بِ ُحدُ ِ‬
‫ود اللَّ ِ‬ ‫َع َل ْي ِه ُم الس ََّل ُم‪َ ،‬و َم ِن ا َّت َب َع ُه ْم‪ِ ،‬م َن ا ْل َقائِ ِم ْ َ‬ ‫علوم االمم االخرى املختلفة‪ ،‬بل كان واسع االطالع‬
‫اج ِر ِه ‪َ -‬ذ َك َر‬
‫ض اللَّ ِ‪ ،‬ال َّتا ِركنيَ لِزَ َو ِ‬ ‫َو َأ َو ِام ِر ِه‪ُ ْ ،‬الؤَ ِّد َ‬
‫ين َف َرائِ َ‬ ‫عىل خمتلف العلوم املعروفة يف عرصه‪ ،‬كام يتضح يف‬
‫اعوا‬ ‫ون ُأ َخ ُر‪{َ ،‬أ َض ُ‬‫ف ِم ْن َب ْع ِدهم َخ ْل ٌف} َأ ْي‪ُ :‬ق ُر ٌ‬ ‫{خ َل َ‬‫َأن َُّه َ‬ ‫املقدمة‪ ،‬فهو مل يرتك علم اال وقد تكلم فيه وبني اصوله‬
‫اج َب ِ‬
‫ات‬ ‫وها َف ُه ْم ِلَا ِس َو َاها ِم َن ا ْل َو ِ‬ ‫اع َ‬ ‫‪-‬وإِ َذا َأ َض ُ‬
‫الصال َة} َ‬ ‫َّ‬ ‫والفائدة منه او عدم الفائدة حسب رايه‪.‬‬
‫اد‪-‬‬‫ي َأ ْع َم ِل ا ْل ِع َب ِ‬
‫ين َو َق َو ُام ُه‪َ ،‬و َخ ْ ُ‬ ‫َأ ْضي ُع؛ ِ َ‬
‫لنَّ َا ِع َم ُد الدِّ ِ‬ ‫وبام ان ابن خلدون برش خيطأ ويصيب ال يمكن‬
‫َ‬
‫ال َي ِ‬
‫اة‬ ‫ات الدُّ ْن َيا َو َم َل ِّذ َها‪َ ،‬و َر ُضوا بِ ْ َ‬ ‫َو َأ ْق َب ُلوا َع َل َش َه َو ِ‬ ‫قبول كل ما قاله دون نقد ومتحيص‪ ،‬فأي جهد برشي‬
‫اط َم َأنُّوا ِ َبا‪َ ،‬ف َهؤُ َل ِء َس َي ْل َق ْو َن َغ ًّيا‪َ ،‬أ ْي‪َ :‬خ َس ً‬
‫ارا‬ ‫الدُّ ْن َيا َو ْ‬ ‫حيتمل اخلطأ كام حيتمل الصواب وتسليط الضوء‬
‫(‪.)6‬‬
‫َي ْو َم ا ْل ِق َيا َم ِة»‬
‫ﭧ ﭨ «ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬ ‫((( املصدر نفسه‪.50 /1 ،‬‬
‫((( املصدر نفسه‪.190 /1 ،‬‬
‫ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ»(‪. )7‬‬
‫((( ينظر‪ :‬االحكام السلطانية‪ ،‬ابو احلسن عيل بن حممد بن حممد‬
‫بن حبيب البرصي‪ ،‬املاوردي (املتوىف‪450 :‬هـ)‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫((( املقدمة ‪.186 /1‬‬ ‫دار احلديث ‪ -‬القاهرة‪ ،‬ص‪ .18‬الطرق احلكمية يف‬
‫((( سورة مريم‪ ،‬اية ‪.59‬‬ ‫السياسة الرشعية‪ ،‬ابو عبداهلل حممد بن ايب بكر‪ ،‬ابن القيم‬
‫((( تفسري ابن كثري‪.243/5 ،‬‬ ‫اجلوزية (‪ )751 - 691‬حتقيق نايف بن حممد احلمد‪ ،‬دار‬
‫((( سورة الروم‪ ،‬اية ‪.41‬‬ ‫علم الفوائد‪ ،‬مكة املكرمة ‪ ،‬ط‪ 1428 ،1‬هـ‪.29 /1 ،‬‬

‫‪344‬‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫ثم ّإنم بعد ذلك انقطعت منهم عن الدّ ولة‬


‫اآلداب ّ‬ ‫«إذا ويل الظامل أساء بالظلم والفساد‪ ،‬فيحبس‬
‫السياسة ورجعوا إىل قفرهم‬
‫أجيال نبذوا الدّ ين فنسوا ّ‬ ‫بذلك القطر‪ ،‬وهيلك احلرث والنسل‪ .‬واهلل ال حيب‬
‫عصبيتهم مع أهل الدّ ولة ببعدهم عن‬
‫ّ‬ ‫وجهلوا شأن‬ ‫الفساد‪ ،‬وإن الفساد الذي ظهر هو الذنوب نفسها‪،‬‬
‫فتوحشوا كام كانوا ومل يبق هلم‬
‫االنقياد وإعطاء ال ّنصفة ّ‬ ‫(‪.)1‬‬
‫فكلام أحدثوا ذنبا أحدث اهلل هلم عقوبة»‬
‫من اسم امللك ّإل ّأنم من جنس اخللفاء ومن جيلهم‬ ‫لذلك يقول ابن خلدون‪« :‬إذا تأ ّذن اهلل بانقراض‬
‫وملّا ذهب أمر اخلالفة ّ‬
‫وامي رسمها انقطع األمر مجلة‬ ‫امللك من أ ّمة محلهم عىل ارتكاب املذمومات وانتحال‬
‫من أيدهيم وغلب عليهم العجم دوهنم وأقاموا يف‬ ‫ياسية منهم‬
‫الس ّ‬‫الرذائل وسلوك طرقها فتفقد الفضائل ّ‬
‫ّ‬
‫بادية قفارهم ال يعرفون امللك»(‪.)5‬‬ ‫مجلة وال تزال يف انتقاص إىل أن خيرج امللك من أيدهيم‬
‫فرستم يعرف انه لن ينترص عىل املسلمني وهم‬ ‫ويتبدّ ل به سواهم ليكون نعيا عليهم يف سلب ما كان‬
‫متمسكني باإلسالم لذلك يغضب عندما يراهم‬ ‫اهلل قد أتاهم من امللك وجعل يف أيدهيم من اخلري»(‪.)2‬‬
‫يصلون لذلك يقول سيدنا عمر (ريض اهلل عنه)‪« :‬إِنَّا‬ ‫«وإِذا َأ َر ْدنا َأ ْن ُ ْن ِل َك َق ْر َي ًة‬
‫مستشهد ًا بقوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ي ِه»(‪.)6‬‬ ‫َق ْو ٌم َأ َع َّز َنا اللَّ ُ بِ ْ ِ‬
‫ال ْس َل ِم‪َ ،‬ف َل ْن َن ْبت َِغ َي ا ْل ِع َّز َة بِ َغ ْ ِ‬ ‫َأ َم ْرنا ُم ْ َ‬
‫ت ِفيها َف َف َس ُقوا ِفيها َف َحقَّ َع َل ْي َها ا ْل َق ْو ُل َفدَ َّم ْرناها‬
‫لذلك بني ابن خلدون يف هذا املثال الذي رضبه‪،‬‬ ‫َتدْ ِمري ًا»(‪.)3‬‬
‫يف ان نبذ الدين يؤدي حت ًام اىل زوال الدولة وانتقاهلا‬ ‫لذلك عندما تكلم عن العرب يف بداية االسالم‬
‫من قوم اىل قوم‪ ،‬فلم يشفع للعرب اهنم قوم الرسول‬ ‫يف عهد الصحابة (ريض اهلل عنهم) وكيف كانوا‬
‫واهنم اول من اسلم وجاهد يف سبيل نرش االسالم‪،‬‬ ‫وكيف صاروا فيقول‪« :‬كان رستم(‪ )4‬إذا رأى املسلمني‬
‫فهذا القوانني الربانية التي تكلم عنها ابن خلدون‬ ‫للصالة يقول أكل عمر كبدي يع ّلم الكالب‬
‫جيتمعون ّ‬
‫واضحة ورصحية وال جتامل او تداهن فمن نبذ الدين‬
‫((( تفسري القرآن الكريم (ابن القيم)‪ ،‬حممد بن أيب بكر بن‬
‫أيوب ابن قيم اجلوزية (املتوىف‪751 :‬هـ) املحقق‪ :‬مكتب‬
‫((( املقدمة‪.190 /1 ،‬‬ ‫الدراسات والبحوث العربية واإلسالمية بإرشاف الشيخ‬
‫((( املستدرك عىل الصحيحني‪ ،‬ابو عبداهلل احلاكم حممد بن‬ ‫إبراهيم رمضان‪ ،‬النارش‪ :‬دار ومكتبة اهلالل‪ ،‬بريوت ط‪1‬‬
‫عبداهلل بن حممد بن نعيم النيسابوري‪( ،‬ت‪405 :‬ه)‪ ،‬حتقيق‬ ‫‪ 1410‬هـ‪ ، ،‬ص‪.433‬‬
‫مصطفى عبدالقادر‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬ ‫((( املقدمة‪.180 /1 ،‬‬
‫‪ ،1990 - 1411‬كتاب االيامن‪ ،‬باب حديث سمرة‪ ،‬رقم‬ ‫((( سورة االرساء‪ ،‬اية ‪.16‬‬
‫(‪ 130 ،/1 ،)208‬صحيح عىل رشط الشيخني ووافقه‬ ‫((( رستم ْبن الفرخزاذ األرمني‪ ،‬قائد الفرس يف معركة القادسية‪،‬‬
‫الذهبي‪ ،‬سلسلة االحاديث الصحيحة‪ ،‬ابو عبدالرمحن‬ ‫تاريخ الطربي‪ ،‬حممد بن جرير بن يزيد بن كثري بن غالب‬
‫حممد نارصالدين االلباين‪ ،‬طبع مكتبة املعارف‪ ،‬الرياض‪،‬‬ ‫أبو جعفر الطربي (املتوىف‪310 :‬هـ) دار الرتاث ‪ -‬بريوت‪،‬‬
‫ط‪.118 /1 ،1‬‬ ‫ط‪1387 ،2‬هـ‪.564- 495/ 3 ،‬‬

‫‪345‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬
‫البحوث املحكمة‬ ‫أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون‬

‫اهنا ترشع هذه االعامل وتضع هلا القوانني(‪.)3‬‬ ‫مصريه اىل الزوال حاكم او حمكوم‪.‬‬
‫وحقيقة اننا نجد ما قاله ابن خلدون بشكل‬ ‫ولذلك يربط ابن خلدون بني الرتف والفساد‬
‫واضح يف الكثري من القصص القرآين‪ ،‬ومنها قصة‬ ‫االخالقي وان كل ذلك يسبب االهنيار احلتمي للدولة‬
‫سيدنا لوط مع قومه السيام يف سورة الشعراء(‪.)4‬‬ ‫لذلك يقول‪« :‬ومن مفاسد احلضارة االهنامك يف‬
‫اذ تبدء القصة بقوله تعاىل‪ « :‬ﭑ ﭒ ﭓ‬ ‫الشّ هوات واالسرتسال‪ ،‬ويتبع ذلك ال ّتف ّنن يف شهوات‬
‫ﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ‬ ‫الزنا وال ّلواط‪ ،‬فيفيض ذلك‬
‫الفرج بأنواع املناكح من ّ‬
‫ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ»‪.‬‬ ‫إىل فساد ال ّنوع‪ .‬إ ّما بواسطة اختالط األنساب كام‬
‫والسبب واضح وال حيتاج اىل دليل الهنم‬ ‫الزنا‪ ،‬فيجهل ّ‬
‫كل واحد ابنه‪ ،‬إذ هو لغري رشدة‪،‬‬ ‫يف ّ‬
‫جياهرون باملعصية قال تعاىل‪« :‬ﭴ ﭵ ﭶ‬ ‫بيعية‬
‫الط ّ‬‫ألن املياه خمتلطة يف األرحام‪ ،‬فتفقد الشّ فقة ّ‬
‫ّ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿﮀ ﮁ‬ ‫عىل البنني والقيام عليهم فيهلكون‪ ،‬ويؤ ّدي ذلك إىل‬
‫ﮂﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌ‬ ‫انقطاع ال ّنوع‪ ،‬أو يكون فساد ال ّنوع بغري واسطة‪ ،‬كام يف‬
‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ «‪.‬‬ ‫ال ّلواط املؤ ّدي إىل عدم النسل رأسا وهو أشدّ يف فساد‬
‫فكان عقاب اهلل تعاىل‪« :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫ال ّنوع‪ ،‬ولذلك كان مذهب مالك (‪)1‬رمحه اهلل يف ال ّلواط‬
‫ﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩ‬ ‫أظهر من مذهب غريه‪ّ ،‬‬
‫ودل عىل أنّه أبرص بمقاصد‬
‫ﮪﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬ ‫ّ‬
‫الشيعة واعتبارها للمصالح»(‪.)2‬‬
‫ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠ«‪.‬‬ ‫وهذا الكالم من ابن خلدون يف ان انتشار الزنا‬
‫السالم عن دعوات‬
‫«مل ختتلف دعوة لوط عليه ّ‬ ‫واللواط يودي اىل انقراض اجلنس البرشي ألنه يفسد‬
‫األنبياء اآلخرين‪ ،‬وجوهر دعوته هي املطالبة بعبادة‬ ‫النسل ويودي بالتدريج اىل انخفاض نسبة املواليد‬
‫الرسل‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وجل‪ ،‬وحده ال رشيك له‪ ،‬وإطاعة ّ‬ ‫عز‬
‫اهلل ّ‬ ‫واقع مشاهد يف الكثري من دول الغرب يف هذا العرص‪،‬‬
‫وال ّنهي عن املعايص‪ ،‬وال سيام الفواحش التي‬ ‫التي تبيح الزنا واللواط حتت بند احلرية الشخصية بل‬
‫اقرتفوها دون غريهم‪ .‬وكان مصريهم كغريهم من‬
‫الرسل‪ ،‬فد ّمرهم اهلل تعاىل‬ ‫األمم األخرى التي ّ‬
‫كذبت ّ‬
‫األ َّم ِة‪ ،‬إِ َم ُام دَا ِر اهلِ ْج َر ِة‪َ ،‬أ ُبو َع ْب ِد اهللِ‬
‫ال ِم‪ُ ،‬ح َّج ُة ُ‬
‫إل ْس َ‬
‫((( ُه َو َش ْي ُخ ا ِ‬
‫((( ينظر‪ :‬احلملة الصليبية عىل العامل اإلسالمي والعامل‪ ،‬يوسف‬ ‫ث‬‫احلا ِر ِ‬ ‫ك بنِ َأ ِب َع ِ‬
‫ام ٍر بنِ َع ْم ِرو بنِ َ‬ ‫س بنِ َمالِ ِ‬ ‫بن َأ َن ِ‬
‫َمالِ ُك ُ‬
‫العايص إبراهيم الطويل)‪ ،‬مطبعة صوت القلم العريب‪،‬‬ ‫ن(‪93‬ه ‪179-‬ه) سري أعالم النبالء‪،‬‬ ‫َ‬
‫األ ْص َب ِح ُّي‪ ،‬املَدَ ِ ُّ‬
‫مرص‪ ،‬ط‪ 1431 ،2‬هـ ‪ 2010 -‬م‪.219 /3 ،‬‬ ‫‪.48/8‬‬
‫((( سورة الشعراء‪ ،‬من اآلية (‪.)175-160‬‬ ‫((( املقدمة‪468 /1 ،‬‬

‫‪346‬‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫البرشي وهي احلكمة العا ّمة املراعية ّ‬


‫للشع‬ ‫ّ‬ ‫ال ّنوع‬ ‫عن آخرهم بعذاب شديد‪ :‬هو إنزال حجارة ممطرة من‬
‫يف مجيع مقاصده ّ‬
‫الضور ّية اخلمسة من حفظ الدّ ين‬ ‫السامء عليهم‪ ،‬فأهلكتهم وأبادهتم»(‪.)1‬‬
‫وال ّنفس والعقل وال ّنسل واملال»(‪.)4‬‬ ‫لذلك يقول ابن خلدون يف موضع اخر‪« :‬وإذا‬
‫املطلب الثالث‪ :‬الظلم‬ ‫فسد اإلنسان يف قدرته عىل أخالقه ودينه فقد فسدت‬
‫ﭧ ﭨ «ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬ ‫إنسانيته وصار مسخا عىل احلقيقة‪ .‬وهبذا االعتبار كان‬
‫ّ‬
‫ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ «‬ ‫السلطان إىل البداوة واخلشونة‬ ‫ا ّلذين ّ‬
‫يتقربون من جند ّ‬
‫(‪)5‬‬

‫الظ ِالَ َة‬


‫ون َّ‬ ‫«و َك َم َأ ْه َل ْكنَا ُأو َلئِ َك ا ْل ُق ُر َ‬ ‫َي ُق ُ‬
‫ول َت َع َال‪َ :‬‬ ‫أنفع من ا ّلذين يرت ّبون عىل احلضارة وخلقها»(‪.)2‬‬
‫اه ِه ْم‬‫ْ ُال َك ِّذ َب َة لِ ُر ُس ِلنَا َك َذلِ َك َن ْف َع ُل بِن ََظائِ ِر ِه ْم َو َأ ْش َب ِ‬ ‫«وذلك ّ‬
‫أن ال ّناس برش متامثلون وإنّام تفاضلوا‬
‫َو َأ ْم َث ِالِ ْم‪ ،‬إن أخذه أليم شديد»(‪.)6‬‬ ‫الرذائل‪.‬‬
‫ومتيزوا باخللق واكتساب الفضائل واجتناب ّ‬
‫ّ‬
‫«وقوله‪َ :‬و َكذلِ َك‪ :‬ا ِ‬
‫إلشار ُة إِىل ما ذكر من‬ ‫بأي وجه كان‪،‬‬
‫الرذيلة ّ‬
‫فمن استحكمت فيه صبغة ّ‬
‫يعم قرى ا ُملؤمنني‬ ‫ٍ‬
‫وعيد ُّ‬ ‫األخذات يف األ َمم‪ ،‬وهذه اية‬ ‫وفسد خلق اخلري فيه‪ ،‬مل ينفعه زكاء نسبه وال طيب‬

‫والكافرين‪ ،‬فإِ َّن «ظاملة»‪ُّ :‬‬


‫أعم من «كافرة»‪ ،‬وقد يمهل‬ ‫َ‬ ‫منبته‪ .‬وهلذا جتد كثريا من أعقاب البيوت وذوي‬
‫فمعاج ُلون يف‬
‫َ‬ ‫الظ َل َم ُة‪،‬‬ ‫ض َ‬
‫الك َف َرة‪ ،‬وأما َّ‬ ‫َ‬
‫تعال ْبع َ‬ ‫اللَّ‬ ‫األحساب واألصالة وأهل الدّ ول منطرحني يف‬
‫الغالِ ِ‬
‫ب‪ ،‬وقد ُي ْميل َل َب ْع ِض ِه ْم»(‪.)7‬‬ ‫َ‬ ‫الغامر‪ ،‬منتحلني للحرف الدّ نيئة يف معاشهم بام فسد‬
‫لظ ِالِ‪َ ،‬ح َّتى إِ َذا‬ ‫ول اللَّ ِ ‪« :‬إِ َّن اللَّ َ ل ُيميل لِ َّ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫َق َ‬ ‫والسفسفة‬
‫الش ّ‬‫تلونوا به من صبغة ّ ّ‬
‫من أخالقهم وما ّ‬
‫ول اللَّ ِ َصلَّ اللَّ ُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم‪:‬‬‫َأ َخ َذ ُه َ ْل ُيفلته»‪ُ ،‬ث َّم َق َر َأ َر ُس ُ‬ ‫وإذا كثر ذلك يف املدينة أو األ ّمة تأ ّذن اهلل بخراهبا‬
‫َو َك َذلِ َك َأ ْخ ُذ َر ِّب َك إِ َذا َأ َخ َذ ا ْل ُق َرى َو ِه َي َظ ِالَ ٌة إِ َّن َأ ْخ َذ ُه‬ ‫وانقراضها»(‪.)3‬‬
‫َألِ ٌ‬
‫يم َش ِديدٌ »(‪.)8‬‬ ‫وهنا جيب ان يكون للسياسة الرشعية دور‬
‫يف حفظ املجتمع الن الرشيعة انام جاءت حلفظ‬

‫((( املصدر نفسه ‪.356/1 ،‬‬ ‫الرضوريات اخلمس‪ ،‬وامهها حفظ الدين‪.‬‬
‫((( سورة هود‪ ،‬اية ‪.102‬‬ ‫لذلك يقول ابن خلدون‪« :‬واعلم ّ‬
‫أن هذه هي‬
‫((( تفسري ابن كثري‪.300/4 ،‬‬
‫احلكمة املقصودة للشّ ارع يف حتريم ّ‬
‫الظلم وهو ما ينشأ‬
‫((( ينظر‪ :‬اجلواهر احلسان يف تفسري القرآن‪ ،‬عبدالرمحن بن حممد‬
‫بن خملوف الثعالبي (ت‪ 875 :‬ه)‪ ،‬دار احياء الرتاث العريب‬ ‫عنه من فساد العمران وخرابه وذلك مؤذن بانقطاع‬
‫‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1418 ،1‬هـ‪.301 /3 ،‬‬
‫((( صحيح البخاري‪ ،‬كتاب تفسري القرآن‪ ،‬باب قوله (واذا‬ ‫((( التفسري الوسيط‪ ،‬للزحييل‪.1847/2 ،‬‬
‫اخذ القرى وهي ظاملة)‪ ،‬رقم (‪ ،47/6 ،)4686‬صحيح‬ ‫((( ينظر‪ :‬املقدمة ‪.468 /1‬‬
‫مسلم‪ ،‬كتاب الرب وصلة واالدب ‪ ،‬باب حتريم الظلم‪ ،‬رقم‬ ‫((( املصدر نفسه ‪.467 /1 ،‬‬

‫‪347‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬
‫البحوث املحكمة‬ ‫أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون‬

‫يكون الوازع فيه للقادر عليه يف نفسه»(‪.)3‬‬ ‫اك َظ ِالًا َأ ْو‬‫ْص َأ َخ َ‬ ‫ول اللَّ ‪« :‬ان ُ ْ‬ ‫ال َر ُس ُ‬ ‫و َق َ‬
‫فيوضح لنا ابن خلدون ان االدلة عىل حتريم‬ ‫ان‬ ‫ول اللَّ ِ‪َ ،‬أن ُ ُ‬
‫ْص ُه إِ َذا َك َ‬ ‫ال َر ُج ٌل‪َ :‬يا َر ُس َ‬
‫َم ْظ ُلو ًما» َف َق َ‬
‫الظلم يف الكتاب والسنة كثرية وان من يقوم بالظلم‬ ‫ف َأن ُ ُ‬
‫ْص ُه؟ َق َ‬
‫ال‪:‬‬ ‫ان َظ ِالًا َك ْي َ‬ ‫َم ْظ ُلو ًما‪َ ،‬أ َف َر َأ ْي َت إِ َذا َك َ‬
‫يف الغالب هم من يملكون السلطة‪ ،‬وبطبيعة احلال‬ ‫«ت ُجزُ ُه‪َ ،‬أ ْو َ ْتن َُع ُه‪ِ ،‬م َن ُّ‬
‫الظ ْل ِم َفإِ َّن َذلِ َك َن ْ ُ‬
‫ص ُه»(‪.)1‬‬ ‫َْ‬
‫ان اهنيار الدول يأيت من ظلم السلطة لألفراد بأنواع‬ ‫«ومعنى هذا أن الظامل مظلوم من جهته‪ ،‬فكام‬
‫الظلم‪ ،‬وذلك لقدرة السلطة عىل الظلم‪.‬‬ ‫ينبغي أن ينرص املظلوم‪ ،‬ويدفع الظلم عنه‪ ،‬كذلك‬
‫مما يودي ببساطة كام يقول ابن خلدون اىل اهنيار‬ ‫ينبغي أن ينرص إذا كان نفس الظامل ليدفع ظلمه عن‬
‫«أن ّ‬
‫الظلم مؤذن بخراب العمران املفيض‬ ‫الدولة‪ّ :‬‬ ‫نفسه وإنام أمر َّ‬
‫كل واحد بنرصة أخيه املسلم إذا رآه‬
‫لفساد ال ّنوع»(‪.)4‬‬ ‫يظلم وقدر عىل نرصه‪ ،‬وكذلك إذا كان ظاملًا يرده بأي‬
‫وهذا يتعارض حت ًام مع ثوابت الرشيعة‬ ‫وجه قدر عليه»(‪.)2‬‬
‫االسالمية‪ ،‬واحكام السياسة الرشعية‪ ،‬لذلك يقول‪:‬‬ ‫«فلم كان ّ‬
‫الظلم كام رأيت‬ ‫يقول ابن خلدون‪ّ :‬‬
‫«واعلم ّ‬
‫أن هذه هي احلكمة املقصودة للشّ ارع يف حتريم‬ ‫مؤذنا بانقطاع ال ّنوع ملا أ ّدى إليه من ختريب العمران‪،‬‬
‫ّ‬
‫الظلم وهو ما ينشأ عنه من فساد العمران وخرابه‬ ‫كانت حكمة اخلطر فيه موجودة‪ ،‬فكان حتريمه ّ‬
‫مهم‪،‬‬
‫البرشي وهي احلكمة‬
‫ّ‬ ‫وذلك مؤذن بانقطاع ال ّنوع‬ ‫وأد ّلته من القرآن ّ‬
‫والس ّنة كثرية‪ ،‬أكثر من أن يأخذها‬
‫الضور ّية‬ ‫العا ّمة املراعية ّ‬
‫للشع يف مجيع مقاصده ّ‬ ‫الضبط واحلرص‪ .‬ولو كان ّ‬
‫كل واحد قادرا عىل‬ ‫قانون ّ‬
‫اخلمسة من حفظ الدّ ين وال ّنفس والعقل وال ّنسل‬ ‫الزاجرة ما وضع‬ ‫ّ‬
‫الظلم لوضع بإزائه من العقوبات ّ‬
‫فلم كان ّ‬
‫الظلم كام رأيت مؤذنا بانقطاع ال ّنوع‬ ‫واملال‪ّ .‬‬ ‫بإزاء غريه من املفسدات لل ّنوع ا ّلتي يقدر ّ‬
‫كل أحد عىل‬
‫ملا أ ّدى إليه من ختريب العمران‪ ،‬كانت حكمة اخلطر‬ ‫أن ّ‬
‫الظلم ال يقدر‬ ‫والسكر ّإل ّ‬
‫الزنا والقتل ّ‬
‫اقرتافها من ّ‬
‫فيه موجودة‪ ،‬فكان حتريمه ّ‬
‫مهم»(‪.)5‬‬ ‫عليه ّإل من يقدر عليه ألنّه إنّام يقع من أهل القدرة‬
‫ويقول ابن خلدون‪« :‬وقد كان اخللفاء من قبل‬ ‫والسلطان فبولغ يف ذ ّمه وتكرير الوعيد فيه عسى أن‬
‫ّ‬
‫جيعلون للقايض ال ّنظر يف املظامل وهي وظيفة ممتزجة‬
‫(‪.1997/4 ،)2583‬‬
‫علو‬
‫السلطنة ونصفة القضاء وحتتاج إىل ّ‬
‫من سطوة ّ‬ ‫((( صحيح البخاري‪ ،‬كتاب االكراه ‪ ،‬باب اذا استكرهت املرأة‪،‬‬
‫يد وعظيم رهبة تقمع ّ‬
‫الظامل من اخلصمني وتزجر‬ ‫رقم (‪.22 /9 ،)6952‬‬
‫((( الكنز االكرب من االمر باملعروف والنهي عن املنكر‪،‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املقدمة ‪.356/1‬‬ ‫عبدالرمحن بن ايب بكر بن داوود الصاحلي احلنبيل (ت‪:‬‬
‫املصدر نفسه ‪.51/1 ،‬‬ ‫()‬
‫(((‬ ‫‪865‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬مصطفى عثامن‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪-‬‬
‫((( املصدر نفسه ‪.356/1 ،‬‬ ‫بريوت‪ ،‬ط‪ 1417 ،1‬هـ ‪ 1996 -‬م‪ ،‬ص ‪.80‬‬

‫‪348‬‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫أعم من ذلك ّ‬
‫وكل من‬ ‫سبب كام هو املشهور بل ّ‬
‫الظلم ّ‬ ‫املتعدّ ي وكأنّه يميض ما عجز القضاة أو غريهم عن‬
‫أخذ ملك أحد أو غصبه يف عمله أو طالبه بغري حقّ‬ ‫البينات وال ّتقرير واعتامد‬
‫إمضائه ويكون نظره يف ّ‬
‫أو فرض عليه ح ّقا مل يفرضه ّ‬
‫الشع فقد ظلمه فجباة‬ ‫األمارات»(‪.)1‬‬
‫األموال بغري ح ّقها ظلمة واملعتدون عليها ظلمة‬ ‫بل انه ألمهية هذا املوضوع افرد بوالية خاصة‪ ،‬يف‬
‫واملنتهبون هلا ظلمة واملانعون حلقوق ال ّناس ظلمة‬ ‫اوقات مبكرة من تاريخ الدولة االسالمية‪ ،‬حتت اسم‬
‫وغصاب األمالك عىل العموم ظلمة ووبال ذلك ك ّله‬
‫ّ‬ ‫والية املظامل او ديوان املظامل‪ ،‬حدد هلا ما تشمله وتنظر‬
‫عائد عىل الدّ ولة بخراب العمران ا ّلذي هو ما ّدهتا‬ ‫فيه من امور املظامل(‪.)2‬‬
‫إلذهابه اآلمال من أهله»(‪.)4‬‬ ‫ويبني لنا ابن خلدون خطورة الظلم فيقول‪ّ :‬‬
‫«أن‬
‫«ومن أشدّ ّ‬
‫الظالمات وأعظمها يف إفساد‬ ‫خمرب للعمران ّ‬
‫وأن عائدة اخلراب يف العمران‬ ‫ّ‬
‫الظلم ّ‬
‫الرعايا بغري حقّ‬
‫العمران تكليف األعامل وتسخري ّ‬ ‫عىل الدّ ولة بالفساد واالنتقاض‪ .‬وال تنظر يف ذلك إىل‬
‫فإذا ك ّلفوا العمل يف غري شأهنم ّ‬
‫واتذوا سخر ّيا يف‬ ‫ّ‬
‫أن االعتداء قد يوجد باألمصار العظيمة من الدّ ول‬
‫معاشهم بطل كسبهم واغتصبوا قيمة عملهم ذلك‬ ‫ا ّلتي هبا ومل يقع فيها خراب واعلم ّ‬
‫أن ذلك إنّام جاء‬
‫الضر وذهب هلم ّ‬
‫حظ‬ ‫متموهلم فدخل عليهم ّ‬
‫ّ‬ ‫وهو‬ ‫من قبل املناسبة بني االعتداء وأحوال أهل املرص ّ‬
‫فلم‬
‫تكرر‬
‫كبري من معاشهم بل هو معاشهم باجلملة وإن ّ‬ ‫كان املرص كبريا وعمرانه كثريا وأحواله م ّتسعة بام ال‬
‫السعي‬
‫ذلك عليهم أفسد آماهلم يف العامرة وقعدوا عن ّ‬ ‫ينحرص كان وقوع ال ّنقص فيه باالعتداء ّ‬
‫والظلم يسريا‬
‫فيها مجلة فأ ّدى ذلك إىل انتقاض العمران وختريبه واهلل‬ ‫ّ‬
‫ألن ال ّنقص إنّام يقع بال ّتدريج»(‪.)3‬‬
‫سبحانه وتعاىل أعلم وبه ال ّتوفيق»(‪.)5‬‬ ‫فالظلم يسقط الدولة بالتدريج كام يقول ابن‬
‫فالظلم سبب اساس يف اهنيار الدول‪ ،‬فظال» عن‬ ‫خلدون لذلك جيب ان ال تستهني به الدول ولو كان‬
‫انه خمالفة كبرية لرشع اهلل واحكام االسالم‪ ،‬ويتعارض‬ ‫ظلم بسيط ‪.‬‬
‫مع اهداف السياسة الرشعية‪ ،‬يف رعاية مصالح الناس‪،‬‬ ‫ويبني لنا ابن خلدون تنوع الظلم الذي يؤدي‬
‫التي ذكرت يف التمهيد‪« ،‬واحلضارة العظيمة ال يقىض‬ ‫حتسبن ّ‬
‫الظلم إنّام هو‬ ‫ّ‬ ‫اىل اهنيار الدولة فيقول‪“ :‬وال‬
‫عليها من اخلارج إال بعد أن تقيض هي عىل نفسها من‬ ‫أخذ املال أو امللك من يد مالكه من غري عوض وال‬
‫الداخل»(‪ ،)6‬بالظلم وغريه‪.‬‬
‫((( املصدر نفسه ‪.276 /1 ،‬‬
‫((( املصدر نفسه ‪.356 /1 ،‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬االحكام السلطانية لللاموردي‪ ،‬ص‪ ،130‬االحكام‬
‫((( املصدر نفسه ‪357 /1 ،‬‬ ‫السلطانية‪ ،‬ابو يعىل الفراء‪ ،‬ص‪.73‬‬
‫((( قصة احلضارة‪ ،‬وليام ديورنت‪404 /11 ،‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.356 /1 ،‬‬

‫‪349‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬
‫البحوث املحكمة‬ ‫أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون‬

‫ش ٍء ِمَّا‬‫يل لِ ِل ْقتِدَ ِاء ِبِ ْم ِف ُك ِّل َ ْ‬ ‫ال ْح ِر َ ْتثِ ٌ‬


‫ول ْ ُ‬‫«و ُد ُخ ُ‬ ‫َ‬
‫املطلب الرابع‪ :‬تقليد غري‬
‫وأ ْع َل َم َصلَّ اللَّ ُ َع َل ْي ِه َو َس َّل َم َأ َّن‬
‫َنَى الشَّ ْ عُ َع ْن ُه َو َذ َّم ُه‪َ ،‬‬
‫ال ُمو ِر َوا ْلبِدَ ِع َو ْ َ‬
‫ات ِم َن ْ ُ‬ ‫ُأ َّمت َُه َس َت َّتبِ ُع ْ ُال ْحدَ َث ِ‬
‫املسلمني‬
‫ال ْه َو ِاء َك َم‬
‫ﭧ ﭨ «ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬
‫(‪.)4‬‬ ‫َو َق َع لِ ْ ُ‬
‫ل َم ِم َق ْب َل ُه ْم»‬
‫ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦ‬
‫يقول ابن خلدون‪« :‬أن املغلوب مولع أبدا‬
‫ﮧ ﮨ «(‪.)1‬‬
‫باالقتداء بالغالب يف شعاره وزيه ونحلته وسائر‬
‫«وال َت ْر َكنُوا إِ َل ا َّل ِذ َ‬
‫ين َظ َل ُموا أي ال متيلوا إليهم‬ ‫َ‬
‫أحواله وعوائده»(‪ .)5‬وهذا الولع مشاهد‪ ،‬ومتابع‬
‫أدنى ميل‪ ،‬واملراد هبم املرشكون‪ ،‬وفرس امليل بميل‬
‫وال حيتاج اىل دليل‪ ،‬مشاهد عند الرجال والنساء‬
‫القلب إليهم باملحبة‪ ،‬وقد يفرس بام هو أعم من ذلك‬
‫عند الشباب والشابات يف املأكل وامللبس والعادات‬
‫كام يفرس ا َّل ِذ َ‬
‫ين َظ َل ُموا بمن وجد منه ما يسمى ظلام‬
‫االجتامعية املنسوخة من الغرب‪ ،‬بل وحتى التعليم‬
‫مطلقا‪ ،‬قيل‪ :‬وإلرادة ذلك مل يقل إىل الظاملني ويشمل‬
‫املنسوخ طبق االصل من املناهج الغربية‪ ،‬مما اوجد‬
‫النهي حينئذ مداهنتهم وترك التغيري عليهم مع القدرة‬
‫جمتمعات ودول مل تصل ولن تصل اىل مستوى التقدم‬
‫والتزيي بزهيم وتعظيم ذكرهم وجمالستهم من غري داع‬
‫يف الغرب ومل حتافظ عىل دينها وعادهتا وتقاليدها‪،‬‬
‫رشعي‪ ،‬وكذا القيام هلم ونحو ذلك‪ ،‬ومدار النهي عىل‬
‫الن التقليد ببساطة يوجد فجوة علمية وفكرية من‬
‫الظلم واجلمع باعتبار مجعية املخاطبني‪ ،‬وقيل‪ :‬إن‬
‫الصعب ان متال‪ ،‬ما دام ا ُمل ِ‬
‫قلد يسري عىل خطى ا ُملق َلد‬
‫ذلك للمبالغة يف النهي»(‪.)2‬‬
‫فكيف يسبقه‪.‬‬
‫ين ِم ْن َق ْب ِل ُك ْم‬
‫قال النبي ‪َ « :‬ل َت َّتبِ ُع َّن َسن ََن ا َّل ِذ َ‬
‫«واالنبهار بتقدم الغرب وقدراته دون التفرقة‬
‫ب َو ِذ َر ًاعا بِ ِذ َرا ٍع َح َّتى َل ْو َد َخ ُلوا ِف ُج ْح ِر َض ٍّب‬
‫با بِ ِش ْ ٍ‬
‫ِش ْ ً‬
‫بني السقيم والسليم جيعل املرء يف فصام تربوي‬
‫ول اللَّ ِ آ ْل َي ُهو َد َوالن ََّص َ‬
‫ارى‬ ‫وه ْم »‪ُ .‬ق ْلنَا َيا َر ُس َ‬ ‫َ‬
‫ال َّت َب ْعت ُُم ُ‬
‫بني إقرار وعدم تطبيق‪ ،‬واقتباس‪ ،‬فنقر للمنهج‬
‫َق َ‬
‫ال « َف َم ْن »»(‪.)3‬‬
‫اإلسالمي بالقدرة واالستطاعة عىل النهوض باألمة‬
‫كام هنض بأسالف املسلمني عندما هنضوا به يف قرونه‬
‫((( سورة هود‪ ،‬اية ‪.113‬‬
‫األوىل مع عدم تطبيقه يف جماالت احلياة‪ ،‬إضافة‬
‫((( ينظر‪ :‬تفسري روح املعاين‪ ،‬شهاب الدين حممود بن عبداهلل‬
‫االلويس (ت‪1270 :‬ه ـ) حتقيق‪ :‬عيل عبدالباري‪ ،‬دار‬
‫والنصارى‪ ,‬رقم(‪.57/8, )6952‬‬ ‫الكتب العلمية‪ ، ،‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1415 ،1‬هـ‪.347/6 ،‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح الباري‪ ،‬امحد بن عيل بن حجر العسقالين‪ ،‬دار‬ ‫((( صحيح البخاري‪ ,‬كتاب االعتصام بالكتاب والسنة ‪,‬باب‬
‫املعرفة ‪ -‬بريوت‪.301 /13 ،1379 ،‬‬ ‫لتتبعن سنن من كان قبلكم ‪,‬رقم (‪2668/6, )7320‬‬
‫ينظر‪ :‬املقدمة‪.184 /1 ،‬‬ ‫()‬
‫(((‬ ‫‪,‬صحيح مسلم‪ ,‬كتاب العلم ‪,‬باب إتباع سنن اليهود‬

‫‪350‬‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫اي ان االساس يف تقليد املغلوب ليس قوة‬ ‫إىل األخذ عن الغرب دون دراسة واعية مصححة‬
‫باس الغالب‪ ،‬بقدر ما هو خضوع وخنوع املغلوب‪،‬‬ ‫عىل معايري اإلسالم‪ ،‬مما جيعل االستفادة من تقنيات‬
‫واالهنزام الفكري قبل االهنزام العسكري امام العدو‪.‬‬ ‫الغرب يكرتثها يشء من التأثر يف اجلوانب األخرى‪،‬‬
‫ويوضح ذلك ابن خلدون برصيح العبارة عندما‬ ‫األمر الذي يؤكد أمهية إيالء هذا اجلانب عناية من‬
‫يتكلم عن حال االندلس يف وقته‪.‬‬ ‫املؤسسات الرتبوية عىل مستوى األمة واألفراد‪ ،‬بام‬
‫فيقول‪« :‬حتى انه اذا كانت امة جتاور أخرى وهلا‬ ‫حيرص االستفادة يف اجلوانب التقنية دون امتداد تبعاهتا‬
‫شبه واالقتداء‬
‫الغلب عليها فيرسي إليهم من هذا ال ّت ّ‬ ‫عىل اجلوانب الفكرية والعقدية واألخالقية لألمة»(‪.)1‬‬
‫ّ‬
‫حظ كبري كام هو يف األندلس هلذا العهد مع النصارى‪،‬‬ ‫وبني لنا ابن خلدون سبب هذا التقليد فيقول‪:‬‬
‫يتشبهون هبم يف مالبسهم وشاراهتم‬
‫ّ‬ ‫فانك جتدهم‬ ‫«والسبب يف ذلك ان النفس ابد ًا تعتقد الكامل يف من‬
‫والكثري من عوائدهم وأحواهلم ن‪ ،‬حتى يف رسم‬ ‫غلبها وانقادت إليه إ ّما لنظره بالكامل بام وقر‪ ،‬عندها‬
‫ال ّتامثيل يف اجلدران واملصانع والبيوت ح ّتى لقد‬ ‫من تعظيمه أو ملا تغالط به من ّ‬
‫أن انقيادها ليس لغلب‬
‫يستشعر من ذلك ال ّناظر بعني احلكمة أنّه من عالمات‬ ‫طبيعي إنّام هو لكامل الغالب فإذا غالطت بذلك‬
‫ّ‬
‫االستيالء واألمر للَّ »(‪.)4‬‬ ‫واتّصل هلا اعتقادا فانتحلت مجيع مذاهب الغالب‬
‫والستيالء الفعيل عىل كامل االندلس حصل بعد‬ ‫وتشبهت به وذلك هو االقتداء»(‪.)2‬‬
‫ّ‬
‫مدة قصري نسبي ًا من كالم ابن خلدون (‪.)5‬‬ ‫فاعتقاد الكامل يف الغالب هو االساس يف هذا‬
‫ويقول ابن خلدون‪« :‬املغلوب يتشبه أبدا بالغالب‬ ‫التقليد فمن فتن باحلضارة الغربية يراها كلها فضائل‪،‬‬
‫يف ملبسه ومركبه وسالحه‪ ،‬بل ويف سائر أحواله وانظر‬ ‫وال يرى ما انغمست فيه هذه احلضارة من الرذائل‪.‬‬
‫ذلك يف األبناء مع آبائهم كيف جتدهم متشبهني هبم‬ ‫ويقول ابن خلدون‪« :‬واهلل أعلم من ان غلب‬
‫دائام وما ذلك ّإل العتقادهم الكامل فيهم وانظر إىل‬ ‫الغالب هلا ليس بعصبية وال قوة بأس وإنّام هو بام‬
‫ّ‬
‫كل قطر من األقطار كيف يغلب عىل اهله زي احلامية‬ ‫انتحلته من العوائد واملذاهب تغالط أيضا بذلك عن‬
‫ألنم الغالبون هلم‪ ،‬وتأ ّمل يف‬
‫وجند السلطان يف األكثر ّ‬ ‫الغلب»(‪.)3‬‬
‫رس قوهلم العا ّمة عىل دين امللك»(‪.)6‬‬
‫هذا ّ‬
‫((( ينظر‪ :‬مصطلح فلسفة الرتبية يف ضوء املنهج اإلسالمي‬
‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.184 /1 ،‬‬ ‫(دراسة نقدية) خالد بن حامد احلازمي‪ ،‬جامعة املدينة‬
‫((( ينظر‪ :‬دولة االسالم يف االندلس‪ ،‬حممد عبد اهلل عنان‪( ،‬ت‪:‬‬ ‫املنورة‪1424 ،‬هـ‪2004/‬م‪ ،‬ص‪.303‬‬
‫‪1406‬هـ) طبع مكتبة اخلانجي‪ ،‬القاهرة‪.196 /5 ،‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.185 /1 ،‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.184 /1 ،‬‬ ‫((( املصدر نفسه ‪.185 /1 ،‬‬

‫‪351‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬
‫البحوث املحكمة‬ ‫أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون‬

‫صاحبه أن يسمع شيئ ًا عن اآلخرة»(‪.)3‬‬ ‫وتشبه املجتمع بشكل واسع بالغرب يف امللبس‪،‬‬
‫شوا‬ ‫ول اللَّ ِ ‪ ‬خماطبا» االنصار‪َ « :‬ف َأ ْب ِ ُ‬ ‫ال َر ُس َ‬ ‫َق َ‬ ‫للرجال والنساء‪ ،‬ال سيام للنساء جر عىل االمة الكثري‬
‫ال ال َفق َْر َأ ْخ َشى َع َل ْي ُك ْم‪،‬‬ ‫س ُك ْم‪َ ،‬ف َواللَّ ِ َ‬ ‫َ‬
‫َوأ ِّم ُلوا َما َي ُ ُّ‬ ‫من املشاكل‪ ،‬من خمالفة حديث الرسول الذي ذكرناه يف‬
‫َو َل ِك ْن َأ َخ َشى َع َل ْي ُك ْم َأ ْن ت ُْب َس َط َع َل ْي ُك ُم الدُّ ْن َيا َك َم‬ ‫مقدمة املطلب‪ ،‬فضال «عن خمالفة النصوص الرشعية‬
‫وها‬‫وها َك َم َتنَا َف ُس َ‬ ‫ُب ِس َط ْت َع َل َم ْن َك َ‬
‫ان َق ْب َل ُك ْم‪َ ،‬ف َتنَا َف ُس َ‬ ‫التي توجب احلجاب عىل املرأة املسلمة‪ ،‬وسرت العورة‬
‫َو ُ ْت ِل َك ُك ْم َك َم َأ ْه َل َك ْت ُه ْم»(‪.)4‬‬ ‫عىل الرجل كام هو مفصل يف كتب الفقه‪ ،‬فضال» عن‬
‫الر ْغ َب ُة ِف الشَّ ْ ِء‬
‫س ِم َن ْ ُالنَا َف َس ِة َو ِه َي َّ‬ ‫«وال َّتنَا ُف ُ‬
‫َ‬ ‫خمالفة احكام السياسة الرشعية‪ ،‬التي تلزم احلاكم بحفظ‬
‫الض ِّم‬ ‫َو َم ََّب ُة ِالن ِْف َر ِاد بِ ِه َو ْ ُال َغا َل َب ُة َع َل ْي ِه َو َن ُف َ‬
‫س الشَّ ْ ُء بِ َّ‬
‫دين املجتمع‪ ،‬من خالل حفظ االحكام الرشعية‪.‬‬
‫س َب ِخ ْل ُت‬ ‫يه َو َن ِف ْس ُت بِ ِه بِا ْل َك ْ ِ‬ ‫ار َم ْر ُغو ًبا ِف ِ‬ ‫اس ًة َص َ‬ ‫َن َف َ‬
‫املطلب اخلامس‪ :‬الرتف‬
‫ككم َأ ْي ِ َ‬ ‫َ َ‬
‫ل َّن‬ ‫َو َن ِف ْس ُت َع َل ْي ِه َ ْل أ َر ُه أ ْه ًل لِ َذلِ َك َق ْو ُل ُه َفت ُْه ِل ُ ْ‬
‫ﭧ ﭨ «ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ‬
‫س لِ َط َلبِ ِه َفت ُْمن َُع ِم ْن ُه َف َت َق ُع‬
‫اح ال َّن ْف ُ‬ ‫وب ِف ِ‬
‫يه َف َ ْ‬
‫ت َت ُ‬ ‫ال َم ْر ُغ ٌ‬ ‫ْالَ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ»‬
‫ال َلك» ‪.‬‬
‫(‪)5‬‬ ‫ا ْل َعدَ َاو ُة ْ ُال ْقت ِ‬
‫َض َية للمقاتلة املفضية إِ َل ْ َ‬
‫«إذا دنا وقت إهالك قوم بعذاب االستئصال‪،‬‬
‫وقد استفاضت الروايات يف بيان قلة الطعام يف‬
‫أمر اهلل املرتفني (أي املتنعمني) بالطاعة واخلري أمرا‬
‫بيوت رسول اهلل ‪ ‬فام كان أهله يشبعون من خبز‬
‫فعليا‪ ،‬فإذا عصوا ذلك األمر وفسقوا‪ ،‬وخرجوا عن‬
‫الشعري يومني متتاليني‪ ،‬وكان جل طعامهم التمر‪،‬‬
‫حدود الطاعة ومتردوا‪ ،‬وجب عليهم العذاب جزاء‬
‫وحتى التمر ما شبعوا منه حتى فتحت خيرب‪ ،‬وأما‬
‫اللحم وخبز الرب والسمن والقثاء فقلام كانوا ينالونه‪،‬‬ ‫وفاقا لعصياهنم فدمرهم اهلل تدمريا‪ ،‬وأبادهم إبادة‬

‫وقد يميض عليهم الشهر والشهران ما يوقدون نار ًا‬ ‫تامة‪ .‬وخص اهلل املرتفني ألهنم الواجهة‪ ،‬وأهنم أوىل‬
‫حتت قدر ال خلبز وال لطعام إ ّ‬
‫ال نادر ًا‪ ،‬مكتفني بالتمر‬ ‫بالشكر من غريهم وألن فسقهم هو املؤثر يف فساد‬

‫واملاء(‪.)6‬‬ ‫القرية‪ ،‬وسواهم تبع هلم»(‪.)2‬‬


‫«من أسباب االهنيار التي ذكرها اهلل ُس ْب َحا َن ُه‬
‫((( ينظر‪ :‬دروس للشيخ سفر احلوايل‪ ،‬سفر بن عبد الرمحن‬ ‫َو َت َع َال‪ :‬انتشار الرتف‪ ،‬وهلذا فإن أول من يرد دعوة‬
‫احلوايل‪ ،‬مصدر الكتاب‪ :‬دروس صوتية قام بتفريغها موقع‬
‫األنبياء هم املرتفون كام ورد يف كثري من اآليات‬
‫الشبكة اإلسالمية‬
‫‪http: //www. islamweb. net‬‬ ‫وحب الدنيا ُيقسِّ القلب‪ ،‬فال يطيق‬
‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫فالرتف‬ ‫القرآنية‪،‬‬
‫((( صحيح البخاري‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب ما حيذر من زهرة الدنيا‬
‫والتنافس فيها‪ ،‬رقم (‪.90 /8 ،)6425‬‬ ‫((( سورة االرساء‪ ،‬اية ‪.16‬‬
‫((( ينظر‪ :‬فتح الباري‪.246 /11 ،‬‬ ‫((( التفسري الوسيط‪ ،‬د وهبة بن مصطفى الزحييل النارش‪ :‬دار‬
‫ثي‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫َاول ٌة لتَطبِ ْي ِق َق َواعد امل َحدِّ ْ َ‬
‫حي َح ُة ُم َ‬ ‫السري ُة ال َّن َبو َّي ُة َّ‬
‫الص ْ‬ ‫((( ينظر‪ِّ :‬‬ ‫الفكر ‪ -‬دمشق الطبعة‪ :‬األوىل ‪ 1422 -‬هـ‪.1334/2 ،‬‬

‫‪352‬‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫(‪.)2‬‬
‫واملرسلني‪ ،‬والصدّ يقني والصاحلني»‬ ‫لذلك يقول ابن خلدون‪« :‬واعلم ّ‬
‫أن أثر هذا‬
‫لذلك جيب ان نفرق بني الرتف املنهي عنه‬ ‫اخلصب يف البدن وأحواله يظهر ح ّتى يف حال الدّ ين‬
‫رت ُف يف اللغة‪« :‬ال َّتن َُّع ُم‪،‬‬
‫والتمتع بام احل اهلل للناس‪ ،‬فال َ‬ ‫والعبادة فنجد املتقشّ فني من أهل البادية أو احلارضة‬
‫ت ٌف‬ ‫وصبي ُم ْ َ‬
‫ٌّ‬ ‫الغذاء‪.‬‬ ‫يف ُح ْس ُن ِ‬ ‫والتَّت ُ‬
‫مة‪ْ ،‬‬ ‫ْفة الن َّْع ُ‬‫والتُّ ُ‬ ‫ممّن يأخذ نفسه باجلوع وال ّتجايف عن املال ّذ أحسن دينا‬
‫ت ُف‪ :‬ا َّل ِذي َقدْ َأ ْب َط َرتْه‬
‫البدن ُمدَ ًلَّل وا ُمل ْ َ‬
‫ِ‬ ‫إِ َذا َك َ‬
‫ان ُمن ََّع َم‬ ‫وإقباال عىل العبادة من أهل ّ‬
‫التف واخلصب بل نجد‬
‫مة َأي َأ ْط َغ ْته»(‪.)3‬‬ ‫ش‪َ .‬‬
‫وأت َْر َف ْته الن َّْع ُ‬ ‫العي ِ‬
‫وسعة ْ‬ ‫ُ‬
‫النعمة َ‬ ‫يعمها من‬
‫أهل الدّ ين قليلني يف املدن واألمصار ملا ّ‬
‫ّ‬
‫«فالتف مفسد للخلق بام‬ ‫يقول ابن خلدون‪:‬‬ ‫القساوة والغفلة امل ّتصلة باإلكثار من ال ّلحامن واألدم‬
‫والسفسفة وعوائدها‬
‫الش ّ‬‫حيصل يف ال ّنفس من ألوان ّ ّ‬ ‫والز ّهاد لذلك‬
‫ّ‬ ‫العباد‬
‫وخيتص وجود ّ‬
‫ّ‬ ‫رب‬
‫ولباب ال ّ‬
‫كام يأيت يف فصل احلضارة فتذهب منهم خالل اخلري‬ ‫باملتقشّ فني يف غذائهم من أهل البوادي وكذلك نجد‬
‫ا ّلتي كانت عالمة عىل امللك ودليال عليه وي ّتصفون‬ ‫طيباته من‬
‫هؤالء املخصبني يف العيش املنغمسني يف ّ‬
‫بام يناقضها من خالل ّ ّ‬
‫الش فيكون عالمة عىل اإلدبار‬ ‫(‪.)1‬‬
‫أهل البادية ومن أهل احلوارض»‬
‫واالنقراض بام جعل اهلل من ذلك يف خليقته وتأخذ‬ ‫وهذا حتليل دقيق من ابن خلدون عن اثر الرتف‬
‫الدّ ولة مبادئ العطب وتتضعضع أحواهلا وتنزل هبا‬ ‫عىل الدين والعبادة واالخالق ويف التفريق بني سكان‬
‫أمراض مزمنة من اهلرم إىل أن يقىض عليها»(‪.)4‬‬ ‫املدن وسكان البوادي‪ ،‬وبيان سبب اساس للوقوع يف‬
‫«ومتى غرقت أمة من األمم يف الرتف‪ ،‬وأبطرهتا‬ ‫الرتف من قبل سكان املدن وهو توفر اسباب الرتف‪،‬‬
‫الرفاهية التي جتر ذيوهلا مستكربة‪ ،‬دبت فيها عوامل‬ ‫مما يسهل الوقوع فيه والبعد عن الزهد‪.‬‬
‫االهنيار اخللقي‪ ،‬وبدأت تنسى اهلل والدار اآلخرة‪،‬‬ ‫«وحقيقة الزهد يف الدنيا إنام هو يف الرتفع عن‬
‫وتتعلق بزخرف احلياة الدنيا كأهنا فيها خالدة‪ ،‬وتسعى‬ ‫زخارفها‪ ،‬وعصمة النفس من التوسع فيها مع‬
‫وراء غرائب اللذات‪ ،‬وتتجدد لدهيا مطالب مستنكرة‬ ‫القدرة عىل ذلك‪ ،‬ال عن تعنت وحتريم ملا أحل اهلل‬
‫من متع احلياة‪ ،‬وأخذ مرتفوها يتنافسون يف ابتكار‬ ‫من الطيبات‪ ،‬ولكن عن تنزه أن يكون اإلنسان عبد‬
‫أهوائه وأسري شهواته وملذاته‪ ،‬وهذا هو زهد األنبياء‬

‫((( ينظر‪ :‬السرية النبوية عىل ضوء القرآن والسنة‪ ،‬حممد بن حممد‬
‫بن سويلم أبو ُشهبة‪( ،‬املتوىف‪1403 :‬هـ)‪ ،‬دار القلم ‪-‬‬ ‫ِّي ِة ال َّن َبو َّي ِة‪ ،‬د‪ .‬أكرم ضياء العمري مكتبة‬
‫ات الس ْ َ‬ ‫ف َنق ِْد َ‬
‫روا َي ِ‬ ‫ِْ‬
‫دمشق ‪ 1427‬هـ‪.651 /2 ،‬‬ ‫العلوم واحلكم‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬ط‪ 1415 ،6‬هـ ‪1994 -‬‬
‫((( ينظر‪ :‬لسان العرب‪ ،‬باب التاء املثناة‪.17 /9 ،‬‬ ‫م‪.653 /2 ،‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.212/1 ،‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.111 /1 ،‬‬

‫‪353‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬
‫البحوث املحكمة‬ ‫أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون‬

‫وما يقوله ابن خلدون حدث امامه يف االندلس‪،‬‬ ‫أنواع مستحدثة مما يشتهون أو به يتلهون»(‪.)1‬‬
‫واملسلمون ال جيهلون أن سقوط األندلس يرجع‬ ‫فيجعل ابن خلدون الرتف عالمة عىل ادبار‬
‫إىل متزق الصف العريب واإلسالمي وكثرة دويالت‬ ‫وانقراض الدولة‪ ،‬ثم يوضح ذلك بقوله‪ّ :‬‬
‫«أن غاية‬
‫املسلمني‪ ،‬وتسلل العنارص املتآمرة إىل صفوف تلك‬ ‫العمران هي احلضارة ّ‬
‫والتف وأنّه إذا بلغ غايته‬
‫الدويالت‪ ،‬والركون إىل الرتف والتعرض لألفكار‬ ‫بيعية‬
‫الط ّ‬‫انقلب إىل الفساد وأخذ يف اهلرم كاألعامر ّ‬
‫(‪.)4‬‬
‫املنحرفة‬ ‫للحيوانات‪ .‬بل نقول ّ‬
‫إن األخالق احلاصلة من‬
‫يقول ابن خلدون عن الرتف‪« :‬ويكثر اإلنفاق‬ ‫والتف هي عني الفساد ّ‬
‫ألن اإلنسان إنّام‬ ‫احلضارة ّ‬
‫السلطان وأهل الدّ ولة عىل العموم‬
‫بسببه فتعظم نفقات ّ‬ ‫مضاره‬
‫ّ‬ ‫هو إنسان باقتداره عىل جلب منافعه ودفع‬
‫ثم يعظم ّ‬
‫التف فيكثر اإلرساف يف ال ّنفقات وينترش‬ ‫ّ‬ ‫واحلرضي ال يقدر‬
‫ّ‬ ‫للسعي يف ذلك‪.‬‬
‫واستقامة خلقه ّ‬
‫عية ّ‬
‫ألن ال ّناس عىل دين ملوكها وعوائدها‬ ‫الر ّ‬
‫ذلك يف ّ‬ ‫عىل مبارشته حاجاته إ ّما عجزا ملا حصل له من الدّ عة‬
‫السلطان إىل رضب املكوس ملا حيتاج هو إليه‬
‫وحيتاج ّ‬ ‫أو تر ّفعا ملا حصل من املربى يف ال ّنعيم ّ‬
‫والتف وكال‬
‫ثم تزيد عوائد ّ‬
‫التف‬ ‫من نفقات سلطانه وأرزاق جنده ّ‬ ‫األمرين ذميم»(‪.)2‬‬
‫فال تفي هبا املكوس وتكون الدّ ولة قد استفحلت يف‬ ‫وسبب ذلك كام يقول‪ّ :‬‬
‫«أن طبيعة امللك تقتيض‬
‫الرعايا فتمتدّ‬
‫االستطالة والقهر ملن حتت يدها من ّ‬ ‫الدّ عة‪ ،‬وإذا ّاتذوا الدّ عة ّ‬
‫والراحة مألفا وخلقا صار‬
‫الرعايا»(‪ .)5‬وسنتكلم عن‬
‫أيدهيم إىل مجع املال من أموال ّ‬ ‫هلم ذلك طبيعة وجب ّلة شأن العوائد ك ّلها وإيالفها‬
‫هذا اجلانب يف املطلب التايل‪.‬‬ ‫فرتبى أجياهلم احلادثة يف غضارة العيش ومهاد ّ‬
‫التف‬
‫ثم يبني خلدون ان الرتف من عوائق امللك‬ ‫وحش وينسون عوائد البداوة‬
‫والدّ عة وينقلب خلق ال ّت ّ‬
‫واستمرار الدولة فيقول‪« :‬أن من عوائق امللك حصول‬ ‫وتعود االفرتاس‬
‫ّ‬ ‫ا ّلتي كان هبا امللك من شدّ ة البأس‬
‫الرتف وانغامس القبيل يف النعيم‪ ،‬ومل تسم آماهلم إىل‬ ‫وركوب البيداء فتضعف محايتهم ويذهب بأسهم‬
‫يشء من منازع امللك وال أسبابه إنّام مهّتهم ال ّنعيم‬ ‫وتنخضد شوكتهم ويعود وبال ذلك عىل الدّ ولة بام‬
‫والسكون يف ّ‬
‫ظل الدّ ولة‬ ‫والكسب وخصب العيش ّ‬ ‫تلبس من ثياب اهلرم»(‪.)3‬‬
‫ّ‬
‫والراحة واألخذ بمذاهب امللك يف املباين‬
‫إىل الدّ عة ّ‬
‫((( ينظر‪ :‬اجنحة املكر الثالث‪ ،‬عبد الرمحن بن حسن الدمشقي‬
‫((( ينظر‪ :‬دور اإلعالم يف التضامن اإلسالمي‪ ،‬إبراهيم‬ ‫(ت‪1425 :‬ه ـ) طبع دار القلم ‪ -‬دمشق‪ 1420 ،‬هـ ‪-‬‬
‫إمام‪ ،‬النارش‪ :‬اجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة‪ ،‬ط‪،16‬‬ ‫‪ 2000‬م‪ ،‬ص‪.436‬‬
‫‪1404‬هـ‪1984/‬م‪ ،‬ص‪.268‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬املقدمة ‪468 /1‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.366 /1 ،‬‬ ‫((( املصدر نفسه ‪.212/1 ،‬‬

‫‪354‬‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫قلناه»(‪.)3‬‬ ‫املالبس واالستكثار من ذلك وال ّتأنّق فيه بمقدار‬


‫وطبعا» هذه العالمة ختتلف من دولة اىل اخرى‬ ‫العصبية‬
‫ّ‬ ‫الرياش ّ‬
‫والتف‪ ،‬وتضعف‬ ‫ما حصل من ّ‬
‫ومن عرص اىل اخر‪ ،‬لكن يبقى املقصود منها ان الرتف‬ ‫قص القبيل عن‬
‫العصبية ّ‬
‫ّ‬ ‫والبسالة‪ ،‬وإذا انقرضت‬
‫يودي اىل اهنيار الدولة عاجال» او اجال»‪.‬‬ ‫املدافعة واحلامية فضال عن املطالبة والتهمتهم األمم‬
‫املطلب السادس‪ :‬االسباب‬ ‫تبي ّ‬
‫أن ّ‬
‫التف من عوائق امللك َواهلل ُي ْؤ ِت‬ ‫سواهم فقد ّ‬
‫االقتصادية‬ ‫ُم ْل َك ُه من َي ُ‬
‫شاء»(‪.)1‬‬
‫ﭧ ﭨ «ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬ ‫«واذا َد َّب الرتف ورسى يف عروق احلاكمني‪,‬‬
‫ﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨ‬ ‫وامتدَّ من احلاكمني إىل َم ْن يلهم من الطبقات‪ ,‬ومع‬
‫ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ «(‪.)4‬‬ ‫الرتف يكون الفسق ويكون الفجور‪ ،‬وارختت‬
‫«املال قوام احلياة املعيشية‪ ،‬وأساس تقدم الدول‬ ‫وترهلت أجسادهم‪ ,‬ونعمت‬
‫َّ‬ ‫أعصاب املرتفني‪،‬‬
‫املعول عليه يف‬
‫واجلامعات‪ ،‬فبه تنهض األمة‪ ،‬وهو ّ‬ ‫أطرافهم‪ ،‬فلم تعد صاحل ًة للجهاد‪ ،‬والدفاع عن‬
‫احلرب والسلم وبناء احلضارات‪ .‬لذا صانه اإلسالم‪،‬‬ ‫الدولة»(‪.)2‬‬
‫حتركه وانتقاله بني الناس مرهونا باحلق‬
‫وجعل ّ‬ ‫ويذكر ابن خلدون عالمة عىل انتشار الرتف‬
‫والعدل‪ ،‬فال ّ‬
‫غش وال غبن وال ظلم وال استغالل وال‬ ‫وبداية اهنيار الدولة فيقول‪« :‬ان املدينة اذا كثر فيها‬
‫اغتصاب‪ ،‬وال جيوز ألحد أن يأخذ مال أحد إال بإذنه‪،‬‬ ‫غرس النارنج تأذنت باخلراب ح ّتى ّ‬
‫أن كثريا من‬
‫وهنانا اهلل سبحانه يف هذه اآلية أن نأكل أموال بعضنا‬ ‫العا ّمة يتحامى غرسه بالدّ ور تطريا به‪ .‬وليس املراد‬
‫بالباطل وبدون وجه حق‪ ،‬وهنانا أن نلقي باألموال‬ ‫خاص ّية يف ال ّنارنج وإنّام معناه ّ‬
‫أن البساتني‬ ‫ذلك وال أنّه ّ‬
‫إىل احلكام مستعينني يف ذلك بالدفاع بالباطل‪،‬‬ ‫ثم ّ‬
‫إن ال ّنارنج‪،‬‬ ‫وإجراء املياه هو من توابع احلضارة‪ّ .‬‬
‫واآلية تشمل أخذ مال اآلخرين بغري حق بمختلف‬ ‫وأمثال ذلك ممّا ال طعم فيه وال منفعة هو من غاية‬
‫الوسائل»(‪.)5‬‬ ‫احلضارة إذ ال يقصد هبا يف البساتني ّإل أشكاهلا فقط‬
‫قال الرسول‪َ « :‬فإِ َّن ِد َما َء ُك ْم‪َ ،‬و َأ ْم َوا َل ُك ْم‪،‬‬ ‫وال تغرس ّإل بعد ال ّتف ّنن يف مذاهب ّ‬
‫التف‪ .‬وهذا‬
‫َو َأ ْع َر َ‬
‫اض ُك ْم‪َ ،‬ب ْين َُك ْم َح َر ٌام‪َ ،‬ك ُح ْر َم ِة َي ْو ِم ُك ْم َه َذا‪ِ ،‬ف‬ ‫هو ّ‬
‫الطور ا ّلذي خيشى معه هالك املرص وخرابه كام‬
‫الغائِ َب‪،‬‬ ‫الش ِ‬
‫اهدُ َ‬ ‫َش ْه ِر ُك ْم َه َذا‪ِ ،‬ف َب َل ِد ُك ْم َه َذا‪ ،‬لِ ُي َب ِّل ِغ َّ‬

‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.467 /1 ،‬‬ ‫((( املصدر نفسه ‪.175 /1 ،‬‬


‫((( سورة البقرة‪ ،‬اية ‪.188‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬حارض العامل اإلسالمي‪ ،‬عىل جريشه وحممود حممد سامل‬
‫((( التفسري الوسيط‪ ،‬الزحييل‪.92/1 ،‬‬ ‫النارش‪ :‬مطاب الدجوي ‪-‬القاهرة‪ -‬عابدين‪ ،‬ص ‪.86‬‬

‫‪355‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬
‫البحوث املحكمة‬ ‫أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون‬

‫ّ‬
‫واختل‬ ‫ساكن القطر وخلت دياره وخرجت أمصاره‬ ‫اهدَ َع َسى َأ ْن ُي َب ِّلغَ َم ْن ُه َو َأ ْو َعى َل ُه ِم ْن ُه»(‪.)1‬‬
‫الش ِ‬
‫َفإِ َّن َّ‬
‫والسلطان»‬
‫(‪.)6‬‬
‫باختالله حال الدّ ولة ّ‬ ‫قال الرسول‪ ‬عن الغامدية(‪َ « :)2‬ل َقدْ َتا َب ْت َت ْو َب ًة‬
‫وهذا االمر كام يقول يودي اىل اختالل حال‬ ‫س(‪َ )3‬ل ُغ ِف َر َل ُه»(‪.)4‬‬ ‫ابا َص ِ‬
‫اح ُب َم ْك ٍ‬ ‫َل ْو َت َ َ‬
‫الدولة‪ ،‬فالظلم وأكل اموال الناس بالباطل يودي‬ ‫«كره اإلسالم الرشه والطمع والتكالب عىل مجع‬
‫حت ًام وبشكل تدرجيي اىل اهنيار اقتصادي ثم اهنيار‬ ‫وحرم الظلم والعدوان وأكل أموال الناس‬
‫األموال‪ّ ،‬‬
‫الدولة بشكل عام‪.‬‬ ‫بالباطل حتري ًام جازم ًا»(‪.)5‬‬
‫ويبني لنا ابن خلدون سبب قيام الدولة بظلم‬ ‫يقول ابن خلدون‪« :‬اعلم ّ‬
‫أن العدوان عىل ال ّناس‬
‫الرعية واخذ امواهلم فيقول‪« :‬اعلم ان الدولة تكون يف‬ ‫يف أمواهلم ذاهب بآماهلم يف حتصيلها واكتساهبا ملا‬
‫ّأوهلا بدوية كام قلنا فتكون لذلك قليلة احلاجات لعدم‬ ‫يرونه حينئذ من ّ‬
‫أن غايتها ومصريها انتهاهبا من‬
‫ّ‬
‫التف وعوائده فيكون خرجها وإنفاقها قليال فيكون‬ ‫أيدهيم وإذا ذهبت آماهلم يف اكتساهبا وحتصيلها‬
‫يف اجلباية حينئذ وفاء بازيد منها كثري عن حاجاهتم ثم‬ ‫السعي يف االكتساب فإذا قعد‬
‫انقبضت أيدهيم عن ّ‬
‫ال تلبث أن تأخذ باحلضارة يف الرتف ويكثر خراج‬ ‫ال ّناس عن املعاش وانقبضت أيدهيم عن املكاسب‬
‫خاصته وكثرة‬
‫السلطان خصوصا كثرة بالغة بنفقته يف ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫فخف‬ ‫كسدت أسواق العمران وانتفضت األحوال‪،‬‬
‫الزيادة‬
‫عطائه وال تفي بذلك اجلباية فتحتاج الدّ ولة إىل ّ‬
‫والسلطان‬ ‫باب«ر َّب ُم َب َّل ٍغ َأ ْو َعى ِم ْن‬
‫يف اجلباية ملا حتتاج إليه احلامية من العطاء ّ‬ ‫ُ‬ ‫((( صحيح البخاري‪ ،‬كتاب العلم‪،‬‬
‫َس ِ‬
‫ام ٍع»‪ ،‬رقم (‪.24 /1 ،)67‬‬
‫من ال ّنفقة فيزيد يف مقدار الوظائف»(‪.)7‬‬
‫((( وهي التي أتت رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم فقالت‪ :‬يا‬
‫فاحتياج الطبقة احلاكمة اىل االموال لتغطي‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬طهرين‪ .‬فقال هلا‪ :‬ارجعي ثم أتته من الغد‬
‫نفقاهتا املتزايدة عىل الرتف وبناء القصور وغريها‬ ‫فاعرتفت بالزنا‪ . . . . .‬وأمر هبا فرمجت‪ .‬ينظر‪ :‬اسد الغابة‪،‬‬
‫أبو احلسن عيل بن أيب الكرم ‪ ،‬بن عبد الواحد الشيباين‬
‫من االمور تدفعهم اىل زيادة الرضائب واملكوس‪ ،‬اذ‬
‫اجلزري‪ ،‬عز الدين ابن األثري (املتوىف‪630 :‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‬
‫يعد هذا احلل االسهل عىل اي حاكم متسلط‪ ،‬فمن‬ ‫‪ -‬بريوت‪1409 ،‬هـ ‪1989 -‬م‪.440/6 ،‬‬
‫يعارض ترسع اليه السيوف‪ ،‬ومن يسكت يسكت عىل‬ ‫((( الرضيبة يأخذها املكاس ممن يدخل البلد من التجار‪ ،‬وقد‬
‫غلب استعامل املكس فيام يأخذه أعوان السلطان ظلام عند‬
‫ظلم ال يتغري اال بانتهاء هذه الدولة‪.‬‬
‫البيع والرشاء‪ .‬ينظر‪ :‬القاموس الفقهي لغة واصطالحا‪،‬‬
‫ويكون ذلك بالتدريج كام يقول ابن خلدون‪:‬‬ ‫الدكتور سعدي أبو حبيب‪ ،‬دار الفكر‪ .‬دمشق ‪ -‬سورية‪،‬‬
‫ط‪ 1408 ،2‬هـ = ‪1988‬م‪ ،‬ص‪338‬‬
‫ت َف َع َل َن ْف ِس ِه‬
‫((( صحيح مسلم‪ ،‬كتاب احلدود ‪ ،‬باب َمنِ ْاع َ َ‬
‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.345 /1 ،‬‬ ‫بِالزِّ َنى‪ ،‬رقم (‪.1323 /3 ،)1695‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.346 /1 ،‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬اجنحة املكر الثالث‪.514 /1 ،‬‬

‫‪356‬‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫ال ّنفوس إليه لثقتها بإدراك املنفعة فيه»(‪.)3‬‬ ‫«ويزيدون يف ّ‬


‫كل وظيفة مقدارا عظيام لتكثر هلم‬
‫اي ان تقليل الرضائب يؤدي اىل زيادة النمو‬ ‫تتدرج‬
‫ثم ّ‬ ‫اجلباية‪ ،‬ويضعون املكوس عىل املبايعات‪ّ ،‬‬
‫االقتصادي ألنه يشجع الناس عىل العمل واالستثامر‪،‬‬ ‫لتدرج عوائد الدّ ولة‬
‫الزيادات فيها بمقدار بعد مقدار ّ‬
‫ّ‬
‫لذلك تؤكد الدراسات االقتصادية العاملية هذا‬ ‫يف ّ‬
‫التف وكثرة احلاجات واإلنفاق بسببه ح ّتى تثقل‬
‫الكالم‪ ،‬فيمكن للدولة ان تساعد بشكل افضل يف‬ ‫الرعايا وهتضمهم وتصري عادة مفروضة‬
‫املغارم عىل ّ‬
‫ختفيض الرضائب عىل االفراد وعىل رجال االعامل‪،‬‬ ‫تدرجت قليال قليال ومل يشعر أحد‬
‫الزيادة ّ‬ ‫ّ‬
‫ألن تلك ّ‬
‫كل ذلك يوجد ارتفاعا» يف النمو االقتصادي‪ ،‬لدرجة‬ ‫بمن زادها عىل ال ّتعيني وال من هو واضعها»(‪.)1‬‬
‫انه يف النهاية ترتفع احلصيلة االمجالية للرضائب‪ ،‬حتى‬ ‫فالرتف وزيادة نفقات الدولة بمرور السنني‬
‫(‪.)4‬‬
‫ولو كانت معدالت تلك الرضائب منخفضة‬ ‫تدفع الدولة اىل زيادة املكوس ولكن هل ينفع هذا‬
‫إذ تؤكد أبسط القواعد االقتصادية أن العالقة‬ ‫االجراء يف توفري ما حتتاجه الدولة من نفقات‪.‬‬
‫عكسية بني منحنى الرضائب والنمو‪ ،‬وكلام ارتفعت‬ ‫جييب عن ذلك ابن خلدون فيقول‪« :‬فتنقبض‬
‫الرضائب‪ ،‬أصبحت فرص النمو االقتصادي أقل‬ ‫كثري من األيدي عن االعتامر فتنقص مجلة اجلباية‪،‬‬
‫بحسب اخلرباء‪ ،‬ألن ذلك يعني تراجع معدالت‬ ‫ور ّبام يزيدون يف مقدار الوظائف إذا رأوا ذلك ال ّنقص‬
‫االستهالك وتراجع معدالت االنتاج واملبيعات‬ ‫يف اجلباية وحيسبونه جربا ملا نقص‪ ،‬فال تزال اجلملة يف‬
‫باملحصلة‪ .‬ويشري اخلرباء إىل أن استخدام ورقة ختفيض‬ ‫نقص ومقدار والوظائف يف زيادة ملا يعتقدونه من جرب‬
‫الرضائب حاليا قد يكون بمثابة العصا السحرية‪ ،‬التي‬ ‫اجلملة هبا إىل أن ينتقص العمران بذهاب اآلمال من‬
‫ستؤدي إىل زيادة االيرادات العامة ال نقصاهنا وبالتايل‬ ‫االعتامر ويعود وبال ذلك عىل الدّ ولة»‬
‫(‪.)2‬‬

‫تقليص الضغط عىل املوازنة العامة للدولة(‪.)5‬‬ ‫ومعنى كالم ابن خلدون انه كلام زادت املكوس‬
‫ثم يتكلم ابن خلدون عن عمل احلكام يف‬ ‫قل ما جتنيه الدولة من ايرادات وهو عكس ما كانت‬
‫التجارة واثره يف اهنيار النظام االقتصادي فيقول‪« :‬أن‬ ‫تأمل من زيادة املكوس‪.‬‬
‫لذك يضع ابن خلدون قاعدة يف علم االقتصاد‬
‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.345 /1 ،‬‬
‫فيقول‪ّ :‬‬
‫«أن أقوى األسباب يف االعتامر تقليل مقدار‬
‫((( ينظر‪ :‬االنفجار االقتصادي الكبري يف التسعينيات‪ ،‬تاليف‬
‫رايف باترا‪ ،‬ترمجة عدنان شومان‪ ،‬ط‪ ،1‬طبع الصاحلاين‬ ‫الوظائف عىل املعتمرين ما أمكن فبذلك‪ ،‬تنبسط‬
‫للطباعة‪ ،‬دمشق‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫((( ينظر‪ :‬الغد االردين ‪ ،‬مقالة‪ .‬ختفيض الرضائب العصا‬
‫السحرية يف مواجهة االنكامش االقتصادي‪ ،‬عبدالرمحن‬ ‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.345 /1 ،‬‬
‫اخلوالدة‪ 23 ،‬سبتمرب ‪.2020‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.345 /1 ،‬‬

‫‪357‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬
‫البحوث املحكمة‬ ‫أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون‬

‫عائد عىل الدّ ولة بال ّنقص لق ّلة أموال ّ‬


‫السلطان حينئذ‬ ‫التجارة من السلطان مرضة بالرعايا ومفسدة للجباية‪،‬‬
‫والسلطان‬
‫عية ّ‬ ‫بق ّلة اخلراج‪ ،‬فاملال إنّام هو مرت ّدد بني ّ‬
‫الر ّ‬ ‫وحيسبون ذلك من إدرار اجلباية وتكثري الفوائد وهو‬
‫السلطان عنده فقدته‬
‫منهم إليه ومنه إليهم فإذا حبسه ّ‬ ‫الرعايا من وجوه‬ ‫غلط عظيم وإدخال ّ‬
‫الضر عىل ّ‬
‫(‪.)3‬‬
‫عية»‬
‫الر ّ‬
‫ّ‬ ‫الرعايا من العنت واملضايقة‬
‫متعدّ دة‪ ،‬ويدخل به عىل ّ‬
‫وهذا خمالف ألحكام االسالم‪ ،‬وضوابط‬ ‫السعي يف ذلك‬
‫وفساد األرباح ما يقبض آماهلم عن ّ‬
‫السياسة الرشعية يف حفظ املال ‪ ،‬فمن القواعد املقررة‬ ‫مجلة ويؤ ّدي إىل فساد اجلباية ّ‬
‫فإن معظم اجلباية إنّام هي‬
‫يف االسالم أن كل ما يرد من موارد الدولة املالية فهو‬ ‫الفلحني وال ّت ّجار‪ ،‬فإذا انقبض ّ‬
‫الفلحون عن‬ ‫من ّ‬
‫حق لألمة ال يرصف إال يف مصاحلها العامة‪ .‬وعىل‬ ‫الفالحة وقعد ال ّت ّجار عن ال ّتجارة ذهبت اجلباية مجلة‬
‫هذا األساس رتبت املصارف التي ينفق فيها إيراد‬ ‫(‪.)1‬‬
‫أو دخلها ال ّنقص»‬
‫الدولة(‪.)4‬‬ ‫ض اللَّ ُ َع ْن ُه‪-‬‬
‫‪-‬ر ِ َ‬
‫اب َ‬ ‫«و ِ َل َذا َش َ‬
‫اط َر ُع َم ُر ْب ُن ْ َ‬
‫ال َّط ِ‬ ‫َ‬
‫«و َأ َّما ْالَ ُ‬
‫ال ْ ُال ْر َصدُ لِ ْل َم َصالِ ِح‪َ ،‬ف َل َنت ََص َّو ُر ان ِْق َطاعَ‬ ‫َ‬ ‫ين‪َ ،‬ل ُي َّت َه ُم بِ ِخ َيا َن ٍة‪َ ،‬وإِ َنَّم‬ ‫ِم ْن ُعمَّ لِ ِه َم ْن َك َ‬
‫ان َل ُه َف ْض ٌل َو ِد ٌ‬
‫ال َه ِّم‪َ ،‬ف َأ َه ُّم ْالَ َصالِ ِح‬‫ال َهم َف ْ َ‬ ‫َم َصا ِر ِف ِه‪ .‬و َيبدَ ُأ ِف ِ َ‬
‫يه بِ ْ ِّ‬ ‫ْ‬ ‫ل ْجلِ ا ْل ِو َل َي ِة ِم ْن ُمَا َب ٍ‬
‫اة‬ ‫اطر ُهم َلَّا َكا ُنوا ُخ ُّصوا بِ ِه ِ َ‬
‫َش َ َ ْ‬
‫ال ْمر َي ْقت َِض َذلِ َك؛ ِ َ‬ ‫ي َها‪َ ،‬و َك َ َ‬
‫اج ِ‬
‫ات‬ ‫الز َك َو ُ‬
‫ات بِ َح َ‬ ‫ف َّ‬‫َ ْت ِهيدُ ِك َفا َي ِة ْ ُال ْر َت ِز َق ِة‪َ ،‬وإِ ْن َ ْل َت ِ‬ ‫ان إ َم َام‬ ‫لن َُّه َك َ‬ ‫ان ْ ُ‬ ‫َو َغ ْ ِ‬
‫(‪.)5‬‬
‫اجت َُه ْم بِ َم ِل ْالَ َصالِ ِح»‬
‫ال َم ُام َح َ‬ ‫ْالَ َحا ِو ِ‬
‫يج َسدَّ ْ ِ‬ ‫الس ِو َّي ِة»(‪.)2‬‬
‫َعدْ ٍل‪َ ،‬يق ِْس ُم بِ َّ‬
‫وهناك نصوص كثرية يف مقدمة ابن خلدون‬ ‫ومن عوامل االهنيار االقتصادي التي يذكرها ابن‬
‫تتكلم عن االسباب التي تودي اىل االهنيار االقتصادي‬ ‫خلدون امتناع احلاكم عن انفاق االموال فيقول‪« :‬أن‬
‫للدول منها استخدام الناس يف اعامل السخرة للدولة‬ ‫والسبب يف‬
‫نقص العطاء من السلطان نقص يف اجلباية ّ‬
‫دون مقابل‪ ،‬وكذلك اخذ اموال الناس جربا» دون‬ ‫السوق األعظم للعامل‬
‫والسلطان هي ّ‬ ‫ذلك ّ‬
‫أن الدّ ولة ّ‬
‫مقابل واجبارهم عىل رشاء السلع من الدولة بأكثر من‬ ‫السلطان األموال فلم‬
‫ومنه ما ّدة العمران فإذا احتجز ّ‬
‫يرصفها يف مصارفها‪ ،‬يقع الكساد حينئذ يف األسواق‬
‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.353 /1 ،‬‬ ‫ألن‬ ‫وتضعف األرباح يف املتاجر ّ‬
‫فيقل اخلراج لذلك ّ‬
‫((( ينظر‪ :‬السياسة الرشعية يف الشئون الدستورية واخلارجية‬
‫اخلراج واجلباية إنّام تكون من االعتامر‪ ،‬ووبال ذلك‬
‫واملالية عبد الوهاب خالف (املتوىف‪1375 :‬هـ) دار القلم‪،‬‬
‫‪ 1408‬هـ‪1988 -‬م‪ ،‬ص‪.134‬‬
‫((( ينظر‪ :‬غياث األمم يف التياث الظلم‪ ،‬امام احلرمني عبد امللك‬ ‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.348 /1 ،‬‬
‫بن عبد اهلل بن يوسف اجلويني‪( ،‬ت‪478 :‬هـ) حتقيق‪ :‬عبد‬ ‫((( ينظر‪ :‬السياسة الرشعية‪ ،‬أمحد بن عبد احلليم بن حممد ابن‬
‫العظيم الديب ‪ ،‬مكتبة إمام احلرمني‪ ،‬ط‪1401 ،2‬هـ‪،‬‬ ‫تيمية الدمشقي (ت‪728 :‬ه ـ) ط‪1418 ،1‬هـ‪ ،‬ص ‪.38‬‬
‫ص‪.248‬‬

‫‪358‬‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫حصل هلم من خلق املذ ّلة وطعنوا فيام أخربهم به‬ ‫قيمتها‪ ،‬مل نتكلم عنها خشية االطالة(‪.)1‬‬
‫نبيهم من ذلك وما أمرهم به فعاقبهم اهلل بال ّتيه وهو‬
‫ّ‬ ‫املطلب السابع‪ :‬احللول واملعاجلات‬
‫ّأنم تاهوا يف قفر من األرض ما بني الشّ ام ومرص‬ ‫ﭧ ﭨ «ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ‬
‫أربعني سنة مل يأووا فيها العمران وال نزلوا مرصا وال‬ ‫ﭘ ﭙﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫قصه القرآن»(‪.)4‬‬
‫خالطوا برشا كام ّ‬ ‫ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪﭫ‬
‫فيوضح ابن خلدون ان بقاء بني ارسائيل يف‬ ‫ﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳ‬
‫العبودية عند الفراعنة زرع فيهم الذل والعجز‪ ،‬وعدم‬ ‫ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼﭽ ﭾ‬
‫الثقة بالنفس‪ ،‬وهذه الصفات ممكن ان تدمر مستقبل‬ ‫ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ «(‪.)2‬‬
‫اي امة‪ ،‬لذلك كان احلل رباين وشامل‪ ،‬لعالج هذه‬ ‫وسى‪ ،‬عليه السالم‪،‬‬ ‫« َف َأ َم َر ُه ْم َر ُس ُ‬
‫ول اللَّ ِ ُم َ‬
‫الصفات‪.‬‬ ‫َال َأ ْعدَ ائِ ِه ْم‪ ،‬و َبشَّ هم بِ ْ َ‬
‫النُّص ِة‬ ‫بالدخول إِ َل ْي َها‪َ ،‬وبِ ِقت ِ‬
‫فيقول‪ّ :‬‬
‫«أن حكمة ذلك ال ّتيه مقصودة وهي فناء‬ ‫صوا َو َخا َل ُفوا َأ ْم َر ُه‪،‬‬
‫وع ْ‬ ‫الظ ْف ِر َع َل ْي ِه ْم‪َ ،‬فن ََك ُلوا َ‬
‫َو َّ‬
‫والقوة‬
‫ّ‬ ‫الذ ّل والقهر‬
‫اجليل ا ّلذين خرجوا من قبضة ّ‬ ‫ي ِه ْم َحائِ ِر َ‬
‫ين‪،‬‬ ‫التَّم ِدي ِف َس ْ ِ‬ ‫اب ِف الت ِ‬
‫ِّيه َو َ‬ ‫الذ َه ِ‬‫وق ُبوا بِ َّ‬‫َف ُع ِ‬

‫عصبيتهم ح ّتى نشأ يف ذلك‬


‫ّ‬ ‫وختلقوا به وأفسدوا من‬ ‫ْص ٍد‪ُ ،‬مدّ ة َأ ْر َب ِعنيَ‬‫يه إِ َل َمق ِ‬ ‫ون ِف ِ‬
‫ف َيت ََو َّج ُه َ‬‫ون َك ْي َ‬ ‫َل َيدْ ُر َ‬
‫ال ّتيه جيل آخر عزيز ال يعرف األحكام والقهر وال‬ ‫يط ِه ْم ِف َأ ْم ِر اللَّ ِ»(‪.)3‬‬
‫َس َن ًة‪ُ ،‬ع ُقو َب ٌة َ ُل ْم َع َل َت ْف ِر ِ‬

‫عصبية أخرى اقتدروا هبا‬


‫ّ‬ ‫يسأم باملذ ّلة فنشأت بذلك‬ ‫ولقد اعتمد ابن خلدون عىل قصة بني ارسائيل‬
‫عىل املطالبة وال ّتغ ّلب ويظهر لك من ذلك ّ‬
‫أن األربعني‬ ‫التي وردت يف القرآن الكريم بتفاصيلها‪ ،‬يف حتديد‬
‫سنة ّ‬
‫أقل ما يأيت فيها فناء جيل ونشأة جيل آخر سبحان‬ ‫الفرتة االزمة إلصالح الدولة واملجتمع فيقول‪:‬‬
‫احلكيم العليم»(‪.)5‬‬ ‫«وذلك بام حصل فيهم من خلق االنقياد وما رئموا‬
‫وهذا يوضح لنا ان اجليل الذي حارب وفتح‬ ‫الذ ّل للقبط أحقابا حتى ذهبت العصبية منهم مجلة‬
‫من ّ‬
‫فلسطني ليس اجليل الذي خرج من مرص‪ ،‬الن فرتة‬ ‫مع اهنم مل يؤمنوا حقّ اإليامن بام أخربهم به موسى من‬
‫االربعني سنة كانت كافية إلهالك هذا اجليل اال قليل‬ ‫وأن العاملقة ا ّلذين كانوا بأرحيا فريستهم‬
‫أن الشّ ام هلم ّ‬
‫ّ‬
‫منهم بشكل طبيعي‪ ،‬فمن كان بعمر سنة عند اخلروج‬ ‫بحكم من اهلل قدّ ره هلم فأقرصوا عن ذلك وعجزوا‬
‫اصبح عمره فوق االربعني ومن كان بعمر عرشين‬ ‫تعويال عىل ما يف أنفسهم من العجز عن املطالبة ملا‬

‫((( ينظر‪ :‬املقدمة‪.357 /1 ،‬‬


‫((( ينظر‪ :‬املقدمة ‪177/1‬‬ ‫((( سورة املائدة‪ ،‬اية ‪.26 ،25 ،24‬‬
‫((( ينظر‪ :‬املقدمة ‪177/1‬‬ ‫((( تفسري ابن كثري‪.75 /3 ،‬‬

‫‪359‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬
‫البحوث املحكمة‬ ‫أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون‬

‫البالد وانشاء دولة‪ ،‬حتميهم وتعزهم وما كان يفكر فيه‬ ‫سنة اصبح عمره فوق الستني‪ ،‬فالتيه كان عقوبة‬
‫بني ارسائيل من طعام مرص‪ ،‬الذي كانوا يأكلونه وهم‬ ‫واصالح يف نفس الوقت‪ ،‬واالربعون سنة هي اقل‬
‫عبيد لفرعون‪ ،‬يسومهم الذل واملغارم‪ ،‬يذبح ابنائهم‬ ‫فرتة ممكن فيها اصالح املجتمع بشكل كامل‪.‬‬
‫ويستحيي نسائهم‪ ،‬لذلك كان التيه هو العالج املناسب‪،‬‬ ‫وتبني لنا اآليات القرآنية كيف كان حال الذل‬
‫نيس فيه بني ارسائيل طعام مرص مع ذل فرعون‪.‬‬ ‫العجز‪ ،‬الذي كان فيه بني ارسائيل بعد اخلروج من‬
‫وبعد اكتامل نزول الرشيعة واكتامل مدة االربعني‬ ‫مرص‪.‬‬
‫سنة من الرتبية والتعليم الرباين‪ ،‬كام يقول ابن خلدون‪:‬‬ ‫ﭧ ﭨ «ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬
‫«وموسى صلوات اهلل عليه بني ظهرانيهم يسأل اهلل‬ ‫ﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬ‬
‫لطفه هبم ومغفرته ويدفع عنهم مهالك سخطه‪،‬‬ ‫ﮭ ﮮ ﮯ ﮰﮱ ﯓ ﯔ‬
‫وأكمل اهلل الرشيعة واألحكام والوصايا ملوسى عليه‬ ‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬
‫السالم‪ ،‬وقبضه إليه ملائة وعرشين سنة من عمره»(‪.)4‬‬ ‫ﯟ ﯠ ﯡﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ‬
‫فكانت النتيجة مبهرة‪ ،‬بعد اربعني سنة‪ ،‬جيل‬ ‫ﯧ ﯨ ﯩ ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ‬
‫جديد وامة جديدة ال تعرف الذل وتأنف من العبودية‪،‬‬ ‫ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫‪ ،‬فتح اهلل هبا االرض املقدسة فلسطني عىل ايدهيم(‪.)5‬‬ ‫ﯻ ﯼ»(‪.)1‬‬
‫وهذا االمر يؤكد ان السياسة الرشعية السليمة‬ ‫«ذكر اهلل تعاىل بعض قبائح اليهود‪ ،‬ومنها أهنم‬
‫من قبل احلكام‪ ،‬والرتبية والتعليم الصحيح هي بداية‬ ‫نستمر عىل طعام واحد‪،‬‬
‫ّ‬ ‫قالوا ملوسى‪ :‬ال يمكننا أن‬
‫اي مرشوع اصالحي يف اي امة‪ ،‬ولكي ينجح هذا‬ ‫والسلوى‪ ،‬وطلبوا أطعمة أخرى من اخلضار‬
‫املن ّ‬
‫وهو ّ‬
‫التعليم حيتاج بيئة سليمة صحيحة صحية‪ ،‬بعيدة عن‬ ‫والبقول كاحلنطة والعدس‪ ،‬والبصل والقثاء»(‪.)2‬‬
‫اي مؤثرات مفسدة‪.‬‬ ‫بوا َع َل ْي ِه‪َ ،‬و َذ َك ُروا َع ْي َش ُه ُم ‪،‬‬
‫« َف َب َط ُروا َذلِ َك َو َ ْل َي ْص ِ ُ‬
‫لذلك يقول ابن خلدون عن مكانة العلامء‬ ‫اس َو َب َصلٍ َو َبقْلٍ‬ ‫يه‪َ ،‬و َكا ُنوا َق ْو ًما َأ ْه َل َأ ْعدَ ٍ‬ ‫ا َّل ِذي َكا ُنوا ِف ِ‬

‫ووجوب اهتامم الدولة هبم‪« :‬وتعظيم ّ‬


‫الشيعة‬ ‫َو ُفو ٍم»(‪.)3‬‬
‫وإجالل العلامء احلاملني هلا والوقوف عند ما حيدّ دونه‬ ‫وتوضح لنا هذه اآليات الفرق الشاسع بني ما‬
‫كان يريده سيدنا موسى من بني ارسائيل من فتح‬
‫((( ينظر‪ :‬تاريخ ابن خلدون‪ ،‬ابن خلدون‪( ،‬ت‪808 :‬هـ)‬
‫حتقيق‪ :‬خليل شحادة‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ 1408‬هـ ‪-‬‬ ‫((( سورة البقرة‪ ،‬اية ‪.61‬‬
‫‪ 1988‬م‪.99 -97 /2 ،‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬التفسري الوسيط‪ ،‬الزحييل‪.30 /1 ،‬‬
‫((( ينظر‪ :‬تاريخ ابن خلدون‪.99 /2 ،‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬تفسري ابن كثري‪.281 /1 ،‬‬

‫‪360‬‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫تعاىل أعلم»(‪.)2‬‬ ‫هلم من فعل أو ترك وحسن ّ‬


‫الظ ّن هبم واعتقاد أهل‬
‫يؤكد ابن خلدون يف هذا النص عىل وجوب‬ ‫ربك هبم ورغبة الدّ عاء منهم واحلياء من‬
‫الدّ ين وال ّت ّ‬
‫االهتامم الدول بالعلامء واكرامهم وان هذا العمل من‬ ‫األكابر واملشايخ وتوقريهم وإجالهلم واالنقياد إىل‬
‫السياسة الرشعية التي جيب ان يسري عليها احلكام‪،‬‬ ‫السياسة‬ ‫احلقّ مع الدّ اعي إليه‪ ،‬علمنا ّ‬
‫أن هذه خلق ّ‬
‫وان العمل بعكس ذلك يؤدي اىل اهنيار الدولة وقرب‬ ‫قد حصلت لدهيم واستح ّقوا هبا أن يكونوا ساسة ملن‬
‫زوهلا‪ ،‬فكيف لو عاش اليوم‪ ،‬ووجد الكثري من الدول‬ ‫حتت أيدهيم أو عىل العموم وأنّه خري ساقه اهلل تعاىل‬
‫املسلمة‪ ،‬ال تكرم غري الراقصات والفنانني‪ ،‬وتفسح‬ ‫إليهم»(‪.)1‬‬
‫هلم طريق االعالم الرسمي‪ ،‬ويكاد ال يعرف احد‬ ‫ومع ان ابن خلدون يتكلم يف هذا النص عن‬
‫علامئها‪ ،‬ودول اشهر من فيها مغنيها‪.‬‬ ‫علامء الرشيعة‪ ،‬لكن هذا ال يمنع ان يدخل يف االهتامم‬
‫«تبي ّ‬
‫أن حقيقة احلكم نيابة‬ ‫يقول ابن خلدون‪ّ :‬‬ ‫صاحب كل علم مفيد‪ ،‬ينفع االمة يف كل املجاالت‬
‫عن صاحب ّ‬
‫الشع يف حفظ الدّ ين وسياسة الدّ نيا‪،‬‬ ‫من طب وهندسة وكيمياء وفيزياء وغريها من العلوم‬
‫عية ا ّلذي هو‬ ‫يف الدّ ين فبمقتىض ال ّتكاليف ّ‬
‫الش ّ‬ ‫النافعة‪.‬‬
‫مأمور بتبليغها ومحل ال ّناس عليها وأ ّما سياسة الدّ نيا‬ ‫ويقول ابن خلدون يف موضع اخر‪« :‬واعلم ّ‬
‫أن‬
‫البرشي وقد‬
‫ّ‬ ‫فبمقتىض رعايته ملصاحلهم يف العمران‬ ‫والصاحلني‪ ،‬وأمثاله‬
‫ّ‬ ‫من خالل الكامل‪ ،‬إكرام العلامء‬
‫رضوري للبرش ّ‬
‫وأن رعاية‬ ‫ّ‬ ‫قدّ منا ّ‬
‫أن هذا العمران‬ ‫اخلاصة‪ ،‬وإكرام ّ‬
‫الطارئني من‬ ‫ّ‬ ‫السياسة‬
‫رضوري يف ّ‬
‫ّ‬
‫مصاحله كذلك ّ‬
‫لئل يفسد إن أمهلت وقدّ منا ّ‬
‫أن امللك‬ ‫السياسة العا ّمة‬
‫واخلصوصيات كامل يف ّ‬
‫ّ‬ ‫أهل الفضائل‬
‫وسطوته كاف يف حصول هذه املصالح»(‪.)3‬‬ ‫فالصاحلون للدّ ين والعلامء لالجئي إليهم يف إقامة‬
‫ّ‬
‫وهذا هو املقصد االساس للسياسة الرشعية يف‬ ‫تعم املنفعة بام يف أيدهيم وهلذا‬ ‫مراسم ّ‬
‫الشيعة‪ ،‬ح ّتى ّ‬
‫االسالم‪ ،‬مما يؤكد ان االصالح واملحافظة عىل مصاحلة‬ ‫كان ّأول ما يذهب من القبيل أهل امللك إذا تأ ّذن اهلل‬
‫االمة‪ ،‬يبدأ من احلاكم‪ ،‬او السلطة احلاكمة بفرعيها‬ ‫الصنف من‬
‫تعاىل بسلب ملكهم وسلطاهنم إكرام هذا ّ‬
‫الترشيعي والتنفيذي ‪ ،‬بعد ان تدعم العلم والتعلم‬ ‫اخللق فإذا رأيته قد ذهب من أ ّمة من األمم فاعلم ّ‬
‫أن‬
‫والعلامء‪ ،‬وتصدر الترشيعات وتوفر التخصيصات‪،‬‬ ‫الذهاب عنهم وارتقب زوال‬ ‫الفضائل قد أخذت يف ّ‬
‫التي حتول االصالح اىل مرشوع امة تطمح للنهوض‪،‬‬ ‫«وإِذا َأرا َد اهلل بِ َق ْو ٍم ُس ْوء ًا َفال َم َر َّد َل ُه‪ ،‬واهلل‬
‫امللك منهم َ‬

‫((( املصدر نفسه ‪.181 /1 ،‬‬


‫((( ينظر‪ :‬املقدمة ‪.272 /1 ،‬‬ ‫((( ينظر‪ :‬املقدمة ‪.179 /1 ،‬‬

‫‪361‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬
‫البحوث املحكمة‬ ‫أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون‬

‫بالباطل‪ ،‬وعمل احلكام بالتجارة‪ ،‬من اسباب اهنيار‬ ‫وتريد مغادرة حفرة التحلل والزوال واالهنيار احلتمي‬
‫الدول‪ ،‬فضال» عن انه خمالفة رصحية لألحكام‬ ‫بدون االصالح‪.‬‬
‫الرشعية‪ ،‬واسس السياسة الرشعية‪.‬‬
‫‪7.7‬لقد حدد ابن خلدون املدة الالزمة لإلصالح‬ ‫اخلامتة‬
‫يف اي دولة بأربعني سنة‪ ،‬واساس هذا االصالح هو‬ ‫احلمد هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات‪،‬‬
‫الرتبية والتعليم‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن توفري البيئة االزمة لنجاح‬ ‫وبفضله وتوفيقه ومعونته يل استطعت أن أنجز هذا‬
‫االصالح‪ ،‬واالهتامم بالعلامء وتوقريهم الهنم اساس‬ ‫البحث‪ ،‬والذي توصلت فيه إىل بعض النتائج الطيبة‪،‬‬
‫االصالح واملعرفة وانه ال هنوض لألمم ال هبم‪.‬‬ ‫التي اسأل اهلل ‪ ‬أن ينفعني واملسلمني هبا وأهم هذه‬
‫النتائج ما ييل‪:‬‬
‫املصادر واملراجع‬ ‫‪ 1.1‬أن لكل أمة أج ً‬
‫ال حمدد ًا‪ ،‬وابرز من تكلم عن ذلك‬
‫بعد القرآن الكريم‬ ‫ابن خلدون‪ ،‬معتمدا» يف ما توصل اليه عىل القرآن‬
‫‪1.1‬ابن خلدون اسالميا»‪ ،‬عامد الدين خليل‪ ،‬طبع‬ ‫الكريم والسنة املطهرة‪ ،‬بشكل اساس‪.‬‬
‫املكتب االسالمي‪ ،‬بريوت‪ ،‬ط‪1983 ،1‬م‬ ‫‪2.2‬نبذ الدين وانتشار الفواحش واملعايص سبب‬
‫‪2.2‬ابن خلدون وآراؤه االعتقادية‪ ،‬عبداهلل‬ ‫اساس يف اهنيار الدول‪ ،‬ولألحكام الرشعية دور كبري‬
‫عبدالرشيد عبداهلل‪ ،‬رسالة دكتوراه‪ ،‬جامعة ام القرى‪،‬‬ ‫يف حفظ املجتمع من االهنيار االخالقي‪ ،‬ألهنا انام‬
‫كلية الدعوة واصول الدين‪ ،‬مكة‪ 1420 ،‬ه ‪.‬‬ ‫جاءت حلفظ الرضوريات‪ ،‬ال سيام حفظ الدين‪.‬‬
‫‪3.3‬أجنحة املكر الثالثة وخوافيها‪ ،‬عبد الرمحن بن‬ ‫‪ّ 3.3‬‬
‫الظلم مؤذنا بانقطاع ال ّنوع وختريب العمران‪،‬‬
‫حسن َح َبن ََّكة امليداين الدمشقي (املتوىف‪1425‬هـ)‬ ‫وهو سبب مهم من اسباب اهنيار الدول فظال» عن انه‬
‫النارش‪ :‬دار القلم ‪ -‬دمشق‪ 1420 ،‬هـ ‪ 2000 -‬م‪.‬‬ ‫خمالفة كبرية لرشع اهلل واحكام االسالم‪.‬‬
‫‪4.4‬األحكام السلطانية‪ ،‬أبو احلسن عيل بن حممد بن‬ ‫‪4.4‬االهنزام الفكري وتقليد الغالب اورث االمة‬
‫حممد بن حبيب البرصي البغدادي‪ ،‬الشهري باملاوردي‬ ‫اخلنوع‪ ،‬وهو سبب من اسباب اهنيار الدول‪.‬‬
‫(املتوىف‪450 :‬هـ)‪ ،‬النارش‪ :‬دار احلديث ‪ -‬القاهرة ‪.‬‬ ‫‪5.5‬الرتف عالمة عىل ادبار وانقراض الدولة‪ ،‬وهو‬
‫‪5.5‬االحكام السلطانية‪ ،‬ابو يعىل الفراء‪،‬‬ ‫من عوائق امللك واستمرار الدولة‪ ،‬أول من يرد دعوة‬
‫‪6.6‬اسد الغابة‪ ،‬أبو احلسن عيل بن أيب الكرم ‪ ،‬بن عبد‬ ‫األنبياء هم املرتفون‪ ،‬لذلك كان سبب مهم من اسباب‬
‫الواحد الشيباين اجلزري‪ ،‬عز الدين ابن األثري (املتوىف‪:‬‬ ‫اهنيار الدول‪.‬‬
‫‪630‬هـ)‪ ،‬دار الفكر ‪ -‬بريوت‪1409 ،‬هـ ‪1989 -‬م‪.‬‬ ‫‪6.6‬زيادة الرضائب واملكوس واكل اموال الناس‬

‫‪362‬‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫واإلسالمية بإرشاف الشيخ إبراهيم رمضان‪ ،‬النارش‪:‬‬ ‫‪7.7‬االسس االسالمية يف فكر ابن خلدون ونظرياته‪،‬‬
‫دار ومكتبة اهلالل‪ ،‬بريوت ط‪ 1410 1‬هـ‪،‬‬ ‫د‪ .‬مصطفى الشكعة‪ ،‬طبع الدار املرصية اللبنانية‪ ،‬ط‬
‫‪1515‬التفسري الوسيط للزحييل‪ ،‬املؤلف‪ :‬د وهبة بن‬ ‫‪ ،3‬بال‬
‫مصطفى الزحييل‪ ،‬النارش‪ :‬دار الفكر ‪ -‬دمشق الطبعة‪:‬‬ ‫‪8.8‬األعالم‪ ,‬خري الدين بن حممود بن حممد بن عيل‬
‫األوىل ‪ 1422 -‬هـ ‪.‬‬ ‫بن فارس‪ ،‬الزركيل الدمشقي (املتوىف‪1396 :‬هـ)دار‬
‫‪1616‬اجلواهر احلسان يف تفسري القرآن‪ ،‬أبو زيد عبد‬ ‫العلم للماليني‪,‬ط‪2002 1, 5‬م‪,‬‬
‫الرمحن بن حممد بن خملوف الثعالبي (املتوىف‪875 :‬هـ)‬ ‫‪9.9‬االنفجار االقتصادي الكبري يف التسعينيات‪،‬‬
‫املحقق‪ :‬الشيخ حممد عيل معوض والشيخ عادل أمحد‬ ‫تاليف رايف باترا‪ ،‬ترمجة عدنان شومان‪ ،‬ط‪ ،1‬طبع‬
‫عبد املوجود النارش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب ‪-‬‬ ‫الصاحلاين للطباعة‪ ،‬دمشق‪.‬‬
‫بريوت الطبعة‪ :‬األوىل ‪ 1418 -‬هـ‪. ،‬‬ ‫‪1010‬أيرس التفاسري لكالم العيل الكبري‪ ،‬جابر بن موسى‬
‫‪1717‬حارض العامل اإلسالمي‪ ،‬عىل جريشه وحممود‬ ‫بن عبد القادر بن جابر أبو بكر اجلزائري‪ ،‬النارش‪:‬‬
‫حممد سامل النارش‪ :‬مطاب الدجوي ‪-‬القاهرة‪-‬‬ ‫مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬اململكة العربية‬
‫عابدين‪.‬‬ ‫السعودية‪ ،‬الطبعة‪ :‬اخلامسة‪1424 ،‬هـ‪2003/‬م ‪.‬‬
‫‪1818‬احلملة الصليبية عىل العامل اإلسالمي والعامل‪،‬‬ ‫‪1111‬تاج العروس من جواهر القاموس‪ ،‬املؤلف‪:‬‬
‫يوسف العايص إبراهيم الطويل)‪ ،‬مطبعة صوت‬ ‫حممد بن عبد الرزّ اق احلسيني‪ ،‬أبو الفيض‪،‬‬
‫حممد بن ّ‬
‫ّ‬
‫القلم العريب‪ ،‬مرص‪ ،‬ط‪ 1431 ،2‬هـ ‪ 2010 -‬م‪.‬‬ ‫املل ّقب بمرتىض‪َّ ،‬‬
‫الزبيدي (املتوىف‪1205 :‬هـ)‪،‬‬
‫‪1919‬دروس للشيخ سفر احلوايل‪ ،‬سفر بن عبد الرمحن‬ ‫املحقق‪ :‬جمموعة من املحققني‪ ،‬النارش‪ :‬دار اهلداية‪،‬‬
‫احلوايل‪ ،‬مصدر الكتاب‪ :‬دروس صوتية قام بتفريغها‬ ‫‪ 1212‬تاريخ ابن خلدون‪ ،‬عبد الرمحن بن حممد بن‬
‫موقع الشبكة اإلسالمية‬ ‫حممد‪ ،‬ابن خلدون‪( ،‬املتوىف‪808 :‬هـ) املحقق‪ :‬خليل‬
‫‪http: //www. islamweb. net.‬‬ ‫شحادة دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ 1408‬هـ ‪ 1988 -‬م‪.‬‬
‫‪2020‬دور اإلعالم يف التضامن اإلسالمي‪ ،‬إبراهيم‬ ‫‪1313‬تاريخ الطربي‪ ،‬حممد بن جرير بن يزيد بن كثري‬
‫إمام‪ ،‬النارش‪ :‬اجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة‪،‬‬ ‫بن غالب أبو جعفر الطربي (املتوىف‪310 :‬هـ) دار‬
‫ط‪1404 ،16‬هـ‪1984/‬م‪.‬‬ ‫الرتاث ‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪1387 ،2‬ه‪.‬‬
‫‪2121‬دولة اإلسالم يف األندلس‪ ،‬حممد عبد اهلل عنان‬ ‫‪1414‬تفسري القرآن الكريم (ابن القيم)‪ ،‬حممد بن أيب‬
‫املؤرخ املرصي (املتوىف‪1406 :‬هـ) النارش‪ :‬مكتبة‬ ‫بكر بن أيوب ابن قيم اجلوزية (املتوىف‪751 :‬هـ)‬
‫اخلانجي‪ ،‬القاهرة‪.196 /5 ،‬‬ ‫املحقق‪ :‬مكتب الدراسات والبحوث العربية‬

‫‪363‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬
‫البحوث املحكمة‬ ‫أسباب اهنيار الدول يف مقدمة ابن خلدون‬

‫‪2929‬السرية النبوية عىل ضوء القرآن والسنة‪ ،‬حممد بن‬ ‫‪2222‬ذيل التقييد يف رواة السنن واألسانيد‪ ,‬حممد بن‬
‫حممد بن سويلم أبو ُشهبة‪( ،‬املتوىف‪1403 :‬هـ)‪ ،‬دار‬ ‫أمحد بن عيل‪ ،‬تقي الدين‪ ،‬أبو الطيب املكي احلسني‬
‫القلم ‪ -‬دمشق ‪ 1427‬هـ‪.‬‬ ‫الفايس (املتوىف‪832 :‬هـ)‪ ,‬دار الكتب العلمية‪،‬‬
‫‪3030‬صحيح البخاري‪ ،‬اجلامع املسند الصحيح‬ ‫بريوت‪ ،‬لبنان‪,‬ط ‪1410 1,‬هـ‪1990/‬م ‪.‬‬
‫املخترص من أمور رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫‪2323‬روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع‬
‫وسننه وأيامه = صحيح البخاري‪ ،‬حممد بن إسامعيل‬ ‫املثاين‪ ،‬شهاب الدين حممود بن عبد اهلل احلسيني‬
‫أبو عبداهلل البخاري اجلعفي املحقق‪ :‬حممد زهري بن‬ ‫األلويس (املتوىف‪1270 :‬هـ) املحقق‪ :‬عيل عبد الباري‬
‫نارص النارص النارش‪ :‬دار طوق النجاة (مصورة عن‬ ‫عطية النارش‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم حممد فؤاد عبد الباقي)‪،‬‬ ‫‪ 1415‬هـ‪.‬‬
‫ط‪1422 ،1‬هـ‬ ‫‪2424‬سلسلة األحاديث الصحيحة ويشء من فقهها‬
‫‪3131‬صحيح مسلم‪ ،‬املسند الصحيح املخترص بنقل‬ ‫وفوائدها‪ ،‬أبو عبد الرمحن حممد نارص الدين األلباين‪،‬‬
‫العدل عن العدل إىل رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‬ ‫مكتبة املعارف للنرش والتوزيع‪ ،‬الرياض‪ ،‬ط‪( ،1‬ملكتبة‬
‫مسلم بن احلجاج أبو احلسن القشريي النيسابوري‬ ‫املعارف) ‪.‬‬
‫(املتوىف‪261 :‬هـ) املحقق‪ :‬حممد فؤاد عبد الباقي‬ ‫‪2525‬السياسة الرشعية‪ ،‬تقي الدين أبو العباس أمحد بن‬
‫النارش‪ :‬دار إحياء الرتاث العريب ‪ -‬بريوت‪.‬‬ ‫عبد احلليم بن عبد السالم بن عبد اهلل بن أيب القاسم‬
‫‪ 3232‬الطرق احلكمية يف السياسة الرشعية‪ ،‬أبو عبد اهلل‬ ‫بن حممد ابن تيمية احلراين احلنبيل الدمشقي (املتوىف‪:‬‬
‫حممد بن أيب بكر بن أيوب ابن قيم اجلوزية (‪- 691‬‬ ‫‪728‬هـ) وزارة الشئون اإلسالمية واألوقاف‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ )751‬املحقق‪ :‬نايف بن أمحد احلمد النارش‪ :‬دار عامل‬ ‫‪1418‬هـ‪.‬‬
‫الفوائد ‪ -‬مكة املكرمة‪ ،‬ط‪ 1428 ،1‬هـ ‪.‬‬ ‫‪2626‬السياسة الرشعية يف الشئون الدستورية‬
‫‪3333‬الغد االردين ‪ ،‬مقالة‪ .‬ختفيض الرضائب‬ ‫واخلارجية واملالية عبد الوهاب خالف (املتوىف‪:‬‬
‫العصا السحرية يف مواجهة االنكامش االقتصادي‪،‬‬ ‫‪1375‬هـ) دار القلم‪ 1408 ،‬هـ‪1988 -‬م‪.،‬‬
‫عبدالرمحن اخلوالدة‪ 23 ،‬سبتمرب ‪.2020‬‬ ‫‪2727‬سري اعالم النبالء‬
‫‪3434‬غياث األمم يف التياث الظلم عبد امللك بن‬ ‫اع ِد‬
‫َاو َل ٌة لِتَطبِ ْي ِق َق َو ِ‬
‫حي َح ُة ُم َ‬ ‫السري ُة ال َّن َبو َّي ُة َّ‬
‫الص ْ‬ ‫‪ِّ 2828‬‬
‫عبد اهلل بن يوسف بن حممد اجلويني‪ ،‬أبو املعايل‪،‬‬ ‫ِّي ِة ال َّن َبو َّي ِة‪ ،‬د‪ .‬أكرم ضياء‬‫ات الس ْ َ‬ ‫ف َنق ِْد َ‬
‫روا َي ِ‬ ‫ا ُمل َحدِّ ْ َ‬
‫ثي ِ ْ‬
‫ركن الدين‪ ،‬امللقب بإمام احلرمني (املتوىف‪478 :‬هـ)‬ ‫العمري مكتبة العلوم واحلكم‪ ،‬املدينة املنورة‪ ،‬ط‪،6‬‬
‫املحقق‪ :‬عبد العظيم الديب ‪ ،‬مكتبة إمام احلرمني‪،‬‬ ‫‪ 1415‬هـ ‪ 1994 -‬م‪.‬‬

‫‪364‬‬
‫د‪ .‬ليث حسن علوان‬

‫ط‪1990 - 1411 ،1‬‬ ‫ط‪1401 ،2‬هـ‪.‬‬


‫‪4141‬مصطلح فلسفة الرتبية يف ضوء املنهج اإلسالمي‬ ‫‪3535‬فتح الباري رشح صحيح البخاري‪ ،‬أمحد بن عيل‬
‫(دراسة نقدية) خالد بن حامد احلازمي‪ ،‬النارش‪:‬‬ ‫بن حجر أبو الفضل العسقالين الشافعي النارش‪ :‬دار‬
‫اجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة الطبعة‪ :‬السنة‬ ‫املعرفة ‪ -‬بريوت‪.1379 ،‬‬
‫السادسة والثالثون‪ ،‬العدد الرابع والعرشون بعد‬ ‫‪3636‬القاموس الفقهي لغة واصطالحا‪ ،‬الدكتور‬
‫املائة‪1424 ،‬هـ‪2004/‬م‪.‬‬ ‫سعدي أبو حبيب‪ ،‬دار الفكر‪ .‬دمشق ‪ -‬سورية‪ ،‬ط‪،2‬‬
‫‪4242‬مقدمة ابن خلدون‪ ،‬مطبوعة مع كتاب تاريخ ابن‬ ‫‪ 1408‬هـ = ‪1988‬م‪.‬‬
‫خلدون‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ 1408‬هـ ‪ 1988 -‬م‪.‬‬ ‫‪3737‬قصة احلضارة‪ ،‬وليام ديورنت‪ ،‬الدكتور زكي‬
‫‪4343‬ا ُملن ََّجد يف اللغة (أقدم معجم شامل للمشرتك‬ ‫حممود وآخرين دار اجليل‪ ،‬بريوت ‪ -‬لبنان‪،‬‬
‫نجيب ُ‬
‫اللفظي)‪ ،‬املؤلف‪ :‬عيل بن احلسن ا ُهلنائي األزدي‪ ،‬أبو‬ ‫املنظمة العربية للرتبية والثقافة والعلوم‪ ،‬تونس‬
‫احلسن امللقب بـ «كراع النمل» (املتوىف‪ :‬بعد ‪309‬هـ)‪،‬‬ ‫‪ 1408‬هـ ‪ 1988 -‬م‪.‬‬
‫حتقيق‪ :‬دكتور أمحد خمتار عمر‪ ،‬دكتور ضاحي عبد‬ ‫‪3838‬الكنز األكرب من األمر باملعروف والنهي عن‬
‫الباقي النارش‪ :‬عامل الكتب‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1988 ،2‬‬ ‫املنكر‪ ،‬عبد الرمحن بن أيب بكر بن داود احلنبيل‬
‫الدمشقي الصاحلي (املتوىف‪ 856 :‬هـ)‪ ،‬املحقق‪:‬‬
‫د‪ .‬مصطفى عثامن صميدة‪ ،‬أستاذ الدعوة والثقافة‬
‫اإلسالمية بكلية أصول الدين بالقاهرة‪ ،‬النارش‪ :‬دار‬
‫الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪ ،‬ط‪ 1417 ،1‬هـ ‪1996 -‬‬
‫م‪.‬‬
‫‪3939‬لسان العرب‪ ،‬حممد بن مكرم بن عىل‪ ،‬أبو‬
‫الفضل‪ ،‬مجال الدين ابن منظور األنصاري الرويفعى‬
‫اإلفريقى (املتوىف‪711 :‬هـ)‪ ،‬النارش‪ :‬دار صادر ‪-‬‬
‫بريوت‪ ،‬الطبعة‪ :‬الثالثة‬
‫‪4040‬املستدرك عىل الصحيحني‪ ،‬أبو عبد اهلل احلاكم‬
‫حممد بن عبد اهلل بن حممد بن محدويه بن ُنعيم بن احلكم‬
‫النيسابوري‪( ،‬املتوىف‪405 :‬هـ)‪ ،‬حتقيق‪ :‬مصطفى عبد‬
‫القادر عطا‪ ،‬النارش‪ :‬دار الكتب العلمية ‪ -‬بريوت‪،‬‬

‫‪365‬‬ ‫العدد الرابع عشر ‪ -‬السنة الثامنة‪ 2021 -‬م ‪ -‬الجزء األول‬

You might also like