You are on page 1of 17

1

1
‫إن الزنا أعاذنا اهلل وإياكم منه من أعظم الفواحش وأكرب الكبائر‪،‬‬

‫توعد اهلل عليه بالعقوبات البالغة‪ ،‬العاجلة واآلجلة والعامة‬

‫واخلاصة‪ ،‬وما ذلك إال لشناعته وشدة قبحه‪ .‬قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﱺﱻ‬

‫ﭐ‬ ‫ﱼﱾﱿﲀﲁﲂﲃﱠ [اإلرساء ‪ ، ]32‬وقال تعاىل‪:‬‬


‫ﱽ‬

‫ﱪ‬
‫ﱫ‬ ‫ﱡﭐ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ‬

‫ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲ ﱠ [النساء ‪ ]22‬وقال‬

‫تعاىل يف من أرشك أو قتل أو زنا ومل يتب ﱡﭐ ﱓ ﱔﱕﱖ‬

‫ﱗﱘﱙﱚﱛﱜﱝﱞﱟ ﱠﱡﱠ‬
‫[الفرقان ‪]69- 68‬‬

‫‪2‬‬
‫الزناة والزواين يوم القيامة حيرشون يف جهنم عراة يف تنور ضيق من‬

‫أعاله واسع من أسفله تشتعل عليهم النار من حتتهم فإذا بلغتهم‬

‫ضوضوا ورصخوا لشدة العذاب (‪.)1‬‬

‫إن الزنا يف اإلسالم جريمة يعاقب فاعلها العقوبة املناسبة حلاله فإن‬

‫كان بكرا مل يسبق له أن تزوج سواء كان رجال أو امرأة فإنه جيلد‬

‫مائ َة جلدة تعم أكثر بدنه بمجمع من الناس يشهدون عذابه (‪ )2‬ليكون‬

‫نكاال له وعربة لغريه‪ ،‬وقيل ليستغفر له من حرضه‪ .‬ثم يغرب عن‬

‫بلده عاما كامال‪.‬‬

‫وأما إن كان الزاين ثيبا وهو من سبق له أن تزوج ولو كان وقت الزنا‬

‫غري متزوج فإنه يرجم حتى يموت (‪ )3‬وهذه أشد ِقتلة يف احلدود‬

‫الرشعية وما ذلك إال لعظم قبح الزنا وشدة بغض اهلل تعاىل له‪.‬‬

‫(‪ )1‬لما رواه البخاري ( ‪ ) ١٣٨٦‬من حديث سمرة بن جندب مرفوعا " رأيت الليلة رجلين أتياني فأخرجاني إلى‬
‫أرض‪[ ...‬الحديث] "‬
‫(‪ )2‬يشير إلى قوله تعالى‪ :‬ﱡﭐ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ‬
‫ﱝ ﱞ ﱟ ﱠﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱠ [ النور‪] 2 :‬‬
‫(‪ )3‬لما رواه البخاري في صحيحه ( ‪ ) ٦٨٧٨‬من حديث عبد هللا بن مسعود عن النبي صلى هللا عليه وسلم قال‪:‬‬
‫اّلل ّإال بإحْ دى ثالث ‪ :‬النَ ْفس بالنَ ْف ِس والث َ ِيّب ّ‬
‫الزانِي‬ ‫أن ال إله ّإال َ‬
‫اّلل وأنِّي رسول َ ِ‬ ‫" ال يحِ ل دم ا ْم ِرئ م ْسلِم ي ْشهد ْ‬
‫ارك ل ِْلجماع ِة "‬
‫ِين التّ ِ‬
‫والمارق مِ ن الدّ ِ‬
‫ِ‬

‫‪3‬‬
‫إخوة اإلسالم‪:‬‬

‫إن الزنا كله قبيح ومنكر ليس فيه يسري وال هني‪ ،‬ولكن عقوبته عند‬

‫اهلل قد تتضاعف يف أحوال خمصوصة‪.‬‬

‫فمن أقبح الزنا زنا الشيخ الكبري الذي قد خلع رداء الشباب‬

‫قال‪ « :‬ثالث ٌة ال ُ‬
‫ينظر اهللُ إليهم‬ ‫وطيشه‪ .‬فعن سلامن عن النبي‬
‫ٌ‬
‫ورجل جعل اهللُ بضاعتَه ال‬ ‫ٌِ‬
‫ستكرب‬ ‫ٌ‬
‫وعائل ُم‬ ‫القيامة‪ُ :‬أ َشي ِم ٌط ٍ‬
‫زان‬ ‫ِ‬ ‫يو َم‬
‫ْ‬
‫يبيع إال بيمينِه » (‪ )1‬وعن أيب هريرة عن النبي‬ ‫ِ‬
‫يشرتي إال بيمينه وال ُ‬
‫والفقري‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫احلال‬ ‫اع‬‫ي‬ ‫الب‬ ‫‪:‬‬ ‫وجل‬ ‫عز‬ ‫هلل‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ا‬ ‫هم‬ ‫ض‬
‫ُ‬ ‫قال‪ « :‬أربع ٌة ي ِ‬
‫بغ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اجلائر » (‪ )2‬وإنام اشتدت عقوبة الشيخ‬
‫ُ‬ ‫الزاين واإلما ُم‬
‫يخ ّ‬‫والش ُ‬ ‫ُ‬
‫املختال ه‬

‫الزاين ألن الدافع له إىل الزنا ضعيف بالنسبة إىل الشاب فدل عىل‬

‫تأصله يف الرش وعراقته يف اخلبث والعياذ باهلل‪.‬‬

‫وملا كان اجلار يف اإلسالم كبري القدر أمرنا الرشع بإكرامه وحسن‬

‫جواره وحفظه يف أهله حتى يسود املجتمع جو املحبة واأللفة‬

‫واألمن والطمأنينة‪ ،‬لذلك اشتد غضب اهلل عىل من يستغل قرب‬

‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني (‪ )٢٤٦/٦‬وصححه األلباني في صحيح الترغيب والترهيب (‪)١٧٨٨‬‬


‫(‪ )2‬خرجه النسائي (‪ )٢٥٧٦‬وصححه األلباني في صحيح النسائي (‪)٢٥٧٥‬‬

‫‪4‬‬
‫دار جاره وأمن جانبه يف إفساد امرأته عن ابن مسعود ريض اهلل تعاىل‬

‫ْب َأ ْع َظ ُم ِعنْدَ اهللِ؟ »‬


‫الذن ِ‬
‫سول اهللهِ ‪َ « :‬أ ُّي ه‬ ‫عنه قال‪َ :‬س َأ ْل ُت َر ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َق َال‪َ « :‬أ ْن َ َْتع َل ِ ِ‬
‫هلل ندًّ ا َو ُه َو َخ َل َق َك »‪ُ ،‬ق ْل ُت‪ « :‬إِ هن َذل َك َل َعظ ٌ‬
‫يم »‪،‬‬ ‫َ‬
‫َاف َأ ْن َي ْط َع َم َم َع َك »‪،‬‬
‫ُق ْل ُت‪ُ « :‬ث هم َأ ُّي؟ » َق َال‪َ « :‬و َأ ْن َت ْقت َُل َو َلدَ َك ََت ُ‬
‫ُق ْل ُت‪ُ « :‬ث هم َأ ُّي؟ » َق َال‪َ « :‬أ ْن ت َُز ِاين َح ِلي َل َة َج ِ‬
‫ار َك » (‪،)1‬وعن املقداد بن‬ ‫َ‬
‫ألصحابه‪ :‬ما تقولون‬ ‫األسود ريض اهلل عنه قال قال رسول اهلل‬
‫ِ‬
‫القيامة‪».‬‬ ‫حر َمه اهللُ ورسو ُله َ‬
‫فهو حرا ٌم إىل يو ِم‬ ‫الزنا قالوا ‪َ « :‬حرا ٌم ه‬
‫يف ِّ‬
‫سوة أيرس ِ‬
‫عليه من‬ ‫رش نِ ٍ‬
‫جل ب َع ِ‬
‫الر ُ‬ ‫ُ‬ ‫قال ‪َ :‬‬
‫ُ‬ ‫يزين ه‬
‫رسول اهللِ‪ « :‬ألن َ‬ ‫فقال‬

‫أعظم عند اهلل وأشدَ‬ ‫اجلار‬ ‫بامرأة‬ ‫الزنا‬ ‫فجعل‬ ‫»‬ ‫ه‬ ‫ِ‬
‫جار‬ ‫ِ‬
‫بامرأة‬ ‫يزين‬
‫َ‬ ‫أن َ‬
‫(‪)2‬‬

‫عقوبة من الزنا بعرش نسوة غريها‪.‬‬

‫وملا كان من عادة الرجل أن تطول غيبته عن بيته بسبب األسفار‬

‫من تسول له‬ ‫لطلب الرزق وغريه من املصالح فقد توعد النبي‬

‫نفسه أن خيلف هذا الغائب يف أهله بسوء عن عبد اهلل بن عمرو ريض‬

‫جيلِ ُس عىل فراش املغيبة‬


‫قال ‪َ « :‬م َث ُل الذي َ ْ‬ ‫اهلل عنهام عن النبي‬

‫(‪ )1‬متَفق عليه‪ :‬أخرجه البخاري (‪ ،)٤٤٧٧‬ومسلم (‪)٨٦‬‬


‫(‪ )2‬رواه أحمد (‪ )٢٣٨٥٤‬وصححه األلباني في صحيح الترغيب (‪)٢٥٤٩‬‬

‫‪5‬‬
‫ِ‬
‫القيامة » (‪ )1‬كأنه يعني _ واهلل‬ ‫ِ‬
‫أساود يو ِم‬ ‫مثل الذي ينهشه أسود من‬

‫أعلم _ أن اهلل يسلط عليه ثعبانا أسود يلدغه وينهشه ويسيمه سوء‬

‫العذاب يوم القيامة‪.‬‬

‫وأما إذا كان غياب الرجل بسبب اشتغاله باجلهاد يف سبيل اهلل‬

‫وحفظ أمن البالد فإن خيانته يف أهله أعظم ولذلك يقول النبي‬

‫هاِتِ ْم وما ِمن‬


‫َحرم ِة ُأم ِ‬‫ك‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫د‬‫القاع ِ‬
‫ِ‬ ‫عىل‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫د‬‫جاه ِ‬ ‫‪ « :‬حرم ُة نِ ِ‬
‫ساء املُ ِ‬
‫ْ َ ه‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُْ َ‬
‫أهلِ ِه َف َي ُخو ُن ُه فيهم‬
‫جاه ِدي َن يف ْ‬
‫ف رجال ِمن املُ ِ‬
‫َ‬ ‫القاع ِدي َن َ ْ‬
‫خي ُل ُ َ ُ‬
‫ِ‬ ‫َر ُج ٍل ِم َن‬
‫ٍ‬ ‫القيا َم ِة َف َي ْأ ُخ ُذ ِمن َع َملِ ِه ما شا َء َفام َظ ُّنك ُْم ؟ ويف‬
‫ف له يوم ِ‬ ‫ِ‬
‫رواية‬ ‫ّإال ُوق َ َ َ‬
‫‪َ ،‬‬
‫فقال ‪َ :‬فام‬ ‫‪َ :‬ف ُخ ْذ ِمن َح َسناتِ ِه ما ِش ْئ َت فا ْل َت َف َت إ َل ْينا َر ُ‬
‫سول اهللِ‬

‫َظ ُّنك ُْم ؟ » (‪ )2‬يعني هل سيبقي شيئا من حسناته؟‪.‬‬

‫إخوة اإليامن‪:‬‬

‫حني يتساهل الناس بأمر الزنا حتى يفشو فيهم فال يعاقب فاعله وال‬

‫ينكر عىل أهله فإن اهلل تعاىل يغار عىل حمارمه أن تنتهك وحمارم اهلل‬

‫حدوده ولذلك يسلط عىل الناس العقوبات العامة التي قد يصطيل‬

‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني (‪ )٥٢٦/١٣‬وحسنه األلباني في صحيح الترغيب (‪)٢٤٠٥‬‬


‫(‪ )2‬صحيح مسلم (‪)١٨٩٧‬‬

‫‪6‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫هبا الصالح والطالح والعياذ باهلل عن ابن عباس عن النبي‬

‫عذاب اهللِ » (‪.)1‬‬ ‫ِ‬


‫بأنفسهم‬ ‫الزنا و الربا يف َق ٍ‬
‫رية‪ ،‬فقد َأ َح ُّلوا‬ ‫ظهر ِّ‬
‫َ‬ ‫ِّ‬ ‫« إذا َ‬
‫ظهر يف قو ٍم‬
‫قال‪ « :‬ما َ‬ ‫وعن ابن مسعود ريض اهلل عنه عن النبي‬

‫عقاب اهللِ » (‪ .)2‬وعن ميمونة ريض اهلل‬


‫َ‬ ‫والزنا ّإال أح ُّلوا بأن ُف ِس ِهم‬
‫الربا ِّ‬
‫ِّ‬
‫يقول‪َ « :‬ال ت ََز ُال ُأ همتِي بِ َخ ْ ٍري َما َ ْمل‬ ‫عنها قالت سمعت رسول اهلل‬
‫الزنَا ‪َ ،‬في ِ‬
‫وش ُك َأ ْن َي ُع هم ُه ُم‬ ‫الزنَا ‪َ ،‬فإِ َذا َف َشا فِ ِيه ْم َو َلدُ ِّ‬
‫َي ْف ُش فِ ِيه ْم َو َلدُ ِّ‬
‫ُ‬
‫اب » (‪ ،)3‬وعن عبد اهلل بن عمر ريض اهلل عنهام قال‪:‬‬ ‫اهللهُ َع هز َو َج هل بِ ِع َق ٍ‬

‫مخس إذا ابتُليت ُْم‬ ‫فقال‪ :‬يا معرش املُ ِ‬


‫هاجري َن ٌ‬ ‫سول اهللهِ َ‬
‫أقبل علينا َر ُ‬
‫« َ‬
‫َ‬
‫َظه ِر الفاحش ُة يف قو ٍم ُّ‬
‫قط حتّى‬ ‫ِهبِ هن وأعو ُذ باهللهِ أن ِ‬
‫تدركوه هن مل ت َ‬
‫ِ‬
‫واألوجاع ا هلتي مل َتكُن َمضت يف‬
‫ُ‬ ‫ُيعلنوا ِهبا ّإال َفشا ُ‬
‫فيهم ال ّط ُ‬
‫اعون‬
‫ِ‬ ‫أسالفِ ِه ُم ا هلذي َن َمضوا ومل ين ُقصوا املِك َ‬
‫نني‬ ‫وامليزان ّإال ُأخذوا ِّ‬
‫بالس َ‬ ‫َ‬ ‫ْيال‬
‫ِ‬ ‫ور الس ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أمواِلم ّإال‬ ‫ِ‬
‫عليهم ومل يمنَعوا َزكا َة‬ ‫لطان‬ ‫وج ِ ُّ‬
‫وشده ة املئونَة َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫السامء و َلوال ال َب ُ‬
‫هائم مل ُيم َطروا ومل َين ُقضوا َع ْهدَ اهللهِ‬ ‫طر م َن ه‬ ‫ُمنعوا ال َق َ‬
‫غري ِهم َ‬ ‫عدوا من ِ‬ ‫ِِ‬
‫بعض ما‬ ‫فأخذوا َ‬ ‫و َع ْهدَ رسوله ّإال س هل َط اهللهُ عليهم ًّ‬

‫(‪ )1‬أخرجه الطبراني (‪ )١٧٩/١‬وصححه األلباني في صحيح الجامع (‪)٦٧٩‬‬


‫(‪ )2‬رواه أبو يعلى وحسنه األلباني في صحيح الجامع (‪)٥٦٣٤‬‬
‫(‪ )3‬رواه أحمد ( ‪ ) ٢٦٨٣٠‬وحسنه األلباني لغيره في صحيح الترغيب ( ‪)٢٤٠٠‬‬

‫‪7‬‬
‫ويتخريوا ِِمّا َ‬
‫أنزل اهللهُ ّإال‬ ‫ه‬ ‫هلل‬
‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ا‬ ‫ِ‬
‫تاب‬ ‫يف أيدَ هيِم وما َمل َحتكُم أئمتُهم بِكِ‬
‫ه ُ‬
‫بأس ُهم بين َُهم » (‪ ، )1‬وعن ابن عباس ريض اهلل عنهام عن‬ ‫َ‬
‫جعل اهللهُ َ‬
‫ٍ‬
‫بخمس‪ ،‬ما نقض قو ٌم العهدَ إال ُس ِّل َط عليهم‬ ‫مخس‬
‫قال‪ٌ « :‬‬ ‫النبي‬

‫الفقر‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫عدَ ُّوهم‪ ،‬وما حكموا بغري ما أنزل اهللُ إال فشا فيهم‬
‫َ‬
‫املكيال إال‬ ‫املوت‪ ،‬وال ط هففوا‬
‫ُ‬ ‫ظهرت فيهم الفاحش ُة إال فشا فيهم‬
‫ْ‬

‫بالسنني وال َمنَعوا الزكا َة إال ُحبِ َس عنهم‬ ‫ذوا‬‫خ‬‫النبات و ُأ ِ‬


‫َ‬ ‫عوا‬‫من ِ‬
‫ِّ‬ ‫ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫القطر »‬
‫ُ‬

‫عباد اهلل ‪:‬‬

‫إن مصداق هذه األحاديث نعايشها يف عرصنا هذا فقد ظهر يف‬

‫املجتعات اإلباحية من األمراض واألوجاع والطواعني ما مل يكن‬

‫معروفا يف األزمان املاضية وإن يف ذلك لعربة لكل معترب‪.‬‬

‫عىل كل مسلم ومسلمة أن يراقب ربه إذا حدثته نفسه بالفاحشة وأن‬

‫يتذكر املقام بني يديه‪ ،‬وأن يستحرض يف ذهنه أنه يبيع جنة عرضها‬

‫(‪ )1‬رواه ابن ماجة (‪ )٤٠١٩‬وحسنه األلباني في صحيح ابن ماجه (‪)٣٢٦٢‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه الطبراني (‪ )٤٥/١١‬وحسنه األلباني في صحيح الجامع (‪)٣٢٤٠‬‬

‫‪8‬‬
‫الساموات واألرض بلذة عابرة ما أرسع ما تنقيض وتبقى بعد ذلك‬

‫عواقبها املرة‪.‬‬

‫ليتذكر من أراد أن يقدم عىل الفاحشة أن هذه اجلريمة قد يتخلق منها‬

‫إنسان سيعيش إن عاش لقيطا ليس له أب وال أم وال أرسة حقيقية‪،‬‬

‫وسيكرب يوما فيدرك مدى اجلناية التي وقعت عليه بغري ذنب منه‪،‬‬

‫وقد يدعو عليك وعليها ما امتد به عمر‪.‬‬

‫ليتذكر أن هذه اجلريمة التي سيقدم عليها قد َتره إىل جريمة أخرى‬

‫أشده منها وهي جريمة القتل يوم تعمد الزانية إىل إجهاض جنينها‬

‫لتغطي آثار اجلريمة فتجمع بني الزنا والقتل وما ذنب تلك النفس‬

‫أن تزهق بغري حق‪.‬‬

‫إخوة اإليامن‪:‬‬

‫الز ِاين‬
‫« الَ َي ْز ِين ه‬ ‫إن الزنا يسلب العبد كامل اإليامن الواجب قال‬
‫رس ُق َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن ‪َ ،‬والَ‬ ‫رس ُق ِح َ‬
‫ني َي ْ ِ‬ ‫ني َي ْز ِين َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن ‪َ ،‬والَ َي ْ ِ‬
‫ِح َ‬

‫‪9‬‬
‫(‪)1‬‬
‫رش ُ َهبا َو ُه َو ُم ْؤ ِم ٌن ‪َ ،‬والت ْهو َب ُة َم ْع ُر َ‬
‫وض ٌة َب ْعدُ »‬ ‫رش ُب اخلَ ْم َر ِح َ‬
‫ني َي َْ‬ ‫َي ْ َ‬
‫لكنه ال يكفر إال إذا استحله‪.‬‬

‫ويا من وقع يف هذه اجلريمة النكراء إن باب التوبة ال زال مفتوحا ما‬

‫دامت روحك يف جسدك مل تبلغ الغرغرة بعد‪ .‬فتب إىل اهلل فإن اهلل‬

‫يتوب عىل من تاب إذا صدق ونصح يف توبته قال تعاىل يف عباد‬

‫الرمحن ﭐ‪ :‬ﭐﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ‬

‫ﱑ ﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ‬
‫ﱒ‬ ‫ﱌﱍﱎﱏﱐ‬
‫ﱚﱛﱜﱝﱞﱟﱠﱡﱢﱣﱤﱥﱦ‬
‫ﱭﱯﱰ‬
‫ﱮ‬ ‫ﱧﱨ ﱩﱪﱫﱬ‬

‫ﱱﱲﱳﱠ‪[ :‬الفرقان ‪]70- 68‬‬

‫اللهم اجعلنا ِمن إذا أعطي شكر وإذا ابتيل صرب وإذا أذنب استغفر‬

‫بارك اهلل يل ولكم يف القرآن العظيم‬

‫اخلطبة الثانية‬

‫أما بعد‪:‬‬

‫(‪ )1‬متفق عليه واللفظ لمسلم‬

‫‪10‬‬
‫إنا نعيش يف زمن كثرت فيه الفتن وِتيأت فيه أسباب الفواحش‬

‫والعياذ باهلل وهذا يوجب علينا بذل اجلهد يف االحيتاط ألنفسنا وملن‬

‫حتت أيدينا من أهالينا‪ .‬واهلل عزو جل حني هنى عن الزنا هنى عن‬

‫ﱼ ﱠ أي ال تقربوا أسباب الزنا‬


‫االقرتاب منه فقال‪ :‬ﱡﭐ ﱺ ﱻ ﱽ‬

‫فالبعد عنها بعد عنه كام أن االقرتاب منها اقرتاب منه ومن اقرتب‬

‫منه وحام حوله أوشك أن يقع فيه‪.‬‬

‫إن من أسباب الوقوع يف فاحشة الزنا التساهل بأمر االختالط بني‬

‫اجلنسني يف مقر العمل أو الدراسة أو حتى يف البيوت بني األقارب‬

‫واألمحاء‪ ،‬ومن أسباهبا ضعف رعاية الرجال للنساء ِما يفسح املجال‬

‫للنفوس األمارة بالسوء ولشياطني اإلنس واجلن أن يكيدوا كيدهم‬

‫ويتوصلوا إىل مآرهبم‪ ،‬فتجد الزوج أو األب قد فسح املجال ألهله‬

‫أن يلبسن ما شئن وخيرجن متى شئن ويرجعن متى شئن ال يسأل‬

‫وال يتابع وال يتعاهد وكأن األمر ال يعنيه يف يشء‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫ومن أسباهبا سوء التعامل مع وسائل اإلعالم واالتصاالت احلديثة‬

‫فبدال من أن تكون وسائل ُينتفع هبا يف أمر الدين والدنيا صارت عند‬

‫كثري من الناس من الذكور واإلناث وسائل للتعارف وتبادل املواد‬

‫املحرمة مسموعة أو مرئية والتوصل من خالِلا إىل اللقاءات‬

‫املحرمة والعياذ باهلل‪.‬‬

‫ومن أسباهبا وضع العقبات والعراقيل أمام الزواج‪ ،‬وإذا قل الزواج‬

‫يف املجتمع وكثرت العنوسة فانتظر باملقابل كثرة الفواحش‬

‫وانتشارها‪.‬‬

‫عباد اهلل ‪:‬‬

‫إنه ال حيفظ املسلم بعد توفيق اهلل تعاىل من أسباب الفتن مثل مراقبته‬
‫ِ‬
‫وتذكر ما وعد اهلل به عباده الصاحلني إذا حفظوه‬ ‫ربه وخشيتِه منه‬

‫وحفظوا حدوده واجتنبوا حمارمه قال تعاىل‪ :‬ﱡﭐﱁﱂﱃﱄﱠ‬

‫[املؤمنون ‪ ،]1‬ثم َعده َد صفاِتم فذكر منها‪ :‬ﱡﭐ ﱖ ﱗ ﱘ‬

‫ﱙﱚ ﱛﱜ ﱝ ﱞ ﱟﱠﱡﱢ ﱣﱤﱥ‬

‫‪12‬‬
‫ﱦﱧﱨﱩﱪﱫﱬﱭﱮﱯ ﱰ‬

‫ﱱﱲﱳﱴﱵﱶﱷ ﱸﱹﱺﱻ‬

‫ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﱠ [املؤمنون‬

‫‪ ،]11_5‬ويف احلديث عن سهل بن سعد ريض اهلل عنه قال قال‬

‫بني ِر ْج َل ْي ِه ْ‬
‫أض َمن له‬ ‫حل َي ْي ِه وما ْ َ‬
‫بني َ ْ‬
‫« َمن َي ْض َمن يل ما ْ َ‬ ‫رسول اهلل‬

‫جل هن َة »(‪ )1‬ويف احلديث‪َ « :‬س ْب َع ٌة ُيظِ ُّل ُه ُم اهللهُ تَعاىل يف ظِ ِّل ِه َيو َم ال ظِ هل ّإال‬
‫ا َ‬
‫وَج ٍ‬
‫ال َف َ‬ ‫ذات َمن ِْص ٍ‬‫ور ُج ٌل َد َع ْت ُه ا ْم َر َأ ٌة ُ‬ ‫ِ‬
‫قال‪:‬‬ ‫ب َ‬ ‫ظ ُّل ُه‪[ :‬وذكر منهم] ‪َ :‬‬
‫ِّإين َأ ُ‬
‫خاف اهللهَ » (‪ ،)2‬وعىل الشباب خاصة أن جيتهدوا يف حتصيل‬

‫أسباب الزواج ومن مل يستطع فعليه بالصوم‪ .‬وأن يشغلوا أنفسهم‬

‫بام ينفعهم وأن جيتنبوا أماكن الفتن كاألسواق واملتنزهات واألسفار‬

‫إىل البالد اإلباحية ومرافقة أصحاب السوء‪.‬‬

‫ولنتذكر َجيعا أننا يف هذه الدنيا يف دار امتحان واختبار حتى نغادرها‬

‫إىل دار اجلزاء وهذه الشهوات هي بعض ما خيترب اهلل به عباده‬

‫ويبتليهم به‪.‬‬

‫(‪ )1‬أخرجه البخاري ( ‪) ٦٤٧٤‬‬


‫(‪ )2‬رواه البخاري (‪ )١٤٢٣‬واللفظ له ورواه مسلم (‪)١٠٣١‬‬

‫‪13‬‬
‫اللهم احفظنا بحفظك ووفقنا ملا يرضيك وجنبنا أسباب سخطك‬

‫وعقوبتك‪.‬‬

‫ثم اعلموا رمحكم اهلل أن خري احلديث كتاب اهلل وخري اِلدي هدي‬

‫حممد ورش األمور حمدثاِتا‪.‬‬

‫اللهم ِّ‬
‫صل وسلم وبارك عىل عبدك ورسولك نبينا حممد‪ ،‬وارض‬

‫اللهم عن اخللفاء الراشدين‪ ،‬واألئمة املهديني‪ ،‬أيب بكر وعمر‬

‫وعثامن وعيل‪ ،‬وعن سائر الصحابة أَجعني‪ ،‬وعن التابعني ومن‬

‫تبعهم بإحسان إىل يوم الدين‪.‬‬

‫اللهم أعز اإلسالم واملسلمني‪ ،‬وأذل الرشك واملرشكني‪ ،‬ودمر‬

‫أعداءك أعداء الدين‪ .‬اللهم أصلح أحوال املسلمني يف كل مكان‪،‬‬

‫اللهم اغفر للمسلمني واملسلامت و املؤمنني واملؤمنات األحياء منهم‬

‫واألموات‪ .‬اللهم وفق إمامنا وويل عهده ملا حتب وترىض‪ ،‬وخذ‬

‫بنواصيهم للرب والتقوى‪ .‬اللهم وفق َجيع والة أمور املسلمني ملا فيه‬

‫‪14‬‬
‫خري رعاياهم يا كريم‪ .‬ربنا آتنا يف الدنيا حسنة ويف اآلخرة حسنة‬

‫وقنا عذاب النار‪.‬‬

‫عباد اهلل إن اهلل يأمر بالعدل واإلحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن‬

‫الفحشاء واملنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا اهلل العظيم‬

‫يذكركم واشكروا له عىل نعمه يزدكم ولذكر اهلل أكرب واهلل يعلم ما‬

‫تصنعون‬

‫‪v‬‬

‫‪15‬‬
16

You might also like