You are on page 1of 169

‫*‪*1‬الجزء ‪ 8‬من الطبعة‬

‫*‪*2‬سورة النفال‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 41 :‬واعلموا أنميا غنمتيم مين شييء فأن ل خمسيه وللرسيول ولذي القربيى واليتاميى‬
‫والمسياكين وابين السيبيل إن كنتيم آمنتيم بال وميا أنزلنيا على عبدنيا يوم الفرقان يوم التقيى الجمعان‬
‫وال على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى "واعلموا أنما غنمتم من شيء" الغنيمة في اللغة ما يناله الرجل أو الجماعة بسعي‪،‬‬
‫ومن ذلك قول الشاعر‪:‬‬
‫رضيت من الغنيمة بالياب‬ ‫وقد طوفت في الفاق حتى‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫أنى توجه والمحروم محروم‬ ‫ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه‬
‫والمغنييم والغنيميية بمعنييى؛ يقال‪ :‬غنييم القوم غنمييا‪ .‬وأعلم أن التفاق حاصييل على أن المراد بقوله‬
‫تعالى‪" :‬غنمتيم من شييء" مال الكفار إذا ظفير به المسيلمون على وجه الغلبية والقهير‪ .‬ول تقتضيي‬
‫اللغيية هذا التخصيييص على مييا بيناه‪ ،‬ولكيين عرف الشرع قيييد اللفييظ بهذا النوع‪ .‬وسييمى الشرع‬
‫الواصييل ميين الكفار إلينييا ميين الموال باسييمين‪ :‬غنيميية وفيئا‪ .‬فالشيييء الذي يناله المسييلمون ميين‬
‫عدوهيم بالسيعي وإيجاف الخييل والركاب يسيمى غنيمية‪ .‬ولزم هذا السيم هذا المعنيى حتيى صيار‬
‫عرفيا‪ .‬والفييء مأخوذ مين فاء يفييء إذا رجيع‪ ،‬وهيو كيل مال دخيل على المسيلمين مين غيير حرب‬
‫ول إيجاف‪ .‬كخراج الرضييين وجزييية الجماجييم وخمييس الغنائم‪ .‬ونحييو هذا قال سييفيان الثوري‬
‫وعطاء بن السائب‪ .‬وقيل‪ :‬إنهما واحد‪ ،‬وفيهما الخمس؛ قاله قتادة‪ .‬وقيل‪ :‬الفيء عبارة عن كل ما‬
‫صار للمسلمين من الموال بغير قهر‪ .‬والمعنى متقارب‪.‬‬
‫@ هذه اليية ناسيخة لول السيورة‪ ،‬عنيد الجمهور‪ .‬وقيد ادعيى ابين عبدالبر الجماع على أن هذه‬
‫اليية نزلت بعيد قوله‪" :‬يسيألونك عين النفال" [النفال‪ ]1 :‬وأن أربعية أخماس الغنيمية مقسيومة‬
‫على الغانميين‪ ،‬على ميا يأتيي بيانيه‪ .‬وأن قوله‪" :‬يسيألونك عين النفال" نزلت فيي حيين تشاجير أهيل‬
‫بدر في غنائم بدر‪ ،‬على ما تقدم أول السورة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومميا يدل على صيحة هذا ميا ذكره إسيماعيل بين إسيحاق قال‪ :‬حدثنيا محميد بين كثيير قال‬
‫حدثنيا سيفيان قال حدثنيي محميد بين السيائب عين أبيي صيالح عين ابين عباس قال‪( :‬لميا كان يوم بدر‬
‫قال النييبي صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬ميين قتييل قتيل فله كذا وميين أسيير أسيييرا فله كذا) وكانوا قتلوا‬
‫سيبعين‪ ،‬وأسيروا سيبعين‪ ،‬فجاء أبو اليسير بين عمرو بأسييرين‪ ،‬فقال‪ :‬ييا رسيول ال إنيك وعدتنيا من‬
‫قتل قتيل فله كذا‪ ،‬وقد جئت بأسيرين‪ .‬فقام سعد فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إنا يمنعنا زيادة في الجر ول‬
‫جبين عين العدو ولكنيا قمنيا هذا المقام خشيية أن يعطيف المشركون‪ ،‬فإنيك إن تعطيي هؤلء ل يبقيى‬
‫لصييحابك شيييء‪ .‬قال‪ :‬وجعييل هؤلء يقولون وهؤلء يقولون فنزلت "يسييألونك عيين النفال قييل‬
‫النفال ل والرسييول فاتقوا ال وأصييلحوا ذات بينكييم" [النفال‪ ]1 :‬فسييلموا الغنيميية لرسييول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ )،‬ثم نزلت "وأعلموا أنما غنمتم من شيء فأن ل خمسه" الية‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنها‬
‫محكميية غييير منسييوخة‪ ،‬وأن الغنيميية لرسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‪ ،‬وليسييت مقسييومة بييين‬
‫الغانميين‪ ،‬وكذلك لمين بعده مين الئمية‪ .‬كذا حكاه المازري عين كثييير مين أصيحابنا‪ ،‬رضييي ال‬
‫عنهم‪ ،‬وأن للمام أن يخرجها عنهم‪ .‬واحتجوا بفتح مكة وقصة حنين‪ .‬وكان أبو عبيد يقول‪ :‬افتتح‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم مكية عنوة ومين على أهلهيا فردهيا عليهيم ولم يقسيمها ولم يجعلهيا‬
‫عليهم فيئا‪ .‬ورأى بعض الناس أن هذا جائز للئمة بعده‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا يكون معنيييى قوله تعالى‪" :‬واعلموا أنميييا غنمتيييم ميين شييييء فأن ل خمسيييه"‬
‫والربعية الخماس للمام‪ ،‬إن شاء حبسيها وإن شاء قسيمها بيين الغانميين‪ .‬وهذا لييس بشييء‪ ،‬لميا‬
‫ذكرناه‪ ،‬ولن ال سيبحانه أضاف الغنيمية للغانميين فقال‪" :‬واعلموا أنميا غنمتيم مين شييء" ثيم عيين‬
‫الخميس لمين سيمى فيي كتابيه‪ ،‬وسيكت عين الربعية الخماس‪ ،‬كميا سيكت عين الثلثيين فيي قوله‪:‬‬
‫"وورثيه أبواه فلميه الثلث" [النسياء‪ ]11 :‬فكان للب الثلثان اتفاقيا‪ .‬وكذا الربعية الخماس‬
‫للغانمييين إجماعييا‪ ،‬على مييا ذكره ابيين المنذر وابيين عبدالبر والداودي والمازري أيضييا والقاضييي‬
‫عياض وابيين العربييي‪ .‬والخبار بهذا المعنييى متظاهرة‪ ،‬وسيييأتي بعضهييا‪ .‬ويكون معنييى قوله‪:‬‬
‫"يسيألونك عين النفال" اليية‪ ،‬ميا ينفله المام لمين شاء لميا يراه مين المصيلحة قبيل القسيمة‪ .‬وقال‬
‫عطاء والحسين‪ :‬هيي مخصيوصة بميا شيذ مين المشركيين إلى المسيلمين‪ ،‬مين عبيد أو أمية أو دابية‪،‬‬
‫يقضي فيها المام بما أحب‪ .‬وقيل‪ :‬المراد بها أنفال السرايا أي غنائما‪ ،‬إن شاء خمسها المام‪ ،‬وإن‬
‫شاء نفلها كلها‪ .‬وقال إبراهيم النخعي في المام يبعث السرية فيصيبون المغنم‪ :‬إن شاء المام نفله‬
‫كله‪ ،‬وإن شاء خمسييه‪ .‬وحكاه أبييو عميير عيين مكحول وعطاء‪ .‬قال علي بيين ثابييت‪ :‬سييألت مكحول‬
‫وعطاء عين المام ينفيل القوم ميا أصيابوا‪ ،‬قال‪ :‬ذلك لهيم‪ .‬قال أبيو عمير ‪ :‬مين ذهيب إلى هذا تأول‬
‫قول ال عيز وجيل‪" :‬يسيألونك عين النفال قيل النفال ل والرسيول" [النفال‪ ]1 :‬أن ذلك للنيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم يضعها حيث شاء‪ .‬ولم ير أن هذه الية منسوخة بقوله تعالى‪" :‬واعلموا أنما‬
‫غنمتيم مين شييء ل خمسيه"‪ .‬وقييل‪ :‬غيير هذا مميا قيد أتينيا علييه فيي كتاب (القبيس فيي شرح موطيأ‬
‫مالك بين أنيس)‪ .‬ولم يقيل أحيد مين العلماء فيميا أعلم أن قوله تعالى "يسيألونك عين النفال" اليية‪،‬‬
‫ناسيخ لقول‪" :‬وأعلموا أنميا غنمتيم مين شييء فأن ل خمسيه" بيل قال الجمهور على ميا ذكرنيا‪ :‬إن‬
‫قوله‪" :‬ميا غنمتيم" ناسيخ‪ ،‬وهيم الذيين ل يجوز عليهيم التحرييف ول التبدييل لكتاب ال تعالى‪ .‬وأميا‬
‫قصة فتيح مكة فل حجة فيها لختلف العلماء فيي فتحهيا‪ .‬وقيد قال أبيو عبييد‪ :‬ول نعلم مكية يشبههيا‬
‫شييء مين البلدان مين جهتيين‪ :‬إحداهميا أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان ال قيد خصيه مين‬
‫النفال والغنائم ميا لم يجعله لغيره‪ ،‬وذلك لقوله‪" :‬يسيألونك عين النفال" [النفال‪ ]1 :‬اليية‪ ،‬فنرى‬
‫أن هذا كان خاصا له والجهة الخرى أنه سن لمكة سننا ليست لشيء من البلد‪ .‬وأما قصة حنين‬
‫فقيد عوض النصيار لميا قالوا‪ :‬يعطيي الغنائم قريشيا ويتركنيا وسييوفنا تقطير مين دمائهيم! فقال لهيم‪:‬‬
‫(أميا ترضون أن يرجيع الناس بالدنييا وترجعون برسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إلى بيوتكيم)‪.‬‬
‫خرجيه مسيلم وغيره‪ .‬ولييس لغيره أن يقول هذا القول‪ ،‬ميع أن ذلك خاص بيه على ميا قاله بعيض‬
‫علمائنا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ لم يختلف العلماء أن قوله‪" :‬واعلموا أنميا غنمتيم مين شييء" لييس على عموميه‪ ،‬وأنيه يدخله‬
‫الخصييوص‪ ،‬فممييا خصييصوه بإجماع أن قالوا‪ :‬سييلب المقتول لقاتله إذا نادى بييه المام‪ .‬وكذلك‬
‫الرقاب‪ ،‬أعنيي السيارى‪ ،‬الخيرة فيهيا إلى المام بل خلف‪ ،‬على ميا يأتيي بيانيه‪ .‬ومميا خيص بيه‬
‫أيضيا الرض‪ .‬والمعنيى‪ :‬ميا غنمتيم مين ذهيب وفضية وسيائر المتعية والسيبي‪ .‬وأميا الرض فغيير‬
‫داخلة فيي عموم هذه اليية‪ ،‬لميا روى أبيو داود عين عمير بين الخطاب أنه قال‪( :‬لول أخير الناس ميا‬
‫فتحت قرية إل قسمتها كما قسم رسول ال صلى ال عليه وسلم خيبر)‪ .‬ومما يصحح هذا المذهب‬
‫ميا رواه الصيحيح عين أبيي هريرة عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬منعيت العراق قفيزهيا‬
‫ودرهمها ومنعت الشام مدها ودينارها) الحديث‪ .‬قال الطحاوي‪" :‬منعت" بمعنى ستمنع‪ ،‬فدل ذلك‬
‫على أنها ل تكون للغانمين‪ ،‬لن ما ملكه الغانمون ل يكون فيه قفيز ول درهم‪ ،‬ولو كانت الرض‬
‫تقسيم ميا بقيي لمين جاء بعيد الغانميين شييء‪ .‬وال تعالى يقول‪" :‬والذيين جاؤوا من بعدهيم" [الحشير‪:‬‬
‫‪ ]10‬بالعطف على قوله‪" :‬للفقراء المهاجرين" [الحشر‪ .]8 :‬قال‪ :‬وإنما يقسم ما ينقل من موضع‬
‫إلى موضع‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬كل ما حصل من الغنائم من أهل دار الحرب من شيء قل أو كثر من‬
‫دار أو أرض أو متاع أو غير ذلك قسم‪ ،‬إل الرجال البالغين فإن المام فيهم مخير أن يمن أو يقتل‬
‫أو يسبي‪ .‬وسبيل ما أخذ منهم وسبي سبيل الغنيمة‪ .‬واحتج بعموم الية‪ .‬قال‪ :‬والرض مغنومة ل‬
‫محالة‪ ،‬فوجب أن تقسم كسائر الغنائم‪ .‬وقد قسم رسول ال صلى ال عليه وسلم ما أفتتح عنوة من‬
‫خييبر‪ .‬قالوا‪ :‬ولو جاز أن يدعيى الخصيوص فيي الرض جاز أن يدعيى فيي غيير الرض فيبطيل‬
‫حكيم اليية‪ .‬وأميا آيية "الحشير" فل حجية فيهيا‪ ،‬لن ذلك إنميا هيو فيي الفييء ل فيي الغنيمية‪ .‬وقول‪:‬‬
‫"والذين جاؤوا من بعدهم" [الحشر‪ ]10 :‬استئناف كلم بالدعاء لمن سبقهم باليمان ل لغير ذلك‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ولييس يخلو فعيل عمير فيي توقيفيه الرض مين أحيد وجهيين‪ :‬إميا أن تكون غنيمية اسيتطاب‬
‫أنفس أهلها‪ ،‬وطابت بذلك فوقفها‪ .‬وكذلك روى جرير أن عمر استطاب أنفس أهلها‪ .‬وكذلك صنع‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي سيبي هوازن‪ ،‬لميا أتوه اسيتطاب أنفيس أصيحابه عميا كان فيي‬
‫أيديهيم‪ .‬وإميا أن يكون ميا وقفيه عمير فيئا فلم يحتيج إلى مراضاة أحيد‪ .‬وذهيب الكوفيون إلى تخييير‬
‫المام فييي‪ ،‬قسييمها أو إقرارهييا وتوظيييف الخراج عليهييا‪ ،‬وتصييير ملكييا لهييم كأرض الصييلح‪ :‬قال‬
‫شيخنيا أبيو العباس رضيي ال عنيه‪ :‬وكأن هذا جميع بيين الدليليين ووسيط بيين المذهيبين‪ ،‬وهيو الذي‬
‫فهمه عمر رضي ال عنه قطعا‪ ،‬ولذلك قال‪ :‬لول أخر الناس‪ ،‬فلم يخبر بنسخ فعل النبي صلى ال‬
‫علييه وسيلم ول بتخصييصه بهيم‪ ،‬غيير أن الكوفييين زادوا على ميا فعيل عمير‪ ،‬فإن عمير إنميا وقفهيا‬
‫على مصالح المسلمين ولم يملكها لهل الصلح‪ ،‬وهم الذين قالوا للمام أن يملكها لهل الصلح‪.‬‬
‫@ ذهيب مالك وأبيو حنيفية والثوري إلى أن السيلب لييس للقاتيل‪ ،‬وأن حكميه حكيم الغنيمية‪ ،‬إل أن‬
‫يقول الميير‪ :‬مين قتيل قتيل فله سيلبه‪ ،‬فيكون حينئذ له‪ .‬وقال اللييث والوزاعيي والشافعيي وإسيحاق‬
‫وأبو ثور وأبو عبيد والطبري وابن المنذر‪ :‬السلب للقاتل على كل حال‪ ،‬قاله المام أو لم يقله‪ .‬إل‬
‫أن الشافعيي رضيي ال عنيه قال‪ :‬إنميا يكون السيلب للقاتيل إذا قتيل قتيل مقبل علييه‪ :‬وأميا إذا قتله‬
‫مدبرا عنيه فل‪ .‬قال أبيو العباس بين سيريج مين أصيحاب الشافعيي‪ :‬لييس الحدييث (مين قتيل قتيل فله‬
‫سيلبه) على عموميه‪ ،‬لجماع العلماء على أن مين قتيل أسييرا أو امرأة أو شيخيا أنيه لييس له سيلب‬
‫واحيد منهيم‪ .‬وكذلك مين ذفيف على جرييح‪ ،‬ومن قتيل مين قطعيت يداه ورجله‪ .‬قال‪ :‬وكذلك المنهزم‬
‫ل يمتنع في انهزامه‪ ،‬وهو كالمكتوف‪ .‬قال‪ :‬فعلم بذلك أن الحديث إنما جعل السلب لمن لقتله معنى‬
‫زائد‪ ،‬أو لمن في قتله فضيلة‪ ،‬وهو القاتل فيي القبال‪ ،‬لما في ذلك من المؤنة‪ .‬وأما من أثخن فل‪.‬‬
‫وقال الطييبري‪ :‬السييلب للقاتييل‪ ،‬مقبل قتله أو مدبرا‪ ،‬هاربييا أو مبارزا إذا كان فييي المعركيية‪ .‬وهذا‬
‫يرده ما ذكره عبدالرزاق ومحمد بن بكر عن ابن جريج قال سمعت نافعا مولى ابن عمر يقول‪ :‬لم‬
‫نزل نسيمع إذا التقيى المسيلمون والكفار فقتيل رجيل مين المسيلمين رجل مين الكفار فإن سيلبه له إل‬
‫أن يكون فييي معمعيية القتال‪ ،‬لنييه حينئذ ل يدري ميين قتييل قتيل‪ .‬فظاهيير هذا يرد قول الطييبري‬
‫لشتراطيه فيي السيلب القتيل فيي المعركية خاصية‪ .‬وقال أبيو ثور وابين المنذر‪ :‬السيلب للقاتيل فيي‬
‫معركيية كان أو غييير معركيية‪ ،‬فييي القبال والدبار والهروب والنتهار‪ ،‬على كييل الوجوه‪ ،‬لعموم‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬من قتل قتيل فله سلبه)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬روى مسلم عن سلمة بن الكوع قال‪( :‬غزونا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم هوازن‬
‫فبينيا نحين نتضحيى ميع رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إذ جاء رجيل على جميل أحمير فأناخيه‪ ،‬ثيم‬
‫انتزع طلقا من حقبه فقيد به الجمل‪ ،‬ثم تقدم يتغدى مع القوم‪ ،‬وجعل ينظر‪ ،‬وفينا ضعفة ورقة في‬
‫الظهير‪ ،‬وبعضنيا مشاة‪ ،‬إذ خرج يشتيد‪ ،‬فأتيى جمله فأطلق قيده ثيم أناخيه وقعيد علييه فأثاره فاشتيد بيه‬
‫الجمل‪ ،‬فاتبعه رجل على ناقة ورقاء‪ .‬قال سلمة‪ :‬وخرجت اشتد فكنت عند ورك الناقة‪ ،‬ثم تقدمت‬
‫حتيى كنيت عنيد ورك الجميل‪ ،‬ثيم تقدميت حتيى أخذت بخطام الجميل فأنختيه‪ ،‬فلميا وضيع ركبتيه فيي‬
‫الرض اخترطت سيفي فضربت رأس الرجل فندر‪ ،‬ثم جئت بالجمل أقوده‪ ،‬عليه رحله وسلحه‪،‬‬
‫فاستقبلني رسول ال صلى ال عليه وسلم والناس معه فقال‪( :‬من قتل الرجل) ؟ قالوا‪ :‬ابن الكوع‪.‬‬
‫قال‪( :‬له سيلبه أجميع)‪ .‬فهذا سيلمة قتله هاربيا غيير مقبيل‪ ،‬وأعطاه سيلبه‪ .‬وفييه حجية لمالك مين أن‬
‫السيلب ل يسيتحقه القاتيل إل بإذن المام‪ ،‬إذ لو كان واجبيا له بنفيس القتيل لميا احتاج إلى تكريير هذا‬
‫القول‪ .‬ومين حجتيه أيضيا ميا ذكره أبيو بكير بين أبيي شيبية قال‪ :‬حدثنيا أبيو الحوص عين السيود بين‬
‫قيس عن بشر بن علقمة قال‪ :‬بارزت رجل يوم القادسية فقتلته وأخذت سلبه‪ ،‬فأتيت سعدا فخطب‬
‫سعد أصحابه ثم قال‪ :‬هذا سلب بشر بن علقمة‪ ،‬فهو خير من اثني عشر ألف درهم‪ ،‬وإنا قد نفلناه‬
‫إياه‪ .‬فلو كان السيلب للقاتيل قضاء مين النيبي صيلى ال علييه وسيلم ميا احتاج المير أن يضيفوا ذلك‬
‫إلى أنفسهم باجتهادهم‪ ،‬ولخذه القاتل دون أمرهم‪ .‬وال أعلم‪ .‬وفي الصحيح أن معاذ بن عمرو بن‬
‫الجموح ومعاذ بن عفراء ضربا أبا جهل بسيفيهما حتى قتله‪ ،‬فأتيا رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فقال‪( :‬أيكميا قتله)؟ فقال كيل واحيد منهميا‪ :‬أنيا قتلتيه‪ .‬فنظير فيي السييفين فقال‪( :‬كلكميا قتله) وقضيى‬
‫بسيلبه لمعاذ بين عمرو بين الجموح‪ ،‬وهذا نيص على أن السيلب لييس للقاتيل‪ ،‬إذ لو كان له لقسيمه‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم بينهميا‪ .‬وفيي الصيحيح أيضيا عين عوف بين مالك قال‪ :‬خرجيت ميع مين‬
‫خرج ميع زييد بين حارثية فيي غزوة مؤتية‪ ،‬ورافقنيي مددي مين اليمين‪ .‬وسياق الحدييث‪ ،‬وفييه‪ :‬فقال‬
‫عوف‪ :‬ييا خالد‪ ،‬أميا علميت أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قضيى بالسيلب للقاتيل؟ قال‪ :‬بلى‪،‬‬
‫ولكنيي اسيتكثرته‪ .‬وأخرجيه أبيو بكير البرقانيي بإسيناده الذي أخرجيه بيه مسيلم‪ ،‬وزاد فييه بيانيا أن‬
‫عوف بين مالك قال‪ :‬إن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لم يكين يخميس السيلب‪ ،‬وإن مددييا كان‬
‫رفيقا لهم في غزوة مؤتة في طرف من الشام‪ ،‬قال‪ :‬فجعل رومي منهم يشتد على المسلمين وهو‬
‫على فرس أشقيير وسييرج مذهييب ومنطقيية ملطخيية وسيييف محلى بذهييب‪ .‬قال‪ :‬فيغري بهييم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فتلطيف له المددي حتيى مير بيه فضرب عرقوب فرسيه فوقيع‪ ،‬وعله بالسييف فقتله وأخيذ سيلحه‪.‬‬
‫قال‪ :‬فأعطاه خالد بين الولييد وحبيس منيه‪ ،‬قال عوف‪ :‬فقلت له أعطيه كله‪ ،‬ألييس قيد سيمعت رسيول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬السلب للقاتل)! قال‪ :‬بلى‪ ،‬ولكني استكثرته‪ .‬قال عوف‪ :‬وكان بيني‬
‫وبينه كلم‪ ،‬فقلت له‪ :‬لخبرن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال عوف‪ :‬فلما اجتمعنا عند رسول‬
‫ال صييلى ال عليييه وسييلم ذكيير عوف ذلك لرسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‪ ،‬فقال لخالد‪( :‬لم لم‬
‫تعطيه)؟ قال فقال‪ :‬اسيتكثرته‪ .‬قال‪( :‬فادفعيه إلييه) فقلت له‪ :‬ألم أنجيز لك ميا وعدتيك؟ قال‪ :‬فغضيب‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وقال‪( :‬ييا خالد ل تدفعيه إلييه هيل أنتيم تاركون لي أمرائي)‪ .‬فهذا‬
‫يدل دللة واضحة على أن السلب ل يستحقه القاتل بنفس القتل بل برأي المام ونظره‪ .‬وقال أحسد‬
‫بن حنبل‪ :‬ل يكون السلب للقاتل إل في المبارزة خاصة‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء فيي تخمييس السيلب‪ ،‬فقال الشافعيي‪ :‬ل يخميس‪ .‬وقال إسيحاق‪ :‬إن كان السيلب‬
‫يسييرا فهيو للقاتيل‪ ،‬وإن كان كثيرا خميس‪ .‬وفعله عمير بين الخطاب ميع البراء بين مالك حيين بارز‬
‫المرزبان فقتله‪ ،‬فكانت قيمة منطقته وسواريه ثلثين ألفا فخمس ذلك‪ .‬أنس عن البراء بن مالك أنه‬
‫قتيل مين المشركيين مائة رجيل إل رجل مبارزة‪ ،‬وأنهيم لميا غزوا الزارة خرج دهقان الزارة فقال‪:‬‬
‫رجل ورجل‪ ،‬فبرز البراء فاختلفا بسيفيهما ثم اعتنقا فتوركه البراء فقعد على كبده‪ ،‬ثم أخذ السيف‬
‫فذبحيه‪ ،‬وأخيذ سيلحه ومنطقتيه وأتيى بيه عمير‪ ،‬فنفله السيلح وقوم المنطقية بثلثيين ألفيا فخمسيها‪،‬‬
‫وقال‪ :‬إنهيا مال‪ .‬وقال الوزاعيي ومكحول‪ :‬السيلب مغنيم وفييه الخميس‪ .‬وروي نحوه عين عمير بين‬
‫الخطاب‪ .‬والحجية للشافعيي ميا رواه أبيو داود عين عوف بين مالك الشجعيي وخالد بين الولييد أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قضى في السلب للقاتل ولم يخمس السلب‪.‬‬
‫@ ذهب جمهور العلماء إلى أن السلب ل يعطى للقاتل إل أن يقيم البينة على قتله‪ .‬قال أكثرهم‪:‬‬
‫ويجزئ شاهييد واحييد‪ ،‬على حديييث أبييي قتادة‪ .‬وقيييل‪ :‬شاهدان أو شاهييد ويمييين‪ .‬وقال الوزاعييي‪:‬‬
‫يعطاه بمجرد دعواه‪ ،‬وليسييت البينيية‪ :‬شرطييا فييي السييتحقاق‪ ،‬بييل إن اتفييق ذلك فهييو الولى دفعييا‬
‫للمنازعة‪ .‬أل ترى أن النبي صلى ال عليه وسلم أعطى أبا قتادة صلب مقتول من غير شهادة ول‬
‫يمين‪ .‬ول تكفي شهادة واحد‪ ،‬ول يناط بها حكم بمجردها‪ .‬وبه قال الليث بن سعد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬سيمعت شيخنييا الحافييظ المنذري الشافعييي أبيا محمييد عبدالعظيييم يقول‪ :‬إنميا أعطاه النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم السلب بشهادة السود بن خزاعي وعبدال بن أنيس‪ .‬وعلى هذا يندفع النزاع‬
‫ويزول الشكال‪ ،‬ويطرد الحكم‪ .‬وأما المالكية فيخرج على قولهم أنه ل يحتاج المام فيه إلى بينة‪،‬‬
‫لنيه مين المام ابتداء عطيية‪ ،‬فإن شرط الشهادة كان له‪ ،‬وإن لم يشترط جاز أن يعطييه مين غيير‬
‫شهادة‪.‬‬
‫@ واختلفوا فيي السيلب ميا هيو‪ ،‬فأميا السيلح وكيل ميا يحتاج للقتال فل خلف أنيه مين السيلب‪،‬‬
‫وفرسيه إن قاتيل علييه وصيرع عنيه‪ .‬وقال أحميد فيي الفرس‪ :‬لييس مين السيلب‪ .‬وكذلك إن كان فيي‬
‫هميانيه وفيي منطقتيه دنانيير أو جواهير أو نحيو هذا‪ ،‬فل خلف أنيه لييس مين السيلب‪ .‬واختلفوا فيميا‬
‫يتزين به للحرب‪ ،‬فقال الوزاعي‪ :‬ذلك كله من السلب‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬ليس من السلب‪ .‬وهذا مروي‬
‫عيين سييحنون رحمييه ال‪ ،‬إل المنطقيية فإنهييا عنده ميين السييلب‪ .‬وقال ابيين حييبيب فييي الواضحيية‪:‬‬
‫والسواران من السلب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأن ل خمسيه" قال أبيو عبييد‪ :‬هذا ناسيخ لقوله عيز وجيل فيي أول السيورة "قيل‬
‫النفال ل والرسيول" [النفال‪ ]1:‬ولم يخميس رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم غنائم بدر‪ ،‬فنسيخ‬
‫حكميه فيي ترك التخمييس بهذا‪ .‬إل أنيه يظهير مين قول علي رضيي ال عنه فيي صيحيح مسيلم" كان‬
‫لي شارف مين نصييبي مين المغنيم يوم بدر‪ ،‬وكان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أعطانيي شارفيا‬
‫مين الخميس يومئذ" الحدييث ‪ -‬أنيه خميس‪ ،‬فإنيه كان هذا فقول أبيي عبييد مردود‪ .‬قال ابين عطيية‪:‬‬
‫ويحتمل أن يكون الخمس الذي ذكر علي من إحدى الغزوات التي كانت بين بدر وأحد‪ ،‬فقد كانت‬
‫غزوة بنييي سييليم وغزوة بنييي المصييطلق وغزوة ذي أميير وغزوة بحران‪ ،‬ولم يحفييظ فيهييا قتال‪،‬‬
‫ولكن يمكن أن غنمت غنائم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا التأويييل يرده قول علي يومئذ‪ ،‬وذلك إشارة إلى يوم قسييم غنائم بدر‪ ،‬إل أنييه يحتمييل‬
‫أن يكون من الخمس إن كان لم يقع في بدر تخميس‪ ،‬من خمس سرية عبدال بن جحش فإنها أول‬
‫غنيمة غنمت في السيلم‪ ،‬وأول خمس كان فيي السلم‪ ،‬ثم نزل القرآن "واعلموا أنما غنمتم من‬
‫شيء فأن ل خمسه"‪ .‬وهذا أولى من التأويل الول‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ "ما" في قوله‪" :‬ما غنمتم" بمعنى الذي والهاء محذوفة‪ ،‬أي الذي غنمتموه‪ .‬ودخلت الفاء لن‬
‫فيي الكلم معنيى المجازاة‪ .‬و"أن" الثانيية توكييد للولى‪ ،‬ويجوز كسيرها‪ ،‬وروي عين أبيي عمرو‪.‬‬
‫قال الحسن‪ :‬هذا مفتاح كلم‪ ،‬الدنيا والخرة ل‪ ،‬ذكره النسائي‪ .‬واستفتح عز وجل الكلم في الفيء‬
‫والخمس بذكر نفسه‪ ،‬لنهما أشرف الكسب‪ ،‬ولم ينسب الصدقة إليه لنها أوساخ الناس‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في كيفية قسم الخمس على أقوال ستة‪:‬‬
‫الول‪ :‬قالت طائفيية‪ :‬يقسييم الخمييس على سييتة‪ ،‬فيجعييل السييدس للكعبيية‪ ،‬وهييو الذي ل‪ .‬والثانييي‬
‫لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬والثالث لذوي القربيى‪ .‬والرابيع لليتاميى‪ .‬والخاميس للمسياكين‪،‬‬
‫والسادس لبن السبيل‪ .‬وقال بعض أصحاب هذا القول‪ :‬يرد السهم الذي ل على ذوي الحاجة‪.‬‬
‫الثانييي‪ :‬قال أبيو العالييية والربيييع‪ :‬تقسييم الغنيميية على خمسيية‪ ،‬فيعزل منهييا سييهم واحييد‪ ،‬وتقسييم‬
‫الربعة على الناس‪ ،‬ثم يضرب بيده على السهم الذي عزله فما قبض عليه من شيء جعله للكعبة‪،‬‬
‫ثم يقسم بقية السهم الذي عزله على خمسة‪ ،‬سهم للنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وسهم لذوي القربى‪،‬‬
‫وسهم لليتامى‪ ،‬وسهم للمساكين‪ ،‬وسهم لبن السبيل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬قال المنهال بين عمرو‪ :‬سيألت عبدال بين محميد بين علي وعلي بين الحسيين عين الخميس‬
‫فقال‪ :‬هييو لنييا‪ .‬قلت لعلي‪ :‬إن ال تعالى يقول‪" :‬واليتامييى والمسيياكين وابيين السييبيل" فقال‪ :‬أيتامنييا‬
‫ومساكيننا‪.‬‬
‫الرابيع‪ :‬قال الشافعيي‪ :‬يقسيم على خمسية‪ .‬ورأى أن سيهم ال ورسيوله واحيد‪ ،‬وأنيه يصيرف فيي‬
‫مصالح المؤمنين‪ ،‬والربعة الخماس على الربعة الصناف المذكورين في الية‪.‬‬
‫الخاميس‪ :‬قال أبيو حنيفية‪ :‬يقسيم على ثلثية‪ :‬اليتاميى والمسياكين وابين السيبيل‪ .‬وارتفيع عنده حكيم‬
‫قرابية رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بموتيه‪ ،‬كميا ارتفيع حكيم سيهمه‪ .‬قالوا‪ :‬ويبدأ مين الخميس‬
‫بإصلح القناطر‪ ،‬وبناء المساجد‪ ،‬وأرزاق القضاة والجند‪ ،‬وروي نحو هذا عن الشافعي أيضا‪.‬‬
‫السيادس‪ :‬قال مالك‪ :‬هيو موكول إلى نظير المام واجتهاده‪ ،‬فيأخيذ منيه مين غيير تقديير‪ ،‬ويعطيي‬
‫منه القرابة باجتهاد‪ ،‬ويصرف الباقي في مصالح المسلمين‪ .‬وبه قال الخلفاء الربعة‪ ،‬وبه عملوا‪.‬‬
‫وعليييه يدل قوله صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬مييا لي ممييا أفاء ال عليكييم إل الخمييس والخمييس مردود‬
‫عليكيم)‪ .‬فإنيه لم يقسيمه أخماسيا ول أثلثيا‪ ،‬وإنميا ذكير فيي اليية مين ذكير على وجيه التنيبيه عليهيم‪،‬‬
‫لنهيم مين أهيم مين يدفيع إلييه‪ .‬قال الزجاج محتجيا لمالك‪ :‬قال ال عيز وجيل‪" :‬يسيألونك ماذا ينفقون‬
‫قيل ميا أنفقتيم مين خيير فللوالديين والقربيين واليتاميى والمسياكين وابين السيبيل" [البقرة‪]215 :‬‬
‫وللرجل جائز بإجماع أن ينفق في غير هذه الصناف إذا رأى ذلك‪ .‬وذكر النسائي عن عطاء قال‪:‬‬
‫خمس ال وخمس رسوله واحد‪ ،‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يحمل منه ويضعه حيث شاء‬
‫ويصنع به ما شاء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولذي القربيى" ليسيت اللم لبيان السيتحقاق والملك‪ ،‬وإنميا هيي لبيان المصيرف‬
‫والمحل‪ .‬والدليل عليه ما رواه مسلم أن الفضل بن عباس وربيعة بن عبدالمطلب أتيا النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬فتكلم أحدهما فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أنت أبر الناس‪ ،‬وأوصل الناس‪ ،‬وقد بلغنا النكاح‬
‫فجئنيا لتؤمرنيا على بعيض هذه الصيدقات‪ ،‬فنؤدي إلييك كميا يؤدي الناس‪ ،‬ونصييب كميا يصييبون‪.‬‬
‫فسيكت طويل حتيى أردنيا أن نكلميه‪ ،‬قال‪ :‬وجعلت زينيب تلميع إلينيا مين وراء الحجاب أل تكلماه‪،‬‬
‫قال‪ :‬ثيم قال‪( :‬إن الصيدقة ل تحيل لل محميد إنميا هيي أوسياخ الناس ادعوا لي محميية ‪ -‬وكان على‬
‫الخمس ‪ -‬ونوفل بن الحارث بن عبدالمطلب) قال‪ :‬فجاءاه فقال لمحمية‪( :‬أنكح هذا الغلم ابنتك) ‪-‬‬
‫للفضيل بين عباس ‪ -‬فأنكحيه‪ .‬وقال لنوفيل بين الحارث‪( :‬أنكيح هذا الغلم ابنتيك) يعنيي ربيعية بين‬
‫عبدالمطلب‪ .‬وقال لمحمية‪( :‬أصيدق عنهما من الخمس كذا وكذا)‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما‬
‫لي مميا أفاء ال عليكيم إل الخميس والخميس مردود عليكيم)‪ .‬وقيد أعطيى جميعيه وبعضيه‪ ،‬وأعطيى‬
‫منه المؤلفة قلوبهم‪ ،‬وليس ممن ذكرهم ال في التقسيم‪ ،‬فدل على ما ذكرناه‪ ،‬والموفق الله‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في ذوي القربى على ثلثة أقوال‪ :‬قريش كلها‪ ،‬قاله بعض السلف‪ ،‬لن النبي‬
‫صييلى ال عليييه وسييلم لمييا صييعد الصييفا جعييل يهتييف‪( :‬يييا بنييي فلن يييا بنييي عبييد مناف يييا بنييي‬
‫عبدالمطلب ييا بنيي كعيب ييا بنيي مرة ييا بنيي عبيد شميس أنقذوا أنفسيكم مين النار) الحدييث‪ .‬وسييأتي‬
‫فيي "الشعراء"‪ .‬وقال الشافعيي وأحميد وأبيو ثور ومجاهيد وقتادة وابين جرييج ومسيلم بين خالد‪ :‬بنيو‬
‫هاشيم وبنو عبدالمطلب‪ ،‬لن النبي صلى ال عليه وسلم لما قسم سهم ذوي القربى بين بنيي هاشم‬
‫وبني عبدالمطلب قال‪( :‬إنهم لم يفارقوني في جاهلية ول إسلم إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء‬
‫واحيد) وشبيك بيين أصيابعه‪ ،‬أخرجيه النسيائي والبخاري‪ .‬قال البخاري‪ :‬قال اللييث حدثنيي يونيس‪،‬‬
‫وزاد‪ :‬ولم يقسيم النيبي صيلى ال عليه وسلم لبنيي عبيد شميس ول لبني نوفل شيئا‪ .‬قال ابن إسيحاق‪:‬‬
‫وعبيد شميس وهاشيم والمطلب إخوة لم‪ ،‬وأمهيم عاتكية بنيت مرة‪ .‬وكان نوفيل أخاهيم لبيهيم‪ .‬قال‬
‫النسيائي‪ :‬وأسيهم النيبي صيلى ال علييه وسيلم لذوي القربيى‪ ،‬وهيم بنيو هاشيم وبنيو المطلب‪ ،‬بينهيم‬
‫الغنيي والفقيير‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إنيه للفقيير منهيم دون الغنيي‪ ،‬كاليتاميى وابين السيبيل ‪ -‬وهيو أشبيه القوليين‬
‫بالصيواب عندي‪ .‬وال أعلم ‪ -‬والصيغير والكيبير والذكير والنثيى سيواء‪ ،‬لن ال تعالى جعيل ذلك‬
‫لهم‪ ،‬وقسمه رسول ال صلى ال عليه وسلم فيهم‪ .‬وليس في الحديث أنه فضل بعضهم على بعض‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬بنيو هاشيم خاصية‪ ،‬قاله مجاهيد وعلي بين الحسيين‪ .‬وهيو قول مالك والثوري والوزاعيي‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫@ لميا بيين ال عيز وجيل حكيم الخميس وسيكت عين الربعية الخماس‪ ،‬دل ذلك على أنهيا ملك‬
‫للغانمين‪ .‬وبين النبي صلى ال عليه وسلم ذلك بقوله‪( :‬وأيما قرية عصت ال ورسوله فإن خمسها‬
‫ل ورسول ثم هي لكم)‪ .‬وهذا ما ل خلف فيه بين المة ول بين الئمة‪ ،‬على ما حكاه ابن العربي‬
‫فيي (أحكاميه) وغيره‪ .‬بييد أن المام إن رأى أن يمين على السيارى بالطلق فعيل‪ ،‬وبطلت حقوق‬
‫الغانمين فيهم‪ ،‬كما فعل النبي صلى بثمامة بن أثال وغيره‪ ،‬وقال‪( :‬لو كان المطعم بن عدي حيا ثم‬
‫كلمنيي فيي هؤلء النتنيى ‪ -‬يعنيي أسيارى بدر ‪ -‬لتركتيه له) أخرجيه البخاري‪ .‬مكافأة له لقياميه فيي‬
‫شأن نقض الصحيفة‪ .‬وله أن يقتل جميعهم‪ ،‬وقد قتل رسول ال صلى ال عليه وسلم عقبة بن أبي‬
‫معيط من بين السرى صبرا‪ ،‬وكذلك النضر بن الحارث قتله بالصفراء صبرا‪ ،‬وهذا ما ل خلف‬
‫فييه‪ .‬وكان لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم سيهم كسيهم الغانميين‪ ،‬حضير أو غاب‪ .‬وسيهم الصيفي‪،‬‬
‫يصيطفي سييفا أو سيهما أو خادميا أو دابية‪ .‬وكانيت صيفية بنيت حييي مين الصيفي مين غنائم خييبر‪.‬‬
‫وكذلك ذو الفقار كان مين الصيفي‪ .‬وقيد انقطيع بموتيه‪ ،‬إل عنيد أبيي ثور فإنيه رآه باقييا للمام يجعله‬
‫مجعيل سيهم النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وكانيت الحكمية فيي ذلك أن أهيل الجاهليية كانوا يرون‬
‫للرئيس ربع الغنيمة‪ .‬قال شاعرهم‪:‬‬
‫وحكمك والنشيطة والفضول‬ ‫لك المرباع منها والصفايا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫عشرون وهو يعد في الحياء‬ ‫منا الذي ربع الجيوش‪ ،‬لصلبه‬
‫يقال‪ :‬ربع الجيش يربعه رباعة إذا أخذ ربع الغنيمة‪ .‬قال الصمعي‪ :‬ربع في الجاهلية وخمس في‬
‫السلم‪ ،‬فكان يأخذ بغير شرع ول دين الربع من الغنيمة‪ ،‬ويصطفي منها‪ ،‬ثم يتحكم بعد الصفي‬
‫في أي شي أراد‪ ،‬وكان ما شذ منها وما فضل من خرثي ومتاع له‪ .‬فأحكم ال سبحانه الدين بقوله‪:‬‬
‫"واعلموا أنميا غنمتيم مين شيي ‪ -‬فأن ل خمسيه"‪ .‬وأبقيى سيهم الصيفي لنيبيه صيلى ال علييه وسيلم‬
‫وأسيقط حكيم الجاهليية‪ .‬وقال عامير الشعيبي‪ :‬كان لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم سيهم يدعيى‬
‫الصفي إن شاء عبدا أو أمة أو فرسا يختاره قبل الخمس‪ ،‬أخرجه أبو داود‪ .‬وفي حديث أبي هريرة‬
‫قال‪ :‬فيلقيى العبيد فيقول‪( :‬أي فيل ألم أكرميك وأسيودك وأزوجيك وأسيخر لك الخييل والبيل وأذرك‬
‫ترأس وتربيع) الحدييث‪ .‬أخرجيه مسيلم‪" .‬تربيع" بالباء الموحدة مين تحتهيا‪ :‬تأخيذ المرباع‪ ،‬أي الربيع‬
‫مما يحصل لقومك من الغنائم والكسب‪ .‬وقد ذهب بعض أصحاب الشافعي رضي ال عنه إلى أن‬
‫خميس الخميس كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم يصيرفه فيي كفايية أولده ونسيائه‪ ،‬ويدخير مين ذلك‬
‫قوت سينته‪ ،‬ويصيرف الباقيي في الكراع والسيلح‪ .‬وهذا يرده ميا رواه عمير قال‪ :‬كانيت أموال بنيي‬
‫النضيير مميا أفاء ال على رسيوله مميا لم يوجيف علييه المسيلمون بخييل ول ركاب‪ ،‬فكانيت للنيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم خاصية‪ ،‬فكان ينفيق على نفسيه منهيا قوت سينة‪ ،‬وميا بقيي جعله فيي الكراع‬
‫والسلح عدة في سبيل ال‪ .‬أخرجه مسلم‪ .‬وقال‪( :‬والخمس مردود عليكم)‪.‬‬
‫@ ليس في كتاب ال تعالى دللة على تفضيل الفارس على الراجل‪ ،‬بل فيه أنهم سواء‪ ،‬لن ال‬
‫تعالى جعييل الربعيية أخماس لهييم ولم يخييص راجل ميين فارس‪ .‬ولول الخبار الواردة عين النييبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم لكان الفارس كالراجيل‪ ،‬والعبيد كالحير‪ ،‬والصيبي كالبالغ‪ .‬وقيد اختلف العلماء‬
‫فيي قسيمة الربعية الخماس‪ ،‬فالذي علييه عامية أهيل العلم فيميا ذكير ابين المنذر أنيه يسيهم للفارس‬
‫سيهمان‪ ،‬وللراجيل سيهم‪ .‬وممين قال ذلك مالك بين أنيس ومين تبعيه مين أهيل المدينية‪ .‬وكذلك قال‬
‫الوزاعيي ومين وافقيه مين أهيل الشام‪ .‬وكذلك قال الثوري ومين وافقيه مين أهيل العراق‪ .‬وهيو قول‬
‫اللييث بن سيعد ومن تبعيه من أهل مصير‪ .‬وكذلك قال الشافعيي رضيي ال عنه وأصحابه‪ .‬وبه قال‬
‫أحميد بين حنبيل وإسيحاق وأبيو ثور ويعقوب ومحميد‪ .‬قال بين المنذر‪ :‬ول نعلم أحدا خالف فيي ذلك‬
‫إل النعمان فإنه خالف فيه السنن وما عليه جل أهل العلم في القديم والحديث‪ .‬قال‪ :‬ل يسهم للفارس‬
‫إل سهم واحد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولعله شبييه عليييه بحديييث ابيين عميير أن رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم جعييل للفارس‬
‫سييهمين‪ ،‬وللراجييل سييهما‪ .‬خرجييه الدارقطنييي وقال‪ :‬قال الرمادي كذا يقول ابيين نمييير قال لنييا‬
‫النيسيابوري‪ :‬هذا عندي وهيم من ابن أبيي شيبة أو من الرمادي‪ ،‬لن أحمد بن حنبل وعبدالرحمن‬
‫بن بشر وغيرهما رووه عن ابن عمر رضي ال عنهما بخلف هذا‪ ،‬وهو أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم أسهم للرجل ولفرسه ثلثة أسهم‪ ،‬سهما له وسهمين لفرسه‪ ،‬هكذا رواه عبدالرحمن بن‬
‫بشر عن عبدال بن نمير عن عبيدال بن عمر عن نافع عن ابن عمر‪ ،‬وذكر الحديث‪ .‬وفي صحيح‬
‫البخاري عين ابين عمير أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم جعيل للفرس سيهمين ولصياحبه سيهما‪.‬‬
‫وهذأ نص‪ .‬وقيد روى الدارقطنيي عن الزبيير قال‪ :‬أعطانيي رسيول ال صلى ال عليه وسيلم أربعية‬
‫أسهم يوم بدر‪ ،‬سهمين لفرسي وسهما لي وسهما لمي من ذوي القرابة‪ .‬وفي رواية‪ :‬وسهما لمه‬
‫سيهم ذوي القربيى‪ .‬وخرج عين بشيير بين عمرو بين محصين قال‪ :‬أسيهم رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم لفرسي أربعة أسهم‪ ،‬ولي سهما‪ ،‬فأخذت خمسة أسهم‪ .‬وقيل إن ذلك راجع إلى اجتهاد المام‪،‬‬
‫فينفذ ما رأى‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ ل يفاضيل بيين الفارس والراجيل بأكثير مين فرس واحيد‪ ،‬وبيه قال الشافعيي‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪:‬‬
‫يسهم لكثر من فرس واحد‪ ،‬لنه أكثر عنا وأعظم منفعة‪ ،‬وبه قال ابن الجهم من أصحابنا‪ ،‬ورواه‬
‫سيحنون عين ابين وهيب‪ .‬ودليلنيا أنيه لم ترد روايية عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم بأن يسيهم لكثير‬
‫مين فرس واحيد‪ ،‬وكذلك الئمية بعده‪ ،‬ولن العدو ل يمكين أن يقاتيل إل على فرس واحيد‪ ،‬وميا زاد‬
‫على ذلك فرفاهييية وزيادة عدة‪ ،‬وذلك ل يؤثيير فييي زيادة السييهمان‪ ،‬كالذي معييه زيادة سيييوف أو‬
‫رماح‪ ،‬واعتبارا بالثالث والرابييع‪ .‬وقييد روي عيين سييليمان بيين موسييى أنييه يسييهم لميين كان عنده‬
‫أفراس‪ ،‬لكل فرس سهم‪.‬‬
‫@ ل يسهم إل للعتاق من الخيل‪ ،‬لما فيها من الكر والفر‪ ،‬وما كان من البراذين والهجن بمثابتها‬
‫في ذلك‪ .‬وما لم يكن كذلك لم يسهم له‪ .‬وقيل‪ :‬إن أجازهم المام أسهم لها‪ ،‬لن النتفاع بها يختلف‬
‫بحسب الموضع‪ ،‬فالهجن والبراذين تصلح للمواضع المتوعرة كالشعاب والجبال‪ ،‬والعتاق تصلح‬
‫للمواضع التي يتأتى فيها الكر والفر‪ ،‬فكان ذلك متعلقا برأي المام‪ .‬والعتاق‪ :‬خيل العرب‪ .‬والهجن‬
‫والبراذين‪ :‬خيل الروم‪.‬‬
‫@ واختلف علماؤنا في الفرس الضعيف‪ ،‬فقال أشهب وابن نافع‪ :‬ل يسهم له‪ ،‬لنه ل يمكن القتال‬
‫علييه فأشبيه الكسيير‪ .‬وقييل‪ :‬يسيهم له لنيه يرجيى برؤه‪ .‬ول يسيهم للعجيف إذا كان فيي حييز ميا ل‬
‫ينتفع به‪ ،‬كما ل يسهم للكسير‪ .‬فأما المريض مرضا خفيفا مثل الرهيص‪ ،‬وما يجري مجراه مما ل‬
‫يمنعييه المرض عيين حصييول المنفعيية المقصييودة منييه فإنييه يسييهم له‪ .‬ويعطييى الفرس المسييتعار‬
‫والمسيتأجر‪ ،‬وكذلك المغصيوب‪ ،‬وسيهمه لصياحبه‪ .‬ويسيتحق السيهم للخييل وإن كانيت فيي السيفن‬
‫ووقعت الغنيمة في البحر‪ ،‬لنها معدة لنزول إلى البر‪.‬‬
‫@ ل حيق فيي الغنائم للحشوة كالجراء والصيناع الذيين يصيحبون الجييش للمعاش‪ ،‬لنهيم لم‬
‫يقصيدوا قتال ول خرجوا مجاهديين‪ .‬وقييل‪ :‬يسيهم لهيم‪ ،‬لقوله صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬الغنيمية لمين‬
‫شهيد الوقعية)‪ .‬أخرجيه البخاري‪ .‬وهذا ل حجية فييه لنيه جاء بيانيا لن باشير الحرب وخرج إلييه‪،‬‬
‫وكفى ببيان ال عز وجل المقاتلين وأهل المعاش من المسلمين حيث جعلهم فرقتين متميزتين‪ ،‬لكل‬
‫واحدة حالهييا فييي حكمهييا‪ ،‬فقال‪" :‬علم أن سيييكون منكييم مرضييى وآخرون يضربون فييي الرض‬
‫يبتغون مين فضيل ال وآخرون يقاتلون فيي سيبيل ال" [المزميل‪ ]20 :‬إل أن هؤلء إذا قاتلوا ل‬
‫يضرهيم كونهيم على معاشهيم‪ ،‬لن سيبب السيتحقاق قيد وجيد منهيم‪ .‬وقال أشهيب‪ :‬ل يسيتحق أحيد‬
‫منهم وإن قاتل‪ ،‬وبه قال ابن القصار في الجير‪ :‬ل يسهم له وإن قاتل‪ .‬وهذا يرده حديث سلمة بن‬
‫الكوع قال‪ :‬كنت تبيعا لطلحة بن عبيدال أسقي فرسه وأحسه وأخدمه وأكل من طعامه‪ ،‬الحديث‪.‬‬
‫وفيه‪ :‬ثيم أعطانيي رسول ال صيلى ال عليه وسلم سيهمين‪ ،‬سيهم الفارس وسهم الراجل‪ ،‬فجمعهميا‬
‫لي‪ .‬خرجييه مسييلم‪ .‬واحتييج ابيين القصييار وميين قال بقول بحديييث عبدالرحميين بيين عوف‪ ،‬ذكره‬
‫عبدالرزاق‪ ،‬وفييه‪ :‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لعبدالرحمين‪( :‬هذه الثلثية الدنانيير حظيه‬
‫ونصيبه من غزوته في أمر دنياه وآخرته)‪.‬‬
‫@ فأميا العبييد والنسياء فمذهيب الكتاب أنيه ل يسيهم لهيم ول يرضيخ‪ .‬وقييل‪ :‬يرضيخ لهيم‪ ،‬وبيه قال‬
‫جمهور العلماء‪ .‬وقال الوزاعيي‪ :‬إن قاتلت المرأة أسيهم لهيا‪ .‬وزعيم أن رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم أسهم للنساء يوم خيبر‪ .‬قال‪ :‬وأخذ المسلمون بذلك عندنا‪ .‬وإلى هذا القول مال ابن حبيب من‬
‫أصحابنا‪ .‬خرج مسلم عن ابن عباس أنه كان في كتابه إلى نجدة‪ :‬تسألني هل كان رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يغزو بالنساء؟ وقد كان يغزو بهن فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة‪ ،‬وأما بسهم‬
‫فلم يضرب لهين‪ .‬وأميا الصيبيان فإن كان مطيقيا للقتال ففييه عندنيا ثلثية أقوال‪ :‬السيهام ونفييه حتيى‬
‫يبلغ‪ ،‬لحديث ابن عمر‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة والشافعي‪ .‬والتفرقة بين أن يقاتل فيسهم له أو يقاتل فل‬
‫يسهم له‪ .‬والصحيح الول‪ ،‬لمر رسول ال صلى ال عليه وسلم في بني قريظة أن يقتل منهم من‬
‫أنبييت ويخلي منهييم ميين لم ينبييت‪ .‬وهذه مراعاة لطاقيية القتال ل للبلوغ‪ .‬وقييد روى أبييو عميير فييي‬
‫الستيعاب عن سمرة بن جندب قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يعرض عليه الغلمان من‬
‫النصار فيلحق من أدرك منهم‪ ،‬فعرضت عليه عاما فألحيق غلما وردني‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول ال‪،‬‬
‫ألحقته ورددتني‪ ،‬ولو صارعني صرعته قال‪ :‬فصارعني فصرعته فألحقني‪ .‬وأما العبيد فل يسهم‬
‫لهم أيضا ويرضخ لهم‪.‬‬
‫@ الكافر إذا حضر بإذن المام وقاتل ففي السهام له عندنا ثلثة أقوال‪ :‬السهام ونفيه‪ ،‬وبه قال‬
‫مالك وابين القاسيم‪ .‬زاد ابين حيبيب‪ :‬ول نصييب لهيم‪ .‬ويفرق فيي الثالث ‪ -‬وهيو لسيحنون ‪ -‬بيين أن‬
‫يسيتقل المسيلمون بأنفسيهم فل يسيهم له‪ ،‬أو ل يسيتقلوا ويفتقروا إلى معونتيه فيسيهم له‪ .‬فإن لم يقاتيل‬
‫فل يسييتحق شيئا‪ .‬وكذلك العبيييد مييع الحرار‪ .‬وقال الثوري والوزاعييي‪ :‬إذا اسييتعين بأهييل الذميية‬
‫أسيهم لهيم‪ .‬وقال أبيو حنيفية وأصيحابه‪ :‬ل يسيهم لهيم‪ ،‬ولكين يرضيخ لهيم‪ .‬وقال الشافعيي رضيي ال‬
‫عنيه‪ :‬يسيتأجرهم المام مين مال ل مالك له بعينيه‪ .‬فإن لم يفعيل أعطاهيم سيهم النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪ .‬وقال في موضع آخر‪ :‬يرضخ للمشركين إذا قاتلوا مع المسلمين‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬اتفق الجميع‬
‫أن العبد‪ ،‬وهو ممن يجوز أمانه‪ ،‬إذا قاتل لم يسهم له ولكن يرضخ‪ ،‬فالكافر بذلك أولى أل يسهم له‪.‬‬
‫@ لو خرج العبيد وأهيل الذمية لصيوصا وأخذوا مال أهيل الحرب فهيو لهيم ول يخميس‪ ،‬لنيه لم‬
‫يدخيل فيي عموم قوله عيز وجيل‪" :‬وأعلموا أنميا غنمتيم مين شييء فأن ل خمسيه" أحيد منهيم ول مين‬
‫النسياء‪ .‬فأميا الكفار فل مدخيل لهيم مين غيير خلف‪ .‬وقال سيحنون‪ .‬ل يخميس ميا ينوب العبيد‪ .‬وقال‬
‫ابن القاسم‪ :‬يخمس‪ ،‬لنه يجوز أن يأذن له سيده في القتال ويقاتل على الدين‪ ،‬بخلف الكافر‪ .‬وقال‬
‫أشهب في كتاب محمد‪ :‬إذا خرج العبد والذمي من الجيش وغنما فالغنيمة للجيش دونهم‪.‬‬
‫@ سيبب اسيتحقاق السيهم شهود الوقعية لنصير المسيلمين‪ ،‬على ميا تقدم‪ .‬فلو شهيد آخير الوقعية‬
‫استحق‪ .‬ولو حضر بعد انقضاء القتال فل‪ .‬ولو غاب بانهزام فكذلك‪ .‬فإن كان قصد التحيز إلى فئة‬
‫فل يسيقط اسيتحقاقه‪ .‬روى البخاري وأبيو داود أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بعيث أبان بين‬
‫سعيد على سرية من المدينة قبل نجد‪ ،‬فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم بخيبر بعد أن فتحها‪ ،‬وإن حزم خيلهم ليف‪ ،‬فقال أبان‪ :‬اقسم لنا يا رسول ال‪ .‬قال أبو هريرة‪:‬‬
‫فقلت ل تقسييم لهييم يييا رسييول ال‪ .‬فقال أبان‪ :‬أنييت بهييا يييا وبرا تحدر علينييا ميين رأس ضال‪ .‬فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬اجلس يا أبان) ولم يقسم لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فيمين خرج لشهود الوقعية فمنعيه العذر منيه كمرض‪ ،‬ففيي ثبوت السيهام له‬
‫ونفيييه ثلثيية أقوال‪ :‬يفرق فييي الثالث‪ ،‬وهييو المشهور‪ ،‬فيثبتييه إن كان الضلل قبييل القتال وبعييد‬
‫الدراب‪ ،‬وهيو الصيح‪ ،‬قاله ابين العربيي‪ .‬وينفييه إن كان قبله‪ .‬وكمين بعثيه الميير مين الجييش فيي‬
‫أمير مين مصيلحة الجييش فشغله ذلك عين شهود الوقعية فإنيه يسيهم له‪ ،‬قاله ابين المواز‪ ،‬ورواه ابين‬
‫وهيب وابين نافيع عين مالك‪ .‬وروي ل يسيهم له بيل يوضيخ له لعدم السيبب الذي يسيتحق بيه السيهم‪،‬‬
‫وال أعلم‪ .‬وقال أشهيب‪ :‬يسيهم للسيير وإن كان فيي الحدييد‪ .‬والصيحيح أنيه ل يسيهم له‪ ،‬لنيه ملك‬
‫مستحق بالقتال‪ ،‬فمن غاب أو حضر مريضا كمن لم يحضر‪.‬‬
‫@ الغائب المطلق ل يسهم له‪ ،‬ولم يسهم رسول ال صلى ال عليه وسلم لغائب قط إل يوم خيبر‪،‬‬
‫فإنه أسهم لهل الحديبية من حضر منهم ومن غاب‪ ،‬لقول ال عز وجل‪" :‬وعدكم ال مغانم كثيرة‬
‫تأخذونها" [الفتح‪ ،]20 :‬قاله موسى بن عقبة‪ .‬وروي ذلك عن جماعة من السلف‪ .‬وقسم يوم بدر‬
‫لعثمان ولسيعيد بين زييد وطلحية‪ ،‬وكانوا غائبيين‪ ،‬فهيم كمين حضرهيا إن شاء ال تعالى‪ .‬فأميا عثمان‬
‫فإنيه تخلف على رقيية بنيت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بأمره مين أجيل مرضهيا‪ .‬فضرب له‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بسيهمه وأجره‪ ،‬فكان كمين شهدهيا‪ .‬وأميا طلحية بين عيبيدال فكان‬
‫بالشام فيي تجارة فضرب له رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بسيهمه وأجره‪ ،‬فيعيد لذلك فيي أهيل‬
‫بدر‪ .‬وأما سعيد بن زيد فكان غائبا بالشام أيضا فضرب له رسول ال صلى ال عليه وسلم بسهمه‬
‫وأجره‪ .‬فهو معدود في البدريين‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬أما أهل الحديبية فكان ميعادا من ال اختص به‬
‫أولئك النفير فل يشاركهيم فييه غيرهيم‪ .‬وأميا عثمان وسيعيد وطلحية فيحتميل أن يكون أسيهم لهيم مين‬
‫الخمس‪ ،‬لن المة مجمعة على أن من بقي لعذر فل يسهم له‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الظاهير أن ذلك مخصيوص بعثمان وطلحية وسيعيد فل يقاس عليهيم غيرهيم‪ .‬وأن سيهمهم‬
‫كان مين صيلب الغنيمية كسيائر مين حضرهيا ل مين الخميس‪ .‬هذا الظاهير مين الحادييث وال أعلم‪.‬‬
‫وقيد روى البخاري عين ابين عمير قال‪ :‬لميا تغييب عثمان عين بدر فإنيه كان تحتيه ابنية رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وكانت مريضة‪ ،‬فقال له النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن لك أجر رجل ممن‬
‫شهد بدرا وسهمه)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن كنتم آمنتم بال" قال الزجاج عن فرقة‪ :‬المعنى فأعلموا أن ال مولكم إن كنتم‪،‬‬
‫فيي (إن) متعلقية بهذا الوعيد‪ .‬وقالت فرقية‪ :‬إن (إن) متعلقيية بقوله "وأعلموا أنمييا غنمتييم"‪ .‬قال ابين‬
‫عطييية‪ :‬وهذا هييو الصييحيح‪ ،‬لن قوله "واعلموا" يتضميين الميير بالنقياد والتسييليم لميير ال فييي‬
‫الغنائم‪ ،‬فعلق (إن) بقوله‪" :‬واعلموا" على هذا المعنييى‪ ،‬أي إن كنتييم مؤمنييين بال فانقادوا وسييلموا‬
‫لمر ال فيما أعلمكم به من حال قسمة الغنيمة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان" (ما) في موضع خفض عطف على اسم ال‬
‫"يوم الفرقان" أي اليوم الذي فرقت فيه بين الحق والباطل‪ ،‬وهو يوم بدر‪" .‬يوم التقى الجمعان"‬
‫حزب ال وحزب الشيطان‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 42 :‬إذ أنتيم بالعدوة الدنييا وهيم بالعدوة القصيوى والركيب أسيفل منكيم ولو تواعدتيم‬
‫لختلفتم في الميعاد ولكن ليقضي ال أمرا كان مفعول ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن‬
‫بينة وإن ال لسميع عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى" أي أنزلنا إذ أنتم على هذه الصفة‪ .‬أو‬
‫يكون المعنيى‪ :‬واذكروا إذ أنتيم‪ .‬والعدوة‪ :‬جانيب الوادي‪ .‬وقرئ بضيم العيين وكسيرها‪ ،‬فعلى الضيم‬
‫يكون الجميع عدى‪ ،‬وعلى الكسير عدى‪ ،‬مثيل لحيية ولحيى‪ ،‬وفريية وفرى‪ .‬والدنييا‪ :‬تأنييث الدنيى‪.‬‬
‫والقصوى‪ :‬تأنيث القصى‪ .‬من دنا يدنو‪ ،‬وقصا يقصو‪ .‬ويقال‪ :‬القصيا‪ ،‬والصل الواو‪ ،‬وهي لغة‬
‫أهيل الحجاز قصيوى‪ .‬فالدنييا كانيت مميا يلي المدينية‪ ،‬والقصيوى مميا يلي مكية‪ .‬أي إذ أنتيم نزول‬
‫بشفير الوادي بالجانب الدنى إلى المدينة‪ ،‬وعدوكم بالجانب القصى‪" .‬والركب أسفل منكم" يعني‬
‫ركيب أبيي سيفيان وغيره‪ .‬كانوا فيي موضيع أسيفل منهيم إلى سياحل البحير فييه المتعية‪ .‬وقييل‪ :‬هيي‬
‫البيل التيي كانيت تحميل أمتعتهيم‪ ،‬وكانيت فيي موضيع يأمنون عليهيا توفيقيا مين ال عيز وجيل لهيم‪،‬‬
‫فذكرهم نعمه عليهم‪" .‬الركب" ابتداء "أسفل منكم" ظرف في موضع الخبر‪ .‬أي مكانا أسفل منكم‪.‬‬
‫وأجاز الخفييش والكسييائي والفراء "والركييب أسييفل منكييم" أي أشييد تسييفل منكييم‪ .‬والركييب جمييع‬
‫راكيب‪ .‬ول تقول العرب‪ :‬ركيب إل للجماعية الراكيبي البيل‪ .‬وحكيى ابين السيكيت وأكثير أهيل اللغية‬
‫أنييه ل يقال راكييب وركييب إل للذي على البييل‪ ،‬ول يقال لميين كان على فرس أو غيرهييا راكييب‪.‬‬
‫والركيب والركيب والركبان والراكبون ل يكونون إل على جمال‪ ،‬عين ابين فارس‪" .‬ولو تواعدتيم‬
‫لختلفتم في الميعاد" أي لم يكن يقع التفاق لكثرتهم وقلتكم‪ ،‬فإنكم لو عرفتم كثرتهم لتأخرتم فوفق‬
‫ال عز وجل لكم‪" .‬ليقضي ال أمرا كان مفعول ليهلك" من نصر المؤمنين وإظهار الدين‪ .‬واللم‬
‫في (ليقضي) متعلقة بمحذوف‪ .‬والمعنى‪ :‬جمعهم ليقضي ال‪ ،‬ثم كررها فقال‪" :‬يهلك" أي جمعهم‬
‫هنالك ليقضيي أمرا‪" .‬مين هلك "(مين) فيي موضيع رفيع‪( .‬ويحييا) فيي موضيع نصيب عطيف على‬
‫ليهلك‪ .‬والبينية إقامية الحجية والبرهان‪ .‬أي ليموت مين يموت عين بينية رآهيا وعيبرة عاينهيا‪ ،‬فقاميت‬
‫عليه الحجة‪ .‬وكذلك حياة من يحيا‪ .‬وقال ابن إسحاق‪ :‬ليكفر من كفر بعد حجة قامت عليه وقطعت‬
‫عذره‪ ،‬ويؤمين مين آمين على ذلك‪ .‬وقرئ "مين حييي" بياءيين على الصيل‪ .‬وبياء واحدة مشددة‪،‬‬
‫الولى قراءة أهل المدينة والبزي وأبي بكر‪ .‬والثانية قراءة الباقين‪ ،‬وهي اختيار أبي عبيد‪ ،‬لنها‬
‫كذلك وقعت في المصحف‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 44 - 43 :‬إذ يريكهم ال في منامك قليل ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في‬
‫المر ولكن ال سلم إنه عليم بذات الصدور‪ ،‬وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليل ويقللكم في‬
‫أعينهم ليقضي ال أمرا كان مفعول وإلى ال ترجع المور}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ يريكهم ال في منامك قليل ولو أراكهم كثيرا" قال مجاهد‪ :‬رآهم النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم في منامه قليل‪ ،‬فقص ذلك على أصحابه‪ ،‬فثبتهم ال بذلك‪ .‬وقيل‪ :‬عني بالمنام محل‬
‫النوم وهيو العيين‪ ،‬أي فيي موضيع مناميك‪ ،‬فحذف‪ ،‬عين الحسين‪ .‬قال الزجاج‪ :‬وهذا مذهيب حسين‪،‬‬
‫ولكن الولى أسوغ في العربية‪ ،‬لنه قد جاء "وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليل ويقللكم في‬
‫أعينهيم" فدل بهذا على أن هذه رؤيية اللتقاء‪ ،‬وأن تلك رؤيية النوم‪ .‬ومعنيى "لفشلتيم" لجبنتيم عين‬
‫الحرب‪" .‬ولتنازعتم في المر" اختلفتم‪" .‬ولكن ال سلم" أي سلمكم من المخالفة‪ .‬ابن عباس‪ :‬من‬
‫الفشل‪ .‬ويحتمل منهما‪ .‬وقيل‪ :‬سلم أي أتم أمر المسلمين بالظفر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليل" هذا في اليقظة‪ .‬يجوز حمل الولى على‬
‫اليقظة أيضا إذا قلت‪ :‬المنام موضع النوم‪ ،‬وهو العين‪ ،‬فتكون الولى على هذا خاصة بالنبي صلى‬
‫ال علييه وسيلم‪ ،‬وهذه للجمييع‪ .‬قال ابين مسيعود‪ :‬قلت لنسيان كان بجانيبي يوم بدر‪ :‬أتراهيم سيبعين؟‬
‫فقال‪ :‬هم نحو المائة‪ .‬فأسرنا رجل فقلنا‪ :‬كم كنتم ؟ فقال‪ :‬كنا ألفا‪" .‬ويقللكم في أعينهم" كان هذا في‬
‫ابتداء القتال حتييى قال أبييو جهييل فييي ذلك اليوم‪ :‬إنمييا هييم أكلة جزور‪ ،‬خذوهييم أخذا واربطوهييم‬
‫بالحبال‪ .‬فلميا أخذوا فيي القتال عظيم المسيلمون فيي أعينهيم فكثروا‪ ،‬كميا قال‪" :‬يرونهيم مثليهيم رأي‬
‫العين" [آل عمران‪ ]13 :‬بيانه‪" .‬ليقضي ال أمرا كان مفعول" تكرر هذا‪ ،‬لن المعنى في الول‬
‫من اللقاء‪ ،‬وفي الثاني من قتل المشركين وإعزاز الدين‪ ،‬وهو إتمام النعمة على المسلمين‪" .‬وإلى‬
‫ال ترجع المور" أي مصيرها ومردها إليه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 :‬يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيرا لعلكم تفلحون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا إذا لقيتيم فئة" أي جماعية "فاثبتوا" أمير بالثبات عنيد قتال‬
‫الكفار‪ ،‬كميا فيي اليية قبلهيا النهيي عين الفرار عنهيم‪ ،‬فالتقيى المير والنهيي على سيواء‪ .‬وهذا تأكييد‬
‫على الوقوف للعدو والتجلد له‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واذكروا ال كثيرا لعلكيم تفلحون" للعلماء فيي هذا الذكير ثلثية أقوال‪ :‬الول‪:‬‬
‫اذكروا ال عنييد جزع قلوبكييم‪ ،‬فإن ذكره يعييين على الثبات فييي الشدائد‪ .‬الثانييي‪ :‬اثبتوا بقلوبكييم‪،‬‬
‫واذكروه بألسنتكم‪ ،‬فإن القلب ل يسكن عند اللقاء ويضطرب اللسان‪ ،‬فأمر بالذكر حتى يثبت القلب‬
‫على اليقيين‪ ،‬ويثبيت اللسيان على الذكير‪ ،‬ويقول ميا قاله أصيحاب طالوت‪" :‬ربنيا أفرغ علينيا صيبرا‬
‫وثبيت أقدامنيا وانصيرنا على القوم الكافريين" [البقرة‪ .]250 :‬وهذه الحالة ل تكون إل عين قوة‬
‫المعرفية‪ ،‬واتقاد البصييرة‪ ،‬وهيي الشجاعية المحمودة فيي الناس‪ .‬الثالث‪ :‬اذكروا ميا عندكيم مين وعيد‬
‫ال لكم في ابتياعه أنفسكم ومثامنته لكم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والظهير أنيه ذكير اللسيان الموافيق للجنان‪ .‬قال محميد بين كعيب القرظيي‪ :‬لو رخيص لحيد‬
‫فيي ترك الذكير لرخيص لزكرييا‪ ،‬يقول ال عيز وجيل‪" :‬أل تكلم الناس ثلثية أيام إل رمزا واذكير‬
‫ربك كثيرا" [آل عمران‪ .]41 :‬ولرخص للرجل يكون في الحرب‪ ،‬يقول ال عز وجل‪" :‬إذا لقيتم‬
‫فئة فاثبوا واذكروا ال كثيرا"‪ .‬وقال قتادة‪ :‬افترض ال جيييل وعيييز ذكره على عباده‪ ،‬أشغيييل ميييا‬
‫يكونون عنيد الضراب بالسييوف‪ .‬وحكيم هذا الذكير أن يكون خفييا‪ ،‬لن رفيع الصيوت فيي مواطين‬
‫القتال ردييء مكروه إذا كان الذاكير واحدا‪ .‬فأميا إذا كان مين الجمييع عنيد الحملة فحسين‪ ،‬لنيه يفيت‬
‫في أعضاد العدو‪ .‬وروى أبو داود عن قيس بن عباد قال‪ :‬كان أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم يكرهون الصوت عند القتال‪ .‬وروى أبيو بردة عن أبيه عن النبي صلى ال عليه وسلم مثل‬
‫ذلك‪ .‬قال ابيين عباس‪ :‬يكره التلثييم عنييد القتال‪ .‬قال ابيين عطييية‪ :‬وبهذا وال أعلم اسييتن المرابطون‬
‫بطرحه عند القتال على صيانتهم به‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 46 :‬وأطيعوا ال ورسوله ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن ال مع‬
‫الصابرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأطيعوا ال ورسوله ول تنازعوا" هذا استمرار على الوصية لهم‪ ،‬والخذ على‬
‫أيديهيم فييي اختلفهيم فيي أم بدر وتنازعهيم‪" .‬فتفشلوا" نصيب بالفاء فييي جواب النهيي‪ .‬ول يجييز‬
‫سييبويه حذف الفاء والجزم وأجازه الكسيائي‪ .‬وقرئ "تفشلوا" بكسير الشيين‪ .‬وهيو غيير معروف‪.‬‬
‫"وتذهيب ريحكيم" أي قوتكيم ونصيركم‪ ،‬كميا تقول‪ :‬الرييح لفلن‪ ،‬إذا كان غالبيا فيي المير قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫فإن لكل خافقة سكون‬ ‫إذا هبت رياحك فاغتنم‬
‫وقال قتادة وابين زييد‪ :‬إنيه لم يكين نصير قيط إل برييح تهيب فتضرب فيي وجوه الكفار‪ .‬ومنيه قوله‬
‫علييه السيلم‪( :‬نصيرت بالصيبا وأهلكيت عاد بالدبور)‪ .‬قال الحكيم‪" :‬وتذهيب ريحكيم" يعنيي الصيبا‪،‬‬
‫إذ بها نصير محميد عليه الصيلة والسيلم وأمته‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬وذهبيت ريح أصيحاب محمد صلى‬
‫ال عليه وسلم حين نازعوه يوم أحد‪" .‬واصبروا إن ال مع الصابرين" أمر بالصبر‪ ،‬وهو محمود‬
‫في كل المواطن وخاصة موطن الحرب‪ ،‬كما قال‪" :‬إذا لقيتم فئة فاثبتوا"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 47 :‬ول تكونوا كالذيين خرجوا من ديارهيم بطرا ورئاء الناس ويصيدون عن سيبيل‬
‫ال وال بما يعملون محيط}‬
‫@ يعنييي أبييا جهييل وأصييحابه الخارجييين يوم بدر لنصييرة العييير‪ .‬خرجوا بالقيان والمغنيات‬
‫والمعازف‪ ،‬فلما وردوا الجحفة بعث خفاف الكناني ‪ -‬وكان صديقا لبي جهل ‪ -‬بهدايا إليه مع ابن‬
‫له‪ ،‬وقال‪ :‬إن شئت أمددتيك بالرجال‪ ،‬وإن شئت أمددتيك بنفسيي ميع مين خيف مين قوميي‪ .‬فقال أبيو‬
‫جهل‪ :‬إن كنا نقاتل ال كما يزعم محمد‪ ،‬فوال ما لنا بال من طاقة‪ .‬وإن كنا نقاتل الناس فوال إن‬
‫بنيا على الناس لقوة‪ ،‬وال ل نرجيع عين قتال محميد حتيى نرد بدرا فنشرب فيهيا الخمور‪ ،‬وتعزف‬
‫علينا القيان‪ ،‬فإن بدرا موسم من مواسم العرب‪ ،‬وسوق من أسواقهم‪ ،‬حتى تسمع العرب بمخرجنا‬
‫فتهابنا آخر البد‪ .‬فوردوا بدرا ولكن جرى ما جرى من هلكهم‪ .‬والبطر في اللغة‪ :‬التقوية بنعم ال‬
‫عز وجل وما ألبسه من العافية على المعاصي‪ .‬وهو مصدر في موضع الحال‪ .‬أي خرجوا بطرين‬
‫مرائين صادين‪ .‬وصدهم إضلل الناس‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 :‬وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال ل غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم‬
‫فلميا تراءت الفئتان نكيص على عقيبيه وقال إنيي برييء منكيم إنيي أرى ميا ل ترون إنيي أخاف ال‬
‫وال شديد العقاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال ل غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم‬
‫فلمييا تراءت الفئتان نكييص على عقييبيه وقال إنييي بريييء منكييم إنييي أرى مييا ل ترون" روي أن‬
‫الشيطان تمثل لهم يومئذ في صورة سراقة بن مالك بن جعشم‪ ،‬وهو من بني بكر بن كنانة‪ ،‬وكانت‬
‫قرييش تخاف مين بنيي بكير أن يأتوهيم مين ورائهيم‪ ،‬لنهيم قتلوا رجل منهيم‪ .‬فلميا تمثيل لهيم قال ميا‬
‫أخبر ال به عنه‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬جاءهم إبليس يوم بدر برايته وجنوده‪ ،‬وألقى في قلوبهم أنهم لن‬
‫يهزموا وهيم يقاتلون على ديين آبائهيم‪ .‬وعين ابين عباس قال‪ :‬أميد ال نيبيه محمدا صيلى ال علييه‬
‫وسيلم والمؤمنيين بألف مين الملئكية‪ ،‬فكان جبرييل علييه السيلم فيي خمسيمائة مين الملئكية مجنبية‪،‬‬
‫وميكائييل فيي خمسيمائة مين الملئكية مجنبية‪ .‬وجاء إبلييس فيي جنيد مين الشياطيين ومعيه رايية فيي‬
‫صييورة رجال ميين بنييي مدلج‪ ،‬والشيطان فييي صييورة سييراقة بيين مالك بيين جعشييم‪ .‬فقال الشيطان‬
‫للمشركيين‪ :‬ل غالب لكيم اليوم مين الناس وإنيي جار لكيم‪ ،‬فلميا اصيطف القوم قال أبيو جهيل‪ :‬اللهيم‬
‫أولنيا بالحيق فأنصيره‪ .‬ورفيع رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يده فقال‪( :‬ييا رب إنيك تهلك هذه‬
‫العصابة فلن تعبد في الرض أبدا)‪ .‬فقال جبريل‪( :‬خذ قبضة من التراب) فأخذ قبضة من التراب‬
‫فرميى بهيا وجوههيم‪ ،‬فميا مين المشركيين مين أحيد إل أصياب عينيه ومنخرييه وفميه‪ .‬فولوا مدبريين‪،‬‬
‫وأقبل جبريل عليه السلم إلى إبليس فلما رآه كانت يده في يد رجل من المشركين انتزع إبليس يده‬
‫ثم ولى مدبرا وشيعته‪ ،‬فقال له الرجل‪ :‬يا سراقة‪ ،‬ألم تزعم أنك لنا جار‪ ،‬قال‪ :‬إني بريء منكم إني‬
‫أرى ميا ل ترون‪ .‬ذكره البيهقيي وغيره‪ .‬وفيي موطيأ مالك عين إبراهييم بين أبيي عبلة عين طلحية بين‬
‫عيبيدال بين كرييز أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬ميا رأى الشيطان نفسيه يوميا هيو فييه‬
‫أصيغر ول أدحر ول أغييظ منيه في يوم عرفة وميا ذاك إل لميا رأى من تنزل الرحمية وتجاوز ال‬
‫عين الذنوب العظام إل ميا رأى يوم بدر) قييل‪ :‬وميا رأى يوم بدر ييا رسيول ال؟ قال (أميا إنيه رأى‬
‫جبريل يزع الملئكة)‪ .‬ومعنى نكص‪ :‬رجع بلغة سليم‪ ،‬عن مؤرج وغيره‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫إن المكارم إقدام على السل‬ ‫ليس النكوص على الدبار مكرمة‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ول ضر أهل السابقات التقدم‬ ‫وما ينفع المستأخرين نكوصهم‬
‫ولييس ههنيا قهقرى بيل هيو فرار‪ ،‬كميا قال‪( :‬إذا سيمع الذان أدبر وله ضراط)‪" .‬إنيي أخاف ال"‬
‫قيل‪ :‬خاف إبليس أن يكون يوم بدر اليوم الذي أنظر إليه‪ .‬وقيل‪ :‬كذب إبليس في قوله‪" :‬إني أخاف‬
‫ال" ولكن علم أنه ل قوة له‪ .‬ويجمع جار على أجوار وجيران‪ ،‬وفي القليل جيرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 49 :‬إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر هؤلء دينهم ومن يتوكل على‬
‫ال فإن ال عزيز حكيم}‬
‫@ قييل‪ :‬المنافقون‪ :‬الذيين أظهروا اليمان وأبطنوا الكفير‪ .‬والذيين فيي قلوبهيم مرض‪ :‬الشاكون‪،‬‬
‫وهيم دون المنافقيين‪ ،‬لنهيم حديثيو عهيد بالسيلم‪ ،‬وفيهيم بعيض ضعيف نيية‪ .‬قالوا عنيد الخروج إلى‬
‫القتال وعند التقاء الصيفين‪ :‬غر هؤلء دينهيم‪ .‬وقييل‪ :‬هما واحد‪ ،‬وهو أولى‪ .‬أل ترى إلى قوله عز‬
‫وجيل‪" :‬الذيين يؤمنون بالغييب" [البقرة‪ ]3 :‬ثيم قال "والذيين يؤمنون بميا أنزل إلييك" [البقرة‪]4 :‬‬
‫وهما لواحد‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 51 - 50 :‬ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملئكة يضربون وجوههم وأدبارهم‬
‫وذوقوا عذاب الحريق‪ ،‬ذلك بما قدمت أيديكم وأن ال ليس بظلم للعبيد}‬
‫@ قييل‪ :‬أراد مين بقيي ولم يقتيل يوم بدر‪ .‬وقييل‪ :‬هيي فيمين قتيل ببدر‪ .‬وجواب "لو" محذوف‪،‬‬
‫تقديره‪ :‬لرأييت أمرا عظيميا‪" .‬يضربون" فيي موضيع الحال‪" .‬وجوههيم وأدبارهيم" أي أسيتاههم‪،‬‬
‫كنيى عنهيا بالدبار‪ ،‬قاله مجاهيد وسيعيد بين جيبير‪ .‬الحسين‪ :‬ظهورهيم‪ ،‬وقال‪ :‬إن رجل قال لرسيول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬إنيي رأييت بظهير أبيي جهيل مثيل الشراك؟ قال‪( :‬ذلك‬
‫ضرب الملئكة)‪ .‬وقيل‪ :‬هذا الضرب يكون عند الموت‪ .‬وقد يكون يوم القيامة حين يصيرون بهم‬
‫إلى النار‪" .‬وذوقوا عذاب الحرييق" قال الفراء‪ :‬المعنيى ويقولون ذوقوا‪ ،‬فحذف‪ .‬وقال الحسين‪ :‬هذا‬
‫يوم القيامة‪ ،‬تقول لهم خزنة جهنم‪ :‬ذوقوا عذاب الحريق‪ .‬وروي أن في بعض التفاسير أنه كان مع‬
‫الملئكية مقاميع مين حدييد‪ ،‬كلميا ضربوا التهبيت النار فيي الجراحات‪ ،‬فذلك قوله‪" :‬وذوقوا عذاب‬
‫الحرييق"‪ .‬والذوق يكون محسيوسا ومعنيى‪ .‬وقيد يوضيع موضيع البتلء والختبار‪ ،‬تقول‪ :‬اركيب‬
‫هذا الفرس فذقه‪ .‬وأنظر فلنا فذق ما عنده‪ .‬قال الشماخ يصف فرسا‪:‬‬
‫كفى ولها أن يغرق السهم حاجز‬ ‫فذاق فأعطته من اللين جانبا‬
‫وأصيله مين الذوق بالفيم‪" .‬ذلك" فيي موضيع رفيع؛ أي المير ذلك‪ .‬أو "ذلك" جزاؤكيم‪" .‬بميا قدميت‬
‫أيديكم" أي اكتسبتم من الثام‪" .‬وأن ال ليس بظلم للعبيد" إذ قد أوضح السبيل وبعث الرسل‪ ،‬فلم‬
‫خالفتيم؟‪" .‬وأن" فيي موضيع خفيض عطيف على "ميا" وإن شئت نصيبت‪ ،‬بمعنيى وبأن‪ ،‬وحذفيت‬
‫الباء‪ .‬أو بمعنى‪ :‬وذلك أن ال‪ .‬ويجوز أن يكون في موضع رفع نسقا على ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 52 :‬كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات ال فأخذهم ال بذنوبهم إن ال‬
‫قوي شديد العقاب}‬
‫@ الدأب العادة‪ .‬وقد تقدم في "آل عمران"‪ .‬أي العادة في تعذيبهم عند قبض الرواح وفي القبور‬
‫كعادة آل فرعون‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى جوزي هؤلء بالقتيل والسيبي كميا جوزي آل فرعون بالغرق‪ .‬أي‬
‫دأبهم كدأب آل فرعون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 53 :‬ذلك بأن ال لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن ال‬
‫سميع عليم}‬
‫@ تعليل‪ .‬أي هذا العقاب‪ ،‬لنهم غيروا وبدلوا‪ ،‬ونعمة ال على قريش الخصب والسعة‪ ،‬والمن‬
‫والعافيية‪" .‬أولم يروا أنيا جعلنيا حرميا آمنيا ويتخطيف الناس مين حولهيم" [العنكبوت‪ ]67:‬اليية‪.‬‬
‫وقال السييدي‪ :‬نعميية ال عليهييم محمييد صييلى ال عليييه وسييلم فكفروا بييه‪ ،‬فنقييل إلى المدينيية وحييل‬
‫بالمشركين العقاب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 54 :‬كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآيات ربهم فأهلكناهم بذنوبهم وأغرقنا‬
‫آل فرعون وكل كانوا ظالمين}‬
‫@ ليس هذا بتكرير‪ ،‬لن الول للعادة في التكذيب‪ ،‬والثاني للعادة في التغيير‪ ،‬وباقي الية بين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 56 - 55 :‬إن شر الدواب عند ال الذين كفروا فهم ل يؤمنون‪ ،‬الذين عاهدت منهم‬
‫ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم ل يتقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن شر الدواب عند ال" أي من يدب على وجه الرض في علم ال وحكمه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذيين كفروا فهيم ل يؤمنون" نظيره "الصيم البكيم الذيين ل يعقلون" [النفال‪:‬‬
‫‪ .]22‬ثم وصفهم فقال‪" :‬الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم ل يتقون" أي ل‬
‫يخافون النتقال‪" .‬وميين" فييي قوله "منهييم" للتبعيييض‪ ،‬لن العهييد إنمييا يجري مييع أشرافهييم ثييم‬
‫ينقصيونه‪ .‬والمعنيي بهيم قريظية والنضيير‪ ،‬فيي قول مجاهيد وغيره‪ .‬نقضوا العهيد فأعانوا مشركيي‬
‫مكة بالسلح‪ ،‬ثم اعتذروا فقالوا‪ :‬نسينا‪ ،‬فعاهدهم عليه السلم ثانية فنقضوا يوم الخندق‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 57 :‬فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإما تثقفنهم في الحرب" شرط وجوابه‪ .‬ودخلت النون توكيدا لما دخلت ما‪ ،‬هذا‬
‫قول البصيريين‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬تدخيل النون الثقيلة والخفيفية ميع "إميا" فيي المجازاة للفرق بيين‬
‫المجازاة والتخييير‪ .‬ومعنيى "تثقفنهيم" تأسيرهم وتجعلهيم فيي ثقاف‪ ،‬أو تلقاهيم بحال ضعيف‪ ،‬تقدر‬
‫عليهييم فيهييا وتغلبهييم‪ .‬وهذا لزم ميين اللفييظ؛ لقول‪" :‬فييي الحرب"‪ .‬وقال بعييض الناس‪ :‬تصييادفنهم‬
‫وتلقاهم‪ .‬يقال‪ :‬ثقفته أثقفه ثقفا‪ ،‬أي وجدته‪ .‬وفلن ثقف لقف أي سريع الوجود لما يحاوله ويطلبه‪.‬‬
‫وثقييف لقييف‪ .‬وامرأة ثقاف‪ .‬والقول الول أولى؛ لرتباطييه بالييية كمييا بينييا‪ .‬والمصييادف قييد يغلب‬
‫فيمكن التشريد به‪ ،‬وقد ل يغلب‪ .‬والثقاف في اللغة‪ :‬ما يشد به القناة ونحوها‪ .‬ومنه قول النابغة‪:‬‬
‫عض الثقاف على صم النابيب‬ ‫تدعو قعينا وقد عض الحديد بها‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فشرد بهيم مين خلفهيم" قال سيعيد بين جيبير‪ :‬المعنيى أنذر بهيم مين خلفهيم‪ .‬قال أبيو‬
‫عبييد‪ :‬هيي لغية قرييش‪ ،‬شرد بهيم سيمع بهيم‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬نكيل بهيم‪ .‬الزجاج‪ :‬افعيل بهيم فعل مين‬
‫القتل تفرق به من خلفهم‪ .‬والتشريد في اللغة‪ :‬التبديد والتفريق‪ ،‬يقال‪ :‬شردت بني فلن قلعتهم عن‬
‫مواضعهم وطردتهم عنها حتى فارقوها‪ .‬وكذلك الواحد‪ ،‬تقول‪ :‬تركته شريدا عن وطنه وأهله‪ .‬قال‬
‫الشاعر من هذيل‪:‬‬
‫مخافة أن يشرد بي حكيم‬ ‫أطوف في الباطح كل يوم‬
‫ومنيه شرد البعيير والدابية إذا فارق صياحبه‪ .‬و"مين" بمعنيى الذي‪ ،‬قال الكسيائي‪ .‬وروي عين ابين‬
‫مسيعود "فشرذ" بالذال المعجمية‪ ،‬وهميا لغتان‪ .‬وقال قطرب‪ :‬التشرييذ (بالذال المعجمية) التنكييل‪.‬‬
‫وبالدال المهملة التفريييق‪ ،‬حكاه الثعلبييي‪ .‬وقال المهدوي‪ :‬الذال ل وجييه لهييا‪ ،‬إل أن تكون بدل ميين‬
‫الدال المهملة لتقاربهمييا‪ ،‬ول يعرف فييي اللغيية "فشرذ"‪ .‬وقرئ "ميين خلفهييم" بكسيير الميييم والفاء‪.‬‬
‫"لعلهيم يذكرون" أي يتذكرون بوعدك إياهيم‪ .‬وقييل‪ :‬هذا يرجيع إلى مين خلفهيم‪ ،‬لن مين قتيل ل‬
‫يتذكر أي شرد بهم من خلفهم من عمل بمثل عملهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 58 :‬وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن ال ل يحب الخائنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإما تخافن من قوم خيانة" أي غشا ونقضا للعهد‪" .‬فانبذ إليهم على سواء" وهذه‬
‫الية نزلت في بني قريظة وبني النضير‪ .‬وحكاه الطبري عن مجاهد‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬والذي يظهر‬
‫فيي ألفاظ القرآن أن أم بني قريظة انقضى عند قول "فشرد بهم من خلفهم" ثم ابتدأ تبارك وتعالى‬
‫فيي هذه اليية بأمره فيميا يصينعه فيي المسيتقبل ميع مين يخاف منيه خيانية‪ ،‬فتترتيب فيهيم هذه اليية‪.‬‬
‫وبنو قريظة لم يكونوا في حد من تخاف خيانته‪ ،‬وإنما كانت خيانتهم ظاهرة مشهورة‪.‬‬
‫@ قال ابين العربيي‪ :‬فإن قييل كييف يجوز نقيض العهيد ميع خوف الخيانية‪ ،‬والخوف ظين ل يقيين‬
‫معه‪ ،‬فكيف يسقط يقين العهد مع ظن الخيانة‪ .‬فالجواب من وجهين‪ :‬أحدهما ‪ -‬أن الخوف قد يأتي‬
‫بمعنييى اليقييين‪ ،‬كمييا قييد يأتييي الرجاء بمعنييى العلم‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬مييا لكييم ل ترجون ل وقارا"‬
‫[نوح‪ .]13 :‬الثانيي ‪ -‬إذا ظهرت آثار الخيانية وثبتيت دلئلهيا‪ ،‬وجيب نبيذ العهيد لئل يوقيع التمادي‬
‫عليه في الهلكة‪ ،‬وجاز إسقاط اليقين هنا ضرورة‪ .‬وأما إذا علم اليقين فيستغنى عن نبذ العهد إليهم‪،‬‬
‫وقد سار النبي صلى ال عليه وسلم إلى أهل مكة عام الفتح‪ ،‬لما إذا اشتهر منهم نقض العهد من‬
‫غير أن ينبذ إليهم عهدهم‪ .‬والنبذ‪ :‬الرمي والرفض‪ .‬وقال الزهري‪ :‬معناه إذا عاهدت قوما فعلمت‬
‫منهم النقض بالعهد فل توقع بهم سابقا إلى النقض حتى تلقي إليهم أنك قد نقضت العهد والمواعدة‪،‬‬
‫فيكونوا في علم النقض مستويين‪ ،‬ثم أوقع بهم‪ .‬قال النحاس‪ :‬هذا من معجز ما جاء في القرآن مما‬
‫ل يوجيد فيي الكلم مثله على اختصياره وكثرة معانييه‪ .‬والمعنيى‪ :‬وإميا تخافين مين قوم بينيك وبينهيم‬
‫عهيد خيانة فأنبيذ إليهيم العهيد‪ ،‬أي قيل لهيم قيد نبذت إليكيم عهدكيم‪ ،‬وأنيا مقاتلكيم‪ ،‬ليعلموا ذلك فيكونوا‬
‫معيك فيي العلم سيواء‪ ،‬ول تقاتلهيم وبينيك وبينهيم عهيد وهيم يثقون بيك‪ ،‬فيكون ذلك خيانية وغدرا‪ .‬ثيم‬
‫بين هذا بقوله‪" :‬إن ال ل يحب الخائنين"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ميا ذكره الزهري والنحاس مين إنباذ العهيد ميع العلم بنقضيه يرده فعيل النيبي صيلى ال‬
‫علييه وسيلم فيي فتيح مكية‪ ،‬فإنهيم لميا نقضوا لم يوجيه إليهيم بيل قال‪( :‬اللهيم اقطيع خيبري عنهيم)‬
‫وغزاهم‪ .‬وهو أيضا معنى الية‪ ،‬لن في قطع العهد منهم ونكثه مع العلم به حصول نقض عهدهم‬
‫والسيتواء معهيم‪ .‬فأميا ميع غيير العلم بنقيض العهيد منهيم فل يحيل ول يجوز‪ .‬روى الترمذي وأبيو‬
‫داود عن سليم بن عامر قال‪ :‬كان بين معاوية والروم عهد وكان يسير نحو بلدهم ليقرب حتى إذا‬
‫انقضيى العهيد غزاهيم‪ ،‬فجاءه رجيل على فرس أو برذون وهيو يقول‪ :‬ال أكيبر‪ ،‬ال أكيبر‪ ،‬وفاء ل‬
‫غدر‪ ،‬فنظروا فإذا هو عمرو بن عنبسة‪ ،‬فأرسل إليه معاوية فسأل فقال‪ :‬سمعت رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم يقول‪( :‬من كان بينه وبين قوم عهد فل يشد عقدة ول يحلها حتى ينقضي أمدها أو‬
‫ينبيذ إليهيم على سيواء) فرجيع معاويية بالناس‪ .‬قال الترمذي‪ :‬هذا حدييث حسين صيحيح‪ .‬والسيواء‪:‬‬
‫المساواة والعتدال‪ .‬وقال الراجز‬
‫حتى يجيبوك إلى السواء‬ ‫فاضرب وجوه الغدر العداء‬
‫وقال الكسيائي‪ :‬السيواء العدل‪ .‬وقيد يكون بمعنيى الوسيط‪ ،‬ومنيه قوله تعالى‪" :‬فيي سيواء الجحييم"‬
‫[الصافات‪ .]55 :‬ومنه قول حسان‪:‬‬
‫بعد المغيب في سواء الملحد‬ ‫يا ويح أصحاب النبي ورهطه‬
‫الفراء‪ :‬ويقال "فانبذ إليهم على سواء" جهرا ل سرا‪.‬‬
‫@ روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬لكل غادر لواء‬
‫يوم القيامية يرفيع له بقدر غدره أل ول غادر أعظيم غدرا مين أميير عامية)‪ .‬قال علماؤنيا رحمية ال‬
‫عليهيم‪ :‬إنما كان الغدر فيي حيق المام أعظم وأفحيش منيه فيي غيره لما في ذلك مين المفسدة‪ ،‬فإنميا‬
‫إذا غدروا وعلم ذلك منهيم ولم ينبذوا بالعهيد لم يأمنهيم العدو على عهيد ول صيلح‪ ،‬فتشتيد شوكتيه‬
‫ويعظيم ضرره‪ ،‬ويكون ذلك منفرا عين الدخول فيي الديين‪ ،‬وموجبيا لذم أئمية المسيلمين‪ .‬فأميا إذا لم‬
‫يكن للعدو عهد فينبغي أن يتحيل عليه بكل حيلة‪ ،‬وتدار عليه كل خديعة‪ .‬وعليه يحمل قوله صلى‬
‫ال علييه وسيلم‪( :‬الحرب خدعية)‪ .‬وقيد اختلف العلماء هيل يجاهيد ميع المام الغادر‪ ،‬على قوليين‪.‬‬
‫فذهيب أكثرهيم إلى أنيه ل يقاتيل معيه‪ ،‬بخلف الخائن والفاسيق‪ .‬وذهيب بعضهيم إلى الجهاد معيه‪.‬‬
‫والقولن في مذهبنا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 59 :‬ول يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم ل يعجزون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يحسبن الذين كفروا" أي من أفلت من وقعة بدر سبق إلى الحياة‪ .‬ثم استأنف‬
‫فقال‪" :‬إنهيم ل يعجزون" أي فيي الدنييا حتيى يظفرك ال بهيم‪ .‬وقييل‪ :‬يعنيي فيي الخرة‪ .‬وهيو قول‬
‫الحسين‪ .‬وقرأ ابين عامير وحفص وحمزة "يحسيبن" بالياء والباقون بالتاء‪ ،‬على أن يكون فيي الفعل‬
‫ضمير الفاعل‪ .‬و"الذين كفروا" مفعول أول‪ .‬و"سبقوا" مفعول ثان‪ .‬وأما قراءة الياء فزعم جماعة‬
‫مين النحوييين منهيم أبيو حاتيم أن هذا لحين ل تحيل القراءة بيه‪ ،‬ول تسيمع لمين عرف العراب أو‬
‫عرفه‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬لنه لم يأت لي "يحسبن" بمفعول وهو يحتاج إلى مفعولين‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا‬
‫تحاميل شدييد‪ ،‬والقراءة تجوز ويكون المعنيى‪ :‬ول يحسيبن مين خلفهيم الذيين كفروا سيبقوا‪ ،‬فيكون‬
‫الضميير يعود على ميا تقدم‪ ،‬إل أن القراءة بالتاء أبيين‪ .‬المهدوي‪ :‬ومين قرأ بالياء احتميل أن يكون‬
‫فيي الفعيل ضميير النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬ويكون "الذيين كفروا سيبقوا" المفعوليين‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون "الذيين كفروا" فاعل‪ ،‬والمفعول الول محذوف‪ ،‬المعنيى‪ :‬ول يحسيبن الذيين كفروا أنفسيهم‬
‫سيبقوا‪ .‬مكيي‪ :‬ويجوز أن يضمير ميع سيبقوا أن‪ ،‬فيسيد مسيد المفعوليين والتقديير‪ :‬ول يحسيبن الذيين‬
‫كفروا أن سيبقوا‪ ،‬فهيو مثيل "أحسيب الناس أن يتركوا" [العنكبوت‪ ]2 :‬فيي سيد أن مسيد المفعوليين‪.‬‬
‫وقرأ ابن عامر "أنهم ل يعجزون" بفتح الهمزة‪ .‬واستبعد هذه القراءة أبو حاتم وأبو عبيد‪ .‬قال أبو‬
‫عبييد‪ :‬وإنميا يجوز على أن يكون المعنيى‪ :‬ول تحسيبن الذيين كفروا أنهيم ل يعجزون‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫الذي ذكره أبو عبيد ل يجوز عند النحويين البصريين‪ ،‬ل يجوز حسبت زيدا أنه خارج‪ ،‬إل بكسر‬
‫اللف‪ ،‬وإنما لم يجز لنه في موضع المبتدأ‪ ،‬كما تقول‪ :‬حسبت زيدا أبوه خارج‪ ،‬ولو فتحت لصار‬
‫المعنى حسبت زيدا خروجه‪ .‬وهذا محال‪ ،‬وفيه أيضا من البعد أنه ل وجه لما قال يصح به معنى‪،‬‬
‫إل أن يجعيل "ل" زائدة‪ ،‬ول وجيه لتوجييه حرف فيي كتاب ال عيز وجيل إلى التطول بغيير حجية‬
‫يجييب التسييليم لهييا‪ .‬والقراءة جيدة على أن يكون المعنييى‪ :‬لنهييم ل يعجزون‪ .‬مكييي‪ :‬فالمعنييى ل‬
‫يحسيبن الكفار أنفسيهم فأتوا لنهيم ل يعجزون‪ ،‬أي ل يفوتون‪ .‬فيي "أن" فيي موضيع نصيب بحذف‬
‫اللم‪ ،‬أو فييي موضييع خفييض على إعمال اللم لكثرة حذفهييا مييع "أن"‪ ،‬وهييو يروى عيين الخليييل‬
‫والكسيائي‪ .‬وقرأ الباقون بكسير "إن" على السيتئناف والقطيع مميا قبله‪ ،‬وهيو الختيار‪ ،‬لميا فييه مين‬
‫معنى التأكيد‪ ،‬ولن الجماعة عليه‪ .‬وروي عن ابن محيصن أنه قرأ "ل يعجزون" بالتشديد وكسر‬
‫النون‪ .‬النحاس‪ :‬وهذا خطيأ مين وجهيين‪ :‬أحدهميا أن معنيى عجزه ضعفيه وضعيف أمره‪ .‬والخير ‪-‬‬
‫أنه كان يجب أن يكون بنونين‪ .‬ومعنى أعجزه سبقه وفاته حتى لم يقدر عليه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 60 :‬وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو ال وعدوكم‬
‫وآخريين مين دونهيم ل تعلمونهيم ال يعلمهيم وميا تنفقوا مين شييء فيي سيبيل ال يوف إليكيم وأنتيم ل‬
‫تظلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأعدوا لهيم" أمير ال سيبحانه المؤمنيين بإعداد القوة للعداء بعيد أن أكيد تقدمية‬
‫التقوى‪ .‬فإن ال سيبحانه لو شاء لهزمهيم بالكلم والتفيل فيي وجوههيم وبحفنية مين تراب‪ ،‬كميا فعيل‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬ولكنيه أراد أن يبتلي بعيض الناس ببعيض بعلميه السيابق وقضائه‬
‫النافذ‪ .‬وكلما تعده لصديقك من خير أو لعدوك من شر فهو داخل في عدتك‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬القوة‬
‫ههنا السلح والقسي‪ .‬وفي صحيح مسلم عن عقبة بن عامر قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم وهيو على المنيبر يقول‪( :‬وأعدوا لهيم ميا اسيتطعتم مين قوة أل إن القوة الرميي أل إن القوة‬
‫الرمي أل إن القوة الرمي)‪ .‬وهذا نص رواه عن عقبة أبو علي ثمامة بن شفي الهمداني‪ ،‬وليس له‬
‫في الصحيح غيره‪ .‬وحديث آخر في الرمي عن عقبة أيضا قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم يقول‪( :‬ستفتح عليكم أرضون ويكفيكم ال فل يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه)‪ .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬كل شيء يلهو به الرجل باطل إل رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملعبته أهله فإنه من‬
‫الحيق)‪ .‬ومعنيى هذا وال أعلم‪ :‬أن كيل ميا يتلهيى بيه الرجيل مميا ل يفيده فيي العاجيل ول فيي الجيل‬
‫فائدة فهيو باطيل‪ ،‬والعراض عنيه أولى‪ .‬وهذه المور الثلثية فإنيه وإن كان يفعلهيا على أنيه يتلهيى‬
‫بها وينشط‪ ،‬فإنها حق لتصالها بما قد يفيد‪ ،‬فإن الرمي بالقوس وتأديب الفرس جميعا من معاون‬
‫القتال‪ .‬وملعبة الهل قد تؤدي إلى ما يكون عنه ولد يوحد ال ويعبده‪ ،‬فلهذا كانت هذه الثلثة من‬
‫الحق‪ .‬وفي سنن أبي داود والترمذي والنسائي عن عقبة بن عامر عن النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(إن ال يدخيل ثلثية نفير الجنية بسيهم واحيد صيانعه يحتسيب فيي صينعته الخيير والراميي ومبله)‪.‬‬
‫وفضل الرمي عظيم ومنفعته عظيمة للمسلمين‪ ،‬ونكايته شديدة على الكافرين‪ .‬قال صلى ال عليه‬
‫وسيلم‪( :‬ييا بنيي إسيماعيل ارموا فإن أباكيم كان رامييا)‪ .‬وتعلم الفروسيية واسيتعمال السيلحة فرض‬
‫كفاييية‪ .‬وقييد يتعييين‪" .‬وميين رباط الخيييل" وقرأ الحسيين وعمرو بيين دينار وأبييو حيوة "وميين ربييط‬
‫الخيل" بضم الراء والباء‪ ،‬جمع رباط‪ ،‬ككتاب وكتب قال أبو حاتم عن ابن زيد‪ :‬الرباط من الخيل‬
‫الخمس فما فوقها‪ ،‬وجماعته ربط‪ .‬وهي التي ترتبط‪ ،‬يقال منه‪ :‬ربط يربط ربطا‪ .‬وارتبط يرتبط‬
‫ارتباطا‪ .‬ومربط الخيل ومرابطها وهي ارتباطها بإزاء العدو‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫في الحرب إن ال خير موفق‬ ‫أمر الله بربطها لعدوه‬
‫وقال مكحول بن عبدال‪:‬‬
‫وأوصى بها ال النبي محمدا‬ ‫تلوم على ربط الجياد وحبسها‬
‫ورباط الخيييل فضييل عظيييم ومنزلة شريفيية‪ .‬وكان لعروة البارقييي سييبعون فرسييا معدة للجهاد‪.‬‬
‫والمستحب منها الناث‪ ،‬قال عكرمة وجماعة‪ .‬وهو صحيح‪ ،‬فإن النثى بطنها كنز وظهرها عز‪.‬‬
‫وفرس جبرييل كان أنثيى‪ .‬وروى الئمية عين أبيي هريرة أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪:‬‬
‫(الخيل ثلثة لرجل أجر ولرجل ستر ولرجل وزر) الحديث‪ .‬ولم يخص ذكرا من أنثى‪ .‬وأجودها‬
‫أعظمهيا أجرا وأكثرهيا نفعيا‪ .‬وقيد سيئل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬أي الرقاب أفضيل؟ فقال‪:‬‬
‫(أغلها ثمنا وأنفسها عند أهلها)‪ .‬وروى النسائي عن أبي وهب الجشمي ‪ -‬وكانت له صحبة ‪ -‬قال‬
‫قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬تسيموا بأسيماء النيبياء وأحيب السيماء إلى ال عيز وجيل‬
‫عبدال وعبدالرحمين وارتبطوا الخييل وامسيحوا بنواصييها وأكفالهيا وقلدوهيا ول تقلدوهيا الوتار‬
‫وعليكيم بكيل كمييت أغير محجيل أو أشقير أغير محجيل أو أدهيم أغير محجيل)‪ .‬وروى الترمذي عين‬
‫أبي قتادة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬خير الخيل الدهم القرح الرثم ثم القرح المحجل‬
‫طلق اليميين فإن لم يكين أدهيم فكمييت على هذه الشيية)‪ .‬ورواه الدارميي عين أبيي قتادة أيضيا‪ ،‬أن‬
‫رجل قال‪ :‬ييا رسول ال‪ ،‬إني أرييد أن أشتري فرسا‪ ،‬فأيهيا أشتري؟ قال‪( :‬اشتر أدهيم أرثيم محجل‬
‫طلق الييد اليمنيى أو مين الكمييت على هذه الشيية تغنيم وتسيلم)‪ .‬وكان صيلى ال علييه وسيلم يكره‬
‫الشكال من الخيل‪ .‬والشكال‪ :‬أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى‪ ،‬أو في يده‬
‫اليمنيى ورجله اليسيرى‪ .‬خرجيه مسيلم عين أبيي هريرة رضيي ال عنيه‪ .‬ويذكير أن الفرس الذي قتيل‬
‫عليه الحسين بن علي رضي ال عنهما كان أشكل‪.‬‬
‫@ فإن قييل‪ :‬إن قوله "وأعدوا لهيم ميا اسيتطعتم مين قوة" كان يكفيي‪ ،‬فلم خيص الرميي والخييل‬
‫بالذكر؟ قيل له‪ :‬إن الخيل لما كانت أصل الحروب وأوزارها التي عقد الخير في نواصيها‪ ،‬وهي‬
‫أقوى القوة وأشيد العدة وحصيون الفرسيان‪ ،‬وبهيا يجال فيي الميدان‪ ،‬خصيها بالذكير تشريفيا‪ ،‬وأقسيم‬
‫بغبارهيا تكريميا‪ .‬فقال‪" :‬والعاديات ضبحيا" [العاديات‪ ]1 :‬اليية‪ .‬ولميا كانيت السيهام مين أنجيع ميا‬
‫يتعاطى في الحروب والنكاية في العدو وأقربها تناول للرواح‪ ،‬خصها رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم بالذكير لهيا والتنيبيه عليهيا‪ .‬ونظيير هذا فيي التنزييل‪" ،‬وجبرييل وميكال" [البقرة‪ ]98 :‬ومثله‬
‫كثير‪.‬‬
‫@ وقييد اسيتدل بعييض علمائنييا بهذه اليية على جواز وقييف الخييل والسييلح‪ ،‬واتخاذ الخزائن‬
‫والخزان لها عدة للعداء‪ .‬وقد اختلف العلماء في جواز وقف الحيوان كالخيل والبل على قولين‪:‬‬
‫المنيع‪ ،‬وبيه قال أبيو حنيفية‪ .‬والصيحة‪ ،‬وبيه قال الشافعيي رضيي ال عنيه‪ .‬وهيو أصيح‪ ،‬لهذه اليية‪،‬‬
‫ولحديث ابن عمر في الفرس الذي حمل عليه في سبيل ال وقوله عليه السلم في حق خالد‪( :‬وأما‬
‫خالد فإنكيم تظلمون خالدا فإنيه قيد احتبيس أدراعيه وأعتاده فيي سيبيل ال) الحدييث‪ .‬وميا روي أن‬
‫امرأة جعلت بعيرا في سبيل ال‪ ،‬فأراد زوجها الحج‪ ،‬فسألت رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪:‬‬
‫(ادفعيه إليه ليحج عليه فإن الحج من سبيل ال)‪ .‬ولنه مال ينتفع به في وجه قربة‪ ،‬فجاز أن يوقف‬
‫كالرباع‪ .‬وقد ذكر السهيلي في هذه الية تسمية خيل النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وآلة حربه‪ .‬من‬
‫أرادها وجدها في كتاب العلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ترهبون بيه عدو ال وعدوكيم" يعنيي تخيفون بيه عدو ال وعدوكيم مين اليهود‬
‫وقرييش وكفار العرب‪" .‬وآخريين مين دونهيم ل تعلمونهيم ال يعلمهيم" يعنيي فارس والروم‪ ،‬قاله‬
‫السييدي‪ .‬وقيييل‪ :‬الجيين‪ .‬وهييو اختيار الطييبري‪ .‬وقيييل‪ :‬المراد بذلك كييل ميين ل تعرف عداوتييه‪ .‬قال‬
‫السهيلي‪ :‬قيل لهم قريظة‪ .‬وقيل‪ :‬هم من الجن‪ .‬وقيل غير ذلك‪ .‬ول ينبغي أن يقال فيهم شيء‪ ،‬لن‬
‫ال سبحانه قال‪" :‬وآخرين من دونهم ل تعلمونهم ال يعلمهم"‪ ،‬فكيف يدعي أحد علما بهم‪ ،‬إل أن‬
‫يصيح حدييث جاء فيي ذلك عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وهيو قوله فيي هذه اليية‪( :‬هيم‬
‫الجين)‪ .‬ثيم قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إن الشيطان ل يخبيل أحدا فيي دار فيهيا فرس‬
‫عتييق) وإنميا سيمي عتيقيا لنيه قيد تخلص مين الهجانية‪ .‬وهذا الحدييث أسينده الحارث بين أبيي أسيامة‬
‫عن ابن المليكي عن أبيه عن جده عن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وروي‪ :‬أن الجن ل تقرب‬
‫دارا فيهيا فرس‪ ،‬وأنهيا تنفير مين صيهيل الخييل‪" .‬وميا تنفقوا مين شييء" أي تتصيدقوا‪ .‬وقييل‪ :‬تنفقوه‬
‫على أنفسيكم أو خيلكيم‪" .‬فيي سيبيل ال يوف إليكيم" فيي الخرة‪ ،‬الحسينة بعشير أمثالهيا إلى سيبعمائة‬
‫ضعف‪ ،‬إلى أضعاف كثيرة‪" .‬وأنتم ل تظلمون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 61 :‬وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على ال إنه هو السميع العليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن جنحوا للسلم فاجنيح لها" إنما قال "لها" لن السيلم مؤنثية‪ .‬ويجوز أن يكون‬
‫التأنييث للفعلة‪ .‬والجنوح المييل‪ .‬يقول‪ :‬إن مالوا ‪ -‬يعنيي الذيين نبيذ إليهيم عهدهيم ‪ -‬إلى المسيالمة‪ ،‬أي‬
‫الصيلح‪ ،‬فميل إليهيا‪ .‬وجنيح الرجيل إلى الخير‪ :‬مال إلييه‪ ،‬ومنيه قييل للضلع جوانيح‪ ،‬لنهيا مالت‬
‫على الحشوة‪ .‬وجنحت البل‪ :‬إذا مالت أعناقها في السير‪ .‬وقال ذو الرمة‪:‬‬
‫بذكراك والعيس المراسيل جنح‬ ‫إذا مات فوق الرحل أحييت روحه‬
‫وقال النابغة‪:‬‬
‫إذا ما التقى الجمعان أول غالب‬ ‫جوانح قد أيقن أن قبيله‬
‫يعنيي الطيير‪ .‬وجنيح اللييل إذا أقبيل وأمال أطنابيه على الرض‪ .‬والسيلم والسيلم هيو الصيلح‪ .‬وقرأ‬
‫العميش وأبو بكير وابن محيصن والمفضل "للسلم" بكسير السين‪ .‬الباقون بالفتيح‪ .‬وقد تقدم معنيى‬
‫ذلك فيي "البقرة" مسيتوفى‪ .‬وقيد يكون السيلم مين التسيليم‪ .‬وقرأ الجمهور "فاجنيح" بفتيح النون‪،‬‬
‫وهيي لغية تمييم‪ .‬وقرأ الشهيب العقيلي "فاجنيح" بضيم النون‪ ،‬وهيي لغية قييس‪ .‬قال ابين جنيي‪ :‬وهذه‬
‫اللغة هي القياس‪.‬‬
‫@ وقيد اختلف فيي هذه اليية‪ ،‬هيل هيي منسيوخة أم ل‪ .‬فقال قتادة وعكرمية‪ :‬نسيخها "فاقتلوا‬
‫المشركيين حييث وجدتموه" [التوبية‪" .]5 :‬وقاتلوا المشركيين كافية" [التوبية‪ ]36 :‬وقال‪ :‬نسيخت‬
‫براءة كل موادعة‪ ،‬حتى يقولوا ل إله إل ال‪ .‬ابن عباس‪ :‬الناسخ لها "فل تهنوا وتدعوا إلى السلم"‬
‫[محمد‪ .]35 :‬وقيل‪ :‬ليست بمنسوخة‪ ،‬بل أراد قبول الجزية من أهل الجزية‪ .‬وقد صالح أصحاب‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي زمين عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه ومين بعده مين الئمية‬
‫كثيرا ميين بلد العجييم‪ ،‬على مييا أخذوه منهييم‪ ،‬وتركوهييم على مييا هييم فيييه‪ ،‬وهييم قادرون على‬
‫استئصالهم‪ .‬وكذلك صالح رسول ال صلى ال عليه وسلم كثيرا من أهل البلد على مال يؤدونه‪،‬‬
‫مين ذلك خييبر‪ ،‬رد أهلهيا إليهيا بعيد الغلبية على أن يعملوا ويؤدوا النصيف‪ .‬قال ابين إسيحاق‪ :‬قال‬
‫مجاهد عنى بهذه الية قريظة‪ ،‬لن الجزية تقبل منهم‪ ،‬فأما المشركون فل يقبل منهم شيء‪ .‬وقال‬
‫السدي وابن زيد‪ :.‬معنى الية إن دعوك إلى الصلح فأجبهم‪ .‬ول نسخ فيها‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وبهذا‬
‫يختلف الجواب عنييه‪ ،‬وقييد قال ال عييز وجييل‪" :‬فل تهنوا وتدعوا إلى السييلم وأنتييم العلون وال‬
‫معكم" [محمد‪ .]35 :‬فإذا كان المسلمون على عزة وقوة ومنعة‪ ،‬وجماعة عديدة‪ ،‬وشدة شديدة فل‬
‫صلح‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫وتضرب بالبيض الرقاق الجماجم‬ ‫فل صلح حتى تطعن الخيل بالقنا‬
‫وإن كان للمسييلمين مصييلحة فييي الصييلح‪ ،‬لنفييع يجتلبونييه‪ ،‬أو ضرر يدفعونييه‪ ،‬فل بأس أن يبتدئ‬
‫المسيلمون به إذا احتاجوا إليه‪ .‬وقيد صيالح رسيول ال صلى ال عليه وسلم أهل خييبر على شروط‬
‫نقضوها فنقض صلحهم‪ .‬وقد صالح الضمري وأكيدر دومة وأهل نجران‪ ،‬وقد هادن قريشا لعشرة‬
‫أعوام حتيى نقضوا عهده‪ .‬وميا زالت الخلفاء والصيحابة على هذه السيبيل التيي شرعناهيا سيالكة‪،‬‬
‫وبالوجوه التي شرحناها عاملة‪ .‬قال القشيري‪ :‬إذا كانت القوة للمسلمين فينبغي أل تبلغ الهدنة سنة‪.‬‬
‫وإذا كانيت القوة للكفار جاز مهادنتهيم عشير سينين‪ ،‬ول تجوز الزيادة‪ .‬وقيد هادن رسيول ال صيلى‬
‫ال علييه وسيلم أهيل مكية عشير سينين‪ .‬قال ابين المنذر‪ :‬اختلف العلماء فيي المدة التيي كانيت بيين‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وبيين أهيل مكية عام الحديبيية‪ ،‬فقال عروة‪ :‬كانيت أربيع سينين‪ .‬وقال ابين‬
‫جريج‪ :‬كانت ثلث سنين‪ .‬وقال ابن إسحاق‪ :‬كانت عشر سنين‪ .‬وقال الشافعي رحمه ال‪ :‬ل تجوز‬
‫مهادنة المشركين أكثر من عشر سنين‪ ،‬على ما فعل النبي صلى ال عليه وسلم عام الحديبية‪ ،‬فإن‬
‫هودن المشركون أكثير مين ذلك فهيي منتقضية‪ ،‬لن الصيل فرض قتال المشركيين حتيى يؤمنوا أو‬
‫يعطوا الجزية‪ .‬وقال ابن حبيب عن مالك رضي ال عنه‪ :‬تجوز مهادنة المشركين السنة والسنتين‬
‫والثلث‪ ،‬وإلى غيير مدة‪ .‬قال المهلب‪ :‬إنميا قاضاهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم هذه القضيية التيي‬
‫ظاهرهيا الوهين على المسيلمين‪ ،‬لسيبب حبيس ال ناقية رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عين مكية‪،‬‬
‫حين توجه إليها فبركت‪ .‬وقال‪( :‬حبسها حابس الفيل)‪ .‬على ما خرجه البخاري من حديث المسور‬
‫بن مخرمة‪ .‬ودل على جواز صلح المشركين ومهادنتهم دون مال يؤخذ منهم‪ ،‬إذا رأى ذلك المام‬
‫وجها‪ .‬ويجوز عند الحاجة للمسلمين عقد الصلح بمال يبذلونه للعدو‪ ،‬لموادعة النبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم عيينية بين حصين الفزاري‪ ،‬والحارث بين عوف المري يوم الحزاب‪ ،‬على أن يعطيهميا ثلث‬
‫ثمر المدينة‪ ،‬وينصرفا بمن معهما من غطفان ويخذل قريشا‪ ،‬ويرجعا بقومهما عنهم‪ .‬وكانت هذه‬
‫المقالة مراوضية ولم تكين عقدا‪ .‬فلميا رأى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم منهميا أنهميا قيد أنابيا‬
‫ورضيا استشار سعد بن معاذ وسعد بن عبادة‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬هذا أمر تحبه فنصنعه لك‪ ،‬أو‬
‫شيء أمرك ال به فنسمع له ونطيع‪ ،‬أو أمر تصنعه لنا؟ فقال‪( :‬بل أمر أصنعه لكم فإن العرب قد‬
‫رمتكم عن قوس واحدة)‪ ،‬فقال له سعد بن معاذ‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬وال قد كنا نحن وهؤلء القوم على‬
‫الشرك وعبادة الوثان‪ ،‬ل نعبييد ال ول نعرفييه‪ ،‬ومييا طمعوا قييط أن ينالوا منييا ثمرة‪ ،‬إل شراء أو‬
‫قرى‪ ،‬فحييين أكرمنييا ال بالسييلم‪ ،‬وهدانييا له وأعزنييا بييك‪ ،‬نعطيهييم أموالنييا! وال ل نعطيهييم إل‬
‫السيف‪ ،‬حتى يحكم ال بيننا وبينهم‪ .‬فسر بذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم وقال‪( :‬أنتم وذاك)‪.‬‬
‫وقال لعيينية والحارث‪( :‬انصيرفا فلييس لكميا عندنيا إل السييف)‪ .‬وتناول سيعد الصيحيفة‪ ،‬ولييس فيهيا‬
‫شهادة أن ل إله إل ال فمحاها‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 63 - 62 :‬وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسيبك ال هيو الذي أيدك بنصيره‬
‫وبالمؤمنيين‪ ،‬وألف بيين قلوبهيم لو أنفقيت ميا فيي الرض جميعيا ميا ألفيت بيين قلوبهيم ولكين ال ألف‬
‫بينهم إنه عزيز حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يريدوا أن يخدعوك" أي بأن يظهروا لك السيلم‪ ،‬ويبطنوا الغدر والخيانية‪،‬‬
‫فاجنح فما عليك من نياتهم الفاسدة‪" .‬فإن حسبك ال" كافيك ال‪ ،‬أي يتولى كفايتك وحياطتك‪ .‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫فحسبك والضحاك سيف مهند‬ ‫إذا كانت الهيجاء وانشقت العصا‬
‫أي كافيك وكافي الضحاك سيف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هيو الذي أيدك بنصيره" أي قواك بنصيره‪ .‬يرييد يوم بدر‪" .‬وبالمؤمنيين" قال‬
‫النعمان بين بشيير‪ :‬نزلت فيي النصيار‪" .‬وألف بيين قلوبهيم" أي جميع بيين قلوب الوس والخزرج‪.‬‬
‫وكان تألف القلوب ميييع العصيييبية الشديدة فيييي العرب مييين آيات النيييبي صيييلى ال علييييه وسيييلم‬
‫ومعجزاتيه‪ ،‬لن أحدهيم كان يلطيم اللطمية فيقاتيل عنهيا حتيى يسيتقيدها‪ .‬وكانوا أشيد خلق ال حميية‪،‬‬
‫فألف ال باليمان بينهييم‪ ،‬حتييى قاتييل الرجييل أباه وأخاه بسييبب الدييين‪ .‬وقيييل‪ :‬أراد التأليييف بييين‬
‫المهاجرين والنصار‪ .‬والمعنى متقارب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 64 :‬يا أيها النبي حسبك ال ومن اتبعك من المؤمنين}‬
‫@لييس هذا تكريرا‪ ،‬فإنيه قال فيميا سيبق‪" :‬وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسيبك ال" وهذه كفايية‬
‫خاصية‪ .‬وفيي قوله‪" :‬ييا أيهيا النيبي حسيبك ال" أراد التعمييم‪ ،‬أي حسيبك ال فيي كيل حال وقال ابين‬
‫عباس‪ :‬نزلت فيي إسيلم عمير فإن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان أسيلم معيه ثلثية وثلثون رجل‬
‫وسيت نسيوة‪ ،‬فأسيلم عمير وصياروا أربعيين‪ .‬واليية مكيية‪ ،‬كتبيت بأمير رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم في سورة مدنية‪ ،‬ذكره القشيري‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما ذكره من إسلم عمر رضي ال عنه عن ابن عباس‪ ،‬فقد وقع في السيرة خلفه‪ .‬عن‬
‫عبدال بين مسيعود قال‪( :‬ميا كنيا نقدر على أن نصيلي عنيد الكعبية حتيى أسيلم عمير‪ ،‬فلميا أسيلم قاتيل‬
‫قريشيا حتيى صيلى عنيد الكعبية وصيلينا معيه‪ .‬وكان إسيلم عمير بعيه خروج مين خرج مين أصيحاب‬
‫رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم إلى الحبشيية‪ ).‬قال ابيين إسييحاق‪ :‬وكان جميييع ميين لحييق بأرض‬
‫الحبشية وهاجير إليهيا مين المسيلمين‪ ،‬سيوى أبنائهيم الذيين خرجوا بهيم صيغارا أو ولدوا بهيا‪ ،‬ثلثية‬
‫وثمانين رجل‪ ،‬إن كان عمار بن ياسر منهم‪ .‬وهو يشك فيه‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬نزلت الية بالبيداء في‬
‫غزوة بدر قبل القتال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميين اتبعييك ميين المؤمنييين" قيييل‪ :‬المعنييى حسييبك ال‪ ،‬وحسييبك المهاجرون‬
‫والنصار‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى كافيك ال‪ ،‬وكافي من تبعك‪ ،‬قال الشعبي وابن زيد‪ .‬والول عن الحسن‪.‬‬
‫واختاره النحاس وغيره‪ .‬فيي "مين" على القول الول فيي موضيع رفيع‪ ،‬عطفيا على اسيم ال تعالى‪.‬‬
‫على معنى‪ :‬فإن حسبك ال وأتباعك من المؤمنين‪ .‬وعلى الثاني على إضمار‪ .‬ومثله قوله صلى ال‬
‫علييه وسيلم‪( :‬يكفينييه ال وأبناء قيلة)‪ .‬وقييل‪ :‬يجوز أن يكون المعنيى "ومين اتبعيك مين المؤمنيين"‬
‫حسيبهم ال‪ ،‬فيضمير الخيبر‪ .‬ويجوز أن يكون "مين" فيي موضيع نصيب‪ ،‬على معنيى‪ :‬يكفييك ال‬
‫ويكفي من اتبعك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 66 - 65 :‬ييا أيهيا النيبي حرض المؤمنيين على القتال إن يكين منكيم عشرون‬
‫صيابرون يغلبوا مائتيين وإن يكين منكيم مائة يغلبوا ألفيا مين الذيين كفروا بأنهيم قوم ل يفقهون‪ ،‬الن‬
‫خفيف ال عنكيم وعلم أن فيكيم ضعفيا فإن يكين منكيم مائة صيابرة يغلبوا مائتيين وإن يكين منكيم ألف‬
‫يغلبوا ألفين بإذن ال وال مع الصابرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال" أي حثهم وحضهم‪ .‬يقال‪ :‬حارض على‬
‫المر وواظب وأكب بمعنى واحد‪ .‬والحارض‪ :‬الذي قد قارب الهلك‪ ،‬ومنه قوله عز وجل‪" :‬حتى‬
‫تكون حرضا" [يوسف‪ ]85 :‬أي تذوب غما‪ ،‬فتقارب الهلك فتكون من الهالكين‪" .‬إن يكن منكم‬
‫عشرون صييابرون يغلبوا مائتييين" لفييظ خييبر‪ ،‬ضمنييه وعييد بشرط‪ ،‬لن معناه إن يصييبر منكييم‬
‫عشرون صيابرون يغلبوا مائتيين‪ .‬وعشرون وثلثون وأربعون كيل واحيد منهيا اسيم موضوع على‬
‫صيورة الجميع لهذا العدد‪ .‬ويجري هذا السيم مجرى فلسيطين‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬لم كسير أول عشريين‬
‫وفتيح أول ثلثيين وميا بعده إلى الثمانيين إل سيتين؟ فالجواب عنيد سييبويه أن عشريين مين عشرة‬
‫بمنزلة اثنييين ميين واحييد‪ ،‬فكسيير أول عشرييين كمييا كسيير اثنان‪ .‬والدليييل على هذا قولهييم‪ :‬سييتون‬
‫وتسييعون‪ ،‬كمييا قيييل‪ :‬سييتة وتسييعة‪ .‬وروى أبييو داود عيين ابيين عباس قال‪ :‬نزلت "إن يكيين منكييم‬
‫عشرون صيابرون يغلبوا مائتيين" فشيق ذلك على المسيلمين‪ ،‬حيين فرض ال عليهيم أل يفير واحيد‬
‫من عشرة‪ ،‬ثم إنه جاء التخفيف فقال‪" :‬ألن خفف ال عنكم" قرأ أبو توبة إلى قوله‪" :‬مائة صابرة‬
‫يغلبوا مائتيين"‪ .‬قال‪ :‬فلميا خفيف ال تعالى عنهيم مين العدد نقيص مين الصيبر بقدر ميا خفيف عنهيم‪.‬‬
‫وقال ابيين العربييي‪ :‬قال قوم إن هذا كان يوم بدر ونسييخ‪ .‬وهذا خطييأ ميين قائله‪ .‬ولم ينقييل قييط أن‬
‫المشركيين صيافوا المسيلمين عليهيا‪ ،‬ولكين الباري جيل وعيز فرض ذلك عليهيم أول‪ ،‬وعلق ذلك‬
‫بأنكم تفقهون ما تقاتلون عليه‪ ،‬وهو الثواب‪ .‬وهم ل يعلمون ما يقاتلون عليه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحديث ابن عباس يدل على أن ذلك فرض‪ .‬ثم لما شق ذلك عليهم حط الفرض إلى ثبوت‬
‫الواحد للثنين‪ ،‬فخفيف عنهيم وكتب عليهيم أل يفير مائة من مائتين‪ ،‬فهيو على هذا القول تخفييف ل‬
‫نسيخ‪ .‬وهذا حسين‪ .‬وقيد ذكير القاضيي ابين الطييب أن الحكيم إذا نسيخ بعضيه أو بعيض أوصيافه‪ ،‬أو‬
‫غير عدده فجائز أن يقال إنه نسخ‪ ،‬لنه حينئذ ليس بالول‪ ،‬بل هو غيره‪ .‬وذكر في ذلك خلفا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 67 :‬ميا كان لنيبي أن يكون له أسيرى حتيى يثخين فيي الرض تريدون عرض الدنييا‬
‫وال يريد الخرة وال عزيز حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أسيرى" جميع أسيير‪ ،‬مثيل قتييل وقتلى وجرييح وجرحيى‪ .‬ويقال فيي جميع أسيير‬
‫أيضا‪ :‬أسارى (بضم الهمزة) وأسارى (بفتحها) وليست بالعالية‪ .‬وكانوا يشدون السير بالقد وهو‬
‫السار‪ ،‬فسمي كل أخيذ وإن لم يؤسر أسيرا‪ .‬قال العشى‪:‬‬
‫كما قيد السرات الحمارا‬ ‫وقيدني الشعر في بيته‬
‫وقيد مضيى هذا فيي سيورة "البقرة"‪ .‬وقال أبيو عمير بين العلء‪ :‬السيرى هيم غيير الموثقيين عنيد ميا‬
‫يؤخذون‪ ،‬والسارى هم الموثقون ربطا‪ .‬وحكى أبو حاتم أنه سمع هذا من العرب‪.‬‬
‫@ هذه الية نزلت يوم بدر‪ ،‬عتابا من ال عز وجل لصحاب نبيه صلى ال عليه وسلم‪ .‬والمعنى‪:‬‬
‫ما كان ينبغي لكم أن تفعلوا هذا الفعل الذي أوجب أن يكون للنبي صلى ال عليه وسلم أسرى قبل‬
‫الثخان‪ .‬ولهيم هذا الخبار بقوله "تريدون عرض الدنييا"‪ .‬والنيبي صيلى ال علييه وسيلم لم يأمير‬
‫باسيتبقاء الرجال وقيت الحرب‪ ،‬ول أراد قيط عرض الدنييا‪ ،‬وإنميا فعله جمهور مباشري الحرب‪،‬‬
‫فالتوبييخ والعتاب إنميا كان متوجهيا بسيبب مين أشار على النيبي صيلى ال علييه وسيلم بأخيذ الفديية‪.‬‬
‫هذا قول أكثر المفسرين‪ ،‬وهو الذي ل يصح غيره‪ .‬وجاء ذكر النبي صلى ال عليه وسلم في الية‬
‫حيين لم ينيه عنيه حيين رآه مين العرييش وإذ كره سيعد بين معاذ وعمير بين الخطاب وعبدال بين‬
‫رواحة‪ ،‬ولكنه عليه السلم شغله بغت المر ونزول النصر فترك النهي عن الستبقاء‪ ،‬ولذلك بكى‬
‫هو وأبو بكر حين نزلت اليات‪ .‬وال أعلم‪ .‬روى مسلم من حديث عمر بن الخطاب‪ ،‬وقد تقدم أول‬
‫فيي "آل عمران" وهذا تماميه‪ .‬قال أبيو زمييل‪ :‬قال ابين عباس فلميا أسيروا السيارى قال رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم لبيي بكير وعمير‪( :‬ميا ترون فيي هؤلء السيارى)؟ فقال أبيو بكير‪ :‬ييا رسيول‬
‫ال‪ ،‬هييم بنيو العييم والعشيرة‪ ،‬أرى أن تأخييذ منهييم فدييية‪ ،‬فتكون لنيا قوة على الكفار‪ ،‬فعسييى ال أن‬
‫يهديهم للسلم‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ما ترى يا ابن الخطاب)؟ قلت‪ :‬ل وال يا‬
‫رسيول ال‪ ،‬ميا أرى الذي رأى أبيو بكير‪ ،‬ولكنيي أرى أن تمكنيا فنضرب أعناقهيم‪ ،‬فتمكين علييا مين‬
‫عقيييل فيضرب عنقييه‪ ،‬وتمكنييي ميين فلن (نسيييبا لعميير) فأضرب عنقييه‪ ،‬فإن هؤلء أئميية الكفيير‬
‫وصناديدها‪ .‬فهوي رسول ال صلى ال عليه وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت‪ ،‬فلما كان من‬
‫الغيد جئت فإذا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وأبيو بكير قاعديين يبكيان‪ ،‬فقلت‪ :‬ييا رسيول ال‪،‬‬
‫أخييبرني ميين أي شيييء تبكييي أنييت وصيياحبك‪ ،‬فإن وجدت بكاء بكيييت‪ ،‬وإن لم أجييد بكاء تباكيييت‬
‫لبكائكما‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء‬
‫لقيد عرض علي عذابهيم أدنيى مين هذه الشجرة) (شجرة قريبية كانيت مين نيبي ال صيلى ال علييه‬
‫وسيلم) وأنزل ال عيز وجيل "ميا كان لنيبي أن يكون له أسيرى حتيى يثخين فيي الرض" إلى قوله‬
‫تعالى‪" :‬فكلوا مما غنمتم حلل طيبا" [النفال‪ ]69 :‬فأحل ال الغنيمة لهم‪.‬‬
‫وروى يزييد بين هارون قال‪ :‬أخبرنيا يحييى قال حدثنيا أبيو معاويية عين العميش عين عمرو بين‬
‫مرة عين أبيي عيبيدة عين عبدال قال‪ :‬لميا كان يوم بدر جييء بالسيارى وفيهيم العباس‪ ،‬فقال رسيول‬
‫ال صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬مييا ترون فييي هؤلء السييارى) فقال أبييو بكيير‪ :‬يييا رسييول ال قومييك‬
‫وأهلك‪ ،‬اسيتبقهم لعيل ال أن يتوب عليهيم‪ .‬وقال عمير‪ :‬كذبوك وأخرجوك وقاتلوك‪ ،‬قدمهيم فأضرب‬
‫أعناقهيم‪ .‬وقال عبدال بين رواحية‪ :‬انظير وادييا كثيير الحطيب فأضرميه عليهيم‪ .‬فقال العباس وهيو‬
‫يسمع‪ :‬قطعت رحمك‪ .‬قال‪ :‬فدخل رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يرد عليهم شيئا‪ .‬فقال أناس‪:‬‬
‫يأخيذ بقول أبيي بكير رضيي ال عنيه‪ .‬وقال أناس‪ :‬يأخيذ بقول عمير‪ .‬وقال أناس‪ :‬يأخيذ بقول عبدال‬
‫بن رواحة‪ .‬فخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال‪( :‬إن ال ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون‬
‫ألين من اللبن ويشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة‪ .).‬مثلك يا أبا بكر مثل إبراهيم‬
‫قال "فمن تبعني فإنه مني ومن عصاني فإنك غفور رحيم" [إبراهيم‪ ]36 :‬ومثلك يا أبا بكر مثل‬
‫عيسى إذ قال "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكييم" [المائدة‪.]118 :‬‬
‫ومثلك يييا عميير كمثييل نوج عليييه السييلم إذ قال "رب ل تذر على الرض ميين الكافرييين ديارا"‬
‫[نوح‪ .]26 :‬ومثلك يا عمر مثل موسى عليه السلم إذ قال "ربنا اطمس على أموالهم واشدد على‬
‫قلوبهيم فل يؤمنوا حتيى يروا العذاب اللييم" [يونيس‪ ]88 :‬أنتيم عالة فل ينفلتين أحيد إل بفداء أو‬
‫ضربية عنيق)‪ .‬فقال عبدال‪ :‬إل سيهيل بين بيضاء فإنيي سيمعته يذكير السيلم‪ .‬فسيكت رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬قال‪ :‬فما رأيتني أخوف أن تقع علي الحجارة من السماء مني في ذلك اليوم‪.‬‬
‫فأنزل ال عيز وجيل‪" :‬ميا كان لنيبي أن يكون له أسيرى حتيى يثخين فيي الرض" إلى آخير اليتيين‪.‬‬
‫فيي روايية فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إن كاد ليصييبنا فيي خلف ابين الخطاب عذاب‬
‫ولو نزل عذاب ميا أفلت إل عمير)‪ .‬وروى أبيو داود عين عمير قال‪ :‬لميا كان يوم بدر وأخيذ ‪ -‬يعنيي‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ -‬الفداء‪ ،‬أنزل ال عز وجل "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى‬
‫يثخين فيي الرض" إلى قوله "لمسيكم فيميا أخذتيم ‪ -‬مين الفداء ‪ -‬عذاب عظييم" [النفال‪ .]68:‬ثيم‬
‫أحيل الغنائم‪ .‬وذكير القشيري أن سيعد بين معاذ قال‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬إنيه أول وقعية لنيا ميع المشركيين‬
‫فكان الثخان أحيب إلي‪ .‬والثخان‪ :‬كثرة القتيل‪ ،‬عين مجاهيد وغيره‪ .‬أي يبالغ فيي قتيل المشركيين‪.‬‬
‫تقول العرب‪ :‬أثخن فلن في هذا المر أي بالغ‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬حتى يقهر ويقتل‪ .‬وأنشد المفضل‪:‬‬
‫وقد أثخنت فرعون في كفره كفرا‬ ‫تصلي الضحى ما دهرها بتعبد‬
‫وقيل‪" :‬حتى يثخن" يتمكن‪ .‬وقيل‪ :‬الثخان القوة والشدة‪ .‬فأعلم ال سبحانه وتعالى أن قتل السرى‬
‫الذيييين فودوا ببدر كان أولى مييين فدائهيييم‪ .‬وقال ابييين عباس رضيييي ال عنيييه‪ :‬كان هذا يوم بدر‬
‫والمسلمون يومئذ قليل‪ ،‬فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل ال عز وجل بعد هذا في السارى‪" :‬فإما‬
‫منا بعد وإما فداء" [محمد‪ ]4 :‬على ما يأتي بيانه في سورة "القتال" إن شاء ال تعالى‪ .‬وقد قيل‪:‬‬
‫إنمييا عوتبوا لن قضييية بدر كانييت عظيميية الموقييع والتصييريف فييي صييناديد قريييش وأشرافهييم‬
‫وسياداتهم وأموالهيم بالقتيل والسيترقاق والتملك‪ .‬وذلك كله عظييم الموقيع فكان حقهيم أن ينتظروا‬
‫الوحي ول يستعجلوا‪ ،‬فلما استعجلوا ولم ينتظروا توجه عليهم ما توجه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ أسيند الطيبري وغيره أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال للناس‪( :‬إن شئتيم أخذتيم فداء‬
‫السارى ويقتل منكم في الحرب سبعون على عددهم وإن شئتم قتلوا وسلمتم)‪ .‬فقالوا‪ :‬نأخذ الفداء‬
‫ويستشهد منا سبعون‪ .‬وذكر عبد بن حميد بسنده أن جبريل عليه السلم نزل على النبي صلى ال‬
‫علييه وسيلم بتخييير الناس هكذا‪ .‬وقيد مضيى فيي "آل عمران" القول فيي هذا‪ .‬وقال عيبيدة السيلماني‪:‬‬
‫طلبوا الخيرتييين كلتيهمييا‪ ،‬فقتييل منهييم يوم أحييد سييبعون‪ .‬وينشييأ هنييا إشكال وهييو أن يقال‪ :‬إذا كان‬
‫التخييير فكييف وقيع التوبييخ بقوله "لمسيكم"‪ .‬فالجواب ‪ -‬أن التوبييخ وقيع أول لحرصيهم على أخيذ‬
‫الفداء‪ ،‬ثم وقع التخييير بعد ذلك‪ .‬ومما يدل على ذلك أن المقداد قال حين أمير رسول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم بقتل عقبة بن أبي معيط‪ :‬أسيري يا رسول ال‪ .‬وقال مصعب بن عمير الذي أسر أخاه‪:‬‬
‫شيد علييه يدك‪ ،‬فإن له أميا موسيرة‪ .‬إلى غيير ذلك مين قصيصهم وحرصيهم على أخيذ الفداء‪ .‬فلميا‬
‫تحصل السارى وسيقوا إلى المدينة وأنفذ رسول ال صلى ال عليه وسلم القتل في النضر وعقبة‬
‫وغيرهما وجعل يرتئي في سائرهم نزل التخيير من ال عز وجل‪ ،‬فاستشار رسول ال صلى ال‬
‫علييه وسيلم أصيحابه حينئذ‪ .‬فمير عمير على أول رأييه فيي القتيل‪ ،‬ورأى أبيو بكير المصيلحة فيي قوه‬
‫المسييلمين بمال الفداء‪ .‬ومال رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم إلى رأي أبييي بكيير‪ .‬وكل الرأيييين‬
‫اجتهاد بعد تخيير‪ .‬فلم ينزل بعد على هذا شيء من تعنيت‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ قال ابين وهيب‪ :‬قال مالك كان ببدر أسيارى مشركون فأنزل ال "ميا كان لنيبي أن يكون له‬
‫أسييرى حتييى يثخيين فييي الرض"‪ .‬وكانوا يومئذ مشركييين وفادوا ورجعوا‪ ،‬ولو كانوا مسييلمين‬
‫لقاموا ولم يرجعوا‪ .‬وكان عدة من قتل منهم أربعة وأربعين رجل‪ ،‬ومثلهم أسروا‪ .‬وكان الشهداء‬
‫قليل‪ .‬وقال أبيو عمرو بين العلء‪ :‬إن القتلى كانوا سيبعين‪ ،‬والسيرى كذلك‪ .‬وكذلك قال ابين عباس‬
‫وابن المسيب وغيرهم‪ .‬وهو الصحيح كما في صحيح مسلم‪ ،‬فقتلوا يومئذ سبعين وأسروا سبعين‪.‬‬
‫وذكير البيهقيي قالوا‪ :‬فجييء بالسيارى وعليهيم شقران مولى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وهيم‬
‫تسيعة وأربعون رجل الذيين أحصيوا‪ ،‬وهيم سيبعون فيي الصيل‪ ،‬مجتميع علييه ل شيك فييه‪ .‬قال ابين‬
‫العربي‪ :‬إنما قال مالك "وكانوا مشركين" لن المفسرين رووا أن العباس قال للنبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم‪ :‬إنيي مسيلم‪ .‬وفيي روايية أن السيارى قالوا للنيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬آمنيا بيك‪ .‬وهذا كله‬
‫ضعفيه مالك‪ ،‬واحتيج على إبطاله بميا ذكير مين رجوعهيم وزيادة علييه أنهيم غزوه فيي أحيد‪ .‬قال أبيو‬
‫عمير بين عبدالبر‪ :‬اختلفوا فيي وقيت إسيلم العباس‪ ،‬فقييل‪ :‬أسيلم قبيل يوم بدر‪ ،‬ولذلك قال صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬من لقي العباس فل يقتله فإنما أخرج كرها)‪ .‬وعن ابن عباس أن رسول ال صلى ال‬
‫علييه وسيلم قال يوم بدر‪( :‬إن أناسيا مين بنيي هاشيم وغيرهيم قيد أخرجوا كرهيا ل حاجية لهيم بقتالنيا‬
‫فمين لقيي منكيم أحدا مين بنيي هاشيم فل يقتله ومين لقيي أبيا البختري فل يقتله ومين لقيي العباس فل‬
‫يقتله فإنه إنما أخرج مستكرها) وذكر الحديث‪ .‬وذكر أنه أسلم حين أسر يوم بدر‪ .‬وذكر أنه أسلم‬
‫عام خيبر‪ ،‬وكان يكتب لرسول ال صلى ال عليه وسلم بأخبار المشركين‪ ،‬وكان يحب أن يهاجر‬
‫فكتب إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أمكث بمكة فمقامك بها أنفع لنا)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 68 :‬لول كتاب من ال سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لول كتاب من ال سبق" في أنه ل يعذب قوما حتى يبين لهم ما يتقون‪ .‬واختلف‬
‫الناس فيي كتاب ال السيابق على أقوال‪ ،‬أصيحها ميا سيبق مين إحلل الغنائم‪ ،‬فإنهيا كانيت محرمية‬
‫على مين قبلنيا‪ .‬فلميا كان يوم بدر‪ ،‬أسيرع الناس إلى الغنائم فأنزل ال عيز وجيل "لول كتاب مين ال‬
‫سبق" أي بتحليل الغنائم‪ .‬وروى أبو داود الطيالسي في مسنده‪ :‬حدثنا سلم عن العمش عن أبي‬
‫صيالح عين أبيي هريرة قال‪ :‬لميا كان يوم بدر تعجيل الناس إلى الغنائم فأصيابوها‪ ،‬فقال رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن الغنيمة ل تحل لحد سود الرؤوس غيركم)‪ .‬فكان النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم وأصحابه إذا غنموا الغنيمة جمعوها ونزلت نار من السماء فأكلتها‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬لول‬
‫كتاب من ال سبق" إلى آخر اليتين‪ .‬وأخرجه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ ،‬وقال مجاهد‬
‫والحسن‪ .‬وعنهما أيضا وسعيد بن جبير‪ :‬الكتاب السابق هو مغفرة ال لهل بدر‪ ،‬ما تقدم أو تأخر‬
‫مين ذنوبهيم‪ .‬وقالت فرقية‪ :‬الكتاب السيابق هيو عفيو ال عنهيم فيي هذا الذنيب‪ ،‬معينيا‪ .‬والعموم أصيح‪،‬‬
‫لقول رسول ال صلى ال عليه وسلم لعمر في أهل بدر‪( :‬وما يدريك لعل ال اطلع على أهل بدر‬
‫فقال أعملوا ميا شئتيم فقيد غفرت لكيم)‪ .‬خرجيه مسيلم‪ .‬وقييل‪ :‬الكتاب السيابق هيو أل يعذبهيم ومحميد‬
‫عليه السلم فيهم‪ .‬وقيل‪ :‬الكتاب السابق هو أل يعذب أحدا بذنب أتاه جاهل حتى يتقدم إليه‪ .‬وقالت‬
‫فرقة‪ :‬الكتاب السابق هو مما قضى ال من محو الصغائر باجتناب الكبائر‪ .‬وذهب الطبري إلى أن‬
‫هذه المعاني كلها داخلة تحت اللفظ وأنه يعمها‪ ،‬ونكب عن تخصيص معنى دون معنى‪.‬‬
‫@ ابن العربي‪ :‬وفي الية دليل على أن العبد إذا اقتحم ما يعتقده حراما مما هو في علم ال حلل‬
‫له ل عقوبية علييه‪ ،‬كالصيائم إذا قال‪ :‬هذا يوم نوبيي فأفطير الن‪ .‬أو تقول المرأة‪ :‬هذا يوم حيضتيي‬
‫فأفطر‪ ،‬ففعل ذلك‪ ،‬وكان النوب والحيض الموجبان للفطر‪ ،‬ففي المشهور من المذهب فيه الكفارة‪،‬‬
‫وبه قال الشافعي‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ل كفارة عليه‪ ،‬وهي الرواية الخرى‪ .‬وجه الرواية الولى أن‬
‫طرو الباحية ل يثبيت عذرا فيي عقوبية التحرييم عنيد الهتيك‪ ،‬كميا لو وطيئ امرأة ثيم نكحهيا‪ .‬وجيه‬
‫الرواية الثانية أن حرمة اليوم ساقطة عند ال عز وجل فصادف الهتك محل ل حرمة له في علم‬
‫ال‪ ،‬فكان بمنزلة ميا لو قصيد وطيء امرأة قيد زفيت إلييه وهيو يعتقدهيا أنهيا ليسيت بزوجتيه فإذا هيي‬
‫زوجتيه‪ .‬وهذا أصيح‪ .‬والتعلييل الول ل يلزم‪ ،‬لن علم ال سيبحانه وتعالى ميع علمنيا قيد اسيتوى فيي‬
‫مسألة التحريم‪ ،‬وفي مسألتنا اختلف فيها علمنا وعلم ال فكان المعول على علم ال‪ .‬كما قال‪" :‬لول‬
‫كتاب من ال سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 69 :‬فكلوا مما غنمتم حلل طيبا واتقوا ال إن ال غفور رحيم}‬
‫@ يقتضي ظاهره أن تكون الغنيمة كلها للغانمين‪ ،‬وأن يكونوا مشتركين فيها على السواء‪ ،‬إل أن‬
‫قوله تعالى‪" :‬واعلموا أنميا غنمتيم مين شييء فأن ل خمسيه" [النفال‪ ]41 :‬بيين وجوب إخراج‬
‫الخمس منه وصرفه إلى الوجوه المذكورة‪ .‬وقد تقدم القول في هذا مستوفى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 71 - 70 :‬يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من السرى إن يعلم ال في قلوبكم خيرا‬
‫يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم وال غفور رحيم‪ ،‬وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا ال من قبل‬
‫فأمكن منهم وال عليم حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها النبي قل لمن في أيديكم من السرى" قيل‪ :‬الخطاب للنبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم وأصيحابه‪ .‬وقييل‪ :‬له وحده‪ .‬وقال ابين عباس رضيي ال عنيه‪ :‬السيرى فيي هذه اليية عباس‬
‫وأصحابه‪ .‬قالوا للنبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬أمنا بما جئت به‪ ،‬ونشهد أنك رسول ال‪ ،‬لننصحن لك‬
‫على قومك‪ ،‬فنزلت هذه الية‪ .‬وقد تقدم بطلن هذا من قول مالك‪ .‬وفي مصنف أبي داود عن ابن‬
‫عباس رضيي ال عنيه أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم جعيل فداء أهيل الجاهليية يوم بدر أربعمائة‪.‬‬
‫وعن ابن إسحاق‪ :‬بعثت قريش إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم في فداء أسراهم‪ ،‬ففدى كل قوم‬
‫أسييرهم بميا رضوا‪ .‬وقال العباس‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬إنيي قيد كنيت مسيلما‪ .‬فقال رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم‪( :‬ال أعلم بإسيلمك فإن يكين كميا تقول فال يجزييك بذلك فأميا ظاهير أمرك فكان علينيا‬
‫فافد نفسك وابني أخويك نوفل بن الحارث بن عبدالمطلب وعقيل بن أبي طالب وحليفك عتبة بن‬
‫عمرو أخا بني الحارث بن فهير)‪ .‬وقال‪ :‬ما ذاك عندي يا رسول ال‪ .‬قال‪( :‬فأين المال الذي دفنته‬
‫أنت وأم الفضل فقلت لها إن أصبت في سفري هذا فهذا المال لبني الفضل وعبدال وقثم) ؟ فقال‪:‬‬
‫يا رسول ال‪ ،‬إني لعلم أنك رسول ال‪ ،‬إن هذا لشيء ما علمه غيري وغير أم الفضل‪ ،‬فاحسب‬
‫لي يا رسول ال ميا أصيبتم منيي عشريين أوقيية من مال كان معيي‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم‪( :‬ل ذاك شييء أعطانيا ال منيك)‪ .‬ففدى نفسيه وابنيي أخوييه وحليفيه‪ ،‬وأنزل ال فييه‪" :‬ييا أيهيا‬
‫النبي قل لمن في أيديكم من السرى" الية‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬وكان أكثر السارى فداء العباس بن‬
‫عبدالمطلب‪ ،‬لنييه كان رجل موسييرا‪ ،‬فافتدى نفسييه بمائة أوقييية ميين ذهييب‪ .‬وفييي البخاري‪ :‬وقال‬
‫موسيى بن عقبة قال ابين شهاب‪ :‬حدثنيي أنس بين مالك أن رجال من النصيار استأذنوا رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم فقالوا‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬ائذن لنا فلنترك لبن أختنيا عباس فداءه‪ .‬فقال‪( :‬ل وال‬
‫ل تذرون درهميا)‪ .‬وذكير النقاش وغيره أن فداء كيل واحيد مين السيارى كان أربعيين أوقيية‪ ،‬إل‬
‫العباس فإن النييبي صييلى ال عليييه وسييلم قال‪( :‬أضعفوا الفداء على العباس) وكلفييه أن يفدي ابنييي‬
‫أخويه عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث فأدى عنهما ثمانين أوقية‪ ،‬وعن نفسه ثمانين أوقية‬
‫وأخيذ منيه عشرون أوقيية وقيت الحرب‪ .‬وذلك أنيه كان أحيد العشرة الذيين ضمنوا الطعام لهيل‬
‫بدر‪ ،‬فبلغيت النوبية إلييه يوم بدر فاقتتلوا قبيل أن يطعيم‪ ،‬وبقييت العشرون معيه فأخذت منيه وقيت‬
‫الحرب‪ ،‬فأخيذ منيه يومئذ مائة أوقيية وثمانون أوقيية‪ .‬فقال العباس للنيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬لقيد‬
‫تركتني ما حييت أسأل قريشا بكفي‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أين الذهب الذي تركته عند‬
‫امرأتك أم الفضل)؟ فقال العباس‪ :‬أي ذهب؟ فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إنك قلت لها‬
‫ل أدري ميا يصييبني فيي وجهيي هذا فإن حدث بيي حدث فهيو لك ولولدك) فقال‪ :‬ييا ابين أخيي‪ ،‬مين‬
‫أخبرك بهذا؟ قال‪( :‬ال أخبرني)‪ .‬قال العباس‪ :‬أشهد أنك صادق‪ ،‬وما علمت أنك رسول ال قط إل‬
‫اليوم‪ ،‬وقد علمت أنه لم يطلعك عليه إل عالم السرائر‪ ،‬أشهد أن ل إله إل ال وأنك عبده ورسوله‪،‬‬
‫وكفرت بميا سيواه‪ .‬وأمير ابنيي أخوييه فأسيلما‪ ،‬ففيهميا نزلت "ييا أيهيا النيبي قيل لمين فيي أيديكيم مين‬
‫السرى"‪ .‬وكان الذي أسر العباس أبا اليسر كعب بن عمرو أخا بني سلمة‪ ،‬وكان رجل قصيرا‪،‬‬
‫وكان العباس ضخما طويل‪ ،‬فلما جاء به إلى النيبي صلى ال عليه وسلم قال له‪( :‬لقد أعانيك عليه‬
‫ملك)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن يعلم ال في قلوبكم خيرا" أي إسلما‪" .‬يؤتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم‬
‫وال غفور رحييم" أي مين الفديية‪ .‬قييل فيي الدنييا‪ .‬وقييل فيي الخرة‪ .‬وفيي صيحيح مسيلم أنيه لميا قدم‬
‫على النبي صلى ال عليه وسلم مال من البحرين قال له العباس‪ :‬إني فاديت نفسي وفاديت عقيل‪.‬‬
‫فقال له رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬خيذ) فبسيط ثوبيه وأخيذ ميا اسيتطاع أن يحمله‪ .‬مختصير‪.‬‬
‫فيي غيير الصيحيح‪ :‬فقال له العباس هذا خيير مميا أخيذ منيي‪ ،‬وأنيا بعيد أرجيو أن يغفير ال لي‪ .‬قال‬
‫العباس‪ :‬وأعطانيي زمزم‪ ،‬وميا أحب أن لي بهيا جمييع أموال أهل مكة‪ .‬وأسند الطيبري إلى العباس‬
‫أنيه قال‪ :‬فيي نزلت حيين أعلميت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بإسيلمي‪ ،‬وسيألته أن يحاسيبني‬
‫بالعشرين أوقية التي أخذت مني قبل المفاداة فأبى‪ .‬وقال‪( :‬ذلك فيء) فأبدلني ال من ذلك عشرين‬
‫عبدا كلهم تاجر بمالي‪ .‬وفي مصنف أبي داود عن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬لما بعث أهل مكة‬
‫فيي فداء أسيراهم بعثيت زينيب فيي فداء أبيي العاص بمال‪ ،‬وبعثيت فييه بقلدة لهيا كانيت عنيد خديجية‬
‫أدخلتها بها على أبي العاص‪ .‬قالت‪ :‬فلما رآها رسول ال صلى ال عليه وسلم رق لها رقة شديدة‬
‫وقال‪( :‬إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها)؟ فقالوا‪ :‬نعم‪ .‬وكان النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أخذ عليه أو وعده أن يخلي سبيل زينب إليه‪ .‬بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم زيد‬
‫بن حارثة ورجل من النصار فقال‪( :‬كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب فتصحباها حتى تأتيا‬
‫بها)‪ .‬قال ابن إسحاق‪ :‬وذلك بعد بدر بشهر‪ .‬قال عبدال بن أبي بكر‪ :‬حدثت عن زينب بنت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أنها قالت‪ :‬لما قدم أبو العاص مكة قال لي‪ :‬تجهزي‪ ،‬فالحقي بأبيك‪ .‬قالت‪:‬‬
‫فخرجت أتجهز فلقيتني هند بنت عتبة فقالت‪ :‬يا بنت محمد‪ ،‬ألم يبلغني أنك تريدين اللحوق بأبيك؟‬
‫فقلت لهييا‪ :‬مييا أردت ذلك‪ .‬فقالت‪ ،‬أي بنييت عييم‪ ،‬ل تفعلي‪ ،‬إنييي امرأة موسييرة وعندي سييلع ميين‬
‫حاجتيك‪ ،‬فإن أردت سيلعة بعتكهيا‪ ،‬أو قرضيا مين نفقية أقرضتيك‪ ،‬فإنيه ل يدخيل بيين النسياء ميا بيين‬
‫الرجال‪ .‬قالت‪ :‬فوال ما أراها قالت ذلك إل لتفعل‪ ،‬فخفتها فكتمتها وقلت‪ :‬ما أريد ذلك‪ .‬فلما فرغت‬
‫زينيب مين جهازهيا ارتحلت وخرج بهيا حموهيا يقود بهيا نهارا كنانية بين الربييع‪ .‬وتسيامع بذلك أهيل‬
‫مكة‪ ،‬وخرج في طلبها هبار بن السود ونافع بن عبدالقيس الفهري‪ ،‬وكان أول من مبق إليها هبار‬
‫فروعهيا بالرميح وهيي فيي هودجهيا‪ .‬وبرك كنانية ونثير نبله‪ ،‬ثيم أخيذ قوسيه وقال‪ :‬وال ل يدنيو منيي‬
‫رجل إل وضعت فيه سهما‪ .‬وأقبل أبو سفيان في أشراف قريش فقال‪ :‬يا هذا‪ ،‬أمسك عنا نبلك حتى‬
‫نكلمك‪ ،‬فوقف عليه أبو سفيان وقال‪ :‬إنك لم تصنع شيئا‪ ،‬خرجت بالمرأة على رؤوس الناس‪ ،‬وقد‬
‫عرفيت مصييبتنا التيي أصيابتنا ببدر فتظن العرب وتتحدث أن هذا وهن منيا وضعيف خروجيك إليه‬
‫بابنته على رؤوس الناس من بين أظهرنا‪ .‬أرجع بالمرأة فأقم بها أياما‪ ،‬ثم سلها سل رفيقا في الليل‬
‫فألحقهيا بأبيهيا‪ ،‬فلعمري ميا لنيا بحبسيها عين أبيهيا مين حاجية‪ ،‬وميا لنيا فيي ذلك الن مين ثورة فيميا‬
‫أصاب منا‪ ،‬ففعل فلما مر به يومان أو ثلثة سلها‪ ،‬فانطلقت حتى قدمت على رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فذكروا أنها قد كانت ألقت ‪ -‬للروعة التي أصابتها حين روعها هبار بن أم درهم ‪ -‬ما‬
‫في بطنها‪.‬‬
‫@ قال ابين العربيي‪" :‬لميا أسير مين أسير مين المشركيين تكلم قوم منهيم بالسيلم ولم يمضوا فييه‬
‫عزيمية ول اعترفوا بيه اعترافيا جازميا‪ .‬ويشبيه أنهيم أرادوا أن يقربوا مين المسيلمين ول يبعدوا مين‬
‫المشركيين‪ .‬قال علماؤنيا‪ :‬إن تكلم الكافير باليمان فيي قلبيه وبلسيانه ولم يميض فييه عزيمية لم يكين‬
‫مؤمنا‪ .‬وإذا وجد مثل ذلك من المؤمن كان كافرا‪ ،‬إل ما كان من الوسوسة التي ل يقدر على دفعها‬
‫فإن ال قد عفا عنها وأسقطها‪ .‬وقد بين ال لرسوله صلى ال عليه وسلم الحقيقة فقال‪" :‬إن يريدوا‬
‫خيانتيك" أي إن كان هذا القول منهيم خيانية ومكرا "فقيد خانوا ال مين قبيل" بكفرهيم ومكرهيم بيك‬
‫وقتالهيم لك‪ .‬وإن كان هذا القول منهيم خيرا ويعلميه ال فيقبيل منهيم ذلك ويعوضهيم خيرا مميا خرج‬
‫عنهم ويغفر لهم ما تقدم من كفرهم وخيانتهم ومكرهم"‪ .‬وجمع خيانة خيائن‪ ،‬وكان يجب أن يقال‪:‬‬
‫خوائن لنيه مين ذوات الواو‪ ،‬إل أنهيم فرقوا بينيه وبيين جميع خائنية‪ .‬ويقال‪ :‬خائن وخوان وخونية‬
‫وخانة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 72 :‬إن الذيين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهيم وأنفسيهم فيي سيبيل ال والذيين آووا‬
‫ونصروا أولئك بعضهم أولياء بعض والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من وليتهم من شيء حتى‬
‫يهاجروا وإن اسييتنصروكم فييي الدييين فعليكييم النصيير إل على قوم بينكييم وبينهييم ميثاق وال بمييا‬
‫تعملون بصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين آمنوا" ختم السورة بذكر الموالة ليعلم كل فريق وليه الذي يستعين به‪.‬‬
‫وقد تقدم معنى الهجرة والجهاد لغة ومعنى‪" .‬والذين آووا ونصروا" معطوف عليه‪ .‬وهم النصار‬
‫الذيين تبوؤوا الدار واليمان مين قبلهيم‪ ،‬وانضوى إليهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم والمهاجرون‪.‬‬
‫"أولئك" رفع بالبتداء‪" .‬بعضهم" ابتداء ثان "أولياء بعض" خبره‪ ،‬والجميع خبر "إن"‪ .‬قال ابن‬
‫عباس‪" :‬أولياء بعيض" فيي الميراث‪ ،‬فكانوا يتوارثون بالهجرة‪ ،‬وكان ل يرث مين آمين ولم يهاجير‬
‫مين هاجير فنسيخ ال ذلك بقول‪" :‬وأولوا الرحام" اليية‪ .‬أخرجيه أبيو داود‪ .‬وصيار الميراث لذوي‬
‫الرحام مين المؤمنيين‪ .‬ول يتوارث أهيل ملتيين شيئا‪ .‬ثيم جاء قوله علييه السيلم‪( :‬ألحقوا الفرائض‬
‫بأهلهييا) على مييا تقدم بيانييه فييي آييية المواريييث‪ .‬وقيييل‪ :‬ليييس هنييا نسييخ‪ ،‬وإنمييا معناه فييي النصييرة‬
‫والمعونية‪ ،‬كميا تقدم فيي "النسياء"‪" .‬والذيين آمنوا" ابتداء والخيبر "ميا لكيم مين وليتهيم مين شييء"‬
‫وقرأ يحيى بن وثاب والعمش وحمزة "من وليتهم" بكسر الواو‪ .‬وقيل هي لغة‪ .‬وقيل‪ :‬هي من‬
‫وليت الشيء‪ ،‬يقال‪ :‬ولي بين الولية‪ .‬ووال بين الولية‪ .‬والفتح في هذا أبين وأحسن‪ ،‬لنه بمعنى‬
‫النصرة والنسب‪ .‬وقد تطلق الولية والولية بمعنى المارة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن استنصروكم في الدين" يريد إن دعوا هؤلء المؤمنون الذين لم يهاجروا من‬
‫أرض الحرب عونكيم بنفيير أو مال لسيتنقاذهم فأعينوهيم‪ ،‬فذلك فرض عليكيم فل تخذلوهيم‪ .‬إل أن‬
‫يسيتنصروكم على قوم كفار بينكيم وبينهيم ميثاق فل تنصيروهم علييه‪ ،‬ول تنقضوا العهيد حتيى تتيم‬
‫مدته‪ .‬ابن العربي‪ :‬إل أن يكونوا أسراء مستضعفين فإن الولية معهم قائمة والنصرة لهم واجبة‪،‬‬
‫حتى ل تبقى منا عين تطرف حتى نخرج إلى استنقاذهم إن كان عددنا يحتمل ذلك‪ ،‬أو نبذل جميع‬
‫أموالنا فيي اسيتخراجهم حتيى ل يبقى لحد درهيم‪ .‬كذلك قال مالك وجميع العلماء‪ ،‬فإنا ل وإنا إلييه‬
‫راجعون‪ ،‬على ما حل بالخلق في تركهم إخوانهم في أسر العدو وبأيديهم خزائن الموال‪ ،‬وفضول‬
‫الحوال والقدرة والعدد والقوة والجلد‪ .‬الزجاج‪ :‬ويجوز "فعليكم النصر" بالنصب على الغراء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 73 :‬والذيين كفروا بعضهيم أولياء بعيض إل تفعلوه تكين فتنية فيي الرض وفسياد‬
‫كبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيين كفروا بعضهيم أولياء بعيض" قطيع ال الوليية بيين الكفار والمؤمنيين‪،‬‬
‫فجعل المؤمنين بعضهم أولياء بعض‪ ،‬والكفار بعضهم أولياء بعض‪ ،‬يتناصرون بدينهم ويتعاملون‬
‫باعتقادهم‪ .‬قال علماؤنا في الكافرة يكون لها الخ المسلم‪ :‬ل يزوجها‪ ،‬إذ ل ولية بينهما‪ ،‬ويزوجها‬
‫أهييل ملتهييا‪ .‬فكمييا ل يزوج المسييلمة إل مسييلم فكذلك الكافرة ل يزوجهييا إل كافيير قريييب لهييا‪ ،‬أو‬
‫أسيقف‪ ،‬ولو مين مسيلم‪ ،‬إل أن تكون معتقية‪ ،‬فإن عقيد على غيير المعتقية فسيخ إن كان لمسيلم‪ ،‬ول‬
‫يعرض للنصراني‪ .‬وقال أصبغ‪ :‬ل يفسخ‪ ،‬عقد المسلم أولى وأفضل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل تفعلوه" الضمييير عائد على الموارثيية والتزامهييا‪ .‬المعنييى‪ :‬إل تتركوهييم‬
‫يتوارثون كما كانوا يتوارثون‪ ،‬قاله ابن زيد‪ .‬وقيل‪ :‬هي عائدة على التناصر والمؤازرة والمعاونة‬
‫واتصيال اليدي‪ .‬ابين جرييج وغيره‪ :‬وهذا إن لم يفعيل تقيع الفتنية عنيه عين قرييب‪ ،‬فهيو أكيد مين‬
‫الول‪ .‬وذكير الترمذي عين عبدال بين مسيلم بين هرميز عين محميد وسيعد ابنيي عبييد عين أبيي حاتيم‬
‫المزني قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إل‬
‫تفعلوه تكن فتنة في الرض وفساد كبير)‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬وإن كان فيه؟ قال‪( :‬إذا جاءكم من‬
‫ترضون دينييه وخلقييه فأنكحوه) ثلث مرات‪ .‬قال‪ :‬حديييث غريييب‪ .‬وقيييل‪ :‬يعود على حفييظ العهييد‬
‫والميثاق الذي تضمنييه قوله‪" :‬إل على قوم بينكييم وبينهييم ميثاق"‪ .‬وهذا وإن لم يفعييل فهييو الفتنيية‬
‫نفسيها‪ .‬وقييل‪ :‬يعود على النصير للمسيلمين فيي الديين‪ .‬وهيو معنيى القول الثانيي‪ .‬قال ابين إسيحاق‪:‬‬
‫جعيل ال المهاجريين والنصيار أهيل وليتيه فيي الديين دون مين سيواهم‪ ،‬وجعيل الكافريين بعضهيم‬
‫أولياء بعيض‪ .‬ثيم قال‪" :‬إل تفعلوه" وهيو أن يتولى المؤمين الكافير دون المؤمنيين‪" .‬تكين فتنية" أي‬
‫محنة بالحرب‪ ،‬وما أنجر معها من الغارات والجلء والسير‪ .‬والفساد الكبير‪ :‬ظهور الشرك‪ .‬قال‬
‫الكسائي‪ :‬ويجوز النصب في قوله‪" :‬تكن فتنة" على معنى تكن فعلتكم فتنة وفسادا كبيرا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 75 - 74 :‬والذيين آمنوا وهاجروا وجاهدوا فيي سيبيل ال والذيين آووا ونصيروا‬
‫أولئك هيم المؤمنون حقيا لهيم مغفرة ورزق كرييم‪ ،‬والذيين آمنوا مين بعيد وهاجروا وجاهدوا معكيم‬
‫فأولئك منكم وأولوا الرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب ال إن ال بكل شيء عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حقا" مصدر‪ ،‬أي حققوا إيمانهم بالهجرة والنصرة‪ .‬وحقق ال إيمانهم بالبشارة في‬
‫قوله‪" :‬لهم مغفرة ورزق كريم" أي ثواب عظيم في الجنة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذين آمنوا من بعد وهاجروا" يريد من بعد الحديبية وبيعة الرضوان‪ .‬وذلك أن‬
‫الهجرة ميين بعييد ذلك كانييت أقييل رتبيية ميين الهجرة الولى‪ .‬والهجرة الثانييية هييي التييي وقييع فيهييا‬
‫الصيالح‪ ،‬ووضعيت الحرب أوزارهيا نحيو عاميين ثيم كان فتيح مكية‪ .‬ولهذا قال علييه السيلم‪( :‬ل‬
‫هجرة بعد الفتح)‪ .‬فبين أن من آمن وهاجر من بعد يلتحق بهم‪ .‬ومعنى "منكم" أي مثلكم في النصر‬
‫والموالة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأولوا الرحام" ابتداء‪ .‬والواحد ذو‪ ،‬والرحم مؤنثة‪ ،‬والجمع أرحام‪ .‬والمراد بها‬
‫ههنا العصبات دون المولود بالرحم‪ .‬ومما يبين أن المراد بالرحم العصبات قول العرب‪ :‬وصلتك‬
‫رحييم‪ .‬ل يريدون قرابيية الم‪ .‬قالت قتيلة بنييت الحارث ‪ -‬أخييت النضيير بيين الحارث ‪ -‬كذا قال ابيين‬
‫هشام‪ .‬قال السيهيلي‪ :‬الصيحيح أنهيا بنيت النضير ل أختيه‪ ،‬كذا وقيع فيي كتاب الدلئل ‪ -‬ترثيي أباهيا‬
‫حين قتله النبي صلى ال عليه وسلم صبرا ‪ -‬بالصفراء‪:‬‬
‫من صبح خامسة وأنت موفق‬ ‫يا راكبا إن الثيل مظنة‬
‫ما إن تزال بها النجائب تخفق‬ ‫أبلغ بها ميتا بأن تحية‬
‫جادت بواكفها وأخرى تخنق‬ ‫مني إليك وعبرة مسفوحة‬
‫أم كيف يسمع ميت ل ينطق‬ ‫هل يسمعني النضر إن ناديته‬
‫في قومها والفحل فحل معرق‬ ‫أمحمد يا خير ضنء كريمة‬
‫من الفتى وهو المغيط المحنق‬ ‫ما كان ضرك لو مننت وربما‬
‫بأعز ما يفدى به ما ينفق‬ ‫لو كنت قابل فدية لفديته‬
‫وأحقهم إن كان عتق يعتق‬ ‫فالنضر أقرب من أسرت قرابة‬
‫ل أرحام هناك تشقق‬ ‫ظلت سيوف بني أبيه تنوشه‬
‫رسف المقيد وهو عان موثق‬ ‫صبرا يقاد إلى المنية متعبا‬
‫@ واختلف السلف ومن بعدهم في توريث ذوي الرحام ‪ -‬وهو من ل سهم له في الكتاب ‪ -‬من‬
‫قرابية المييت ولييس بعصيبة‪ ،‬كأولد البنات‪ ،‬وأولد الخوات وبنات الخ‪ ،‬والعمية والخالة‪ ،‬والعيم‬
‫أخ الب للم‪ ،‬والجيد أبيي الم‪ ،‬والجدة أم الم‪ ،‬ومين أدلى بهيم‪ .‬فقال قوم‪ :‬ل يرث مين ل فرض له‬
‫من ذوي الرحام‪ .‬وروي عن أبي بكر الصديق وزيد بن ثابت وابن عمر‪ ،‬ورواية عن علي‪ ،‬وهو‬
‫قول أهييل المدينيية‪ ،‬وروي عيين مكحول والوزاعييي‪ ،‬وبييه قال الشافعييي رضييي ال عنييه‪ .‬وقال‬
‫بتوريثهم‪ :‬عمر بن الخطاب وابن مسعود ومعاذ وأبو الدرداء وعائشة وعلي في رواية عنه‪ ،‬وهو‬
‫قول الكوفيين وأحمد وإسحاق‪ .‬واحتجوا بالية‪ ،‬وقالوا‪ :‬وقد اجتمع في ذوي الرحام سببان القرابة‬
‫والسييلم‪ ،‬فهييم أولى مميين له سييبب واحييد وهييو السييلم‪ .‬أجاب الولون فقالوا‪ :‬هذه آييية مجملة‬
‫جامعية‪ ،‬والظاهير بكيل رحيم قرب أو بعيد‪ ،‬وآيات الموارييث مفسيرة والمفسير قاض على المجميل‬
‫ومبين‪ .‬قالوا‪ :‬وقد جعل النبي صلى ال عليه وسلم الولء سببا ثابتا‪ ،‬أقام المولى فيه مقام العصبة‬
‫فقال‪( :‬الولء لمين أعتيق)‪ .‬ونهيى عين بييع الولء وعين هبتيه‪ .‬احتيج الخرون بميا روى أبيو داود‬
‫والدارقطني عن المقدام قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من ترك كل فإلي ‪ -‬وربما قال‬
‫فإلى ال وإلى رسييوله ‪ -‬وميين ترك مال فلورثتييه فأنييا وارث ميين ل وارث له أعقييل عنييه وأرثييه‬
‫والخال وأرث من ل وارث له يعقل عنه‪ .‬ويرثه)‪ .‬وروى الدارقطني عن طاوس قال قالت عائشة‬
‫رضي ال عنها‪( :‬ال مولى من ل مولى له‪ ،‬والخال وارث من ل وارث له)‪ .‬موقوف‪ .‬وروي عن‬
‫أبيي هريرة رضيي ال عنيه أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬الخال وارث)‪ .‬وروي عين‬
‫أبيي هريرة قال‪ :‬سيئل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عين ميراث العمية والخالة فقال (ل أدري‬
‫حتيى يأتينيي جبرييل) ثيم قال‪( :‬أيين السيائل عين ميراث العمية والخالة)؟ قال‪ :‬فأتيى الرجيل فقال‪:‬‬
‫(سارني جبريل أنه ل شيء لهما)‪ .‬قال الدارقطني‪ :‬لم يسنده غير مسعدة عن محمد بن عمرو وهو‬
‫ضعييف‪ ،‬والصيواب مرسيل‪ .‬وروي عين الشعيبي قال قال زياد بين أبيي سيفيان لجليسيه‪ :‬هيل تدري‬
‫كيف قضى عمر في العمة والخالة؟ قال ل‪ .‬قال‪ :‬إني لعلم خلق ال كيف قضى فيهما عمر‪ ،‬جعل‬
‫الخالة بمنزلة الم‪ ،‬والعمة بمنزلة الب‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة التوبة‬
‫*‪*3‬مقدمة‬
‫@ في أسمائها‪ .‬قال سعيد بن جبير‪ :‬سألت ابن عباس رضي ال عنه عن سورة براءة فقال‪ :‬تلك‬
‫الفاضحية ميا زال ينزل‪ :‬ومنهيم ومنهيم حتيى خفنيا أل تدع أحدا‪ .‬قال القشيري أبيو نصير عبدالحمييد‪:‬‬
‫هذه السيورة نزلت فيي غزوة تبوك ونزلت بعدهيا‪ .‬وفيي أولهيا نبيذ عهود الكفار إليهيم‪ .‬وفيي السيورة‬
‫كشيف أسيرار المنافقيين‪ .‬وتسيمى الفاضحية والبحوث‪ ،‬لنهيا تبحيث عين أسيرار المنافقيين وتسيمى‬
‫المبعثرة والبعثرة‪ :‬البحث‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في سبب سقوط البسملة من أول هذه السورة على أقوال خمسة‪[ :‬الول] أنه‬
‫قييل كان مين شأن العرب فيي زمانهيا فيي الجاهليية إذا كان بينهيم وبيين قوم عهيد فإذا أرادوا نقضيه‬
‫كتبوا إليهيم كتابيا ولم يكتبوا فييه بسيملة فلميا نزلت سيورة براءة بنقيض العهيد الذي كان بيين النيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم والمشركين بعيث بها النبي صلى ال عليه وسيلم علي ابن أبيي طالب رضيي‬
‫ال عنه فقرأها عليهم في الموسم ولم يبسمل في ذلك على ما جرت به عادتهم في نقض العهد من‬
‫ترك البسيملة‪ .‬وقول ثان‪ :‬روى النسيائي قال حدثنيا أحميد قال حدثنيا محميد بين المثنيى عن يحييى بين‬
‫سيعيد قال حدثنيا عوف قال حدثنيا يزييد الرقاشيي قال قال لنيا ابين عباس‪ :‬قلت لعثمان ميا حملكيم إلى‬
‫أن عمدتيم إلى [النفال] وهيي مين المثانيي وإلى [براءة] وهيي مين المئيين فقرنتيم بينهميا ولم تكتبوا‬
‫سطر بسم ال الرحمن الرحيم ووضعتموها في السبع الطول فما حملكم على ذلك؟ قال عثمان‪ :‬إن‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم كان إذا نزل علييه الشييء يدعيو بعيض مين يكتيب عنده فيقول‪:‬‬
‫(ضعوا هذا فيي السيورة التيي فيهيا كذا وكذا)‪ .‬وتنزل علييه اليات فيقول‪( :‬ضعوا هذه اليات فيي‬
‫السيورة التيي يذكير فيهيا كذا وكذا)‪ .‬وكانيت [النفال] مين أوائل ميا أنزلو [براءة] مين آخير القرآن‬
‫وكانت قصتها شبيهة بقصتها وقبض رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يبين لنا أنه منها فظننت‬
‫أنها منها فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر بسم ال الرحمن الرحيم‪ .‬وخرجه أبو عيسى‬
‫الترمذي وقال‪ :‬هدا حدييث حسين‪ .‬وقول ثالث‪ :‬روي عين عثمان أيضيا‪ .‬وقال مالك فيميا رواه ابين‬
‫وهيب وابين القاسيم وابين عبدالحكيم‪ :‬إنيه لميا سيقط أولهيا سيقط بسيم ال الرحمين الرحييم معيه‪ .‬وروي‬
‫ذلك عين ابين عجلن أنيه بلغيه أن سيورة [براءة] كانيت تعدل البقرة أو قربهيا فذهيب منهيا فلذلك لم‬
‫يكتب بينهما بسم ال الرحمن الرحييم‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬كانت مثل سورة البقرة‪ .‬وقول رابع‪:‬‬
‫قاله خارجية وأبيو عصيمة وغيرهميا‪ .‬قالوا‪ :‬لميا كتبوا المصيحف فيي خلفية عثمان اختلف أصيحاب‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬فقال بعضهيم‪ :‬براءة والنفال سيورة واحدة‪ .‬وقال بعضهيم‪ :‬هميا‬
‫سورتان‪ .‬فتركت بينهما فرجة لقول من قال أنهما سورتان وتركت بسم ال الرحمن الرحييم لقول‬
‫من قال هما سورة واحدة فرضي الفريقان معا وثبتت حجتاهما في المصحف‪ .‬وقول خامس‪ :‬قال‬
‫عبدال بين عباس‪ :‬سيألت علي بين أبيي طالب لم لم يكتيب فيي براءة بسيم ال الرحمين الرحييم؟ قال‪:‬‬
‫لن بسيم ال الرحمين الرحييم أمان وبراءة نزلت بالسييف لييس فيهيا أمان‪ .‬وروي معناه عين الميبرد‬
‫قال‪ :‬ولذلك لم يجميع بينهميا فإن بسيم ال الرحمين الرحييم رحمية وبراءة نزلت سيخطة‪ .‬ومثله عين‬
‫سيفيان‪ .‬قال سيفيان بين عيينية‪ :‬إنميا لم تكتيب فيي صيدر هذه السيورة بسيم ال الرحمين الرحييم لن‬
‫التسييمية رحميية والرحميية أمان وهذه السييورة نزلت فييي المنافقييين وبالسيييف ول أمان للمنافقييين‪.‬‬
‫والصحيح أن التسمية لم تكتب لن جبريل عليه السلم ما نزل بها في هذه السورة قاله القشيري‪.‬‬
‫وفي قول عثمان‪ :‬قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها دليل على أن السور‬
‫كلها انتظمت بقوله وتبيينه وأن براءة وحدها ضمت إلى النفال من غير عهد من النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم لما عاجله من الحمام قبل تبيينه ذلك‪ .‬وكانتا تدعيان القرينتين فوجب أن تجمعا وتضم‬
‫إحداهما إلى الخرى للوصف الذي لزمهما من القتران ورسول ال صلى ال عليه وسلم حي‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬هذا دليل على أن القياس أصل في الدين أل ترى إلى عثمان وأعيان الصحابة‬
‫كيييف لجؤوا إلى قياس الشبييه عنييد عدم النييص ورأوا أن قصيية [براءة] شبيهيية بقصيية [النفال]‬
‫فألحقوها بها؟ فإذا كان ال تعالى قد بين دخول القياس في تأليف القرآن فما ظنك بسائر الحكام‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬براءة من ال ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬براءة" تقول‪ :‬برئت مين الشييء أبرأ براءة فأنيا منيه برييء إذا أزلتيه عين نفسيك‬
‫وقطعت سبب ما بينك وبينه‪ .‬و"براءة" رفع على خبر ابتداء مضمر تقديره هذه براءة‪ .‬ويصح أن‬
‫ترفييع بالبتداء‪ .‬والخييبر فييي قوله‪" :‬إلى الذييين"‪ .‬وجاز البتداء بالنكرة لنهييا موصييوفة فتعرفييت‬
‫تعريفيا ميا وجاز الخبار عنهيا‪ .‬وقرأ عيسيى بين عمير "براءة" بالنصيب على تقديير التزموا براءة‬
‫ففيها معنى الغراء‪ .‬وهي مصدر على فعالة كالشناءة والدناءة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إلى الذيين عاهدتيم مين المشركيين" يعنيي إلى الذيين عاهدهيم رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم لنيه كان المتولي للعقود وأصيحابه بذلك كلهيم راضون فكأنهيم عاقدوا وعاهدوا فنسيب‬
‫العقد إليهم‪ .‬وكذلك ما عقده أئمة الكفر على قومهم منسوب إليهم محسوب عليهم يؤاخذون به إذ ل‬
‫يمكن غير ذلك فإن تحصيل الرضا من الجميع متعذر فإذا عقد المام لما يراه من المصلحة أمرا‬
‫لزم جميع الرعايا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬فسيحوا في الرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي ال وأن ال مخزي‬
‫الكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فسيحوا" رجع من الخبر إلى الخطاب أي قل لهم سيحوا أي سيروا في الرض‬
‫مقبليين ومدبريين آمنيين غيير خائفيين أحدا مين المسيلمين بحرب ول سيلب ول قتيل ول أسير‪ .‬يقال‬
‫ساح فلن في الرض يسيح سياحة وسيوحا وسيحانا ومنه السيح في الماء الجاري المنبسط ومنه‬
‫قول طرفة بن العبد‪:‬‬
‫حتى ترى خيل أمامي تسيح‬ ‫لو خفت هذا منك ما نلتني‬
‫@ واختلف العلماء في كيفية هذا التأجيل وفي هؤلء الذين برئ ال منهم ورسوله‪ .‬فقال محمد بن‬
‫إسيحاق وغيره‪ :‬هميا صينفان مين المشركيين أحدهميا كانيت مدة عهده أقيل مين أربعية أشهير فأمهيل‬
‫تمام أربعية أشهير والخير كانيت مدة عهده بغيير أجيل محدود فقصير بيه على أربعية أشهير ليرتاد‬
‫لنفسيه‪ .‬ثيم هيو حرب بعيد ذلك ل ولرسيوله وللمؤمنيين يقتيل حييث ميا أدرك ويؤسير إل أن يتوب‬
‫وابتداء هذا الجيل يوم الحيج الكيبر وانقضاؤه إلى عشير مين شهير ربييع الخير فأميا مين لم يكين له‬
‫عهييد فإنمييا أجله انسييلخ الربعيية الشهيير الحرم وذلك خمسييون يومييا‪ :‬عشرون ميين ذي الحجيية‬
‫والمحرم‪ .‬وقال الكلبيي‪ :‬إنميا كانيت الربعية الشهير لمين كان بينيه وبيين رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسيلم عهيد دون أربعية أشهير ومين كان عهده أكثير مين أربعية أشهير فهيو الذي أمير ال أن يتيم له‬
‫عهده بقوله "فأتموا إليهيم عهدهيم إلى مدتهيم" [التوبية‪ ]4 :‬وهذا اختيار الطيبري وغيره‪ .‬وذكير‬
‫محميد بن إسحاق ومجاهيد وغيرهميا‪ :‬أن هذه الية نزلت في أهل مكية‪ .‬وذلك أن رسيول ال صيلى‬
‫ال علييه وسيلم صيالح قريشيا عام الحديبيية‪ ،‬على أن يضعوا الحرب عشير سينين‪ ،‬يأمين فيهيا الناس‬
‫ويكيف بعضهيم عين بعيض‪ ،‬فدخلت خزاعية فيي عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬ودخيل بنيو‬
‫بكير في عهد قريش‪ ،‬فعدت بنيو بكر على خزاعة ونقضوا عهدهيم‪ .‬وكان سبب ذلك دميا كان لبنيي‬
‫بكير عنيد خزاعية قبيل السيلم بمدة‪ ،‬فلميا كانيت الهدنية المنعقدة يوم الحديبيية‪ ،‬أمين الناس بعضهيم‬
‫بعضيا‪ ،‬فاغتنيم بنيو الدييل مين بنيي بكير ‪ -‬وهيم الذيين كان الدم لهيم ‪ -‬تلك الفرصية وغفلة خزاعية‪،‬‬
‫وأرادوا إدراك ثأر بني السود بن رزن‪ ،‬الذين قتلهم خزاعة‪ ،‬فخرج نوفل بن معاوية الديلي فيمن‬
‫أطاعيه مين بنيي بكير بين عبيد مناة‪ ،‬حتيى بيتوا خزاعية واقتتلوا‪ ،‬وأعانيت قرييش بنيي بكير بالسيلح‪،‬‬
‫وقوم من قريش أعانوهم بأنفسهم‪ ،‬فانهزمت خزاعة إلى الحرم على ما هو مشهور مسطور‪ ،‬فكان‬
‫ذلك نقضا للصلح الواقع يوم الحديبية‪ ،‬فخرج عمرو بن سالم الخزاعي وبديل بن ورقاء الخزاعي‬
‫وقوم من خزاعة‪ ،‬فقدموا على رسول ال صلى ال عليه وسلم مستغيثين فيما أصابهم به بنو بكر‬
‫وقريش‪ ،‬وأنشد عمرو بن سالم فقال‪:‬‬
‫حلف أبينا وأبيه أل تلدا‬ ‫يا رب إني ناشد محمدا‬
‫ثمت أسلمنا ولم ننزع يدا‬ ‫كنت لنا أبا وكنا ولدا‬
‫عتدا وادع عباد ال يأتوا مددا‬ ‫فانصر هداك ال نصرا‬
‫أبيض مثل الشمس ينمو صعدا‬ ‫فيهم رسول ال قد تجردا‬
‫في فليق كالبحر يجري مربدا‬ ‫إن سيم خسفا وجهه تربدا‬
‫ونقضوا ميثاقك المؤكدا‬ ‫إن قريش أخلفوك الموعدا‬
‫وهم أذل وأقل عددا‬ ‫وزعموا أن لست تدعو أحدا‬
‫وقتلونا ركعا وسجدا‬ ‫هم بيتونا بالوتير هجدا‬
‫فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل نصيرت إن لم أنصير كعيب)‪ .‬ثيم نظير إلى سيحابة فقال‪:‬‬
‫(إنهيا لتسيتهل لنصير بنيي كعيب) يعنيي خزاعية‪ .‬وقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لبدييل بين‬
‫ورقاء ومين معيه‪( :‬إن أبيا سيفيان سييأتي ليشيد العقيد ويزييد فيي الصيلح وسيينصرف بغيير حاجية)‪.‬‬
‫فندمت قريش على ما فعلت‪ ،‬فخرج أبو سفيان إلى المدينة ليستديم العقد ويزيد في الصلح‪ ،‬فرجع‬
‫بغيير حاجية كميا أخيبر رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬على ميا هيو معروف مين خيبره‪ .‬وتجهيز‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إلى مكية ففتحهيا ال‪ ،‬وذلك فيي سينة ثمان مين الهجرة‪ .‬فلميا بلغ‬
‫هوازن فتيح مكية جمعهيم مالك بين عوف النصيري‪ ،‬على ميا هيو معروف مشهور مين غزاة حنيين‪.‬‬
‫وسيأتي بعضها‪ .‬وكان الظفر والنصر للمسلمين على الكافرين‪ .‬وكانت وقعة هوازن يوم حنين في‬
‫أول شوال مين السينة الثامنية مين الهجرة‪ .‬وترك رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قسيم الغنائم مين‬
‫الموال والنساء‪ ،‬فلم يقسمها حتى أتى الطائف‪ ،‬فحاصرهم رسول ال صلى ال عليه وسلم بضعا‬
‫وعشرين ليلة‪ .‬وقيل غير ذلك‪ .‬ونصب عليهم المنجنيق ورماهم به‪ ،‬على ما هو معروف من تلك‬
‫الغزاة‪ .‬ثم انصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى الجعرانة‪ ،‬وقسم غنائم حنين‪ ،‬على ما هو‬
‫مشهور مين أمرهيا وخبرهيا‪ .‬ثيم انصيرف رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وتفرقوا‪ ،‬وأقام الحيج‬
‫للناس عتاب بين أسييد فيي تلك السينة‪ .‬وهيو أول أميير أقام الحيج فيي السيلم‪ .‬وحيج المشركون على‬
‫مشاعرهييم‪ .‬وكان عتاب بين أسيييد خيرا فاضل ورعيا‪ .‬وقدم كعييب بين زهييير بين أبيي سيلمى إلى‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وامتدحه‪ ،‬وأقام على رأسه بقصيدته التي أولها‪:‬‬
‫بانت سعاد فقلبي اليوم متبول‬
‫وأنشدهيا إلى آخرهيا‪ ،‬وذكير فيهيا المهاجريين فأثنيى عليهيم ‪ -‬وكان قبيل دلك قيد حفيظ له هجاء فيي‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم ‪ -‬فعاب علييه النصيار إذ لم يذكرهيم‪ ،‬فغدا على النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم بقصيدة يمتدح فيها النصار فقال‪:‬‬
‫في مقنب من صالحي النصار‬ ‫من سره كرم الحياة فل يزل‬
‫إن الخيار هم بنو الخيار‬ ‫ورثوا المكارم كابرا عن كابر‬
‫كسوافل الهندي غير قصار‬ ‫المكرهين السمهري بأذرع‬
‫كالجمر غير كليلة البصار‬ ‫والناظرين بأعين محمرة‬
‫للموت يوم تعانق وكرار‬ ‫والبائعين نفوسهم لنبيهم‬
‫بدماء من علقوا من الكفار‬ ‫يتطهرون يرونه نسكا لهم‬
‫غلب الرقاب من السود ضوار‬ ‫دربوا كما دربت ببطن خفية‬
‫أصبحت عند معاقل الغفار‬ ‫وإذا حللت ليمنعوك إليهم‬
‫دانت لوقعتها جميع نزار‬ ‫ضربوا عليا يوم بدر ضربة‬
‫فيهم لصدقني الذين أماري‬ ‫لو يعلم القوام علمي كله‬
‫للطارقين النازلين مقاري‬ ‫قوم إذا خوت النجوم فإنهم‬
‫ثييم أقام رسيول ال صييلى ال عليييه وسييلم بالمدينية بعييد انصيرافه مين الطائف ذا الحجية والمحرم‬
‫وصفر وربيع الول وربيع الخر وجمادى الول وجمادى الخر‪ ،‬وخرج في رجب من سنة تسع‬
‫بالمسلمين إلى غزوة الروم غزوة تبوك‪ .‬وهي شخر غزوة غزاها‪ .‬قال ابن جريج عن مجاهد‪ :‬لما‬
‫انصيرف رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم مين تبوك أراد الحيج ثيم قال‪( :‬إنيه يحضير البييت عراة‬
‫مشركون يطوفون بالبيت فل أحب أن أحج حتى ل يكون ذلك)‪ .‬فأرسل أبا بكر أميرا على الحج‪،‬‬
‫وبعيث معيه بأربعيين آيية مين صيدر [براءة] ليقرأهيا على أهيل الموسيم‪ .‬فلميا خرج دعيا النيبي صيلى‬
‫ال عليه وسيلم عليا وقال‪( :‬أخرج بهذه القصية من صيدر براءة فأذن بذلك في الناس إذا اجتمعوا)‪.‬‬
‫ي على ناقة النبي صلى ال عليه وسلم العضباء حتى أدرك أبا بكر الصديق رضي ال‬ ‫فخرج عل ٌ‬
‫عنهما بذي الحليفة‪ .‬فقال له أبو بكر لما رآه‪ :‬أمير أو مأمور؟ فقال‪ :‬بل مأمور ثم نهضا‪ ،‬فأقام أبو‬
‫بكر للناس الحج على منازلهم التي كانوا عليها في الجاهلية‪ .‬في كتاب النسائي عن جابر وأن عليا‬
‫قرأ على الناس [براءة] حتيى ختمهيا قبيل يوم الترويية بيوم‪ .‬وفيي يوم عرفية وفيي يوم النحير عنيد‬
‫انقضاء خطبية أبيي بكير فيي الثلثية اليام‪ .‬فلميا كان يوم النفير الول قام أبيو بكير فخطيب الناس‪،‬‬
‫فحدثهم كيف ينفرون وكيف يرمون‪ ،‬يعلمهم مناسكهم‪ .‬فلما فرغ قام علي فقرأ على الناس [براءة]‬
‫حتيى ختمها‪ .‬وقال سليمان بن موسى‪ :‬لما خطب أبو بكر بعرفة قال قيم ييا علي فأد رسيالة رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقام علي ففعل‪ .‬قال‪ :‬ثم وقع في نفسي أن جميع الناس لم يشاهدوا خطبة‬
‫أبي بكر‪ ،‬فجعلت أتتبع الفساطيط يوم النحر‪ .‬وروى الترمذي عن زيد بن يثيع قال‪ :‬سألت عليا بأي‬
‫شييء بعثيت فيي الحيج؟ قال‪ :‬بعثيت بأربيع‪ :‬أل يطوف بالبييت عريان‪ ،‬ومين كان بينيه وبيين النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم عهد فهو إلى مدته‪ ،‬ومن لم يكن له عهد فأجله أربعة أشهر‪ ،‬ول يدخل الجنة‬
‫إل نفس مؤمنة‪ ،‬ول يجتمع المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا‪ .‬قال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫وأخرجيه النسيائي وقال‪ :‬فكنيت أنادي حتيى صيحل صيوتي‪ .‬قال أبيو عمير‪ :‬بعيث علي لينبيذ إلى كيل‬
‫ذي عهيد عهده‪ ،‬ويعهيد إليهيم أل يحيج بعيد العام مشرك‪ ،‬ول يطوف بالبييت عريان‪ .‬وأقام الحيج فيي‬
‫ذلك العام سينة تسيع أبيو بكير‪ .‬ثيم حيج رسيول ال صيلى ال عليه وسيلم مين قابيل حجتيه التيي لم يحيج‬
‫غيرها من المدينة‪ ،‬فوقعت حجته في ذي الحجة فقال‪( :‬إن الزمان قد استدار‪ )...‬الحديث‪ ،‬على ما‬
‫يأتيي فيي آيية النسييء بيانيه‪ .‬وثبيت الحيج فيي ذي الحجية إلى يوم القيامية‪ .‬وذكير مجاهيد‪ :‬أن أبيا بكير‬
‫حيج فيي ذي القعدة مين سينة تسيع‪ .‬ابين العربيي‪ :‬وكانيت الحكمية فيي إعطاء [براءة] لعلي أن براءة‬
‫تضمنيت نقيض العهيد الذي كان عقده النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وكانيت سييرة العرب أل يحيل‬
‫العقد إل الذي عقده أو رجل من أهل بيته‪ ،‬فأراد النبي صلى ال عليه وسلم أن يقطع ألسنة العرب‬
‫بالحجية‪ ،‬ويرسيل ابين عميه الهاشميي مين بيتيه ينقيض العهيد‪ ،‬حتيى ل يبقيى لهيم متكلم‪ .‬قال معناه‬
‫الزجاج‪.‬‬
‫@ قال العلماء‪ :‬وتضمنيت اليية جواز قطيع العهيد بيننيا وبيين المشركيين‪ .‬ولذلك حالتان‪ :‬حالة‬
‫تنقضيي المدة بيننيا وبينهيم فنؤذنهيم بالحرب‪ .‬واليذان اختيار‪ .‬والثانيية‪ :‬أن نخاف منهيم غدرا‪ ،‬فننبيذ‬
‫إليهيم عهدهيم كميا سيبق‪ .‬ابين عباس‪ :‬واليية منسيوخة فإن النيبي صيلى ال علييه وسيلم عاهيد ثيم نبيذ‬
‫العهد لما أمر بالقتال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 3 :‬وأذان مين ال ورسيوله إلى الناس يوم الحيج الكيبر أن ال برييء مين المشركيين‬
‫ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي ال وبشر الذين كفروا بعذاب‬
‫أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأذان" الذان‪ :‬العلم لغية مين غيير خلف‪ .‬وهيو عطيف على "براءة"‪" .‬إلى‬
‫الناس" الناس هنييا جميييع الخلق‪" .‬يوم الحييج الكييبر" ظرف‪ ،‬والعامييل فيييه "أذان"‪ .‬وإن كان قييد‬
‫وصف بقوله‪" :‬من ال"‪ ،‬فإن رائحة الفعل فيه باقية‪ ،‬وهي عاملة في الظروف‪ .‬وقيل‪ :‬العامل فيه‬
‫"مخزي" ول يصح عمل "أذان"‪ ،‬لنه قد وصف فخرج عن حكم الفعل‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فيي الحيج الكيبر‪ ،‬فقييل‪ :‬يوم عرفية‪ .‬روي عين عمير وعثمان وابين عباس‬
‫وطاوس ومجاهيد‪ .‬وهيو مذهيب أبيي حنيفية‪ ،‬وبيه قال الشافعيي‪ .‬وعين علي وابين عباس أيضيا وابين‬
‫مسيعود وابين أبيي أوفيى والمغيرة بين شعبية أنيه يوم النحير‪ .‬واختاره الطيبري‪ .‬وروى ابين عمير أن‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وقيف يوم النحير فيي الحجية التيي حيج فيهيا فقال‪( :‬أي يوم هذا)‬
‫فقالوا‪ :‬يوم النحر فقال‪( :‬هذا يوم الحج الكبر)‪ .‬أخرجه أبو داود‪ .‬وخرج البخاري عن أبي هريرة‬
‫قال‪ :‬بعثني أبو بكر الصديق رضي ال عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى‪ :‬ل يحج بعد العام مشرك‬
‫ول يطوف بالبييت عريان‪ .‬ويوم الحيج الكيبر يوم النحير‪ .‬وإنميا قييل الكيبر مين أجيل قول الناس‪:‬‬
‫الحج الصغر‪ .‬فنبذ أبو بكر إلى الناس في ذلك العام‪ ،‬فلم يحج عام حجة الوداع الذي حج فيه النبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم مشرك‪ .‬وقال ابين أبيي أوفيى‪ :‬يوم النحير يوم الحيج الكيبر‪ ،‬يهراق فييه الدم‪،‬‬
‫ويوضيع فييه الشعير‪ ،‬ويلقيى فييه التفيث‪ ،‬وتحيل فييه الحرم‪ .‬وهذا مذهيب مالك‪ ،‬لن يوم النحير فييه‬
‫كالحيج كله‪ ،‬لن الوقوف إنميا هيو ليلتيه‪ ،‬والرميي والنحير والحلق والطواف فيي صيبيحته‪ .‬احتيج‬
‫الولون بحدييث مخرمية أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬يوم الحيج الكيبر يوم عرفية)‪ .‬رواه‬
‫إسيماعيل القاضيي‪ .‬وقال الثوري وابين جرييج‪ :‬الحيج الكيبر أيام منيى كلهيا‪ .‬وهذا كميا يقال‪ :‬يوم‬
‫صيفين وييم الجميل ويوم بعاث‪ ،‬فيراد بيه الحيين والزمان ل نفيس اليوم‪ .‬وروي عين مجاهيد‪ :‬الحيج‬
‫الكيبر القران‪ ،‬والصيغر الفراد‪ .‬وهذا لييس من اليية فيي شييء‪ .‬وعنه وعن عطاء‪ :‬الحج الكيبر‬
‫الذي فيييه الوقوف بعرفيية‪ ،‬والصييغر العمرة‪ .‬وعين مجاهييد أيضييا‪ :‬أيام الحييج كلهييا‪ .‬وقال الحسيين‬
‫وعبدال بيين الحارث بيين نوفييل‪ :‬إنمييا سييمي يوم الحييج الكييبر لنييه حييج ذلك العام المسييلمون‬
‫والمشركون‪ ،‬واتفقييت فيييه يومئذ أعياد الملل‪ :‬اليهود والنصييارى والمجوس‪ .‬قال ابيين عطييية‪ :‬هذا‬
‫ضعيف أن يصفه ال عز وجل في كتابه بالكبر لهذا‪ .‬وعن الحسن أيضا‪ :‬إنما سمي الكبر لنه‬
‫حيج فييه أبيو بكير ونبذت فييه العهود‪ .‬وهذا الذي يشبيه نظير الحسين‪ .‬وقال ابين سييرين‪ :‬يوم الحيج‬
‫الكبر العام الذي حج فيه النبي صلى ال عليه وسلم حجة الوداع‪ ،‬وحجت معه فيه المم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن ال برييء مين المشركيين ورسيوله" "أن" بالفتيح فيي موضيع نصيب‪ .‬والتقديير‬
‫بأن ال‪ .‬وميين قرأ بالكسيير قدره بمعنييى قال إن ال "بريييء" خييبر أن‪" .‬ورسييوله" عطييف على‬
‫الموضع‪ ،‬وإن شئت على المضمر المرفوع في "بريء"‪ .‬كلهما حسن؛ لنه قد طال الكلم‪ .‬وإن‬
‫شئت على البتداء والخبر محذوف؛ التقديير‪ :‬ورسوله بريء منهم‪ .‬ومن قرأ "ورسوله" بالنصب‬
‫‪ -‬وهو الحسن وغيره ‪ -‬عطفه على اسم ال عز وجل على اللفظ‪ .‬وفي الشواذ "رسوله" بالخفض‬
‫على القسم‪ ،‬أي وحق رسوله؛ ورويت عن الحسن‪ .‬وقد تقدمت قصة عمر فيها أول الكتاب‪" .‬فإن‬
‫تبتيم" أي عين الشرك‪" .‬فهيو خيير لكيم" أي أنفيع لكيم‪" .‬وإن توليتيم" أي عين اليمان‪" .‬فاعلموا أنكيم‬
‫غير معجزي ال" أي فائتيه؛ محيط بكم ومنزل عقابه عليكم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 4 :‬إل الذيين عاهدتيم مين المشركيين ثيم لم ينقصيوكم شيئا ولم يظاهروا عليكيم أحدا‬
‫فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن ال يحب المتقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل الذين عاهدتم من المشركين" في موضع نصب بالستثناء المتصل‪ ،‬المعنى‪:‬‬
‫أن ال بريء من المشركين إل من المعاهدين في مدة عهدهم‪ .‬وقيل‪ :‬الستثناء منقطع‪ ،‬أي أن ال‬
‫برييء منهيم ولكين الذيين عاهدتيم فثبتوا على العهيد فأتموا إليهيم عهدهيم‪ .‬وقوله‪" :‬ثيم لم ينقصيوكم"‬
‫يدل على أنيه كان مين أهيل العهيد مين خاس بعهده ومنهيم مين ثبيت على الوفاء‪ ،‬فأذن ال سيبحانه‬
‫لنبييه صلى ال عليه وسلم في نقض عهد من خاس‪ ،‬وأمر بالوفاء لمن بقي على عهده إلى مدته‪.‬‬
‫ومعنيييى "لم ينقصيييوكم" أي مييين شروط العهيييد شيئا‪" .‬ولم يظاهروا" لم يعاونوا‪ .‬وقرأ عكرمييية‬
‫وعطاء بيين يسييار "ثييم لم ينقضوكييم" بالضاد معجميية على حذف مضاف‪ ،‬التقدييير ثييم لم ينقضوا‬
‫عهدهيم‪ .‬يقال‪ :‬إن هذا مخصيوص يراد بيه بنيو ضمرة خاصية‪ .‬ثيم قال‪" :‬فأتموا إليهيم عهدهيم إلى‬
‫مدتهم" أي وإن كانت أكثر من أربعة أشهر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 5 :‬فإذا انسلخ الشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم‬
‫واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن ال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا انسلخ الشهر الحرم" أي خرج‪ .‬وسلخت الشهر إذا صرت في أواخر أيامه‪،‬‬
‫تسلخه سلخا وسلوخا بمعنى خرجت منه‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫كفى قاتل سلخي الشهور وإهللي‬ ‫إذا ما سلخت الشهر أهللت قبله‬
‫وانسلخ الشهر وانسلخ النهار من الليل المقبل‪ .‬وسلخت المرأة درعها نزعته وفي التنزيل‪" :‬وآية‬
‫لهم الليل نسلخ منه النهار" [يس‪ .]37 :‬ونخلة مسلخ‪ ،‬وهي التي ينتثر بسرها أخضر‪.‬‬
‫والشهير الحرم فيهيا للعلماء قولن‪ :‬قييل هيي الشهير المعروفية‪ ،‬ثلثية سيرد وواحيد فرد‪ .‬قال‬
‫الصيم‪ :‬أرييد بيه مين ل عقيد له مين المشركيين‪ ،‬فأوجيب أن يمسيك عين قتالهيم حتيى ينسيلخ الحرم‪،‬‬
‫وهيو مدة خمسيين يوميا على ميا ذكره ابين عباس‪ ،‬لن النداء كان بذلك يوم النحير‪ .‬وقيد تقدم هذا‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬شهور العهيد أربعية‪ ،‬قاله مجاهيد وابين إسيحاق وابين زييد وعمرو بين شعييب‪ .‬وقييل لهيا حرم‬
‫لن ال حرم على المؤمنين فيها دماء المشركين والتعرض لهم إل على سبيل الخير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاقتلوا المشركيين" عام فيي كيل مشرك‪ ،‬لكين السينة خصيت منيه ميا تقدم بيانيه فيي‬
‫سورة "البقرة" من امرأة وراهب وصبي وغيرهم‪ .‬وقال ال تعالى في أهل الكتاب‪" :‬حتى يعطوا‬
‫الجزيية"‪ .‬إل أنييه يجوز أن يكون لفيظ المشركييين ل يتناول أهيل الكتاب‪ ،‬ويقتضييي ذلك منيع أخيذ‬
‫الجزيية مين عبدة الوثان وغيرهيم‪ ،‬على ميا يأتيي بيانيه‪ .‬واعلم أن مطلق قوله‪" :‬اقتلوا المشركيين"‬
‫يقتضيي جواز قتلهيم بأي وجيه كان‪ ،‬إل أن الخبار وردت بالنهيي عين المثلة‪ .‬وميع هذا فيجوز أن‬
‫يكون الصييديق رضييي ال عنييه حييين قتييل أهييل الردة بالحراق بالنار‪ ،‬وبالحجارة وبالرمييي ميين‬
‫رؤوس الجبال‪ ،‬والتنكييس فيي البار‪ ،‬تعلق بعموم اليية‪ .‬وكذلك إحراق علي رضيي ال عنيه قوميا‬
‫من أهل الردة يجوز أن يكون ميل إلى هذا المذهب‪ ،‬واعتمادا على عموم اللفظ‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حيث وجدتموهم" عام في كل موضع‪ .‬وخص أبو حنيفة رضي ال عنه المسجد‬
‫الحرام‪ ،‬كما سبق في سورة "البقرة" ثم اختلفوا‪ ،‬فقال الحسين بن الفضل‪ :‬نسخت هذه كل آية في‬
‫القرآن فيهييا ذكيير العراض والصييبر على أذى العداء‪ .‬وقال الضحاك والسييدي وعطاء‪ :‬هييي‬
‫منسوخة بقوله‪" :‬فإما منا بعد وإما فداء" [محمد‪ .]4 :‬وأنه ل يقتل أسير صبرا‪ ،‬إما أن يمن عليه‬
‫وإميا أن يفادى‪ .‬وقال مجاهيد وقتادة‪ :‬بيل هيي ناسيخة لقوله تعالى‪" :‬فإميا منيا بعيد وإميا فداء" وأنيه ل‬
‫يجوز فيي السيارى مين المشركيين إل القتيل‪ .‬وقال ابين زييد‪ :‬اليتان محكمتان‪ .‬وهيو الصيحيح‪ ،‬لن‬
‫المن والقتل والفداء لم يزل من حكم رسول ال صلى ال عليه وسلم فيهم من أول حرب حاربهم‪،‬‬
‫وهو يوم بدر كما سبق‪ .‬وقوله‪" :‬وخذوهم" يدل عليه‪ .‬والخذ هو السر‪ .‬والسر إنما يكون للقتل‬
‫أو الفداء أو الميين على مييا يراه المام‪ .‬ومعنييى‪" :‬احصييروهم" يريييد عيين التصييرف إلى بلدكييم‬
‫والدخول إليكم‪ ،‬إل أن تأذنوا لهم فيدخلوا إليكم بأمان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واقعدوا لهم كل مرصد" المرصد‪ :‬الموضع الذي يرقب فيه العدو‪ ،‬يقال‪ :‬رصدت‬
‫فلنا أرصده‪ ،‬أي رقبته‪ .‬أي اقعدوا لهم في مواضع الغرة حيث يرصدون‪ .‬قال عامر بن الطفيل‪:‬‬
‫أن المنية للفتى بالمرصد‬ ‫ولقد علمت وما إخالك ناسيا‬
‫وقال عدي‪:‬‬
‫وإن المنايا للنفوس بمرصد‬ ‫أعاذل إن الجاهل من لذة الفتى‬
‫وفي هذا دليل على جواز اغتيالهم قبل الدعوة‪ .‬ونصب "كل" على الظرف‪ ،‬وهو اختيار الزجاج‪،‬‬
‫ويقال‪ :‬ذهبيت طريقيا وذهبيت كيل طرييق‪ .‬أو بإسيقاط الخافيض‪ ،‬التقديير‪ :‬فيي كيل مرصيد وعلى كيل‬
‫مرصيد‪ ،‬فيجعيل المرصيد اسيما للطرييق‪ .‬وخطيأ أبيو علي الزجاج فيي جعله الطرييق ظرفيا وقال‪:‬‬
‫الطرييق مكان مخصيوص كالبييت والمسيجد‪ ،‬فل يجوز حذف حرف الجير منيه إل فيميا ورد فييه‬
‫الحذف سماعا‪ ،‬كما حكى سيبويه‪ :‬دخلت الشام ودخلت البيت‪ ،‬وكما قيل‪:‬‬
‫كما عسل الطريق الثعلب‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن تابوا" أي من الشرك‪" .‬وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم" هذه الية‬
‫فيها تأمل‪ ،‬وذلك أن ال تعالى علق القتل على الشرك‪ ،‬ثم قال‪" :‬فإن تابوا"‪ .‬والصل أن القتل متى‬
‫كان الشرك يزول بزواله‪ ،‬ودلك يقتضيي زوال القتل بمجرد التوبة‪ ،‬من غير اعتبار إقامة الصلة‬
‫وإيتاء الزكاة‪ ،‬ولذلك سقط القتل بمجرد التوبة قبل وقت الصلة والزكاة‪ .‬وهذا بين في هدا المعنى‪،‬‬
‫غيير أن ال تعالى ذكير التوبية وذكير معهيا شرطيين آخريين‪ ،‬فل سيبيل إلى إلغائهميا‪ .‬نظيره قوله‬
‫صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬أمرت أن أقاتييل الناس حتييى يقولوا ل إله إل ال ويقيموا الصييلة ويؤتوا‬
‫الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصيموا منيي دماءهيم وأموالهيم إل بحقهيا وحسيابهم على ال)‪ .‬وقال أبيو بكير‬
‫الصيديق رضيي ال عنيه‪(:‬وال لقاتلن مين فرق بيين الصيلة والزكاة‪ ،‬فإن الزكاة حيق المال) وقال‬
‫ابين عباس‪ :‬رحيم ال أبيا بكير ميا كان أفقهيه‪ .‬وقال ابين العربيي‪ :‬فانتظيم القرآن والسينة واطردا‪ .‬ول‬
‫خلف بين المسلمين أن من ترك الصلة وسائر الفرائض مستحل كفر‪ ،‬ومن ترك السنن متهاونا‬
‫فسق‪ ،‬ومن ترك النوافل لم يحرج‪ ،‬إل أن يجحد فضلها فيكفر‪ ،‬لنه يصير رادا على الرسول عليه‬
‫السلم ما جاء به وأخبر عنه‪ .‬واختلفوا فيمن ترك الصلة من غير جحد لها ول استحلل‪ ،‬فروى‬
‫يونس بن عبدالعلى قال‪ :‬سمعت ابن وهب يقول قال مالك‪ :‬من آمن بال وصدق المرسلين وأبى‬
‫أن يصيلي قتيل‪ ،‬وبيه قال أبيو ثور وجمييع أصيحاب الشافعيي‪ .‬وهيو قول حماد بين زييد ومكحول‬
‫ووكيع‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يسجن ويضرب ول يقتل‪ ،‬وهو قول ابن شهاب وبه يقول داود بن علي‪.‬‬
‫ومن حجتهم قوله صلى ال عليه وسلم‪( :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ل إله إل ال فإذا قالوا‬
‫ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحقها)‪ .‬وقالوا‪ :‬حقها الثلث التي قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم‪( :‬ل يحيل دم امرئ مسيلم إل بإحدى ثلث كفير بعيد إيمان أو زنيى بعيد إحصيان أو قتيل نفيس‬
‫بغيير نفيس)‪ .‬وذهبيت جماعية مين الصيحابة والتابعيين إلى أن مين ترك صيلة واحدة متعمدا حتيى‬
‫يخرج وقتها لغير عذر‪ ،‬وأبى من أدائها وقضائها وقال ل أصلي فإنه كافر‪ ،‬ودمه وماله حللن‪،‬‬
‫ول يرثيه ورثتيه مين المسيلمين‪ ،‬ويسيتتاب‪ ،‬فإن تاب وإل قتيل‪ ،‬وحكيم ماله كحكيم مال المرتيد‪ ،‬وهيو‬
‫قول إسييحاق‪ .‬قال إسييحاق‪ :‬وكذلك كان رأي أهييل العلم ميين لدن النييبي صييلى ال عليييه وسييلم إلى‬
‫زماننيا هذا‪ .‬وقال ابين خوييز منداد‪ :‬واختلف أصيحابنا متيى يقتيل تارك الصيلة‪ ،‬فقال بعضهيم فيي‬
‫آخير الوقيت المختار‪ ،‬وقال بعضهيم آخير وقيت الضرورة‪ ،‬وهيو الصيحيح مين ذلك‪ .‬وذلك أن يبقيى‬
‫مين وقيت العصير أربيع ركعات إلى مغييب الشميس‪ ،‬ومين اللييل أربيع ركعات لوقيت العشاء‪ ،‬ومين‬
‫الصييبح ركعتان قبييل طلوع الشمييس‪ .‬وقال إسييحاق‪ :‬وذهاب الوقييت أن يؤخيير الظهيير إلى غروب‬
‫الشمس والمغرب إلى طلوع الفجر‪.‬‬
‫@ هذه اليية دالة على أن مين قال‪ :‬قيد تبيت أنيه ل يجتزأ بقوله حتيى ينضاف إلى ذلك أفعاله‬
‫المحققة للتوبة‪ ،‬لن ال عز وجل شرط هنا مع التوبة إقام الصلة وإيتاء الزكاة ليحقق بهما التوبة‪.‬‬
‫وقال فييي آييية الربييا "وإن تبتييم فلكييم رؤوس أموالكييم" [البقرة‪ .]279:‬وقال‪" :‬إل الذييين تابوا‬
‫وأصلحوا وبينوا" [البقرة‪ ]160 :‬وقد تقدم معنى هذا في سورة البقرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 6 :‬وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلم ال ثم أبلغه مأمنه ذلك‬
‫بأنهم قوم ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن أحيد مين المشركيين" أي مين الذيين أمرتيك بقتالهيم‪" .‬اسيتجارك" أي سيأل‬
‫جوارك‪ ،‬أي أمانك وذمامك‪ ،‬فأعطه إياه ليسمع القرآن‪ ،‬أي يفهم أحكامه وأوامره ونواهيه‪ .‬فإن قبل‬
‫أمرا فحسيين‪ ،‬وإن أبييى فرده إلى مأمنييه‪ .‬وهذا مييا ل خلف فيييه‪ .‬وال أعلم‪ .‬قال مالك‪ :‬إذا وجييد‬
‫الحربيي فيي طرييق بلد المسيلمين فقال‪ :‬جئت أطلب المان‪ .‬قال مالك‪ :‬هذه أمور مشتبهية‪ ،‬وأرى‬
‫أن يرد إلى مأمنييه‪ .‬قال ابيين قاسييم‪ :‬وكذلك الذي يوجييد وقييد نزل تاجرا بسيياحلنا فيقول‪ :‬ظننييت أل‬
‫تعرضوا لمين جاء تاجرا حتيى ييبيع‪ .‬وظاهير اليية إنميا هيي فيمين يرييد سيماع القرآن والنظير فيي‬
‫السلم‪ ،‬فأما الجارة لغير ذلك فإنما هي لمصلحة المسلمين والنظر فيما تعود عليهم به منفعته‪.‬‬
‫@ ول خلف بيين كافية العلماء أن أمان السيلطان جائز‪ ،‬لنيه مقدم للنظير والمصيلحة‪ ،‬نائب عين‬
‫الجمييع فيي جلب المنافيع ودفيع المضار‪ .‬واختلفوا فيي أمان غيير الخليفية‪ ،‬فالحير يمضيي أمانيه عنيد‬
‫كافية العلماء‪ .‬إل أن ابين حيبيب قال‪ :‬ينظير المام فييه‪ .‬وأميا العبيد فله المان فيي مشهور المذهيب‪،‬‬
‫وبيه قال الشافعيي وأصيحابه وأحميد وإسيحاق والوزاعيي والثوري وأبيو ثور وداود ومحميد بين‬
‫الحسين‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل أمان له‪ ،‬وهيو القول الثانيي لعلمائنيا‪ .‬والول أصيح‪ ،‬لقوله صيلى ال‬
‫علييه وسيلم‪( :‬المسيلمون تتكافيأ دماؤهيم ويسيعى بذمتهيم أدناهيم)‪ .‬قالوا‪ :‬فلميا قال (أدناهيم) جاز أمان‬
‫العبييييد‪ ،‬وكانييييت المرأة الحرة أحرى بذلك‪ ،‬ول اعتبار بعلة (ل يسييييهم له)‪ .‬وقال عبدالملك بيييين‬
‫الماجشون‪ :‬ل يجوز أمان المرأة إل أن يجيزه المام‪ ،‬فشييذ بقوله عيين الجمهور‪ .‬وأمييا الصييبي فإذا‬
‫أطاق القتال جاز أمانييه‪ ،‬لنييه ميين جملة المقاتلة‪ ،‬ودخييل فييي الفئة الحامييية‪ .‬وقييد ذهييب الضحاك‬
‫والسدي إلى أن هذه الية منسوخة بقوله‪" :‬فاقتلوا المشركين"‪ .‬وقال الحسن‪ :‬هي محكمة سنة إلى‬
‫يوم القيامة‪ ،‬وقاله مجاهد‪ .‬وقيل‪ :‬هذه الية إنما كان حكمها باقيا مدة الربعة الشهر التي ضربت‬
‫لهيم أجل‪ ،‬ولييس بشييء‪ .‬وقال سيعيد بين جيبير‪ :‬جاء رجيل مين المشركيين إلى علي بين أبيي طالب‬
‫فقال‪ :‬إن أراد الرجل منا أن يأتي محمدا بعد انقضاء الربعة الشهر فيسمع كلم ال ويأتيه بحاجة‬
‫قتل فقال علي بن أبي طالب‪ :‬ل‪ ،‬لن ال تبارك وتعالى يقول‪" :‬وإن أحد من المشركين استجارك‬
‫فأجره حتى يسمع كلم ال"‪ .‬وهذا صحيح‪ .‬والية محكمة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن أحد" "أحد" مرفوع بإضمار فعل كالذي بعده‪ .‬وهذا حسن في "إن" وقبيح‬
‫فيي أخواتهيا‪ .‬ومذهيب سييبويه فيي الفرق بيين "إن" وأخواتهيا‪ ،‬أنهيا لميا كانيت أم حروف الشرط‬
‫خصت بهذا‪ ،‬ولنها ل تكون في غيره‪ .‬وقال محمد بن يزيد‪ :‬أما قوله ‪ -‬لنها ل تكون في غيره ‪-‬‬
‫فغلط‪ ،‬لنهييا تكون بمعنييى ‪ -‬مييا ‪ -‬ومخففيية ميين الثقيلة ولكنهييا مبهميية‪ ،‬وليييس كذا غيرهييا‪ .‬وأنشييد‬
‫سيبويه‪:‬‬
‫وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي‬ ‫ل تجرعي إن منفسا أهلكته‬
‫@ قال العلماء في قوله تعالى‪" :‬حتى يسمع كلم ال" دليل على أن كلم ال عز وجل مسموع‬
‫عنيد قراءة القارئ‪ ،‬قاله الشييخ أبيو الحسين والقاضيي أبيو بكير وأبيو العباس القلنسيي وابين مجاهيد‬
‫وأبييو إسييحاق السييفراييني وغيرهييم‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬حتييى يسييمع كلم ال" فنييص على أن كلمييه‬
‫مسييموع عنييد قراءة القارئ لكلمييه‪ .‬ويدل عليييه إجماع المسييلمين على أن القارئ إذا قرأ فاتحيية‬
‫الكتاب أو سييورة قالوا‪ :‬سييمعنا كلم ال‪ .‬وفرقوا بييين أن يقرأ كلم ال تعالى وبييين أن يقرأ شعيير‬
‫امرئ القيس‪ .‬وقد مضى فيي سورة "البقرة" معنى كلم ال تعالى‪ ،‬وأنه ليس بحرف ول صوت‪،‬‬
‫والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 7 :‬كييف يكون للمشركيين عهيد عنيد ال وعنيد رسيوله إل الذيين عاهدتيم عنيد المسيجد‬
‫الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن ال يحب المتقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كييف يكون للمشركيين عهيد عنيد ال وعنيد رسيوله إل الذيين عاهدتيم عنيد المسيجد‬
‫الحرام" كييف هنيا للتعجيب‪ ،‬كميا تقول‪ :‬كييف يسيبقني فلن أي ل ينبغيي أن يسيبقني‪ .‬و"عهيد" اسيم‬
‫يكون‪ .‬وفي الية إضمار‪ ،‬أي كيف يكون للمشركين عهد مع إضمار الغدر‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫فكيف وهاتا هضبة وكثيب‬ ‫وخبرتماني إنما الموت بالقرى‬
‫التقديير‪ :‬فكييف مات‪ ،‬عين الزجاج‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى كييف يكون للمشركيين عهيد عنيد ال يأمنون بيه‬
‫عذابه غدا‪ ،‬وكيف يكون لهم عند رسوله عهد يأمنون به عذاب الدنييا‪ .‬ثم استثنى فقال‪" :‬إل الذين‬
‫عاهدتم عند المسجد الحرام"‪ .‬قال محمد بن إسحاق‪ :‬هم بنو بكر‪ ،‬أي ليس العهد إل لهؤلء الذين‬
‫لم ينقضوا ولم ينكثوا‪" .‬فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن ال يحب المتقين‬
‫أي فميا أقاموا على الوفاء بعهدكيم فأقيموا لهيم على مثيل ذلك ابين زييد‪ :‬فلم يسيتقيموا فضرب لهيم‬
‫أجل أربعة أشهر فأما من ل عهد له فقاتلوه حيث وجدتموه إل أن يتوب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 8 :‬كييف وإن يظهروا عليكيم ل يرقبوا فيكيم إل ول ذمية يرضونكيم بأفواههيم وتأبيى‬
‫قلوبهم وأكثرهم فاسقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كيف وإن يظهروا عليكم" أعاد التعجب من أن يكون لهم عهد مع خبث أعمالهم‪،‬‬
‫أي كييف يكون لهيم عهيد وإن يظهروا عليكيم ل يرقبوا فيكيم إل ول ذمية‪ .‬يقال‪ :‬ظهرت على فلن‬
‫أي غلبتيه‪ ،‬وظهرت البييت علوتيه‪ ،‬ومنيه "فميا اسيتطاعوا أن يظهروه" [الكهيف‪ ]97 :‬أي يعلوا‬
‫عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يرقبوا فيكم" "يرقبوا" يحافظوا‪ .‬والرقيب الحافظ‪ .‬وقد تقدم‪" .‬إل" عهدا‪ ،‬عن‬
‫مجاهيد وابين زييد‪ .‬وعين مجاهيد أيضيا‪ :‬هيو اسيم مين أسيماء ال عيز وجيل‪ .‬ابين عباس والضحاك‪:‬‬
‫قرابة‪ .‬الحسن‪ :‬جوارا‪ .‬قتادة‪ :‬حلفا‪ ،‬و"ذمة" عهدا‪ .‬أبو عبيدة‪ :‬يمينا‪ .‬وعنه أيضا‪ :‬إل العهد‪ ،‬والذمة‬
‫التذميم‪ .‬الزهري‪ :‬اسيم ال بالعبرانيية‪ ،‬وأصيله مين اللييل وهيو البرييق‪ ،‬يقال أل لونيه يؤل أل‪ ،‬أي‬
‫صيفا ولميع‪ .‬وقييل‪ :‬أصيله مين الحدة‪ ،‬ومنيه اللة للحربية‪ ،‬ومنيه أذن مؤللة أي محددة‪ .‬ومنيه قول‬
‫طرفة بن العبد يصف أذني ناقته بالحدة والنتصاب‪.‬‬
‫كسامعتي شاة بحومل مفرد‬ ‫مؤللتان تعرف العتق فيهما‬
‫فإذا قيييل للعهييد والجوار والقرابيية "إل" فمعناه أن الذن تصييرف إلى تلك الجهيية‪ ،‬أي تحدد لهييا‪.‬‬
‫والعهييد يسييمى "إل" لصييفائه وظهوره‪ .‬ويجمييع فييي القلة آلل‪ .‬وفييي الكثرة إلل‪ .‬وقال الجوهري‬
‫وغيره‪ :‬الل بالكسر هو ال عز وجل‪ ،‬والل أيضا العهد والقرابة‪ .‬قال حسان‪:‬‬
‫كإل السقب من رأل النعام‬ ‫لعمرك إن إلك من قريش‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول ذمية" أي عهدا‪ .‬وهيي كيل حرمية يلزميك إذا ضيعتهيا ذنيب‪ .‬قال ابين عباس‬
‫والضحاك وابين زييد‪ :‬الذمية العهيد‪ .‬ومين جعيل الل العهيد فالتكريير لختلف اللفظيين‪ .‬وقال أبيو‬
‫عيبيدة معمير‪ :‬الذمية التذميم‪ .‬وقال أبيو عبييد‪ :‬الذمية المان فيي قوله علييه السيلم‪( :‬ويسيعى بذمتهيم‬
‫أدناهم)‪ .‬وجمع ذمة ذمم‪ .‬وبئر ذمة ‪ -‬بفتح الذال ‪ -‬قليلة الماء‪ ،‬وجمعها ذمام‪ .‬قال ذو الرمة‪:‬‬
‫ذمام الركايا أنكزتها المواتح‬ ‫على حميريات كأن عيونها‬
‫أنكزتها أذهبت ماءها‪ .‬وأهل الذمة أهل العقد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يرضونكيم بأفواههيم" أي يقولون بألسينتهم ميا يرضيي ظاهره‪" .‬وتأبيى قلوبهيم‬
‫وأكثرهييم فاسييقون" أي ناقضون العهييد‪ .‬وكييل كافيير فاسييق‪ ،‬ولكنيه أراد ههنييا المجاهرييين بالقبائح‬
‫ونقض العهد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬اشتروا بآيات ال ثمنا قليل فصدوا عن سبيله إنهم ساء ما كانوا يعملون}‬
‫@ يعنيي المشركيين فيي نقضهيم العهود بأكلة أطعمهيم إياهيا أبيو سيفيان‪ ،‬قاله مجاهيد‪ .‬وقييل‪ :‬إنهيم‬
‫اسيتبدلوا بالقرآن متاع الدنييا‪" .‬فصيدوا عين سيبيله" أي أعرضوا‪ ،‬مين الصيدود أو منعوا عين سيبيل‬
‫ال‪ ،‬من الصد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬ل يرقبون في مؤمن إل ول ذمة وأولئك هم المعتدون}‬
‫@ قال النحاس‪ :‬لييس هذا تكريرا‪ ،‬ولكن الول لجمييع المشركيين والثانيي لليهود خاصية‪ .‬والدلييل‬
‫على هذا "اشتروا بآيات ال ثمنييا قليل" يعنييي اليهود‪ ،‬باعوا حجييج ال عييز وجييل وبيانييه بطلب‬
‫الرياسة وطمع في شيء‪" .‬وأولئك هم المعتدون" أي المجاوزون الحلل إلى الحرام بنقض العهد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 11 :‬فإن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فإخوانكيم في الدين ونفصل اليات لقوم‬
‫يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة" أي عن الشرك والتزموا أحكام السلم‪.‬‬
‫"فإخوانكم" أي فهم إخوانكم "فيي الديين"‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬حرمت هذه دماء أهل القبلة‪ .‬وقد تقدم‬
‫هذا المعنييى‪ .‬وقال ابيين زيييد‪ :‬افترض ال الصييلة والزكاة وأبييى أن يفرق بينهمييا وأبييى أن يقبييل‬
‫الصييلة إل بالزكاة‪ .‬وقال ابيين مسييعود‪ :‬أمرتييم بالصييلة والزكاة فميين لم يزك فل صييلة له‪ .‬وفييي‬
‫حدييث أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬مين فرق بيين ثلث فرق ال بينيه وبيين رحمتيه يوم‬
‫القياميية ميين قال أطيييع ال ول أطيييع الرسييول وال تعالى يقولك "أطيعوا ال وأطيعوا الرسييول"‬
‫[النسياء‪ ]59 :‬ومين قال أقييم الصيلة ول أوتيي الزكاة وال تعالى يقول‪" :‬وأقيموا الصيلة وآتوا‬
‫الزكاة" [البقرة‪ ]43 :‬ومن فرق بين شكير ال وشكير والديه وال عز وجل يقول‪" :‬أن اشكر لي‬
‫ولوالديك" [لقمان‪.)]14 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ونفصل اليات" أي نبينها‪" .‬لقوم يعلمون" خصهم لنهم هم المنتفعون بها‪ .‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 12 :‬وإن نكثوا أيمانهيم مين بعيد عهدهيم وطعنوا فيي دينكيم فقاتلوا أئمية الكفير إنهيم ل‬
‫أيمان لهم لعلهم ينتهون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن نكثوا أيمانهم" النكث النقض‪ ،‬وأصله في كل ما قتل ثم حل‪ .‬فهي في اليمان‬
‫والعهود مستعارة‪ .‬قال‪:‬‬
‫عهدها فليس لمخضوب البنان يمين‬ ‫وإن حلفت ل ينقض النأي‬
‫أي عهد‪" .‬وطعنوا في دينكم" أي بالستنقاض والحرب وغير ذلك مما يفعله المشرك‪ .‬يقال‪ :‬طعنه‬
‫بالرمح وطعن بالقول السيء فيه يطعن‪ ،‬بضم العين فيهما‪ .‬وقيل‪ :‬يطعن بالرمح ‪ -‬بالضم ‪ -‬ويطعن‬
‫بالقول ‪ -‬بالفتيح ‪ . -‬وهيي هنيا اسيتعارة‪ ،‬ومنيه قوله صيلى ال علييه وسيلم حيين أمير أسيامة‪( :‬إن‬
‫تطعنوا فيي إمارتيه فقيد طعنتيم فيي إمارة أبييه مين قبيل وأييم ال إن كان لخليقيا للمارة)‪ .‬خرجيه‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫@ استدل بعض العلماء بهذه الية على وجوب قتل كل من طعن في الدين‪ ،‬إذ هو كافر‪ .‬والطعن‬
‫أن ينسيب إلييه ميا ل يلييق بيه‪ ،‬أو يعترض بالسيتخفاف على ميا هيو مين الديين‪ ،‬لميا ثبيت مين الدلييل‬
‫القطعي على صحة أصوله واستقامة فروعه‪ .‬وقال ابن المنذر‪ :‬أجمع عامة أهل العلم على أن من‬
‫سيب النيبي صيلى ال علييه وسيلم علييه القتيل‪ .‬وممين قال ذلك مالك واللييث وأحميد وإسيحاق‪ ،‬وهيو‬
‫مذهيب الشافعيي‪ .‬وقيد حكيي عين النعمان أنيه قال‪ :‬ل يقتيل مين سيب النيبي صيلى ال علييه وسيلم مين‬
‫أهييل الذميية‪ ،‬على مييا يأتييي‪ .‬وروي أن رجل قال فييي مجلس علي‪ :‬مييا قتييل كعييب بين الشرف إل‬
‫غدرا‪ ،‬فأمر علي بضرب عنقه‪ .‬وقال آخر في مجلس معاوية فقام محمد بن مسلمة فقال‪ :‬أيقال هذا‬
‫فيي مجلسيك وتسيكت وال ل أسياكنك تحيت سيقف أبدا‪ ،‬ولئن خلوت بيه لقتلنيه‪ .‬قال علماؤنيا‪ :‬هذا‬
‫يقتيل ول يسيتتاب إن نسيب الغدر للنيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وهيو الذي فهميه علي ومحميد بين‬
‫مسيلمة رضوان ال عليهميا مين قائل ذلك‪ ،‬لن ذلك زندقية‪ .‬فأميا إن نسيبه للمباشريين لقتله بحييث‬
‫يقول‪ :‬إنهم أمنوه ثم غدروه لكانت هذه النسبة كذبا محضا‪ ،‬فإنه ليس في كلمهم معه ما يدل على‬
‫أنهم أمنوه ول صرحوا له بذلك‪ ،‬ولو فعلوا ذلك لما كان أمانا‪ ،‬لن النبي صلى ال عليه وسلم إنما‬
‫وجههيم لقتله ل لتأمينيه‪ ،‬وأذن لمحميد بين مسيلمة فيي أن يقول‪ .‬وعلى هذا فيكون فيي قتيل مين نسيب‬
‫ذلك لهم نظر وتردد‪ .‬وسببه هل يلزم من نسبة الغدر لهم نسبته للنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لنه قد‬
‫صوب فعلهم ورضي به فيلزم منه أنه قد رضي بالغدر ومن صرح بذلك قتل‪ ،‬أول يلزم من نسبة‬
‫الغدر لهم نسبته للنبي صلى ال عليه وسلم فل يقتل‪ .‬وإذا قلنا ل يقتل‪ ،‬فل بد من تنكيل ذلك القائل‬
‫وعقوبته بالسجن‪ ،‬والضرب الشديد والهانة العظيمة‪.‬‬
‫@ فأما الذمي إذا طعن في الدين انتقض عهده في المشهور من مذهب مالك‪ ،‬لقوله‪" :‬وإن نكثوا‬
‫أيمانهيم" اليية‪ .‬فأمير بقتلهيم وقتالهيم‪ .‬وهيو مذهيب الشافعيي رحميه ال‪ .‬وقال أبيو حنيفية فيي هذا‪ :‬إنيه‬
‫يسيتتاب‪ ،‬وإن مجرد الطعين ل ينقيض بيه العهيد إل ميع وجود النكيث‪ ،‬لن ال عيز وجيل إنميا أمير‬
‫بقتلهم بشرطين‪ :‬أحدهما نقضهم العهد‪ ،‬والثاني طعنهم في الدين‪.‬‬
‫قلنيا‪ :‬إن عملوا بميا يخالف العهيد انتقيض عهدهيم‪ ،‬وذكير المريين ل يقتضيي توقيف قتاله على‬
‫وجودهميا‪ ،‬فإن النكيث يبييح لهيم ذلك بانفراده عقل وشرعيا‪ .‬وتقديير اليية عندنيا‪ :‬فإن نكثوا عهدهيم‬
‫حل قتالهم‪ ،‬وإن لم ينكثوا بل طعنوا في الدين مع الوفاء بالعهد حل قتالهم‪ .‬وقد روي أن عمر رفع‬
‫إليه ذمي نخس دابة عليها امرأة مسلمة فرمحت فأسقطتها فانكشفت بعض عورتها‪ ،‬فأمر بصلبه‬
‫في الموضع‪.‬‬
‫@ إذا حارب الذمي نقض عهده وكان ماله وولده فيئا معه‪ .‬وقال محمد بن مسلمة‪ :‬ل يؤاخذ ولده‬
‫به‪ ،‬لنه نقض وحده‪ .‬وقال‪ :‬أما ماله فيؤخذ‪ .‬وهذا تعارض ل يشبه منصب محمد بن مسلمة‪ ،‬لن‬
‫عهده هو الذي حمى ماله وولده‪ ،‬فإذا ذهب عنه ماله ذهب عنه ولده‪ .‬وقال أشهب‪ :‬إذا نقض الذمي‬
‫العهد فهو على عهده ول يعود في الرق أبدا‪ .‬وهذا من العجب‪ ،‬وكأنه رأى العهد معنى محسوسا‪.‬‬
‫وإنما العهد حكم اقتضاه النظر‪ ،‬والتزمه المسلمون له‪ ،‬فإذا نقضه انتقض كسائر العقود‪.‬‬
‫@ أكثر العلماء على أن من سب النبي صلى ال عليه وسلم من أهل الذمة أو عرض أو استخف‬
‫بقدره أو وصيفه بغيير الوجيه الذي كفير بيه فإنيه يقتيل‪ ،‬فإنيا لم نعطيه الذمية أو العهيد على هذا‪ .‬إل أبيا‬
‫حنيفية والثوري وأتباعهميا مين أهيل الكوفية فإنهيم قالوا‪ :‬ل يقتيل‪ ،‬ميا هيو علييه مين الشرك أعظيم‪،‬‬
‫ولكين يؤدب ويعزر‪ .‬والحجية علييه قوله تعالى‪" :‬وإن نكثوا" اليية‪ .‬واسيتدل علييه بعضهيم بأمره‬
‫صلى ال عليه وسلم بقتل كعب بن الشرف وكان معاهدا‪ .‬وتغيظ أبو بكر على رجل من أصحابه‬
‫فقال أبو برزة‪ :‬أل أضرب عنقه فقال‪ :‬ما كانت لحد بعد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وروى‬
‫الدارقطنيي عين ابين عباس‪ :‬أن رجل أعميى كانيت له أم ولد‪ ،‬له منهيا ابنان مثيل اللؤلؤتيين‪ ،‬فكانيت‬
‫تشتيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم وتقيع فييه‪ ،‬فينهاهيا فلم تنتيه‪ ،‬ويزجرهيا فلم تنزجير‪ ،‬فلميا كان ذات‬
‫ليلة ذكرت النيبي صيلى ال علييه وسيلم فميا صيبر سييدها أن قام إلى معول فوضعيه فيي بطنهيا‪ ،‬ثيم‬
‫اتكأ عليها حتى أنفذه‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أل اشهدوا إن دمها هدر)‪ .‬وفي رواية عن‬
‫ابن عباس‪ :‬فقتلها‪ ،‬فلميا أصبح قيل‪ ،‬ذلك للنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقام العمى فقال‪ :‬يا رسول‬
‫ال‪ ،‬أنا صاحبها‪ ،‬كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فل تنتهي‪ ،‬وأزجرها فل تنزجر‪ ،‬ولي منها ابنان‬
‫مثيل اللؤلؤتيين‪ ،‬وكانيت بيي رفيقية فلميا كان البارحية جعلت تشتميك وتقيع فييك فقتلتهيا‪ ،‬فقال النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬أل اشهدوا إن دمها هدر)‪.‬‬
‫@ واختلفوا إذا سبه ثم أسلم تقية من القتل‪ ،‬فقيل يسقط إسلمه قتله‪ ،‬وهو المشهور من المذهب‪،‬‬
‫لن السيلم يجيب ميا قبله‪ .‬بخلف المسيلم إذا سيبه ثيم تاب قال ال عيز وجيل‪" :‬قيل للذيين كفروا إن‬
‫ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف" [النفال‪ .]38:‬وقيل‪ :‬ل يسقط السلم قتله‪ ،‬قاله في العتبية لنه حق‬
‫للنيبي صيلى ال علييه وسيلم وجيب لنتهاكيه حرمتيه وقصيده إلحاق النقيصية والمعرة بيه‪ ،‬فلم يكين‬
‫رجوعه إلى السلم بالذي يسقطه‪ ،‬ول يكون أحسن حال من المسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقاتلوا أئمية الكفير" "أئمية" جميع إمام‪ ،‬والمراد صيناديد قرييش ‪ -‬فيي قول بعيض‬
‫العلماء ‪ -‬كأبي جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف‪ .‬وهذا بعيد‪ ،‬فإن الية في سورة "براءة" وحين‬
‫نزلت وقرئت على الناس كان ال قد استأصل شأفة قريش فلم يبق إل مسلم أو مسالم‪ ،‬فيحتمل أن‬
‫يكون المراد "فقاتلوا أئمية الكفير"‪ .‬أي مين أقدم على نكيث العهيد والطعين فيي الديين يكون أصيل‬
‫ورأسيا فيي الكفير‪ ،‬فهيو مين أئمية الكفير على هذا‪ .‬ويحتميل أن يعنيى بيه المتقدمون والرؤسياء منهيم‪،‬‬
‫وأن قتالهيم قتال لتباعهيم وأنهيم ل حرمية لهيم‪ .‬والصيل أأممية كمثال وأمثلة‪ ،‬ثيم أدغميت المييم فيي‬
‫المييم وقلبيت الحركية على الهمزة فاجتمعيت همزتان‪ ،‬فأبدلت مين الثانيية ياء‪ .‬وزعيم الخفيش أنيك‬
‫تقول‪ :‬هذا أيييم ميين هذا‪ ،‬بالياء‪ .‬وقال المازنييي‪ :‬أوم ميين هذا‪ ،‬بالواو‪ .‬وقرأ حمزة "أئميية"‪ .‬وأكثيير‬
‫النحويين يذهب إلى أن هذا لحن‪ ،‬لنه جمع بين همزتين في كلمة واحدة‪" .‬إنهم ل أيمان لهم" أي‬
‫ل عهود لهم‪ ،‬أي ليست عهودهم صادقة يوفون بها‪ .‬وقرأ ابن عامر "ل إيمان لهم" بكسر الهمزة‬
‫من اليمان‪ ،‬أي ل إسلم لهم‪ .‬ويحتمل أن يكون مصدر آمنته إيمانا‪ ،‬من المن الذي ضده الخوف‪،‬‬
‫أي ل يؤمنون‪ ،‬من آمنته إيمانا أي أجرته‪ ،‬فلهذا قال‪" :‬فقاتلوا أئمة الكفر"‪" .‬لعلهم ينتهون" أي عن‬
‫الشرك‪ .‬قال الكلبيي‪ :‬كان النيبي صيلى ال علييه وسيلم وادع أهيل مكية سينة وهيو بالحديبيية فحبسيوه‬
‫عن البيت‪ ،‬ثم صالحوه على أن يرجع فمكثوا ما شاء ال‪ ،‬ثم قاتل حلفاء رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم من خزاعة حلفاء بني أمية من كنانة‪ ،‬فأمدت بنو أمية حلفاءهم بالسلح والطعام‪ ،‬فاستعانت‬
‫خزاعة برسول ال صلى ال عليه وسلم فنزلت هذه الية وأمر رسول ال صلى ال عليه وسلم أن‬
‫يعيين حلفاءه كميا سيبق‪ .‬وفيى البخاري عين زييد بين وهيب قال‪ :‬كنيا عنيد حذيفية فقال ميا بقيي مين‬
‫أصحاب هذه الية ‪ -‬يعني "فقاتلوا أئمة الكفر إنهم ل أيمان لهم" ‪ -‬إل ثلثة‪ ،‬ول بقي من المنافقين‬
‫إل أربعية‪ .‬فقال أعرابيي‪ :‬إنكيم أصيحاب محميد تخيبرون أخبارا ل ندري ميا هيي تزعمون أل منافيق‬
‫إل أربعية‪ ،‬فميا بال هؤلء الذيين يبقرون بيوتنيا ويسيرقون أعلفنيا قال‪ :‬أولئك الفسياق أجيل لم يبيق‬
‫منهيم إل أربعية‪ ،‬أحدهيم شييخ كيبير لو شرب الماء البارد لميا وجيد برده‪" .‬لعلهيم ينتهون" أي عين‬
‫كفرهم وباطلهم وأذيتهم للمسلمين‪ .‬وذلك يقتضي أن يكون الغرض من قتالهم دفع ضررهم لينتهوا‬
‫عن مقاتلتنا ويدخلوا في ديننا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 13 :‬أل تقاتلون قوميا نكثوا أيمانهيم وهموا بإخراج الرسيول وهيم بدؤوكيم أول مرة‬
‫أتخشونهم فال أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أل تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم" توبيخ وفيه معنى التحضيض نزلت في كفار مكة‬
‫كميا ذكرنيا آنفيا‪" .‬وهموا بإخراج الرسيول" أي كان منهيم سيبب الخروج‪ ،‬فأضييف الخراج إليهيم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬أخرجوا الرسول عليه السلم من المدينة لقتال أهل مكة للنكث الذي كان منهم‪ :‬عن الحسن‪.‬‬
‫"وهم بدؤوكم" بالقتال‪" .‬أول مرة" أي نقضوا العهد وأعانوا بني بكر على خزاعة‪ .‬وقيل‪ :‬بدؤوكم‬
‫بالقتال يوم بدر؛ لن النييبي صييلى ال عليييه وسييلم خرج للعييير ولمييا أحرزوا عيرهييم كان يمكنهييم‬
‫النصيراف‪ ،‬فأبوا إل الوصيول إلى بدر وشرب الخمير بهيا؛ كميا تقدم‪" .‬فال أحيق أن تخشوه" أي‬
‫تخافوا عقابيه فيي ترك قتالهيم مين أن تخافوا أن ينالكيم فيي قتالهيم مكروه‪ .‬وقييل‪ :‬إخراجهيم الرسيول‬
‫منعهم إياه من الحج والعمرة والطواف‪ ،‬وهو ابتداؤهم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 15 - 14 :‬قاتلوهيم يعذبهيم ال بأيديكيم ويخزهيم وينصيركم عليهيم ويشيف صيدور‬
‫قوم مؤمنين‪ ،‬ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب ال على من يشاء وال عليم حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قاتلوهيم" أمير‪" .‬يعذبهيم ال" جوابيه‪ .‬وهيو جزم بمعنيى المجازاة‪ :‬والتقديير‪ :‬إن‬
‫تقاتلوهم يعذبهم ال بأيديكيم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين‪" .‬ويذهب غيظ‬
‫قلوبهم" دليل على أن غيظهم كان قد اشتد‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬يعني خزاعة حلفاء رسول ال صلى ال‬
‫عليييه وسييلم‪ .‬وكله عطييف‪ ،‬ويجوز فيييه كله الرفييع على القطييع ميين الول‪ .‬ويجوز النصييب على‬
‫إضمار (أن) وهو الصرف عند الكوفيين‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫ربيع الناس والشهر الحرام‬ ‫فإن يهلك أبو قابوس يهلك‬
‫أجب الظهر ليس له سنام‬ ‫ونأخذ بعده بذناب عيش‬
‫وإن شئت رفعيت (ونأخيذ) وإن شئت نصيبته‪ .‬والمراد بقوله‪" :‬ويشيف صيدور قوم مؤمنيين" بنيو‬
‫خزاعة‪ ،‬على ما ذكرنا عن مجاهد‪ .‬فإن قريشا أعانت بني بكر عليهم‪ ،‬وكانت خزاعة حلفاء النبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬فأنشيد رجيل مين بنيي بكير هجاء رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬فقال له‬
‫بعيض خزاعية‪ :‬لئن أعدتيه لكسيرن فميك‪ ،‬فأعاده فكسير فاه وثار بينهيم قتال‪ ،‬فقتلوا مين الخزاعييين‬
‫أقواما‪ ،‬فخرج عمرو بن سالم الخزاعي في نفر إلى النبي صلى ال عليه وسلم وأخبره به‪ ،‬فدخل‬
‫منزل ميمونيية وقال‪( :‬اسييكبوا إلي ماء) فجعييل يغتسييل وهييو يقول‪( :‬ل نصييرت إن لم أنصيير بنييي‬
‫كعب)‪ .‬ثم أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بالتجهز والخروج إلى مكة فكان الفتح‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويتوب ال على مين يشاء" القراءة بالرفيع على السيتئناف لنيه لييس مين جنيس‬
‫الول ولهذا لم يقييل (ويتييب) بالجزم لن القتال غييير موجييب لهييم التوبيية ميين ال جييل وعييز وهييو‬
‫موجيب لهيم العذاب والخزي وشفاء صيدور المؤمنيين وذهاب غييظ قلوبهيم ونظيره‪" :‬فإن يشيأ ال‬
‫يختم على قلبك" [الشورى‪ ]24 :‬تم الكلم‪ .‬ثم قال‪" :‬ويمح ال الباطل" [الشورى‪ .]24 :‬والذين‬
‫تاب ال عليهم مثل أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وسليم بن أبي عمرو‪ ،‬فإنهم أسلموا‪ .‬وقرأ ابن‬
‫أبييي إسييحاق "ويتوب" بالنصييب‪ .‬وكذا روي عيين عيسييى الثقفييي والعرج‪ ،‬وعليييه فتكون التوبيية‬
‫داخلة فييي جواب الشرط‪ ،‬لن المعنيى‪ :‬إن تقاتلوهيم يعذبهيم ال‪ .‬وكذلك ميا عطيف علييه‪ .‬ثيم قال‪:‬‬
‫"ويتوب ال" أي إن تقاتلوهيم‪ .‬فجميع بيين تعذيبهيم بأيديكيم وشفاء صيدوركم وإذهاب غييظ قلوبكيم‬
‫والتوبة عليكم‪ .‬والرفع أحسن‪ ،‬لن التوبة ل يكون سببها القتال‪ ،‬إذ قد توجد بغير قتال لمن شاء ال‬
‫أن يتوب عليه في كل حال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 16 :‬أم حسيبتم أن تتركوا ولميا يعلم ال الذيين جاهدوا منكيم ولم يتخذوا من دون ال‬
‫ول رسوله ول المؤمنين وليجة وال خبير بما تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم حسبتم" خروج من شيء إلى شيء‪" .‬أن تتركوا" في موضع المفعولين على‬
‫قول سييبويه‪ .‬وعنيد الميبرد أنيه قيد حذف الثانيي‪ .‬ومعنيى الكلم‪ :‬أم حسيبتم أن تتركوا مين غيير أن‬
‫تبتلوا بما يظهر به المؤمن والمنافق الظهور الذي يستحق به الثواب والعقاب‪ .‬وقد تقدم هذا المعنى‬
‫في غير موضع‪" .‬ولما يعلم" جزم بلما وإن كانت ما زائدة‪ ،‬فإنها تكون عند سيبويه جوابا لقولك‪:‬‬
‫قييد فعييل كمييا تقدم‪ .‬وكسييرت الميييم للتقاء السيياكنين‪" .‬وليجيية" بطانيية ومداخلة ميين الولوج وهييو‬
‫الدخول ومنيه سيمي الكناس الذي تلج فييه الوحوش تولجيا ولج يلج ولوجيا إذا دخيل والمعنيى‪ :‬دخيلة‬
‫مودة مين دون ال ورسيوله وقال أبيو عيبيدة‪ :‬كيل شييء أدخلتيه فيي شييء لييس منيه فهيو وليجية‬
‫والرجييل يكون فييي القوم وليييس منهييم وليجيية وقال ابيين زيييد‪ :‬الوليجيية الدخيلة والولجاء الدخلء‬
‫فوليجة الرجل من يختص بدُخلة أمره دون الناس‪ .‬تقول‪ :‬هو وليجتي وهم وليجتي الواحد والجمع‬
‫فيه سواء قال أبان بن تغلب رحمه ال‪:‬‬
‫والمعتدين وأهل الريب‬ ‫فبئس الوليجة للهاربين‬
‫وقييل‪ :‬وليجية بطانية‪ ،‬والمعنيى واحيد‪ ،‬نظيره "ل تتخذوا بطانية مين دونكيم" [آل عمران‪.]118 :‬‬
‫وقال الفراء‪ :‬وليجة بطانة من المشركين يتخذونهم ويفشون إليهم أسرارهم ويعلمونهم أمورهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 17 :‬ميا كان للمشركيين أن يعمروا مسياجد ال شاهديين على أنفسيهم بالكفير أولئك‬
‫حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ميا كان للمشركيين أن يعمروا مسياجد ال" الجملة مين "أن يعمروا" فيي موضيع‬
‫رفيع اسيم كان‪" .‬شاهديين" على الحال‪ .‬واختلف العلماء فيي تأوييل هذه اليية‪ ،‬فقييل‪ :‬أراد لييس لهيم‬
‫الحج بعد ما نودي فيهم بالمنع عن المسجد الحرام‪ ،‬وكانت أمور البيت كالسدانة والسقاية والرفادة‬
‫إلى المشركيين‪ ،‬فيبين أنهيم ليسيوا أهل لذلك‪ ،‬بيل أهله المؤمنون‪ .‬وقييل‪ :‬إن العباس لميا أسير وعيير‬
‫بالكفير وقطيعية الرحيم قال‪ :‬تذكرون مسياوئنا ول تذكرون محاسيننا‪ .‬فقال علي‪ :‬ألكيم محاسين؟ قال‪:‬‬
‫نعيم إنيا لنعمير المسيجد الحرام ونحجيب الكعبية ونسيقي الحاج ونفيك العانيي‪ ،‬فنزلت هذه اليية ردا‬
‫علييه‪ .‬فيجيب إذا على المسيلمين تولي أحكام المسياجد ومنيع المشركيين مين دخولهيا‪ .‬وقراءة العامية‬
‫"يعمير" بفتيح الياء وضيم المييم‪ ،‬مين عمير يعمير‪ .‬وقرأ ابين السيميقع بضيم الياء وكسير المييم أي‬
‫يجعلوه عامرا أو يعينوا على عمارتيه‪ .‬وقرئ "مسيجد ال" على التوحييد أي المسيجد الحرام‪ .‬وهيي‬
‫قراءة ابين عباس وسيعيد بين جيبير وعطاء بين أبيي رباح ومجاهيد وابين كثيير وأبيي عمرو وابين‬
‫محيصن ويعقوب‪ .‬والباقون "مسياجد" على التعمييم‪ .‬وهو اختيار أبي عبييد‪ ،‬لنه أعم والخاص به‬
‫يدخيل تحيت العام‪ .‬وقيد يحتميل أن يراد بقراءة الجميع المسيجد الحرام خاصية‪ .‬وهذا جائز فيميا كان‬
‫ميين أسييماء الجنييس‪ ،‬كمييا يقال‪ :‬فلن يركييب الخيييل وإن لم يركييب إل فرسييا‪ .‬والقراءة "مسيياجد"‬
‫أصيوب‪ ،‬لنيه يحتميل المعنيى‪ .‬وقيد أجمعوا على قراءة قوله‪" :‬إنميا يعمير مسياجد ال" على الجميع‪،‬‬
‫قاله النحاس‪ .‬وقال الحسن‪ :‬إنما قال مساجد وهو المسجد الحرام‪ ،‬لنه قبلة المساجد كلها وإمامها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬شاهديين" قييل‪ :‬أراد وهيم شاهدون فلميا طرح "وهيم" نصيب‪ .‬قال ابين عباس‪:‬‬
‫شهادتهيم على أنفسيهم بالكفير سيجودهم لصينامهم‪ ،‬وإقرارهيم أنهيا مخلوقية‪ .‬وقال السيدي‪ :‬شهادتهيم‬
‫بالكفير هيو أن النصيراني تقول له‪ .‬ميا دينيك؟ فيقول نصيراني‪ ،‬واليهودي فيقول يهودي والصيابئ‬
‫فيقول صييابئ‪ .‬ويقال للمشرك مييا دينييك فيقول مشرك‪" .‬أولئك حبطييت أعمالهييم وفييي النار هييم‬
‫خالدون" تقدم معناه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬إنما يعمر مساجد ال من آمن بال واليوم الخر وأقام الصلة وآتى الزكاة ولم‬
‫يخش إل ال فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما يعمر مساجد ال" دليل على أن الشهادة لعمار المساجد باليمان صحيحة لن‬
‫ال سبحانه ربطه بها وأخبر عنه بملزمتها‪ .‬وقد قال بعض السلف‪ :‬إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد‬
‫فحسنوا به الظن‪ .‬وروى الترمذي عن أبي سعيد الخدري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‬
‫(إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد فاشهدوا له باليمان) قال ال تعالى‪" :‬إنما يعمر مساجد ال من آمن‬
‫بال واليوم الخير"‪ .‬وفيي روايية‪( :‬يتعاهيد المسيجد)‪ .‬قال‪ :‬حدييث حسين غرييب‪ .‬قال ابين العربيي‪:‬‬
‫وهذا في ظاهر الصلح ليس في مقاطع الشهادات‪ ،‬فإن الشهادات لها أحوال عند العارفين بها فإن‬
‫منهم الذكي الفطن المحصل لما يعلم اعتقادا وإخبارا ومنهم المغفل‪ ،‬وكل واحد ينزل على منزلته‬
‫ويقدر على صيفته‪" .‬ولم يخيش إل ال" إن قييل‪ :‬ميا مين مؤمين إل وقيد خشيي غيير ال‪ ،‬وميا زال‬
‫المؤمنون والنيبياء يخشون العداء مين غيرهيم‪ .‬قييل له‪ :‬المعنيى ولم يخيش إل ال مميا يعبيد‪ :‬فإن‬
‫المشركين كانوا يعبدون الوثان ويخشونها ويرجونها‪ .‬جواب ثان ‪ -‬أي لم يخف في باب الدين إل‬
‫ال‪.‬‬
‫@ فإن قييل‪ :‬فقيد أثبيت اليمان فيي اليية لمين عمير المسياجد بالصيلة فيهيا‪ ،‬وتنظيفهيا وإصيلح ميا‬
‫وهيى منهيا‪ ،‬وآمين بال‪ .‬ولم يذكير اليمان بالرسيول فيهيا ول إيمان لمن لم يؤمين بالرسيول‪ .‬قييل له‪:‬‬
‫دل على الرسول ما ذكر من إقامة الصلة وغيرها لنه مما جاء به‪ ،‬فإقامة الصلة وإيتاء الزكاة‬
‫إنميا يصيح مين المؤمين بالرسيول‪ ،‬فلهذا لم يفرده بالذكير‪ .‬و"عسيى" مين ال واجبية‪ ،‬عين ابين عباس‬
‫وغيره‪ .‬وقيل‪ :‬عسى بمعنى خليق أي فخليق" أن يكونوا من المهتدين"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 19 :‬أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بال واليوم الخر وجاهد‬
‫في سبيل ال ل يستوون عند ال وال ل يهدي القوم الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أجعلتيم سيقاية الحاج" التقديير فيي العربيية‪ :‬أجعلتيم أصيحاب سيقاية الحاج أو أهيل‬
‫سقاية الحاج مثل من آمن بال وجاهد في سبيله‪ .‬ويصح أن يقدر الحذف في "من آمن" أي أجعلتم‬
‫عمييل سييقي الحاج كعمييل ميين آميين‪ .‬وقيييل‪ :‬التقدييير كإيمان ميين آميين‪ .‬والسييقاية مصييدر كالسييعاية‬
‫والحماية‪ .‬فجعل السم بموضع المصدر إذ علم معناه‪ ،‬مثل إنما السخاء حاتم‪ ،‬وإنما الشعر زهير‪.‬‬
‫وعمارة المسجد الحرام مثل "واسأل القرية" [يوسف‪ .]82 :‬وقرأ أبو وجزة "أجعلتم سقاة الحاج‬
‫وعمرة المسجد الحرام" سقاة جمع ساق والصل سقية على فعلة‪ ،‬كذا يجمع المعتل من هذا‪ ،‬نحو‬
‫قاض وقضاة وناس ونسيياة‪ .‬فإن لم يكيين معتل جمييع على فعلة‪ ،‬نحييو ناسييئ ونسييأة‪ ،‬للذييين كانوا‬
‫ينسيؤون الشهور‪ .‬وكذا قرأ ابين الزبيير وسيعيد بين جيبير "سيقاة وعمرة" إل أن ابين جيبير نصيب‬
‫"المسجد" على إرادة التنوين في "عمرة" وقال الضحاك‪ :‬سقاية بضم السين‪ ،‬وهي لغة‪ .‬والحاج‬
‫اسيم جنيس الحجاج‪ .‬وعمارة المسيجد الحرام‪ :‬معاهدتيه والقيام بمصيالحه‪ .‬وظاهير هذه اليية أنهيا‬
‫مبطلة قول من افتخر من المشركين بسقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام‪ ،‬كما ذكره السدي‪ .‬قال‪:‬‬
‫افتخر عباس بالسقاية‪ ،‬وشيبة بالعمارة‪ ،‬وعلي بالسلم والجهاد‪ ،‬فصدق ال عليا وكذبهما‪ ،‬وأخبر‬
‫أن العمارة ل تكون بالكفير‪ ،‬وإنميا تكون باليمان والعبادة وأداء الطاعية‪ .‬وهذا بيين ل غبار علييه‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬إن المشركيين سيألوا اليهود وقالوا‪ :‬نحين سيقاة الحاج وعمار المسيجد الحرام‪ ،‬أفنحين أفضيل‬
‫أم محميد وأصيحابه؟ فقالت لهيم اليهود عنادا لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬أنتيم أفضيل‪ .‬وقيد‬
‫اعترض هنيا إشكال وهيو ميا جاء فيي صيحيح مسيلم عين النعمان بين بشيير قال‪ :‬كنيت عنيد منيبر‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فقال رجيل‪ :‬ميا أبالي أل أعميل عمل بعيد السيلم إل أن أسيقي‬
‫الحاج‪ .‬وقال آخير‪ :‬ميا أبالي أل أعميل عمل بعيد السيلم إل أن أعمير المسيجد الحرام‪ .‬وقال آخير‪:‬‬
‫الجهاد في سبيل ال أفضل مما قلتم‪ .‬فزجرهم عمر وقال‪ :‬ل ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم ‪ -‬وهيو يوم الجمعية ‪ -‬ولكين إذا صيليت الجمعية دخلت واسيتفتيته فيميا اختلفتيم‬
‫فيييه‪ .‬فأنزل ال عييز وجييل‪" :‬أجعلتييم سييقاية الحاج وعمارة المسييجد الحرام كميين آميين بال واليوم‬
‫الخير" إلى آخير اليية‪ .‬وهذا المسياق يقتضيي أنهيا إنميا نزلت عنيد اختلف المسيلمين فيي الفضيل‬
‫من هذه العمال‪ .‬وحينئذ ل يليق أن يقال لهم في آخر الية‪" :‬وال ل يهدي القوم الظالمين" فتعين‬
‫الشكال‪ .‬وإزالتييه بأن يقال‪ :‬إن بعييض الرواة تسييامح فييي قوله‪ ،‬فأنزل ال الييية‪ .‬وإنمييا قرأ النييبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم اليية على عمير حيين سأله فظن الراوي أنهيا نزلت حينئذ‪ .‬واسيتدل بهيا النيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم على أن الجهاد أفضيل مميا قال أولئك الذيين سيمعهم عمير‪ ،‬فاسيتفتى لهيم فتل‬
‫عليه ما قد كان أنزل عليه‪ ،‬ل أنها نزلت في هؤلء‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫فإن قييل‪ :‬فعلى هذا يجوز السيتدلل على المسيلمين بميا أنزل فيي الكافريين‪ ،‬ومعلوم أن أحكامهيم‬
‫مختلفية‪ .‬قييل له‪ :‬ل يسيتبعد أن ينتزع مميا أنزل ال فيي المشركيين أحكام تلييق بالمسيلمين‪ .‬وقيد قال‬
‫عمر‪ :‬إنا لو شئنا لتخذنا سلئق وشواء وتوضع صحفة وترفع أخرى ولكنا سمعنا قول ال تعالى‪:‬‬
‫"أذهبتيم طيباتكيم فيي حياتكيم الدنييا واسيتمتعتم بهيا" [الحقاف‪ .]20 :‬وهذه اليية نيص فيي الكفار‪،‬‬
‫وميع ذلك ففهيم منهيا عمير الزجير عميا يناسيب أحوالهيم بعيض المناسيبة‪ ،‬ولم ينكير علييه أحيد مين‬
‫الصحابة‪ .‬فيمكن أن تكون هذه الية من هذا النوع‪ .‬وهذا نفيس وبه يزول الشكال ويرتفع البهام‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل ال بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند‬
‫ال وأولئك هم الفائزون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين آمنوا" في موضع رفع بالبتداء‪ .‬وخبره "أعظم درجة عند ال"‪ .‬و"درجة"‬
‫نصيب على البيان‪ ،‬أي مين الذيين افتخروا بالسيقي والعمارة‪ .‬ولييس للكافريين درجية عنيد ال حتيى‬
‫يقال‪ :‬المؤمن أعظم درجة‪ .‬والمراد أنهم قدروا لنفسهم الدرجة بالعمارة والسقي فخاطبهم على ما‬
‫قدروه فييي أنفسييهم وإن كان التقدييير خطييأ كقوله تعالى‪" :‬أصييحاب الجنيية يومئذ خييير مسييتقرا"‬
‫[الفرقان‪ .]24 :‬وقيل‪" :‬أعظم درجة" من كل ذي درجة‪ ،‬أي لهم المزية والمرتبة العلية‪" .‬وأولئك‬
‫هم الفائزون" بذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يبشرهم ربهم" أي يعلمهم في الدنيا ما لهم في الخرة من الثواب الجزيل والنعيم‬
‫المقيم‪ .‬والنعيم‪ :‬لين العيش ورغده‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 22 :‬خالدين فيها أبدا إن ال عنده أجر عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خالدين" نصب على الحال‪ .‬والخلود القامة‪" .‬إن ال عنده أجر عظيم" أي أعد‬
‫لهم في دار كرامته ذلك الثواب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 23 :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا ل تتخذوا آباءكيم وإخوانكيم أولياء إن اسيتحبوا الكفير على‬
‫اليمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون}‬
‫@ ظاهر هذه الية أنها خطاب لجميع المؤمنين كافة‪ ،‬وهي باقية الحكم إلى يوم القيامة في قطع‬
‫الوليية بيين المؤمنيين والكافريين‪ .‬وروت فرقية أن هذه اليية إنميا نزلت فيي الحيض على الهجرة‬
‫ورفيض بلد الكفرة‪ .‬فالمخاطبية على هذا إنميا هيي للمؤمنيين الذيين كانوا بمكية وغيرهيا مين بلد‬
‫العرب‪ ،‬خوطبوا بأل يوالوا الباء والخوة فيكونوا لهيم تبعيا فيي سيكنى بلد الكفير‪" .‬إن اسيتحبوا"‬
‫أي أحبوا‪ ،‬كميا يقال‪ :‬اسيتجاب بمعنيى أجاب‪ .‬أي ل تطيعوهيم ول تخصيوهم‪ .‬وخيص ال سيبحانه‬
‫الباء والخوة إذ ل قرابية أقرب منهيا‪ .‬فنفيى الموالة بينهيم كميا نفاهيا بيين الناس بقوله تعالى‪" :‬ييا‬
‫أيها الذين آمنوا ل تتخذوا اليهود والنصارى أولياء" [المائدة‪ ]51 :‬ليبين أن القرب قرب الديان‬
‫ل قرب البدان‪ .‬وفي مثله تنشد الصوفية‪:‬‬
‫وأنت كئيب إن ذا لعجيب‬ ‫يقولون لي دار الحبة قد دنت‬
‫إذا لم يكن بين القلوب قريب‬ ‫فقلت وما تغني ديار قريبة‬
‫وآخر جار الجنب مات كئيب‬ ‫فكم من بعيد الدار نال مراده‬
‫ولم يذكير البناء فيي هذه اليية إذ الغلب مين البشير أن البناء هيم التبيع للباء‪ .‬والحسيان والهبية‬
‫مستثناة من الولية‪ .‬قالت أسماء‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إن أمي قدمت علي راغبة وهي مشركة أفأصلها؟‬
‫قال‪( :‬صيلي أميك) خرجيه البخاري‪" .‬ومين يتولهيم منكيم فأولئك هيم الظالمون" قال ابين عباس‪ :‬هيو‬
‫مشرك مثلهم لن من رضي بالشرك فهو مشرك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 :‬قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها‬
‫وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من ال ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا‬
‫حتى يأتي ال بأمره وال ل يهدي القوم الفاسقين}‬
‫@ لما أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم بالهجرة من مكة إلى المدينة جعل الرجل يقول لبيه‬
‫والب لبنيه والخ لخييه والرجيل لزوجتيه‪ :‬إنيا قيد أمرنيا بالهجرة‪ ،‬فمنهيم مين تسيارع لذلك‪ ،‬ومنهيم‬
‫من أبى أن يهاجر‪ ،‬فيقول‪ :‬وال لئن لم تخرجوا إلى دار الهجرة ل أنفعكم ول أنفق عليكم شيئا أبدا‪.‬‬
‫ومنهم من تتعلق به امرأته وولده ويقولون له‪ :‬أنشدك بال أل تخرج فنضيع بعدك‪ ،‬فمنهم من يرق‬
‫فيدع الهجرة ويقيم معهم‪ ،‬فنزلت "يا أيها الذين آمنوا ل تتخذوا آبائكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا‬
‫الكفيير على اليمان"‪ .‬يقول‪ :‬إن اختاروا القاميية على الكفيير بمكيية على اليمان بال والهجرة إلى‬
‫المدينة‪" .‬ومن يتولهم منكم" بعد نزول الية "فأولئك هم الظالمون"‪ .‬ثم نزل في الذين تخلفوا ولم‬
‫يهاجروا‪" :‬قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم" وهي الجماعة التي ترجع‬
‫إلى عقييد واحييد كعقييد العشرة فمييا زاد‪ ،‬ومنييه المعاشرة وهييي الجتماع على الشيييء‪" .‬وأموال‬
‫اقترفتموهييا" يقول‪ :‬اكتسييبتموها بمكيية‪ .‬وأصييل القتراف اقتطاع الشيييء ميين مكانييه إلى غيره‪.‬‬
‫"وتجارة تخشون كسادها" قال ابن المبارك‪ :‬هي البنات والخوات إذا كسدن في البيت ل يجدن‬
‫لهن خاطبا‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وقد زادهن مقامي كسودا‬ ‫كسدن من الفقر في قومهن‬
‫"ومساكن ترضونها" يقول‪ :‬ومنازل تعجبكم القامة فيها‪" .‬أحب إليكم من ال ورسوله‬
‫ميين أن تهاجروا إلى ال ورسييوله بالمدينيية‪" .‬وأحييب" خييبر كان‪ .‬ويجوز فييي غييير القرآن رفييع‬
‫"أحب" على البتداء والخبر‪ ،‬واسم كان مضمر فيها‪ .‬وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫وآخر مثن بالذي كنت أصنع‬ ‫إذا مت كان الناس صنفان‪ :‬شامت‬
‫وأنشد‪:‬‬
‫وليس منها شفاء الداء مبذول‬ ‫هي الشفاء لدائي لو ظفرت بها‬
‫وفي الية دليل على وجوب حب ال ورسوله‪ ،‬ول خلف في ذلك بين المة‪ ،‬وأن ذلك مقدم على‬
‫كل محبوب‪ .‬وقد مضى في "آل عمران" معنى محبة ال تعالى ومحبة رسوله‪" .‬وجهاد في سبيله‬
‫فتربصوا" صيغته صيغة أمر ومعناه التهديد‪ .‬يقول‪ :‬انتظروا‪ .‬وفي قوله‪" :‬وجهاد في سبيله" دليل‬
‫على فضيل الجهاد‪ ،‬وإيثاره على راحية النفيس وعلئقهيا بالهيل والمال‪ .‬وسييأتي فضيل الجهاد فيي‬
‫آخير السيورة‪ .‬وقيد مضيى مين أحكام الهجرة فيي "النسياء" ميا فييه كفايية‪ ،‬والحميد ل‪ .‬وفيي الحدييث‬
‫الصحيح (إن الشيطان قعد لبن آدم ثلث مقاعد قعد له في طريق السلم فقال لم تذر دينك ودين‬
‫آبائك فخالفه وأسلم وقعد له في طريق الهجرة فقال له أتذر مالك وأهلك فخالفه وهاجر ثم قعد في‬
‫طريق الجهاد فقال له تجاهيد فتقتل فينكح أهلك ويقسم مالك فخالفه وجاهد فحيق على ال أن يدخله‬
‫الجنية)‪ .‬وأخرجيه النسيائي مين حدييث سيبرة بين أبيي فاكيه قال‪ :‬سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسيلم يقول‪( :‬إن الشيطان‪ )...‬فذكره‪ .‬قال البخاري‪( :‬ابين الفاكيه) ولم يذكير فيهيا اختلفيا‪ .‬وقال ابين‬
‫أبي عدي‪ :‬يقال ابن الفاكه وابن أبي الفاكه‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 :‬لقد نصركم ال في مواطن كثيرة ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم‬
‫شيئا وضاقت عليكم الرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقد نصركم ال في مواطن كثيرة" لما بلغ هوازن فتح مكة جمعهم مالك بن عوف‬
‫النصري من بنى نصر بن مالك‪ ،‬وكانت الرياسة في جميع العسكر إليه‪ ،‬وساق مع الكفار أموالهم‬
‫ومواشيهم ونساءهم وأولدهم‪ ،‬وزعم أن ذلك يحمي به نفوسهم وتشتد في القتال عند ذلك شوكتهم‪.‬‬
‫وكانوا ثمانييية آلف فييي قول الحسيين ومجاهييد‪ .‬وقيييل‪ :‬أربعيية آلف‪ ،‬ميين هوازن وثقيييف‪ .‬وعلى‬
‫هوازن مالك بين عوف‪ ،‬وعلى ثقييف كنانية بين عبيد‪ ،‬فنزلوا بأوطاس‪ .‬وبعيث رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم عبدال بين أبيي حدرد السيلمي عينيا‪ ،‬فأتاه وأخيبره بميا شاهيد منهيم‪ ،‬فعزم رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم على قصدهم‪ ،‬واستعار من صفوان بن أمية بن خلف الجمحي دروعا‪ .‬قيل‪:‬‬
‫مائة درع‪ .‬وقييل‪ :‬أربعمائة درع‪ .‬واستسلف مين ربيعية المخزومي ثلثين ألفيا أو أربعين ألفيا‪ ،‬فلما‬
‫قدم قضاه إياهيا‪ .‬ثيم قال له النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬بارك ال لك فيي أهلك ومالك إنميا جزاء‬
‫السلف الوفاء والحمد) خرجه ابن ماجة في السنن‪ .‬وخرج رسول ال صلى ال عليه وسلم في اثني‬
‫عشر ألفا من المسلمين‪ ،‬منهم عشرة آلف صحبوه من المدينة وألفان من مسلمة الفتح وهم الطلقاء‬
‫إلى من انضاف إليه من العراب من سُليم وبني كلب وعبس وذبيان‪ .‬واستعمل على مكة عتاب‬
‫بيين أسيييد‪ .‬وفييي مخرجييه هذا رأى جهال العراب شجرة خضراء وكان لهييم فييي الجاهلييية شجرة‬
‫معروفية تسيمى ذات أنواط يخرج إليهيا الكفار يوميا معلوميا فيي السينة يعظمونهيا‪ ،‬فقالوا‪ :‬ييا رسيول‬
‫ال‪ ،‬اجعيل لنيا ذات أنواط كميا لهيم ذات أنواط فقال علييه السيلم‪( :‬ال أكيبر قلتيم والذي نفسيي بيده‬
‫كما قال قوم موسى "اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون" لتركبن سنن من قبلكم حذو‬
‫القذة بالقذة حتى أنهم لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه)‪ .‬فنهض رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى‬
‫أتى وادي حنين‪ ،‬وهو من أودية تهامة‪ ،‬وكانت هوازن قد كمنت في جنبتي الوادي وذلك في غبش‬
‫الصيبح فحملت على المسيلمين حملة رجيل واحيد‪ ،‬فانهزم جمهور المسيلمين ولم يلو أحيد على أحيد‪،‬‬
‫وثبيت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وثبيت معيه أبيو بكير وعمير‪ ،‬ومين أهيل بيتيه علي والعباس‬
‫وأبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب وابنه جعفر‪ ،‬وأسامة بن زيد‪ ،‬وأيمن بن عبيد وهو أيمن بن‬
‫أم أيمين قتيل يومئذ بحنيين ‪ -‬وربيعية بين الحارث‪ ،‬والفضيل بين عباس‪ ،‬وقييل فيي موضيع جعفير بين‬
‫أبي سفيان‪ :‬قثم بن العباس‪ .‬فهؤلء عشرة رجال‪ ،‬ولهذا قال العباس‪:‬‬
‫وقد فر من قد فر عنه وأقشعوا‬ ‫نصرنا رسول ال في الحرب تسعة‬
‫بما مسه في ال ل يتوجع‬ ‫وعاشرنا لقى الحمام بنفسه‬
‫وثبتيت أم سيليم فيي جملة مين ثبيت محتزمية ممسيكة بعيرا لبيي طلحية وفيي يدهيا خنجير‪ .‬ولم ينهزم‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ول أحيد مين هؤلء‪ ،‬وكان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم على‬
‫بغلته الشهباء واسمها دلدل‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أنس قال عباس‪ :‬وأنا آخذ بلجام بغلة رسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم أكفهيا إرادة أل تسيرع وأبيو سيفيان آخيذ بركاب رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أي عباس ناد أصحاب السمرة)‪ .‬فقال عباس ‪ -‬وكان‬
‫رجل صيتا‪ .‬ويروى من شدة صوته أنه أغير يوما على مكة فنادى واصباحاه فأسقطت كل حامل‬
‫سمعت صوته جنينها ‪ : -‬فقلت بأعلى صوتي‪ :‬أين أصحاب السمرة؟ قال‪ :‬فوال لكأن عطفتهم حين‬
‫سمعوا صوتي عطفة البقر على أولدها‪ .‬فقالوا‪ :‬يا لبيك يا لبيك‪ .‬قال‪ :‬فاقتتلوا والكفار‪ )...‬الحديث‪.‬‬
‫وفييه‪( :‬قال ثيم أخيذ رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم حصييات فرميى بهين وجوه الكفار)‪ .‬ثيم قال‪:‬‬
‫(انهزموا ورب محمد)‪ .‬قال فذهبت أنظر فإذا القتال على هيئته فيما أرى‪ .‬قال‪ :‬فوال ما هو إل أن‬
‫رماهيم بحصيياته‪ ،‬فميا زلت أرى حدهيم كليل وأمرهيم مدبرا‪ .‬قال أبيو عمير‪ :‬روينيا مين وجوه عين‬
‫بعض من أسلم من المشركين ممن شهد حنينا أنه قال ‪ -‬وقد سئل عن يوم حنين ‪ : -‬لقينا المسلمين‬
‫فميا لبثنيا أن هزمناهيم وأتبعناهيم حتيى انتهينيا إلى رجيل راكيب على بغلة بيضاء‪ ،‬فلميا رآنيا زجرنيا‬
‫زجرة وانتهرنا‪ ،‬وأخذ بكفه حصى وترابا فرمى به وقال‪( :‬شاهت الوجوه) فلم تبق عين إل دخلها‬
‫من ذلك‪ ،‬وما ملكنا أنفسنا أن رجعنا على أعقابنا‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬حدثنا رجل من المشركين‪،‬‬
‫يوم حنين قال‪ :‬لما التقينا مع أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم لم يقفوا لنا حلب شاة‪ ،‬حتى‬
‫إذا انتهينيا إلى صياحب البغلة الشهباء ‪ -‬يعنيي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ‪ -‬تلقانيا رجال بييض‬
‫الوجوه حسييان‪ ،‬فقالوا لنييا‪ :‬شاهييت الوجوه‪ ،‬ارجعوا‪ ،‬فرجعنييا وركبوا أكتافنييا فكانييت إياهييا‪ .‬يعنييي‬
‫الملئكة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ول تعارض فإنه يحتمل أن يكون شاهت الوجوه من قوله صلى ال عليه وسلم ومن قول‬
‫الملئكية معيا ويدل على أن الملئكية قاتلت يوم حنيين‪ .‬فال أعلم‪ .‬وقتيل علي رضيي ال عنيه يوم‬
‫حنيين أربعيين رجل بيده‪ .‬وسيبى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أربعية آلف رأس‪ .‬وقييل‪ :‬سيتة‬
‫آلف‪ ،‬واثني عشر ألف ناق سوى ما ل يعلم من الغنائم‪.‬‬
‫@ قال العلماء فيي هذه الغزاة‪ :‬قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مين قتيل قتيل له علييه بينية فله‬
‫سيلبه)‪ .‬وقيد مضيى فيي "النفال" بيانيه‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬ولهذه النكتية وغيرهيا أدخيل الحكاميون‬
‫هذه الية في الحكام‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفيه أيضا جواز استعارة السلح وجواز الستمتاع بما استعير إذا كان على المعهود مما‬
‫يسييتعار له مثله‪ ،‬وجواز اسييتلف المام المال عنييد الحاجيية إلى ذلك ورده إلى صيياحبه‪ .‬وحديييث‬
‫صفوان أصل في هذا الباب‪ .‬وفي هذه الغزاة أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم (أل توطأ حامل‬
‫حتيى تضيع ول حائل حتيى تحييض حيضية)‪ .‬وهيو يدل على أن السيبي يقطيع العصيمة‪ .‬وقيد مضيى‬
‫بيانيه فيي سيورة "النسياء" مسيتوفى‪ .‬وفيي حدييث مالك أن صيفوان خرج ميع رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم وهيو كافير‪ ،‬فشهيد حنينيا والطائف وامرأتيه مسيلمة‪ .‬الحدييث‪ .‬قال مالك‪ :‬ولم يكين ذلك‬
‫بأميير رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‪ ،‬ول أرى أن يسييتعان بالمشركييين على المشركييين إل أن‬
‫يكونوا خدما أو نواتية‪ .‬وقال أبو حنيفة والشافعي والثوري والوزاعي‪ :‬ل بأس بذلك إذا كان حكم‬
‫السيلم هيو الغالب‪ ،‬وإنميا تكره السيتعانة بهيم إذا كان حكيم الشرك هيو الظاهير‪ .‬وقيد مضيى القول‬
‫في السهام لهم في "النفال"‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم حنين" حنين واد بين مكة والطائف‪ ،‬وانصرف لنه اسم مذكر‪ ،‬وهي لغة‬
‫القرآن‪ .‬ومن العرب من ل يصرفه‪ ،‬يجعله اسما للبقعة‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫بحنين يوم تواكل البطال‬ ‫نصروا نبيهم وشدوا أزره‬
‫"ويوم" ظرف‪ ،‬وانتصييب هنييا على معنييى‪ :‬ونصييركم يوم حنييين‪ .‬وقال الفراء‪ :‬لم تنصييرف‬
‫"مواطين" لنيه لييس لهيا نظيير فيي المفرد ولييس لهيا جماع‪ ،‬إل أن الشاعير ربميا اضطير فجميع‪،‬‬
‫وليس يجوز في الكلم كل ما يجوز في الشعر‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫فهن يعلكن حدائداتها‬
‫وقال النحاس‪ :‬رأيت أبا إسحاق يتعجب من هذا قال‪ :‬أخذ قول الخليل وأخطأ فيه‪ ،‬لن الخليل يقول‬
‫فيه‪ :‬لم ينصرف لنه جمع ل نظير له في الواحد‪ ،‬ول يجمع جمع التكسير‪ ،‬وأما باللف والتاء فل‬
‫يمتنع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ أعجبتكم كثرتكم" قيل‪ :‬كانوا اثني عشر ألفا‪ .‬وقيل‪ :‬أحد عشر ألفا وخمسمائة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ستة عشر ألفا‪ .‬فقال بعضهم‪ :‬لن نغلب اليوم عن قلة‪ .‬فوكلوا إلى هذه الكلمة‪ ،‬فكان ما ذكرناه‬
‫مين الهزيمية فيي البتداء إلى أن تراجعوا‪ ،‬فكان النصير والظفير للمسيلمين ببركية سييد المرسيلين‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬فبين ال عز وجل في هذه الية أن الغلبة إنما تكون بنصر ال ل بالكثرة وقد‬
‫قال‪" :‬وإن يخذلكم فمن ذا الذي ينصركم من بعده" [آل عمران‪.]160 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وضاقت عليكم الرض بما رحبت" أي من الخوف‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫على الخائف المطلوب كفة حابل‬ ‫كأن بلد ال وهي عريضة‬
‫والرحب ‪ -‬بضم الراء ‪ -‬السعة‪ .‬تقول منه‪ :‬فلن رحب الصدر‪ .‬والرحب ‪ -‬بالفتح ‪ : -‬الواسع‪ .‬تقول‬
‫منيه‪ :‬بلد رحيب‪ ،‬وأرض رحبية‪ .‬وقيد رحبيت ترحيب رحبيا ورحابية‪ .‬وقييل‪ :‬الباء بمعنيى ميع أي ميع‬
‫رحبها‪ .‬وقيل‪ :‬بمعنى على‪ ،‬أي على رحبها‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى برحبها‪ ،‬في "ما" مصدرية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثيم وليتيم مدبريين" روى مسيلم عين أبيي إسيحاق قال‪ :‬جاء رجيل إلى البراء فقال‪:‬‬
‫أكنتيم وليتيم يوم حنيين ييا أبيا عمارة‪ .‬فقال‪ :‬أشهيد على نيبي ال صيلى ال علييه وسيلم ميا ولى‪ ،‬ولكنيه‬
‫انطلق أخِفّاء مين الناس‪ ،‬وحسير إلى هذا الحيي مين هوازن‪ .‬وهيم قوم رماة فرموهيم برشيق مين نبيل‬
‫كأنهيا رجيل مين جراد فانكشفوا‪ ،‬فأقبيل القوم إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وأبيو سيفيان يقود‬
‫بيه بغلتيه‪ ،‬فنزل ودعيا واسيتنصر وهيو يقول‪( :‬أنيا النيبي ل كذب‪ .‬أنيا ابين عبدالمطلب‪ .‬اللهيم نزل‬
‫نصيرك)‪ .‬قال البراء‪ :‬كنيا وال إذا احمير البأس نتقيي بيه‪ ،‬وإن الشجاع منيا للذي يحاذي بيه‪ ،‬يعنيي‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 27 - 26 :‬ثيم أنزل ال سيكينته على رسيوله وعلى المؤمنيين وأنزل جنودا لم‬
‫تروهيا وعذب الذيين كفروا وذلك جزاء الكافريين‪ ،‬ثيم يتوب ال مين بعيد ذلك على مين يشاء وال‬
‫غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثيم أنزل ال سيكينته على رسيوله وعلى المؤمنيين" أي أنزل عليهيم ميا يسيكنهم‬
‫ويذهيب خوفهيم‪ ،‬حتيى اجترؤوا على قتال المشركيين بعيد أن ولوا‪" .‬وأنزل جنودا لم تروهيا" وهيم‬
‫الملئكيية‪ ،‬يقوون المؤمنييين بمييا يلقون فييي قلوبهييم ميين الخواطيير والتثييبيت‪ ،‬ويضعفون الكافرييين‬
‫بالتجيبين لهيم مين حييث ل يرونهيم ومين غيير قتال‪ ،‬لن الملئكية لم تقاتيل إل يوم بدر‪ .‬وروي أن‬
‫رجل من بني نصر قال للمؤمنين بعد القتال‪ :‬أين الخيل البلق‪ ،‬والرجال الذين كانوا عليها بيض‪،‬‬
‫ميا كنيا فيهيم إل كهيئة الشامية‪ ،‬وميا كان قتلنيا إل بأيديهيم‪ .‬أخيبروا النيبي صيلى ال علييه وسيلم بذلك‬
‫فقال‪( :‬تلك الملئكة)‪" .‬وعذب الذين كفروا" أي بأسيافكم‪" .‬وذلك جزاء الكافرين‪ ،‬ثم يتوب ال من‬
‫بعيد ذلك على مين يشاء" أي على مين انهزم فيهدييه إلى السيلم‪ .‬كمالك بين عوف النصيري رئييس‬
‫حنين ومن أسلم معه من قومه‪.‬‬
‫@ ولميا قسيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم غنائم حنيين بالجعرانية‪ ،‬أتاه وفيد هوازن مسيلمين‬
‫راغبين في العطف عليهم والحسان إليهم‪ ،‬وقالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬انك خير الناس وأبر الناس‪ ،‬وقد‬
‫أخذت أبناءنا ونساءنا وأموالنا‪ .‬فقال لهم‪( :‬إني قد كنت استأنيت بكم وقد وقعت المقاسم وعندي من‬
‫ترون وإن خير القول أصدقه فاختاروا إما ذراريكم وإما أموالكم)‪ .‬فقالوا‪ :‬ل نعدل بالنساب شيئا‪.‬‬
‫فقام خطيبيا وقال‪( :‬هؤلء جاؤونيا مسيلمين وقيد خيرناهيم فلم يعدلوا بالنسياب فرضوا برد الذريية‬
‫وما كان لي ولبنيي عبدالمطلب وبني هاشم فهيو لهم)‪ .‬وقال المهاجرون والنصيار‪ :‬أما ما كان لنيا‬
‫فهو لرسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وامتنع القرع بن حابس وعيينة بن حصن في قومهما من‬
‫أن يردوا عليهم شيئا مما وقع لهم في سهامهم‪ .‬وامتنع العباس بن مرداس السلمي كذلك‪ ،‬وطمع أن‬
‫يساعده قومه كما ساعد القرع وعيينة قومهما‪ .‬فأبت بنو سليم وقالوا‪ :‬بل ما كان لنا فهو لرسول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مين ضين منكيم بميا فيي يدييه فإنيا‬
‫نعوضه منه)‪ .‬فرد عليهم رسول ال صلى ال عليه وسلم نساءهم وأولدهم‪ ،‬وعوض من لم تطب‬
‫نفسيه بترك نصييبه أعواضيا رضوا بهيا‪ .‬وقال قتادة‪ :‬ذكير لنيا أن ظئر النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫التيي أرضعتيه مين بنيي سيعد أتتيه يوم حنيين فسيألته سيبايا حنيين فقال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إنيي ل‬
‫أملك إل ميا يصييبني منهيم ولكين ايتينيي غدا فاسيأليني والناس عندي فإذا أعطيتيك حصيتي أعطاك‬
‫الناس)‪ .‬فجاءت الغيد فبسيط لهيا ثوبيه فأقعدهيا علييه‪ .‬ثيم سيألته فأعطاهيا نصييبه فلميا رأى ذلك الناس‬
‫أعطوهيا أنصيباءهم‪ .‬وكان عدد سيبي هوزان فيي قول سيعيد بين المسييب سيتة آلف رأس‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫أربعية آلف‪ .‬قال أبيو عمير‪ :‬فيهين الشيماء أخيت النيبي صيلى ال علييه وسيلم مين الرضاعية‪ ،‬وهيي‬
‫بنت الحارث بن عبدالعزى من بنى سعد بن بكر وبنت حليمة السعدية‪ ،‬فأكرمها رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم وأعطاهيا وأحسين إليهيا‪ ،‬ورجعيت مسيرورة إلى بلدهيا بدينهيا وبميا أفاء ال عليهيا‪.‬‬
‫قال ابين عباس‪ :‬رأى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يوم أوطاس امرأة تعدو وتصييح ول تسيتقر‪،‬‬
‫فسييأل عنهييا فقيييل‪ :‬فقدت بنيييا لهييا‪ .‬ثييم رآهييا وقييد وجدت ابنهييا وهييي تقبله وتدنيييه‪ ،‬فدعاهييا وقال‬
‫لصحابه‪( :‬أطارحة هذه ولدها في النار)؟ قالوا‪ :‬ل‪ .‬قال‪( :‬لم)؟ قالوا‪ :‬لشفقتها‪ .‬قال‪( :‬ال أرحم بكم‬
‫منها)‪ .‬وخرجه مسلم بمعناه والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فل يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم‬
‫هذا وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم ال من فضله إن شاء إن ال عليم حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس" ابتداء وخبر‪ .‬واختلف العلماء في معنى‬
‫وصيف المشرك بالنجيس‪ ،‬فقال قتادة ومعمير بين راشيد وغيرهميا‪ :‬لنيه جنيب إذ غسيله مين الجنابية‬
‫لييس بغسيل‪ .‬وقال ابين عباس وغيره‪ :‬بيل معنيى الشرك هيو الذي نجسيه‪ .‬قال الحسين البصيري مين‬
‫صيافح مشركيا فليتوضيأ‪ .‬والمذهيب كله على إيجاب الغسيل على الكافير إذا أسيلم إل ابين عبدالحكيم‬
‫فإنيه قال‪ :‬لييس بواجيب‪ ،‬لن السيلم يهدم ميا كان قبله‪ .‬وبوجوب الغسيل علييه قال أبو ثور وأحميد‪.‬‬
‫وأسييقطه الشافعييي وقال‪ :‬أحييب إلي أن يغتسييل‪ .‬ونحوه لبيين القاسييم‪ .‬ولمالك قول‪ :‬إنييه ل يعرف‬
‫الغسيل‪ ،‬رواه عنيه ابين وهيب وابين أبيي أوييس‪ .‬وحدييث ثمامية وقييس بين عاصيم يرد هذه القوال‪.‬‬
‫رواهما أبو حاتم البستي في صحيح مسنده‪ .‬وأن النبي صلى ال عليه وسلم مر بثمامة يوما فأسلم‬
‫فبعث به إلى حائط أبي طلحة فأمره أن يغتسل‪ ،‬فاغتسل وصلى ركعتين‪ .‬فقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬لقد حسن إسلم صاحبكم) وأخرجه مسلم بمعناه‪ .‬وفيه‪ :‬أن ثمامة لما من عليه النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم انطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل‪ .‬وأمر قيس بن عاصم أن يغتسل‬
‫بماء وسيدر‪ .‬فإن كان إسيلمه قبييل احتلميه فغسيله مسيتحب‪ .‬ومتيى أسيلم بعيد بلوغه لزميه أن ينوي‬
‫بغسله الجنابة‪ .‬هذا قول علمائنا‪ ،‬وهو تحصيل المذهب‪ .‬وقد أجاز ابن القاسم للكافر أن يغتسل قبل‬
‫إظهاره للشهادة بلسانه إذا اعتقد السلم بقلبه وهو قول ضعيف في النظر مخالف للثر‪ .‬وذلك أن‬
‫أحدا ل يكون بالنيية مسيلما دون القول‪ .‬هذا قول جماعية أهيل السينة فيي اليمان‪ :‬إنيه قول باللسيان‬
‫وتصديق بالقلب‪ ،‬ويزكو بالعمل‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه"‬
‫[فاطر‪.]10 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل يقربوا المسجد الحرام" "فل يقربوا" نهي‪ ،‬ولذلك حذفت منه النون‪" .‬المسجد‬
‫الحرام" هذا اللفييظ يطلق على جميييع الحرم‪ ،‬وهييو مذهييب عطاء فإذا يحرم تمكييين المشرك ميين‬
‫دخول الحرم أجمييع‪ .‬فإذا جاءنييا رسييول منهييم خرج المام إلى الحييل ليسييمع مييا يقول‪ .‬ولو دخييل‬
‫مشرك الحرم مستورا ومات نبش قبره وأخرجت عظامه‪ .‬فليس لهم الستيطان ول الجتياز‪ .‬وأما‬
‫جزيرة العرب‪ ،‬وهييي مكيية والمدينيية واليماميية واليميين ومخاليفهييا‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يخرج ميين هذه‬
‫المواضييع كييل ميين كان على غييير السييلم‪ ،‬ول يمنعون ميين التردد بهييا مسييافرين‪ .‬وكذلك قال‬
‫الشافعيي رحميه ال‪ ،‬غيير أنيه اسيتثنى مين ذلك اليمين‪ .‬ويضرب لهيم أجيل ثلثية أيام كميا ضربيه لهيم‬
‫عمر رضي ال عنه حين أجلهم‪ .‬ول يدفنون فيها ويلجؤون إلى الحل‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فيي دخول الكفار المسياجد والمسيجد الحرام على خمسية أقوال‪ ،‬فقال أهيل‬
‫المدينة الية عامة في سائر المشركين وسائر المساجد‪ .‬وبذلك كتب عمر بن عبدالعزيز إلى عماله‬
‫ونزع في كتابه بهذه الية‪ .‬ويؤيد ذلك قوله تعالى‪" :‬في بيوت أذن ال أن ترفع ويذكر فيها اسمه"‬
‫[النور‪ .]36 :‬ودخول الكفار فيها مناقض لترفيعها‪ .‬وفي صحيح مسلم وغيره‪( :‬إن هذه المساجد‬
‫ل تصييلح لشيييء ميين البول والقذر‪ )...‬الحديييث‪ .‬والكافيير ل يخلو عيين ذلك‪ .‬وقال صييلى ال عليييه‬
‫وسيلم‪( :‬ل أحيل المسيجد لحائض ول لجنيب) والكافير جنيب وقوله تعالى‪" :‬إنميا المشركون نجيس"‬
‫فسيماه ال تعالى نجسيا‪ .‬فل يخلو أن يكون نجيس العيين أو مبعدا مين طرييق الحكيم‪ .‬وأي ذلك كان‬
‫فمنعيه مين المسيجد واجيب لن العلة وهيي النجاسية موجودة فيهيم‪ ،‬والحرمية موجودة فيي المسيجد‪.‬‬
‫يقال‪ :‬رجيل نجيس‪ ،‬وامرأة نجيس‪ ،‬ورجلن نجيس‪ ،‬وامرأتان نجيس‪ ،‬ورجال نجيس‪ ،‬ونسياء نجيس‪،‬‬
‫ل يثنيى ول يجميع لنيه مصيدر‪ .‬فأميا النجيس ‪ -‬بكسير النون وجزم الجييم ‪ -‬فل يقال إل إذا قييل معيه‬
‫رجيس‪ .‬فإذا أفرد قييل نجيس ‪ -‬بفتيح النون وكسير الجييم ‪ -‬ونجيس ‪ -‬بضيم الجييم ‪ . -‬وقال الشافعيي‬
‫رحميه ال‪ :‬اليية عامية فيي سيائر المشركيين‪ ،‬خاصية فيي المسيجد الحرام‪ ،‬ول يمنعون مين دخول‬
‫غيره‪ ،‬فأباح دخول اليهودي والنصراني في سائر المساجد‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهذا جمود منه على‬
‫الظاهر‪ ،‬لن قوله عز وجل‪" :‬إنما المشركون نجس" تنبيه على العلة بالشرك والنجاسة‪ .‬فإن قيل‪:‬‬
‫فقد ربط النبي صلى ال عليه وسلم ثمامة في المسجد وهو مشرك‪ .‬قيل له‪ :‬أجاب علماؤنا عن هذا‬
‫الحدييث ‪ -‬وإن كان صيحيحا ‪ -‬بأجوبية‪ :‬أحدهيا‪ :‬أنيه كان متقدميا على نزول اليية‪ .‬الثانيي أن النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم كان قد علم بإسلمه فلذلك ربطه‪ .‬الثالث أن ذلك قضية في عين فل ينبغي أن‬
‫تدفع بها الدلة التي ذكرناها‪ ،‬لكونها مقيدة حكم القاعدة الكلية‪ .‬وقد يمكن أن يقال‪ :‬إنما ربطه في‬
‫المسيجد لينظير حسين صيلة المسيلمين واجتماعهيم عليهيا‪ ،‬وحسين آدابهيم فيي جلوسيهم فيي المسيجد‪،‬‬
‫فيسيتأنس بذلك ويسيلم‪ ،‬وكذلك كان‪ .‬ويمكين أن يقال‪ :‬إنهيم لم يكين لهيم موضيع يربطونيه فييه إل فيي‬
‫المسييجد‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقال أبييو حنيفيية وأصييحابه‪ :‬ل يمنييع اليهود والنصييارى ميين دخول المسييجد‬
‫الحرام ول غيره‪ ،‬ول يمنييع دخول المسييجد الحرام إل المشركون وأهييل الوثان‪ .‬وهذا قول يرده‬
‫كيل ما ذكرناه مين الية وغيرهيا‪ .‬قال الكيا الطبري‪ :‬ويجوز للذميي دخول سيائر المسياجد عنيد أبيي‬
‫حنيفة من غير حاجة‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬تعتبر الحاجة‪ ،‬ومع الحاجة ل يجوز دخول المسجد الحرام‪.‬‬
‫وقال عطاء بيين أبييي رباح‪ :‬الحرم كله قبلة ومسييجد‪ ،‬فينبغييي أن يمنعوا ميين دخول الحرم‪ ،‬لقوله‬
‫تعالى‪" :‬سبحان الذي أسرى بعبده ليل من المسجد الحرام" [السراء‪ .]1 :‬وإنما رفع من بيت أم‬
‫هانيييئ‪ .‬وقال قتادة‪ :‬ل يقرب المسيييجد الحرام مشرك إل أن يكون صييياحب جزيييية أو عبدا كافرا‬
‫لمسيلم‪ .‬وروى إسيماعيل بين إسيحاق حدثنيا يحييى بين عبدالحمييد قال حدثنيا شرييك عين أشعيث عين‬
‫الحسن عن جابر عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ل يقرب المسجد مشرك إل أن يكون عبدا‬
‫أو أميية فيدخله لحاجيية)‪ .‬وبهذا قال جابر بيين عبدال فإنييه قال‪ :‬العموم يمنييع المشرك عيين قربان‬
‫المسجد الحرام‪ ،‬وهو مخصوص في العبد والمة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بعد عامهم هذا" فيه قولن‪ :‬أحدهما ‪ -‬أنه سنة تسع التي حج فيها أبو بكر‪ .‬الثاني‬
‫سينة عشير قاله قتادة‪ .‬ابين العربيي‪ :‬وهيو الصيحيح الذي يعطييه مقتضيى اللفيظ وإن مين العجيب أن‬
‫يقال‪ :‬إنه سنة تسع وهو العام الذي وقع فيه الذان‪ .‬ولو دخل غلم رجل داره يوما فقال له موله‪:‬‬
‫ل تدخل هذه الدار بعد يومك لم يكن المراد اليوم الذي دخل فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن خفتيم عيلة" قال عمرو بين فائد‪ :‬المعنيى وإذ خفتيم‪ .‬وهذه عجمية‪ ،‬والمعنيى‬
‫بارع بي ي "إن"‪ .‬وكان المسييلمون لمييا منعوا المشركييين ميين الموسييم وهييم كانوا يجلبون الطعميية‬
‫والتجارات‪ ،‬قذف الشيطان فيي قلوبهيم الخوف مين الفقير وقالوا‪ :‬مين أيين نعييش‪ .‬فوعدهيم ال أن‬
‫يغنيهم من فضله‪ .‬قال الضحاك‪ :‬ففتح ال عليهم باب الجزية من أهل الذمة بقوله عز وجل‪" :‬قاتلوا‬
‫الذيين ل يؤمنون بال ول باليوم الخير" [التوبية‪ ]29 :‬اليية‪ .‬وقال عكرمية‪ :‬أغناهيم ال بإدرار‬
‫المطيير والنبات وخصييب الرض فأخصييبت تبالة وجرش وحملوا إلى مكيية الطعام والودك وكثيير‬
‫الخيير وأسيلمت العرب‪ :‬أهيل نجيد وصينعاء وغيرهيم فتمادى حجهيم وتجرهيم وأغنيى ال مين فضله‬
‫بالجهاد والظهور على المم‪ .‬والعيلة‪ :‬الفقر‪ .‬يقال‪ :‬عال الرجل يعيل إذا افتقر‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وما يدري الغني متى يعيل‬ ‫وما يدري الفقير متى غناه‬
‫وقرأ علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود "عائلة" وهو مصدر كالقائلة من قال يقيل‪ .‬وكالعافية‪.‬‬
‫ويحتميل أن يكون نعتيا لمحذوف تقديره‪ :‬حال عائلة‪ ،‬ومعناه خصيلة شاقية‪ .‬يقال منيه‪ :‬عالنيي المير‬
‫يعولني‪ :‬أي شق علي واشتد‪ .‬وحكى الطبري أنه يقال‪ :‬عال يعول إذا افتقر‪.‬‬
‫@ فيي هذه اليية دلييل على أن تعلق القلب بالسيباب فيي الرزق جائز ولييس ذلك بمناف للتوكيل‬
‫وإن كان الرزق مقدرا وأميير ال وقسييمه مفعول ولكنييه علقييه بالسييباب حكميية ليعلم القلوب التييي‬
‫تتعلق بالسباب من القلوب التي تتوكل على رب الرباب‪ .‬وقد تقدم أن السبب ل ينافي التوكل قال‬
‫صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬لو توكلتييم على ال حييق توكله لرزقكييم كمييا يرزق الطييير تغدو خماصييا‬
‫وتروح بطانييا)‪ .‬أخرجييه البخاري‪ .‬فأخييبر أن التوكييل الحقيقييي ل يضاده الغدو والرواح فييي طلب‬
‫الرزق‪ .‬ابن العربي‪ :‬ولكن شيوخ الصوفية قالوا‪ :‬إنما يغدو ويروح في الطاعات فهو السبب الذي‬
‫يجلب الرزق‪ .‬قالوا‪ :‬والدليييل علييه أمران‪ :‬أحدهمييا‪ :‬قوله تعالى‪" :‬وأميير أهلك بالصيلة واصييطبر‬
‫عليهيا ل نسيألك رزقيا نحين نرزقيك" [طيه‪ ]132 :‬الثانيي‪ :‬قوله تعالى‪" :‬إلييه يصيعد الكلم الطييب‬
‫والعميل الصيالح برفعيه" [فاطير‪ ]10 :‬فلييس ينزل الرزق مين محله‪ ،‬وهيو السيماء‪ ،‬إل ميا يصيعد‬
‫وهو الذكير الطيب والعمل الصالح وليس بالسيعي فيي الرض فإنه ليس فيهيا رزق‪ .‬والصحيح ما‬
‫أحكمتيه السنة عنيد فقهاء الظاهير وهو العميل بالسيباب الدنيوية من الحرث والتجارة فيي السواق‬
‫والعمارة للموال وغرس الثمار‪ .‬وقيد كانيت الصيحابة تفعيل ذلك والنيبي صيلى ال علييه وسيلم بيين‬
‫أظهرهيم‪ .‬قال أبيو الحسين بين بطال‪ :‬أمير ال سيبحانه عباده بالنفاق مين طيبات ميا كسيبوا إلى غيير‬
‫ذلك ميين الي‪ .‬وقال‪" :‬فميين اضطيير غييير باغ ول عاد فل إثييم عليييه" [البقرة‪ .]173 :‬فأحييل‬
‫للمضطر ما كان حرم عليه عند عدمه للغذاء الذي أمره باكتسابه والغتذاء به‪ ،‬ولم يأمره بانتظار‬
‫طعام ينزل علييه مين السيماء‪ ،‬ولو ترك السيعي فيي ترك ميا يتغذى بيه لكان لنفسيه قاتل‪ .‬وقيد كان‬
‫رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم يتلوى ميين الجوع مييا يجييد مييا يأكله‪ ،‬ولم ينزل عليييه طعام ميين‬
‫السماء‪ ،‬وكان يدخر لهله قوت سنته حتى فتح ال عليه الفتوح‪ .‬وقد روى أنس بن مالك أن رجل‬
‫أتيى النيبي صيلى ال علييه وسيلم ببعيير فقال‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬أعقله وأتوكيل أو أطلقيه وأتوكيل؟ قال‪:‬‬
‫(اعقله وتوكل)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ول حجيية لهيم فيي أهيل الصييفة‪ ،‬فإنهييم كانوا فقراء يقعدون فييي المسييجد ميا يحرثون ول‬
‫يتجرون‪ ،‬لييس لهيم كسيب ول مال‪ ،‬إنميا هيم أضياف السيلم عنيد ضييق البلدان‪ ،‬وميع ذلك فإنهيم‬
‫كانوا يحتطبون بالنهار ويسرقون الماء إلى بيت رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ويقرؤون القرآن‬
‫باللييل ويصيلون‪ .‬هكذا وصيفهم البخاري وغيره‪ .‬فكانوا يتسيببون‪ .‬وكان صيلى ال علييه وسيلم إذا‬
‫جاءتيه هديية أكلهيا معهيم‪ ،‬وإن كانيت صيدقة خصيهم بهيا‪ ،‬فلميا كثير الفتيح وانتشير السيلم خرجوا‬
‫وتأمروا ‪ -‬كأبي هريرة وغيره ‪ -‬وما قعدوا‪ .‬ثم قيل‪ :‬السباب التي يطلب بها الرزق ستة أنواع‪:‬‬
‫أعلها‪ :‬كسب نبينا محمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪( :‬جعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة‬
‫والصيغار على مين خالف أمري)‪ .‬خرجيه الترمذي وصيححه‪ .‬فجعيل ال رزق نيبيه صيلى ال علييه‬
‫وسلم في كسبه لفضله‪ ،‬وخصه بأفضل أنواع الكسب‪ ،‬وهو أخذ الغلبة والقهر لشرفه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أكل الرجل من عمل يده‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن أطيب ما أكل الرجل من عمل‬
‫يده وإن نييبي ال داود كان يأكييل ميين عمييل يده) خرجييه البخاري‪ .‬وفييي التنزيييل "وعلمناه صيينعة‬
‫لبوس لكم" [النبياء‪ ،]80 :‬وروي أن عيسى عليه السلم كان يأكل من غزل أمه‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬التجارة‪ ،‬وهيي كانيت عميل جيل الصيحابة رضوان ال عليهيم‪ ،‬وخاصية المهاجريين‪ ،‬وقيد‬
‫دل عليها التنزيل في غير موضع‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬الحرث والغرس‪ .‬وقد بيناه في سورة "البقرة"‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬إقراء القرآن وتعليمه والرقية‪ ،‬وقد مضى في الفاتحة‬
‫السيادس‪ :‬يأخيذ بنيية الداء إذا احتاج‪ ،‬قال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مين أخيذ أموال الناس يرييد‬
‫أداءهيا أدى ال عنيه ومين أخذهيا يرييد إتلفهيا أتلفيه ال)‪ .‬خرجيه البخاري‪ .‬رواه أبيو هريرة رضيي‬
‫ال عنه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن شاء" دليل على أن الرزق ليس بالجتهاد‪ ،‬وإنما هو من فضل ال تولى قسمته‬
‫بيين عباده وذلك بيين فيي قوله تعالى‪" :‬نحين قسيمنا بينهيم معيشتهيم فيي الحياة الدنييا" [الزخرف‪:‬‬
‫‪ ]32‬الية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر ول يحرمون ما حرم ال ورسوله‬
‫ول يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قاتلوا الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر" لما حرم ال تعالى على الكفار أن‬
‫يقربوا المسجد الحرام‪ ،‬وجد المسلمون في أنفسهم بما قطع عنهم من التجارة التي كان المشركون‬
‫يوافون بها‪ ،‬قال ال عز وجل‪" :‬وإن خفتم عيلة" [التوبة‪ ]28:‬الية‪ .‬على ما تقدم‪ .‬ثم أحل في هذه‬
‫الية الجزية وكانت لم تؤخذ قبل ذلك‪ ،‬فجعلها عوضا مما منعهم من موافاة المشركين بتجارتهم‪.‬‬
‫فقال ال عييز وجييل‪" :‬قاتلوا الذييين ل يؤمنون بال ول باليوم الخيير" الييية‪ .‬فأميير سييبحانه وتعالى‬
‫بمقاتلة جميييع الكفار لصييفاقهم على هذا الوصييف‪ ،‬وخييص أهييل الكتاب بالذكيير إكرامييا لكتابهييم‪،‬‬
‫ولكونهيم عالميين بالتوحيد والرسل والشرائع والملل‪ ،‬وخصوصا ذكير محميد صلى ال عليه وسلم‬
‫وملتيه وأمتيه‪ .‬فلميا أنكروه تأكدت عليهيم الحجية وعظميت منهيم الجريمية‪ ،‬فنبيه على محلهيم ثيم جعيل‬
‫للقتال غاية وهي إعطاء الجزية بدل عن القتل‪ .‬وهو الصحيح‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬سمعت أبا الوفاء‬
‫علي بين عقييل فيي مجلس النظير يتلوهيا ويحتيج بهيا‪ .‬فقال‪" :‬قاتلوا" وذلك أمير بالعقوبية‪ .‬ثيم قال‪:‬‬
‫"الذين ل يؤمنون" وذلك بيان للذنب الذي أوجب العقوبة‪ .‬وقوله‪" :‬ول باليوم الخر" تأكيد للذنب‬
‫في جانب العتقاد‪ .‬ثم قال‪" :‬ول يحرمون ما حرم ال ورسوله" زيادة للذنب في مخالفة العمال‪.‬‬
‫ثييم قال‪" :‬ول يدينون دييين الحييق" إشارة إلى تأكيييد المعصييية بالنحراف والمعاندة والنفيية عيين‬
‫السيتسلم‪ .‬ثيم قال‪" :‬من الذيين أوتوا الكتاب" تأكييد للحجة‪ ،‬لنهيم كانوا يجدونه مكتوبيا عندهم فيي‬
‫التوراة والنجيل‪ .‬ثم قال‪" :‬حتى يعطوا الجزية عن يد" فبين الغاية التي تمتد إليها العقوبة وعين‬
‫البدل الذي ترتفع به‪.‬‬
‫@ وقد اختلف العلماء فيمن تؤخذ منه الجزية‪ ،‬قال الشافعي رحمه ال‪ :‬ل تقبل الجزية إل من أهل‬
‫الكتاب خاصية عربيا كانوا أو عجميا لهذه اليية‪ ،‬فإنهيم هيم الذيين خصيوا بالذكير فتوجيه الحكيم إليهيم‬
‫دون من سواهم لقوله عيز وجيل‪" :‬فاقتلوا المشركين حييث وجدتموهم"[التوبة‪ .]5:‬ولم يقيل‪ :‬حتى‬
‫يعطوا الجزية كما قال في أهل الكتاب‪ .‬وقال‪ :‬وتقبل من المجوس بالسنة وبه قال أحمد وأبو ثور‪.‬‬
‫وهيو مذهيب الثوري وأبيي حنيفية وأصيحابه‪ .‬وقال الوزاعيي‪ :‬تؤخيذ الجزيية مين كيل عابيد وثين أو‬
‫نار أو جاحييد أو مكذب‪ .‬وكذلك مذهييب مالك‪ ،‬فإنييه رأى الجزييية تؤخييذ ميين جميييع أجناس الشرك‬
‫والجحيد‪ ،‬عربييا أو عجمييا‪ ،‬تغلبييا أو قرشييا‪ ،‬كائنيا مين كان‪ ،‬إل المرتيد‪ .‬وقال ابين القاسيم وأشهيب‬
‫وسيحنون‪ :‬تؤخيذ الجزيية مين مجوس العرب والميم كلهيا‪ .‬وأميا عبدة الوثان مين العرب فلم يسيتن‬
‫ال فيهم جزية‪ ،‬ول يبقى على الرض منهم أحد‪ ،‬وإنما لهم القتال أو السلم‪ .‬ويوجد لبن القاسم‪:‬‬
‫أن الجزية تؤخذ منهم‪ ،‬كما يقول مالك‪ .‬وذلك في التفريع لبن الجلب وهو احتمال ل نص‪ .‬وقال‬
‫ابيين وهييب‪ :‬ل تقبييل الجزييية ميين مجوس العرب وتقبييل ميين غيرهييم‪ .‬قال‪ :‬لنييه ليييس فييي العرب‬
‫مجوسيي إل وجميعهيم أسيلم‪ ،‬فمين وجيد منهيم بخلف السيلم فهيو مرتيد يقتيل بكيل حال إن لم يسيلم‬
‫ول تقبل منهم جزية‪ .‬وقال ابن الجهم‪ :‬تقبل الجزية من كل من دان بغير السلم إل ما أجمع عليه‬
‫مين كفار قرييش‪ .‬وذكير فيي تعلييل ذلك أنيه إكرام لهيم عين الذلة والصيغار‪ ،‬لمكانهيم مين رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال غيره‪ :‬إنما ذلك لن جميعهم أسلم يوم فتح مكة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ وأما المجوس فقال ابن المنذر‪ :‬ل أعلم خلفا أن الجزية تؤخذ منهم‪ .‬وفي الموطأ‪ :‬مالك عن‬
‫جعفير بين محميد عين أبييه أن عمير بين الخطاب ذكير أمير المجوس فقال‪ :‬ميا أدري كييف أصينع فيي‬
‫أمرهم‪ .‬فقال عبدالرحمن بن عوف‪ :‬أشهد لسمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬سنوا بهم‬
‫سينة أهيل الكتاب)‪ .‬قال أبيو عمير‪ :‬يعنيي فيي الجزيية خاصية‪ .‬وفيي قول رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسيلم‪( :‬سينوا بهيم سينة أهيل الكتاب) دلييل على أنهيم ليسيوا أهيل كتاب‪ .‬وعلى هذا جمهور الفقهاء‪.‬‬
‫وقد روي عن الشافعي أنهم كانوا أهل كتاب فبدلوا‪ .‬وأظنه ذهب في ذلك إلى شيء روي عن علي‬
‫بن أبي طالب رضي ال عنه من وجه فيه ضعف‪ ،‬يدور على أبي سعيد البقال‪ ،‬ذكره عبدالرزاق‬
‫وغيره‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وروي أنه قد كان بعث في المجوس نبي اسمه زرادشت‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ لم يذكير ال سيبحانه وتعالى فيي كتابيه مقدارا للجزيية المأخوذة منهيم‪ .‬وقيد اختلف العلماء فيي‬
‫مقدار الجزية المأخوذة منهم‪ ،‬فقال عطاء بن أبي رباح‪ :‬ل توقيت فيها‪ ،‬وإنما هو على ما صولحوا‬
‫علييه‪ .‬وكذلك قال يحييى بين آدم وأبيو عبييد والطيبري‪ ،‬إل أن الطيبري قال‪ :‬أقله دينار وأكثره ل حيد‬
‫له‪ .‬واحتجوا بميا رواه أهيل الصيحيح عين عمرو بين عوف‪ :‬أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‬
‫صالح أهل البحرين على الجزية‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬دينار على الغني والفقير من الحرار البالغين ل‬
‫ينقيص منيه شييء واحتيج بميا رواه أبيو داود وغيره عين معاذ‪ :‬أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‬
‫بعثيه إلى اليمين وأمره أن يأخيذ مين كيل حالم دينارا فيي الجزيية‪ .‬قال الشافعيي‪ :‬وهيو الميبين عين ال‬
‫تعالى مراده‪ .‬وهو قول أبي ثور‪ .‬قال الشافعي‪ :‬وإن صولحوا على أكثر من دينار جاز‪ ،‬وإن زادوا‬
‫وطابييت بذلك أنفسييهم قبييل منهييم‪ .‬وإن صييولحوا على ضيافيية ثلثيية أيام جاز‪ ،‬إذا كانييت الضيافيية‬
‫معلومة في الخبز والشعير والتبن والدام‪ ،‬وذكر ما على الوسط من ذلك وما على الموسر وذكر‬
‫موضيع النزول والكنّ مين البرد والحير‪ .‬وقال مالك فيميا رواه عنيه ابين القاسيم وأشهيب ومحميد بين‬
‫الحارث بن زنجويه‪ :‬إنها أربعة دنانير على أهل الذهب وأربعون درهما على أهل الورق‪ ،‬الغني‬
‫والفقيير سيواء ولو كان مجوسييا‪ .‬ل يزاد ول ينقيص على ميا فرض عمير ل يؤخيذ منهيم غيره‪ .‬وقيد‬
‫قييل‪ :‬إن الضعييف يخفيف عنيه بقدر ميا يراه المام‪ .‬وقال ابين القاسيم‪ :‬ل ينقيص مين فرض عمير‬
‫لعسير ول يزاد علييه لغنيى‪ .‬قال أبيو عمير‪ :‬ويؤخيذ مين فقرائهيم بقدر ميا يحتملون ولو درهميا‪ .‬وإلى‬
‫هذا رجع مالك‪ .‬وقال أبو حنيفة وأصحابه ومحمد بن الحسن وأحمد بن حنبل‪ :‬اثنا عشر‪ ،‬وأربعة‬
‫وعشرون‪ ،‬وأربعون‪ .‬قال الثوري‪ :‬جاء عين عمير بين الخطاب فيي ذلك ضرائب مختلفية‪ ،‬فللوالي‬
‫أن يأخذ بأيها شاء‪ ،‬إذا كانوا أهل ذمة‪ .‬وأما أهل الصلح فما صولحوا عليه ل غير‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا رحمة ال عليهم‪ :‬والذي دل عليه القرآن أن الجزية تؤخذ من الرجال المقاتلين‪،‬‬
‫لنيه تعالى قال‪" :‬قاتلوا الذيين" إلى قوله‪" :‬حتيى يعطوا الجزيية" فيقتضيي ذلك وجوبهيا على مين‬
‫يقاتييل‪ .‬ويدل على أنييه ليييس على العبييد وإن كان مقاتل‪ ،‬لنييه ل مال له‪ ،‬ولنييه تعالى قال‪" :‬حتييى‬
‫يعطوا"‪ .‬ول يقال لمين ل يملك حتيى يعطيي‪ .‬وهذا إجماع مين العلماء على أن الجزيية إنميا توضيع‬
‫على جماجيم الرجال الحرار البالغيين‪ ،‬وهيم الذيين يقاتلون دون النسياء والذريية والعبييد والمجانيين‬
‫المغلوبيين على عقولهيم والشييخ الفانيي‪ .‬واختلف فيي الرهبان‪ ،‬فروى ابين وهيب عين مالك أنهيا ل‬
‫تؤخذ منهم‪ .‬قال مطرف وابن الماجشون‪ :‬هذا إذا لم يترهب بعد فرضها فإن فرضت ثم ترهب لم‬
‫يسقطها ترهبه‪.‬‬
‫@ إذا أعطى أهل الجزية الجزية لم يؤخذ منهم شيء من ثمارهم ول تجارتهم ول زروعهم إل‬
‫أن يتجروا فيي بلد غيير بلدهيم التيي أقروا فيهيا وصيولحوا عليهيا‪ .‬فإن خرجوا تجارا عين بلدهيم‬
‫التيي أقروا فيهيا إلى غيرهيا أخيذ منهيم العشير إذا باعوا ونيض ثمين ذلك بأيديهيم ولو كان ذلك فيي‬
‫السينة مرارا إل فيي حملهيم الطعام الحنطية والزييت إلى المدينية ومكية خاصية‪ ،‬فإنيه يؤخيذ منهيم‬
‫نصف العشر على ما فعل عمر‪ .‬ومن أهل المدينة من ل يرى أن يؤخذ من أهل الذمة العشر في‬
‫تجارتهم إل مرة في الحول‪ ،‬مثل ما يؤخذ من المسلمين‪ .‬وهو مذهب عمر بن عبدالعزيز وجماعة‬
‫من أئمة الفقهاء‪ .‬والول قول مالك وأصحابه‪.‬‬
‫إذا أدى أهيل الجزيية جزيتهيم التيي ضربيت عليهيم أو صيولحوا عليهيا خلي بينهيم وبيين أموالهيم‬
‫كلهيا‪ ،‬وبيين كرومهيم وعصيرها ميا سيتروا خمورهيم ولم يعلنوا بيعهيا مين مسيلم ومنعوا مين إظهار‬
‫الخمر والخنزير في أسواق المسلمين‪ ،‬فإن أظهروا شيئا من ذلك أريقت الخمر عليهم‪ ،‬وأدب من‬
‫أظهير الخنزيير‪ .‬وإن أراقهيا مسيلم مين غيير إظهارهيا فقيد تعدى‪ ،‬ويجيب علييه الضمان‪ .‬وقييل‪ :‬ل‬
‫يجب ولو غصبها وجب عليه ردها‪ .‬ول يعترض لهم في أحكامهم ول متاجرتهم فيما بينهم بالربا‪.‬‬
‫فإن تحاكموا إلينيا فالحاكيم مخيير‪ ،‬إن شاء حكيم بينهيم بميا أنزل ال وإن شاء أعرض‪ .‬وقييل‪ :‬يحكيم‬
‫بينهم في المظالم على كل حال‪ ،‬ويؤخذ من قويهم لضعيفهم‪ ،‬لنه من باب الدفع عنهم وعلى المام‬
‫أن يقاتيل عنهيم عدوهيم ويسيتعين بهيم فيي قتالهيم‪ .‬ول حيظ لهيم فيي الفييء‪ ،‬وميا صيولحوا علييه مين‬
‫الكنائس لم يزيدوا عليها‪ ،‬ولم يمنعوا من إصلح ما وهى منها‪ ،‬ول سبيل لهم إلى إحداث غيرها‪.‬‬
‫ويأخذون مين اللباس والهيئة بميا ييبينون بيه مين المسيلمين‪ ،‬ويمنعون مين التشبيه بأهيل السيلم‪ .‬ول‬
‫بأس باشتراء أولد العدو منهيم إذا لم تكين لهيم ذمية‪ .‬ومين لد فيي أداء جزيتيه أدب على لدده وأخذت‬
‫منه صاغرا‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء فيميا وجبيت الجزيية عنيه‪ ،‬فقال علماء المالكيية‪ :‬وجبيت بدل عين القتيل بسيبب‬
‫الكفر‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬وجبت بدل عن الدم وسكنى الدار‪ .‬وفائدة الخلف أنا إذا قلنا وجبت بدل عن‬
‫القتل فأسلم سقطت عنه الجزية لما مضى‪ ،‬ولو أسلم قبل تمام الحول بيوم أو بعده عند مالك‪ .‬وعند‬
‫الشافعيي أنهيا ديين مسيتقر فيي الذمية فل يسيقطه السيلم كأجرة الدار‪ .‬وقال بعيض الحنفيية بقولنيا‪.‬‬
‫وقال بعضهيم‪ :‬إنميا وجبيت بدل عين النصير والجهاد‪ .‬واختاره القاضيي أبيو زييد وزعيم أنيه سير ال‬
‫فيي المسيألة‪ .‬وقول مالك أصيح‪ ،‬لقوله صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬لييس على مسيلم جزيية)‪ .‬قال سيفيان‪:‬‬
‫معناه إذا أسيلم الذميي بعيد ميا وجبيت الجزيية علييه بطلت عنيه‪ .‬أخرجيه الترمذي وأبيو داود‪ .‬قال‬
‫علماؤنا‪ :‬وعليه يدل قوله تعالى‪" :‬حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" لن بالسلم يزول‬
‫هذا المعنيى‪ .‬ول خلف أنهيم إذا أسيلموا فل يؤدون الجزيية عين ييد وهيم صياغرون‪ .‬والشافعيي ل‬
‫يأخذ بعد السلم على الوجه الذي قاله ال تعالى‪ .‬وإنما يقول‪ :‬إن الجزية دين‪ ،‬وجبت عليه بسبب‬
‫سابق وهو السكنى أو توقي شر القتل‪ ،‬فصارت كالديون كلها‪.‬‬
‫لو عاهييد المام أهييل بلد أو حصيين ثييم نقضوا عهدهييم وامتنعوا ميين أداء مييا يلزمهييم ميين الجزييية‬
‫وغيرهيا وامتنعوا مين حكيم السيلم مين غيير أن يظلموا وكان المام غيير جائر عليهيم وجيب على‬
‫المسيلمين غزوهيم وقتالهيم ميع إمامهيم‪ .‬فإن قاتلوا وغلبوا حكيم فيهيم بالحكيم فيي دار الحرب سيواء‪.‬‬
‫وقد قيل‪ :‬هم ونساؤهم فيء ول خمس فيهم‪ ،‬وهو مذهب‪.‬‬
‫فإن خرجوا متلصصين قاطعين الطريق فهم بمنزلة المحاربين المسلمين إذا لم يمنعوا الجزية‪.‬‬
‫ولو خرجوا متظلمين نظر في أمرهم وردوا إلى الذمة وأنصفوا من ظالمهم ول يسترق منهم أحد‬
‫وهييم أحرار‪ .‬فإن نقييض بعضهييم دون بعييض فميين لم ينقييض على عهده‪ ،‬ول يؤخييذ بنقييض غيره‬
‫وتعرف إقامتهم على العهد بإنكارهم على الناقضين‪.‬‬
‫@ الجزية وزنها فعلة‪ ،‬من جزى يجزي إذا كافأ عما أسدي إليه‪ ،‬فكأنهم أعطوها جزاء ما منحوا‬
‫من المن‪ ،‬وهي كالقعدة والجلسة‪ .‬ومن هذا المعنى قول الشاعر‪:‬‬
‫أثنى عليك بما فعلت كمن جزى‬ ‫يجزيك أو يثني عليك وإن من‬
‫@ روى مسيلم عين هشام بين حكييم بين حزام ومير على ناس مين النباط بالشأم قيد أقيموا فيي‬
‫الشميس ‪ -‬فيي روايية‪ :‬وصيب على رؤوسيهم الزييت ‪ -‬فقال‪ :‬ميا شأنهيم؟ فقال يحبسيون فيي الجزيية‪.‬‬
‫فقال هشام‪ :‬أشهد لسمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬إن ال يعذب الذين يعذبون الناس‬
‫فيي الدنييا)‪ .‬فيي روايية‪ :‬وأميرهيم يومئذ عميير بين سيعد على فلسيطين‪ ،‬فدخيل علييه فحدثيه فأمير بهيم‬
‫فخلوا‪ .‬قال علماؤنيا‪ :‬أميا عقوبتهيم إذا امتنعوا مين أدائهيا ميع التمكيين فجائز‪ ،‬فأميا ميع تيبين عجزهيم‬
‫فل تحل عقوبتهم‪ ،‬لن من عجز عن الجزية سقطت عنه‪ .‬ول يكلف الغنياء أداءها عن الفقراء‪.‬‬
‫وروى أبو داود عن صفوان بن سليم عن عدة من أبناء أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عن آبائهم أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته‬
‫أو أخذ شيئا منه بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عن يد" قال ابن عباس‪ :‬يدفعها بنفسه غير مستنيب فيها أحدا روى أبو البختري‬
‫عين سيلمان قال‪ :‬مذموميين‪ .‬وروى معمير عين قتادة قال‪ :‬عين قهير وقييل‪" :‬عين ييد" عين إنعام منكيم‬
‫عليهم‪ ،‬لنهم إذا أخذت منهم الجزية فقد أنعم عليهم بذلك‪ .‬عكرمة‪ :‬يدفعها وهو قائم والخذ جالس‬
‫وقال سيعيد بين جيبير‪ .‬ابين العربيي‪ :‬وهذا لييس مين قوله‪" :‬عين ييد" وإنميا هيو مين قوله‪" :‬وهيم‬
‫صاغرون"‪.‬‬
‫@ روى الئمة عن عبدال بن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬اليد العليا خير من‬
‫الييد السيفلى والييد العلييا المنفقية والسيفلى السيائلة) وروى‪( :‬والييد العلييا هيي المعطيية)‪ .‬فجعيل ييد‬
‫المعطيي فيي الصيدقة علييا‪ ،‬وجعيل ييد المعطيي فيي الجزيية سيفلى‪ .‬وييد الخيذ علييا؛ ذلك بأنيه الرافيع‬
‫الخافض‪ ،‬يرفع من يشاء ويخفض من يشاء‪ ،‬ل إله غيره‪.‬‬
‫@ عين حيبيب بين أبيي ثابيت قال‪ :‬جاء رجيل إلى ابين عباس فقال‪ :‬إن أرض الخراج يعجيز عنهيا‬
‫أهلهيا أفأعمرهيا وأزرعهيا وأؤدي خراجهيا؟ فقال‪ :‬ل‪ .‬وجاءه آخير فقال له ذلك فقال‪ :‬ل وتل قوله‬
‫تعالى‪" :‬قاتلوا الذيين ل يؤمنون بال ول باليوم الخير" إلى قوله‪" :‬وهيم صياغرون" أيعميد أحدكيم‬
‫إلى الصييغار فييي عنييق أحدهييم فينتزعييه فيجعله فييي عنقييه وقال كليييب بيين وائل‪ :‬قلت لبيين عميير‬
‫اشترييت أرضيا قال الشراء حسين‪ .‬قلت‪ :‬فإنيي أعطيي عين كيل جرييب أرض درهميا وقفييز طعام‪.‬‬
‫قال‪ :‬ل تجعل في عنقك صغارا‪ .‬وروى ميمون بن مهران عن ابن عمر رضي ال عنهما قال‪ :‬ما‬
‫يسرني أن لي الرض كلها بجزية خمسة دراهم أمر فيها بالصغار على نفسي‪.‬‬
‫*‪*3‬الييية‪{ 30 :‬وقالت اليهود عزييير ابين ال وقالت النصيارى المسييح ابيين ال ذلك قولهييم‬
‫بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم ال أنى يؤفكون}‬
‫@ قرأ عاصم والكسائي "عزير ابن ال" بتنوين عزير‪ .‬والمعنى أن "ابنا" على هذا خبر ابتداء‬
‫عن عزير و"عزير" ينصرف عجميا كان أو عربيا‪ .‬وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر‬
‫"عزيير ابين" بترك التنويين لجتماع السياكنين‪ ،‬ومنيه قراءة مين قرأ "قيل هيو ال أحيد ال الصيمد"‬
‫[الخلص‪ .]2 - 1:‬قال أبو علي‪ :‬وهو كثير في الشعر‪ .‬وأنشد الطبري في ذلك‪:‬‬
‫وبالقناة مدعسا مكرا‬ ‫لتجدني بالمير برا‬
‫ف السّلَميّ فرا‬
‫إذا غطي ُ‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالت اليهود" هذا لفيظ خرج على العموم ومعناه الخصيوص‪ ،‬لن لييس كيل‬
‫اليهود قالوا ذلك‪ .‬وهذا مثيل قوله تعالى‪" :‬الذيين قال لهيم الناس" [آل عمران‪ ]173:‬ولم يقيل ذلك‬
‫كل الناس‪ .‬وقيل‪ :‬إن قائل ما حكى عن اليهود سلم بن مشكم ونعمان بن أبي أوفى وشاس بن قيس‬
‫ومالك بيين الصيييف‪ ،‬قالوه للنييبي صييلى ال عليييه وسييلم‪ .‬قال النقاش‪ :‬لم يبييق يهودي يقولهييا بييل‬
‫انقرضوا فإذا قالهيا واحيد فيتوجيه أن تلزم الجماعية شنعية المقالة‪ ،‬لجيل نباهية القائل فيهيم‪ .‬وأقوال‬
‫النبهاء أبدا مشهورة في الناس يحتج بها‪ .‬فمن ههنا صح أن تقول الجماعة قول نبيهها‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقييد روي أن سييبب ذلك القول أن اليهود قتلوا النييبياء بعييد موسييى عليييه السييلم فرفييع ال عنهييم‬
‫التوراة ومحاها من قلوبهم‪ ،‬فخرج عزير يسيح في الرض‪ ،‬فأتاه جبريل فقال‪( :‬أين تذهب)؟ قال‪:‬‬
‫أطلب العلم‪ ،‬فعلمه التوراة كلها فجاء عزير بالتوراة إلى بني إسرائيل فعلمهم‪ .‬وقيل‪ :‬بل حفظها ال‬
‫عزيرا كرامية منيه له‪ ،‬فقال لبنيي إسيرائيل‪ :‬إن ال قيد حفظنيي التوراة‪ ،‬فجعلوا يدرسيونها مين عنده‪.‬‬
‫وكانيت التوراة مدفونية‪ ،‬كان دفنهيا علماؤهيم حيين أصيابهم مين الفتين والجلء والمرض ميا أصياب‬
‫وقتل بختنصر إياهم‪ .‬ثم إن التوراة المدفونة وجدت فإذا هي متساوية لما كان عزير يدرس فضلوا‬
‫عنيد ذلك وقالوا‪ :‬إن هذا لم يتهييأ لعزيير إل وهيو ابين ال حكاه الطيبري‪ .‬وظاهير قول النصيارى أن‬
‫المسيييح ابيين ال‪ ،‬إنمييا أرادوا بنوة النسييل كمييا قالت العرب فييي الملئكيية‪ .‬وكذلك يقتضييي قول‬
‫الضحاك والطييبري وغيرهمييا‪ .‬وهذا أشنييع الكفيير‪ .‬قال أبييو المعالي‪ :‬أطبقييت النصييارى على أن‬
‫المسيح إله وإنه ابن إله‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬ويقال إن بعضهم يعتقدها بنوة حنو ورحمة‪ .‬وهذا المعنى‬
‫أيضا ل يحل أن تطلق البنوة عليه وهو كفر‪.‬‬
‫@ قال ابين العربيي‪ :‬فيي هذا دلييل مين قول ربنيا تبارك وتعالى على أن مين أخيبر عن كفير غيره‬
‫الذي ل يجوز لحد أن يبتدئ به ل حرج عليه‪ ،‬لنه إنما ينطق به على معنى الستعظام له والرد‬
‫علييه ولو شاء ربنيا ميا تكلم بيه أحيد‪ ،‬فإذا مكين مين إطلق اللسين بيه فقيد أذن بالخبار عنيه على‬
‫معنى إنكاره بالقلب واللسان والرد عليه بالحجة والبرهان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك قولهم بأفواههم" قيل‪ :‬معناه التأكيد‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬يكتبون الكتاب بأيديهم"‬
‫[البقرة‪ ]79 :‬وقوله‪" :‬ول طائر يطير بجناحيه" [النعام‪ ]38 :‬وقوله‪" :‬فإذا نفخ في الصور نفخة‬
‫واحدة" [الحاقة‪ ]13:‬ومثله كثير‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى أنه لما كان قول ساذج ليس فيه بيان ول برهان‪،‬‬
‫وإنميا هيو قول بالفيم مجرد نفيس دعوى ل معنيى تحتيه صيحيح لنهيم معترفون بأن ال سيبحانه لم‬
‫يتخيذ صياحبة فكييف يزعمون أن له ولدا‪ ،‬فهيو كذب وقول لسياني فقيط بخلف القوال الصيحيحة‬
‫التيي تعضدهيا الدلة ويقوم عليهيا البرهان‪ .‬قال أهيل المعانيي‪ :‬إن ال سيبحانه لم يذكير قول مقرونيا‬
‫بذكيير الفواه واللسيين إل وكان قول زورا‪ ،‬كقوله‪" :‬يقولون بأفواههييم مييا ليييس فييي قلوبهييم" [آل‬
‫عمران‪ ]167 :‬و"كيبرت كلمية تخرج مين أفواههيم إن يقولون إل كذبيا" [الكهيف‪ ]5 :‬و"يقولون‬
‫بألسنتهم ما ليس في قلوبهم" [الفتح‪.]11 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يضاهئون قول الذين كفروا من قبل" "يضاهئون" يشابهون‪ ،‬ومنه قول العرب‪:‬‬
‫امرأة ضهييأ للتيي ل تحييض أو التيي ل ثدي لهيا‪ ،‬كأنهيا أشبهيت الرجال‪ .‬وللعلماء فيي "قول الذيين‬
‫كفروا" ثلثية أقوال‪[:‬الول] قول عبدة الوثان‪ :‬اللت والعزى ومناة الثالثية الخرى‪ .‬الثانيي‪ :‬قول‬
‫الكفرة‪ :‬الملئكية بنات ال‪ .‬الثالث‪ :‬قول أسيلفهم‪ ،‬فقلدوهيم فيي الباطيل واتبعوهيم على الكفير‪ ،‬كميا‬
‫أخبر عنهم بقوله تعالى‪" :‬إنا وجدنا آباءنا على أمة" [الزخرف‪.]23 :‬‬
‫@ اختلف العلماء في "ضهيأ" هل يمد أو ل‪ ،‬فقال ابن ولد‪ :‬امرأة ضهيأ‪ ،‬وهي التي ل تحيض‪،‬‬
‫مهموز غيير ممدود‪ .‬ومنهيم مين يميد وهيو سييبويه فيجعلهيا على فعلء بالميد‪ ،‬والهمزة فيهيا زائدة‬
‫لنهم يقولون نساء ضهي فيحذفون الهمزة‪ .‬قال أبو الحسن قال لي النجيرمي‪ :‬ضهيأة بالمد والهاء‪.‬‬
‫جمع بين علمتي تأنيث‪ ،‬حكاه عن أبي عمرو الشيباني في النوادر‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫ضهيأة أو عاقر جماد‬
‫ابين عطيية‪ :‬مين قال "يضاهئون" مأخوذ مين قولهيم‪ :‬امرأة ضهياء فقوله خطيأ‪ ،‬قاله أبيو علي‪ ،‬لن‬
‫الهمزة في (ضاهأ) أصلية‪ ،‬وفي (ضهياء) زائدة كحمراء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قاتلهيم ال أنيى يؤفكون" أي لعنهيم ال‪ ،‬يعنيي اليهود والنصيارى‪ ،‬لن الملعون‬
‫كالمقتول‪ .‬قال ابن جريج‪" :‬قاتلهم ال" هو بمعنى التعجب‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬كل شيء في القرآن‬
‫قتل فهو لعن‪ ،‬ومنه قول أبان ابن تغلب‪:‬‬
‫أني لنفسي إفسادي وإصلحي‬ ‫قاتلها ال تلحاني وقد علمت‬
‫وحكيى النقاش أن أصيل "قاتيل ال" الدعاء‪ ،‬ثيم كثير فيي اسيتعمالهم حتيى قالوه على التعجيب فيي‬
‫الخير والشر‪ ،‬وهم ل يريدون الدعاء‪ .‬وأنشد الصمعي‪:‬‬
‫وأخبر الناس أني ل أباليها‬ ‫يا قاتل ال ليلى كيف تعجبني‬
‫*‪*3‬الية‪{ 31 :‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما أمروا إل‬
‫ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اتخذوا أحبارهيم ورهبانهم أربابيا مين دون ال والمسيح ابن مرييم" الحبار جمع‬
‫حبر‪ ،‬وهو الذي يحسن القول وينظمه ويتقنه بحسن البيان عنه‪ .‬ومنه ثوب محبر أي جمع الزينة‪.‬‬
‫وقد قيل في واحد الحبار‪ :‬حبر بكسر الحاء‪ ،‬والدليل على ذلك أنهم قالوا‪ :‬مداد حبر يريدون مداد‬
‫عالم‪ ،‬ثم كثر الستعمال حتى قالوا للمداد حبر‪ .‬قال الفراء‪ :‬الكسر والفتح لغتان‪ .‬وقال ابن السكيت‪:‬‬
‫الحيبر بالكسير المداد‪ ،‬والحيبر بالفتيح العالم‪ .‬والرهبان جميع راهيب مأخوذ مين الرهبية‪ ،‬وهيو الذي‬
‫حمله خوف ال تعالى على أن يخلص له النية دون الناس‪ ،‬ويجعل زمانه له وعمله معه وأنسه به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أربابا من دون ال" قال أهل المعاني‪ :‬جعلوا أحبارهم ورهبانهم كالرباب حيث‬
‫أطاعوهيم فيي كيل شييء ومنيه قوله تعالى‪" :‬قال انفخوا حتيى إذا جعله نارا" [الكهيف‪ ]96 :‬أي‬
‫كالنار‪ .‬قال عبدال بن المبارك‪:‬‬
‫وأحبار سوء ورهبانها‬ ‫وهل أفسد الدين إل الملوك‬
‫روى العمش وسفيان عن حبيب بن أبى ثابت عن أبى البختري قال‪ :‬سئل حذيفة عن قول ال عز‬
‫وجيل‪" :‬أتخذوا أحبارهيم ورهبانهيم أربابيا مين دون ال" هيل عبدوهيم؟ فقال ل‪ ،‬ولكين أحلوا لهيم‬
‫الحرام فاسيتحلوه‪ ،‬وحرموا عليهيم الحلل فحرموه‪ .‬وروى الترمذي عين عدي بين حاتيم قال‪ :‬أتييت‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم وفيي عنقيي صيليب مين ذهيب‪ .‬فقال‪( :‬ميا هذا ييا عدي اطرح عنيك هذا‬
‫الوثين) وسيمعته يقرأ فيي سيورة [براءه" "اتخذوا أحبارهيم ورهبانهيم أربابيا مين دون ال والمسييح‬
‫ابين مرييم" ثيم قال‪( :‬أميا إنهيم لم يكونوا يعبدونهيم ولكنهيم كانوا إذا أحلوا لهيم شيئا اسيتحلوه وإذا‬
‫حرموا عليهم شيئا حرموه)‪ .‬قال‪ :‬هذا حديث غريب ل يعرف إل من حديث عبدالسلم بن حرب‪.‬‬
‫وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والمسيح ابن مريم" مضى الكلم في اشتقاقه في "آل عمران" والمسيح‪ :‬العرق‬
‫يسيل من الجبين‪ .‬ولقد أحسن بعض المتأخرين فقال‪:‬‬
‫إذا شهدت الحشر والميزانا‬ ‫افرح فسوف تألف الحزانا‬
‫كأنه جداول تسيح‬ ‫وسال من جبينك المسيح‬
‫ومضى في "النساء" معنى إضافته إلى مريم أمه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 32 :‬يريدون أن يطفئوا نور ال بأفواههيم ويأبيى ال إل أن يتيم نوره ولو كره‬
‫الكافرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يريدون أن يطفئوا نور ال" أي دللتيه وحججيه على توحيده‪ .‬جعيل البراهيين‬
‫بمنزلة النور لمييا فيهييا ميين البيان‪ .‬وقيييل‪ :‬المعنييى نور السييلم‪ ،‬أي أن يخمدوا دييين ال بتكذيبهييم‪.‬‬
‫"بأفواههم" جمع فوه على الصل‪ ،‬لن الصل في فم فوه‪ ،‬مثل حوض وأحواض‪" .‬ويأبى ال إل‬
‫أن يتيم نوره" يقال‪ :‬كييف دخلت "إل" ولييس فيي الكلم حرف نفيي‪ ،‬ول يجوز ضربيت إل زيدا‪.‬‬
‫فزعيم الفراء أن "إل" إنميا دخلت لن فيي الكلم طرفيا مين الجحيد‪ .‬قال الزجاج‪ :‬الجحيد والتحقييق‬
‫ليسا بذوي أطراف‪ .‬وأدوات الجحد‪ :‬ما‪ ،‬ول‪ ،‬وإن‪ ،‬وليس‪ :‬وهذه ل أطراف لها ينطق بها ولو كان‬
‫المر كما أراد لجاز كرهت إل زيدا‪ ،‬ولكن الجواب أن العرب تحذف مع أبى‪ .‬والتقدير‪ :‬ويأبى ال‬
‫كيل شييء إل أن يتيم نوره‪ .‬وقال علي بين سيليمان‪ :‬إنميا جاز هذا فيي "أبيى" لنهيا منيع أو امتناع‬
‫فضارعت النفي‪ .‬قال النحاس‪ :‬فهذا حسن‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫أبى ال إل أن أكون لها ابنما‬ ‫وهل لي أم غيرها إن تركتها‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 33 :‬هيو الذي أرسيل رسيوله بالهدى وديين الحيق ليظهره على الديين كله ولو كره‬
‫المشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هييو الذي أرسييل رسييوله" يريييد محمدا صييلى ال عليييه وسييلم‪" .‬بالهدى" أي‬
‫بالفرقان‪" .‬ودييين الحييق ليظهره على الدييين كله" أي بالحجيية والبراهييين‪ .‬وقييد أظهره على شرائع‬
‫الديين حتيى ل يخفيى علييه شييء منهيا‪ ،‬عين ابين عباس وغيره‪ .‬وقييل‪" :‬ليظهره" أي ليظهير الديين‬
‫ديين السيلم على كيل ديين‪ .‬قال أبيو هريرة والضحاك‪ :‬هذا عنيد نزول عيسيى علييه السيلم‪ .‬وقال‬
‫السدي‪ :‬ذاك عند خروج المهدي‪ ،‬ل يبقى أحد إل دخل في السلم أو أدى الجزية‪ .‬وقيل‪ :‬المهدي‬
‫هيو عيسيى فقيط وهيو غيير صيحيح لن الخبار الصيحاح قيد تواترت على أن المهدي مين عترة‬
‫رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‪ ،‬فل يجوز حمله على عيسييى‪ .‬والحديييث الذي ورد فييي أنييه (ل‬
‫مهدي إل عيسيى) غيير صيحيح‪ .‬قال البيهقيي فيي كتاب البعيث والنشور‪ :‬لن راوييه محميد بين خالد‬
‫الجندي وهو مجهول‪ ،‬يروي عن أبان بن أبي عياش ‪ -‬وهو متروك ‪ -‬عن الحسن عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬وهو منقطع‪ .‬والحاديث التي قبله في التنصيص على خروج المهدي‪ ،‬وفيها بيان‬
‫كون المهدي من عترة رسول ال صلى ال عليه وسلم أصح إسنادا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد ذكرنا هذا وزدناه بيانا في كتابنا كتاب التذكرة وذكرنا أخبار المهدي مستوفاة والحمد‬
‫ل‪ .‬وقيل‪ :‬أراد "ليظهره على الدين كله" في جزيرة العرب‪ ،‬وقد فعل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 34 :‬يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل‬
‫ويصيدون عن سبيل ال والذين يكنزون الذهيب والفضية ول ينفقونها في سبيل ال فبشرهيم بعذاب‬
‫أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليأكلون أموال الناس بالباطيل" دخلت اللم على يفعيل‪ ،‬ول تدخيل على فعيل‬
‫لمضارعييية يفعيييل السيييماء‪ .‬والحبار علماء اليهود‪ .‬والرهبان مجتهدو النصيييارى فيييي العبادة‪.‬‬
‫"بالباطيل" قييل‪ :‬إنهيم كانوا يأخذون مين أموال أتباعهيم ضرائب وفروضيا باسيم الكنائس والبييع‬
‫وغييير ذلك‪ ،‬ممييا يوهمونهييم أن النفقيية فيييه ميين الشرع والتزلف إلى ال تعالى‪ ،‬وهييم خلل ذلك‬
‫يحجبون تلك الموال‪ ،‬كالذي ذكره سيلمان الفارسيي عين الراهيب الذي اسيتخرج كنزه‪ ،‬ذكره ابين‬
‫إسيحاق فيي السيير‪ .‬وقييل‪ :‬كانوا يأخذون مين غلتهيم وأموالهيم ضرائب باسيم حمايية الديين والقيام‬
‫بالشرع‪ .‬وقييييل‪ :‬كانوا يرتشون فيييي الحكام‪ ،‬كميييا يفعله اليوم كثيييير مييين الولة والحكام‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫"بالباطل" يجمع ذلك كله‪" .‬ويصدون عن سبيل ال" أي يمنعون أهل دينهم عن الدخول في دين‬
‫السلم‪ ،‬واتباع محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذين يكنزون الذهب والفضة" الكنز أصله في اللغة الضم والجمع ول يختص‬
‫ذلك بالذهييب والفضيية‪ .‬أل ترى قوله عليييه السييلم‪( :‬أل أخييبركم بخييير مييا يكنييز المرء المرأة‬
‫الصالحة)‪ .‬أي يضمه لنفسه ويجمعه‪ .‬قال‪:‬‬
‫غير خيوط ورثيث بز‬ ‫ولم تزود من جميع الكنز‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫قِرْف الحتيّ وعندي البر مكنوز‬ ‫ل د ّر درّي إن أطعمت جائعهم‬
‫قرف الحتي هو سويق المقل‪ .‬يقول‪ :‬إنه نزل بقوم فكان قراه عندهم سويق المقل‪ ،‬وهو الحتي‪ ،‬فلما‬
‫نزلوا بيه قال هيو‪ :‬ل در دري‪ ...‬البييت‪ .‬وخيص الذهيب والفضية بالذكير لنيه مميا ل يطلع علييه‪،‬‬
‫بخلف سائر الموال‪ .‬قال الطبري‪ :‬الكنز كل شيء مجموع بعضه إلى بعض‪ ،‬في بطن الرض‬
‫كان أو على ظهرهيا‪ .‬وسيمي الذهيب ذهبيا لنيه يذهيب‪ ،‬والفضية لنهيا تنفيض فتتفرق‪ ،‬ومنيه قوله‬
‫تعالى‪" :‬انفضوا إليهيا" [الجمعية‪" - ]11 :‬لنفضوا مين حولك" [آل عمران‪ ]159 :‬وقيد مضيى‬
‫هذا المعنى في "آل عمران"‪.‬‬
‫@ واختلف الصيحابة فيي المراد بهذه اليية‪ ،‬فذهيب معاويية إلى أن المراد بهيا أهيل الكتاب وإلييه‬
‫ذهييب الصييم لن قوله‪" :‬والذييين يكنزون" مذكور بعييد قوله‪" :‬إن كثيرا ميين الحبار والرهبان‬
‫ليأكلون أموال لناس بالباطل"‪ .‬وقال أبو ذر وغيره‪ :‬المراد بها أهل الكتاب وغيرهم من المسلمين‪.‬‬
‫وهو الصحيح‪ ،‬لنه لو أراد أهل الكتاب خاصة لقال‪ :‬ويكنزون‪ ،‬بغير والذين‪ .‬فلما قال‪" :‬والذين"‬
‫فقد استأنف معنى آخر يبين أنه عطف جملة على جملة‪ .‬فالذين يكنزون كلم مستأنف‪ ،‬وهو رفع‬
‫على البتداء‪ .‬قال السيدي‪ :‬عنيى أهيل القبلة‪ .‬فهذه ثلثية أقوال‪ .‬وعلى قول الصيحابة فييه دلييل على‬
‫أن الكفار عندهم مخاطبون بفروع الشريعة‪ .‬روى البخاري عن زيد بن وهب قال‪ :‬مررت بالربذة‬
‫فإذا أنيا بأبيي ذر فقلت له‪ :‬ميا أنزلك منزلك هذا؟ قال‪ :‬كنيت بالشأم فاختلفيت أنيا ومعاويية فيي "الذيين‬
‫يكنزون الذهيب والفضية ول ينفقونهيا فيي سيبيل ال"‪ ،‬فقال معاويية‪ :‬نزلت فيي أهيل الكتاب‪ .‬فقلت‪:‬‬
‫نزلت فينيا وفيهيم‪ ،‬وكان بينيي وبينيه فيي ذلك‪ .‬فكتيب إلى عثمان يشكونيي‪ ،‬فكتيب إلي عثمان أن أقدم‬
‫المدينية‪ ،‬فقدمتهيا فكثير علي الناس حتيى كأنهيم لم يرونيي قبيل ذلك‪ ،‬فذكرت ذلك لعثمان فقال‪ :‬إن‬
‫شئت تنحيت فكنت قريبا‪ ،‬فذاك الذي أنزلني هذا المنزل ولو أمروا علي حبشيا لسمعت وأطعت‪.‬‬
‫@ قال ابين خوييز منداد‪ :‬تضمنيت هذه اليية زكاة العيين‪ ،‬وهيي تجيب بأربعية شروط‪ :‬حريية‪،‬‬
‫وإسييلم‪ ،‬وحول‪ ،‬ونصيياب سييليم ميين الدييين‪ .‬والنصيياب مائتييا درهييم أو عشرون دينارا‪ .‬أو يكمييل‬
‫نصاب أحدهما من الخر وأخرج ربع العشر من هذا وربع العشر من هذا‪ .‬وإنما قلنا إن الحرية‬
‫شرط‪ ،‬فلن العبيد ناقيص الملك‪ .‬وإنميا قلنيا إن السيلم شرط‪ ،‬فلن الزكاة طهرة والكافير ل تلحقيه‬
‫طهرة‪ ،‬ولن ال تعالى قال‪" :‬وأقيموا الصييلة وآتوا الزكاة" [البقرة‪ ]43:‬فخوطييب بالزكاة ميين‬
‫خوطب بالصلة‪ .‬وإنما قلنا إن الحول شرط‪ ،‬فلن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ليس في مال‬
‫زكاة حتى يحول عليه الحول)‪ .‬وإنما قلنا إن النصاب شرط‪ ،‬فلن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(لييس فيي أقيل مين مائتيي درهيم زكاة ولييس فيي أقيل مين عشريين دينارا زكاة)‪ .‬ول يراعيى كمال‬
‫النصياب فيي أول الحول‪ ،‬وإنميا يراعيى عنيد آخير الحول‪ ،‬لتفاقهيم أن الربيح فيي حكيم الصيل‪ .‬يدل‬
‫على هذا أن من كانت معه مائتا درهم فتجر فيها فصارت آخر الحول ألفا أنه يؤدي زكاة اللف‪،‬‬
‫ول يسيتأنف للربيح حول‪ .‬فإذا كان كذلك لم يختلف حكيم الربيح‪ ،‬كان صيادرا عين نصياب أو دونيه‪.‬‬
‫وكذلك اتفقوا أنه لو كان له أربعون من الغنم‪ ،‬فتوالدت له رأس الحول ثم ماتت المهات إل واحدة‬
‫منها‪ ،‬وكانت السخال تتمة النصاب فإن الزكاة تخرج عنها‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في المال الذي أديت زكاته هل يسمى كنزا أم ل؟ فقال قوم‪ :‬نعم‪ .‬ورواه أبو‬
‫الضحاك عن جعدة بن هبيرة عن علي رضي ال عنه‪ ،‬قال علي‪ :‬أربعة آلف فما دونها نفقة‪ ،‬وما‬
‫كثير فهو كنز وإن أديت زكاته‪ ،‬ول يصح‪ .‬وقال قوم‪ :‬ما أديت زكاته منه أو من غيره عنه فليس‬
‫بكنز‪ .‬قال ابن عمر‪ :‬ما أدي زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين‪ ،‬وكل ما لم تؤد زكاته‬
‫فهو كنز وإن كان فوق الرض‪ .‬ومثله عن جابر‪ ،‬وهو الصحيح‪ .‬وروى البخاري عن أبي هريرة‬
‫قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من آتاه ال مال فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا‬
‫أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ‪ -‬يعني شدقيه ‪ -‬ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ‪-‬‬
‫ثيم تل ‪" -‬ول يحسيبن الذيين يبخلون" [آل عمران‪ ]180 :‬اليية‪ .‬وفييه أيضيا عين أبيي ذر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫انتهيت إليه ‪ -‬يعني النبي صلى ال عليه وسلم ‪ -‬قال‪( :‬والذي نفسي بيده ‪ -‬أو والذي ل إله غيره أو‬
‫كما حلف ‪ -‬ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم ل يؤدي حقها إل أتي بها يوم القيامة أعظم ما‬
‫تكون وأسمنه تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها كلما جازت أخراها ردت عليه أولها حتى يقضيى‬
‫بين الناس)‪ .‬فدل دليل خطاب هذين الحديثين على صحة ما ذكرنا‪ .‬وقد بين ابن عمر في صحيح‬
‫البخاري هذا المعنييى‪ ،‬قال له أعرابييي‪ :‬أخييبرني عيين قول ال تعالى‪" :‬والذييين يكنزون الذهييب‬
‫والفضة" قال ابن عمر‪ :‬من كنزها فلم يؤد زكاتها فويل له‪ ،‬إنما كان هذا قبل أن تنزل الزكاة‪ ،‬فلما‬
‫أنزلت جعلهيا ال طهرا للموال‪ .‬وقييل‪ :‬الكنيز ميا فضيل عين الحاجية‪ .‬روى عين أبيي ذر‪ ،‬وهيو مميا‬
‫نقل من مذهبه‪ ،‬وهو من شدائده ومما انفرد به رضي ال عنه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويحتميل أن يكون مجميل ميا روي عن أبيي ذر فيي هذا‪ ،‬ميا روي أن اليية نزلت فيي وقيت‬
‫شدة الحاجة وضعف المهاجرين وقصر يد رسول ال صلى ال عليه وسلم عن كفايتهم‪ ،‬ولم يكن‬
‫في بيت المال ما يسعهم‪ ،‬وكانت السنون الجوائح هاجمة عليهم‪ ،‬فنهوا عن إمساك شيء من المال‬
‫إل على قدر الحاجيية ول يجوز ادخار الذهييب والفضيية فييي مثييل ذلك الوقييت‪ .‬فلمييا فتييح ال على‬
‫المسيلمين ووسيع عليهيم أوجيب صيلى ال علييه وسيلم فيي مائتيي درهيم خمسية دراهيم وفيي عشريين‬
‫دينارا نصيف دينار ولم يوجيب الكيل واعتيبر مدة السيتنماء‪ ،‬فكان ذلك منيه بيانيا صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪ .‬وقيل‪ :‬الكنز ما لم تؤد منه الحقوق العارضة‪ ،‬كفك السير وإطعام الجائع وغير ذلك‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫الكنييز لغيية المجموع ميين النقدييين‪ ،‬وغيرهمييا ميين المال محمول عليهمييا بالقياس‪ .‬وقيييل‪ :‬المجموع‬
‫منهميا ميا لم يكين حلييا‪ ،‬لن الحلي مأذون فيي اتخاذه ول حيق فييه‪ .‬والصيحيح ميا بدأنيا بذكره‪ ،‬وأن‬
‫ذلك كله يسمى كنزا لغة وشرعا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في زكاة الحلي‪ ،‬فذهب مالك وأصحابه وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيد إلى أن‬
‫ل زكاة فييه‪ .‬وهيو قول الشافعيي بالعراق‪ ،‬ووقيف فييه بعيد ذلك بمصير وقال‪ :‬أسيتخير ال فييه‪ .‬وقال‬
‫الثوري وأبيو حنيفية وأصيحابه والوزاعيي‪ :‬فيي ذلك كله الزكاة‪ .‬احتيج الولون فقالوا‪ :‬قصيد النماء‬
‫يوجييب الزكاة فييي العروض وهييي ليسييت بمحييل ليجاب الزكاة‪ ،‬كذلك قطييع النماء فييي الذهييب‬
‫والفضية باتخاذهميا حلييا للقنيية يسيقط الزكاة‪ .‬احتيج أبيو حنيفية بعموم اللفاظ فيي إيجاب الزكاة فيي‬
‫النقدين ولم يفرق بين حلي وغيره‪ .‬وفرق الليث بن سعد فأوجب الزكاة فيما صنع حليا ليفر به من‬
‫الزكاة وأسقطها فيما كان منه يلبس ويعار وفي المذهب في الحلي تفصيل بيانه في كتب الفروع‪.‬‬
‫@ روى أبو داود عن ابن عباس قال‪ :‬لما نزلت هذه الية "والذين يكنزون الذهب والفضة" قال‪:‬‬
‫كبر ذلك على المسلمين‪ ،‬فقال عمر‪ :‬أنا أفرج عنكم فانطلق فقال‪ :‬يا نبي ال إنه كبر على أصحابك‬
‫هذه اليية‪ .‬فقال‪( :‬إن ال لم يفرض الزكاة إل ليطييب ميا بقيي مين أموالكيم وإنميا فرض الموارييث ‪-‬‬
‫وذكير كلمية ‪ -‬لتكون لمين بعدكيم) قال‪ :‬فكيبر عمير‪ .‬ثيم قال له رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أل‬
‫أخيبرك بخيير ميا يكنيز المرء المرأة الصيالحة إذا نظير إليهيا سيرته وإذا أمرهيا أطاعتيه وإذا غاب‬
‫عنهيا حفظتيه)‪ .‬وروى الترمذي وغيره عين ثوبان أن أصيحاب رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‬
‫قالوا‪ :‬قد ذم ال سبحانه الذهب والفضة‪ ،‬فلو علمنا أي المال خير حتى نكسبه‪ .‬فقال عمر‪ :‬أنا أسأل‬
‫لكيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬فسيأله فقال‪( :‬لسيان ذاكير وقلب شاكير وزوجية تعيين المرء‬
‫على دينه)‪ .‬قال حديث حسن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول ينفقونهيا فيي سيبيل ال" ولم يقيل ينفقونهميا‪ ،‬ففييه أجوبية سيتة‪ :‬الول‪ :‬قال ابين‬
‫النباري‪ :‬قصييد الغلب والعييم وهييي الفضيية‪ ،‬ومثله قوله‪" :‬واسييتعينوا بالصييبر والصييلة وإنهييا‬
‫لكبيرة" [البقرة‪ ]45 :‬رد الكناية إلى الصلة لنها أعم‪ .‬ومثله "وإذا رأوا تجارة أو لهوا انقضوا‬
‫إليهيا" [الجمعية‪ ]11 :‬فأعاد الهاء إلى التجارة لنهيا الهيم وترك اللهيو قاله كثيير مين المفسيرين‪.‬‬
‫وأباه بعضهيم وقال‪ :‬ل يشبههيا‪ ،‬لن "أو" قيد فصيلت التجارة مين اللهيو فحسين عود الضميير على‬
‫أحدهميا‪ .‬الثانيي‪ :‬العكيس وهيو أن يكون "ينفقونهيا" للذهيب والثانيي معطوفيا علييه‪ .‬والذهيب تؤنثيه‬
‫العرب تقول‪ :‬هيي الذهيب الحمراء‪ .‬وقيد تذكير والتأنييث أشهير‪ .‬الثالث‪ :‬أن يكون الضميير للكنوز‪.‬‬
‫الرابييع‪ :‬للموال المكنوزة‪ .‬الخامييس‪ :‬للزكاة التقدييير ول ينفقون زكاة الموال المكنوزة‪ .‬السييادس‪:‬‬
‫الكتفاء بضمييير الواحييد عيين ضمييير الخيير إذا فهييم المعنييى‪ ،‬وهذا كثييير فييي كلم العرب‪ .‬أنشييد‬
‫سيبويه‪:‬‬
‫عندك راض والرأي مختلف‬ ‫نحن بما عندنا وأنت بما‬
‫ولم يقل راضون‪ .‬وقال آخر‪.‬‬
‫بريئا ومن أجل الطوي رماني‬ ‫رماني بأمر كنت منه ووالدي‬
‫ولم يقل بريئين‪ .‬ونحوه قول حسان بن ثابت رضي ال عنه‪:‬‬
‫ما لم يعاص كان جنونا‬ ‫إن شرخ الشباب والشعر السود‬
‫ولم يقل يعاصيا‪.‬‬
‫@ إن قيل‪ :‬من لم يكنز ولم ينفق في سبيل ال وأنفق في المعاصي‪ ،‬هل يكون حكمه في الوعيد‬
‫حكم من كنز ولم ينفق في سبيل ال‪ .‬قيل له‪ :‬إن ذلك أشيد‪ ،‬فإن من بذر ماله فيي المعاصي عصى‬
‫ميين جهتييين‪ :‬بالنفاق والتناول‪ ،‬كشراء الخميير وشربهييا‪ .‬بييل ميين جهات إذا كانييت المعصييية ممييا‬
‫تتعدى‪ ،‬كمن أعان على ظلم مسلم من قتله أو أخذ ماله إلى غير ذلك‪ .‬والكانز عصى من جهتين‪،‬‬
‫وهما منع الزكاة وحبس المال ل غير‪ .‬وقد ل يراعى حبس المال‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فبشرهيم بعذاب ألييم" قيد تقدم معناه‪ .‬وقيد فسير النيبي صيلى ال علييه وسيلم هذا‬
‫العذاب بقوله‪( :‬بشير الكنازيين بكيي فيي ظهورهيم يخرج مين جنوبهيم وبكيي مين قبيل أقفائهيم يخرج‬
‫من جباههم) الحديث‪ .‬أخرجه مسلم‪ .‬رواه أبو ذر في رواية‪( :‬بشر الكنازين برضف يحمى عليه‬
‫فيي نار جهنيم فيوضيع على حلمية ثدي أحدهيم حتيى يخرج مين نغيض كتفييه ويوضيع على نغيض‬
‫كتفيه حتى يخرج من حلمة ثدييه فيتزلزل) الحديث‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬فخروج الرضف من حلمة ثديه‬
‫إلى نغييض كتفيه لتعذيييب قلبييه وباطنييه حييين امتل بالفرج بالكثرة فييي المال والسييرور فييي الدنيييا‪،‬‬
‫فعوقب في الخرة بالهم والعذاب‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬ظاهر الية تعليق الوعيد على من كنز ول ينفق في سبيل ال ويتعرض للواجب‬
‫وغيره‪ ،‬غير أن صفة الكنز ل ينبغي أن تكون معتبرة‪ ،‬فإن من لم يكنز ومنع النفاق في سبيل ال‬
‫فل بيد وأن يكون كذلك‪ ،‬إل أن الذي يخبيأ تحيت الرض هيو الذي يمنيع إنفاقيه فيي الواجبات عرفيا‪،‬‬
‫فلذلك خص الوعيد به‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 35 :‬يوم يحميى عليهيا فيي نار جهنيم فتكوى بهيا جباههيم وجنوبهيم وظهورهيم هذا ميا‬
‫كنزتم لنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم يحمى عليها في نار جهنم" "يوم" ظرف‪ ،‬والتقدير يعذبون يوم يحميى‪ .‬ول‬
‫يصيح أن يكون على تقديير‪ :‬فبشرهيم يوم يحميى عليهيا‪ ،‬لن البشارة ل تكون حينئذ‪ .‬يقال‪ :‬أحمييت‬
‫الحديدة في النار‪ ،‬أي أوقدت عليها‪ .‬ويقال‪ :‬أحميته‪ ،‬ول يقال‪ :‬أحميت عليه‪ .‬وههنا قال عليها‪ ،‬لنه‬
‫جعييل "على" ميين صييلة معنييى الحماء‪ ،‬ومعنييى الحماء اليقاد‪ .‬أي يوقييد عليهييا فتكوى‪ .‬الكييي‪:‬‬
‫إلصاق الحار من الحديد والنار بالعضو حتى يحترق الجلد‪ .‬والجباه جمع الجبهة‪ ،‬وهو مستوى ما‬
‫بيين الحاجيب إلى الناصيية‪ .‬وجبهيت فلنيا بكذا‪ ،‬أي اسيتقبلته بيه وضربيت جبهتيه‪ .‬والجنوب جميع‬
‫الجنب‪ .‬والكي في الوجه أشهر وأشنع‪ ،‬وفي الجنب والظهر آلم وأوجع‪ ،‬فلذلك خصها بالذكر من‬
‫بيين سيائر العضاء‪ .‬وقال علماء الصيوفية‪ :‬لميا طلبوا المال والجاه شان ال وجوههيم‪ ،‬ولميا طووا‬
‫كشحيا عين الفقيير إذا جالسيهم كوييت جنوبهيم‪ ،‬ولميا أسيندوا ظهورهيم إلى أموالهيم ثقية بهيا واعتمادا‬
‫عليهيا كوييت ظهورهيم‪ .‬وقال علماء الظاهير‪ :‬إنميا خيص هذه العضاء لن الغنيي إذا رأى الفقيير‬
‫زوى ما بين عينيه وقبض وجهه‪ .‬كما قال‪:‬‬
‫زوى بين عينيه علي المحاجم‬ ‫يزيد يغض الطرف عني كأنما‬
‫ول تلقني إل وأنفك راغم‬ ‫فل ينبسط من بين عينيك ما انزوى‬
‫وإذا سأله طوى كشحه‪ ،‬وإذا زاده في السؤال وأكثر عليه وله ظهره‪ .‬فرتب ال العقوبة على حال‬
‫المعصية‪.‬‬
‫@ واختلفت الثار في كيفية الكي بذلك‪ ،‬ففي صحيح مسلم من حديث أبي ذر ما ذكرنا من ذكر‬
‫الرضيف‪ .‬وفييه مين حدييث أبيي هريرة قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم (ميا مين صياحب‬
‫ذهب ول فضة ل يؤدي منها حقها إل إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمي عليها‬
‫فيي نار جهنيم فيكوى بهيا جنبيه وجيبينه وظهره كلميا بردت أعيدت له فيي يوم كان مقداره خمسيين‬
‫ألف سيينة حتييى يقضييى بييين العباد فيرى سييبيله إمييا إلى الجنيية وإمييا إلى النار‪ .)...‬الحديييث‪ .‬وفييي‬
‫البخاري‪ :‬أنيه يمثيل له كنزه شجاعيا أقرع‪ .‬وقيد تقدم فيي غيير الصيحيح عين عبدال بين مسيعود أنيه‬
‫قال‪(:‬من كان له مال فلم يؤد زكاته طوقه يوم القيامة شجاعا أقرع ينفر رأسه‪)...‬‬
‫قلت‪ :‬ولعل هذا يكون في مواطن‪ :‬موطن يمثل المال فيه ثعبانا‪ ،‬وموطن يكون صفائح وموطن‬
‫يكون رضفيا‪ .‬فتتغيير الصيفات والجسيمية واحدة‪ ،‬فالشجاع جسيم والمال جسيم‪ .‬وهذا التمثييل حقيقية‪،‬‬
‫بخلف قوله‪( :‬يؤتى بالموت كأنه كبش أملح) فإن تلك طريقة أخرى‪ ،‬ول سبحانه وتعالى أن يفعل‬
‫ميا يشاء‪ .‬وخيص الشجاع بالذكير لنيه العدو الثانيي للخلق‪ .‬والشجاع مين الحيات هيو الحيية الذكير‬
‫الذي يواثيب الفارس والراجيل‪ ،‬ويقوم على ذنبيه وربميا بلغ الفارس‪ ،‬ويكون فيي الصيحارى‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫هيو الثعبان‪ .‬قال اللحيانيي‪ :‬يقال للحية شجاع‪ ،‬وثلثة أشجعية‪ ،‬ثيم شجعان‪ .‬والقرع مين الحيات هو‬
‫الذي تمعييط رأسييه وابيييض ميين السييم‪ .‬فييي الموطييأ‪ :‬له زبيبتان‪ ،‬أي نقطتان منتفختان فييي شدقيييه‬
‫كالرغوتين‪ .‬ويكون ذلك في شدقي النسان إذا غضب وأكثر من الكلم‪ .‬قالت أم غيلن بنت جرير‬
‫ربمييا أنشدت أبييي حتييى يتزبييب شدقاي‪ .‬ضرب مثل للشجاع الذي كثيير سييمه فيمثييل المال بهذا‬
‫الحيوان فيلقيى صياحبه غضبان‪ .‬وقال ابين درييد‪ :‬نقطتان سيوداوان فوق عينييه‪ .‬فيي روايية‪ :‬مثيل له‬
‫شجاع يتبعه فيضطره فيعطيه يده فيقضمها كما يقضم الفحل‪ .‬وقال ابن مسعود‪(:‬وال ل يعذب ال‬
‫أحدا بكنيز فيميس درهيم درهميا ول دينار دينارا‪ ،‬ولكين يوسيع جلده حتيى يوضيع كيل درهيم ودينار‬
‫على حدته) وهذا إنما يصح في الكافر ‪ -‬كما ورد في الحديث ‪ -‬ل في المؤمن‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ أسيند الطيبري إلى أبيي أمامية الباهلي قال‪ :‬مات رجيل مين أهيل الصيفة فوجيد فيي بردتيه دينار‪.‬‬
‫فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬كية)‪ .‬ثم مات آخر فوجد له ديناران‪ .‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم (كيتان)‪ .‬وهذا إما لنهما كانا يعيشان من الصدقة وعندهما البر‪ ،‬وإما لن هذا كان‬
‫في صدر السلم‪ ،‬ثم قرر الشرع ضبط المال وأداء حقه‪ .‬ولو كان ضبط المال ممنوعا لكان حقه‬
‫أن يخرج كله‪ ،‬وليس في المة من يلزم هذا‪ .‬وحسبك حال الصحابة وأموالهم رضوان ال عليهم‪.‬‬
‫وأما ما ذكير عن أبيي ذر فهيو مذهب له‪ ،‬رضيي ال عنه‪ .‬وقيد روى موسيى بين عبيدة عن عمران‬
‫بن أبي أنس عن مالك بن أوس بن الحدثان عن أبي ذر عن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫(من جمع دينارا أو درهما أو تبرا أو فضة ول يعده لغريم ول ينفقه في سبيل ال فهو كنز يكوى‬
‫به يوم القيامة)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا الذي يليق بأبي ذر رضي ال عنه أن يقول به‪ ،‬وأن ما فضل عن الحاجة فليس بكنز‬
‫إذا كان معدا لسييبيل ال‪ .‬وقال أبييو أماميية‪ :‬مين خلف بيضييا أوصييفرا كوي بهييا مغفورا له أو غييير‬
‫مغفور له‪ ،‬أل إن حلية السيف من ذلك‪ .‬وروى ثوبان أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ما‬
‫من رجل يموت وعنده أحمر أو أبيض إل جعل ال له بكل قيراط صفيحة يكوى بها من فرقه إلى‬
‫قدمه مغفورا له بعد ذلك أو معذبا)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا محمول على ميا لم تؤد زكاتيه بدلييل ميا ذكرنيا فيي اليية قبيل هذا‪ .‬فيكون التقديير‪:‬‬
‫وعنده أحمير أو أبييض لم يؤد زكاتيه‪ .‬وكذلك ميا روي عين أبيي هريرة رضيي ال عنيه‪ :‬مين ترك‬
‫عشرة آلف جعلت صييفائح يعذب بهييا صيياحبها يوم القياميية‪ .‬أي إن لم يؤد زكاتهييا‪ ،‬لئل تتناقييض‬
‫الحاديث‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هذا ميا كنزتيم لنفسيكم" أي يقال لهيم هذا ميا كنزتيم‪ ،‬فحذف‪" .‬فذوقوا ميا كنتيم‬
‫تكنزون" أي عذاب ما كنتم تكنزون‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 36 :‬إن عدة الشهور عنيد ال اثنيا عشير شهرا فيي كتاب ال يوم خلق السيماوات‬
‫والرض منهيا أربعية حرم ذلك الديين القييم فل تظلموا فيهين أنفسيكم وقاتلوا المشركيين كافية كميا‬
‫يقاتلونكم كافة واعلموا أن ال مع المتقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن عدة الشهور" جميع شهير‪ .‬فإذا قال الرجيل لخييه‪ :‬ل أكلميك الشهور‪ ،‬وحلف‬
‫على ذلك فل يكلميه حول‪ ،‬قاله بعيض العلماء‪ .‬وقييل‪ :‬ل يكلميه أبدا‪ .‬ابين العربيي‪ :‬وأرى إن لم تكين‬
‫له نية أن يقتضي ذلك ثلثة أشهر لنه أقل الجمع الذي يقتضيه صيغة فعول في جمع فعل‪" .‬عند‬
‫ال" أي في حكم ال وفيما كتب في اللوح المحفوظ‪" .‬اثنا عشر شهرا" أعربت "اثنا عشر شهرا"‬
‫دون نظائرها‪ ،‬لن فيها حرف العراب ودليله‪ .‬وقرأ العامة "عشر" بفتح العين والشين‪ .‬وقرأ أبو‬
‫جعفير "عشير" بجزم الشيين‪" .‬فيي كتاب ال" يرييد اللوح المحفوظ‪ .‬وأعاده بعيد أن قال "عنيد ال"‬
‫لن كثيرا ميين الشياء يوصييف بأنييه عنييد ال‪ ،‬ول يقال إنييه مكتوب فييي كتاب ال‪ ،‬كقوله‪" :‬إن ال‬
‫عنده علم الساعة" [لقمان‪.]34 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يوم خلق السماوات والرض" إنما قال "يوم خلق السموات والرض" ليبين أن‬
‫قضاءه وقدره كان قبل ذلك‪ ،‬وأنه سبحانه وضع هذه الشهور وسماها بأسمائها على ما رتبها عليه‬
‫يوم خلق السيموات والرض‪ ،‬وأنزل ذلك على أنييبيائه فييي كتبييه المنزلة‪ .‬وهيو معنييى قوله تعالى‪:‬‬
‫"إن عدة الشهور عند ال اثنا عشر شهرا"‪ .‬وحكمها باق على ما كانت عليه لم يزلها عن ترتيبها‬
‫تغييير المشركيين لسيمائها‪ ،‬وتقدييم المقدم فيي السيم منهيا‪ .‬والمقصيود مين ذلك اتباع أمير ال فيهيا‬
‫ورفييض مييا كان عليييه أهييل الجاهلييية ميين تأخييير أسييماء الشهور وتقديمهييا‪ ،‬وتعليييق الحكام على‬
‫السيماء التيي رتبوهيا علييه‪ ،‬ولذلك قال علييه السيلم فيي خطبتيه فيي حجية الوداع‪( :‬أيهيا الناس إن‬
‫الزمان قيد اسيتدار كهيئتيه يوم خلق ال السيموات والرض‪ )...‬على ميا يأتيي بيانيه‪ .‬وأن الذي فعيل‬
‫أهل الجاهلية من جعل المحرم صفرا وصفر محرما ليس يتغير به ما وصفه ال تعالى‪ .‬والعامل‬
‫في "يوم" المصدر الذي هو "في كتاب ال" وليس يعنى به واحد الكتب‪ ،‬لن العيان ل تعمل في‬
‫الظروف‪ .‬والتقدير‪ :‬فيما كتب ال يوم خلق السموات والرض‪ .‬و"عند" متعلق بالمصدر الذي هو‬
‫العدة‪ ،‬وهيو العاميل فييه‪ .‬و"فيي" مين قوله‪" :‬فيي كتاب ال" متعلقية بمحذوف‪ ،‬هيو صيفة لقوله‪" :‬اثنيا‬
‫عشير"‪ .‬والتقديير‪ :‬اثنيا عشير شهرا معدودة أو مكتوبية فيي كتاب ال‪ .‬ول يجوز أن تتعلق بعدة لميا‬
‫فيه من التفرقة بين الصلة والموصول بخبر إن‪.‬‬
‫@ هذه اليية تدل على أن الواجيب تعلييق الحكام مين العبادات وغيرهيا إنميا يكون بالشهور‬
‫والسينين التيي تعرفهيا العرب‪ ،‬دون الشهور التيي تعتبرهيا العجيم والروم والقبيط وإن لم تزد على‬
‫اثني عشر شهرا‪ ،‬لنها مختلفة العداد‪ ،‬منها ما يزيد على ثلثين ومنها ما ينقص‪ ،‬وشهور العرب‬
‫ل تزيد على ثلثين وإن كان منها ما ينقص‪ ،‬والذي ينقص ليس يتعين له شهر‪ ،‬وإنما تفاوتها في‬
‫النقصان والتمام على حسب اختلف سير القمر في البروج‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منهيا أربعية حرم" الشهير الحرم المذكورة فيي هذه اليية ذو القعدة وذو الحجية‬
‫والمحرم ورجب الذي بين جمادى الخرة وشعبان‪ ،‬وهو رجب مضر‪ ،‬وقيل له رجب مضر لن‬
‫ربيعية بين نزار كانوا يحرمون شهير رمضان ويسيمونه رجبيا‪ .‬وكانيت مضير تحرم رجبيا نفسيه‪،‬‬
‫فلذلك قال النبي صلى ال عليه وسلم فيه‪( :‬الذي بين جمادى وشعبان) ورفع ما وقع في اسمه من‬
‫الختلل بالبيان‪ .‬وكانييت العرب أيضييا تسييميه منصييل السيينة‪ ،‬روى البخاري عيين أبييي رجاء‬
‫العطاردي ‪ -‬واسيمه عمران بين ملحان وقييل عمران بين تييم ‪ -‬قال‪ :‬كنيا نعبيد الحجير‪ ،‬فإذا وجدنيا‬
‫حجرا هيو خيير منيه ألقيناه وأخذنيا الخير‪ ،‬فإذا لم نجيد حجرا جمعنيا حثوة مين تراب ثيم جئنيا بالشاء‬
‫فحلبنا عليه ثم طفنا به فإذا دخل شهر رجب قلنا منصل السنة‪ ،‬فلم ندع رمحا فيه حديدة ول سهما‬
‫فيه حديدة إل نزعناها فألقيناه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك الديين القييم" أي الحسياب الصيحيح والعدد المسيتوفى‪ .‬وروى علي بين أبيي‬
‫طلحية عين ابين عباس‪" :‬ذلك الديين" أي ذلك القضاء‪ .‬مقاتيل‪ :‬الحيق‪ .‬ابين عطيية‪ :‬والصيوب عندي‬
‫أن يكون الدين ههنا على أشهر وجوهه‪ ،‬أي ذلك الشرع والطاعة‪" .‬القيم" أي القائم المستقيم‪ ،‬من‬
‫قام يقوم‪ .‬بمنزلة سيد‪ ،‬من ساد يسود‪ .‬أصله قيوم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تظلموا فيهن أنفسيكم" على قول ابن عباس راجع إلى جمييع الشهور‪ .‬وعلى‬
‫قول بعضهم إلى الشهر الحرم خاصة‪ ،‬لنه إليها أقرب ولها مزية في تعظيم الظلم‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫"فل رفث ول فسوق ول جدال في الحج" [البقرة‪ ]197 :‬ل أن الظلم في غير هذه اليام جائز‬
‫على ميا نيبينه‪ .‬ثيم قييل‪ :‬فيي الظلم قولن‪ :‬أحدهميا ل تظلموا فيهين أنفسيكم بالقتال‪ ،‬ثيم نسيخ بإباحية‬
‫القتال فيييي جمييييع الشهور‪ ،‬قال قتادة وعطاء الخراسييياني والزهري وسيييفيان الثوري‪ .‬وقال ابييين‬
‫جريج‪ :‬حلف بال عطاء بن أبي رباح أنه ما يحل للناس أن يغزوا في الحرم ول في الشهر الحرم‬
‫إل أن يقاتلوا فيهيا‪ ،‬وميا نسيخت‪ .‬والصيحيح الول‪ ،‬لن النيبي صيلى ال علييه وسيلم غزا هوازن‬
‫بحنيين وثقيفيا بالطائف‪ ،‬وحاصيرهم فيي شوال وبعيض ذي القعدة‪ .‬وقيد تقدم هذا المعنيى فيي البقرة‪.‬‬
‫الثانيي ‪ -‬ل تظلموا فيهين أنفسيكم بارتكاب الذنوب‪ ،‬لن ال سيبحانه إذا عظيم شيئا مين جهية واحدة‬
‫صيارت له حرمية واحدة وإذا عظميه مين جهتيين أو جهات صيارت حرمتيه متعددة فيضاعيف فييه‬
‫العقاب بالعمل السيء كما يضاعف الثواب بالعمل الصالح‪ .‬فإن من أطاع ال في الشهر الحرام في‬
‫البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في الشهر الحلل في البلد الحرام‪ .‬ومن أطاعه في الشهر‬
‫الحلل في البلد الحرام ليس ثوابه ثواب من أطاعه في شهر حلل في بلد حلل‪ .‬وقد أشار تعالى‬
‫إلى هذا بقوله تعالى‪" :‬ييا نسياء النيبي مين يأت منكين بفاحشية مبينية يضاعيف لهيا العذاب ضعفيين"‬
‫[الحزاب‪.]30 :‬‬
‫@ وقد اختلف العلماء من هذا المعنى فيمن قتل في الشهر الحرام خطأ‪ ،‬هل تغلظ عليه الدية أم‬
‫ل‪ ،‬فقال الوزاعي‪ :‬القتل في الشهر الحرام تغلظ فيه الدية فيما بلغنا وفي الحرم فتجعل دية وثلثا‪.‬‬
‫ويزاد في شبه العمد في أسنان البل‪ .‬قال الشافعي‪ :‬تغلظ الدية في النفس وفي الجراح في الشهر‬
‫الحرام وفيي البلد الحرام وذوي الرحيم‪ .‬وروي عين القاسيم بين محميد وسيالم بن عبدال وابين شهاب‬
‫وأبان بن عثمان‪ :‬من قتل في الشهر الحرام أو في الحرم زيد على ديته مثل ثلثها‪ .‬وروي ذلك عن‬
‫عثمان بن عفان أيضا‪ .‬وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابهما وابن أبي ليلى‪ :‬القتل في الحل والحرم‬
‫سواء‪ ،‬وفي الشهر الحرام وغيره سواء‪ ،‬وهو قول جماعة من التابعين‪ .‬وهو الصحيح‪ ،‬لن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم سن الديات ولم يذكر فيها الحرم ول الشهر الحرام‪ .‬وأجمعوا أن الكفارة على‬
‫من قتل خطأ في الشهر الحرام وغيره سواء‪ .‬فالقياس أن تكون الدية كذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ خص ال تعالى الربعة الشهر الحرم بالذكر‪ ،‬ونهى عن الظلم فيها تشريفا لها وإن كان منهيا‬
‫عنه في كل الزمان‪ .‬كما قال‪" :‬فل رفث ول فسوق ول جدال في الحج" [البقرة‪ ]197 :‬على هذا‬
‫أكثير أهيل التأوييل‪ .‬أي ل تظلموا فيي الربعية الشهير أنفسيكم‪ .‬وروى حماد بين سيلمة عين علي بين‬
‫زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال‪" :‬فل تظلموا فيهن أنفسكم" في الثني عشر‪ .‬وروى‬
‫قيس بن مسلم عن الحسن عن محمد بن الحنفية قال‪ :‬فيهن كلهن‪ .‬فإن قيل على القول الول‪ :‬لم قال‬
‫فيهين ولم يقيل فيهيا؟ وذلك أن العرب يقولون لميا بيين الثلثية إلى العشرة‪ :‬هين وهؤلء فإذا جاوزوا‬
‫العشرة قالوا‪ :‬هيي وهذه‪ ،‬إرادة أن تعرف تسيمية القلييل مين الكثيير‪ .‬وروي عين الكسيائي أنيه قال‪:‬‬
‫إني لتعجب من فعل العرب هذا‪ .‬وكذلك يقولون فيما دون العشرة من الليالي‪ :‬خلون‪ .‬وفيما فوقها‬
‫خلت‪ .‬ل يقال‪ :‬كيف جعل بعض الزمنة أعظم حرمة من بعض‪ ،‬فإنا نقول‪ :‬للبارئ تعالى أن يفعل‬
‫ميا يشاء‪ ،‬ويخيص بالفضيلة ميا يشاء‪ ،‬لييس لعمله علة ول علييه حجير‪ ،‬بيل يفعيل ميا يرييد بحكمتيه‪،‬‬
‫وقد تظهر فيه الحكمة وقد تخفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قاتلوا" أمير بالقتال‪ .‬و"كافية" معناه جميعيا‪ ،‬وهيو مصيدر فيي موضيع الحال‪ .‬أي‬
‫محيطيين بهيم ومجتمعيين‪ .‬قال الزجاج‪ :‬مثيل هذا مين المصيادر عافاه ال عافيية وعاقبيه عاقبية‪ .‬ول‬
‫يثنيى ول يجميع‪ ،‬وكذا عامية وخاصية‪ .‬قال بعيض العلماء‪ :‬كان الغرض بهذه اليية قيد توجيه على‬
‫العيان ثم نسخ ذلك وجعل فرض كفاية‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا الذي قال لم يعلم قط من شرع النبي‬
‫صييلى ال عليييه وسييلم أنييه ألزم الميية جميعييا النفيير‪ ،‬وإنمييا معنييى هذه الييية الحييض على قتالهييم‬
‫والتحزب عليهم وجمع الكلمة‪ .‬ثم قيدها بقول‪" :‬كما يقاتلونكم كافة" فبحسب قتالهم واجتماعهم لنا‬
‫يكون فرض اجتماعنا لهم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 37 :‬إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما‬
‫ليواطئوا عدة ما حرم ال فيحلوا ما حرم ال زين لهم سوء أعمالهم وال ل يهدي القوم الكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنميا النسيء زيادة فيي الكفر" هكذا يقرأ أكثير الئمة‪ .‬قال النحاس‪ :‬ولم يرو أحد‬
‫سيّ" بل همز إل ورش وحده‪ .‬وهو مشتق من نسأه وأنسأه إذا أخره‪،‬‬ ‫عن نافع فيما علمناه "إنما النَ ِ‬
‫حكيى اللغتيين الكسيائي‪ .‬الجوهري‪ :‬النسييء فعييل بمعنيى مفعول‪ ،‬مين قولك‪ :‬نسيأت الشييء فهيو‬
‫منسوء إذا أخرته‪ .‬ثم يحول منسوء إلى نسيء كما يحول مقتول إلى قتيل‪ .‬ورجل ناسئ وقوم نسأة‪،‬‬
‫مثيل فاسيق وفسيقة‪ .‬قال الطيبري‪ :‬النسييء بالهمزة معناه الزيادة نسيأ ينسيأ إذا زاد‪ .‬قال‪ :‬ول يكون‬
‫بترك الهميز إل مين النسييان‪ ،‬كميا قال تعالى‪" :‬نسيوا ال فنسييهم" [التوبية‪ ،]67 :‬ورد على نافيع‬
‫قراءتييه‪ ،‬واحتييج بأن قال‪ :‬إنييه يتعدى بحرف الجيير يقال‪ :‬نسييأ ال فييي أجلك كمييا تقول زاد ال فييي‬
‫أجلك‪ ،‬ومنه قوله عليه الصلة والسلم‪( :‬من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل‬
‫رحميه)‪ .‬قال الزهري‪ :‬أنسيأت الشييء إنسياء ونسييئا اسيم وضيع موضيع المصيدر الحقيقيي‪ .‬وكانوا‬
‫يحرمون القتال فييي المحرم فإذا احتاجوا إلى ذلك حرموا صييفرا بدله وقاتلوا فييي المحرم‪ .‬وسييبب‬
‫ذلك أن العرب كانت أصحاب حروب وغارات فكان يشق عليهم أن يمكثوا ثلثة أشهر متوالية ل‬
‫يغيرون فيهيا‪ ،‬وقالوا‪ :‬لئن توالت علينيا ثلثية أشهير ل نصييب فيهيا شيئا لنهلكين‪ .‬فكانوا إذا صيدروا‬
‫عن منى يقوم من بني كنانة‪ ،‬ثم من بني فقيم منهم رجل يقال له القلمس‪ ،‬فيقول أنا الذي ل يرد لي‬
‫قضاء‪ .‬فيقولون‪ :‬أنسيئنا شهرا‪ ،‬أي أخير عنيا حرمية المحرم واجعلهيا فيي صيفر‪ ،‬فيحيل لهيم المحرم‪.‬‬
‫فكانوا كذلك شهرا فشهرا حتى استدار التحريم على السنة كلها‪ .‬فقام السلم وقد رجع المحرم إلى‬
‫موضعه الذي وضعه ال فيه‪ .‬وهذا معنى قوله عليه السلم‪( :‬إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق‬
‫ال السيموات والرض)‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬كان المشركون يحجون فيي كيل شهير عاميين‪ ،‬فحجوا فيي‬
‫ذي الحجية عاميين‪ ،‬ثيم حجوا فيي المحرم عاميين‪ ،‬ثيم حجوا فيي صيفر عاميين‪ ،‬وكذلك فيي الشهور‬
‫كلهيا حتيى وافقيت حجية أبيي بكير التيي حجهيا قبيل حجية الوداع ذا القعدة مين السينة التاسيعة‪ .‬ثيم حيج‬
‫النيبي صيلى ال عليه وسلم فيي العام المقبيل حجة الوداع فوافقيت ذا الحجة‪ ،‬فذلك قوله فيي خطبتيه‪:‬‬
‫(إن الزمان قيد اسيتدار‪ )...‬الحدييث‪ .‬أراد بذلك أن أشهير الحيج رجعيت إلى مواضعهيا‪ ،‬وعاد الحيج‬
‫إلى ذي الحجية وبطيل النسييء‪ .‬وقول ثالث‪ .‬قال إياس بين معاويية‪ :‬كان المشركون يحسيبون السينة‬
‫اثني عشر شهرا وخمسة عشر يوما‪ ،‬فكان الحج يكون في رمضان وفي ذي القعدة‪ ،‬وفي كل شهر‬
‫مين السينة بحكيم اسيتدارة الشهير بزيادة الخمسية عشير يوميا فحيج أبيو بكير سينة تسيع فيي ذي القعدة‬
‫بحكيم السيتدارة‪ ،‬ولم يحيج النيبي صيلى ال علييه وسيلم فلميا كان فيي العام المقبيل وافيق الحيج ذا‬
‫الحجيية فييي العشيير‪ ،‬ووافييق ذلك الهلة‪ .‬وهذا القول أشبييه بقول النييبي صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬إن‬
‫الزمان قييد اسييتدار‪ )...‬أي زمان الحييج عاد إلى وقتييه الصييلي الذي عينييه ال يوم خلق السييموات‬
‫والرض بأصل المشروعية التي سبق بها علمه‪ ،‬ونفذ بها حكمه‪ .‬ثم قال‪ :‬السنة اثنا عشر شهرا‪.‬‬
‫ينفيي بذلك الزيادة التيي زادوهيا فيي السينة ‪ -‬وهيي الخمسية عشير يوميا ‪ -‬بتحكمهيم‪ ،‬فتعيين الوقيت‬
‫الصلي وبطل التحكم الجهلي‪.‬‬
‫وحكييى المام المازري عيين الخوارزمييي أنييه قال‪ :‬أول مييا خلق ال الشمييس أجراهييا فييي برج‬
‫الحمل‪ ،‬وكان الزمان الذي أشار به النبي صلى ال عليه وسلم صادف حلول الشمس برج الحمل‪.‬‬
‫وهذا يحتاج إلى توقيف‪ ،‬فإنه ل يتوصل إليه إل بالنقل عن النبياء‪ ،‬ول نقل صحيحا عنهم بذلك‪،‬‬
‫وميين ادعاه فليسيينده‪ .‬ثييم إن العقييل يجوز خلف مييا قال‪ ،‬وهييو أن يخلق ال الشمييس قبييل البروج‪،‬‬
‫ويجوز أن يخلق ذلك كله دفعية واحدة‪ .‬ثيم إن علماء التعدييل قيد اختيبروا ذلك فوجدوا الشميس فيي‬
‫برج الحوت وقيت قوله عليه السلم‪( :‬إن الزمان قيد استدار‪ )...‬بينهيا وبين الحميل عشرون درجة‪.‬‬
‫ومنهيم مين قال عشير درجات‪ .‬وال أعلم‪ .‬واختلف أهيل التأوييل فيي أول مين نسيأ‪ ،‬فقال ابين عباس‬
‫وقتادة والضحاك‪ :‬بنو مالك بن كنانة‪ ،‬وكانوا ثلثة‪ .‬وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن‬
‫أول من فعل ذلك عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬أول من فعل ذلك رجل من بني‬
‫كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة‪ ،‬ثم كان بعده رجل يقال له‪ :‬جنادة بن عوف‪ ،‬وهو الذي أدركه رسول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقال الزهري‪ :‬حيي مين بنيي كنانية ثيم مين بنيي فقييم منهيم رجيل يقال له‬
‫القلمس واسمه حذيفة بن عبيد‪ .‬وفي رواية‪ :‬مالك بن كنانة‪ .‬وكان الذي يلي النسيء يظفر بالرياسة‬
‫لتريس العرب إياه‪ .‬وفي ذلك يقول شاعرهم‪:‬‬
‫ومنا ناسئ الشهر القلمّس‬
‫وقال الكميت‪:‬‬
‫شهور الحل نجعلها حراما‬ ‫ألسنا الناسئين على معد‬
‫@قوله تعالى‪" :‬زيادة في الكفر" بيان لما فعلته العرب من جمعها من أنواع الكفر فإنها أنكرت‬
‫وجود البارئ تعالى فقالت‪" :‬ومييا الرحميين" [الفرقان‪ ]60 :‬فييي أصييح الوجوه‪ .‬وأنكرت البعييث‬
‫فقالت‪" :‬قال مين يحييي العظام وهيي رمييم" [ييس‪ .]78 :‬وأنكرت بعثية الرسيل فقالوا‪" :‬أبشرا منيا‬
‫واحدا نتبعييه" [القميير‪ .]24 :‬وزعمييت أن التحليييل والتحريييم إليهييا‪ ،‬فابتدعتييه ميين ذاتهييا مقتفييية‬
‫لشهواتها فأحلت ما حرم ال‪ .‬ول مبدل لكلماته ولو كره المشركون‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يضيل بيه الذيين كفروا يحلونيه عاميا ويحرمونيه عاميا ليواطئوا عدة ميا حرم ال‬
‫فيحلوا ميا حرم ال زيين لهيم سيوء أعمالهيم وال ل يهدي القوم الكافريين" فييه ثلث قراءات‪ .‬قرأ‬
‫أهل الحرمين وأبو عمرو " َيضِل" وقرأ الكوفيون "يُضَل" على الفعل المجهول‪ .‬وقرأ الحسن وأبو‬
‫رجاء "يُضِل" والقراءات الثلث كييل واحدة منهييا تؤدي عيين معنييى‪ ،‬إل أن القراءة الثالثيية حذف‬
‫منها المفعول‪ .‬والتقدير‪ :‬ويضل به الذين كفروا من يقبل منهم‪ .‬و"الذين" في محل رفع‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون الضميير راجعيا إلى ال عيز وجيل‪ .‬التقديير‪ :‬يضيل ال بيه الذيين كفروا‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬يضيل‬
‫من يشاء" [الرعد‪ ،]27 :‬وكقوله في آخر الية‪" :‬وال ل يهدي القوم الكافرين"‪ .‬والقراءة الثانية‬
‫"يضيل بيه الذيين كفروا" يعنيي المحسيوب لهيم‪ ،‬واختار هذه القراءة أبيو عبييد‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬زيين‬
‫لهيم سيوء أعمالهيم"‪ .‬والقراءة الولى اختارهيا أبيو حاتيم؛ لنهيم كانوا ضاليين بيه أي بالنسييء لنهيم‬
‫كانوا يحسييبونه فيضلون بييه‪ .‬والهاء فييي "يحلونييه" ترجييع إلى النسيييء‪ .‬وروي عيين أبييي رجاء‬
‫"يضل" بفتح الياء والضاد‪ .‬وهي لغة‪ ،‬يقال‪ :‬ضللت أضل‪ ،‬وضللت أضل‪" .‬ليواطئوا" نصب بلم‬
‫كي أي ليوافقوا‪ .‬تواطأ القوم على كذا أي اجتمعوا عليه‪ ،‬أي لم يحلوا شهرا إل حرموا شهرا لتبقى‬
‫الشهير الحرم أربعية‪ .‬وهذا هيو الصيحيح‪ ،‬ل ميا يذكير أنهيم جعلوا الشهير خمسية‪ .‬قال قتادة‪ :‬إنهيم‬
‫عمدوا إلى صييفر فزادوه فييي الشهيير الحرم‪ ،‬وقرنوه بالمحرم فييي التحريييم‪ ،‬وقاله عنييه قطرب‬
‫والطبري‪ .‬وعليه يكون النسيء بمعنى الزيادة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 38 :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا ميا لكيم إذا قييل لكيم انفروا فيي سيبيل ال اثاقلتيم إلى الرض‬
‫أرضيتم بالحياة الدنيا من الخرة فما متاع الحياة الدنيا في الخرة إل قليل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما لكم" "ما" حرف استفهام معناه التقرير والتوبيخ التقدير‪ :‬أي شيء يمنعكم عن‬
‫كذا كما تقول‪ :‬مالك عن فلن معرضا‪ .‬ول خلف أن هذه الية نزلت عتابا على تتخلف من تخلف‬
‫عن رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك‪ ،‬وكانت سنة تسع من الهجرة بعد الفتح بعام‪،‬‬
‫وسييأتي ذكرهيا فيي آخير السيورة إن شاء ال‪ .‬والنفير‪ :‬هيو التنقيل بسيرعة مين مكان إلى مكان لمير‬
‫يحدث‪ ،‬يقال فيييي ابييين آدم‪ :‬نفييير إلى الم يفييير نفورا‪ .‬وقوم نفور‪ ،‬ومنيييه قوله تعالى‪" :‬ولوا على‬
‫أدبارهيم نفورا" [السيراء‪ .]46 :‬ويقال فيي الدابية‪ :‬نفرت تنفير ‪ -‬بضيم الفاء وكسيرها ‪ -‬نفارا‬
‫ونفورا‪ .‬يقال‪ :‬في الدابة نفار‪ ،‬وهو اسم مثل الحران‪ .‬ونفر الحاج من منى نفرا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اثاقلتيم إلى الرض" قال المفسيرون‪ :‬معناه أثاقلتيم إلى نعييم الرض‪ ،‬أو إلى‬
‫القاميية بالرض‪ .‬وهييو توبيييخ على ترك الجهاد وعتاب على التقاعييد عيين المبادرة إلى الخروج‪،‬‬
‫وهو نحو من أخلد إلى الرض‪ .‬وأصله تثاقلتم‪ ،‬أدغمت التاء في الثاء لقربها منها‪ ،‬واحتاجت إلى‬
‫ألف الوصيل لتصيل إلى النطيق بالسياكن‪ ،‬ومثله "اداركوا" [العراف‪ ]38 :‬و"ادارأتيم" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]72‬و"اطيرنا" [النمل‪ ]47 :‬و"ازينت" [يونس‪ .]24 :‬وأنشد الكسائي‪:‬‬
‫عذب المذاق إذا ما أتابع القبل‬ ‫تولي الضجيع إذا ما استافها خصرا‬
‫وقرأ العمييش "تثاقلتييم" على الصييل‪ .‬حكاه المهدوي‪ .‬وكانييت تبوك ‪ -‬ودعييا الناس إليهييا ‪ -‬فييي‬
‫حرارة القيظ وطيب الثمار وبرد الظلل ‪ -‬كما جاء في الحديث الصحيح على ما يأتي ‪ -‬فاستولى‬
‫على الناس الكسيل فتقاعدوا وتثاقلوا فوبخهيم ال بقوله هذا وعاب عليهيم اليثار للدنييا على الخرة‪.‬‬
‫ومعنيى‪" :‬أرضيتيم بالحياة الدنييا مين الخرة" أي بدل‪ ،‬التقديير‪ :‬أرضيتيم بنعييم الدنييا بدل مين نعييم‬
‫الخرة "فميين" تتضميين معنييى البدل‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬ولو نشاء لجعلنييا منكييم ملئكيية فييي الرض‬
‫يخلفون" [الزخرف‪ ]60 :‬أي بدل منكم‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫مبردة باتت على طَهيان‬ ‫فليت لنا من ماء زمزم شربة‬
‫ويروى من ماء حمنان‪ .‬أراد‪ :‬ليت لنا بدل من ماء زمزم شربة مبردة‪ .‬والطهيان‪ :‬عود ينصب في‬
‫ناحية الدار للهواء‪ ،‬يعلق عليه الماء حتى يبرد‪ .‬عاتبهم ال على إيثار الراحة في الدنيا على الراحة‬
‫في الخرة‪ ،‬إذ ل تنال راحة الخرة إل بنصب الدنيا‪ .‬قال صلى ال عليه وسلم لعائشة وقد طافت‬
‫صبِك)‪ .‬خرجه البخاري‪.‬‬ ‫جرُك على قدر َن َ‬ ‫راكبة‪( :‬أ ْ‬
‫*‪*3‬الية‪{ 39 :‬إل تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ول تضروه شيئا وال على‬
‫كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل تنفروا يعذبكييم" "إل تنفروا" شرط‪ ،‬فلذلك حذفييت منييه النون‪ .‬والجواب‬
‫"يعذبكيم"‪" ،‬ويسيتبدل قوميا غيركيم" وهذا تهدييد شدييد ووعييد مؤكيد فيي ترك النفيير‪ .‬قال ابين‬
‫العربيي‪ :‬ومين محققات الصيول أن المير إذا ورد فلييس فيي وروده أكثير مين اقتضاء الفعيل‪ .‬فأميا‬
‫العقاب عنيد الترك فل يؤخيذ مين نفيس الميير ول يقتضييه القتضاء‪ ،‬وإنميا يكون العقاب بالخيبر‬
‫عنيه‪ ،‬كقوله‪ :‬إن لم تفعيل كذا عذبتيك بكذا‪ ،‬كميا ورد فيي هذه اليية‪ .‬فوجيب بمقتضاهيا النفيير للجهاد‬
‫والخروج إلى الكفار لمقاتلتهيم على أن تكون كلمية ال هيي العلييا‪ .‬وروى أبيو داود عين ابين عباس‬
‫قال‪" :‬إل تنفروا يعذبكييم عذابييا أليمييا" و"مييا كان لهييل المدينيية ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬يعملون" [التوبيية‪:‬‬
‫‪ ]120‬نسيختها اليية التيي تليهيا‪" :‬وميا كان المؤمنون لينفروا كافية" [التوبية‪ .]122 :‬وهيو قول‬
‫الضحاك والحسين وعكرمية‪" .‬يعذبكيم" قال ابين عباس‪ :‬هيو حبيس المطير عنهيم‪ .‬قال ابين العربيي‪:‬‬
‫فإن صح ذلك عنه فهيو أعلم من أين قال‪ ،‬وإل فالعذاب اللييم هو فيي الدنيا باسيتيلء العدو وبالنار‬
‫في الخرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول ابين عباس خرجيه المام أبيو داود فيي سيننه عن ابين نفييع قال‪ :‬سيألت ابن عباس عين‬
‫هذه الية "إن تنفروا يعذبكم عذابا أليما" قال‪ :‬فأمسك عنهم المطر فكان عذابهم‪ .‬وذكره المام أبو‬
‫محميد بين عطيية مرفوعيا عين ابين عباس قال‪ :‬اسيتنفر رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قيبيلة مين‬
‫القبائل فقعدت‪ ،‬فأمسيك ال عنهيم المطير وعذبهيا بيه‪ .‬و"أليميا" بمعنيى مؤلم‪ ،‬أي موجيع‪ .‬وقيد تقدم‪.‬‬
‫"ويسيتبدل قوميا غيركيم" توعيد بأن يبدل لرسيوله قوميا ل يقعدون عنيد اسيتنفاره إياهيم‪ .‬قييل‪ :‬أبناء‬
‫فارس‪ .‬وقييل‪ :‬أهيل اليمين‪" .‬ول تضروه شيئا" عطيف‪ .‬والهاء قييل ل تعالى‪ ،‬وقييل للنيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪ .‬والتثاقل عن الجهاد مع إظهار الكراهة حرام على كل أحد‪ .‬فأما من غير كراهة فمن‬
‫عينيه النيبي صيلى ال علييه وسيلم حرم علييه التثاقيل وإن أمين منهميا فالفرض فرض كفايية‪ ،‬ذكره‬
‫القشيري‪ .‬وقيييد قييييل‪ :‬إن المراد بهذه اليييية وجوب النفيييير عنيييد الحاجييية وظهور الكفرة واشتداد‬
‫شوكتهيم‪ .‬وظاهير اليية يدل على أن ذلك على وجيه السيتدعاء فعلى هذا ل يتجيه الحميل على وقت‬
‫ظهور المشركيين فإن وجوب ذلك ل يختيص بالسيتدعاء‪ ،‬لنيه متعيين‪ .‬وإذا ثبيت ذلك فالسيتدعاء‬
‫والسييتنفار يبعييد أن يكون موجبييا شيئا لم يجييب ميين قبييل إل أن المام إذا عييين قومييا وندبهييم إلى‬
‫الجهاد لم يكين لهيم أن يتثاقلوا عنيد التعييين ويصيير بتعيينيه فرضيا على مين عينيه ل لمكان الجهاد‬
‫ولكن لطاعة المام‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬إل تنصروه فقد نصره ال إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ‬
‫يقول لصاحبه ل تحزن إن ال معنا فأنزل ال سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين‬
‫كفروا السفلى وكلمة ال هي العليا وال عزيز حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل تنصروه فقد نصره ال" يقول‪ :‬تعينوه بالنفر معه في غزوة تبول‪ .‬عاتبهم ال‬
‫بعييد انصييراف نييبيه عليييه السييلم ميين تبوك‪ .‬قال النقاش‪ :‬هذه أول آييية نزلت ميين سييورة [براءة]‬
‫والمعنيى‪ :‬إن تركتيم نصيره فال يتكفيل بيه‪ ،‬إذ قيد نصيره ال فيي مواطين القلة وأظهره على عدوه‬
‫بالغلبيية والعزة‪ .‬وقيييل‪ :‬فقييد نصييره ال بصيياحبه فييي الغار بتأنيسييه له وحمله على عنقييه‪ ،‬وبوفاتييه‬
‫ووقايته له بنفسه ومواساته له بماله‪ .‬قال الليث بن سعد‪ :‬ما صحب النبياء عليهم السلم مثل أبي‬
‫بكير الصيديق‪ .‬وقال سيفيان بين عيينية‪ .‬خرج أبيو بكير بهذه اليية مين المعاتبية التيي فيي قوله‪" :‬إل‬
‫تنصروه"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ أخرجه الذين كفروا" وهو خرج بنفسه فارا‪ ،‬لكن بإلجائهم إلى ذلك حتى فعله‪،‬‬
‫فنسيب الفعيل إليهيم ورتيب الحكيم فييه عليهيم‪ ،‬فلهذا يقتيل المكره على القتيل ويضمين المال المتلف‬
‫بالكراه‪ ،‬للجائه القاتل والمتلف إلى القتل والتلف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثاني اثنين" أي أحد اثنين‪ .‬وهذا كثالث ثلثة ورابع أربعة‪ .‬فإذا اختلف اللفظ فقلت‬
‫رابيع ثلثية وخاميس أربعية‪ ،‬فالمعنيى صيير الثلثية أربعية بنفسيه والربعية خمسية‪ .‬وهيو منصيوب‬
‫على الحال‪ ،‬أي أخرجوه منفردا مين جمييع الناس إل مين أبيي بكير‪ .‬والعاميل فيهيا "نصيره ال" أي‬
‫نصيره منفردا ونصيره أحيد اثنيين‪ .‬وقال علي بين سيليمان‪ :‬التقديير فخرج ثانيي اثنيين‪ ،‬مثيل "وال‬
‫أنبتكم من الرض نباتا" [نوح‪ .]17 :‬وقرأ جمهور الناس "ثاني" بنصب الياء‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬ل‬
‫يعرف غيير هذا‪ .‬وقرأت فرقية "ثانيي" بسيكون الياء‪ .‬قال ابين جنيي‪ :‬حكاهيا أبيو عمرو بين العلء‬
‫ووجهه أنه سكن الياء تشبيها لها باللف‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬فهي كقراءة الحسن "ما بقي من الربا"‬
‫وكقول جرير‪:‬‬
‫ماضي العزيمة ما في حكمه جنف‬ ‫هو الخليفة فارضوا ما رضي لكم‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ هميا فيي الغار" الغار‪ :‬ثقيب فيي الجبيل‪ ،‬يعنيي غار ثور‪ .‬ولميا رأت قرييش أن‬
‫المسيلمين قيد صياروا إلى المدينية قالوا‪ :‬هذا شير شاغيل ل يطاق‪ ،‬فأجمعوا أمرهيم على قتيل رسيول‬
‫ال صييلى ال عليييه وسييلم‪ ،‬فييبيتوه ورصييدوه على باب منزله طول ليلتهييم ليقتلوه إذا خرج‪ ،‬فأميير‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم علي بن أبي طالب أن ينام على فراشه‪ ،‬ودعا ال أن يعمي عليهم أثره‪،‬‬
‫فطمييس ال على أبصييارهم فخرج وقييد غشيهييم النوم‪ ،‬فوضييع على رؤوسييهم ترابييا ونهييض فلمييا‬
‫أصيبحوا خرج عليهيم علي رضيي ال عنيه وأخيبرهم أن لييس فيي الدار أحيد فعملوا أن رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم قيد فات ونجيا وتواعيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ميع أبيي بكير الصيديق‬
‫للهجرة‪ ،‬فدفعا راحلتيهما إلى عبدال بن أرقط‪ .‬ويقال ابن أريقط‪ ،‬وكان كافرا لكنهما وثقا به‪ ،‬وكان‬
‫دليل بالطرق فاسيتأجراه ليدل بهميا إلى المدينية وخرج رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم مين خوخية‬
‫فيي ظهير دار أبيي بكير التيي فيي بنيي جميح ونهضيا نحيو الغار فيي جبيل ثور‪ ،‬وأمير أبيو بكير ابنيه‬
‫عبدال أن يستمع ما يقول الناس‪ ،‬وأمر موله عامر بن فهيرة أن يرعى غنمه ويريحها عليهما ليل‬
‫فيأخيذ منهيا حاجتهميا‪ .‬ثيم نهضيا فدخل الغار‪ .‬وكانيت أسيماء بنيت أبيي بكير الصيديق تأتيهميا بالطعام‬
‫ويأتيهما عبدال بن أبي بكر بالخبار‪ ،‬ثم يتلوهما عامر بن فهيرة بالغنم فيعفي آثارهما‪ .‬فلما فقدته‬
‫قريييش جعلت تطلبييه بقائف معروف بقفاء الثيير‪ ،‬حتييى وقييف على الغار فقال‪ :‬هنييا انقطييع الثيير‪.‬‬
‫فنظروا فإذا بالعنكبوت قيد نسيج على فيم الغار مين سياعته‪ ،‬ولهذا نهيى النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫عين قتله فلميا رأوا نسيج العنكبوت أيقنوا أن ل أحيد فييه فرجعوا وجعلوا فيي النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم مائة ناقة لمن رده عليهم الخبر مشهور‪ ،‬وقصة سراقة بن مالك بن جعشم في ذلك مذكورة‪.‬‬
‫وقيد روي مين حدييث أبيي الدرداء وثوبان رضيي ال عنهميا‪ :‬أن ال عيز وجيل أمير حمامية فباضيت‬
‫على نسج العنكبوت‪ ،‬وجعلت ترقد على بيضها‪ ،‬فلما نظر الكفار إليها ردهم ذلك عن الغار‪.‬‬
‫@ روى البخاري عن عائشة قالت‪ :‬استأجر رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبو بكر رجل من‬
‫بني الديل هاديا خريتا وهو على دين كفار قريش فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلث‬
‫ليال فأتاهما براحلتيهما صبيحة ثلث فارتحل وارتحل معهما عامر بن فهيرة والدليل الديلي فأخذ‬
‫بهم طريق الساحل‪.‬‬
‫قال المهلب‪ :‬فيه من الفقه ائتمان أهل الشرك على السر والمال إذا علم منهم وفاء ومروءة كما‬
‫ائتمن النبي صلى ال عليه وسلم هذا المشرك على سره في الخروج من مكة وعلى الناقتين‪ .‬وقال‬
‫ابين المنذر‪ :‬فييه اسيتئجار المسيلمين الكفار على هدايية الطرييق‪ .‬وقال البخاري فيي ترجمتيه‪[ :‬باب‬
‫اسيتئجار المشركيين عنيد الضرورة أو إذا لم يوجيد أهيل السيلم] قال ابين بطال‪ :‬إنميا قال البخاري‬
‫في ترجمته [أو إذا لم يوجد أهل السلم] من أجل أن النبي صلى ال عليه وسلم إنما عامل أهل‬
‫خييبر على العميل فيي أرضهيا إذ لم يوجيد مين المسيلمين مين ينوب منابهيم فيي عميل الرض‪ ،‬حتيى‬
‫قوي السيلم واسيتغني عنهيم أجلهييم عمير‪ .‬وعامية الفقهاء يجيزون اسيتئجارهم عنيد الضرورة‬
‫وغيرهيا‪ .‬وفييه‪ :‬اسيتئجار الرجليين الرجيل الواحيد على عميل واحيد لهميا‪ .‬وفييه‪ :‬دلييل على جواز‬
‫الفرار بالديين خوفيا مين العدو‪ ،‬والسيتخفاء فيي الغيران وغيرهيا أل يلقيي النسيان بيده إلى العدو‬
‫توكل على ال واسيتسلما له‪ .‬ولو شاء ربكيم لعصيمه ميع كونيه معهيم ولكنهيا سينة ال فيي النيبياء‬
‫وغيرهم‪ ،‬ولن تجد لسنة ال تبديل‪ .‬وهذا أدل دليل على فساد من منع ذلك وقال‪ :‬من خاف مع ال‬
‫سواه كان ذلك نقصا في توكله‪ ،‬ولم يؤمن بالقدر‪ .‬وهذا كله في معنى الية‪ ،‬ول الحمد والهداية‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذ يقول لصاحبه ل تحزن إن ال معنا" هذه الية تضمنت فضائل الصديق رضي‬
‫ال عنيه‪ .‬روى أصيبغ وأبيو زييد عين ابين القاسيم عين مالك "ثانيي اثنيين إذ هميا فيي الغار إذ يقول‬
‫لصاحبه ل تحزن إن ال معنا" هو الصديق‪ .‬فحقق ال تعالى قوله له بكلمه ووصف الصحبة في‬
‫كتابه‪ .‬قال بعض العلماء‪ :‬من أنكر أن يكون عمر وعثمان أو أحد من الصحابة صاحب رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فهو كذاب مبتدع‪ .‬ومن أنكر أن يكون أبو بكر رضي ال عنه صاحب رسول‬
‫ال صييلى ال عليييه وسييلم فهييو كافيير‪ ،‬لنييه رد نييص القرآن‪ .‬ومعنييى "إن ال معنييا" أي بالنصيير‬
‫والرعايية والحفيظ والكلءة‪ .‬روى الترمذي والحارث بين أبيي أسيامة قال‪ :‬حدثنيا عفان قال حدثنيا‬
‫همام قال أخبرنيا ثابيت عين أنيس أن أبيا بكير حدثيه قال‪ :‬قلت للنيبي صيلى ال علييه وسيلم ونحين فيي‬
‫الغار‪ :‬لو أن أحدهيم نظير إلى قدمييه لبصيرنا تحيت قدمييه‪ ،‬فقال‪( :‬ييا أبيا بكير ميا ظنيك باثنيين ال‬
‫ثالثهما)‪ .‬قال المحاسبي‪ :‬يعني معهما بالنصر والدفاع‪ ،‬ل على معنى ما عم به الخلئق‪ ،‬فقال‪" :‬ما‬
‫يكون مين نجوى ثلثية إل هيو رابعهيم" [المجادلة‪ .]7 :‬فمعناه العموم أنيه يسيمع ويرى مين الكفار‬
‫والمؤمنين‪.‬‬
‫@ قال ابين العربيي‪ :‬قالت الماميية قبحهيا ال‪ :‬حزن أبيي بكير فيي الغار دلييل على جهله ونقصيه‬
‫وضعف قلبه وخرقه‪ .‬وأجاب علماؤنا عن ذلك بأن إضافة الحزن إليه ليس بنقص‪ ،‬كما لم ينقص‬
‫إبراهيم حين قال عنه‪" :‬نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا ل تخف" [هود‪ .]70 :‬ولم ينقص موسى‬
‫قوله‪" :‬فأوجيس فيي نفسيه خيفة موسيى‪ .‬قلنيا ل تخيف" [طيه ‪ .]67،68‬وفيى لوط‪" :‬ول تحزن إنيا‬
‫منجوك وأهلك" [العنكبوت‪ .]33 :‬فهؤلء العظماء صيلوات ال عليهيم قيد وجدت عندهيم التقيية‬
‫نصيا ولم يكين ذلك طعنيا عليهيم ووصيفا لهيم بالنقيص‪ ،‬وكذلك فيي أبيي بكير‪ .‬ثيم هيي عنيد الصيديق‬
‫احتمال‪ ،‬فإنيه قال‪ :‬لو أن أحدهيم نظير تحيت قدمييه لبصيرنا‪ .‬جواب ثان ‪ -‬إن حزن الصيديق إنميا‬
‫كان خوفيا على النيبي صيلى ال علييه وسيلم أن يصيل إلييه ضرر‪ ،‬ولم يكين النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم في ذلك الوقت معصوما وإنما نزل عليه "وال يعصمك من الناس" [المائدة‪ ]67 :‬بالمدينة‪.‬‬
‫@ قال ابن العربي‪ :‬قال لنا أبو الفضائل العدل قال لنا جمال السلم أبو القاسم قال موسى صلى‬
‫ال علييه وسيلم‪" :‬كل إن معيي ربيي سييهدين" [الشعراء‪ ]62 :‬وقال فيي محميد صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪" :‬ل تحزن إن ال معنا" ل جرم لما كان ال مع موسى وحده ارتد أصحابه بعده‪ ،‬فرجع من‬
‫عند ربه ووجدهم يعبدون العجل‪ .‬ولما قال في محمد صلى ال عليه وسلم "ل تحزن إن ال معنا"‬
‫بقي أبو بكر مهتديا موحدا عالما جازما قائما بالمر ولم يتطرق إليه اختلل‪.‬‬
‫خرج الترمذي من حديث نبيط بن شريط عن سالم بن عبيد ‪ -‬له صحبة ‪ -‬قال‪ :‬أغمي على رسول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،...‬الحدييث‪ .‬وفييه‪ :‬واجتميع المهاجرون يتشاورون فقالوا‪ :‬انطلقوا بنيا إلى‬
‫إخواننا من النصار ندخلهم معنا في هذا المر‪ .‬فقالت النصار‪ :‬منا أمير ومنكم أمير‪ .‬فقال عمر‬
‫رضي ال عنه‪ :‬من له مثل هذه الثلث "ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه ل تحزن إن‬
‫ال معنا" من هما؟ قال‪ :‬ثم بسط يده فبايعه وبايعه الناس بيعة حسنة جميلة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولهذا قال بعيض العلماء‪ :‬فيي قوله تعالى‪" :‬ثانيي اثنيين إذ هميا فيي الغار" ميا يدل على أن‬
‫الخليفة بعد النبي صلى ال عليه وسلم أبو بكر الصديق رضي ال عنه‪ ،‬لن الخليفة ل يكون أبدا‬
‫إل ثانييا‪ .‬وسيمعت شيخنيا المام أبيا العباس أحميد بين عمير يقول‪ :‬إنميا اسيتحق الصيديق أن يقال له‬
‫ثاني اثنين لقيامه بعد النبي صلى ال عليه وسلم بالمر‪ ،‬كقيام النبي صلى ال عليه وسلم به أول‪.‬‬
‫وذلك أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم لميا مات ارتدت العرب كلهيا‪ ،‬ولم يبيق السيلم إل بالمدينية‬
‫ومكة وجواثا‪ ،‬فقام أبو بكر يدعو الناس إلى السلم ويقاتلهم على الدخول في الدين كما فعل النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فاستحق من هذه الجهة أن يقال في حقه ثاني اثنين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقييد جاء فييي السيينة أحاديييث صييحيحة‪ ،‬يدل ظاهرهييا على أنييه الخليفيية بعده‪ ،‬وقييد انعقييد‬
‫الجماع على ذلك ولم يبيق منهيم مخالف‪ .‬والقادح فيي خلفتيه مقطوع بخطئه وتفسييقه‪ .‬وهيل يكفير‬
‫أم ل‪ ،‬يختلف فيه‪ ،‬والظهر تكفيره‪ .‬وسيأتي لهذا المعنى مزيد بيان في سورة [الفتح] إن شاء ال‪.‬‬
‫والذي يقطيع بيه مين الكتاب والسينة وأقوال علماء المية ويجيب أن تؤمين بيه القلوب والفئدة فضيل‬
‫الصييديق على جميييع الصييحابة‪ .‬ول مبالة بأقوال أهييل الشيييع ول أهييل البدع‪ ،‬فإنهييم بييين مكفيير‬
‫تضرب رقبتيه‪ ،‬وبيين مبتدع مفسيق ل تقبيل كلمتيه‪ .‬ثيم بعيد الصيديق عمير الفاروق‪ ،‬ثيم بعده عثمان‪.‬‬
‫روى البخاري عين ابين عمير قال‪ :‬كنيا نخيير بيين الناس فيي زمين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‬
‫فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان‪ .‬واختلف أئمة أهل السلف في عثمان وعلي‪ ،‬فالجمهور منهم على‬
‫تقديييم عثمان‪ .‬وروي عيين مالك أنييه توقييف فييي ذلك‪ .‬وروي عنييه أيضييا أنييه رجييع إلى مييا عليييه‬
‫الجمهور‪ .‬وهو الصح إن شاء ال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأنزل ال سيكينته علييه" فييه قولن‪ :‬أحدهميا‪ :‬على النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪.‬‬
‫والثانيي‪ :‬على أبيي بكير‪ .‬ابين العربيي‪ :‬قال علماؤنيا وهيو القوى‪ ،‬لنيه خاف على النيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم من القوم فأنزل ال سكينته عليه بتأمين النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فسكن جأشه وذهب‬
‫روعييه وحصييل الميين وأنبييت ال سييبحانه ثماميية‪ ،‬وألهييم الوكيير هناك حماميية وأرسييل العنكبوت‬
‫فنسيجت بيتيا علييه‪ .‬فميا أضعيف هذه الجنود فيي ظاهير الحيس وميا أقواهيا فيي باطين المعنيى ولهذا‬
‫المعنى قال النبي صلى ال عليه وسلم لعمر حين تغامر مع الصديق‪( :‬هل أنتم تاركو لي صاحبي‬
‫إن الناس كلهم قالوا كذبت وقال أبو بكر صدقت) رواه أبو الدرداء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأيده بجنود لم تروهيا" أي مين الملئكية‪ .‬والكنايية فيي قوله "وأيده" ترجيع إلى‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬والضميران يختلفان‪ ،‬وهذا كثير في القرآن وفي كلم العرب‪" .‬وجعل‬
‫كلمة الذين كفروا السفلى" أي كلمة الشرك‪" .‬وكلمة ال هي العليا" قيل‪ :‬ل إله إل ال‪ .‬وقيل‪ :‬وعد‬
‫النصيير‪ .‬وقرأ العمييش ويعقوب "وكلميية ال" بالنصيب حمل على "جعيل" والباقون بالرفيع على‬
‫الستئناف‪ .‬وزعم الفراء أن قراءة النصب بعيدة‪ ،‬قال‪ :‬لنك تقول أعتق فلن غلم أبيه‪ ،‬ول تقول‬
‫غلم أبييي فلن‪ .‬وقال أبييو حاتييم نحوا ميين هذا‪ .‬قال‪ :‬كان يجييب أن يقال وكلمتييه هييي العليييا‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬الذي ذكره الفراء ل يشبه الية‪ ،‬ولكن يشبهها ما أنشد سيبويه‪:‬‬
‫نغص الموت ذا الغنى والفقيرا‬ ‫ل أرى الموت يسبق الموت شيء‬
‫فهذا حسين جيد ل إشكال فيه‪ ،‬بل يقول النحويون الحذاق‪ :‬فيي إعادة الذكر فيي مثيل هذا فائدة وهيي‬
‫أن فيييه معنييى التعظيييم‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬إذا زلزلت الرض زلزالهييا‪ .‬وأخرجييت الرض أثقالهييا"‬
‫[الزلزلة‪ ]1،2:‬فهذا ل إشكال فيه‪ .‬وجمع الكلمة كلم‪ .‬وتميم تقول‪ :‬هي كلمة بكسر الكاف‪ .‬وحكى‬
‫الفراء فيهيا ثلث لغات‪ :‬كلمية وكلمية وكلمية مصيل كبيد وكبيد وكبيد‪ ،‬وورق وورق وورق‪ .‬والكلمية‬
‫أيضا القصيدة بطولها‪ ،‬قاله الجوهري‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 41 :‬انفروا خفافيا وثقال وجاهدوا بأموالكيم وأنفسيكم فيي سيبيل ال ذلكيم خيير لكيم إن‬
‫كنتم تعلمون}‬
‫@ روى سفيان عن حصين بن عبدالرحمن عن أبي مالك الغفاري قال‪ :‬أول ما نزل من سورة‬
‫براءة "انفروا خفافا وثقال"‪ .‬وقال أبو الضحاك كذلك أيضا‪ .‬قال‪ :‬ثم نزل أولها وآخرها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬انفروا خفافا وثقال" نصب على الحال‪ ،‬وفيه عشرة أقوال‪:‬‬
‫الول‪ :‬يذكير عين ابين عباس "انفروا ثبات" [النسياء‪ ::71 :‬سيرايا متفرقيين‪ .‬الثانيي‪ :‬روي عين‬
‫ابن عباس أيضا وقتادة‪ :‬نشاطا وغير نشاط‪ .‬الثالث‪ :‬الخفيف‪ :‬الغني‪ ،‬والثقيل‪ :‬الفقير‪ ،‬قاله مجاهد‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬الخفيف‪ :‬الشاب‪ ،‬والثقيل‪ :‬الشيخ‪ ،‬قاله الحسن‪ .‬الخامس‪ :‬مشاغيل وغير مشاغيل‪ ،‬قاله زيد‬
‫بن علي والحكم بن عتبة‪ .‬السادس‪ :‬الثقيل‪ :‬الذي له عيال‪ ،‬والخفيف‪ :‬الذي ل عيال له‪ ،‬قاله زيد بن‬
‫أسيلم‪ .‬السيابع‪ :‬الثقييل‪ :‬الذي له ضيعية يكره أن يدعهيا‪ ،‬والخفييف‪ :‬الذي ل ضيعية له‪ ،‬قاله ابين زييد‪.‬‬
‫الثامين‪ :‬الخفاف‪ :‬الرجال‪ ،‬والثقال‪ :‬الفرسيان‪ ،‬قاله الوزاعيي‪ .‬التاسيع‪ :‬الخفاف‪ :‬الذيين يسيبقون إلى‬
‫الحرب كالطليعيية وهييو مقدم الجيييش والثقال‪ :‬الجيييش بأثره‪ .‬العاشيير‪ :‬الخفيييف‪ :‬الشجاع‪ ،‬والثقيييل‪:‬‬
‫الجبان‪ ،‬حكاه النقاش‪ .‬والصييحيح فييي معنييى الييية أن الناس أمروا جملة أي انفروا خفييت عليكييم‬
‫الحركية أو ثقلت‪ .‬وروي أن ابين أم مكتوم جاء إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وقال له‪ :‬أعلي‬
‫أن أنفر؟ فقال‪( :‬نعم) حتى أنزل ال تعالى "ليس على العمى حرج" [النور‪ .]61 :‬وهذه القوال‬
‫إنما هي على معنى المثال في الثقل والخفة‪.‬‬
‫@ واختلف فييي هذه الييية‪ ،‬فقيييل إنهييا منسييوخة بقوله تعالى‪" :‬ليييس على الضعفاء ول على‬
‫المرضى" [التوبة‪ .]91 :‬وقيل‪ :‬الناسخ لها قوله‪" :‬فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة" [التوبة‪:‬‬
‫‪ .]122‬والصحيح أنها ليست بمنسوخة‪ .‬روى ابن عباس عن أبي طلحة في قوله تعالى‪" :‬انفروا‬
‫خفافيا وثقال" قال شبانيا وكهول‪ ،‬ميا سيمع ال عذر أحيد‪ .‬فخرج إلى الشام فجاهيد حتيى مات رضيي‬
‫ال عنه‪ .‬وروى حماد عن ثابت وعلي بن زيد عن أنس أن أبا طلحة قرأ سورة [براءة] فأتى على‬
‫هذه الييية "انفروا خفافييا وثقال" فقال‪ :‬أي بنييي جهزونييي جهزونييي فقال بنوه‪ :‬يرحمييك ال لقييد‬
‫غزوت ميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم حتيى مات وميع أبيي بكير حتيى مات وميع عمير حتيى مات‬
‫فنحن نغزو عنك‪ .‬قال‪ .‬ل‪ ،‬جهزوني‪ .‬فغزا في البحر فمات في البحر‪ ،‬فلم يجدوا له جزيرة يدفنونه‬
‫فيها إل بعد سبعة أيام فدفنوه فيها‪ ،‬ولم يتغير رضي ال عنه‪ .‬وأسند الطبري عمن رأى المقداد بن‬
‫السيود بحميص على تابوت صيراف‪ ،‬وقيد فضيل على التابوت مين سيمنه وهيو يتجهيز للغزو‪ .‬فقييل‬
‫له‪ :‬لقييد عذرك ال‪ .‬فقال‪ :‬أتييت علينييا سييورة البعوث "انقروا خفافييا وثقال"‪ .‬وقال الزهري‪ :‬خرج‬
‫سعيد بن المسيب إلى الغزو وقد ذهبت إحدى عينيه‪ .‬فقيل له‪ :‬إنك عليل‪ .‬فقال‪ :‬استنفر ال الخفيف‬
‫والثقيييل‪ ،‬فإن لم يمكنييي الحرب كثرت السييواد وحفظييت المتاع‪ .‬وروي أن بعييض الناس رأى فييي‬
‫غزوات الشأم رجل قد سقط حاجباه على عينيه من الكبر‪ ،‬فقال له‪ :‬يا عم إن ال قد عذرك فقال‪ :‬يا‬
‫ابن أخي‪ ،‬قد أمرنا بالنفر خفافا وثقال‪ .‬ولقد قال ابن أم مكتوم رضي ال عنه ‪ -‬واسمه عمرو ‪ -‬يوم‬
‫أحيد‪ :‬أنيا رجيل أعميى‪ ،‬فسيلموا لي اللواء‪ ،‬فإنيه إذا انهزم حاميل اللواء انهزم الجييش‪ ،‬وأنيا ميا أدري‬
‫مين يقصيدني بسييفه فميا أبرح فأخيذ اللواء يومئذ مصيعب بين عميير على ميا تقدم فيي "آل عمران"‬
‫بيانيه‪ .‬فلهذا وميا كان مثله مميا روي عين الصيحابة والتابعيين‪ ،‬قلنيا‪ :‬إن النسيخ ل يصيح‪ .‬وقيد تكون‬
‫حالة يجيب فيهيا نفيير الكيل وذلك إذا تعيين الجهاد بغلبية العدو على قطير مين القطار‪ ،‬أو بحلوله‬
‫بالعقر‪ ،‬فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافا وثقال‪ ،‬شبابا‬
‫وشيوخا‪ ،‬كل على قدر طاقته‪ ،‬من كان له أب بغير إذنه ومن ل أب له‪ ،‬ول يتخلف أحد يقدر على‬
‫الخروج‪ ،‬مين مقاتيل أو مكثير‪ .‬فإن عجيز أهيل تلك البلدة عين القيام بعدوهيم كان على مين قاربهيم‬
‫وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة‪ ،‬حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم‬
‫ومدافعتهيم‪ .‬وكذلك كيل من علم بضعفهيم عن عدوهيم وعلم أنه يدركهم ويمكنه غياثهيم لزميه أيضيا‬
‫الخروج إليهم‪ ،‬فالمسلمون كلهم يد على من سواهم‪ ،‬حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل‬
‫العدو عليهيا واحتييل بهييا سييقط الفرض عين الخرييين‪ .‬ولو قارب العدو دار السييلم ولم يدخلوهييا‬
‫لزمهم أيضا الخروج إليه‪ ،‬حتى يظهر دين ال وتحمى البيضة وتحفظ الحوزة ويخزى العدو‪ .‬ول‬
‫خلف في هذا‪.‬‬
‫وقسيم ثان مين واجيب الجهاد ‪ -‬فرض أيضيا على المام إغزاء طائفية إلى العدو كيل سينة مرة‬
‫يخرج معهم بنفسه أو يخرج من يثق به ليدعوهم إلى السلم ويرغبهم‪ ،‬ويكف أذاهم ويظهر دين‬
‫ال عليهم حتى يدخلوا في السلم أو يعطوا الجزية عن يد‪.‬‬
‫ومين الجهاد أيضيا ميا هيو نافلة وهيو إخراج المام طائفية بعيد طائفية وبعيث السيرايا فيي أوقات‬
‫الغرة وعند إمكان الفرصة والرصاد لهم بالرباط في موضع الخوف وإظهار القوة‪.‬‬
‫@ فإن قيل‪ :‬كييف يصينع الواحد إذا قصير الجميع‪ ،‬قييل له‪ :‬يعميد إلى أسيير واحيد فيفديه‪ ،‬فإنيه إذا‬
‫فدى الواحيد فقيد أدى فيي الواحيد أكثير مميا كان يلزميه فيي الجماعية‪ ،‬فإن الغنياء لو اقتسيموا فداء‬
‫السيارى ميا أدى كيل واحيد منهيم إل أقيل مين درهيم‪ .‬ويغزو بنفسيه إن قدر وإل جهيز غازييا‪ .‬قال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مين جهيز غازييا فقيد غزا ومين خلفيه فييي أهله بخيير فقيد غزا) أخرجيه‬
‫الصحيح‪ .‬وذلك لن مكانه ل يغني وماله ل يكفي‪.‬‬
‫@ روي أن بعيض الملوك عاهيد كفارا على أل يحبسيوا أسييرا‪ ،‬فدخيل رجيل مين المسيلمين جهية‬
‫بلدهييم فميير على بيييت مغلق‪ ،‬فنادتييه امرأة إنييي أسيييرة فأبلغ صيياحبك خييبري فلمييا اجتمييع بييه‬
‫واستطعمه عنده وتجاذبا ذيل الحديث انتهى الخبر إلى هذه المعذبة فما أكمل حديثه حتى قام المير‬
‫على قدمييه وخرج غازييا مين فوره ومشيى إلى الثغير حتيى أخرج السييرة واسيتولى على الموضيع‬
‫رضيي ال عنيه‪ .‬ذكره ابين العربيي وقال‪ :‬ولقيد نزل بنيا العدو ‪ -‬قصيمه ال ‪ -‬سينة سيبع وعشريين‬
‫وخمسمائة فجاس ديارنا وأسر خيرتنا وتوسط بلدنا في عدد هال الناس عدده وكان كثيرا وإن لم‬
‫يبلغ مييا حددوه‪ .‬فقلت للوالي والمولى عليييه‪ :‬هذا عدو ال قييد حصييل فييي الشرك والشبكيية فلتكيين‬
‫عندكم بركة‪ ،‬ولتظهر منكم إلى نصرة الدين المتعينة عليكم حركة فليخرج إليه جميع الناس حتى‬
‫ل يبقى منهم أحد في جميع القطار فيحاط به فإنه هالك ل محالة إن يسركم ال له فغلبت الذنوب‬
‫ورجفييت القلوب بالمعاصييي وصييار كييل أحييد ميين الناس ثعلبييا يأوي إلى وجاره وإن رأى المكيدة‬
‫بجاره‪ .‬فإنا ل وإنا إليه راجعون‪ .‬وحسبنا ال ونعم الوكيل)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجاهدوا" أمر بالجهاد‪ ،‬وهو مشتق من الجهد "بأموالكم وأنفسكم" روى أبو داود‬
‫عن أنس أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)‪.‬‬
‫وهذا وصف لكمل ما يكون من الجهاد وأنفعه عند ال تعالى‪ .‬فحض على كمال الوصاف‪ ،‬وقدم‬
‫الموال في الذكر إذ هي أول مصرف وقت التجهيز‪ .‬فرتب المر كما هو نفسه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 42 :‬لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لتبعوك ولكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون‬
‫بال لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم وال يعلم إنهم لكاذبون}‬
‫@ لما رجع النبي صلى ال عليه وسلم من غزوة تبوك أظهر ال نفاق قوم‪ .‬والعرض‪ :‬ما يعرض‬
‫مين منافيع الدنييا‪ .‬والمعنيى‪ :‬غنيمية قريبية‪ .‬أخيبر عنهيم أنهيم لو دعوا إلى غنيمية لتبعوه‪" .‬عرضيا"‬
‫خييبر كان‪" .‬قريبييا" نعتييه‪" .‬وسييفرا قاصييدا" عطييف عليييه‪ .‬وحذف اسييم كان لدللة الكلم عليييه‪.‬‬
‫التقدير‪ :‬لو كان المدعو إليه عرضا قريبا وسفرا قاصدا ‪ -‬أي سهل معلوم الطرق ‪ -‬لتبعوك‪ .‬وهذه‬
‫الكنايية للمنافقيين كميا ذكرنيا‪ ،‬لنهيم داخلون فيي جملة مين خوطيب بالنفيير‪ .‬وهذا موجود فيي كلم‬
‫العرب يذكرون الجملة ثييم يأتون بالضمار عائدا على بعضهييا‪ ،‬كمييا قيييل فييي قوله تعالى‪" :‬وإن‬
‫منكم إل واردها" [مريم‪ ]71 :‬أنها القيامة‪ .‬ثم قال جل وعز‪" :‬ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين‬
‫فيهيا جثييا" [مرييم‪ ]72:‬يعنيي جيل وعيز جهنيم‪ .‬ونظيير هذه اليية مين السينة فيي المعنيى قوله علييه‬
‫السيلم‪( :‬لو يعلم أحدهيم أنيه يجيد عظميا سيمينا أو مرماتيين حسينتين لشهيد العشاء)‪ .‬يقول‪ :‬لو علم‬
‫أحدهم أنه يجد شيئا حاضرا معجل يأخذه لتى المسجد من أجله‪" .‬ولكن بعدت عليهم الشقة" حكى‬
‫أبيو عيبيدة وغيره أن الشقية السيفر إلى أرض بعيدة‪ .‬يقال‪ :‬منيه شقية شاقية‪ .‬والمراد بذلك كله غزوة‬
‫تبوك‪ .‬وحكى الكسائي أنه يقال‪ :‬شُقة وشِقة‪ .‬قال الجوهري‪ :‬الشقة بالضم من الثياب‪ ،‬والشقة أيضا‬
‫السيفر البعييد وربميا قالوه بالكسير‪ .‬والشقية شظيية تشظيى مين لوح أو خشبية‪ .‬يقال للغضبان‪ :‬احتيد‬
‫فطارت منيه شقية‪ ،‬بالكسير‪" .‬وسييحلفون بال لو اسيتطعنا" أي لو كان لنيا سيعة فيي الظهير والمال‪.‬‬
‫"لخرجنيا معكيم" نظيره "ول على الناس حيج البييت مين اسيتطاع إلييه سيبيل" [آل عمران‪]97 :‬‬
‫فسيرها النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال‪( :‬زاد وراحلة) وقيد تقدم‪" .‬يهلكون أنفسيهم" أي بالكذب‬
‫والنفاق‪" .‬وال يعلم إنهم لكاذبون" في العتلل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 43 :‬عفا ال عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عفا ال عنك لم أذنت لهم" قيل‪ :‬هو افتتاح كلم‪ ،‬كما تقول‪ :‬أصلحك ال وأعزك‬
‫ورحميك كان كذا وكذا‪ .‬وعلى هذا التأوييل يحسين الوقيف على قوله‪" :‬عفيا ال عنيك"‪ ،‬حكاه مكيي‬
‫والمهدوي والنحاس‪ .‬وأخبره بالعفو قبل الذنب لئل يطير قلبه فرقا‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى عفا ال عنك ما‬
‫كان مين ذنبيك فيي أن أذنيت لهيم‪ ،‬فل يحسين الوقيف على قوله‪" :‬عفيا ال عنيك" على هذا التقديير‪،‬‬
‫حكاه المهدوي واختاره النحاس‪ .‬ثييم قيييل‪ :‬فييي الذن قولن‪ :‬الول‪" :‬لم أذنييت لهييم" فييي الخروج‬
‫معيك‪ ،‬وفيي خروجهيم بل عدة ونيية صيادقة فسياد‪ .‬الثانيي ‪" -‬لم أذنيت لهيم" فيي القعود لميا اعتلوا‬
‫بأعذار‪ ،‬ذكرهيا القشيري قال‪ :‬وهذا عتاب تلطيف إذ قال‪" :‬عفيا ال عنيك"‪ .‬وكان علييه السيلم أذن‬
‫من غير وحي نزل فيه‪ .‬قال قتادة وعمرو بن ميمون‪ :‬اثنتان فعلهما النبي صلى ال عليه وسلم ولم‬
‫يؤمر بهما‪ :‬إذنه لطائفة من المنافقين في التخلف عنه ولم يكن له أن يمضي شيئا إل بوحي وأخذه‬
‫من السارى الفدية فعاتبه ال كما تسمعون‪ .‬قال بعض العلماء‪ :‬إنما بدر منه ترك الولى فقدم ال‬
‫العفو على الخطاب الذي هو في صورة العتاب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين" أي ليتبين لك من صدق ممن نافق‪.‬‬
‫قال ابيين عباس‪ :‬وذلك أن رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم لم يكيين يومئذ يعرف المنافقييين وإنمييا‬
‫عرفهيم بعيد نزول سيورة [التوبية]‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬هؤلء قوم قالوا‪ :‬نسيتأذن فيي الجلوس فإن أذن لنيا‬
‫جلسنا وإن لم يؤذن لنا جلسنا‪ .‬وقال قتادة‪ :‬نسخ هذه الية بقوله في سورة "النور"‪" :‬فإذا استأذنوك‬
‫لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم" [النور‪ .]62 :‬ذكره النحاس في معاني القرآن له‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 45 - 44 :‬ل يسيتأذنك الذيين يؤمنون بال واليوم الخير أن يجاهدوا بأموالهيم‬
‫وأنفسهم وال عليم بالمتقين‪ ،‬إنما يستأذنك الذين ل يؤمنون بال واليوم الخر وارتابت قلوبهم فهم‬
‫في ريبهم يترددون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يستأذنك الذين يؤمنون بال واليوم الخر" أي في القعود ول في الخروج‪ ،‬بل‬
‫إذا أمرت بشيييء ابتدروه‪ ،‬فكان السييتئذان فييي ذلك الوقييت ميين علمات النفاق لغييير عذر‪ ،‬ولذلك‬
‫قال‪" :‬إنما يسيتأذنك الذين ل يؤمنون بال واليوم الخر وارتابت قلوبهم فهيم فيي ريبهيم يترددون"‪.‬‬
‫روى أبو داود عن ابن عباس قال‪" :‬ل يستأذنك الذين يؤمنون بال" نسختها التي في "النور] "إنما‬
‫المؤمنون الذيين آمنوا بال ورسيوله ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬غفور رحييم" [النور‪" ]62 :‬أن يجاهدوا" فيي‬
‫موضع نصب بإضمار في‪ ،‬عن الزجاج‪ .‬وقيل‪ :‬التقدير كراهية أن يجاهدوا‪ ،‬كقوله‪" :‬يبين ال لكم‬
‫أن تضلوا" [النسياء‪" .]176 :‬وارتابيت قلوبهيم" شكيت فيي الديين‪" .‬فهيم فيي ريبهيم يترددون" أي‬
‫في شكهم يذهبون ويرجعون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 46 :‬ولو أرادوا الخروج لعدوا له عدة ولكن كره ال انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا‬
‫مع القاعدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو أرادوا الخروج لعدوا له عدة" أي لو أرادوا الجهاد لتأهبوا أهبية السيفر‪.‬‬
‫فتركهييم السييتعداد دليييل على إرادتهييم التخلف‪" .‬ولكيين كره ال انبعاثهييم" أي خروجهييم معييك‪.‬‬
‫"فثبطهم" أي حبسهم عنك وخذلهم‪ ،‬لنهم قالوا‪ :‬إن لم يؤذن لنا في الجلوس أفسدنا وحرضنا على‬
‫المؤمنين‪ .‬ويدل على هذا أن بعده "لو خرجوا فيكم ما زادوكم إل خبال"‪" .‬وقيل اقعدوا‬
‫قييل‪ :‬هو مين قول بعضهيم لبعيض‪ .‬وقيل‪ :‬هو مين قول النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ويكون هذا هو‬
‫الذن الذي تقدم ذكره‪ .‬قييل‪ :‬قال النيبي صيلى ال علييه وسيلم غضبيا فأخذوا بظاهير لفظيه وقالوا قيد‬
‫أذن لنا‪ .‬وقيل‪ :‬هو عبارة عن الخذلن‪ ،‬أي أوقع ال في قلوبهم القعود‪ .‬ومعنى "مع القاعدين" أي‬
‫مع أولي الضرر والعميان والزمنى والنسوان والصبيان‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 47 :‬لو خرجوا فيكيم ميا زادوكيم إل خبال ولوضعوا خللكيم يبغونكيم الفتنية وفيكيم‬
‫سماعون لهم وال عليم بالظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لو خرجوا فيكيم ميا زادوكيم إل خبال" هيو تسيلية للمؤمنيين فيي تخلف المنافقيين‬
‫عنهم‪ .‬والخبال‪ :‬الفساد والنميمة وإيقاع الختلف والراجيف‪ .‬وهذا استثناء منقطع‪ ،‬أي ما زادوكم‬
‫قوة ولكيين طلبوا الخبال‪ .‬وقيييل‪ :‬المعنييى ل يزيدونكييم فيمييا يترددون فيييه ميين الرأي إل خبال‪ ،‬فل‬
‫يكون الستثناء منقطعا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولوضعوا خللكيم" المعنيى لسيرعوا فيميا بينكيم بالفسياد‪ .‬واليضاع‪ ،‬سيرعة‬
‫السير‪ .‬وقال الراجز‪:‬‬
‫أخب فيها وأضع‬ ‫يا ليتني فيها جذع‬
‫يقال‪ :‬وضع البعير إذا عدا‪ ،‬يضع وضعا ووضوعا إذا أسرع السير‪ .‬وأوضعته حملته على العدو‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬اليضاع سيير مثيل الخبيب‪ .‬والخلل الفرجية بيين الشيئيين‪ ،‬والجميع الخلل‪ ،‬أي الفرج التيي‬
‫تكون بيين الصيفوف‪ .‬أي لوضعوا خللكيم بالنميمية وإفسياد ذات البيين‪" .‬يبغونكيم الفتنية" مفعول‬
‫ثان‪ .‬والمعنييى يطلبون لكييم الفتنيية‪ ،‬أي الفسيياد والتحريييض‪ .‬ويقال‪ :‬أبغيتييه كذا أعنتييه على طلبييه‪،‬‬
‫وبغيتيه كذا طلبتيه له‪ .‬وقييل‪ :‬الفتنية هنيا الشرك‪" .‬وفيكيم سيماعون لهيم" أي عيون لهيم ينقلون إليهيم‬
‫الخبار منكييم‪ .‬قتادة‪ :‬وفيكييم ميين يقبييل منهييم قولهييم ويطيعهييم‪ .‬النحاس‪ :‬القول الول أولى‪ ،‬لنييه‬
‫الغلب من معنييه أن معنى سماع يسمع الكلم‪ :‬ومثله "سماعون للكذب" [المائدة‪ .]41 :‬والقول‬
‫الثاني‪ :‬ل يكاد يقال فيه إل سامع‪ ،‬مثل قائل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 :‬لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك المور حتى جاء الحق وظهر أمر ال وهم‬
‫كارهون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لقد ابتغوا الفتنة من قبل" أي لقد طلبوا الفساد والخبال من قبل أن يظهر أمرهم‪،‬‬
‫وينزل الوحيي بميا أسيروه وبميا سييفعلونه‪ .‬وقال ابين جرييج‪ :‬أراد اثنيي عشير رجل مين المنافقيين‪،‬‬
‫وقفوا على ثنييية الوداع ليلة العقبيية ليفتكوا بالنييبي صييلى ال عليييه وسييلم‪" .‬وقلبوا لك المور" أي‬
‫صيرفوها وأجالوا الرأي فيي إبطال ميا جئت بيه‪" .‬حتيى جاء الحيق وظهير أمير ال" أي دينيه "وهيم‬
‫كارهون"‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 50 - 49 :‬ومنهيم مين يقول ائذن لي ول تفتنيي أل فيي الفتنية سيقطوا وإن جهنيم‬
‫لمحيطية بالكافريين‪ ،‬إن تصيبك حسينة تسيؤهم وإن تصيبك مصييبة يقولوا قيد أخذنيا أمرنيا مين قبيل‬
‫ويتولوا وهم فرحون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنهم من يقول ائذن لي" من أذن يأذن‪ .‬وإذا أمرت زدت همزة مكسورة وبعدها‬
‫همزة هيي فاء الفعيل‪ ،‬ول يجتميع همزتان‪ ،‬فأبدلت مين الثانيية ياء لكسيرة ميا قبلهيا فقلت ايذن‪ .‬فإذا‬
‫وصيلت زالت العلة فيي الجميع بيين همزتيين‪ ،‬ثيم همزت فقلت‪" :‬ومنهيم مين يقول ائذن لي" وروى‬
‫ورش عن نافع "ومنهم من يقول اوذن لي" خفف الهمزة‪ .‬قال النحاس‪ :‬يقال إيذن لفلن ثم إيذن له‬
‫هجاء الولى والثانيية واحيد بألف وياء قبيل الذال فيي الخيط‪ .‬فإن قلت‪ :‬ايذن لفلن وأذن لغيره كان‬
‫الثانييي بغييير ياء وكذا الفاء‪ .‬والفرق بيين ثيم والواو أن ثيم يوقييف عليهيا وتنفصيل والواو والفاء ل‬
‫يوقيف عليهميا ول ينفصيلن‪ .‬قال محميد بين إسيحاق‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم للجيد بين‬
‫قيس أخي بني سلمة لما أراد الخروج إلى تبوك‪( :‬يا جد‪ ،‬هل لك في جلد بني الصفر تتخذ منهم‬
‫سيراري ووصيفاء) فقال الجيد‪ :‬قيد عرف قوميي أنيي مغرم بالنسياء‪ ،‬وإنيي أخشيى إن رأييت بنيي‬
‫الصيفر أل أصيبر عنهين فل تفتنيي وأذن لي فيي القعود وأعينيك بمالي فأعرض عنيه رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم وقال‪( :‬قيد أذنيت لك) فنزلت هذه اليية‪ .‬أي ل تفتنيي بصيباحة وجوههيم‪ ،‬ولم‬
‫يكن به علة إل النفاق‪ .‬قال المهدوي‪ :‬والصفر رجل من الحبشة كانت له بنات لم يكن في وقتهن‬
‫أجمل منهن وكان ببلد الروم‪ .‬وقيل‪ :‬سموا بذلك لن الحبشة غلبت على الروم‪ ،‬وولدت لهم بنات‬
‫فأخذن من بياض الروم وسواد الحبشة‪ ،‬فكن صفرا لعسا‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬في قول ابن أبي إسحاق‬
‫فتور‪ .‬وأسيند الطيبري أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬اغزوا تغنموا بنات الصيفر) فقال‬
‫له الجد‪ :‬ايذن لنا ول تفتنا بالنساء‪ .‬وهذا منزع غير الول‪ ،‬وهو أشبه بالنفاق والمحادة‪ .‬ولما نزلت‬
‫قال النبي صلى ال عليه وسلم لبني سلمة ‪ -‬وكان الجد بن قيس منهم‪( :‬من سيدكم يا بني سلمة)؟‬
‫قالوا‪ :‬جيد بين قييس‪ ،‬غيير أنيه بخييل جبان‪ .‬فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬وأي داء أدوى مين‬
‫البخل بل سيدكم الفتى البيض بشر بن البراء بن معرور)‪ .‬فقال حسان بن ثابت النصاري فيه‪:‬‬
‫وحق لبشر بن البرا أن يسودا‬ ‫وسود بشر بن البراء لجوده‬
‫وقال خذوه إنني عائد غدا‬ ‫إذا ما أتاه الوفد أذهب ماله‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أل فيي الفتنية سيقطوا" أي فيي الثيم والمعصيية وقعوا‪ .‬وهيي النفاق والتخلف عين‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪" .‬وإن جهنم لمحيطة بالكافرين" أي مسيرهم إلى النار‪ ،‬فهي تحدق بهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن تصيبك حسينة تسيؤهم" شرط ومجازاة‪ ،‬وكذا "وإن تصيبك مصييبة يقولوا قيد‬
‫أخذنيا أمرنيا مين قبيل" عطيف علييه‪ .‬والحسينة‪ :‬الغنيمية والظفير‪ .‬والمصييبة النهزام‪ .‬ومعنيى قوله‪:‬‬
‫"أخذنا أمرنا من قبل" أي احتطنا لنفسنا‪ ،‬وأخذنا بالحزم فلم نخرج إلى القتال‪" .‬ويتولوا" أي عن‬
‫اليمان‪" .‬وهم فرحون" أي معجبون بذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 51 :‬قل لن يصيبنا إل ما كتب ال لنا هو مولنا وعلى ال فليتوكل المؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل لن يصيبنا إل ما كتب ال لنا" قيل‪ :‬في اللوح المحفوظ‪ .‬وقيل‪ :‬ما أخبرنا به في‬
‫كتابيه من أنيا إميا أن نظفر فيكون الظفر حسنى لنيا‪ ،‬وإميا أن نقتل فتكون الشهادة أعظيم حسينى لنا‪.‬‬
‫والمعنيى كيل شييء بقضاء وقدر‪ .‬وقيد تقدم فيي "العراف" أن العلم والقدر والكتاب سيواء‪" .‬هيو‬
‫مولنيا" أي ناصيرنا‪ .‬والتوكيل تفوييض المير إلييه‪ .‬وقراءة الجمهور "يصييبنا" نصيب بلن‪ .‬وحكيى‬
‫أبيو عيبيدة أن مين العرب مين يجزم بهيا‪ .‬وقرأ طلحية بين مصيرف "هيل يصييبنا" وحكيي عين أعيين‬
‫قاضيي الري أنيه قرأ (قيل لن يصييبنا) بنون مشددة‪ .‬وهذا لحين‪ ،‬ل يؤكيد بالنون ميا كان خيبرا‪ ،‬ولو‬
‫كان هذا في قراءة طلحة لجاز‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬هل يذهبن كيده ما يغيظ" [الحج‪.]15 :‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 52 :‬قيل هيل تربصيون بنيا إل إحدى الحسينيين ونحين نتربيص بكيم أن يصييبكم ال‬
‫بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل هيل تربصيون بنيا" والكوفيون يدغمون اللم فيي التاء‪ .‬فأميا لم المعرفية فل‬
‫يجوز إل الدغام‪ ،‬كميا قال جيل وعيز‪" :‬التائبون" [التوبية‪ ]112 :‬لكثرة لم المعرفية فيي كلمهيم‬
‫ول يجوز الدغام فييي قوله‪" :‬قييل تعالوا" [النعام‪ ]151 :‬لن "قييل" معتييل‪ ،‬فلم يجمعوا عليييه‬
‫علتيين‪ .‬والتربيص النتظار‪ .‬يقال‪ :‬تربيص بالطعام أي انتظير بيه إلى حيين الغلء‪ .‬والحسينى تأنييث‬
‫الحسين‪ .‬وواحيد الحسينيين حسينى‪ ،‬والجميع الحسينى‪ .‬ول يجوز أن ينطيق بيه إل معرفيا‪ .‬ل يقال‪:‬‬
‫رأيييت امرأة حسيينى‪ .‬والمراد بالحسيينيين الغنيميية والشهادة‪ ،‬عيين ابيين عباس ومجاهييد وغيرهمييا‪.‬‬
‫واللفيظ اسيتفهام والمعنيى توبييخ‪" .‬ونحين نتربيص بكيم أن يصييبكم ال بعذاب مين عنده" أي عقوبية‬
‫تهلككم كما أصاب المم الخالية من قبلكم‪" .‬أو بأيدينا" أي يؤذن لنا في قتالكم‪" .‬فتربصوا" تهديد‬
‫ووعيد‪ .‬أي انتظروا مواعد الشيطان إنا منتظرون مواعد ال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 53 :‬قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين}‬
‫@ قال ابن عباس‪ :‬نزلت في الجد بن قيس إذ قال ائذن لي في القعود وهذا مالي أعينك به‪ .‬ولفظ‬
‫"أنفقوا" أمير‪ ،‬ومعناه الشرط والجزاء‪ .‬وهكذا تسيتعمل العرب فيي مثيل هذا تأتيي بأو كميا قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫لدينا ول مقلية إن تقلت‬ ‫أسيئي بنا أو أحسني ل ملومة‬
‫والمعنيى إن أسيأت أو أحسينت فنحين على ميا تعرفيين‪ .‬ومعنيى اليية‪ :‬إن أنفقتيم طائعيين أو مكرهيين‬
‫فلن يقبيل منكيم‪ .‬ثيم بيين جيل وعيز لم ل يقبيل منهيم فقال‪" :‬وميا منعهيم أن تقبيل منهيم نفقاتهيم إل أنهيم‬
‫كفروا بال وبرسيوله" [التوبية‪ ]54 :‬فكان فيي هذا أدل دلييل على أن أفعال الكافير إذا كانيت برا‬
‫كصلة القرابة وجبر الكسير وإغاثة الملهوف ل يثاب عليها ول ينتفع بها في الخرة‪ ،‬بيد أنه يطعم‬
‫بها في الدنيا‪ .‬دليله ما رواه مسلم عن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬قلت يا رسول ال‪ ،‬ابن جدعان‬
‫كان فيي الجاهليية يصيل الرحيم ويطعيم المسيكين فهيل ذلك نافعيه ؟ قال‪( :‬ل ينفعيه‪ ،‬إنيه لم يقيل يوميا‬
‫رب اغفر لي خطيئتيي يوم الديين)‪ .‬وروي عن أنس قال قال رسول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إن‬
‫ال ل يظلم مؤمنا حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الخرة وأما الكافر فيطعم بحسنات ما‬
‫عمل ل بها في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الخرة لم يكن له حسنة يجزى بها)‪ .‬وهذا نص‪ .‬ثم قيل‪:‬‬
‫هل بحكم هذا الوعد الصادق ل بد أن يطعم الكافر ويعطى بحسناته في الدنيا أو ذلك مقيد بمشيئة‬
‫ال المذكورة في قوله‪" :‬عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد" [السراء‪ ]18 :‬وهذا هو الصحيح من‬
‫القولين‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وتسمية ما يصدر عن الكافر حسنة إنما هو بحسب ظن الكافر‪ ،‬وإل فل يصح‬
‫منيه قربية‪ ،‬لعدم شرطهيا المصيحح لهيا وهيو اليمان‪ .‬أو سيميت حسينة لنهيا تشبيه صيورة حسينة‬
‫المؤمن ظاهرا‪ .‬قولن أيضا‪.‬‬
‫@ فإن قييل‪ :‬فقيد روى مسيلم عين حكييم بين حزام أنيه قال لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬أي‬
‫رسيول ال‪ ،‬أرأييت أمورا كنيت أتحنيث بهيا فيي الجاهليية مين صيدقة أو عتاقية أو صيلة رحيم أفيهيا‬
‫أجر؟ فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أسلمت على ما أسلفت من خير) قلنا قوله‪( :‬أسلمت‬
‫على مييا أسييلفت ميين خييير) مخالف ظاهره للصييول‪ ،‬لن الكافيير ل يصييح منييه التقرب ل تعالى‬
‫فيكون مثابيا على طاعتيه‪ ،‬لن مين شرط المتقرب أن يكون عارفيا بالمتقرب إلييه‪ ،‬فإذا عدم الشرط‬
‫انتفى صحة المشروط‪ .‬فكان المعنى في الحديث‪ :‬إنك اكتسبت طباعا جميلة في الجاهلية أكسيبتك‬
‫عادة جميلة فييي السييلم‪ .‬وذلك أن حكيمييا رضييي ال عنييه عاش مائة وعشرييين سيينة‪ ،‬سييتين فييي‬
‫السلم وستين في الجاهلية‪ ،‬فأعتق في الجاهلية مائة رقبة وحمل على مائة بعير؟ وكذلك فعل في‬
‫السيلم‪ .‬وهذا واضيح‪ .‬وقيد قييل‪ :‬ل يبعيد فيي كرم ال أن يثيبيه على فعله ذلك بالسيلم‪ ،‬كميا يسيقط‬
‫عنيه ميا ارتكبيه فيي حال كفره مين الثام‪ .‬وإنميا ل يثاب مين لم يسيلم ول تاب‪ ،‬ومات كافرا‪ .‬وهذا‬
‫ظاهير الحدييث‪ .‬وهيو الصيحيح إن شاء ال‪ .‬ولييس عدم شرط اليمان فيي عدم ثواب ميا يفعله مين‬
‫الخير ثم أسلم ومات مسلما بشرط عقلي ل يتبدل‪ ،‬وال أكرم من أن يضيع عمله إذا حسن إسلمه‪.‬‬
‫وقد تأول الحربي الحديث على هذا المعنى فقال‪( :‬أسلمت على ما أسلفت)‪ ،‬أي ما تقدم لك من خير‬
‫عملته فذلك لك‪ .‬كما تقول‪ :‬أسلمت على ألف درهم‪ ،‬أي على أن أحرزها لنفسه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ فإن قييل‪ :‬فقيد روى مسيلم عين العباس قال‪ :‬قلت ييا رسيول ال إن أبيا طالب كان يحوطيك‬
‫وينصيرك‪ ،‬فهيل نفعيه ذلك؟ قال‪( :‬نعيم وجدتيه فيي غمرات مين النار فأخرجتيه إلى ضحضاح)‪ .‬قييل‬
‫له‪ :‬ل يبعيد أن يخفف عن الكافير بعيض العذاب بما عمل من الخيير‪ ،‬لكين مع انضمام شفاعة‪ ،‬كميا‬
‫جاء فيي أبيي طالب‪ .‬فأميا غيره فقيد أخيبر التنزييل بقوله‪" :‬فميا تنفعهيم شفاعية الشافعيين" [المدثير‪:‬‬
‫‪ .]48‬وقال مخيبرا عين الكافريين‪" :‬فميا لنيا مين شافعيين‪ .‬ول صيديق حمييم" [الشعراء‪،100 :‬‬
‫‪ .]101‬وقد روى مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ذكر عنده عمه‬
‫أبيو طالب فقال‪( :‬لعله تنفعيه شفاعتيي يوم القيامية فيجعيل فيي ضحضاح مين النار يبلغ كعيبيه يغلي‬
‫منيه دماغيه)‪ .‬مين حدييث العباس رضيي ال عنيه‪( :‬ولول أنيا لكان فيي الدرك السيفل مين النار)‪.‬‬
‫"إنكم كنتم قوما فاسقين" أي كافرين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 54 :‬وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إل أنهم كفروا بال وبرسوله ول يأتون الصلة‬
‫إل وهم كسالى ول ينفقون إل وهم كارهون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إل أنهم" "أن" الولى في موضع نصب‪ ،‬والثانية‬
‫في موضع رفع‪ .‬والمعنى‪ :‬وما منعهم من أن تقبل منهم نفقاتهم إل كفرهم وقرأ الكوفيون "أن يقبل‬
‫منهيم" بالياء‪ ،‬لن النفقات والنفاق واحيد‪" .‬ول يأتون الصيلة إل وهيم كسيالى" قال ابين عباس‪ :‬إن‬
‫كان فيي جماعية صيلى وإن انفرد لم يصيل‪ ،‬وهيو الذي ل يرجيو على الصيلة ثوابيا ول يخشيى فيي‬
‫تركهيا عقابيا‪ .‬فالنفاق يورث الكسيل فيي العبادة ل محالة‪ .‬وقيد تقدم فيي "النسياء" القول فيي هذا كله‪.‬‬
‫وقيد ذكرنيا هناك حدييث العلء موعبيا‪ .‬والحميد ل‪" .‬ول ينفقون إل وهيم كارهون" لنهيم يعدونهيا‬
‫مغرما ومنعها مغنما وإذا كان المر كذلك فهي غير متقبلة ول مثاب عليها حسب ما تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 55 :‬فل تعجبك أموالهم ول أولدهم إنما يريد ال ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق‬
‫أنفسهم وهم كافرون}‬
‫@ أي ل تسيتحسن ميا أعطيناهيم ول تميل إلييه فإنيه اسيتدراج "إنميا يرييد ال ليعذبهيم بهيا" قال‬
‫الحسيين‪ :‬المعنييى بإخراج الزكاة والنفاق فييي سييبيل ال‪ .‬وهذا اختيار الطييبري‪ .‬وقال ابيين عباس‬
‫وقتادة‪ :‬في الكلم تقديم وتأخير‪ ،‬والمعنى فل تعجبك أموالهم ول أولدهم في الحياة الدنيا إنما بريد‬
‫ال ليعذبهيم بهيا فيي الخرة‪ .‬وهذا قول أكثير أهيل العربيية‪ ،‬ذكره النحاس‪ .‬وقييل‪ :‬يعذبهيم بالتعيب فيي‬
‫الجميع‪ .‬وعلى هذا التأوييل وقول الحسين ل تقدييم فييه ول تأخيير‪ ،‬وهيو حسين‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى فل‬
‫تعجبك أموالهم ول أولدهم إنما يريد ال ليعذبهم بها في الدنيا لنهم منافقون‪ ،‬فهم ينفقون كارهين‬
‫فيعذبون بما ينفقون‪" .‬وتزهق أنفسهم وهم كافرون" نص في أن ال يريد أن يموتوا كافرين‪ ،‬سبق‬
‫بذلك القضاء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 56 :‬ويحلفون بال إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون}‬
‫@ بين أن من أخلق المنافقين الحلف بأنهم مؤمنون‪ .‬نظيره "إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك‬
‫لرسول ال" [المنافقون‪ ]1 :‬الية‪ .‬والفرق الخوف‪ ،‬أي يخافون أن يظهروا ما هم عليه فيقتلوا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 57 :‬لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخل لولوا إليه وهم يجمحون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لو يجدون ملجيأ" كذا الوقيف علييه‪ .‬وفيي الخيط بألفيين‪ :‬الولى همزة‪ ،‬والثانيية‬
‫عوض مين التنويين‪ ،‬وكذا رأييت جزءا‪ .‬والملجيأ الحصين‪ ،‬عين قتادة وغيره‪ .‬ابين عباس‪ :‬الحرز‪،‬‬
‫وهميا سيواء‪ .‬يقال‪ :‬لجأت إلييه لجيأ بالتحرييك وملجيأ والتجأت إلييه بمعنيى‪ .‬والموضيع أيضيا لجيأ‬
‫وملجييأ‪ .‬والتلجئة الكراه‪ .‬وألجأتييه إلى الشيييء اضطررتييه إليييه‪ .‬وألجأت أمري إلى ال أسييندته‪.‬‬
‫وعمرو بين لجيأ التميميي الشاعير عين الجوهري‪" .‬أو مغارات" جميع مغارة‪ ،‬مين غار يغيير‪ .‬قال‬
‫الخفش‪ :‬ويجوز أن يكون من أغار يغير‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫الحمد ل ممسانا ومصبحنا‬
‫قال ابين عباس‪ :‬المغارات الغيران والسيراديب‪ ،‬وهيي المواضيع التيي يسيتتر فيهيا‪ ،‬ومنيه غار الماء‬
‫وغارت العيين‪" .‬أو مدخل" مفتعيل مين الدخول‪ ،‬أي مسيلكا نختفيي بالدخول فييه‪ ،‬وأعاده لختلف‬
‫اللفيظ‪ .‬قال النحاس‪ :‬الصيل فييه مدتخيل‪ ،‬قلبيت التاء دال‪ ،‬لن الدال مجهورة والتاء مهموسية وهميا‬
‫مين مخرج واحد‪ .‬وقيل‪ :‬الصيل فييه متدخيل على متفعل‪ ،‬كميا فيي قراءة أبي‪" :‬أو متدخل" ومعناه‬
‫دخول بعييد دخول‪ ،‬أي قومييا يدخلون معهييم‪ .‬المهدوي‪ :‬متدخل ميين تدخييل مثييل تفعييل إذا تكلف‬
‫الدخول‪ .‬وعيين أبييي أيضييا‪ :‬مندخل ميين اندخييل‪ ،‬وهييو شاذ‪ ،‬لن ثلثيييه غييير متعييد عنييد سيييبويه‬
‫وأصيحابه‪ .‬وقرأ الحسين وابين أبيي إسيحاق وابين محيصين‪" :‬أو مدخل" بفتيح المييم وإسيكان الدال‪.‬‬
‫قال الزجاج‪ :‬ويقرأ "أو مدخل" بضم الميم وإسكان الدال‪ .‬الول من دخل يدخل‪ .‬والثاني من أدخل‬
‫يدخل‪ .‬كذا المصدر والمكان والزمان كما أنشد سيبويه‪:‬‬
‫مغار ابن همام على حي خثعما‬
‫وروي عين قتادة وعيسيى والعميش "أو مدخل" بتشدييد الدال والخاء‪ .‬والجمهور بتشدييد الدال‬
‫وحدهييا‪ ،‬أي مكانييا يدخلون فيييه أنفسييهم‪ .‬فهذه سييت قراءات‪" .‬لولوا إليييه" أي لرجعوا إليييه‪" .‬وهييم‬
‫يجمحون" أي يسرعون‪ ،‬ل يرد وجوههم شيء‪ .‬من جمح الفرس إذا لم يرده اللجام‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫كمعمعة السعف الموقد‬ ‫سبوحا جموحا وإحضارها‬
‫والمعنى‪ :‬لو وجدوا شيئا من هذه الشياء المذكورة لولوا إليه مسرعين هربا من المسلمين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 58 :‬ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا‬
‫هم يسخطون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنهم من يلزمك في الصدقات" أي يطعن عليك‪ ،‬عن قتادة‪ .‬الحسن‪ :‬يعيبك‪ .‬وقال‬
‫مجاهد‪ :‬أي يروزك ويسألك‪ .‬النحاس‪ :‬والقول عند أهل اللغة قول قتادة والحسن‪ .‬يقال‪ :‬لمزه يلمزه‬
‫إذا عابيه‪ .‬واللميز فيي اللغية العييب فيي السير‪ .‬قال الجوهري‪ :‬اللميز العييب‪ ،‬وأصيله الشارة بالعيين‬
‫ونحوها‪ ،‬وقد لمزه يلمزه ويلمز وقرئ بهما "ومنهم من يلمزك في الصدقات"‪ .‬ورجل لماز ولمزة‬
‫أي عياب‪ .‬ويقال أيضا‪ :‬لمزه يلمزه إذا دفعه وضربه‪ .‬والهمز مثل اللمز‪ .‬والهامز والهماز العياب‪،‬‬
‫والهمزة مثله‪ .‬يقال‪ :‬رجيل همزة وامرأة همزة أيضيا‪ .‬وهمزه أي دفعيه وضربيه‪ .‬ثيم قييل‪ :‬اللميز فيي‬
‫الوجه‪ ،‬والهمز بظهر الغيب‪ .‬وصف ال قوما من المنافقين بأنهم عابوا النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫فيي تفرييق الصيدقات‪ ،‬وزعموا أنهيم فقراء ليعطيهيم‪ .‬قال أبيو سيعيد الخدري‪ :‬بينيا رسيول ال صيلى‬
‫ال عليييه وسييلم يقسييم مال إذ جاءه حرقوص بيين زهييير أصييل الخوارج‪ ،‬ويقال له ذو الخويصييرة‬
‫التميمييي‪ ،‬فقال‪ :‬اعدل يييا رسييول ال‪ .‬فقال‪( :‬ويلك وميين يعدل إذا لم أعدل) فنزلت الييية‪ .‬حديييث‬
‫صيحيح أخرجيه مسيلم بمعناه‪ .‬وعندهيا قال عمير بين الخطاب رضيي ال عنيه‪ :‬دعنيي ييا رسيول ال‬
‫فأقتيل هذا المنافيق‪ .‬فقال‪( :‬معاذ ال أن يتحدث الناس أنيي أقتيل أصيحابي إن هذا وأصيحابه يقرؤون‬
‫القرآن ل يجاوز حناجرهم يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية)‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 59 :‬ولو أنهيم رضوا ميا آتاهيم ال ورسيوله وقالوا حسيبنا ال سييؤتينا ال مين فضله‬
‫ورسوله إنا إلى ال راغبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو أنهم رضوا ما آتاهم ال" جواب "لو" محذوف‪ ،‬التقدير لكان خيرا لهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 60 :‬إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب‬
‫والغارمين وفي سبيل ال وابن السبيل فريضة من ال وال عليم حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما الصدقات للفقراء" خص ال سبحانه بعض الناس بالموال دون بعض نعمة‬
‫منيه عليهيم‪ ،‬وجعيل شكير ذلك منهيم إخراج سيهم يؤدونيه إلى مين ل مال له‪ ،‬نيابية عنيه سيبحانه فيميا‬
‫ضمنييه بقوله‪" :‬ومييا ميين دابيية فييي الرض إل على ال رزقهييا" [هود‪" .]6 :‬للفقراء" تييبيين‬
‫لمصارف الصدقات والمحل‪ ،‬حتى ل تخرج عنهم‪ .‬ثم الختيار إلى من يقسم‪ ،‬هذا قول مالك وأبي‬
‫حنيفة وأصحابهما‪ .‬كما يقال‪ :‬السرج للدابة والباب للدار‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬اللم لم التمليك‪ ،‬كقولك‪:‬‬
‫المال لزيد وعمرو وبكر‪ ،‬فل بد من التسوية بين المذكورين‪ .‬قال الشافعي وأصحابه‪ :‬وهذا كما لو‬
‫أوصى لصناف معينين أو لقوم معينين‪ .‬واحتجوا بلفظة "إنما" وأنها تقتضي الحصر في وقوف‬
‫الصييدقات على الثمانييية الصييناف وعضدوا هذا بحديييث زياد بيين الحارث الصييدائي قال‪ :‬أتيييت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وهو يبعث إلى قومي جيشا فقلت‪ :‬يا رسول ال احبس جيشك فأنا‬
‫لك بإسلمهم وطاعتهم‪ ،‬وكتبت إلى قومي فجاء إسلمهم وطاعتهم‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم‪( :‬ييا أخيا صيداء المطاع فيي قوميه)‪ .‬قال‪ :‬قلت بيل مين ال عليهيم وهداهيم‪ ،‬قال‪ :‬ثيم جاءه رجيل‬
‫يسأل عن الصدقات‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن ال لم يرض في الصدقات بحكم‬
‫نيبي ول غيره حتيى جزأهيا ثمانيية أجزاء فإن كنيت مين أهيل تلك الجزاء أعطيتيك) رواه أبيو داود‬
‫والدارقطني‪ .‬واللفظ للدارقطني‪ .‬وحكي عن زين العابدين أنه قال‪ :‬إنه تعالى علم قدر ما يدفع من‬
‫الزكاة وميا تقيع بيه الكفايية لهذه الصيناف‪ ،‬وجعله حقيا لجميعهيم‪ ،‬فمين منعهيم ذلك فهيو الظالم لهيم‬
‫رزقهم‪ .‬وتمسك علماؤنا بقوله تعالى‪" :‬إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء‬
‫فهو خير لكم" [البقرة‪ .]271 :‬والصدقة متى أطلقت في القرآن فهي صدقة الفرض‪ .‬وقال صلى‬
‫ال علييه وسيلم‪( :‬أمرت أن آخيذ الصيدقة مين أغنيائكيم وأردهيا على فقرائكيم)‪ .‬وهذا نيص فيي ذكير‬
‫أحيد الصيناف الثمانيية قرآنيا وسينة‪ ،‬وهيو قول عمير بين الخطاب وعلي وابين عباس وحذيفة‪ .‬وقال‬
‫به من التابعين جماعة‪ .‬قالوا‪ :‬جائز أن يدفعها إلى الصناف الثمانية‪ ،‬وإلى أي صنف منها دفعت‬
‫جاز‪ .‬روى المنهال بين عمرو عين زر بين حيبيش عين حذيفية فيي قوله‪" :‬إنميا الصييدقات للفقراء‬
‫والمسياكين" قال‪ :‬إنميا ذكير ال هذه الصييدقات لتعرف وأي صينف منهييا أعطيييت أجزأك‪ .‬وروى‬
‫سيعيد بين جيبير عين ابين عباس "إنميا الصيدقات للفقراء والمسياكين "قال‪ :‬فيي أيهيا وضعيت أجزأ‬
‫عنيك‪ .‬وهيو قول الحسين وإبراهييم وغيرهميا‪ .‬قال الكييا الطيبري‪ :‬حتيى ادعيى مالك الجماع على‬
‫ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يريد إجماع الصحابة‪ ،‬فإنه ل يعلم لهم مخالف منهم على ما قال أبو عمر‪ ،‬وال أعلم‪ .‬ابن‬
‫العربيي‪ :‬والذي جعلناه فيصيل بيننيا وبينهيم أن المية اتفقيت على أنيه لو أعطيي كيل صينف حظيه لم‬
‫يجب تعميمه‪ ،‬فكذلك تعميم الصناف مثله‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلف علماء اللغية وأهيل الفقيه فيي الفرق بيين الفقيير والمسيكين على تسيعة أقوال‪ :‬فذهيب‬
‫يعقوب بن السكيت والقتبي ويونس بن حبيب إلى أن الفقير أحسن حال من المسكين‪ .‬قالوا‪ :‬الفقير‬
‫هو الذي له بعض ما يكفيه ويقيمه‪ ،‬والمسكين الذي ل شيء له‪ ،‬واحتجوا بقول الراعي‪:‬‬
‫وفق العيال فلم يترك له سبد‬ ‫أما الفقير الذي كانت حلوبته‬
‫وذهيب إلى هذا قوم مين أهيل اللغية والحدييث منهيم أبيو حنيفية والقاضيي عبدالوهاب‪ ،‬والوفيق مين‬
‫الموافقة بين الشيئين كاللتحام‪ ،‬يقال‪ :‬حلوبته وفق عيال أي لها لبن قدر كفايتهم ل فضل فيه‪ ،‬عن‬
‫الجوهري‪ .‬وقال آخرون بالعكيس‪ ،‬فجعلوا المسيكين أحسين حال مين الفقيير‪ .‬واحتجوا بقوله تعالى‪:‬‬
‫"أميا السيفينة فكانيت لمسياكين يعملون فيي البحير" [الكهيف‪ .]79 :‬فأخيبر أن لهيم سيفينة مين سيفن‬
‫البحر‪ .‬وربما ساوت جملة من المال‪ .‬وعضدوه بما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه تعوذ‬
‫من الفقر‪ .‬وروي عنه أنه قال‪" :‬اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا"‪ .‬فلو كان المسكين أسوأ حال‬
‫مين الفقيير لتناقيض الخيبران‪ ،‬إذ يسيتحيل أن يتعوذ مين الفقير ثيم يسيأل ميا هيو أسيوأ حال منيه‪ ،‬وقيد‬
‫اسيتجاب ال دعاءه وقبضيه وله مميا أفاء ال علييه‪ ،‬ولكين لم يكين معيه تمام الكفايية‪ ،‬ولذلك رهين‬
‫درعيه‪ .‬قالوا‪ :‬وأميا بييت الراعيي فل حجية فييه‪ ،‬لنيه إنميا ذكير أن الفقيير كانيت له حلوبية فيي حال‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬والفقيير معناه فيي كلم العرب المفقور الذي نُزعِت فقرة مين ظهره مين شدة الفقير فل حال‬
‫أشييد ميين هذه‪ .‬وقييد أخييبر ال عنهييم بقوله "ل يسييتطيعون ضربييا فييي الرض" [البقرة‪.]273 :‬‬
‫واستشهدوا بقول الشاعر‪:‬‬
‫رفع القوادم كالفقير العزل‬ ‫لما رأى لبد النسور تطايرت‬
‫أي لم يطيق الطيران فصيار بمنزلة مين انقطيع صيلبه ولصيق بالرض‪ .‬ذهيب إلى هذا الصيمعي‬
‫وغيره‪ ،‬وحكاه الطحاوي عين الكوفييين‪ .‬وهيو أحيد قولي الشافعيي وأكثير أصيحابه‪ .‬وللشافعيي قول‬
‫آخير‪ :‬أن الفقيير والمسيكين سيواء‪ ،‬ل فرق بينهميا فيي المعنيى وإن افترقيا فيي السيم‪ ،‬وهيو القول‬
‫الثالث‪ .‬وإلى هذا ذهب ابن القاسم وسائر أصحاب مالك‪ ،‬وبه قال أبو يوسف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ظاهير اللفيظ يدل على أن المسيكين غيير الفقيير‪ ،‬وأنهميا صينفان‪ ،‬إل أن أحيد الصينفين أشيد‬
‫حاجية مين الخير‪ ،‬فمين هذا الوجيه يقرب قول مين جعلهميا صينفا واحدا‪ ،‬وال أعلم‪ .‬ول حجية فيي‬
‫قول مين احتيج بقوله تعالى‪" :‬أميا السيفينة فكانيت لمسياكين" [الكهيف‪ ]79 :‬لنيه يحتميل أن تكون‬
‫مستأجرة لهم‪ ،‬كما يقال‪ :‬هذه دار فلن إذا كان ساكنها وإن كانت لغيره‪ .‬وقد قال تعالى في وصف‬
‫أهل النار‪" :‬ولهم مقامع من حديد" [الحج‪ ]21 :‬فأضافها إليهم‪ .‬وقال تعالى‪" :‬ول تؤتوا السفهاء‬
‫أموالكيم" [النسياء‪ .]5 :‬وقال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مين باع عبدا وله مال‪ )...‬وهيو كثيير جدا‬
‫يضاف الشيء إليه وليس له‪ .‬ومنه قولهم‪ :‬باب الدار‪ .‬وجل الدابة‪ ،‬وسرج الفرس‪ ،‬وشبهه‪ .‬ويجوز‬
‫أن يسيموا مسياكين على جهية الرحمية والسيتعطاف‪ ،‬كميا يقال لمين امتحين بنكبية أو دفيع إلى بليية‬
‫مسكين‪ .‬وفي الحديث (مساكين أهل النار) وقال الشاعر‪:‬‬
‫عليها تراب الذل بين المقابر‬ ‫مساكين أهل الحب حتى قبورهم‬
‫وأما ما تأولوه من قوله عليه السلم‪( :‬اللهم أحيني مسكينا) الحديث‪ .‬رواه أنس‪ ،‬فليس كذلك‪ ،‬وإنما‬
‫المعنيى ههنيا‪ :‬التواضيع ل الذي ل جيبروت فييه ول نخوة‪ ،‬ول كيبر ول بطير‪ ،‬ول تكيبر ول أشير‪.‬‬
‫ولقد أحسن‪ ،‬أبو العتاهية حيث قال‪:‬‬
‫فانظر إلى ملك في زي مسكين‬ ‫إذا أردت شريف القوم كلهم‬
‫وذاك يصلح للدنيا وللدين‬ ‫ذاك الذي عظمت في ال رغبته‬
‫وليس بالسائل‪ ،‬لن النبي صلى ال عليه وسلم قيد كره السؤال ونهى عنه‪ ،‬وقال فيي امرأة سوداء‬
‫أبت أن تزول له عن الطريق‪( :‬دعوها فإنها جبارة) وأما قوله تعالى‪" :‬للفقراء الذين أحصروا في‬
‫سيبيل ال ل يسيتطيعون ضربيا فيي الرض" [البقرة‪ ]273 :‬فل يمتنيع أن يكون لهيم شييء‪ .‬وال‬
‫أعلم‪ .‬وما ذهب إليه أصيحاب مالك والشافعيي فيي أنهما سواء حسين‪ .‬ويقرب منيه ما قاله مالك فيي‬
‫كتاب ابن سيحنون‪ ،‬قال‪ :‬الفقيير المحتاج المتعفيف‪ ،‬والمسيكين السيائل‪ ،‬وروي عين ابين عباس وقاله‬
‫الزهري‪ ،‬واختاره ابن شعبان وهو القول الرابع‪ .‬وقول خامس‪ :‬قال محمد بن مسلمة‪ :‬الفقير الذي‬
‫له المسكن والخادم إلى من هو أسفل من ذلك‪ .‬والمسكين الذي ل مال له‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا القول عكيس ميا ثبيت فيي صيحيح مسيلم عين عبدال بين عمرو‪ ،‬وسيأله رجيل فقال‪:‬‬
‫ألسيينا ميين فقراء المهاجرييين ؟ فقال له عبدال‪ :‬ألك امرأة تأوي إليهييا؟ قال نعييم‪ .‬قال‪ :‬ألك مسييكن‬
‫تسكنه؟ قال نعم‪ .‬قال‪ :‬فأنت من الغنياء‪ .‬قال‪ :‬فإن لي خادما قال‪ :‬فأنت من الملوك‪ .‬وقول سادس‪:‬‬
‫روي عن ابن عباس قال‪ :‬الفقراء من المهاجرين‪ ،‬والمساكين من العراب الذين لم يهاجروا وقال‬
‫الضحاك‪ .‬وقول سيابع‪ :‬وهيو أن المسيكين الذي يخشيع ويسيتكن وإن لم يسيأل‪ .‬والفقيير الذي يتحميل‬
‫ويقبل الشيء سرا ول يخشع‪ ،‬قاله عبيدال بن الحسن‪ .‬وقول ثامن قاله مجاهد وعكرمة والزهري‬
‫‪ -‬المساكين الطوافون‪ ،‬والفقراء فقراء المسلمين‪ .‬وقول تاسع قاله عكرمة أيضا ‪ -‬أن الفقراء فقراء‬
‫المسلمين‪ ،‬والمساكين فقراء أهل الكتاب‪ .‬وسيأتي‪.‬‬
‫وهيي فائدة الخلف فيي الفقراء والمسياكين‪ ،‬هيل هميا صينف واحيد أو أكثير تظهير فيمين أوصيى‬
‫بثلث ماله لفلن وللفقراء والمسيياكين‪ ،‬فميين قال همييا صيينف واحييد قال‪ :‬يكون لفلن نصييف الثلث‬
‫وللفقراء والمساكين نصف الثلث الثاني‪ .‬ومن قال هما صنفان يقسم الثلث بينهم أثلثا‪.‬‬
‫@ وقد اختلف العلماء في حد الفقر الذي يجوز معه الخذ ‪ -‬بعد إجماع أكثر من يحفظ عنه من‬
‫أهييل العلم ‪ -‬أن ميين له دارا وخادمييا ل يسييتغني عنهمييا أن له أن يأخييذ ميين الزكاة‪ ،‬وللمعطييي أن‬
‫يعطييه‪ .‬وكان مالك يقول‪ :‬إن لم يكين فيي ثمين الدار والخادم فضلة عميا يحتاج إلييه منهميا جاز له‬
‫الخذ وإل لم يجز‪ ،‬ذكره ابن المنذر‪ .‬وبقول مالك قال النخعي والثوري‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬من معه‬
‫عشرون دينارا أو مائتا درهيم فل يأخيذ من الزكاة‪ .‬فاعتبر النصياب لقوله عليه السلم‪( :‬أمرت أن‬
‫آخييذ الصييدقة ميين أغنيائكييم وأردهييا فييي فقرائكييم)‪ .‬وهذا واضييح‪ ،‬ورواه المغيرة عيين مالك‪ .‬وقال‬
‫الثوري وأحمد وإسحاق وغيرهم‪ :‬ل يأخذ من له خمسون درهما أو قدرها من الذهب‪ ،‬ول يعطي‬
‫منهيا أكثير مين خمسيين درهميا إل أن يكون غارميا‪ ،‬قال أحميد وإسيحاق‪ .‬وحجية هذا القول ميا رواه‬
‫الدارقطني عن عبدال بن مسيعود عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ل تحيل الصيدقة لرجيل له‬
‫خمسون درهما)‪ .‬في إسناده عبدالرحمن بن إسحاق ضعيف‪ ،‬وعنه بكر بن خنيس ضعيف أيضا‪.‬‬
‫ورواه حكيم بن جبير عن محمد بن عبدالرحمن بن يزيد عن أبيه عن عبدال عن النبي صلى ال‬
‫عليييه وسييلم نحوه‪ ،‬وقال‪(:‬خمسييون درهمييا) وحكيييم بيين جييبير ضعيييف تركييه شعبيية وغيره‪ ،‬قال‬
‫الدارقطنيي رحميه ال‪ .‬وقال أبيو عمير‪ :‬هذا الحدييث يدور على حكييم بين جيبير وهيو متروك‪ .‬وعين‬
‫علي وعبدال قال‪ :‬ل تحل الصدقة لمن له خمسون درهميا أو قيمتها من الذهب‪ ،‬ذكره الدارقطنيي‬
‫وقال الحسن البصري‪ :‬ل يأخذ من له أربعون درهما‪ .‬ورواه الواقدي عن مالك‪ .‬وحجة هذا القول‬
‫ما رواه الدارقطني عن عبدال بن مسعود قال‪ :‬سمعت النبي صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬من سأل‬
‫الناس وهو غني جاء يوم القيامة وفي وجهه كدوح وخدوش)‪ .‬فقيل‪ :‬يا رسول ال وما غناؤه؟ قال‪:‬‬
‫(أربعون درهما)‪ .‬وفي حديث مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن رجل من بني أسد‬
‫فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪" :‬مين سيأل منكيم وله أوقيية أو عدلهيا فقيد سيأل إلحافيا والوقيية‬
‫أربعون درهما)‪ .‬والمشهور عن مالك ما رواه ابن القاسم عنه أنه سئل‪ :‬هل يعطى من الزكاة من‬
‫له أربعون درهمييا؟ قال نعييم‪ .‬قال أبييو عميير‪ :‬يحتمييل أن يكون الول قويييا على الكتسيياب حسيين‬
‫التصرف‪ .‬والثاني ضعيفا عن الكتساب‪ ،‬أو من له عيال‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال الشافعي وأبو ثور‪ .‬من‬
‫كان قويييا على الكسييب والتحرف مييع قوة البدن وحسيين التصييرف حتييى يغنيييه ذلك عيين الناس‬
‫فالصيدقة علييه حرام‪ .‬واحتيج بحدييث النيبي صيلى ال علييه وسيلم (ل تحيل الصيدقة لغنيى ول لذي‬
‫مرة سيوي) رواه عبدال بين عمير‪ ،‬وأخرجيه أبيو داود والترمذي والدارقطنيي‪ .‬وروى جابر قال‪:‬‬
‫جاءت رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم صييدقة فركبييه الناس‪ ،‬فقال‪( :‬إنهييا ل تصييلح لغنييي ول‬
‫لصحيح ول لعامل) أخرجه الدارقطني‪.‬‬
‫وروى أبو داود عن عبيدال بن عدي بن الخيار قال‪ :‬أخبرني رجلن أنهما أتيا النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة فسأله منها‪ ،‬فرفع فينا النظر وخفضه‪ ،‬فرآنا جلدين‬
‫فقال‪( :‬إن شئتما أعطيتكما ول حظ فيها لغني ول لقوي مكتسب)‪ .‬ولنه قد صار غنيا بكسبه كغنى‬
‫غيره بمال فصيار كيل واحيد منهميا غنييا عين المسيألة‪ .‬وقال ابين خوييز منداد‪ ،‬وحكاه عين المذهيب‪.‬‬
‫وهذا ل ينبغيي أن يعول علييه‪ ،‬فإن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان يعطيهيا الفقراء ووقوفهيا على‬
‫الزمن باطل‪ .‬قال أبو عيسى الترمذي في جامعه‪ :‬إذا كان الرجل قويا محتاجا ولم يكن عنده شيء‬
‫فتصدق عليه أجزأ عن المتصدق عند أهل العلم‪ .‬ووجه الحديث عند بعض أهل العلم على المسألة‪.‬‬
‫وقال الكييا الطيبري‪ :‬والظاهير يقتضيي جواز ذلك‪ ،‬لنيه فقيير ميع قوتيه وصيحة بدنيه‪ .‬وبيه قال أبيو‬
‫حنيفة وأصحابه‪ .‬وقال عبيدال بن الحسن‪ :‬من ل يكون له ما يكفيه ويقيمه سنة فإنه يعطى الزكاة‪.‬‬
‫وحجتيه ميا رواه ابين شهاب عين مالك بين أوس بين الحدثان عين عمير بين الخطاب أن رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم كان يدخير مميا أفاء ال علييه قوت سينة‪ ،‬ثيم يجعيل ميا سيوى ذلك فيي الكراع‬
‫والسلح مع قوله تعالى‪" :‬ووجدك عائل فأغنى" [الضحى‪ .]8 :‬وقال بعض أهل العلم‪ :‬لكل واحد‬
‫أن يأخيذ من الصيدقة فيميا ل بيد له منيه‪ .‬وقال قوم‪ :‬مين عنده عشاء ليلة فهيو غنيي وروي عين علي‪.‬‬
‫واحتجوا بحدييث علي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬مين سيأل مسيألة عين ظهير غنيى‬
‫اسيتكثر بهيا مين رضيف جهنيم) قالوا‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬وميا ظهير الغنيى؟ قال‪( :‬عشاء ليلة) أخرجيه‬
‫الدارقطني وقال‪ :‬في إسناده عمرو بن خالد وهو متروك‪ .‬وأخرجه أبو داود عن سهل بن الحنظلية‬
‫عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وفييه‪( :‬مين سيأل وعنده ميا يغنييه فإنميا يسيتكثر مين النار)‪ .‬وقال‬
‫النفيلي في موضع آخر (من جمر جهنم)‪ .‬فقالوا‪ :‬يا رسول ال وما يغنيه؟ وقال النفيلي في موضع‬
‫آخر‪ :‬وما الغنى الذي ل تنبغي معه المسألة؟ قال‪( :‬قدر ما يغديه ويعشيه)‪ .‬وقال النفيلي في موضع‬
‫آخر‪( :‬أن يكون له شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فهذا مييا جاء فييي بيان الفقيير الذي يجوز معييه الخييذ‪ .‬ومطلق لفييظ الفقراء ل يقتضييي‬
‫الختصاص بالمسلمين دون أهل الذمة‪ ،‬ولكن تظاهرت الخبار في أن الصدقات تؤخذ من أغنياء‬
‫المسيلمين فترد في فقرائهيم‪ .‬وقال عكرمة‪ :‬الفقراء فقراء المسيلمين‪ ،‬والمسياكين فقراء أهل الكتاب‪.‬‬
‫وقال أبيو بكير العبسيي‪ :‬رأى عمير بين الخطاب ذمييا مكفوفيا مطروحيا على باب المدينية فقال له‬
‫عمير‪ :‬مالك؟ قال‪ :‬اسيتكروني فيي هذه الجزيية‪ ،‬حتيى إذا كيف بصيري تركونيي ولييس لي أحيد يعود‬
‫علي شيء‪ .‬فقال عمر‪ :‬ما أنصفت إذا‪ ،‬فأمر له بقوته وما يصلحه‪ .‬ثم قال‪( :‬هذا من الذين قال ال‬
‫تعالى فيهيم‪" :‬إنميا الصيدقات للفقراء والمسياكين" اليية‪ .‬وهيم زمنيى أهيل الكتاب) ولميا قال تعالى‪:‬‬
‫"إنمييا الصييدقات للفقراء والمسيياكين" الييية‪ ،‬وقابييل الجملة بالجملة وهييي جملة الصييدقة بجملة‬
‫المصرف بين النبي صلى ال عليه وسلم ذلك‪ ،‬فقال لمعاذ حين أرسله إلى اليمن‪( :‬أخبرهم أن ال‬
‫افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم)‪ .‬فاختص أهل كل بلد بزكاة بلده‪ .‬وروى‬
‫أبو داود أن زيادا أو بعض المراء بعث عمران بن حصين على الصدقة‪ ،‬فلما رجع قال لعمران‪:‬‬
‫أين المال؟ قال‪ :‬وللمال أرسلتني أخذناها من حيث كنا نأخذها على عهد رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم ووضعناهيا حييث كنيا نضعهيا على عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وروى الدارقطنيي‬
‫والترمذي عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه قال‪ :‬قدم علينا مصدق النبي صلى ال عليه وسلم فأخذ‬
‫الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا فكنت غلما يتيما فأعطاني منها قلوصا‪ .‬قال الترمذي‪ :‬وفي‬
‫الباب عن ابن عباس حديث ابن أبي جحيفة حديث حسن‪.‬‬
‫@ وقد اختلفت العلماء في نقل الزكاة عن موضعها على ثلثة أقوال‪ :‬ل تنقل‪ ،‬قاله سحنون وابن‬
‫القاسيم‪ ،‬وهو الصحيح لميا ذكرناه‪ .‬قال ابن القاسم أيضيا‪ :‬وإن نقيل بعضهيا لضرورة رأيته صيوابا‪.‬‬
‫وروي عيين سييحنون أنييه قال‪ :‬ولو بلغ المام أن ببعييض البلد حاجيية شديدة جاز له نقييل بعييض‬
‫الصدقة المستحقة لغيره إليه‪ ،‬فإن الحاجة إذا نزلت وجب تقديمها على من ليس بمحتاج (والمسلم‬
‫أخو المسلم ل يسلمه ول يظلمه)‪ .‬والقول الثاني تنقل‪ .‬وقاله مالك أيضا‪ .‬وحجة هذا القول ما روي‬
‫أن معاذا قال لهل اليمن‪ :‬ايتوني بخميس أو لبيس آخذه منكم مكان الذرة والشعير في الصدقة فإنه‬
‫أيسير عليكيم وأنفيع للمهاجريين بالمدينية‪ .‬أخرجيه الدارقطنيي وغيره‪ .‬والخمييس لفيظ مشترك‪ ،‬وهيو‬
‫هنا الثوب طوله خمس أذرع‪ .‬ويقال‪ :‬سمي بذلك لن أول من عمله الخمس ملك من ملوك اليمن‪،‬‬
‫ذكره ابين فارس فيي المجميل والجوهري أيضيا‪ .‬وفيي هذا الحدييث دليلن‪ :‬أحدهميا‪ :‬ميا ذكرناه مين‬
‫نقيل الزكاة مين اليمين إلى المدينية‪ ،‬فيتولى النيبي صيلى ال علييه وسيلم قسيمتها‪ .‬ويعضيد هذا قوله‬
‫تعالى‪" :‬إنما الصدقات للفقراء" ولم يفصل بين فقير بلد وفقير آخر‪ .‬وال أعلم‪ .‬الثاني‪ :‬أخذ القيمة‬
‫فيي الزكاة‪ .‬وقيد اختلفيت الروايية عين مالك فيي إخراج القييم فيي الزكاة‪ ،‬فأجاز ذلك مرة ومنيع منيه‬
‫أخرى‪ ،‬فوجه الجواز ‪ -‬وهو قول أبي حنيفة ‪ -‬هذا الحديث‪ .‬وثبت في صحيح البخاري من حديث‬
‫أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم (من بلغت عنده من البل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة‬
‫وعنده حقة فإنه تؤخذ منه وما استيسرنا من شاتين أو عشرين درهما‪ .)...‬الحديث‪ .‬وقال صلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬اغنوهم عن سؤال هذا اليوم) يعني يوم الفطر‪ .‬وإنما أراد أن يغنوا بما يسد حاجتهم‪،‬‬
‫فأي شيء سد حاجتهم جاز‪ .‬وقد قال تعالى‪" :‬خذ من أموالهم صدقة" [التوبة‪ ]103 :‬ولم يخص‬
‫شيئا مين شييء‪ .‬ول يدفيع عنيد أبيي حنيفية سيكنى دار بدل الزكاة‪ ،‬مثيل أن يجيب علييه خمسية دراهيم‬
‫فأسيكن فيهيا فقيرا شهرا فإنيه ل يجوز‪ .‬قال‪ :‬لن السيكنى لييس بمال‪ .‬ووجيه قوله‪ :‬ل تجزي القييم ‪-‬‬
‫وهو ظاهر المذهب ‪ -‬فلن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬في خمس من البل شاة وفي أربعين‬
‫شاة شاة) فنص على الشاة‪ ،‬فإذا لم يأت بها لم يأت بمأمور به‪ ،‬وإذا لم يأت بالمأمور به فالمر باق‬
‫عليه‪ .‬القول الثالث وهو أن سهم الفقراء والمساكين يقسم في الموضع‪ ،‬وسائر السهام تنقل باجتهاد‬
‫المام‪ .‬والقول الول أصح‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وهيييل المعتيييبر مكان المال وقيييت تمام الحول فتفرق الصيييدقة فييييه‪ ،‬أو مكان المالك إذ هيييو‬
‫المخاطيب‪ ،‬قولن‪ .‬واختار الثانيي أبيو عبدال محميد بين خوييز منداد فيي أحكاميه قال‪ :‬لن النسيان‬
‫هيو المخاطيب بإخراجهيا فصيار المال تبعيا له‪ ،‬فيجيب أن يكون الحكيم فييه بحييث المخاطيب‪ .‬كابين‬
‫السبيل فإنه يكون غنيا في بلده فقيرا في بلد آخر‪ ،‬فيكون الحكم له حيث هو‪.‬‬
‫@ مسألة‪ :‬واختلفت الرواية عن مالك فيمن أعطى فقيرا مسلما فانكشف في ثاني حال أنه أعطى‬
‫عبدا أو كافرا أو غنييا‪ ،‬فقال مرة‪ :‬تجزييه ومرة ل تجزييه‪ .‬وجيه الجواز ‪ -‬وهيو الصيح ‪ -‬ميا رواه‬
‫مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬قال رجل لتصدقن الليلة بصدقة فخرج‬
‫بصدقته فوضعها في يد زانية فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية قال اللهم لك الحمد على‬
‫زانية لتصدقن بصدقة فخرج بصدقته فوضعها في يد غني فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني‬
‫قال اللهيم لك الحميد على غنيي لتصيدقن بصيدقة فخرج بصيدقته فوضعهيا فيي ييد سيارق فأصيبحوا‬
‫يتحدثون تصدق على سارق فقال اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق فأتي فقيل له‬
‫أما صدقتك فقد قبلت أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها ولعل الغني يعتبر فينفق مما أعطاه‬
‫ال ولعيل السيارق يسيتعف بهيا عين سيرقته)‪ .‬وروي أن رجل أخرج زكاة ماله فأعطاهيا أباه‪ ،‬فلميا‬
‫أصيبح علم بذلك‪ ،‬فسيأل النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقال له‪( :‬قيد كتيب لك أجير زكاتيك وأجير صيلة‬
‫الرحيم فلك أجران)‪ .‬ومين جهية المعنيى أنيه سيوغ له الجتهاد فيي المعطيى‪ ،‬فإذا اجتهيد وأعطيى مين‬
‫يظنه من أهلها فقد أتى بالواجب عليه‪ .‬ووجه قوله‪ :‬ل يجزي‪ .‬أنه لم يضعها في مستحقها‪ ،‬فأشبه‬
‫العميد‪ ،‬ولن العميد والخطيأ فيي ضمان الموال واحيد فوجيب أن يضمين ميا أتلف‪ ،‬على المسياكين‬
‫حتى يوصله إليهم‪.‬‬
‫فإن أخرج الزكاة عند محلها فهلكت من غير تفريط لم يضمن‪ ،‬لنه وكيل للفقراء‪ .‬فإن أخرجها‬
‫بعد ذلك بمدة فهلكت ضمن‪ ،‬لتأخيرها عن محلها فتعلقت بذمته فلذلك ضمن وال أعلم‪.‬‬
‫وإذا كان المام يعدل فيي الخيذ والصيرف لم يسيغ للمالك أن يتولى الصيرف بنفسيه فيي الناضّي‬
‫ول فيي غيره‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إن زكاة الناض على أربابيه‪ .‬وقال ابين الماجشون‪ :‬ذلك إذا كان الصيرف‬
‫للفقراء والمسيياكين خاصيية‪ ،‬فإن احتيييج إلى صييرفها لغيرهمييا ميين الصييناف فل يفرق عليهييم إل‬
‫المام‪ .‬وفروع هذا الباب كثيرة‪ ،‬هذه أمهاتا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والعاملييين عليهييا" يعنييي السييعاة والجباة الذييين يبعثهييم المام لتحصيييل الزكاة‬
‫بالتوكيل على ذلك‪ .‬روى البخاري عن أبي حميد الساعدي قال‪ :‬استعمل رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم رجل من السد على صدقات بني سليم يدعى ابن اللتبية‪ ،‬فلما جاء حاسبه‪ .‬واختلف العلماء‬
‫فيي المقدار الذي يأخذونيه على ثلثية أقوال‪ :‬قال مجاهيد والشافعيي‪ :‬هيو الثمين‪ .‬ابين عمير ومالك‪:‬‬
‫يعطون قدر عملهيم مين الجرة‪ ،‬وهيو قول أبيي حنيفية وأصيحابه‪ .‬قالوا‪ :‬لنيه عطيل نفسيه لمصيلحة‬
‫الفقراء‪ ،‬فكانت كفايته وكفاية أعوانه في مالهم‪ ،‬كالمرأة لما عطلت نفسها لحق الزوج كانت نفقتها‬
‫ونفقية أتباعهيا مين خادم أو خادميين على زوجهيا‪ .‬ول تقدر بالثمين‪ ،‬بيل تعتيبر الكفايية ثمنيا كان أو‬
‫أكثير‪ ،‬كرزق القاضيي‪ .‬ول تعتيبر كفايية العوان فيي زماننيا لنيه إسيراف محيض‪ .‬القول الثالث ‪-‬‬
‫يعطون مين بييت المال‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬وهذا قول صيحيح عين مالك بين أنيس مين روايية ابين أبيي‬
‫أويس وداود بن سعيد بن زنبوعة‪ ،‬وهو ضعيف دليل‪ ،‬فإن ال سبحانه قد أخبر بسهمهم فيها نصا‬
‫فكيييف يخلفون عنييه اسييتقراء وسييبرا‪ .‬والصييحيح الجتهاد فييي قدر الجرة‪ ،‬لن البيان فييي تعديييد‬
‫الصناف إنما كان للمحل ل للمستحق‪ ،‬على ما تقدم‪.‬‬
‫واختلفوا فيي العاميل إذا كان هاشمييا‪ ،‬فمنعيه أبيو حنيفية لقوله علييه السيلم‪( :‬إن الصيدقة ل تحيل‬
‫لل محمد إنما هي أوساخ الناس)‪ .‬وهذه صدقة من وجه‪ ،‬لنها جزء من الصدقة فتلحق بالصدقة‬
‫من كل وجه كرامة وتنزيها لقرابة رسول ال صلى ال عليه وسلم عن غسالة الناس‪ .‬وأجاز عمله‬
‫مالك والشافعيي‪ ،‬ويعطيى أجير عمالتيه‪ ،‬لن النيبي صيلى ال علييه وسيلم بعيث علي بين أبيي طالب‬
‫مصدقا‪ ،‬وبعثه عامل إلى اليمن على الزكاة‪ ،‬وولى جماعة من بني هاشم وولى الخلفاء بعده كذلك‪.‬‬
‫ولنيه أجيير على عميل مباح فوجيب أن يسيتوي فييه الهاشميي وغيره اعتبارا بسيائر الصيناعات‪.‬‬
‫قالت الحنفييية‪ :‬حديييث علي ليييس فيييه أنييه فرض له ميين الصييدقة‪ ،‬فإن فرض له ميين غيرهييا جاز‪.‬‬
‫وروي عن مالك‪.‬‬
‫@ ودل قوله تعالى‪" :‬والعامليين عليهيا" على أن كيل ميا كان مين فروض الكفايات كالسياعي‬
‫والكاتيب والقسيام والعاشير وغيرهيم فالقائم بيه يجوز له أخيذ الجرة علييه‪ .‬ومين ذلك المامية‪ ،‬فإن‬
‫الصلة وإن كانت متوجهة على جميع الخلق فإن تقدم بعضهم بهم من فروض الكفايات‪ ،‬فل جرم‬
‫يجوز أخيذ الجرة عليهيا‪ .‬وهذا أصيل الباب‪ ،‬وإلييه أشار النيبي صيلى ال علييه وسيلم بقوله‪( :‬ميا‬
‫تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة)قاله ابن العربي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والمؤلفة قلوبهم" ل ذكر للمؤلفة قلوبهم في التنزيل في غير قسم الصدقات‪ ،‬وهم‬
‫قوم كانوا فيي صيدر السيلم ممين يظهير السيلم‪ ،‬يتألفون بدفيع سيهم مين الصيدقة إليهيم لضعيف‬
‫يقينهييم‪ .‬قال الزهري‪ :‬المؤلفيية ميين أسييلم ميين يهودي أو نصييراني وإن كان غنيييا‪ .‬وقال بعييض‬
‫المتأخرين‪ :‬اختلف في صفتهم‪ ،‬فقيل‪ :‬هم صنف من الكفار يعطون ليتألفوا على السلم‪ ،‬وكانوا ل‬
‫يسلمون بالقهر والسيف‪ ،‬ولكن يسلمون بالعطاء والحسان‪ .‬وقيل‪ :‬هم قوم أسلموا في الظاهر ولم‬
‫تسيتيقن قلوبهيم‪ ،‬فيعطون ليتمكين السيلم فيي صيدورهم‪ .‬وقييل‪ :‬هيم قوم مين عظماء المشركيين لهيم‬
‫أتباع يعطون ليتألفوا أتباعهيم على السيلم‪ .‬قال‪ :‬وهذه القوال متقاربية والقصيد بجميعهيا العطاء‬
‫لمن ل يتمكن إسلمه حقيقة إل بالعطاء‪ ،‬فكأنه ضرب من الجهاد‪.‬‬
‫والمشركون ثلثية أصيناف‪ :‬صينف يرجيع بإقامية البرهان‪ .‬وصينف بالقهير‪ .‬وصينف بالحسيان‪.‬‬
‫والمام الناظير للمسيلمين يسيتعمل ميع كيل صينف ميا يراه سيببا لنجاتيه وتخليصيه مين الكفير‪ .‬وفيي‬
‫صيحيح مسيلم مين حدييث أنيس‪ ،‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم أعنيي للنصيار ‪( : -‬فإنيي‬
‫أعطيي رجال حديثيي عهيد بكفير أتألفهيم‪ )...‬الحدييث‪ .‬قال ابين إسيحاق‪ :‬أعطاهيم يتألفهيم ويتألف بهيم‬
‫قومهيم‪ .‬وكانوا أشرافيا‪ ،‬فأعطيى أبيا سيفيان بين حرب مائة بعيير‪ ،‬وأعطيى ابنيه مائة بعيير‪ ،‬وأعطيى‬
‫حكييم بين حزام مائة بعيير‪ ،‬وأعطيى الحارث بين هشام مائة بعيير‪ ،‬وأعطيى سيهيل بين عمرو مائة‬
‫بعيير‪ ،‬وأعطيى حويطيب بين عبدالعزى مائة بعيير‪ ،‬وأعطيى صيفوان بين أميية مائة بعيير‪ .‬وكذلك‬
‫أعطى مالك بن عوف والعلء بن جارية‪ .‬قال‪ :‬فهؤلء أصحاب المئين‪ .‬وأعطى رجال من قريش‬
‫دون المائة منهم مخرمة بن نوفل الزهري وعمير بن وهب الجمحي‪ ،‬وهشام بن عمرو العامري‪.‬‬
‫قال ابين إسيحاق‪ :‬فهؤلء ل أعرف ميا أعطاهيم‪ .‬وأعطيى سيعيد بين يربوع خمسيين بعيرا‪ ،‬وأعطيى‬
‫عباس بن مرداس السلمي أباعر قليلة فسخطها‪ .‬فقال في ذلك‪:‬‬
‫بكري على المهر في الجرع‬ ‫كانت نهابا تلفيتها‬
‫إذا هجع الناس لم أهجع‬ ‫وإيقاظي القوم أن يرقدوا‬
‫بين عيينة والقرع‬ ‫فأصبح نهبي ونهب العبيد‬
‫فلم أعط شيئا ولم أمنع‬ ‫وقد كنت في الحرب ذا تدرأ‬
‫عديد قوائمه الربع‬ ‫إل أفائل أعطيتها‬
‫يفوقان مرداس في المجمع‬ ‫وما كان حصن ول حابس‬
‫ومن تضع اليوم ل يرفع‬ ‫وما كنت دون امرئ منهما‬
‫فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬اذهبوا فاقطعوا عنيي لسيانه) فأعطوه حتيى رضيي‪ ،‬فكان‬
‫ذلك قطع لسانه‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وقد ذكر في المؤلفة قلوبهم النضير بن الحارث بن علقمة بن كلدة‪،‬‬
‫أخو النضير بن الحارث المقتول ببدر صيبرا‪ .‬وذكر آخرون أنيه فيمن هاجر إلى الحبشية‪ ،‬فإن كان‬
‫منهيم فمحال أن يكون مين المؤلفية قلوبهيم‪ ،‬ومين هاجير إلى أرض‪ ،‬الحبشية فهيو مين المهاجريين‬
‫الولين ممن رسخ اليمان فيي قلبه وقاتل دونه‪ ،‬وليس ممن يؤلف عليه‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬واستعمل‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم مالك بين عوف بين سيعد بين يربوع النصيري على مين أسيلم مين‬
‫قوميه مين قبائل قييس‪ ،‬وأمره بمغاورة ثقييف ففعيل وضييق عليهيم‪ ،‬وحسين إسيلمه وإسيلم المؤلفية‬
‫قلوبهيم‪ ،‬حاشيا عيينية بين حصين فلم يزل مغمورا علييه‪ .‬وسيائر المؤلفية متفاضلون‪ ،‬منهيم الخيير‬
‫الفاضييل المجتمييع على فضله‪ ،‬كالحارث بيين هشام‪ ،‬وحكيييم بيين حزام‪ ،‬وعكرميية بيين أبييي جهييل‪،‬‬
‫وسيهيل بين عمرو‪ ،‬ومنهيم دون هؤلء‪ .‬وقيد فضيل ال النيبيين وسيائر عباده المؤمنيين بعضهيم على‬
‫بعيض وهيو أعلم بهيم‪ .‬قال مالك‪ :‬بلغنيي أن حكييم بين حزام أخرج ميا كان أعطاه النيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم في المؤلفة قلوبهم فتصدق به بعد ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬حكييم بين حزام وحويطيب بين عبدالعزى عاش كيل واحيد منهميا مائة وعشريين سينة سيتين‬
‫في السلم وستين في الجاهلية‪ .‬وسمعت المام شيخنا الحافظ أبا محمد عبدالعظيم يقول‪ :‬شخصان‬
‫مين الصيحابة عاشيا فيي الجاهليية سيتين سينة وفيي السيلم سيتين سينة‪ ،‬وماتيا بالمدينية سينة أربيع‬
‫وخمسين‪ ،‬أحدهما حكيم بن حزام‪ ،‬وكان مولده في جوف الكعبة قبل عام الفيل بثلث عشرة سنة‪.‬‬
‫والثانييي حسييان بيين ثابييت بيين المنذر بيين حرام النصيياري‪ .‬وذكيير هذا أيضييا أبييو عميير وعثمان‬
‫الشهرزوري فييي كتاب معرفيية أنواع علم الحديييث له‪ ،‬ولم يذكرا غيرهمييا‪ .‬وحويطييب ذكره أبييو‬
‫الفرج الجوزي في كتاب الوفا في شرف المصطفى‪ .‬وذكره أبو عمر في كتاب الصحابة أنه أدرك‬
‫السلم وهو ابن ستين سنة‪ ،‬ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة‪ .‬وذكر أيضا حمنن بن عوف أخو‬
‫عبدالرحمين بين عوف‪ ،‬أنيه عاش فيي السيلم سيتين سينة وفيي الجاهليية سيتين سينة‪ .‬وقيد عيد فيي‬
‫المؤلفية قلوبهيم معاويية وأبوه أبيو سيفيان بين حرب‪ .‬أميا معاويية فبعييد أن يكون منهيم‪ ،‬فكييف يكون‬
‫منهيم وقيد ائتمنيه النيبي صيلى ال علييه وسيلم على وحيي ال وقراءتيه وخلطيه بنفسيه‪ .‬وأميا حاله فيي‬
‫أيام أبيي بكير فأشهير مين هذا وأظهير‪ .‬وأميا أبوه فل كلم فييه أنيه كان منهيم‪ .‬وفيي عددهيم اختلف‪،‬‬
‫وبالجملة فكلهم مؤمن ولم يكن فيهم كافر على ما تقدم‪ ،‬وال أعلم وأحكم‪.‬‬
‫واختلف العلماء فيي بقائهيم‪ ،‬فقال عمير والحسين والشعيبي وغيرهيم‪ :‬انقطيع هذا الصينف بعيز‬
‫السيلم وظهوره‪ .‬وهذا مشهور مين مذهيب مالك وأصيحاب الرأي‪ .‬قال بعيض علماء الحنفيية‪ :‬لميا‬
‫أعيز ال السيلم وأهله وقطيع دابر الكافريين ‪ -‬لعنهيم ال ‪ -‬اجتمعيت الصيحابة رضوان ال عنهيم‬
‫أجمعين في خلفة أبي بكر رضي ال عنه على سقوط سهمهم‪ .‬وقال جماعة من العلماء‪ :‬هم باقون‬
‫لن المام ربما أحتاج أن يستألف على السلم‪ .‬وإنما قطعهم عمر لما رأى من إعزاز الدين‪ .‬قال‬
‫يونيس‪ :‬سيألت الزهري عنهيم فقال‪ :‬ل أعلم نسيخا فيي ذلك‪ .‬قال أبيو جعفير النحاس‪ :‬فعلى هذا الحكيم‬
‫فيهيم ثابيت‪ ،‬فإن كان أحيد يحتاج إلى تألفيه ويخاف أن تلحيق المسيلمين منيه آفية أو يرجيى أن يحسين‬
‫إسيلمه بعيد دفيع إلييه‪ .‬قال القاضيي عبدالوهاب‪ :‬إن احتييج إليهيم فيي بعيض الوقات أعطوا مين‬
‫الصييدقة‪ .‬وقال القاضييي ابيين العربييي‪ :‬الذي عندي أنييه إن قوي السييلم زالوا‪ ،‬وإن احتيييج إليهييم‬
‫أعطوا سيهمهم كميا كان رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يعطيهيم‪ ،‬فإن فيي الصيحيح‪( :‬بدأ السيلم‬
‫غريبا وسيعود كما بدأ)‪.‬‬
‫@ فإذا فرّعنا على أنه ل يرد إليهم سهمهم فإنه يرجع إلى سائر الصناف أو ما يراه المام‪ .‬وقال‬
‫الزهري‪ :‬يعطى نصف سهمهم لعمار المساجد‪ .‬وهذا مما يدلك على أن الصناف الثمانية محل ل‬
‫مسييتحقون تسييوية‪ ،‬ولو كانوا مسييتحقين لسييقط سييهمهم بسيقوطهم ولم يرجييع إلى غيرهييم‪ ،‬كمييا لو‬
‫أوصى لقوم معينين فمات أحدهم لم يرجع نصيبه إلى من بقي منهم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وفي الرقاب" أي في فك الرقاب‪ ،‬قاله ابن عباس وابن عمر‪ ،‬وهو مذهب مالك‬
‫وغيره‪ .‬فيجوز للمام أن يشتري رقابييا ميين مال الصييدقة يعتقهييا عيين المسييلمين‪ ،‬ويكون ولؤهييم‬
‫لجماعية المسيلمين‪ .‬وإن اشتراهيم صياحب الزكاة وأعتقهيم جاز‪ .‬هذا تحصييل مذهيب مالك‪ ،‬وروي‬
‫عن ابن عباس والحسن‪ ،‬وبه قال أحمد وإسحاق وأبو عبيد‪ .‬وقال أبو ثور‪ :‬ل يبتاع منهيا صاحب‬
‫الزكاة نسيمة يعتقهيا بجَرّ ولء‪ .‬وهيو قول الشافعيي وأصيحاب الرأي وروايية عين مالك‪ .‬والصيحيح‬
‫الول‪ ،‬لن ال عييز وجييل قال‪" :‬وفييي الرقاب" فإذا كان للرقاب سييهم ميين الصييدقات كان له أن‬
‫يشتري رقبة فيعتقها‪ .‬ول خلف بين أهل العلم أن للرجل أن يشتري الفرس فيحمل عليه في سبيل‬
‫ال‪ .‬فإذا كان له أن يشتري فرسييا بالكمال ميين الزكاة جاز أن يشتري رقبيية بالكمال‪ ،‬ل فرق بييين‬
‫ذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وفي الرقاب" الصل في الولء‪ ،‬قال مالك‪ :‬هي الرقبة تعتق وولؤها للمسلمين‪،‬‬
‫وكذلك إن أعتقها المام‪ .‬وقد نهى النبي صلى ال عليه وسلم عن بيع الولء وعن هبته‪ .‬وقال عليه‬
‫السيلم‪( :‬الولء لحمية كلحمية النسيب ل يباع ول يوهيب)‪ .‬وقال علييه السيلم‪( :‬الولء لمين أعتيق)‪.‬‬
‫ول ترث النسياء مين الولء شيئا‪ ،‬لقوله علييه السيلم‪( :‬ل ترث النسياء مين الولء شيئا إل ميا أعتقين‬
‫أو أعتق من أعتقن) وقد ورث النبي صلى ال عليه وسلم ابنة حمزة من مولى لها النصف ولبنته‬
‫النصيف‪ .‬فإذا ترك المعتيق أولدا ذكورا وإناثيا فالولء للذكور مين ولده دون الناث‪ .‬وهيو إجماع‬
‫الصيحابة رضيي ال عنهيم‪ .‬والولء إنميا يورث بالتعصييب المحيض‪ ،‬والنسياء ل تعصييب فيهين فلم‬
‫يرثن من الولء شيئا‪ .‬فافهم تصب‪.‬‬
‫@ واختلف هل يعان منها المكاتب‪ ،‬فقيل ل‪ .‬روي ذلك عن مالك‪ ،‬لن ال عز وجل ذكر الرقبة‬
‫دل على أنه أراد العتق الكامل‪ ،‬وأما المكاتب فإنما هو داخل في كلمة الغارمين بما عليه من دين‬
‫الكتابية‪ ،‬فل يدخيل فيي الرقاب‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقيد روي عين مالك مين روايية المدنييين وزياد عنيه‪ :‬أنيه‬
‫يعان منهيا المكاتيب فيي آخير كتابتيه بميا يعتيق‪ .‬وعلى هذا جمهور العلماء فيي تأوييل قول ال تعالى‪:‬‬
‫"وفيي الرقاب"‪ .‬وبيه قال ابين وهيب والشافعيي واللييث والنخعيي وغيره وحكيى علي بين موسيى‬
‫القمي الحنفي في أحكامه‪ :‬أنهم أجمعوا على أن المكاتب مراد‪ .‬واختلفوا في عتق الرقاب‪ ،‬قال الكيا‬
‫الطيبري‪ :‬وذكير وجهيا بينيه فيي منيع ذلك فقال‪ :‬إن العتيق إبطال ملك ولييس بتملييك‪ ،‬وميا يدفيع إلى‬
‫المكاتب تمليك‪ ،‬ومن حق الصدقة أل تجزي إل إذا جرى فيها التمليك‪ .‬وقوى ذلك بأنه لو دفع من‬
‫الزكاة عين الغارم فيي دينيه بغيير أمره لم يجزه مين حييث لم يملك فلن ل يجزي ذلك فيي العتيق‬
‫أولى‪ .‬وذكير أن فيي العتيق جير الولء إلى نفسيه وذلك ل يحصيل فيي دفعيه للمكاتيب‪ .‬وذكير أن ثمين‬
‫العبد إذا دفعه إلى العبد لم يملكه العبد‪ ،‬وإن دفعه إلى سيده فقد ملّكه العتق‪ .‬وإن دفعه بعد الشراء‬
‫ض ديناً وذلك ل يجزي في الزكاة‪.‬‬ ‫والعتق فهو قا ٍ‬
‫قلت‪ :‬قيد ورد حدييث ينيص على معنيى ميا ذكرنيا مين جواز عتيق الرقبية وإعانية المكاتيب معيا‬
‫أخرجه الدارقطني عن البراء قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬دلني على عمل‬
‫يقربني من الجنة ويباعدني من النار‪ .‬قال‪( :‬لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة أعتق‬
‫النسيمة وفك الرقبية)‪ .‬فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أو ليسيتا واحدا ؟ قال‪( :‬ل‪ ،‬عتيق النسيمة أن تنفرد بعتقهيا‬
‫وفك الرقبة أن تعين في ثمنها‪ )...‬وذكر الحديث‪.‬‬
‫@ واختلفوا في فك السارى منها‪ ،‬فقال أصبغ‪ :‬ل يجوز‪ .‬وهو قول ابن قاسم‪ .‬وقال ابن حبيب‪:‬‬
‫يجوز‪ ،‬لنهيا رقبية ملكيت بملك الرق فهيي تخرج مين رق إلى عتيق‪ ،‬وكان ذلك أحيق وأولى مين‬
‫فكاك الرقاب الذي بأيدينييا‪ ،‬لنييه إذا كان فييك المسييلم عيين رق المسييلم عبادة وجائزا ميين الصييدقة‪،‬‬
‫فأحرى وأولى أن يكون ذلك في فك المسلم عن رق الكافر وذله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والغارمين" هم الذين ركبهم الدين ول وفاء عندهم به‪ ،‬ول خلف فيه‪ .‬اللهم إل‬
‫من ادّان في سفاهة فإنه ل يعطى منها ول من غيرها إل أن يتوب‪ .‬ويعطى منها من له مال وعليه‬
‫دييين محيييط بييه مييا يقضييي بييه دينييه‪ ،‬فإن لم يكيين له مال وعليييه دييين فهييو فقييير وغارم فيعطييى‬
‫بالوصيفين‪ .‬روى مسيلم عين أبيي سيعيد الخدري قال‪ :‬أصييب رجيل فيي عهيد رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم فيي ثمار ابتاعهيا فكثير دينيه‪ .‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬تصيدقوا علييه)‪.‬‬
‫فتصيدق الناس علييه فلم يبلغ ذلك وفاء دينيه‪ .‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لغرمائه‪( :‬خذوا‬
‫ما وجدتم وليس لكم إل ذلك)‪.‬‬
‫@ ويجوز للمتحميل فيي صيلح وبر أن يُعطيى من الصيدقة ميا يؤدي ميا تحمل به إذا وجب عليه‬
‫وإن كان غنييا‪ ،‬إذا كان ذلك يجحيف بماله كالغرييم‪ .‬وهيو قول الشافعيي وأصيحابه وأحميد بين حنبيل‬
‫وغيرهم‪ .‬واحتج من ذهب هذا المذهب بحديث قبيصة بن مخارق قال‪ :‬تحملت حمالة فأتيت النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم أسأله فيها فقال‪( :‬أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ‪ -‬ثم قال ‪ -‬يا قبيصة إن‬
‫المسألة ل تحل إل لحد ثلثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسيألة حتى يصييبها ثم يمسك ورجل‬
‫أصيابته جائحية اجتاحيت ماله فحلت له المسيألة حتيى يصييب قواميا مين عييش ‪ -‬أو قال سيدادا مين‬
‫حجَا من قومه لقد أصابت فلنا فاقة فحلت‬ ‫عيش ‪ -‬ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلثة من ذوي ال ِ‬
‫له المسيألة حتيى يصييب قواميا مين عييش ‪ -‬أو قال سيدادا مين عييش ‪ -‬فميا سيواهن مين المسيألة ييا‬
‫قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا)‪ .‬فقوله‪( :‬ثم يمسك) دليل على أنه غني‪ ،‬لن الفقير ليس عليه‬
‫أن يمسك‪ .‬وال أعلم‪ .‬وروي عنه عليه السلم أنه قال‪( :‬إن المسألة ل تحل إل لحد ثلثة لذي فقر‬
‫مدقيع أو لذي غرم مفظيع أو لذي دم موجيع)‪ .‬وروي عنيه علييه السيلم‪( :‬ل تحيل الصيدقة لغنيي إل‬
‫لخمسة‪ )...‬الحديث‪ .‬وسيأتي‪.‬‬
‫@ واختلفوا‪ ،‬هل يقضى منها دين الميت أم ل‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬ل يؤدى من الصدقة دين ميت‪.‬‬
‫وهيو قول ابين المواز‪ .‬قال أبيو حنيفية‪ :‬ول يعطيى منهيا مين علييه كفارة ونحيو ذلك مين حقوق ال‬
‫تعالى‪ ،‬وإنما الغارم من عليه دين يسجن فيه‪ .‬وقال علماؤنا وغيرهم‪ :‬يقضى منها دين الميت لنه‬
‫من الغارمين‪ ،‬قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أنا أولى بكل مؤمن من نفسه من ترك مال فلهله ومن‬
‫ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وفي سبيل ال" وهم الغزاة وموضع الرباط‪ ،‬يعطون ما ينفقون في غزوهم كانوا‬
‫أغنياء أو فقراء‪ .‬وهذا قول أكثير العلماء‪ ،‬وهيو تحصييل مذهيب مالك رحميه ال‪ .‬وقال ابين عمير‪:‬‬
‫الحجاج والعمار‪ .‬ويؤثر عن أحمد وإسحاق رحمهما ال أنهما قال‪ :‬سبيل ال الحج‪ .‬وفي البخاري‪:‬‬
‫ويذكير عين أبيي لس‪ :‬حملنيا النيبي صيلى ال علييه وسيلم على إبيل الصيدقة للحيج‪ ،‬ويذكير عين ابين‬
‫عباس‪ :‬يعتيق مين زكاة ماله ويعطيي فيي الحيج‪ .‬خرج أبيو محميد عبدالغنيي الحافيظ حدثنيا محميد بين‬
‫محمد الخياش حدثنا أبو غسان مالك بن يحيى حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مهدي بن ميمون عن‬
‫محمد بن أبي يعقوب عن عبدالرحمن بن أبي نُعم ويكنى أبا الحكم قال‪ :‬كنت جالسا مع عبدال بن‬
‫عمر فأتته امرأة فقالت له‪ :‬يا أبا عبدالرحمن‪ ،‬إن زوجي أوصى بماله في سبيل ال‪ .‬قال ابن عمر‪:‬‬
‫فهو كما قال في سبيل ال‪ .‬فقلت له‪ :‬ما زدتها فيما سألت عنه إل غما‪ .‬قال‪ :‬فما تأمرني يا ابن أبي‬
‫نُعيم‪ ،‬آمرهيا أن تدفعيه إلى هؤلء الجيوش الذيين يخرجون فيفسيدون فيي الرض ويقطعون السيبيل‪،‬‬
‫قال‪ :‬قلت فميا تأمرهيا‪ .‬قال‪ :‬آمرهيا أن تدفعيه إلى قوم صيالحين‪ ،‬إلى حجاج بييت ال الحرام‪ ،‬أولئك‬
‫وفد الرحمن‪ ،‬أولئك وفد الرحمن‪ ،‬أولئك وفد الرحمن‪ ،‬ليسوا كوفد الشيطان‪ ،‬ثلثا يقولها‪ .‬قلت‪ :‬يا‬
‫أبيا عبدالرحمين‪ ،‬وميا وفيد الشيطان؟ قال‪ :‬قوم يدخلون على هؤلء المراء ف ُي ِنمُون إليهيم الحدييث‪،‬‬
‫ويسيييعون فيييي المسيييلمين بالكذب‪ ،‬فيجازون الجوائز ويعطون علييييه العطاييييا‪ .‬وقال محميييد بييين‬
‫عبدالحكم‪ :‬ويعطى من الصدقة في الكراع والسلح وما يحتاج إليه من آلت الحرب‪ ،‬وكف العدو‬
‫عن الحوزة‪ ،‬لنه كله من سبيل الغزو ومنفعته‪ .‬وقد أعطى النبي صلى ال عليه وسلم مائة ناقة في‬
‫نازلة سهل بن أبي حثمة إطفاء للثائرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرج هذا الحدييث أبو داود عين بشيير بن يسيار‪ ،‬أن رجل مين النصيار يقال له سيهل بين‬
‫أبييي حثميية أخييبره أن رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم وداه مائة ميين إبييل الصييدقة‪ ،‬يعنييي دييية‬
‫النصاري الذي قتل بخيبر‪ ،‬وقال عيسى بن دينار‪ :‬تحل الصدقة لغاز في سبيل ال‪ ،‬قد احتاج في‬
‫غزوته وغاب عنه غناؤه ووفره‪ .‬قال‪ :‬ول تحل لمن كان معه ماله من الغزاة‪ ،‬إنما تحل لمن كان‬
‫ماله غائبيا عنيه منهيم‪ .‬وهذا مذهيب الشافعيي وأحميد وإسيحاق وجمهور أهيل العلم‪ .‬وقال أبيو حنيفية‬
‫وصياحباه‪ :‬ل يعطيى الغازي إل إذا كان فقيرا منقطعيا بيه‪ .‬وهذه زيادة على النيص‪ ،‬والزيادة عنده‬
‫على النيص نسيخ‪ ،‬والنسيخ ل يكون إل بقرآن أو خيبر متواتير‪ ،‬وذلك معدوم هنيا‪ ،‬بيل فيي صيحيح‬
‫السينة خلف ذلك مين قوله علييه السيلم‪( :‬ل تحيل الصيدقة لغنيي إل لخمسية لغاز فيي سيبيل ال أو‬
‫لعامييل عليهييا أو لغارم أو لرجييل اشتراهييا بماله أو لرجييل له جار مسييكين فتصييدق على المسييكين‬
‫فأهدى المسيكين للغنيي)‪ .‬رواه مالك مرسيل عين زييد بين أسيلم عين عطاء بين يسيار‪ .‬ورفعيه معمير‬
‫عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى ال عليه وسلم فكان‬
‫هذا الحدييث مفسيرا لمعنيى اليية‪ ،‬وأنيه يجوز لبعيض الغنياء أخذهيا‪ ،‬ومفسيرا لقوله علييه السيلم‪:‬‬
‫(ل تحل الصدقة لغني ول لذي مرة سوي) لن قوله هذا مجمل ليس على عمومه بدليل الخمسة‬
‫الغنياء المذكورين‪ .‬وكان ابن القاسم يقول‪ :‬ل يجوز لغني أن يأخذ من الصدقة ما يستعين به على‬
‫الجهاد وينفقيه فيي سيبيل ال‪ ،‬وإنميا يجوز ذلك لفقيير‪ .‬قال‪ :‬وكذلك الغارم ل يجوز له أن يأخيذ مين‬
‫الصدقة ما يقي به ماله ويؤدي منها دينه وهو عنها غني‪ .‬قال‪ :‬وإذا احتاج الغازي في غزوته وهو‬
‫غني له مال غاب عنه لم يأخذ من الصدقة شيئا يستقرض‪ ،‬فإذا بلغ بلده أدى ذلك من ماله‪ .‬هذا كله‬
‫ذكره ابن حبيب عن ابن القاسم‪ ،‬وزعم أن ابن نافع وغيره خالفوه في ذلك‪ .‬وروى أبو زيد وغيره‬
‫عن ابن القاسم أنه قال‪ :‬يعطى من الزكاة الغازي وإن كان معه في غزاته ما يكفيه من ماله وهو‬
‫غنيي فيي بلده‪ .‬وهذا هيو الصيحيح‪ ،‬لظاهير الحدييث‪( :‬ل تحيل الصيدقة لغنيي إل لخمسية‪ .)...‬وروى‬
‫ابن وهب عن مالك أنه يعطى منها الغزاة ومواضع الرباط فقراء كانوا أو أغنياء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وابين السيبيل" السيبيل الطرييق‪ ،‬ونسيب المسيافر إليهيا لملزمتيه إياهيا ومروره‬
‫عليها‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫وابن الهوى وأخو الهوى وأبوه‬ ‫إن تسألوني عن الهوى فأنا الهوى‬
‫والمراد الذي انقطعيت بيه السيباب فيي سيفره عين بلده ومسيتقره وماله‪ ،‬فإنيه يعطيى منهيا وإن كان‬
‫غنييا فيي بلده‪ ،‬ول يلزميه أن يشغيل ذمتيه بالسيلف‪ .‬وقال مالك فيي كتاب ابين سيحنون‪ :‬إذا وجيد مين‬
‫يسلفه فل يعطى‪ .‬والول أصح‪ ،‬فإنه ل يلزمه أن يدخل تحت منة أحد وقد وجد منة ال تعالى‪ .‬فإن‬
‫كان له ميا يغنييه ففيي جواز الخيذ له لكونيه ابين السيبيل روايتان‪ :‬المشهور أنيه ل يعطيى‪ ،‬فإن أخيذ‬
‫فل يلزمه رده إذا صار إلى بلده ول إخراجه‪.‬‬
‫فإن جاء وادعيى وصيفا مين الوصياف‪ ،‬هيل يقبيل قوله أم ل ويقال له أثبيت ميا تقول‪ .‬فأميا الديين‬
‫فل بيد أن يثبتيه‪ ،‬وأميا سيائر الصيفات فظاهير الحال يشهيد له ويكتفيى بيه فيهيا‪ .‬والدلييل على ذلك‬
‫حديثان صيحيحان أخرجهميا أهيل الصيحيح‪ ،‬وهيو ظاهير القرآن‪ .‬روى مسيلم عين جريير عين أبييه‬
‫قال‪ :‬كنيا عنيد النيبي صيلى ال علييه وسيلم فييي صييدر النهار‪ ،‬قال‪ :‬فجاءه قوم حفاة عراة مجتابييي‬
‫النمار أو العباء متقلدي السييوف‪ ،‬عامتهيم مين مضير بيل كلهيم مين مضير‪ ،‬فتمعير وجيه رسيول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم لميا رأى بهيم مين الفاقية‪ ،‬فدخيل ثيم خرج فأمير بلل فأذن وأقام فصيلى‪ ،‬ثيم‬
‫خطيب فقال‪" :‬ييا أيهيا الناس اتقوا ربكيم الذي خلقكيم ‪ -‬اليية إلى قوله ‪ -‬رقيبيا" [النسياء‪ ]1 :‬واليية‬
‫التي في الحشر "ولتنظر نفس ما قدمت لغد" [الحشر‪ ]18 :‬تصدق رجل من ديناره من ثوبه من‬
‫صاع بره ‪ -‬حتى قال ‪ -‬ولو بشق تمرة‪ .‬قال‪ :‬فجاء رجل من النصار بصرة كادت كفه تعجز عنها‬
‫بل قيد عجزت‪ ،‬قال‪ :‬ثم تتابع الناس حتى رأيت كومين من طعام وثياب‪ ،‬حتى رأيت وجه رسول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم يتهلل كأنيه مذهبية فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مين سين فيي‬
‫السلم سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن‬
‫سن فيي السلم سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من‬
‫أوزارهيم شييء)‪ .‬فاكتفيى صيلى ال عليه وسيلم بظاهير حالهيم وحيث على الصيدقة‪ ،‬ولم يطلب منهيم‬
‫بينة‪ ،‬ول استقصى هل عندهم مال أم ل‪ .‬ومثله حديث أبرص وأقرع وأعمى أخرجه مسلم وغيره‪.‬‬
‫وهذا لفظه‪ :‬عن أبي هريرة أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬إن فيي بني إسرائيل‬
‫أبرص وأقرع وأعمى فأراد ال أن يبتليهم فبعث إليهم ملكا فأتى البرص فقال أي شيء أحب إليك‬
‫فقال لون حسيين وجلد حسيين ويذهييب عنييي الذي قييد قذرنييي الناس قال فمسييحه فذهييب عنييه قذره‬
‫وأعطي لونا حسنا وجلدا حسنا قال فأي المال أحب إليك قال البل ‪ -‬أو قال البقر‪ ،‬شك إسحاق‪ ،‬إل‬
‫أن البرص أو القرع قال أحدهميا البيل وقال الخير البقير ‪ -‬قال فأعطيي ناقية عشراء قال بارك‬
‫ال لك فيهيا قال فأتيى القرع فقال أي شييء أحيب إلييك قال شعير حسين ويذهيب عنيي هذا الذي قيد‬
‫قذرنيي الناس قال فمسيحه فذهيب عنيه قال فأعطيي شعرا حسينا قال فأي المال أحيب إلييك قال البقير‬
‫فأعطيي بقرة حامل قال بارك ال لك فيهيا قال فأتيى العميى فقال أي شييء أحيب إلييك قال أن يرد‬
‫ال إلي بصري فأبصر به الناس قال فمسحه فرد ال إليه بصره قال فأي المال أحب إليك قال الغنم‬
‫فأعطيي شاة والدا فأنتيج هذان وولد هذا قال فكان لهذا واد مين البيل ولهذا واد مين البقير ولهذا واد‬
‫من الغنم قال ثم إنه أتى البرص في صورته وهيئته فقال رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في‬
‫سييفري فل بلغ لي اليوم إل بال وبييك أسييألك بالذي أعطاك اللون الحسيين والجلد الحسيين والمال‬
‫بعيرا أتبلغ عليييه فييي سييفري فقال له الحقوق كثيرة فقال له كأنييي أعرفييك ألم تكيين أبرص يقذرك‬
‫الناس فقيرا فأعطاك ال فقال إنما ورثت هذا المال كابرا عن كابر فقال إن كنت كاذبا فصيرك ال‬
‫إلى ما كنت فقال وأتى القرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا ورد عليه مثل ما رد على هذا‬
‫فقال إن كنيت كاذبيا فصييرك ال إلى ميا كنيت قال وأتيى العميى فيي صيورته وهيئتيه فقال رجيل‬
‫مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري فل بلغ لي اليوم إل بال ثم بك أسألك بالذي رد‬
‫عليك بصيرك شاة أتبلغ بها فيي سفري فقال قيد كنت أعمى فرد ال إلي بصيري فخذ ما شئت ودع‬
‫ما شئت فوال ل أجهدك اليوم شيئا أخذته ل فقال أمسك مالك فإنما ابتليتم فقد رضي عنك وسخط‬
‫على صاحبيك)‪.‬‬
‫وفيي هذا أدل دلييل على أن مين ادعيى زيادة على فقره مين عيال أو غيره ل يكشيف عنيه خلفيا‬
‫لمن قال يكشف عنه إن قدر‪ ،‬فإن في الحديث (فقال رجل مسكين وابن سبيل أسألك شاة) ولم يكلفه‬
‫إثبات السفر‪ .‬فأما المكاتب فإنه يكلف إثبات الكتابة لن الرق هو الصل حتى تثبت الحرية‪.‬‬
‫@ ول يجوز أن يعطيي مين الزكاة مين تلزميه نفقتيه وهيم الوالدان والولد والزوجية‪ .‬وإن أعطيى‬
‫المام صيدقة الرجيل لولده ووالده وزوجتيه جاز‪ .‬وأميا أن يتناول ذلك هيو نفسيه فل‪ ،‬لنيه يسيقط بهيا‬
‫عن نفسه فرضا‪ .‬قال أبو حنيفة‪ :‬ول يعطى منها ولد ابنه ول ولد ابنته‪ ،‬ول يعطي منها مكاتبه ول‬
‫مدبره ول أم ولده ول عبدا أعتييق نصييفه‪ ،‬لنييه مأمور باليتاء والخراج إلى ال تعالى بواسييطة‬
‫كيف الفقيير‪ ،‬ومنافيع الملك مشتركية بينيه وبيين هؤلء‪ ،‬ولهذا ل تقبيل شهادة بعضهيم لبعيض‪ .‬قال‪:‬‬
‫والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم وربما يعجز فيصير الكسب له‪ .‬ومعتق البعض عند أبي حنيفة‬
‫بمنزلة المكاتب‪ .‬وعند صاحبيه أبي يوسف ومحمد بمنزلة حر عليه دين فيجوز أداؤها إليه‪.‬‬
‫فإن أعطاها لمن ل تلزمه نفقتهم فقد اختلف فيه‪ ،‬فمنهم من جوزه ومنهم من كرهه‪ .‬قال مالك‪:‬‬
‫خوف المحمدة‪ .‬وحكى مطرف أنه قال‪ :‬رأيت مالكا يعطي زكاته لقاربه‪ .‬وقال الواقدي قال مالك‪:‬‬
‫أفضل من وضعت فيه زكاتك قرابتك الذين ل تعول‪ .‬وقد قال صلى ال عليه وسلم لزوجة عبدال‬
‫بين مسيعود‪( :‬لك أجران أجير القرابية وأجير الصيدقة)‪ .‬واختلفوا فيي إعطاء المرأة زكاتهيا لزوجهيا‪،‬‬
‫فذكير عين ابين حيبيب أنيه كان يسيتعين بالنفقية عليهيا بميا تعطييه‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬ل يجوز‪ ،‬وخالفيه‬
‫صاحباه فقال‪ :‬يجوز‪ .‬وهو الصح لما ثبت أن زينب امرأة عبدال أتت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم فقالت‪ :‬إني أريد أن أتصدق على زوجي أيجزيني ؟ فقال عليه السلم‪( :‬نعم لك أجران أجر‬
‫الصيدقة وأجير القرابية)‪ .‬والصيدقة المطلقية هيي الزكاة‪ ،‬ولنيه ل نفقية للزوج عليهيا‪ ،‬فكان بمنزلة‬
‫الجنييبي‪ .‬اعتييل أبييو حنيفيية فقال‪ :‬منافييع الملك بينهمييا مشتركيية‪ ،‬حتييى ل تقبييل شهادة أحدهمييا‬
‫لصاحبه‪ .‬والحديث محمول على التطوع‪ .‬وذهب الشافعي وأبو ثور وأشهب إلى إجازة ذلك‪ ،‬إذا لم‬
‫يصرفه إليها فيما يلزمه لها‪ ،‬وإنما يصرف ما يأخذه منها في نفقته وكسوته على نفسه وينفق عليها‬
‫من ماله‪.‬‬
‫@ واختلفوا أيضا في قدر المعطى‪ ،‬فالغارم يعطى قدر دينه‪ ،‬والفقير والمسكين يعطيان كفايتهما‬
‫وكفايية عيالهميا‪ .‬وفيي جواز إعطاء النصياب أو أقيل منيه خلف ينبنيي على الخلف المتقدم فيي حيد‬
‫الفقير الذي يجوز معيه الخيذ‪ .‬وروى علي بين زياد وابين نافيع‪ :‬لييس فيي ذلك حيد وإنميا هيو على‬
‫اجتهاد الوالي‪ .‬وقيد تقيل المسياكين وتكثير الصيدقة فيعطيى الفقيير قوت سينة‪ .‬وروى المغيرة‪ :‬يعطيى‬
‫دون النصاب ول يبلغه‪ .‬وقال بعض المتأخرين‪ :‬إن كان في البلد زكاتان نقد وحرث أخذ ما يبلغه‬
‫إلى الخرى‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬الذي أراه أن يعطى نصابا‪ ،‬وإن كان في البلد زكاتان أو أكثر‪ ،‬فإن‬
‫الغرض إغناء الفقيير حتيى يصيير غنييا‪ .‬فإذا أخيذ ذلك فإن حضرت الزكاة الخرى وعنده ميا يكفييه‬
‫أخذها غيره‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا مذهييب أصييحاب الرأي فييي إعطاء النصيياب‪ .‬وقييد كره ذلك أبييو حنيفيية مييع الجواز‪،‬‬
‫وأجازه أبيو يوسيف‪ ،‬قال‪ :‬لن بعضيه لحاجتيه مشغول للحال‪ ،‬فكان الفاضيل عين حاجتيه للحال دون‬
‫المائتيين‪ ،‬وإذا أعطاه أكثير مين مائتيي درهيم جملة كان الفاضيل عين حاجتيه للحال قدر المائتيين فل‬
‫يجوز‪ .‬ومين متأخري الحنفيية مين قال‪ :‬هذا إذا لم يكين له عيال ولم يكين علييه ديين‪ ،‬فإن كان علييه‬
‫دين فل بأس أن يعطيه مائتي درهم أو أكثر‪ ،‬مقدار ما لو قضى به دينه يبقى له دون المائتين‪ .‬وإن‬
‫كان معيل ل بأس بأن يعطييه مقدار ميا لو وزع على عيال أصياب كيل واحيد منهيم دون المائتيين‪،‬‬
‫لن التصدق عليه في المعنى تصدق عليه وعلى عياله‪ .‬وهذا قول حسن‪.‬‬
‫@ اعلم أن قوله تعالى‪" :‬للفقراء" مطلق ليس فيه شرط وتقييد‪ ،‬بل فيه دللة على جواز الصرف‬
‫إلى جملة الفقراء كانوا ميين بنييي هاشييم أو غيرهييم‪ ،‬إل أن السيينة وردت باعتبار شروط‪ :‬منهييا أل‬
‫يكونوا مين بنيي هاشيم وأل يكونوا ممين تلزم المتصيدق نفقتيه‪ .‬وهذا ل خلف فييه‪ .‬وشرط ثالث أل‬
‫يكون قويا على الكتساب‪ ،‬لنه عليه السلم قال‪( :‬ل تحل الصدقة لغني ول لذي مرة سوي)‪ .‬وقد‬
‫تقدم القول فيه‪ .‬ول خلف بين علماء المسلمين أن الصدقة المفروضة ل تحل للنبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم‪ ،‬ول لبنيي هاشيم ول لمواليهيم‪ .‬وقيد روي عين أبيي يوسيف جواز صيرف صيدقة الهاشميي‬
‫للهاشميي‪ ،‬حكاه الكييا الطيبري‪ .‬وشيذ بعيض أهيل العلم فقال‪ :‬إن موالي بنيي هاشيم ل يحرم عليهيم‬
‫شيء من الصدقات‪ .‬وهذا خلف الثابت عن النبي صلى ال عليه وسلم فإنه قال لبي رافع موله‪:‬‬
‫(وإن مولى القوم منهم)‬
‫@ واختلفوا في جواز صدقة التطوع لبني هاشم‪ ،‬فالذي عليه جمهور أهل العلم ‪ -‬وهو الصحيح ‪-‬‬
‫أن صدقة التطوع ل بأس بها لبني هاشم ومواليهم‪ ،‬لن عليا والعباس وفاطمة رضوان ال عليهم‬
‫تصيدقوا وأوقفوا أوقافيا على جماعية مين بنيي هاشيم‪ ،‬وصيدقاتهم الموقوفية معروفية مشهورة‪ .‬وقال‬
‫ابين الماجشون ومطرف وأصيبغ وابن حبيب‪ :‬ل يعطيى بنيو هاشم من الصيدقة المفروضية ول مين‬
‫التطوع‪ .‬وقال ابن القاسم‪ :‬يعطى بنو هاشم من صدقة التطوع‪ .‬قال ابن القاسم‪ :‬والحديث الذي جاء‬
‫عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل تحيل الصيدقة لل محميد) إنميا ذلك فيي الزكاة ل فيي التطوع‪.‬‬
‫واختار هذا القول ابين خوييز منداد‪ ،‬وبيه قال أبيو يوسيف ومحميد‪ .‬قال ابين القاسيم‪ :‬ويعطيى مواليهيم‬
‫من الصدقتين‪ .‬وقال مالك في الواضحة‪ :‬ل يعطى لل محمد من التطوع‪ .‬قال ابن القاسم‪ - :‬قيل له‬
‫يعني مالكا ‪ -‬فمواليهم؟ قال‪ :‬ل أدري ما الموالي‪ .‬فاحتججت عليه بقوله عليه السلم‪( :‬مولى القوم‬
‫منهم)‪ .‬فقال قد قال‪( :‬ابن أخت القوم منهم)‪ .‬قال أصبغ‪ :‬وذلك في البر والحرمة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فريضية مين ال" بالنصيب على المصيدر عنيد سييبويه‪ .‬أي فرض ال الصيدقات‬
‫فريضية‪ .‬ويجوز الرفيع على القطيع فيي قول الكسيائي‪ ،‬أي هين فريضية‪ .‬قال الزجاج‪ :‬ول أعلم أنيه‬
‫قرئ به‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قرأ بها إبراهيم بن أبي عبلة‪ ،‬جعلها خبرا‪ ،‬كما تقول‪ :‬إنما زيد خارج‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 61 :‬ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بال ويؤمن‬
‫للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول ال لهم عذاب أليم}‬
‫@ بيين تعالى أن فيي المنافقين مين كان يبسيط لسيانه بالوقيعة فيي أذية النيبي صيلى ال عليه وسلم‬
‫ويقول‪ :‬إن عاتبنيي حلفيت له بأنيي ميا قلت هذا فيقبله‪ ،‬فإنيه أذن سيامعة‪ .‬قال الجوهري‪ :‬يقال رجيل‬
‫أذن إذا كان يسيمع مقال كيل أحيد‪ ،‬يسيتوي فييه الواحيد والجميع‪ .‬وروى علي بين أبيي طلحية عين ابين‬
‫عباس فيي قوله تعالى‪" :‬هيو أذن" قال‪ :‬مسيتمع وقابيل‪ .‬وهذه اليية نزلت فيي عتاب بين قشيير‪ ،‬قال‪:‬‬
‫إنما محمد أذن يقبل كل ما قيل له‪ .‬وقيل‪ :‬هو نبتل بن الحارث‪ ،‬قال ابن إسحاق‪ .‬وكان نبتل رجل‬
‫جسيما ثائر شعر الرأس واللحية‪ ،‬آدم أحمر العينين أسفع الخدين مشوه الخلقة‪ ،‬وهو الذي قال فيه‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬من أراد أن ينظر إلى الشيطان فلينظر إلى نبتل بن الحارث)‪ .‬السفعة‬
‫بالضيم‪ :‬سيواد مشرب بحمرة‪ .‬والرجيل أسيفع‪ ،‬عنيد الجوهري‪ .‬وقرئ "أذن" بضيم الذال وسيكونها‪.‬‬
‫"قل أذن خير لكم" أي هو أذن خير ل أذن شر‪ ،‬أي يسمع الخير ول يسمع الشر‪ .‬وقرأ "قل أذن‬
‫خيير لكيم" بالرفيع والتنويين‪ ،‬الحسين وعاصيم فيي روايية أبيي بكير‪ .‬والباقون بالضافية‪ ،‬وقرأ حمزة‬
‫"ورحمة" بالخفض‪ .‬والباقون بالرفع عطف على "أذن"‪ ،‬والتقدير‪ :‬قل هو أذن خير وهو رحمة‪،‬‬
‫أي هيو مسيتمع خيير ل مسيتمع شير‪ ،‬أي هيو مسيتمع ميا يحيب اسيتماعه‪ ،‬وهيو رحمية‪ .‬ومين خفيض‬
‫فعلى العطييف على "خييير"‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا عنييد أهييل العربييية بعيييد‪ ،‬لنييه قييد تباعييد مييا بييين‬
‫السييمين‪ ،‬وهذا يقبييح فييي المخفوض‪ .‬المهدوي‪ :‬وميين جيير الرحميية فعلى العطييف على "خييير"‬
‫والمعنيى مسيتمع خيير ومسيتمع رحمية‪ ،‬لن الرحمية مين الخيير‪ .‬ول يصيح عطيف الرحمية على‬
‫المؤمنين‪ ،‬لن المعنى يصدق بال ويصدق المؤمنين؛ فاللم زائدة في قول الكوفيين‪ .‬ومثله "لربهم‬
‫يرهبون" [العراف‪ ]154 :‬أي يرهبون ربهم‪ .‬وقال أبو علي‪ :‬كقوله "ردف لكم" [النمل‪]72 :‬‬
‫وهي عند المبرد متعلقة بمصدر دل عليه الفعل‪ ،‬التقدير‪ :‬إيمانه للمؤمنين‪ ،‬أي تصديقه للمؤمنين ل‬
‫للكفار‪ .‬أو يكون محمول على المعنيى‪ ،‬فإن معنيى يؤمين يصيدق‪ ،‬فعدي باللم كميا عدي فيي قوله‬
‫تعالى‪" :‬مصدقا لما بين يديه" [المائدة‪.]46 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 62 :‬يحلفون بال لكم ليرضوكم وال ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين}‬
‫@ روي أن قوما من المنافقين اجتمعوا‪ ،‬فيهم الجلس بن سويد ووديعة بن ثابت‪ ،‬وفيهم غلم من‬
‫النصيار يدعيى عامير بين قييس‪ ،‬فحقروه فتكلموا وقالوا‪ :‬إن كان ميا يقول محميد حقيا لنحين شير مين‬
‫الحميير‪ .‬فغضيب الغلم وقال‪ :‬وال إن ميا يقول حيق وأنتيم شير مين الحميير‪ ،‬فأخيبر النيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم بقولهم‪ ،‬فحلفوا أن عامرا كاذب‪ ،‬فقال عامر‪ :‬هم الكذبة‪ ،‬وحلف على ذلك وقال‪ :‬اللهم ل‬
‫تفرق بيننيا حتيى يتيبين صيدق الصيادق وكذب الكاذب‪ .‬فأنزل ال هذه اليية وفيهيا "يحلفون بال لكيم‬
‫ليرضوكم"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال ورسيوله أحيق أن يرضوه" ابتداء وخيبر‪ .‬ومذهيب سييبويه أن التقديير‪ :‬وال‬
‫أحيق أن يرضوه ورسيوله أحيق أن يرضوه‪ ،‬ثيم حذف‪ ،‬كميا قال بعضهيم‪ :‬نحين بميا عندنيا وأنيت بميا‬
‫عندك راض والرأي مختلف وقال محميد بين يزييد‪ :‬لييس فيي الكلم محذوف‪ ،‬والتقديير‪ ،‬وال أحيق‬
‫أن يرضوه ورسيوله‪ ،‬على التقدييم والتأخيير‪ .‬وقال الفراء‪ :‬المعنيى ورسيوله أحيق أن يرضوه‪ ،‬وال‬
‫افتتاح كلم‪ ،‬كميا تقول‪ :‬ميا شاء ال وشئت‪ .‬قال النحاس‪ :‬قول سييبويه أولهيا‪ ،‬لنيه قيد صيح عين‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم النهيي عين أن يقال‪ :‬ميا شاء ال وشئت‪ ،‬ول يقدر فيي شييء تقدييم ول‬
‫تأخير‪ ،‬ومعناه صحيح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقييل إن ال سيبحانه جعيل رضاه فيي رضاه‪ ،‬أل ترى أنيه قال‪" :‬مين يطيع الرسيول فقيد‬
‫أطاع ال" [النسياء ‪ .]80‬وكان الربييع بين خثييم إذا مير بهذه اليية وقيف‪ ،‬ثيم يقول‪ :‬حرف وأيميا‬
‫حرف فُوض إليه فل يأمرنا إل بخير‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬تضمنت هذه الية قبول يمين الحالف وإن لم يلزم المحلوف له الرضا‪ .‬واليمين‬
‫حيق للمدعيي‪ .‬وتضمنيت أن يكون اليميين بال عيز وجيل حسيب ميا تقدم‪ .‬وقال النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم‪( :‬مين حلف فليحلف بال أو ليصيمت ومين حلف له فليصيدق)‪ .‬وقيد مضيى القول فيي اليمان‬
‫والستثناء فيها مستوفى في المائدة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 63 :‬ألم يعلموا أنيه مين يحادد ال ورسيوله فأن له نار جهنيم خالدا فيهيا ذلك الخزي‬
‫العظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم يعلموا" يعنييي المنافقيين‪ .‬وقرأ ابين هرمييز والحسيين "تعلموا" بالتاء على‬
‫الخطاب‪" .‬أنيه" فيي موضيع نصيب بيي "يعلموا"‪ ،‬والهاء كنايية عين الحدييث‪" .‬مين يحادد ال" فيي‬
‫موضيع رفيع بالبتداء‪ .‬والمحادة‪ :‬وقوع هذا فيي حيد وذاك فيي حيد‪ ،‬كالمشاقية‪ .‬يقال‪ :‬حاد فلن فلنيا‬
‫أي صار في حد غير حده‪" .‬فأن له نار جهنم" يقال‪ :‬ما بعد الفاء في الشرط مبتدأ‪ ،‬فكان يجب أن‬
‫يكون "فإن" بكسير الهمزة‪ .‬وقيد أجاز الخلييل وسييبويه "فإن له نار جهنيم" بالكسير‪ .‬قال سييبويه‪:‬‬
‫وهو جيد وأنشد‪:‬‬
‫قلئص تخدي في طريق طلئح‬ ‫وعلمي بأسدام المياه فلم تزل‬
‫فإني على حظي من المر جامح‬ ‫وأني إذا ملت ركابي مناخها‬
‫إل أن قراءة العاميية "فأن" بفتييح الهمزة‪ .‬فقال الخليييل أيضييا وسيييبويه‪ :‬إن "أن" الثانييية مبدلة ميين‬
‫الولى‪ .‬وزعم المبرد أن هذا القول مردود‪ ،‬وأن الصيحيح ما قاله الجرمي‪ ،‬قال‪ :‬إن الثانية مكررة‬
‫للتوكيييد لمييا طال الكلم‪ ،‬ونظيره "وهييم فييي الخرة هييم الخسييرون" [النمييل‪ .]5 :‬وكذا "فكان‬
‫عاقبتهميا أنهميا فيي النار خالديين فيهيا" [الحشير‪ .]17 :‬وقال الخفيش‪ :‬المعنيى فوجوب النار له‪.‬‬
‫وأنكره الميبرد وقال‪ :‬هذا خطيأ مين أجيل إن "أن" المفتوحية المشددة ل يبتدأ بهيا ويضمير الخيبر‪.‬‬
‫وقال علي بين سيليمان‪ :‬المعنيى فالواجيب أن له نار جهنيم‪ ،‬فإن الثانيية خيبر ابتداء محذوف‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫التقدير فله أن له نار جهنم‪ .‬فإن مرفوعة بالستقرار عاف إضمار المجرور بين الفاء وأن‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 64 :‬يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن ال‬
‫مخرج ما تحذرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يحذر المنافقون" خبر وليس بأمر‪ .‬ويدل على أنه خبر أن ما بعده "إن ال مخرج‬
‫مييا تحذرون" لنهييم كفروا عنادا‪ .‬وقال السييدي‪ :‬قال بعييض المنافقييين وال وددت لو أنييي قدمييت‬
‫فجلدت مائة ول ينزل فينيا شييء يفضحنيا‪ ،‬فنزلت اليية‪" .‬يحذر" أي يتحرز‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬معناه‬
‫ليحذر‪ ،‬فهيو أمير‪ ،‬كميا يقال‪ :‬يفعيل ذلك‪" .‬أن تنزل عليهيم" "أن" فيي موضيع نصيب‪ ،‬أي مين أن‬
‫تنزل‪ .‬ويجوز على قول سييبويه أن تكون فيي موضيع خفيض على حذف مين‪ .‬ويجوز أن تكون فيي‬
‫موضع نصب مفعولة ليحذر‪ ،‬لن سيبويه أجاز‪ :‬حذرت زيدا‪ ،‬وأنشد‪:‬‬
‫ما ليس منجيه من القدار‬ ‫حذر أمورا ل تضير وآم‬
‫ولم يجزه الميبرد‪ ،‬لن الحذر شييء فيي الهيئة‪ .‬ومعنيى "عليهيم" أي على المؤمنيين "سيورة" فيي‬
‫شأن المنافقيين تخيبرهم بمخازيهيم ومسياويهم ومثالبهيم‪ ،‬ولهذا سيميت الفاضحية والمثيرة والمبعثرة‪،‬‬
‫كميا تقدم أول السيورة‪ .‬وقال الحسين‪ :‬كان المسيلمون يسيمون هذه السيورة الحفارة لنهيا حفرت ميا‬
‫في قلوب المنافقين فأظهرته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل استهزئوا" هذا أمر وعيد وتهديد‪" .‬إن ال مخرج" أي مظهر "ما تحذرون"‬
‫ظهوره‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬أنزل ال أسيماء المنافقيين وكانوا سيبعين رجل‪ ،‬ثيم نسيخ تلك السيماء مين‬
‫القرآن رأفية منيه ورحمية‪ ،‬لن أولدهيم كانوا مسيلمين والناس يعيير بعضهيم بعضيا‪ .‬فعلى هذا قيد‬
‫أنجز ال وعده بإظهاره ذلك إذ قال‪" :‬إن ال مخرج ما تحذرون"‪ .‬وقيل‪ :‬إخراج ال أنه عرف نبيه‬
‫عليه السلم أحوالهم وأسماءهم ل أنها نزلت في القرآن‪ ،‬ولقد قال ال تعالى‪" :‬ولتعرفنهم في لحن‬
‫القول" [محمد‪ ]30 :‬وهو نوع إلهام‪ .‬وكان من المنافقين من يتردد ول يقطع بتكذيب محمد عليه‬
‫السلم ول بصدقه‪ .‬وكان فيهم من يعرف صدقه ومعاند‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 65 :‬ولئن سيألتهم ليقولن إنميا كنيا نخوض ونلعيب قيل أبال وآياتيه ورسيوله كنتيم‬
‫تستهزئون}‬
‫@ هذه الية نزلت في غزوة تبوك‪ .‬قال الطبري وغيره عن قتادة‪ :‬بينا النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يسيير فيي غزوة تبوك وركيب مين المنافقيين يسييرون بيين يدييه فقالوا‪ :‬انظروا‪ ،‬هذا يفتيح قصيور‬
‫الشام ويأخذ حصون بني الصفر! فأطلعه ال سبحانه على ما في قلوبهم وما يتحدثون به‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(احبسوا علي الركب ‪ -‬ثم أتاهم فقال ‪ -‬قلتم كذا وكذا) فحلفوا‪ :‬ما كنا إل نخوض ونلعب‪ ،‬يريدون‬
‫كنيا غيير مجديين‪ .‬وذكير الطيبري عين عبدال بين عمير قال‪ :‬رأييت قائل هذه المقالة وديعية بين ثابيت‬
‫متعلقيا بحقيب ناقية رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يماشيهيا والحجارة تنكبيه وهيو يقول‪ :‬إنميا كنيا‬
‫نخوض ونلعب‪ .‬والنبي صلى ال عليه وسلم يقول‪" :‬أبا ل وآياته ورسوله كنتم تستهزئون"‪ .‬وذكر‬
‫النقاش أن هذا المتعلق كان عبدال بين أبيي بين سيلول‪ .‬وكذا ذكير القشيري عين ابين عمير‪ .‬قال ابين‬
‫عطيية‪ :‬وذلك خطيأ‪ ،‬لنيه لم يشهيد تبوك‪ .‬قال القشيري‪ :‬وقييل إنميا قال علييه السيلم هذا لوديعية بين‬
‫ثابيت وكان مين المنافقيين وكان فيي غزوة تبوك‪ .‬والخوض‪ :‬الدخول فيي الماء‪ ،‬ثيم اسيتعمل فيي كيل‬
‫دخول فيه تلويث وأذى‪.‬‬
‫@ قال القاضي أبو بكر بن العربي‪ :‬ل يخلو أن يكون ما قالوه من ذلك جدا أو هزل‪ ،‬وهو كيفما‬
‫كان كفير‪ ،‬فإن الهزل بالكفير كفير ل خلف فييه بيين المية‪ .‬فإن التحقييق أخيو العلم والحيق‪ ،‬والهزل‬
‫أخييو الباطييل والجهييل‪ .‬قال علماؤنييا‪ :‬انظيير إلى قوله‪" :‬أتتخذنييا هزوا قال أعوذ بال أن أكون ميين‬
‫الجاهلين" [البقرة‪.]67 :‬‬
‫@ واختلف العلماء في الهزل في سائر الحكام كالبيع والنكاح والطلق على ثلثة أقوال‪ :‬ل يلزم‬
‫مطلقيا‪ .‬يلزم مطلقيا‪ .‬التفرقية بيين البييع وغيره‪ .‬فيلزم فيي النكاح والطلق‪ ،‬وهيو قول الشافعيي فيي‬
‫الطلق قول واحدا‪ .‬ول يلزم في البيع‪ .‬قال مالك في كتاب محمد‪ :‬يلزم نكاح الهازل‪ .‬وقال أبو زيد‬
‫عن ابن القاسم في العتبية‪ :‬ل يلزم‪ .‬وقال علي بن زياد‪ :‬يفسخ قبل وبعد‪ .‬وللشافعي في بيع الهازل‬
‫قولن‪ .‬وكذلك يخرج ميين قول علمائنييا القولن‪ .‬وحكييى ابيين المنذر الجماع فييي أن جييد الطلق‬
‫وهزله سواء‪ .‬وقال بعض المتأخرين من أصحابنا‪ :‬إن اتفقا على الهزل في النكاح والبيع لم يلزم‪،‬‬
‫وإن اختلفييا غلب الجييد الهزل‪ .‬وروى أبييو داود والترمذي والدارقطنييي عيين أبييي هريرة قال قال‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ثلث جدهين جيد وهزلهين جيد النكاح والطلق والرجعية)‪ .‬قال‬
‫الترمذي‪ :‬حديث حسن غريب‪ ،‬والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم وغيرهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬كذا فيي الحدييث (والرجعية) وفيي موطيأ مالك عين يحييى بين سيعيد عين سيعيد بين المسييب‬
‫قال‪ :‬ثلث ليس فيهم لعب النكاح والطلق والعتق‪ .‬وكذا روي عن علي بن أبي طالب وعبدال بن‬
‫مسيعود وأبيي الدرداء‪ ،‬كلهيم قال‪(:‬ثلث ل لعيب فيهين ول رجوع فيهين واللعيب فيهين جاد النكاح‬
‫والطلق والعتييق) وعيين سييعيد بيين المسيييب عيين عميير قال‪(:‬أربييع جائزات على كييل أحييد العتييق‬
‫والطلق والنكاح والنذور) وعن الضحاك قال‪ :‬ثلث ل لعب‪ ،‬فيهن النكاح والطلق والنذور‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 66 :‬ل تعتذروا قيد كفرتيم بعيد إيمانكيم إن نعيف عين طائفية منكيم نعذب طائفية بأنهيم‬
‫كانوا مجرمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم" على جهة التوبيخ‪ ،‬كأنه يقول‪ :‬ل تفعلوا ما ل‬
‫ينفع‪ ،‬ثم حكم عليهم بالكفر وعدم العتذار من الذنب‪ .‬واعتذر بمعنى أعذر‪ ،‬أي صار ذا عذر‪ .‬قال‬
‫لبيد‪:‬‬
‫ومن يبك حول كامل فقد اعتذر‬
‫والعتذار‪ :‬محو أثر الموجدة‪ ،‬يقال‪ :‬اعتذرت المنازل درست‪ .‬والعتذار الدروس‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫أطلل إلفك بالودكاء تعتذر‬ ‫أم كنت تعرف آيات فقد جعلت‬
‫وقال ابين العرابيي‪ :‬أصيله القطيع‪ .‬واعتذرت إلييه قطعيت ميا فيي قلبيه مين الموجدة‪ .‬ومنيه عذرة‬
‫الغلم وهو ما يقطع منه عند الختان‪ .‬ومنه عذرة الجارية لنه يقطع خاتم عذرتها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين" قيل‪ :‬كانوا ثلثة نفر‪،‬‬
‫هزئ اثنان وضحييك واحييد‪ ،‬فالمعفييو عنييه هييو الذي ضحييك ولم يتكلم‪ .‬والطائفيية الجماعيية‪ ،‬ومقال‬
‫للواحيد على معنيى نفيس طائفية‪ .‬وقال ابين النباري‪ :‬يطلق لفيظ الجميع على الواحيد‪ ،‬كقولك‪ :‬خرج‬
‫فلن على البغال‪ .‬قال‪ :‬ويجوز أن تكون الطائفيية إذا أرييييد بهييا الواحييد طائفييا‪ ،‬والهاء للمبالغيية‪.‬‬
‫واختلف في اسم هذا الرجل الذي عفي عنه على أقوال‪ .‬فقيل‪ :‬مخشي بن حمير‪ ،‬قاله ابن إسحاق‪.‬‬
‫وقال ابن هشام‪ :‬ويقال فيه ابن مخشي‪ .‬وقال خليفة بن خياط في تاريخه‪ :‬اسمه مخاشن بن حمير‪.‬‬
‫وذكير ابين عبدالبر مخاشين الحميري وذكير السيهيلي مخشين بين خميير‪ .‬وذكير جميعهيم أنيه اسيتشهد‬
‫باليمامة‪ ،‬وكان تاب وسمي عبدالرحمن‪ ،‬فدعا ال أن يقتل شهيدا ول يعلم بقبره‪ .‬واختلف هل كان‬
‫منافقيا أو مسيلما‪ .‬فقييل‪ :‬كان منافقيا ثيم تاب توبية نصيوحا‪ .‬وقييل‪ :‬كان مسيلما‪ ،‬إل أنيه سيمع المنافقيين‬
‫فضحك لهم ولم ينكر عليهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 67 :‬المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف‬
‫ويقبضون أيديهم نسوا ال فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬المنافقون والمنافقات" ابتداء‪" .‬بعضهيم" ابتداء ثان‪ .‬ويجوز أن يكون بدل‪،‬‬
‫ويكون الخبر "من بعض"‪ .‬ومعنى "بعضهم من بعض" أي هم كالشيء الواحد في الخروج عن‬
‫الدين‪ .‬وقال الزجاج‪ ،‬هذا متصل بقوله‪" :‬يحلفون بال إنهم لمنكم وما هم منكم" [التوبة‪ ]56 :‬أي‬
‫ليسيوا مين المؤمنيين‪ ،‬ولكين بعضهييم مين بعيض‪ ،‬أي متشابهون فيي المير بالمنكير والنهييي عين‬
‫المعروف‪ .‬وقبيض أيديهيم عبارة عين ترك الجهاد‪ ،‬وفيميا يجيب عليهيم مين حيق‪ .‬والنسييان‪ :‬الترك‬
‫هنيا‪ ،‬أي تركوا ميا أمرهيم ال بيه فتركهيم فيي الشيك‪ .‬وقييل‪ :‬إنهيم تركوا أمره حتيى صيار كالمنسيي‬
‫قصييرهم بمنزلة المنسيي من ثوابيه‪ .‬وقال قتادة‪" :‬نسييهم" أي مين الخيير‪ ،‬فأميا مين الشير فلم ينسيهم‪.‬‬
‫والفسق‪ :‬الخروج عن الطاعة والدين‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 68 :‬وعد ال المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هي حسبهم ولعنهم‬
‫ال ولهم عذاب مقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعيد ال المنافقيين" يقال‪ :‬وعيد ال بالخيير وعدا‪ .‬ووعيد بالشير وعيدا "خالديين"‬
‫نصيب على الحال والعاميل محذوف‪ ،‬أي يصيلونها خالديين‪" .‬هيي حسيبهم" ابتداء وخيبر‪ ،‬أي هيي‬
‫كفايية ووفاء لجزاء أعمالهيم‪ .‬واللعين‪ :‬البعيد‪ ،‬أي مين رحمية ال‪ ،‬وقيد تقدم‪" .‬ولهيم عذاب مقييم" أي‬
‫واصب دائم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 69 :‬كالذيين مين قبلكيم كانوا أشيد منكيم قوة وأكثير أموال وأولدا فاسيتمتعوا بخلقهيم‬
‫فاسيتمتعتم بخلقكيم كميا اسيتمتع الذيين مين قبلكيم بخلقهيم وخضتيم كالذي خاضوا أولئك حبطيت‬
‫أعمالهم في الدنيا والخرة وأولئك هم الخاسرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كالذين من قبلكم" قال الزجاج‪ :‬الكاف في موضع نصب‪ ،‬أي وعد ال الكفار نار‬
‫جهنم وعدا كما وعد الذين من قبلهم‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى فعلتم كأفعال الذين من قبلكم في المر بالمنكر‬
‫والنهيي عين المعروف‪ ،‬فحذف المضاف‪ .‬وقييل‪ :‬أي أنتيم كالذيين مين قبلكيم‪ ،‬فالكاف فيي محيل رفيع‬
‫لنيه خيبر ابتداء محذوف‪ .‬ولم ينصيرف "أشيد" لنيه أفعيل صيفة‪ .‬والصيل فييه أشدد‪ ،‬أي كانوا أشيد‬
‫منكم قوة فلم يتهيأ لهم ول أمكنهم رفع عذاب ال عز وجل‪.‬‬
‫@ روى سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال (تأخذون كما أخذت المم قبلكم‬
‫ذراعا بذراع وشبرا بشبر وباعا بباع حتى لو أن أحدا من أولئك دخل جحر ضب لدخلتموه)‪ .‬قال‬
‫أبو هريرة‪ :‬وإن شئتم فاقرؤوا القرآن‪" :‬كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموال وأولدا‬
‫فاسيتمتعوا بخلقهيم" قال أبيو هريرة‪ :‬والخلق‪ ،‬الديين "فاسيتمتعتم بخلقكيم كميا اسيتمتع الذيين مين‬
‫قبلكيم بخلقهيم" حتيى فرغ مين اليية‪ .‬قالوا‪ :‬ييا نيبي ال‪ ،‬فميا صينعت اليهود والنصيارى؟ قال‪( :‬وميا‬
‫الناس إل هيم)‪ .‬وفيي الصيحيح عنيه عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم (لتتبعين سينن مين قبلكيم شيبرا‬
‫بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬اليهود والنصارى؟‬
‫قال‪( :‬فمن)؟ وقال ابن عباس‪ :‬ما أشبه الليلة بالبارحة‪ ،‬هؤلء بنو إسرائيل شبهنا بهم‪ .‬ونحوه عن‬
‫ابن مسعود‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاسيتمتعوا بخلقهيم" أي انتفعوا بنصييبهم مين الديين كميا فعيل الذيين مين قبلهيم‪.‬‬
‫"وخضتيم" خروج مين الغيبية إلى الخطاب‪" .‬كالذي خاضوا" أي كخوضهيم‪ .‬فالكاف فيي موضيع‬
‫نصب نعت لمصدر محذوف‪ ،‬أي وخضتم خوضا كالذين خاضوا‪ .‬و"الذي" اسم ناقص مثل من‪،‬‬
‫يعييبر بييه عيين الواحييد والجمييع‪ .‬وقييد مضييى فييي "البقرة" ويقال‪ :‬خضييت الماء أخوضييه خوضييا‬
‫وخياضيييا‪ .‬والموضيييع مخاضييية‪ ،‬وهيييو ميييا جاز الناس فيهيييا مشاة وركبانيييا‪ .‬وجمعهيييا المخاض‬
‫والمخاوض أيضيا‪ ،‬عين أبيي زييد‪ .‬وأخضيت دابتيي فيي الماء‪ .‬وأخاض القوم‪ ،‬أي خاضيت خيلهيم‪.‬‬
‫وخضت الغمرات‪ :‬اقتحمتها‪ .‬ويقال‪ :‬خاضه بالسيف‪ ،‬أي حرك سيفه في المضروب‪ .‬وخوض في‬
‫نجيعيه شدد للمبالغية‪ .‬والمخوض للشراب كالمجدع للسيويق‪ ،‬يقال منيه‪ :‬خضيت‪ ،‬الشراب‪ .‬وخاض‬
‫القوم فيي الحدييث وتخاوضوا أي تفاوضوا فييه‪ ،‬فالمعنيى‪ :‬خضتيم فيي أسيباب الدنييا باللهيو واللعيب‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬في أمر محمد صلى ال عليه وسلم بالتكذيب‪" .‬أولئك حبطت" بطلت‪ .‬وقد تقدم‪" .‬أعمالهم"‬
‫حسناتهم‪" .‬وأولئك هم الخاسرون" وقد تقدم أيضا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 70 :‬ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين‬
‫والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان ال ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم يأتهم نبأ" أي خبر "الذين من قبلهم" اللف لمعنى التقرير والتحذير‪ ،‬أي ألم‬
‫يسمعوا إهلكنا الكفار من قبل‪" .‬قوم نوح وعاد وثمود" بدل من الذين‪" .‬وقوم إبراهيم" أي نمرود‬
‫بيين كنعان وقومييه‪" .‬وأصييحاب مدييين" مدييين اسييم للبلد الذي كان فيييه شعيييب‪ ،‬أهلكوا بعذاب يوم‬
‫الظلة‪" .‬والمؤتفكات" قيييل‪ :‬يراد بييه قوم لوط‪ ،‬لن أرضهييم ائتفكييت بهييم‪ ،‬أي انقلبييت‪ ،‬قاله قتادة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬المؤتفكات كل من أهلك‪ ،‬كما يقال‪ :‬انقلبت عليهم الدنيا‪" .‬أتتهم رسلهم بالبينات" يعني جميع‬
‫النبياء‪ .‬وقيل‪ :‬أتت أصحاب المؤتفكات رسلهم‪ ،‬فعلى هذا رسولهم لوط وحده‪ ،‬ولكنه بعث في كل‬
‫قرية رسول‪ ،‬وكانت ثلث قريات‪ ،‬وقيل أربع‪ .‬وقوله تعالى في موضع آخر‪" :‬والمؤتفكة" [النجم‪:‬‬
‫‪ ]53‬على طرييق الجنيس‪ .‬وقييل‪ :‬أراد بالرسيل الواحيد‪ ،‬كقوله "ييا أيهيا الرسيل كلوا مين الطيبات"‬
‫[المؤمنون‪ ]51 :‬ولم يكن في عصره غيره‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا فيييه نظيير‪ ،‬للحديييث الصييحيح عيين النييبي صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬إن ال خاطييب‬
‫المؤمنين بما أمر به المرسلين) الحديث‪ .‬وقد تقدم في "البقرة"‪ .‬والمراد جميع الرسل‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬فميا كان ال ليظلمهيم" أي ليهلكهيم حتيى يبعيث إليهيم النيبياء‪" .‬ولكين كانوا أنفسيهم‬
‫يظلمون" ولكن ظلموا أنفسهم بعد قيام الحجة عليهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 71 :‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهيم أولياء بعيض يأمرون بالمعروف وينهون عين‬
‫المنكير ويقيمون الصيلة ويؤتون الزكاة ويطيعون ال ورسيوله أولئك سييرحمهم ال إن ال عزييز‬
‫حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بعضهم أولياء بعض" أي قلوبهم متحدة في التواد والتحاب والتعاطف‪ .‬وقال في‬
‫المنافقين "بعضهم من بعض" لن قلوبهم مختلفة ولكن يقسم بعضهم إلى بعض في الحكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يأمرون بالمعروف" أي بعبادة ال تعالى وتوحيده‪ ،‬وكيل ما أتبيع ذلك‪" .‬وينهون‬
‫عين المنكير" عين عبادة الوثان وكيل ميا أتبيع ذلك‪ .‬وذكير الطيبري عين أبيي العاليية أنيه قال‪ :‬كيل ميا‬
‫ذكيير ال فييي القرآن ميين الميير بالمعروف والنهييي عيين المنكيير فهييو النهييي عيين عبادة الوثان‬
‫والشياطيين‪ .‬وقيد مضيى القول فيي المير بالمعروف والنهيي عين المنكير فيي سيورة "المائدة" و"آل‬
‫عمران" والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويقيمون الصييلة" تقدم فييي أول "البقرة" القول فييه‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬هيي‬
‫الصيلوات الخميس‪ ،‬وبحسيب هذا تكون الزكاة هنيا المفروضية‪ .‬ابين عطيية‪ :‬والمدح عندي بالنوافيل‬
‫أبلغ؛ إذ من يقيم النوافل أحرى بإقامة الفرائض‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويطيعون ال" فييي الفرائض "ورسييوله" فيمييا سيين لهييم‪ .‬والسييين فييي قوله‪:‬‬
‫"سيرحمهم ال" مدخلة في الوعد مهلة لتكون النفوس تتنعم برجائه؛ وفضله تعالى زعيم بالنجاز‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 72 :‬وعيد ال المؤمنيين والمؤمنات جنات تجري مين تحتهيا النهار خالديين فيهيا‬
‫ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من ال أكبر ذلك هو الفوز العظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعد ال المؤمنين والمؤمنات جنات" أي بساتين "تجري من تحتها النهار" أي‬
‫مين تحيت أشجارهيا وغرفهيا النهار‪ .‬وقيد تقدم فيي "البقرة" أنهيا تجري منضبطية بالقدرة فيي غيير‬
‫أخدود‪" .‬خالدين فيها ومساكن طيبة" قصور من الزبرجد والدر والياقوت يفوح طيبها من مسيرة‬
‫خمسيمائة عام‪" .‬فيي جنات عدن" أي فيي دار إقامية‪ .‬يقال‪ :‬عدن بالمكان إذا أقام بيه؛ ومنيه المعدن‪.‬‬
‫وقال عطاء الخراسياني‪" :‬جنات عدن" هيي قصيبة الجنية‪ ،‬وسيقفها عرش الرحمين جيل وعيز‪ .‬وقال‬
‫ابن مسعود‪ :‬هي بطنان الجنة‪ ،‬أي وسطها‪ .‬وقال الحسن‪ :‬هي قصر من ذهب ل يدخلها إل نبي أو‬
‫صيديق أو شهييد أو حكيم عدل؛ ونحوه عين الضحاك‪ .‬وقال مقاتيل والكلبيي‪ :‬عدن أعلى درجية فيي‬
‫الجنة‪ ،‬وفيها عين التسنيم‪ ،‬والجنان حولها محفوفة بها‪ ،‬وهي مغطاة من يوم خلقها ال حتى ينزلها‬
‫النيبياء والصيديقون والشهداء والصيالحون ومين يشاء ال‪" .‬ورضوان مين ال أكيبر" أي أكيبر مين‬
‫ذلك‪" .‬ذلك هو الفوز العظيم"‪.‬‬
‫*‪*3‬الييية‪{ 73 :‬يييا أيهييا النييبي جاهييد الكفار والمنافقييين واغلظ عليهييم ومأواهييم جهنييم وبئس‬
‫المصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا أيهيا النيبي جاهيد الكفار" الخطاب للنيبي صيلى ال علييه وسيلم وتدخيل فييه أمتيه‬
‫مين بعده‪ .‬قييل‪ :‬المراد جاهيد بالمؤمنيين الكفار‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬أمير بالجهاد ميع الكفار بالسييف‪،‬‬
‫وميع المنافقيين باللسيان وشدة الزجير والتغلييظ‪ .‬وروي عين ابين مسيعود أنيه قال‪ :‬جاهيد المنافقيين‬
‫بيدك‪ ،‬فإن لم تسيتطع فبلسيانك‪ ،‬فإن لم تسيتطع فاكفهير فيي وجوههيم‪ .‬وقال الحسين‪ :‬جاهيد المنافقيين‬
‫بإقامية الحدود عليهيم وباللسيان ‪ -‬واختار قتادة ‪ -‬وكانوا أكثير مين يصييب الحدود‪ .‬ابين العربيي‪ :‬أميا‬
‫إقامية الحجية باللسيان فكانيت دائمية وأميا بالحدود لن أكثير إصيابة الحدود كانيت عندهيم فدعوى ل‬
‫برهان عليها وليس العاصي بمنافق إنما المنافق بما يكون في قلبه من النفاق كامنا ل بما تتلبس به‬
‫الجوارح ظاهرا وأخبار المحدودين يشهد سياقها أنهم لم يكونوا منافقين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واغلظ عليهم" الغلظ‪ :‬نقيض الرأفة‪ ،‬وهي شدة القلب على إحلل المر بصاحبه‪.‬‬
‫وليس ذلك في اللسان؛ فإن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪" :‬إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحد ول‬
‫يثرب عليهييا)‪ .‬ومنييه قوله تعالى‪" :‬ولو كنييت فظييا غليييظ القلب لنفضوا ميين حولك" [آل عمران‪:‬‬
‫‪ .]159‬ومنيه قول النسيوة لعمير‪ :‬أنيت أفيظ وأغلظ مين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ومعنيى‬
‫الغلظ خشونيية الجانييب‪ .‬فهييي ضييد قوله تعالى‪" :‬واخفييض جناحييك لميين اتبعييك ميين المؤمنييين"‬
‫[الشعراء‪" .]215 :‬واخفض لهميا جناح الذل من الرحمية" [السيراء‪ .]24 :‬وهذه الية نسيخت‬
‫كل شيء من العفو والصلح والصفح‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 74 :‬يحلفون بال ميا قالوا ولقيد قالوا كلمية الكفير وكفروا بعيد إسيلمهم وهموا بميا لم‬
‫ينالوا وميا نقموا إل أن أغناهيم ال ورسيوله مين فضله فإن يتوبوا ييك خيرا لهيم وإن يتولوا يعذبهيم‬
‫ال عذابا أليما في الدنيا والخرة وما لهم في الرض من ولي ول نصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يحلفون بال ميا قالوا" روي أن هذه اليية نزلت فيي الجُلس بين سيويد بين‬
‫الصيامت‪ ،‬ووديعية بين ثابيت؛ وقعوا فيي النيبي صيلى ال علييه وسيلم وقالوا‪ :‬وال لئن كان محميد‬
‫صادقا على إخواننا الذين هم ساداتنا وخيارنا لنحن شر من الحمير‪ .‬فقال له عامر بن قيس‪ :‬أجل‬
‫وال إن محمدا لصيادق مصيدق؛ وإنيك لشير مين حمار‪ .‬وأخيبر عامير بذلك النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم‪ .‬وجاء الجلس فحلف بال عنيد منيبر النيبي صيلى ال علييه وسيلم إن عامرا لكاذب‪ .‬وحلف‬
‫عامر لقد قال‪ ،‬وقال‪ :‬اللهم أنزل على نبيك الصادق شيئا‪ ،‬فنزلت‪ .‬وقيل‪ :‬إن الذي سمعه عاصم بن‬
‫عدي‪ .‬وقيل حذيفة‪ .‬وقيل‪ :‬بل سمعه ولد امرأته واسمه عمير بن سعد؛ فيما قال ابن إسحاق‪ .‬وقال‬
‫غيره‪ :‬اسيمه مصيعب‪ .‬فهيم الجلس بقتله لئل يخيبر بخيبره؛ ففييه نزل‪" :‬وهموا بميا لم ينالوا"‪ .‬قال‬
‫مجاهيد‪ :‬وكان الجلس لميا قال له صياحبه إنيي سيأخبر رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بقولك هيم‬
‫بقتله‪ ،‬ثم لم يفعل‪ ،‬عجز عن ذلك‪ .‬قال‪ ،‬ذلك هي الشارة بقوله‪" ،‬وهموا بما لم ينالوا"‪ .‬وقيل‪ :‬إنها‬
‫نزلت فيي عبدال بين أبيي‪ ،‬رأى رجل مين غفار يتقاتيل ميع رجيل مين جهينية‪ ،‬وكانيت جهينية حلفاء‬
‫النصار‪ ،‬فعل الغفاري الجهني‪ .‬فقال ابن أبي‪ :‬يا بني الوس والخزرج‪ ،‬انصروا أخاكم فوال ما‬
‫مثلنيا ومثيل محميد إل كميا قال القائل‪ :‬سيمن كلبيك يأكلك‪ ،‬ولئن رجعنيا إلى المدينية ليخرجين العيز‬
‫منهيا الذل‪ .‬فأخيبر النيبي صيلى ال علييه وسيلم بذلك‪ ،‬فجاءه عبدال بين أبيي فحلف أنيه لم يقله؛ قال‬
‫قتادة‪ .‬وقول ثالث أنيه قول جمييع المنافقيين؛ قال الحسين‪ .‬ابين العربيي‪ :‬وهيو الصيحيح؛ لعموم القول‬
‫ووجود المعنى فيه وفيهم‪ ،‬وجملة ذلك اعتقادهم فيه أنه ليس بنبي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد قالوا كلمة الكفر" قال النقاش‪ :‬تكذيبهم بما وعد ال من الفتح‪ .‬وقيل‪" :‬كلمة‬
‫الكفير" قول الجلس‪ :‬إن كان ميا جاء بيه محميد حقيا لنحين أشير مين الحميير‪ .‬وقول عبدال بين أبيي‪:‬‬
‫لئن رجعنيا إلى المدينة ليخرجن العز منهيا الذل‪ .‬قال القشيري‪ :‬كلمة الكفر سب النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم والطعن في السلم‪" .‬وكفروا بعد إسلمهم" أي بعد الحكم بإسلمهم‪ .‬فدل هذا على أن‬
‫المنافقيين كفار‪ ،‬وفيي قوله تعالى‪" :‬ذلك بأنهيم آمنوا ثيم كفروا" [المنافقون‪ ]3 :‬دلييل قاطيع‪ .‬ودلت‬
‫اليية أيضيا على أن الكفير يكون بكيل ميا يناقيض التصيديق والمعرفية؛ وإن كان اليمان ل يكون إل‬
‫بل إله إل ال دون غيره ميين القوال والفعال إل فييي الصييلة‪ .‬قال إسييحاق بيين راهويييه‪ :‬ولقييد‬
‫أجمعوا في الصلة على شيء لم يجمعوا عليه في سائر الشرائع؛ لنهم بأجمعهم قالوا‪ :‬من عُرف‬
‫بالكفر ثم رأوه يصلي الصلة في وقتها حتى صلى صلوات كثيرة‪ .‬ولم يعلموا منه إقرارا باللسان‬
‫أنه يحكم له باليمان‪ ،‬ولم يحكموا له في الصوم والزكاة بمثل دلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهموا بما لم ينالوا" يعني المنافقين من قتل النبي صلى ال عليه وسلم ليلة العقبة‬
‫في غزوة تبوك‪ ،‬وكانوا اثني عشر رجل‪ .‬قال حذيفة‪ :‬سماهم رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى‬
‫عدهيم ولهيم‪ .‬فقلت‪ :‬أل تبعيث إليهيم فتقتلهيم؟ فقال‪( :‬أكره أن تقول العرب لميا ظفير بأصيحابه أقبيل‬
‫يقتلهيم بيل يكفيهيم ال بالدبيلة)‪ .‬قييل‪ :‬ييا رسيول ال وميا الدبيلة؟ قال‪( :‬شهاب مين جهنيم يجعله على‬
‫نياط فؤاد أحدهيم حتيى تزهيق نفسيه)‪ .‬فكان كذلك‪ .‬خرجيه مسيلم بمعناه‪ .‬وقييل هموا بعقيد التاج على‬
‫رأس ابن أبي ليجتمعوا عليه‪ .‬وقد تقدم قول مجاهد في هذا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما نقموا إل أن أغناهم ال ورسوله من فضله" أي ليس ينقمون شيئا؛ كما قال‬
‫النابغة‪:‬‬
‫بهن فلول من قراع الكتائب‬ ‫ول عيب فيهم غير أن سيوفهم‬
‫ويقال‪ :‬نقَم ينقِم‪ ،‬ونقِم ينقَم؛ قال الشاعر في الكسر‪:‬‬
‫أنهم يحلمون إن غضبوا‬ ‫ما نقِموا من بني أمية إل‬
‫وقال زهير‪:‬‬
‫ليوم الحساب أو يعجل فينقَم‬ ‫يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر‬
‫ينشيد بكسير القاف وفتحهيا‪ .‬قال الشعيبي‪ :‬كانوا يطلبون ديية فيقضيي لهيم بهيا رسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم فاستغنوا‪ .‬ذكر عكرمة أنها كانت اثني عشر ألفا‪ .‬ويقال‪ :‬إن القتيل كان مولى الجلس‪.‬‬
‫وقال الكلبيي‪ :‬كانوا قبيل قدوم النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي ضنيك مين العييش‪ ،‬ل يركبون الخييل‬
‫ول يحوزون الغنيميية‪ ،‬فلمييا قدم عليهييم النييبي صييلى ال علييه وسييلم اسييتغنوا بالغنائم‪ .‬وهذا المثييل‬
‫مشهور‪ :‬اتيق شير مين أحسينت إلييه‪ .‬قال القشيري أبيو نصير‪ :‬قييل للبجلي أتجيد فيي كتاب ال تعالى‬
‫اتق شر من أحسنت إليه؟ قال نعم‪" ،‬وما نقموا إل أن أغناهم ال ورسوله من فضله"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن يتوبوا يكن خيرا لهم" روي أن الجلس قام حين نزلت الية فاستغفر وتاب‪.‬‬
‫فدل هذا على توبة الكافر الذي يسر الكفر ويظهر اليمان؛ وهو الذي يسميه الفقهاء الزنديق‪ .‬وقد‬
‫اختلف فيي ذلك العلماء؛ فقال الشافعيي‪ :‬تقبيل توبتيه‪ .‬وقال مالك‪ :‬توبية الزندييق ل تعرف؛ لنيه كان‬
‫يظهير اليمان ويسير الكفير‪ ،‬ول يعلم إيمانيه إل بقوله‪ .‬وكذلك يفعيل الن فيي كيل حيين‪ ،‬يقول‪ :‬أنيا‬
‫مؤمن وهو يضمر خلف ما يظهر؛ فإذا عثر عليه وقال‪ :‬تبت‪ ،‬لم يتغير حاله عما كان عليه‪ .‬فإذا‬
‫جاءنا تائبا من قبل نفسه قبل أن يعثر عليه قبلت توبته؛ وهو المراد بالية‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يتولوا" أي يعرضوا عن اليمان والتوبة "يعذبهم ال عذابا أليما" في الدنيا‬
‫بالقتيل‪ ،‬وفيي الخرة بالنار‪" .‬وميا لهيم فييي الرض مين ولي" أي مانيع يمنعهييم "ول نصيير" أي‬
‫معين‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 76 - 75 :‬ومنهييم ميين عاهييد ال لئن آتانييا ميين فضله لنصييدقن ولنكونيين ميين‬
‫الصالحين‪ ،‬فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنهم من عاهد ال" قال قتادة‪ :‬هذا رجل من النصار قال‪ :‬لئن رزقني ال شيئا‬
‫لؤدين فيه حقه ولتصيدقن؛ فلميا آتاه ال ذلك فعل ما نُص عليكم‪ ،‬فاحذروا الكذب فإنيه يؤدي إلى‬
‫الفجور‪ .‬وروى علي بين يزييد عين القاسيم عين أبيي أمامية الباهلي أن ثعلبية بين حاطيب النصياري‬
‫(فسماه) قال للنبي صلى ال عليه وسلم ادع ال أن يرزقني مال‪ .‬فقال عليه السلم (ويحك يا ثعلبة‬
‫قلييل تؤدي شكره خيير مين كثيير ل تطيقيه) ثيم عاود ثانييا فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أميا‬
‫ترضييى أن تكون مثييل نييبي ال لو شئت أن تسييير معييي الجبال ذهبييا لسييارت) فقال‪ :‬والذي بعثييك‬
‫بالحق لئن دعوت ال فرزقني مال لعطين كل ذي حق حقه‪ .‬فدعا له النبي صلى ال عليه وسلم؛‬
‫فاتخذ غنما فنمت كما تنمي الدود‪ ،‬فضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل واديا من أوديتها حتى‬
‫جعل يصلي الظهر والعصر في جماعة‪ ،‬وترك ما سواهما‪ .‬ثم نمت وكثرت حتى ترك الصلوات‬
‫إل الجمعية‪ ،‬وهيي تنميي حتيى ترك الجمعية أيضيا فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ييا وييح‬
‫ثعلبة) ثلثا‪ .‬ثم نزل "خذ من أموالهم صدقة" [التوبة‪ .]103 :‬فبعث صلى ال عليه وسلم رجلين‬
‫على الصيدقة‪ ،‬وقال لهميا‪( :‬مرا بثعلبية وبفلن ‪ -‬رجيل مين بنيي سيليم ‪ -‬فخذا صيدقاتهما) فأتييا ثعلبية‬
‫وأقرأه كتاب رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذه إل أخت الجزية انطلقا حتى تفرغا ثم‬
‫تعودا‪ .‬الحديث‪ ،‬وهو مشهور‪ .‬وقيل‪ :‬سبب غناء ثعلبة أنه ورث ابن عم له‪ .‬قاله ابن عبدالبر‪ :‬قيل‬
‫إن ثعلبية بين حاطيب هيو الذي نزل فييه "ومنهيم مين عاهيد ال‪ "...‬اليية؛ إذ منيع الزكاة‪ ،‬فال أعلم‪.‬‬
‫وما جاء فيمن شاهد بدرا يعارضه قوله تعالى في الية‪" :‬فأعقبهم نفاقا في قلوبهم" الية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وذكر عن ابن عباس في سبب نزول الية أن حاطب بن أبي بلتعة أبطأ عنه ماله بالشام‬
‫فحلف فيي مجلس مين مجالس النصيار‪ :‬إن سيلم ذلك لتصيدقن منيه ولصيلن منيه‪ .‬فلميا سيلم بخيل‬
‫بذلك فنزلت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وثعلبة بدري أنصاري وممن شهد ال له ورسوله باليمان؛ حسب ما يأتي بيانه في أول‬
‫الممتحنية فميا روي عنيه غيير صيحيح‪ .‬قال أبيو عمير‪ :‬ولعيل قول مين قال فيي ثعلبية أنيه مانيع الزكاة‬
‫الذي نزلت فيييه الييية غييير صييحيح‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬إن الييية نزلت فييي رجال ميين‬
‫المنافقين نبتل بن الحارث وجد بن قيس ومعتب بن قشير‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا أشبيه بنزول اليية فيهيم؛ إل أن قوله "فأعقبهيم نفاقيا" يدل على أن الذي عاهيد ال لم‬
‫يكين منافقيا مين قبيل‪ ،‬إل أن يكون المعنيى‪ :‬زادهيم نفاقيا ثبتوا علييه إلى الممات‪ ،‬وهيو قوله تعالى‪:‬‬
‫"إلى يوم يلقونه" على ما يأتي‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬لما قال ال تعالى‪" :‬ومنهم من عاهد ال" احتمل أن يكون عاهد ال بلسانه ولم‬
‫يعتقده بقلبيه‪ .‬واحتميل أن يكون عاهيد ال بهميا ثيم أدركتيه سيوء الخاتمية؛ فإن العمال بخواتيمهيا‬
‫واليام بعواقبها‪ .‬و"من" رفع بالبتداء والخبر في المجرور‪ .‬ولفظ اليمين ورد في الحديث وليس‬
‫في ظاهر القرآن يمين إل بمجرد الرتباط واللتزام‪ ،‬أما إنه في صيغة القسم في المعنى فإن اللم‬
‫تدل علييه‪ ،‬وقيد أتيى بلميين الولى للقسيم والثانيية لم الجواب‪ ،‬وكلهميا للتأكييد‪ .‬ومنهيم مين قال‪:‬‬
‫إنهما ل ما القسم؛ والول أظهر‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ العهيد والطلق وكيل حكيم ينفرد بيه المرء ول يفتقير إلى غيره فييه فإنيه يلزميه منيه ميا يلتزميه‬
‫بقصده وإن لم يلفظ به؛ قاله علماؤنا‪ .‬وقال الشافعي وأبو حنيفة‪ :‬ل يلزم أحدا حكم إل بعد أن يلفظ‬
‫بيه وهيو القول الخير لعلمائنيا‪ .‬ابين العربيي‪ :‬والدلييل على صيحة ميا ذهبنيا إلييه ميا رواه أشهيب عين‬
‫مالك‪ ،‬وقيد سيئل‪ :‬إذا نوى الرجيل الطلق بقلبيه ولم يلفيظ بيه بلسيانه فقال‪ :‬يلزميه؛ كميا يكون مؤمنيا‬
‫بقلبيه‪ ،‬وكافرا بقلبيه‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬وهذا أصيل بدييع‪ ،‬وتحريره أن يقال‪ :‬عقيد ل يفتقير فييه المرء‬
‫إلى غيره في التزامه فانعقد عليه بنية‪ .‬أصله اليمان والكفر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحجية القول الثانيي ميا رواه مسيلم عين أبيي هريرة قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسيلم‪( :‬إن ال تجاوز لمتيي عميا حدثيت بيه أنفسيها ميا لم تعميل أو تتكلم بيه) رواه الترمذي وقال‪:‬‬
‫حدييث حسين صيحيح‪ ،‬والعميل على هذا عنيد أهيل العلم إذا حدث نفسيه بالطلق لم يكين شيئا حتيى‬
‫يتكلم به‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬ومن اعتقد بقلبه الطلق ولم ينطق به لسانه فليس بشيء‪ .‬هذا هو الشهر‬
‫عن مالك‪ .‬وقيد روي عنه أنه يلزمه الطلق إذا نواه بقلبيه؛ كميا يكفير بقلبه وإن لم ينطيق بيه لسانه‪.‬‬
‫والول أصيح فيي النظير وطرييق الثير؛ لقول رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬تجاوز ال لمتيي‬
‫عما وسوست به نفوسها ما لم ينطق به لسان أو تعلمه يد)‪.‬‬
‫@ إن كان نذرا فالوفاء بالنذر واجيب مين غيير خلف وتركيه معصيية‪ .‬وإن كانيت يمينيا فلييس‬
‫الوفاء باليميين واجبيا باتفاق‪ .‬بييد أن المعنيى فييه إن كان الرجيل فقيرا ل يتعيين علييه فرض الزكاة؛‬
‫فسأل ال مال تلزمه فيه الزكاة ويؤدي ما تعين عليه من فرضه‪ ،‬فلما آتاه ال ما شاء من ذلك ترك‬
‫ما التزم مما كان يلزمه في أصل الدين لو لم يلتزمه‪ ،‬لكن التعاطي بطلب المال لداء الحقوق هو‬
‫الذي أورطيه إذ كان طلبيه مين ال تعالى بغيير نيية خالصية‪ ،‬أو نيية لكين سيبقت فييه البدايية المكتوب‬
‫عليه فيها الشقاوة‪ .‬نعوذ بال من ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومين هذا المعنيى قوله علييه السيلم‪( :‬إذا تمنيى أحدكيم فلينظير ميا يتمنيى فإنيه ل يدري ميا‬
‫كتب له في غيب ال عز وجل من أمنيته) أي من عاقبتها‪ ،‬فرب أمنية يفتتن بها أو يطغي فتكون‬
‫سيببا للهلك دنييا وأخرى‪ ،‬لن أمور الدنييا مبهمية عواقبهيا خطرة غائلتهيا‪ .‬وأميا تمنيي أمور الديين‬
‫والخرى فتمنيها محمود العاقبة محضوض عليها مندوب إليها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لئن آتانا من فضله لنصدقن" دليل على أن من قال‪ :‬إن ملكت كذا وكذا فهو صدقة‬
‫فإنيه يلزميه؛ وبيه قال أبيو حنيفية‪ :‬وقال الشافعيي‪ :‬ل يلزميه‪ .‬والخلف فيي الطلق مثله‪ ،‬وكذلك فيي‬
‫العتيق‪ .‬وقال أحميد بين حنبيل‪ :‬يلزميه ذلك فيي العتيق ول يلزميه فيي الطلق؛ لن العتيق قربية وهيي‬
‫تثبيت فيي الذمية بالنذر؛ بخلف الطلق فإنيه تصيرف فيي محيل‪ ،‬وهيو ل يثبيت فيي الذمية‪ .‬احتيج‬
‫الشافعيي بميا رواه أبيو داود والترمذي وغيرهميا عين عمرو بين شعييب عين أبييه عين جده قال‪ :‬قال‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬ل نذر لبين آدم فيميا ل يملك ول طلق له فيميا ل يملك) لفيظ‬
‫الترمذي‪ .‬وقال‪ :‬وفيي الباب عين علي ومعاذ وجابر وابين عباس وعائشية حدييث عبدال بين عمرو‬
‫حديث حسن‪ ،‬وهو أحسن شيء روي في هذا الباب‪ .‬وهو قول أكثر أهل العلم من أصحاب النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وغيرهم‪ .‬ابن العربي‪ :‬وسرد أصحاب الشافعي في هذا الباب أحاديث كثيرة‬
‫لم يصح منها شيء فل يعول عليها‪ ،‬ولم يبق إل ظاهر الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما آتاهم من فضله" أي أعطاهم‪" .‬بخلوا به" أي بإعطاء الصدقة وبإنفاق المال‬
‫فيي الخيير‪ ،‬وبالوفاء بميا ضمنوا والتزموا‪ .‬وقيد مضيى البخيل فيي "آل عمران"‪" .‬وتولوا" أي عين‬
‫طاعة ال‪" .‬وهم معرضون" أي عن السلم‪ ،‬أي مظهرون للعراض عنه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 78 - 77 :‬فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا ال ما وعدوه وبما‬
‫كانوا يكذبون‪ ،‬ألم يعلموا أن ال يعلم سرهم ونجواهم وأن ال علم الغيوب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأعقبهيم نفاقيا" مفعولن أي أعقبهيم ال تعالى نفاقيا فيي قلوبهيم‪ .‬وقييل‪ :‬أي أعقبهيم‬
‫البخيل نفاقيا؛ ولهذا قال‪" :‬بخلوا بيه"‪" .‬إلى يوم يلقونيه" فيي موضيع خفيض؛ أي يلقون بخلهيم‪ ،‬أي‬
‫جزاء بخلهم؛ كما يقال‪ :‬أنت تلقي غدا عملك‪ .‬وقيل‪" :‬إلى يوم يلقونه" أي يلقون ال‪ .‬وفي هذا دليل‬
‫على أنيه مات منافقيا‪ .‬وهيو يبعيد أن يكون المنزل فييه ثعلبية أو حاطيب؛ لن النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم قال لعمير‪( :‬وميا يدرييك لعيل ال اطلع على أهيل بدر فقال اعملوا ميا شئتيم فقيد غفرت لكيم)‬
‫وثعلبية وحاطيب ممين حضير بدرا وشهدهيا‪" .‬بميا أخلفوا ال ميا وعدوه وبميا كانوا يكذبون" كذبهيم‬
‫نقضهم العهد وتركهم الوفاء بما التزموه من ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نفاقا" النفاق إذا كان في القلب فهو الكفر‪ .‬فأما إذا كان في العمال فهو معصية‪.‬‬
‫قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن‬
‫كانييت فيييه خصييلة ميين النفاق حتييى يدعهييا‪ .‬إذا اؤتميين خان وإذا حدث كذب وإذا عاهييد غدر وإذا‬
‫خاصيم فجير) خرجيه البخاري‪ .‬وقيد مضيى فيي "البقرة" اشتقاق هذه الكلمية‪ ،‬فل معنيى لعادتهيا‪.‬‬
‫واختلف الناس فيي تأوييل هذا الحدييث؛ فقالت طائفية‪ :‬إنميا ذلك لمين يحدث بحدييث يعلم أنيه كذب‪،‬‬
‫ويعهد عهدا ل يعتقد الوفاء به‪ ،‬وينتظر المانة للخيانة فيها‪ .‬وتعلقوا بحديث ضعيف السناد‪ ،‬وأن‬
‫علي بن أبي طالب رضي ال عنه لقي أبا بكر وعمر رضي ال عنهما خارجين من عند رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم وهما ثقيلن فقال علي‪ :‬مالي أراكما ثقيلين؟ قال حديثا سمعناه من رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم من خلل المنافقيين (إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا اؤتمن خان وإذا‬
‫وعييد أخلف) فقال علي‪ :‬أفل سييألتماه؟ فقال‪ :‬هبنييا رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم قال‪ :‬لكنييي‬
‫سيأسأله؛ فدخيل على رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فقال‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬خرج أبيو بكير وعمير‬
‫وهميا ثقيلن‪ ،‬ثيم ذكير ميا قاله‪ ،‬فقال‪( :‬قيد حدثتهمييا ولم أضعيه على الوضيع الذي وضعاه ولكين‬
‫المنافيق إذا حدث وهيو يحدث نفسيه أنيه يكذب وإذا وعيد وهيو يحدث نفسيه أنيه يخلف وإذا اؤتمين‬
‫وهيو يحدث نفسيه أنيه يخون) ابين العربيي‪ :‬قيد قام الدلييل الواضيح على أن متعميد هذه الخصيال ل‬
‫يكون كافرا‪ ،‬وإنميييا يكون كافرا باعتقاد يعود إلى الجهيييل بال وصيييفاته أو تكذييييب له تعالى ال‬
‫وتقدس عين اعتقاد الجاهليين وعين زييغ الزائغيين‪ .‬وقالت طائفية‪ :‬ذلك مخصيوص بالمنافقيين زمان‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ .‬وتعلقوا بما رواه مقاتل بن حيان عن سعيد بن جبير عن ابن عمر‬
‫وابن عباس قال‪ :‬أتينا رسيول ال صلى ال عليه وسلم فيي أناس مين أصحابه فقلنا‪ :‬يا رسول ال‪،‬‬
‫إنك قلت (ثلث من كن فيه فهو منافق وإن صام وصلي وزعم أنه مؤمن إذا حدث كذب وإذا وعد‬
‫أخلف وإذا اؤتمن خان ومن كانت فيه خصلة منهن ففيه ثلث النفاق) فظننا أنا لم نسلم منهن أو من‬
‫بعضهين ولم يسيلم منهين كثيير مين الناس؛ قال‪ :‬فضحيك رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وقال‪:‬‬
‫(مالكم ولهن إنما خصصت بهن المنافقين كما خصهم ال في كتابه أما قولي إذا حدث كذب فذلك‬
‫قوله عز وجل "إذا جاءك المنافقون‪[ "...‬المنافقون‪ - ]1 :‬الية ‪( -‬أفأنتم كذلك)؟ قلنا‪ :‬ل‪ .‬قال‪( :‬ل‬
‫عليكيم أنتيم مين ذلك براء وأميا قولي إذا وعيد أخلف فذلك فيميا أنزل ال علي "ومنهيم مين عاهيد ال‬
‫لئن آتانا من فضله" ‪ -‬اليات الثلث ‪( -‬أفأنتم كذلك) ؟ قلنا ل‪ ،‬وال لو عاهدنا ال على شيء أوفينا‬
‫بييه‪ .‬قال‪( :‬ل عليكييم أنتييم ميين ذلك براء وأمييا قولي وإذا اؤتميين خان فذلك فيمييا أنزل ال علي "إنييا‬
‫عرضنيا المانية على السيماوات والرض والجبال‪[ "...‬الحزاب‪ - ]72 :‬اليية ‪( -‬فكيل إنسيان‬
‫مؤتمين على دينيه فالمؤمين يغتسيل مين الجنابية فيي السير والعلنيية والمنافيق ل يفعيل ذلك إل فيي‬
‫العلنية أفأنتم كذلك)؟ قلنا ل قال‪( :‬ل عليكم أنتم من ذلك براء)‪ .‬وإلى هذا صار كثير من التابعين‬
‫والئمة‪ .‬قالت طائفة‪ :‬هذا فيمن كان الغالب عليه هذه الخصال‪ .‬ويظهر من مذهب البخاري وغيره‬
‫مين أهيل العلم أن هذه الخلل الذميمية منافيق مين اتصيف بهيا إلى يوم القيامية‪ .‬قال ابين العربيي‪:‬‬
‫والذي عندي أنه لو غلبت عليه المعاصي ما كان بها كافرا ما لم يؤثر في العتقاد‪.‬‬
‫قال علماؤنييا‪ :‬إن إخوة يوسييف عليييه السييلم عاهدوا أباهييم فأخلفوه‪ ،‬وحدثوه فكذبوه‪ ،‬وائتمنهييم‬
‫على يوسيف فخانوه وميا كانوا منافقيين‪ .‬قال عطاء بين أبيي رباح‪ :‬قيد فعيل هذه الخلل إخوة يوسيف‬
‫ولم يكونوا منافقييين بيل كانوا أنييبياء‪ .‬وقال الحسيين بين أبييي الحسيين البصييري‪ :‬النفاق نفاقان‪ ،‬نفاق‬
‫الكذب ونفاق العميل؛ فأميا نفاق الكذب فكان على عهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وأميا نفاق‬
‫العميل فل ينقطيع إلى يوم القيامية‪ .‬وروى البخاري عين حذيفية أن النفاق كان على عهيد رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فأما اليوم فإنما هو الكفر بعد اليمان‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬ألم يعلموا أن ال يعلم سرهم ونجواهم" هذا توبيخ‪ ،‬وإذا كان عالما فإنه سيجازيهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 79 :‬الذيين يلمزون المطوعيين مين المؤمنيين فيي الصيدقات والذيين ل يجدون إل‬
‫جهدهم فيسخرون منهم سخر ال منهم ولهم عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذيين يلمزون المطوعيين مين المؤمنيين فيي الصيدقات" هذا أيضيا مين صيفات‬
‫المنافقين‪ .‬قال قتادة‪" :‬يلمزون" يعيبون‪ .‬قال‪ :‬وذلك أن عبدالرحمن بن عوف تصدق بنصف ماله‪،‬‬
‫وكان ماله ثمانيية آلف فتصيدق منهيا بأربعية آلف‪ .‬فقال قوم‪ :‬ميا أعظيم رياءه؛ فأنزل ال‪" :‬الذيين‬
‫يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات"‪ .‬وجاء رجل من النصار بنصف صبرة من تمره‬
‫فقالوا‪ :‬ميا أغنيى ال عين هذا؛ فأنزل ال عيز وجيل "والذيين ل يجدون إل جهدهيم" اليية‪ .‬وخرج‬
‫مسيلم عين أبيي مسيعود قال‪ :‬أمرنيا بالصيدقة ‪ -‬قال‪ :‬كنيا نحاميل‪ ،‬فيي روايية‪ :‬على ظهورنيا ‪ -‬قال‪:‬‬
‫فتصيدق أبيو عقييل بنصيف صياع‪ .‬قال‪ :‬وجاء إنسيان بشييء أكثير منيه فقال المنافقون‪ :‬إن ال لغنيي‬
‫عن صيدقة هذا‪ ،‬وما فعل هذا الخر إل رياء‪ :‬فنزلت "الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في‬
‫الصيدقات والذيين ل يجدون إل جهدهيم"‪ .‬يعنيي أبيا عقييل‪ ،‬واسيمه الحبحاب‪ .‬والجهيد‪ :‬شييء قلييل‬
‫يعييييش بيييه المقيييل‪ .‬والجُهيييد والجَهيييد بمعنيييى واحيييد‪ .‬وقيييد تقدم‪ .‬و"يلمزون" يعيبون‪ .‬وقيييد تقدم‪.‬‬
‫و"المطوعين" أصله المتطوعين أدغمت التاء في الطاء؛ وهم الذين يفعلون الشيء تبرعا من غير‬
‫أن يجيب عليهيم‪" .‬والذيين" فيي موضيع خفيض عطيف على "المؤمنيين"‪ .‬ول يجوز أن يكون عطفيا‬
‫على السم قبل تمامه‪" .‬فيسخرون" عطف على "يلمزون"‪" .‬سخر ال منهم" خبر البتداء‪ ،‬وهو‬
‫دعاء عليهيم‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬هو خيبر؛ أي سيخر منهيم حييث صياروا إلى النار‪ .‬ومعنيى سيخر ال‬
‫مجازاتهم على سخريتهم‪ .‬وقد تقدم في "البقرة"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 80 :‬استغفر لهم أو ل تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر ال لهم ذلك‬
‫بأنهم كفروا بال ورسوله وال ل يهدي القوم الفاسقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اسيتغفر لهيم" يأتيي بيانيه عنيد قوله تعالى‪" :‬ولتصيل على أحيد منهيم مات أبدا"‬
‫[التوبة‪.]84 :‬‬
‫*‪*3‬الييية‪{ 81 :‬فرح المخلفون بمقعدهييم خلف رسييول ال وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهييم‬
‫وأنفسهم في سبيل ال وقالوا ل تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فرح المخلفون بمقعدهيم" أي بقعودهيم‪ .‬قعيد قعودا ومقعدا؛ أي جلس‪ .‬وأقعده‬
‫غيره؛ عن الجوهري‪ .‬والمخلف المتروك؛ أي خلفهم ال وثبطهم‪ ،‬أو خلفهم رسول ال والمؤمنون‬
‫لميا علموا تثاقلهيم عين الجهاد؛ قولن‪ ،‬وكان هذا فيي غزوة تبوك‪" .‬خلف رسيول ال" مفعول مين‬
‫أجله‪ ،‬وإن شئت كان مصيدرا‪ .‬والخلف المخالفية‪ .‬ومين قرأ "خلف رسيول ال" أراد التأخير عين‬
‫الجهاد‪" .‬وقالوا ل تنفروا في الحر" أي قال بعضهم لبعض ذلك‪" .‬قل نار جهنم" قل لهم يا محمد‬
‫نار جهنيم‪" .‬أشيد حرا لو كانوا يفقهون" ابتداء وخيبر‪" .‬حرا" نصيب على البيان؛ أي مين ترك أمير‬
‫ال تعرض لتلك النار‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 82 :‬فليضحكوا قليل وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فليضحكوا قليل" أمير‪ ،‬معناه معنيى التهدييد ولييس أمرا والصيل أن تكون اللم‬
‫مكسييورة فحذفييت الكسييرة لثقلهييا‪ .‬قال الحسيين‪" :‬فليضحكوا قليل" فييي الدنيييا "وليبكوا كثيرا" فييي‬
‫جهنيم‪ .‬وقيل‪ :‬هو أمر بمعنيى الخبر‪ .‬أي إنهم سيضحكون قليل ويبكون كثيرا‪" .‬جزاء" مفعول من‬
‫أجله؛ أي للجزاء‪.‬‬
‫@ من الناس من كان ل يضحك اهتماما بنفسه وفساد حاله في اعتقاده من شدة الخوف‪ ،‬وإن كان‬
‫عبدا صييالحا‪ .‬قال صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬وال لو تعلمون مييا أعلم لضحكتييم قليل ولبكيتييم كثيرا‬
‫ولخرجتيم إلى الصيعدات تجأرون إلى ال تعالى لوددت أنيي كنيت شجرة تعضيد) خرجيه الترمذي‪.‬‬
‫وكان الحسيين البصييري رضييي ال عنييه مميين قييد غلب عليييه الحزن فكان ل يضحييك‪ .‬وكان ابيين‬
‫سييرين يضحيك ويحتيج على الحسين ويقول‪ :‬ال أضحيك وأبكيى‪ .‬وكان الصيحابة يضحكون؛ إل أن‬
‫الكثار منه وملزمته حتى يغلب على صاحبه مذموم منهي عنه‪ ،‬وهو من فعل السفهاء والبطالة‪.‬‬
‫وفيي الخيبر‪( :‬أن كثرتيه تمييت القلب) وأميا البكاء مين خوف ال وعذابيه وشدة عقابيه فمحمود؛ قال‬
‫علييه السيلم‪( :‬ابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا فإن أهيل النار يبكون حتيى تسييل دموعهيم فيي وجوههيم‬
‫كأنهييا جداول حتييى تنقطيع الدموع فتسيييل الدماء فتقرح العيون فلو أن سييفنا أجريييت فيهيا لجرت)‬
‫خرجه ابن المبارك من حديث أنس وابن ماجة أيضا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 83 :‬فإن رجعيك ال إلى طائفية منهيم فاسيتأذنوك للخروج فقيل لن تخرجوا معيي أبدا‬
‫ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن رجعك ال إلى طائفة منهم" أي المنافقين‪ .‬وإنما قال‪" :‬إلى طائفة" لن جميع‬
‫مين أقام بالمدينية ميا كانوا منافقيين‪ ،‬بيل كان فيهيم معذورون ومين ل عذر له‪ ،‬ثيم عفيا وتاب عليهيم؛‬
‫كالثلثية الذيين خلفوا‪ .‬وسييأتي‪" .‬فاسيتأذنوك للخروج فقيل لن تخرجوا معيي أبدا" أي عاقبهيم بأل‬
‫تصحبهم أبدا‪ .‬وهو كما قال في "سورة الفتح"‪" :‬قل لن تتبعونا" [الفتح‪ .]15 :‬و"الخالفين" جمع‬
‫خالف؛ كأنهم خلقوا الخارجين‪ .‬قال ابن عباس‪" :‬الخالفين" من تخلف من المنافقين‪ .‬وقال الحسن‪:‬‬
‫ميع النسياء والضعفاء مين الرجال‪ ،‬فغلب المذكير‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى فأقعدوا ميع الفاسيدين؛ مين قولهيم‬
‫فلن خالفية أهيل بيتيه إذا كان فاسيدا فيهيم؛ مين خلوف فيم الصيائم‪ .‬ومين قولك‪ :‬خلف اللبين؛ أي فسيد‬
‫بطول المكييث فييي السييقاء؛ فعلى هذا يعنييي فاقعدوا مييع الفاسييدين‪ .‬وهذا يدل على أن اسييتصحاب‬
‫المخذل في الغزوات ل يجوز‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 84 :‬ول تصل على أحد منهم مات أبدا ول تقم على قبره إنهم كفروا بال ورسوله‬
‫وماتوا وهم فاسقون}‬
‫@ روي أن هذه اليية نزلت فيي شأن عبدال بين أبيي سيلول وصيلة النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫علييه‪ .‬ثبيت ذلك فيي الصيحيحين وغيرهميا‪ .‬وتظاهرت الروايات بأن النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫صلى عليه‪ ،‬وأن الية نزلت بعد ذلك‪ .‬وروي عن أنس بن مالك أن النبي صلى ال عليه وسلم لما‬
‫تقدم ليصيلي علييه جاءه جبرييل فجبيذ ثوبيه وتل علييه "ول تصيل على أحيد منهيم مات أبدا" اليية؛‬
‫فأنصرف رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يصل عليه‪ .‬والروايات الثابتة على خلف هذا‪ ،‬ففي‬
‫البخاري عن ابن عباس قال‪ :‬فصلي عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ثم انصرف؛ فلم يمكث‬
‫إل يسييرا حتيى نزلت اليتان مين [براءة] "ول تصيل على أحيد منهيم مات أبدا" ونحوه عين ابين‬
‫عمر؛ خرجه مسلم‪ .‬قال ابن عمر‪ :‬لما توفي عبدال بن أبي بن سلول جاء ابنه عبدال إلى رسول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم فسيأله أن يعطييه قميصيه يكفين فييه أباه فأعطاه ثيم سيأله أن يصيلي علييه‪،‬‬
‫فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم ليصلي عليه‪ ،‬فقام عمر وأخذ بثوب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم فقال‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬أتصيلي علييه وقيد نهاك ال أن تصيلي علييه؟ فقال رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم‪( :‬إنميا خيرنيي ال تعالى فقال‪" :‬اسيتغفر لهيم أو ل تسيتغفر لهيم إن تسيتغفر لهيم سيبعين‬
‫مرة" [التوبة‪ ]80 :‬وسأزيد على سبعين) قال‪ :‬إنه منافق‪ .‬فصلى عليه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم فأنزل ال عيز وجيل "ول تصيل على أحيد منهيم مات أبدا ول تقيم على قيبره" فترك الصيلة‬
‫عليهيم‪ .‬وقال بعيض العلماء‪ :‬إنميا صيلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم على عبدال بين أبيي بناء على‬
‫الظاهر من لفظ إسلمه‪ .‬ثم لم يكن يفعل ذلك لما نهي عنه‪.‬‬
‫@ إن قال قائل فكييف قال عمير‪ :‬أتصيلي عليه وقيد نهاك ال أن تصلي عليه؛ ولم يكين تقدم نهيي‬
‫عيين الصييلة عليهييم‪ .‬قيييل له‪ :‬يحتمييل أن يكون ذلك وقييع له فييي خاطره‪ ،‬ويكون ميين قبيييل اللهام‬
‫والتحدث الذي شهد له به النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد كان القرآن ينزل على مراده‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫وافقت ربي في ثلث‪ .‬وجاء‪ :‬في أربع‪ .‬وقد تقدم في البقرة‪ .‬فيكون هذا من ذلك‪ .‬ويحتمل أن يكون‬
‫فهم ذلك من قوله تعالى‪" :‬استغفر لهم أو ل تستغفر لهم" [التوبة‪ ]80 :‬الية‪ .‬ل أنه كان تقدم نهي‬
‫على ما دل عليه حديث البخاري ومسلم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويحتمييل أن يكون فهمييه ميين قوله تعالى‪" :‬مييا كان للنييبي والذييين آمنوا أن يسييتغفروا‬
‫للمشركين" [التوبة‪ ]113 :‬لنها نزلت بمكة‪ .‬وسيأتي القول فيها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬اسيتغفر لهيم" اليية‪ .‬بيين تعالى أنيه وإن اسيتغفر لهيم لم ينفعهيم ذلك وإن أكثير مين‬
‫الستغفار‪ .‬قال القشيري‪ :‬ولم يثبت ما يروي أنه قال‪( :‬لزيدن على السبعين)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا خلف ميا يثبيت فيي حدييث ابين عمير (وسيأزيد على سيبعين) وفيي حدييث ابين عباس‬
‫(لو أعلم أنيي زدت على السيبعين يغفير لهيم لزدت عليهيا]‪ .‬قال فصيلي علييه رسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪ .‬خرجه البخاري‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في تأويل قوله‪" :‬استغفر لهم" هل هو إياس أو تخيير‪ ،‬فقالت طائفة‪ :‬المقصود‬
‫به اليأس بدليل قوله تعالى‪" :‬فلن يغفر ال لهم" [التوبة‪ .]80 :‬وذكر السبعين وفاق جرى‪ ،‬أو هو‬
‫عادتهيم فيي العبارة عين الكثرة والغياء فإذا قال قائلهيم‪ :‬ل أكلميه سيبعين سينة صيار عندهيم بمنزلة‬
‫قوله‪ .‬ل أكلميه أبدا‪ .‬ومثله فيي الغياء قوله تعالى‪" :‬فيي سيلسلة ذرعهيا سيبعون ذراعيا" [الحاقية‪:‬‬
‫‪ ]32‬وقوله عليه السلم‪( :‬من صام يوما فيي سبيل ال باعد ال وجهه عن النار سبعين خريفا)‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬هو تخيير ‪ -‬منهم الحسن وقتاده وعروة ‪ -‬إن شئت استغفر لهم وإن شئت ل تستغفر‪.‬‬
‫ولهذا لميا أراد أن يصيلي على ابين أبيي قال عمير‪ :‬أتصيلي على عدو ال‪ ،‬القائل يوم كذا كذا وكذا؟‬
‫فقال‪( :‬إنيي خيرت فاخترت)‪ .‬قالوا ثيم نسيخ هذا لميا نزل "سيواء عليهيم أسيتغفرت لهيم أم لم تسيتغفر‬
‫لهم" [المنافقون‪" ]6 :‬ذلك بأنهم كفروا" [التوبة‪]80 :‬أي ل يغفر ال لهم لكفرهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما كان للنبي والذين آمنوا أن يسيتغفروا للمشركين" [التوبة‪ ]113 :‬الية‪ .‬وهذه‬
‫الية نزلت بمكة عند موت أبي طالب‪ ،‬على ما يأتي بيانه‪ .‬وهذا يفهم منه النهي عن الستغفار لمن‬
‫مات كافرا‪ .‬وهو متقدم على هذه الية التي فهم منها التخيير بقوله‪( :‬إنما خيرني ال) وهذا مشكل‪.‬‬
‫فقيل‪ :‬إن استغفاره لعمه إنما كان مقصوده استغفارا مرجو الجابة حتى تحصل له المغفرة‪ .‬وفي‬
‫هذا السيتغفار اسيتأذن علييه السيلم ربيه فيي أن يأذن له فييه لميه فلم يأذن له فييه‪ .‬وأميا السيتغفار‬
‫للمنافقيين الذي خيير فييه فهيو اسيتغفار لسياني ل ينفيع‪ ،‬وغايتيه تطيييب قلوب بعيض الحياء مين‬
‫قرابات المستغفر له‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ واختلف فيي إعطاء النبي صلى ال عليه وسيلم قميصه لعبدال؛ فقيل‪ :‬إنميا أعطاه لن عبدال‬
‫كان قيد أعطيى العباس عيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم قميصيه يوم بدر‪ .‬وذلك أن العباس لميا أسير‬
‫يوم بدر ‪ -‬على ما تقدم ‪ -‬وسيلب ثوبيه رآه النيبي صلى ال عليه وسلم كذلك فأشفق علييه‪ ،‬فطلب له‬
‫قميصا فما وجد له قميص يقادره إل قميص عبدال‪ ،‬لتقاربهما في طول القامة؛ فأراد النبي صلى‬
‫ال علييه وسيلم بإعطاء القمييص أن يرفيع الييد عنه فيي الدنييا‪ ،‬حتيى ل يلقاه فيي الخرة وله عليه ييد‬
‫يكافئه بهيا‪ ،‬وقييل‪ :‬إنميا أعطاه القمييص إكراميا لبنيه وإسيعافا له فيي طلبتيه وتطييبيا لقلبيه‪ .‬والول‬
‫أصح؛ خرجه البخاري عن جابر بن عبدال قال‪ :‬لما كان يوم بدر أتي بأسارى وأتي بالعباس ولم‬
‫يكين علييه ثوب؛ فطلب النيبي صيلى ال علييه وسيلم له قميصيا فوجدوا قمييص عبدال بين أبيي يقدر‬
‫علييه‪ ،‬فكسياه النيبي صيلى ال علييه وسيلم إياه؛ فلذلك نزع النيبي صيلى ال علييه وسيلم قميصيه الذي‬
‫ألبسيه‪ .‬وفيي الحدييث أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪[ :‬إن قميصيي ل يغنيي عنيه مين ال شيئا‬
‫وإنيي لرجيو أن يسيلم بفعلي هذا ألف رجيل مين قوميي] كذا فيي بعيض الروايات (مين قوميي) يرييد‬
‫مين منافقيي العرب‪ .‬والصيحيح أنيه قال‪( :‬رجال مين قوميه)‪ .‬ووقيع فيي مغازي ابين إسيحاق وفيي‬
‫بعيض كتيب التفسيير‪ :‬فأسيلم وتاب لهذه الفعلة مين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ألف رجيل مين‬
‫الخزرج‪.‬‬
‫@ لميا قال تعالى‪" :‬ول تصيل على أحيد منهيم مات أبدا" قال علماؤنيا‪ :‬هذا نيص في المتناع من‬
‫الصيلة على الكفار‪ ،‬ولييس فييه دلييل على الصيلة على المؤمنيين‪ .‬واختلف هيل يؤخيذ مين مفهوميه‬
‫وجوب الصيلة على المؤمنيين على قوليين‪ .‬يؤخيذ لنيه علل المنيع مين الصيلة على الكفار لكفرهيم‬
‫لقوله تعالى‪" :‬إنهييم كفروا بال ورسييوله" فإذا زال الكفيير وجبييت الصييلة‪ .‬ويكون هذا نحييو قوله‬
‫تعالى‪" :‬كل إنهيم عين ربهيم يومئذ لمحجوبون" [المطففيين‪ ]15 :‬يعنيي الكفار؛ فدل على أن غيير‬
‫الكفار يرونيه وهيم المؤمنون؛ فذلك مثله‪ .‬وال أعلم‪ .‬أو تؤخيذ الصيلة مين دلييل خارج عين اليية‪،‬‬
‫وهيي الحادييث الواردة فيي الباب‪ ،‬والجماع‪ .‬ومنشيأ الخلف القول بدلييل الخطاب وتركيه‪ .‬روى‬
‫مسيلم عين جابر بين عبدال قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إن أخيا لكيم قيد مات فقوموا‬
‫فصلوا عليه) قال‪ :‬فقمنا فصففنا صفين؛ يعني النجاشي‪ .‬وعن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال‬
‫علييه وسيلم نعيى للناس النجاشيي فييي اليوم الذي مات فيييه‪ ،‬فخرج بهييم إلى المصيلي وكيبر أربييع‬
‫تكبيرات‪ .‬وأجمع المسلمون على أنه ل يجوز ترك الصلة على جنائز المسلمين‪ ،‬من أهل الكبائر‬
‫كانوا أو صيالحين‪ ،‬وراثية عين نيبيهم صيلى ال علييه وسيلم قول وعمل‪ .‬والحميد ل‪ .‬وأتفيق العلماء‬
‫على ذلك إل في الشهيد كما تقدم؛ وإل في أهل البدع والبغاة‪.‬‬
‫@ والجمهور من العلماء على أن التكبير أربع‪ .‬قال ابن سيرين‪ :‬كان التكبير ثلثا فزادوا واحدة‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬يكبر خمسا؛ وروي عن ابن مسعود وزيد بن أرقم‪ .‬وعن علي‪ :‬ست تكبيرات‪ .‬وعن‬
‫ابين عباس وأنيس بين مالك وجابر بين زييد‪ :‬ثلث تكيبيرات والمعول علييه أربيع‪ .‬روى الدارقطنيي‬
‫عين أبيي بين كعيب أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬إن الملئكية صيلت على آدم فكيبرت‬
‫عليه أربعا وقالوا هذه سنتكم يا بني آدم)‪.‬‬
‫ول قراءة في هذه الصلة في المشهور من مذهب مالك‪ ،‬وكذلك أبو حنيفة والثوري؛ لقوله صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء) رواه أبو داود من حديث أبي هريرة‪.‬‬
‫وذهييب الشافعييي وأحمييد وإسييحاق ومحمييد بيين مسييلمة وأشهييب ميين علمائنييا وداود إلى أنييه يقرأ‬
‫بالفاتحيية؛ لقوله عليييه السييلم‪( :‬ل صييلة إل بفاتحيية الكتاب) حمل له على عمومييه‪ .‬وبمييا خرجييه‬
‫البخاري عين ابين عباس وصيلى على جنازة فقرأ بفاتحية الكتاب وقال‪ :‬لتعلموا أنهيا سينة‪ .‬وخرج‬
‫النسيائي مين حدييث أبيي أمامية قال‪ :‬السينة فيي الصيلة على الجنائز أن يقرأ فيي التكيبيرة الولى بأم‬
‫القرآن مخافتة‪ ،‬ثم يكبر ثلثا‪ ،‬والتسليم عند الخرة‪ .‬وذكر محمد بن نصر المروزي عن أبي أمامة‬
‫أيضا قال‪ :‬السنة في الصلة على الجنائز أن تكبر‪ ،‬ثم تقرأ بأم القرآن‪ ،‬ثم تصلي على النبي صلى‬
‫ال علييه وسيلم‪ ،‬ثيم تخلص الدعاء للمييت‪ .‬ول يقرأ إل فيي التكيبيرة الولى ثيم يسيلم‪ .‬قال شيخنيا أبيو‬
‫العباس‪ :‬وهذان الحديثان صيحيحان‪ ،‬وهميا ملحقان عنيد الصيوليين بالمسيند‪ .‬والعميل على حدييث‬
‫أبييي أماميية أولى؛ إذ فيييه جمييع بييين قوله عليييه السييلم‪( :‬ل صييلة) وبييين إخلص الدعاء للميييت‪.‬‬
‫وقراءة الفاتحة فيها إنما هي استفتاح للدعاء‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ وسينة المام أن يقوم عنيد رأس الرجيل وعجيزة المرأة‪ ،‬لميا رواه أبيو داود عين أنيس وصيلى‬
‫على جنازة فقال له العلء بن زياد‪ :‬يا أبا حمزة‪ ،‬هكذا كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي‬
‫على الجنائز كصلتك يكبر أربعا ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬ورواه مسلم‬
‫عين سيمرة بين جندب قال‪ :‬صيليت خلف النيبي صيلى ال علييه وسيلم وصيلى على أم كعيب ماتيت‬
‫وهي نفساء‪ ،‬فقام رسول ال صلى ال عليه وسلم للصلة عليها وسطها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تقم على قبره" كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا دفن الميت وقف على‬
‫قبره ودعا له بالتثبيت‪ ،‬على ما بيناه [في التذكرة] والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 85 :‬ول تعجبيك أموالهيم وأولدهيم إنميا يرييد ال أن يعذبهيم بهيا فيي الدنييا وتزهيق‬
‫أنفسهم وهم كافرون}‬
‫@ كرره تأكيدا‪ .‬وقد تقدم الكلم فيه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 86 :‬وإذا أنزلت سورة أن آمنوا بال وجاهدوا مع رسوله استأذنك أولوا الطول منهم‬
‫وقالوا ذرنا نكن مع القاعدين}‬
‫@ انتدب المؤمنون إلى الجابية وتعلل المنافقون‪ .‬فالمير للمؤمنيين باسيتدامة اليمان وللمنافقيين‬
‫بابتداء اليمان‪ .‬و"أن" فييي موضييع نصييب؛ أي بأن آمنوا‪ .‬و"الطول" الغنييي؛ وقييد تقدم‪ .‬وخصييهم‬
‫بالذكيير لن ميين ل طول له ل يحتاج إلى إذن لنييه معذور‪" .‬وقالوا ذرنييا نكيين مييع القاعدييين" أي‬
‫العاجزين عن الخروج‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 89 - 88 - 87 :‬رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع على قلوبهم فهم ل يفقهون‪،‬‬
‫لكيين الرسييول والذييين آمنوا معييه جاهدوا بأموالهييم وأنفسييهم وأولئك لهييم الخيرات وأولئك هييم‬
‫المفلحون‪ ،‬أعد ال لهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها ذلك الفوز العظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬رضوا بأن يكونوا مييع الخوالف" "الخوالف" جمييع خالفيية؛ أي مييع النسيياء‬
‫والصييبيان وأصييحاب العذار ميين الرجال‪ .‬وقييد يقال للرجييل‪ :‬خالفيية وخالف أيضييا إذا كان غييير‬
‫نجييب؛ على ميا تقدم‪ .‬يقال‪ :‬فلن خالفية أهله إذا كان دونهيم‪ .‬قال النحاس‪ :‬وأصيله مين خلف اللبين‬
‫يخلف إذا حمض من طول مكثه‪ .‬وخلف فم الصائم إذا تغير ريحه؛ ومنه فلن خلف سوء؛ إل أن‬
‫فواعيل جميع فاعله ول يجميع فاعيل صيفة على فواعيل إل فيي الشعير؛ إل فيي حرفيين‪ ،‬وهميا فارس‬
‫وهالك‪ .‬وقوله تعالى فيي وصيف المجاهديين‪" :‬وأولئك لهيم الخيرات" قييل‪ :‬النسياء الحسيان؛ عين‬
‫الحسين‪ .‬دليله قوله عيز وجيل‪" :‬فيهين خيرات حسيان" [الرحمين‪ .]70 :‬ويقال‪ :‬هيي خيرة النسياء‪.‬‬
‫والصيل خيرة فخفيف؛ مثيل هينية وهينية‪ .‬وقييل‪ :‬جميع خيير‪ .‬فالمعنيى لهيم منافيع الداريين‪ .‬وقيد تقدم‬
‫معنى الفلح‪ .‬والجنات‪ :‬والبساتين‪ .‬وقد تقدم أيضا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 90 :‬وجاء المعذرون من العراب ليؤذن لهم وقعد الذين كذبوا ال ورسوله سيصيب‬
‫الذين كفروا منهم عذاب أليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجاء المعذرون مين العراب" قرأ العرج والضحاك "الم ْعذِرون" مخففيا‪.‬‬
‫ورواهيا أبيو كرييب عين أبيي بكير عين عاصيم‪ ،‬ورواهيا أصيحاب القراءات عين ابين عباس‪ .‬قال‬
‫الجوهري‪ :‬وكان ابين عباس يقرأ "وجاء المعْذرون" مخففية‪ ،‬مين أعذر‪ .‬ويقول‪ :‬وال لهكذا أنزلت‪.‬‬
‫قال النحاس‪ :‬إل أن مدارهيا عين الكلبيي‪ ،‬وهيي مين أعذر؛ ومنيه قيد أعذر مين أنذر؛ أي قيد بالغ فيي‬
‫العذر من تقدم إليك فأنذرك‪ .‬وأما "المعذرون" بالتشديد ففيه قولن‪ :‬أحدهما أنه يكون المحق؛ فهو‬
‫فييي المعنييى المعتذر‪ ،‬لن له عذرا‪ .‬فيكون "المعذرون" على هذه أصييله المعتذرون‪ ،‬ولكيين التاء‬
‫قلبيت ذال فأدغميت فيهيا وجعلت حركتهيا على العيين؛ كميا قرئ "يخصيمون" [ييس‪ ]49 :‬بفتيح‬
‫الخاء‪ .‬ويجوز "المعذرون" بكسيير العييين لجتماع السيياكنين‪ .‬ويجوز ضمهييا اتباعييا للميييم‪ .‬ذكره‬
‫الجوهري والنحاس‪ .‬إل أن النحاس حكاه عين الخفيش والفراء وأبيي حاتيم وأبيي عبييد‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون الصل المعتذرون‪ ،‬ثم أدغمت التاء في الذال؛ ويكونون الذين لهم عذر‪ .‬قال لبيد‪:‬‬
‫ومن يبك حول كامل فقد اعتذر‬ ‫إلى الحول ثم اسم السلم عليكما‬
‫والقول الخر أن المعذر قد يكون غير محق‪ ،‬وهو الذي يعتذر ول عذر له‪ .‬قال الجوهري‪ :‬فهو‬
‫المعذر على جهية المفعيل؛ لنيه الممرض والمقصير يعتذر بغيير عذر‪ .‬قال غيره‪ :‬يقال عذر فلن‬
‫فيي أمير كذا تعذيرا؛ أي قصير ولم يبالغ فييه‪ .‬والمعنيى أنهيم اعتذروا بالكذب‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وكان‬
‫ابيين عباس يقول‪ :‬لعيين ال المعذرييين‪ .‬كأن الميير عنده أن المعذر بالتشديييد هييو المظهيير للعذر‪،‬‬
‫اعتلل مين غيير حقيقية له فيي العذر‪ .‬النحاس‪ :‬قال أبيو العباس محميد بين يزييد ول يجوز أن يكون‬
‫الصل فيه المعتذرين‪ ،‬ول يجوز الدغام فيقع اللبس‪ .‬ذكر إسماعيل بن إسحاق أن الدغام مجتنب‬
‫على قول الخليييل وسيييبويه‪ ،‬بعييد أن كان سييياق الكلم يدل على أنهييم مذمومون ل عذر لهييم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫لنهيم جاؤوا ليؤذن لهيم ولو كانوا مين الضعفاء والمرضيى والذيين ل يجدون ميا ينفقون لم يحتاجوا‬
‫أن يسيتأذنوا‪ .‬قال النحاس‪ :‬وأصيل المعذرة والعذار والتعذيير مين شييء واحيد وهيو مميا يصيعب‬
‫ويتعذر‪ .‬وقول العرب‪ :‬من عذيري من فلن‪ ،‬معناه قد أتى أمرا عظيما يستحق أن أعاقبه عليه ولم‬
‫يعلم الناس به؛ فمن يعذرني إن عاقبته‪ .‬فعلى قراءة التخفيف قال ابن عباس‪ :‬هم الذين تخلفوا بعذر‬
‫فأذن لهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقييل‪ :‬هيم رهيط عامير بين الطفييل قالوا‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬لو‬
‫غزونيا معيك أغارت أعراب طييء على حلئلنيا وأولدنيا ومواشينيا؛ فعذرهيم النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪ .‬وعلى قراءة التشديد في القول الثاني‪ ،‬هم قوم من غفار اعتذروا فلم يعذرهم النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم؛ لعلمه أنهم غير محقين‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقعد قوم بغير عذر أظهروه جرأة على رسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬وهيم الذيين أخيبر ال تعالى عنهيم فقال‪" :‬وقعيد الذيين كذبوا ال ورسيوله"‬
‫والمراد بكذبهم قولهم‪ :‬إنا مؤمنون‪ .‬و"ليؤذن" نصب بلم كي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 91 :‬ليس على الضعفاء ول على المرضى ول على الذين ل يجدون ما ينفقون حرج‬
‫إذا نصحوا ل ورسوله ما على المحسنين من سبيل وال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليس على الضعفاء" الية‪ .‬أصل في سقوط التكليف عن العاجز؛ فكل من عجز‬
‫عين شييء سيقط عنيه‪ ،‬فتارة إلى بدل هيو فعيل‪ ،‬وتارة إلى بدل هيو غرم‪ ،‬ول فرق بيين العجيز مين‬
‫جهية القوة أو العجيز مين جهية المال؛ ونظيير هذه اليية قوله تعالى‪" :‬ل يكلف ال نفسيا إل وسيعها"‬
‫[البقرة‪ ]286 :‬وقوله‪" :‬لييس على العميى حرج ول على العرج حرج ول على المرييض‬
‫حرج" [النور‪ .]61 :‬وروى أبيو داود عين أنيس أن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬لقيد‬
‫تركتيم بالمدينية أقواميا ميا سيرتم مسييرا ول أنفقتيم مين نفقية ول قطعتيم مين واد إل وهيم معكيم فييه)‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬وكيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ قال‪( :‬حبسهم العذر)‪ .‬فبينت هذه الية مع‬
‫مييا ذكرنييا ميين نظائرهييا أنييه ل حرج على المعذورييين‪ ،‬وهييم قوم عرف عذرهييم كأرباب الزمانيية‬
‫والهرم والعمى والعرج‪ ،‬وأقوام لم يجدوا ما ينفقون؛ فقال‪ :‬ليس على هؤلء حرج‪" .‬إذا نصحوا ل‬
‫ورسيييوله" إذا عرفوا الحيييق وأحبوا أولياءه وأبغضوا أعداءه قال العلماء‪ :‬فعذر الحيييق سيييبحانه‬
‫أصحاب العذار‪ ،‬وما صبرت القلوب؛ فخرج ابن أم مكتوم إلى أحد وطلب أن يعطي اللواء فأخذه‬
‫مصييعب بيين عمييير‪ ،‬فجاء رجييل ميين الكفار فضرب يده التييي فيهييا اللواء فقطعهييا‪ ،‬فأمسييكه باليييد‬
‫الخرى فضرب اليييد الخرى فأمسييكه بصييدره وقرأ "ومييا محمييد إل رسييول قييد خلت ميين قبله‬
‫الرسل" [آل عمران‪ .]144 :‬هذه عزائم القوم‪ .‬والحق يقول‪" :‬ليس على العمى حرج" [النور‪:‬‬
‫‪ ]61‬وهيو فيي الول‪" .‬ول على العرج حرج" [النور‪ ]61 :‬وعمرو بين الجموح مين نقباء‬
‫النصيار أعرج وهيو فيي أول الجييش‪ .‬قال له الرسيول علييه السيلم‪( :‬إن ال قيد عذرك) فقال‪ :‬وال‬
‫لحفرن بعرجتي هذه في الجنة؛ إلى أمثالهم حسب ما تقدم في هذه السورة من ذكرهم رضي ال‬
‫عنهم‪ .‬وقال عبدال بن مسعود‪ :‬ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذا نصحوا" النصح إخلص العمل من الغش‪ .‬ومنه التوبة النصوح‪ .‬قال نفطويه‪:‬‬
‫نصيح الشييء إذا خلص‪ .‬ونصيح له القول أي أخلصيه له‪ .‬وفيي صيحيح مسيلم عين تمييم الداري أن‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬الديين النصييحة) ثلثيا‪ .‬قلنيا لمين؟ قال‪( :‬ل ولكتابيه ولرسيوله‬
‫ولئمية المسيلمين وعامتهيم)‪ .‬قال العلماء‪ :‬النصييحة ل إخلص العتقاد فيي الوحدانيية‪ ،‬ووصيفه‬
‫بصيفات اللوهيية‪ ،‬وتنزيهيه عين النقائص والرغبية فيي محابّه والبعيد مين مسياخطه‪ .‬والنصييحة‬
‫لرسيوله‪ :‬التصيديق بنبوتيه‪ ،‬والتزام طاعتيه فيي أمره ونهييه‪ ،‬وموالة مين واله ومعاداة مين عاداه‪،‬‬
‫وتوقيره‪ ،‬ومحبتيه ومحبية آل بيتيه‪ ،‬وتعظيميه وتعظييم سينته‪ ،‬وإحياؤهيا بعيد موتيه بالبحيث عنهيا‪،‬‬
‫والتفقيه فيهيا والذب عنهيا ونشرهيا والدعاء إليهيا‪ ،‬والتخلق بأخلقيه الكريمية صيلى ال علييه وسيلم‪.‬‬
‫وكذا النصيح لكتاب ال‪ :‬قراءتيه والتفقيه فييه‪ ،‬والذب عنيه وتعليميه وإكراميه والتخلق بيه‪ .‬والنصيح‬
‫لئميية المسييلمين‪ :‬ترك الخروج عليهييم‪ ،‬إرشادهييم إلى الحييق وتنييبيههم فيمييا أغفلوه ميين أمور‬
‫المسلمين‪ ،‬ولزوم طاعتهم والقيام بواجب حقهم‪ .‬والنصح للعامة‪ :‬ترك معاداتهم‪ ،‬وإرشادهم وحب‬
‫الصالحين منهم‪ ،‬والدعاء لجميعهم وإرادة الخير لكافتهم‪ .‬وفي الحديث الصحيح (مثل المؤمنين في‬
‫توادهيم وتراحمهيم وتعاطفهيم مثيل الجسيد إذا اشتكيى منيه عضيو تداعيى له سيائر الجسيد بالسيهر‬
‫والحمى)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ميا على المحسينين مين سيبيل" "مين سيبيل" فيي موضيع رفيع اسيم "ميا" أي مين‬
‫طريق إلى العقوبة‪ .‬وهذه الية أصل في رفع العقاب عن كل محسن‪ .‬ولهذا قال علماؤنا في الذي‬
‫يقتيص مين قاطيع يده فيفضيي ذلك فيي السيراية إلى إتلف نفسيه‪ :‬إنيه ل ديية له؛ لنيه محسين فيي‬
‫اقتصاصه من المعتدي عليه‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬تلزمه الدية‪ .‬وكذلك إذا صال فحل على رجل فقتله‬
‫فيي دفعيه عين نفسيه فل ضمان علييه؛ وبيه قال الشافعيي‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬تلزميه لمالكيه القيمية‪ .‬قال‬
‫ابن العربي‪ :‬وكذلك القول في مسائل الشريعة كلها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 92 :‬ول على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت ل أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم‬
‫تفيض من الدمع حزنا أل يجدوا ما ينفقون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول على الذين إذا ما أتوك لتحملهم" روي أن الية نزلت في عرباض بن سارية‪.‬‬
‫وقيييل‪ :‬نزلت فييي عائذ بيين عمرو‪ .‬وقيييل‪ :‬نزلت فييي بنييي مقرن ‪ -‬وعلى هذا جمهور المفسييرين ‪-‬‬
‫وكانوا سيبعة إخوة‪ ،‬كلهيم صيحبوا النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬ولييس فيي الصيحابة سيبعة إخوة‬
‫غيرهم‪ ،‬وهم النعمان ومعقل وعقيل وسويد وسنان وسابع لم يسم‪ .‬بنو مقرن المزنيون سبعة إخوة‬
‫هاجروا وصحبوا رسول ال صلى ال عليه وسلم ولم يشاركهم ‪ -‬فيما ذكره ابن عبدالبر وجماعة‬
‫‪ -‬فيي هذه المكرمية غيرهيم‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إنهيم شهدوا الخندق كلهيم‪ .‬وقييل‪ :‬نزلت فيي سيبعة نفير مين‬
‫بطون شتى‪ ،‬وهم البكاؤون أتوا رسول ال صلى ال عليه وسلم في غزوة تبوك ليحملهم‪ ،‬فلم يجد‬
‫ميا يحملهيم علييه؛ فيي "تولوا وأعينهيم تفييض مين الدميع حزنيا أل يجدوا ميا ينفقون" فسيموا البكائيين‪.‬‬
‫وهم سالم بن عمير من بني عمرو بن عوف وعلبة بن زيد أخو بني حارثة‪ .‬وأبو ليلى عبدالرحمن‬
‫بن كعب من بني مازن بن النجار‪ .‬وعمرو بن الحمام من بني سلمة‪ .‬وعبدال بن المغفل المزني‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬بل هو عبدال بن عمرو المزني‪ .‬وهرمي بن عبدال أخو بني واقف‪ ،‬وعرباض بن سارية‬
‫الفزاري‪ ،‬هكذا سماهم أبو عمر في كتاب الدرر له‪ .‬وفيهم اختلف‪ .‬قال القشيري‪ :‬معقل بن يسار‬
‫وصخر بن خنساء وعبدال بن كعب النصاري‪ ،‬وسالم بن عمير‪ ،‬وثعلبة بن غنمة‪ ،‬وعبدال بن‬
‫مغفيل وآخير‪ .‬قالوا‪ :‬ييا نيبي ال‪ ،‬قيد ندبتنيا للخروج معيك‪ ،‬فاحملنيا على الخفاف المرفوعية والنعال‬
‫المخصوفة نغز معك‪ .‬فقال‪" :‬ل أجد ما أحملكم عليه" فتولوا وهم يبكون‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬سألوه‬
‫أن يحملهيم على الدواب‪ ،‬وكان الرجيل يحتاج إلى بعيريين‪ ،‬بعيير يركبيه وبعيير يحميل ماءه وزاده‬
‫لبعييد الطريييق‪ .‬وقال الحسيين‪ :‬نزلت فييي أبييي موسييى وأصييحابه أتوا النييبي صييلى ال عليييه وسييلم‬
‫ليسيتحملوه‪ ،‬ووافيق ذلك منيه غضبيا فقال‪" :‬وال ل أحملكيم ول أجيد ميا أحملكيم علييه فتولوا يبكون؛‬
‫فدعاهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وأعطاهيم ذودا‪ .‬فقال أبيو موسيى‪ :‬ألسيت حلفيت ييا رسيول‬
‫ال؟ فقال‪( :‬إنيي إن شاء ال ل أحلف على يميين فأرى غيرهيا خيرا منهيا إل أتييت الذي هيو خيير‬
‫وكفرت عن يميني)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا حديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم بلفظه ومعناه‪ .‬وفي مسلم‪ :‬فدعا بنا فأمر لنا‬
‫بخمييس ذود غيير الذرى‪ ...‬الحديييث‪ .‬وفييي آخره‪( :‬فانطلقوا فإنمييا حملكييم ال)‪ .‬وقال الحسيين أيضييا‬
‫وبكر بن عبدال‪ :‬نزلت في عبدال بن مغفل المزني‪ ،‬أتى النبي صلى ال عليه وسلم يستحمله‪ .‬قال‬
‫الجرجانيي‪ :‬التقديير أي ول على الذيين إذا ميا أتوك لتحملهيم وقلت ل أجيد‪ .‬فهيو مبتدأ معطوف على‬
‫ميا قبله بغيير واو‪ ،‬والجواب "تولوا"‪" .‬وأعينهيم تفييض مين الدميع" الجملة فيي موضيع نصيب على‬
‫الحال‪" .‬حزنييا" مصييدر‪" .‬أل يجدوا" نصييب بأن‪ .‬وقال النحاس‪ :‬قال الفراء يجوز أن ل يجدون؛‬
‫يجعل ل بمعنى ليس‪ .‬وهو عند البصريين بمعنى أنهم ل يجدون‪.‬‬
‫والجمهور من العلماء على أن من ل يجد ما ينفقه فيي غزوه أنه ل يجيب عليه‪ .‬وقال علماؤنا‪:‬‬
‫إذا كانت عادته المسألة لزمه كالحج وخرج على العادة لن حاله إذا لم تتغير يتوجه الفرض عليه‬
‫كتوجهه على الواجد‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأعينهم تفيض من الدمع" ما يستدل به على قرائن الحوال‪ .‬ثم منها ما يفيد العلم‬
‫الضروري‪ ،‬ومنهيا ميا يحتميل التردييد‪ .‬فالول كمين يمير على دار قيد عل فيهيا النعييي وخمشيت‬
‫الخدود وحلقييت الشعور وسييلقت الصييوات وخرقييت الجيوب ونادوا على صيياحب الدار بالثبور؛‬
‫فيعلم أنيه قيد مات‪ .‬وأميا الثانيي فكدموع اليتام على أبواب الحكام؛ قال ال تعالى مخيبرا عين إخوة‬
‫يوسيف علييه السيلم‪" :‬وجاؤوا أباهيم عشاء يبكون" [يوسيف‪ .]16 :‬وهيم الكاذبون؛ قال ال تعالى‬
‫مخيبرا عنهيم‪" :‬وجاؤوا على قميصيه بدم كذب" [يوسيف‪ .]18 :‬وميع هذا فإنهيا قرائن يسيتدل بهيا‬
‫في الغالب فتبني عليها الشهادات بناء على ظواهر الحوال وغالبها‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫تبين من بكى ممن تباكي‬ ‫إذا اشتبكت دموع في خدود‬
‫وسيأتي هذا المعنى في "يوسف" مستوفى إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 93 :‬إنميا السيبيل على الذيين يسيتأذنونك وهيم أغنياء رضوا بأن يكونوا ميع الخوالف‬
‫وطبع ال على قلوبهم فهم ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنميا السيبيل" أي العقوبية والمأثيم‪" .‬على الذيين يسيتأذنونك وهيم أغنياء" والمراد‬
‫المنافقون‪ .‬كرر ذكرهم للتأكيد في التحذير من سوء أفعالهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 94 :‬يعتذرون إليكيم إذا رجعتيم إليهيم قيل ل تعتذروا لن نؤمين لكيم قيد نبأنيا ال مين‬
‫أخباركم وسيرى ال عملكم ورسوله ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يعتذرون إليكم" يعني المنافقين‪" .‬لن نؤمن لكم" أي لن نصدقكم‪" .‬قد نبأنا ال من‬
‫أخباركم" أي أخبرنا بسيرائركم‪" .‬وسيرى ال عملكم" فيما تستأنفون‪" .‬ثم تردون إلى عالم الغيب‬
‫والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون" أي يجازيكم بعملكم‪ .‬وقد مضى هذا كله مستوفى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 95 :‬سيحلفون بال لكم إذا انقلبتم إليهيم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهيم رجيس‬
‫ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سيحلفون بال لكم إذا انقلبتم إليهم" أي من تبوك‪ .‬والمحلوف عليه محذوف؛ أي‬
‫يحلفون أنهم ما قدروا على الخروج‪" .‬لتعرضوا عنهم" أي لتصفحوا عن لومهم‪ .‬وقال ابن عباس‪:‬‬
‫أي ل تكلموهيم‪ .‬وفيي الخيبر أنيه قال علييه السيلم لميا قدم مين تبوك‪( :‬ول تجالسيوهم ول تكلموهيم)‪.‬‬
‫"إنهم رجس" أي عملهم رجس؛ والتقدير‪ :‬إنهم ذوو رجس؛ أي عملهم قبيح‪" .‬ومأواهم جهنم" أي‬
‫منزلهيم ومكانهيم‪ .‬قال الجوهري‪ :‬المأوى كيل مكان يأوي إلييه شييء ليل أو نهارا‪ .‬وقيد أوى فلن‬
‫إلى منزله يأوي أويا‪ ،‬على فعول‪ ،‬وإواء‪ .‬ومنه قوله تعالى‪" :‬سآوي إلى جبل يعصمني من الماء"‬
‫[هود‪ .]43 :‬وآويته أنا إيواء‪ .‬وأويته إذا أنزلته بك؛ فعلت وأفعلت‪ ،‬بمعنى؛ عن أبى زيد‪ .‬ومأوي‬
‫البل "بكسر الواو" لغة في مأوى البل خاصة‪ ،‬وهو شاذ‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 96 :‬يحلفون لكيم لترضوا عنهيم فإن ترضوا عنهيم فإن ال ل يرضيى عين القوم‬
‫الفاسقين}‬
‫@ حلف عبدال بن أبي أل يتخلف عن رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد ذلك وطلب أن يرضى‬
‫عنه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 97 :‬العراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أل يعلموا حدود ما أنزل ال على رسوله وال‬
‫عليم حكيم}‬
‫@ لما ذكر جل وعز أحوال المنافقين بالمدينة ذكر من كان خارجا منها ونائيا من العراب؛ فقال‬
‫كفرهيم أشيد‪ .‬قال قتادة‪ :‬لنهيم أبعيد عين معرفية السينن‪ .‬وقييل‪ :‬لنهيم أقسيى قلبيا وأجفيى قول وأغلظ‬
‫طبعيا وأبعيد عين سيماع التنزييل؛ ولذلك قال ال تعالى فيي حقهيم‪" :‬وأجدر" أي أخلق‪" .‬أل يعلموا"‬
‫"أن" فيي موضيع نصيب بحذف الباء؛ تقول‪ :‬أنيت جديير بأن تفعيل وأن تفعيل؛ فإذا حذفيت الباء لم‬
‫يصييلح إل بي ي "أن" وإن أتيييت بالباء صييلح بي ي "أن" وغيره؛ تقول‪ :‬أنييت جدييير أن تقوم‪ ،‬وجدييير‬
‫بالقيام‪ .‬ولو قلت‪ :‬أنييت جدييير القيام كان خطييأ‪ .‬وإنمييا صييلح مييع "أن" لن أن يدل على السييتقبال‬
‫فكأنهيييا عوض مييين المحذوف‪" .‬حدود ميييا أنزل ال" أي فرائض الشرع‪ .‬وقييييل‪ :‬حجيييج ال فيييي‬
‫الربوبية وبعثة الرسل لقلة نظرهم‪.‬‬
‫@ ولميا كان ذلك ودل على نقصيهم وحطهيم عين المرتبية الكاملة عين سيواهم ترتبيت على ذلك‬
‫أحكام ثلثة‪:‬‬
‫أولها‪ :‬ل حق لهم في الفيء والغنيمة؛ كما قال النبي صلى ال عليه وسلم في صحيح مسلم من‬
‫حدييث بريدة‪ ،‬وفييه‪( :‬ثيم أدعهم إلى التحول من دارهيم إلى دار المهاجريين وأخبرهم أنهيم إن فعلوا‬
‫ذلك فلهييم مييا للمهاجرييين وعليهييم مييا على المهاجرييين فإن أبوا أن يتحولوا عنهييا فأخييبرهم أنهييم‬
‫يكونون كأعراب المسييلمين يجري عليهييم حكييم ال الذي يجري على المؤمنييين ول يكون لهييم فييي‬
‫الغنيمة والفيء شيء إل أن يجاهدوا مع المسلمين)‪.‬‬
‫وثانيهيا‪ :‬إسيقاط شهادة أهيل الباديية عين الحاضرة؛ لميا فيي ذلك مين تحقيق التهمية‪ .‬وأجازهيا أبيو‬
‫حنيفية قال‪ :‬لنهيا ل تراعيي كيل تهمية‪ ،‬والمسيلمون كلهيم عنده على العدالة‪ .‬وأجازهيا الشافعيي إذا‬
‫كان عدل مرضيييا؛ وهييو الصييحيح لمييا بيناه فييي "البقرة"‪ .‬وقييد وصييف ال تعالى العراب هنييا‬
‫أوصيافا ثلثية‪ :‬أحدهيا‪ :‬بالكفير والنفاق‪ .‬والثانيي‪ :‬بأنيه يتخيذ ميا ينفيق مغرميا ويتربيص بكيم الدوائر‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬باليمان بال وباليوم الخر ويتخذ ما ينفق قربات عند ال وصلوات الرسول؛ فمن كانت‬
‫هذه صفته فبعيد أل تقبل شهادته فيلحق بالثاني والول‪ ،‬وذلك باطل‪ .‬وقد مضى الكلم في هذا في‬
‫"النساء"‪.‬‬
‫وثالثهيا‪ :‬أن إمامتهيم بأهيل الحاضرة ممنوعية لجهلهيم بالسينة وتركهيم الجمعية‪ .‬وكره أبيو مجلز‬
‫إماميية العرابييي‪ .‬وقال مالك‪ :‬ل يؤم وإن كان أقرأهييم‪ .‬وقال سييفيان الثوري والشافعييي وإسييحاق‬
‫وأصحاب الرأي‪ :‬الصلة خلف العرابي جائزة‪ .‬واختاره ابن المنذر إذا أقام حدود الصلة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أشيد" أصيله أشدد؛ وقيد تقدم‪" .‬كفرا" نصيب على البيان‪" .‬ونفاقيا" عطيف علييه‪.‬‬
‫"وأجدر" عطف على أشد‪ ،‬ومعناه أخلق؛ يقال‪ :‬فلن جدير بكذا أي خليق به‪ ،‬وأنت جدير أن تفعل‬
‫كذا‪ ،‬والجميع جدراء وجديرون‪ .‬وأصيله مين جدر الحائط وهيو رفعيه بالبناء‪ .‬فقوله‪ :‬هيو أجدر بكذا‬
‫أي أقرب إليييه وأحييق بييه‪" .‬أل يعلموا" أي بأل يعلموا‪ .‬والعرب‪ :‬جيييل ميين الناس‪ ،‬والنسييبة إليهييم‬
‫عربيي بيين العروبية‪ ،‬وهيم أهيل المصيار‪ .‬والعراب منهيم سيكان الباديية خاصية‪ .‬وجاء فيي الشعير‬
‫الفصييح أعارييب‪ .‬والنسيبة إلى العراب أعرابيي لنيه ل واحيد له‪ ،‬ولييس العراب جمعيا للعرب‬
‫كما كان النباط جمعا لنبط؛ وإنما العرب اسم جنس‪ .‬والعرب العاربة هم الخلص منهم‪ ،‬وأخذ من‬
‫لفظيه وأكيد بيه؛ كقولك‪ :‬لييل لئل‪ .‬وربميا قالوا‪ :‬العرب العرباء‪ .‬وتعرب أي تشبيه بالعرب‪ .‬وتعرب‬
‫بعييد هجرتييه أي صييار أعرابيييا‪ .‬والعرب المسييتعربة هييم الذييين ليسييوا بخلص‪ ،‬وكذلك المتعربيية‪،‬‬
‫والعربية هي هذه اللغة‪ .‬ويعرب بن قحطان أول من تكلم بالعربية‪ ،‬وهو أبو اليمن كلهم‪ .‬والعُرب‬
‫والعَرب واحد؛ مثل العجم والعجم‪ .‬والعريب تصغير العرب؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫ول تشتهيه نفوس العجم‬ ‫ومكن الضباب طعام العريب‬
‫إنميا صيغرهم تعظيميا؛ كميا قال‪ :‬أنيا جذيلهيا المحيك‪ ،‬وعذيقهيا المرجيب كله عين الجوهري‪ .‬وحكيى‬
‫القشيري وجمييع العربييي العرب‪ ،‬وجمييع العرابييي أعراب وأعاريييب‪ .‬والعرابييي إذا قيييل له يييا‬
‫عربيي فرح‪ ،‬والعربيي إذا قييل له ييا أعرابيي غضيب‪ .‬والمهاجرون والنصييار عرب ل أعراب‪.‬‬
‫وسيميت العرب عربيا لن ولد إسيماعيل نشؤوا مين عربية وهيي مين تهامية فنسيبوا إليهيا‪ .‬وأقاميت‬
‫قريش بعربة وهي مكة‪ ،‬وانتشر سائر العرب في جزيرتها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 98 :‬ومن العراب من يتخذ ما ينفق مغرما ويتربص بكم الدوائر عليهم دائرة السوء‬
‫وال سميع عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومين العراب مين يتخيذ" "مين" فيي موضيع رفيع بالبتداء‪" .‬ميا ينفيق مغرميا"‬
‫مفعولن؛ والتقدير ينفقه‪ ،‬فحذفت الهاء لطول السم‪" .‬مغرما" معناه غرما وخسرانا؛ وأصله لزوم‬
‫الشيء؛ ومنه‪" :‬إن عذابها كان غراما" [الفرقان‪ ]65 :‬أي لزما‪ ،‬أي يرون ما ينفقونه في جهاد‬
‫وصييدقة غرمييا ول يرجون عليييه ثوابييا‪" .‬ويتربييص بكييم الدوائر" التربييص النتظار؛ وقييد تقدم‪.‬‬
‫والدوائر جميع دائرة‪ ،‬وهيي الحالة المنقلبية عين النعمية إلى البليية‪ ،‬أي يجمعون إلى الجهيل بالنفاق‬
‫سيوء الدخلة وخبيث القلب‪" .‬عليهيم دائرة السيوء" قرأه ابين كثيير وأبيو عمرو بضيم السيين هنيا وفيي‬
‫الفتييح‪ ،‬وفتحهييا الباقون‪ .‬وأجمعوا على فتييح السييين فييي قوله‪" :‬مييا كان أبوك امرأ سييوء" [مريييم‪:‬‬
‫‪ .]28‬والفرق بينهميا أن السيُوء بالضيم المكروه‪ .‬قال الخفيش‪ :‬أي عليهيم دائرة الهزيمية والشير‪.‬‬
‫وقال الفراء‪ :‬أي عليهيم دائرة العذاب والبلء‪ .‬قال‪ :‬ول يجوز امرأ سيُوء بالضيم؛ كميا ل يقال‪ :‬هيو‬
‫امرؤ عذاب ول شير‪ .‬وحكيي عين محميد بين يزييد قال‪ :‬السيَوء بالفتيح الرداءة‪ .‬قال سييبوبه‪ :‬مررت‬
‫برجل صدق‪ ،‬ومعناه برجل صلح‪ .‬وليس من صدق اللسان‪ ،‬ولو كان من صدق اللسان لما قلت‪:‬‬
‫مررت بثوب صيدق‪ .‬ومررت برجيل سيوء لييس هيو مين سيُؤته‪ ،‬وإنميا معناه مررت برجيل فسياد‪.‬‬
‫وقال الفراء‪ :‬السوء بالفتح مصدر سؤته سوءا ومساءة وسوائية‪ .‬قال غيره‪ :‬والفعل منه ساء يسوء‪.‬‬
‫والسوء بالضم اسم ل مصدر؛ وهو كقولك‪ :‬عليهم دائرة البلء والمكروه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 99 :‬ومين العراب مين يؤمين بال واليوم الخير ويتخيذ ميا ينفيق قربات عنيد ال‬
‫وصلوات الرسول أل إنها قربة لهم سيدخلهم ال في رحمته إن ال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومين العراب مين يؤمين بال" أي صيدق‪ .‬والمراد بنيو مقرن مين مزينية؛ ذكره‬
‫المهدوي‪" .‬قربات" جميع قربية‪ ،‬وهيي ميا يتقرب بيه إلى ال تعالى؛ والجميع قرب وقربات وقربات‬
‫وقربات؛ حكاه النحاس‪ .‬والقربات بالضيم ميا تقرب بيه إلى ال تعالى؛ تقول منيه‪ :‬قربيت ل قربانيا‪.‬‬
‫والقربة بكسر القاف ما يستقي فيه الماء؛ والجمع في أدنى العدد قِرْبات و ِقرِبات و ِقرَبات‪ ،‬وللكثير‬
‫قرب‪ .‬وكذلك جميع كيل ميا كان على فعلة؛ مثيل سيدرة وفقرة‪ ،‬لك أن تفتيح العيين وتكسير وتسيكن؛‬
‫حكاه الجوهري‪ .‬وقرأ نافيع فيي روايية ورش "قربية" بضيم الراء وهيي الصيل‪ .‬والباقون بسيكونها‬
‫تخفيفيا؛ مثيل كتيب ورسيل‪ ،‬ول خلف فيي قربات‪ .‬وحكيى ابين سيعدان أن يزييد بين القعقاع قرأ "أل‬
‫إنهييا قربيية لهييم"‪ .‬ومعنييى "وصييلوات الرسييول" اسييتغفاره ودعاؤه‪ .‬والصييلة تقييع على ضروب؛‬
‫فالصييلة ميين ال جييل وعييز الرحميية والخييير والبركيية؛ قال ال تعالى‪" :‬هييو الذي يصييلي عليكييم‬
‫وملئكتيه" [الحزاب‪ ]43:‬والصيلة مين الملئكية الدعاء‪ ،‬وكذلك هيي مين النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسيلم؛ كميا قال‪" :‬وصيل عليهيم إن صيلتك سيكن لهيم" [التوبية‪ ]103:‬أي دعاؤك تثيبيت لهيم‬
‫وطمأنينة‪" .‬أل إنها قربة لهم" أي تقربهم من رحمة ال‪ ،‬يعني نفقاتهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 100 :‬والسابقون الولون من المهاجرين والنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي‬
‫ال عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها النهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم}‬
‫@ لميا ذكير جيل وعيز أصيناف العراب ذكير المهاجرين والنصيار‪ ،‬وبين أن منهيم السيابقين إلى‬
‫الهجرة وأن منهم التابعين‪ ،‬وأثنى عليهم‪ .‬وقد اختلف في عدد طبقاتهم وأصنافهم‪ .‬ونحن نذكر من‬
‫ذلك طرفا نبين الغرض فيه إن شاء ال تعالى‪ .‬وروى عمر بن الخطاب أنه قرأ "والنصار" رفعا‬
‫عطفيا على السيابقين‪ .‬قال الخفيش‪ :‬الخفيض فيي النصيار الوجيه؛ لن السيابقين منهميا‪ .‬والنصيار‬
‫اسيم إسيلمي‪ .‬قييل لنيس بين مالك‪ :‬أرأييت قول الناس لكيم‪ :‬النصيار‪ ،‬اسيم سيماكم ال بيه أم كنتيم‬
‫تدعون به في الجاهلية؟ قال‪ :‬بل اسم سمانا ال به في القرآن؛ ذكره أبو عمر في الستذكار‪.‬‬
‫@ نيص القرآن على تفضييل السيابقين الوليين مين المهاجريين والنصيار وهيم الذيين صيلوا إلى‬
‫القبلتيين؛ فيي قول سيعيد بين المسييب وطائفية‪ .‬وفيي قول أصيحاب الشافعيي هيم الذيين شهدوا بيعية‬
‫الرضوان‪ ،‬وهيي بيعية الحديبيية‪ ،‬وقال الشعيبي‪ .‬وعين محميد بين كعيب وعطاء بين يسيار‪ :‬هيم أهيل‬
‫بدر‪ .‬واتفقوا على أن مين هاجير قبيل تحوييل القبلة فهيو مين المهاجريين الوليين مين غيير خلف‬
‫بينهم‪.‬‬
‫وأميا أفضلهيم فقال أبيو منصيور البغدادي التميميي‪ :‬أصيحابنا مجمعون على أن أفضلهيم الخلفاء‬
‫الربعية‪ ،‬ثيم السيتة الباقون إلى تمام العشرة‪ ،‬ثيم البدريون ثيم أصيحاب أحيد ثيم أهيل بيعية الرضوان‬
‫بالحديبية‪.‬‬
‫وأما أولهم إسلما فروى مجالد عن الشعبي قال‪ :‬سألت ابن عباس من أول الناس إسلما؟ قال‬
‫أبو بكر‪ ،‬أو ما سمعت قول حسان‪:‬‬
‫فاذكر أخاك أبا بكر بما فعل‬ ‫إذا تذكرت شجوا من أخي ثقة‬
‫بعد النبي وأوفاها بما حمل‬ ‫خير البرية أتقاها وأعدلها‬
‫وأول الناس منهم صدق الرسل‬ ‫الثاني التالي المحمود مشهده‬
‫وذكر أبو الفرج الجوزي عن يوسف بن يعقوب بن الماجشون أنه قال‪ :‬أدركت أبي وشيخنا محمد‬
‫بين المنكدر وربيعية بين أبيي عبدالرحمين وصيالح بين كيسيان وسيعد بين إبراهييم وعثمان بين محميد‬
‫الخنسي وهم ل يشكون أن أول القوم إسلما أبو بكر؛ وهو قول ابن عباس وحسان وأسماء بنت‬
‫أبي بكر‪ ،‬وبه قال إبراهيم النخعي‪ .‬وقيل‪ :‬أول من أسلم علي؛ روي ذلك عن زيد بن أرقم وأبي ذر‬
‫والمقداد وغيرهييم‪ .‬قال الحاكييم أبييو عبدال‪ :‬ل أعلم خلفييا بييين أصييحاب التواريييخ أن عليييا أولهييم‬
‫إسلما‪ .‬وقيل‪ :‬أول من أسلم زيد بن حارثة‪ .‬وذكر معمر نحو ذلك عن الزهري‪ .‬وهو قول سليمان‬
‫بن يسار وعروة بن الزبير وعمران بن أبي أنس‪ .‬وقيل‪ :‬أول من أسلم خديجة أم المؤمنين؛ روي‬
‫ذلك مين وجوه عين الزهري‪ ،‬وهيو قول قتادة ومحميد بين إسيحاق بين يسيار وجماعية‪ ،‬وروي أيضيا‬
‫عن ابن عباس‪ .‬وأدعى الثعلبي المفسر اتفاق العلماء على أن أول من أسلم خديجة‪ ،‬وأن اختلفهم‬
‫إنميا هيو فيمين أسيلم بعدهيا‪ .‬وكان إسيحاق بين إبراهييم بين راهوييه الحنظلي يجميع بيين هذه الخبار‪،‬‬
‫فكان يقول‪ :‬أول مين أسيلم مين الرجال أبيو بكير‪ ،‬ومين النسياء خديجية‪ ،‬ومين الصيبيان علي‪ ،‬ومين‬
‫الموالي زييد بين حارثية‪ ،‬ومين العبييد بلل‪ .‬وال أعلم‪ .‬وذكير محميد بين سيعد قال‪ :‬أخيبرني مصيعب‬
‫بن ثابت قال حدثني أبو السود محمد بن عبدالرحمن بن نوفل قال‪ :‬كان إسلم الزبير بعد أبي بكر‬
‫وكان رابعيا أو خامسيا‪ .‬قال اللييث بين سيعد وحدثنيي أبيو السيود قال‪ :‬أسيلم الزبيير وهيو ابين ثمان‬
‫سنين‪ .‬وروي إن عليا أسلم ابن سبع سنين‪ .‬وقيل‪ :‬ابن عشر‪.‬‬
‫@ والمعروف عن طريقة أهل الحديث أن كل مسلم رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم فهو من‬
‫أصيحابه‪ .‬قال البخاري فيي صيحيحه‪ :‬مين صيحب النيبي صيلى ال علييه وسيلم أو رآه مين المسيلمين‬
‫فهو من أصحابه‪ .‬وروي عن سعيد بن المسيب أنه كان ل يعد الصحابي إل من أقام مع رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم سنة أو سنتين‪ ،‬وغزا معه غزوة أو غزوتين‪ .‬وهذا القول إن صح عن سعيد‬
‫بين المسييب يوجيب أل يعيد مين الصيحابة جريير بين عبدال البجلي أو من شاركيه فيي فقيد ظاهير ميا‬
‫اشترطه فيهم ممن ل نعرف خلفا في عده من الصحابة‪.‬‬
‫@ ل خلف أن أول السيابقين مين المهاجريين أبيو بكير الصيديق‪ .‬وقال ابين العربيي‪ :‬السيبق يكون‬
‫بثلثة أشياء‪ :‬الصفة وهو اليمان‪ ،‬والزمان‪ ،‬والمكان‪ .‬وأفضل هذه الوجوه سبق الصفات؛ والدليل‬
‫علييه قوله صيلى ال علييه وسيلم فيي الصيحيح‪( :‬نحين الخرون الولون بييد أنهيم أوتوا الكتاب مين‬
‫قبلنا وأوتيناه من بعدهم فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا ال له فاليهود غدا والنصارى بعد غد)‪.‬‬
‫فأخبر النبي صلى ال عليه وسلم أن من سبقنا من المم بالزمان سبقناهم باليمان والمتثال لمر‬
‫ال تعالى والنقياد إلييه‪ ،‬والسيتسلم لمره والرضيا بتكليفيه والحتمال لوظائفيه‪ ،‬ل نعترض علييه‬
‫ول نختار معييه‪ ،‬ول نبدل بالرأي شريعتييه كمييا فعييل أهييل الكتاب؛ وذلك بتوفيييق ال لمييا قضاه‪،‬‬
‫وبتيسيره لما يرضاه؛ وما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال‪.‬‬
‫@ قال ابن خويز منداد‪ :‬تضمنت هذه الية تفضيل السابقين إلى كل منقبة من مناقب الشريعة‪ ،‬في‬
‫علم أو ديين أو شجاعية أو غيير ذلك‪ ،‬مين العطاء فيي المال والرتبية فيي الكرام‪ .‬وفيي هذه المسيألة‬
‫خلف بيين أبيي بكير وعمير رضيي ال عنهميا‪ .‬واختلف العلماء فيي تفضييل السيابقين بالعطاء على‬
‫غيرهيم؛ فروي عين أبيي بكير الصيديق رضيي ال عنيه أنيه كان ل يفضيل بيين الناس فيي العطاء‬
‫بعضهم على بعض بحسب السابقة‪ .‬وكان عمر يقول له‪ :‬أتجعل ذا السابقة كمن ل سابقة له؟ فقال‬
‫أبو بكر‪ :‬إنما عملوا ل وأجرهم عليه‪ .‬وكان عمر يفضل في خلفته؛ ثم قال عند وفاته‪ :‬لئن عشت‬
‫إلى غد للحقن أسفل الناس بأعلهم؛ فمات من ليلته‪ .‬والخلفة إلى يومنا هذا على هذا الخلف‪.‬‬
‫@ قرأ عمر "والنصارُ" رفعا‪" .‬الذين" بإسقاط الواو نعتا للنصار؛ فراجعه زيد بن ثابت‪ ،‬فسأل‬
‫عمير أبيي بين كعيب فصيدق زيدا؛ فرجيع إلييه عمير وقال‪ :‬ميا كنيا نرى إل أنيا رفعنيا رفعية ل ينالهيا‬
‫معنا أحد‪ .‬فقال أبي‪ :‬إني أجد مصداق ذلك في كتاب ال في أول سورة الجمعة‪" :‬وآخرين منهم لما‬
‫يلحقوا بهيم" [الجمعية‪ ]3 :‬وفيي سيورة الحشير‪" :‬والذيين جاؤوا مين بعدهيم يقولون ربنيا اغفير لنيا‬
‫ولخواننا الذين سبقونا باليمان" [الحشر‪ .]10 :‬وفي سورة النفال بقوله‪" :‬والذين آمنوا من بعد‬
‫وهاجروا وجاهدوا معكيم فأولئك منكيم" [النفال‪ .]74 :‬فثبتيت القراءة بالواو‪ .‬وبيين تعالى بقوله‪:‬‬
‫"بإحسيان" ميا يتبعون فييه مين أفعالهيم وأقوالهيم‪ ،‬ل فيميا صيدر عنهيم مين الهفوات والزلت؛ إذ لم‬
‫يكونوا معصومين رضي ال عنهم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في التابعين ومراتبهم؛ فقال الخطيب الحافظ‪ :‬التابعي من صحب الصحابي؛‬
‫ويقال للواحيد منهيم‪ :‬تابيع وتابعيي‪ .‬وكلم الحاكيم أبيي عبدال وغيره مشعير بأنيه يكفيي فييه أن يسيمع‬
‫مين الصيحابي أو يلقاه وإن لم توجيد الصيحبة العرفيية‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إن اسيم التابعيين ينطلق على مين‬
‫أسيلم بعيد الحديبية؛ كخالد بن الوليد وعمرو بن العاص ومن داناهيم من مسيلمة الفتح؛ لما ثبت أن‬
‫عبدالرحمين بين عوف شكيا إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم خالد بين الولييد؛ فقال النيبي صيلى ال‬
‫علييه وسيلم لخالد‪( :‬دعوا لي أصيحابي فوالذي نفسيي بيده لو أنفيق أحدكيم كيل يوم مثيل أحيد ذهبيا ميا‬
‫بلغ مد أحدهم ول نصيفه)‪ .‬ومن العجب عد الحاكم أبو عبدال النعمان وسويدا ابني مقرن المزني‬
‫في التابعين عندما ذكر الخوة من التابعين‪ ،‬وهما صحابيان معروفان مذكوران في الصحابة‪ ،‬وقد‬
‫شهدا الخندق كميا تقدم‪ .‬وال أعلم‪ .‬وأكيبر التابعيين الفقهاء السيبعة مين أهيل المدينية‪ ،‬وهيم سيعيد بين‬
‫المسييب‪ ،‬والقاسيم بين محميد؛ وعروة بين الزبيير‪ ،‬وخارجيه بين زييد‪ ،‬وأبيو سيلمة بين عبدالرحمين‪،‬‬
‫وعبدال بن عتبة بن مسعود‪ ،‬وسليمان بن يسار‪ .‬وقد نظمهم بعض الجلة في بيت واحد فقال‪:‬‬
‫سعيد أبو بكر سليمان خارجه‬ ‫فخذهم عبيدال عروة قاسم‬
‫وقال أحمد بن حنبل‪ :‬أفضل التابعين سعيد بن المسيب؛ فقيل له‪ :‬فعلقمة والسود‪ .‬فقال‪ :‬سعيد بن‬
‫المسيييب وعلقميية والسييود‪ .‬وعنييه أيضييا أنييه قال‪ :‬أفضييل التابعييين قيييس وأبييو عثمان وعلقميية‬
‫ومسيروق؛ هؤلء كانوا فاضليين ومين عليية التابعيين‪ .‬وقال أيضيا‪ :‬كان عطاء مفتيي مكية والحسين‬
‫مفتييي البصييرة فهذان أكثيير الناس عنهييم؛ وأبهييم‪ .‬وروي عيين أبييي بكيير بيين أبييي داود قال‪ :‬سيييدتا‬
‫التابعيين مين النسياء حفصية بنيت سييرين وعمرة بنيت عبدالرحمين‪ ،‬وثالثهميا ‪ -‬وليسيت كهميا ‪ -‬أم‬
‫الدرداء‪ .‬وروي عن الحاكم أبي عبدال قال‪ :‬طبقة تعد في التابعين ولم يصح سماع أحد منهم من‬
‫الصيحابة؛ منهيم إبراهييم بين سيويد النخعيي ولييس بإبراهييم بين يزييد النخعيي الفقييه‪ .‬وبكيير بين أبيي‬
‫السميط‪ ،‬وبكير بن عبدال الشج‪ .‬وذكر غيرهم قال‪ :‬وطبقة عدادهم عند الناس في أتباع التابعين‪.‬‬
‫وقد لقوا الصحابة منهم أبو الزناد عبدال بن ذكوان‪ ،‬لقي عبدال بن عمر وأنسا‪ .‬وهشام بن عروة‪،‬‬
‫وقد أدخل على عبدال بن عمر‪ ،‬وجابر بن عبدال وموسى بن عقبة‪ ،‬وقد أدرك أنس بن مالك‪ .‬وأم‬
‫خالد بنيت خالد بين سيعيد‪ .‬وفيي التابعيين طبقية تسيمى بالمخضرميين‪ ،‬وهيم الذيين أدركوا الجاهليية‬
‫وحياة رسول ال صلى ال عليه وسلم وأسلموا ول صحبة لهم‪ .‬واحدهم مخضرم بفتح الراء كأنه‬
‫خضرم‪ ،‬أي قطيع عين نظرائه الذيين أدركوا الصيحبة وغيرهيا‪ .‬وذكرهيم مسيلم فبلغ بهيم عشريين‬
‫نفسا‪ ،‬منهم أبو عمرو الشيباني‪ ،‬وسويد بن غفلة الكندي‪ ،‬وعمرو بن ميمون الودي‪ ،‬وأبو عثمان‬
‫النهدي وعبيد خيير بين يزييد الخيرانيي بفتيح الخاء‪ ،‬بطين مين همدان‪ ،‬وعبدالرحمين بين ميل‪ .‬وأبيو‬
‫الحلل العتكي ربيعة بن زرارة‪ .‬وممن لم يذكره مسلم؛ منهم أبو مسلم الخولني عبدال بن ثوب‪،‬‬
‫والحنيف بين قييس‪ .‬فهذه نبذة مين معرفية الصيحابة والتابعيين الذيين نطيق بفضلهيم القرآن الكرييم‪،‬‬
‫رضوان ال عليهيم أجمعيين‪ .‬وكفانيا نحين قوله جيل وعيز‪" :‬كنتيم خيير أمية أخرجيت للناس" [آل‬
‫عمران‪ ]110 :‬على ميا تقدم‪ ،‬وقوله عيز وجيل‪" :‬وكذلك جعلناكيم أمية وسيطا" [البقرة‪]143 :‬‬
‫اليية‪ .‬وقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬وددت أنيا لو رأينيا إخواننيا‪ .)...‬الحدييث‪ .‬فجعلنيا‬
‫إخوانه؛ إن اتقينا ال واقتفينا آثاره حشرنا ال في زمرته ول حاد بنا عن طريقته وملته بحق محمد‬
‫وآله‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 101 :‬وممين حولكيم مين العراب منافقون ومين أهيل المدينية مردوا على النفاق ل‬
‫تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وممن حولكم من العراب منافقون" ابتداء وخبر‪ .‬أي قوم منافقون؛ يعني مزينة‬
‫وجهينية وأسيلم وغفار وأشجيع‪" .‬ومين أهيل المدينية مردوا على النفاق" أي قوم مردوا على النفاق‪.‬‬
‫وقييل‪" :‬مردوا" مين نعيت المنافقيين؛ فيكون فيي الكلم تقدييم وتأخيير‪ ،‬المعنيى‪ .‬ومين حولكيم مين‬
‫العراب منافقون مردوا على النفاق‪ ،‬وميين أهييل المدينيية مثييل ذلك‪ .‬ومعنييى‪" :‬مردوا" أقاموا ولم‬
‫يتوبوا؛ عن ابن زيد‪ .‬وقال غيره‪ :‬لجوا فيه وأبوا غيره؛ والمعنى متقارب‪ .‬وأصل الكلمة من اللين‬
‫والملمسية والتجرد‪ .‬فكأنهيم تجردوا للنفاق‪ .‬ومنيه رملة مرداء ل نبيت فيهيا‪ .‬وغصين أمرد ل ورق‬
‫عليييه‪ .‬وفرس أمرد ل شعيير على ثنتييه‪ .‬وغلم أمرد بييين المرد؛ ول يقال‪ :‬جارييية مرداء‪ .‬وتمريييد‬
‫البناء تمليسه؛ ومنه قوله‪" :‬صرح ممرد" [النمل‪ .]44 :‬وتمريد الغصن تجريده من الورق؛ يقال‪:‬‬
‫مرد يمرد مرودا ومرادة‪" .‬ل تعلمهييم نحيين نعلمهييم" هييو مثييل قوله‪" :‬ل تعلمونهييم ال يعلمهييم"‬
‫[النفال‪ ]60 :‬على ميا تقدم‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى ل تعلم ييا محميد عاقبية أمورهيم وإنميا نختيص نحين‬
‫بعلمها؛ وهذا يمنع أن يحكم على أحد بجنة أو نار‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم" قال ابن عباس‪ :‬بالمراض في الدنيا‬
‫وعذاب الخرة‪ .‬فمرض المؤميين كفارة‪ ،‬ومرض الكافيير عقوبيية‪ .‬وقيييل‪ :‬العذاب الول الفضيحيية‬
‫بإطلع النبي صلى ال عليه وسلم عليهم؛ على ما يأتي بيانه في المنافقين‪ .‬والعذاب الثاني عذاب‬
‫القبر‪ .‬الحسن وقتادة‪ :‬عذاب الدنيا وعذاب القبر‪ .‬ابن زيد‪ :‬الول بالمصائب في أموالهم وأولدهم‪،‬‬
‫والثانيي عذاب القيبر‪ .‬مجاهيد‪ :‬الجوع والقتيل‪ .‬الفراء‪ :‬القتيل وعذاب القيبر‪ .‬وقييل‪ :‬السيباء والقتيل‪.‬‬
‫وقيييل‪ :‬الول أخييذ الزكاة ميين أموالهييم وإجراء الحدود عليهييم‪ ،‬والثانييي عذاب القييبر‪ .‬وقيييل‪ :‬أحييد‬
‫العذابين ما قال تعالى‪" :‬فل تعجبك أموالهم ‪ -‬إلى قول ‪ -‬إنما يريد ال ليعذبهم بها في الحياة الدنيا"‬
‫[التوبة‪ .]55 :‬والغرض من الية اتباع العذاب‪ ،‬أو تضعيف العذاب عليهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 102 :‬وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا عسى ال أن يتوب‬
‫عليهم إن ال غفور رحيم}‬
‫@ أي ومن أهل المدينة وممن حولكم قوم أقروا بذنوبهم‪ ،‬وآخرون مرجون لمر ال يحكم فيهم‬
‫بميا يرييد‪ .‬فالصينف الول يحتميل أنهيم كانوا منافقيين وميا مردوا على النفاق‪ ،‬ويحتميل أنهيم كانوا‬
‫مؤمنيين‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬نزلت فيي عشرة تخلفوا عين غزوة تبوك فأوثيق سيبعة منهيم أنفسيهم فيي‬
‫سيواري المسيجد‪ .‬وقال بنحوه قتادة وقال‪ :‬وفيهيم نزل "خيذ مين أموالهيم صيدقة" [التوبية‪]103 :‬؛‬
‫ذكره المهدوي‪ .‬وقال زييد بين أسيلم‪ :‬كانوا ثمانيية‪ .‬وقييل‪ :‬كانوا سيتة‪ .‬وقييل‪ :‬خمسية‪ .‬وقال مجاهيد‪:‬‬
‫نزلت الية في أبي لبابة النصاري خاصة في شأنه مع بني قريظة؛ وذلك أنهم كلموه في النزول‬
‫على حكيم ال ورسيوله صيلى ال علييه وسيلم فأشار لهيم إلى حلقيه‪ .‬يرييد أن النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم يذبحهم إن نزلوا‪ ،‬فلما افتضح تاب وندم وربط نفسه في سارية من سواري المسجد‪ ،‬وأقسم‬
‫أل يطعيم ول يشرب حتيى يعفيو ال عنيه أو يموت؛ فمكيث كذلك حتيى عفيا ال عنيه‪ ،‬ونزلت هذه‬
‫اليية‪ ،‬وأمر رسيول ال صلى ال عليه وسلم بحله؛ ذكره الطبري عن مجاهيد‪ ،‬وذكره ابن إسيحاق‬
‫فييي السيييرة أوعييب ميين هذا‪ .‬وقال أشهييب‪ ،‬عيين مالك‪ :‬نزلت "وآخرون" فييي شأن أبييي لبابيية‬
‫وأصحابه‪ ،‬وقال حين أصاب الذنب‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬أجاورك وأنخلع من مالي؟ فقال‪( :‬يجزيك من‬
‫ذلك الثلث وقيد قال تعالى‪" :‬خيذ مين أموالهيم صيدقة تطرهيم وتزكيهيم بهيا" [التوبية ‪ ]103‬ورواه‬
‫ابين القاسيم وابين وهيب عين مالك‪ .‬والجمهور أن اليية نزلت فيي شأن المتخلفيين عين غزوة تبوك‪،‬‬
‫وكانوا ربطوا أنفسيهم كميا فعيل أبيو لبابية‪ ،‬وعاهدوا ال أل يطلقوا أنفسيهم حتيى يكون رسيول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وهو الذي يطلقهم ويرضى عنهم‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬وأنا أقسم‬
‫بال ل أطلقهيم ول أعذرهيم حتيى أومير بإطلقهيم رغبوا عنيي وتخلفوا عين الغزو ميع المسيلمين)‬
‫فأنزل ال هذه اليية؛ فلميا نزلت أرسيل إليهيم النيبي صيلى ال علييه وسيلم فأطلقهيم وعذرهيم‪ .‬فلميا‬
‫أطلقوا قالوا‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬هذه أموالنيا التيي خلفتنيا عنيك‪ ،‬فتصيدق بهيا عنيا وطهرنيا واسيتغفر لنيا‪.‬‬
‫فقال‪( :‬ميا أمرت أن آخيذ مين أموالكيم شيئا) فأنزل ال تعالى‪" :‬خيذ مين أموالهيم صيدقة" [التوبية‪:‬‬
‫‪ ]103‬الية‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬كانوا عشرة أنفس منهم أبو لبابة؛ فأخذ ثلث أموالهم وكانت كفارة‬
‫الذنوب التييي أصييابوها‪ .‬فكان عملهييم السيييئ التخلف بإجماع ميين أهييل هذه المقالة‪ .‬واختلفوا فييي‬
‫الصييالح؛ فقال الطييبري وغيره‪ :‬العتراف والندم‪ .‬وقيييل‪ :‬عملهييم الصييالح الذي عملوه أنهييم لحقوا‬
‫برسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وربطوا أنفسهم بسواري المسجد وقالوا‪ :‬ل نقرب أهل ول ولدا‬
‫حتى ينزل ال عذرنا‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬بل العمل الصالح غزوهم فيما سلف من غزو النبي صلى ال‬
‫علييه وسيلم‪ .‬وهذه اليية وإن كانيت نزلت فيي أعراب فهيي عامية إلى يوم القيامية فيمين له أعمال‬
‫صالحة وسيئة؛ فهي ترجى‪ .‬ذكر الطبري عن حجاج بن أبي زينب قال‪ :‬سمعت أبا عثمان يقول‪:‬‬
‫ما في القرآن آية أرجى عندي لهذه المة من قوله تعالى‪" :‬وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عمل‬
‫صالحا وآخر سيئا"‪.‬‬
‫وفيي البخاري عين سيمرة بين جندب قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لنيا‪( :‬أتانيي الليلة‬
‫آتيان فابتعثاني فانتهينا إلى مدينة مبنية بلبن ذهب ولبن فضة فتلقانا رجال شطر من خلقهم كأحسن‬
‫ميا أنيت راء وشطير كأقبيح ميا أنيت راء قال لهيم‪ :‬أذهبوا فقعوا فيي ذلك النهير فوقعوا فييه ثيم رجعوا‬
‫إلينيا قيد ذهيب ذلك السيوء عنهيم فصياروا فيي أحسين صيورة قال لي هذه جنية عدن وهذاك منزلك‬
‫قال‪ :‬أما القوم الذي كانوا شطر منهم حسن وشطر منهم قبيح فإنهم خلطوا عمل صالحا وآخر سيئا‬
‫تجاوز ال عنهيم)‪ .‬وذكير البيهقيي مين حدييث الربييع بين أنيس عين أبيي هريرة عين النيبي صيلى ال‬
‫علييه وسيلم حدييث السيراء وفييه قال‪( :‬ثيم صيعد بيي إلى السيماء‪ )...‬ثيم ذكير الحدييث إلى أن ذكير‬
‫صعوده إلى السماء السابعة فقالوا‪( :‬حياه ال من أخ وخليفة‪ ،‬فنعم الخ ونعم الخليفة ونعم المجيء‬
‫جاء فإذا برجييل أشمييط جالس على كرسييي عنييد باب الجنيية وعنده قوم بيييض الوجوه وقوم سييود‬
‫الوجوه وفيي ألوانهيم شييء فأتوا نهرا فاغتسيلوا فييه فخرجوا منيه وقيد خلص مين ألوانهيم شييء ثيم‬
‫إنهيم أتوا نهرا آخير فاغتسيلوا فييه فخرجوا منيه وقيد خلص مين ألوانهيم شييء ثيم دخلوا النهير الثالث‬
‫فخرجوا منيه وقيد خلصيت ألوانهيم مثيل ألوان أصيحابهم فجلسيوا إلى أصيحابهم فقال ييا جبرييل مين‬
‫هؤلء بييض الوجوه وهؤلء الذيين فيي ألوانهيم شييء فدخلوا النهير وقيد خلصيت ألوانهيم فقال هذا‬
‫أبوك إبراهييم هيو أول رجيل شميط على وجيه الرض وهؤلء بييض الوجوه قوم لم يلبسيوا إيمانهيم‬
‫بظلم ‪ -‬قال ‪ -‬وأميا هؤلء الذيين فيي ألوانهيم شييء خلطوا عمل صيالحا وآخير سييئا فتابوا فتاب ال‬
‫عليهيم‪ .‬فأميا النهير الول فرحمية ال وأميا النهير الثانيي فنعمية ال‪ .‬وأميا النهير الثالث فسيقاهم ربهيم‬
‫شرابا طهورا) وذكر الحديث‪ .‬والواو في قوله‪" :‬وآخر سيئا" قيل‪ :‬هي بمعنى الباء‪ ،‬وقيل‪ :‬بمعنى‬
‫مع؛ كقولك استوى الماء والخشبة‪ .‬وأنكر ذلك الكوفيون وقالوا‪ :‬لن الخشبة ل يجوز تقديمها على‬
‫الماء‪ ،‬و"آخر" في الية يجوز تقديمه على الول؛ فهو بمنزلة خلطت الماء باللبن‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 103 :‬خيذ مين أموالهيم صيدقة تطهرهيم وتزكيهيم بهيا وصيل عليهيم إن صيلتك سيكن‬
‫لهم وال سميع عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خيذ مين أموالهيم صيدقة" اختلف فيي هذه الصيدقة المأمور بهيا؛ فقييل‪ :‬هيي صيدقة‬
‫الفرض؛ قال جويبر عن ابن عباس‪ ،‬وهو قول عكرمة فيميا ذكر القشيري‪ .‬وقيل‪ :‬هو مخصوص‬
‫بمين نزلت فييه؛ فإن النيبي صيلى ال علييه وسيلم أخيذ منهيم ثلث أموالهيم‪ ،‬ولييس هذا مين الزكاة‬
‫المفروضة في شيء؛ ولهذا قال مالك‪ :‬إذا تصدق الرجل بجميع ماله أجزأه إخراج الثلث؛ متمسكا‬
‫بحديييث أبييي لبابيية‪ .‬وعلى القول الول فهييو خطاب للنييبي صييلى ال عليييه وسييلم يقتضييي بظاهره‬
‫اقتصياره علييه فل يأخيذ الصيدقة سيواه‪ ،‬ويلزم على هذا سيقوطها بسيقوطه وزوالهيا بموتيه‪ .‬وبهذا‬
‫تعلق مانعيو الزكاة على أبيي بكير الصيديق رضيي ال عنيه وقالوا‪ :‬إنيه كان يعطينيا عوضيا منهيا‬
‫التطهير والتزكية والصلة علينا وقد عدمناها من غيره‪ .‬ونظم في ذلك شاعرهم فقال‪:‬‬
‫فيا عجبا ما بال ملك أبي بكر‬ ‫أطعنا رسول ال ما كان بيننا‬
‫لكالتمر أو أحلى لديهم من التمر‬ ‫وإن الذي سألوكم فمنعتم‬
‫كرام على الضراء في العسر واليسر‬ ‫سنمنعهم ما دام فينا بقية‬
‫وهذا صينف مين القائميين على أبيي بكير أمثلهيم طريقية‪ ،‬وفيي حقهيم قال أبيو بكير‪(:‬وال لقاتلن مين‬
‫فرق بيين الصيلة والزكاة)‪ .‬ابين العربيي‪ :‬أميا قولهيم إن هذا خطاب للنيبي صيلى ال علييه وسيلم فل‬
‫يلتحق به غيره فهو كلم جاهل بالقرآن غافل عن مأخذ الشريعة متلعب بالدين؛ فإن الخطاب في‬
‫القرآن لم يرد بابيا واحدا ولكين اختلفيت موارده على وجوه‪ ،‬فمنهيا خطاب توجيه إلى جمييع المية‬
‫كقوله‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا إذا قمتيم إلى الصيلة" [المائدة‪ ]6 :‬وقوله‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا كتيب‬
‫عليكيم الصييام" [البقرة‪ ]183 :‬ونحوه‪ .‬ومنهيا خطاب خيص بيه ولم يشركيه فييه غيره لفظيا ول‬
‫معنيى كقوله‪" :‬ومين اللييل فتهجيد بيه نافلة لك" [السيراء‪ ]79 :‬وقوله‪" :‬خالصية لك" [الحزاب‪:‬‬
‫‪ .]50‬ومنهيا خطاب خيص بيه لفظيا وشركيه جمييع المية معنيى وفعل؛ كقوله "أقيم الصيلة لدلوك‬
‫الشميس" [السيراء‪ ]78 :‬اليية‪ .‬وقوله‪" :‬فإذا قرأت القرآن فاسيتعذ بال" [النحيل‪ ]98 :‬وقوله‪:‬‬
‫"وإذا كنيت فيهيم فأقميت لهيم الصيلة" [النسياء‪ ]102 :‬فكيل مين دلكيت علييه الشميس مخاطيب‬
‫بالصيلة‪ .‬وكذلك كيل مين قرأ القرآن مخاطيب بالسيتعاذة‪ .‬وكذلك كيل مين خاف يقييم الصيلة بتلك‬
‫الصيفة‪ .‬ومين هذا القبييل قوله تعالى‪" :‬خيذ مين أموالهيم صيدقة تطهرهيم وتزكيهيم بهيا"‪ .‬وعلى هذا‬
‫المعنيى جاء قوله تعالى‪" :‬يا أيها النبي اتيق ال" [الحزاب‪ ]1 :‬و"ييا أيها النبي إذا طلقتيم النساء"‬
‫[الطلق‪.]1 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مين أموالهيم" ذهيب بعيض العرب وهيم دوس‪ :‬إلى أن المال الثياب والمتاع‬
‫والعروض‪ .‬ول تسمي العين مال‪ .‬وقد جاء هذا المعنى في السنة من رواية مالك عن ثور بن زيد‬
‫الديلي عن أبي الغيث سالم مولى ابن مطيع عن أبي هريرة قال‪ :‬خرجنا مع رسول ال صلى ال‬
‫علييه وسيلم عام خييبر فلم نغنيم ذهبيا ول ورقيا إل الموال الثياب والمتاع‪ .‬الحدييث‪ .‬وذهيب غيرهيم‬
‫إلى أن المال الصيامت مين الذهيب والورق‪ .‬وقييل‪ :‬البيل خاصية؛ ومنيه قولهيم‪ :‬المال البيل‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫جمييع الماشيية‪ .‬وذكير ابين النباري عين أحميد بين يحييى ثعلب النحوي قال‪ :‬ميا قصير عين بلوغ ميا‬
‫تجب فيه الزكاة من الذهب والورق فليس بمال؛ وأنشد‪:‬‬
‫حد الزكاة ول إبل ول مال‬ ‫وال ما بلغت لي قط ماشية‬
‫قال أبيو عمير‪ :‬والمعروف مين كلم العرب أن كيل ميا تمول وتملك هيو مال؛ لقوله صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪( :‬يقول ابن آدم مالي مالي وإنما له من ماله ما أكل فأفنى أو لبس فأبلي أو تصدق فأمضي)‪.‬‬
‫وقال أبو قتادة‪ :‬فأعطاني الدرع فابتعث به مخرفا في بني سلمة؛ فإنه لول مال تأثلته في السلم‪.‬‬
‫فمن حلف بصدقة ماله كله فذلك على كل نوع من ماله‪ ،‬سواء كان مما تجب فيه الزكاة أو لم يكن؛‬
‫إل أن ينوي شيئا بعينييه فيكون على مييا نواه‪ .‬وقييد قيييل‪ :‬إن ذلك على أموال الزكاة‪ .‬والعلم محيييط‬
‫واللسان شاهد بأن ما تملك يسمى مال‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬خيذ مين أموالهيم صيدقة" مطلق غيير مقييد بشرط فيي المأخوذ والمأخوذ منه‪ ،‬ول‬
‫تبيين مقدار المأخوذ ول المأخوذ منه‪ .‬وإنما بيان ذلك في السنة والجماع‪ .‬حسب ما نذكره فتؤخذ‬
‫الزكاة مين جمييع الموال‪ .‬وقيد أوجيب النيبي صيلى ال علييه وسيلم الزكاة فيي المواشيي والحبوب‬
‫والعيين‪ ،‬وهذا ميا ل خلف فييه‪ .‬واختلفوا فيميا سيوى ذلك كالخييل وسيائر العروض‪ .‬وسييأتي ذكير‬
‫الخيل والعسل في "النحل" إن شاء ال‪ .‬روى الئمة عن أبي سعيد عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أنيه قال‪( :‬لييس فيميا دون خمسية أوسيق مين التمير صيدقة ولييس فيميا دون خميس أواق مين الورق‬
‫صيدقة ولييس فيميا دون خميس ذود مين البيل صيدقة)‪ .‬وقيد مضيى الكلم فيي "النعام" فيي زكاة‬
‫الحبوب وما تنبته الرض مستوفى‪ .‬وفي المعادن في "البقرة" وفي الحلي في هذه السورة‪ .‬وأجمع‬
‫العلماء على أن الوقيية أربعون درهميا؛ فإذا ملك الحير المسيلم مائتيي درهيم مين فضية مضروبية ‪-‬‬
‫وهيي الخميس أواق المنصيوصة فيي الحدييث ‪ -‬حول كامل فقيد وجبيت علييه صيدقتها‪ ،‬وذلك ربيع‬
‫عشرهيا خمسية دراهيم‪ .‬وإنميا اشترط الحول لقوله علييه السيلم‪( :‬لييس فيي مال زكاة حتيى يحول‬
‫عليه الحول)‪ .‬أخرجه الترمذي‪ .‬وما زاد على المائتي درهم من الورق فبحساب ذلك من كل شيء‬
‫منيه ربع عشره قل أو كثير؛ هذا قول مالك واللييث والشافعيي وأكثر أصحاب أبي حنيفة وابن أبي‬
‫ليلى والثوري والوزاعيي وأحميد بين حنبيل وأبيي ثور وإسيحاق وأبيي عبييد‪ .‬وروي ذلك عين علي‬
‫وابن عمر‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬ل شيء فيما زاد على مائتي درهم حتى تبلغ الزيادة أربعين درهما؛ فإذا‬
‫بلغتهيا كان فيهيا درهيم وذلك ربيع عشرهيا‪ .‬هذا قول سيعيد بين المسييب والحسين وعطاء وطاوس‬
‫والشعبي والزهري ومكحول وعمرو بن دينار وأبي حنيفة‪.‬‬
‫@ وأميا زكاة الذهيب فالجمهور مين العلماء على أن الذهيب إذا كان عشريين دينارا قيمتهيا مائتيا‬
‫درهم فما زاد أن الزكاة فيها واجبة؛ على حديث علي‪ ،‬أخرجه الترمذي عن ضمرة والحارث عن‬
‫علي‪ .‬قال الترمذي‪ :‬سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال كلهما عندي صحيح عن أبي‬
‫إسحاق‪ ،‬يحتمل أن يكون عنهما جميعا‪ .‬وقال الباجي في المنتقى‪ :‬وهذا الحديث ليس إسناده هناك‪،‬‬
‫غييير أن اتفاق العلماء على الخييذ بييه دليييل على صييحة حكمييه‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وروي عيين الحسيين‬
‫والثوري‪ ،‬وإلييه مال بعيض أصيحاب داود بين علي على أن الذهيب ل زكاة فييه حتيى يبلغ أربعيين‬
‫دينارا‪ .‬وهذا يرده حدييث علي وحدييث ابين عمير وعائشية أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان يأخيذ‬
‫مين كيل عشريين دينارا نصيف دينار‪ ،‬ومين الربعيين دينارا دينارا؛ على هذا جماعية أهيل العلم إل‬
‫من ذكر‪.‬‬
‫@ اتفقت المة على أن ما كان دون خمس ذَود من البل فل زكاة فيه‪ .‬فإذا بلغت خمسا ففيها شاة‪.‬‬
‫والشاة تقيع على واحدة مين الغنيم‪ ،‬والغنيم الضأن والمعيز جميعيا‪ .‬وهذا أيضيا اتفاق مين العلماء أنيه‬
‫ليييس فييي خمييس إل شاة واحدة؛ وهيي فريضتهييا‪ .‬وصييدقة المواشيي مبينيية فيي الكتاب الذي كتبيه‬
‫الصيديق لنيس لميا وجهيه إلى البحريين؛ أخرجيه البخاري وأبيو داود والدارقطنيي والنسيائي وابين‬
‫ماجية وغيرهيم‪ ،‬وكله متفيق علييه‪ .‬والخلف فييه فيي موضعيين أحدهميا فيي زكاة البيل‪ ،‬وهيي إذا‬
‫بلغيت إحدى وعشريين ومائة فقال مالك‪ :‬المصيدق بالخيار إن شاء أخيذ ثلث بنات لبون‪ ،‬وإن شاء‬
‫أخييذ حقتييين‪ .‬وقال ابيين القاسييم‪ :‬وقال ابيين شهاب‪ :‬فيهييا ثلث بنات لبون إلى أن تبلغ ثلثييين ومائة‬
‫فتكون فيهيا حقية وابنتيا لبون‪ .‬قال ابين القاسيم‪ :‬ورأييي على قول ابين شهاب‪ .‬وذكير ابين حيبيب أن‬
‫عبدالعزييز بين أبيي سيلمة وعبدالعزييز بين ابين حازم وابين دينار يقولون بقول مالك‪ .‬وأميا الموضيع‬
‫الثاني فهو في صدقة الغنم‪ ،‬وهي إذا زادت على ثلثمائة شاة وشاة؛ فإن الحسن بن صالح بن حي‬
‫قال‪ :‬فيهيا أربيع شياه‪ .‬وإذا كانيت أربعمائة شاة وشاة ففيهيا خميس شياه؛ وهكذا كلميا زادت‪ ،‬فيي كيل‬
‫مائة شاة‪ .‬وروي عين إبراهييم النخعيي مثله‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬فيي مائتيي شاة وشاة ثلث شياه‪ ،‬ثيم ل‬
‫شييء فيها إلى أربعمائة فيكون فيهيا أربيع شياه؛ ثيم كلميا زادت مائة ففيها شاة؛ إجماعا واتفاقيا‪ .‬قال‬
‫ابن عبدالبر‪ :‬وهذه مسألة وهم فيها ابن المنذر‪ ،‬وحكى فيها عن العلماء الخطأ‪ ،‬وخلط وأكثر الغلط‪.‬‬
‫@ لم يذكير البخاري ول مسيلم فيي صيحيحهما تفصييل زكاة البقير‪ .‬وخرجيه أبيو داود والترمذي‬
‫والنسائي والدارقطني ومالك في موطئه وهي مرسلة ومقطوعة وموقوفة‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وقد رواه‬
‫قوم عين طاوس عين معاذ‪ ،‬إل أن الذيين أرسيلوه أثبيت مين الذيين أسيندوه‪ .‬وممين أسينده بقيية عين‬
‫المسيعودي عين الحكيم عين طاوس‪ .‬وقيد اختلفوا فيميا ينفرد بيه بقيية عين الثقات‪ .‬ورواه الحسين بين‬
‫عمارة عين الحكيم كميا رواه بقيية عين المسيعودي عين الحكيم‪ ،‬والحسين مجتميع على ضعفيه‪ .‬وقيد‬
‫روي هذا الخبر بإسناد متصل صحيح ثابت من غير رواية طاوس؛ ذكره عبدالرزاق قال‪ :‬أخبرنا‬
‫معمر والثوري عن العمش عن أبي وائل عن مسروق عن معاذ بن جبل قال‪ :‬بعثني رسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم إلى اليمين فأمره أن يأخيذ مين كيل ثلثيين بقرة تبيعيا أو تبيعية‪ ،‬ومين أربعيين‬
‫مسنة‪ ،‬ومن كل حالم دينارا أو عدله معافر؛ ذكره الدارقطني وأبو عيسى الترمذي وصححه‪ .‬قال‬
‫أبييو عميير‪ .‬ول خلف بييين العلماء أن الزكاة فييي زكاة البقيير عيين النييبي صييلى ال عليييه وسييلم‬
‫وأصحابه ما قال معاذ بن جبل‪ :‬في ثلثين بقرة تبيع‪ ،‬وفي أربعين مسنة إل شيء روي عن سعيد‬
‫بين المسييب وأبيي قلبية والزهري وقتادة؛ فإنهيم يوجبون فيي كيل خميس مين البقير شاة إلى ثلثيين‪.‬‬
‫فهذه جملة مين تفصييل الزكاة بأصيولها وفروعهيا فيي كتيب الفقيه‪ .‬ويأتيي ذكير الخلطية فيي سيورة‬
‫[ص] إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬صيدقة" مأخوذ مين الصيدق؛ إذ هيي دلييل على صيحة إيمانيه‪ ،‬وصيدق باطنيه ميع‬
‫ظاهره‪ ،‬وأنيه لييس مين المنافقيين الذيين يلمزون المطوعيين مين المؤمنيين فيي الصيدقات‪" .‬تطهرهيم‬
‫وتزكيهيم بهيا" حاليين للمخاطيب؛ التقديير‪ :‬خذهيا مطهرا لهيم ومزكييا لهيم بهيا‪ .‬ويجوز أن يجعلهميا‬
‫صيفتين للصيدقة؛ أي صيدقة مطهرة لهيم مزكيية‪ ،‬ويكون فاعيل تزكيهيم المخاطيب‪ ،‬ويعود الضميير‬
‫الذي فيي "بهيا" على الموصيوف المنكير‪ .‬وحكيى النحاس ومكيي أن "تطهرهيم" مين صيفة الصيدقة‬
‫"وتزكيهيم بهيا" حال مين الضميير فيي "خيذ" وهيو النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬ويحتميل أن تكون‬
‫حال مين الصيدقة‪ ،‬وذلك ضعييف لنهيا حال مين نكرة‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬والجود أن تكون المخاطبية‬
‫للنيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ أي فإنيك تطهرهيم وتزكيهيم بهيا‪ ،‬على القطيع والسيتئناف‪ .‬ويجوز‬
‫الجزم على جواب المير‪ ،‬والمعنيى‪ :‬إن تأخيذ مين أموالهيم صيدقة تطهرهيم وتزكيهيم؛ ومنيه قول‬
‫امرئ القيس‪:‬‬
‫قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل‬
‫وقرأ الحسيين تطهرهييم "بسييكون الطاء" وهييو منقول بالهمزة ميين طهيير وأطهرتييه‪ ،‬مثييل ظهيير‬
‫وأظهرته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وصيل عليهم" أصلٌ فيي فعيل كيل إمام يأخذ الصيدقة أن يدعو للمتصيدق بالبركية‪.‬‬
‫روى مسييلم عيين عبدال بيين أبييي أوفييى قال‪ :‬كان رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم إذا أتاه قوم‬
‫بصيدقتهم قال‪( :‬اللهيم صيل عليهيم) فأتاه ابين أبيي أوفيى بصيدقته فقال‪( :‬اللهيم صيل على آل أبيي‬
‫أوفيى)‪ .‬ذهيب قوم إلى هذا‪ ،‬وذهيب آخرون إلى أن هذا منسيوخ بقوله تعالى‪" :‬ول تصيل على أحيد‬
‫منهم مات أبدا" [التوبة‪ .]84 :‬قالوا‪ :‬فل يجوز أن يُصلى على أحد إل على النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم وحده خاصة؛ لنه خص بذلك‪ .‬واستدلوا بقوله تعالى‪" :‬ل تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء‬
‫بعضكم بعضا" [النور‪ ]63 :‬الية‪ .‬وبأن عبدال بن عباس كان يقول‪ :‬ل يُصلى على أحد إل على‬
‫النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬والول أصيح؛ فإن الخطاب لييس مقصيورا علييه كميا تقدم؛ ويأتيي فيي‬
‫الية بعد هذا‪ .‬فيجب القتداء برسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والتأسي به؛ لنه كان يمتثل قوله‪:‬‬
‫"وصيل عليهيم إن صيلتك سيكن لهيم" أي إذا دعوت لهيم حيين يأتون بصيدقاتهم سيكن ذلك قلوبهيم‬
‫وفرحوا بيه‪ .‬وقيد روى جابر بين عبدال قال‪ :‬أتانيي النيبي صيلى ال علييه وسيلم فقلت لمرأتيي‪ :‬ل‬
‫تسيألي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم شيئا؛ فقالت‪ :‬يخرج رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم مين‬
‫عندنيا ول نسيأله شيئا! فقالت‪ :‬ييا رسيول ال؛ صيل على زوجيي‪ .‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسيلم‪( :‬صيلى ال علييك وعلى زوجيك)‪ .‬والصيلة هنيا الرحمية والترحيم‪ .‬قال النحاس‪ :‬وحكيى أهيل‬
‫اللغيية جميعييا فيمييا علمناه أن الصييلة فييي كلم العرب الدعاء؛ ومنييه الصييلة على الجنائز‪ .‬وقرأ‬
‫حفص وحمزة والكسائي‪" :‬إن صلتك" بالتوحيد‪ .‬وجمع الباقون‪ .‬وكذلك الختلف في "أصلتك‬
‫تأمرك" [هود‪ ]87 :‬وقرئ "سكن" بسكون الكاف‪ .‬قال قتادة‪ :‬معناه وقار لهم‪ .‬والسكن‪ :‬ما تسكن‬
‫به النفوس وتطمئن به القلوب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 104 :‬ألم يعلموا أن ال هيو يقبيل التوبية عين عباده ويأخيذ الصيدقات وأن ال هيو‬
‫التواب الرحيم}‬
‫@ قيل‪ :‬قال الذين لم يتوبوا من المتخلفين‪ :‬هؤلء كانوا معنا بالمس‪ ،‬ل يكلمون ول يجالسون‪،‬‬
‫فما لهم الن؟ وما هذه الخاصة التي خصوا بها دوننا؛ فنزلت‪" :‬ألم يعلموا" فالضمير في "يعلموا"‬
‫عائد إلى الذييين لم يتوبوا ميين المتخلفييين‪ .‬قال معناه ابيين زيييد‪ .‬ويحتمييل أن يعود إلى الذييين تابوا‬
‫وربطوا أنفسيهم‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬هيو" تأكييد لنفراد ال سيبحانه وتعالى بهذه المور‪ .‬وتحقييق ذلك‬
‫أنه لو قال‪ :‬إن ال يقبل التوبة لحتمل أن يكون قبول رسوله قبول منه؛ فبينت الية أن ذلك مما ل‬
‫يصل إليه نبي ول ملك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويأخذ الصدقات" هذا نص صريح في أن ال تعالى هو الخذ لها والمثيب عليها‬
‫وأن الحق له جل وعز‪ ،‬والنبي صلى ال عليه وسلم واسطة‪ ،‬فإن توفي فعامله هو الواسطة بعده‪،‬‬
‫وال عيز وجيل حيي ل يموت‪ .‬وهذا ييبين أن قوله سيبحانه وتعالى‪" :‬خيذ مين أموالهيم صيدقة" لييس‬
‫مقصورا على النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬روى الترمذي عن أبي هريرة قال قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬إن ال يقبل الصيدقة ويأخذها بيمينه فيربيها لحدكم كما يربيي أحدكيم مهره حتيى‬
‫أن اللقمية لتصيير مثيل أحيد وتصيديق ذلك فيي كتاب ال "وهيو الذي يقبيل التوبية عين عباده ويأخيذ‬
‫الصيدقات" "ويمحيق ال الربيا ويربيي الصيدقات"‪ .‬قال‪ :‬هذا حدييث حسين صيحيح‪ .‬وفيي صيحيح‬
‫مسيلم‪( :‬ل يتصيدق أحيد بتمرة مين كسيب طييب إل أخذهيا ال بيمينيه ‪ -‬فيي روايية ‪ -‬فتربيو فيي كيف‬
‫الرحمين حتيى تكون أعظيم مين الجبيل) الحدييث‪ .‬وروي (إن الصيدقة لتقيع فيي كيف الرحمين قبيل أن‬
‫تقع في كف السائل فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله وال يضاعف لمن يشاء)‪ .‬قال علماؤنا‬
‫رحمة ال عليهم في تأويل هذه الحاديث‪ :‬إن هذا كناية عن القبول والجزاء عليها؛ كما كنى بنفسه‬
‫الكريمة المقدسة عن المريض تعطفا عليه بقوله‪( :‬يا ابن آدم مرضت فلم تعدني‪ )...‬الحديث‪ .‬وقد‬
‫تقدم هذا المعنيى فيي "البقرة"‪ .‬وخيص اليميين والكيف بالذكير إذ كيل قابيل لشييء إنميا يأخذه بكفيه‬
‫وبيمينه أو يوضع له فيه؛ فخرج على ما يعرفونه‪ ،‬وال جل وعز منزه عن الجارحة‪ .‬وقد جاءت‬
‫اليمين في كلم العرب بغير معنى الجارحة؛ كما قال الشاعر‪:‬‬
‫تلقاها عرابة باليمين‬ ‫إذا ما راية رفعت لمجد‬
‫أي هو مؤهل للمجد والشرف‪ ،‬ولم يرد بها يمين الجارحة‪ ،‬لن المجد معنى فاليمين التي تتلقى به‬
‫رايته معنيى‪ .‬وكذلك اليميين فيي حيق ال تعالى‪ .‬وقد قييل‪ :‬إن معنيى (تربيو في كف الرحمين) عبارة‬
‫عين كفية الميزان التيي توزن فيهيا العمال‪ ،‬فيكون مين باب حذف المضاف؛ كأنيه قال‪ .‬فتربيو كفية‬
‫ميزان الرحمين‪ .‬وروي عين مالك والثوري وابين المبارك أنهيم قالوا فيي تأوييل هذه الحادييث وميا‬
‫شابهها‪ :‬أ ِمرّوها بل كيف؛ قال الترمذي وغيره‪ .‬وهكذا قول أهل العلم من أهل السنة والجماعة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 105 :‬وقل اعملوا فسيرى ال عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب‬
‫والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقيل اعملوا" خطاب للجمييع‪" .‬فسييرى ال عملكيم ورسيوله والمؤمنون" أي‬
‫بإطلعه إياهم على أعمالكم‪ .‬وفي الخبر‪( :‬لو أن رجل عمل في صخرة ل باب لها ول كوة لخرج‬
‫عمله إلى الناس كائنا ما كان)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 106 :‬وآخرون مرجون لمر ال إما يعذبهم وإما يتوب عليهم وال عليم حكيم}‬
‫@ نزلت في الثلثة الذين تيب عليهم‪ :‬كعب بن مالك وهلل بن أمية من بنى واقف ومرارة بن‬
‫الربييع؛ وقييل‪ :‬ابين ربعيي العمري؛ ذكره المهدوي‪ .‬كانوا قيد تخلفوا عين تبوك وكانوا مياسير؛ على‬
‫ما يأتي من ذكرهم‪ .‬والتقدير‪ :‬ومنهم آخرون مرجون؛ من أرجأته أي أخرته‪ .‬ومنه قيل‪ :‬مرجئة؛‬
‫لنهم أخروا العمل‪ .‬وقرأ حمزة والكسائي "مرجون" بغير همزة؛ فقيل‪ :‬هو من أرجيته أي أخرته‪.‬‬
‫وقال المييبرد‪ :‬ل يقال أرجيتييه بمعنييى أخرتييه‪ ،‬ولكيين يكون ميين الرجاء‪" .‬إمييا يعذبهييم وإمييا يتوب‬
‫عليهم" "إما" في العربية لحد أمرين‪ ،‬وال عز وجل عالم بمصير الشياء‪ ،‬ولكن المخاطبة للعباد‬
‫على ما يعرفون؛ أي ليكن أمرهم عندكم على الرجاء لنه ليس للعباد أكثر من هذا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 107 :‬والذيين اتخذوا مسيجدا ضرارا وكفرا وتفريقيا بيين المؤمنيين وإرصيادا لمين‬
‫حارب ال ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إل الحسنى وال يشهد إنهم لكاذبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيين اتخذوا مسيجدا" معطوف‪ ،‬أي ومنهيم الذيين اتخذوا مسيجدا‪ ،‬عطيف جملة‬
‫على جملة‪ .‬ويجوز أن يكون رفعييا بالبتداء والخييبر محذوف كأنهييم "يعذبون" أو نحوه‪ .‬وميين قرأ‬
‫"الذيين" بغيير واو وهيي قراءة المدنييين فهيي عنده رفيع بالبتداء‪ ،‬والخيبر "ل تقيم" التقديير‪ :‬الذيين‬
‫اتخذوا مسيجدا ل تقيم فييه أبدا؛ أي ل تقيم فيي مسيجدهم؛ قاله الكسيائي‪ .‬وقال النحاس‪ :‬يكون خيبر‬
‫البتداء "ل يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم" [التوبة‪ .]110 :‬وقيل‪ :‬الخبر "يعذبون" كما‬
‫تقدم‪ .‬ونزلت اليية فيميا روي فيي أبيو عامير الراهيب؛ لنيه كان خرج إلى قيصير وتنصير ووعدهيم‬
‫قيصيير أنييه سيييأتيهم‪ ،‬فبنوا مسييجد الضرار يرصييدون مجيئه فيييه؛ قال ابيين عباس ومجاهييد وقتادة‬
‫وغيرهيم‪ ،‬وقيد تقدميت قصيته فيي العراف وقال أهيل التفسيير‪ :‬إن بنيي عمرو بين عوف اتخذوا‬
‫مسيجد قباء وبعثوا للنيبي صيلى ال علييه وسيلم أن يأتيهيم فأتاهيم فصيلى فييه؛ فحسيدهم إخوانهيم بنيو‬
‫غنيم بين عوف وقالوا‪ :‬نبنيي مسيجدا ونبعيث إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم يأتينيا فيصيلي لنيا كميا‬
‫صلى في مسجد إخواننا‪ ،‬ويصلي فيه أبو عامر إذا قدم من الشام؛ فأتوا النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫وهيو يتجهيز إلى تبوك فقالوا‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬قيد بنينيا مسيجدا لذي الحاجية‪ ،‬والعلة والليلة المطيرة‪،‬‬
‫ونحيب أن تصيلي لنيا فييه وتدعيو بالبركية؛ فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم (إنيي على سيفر وحال‬
‫شغيل فلو قدمنيا لتيناكيم وصيلينا لكيم فييه) فلميا أنصيرف النيبي صيلى ال علييه وسيلم مين تبوك أتوه‬
‫وقيد فرغوا منيه وصيلوا فييه الجمعية والسيبت والحيد‪ ،‬فدعيا بقميصيه ليلبسيه ويأتيهيم فنزل علييه‬
‫القرآن بخيبر مسيجد الضرار؛ فدعيا النيبي صيلى ال علييه وسيلم مالك بين الدخشيم ومعين بين عدي‬
‫وعاميير بيين السييكن ووحشيييا قاتييل حمزة‪ ،‬فقال‪( :‬انطلقوا إلى هذا المسييجد الظالم أهله فاهدموه‬
‫وأحرقوه) فخرجوا مسييرعين‪ ،‬وأخرج مالك بيين الدخشييم ميين منزله شعلة نار‪ ،‬ونهضوا فأحرقوا‬
‫المسجد وهدموه‪ ،‬وكان الذين بنوه اثني عشر رجل‪ :‬خذام بن خالد من بني عبيد بن زيد أحد بني‬
‫عمرو بين عوف ومين داره أخرج مسيجد الضرار‪ ،‬ومعتيب بين قشيير‪ ،‬وأبيو حبيبية بين الزعير‪،‬‬
‫وعباد بين الزعير‪ ،‬وعباد بين حنييف أخيو سيهل بين حنييف مين بنيي عمرو بين عوف‪ .‬وجاريية بين‬
‫عامير‪ ،‬وابناه مجميع وزييد ابنيا جارية‪ ،‬ونبتيل بن الحارث‪ ،‬وبحزج‪ ،‬وبجاد بن عثمان‪ ،‬ووديعية بن‬
‫ثابت‪ ،‬وثعلبة بن حاطب مذكور فيهم‪ .‬قال أبو عمر بن عبدالبر‪ :‬وفيه نظر؛ لنه شهد بدرا‪ .‬وقال‬
‫عكرمة‪ :‬سأل عمر بن الخطاب رجل منهم بماذا أعنت في هذا المسجد؟ فقال‪ :‬أعنت فيه بسارية‪.‬‬
‫فقال‪ :‬أبشر بها سارية في عنقك من نار جهنم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ضرارا" مصيدر مفعول مين أجله‪" .‬وكفرا وتفريقيا بيين المؤمنيين وإرصيادا"‬
‫عطيف كله‪ .‬وقال أهيل التأوييل‪ :‬ضرارا بالمسيجد‪ ،‬ولييس للمسيجد ضرار‪ ،‬إنميا هيو لهله‪ .‬وروى‬
‫الدارقطنيي عين أبيي سيعيد الخدري قال قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم (ل ضرر ول ضرار‬
‫مين ضار ضار ال بيه ومين شاق ال علييه)‪ .‬قال بعيض العلماء‪ :‬الضرر‪ :‬الذي لك بيه منفعية وعلى‬
‫جارك فييه مضرة‪ .‬والضرار‪ :‬الذي لييس لك فييه منفعية وعلى جارك فييه المضرة‪ .‬وقيد قييل‪ :‬هميا‬
‫بمعنى واحد‪ ،‬تكلم بهما جميعا على جهة التأكيد‪.‬‬
‫@ قال علماؤنيا‪ :‬ل يجوز أن يبنيي مسيجد إلى جنيب مسيجد‪ ،‬ويجيب هدميه؛ والمنيع مين بنائه لئل‬
‫ينصرف أهل المسجد الول فيبقى شاغرا‪ ،‬إل أن تكون المحلة كبيرة فل يكفي أهلها مسجد واحد‬
‫فيبنى حينئذ‪ .‬وكذلك قالوا‪ .‬ل ينبغي أن يبنى في المصر الواحد جامعان وثلثة‪ ،‬ويجب منع الثاني‪،‬‬
‫ومين صيلى فييه الجمعية لم تجزه‪ .‬وقيد أحرق النيبي صيلى ال علييه وسيلم مسيجد الضرار وهدميه‪.‬‬
‫وأسند الطبري عن شقيق أنه جاء ليصلي في مسجد بني غاضرة فوجد الصلة قد فاتته‪ ،‬فقيل له‪:‬‬
‫إن مسيجد بنيي فلن لم يصيل فييه بعيد؛ فقال‪ :‬ل أحيب أن أصيلي فييه؛ لنيه بنيي على ضرار‪ .‬قال‬
‫علماؤنييا‪ :‬وكييل مسييجد بنييي على ضرار أو رياء وسييمعة فهييو فييي حكييم مسييجد الضرار ل تجوز‬
‫الصلة فيه‪ .‬وقال النقاش‪ :‬يلزم من هذا أل يصلي في كنيسة ونحوها؛ لنها بنيت على شر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا ل يلزم؛ لن الكنيسة لم يقصد ببنائها الضرر بالغير‪ ،‬وإن كان أصل بنائها على شر‪،‬‬
‫وإنما اتخذ النصارى الكنيسة واليهود البيعة موضعا يتعبدون فيه بزعمهم كالمسجد لنا فافترقا‪ .‬وقد‬
‫أجميع العلماء على أن مين صيلى فيي كنيسية أو بيعية على موضيع طاهير أن صيلته ماضيية جائزة‪.‬‬
‫وقد ذكر البخاري أن ابن عباس كان يصلي في البيعة إذا لم يكن فيها تماثيل‪ .‬وذكر أبو داود عن‬
‫عثمان بين أبيي العاص أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم أمره أن يجعيل مسيجد الطائف حييث كانيت‬
‫طواغيتهم‪.‬‬
‫@ قال العلماء‪ :‬إن مين كان إماميا لظالم ل يصيلي وراءه إل أن يظهير عذره أو يتوب فإن بنيي‬
‫عمرو بن عوف الذين بنوا مسجد قباء سألوا عمر بن الخطاب في خلفته ليأذن لمجمع بن جارية‬
‫أن يصيلي بهيم فيي مسيجدهم؛ فقال‪ :‬ل ول نعمية عيين ألييس بإمام مسيجد الضرار فقال له مجميع‪ :‬ييا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬ل تعجل علي فوال لقد صليت فيه وأنا ل أعلم ما قد أضمروا عليه ولو علمت ما‬
‫صليت بهم فيه كنت غلما قارئا للقرآن وكانوا شيوخا قد عاشوا على جاهليتهم وكانوا ل يقرؤون‬
‫من القرآن شيئا فصليت ول أحسب ما صنعت إثما ول أعلم بما في أنفسهم فعذره عمر رضي ال‬
‫عنهما وصدقه وأمره بالصلة في مسجد قباء‪.‬‬
‫@ قال علماؤنيا رحمية ال عليهيم‪ :‬وإذا كان المسيجد الذي يتخيذ للعبادة وحيض الشرع على بنائه‬
‫فقال‪( :‬مين بنيى ل مسيجدا ولو كمفحيص قطاة بنيى ال له بيتيا فيي الجنية) يهدم وينزع إذا كان فييه‬
‫ضرر بغيره‪ ،‬فمييا ظنييك بسييواه بييل هييو أحرى أن يزال ويهدم حتييى ل يدخييل ضرر على القدم‪.‬‬
‫وذلك كمن بنى فرنا أو رحى أو حفر بئرا أو غير ذلك مما يدخل به الضرر على الغير‪ .‬وضابط‬
‫هذا الباب‪ :‬أن مين أدخيل على أخييه ضررا منيع‪ .‬فإن أدخيل على أخييه ضررا بفعيل ميا كان له فعله‬
‫فييي ماله فأضيير ذلك بجاره أو غييير جاره نظيير إلى ذلك الفعييل؛ فإن كان تركييه أكييبر ضررا ميين‬
‫الضرر الداخل على الفاعل قطع أكبر الضررين وأعظمهما حرمة في الصول‪ .‬مثال ذلك‪ :‬رجل‬
‫فتيح كوة فيي منزله يطلع منهيا على دار أخييه وفيهيا العيال والهيل‪ ،‬ومين شأن النسياء فيي بيوتهين‬
‫إلقاء بعييض ثيابهيين والنتشار فييي حوائجهيين‪ ،‬ومعلوم أن الطلع على العورات محرم وقييد ورد‬
‫النهيي فييه فلحرميه الطلع على العورات رأى العلماء أن يغلقوا على فاتيح الباب والكوة ميا فتيح‬
‫مما له فيه منفعة وراحة وفي غلقه عليه ضرر لنهم قصدوا إلى قطع أعظم الضررين‪ ،‬إذ لم يكن‬
‫بيد مين قطيع أحدهميا وهكذا الحكيم فيي هذا الباب‪ ،‬خلفيا للشافعيي ومين قال بقوله‪ .‬قال أصيحاب‬
‫الشافعي‪ :‬لو حفر رجل في ملكه بئرا وحفر آخر في ملكه بئرا يسرق منها ماء البئر الولة جاز؛‬
‫لن كيل واحيد منهميا حفير فيي ملكيه فل يمنيع مين ذلك‪ .‬ومثله عندهيم‪ :‬لو حفير إلى جنيب بئر جاره‬
‫كنيفيا يفسيده علييه لم يكين له منعيه؛ لنيه تصيرف فيي ملكه‪ .‬والقرآن والسينة يردان هذا القول‪ .‬وبال‬
‫التوفيق‪.‬‬
‫وميين هذا الباب وجييه آخيير ميين الضرر منييع العلماء منييه‪ ،‬كدخان الفرن والحمام وغبار الندر‬
‫والدود المتولد مين الزبيل المبسيوط فيي الرحاب‪ ،‬وميا كان مثيل هذا فإنيه يقطيع منيه ميا بان ضرره‬
‫وخشي تماديه‪ .‬وأما ما كان ساعة خفيفة مثل نفض الثياب والحصر عند البواب؛ فإن هذا مما ل‬
‫غنيى بالناس عنيه‪ ،‬ولييس مميا يسيتحق بيه شييء؛ فنفيي الضرر فيي منيع مثيل هذا أعظيم وأكيبر مين‬
‫الصيبر على ذلك سياعة خفيفية‪ .‬وللجار على جاره فيي أدب السينة أن يصيبر على أذاه على ميا يقدر‬
‫كما عليه أل يؤذيه وأن يحسن إليه‪.‬‬
‫ومميا يدخيل فيي هذا الباب مسيألة ذكرهيا إسيماعيل بين أبيي أوييس عين مالك أنيه سيئل عين امرأة‬
‫عرض لها‪ ،‬يعني مسا من الجن‪ ،‬فكانت إذا أصابها زوجها وأجنبت أودنا منها يشتد ذلك بها‪ .‬فقال‬
‫مالك‪ :‬ل أرى أن يقربها‪ ،‬وأرى للسلطان أن يحول بينه وبينها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكفرا" لميا كان اعتقادهيم أنيه ل حرمية لمسيجد قباء ول لمسيجد النيبي صيلى ال‬
‫علييه وسيلم كفروا بهذا العتقاد؛ قاله ابين العربيي‪ .‬وقييل‪" :‬وكفرا" أي بالنيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫وبما جاء به؛ قاله القشيري وغيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتفريقا بين المؤمنين" أي يفرقون به جماعتهم ليتخلف أقوام عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم‪ .‬وهذا يدلك على أن المقصد الكبر والغرض الظهر من وضع الجماعة تأليف القلوب‬
‫والكلمية على الطاعية‪ ،‬وعقيد الذمام والحرمية بفعيل الديانية حتيى يقيع النيس بالمخالطية‪ ،‬وتصيفو‬
‫القلوب من وضر الحقاد‪.‬‬
‫تفطين مالك رحميه ال مين هذه اليية فقال‪ :‬ل تصيلي جماعتان فيي مسيجد واحيد بإماميين؛ خلفيا‬
‫لسائر العلماء‪ .‬وقد روي عن الشافعي المنع؛ حيث كان تشتيتا للكلمة وإبطال لهذه الحكمة وذريعة‬
‫إلى أن نقول‪ :‬من يريد النفراد عن الجماعة كان له عذر فيقيم جماعته ويقدم إمامته فيقع الخلف‬
‫ويبطل النظام‪ ،‬وخفي ذلك عليهم‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهذا كان شأنه معهم‪ ،‬وهو أثبت قدما منهم في‬
‫الحكمة وأعلم بمقاطع الشريعة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإرصادا لمن حارب ال ورسوله" يعني أبا عامر الراهب؛ وسمي بذلك لنه كان‬
‫يتعبيد ويلتميس العلم فمات كافرا بقنسيرين بدعوة النيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ فإنيه كان قال للنيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬ل أجيد قوميا يقاتلونيك إل قاتلتيك معهيم؛ فلم يزل يقاتله إلى يوم حنيين‪ .‬فلميا‬
‫انهزمت هوازن خرج إلى الورم يسيتنصر‪ ،‬وأرسل إلى المنافقيين وقال‪ :‬استعدوا بما استطعتم من‬
‫قوة وسلح‪ ،‬وابنوا مسجدا فإني ذاهب إلى قيصر فآت بجند من الروم لخرج محمدا من المدينة؛‬
‫فبنوا مسجد الضرار‪ .‬وأبو عامر هذا هو والد حنظلة غسيل الملئكة‪ .‬والرصاد‪ :‬النتظار؛ تقول‪:‬‬
‫أرصدت كذا إذا أعددته مرتقبا له به‪ .‬قال أبو زيد‪ :‬يقال رصدته وأرصيدته في الخير‪ ،‬وأرصدت‬
‫له فيي الشير‪ .‬وقال ابين العرابيي‪ :‬ل يقال إل أرصيدت‪ ،‬ومعناه ارتقبيت‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬مين قبيل"‬
‫أي ميين قبييل بناء مسييجد الضرار‪" .‬وليحلفيين إن أردنييا إل الحسيينى" أي مييا أردنييا ببنائه إل الفعلة‬
‫الحسني‪ ،‬وهي الرفيق بالمسلمين كما ذكروا لذي العلة والحاجة‪ .‬وهذا يدل على أن الفعال تختلف‬
‫بالمقصود والرادات؛ ولذلك قال‪" :‬وليحلفن إن أردنا إل الحسنى"‪" .‬وال يشهد إنهم لكاذبون" أي‬
‫يعلم خبث ضمائرهم وكذبهم فيما يحلفون عليه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 108 :‬ل تقيم فييه أبدا لمسيجد أسيس على التقوى مين أول يوم أحيق أن تقوم فييه فييه‬
‫رجال يحبون أن يتطهروا وال يحب المطهرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل تقم فيه أبدا" يعني مسجد الضرار؛ أي ل تقم فيه للصلة‪ .‬وقد يعبر عن الصلة‬
‫بالقيام؛ يقال‪ :‬فلن يقوم الليل أي يصلي؛ ومنه الحديث الصحيح‪( :‬من قام رمضان إيمانا واحتسابا‬
‫غفر له ما تقدم من ذنبه)‪ .‬أخرجه البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪،...‬‬
‫فذكره‪ .‬وقد روي أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما نزلت هذه الية كان ل يمر بالطريق التي‬
‫فيها المسجد‪ ،‬وأمر بموضعه أن يتخذ كناسة تلقى فيها الجيف والقذار والقمامات‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أبدا" "أبدا" ظرف زمان‪ .‬وظرف الزمان على قسيمين‪ :‬ظرف مقدر كاليوم‪،‬‬
‫وظرف مبهم كالحين والوقت؛ والبد من هذا القسم‪ ،‬وكذلك الدهر‪.‬‬
‫وتنشأ هنا مسألة أصولية‪ ،‬وهي أن "أبدا" وإن كانت ظرفا مبهما ل عموم فيه ولكنه إذا اتصل‬
‫بل النافيية أفاد العموم‪ ،‬فلو قال‪ :‬ل تقيم‪ ،‬لكفيي فيي النكفاف المطلق‪ .‬فإذا قال‪" :‬أبدا" فكأنيه قال فيي‬
‫وقيت مين الوقات ول فيي حيين مين الحيان‪ .‬فأميا النكرة فيي الثبات إذا كانيت خيبرا عين واقيع لم‬
‫تعم‪ ،‬وقد فهم ذلك أهل اللسان وقضى به فقهاء السلم فقالوا‪ :‬لو قال رجل لمرأته أنت طالق أبدا‬
‫طلقت طلقة واحدة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لمسجد أسس على التقوى" أي بنيت جدره ورفعت قواعده‪ .‬والسس أصل البناء؛‬
‫وكذلك السياس‪ .‬والسيس مقصيور منيه‪ .‬وجميع الس إسياس؛ مثيل عيس وعسياس‪ .‬وجميع السياس‬
‫أسيس؛ مثيل قذال وقذل‪ .‬وجميع السيس أسياس؛ مثيل سيبب وأسيباب‪ .‬وقيد أسيست البناء تأسييسا‪.‬‬
‫وقولهييم‪ :‬كان ذلك على أس الدهيير‪ ،‬وأس الدهيير‪ ،‬وإس الدهيير؛ ثلث لغات؛ أي على قدم الدهيير‬
‫ووجيه الدهير‪ .‬واللم فيي قوله "لمسيجد" لم قسيم‪ .‬وقييل لم البتداء؛ كميا تقول‪ :‬لزييد أحسين الناس‬
‫فعل؛ وهييي مقتضييية تأكيدا‪" .‬أسييس على التقوى" نعييت لمسييجد‪" .‬أحييق" خييبر البتداء الذي هييو‬
‫"لمسجد" ومعنى التقوى هنا الخصال التي تتقى بها العقوبة‪ ،‬وهي فعلى من وقيت‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في المسجد الذي أسس على التقوى؛ فقالت طائفة‪ :‬هو مسجد قباء؛ يروى عن‬
‫ابيين عباس والضحاك والحسيين‪ .‬وتعلقوا بقول‪" :‬ميين أول يوم"‪ ،‬ومسييجد قباء كان أسييس بالمدينيية‬
‫أول يوم؛ فإنه بني قبل مسجد النبي صلى ال عليه وسلم؛ قاله ابن عمر وابن المسيب‪ ،‬ومالك فيما‬
‫رواه عنيه ابين وهيب وأشهيب وابين القاسيم‪ .‬وروى الترمذي عين أبيي سيعيد الخدري‪ :‬قال تماري‬
‫رجلن في المسجد الذي أسس على التقوى من أول يوم؛ فقال رجل هو مسجد قباء‪ ،‬وقال آخر هو‬
‫مسيجد النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬هيو مسيجدي هذا)‪ .‬قال‬
‫حديييث صييحيح‪ .‬والقول الول أليييق بالقصيية؛ لقوله‪" :‬فيييه" وضمييير الظرف يقتضييي الرجال‬
‫المتطهريين؛ فهيو مسيجد قباء‪ .‬والدلييل على ذلك حدييث أبيي هريرة قال‪ :‬نزلت هذه اليية فيي أهيل‬
‫قباء "فيه رجال يحبون أن يتطهروا وال يحب المطهرين" قال‪ :‬كانوا يستنجون بالماء فنزلت فيهم‬
‫هذه اليية‪ .‬قال الشعيبي‪ :‬هيم أهيل مسيجد قباء‪ ،‬أنزل ال فيهيم هذا‪ ..‬وقال قتادة‪ :‬لميا نزلت هذه اليية‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لهل قباء‪( :‬إن ال سبحانه قد أحسن عليكم الثناء في التطهر‬
‫فميا تصينعون) ؟ قالوا‪ :‬إنيا نغسيل أثير الغائط والبول بالماء؛ رواه أبيو داود‪ .‬وروى الدارقطنيي عين‬
‫طلحة بن نافع قال‪ :‬حدثني أبو أيوب وجابر بن عبدال وأنس بن مالك النصاريون عن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم في هذه الية "فيه رجال يحبون أن يتطهروا وال يحب المطهرين" فقال‪( :‬يا‬
‫معشير النصيار إن ال قيد أثنيى عليكيم خيرا فيي الطهور فميا طهوركيم هذا) ؟ قالوا‪ :‬ييا رسيول ال‪،‬‬
‫نتوضأ للصلة ونغتسل من الجنابة‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬فهل مع ذلك من غيره)‬
‫؟ فقالوا‪ :‬ل غير‪ ،‬إن أحدنا إذا خرج من الغائط أحب أن يستنجي بالماء‪ .‬قال‪( :‬هو ذاك فعليكموه)‪.‬‬
‫وهذا الحديييث يقتضييي أن المسييجد المذكور فييي الييية هييو مسييجد قباء‪ ،‬إل أن حديييث أبييي سييعيد‬
‫الخدري نص فيه النبي صلى ال عليه وسلم على أنه مسجده فل نظر معه‪ .‬وقد روى أبو كريب‬
‫قال‪ :‬حدثنيا أبيو أسيامة قال حدثنيا صيالح بين حيان قال حدثنيا عبدال بين بريدة فيي قوله عيز وجيل‪:‬‬
‫"في بيوت أذن ال أن ترفع ويذكر فيها اسمه" [النور‪ ]36 :‬قال‪ :‬إنما هي أربعة مساجد لم يبنهن‬
‫إل نييبي‪ :‬الكعبيية بناهييا إبراهيييم وإسييماعيل عليهمييا السييلم‪ ،‬وبيييت أريحييا بيييت المقدس بناه داود‬
‫وسليمان عليهما السلم‪ ،‬ومسجد المدينة ومسجد قباء اللذين أسسا على التقوى‪ ،‬بناهما رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مين أول يوم" "مين" عنيد النحوييين مقابلة منيذ؛ فمنيذ فيي الزمان بمنزلة مين فيي‬
‫المكان‪ .‬فقييل‪ :‬إن معناه هنيا معنيى منيذ؛ والتقديير‪ :‬منيذ أول يوم ابتدئ بنيانيه‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى مين‬
‫تأسيس أول اليام‪ ،‬فدخلت على مصدر الفعل الذي هو أسس؛ كما قال‪:‬‬
‫أقوين من حجج ومن دهر‬ ‫لمن الديار بقنة الحجر‬
‫أي من مر حجج ومن مر دهر‪ .‬وإنما دعا إلى هذا أن من أصول النحويين أن "من" ل يجر بها‬
‫الزمان‪ ،‬وإنما تجر الزمان بمنذ‪ ،‬تقول ما رأيته منذ شهر أوسنة أو يوم‪ ،‬ول تقول‪ :‬من شهر ول‬
‫من سنة ول من يوم‪ .‬فإذا وقعت في الكلم وهي يليها زمن فيقدر مضمر يليق أن يجر بمن؛ كما‬
‫ذكرنا في تقدير البيت‪ .‬ابن عطية‪ .‬ويحسن عندي أن يستغنى في هذه الية عن تقدير‪ ،‬وأن تكون‬
‫"من" تجر لفظة "أول" لنها بمعنى البداءة؛ كأنه قال‪ :‬من مبتدأ اليام‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أحيق أن تقوم فييه" أي بأن تقوم؛ فهيو فيي موضيع نصيب‪ .‬و"أحيق" هو أفعيل من‬
‫الحق‪ ،‬وأفعل ل يدخل إل بين شيئين مشتركين‪ ،‬لحدهما في المعنى الذي اشتركا فيه مزية‪ .‬على‬
‫الخر؛ فمسجد الضرار وإن كان باطل لحق فيه‪ ،‬فقد اشتركا في الحق من جهة اعتقاد بانيه‪ ،‬أو‬
‫مين جهية اعتقاد مين كان يظين أن القيام فييه جائز للمسيجدية؛ لكين أحيد العتقاديين باطيل باطنيا عنيد‬
‫ال‪ ،‬والخيير حييق باطنييا وظاهرا؛ ومثييل هذا قوله تعالى‪" :‬أصييحاب الجنيية يومئذ خييير مسييتقرا‬
‫وأحسن مقيل" [الفرقان‪ ]24 :‬ومعلوم أن الخيرية من النار مبعودة‪ ،‬ولكنه جرى على اعتقاد كل‬
‫فرقة أنها على خير وأن مصيرها إليه خير؛ إذ كل حزب بما لديهم فرحون‪ .‬وليس هذا من قبيل‪:‬‬
‫العسل أحلى من الخل؛ فإن العسل وإن كان حلوا فكل شيء ملئم فهو حلو؛ أل ترى أن من الناس‬
‫من يقدم الخل على العسل مفردا بمفرد ومضافا إلى غيره بمضاف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فييه" مين قال‪ :‬إن المسيجد يراد بيه مسيجد النيبي صيلى ال علييه وسيلم فالهاء فيي‬
‫"أحيق أن تقوم فييه" عائد إلييه‪ .‬و"فييه رجال" له أيضيا‪ .‬ومين قال‪ :‬إنيه مسيجد قباء‪ ،‬فالضميير فيي‬
‫"فيه" عائد إليه على الخلف المتقدم‪.‬‬
‫@ أثنى ال سبحانه وتعالى في هذه الية على من أحب الطهارة وآثر النظافة‪ ،‬وهي مروءة آدمية‬
‫ووظيفيية شرعييية؛ وفييى الترمذي عيين عائشيية رضوان ال عليهييا أنهييا قالت‪(:‬مرن أزواجكيين أن‬
‫يسيتطيبوا بالماء فإنيي أسيتحييهم)‪ .‬قال‪ :‬حدييث صيحيح‪ .‬وثبيت أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم (كان‬
‫يحمل الماء معه في الستنجاء؛ فكان يستعمل الحجارة تخفيفا) الماء تطهيرا‪ .‬ابن العربي‪ :‬وقد كان‬
‫علماء القيروان يتخذون في متوضآتهم أحجارا في تراب ينقون بها ثم يستنجون بالماء‪.‬‬
‫@ اللزم من نجاسة المخرج التخفيف‪ ،‬وفي نجاسة سائر البدن والثوب التطهير‪ .‬وذلك رخصة‬
‫ميين ال لعباده فييي حالتييي وجود الماء وعدمييه؛ وبييه قال عاميية العلماء‪ .‬وشييذ ابيين حييبيب فقال‪ :‬ل‬
‫يسيتجمر بالحجار إل عنيد عدم الماء‪ .‬والخبار الثابتية فيي السيتجمار بالحجار ميع وجود الماء‬
‫ترده‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء مين هذا الباب فيي إزالة النجاسية مين البدان والثياب‪ ،‬بعيد إجماعهيم على‬
‫التجاوز والعفيو عين دم البراغييث ميا لم يتفاحيش على ثلثية أقوال‪ :‬الول‪ :‬أنيه واجيب فرض‪ ،‬ول‬
‫تجوز صلة من صلى بثوب نجس عالما كان بذلك أو ساهيا؛ روي عن ابن عباس والحسن وابن‬
‫سييرين‪ ،‬وهيو قول الشافعيي وأحميد وأبيي ثور‪ ،‬ورواه ابين وهيب عين مالك‪ ،‬وهيو قول أبيي الفرج‬
‫المالكي والطبري؛ إل أن الطبري قال‪ :‬إن كانت النجاسة قدر الدرهم أعاد الصلة‪ .‬وهو قول أبي‬
‫حنيفية وأبيي يوسيف فيي مراعاة قدر الدرهيم قياسيا على حلقية الدبر‪ .‬وقالت طائفية‪ :‬إزالة النجاسية‬
‫واجبة بالسنة من الثياب والبدان‪ ،‬وجوب سنة وليس بفرض‪ .‬قالوا‪ :‬ومن صلى بثوب نجس أعاد‬
‫الصلة في الوقت فإن خرج الوقت فل شيء عليه؛ هذا قول مالك وأصحابه إل أبا الفرج‪ ،‬ورواية‬
‫ابن وهب عنه‪ .‬وقال مالك في يسير الدم‪ :‬ل تعاد منه الصلة في الوقت ول بعده‪ ،‬وتعاد من يسير‬
‫البول والغائط؛ ونحو هذا كله من مذهب مالك قول الليث‪ .‬وقال ابن القاسم عنه‪ :‬تجب إزالتها في‬
‫حالة الذكير دون النسيان؛ وهي من مفرداتيه‪ .‬والقول الول أصح إن شاء ال؛ لن النيبي صيلى ال‬
‫عليييه وسييلم ميير على قييبرين فقال‪(:‬إنهمييا ليعذبان ومييا يعذبان فييي كييبير أمييا أحدهمييا فكان يمشييي‬
‫بالنميميية وأمييا الخيير فكان ل يسييتتر ميين بوله‪ .)...‬الحديييث‪ ،‬خرجييه البخاري ومسييلم‪ ،‬وحسييبك‪.‬‬
‫وسييأتي فيي سيورة [سيبحان]‪ .‬قالوا‪ :‬ول يعذب النسيان إل على ترك واجيب؛ وهذا ظاهير‪ .‬وروى‬
‫أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬أكثر عذاب القبر من‬
‫البول)‪ .‬احتج الخرون(بخلع النبي صلى ال عليه وسلم نعليه فيي الصلة لما أعلمه جبريل عليه‬
‫السيلم أن فيهميا قذرا وأذى‪ )...‬الحدييث‪ .‬خرجيه أبيو داود وغيره مين حدييث أبيي سيعيد الخدري‪،‬‬
‫وسييأتي فيي سيورة [طيه] إن شاء ال تعالى‪ .‬قالوا‪ :‬ولميا لم يعيد ميا صيلى دل على أن إزالتهيا سينة‬
‫وصلته صحيحة‪ ،‬ويعيد ما دام في الوقت طلبا للكمال‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ قال القاضيي أبيو بكير بين العربيي‪ :‬وأميا الفرق بيين القلييل والكثيير بقدر الدرهيم البغلي؛ يعنيي‬
‫كبار الدراهيم التيي هيي على قدر اسيتدارة الدينار قياسيا على المسيربة ففاسيد مين وجهيين؛ أحدهميا‪:‬‬
‫أن المقدرات ل تثبييت قياسييا فل يقبييل هذا التقدييير‪ .‬الثانييي‪ :‬أن هذا الذي خفييف عنييه فييي المسييربة‬
‫رخصة للضرورة‪ ،‬والحاجة والرخص ل يقاس عليها؛ لنها خارجة عن القياس فل ترد إليه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 109 :‬أفمن أسس بنيانه على تقوى من ال ورضوان خير أم من أسس بنيانه على‬
‫شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم وال ل يهدي القوم الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفمين أسيس" أي أصيل‪ ،‬وهيو اسيتفهام معناه التقريير‪ .‬و"مين" بمعنيى الذي‪ ،‬وهيي‬
‫في موضع رفع بالبتداء‪ ،‬وخبره "خير"‪ .‬وقرأ نافع وابن عامر وجماعة "أسس بنيانه" على بناء‬
‫أسيس للمفعول ورفيع بنيان فيهميا‪ .‬وقرأ ابين كثيير وأبيو عمرو وحمزة والكسيائي وجماعية "أسيس‬
‫بنيانه" على بناء الفعل للفاعل ونصب بنيانه فيهما‪ .‬وهي اختيار أبي عبيد لكثرة من قرأ به‪ ،‬وأن‬
‫الفاعيل سيمي فييه‪ .‬وقرأ نصير بين عاصيم بين علي "أفمين أسيس" بالرفيع "بنيانيه" بالخفيض‪ .‬وعنيه‬
‫أيضا "أساس بنيانه" وعنه أيضا "أس بنيانه" بالخفض‪ .‬والمراد أصول البناء كما تقدم‪ .‬وحكى أبو‬
‫حاتييم قراءة سييادسة وهييي "أفميين أسيياس بنيانييه" قال النحاس‪ :‬وهذا جمييع أس؛ كمييا يقال‪ :‬خييف‬
‫وأخفاف‪ ،‬والكثير "إساس" مثل خفاف‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫في البهاليل من بني العباس‬ ‫أصبح الملك ثابت الساس‬
‫@قوله تعالى‪" :‬على تقوى من ال" قراءة عيسى بن عمر ‪ -‬فيما حكى سيبويه ‪ -‬بالتنوين‪ ،‬واللف‬
‫ألف إلحاق كألف تترى فيما نون‪ ،‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫يستن في علقي وفي مكور‬
‫وأنكر سيبويه التنوين‪ ،‬وقال‪ :‬ل أدري ما وجهه‪" .‬على شفا" الشفا‪ :‬الحرف والحد‪ ،‬وقد مضى في‬
‫(آل عمران) مسيتوفى‪ .‬و"جرف" قرئ برفيع الراء‪ ،‬وأبيو بكير وحمزة بإسيكانها؛ مثيل الشغيل‬
‫والشغل‪ ،‬والرسل والرسل‪ ،‬يعني جرفا ليس له أصل‪ .‬والجرف‪ :‬ما يتجرف بالسيول من الودية‪،‬‬
‫وهيو جوانبيه التيي تنحفير بالماء‪ ،‬وأصيله مين الجرف والجتراف؛ وهيو اقتلع الشييء مين أصيله‪.‬‬
‫"هار" سياقط؛ يقال‪ .‬تهور البناء إذا سيقط‪ ،‬وأصيله هائر‪ ،‬فهيو مين المقلوب يقلب وتؤخير ياؤهيا‪،‬‬
‫فيقال‪ :‬هار وهائر‪ ،‬قال الزجاج‪ .‬ومثله لث الشيييء بييه إذا دار؛ فهييو لث أي لئث‪ .‬وكمييا قالوا‪:‬‬
‫شاكي السلح وشائك السلح‪ .‬قال العجاج‪:‬‬
‫لث به الشاء والعبري‬
‫الشاء النخيل‪ ،‬والعيبري السيدر الذي على شاطيئ النهار‪ .‬ومعنيى لث بيه مطييف بيه‪ .‬وزعيم أبيو‬
‫حاتيم أن الصيل فييه هاور‪ ،‬ثيم يقال هائر مثيل صيائم‪ ،‬ثيم يقلب فيقال هار‪ .‬وزعيم الكسيائي أنيه مين‬
‫ذوات الواو ومن ذوات الياء‪ ،‬وأنه يقال‪ :‬تهور وتهير‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولهذا يمال ومفتح‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فانهار بيه فيي نار جهنيم" فاعيل انهار الجرف؛ كأنيه قال‪ :‬فانهار الجرف بالبنيان‬
‫فييي النار؛ لن الجرف مذكيير‪ .‬ويجوز أن يكون الضمييير فييي بييه يعود على "ميين" وهييو البانييي؛‬
‫والتقدير‪ :‬فانهار من أسس بنيانه على غير تقوى‪ .‬وهذه الية ضرب مثل لهم‪ ،‬أي من أسس بنيانه‬
‫على السيلم خيير أم مين أسيس بنيانيه على الشرك والنفاق‪ .‬وبيين أن بناء الكافير كبناء على جرف‬
‫جهنم يتهور بأهله فيها‪ .‬والشفا‪ :‬الشفير‪ .‬وأشفى على كذا أي دنا منه‪.‬‬
‫@ فيي هذه اليية دلييل على أن كيل شييء ابتدئ بنيية تقوى ال تعالى والقصيد لوجهيه الكرييم فهيو‬
‫الذي يبقى ويسعد به صاحبه ويصعد إلى ال ويرفع إليه‪ ،‬ويخبر عنه بقوله‪" :‬ويبقى وجه ربك ذو‬
‫الجلل والكرام" [الرحميين‪ ]27 :‬على أحييد الوجهييين‪ .‬ويخييبر عنييه أيضييا بقوله‪" :‬والباقيات‬
‫الصالحات" [الكهف‪ ]46 :‬على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء فيي قوله تعالى‪" :‬فانهار بيه فيي نار جهنيم" هيل ذلك حقيقية أو مجاز على‬
‫قولييين؛ [الول] أن ذلك حقيقيية وأن النييبي صييلى ال عليييه وسييلم إذ أَرسييل إليييه فهُدم رئي الدخان‬
‫يخرج منه؛ من رواية سعيد بن جبير‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬كان الرجل يدخل فيه سعفة من سعف النخل‬
‫فيخرجهيا سيوداء محترقية‪ .‬وذكير أهيل التفسيير أنيه كان يحفير ذلك الموضيع الذي انهار فيخرج منيه‬
‫دخان‪ .‬وروى عاصييم بيين أبييي النجود عيين زر بيين حييبيش عيين ابيين مسييعود أنييه قال‪ :‬جهنييم فييي‬
‫الرض‪ ،‬ثم تل "فانهار به في نار جهنم"‪ .‬وقال جابر بن عبدال‪ :‬أنا رأيت الدخان يخرج منه على‬
‫عهييد رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‪[ .‬والثانييي] أن ذلك مجاز‪ ،‬والمعنييى‪ :‬صييار البناء فييي نار‬
‫جهنييم‪ ،‬فكأنييه انهار إليييه وهوى فيييه؛ وهذا كقوله تعالى‪" :‬فأمييه هاوييية" [القارعيية‪ .]9 :‬والظاهيير‬
‫الول‪ ،‬إذ ل إحالة في ذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 110 :‬ل يزال بنيانهيم الذي بنوا ريبية فيي قلوبهيم إل أن تقطيع قلوبهيم وال علييم‬
‫حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يزال بنيانهيم الذي بنوا" يعنيي مسيجد الضرار‪" .‬ريبية" أي شكيا فيي قلوبهيم‬
‫ونفاقا؛ قاله ابن عباس وقتادة والضحاك‪ .‬وقال النابغة‪:‬‬
‫وليس وراء ال للمرء مذهب‬ ‫حلفت فلم أترك لنفسك ريبة‬
‫وقال الكلبيي‪ :‬حسيرة وندامية؛ لنهيم ندموا على بنيانيه‪ .‬وقال السيدي وحيبيب والميبرد‪" :‬ريبية" أي‬
‫حزازة وغيظا‪" .‬إل أن تقطع قلوبهم" قال ابن عباس‪ :‬أي تنصدع قلوبهم فيموتوا؛ كقوله‪" :‬لقطعنا‬
‫منه الوتين" [الحاقة‪ ]46 :‬لن الحياة تنقطع بانقطاع الوتين؛ وقاله قتادة والضحاك ومجاهد‪ .‬وقال‬
‫سيفيان‪ :‬إل أن يتوبوا‪ .‬عكرمية‪ :‬إل أن تقطيع قلوبهيم فيي قبورهيم‪ ،‬وكان أصيحاب عبدال بن مسيعود‬
‫يقرؤونها‪" :‬ريبة في قلوبهم ولو تقطعت قلوبهم"‪ .‬وقرأ الحسن ويعقوب وأبو حاتم "إلى أن تقطع"‬
‫على الغايية‪ ،‬أي ل يزالون فيي شيك منيه إلى أن يموتوا فيسيتيقنوا ويتيبينوا‪ .‬واختلف القراء فيي قوله‬
‫"تقطيع" فالجمهور "تقطيع" بضيم التاء وفتيح القاف وشيد الطاء على الفعيل المجهول‪ .‬وقرأ ابين‬
‫عامير وحمزة وحفيص ويعقوب كذلك إل أنهيم فتحوا التاء‪ .‬وروي عين يعقوب وأبيي عبدالرحمين‬
‫"تقطيع" على الفعيل المجهول مخفيف القاف‪ .‬وروي عين شبيل وابين كثيير "تقطيع" خفيفية القاف‬
‫"قلوبهم" نصبا‪ ،‬أي أنت تفعل ذلك بهم‪ .‬وقد ذكرنا قراءة أصحاب عبدال‪" .‬وال عليم حكيم" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 111 :‬إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل‬
‫ال فيقتلون ويقتلون وعدا عليييه حقييا فييي التوراة والنجيييل والقرآن وميين أوفييى بعهده ميين ال‬
‫فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال اشترى مين المؤمنيين أنفسيهم" قييل‪ :‬هذا تمثييل؛ مثيل قوله تعالى‪" :‬أولئك‬
‫الذيين اشتروا الضللة بالهدى" [البقرة‪ .]16 :‬ونزلت اليية فيي البيعية الثانيية‪ ،‬وهيي بيعية العقبية‬
‫الكبرى‪ ،‬وهي التي أناف فيها رجال النصار على السبعين‪ ،‬وكان أصغرهم سنا عقبة بن عمرو؛‬
‫وذلك أنهيم اجتمعوا إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عنيد العقبية‪ ،‬فقال عبدال بين رواحية للنيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬اشترط لربيك ولنفسيك ميا شئت؛ فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أشترط‬
‫لربيييي أن تعبدوه ول تشركوا بيييه شيئا وأشترط لنفسيييي أن تمنعونيييي مميييا تمنعون منيييه أنفسيييكم‬
‫وأموالكييم)‪ .‬قالوا‪ :‬فإذا فعلنييا ذلك فمييا لنييا؟ قال‪( :‬الجنيية) قالوا‪ :‬ربييح البيييع‪ ،‬ل نقيييل ول نسييتقيل؛‬
‫فنزلت‪" :‬إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" الية‪ .‬ثم هي بعد ذلك عامة‬
‫في كل مجاهد في سبيل ال من أمة محمد صلى ال عليه وسلم إلى يوم القيامة‪.‬‬
‫@ هذه الية دليل على جواز معاملة السيد مع عبده‪ ،‬وإن كان الكل للسيد لكن إذا ملكه عامله فيما‬
‫جعل إليه‪ .‬وجائز بين السيد وعبده ما ل يجوز بينه وبين غيره؛ لن ماله له وله انتزاعه‪.‬‬
‫أصل الشراء بين الخلق أن يعوضوا عما خرج من أيديهيم ما كان أنفع لهم أو مثل ما خرج عنهم‬
‫فييي النفييع؛ فاشترى ال سييبحانه ميين العباد إتلف أنفسييهم وأموالهييم فييي طاعتييه‪ ،‬وإهلكهييا فييي‬
‫مرضاتييه‪ ،‬وأعطاهييم سييبحانه الجنيية عوضييا عنهييا إذا فعلوا ذلك‪ .‬وهييو عوض عظيييم ل يدانيييه‬
‫المعوض ول يقاس بيه‪ ،‬فأجرى ذلك على مجاز ميا يتعارفونيه فيي البييع والشراء فمين العبيد تسيليم‬
‫النفس والمال‪ ،‬ومن ال الثواب والنوال فسمي هذا شراء‪ .‬وروى الحسن قال‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليييه وسييلم‪( :‬إن فوق كييل ِبرّ ِب ّر حتييى يبذل العبييد دمييه فإذا فعييل ذلك فل بر فوق ذلك)‪ .‬وقال‬
‫الشاعر في معنى البر‪:‬‬
‫والجود بالنفس أقصى غاية الجود‬ ‫الجود بالماء جود فيه مكرمة‬
‫وأنشد الصمعي لجعفر الصادق رضي ال عنه‪:‬‬
‫وليس لها في الخلق كلهم ثمن‬ ‫أثامن بالنفس النفيسة ربها‬
‫بشيء سواها إن ذلكم غبن‬ ‫بها تشتري الجنات إن أنا بعتها‬
‫لقد ذهبت نفسي وقد ذهب الثمن‬ ‫لئن ذهبت نفسي بدنيا أصبتها‬
‫قال الحسن‪ :‬ومر أعرابي على النبي صلى ال عليه وسلم وهو يقرأ هذه الية‪" :‬إن ال اشترى من‬
‫المؤمنيين أنفسيهم" فقال‪ :‬كلم مين هذا؟ قال‪( :‬كلم ال) قال‪ :‬بييع وال مربيح ل نقيله ول نسيتقيله‪.‬‬
‫فخرج إلى الغزو واستشهد‪.‬‬
‫@ قال العلماء‪ :‬كميا اشترى مين المؤمنيين البالغيين المكلفيين كذلك اشترى مين الطفال فآلمهيم‬
‫وأسقمهم؛ لما في ذلك من المصلحة وما فيه من العتبار للبالغين‪ ،‬فإنهم ل يكونون عند شيء أكثر‬
‫صلحا وأقل فسادا منهم عند ألم الطفال‪ ،‬وما يحصل للوالدين الكافلين من الثواب فيما ينالهم من‬
‫الهيم ويتعلق بهيم مين التربيية والكفالة‪ .‬ثيم هيو عيز وجيل يعوض هؤلء الطفال عوضيا إذا صياروا‬
‫إلييه‪ .‬ونظيير هذا فيي الشاهيد أنيك تكتري الجيير ليبنيي وينقيل التراب وفيي كيل ذلك له ألم وأذى‪،‬‬
‫ولكن ذلك جائز لما في عمله من المصلحة ولما يصل إليه من الجر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يقاتلون في سبيل ال" بيان لما يقاتل له وعليه؛ وقد تقدم‪" .‬فيقتلون ويقتلون" قرأ‬
‫النخعي والعمش وحمزة والكسائي وخلف بتقديم المفعول على الفاعل؛ ومنه قول امرئ القيس‪:‬‬
‫فإن تقتلونا نقتلكم‪...‬‬
‫أي إن تقتلوا بعضنا يقتلكم بعضنا‪ .‬وقرأ الباقون بتقديم الفاعل على المفعول‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعدا عليه حقا في التوراة والنجيل والقرآن" إخبار من ال تعالى أن هذا كان في‬
‫هذه الكتيب‪ ،‬وأن الجهاد ومقاومية العداء أصيله مين عهيد موسيى علييه السيلم‪ .‬و"وعدا" و"حقيا"‬
‫مصدران موكدان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومين أوفيى بعهده مين ال" أي ل أحيد أو فيي بعهده مين ال‪ .‬وهيو يتضمين الوفاء‬
‫بالوعيد والوعييد‪ ،‬ول يتضمين وفاء البارئ بالكيل؛ فأميا وعده فللجمييع‪ ،‬وأميا وعيده فمخصيوص‬
‫ببعض المذنبين وببعض الذنوب وفي بعض الحوال‪ .‬وقد تقدم هذا المعنى مستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاسيتبشروا بيبيعكم الذي بايعتيم بيه" أي أظهروا السيرور بذلك‪ .‬والبشارة إظهار‬
‫السرور في البشرة‪ .‬وقد تقدم‪ .‬وقال الحسن‪ :‬وال ما على الرض مؤمن إل يدخل في هذه البيعة‪.‬‬
‫"وذلك هو الفوز العظيم" أي الظفر بالجنة والخلود فيها‪.‬‬
‫*‪*3‬الييية‪{ 112 :‬التائبون العابدون الحامدون السييائحون الراكعون السيياجدون المرون‬
‫بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود ال وبشر المؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬التائبون العابدون" التائبون هيم الراجعون عين الحالة المذمومية فيي معصيية ال‬
‫إلى الحالة المحمودة فييي طاعيية ال‪ .‬والتائب هييو الراجييع‪ .‬والراجييع إلى الطاعيية هييو أفضييل ميين‬
‫الراجيع عين المعصيية لجمعيه بيين المريين‪" .‬العابدون" أي المطيعون الذيين قصيدوا بطاعتهيم ال‬
‫سبحانه‪" .‬الحامدون" أي الراضون بقضائه المصرفون نعمته في طاعته‪ ،‬الذين يحمدون ال على‬
‫كييل حال‪" .‬السييائحون" الصييائمون؛ عيين ابيين مسييعود وابيين عباس وغيرهمييا‪ .‬ومنييه قوله تعالى‪:‬‬
‫"عابدات سائحات" [التحريم‪ .]5 :‬وقال سفيان بن عيينة‪ :‬إنما قيل للصائم سائح لنه يترك اللذات‬
‫كلها من المطعم والمشرب والمنكح‪ .‬وقال أبو طالب‪:‬‬
‫لربهم والذاكرات العوامل‬ ‫وبالسائحين ل يذوقون قطرة‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫يظل كثير الذكر ل سائحا‬ ‫برا يصلي ليله ونهاره‬
‫وروي عن عائشة أنها قالت‪ :‬سياحة هذه المة الصيام؛ أسنده الطبري‪ .‬ورواه أبو هريرة مرفوعا‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬سياحة أمتي الصيام)‪ .‬قال الزجاج‪ :‬ومذهب الحسن أنهم‬
‫الذين يصومون القرض‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنهم الذين يديمون الصيام‪ .‬وقال عطاء‪ :‬السائحون المجاهدون‪.‬‬
‫وروى أبيو أمامية أن رجل اسيتأذن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي السيياحة فقال‪( :‬إن سيياحة‬
‫أمتييي الجهاد فييي سييبيل ال)‪ .‬صييححه أبييو محمييد عبدالحييق‪ .‬وقيييل‪ :‬السييائحون المهاجرون قاله‬
‫عبدالرحمين بين زييد‪ .‬وقييل‪ :‬هيم الذيين يسيافرون لطلب الحدييث والعلم؛ قال عكرمية‪ .‬وقييل‪ :‬هيم‬
‫الجائلون بأفكارهيم فيي توحييد ربهيم وملكوتيه وميا خلق مين العيبر والعلمات الدالة على توحيده‬
‫وتعظيميه حكاه النقاش وحكيي أن بعيض العباد أخيذ القدح ليتوضيأ لصيلة اللييل فأدخيل أصيبعه فيي‬
‫أذن القدح وقعييد يتفكيير حتييى طلع الفجيير فقيييل له فييي ذلك فقال‪ :‬أدخلت أصييبعي فييي أذن القدح‬
‫فتذكرت قول ال تعالى‪" :‬إذ الغلل فيي أعناقهيم والسيلسل" [غافير‪ ]71 :‬وذكرت كييف أتلقيى‬
‫الغل وبقيت ليلي في ذلك أجمع‪.‬‬
‫قلت‪ :‬لفيييظ "س ي ح" يدل على صيييحة هذه القوال فإن السيييياحة أصيييلها الذهاب على وجيييه‬
‫الرض كميا يسييح الماء؛ فالصيائم مسيتمر على الطاعية فيي ترك ميا يتركيه مين الطعام وغيره فهيو‬
‫بمنزلة السييائح‪ .‬والمتفكرون تجول قلوبهييم فيمييا ذكروا‪ .‬وفييي الحديييث‪( :‬إن ل ملئكيية سييياحين‬
‫مشائيين فيي الفاق يبلغوننيي صيلة أمتيي) ويروى "صيياحين" بالصياد‪ ،‬مين الصيياح‪" .‬الراكعون‬
‫السيياجدون" يعنييي فييي الصييلة المكتوبيية وغيرهييا‪" .‬المرون بالمعروف" أي بالسيينة‪ ،‬وقيييل‪:‬‬
‫باليمان‪" .‬والناهون عين المنكير" قييل‪ :‬عين البدعية‪ .‬وقييل‪ :‬عين الكفير‪ .‬وقييل‪ :‬هيو عموم فيي كيل‬
‫معروف ومنكر‪" .‬والحافظون لحدود ال" أي القائمون بما أمر به والمنتهون عما نهى عنه‪.‬‬
‫@ واختلف أهيل التأوييل فيي هذه اليية هيل هيي متصيلة بميا قبيل أو منفصيلة فقال جماعية‪ :‬اليية‬
‫الولى مستقلة بنفسها يقع تحت تلك المبايعة كل موحد قاتل في سبيل ال لتكون كلمة ال هي العليا‬
‫وإن لم يتصيف بهذه الصيفات فيي هذه اليية الثانيية أو بأكثرهيا‪ .‬وقالت فرقية‪ :‬هذه الوصياف جاءت‬
‫على جهيية الشرط واليتان مرتبطتان فل يدخييل تحييت المبايعيية إل المؤمنون الذييين هييم على هذه‬
‫الوصيياف ويبذلون أنفسييهم فييي سييبيل ال قاله الضحاك‪ .‬قال ابيين عطييية‪ :‬وهذا القول تحريييج‬
‫وتضيييق ومعنيى اليية على ميا تقتضييه أقوال العلماء والشرع أنهيا أوصياف الكملة مين المؤمنيين‬
‫ذكرهيا ال ليسيتبق إليهيا أهيل التوحييد حتيى يكونوا فيي أعلى مرتبية‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬الذي عندي أن‬
‫قوله‪" :‬التائبون العابدون" رفيع بالبتداء وخيبره مضمير؛ أي التائبون العابدون ‪ -‬إلى آخير اليية ‪-‬‬
‫لهيم الجنية أيضيا وإن لم يجاهدوا إذ لم يكين منهيم عناد وقصيد إلى ترك الجهاد لن بعيض المسيلمين‬
‫يجزي عييين بعيييض فيييي الجهاد‪ .‬واختار هذا القول القشيري وقال‪ :‬وهذا حسييين إذ لو كان صيييفة‬
‫للمؤمنييين المذكورييين فييي قوله‪" :‬اشترى ميين المؤمنييين" لكان الوعييد خاصييا للمجاهدييين‪ .‬وفييي‬
‫مصييحف عبدال "التائبييين العابدييين" إلى آخرهييا؛ ولذلك وجهان‪ :‬أحدهمييا الصييفة للمؤمنييين على‬
‫التباع‪ .‬والثاني النصب على المدح‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء في الواو في قوله‪" :‬والناهون عن المنكر" فقيل‪ :‬دخلت في صفة الناهين كما‬
‫دخلت فييي قوله تعالى‪" :‬حييم‪ .‬تنزيييل الكتاب ميين ال العزيييز العليييم‪ .‬غافيير الذنييب‪ .‬وقابييل التوب"‬
‫[غافر‪ ]3 ،2 ،1 :‬فذكر بعضها بالواو والبعض بغيرها‪ .‬وهذا سائغ معتاد فيي الكلم ول يطلب‬
‫لمثله حكمية ول علة‪ .‬وقييل‪ :‬دخلت لمصياحبة الناهيي عين المنكير المير بالمعروف فل يكاد يذكير‬
‫واحيد منهيا مفردا‪ .‬وكذلك قوله‪" :‬ثيبات وأبكارا" [التحرييم‪ .]5 :‬ودخلت فيي قوله‪" :‬والحافظون"‬
‫لقربيه مين المعطوف‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إنهيا زائدة‪ ،‬وهذا ضعييف ل معنيى له‪ .‬وقييل‪ :‬هيي واو الثمانيية لن‬
‫السييبعة عنييد العرب عدد كامييل صييحيح‪ .‬وكذلك قالوا فييي قوله‪" :‬ثيبات وأبكارا" [التحريييم‪.]5 :‬‬
‫وقول فيي أبواب الجنية‪" :‬وفتحيت أبوابهيا" [الزمير‪ ]73 :‬وقوله‪" :‬ويقولون سيبعة وثامنهيم كلبهيم"‬
‫[الكهف‪ ]22 :‬وقد ذكرها ابن خالويه في مناظرته لبي علي الفارسي في معنى قوله‪" :‬وفتحت‬
‫أبوابها" [الزمر‪ ]73 :‬وأنكرها أبو علي‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وحدثني أبي رضي ال عنه عن الستاذ‬
‫النحوي أبيي عبدال الكفييف المالقيي‪ ،‬وكان ممين اسيتوطن غرناطية وأقرأ فيهيا فيي مدة ابين حبوس‬
‫أنيه قال‪ :‬هيي لغية فصييحة لبعيض العرب مين شأنهيم أن يقولوا إذا عدوا‪ :‬واحيد اثنان ثلثية أربعية‬
‫خمس ستة سبعة وثمانية تسعة عشرة وهكذا هي لغتهم‪ .‬ومتى جاء في كلمهم أمر ثمانية أدخلوا‬
‫الواو‪ .‬قلت‪ :‬هيي لغية قرييش‪ .‬وسييأتي بيانيه ونقضيه فيي سيورة [الكهيف] إن شاء ال تعالى وفيي‬
‫"الزمر] أيضا بحول ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 113 :‬ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من‬
‫بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم}‬
‫@ روى مسلم عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال‪ :‬لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبدال بن أبي أمية بن المغيرة‪ ،‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬يا عم قل ل إله إل ال كلمة أشهد لك بها عند ال) فقال أبو جهل وعبدال بن أمية‪:‬‬
‫ييا أبيا طالب أترغيب عين ملة عبدالمطلب‪ .‬فلم يزل رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يعرضهيا علييه‬
‫ويعيد له تلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم‪ :‬هو على ملة عبدالمطلب وأبى أن يقول ل‬
‫إله إل ال‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أما وال لستغفرن لك ما لم ُأنْهَ عنك) فأنزل ال‬
‫عيز وجيل‪" :‬ميا كان للنيبي والذيين آمنوا أن يسيتغفروا للمشركيين ولو كانوا أولي قربيى مين بعيد ميا‬
‫تيبين لهيم أنهيم أصيحاب الجحييم" وأنزل ال فيي أبيي طالب فقال لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪:‬‬
‫"إنك ل تهدي من أحببت ولكن ال يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين" [القصص‪ .]56 :‬فالية‬
‫على هذا ناسيخة لسيتغفار النيبي صيلى ال علييه سيلم لعميه فإنيه اسيتغفر له بعيد موتيه على ميا روي‬
‫فيي غيير الصيحيح‪ .‬وقال الحسيين بين الفضيل‪ :‬وهذا بعييد لن السيورة مين آخير ميا نزل مين القرآن‬
‫ومات أبو طالب في عنفوان السلم والنبي صلى ال عليه وسلم بمكة‪.‬‬
‫@ هذه اليية تضمنيت قطيع موالة الكفار حيهيم وميتهيم فإن ال لم يجعيل للمؤمنيين أن يسيتغفروا‬
‫للمشركين فطلب الغفران للمشرك مما ل يجوز‪ .‬فإن قيل‪ :‬فقد صح أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫قال يوم أحيد حيين كسيروا رباعيتيه وشجوا وجهيه‪( :‬اللهيم اغفير لقوميي فإنهيم ل يعلمون) فكييف‬
‫يجتمييع هذا مييع منييع ال تعالى رسييوله والمؤمنييين ميين طلب المغفرة للمشركييين‪ .‬قيييل له‪ :‬إن ذلك‬
‫القول من النبي صلى ال عليه وسلم إنما كان على سبيل الحكاية عمن تقدمه من النبياء والدليل‬
‫علييه ميا رواه مسيلم عين عبدال قال‪ :‬كأنيي أنظير إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم يحكيي نبييا مين‬
‫النبياء ضربه قومه وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول‪( :‬رب اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون)‪ .‬وفي‬
‫البخاري أن النبي صلى ال عليه وسلم ذكر نبيا قبله شجه قومه فجعل النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يخبر عنه بأنه قال‪( :‬اللهم اغفر لقومي فإنهم ل يعلمون)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا صيريح فيي الحكايية عمين قبله‪ ،‬ل أنيه قاله ابتداء عين نفسيه كميا ظنيه بعضهيم‪ .‬وال‬
‫أعلم‪ .‬والنيبي الذي حكاه هيو نوح علييه السيلم؛ على ميا يأتيي بيانيه فيي سيورة [هود] إن شاء ال‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن المراد بالستغفار في الية الصلة‪ .‬قال بعضهم‪ :‬ما كنت لدع الصلة على أحد من أهل‬
‫القبلة ولو كانت حبشية حبلى من الزنى لني لم أسمع ال حجب الصلة إل عن المشركين بقوله‪:‬‬
‫"ميا كان للنيبي والذيين آمنوا أن يسيتغفروا للمشركيين" اليية‪ .‬قال عطاء بين أبيي رباح‪ :‬اليية فيي‬
‫النهييي عيين الصييلة على المشركييين والسييتغفار هنييا يراد بييه الصييلة‪ .‬جواب ثالث‪ :‬وهييو أن‬
‫الستغفار للحياء جائز لنه مرجو إيمانهم ويمكن تألفهم بالقول الجميل وترغيبهم في الدين‪ .‬وقد‬
‫قال كثيير مين العلماء‪ :‬ل بأس أن يدعيو الرجيل لبوييه الكافريين ويسيتغفر لهميا ميا داميا حييين‪ .‬فأميا‬
‫مين مات فقيد انقطيع عنيه الرجاء فل يدعيي له‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬كانوا يسيتغفرون لموتاهيم فنزلت‬
‫فأمسكوا عن الستغفار ولم ينههم أن يستغفروا للحياء حتى يموتوا‪.‬‬
‫@ قال أهل المعاني‪" :‬ما كان" في القرآن يأتي على وجهين‪ :‬على النفي نحو قوله‪" :‬ما كان لكم‬
‫أن تنبتوا شجرهيا" [النميل‪" ،]60 :‬وميا كان لنفس أن تموت إل بإذن ال" [آل عمران‪.]145 :‬‬
‫والخير بمعنيى النهيي كقوله‪" :‬وميا كان لكيم أن تؤذوا رسيول ال" [الحزاب‪ ،]53 :‬و"ميا كان‬
‫للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 114 :‬وما كان استغفار إبراهيم لبيه إل عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو‬
‫ل تبرأ منه إن إبراهيم لواه حليم}‬
‫@ روى النسائي عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه قال‪ :‬سمعت رجل يستغفر لبويه وهما‬
‫مشركان فقلت‪ :‬أتستغفر لهما وهما مشركان؟ فقال‪ :‬أو لم يستغفر إبراهيم عليه السلم لبيه‪ .‬فأتيت‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فذكرت ذلك له فنزلت‪" :‬وما كان استغفار إبراهيم لبيه إل عن موعدة‬
‫وعدهيا إياه"‪ .‬والمعنيى‪ :‬ل حجية لكيم أيهيا المؤمنون فيي اسيتغفار إبراهييم الخلييل علييه السيلم لبييه‬
‫فإن ذلك لم يكن إل عن عدة‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬كان أبو إبراهيم وعد إبراهيم الخليل أن يؤمن بال‬
‫ويخلع النداد فلما مات على الكفر علم أنه عدو ال فترك الدعاء له فالكناية في قوله‪" :‬إياه" ترجع‬
‫إلى إبراهيييم والواعييد أبوه‪ .‬وقيييل‪ :‬الواعييد إبراهيييم أي وعييد إبراهيييم أباه أن يسييتغفر له فلمييا مات‬
‫مشركيا تيبرأ منيه‪ .‬ودل على هذا الوعيد قوله‪" :‬سيأستغفر لك ربيي" [مرييم‪ .]47 :‬قال القاضيي أبيو‬
‫بكيير بيين العربييي‪ :‬تعلق النييبي صييلى ال عليييه وسييلم فييي السييتغفار لبييي طالب بقوله تعالى‪:‬‬
‫"سأستغفر لك ربي" [مريم‪ ]47 :‬فأخبره ال تعالى أن استغفار إبراهييم لبيه كان وعدا قبل أن‬
‫يتيبين الكفير منيه فلميا تيبين له الكفير منيه تيبرأ منيه فكييف تسيتغفر أنيت لعميك ييا محميد وقيد شاهدت‬
‫موته كافرا‪.‬‬
‫@ ظاهر حالة المرء عند الموت يحكم عليه بها فإن مات على اليمان حكم له به وإن مات على‬
‫الكفير حكيم له بيه وربيك أعلم بباطين حاله بييد أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال له العباس‪ :‬ييا‬
‫رسول ال هل نفعت عمك بشيء؟ قال‪( :‬نعم)‪ .‬وهذه شفاعة في تخفيف العذاب ل في الخروج من‬
‫النار على ما بيناه في كتاب "التذكرة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن إبراهيم لواه حليم" اختلف العلماء في الواه على خمسة عشر قول‪:‬‬
‫[الول] أنه الدّعّاء الذي يكثر الدّعاء؛ قاله ابن مسعود وعبيد بن عمير‪ .‬الثاني‪ :‬أنه الرحيم بعباد‬
‫ال قاله الحسن وقتادة‪ ،‬وروي عن ابن مسعود‪ .‬والول أصح إسنادا عن ابن مسعود قاله النحاس‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إنه الموقن قاله عطاء وعكرمة ورواه أبو ظبيان عن ابن عباس‪ .‬الرابع‪ :‬أنه المؤمن بلغة‬
‫الحبشية قاله ابين عباس أيضيا‪[ .‬الخاميس] أنيه المسيبح الذي يذكير ال فيي الرض القفير الموحشية؛‬
‫قاله الكلبي وسعيد بن المسيب‪[ .‬السادس] أنه الكثير الذكر ل تعالى قاله عقبة بن عامر وذكر عند‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم رجل يكثر ذكر ال ويسبح فقال‪( :‬إنه لواه)‪.‬‬
‫[السابع] أنه الذي يكثر تلوة القرآن‪ .‬وهذا مروي عن ابن عباس‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذه القوال متداخلة وتلوة القرآن يجمعها‪.‬‬
‫[الثامن] أنه المتأوه؛ قاله أبو ذر وكان إبراهيم عليه السلم يقول‪( :‬آه من النار قبل أل تنفع آه)‪.‬‬
‫وقال أبيو ذر‪ :‬كان رجيل يكثير الطواف بالبييت ويقول فيي دعائه‪ :‬أوه أوه؛ فشكاه أبيو ذر إلى النيبي‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال‪( :‬دعه فإنه أواه) فخرجت ذات ليلة فإذا النبي صلى ال عليه وسلم يدفن‬
‫ذلك الرجل ليل ومعه المصباح‪[ .‬التاسع] أنه الفقيه قاله مجاهد والنخعي‪[ .‬العاشر] أنه المتضرع‬
‫الخاشيع رواه عبدال بين شداد بين الهاد عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقال أنيس‪ :‬تكلميت امرأة‬
‫عند النبي صلى ال عليه وسلم بشيء كرهه فنهاها عمر فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬دعوها‬
‫فإنهيا أواهية) قييل‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬وميا الواهية؟ قال‪( :‬الخاشعية)‪[ .‬الحادي عشير] أنيه الذي إذا ذكير‬
‫خطاياه استغفر منها قاله أبو أيوب‪[ .‬الثاني عشر] أنه الكثير التأوه من الذنوب قال الفراء‪[ .‬الثالث‬
‫عشير] أنيه المعلم للخيير قاله سيعيد بين جيبير‪[ .‬الرابيع عشير] أنيه الشفييق قاله عبدالعزييز بين يحييى‪.‬‬
‫وكان أبيو بكير الصيديق رضيي ال عنيه يسيمى الواه لشفقتيه ورأفتيه‪[ .‬الخاميس عشير] أنيه الراجيع‬
‫عين كيل ميا يكره ال تعالى قاله عطاء وأصيله مين التأوه‪ ،‬وهيو أن يسيمع للصيدر صيوت مين تنفيس‬
‫الصييعداء‪ .‬قال كعييب‪ :‬كان إبراهيييم عليييه السييلم إذا ذكيير النار تأوه‪ .‬قال الجوهري‪ :‬قولهييم عنييد‬
‫الشكاية أوه من كذا ساكنة الواو إنما هو توجع‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ومن ب عد أرض بيننا وسماء‬ ‫فأوه لذكراها إذا ما ذكرتها‬
‫وربما قلبوا الواو ألفا فقالوا‪ :‬آه من كذا‪ .‬وربما شددوا الواو وكسروها وسكنوا الهاء فقالوا‪ :‬أوه من‬
‫كذا‪ .‬وربميا حذفوا ميع التشدييد الهاء فقالوا‪ :‬أو مين كذا بل ميد‪ .‬وبعضهيم يقول‪ :‬آوه بالميد والتشدييد‬
‫وفتيح الواو سياكنة الهاء لتطوييل الصيوت بالشكايية‪ .‬وربميا أدخلوا فيهيا التاء فقالوا‪ :‬أوتاه يميد ول‬
‫يمد‪ .‬وقد أوه الرجل تأويها وتأوه تأوها إذا قال أوه‪ ،‬والسم منه الهة بالمد‪ .‬قال المثقب العبدي‪:‬‬
‫تأوه آهة الرجل الحزين‬ ‫إذا ما قمت أرحلها بليل‬
‫والحليم‪ :‬الكثير الحلم وهو الذي يصفح عن الذنوب ويصبر على الذى‪ .‬وقيل‪ :‬الذي لم يعاقب أحدا‬
‫قيط إل فيي ال ولم ينتصير لحيد إل ل‪ .‬وكان إبراهييم علييه السيلم كذلك وكان إذا قام يصيلي سيمع‬
‫وجيب قلبه على ميلين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 115 :‬وميا كان ال ليضيل قوميا بعيد إذ هداهيم حتيى ييبين لهيم ميا يتقون إن ال بكيل‬
‫شيء عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما كان ال ليضل قوما بعد إذ هداهم" أي ما كان ال ليوقع الضللة في قلوبهم‬
‫بعد الهدى حتى يبين لهم ما يتقون فل يتقوه فعند ذلك يستحقون الضلل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ففيي هذا أدل دلييل على أن المعاصيي إذا ارتكيب وانتهيك حجابهيا كانيت سيببا إلى الضللة‬
‫والردى وسلما إلى ترك الرشاد والهدى‪ .‬نسأل ال السداد والتوفيق والرشاد بمنه‪ .‬وقال أبو عمرو‬
‫بن العلء رحمه ال في قوله‪" :‬حتى يبين لهم" أي حتى يحتج عليهم بأمره؛ كما قال‪" :‬وإذا أردنا‬
‫أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها" [السراء‪ ]16 :‬وقال مجاهد‪" :‬حتى يبين لهم" أي أمر‬
‫إبراهييم أل يسيتغفروا للمشركيين خاصية وييبين لهيم الطاعية والمعصيية عامية‪ .‬وروي انيه لميا نزل‬
‫تحريم الخمر وشدد فيها سألوا النبي صلى ال عليه وسلم عمن مات وهو يشربها فأنزل ال تعالى‪:‬‬
‫"وميا كان ال ليضيل قوميا بعيد إذ هداهيم حتيى ييبين لهيم ميا يتقون" وهذه اليية رد على المعتزلة‬
‫وغيرهم الذين يقولون بخلق هداهم وإيمانهم كما تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 116 :‬إن ال له ملك السماوات والرض يحيي ويميت وما لكم من دون ال من ولي‬
‫ول نصير}‬
‫@تقدم معناه غير مرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 117 :‬لقد تاب ال على النبي والمهاجرين والنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة‬
‫من بعد ما كاد يزيغ قلوب فريق منهم ثم تاب عليهم إنه بهم رؤوف رحيم}‬
‫@ روى الترمذي‪ :‬حدثنييا عبييد بيين حميييد حدثنييا عبدالرزاق أخبرنييا معميير عيين الزهري عيين‬
‫عبدالرحمين بين كعيب بين مالك عين أبييه قال‪ :‬لم أتخلف عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي غزوة‬
‫غزاها حتى كانت غزوة تبوك إل بدرا ولم يعاتب النبي صلى ال عليه وسلم أحدا تخلف عن بدر‬
‫إنميا خرج يرييد العيير فخرجيت قرييش مغوثيين لعيرهيم فالتقوا عين غيير موعيد كميا قال ال تعالى‬
‫ولعمري إن أشرف مشاهيد رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي الناس لبدر وميا أحيب أنيي كنيت‬
‫شهدتها مكان بيعتي ليلة العقبة حين تواثقنا على السلم ثم لم أتخلف بعد عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم حتيى كانيت غزوة تبوك وهيي آخير غزوة غزاهيا وآذن النيبي صيلى ال علييه وسيلم بالرحييل‬
‫فذكير الحدييث بطول قال‪(:‬فانطلقيت إلى النيبي صيلى ال علييه وسيلم فإذا هيو جالس فيي المسيجد‬
‫وحوله المسلمون وهو يستنير كاستنارة القمر وكان إذا سر بالمر استنار فجئت فجلست بين يديه‬
‫فقال‪( :‬أبشر يا كعب بن مالك بخير يوم أتي عليك منذ ولدتك أمك) فقلت‪ :‬يا نبي ال أمن عند ال‬
‫أم مين عندك؟ قال‪( :‬بييل مين عنييد ال ‪ -‬ثييم تل هذه الييية ‪" -‬لقييد تاب ال على النييبي والمهاجرييين‬
‫والنصار الذين اتبعوه في ساعة العسرة ‪ -‬حتى بلغ ‪ -‬إن ال هو التواب الرحيم" قال‪ :‬وفينا أنزلت‬
‫أيضيا "اتقوا ال وكونوا ميع الصيادقين" [التوبية‪ )...]119 :‬وذكير الحدييث‪ .‬وسييأتي بكمال مين‬
‫صحيح مسلم في قصة الثلثة إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫واختلف العلماء فييي هذه التوبيية التييي تابهييا ال على النييبي والمهاجرييين والنصييار على أقوال‬
‫فقال ابن عباس‪ :‬كانت التوبة على النبي لجل إذنه للمنافقين في القعود دليله قوله‪" :‬عفا ال عنك‬
‫لم أذنت لهم" [التوبة‪ ]43 :‬وعلى المؤمنين من ميل قلوب بعضهم إلى التخلف عنه‪ .‬وقيل‪ :‬توبة‬
‫ال عليهم استنقاذهم من شدة العسرة‪ .‬وقيل‪ :‬خلصهم من نكاية العدو‪ ،‬وعبر عن ذلك بالتوبة وإن‬
‫خرج عن عرفها لوجود معنى التوبة فيه وهو الرجوع إلى الحال الولى‪ .‬وقال أهل المعاني‪ :‬إنما‬
‫ذكير النيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي التوبية لنيه لميا كان سيبب توبتهيم ذكير معهيم كقوله‪" :‬فأن ل‬
‫خمسه وللرسول" [النفال‪.]41 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين اتبعوه في ساعة العسرة" أي فيي وقت العسيرة‪ ،‬والمراد جميع أوقات تلك‬
‫الغزاة ولم يرد سياعة بعينهيا‪ .‬وقييل‪ :‬سياعة العسيرة أشيد السياعات التيي مرت بهيم فيي تلك الغزاة‪.‬‬
‫والعسيرة صيعوبة المير‪ .‬قال جابر‪ :‬اجتميع عليهيم عسيرة الظهير وعسيرة الزاد وعسيرة الماء‪ .‬قال‬
‫الحسيين‪ :‬كانييت العشرة ميين المسييلمين يخرجون على بعييير يعتقبونييه بينهييم وكان زادهييم التميير‬
‫المتسيوس والشعيير المتغيير والهالة المنتنية وكان النفير يخرجون ميا معهيم ‪ -‬إل التمرات ‪ -‬بينهيم‬
‫فإذا بلغ الجوع مين أحدهيم أخيذ التمرة فلكهيا حتيى يجيد طعمهيا ثيم يعطيهيا صياحبه حتيى يشرب‬
‫عليها جرعة من ماء كذلك حتى تأتي على آخرهم فل يبقى من التمرة إل النواة فمضوا مع النبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم على صيدقهم ويقينهيم رضيي ال عنهيم‪ .‬وقال عمير رضيي ال عنيه وقيد سيئل‬
‫عن ساعة العسرة‪(:‬خرجنا في قيظ شديد فنزلنا منزل أصابنا فيه عطش شديد حتى ظننا أن رقابنا‬
‫سيتنقطع مين العطيش‪ ،‬وحتيى أن الرجيل لينحير بعيره فيعصير فرثيه فيشربيه ويجعيل ميا بقيي على‬
‫كبده‪ .‬فقال أبيو بكير‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬إن ال قيد عودك فيي الدعاء خيرا فادع لنيا‪ .‬قال‪( :‬أتحيب ذلك)؟‬
‫قال‪ :‬نعيم فرفيع يدييه فلم يرجعهميا حتيى أظلت السيماء ثيم سيكبت فملؤوا ميا معهيم ثيم ذهبنيا ننظير فلم‬
‫نجدها جاوزت العسكر)‪ .‬وروى أبو هريرة وأبو سعيد قال‪ :‬كنا مع النبي صلى ال عليه وسلم في‬
‫غزوة تبوك فأصيياب الناس مجاعيية وقالوا‪ :‬يييا رسييول ال‪ ،‬لو أذنييت لنييا فنحرنييا نواضحنييا فأكلنييا‬
‫وأدهنيا‪ .‬فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم (افعلوا) فجاء عمير وقال‪ :‬ييا رسيول ال إن فعلوا قيل‬
‫الظهر ولكن ادعهم بفضل أزوادهم فادع ال عليها بالبركة لعل ال أن يجعل في ذلك البركة‪ .‬قال‪:‬‬
‫(نعم) ثم دعا بنطع فبسط ثم دعا بفضل الزواد فجعل الرجل يجيء بكف ذرة ويجيء الخر بكف‬
‫تمير ويجيء الخر بكسرة حتى اجتمع على النطع من ذلك شيء يسير‪ .‬قال أبو هريرة‪ :‬فحزرته‬
‫فإذا هييو قدر ربضيية العنييز فدعييا رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم بالبركيية‪ .‬ثييم قال‪( :‬خذوا فييي‬
‫أوعيتكيم) فأخذوا فيي أوعيتهيم حتيى ‪ -‬والذي ل إله إل هيو ‪ -‬ميا بقيي فيي العسيكر وعاء إل ملؤوه‪،‬‬
‫وأكيل القوم حتيى شبعوا وفضلت فضلة فقال النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أشهيد أن ل إله إل ال‬
‫وأنيي رسيول ال ل يلقيي ال بهميا عبيد شاك فيهميا فيحجيب عين الجنية)‪ .‬خرجيه مسيلم فيي صيحيحه‬
‫بلفظه ومعناه‪ ،‬والحمد ل‪.‬‬
‫وقال ابين عرفية‪ :‬سيمي جييش تبوك جييش العسيرة لن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ندب‬
‫الناس إلى الغزو فيييي حمارة القييييظ‪ ،‬فغلظ عليهيييم وعسييير‪ ،‬وكان إبان ابتياع الثمرة‪ .‬قال‪ :‬وإنميييا‬
‫ضرب المثيل بجييش العسيرة لن رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لم يغيز قبله فيي عدد مثله لن‬
‫أصيحابه يوم بدر كانوا ثلثمائة وبضعية عشير ويوم أحيد سيبعمائة ويوم خييبر ألفيا وخمسيمائة ويوم‬
‫الفتح عشرة آلف ويوم حنين اثني عشر ألفا وكان جيشه في غزوة تبوك ثلثين ألفا وزيادة‪ ،‬وهي‬
‫آخير مغازييه صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وخرج رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي رجيب وأقام بتبوك‬
‫شعبان وأياميا مين رمضان وبيث سيراياه وصيالح أقواميا على الجزيية‪ .‬وفيي هذه الغزاة خلف علييا‬
‫على المدينية فقال المنافقون‪ :‬خلفيه بغضيا له؛ فخرج خلف النيبي صيلى ال علييه وسيلم وأخيبره فقال‬
‫علييه السيلم‪( :‬أميا ترضيى أن تكون منيي بمنزلة هارون مين موسيى) وبيين أن قعوده بأمره علييه‬
‫السيلم يوازي فيي الجير خروجيه معيه لن المدار على أمير الشارع‪ .‬وإنميا قييل لهيا‪ :‬غزوة تبوك‬
‫لن النيبي صيلى ال علييه وسيلم رأى قوميا مين أصيحابه يبوكون حسيي تبوك أي يدخلون فييه القدح‬
‫ويحركونيه ليخرج الماء‪ ،‬فقال‪( :‬ميا زلتيم تبوكونهيا بوكيا) فسيميت تلك الغزوة غزوة تبوك‪ .‬الحسيي‬
‫بالكسير ميا تنشفيه الرض مين الرميل فإذا صيار إلى صيلبة أمسيكته فتحفير عنيه الرميل فتسيتخرجه‬
‫وهو الحتساء قاله الجوهري‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مين بعيد ميا كاد يزييغ قلوب فرييق منهيم" "قلوب" رفيع بيي "تزييغ" عنيد سييبويه‪.‬‬
‫ويضمر في "كاد" الحديث تشبيها بكان؛ لن الخبر يلزمها كما يلزم كان‪ .‬وإن شئت رفعتها بكاد‪،‬‬
‫ويكون التقديير‪ :‬مين بعيد ميا كان قلوب فرييق منهيم تزييغ‪ .‬وقرأ العميش وحمزة وحفيص "يزييغ"‬
‫بالياء‪ ،‬وزعيم أبيو حاتيم أن مين قرأ "يزييغ" بالياء فل يجوز له أن يرفيع القلوب بكاد‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫والذي لم يجزه جائز عنيد غيره على تذكيير الجمييع‪ .‬حكيى الفراء رحيب البلد وأرحبيت‪ ،‬ورحبيت‬
‫لغية أهيل الحجاز واختلف فيي معنيى تزييغ‪ ،‬فقييل‪ :‬تتلف بالجهيد والمشقية والشدة‪ .‬وقال ابين عباس‪:‬‬
‫تعدل ‪ -‬أي تمييل ‪ -‬عين الحيق فيي الممانعية والنصيرة‪ .‬وقييل‪ :‬مين بعيد ميا هيم فرييق منهيم بالتخلف‬
‫والعصيان ثم لحقوا به وقيل‪ :‬هموا بالقفول فتاب ال عليهم وأمرهم به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم تاب عليهم" قيل‪ :‬توبته عليهم أن تدارك قلوبهم حتى لم تزغ‪ ،‬وكذلك سنة الحق‬
‫مع أوليائه إذا أشرفوا على العطب‪ ،‬ووطنوا أنفسهم على الهلك أمطر عليهم سحائب الجود فأحيا‬
‫قلوبهم‪ .‬وينشد‪:‬‬
‫يرتجى منه بعض ما منك أرجو‬ ‫منك أرجو ولست أعرف ربا‬
‫على الخلق فاستغاثوا وعجوا‬ ‫وإذا اشتدت الشدائد في الرض‬
‫وصروا على الذنوب ولجوا‬ ‫وابتليت العباد بالخوف والجوع‬
‫فتيقنت أنني بك أنجو‬ ‫لم يكن لي سواك ربي ملذ‬
‫وقال فييي حيق الثلثية‪" :‬ثييم تاب عليهييم ليتوبوا" فقييل‪ :‬معنيى "ثييم تاب عليهييم" أي وفقهييم للتوبية‬
‫ليتوبوا‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى تاب عليهم؛ أي فسح لهم ولم يعجل عقابهم ليتوبوا‪ .‬وقيل‪ :‬تاب عليهم ليثبتوا‬
‫على التوبة‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى تاب عليهم ليرجعوا إلى حال الرضا عنهم‪ .‬وبالجملة فلول ما سبق لهم‬
‫في علمه أنه قضى لهم بالتوبة ما تابوا؛ دليله قوله عليه السلم‪( :‬اعملوا فكل ميسر لما خلق له)‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 118 :‬وعلى الثلثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الرض بما رحبت وضاقت‬
‫عليهم أنفسهم وظنوا أن ل ملجأ من ال إل إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا إن ال هو التواب الرحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعلى الثلثية الذيين خلفوا" قييل‪ :‬عين التوبية عين مجاهيد وأبيي مالك‪ .‬وقال قتادة‪:‬‬
‫عين غزوة تبوك‪ .‬وحكيي عين محميد بين زييد معنيى "خلفوا" تركوا؛ لن معنيى خلفيت فلنيا تركتيه‬
‫وفارقتيه قاعدا عميا نهضيت فييه‪ .‬وقرأ عكرمية بين خالد "خلفوا" أي أقاموا بعقيب رسيول ال صيلى‬
‫ال علييه وسيلم‪ .‬وروي عين جعفير بين محميد أنيه قرأ "خالفوا"‪ .‬وقييل‪" :‬خلفوا" أي أرجئوا وأخروا‬
‫عن المنافقين فلم يقض فيهم بشيء‪ .‬وذلك أن المنافقين لم تقبل توبتهم‪ ،‬واعتذر أقوام فقبل عذرهم‪،‬‬
‫وأخر النبي صلى ال عليه وسلم هؤلء الثلثة حتى نزل فيهم القرآن‪ .‬وهذا هو الصحيح لما رواه‬
‫مسلم والبخاري وغيرهما‪ .‬واللفظ لمسلم قال كعب‪ :‬كنا خلفنا أيها الثلثة عن أمر أولئك الذين قبل‬
‫منهم رسول ال صلى ال عليه وسلم حين حلفوا له فبايعهم واستغفر لهم‪ ،‬وأرجأ رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم أمرنيا حتيى قضيى ال فييه؛ فبذلك قال ال عيز وجيل‪" :‬وعلى الثلثية الذيين خلقوا"‬
‫وليس الذي ذكر ال مما خلفنا تخلفنا عن الغزو‪ ،‬وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف‬
‫له واعتذر إليه فقبل منه‪ .‬وهذا الحديث فيه طول‪ ،‬هذا آخره‪.‬‬
‫والثلثية الذيين خلفوا هيم‪ :‬كعيب بين مالك ومرارة بين ربيعية العامري وهلل بين أميية الواقفيي‬
‫وكلهيم مين النصيار‪ .‬وقيد خرج البخاري ومسيلم حديثهيم‪ ،‬فقال مسيلم عين كعيب بين مالك قال‪ :‬لم‬
‫أتخلف عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي غزوة غزاهيا قيط إل فيي غزوة تبوك غيير أنيي قيد‬
‫تخلفييت فييي غزوة بدر ولم يعاتييب أحدا تخلف عنييه إنمييا خرج رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‬
‫والمسلمون يريدون عير قريش حتى جمع ال بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد ولقد شهدت مع‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم ليلة العقبية حيين تواثقنيا على السيلم وميا أحيب أن لي بهيا مشهيد‬
‫بدر وإن كانيت بدر أذكير فيي الناس منهيا وكان مين خيبري حيين تخلفيت عين رسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم فيي غزوة تبوك‪ :‬أني لم أكين قط أقوى ول أيسير منيي حين تخلفت عنه فيي تلك الغزوة‬
‫وال ما جمعت قبلها راحلتين قط حتى جمعتهما في تلك الغزوة فغزاها رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم في حر شديد واستقبل سفرا بعيدا ومفازا واستقبل عدوا كثيرا فجل للمسلمين أمرهم ليتأهبوا‬
‫أهبة غزوهم فأخبرهم بوجهه الذي يريد والمسلمون مع رسول ال صلى ال عليه وسلم كثير ول‬
‫يجمعهييم كتاب حافييظ ‪ -‬يريييد بذلك الديوان ‪ -‬قال كعييب‪ :‬فقييل رجييل يريييد أن يتغيييب يظيين أن ذلك‬
‫سييخفى له ميا لم ينزل فييه وحيي مين ال تعالى وغزا رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم تلك الغزوة‬
‫حييين طابييت الثمار والظلل فأنييا إليهييا أصييعر فتجهييز إليهييا رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‬
‫والمسلمون معه وطفقت أغدو لكي أتجهيز معهيم فأرجع ولم أقض شيئا وأقول في نفسي‪ :‬أنا قادر‬
‫على ذلك إذا أردت فلم يزل ذلك يتمادى بيي حتيى استمر بالناس الجد فأصيبح رسيول ال صيلى ال‬
‫علييه وسيلم غازييا والمسيلمون معيه ولم أقيض مين جهازي شيئا ثيم غدوت فرجعيت ولم أقيض شيئا‬
‫فلم يزل كذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو فهممت أن أترحل فأدركهم فيا ليتني فعلت‬
‫ثييم لم يقدر ذلك لي فطفقييت إذا خرجييت فييي الناس بعييد خروج رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‬
‫يحزننييي أنييي ل أرى لي أسييوة إل رجل مغموصييا عليييه فييي النفاق أو رجل مميين عذر ال ميين‬
‫الضعفاء ولم يذكرنيي رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم حتيى بلغ تبوك فقال وهيو جالس فيي القوم‬
‫بتبوك‪( :‬ما فعل كعب بن مالك)؟ فقال رجل من بني سلمة‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬حبسه برداه والنظر في‬
‫عطفييه‪ .‬فقال له معاذ بين جبيل‪ :‬بئس ميا قلت وال ييا رسيول ال ميا علمنيا علييه إل خيرا‪ .‬فسيكت‬
‫رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فبينميا هيو على ذلك رأى رجل مبيضيا يزول بيه السيراب فقال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬كن أبا خيثمة) فإذا هو أبو خيثمة النصاري وهو الذي تصدق‬
‫بصياع التمير حتيى لمزه المنافقون‪ .‬فقال كعيب بين مالك‪ :‬فلميا بلغنيي أن رسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم قد توجه قافل من تبوك حضرني بثي فطفقت أتذكر الكذب وأقول‪ :‬بم أخرج من سخطه غدا‬
‫وأستعين على ذلك كل ذي رأي من أهلي فلما قيل لي‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم قد أظل‬
‫قادما زاح عني الباطل حتى عرفت أني لن أنجو منه بشيء أبدا‪ ،‬فأجمعت صدقه‪ ،‬وصبح رسول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم قادميا‪ ،‬وكان إذا قدم مين سيفر بدأ بالمسيجد فركيع فييه ركعتيين ثيم جلس‬
‫للناس فلمييا فعييل ذلك جاءه المتخلفون فطفقوا يعتذرون إليييه ويحلفون له‪ ،‬وكانوا بضعيية وثمانييين‬
‫رجل فقبيل منهيم رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم علنيتهيم وبايعهيم واسيتغفر لهيم ووكيل سيرائرهم‬
‫إلى ال حتيى جئت فلميا سيلمت تبسيم تبسيم المغضيب ثيم قال‪( :‬تعال) فجئت أمشيي حتيى جلسيت بيين‬
‫يديه‪ ،‬فقال لي‪( :‬ما خلفك ألم تكن قد ابتعت ظهرك)؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إني وال لو جلست‬
‫عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدل ولكني وال لقد‬
‫علميت لئن حدثتيك اليوم حدييث كذب ترضيى بيه عنيي ليوشكين ال أن يسيخطك علي‪ ،‬ولئن حدثتيك‬
‫حديث صدق تجد علي فيه إني لرجو فيه عقبى ال‪ ،‬وال ما كان لي عذر‪ ،‬وال ما كنت قط أقوى‬
‫ول أيسر مني حين تخلفت عنك‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أما هذا فقد صدق فقم حتى‬
‫يقضيي ال فييك)‪ .‬فقمت وثار رجال مين بني سلمة فاتبعوني فقالوا لي‪ :‬وال ما علمناك أذنبيت ذنبيا‬
‫قبيل هذا لقيد عجزت فيي أل تكون اعتذرت إلى رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم بميا اعتذر بيه إلييه‬
‫المتخلفون‪ ،‬فقيد كان كافييك ذنبيك اسيتغفار رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم لك قال‪ :‬فوال ميا زالوا‬
‫يؤنبوني حتى أردت أن أرجع إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فأكذب نفسي‪ .‬قال‪ :‬ثم قلت لهم‬
‫هل لقي هذا معي من أحد؟ قالوا‪ :‬نعم لقيه معك رجلن قال مثل ما قلت‪ ،‬فقيل لهما مثل ما قيل لك‪.‬‬
‫قال قلت‪ :‬ميين همييا؟ قالوا‪ :‬مرارة بيين ربيعيية العامري وهلل بيين أمييية الواقفييي‪ .‬قال‪ :‬فذكروا لي‬
‫رجلين صالحين قد شهدا بدرا فيهما أسوة؛ قال‪ :‬فمضيت حين ذكروهما لي‪.‬‬
‫قال‪ :‬ونهى رسول ال صلى ال عليه وسلم المسلمين عن كلمنا أيها الثلثة من بين من تخلف‬
‫عنييه‪ .‬قال‪ :‬فاجتنبنييا الناس‪ .‬وقال‪ :‬وتغيروا لنييا‪ ،‬حتييى تنكرت لي فييي نفسييي الرض‪ ،‬فمييا هييي‬
‫بالرض التييي أعرف‪ ،‬فلبثنييا على ذلك خمسييين ليلة؛ فأمييا صيياحباي فاسييتكانا وقعدا فييي بيوتهمييا‬
‫يبكيان‪ ،‬وأما أنا فكنت أشب القوم وأجلدهم‪ ،‬فكنت أخرج فأشهد الصلة وأطوف في السواق ول‬
‫يكلمني أحد‪ ،‬وآتى رسول ال صلى ال عليه وسلم فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلة‪ ،‬فأقول‬
‫فيي نفسيي‪ :‬هيل حرك شفتييه برد السيلم أم ل ثيم أصيلي قريبيا منيه وأسيارقه النظير‪ ،‬فإذا أقبلت على‬
‫صلتي نظر إلي وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال ذلك علي من جفوة المسلمين مشيت‬
‫حتيى تسيورت جدار حائط أبيي قتادة‪ ،‬وهيو ابين عميي وأحيب الناس إلي فسيلمت علييه‪ ،‬فوال ميا رد‬
‫علي السلم‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا أبا قتادة أنشدك بال هل تعلمن أني أحب ال ورسوله؟ قال‪ :‬فسكت فعدت‬
‫فناشدتييه فسييكت‪ ،‬فعدت فناشدتييه فقال‪ :‬ال ورسييوله أعلم فقاضييت عيناي وتوليييت حتييى تسييورت‬
‫الجدار‪ ،‬فبينيا أنيا أمشيي فيي سيوق المدينية إذا نبطيٌي مين نبيط أهيل الشام ممين قدم بالطعام ييبيعه‬
‫بالمدينية يقول‪ :‬مين يدل على كعيب بين مالك؟ قال‪ :‬فطفيق الناس يشيرون له إلي حتيى جاءنيي فدفيع‬
‫إلي كتابا من ملك غسان‪ ،‬وكنت كاتبا فقرأته فإذا فيه‪ :‬أما بعد فإنه قد بلغنا أن صاحبك قد جفاك‪،‬‬
‫ولم يجعلك ال بدار هوان ول مضيعية فالحيق بنيا نواسيك‪ .‬قال فقلت‪ ،‬حيين قرأتهيا‪ :‬وهذه أيضيا مين‬
‫البلء فتيامميت بهيا التنور فسيجرته بهيا حتيى إذا مضيت أربعون مين الخمسيين واسيتلبث الوحيي إذا‬
‫رسول رسول ال صلى ال عليه وسلم يأتيني فقال‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم يأمرك أن‬
‫تعتزل امرأتيك‪ .‬قال فقلت‪ :‬أطلقهيا أم ماذا أفعيل؟ قال‪ :‬ل بيل اعتزلهيا فل تقربنهيا‪ .‬قال‪ :‬فأرسيل إلى‬
‫ي بمثل ذلك‪ .‬قال فقلت لمرأتي‪ :‬الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي ال في هذا المر‪.‬‬ ‫صاحب ّ‬
‫قال‪ :‬فجاءت امرأة هلل بن أمية رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالت له‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إن هلل‬
‫بن أمية شيخ ضائع ليس له خادم‪ ،‬فهل تكره أن أخدمه؟ قال‪( :‬ل ولكن ل يقربنك) فقالت‪ :‬إنه وال‬
‫ميا بيه حركية إلى شييء ووال ميا زال يبكيي منيذ كان مين أمره ميا كان إلى يوميه هذا‪ .‬قال‪ :‬فقال‬
‫بعض أهلي لو استأذنت رسول ال صلى ال عليه وسلم في امرأتك فقد أذن لمرأة هلل بن أمية‬
‫أن تخدمه‪ .‬قال فقلت‪ :‬ل أستأذن فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم وما يدريني ماذا يقول رسول‬
‫ال صيلى ال علييه وسيلم إذا اسيتأذنته فيهيا وأنيا رجيل شاب قال‪ :‬فلبثيت بذلك عشير ليال فكميل لنيا‬
‫خمسون ليلة من حين نهي عن كلمنا‪.‬‬
‫قال‪ :‬ثم صليت صلة الفجر صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا فبينا أنا جالس على‬
‫الحال التيي ذكير ال منيا قيد ضاقيت عليّي نفسيي وضاقيت عليّي الرض بميا رحبيت سيمعت صيوت‬
‫صارخ أوفى على سلع يقول بأعلى صوته‪ :‬يا كعب بن مالك أبشر‪ .‬قال‪ :‬فخررت ساجدا وعرفت‬
‫أن قد جاء فرج‪ .‬قال‪ :‬فآذن رسول ال صلى ال عليه وسلم الناس بتوبة ال علينا حين صلى صلة‬
‫الفجير فذهيب الناس يبشروننيا فذهيب قبيل صياحبي مبشرون وركيض رجيل إلي فرسيا وسيعى سياع‬
‫مين أسيلم قبلي وأوفيى الجبيل فكان الصيوت أسيرع مين الفرس فلميا جاءنيي الذي سيمعت صيوته‬
‫يبشرنيي نزعيت له ثوبيّي فكسيوته إياهميا ببشارتيه‪ ،‬وال ميا أملك غيرهميا يومئذ‪ ،‬واسيتعرت ثوبيين‬
‫فلبستهما فانطلقت أتأمم رسول ال صلى ال عليه وسلم؛ فتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بالتوبة‬
‫ويقولون‪ :‬لتهنئك توبة ال عليك حتى دخلت المسجد فإذا رسول ال صلى ال عليه وسلم جالس في‬
‫المسيجد وحوله الناس فقام طلحية بين عيبيدال يهرول حتيى صيافحني وهنأنيي وال ميا قام رجيل مين‬
‫المهاجرين غيره‪ .‬قال‪ :‬فكان كعب ل ينساها لطلحة‪ .‬قال كعب‪ :‬فلما سلمت على رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم قال وهيو ييبرق وجهيه مين السيرور ويقول‪( :‬أبشير بخيير يوم مير علييك منيذ ولدتيك‬
‫أمك)‪ .‬قال‪ :‬فقلت أمن عند ال يا رسول ال أم من عندك؟ قال‪( :‬ل بل من عند ال)‪ .‬وكان رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم إذا سر استنار وجهه حتى كأن وجهه قطعة قمر‪ .‬قال‪ :‬وكنا نعرف ذلك‪.‬‬
‫قال‪ :‬فلما جلست بين يديه قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إن من توبة ال علي أن أنخلع من مالي صدقة إلى‬
‫ال وإلى رسيوله؛ فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬أمسيك علييك بعيض مالك فهيو خيير لك)‪.‬‬
‫قال فقلت‪ :‬فإنيي أمسيك سيهمي الذي بخييبر‪ .‬قال وقلت‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬إن ال إنميا أنجانيي بالصيدق‪،‬‬
‫وإن مين توبتيي أل أحدث إل صيدقا ميا بقييت‪ .‬قال‪ :‬فوال ميا علميت أحدا مين المسيلمين أبله ال فيي‬
‫صيدق الحدييث منيذ ذكرت ذلك لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إلى يوميي هذا أحسين مميا أبلنيي‬
‫ال بيه‪ ،‬وال ميا تعمدت كذبية منيذ قلت ذلك لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم إلى يوميي هذا وإنيي‬
‫لرجييو ال أن يحفظنييي فيمييا بقييي فأنزل ال عييز وجييل‪" :‬لقييد تاب ال على النييبي والمهاجرييين‬
‫والنصيار الذيين أتبعوه فيي سياعة العسيرة ‪ -‬حتيى بلغ ‪ -‬إنيه بهيم رؤوف رحييم‪ .‬وعلى الثلثية الذيين‬
‫خلفوا حتيى إذا ضاقيت عليهيم الرض بميا رحبيت وضاقيت عليهيم أنفسيهم ‪ -‬حتيى بلغ ‪ -‬اتقوا ال‬
‫وكونوا ميع الصيادقين"‪ .‬قال كعيب‪ :‬وال ميا أنعيم ال علي مين نعمية قيط بعيد إذ هدانيي ال للسيلم‬
‫أعظم في نفسي من صدقي رسول ال صلى ال عليه وسلم أل أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين‬
‫كذبوا‪ ،‬إن ال قال للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لحد‪ ،‬وقال ال تعالى‪" :‬سيحلفون بال‬
‫لكيم إذا انقلبتيم إليهيم لتعرضوا عنيه فأعرضوا عنهيم إنهيم رجيس ومأواهيم جهنيم جزاء بميا كانوا‬
‫يكسييبون‪ .‬يحلفون لكييم لترضوا عنهييم فإن ترضوا عنهييم فإن ال ل يرضييى عيين القوم الفاسييقين"‬
‫[التوبة‪ .]96 - 95 :‬قال كعب‪ :‬كنا خلفنا أيها الثلثة عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول ال‬
‫صيلى ال علييه وسيلم حيين حلفوا له فبايعهيم واسيتغفر لهيم‪ ،‬وأرجيأ رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‬
‫أمرنا حتى قضى ال فيه‪ ،‬فبذلك قال ال عز وجل‪" :‬وعلى الثلثة" وليس الذي ذكر ال مما خُلفنا‬
‫َتخَلُفنا عن الغزو‪ ،‬وإنما هو تخليفه إيانا وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له واعتذر إليه فقبل منه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتيى إذا ضاقيت عليهيم الرض بميا رحبيت" أي بميا اتسيعت يقال‪ :‬منزل رجيب‬
‫ورحييب ورحاب‪ .‬و"ميا" مصيدرية؛ أي ضاقيت عليهيم الرض برحبهيا‪ ،‬لنهيم كانوا مهجوريين ل‬
‫يعاملون ول يكلمون‪ .‬وفيي هذا دلييل على هجران أهيل المعاصيي حتيى يتوبوا‪" .‬وضاقيت عليهيم‬
‫أنفسهم" أي ضاقت صدورهم بالهم والوحشة‪" ،‬وبما لقوه من الصحابة من الجفوة‪" .‬وظنوا أن ل‬
‫ملجيأ مين ال إل إلييه" أي تيقنوا أن ل ملجيأ يلجؤون إلييه فيي الصيفح عنهيم وقبول التوبية منهيم إل‬
‫إليه‪ .‬قال أبو بكر الوراق‪ .‬التوبة النصوح أن تضيق على التائب الرض بما رحبت‪ ،‬وتضيق عليه‬
‫نفسه؛ كتوبة كعب وصاحبيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثيم تاب عليهيم ليتوبوا إن ال هيو التواب الرحييم" فبدأ بالتوبية منيه‪ .‬قال أبيو زييد‪:‬‬
‫غلطت في أربعة أشياء‪ :‬في البتداء مع ال تعالى‪ ،‬ظننت أني أحبه فإذا هو أحبني؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫"يحبهم ويحبونه" [المائدة‪ .]54 :‬وظننت أني أرضى عنه فإذا هو قد رضي عني؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫"رضيي ال عنهيم ورضوا عنيه" [المائدة‪ .]119 :‬وظننيت أنيي أذكره فإذا هيو يذكرنيي؛ قال ال‬
‫تعالى‪" :‬ولذكر ال أكبر"‪ .‬وظننت أني أتوب فإذا هو قد تاب على؛ قال ال تعالى‪" :‬ثم تاب عليهم‬
‫ليتوبوا"‪ .‬وقييل‪ :‬المعنييى ثيم تاب عليهيم ليثبتوا على التوبيية؛ كمييا قال تعالى‪" :‬ييا أيهيا الذيين آمنوا‬
‫آمنوا" [النسياء‪ ]136 :‬وقييل‪ :‬أي فسيح لهيم ولم يعجيل عقابهيم كميا فعيل بغيرهيم؛ قال جيل وعيز‪:‬‬
‫"فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم" [النساء‪.]160 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 119 :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وكونوا مع الصادقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وكونوا مع الصادقين" هذا المر بالكون مع أهل الصدق حسن بعد قصة الثلثة‬
‫حين نفعهم الصدق وذهب بهم عن منازل المنافقين‪ .‬قال مطرف‪ :‬سمعت مالك بن أنس يقول‪ :‬قلما‬
‫كان رجل صادقا ل يكذب إل متع بعقله ولم يصبه ما يصيب غيره من الهرم والخرف‪.‬‬
‫واختلف فيي المراد هنيا بالمؤمنيين والصيادقين على أقوال؛ فقييل‪ :‬هيو خطاب لمين آمين مين أهيل‬
‫الكتاب‪ .‬وقييل‪ :‬هيو خطاب لجمييع المؤمنيين؛ أي اتقوا مخالفية أمير ال "وكونوا ميع الصيادقين" أي‬
‫مع الذين خرجوا مع النبي صلى ال عليه وسلم ل مع المنافقين‪ .‬أي كونوا على مذهب الصادقين‬
‫وسبيلهم‪ .‬وقيل‪ :‬هم النبياء؛ أي كونوا معهم بالعمال الصالحة في الجنة‪ .‬وقيل‪ :‬هم المراد بقوله‪:‬‬
‫"ليس البر أن تولوا وجوهكم ‪ -‬الية إلى قوله ‪ -‬أولئك الذين صدقوا" [البقرة‪ .]177 :‬وقيل‪ :‬هم‬
‫الموفون بميييا عاهدوا؛ وذلك لقوله تعالى‪" :‬رجال صيييدقوا ميييا عاهدوا ال علييييه" وقييييل‪ :‬هيييم‬
‫المهاجرون؛ لقول أبيييي بكييير يوم السيييقيفة إن ال سيييمانا الصيييادقين فقال‪" :‬للفقراء المهاجريييين"‬
‫[الحشر‪ ]8 :‬الية‪ ،‬ثم سماكم بالمفلحين فقال‪" :‬والذين تبوؤوا الدار واليمان" [الحشر‪ ]9 :‬الية‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هم الذين استوت ظواهرهم وبواطنهم‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وهذا القول هو الحقيقة والغاية التي‬
‫إليهيا المنتهيى فإن هذه الصيفة يرتفيع بهيا النفاق فيي العقيدة والمخالفية فيي الفعيل‪ ،‬وصياحبها يقال له‬
‫الصيديق كأبيي بكير وعمر وعثمان ومن دونهم على منازلهيم وأزمانهم‪ .‬وأميا مين قال‪ :‬إنهيم المراد‬
‫بآية البقرة فهو معظم الصدق ومتبعه القل وهو معنى آية الحزاب‪ .‬وأما تفسير أبي بكر الصديق‬
‫فهو الذي يعم القوال كلها فإن جميع الصفات فيهم موجودة‪.‬‬
‫@ حيق مين فهيم عين ال وعقيل عنيه أن يلزم الصيدق فيي القوال‪ ،‬والخلص فيي العمال‪،‬‬
‫والصفاء‪ ،‬في الحوال‪ ،‬فمن كان كذلك لحق بالبرار ووصل إلى رضا الغفار؛ قال صلى ال عليه‬
‫وسييلم‪( :‬عليكييم بالصييدق فإن الصييدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنيية ومييا يزال الرجييل‬
‫يصيدق ويتحرى الصيدق حتيى يكتيب عنيد ال صيديقا)‪ .‬والكذب على الضيد مين ذلك؛ قال صيلى ال‬
‫عليييه وسييلم‪( :‬إياكييم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ومييا يزال‬
‫الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند ال كذابا) خرجه مسلم‪ .‬فالكذب عار وأهله مسلوبو‬
‫الشهادة‪ ،‬وقد رد صلى ال عليه وسلم شهادة رجل في كذبة كذبها‪ .‬قال معمر‪ :‬ل أدري أكذب على‬
‫ال أو كذب على رسييوله أو كذب على أحييد ميين الناس‪ .‬وسييئل شريييك بيين عبدال فقيييل له‪ :‬يييا أبييا‬
‫عبدال‪ ،‬رجييل سييمعته يكذب متعمدا أأصييلي خلفييه؟ قال ل‪ .‬وعيين ابيين مسييعود قال‪ :‬إن الكذب ل‬
‫يصلح منه جد ول هزل‪ ،‬ول أن يعد أحدكم شيئا ثم ل ينجزه‪ ،‬أقرؤوا إن شئتم "يا أيها الذين آمنوا‬
‫اتقوا ال وكونوا مع الصادقين" هل ترون في الكذب رخصة؟ وقال مالك‪ :‬ل يقبل خبر الكاذب في‬
‫حدييث الناس وإن صيدق فيي حدييث رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقال غيره‪ :‬يقبيل حديثيه‪.‬‬
‫والصييحيح أن الكاذب ل تقبييل شهادتييه ول خييبره لمييا ذكرناه؛ فإن القبول مرتبيية عظيميية وولييية‬
‫شريفة ل تكون إل لمن كملت خصاله ول خصلة هي أشر من الكذب فهي تعزل الوليات وتبطل‬
‫الشهادات‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 121 - 120 :‬ميا كان لهيل المدينية ومين حولهيم مين العراب أن يتخلفوا عين‬
‫رسيول ال ول يرغبوا بأنفسيهم عين نفسيه ذلك بأنهيم ل يصييبهم ظميأ ول نصيب ول مخمصية فيي‬
‫سيبيل ال ول يطؤون موطئا يغييظ الكفار ول ينالون مين عدو نيل إل كتيب لهيم بيه عميل صيالح إن‬
‫ال ل يضييع أجير المحسينين‪ ،‬ول ينفقون نفقية صيغيرة ول كيبيرة ول يقطعون وادييا إل كتيب لهيم‬
‫ليجزيهم ال أحسن ما كانوا يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ما كان لهل المدينة ومن حولهم من العراب أن يتخلفوا عن رسول ال" ظاهره‬
‫خيبر ومعناه أمير؛ كقوله‪" :‬وميا كان لكيم أن تؤذوا رسيول ال" [الحزاب‪ ]53 :‬وقيد تقدم‪" .‬أن‬
‫يتخلفوا" في موضع رفع اسم كان‪ .‬وهذه معاتبة للمؤمنين من أهل يثرب وقبائل العرب المجاورة‬
‫لهيا؛ كمزينية وجهينية وأشجيع وغفار وأسيلم على التخلف عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي‬
‫غزوة تبوك‪ .‬والمعنى‪ :‬ما كان لهؤلء المذكورين أن يتخلفوا؛ فإن النفير كان فيهم‪ ،‬بخلف غيرهم‬
‫فإنهيم لن يسيتنفروا؛ فيي قول بعضهيم‪ .‬ويحتميل أن يكون السيتنفار فيي كيل مسيلم‪ ،‬وخصيى هؤلء‬
‫بالعتاب لقربهم وجوارهم‪ ،‬وأنهم أحق بذلك من غيرهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يرغبوا بأنفسهم عن نفسه" أي ل يرضوا لنفسهم بالخفض والدعة ورسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم في المشقة‪ .‬يقال‪ :‬رغبت عن كذا أي ترفعت عنه‪" .‬ذلك بأنهم ل يصيبهم‬
‫ظمأ" أي عطش‪ .‬وقرأ عبيد بن عمير "ظماء" بالمد‪ .‬وهما لغتان مثل خطأ وخطاء‪" .‬ول نصب"‬
‫عطييف‪ ،‬أي تعييب‪ ،‬ول زائدة للتوكيييد‪ .‬وكذا "ول مخمصيية" أي مجاعيية‪ .‬وأصييله ضمور البطيين؛‬
‫ومنييه رجييل خميييص وامرأة خمصييانة‪ .‬وقييد تقدم‪" .‬فييي سييبيل ال" أي فييي طاعتييه‪" .‬ول يطؤون‬
‫موطئا" أي أرضيا‪" .‬يغييظ الكفار" أي بوطئهيم إياهيا‪ ،‬وهيو فيي موضيع نصيب لنيه نعيت للموطيئ‪،‬‬
‫أي غائظيا‪" .‬ول ينالون مين عدو نيل" أي قتل وهزيمية‪ .‬وأصيله مين نلت الشييء أنال أي أصيبت‪.‬‬
‫قال الكسائي‪ :‬هو من قولهم أمر منيل منه؛ وليس هو من التناول‪ ،‬إنما التناول من نلته العطية‪ .‬قال‬
‫غيره‪ :‬نلت أنول مين العطيية‪ ،‬مين الواو والنييل مين الياء‪ ،‬تقول‪ :‬نلتيه فأنيا نائل‪ ،‬أي أدركتيه‪" .‬ول‬
‫يقطعون وادي" العرب تقول‪ :‬واد وأوديية‪ ،‬على غييير قياس‪ .‬قال النحاس‪ :‬ول يعرف فيمييا علمييت‬
‫فاعييل وأفعلة سييواه‪ ،‬والقياس أن يجمييع ووادي؛ فاسييتثقلوا الجمييع بييين واوييين وهييم قييد يسييتثقلون‬
‫واحدة‪ ،‬حتى قالوا‪ :‬أقتت في وقتت‪ .‬وحكى الخليل وسيبويه في تصغير واصل اسم رجل أو يصل‬
‫فل يقولون غيره‪ .‬وحكى الفراء في جمع واد أوداء‪ .‬قلت‪ :‬وقد جمع أوداه؛ قال جرير‪:‬‬
‫محيل طال عهدك من رسوم‬ ‫عرفت ببرقة الوداه رسما‬
‫"إل كتب لهم به عمل صالح" قال ابن عباس‪ :‬بكل روعة تنالهم في سبيل ال سبعون ألف حسنة‪.‬‬
‫وفيي الصيحيح‪( :‬الخييل ثلثية‪ - ...‬وفييه ‪ -‬وأميا التيي هيي له أجير فرجيل ربطهيا فيي سيبيل ال لهيل‬
‫السلم في مرج أو روضة فما أكلت من ذلك المرج أو الروضة إل كتب له عدد ما أكلت حسنات‬
‫وكتب له عدد أرواثها وأبوالها حسنات‪ .)...‬الحديث‪ .‬هذا وهي في مواضعها فكيف إذا أدرب بها‪.‬‬
‫@ استدل بعض العلماء بهذه الية على أن الغنيمة تستحق بالدراب والكون في بلد العدو‪ ،‬فإن‬
‫مات بعييد ذلك فله سييهمه؛ وهييو قول أشهييب وعبدالملك‪ ،‬وأحييد قولي الشافعييي‪ .‬وقال مالك وابيين‬
‫القاسم‪ :‬ل شيء له؛ لن ال عز وجل إنما ذكر في هذه الية الجر ولم يذكر السهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الول أصح لن ال تعالى‪ :‬جعل وطء ديار الكفار بمثابة النيل من أموالهم وإخراجهم من‬
‫ديارهيم‪ ،‬وهو الذي يغيظهيم ويدخيل الذل عليهيم‪ ،‬فهيو بمنزلة نيل الغنيمة والقتل والسير؛ وإذا كان‬
‫كذلك فالغنيمية تسيتحق بالدراب ل بالحيازة‪ ،‬ولذلك قال علي رضيي ال عنيه‪ :‬ميا وطيئ قوم فيي‬
‫عقر دارهم إل ذلوا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ هذه اليية منسيوخة بقوله تعالى‪" :‬وميا كان المؤمنون لينفروا كافية" [التوبية‪ ]122 :‬وأن‬
‫حكمهيا كان حيين كان المسيلمون فيي قلة‪ ،‬فلميا كثروا نسيخت وأباح ال التخلف لمين شاء؛ قاله ابين‬
‫زيد‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬بعث صلى ال عليه وسلم قوما إلى البوادي ليعلموا الناس فلما نزلت هذه الية‬
‫خافوا ورجعوا؛ فأنزل ال‪" :‬وميا كان المؤمنون لينفروا كافية"‪ .‬وقال قتادة‪ :‬كان هذا خاصيا بالنيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬إذا غزا بنفسيه فلييس لحيد أن يتخلف عنيه إل بعذر؛ فأميا غيره مين الئمية‬
‫الولة فلمين شاء أن يتخلف خلفيه مين المسيلمين إذا لم يكين بالناس حاجية إلييه ول ضرورة‪ .‬وقول‬
‫ثالث‪ :‬أنهيا محكمية؛ قال الولييد بين مسيلم‪ :‬سيمعت الوزاعيي وابين المبارك والفزاري والسيبيعي‬
‫وسعيد بن عبدالعزيز يقولون في هذه الية إنها لول هذه المة وآخرها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول قتادة حسن؛ بدليل غزاة تبوك‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ روى أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬لقد تركتم بالمدينة‬
‫أقواميا ميا سيرتم مسييرا ول أنفقتيم مين نفقية ول قطعتيم مين واد إل وهيم معكيم فييه) قالوا‪ :‬ييا رسيول‬
‫ال‪ ،‬وكييف يكونون معنيا وهيم بالمدينية‪.‬؟ قال‪( :‬حبسيهم العذر)‪ .‬خرجيه مسيلم مين حدييث جابر قال‪:‬‬
‫كنيا ميع رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي غزاة فقال‪( :‬إن بالمدينية لرجال ميا سيرتم مسييرا ول‬
‫قطعتم واديا إل كانوا معكم حبسهم المرض)‪ .‬فأعطى صلى ال عليه وسلم للمعذور من الجر مثل‬
‫مييا أعطييى للقوي العامييل‪ .‬وقييد قال بعييض الناس‪ :‬إنمييا يكون الجيير للمعذور غييير مضاعييف‪،‬‬
‫ويضاعيف للعاميل المباشير‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬وهذا تحكيم على ال تعالى وتضيييق لسيعة رحمتيه‪،‬‬
‫وقيد عاب بعيض الناس فقال‪ :‬إنهيم يعطون الثواب مضاعفيا قطعيا‪ ،‬ونحين ل نقطيع بالتضعييف فيي‬
‫موضيع فإنيه مبنيي على مقدار النيات‪ ،‬وهذا أمير مغييب‪ ،‬والذي يقطيع بيه أن هناك تضعيفيا وربيك‬
‫أعلم بمن يستحقه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الظاهير مين الحادييث والي المسياواة فيي الجير؛ منهيا قوله علييه السيلم‪( :‬مين دل على‬
‫خيير فله مثيل أجير فاعله) وقوله‪( :‬مين توضيأ وخرج إلى الصيلة فوجيد الناس قيد صيلوا أعطاه ال‬
‫مثيل أجير مين صيلها وحضرهيا)‪ .‬وهيو ظاهير قوله تعالى‪" :‬ومين يخرج مين بيتيه مهاجرا إلى ال‬
‫ورسيوله ثيم يدركيه الموت فقيد وقيع أجره على ال" [النسياء‪ ]100:‬وبدلييل أن النيية الصيادقة هيي‬
‫أصل العمال‪ ،‬فإذا صحت في فعل طاعة فعجز عنها صاحبها لمانع منع منها فل بعد في مساواة‬
‫أجر ذلك العاجز لجر القادر الفاعل ويزيد عليه؛ لقوله عليه السلم‪( :‬نية المؤمن خير من عمله)‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 122 :‬وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في‬
‫الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا كان المؤمنون" وهيي أن الجهاد لييس على العيان وأنيه فرض كفايية كميا‬
‫تقدم؛ إذ لو نفيير الكييل لضاع ميين وراءهييم ميين العيال‪ ،‬فليخرج فريييق منهييم للجهاد وليقييم فريييق‬
‫يتفقهون في الدين ويحفظون الحريم‪ ،‬حتى إذا عاد النافرون أعلمهم المقيمون ما تعلموه من أحكام‬
‫الشرع‪ ،‬ومييا تجدد نزول على النييبي صييلى ال عليييه وسييلم‪ .‬وهذه الييية ناسييخة لقوله تعالى‪" :‬إل‬
‫تنفروا" [التوبة‪ ]39 :‬وللية التي قبلها؛ على قول مجاهد وابن زيد‪.‬‬
‫@ هذه اليية أصيل فيي وجوب طلب العلم؛ لن المعنيى‪ :‬وميا كان المؤمنون لينفروا كافية والنيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم مقييم ل ينفير فيتركوه وحده‪" .‬فلو ل نفير" بعيد ميا علموا أن النفيير ل يسيع‬
‫جميعهيم‪" .‬مين كيل فرقية منهيم طائفية" وتبقيى بقيتهيا ميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم ليتحملوا عنيه‬
‫الديين ويتفقهوا؛ فإذا رجيع النافرون إليهيم أخيبروهم بميا سيمعوا وعلموه‪ .‬وفيى هذا إيجاب التفقيه فيي‬
‫الكتاب والسينة‪ ،‬وأنيه على الكفايية دون العيان‪ .‬ويدل علييه أيضيا قوله تعالى‪" :‬فاسيألوا أهيل الذكير‬
‫إن كنتم ل تعلمون" [النحل‪ .]43 :‬فدخل في هذا من ل يعلم الكتاب والسنن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلول نفير" قال الخفيش‪ :‬أي فهل نفير‪" .‬مين كيل فرقية منهيم طائفية" الطائفية فيي‬
‫اللغة الجماعة‪ ،‬وقد تقع على أقل من ذلك حتى تبلغ الرجلين‪ ،‬وللواحد على معنى نفس طائفة‪ .‬وقد‬
‫تقدم أن المراد بقوله تعالى‪" :‬إن نعيف عين طائفية منكيم نعذب طائفية" [التوبية‪ ]66 :‬رجيل واحيد‪.‬‬
‫ول شييك أن المراد هنييا جماعيية لوجهييين؛ أحدهمييا عقل‪ ،‬والخيير لغيية‪ .‬أمييا العقييل فلن العلم ل‬
‫يتحصيل بواحيد فيي الغالب‪ ،‬وأميا اللغية فقوله‪" :‬ليتفقهوا فيي الديين ولينذروا قومهيم" فجاء بضميير‬
‫الجماعة‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬والقاضي أبو بكر والشيخ أبو الحسن قبله يرون أن الطائفة ههنا واحد‪،‬‬
‫ويعتضون فييه بالدلييل على وجوب العميل بخيبر الواحيد‪ ،‬وهيو صيحيح ل مين جهية‪ .‬أن الطائفية‬
‫تنطلق على الواحيد ولكين مين جهية أن خيبر الشخيص الواحيد أو الشخاص خيبر واحيد‪ ،‬وأن مقابله‬
‫وهو التواتر ل ينحصر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أنص ما يستدل به على أن الواحد يقال له طائفة قوله تعالى‪" :‬وإن طائفتان من المؤمنين‬
‫اقتتلوا" [الحجرات‪ ]9 :‬يعنيي نفسين‪ .‬دليله قوله تعالى‪" :‬فأصيلحوا بين أخويكيم" [الحجرات‪]9 :‬‬
‫فجاء بلفيظ التثنيية‪ ،‬والضميير فيي "اقتتلوا" وإن كان ضميير جماعية فأقيل الجماعية اثنان فيي أحيد‬
‫القولين للعلماء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليتفقهوا" الضميير فيي "ليتفقهوا ‪ ،‬ولينذروا" للمقيميين ميع النيبي صيلى ال علييه‬
‫وسلم؛ قاله قتادة ومجاهد‪ .‬وقال الحسن‪ :‬هما للفرقة النافرة؛ واختاره الطبري‪ .‬ومعنى "ليتفقهوا في‬
‫الديين" أي يتبصيروا ويتيقنوا بميا يريهيم ال مين الظهور على المشركيين ونصيرة الديين‪" .‬ولينذروا‬
‫قومهم" من الكفار‪" .‬إذا رجعوا إليهم" من الجهاد فيخبرونهم بنصرة ال تعالى نبيه صلى ال عليه‬
‫وسيلم والمؤمنيين‪ ،‬وأنهيم ل يدان لهيم بقتالهيم وقتال النيبي صيلى ال علييه وسيلم؛ فينزل بهيم ميا نزل‬
‫بأصحابهم من الكفار‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول مجاهيد وقتادة أبيين‪ ،‬أي لتتفقيه الطائفية المتأخرة ميع رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‬
‫عن النفور في السرايا‪ .‬وهذا يقتضي الحث على طلب العلم والندب إليه دون الوجوب واللزام؛ إذ‬
‫ليس ذلك في قوة الكلم‪ ،‬وإنما لزم طلب العلم بأدلته؛ قاله أبو بكر بن العربي‪.‬‬
‫@ طلب العلم ينقسم قسمين‪ :‬فرض على العيان؛ كالصلة والزكاة والصيام‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفييي هذا المعنييى جاء الحديييث المروي (إن طلب العلم فريضيية)‪ .‬روى عبدالقدوس بيين‬
‫حبيب‪ :‬أبو سعيد الوحاظي عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي قال سمعت أنس بن مالك‬
‫يقول‪ :‬سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقول‪( :‬طلب العلم فريضية على كيل مسيلم)‪ .‬قال‬
‫إبراهيم‪ :‬لم أسمع من أنس بن مالك إل هذا الحديث‪.‬‬
‫وفرض على الكفاييية؛ كتحصيييل الحقوق وإقاميية الحدود والفصييل بييين الخصييوم ونحوه؛ إذ ل‬
‫يصلح أن يتعلمه جميع الناس فتضيع أحوالهم وأحوال سراياهم وتنقص أو تبطل معايشهم؛ فتعين‬
‫بين الحالين أن يقوم به البعض من غير تعيين‪ ،‬وذلك بحسب ما يسره ال لعباده وقسمه بينهم من‬
‫رحمته وحكمته بسابق قدرته وكلمته‪.‬‬
‫@ طلب العلم فضيلة عظيمية ومرتبية شريفية ل يوازيهيا عميل؛ روى الترمذي مين حدييث أبيي‬
‫الدرداء قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك‬
‫ال به طريقيا إلى الجنية وإن الملئكية لتضيع أجنحتهيا رضيا لطالب العلم وإن العالم ليسيتغفر له مين‬
‫في السموات ومن في الرض والحيتان في جوف الماء وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر‬
‫ليلة البدر على سيائر الكواكيب وإن العلماء ورثية النيبياء وإن النيبياء لم يورثوا دينارا ول درهميا‬
‫إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)‪ .‬وروى الدارمي أبو محمد في مسنده قال‪ :‬حدثنا أبو‬
‫المغيرة حدثنا الوزاعي عن الحسن قال سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن رجلين كانا في‬
‫بنيي إسيرائيل‪ ،‬أحدهميا كان عالميا يصيلي المكتوبية ثيم يجلس فيعلم الناس الخيير‪ .‬والخير يصيوم‬
‫النهار ويقوم الليييل‪ ،‬أيهمييا أفضييل؟ قال رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم‪( :‬فضييل هذا العالم الذي‬
‫يصيلي المكتوبية ثيم يجلس فيعلم الناس الخيير على العابيد الذي يصيوم النهار ويقوم اللييل كفضلي‬
‫على أدناكم)‪ .‬أسنده أبو عمر في كتاب بيان العلم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم‪( :‬فضيل العالم على العابيد كفضلي على أمتيي)‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬أفضيل الجهاد مين‬
‫بنيى مسيجدا يعلم فييه القرآن والفقيه والسينة‪ .‬رواه شرييك عين لييث بين أبيي سيليم عين يحييى بين أبيي‬
‫كثييير عين علي الزدي قال‪ :‬أردت الجهاد فقال لي ابين عباس أل أدلك على ميا هيو خييير لك مين‬
‫الجهاد‪ ،‬تأتيي مسيجدا فتقرئ فييه القرآن وتعلم فييه الفقيه‪ .‬وقال الربييع سيمعت الشافعيي يقول‪ :‬طلب‬
‫العلم أوجب من الصلة النافلة‪ .‬وقوله عليه السلم‪( :‬إن الملئكة لتضع أجنحتها‪ )...‬الحديث يحتمل‬
‫وجهين‪ :‬أحدهما‪ :‬أنها تعطف عليه وترحمه؛ كما قال ال تعالى فيما وصى به الولد من الحسان‬
‫إلى الوالديين بقوله‪" :‬واخفيض لهميا جناح الذل مين الرحمية" [السيراء‪ ]24 :‬أي تواضيع لهميا‪.‬‬
‫والوجيه الخير‪ :‬أن يكون المراد بوضيع الجنحية فرشهيا؛ لن فيي بعيض الروايات (وإن الملئكية‬
‫تفرش أجنحتهيا) أي إن الملئكية إذا رأت طالب العلم يطلبيه مين وجهيه ابتغاء مرضات ال وكانيت‬
‫سائر أحواله مشاكلة لطلب العلم فرشت له أجنحتها فيي رحلته وحملته عليها؛ فمن هناك يسلم فل‬
‫يحفيى إن كان ماشييا ول يعييا‪ ،‬وتقرب علييه الطرييق البعيدة ول يصييبه ميا يصييب المسيافر مين‬
‫أنواع الضرر كالمرض وذهاب المال وضلل الطرييق‪ .‬وقيد مضيى شييء مين هذا المعنيى فيي "آل‬
‫عمران" عنيد قوله تعالى‪" :‬شهيد ال‪ "...‬اليية‪ .‬روى عمران بين حصيين قال قال رسيول ال صيلى‬
‫ال علييه وسيلم (ل تزال طائفية مين أمتيي ظاهريين على الحيق حتيى تقوم السياعة)‪ .‬قال يزييد بين‬
‫هارون‪ :‬إن لم يكونوا أصحاب الحديث فل أدري من هم؟‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا قول عبدالرزاق فييي تأويييل الييية‪ ،‬إنهييم أصييحاب الحديييث؛ ذكره الثعلبييي‪ .‬سييمعت‬
‫شيخنييا السييتاذ المقرئ النحوي المحدث أبييا جعفيير أحمييد بيين محمييد بيين محمييد القيسييي القرطييبي‬
‫المعروف بابيين أبييي حجيية رحمييه ال يقول فييي تأويييل قوله عليييه السييلم‪( :‬ل يزال أهييل الغرب‬
‫ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة) إنهم العلماء؛ قال‪ :‬وذلك أن الغرب لفظ مشترك يطلق على‬
‫الدلو الكيبيرة وعلى مغرب الشميس‪ ،‬ويطلق على فيضية مين الدميع‪ .‬فمعنيى (ل يزال أهيل الغرب)‬
‫أي ل يزال أهل فيض الدمع من خشية ال عن علم به وبأحكامه ظاهرين؛ الحديث‪ .‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫"إنما يخشى ال من عباده العلماء" [فاطر‪.]28 :‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا التأوييل يعضده قوله علييه السلم فيي صيحيح مسيلم‪( :‬من يرد ال به خيرا يفقهه فيي‬
‫الدييين ول تزال عصييابة ميين المسييلمين يقاتلون على الحييق ظاهرييين على ميين ناوأهييم إلى يوم‬
‫القيامة)‪ .‬وظاهر هذا المساق أن أوله مرتبط بآخره‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 123 :‬يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا‬
‫أن ال مع المتقين}‬
‫@ فييه مسيألة واحدة‪ :‬وهيو أنيه سيبحانه عرفهيم كيفيية الجهاد وأن البتداء بالقرب فالقرب مين‬
‫العدو ولهذا بدأ رسول ال صلى ال عليه وسلم بالعرب‪ ،‬فلما فرغ قصد الروم وكانوا بالشام‪ .‬وقال‬
‫الحسين‪ :‬نزلت قبيل أن يؤمير النيبي صيلى ال علييه وسيلم بقتال المشركيين؛ فهيي مين التدرييج الذي‬
‫كان قبيل السيلم‪ .‬وقال ابين زييد‪ :‬المراد بهذه اليية وقيت نزولهيا العرب‪ ،‬فلميا فرغ منهيم نزلت فيي‬
‫الروم وغيرهيم‪" :‬قاتلوا الذيين ل يؤمنون بال" [التوبية‪ .]29 :‬وقيد روي عين ابين عمير أن المراد‬
‫بذلك الديلم‪ .‬وروي عنيه أنيه سيئل بمين يبدأ بالروم أو بالديلم؟ فقال بالروم‪ .‬وقال الحسين‪ :‬هيو قتال‬
‫الديلم والترك والروم‪ .‬وقال قتادة‪ :‬الية على العموم في قتال القرب فالقرب‪ ،‬والدنى فالدنى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول قتادة هو ظاهر الية‪ ،‬واختار ابن العربي أن يبدأ بالروم قبل الديلم؛ على ما قاله ابن‬
‫عمر لثلثة أوجه‪[ .‬أحدها] أنهم أهل كتاب‪ ،‬فالحجة عليهم أكثر وأكد‪ .‬الثاني‪ :‬أنهم إلينا أقرب أعني‬
‫أهل المدينة‪ .‬الثالث‪ :‬أن بلد النبياء في بلدهم أكثر فاستنقاذها منهم أوجب‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليجدوا فيكم غلظة" أي شدة وقوة وحمية‪ .‬وروى الفضل عن العمش وعاصم‬
‫"غَلظة" بفتح الغين وإسكان اللم‪ .‬قال الفراء‪ :‬لغة أهل الحجاز وبني أسد بكسر الغين‪ ،‬ولغة بني‬
‫تميم "غُلظة" بضم الغين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 124 :‬وإذا ميا أنزلت سيورة فمنهيم مين يقول أيكيم زادتيه هذه إيمانيا فأميا الذيين آمنوا‬
‫فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون}‬
‫@ "ميا" صيلة‪ ،‬والمراد المنافقون‪" .‬أيكيم زادتيه هذه إيمانيا" قيد تقدم القول فيي زيادة اليمان‬
‫ونقصيانه فيي سيورة "آل عمران"‪ .‬وقيد تقدم معنيى السيورة فيي مقدمية الكتاب‪ ،‬فل معنيى للعادة‪.‬‬
‫وكتييب الحسيين إلى عميير بيين عبدالعزيييز (إن لليمان سييننا وفرائض ميين اسييتكملها فقييد اسييتكمل‬
‫اليمان ومين لم يسيتكملها لم يسيتكمل اليمان) قال عمير بين عبدالعزييز‪( :‬فإن أعيش فسيأبينها لكيم‬
‫وإن أميت فميا أنيا على صيحبتكم بحرييص)‪ .‬ذكره البخاري‪ .‬وقال ابين المبارك لم أجيد بدا مين أن‬
‫أقول بزيادة اليمان وإل رددت القرآن‪.‬‬
‫*‪*3‬الييية‪{ 125 :‬وأمييا الذييين فييي قلوبهييم مرض فزادتهييم رجسييا إلى رجسييهم وماتوا وهييم‬
‫كافرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأما الذين فيي قلوبهم مرض" أي شك وريب ونفاق‪ .‬وقد تقدم‪" .‬فزادتهم رجسيا‬
‫إلى رجسهم" أي شكا إلى شكهم وكفرا إلى كفرهم‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬إثما إلى إثمهم؛ والمعنى متقارب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 126 :‬أول يرون أنهيم يفتنون فيي كيل عام مرة أو مرتيين ثيم ل يتوبون ول هيم‬
‫يذكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أول يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين" قراءة العامة بالياء‪ ،‬خبرا عن‬
‫المنافقيين‪ .‬وقرأ حمزة ويعقوب بالتاء خيبرا عنهيم وخطابيا للمؤمنيين‪ .‬وقرأ العميش "أو لم يروا"‪.‬‬
‫وقرأ طلحية بين مصيرف "أول ترى" وهيي قراءة ابين مسيعود‪ ،‬خطابيا للرسيول صيلى ال علييه‬
‫وسيلم‪ .‬و"يفتنون" قال الطيبري‪ :‬يختيبرون‪ .‬قال مجاهيد‪ :‬بالقحيط والشدة‪ .‬وقال عطيية‪ :‬بالمراض‬
‫والوجاع؛ وهيي روائد الموت‪ .‬وقال قتادة والحسين ومجاهيد‪ :‬بالغزو والجهاد ميع النيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ويرون ما وعد ال من النصر "ثم ل يتوبون" لذلك "ول هم يذكرون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 127 :‬وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا‬
‫صرف ال قلوبهم بأنهم قوم ل يفقهون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض" "ما" صلة‪ ،‬والمراد المنافقون؛ أي‬
‫إذا حضروا الرسول وهو يتلو قرآنا أنزل فيه فضيحتهم أو فضيحة أحد منهم جعل ينظر بعضهم‬
‫إلى بعيض نظير الرعيب على جهية التقريير؛ يقول‪ :‬هيل يراكيم مين أحيد إذا تكلمتيم بهذا فينقله إلى‬
‫محميد؛ وذلك جهيل منهيم بنبوتيه علييه السيلم‪ ،‬وأن ال يطلعيه على ميا يشاء مين غيبيه‪ .‬وقييل إن‬
‫"نظير" فيي هذه اليية بمعنيى أنبيأ‪ .‬وحكيى الطيبري عين بعضهيم أنيه قال‪" :‬نظير" فيي هذه اليية‬
‫موضع قال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم انصرفوا" أي انصرفوا عن طريق الهتداء‪ .‬وذلك أنهم حينما بين لهم كشف‬
‫أسيرارهم والعلم بمغيبات أمورهم يقع لهم ل محالة تعجب وتوقف ونظير‪ ،‬فلو اهتدوا لكان ذلك‬
‫الوقيت مظنية ليمانهيم؛ فهيم إذ يصيممون على الكفير ويرتبكون فييه كأنهيم انصيرفوا عين تلك الحال‬
‫التيي كانيت مظنية النظير الصيحيح والهتداء‪ ،‬ولم يسيمعوا قراءة النيبي صيلى ال علييه وسيلم سيماع‬
‫من يتدبره وينظر في آياته؛ "إن شر الدواب عند ال الصم البكم الذين ل يعقلون" [النفال‪.]22 :‬‬
‫"أفل يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها" [محمد‪.]24 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬صيرف ال قلوبهم" دعاء عليهيم؛ أي قولوا لهيم هذا‪ .‬ويجوز أن يكون خيبرا عن‬
‫صيرفها عين الخيير مجازاة على فعلهيم‪ .‬وهيي كلمية يدعيي بهيا؛ كقوله‪" :‬قاتلهيم ال" [التوبية‪]30 :‬‬
‫والباء في قوله‪" :‬بأنهم" صلة لي "صرف"‪.‬‬
‫قال ابين عباس‪ :‬يكره أن يقال انصيرفنا مين الصيلة؛ لن قوميا انصيرفوا فصيرف ال قلوبهيم‪،‬‬
‫ولكين قولوا قضينيا الصيلة؛ أسينده البري عنيه‪ .‬قال ابين العربيي‪ :‬وهذا فييه نظير وميا أظنيه بصيحيح‬
‫فإن نظام الكلم أن يقال‪ :‬ل يقيل أحييد انصييرفنا مين الصيلة؛ فإن قومييا قيييل فيهيم‪" :‬ثيم انصييرفوا‬
‫صرف ال قلوبهم"‪ .‬أخبرنا محمد بن عبدالملك القيسي الواعظ حدثنا أبو الفضل الجوهري سماعا‬
‫منه يقول‪ :‬كنا في جنازة فقال المنذر بها‪ :‬انصرفوا رحمكم ال فقال‪ :‬ل يقل أحد انصرفوا فإن ال‬
‫تعالى قال في قوم ذمهم‪" :‬ثم انصرفوا صرف ال قلوبهم" ولكن قولوا‪ :‬انقلبوا رحمكم ال فإن ال‬
‫تعالى قال في قوم مدحهم‪" :‬فانقلبوا بنعمة من ال وفضل لم يمسسهم سوء" [آل عمران‪.]174 :‬‬
‫@ أخبر ال سبحانه وتعالى في هذه الية أنه صارف القلوب ومصرفها وقالبها ومقلبها؛ ردا على‬
‫القدريية فيي اعتقادهيم أن قلوب الخلق بأيديهيم وجوارحهيم بحكمهيم‪ ،‬يتصيرفون بمشيئتهيم ويحكمون‬
‫بإراداتهم واختيارهم؛ ولذلك قال مالك فيما رواه عنه أشهب‪ :‬ما أبين هذا في الرد على القدرية "ل‬
‫يزال بنيانهيم الذي بنوا ريبية فيي قلوبهيم إل أن تقطيع قلوبهيم" [التوبية‪ .]110 :‬وقوله عيز وجيل‬
‫لنوح‪" :‬أنيه لن يؤمين مين قوميك إل مين قيد آمين" [هود‪ ]36 :‬فهذا ل يكون أبدا ول يرجيع ول‬
‫يزول‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 129 - 128 :‬لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم‬
‫بالمؤمنيين رؤوف رحييم‪ ،‬فإن تولوا فقيل حسيبي ال ل إله إل هيو علييه توكلت وهيو رب العرش‬
‫العظيم}‬
‫@ هاتان اليتان في قول أُبي أقرب القرآن بالسماء عهدا‪ .‬وفي قول سعيد بن جبير‪ :‬آخر ما نزل‬
‫مين القرآن "واتقوا يوميا ترجعون فييه إلى ال" [البقرة‪ ]281 :‬على ميا تقدم‪ .‬فيحتميل أن يكون‬
‫قول أُبيييّ‪ :‬أقرب القرآن بالسييماء عهدا بعييد قوله‪" :‬واتقوا يومييا ترجعون فيييه إلى ال"‪ .‬وال أعلم‬
‫والخطاب للعرب فيي قول الجمهور‪ ،‬وهذا على جهية تعدييد النعمية عليهيم فيي ذلك؛ إذ جاء بلسيانهم‬
‫وبمييا يفهمونييه‪ ،‬وشرفوا بييه غابر اليام‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬هييي مخاطبيية لجميييع العالم والمعنييى‪ :‬لقييد‬
‫جاءكم رسول من البشر؛ والول أصوب‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬ما من قبيلة من العرب إل ولدت النبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم فكأنيه قال‪ :‬ييا معشير العرب لقيد جاءكيم رسيول مين بنيي إسيماعيل‪ .‬والقول‬
‫الثاني أوكد للحجة أي هو بشر مثلكم لتفهموا عنه وتأتموا به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مين أنفسيكم" يقتضيي مدحيا لنسيب النيبي صيلى ال علييه وسيلم وأنيه مين صيميم‬
‫العرب وخالصها‪ .‬وفي صحيح مسلم عن واثلة بن السقع قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسيلم يقول‪( :‬إن ال اصيطفى كنانية مين ولد إسيماعيل واصيطفى قريشيا مين كنانية واصيطفى مين‬
‫قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم)‪ .‬وروي عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬إني من‬
‫نكاح ولست من سفاح)‪ .‬معناه أن نسبه صلى ال عليه وسلم إلى آدم عليه السلم لم يكن النسل فيه‬
‫إل من نكاح ولم يكن فيه زنى‪ .‬وقرأ عبدال بن قُسيط المكي من "أنْفَ سِكم" بفتح الفاء من النفاسة؛‬
‫ورويت عن النبي صلى ال عليه وسلم وعن فاطمة رضي ال عنها أي جاءكم رسول من أشرفكم‬
‫وأفضلكم من قولك‪ :‬شيء نفيس إذا كان مرغوبا فيه‪ .‬وقيل‪ :‬من أنفسكم أي أكثركم طاعة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عزييز علييه ميا عنتيم" أي يعيز علييه مشقتكيم‪ .‬والعنيت‪ :‬المشقية؛ مين قولهيم‪ :‬أكمية‬
‫عنوت إذا كانيت شاقية مهلكية‪ .‬وقال ابين النباري‪ :‬أصيل التعنيت التشدييد؛ فإذا قالت العرب‪ :‬فلن‬
‫يتعنيت فلنيا ويعنتيه فمرادهيم يشدد علييه ويلزميه بميا يصيعب علييه أداؤه‪ .‬وقيد تقدم فيي "البقرة"‪.‬‬
‫"وميا" فيي "ميا عنتيم" مصيدرية‪ ،‬وهيي ابتداء و"عزييز" خيبر مقدم‪ .‬ويجوز أن يكون "ميا عنتيم"‬
‫فاعل بعزيييز‪ ،‬و"عزيييز" صييفة للرسييول‪ ،‬وهييو أصييوب‪ .‬وكذا "حريييص عليكييم" وكذا "رؤوف‬
‫رحيم" رفع على الصفة‪ .‬قال الفراء‪ :‬ولو قرئ عزيزا عليه‪ ،‬ما عنتم حريصا رؤوفا رحيما‪ ،‬نصبا‬
‫على الحال جاز‪ .‬قال أبو جعفر النحاس‪ :‬وأحسن ما قيل في معناه مما يوافق كلم العرب ما حدثنا‬
‫أحميد بين محميد الزدي قال حدثنيا عبدال بين محميد الخزاعيي قال سيمعت عمرو بين علي يقول‪:‬‬
‫سيمعت عبدال بين داود الخرييبي يقول فيي قوله عيز وجيل‪" :‬لقيد جاءكيم رسيول مين أنفسيكم عزييز‬
‫عليه ما عنتم" قال‪ :‬أن تدخلوا النار‪" ،‬حريص عليكم" أن تدخلوا الجنة‪ .‬وقيل‪ :‬حريص عليكم أن‬
‫تؤمنوا‪ .‬وقال‪ :‬الفراء‪ :‬شحييييح بأن تدخلوا النار‪ .‬والحرص على الشييييء‪ :‬الشيييح علييييه أن يضييييع‬
‫ويتلف‪" .‬بالمؤمنييين رؤوف رحيييم" الرؤوف‪ :‬المبالغ فييي الرأفيية والشفقيية‪ .‬وقييد تقدم فييي "البقرة"‬
‫معنى "رؤوف رحيم" مستوفى‪ .‬وقال الحسين بن الفضل‪ :‬لم يجمع ال لحد من النبياء اسمين من‬
‫أسيمائه إل للنيبي محميد صيلى ال علييه وسيلم؛ فإنيه قال‪" :‬بالمؤمنيين رؤوف رحييم" وقال‪" :‬إن ال‬
‫بالناس لرؤوف رحيم" [الحج‪ .]65 :‬وقال عبدالعزيز بن يحيى‪ :‬نظم الية لقد جاءكم رسول من‬
‫أنفسكم عزيز حريص بالمؤمنين رؤوف رحيم‪ ،‬عزيز عليه ما عنتم ل يهمه إل شأنكم‪ ،‬وهو القائم‬
‫بالشفاعة لكم فل تهتموا بما عنتم ما أقمتم على سنته؛ فانه ل يرضيه إل دخولكم الجنة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن تولوا فقل حسبي ال" أي إن اعرض الكفار يا محمد بعد هذه النعم التي من‬
‫ال عليهيم بهيا فقيل حسيبي ال أي كافيي ال تعالى‪" .‬علييه توكلت" أي اعتمدت وإلييه فوضيت جمييع‬
‫أموري‪" .‬وهو رب العرش العظيم" خص العرش لنه أعظم المخلوقات فيدخل فيه ما دونه إذا ما‬
‫ذكره‪ .‬وقراءة العامية بخفيض "العظييم" نعتيا للعرش‪ .‬وقرئ بالرفيع صيفة للرب‪ ،‬روييت عين ابين‬
‫كثير‪ ،‬وهي قراءة ابن محيصن وفي كتاب أبي داود عن أبي الدرداء قال‪( :‬من قال إذا أصبح وإذا‬
‫أمسيى حسيبي ال ل إله إل هيو علييه توكلت وهيو رب العرش العظييم سيبع مرات كفاه ال ميا أهميه‬
‫صادقا كان بها أو كاذبا)‪ .‬وفي نوادر الصول عن بريدة قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(مين قال عشير كلمات عنيد دبر كيل صيلة وجيد ال عندهين مكفييا مجزييا خميس للدنييا وخميس‬
‫للخرة حسيبي ال لدينيي حسيبي ال لدنياي حسيبي ال لميا أهمنيي حسيبي ال لمين بغيى علي حسيبي‬
‫ال لمين حسيدني حسيبي ال لمين كادنيي بسيوء حسيبي ال عنيد الموت حسيبي ال عنيد المسيألة فيي‬
‫القيبر حسيبي ال عنيد الميزان حسيبي ال عنيد الصيراط حسيبي ال ل إله إل هيو علييه توكلت وإلييه‬
‫أنييب)‪ .‬وحكيى النقاش عين أبيي بين كعيب أنيه قال‪ :‬أقرب القرآن عهدا بال تعالى هاتان اليتان "لقيد‬
‫جاءكيم رسيول مين أنفسيكم" إلى آخير السيورة؛ وقيد بيناه‪ .‬وروى يوسيف بين مهران عين ابين عباس‬
‫بين أن آخير ميا نزل مين القرآن "لقيد جاءكيم رسيول مين أنفسيكم" وهذه اليية؛ ذكره الماوردي‪ .‬وقيد‬
‫ذكرنيا عين ابين عباس خلفيه؛ على ميا ذكرناه فيي "البقرة" وهيو أصيح‪ .‬وقال مقاتيل‪ :‬تقدم نزولهيا‬
‫بمكية‪ .‬وهذا فييه بعيد لن السيورة مدنيية وال أعلم‪ .‬وقال يحييى بين جعدة‪ :‬كان عمير بين الخطاب‬
‫رضيي ال عنيه ل يثبيت آيية فيي المصيحف حتيى يشهيد عليهيا رجلن فجاءه رجيل مين النصيار‬
‫باليتيين مين آخير سيورة براءة "لقيد جاءكيم رسيول مين أنفسيكم" فقال عمير‪ :‬وال ل أسيألك عليهميا‬
‫بينة كذلك كان النبي صلى ال عليه وسلم فأثبتهما‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬الرجل هو خزيمة بن ثابت وإنما‬
‫أثبتهما عمر رضي ال عنه بشهادته وحده لقيام الدليل على صحتها في صفة النبي صلى ال عليه‬
‫وسيلم فهيي قرينية تغنيي عين طلب شاهيد آخير بخلف آيية الحزاب "رجال صيدقوا ميا عاهدوا ال‬
‫علييه" [الحزاب‪ ]23 :‬فإن تلك ثبتيت بشهادة زييد وخزيمية لسيماعهما إياهيا مين النيبي صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪ .‬وقد تقدم هذا المعنى في مقدمة الكتاب‪ .‬والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*2‬سورة يونس‬
‫*‪*3‬مقدمة السورة‬
‫@سيورة يونيس علييه السيلم مكيية فيي قول الحسين وعكرمية وعطاء وجابر‪ .‬وقال ابين عباس إل‬
‫ثلث آيات من قوله تعالى‪" :‬فإن كنت في شك" [يونس‪ ]94 :‬إلى آخرهن‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬إل آيتين‬
‫وهي قوله‪" :‬فإن كنت في شك" نزلت بالمدينة‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬مكية إل قوله‪" :‬ومنهم من يؤمن به‬
‫ومنهم من ل يؤمن به" [يونس‪ ]40 :‬نزلت بالمدينة في اليهود‪ .‬وقالت فرقة‪ :‬نزل من أولها نحو‬
‫من أربعين آية بمكة وباقيها بالمدينة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 1 :‬الر تلك آيات الكتاب الحكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الر" قال النحاس‪ :‬قرئ على أبيي جعفير أحميد بين شعيب بن علي بن الحسين بن‬
‫حريث قال‪ :‬أخبرنا علي بن الحسين عن أبيه عن يزيد أن عكرمة حدثه عن ابن عباس‪ :‬الر‪ ،‬وحم‪،‬‬
‫ونون حروف الرحمين مفرقية؛ فحدثيت بيه العميش فقال‪ :‬عندك أشباه هذا ول تخيبرني بيه؟‪ .‬وعين‬
‫ابن عباس أيضا قال‪" :‬الر" أنا ال أرى‪ .‬قال النحاس‪ :‬ورأيت أبا إسحاق يميل إلى هذا القول؛ لن‬
‫سيبويه قد حكى مثله عن العرب وأنشد‪:‬‬
‫ول أريد الشر إل أن تا‬ ‫بالخير خيرات وإن شرافا‬
‫وقال الحسين وعكرمية‪" :‬الر" قسيم‪ .‬وقال سيعيد عين قتادة‪" :‬الر" اسيم السيورة؛ قال‪ :‬وكذلك كيل‬
‫هجاء فيي القرآن‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬هيي فواتيح السيور‪ .‬وقال محميد بين يزييد‪ :‬هيي تنيبيه‪ ،‬وكذا حروف‬
‫التهجي‪ .‬وقرئ "الر" من غير إمالة‪ .‬وقرئ بالمالة لئل تشبه ما ول من الحروف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تلك آيات الكتاب الحكييم" ابتداء وخيبر؛ أي تلك التيي جرى ذكرهيا آيات الكتاب‬
‫الحكييم‪ .‬قال مجاهيد وقتادة‪ :‬أراد التوراة والنجييل والكتيب المتقدمية؛ فإن "تلك" إشارة إلى غائب‬
‫مؤنث‪ .‬وقيل‪" :‬تلك" بمعنى هذه؛ أي هذه آيات الكتاب الحكيم‪ .‬ومنه قول العشى‪:‬‬
‫هن صفر أولدها كالزبيب‬ ‫تلك خيلي منه وتلك ركابي‬
‫أي هذه خيلي‪ .‬والمراد القرآن وهييو أولى بالصييواب؛ لنييه لم يجيير للكتييب المتقدميية ذكيير‪ ،‬ولن‬
‫"الحكييم" مين نعيت القرآن‪ .‬دليله قوله تعالى‪" :‬الر كتاب أحكميت آياتيه" [هود‪ ]1 :‬وقيد تقدم هذا‬
‫المعنييى فيي أول سييورة "البقرة"‪ .‬والحكيييم‪ :‬المحكيم بالحلل والحرام والحدود والحكام؛ قاله أبيو‬
‫عييبيدة وغيره‪ .‬وقيييل‪ :‬الحكيييم بمعنييى الحاكييم؛ أي إنييه حاكييم بالحلل والحرام‪ ،‬وحاكييم بييين الناس‬
‫بالحيق؛ فعييل بمعنيى فاعيل‪ .‬دليله قوله‪" :‬وأنزل معهيم الكتاب بالحيق ليحكيم بيين الناس فيميا اختلفوا‬
‫فيه" [البقرة‪ .]213 :‬وقيل‪ :‬الحكيم بمعنى المحكوم فيه؛ أي حكم ال فيه بالعدل والحسان وإيتاء‬
‫ذي القربى‪ ،‬وحكم فيه بالنهي عن الفحشاء والمنكر‪ ،‬وبالجنة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه؛ فهو‬
‫فعييل بمعنيى المفعول؛ قاله الحسين وغيره‪ .‬وقال مقاتيل‪ :‬الحكييم بمعنيى المحكيم مين الباطيل ل كذب‬
‫فيه ول اختلف؛ فعيل بمعنى مفعل‪ ،‬كقول العشى يذكر قصيدته التي قالها‪:‬‬
‫قد قلتها ليقال من ذا قالها‬ ‫وغريبة تأتي الملوك حكيمة‬
‫*‪*3‬الية‪{ 2 :‬أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن‬
‫لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لساحر مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أكان للناس عجبا" استفهام معناه التقرير والتوبيخ‪" .‬وعجبا" خبر كان‪ ،‬واسمها‬
‫"أن أوحينا" وهو في موضع رفع؛ أي كان إيحاؤنا عجبا للناس‪ .‬وفي قراءة عبدال "عجب" على‬
‫أنه اسيم كان‪ .‬والخيبر "أن أوحينا"‪" .‬إلى رجيل منهيم" قرئ " َرجْل" بإسكان الجيم‪ .‬وسبب النزول‬
‫فيما روي عن ابن عباس أن الكفار قالوا لما بعث محمد‪ :‬إن ال أعظم من أن يكون رسوله بشرا‪.‬‬
‫وقالوا‪ :‬ما وجيد ال مين يرسيله إل يتييم أبيي طالب؛ فنزلت‪" :‬أكان للناس" يعني أهل مكية "عجبيا"‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنما تعجبوا من ذكر البعث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن أنذر الناس وبشير الذيين آمنوا" فيي موضيع نصيب بإسيقاط الخافيض؛ أي بأن‬
‫أنذر الناس‪ ،‬وقييد تقدم معنييى النذارة والبشارة وغييير ذلك ميين ألفاظ الييية‪" .‬أن لهييم قدم صييدق"‬
‫اختلف فيي معنيى "قدم صيدق" فقال ابين عباس‪ :‬قدم صيدق منزل صيدق؛ دليله قوله تعالى‪" :‬وقيل‬
‫رب أدخلني مدخل صدق" [السراء‪ .]80 :‬وعنه أيضا أجرا حسنا بما قدموا من أعمالهم‪ .‬وعنه‬
‫أيضيا "قدم صيدق" سيبق السيعادة فيي الذكير الول‪ ،‬وقاله مجاهيد‪ .‬الزجاج‪ :‬درجية عاليية‪ .‬قال ذو‬
‫الرمة‪:‬‬
‫مع الحسب العالي طمت على البحر‬ ‫لكم قدر ل ينكر الناس أنها‬
‫قتادة‪ :‬سييلف صييدق‪ .‬الربيييع‪ :‬ثواب صييدق‪ .‬عطاء‪ :‬مقام صييدق‪ .‬يمان‪ :‬إيمان صييدق‪ .‬وقيييل‪ :‬دعوة‬
‫الملئكة‪ .‬وقيل‪ :‬ولد صالح قدموه‪ .‬الماوردي‪ :‬أن يوافق صدق الطاعة الجزاء‪ .‬وقال الحسن وقتادة‬
‫أيضيا‪ :‬هيو محميد صيلى ال علييه وسيلم؛ فإنيه شفييع مطاع يتقدمهيم؛ كميا قال‪( :‬أنيا فرطكيم على‬
‫الحوض)‪ .‬وقييد سييئل صييلى ال عليييه وسييلم فقال‪( :‬هييي شافعتييي توسييلون بييي إلى ربكييم)‪ .‬وقال‬
‫الترمذي الحكيم‪ :‬قدمه صلى ال عليه وسلم في المقام المحمود‪ .‬وعن الحسن أيضا‪ :‬مصيبتهم في‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال عبدالعزيز بن يحيى‪" :‬قدم صدق" قوله تعالى‪" :‬إن الذين سبقت‬
‫لهيم منيا الحسينى أولئك عنهيا مبعدون" [النيبياء‪ ]101 :‬وقال مقاتيل‪ :‬أعمال قدموهيا؛ واختاره‬
‫الطبري‪ .‬قال الوضاح‪:‬‬
‫تنجيك يوم العثار والزلل‬ ‫صل لذي العرش واتخذ قدما‬
‫وقييل‪ :‬هيو تقدييم ال هذه المية فيي الحشير مين القيبر وفيي إدخال الجنية‪ .‬كميا قال‪( :‬نحين الخرون‬
‫السابقون يوم القيامة المفضي لهم قبل الخلئق)‪ .‬وحقيقته أنه كناية عن السعي في العمل الصالح؛‬
‫فكني عنه بالقدم كما يكنى عن النعام باليد وعن الثناء باللسان‪ .‬وأنشد حسان‪:‬‬
‫لولنا في طاعة ال تابع‬ ‫لنا القدم العليا إليك وخلفنا‬
‫يرييد السيابقة بإخلص الطاعية‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقال أبيو عيبيدة والكسيائي‪ :‬كيل سيابق مين خيير أو شير‬
‫فهيو عنيد العرب قدم؛ يقال‪ :‬لفلن قدم فيي السيلم‪ ،‬له عندي قدم صيدق وقدم شير وقدم خيير‪ .‬وهيو‬
‫مؤنيث وقيد يذكير؛ يقال‪ :‬قدم حسين وقدم صيالحة‪ .‬وقال ابين العرابيي‪ :‬القدم التقدم فيي الشرف؛ قال‬
‫العجاج‪:‬‬
‫وتركوا الملك لملك ذي قدم‬ ‫زل بنو العوام عن آل الحكم‬
‫وفيي الصيحاح عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال‪( :‬لي خمسية أسيماء‪ .‬أنيا محميد وأحميد وأنيا‬
‫الماحي الذي يمحو ال بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب) يريد آخر‬
‫النبياء؛ كما قال تعالى‪" :‬وخاتم النبيين" [الحزاب‪.]40 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال الكافرون إن هذا لسياحر ميبين" قرأ ابين محيصين وابين كثيير والكوفيون‬
‫عاصيم وحمزة والكسيائي وخلف والعميش "لسياحر" نعتيا لرسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقرأ‬
‫الباقون "لسحر" نعتا للقرآن وقد تقدم معنى السحر في "البقرة"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 3 :‬إن ربكيم ال الذي خلق السماوات والرض فيي ستة أيام ثم استوى على العرش‬
‫يدبر المر ما من شفيع إل من بعد إذنه ذلكم ال ربكم فاعبدوه أفل تذكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ربكم ال الذي خلق السماوات والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش"‬
‫تقدم فييي العراف‪" .‬يدبر الميير" قال مجاهييد‪ :‬يقضيييه ويقدره وحده‪ .‬ابيين عباس‪ :‬ل يشركييه فييي‬
‫تدبير خلقه أحد‪ .‬وقيل‪ :‬يبعث بالمر‪ .‬وقيل‪ :‬ينزل به‪ .‬وقيل‪ :‬يأمر به ويمضيه؛ والمعنى متقارب‪.‬‬
‫فجبرييل للوحيي‪ ،‬وميكائييل للقطير‪ ،‬وإسيرافيل للصيور‪ ،‬وعزرائييل للقبيض‪ .‬وحقيقتيه تنزييل المور‬
‫فيي عواقبهيا‪ ،‬واشتقاقيه مين الدبر‪ .‬والمير اسيم لجنيس المور‪" .‬ميا مين شفييع" فيي موضيع رفيع‪،‬‬
‫والمعنيى ميا شفييع "إل من بعيد إذنيه" وقيد تقدم فيي "البقرة" معنيى الشفاعية‪ .‬فل يشفيع أحيد نيبي ول‬
‫غيره إل بإذنيه سيبحانه‪ ،‬وهذا رد على الكفار فيي قولهيم فيميا عبدوه مين دون ال‪" :‬هؤلء شفعاؤنيا‬
‫عند ال" [يونس‪ ]18 :‬فأعلمهم ال أن أحدا ل يشفع لحد إل بإذنه‪ ،‬فكيف بشفاعة أصنام ل تعقل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلكيم ال ربكيم فاعبدوه" أي ذلكيم الذي فعيل هذه الشياء مين خلق السيموات‬
‫والرض هيو ربكيم ل رب لكيم غيره‪" .‬فاعبدوه" أي وحدوه وأخلصيوا له العبادة‪" .‬أفل تتذكرون"‬
‫أي أنها مخلوقاته فتستدلوا بها عليه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 4 :‬إلييه مرجعكيم جميعيا وعيد ال حقيا إنيه يبدأ الخلق ثيم يعيده ليجزي الذيين آمنوا‬
‫وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إليه مرجعكم" رفع بالبتداء‪" .‬جميعا" نصب على الحال‪ .‬ومعنى الرجوع إلى ال‬
‫الرجوع إلى أجزائه‪" .‬وعييد ال حقييا" مصييدران؛ أي وعييد ال ذلك وعدا وحققييه "حقييا" صييدقا ل‬
‫خلف فيه‪ .‬وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة "وعد ال حق" على الستئناف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنه يبدأ الخلق" أي من التراب‪" .‬ثم يعيده" إليه‪ .‬مجاهد‪ :‬ينشئه ثم يميته ثم يحييه‬
‫للبعييث؛ أو ينشئه ميين الماء ثييم يعيده ميين حال إلى حال‪ .‬وقرأ يزيييد ابيين القعقاع "أنييه يبدأ الخلق"‬
‫تكون "أن" في موضع نصب؛ أي وعدكم أنه يبدأ الخلق‪ .‬ويجوز أن يكون التقدير لنه يبدأ الخلق؛‬
‫كما يقال‪ :‬لبيك إن الحمد والنعمة لك؛ والكسر أجود‪ .‬وأجاز الفراء أن تكون "أن" في موضع رفع‬
‫فتكون اسما‪ .‬قال أحمد بن يحيى‪ :‬يكون التقدير حقا إبداؤه الخلق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليجزي الذيين آمنوا وعملوا الصيالحات بالقسيط" أي بالعدل‪" .‬والذيين كفروا لهيم‬
‫شراب من حميم" أي ماء حار قد انتهى حره‪ ،‬والحميمة مثله‪ .‬يقال‪ :‬حممت الماء احمه فهو حميم‪،‬‬
‫أي محموم؛ فعييل بمعنيى مفعول‪ .‬وكيل مسيخن عنيد العرب فهيو حمييم‪" .‬وعذاب ألييم" أي موجيع‪،‬‬
‫يخلص وجعيه إلى قلوبهيم‪" .‬بميا كانوا يكفرون" أي بكفرهيم‪ ،‬وكان معظيم قرييش يعترفون بأن ال‬
‫خالقهيم؛ فاحتيج عليهيم بهذا فقال‪ :‬مين قدر على البتداء قدر على العادة بعيد الفناء أو بعيد تفرييق‬
‫الجزاء‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 5 :‬هيو الذي جعيل الشميس ضياء والقمير نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السينين‬
‫والحساب ما خلق ال ذلك إل بالحق يفصل اليات لقوم يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هو الذي جعل الشمس ضياء" مفعولن‪ ،‬أي مضيئة‪ ،‬ولم يؤنث لنه مصدر؛ أو‬
‫ذات ضياء "والقمير نورا" عطيف‪ ،‬أي منيرا‪ ،‬أو ذا نور‪ ،‬فالضياء ميا يضييء الشياء‪ ،‬والنور ميا‬
‫ييبين فيخفيى‪ ،‬لنه مين النار مين أصل واحد‪ .‬والضياء جمع ضوء؛ كالسيياط والحياض جمع سوط‬
‫وحوض‪ .‬وقرأ قنبيل عين ابين كثيير "ضئاء" بهميز الياء ول وجيه له‪ ،‬لن ياءه كانيت واوا مفتوحية‬
‫وهيي عيين الفعيل‪ ،‬أصيلها ضواء فقلبيت وجعلت ياء كميا جعلت فيي الصييام والقيام‪ .‬قال المهدوي‪:‬‬
‫ومين قرأ ضئاء بالهميز فهيو مقلوب‪ ،‬قدميت الهمزة التيي بعيد اللف فصيارت قبيل اللف ضئاييا‪ ،‬ثيم‬
‫قلبت الياء همزة لوقوعها بعد ألف زائدة‪ .‬وكذلك إن قردت أن الياء حين تأخرت رجعت إلى الواو‬
‫التيي انقلبيت عنهيا فإنهيا تقلب همزة أيضيا فوزنيه فلع مقلوب مين فعال‪ .‬ويقال‪ :‬إن الشميس والقمير‬
‫تضيء وجوهها لهل السموات السبع وظهورهما لهل الرضين السبع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقدره منازل" أي ذا منازل‪ ،‬أو قدر له منازل‪ .‬ثم قيل‪ :‬المعنى وقدرهما‪ ،‬فوحد‬
‫إيجازا واختصارا؛ كما قال‪" :‬وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها"‪ .‬وكما قال‪:‬‬
‫عندك راض والرأي مختلف‬ ‫نحن بما عندنا وأنت بما‬
‫وقيييل‪ :‬إن الخبار عيين القميير وحده؛ إذ بييه تحصييى الشهور التييي عليهييا العمييل فييي المعاملت‬
‫ونحوهيا‪ ،‬كميا تقدم فيي "البقرة"‪ .‬وفيي سيورة ييس‪" :‬والقمير قدرناه منازل" [ييس‪ ]39 :‬أي على‬
‫عدد الشهر‪ ،‬وهو ثمانية وعشرون منزل‪ .‬ويومان للنقصان والمحاق‪ ،‬وهناك يأتي بيانه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لتعلموا عدد السينين والحسياب" قال ابن عباس‪ :‬لو جعيل شمسيين‪ ،‬شمسيا بالنهار‬
‫وشمسيا باللييل لييس فيهميا ظلمية ول لييل‪ ،‬لم يعلم عدد السينين وحسياب الشهور‪ .‬وواحيد "السينين"‬
‫سنة‪ ،‬ومن العرب من يقول‪ :‬سنوات في الجمع ومنهم من يقول‪ :‬سنهات‪ .‬والتصغير سنية وسنيهة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ميا خلق ال ذلك إل بالحيق" أي ميا أراد ال عيز وجيل بخلق ذلك إل الحكمية‬
‫والصيواب‪ ،‬وإظهارا لصينعته وحكمتيه‪ ،‬ودللة على قدرتيه وعلميه‪ ،‬ولتجزى كيل نفيس بميا كسيبت؛‬
‫فهذا هو الحق‪" .‬يفصل اليات لقوم يعلمون" تفصيل اليات تبيينها ليستدل بها على قدرته تعالى‪،‬‬
‫لختصاص الليل بظلمه والنهار بضيائه من غير استحقاق لهما ول إيجاب؛ فيكون هذا لهم دليل‬
‫على أن ذلك بإرادة مرييد‪ .‬وقرأ ابين كثيير وأبيو عمرو وحفيص ويعقوب "يفصيل" بالياء‪ ،‬واختاره‬
‫أبو عبيد وأبو حاتم؛ لقوله من قبله‪" :‬ما خلق ال ذلك إل بالحق" وبعده "وما خلق ال في السموات‬
‫والرض" فيكون متبعييا له‪ .‬وقرأ ابيين السييميقع "تفصييل" بضييم التاء وفتييح الصيياد على الفعييل‬
‫المجهول‪" ،‬واليات" رفعا‪ .‬الباقون "نفصل" بالنون على التعظيم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 6 :‬إن فيي اختلف اللييل والنهار وميا خلق ال فيي السيماوات والرض ليات لقوم‬
‫يتقون}‬
‫@ تقدم في "البقرة" وغيرها معناه‪ ،‬والحمد ل‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن سبب نزولها أن أهل مكة سألوا آية‬
‫فردهييم إلى تأمييل مصيينوعاته والنظيير فيهييا؛ قاله ابيين عباس‪" .‬لقوم يتقون" أي الشرك؛ فأمييا ميين‬
‫أشرك ولم يستدل فليست الية له آية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 8 - 7 :‬إن الذيين ل يرجون لقاءنيا ورضوا بالحياة الدنييا واطمأنوا بهيا والذيين هيم‬
‫عن آياتنا غافلون‪ ،‬أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين ل يرجون لقاءنا" "يرجون" يخافون؛ ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫وخالفها في بيت نوب عواسل‬ ‫إذا لسعته النحل لم يرج لسعها‬
‫وقيل يرجون يطمعون؛ ومنه قول الخر‪:‬‬
‫وقومي تميم والفلة ورائيا‬ ‫أيرجو بنو مروان سمعي وطاعتي‬
‫فالرجاء يكون بمعنيى الخوف والطميع؛ أي ل يخافون عقابيا ول يرجون ثوابيا‪ .‬وجعيل لقاء العذاب‬
‫والثواب لقاء ل تفخيميا لهميا‪ .‬وقييل‪ :‬يجري اللقاء على ظاهره‪ ،‬وهيو الرؤيية؛ أي ل يطمعون فيي‬
‫رؤيتنيا‪ .‬وقال بعيض العلماء‪ :‬ل يقيع الرجاء بمعنيى الخوف إل ميع الجحيد؛ كقوله تعالى‪" :‬ميا لكيم ل‬
‫ترجون ل وقارا" [نوح‪ .]13 :‬وقال بعضهم‪ :‬بل يقع بمعناه في كل موضع دل عليه المعنى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ورضوا بالحياة الدنيا" أي رضوا بها عوضا من الخرة فعملوا لها‪" .‬واطمأنوا‬
‫بهيا" أي فرحوا بهيا وسيكنوا إليهيا‪ ،‬وأصيل اطمأن طأمين طمأنينية‪ ،‬فقدميت ميميه وزيدت نون وألف‬
‫وصل‪ ،‬ذكره الغزنوي‪" .‬والذين هم عن آياتنا" أي عن أدلتنا "غافلون" ل يعتبرون ول يتفكرون‪.‬‬
‫"أولئك مأواهم" أي مثواهم ومقامهم‪" .‬النار بما كانوا يكسبون" أي من الكفر والتكذيب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 9 :‬إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم النهار‬
‫في جنات النعيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذيين آمنوا" أي صيدقوا‪" .‬وعملوا الصيالحات يهديهيم ربهيم بإيمانهيم" أي‬
‫يزيدهم هداية؛ كقوله‪" :‬والذين اهتدوا زادهم هدى" [محمد‪ .]17 :‬وقيل‪" :‬يهديهم ربهم بإيمانهم"‬
‫إلى مكان تجري من تحتهم النهار‪ .‬وقال أبو روق‪ :‬يهديهم ربهم بإيمانهم إلى الجنة‪ .‬وقال عطية‪:‬‬
‫"يهديهم" يثيبهم ويجزيهم‪ .‬وقال مجاهد‪" :‬يهديهم ربهم" بالنور على الصراط إلى ا الجنة‪ ،‬يجعل‬
‫لهم نورا يمشون به‪ .‬ويروى عن النبي صلى ال عليه وسلم ما يقوي هذا أنه قال‪( :‬يتلقى المؤمن‬
‫عمله في أحسن صورة فيؤنسه ويهديه ويتلقى الكافر عمله في أقبح صورة فيوحشه ويضله)‪ .‬هذا‬
‫معنى الحديث‪ .‬وقال ابن جريج‪ :‬يجعل عملهم هاديا لهم‪ .‬الحسن‪" :‬يهديهم" يرحمهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تجري من تحتهم النهار" قيل‪ :‬في الكلم واو محذوفة‪ ،‬أي وتجري من نحتهم‪،‬‬
‫أي من نحت بساتينهم‪ .‬وقيل‪ :‬من تحت أسرتهم؛ وهذا أحسن في النزهة والفرجة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 10 :‬دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلم وآخر دعواهم أن الحمد ل رب‬
‫العالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬دعواهم فيها سبحانك اللهم" دعواهم‪ :‬أي دعاؤهم؛ والدعوى مصدر دعا يدعو‪،‬‬
‫كالشكوى مصيدر شكيا يشكيو؛ أي دعاؤهيم فيي الجنية أن يقولوا سيبحانك اللهيم وقييل‪ :‬إذا أرادوا أن‬
‫يسألوا شيئا أخرجوا السؤال بلفظ التسبيح ويختمون بالحمد‪ .‬وقيل‪ :‬نداؤهم الخدم ليأتوهم بما شاؤوا‬
‫ثم سبحوا‪ .‬وقيل‪ :‬إن الدعاء هنا بمعنى التمني قال ال تعالى "ولكم فيها ما تدعون" [فصلت‪]31 :‬‬
‫أي ميا تتمنون‪ .‬وال أعلم‪" .‬وتحيتهيم فيهيا سيلم" أي تحيية ال لهيم أو تحيية الملك أو تحيية بعضهيم‬
‫لبعض‪ :‬سلم‪ .‬وقد مضى في "النساء" معنى التحية مستوفى‪ .‬والحمد ل‪.‬‬
‫@ قيل‪ :‬إن أهل الجنة إذا مر بهم الطير واشتهوه قالوا‪ :‬سبحانك اللهم؛ فيأتيهم الملك بما اشتهوا‪،‬‬
‫فإذا أكلوا حمدوا ال فسؤالهم بلفظ التسبيح والختم بلفظ الحمد‪ .‬ولم يحك أبو عبيد إل تخفيف "أن"‬
‫ورفع ما بعدها؛ قال‪ :‬وإنما نراهم مم اختاروا هذا وفرقوا بينها وبين قوله عز وجل‪" :‬أن لعنة ال"‬
‫و"أن غضيب ال" لنهيم أرادوا الحكايية حيين يقال الحميد ل‪ .‬قال النحاس‪ :‬مذهيب الخلييل وسييبويه‬
‫أن "أن" هذه مخففة من الثقيلة‪ .‬والمعنى أنه الحمد ل‪ .‬قال محمد بن يزيد‪ :‬ويجوز "أن الحمد ل"‬
‫يعملهيا خفيفية عملهيا ثقيلة؛ والرفيع أقييس‪ .‬قال النحاس‪ :‬وحكيى أبيو حاتيم أن بلل بين أبيي بردة قرأ‬
‫"وآخر دعواهم أن الحمد ل رب العالمين"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهى قراءة ابن محيصن‪ ،‬حكاها الغزنوي لنه يحكي عنه‪.‬‬
‫@ التسبيح والحمد والتهليل قد يسمى دعاء؛ روى مسلم والبخاري عن ابن عباس أن رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم كان يقول عند الكرب‪( :‬ل إله إل ال العظيم الحليم‪ .‬ل إله إل ال رب العرش‬
‫العظييييم‪ .‬ل إله إل ال رب السيييموات ورب الرض ورب العرش الكرييييم)‪ .‬قال الطيييبري‪ :‬كان‬
‫السيلف يدعون بهذا الدعاء ويسيمونه دعاء الكرب‪ .‬وقال ابين عيينية وقيد سيئل عين هذا فقال‪ :‬أميا‬
‫علميت أن ال تعالى يقول (إذا شغيل عبدي ثناؤه عين مسيألتي أعطيتيه أفضيل ميا أعطيي السيائلين)‪.‬‬
‫والذي يقطيع النزاع وأن هذا يسيمى دعاء وإن لم يكين فييه مين معنيى الدعاء شييء وإنميا هيو تعظييم‬
‫ل تعالى وثناء عليه ما رواه النسائي عن سعد بن أبي وقاص قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪( :‬دعوة ذي النون إذا دعا بها في بطن الحوت ل إله إل أنت سبحانك إني كنت من الظالمين‬
‫فإنه لن يدعو بها مسلم في شيء إل استجيب له)‪.‬‬
‫@ من السنة لمن بدأ بالكل أن يسمي ال عند أكله وشربه ويحمده عند فراغه اقتداء بأهل الجنة؛‬
‫وفيي صيحيح مسيلم عين أنيس بين مالك قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬إن ال ليرضيى‬
‫عن العبد أن يأكل الكلة فيحمده عليها أو يشرب الشربة فيحمده عليها)‪.‬‬
‫الرابعية‪ :‬يسيتحب للداعيي أن يقول فيي آخير دعائه كميا قال أهيل الجنية‪ :‬وآخير دعواهيم أن الحميد ل‬
‫رب العالمين؛ وحسن أن يقرأ آخر "والصافات" فإنها جمعت تنزيه البارئ تعالى عما نسب إليه‪،‬‬
‫والتسليم على المرسلين‪ ،‬والختم بالحمد ل رب العالمين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 11 :‬ولو يعجيل ال للناس الشير اسيتعجالهم بالخيير لقضيي إليهيم أجلهيم فنذر الذيين ل‬
‫يرجون لقاءنا في طغيانهم يعمهون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو يعجييل ال للناس الشيير" قيييل‪ :‬معناه ولو عجييل ال للناس العقوبيية كمييا‬
‫يسيتعجلون الثواب والخيير لماتوا‪ ،‬لنهيم خلقوا فيي الدنييا خلقيا ضعيفيا‪ ،‬ولييس هيم كذا يوم القيامية؛‬
‫لنهم يوم القيامة يخلقون للبقاء‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى لو فعل ال مع الناس في إجابته إلى المكروه مثل ما‬
‫يريدون فعله معهيم فيي إجابتيه إلى الخيير لهلكهيم؛ وهيو معنيى "لقضيي إليهيم أجلهيم"‪ .‬وقييل‪ :‬إنيه‬
‫خاص بالكافيير؛ أي ولو يجعييل ال للكافيير العذاب على كفره كمييا عجييل له خييير الدنيييا ميين المال‬
‫والولد لعجيل له قضاء أجله ليتعجيل عذاب الخرة؛ قال ابين إسيحاق‪ .‬مقاتيل‪ :‬هيو قول النضير بين‬
‫الحارث‪ :‬اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء؛ فلو عجل لهم هذا‬
‫لهلكوا‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬نزلت فيي الرجيل يدعيو على نفسيه أو ماله أو ولده إذا غضيب‪ :‬اللهيم أهلكيه‪،‬‬
‫اللهيم ل تبارك له فييه وألعنيه‪ ،‬أو نحيو هذا؛ فلو اسيتجيب ذلك منيه كميا يسيتجاب الخيير لقضيي إليهيم‬
‫أجلهم‪ .‬فالية نزلت ذامة لخلق ذميم هو في بعض الناس يدعون في الخير فيريدون تعجيل الجابة‬
‫ثم يحملهم أحيانا سوء الخلق على الدعاء في الشر؛ فلو عجل لهم لهلكوا‪.‬‬
‫@ واختلف في إجابة هذا الدعاء؛ فروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬إني سألت ال‬
‫عز وجل أل يستجيب دعاء حبيب على حبيبه)‪ .‬وقال شهر بن حوشب‪ :‬قرأت في بعض الكتب أن‬
‫ال تعالى يقول للملئكية الموكليين بالعبيد‪ :‬ل تكتبوا على عبدي فيي حال ضجره شيئا؛ لطفيا مين ال‬
‫تعالى عليييه‪ .‬قال بعضهييم‪ :‬وقييد يسييتجاب ذلك الدعاء‪ ،‬واحتييج بحديييث جابر الذي رواه مسييلم فييي‬
‫صيحيحه آخير الكتاب‪ ،‬قال جابر‪ :‬سيرنا ميع رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم فيي غزوة بطين بواط‬
‫وهيو يطلب المجدي بين عمرو الجهنيي وكان الناضيح يعتقبيه منيا الخمسية والسيتة والسيبعة‪ ،‬فدارت‬
‫عقبة رجل من النصيار على ناضيح له فأناخه فركيب‪ ،‬ثم بعثه فتلدن عليه بعيض التلدن؛ فقال له‪:‬‬
‫شيأ؛ لعنيك ال! فقال رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪( :‬مين هذا اللعين بعيره)؟ قال‪ :‬أنيا ييا رسيول‬
‫ال؛ قال‪( :‬انزل عنيه فل تصيحبنا بملعون ل تدعوا على أنفسيكم ول تدعوا على أولدكيم ول تدعوا‬
‫على أموالكم ل توافقوا من ال ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم)‪.‬‬
‫فيي غيير كتاب مسيلم أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان فيي سيفر فلعين رجيل ناقتيه فقال‪( :‬أيين‬
‫الذي لعين ناقتيه)؟ فقال الرجيل‪ :‬أنيا هذا ييا رسيول ال؛ فقال‪( :‬أخرهيا عنيك فقيد أجبيت فيهيا) ذكره‬
‫الحليمي في منهاج الدين‪" .‬شأ" يروى بالسين والشين‪ ،‬وهو زجر للبعير بمعنى سر‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬ولو يعجل ال" قال العلماء‪ :‬التعجيل من ال‪ ،‬والستعجال من العبيد‪ .‬وقال أبو علي‪:‬‬
‫هميا مين ال؛ وفيي الكلم حذف؛ أي ولو يعجيل ال للناس الشير تعجيل مثيل اسيتعجالهم بالخيير‪ ،‬ثيم‬
‫حذف تعجيل وأقام صيفته مقاميه‪ ،‬ثيم حذف صيفته وأقام المضاف إلييه مقاميه؛ هذا مذهيب الخلييل‬
‫وسيبويه‪ .‬وعلى قول الخفش والفراء كاستعجالهم‪ ،‬ثم حذف الكاف ونصب‪ .‬قال الفراء‪ :‬كما تقول‬
‫ضربت زيدا ضربك‪ ،‬أي كضربك‪ .‬وقرأ ابن عامر "لقضى إليهم أجلهم"‪ .‬وهي قراءة حسنة؛ لنه‬
‫متصل بقوله‪" :‬ولو يعجل ال للناس الشر"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فنذر الذين ل يرجون لقاءنا" أي ل يعجل لهم الشر فربما يتوب منهيم تائب‪ ،‬أو‬
‫يخرج من أصلبهم مؤمن‪" .‬في طغيانهم يعمهون" أي يتحيرون‪ .‬والطغيان‪ :‬العلو والرتفاع؛ وقد‬
‫تقدم فيي "البقرة"‪ .‬وقيد قييل‪ :‬إن المراد بهذه اليية أهيل مكية‪ ،‬وإنهيا نزلت حيين قالوا‪" :‬اللهيم إن كان‬
‫هذا هو الحق من عندك" [النفال‪ ]32 :‬الية‪ ،‬على ما تقدم وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 12 :‬وإذا مس النسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما فلما كشفنا عنه ضره مر‬
‫كأن لم يدعنا إلى ضر مسه كذلك زين للمسرفين ما كانوا يعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا مس النسان الضر دعانا لجنبه" قيل‪ :‬المراد بالنسان هنا الكافر‪ ،‬قيل‪ :‬هو‬
‫أبييو حذيفيية بيين المغيرة المشرك‪ ،‬تصيييبه البأسيياء والشدة والجهييد‪" .‬دعانييا لجنبييه" أي على جنبييه‬
‫مضطجعيا‪" .‬أو قاعدا أو قائميا" وإنميا أراد جمييع حالتيه؛ لن النسيان ل يعدو إحدى هذه الحالت‬
‫الثلثية‪ .‬قال بعضهيم‪ :‬إنميا بدأ بالمضطجيع لنيه بالضير أشيد فيي غالب المير‪ ،‬فهيو يدعيو أكثير‪،‬‬
‫واجتهاده أشد‪ ،‬ثم القاعد ثم القائم‪" .‬فلما كشفنا عنه ضره مر" أي استمر على كفره ولم يشكر ولم‬
‫يتعظ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذه صفة كثيير مين المخلطيين الموحديين‪ ،‬إذا أصيابته‪ .‬العافيية مير على ما كان عليه مين‬
‫المعاصييي؛ فالييية تعييم الكافيير وغيره‪" .‬كأن لم يدعنييا" قال الخفييش‪ :‬هييي "كأن" الثقيلة خففييت‪،‬‬
‫والمعنى كأنه وأنشد‪:‬‬
‫يبب ومن يفتقر يعش عيش ضر‬ ‫وي كأنْ من يكن له نشب ُيحْي‬
‫"كذلك" أي كميا زيين لهذا الدعاء عنيد البلء والعراض عين الرخاء‪" .‬زيين للمسيرفين" أي‬
‫للمشركيين أعمالهيم مين الكفير والمعاصيي‪ .‬وهذا التزييين يجوز أن يكون مين ال‪ ،‬ويجوز أن يكون‬
‫من الشيطان‪ ،‬وإضلله دعاؤه إلى الكفر‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 13 :‬ولقيد أهلكنيا القرون مين قبلكيم لميا ظلموا وجاءتهيم رسيلهم بالبينات وميا كانوا‬
‫ليؤمنوا كذلك نجزي القوم المجرمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقيد أهلكنيا القرون مين قبلكيم لميا ظلموا" يعنيي الميم الماضيية مين قبيل أهيل مكة‬
‫أهلكناهيييييم‪" .‬لميييييا ظلموا" أي كفروا وأشركوا‪" .‬وجاءتهيييييم رسيييييلهم بالبينات" أي بالمعجزات‬
‫الواضحات والبراهيين النيرات‪" .‬وميا كانوا ليؤمنوا" أي أهلكناهيم لعلمنيا أنهيم ل يؤمنون‪ .‬يخوف‬
‫كفار مكيية عذاب المييم الماضييية؛ أي نحيين قادرون على إهلك هؤلء بتكذيبهييم محمدا صييلى ال‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ولكن نمهلهم لعلمنا بأن فيهم من يؤمن‪ ،‬أو يخرج من أصلبهم من يؤمن‪ .‬وهذه الية‬
‫ترد على أهل الضلل القائلين بخلق الهدى واليمان‪ .‬وقيل‪ :‬معنى "ما كانوا ليؤمنوا" أي جازاهم‬
‫على كفرهم بأن طبع على قلوبهم؛ ويدل على هذا أنه قال‪" :‬كذلك نجزي القوم المجرمين"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 14 :‬ثم جعلناكم خلئف في الرض من بعدهم لننظر كيف تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم جعلناكم خلئف" مفعولن‪ .‬والخلئف جمع خليفة‪ ،‬وقد تقدم آخر "النعام" أي‬
‫جعلناكيم سيكانا فيي الرض‪" .‬مين بعدهيم" أي مين بعيد القرون المهلكية‪" .‬لننظير" نصيب بلم كيي‪،‬‬
‫وقييد تقدم نظائره وأمثاله؛ أي ليقييع منكييم مييا تسييتحقون بييه الثواب والعقاب‪ ،‬ولم يزل يعلمييه غيبييا‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬يعاملكيم معاملة المختيبر إظهارا للعدل‪ .‬وقييل‪ :‬النظير راجيع إلى الرسيل؛ أي لينظير رسيلنا‬
‫وأولياؤنيا كييف أعمالكيم‪ .‬و"كييف" نصيب بقوله‪ :‬تعملون‪ :‬لن السيتفهام له صيدر الكلم فل يعميل‬
‫فيه ما قبله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 15 :‬وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين ل يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو‬
‫بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إل ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي‬
‫عذاب يوم عظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا تتلى عليهم آياتنا" "تتلى" تقرأ‪ ،‬و"بينات" نصب على الحال؛ أي واضحات‬
‫ل لبيس فيهيا ول إشكال‪" .‬قال الذيين ل يرجون لقاءنيا" يعنيي ل يخافون يوم البعيث والحسياب ول‬
‫يرجون الثواب‪ .‬قال قتادة‪ :‬يعنييي مشركييي أهييل مكيية‪" .‬ائت بقرآن غييير هذا أو بدله" والفرق بييين‬
‫تبديله والتيان بغيره أن تبديله ل يجوز أن يكون معيييه‪ ،‬والتيان بغيره قيييد يجوز أن يكون معيييه؛‬
‫وفي قولهم ذلك ثلثة أوجه‪:‬‬
‫أحدهيا‪ :‬أنهيم سيألوه أن يحول الوعيد وعيدا والوعييد وعدا‪ ،‬والحلل حراميا والحرام حلل؛ قاله‬
‫ابن جرير الطبري‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬سألوه أن يسقط ما في القرآن من عيب آلهتهم وتسفيه أحلمهم؛ قاله ابن عيسى‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنهم سألوه إسقاط ما فيه من ذكر البعث والنشور؛ قاله الزجاج‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل ميا يكون لي" أي قيل ييا محميد ميا كان لي "أن أبدله مين تلقاء نفسيي" ومين‬
‫عندي‪ ،‬كميا لييس لي أن ألقاه بالرد والتكذييب‪" .‬إن أتبيع إل ميا يوحيى إلي" أي ل أتبيع إل ميا أتلوه‬
‫عليكيم مين وعيد ووعييد‪ ،‬وتحرييم وتحلييل‪ ،‬وأمير ونهيي‪" .‬وقيد يسيتدل بهذا مين يمنيع نسيخ الكتاب‬
‫بالسنة؛ لنه تعالى قال‪" :‬قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي" وهذا فيه بعد؛ فإن الية وردت‬
‫في طلب المشركين مثل القرآن نظما‪ ،‬ولم يكن الرسول صلى ال عليه وسلم قادرا على ذلك‪ ،‬ولم‬
‫يسيألوه تبدييل الحكيم دون اللفيظ؛ ولن الذي يقوله الرسيول صيلى ال علييه وسيلم إذا كان وحييا لم‬
‫يكين مين تلقاء نفسيه‪ ،‬بيل كان مين عنيد ال تعالى‪" .‬إنيي أخاف إن عصييت ربيي" أي إن خالفيت فيي‬
‫تبديله وتغييره أو في ترك العمل به‪" .‬عذاب يوم عظيم" يعني يوم القيامة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 16 :‬قل لو شاء ال ما تلوته عليكم ول أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفل‬
‫تعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل لو شاء ال ميا تلوتيه عليكيم ول أدراكيم بيه" أي لو شاء ال ميا أرسيلني إليكيم‬
‫فتلوت عليكم القرآن‪ ،‬ول أعلمكم ال ول أخبركم به؛ يقال‪ :‬دريت الشيء وأدراني ال به‪ ،‬ودريته‬
‫ودرييت بيه‪ .‬وفيي الدرايية معنيى الختيل؛ ومنيه درييت الرجيل أي ختلتيه‪ ،‬ولهذا ل يطلق الداري فيي‬
‫حييق ال تعالى وأيضييا عدم فيييه التوقيييف‪ .‬وقرأ ابيين كثييير‪" :‬ولدراكييم بييه" بغييير ألف بييين اللم‬
‫والهمزة؛ والمعنيى‪ :‬لو شاء ال لعلمكيم بيه مين غيير أن أتلوه عليكيم؛ فهيي لم التأكييد دخلت على‬
‫ألف أفعل‪ .‬وقرأ ابن عباس والحسن "ول أدراتكم به" بتحويل الياء ألفا‪ ،‬على لغة بني عقيل؛ قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫على الرض قيسي يسوق الباعرا‬ ‫لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقى‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫بحرب كناصات الغر المشهر‬ ‫أل آذنت أهل اليمامة طيء‬
‫قال أبو حاتم‪ :‬سمعت الصمعي يقول سألت أبا عمرو بن العلء‪ :‬هل لقراءة الحسن "ول أدراتكم‬
‫به" وجه؟ فقال ل‪ .‬وهل أبو عبيد‪ :‬ل وجه لقراءة الحسن "ول أدراتكم به" إل الغلط‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫معنييى قول أبييي عبيييد‪ :‬ل وجييه‪ ،‬إن شاء ال على الغلط؛ لنييه يقال‪ :‬دريييت أي علمييت‪ ،‬وأدريييت‬
‫غيري‪ ،‬ويقال‪ :‬درأت أي دفعيت؛ فيقيع الغلط بيين درييت ودرأت‪ .‬قال أبيو حاتيم‪ :‬يرييد الحسين فيميا‬
‫أحسب "ول أدريتكم به" فأبدل من الياء ألفا على لغة بني الحارث بن كعب‪ ،‬يبدلون من الياء ألفا‬
‫إذا انفتيح ميا قبلهيا؛ مثيل‪" :‬إن هذان لسياحران" [طيه‪ .]63 :‬قال المهدوي‪ :‬ومين قرأ "أدرأتكيم"‬
‫فوجهيه أن أصيل الهمزة ياء‪ ،‬فأصيله "أدريتكيم" فقلبيت الياء ألفيا وإن كانيت سياكنة؛ كميا قال‪ :‬ياييس‬
‫فيي يييس وطاييء فيي طييء‪ ،‬ثيم قلبيت اللف همزة على لغية مين قال فيي العالم العألم وفيي الخاتيم‬
‫الخأتيم‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا غلط‪ ،‬والروايية عين الحسين "ول أدرأتكيم" بالهمزة‪ ،‬وأبيو حاتيم وغيره‬
‫تكلم أنه بغير همز‪ ،‬ويجوز أن يكون من درأت أي دفعت؛ أي ول أمرتكم أن تدفعوا فتتركوا الكفر‬
‫بالقرآن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فقد لبثت فيكم عمرا" ظرف‪ ،‬أي مقدارا من الزمان وهو أربعون سنة‪" .‬من قبله"‬
‫أي مين قبيل القرآن‪ ،‬تعرفوننيي بالصيدق والمانية‪ ،‬ل أقرأ ول أكتيب‪ ،‬ثيم جئتكيم بالمعجزات‪" .‬أفل‬
‫تعقلون" أن هذا ل يكون إل من عند ال ل من قبلي‪ .‬وقيل‪ :‬معنى "لبثت فيكم عمرا" أي لبثت فيكم‬
‫مدة شبابي لم أعص ال‪ ،‬أفتريدون مني الن وقد بلغت أربعين سنة أن أخالف أمر ال‪ ،‬وأغير ما‬
‫ينزله علي‪ .‬قال قتادة‪ :‬لبيث فيهيم أربعيين سينة‪ ،‬وأقام سينتين يرى رؤييا النيبياء‪ ،‬وتوفيي صيلى ال‬
‫عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 17 :‬فمن أظلم ممن افترى على ال كذبا أو كذب بآياته إنه ل يفلح المجرمون}‬
‫@ هذا استفهام بمعنى الجحد؛ أي ل أحد أظلم ممن افترى على ال الكذب‪ ،‬وبدل كلمه وأضاف‬
‫شيئا إلييه مميا لم ينزله‪ .‬وكذلك ل أحيد أظلم منكيم إذا أنكرتيم القرآن وافتريتيم على ال الكذب‪ ،‬وقلتيم‬
‫لييس هذا كلميه‪ .‬وهذا مميا أمير بيه الرسيول صيلى ال علييه وسيلم أن يقول لهيم‪ .‬وقييل‪ :‬هيو من قول‬
‫ال ابتداء‪ .‬وقيل‪ :‬المفتري المشرك‪ ،‬والمكذب باليات أهل الكتاب‪" .‬إنه ل يفلح المجرمون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 18 :‬ويعبدون من دون ال ما ل يضرهم ول ينفعهم ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند ال‬
‫قل أتنبئون ال بما ل يعلم في السماوات ول في الرض سبحانه وتعالى عما يشركون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويعبدون من دون ال ما ل يضرهم ول ينفعهم" يريد الصنام‪" .‬ويقولون هؤلء‬
‫شفعاؤنيا عنيد ال" وهذه غايية الجهالة منهيم؛ حييث ينتظرون الشفاعية فيي المال ممين ل يوجيد منيه‬
‫نفع ول ضر في الحال‪ .‬وقيل‪" :‬شفعاؤنا" أي تشفع لنا عند ال في إصلح معائشنا في الدنيا‪" .‬قل‬
‫أتنبئون ال بميا ل يعلم فيي السيماوات ول فيي الرض" قراءة العامية "تنبئون" بالتشدييد‪ .‬وقرأ أبيو‬
‫السمال العدوي "أتنبئون ال" مخففا‪ ،‬من أنبأ ينبئ‪ .‬وقراءة العامة من نبأ ينبئ تنبئة؛ وهما بمعنى‬
‫واحد‪ ،‬جمعهما قوله تعالى‪" :‬من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير" [التحريم‪ ]3 :‬أي أتخبرون ال‬
‫أن له شريكا في ملكه أو شفيعا بغير إذنه‪ ،‬وال ل يعلم لنفسه شريكا في السموات ول في الرض؛‬
‫لنيه ل شرييك له فلذلك ل يعلميه‪ .‬نظيره قوله‪" :‬أم تنبئونيه بميا ل يعلم فيي الرض" [الرعيد‪]33 :‬‬
‫ثم نزه نفسه وقدسها عن الشرك فقال‪" :‬سبحانه وتعالى عما يشركون" أي هو أعظم من أن يكون‬
‫له شريك وقيل‪ :‬المعنى أي يعبدون ما ل يسمع ول يبصر ول يميز" ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند‬
‫ال" فيكذبون؛ وهييل يتهيييأ لكييم أن تنبؤه بمييا ل يعلم‪ ،‬سييبحانه وتعالى عمييا يشركون!‪ .‬وقرأ حمزة‬
‫والكسائي "تشركون" بالتاء‪ ،‬وهو اختيار أبي عبيد‪ .‬الباقون بالياء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 19 :‬وما كان الناس إل أمة واحدة فاختلفوا ولول كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم‬
‫فيما فيه يختلفون}‬
‫@ تقدم في "البقرة" معناه فل معنى للعادة‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬هم العرب كانوا على الشرك‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫كيل مولود يولد عيل الفطرة‪ ،‬فاختلفوا عنيد البلوغ‪" .‬ولول كلمية سيبقت مين ربيك لقضيي بينهيم فيميا‬
‫فيييه يختلفون" إشارة إلى القضاء والقدر؛ أي لول مييا سييبق فييي حكمييه أنييه ل يقضييى بينهييم فيمييا‬
‫اختلفوا فييه بالثواب والعقاب دون القيامية لقضيي بينهيم فيي الدنييا‪ ،‬فأدخيل المؤمنيين الجنية بأعمالهيم‬
‫والكافرين النار بكفرهم‪ ،‬ولكنه سبق من ال الجل مع علمه بصنيعهم فجعل موعدهم القيامة؛ قال‬
‫الحسن‪ .‬وقال أبو ورق‪" :‬لقضي بينهم" لقام عليهم الساعة‪ .‬وقيل‪ :‬لفرغ من هلكهم‪ .‬وقال الكلبي‪:‬‬
‫"الكلمية" أن ال أخر هذه المة فل يهلكهيم بالعذاب في الدنييا إلى يوم القيامية‪ ،‬فلول‪ .‬هذا التأخيير‬
‫لقضيي بينهيم بنزول العذاب أو بإقامية السياعة‪ .‬واليية تسيلية للنيبي صيلى ال علييه وسيلم فيي تأخيير‬
‫العذاب عمن كفر به‪ .‬وقيل‪ :‬الكلمة السابقة أنه ل يأخذ أحدا إل بحجة وهو إرسال الرسل؛ كما قال‪:‬‬
‫"وما كنا معذبين حتى نبعث رسول" [السراء‪ ]15 :‬وقيل‪ :‬الكلمة قوله‪( :‬سبقت رحمتي غضبي)‬
‫ولول ذلك لما أخر العصاة إلى التوبة‪ .‬وقرأ عيسى "لقضى" بالفتح‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 20 :‬ويقولون لول أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب ل فانتظروا إني معكم من‬
‫المنتظرين}‬
‫@ يريد أهل مكة؛ أي هل أنزل عليه آية‪ ،‬أي معجزة غير هذه المعجزة‪ ،‬فيجعل لنا الجبال ذهبا‬
‫ويكون ل بييت مين زخرف‪ ،‬ويحييى لنيا مين مات مين آبائنيا‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬عصيا كعصيا موسيى‪.‬‬
‫"فقل إنما الغيب ل" أي قل يا محمد إن نزول الية غيب‪" .‬فانتظروا" أي تربصوا‪" .‬إني معكم‬
‫من المنتظرين" لنزولها‪ .‬وقيل‪ :‬انتظروا قضاء ال بيننا بإظهار المحق على المبطل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 21 :‬وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل ال أسرع‬
‫مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون}‬
‫@ يريد كفار مكة‪" .‬رحمة من بعد ضراء مستهم" قيل‪ :‬رخاء بعد شدة‪ ،‬وخصب بعد جدب‪" .‬إذا‬
‫لهيم مكير فيي آياتنيا" أي اسيتهزاء وتكذييب‪ .‬وجواب قوله‪" :‬وإذا أذقنيا"‪" :‬إذا لهيم" على قول الخلييل‬
‫وسييبويه‪" .‬قيل ال أسيرع مكرا" ابتداء وخيبر‪" .‬مكرا" على البيان؛ أي أعجيل عقوبية على جزاء‬
‫مكرهم‪ ،‬أي أن ما يأتيهم من العذاب أسرع في إهلكهم مما أتوه من المكر‪" .‬إن رسلنا يكتبون ما‬
‫تمكرون" يعنيي بالرسيل الحفظية‪ .‬وقراءة العامية "تمكرون" بالتاء خطابيا‪ .‬وقرأ يعقوب فيي روايية‬
‫روييس وأبيو عمرو فيي روايية هارون العتكيي "يمكرون" بالياء؛ لقول‪" :‬إذا لهيم مكير فيي آياتنيا"‬
‫قيل‪ :‬قال أبو سفيان قحطنا بل بدعائك فان سقيتنا صدقناك؛ فسقوا باستسقائه صلى ال عليه وسلم‬
‫فلم يؤمنوا‪ ،‬فهذا مكرهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 23 - 22 :‬هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم‬
‫برييح طيبية وفرحوا بهيا جاءتهيا رييح عاصيف وجاءهيم الموج مين كيل مكان وظنوا أنهيم أحييط بهيم‬
‫دعوا ال مخلصيين له الديين لئن أنجيتنيا مين هذه لنكونين مين الشاكريين‪ ،‬فلميا أنجاهيم إذا هيم يبغون‬
‫فيي الرض بغيير الحيق ييا أيهيا الناس إنميا بغيكيم على أنفسيكم متاع الحياة الدنييا ثيم إلينيا مرجعكيم‬
‫فننبئكم بما كنتم تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم" أي يحملكم‬
‫في البر على الدواب وفي البحر على الفلك‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬يحفظكم في السير‪ .‬والية تتضمن تعديد‬
‫النعم فيما هي الحال بسبيله من ركوب الناس الدواب والبحر‪ .‬وقد مضى الكلم في ركوب البحر‬
‫فيي "البقرة"‪" .‬يسييركم" قراءة العامية‪ .‬ابين عامير "ينشركيم" بالنون والشيين‪ ،‬أي يبثكيم ويفرقكيم‪.‬‬
‫والفلك يقع على الواحد والجمع‪ ،‬ويذكر ويؤنث‪ ،‬وقد تقدم القول فيه‪ .‬وقوله‪" :‬وجربن بهم" خروج‬
‫من الخطاب إلى الغيبة‪ ،‬وهو في القرآن وأشعار العرب كثير؛ قال النابغة‪:‬‬
‫أقوت وطال عليها سالف المد‬ ‫يا دار مية بالعلياء فالسند‬
‫قال ابين النباري‪ :‬وجائز فيي اللغية أن يرجيع مين خطاب الغيبية إلى لفيظ المواجهية بالخطاب؛ قال‬
‫ال تعالى‪" :‬وسيقاهم ربهيم شرابيا طهورا إن هذا كان لكيم جزاء وكان سيعيكم مشكورا" [النسيان‪:‬‬
‫‪ ]22 - 21‬فأبدل الكاف من الهاء‪.‬‬
‫@قوله تعالى "برييح طيبية وفرحوا بهيا" تقدم الكلم فيهيا فيي البقرة‪" .‬جاءتهيا رييح عاصيف"‬
‫الضمييير فييي "جاءتهييا" للسييفينة‪ .‬وقيييل للريييح الطيبيية‪ .‬والعاصييف الشديدة؛ يقال‪ :‬عصيفت الريييح‬
‫وأعصفت‪ ،‬فهي عاصف ومعصف ومعصفة أي شديدة‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫فيها قطار ورعد صوته زجل‬ ‫حتى إذا أعصفت ريح مزعزعة‬
‫وقال "عاصيف" بالتذكيير لن لفيظ الرييح مذكير‪ ،‬وهيي القاصيف أيضيا‪ .‬والطيبية غيير عاصيف ول‬
‫بطيئة‪" .‬وجاءهم الموج من كل مكان" والموج ما ارتفع من الماء "وظنوا" أي أيقنوا "أنهم أحيط‬
‫بهم" أي أحاط بهم البلء؛ يقال لمن وقع في بلية‪ :‬قد أحيط به‪ ،‬كأن البلء قد أحاط به؛ وأصل هذا‬
‫أن العدو إذا أحاط بموضييع فقييد هلك أهله‪" .‬دعوا ال مخلصييين له الدييين" أي دعوه وحده وتركوا‬
‫ميييا كانوا يعبدون‪ .‬وفيييي هذا دلييييل على أن الخلق جبلوا على الرجوع إلى ال فيييي الشدائد‪ ،‬وأن‬
‫المضطيير يجاب دعاؤه‪ ،‬وإن كان كافرا؛ لنقطاع السييباب ورجوعييه إلى الواحييد رب الرباب؛‬
‫على ما يأتي بيانه في "النمل" إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال بعض المفسرين‪ :‬إنهم قالوا في دعائهم أهيا‬
‫شراهيا؛ أي يا حي يا قيوم‪ .‬وهي لغة العجم‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬هذه الية تدل على ركوب البحر مطلقا‪ ،‬ومن السنة حديث أبي هريرة وفيه‪ :‬إنا نركب‬
‫البحير ونحميل معنيا القلييل مين الماء‪ ...‬الحدييث‪ .‬وحدييث أنيس فيي قصية أم حرام يدل على جواز‬
‫ركوبيه فيي الغزو‪ ،‬وقيد مضيى هذا المعنيى فيي "البقرة" مسيتوفى والحميد ل‪ .‬وقيد تعدم فيي آخير‬
‫"العراف" حكيم راكيب البحير فيي حال ارتجاجيه وغليانيه‪ ،‬هيل حكميه حكيم الصيحيح أو المرييض‬
‫المحجور عليه؛ فتأمله هناك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لئن أنجيتنيا مين هذه" أي هذه الشدائد والهوال‪ .‬وقال الكلبيي‪ :‬مين هذه الرييح‪.‬‬
‫"لنكونن من الشاكرين" أي من العاملين بطاعتك على نعمة الخلص‪" .‬فلما أنجاهم" أي خلصهم‬
‫وأنقذهيم‪" ..‬إذا هيم يبغون فيي الرض بغيير الحيق" أي يعملون فيي الرض بالفسياد وبالمعاصيي‪.‬‬
‫والبغي‪ :‬الفساد والشرك؛ من بغيى الجرح إذا فسيد؛ وأصله الطلب‪ ،‬أي يطلبون السيتعلء بالفساد‪.‬‬
‫"بغير الحق" أي بالتكذيب؛ ومنه بغت المرأة طلبت غير زوجها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم" أي وباله عائد عليكم؛ وتم الكلم‪ ،‬ثم ابتدأ‬
‫فقال‪" :‬متاع الحياة الدنييا ثيم إلي مرجعكيم فننبئكيم بميا كنتيم تعملون" أي هيو متاع الحياة الدنييا؛ ول‬
‫بقاء له‪ .‬قال النحاس‪" :‬بغيكيم" رفيع بالبتداء وخيبره "متاع الحياة الدنييا"‪ .‬و"على أنفسيكم" مفعول‬
‫معنى فعل البغي‪ .‬ويجوز أن يكون خبره "على أنفسكم" وتضمر مبتدأ‪ ،‬أي ذلك متاع الحياة الدنيا‪،‬‬
‫أو هيو متاع الحياة الدنييا؛ وبيين المعنييين حرف لطييف‪ ،‬إذا رفعيت متاعيا على أنيه خيبر "بغيكيم"‬
‫فالمعنيى‪ .‬إنميا بغيي بعضكيم على بعيض؛ مثيل‪" :‬فسيلموا على أنفسيكم" [النور‪ ]61 :‬وكذا "لقيد‬
‫جاءكم رسول من أنفسكم" [التوبة‪ .]128 :‬وإذا كان الخبر "على أنفسكم" فالمعنى إنما فسادكم‬
‫راجيع عليكيم؛ مثيل "وإن أسيأتم فلهيا"‪ .‬وروي عين سيفيان بين عيينية أنيه قال‪ :‬أراد أن البغيي متاع‬
‫الحياة الدنيا‪ ،‬أي عقوبته تعجل لصاحبه في الدنيا؛ كما يقال‪ :‬البغي مصرعة‪ .‬وقرأ ابن أبي إسحاق‬
‫"متاع" بالنصب على أنه مصدر؛ أي تتمتعون متاع الحياة الدنيا‪ .‬أو ينزع الخافض‪ ،‬أي لمتاع‪ ،‬أو‬
‫مصدر‪ ،‬بمعنى المفعول على الحال‪ ،‬أي متمتعين‪ .‬أو هو نصب على الظرف‪ ،‬أي في متاع الحياة‬
‫الدنييييا‪ ،‬ومتعلق الظرف والجار والحال معنيييى الفعييل فييي البغيييي‪ .‬و"على أنفسييكم" مفعول ذلك‬
‫المعنى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 24 :‬إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الرض مما يأكل‬
‫الناس والنعام حتى إذا أخذت الرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا‬
‫ليل أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالمس كذلك نفصل اليات لقوم يتفكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء" معنى الية التشبيه والتمثيل‪ ،‬أي‬
‫صيفة الحياة الدنييا فيي فنائهيا وزوالهيا وقلة خطرهيا والملذ بهيا كماء؛ أي مثيل ماء‪ ،‬فالكاف فيي‬
‫موضع رفع‪ .‬وسيأتي لهذا التشبيه مزيد بيان في "الكهف" إن شاء ال تعالى‪" .‬أنزلناه من السماء"‬
‫نعيت ليي "ماء"‪" .‬فاختلط" روي عين نافيع أنيه وقيف على "فاختلط" أي فاختلط الماء بالرض‪" ،‬بيه‬
‫نبات الرض" أي بالماء نبات الرض؛ فأخرجيت ألوانيا مين النبات‪ ،‬فنبات على هذا ابتداء‪ ،‬وعلى‬
‫مذهب من لم يقف على "فاختلط" مرفوع باختلط؛ أي اختلط النبات بالمطر‪ ،‬أي شرب منه فتندى‬
‫وحسن وأخضر‪ .‬والختلط تداخل الشيء بعضه في بعض‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مميا يأكيل الناس" مين الحبوب والثمار والبقول‪" .‬والنعام" مين الكل والتبين‬
‫والشعيير‪" .‬حتيى إذا أخذت الرض زخرفهيا" أي حسينها وزينتهيا‪ .‬والزخرف كمال حسين الشييء؛‬
‫ومنيه قييل للذهيب‪ :‬زخرف‪" .‬وازينيت" أي بالحبوب والثمار والزهار؛ والصيل تزينيت أدغميت‬
‫التاء في الزاي وجيء بألف الوصل؛ لن الحرف المدغم مقام حرفين الول منهما ساكن والساكن‬
‫ل يمكيين البتداء بييه‪ .‬وقرأ ابيين مسييعود وأبييي بيين كعييب "وتزينييت" على الصييل‪ .‬وقرأ الحسيين‬
‫والعرج وأبييو العالييية "وازينييت" أي أتييت بالزينيية عليهييا‪ ،‬أي الغلة والزرع‪ ،‬وجاء بالفعييل على‬
‫أصله ولو أعله لقال وازانت‪ .‬وقال عوف بن أبي جميلة العرابي‪ :‬قرأ أشياخنا "وازيانت" وزنه‬
‫اسيوادت‪ .‬وفيي روايية المقدميي "وازاينيت" والصيل فييه تزاينيت‪ ،‬وزنيه تقاعسيت ثيم أدغيم‪ .‬وقرأ‬
‫الشعيبي وقتادة "وازيانيت" مثيل أفعلت‪ .‬وقرأ عثمان النهدي "وازينيت" مثيل أفعلت‪ ،‬وعنيه أيضيا‬
‫"وازيانت مثل أفعالت‪ ،‬وروى عنه "ازيأنت" بالهمزة؛ ثلث قراءات‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وظين أهلهيا" أي أيقين‪" .‬أنهيم قادرون عليهيا" أي على حصيادها والنتفاع بهيا؛‬
‫أخييبر عيين الرض والمعنييى النبات إذ كان مفهومييا وهييو منهييا‪ .‬وقيييل‪ :‬رد إلى الغلة‪ ،‬وقيييل‪ :‬إلى‬
‫الزينية‪" .‬أتاهيا أمرنيا" أي عذابنيا‪ ،‬أو أمرنيا بهلكهيا‪" .‬ليل أو نهارا" ظرفان‪" .‬فجعلناهيا حصييدا"‬
‫مفعولن‪ ،‬أي محصييودة مقطوعيية ل شيييء فيهييا‪ .‬وقال "حصيييدا" ولم يؤنييث لنييه فعيييل بمعنييى‬
‫مفعول‪ .‬قال أبو عبيد‪ :‬الحصيد المستأصل‪" .‬كأن لم تغن بالمس" أي لم تكن عامرة؛ من غني إذا‬
‫أقام فييه وعمره‪ .‬والمغانييي فيي اللغية‪ :‬المنازل التيي يعمرهيا الناس‪ .‬وقال قتادة‪ :‬كأن لم تنعيم‪ .‬قال‬
‫لبيد‪:‬‬
‫لو كان للنفس اللجوج خلود‬ ‫وغنيت سبتا قبل مجرى داحس‬
‫وقراءة العاميية "تغيين" بالتاء لتأنيييث الرض‪ .‬وقرأ قتادة "يغيين" بالياء‪ ،‬يذهييب بييه إلى الزخرف؛‬
‫يعنييي فكمييا يهلك هذا الزرع هكذا كذلك الدنيييا‪" .‬نفصييل اليات" أي نبينهييا‪" .‬لقوم يتفكرون" فييي‬
‫آيات ال‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 25 :‬وال يدعو إلى دار السلم ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال يدعيو إلى دار السيلم" لميا ذكير وصيف هذه الدار وهيي دار الدنييا وصيف‬
‫الخرة فقال‪ :‬إن ال ل يدعوكيم إلى جميع الدنييا بيل يدعوكيم إلى الطاعية لتصييروا إلى دار السيلم‪،‬‬
‫أي إلى الجنة‪ .‬قال قتادة والحسن‪ :‬السلم هو ال‪ ،‬وداره الجنة؛ وسميت الجنة دار السلم لن من‬
‫دخلهيا سيلم مين الفات‪ .‬ومين أسيمائه سيبحانه "السيلم"‪ ،‬وقيد بيناه فيي (الكتاب السينى فيي شرح‬
‫أسيماء ال الحسينى)‪ .‬ويأتيي فيي سيورة "الحشير" إن شاء ال‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى وال يدعيو إلى دار‬
‫السلمة‪ .‬والسلم والسلمة بمعنى كالرضاع والرضاعة؛ قاله الزجاج‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وهل لك بعد قومك من سلم‬ ‫تحيي بالسلمة أم بكر‬
‫وقيييل‪ :‬أراد وال يدعييو إلى دار التحييية؛ لن أهلهييا ينالون ميين ال التحييية والسييلم‪ ،‬وكذلك ميين‬
‫الملئكة‪ .‬قال الحسن‪ :‬إن السلم ل ينقطع‪ ،‬عن أهل الجنة‪ ،‬وهو تحيتهم؛ كما قال‪" :‬وتحيتهم فيها‬
‫سلم" [يونس‪ .]10 :‬وقال يحيى بن معاذ‪ :‬يا ابن آدم‪ ،‬دعاك ال إلى دار السلم فانظر من أين‬
‫تجيبيه‪ ،‬فإن أجبتيه مين دنياك دخلتهيا‪ ،‬وإن أجبتيه مين قيبرك منعتهيا‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬الجنان سيبع‪:‬‬
‫دار الجلل‪ ،‬ودار السلم‪ ،‬وجنة عدن‪ ،‬وجنة المأوى‪ ،‬وجنة الخلد‪ ،‬وجنة الفردوس‪ ،‬وجنة النعيم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" عم بالدعوة إظهارا لحجته‪ ،‬وخص بالهداية‬
‫اسيتغناء عين خلقيه‪ .‬والصيراط المسيتقيم‪ ،‬قييل‪ :‬كتاب ال؛ رواه علي بين أبيي طالب رضيي ال عنيه‬
‫قال‪ :‬سيمعت رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يقول‪( :‬الصيراط المسيتقيم كتاب ال تعالى)‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫السيلم؛ رواه النواس بين سيمعان عين رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقييل‪ :‬الحيق؛ قاله قتادة‬
‫ومجاهيد‪ .‬وقييل‪ :‬رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم وصياحباه مين بعده أبيو بكير وعمير رضيي ال‬
‫عنهميا‪ .‬وروى جابر بين عبدال قال‪ :‬خرج رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم يوميا فقال‪( :‬رأييت فيي‬
‫المنام كأن جبرييل عنيد رأسيي وميكائييل عنيد رجلي فقال أحدهميا لصياحبه اضرب له مثل فقال له‬
‫اسمع سمعت أذناك واعقل عقل قلبك وإنما مثلك ومثل أمتك كمثل ملك اتخذ دارا ثم بنى فيها بيتا‬
‫ثيم جعيل فيهيا مأدبية ثيم بعيث رسيول يدعيو الناس إلى طعاميه فمنهيم مين أجاب الرسيول ومنهيم مين‬
‫تركه فال الملك والدار السلم والبيت الجنة وأنت يا محمد الرسول فمن أجابك دخل في السلم‬
‫ومن دخل في السلم دخل الجنة ومن دخل الجنة أكل مما فيها) ثم تل يعني رسول ال صلى ال‬
‫عليييه وسييلم (ويهدي ميين يشاء إلى صييراط مسييتقيم"‪ .‬ثييم تل قتادة ومجاهييد‪" :‬وال يدعييو إلى دار‬
‫السييلم"‪ .‬وهذه الييية بينيية الحجيية فييي الرد على القدرييية؛ لنهييم قالوا‪ :‬هدى ال الخلق كلهييم إلى‬
‫صراط مستقيم‪ ،‬وال قال‪" :‬ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم" فردوا على ال نصوص القرآن‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 26 :‬للذيين أحسينوا الحسينى وزيادة ول يرهيق وجوههيم قتير ول ذلة أولئك أصيحاب‬
‫الجنة هم فيها خالدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" روي من حديث أنس قال‪ :‬سئل رسول ال صلى‬
‫ال علييه وسيلم عين قوله تعالى‪" :‬وزيادة" قال‪( :‬للذيين أحسينوا العميل فيي الدنييا لهيم الحسينى وهيي‬
‫الجنية والزيادة النظير إلى وجيه ال الكرييم) وهيو قول أبيي بكير الصيديق وعلي بين أبيي طالب فيي‬
‫روايية‪ .‬وحذيفية وعبادة بين الصيامت وكعيب بين عجرة وأبيي موسيى وصيهيب وابين عباس فيي‬
‫روايية‪ ،‬وهيو قول جماعية مين التابعيين‪ ،‬وهيو الصيحيح فيي الباب‪ .‬وروى مسيلم فيي صيحيحه عين‬
‫صيهيب عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬إذا دخيل أهيل الجنية الجنية قال ال تبارك وتعالى‬
‫تريدون شيئا أزيدكييم فيقولون ألم تييبيض وجوهنييا ألم تدخلنييا الجنيية وتنجنييا ميين النار قال فيكشييف‬
‫الحجاب فميا أعطوا شيئا أحيب إليهيم مين النظير إلى ربهيم عيز وجيل) وفيي روايية ثيم تل "للذيين‬
‫أحسينوا الحسينى وزيادة" وخرجيه النسيائي أيضيا عين صيهيب قال قييل لرسيول ال صيلى ال علييه‬
‫وسلم‪ :‬هذه الية "للذين أحسنوا الحسنى وزيادة" قال‪( :‬إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار‬
‫نادى مناد ييا أهيل الجنية إن لكيم موعدا عنيد ال يرييد أن ينجزكموه قالوا ألم ييبيض وجوهنيا ويثقيل‬
‫موازيننا ويجرنا من النار قال فيكشف الحجاب فينظرون إليه فوال ما أعطاهم ال شيئا أحب إليهم‬
‫مين النظير ول أقير لعينهيم)‪ .‬وخرجيه ابين المبارك فيي دقائقيه عين أبيي موسيى الشعري موقوفيا‪،‬‬
‫وقيد ذكرناه فييي كتاب التذكرة‪ ،‬وذكرنيا هناك معنيى كشيف الحجاب‪ ،‬والحميد ل‪ .‬وخرج الترمذي‬
‫الحكيم أبو عبدال رحمه ال‪ :‬حدثنا علي بن حجر حدثنا الوليد بن مسلم عن زهير عن أبي العالية‬
‫عن أبي بن كعب قال‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الزيادتين في كتاب ال؛ في قول‬
‫"للذيين أحسيوا الحسينى وزيادة" قال‪( :‬النظير إلى وجيه الرحمين) وعين قوله‪" :‬وأرسيلناه إلى مائة‬
‫ألف أو يزيدون" [الصييافات‪ ]147 :‬قال‪( :‬عشرون ألفييا)‪ .‬وقييد قيييل‪ :‬إن الزيادة أن تضاعييف‬
‫الحسينة عشير حسينات إلى أكثير مين ذلك؛ روي عين ابين عباس‪ .‬وروي عين علي بين أبيي طالب‬
‫رضيي ال عنه‪ :‬الزيادة غرفية مين لؤلؤة واحدة لهيا أربعية آلف باب‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬الحسينى حسينة‬
‫مثل حسنة‪ ،‬والزيادة مغفرة من ال ورضوان‪ .‬وقال عبدالرحمن بن زيد بن أسلم‪ :‬الحسنى الجنة‪،‬‬
‫والزيادة ما أعطاهم ال في الدنيا من فضله ل يحاسبهم به يوم القيامة‪ .‬وقال عبدالرحمن بن سابط‪:‬‬
‫الحسيينى البشرى‪ ،‬والزيادة النظيير إلى وجييه ال الكريييم؛ قال ال تعالى‪" :‬وجوه يومئذ ناضرة إلى‬
‫ربهيا ناظرة" [القيامية‪ .]23 - 22 :‬وقال يزييد بين شجرة‪ :‬الزيادة أن تمير السيحابة بأهيل الجنية‬
‫فتمطرهييم ميين كييل النوادر التييي لم يروهييا‪ ،‬وتقول‪ :‬يييا أهييل الجنيية‪ ،‬مييا تريدون أن أمطركييم؟ فل‬
‫يريدون شيئا إل أمطير لهيم إياه‪ .‬وقييل‪ :‬الزيادة أنيه ميا يمير عليهيم مقدار يوم مين أيام الدنييا إل حتيى‬
‫يطيف بمنزل أحدهم سبعون ألف ملك‪ ،‬مع كل ملك هدايا من عند ال ليست مع صاحبه‪ ،‬ما رأوا‬
‫مثيل تلك الهداييا قيط؛ فسيبحان الواسيع العلييم الغنيي الحمييد العلي الكيبير العزييز القديير البر الرحييم‬
‫المدبر الحكيييم اللطيييف الكريييم الذي ل تتناهييى مقدوراتييه‪ .‬وقيييل‪" :‬أحسيينوا" أي معاملة الناس‪،‬‬
‫"الحسنى"‪ :‬شفاعتهم‪ ،‬والزيادة‪ :‬إذن ال تعالى فيها وقبوله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يرهق وجوههم" قيل‪ :‬معناه يلحق؛ ومنه قيل‪ :‬غلم مراهق إذا لحق بالرجال‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬يعلو‪ .‬وقيل‪ :‬يغشى؛ والمعنى متقارب‪" .‬قتر ول ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون"‬
‫"قتر" غبار‪" .‬ول ذلة" أي مذلة؛ كما يلحق أهل النار؛ أي ل يلحقهم غبار في محشرهم إلى ال‬
‫ول تغشاهم ذلة‪ .‬وأنشد أبو عبيدة للفرزدق‪:‬‬
‫موج ترى فوقه الرايات والقترا‬ ‫متوج برداء الملك يتبعه‬
‫وقرأ الحسين "قتير" بإسيكان التاء‪ .‬والقتير والقترة والقترة بمعنيى واحيد؛ قاله النحاس‪ .‬وواحيد القتير‬
‫قترة؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬ترهقها قترة" [عبس‪ ]41 :‬أي تعلوها غبرة‪ .‬وقيل‪ :‬قتر كآبة وكسوف‪.‬‬
‫ابين عباس‪ :‬القتير سيواد الوجوه‪ .‬ابين بحير‪ :‬دخان النار؛ ومنيه قتار القدر‪ .‬وقال ابين ليلى‪ :‬هيو بعيد‬
‫نظرهم إلى ربهم عز وجل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا فييه نظير؛ فإن ال عيز وجيل يقول‪" :‬إن الذيين سيبقت لهيم منيا الحسينى أولئك عنهيا‬
‫مبعدون" إلى قوله "ل يحزنهم الفزع الكبر" [النبياء‪ ]103 - 101 :‬وقال في غير آية‪" :‬ول‬
‫خوف عليهيم ول هيم يحزنون" [البقرة‪ ]62 :‬وقال‪" :‬إن الذيين قالوا ربنيا ال ثيم اسيتقاموا تتنزل‬
‫عليهيم الملئكية أل تخافوا ول تحزنوا" [فصيلت‪ ]30 :‬اليية‪ .‬وهذا عام فل يتغيير بفضيل ال فيي‬
‫موطين مين المواطين ل قبيل النظير ول بعده وجيه المحسين بسيواد مين كآبية ول حزن‪ ،‬ول يعلوه‬
‫شييء مين دخان جهنيم ول غيره‪" .‬وأميا الذيين ابيضيت وجوههيم ففيي رحمية ال هيم فيهيا خالدون"‬
‫[آل عمران‪.]107 :‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 27 :‬والذين كسبوا السيئات جزاء سيئة بمثلها وترهقهم ذلة ما لهم من ال من عاصم‬
‫كأنما أغشيت وجوههم قطعا من الليل مظلما أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذين كسبوا السيئات" أي عملوا المعاصي‪ .‬وقيل‪ :‬الشرك‪" .‬جزاء سيئة بمثلها"‬
‫"جزاء" مرفوع بالبتداء‪ ،‬وخيبره "بمثلهيا"‪ .‬قال ابين كيسيان‪ :‬الباء زائدة؛ والمعنيى جزاء سييئة‬
‫مثلهيا‪ .‬وقييل‪ :‬الباء ميع ميا بعدهيا الخيبر‪ ،‬وهيي متعلقة بمحذوف قاميت مقامه‪ ،‬والمعنيى‪ :‬جزاء سييئة‬
‫كائن بمثلهيا؛ كقولك‪ :‬إنميا أنابيك؛ أي وإنميا أنيا كائن بيك‪ .‬ويجوز أن تتعلق بجزاء‪ ،‬التقديير‪ :‬جزاء‬
‫السييئة بمثلهيا كائن؛ فحذف خيبر المبتدأ‪ .‬ويجوز أن يكون "جزاء" مرفوعيا على تقديير فلهيم جزاء‬
‫سييئة؛ فيكون مثل قوله‪" :‬فعدة مين أيام أخير" [البقرة‪ ]184 :‬أي فعليه عدة‪ ،‬وشبهه؛ والباء على‬
‫هذا التقدير تتعلق بمحذوف‪ ،‬كأنه قال لهم جزاء سيئة ثابت بمثلها‪ ،‬أو تكون مؤكدة أو زائدة‪.‬‬
‫ومعنى هذه المثلية أن ذلك الجزاء مما يعد مماثل لذنوبهم‪ ،‬أي هم غير مظلومين‪ ،‬وفعل الرب‬
‫جلت قدرتيه وتعالى شأنيه غيير معلل بعلة‪" .‬وترهقهيم ذلة" أي يغشاهيم هوان وخزي‪" .‬ميا لهيم مين‬
‫ال" أي من عذاب ال‪" .‬من عاصم" أي مانع يمنعهم منه‪" .‬كأنما أغشيت" أي ألبست‪" .‬وجوههم‬
‫قطعيا" جميع قطعية‪ ،‬وعلى هذا يكون "مظلميا" حال مين "اللييل" أي أغشييت وجوههيم قطعيا مين‬
‫الليل في حال ظلمته‪ .‬وقرأ الكسائي وابن كثير "قطعا" بإسكان الطاء؛ في "مظلما" على هذا نعت‪،‬‬
‫ويجوز أن يكون حال مين اللييل‪ .‬والقطيع اسيم قطيع فسيقط‪ .‬وقال ابين السيكيت‪ :‬القطيع طائفية مين‬
‫الليل؛ وسيأتي في "هود" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 28 :‬ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم‬
‫وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم نحشرهيم جميعيا" أي نجمعهيم‪ ،‬والحشير الجميع‪" .‬جميعيا" حال‪" .‬ثيم نقول‬
‫للذيين أشركوا" أي اتخذوا ميع ال شريكيا‪" .‬مكانكيم" أي الزموا واثبتوا مكانكيم‪ ،‬وقفوا مواضعكيم‪.‬‬
‫"أنتيم وشركاؤكيم" وهذا وعييد‪" .‬فزيلنيا بينهيم" أي فرقنيا وقطعنيا ميا كان بينهيم مين التواصيل فيي‬
‫الدنييا؛ يقال‪ :‬زيلتيه فتزييل‪ ،‬أي فرقتيه فتفرق‪ ،‬وهيو فعلت؛ لنيك تقول فيي مصيدره تزييل‪ ،‬ولو كان‬
‫فيعلت لقلت زيلة‪ .‬والمزايلة المفارقيية؛ يقال‪ :‬زايله ال مزايلة وزيال إذا فارقييه‪ .‬والتزايييل التباييين‪.‬‬
‫قال الفراء‪ :‬وقرأ بعضهيم "فزايلنيا بينهيم"؛ يقال‪ :‬ل أزاييل فلنيا‪ ،‬أي ل أفارقيه؛ فإن قلت‪ :‬ل أزاوله‬
‫فهيو بمعنيى آخير‪ ،‬معناه ل أخاتله‪" .‬وقال شركاؤهيم" عنيى بالشركاء الملئكية‪ .‬وقييل‪ :‬الشياطيين‪،‬‬
‫وقيييل‪ :‬الصيينام؛ فينطقهييا ال تعالى فتكون بينهييم هذه المحاورة‪ .‬وذلك أنهييم ادعوا على الشياطييين‬
‫الذين أطاعوهم والصنام التي عبدوها أنهم أمروهم بعبادتهم ويقولون ما عبدناكم حتى أمرتمونا‪.‬‬
‫قال مجاهيد‪ :‬ينطيق ال الوثان فتقول ميا كنيا نشعير بأنكيم إيانيا تعبدون‪ ،‬وميا أمرناكيم بعبادتنيا‪ .‬وإن‬
‫حميل الشركاء على الشياطيين فالمعنيى أنهيم يقولون ذلك دهشيا‪ ،‬أو يقولون كذبيا واحتيال للخلص‪،‬‬
‫وقد يجري مثل هذا غدا؛ وإن صارت المعارف ضرورية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 29 :‬فكفى بال شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فكفى بال شهيدا بيننا وبينكم" "شهيدا" مفعول‪ ،‬أي كفى ال شهيدا‪ ،‬أو تمييز‪ ،‬أي‬
‫اكتييف بييه شهيدا بيننييا وبينكييم إن كنييا أمرناكييم بهذا أو رضيناه منكييم‪" .‬إن كنييا" أي مييا كنييا "عيين‬
‫عبادتكم لغافلين" إل غافلين ل نسمع ول نبصر ول نعقل؛ لنا كنا جمادا ل روح فينا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 30 :‬هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى ال مولهم الحق وضل عنهم ما كانوا‬
‫يفترون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هنالك" فيي موضيع نصيب على الظرف‪" .‬تبلو" أي فيي ذلك الوقيت‪" .‬تبلو" أي‬
‫تذوق‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬تعلم‪ .‬مجاهد‪ :‬تختبر‪" .‬كل نفس ما أسلفت" أي جزاء ما عملت وقدمت‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫تسيلم‪ ،‬أي تسيلم ميا عليهيا مين الحقوق إلى أربابهيا بغيير اختيارهيا‪ .‬وقرأ حمزة والكسيائي "تتلو" أي‬
‫تقرأ كيل نفيس كتابهيا الذي كتيب عليهيا‪ .‬وقييل‪" :‬تتلو" تتبيع؛ أي تتبيع كيل نفيس ميا قدميت فيي الدنييا؛‬
‫قاله السدي‪ .‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫كما رأيت الذيب يتلو الذيبا‬ ‫إن المريب يتبع المريبا‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وردوا إلى ال مولهم الحق" بالخفض على البدل أو الصفة‪ .‬ويجوز نصب الحق‬
‫ميين ثلث جهات؛ يكون التقدييير‪ :‬وردوا حقييا‪ ،‬ثييم جيييء باللف واللم‪ .‬ويجوز أن يكون التقدييير‪:‬‬
‫مولهيم حقيا ل ميا يعبدون مين دونيه‪ .‬والوجيه الثالث أن يكون مدحيا؛ أي أعنيي الحيق‪ .‬ويجوز أن‬
‫يرفييع "الحييق"‪ ،‬ويكون المعنييى مولهييم الحييق ‪ -‬على البتداء والخييبر والقطييع ممييا قبييل ‪ -‬ل مييا‬
‫يشركون من دونه‪ .‬ووصف نفسه سبحانه بالحق لن الحق منه كما وصف نفسه بالعدل لن العدل‬
‫منيه؛ أي كيل عدل وحيق فمين قبله‪ ،‬وقال ابين عباس‪" :‬مولهيم بالحيق" أي الذي يجازيهيم بالحيق‪.‬‬
‫"وضل عنهم" أي بطل‪" .‬ما كانوا يفترون" "يفترون" في موضع رفع وهو بمعنى المصدر‪ ،‬أي‬
‫افتراؤهم‪ .‬فإن قيل‪ :‬كيف قال‪" :‬وردوا إلى ال مولهم الحق" وقد أخبر بأن الكافرين ل مولى لهم‪.‬‬
‫قيل ليس بمولهم في النصرة والمعونة‪ ،‬وهو مولى لهم في الرزق وإدرار النعم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 31 :‬قل من يرزقكم من السماء والرض أم من يملك السمع والبصار ومن يخرج‬
‫الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر المر فسيقولون ال فقل أفل تتقون}‬
‫@ المراد بمساق هذا الكلم الرد على المشركين وتقرير الحجة عليهم؛ فمن اعترف منهم فالحجة‬
‫ظاهرة عليهيم‪ ،‬ومين لم يعترف فيقرر علييه أن هذه السيموات والرض ل بيد لهميا مين خالق؛ ول‬
‫يتمارى فيي هذا عاقيل‪ .‬وهذا قرييب مين مرتبية الضرورة‪" .‬مين السيماء" أي بالمطير‪" .‬والرض"‬
‫بالنبات‪" .‬أميين يملك السييمع والبصييار" أي ميين جعلهمييا وخلقهمييا لكييم‪" .‬وميين يخرج الحييي ميين‬
‫المييت" أي النبات مين الرض‪ ،‬والنسيان مين النطفية‪ ،‬والسينبلة مين الحبية‪ ،‬والطيير مين البيضية‪،‬‬
‫والمؤمين مين الكافير‪" .‬ومين يدبر المير" أي يقدره ويقضييه‪" .‬فسييقولون ال" لنهيم كانوا يعتقدون‬
‫أن الخالق هيو ال؛ أو فسييقولون هيو ال إن فكروا وأنصيفوا "فقيل" لهيم ييا محميد‪" .‬أفل تتقون" أي‬
‫أفل تخافون عقابه ونقمته في الدنيا والخرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 32 :‬فذلكم ال ربكم الحق فماذا بعد الحق إل الضلل فأنى تصرفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فذلكيم ال ربكيم الحيق" أي هذا الذي يفعيل هذه الشياء هيو ربكيم الحيق‪ ،‬ل ميا‬
‫أشركتييم معييه‪" .‬فماذا بعييد الحييق" "ذا" صييلة أي مييا بعييد عبادة الله الحييق إذا تركييت عبادتييه إل‬
‫الضلل‪ .‬وقال بعيض المتقدميين‪ :‬ظاهير هذه اليية يدل على أن ميا بعيد ال هيو الضلل؛ لن أولهيا‬
‫"فذلكم ال ربكم الحق" وآخرها "فماذا بعد الحق إل الضلل" فهذا في اليمان والكفر‪ ،‬ليس في‬
‫العمال‪ .‬وقال بعضهييم‪ :‬إن الكفيير تغطييية الحييق‪ ،‬وكييل مييا كان غييير الحييق جرى هذا المجرى؛‬
‫فالحرام ضلل والمباح هدى؛ فإن ال هييو المبيييح والمحرم‪ .‬والصييحيح الول؛ لن قبييل "قييل ميين‬
‫يرزقكم من السماء والرض" ثم قال "فذلكم ال ربكم الحق" أي هذا الذي رزقكم‪ ،‬وهذا كله فعله‬
‫هييو‪" .‬ربكييم الحييق" أي الذي تحييق له اللوهييية ويسييتوجب العبادة‪ ،‬وإذا كان ذلك فتشريييك غيره‬
‫ضلل وغير حق‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬حكمت هذه الية بأنه ليس بين الحيق والباطل منزلة ثالثة فيي هذه المسألة التي‬
‫هيي توحييد ال تعالى‪ ،‬وكذلك هيو المير فيي نظائرهيا‪ ،‬وهيي مسيائل الصيول التيي الحيق فيهيا فيي‬
‫طرف واحد؛ لن الكلم فيها إنما هو في تعديد وجود ذات كيف هي‪ ،‬وذلك بخلف مسائل الفروع‬
‫التيي قال ال تعالى فيهيا‪" :‬لكيل جعلنيا منكيم شرعية ومنهاجيا" [المائدة‪ ،]48 :‬وقوله علييه السيلم‪:‬‬
‫(الحلل بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات)‪ .‬والكلم في الفروع إنما هو في أحكام طارئة‬
‫على وجود ذات متقررة ل يختلف فيها وإنما يختلف في الحكام المتعلقة بها‪.‬‬
‫@ ثبيت عين عائشية رضيي ال عنهيا أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم كان إذا قام إلى الصيلة فيي‬
‫جوف اللييل قال‪( :‬اللهيم لك الحميد) الحدييث‪ .‬وفييه (أنيت الحيق ووعدك الحيق وقولك الحيق ولقاؤك‬
‫الحق والجنة حق والنار حق والساعة حق والنبيون حق ومحمد حق) الحديث‪ .‬فقوله‪( :‬أنت الحق)‬
‫أي الواجيب الوجود؛ وأصيله مين حيق الشييء أي ثبيت ووجيب‪ .‬وهذا الوصيف ل تعالى بالحقيقية إذ‬
‫وجوده لنفسييه لم يسييبقه عدم ول يلحقييه عدم؛ ومييا عداه ممييا يقال عليييه هذا السييم مسييبوق بعدم‪،‬‬
‫ويجوز عليه لحاق العدم‪ ،‬ووجوده من موجده ل من نفسه‪ .‬وباعتبار هذا المعنيى كان أصدق كلمة‬
‫قالها الشاعر‪ ،‬كلمة لبيد‪:‬‬
‫أل كل شيء ما خل ال باطل‬
‫وإليه الشارة بقوله تعالى‪" :‬كل شيء هالك إل وجهه له الحكم وإليه ترجعون" [القصص‪.]88 :‬‬
‫@ مقابلة الحق بالضلل عرف لغة وشرعا‪ ،‬كما في هذه الية‪ .‬وكذلك أيضا مقابلة الحق بالباطل‬
‫عرف لغيية وشرعييا؛ قال ال تعالى‪" :‬ذلك بأن ال هييو الحييق وأن مييا يدعون ميين دونييه الباطييل"‬
‫[لقمان‪ .]30 :‬والضلل حقيقتيه الذهاب عين الحيق؛ أخيذ مين ضلل الطرييق‪ ،‬وهيو العدول عين‬
‫سيمته‪ .‬قال ابين عرفية‪ :‬الضللة عنيد العرب سيلوك غيير سيبيل القصيد؛ يقال‪ :‬ضيل عين الطرييق‬
‫وأضيل الشييء إذا أضاعيه‪ .‬وخيص فيي الشرع بالعبارة فيي العدول عين السيداد فيي العتقاد دون‬
‫العمال؛ ومين غرييب أمره أنيه يعيبر بيه عين عدم المعرفية بالحيق سيبحانه إذا قابله غفلة ولم يقترن‬
‫بعدميه جهيل أو شيك‪ ،‬وعلييه حميل العلماء قوله تعالى‪" :‬ووجدك ضال فهدى" [الضحيى‪ ]7 :‬أي‬
‫غافل‪ ،‬فيي أحيد التأويلت‪ ،‬يحققيه قوله تعالى‪" :‬ميا كنيت تدري ميا الكتاب ول اليمان" [الشورى‪:‬‬
‫‪.]52‬‬
‫@ روى عبدال بين عبدالحكيم وأشهيب عين مالك فيي قوله تعالى‪" :‬فماذا بعيه الحيق إل الضلل"‬
‫قال‪ :‬اللعب بالشطرنج والنرد من الضلل‪ .‬وروى يونس عن ابن وهب أنه سئل عن الرجل يلعب‬
‫فيي بيتيه ميع امرأتيه بأربيع عشرة؛ فقال مالك‪ :‬ميا يعجبنيي! ولييس مين شأن المؤمنيين‪ ،‬يقول ال‬
‫تعالى‪" :‬فماذا بعيد الحيق إل الضلل"‪ .‬وروى يونيس عين أشهيب قال‪ :‬سيئل ‪ -‬يعنيي مالكيا ‪ -‬عين‬
‫اللعيب بالشطرنيج فقال‪ :‬ل خيير فييه‪ ،‬ولييس بشييء وهيو مين الباطيل‪ ،‬واللعيب كله مين الباطيل‪ ،‬وإنه‬
‫لينبغي لذي العقل أن تنهاه اللحية والشيب عن الباطل‪ .‬وقال الزهري لما سئل عن الشطرنج‪ :‬هي‬
‫من الباطل ول أحبها‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء فيي جواز اللعيب بالشطرنيج وغيره إذا لم يكين على وجيه القمار؛ فتحصييل‬
‫مذهب مالك وجمهور الفقهاء في الشطرنج أن من لم يقامر بها ولعب مع أهله في بيته مستترا به‬
‫مرة فيي الشهير أو العام‪ ،‬ل يطلع علييه ول يعلم بيه أنيه معفيو عنيه غيير محرم علييه ول مكروه له‪،‬‬
‫وأنه إن تخلع به واشتهر فيه سقطت مروءته وعدالته وردت شهادته‪ .‬وأما الشافعي فل تسقط في‬
‫مذهب أصحابه شهادة اللعب بالنرد والشطرنج‪ ،‬إذا كان عدل في جميع أصحابه‪ ،‬ولم يظهر منه‬
‫سيفه ول ريبية ول كيبيرة إل أن يلعيب بيه قمارا‪ ،‬فإن لعيب بهيا قمارا وكان بذلك معروفيا سيقطت‬
‫عدالتيه وسيفه نفسيه لكله المال بالباطيل‪ .‬وقال أبيو حنيفية‪ :‬يكره اللعيب بالشطرنيج والنرد والربعية‬
‫عشير وكيل اللهيو؛ فإن لم تظهير مين اللعيب بهيا كيبيرة وكانيت محاسينه أكثير مين مسياويه قبلت‬
‫شهادتييه عندهييم‪ .‬قال ابيين العربييي‪ :‬قالت الشافعييية إن الشطرنييج يخالف النرد لن فيييه إكداد الفهييم‬
‫واستعمال القريحة‪ .‬والنرد قمار غرر ل يعلم ما يخرج له فيه كالستقسام بالزلم‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا‪ :‬النرد قطع مملوءة من خشب البقس ومن عظم الفيل‪ ،‬وكذا هو الشطرنج إذ هو‬
‫أخوه غذي بلبانيه‪ .‬والنرد هيو الذي يعرف بالباطيل‪ ،‬ويعرف بالكعاب ويعرف فيي الجاهليية أيضيا‬
‫بالرن ويرف أيضا بالنردشير‪ .‬وفي صحيح مسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه عن النبي صلى‬
‫ال علييه وسيلم قال‪( :‬مين لعيب بالنردشيير فكأنميا غميس يده فيي لحيم خنزيير ودميه)‪ .‬قال علماؤنيا‪:‬‬
‫ومعنى هذا أي هو كمن غمس يده في لحم الخنزير يهيئه لن يأكله‪ ،‬وهذا الفعل في الخنزير حرام‬
‫ل يجوز؛ يييبينه قوله تعالى‪( :‬ميين لعييب بالنرد فقييد‪ .‬عصييى ال ورسييوله) رواه مالك وغيره ميين‬
‫حدييث أبيي موسيى الشعري وهيو حدييث صيحيح‪ ،‬وهيو يحرم اللعيب بالنرد جملة واحدة‪ ،‬وكذلك‬
‫الشطرنج‪ ،‬لم يستثن وقتا من وقت ول حال من حال‪ ،‬وأخبر‪ .‬أن فاعل ذلك عاص ل ورسوله؛ إل‬
‫أنيه يحتميل أن يكون المراد باللعيب بالنرد المنهيي عنيه أن يكون على وجيه القمار؛ لميا روي مين‬
‫إجازة اللعيب بالشطرنيج عين التابعيين على غيير قمار‪ .‬وحميل ذلك على العموم قمارا وغيير قمار‬
‫أولى وأحوط إن شاء ال‪ .‬قال أبيو عبدال الحليميي فيي كتاب منهاج الديين‪ :‬ومميا جاء فيي الشطرنيج‬
‫حديييث يروى فيييه كمييا يروى فييي النرد أن رسييول ال صييلى ال عليييه وسييلم قال‪( :‬ميين لعييب‬
‫بالشطرنج فقد عصى ال ورسوله)‪ .‬وعن علي رضي ال عنه أنه مر على مجلس من مجالس بني‬
‫تمييم وهيم يلعبون بالشطرنيج فوقيف عليهيم فقال‪( :‬أميا وال لغيير هذا خلقتيم! أميا وال لول أن تكون‬
‫سينة لضربيت بيه وجوهكيم)‪ .‬وعنيه رضيي ال عنيه أنيه مير بقوم يلعبون بالشطرنيج فقال‪ :‬ميا هذه‬
‫التماثييل التيي أنتيم لهيا عاكفون؛ لن يميس أحدكيم جمرا حتيى يطفيأ خيير مين أن يمسيها‪ .‬وسيئل ابين‬
‫عمير عين الشطرنيج فقال هيي شير مين النرد‪ .‬وقال أبيو موسيى الشعري‪ :‬ل يلعيب بالشطرنيج إل‬
‫خاطيئ‪ .‬وسيئل أبيو جعفير عين الشطرنيج فقال‪ :‬دعونيا مين هذه المجوسيية‪ .‬وفيي حدييث طوييل عين‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬وأن من لعب بالنرد والشطرنج والجوز والكعاب مقته ال ومن جلس‬
‫إلى من يلعب بالنرد والشطرنج لينظر إليهم محيت عنه حسناته كلها وصار ممن مقته ال)‪ .‬وهذه‬
‫الثار كلها تدل على تحريم اللعب بها بل قمار‪ ،‬وال اعلم‪ .‬وقد ذكرنا في "المائدة" بيان تحريمها‬
‫وأنها كالخمر في التحريم لقترانها به‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال ابين العربيي فيي قبسيه‪ :‬وقيد جوزه الشافعيي‪ ،‬وانتهيى حال بعضهيم إلى أن يقول‪ :‬هيو مندوب‬
‫إليه‪ ،‬حتى اتخذوه في المدرسة؛ فإذا أعيا الطالب من القراءة لعب به في المسجد‪ .‬وأسندوا إلى قوم‬
‫مين الصيحابة والتابعيين أنهيم لعبوا بهيا؛ وميا كان ذلك قيط! وتال ميا مسيتها ييد تقيي‪ .‬ويقولون‪ :‬إنهيا‬
‫تشحيذ الذهين‪ ،‬والعيان يكذبهيم‪ ،‬ميا تبحير فيهيا قيط رجيل له ذهين‪ .‬سيمعت المام أبيا الفضيل عطاء‬
‫المقدسيي يقول بالمسيجد القصيى فيي المناظرة‪ :‬إنهيا تعلم الحرب‪ .‬فقال له الطرطوشيي‪ :‬بيل تفسيد‬
‫تدبيير الحرب؛ لن الحرب المقصيود منهيا الملك واغتياله‪ ،‬وفيي الشطرنيج تقول‪ :‬شاه إياك‪ :‬الملك‬
‫نحيه عين طريقيي؛ فاسيتضحك الحاضريين‪ .‬وتارة شدد فيهيا مالك وحرمهيا وقال فيهيا‪" :‬فماذا بعيد‬
‫الحييق إل الضلل" وتارة اسييتهان بالقليييل منهييا والهون‪ ،‬والقول الول أصييح وال أعلم‪ .‬فإن قال‬
‫قائل‪ :‬روى عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنه سئل عن الشطرنج فقال‪ :‬وما الشطرنج؟ فقيل‬
‫له‪ :‬إن امرأة كان لهييا ابيين وكان ملكييا فأصيييب فييي حرب دون أصييحابه؛ فقالت‪ :‬كيييف يكون هذا‬
‫أرونيه عيانا؛ فعمل لها الشطرنج‪ ،‬فلما رأته تسلت بذلك‪ .‬ووصفوا الشطرنج لعمر رضي ال عنه‬
‫فقال‪ :‬ل بأس بما كان من آلة الحرب؛ قيل له‪ :‬هذا ل حجة فيه لنه لم يقل ل بأس بالشطرنج وإنما‬
‫قال ل بأس بما كان من آلة الحرب‪ .‬وإنما قال هذا لنه شبه عليه أن اللعب بالشطرنج مما يستعان‬
‫بيه على معرفية أسيباب الحرب‪ ،‬فلميا قييل له ذلك ولم يحيط بيه علميه قال‪ :‬ل بأس بميا كان مين آلة‬
‫الحرب‪ ،‬إن كان كميا تقولون فل بأس بيه‪ ،‬وكذلك مين روى عنيه مين الصيحابة أنيه لم ينيه عنيه‪ ،‬فإن‬
‫ذلك محمول منييه على أنييه ظيين أن ذلك ليييس يتلهييى بييه‪ ،‬وإنمييا يراد بييه التسييبب إلى علم القتال‬
‫والمضاربة فيه‪ ،‬أو على أن الخبر المسند لم يبلغهم‪ .‬قال الحليمي‪ :‬وإذا صح الخبر فل حجة لحد‬
‫معه‪ ،‬وإنما الحجة فيه على الكافة‪.‬‬
‫@ ذكر ابن وهب بإسناده أن عبدال بن عمر مر بغلمان يلعبون بالكجّة‪ ،‬وهي حفر فيها حصى‬
‫يلعبون بهيا‪ ،‬قال‪ :‬فسيدها ابين عمير ونهاهيم عنهيا‪ .‬وذكير الهروي فيي باب (الكاف ميع الجييم) فيي‬
‫حدييث ابين عباس‪ :‬فيي كيل شييء قمار حتيى فيي لعيب الصيبيان بالكجية؛ قال ابين العرابيي‪ :‬هيو أن‬
‫يأخذ الصبي خرقة فيدورها كأنها كرة‪ ،‬ثم يتقامرون بها‪ .‬وكج إذا لعب بالكجة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأنى تصرفون" أي كيف تصرفون عقولكم إلى عبادة ما ل يرزق ول يحيي ول‬
‫يميت‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 33 :‬كذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم ل يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذلك حقت كلمة ربك" أي حكمه وقضاؤه وعلمه السابق‪" .‬على الذين فسقوا" أي‬
‫خرجوا عين الطاعية وكفروا وكذبوا‪" .‬أنهيم ل يؤمنون" أي ل يصيدقون‪ .‬وفيي هذا أوفيى دلييل على‬
‫القدرية‪ .‬وقرأ نافع وابن عامر هنا وفي آخرها "كذلك حقت كلمات ربك" وفي سورة غافر بالجمع‬
‫في الثلثة‪ .‬الباقون بالفراد و"أن" في موضع نصب؛ أي بأنهم أو لنهم‪ .‬قال الزجاج‪ :‬ويجوز أن‬
‫تكون في موضع رفع على البدل من كلمات‪ .‬قال الفراء‪ :‬يجوز "إنهم" بالكسر على الستئناف‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 34 :‬قيل هيل مين شركائكيم مين يبدأ الخلق ثيم يعيده قيل ال يبدأ الخلق ثيم يعيده فأنيى‬
‫تؤفكون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل هيل مين شركائكيم" أي آلهتكيم ومعبوداتكيم‪" .‬مين يبدأ الخلق ثيم يعيده" أي قيل‬
‫لهيم ييا محميد ذلك على جهية التوبييخ والتقريير؛ فإن أجابوك وإل فيي "قيل ال يبدأ الخلق ثيم يعيده"‬
‫وليس غيره يفعل ذلك‪" .‬فأنى تؤفكون" أي فكيف تنقلبون وتنصرفون عن الحق إلى الباطل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 35 :‬قيل هيل مين شركائكيم مين يهدي إلى الحيق قيل ال يهدي للحيق أفمين َي ِهدّي إلى‬
‫الحق أحق أن يتبع أم من ل يهدي إل أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل هيل مين شركائكيم مين يهدي إلى الحيق" يقال‪ :‬هداه للطرييق وإلى الطرييق‬
‫بمعنى واحد؛ وقد تقدم‪ .‬أي هل من شركائكم من يرشد إلى دين السلم؛ فإذا قالوا ل ول بد منه في‬
‫"قل" لهم "ال يهدي للحق" ثم قل لهم موبخا ومقررا‪" .‬أفمن يهدي" أي يرشد‪" .‬إلى الحق" وهو‬
‫ال سبحانه وتعالى‪" .‬أحق أن يتبع أمن ل يهدي إل أن يهدى فما لكم كيف تحكمون" يريد الصنام‬
‫التي ل تهدي أحدا‪ ،‬ول تمشي إل أن تحمل‪ ،‬ول تنتقل عن مكانها إل أن تنقل‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫حيث تهدي ساقه قدمه‬ ‫للفتى عقل يعيش به‬
‫وقيل‪ :‬المراد الرؤساء والمضلون الذين ل يرشدون أنفسهم إلى هدى إل أن يرشدوا‪.‬‬
‫وفي "يهدي" قراءات ست‪ :‬الولى‪ :‬قرأ أهل المدينة إل ورشا " َي ْهدّي" بفتح الياء وإسكان الهاء‬
‫وتشديييد الدال؛ فجمعوا فييي قراءتهييم بييين سيياكنين كمييا فعلوا فييي قوله‪" :‬ل ت ْعدّوا" وفييي قوله‪:‬‬
‫"يخْصّمون"‪ .‬قال النحاس‪ :‬والجمع بين الساكنين ل يقدر أحد أن ينطق به‪ .‬قال محمد بن يزيد‪ :‬ل‬
‫بيد لمين رام مثيل هذا أن يحرك حركية خفيفية إلى الكسير‪ ،‬وسييبويه يسيمي هذا اختلس الحركية‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬قرأ أبو عمرو وقالون في رواية بين الفتح والسكان‪ ،‬على مذهبه في الخفاء والختلس‪.‬‬
‫الثالثية‪ :‬قرأ ابين عامير وابين كثيير وورش وابين محيصين " َي َهدّي" بفتيح الياء والهاء وتشدييد الدال‪،‬‬
‫قال النحاس‪ :‬هذه القراءة بينيية فييي العربييية‪ ،‬والصييل فيهييا يهتدى أدغمييت التاء فييي الدال وقلبييت‬
‫حركتها على الهاء‪ .‬الرابعة‪ :‬قرأ حفص ويعقوب والعمش عن أبي بكر مثل قراءة ابن كثير‪ ،‬إل‬
‫أنهيم كسيروا الهاء‪ ،‬قالوا‪ :‬لن الجزم إذا اضطير إلى حركتيه حرك إلى الكسير‪ .‬قال أبيو حاتيم‪ :‬هيي‬
‫لغية سيفلى مضير‪ .‬الخامسية‪ :‬قرأ أبيو بكير عين عاصيم ِي ِهدّي بكسير الياء والهاء وتشدييد الدال‪ ،‬كيل‬
‫ذلك لتباع الكسيير كمييا تقدم فييي البقرة فييي "يخطييف" [البقرة‪ ]20 :‬وقيييل‪ :‬هييي لغيية ميين قرأ‬
‫"نسيتعين"‪ ،‬و"لن تمسينا النار" ونحوه‪ .‬وسييبويه ل يجييز "يهدي" ويجييز "تهدي" و"نهدي"‬
‫و"اهدي" قال‪ :‬لن الكسيرة فيي الياء تثقيل‪ .‬السيادسة‪ :‬قرأ حمزة والكسيائي وخلف ويحييى بين وثاب‬
‫والعمييش " َي ْهدِي" بفتييح الياء وإسييكان الهاء وتخفيييف الدال؛ ميين هدى يهدي‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذه‬
‫القراءة لها وجهان في العربية وإن كانت بعيدة‪ ،‬وأحد الوجهين أن الكسائي والفراء قال‪" :‬يهدي"‬
‫بمعنى يهتدي‪ .‬قال أبو العباس‪ :‬ل يعرف هذا‪ ،‬ولكن التقدير أمن ل يهدي غيره‪ ،‬ثم الكلم‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫"إل أن يهدى" استأنف من الول‪ ،‬أي لكنه يحتاج أن يهدى؛ فهو استثناء منقطع‪ ،‬كما تقول‪ :‬فلن‬
‫ل يسييمع غيره إل أن يسييمع‪ ،‬أي لكنييه يحتاج أن يسييمع‪ .‬وقال أبييو إسييحاق‪" :‬فمييا لكييم" كلم تام‪،‬‬
‫والمعنيى‪ :‬فأي شييء لكيم فيي عبادة الوثان‪ .‬ثيم قييل لهيم‪" :‬كييف تحكمون" أي لنفسيكم وتقضون‬
‫بهذا الباطيل الصيراح‪ ،‬تعبدون آلهية ل تغنيي عين أنفسيها شيئا إل أن يفعيل بهيا‪ ،‬وال يفعيل ميا يشاء‬
‫فتتركون عبادته؛ فموضع "كيف" نصب بي "تحكمون"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 36 :‬وميا يتبيع أكثرهيم إل ظنيا إن الظين ل يغنيي مين الحيق شيئا إن ال علييم بميا‬
‫يفعلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما يتبع أكثرهم إل ظنا" يريد الرؤساء منهم؛ أي ما يتبعون إل حدسا وتخريصا‬
‫فيي أنهيا آلهية وأنهيا تشفيع‪ ،‬ول حجية معهيم‪ .‬وأميا أتباعهيم فيتبعونهيم تقليدا‪" .‬إن الظين ل يغنيي مين‬
‫الحيق شيئا" أي مين عذاب ال؛ فالحيق هيو ال‪ .‬وقييل "الحيق" هنيا اليقيين؛ أي لييس الظين كاليقيين‪.‬‬
‫وفيي هذه اليية دلييل على أنيه ل يكتفيى بالظين فيي العقائد‪" .‬إن ال علييم بميا يفعلون" مين الكفير‬
‫والتكذيب‪ ،‬خرجت مخرج التهديد‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 37 :‬وميا كان هذا القرآن أن يفترى مين دون ال ولكين تصيديق الذي بيين يدييه‬
‫وتفصيل الكتاب ل ريب فيه من رب العالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومييا كان هذا القرآن أن يفترى ميين دون ال" "أن" مييع "يفترى" مصييدر‪،‬‬
‫والمعنيى‪ :‬وميا كان هذا القرآن افتراء؛ كميا تقول‪ :‬فلن يحيب أن يركيب‪ ،‬أي يحيب الركوب‪ ،‬قاله‬
‫الكسيائي‪ .‬وقال الفراء‪ :‬المعنيى وميا ينبغيي لهذا القرآن أن يفترى؛ كقوله‪" :‬وميا كان لنيبي أن يغيل"‬
‫[آل عمران‪" ]161 :‬وميا كان المؤمنون لينفروا كافية" [التوبية‪ .]122 :‬وقييل‪" :‬أن" بمعنيى‬
‫اللم‪ ،‬تقديره‪ :‬وميا كان هذا القرآن ليفترى‪ .‬وقييل‪ :‬بمعنيى ل‪ ،‬أي ل يفترى‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى ميا كان‬
‫يتهييأ لحيد أن يأتيي بمثيل هذا القرآن مين عنيد غيير ال ثيم ينسيبه إلى ال تعالى لعجازه؛ لوصيفه‬
‫ومعانييه وتأليفيه‪" .‬ولكين تصيديق الذي بيين يدييه" قال الكسيائي والفراء ومحميد بين سيعدان‪ :‬التقديير‬
‫ولكين كان تصيديق؛ ويجوز عندهيم الرفيع بمعنيى‪ :‬ولكين هيو تصيديق‪" .‬الذي بيين يدييه" أي مين‬
‫التوراة والنجيل وغيرهما من الكتيب‪ ،‬فإنهيا قيد بشرت به فجاء مصيدقا لهيا فيي تلك البشارة‪ ،‬وفي‬
‫الدعاء إلى التوحييد واليمان بالقيامية‪ .‬وقييل‪ :‬المعنيى ولكين تصيديق النيبي بيين يدي القرآن وهيو‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم؛ لنهم شاهدوه قبل أن سمعوا منه القرآن‪" .‬وتفصيل" بالنصب والرفع‬
‫على الوجهيين المذكورييين فييي تصيديق‪ .‬والتفصييل التيبيين‪ ،‬أي ييبين مييا فييي كتييب ال المتقدميية‪.‬‬
‫والكتاب اسيم الجنيس‪ .‬وقييل‪ :‬أراد بتفصييل الكتاب ميا بيين فيي القرآن مين الحكام‪" .‬ل رييب فييه"‬
‫الهاء عائدة للقرآن‪ ،‬أي ل شك فيه أي في نزول من قبل ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 38 :‬أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون ال إن كنتم‬
‫صادقين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم يقولون افتراه" أم ههنيا فيي موضيع ألف السيتفهام لنهيا اتصيلت بميا قبلهيا‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هي أم المنقطعة التي تقدر بمعنى بل والهمزة؛ كقوله تعالى‪" :‬الم تنزيل الكتاب ل ريب فيه‬
‫مين رب العالميين أم يقولون افتراه" [السيجدة‪ ]3 ،2 ،1 :‬أي بيل أيقولون افتراه‪ .‬وقال أبيو عبيدة‪:‬‬
‫أم بمعنيى الواو‪ ،‬مجازة‪ :‬ويقولون افتراه‪ .‬وقييل‪ :‬المييم صيلة‪ ،‬والتقديير‪ :‬أيقولون افتراه‪ ،‬أي اختلق‬
‫محميد القرآن مين قبيل نفسيه‪ ،‬فهيو اسيتفهام معناه التقرييع‪" .‬قيل فأتوا بسيورة مثله" ومعنيى الكلم‬
‫الحتجاج‪ ،‬فإن اليية الولى دلت على كون القرآن مين عنيد ال؛ لنيه مصيدق الذي بيين يدييه مين‬
‫الكتب وموافق لها من غير أن يتعلم محمد عليه السلم عن أحد‪ .‬وهذه الية إلزام بأن يأتوا بسورة‬
‫مثله إن كان مفترى‪ .‬وقيد مضيى القول فيي إعجاز القرآن‪ ،‬وأنيه معجيز فيي مقدمية الكتاب‪ ،‬والحميد‬
‫ل‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 39 :‬بيل كذبوا بميا لم يحيطوا بعلميه ولميا يأتهيم تأويله كذلك كذب الذيين مين قبلهيم‬
‫فانظر كيف كان عاقبة الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه" أي كذبوا بالقرآن وهم جاهلون بمعانيه وتفسيره‪،‬‬
‫وعليهيم أن يعلموا ذلك بالسؤال؛ فهذا يدل على أنه يجب أن ينظر في التأويل‪ .‬وقوله‪" :‬ولما يأتهيم‬
‫تأويله" أي ولم يأتهم حقيقة عاقبة التكذيب من نزول العذاب بهم‪ .‬أو كذبوا بما في القرآن من ذكر‬
‫البعييث والجنيية والنار‪ ،‬ولم يأتهييم تأويله أي حقيقيية مييا وعدوا فييي الكتاب؛ قاله الضحاك‪ .‬وقيييل‬
‫للحسين بن الفضل‪ :‬هل تجد في القرآن (من جهل شيئا عاداه) قال نعم‪ ،‬في موضعين‪" :‬بل كذبوا‬
‫بما لم يحيطوا بعلمه" وقوله‪" :‬وإذا لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم" [الحقاف‪" .]11 :‬كذلك‬
‫كذب الذييين ميين قبلهييم" يريييد المييم الخالييية‪ ،‬أي كذا كانييت سييبيلهم‪ .‬والكاف فييي موضييع نصييب‪.‬‬
‫"فانظر كيف كان عاقبة الظالمين" أي أخذهم بالهلك والعذاب‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 40 :‬ومنهم من يؤمن به ومنهم من ل يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنهم من يؤمن به" قيل‪ :‬المراد أهل مكة‪ ،‬أي ومنهم من يؤمن به في المستقبل‬
‫وإن طال تكذيبيه؛ لعلميه تعالى السيابق فيهيم أنهيم مين السيعداء‪ .‬و"مين" رفيع بالبتداء والخيبر فيي‬
‫المجرور‪ .‬وكذا‪" .‬ومنهم من ل يؤمن به" والمعنى ومنهم من يصر على كفره حتى يموت؛ كأبي‬
‫طالب وأبيي لهيب ونحوهميا‪ .‬وقييل‪ :‬المراد أهيل الكتاب‪ .‬وقييل‪ :‬هيو عام فيي جمييع الكفار؛ وهيو‬
‫الصحيح‪ .‬وقيل‪ .‬إن الضمير في "به" يرجع إلى محمد صلى ال عليه وسلم؛ فأعلم ال سبحانه أنه‬
‫إنميا أخير العقوبية لن منهيم مين سييؤمن‪" .‬وربيك أعلم بالمفسيدين" أي مين يصير على كفره؛ وهذا‬
‫تهديد لهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 41 :‬وإن كذبوك فقيل لي عملي ولكيم عملكيم أنتيم بريئون مميا أعميل وأنيا برييء مميا‬
‫تعملون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن كذبوك فقل لي عملي" رفع بالبتداء‪ ،‬والمعنى‪ :‬لي ثواب عملي فيي التبلييغ‬
‫والنذار والطاعية ل تعالى‪" .‬ولكيم عملكيم" أي جزاؤه مين الشرك‪" .‬أنتيم بريؤون مميا أعميل وأنيا‬
‫بريء مما تعملون" مثله؛ أي ل يؤاخذ أحد بذنب الخر‪ .‬وهذه الية منسوخة بآية السيف؛ في قول‬
‫مجاهد والكلبي ومقاتل وابن زيد‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 43 - 42 :‬ومنهيم مين يسيتمعون إلييك أفأنيت تسيمع الصيم ولو كانوا ل يعقلون‪،‬‬
‫ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا ل يبصرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومنهم من يستمعون إليك" يريد بظواهرهم‪ ،‬وقلوبهم ل تعي شيئا مما يقوله من‬
‫الحييق ويتلوه ميين القرآن؛ ولهذا قال‪" :‬أفأنييت تسييمع الصييم ولو كانوا ل يعقلون" أي ل تسييمع؛‬
‫فظاهره الستفهام ومعناه النفي‪ ،‬وجعلهم كالصم للختم على قلوبهم والطبع عليها‪ ،‬أي ل تقدر على‬
‫هداية من أصمه ال عن سماع الهدى‪ .‬وكذا المعنى في‪" :‬ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي‬
‫ولو كانوا ل يبصيرون" أخيبر تعالى أن أحدا ل يؤمين إل بتوفيقيه وهدايتيه‪ .‬وهذا وميا كان مثله يرد‬
‫على القدريية قولهيم؛ كميا تقدم فيي غيير موضيع‪ .‬وقال‪" :‬يسيتمعون" على معنيى "مين" و"ينظير"‬
‫على اللفيظ؛ والمراد تسيلية النيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ ،‬أي كميا ل تقدر أن تسيمع مين سيلب السيمع‬
‫ول تقدر أن تخلق للعميى بصيرا يهتدي بيه‪ ،‬فكذلك ل تقدر أن توفيق هؤلء لليمان وقيد حكيم ال‬
‫عليهم أل يؤمنوا‪ .‬ومعنى‪" :‬ينظر إليك" أي يديم النظر إليك؛ كما قال‪" :‬ينظرون إليك تدور أعينهم‬
‫كالذي يغشى عليه من الموت" [الحزاب‪ ]19 :‬قيل‪ :‬إنها نزلت في المستهزئين‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 44 :‬إن ال ل يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون}‬
‫@ لميا ذكير أهيل الشقاء ذكير أنيه لم يظلمهيم‪ ،‬وأن تقديير الشفاء عليهيم وسيلب سيمع القلب وبصيره‬
‫ليس ظلما منه؛ لنه مصرف في ملكه بما شاء‪ ،‬وهو في جميع أفعاله عادل‪" .‬ولكن الناس أنفسهم‬
‫يظلمون" بالكفير والمعصيية ومخالفية أمير خالقهيم‪ .‬وقرأ حمزة والكسيائي "ولكين" مخففيا "الناس"‬
‫رفعييا‪ .‬قال النحاس‪ :‬زعييم جماعيية ميين النحويييين منهييم الفراء أن العرب إذا قالت "ولكيين" بالواو‬
‫آثرت التشدييد‪ ،‬وإذا حذفوا الواو آثرت التخفييف‪ ،‬واعتيل فيي ذلك فقال‪ :‬لنهيا إذا كانيت بغيير واو‬
‫أشبهيت بيل فخففوهيا ليكون ميا بعدهيا كميا بعيد بيل‪ ،‬وإذا جاؤوا بالواو خالفيت بيل فشددوهيا ونصيبوا‬
‫بها‪ ،‬لنها "إن" زيدت عليها لم وكاف وصيرت حرفا واحد؛ وأنشد‪:‬‬
‫ولكنني من حبها لعميد‬
‫فجاء باللم لنها "إن"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 45 :‬ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إل ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين‬
‫كذبوا بلقاء ال وما كانوا مهتدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا" بمعنى كأنهم خففت‪ ،‬أي كأنهم لم يلبثوا في قبورهم‪.‬‬
‫"إل سياعة مين النهار" أي قدر سياعة‪ :‬يعنيي أنهيم اسيتقصروا طول مقامهيم فيي القبور لهول ميا‬
‫يرون من البعث؛ دليله قولهم‪" :‬لبثنا يوما أو بعض يوم" [الكهف‪ .]19 :‬وقيل‪ :‬إنما قصرت مدة‬
‫لبثهم في الدنيا من هول ما استقبلوا ل مدة كونهم في القبر‪ .‬ابن عباس‪ :‬رأوا أن طول أعمارهم في‬
‫مقابلة الخلود كسيياعة‪" .‬يتعارفون بينهييم" فييي موضييع نصييب على الحال ميين الهاء والميييم فييي‬
‫"يحشرهم"‪ .‬ويجوز أن يكون منقطعا‪ ،‬فكأنه قال فهم يتعارفون‪ .‬قال الكلبي‪ :‬يعرف بعضهم بعضا‬
‫كمعرفتهم في الدنيا إذا خرجوا من قبورهم؛ وهذا التعارف تعارف توبيخ وافتضاح؛ يقول بعضهم‬
‫لبعيض‪ :‬أنيت أضللتنيي وأغويتنيي وحملتنيي على الكفير؛ ولييس تعارف شفقية ورأفية وعطيف‪ .‬ثيم‬
‫تنقطيع المعرفية إذا عاينوا أهوال يوم القيامية كميا قال‪" :‬ول يسيأل حمييم حميميا" [المعارج‪.]10 :‬‬
‫وقيييل‪ :‬يبقييى تعارف التوبيييخ؛ وهييو الصييحيح لقوله تعالى‪" :‬ولو ترى إذ الظالمون موقوفون" إلى‬
‫قوله "وجعلنا الغلل في أعناق الذين كفروا" [سبأ‪ ]33 - 31 :‬وقوله‪" :‬كلما دخلت أمة لعنت‬
‫أختها" [العراف‪ ]38 :‬الية‪ ،‬وقوله‪" :‬ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا" [الحزاب‪ ]67 :‬الية‪.‬‬
‫فأميا قوله‪" :‬ول يسيأل حمييم حميميا" وقوله‪" :‬فإذا نفيخ فيي الصيور فل أنسياب بينهيم" [المؤمنون‪:‬‬
‫‪ ]101‬فمعناه ل يسيأله سيؤال رحمية وشفقية‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقييل‪ :‬القيامية مواطين‪ .‬وقييل‪ :‬معنيى‬
‫"يتعارفون" يتسياءلون‪ ،‬أي يتسياءلون كيم لبثتيم؛ كميا قال‪" :‬وأقبيل بعضهيم على بعيض يتسياءلون"‬
‫[الصيافات‪ ]27 :‬وهذا حسين‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬ذلك تعارف تعاطيف المؤمنيين؛ والكافرون ل‬
‫تعاطف عليهم؛ كما قال‪" :‬فل أنساب بينهم"‪ .‬والول أظهر‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قد خسر الذين كذبوا بلقاء ال" أي بالعرض على ال‪ .‬ثم قيل‪ :‬يجوز أن يكون هذا‬
‫إخبارا مين ال عيز وجيل بعيد أن دل على البعيث والنشور‪ ،‬أي خسيروا ثواب الجنية‪ .‬وقييل‪ :‬خيبروا‬
‫في حال لقاء ال؛ لن الخسران إنما هو في تلك الحالة التي ل يرجى فيها إقالة ول تنفع توبة‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬ويجوز أن يكون المعنيى يتعارفون بينهيم‪ ،‬يقولون هذا‪" .‬وميا كانوا مهتديين" برييد فيي علم‬
‫ال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 46 :‬وإميا نرينيك بعيض الذي نعدهيم أو نتوفينيك فإلينيا مرجعهيم ثيم ال شهييد على ميا‬
‫يفعلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإميا نرينيك" شرط‪" .‬بعيض الذي نعدهيم" أي مين إظهار دينيك فيي حياتيك‪ .‬وقال‬
‫المفسرون‪ :‬كان البعض الذي وعدهم قتل من قتل وأسر من أسر ببدر‪" .‬أو نتوفينك" عطف على‬
‫"نريك" أي نتوفينك قبل ذلك‪" .‬فإلينا مرجعهم" جواب "إما"‪ .‬والمقصود إن لم ننتقم منهم عاجل‬
‫انتقمنيا منهيم آجل‪" .‬ثيم ال شهييد" أي شاهيد ل يحتاج إلى شاهيد‪" .‬على ميا يفعلون" مين محاربتيك‬
‫وتكذيبك‪ .‬ولو قيل‪" :‬ثم ال شهيد" بمعنى هناك‪ ،‬جاز‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 47 :‬ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم ل يظلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط" يكون المعنى‪ :‬ولكل أمة‬
‫رسول شاهد عليهم‪ ،‬فإذا جاء رسولهم يوم القيامة قضي بينهم؛ مثل‪" .‬فكيف إذا جئنا من كل أمة‬
‫بشهييد" [النسياء‪ .]41 :‬وقال ابين عباس‪ :‬تنكير الكفار غدا مجييء الرسيل إليهيم‪ ،‬فيؤتيى بالرسيول‬
‫فيقول‪ :‬قييد أبلغتكييم الرسييالة؛ فحينئذ يقضييى عليهييم بالعذاب‪ .‬دليله قوله‪" :‬ويكون الرسييول عليكييم‬
‫شهيدا"‪ .‬ويجوز أن يكون المعنى أنهم ل يعذبون في الدنيا حتى يرسل إليهم؛ فمن آمن فاز ونجا‪،‬‬
‫ومين لم يؤمين هلك وعذب‪ .‬دليله قوله تعالى‪" :‬وميا كنيا معذبيين حتيى نبعيث رسيول" [السيراء‪:‬‬
‫‪ .]15‬والقسط‪ :‬العدل‪" .‬وهم ل يظلمون" أي ل يعذبون بغير ذنب ول يؤاخذون بغير حجة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 48 :‬ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين}‬
‫@ يريد كفار مكة لفرط إنكارهم واستعجالهم العذاب؛ أي متى العقاب أو متى القيامة التي يعدنا‬
‫محمد‪ .‬وقيل‪ :‬هو عام في كل أمة كذبت رسولها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 49 :‬قل ل أملك لنفسي ضرا ول نفعا إل ما شاء ال لكل أمة أجل إذا جاء أجلهم فل‬
‫يستأخرون ساعة ول يستقدمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل ل أملك لنفسيي ضرا ول نفعيا" لميا اسيتعجلوا النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫بالعذاب قال ال له‪ :‬قيل لهيم ييا محميد ل أملك لنفسيي ضرا ول نفعيا؛ أي لييس ذلك لي ول لغيري‪.‬‬
‫"إل ما شاء ال" أن أملكه وأقدر عليه‪ ،‬فكيف أقدر أن أملك ما استعجلتم فل تستعجلوا‪" .‬لكل أمة‬
‫أجييل" أي لهلكهييم وعذابهييم وقييت معلوم فييي علمييه سييبحانه‪" .‬إذا جاء أجلهييم" أي وقييت انقضاء‬
‫أجلهيم‪" .‬فل يسيتأخرون سياعة ول يسيتقدمون" أي ل يمكنهيم أن يسيتأخروا سياعة باقيين فيي الدنييا‬
‫ول يتقدمون فيؤخرون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 50 :‬قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا ماذا يستعجل منه المجرمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا أو نهارا" ظرفان‪ ،‬وهو جواب لقولهم‪" :‬متى هذا‬
‫الوعيد" وتسيفيه لرائهيم فيي اسيتعجالهم العذاب؛ أي إن أتاكيم العذاب فميا نفعكيم فييه‪ ،‬ول ينفعكيم‬
‫اليمان حينئذ‪" .‬ماذا يسيتعجل منيه المجرمون" اسيتفهام معناه التهوييل والتعظييم؛ أي ميا أعظيم ميا‬
‫يستعجلون به؛ كما يقال لمن يطلب أم أمرا يستوخم عاقبته‪ :‬ماذا تجني على نفسك! والضميير في‬
‫"منه" قيل‪ :‬يعود على العذاب‪ ،‬وقيل‪ :‬يعود على ال سبحانه وتعالى‪ .‬قال النحاس‪ :‬إن جعلت الهاء‬
‫فيي "منيه" تعود على العذاب كان لك فيي "ماذا" تقديران‪ :‬أحدهميا أن يكون "ميا" فيي موضيع رفيع‬
‫بالبتداء‪ ،‬و"ذا"‪ :‬بمعنيى الذي‪ ،‬وهيو خيبر "ميا" والعائد محذوف‪ .‬والتقديير الخير أن يكون "ماذا"‬
‫اسيما واحدا فيي موضيع بالبتداء‪ ،‬والخيبر فيي الجملة‪ ،‬قاله الزجاج‪ .‬وإن جعلت الهاء فيي "منيه"‬
‫تعود على اسم ال تعالى جعلت "ما"‪ ،‬و"ذا" شيئا واحدا‪ ،‬وكانت في موضع نصب بي "يستعجل"؛‬
‫والمعنى‪ :‬أي شيء يستعجل منه المجرمون عن ال عز وجل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 51 :‬أثم إذا ما وقع آمنتم به آلن وقد كنتم به تستعجلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أثيم إذا ميا وقيع آمنتيم بيه آلن" فيي الكلم حذف‪ ،‬والتقديير‪ :‬أتأمنون أن ينزل بكيم‬
‫العذاب ثم يقال لكم إذا حل‪ :‬آلن آمنتم به؟ قيل‪ :‬هو من قول الملئكة استهزاء بهم‪ .‬وقيل‪ :‬هو من‬
‫قول ال تعالى‪ ،‬ودخلت ألف الستفهام على "ثم" والمعنى‪ :‬التقرير والتوبيخ‪ ،‬وليدل على أن معنى‬
‫الجملة الثانيية بعيد الولى‪ .‬وقييل‪ :‬إن "ثيم" ههنيا بمعنيى‪" :‬ثيم" بفتيح الثاء‪ ،‬فتكون ظرفيا‪ ،‬والمعنيى‪:‬‬
‫أهنالك؛ وهو مذهب الطبري‪ ،‬وحينئذ ل يكون فيه معنى الستفهام‪ .‬و"الن" قيل‪ :‬أصله فعل مبني‬
‫مثيل حان‪ ،‬واللف واللم لتحويله إلى السيم‪ .‬الخلييل‪ :‬بنييت للتقاء السياكنين‪ ،‬واللف واللم للعهيد‬
‫والشارة إلى الوقت‪ ،‬وهو حد الزمانين‪" .‬وقد كنتم به" أي بالعذاب "تستعجلون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 52 :‬ثم قيل للذين ظلموا ذوقوا عذاب الخلد هل تجزون إل بما كنتم تكسبون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم قيل للذين ظلموا" أي تقول لهم خزنة جهنم‪" .‬ذوقوا عذاب الخلد" أي الذي ل‬
‫ينقطع‪" .‬هل تجزون إل بما كنتم تكسبون" أي جزاء كفركم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 53 :‬ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق وما أنتم بمعجزين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويسيتنبئونك" أي يسيتخبرونك ييا محميد عين كون العذاب وقيام السياعة‪" .‬أحيق"‬
‫ابتداء‪" .‬هيو" سيد مسيد الخيبر؛ وهذا قول سييبويه‪ .‬ويجوز أن يكون "هيو" مبتدأ‪ ،‬و"أحيق" خيبره‪.‬‬
‫"قيل إي" "إي" كلمية تحقييق وإيجاب وتأكييد بمعنيى نعيم‪" .‬وربيي" قسيم‪" .‬إنيه لحيق" جوابيه‪ ،‬أي‬
‫كائن ل شك فيه‪" .‬وما أنتم بمعجزين" أي فائتين عن عذابه ومجازاته‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 54 :‬ولو أن لكيل نفيس ظلميت ميا فيي الرض لفتدت بيه وأسيروا الندامية لميا رأوا‬
‫العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم ل يظلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو أن لكيل نفيس ظلميت" أي أشركيت وكفرت‪" .‬ميا فيي الرض" أي ملكيا‪.‬‬
‫"لفتدت به" أي من عذاب ال‪ ،‬يعني ول يقبل منها؛ كما قال‪" :‬إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار‬
‫فلن يقبل من أحدهم ملء الرض ذهبا ولو افتدى به" [آل عمران‪ ]91 :‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأسيروا الندامية" أي أخفوهيا؛ يعنيي رؤسياءهم‪ ،‬أي أخفوا ندامتهيم عين اتباعهيم‪.‬‬
‫"لما رأوا العذاب" وهذا قبل الحراق بالنار‪ ،‬فإذا وقعوا في النار ألهتهم النار عن التصنع؛ بدليل‬
‫قولهييم‪" :‬ربنييا غلبييت علينييا شقوتنييا" [المؤمنون‪ .]106 :‬فييبين أنهييم ل يكتمون مييا بهييم‪ .‬وقيييل‪:‬‬
‫"أسيروا" أظهروا‪ ،‬والكلمية مين الضداد‪ ،‬ويدل علييه أن الخرة ليسيت دار تجلد وتصيبر‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫وجدوا ألم الحسرة في قلوبهم؛ لن الندامة ل يمكن إظهارها‪ .‬قال كثير‪:‬‬
‫بسرد جمال غاضرة المنادي‬ ‫فأسررت الندامة يوم نادى‬
‫وذكير الميبرد فييه وجهيا ثالثيا‪ :‬أنيه بدت بالندامية أسيرة وجوههيم‪ ،‬وهيي تكاسيير الجبهية‪ ،‬واحدهيا‬
‫سيرار‪ .‬والندامية‪ :‬الحسيرة لوقوع شييء أو فوت شييء‪ ،‬وأصيلها اللزوم؛ ومنيه الندييم لنيه يلزم‬
‫المجالس‪ .‬وفلن نادم سادم‪ .‬والسدم اللهج بالشيء‪ .‬وندم وتندم بالشيء أي اهتم به‪ .‬قال الجوهري‪:‬‬
‫السييدم (بالتحريييك) الندم والحزن؛ وقييد سييدم بالكسيير أي اهتييم وحزن ورجييل نادم سييادم‪ ،‬وندمان‬
‫سيدمان؛ وقييل‪ :‬هيو اتباع‪ .‬وماله هيم ول سيدم إل ذلك‪ .‬وقييل‪ :‬الندم مقلوب الدمين‪ ،‬والدمين اللزوم؛‬
‫ومنه فلن مدمن الخمر‪ .‬والدمن‪ :‬ما اجتمع في الدار وتلبد من البوال والبعار؛ سمي به للزومه‪.‬‬
‫والدمنية‪ :‬الحقيد الملزم للصيدر‪ ،‬والجميع دمين‪ .‬وقيد دمنيت قلوبهيم بالكسير؛ يقال‪ :‬دمنيت على فلن‬
‫أي ضغنت‪" .‬وقضي بينهم بالقسط" أي بين الرؤساء والسفل بالعدل‪" .‬وهم ل يظلمون"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 55 :‬أل إن ل ميا فيي السيماوات والرض أل إن وعيد ال حيق ولكين أكثرهيم ل‬
‫يعلمون}‬
‫@ "أل" كلمة تنبيه للسامع تزاد في أول الكلم؛ أي انتبهوا لما أقول لكم‪" :‬إن ل ما في السماوات‬
‫والرض أل إن وعيد ال حيق" "له ملك السيماوات والرض" [الحدييد‪ ]2 :‬فل مانيع يمنعيه مين‬
‫إنفاذ ما وعده‪" .‬ولكن أكثرهم ل يعلمون" ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 56 :‬هو يحيي ويميت وإليه ترجعون}‬
‫@ بين المعنى‪ .‬وقد تقدم‬
‫*‪*3‬الية‪{ 57 :‬يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة‬
‫للمؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ييا أيهيا الناس" يعنيي قريشيا‪" .‬قيد جاءتكيم موعظية" أي وعيظ‪" .‬مين ربكيم" بعنيي‬
‫القرآن‪ ،‬فييه مواعيظ وحكيم‪" .‬وشفاء لميا فيي الصيدور" أي مين الشيك والنفاق والخلف‪ ،‬والشقاق‪.‬‬
‫"وهدى" أي ورشدا لمن اتبعه‪" .‬ورحمة" أي نعمة‪" .‬للمؤمنين" خصهم لنهم المنتفعون باليمان؛‬
‫والكل صفات القرآن‪ ،‬والعطف لتأكيد المدح‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وليث الكتيبة في المزدحم‬ ‫إلى الملك القرم وابن الهمام‬
‫*‪*3‬الية‪{ 58 :‬قل بفضل ال وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل بفضيل ال وبرحمتيه" قال أبيو سيعيد الخدري وابين عباس رضيي ال عنهميا‪:‬‬
‫فضل ال القرآن‪ ،‬ورحمته السلم‪ .‬وعنهما أيضا‪ :‬فضل ال القرآن‪ ،‬ورحمته أن جعلكم من أهله‪.‬‬
‫وعيين الحسيين والضحاك ومجاهييد وقتادة‪ :‬فضييل ال اليمان‪ ،‬ورحمتييه القرآن؛ على العكييس ميين‬
‫القول الول‪ .‬وقييييل‪ :‬غيييير هذا‪" .‬فبذلك فليفرحوا" إشارة إلى الفضيييل والرحمييية‪ .‬والعرب تأتيييي‬
‫"بذلك" للواحد والثنين والجمع‪ .‬وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قرأ "فبذلك فلتفرحوا"‬
‫بالتاء؛ وهيي قراءة يزييد بين القعقاع ويعقوب وغيرهميا؛ وفيي الحدييث (لتأخذوا مصيافكم)‪ .‬والفرح‬
‫لذة فيييي القلب بإدراك المحبوب‪ .‬وقيييد ذم الفرج فيييي مواضيييع؛ كقوله‪" :‬ل تفرح إن ال ل يحيييب‬
‫الفرحين" [القصص‪ ]76 :‬وقوله‪" :‬إنه لفرح فخور" [هود‪ ]10 :‬ولكنه مطلق‪ .‬فإذا قيد الفرح لم‬
‫يكن ذما؛ لقوله‪" :‬فرحين بما آتاهم ال من فضله" [آل عمران‪ ]170 :‬وههنا قال تبارك وتعالى‪:‬‬
‫"فبذلك فليفرحوا" أي بالقرآن والسيلم فليفرحوا؛ فقييد‪ .‬قال هارون‪ :‬وفيي حرف أبيي "فبذلك‬
‫فافرحوا"‪ .‬قال النحاس‪ :‬سييبيل الميير أن يكون باللم ليكون معييه حرف جازم كمييا أن مييع النهييي‬
‫حرفيا؛ إل أنهيم يحذفون‪ ،‬مين المير للمخاطيب اسيتغناء بمخاطبتيه‪ ،‬وربميا جاؤوا بيه على الصيل؛‬
‫منه "فبذلك فلتفرحوا"‪" .‬هو خير مما يجمعون" يعني في الدنيا‪ .‬وقراءة العامة بالياء في الفعلين؛‬
‫وروي عين ابين عامير أنيه قرأ "فليفرحوا" بالياء "تجمعون" بالتاء خطابيا للكافريين‪ .‬وروي عين‬
‫الحسين أنيه قرأ بالتاء فيي الول؛ و"يجمعون" بالياء على العكيس‪ .‬وروى أبان عين أنيس أن النيبي‬
‫صيلى ال علييه وسيلم قال‪( :‬مين هداه ال للسيلم وعلميه القرآن ثيم شكيا الفاقية كتيب ال الفقير بيين‬
‫عينيه إلى يوم يلقاه ثم تل "قل بفضل ال وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون"‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 59 :‬قل أرأيتم ما أنزل ال لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلل قل آل أذن لكم أم‬
‫على ال تفترون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل أرأيتيم" يخاطيب كفار مكية‪" .‬ميا أنزل ال لكيم مين رزق" "ميا" فيي موضيع‬
‫نصيب بيي "أرأيتيم"‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬فيي موضيع نصيب بيي "أنزل"‪" .‬وأنزل" بمعنيى خالق؛ كميا قال‪:‬‬
‫"وأنزل لكيم مين النعام ثمانيية أزواج" [الزمير‪" .]6 :‬وأنزلنيا الحدييد فييه بأس شدييد" [الحدييد‪:‬‬
‫‪ .]25‬فيجوز أن يعبر عن الخلق بالنزال؛ لن الذي في الرض من الرزق إنما هو بما ينزل من‬
‫السيماء من المطر‪" .‬فجعلتم منه حراما وحلل" قال مجاهيد‪ :‬هو ما حكموا بيه من تحرييم البحيرة‬
‫والسيائبة والوصييلة والحام‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬هيو قول ال تعالى‪" :‬وجعلوا ل مميا ذرأ مين الحرث‬
‫والنعام نصييبا" [النعام‪" .]136 :‬قيل أآل أذن لكيم" أي فيي التحلييل والتحرييم‪" .‬أم على ال"‬
‫"أم" بمعنى بل‪" .‬تفترون" هو قولهم إن ال أمرنا بها‪.‬‬
‫@ اسيتدل بهذه اليية مين نفيي القياس‪ ،‬وهذا بعييد؛ فإن القياس دلييل ال تعالى‪ ،‬فيكون التحلييل‬
‫والتحرييم مين ال تعالى عنيد وجود دللة نصيبها ال تعالى على الحكيم‪ ،‬فإن خالف فيي كون القياس‬
‫دليل ل تعالى فهو خروج عن هذا الغرض ورجوع إلى غيره‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 60 :‬وما ظن الذين يفترون على ال الكذب يوم القيامة إن ال لذو فضل على الناس‬
‫ولكن أكثرهم ل يشكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما ظن الذين يفترون على ال الكذب يوم القيامة" "يوم" منصوب على الظرف‪،‬‬
‫أو بالظين؛ نحيو ميا ظنيك زيدا؛ والمعنيى‪ :‬أيحسيبون أن ال ل يؤاخذهيم بيه‪" .‬إن ال لذو فضيل على‬
‫الناس" أي في التأخير والمهال‪ .‬وقيل‪ :‬أراد أهل مكة حين جعلهم في حرم آمن‪" .‬ولكن أكثرهم"‬
‫يعنييي الكفار‪" .‬ل يشكرون" ال على نعميه ول فيي تأخييير العذاب عنهيم‪ .‬وقييل‪" :‬ل يشكرون" ل‬
‫يوحدون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 61 :‬وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ول تعملون من عمل إل كنا عليكم‬
‫شهودا إذ تفيضون فييه وميا يعزب عين ربيك مين مثقال ذرة فيي الرض ول فيي السيماء ول أصيغر‬
‫من ذلك ول أكبر إل في كتاب مبين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما تكون في شأن" "ما" للجحد؛ أي لست في شأن‪ ،‬يعني من عبادة أو غيرها‬
‫إل والرب مطلع علييك‪ .‬والشأن الخطيب‪ ،‬والمير‪ ،‬وجمعيه شؤون‪ .‬قال الخفيش‪ :‬تقول العرب ميا‬
‫شانيت شأنيه‪ ،‬أي ميا عملت عمله‪" .‬وميا تتلو منيه مين قرآن" قال الفراء والزجاج‪ :‬الهاء فيي "منيه"‬
‫تعود على الشأن‪ ،‬أي تحدث شأنييا فيتلى ميين أجله القرآن فيعلم كيييف حكمييه‪ ،‬أو ينزل فيييه قرآن‬
‫فيتلى‪ .‬وقال الطيبري‪" :‬منيه" أي مين كتاب ال تعالى‪" .‬مين قرآن" أعاد تفخيميا؛ كقوله‪" :‬إنيي أنيا‬
‫ال" [القصص‪" .]30 :‬ول تعملون من عمل" يخاطب النبي صلى ال عليه وسلم والمة‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫"وميا تكون فيي شأن" خطاب له والمراد هيو وأمتيه؛ وقيد يخاطيب الرسيول والمراد هيو وأتباعيه‪.‬‬
‫وقييل‪ :‬المراد كفار قرييش‪" .‬إل كنيا عليكيم شهودا" أي نعلميه؛ ونظيره "ميا يكون مين نجوى ثلثية‬
‫إل هو رابعهم" [المجادلة‪" ]4 :‬إذ تفيضون فيه" أي تأخذون فيه‪ ،‬والهاء عائدة على العمل؛ يقال‪:‬‬
‫أفاض فلن في الحديث والعمل إذا اندفع فيه‪ .‬قال الراعي‪:‬‬
‫من ذي الباطح إذ رعين حقيل‬ ‫فأفضن بعد كظومهن بجرة‬
‫ابن عباس‪" :‬تفيضون فيه" تفعلونه‪ .‬الخفش‪ :‬تتكلمون‪ .‬ابن زيد‪ :‬تخوضون‪ .‬ابن كيسان‪ :‬تنشرون‬
‫القول‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬الهاء عائدة على القرآن؛ المعنييييى‪ :‬إذ تشيعون فييييي القرآن الكذب‪" .‬ومييييا‬
‫يعزب عين ربيك" قال ابين عباس‪ :‬يغييب‪ .‬وقال أبيو روق‪ :‬يبعيد‪ .‬وقال ابين كيسيان‪ :‬يذهيب‪ .‬وقرأ‬
‫الكسييائي "يعزب" بكسيير الزاي حيييث وقييع؛ وضييم الباقون؛ وهمييا لغتان فصيييحتان؛ نحييو يعرش‬
‫ويعرش‪" .‬من مثقال" "من" صلة؛ أي وما يعزب عن ربك مثقال "ذرة" أي وزن وذرة‪ ،‬أي نميلة‬
‫حمراء صيغيرة؛ وقيد تقدم فيي النسياء‪" .‬فيي الرض ول فيي السيماء ول أصيغر مين ذلك ول أكيبر"‬
‫عطييف على لفييظ مثقال‪ ،‬وإن شئت على ذرة‪ .‬وقرأ يعقوب وحمزة برفييع الراء فيهمييا عطفييا على‬
‫موضييع مثقال لن ميين زائدة للتأكيييد‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬ويجوز الرفييع على البتداء‪ .‬وخييبره "إل فييي‬
‫كتاب ميبين" يعنيي اللوح المحفوظ ميع علم ال تعالى بيه‪ .‬قال الجرجانيي "إل" بمعنيى واو النسيق‪،‬‬
‫أي وهيو فيي كتاب ميبين؛ كقوله تعالى‪" :‬إنيي ل يخاف لدي المرسيلون إل مين ظلم" [النميل‪- 10:‬‬
‫‪ ]11‬أي ومن ظلم‪ .‬وقوله‪" :‬لئل يكون للناس عليكم حجة إل الذين ظلموا منهم" [البقرة‪]150 :‬‬
‫أي والذييين ظلموا منهييم؛ في ي "إل" بمعنييى واو النسييق‪ ،‬وأضميير هييو بعده كقوله‪" :‬وقولوا حطيية"‬
‫[البقرة‪ .]58 :‬أي هي حطة‪ .‬وقوله‪" :‬ول تقولوا ثلثة" [النساء‪ ]171 :‬أي هم ثلثة‪ .‬ونظير ما‬
‫نحن فيه‪" :‬وما تسقط من ورقة إل يعلمها ول حبة في ظلمات الرض ول رطب ول يابس إل في‬
‫كتاب مبين" [النعام‪ ]59 :‬وهو في كتاب مبين‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 62 :‬أل إن أولياء ال ل خوف عليهم ول هم يحزنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أل إن أولياء ال ل خوف عليهم" أي في الخرة‪" .‬ول هم يحزنون" لفقد الدنيا‪.‬‬
‫وقييل‪" :‬ل خوف عليهيم ول هيم يحزنون" أي مين توله ال تعالى وتولى حفظيه وحياطتيه ورضيي‬
‫عنييه فل يخاف يوم القياميية ول يحزن؛ قال ال تعالى‪" :‬إن الذييين سييبقت لهييم منييا الحسيينى أولئك‬
‫عنهيا" أي عين جهنيم "مبعدون" إلى قوله "ل يحزنهيم الفزع الكيبر" [النيبياء‪.]103 - 101:‬‬
‫وروى سعيد بن جبير أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سئل‪ :‬من أولياء ال؟ فقال‪( :‬الذين يذكر‬
‫ال برؤيتهم)‪ .‬وقال عمر بن الخطاب‪ ،‬في هذه الية‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫(إن من عباد ال عبادا ما هم بأنبياء ول شهداء تغبطهم النبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من‬
‫ال تعالى)‪ .‬قييل‪ :‬ييا رسيول ال‪ ،‬خبرنيا مين هيم وميا أعمالهيم فلعلنيا نحبهيم‪ .‬قال‪( :‬هيم قوم تحابوا فيي‬
‫ال على غيير أرحام بينهيم ول أموال يتعاطون بهيا فوال إن وجوههيم لنور وإنهيم على منابر مين‬
‫نور ل يخافون إذا خاف الناس ول يحزنون إذا حزن الناس ثييييييييم قرأ "أل إن أولياء ال ل خوف‬
‫عليهم ول هم يحزنون"‪ .‬وقال علي بن أبي طالب رضي ال عنه‪ :‬أولياء ال قوم صفر الوجوه من‬
‫السيهر‪ ،‬عميش العيون مين العيبر‪ ،‬خميص البطون مين الجوع‪ ،‬يبيس الشفاه مين الذوي‪ .‬وقييل‪" :‬ل‬
‫خوف عليهم" في ذريتهم‪ ،‬لن ال يتولهم‪" .‬ول هم يحزنون" على دنياهم لتعويض ال إياهم في‬
‫أولهم وأخراهم لنه وليهم ومولهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 63 :‬الذين آمنوا وكانوا يتقون}‬
‫@ هذه صفة أولياء ال تعالى؛ فيكون‪" :‬الذين" في موضع نصب على البدل من اسم "إن" وهو‬
‫"أولياء"‪ .‬وإن شئت على أعنيي‪ .‬وقييل‪ :‬هيو ابتداء‪ ،‬وخيبره‪" .‬لهيم البشرى فيي الحياة الدنييا وفيي‬
‫الخرة" فيكون مقطوعا مما قبله‪ .‬أي يتقون الشرك والمعاصي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 64 :‬لهيم البشرى فيي الحياة الدنييا وفيي الخرة ل تبدييل لكلمات ال ذلك هيو الفوز‬
‫العظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لهيم البشرى فيي الحياة الدنييا" عين أبيي الدرداء قال‪ :‬سيألت رسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم عنها فقال‪( :‬ما سألني أحد عتها غيرك منذ أنزلت هي الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو‬
‫ترى له) خرجيه الترمذي فيي جامعيه‪ .‬وقال الزهري وعطاء وقتادة‪ :‬هيي البشارة التيي تبشير بهيا‬
‫الملئكة المؤمن في الدنيا عند الموت‪ .‬وعن محمد بن كعب القرظي قال‪ :‬إذا استنقعت نفس العبد‬
‫المؤميين جاءه ملك الموت فقال‪( :‬السييلم عليييك ولي ال ال يقرئك السييلم)‪ .‬ثييم نزع بهذه الييية‪:‬‬
‫"الذين تتوفاهم الملئكة طيبين يقولون سلم عليكم" [النحل‪ ]32 :‬ذكره ابن المبارك‪ .‬وقال قتادة‬
‫والضحاك‪ :‬هيي أن يعلم أيين هيو مين قبيل أن يموت‪ .‬وقال الحسين‪ :‬هيي ميا يبشرهيم ال تعالى فيي‬
‫كتابه من جنته وكريم ثوابه؛ لقوله‪" :‬يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان" [التوبة‪ ،]21 :‬وقوله‪:‬‬
‫"وبشير الذيين آمنوا وعملوا الصيالحات أن لهيم جنات" [البقرة‪ .]25 :‬وقوله‪" :‬وأبشروا بالجنية‬
‫التي كنتم توعدون" [فصلت‪ ]30 :‬ولهذا قال‪" :‬ل تبديل لكلمات ال" أي ل خلف لمواعيده‪ ،‬وذلك‬
‫لن مواعيده بكلماته‪" .‬وفي الخرة" قيل‪ :‬بالجنة إذا خرجوا من قبورهم‪ .‬وقيل‪ :‬إذا خرجت الروح‬
‫بشرت برضوان ال‪ .‬وذكير أبو إسيحاق الثعلبيي‪ :‬سيمعت أبيا بكير محميد بن عبدال الجوزقيي يقول‪:‬‬
‫رأيت أبا عبدال الحافظ في المنام راكبا برذونا عليه طيلسان وعمامة‪ ،‬فسلمت عليه وقلت له‪ :‬أهل‬
‫بيك‪ ،‬إنيا ل نزال نذكرك ونذكير محاسينك؛ فقال‪ :‬ونحين ل نزال نذكرك ونذكير محاسينك‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى‪" :‬لهيم البشرى فيي الحياة الدنييا وفيي الخرة" الثناء الحسين‪ :‬وأشار بيده‪" .‬ل تبدييل لكلمات‬
‫ال" أي ل خلف لوعده‪ .‬وقيييل‪ :‬ل تبديييل لخباره‪ ،‬أي ل ينسييخها بشيييء‪ ،‬ول تكون إل كمييا قال‪.‬‬
‫"ذلك هو الفوز العظيم" أي ما يصير إليه أولياؤه فهو الفوز العظيم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 65 :‬ول يحزنك قولهم إن العزة ل جميعا هو السميع العليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يحزنيك قولهيم" أي ل يحزنيك افتراؤهيم وتكذيبهيم لك‪ ،‬ثيم ابتداء فقال‪" :‬إن‬
‫العزة ل" أي القوة الكاملة والغلبة الشاملة والقدرة التامة ل وحده؛ فهو ناصرك ومعينك ومانعك‪.‬‬
‫"جميعا" نصب على الحال‪ ،‬ول يعارض هذا قوله‪" :‬ول العزة ولرسوله وللمؤمنين" [المنافقون‪:‬‬
‫‪ ]8‬فإن كيل عزة بال فهيي كلهيا ل؛ قال ال سيبحانه‪" :‬سيبحان ربيك رب العزة عميا يصيفون"‬
‫[الصيافات‪" .]180 :‬هيو السيميع العلييم" السيميع لقوالهيم وأصيواتهم‪ ،‬العلييم بأعمالهيم وأفعالهيم‬
‫وجميع حركاتهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 66 :‬أل إن ل من في السماوات ومن في الرض وما يتبع الذين يدعون من دون ال‬
‫شركاء إن يتبعون إل الظن وإن هم إل يخرصون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أل إن ل من في السماوات ومن في الرض" أي يحكم فيهم بما يريد ويفعل فيهم‬
‫ما يشاء سبحانه!‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وميا يتبيع الذيين يدعون مين دون ال شركاء" "ميا" للنفيي‪ ،‬أي ل يتبعون شركاء‬
‫على الحقيقية‪ ،‬بيل يظنون أنهيا تشفيع أو تنفيع‪ .‬وقييل‪" :‬ميا" اسيتفهام‪ ،‬أي أي شييء يتبيع الذيين يدعون‬
‫من دون ال شركاء تقبيحا لفعلهم‪ ،‬ثم أجاب فقال‪" :‬إن يتبعون إل الظن وإن هم إل يخرصون" أي‬
‫يحدسون ويكذبون‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 67 :‬هيو الذي جعيل لكيم اللييل لتسيكنوا فييه والنهار مبصيرا إن فيي ذلك ليات لقوم‬
‫يسمعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه" بين أن الواجب عبادة من يقدر على خلق‬
‫اللييل والنهار ل عبادة مين ل يقدر على شييء‪" .‬لتسيكنوا فييه" أي ميع أزواجكيم وأولدكيم ليزول‬
‫التعب والكلل بكم‪ .‬والسكون‪ :‬الهدوء عن الضطراب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والنهار مبصيرا" أي مضيئا لتهتدوا بيه فيي حوائجكيم‪ .‬والمبصير‪ :‬الذي يبصير‪،‬‬
‫والنهار يبصر فيه‪ .‬وقال‪" :‬مبصرا" تجوزا وتوسعا على عادة العرب في قولهم‪" :‬ليل قائم‪ ،‬ونهار‬
‫صائم"‪ .‬وقال جرير‪:‬‬
‫ونمت وما ليل المطي بنائم‬ ‫لقد لمتنا يا أم غيلن في السرى‬
‫وقال قطرب‪ :‬قال أظلم الليل أي صار ذا ظلمة‪ ،‬وأضاء النهار وأبصر أي صار ذا ضياء وبصر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن في ذلك ليات" أي علمات ودللت‪" .‬لقوم يسمعون" أي سماع اعتبار؟‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 68 :‬قالوا اتخيذ ال ولدا سيبحانه هيو الغنيي له ميا فيي السيماوات وميا فيي الرض إن‬
‫عندكم من سلطان بهذا أتقولون على ال ما ل تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا اتخيذ ال ولدا" يعنيي الكفار‪ .‬وقيد تقدم‪" .‬سيبحانه" نزه نفسيه عين الصيحابة‬
‫والولد وعين الشركاء والنداد‪" .‬هيو الغنيي له ميا فيي السيماوات وميا فيي الرض" ثيم أخيبر بغناه‬
‫المطلق‪ ،‬وأن له ما في السموات والرض ملكا وخلقا وعبيدا؛ "إن كل من في السماوات والرض‬
‫إل آتي الرحمن عبدا" [مريم‪" .]93 :‬إن عندكم من سلطان بهذا" أي ما عندكم من حجة بهذا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أتقولون على ال ميا ل تعلمون" مين إثبات الولد له‪ ،‬والولد يقتضيي المجانسية‬
‫والمشابهة وال تعالى ل يجانس شيئا ول يشابه شيئا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 70 - 69 :‬قل إن الذين يفترون على ال الكذب ل يفلحون‪ ،‬متاع في الدنيا ثم إلينا‬
‫مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل إن الذين يفترون" أي يختلقون‪" .‬على ال الكذب ل يفلحون" أي ل يفوزون‬
‫ول يأمنون؛ وتم الكلم‪" .‬متاع في الدنيا" أي ذلك متاع‪ ،‬أو هو متاع في الدنيا؛ قاله الكسائي‪ .‬وقال‬
‫الخفش‪ :‬لهم متاع في الدنيا‪ .‬قال أبو إسحاق‪ :‬ويجوز النصب في غير القرآن على معنى يتمتعون‬
‫متاعييا‪" .‬ثييم إلينييا مرجعهييم" أي رجوعهييم‪" .‬ثييم نذيقهييم العذاب الشديييد" أي الغليييظ‪" .‬بمييا كانوا‬
‫يكفرون" أي بكفرهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 71 :‬واتيل عليهيم نبيأ نوح إذ قال لقوميه ييا قوم إن كان كيبر عليكيم مقاميي وتذكيري‬
‫بآيات ال فعلى ال توكلت فأجمعوا أمركيم وشركاءكيم ثيم ل يكين أمركيم عليكيم غمية ثيم اقضوا إلي‬
‫ول تنظرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتل عليهم نبأ نوح" أمره عليه السلم أن يذكرهم أقاصيص المتقدمين‪ ،‬ويخوفهم‬
‫العذاب اللييم على كفرهيم‪ .‬وحذفيت الواو مين "اتيل" لنيه أمير؛ أي اقرأ عليهيم خيبر نوح‪" .‬إذ قال‬
‫لقومه" "إذ" في موضع نصب‪" .‬يا قوم إن كان كبر عليكم" أي عظم وثقل عليكم‪" .‬مقامي" المقام‬
‫(بفتيح المييم)‪ :‬الموضيع الذي يقوم فييه‪ .‬والمقام (بالضيم) القامية‪ .‬ولم يقرأ بيه فيميا علميت؛ أي إن‬
‫طال عليكم لبثي فيكم‪" .‬وتذكيري" إياكم‪ ،‬وتخويفي لكم‪" .‬بآيات ال" وعزمتم على قتلي وطردي‪.‬‬
‫"فعلى ال توكلت" أي اعتمدت‪ .‬وهذا هو جواب الشرط‪ ،‬ولم يزل عليه السلم متوكل على ال في‬
‫كل حال؛ ولكن بين أنه متوكل في هذا على الخصوص ليعرف قومه أن ال يكفيه أمرهم؛ أي إن‬
‫لم تنصروني فإني أتوكل على من ينصرني‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأجمعوا أمركيم وشركاءكيم" قراءة العامية "فأجمعوا" بقطيع اللف "شركاءكيم"‬
‫بالنصيييب‪ .‬وقرأ عاصيييم الجحدري "فاجمعوا" بوصيييل اللف وفتيييح المييييم؛ مييين جميييع يجميييع‪.‬‬
‫"شركاءكييم" بالنصييب‪ .‬وقرأ الحسيين وابيين أبييي إسييحاق ويعقوب "فأجمعوا" بقطييع اللف‬
‫"شركاؤكم" بالرفع‪ .‬فأما القراءة الولى من أجمع على الشيء إذا عزم عليه‪ .‬وقال الفراء‪ :‬أجمع‬
‫الشيء أعده‪ .‬وقال المؤرج‪ :‬أجمعت المر أفصح من أجمعت عليه‪ .‬وأنشد‪:‬‬
‫هل أغدون يوما وأمري مجمع‬ ‫يا ليت شعري والمنى ل تنفع‬
‫قال النحاس‪ :‬وفيي نصيب الشركاء على هذه القراءة ثلثية أوجيه؛ قال الكسيائي والفراء‪ :‬هيو بمعنيى‬
‫وادعوا شركاءكم لنصرتكم؛ وهو منصوب عندهما على إضمار هذا الفعل‪ .‬وقال محمد بن يزيد‪:‬‬
‫هو معطوف على المعنى؛ كما قال‪:‬‬
‫متقلدا سيفا ورمحا‬ ‫يا ليت زوجك في الوغى‬
‫والرميح ل يتقلد‪ ،‬إل أنيه محمول كالسييف‪ .‬وقال أبيو إسيحاق الزجاج‪ :‬المعنيى ميع شركائكيم على‬
‫تناصركم؛ كما يقال‪ :‬التقى الماء والخشبة‪ .‬والقراءة الثانية من الجمع‪ ،‬اعتبارا بقوله تعالى‪" :‬فجمع‬
‫كيده ثم أتى" [طه‪ .]60 :‬قال أبو معاذ‪ :‬ويجوز أن يكون جمع وأجمع بمعنى واحد‪" ،‬وشركاءكم"‬
‫على هذه القراءة عطييف على "أمركيم"‪ ،‬أو على معنييى فأجمعوا أمركييم وأجمعوا شركاءكييم‪ ،‬وإن‬
‫شئت بمعنى مع‪ ،‬قال أبو جعفر النحاس‪ :‬وسمعت أبا إسحاق يجيز قام زيد وعمرا‪ .‬والقراءة الثالثة‬
‫على أن يعطيف الشركاء على المضمير المرفوع فيي أجمعوا‪ ،‬وحسين ذلك لن الكلم قيد طال‪ .‬قال‬
‫النحاس وغيره‪ :‬وهذه القراءة تبعييد؛ لنييه لو كان مرفوعييا لوجييب أن تكتييب بالواو‪ ،‬ولم ييير فييي‬
‫المصياحف واو فيي قوله "وشركاءكيم"‪ ،‬وأيضيا فإن شركاءهيم الصينام‪ ،‬والصينام ل تصينع شيئا‬
‫ول فعيل لهيا حتيى تجميع‪ .‬قال المهدوي‪ :‬ويجوز أن يرتفيع الشركاء بالبتداء والخيير محذوف‪ ،‬أي‬
‫وشركاءكم ليجمعوا أمرهم‪ ،‬ونسب ذلك إلى الشركاء وهي ل تسمع ول تبص ول تميز على جهة‬
‫التوبيخ لمن عبدها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثيم ل يكين أمركيم عليكيم غمية" اسيم يكين وخبرهيا‪ .‬وغمية وغيم سيواء‪ ،‬ومعناه‬
‫التغطية؛ من قولهم‪ :‬غم الهلل إذا استتر؛ أي ليكن أمركم ظاهرا منكشفا تتمكنون فيه مما شئتم؛ ل‬
‫كمن يخفى أمره فل يقدر على ما يريد‪ .‬قال طرفة‪:‬‬
‫نهاري ول ليلي علي بسرمد‬ ‫لعمرك ما أمري علي بغمة‬
‫الزجاج‪ :‬غمية ذا غيم‪ ،‬والغيم والغمية كالكرب والكربية‪ .‬وقييل‪ :‬إن الغمية ضييق المير الذي يوجيب‬
‫الغيم فل يتيبين صياحبه لمره مصيدرا لينفرج عنيه ميا يغميه‪ .‬وفيي الصيحاح‪ :‬والغمية الكربية‪ .‬قال‬
‫العجاج‪:‬‬
‫بغمة لو لم تفرج غموا‬ ‫بل لو شهدت الناس إذ تكتمون‬
‫يقال‪ :‬أمير غمية‪ ،‬أي مبهيم ملتبيس؛ قال تعالى‪" :‬ثيم ل يكين أمركيم عليكيم غمية"‪ .‬قال أبيو عيبيدة‪:‬‬
‫مجازهيا ظلمية وضييق‪ .‬والغمية أيضيا‪ :‬قعير النحيي وغيره‪ .‬قال غيره‪ :‬وأصيل هذا كله مشتيق مين‬
‫الغمامة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم اقضوا إلي ول تنظروني" ألف "اقضوا" ألف وصل‪ ،‬من قضى يقضي‪ .‬قال‬
‫الخفيش والكسيائي‪ :‬وهيو مثيل‪" :‬وقضينيا إلييه ذلك المير" [الحجير‪ ]66 :‬أي أنهيناه إلييه وأبلغناه‬
‫إياه‪ .‬وروي عييين ابييين عباس "ثيييم اقضوا إلي ول تنظرون" قال‪ :‬امضوا إلي ول تؤخرون‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬هذا قول صيحيح فيي اللغة؛ ومنه‪ :‬قضيى الميت أي مضيى‪ .‬وأعلمهيم بهذا أنهيم ل يصيلون‬
‫إليه‪ ،‬وهذا من دلئل النبوات‪ .‬وحكى الفراء عن بعض القراء "ثم افضوا إلي" بالفاء وقطع اللف‪،‬‬
‫أي توجهوا؛ يقال‪ :‬أفضيت الخلفية إلى فلن‪ ،‬وأفضيى إلي الوجيع‪ .‬وهذا إخبار مين ال تعالى عين‬
‫نبيه نوح عليه السلم أنه كان بنصر ال واثقا‪ ،‬ومن كيدهم غير خائف؛ علما منه بأنهم وآلهتهم ل‬
‫ينفعون ول يضرون‪ .‬وهو تعزية لنبيه صلى ال عليه وسلم وتقوية لقلبه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 72 :‬فإن توليتيم فميا سيألتكم مين أجير إن أجري إل على ال وأمرت أن أكون مين‬
‫المسلمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن توليتم فما سألتكم من أجر" أي فإن أعرضتم عما جئتكم به فليس ذلك لني‬
‫سيألتكم أجرا فيثقيل عليكيم مكافأتيي‪" .‬إن أجري إل على ال" فيي تبلييغ رسيالته‪" .‬وأمرت أن أكون‬
‫ميين المسييلمين" أي الموحدييين ل تعالى‪ .‬فتييح أهييل المدينيية وأبييو عمرو وابيين عاميير وحفييص ياء‬
‫"أجري" حيث وقع‪ ،‬وأسكن الباقون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 73 :‬فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلئف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا‬
‫فانظر كيف كان عاقبة المنذرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فكذبوه" يعنيي نوحيا‪" .‬فنجيناه ومين معيه" أي مين المؤمنيين "فيي الفلك" أي‬
‫السيفينة‪ ،‬وسييأتي ذكرهيا‪" .‬وجعلناهيم خلئف" أي سيكان الرض وخلفيا ممين غرق‪" .‬فانظير كييف‬
‫كان عاقبة المنذرين" يعني آخر أمر الذين أنذرهم الرسل فلم يؤمنوا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 74 :‬ثم بعثنا من بعده رسل إلى قومهم فجاؤوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا‬
‫به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم بعثنا من بعده" أي من بعد نوح‪" .‬رسل إلى قومهم" كهود وصالح وإبراهيم‬
‫ولوط وشعيب وغيرهم‪" .‬فجاؤوهم بالبينات" أي بالمعجزات‪" .‬فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من‬
‫قبل" التقدير‪ :‬بما كذب به قوم نوح من قبل‪ .‬وقيل‪" :‬بما كذبوا به من قبل" أي من قبل يوم الذر‪،‬‬
‫فإنيه كان فيهيم مين كذب بقلبيه وإن قال الجمييع‪ :‬بلى‪ .‬قال النحاس‪ :‬ومين أحسين ميا قييل فيي هذا أنيه‬
‫لقوم بأعيانهيم؛ مثيل‪" :‬أأنذرتهيم أم لم تنذرهيم ل يؤمنون"‪[ .‬البقرة‪" ]6 :‬كذلك نطبيع" أي نختيم‪.‬‬
‫"على قلوب المعتدين" أي المجاوزين الحد في الكفر والتكذيب فل يؤمنوا‪ .‬وهذا يرد على القدرية‬
‫قولهم كما تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 75 :‬ثم بعثنا من بعدهم موسى وهارون إلى فرعون وملئه بآياتنا فاستكبروا وكانوا‬
‫قوما مجرمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثيم بعثنيا مين بعدهيم" أي مين بعيد الرسيل والميم‪" .‬موسيى وهارون إلى فرعون‬
‫وملئه" أي أشراف قومييه‪" .‬بآياتنييا" يريييد اليات التسييع‪ ،‬وقييد تقدم ذكرهييا‪" .‬فاسييتكبروا" أي عيين‬
‫الحق‪" .‬وكانوا قوما مجرمين" أي مشركين‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 77 - 76 :‬فلميا جاءهيم الحيق مين عندنيا قالوا إن هذا لسيحر ميبين‪ ،‬قال موسيى‬
‫أتقولون للحق لما جاءكم أسحر هذا ول يفلح الساحرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلميا جاءهيم الحيق مين عندنيا" يرييد فرعون وقوميه "قالوا إن هذا لسيحر ميبين"‬
‫حملوا المعجزات على السيحر‪ .‬قال لهيم موسيى‪" :‬أتقولون للحيق لميا جاءكيم أسيحر هذا" قييل‪ :‬فيي‬
‫الكلم حذف‪ ،‬المعنى‪ :‬أتقولون للحق هذا سحر‪ .‬في "أتقولون" إنكار وقولهم محذوف أي هذا سحر‪،‬‬
‫ثيم اسيتأنف إنكارا آخير مين قبله فقال‪ :‬أسيحر هذا! فحذف قولهيم الول اكتفاء بالثانيي مين قولهيم‪،‬‬
‫منكرا على فرعون وملئه‪ .‬وقال الخفش‪ :‬هو من فولهم‪ ،‬ودخلت اللف حكاية لقولهم؛ لنهم قالوا‬
‫أسييحر هذا‪ .‬فقيييل لهييم‪ :‬أتقولون للحييق لمييا جاءكييم أسييحر هذا؛ وروي عيين الحسيين‪" .‬ول يفلح‬
‫الساحرون" أي ل يفلح من أتى به‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 78 :‬قالوا أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الرض وما‬
‫نحن لكما بمؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قالوا أجئتنا لتلفتنا" أي تصرفنا وتلوينا‪ ،‬يقال‪ :‬لفته يلفته لفتا إذا لواه وصرفه‪ .‬قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫وجعت من الصغاء ليتا وأخدعا‬ ‫تلفت نحو الحي حتى رأيتني‬
‫ومين هذا التفيت إنميا هيو عدل عين الجهية التيي بيين يدييه‪" .‬عميا وجدنيا عليه آباءنيا" يرييد مين عبادة‬
‫الصنام‪" .‬وتكون لكما الكبرياء" أي العظمة والملك والسلطان "في الرض" يريد أرض مصر‪.‬‬
‫ويقال للملك‪ :‬الكبرياء لنه أعظم ما يطلب في الدنيا‪" .‬وما نحن لكما بمؤمنين"‪ .‬وقرأ ابن مسعود‬
‫والحسن وغيرهما "ويكون" بالياء لنه تأنيت غير حقيقي وقد فصل بينهما‪ .‬وحكى سيبويه‪ :‬حضر‬
‫القاضي اليوم امرأتان‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 79 :‬وقال فرعون ائتوني بكل ساحر عليم}‬
‫@ إنما قاله لما رأى العصا واليد البيضاء واعتقد أنهما سحر‪ .‬وقرأ حمزة والكسائي وابن وثاب‬
‫والعمش "سحار" وقد تقدم في العراف القول فيهما‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 80 :‬فلما جاء السحرة قال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون}‬
‫@ أي اطرحوا على الرض ما معكم من حبالكم وعصيكم‪ .‬وقد تقدم في العراف القول في هذا‬
‫مستوفى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 81 :‬فلميا ألقوا قال موسيى ميا جئتيم بيه السيحر إن ال سييبطله إن ال ل يصيلح عميل‬
‫المفسدين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما ألقوا قال موسيى ما جئتيم به السحر" تكون "ما" فيي موضيع رفع بالبتداء‪،‬‬
‫والخبر "جئتم به" والتقدير‪ :‬أي شيء جئتم به‪ ،‬على التوبيخ والتصغير لما جاؤوا به من السحر‪.‬‬
‫وقراءة ضيبي عمرو "السيحر" على السيتفهام على إضمار مبتدأ والتقديير أهيو السيحر‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون مبتدأ والخييبر محذوف‪ ،‬التقدييير‪ :‬السييحر جئتييم بييه‪ .‬ول تكون "مييا" على قراءة ميين اسييتفهم‬
‫بمعنيى الذي‪ ،‬إذ ل خيبر لهيا‪ .‬وقرأ الباقون "السيحر" على الخيبر‪ ،‬ودلييل هذه القراءة ابين مسيعود‪:‬‬
‫"ما جئتم به سحر"‪ .‬وقراءة أبي‪" :‬ما أتيتم به سحر"؛ في "ما" بمعنى الذي‪ ،‬و"جئتم به" الصلة‪،‬‬
‫وموضع "ما" رفع بالبتداء‪ ،‬والسحر خبر البتداء‪ .‬ول تكون "ما" إذا جعلتها بمعنى الذي نصبا‬
‫لن الصيلة ل تعميل فيي الموصيول‪ .‬وأجاز الفراء نصيب السيحر بجئتيم‪ ،‬وتكون ل للشرط‪ ،‬وجئتيم‬
‫فييي موضييع جزم بمييا والفاء محذوفيية؛ التقدييير‪ :‬فإن ال سيييطلبه‪ .‬ويجوز أن ينصييب السييحر على‬
‫المصيدر‪ ،‬أي ميا جئتيم بيه سيحرا‪ ،‬ثيم دخلت اللف واللم زائدتيين‪ ،‬فل يحتاج على هذا التقديير إلى‬
‫حذف الفاء‪ .‬واختار هذا القول النحاس‪ ،‬وقال‪ :‬حذف الفاء في المجازاة ل يجيزه كثير من النحويين‬
‫إل في ضرورة الشعر؛ كما قال‪:‬‬
‫من يفعل الحسنات ال يشكرها‬
‫بل ربما قال بعضهم‪ :‬إنه ل يجوز البتة‪ .‬وسمعت علي بن سليمان يقول‪ :‬حدثني محمد بن يزيد قال‬
‫حدثني المازني قال سمعت الصمعي يقول‪ :‬غير النحويون هذا البيت‪ ،‬وإنما الرواية‪:‬‬
‫من يفعل الخير فالرحمن يشكره‬
‫وسييمعت علي بيين سييليمان يقول‪ :‬حذف الفاء فييي المجازاة جائز‪ .‬قال‪ :‬والدليييل على ذلك "ومييا‬
‫أصيابكم مين مصييبة فبميا كسيبت أيديكيم"‪" .‬وميا أصيابكم مين مصييبة بميا كسيبت أيديكيم" قراءتان‬
‫مشهورتان معروفتان‪" .‬إن ال ل يصيلح عميل المفسيدين" يعنيي السيحر‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬مين أخيذ‬
‫مضجعيه مين اللييل ثيم تل هذه اليية‪( .‬ميا جئتيم بيه السيحر إن ال سييبطله إن ال ل يصيلح عميل‬
‫المفسدين) لم يضره كيد ساحر‪ .‬ول تكتب على مسحور إل دفع ال عنه السحر‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 82 :‬ويحق ال الحق بكلماته ولو كره المجرمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويحيق ال الحيق" أي ييبينه ويوضحيه‪" .‬بكلماتيه" أي بكلميه وحججيه وبراهينيه‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬بعداته بالنصر‪" .‬ولو كره المجرمون" من آل فرعون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 83 :‬فما آمن لموسى إل ذرية من قومه على خوف من فرعون وملئهم أن يفتنهم وإن‬
‫فرعون لعال في الرض وإنه لمن المسرفين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فما آمن لموسى إل ذرية من قومه" الهاء عائدة على موسى‪ .‬قال مجاهد‪ :‬أي لم‬
‫يؤمين منهيم أحيد‪ ،‬وإنميا آمين أولد مين أرسيل موسيى إليهيم مين بنيي إسيرائيل‪ ،‬لطول الزمان هلك‬
‫الباء وبقيي البناء فآمنوا؛ وهذا اختيار الطيبري‪ .‬والذريية أعقاب النسيان وقيد تكثير‪ .‬وقييل‪ :‬أراد‬
‫بالذريية مؤمنيي بنيي إسيرائيل‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬كانوا سيتمائة ألف‪ ،‬وذلك أن يعقوب علييه السيلم‬
‫دخيل مصير فيي اثنيين وسيبعين إنسيانا فتوالدوا بمصير حتيى بلغوا سيتمائة ألف‪ .‬وقال ابين عباس‬
‫أيضييا‪" :‬ميين قومييه" يعنييي ميين قوم فرعون؛ منهييم مؤميين آل فرعون وخازن فرعون وامرأتييه‬
‫وماشطة ابنته وامرأة خازنه‪ .‬وقيل‪ :‬هم أقوام آباؤهم من القبط‪ ،‬وأمهاتهم من بني إسرائيل فسموا‬
‫ذرييية كمييا يسييمى أولد الفرس الذييين توالدوا باليميين وبلد العرب البناء؛ لن أمهاتهييم ميين غييير‬
‫جنييس آبائهييم؛ قال الفراء‪ .‬وعلى هذا فالكناييية فييي "قومييه" ترجييع إلى موسييى للقرابيية ميين جهيية‬
‫المهات‪ ،‬وإلى فرعون إذا كانوا من القبط‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬على خوف من فرعون" لنه كان مسلطا عليهم عاتبا‪" .‬وملئهم" ولم يقل وملئه؛‬
‫وعنه ستة أجوبة‪ :‬أحدها‪ :‬أن فرعون لما كان جبارا أخبر عنه بفعل الجميع‪ .‬الثاني‪ :‬أن فرعون لما‬
‫ذكيير علم أن معييه غيره‪ ،‬فعاد الضمييير عليييه وعليهييم؛ وهذا أحييد قولي الفراء‪ .‬الثالث‪ :‬أن تكون‬
‫الجماعية سيميت بفرعون مثيل ثمود‪ .‬الرابيع‪ :‬أن يكون التقديير‪ :‬على خوف مين آل فرعون؛ فيكون‬
‫مين باب حذف المضاف مثيل‪" :‬واسيأل القريية"‪[ ،‬يوسيف‪ ]82 :‬وهيو القول الثانيي للفراء‪ .‬وهذا‬
‫الجواب على مذهييب سيييبويه والخليييل خطييأ‪ ،‬ل يجوز عندهمييا قامييت هنييد‪ ،‬وأنييت تريييد غلمهييا‪.‬‬
‫الخاميس‪ :‬مذهيب الخفيش سيعيد أن يكون الضميير يعود على الذريية‪ ،‬أي مل الذريية؛ وهيو اختيار‬
‫الطبري‪ .‬السادس‪ :‬أن يكون الضمير يعود على قومه‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا الجواب كأنه أبلغها‪" .‬أن‬
‫يفتنهيم" وحيد "يفتنهيم" على الخبار عين فرعون‪ ،‬أي يصيرفهم عين دينهيم بالعقوبات‪ ،‬وهيو فيي‬
‫موضع خفض على أنه بدل اشتمال‪ .‬ويجوز أن يكون في موضع نصب بي "خوف"‪ .‬ولم ينصرف‬
‫فرعون لنه اسم أعجمي وهو معرفة‪" .‬وإن فرعون لعال في الرض" أي عات متكبر "وإنه لمن‬
‫المسرفين" أي المجاوزين الحد في الكفر؛ لنه كان عبدا فادعى الربوبية‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 85 - 84 :‬وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بال فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين‪،‬‬
‫فقالوا على ال توكلنا ربنا ل تجعلنا فتنة للقوم الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم" أي صدقتم‪" .‬بال فعليه توكلوا" أي اعتمدوا‪.‬‬
‫"إن كنتم مسلمين" كرر الشرط تأكيدا‪ ،‬وبين أن كمال اليمان بتفويض المر إلى ال‪" .‬فقالوا على‬
‫ال توكلنا" أي أسلمنا أمورنا إليه‪ ،‬ورضينا بقضائه وقدره‪ ،‬وانتهينا إلى أمره‪" .‬ربنا ل تجعلنا فتنة‬
‫للقوم الظالمين" أي ل تنصرهم علينا‪ ،‬فيكون ذلك فتنة لنا عن الدين‪ ،‬أو ل تمتحنا بأن تعذبنا على‬
‫أيديهيم‪ .‬وقال مجاهيد‪ :‬المعنيى ل تهلكنيا بأيدي أعدائنيا‪ ،‬ول تعذبنيا بعذاب مين عندك‪ ،‬فيقول أعداؤنيا‬
‫لو كانوا على حيق لم نسيلط عليهيم؛ فيفتنوا‪ .‬وقال أبيو مجلز وأبيو الضحيا‪ :‬يعنيي ل تظهرهيم علينيا‬
‫فيروا أنهم خير منا فيزدادوا طغيانا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 86 :‬ونجنا برحمتك من القوم الكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ونجنيا برحمتيك" أي خلصينا‪" .‬من القوم الكافريين" أي من فرعون وقوميه لنهيم‬
‫كانوا يأخذونهم بالعمال الشاقة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 87 :‬وأوحينيا إلى موسيى وأخييه أن تبوأا لقومكميا بمصير بيوتيا واجعلوا بيوتكيم قبلة‬
‫وأقيموا الصلة وبشر المؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأوحينيا إلى موسيى وأخييه أن تبوأا" أي اتخذا‪" .‬لقومكميا بمصير بيوتيا" يقال‪:‬‬
‫بوأت زيدا مكانيا وبوأت لزييد مكانيا‪ .‬والمبوأ المنزل الملزوم؛ ومنيه بوأه ال منزل‪ ،‬أي ألزميه إياه‬
‫وأسكنه؛ ومنه الحديث‪( :‬من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) قال الراجز‪:‬‬
‫تبوأ المجد بنا والملك‬ ‫نحن بنو عدنان ليس شك‬
‫ومصير فيي هذه اليية هيي السيكندرية؛ فيي قول مجاهيد‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬إنيه البلد المسيمى مصير‪،‬‬
‫ومصر ما بين البحر إلى أسوان‪ ،‬والسكندرية من أرض مصر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واجعلوا بيوتكيم قبلة" قال أكثير المفسيرين‪ :‬كان بنيو إسيرائيل ل يصيلون إل فيي‬
‫مساجدهم وكنائسهم وكانت ظاهرة‪ ،‬فلما أرسل موسى أمر فرعون بمساجد بني إسرائيل فخربت‬
‫كلهيا ومنعوا مين الصيلة؛ فأوحيى ال إلى موسيى وهارون أن اتخذوا لبنيي إسيرائيل بيوتيا بمصير‪،‬‬
‫أي مساجد‪ ،‬ولم يرد المنازل المسكونة‪ .‬هذا قول إبراهيم وابن زيد والربيع وأبي مالك وابن عباس‬
‫وغيرهم‪ .‬وروي عن ابن عباس وسعيد بن جبير أن المعنى‪ :‬واجعلوا بيوتكم يقابل بعضها بعضا‪.‬‬
‫والقول الول أصييح؛ أي اجعلوا مسيياجدكم إلى القبلة؛ قيييل‪ :‬بيييت المقدس‪ ،‬وهييي قبلة اليهود إلى‬
‫اليوم؛ قال ابن بحر‪ .‬وقيل الكعبة‪ .‬عن ابن عباس قال‪ :‬وكانت الكعبة قبلة موسى ومن معه‪ ،‬وهذا‬
‫يدل على أن القبلة فييي الصييلة كانييت شرعييا لموسييى عليييه السييلم‪ ،‬ولم تخييل الصييلة عيين شرط‬
‫الطهارة وسييتر العورة واسييتقبال القبلة؛ فإن ذلك أبلغ فييي التكليييف وأوفيير للعبادة‪ .‬وقيييل‪ :‬المراد‬
‫صيلوا فيي بيوتكيم سيرا لتأمنوا؛ وذلك حيين أخافهيم فرعون فأمروا بالصيبر واتخاذ المسياجد فيي‬
‫البيوت‪ ،‬والقدام على الصييلة‪ ،‬والدعاء إلى أن ينجييز ال وعده‪ ،‬وهييو المراد بقوله‪" :‬قال موسييى‬
‫لقوميه اسيتعينوا بال واصيبروا" اليية‪ .‬وكان مين دينهيم أنهيم ل يصيلون إل فيي البييع والكنائس ميا‬
‫داموا على أمين‪ ،‬فإذا خافوا فقيد أذن لهيم أن يصيلوا فييي بيوتهيم‪ .‬قال ابين العربييي‪ :‬والول أظهيير‬
‫القولين؛ لن الثاني دعوى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قوله‪" :‬دعوى" صيحيح؛ فإن فيي الصيحيح قوله علييه السيلم‪( :‬جعلت لي الرض مسيجدا‬
‫وطهورا) وهذا مميا خيص بيه دون النيبياء؛ فنحين بحميد ال نصيلي فيي المسياجد والبيوت‪ ،‬وحييث‬
‫أدركتنيا الصيلة؛ إل أن النافلة فيي المنازل أفضيل منهيا فيي المسياجد‪ ،‬حتيى الركوع قبيل الجمعية‬
‫وبعدها‪ .‬وقبل الصلوات المفروضات وبعدها؛ إذ النوافل يحصل فيها الرياء‪ ،‬والفرائض ل يحصل‬
‫فيهيا ذلك‪ ،‬وكلميا خلص العميل مين الرياء كان أوزن وأزلف عنيد ال سيبحانه وتعالى‪ .‬روى مسيلم‬
‫عين عبدال بين شقييق قال‪ :‬سيألت عائشية عين صيلة رسيول ال صيلى ال علييه وسيلم عين تطوعيه‬
‫قالت‪( :‬كان يصلي في بيتي قبل الظهر أربعا‪ ،‬ثم يخرج فيصلي بالناس‪ ،‬ثم يدخل فيصلي ركعتين‪،‬‬
‫وكان يصيلى بالناس المغرب‪ ،‬ثيم يدخيل فيصيلي ركعتيين‪ ،‬ثيم يصيلي بالناس العشاء‪ ،‬ويدخيل بيتيي‬
‫فيصلي ركعتين‪ )..‬الحديث‪ .‬وعن ابن عمر قال‪ :‬صليت مع النبي صلى ال عليه وسلم قبل الظهر‬
‫سجدتين وبعدها سجدتين وبعد المغرب مجدتين؛ فأما المغرب والعشاء والجمعة فصليت مع النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم في بيته‪ .‬وروى أبو داود عن كعب بن عجرة أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أتى مسجد بني الشهل فصلى فيه المغرب؛ فلما قضوا صلتهم رآهم يسبحون بعدها فقال‪( :‬هذه‬
‫صلة البيوت)‪.‬‬
‫@ واختلف العلماء من هذا الباب في قيام رمضان‪ ،‬هل إيقاعه في البيت أفضل أو في المسجد؟‬
‫فذهييب مالك إلى أنييه فييي البيييت أفضييل لميين قوي عليييه‪ ،‬وبييه قال أبييو يوسييف وبعييض أصييحاب‬
‫الشافعيي‪ .‬وذهيب ابين عبدالحكيم وأحميد وبعيض أصيحاب الشافعيي إلى أن حضورهيا فيي الجماعية‬
‫أفضيل‪ .‬وقال اللييث‪ :‬لو قام الناس فيي بيوتهيم ولم يقيم أحيد فيي المسيجد ل ينبغيي أن يخرجوا إلييه‪.‬‬
‫والحجة لمالك ومن قال بقوله قوله صلى ال عليه وسلم في حديث زيد بن ثابت‪( :‬فعليكم بالصلة‬
‫في بيوتكم فإن خير صلة المرء في بيته إل المكتوبة) خرجه البخاري‪ .‬احتج المخالف بأن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قد صلها في الجماعة في المسجد‪ ،‬ثم أخبر بالمانع الذي منع منه على الدوام‬
‫على ذلك‪ ،‬وهييو خشييية أن تفرض عليهييم فلذلك قال لهييم‪( :‬فعليكييم بالصييلة فييي بيوتكييم)‪ .‬ثييم إن‬
‫الصييحابة كانوا يصييلونها فييي المسييجد أوزاعييا متفرقييين‪ ،‬إلى أن جمعهييم عميير على قارئ واحييد‬
‫فاستقر المر على ذلك وثبت سنة‪.‬‬
‫@ وإذا تنزلنا على أنه كان أبيح لهم أن يصلوا في بيوتهم إذا خافوا على أنفسهم فيستدل به على‬
‫أن المعذور بالخوف وغيره يجوز له ترك الجماعية والجمعية‪ .‬والعذر الذي يبييح له ذلك كالمرض‬
‫الحابيس‪ ،‬أو خوف زيادتيه‪ ،‬أو خوف جور السيلطان فيي مال أو دون القضاء علييه بحيق‪ .‬والمطير‬
‫الوابييل مييع الوحييل عذر إن لم ينقطييع‪ ،‬وميين له ولي حميييم قييد حضرتييه الوفاة ولم يكيين عنده ميين‬
‫يمرضه؛ وقد فعل ذلك ابن عمر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبشير المؤمنيين" قييل‪ :‬الخطاب لمحميد صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬وقييل لموسيى علييه‬
‫السلم‪ ،‬وهو أظهر‪ ،‬أي بشر بني إسرائيل بأن ال سيظهرهم على عدوهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 88 :‬وقال موسيى ربنيا إنيك آتييت فرعون ومله زينية وأموال فيي الحياة الدنييا ربنيا‬
‫ليضلوا عيين سييبيلك ربنييا اطمييس على أموالهييم واشدد على قلوبهييم فل يؤمنوا حتييى يروا العذاب‬
‫الليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال موسيى ربنا إنك آتيت فرعون ومله" "آتييت" أي أعطييت‪" .‬زينة وأموال‬
‫فيي الحياة الدنييا" أي مال الدنييا‪ ،‬وكان لهيم مين فسيطاط مصير إلى أرض الحبشية جبال فيهيا معادن‬
‫الذهب والفضة والزبرجد والزمرد والياقوت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ربنيا ليضلوا عين سيبيلك" اختلف فيي هذه اللم‪ ،‬وأصيح ميا قييل فيهيا ‪ -‬وهيو قول‬
‫الخلييل وسييبويه ‪ -‬أنهيا لم العاقبية والصييرورة؛ وفيي الخيبر (إن ل تعالى ملكيا ينادي كيل يوم لدوا‬
‫للموت وابنوا للخراب)‪ .‬أي لميا كان عاقبية أمرهيم إلى الضلل صيار كأنيه أعطاهيم ليضلوا‪ .‬وقييل‪:‬‬
‫هيي لم كيي أي أعطيتهيم لكيي يضلوا ويبطروا ويتكيبروا‪ .‬وقييل‪ :‬هيي لم أجيل‪ ،‬أي أعطيتهيم لجيل‬
‫إعراضهييم عنييك فلم يخافوا أن تعرض عنهييم‪ .‬وزعييم قوم أن المعنييى‪ :‬أعطيتهييم ذلك لئل يضلوا‪،‬‬
‫فحذفييت ل كمييا قال عييز وجييل‪( :‬يييبين ال لكييم أن تضلوا)‪ .‬والمعنييى‪ :‬لن ل تضلوا‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫ظاهر هذا الجواب حسن‪ ،‬إل أن العرب ل تحذف "ل" إل مع أن؛ فموه صاحب هذا الجواب بقوله‬
‫عيز وجيل‪" :‬أن تضلوا"‪ .‬وقييل‪ :‬اللم للدعاء‪ ،‬أي ابتلهيم بالضلل عين سيبيلك؛ لن بعده‪" :‬اطميس‬
‫على أموالهم واشدد"‪ .‬وقيل‪ :‬الفعل معنى المصدر أي إضللهم كقوله عز وجل "لتعرضوا عنهم"‬
‫قرأ الكوفيون‪" :‬ليضلوا" بضم الياء من الضلل‪ ،‬وفتحها الباقون‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ربنا اطمس على أموالهم" أي عاقبهم عل كفرهم بإهلك أموالهم‪ .‬قال الزجاج‪:‬‬
‫طميس الشييء إذهابيه عين صيورته‪ .‬قال ابين عباس ومحميد بين كعيب‪ :‬صيارت أموالهيم ودراهمهيم‬
‫حجارة منقوشية كهيئتهيا صيحاحا وأثلثيا وأنصيافا‪ ،‬ولم يبيق لهيم معدن إل طميس ال علييه فلم ينتفيع‬
‫به أحد بعد‪ .‬وقال قتادة‪ :‬بلغنا أن أموالهم وزروعهم صارت حجارة‪ .‬وقال مجاهد وعطية‪ :‬أهلكها‬
‫حتيى ل ترى؛ يقال‪ :‬عيين مطموسية‪ ،‬وطميس الموضيع إذا عفيا ودرس‪ .‬وقال ابين زييد‪ :‬صيارت‬
‫دنانيرهم ودراهمهم وفرشهم وكل شيء لهم حجارة‪ .‬محمد بن كعب‪ :‬وكان الرجل منهم يكون مع‬
‫أهله فييي فراشييه وقييد صييارا حجرييين؛ قال‪ :‬وسييألني عميير بيين عبدالعزيييز فذكرت ذلك له فدعييا‬
‫بخريطية أصييبت بمصير فأخرج منهيا الفواكيه والدراهيم والدنانيير وإنهيا لحجارة‪ .‬وقال السيدي‪:‬‬
‫وكانت إحدى اليات التسع‪" .‬واشدد على قلوبهم" قال ابن عباس‪ :‬أي امنعهم اليمان‪ .‬وقيل‪ :‬قسها‬
‫واطبيع عليهيا حتيى ل تنشرح لليمان؛ والمعنيى واحيد‪" .‬قل يؤمنوا" قييل‪ :‬هيو عطيف على قوله‪:‬‬
‫"ليضلوا" أي آتيتهيم النعيم ليضلوا ول يؤمنوا؛ قاله الزجاج والميبرد‪ .‬وعلى هذا ل يكون فييه مين‬
‫معنييى الدعاء شيييء‪ .‬وقوله‪( :‬ربنييا اطمييس‪ ،‬واشدد) كلم معترض‪ .‬وقال الفراء والكسييائي وأبييو‬
‫عييبيدة‪ :‬هييو دعاء‪ ،‬فهييو فييي موضييع جزم عندهييم؛ أي اللهييم فل يؤمنوا‪ ،‬أي فل آمنوا‪ .‬ومنييه قول‬
‫العشى‪:‬‬
‫ول تلقني إل وأنفك راغم‬ ‫فل ينبسط من بين عينيك ما انزوى‬
‫أي ل انبسييط‪ .‬وميين قال "ليضلوا" دعاء ‪ -‬أي ابتلهييم بالضلل ‪ -‬قال‪ :‬عطييف عليييه "فل يؤمنوا"‪.‬‬
‫وقيييل‪ :‬هييو فييي موضييع نصييب لنييه جواب الميير؛ أي واشدد على قلوبهييم فل يؤمنوا‪ .‬وهذا قول‬
‫الخفش والفراء أيضا‪ ،‬وأنشد الفراء‪:‬‬
‫إلى سليمان فنستريحا‬ ‫يا ناق سيري عنقا فسيحا‬
‫فعلى هذا حذفيت النون لنيه منصيوب‪" .‬حتيى يروا العذاب اللييم" قال ابين عباس‪ :‬هيو الغرق‪ .‬وقيد‬
‫اسييتشكل بعييض الناس هذه الييية فقال‪ :‬كيييف دعييا عليهييم وحكييم الرسييل اسييتدعاء إيمان قومهييم؛‬
‫فالجواب أنه ل يجوز أن يدعو نبي على قومه إل بإذن من ال‪ ،‬وإعلم أنه ليس فيهم من يؤمن ول‬
‫يخرج مين أصيلبهم مين يؤمين؛ دليله قوله لنوح علييه السيلم‪" :‬إنيه لن يؤمين مين قوميك إل مين قيد‬
‫آمين" [هود‪ ]36 :‬وعنيد ذلك قال‪" :‬رب ل تذر على الرض مين الكافريين ديارا" اليية [نوح‪:‬‬
‫‪ .]26‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 89 :‬قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ول تتبعان سبيل الذين ل يعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال قد أجيبت دعوتكما" قال أبو العالية‪ :‬دعا موسى وأمن هارون؛ فسمي هارون‬
‫وقييد أميين على الدعاء داعيييا‪ .‬والتأمييين على الدعاء أن يقول آمييين؛ فقولك آمييين دعاء‪ ،‬أي ل رب‬
‫استجب لي‪ .‬وقيل‪ :‬دعا هارون مع موسى أيضا‪ .‬وقال أهل المعاني‪ :‬ربما خاطبت العرب الواحد‬
‫بخطاب الثنين؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫بنزع أصوله فاجتز شيحا‬ ‫فقلت لصاحبي ل تعجلنا‬
‫وهذا على أن آميين لييس بدعاء‪ ،‬وأن هارون لم يدع‪ .‬قال النحاس‪ :‬سيمعت علي بين سيليمان يقول‪:‬‬
‫الدليييل على أن الدعاء لهمييا قول موسييى عليييه السييلم "ربنييا" ولم يقييل رب‪ .‬وقرأ علي والسييلمي‬
‫"دعواتكميا" بالجمييع‪ .‬وقرأ ابين السيميقع "أجبيت دعوتكميا" خيبرا عين ال تعالى‪ ،‬ونصيب دعوة‬
‫بعده‪ .‬وتقدم القول فيي "آميين" فيي آخير الفاتحية مسيتوفى‪ .‬وهيو مميا خيص بيه نبينيا محميد صيلى ال‬
‫علييه وسيلم وهارون وموسيى عليهميا السيلم‪ .‬روى أنيس بين مالك قال‪ :‬قال رسيول ال صيلى ال‬
‫عليه وسلم‪( :‬إن ال قد أعطى أمتي ثلثا لم تعط أحدا قبلهم السلم وهي تحية أهل الجنة وصفوف‬
‫الملئكية وآميين إل ميا كان مين موسيى وهارون) ذكره الترمذي الحكييم فيي نوادر الصيول‪ .‬وقيد‬
‫تقدم في الفاتحة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاستقيما" قال الفراء وغيره‪ :‬أمر بالستقامة‪ .‬على أمرهما والثبات عليه من دعاء‬
‫فرعون وقوميه إلى اليمان‪ ،‬إلى أن يأتيهميا تأوييل الجابية‪ .‬قال محميد بين علي وابين جرييح‪ :‬مكيث‬
‫فرعون وقوميييه بيييه هذه الجابييية أربعيييين سييينة ثيييم أهلكوا‪ .‬وقييييل‪" :‬اسيييتقيما" أي على الدعاء؛‬
‫والسيتقامة فيي الدعاء ترك السيتعجال فيي حصيول المقصيود‪ ،‬ول يسيقط السيتعجال من القلب إل‬
‫باسيتقامة السيكينة فييه‪ ،‬ول تكون تلك السيكينة إل بالرضيا الحسين لجمييع ميا يبدو مين الغييب‪" .‬ول‬
‫تتبعان سبيل الذين ل يعلمون" بتشديد النون في موضع جزم على النهي‪ ،‬والنون للتوكيد وحركت‬
‫للتقاء الساكنين واختير لها الكسر لنها أشبهت نون الثنين‪ .‬وقرأ ابن ذكوان بتخفيف النون على‬
‫النفي‪ .‬وقيل‪ :‬هو حال من استقيما؛ أي استقيما غير متبعين‪ ،‬والمعنى‪ :‬ل تسلكا طريق من ل يعلم‬
‫حقيقة وعدي ووعيدي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 90 :‬وجاوزنيا ببنيي إسيرائيل البحير فأتبعهيم فرعون وجنوده بغييا وعدوا حتيى إذا‬
‫أدركه الغرق قال آمنت أنه ل إله إل الذي آمنت به بنوا إسرائيل وأنا من المسلمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وجاوزنا ببني إسرائيل البحر" تقدم القول فيه في "البقرة" في قوله‪" :‬وإذ فرقنا‬
‫بكييم البحيير"‪ .‬وقرأ الحسيين "وجوزنييا" وهمييا لغتان‪" .‬فأتبعهييم فرعون وجنوده" يقال‪ :‬تبييع وأتبييع‬
‫بمعنيى واحيد‪ ،‬إذا لحقيه وأدركيه‪ .‬وأتبيع (بالتشدييد) إذا سيار خلفيه‪ .‬وقال الصيمعي‪ :‬أتبعيه (بقطيع‬
‫اللف) إذا لحقه وأدركه‪ ،‬وأتبعه (بوصل اللف) إذا أتبع أثره‪ ،‬أدركه أو لم يدركه‪ .‬وكذلك قال أبو‬
‫زيييد‪ .‬وقرأ قتادة "فاتبعهيم" بوصيل اللف‪ .‬وقييل‪" :‬اتبعيه" (بوصيل اللف) فيي المير اقتدى بيه‪.‬‬
‫وأتبعه (بقطع اللف) خيرا أو شرا؛ هذا قول أبي عمرو‪ .‬وقد قيل هما بمعنى واحد‪ .‬فخرج موسى‬
‫ببني إسرائيل وهم ستمائة ألف وعشرون ألفا‪ ،‬وتبعه فرعون مصبحا في ألفي ألف وستمائة ألف‪.‬‬
‫وقيد تقدم‪" .‬بغييا" نصيب على الحال‪" .‬وعدوا" معطوف علييه؛ أي فيي حال بغيي واعتداء وظلم؛‬
‫يقال‪ :‬عدا يعدو عدوا؛ مثييل غزا يغزو غزوا‪ .‬وقرأ الحسيين "وعدوا" بضييم العييين والدال وتشديييد‬
‫الواو؛ مثل عل يعلو علوا‪ .‬وقال المفسرون‪" :‬بغيا" طلبا للستعلء بغير حق في القول‪" ،‬وعدوا"‬
‫فيي الفعيل؛ فهميا نصيب على المفعول له‪" .‬حتيى إذا أدركيه الغرق" أي ناله ووصيله‪" .‬قال آمنيت"‬
‫أي صدقت‪" .‬أنه" أي بأنه‪" .‬ل إله إل الذي آمنت به بنو إسرائيل" فلما حذف الخافض تعدى الفعل‬
‫فنصب‪ .‬وقرئ بالكسر‪ ،‬أي صرت مؤمنا ثم استأنف‪ .‬وزعم أبو حاتم أن القول محذوف‪ ،‬أي آمنت‬
‫فقلت إنه‪ ،‬واليمان ل ينفع حينئذ؛ والتوبة مقبولة قبل رؤية البأس‪ ،‬وأما بعدها وبعد المخالطة فل‬
‫تقبل‪ ،‬حسب ما تقدم في "النساء" بيانه‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬إن فرعون هاب دخول البحر وكان على حصان أدهم ولم يكن في خيل فرعون فرس‬
‫أنثيى؛ فجاء جبرييل على فرس ودييق أي شهيي فيي صيورة هامان وقال له‪ :‬تقدم‪ ،‬ثيم خاض البحير‬
‫فتبعها حصان فرعون‪ ،‬وميكائيل يسوقهم ل يشذ منهم أحد‪ ،‬فلما صار آخرهم في البحر وهم أولهم‬
‫أن يخرج انطبيق عليهيم البحير‪ ،‬وألجيم فرعون الغرق فقال‪ :‬آمنيت بالذي آمنيت بيه بنيو إسيرائيل؛‬
‫فدس جبرييل فيي فميه حال البحير‪ .‬وروى الترمذي عين ابين عباس أن النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫قال‪( :‬لما أغرق ال فرعون قال آمنت أنه ل إله إل الذي آمنت به بنو إسرائيل قال جبريل يا محمد‬
‫فلو رأيتني وأنا آخذ من حال البحر فأدسه في فيه مخافة أن تدركه الرحمة)‪ .‬قال أبو عيسى‪ :‬هذا‬
‫حدييث حسين‪ .‬حال البحير‪ :‬الطيين السيود الذي يكون فيي أرضيه؛ قال أهيل اللغية‪ .‬وعين ابين عباس‬
‫عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه ذكير‪( :‬أن جبرييل جعيل يدس فيي فيي فرعون الطيين خشيية أن‬
‫يقول ل إله إل ال فيرحميه ال أو خشيية أن يرحميه)‪ .‬قال‪ :‬هذا حدييث حسين غرييب صيحيح‪ .‬وقال‬
‫عون بين عبدال‪ :‬بلغنيي أن جبرييل قال للنيبي صيلى ال علييه وسيلم‪ :‬ميا ولد إبلييس أبغيض إلي مين‬
‫فرعون‪ ،‬فإنيه لميا أدركيه الغرق قال‪" :‬آمنيت" اليية‪ ،‬فخشييت أن يقولهيا فيرحيم‪ ،‬فأخذت تربية أو‬
‫طينية فحشوتهيا فيي فييه‪ .‬وقييل‪ :‬إنميا فعيل هذا بيه عقوبية له على عظييم ميا كان يأتيي‪ .‬وقال كعيب‬
‫الحبار‪ :‬أمسك ال نيل مصر عن الجري في زمانه‪ .‬فقالت له القبط‪ :‬إن كنت ربنا فأجر لنا الماء؛‬
‫فركيب وأمير بجنوده قائدا قائدا وجعلوا يقفون عيل درجاتهيم وقفيز حييث ل يرونيه ونزل عين دابتيه‬
‫ولبييس ثيابييا له أخرى وسييجد وتضرع ل تعالى فأجرى ال له الماء‪ ،‬فأتاه جبريييل وهييو وحده فييي‬
‫هيئة مستفت وقال‪ :‬ما يقول المير في رجل له عبد قد نشأ في نعمته ل سند له غيره‪ ،‬فكفر نعمه‬
‫وجحيد حقيه وادعيى السييادة دونيه؛ فكتيب فرعون‪ :‬يقول أبيو العباس الولييد بين مصيعب بين الريان‬
‫جزاؤه أن يغرق في البحر؛ فأخذه جبريل ومر فلما أدركه الغرق ناول جبريل عليه السلم خطه‪.‬‬
‫وقيد مضيى هذا فيي "البقرة" عين عبدال بين عمرو بين العاص وابين عباس مسيندا؛ وكان هذا فيي‬
‫يوم عاشوراء على ما تقدم بيانه في "البقرة" أيضا فل معنى للعادة‪" .‬وأنا من المسلمين" أي من‬
‫الموحدين المستسلمين بالنقياد والطاعة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 91 :‬آلن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين}‬
‫@ قيل‪ :‬هو من قول ال تعالى‪ .‬وميل‪ :‬هو من قول جبريل‪ .‬وقيل‪ :‬ميكائيل‪ ،‬صلوات ال عليهما‪،‬‬
‫أو غيرهميا مين الملئكية له صيلوات ال عليهيم‪ .‬وقييل‪ :‬هيو مين قول فرعون فيي نفسيه‪ ،‬ولم يكين ثيم‬
‫قول اللسيان بيل وقيع ذلك فيي قلبيه فقال فيي نفسيه ميا قال‪ :‬حييث لم تنفعيه الندامية؛ ونظيره‪" .‬إنميا‬
‫نطعمكيم لوجيه ال" [النسيان‪ ]9 :‬أثنيى عليهيم الرب بميا فيي ضميرهيم ل أنهيم قالوا ذلك بلفظهيم‪،‬‬
‫والكلم الحقيقي كلم القلب‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 92 :‬فاليوم ننجييك ببدنيك لتكون لمين خلفيك آيية وإن كثيرا مين الناس عين آياتنيا‬
‫لغافلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاليوم ننجيك ببدنك" أي نلقيك على نجوة من الرض‪ .‬وذلك أن بني إسرائيل لم‬
‫يصيدقوا أن فرعون غرق‪ ،‬وقالوا‪ :‬هيو أعظيم شأنيا مين ذلك‪ ،‬فألقاه ال على نجوة مين الرض‪ ،‬أي‬
‫مكان مرتفع من البحر حتى شاهدوه قال أوس بن حجر يصف مطرا‪:‬‬
‫والمستكن كمن يمشي بقرواح‬ ‫فمن بعقوته كمن بنجوته‬
‫وقرأ اليزيدي وابين السيميقع "ننحييك" بالحاء مين التنحيية‪ ،‬وحكاهيا علقمية عين ابين مسيعود؛ أي‬
‫تكون على ناحيية مين البحير‪ .‬قال ابين جرييج‪ :‬فرميي بيه على سياحل البحير حتيى رآه بنيو إسيرائيل‪،‬‬
‫وكان قصييرا أحمير كأنيه ثور‪ .‬وحكيى علقمية عين عبدال أنيه قرأ "بندائك" مين النداء‪ .‬قال أبيو بكير‬
‫النباري‪ :‬وليييس بمخالف لهجاء مصييحفنا‪ ،‬إذ سييبيله أن يكتييب بياء وكاف بعييد الدال؛ لن اللف‬
‫تسقط من ندائك في ترتيب خط المصحف كما سقط من الظلمات والسماوات‪ ،‬فإذا وقع بها الحذف‬
‫اسيتوى هجاء بدنيك وندائك‪ ،‬على أن هذه القراءة مرغوب عنهيا لشذوذهيا وخلفهيا ميا علييه عامية‬
‫المسلمين؛ والقراءة سنة يأخذها آخر عن أول‪ ،‬وفي معناها نقص عن تأويل قراءتنا‪ ،‬إذ ليس فيها‬
‫للدرع ذكره الذي تتابعت الثار بأن بني إسرائيل اختلفوا في غرق فرعون‪ ،‬وسألوا ال تعالى‪ ،‬أن‬
‫يريهم إياه غريقا فألقوه على نجوة من الرض ببدنه وهو درعه التي يلبسها في الحروب‪ .‬قال ابن‬
‫عباس ومحميد بين كعيب القرظيي‪ :‬وكانيت درعيه مين لؤلؤ منظوم‪ .‬وقييل‪ :‬مين الذهيب وكان يعرف‬
‫بها‪ .‬وقيل‪ :‬من حديد؛ قاله أبو صخر‪ :‬والبدن الدرع القصيرة‪ .‬وأنشد أبو عبيدة للعشى‪:‬‬
‫لها قونس فوق جيب البدن‬ ‫وبيضاء كالنهي موضونة‬
‫وأنشد أيضا لعمرو بن معد يكرب‪:‬‬
‫جدلء سابغة وبالبدان‬ ‫ومضى نساؤهم بكل مفاضة‬
‫وقال كعب بن مالك‪:‬‬
‫على البطال واليلب الحصينا‬ ‫ترى البدان فيها مسبغات‬
‫أراد بالبدان الدروع واليلب الدروع اليمانيية‪ ،‬كانيت تتخيذ مين الجلود يخرز بعضهيا إلى بعيض؛‬
‫وهو اسم جنس‪ ،‬الواحد يلبة‪ .‬قال عمرو بن كلثوم‪:‬‬
‫وأسياف يقمن وينحنينا‬ ‫علينا البيض واليلب اليماني‬
‫وقييل "ببدنيك" بجسيد ل روح فييه؛ قاله مجاهيد‪ .‬قال الخفيش‪ :‬وأميا قول مين قال بدرعيك فلييس‬
‫بشييء‪ .‬قال أبيو بكير‪ :‬لنهيم لميا ضرعوا إلى ال يسيألونه مشاهدة فرعون غريقيا أبرزه لهيم فرأوا‬
‫جسدا ل روج فيه‪ ،‬فلما رأته بنو إسرائيل قالوا نعم! يا موسى هذا فرعون وقد غرق؛ فخرج الشك‬
‫مين قلوبهيم وابتلع البحير فرعون كميا كان‪ .‬فعلى هذا "ننجييك ببدنيك" احتميل معنييين‪ :‬أحدهميا ‪-‬‬
‫نلقيك على نجوة من الرض‪ .‬والثاني ‪ -‬نظهر جسدك الذي ل روج فيه‪ .‬والقراءة الشاذة "بندائك"‬
‫يرجع معناها إلى معنى قراءة الجماعة‪ ،‬لن النداء يفسر تفسيرين‪ ،‬أحدهما ‪ -‬نلقيك بصياحك بكلمة‬
‫التوبية‪ ،‬وقولك بعيد أن أغلق بابهيا ومضيى وقيت قبولهيا‪" :‬آمنيت أنيه ل إله إل الذي آمنيت بيه بنيو‬
‫إسيرائيل وأنيا مين المسيلمين" [يونيس‪ ]90 :‬على موضيع رفييع‪ .‬والخير ‪ -‬فاليوم نعزلك عين‬
‫غاميض البحير بندائك لميا قلت أنيا ربكيم العلى؛ فكانيت تنجيتيه بالبدن معاقبية مين رب العالميين له‬
‫على ما فرط من كفره الذي منه نداؤه الذي افترى فيه وبهت‪ ،‬وادعى القدرة والمر الذي يعلم أنه‬
‫كاذب فييه وعاجيز عنيه وغيير مسيتحق له‪ .‬قال أبيو بكير النباري‪ :‬فقراءتنيا تتضمين ميا فيي القراءة‬
‫الشاذة من المعاني وتزيد عليها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لتكون لمن خلفك آية" أي لبني إسرائيل ولمن بقي من قوم فرعون ممن لم يدركه‬
‫الغرق ولم ينته إليه هذا الخبر‪" .‬وإن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون" أي معرضون عن تأمل‬
‫آياتنيا والتفكير فيهيا‪ .‬وقرئ "لمين خلفك" (بفتح اللم)؛ أي لمين بقيي بعدك يخلفيك فيي أرضك‪ .‬وقرأ‬
‫علي بن أبي طالب "لمن خلقك" بالقاف؛ أي تكون آية لخالقك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 93 :‬ولقيد بوأنيا بنيي إسيرائيل مبوأ صيدق ورزقناهيم مين الطيبات فميا اختلفوا حتيى‬
‫جاءهم العلم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق" أي منزل صدق محمود مختار‪ ،‬يعني مصر‪.‬‬
‫وقيييل‪ :‬الردن وفلسييطين‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬هييي مصيير والشام‪" .‬ورزقناهييم ميين الطيبات" أي ميين‬
‫الثمار وغيرهيا‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬يعنيي قريظية والنضيير وأهيل عصير النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫مين بنيي إسيرائيل؛ فإنهيم كانوا يؤمنون بمحميد صيلى ال علييه وسيلم وينتظرون خروجيه‪ ،‬ثيم لميا‬
‫خرج حسيدوه؛ ولهذا قال‪" :‬فميا اختلفوا" أي فيي أمير محميد صيلى ال علييه وسيلم‪" .‬حتيى جاءهيم‬
‫العلم" أي القرآن‪ ،‬ومحميد صيلى ال علييه وسيلم‪ .‬والعلم بمعنيى المعلوم؛ لنهيم كانوا يعلمونيه قبيل‬
‫خروجيه؛ قال ابين جريير الطيبري‪" .‬إن ربيك يقضيي بينهيم" أي يحكيم بينهيم ويفصيل‪" .‬يوم القيامية‬
‫فيما كانوا فيه يختلفون" في الدنيا‪ ،‬فيثيب الطائع ويعاقب العاصي‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 95 - 94 :‬فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك‬
‫لقد جاءك الحق من ربك فل تكونن من الممترين‪ ،‬ول تكونن من الذين كذبوا بآيات ال فتكون من‬
‫الخاسرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن كنيت فيي شيك مميا أنزلنيا إلييك" الخطاب للنيبي صيلى ال علييه وسيلم والمراد‬
‫غيره‪ ،‬أي لسيت فيي شيك ولكين غيرك شيك‪ .‬قال أبيو عمير محميد بين عبدالواحيد الزاهيد‪ :‬سيمعت‬
‫المامين ثعلبا والمبرد يقولن‪ :‬معنى "فإن كنت في شك" أي قل يا محمد للكافر فإن كنت في شك‬
‫مميا أنزلنيا إلييك "فاسيأل الذيين يقرؤون الكتاب مين قبلك" أي ييا عابيد الوثين إن كنيت فيي شيك مين‬
‫القرآن فأسيأل مين أسيلم مين اليهود‪ ،‬يعنيي عبدال بين سيلم وأمثاله؛ لن عبدة الوثان كانوا يقرون‬
‫لليهود أنهم أعلم منهم من أجل أنهم أصحاب كتاب؛ فدعاهم الرسول صلى ال عليه وسلم إلى أن‬
‫يسألوا من يقرون بأنهم أعلم منهم‪ ،‬هل يبعث ال برسول من بعد موسى‪ .‬وقال القتبي‪ :‬هذا خطاب‬
‫لمن كان ل يقطع بتكذيب محمد ول بتصديقه صلى ال عليه وسلم‪ ،‬بل كان في شك‪ .‬وقيل‪ :‬المراد‬
‫بالخطاب النبي صلى ال عليه وسلم ل غيره‪ ،‬والمعنى‪ :‬لو كنت يلحقك الشك فيه فيما أخبرناك به‬
‫فسيألت أهيل الكتاب لزالوا عنيك الشيك‪ .‬وقييل‪ :‬الشيك ضييق الصيدر؛ أي إن ضاق صيدرك بكفير‬
‫هؤلء فاصيبر‪ ،‬واسيأل الذيين يقرؤون الكتاب مين قبلك يخيبروك صيبر النيبياء مين قبلك على أذى‬
‫قومهم وكيف عاقبة أمرهم‪ .‬والشك في اللغة أصله الضيق؛ يقال‪ :‬شك الثوب أي ضمه بخلل حتى‬
‫يصيير كالوعاء‪ .‬وكذلك السيفرة تميد علئقهيا حتيى تنقبيض؛ فالشيك يقبيض الصيدر ويضميه حتيى‬
‫يضيق‪ .‬وقال الحسين بن الفضل‪ :‬الفاء مع حروف الشرط ل توجب‪ .‬الفعل ول تثبته‪ ،‬والدليل عليه‬
‫ميا روي عين النيبي صيلى ال علييه وسيلم أنيه قال لميا نزلت هذه اليية‪( :‬وال ل أشيك ‪ -‬ثيم اسيتأنف‬
‫الكلم فقال ‪ -‬لقييد جاءك الحييق مين ربييك فل تكونين ميين الممترييين) أي الشاكييين المرتابييين‪" .‬ول‬
‫تكونين مين الذيين كذبوا بآيات ال فتكون مين الخاسيرين" والخطاب فيي هاتيين اليتيين للنيبي صيلى‬
‫ال عليه وسلم والمراد غيره‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 97 - 96 :‬إن الذين حقت عليهم كلمة ربك ل يؤمنون‪ ،‬ولو جاءتهم كل آية حتى‬
‫يروا العذاب الليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذين حقت عليهم كلمة ربك ل يؤمنون" تقدم القول فيه في هذه السورة‪ .‬قال‬
‫قتادة‪ :‬أي الذين حق عليهم غضب ال وسخطه بمعصيتهم ل يؤمنون‪" .‬ولو جاءتهم كل آية" أنث‬
‫"كل" على المعنى؛ أي ولو جاءتهم اليات‪" .‬حتى يروا العذاب الليم" فحينئذ يؤمنون ول ينفعهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 98 :‬فلول كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إل قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب‬
‫الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلول كانت قرية آمنت" قال الخفش والكسائي‪ :‬أي فهل‪ .‬وفي مصحف أبي وابن‬
‫مسيعود "فهل" وأصيل لول فيي الكلم التحضييض أو الدللة على منيع أمير لوجود غيره‪ .‬ومفهوم‬
‫من معنى الية نفي إيمان أهل القرى ثم استثنى قوم يونس؛ فهو بحسب اللفظ استئناء منقطع‪ ،‬وهو‬
‫بحسيب المعنيى متصيل؛ لن تقديره ميا آمين أهيل قريية إل قوم يونيس‪ .‬والنصيب فيي "قوم" هيو‬
‫الوجييه‪ ،‬وكذلك أدخله سيييبويه فييي (باب مال يكون إل منصييوبا)‪ .‬قال النحاس‪" :‬إل قوم يونييس"‬
‫نصييب لنييه اسييتئناء ليييس مين الول‪ ،‬أي لكيين قوم يونييس؛ هذا قول الكسييائي والخفييش والفراء‪.‬‬
‫ويجوز‪" .‬إل قوم يونيس" بالرفيع‪ ،‬ومين أحسين ميا قييل فيي الرفيع ميا قال أبيو إسيحاق الزجاج قال‪:‬‬
‫يكون المعنى غير قوم يونس‪ ،‬فلما جاء بإل أعرب السم الذي بعدها بإعراب غير؛ كما قال‪:‬‬
‫لعمر أبيك إل الفرقدان‬ ‫وكل أخ مفارقه أخوه‬
‫وروي فيي قصية قوم يونيس عين جماعية مين المفسيرين‪ :‬أن قوم يونيس كانوا بنينوى مين أرض‬
‫الموصل وكانوا يعبدون الصنام‪ ،‬فأرسل ال إليهم يونس عليه السلم يدعوهم إلى السلم وترك‬
‫ما هم عليه فأبوا؛ فقيل‪ :‬إنه أقام يدعوهم تسع سنين فيئس من إيمانهم؛ فقيل له‪ :‬أخبرهم أن العذاب‬
‫مصييبحهم إلى ثلث ففعييل‪ ،‬وقالوا‪ :‬هييو رجييل ل يكذب فارقبوه فإن أقام معكييم وبييين أظهركييم فل‬
‫عليكييم‪ ،‬وإن ارتحييل عنكييم فهييو نزول العذاب ل شييك؛ فلمييا كان الليييل تزود يونييس وخرج عنهييم‬
‫فأصييبحوا فلم يجدوه فتابوا ودعوا ال ولبسييوا المسييوح وفرقوا بييين المهات والولد ميين الناس‬
‫والبهائم‪ ،‬وردوا المظالم في تلك الحالة‪ .‬وقال ابن مسعود‪ :‬وكان الرجل يأتي الحجر قد وضع عليه‬
‫أسياس بنيانيه فيقتلعيه فيرده؛ والعذاب منهيم فيميا روي عين ابين عباس على ثلثيي مييل‪ .‬وروي على‬
‫ميل‪ .‬وعن ابن عباس أنهم غشيتهم ظلة وفيها حمرة فلم تزل تدنو حتى وجدوا حرها بين أكتافهم‪.‬‬
‫وقال ابن جبير‪ :‬غشيهم العذاب كما يغشى الثوب القبر‪ ،‬فلما صحت توبتهم رفع ال عنهم العذاب‪.‬‬
‫وقال الطبري‪ :‬خص قوم يونس من بين سائر المم بأن تيب عليهم بعد معاينة العذاب؛ وذكر ذلك‬
‫عين جماعية مين المفسيرين‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬إنهيم لم يقيع بهيم العذاب‪ ،‬وإنميا رأوا العلمية التيي تدل‬
‫على العذاب‪ ،‬ولو رأوا عين العذاب لما نفعهم اليمان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول الزجاج حسين؛ فان المعاينية التيي ل تنفيع التوبية معهيا هيي التلبيس بالعذاب كقصية‬
‫فرعون‪ ،‬ولهذا جاء بقصة قوم يونس على أثر قصة فرعون لنه آمن حين رأى العذاب فلم ينفعه‬
‫ذلك‪ ،‬وقوم يونيس تابوا قبيل ذلك‪ .‬ويعضييد هذا قوله عليييه السيلم‪( :‬إن ال يقبييل توبيية العبيد ميا لم‬
‫يغرغير)‪ .‬والغرغرة الحشرجية‪ ،‬وذلك هيو حال التلبيس بالموت‪ ،‬وأميا قبيل ذلك فل‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقيد‬
‫روي معنييى مييا قلناه عيين ابيين مسييعود‪ ،‬أن يونييس لمييا وعدهييم العذاب إلى ثلثيية أيام خرج عنهييم‬
‫فأصييبحوا فلم يجدوه فتابوا وفرقوا بييين المهات والولد؛ وهذا يدل على أن توبتهييم قبييل رؤييية‬
‫علميية العذاب‪ .‬وسيييأتي مسييندا مبينييا فييي سييورة "والصييافات" إن شاء ال تعالى‪ .‬ويكون معنييى‬
‫"كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا" أي العذاب الذي وعدهم به يونس أنه ينزل بهم‪ ،‬ل‬
‫أنهيم رأوه عيانيا ول مخايلة؛ وعلى هذا ل إشكال ول تعارض ول خصيوص‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وبالجملة‬
‫فكان أهل نينوى في سابق العلم من السعداء‪ .‬وروي عن علي رضي ال عنه أنه قال‪ :‬إن الحذر ل‬
‫يرد القدر‪ ،‬وإن الدعاء ليرد القدر‪ .‬وذلك أن ال تعالى يقول‪" :‬إل قوم يونيس لميا آمنوا كشفنيا عنهيم‬
‫عذاب الخزي فيي الحياة الدنييا"‪ .‬قال رضيي ال عنيه‪ :‬وذلك يوم عاشوراء‪" .‬ومتعناهيم إلى حيين"‬
‫قيل إلى أجلهم‪ ،‬قال السدي وقيل‪ :‬إلى أن يصيروا إلى الجنة أو إلى النار؛ قاله ابن عباس‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 99 :‬ولو شاء ربك لمن من في الرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا‬
‫مؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو شاء ربيك لمين مين فيي الرض كلهيم جميعيا" أي لضطرهيم إلييه‪" .‬كلهيم"‬
‫تأكييد ليي "مين"‪" .‬جميعيا" عنيد سييبويه نصيب على الحال‪ .‬وقال الخفيش‪ :‬جاء بقول جميعيا بعيد كيل‬
‫تأكيدا؛ كقوله‪" :‬ل تتخذوا إلهين اثنين" [النحل‪]51 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" قال ابن عباس‪ :‬كان النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم حريصا على إيمان جميع الناس؛ فأخبره ال تعالى أنه ل يؤمن إل من سبقت له السعادة في‬
‫الذكير الول‪ ،‬ول يضيل إل مين سيبقت له الشقاوة فيي الذكير الول‪ .‬وقييل‪ :‬المراد بالناس هنيا أبيو‬
‫طالب؛ وهو عن ابن عباس أيضا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 100 :‬وما كان لنفس أن تؤمن إل بإذن ال ويجعل الرجس على الذين ل يعقلون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما كان لنفس أن تؤمن إل بإذن ال" "ما" نفي؛ أي ما ينبغي أن تؤمن نفس إل‬
‫بقضائه وقدره ومشيئتيه وإرادتيه‪" .‬ويجعيل الرجيس" وقرأ الحسين وأبيو بكير والمفضيل "ونجعيل"‬
‫بالنون على التعظييم‪ .‬والرجيس‪ :‬العذاب؛ بضيم الراء وكسيرها لغتان‪" .‬على الذيين ل يعقلون" أمير‬
‫ال عز وجل ونهيه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 101 :‬قل انظروا ماذا في السماوات والرض وما تغني اليات والنذر عن قوم ل‬
‫يؤمنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل انظروا ماذا فيي السيماوات والرض" أمير للكفار بالعتبار والنظير فيي‬
‫المصيينوعات الدالة على الصييانع والقادر على الكمال‪ .‬وقييد تقدم القول فييي هذا المعنييى فييي غييير‬
‫موضع مستوفى‪" .‬وما تغني" "ما" نفي؛ أي ولن تغني‪ .‬وقيل‪ :‬استفهامية؛ التقدير أي شيء تغني‪.‬‬
‫"اليات" أي الدللت‪" .‬والنذر" أي الرسل‪ ،‬جمع نذير‪ ،‬وهو الرسول صلى ال عليه وسلم‪" .‬عن‬
‫قوم ل يؤمنون" أي عمن سبق له في علم ال أنه ل يؤمن‪.‬‬
‫*‪*3‬اليية‪{ 102 :‬فهيل ينتظرون إل مثيل أيام الذيين خلوا مين قبلهيم قيل فانتظروا إنيي معكيم مين‬
‫المنتظرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فهل ينتظرون إل مثل أيام الذين خلوا من قبلهم" اليام هنا بمعنى الوقائع؛ يقال‪:‬‬
‫فلن عالم بأيام العرب أي بوقائعهم‪ .‬قال قتادة‪ :‬يعني وقائع ال في قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم‪.‬‬
‫والعرب تسيمي العذاب أياميا والنعيم أياميا؛ كقوله تعالى‪" :‬وذكره بأيام ال"‪ .‬وكيل ميا مضيى لك مين‬
‫خير أو شر فهو أيام‪" .‬فانتظروا" أي تربصوا؛ وهذا تهديد ووعيد‪" .‬إني معكم من المنتظرين" أي‬
‫المتربصين لموعد وربي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 103 :‬ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا" أي من سنتنا إذا أنزلنا بقوم عذابا أخرجنا من بينهم‬
‫الرسل والمؤمنين‪ ،‬و"ثم" معناه ثم اعلموا أنا ننجي رسلنا‪" .‬كذلك حقا علينا" أي واجبا علينا؛ لنه‬
‫أخبر ول خلف في خبره‪ .‬وقرأ يعقوب‪" .‬ثم ننجي" مخففا‪ .‬وقرأ الكسائي وحفص ويعقوب‪" .‬ننجي‬
‫المؤمنيين" مخففيا؛ وشدد الباقون؛ وهميا لغتان فصييحتان‪ :‬أنجيى ينجيي إنجاء‪ ،‬ونجيى ينجيي تنجيية‬
‫بمعنى واحد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 104 :‬قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فل أعبد الذين تعبدون من دون ال‬
‫ولكن أعبد ال الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل يا أيها الناس" يريد كفار مكة‪" .‬إن كنتم في شك من ديني" أي في ريب من‬
‫ديين السيلم الذي أدعوكيم إلييه‪" .‬فل أعبيد الذيين تعبدون مين دون ال" مين الوثان التيي ل تعقيل‪.‬‬
‫"ولكن أعبد ال الذي يتوفاكم" أي يميتكم ويقبض أرواحكم‪" .‬وأمرت أن أكون من المؤمنين‬
‫أي المصدقين بآيات ربهم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 106 - 105 :‬وأن أقم وجهك للدين حنيفا ول تكونن من المشركين‪ ،‬ول تدع من‬
‫دون ال ما ل ينفعك ول يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأن أقم وجهك للدين" "أن" عطف على "أن أكون" أي قيل لي كن من المؤمنين‬
‫وأقيم وجهيك‪ .‬قال ابين عباس‪ :‬عملك‪ ،‬وقييل‪ :‬نفسيك؛ أي اسيتقم بإقبالك على ميا أمرت بيه مين الديين‪.‬‬
‫"حنيفا" أي قويما به مائل عن كل دين‪ .‬قال حمزة بن عبدالمطلب (رضي ال عنه)‪:‬‬
‫من الشراك للدين الحنيف‬ ‫حمدت ال حين هدى فؤادي‬
‫وقد مضى في "النعام" اشتقاقه والحمد ل‪" .‬ول تكونن من المشركين" أي وقيل لي ول تشرك؛‬
‫والخطاب له والمراد غيره؛ وكذلك قوله‪" :‬ول تدع" أي ل تعبييد‪" .‬ميين دون ال مييا ل ينفعييك" إن‬
‫عبدتيه‪" .‬ول يضرك" إن عصييته‪" .‬فإن فعلت" أي عبدت غيير ال‪" .‬فإنيك إذا مين الظالميين" أي‬
‫الواضعين العبادة في غير موضعها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 107 :‬وإن يمسسك ال بضر فل كاشف له إل هو وإن يردك بخير فل راد لفضله‬
‫يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن يمسسك ال بضر" أي يصيبك به‪" .‬فل كاشف له إل هو" أي ل دافع "له إل‬
‫هيو وإن يردك بخيير" أي يصيبك برخاء ونعمية "فل راد لفضله يصييب بيه" أي بكيل ميا أراد مين‬
‫الخيير والشير‪" .‬مين يشاء مين عباده وهيو الغفور" لذنوب عباده وخطاياهيم "الرحييم" بأوليائه فيي‬
‫الخرة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 108 :‬قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن‬
‫ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قيل ييا أيهيا الناس قيد جاءكيم الحيق" أي القرآن‪ .‬وقييل‪ :‬الرسيول صيلى ال علييه‬
‫وسيلم‪" .‬فمين اهتدى" أي صيدق محمدا وآمين بميا جاء بيه‪" .‬فإنميا يهتدي لنفسيه" أي لخلص نفسيه‪.‬‬
‫"ومن ضل" أي ترك الرسول والقرآن واتبع الصنام والوثان‪" .‬فإنما يضل عليها" أي وبال ذلك‬
‫على نفسيه‪" .‬وميا أنيا عليكيم بوكييل" أي بحفييظ أحفيظ أعمالكيم إنميا أنيا رسيول‪ .‬قال ابين عباس‪:‬‬
‫نسختها آية السيف‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 109 :‬واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم ال وهو خير الحاكمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتبع ما يوحى إليك واصبر" قيل‪ :‬نسخ بآية القتال‪ :‬وقيل‪ :‬ليس منسوخا؛ ومعناه‬
‫اصيبر على الطاعية وعين المعصيية‪ .‬وقال ابين عباس‪ :‬لميا نزلت جميع النيبي صيلى ال علييه وسيلم‬
‫النصيار ولم يجميع معهيم غيرهيم فقال‪( :‬إنكيم سيتجدون بعدي أثرة فاصيبروا حتيى تلقونيي على‬
‫الحوض) وعين أنيس بمثيل ذلك؛ ثيم قال أنيس‪ :‬فلم يصيبروا فأمرهيم بالصيبر كميا أمره ال تعالى؛‬
‫وفي ذلك يقول عبدالرحمن بن حسان‪:‬‬
‫أمير المؤمنين نثا كلمي‬ ‫أل أبلغ معاوية بن حرب‬
‫إلى يوم التغابن والخصام‬ ‫بأنا صابرون ومنظروكم‬
‫"حتى يحكم ال وهو خير الحاكمين" ابتداء وخبر؛ لنه عز وجل ل يحكم إل بالحق‪.‬‬

You might also like