Professional Documents
Culture Documents
) انظر الّتحليل (
بهذا ا لسؤال نمس موضوعا واسعا جدا ،موضوعا مترامي الطراف ،ولن الموضوع واسع
فقد بقي بغير تحديظظد ،ولنظظه بغيظظر تحديظظد ففظظي مقظظدورنا أن نتنظظاوله مظظن خلل أكظظثر وجهظظات النظظظر
اختلفا .ومع ذلك فسوف نعثر دائما على شيء مظظن الحظق .ولكظظن بمظا أن الراء الممكنظظة كلهظا ،فظي
تناول هذا الموضوع المتشعب الطراف -متداخل بعضها في بعض ،فنحن علظظى شظظفا الوقظظوع فظظي
خطر يفتقد معه حديثنا إلى الحكام اللزم .
من أجل ذلك يجب أن نحاول تحديد السؤال على نحو أدق .فبهذه الطريقة نوجه الحديث وجهة
محددة ،وسيسير تبعا لذلك على طريق واحد .أقول على طريق واحد ،لننا نسلم -ونحن علظظى يقيظظن
-بأن هذا الطريق ما هو بالطريق الوحيد .و الواقع أن ثمة مشكلة ل بد أن تبقى قائمة ،وهظظي مظظا إذا
كان الطريق الذي أود تخطيطه هو في الحقيقة الطريق الذي يتيح لنا أن نضع السظظؤال ،وأن نجيظظب
عنه .
ولنفترض الن بأننا استطعنا العثور علظظى طريظظق يظظؤدي بنظظا إلظظى تحديظظد أدق للسظظؤال ،عنظظدها
يظهر على الفور اعتراض خطير ضد موضوع حديثنا هو :أننا عنظظدما نسظظأل :مظظا هظظذا -الفلسظظفة،
فنحن نتكلم عن الفلسظظفة .وتسظظاؤلنا بهظظذه الطريقظظة يضظظعنا -بشظظكل واضظظح -فظظي موقظظف عظظال علظظى
الفلسفة ،أي بمعزل عنها .بينما الهدف من سؤالنا هو أن ندخل في الفلسظظفة ،وأن نقيظظم فيهظظا ،فنسظظلك
وفق طريقتها ،أي أن نتفلسف ،لذلك يتحتم على الطريق الذي تسظظير فيظه أحاديثنظظا أل يكظون واضظظح
التجاه فحسظظب ،بظظل لبظظد لهظظذا التجظظاه أن يعطينظظا فظظي نفظظس الظظوقت الضظظمان بأننظظا نتحظظرك .داخظظل
الفلسفة ،ل أن ندور من الخارج حولها).(...
سؤال :ما الفلسفة ؟ هذا السؤال قد أجاب عنه أرسطو .وعلى هذا فحديثنا لم يعد ضروريا .إنظظه
منته قبل أن يبدأ ،وسيكون الرد الفوري على ذلك قائما علظظى أسظظاس أن عبظظارة أرسظظطو عظظن ماهيظظة
الفلسفة لم تكن بالجابة الوحيدة عن السؤال .وفي أحسن الحوال إن هي إل إجابة واحدة بيظظن عظظدة
إجابات .
ويستطيع المرء -بمعونة التعريظظف الرسظظطي للفلسظظفة -أن يتمّثظظل وأن يفسظظر كل مظظن التفكيظظر
السابق على أرسطو وأفلطون و الفلسفة اللحقة لرسظظطو .ومظظع ذلظظك سظظيلحظ المظظرء بسظظهولة أن
الفلسفة ،والطريقة التي بها أدركظظت ماهيتهظظا قظظد تغيظظرا فظظي اللفظظي سظظنة اللحقظظة لرسظظطو تغييظظرات
عديدة ،فمن ذا الذي أراد أن ينكر هذا ؟
وفي نفس الوقت ينبغي مع ذلك أل نتجاهل أن الفلسفة منذ أرسطو حظظتى نيتشظظه ظلظظت -
على أساس تلك التغيرات وغيرها -هي هي لن التحظظولت هظظي علظظى وجظظه الدقظظة .احتفظظاظ
بالتماثل داخل الهو هو )(...
صل بمقتضاها على معظظارف متنوعظظة وعميقظظة ،بظظل ونافعظظة صحيح أن تلك الطريقة نتح ّ
عن كيفية ظهور الفلسفة في مجرى التاريخ ،لكننا على هذا الطريظظق لظظن نسظظتطيع الوصظظول
إلى إجابة حقيقية أي شرعية عن سؤال " :ما الفلسفة ؟ "
ملخص الحقيقة
تقديم:
يحيل مفهوم الحقيقة على معنيين رئيسيين هما :الواقع والصدق .وهي بذلك تأتي في مقابل الوهم
والكذب .هكذا فالفكرة الصادقة والحقيقية هي تلك التي تعبر عن حكم مطابق للواقع الفعلي .كما تعتبر
الحقيقة كل فكرة تمت البرهنة عليها عقليا ومنطقيا .من هنا يتم الحديث عن الحقيقة في مجالت متعددة:
دينية وعلمية واجتماعية…الخ .وفي جميع الحوال ،فالحقيقة يتم التعبير عنها دائما بواسطة اللغة
والخطاب ،والنسان دائم البحث عنها ،وهو يستخدم في ذلك عدة وسائل وطرق.وغالبا ما يتم ربط
الحقيقة بما يتم إنتاجه بالمناهج العقلية أو التجريبية الصارمة ،لذلك يتم التمييز بينها وبين الرأي الذي
ل يتأسس على تلك المناهج .لكن ما حقيقة التمييز الحاصل بين الحقيقة والرأي؟ هل يمكن الفصل بينهما
نهائيا؟ وكيف يمكن التمييز بين الخطابات التي تعبر عن الحقيقة وتلك التي ل تعبر عنها؟ ما هي
المعايير التي يجب اعتمادها لتحديد ما هو حقيقي؟ وأخيرا لماذا نبحث عن الحقيقة؟ أين تكمن قيمتها؟
عادة ما يتم التمييز في الفلسفة التقليدية بين الرأي كمعرفة ذاتية ناقصة ،وبين الحقيقة كمعرفة يقينية
وموضوعية .فالرأي هو » العتقاد المحتمل ،ل العتقاد اليقيني ،وهو وسط بين الشك واليقين« .كما
يحيل الرأي إلى العتقاد الجماعي أو العتقاد الذي يشترك فيه الجمهور ،ولذلك فهو يطابق الراء
الشائعة لدى الحس المشترك .فالرأي إذن هو اعتقاد يعوزه اليقين ،وهو يرد في مقابل الحقيقة التي
يفترض أنها يقينية ومبرهن عليها .إن الحقيقة غالبا ما ترتبط بفئة خاصة هي فئة العلماء والفلسفة
بينما الرأي متاح للجميع ،ولذلك فهو يأتي كمرادف للحس المشترك ،أي للراء المتداولة بين الناس.
لكن ما يلحظ هنا هو أنه توجد الكثير من الراء المتداولة تكتسي صبغة يقينية وحقيقية ،بحيث يصعب
على أصحابها الشك فيها ،وبالمقابل نجد الكثير من الحقائق سواء العلمية أو الفلسفية لها طابع احتمالي
ويتم تفنيدها وتجاوزها في الكثير من الحيان .وهذا ما ينتج عنه نوع من التداخل بين مفهومي الحقيقة
والرأي ،بحيث يصعب الفصل بينهما بشكل نهائي وقاطع .وهذا التداخل يدفعنا إلى طرح التساؤلت
التالية :كيف تتحدد العلقة بين الحقيقة والرأي؟ هل يمكن الفصل بينهما نهائيا؟ هل بينهما قطيعة أم
استمرارية؟ وهل يمكن الدفاع عن الرأي باعتباره نمطا من أنماط الحقيقة؟ أل يمكن للرأي أحيانا أن
يكون له دور مهم في تشييد الحقيقة؟
يذهب أفلطون إلى أن طريق بلوغ الحقيقة هو التأمل العقلي الذي يمكن الفيلسوف من تجاوز الراء
والمعتقدات السائدة ،والرتقاء إلى عالم المثل من أجل إدراك الحقائق اليقينية والمطلقة .هكذا فالحواس
حسب أفلطون ل تمدنا سوى بالظلل أو الوهام ،التي هي مجرد أشباه حقائق أو آراء ظنية صادرة عن
عامة الشعب ،بينما تعتبر الفلسفة هي العلم الموضوعي بالحقيقة ،وهي تعتمد على الجدل الصاعد
كمنهج عقلي تأملي يتعارض تماما مع الراء الظنية السائدة.
إذن فإدراك الحقيقة من طرف الفيلسوف يقتضي منه بالضرورة تجاوز الراء السائدة لدى الناس عن
طريق استخدام التأمل العقلي الفلسفي الذي من شأنه تمكين الفيلسوف من بلوغ الحقيقة الموجودة في
عالم المثل ،والتي تشكل قطيعة تامة مع الراء السائدة والتي تظل مجرد أوهام وأشباه حقائق.
في هذا السياق يرى باشلر أن الفكر العلمي ل يتناول سوى القضايا التي يستطيع البرهنة عليها ،كما
أنه ل يطرح سوى السئلة التي يمكنه الجابة عنها .وهذا ما يجعل الحقيقة العلمية مبنية ومؤسسة على
قواعد العقل العلمي ،في حين يسمح الرأي لنفسه بالعتقاد في كل القضايا وطرح كل المسائل ،حتى تلك
التي ل يقوى على الجابة عنها أو التدليل عليها.
أمام كل هذا وجب حسب باشلر تخطي الرأي والعمل على هدمه حتى ل يشكل عائقا أمام بلوغ المعرفة
العلمية الصحيحة.
إذا كان الكثير من الفلسفة قد عملوا على تبخيس الرأي واعتبروه عائقا أمام الوصول إلى الحقيقة ،مثل
أفلطون وديكارت وباشلر ،فإن هناك بعض الفلسفة الخرين حاولوا إعادة العتبار للرأي باعتباره
يشكل معرفة ويلعب دورا مهما في تطوير المعرفة البشرية ،كما بينوا أن الكثير من الراء السائدة
تكتسي صبغة يقينية ويصعب الشك فيها .ويمكن أن نشير في هذا الصدد إلى موقفين:
يقول ل يبنتس » :إن الرأي القائم على الحتمال قد يستحق اسم معرفة ،وإل سوف يتم إسقاط كل معرفة
تاريخية وغيرها من المعارف «.
هكذا يدافع ليبنتس عن الرأي القائم على الحتمال ،ويعتبره معرفة يمكن العتماد عليها .فليس كل
المعارف تمتلك اليقين المطلق ،بل أغلبها يقوم على الحتمال .فالبحث عن درجات الحتمال في معرفة ما
سيفيدنا ول شك حينما ل نستطيع أن نجزم في مسألة ما بكيفية قطعية.
وقد لعب الرأي القائم على الحتمال دورا انقلبيا في تاريخ الفكر البشري ،والدليل القوي على ذلك مثل
الراء العلمية التي قدمها كوبرنيك؛ فرغم كونها مجرد احتمالت في حينها إل أنها شكلت فيما بعد ثورة
علمية حقيقية في تاريخ العلوم.
يرى فتجنشتين أن هناك اعتقادات نؤمن بها دون أن نبرهن عليها عن طريق الستدللت العقلية أو
التجارب العلمية ،بل هي حقائق ترسخت لدينا كمعارف متضمنة في اللغة التي نتعلمها خصوصا ونحن
صغار.
هكذا نجد أن هناك أفكار ومعتقدات يتلقاها الطفل من خلل تعلمه للغة ،ويضفي عليها نوعا من اليمان
بحيث ل يكلف نفسه عناء التفكير في صحتها .وكمثال على ذلك العتقاد بأن هناك جزيرة تدعى
أستراليا ،أو أن لدي أجدادا ،أو أن هؤلء هم والداي .فالطفل حسب فتجنشتين يتعلم مجموعة من
العتقادات من الراشدين ،كما يقبل ببعض الحقائق المتداولة دون أن يكون بإمكانه الستدلل عليها،
فقط لن المجتمع يقبل بها؛ كأن يعتبر الطفل أن ما هو مكتوب في مقررات الكتب المدرسية حقيقي لنه
يعتبر أنه تم التأكد منها مئات المرات.
هكذا يتحدث فتجنشتين عما يسميه ” صورة العالم”؛ أي مجموع العتقادات والراء التي ترسخت لدي
حول العالم ،والتي اعتبرها منطلقا وأساسا لكل ما أبحث عنه فيما بعد .وكل القضايا التي تريد وصف
تلك الصورة غير خاضعة بدورها للتحقق؛ فأثناء كل تحقق نفترض أن هناك شيء ما ل يمكن التحقق
منه.
تتعارض الحقيقة عند ديكارت مع الرأي ،إذ أنها تعتمد على المنهج وعلى قواعد عقلية صارمة يمكن
اختصارها في أربع قواعد رئيسية :البداهة ،التحليل ،النظام والمراجعة .وتتأسس الفكار البديهية على
مبدأ الحدس ،في حين تتأسس الفكار الخرى على مبدأ الستنباط .هكذا يحدد ديكارت للحقيقة معيارين
رئيسيين هما :البداهة والنسجام العقلي.فهناك أفكار واضحة متميزة في الذهن تدرك إدراكا حدسيا
مباشرا ،ول يحتاج العقل لثبات صحتها إلى براهين وأدلة عقلية ،ولذلك فمعيار صحتها في بداهتها؛
بحيث يمكن القول هنا مع ديكارت بأن كل فكرة بديهية فهي فكرة حقيقية ،كأن أدرك أنني موجود أو أن
المثلث هو شكل ذو ثلثة أضلع او أن الكل أكبر من الجزء .وهناك أفكار نحتاج لثبات صحتها إلى
الستدلل عليها عقليا ،بحيث نستنبطها من الفكار البديهية الولية ،ولذلك فمعيار صحتها يرتبط بمدى
انسجامها المنطقي ومطابقتها لقواعد العقل ومبادئه .ولذلك فالحقائق التي يتوصل إليها عن طريق
الستنباط ل تقل أهمية ويقينية عن الحقائق الحدسية الولية ،ما دامت صادرة عنها بواسطة حركة
فكرية مترابطة ومتصلة تفضي إلى نتائج ضرورية.
هكذا فالحدس والستنباط هما أساس المنهج المؤدي إلى الحقيقة .وبذلك فمعيار الحقيقة يتحدد أول في
البداهة المرتبطة بالحدس؛ إذ أن كل فكرة بديهية هي فكرة حقيقية تدرك بواسطة الحدس العقلي
الخالص ،كما يتحدد هذا المعيار ثانيا بواسطة التماسك المنطقي المرتبط بالستنباط؛ إذ أن كل فكرة
منسجمة منطقيا ومتطابقة مع قواعد الستنباط العقلي تعتبر فكرة صحيحة ومنطقية .وينبغي الشارة هنا
إلى أن معيار البداهة عند ديكارت هو معيار كوني؛ إذ أن الفكار البديهية هي بديهية بالنسبة لجميع
العقول ،خصوصا وان ديكارت يعتقد أن العقل أعدل قسمة بين الناس وأنه يحتوي على أفكار أولية
وفطرية معيار صحتها في بداهتها ،أي في وضوحها وتميزها.
-1موقف جون لوك :معيار الحقيقة في مطابقتها للواقع التجريبي.
يرفض جون لوك معيار البداهة الذي قال به الفلسفة العقلنيون كديكارت واسبينوزا ،وهذا نابع من
رفضه لوجود أفكار أولية وفطرية في العقل .هكذا اعتبر جون لوك أن العقل صفحة
بيضاء وأن التجربة هي التي تمده بالمعارف والفكار .من هنا فالتجربة هي المعيار الساسي
والوحيد للحقيقة .فالحواس تمدنا بالفكار البسيطة كالمتداد والشكل والحركة ،ثم يعمل العقل على
التأليف بينها لنتاج الفكار المركبة كفكرة الجوهر والعلية واللمتناهي .هكذا فكل أفكارنا ذات أصل
حسي ،والحواس هي التي تمنح لفكارنا الصدق والحقيقة .وإذا تعذر إرجاع فكرة ما إلى أصلها الحسي
التجريبي ،فهي فكرة وهمية وباطلة .فمعيار الحقيقة إذن هو مطابقتها للواقع الحسي التجريبي .ويبدو
أنه يتعذر وجود معيار كوني للحقيقة التجريبية مادام أن تجارب الناس مختلفة ومتعددة ،وهو ما ينعكس
على تصورهم لموضوع الحقيقة ومعاييرها.
-2موقف كانط:
يتساءل كانط :هل هناك معيار كوني ومادي للحقيقة؟ وهل هناك معيار كوني وصوري للحقيقة؟
وفي إطار إجابته عن هذين السؤالين ،رأى كانط أنه ل يمكن أن يوجد معيار كوني ومادي للحقيقة لن
الحقيقة المادية هي تلك المطابقة لموضوعها ،والحال أن موضوعات الحقيقة تختلف وتتعدد مما يتعذر
معه وجود معيار كوني لها .وبالمقابل يرى كانط أنه يمكن الحديث عن وجود معيار كوني وصوري
للحقيقة ،ويتمثل هذا المعيار في مطابقة المعرفة لمبادئ العقل وقواعد المنطق.
هكذا فالحديث عن قيمة الحقيقة يتعلق أساسا بخصائص تتميز بها الفكار تجعلنا نهتم بها ونرغب فيها.
من هنا يحق لنا التساؤل :ما الذي يجعلنا نرغب في الحقيقة؟ أين تكمن قيمتها بالنسبة لنا؟ هل لها قيمة
في ذاتها أم أنها مجرد وسيلة لشباع حاجات أخرى؟ وهل للحقيقة قيمة أخلقية سامية ومطلقة أم قيمة
نفعية نسبية؟
يبين لنا تاريخ الفلسفة الكلسيكية أنه كانت للحقيقة قيمة نظرية مطلقة ،وأنها كانت منشودة لذاتها؛
أومصالح أخرى. فالفلسفة عند اليونان كانت بحثا عن الحقيقة من أجل الحقيقة وليس لي أغراض
وقد جسد سقراط في حياته هذا المر؛ إذ تشبث بأفكاره إلى آخر لحظة في حياته حينما سيق به إلى
العدام وهو متشبث بالحقيقة وساخر من قومه الذين يتشبثون بالوهام والمعتقدات الباطلة.
وفي نفس السياق اعتبر كانط أن للحقيقة قيمة أخلقية عليا ومطلقة وغير مشروطة .وهي بذلك تنشد
لذاتها كحقيقة موضوعية نزيهة وبعيدة عن المنفعة والمصلحة الخاصة .فالصدق واجب في ذاته ،ويجب
على النسان أن يقول الحقيقة ويسلكها مهما كانت الظروف والشروط “لن الكذب مضر بالغير دائما،
حتى إن لم يضر إنسانا بعينه فهو يضر النسانية قاطبة ،مادام يجرد منبع الحق من الصفة الشرعية”.
لقد ارتبطت قيمة الحقيقة في الفلسفة المعاصرة بقيم العصر كالمنفعة والعمل والمردودية والنتاج،
واللتصاق بالواقع النساني .من هنا أصبحت للحقيقة قيمة عملية واقعية من جهة ،وقيمة نسبية
ومتغيرة من جهة أخرى .وفي هذا الطار يمكن تقديم التصور البرغماتي الذي يمثله وليام جيمس W
: James
تكمن قيمة الحقيقة حسب الموقف البرجماتي المعاصر الذي يمثله وليام جيمس في كل ما هو نفعي،
عملي ومفيد في تغيير الواقع والفكر معا .من هنا فالحقيقة ليست غاية في ذاتها ،بل هي مجرد وسيلة
لشباع حاجات حيوية أخرى .والفكار الحقيقية هي تلك التي نستطيع أن نستعملها وأن نتحقق منها
واقعيا ،أما الفكار التي ل نستطيع أن نستعملها وأن نتأكد من صلحيتها فهي خاطئة .وعموما ،يرى
وليام جيمس ،أن الفكار الصادقة هي تلك التي تزيد من سلطاننا على الشياء؛ فنحن نخترع الحقائق
لنستفيد من الوجود كما نخترع الجهزة الصناعية للستفادة من قوى الطبيعة.
هكذا يقدم لنا وليام جيمس تصورا أداتيا للحقيقة ،أصبحت معه هذه الخيرة مجرد أداة للعمل وتحقيق
منافع مختلفة قد تتغير بتغير الظروف والحوال ،مما يعطي للحقيقة طابعا نسبيا ومتجددا.
الدولة
ينظر إلى الدولة على أنها تنظيم سياسي يكفل حماية القانون وتأمين النظام لجماعة من
الناس تعيش على أرض معينة بصفة دائمة ،وتجمع بين أفرادها روابط تاريخية وجغرافية
وثقافية مشتركة .ولذلك ل يمكن الحديث عن الدولة في مجال ترابي معين إل إذا كانت
السلطة فيها مؤسساتية وقانونية ،وأيضا مستمرة ودائمة ل تحتمل الفراغ.
كما يقترن اسم الدولة بمجموع الجهزة المكلفة بتدبير الشأن العام للمجتمع .هكذا تمارس
الدولة سلطتها بالستناد إلى مجموعة من القوانين والتشريعات السياسية التي تروم تحقيق
المن والحرية والتعايش السلمي.
وهذا ما يجعلنا نتساءل عن المشروعية التي تتأسس عليها الدولة من جهة ،وعن الغاية
من وجودها من جهة أخرى؟
كما تدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة ممارسة الدولة لسلطتها السياسية؟ وعن مدى
مشروعية الدولة في استخدام العنف؟
مشروعية الدولة وغاياتها المحور الول:
لقد قطع فلسفة التعاقد الجتماعي مع التصور الديني للدولة ،ولذلك فمشروعية الدولة
عندهم تستمد من اللتزام بمبادئ التعاقد المبرم بين الفراد ككائنات عاقلة وحرة .هذا
التعاقد الحر بين الفراد سيؤسس الدولة على قوانين العقل ،التي من شأنها أن تتجاوز
مساوئ حالة الطبيعة القائمة على قوانين الشهوة ،والتي أدت إلى الصراع والفوضى
والكراهية والخداع .ولذلك فغاية الدولة هي تحقيق المصلحة العامة المتمثلة حسب
اسبينوزا في تحرير الفراد من الخوف وضمان حقوقهم الطبيعية المشروعة ،والمتمثلة
أساسا في الحق في الحياة و المن والحرية .هكذا يرى اسبينوزا أن الغاية من تأسيس
الدولة هي تحرير الفراد من الخوف ،وإتاحة الفرصة لعقولهم لكي تفكر بحرية وتؤدي
وظائفها بالشكل المطلوب دون استخدام لدوافع الشهوة من حقد وغضب وخداع .ويختصر
اسبينوزا الغاية من وجود الدولة بقوله“ :الحرية هي الغاية الحقيقية من قيام الدولة”.
لقد انتقد هيجل التصور التعاقدي الذي يعتبر أن للدولة غاية خارجية مثل السلم أو الحرية
أو الملكية ،ورأى أن غاية الدولة ل تكمن في أية غاية خارجية ،وإنما تتمثل في غاية
باطنية؛ فالدولة غاية في ذاتها من حيث إنها تمثل روح وإرادة ووعي أمة من المم،
وتعتبر تجسيدا للعقل الخلقي الموضوعي .إن الدولة هي التحقق الفعلي للروح الخلقي
باعتباره إرادة جوهرية وكونية .ومن واجب الفراد أن يكونوا أعضاء في الدولة وأن
يتعلقوا بها لن في ذلك سموهم وعلو مرتبتهم؛ فل يكون للفرد وجود حقيقي وأخلقي إل
بانتسابه إلى الدولة.
هكذا يعطي هيجل الولوية في تحليله إلى الكل على الجزاء ،وإلى الدولة على الفراد،
ويجعل مصيرهم في أن يحيوا حياة عامة وكونية .فمشروعية الدولة إذن ل تستمد عند
هيجل من التحالفات القائمة بين الفراد ،بل تستمد من مبادئ عقلية وموضوعية تتأسس
عليها الدولة بشكل حتمي يتجاوز الرادات الفردية ذاتها.
حينما يتم التساؤل عن طبيعة السلطة السياسية‘ فإن المر يتطلب بالضرورة الحديث عن
علقة الدولة بالمواطنين ،أو علقة الحاكم بالمحكومين .فإذن ما هي طبيعة العلقة التي
ينبغي أن تكون بين رجل السياسة من جهة ،ومن يمارس عليهم سلطته السياسية من جهة
أخرى؟ وبتعبير آخر؛ ما هي الخصائص التي يجب أن تميز الممارسة السياسية للمير أو
السلطان مع شعبه أو رعيته؟
هنا يمكن تقديم موقفين متعارضين؛ موقف ماكيافيلي وموقف ابن خلدون.
إن علقة السلطان بالرعية حسب ابن خلدون هي علقة ملك بمملوكين .ولذلك يجب أن
يتأسس هذا الملك على الجودة والصلح .من هنا يجب أن يحقق السلطان لرعيته كل ما هو
صالح لهم ،وأن يتجنب كل ما من شأنه أن يلحق بهم السوء والضرر.
ولذلك وجب أن تكون العلقة بين السلطان والرعية مبنية على الرفق والعتدال في
التعامل .فقهر السلطان للناس وبطشه بهم يؤدي إلى إفساد أخلقهم ،بحيث يعاملونه
بالكذب والمكر والخذلن ،أما إذا كان رفيقا بهم ،فإنهم يطمئنون إليه ويكنون له كل المحبة
والحترام ،ويكونون عونا له أوقات الحروب والمحن.
انطلقا من هذا حدد ابن خلدون خصلتين رئيسيتين يجب أن يتصف بهما رجل السياسة،
وهما الرفق والعتدال .ولذلك عليه مثل أن يتصف بالكرم والشجاعة كصفتين يتوفر فيهما
العتدال المطلوب بين التبذير والبخل من جهة ،وبين التهور والجبن من جهة أخرى.
← هكذا إذا كان ماكيافيلي يحدد طبيعة السلطة السياسية في القوة والمكر والصراع،
واستخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقيق مصلحة الدولة ،فإن ابن
خلدون يحدد طبيعتها في التشبث بمكارم الخلق المتمثلة أساسا في الرفق والعتدال.
وهذا ما سيقود إلى إثارة إشكالية الدولة بين الحق والعنف.
حينما نتحدث عن الدولة بين الحق والعنف ،فإننا نثير بالضرورة إشكالية العلقة بين
الدولة كأجهزة ومؤسسات منظمة للمجتمع ،وبين الفراد الخاضعين لقوانينها .فإذا انبنت
هذه العلقة على احترام المبادئ الخلقية المتعارف عليها والقوانين المتعاقد عليها ،فإن
ممارسة الدولة تكون في هذه الحالة ممارسة مشروعة تجعلنا نتحدث عن دولة الحق ،أما
إذا كانت هذه العلقة مبنية على أسس غير أخلقية وغير قانونية ،فإنها ستكون مؤسسة
على القوة والعنف وهاضمة للحقوق والحريات الفردية والجماعية.
فما المقصود بمفهومي الحق والعنف؟
يحدد المعجم الفلسفي لندري للند الحق باعتباره “ما ل يحيد عن قاعدة أخلقية ،وما هو
مشروع وقانوني في مقابل ما هو واقعي وفعلي” .كما يحدده كانط باعتباره يحيل إلى
“مجموع الشروط التي تسمح لحرية كل فرد بأن تنسجم مع حرية الخرين”.
أما العنف فيمكن القول بأنه “اللجوء إلى القوة من أجل إخضاع أحد من الناس ضد إرادته،
وهو ممارسة القوة ضد القانون أو الحق”) .المعجم الشامل لمصطلحات الفلسفة،د.عبد
المنعم الحفني ،مكتبة مدبولي ،الطبعة الثالثة(2000،
هكذا يتبين أن الحق هو نقيض العنف؛ إذ أن الول يمارس بإرادة الفراد ويضمن لهم
حرياتهم المشروعة ،في حين أن الثاني يمارس ضد إرادتهم ويغتصبهم حرياتهم.
فإذا كان المر كذلك ،فهل يمكن البحث عن مشروعية لممارسة الدولة العنف ضد الفراد
أوالجماعات؟ وهل العنف ضروري للدولة لكي تمارس سلطتها؟ أل يتعارض العنف في هذه
الحالة مع الحق والقانون؟
لمعالجة هذا الشكال يمكن تقديم موقفين يبدوان متعارضين؛ أحدهما لماكس فيبر والثاني
لجاكلين روس.
-1موقف ماكس فيبر :الدولة وحدها لها الحق في ممارسة العنف المادي.
إن الدولة تتأسس في نظر ماكس فيبر على العنف .ولذلك يرى أنه إذا وجدت تجمعات
بشرية ل تعرف العنف ،فمعنى ذلك أنه ل يمكن الحديث عن وجود الدولة ،كجهاز يحكم هذه
التجمعات السياسية .فما سيبقى في حالة اختفاء العنف هو الفوضى بين مختلف مكونات
البناء الجتماعي ،نظرا لختفاء القوة العنيفة القادرة على إزالة هذه الفوضى.
إن العنف إذن هو الوسيلة المميزة للدولة ،والعلقة بينهما هي علقة وطيدة وحميمية.
وللدولة وحدها الحق في ممارسة العنف المادي ،إذ ل يحق لي فرد أو جماعة ممارسة
هذا العنف إل بتفويض من الدولة.
لكن أل تتعارض ممارسة العنف مع المواصفات التي يجب أن تتوفر في دولة الحق؟
-2موقف جاكلين روس :تتمسك دولة الحق بكرامة الفرد ضد كل أنواع العنف
والتخويف.
اعتبرت جاكلين روس أن دولة الحق هي ممارسة معقلنة لسلطة الدولة ،يخضع فيها الحق
والقانون إلى مبدإ احترام الشخص البشري وضمان كرامته النسانية .هكذا فالفرد في دولة
الحق هو قيمة عليا ومعيار أسمى لصياغة القوانين والتشريعات التي تمنع كل أنواع
الستعباد والضطهاد التي قد يتعرض لها.
وما يمكن ملحظته هنا هو أن الغاية هنا هي الفرد وليس الدولة؛ فهذه الخيرة هي مجرد
وسيلة لخدمة الفرد ،إذ تعتبره الغاية الساسية من كل تشريع .ولن يتم ذلك إل من خلل
مبدأ فصل السلط الذي يمكن من إحقاق الحق وإخضاعه للممارسة المعقلنة القائمة على
الحترام وتطبيق القانون ،ونبذ كل أشكال الرهاب والعنف.
يتبنى غاندي موقف اللعنف باعتباره يمثل ذلك الحب أو الرادة الطيبة تجاه كل الناس.
ولذلك فهو يرفض السلوك العنيف لن وراءه نية من أجل إلحاق الذى واللم بالخر ،كما
أنه تعبير عن نشيد الحقد الذي تعبت النسانية من عواقبه الوخيمة .هكذا يدعو غاندي إلى
تعميم الصداقة بين كل الناس ،ومكافحة العنف والشر بسلح الذهن والفكر الخلقي ،وهو
ما يقتضي مواجهة العنف بمقاومة روحية تمكن من خلق خيبة أمل لدى الممارس للعنف
بأن ل أواجهه بسلحه من جهة ،وتمكن من الرفع من مستواه النساني والخلقي بأن
يصبح هو الخر رافضا للعنف من جهة أخرى.
انطلقا من كل هذا فاللعنف عند غاندي يستمد قوته من الروح؛ إذ يعتبر عقيدة روحية
وأخلقية قبل أن يصبح ممارسة جسدية وسلوكية .وهذا أمر يقتضي رفض العنف رفضا
نهائيا ومبدئيا واعتباره رذيلة في ذاته ،وأنه القانون الذي يحكم عالم الحيوانات ،بينما
اللعنف هو القانون الذي يحكم العالم النساني.
السعادة
تقديم:
يمكن القممول مممن وجهممة نظممر فلسممفية عامممة أن
السعادة هي “حالة إرضاء تممام للممذات ،يتسممم بممالقوة
والثبممات ،ويتميممز عممن اللممذة للحظيتهمما وعممن الفممرح
لحركيته”.
من هنا يمكن التساؤل :ىىىى ىىىىىى ىىىى ىىىىى
ىىى ىىىىىى ىىىىىى ىىىىى ىىىىىىىى ىى ى ى ىىى ىى
ىى ىىىى ى ىى ىى ىىىى وبمعنممى آخممر :ى ى ىىى ىىىى
ىىىى ىى ىىىىى ىى ىىىىى /ىىىىىىىى
وفي مستوى آخممر يمكممن التسمماؤل :ى ى ىىى ىىىى
ىىىىى ىى ىىىى ىى ىىىىى ىىى ىى ىىىى ىىىىىىىى
هممل السممعادة إرضمماء للبممدن أم للعقممل أم -I
للقلب؟
(1السعادة إرضاء للبدن:
يرى دعاة مذهب اللذة أن نشدان اللذة ودفع اللممم
هو الغاية الولى والخيرة من وجود النسممان ،وهكممذا
يرى أرستبوس أنه بازدياد عممدد اللممذات تممزداد خبرتنمما
بالسعادة ،ومن ثم يجب اغتنام الفرص لقتناص أكممبر
عدد ممكن من اللذات الحاضرة .إن اللذة الحسية هنا،
هي معيار لتحديممد كممل القيممم النسممانية ،بممما ي ذلممك
قيمة السعادة.
(2السعادة إرضاء للعقل:
يميممممز المفكممممرون المسمممملمون تبعمممما للتمممموجه
الفلطمموني-الرسممطي فممي الوجممود بيممن النفممس
والجسد ،فيتم تمجيد النفس والعقل واحتقار الجسم
والبدن ،وفي هذا السياق تم اعتبممار السممعادة عقليممة
ترتبط بكل ما يحقق اللذة العقلية من معرفة وعلم:
أ( الرازي:
يرى الرازي أن اللذات العقلية أشممرف مممن اللممذات
الحسية ،لن هذه الخيرة ل تخص النسان وحممده بممل
يشترك فيها مع الحيوان الممذي قممد يتفموق عليممه فممي
تحصيلها ،ثم إن اللذة الحسية هي مجممرد دفممع لللممم،
فهي لذة مؤقتممة تنتهممي بعممد تحقيممق الشممباع ،لممذلك
كانت السعادة الدائمة مممن طبيعممة عقليممة تكمممن فممي
تحصيل العلوم والتحلي بالخلق الفاضلة.
ب(مسكويه
الكمال الخاص بالنسان كمممالن :الكمممال النظممري
والذي يكون بالقوة العالمة والتي يشتاق بها النسان
إلى المعرفة والعلوم ،والكمال الخلقي الممذي يكممون
بالقوة العاملة الممتي يسممتعملها النسممان فممي تنظيممم
المممور وحسمب تممدبيرها .أممما الكمممال الول فمنزلتممه
منزلممة الصممورة بينممما الكمممال الثمماني منزلتممه منزلممة
المادة ،ول يتم أحدهما بدون الخممر ،لن العلممم مبممدأ،
والعمل تمام ،وهذين الكمالين هممما طريقمما السممعادة
القصوى.
ج( الفارابي
يرى الفمماربي أن الفلسممفة هممي السممبيل لتحصمميل
السعادة لنه بها يتم اكتسمماب القممدرة علممى التمييممز،
وإدراك الصواب ،والتعرف على الحق فيتممم اعتقمماده،
وعلى الباطل فيتم اجتنابه ،وبممذلك تسممتكمل النفممس
حقيقتها وتصل إلى السعادة القصوى.
(3السعادة إرضاء للقلب:
يرى المتصوفة أن القيسة العقلية التي يستخدمها
الفلسفة غير قادرة علممى إدراك نممور الحممق وجللممه،
ومن تم فهممي غيممر موصمملة للسممعادة الحقممة ،وهكممذا
فاللهام والشراق هما طريقا السممعادة ويتمممان فممي
القلب ل في العقل .وفي هذا الطار يرى ابن عربممي
أن القلب هو السبيل المؤدي إلى السممعادة وهممو مممن
رحمة الله التي أودعها في مخلوقاته ،وهذه السممعادة
تتحقق عندما يتمكن العارف من مشاهدة تجلي الحممق
في مرآة الوجود ،فيفيض قلبه نورا بحيث ل يسع هذا
القلب شيئا آخر غير الله.
\ يبممدو أن جمموهر السممعادة هممو حسممن التممدبير
والعتدال ،وذلممك بتحقيممق متطلبممات الجسممد والعقممل
والقلمممب جميعممما دون إغفمممال أي جمممانب ممممن همممذه
الجوانب ،على أساس أن يكون ذلك في إطار التوازن
والمعقولية بحيث يكون العقل هو المدبر الفعلي من
أجل تحقيق كل تلك المطالب.
-IIهل السعادة تدبير للفرد أم للمدينة؟
لقممد أكممد الفلسممفة المسمملمون علممى الختيممار
العقلني والجتماعي والمدني في تحقيممق السممعادة،
وذلك من خلل تحقيق شرطين أساسيين ،هما:
أ( الرادة
إن الرادة فممي ارتباطهمما بالسممعادة تعنممي أساسمما
قممدرة النسممان علممى الختيممار والتحكممم فممي أفعمماله
وتدبير أحواله.
وهكذا فالسعادة ليسممت وليممدة الصممدفة والتفمماق،
وإنما تحصل بواسطة العمل والجهد والبرمجممة ،وفممي
هذا الصدد يذهب مسكويه إلى أن السعادة لتتممأتى إل
عن صناعة وتأديب ،وهو ما يضفي عليها طابعا تربويا
ومؤسساتيا.
ب(الجماعة
يرى الفممارابي أن النسممان يحتمماج فممي حيمماته إلممى
التعمماون مممع أبنمماء جنسممه مممن أجممل تحقيممق حاجمماته
اليومية ومن تم تحصيل سعادته ،فبلوغ هممذه الخيممرة
يتطلب تضافر جهود عدة أفراد فممي إطممار ممما أسممماه
الفممارابي بالتممدبير المممدني الممذي يممؤدي إلممى سممعادة
العمال والوظائف بين الناس تبعا لطبممائعهم ،وذلممك
بهدف تحقيق الخير الفضل والكمال القصى الذي ل
ينال إل في المدينة الفاضلة.
\إن الطابع الجماعي الذي تأخذه السعادة عند كممل
مممن الفممارابي ومسممكويه ،هممو رفممض ونقممد لموقممف
المتصوفة الذين يختممارون العزلممة والخلمموة بحثمما عممن
سعادة فردية تتم في إطار مممن الزهممد والبتعمماد عممن
الناس.
وهكذا يربط مسكويه السعادة بالفضائل الخلقيممة
الممتي ل تتحقممق إل بمعاشممرة النمماس والختلط بهممم،
وفي هذا الصممدد يقممول مسممكويه“ :ليسممت الفضممائل
أعداما ،بل هي أفعال وأعمال تظهممر عنممد مشمماركات
النممماس ومسممماكنتهم ،وفمممي المعممماملت وضمممروب
الجتماعات”.
ملخص العنف
يمكن القول بأن العنف هو “اللجوء إلى القوة من أجل إخضاع أحد من الناس ضد إرادته،
وهو ممارسة القوة ضد القانون أو الحق” .وهو يتخذ أشكال متعددة ومتداخلة في حياة
النسان .كما يرتبط مفهوم العنف بمجموعة من المفاهيم الخرى كالقوة والعدوانية
والسلطة والحق والقانون ،كما يطال مجالت متعددة؛ اقتصادية وسياسية وثقافية .مما
يجعله يثير العديد من الشكالت المتعلقة بمنشئه ومظاهره ووسائله ،ومدى ضرورته
ومشروعيته من وجهة نظر القانون والخلق.
إن العنف واقعة أساسية في تاريخ المجتمعات البشرية ،وهو يعتمد على تقنيات ووسائل
مختلفة ،كما يتخذ أشكال متعددة.
من هنا يمكن صياغة إشكال هذا المحور من خلل التساؤلت التالية :ما هي طبيعة العنف؟
وما هي أشكاله ومظاهره؟ وهل ينحصر العنف في مظاهره المثيرة كالحروب أم أنه قد
يوجد على نحو خفي وكامن؟
يتحدث بيير بورديو عن العنف الرمزي الذي هو عنف غير فيزيائي ،يتم أساسا عبر
وسائل التربية وتلقين المعرفة واليديولوجيا ،وهو شكل لطيف وغير محسوس من العنف،
وهو غير مرئي بالنسبة لضحاياهم أنفسهم .وينتقد بورديو الفكر الماركسي الذي لم يولي
اهتماما كبيرا للشكال المختلفة للعنف الرمزي ،مهتما أكثرا بأشكال العنف المادي
والقتصادي .كما أشار بورديو إلى أن العنف الرمزي يمارس تأثيره حتى في المجال
القتصادي نفسه ،كما أنه فعال ويحقق نتائج أكثر من تلك التي يمكن أن يحققها العنف
المادي أو البوليسي.
إن العنف الرمزي يمارس على الفاعلين الجتماعيين بموافقتهم وتواطئهم .ولذلك فهم
غالبا ما ل يعترفون به كعنف؛ بحيث أنهم يستدمجونه كبديهيات أو مسلمات من خلل
وسائل التربية والتنشئة الجتماعية وأشكال التواصل داخل المجتمع .ومن هذه الزاوية
يمكن ،حسب بورديو فهم الساس الحقيقي الذي تستند إليه السلطة السياسية في بسط
سيطرتها وهيمنتها؛ فهي تستغل بذكاء التقنيات والليات التي يمرر من خللها العنف
الرمزي ،والتي تسهل عليها تحقيق أهدافها بأقل تكلفة وبفعالية أكثر ،خصوصا وأن هناك
توافقا بين البنيات الموضوعية السائدة على أرض الواقع وبين البنيات الذهنية الحاصلة
على مستوى الفكر.
هكذا يتبين أن العنف يتخذ شكلين رئيسيين؛ الول هو العنف المادي الذي حدثنا إيف ميشو
عن مظاهره المختلفة ،والثاني هو العنف الرمزي الذي بين بورديو بعض وسائله ومدى
فعاليته في تثبيت دعائم الدولة والسلطة السياسية .من هنا يبدو أنه من المستحيل الحديث
عن مجتمعات إنسانية خالية من العنف؛ فهو ظاهرة أكيدة في تاريخ المجتمعات البشرية.
وإذا كان المر كذلك ،فما الذي يفسر ظاهرة العنف في التاريخ؟ أو بتعبير آخر؛ كيف يتولد
العنف في التاريخ البشري؟ وما الذي دفع النسان لممارسته؟
هكذا فالشكال يتعلق بأسباب تواجد العنف في تاريخ النسان .وهو إشكال يمكن مقاربته
انطلقا من زاويتين متمايزتين ،إحداهما سوسيواقتصادية يتبناها ماركس ،والخرى
تحليلنفسية يقول بها فرويد.
بين ماركس أن ظاهرة العنف في التاريخ ناتجة عن الصراع الطبقي الذي هو المحرك
الول لعجلة التاريخ؛ والذي عرف دوما حروبا ل تتوقف بين فئة مستغلة ومضطهدة من
جهة ،وفئة مستغلة ومضطهدة من جهة أخرى .وهذه الحروب والصراعات هي التي تولد
أشكال العنف المختلفة ،والتي يكون لها أثر فعال على مستوى تغيير أشكال الحياة
الجتماعية.
ومن خلل استقرائه للتاريخ ،بين ماركس أن المجتمع كان مقسما إلى طبقات تعيش
أوضاعا وشروطا اجتماعية مختلفة؛ بحيث نجد في المجتمع الروماني القديم طبقتين
متمايزتين؛ هما السادة والفرسان من جهة والقنان والعبيد من جهة أخرى .كما نجد في
القرون الوسطى السادة والشرفاء من جهة ،والقنان والحرفيون العاديون من جهة أخرى.
وإذا انتقلنا إلى العصر الحديث ،عصر سيادة البورجوازية )الطبقة المالكة لوسائل النتاج(،
فإننا نجد أن الصراع لم ينته بعد؛ إذ أصبح المجتمع منقسما إلى معسكرين متعاديين ،أي
إلى طبقتين متعارضتين تعارضا كليا هما البورجوازية والبروليتاريا .وهذا الصراع
القتصادي والجتماعي في جوهره هو الذي يولد أشكال مختلفة من العنف والستلب
والستغلل الذي تمارسه الطبقة المالكة لوسائل النتاج المادي على الطبقة الشغيلة .وقد
يتخذ هذا الصراع طابعا فرديا ل يعيه الفرد ذاته ،كما قد يتخذ طابع صراع نقابي أو سياسي
أو إيديولوجي واضح.
ويمكن تقديم تحليل آخر لظاهرة العنف في التاريخ ،هو ذلك الذي يقوم به فرويد حيث
يربط العنف بطبيعة الجهاز النفسي للنسان ،حيث نجد “الهو” كنسق أصلي في هذا
الجهاز يميل إلى تحقيق دوافعه الغريزية ،والتي تستهدف تحقيق اللذة والمصلحة الذاتية
بشتى الوسائل بما فيها تلك التي تعتمد على العنف .هكذا يعتبر فرويد أن النسان كائن
عدواني وشرس بطبعه؛ فهو كائن تندرج العدوانية لديه بالضرورة ضمن معطياته
الغريزية .ولذلك فلنسان ينزع إلى تلبية حاجاته العدوانية على حساب الخر ،وإلى
استغلله وإهانته وإنزال اللم به واضطهاده وقتله.
ولذلك ل يمكن سوى قمع العنف وكبح جماحه دون التمكن من القضاء عليه ،ما دام يعاود
الظهور حينما يتم إلغاء الزجر في فترات الحرب ،التي تنزع عن النسان قناع الوحش
المفترس الذي ل يقيم أي اعتبار لبني جنسه.
هكذا يرى فرويد أن هذه العدوانية المتجذرة في النسان هي الذي تولد أشكال العنف
المختلفة في التاريخ ،وتهدد العلقات القائمة بين الناس داخل المجتمع .فالمبدأ العام عند
فرويد هو أن الصراع بين الناس تتم تسويته بواسطة العنف.
.وقد عرف مسار العنف تطورا في تاريخ البشرية؛ حيث تم النتقال من العنف العضلي إلى
العنف الذي يستخدم الدوات ،ثم إلى عنف عقلي سيشكل قوى موحدة ضد عنف القوى.
من هنا فقد تم كسر شوكة عنف القوى عن طريق اتحاد مجموعة من القوى الضعيفة،
التي ستتخذ القانون والحق كقوة تستخدمها الجماعة لتحقيق أغراضها .فالعنف إذن لم
يختفي نهائيا ،وإنما تم تعزيزه بواسطة العقل وأصبح يمارس باسم القانون.
وهذا ما سيطرح مسألة مشروعية العنف من زوايا القانون والحق والخلق.
يبدو أن العنف هو ممارسة القوة ضد الخر .لكن ما يلحظ هو أن هذه الممارسة قد تتم
باسم الحق والقانون .من هنا يتم التساؤل :هل من مبررات معقولة تجعل ممارسة عنفا ما
مشروعا؟ وهل يمكن القرار بمشروعية العنف من زاوية الحق والقانون والعدالة؟
ملخص الغير
ذ.محمد الشبة
جاء في معجم روبير بأن “الغير هم الخرون من الناس بوجه عام” .كما نجد تحديدا في
معجم للند الفلسفي جاء فيه مايلي“ :الغير هو آخر النا ،منظورا إليه ليس بوصفه
موضوعا ،بل بوصفه أنا آخر” .ويقول جان بول سارتر“ :الغير هو الخر ،النا الذي ليس
أنا” .انطلقا من هذه التحديدات يمكن أن نلحظ بأن الغير هو مخالف ومشابه للنا في
نفس الوقت؛ إنه مماثل له في النسانية ،أي يتمتع مثله بمقومات الشخص من وعي
وحرية وكرامة وغير ذلك .لكنه مع ذلك يختلف عنه في الكثير من الخصائص المتعلقة
بالجوانب السيكولوجية والجتماعية والثقافية وغير ذلك .انطلقا من هنا يطرح السؤال
التالي :هل وجود الغير ضروري لوجود الغير ووعيه بذاته؟ وإذا كانت معرفة الموضوعات
الطبيعية ممكنة بفضل تطور العلوم الدقيقة ،فإن معرفة الغير كوعي آخر تطرح العديد من
الصعوبات؛ فهل معرفة الغير ممكنة؟ وكيف تتم معرفته بوصفه وعيا؟ غير أن العلقة بين
النا والغير ل تنحصر في المستوى المعرفي ،بل تتجلى في مستويات عدة؛ عاطفية
وأخلقية واجتماعية…فما هي طبيعة العلقة التي يجب أن تسود داخل هذه المستويات بين
النا والغير؟ وعلى ماذا يجب أن تتأسس هذه العلقة؟
-Іوجود الغير:
الطرح الشكالي:
إذا كان النا يتميز عن باقي الكائنات والشياء بصفة الوعي ،فأن وعيه هذا يتخذ عدة
أشكال؛ كالوعي السيكولوجي والوعي المعرفي والوعي الخلقي .فمن الناحية
السيكولوجية تصدر عن النا انفعالت مثل الحب والكراهية ،كما تصدر عنه من الناحية
المعرفية عمليات فكرية مختلفة مثل الشك والتخيل ،ومن الناحية الخلقية يتميز بصفات
مثل الشجاعة والكرم .ولذلك نتساءل؛ هل يمكن أن يمارس النا هذه الفعال والعمليات دون
حضور الغير كطرف فيها؟ فإذا لم يكن هناك وجود للغير في عالم النا ،فمن سيحب هذا
الخير ومن سيكره؟ وهل يمكنه أن يفكر في قضايا سياسية واجتماعية وغيرها دون
حضور الغير كطرف أساسي مولد لهذه القضايا؟ ثم كيف للنا أن يعرف أنه شجاع أو كريم
دون وجود الغير؟ وعلى العموم هل وجود الغير ضروري لوجود النا أم أنه مجرد وجود
جائز ومحتمل؟
-1موقف ديكارت :وجود الغير غير ضروري لوجود النا ووعيه بذاته.
لقد اعتمد ديكارت على الشك من أجل بلوغ الحقيقة؛ وهكذا فقد شك في كل شيء إل في
حقيقة واحدة ،بديهية ويقينية ،وهي أنه يشك‘ أي يفكر ،وبالتالي فهو يقينا يوجد كذات أو
كجوهر مفكر .إن وجود النا كفكر وكوعي هو وجود يقيني ل يطاله الشك مادام أنه
موضوع لدراك حدسي مباشر ،أما وجود الغير كذات مفكرة وواعية فل يتم إثباته إل عن
طريق الفتراض أنه شبيه للنا ،وبالتالي فوجود الغير في فلسفة ديكارت يتم التوصل إليه
عن طريق استدلل قياسي ،وكل ما يحصل عن طريق الستدلل فهو قابل للشك.
إن الوعي عند ديكارت هو حضور الذات إزاء نفسها ،لذلك يصعب إدراك الغير كوعي آخر
من طرف وعيي أنا .وهذا ما جعل ديكارت يسقط فيما يمكن تسميته بعزلة الذات مادام أنه
متأكد من ذاته وحدها ،في حين يبقى وجود الغير مجرد وجود افتراضي ،جائز ومحتمل.
-2موقف هيجل :إثبات وجود النا ل يكون إل من خلل الصراع مع الغير.
ضد الموقف الديكارتي شيد هيجل فلسفة للوعي يحتل فيها مفهوم الغير موقعا مركزيا .فكل
شيء بالنسبة لهيجل يحمل نقيضه في ذاته كشرط لتحقق وجوده واستمراريته .هكذا
فوجود النا ل يمكن أن يتحقق إل من خلل وجود نقيضه أي النا الخر أو الغير .فل يمكن
للوعي أن يعرف نفسه إل من خلل انفتاحه على كل ماهو آخر بالنسبة إليه؛ أي أن الوعي
يبحث عن وساطة بينه وبين معرفته لنفسه ،وهذا ما ينعته هيجل بمفهوم التوسط )La
. (médiation
وباعتبار الموجودات الطبيعية مجردة من الوعي ،فهي موضوعات لشباع حاجات الوعي
الطبيعية ،لذلك فهي تغرقه في الحياة العضوية وتجعله ل يتجاوز درجة الحساس المباشر
بالذات ،ولهذا أيضا فهي ل تصلح كوساطة تمكن الوعي من تحقيق معرفة كاملة بنفسه.
إن الوعي الخر )الغير( هو الوحيد القادر على القيام بدور التوسط بين النا ومعرفته
بذاته؛ ذلك أن النا يسعى إلى العتراف به من طرف الخر .غير أن هذا العتراف يتم من
خلل عملية الصراع التي تقوم بين النا والغير ،والتي تنتهي بإخضاع أحد الوعيين للخر
وإجباره على العتراف له بوجوده .وبذلك تنشأ العلقة النسانية الولى ،علقة السيد
بالعبد.
وهكذا فليس للنا وجودا حقيقيا إل من خلل علقته بالنا الخر )الغير( وليس قبلها.
فوجود الغير شرط ضروري لوجود النا؛ مادام أن كل من السيد والعبد يتوقف وجود
أحدهما على وجود الخر.
-ІІمعرفة الغير:
الطرح الشكالي:
حينما نتحدث عن معرفة الغير ،فإن المر ل يتعلق بمعرفته كجسم أو كعضوية بيولوجية بل
معرفته كروح وكذات تحمل أفكارا ومشاعرا .وإذا كانت عملية المعرفة تفترض ذاتا عارفة
وموضوعا للمعرفة ومنهجا تعتمده الذات لتحقيق معرفة بالموضوع ،فإن الصعوبات
المطروحة هنا هو أننا إزاء ذات تريد أن تعرف ذاتا أخرى؛ فموضوع المعرفة الذي هو
الغير هو أيضا ذات واعية وتمتلك جهازا سيكولوجيا مثلها مثل النا ،أي الذات الولى التي
تريد أن تعرفها .هكذا فالمعرفة المتعلقة بالغير كذات أو أنا آخر ،تختلف ول شك عن
المعرفة المتعلقة بالموضوعات الطبيعية أو الشياء المادية .فإذا كانت معرفة هذه الخيرة
ممكنة إلى حد كبير حينما تتوفر الوسائل العلمية ،فهل معرفة الغير ممكنة؟ وما الذي يحول
بيني وبين معرفته؟ وما هي السبل الكفيلة بأن تجعلنا نحقق معرفة بالعالم الداخلي للغير؟
من بين السبل المقترحة لمعرفة الغير هناك “الستدلل بالمماثلة” .ويرتكز استدلل
المماثلة على التعبيرات الجسدية الخارجية التي تقوم كوسيط بيني وبين معرفة الحالت
الشعورية للغير؛ باعتبار أنني أقوم بنفس التعبيرات الجسدية التي يقوم بها الغير حينما
أحس ببعض المشاعر ،فأستنتج أن الغير هو أيضا يحس بها حينما يقوم بتعبيرات جسدية
مماثلة لتلك التي أقوم بها.
غير أن استدلل المماثلة يطرح كثيرا من الصعوبات ،من بينها أن الغير قد يتستر عن
مشاعره فيبدي من التعبيرات الجسدية عكس ما يبطنه من حالت وجدانية ،كما أنه قد
يسيء التعبير عنها ،فضل على أن بأعماق الذات مناطق لشعورية ل يملك الشخص نفسه
معرفة حقيقية بها ،فكيف له إذن أن يعبر عنها للخر بواسطة اليحاءات الجسدية
الخارجية؟!
أمام هذه الصعوبات التي يطرحها استدلل المماثلة ،كأحد السبل المقترحة لمعرفة الغير،
يقترح ماكس شيلر المعرفة الحدسية المباشرة التي تدرك الغير في كليته.
فمعرفة الغير تتم من خلل الدراك الكلي الذي يجمع بين إدراك المظاهر الجسمية
الخارجية وإدراك الحالت النفسية والفكرية الداخلية.هكذا فمعرفة الغير ل تتم من خلل
تقسيمه إلى ظاهر وباطن ،إلى جسم وروح؛ بحيث أن الول يدرك خارجيا ،والثانية تدرك
داخليا ،إن معرفة بهذا الشكل غير ممكنة لن الغير كل ل يقبل القسمة ،ومعرفته ل تتم إل
بوصفه كذلك.
من هنا يرى شيلر أنه ل يمكن تجزيء ظاهرة التعبير لدى النسان إلى وحدات صغرى
لعادة تركيبها لحقا ،بل يجب إدراكها كوحدة غير قابلة للقسمة إلى أجزاء .فمعرفة الغير
ل تتم من خلل الملحظة والستقراء العلميين ،لن نمط معرفة الغير كأنا آخر غير مماثلة
لنمط المعرفة المتعلقة بالظواهر الطبيعية ،بل إنها معرفة تتم من خلل التعاطف معه،
والنفوذ إلى أعماقه من خلل الترابط الموجود بين تعبيراته الجسدية ومشاعره الباطنية؛
فحقيقة الغير تبدو مجسدة فيه كما يبدو ويتجلى للنا ،حركات التعبير الجسدية لديه حاملة
لمعناها ودللتها مباشرة كما تظهر؛ الباطن يتجلى عبر الظاهر ول انفصال بينهما.
· الطرح الشكالي:
إن العلقة مع الغير ل ترتد إلى مجرد علقة معرفية ،بل هي أيضا علقة سيكولوجية
وأخلقية .ولذلك سنتساءل في هذا المحور عن نوع المشاعر التي يجب أن نكنها للغير،
كما سنتساءل عن طبيعة المبادئ الخلقية التي يجب أن تحكم علقتي بالغير .وإذا طبقنا
هذين التساؤلين عن الصداقة والغرابة ،كوجهين أساسيين من وجوه العلقة مع الغير،
فسيصبح الشكال على النحو التالي :ما هو أساس الصداقة؟ وعلى ماذا يجب أن تنبني
علقتي بالصديق؟ وإذا كان الغير يتخذ شكل الغريب أيضا ،فما هو الغريب على وجه
التحديد؟ وما هي نوع المشاعر والمبادئ الخلقية التي يجب أن تحكم علقتي به؟
عرف أرسطو الصداقة باعتبارها فضيلة أخلقية ،كما أنها تلك الرابطة التي تجمع بين
الناس داخل المدينة ،والتي إن سادت على الوجه الكمل لم نكن في حاجة إلى قوانين
العدالة أصل .كما يرى أرسطو أن الصداقة ضرورية في الحياة سواء تعلق المر بالغنياء
أو الفقراء؛ إذ يحتاج الغنياء إلى الصدقاء لكي ينالوا المدح والثناء من جراء ما يسدونه
لهم من خيرات ،كما يحتاج الفقراء أيضا إلى الصداقة ،إذ تعتبر الملذ الذي يلتجئون إليه
من أجل التخفيف من نوائب الدهر.
ويحدد أرسطو ثلثة أسس تنبني عليها الصداقة؛ المنفعة والمتعة والفضيلة الخلقية .هكذا
نكون أمام ثلثة أنواع من الصداقة؛ صداقة المنفعة وصداقة المتعة وصداقة الفضيلة.
فالصداقتان الوليتان ترتكزان على المنفعة والمتعة ،ولذلك فهما متغيرتان وزائلتان .بينما
الصداقة الحقيقية هي صداقة الفضيلة التي تنبني على حب الخير لذاته أول ،وللصدقاء
ثانيا.
وفي نفس السياق حاول أفلطون أن يحدد أساس الصداقة؛ فذهب إلى أنها تقوم على نوع
من الشعور بالنقص ،وتعبر عن نزوع النا إلى الكمال من خلل حاجته الماسة إلى الغير.
هكذا فالصداقة في نظره ل تكون بين الطيبين ول بين الخبيثين ،بل بين ما ليس طيبا ول
خبيثا من جهة وبين الطيب من جهة أخرى .فلكي تكون هناك صداقة بين النا والغير ل بد
أن تكون الذات في حالة من النقص النسبي الذي يجعلها تسعى إلى تحقيق الكمال مع من
هو أفضل .ولو هيمن الشر على الذات ،فإنها ستكون في حالة نقص مطلق ل تستطيع معه
أن تسمو إلى الخير .ولو كانت الذات في حالة خير مطلق لعاشت نوعا من الكتفاء الذاتي
الذي يجعلها ل تحتاج إلى الصديق .فأساس الصداقة هو الرغبة في تحقيق سمو الذات
وكمالها من خلل الغير.
وفي إطار البحث عن أساس الصداقة كشكل من أشكال العلقة مع الغير ،يمكن أن نقدم
تصور كانط الذي أسس العلقة بين النا والغير على مبادئ أخلقية وعقلية كونية .ويتجلى
ذلك من خلل حديثه عن الصداقة باعتبارها علقة تقوم على مشاعر الحب والحترام
المتبادلة بين شخصين .وغاية الصداقة ،في صورتها المثلى ،هي غاية أخلقية طيبة،
تتمثل في تحقيق الخير للصديقين معا .وقد اعتبر كانط الصداقة واجبا عقليا يجب على
النسان السعي نحو تحقيقه ،وإن كان يتعذر تحقيقها في صورتها المثلى على أرض الواقع.
فالعلقة مع الغير يجب أن تراعي نوعا من التوازن بين عناصر الواجب الخلقي؛ بين
مشاعر الحب من جهة ،ومشاعر الحترام من جهة أخرى.
لكن علقتي بالغير ل تكون دائما في إطار الصداقة؛ إذ أكون مجبرا أيضا على التعامل مع
الغريب .فمن هو الغريب على وجه الدقة؟ وكيف ينبغي أن تكون علقتي به؟
-2الغرابة كوجه من وجوه العلقة مع الغير:
ترى جوليا كريستيفا أنه عادة ما يتم النظر إلى الغريب باعتباره ذلك الدخيل/الجنبي الذي
يهدد أمن الجماعة ،ويشكل مصدر قلق لها ومهددا لمنها واستقرارها .ولذلك تتخذ
الجماعة من هذا الغريب موقف القصاء والتهميش والنبذ والحقد ،باعتباره عدوا يجب
القضاء عليه أو على القل الحذر منه.
لكن كريستيفا ترفض تحديد الغريب انطلقا من هذا التصور الشائع ،وتقدم بالمقابل تحديدا
تعتبره أكثر عمقا وتعبيرا عن الغرابة الحقيقية .هكذا تعتبر أن الغريب يسكننا على نحو
غريب؛ فهو إذن ليس خارجيا أجنبيا بل داخليا ،يسكننا ،إنه يوجد فينا .إن الغرابة بهذا
المعنى الخير تتجلى في جهل النسان بذاته وبأعماقه ومكونات هويته .كما تتجلى أيضا في
أشكال التصدع والنحلل والنسف الذي يطال النظم الثقافية والروابط الجتماعية والقيم
الخلقية للجماعة البشرية ،مما يجعل الفرد يشعر بالغرابة داخل بلده وبين أهله.
هكذا إذا كان الغريب ،حسب كريستيفا ،قابع فينا ويسكننا من الداخل ،وجب أن ل تكون
علقتنا به مبنية على الكراهية والعداوة والقصاء والعنف ،بل يجب أن تكون مبنية على
الحب والتسامح والسلم والعتراف المتبادل.
ملخص الواجب
إن النسان حيوان أخلقي ،ولذلك فتميزه بهذه الصفة جعله يطرح السؤال الخلقي التالي:
ما الذي ينبغي أن نعمله؟ وفي هذا الطار استثمر النسان عقله الخلقي العملي من أجل
تشريع قوانين لسلوكه ،وسن واجبات لتحقيق الغايات المنشودة من أفعاله .وإذا كان
الواجب كلفظ يحيل إلى معنى الكراه واللزام ،فإنه مع ذلك يعبر عن سمو النسان وحريته
والتزامه بما يشرعه لنفسه .وإذا كان الوعي الخلقي سمة من سمات الكائن البشري،
باعتباره ما يسمح له بالتمييز بين الخير والشر ،فإن هناك من جعل أساس هذا الوعي في
الفطرة البشرية ،وهناك من أرجعه إلى العقل ،وهناك من عاد به إلى منشئه التاريخ في
إطار الصراع حول المصالح .وأمام هذا التعدد في المرجعيات التي تحكم الواجب ،نجد
أنفسنا أحيانا أمام واجبات ترتبط بسلطة مجتمع ما وظروفه الخاصة ،مما قد يؤدي إلى
انغلق القيم الخلقية ودخولها في صراع مع مرجعيات أخلقية أخرى ،وهذا أمر يحتم
ضرورة المراهنة على أخلق كونية تؤسس لواجب النسان إزاء النسان.
* إشكال المحور :هل يمكن أن يكون الواجب حرا أم أن قبوله ل يتم سوى تحت
الكراه؟ وهل يستمد الواجب سلطته من وازع عقلي داخلي أم يستمدها من إلزام خارجي؟
يرى دفيد هيوم أنه ل يمكن تأسيس الخلق على دعامة من العقل وحده ،لن الحكام
الخلقية خاضعة للعرف والعادة والبيئة الجتماعية .هكذا فجريمة واحدة قد تصادف
أحكاما مختلفة باختلف الظروف والحوال .فالحكم على الفعال بالخير أو الشر راجع إلى
عاطفة أو إحساس نابع من التجربة والمجتمع اللذين يجعلن النسان يتشبث بالحسن لما
يجلبه له من منفعة ،ويبتعد عن القبيح لما يجلبه له من ضرر.
ويقسم هيوم الواجبات الخلقية إلى نوعين :الواجبات الولى هي تلك التي يقوم بها الناس
بدافع غريزي طبيعي ،وبدون أي إلزام أو سعي نحو تحقيق منفعة ما؛ مثل حب الطفال
والعطف على المحتاجين .أما الواجبات الثانية فهي تلك التي تكون صادرة عن إلزام نابع
من ضرورة المحافظة على المجتمع البشري.
هكذا فالطابع اللزامي للواجب عند هيوم مرتبط بالثار المترتبة عنه على مستوى الحياة
الجتماعية .والتجربة وحدها هي التي تبين لنا مدى ما نجنيه من منفعة أو فائدة إذا ما
تقيدنا بأوامر الواجب.
من هنا فالتجربة والتفكير المرتبط بها هما اللذان يمارسان الرقابة على الميولت الذاتية
والغريزية ،ويجعلنها خاضعة للحكام الصادرة عن الواجب.
إن إلزامية الواجب إذن صادرة ،حسب هيوم ،عن دوافع خارجية ،كما أنها ترتبط بالمنفعة
وبالنتائج المفيدة المترتبة عنها .وهو المر الذي سيرفضه إيمانويل كانط.
يرى كانط أن النسان حينما يخضع للقوانين التي يمليها الواجب الصادر عن العقل ،فإنه ل
يخضع سوى لتشريعه الخاص ،ول يتصرف إل طبقا لرادته الخاصة .هذه الرادة التي
تتميز بالستقلل الذاتي ،لنها تشرع لنفسها في استقلل عن أية شروط أو غايات خارجية.
ويرى كانط من جهة أخرى بأن الرادة ل تخضع دوما لوامر العقل ،لذلك يمارس عليها
هذا الخير نوعا من الكراه ،إل أنه إكراه حر؛ مادامت الرادة تخضع للقانون الخلقي
الصادر عن العقل من أجل مقاومة التأثير الذي تمارسه الميولت الغريزية من جهة ،ومن
أجل المحافظة على كرامة النسان واحترامه من جهة أخرى.
ويميز كانط بين نوعين من الوامر الخلقية؛ أوامر أخلقية شرطية ترتبط بالنتائج التي
تتطلبها الضرورات العملية ،فتكون الواجبات في هذه الحالة مجرد وسائل لتحقيق غايات
معينة؛ كأن نقول الصدق من أجل أن نكسب ثقة الناس ،وأوامر أخلقية قطعية أو مطلقة،
وهي تلك التي تنظر إلى الفعال في ذاتها ل من حيث النتائج المترتبة عنها؛ كأن نقول
الصدق دائما لنه واجب أخلقي صادر عن العقل العملي.
هكذا فالواجب المرتبط بهذه الوامر الخيرة يتميز بكونه غير مشروط بأية نتائج منتظرة،
فهو يحمل غايته في ذاته ،كما أنه ذا صبغة كونية وشمولية .وهو زيادة على ذلك يتسم
بطابعه الصوري والعقلي المجرد.
وبالرغم من هذا الطابع الصوري والكوني للواجب الخلقي عند كانط ،فهو يعبر عن
حرية النسان والتزامه بقوانين كونية نابعة من العقل ،كما يجعله يتصرف كما لو كان في
نفس الوقت مشرعا وفردا في مملكة الرادة.
* إشكال المحور :ما هو مصدر الوعي الخلقي؟ وأين يجد أساسه ومبدأه؟ وكيف
يتأتى للنسان الوعي بالوامر الخلقية؟ وكيف له أن يميز بين الخير والشر؟
إن أساس الوعي الخلقي عند روسو هو مبدأ فطري يمكن النسان من التمييز بين الخير
والشر .وهذا المبدأ هو ما ينعته روسو بالوعي الخلقي الذي يصدر عن إحساس عميق
في النفس البشرية ،يمكنها من إصدار أحكام على الفعال ووصفها بالخيرة أو الشريرة.
هكذا فمصدر الوعي الخلقي هو إحساس داخلي متأصل في الطبيعة النسانية ،وهو الذي
يميزها عن طبيعة أي كائن آخر .وهذا ما يجعل الجتماع البشري ل يتأسس فقط على
الحاجيات البيولوجية وضروريات العيش ،بل يتأسس أيضا على الروابط الخلقية التي تجد
مرتكزها في الحاسيس الفطرية التي تميز الكائن البشري ،وتدله على ما هو خير وما
يسمح له بتأسيس علقته مع ذاته ومع الخرين في إطار أخلقي وإنساني.
ويميز روسو بين معرفة الخير ومحبته؛ فمعرفة الخير هي معرفة عقلية مكتسبة ،لكن
محبته هي نابعة عن إحساس فطري لدى النسان .من هنا فالوعي الخلقي عند روسو هو
غريزة إلهية خالدة ومعصومة ،وهي الضامنة والمرشدة للنسان بحيث تمكنه من التمييز
بين الخير والشر ،وتمنح أفعاله صبغة أخلقية متميزة.
وإذا كان روسو يؤسس الوعي الخلقي على الفطرة والغريزة ،فإنه يتجاهل الظروف
التاريخية والعوامل الجتماعية التي تقف وراء نشأة الوعي الخلقي .وهو ما أكد عليه
مجموعة من الفلسفة ،ومن بينهم نيتشه.
] ملحظة :يمكن استثمار موقف كانط في هذا المحور الثاني ،باعتبار أن كانط يجعل مصدر
الواجب في العقل ويؤسسه على القانون الخلقي الصادر عنه[...
لقد كشف نيتشه من خلل بحثه الجينيالوجي عن أصل الخلق ومنشئها ،عن الحداث
التاريخية الولى والحقيقية التي كانت وراء تبلور ما يسمى بالوعي الخلقي.
هكذا فقد نشأ الوعي الخلقي في إطار علقة تجارية بين الدائن والمدين؛ حيث أن هذا
الخير عجز عن أداء ما عليه من دين للول ،باعتباره واجبا عليه ،فعوض له ذلك
بخضوعه له وانصياعه لوامره .من هنا فأصل الوعي الخلقي ،وبالتالي أصل الخير
والشر ،هو تلك القيم والواجبات التي وضعها الدائنون ليعاقبوا بها المدينين ويصبحوا
سادة عليهم.
إن العقاب في هذه الحالة لم يتخذ شكل تعويض مالي أو عقاري ،وإنما اتخذ شكل عقاب
معنوي وأخلقي .وقد ترتب عنه ظهور مبادئ وواجبات وأوامر يكون لزاما على
المستضعفين الخضوع لها من أجل المحافظة على حياتهم.
وهكذا وبدل تعويض الدين مباشرة ،تم تعويضه بشكل غير مباشر عن طريق تخلي المدين
العاجز لسلطة القرار لصالح الدائن ،الذي أصبح منذ هذه اللحظة ،وبفضل قوته وجبروته،
يصدر الوامر ويمارس مختلف أشكال العقاب على من هم تحت سيطرته.
هذه إذن هي العلقة التاريخية الولى التي كانت وراء تشكل الوعي الخلقي ،في نظر
نيتشه ،غير أن العبيد والمستضعفين فيما بعد عملوا على قلب القيم الخلقية وإعطائها
معاني جديدة تخدم مصالحهم.
← يتبين إذن ،مع نيتشه ،كيف أن الوعي الخلقي ذو جذور تاريخية وتجارية؛ إذ أنه يجد
مرتكزاته في الصراع الذي حصل بين الناس حول المصالح الجتماعية والقتصادية .ولذلك
فالنسان ل يلتزم بالواجبات الخلقية في ذاتها ،كما ل تكتسي هذه الواجبات صبغة ثابتة
ومطلقة ،بل إنه يتوخى النتائج النافعة المترتبة عن تلك الواجبات ،مما يضفي عليها طابع
النسبية والتغير.
وهذه الفكرة الخيرة تقودنا إلى إشكال الواجب بين المطلق والنسبي؛ فهل يرتبط الواجب
بكل مجتمع على حدة فيتخذ طابع النسبية ،أم أنه مطلق ويتعلق بالنسانية ككل؟
]ملحظة :يمكن استثمار موقف دوركايم أيضا في المحورين السابقين؛ حيث أن دوركايم
يقول بإلزامية الواجب الخلقي وخارجيته في حين أن كانط يقول باللتزام الصادر من
داخل الذات .أما في المحور الثاني فإن دوركايم يحدد أساس الوعي الخلقي في المجتمع
أو ما يسميه بالضمير الجمعي[...
إن مصدر الواجب عند دوركايم هو المجتمع الذي هو كائن معنوي يتجاوز الفراد ويؤثر
فيهم .هكذا فلدى الفراد مشاعر عديدة تعبر عن صوت المجتمع الذي يحيى داخل ذواتهم،
ويمارس عليهم نوعا من القهر والكراه الخفي .إن المجتمع بهذا المعنى ،هو جزء ل
يتجزأ من الذوات الفردية التي ل تستطيع أبدا النفصال عنه؛ فهو الذي بث فيها تلك
المشاعر والمعايير التي تحدد لها واجباتها الخلقية ،أي ما ينبغي عليها فعله وما يجب
تجنبه .فالضمير الخلقي إذن هو تعبير عن صوت المجتمع ،وهو يتردد داخل الذات
الفردية بلغة المر والناهي ،مما يجعله يتمتع بسلطة قاهرة ويمنح بالضرورة لقواعد
السلوك الفردي صفة الكراه المميزة لللزام الخلقي.
لكن إذا كان الواجب يرتبط بالمجتمع وبإكراهاته ،فإنه بذلك يسقط في النغلق والنسبية؛
مادام أن لكل مجتمع خصوصيته الثقافية والحضارية التي تميزه عن باقي المجتمعات .كما
أن الواجب في هذه الحالة من شأنه أن يؤدي نوع من الصدام الحضاري ،والصراع الفكري
والخلقي بين المم والشعوب.
فهل يمكن أن نرتقي بالخلق إلى مستوى الكونية ونخرجها من انغلقها لتنفتح على القيم
والواجبات النسانية؟
-2موقف برجسون :من الواجب إزاء المجتمع إلى الواجب إزاء النسان.
يرى برجسون أنه بالرغم من أن المجتمع يتكون من إرادات فردية حرة ،فإن هذه الرادات
تؤلف في انتظامها جهازا عضويا يرسخ أنساقا من العادات الجماعية التي تمارس إلزامها
وسلطتها على الفراد.
هكذا فالمجتمع هو الذي يحدد للفرد واجباته وقواعد سلوكه اليومي .ويتم خضوع الفرد
للمجتمع بنوع من اللية والعفوية التي ل يكاد يشعر الفراد خللها بذلك الضغط الممارس
عليهم من قبل المجتمع .غير أن هذه الواجبات تتحول إلى عادات محدودة وذات طابع
سكوني ومنغلق ،مما يحتم ضرورة ،حسب برغسون ،النتقال بها إلى مجال المجتمع
المفتوح الذي هو النسانية ككل.
إن علينا واجبات نحو النسان كإنسان ،كاحترام حياة الخرين واحترام حرياتهم
ومعتقداتهم ،ولذلك يجب ترسيخ قيم وواجبات كونية من شأنها أن ترسخ السلم والتسامح
بين كل أفراد بني النسان.
-1مفهوم النظرية:
» علينا أن نميز بين التجربة ،بما هي جماع ملحظتنا للظواهر التي تعطانا من قبل
الطبيعة مباشرة ،وبين التجريب باعتباره ملحظة لستجابات معطيات العالم الواقعي ،حينما
نخضعها لشروط منظورة وموجهة من طرف فكرنا «.
المرجع 2 :باك ،مباهج الفلسفة ،مسلك الداب والعلوم النسانية ،الطبعة الولى ،إفريقيا
الشرق ،2007ص .71
» التجربة بمعنى التجربة الخام والملحظة العامية لم تلعب أي دور في نشأة العلم
الكلسيكي؛ اللهم إل دور العائق… أما التجريب –وهو المساءلة المنهجية للطبيعة-
فيفترض افتراضا مسبقا اللغة التي يطرح فيها أسئلته وقاموسا يتيح تأويل أجوبته .والحال
إنه إذا كان العلم الكلسيكي يسائل الطبيعة بلغة رياضية…فإن هذه اللغة أو بالحرى قرار
استعمالها ل يمكن أن تمليه التجربة التي يتحكم فيها ذلك القرار «.
المرجع 2 :باك ،منار الفلسفة ،مسلك الداب والعلوم النسانية ،طبعة ،2007ص .68
-2محور العقلنية العلمية:
» إن نسقا كامل من الفيزياء النظرية يتكون من مفاهيم وقوانين أساسية للربط بين تلك
المفاهيم والنتائج التي تشتق منها بواسطة الستنباط المنطقي ،وهذه النتائج هي التي يجب
أن تتطابق معها تجاربنا الخاصة…
ل يمكن استنتاج القاعدة الكسيومية للفيزياء النظرية انطلقا من التجربة ،إذ يجب أن
تكون إبداعا حرا…
إنني متيقن أن البناء الرياضي الخالص يمكننا من اكتشاف المفاهيم والقوانين التي
تحكمها والتي تمكننا من فهم الظواهر الطبيعية… إن المبدأ الخلق الحقيقي يوجد في
الرياضيات.
وبمعنى ما ،إني أصادق على أن الفكر الخالص قادر على فهم الواقع ،كما كان يحلم بذلك
القدماء «.
المرجع :القرر السابق؛ الفكر السلمي والفلسفة ،الشعبة الدبية ،طبعة ،2005ص .66
المرجع 2 :باك ،مباهج الفلسفة ،مسلك الداب والعلوم النسانية ،الطبعة الولى ،إفريقيا
الشرق ،2007ص .72
» ل يمكن تأسيس العلوم الفيزيائية دون الدخول في حوار فلسفي بين العالم العقلني
والعالم التجريبي … وبعبارة أخرى يحتاج عالم الفيزياء المعاصر ليقين مندوج:
أول :يقين بوجود الواقع في قبضة ما هو عقلي…
ثانيا :يقين بأن الحجج العقلية المرتبطة بالتجربة هي من صميم لحظات هذه التجربة.
وباختصار ل توجد عقلنية فارغة ،كما لتوجد اختبارية عمياء .هذان هما اللزامان
الفلسفيان اللذان يؤسسان التركيب الدقيق لكل من النظرية والتجربة في الفيزياء المعاصرة
إن هذا اليقين المزدوج ل يمكن أن يتحقق إل في إطار فلسفة لها نشاطان يمارسان عبر
حوار دقيق ووثيق بين العقل والتجربة «.
المرجع 2 :باك ،في رحاب الفلسفة ،مسلك الداب والعلوم اللنسانية ،طبعة ،2007ص
.72
» إن النظرية الفيزيائية ليست تفسيرا .إنها نسق من القضايا الرياضية المستنبطة من
عدد قليل من المبادئ ،غايتها أن تمثل تماما وببساطة ،وبصورة صحيحة ،مجموعة من
القوانين التجريبية… إن التفاق مع التجربة هو الذي يشكل بالنسبة للنظرية المعيار
الوحيد للحقيقة «.
المرجع 2 :باك ،منار الفلسفة ،مسلك الداب والعلوم النسانية ،طبعة ،2007ص .77
· بالنسبة لموقف إنشتين يمكن استثمار النص الذي أوردناه في المحور الثاني.
يؤكد إنشتين على التساق المنطقي كمعيار لصحة النظرية في الفيزياء النظرية.
المرجع 2 :باك ،مباهج الفلسفة ،مسلك الداب والعلوم النسانية ،الطبعة الولى ،إفريقيا
الشرق ،2007ص .80
» لن أستطيع الزعم بأن نظريتي لها خاصية النظرية التجريبية ،إل إذا كنت أستطيع أن
أقول كيف يمكن تفنيد نظريتي أو تكذيبها .هذا المعيار للتمييز بين النظريات التجريبية
والنظريات اللتجريبية قد أطلقت عليه أيضا معيار القابلية للتكذيب .وليس معنى هذا أن
النظريات غير القابلة للتفنيد كاذبة؛ ول أنها فارغة من المعنى .غير أنه يتضمن أن نظرية
معينة تعد خارج مجال العلم التجريبي عندما ل نستطيع وصف كيف يمكن تفنيد نظريتي أو
تكذيبها…
إن النظرية التي تعرف مقدما أنه ل يمكن تبيان العيب فيها أو تفنيدها لهي نظرية غير قابلة
للختبار «.
المرجع 2 :باك ،مباهج الفلسفة ،مسلك الداب والعلوم النسانية ،الطبعة الولى ،إفريقيا
الشرق ،2007ص .74