Professional Documents
Culture Documents
قال تعاىل:
اْلُُّر ِِب ْْلُِر اوالْ اعْب ُد ِِبلْ اعْب ِد او ْالُنْثاى ِِب ْلُنْثاى فا ام ْن
اص ِِف الْ اقْت لاى ْ
ص ُ
ِ
ب اعلاْي ُك ُم الْق ا
ِ
ين اآمنُوا ُكت ا
َّ ِ
اَيأايُّ اها الذ ا
يف ِم ْن اربِ ُك ْم اوار ْْحاةٌ فا ام ِن ِ وف وأاداء إِلاي ِه ِبِِحس ٍ ِ ِ ِ ِ ِ ِِ ِ
ك اَتْف ٌ ان اذل ا عُف اي لاهُ م ْن أاخيه اش ْيءٌ فااتبااعٌ ِبلْ ام ْع ُر ا ا ٌ ْ ْ ا
ُوِل ْالالْب ِ ِ اعت ادى ب ع اد اذلِك فالاه ع اذ ِ
اب لا اعلَّ ُك ْم تاتَّ ُقو ان اص احيااةٌ اَيأ ِ ا ص ِ اب أال ٌيم ( )178اولا ُك ْم ِِف الْق ا ا ُ ا ٌ ْا ا ْ
()179
شرح املفردات:
ب اعلاْي ُك ُم} معناه ِف كل القرآن :فرض عليكم أي فُرض عليكم ِ ِ
ب} :قال الفراء { ُكت ا { ُكت ا
1
القصاص.
ُ
2
{القصاص} :أن يفعل به مثل فعله من قوهلم :اقتص أثر فالن إذا فعل مثل فعله.
رجل قتيل أي مقتول ،وامرأة قتيل أي
{القتلى} :مجع قتيل ويستوي فيه املذكر واملؤنث ،تقولٌ :
3
مقتولة.
{فاتباع ِبملعروف} :مطالبته ِبملعروف ،أي يطالبه وِل القتيل ِبلرفق واملعروف ،ويؤدي إليه القاتل
الدية ِبحسان ،بدون مماطلة أو خبس أو إساءة ِف الداء.
{فا ام ِن اعتدى} :أي ظلم فقتل القاتل بعد أخذ الدية فله عند هللا عذاب أليم.
4
{اللباب} :العقول مجع لب.
سبب النزول
بغي وطاعة للشيطان ،وكان أن أهل اجلاهلية كان فيهم ٌ أ -روي ِف سبب نزول هذه اآلية عن قتادة َّ
عبد آخرين ،قالوا :لن نقتل به إال حراً ،تعززاً عبدهم ا
اْلي منهم إذا كان فيهم عدة ومنعة ،فقتل ُ
لفضلهم على غريهم ،وإذا قتلت امرأةٌ منهم امرأةً من آخرين قالوا :لن نقتل هبا إال رجالً ،فأنزل.
هللا {اْلر ِِب ْْلُِر والعبد ِبلعبد والنثى ِبلنثى} .
.2دلت اآلية على إكرام هللا هلذه المة احملمدية فشرع هلم قبول الدية ِف القصاص ،ومل يكن هذا ِف
اَّللُ اعْنهما أنه قال« :كان ِف بين إسرائيل القصاص شريعة التوراة ،روي البخاري عن ابن عباس ار ِض اي َّ
ب اعلاْي ُك ُم القصاص ِِف القتلى} إىل قوله{ :فا ام ْن عُ ِف اي ِ
ومل يكن فيهم الدية ،فقال هللا هلذه المة { ُكت ا
ان} يتبع اخ ِيه اشيء} فالعفو أن تقبل الدية ِف العمد {فاتباع ِبملعروف وأ اادآء إِلاي ِه ِبِِحس ٍ لاه ِمن أ ِ
ا ٌ ْ ْا ٌْ ُ ْ
يف ِمن َّربِ ُك ْم اوار ْْحاةٌ} مما كتب على من ِ
الطالب ِبملعروف ،ويؤدي إليه املطلوب ِبحسان {ذلك اَتْف ٌ
7
اب أالِ ٌيم}.
كان قبلكم {فا ام ِن اعتدى با ْع اد ذلك} قتل بعد قبول الدية {فالاهُ اع اذ ٌ
قال تعاىل:
ين ِم ْن قا ْبلِ ُك ْم لا اعلَّ ُك ْم تاتَّ ُقو ان ( )183أ َّاَي ًما َّ ِ
ب اعلاى الذ ا
ِ ِ
ب اعلاْي ُك ُم الصيا ُام اك اما ُكت ا
ِ
ين اآمنُوا ُكت ا
َّ ِ
اَيأايُّ اها الذ ا
ين يُ ِطي ُقوناهُ فِ ْدياةٌ طا اع ُام َّ ِ
ُخار او اعلاى الذ ا
ِ ِ
يضا أ ْاو اعلاى اس اف ٍر فاع َّدةٌ م ْن أ َّاَيٍم أ ا ودات فا ام ْن اكا ان ِمْن ُك ْم ام ِر ً
مع ُد ٍ
اْ ا
ضا ان وموا اخ ْريٌ لا ُك ْم إِ ْن ُكْن تُ ْم تا ْعلا ُمو ان ( )184اش ْه ُر ارام ا صُ ع اخ ْ ًريا فا ُه او اخ ْريٌ لاهُ اوأا ْن تا ُ ني فا ام ْن تاطاَّو اِمس ِك ٍ
ْ
ص ْمهُ اوام ْن َّهار فا ْليا ُ
ِ ِ ٍ ِ
َّاس اوبايِناات م ان ا ْهلُادى اوالْ ُف ْرقاان فا ام ْن اش ِه اد مْن ُك ُم الش ْ الَّ ِذي أُنْ ِزال فِ ِيه الْ ُق ْرآ ُن ُه ًدى لِلن ِ
ْملُوا الْعِ َّدةا يد بِ ُكم الْعسر ولِتُك ِ ِ ِ
اَّللُ ب ُك ُم الْيُ ْسار اواال يُِر ُ ُ ُ ْ ا ا
يد َّ ِ يضا أ ْاو اعلاى اس اف ٍر فاع َّدةٌ م ْن أ َّاَيٍم أ ا
ُخار يُِر ُ اكا ان ام ِر ً
يب اَّلل علاى ما ه ادا ُكم ولاعلَّ ُكم تا ْش ُكرو ان ( )185وإِ اذا سأالاك ِعب ِادي ع ِين فاِإِين قا ِر ِ ِ ِ
يب أُج ُ ٌ ا ا ا ا ا ُ اولتُ اكربُوا َّا ا ا ا ْ ا ا ْ
ُح َّل لا ُكم لاي لاةا ِ
الصيا ِام َّ ان فا ْليستا ِجيبوا ِِل ولْي ْؤِمنُوا ِِب لاعلَّهم ي ر ُش ُدو ان ( )186أ ِ ِ
ثالرفا ُ ْ ْ ا ُ ْ اْ َّاع إِذاا اد اع ا ْ ُ ا ُ اد ْع اوةا الد ِ
اب اعلاْي ُك ْم او اع افا اس اهلُ َّن اعلِ ام َّ
اَّللُ أانَّ ُك ْم ُكْن تُ ْم اَتْتاانُو ان أانْ ُف اس ُك ْم فاتا ا
ِ
اس لا ُك ْم اوأانْتُ ْم لبا ٌ
ِ ِ ِ ِ
إ اىل ن اسائ ُك ْم ُه َّن لبا ٌ
ض ِم ان ط ْالابْيا ُ اْلاْي ُ
ني لا ُك ُم ْاَّللُ لا ُك ْم اوُكلُوا اوا ْشاربُوا اح َّىت ياتا با َّ اب َّ وه َّن اوابْتاغُوا اما اكتا ا
ِ
اعْن ُك ْم فا ْاآل ان اِبش ُر ُ
ِِ ِ اْلاي ِط ْال ِ ِ
ك وه َّن اوأانْتُ ْم اعاكِ ُفو ان ِِف الْ ام اساجد تِْل ا ِ ِ
اس اود م ان الْ اف ْج ِر ُمثَّ أاِتُّوا الصيا اام إِ اىل اللَّْي ِل اواال تُبااش ُر ُ ْ ْْ
آَيتِِه لِلن ِ
َّاس لا اعلَّ ُه ْم ياتَّ ُقو ان ()187 اَّللُ ا
ني َّك يُباِ ُ
ِ
وها اك اذل ا
ح ُدود َِّ
اَّلل فا اال تا ْقاربُ ا ُ ُ
شرح املفردات:
الرتك له ،يقال :صامت اْليل إذا أمسكت عن
اإلمساك عن الشيء و ُ
ُ {الصيام} :الصوم ِف اللغة:
11
السري ،وصامت الريح إذا أمسكت عن اهلبوب.
وِف الشرع :هو اإلمساك عن الطعام ،والشراب ،واجلماع ،مع النية من طلوع الفجر إىل غروب
12
الشمس .وكمالُه ِبجتناب احملظورات ،وعدم الوقوع ِف احملرمات.
11ينظر َتذيب اللغة ،لسان العرب ،اتج العروس والصحاح مادة (صوم)
12روائع البيان للصابوين ج1ص188
ُخار} :مجع أخرى أي أَيماً أخرى ،وإمنا أوثر هنا اجلمع لنه لو جيء به مفرداً فقيل :فعدة من {أ ا
14
وصف لعدة فيفوت املقصود.
ٌ أَيم أخرى ،لوهم أنه ٍ
{يُ ِطي ُقوناهُ} :أي يصومونه مبشقة وعسر.
{فِ ْدياةٌ} :الفدية ما يفدي به اإلنسان نفسه من مال وغريه ،بسبب تقصري وقع منه ِف عبادة من
15
العبادات.
الشهر معروف ،وأصله من االشتهار وهو الظهور ،يقال :شهر المر أظهره ،وشهرالسيف {ش ْه ُر} ُ :
ا
استله ،ومسي الشهر شهراً لشهرة أمره ،لكونه ميقااتً للعبادات واملعامالت ،فصار مشتهراً بني الناس.
ضا ان} :قال الراغب :رمضان هو الرمض أي شدة وقع الشمس ،والرمضاء شدة حر الشمس، {رام ا
ا
ورمضت الغنم :رعت ِف الرمضاء فقرحت أكبادان .ومسي رمضان لنه يرمض الذنوب أي حيرقها
ِبلعمال الصاْلة.
{عاكفون} :العكوف واالعتكاف أصله ِف اللغة مبعىن اللزوم ،يقال :عكفت ِبملكان أي أقمت به
مالزماً .وِف الشرع هو املكث ِف املسجد للعبادة بنية القربة هلل تعاىل.
ود هللا} :اْلدود مجع حد ،واْلد ِف اللغة :املنع ،ومنه مسي اْلديد حديداً لنه ميتنع به من
{ح ُد ُ
ُ
العداء ،ومسي البواب حداداً لنه مينع من الدخول أو اْلروج إال ِبذن ،وأا َّ
حدث املرأةُ على زوجها
سبب النزول
اَّللُ اعلاْي ِه او اسلَّما
صلَّى َّ اَّللُ اعْنه أنه قال« :إن رسول هللا ا - 1روى ابن جرير عن معاذ بن جبل ار ِض اي َّ
قدم املدينة فصام يوم عاشوراء ،وثالثة أَيم من كل شهر» ،مث إن هللا اعَّز او اج َّل فرض شهر رمضان،
{و اعلاى الذين يُ ِطي ُقوناهُ فِ ْدياةٌ ب اعلاْي ُك ُم الصيام} حىت بلغ ا
ِ
فأنزل هللا تعاىل ذكره {َيأيها الذين اآمنُواْ ُكت ا
ني} فكان من شاء صام ،ومن شاء أفطر وأطعم مسكيناً ،مث إن هللا اعَّز او اج َّل أوجب طا اع ُام ِمس ِك ٍ
ْ
الصيام على الصحيح املقيم ،وثبت اإلطعام للكبري الذي ال يستطيع الصوم ،فأنزل هللا اعَّز او اج َّل
ِ
ص ْمهُ . } ... {فا امن اش ِه اد من ُك ُم الش ْ
َّهار فا ْليا ُ
{و اعلاى الذين يُ ِطي ُقوناهُ فِ ْدياةٌ طا اع ُام
وروي عن سلمة بن الكوع أنه قال «ملا نزلت هذه اآلية ا ُ -2
ني} كان من شاء منا صام ،ومن شاء أن يفطلر ويفتدي فعل ذلك ،حىت نزلت اآلية اليت ِمس ِك ٍ
ْ
ِ
ص ْمهُ} . بعدها فنسختها {فا امن اش ِه اد من ُك ُم الش ْ
َّهار فا ْليا ُ
- 3وروي أن مجاعة من العراب سألوا النيب صلَّى َّ ِ
يب ربنا اَّللُ اعلاْيه او اسلَّما فقالواَ :ي حممد أقر ٌ ا
ِ فنناجيه؟ أم بعي ٌد فنناديه؟ فأنزل هللا {وإِ اذا سأالا ِ ِ
ك عباادي اع ِين فاإِين قا ِر ٌ
يب } ...اآلية. ا ا ا
اَّللُ اعلاْي ِه او اسلَّما إذا صلَّى َّ
- 4وروي البخاري عن (الرباء بن عازب) أنه قال »:كان أصحاب حممد ا
كان الرجل صائماً فحضر اإلفطار فنام قبل أن يفطر ،مل أيكل ليلته وال يومه حىت ميسي ،وإن (قيس
بن صرمة) النصاري كان صائماً ،وكان يعمل ِبلنخيل ِف النهار ،فلما حضر اإلفطار أتى امرأته
أنطلق فأطلب لك ،وكان يومه يعمل ،فغلبته عيناه فجاءته ِ
طعام؟ قالت :ال ،ولكن ُ فقال هلا :أعندك ٌ
اَّللُ اعلاْي ِه
صلَّى َّ امرأته فلما رأته قالت :خيبةً لك ،فلما انتصف النهار غشي عليه ،فذكر ذلك للنيب ا
ُح َّل لا ُك ْم لاْي لاةا الصيام الرفث إىل نِ اسآئِ ُك ْم} ففرحوا فرحاً شديداً ،فنزلت وسلَّما فنزلت هذه اآلية {أ ِ
اا
17
ني لا ُك ُم اْليط البيض ِم ان اْليط السود}. {وُكلُواْ واشربوا حىت ياتا با َّ ا
ا
صرُُْت فاما استا يسر ِمن ا ْهل ْد ِي واال اْحتلِ ُقوا رءوس ُكم ح َّىت ي ب لُ اغ ا ْهل ْد ِ اْل َّج والْعمرةا ََِّّللِ فاِإ ْن أ ِ ِ
ي احملَّهُ ُ ُ ا ْ ا اْ ا ُ ُح ْ ا ْ ْ ا ا ا ا ا ْ اوأاِتُّوا ْا ا ُ ْ ا
ٍ ِ ِ ٍ ِ ِِ ِ ِ ِ ٍ ِ فا ام ْن اكا ان ِمْن ُك ْم ام ِر ً
َّع
ص ادقاة أ ْاو نُ ُسك فاإ اذا أامْن تُ ْم فا ام ْن اِتات ا يضا أ ْاو بِه أا ًذى م ْن ارأْسه فاف ْدياةٌ م ْن صياام أ ْاو ا
ك اْلا ِج او اسْب اع ٍة إِ اذا ار اج ْعتُ ْم تِْل ا
صيا ُام ثااالثاِة أ َّاَيٍم ِِف ْ اْل ِج فاما استا يسر ِمن ا ْهل ْد ِي فامن امل اِجي ْد فا ِ
ِِبلْعُ ْمارةِ إِ اىل ْا ا ْ ْ ا ا ا ا ا ْ ْ
ابيد الْعِ اق ِ اَّللا اش ِد ُان َّ اض ِري الْ ام ْس ِج ِد ْ
اْلاارِام اواتَّ ُقوا َّ
اَّللا او ْاعلا ُموا أ َّ ك لِمن امل ي ُكن أ ْاهلُه ح ِ
اع اشارةٌ اكاملاةٌ ذال ا ا ْ ْ ا ْ ُ ا
ِ ِ
ك} :النسك :مجع نسيكة وهي الذبيحة ينسكها العبد هلل تعاىل وأصل {نُس ٍ
ُ
ِ
{وأا ِراان امنااس اكناا} [البقرة ]128 :أي متعبداتنا.
النسك العبادة ومنه قوله تعاىل :ا
ث} :الرفث :اإلفحاش للمرأة ِبلكالم وكل ما يتعلق بذكر اجلماع ودواعيه. {رفا ا
ا
وق} :الفسوق ِف اللغة :اْلروج عن الشيء يقال :فسقت الرطبة :إذا خرجت من قشرها ،وِف {فُ ُس ا
الشرع اْلروج عن طاعة هللا اعَّز او اج َّل ،ومنه قوله تعاىل ِف حق إبليس { اكا ان ِم ان اجلن فا اف اس اق اع ْن أ ْام ِر
اربِِه} [الكهف.]50 :
ِ
{ج اد اال} :اجلدال :اْلصام واملراء ،ويكثر عادة بني الرفقة واْلدم ِف السفر.
{الزاد} :ما يتزود به اإلنسان من طعام وشراب لسفره ،واملراد به التزود لآلخرة ِبلعمال الصاْلة.
{أافا ْ
ضتُم} :أي اندفعتم من عرفات بكثرة تشبيهاً بفيض املاء .يقال فاض اإلانء إذا امتأل حىت
ينصب على نواحيه.
{عرفات} :اسم علم للموقف الذي يقف فيه اْلجاج ،مسيت تلك البقعة عرفات لن الناس
يتعارفون هبا ،وهي اسم ِف لفظ اجلمع (كأذرعات) فال جتمع.
{وأاِِتُّواْ اْلج والعمرة ََّّللِ} احتج هبذه اآلية الشافعية واْلنابلة إىل أن العمرة واجبة
.1قوله تعاىل :ا
حيث أمرت اآلية ِبإلِتام وهو فعل الشيء واإلتيان به كامالً اتماً فدل على الوجوب .وخالفهم
اْلنفية واملالكية وقالوا بعدم الوجوب واستدلوا هبذه الدلة :أوالً :عدم ذكر العمرة ِف اآلَيت اليت
{و ََّّللِ اعلاى الناس ِح ُّج البيت} [آل عمران ]97 :وقوله جلدلت على فريضة اْلج مثل قوله تعاىل :ا
{وأ ِاذن ِِف الناس ِبْلج [ } ...اْلج ]27 :اآلية .اثنياً :قالوا إن الحاديث الصحيحة اليت ثناؤه :ا
بينت قواعد اإلسالم مل يرد فيها ذكر العمرة ،فدل ذلك على أن العمرة ليست بفريضة ،وأهنا َتتلف
اَّللُ اعلاْي ِه
صلَّى َّ
ِف اْلكم عن اْلج .اثلثاً :ما روي عن جابر بن عبد هللا «أن رجالً سأل رسول هللا ا
او اسلَّما عن العمرة أواجبة هي؟ قال :ال ،وأن تعتمروا خري لكم».
ص ْرُُْت} ما يعم املرض والعدو وإليه ذهب أبو حنيفة ،وهو املوافق ليسر .2ظاهر اآلية {فاِإ ْن أُح ِ
ْ
اإلسالم ومساحته فإن املريض الذي يشتد مرضه كيف ميكنه إِتام املناسك ،والشخص الذي تضل
راحلته أو تضيع نقوده كيف يستطيع متابعة السفر مع أنه مل يعد ميلك نفقة وال زاداً.
.3اآلية الكرمية صرحية ِف أن على (احملصر) أن يذبح اهلدي لقوله تعاىل{ :فاِإ ْن أُح ِ
ص ْرُُْت فا اما استيسر ْ
ِم ان اهلدي} وأقله شاة ،والفضل بقرة أو بدنة ،وإمنا جتزئ الشاة لقوله تعاىل{ :فا اما استيسر} وهذا
رأي مجهور الفقهاء .وأما املكان :الذي يذبح فيه هدي اإلحصار فقد اختلف العلماء فيه ،فقال
اجلمهور (الشافعي ومالك وأْحد) :هو موضع اْلصر ،سواءً كان حالً أو حرماً .وقال أبو حنيفة :ال
{مثَّ اِحملُّ اهآ إىل البيت العتيق} [اْلج .]33 :والراجح رأي اجلمهور ينحره إال ِف اْلرم لقوله تعاىلُ :
اَّللُ اعلاْي ِه او اسلَّما حيث أحصر ِبْلديبية وحنر هبا وهي ليست من اْلرم ،فدل صلَّى َّ اقتداءً برسول هللا ا
{مثَّ اِحملُّ اهآ إىل البيت العتيق}حرم أو حل .وأما قوله تعاىلُ : على أن احملصر ينحر حيث حيل ِف ٍ
[اْلج ]33 :فذلك -كما يقول الشوكاين ِ -ف اآلمن الذي ميكنه الوصول إىل البيت وهللا تعاىل
أعلم.
َّع ِبلعمرة إِ اىل اْلج فا اما استيسر ِم ان اهلدي} على وجوب دم اهلدي .4دل قوله تعاىل{ :فا امن ِتاات ا
على املتمتع ،فإذا مل جيد الدم -إما لعدم املال ،أو لعدم اْليوان -صام ثالثة أَيم ِف اْلج ،وسبعة
صيا ُام ثاالثاِة أ َّاَيٍم
أَيم إذا رجع إىل أهله .وقد اختلف الفقهاء ِف وقت هذا الصيام ِف قوله تعاىل{ :فا ِ
ِِف اْلج } ...اآلية .فقال أبو حنيفة :املراد ِف أشهر اْلج وهو ما بني اإلحرامني (إحرام العمرة) و
بعد ِبْلج ،والفضل أن يصوم يوم (إحرام اْلج) فإذا انتهى من عمرته حل له الصيام وإن مل حيرم ُ
الرتوية ،ويوم عرفة ،ويوماً قبلهما يعين (السابع ،والثامن ،والتاسع) من ذي اْلجة .وقال الشافعي :ال
{ِف اْلج} وهي من عند شروعه ِف اإلحرام إىل يصح صومه إال بعد اإلحرام ِف اْلج لقوله تعاىلِ :
يوم النحر ،والصح أهنا ال جتوز يوم النحر ،وال أَيم التشريق ،واملستحب أن تكون ِف العشر من ذي
اْلجة قبل يوم عرفة .ويرى بعض العلماء أن من مل يصم هذه الَيم قبل العيد ،فله أن يصومها ِف
ص ْمن إال ملن أَيم التشريق ،لقول عائشة وابن عمر ار ِض اي َّ
اَّللُ اعْنهما «مل يرخص ِف أَيم التشريق أن يُ ا
ال جيد اهلدي» .ومنشأ اْلالف بني (اْلنفية) و (الشافعية) هو اختالفهم ِف تفسري قوله تعاىل:
بكل قال بعض {ثاالثاِة أ َّاَيٍم ِِف اْلج} فاْلنفية قالوا ِف أشهر اْلج ،والشافعية قالواِ :ف إحرام اْلج ،و ٍ
الصحابة والتابعني .وأما السبعة أَيم فقد اختلف الفقهاء أيضا ِف وقت صيامها .فقال الشافعية:
{و اسْب اع ٍة إِ اذا ار اج ْعتُ ْم} .وقال أْحد بن حنبل:
وقت صيامها الرجوع إىل الهل والوطن لقوله تعاىل :ا
جيزيه أن يصوم ِف الطريق وال يشرتط أن يصل إىل أهله ووطنه .وقال أبو حنيفة :املراد من الرجوع
اَّللُ .قال الشوكاين :والول أرجح فقد ثبت ِف الفراغ من أعمال اْلج وهو مذهب مالك ارِْحاهُ َّ
اَّللُ اعلاْي ِه او اسلَّما قال« :فمن مل جيد فصيام ثالثة أَيم ِف صلَّى َّ
«الصحيح» من حديث ابن عمر أنه ا
ٍ
(وسبعة إذا اْلج ،وسبعة إذا رجع إىل أهله» .وثبت أيضاً ِف الصحيح من حديث ابن عباس بلفظ
رجعتم إىل أمصاركم).
.5ذكر العلماء مخسة شروط لوجوب دم التمتع ،الول :تقدمي العمرة على اْلج ،فلو حج مث اعتمر
ال يكون متمتعاً .الثاين :أن حيرم ِبلعمرة ِف أشهر اْلج .الثالث :أن حيج ِف تلك السنة لقوله تعاىل:
ِ
َّع ِبلعمرة إِ اىل اْلج} .الرابع :أال يكون من أهل مكة لقوله تعاىل{ :ذلك ل امن َّملْ يا ُك ْن أ ْاهلُهُ
{فا امن ِتاات ا
اض ِري املسجد اْلرام} .اْلامس :أن حيرم ِبْلج من مكة ،فإن عاد إىل امليقات فأحرم ِبْلج ال ح ِ
ا
يلزمه دم التمتع.
اض ِري املسجد .6اختلف الفقهاء ِف إعادة الضمري ِف قوله تعاىل{ :ذلك لِمن َّمل ي ُكن أ ْاهلُه ح ِ
ا ْا ْ ُ ا
اْلرام} قذهب أبو حنيفة أبهنا إشارة إىل التمتع ،والتقدير :ذلك التمتع ملن مل يكن أهله حاضري
املسجد اْلرام ،فأهل اْلرم ال ِتتُّع هلم .وذهب اجلمهور -مالك والشافعي وأْحد -أبن اإلشارة تعود
إىل أقرب املذكور ،وأقرب املذكور هنا وجوب اهلدي أو الصيام على املتمتع ،فأهل اْلرم جيوز عليهم
أن يتمتع بدون كراهة وليس عليه هدي وال صيام .واختلفوا كذالك ِف املراد من قوله تعاىل{ :ح ِ
اض ِري ا
املسجد اْلرام} ،واختار الشافعي :من كان أهله على أقل مسافة تقصر فيها الصالة ،وهو اختياء ابن جرير.
.7ذهب اجلمهور -مالك والشافعي وأْحد -أبن املراد أبشهر اْلج ِف قوله تعاىل{ :اْلج أا ْش ُهٌر
ات} هي :شوال ،وذو القعدة ،وعشر من ذي اْلجة وهو قول ابن عباس ،والسدي، وم ٌ
َّم ْعلُ ا
والشعيب ،والنخعي .وأما وقت العمرة فجميع السنة .وهلذا أن من أحرم ِبْلج قبل أشهر اْلج مل ُجيزئه
ذلك ويكون عمرة ،كمن دخل ِف صالة قبل وقتها فإنه ال جتزيه وتكون انفلة.
.8حظ ر الشارع على احملرم أشياء كثرية ،منها ما ثبت ِبلكتاب ،ومنها ما ثبت ِبلسنة ،وحنن نذكرها
ِبإلمجال فيما يلي :أوالً :اجلماع ودواعيه ،كالتقبيل ،واللمس بشهوة ،واإلفحاش ِبلكالم ،واْلديث
مع املرأة الذي يتعلق ِبلوطء أو مقدماته .اثنياً :اكتساب السيئات ،واقرتاف املعاصي ،اليت َترج
اإلنسان عن طاعة هللا اعَّز او اج َّل .اثلثاً :املخاصمة واجملادلة مع الرفقاء واْلدم وغريهم .والصل ِف
وق اوالا ِج اد اال ِِف اْلج} حترمي هذه الشياء قوله تعاىل{ :فامن فار ِ
ض في ِه َّن اْلج فاالا ارفا ا
ث اوالا فُ ُس ا ا ا ا
وهذه كلها بنص اآلية الكرمية .روى البخاري ِف «صحيحه» عن أِب هريرة ار ِض اي َّ
اَّللُ اعْنه أن النيب
اَّللُ اعلاْي ِه او اسلَّما قال« :من حج فلم يرفث ،ومل يفسق ،رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه» .وقد صلَّى َّ
ا
ثبت ِبلسنة بعض احملرمات كالتطيب ،ولبس املخيط ،وتقليم الظافر ،وقص الشعر أو حلقه،
وانتقاب املرأة ،ولبسها القفازين إىل أخر ما هنالك من حمرمات وهذه تعرف من كتب الفروع.
.9رأى مجهور العلماء أن وقت الوقوف يبتدئ من زوال اليوم التاسع إىل طلوع فجر اليوم العاشر،
وأنه يكفي الوقوف ِف أي جزء من هذا الوقت ليالً أو هناراً ،إال أنه إذا وقف ِبلنهار وجب عليه مد
اَّللُ أنه إذا أفاض أي انصرف قبل الوقوف إىل ما بعد الغروب ،وقد ُروي عن اإلمام مالك ارِْحاهُ َّ
غروب الشمس مل يصح حجه وعليه حج قابل ،وقال الشافعي وأْحد وأبو حنيفة عليه دم .هذا إذا
وقف ِبلنهار ،أما إذا وقف ِبلليل فال جيب عليه شيء.
اْلا ْم ِر اوالْ امْي ِس ِر قُ ْل فِي ِه اما إِ ْمثٌ اكبِريٌ} قال القرطيبِ :ف هذه اآلية ذم
ك اع ِن ْ
.1قوله تعاىل{ :يا ْسأالُونا ا
اْلمر ،وأما التحرمي فيعلم آبية أخرى هي آية املائدة [َ{ ]90يأيها الذين اآمنُواْ إَِّمناا اْلمر وامليسر
س ِم ْن اع ام ِل الشيطان فاجتنبوه} وعلى هذا أكثر املفسرين. ِ
والنصاب والزالم ر ْج ٌ
.2اختلف الفقهاء ِف حتديد معىن اْلمر ،فذهب اجلمهور (مالك والشافعي وأْحد) إىل أن اْلمر
اسم لكل شراب مسكر ،سواءً كان من عصري العنب ،أو التمر ،أو الشعري أو غريه ،وهو مذهب
مجهور احملدثني وأهل اْلجاز .قال اللوسي :وعندي أن اْلق الذي ال ينبغي العدول عنه ،أن
الشراب املتخذ مما عدا العنب كيف كان ،وأبي اسم مسي ،مىت كان حبيث يُسكر حرام ،وقليله
ككثريه ،وحيد شاربه ،ويقع طالقه ،وجناسته غليظة.
ات النخيل والعناب .3أنزل هللا تعاىل ِف اْلمر أربع آَيت ،نزل مبكة قوله تعاىل{ :وِمن امثار ِ
ا ا
َّخ ُذو ان ِمْنهُ اس اكراً اوِرْزقاً اح اسناً} [النحل ]67 :فكان املسلمون يشربوهنا ِف أول اإلسالم وهي هلم تات ِ
ك اع ِن اْلمر وامليسر قُ ْل فِي ِه امآ إِ ْمثٌ اكبِريٌ ومنافع لِلن ِ
َّاس} حالل ،مث نزل ِبملدينة قوله تعاىل{ :يا ْسأالُونا ا
َّاس} مث إن (عبد الرْحن بن فرتكها قوم لقوله{ :قُ ْل فِي ِه امآ إِ ْمثٌ اكبِريٌ} وشرهبا قوم لقوله{ :ومنافع لِلن ِ
اَّللُ اعلاْي ِه او اسلَّما فأطعمهم وسقاهم صلَّى َّ
عوف) صنع طعاماً ودعا إليه انساً من أصحاب رسول هللا ا
اْلمر ،وحضرت صالة املغرب فقدموا أحدهم ليصلي هبم فقرأ (قل َي أيها الكافرون .أعبد ما
{َي أايُّ اها الذين اآمنُواْ الا تا ْقاربُواْ الصالوة اوأانْتُ ْم سكارى حىتتعبدون) حبذف (ال) فنزل قوله تعاىل :ا
تا ْعلا ُمواْ اما تا ُقولُو ان} [النساء ]43 :فحرم هللا السكر ِف أوقات الصالة ،فكان الرجل يشرهبا بعد
صالة العشاء فيصبح وقد زال سكره ،مث إن (عتبان بن مالك) صنع طعاماً ودعا إليه رجاالً من
املسلمني فيهم (سعد بن أِب وقاص) وكان قد شوى هلم رأس بعري ،فأكلوا وشربوا اْلمر حىت أخذت
منهم ،فافتخروا عند ذلك وتناشدوا الشعار ،فأنشد بعضهم قصيدة فيها فخر قومه وهجاء النصار،
صلَّى
فأخذ رجل من النصار ْلي بعري فضرب به رأس (سعد) فشجه ،فانطلق سعد إىل رسول هللا ا
س } ... ِ َِّ َّ ِ َّ
اَّللُ اعلاْيه او اسلما وشكا إليه النصاري فأنزل هللا {إمناا اْلمر وامليسر والنصاب والزالم ر ْج ٌ
إىل قوله{ :فا اه ْل أانْتُ ْم ُّمنتا ُهو ان} [املائدة ]91 - 90 :؟ فقال عمر :انتهينا ربنا انتهينا».
.4قوله تعاىل { :اوامناافِ ُع لِلن ِ
َّاس} قال القرطيب :أما املنافع ِف اْلمر فربح التجارة ،فإهنم كانوا جيلبوهنا
من الشام برخص ،فيبيعوهنا ِف اْلجاز بربح ،وكانوا ال يرون املماكسة فيها ،فيشرتي طالب اْلمر
اْلمر ِبلثمن الغاِل ،هذا أصح ما قيل ِف منافعها».
.5أمثن وأغلى شيء ِف اإلنسان عقله ،فإذا فقد اإلنسان العقل أصبح كاْليوان ،وهلذا حرم هللا
اْلمر ومسيت ب (أم اْلبائث) لهناسبب ِف كل قبيح .روى النسائي عن عثمان ار ِض اي َّ
اَّللُ اعْنه أنه
قال« :اجتنبوا اْلمر فإهنا أم اْلبائث ،إنه كان رجل ممن كان قبلكم متعبد فعلقته امرأة غوية،
فأرسلت إليه جاريتها فقالت له :إان ندعوك للشهادة ،فانطلق مع جاريتها ،فطفقت كلما دخل ِبِبً
أغلقته دونه ،حىت أفضى إىل امرأة وضيئة عندها غالم وِبطيةُ مخر ،فقالت :إين وهللا ما دعوتك
للشهادة ،ولكن دعوتك لتقع علي ،أو تشرب من هذه اْلمر كأساً ،أو تقتل هذا الغالم ،قال:
فاسقيين من هذه اْلمر كأساً ،فسقته كأساً قال :زيدوين فزادوه ،فلم يربح حىت وقع عليها ،وقتل
أحدمها
النفس ،فاجتنبوا اْلمر فإنه وهللا ال جيتمع اإلميان وإدمان اْلمر ،إال يوشك أن ُُيْرج ُ
صاحبه» .
((-نكاح املشركات))-
قال تعاىل:
ِ ِ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ
اوال تا ْنك ُحوا الْ ُم ْش ِركات اح َّىت يُ ْؤم َّن اوال اامةٌ ُم ْؤمناةٌ اخ ْريٌ م ْن ُم ْش ِراكة اولا ْو أ ْاع اجبا ْت ُك ْم اوال تُْنك ُحوا الْ ُم ْش ِرك ا
ني
اجلان َِّة
اَّللُ يا ْدعُوا إِ اىل ْ
ك يا ْدعُو ان إِ اىل النَّا ِر او َّاح َّىت يُ ْؤِمنُوا اولا اعْب ٌد ُم ْؤِم ٌن اخ ْريٌ ِم ْن ُم ْش ِرٍك اولا ْو أ ْاع اجبا ُك ْم أُولئِ ا
ني آَيتِِه لِلن ِ
َّاس لا اعلَّ ُه ْم ياتا اذ َّك ُرو ان ()221 ِ ِِ
اوالْ ام ْغفارةِ ِبِِ ْذنه اويُباِ ُ
شرح املفردات:
{ اوال تا ْن ِك ُحواْ املشركات} :أي ال تتزوجوا الوثنيات ،واملشركة هي اليت تعبد الواثن ،وليس هلا دين
مساوي ومثلها املشرك ،وقيل :إهنا تعم الكتابيات أيضاً لن أهل الكتاب مشركون لقوله تعاىل:
{سْب احاناهُ اع َّما يُ ْش ِرُكو ان} {وقاالا ِ
ت النصارى املسيح ابن هللا} إىل قولهُ :
ت اليهود عُازيٌْر ابن هللا اوقاالا ْ ا
[التوبة.]31 - 30 :
{ول اامةٌ ُّم ْؤِمناةٌ} :المة :اململوكة مبلك اليمني وهي تقابل اْلرة ،وأصلها (أمو) حذفت على غري ا
{وأانْ ِك ُحواْ الَيمى ِمْن ُك ْم والصاْلني
قياس وعوض عنها هاء التأنيث ،وجتمع على إماء قال تعاىل :ا
ِم ْن ِعبا ِاد ُك ْم اوإِمائِ ُك ْم} [النور.]32 :
سبب النزول
أوالً :روي أن هذه اآلية نزلت ِف مرثد من أِب مرثد الغنوي الذي كان حيمل السرى من مكة إىل
(عناقاً) فأتته وقالت :أال َتلوا؟ فقال :وحيك إن املدينة ،وكانت له ِف اجلاهلية صلة ِبمرأة تسمى ا
صلَّى َّ
اَّللُ اإلسالم قد حال بيننا ،فقالت :فهل لك أن تتزوج ِب؟ قال :نعم ولكن أرجع إىل رسول هللا ا
اعلاْي ِه او اسلَّما فاستأمره فنزلت اآلية .وتعقب السيوطي هذه الرواية وذكر أهنا ليست سبباً ِف نزول هذه
نك ُح إِالَّ ازانِياةً أ ْاو ُم ْش ِراكةً [ } ...النور. ]3 :
اآلية ،وإمنا هي سبب ِف نزول آية النور {الزاين الا ي ِ
ا
اآلية.
اثنياً :وروي عن ابن عباس أن هذه اآلية نزلت ِف (عبد هللا بن رواحة) كانت له أمة سوداء ،وأنه
صلَّى غضب عليها فلطمها ،مث إنه فزع فأتى النيب صلَّى َّ ِ
اَّللُ اعلاْيه او اسلَّما فأخربه خربها فقال له النيب ا ا
اَّللُ اعلاْي ِه او اسلَّما :ما هي َي عبد هللا؟ فقالَ :ي رسول هللا :هي تصوم وتصلي وحتسن الوضوء ،وتشهد َّ
أن ال إله إال هللا وأنك رسوله ،فقال َي عبد هللا :هذه مؤمنة ،فقال :والذي بعثك ِبْلق لعتقنها
ولتزوجنها ففعل ،فعابه انس من املسلمني وقالوا :نكح أمة ،وكانوا يرغبون ِف نكاح املشركات رغبة
ِف أحساهبن ،فنزلت هذه اآلية.
ما يؤخذ من اآلية من األحكام:
{والا تا ْن ِك ُحواْ املشركات حىت يُ ْؤِم َّن} دلت اآلية على حرمة نكاح اجملوسيات .1قوله تعاىل :ا
{وطا اع ُام الذين أُوتُواْ
والوثنيات .وأما الكتابيات فيجوز نكاحهن لقوله تعاىل ِف سورة املائدة [ : ]5ا
الكتاب ِحلٌّ لَّ ُك ْم اوطا اع ُام ُك ْم ِحلٌّ َّهلُْم واحملصنات ِم ان املؤمنات واحملصنات ِم ان الذين أُوتُواْ الكتاب}...
اآلية أي العفيفات من أهل الكتاب ،وهذا قول مجهور العلماء ،وبه قال الئمة الربعة .وذهب ابن
اَّللُ اعْنهما إىل حترمي نكاح الكتابيات ،وكان إذا سئل عن نكاح الرجل النصرانية أو عمر ار ِض اي َّ
اليهودية قال« :حرم هللا تعاىل املشركات على املسلمني ،وال أعرف شيئاً من اإلشراك أعظم من أن
يقول املرأة :رهبا عيسى ،أو عب ٌد من عباد هللا تعاىل» .وإىل هذا ذهب اإلمامية ،وبعض الزيدية
وجعلوا آية املائدة منسوخة هبذه اآلية نسخ اْلاص ِبلعام .وقد رجح الطربي قول اجلمهور ورد القول
أبن اآلية منسوخة ،قال رْحه هللا :مل يُنسخ منها شيء ،وأن نساء أهل الكتاب غري داخالت فيها،
وذلك أن هللا تعاىل أحل بقوله{ :واحملصنات ِم ان الذين أُوتُواْ الكتاب ِمن قاْبلِ ُك ْم} [املائدة]5 :
للمؤمنني من نكاح حمصناَتن مثل الذي أِبح هلم من نساء املؤمنات ،وقد روي عن عمر أنه قال:
(املسلم يتزوج النصرانية ،وال يتزوج النصراين املسلمة) وإمنا كره عمر لطلحة وحذيفة نكاح اليهودية
والنصرانية ،حذراً من أن يقتدي هبما الناس ِف ذلك فزهدوا ِف املسلمات ،أو لغري ذلك من املعاين
فأمرمها بتخليتهما».
{والا تُْن ِك ُحواْ املشركني حىت يُ ْؤِمنُواْ} دلت اآلية على حرمة تزويج املشرك ِبملسلمة،
.2قوله تعاىل :ا
واملراد ِبملشرك هنا كل كافر ال يدين بدين اإلسالم ،فيشمل الوثين ،واجملوسي ،واليهودي ،والنصراين،
واملرتد عن اإلسالم فكل هؤالء حيرم تزوجيهم ِبملسلمة ،وقد َّبني الباري جل وعال السبب بقوله:
{أولئك يا ْدعُو ان إِ اىل النار} أي يدعون إىل الكفر الذي هو سبب دخول انر جهنم ،فالرجل له سلطة
ووالية على املرأة ،فرمبا أجربها على ترك دينها وْحلها على أن تكفر ِبإلسالم ،والوالد يتبعون الب
فإذا كان الب نصرانياً أو يهودَيً .رِبهم على اليهودية أو النصرانية فيصري الولد من أهل النار.
{وقا ِد ُمواْ لانْ ُف ِس ُك ْم} :أي قدموا اْلري والصاحل من العمال ،لتكون زاداً لكم إىل اآلخرة.
ا
{واتقوا هللا} :أي خافوا عذابه ِبمتثال أوامره ،واجتناب نواهيه.
{وبا ِش ِر املؤمنني} ِ :بلثواب والكرامة والفوز ِبلدرجات العلى ِف دار النعيم. ا
سبب النزول
اَّللُ اعْنه قال :كانت اليهود إذا حاضت امرأة منهن مل يؤاكلوها ومل يشاربوها ومل أوالً :عن أنس ار ِض اي َّ
جيامعوها ِف البيوت ،فسئل النيب صلَّى َّ ِ
ك اع ِن احمليض اَّللُ اعلاْيه او اسلَّما عن ذلك فأنزل هللا ا
{ويا ْسأالُونا ا ا
اَّللُ اعلاْي ِه او اسلَّما أن يؤاكلوهن ويشاربوهن قُ ْل ُه او أاذًى فاعتزلوا النسآء ِِف احمليض} فأمرهم النيب ا
صلَّى َّ
وأن يكونوا معهن ِف البيوت ،وأن يفعلوا كل شيء إال النكاح ،فقالت اليهود :ما يريد حممد أن يدع
صلَّى َّ
اَّللُ ُسْيد بن خصري) إىل رسول هللا ا من أمران شيئاً إال خالفنا فيه ،فجاء (عباد بن بشر) و (أ ا
صلَّى ِ
اعلاْيه او اسلَّما فأخرباه بذلك وقاال َي رسول هللا :أفال ننكحهن ِف احمليض؟ فتمعر وجه رسول هللا ا
صلَّى َّ ِ
اَّللُ اعلاْيه او اسلَّما حىت ظننا أنه غضب عليهما ،فاستقبلتهما هدية من لنب فأرسل هلما رسول هللا ا
اَّللُ اعلاْي ِه او اسلَّما فسقامها فعلما أنه مل يغضب «. َّ
اَّللُ اعْنه قال :كانت اليهود تقول :من أتى امرأته ِف قُبُلها من ُدبُرها كان الولد اثنياً :وعن جابر ار ِض اي َّ
ث لَّ ُك ْم فاأْتُواْ اح ْرثا ُك ْم أىن ِشْئ تُ ْم}.
أحول ،فنزلت {نِ اسآ ُؤُك ْم اح ْر ٌ
معىن اآلايت:
يسألونك َ -ي حممد -عن إتيان النساء ِف حالة اْليض أحيل أم حيرم؟ قل هلم :إن دم
اْليض دم مستقذر ،ومعاشرَتن ِف هذه اْلالة فيه أذى لكم وهلن ،فاجتنبوا معاشرة النساء،
ونكاحهن ِف حالة اْليض ،وال تقربوهن حىت ينقطع عنهن دم اْليض وياطْ ُهرن ،فإذا تطه ْرن ِبملاء
فاغتسلن ،فأتوهن من حيث أمركم هللاِ ،ف املكان الذي أحله لكم وهو (ال ُقبُل مكان النسل والولد،
وال أتتوهن ِف املكان احملرم (الدبر) فإن هللا حيب عبده التائب املتنزه عن الفواحش والقذار.
مث أكد تعاىل النهي عن إتيان النساء ِف غري احملل املعهود الذي أِبحه للرجال فقال ما معناه:
نساؤكم -أيها الناس -مكان زرعكم وموضع نسلكم ،وِف أرحامهن يتكون اجلنني والولد ،فأتوا
وجه أحببتم بعد أن يكون ِف موضع النسل والذرية ،قال ابن عباس: نساءكم كيف شئتم ومن أي ٍ
(اسق نباتك من حيث ينبت) وقدموا -أيها الناس املؤمنون -لنفسكم صاحل العمال وراقبوا هللا
وخافوه ِف تصرفاتكم ،واخشوا يوماً تلقون فيه ربكم فيجازي احملسن ِبحسانه ،واملسيء ِبساءته وبشر
املؤمنني ِبلكرامة والسيادة والنعيم املقيم ِف دار الكرامة.
ما يؤخذ من اآلية من األحكام:
.1دل قوله تعاىل {فاعتزلوا النسآء ِِف احمليض} على اعتزال النساء حالة اْليض وهو عام يشمل
اَّللُ اعلاْي ِه او اسلَّما «اصنعوا كل شيء
صلَّى َّ
مجيع بدهنا إال أن السنة خصصها مبوضع الفرج فقط بقوله ا
إال النكاح» وما روي عن مسروق قال( :سألت عائشة ما حيل للرجل من امرأته إذا كانت حائضاً؟
قالت :كل شيء إال اجلماع) .وِف رواية أخرى( :إن مسروقاً ركب إىل عائشة فقال :السالم على
النيب وعلى أهل بيته ،فقالت عائشة :أبو عائشة مرحباً فأذنوا له ،فقال :إين أريد أن أسألك عن
شيء وأان استحي ،فقالت :إمنا أان أمك وأنت ابين ،فقال :ما للرجل من امرأته وهي حائض؟ قالت:
19
له كل شيء إال فرجها).
.2أمجع العلماء على حرمة إتيان املرأة ِف حالة اْليض ،ومذهب اجلمهور( :مالك والشافعي وأبو
حنيفة) فيمن أاتها وهي حائض أن يستغفر هللا وال شيء عليه سوى التوبة واالستغفار .وروي عن
اَّللُ اعلاْي ِه او اسلَّما ِف الذي
صلَّى َّ
أْحد :يتصدق بدينار أو نصف دينارْ ،لديث ابن عباس« :عن النيب ا
أييت امرأته وهي حائض قال :يتصدق بدينار أو بنصف دينار».
19كان اليهود يبالغون ِف التباعد عن املرأة حالة اْليض ،فال يؤاكلوهنا وال يشاربوهنا وال يساكنوهنا ِف بيت
واحد ،ويعتربوهنا كأهنا داءٌ أو رجس وقذر ،وكان النصارى يفرطون ِف التساهل فيجامعوهنن وال يبالون ِبْليض،
فجاء اإلسالم ِبْلد الوسط (افعلوا كل شيء إال النكاح) وهذا من حماسن الشريعة اإلسالمية الغراء حيث أمر
املسلمني ِبالقتصاد بني المرين.
.3اختلف الفقهاء ِف مدة اْليض ،ومقدار أقله وأكثره على أقوال :الول :قال أبو حنيفة والثوري:
أٌله ثالثة أَيم ،وأكثره عشرة .الثاين :وقال الشافعي وأْحد :أقله يوم وليلة وأكثره مخسة عشرة يوماً.
الثالث :وقال مالك ِف املشهور عنه :ال وقت لقليل اْليض وال لكثريه والعربة بعادة النساء .وهو أمر
اجتهادي يرجع فيه إىل كتب الفروع.
وه َّن حىت ياطْ ُه ْر ان} على أنه ال حيل للرجل قرِبن املرأة ِف حالة اْليض
{والا تا ْقاربُ ُ
.4دل قوله تعاىل :ا
حىت تطهر ،واملراد ِبلطهر عند اجلمهور (مالك والشافعي وأْحد) هو الطهر الذي حيل به اجلماع وهو
تطهرها ِبملاء كطهور اجلنب.
.5اتفق العلماء على أن املرأة اْلائض حيرم عليها الصالة ،والصيام ،والطواف ،ودخول املسجد،
ومس املصحف ،وقراءة القرآن ،وال حيل لزوجها أن يقرهبا حىت تطهر ،وهذه الحكام تعرف
ِبلتفصيل من كتب الفقه.