You are on page 1of 85

‫الجزء الثاني‬

‫بحوث في التفسير العلمي‬

‫البحث الول‬
‫‪1‬‬
‫وَالذّا ِريَاتِ َذرْوا‬
‫سوبرنوفي القرآن‬

‫" والذاريات ذروا "‬


‫ملخص البحث‪:‬‬
‫في سورة الذاريات‪ ،‬وهي الواحدة والخمسين في ترتيب المصحف‪ ،‬يبدأ ال ‪ -‬سبحانه وتعالي‪-‬‬
‫السيورة بالقسيم بالذاريات ذروا‪ ،‬وهيي الفاعلت التيي تقوم بعمليية ذروعلى الحقيقية‪ ،‬ولييس‬
‫المجاز‪ .‬ويختار‪ -‬سيبحانه‪ -‬واو القسيم المعهودة؛ ليفتتيح بهيا السيورة‪ .‬يقول جيل وعل‪":‬‬
‫وَالذّا ِريَاتِ ذرْوًا "‪ ،‬ثم يعطف علي هذه الية الكريمة آيات ثلث تالية‪ .‬ويختار هذه المرة الفاء‪،‬‬
‫سمَاتِ َأ ْمرًا"‪ .‬ثم يأتي‬
‫سرًا * فَا ْلمُقَ ّ‬
‫حرفا للعطف‪ .‬وتتابع اليات‪" :‬فَا ْلحَامِلَاتِ ِوقْرًا * فَا ْلجَا ِريَاتِ يُ ْ‬
‫جواب الق سم ليؤ كد ل نا‪ -‬سبحانه‪ -‬أن ما ُو عد به ب ني الب شر علي ل سان ال نبياء والر سل‪ ،‬من‬
‫حياه أخرى‪ ،‬وبعث بعد الموت‪ ،‬وحساب علي ما فعلوه في هذه الحياة الدنيا؛ لت وواقع‪.‬‬

‫فميا هيي هذه الذاريات؟ وميا الذي يترتيب على‪ ،‬ويعقيب؛ ذروهيا هذا‪ ،‬الذي يقسيم بيه العلي‬
‫العظيم؟‬

‫الذاريات ال تي يق سم ب ها العلى العظ يم‪ ،‬هي نجوم عمل قة‪ ،‬تم ثل طورا أوليا من النجوم‪ .‬هذه‬
‫النجوم العمل قة في الوزن؛ ينهار قلب ها((‪ Core Collapses‬عند ما ين فد م ستودعها من الوقود‬
‫النووي‪ ،‬و هو الهيدروج ين في البدا ية‪ ،‬ثم تتكون عنا صر أث قل أي ضا تد خل التفاعلت النوو ية‬

‫‪2‬‬
‫اللحقة( انظر الرسم التوضيحي لهذه العملية)‪ ،‬وبذلك تنتفخ طبقاتها الخارجية‪ ،‬وعندما تصل‬
‫التفاعلت النوو ية الي ت صنيع الحد يد؛ تتو قف‪ ،‬وتف قد النجوم التوازن‪ ،‬وتنف جر انفجارا مروعا‬
‫في السماء‪ .‬وتنثر وتذرو ما بداخلها‪ ،‬وهو عبارة عن عناصر أثقل من الهيدروجين والهليوم‬
‫تكونت في تفاعلت نووية‪.‬‬

‫نتيجية لهذا النفجار‪ ،‬الذي يسيميه الفلكيون "سيوبرنوفا"(‪)Super nova‬؛ تنطلق طاقية ضوئيية‬
‫عظيمية هائلة‪ .‬هذا الضوء يضييء السيماء لفترة تمتيد إلي شهور‪ .‬ويتخلف أيضا عين هذا‬
‫النفجار أجساما غريبة‪ .‬احد هذه الجسام يسميه الفلكيون النجم النيوتروني‪ .‬ونوع آخر‪ ،‬ينتج‬
‫في حالة أخرى عندما تكون الذارية ثقيلة جدا‪ ،‬ويتكون من جسم غريب ل يعرف أحد ماهيته‬
‫إلى الن‪ ،‬ويسميه الفلكيون الثقب السود‪ .‬ويعتمد نوع الجسم المتبقي الناتج عن النفجار‪ ،‬من‬
‫ح يث أن يكون نج ما نيترون يا أو ثق با أ سود؛ على وزن الن جم المنف جر (الذار ية)‪ .‬فالنجوم ال تي‬
‫تزن عشرات المرات وزن الشميس؛ يتبقيى منهيا نجيم نيترونيي‪ .‬أميا النجوم التيي تزن مئات‬
‫المرات م ثل الش مس؛ فيتخلف عن ها ج سم متنا هي في ال صغر ي سمى بالث قب ال سود‪ .‬وتتكون‬
‫هذه الجسام من قلب السديم النجمي الذي تفجر‪ ،‬وتتميز بأن مادتها شديدة التماسك‪ ،‬مضغوطة‬
‫بشدة‪ ،‬وذات كثا فة عال ية‪ ،‬ل مث يل ل ها علي الرض(تأ مل ال ية‪" :‬فا ْلحَامِلَا تِ ِو ْقرًا")‪ .‬مادة هذه‬
‫الجسام فائقة الكثافة‪ ،‬لدرجة أننا لو تصورنا‪ ،‬أننا قد أخذنا من هذه المادة ما يوازي ملئ ملعقة‬
‫شاي ووزناها علي الرض؛ لزاد وزنها علي وزن جبل ضخم من جبال الرض‪.‬‬

‫يتولد أيضا عين هذا النفجار طاقية هائلة‪ ،‬و جسييمات خفيفية (تسيمى فوتونات)‪ ،‬يكاد أن يقال‬
‫أنهيا بل وزن‪ .‬هذه الفوتونات تنطلق ميع غيرهيا مين مختلف أنواع الشعاع‪ ،‬والجسييمات‬
‫المشحونية وغيير المشحونية فيي الفراغ‪ ،‬بسيرعات فائقية تقارب سيرعة الضوء (تأميل‬
‫التعبيرالقرآنى‪ :‬فالجاريات يسرا)‪.‬‬

‫في لحظات ما قبل النفجار‪ ،‬يكون جسم النجم مقسما إلى طبقات متوالية‪ ،‬تحوى ما تكون من‬
‫عناصر مختلفة‪ .‬هذه الطبقات تشبه في شكلها طبقات نبات البصل (‪ .)onion layers‬وبالتأكيد‬
‫فهناك مين القوانيين الفيزيائيية‪ ،‬أوالقوى المهيمنية‪ ،‬هيى التيي تقوم بتقسييم وتسييطر على هذه‬
‫سمَاتِ َأ ْمرًا)‪.‬‬
‫الحداث (تأمل الية‪ :‬فا ْلمُ َق ّ‬

‫حبُ كِ"‪ .‬والح بك يع نى لغو يا الحكام‬


‫سمَا ِء ذَا تِ ا ْل ُ‬
‫وينت قل القرآن إلي ق سم آ خر يبدأه بالواو‪" :‬وَال ّ‬
‫وقوة ال شد‪ ،‬و كل شيىء أحكم ته وأح سنت صنعه ف قد حبك ته‪ .‬ويجوز أن يقال أن الح بك تع نى‬
‫قوى التجاذب المادي الناتجة عن مراكز الثقل‪ ،‬او مراكز الشد التي تشد الجرام السماوية معا‪.‬‬
‫و سوف نخ صص لتف سير ذلك بح ثا منفردا عند ما نشرح ا ستخدام القرآن لل فظ ال سماء‪ ،‬وذلك‬
‫حتى يتماشى مفهوم السماء فى القرآن‪ ،‬مع صورة السماء‪ ،‬التى تكونت عند النسان الحديث‪،‬‬
‫نتيجة الكتشفات الحديثة فى علوم الفلك‪ .‬والسماء لغويا تعني كل ما علك‪ ،‬وهذا معنى غير‬
‫محدد‪ ،‬وسنرى كيف حل القرآن هذه المعضلة‪.‬‬
‫***‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫سورة الذاريات سورة مك ية‪ ،‬وال سور المك ية ‪ -‬و هي ال سور ال تي أوح يت الى الر سول‪ ،‬عل يه‬
‫الصلة والسلم‪ ،‬وهو في مكة قبل أن يهاجر الى المينة المنورة ‪ -‬في القرآن عموما؛ تعني‬
‫بتثيبيت‪ ،‬وتأكييد عقيدة وجود ال ‪ -‬سيبحانه وتعالى‪ .‬وأنيه‪ ،‬هيو وحده‪ ،‬لشرييك له‪ ،‬خالق هذا‬
‫الكون‪ ،‬وخالق البشير‪ .‬وهيو بذلك يكون هيو الوحييد الذي له حيق ملكيية البشير‪ ،‬وهيو وحده‬
‫يور قدرة ال – تعالي‪ -‬علي إعادة خلق الكون مرة‬ ‫يد هذه السي‬ ‫يتحق للعبادة‪ .‬كذلك تأكي‬ ‫المسي‬

‫‪3‬‬
‫أخرى‪ ،‬وكذلك إعادة خلق الن سان‪ ،‬ك ما بدأه أول مرة ولم يك شيئا‪ .‬وته تم هذه ال سور بالتأك يد‬
‫على عقيدة غاية في الهمية في شريعة ال‪ ،‬وهي أهم عنصرعقيدي‪ ،‬بعد اليمان بال‪ .‬وهذه‬
‫العقيدة هيي‪ :‬إن هذه الحياة الدنييا‪ ،‬بالنسيبة للنسيان‪ ،‬حياة قصييرة مرحليية‪ .‬والحياة الحقيقيية‬
‫للنسيان هيي الحياة الخرة التيي سيتأتي بعيد بعثنيا مرة أخري بعيد الموت‪ .‬وفيي هذه الحياة‬
‫الخرة يكون الح ساب علي ما فعلناه في الحياة الدن يا‪ ،‬ويكون قدر ومكا نة الفرد في ها علي قدر‬
‫ما عمل من عمل صالح‪:‬‬
‫ب مَن دَسّاهَا"‬
‫" َونَفْسٍ َومَا سَوّاهَا * فَأَ ْل َه َمهَا ُفجُورَهَا َوتَ ْقوَاهَا * َقدْ َأفْلَحَ مَن َزكّاهَا * َو َقدْ خَا َ‬
‫(‪ 91‬الشمس‪)10 -7/‬‬
‫خرَى * وَأَن‬ ‫حفِ مُو سَى * وَِإبْرَاهِي مَ اّلذِي َوفّى * أَلّا َتزِرُ وَازِرَ ٌة ِوزْرَ ُأ ْ‬ ‫صُ‬‫" أَ مْ لَ ْم ُي َنبّأْ ِبمَا فِي ُ‬
‫س ْعيَ ُه سَ ْوفَ ُيرَى * ُثمّ ُيجْزَا ُه ا ْلجَزَاء ا ْلأَ ْوفَى * وَأَنّ إِلَى َربّ كَ‬
‫سعَى * وََأنّ َ‬
‫س لِ ْلإِن سَانِ إِلّا مَا َ‬
‫ّليْ َ‬
‫(‪ 53‬النجم‪)42 – 36/‬‬ ‫ا ْلمُن َتهَى "‬

‫ل قال له‪ :‬إ ني مررت بر جل ي سأل عن تف سير‬ ‫ويروى عن ع مر– ر ضي ال ع نه – أن رج ً‬


‫مش كل القرآن(‪ ،)1‬فقال ع مر‪ :‬الل هم أمكن ني م نه‪ .‬وذات يوم د خل ر جل لب سا ثيابا وعما مة‬
‫( يعني الراوى أن الرجل كان متأنقا‪ ،‬سيدا في قومه) علي عمر‪ ،‬وعمر يقرأ القرآن‪ ،‬فلما فرغ‬
‫عمر قام إليه الرجل وسأله‪ :‬يا أمير المؤمنين ما َالذّا ِريَاتِ َذرْوًا؟ فقام عمر وحسر عن ذراعيه‪،‬‬
‫وجعيل يجلده‪ .‬ثيم قال‪ :‬ألبسيوه ثيابيه‪ ،‬واحملوه علي قتيب(‪ )2‬وأبلغوا بيه حييه‪ ،‬ثيم ليقيم خطيبا‬
‫فلي قل‪ :‬إن صبيغا (ا سم الر جل‪ ،‬وتن طق علي وزن أميرا) طلب العلم فأخطأه‪ ،‬فلم يزل وضي عا‬
‫في قومه بعد أن كان سيدا فيهم‪.‬‬

‫وعن عامر بن واثلة‪ ،‬أن ابن الكواء سأل عليا – رضي ال عنه – فقال‪ :‬يا أميرالمؤمنين ما‬
‫ي ذَرْوًا" الرياح‪،‬‬
‫"الذّا ِريَاتيِ َذرْوًا"؟‪ ،‬فقال علي‪ :‬ويلك‪ ،‬سيل تفقها ول تسيأل تعنتا‪" .‬الذّارِيَات ِ‬
‫ت َأ ْمرًا " الملئكة(‪.)1‬‬ ‫سمَا ِ‬
‫ت ُيسْرًا " السفن‪ " ،‬فَا ْلمُ َق ّ‬
‫"فَا ْلحَامِلَاتِ ِو ْقرًا" السحاب‪ " ،‬فَا ْلجَارِيَا ِ‬

‫من هاتين الروايتين عن عمر‪ ،‬وعلي – رضي ال عنهما – يتبين لنا أن السؤال عن المتشابه‬
‫في القرآن تعنتا هو الخطأ‪ ،‬وليس السؤال والتفكر تفقها‪ ،‬أي زيادة في العلم‪ ،‬وتعمقا فيه‪ ،‬وتدبرا‬
‫فيي آياتيه‪ .‬فكيل هذا مطلوب‪ ،‬بيل نحين مأمورون بفعله‪ ،‬بيل ان ذلك مين أفضيل الجهاد‪ .‬يقول‬
‫تعالي ‪:‬‬
‫ن ِليَن ِفرُواْ كَآفّ ًة فَلَ ْولَ نَ َفرَ مِن كُلّ ِفرْقَ ٍة ّم ْنهُ مْ طَآئِفَ ٌة ّل َيتَفَ ّقهُو ْا فِي الدّي نِ وَِليُنذِرُواْ‬ ‫ن ا ْلمُ ْؤ ِمنُو َ‬
‫" َومَا كَا َ‬
‫ن " (‪9‬التوبة‪)122/‬‬ ‫ح َذرُو َ‬ ‫جعُواْ إَِل ْي ِهمْ َلعَّل ُهمْ َي ْ‬
‫قَ ْو َم ُهمْ ِإذَا َر َ‬

‫فطلب العلم فضيلة عظيمة‪ ،‬ومرتبة شريفة ل يوازيها عمل‪ .‬ويكفى أن نعلم‪ ،‬ان ال – تعالى‪-‬‬
‫وصف العلماء بأنهم هم الذين يخشونه ويعرفون قدره ‪ -‬سبحانه‪ -‬من عباده‪:‬‬
‫ج َددٌ بِي ضٌ‬ ‫جبَالِ ُ‬ ‫ن ا ْل ِ‬ ‫ختَلِفا أَ ْلوَا ُنهَا َومِ َ‬
‫جنَا بِ ِه َث َمرَا تٍ ّم ْ‬
‫سمَا ِء مَاءً َفَأخْ َر ْ‬
‫ل مِ نَ ال ّ‬ ‫"أَلَ مْ َترَ َأنّ اللّ َه أَنزَ َ‬
‫ختَلِ فٌ أَ ْلوَانُ هُ َكذَلِ كَ ِإ ّنمَا‬
‫ن النّا سِ وَالدّوَابّ وَا ْلَأ ْنعَا مِ ُم ْ‬ ‫ب سُود* َومِ َ‬ ‫غرَابِي ُ‬‫ختَلِ فٌ أَ ْلوَا ُنهَا وَ َ‬
‫ح ْمرٌ ّم ْ‬
‫َو ُ‬
‫(‪ 35‬فاطر‪)28،27/‬‬ ‫عزِيزٌ غَفُورٌ "‬ ‫عبَادِهِ ا ْلعَُلمَاء ِإنّ اللّهَ َ‬
‫خشَى اللّهَ ِمنْ ِ‬ ‫َي ْ‬
‫ويجب ملحظة أن العلم المذكور في الية الكريمة هومن علوم الطبيعة (علوم الهيئة)‪.‬‬

‫وروي الترمذي‪ ،‬من حد يث أ بي الدرداء‪ ،‬قال‪ :‬سمعت ر سول ال – صلي ال عل يه و سلم –‬


‫يقول‪ " :‬من سلك طريقا يلت مس ف يه علما سلك ال به طريقا إلي الج نة‪ ،‬وإن الملئ كة لت ضع‬
‫أجنحتها رضا لطالب العلم (كناية عن علو قدر العلم والعلماء)‪ ،‬وإن العالمَ؛ ليستغفر له من في‬
‫ال سماوات‪ ،‬ومن في الرض‪ ،‬والحيتان في جوف الماء‪ ،‬وإن فضل العال مُ علي العا بد؛ كفضل‬

‫‪4‬‬
‫الق مر ليلة البدر علي سائر الكوا كب‪ ،‬وإن العلماء ورثة ال نبياء‪ ،‬وإن النبياء لم يورثوا دينارا‬
‫ول درهما‪ ،‬إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر"(‪.)3‬‬
‫وفي صحيح مسلم قوله – صلي ال عليه وسلم‪" :‬من يرد ال به خيرا يفقهه في الدين‪ ،‬ولتزال‬
‫عصابة من المسلمين يقاتلون علي الحق ظاهرين علي من ناوأهم إلي يوم القيامة (‪.)4‬‬

‫ويمكن نا أن نف هم‪ ،‬من الروايت ين الواردت ين عن ال صحابة‪ ،‬رضوان ال علي هم‪ ،‬أن هم لم يعرفوا‬
‫المقصود بالذاريات‪ ،‬وبالتالي عدوها من المتشابهات‪ .‬وأن قولهم بأن الذاريات هي الرياح‪ ،‬هو‬
‫إجتهاد من عند أنفسهم‪ ،‬وليست وحيا‪ .‬وهو إجتهاد لتأويل معناها العلمي‪ ،‬وكانوا غير مزودين‬
‫بالوسيائل‪ ،‬والمعارف المتاحية لنيا الن‪ .‬ونعتيبر أن محاولتهيم هذه‪ ،‬هيي عبارة عين محاولة‬
‫للتفسير العلمي‪ ،‬مثلما نفعل الن‪.‬‬
‫***‬
‫وآيات سورة الذاريات المراد تفسيرها هي ‪:‬‬
‫ُوني‬
‫عد َ‬ ‫ت َأمْرا* ِإنّم َا تُو َ‬
‫َسيمَا ِ‬
‫َاتي يُسيْرا* فَا ْلمُق ّ‬
‫َاتي ِوقْرا* فَا ْلجَارِي ِ‬
‫َاتي َذرْوا* فَا ْلحَامِل ِ‬
‫"وَالذّا ِري ِ‬
‫(‪ 51‬الذاريات‪)8 -1/‬‬ ‫ن الدّينَ َلوَاقِعٌ "‬
‫َلصَا ِدقٌ* وَإِ ّ‬
‫وهذه اليات الكريمية تتشابيه‪ ،‬مين حييث النظيم‪ ،‬ميع آيات أخرى فيي السيور‪ :‬الصيافات‪،‬‬
‫والمرسلت‪ ،‬والنازعات‪ ،‬والعاديات‪ .‬وفي كل هذه السوريقسم الخالق – عز وجل – بمخلوقات‬
‫له‪ .‬واليات هي‪:‬‬

‫(‪37‬الصافات‪)3 -1/‬‬ ‫جرَاتِ َزجْرا * فَالتّاِليَاتِ ِذكْرا "‬ ‫" وَالصّافاتِ صَفا * فَالزّا ِ‬
‫عرْفا * فَا ْلعَاص ِيفَاتِ عَصيْفا * وَالنّاشِرَاتِي َنشْرا * فَالْفَا ِرقَات ِي َفرْقا * فَا ْلمُلْ ِقيَات ِي‬ ‫" وَا ْلمُرْسَيلَاتِ ُ‬
‫(‪77‬المرسلت‪)6 -1/‬‬ ‫ع ْذرًا َأوْ ُن ْذرًا‬
‫ِذكْرا* ُ‬
‫سبْقا * فَا ْلمُ َدّبرَا تِ‬‫سبْحا * فَال سّابِقَاتِ َ‬ ‫ت َنشْطا * وَال سّا ِبحَاتِ َ‬ ‫غرْقا * وَالنّاشِطَا ِ‬ ‫" وَالنّازِعَا تِ َ‬
‫(‪79‬النازعات‪)5 -1/‬‬ ‫َأمْرا "‬
‫سطْنَ ِب هِ‬ ‫ن بِ ِه نَقْعًا * فَوَ َ‬ ‫ت صُبْحا * َفَأثَرْ َ‬ ‫ت ضَبْ حا ً* فَا ْلمُو ِريَا تِ َقدْحا * فَا ْل ُمغِيرَا ِ‬ ‫وَا ْلعَا ِديَا ِ‬
‫(‪100‬العاديات‪)5 -1/‬‬ ‫ج ْمعًا"‬ ‫َ‬
‫و فى كل هذه اليات الكري مة لم يذ كر المو صوف‪ ،‬وذ كر فعله‪ ،‬واقي مت ال صفات مقا مه‪ .‬فلم‬
‫يوضح – تعالي ذكره – ما هي الذاريات‪ ،‬وماذا تذرو؟ وما هي النازعات‪ ،‬وماذا تنزع؟ وما هي‬
‫الزاجرات وماذا تزجير؟ وميا المير الذي تقسيمه المقسيمات؟ وهكذا‪ .‬وهذا البهام‪ ،‬المقصيود‬
‫بالطبيع‪ ،‬فتيح المجال أمام الختلف فيي التأوييل‪ .‬حتيي بيين كبار الصيحابة‪ ،‬مثيل علي وابين‬
‫عباس‪ -‬رضي ال عنهم‪ ،‬فقد ورد عنهما انهما إختلفا في تفسير العاديات‪ .‬علي يقول‪ :‬العاديات‬
‫هى ال بل‪ .‬وا بن عباس يقول‪ :‬العاديات هى الخ يل‪ .‬وكان هذا الخلف يم تد كثيرا في حالت‬
‫أخرى‪ .‬مثل فيى تأوييل النازعات؛ جمعيت بنيت الشاطيئ عشرة أقوال‪ ،‬لخصيتها مين تفسيير‬
‫الطيبري والرازي والبحرالمحييط‪ .‬فالنازعات هيى‪ :‬الملئكية تنزع نفوس البشير(قول عبيد ال‬
‫وا بن عباس)‪ ،‬و هى النجوم تنزع من أ فق إلى أ فق (قول الح سن وقتادة وأ بى عبيدة)‪ ،‬و هى‬
‫النفوس ت حن الى أوطان ها وتنزع إلى مذاهب ها( عن ال سدى)‪ ،‬و هى الق سيّ تنزع بال سهام ( عن‬
‫عطاء وعكرمية)‪ ،‬وهيى الجماعات النازعات بالقسيى (عين عطاء ايضيا)‪ ،‬وهيى المناييا تنزع‬
‫النفوس( عن مجا هد)‪ ،‬و هى الو حش تنزع الى الكل ( عن يح يى بن سلم)‪ ،‬و هى خ يل الغزاة‬
‫تنزع فى أعنتها (جاء فى الكشاف)‪ ،‬وهى الريح تقلع القوم لشدة هبوبها (المفردات) (‪.)5‬‬

‫يع على أن‬


‫يا نعلم– ينعدم‪ ،‬فالجميي‬
‫يه – على قدرمي‬‫يل الذاريات يكاد الختلف فيي‬
‫إل إن تأويي‬
‫الذاريات هى الرياح‪ .‬وسبب ذلك الجماع راجع – في رأينا – لسببين‪:‬‬

‫‪5‬‬
‫الول وهو الهم‪ ،‬أن القرآن قد حمل بين طياتة الكريمة ذكرالرياح وهي تذرو الهشيم‪ .‬ويبدو‬
‫لي ان على والصحابة – رضوان ال عليهم‪ -‬قد استنبطوا المعنى من الية الكريمة ‪:‬‬
‫صبَحَ َهشِيما‬
‫ت ا ْلأَرْضِ َفأَ ْ‬
‫ختَلَطَ ِب ِه َنبَا ُ‬
‫سمَا ِء فَا ْ‬
‫ن ال ّ‬
‫حيَاةِ ال ّد ْنيَا َكمَاء أَنزَ ْلنَا ُه مِ َ‬
‫ل ا ْل َ‬
‫" وَاضْرِبْ َلهُم ّمثَ َ‬
‫(‪18‬الكهف‪)45/‬‬ ‫شيْءٍ مّ ْق َتدِرا "‬ ‫ل َ‬ ‫ن اللّهُ عَلَى كُ ّ‬ ‫َتذْرُوهُ ال ّريَاحُ َوكَا َ‬
‫والسيبب الثانيى‪ :‬أنيه قيد ورد عين علي – رضيي ال عنيه – أنيه أوّل الذاريات بالرياح‪ .‬ففيي‬
‫البخاري‪ ،‬باب تف سيرالقرآن(‪ ،)6‬رُوِ يّ ذلك عن علي‪ ،‬ول كن ي جب أن يل حظ أن هذا القول لم‬
‫يرفع إلي رسول ال‪.‬‬
‫وهنا نرى ان من واجبنا أن نتساءل ‪ :‬لو كان ال – سبحانه – يقصد الرياح؛ فلماذا لم يذكرها‬
‫صيراحة؟ والمعلوم أن ال قيد يسير القرآن للذكير‪ .‬الجابية عين هذا السيؤال تحتاج الي وقفية‬
‫قصيرة‪.‬‬

‫لقد أنزل ال القرآن تبيانا لكل شيء يهم البشرية‪ ،‬ويهديها الى كل ماينفعها‪ ،‬فى طريقها الشاق‬
‫الطويل لعمارة الرض‪ ،‬والستخلف فيها‪ ،‬واستكشاف المجهول الذى يحيط بهم‪ .‬وفى ذلك‬
‫عبادة ل خالقهم‪ ،‬حتى يرجعون إليه‪ ،‬وقد صنعوا انفسهم( قد أفلح من زكاها‪ ،‬وقد خاب من‬
‫دساها)‪ ،‬وجاؤوه– سبحانه ‪ -‬وهم في خلق جديد‪ .‬ولذلك فإن القرآن احتوى على هداية‬
‫البشرية‪ ،‬لكيفية التعامل مع الواقع في هذه الحياة الدنيا‪ ،‬الذي أوجدهم ال سبحانه فيه‪َ " ،‬فمَنِ‬
‫ل َيشْقَى" (‪ 20‬طه‪.)123/‬‬ ‫ي فَلَ َيضِلّ َو َ‬ ‫ا ّتبَعَ ُهدَا َ‬
‫وأنزل القرآن فيه هدي ورحمة وبشرى للذين يؤمنون به‪ ،‬ويسلمون له‪:‬‬
‫حمَةً َو ُبشْرَى لِ ْل ُمسِْلمِين" ) ‪16‬النحل‪)89 /‬‬
‫ل شَيْءٍ وَ ُهدًى َو َر ْ‬
‫ب ِت ْبيَانا ّلكُ ّ‬
‫" َو َنزّ ْلنَا عََل ْيكَ ا ْل ِكتَا َ‬

‫و قد علم ال سبحانه‪ ،‬أن البشر ية‪ ،‬في أطوار ها الولى‪ ،‬وبعلم ها القل يل‪ ،‬وفكر ها المحدود؛ لن‬
‫ت ستطيع أن ت ستوعب كل علوم الكون‪ ،‬و ما جاء به القرآن دف عة واحدة‪" :‬عَلِ مَ أَن لّن ُتحْ صُوهُ‬
‫ن الْ ُقرْآنِ" (‪73‬المزمل‪)20/‬‬ ‫سرَ مِ َ‬
‫َفتَابَ عََل ْي ُكمْ فَا ْقرَؤُوا مَا َت َي ّ‬
‫ولهذا ال سبب ف قد ح تم ال تعالي على نف سه؛ أن يي سر القرآن للذ كر‪ ،‬ح تى يف هم كل أ حد على‬
‫إختلف قدراتهم‪ ،‬أهم ما في الر سالة‪ .‬وأهم ما في الر سالة هو أن لهذا الكون اله خالق وا حد‪،‬‬
‫على الن سان أن يؤ من به ويع مل له‪ ،‬وأن الن سان لم يخلق عب ثا‪ ،‬في هذه الحياة الدن يا‪ ،‬وأ نه‬
‫سوف يعاد خلقه مرة أخرى‪ ،‬في كينونة أفضل‪ ،‬فيها يجزى بما فعل في هذه الحياة الدنيا‪ .‬أما‬
‫علوم القرآن الباقية‪ ،‬والتي تشمل الهداية الكاملة لكل البشرية؛ فقد بلورها ال تعالى في اسلوب‬
‫سهل الف هم‪ ،‬عم يق الدللة‪ ،‬يف هم م نه كل فرد على قدر طاق ته‪ .‬وتزداد ن سبة الف هم بإت ساع أ فق‬
‫الفرد‪ ،‬ودرجة رسوخه في العلم‪ ،‬كل العلوم‪ .‬ودرجة الفهم هذه تتفاوت من فرد الى فرد‪ ،‬ومن‬
‫أ مة إلى أ مة‪ ،‬و من ج يل إلى ج يل‪ ،‬تب عا ل ما يتاح له‪ ،‬أو ل هم من معر فة‪ .‬وي ظل العلم القرآ ني‬
‫يعلو على كل ما عداه‪" ،‬ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه" (‪ 41‬فصلت‪ ،)42/‬ويظل‬
‫القرآن " مأدبة ال" تنهل البشرية منها ما استطاعت‪.‬‬
‫وفي سبيل تيسير القرآن‪ ،‬إتبع ال سبحانه أساليب عديدة‪ .‬من هذه الساليب‪ ،‬ما اسميناه أسلوب‬
‫"الحكام والتفصيل"‪ ،‬وهو اسم مقتبس من الية الكريمة‪:‬‬
‫(‪ 11‬هود‪)1/‬‬ ‫خبِيرٍ"‬
‫حكِيمٍ َ‬
‫ن َ‬
‫ح ِكمَتْ َآيَاتُ ُه ُثمّ فُصّلَتْ ِمنْ َلدُ ْ‬
‫ب ُأ ْ‬‫"الر ِكتَا ٌ‬
‫وفي هذا السلوب يتم تفصيل ما أُحكم‪ .‬وهو أسلوب يستخدمه القرآن في تفسير القرآن‪ ،‬فالية‬
‫المحكمة تُفسر في آيات مُفَ صّلةٌ‪ .‬واللفظة المُحكَمة‪ ،‬تُفسر باستخدامها في آيات مختلفة‪ ،‬تفصل‬
‫وتبين معنا ها‪ .‬وهذه اليات المفصلت؛ منتشرة في ثنايا هذا الكتاب المعجز‪ .‬هذا السلوب لم‬
‫نجد له مثيل في التفاسير كلها‪ .‬وان كنا قد وجدنا تفاسير تستعين بآيات أخرى‪ ،‬في تفسير آية‬

‫‪6‬‬
‫بعينها‪ .‬لكن هذه التفاسير وجدناها في الحقيقة تتحدث عن إستكمال موضوع القصة‪ ،‬أو الخبر‪.‬‬
‫مثل الحديث عن قصة آدم وموسى عليهما الصلة والسلم‪ .‬وبالتالي فهو أسلوب مختلف قليل‪،‬‬
‫عما شاع من أقوال في تفسير القرآن بالقرآن‪ .‬وحتى كتابة هذا البحث؛ لم يتبلور هذا السلوب‬
‫بعجد‪ ،‬بحيجث نسجتطيع شرحجه‪ ،‬وتقديجم الدلة على صجحته‪ ،‬وتطجبيقه خلل أمثلة‪ ،‬وبيان درججة‬
‫إختلفجه عمجا هجو شائع مجن أسجلوب تفسجير القرآن بالقرآن‪ .‬إل أن لبنات بناءه تزداد بإزدياد‬
‫التعرض لتفسجير القرآن ( فجي بحجث الدللت العلميجة لبعجض اللفاظ القرآنيجة أمثلة توضحجه‬
‫ب عض الش يء)‪ .‬ومع نى التف صيل المق صود ه نا هو‪ :‬ال تبيين واليضاح‪ ،‬الذي يف هم من ال ية‬
‫الكريمة‪:‬‬
‫جمِيّ وَعَ َربِيّ ُقلْ ُهوَ لِّلذِي نَ آ َمنُو ْا ُهدًى َوشِفَآءٌ وَٱّلذِي نَ لَ‬
‫ل فُ صَّلتْ آيَاتُ هُ ءَاعْ َ‬
‫ج ِميّا لّقَالُواْ لَ ْو َ‬
‫عَ‬ ‫" َولَوْ َ‬
‫جعَ ْلنَا ُه قُرْآنا أ ْ‬
‫(‪ 41‬فصلت‪)44/‬‬ ‫ن َبعِيدٍ"‬
‫ن مِن ّمكَا ٍ‬
‫ك يُنَادَوْ َ‬
‫ج ِئ َ‬
‫عمًى ُأوْلَ ٰ‬
‫ي آذَا ِنهِمْ َوقْرٌ وَهُ َو عََل ْيهِ ْم َ‬
‫ن فِ ۤ‬
‫يُ ْؤمِنُو َ‬
‫( يقول القرطبي في تفسير هذه الية‪ :‬لو جعلنا هذا بلغة غير العرب؛ لقالوا لول بينت آياته‪،‬‬
‫فإنا عرب ل نفهم العجمية)‪.‬‬

‫آيات محكمات وأخر متشابهات‬


‫و من ا ساليب التي سير الخرى‪ ،‬إحتواء القرآن "آيات محكمات‪ ،‬وأ خر متشابهات" ك ما ورد في‬
‫الية الكريمة‪:‬‬
‫خرُ ُم َتشَابِهَا تٌ َفَأمّا اّلذِي نَ في‬
‫ت هُنّ ُأمّ ا ْل ِكتَا بِ وَُأ َ‬
‫ح َكمَا ٌ‬
‫" ُهوَ اّلذِ يَ أَنزَلَ عََليْ كَ ا ْل ِكتَا بَ ِمنْ ُه آيَا تٌ ّم ْ‬
‫ّهج‬
‫َهج ِإلّ الل ُ‬
‫َمج َتأْوِيل ُ‬
‫ِهج وَم َا َيعْل ُ‬
‫ْهج ا ْب ِتغَاء ا ْل ِف ْتنَةِ وَا ْب ِتغَاء َتأْوِيل ِ‬
‫َهج ِمن ُ‬
‫ُونج م َا َتشَاب َ‬
‫ْغج فَ َي ّت ِبع َ‬
‫ِمج َزي ٌ‬
‫قُلُو ِبه ْ‬
‫ن آ َمنّا بِ ِه كُلّ مّنْ عِندِ َر ّبنَا َومَا َي ّذ ّكرُ ِإلّ ُأوْلُو ْا ال ْلبَابِ"‬
‫ن فِي ا ْلعِ ْلمِ يَقُولُو َ‬
‫سخُو َ‬
‫وَالرّا ِ‬
‫(‪ 3‬آل عمران‪)7/‬‬
‫وفي هذه الية الكريمة‪ ،‬يبين لنا ال سبحانه‪ ،‬أنه قد أنزل الكتاب فيه صنفان من اليات‪:‬‬
‫الصنف الول‪ :‬اليات المحكمات‪ ،‬وهن أم الكتاب‪.‬‬
‫الصنف الثاني‪ :‬آيات متشابهات‪.‬‬
‫يكاد يجمع المفسرون‪ ،‬السابقون واللحقون؛ في تعريف اليات المحكمات‪ ،‬على أنها هي التي‪:‬‬
‫وضحت دللتها‪ ،‬بحيث ل تلتبس على أحد‪ .‬وأنها معينة المعنى‪ ،‬محددة الدللة‪ ،‬ل شبهة فيها‪.‬‬
‫ويعتبرون ها مقابلة لليات المتشابهات‪ .‬والمتشابهات عند هم‪ ،‬هي ال تي في ها اشتباه في الدللة‪،‬‬
‫وإحتمال التأويل‪ ،‬وغير محددة المعنى‪.‬‬
‫خلفا لهذا المعنى‪ ،‬فلقد تبين لي‪:‬‬
‫إن اليات المحكمات صجنف له خصجائصه‪ ،‬وإبتغاء لبانجة معاني ها‪ ،‬ل جأ القرآن الى التف صيل‪.‬‬
‫والمحكم ليس بالضرورة أن يكون واضح المعنى‪ ،‬محدد الدللة‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫أ ما المتشابهات؛ ف هي صنف آ خر اليات‪ ،‬ل يقا بل المحكمات‪ .‬والمتشا به من اليات‪ ،‬هي ما‬
‫بدت لنا متماثلة‪ ،‬أو يشبه بعضها بعضا‪ ،‬سواء في المعنى او اللفاظ‪ .‬والتماثل والتشابه؛ مثله‬
‫م ثل تشا به الب قر( وتشا به كل أ مة من عائلت الحيوانات الخرى)‪ .‬فالب قر يبدو ل نا متشاب ها‪،‬‬
‫مثل ما تشا به على ب ني إ سرائيل‪ ،‬ك ما روى عن هم رب العزة سبحانه‪ ،‬في سورة البقرة " قَالُوا‬
‫ي إِنّ ا ْلبَ َقرَ َتشَابَ هَ عََل ْينَا "(من الية رقم ‪ .)70‬والبقر‪ -‬في الفصيل‬
‫ادْ عُ َلنَا َربّ كَ ُي َبيّ نْ َلنَا مَا هِ َ‬
‫الواحد‪ -‬يشبه بعضه بعضا‪ ،‬لغير العين المتدبرة المدققة‪ .‬لكنه مليئ بالفروق‪ ،‬للباحث المدقق‪،‬‬
‫المتأمل‪ .‬والراسخون في العلم (علم الحيوان في حالة البقر)‪ ،‬هم من يستطيعون كشف بعض –‬
‫وليس بالضرورة كل‪ -‬ما خفي من هذه الفروق‪.‬‬
‫ويمكن تعريف اليات المحكمات بأنها؛ "آيات أتقن إنتقاء ألفاظها‪ ،‬وأتقنت صياغتها‪ ،‬ووضعت‬
‫في مكانها من السورة لتتناسب مع السياق؛ بدقة تمنعها من فساد وضلل الدللة"‪ .‬وهي بالتالي‬
‫تحتاج إلى تفصيل‪ .‬والتفصيل يأتي في موضع آخر في القرآن‪ .‬وتُكوّن اليات المحكمات (أم)‬
‫أوأصجل الكتاب‪ .‬ولكنهجا ليسجت بالضرورة واضحجة‪ ،‬محددة المعنجى‪ ،‬والدللة‪( .‬أُحكمجت ثجم‬
‫فصجلت‪ ،‬والتفصجيل فيجه شيجء مجن البانجة‪ ،‬والتوضيجح‪ .‬أمجا الحكام فليجس فيجه مجن البانجة‬
‫والتوضيح من شيء‪ ،‬بل هو الي التقان أقرب)‪ .‬نضرب لذلك مثل‪:‬‬
‫ورد فجي القرآ ن الكريجم انكدار النجوم‪ ،‬وطمجس النجوم‪ ،‬قبجل يوم القيامجة‪ .‬كمجا فجي اليات‬
‫الكريمة التية‪:‬‬
‫سّيرَتْ "(‪ 81‬التكوير‪)3-1/‬‬
‫ل ُ‬‫جبَا ُ‬
‫س كُ ّورَتْ * وَِإذَا ال ّنجُو ُم ا ْن َكدَرَتْ * وَِإذَا ا ْل ِ‬
‫شمْ ُ‬
‫"ِإذَا ال ّ‬
‫سمَاءُ ُف ِرجَتْ " (‪ 77‬المرسلت‪)9-7 /‬‬
‫ط ِمسَتْ * وَِإذَا ال ّ‬ ‫عدُونَ َلوَاقِعٌ * َفِإذَا ال ّنجُومُ ُ‬ ‫"ِإ ّنمَا تُو َ‬

‫يبدو من ظاهر الية " وإذا النجوم انكدرت" أنها تتشابه مع الية "فإذا النجوم طمست"‪ .‬والحقيقة‬
‫أنهممما محكمتان (لكنهممما تتشابهان على غيممر المدقممق مممن البشممر)‪ .‬ولو اسممتبدلت احداهممما مكان‬
‫الخرى؛ لفسدت الدللة‪ .‬وحتى لو تبدل حرف العطف في أي منهما؛ لفقدت بعدا من أبعاد دللتها‪.‬‬

‫إن إنكدار النجوم‪ ،‬عملية مختلفة عن طمس النجوم‪.‬‬

‫فالنكدار ضمد الصمفاء‪ ،‬وهمي عمليمة معروفمة علميما‪ ،‬وتحدث فمي النجوم (الشممس المعهودة همي‬
‫احدى النجوم‪ ،‬ويحدث فيهمما هذه العمليممة‪ ،‬ويكون نتيجتهمما الشعاع الذي يعطممي الطاقممة اللزمممة‬
‫لستمرار الحياة علي الرض)‪ .‬وفي عملية إنكدار النجوم؛ يتحول بالتدريج عنصر الهيدروجين‪،‬‬
‫وهممو المكون السمماسي للنجوم المشعممة للضوء‪ ،‬وعلى مدى الملييممن مممن السممنين‪ ،‬ويتحول الى‬
‫عناصر أخرى‪ .‬وبالتالي تقل نسبته في النجم‪ ،‬أي أن النجم تقل درجة صفائه من حيث المكونات‪،‬‬
‫أي ينكدر‪ .‬وتسمتمر هذه العمليمة‪ ،‬حتمى تصمل مكونات النجمم الي درجمة؛ لتسممح قوانيمن الفيزياء‬
‫باسممتمرار التفاعلت النوويممة؛ فيتوقممف النجممم عممن إشعاع الضوء‪ ،‬أي يختفممي أثره‪ ،‬أي ينطمممس‪.‬‬
‫والمعروف أن الطمس في اللغة‪ ،‬هو محو الثر‪ ،‬وأثر النجم هو الضياء‪ .‬وهذه الحالة يصل اليها‬
‫النجمم بعمد ملييمن السمنيين‪ ،‬التمي تسمتغرقها عمليمة النكدار‪ .‬ويأتمي الطممس قبمل نهايمة حياة النجمم‪،‬‬
‫كجسم مشع‪ .‬وبالتالي استخدمت اداة العطف (الفاء) التي تقتضي التعقيب‪ .‬وباسلوب آخر نستطيع‬
‫اسمتنباط‪ :‬أن بيمن انكدار النجوم ونهايمة الكون‪ ،‬مدة أطول ممما بيمن الطممس والنهايمة‪ ،‬وذلك قبمل أن‬

‫‪8‬‬
‫يعاد خلقممه مممن جديممد‪ ،‬وقيامممة أخرى للنسممان‪ ،‬وذلك بمقارنممة اليتيممن الكريمتيممن‪ ،‬والتدقيممق فممي‬
‫ألفاظهمما المحكممة‪ ،‬المتشابمة‪ .‬وبالطبمع فإن هذه المعارف لم تكمن معروفمة حيمن التنزيمل‪ ،‬وبالتالي‬
‫أحكم ال تعالى‪ ،‬بإختيار ألفاظ تتوافق تماما مع ما يحدث في الواقع‪ ،‬ولجهل البشر بهذه المعارف‬
‫فقد تشابهت علينا اليات (انظر بحث الدللت العلمية ‪ ،‬المذكور آنفا)‪.‬‬
‫ولهمية موضوع المحكم والمتشابه‪ ،‬ولننا نختلف مع المفسرين‪ ،‬في تعريف المحكم من اليات؛‬
‫نأتي بمثال آخر ليتضح المر بعض الشيء‪ .‬والمثال التي يزيد من إيضاح ما نقصد‪ .‬تأمل اليات‬
‫التية‪:‬‬

‫ستَوَى" (‪ 20‬طه‪)5 /‬‬ ‫شا ْ‬ ‫حمَنُ عَلَى ا ْل َعرْ ِ‬ ‫•"الرّ ْ‬


‫ستَوَى عَلَى ا ْل َعرْشِ"‬ ‫ستّةِ َأيّامٍ ُث ّم ا ْ‬ ‫ض فِي ِ‬ ‫لْرْ َ‬ ‫سمَاوَاتِ وَا َ‬ ‫ن َر ّبكُ ُم الُّ اّلذِي خََلقَ ال ّ‬ ‫•"إِ ّ‬
‫(‪ 7‬العراف‪)54/‬‬
‫ٱستَو ٰ‬
‫َى عَلَى‬ ‫ۡ‬ ‫َرضَ فِى سِتّةِ أَيّا ۬مٍ ثُمّ‬ ‫َٱلأ ۡ‬
‫•"إِنّ رَبّ ُكمُ ٱلُّ ٱلّذِى خََلقَ ٱلسّم َٰـوَٲتِ و ۡ‬
‫‪ 10‬يونس‪)3/‬‬ ‫َم ‌ۖرَ" (‬
‫ٱلأ ۡ‬
‫شِ يُدَبّرُ ۡ‬ ‫َر ‌ۖ‬ ‫ٱلۡع ۡ‬
‫ستَوَى عَلَى ا ْلعَرْشِ" (‪13‬الرعد‪)2/‬‬ ‫ع َم ٍد َترَ ْو َنهَا ُث ّم ا ْ‬
‫ت ِب َغيْرِ َ‬
‫سمَاوَا ِ‬ ‫•" الُّ اّلذِي رَفَ َع ال ّ‬
‫َر ‌ۚ‬
‫شِ‬ ‫ٱلع ۡ‬
‫ٱستَوَىٰ عَلَى ۡ‬ ‫ۡ‬ ‫َٱلأَرۡضَ وَمَا ب َۡينَهُمَا فِى سِتّةِ أَيّا ۬مٍ ثُمّ‬ ‫•"ٱلّذِى خَلَقَ ٱلسّم َٰـوَٲتِ و ۡ‬
‫‪ 25‬الفرقان ‪)59/‬‬ ‫َسـَلۡ بِهِۦ خَبِي ۬رًا" (‬‫ّحم َٰـنُ ف ۡ ٔ‬
‫ٱلر ۡ‬
‫ٱستَوَىٰ عَلَى‬
‫ۡ‬ ‫َرضَ وَمَا ب َۡينَهُمَا فِى سِتّةِ أَيّا ۬مٍ ثُمّ‬ ‫َٱلأ ۡ‬
‫•"ٱلُّ ٱلّذِى خََلقَ ٱلسّم َٰـوَٲتِ و ۡ‬
‫‪32‬‬ ‫شِ مَا لَكُم مّنـ دُونِهِۦ مِن وَلِىّ۬ وَلَ شَفِيعٍ‌ۚ أَفَلَ تَ َتذَكّرُونـَ" (‬ ‫َر ‌ۖ‬‫ٱلۡع ۡ‬
‫السجدة‪)4/‬‬
‫َر ‌ۚ‬
‫شِ‬ ‫ٱلع ۡ‬
‫َى عَلَى ۡ‬ ‫ٱستَو ٰ‬ ‫ۡ‬ ‫َرضَ فِى سِتّةِ أَيّا ۬مٍ ثُمّ‬ ‫َٱلأ ۡ‬
‫•"هُوَ ٱلّذِى خََلقَ ٱلسّم َٰـوَٲتِ و ۡ‬
‫" (‪ 57‬الحديد‪)4/‬‬

‫بالرغجم مجن كثرة التفاسجير التجي بحثنجا فيهجا؛ إل أننجا لم نججد مجن يقول‪ :‬إن "اسجتواء ال على‬
‫العرش" هو تعبير محكم‪ ،‬وليس متشابها‪ .‬الكثرون من المتقدمين والمتأخرين‪ ،‬يقولون بوجود‬
‫تشابجه فجي مثجل هذه اليات‪ .‬وهجم يقصجدون وجود خفاء فجي المعنجى‪ ،‬وجهجل بالكيفيجة‪ .‬ولذلك‬
‫صنفوا اليات ال تي تحتوي على م ثل هذا الت عبير في قائ مة اليات المتشابهات‪ .‬والحقي قة ال تي‬
‫نسجتطيع قولهجا بشيجء مجن اليقيجن‪ ،‬بعجد اسجتعراض القرآن؛ أن هذه اليات‪ ،‬التجي تحتوي على‬
‫الخبار بأن ال عز وجل‪ ،‬استوى على العرش؛ ليست لها مثيل‪ ،‬ول تتشابه مع آيات أخرى‪،‬‬
‫وبالتالي ف هي لي ست متشا به‪ ،‬بالر غم من جهل نا بكيف ية ال ستواء النا تج عن جهل نا بماه ية ال‬
‫سبحانه وتعالى‪ .‬فالية المتشابهة‪ ،‬أو الكلمة المتشابهة‪ ،‬يجب أن نجد لها شبيها‪ ،‬حتى نستطيع‬
‫القول أنها تشابهت علينا‪ ،‬مثلما حدث لبني إسرائيل مع البقر‪ .‬ويبين استعراض اليات‪ ،‬التي‬
‫تحتوي على م ثل هذا المع نى( ان ظر أعله)؛ أن العل قة ب ين ال سبحانه وتعالى‪ ،‬وب ين العرش‬
‫هي عل قة ا ستواء‪ .‬ولم تُ ستخدم أي كل مة أخرى مراد فة ل ها‪ .‬صحيح أن ال ستواء في كلم‬
‫العرب‪ ،‬هو العلو والستقرار(لسان العرب)‪ ،‬إل أن القرآن عودنا أن يتميز أسلوبه عن أساليب‬
‫العرب في التعبير‪ ،‬ويخصص لكل مقام مقال‪ ،‬ويحكم ال آياته‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫ن جد في معا جم الل غة‪ ،‬مترادفات كثيرة لل ستواء‪ .‬ي سوق الجوهري‪ ،‬في صحاحه‪ ،‬أمثلة على‬
‫اسجتخدام الفعجل اسجتوى‪ ،‬يقول‪ :‬اسجتوى مجن اعوجاج‪ .‬واسجتوى الرججل على ظهجر دابتجه‪ ،‬أي‬
‫استقر‪ .‬واستوى إلى السماء‪ ،‬أي قصد إليها‪ .‬واستوى (يقصد استوى على العرش)‪ ،‬أي استولى‬
‫وظهر‪ .‬واستوى الرجل‪ ،‬أي انتهى شبابه‪ .‬واستوى الشيء‪ ،‬إذا اعتدل‪ .‬ويذكر الفيروزأبادي في‬
‫القاموس المحيط كلما مشابها؛ فيقول‪ :‬استوى أي اعتدل‪ .‬واستوى الرجل‪ ،‬أي بلغ أشده ( نجد‬
‫هذا التعبير في القرآن في الية ‪ 15‬من سورة الحقاف‪" :‬حتى إذا بلغ أشده‪ ،‬وبلغ أربعين سنة‪،‬‬
‫قال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي أنعمت عليّ‪ ،‬وعلى والديّ ")‪ .‬واستوى إلى السماء‪ ،‬أي‬
‫ق صد‪ ،‬أو صعد‪ ،‬أو ع مد‪ ،‬أو أق بل علي ها‪ ،‬أو ا ستولى‪ .‬إل أن القرآن اختار هذه اللف ظة؛ لي عبر‬
‫ب ها عن عل قة ال تعالى بالعرش‪ .‬ولم ي ستخدم غير ها في القرآن كله‪ .‬وبالتالي فهذه اللف ظة‪،‬‬
‫وهذا الت عبير‪ ،‬واليات ال تي تحتو يه‪ ،‬كل ها محك مة‪ ،‬ولي ست متشا بة‪ .‬و كل ا ستخدام لغير ها من‬
‫الفاظ؛ فهو على سبيل الشرح والتبسيط والتقريب‪ ،‬ول يؤدي الى نفس الدللة‪.‬‬
‫ولنف هم مع نى ال ستواء على العرش‪ ،‬تب عا لمن هج "الحكام والتف صيل" الذي نتحدث ع نه؛ فعلي نا‬
‫أن نعود إلى اليات‪ ،‬ال تي تحوي لف ظة العرش وتف صل معناه‪ .‬وكذلك اليات ال تي تحوي لف ظة‬
‫الستواء‪ ،‬في القرآن‪ .‬وبدراستها نستطيع استنباط المراد من "إستواء ال على العرش"‪ .‬وحتى‬
‫يحدث ذلك؛ فعلينا أن نحفظ اليات كما هي‪ ،‬وهذا مذهب أهل السنة‪.‬‬
‫وعندي؛ إن م ثل هذه اليات المحكمات‪ ،‬سوف ي تبين ل نا معنا ها مع زيادة معارف الن سانية‪،‬‬
‫عندما يحين الوقت‪ .‬وسوف نعود الى الفرق بين المتشابه والمحكم من اليات في بحث لحق‪،‬‬
‫ونكت في ه نا ب ما قل نا‪ ،‬و هو أن المح كم من اللفاظ واليات‪ ،‬ل يس بالضرورة أن تكون واض حة‬
‫المعنى محددة الدللة‪.‬‬
‫ن َل ُه مْ َأنّ ُه ا ْلحَقّ َأوََل مْ َي ْك فِ ِبرَبّ كَ َأنّ ُه عَلَى كُ ّ‬
‫ل‬ ‫حتّى َي َت َبيّ َ‬
‫سهِمْ َ‬
‫س ُنرِي ِهمْ آيَا ِتنَا فِي الْآفَا قِ َوفِي أَن ُف ِ‬
‫" َ‬
‫شهِيدٌ" (‪ 41‬فصلت‪)53/‬‬ ‫شيْءٍ َ‬ ‫َ‬

‫ومخ طئ من يطالب بأن يكون القرآن كله واضحا‪ ،‬جلي المع ني‪ ،‬محدد الدللة‪ .‬فذلك ي ستحيل؛‬
‫لعدم قدرة الن سانية علي ا ستيعاب علوم الكون كل ها دف عة واحدة‪ ،‬في ز من ق صير ن سبيا‪ ،‬هو‬
‫عمر البشرية‪ ،‬فجنس النسان لم يؤتى من العلم إل قليل‪ .‬وبالتالي كان من فضل ال ورحمته‬
‫علي البشر؛ أن يسر القرآن للذكر‪ .‬وأمرنا أن نتعلم منه ما تيسر‪ ،‬ويبقي ما لم يتيسر لنا فهمه‬
‫في حين ما دوما؛ دافعا للبشرية لعمال الفكر‪ ،‬والسعي لستكشاف الحقائق الكونية‪ ،‬وما يحيط‬
‫ب نا من سنن ال في ال سماوات والرض‪ .‬وي جب أن نتذ كر أن القدرة على التعلم وا ستكشاف‬
‫المجهول‪ ،‬هي بالضبط ما جعل آدم (رمزا للجنس البشري) مؤهل للخلفة في الرض‪ ،‬وليس‬
‫الملئكة‪ ،‬كما ورد في اليات الكريمة‪:‬‬
‫ن ُك ْنتُ مْ صَا ِدقِينَ *‬ ‫ل ِئكَ ِة فَقَالَ َأ ْن ِبئُونِي ِبأَ سْمَاءِ َه ُؤلَءِ إِ ْ‬ ‫ضهُ مْ عَلَى ا ْلمَ َ‬ ‫عرَ َ‬‫سمَا َء كُّلهَا ُثمّ َ‬ ‫"وَعَلّ مَ َآدَ مَ الَْ ْ‬
‫حكِيمُم * قَالَ يَا َآدَمُم َأ ْن ِب ْئهُمْم ِبأَسْممَا ِئهِ ْم فََلمّام‬
‫ل مَا عَّل ْمتَنَا ِإنّكَم َأنْتَم ا ْلعَلِيمُم ا ْل َ‬
‫ك لَ عِلْمَم لَنَا ِإ ّ‬ ‫قَالُوا سُم ْبحَانَ َ‬
‫لْرْضِم وَأَعْلَمُم مَا ُت ْبدُونَم وَمَا ُك ْنتُمْم‬ ‫غيْبَم السّممَاوَاتِ وَا َ‬ ‫َأ ْن َبأَهُمْم ِبأَسْممَا ِئ ِهمْ قَالَ أَلَمْم َأقُلْ َلكُمْم ِإنّيم أَعْلَمُم َ‬
‫َت ْك ُتمُونَ"‬

‫‪10‬‬
‫(‪ 2‬البقرة‪.)33-31/‬‬
‫وي ظل القرآن هدا ية لت ثبيت قلوب الذ ين يؤمنون به‪ .‬وي ظل القرآن مقو ما لم سار الب شر‪ ،‬في‬
‫طريقهم الشاق العسير لمعرفة ال ‪ ،‬والوصول إليه‪ -‬جل وعل‪ ،‬من خلل عملهم‪ ،‬واجتهادهم‬
‫في هذه الحياة المادية الفانية؛ للوصول إلي الحياة الخرى‪ ،‬والخلق الخر‪ ،‬والبدية‪:‬‬
‫شرَى لِ ْل ُمسِْلمِينَ"‬
‫ن آ َمنُواْ وَ ُهدًى َو ُب ْ‬
‫حقّ ِل ُي َثبّتَ اّلذِي َ‬
‫س مِن ّر ّبكَ بِا ْل َ‬
‫ح الْ ُقدُ ِ‬
‫ل َنزّلَهُ رُو ُ‬
‫"قُ ْ‬
‫(‪16‬النحل‪)102/‬‬
‫خبِ تَ لَ هُ قُلُو ُبهُ مْ وَِإنّ اللّ هَ َلهَادِ اّلذِي َ‬
‫ن‬ ‫حقّ مِن ّربّ كَ فَيُ ْؤ ِمنُوا ِب ِه فَ ُت ْ‬ ‫ن أُوتُوا ا ْلعِلْ مَ َأنّ هُ ا ْل َ‬‫" وَِل َيعْلَ مَ اّلذِي َ‬
‫عةُ َب ْغتَ ًة أَوْ‬
‫حتّ ى َت ْأ ِتيَهُ مُ ال سّا َ‬
‫ن كَ َفرُوا فِي ِمرْيَ ٍة ّمنْ هُ َ‬ ‫ل اّلذِي َ‬
‫ستَقِيمٍ * وَلَا يَزَا ُ‬ ‫صرَاطٍ مّ ْ‬ ‫آ َمنُوا إِلَى ِ‬
‫ومٍ عَقِيمٍ" (‪22‬الحج‪)54،55/‬‬ ‫عذَابُ يَ ْ‬ ‫َي ْأ ِتيَ ُهمْ َ‬

‫والن سان‪ ،‬سواءٌ كان فردا أو جماعةً‪ ،‬مأمور بطلب العلم‪ ،‬كل العلم‪ ،‬وف هم حقي قة الكون‪ ،‬ك ٌ‬
‫ل‬
‫على قدر طاق ته ومقدر ته‪ ،‬وذلك بالب حث عن كيف ية الخلق‪ ،‬ول يك في اليمان والت سليم الغ يبي‬
‫بذلك‪ ،‬فإن ذلك أض عف اليمان‪ .‬والقرآن صريح في هذا ال مر‪ ،‬فكل ما زاد علم الن سان كل ما‬
‫زاد تصديقه وإيمانه بال ‪:‬‬
‫صبَتْ*‬
‫جبَالِ َكيْ فَ نُ ِ‬
‫سمَاء َكيْ فَ رُ ِفعَ تْ* وَإِلَى ا ْل ِ‬
‫ل َكيْ فَ خُلِقَ تْ* وَإِلَى ال ّ‬
‫ظرُو نَ إِلَى ا ْلِإبِ ِ‬
‫"أَفَلَا يَن ُ‬
‫طحَتْ " (‪88‬الغاشية‪)20 –17/‬‬ ‫ف سُ ِ‬ ‫ض َكيْ َ‬‫وَإِلَى ا ْلَأرْ ِ‬

‫ل تُصَم ّدقُونَ * َأ َفرََأيْتُمْم مَا ُت ْمنُونَم * أََأ ْنتُمْم َتخْلُقُونَهُم أَمْم َنحْنُم ا ْلخَالِقُونمَ* َنحْنُم َق ّد ْرنَا‬ ‫" َنحْنُم خَلَ ْقنَاكُمْم فَلَ ْو َ‬
‫ل َتعَْلمُو نَ * وَلَ َقدْ عَِل ْمتُ مُ‬ ‫شئَكُ مْ فِي مَا َ‬ ‫ن ُن َبدّلَ َأ ْمثَاَلكُ مْ َو ُن ْن ِ‬
‫سبُوقِينَ * عَلَى َأ ْ‬ ‫ن ِبمَ ْ‬ ‫َب ْي َنكُ مُ ا ْل َموْ تَ َومَا َنحْ ُ‬
‫ن الزّارِعُو نَ * لَ ْو َنشَاءُ‬ ‫حرُثُو نَ * أََأ ْنتُ مْ َت ْزرَعُونَ هُ أَ ْم َنحْ ُ‬ ‫شأَةَ الُْولَى فَلَ ْولَ َت َذ ّكرُو نَ * َأفَرََأ ْيتُ ْم مَا َت ْ‬ ‫ال ّن ْ‬
‫ش َربُو نَ‬ ‫حرُومُو نَ * َأفَرََأ ْيتُ مُ ا ْلمَاءَ اّلذِي َت ْ‬ ‫ن َم ْ‬ ‫ل َنحْ ُ‬ ‫ن * بَ ْ‬ ‫حطَامًا َفظَ ْلتُ ْم تَ َف ّكهُو نَ * ِإنّا َل ُم ْغرَمُو َ‬ ‫جعَ ْلنَا ُه ُ‬
‫َل َ‬
‫ش ُكرُونَم * َأ َفرَأَ ْيتُمُم‬‫ل َت ْ‬ ‫جعَ ْلنَاهُم ُأجَاجًا فَلَ ْو َ‬ ‫* أََأ ْنتُمْم َأ ْنزَ ْل ُتمُوهُم مِنَم ا ْل ُمزْنِم أَمْم َنحْنُم ا ْل ُم ْنزِلُونَم * َل ْو َنشَا ُء َ‬
‫جعَ ْلنَاهَا َت ْذ ِكرَةً َو َمتَاعًا لِ ْلمُقْوِي نَ‬ ‫ن َ‬ ‫ن * َنحْ ُ‬ ‫ج َر َتهَا أَ ْم َنحْ نُ ا ْل ُم ْنشِئُو َ‬‫شَ‬ ‫النّارَ اّلتِي تُورُو نَ * أََأ ْنتُ مْ َأ ْنشَ ْأتُ مْ َ‬
‫عظِي مٌ * ِإنّ هُ لَ ُقرْآَ نٌ‬ ‫سمُ ِبمَوَاقِ عِ ال ّنجُو مِ * وَِإنّ هُ لَقَ سَمٌ لَ ْو َتعَْلمُو نَ َ‬ ‫سمِ َربّ كَ ا ْل َعظِي مِ * فَلَ ُأقْ ِ‬ ‫ح بِا ْ‬ ‫سبّ ْ‬
‫* فَ َ‬
‫ن"‬ ‫ن رَبّ ا ْلعَاَلمِي َ‬ ‫ن * َت ْنزِيلٌ ِم ْ‬ ‫ط ّهرُو َ‬ ‫ل َي َمسّهُ ِإلّ ا ْل ُم َ‬ ‫ن* َ‬ ‫َكرِي ٌم * فِي ِكتَابٍ َم ْكنُو ٍ‬
‫(‪ 56‬الواقعة‪)80 – 57/‬‬
‫ومين هذه اليات الصيريحة‪ ،‬المحددة الدللة نسيتطيع أن نقول‪ :‬إن البحوث العلميية‪ ،‬فيي كيل‬
‫فروع العلوم‪ ،‬فري ضة علي ال مة المؤم نة‪ .‬وإن طلب العلم ر كن أ ساسي من تعال يم ال سلم‪.‬‬
‫فالعلم بالكون هو الو سيلة الوحيدة ال تي تو صل إلي معر فة خال قه‪ .‬وك ما ق يل‪ :‬فان البعرة تدل‬
‫علي البعير ‪.‬‬
‫ول قد ب ين القرآن الفرق ب ين ال سلم واليمان‪ ،‬فاليمان أعلي در جة من ال سلم في طر يق‬
‫اليقين بوجود ال‪ ،‬ثم تقواه‪ -‬جل وعل ‪:‬‬
‫ن فِي قُلُو ِبكُمْ وَإِن ُتطِيعُوا‬ ‫ب آ َمنّا قُل لّمْ ُت ْؤ ِمنُوا وََلكِن قُولُوا أَسَْل ْمنَا وََلمّا َي ْدخُلِ ا ْلإِيمَا ُ‬ ‫عرَا ُ‬ ‫" قَالَتِ ا ْلأَ ْ‬
‫ن اّلذِي نَ آ َمنُوا بِاللّ هِ‬ ‫شيْئا إِنّ اللّ هَ غَفُورٌ ّرحِي مٌ * ِإ ّنمَا ا ْلمُ ْؤ ِمنُو َ‬ ‫عمَاِلكُ مْ َ‬ ‫اللّ هَ َورَ سُوَلهُ لَا يَِل ْتكُم مّ نْ َأ ْ‬
‫ن"‬ ‫ل اللّ ِه أُوَْل ِئكَ ُه ُم الصّا ِدقُو َ‬ ‫سبِي ِ‬‫س ِهمْ فِي َ‬ ‫َو َرسُولِ ِه ُثمّ َلمْ َي ْرتَابُوا َوجَا َهدُوا ِبَأمْوَاِل ِهمْ وَأَن ُف ِ‬
‫(‪49‬الحجرات‪)15،14/‬‬
‫كذلك بين القرآن الفرق بين اليمان بقدرة ال‪ ،‬واطمئنان القلب بهذا اليمان‪:‬‬
‫ط َمئِنّ‬ ‫حيِ يي ا ْلمَوْتَى قَالَ َأوَلَ مْ ُتؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَ يكِن ّليَ ْ‬ ‫" وَِإذْ قَالَ ِإ ْبرَاهِي مُ رَبّ َأرِنِي َكيْ فَ ُت ْ‬
‫قَلْبي" (‪ 2‬البقرة ‪) 260 /‬‬

‫و سؤال الخل يل ه نا؛ عن كيف ية الحياء‪ ،‬ول يس شكا في القدرة الربان ية عل يه‪ .‬فاليمان بالقدرة‬
‫يأتي عن طريق النظر والتفكر فى ماخلقه ال تعالي‪ ،‬وهذا ما كان الخليل ابراهيم قد توصل‬

‫‪11‬‬
‫ال يه من ق بل ال سؤال عمن الكيمف‪ .‬أمما معرفمة الكيفيمة‪ ،‬ومعاينتهما‪ ،‬فهمي التمي تصمل بالنسمان‪ ،‬ذو‬
‫الماهيمة الماديمة‪ ،‬وذو الفكمر والعلم المحدوديمن‪ ،‬إلي اطمئنان القلب‪ .‬وليس الخمبر كالمعاينمة‪ ،‬أو كما‬
‫قال الرسمول الكريمم‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فان مطابقمة‪ ،‬مما جاء بالقرآن الكريمم ممن حقائق علميمة؛ بمما يكتشفهُم‬
‫العلم البشري الحديث من حقائق كونيه‪ ،‬واجب‪ .‬حتى يصل بالنسان إلي اطمئنان القلب‪ ،‬والتثبت‬
‫ممن وجود الخالق سمبحانه‪ .‬وهذا بالضبمط مما يبحمث فيمه‪ ،‬مما اصمطلح علي تسمميته‪ ،‬التفسمير العلممي‬
‫للقرآن الكريم‪.‬‬

‫تأويل الذاريات في التفاسير‪:‬‬


‫فيما يلي‪ :‬ملخصاً لتفسير اليات الستة الولى من سورة الذاريات‪ .‬نقلت من الطبري‪:‬‬

‫"وَالذّا ِريَاتِ َذرْوًا" الرياح التي تذروالتراب ذروا‪ ،‬يقال‪ :‬ذرت الريح التراب‪.‬‬
‫وقد سأل رجل علي‪ -‬رضي ال عنه‪ -‬فقال‪ :‬ما الذاريات ذروا ؟ فقال علي‪ :‬هي الريح‪ .‬وكان ابن‬
‫عباس يقول‪ :‬هي الرياح‪.‬‬
‫"فَا ْلحَامِلَتِ ِو ْقرًا" فالسحاب التي تحمل وِقرها (الوِقر بكسرالواو هو‪ :‬الحمل الثقيل) من الماء‪.‬‬
‫سرًا" فالسفن التي تجري في البحار سهل يسيرا‪.‬‬ ‫ت ُي ْ‬
‫"فَا ْلجَارِيَا ِ‬
‫سمَاتِ َأ ْمرًا " فالملئكة‪ ،‬التي تقسم أمر ال في خلقه‪.‬‬ ‫"فَا ْلمُ َق ّ‬
‫وبنحو الذي قلنا في ذلك‪ -‬يضيف الطبرى‪ -‬قال أهل التأويل‪ .‬وعن علي – رضي ال عنه – قال‪:‬‬
‫الجاريات يسراً هي السفن‪ ،‬والحاملت وقرًا هي السحاب‪ ،‬والمقسمات أمرًا هي الملئكة‪.‬‬
‫عدُونَ َلصَا ِدقٌ " يقول تعالى ذكره ‪ :‬إن الذي توعدون أيها الناس من قيام الساعة وبعث‬ ‫" ِإ ّنمَا تُو َ‬
‫ن الدّينَ َلوَاقِعٌ " وإن الحساب والثواب والعقاب لواجب‪،‬‬
‫الموتى من قبورهم لكائن حق يقين‪ " .‬وَإِ ّ‬
‫وال مجاز عباده بأعمالهم‪.‬‬

‫وجميع المفسرون – فيما قرأنا – أخذوا هذا المعني من قول علي ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬وقالوا به‪،‬‬
‫ومنهم الزمخشري والطبري والفخرالرازي والزجاج‪.‬‬

‫ت ذَرْوًا" فكرة جديدة‪ .‬قال‪:‬‬


‫أما البيضاوي فقد أضاف لمعني "وَالذّا ِريَا ِ‬
‫الذاريات قد تكون الرياح تذروا التراب وغيره‪ ،‬أو النساء الولود‪ ،‬فإنهن يذرين الولد‪.‬‬

‫وهنا نبدي ملحظة مهمة وهي‪ :‬إن القرآن استعمل لفظ البث‪ ،‬وليس الذر‪ ،‬عندما تحدث عن‬
‫انجاب الولد من الذكر والنثى‪:‬‬
‫ل َكثِيرًا‬
‫ث ِم ْن ُهمَا ِرجَا ً‬
‫جهَا َوبَ ّ‬
‫ق ِم ْنهَا زَ ْو َ‬
‫حدَةٍ َوخََل َ‬
‫ن نَفْسٍ وَا ِ‬
‫س اتّقُوا َر ّب ُكمُ اّلذِي خََل َق ُكمْ مِ ْ‬
‫"يَا َأ ّيهَا النّا ُ‬
‫َو ِنسَاءً" (‪ 4‬النساء‪) 1/‬‬
‫والمعنى‪ :‬خلق النفس‪ ،‬وخلق من النفس زوجها‪ ،‬وبث من النفس وزوجها رجال كثيرا ونساء‪.‬‬
‫والبث هو‪ :‬النشر والتفريق‪.‬‬

‫وفي تفسير القرطبي‪ ،‬جمع كل هذه القوال‪ ،‬وأضاف‪ :‬وقيل إن الذاريات هي النساء الولودات‪،‬‬
‫لن في ذرايتهن ذروالخلق‪ .‬لنهن يذرين الولد فصرن ذاريات‪ .‬وأقسم بهن لما في ترائبهن من‬
‫خيرة عباده الصالحين‪ .‬وخص النساء بذلك دون الرجال – وإن كان كل واحد منهما ذارياً –‬
‫لمرين‪:‬‬
‫الول لنهن أوعية دون الرجال‪ ،‬فلجتماع الذروين فيهن (يقصد أن الرجل يذرو المني‪ ،‬الذي‬
‫يجمع في رحم النثى)؛ خصصن بالذكر‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫والثاني أن الذرو فيهن أطول زماناً‪ ،‬وهن بالمباشرة ( للولد ) أقرب عهداً‪ .‬وقيل – وما زلنا‬
‫ننقل من القرطبى‪ :‬الحاملت من النساء إذا ثقلن بالحمل‪ .‬والوِقربكسرالواو‪ :‬ثقل الحِمل علي ظهر‬
‫أو في بطن‪ .‬يقال‪ :‬جاء يحملُ وِقره (أي جاء وهو يحمل حمله الثقيل)‪.‬‬

‫و في تف سيرالمام الفخرالرازي يقول‪ :‬الذار ية هي ال تي تذروا التراب عن و جه الرض‪ .‬أ ما‬


‫الحاملت وِقرا ف هي ال تي تج مع الجزاء من ال جو وتحمله حمل‪ ،‬فان التراب ل ترف عه الرياح‬
‫حَمل‪ ،‬بل تنقله من مو ضع‪ ،‬وترميه في مو ضع‪ ،‬بخلف السحاب فإ نه يحمله وينقله في الجو‬
‫حملً‪.‬‬
‫ويبدو أن المام الفخير الرازى يفرق بيين الهواء – وهيو الذي يحميل التراب – وبيين الرياح‬
‫التي تنقله من مكان إلي مكان‪ ،‬وربما غاب عنه أن الرياح هواء متحرك بسرعة كبيرة‪.‬‬

‫ويتساءل الرازي عن المنصوبات من حيث قواعد النحو فيقول‪ :‬أما ] ذروا [ فل شك في كونه‬
‫منصوبا علي أنه مصدر‪ .‬وأما (وقرا) فهو مفعول به‪ .‬كما يقال‪ :‬حمل فلن عدل ثقيل ( العدل‬
‫هو ن صف الح مل يكون علي أ حد ج نبي البعيرالحا مل له )‪ .‬ويحت مل أن يكون ا سما (أق يم مقام‬
‫الم صدر‪ ،‬ك ما يقال‪ :‬ضر به سوطا‪ .‬يؤيده قراءه من قرأ (وَقرا) بف تح الواو‪ .‬وأ ما] ي سرا[؛ ف هو‬
‫أيضا من صوب علي أ نه صفة م صدر‪ ،‬تقديره جريا ذا ي سر‪ .‬وأ ما (المق سمات أمرا) ف هو إ ما‬
‫مفعول به‪ ،‬كما يقال‪ :‬فلن قسم الرزق أوالمال‪ ،‬وإما حال أتي علي صورة المصدر‪ .‬كما يقال‪:‬‬
‫قتلته صبرا ( الصبر‪ :‬حبس النفس عن الجزع‪ .‬وقتله صبرا أي حبسه حتى مات)‪ ،‬كذلك هاهنا‬
‫(المقسيمات أمرا) أي مأمورة‪ .‬فإن قييل‪ :‬إن كان ( وقرا ) مفعول بيه‪ ،‬فلم لم يجميع وقال‪:‬‬
‫والحاملت أوقارا؟‪ ،‬والجابية أن ‪ :‬الحاملت علي ميا ذكرنيا صيفة الرياح وهيي تتوارد علي‬
‫وقر واحد ‪.‬‬
‫(إنميا توعدون لصيادق)‪( :‬ميا) يحتميل أن تكون مصيدرية معناه‪ :‬اليعاد صيادق‪ ،‬و(إن) تكون‬
‫موصولة ‪ ،‬أي إن الذي توعدون صادق ‪.‬‬

‫تفسيرنا لليات الكريمة‪:‬‬


‫ريَاتِ َذرْوًا " ( الواو) (‪ 51‬الذاريات‪)1/‬‬
‫" وَالذّا ِ‬
‫بدأت الية الكريمة بالواو‪.‬‬
‫وعمو ما فإن الواو في الل غة من حروف الع طف‪ .‬تج مع ب ين الشيئ ين المختلف ين‪ ،‬ول تقت ضي‬
‫الترت يب أو التعق يب‪ .‬كذلك فإن الواو‪ ،‬في أ صل ال ستعمال اللغوي‪ ،‬تكون للق سم إذا ت صدرت‬
‫الجملة‪ .‬وهي في هذه الية الكريمة كذلك‪ .‬والظاهر من الية‪ ،‬أن ال – سبحانه – وكأنه يقول‪:‬‬
‫أقسم بالذاريات ذروا‪ ،‬أن ما أعدكم به لصادق‪ ،‬وان الحساب لواقع‪.‬‬
‫وجمهور المفسرون علي‪ ،‬أن القسم فيه تعظيم للمقسم به‪ ،‬وفيه دللة التأكيد‪ .‬وفي هذه اليات‬
‫يكون التأك يد علي صدق ما وعدنا به – نحن الب شر‪ -‬على ل سان المرسلين من ال – تعالي–‬
‫بأن الدين‪ ،‬أو الحساب‪ ،‬علي ما كسبنا من أفعال في الحياة الدنيا؛ لواقع وحادث ول شك‪.‬‬

‫وحديثا رأت ب نت الشا طئ في تف سيرها البيا ني للقرآن الكر يم (‪ ،)9‬أن الق سم بالواو جاء علي‬
‫غير أصل وضعه اللغوي – أي لتعظيم المقسم به – بل جاء لملحظ بياني بلغي ‪ .‬تقول‪ :‬لو‬
‫خلينا فكرة التعظيم بالقسم جانبا‪ ،‬لبدا لنا بوضوح أن جو السورة ( تقصد سورة العاديات‪ ،‬وهي‬
‫شبيهة بالذاريات من حيث البناء اللغوى) ليوحى – من قريب أو بعيد– بشيء من بيان عظمة‬
‫الخيل وفوائدها‪ ،‬والحث علي التسابق إلي قنيتها‪ ،‬والغراء بفن السباق (هنا تعلق بنت الشاطئ‬
‫على ماذكره المام محمد عبده فى ذكر سبب القسم بالخيل‪ ،‬التى هى العاديات فى رأيهم)‪ ،‬إنما‬
‫هو مشهيد لغارة مفاجئة ت صبح القوم بغ تة علي غ ير انتظار ( صفحة ‪ .)106‬وتقول ‪ :‬والذي‬

‫‪13‬‬
‫اطمأننت إليه بعد طول تدبر وتأمل في السور المستهلة بهذه الواو‪ ،‬هو أن القسم بها يمكن أن‬
‫يكون‪ -‬وال أعلم‪ -‬قد خرج عن أ صل الو ضع اللغوي في الق سم للتعظ يم‪ ،‬إلي مع نى بيا نى‪،‬‬
‫علي نحو ما تخرج أساليب المر والنهي والستفهام عن أصل معناها الذي وضعت له لملحظ‬
‫بل غي‪ .‬فالواو في هذا ال سلوب تل فت لفتا قويا إلي ح سيات مدر كة لي ست مو ضع غرا بة أو‬
‫جدل‪ ،‬توطئة إيضاحية لبيان معنويات أو غيبيات ل تدرك بال حس‪ .‬وتستطرد الكاتبة في شرح‬
‫رأيها فتقول‪ :‬فالقسم بالواو‪ -‬غالبا‪ -‬أسلوب بلغي لبيان المعاني‪ ،‬بالمدركات الحسية‪ .‬وما يلمح‬
‫ف يه من العظام‪ ،‬إن ما يق صد به إلى قوة الل فت‪ .‬واختيار المق سم به ترا عي ف يه ال صفة ال تي‬
‫تناسب الموقف‪ .‬وحين نتتبع أقسام (جمع قسم‪ ،‬أي حلف) القرآن في مثل آية الضحى‪ ،‬نجدها‬
‫تأتي لفتة إلي صورة مادية مدركة‪ ،‬وواقع مشهود ( تقصد وقت الضحى في صدرالنهارالذي‬
‫يتكرر كل يوم) توطئة بيانية لصورة أخرى معنوية مماثلة‪ ،‬غير مشهورة ول مدركة ( تقصد‬
‫الهدي وال حق من ناح ية‪ ،‬والضلل والبا طل في الناح ية الخرى‪ ،‬ك ما سيأتي ) ‪ ،‬يماري في ها‬
‫من يماري‪ .‬وت صل الكات بة الفاضلة إلي نتي جة تأمل ها في اليات ال تي ورد في ها الق سم بالواو‬
‫( ومنهيا آيية الذاريات ) فتقول‪ :‬فالقرآن الكرييم فيي قسيمه بالصيبح إذا أسيفر‪ ،‬وإذا تنفيس‪،‬‬
‫والنهارإذا تجلي‪ ،‬والليل إذا عسعس‪ ،‬وإذا يغشى ‪ ،‬وإذ أدبر‪ ،‬يجلو معاني من الهدي والحق‪ ،‬أو‬
‫الضلل والبا طل‪ ،‬بماديات من النور والظل مة‪ .‬وهذا البيان للمعنوي بالح سي ‪ ،‬هو الذي يم كن‬
‫أن نعرضه علي أقسام القرآن بالواو‪ ،‬فتقبلها دون تكلف أو قسر في التأويل ( ‪ 9‬صفحة ‪26،2‬‬
‫‪.) 5‬‬

‫وعندى فإن هذا الكلم غير صحيح‪ .‬فالقسم بالواو الذى ورد فى صدر اليات هو للتعظيم‪ .‬ول‬
‫مانيع ان يكون اللفيت بقوة؛ نظرا لعظمتيه‪ ،‬وأهميتيه للبشير‪ .‬ولو تتبعنيا اليات التيى تبدأ بواو‬
‫الق سم [ يم كن تتبع ها ودرا ستها من الدل يل الكا مل ليات القرآن الكر يم ] لوجد نا ان هذا الراى‬
‫ليصمد فى كثير من الحيان‪ ،‬وسوف يبدو ذلك واضحا من بعض المثلة التى سنضربها بعد‬
‫قليل ‪.‬‬
‫كذلك يمكن دراسة هذه اليات‪ ،‬المبتدأة بواو القسم‪ ،‬في كتيب "القسم في القرآن الكريم" (‪.)12‬‬
‫وفيه استخرج المؤلف أقسام القرآن‪ .‬وجعلها في بابين رئيسيين‪ :‬باب لستعراض المقسم به‪،‬‬
‫وذكير فيي هذا الباب‪ :‬الذات العليية‪ ،‬والرسيول‪ ،‬والقرآن‪ ،‬والملئكية‪ ،‬ثيم الظواهرالكونيية‪ ،‬ثيم‬
‫الن فس والقلم والخ يل‪( ،‬يق صد بالخ يل ه نا‪ ،‬العاديات‪ ،‬وهذا هو التف سير الشائع ل ها)‪ ،‬والما كن‬
‫المقدسية‪ .‬وفيي الباب الثانيي‪ :‬اسيتعرض المقسيم علييه مين أصيول اليمان‪ ،‬ثيم أحوال الناس‬
‫والنسان‪ ،‬ثم المعاد‪ ،‬بما فيه من بعث وحساب وجزاء‪.‬‬

‫وللمؤلف رأي جدير بالذكر‪ ،‬عن حكمة القسم فى القرآن‪ .‬وننقل من مقدمة الكتيب ما يلي‪:‬‬
‫و قد يقال‪ :‬ما الحك مة في ق سم ال تعالي المتكرر في القرآن‪ ،‬و هو ان كان لقناع المؤ من ف هو‬
‫مقتنع بكلم ربه ول يحتاج إليه‪ ،‬وان كان لقناع الكافر فهول يقتنع به ‪ ،‬لنه مكذب ( أصلً )‬
‫لكل ما يسمعه من القرآن ‪ ،‬فما الحكمة إذن في القسم القرآني؟‬
‫ولعل خير جواب – يجيب الكاتب – إن العرب كانوا يكثرون من القسم علي كلمهم‪ ،‬والقرآن‬
‫نزل بلغتهم‪ ،‬فأكثر ال من استخدام القسم في كلمه تأكيدا له مجاراة لهم‪ .‬وقد يقال أيضا لماذا‬
‫لم يكتيف ال فيي القرآن بقسيمه بنفسيه ‪ ،‬واقسيم مرارا بمخلوقاتيه؟ والجواب‪ :‬أن العرب كانوا‬
‫يعظمون تلك المخلوقات ويقسمون بها فحاكاهم القرآن في ذلك للفت العرب إليها‪ ،‬والدللة علي‬
‫قدرته العظمي في خلقها وصنعها وما سخرها له‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫عودة إلي رأي ب نت الشا طئ عن مغزى ا ستعمال واو الق سم في القرآن‪ ،‬و هو أن الق سم بالواو‬
‫يمكن أن يكون قد خرج عن أصل الوضع اللغوي للتعظيم‪ ،‬إلي معنى بياني‪ ،‬يأتي لبيان معنى‬
‫معنويا‪ ،‬للفت انتباه النسان لصورة مادية‪ ،‬يلمسها ويراها ويحسها بحواسه‪.‬‬
‫وفي هذا المقام نقول‪ :‬لوعرضنا هذا الرأي علي آيات كثيرة‪ ،‬تبدأ بواو القسم لما قبلته‪.‬‬
‫ولنأخذ بعض المثلة‪:‬‬
‫في سورة التين الكريمة يقسم العزيز الحكيم بالتين والزيتون فيقول‪ ،‬سبحانه‪:‬‬
‫ن تَقْوِي مٍ* ثُمّ‬
‫ن فِي َأحْ سَ ِ‬
‫"وَالتّي نِ وَال ّزيْتُو نِ* َوطُورِ سِينِينَ* وَ َهذَا ا ْلبََلدِ ا ْلَأمِي نِ* لَ َقدْ خَلَقْنَا ا ْلإِن سَا َ‬
‫ردَ ْدنَا ُه َأسْفَلَ سَافِلِينَ" (‪ 95‬التين‪)5 -1/‬‬
‫َ‬
‫المق سم به ه نا هو الت ين والزيتون‪ ،‬وطور سينين‪ ،‬والبلد الم ين‪ ،‬وكل ها أشياء نلم سها‪ ،‬ونرا ها‬
‫ونعرفها كامل المعرفة‪ .‬والمقسم عليه هو الحقيقة التي تقول‪ :‬ان ال قد خلق النسان في أحسن‬
‫تقويم‪ .‬وهذه الحقيقة أيضا نراها ونلمسها ول يماري فيها أحد‪ .‬فالنسان نراه أفضل المخلوقات‬
‫على الرض تقويما‪ ،‬وهوأعلهم درجة في الفكر والعلم‪ .‬وبالتالي ل نري في مثل هذه اليات‬
‫صورة معنوية ل نستطيع إدراكها‪ ،‬أو تخفي علي أي متأمل في الخلق‪.‬‬

‫مثال آخر‪ :‬عندما يقسم العلي القدير بالسماء ذات الحبك‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫"وال سماء ذات الح بك * إن كم ل في قول مختلف"‪ ،‬فأ ين هي الح بك ال تي نرا ها‪ ،‬أو نلم سها‪ ،‬أو‬
‫حتى ندركها‪ ،‬أونعلم عنها؟ وما هي بالضبط الصورة المعنوية التي يريد الخالق – عز وجل –‬
‫أن يصورها؟ فالية الكريمة تتحدث عن قول مُختلف فيه عند البشر‪ ،‬فيما يخص يوم الدين‪.‬‬
‫فمن قائل‪ :‬انه آت لمحالة‪ ،‬وآخر ينكره تماما‪ .‬وهذا الختلف موجود ايضا بين علماء الفلك‪،‬‬
‫ح تى يوم نا هذا‪ .‬فمن هم قائل أن وحدات الكون – م ثل المجرات‪ -‬تتبا عد عن بعض ها الب عض‪،‬‬
‫وان الكون سوف يت سع إلي ما ل نها ية‪ .‬والب عض ال خر يقول‪ :‬إن الح سابات الفلك ية تؤ كد أن‬
‫فيي الكون مادة ل نراهيا (يسيمونها المادة السيوداء)‪ .‬هذه المادة لهيا جاذبيية كيبيرة‪ ،‬وذات يوم‬
‫سوف تجذب وحدات الكون‪ -‬بعد ان تتغلب على القوى التي تسبب تباعد الجرام السماوية عن‬
‫بعضهيا‪ -‬وتضطرهيا إلي الندماج مرة أخرى‪ .‬وان ذلك سيوف يعييد مادة الكون المنظور‬
‫(السماوات والرض) إلي ما كانت عليه قبل النفطار‪.‬‬

‫ونستعرض مثال آخر‪ ،‬ففي سورة الشمس يقول العلي القدير‪:‬‬


‫سمَاء َومَا‬ ‫ل ِإذَا َي ْغشَاهَا * وَال ّ‬ ‫ضحَاهَا * وَالْ َق َمرِ ِإذَا تَلَاهَا * وَال ّنهَارِ ِإذَا جَلّاهَا * وَالّليْ ِ‬
‫شمْسِ َو ُ‬ ‫"وَال ّ‬
‫ح مَن‬ ‫طحَاهَا * َونَفْ سٍ َومَا سَوّاهَا * َفأَلْ َه َمهَا فُجُورَهَا َوتَ ْقوَاهَا * َقدْ َأفْلَ َ‬ ‫َبنَاهَا * وَا ْلَأرْ ضِ َومَا َ‬
‫و َقدْ خَابَ مَن َدسّاهَا " (‪ 91‬الشمس‪)10 -1/‬‬ ‫َزكّاهَا * َ‬
‫وفي هذه اليات الكريمة‪ ،‬فإن ما أقسم به العزيز العليم غير واضح‪ .‬فأين هوالذى بني السماء؟‬
‫و ما الذى ط حا الرض؟ و ما الذى سوى الن فس؟ غموض ب عد غموض‪ ،‬بين ما يكون الوضوح‬
‫في المق سم عل يه‪ .‬الفلح ل من ز كى نف سة‪ ،‬والخي بة ل من د ساها‪ .‬تحذ ير وت نبيه وتعل يم من ال‬
‫تعالى‪.‬‬

‫ونجد أيضا صعوبة في إيجاد الصورة المعنوية في آيات القسم بالواو من مثل‪:‬‬
‫" يس * والقرآن الحكيم * انك لمن المرسلين " (‪ 36‬يس‪)3 -1/‬‬
‫فالقسم هنا بالقرآن الحكيم علي أن محمدا لمن المرسلين‪ ،‬فأين هي الصورة المعنوية في اليات‬
‫الكريمة؟ ومن مثل ذلك الكثير‪.‬‬

‫وفي تفسير بنت الشاطئ لليات الولي من سورة الليل ‪:‬‬


‫شتّى"(‪ 92‬الليل‪)4-1/‬‬
‫سعْ َي ُكمْ َل َ‬
‫ن َ‬
‫"وَالّليْلِ ِإذَا َي ْغشَى*وَال ّنهَارِ ِإذَا َتجَلّى* َومَا خََلقَ ال ّذ َكرَ وَا ْلأُنثَى* إِ ّ‬

‫‪15‬‬
‫تؤكد الكاتبة على وجهة نظرها‪ ،‬فتقول‪ " :‬لكن المفسرين لم يلتفتوا إلي احتمال أن يكون القسم‬
‫بالواو هنا‪ ،‬وفي نظائرها من اليات المستهلة بالواو‪ ،‬قد جاء علي غير استعماله اللغوي الول‬
‫شغِلوا بتأول‬ ‫لملحظ بياني‪ .‬وإنما هو عندهم جميعا علي أصله من العظام والتعظيم‪ .‬ومن ثم ُ‬
‫وجه العظمة في الليل والنهار‪ .‬وبعد أن تستعرض ما قاله بعض المفسرون في عظمة تعاقب‬
‫الل يل والنهار تقول‪ :‬وهذا الكلم في الم صلحة من تعا قب الل يل والنهار‪ ،‬هو من قب يل الحك مة‬
‫التي تتحقق في كل ما خلقه ال‪ ،‬وما من شيء خلق عبثا‪ .‬والقرآن حين يقصد إلي أن يلفت إلي‬
‫آيتي الليل والنهار‪ ،‬فإنه يجلو وجه هذه الحكمة بمثل آيات‪:‬‬
‫ضيَاء َأفَلَا‬‫غ ْيرُ اللّ ِه َي ْأتِيكُم ِب ِ‬‫س ْرمَدا إِلَى يَوْ ِم الْ ِقيَامَةِ َم نْ إَِل هٌ َ‬
‫جعَلَ اللّ هُ عََل ْيكُ مُ الّليْلَ َ‬ ‫ل َأرََأيْتُ مْ إِن َ‬‫"قُ ْ‬
‫غ ْيرُ اللّ ِه َي ْأتِيكُم‬
‫س ْرمَدا إِلَى يَوْ مِ الْ ِقيَامَ ِة مَ نْ إَِل هٌ َ‬‫ل اللّ هُ عََل ْيكُ مُ ال ّنهَارَ َ‬
‫جعَ َ‬
‫س َمعُونَ* قُلْ َأرََأ ْيتُ مْ إِن َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن فِيهِ َأفَلَا ُت ْبصِرُونَ " (‪ 28‬القصص‪)71،72/‬‬ ‫س ُكنُو َ‬
‫بَِليْلٍ َت ْ‬
‫ت لّقَ ْو ٍم َيسْ َمعُونَ"‬
‫ن آيَاتِهِ َمنَا ُمكُم بِالّليْلِ وَال ّنهَارِ وَا ْب ِتغَا ُؤكُم مّن َفضْلِهِ ِإنّ فِي ذَِلكَ لَآيَا ٍ‬ ‫" َومِ ْ‬
‫(‪ 30‬الروم‪)23/‬‬
‫جعَلَ ال ّنهَارَ ُنشُورا " (‪ 25‬الفرقان‪)47/‬‬
‫سبَاتا َو َ‬
‫ل ِلبَاسا وَالنّ ْومَ ُ‬
‫جعَلَ َل ُكمُ الّليْ َ‬
‫"وَهُ َو اّلذِي َ‬
‫صرَةً ِل َت ْب َتغُو ْا فَضْلً مّن ّر ّبكُ مْ‬
‫جعَ ْلنَا آيَ َة ال ّنهَارِ ُمبْ ِ‬
‫جعَ ْلنَا الّليْلَ وَال ّنهَا َر آ َي َتيْ نِ َف َمحَ ْونَا آيَ َة الّليْلِ َو َ‬
‫" َو َ‬
‫شيْءٍ َفصّ ْلنَاهُ تَ ْفصِيلً " (‪ 17‬السراء‪)12/‬‬ ‫حسَابَ َوكُلّ َ‬ ‫سنِينَ وَا ْل ِ‬ ‫ع َددَ ال ّ‬
‫وَِل َتعَْلمُواْ َ‬
‫ولييس علي هذا النحيو مين بيان الحكمية‪ ،‬تأتيي آيات القسيم بالواو باللييل وبالنهار التيي عنيي‬
‫المفسرون بتأويل ما في خلقهما من حكمة وما في تعاقبهما من مصلحة (‪ ،10‬ص ‪.)102 –100‬‬

‫ول نا أن ن سأل‪ :‬إن كل ش يء خل قه ال ‪ -‬تعالي‪ -‬تتح قق ف يه الحك مة‪ ،‬ف ما من ش يء خل قه ال‬


‫عبثا‪ ،‬فلماذا يختارالقرآن اشياءا بعينها ليقسم بها؟ أل يكون هناك ارادة للتمييز بين الشياء التي‬
‫خلقها‪ ،‬ومن ثم يريد – سبحانه‪ -‬أن يلفتنا الى أهميتها؟‬
‫وهناك ملح ظة نضيف ها و هي‪ :‬إن كث ير من اليات ال تي بدأت بواو الق سم كا نت للحد يث عن‬
‫عمليات الخلق‪ .‬أي التيي تصيف عمليات تكويين الكون والخلق‪ .‬وهيي تضاف إلي آيات القسيم‬
‫الخرى‪ ،‬والتي جاء القسم فيها بصيغ مختلفة‪ ،‬مثل" ل اقسم "‪.‬‬

‫ولنا أيضا أن نضيف‪ ،‬أن كل شيء خلق بحكمة وإتقان‪ ،‬ولحكمة وفائدة‪ ،‬فهو بالضرورة شيء‬
‫عظييم‪ .‬فلو علمنيا أن تعاقيب اللييل والنهار؛ ناشيئ عين دوران الرض حول محورهيا أمام‬
‫الش مس‪ ،‬أي إن كرة ضخ مة‪ ،‬تزن الملي ين من الطنان‪ ،‬معل قه في الفراغ‪ ،‬ل يحمل ها ش يء‬
‫ظاهير‪ ،‬تدور بسيرعة حول نفسيها‪ .‬وفيي نفيس الوقيت تدور حول كرة أخري متوقدة‪ ،‬تنفيث‬
‫حمم ها‪ ،‬وينطلق من ها الضوء با ستمرار‪ .‬ضياء ليغ يب ول ينق طع‪ ،‬بل ن حن الذ ين ند ير ل ها‬
‫ظهورنا؛ فيحل الظلم‪ .‬أليس فى كل هذا دللة قاطعة علي فعل عظيم عجيب‪ ،‬لخالق عظيم؟‬
‫ثم لنتفكر فى باقى الية‪" :‬وما خلق الذكر والنثى"‪ .‬هذا التنوع الذي ذكر في الية الكريمة بين‬
‫الزوجين الذكر والنثي‪ ،‬لهو شيء محير‪ .‬فالبرغم من أن الطين الذي خلق منه النسان واحد؛‬
‫إل ان النتيجة ذكر وأنثي‪ ،‬متشابهان في كثير من الصفات‪ ،‬ومختلفان في صفات أخرى كثيرة‪.‬‬
‫والحكمة من هذا التزاوج لماذا وكيف؟ ما زالت النسانية‪ ،‬علماؤها قبل بسطاؤها‪ ،‬يتعجب من‬
‫اسباب هذا الختلف‪ ،‬والقوانين والسنن اللهية المحكمة التى تؤدى اليه‪.‬‬

‫و ما نطمئن إل يه أن الق سم بالواو يحوى اشارة الى عظ مة المق سم به‪ ،‬ويحوى تأكيدا ل ما يق سم‬
‫عليه‪ .‬ولقد اختار العلي القدير هذا السلوب – أسلوب القسم – حتى يلفت انتباهنا وفكرنا بقوة‪،‬‬
‫إلي عظمة وأهمية ما يقسم به‪ .‬ولعل اليات الكريمة التالية تؤكد ما نذهب اليه ‪:‬‬
‫جرٍ"‬
‫حْ‬‫سمٌ ّلذِي ِ‬
‫ك قَ َ‬
‫ل فِي ذَِل َ‬
‫ل ِإذَا َيسْرِ* هَ ْ‬
‫شرٍ* وَالشّفْعِ وَالْ َو ْترِ* وَالّليْ ِ‬
‫عْ‬‫جرِ* وََليَالٍ َ‬
‫"وَالْ َف ْ‬
‫(‪ 89‬الفجر‪)5 –1/‬‬

‫‪16‬‬
‫عظِيمٌ* ِإنّ ُه لَ ُقرْآنٌ َكرِيمٌ* فِي ِكتَابٍ ّم ْكنُونٍ"‬
‫سمٌ لّوْ َتعَْلمُونَ َ‬
‫" فَلَا ُأ ْقسِمُ ِب َموَاقِعِ ال ّنجُومِ* وَِإنّ ُه لَ َق َ‬
‫(‪ 56‬الواقعة‪)78 –75/‬‬
‫إذا فهو قسم عظيم‪ .‬خالق عظيم يقسم بعظيم من صنعه‪ ،‬ليلفت انتباه كل من له عقل ليتفكر‪،‬‬
‫ويبني حضارة النسانية‪.‬‬
‫وبمناسيبة ذكير الحضارة‪ ،‬فلننظير كييف تيم بناء الحضارة السيلمية‪ .‬كان أول ميا بدأت؛‬
‫المربالقراءة "أقرأ‪ ،‬بسم ربك الذي خلق"‪ ،‬الوسيلة الهم للتعلم‪ .‬ثم جاء الدرس الثاني في سورة‬
‫القلم‪" ،‬ن* والقلم وما يسطرون"‪ .‬قسم بأداة الكتابة وتسجيل المعارف‪ ،‬وبما يسطر الساطرون‪.‬‬
‫وبذلك يقسيم العزييز الحكييم‪ ،‬أن رسيوله إلي البشريية لييس بمجنون‪ .‬والعقيل هيو أداة الوعيي‬
‫والستيعاب والفكر‪ ،‬ويؤكد له أن له أجرا غير ممنون‪ ،‬فيثبت بذلك فؤاده‪ ،‬ويقوي عزيمته‪ .‬ثم‬
‫يبين لماذا اختاره دونا عن باقي الخلق‪ ،‬فيقرر الساس الذي يجب أن يتمايز به البشر‪ ،‬أل وهو‬
‫الخلق العظيم‪ .‬فبقدر خلق الن سان يكون عمله‪ ،‬وتكون درج ته ع ند ال‪ .‬ولن محمد علي خلق‬
‫عظ يم؛ ف هو مؤ هل لحمل ر سالة ال إلي البشر ية‪ ،‬ر سالة اليمان والع قل والعلم‪ ،‬فيخرج ها من‬
‫ظلمة الجهالة إلي نورالمعرفة‪ .‬وعندما علم محمد ‪ -‬عليه الصلة والسلم‪ -‬أن الخالق العظيم‬
‫يق سم بالقلم‪ ،‬و ما ي سطرون‪ .‬علم أن القلم ‪ -‬و هو و سيلة الكتا بة والت سجيل‪ -‬عظ يم‪ ،‬و هو م هم‬
‫لتسيجيل العلوم ونقلهيا مين جييل إلي جييل‪ ،‬وبذلك يزداد علم النسيانية‪ ،‬وتتراكيم المعلومات‪،‬‬
‫وتزداد خبرة البشرية‪ ،‬ليعلوا ما بدأ بناءه الجداد‪ ،.‬وبهذا يتميز النسان علي الحيوان‪ .‬ومن ثم‬
‫أمر محمد بكتابة رسالة السماء‪ ،‬وأمر أل يكتب شيء عنه إل القرآن؛ حتي يميز بين كلمات‬
‫السيماء‪ ،‬وغيرهيا مين أقوال‪ .‬وهكذا فهيم الصيحابة هذه اللمحية؛ فمايزوا بيين القرآن وغيره‪،‬‬
‫وواصلوا حمل الرسالة – رسالة السماء – نقية صافية طاهرة‪ ،‬إلي من بعدهم من أجيال‪ ،‬حتى‬
‫وصلنا كتاب ال المكنون نقيا من كل شائبة‪.‬‬

‫ويجب علينا فى هذا المقام‪ ،‬أن نذكر‪ ،‬إن هذا هوالفرق الهم بين القرآن وغيره من كتب نسبت‬
‫الى ال سماء‪ .‬ل قد أو صل مح مد و صحبه القرآن إلي نا ك ما هو‪ ،‬بالر غم من إختلف هم في فه مه‬
‫وتأويله‪ ،‬وخاصة اليات العلمية فيه‪ ،‬حملوها إلينا كما هي‪ ،‬فلم يغيروا حرفا ولم يبدلوا كلمة‪.‬‬
‫ولقد غابت عنهم معاني بعض اليات‪( ،‬مثل اليات التي نحن بصدد تفسيرها " والذاريات ذروا‬
‫‪ ،)...‬إل أن ها ب ين أيدي نا ك ما نزلت‪ .‬الواو ك ما هي واو لم تغ ير‪ .‬والفاء ك ما هي فاء لم تبدل‪،‬‬
‫ولم تقلب واوا‪ ،‬بالرغم من تقارب استخدامهما في العطف‪ .‬وسيأتي أهمية استخدام الفاء‪ ،‬وليس‬
‫الواو‪ ،‬في " فالحاملت وقرا * فالجاريات يسرا * فالمقسمات أمرا " بعد قليل ‪.‬‬

‫إذا فالواو في "والذاريات ذروا " هي للق سم‪ .‬والق سم ه نا للتعظ يم‪ .‬والتعظ يم لل فت إنتباه الب شر‬
‫للتأمل في ماهية الذاريات وأهميتها في الكون‪ ،‬وإعّمالُ الفكر‪ ،‬في إيجاد معناها‪ .‬فالعلي القدير‬
‫ير يد أن يهتدي إل يه خل قه؛ فيعبدوه عن يق ين‪ ،‬وبأ سلوب أ صح ما يمكن هم‪ ،‬وبذلك يتح سن أداء‬
‫الخليقة‪ ،‬وتتحقق إرادة ال ‪ -‬سبحانه‪ -‬من خلقنا‪.‬‬
‫ن " (‪23‬المؤمنون‪)115/‬‬ ‫جعُو َ‬‫عبَثا وََأ ّن ُكمْ إَِل ْينَا لَا ُت ْر َ‬
‫حسِ ْب ُتمْ َأ ّنمَا خَلَ ْقنَا ُكمْ َ‬
‫" َأ َف َ‬

‫***‬
‫"والذاريات ذروا" ( الذاريات) ‪:‬‬
‫الذاريات ج مع مؤ نث سالم‪ ،‬مفرده ذار ية‪ .‬والذار ية هي فاعلة تقوم بعمل ية ذرو‪ .‬والذرو‪ -‬بل‬
‫ه مز‪ -‬فى الل غة هو‪ :‬التفر قة ب ين الشيئ ين‪ .‬وم نه قوله تعالي( في آ ية مف صلة‪ ،‬شار حة) "تذروه‬
‫الرياح"(‪18‬الكهف‪ .)45/‬وهذا من ذريت الحنطة‪ ،‬أي فرقت عنها التبن ( الفروق اللغوية )‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫و في ل سان العرب‪ :‬ذرا‪ :‬ذرت الر يح التراب‪ ،‬وغيره‪ ،‬تذروه وتذر يه ذروا‪ ،‬أي أطار ته و سفته‬
‫وأذهب ته‪ .‬وق يل حمل ته فأثار ته وأذر ته‪ .‬و في التنز يل "والذاريات ذروا "‪ .‬و في مو ضع آ خر"‬
‫تذروه الرياح"‪.‬‬
‫وفيي معجيم الفاظ القرآن الكرييم‪ :‬تذروه الرياح‪ :‬تطيير بيه وتبدده‪ .‬الذاريات‪ :‬الرياح تطيير‬
‫بالتراب‪ ،‬وتفرقه بددا‪ .‬وذروا ‪ :‬تفريقا وتبديدا‪.‬‬
‫وفي المعجم الوجيز‪ :‬ذرت الريح التراب ذروا وذريا‪ :‬اطارته وفرقته‪ .‬والذراوة ‪ :‬ما سقط من‬
‫الشيء المُذرى ( لثقله وعدم قدرة الرياح علي حمله )‪.‬‬

‫هذا معنى الذاريات فى معاجم اللغة‪ .‬أما فى القرآن فهى وحيدة الصيغة‪ ،‬وردت في هذه الية‬
‫فقط‪ .‬وجاءت بصيغة الفعل في الية ‪ 45‬من سورة الكهف‪:‬‬
‫ح َهشِيما‬
‫ض َفأَ صْبَ َ‬
‫ختَلَ طَ بِ هِ َنبَا تُ ا ْلَأرْ ِ‬
‫سمَاءِ فَا ْ‬
‫حيَا ِة ال ّد ْنيَا َكمَاء أَنزَ ْلنَا هُ مِ نَ ال ّ‬
‫ضرِ بْ َلهُم ّمثَلَ ا ْل َ‬‫"وَا ْ‬
‫شيْءٍ مّ ْق َتدِرا "‬ ‫ل َ‬ ‫ن اللّهُ عَلَى كُ ّ‬ ‫َتذْرُوهُ ال ّريَاحُ َوكَا َ‬
‫ومن هذه الية الكريمة نرى أن استخدام القرآن الكريم للكلمة؛ يتوافق تماما مع المعني الوارد‬
‫فيي معاجيم الل غة‪ .‬النبات يجيف ويتكسير‪ ،‬وي صبح هشيميا‪ ،‬وتأتيى الرياح تطيير به‪ ،‬وتفر قه‪،‬‬
‫وتبدده‪ ،‬وتفصل الهش الخفيف من الثقيل‪.‬‬

‫وعلى ذلك نطمئن إلي أن معنى الذاريات ( جمع ذارية ) الذي يقصده القرآنهو‪ :‬الذاريات هي‬
‫اشياء تقوم بعملية الذرو‪ ،‬أو بأسلوب آخر فاعلت للذرو‪ .‬وعملية الذرو هي‪ :‬أن تقوم الذارية؛‬
‫بتفر قة وتبد يد ون شر ش يء خف يف‪ ،‬عن آ خر ثق يل‪ ،‬تطيره‪ ،‬وتبدده‪ ،‬وتف صله عن الثق يل‪ .‬وهذه‬
‫العملية تشبه بالضبط ما يقوم به المزارع من ذرو الحنطة‪ .‬فبعد حصد نبات الرض‪ ،‬وتركه‬
‫ي جف‪ ،‬ثم يصبح هشيما‪ ،‬ثم تأتي الرياح لتفرق بين خفيفه وثقيله‪ .‬والهشيم هو النبات اليابس‬
‫المتكسر‪ ،‬والفتات المتكسر‪ .‬من هشمت الشيء‪ :‬أي فتته‪ ،‬ومنه هشيم الثريد ( أساس البلغة‪،‬‬
‫وعمدة الحفاظ)‪.‬‬
‫وجمع المؤنث السالم يجيئ للتعبير عن الكثرة‪ ،‬اي أن الذاريات يوجد منها الكثير‪.‬‬
‫ولقد جاء القرآن بالمصدر ذروا‪ ،‬في " والذاريات ذروا "‪ ،‬وفى هذا دليل واضح‪ ،‬علي أن فعل‬
‫الذرو فى هذه الحالة‪ ،‬هو علي وجه الحقيقة‪ ،‬وليس مجازا‪.‬‬
‫وعلى ذلك نستطيع القول‪ :‬إن الذاريات هى أشياء مخلوقة‪ ،‬تقوم بعملية ذرو حقيقية‪ ،‬فيها ينثر‪،‬‬
‫ويتبدد‪ ،‬ويتفرق‪ ،‬الخفيف عن الثقيل‪.‬‬
‫ويكون مع ني ال ية الكري مة وكأ نه – سبحانه – يقول‪ :‬أق سم بتلك المخلوقات المه مة ال تي تقوم‬
‫بعمليات ذرو حقيقية‪ ،‬وهي العملية التي تشبه ما تقوم به الرياح عند ذروها للهشيم‪.‬‬
‫وليس فى الية الكريمة ما يدل على أهمية الذاريات؛ إل ان العظيم – سبحانه‪ -‬قد أقسم بها‪.‬‬
‫***‬
‫" فالحاملت وقرا "(الفاء)‪:‬‬

‫العطف والربط بين اليتين الكريمتين بالفاء‪ ،‬الذاريات فالحاملت‪.‬‬


‫والفاء لها ثلث مواضع يعطف بها‪ ،‬ولها دللة الترتيب‪ ،‬والتعقيب‪ ،‬مع الشتراك‪ ،‬وفيها أيضا‬
‫ملحظ من السببية‪.‬‬
‫والسؤال لماذا العطف بالفاء في اليات الكريمة؟ وما فائدة ذلك ؟‬
‫لنرى بعض ما قاله المفسرون في هذا الشأن‪.‬‬
‫لم يتعرض القرطيبي فيي تفسييره لسيورة الذاريات لهذا السيؤال‪ .‬ولكين تعرض لقضيية الربيط‬
‫بالفاء في تفسيره لسورة الصافات‪ .‬وهى مماثلة من حيث البناء اللغوى للذاريات‪ .‬وننقل عنه ما‬
‫جاء في تفسير الية الكريمة‪ ":‬فالتاليات ذكرا "(‪ 37‬الصافات‪ ،)3/‬فقال‪:‬‬

‫‪18‬‬
‫التاليات‪ ،‬الملئكة في قول ابن عباس وابن مسعود وآخرين‪ ....،‬ويجوز أن يقال ليات القرآن‬
‫تاليات‪ ،‬لن بعيض الحروف يتبيع بعضيا‪ .‬وذكير الماوردي أن المراد بالتاليات النيبياء‪ ،‬يتلون‬
‫الذكرعلي أمم هم‪ .‬فإن ق يل‪ :‬ما ح كم الفاء إذا جاءت عاط فة في الصافات؟ قيل له‪ :‬إما أن تدل‬
‫علي‪:‬‬
‫‪ -‬ترتب معانيها في الوجود‪ ،‬كقول الشاعر ‪:‬‬
‫يا لهف زيابة للحارث الصابح فالغانم فاليب‪ ،‬كأنه قال ‪ :‬الذي صبح فغنم فآب ‪.‬‬
‫‪ -‬وإما على ترتبها في التفاوت من بعض الوجوه‪ ،‬كقولك‪ :‬خذ الفضل فالكمل‪ .‬وكذلك اعمل‬
‫الحسن فالجمل‪.‬‬
‫‪ -‬وإما على ترتيب موصوفاتها في ذلك كقوله‪ :‬رحم ال المحلقين فالمقصرين‪.‬‬
‫فعلى هذه القوانيين الثلثية ينسياق أمير الفاء العاطفية فيي الصيفات‪ ،‬قاله الزمخشري( تفسيير‬
‫القرطبي)‪.‬‬

‫وتكتب بنت الشاطئ في تفسير اليات الكريمة‪:‬‬


‫ضبْحًا* فَالْمُو ِريَا تِ َقدْحًا "(‪100‬العاديات‪ )1،2/‬فتقول‪ :‬وع طف الموريات قد حا علي‬
‫"وَا ْلعَا ِديَا تِ َ‬
‫العاديات صبحا بالفاء وفيها ملحظ السببية‪ ،‬لن اليراء أثر للعدو الشديد‪ ،‬ينقدح به الشرر من‬
‫حوا فر الخ يل ( ص ‪ .)106‬وتقول في تف سير"فأثرن به نق عا"‪ ،‬ر بط بالفاء أيضا‪ .‬ر بط آ ية "‬
‫فأثرن به نق عا " بالمغيرات صبحا ً‪ ،‬دللة علي الترت يب مع التعا قب‪ ،‬الملئم ل سرعة المو قف‬
‫وتلحق الحداث ( ص ‪.)108‬‬

‫وننقل أيضا ما كتبته بنت الشاطئ في تفسير سورة النازعات عن دللة الربط بالفاء في‪:‬‬
‫سبْقا* فَا ْلمُ َدّبرَاتِ َأمْرا"‬
‫سبْحا* فَالسّابِقَاتِ َ‬
‫ت َ‬
‫ت َنشْطا* وَالسّا ِبحَا ِ‬
‫غرْقا* وَالنّاشِطَا ِ‬
‫"وَالنّازِعَاتِ َ‬
‫(‪79‬النازعات‪)5 –1/‬‬
‫تقول‪ :‬وو قف ا بن حيان في آيات النازعات الخ مس الولي‪ ،‬ع ند الو صل بالواو مرت ين وبالفاء‬
‫مرتين‪ .‬ونص عبارته‪" :‬والذي يظهر أن ما عطف بالفاء‪ ،‬هم من وصف المقسم به قبل الفاء‪،‬‬
‫وأن المعطوف بالواو هو مغاير لما قبله‪ .‬علي أنه يحتمل أن يكون المعطوف بالواو من عطف‬
‫الصفات بعضها علي بعض‪ .‬وتستطرد الكاتبة القول‪ :‬ويظهر من صنيع المفسرين في توجيه‬
‫الصفات الربع‪ ،‬تبعا لما اختاروه في تأويل النازعات‪ ،‬الميل إلي اعتبار الربط بالواو أو بالفاء‬
‫من تتا بع ال صفات‪ :‬فالناشطات وال سابحات فال سابقات فالمدبرات ‪ ،‬كل ها أو صاف لمو صوف‬
‫واحد تعنيه " النازعات"‪.‬‬
‫وترى الكاتبية أن سيبق السيابقات‪ ،‬وتدبيير المدبرات‪ ،‬يرتبطان بسيبح السيابحات‪ ،‬ونشيط‬
‫الناشطات‪ ،‬وبالغراق في النزع‪ .‬علي و جه الترت يب والتعق يب الملحوظ ف يه ال سببية‪ .‬و هو ما‬
‫تقضي به طبيعة الستعمال اللغوي للفاء‪ .‬فإغراق الخيل في نزعها‪ ،‬ونشاطها المطلق‪ ،‬وسبحها‬
‫فيي الهواء يعقبيه ويترتيب علييه؛ أن تسيبق فتدبر أمرا جمعيت له قواهيا‪ .‬وعنيد الكاتبية أن‬
‫النازعات هى الخيل تنزع فى عدوها وتغرق فيه ( ص ‪.)128‬‬

‫ل قد تعمدت الطالة‪ ،‬والتكرار أحيا نا‪ ،‬في عرض ا ستخدام الفاء في الر بط ب ين الج مل‪ ،‬وذلك‬
‫لنستوثق لي سبب استخدم القرآن الفاء‪ .‬ونظن أن استخدام الفاء للعطف – فى الحقيقة – يؤكد‬
‫ما نذ هب ال يه‪ ،‬ويم نع جواز تف سير الذاريات بالرياح (إل من باب الت سهيل‪ ،‬والشرح ل ما تقوم‬
‫بيه) فالذاريات تبدد وتفرق‪ ،‬ول يترتيب على هذا التفرييق الحميل‪ ،‬فعطيف الحاملت على‬
‫الذاريات بالفاء يستدعي التعقيب‪ ،‬ول يكون الحمل ناتج عن تبديد وتفريق‪.‬‬
‫ولقد تتبعنا اليات التي بدأت بالفاء في القرآن‪ ،‬والتي عرضت في "الدليل الكامل ليات القرآن‬
‫الكر يم"(‪ ،)10‬فوجد نا أن ا ستعمال القرآن للفاء في الر بط ليخرج ع ما ق يل‪ .‬ووجد نا أيضا أن‬

‫‪19‬‬
‫المف سرين لم يختلفوا في ف هم ا ستخدام الفاء للعطف بدلً من الواو‪ ،‬ولم يتساءلوا لماذا ا ستخدام‬
‫القرآن الفاء فيي الربيط؛ إل عندميا حذف الموصيوف وصيرح بالفعيل‪ ،‬فيي السيور الخميس‬
‫المشهورة‪ ،‬نكتبها هنا بالترت يب الذي جاء به المصحف الشر يف‪ :‬الصافات (سورة رقم ‪،)37‬‬
‫الذاريات (‪ ،)51‬المرسلت (‪ ،)77‬النازعات (‪ ،)79‬ثم أخيرا العاديات (‪:)100‬‬
‫حدٌ " (‪ 37‬الصافات‪)4 –1/‬‬ ‫ت َزجْرا* فَالتّاِليَاتِ ِذكْرا* ِإنّ إَِل َه ُكمْ َلوَا ِ‬ ‫" وَالصّافّاتِ صَفّا* فَالزّاجِرَا ِ‬
‫ن َلصَا ِدقٌ"‬
‫عدُو َ‬
‫سمَاتِ َأمْرا* ِإ ّنمَا تُو َ‬ ‫ت ُيسْرا* فَا ْلمُ َق ّ‬
‫ت َذرْوا* فَا ْلحَامِلَاتِ ِوقْرا* فَا ْلجَارِيَا ِ‬
‫"وَالذّا ِريَا ِ‬
‫(‪ 51‬الذاريات‪)5 –1/‬‬
‫ت فَرْقا* فَا ْلمُلْ ِقيَا تِ ِذكْرا*‬
‫عرْفا* فَا ْلعَا صِفَاتِ عَ صْفا* وَالنّاشِرَا تِ َنشْرا* فَالْفَارِقَا ِ‬ ‫" وَا ْلمُرْ سَلَاتِ ُ‬
‫(‪ 77‬المرسلت‪)7–1/‬‬ ‫عدُونَ َلوَاقِعٌ "‬
‫عذْرا َأوْ ُنذْرا* ِإ ّنمَا تُو َ‬ ‫ُ‬
‫سبْقا* فَا ْلمُ َدّبرَاتِ َأمْرا"‬‫سبْحا* فَالسّابِقَاتِ َ‬ ‫ت َ‬‫ت َنشْطا* وَالسّا ِبحَا ِ‬ ‫غرْقا* وَالنّاشِطَا ِ‬ ‫"وَالنّازِعَاتِ َ‬
‫(‪79‬النازعات‪)5 –1/‬‬
‫جمْعا‬
‫سطْنَ بِهِ َ‬
‫ن بِ ِه نَقْعا * فَوَ َ‬
‫صبْحا * َفَأ َثرْ َ‬
‫ضبْحا * فَا ْلمُورِيَاتِ َقدْحا * فَا ْل ُمغِيرَاتِ ُ‬ ‫"وَا ْلعَا ِديَاتِ َ‬
‫(‪100‬العاديات‪)6 –1/‬‬ ‫ن ِل َربّهِ َل َكنُودٌ "‬
‫ن ا ْلإِنسَا َ‬
‫* إِ ّ‬

‫وباستثناء سورة النازعات‪ ،‬وهي الوحيدة التى حذف فيها جواب القسم؛ نرى ان السورالخري‬
‫ح ٌد " ‪" ،‬‬
‫قد صرحت بالمقسم عليه‪ ،‬وهو بالترتيب الذى جاءت به السور أعله‪" :‬إِنّ إَِل َهكُ مْ لَوَا ِ‬
‫عدُونَ َلوَاقِعٌ " ‪ " ،‬إِنّ ا ْلإِنسَانَ ِل َربّ ِه َل َكنُو ٌد "‪ .‬ونلحظ ايضا أنه‬
‫ق " ‪ِ " ،‬إ ّنمَا تُو َ‬ ‫ن لَصَادِ ٌ‬ ‫عدُو َ‬
‫ِإ ّنمَا تُو َ‬
‫في سورة ال صافات والذاريات والعاديات بدأ القرآن بواو الق سم‪ ،‬ثم ع طف ما بعده بالفاء‪ .‬أ ما‬
‫في سورة المرسلت فلقد بدأت بواو القسم " والمرسلت"‪ ،‬ثم عطف بالفاء " فالعاصفات"‪ ،‬ثم‬
‫عطيف بالواو " والناشرات "‪ ،‬ثيم عطيف بالفاء مرة اخرى " فالفارقات"‪ " ،‬فالملقيات"‪ .‬أميا فيي‬
‫سورة النازعات‪ ،‬فقد بدأ القرآن بواو القسم "والنازعات"‪ .‬ثم عطف بالواو أيضا " والناشطات"‪،‬‬
‫ثيم عطيف بالواو مرة أخرى " والسيابحات "‪ ،‬ثيم عطيف السيابقات والمدبرات بالفاء فقال‪":‬‬
‫* فَا ْل ُم َدبّرَاتِ َأمْرا"‪،‬‬
‫سبْقا ً‬
‫فَالسّابِقَاتِ َ‬
‫وكأنيه– سيبحانه وتعالى– يرييد أن يقول‪ :‬العطيف بالواو غيير العطيف بالفاء‪ ،‬وأنيه مقصيود‪،‬‬
‫ول يس سهوا‪ .‬وبالتالى فالجا بة عن ال سؤال‪ :‬لماذا الع طف بالفاء؟ هي‪ :‬الع طف بالفاء يقت ضي‬
‫الترتيب والتعقيب‪ ،‬وفي بعض الستعمالت يكون المعطوف سببا ونتيجة لفعل ما عطف عليه‪.‬‬

‫والتأمل في اليتين " وَالذّارِيَاتِ َذرْوا * فَا ْلحَامِلَاتِ ِوقْرا " يستدعي؛ مراجعة التفسير القائل بأن‬
‫الذاريات هي الرياح‪ .‬وأن الحاملت وقرا هي السحاب‪ .‬فالعطف بالفاء يقتضي التعقيب‪ -‬كما‬
‫ذ كر‪ ،‬وبالتالى فان "الحاملت وقراً" تع قب عمل ية الذرو ال تي تقوم ب ها الذاريات‪ ،‬ورب ما تكون‬
‫نتيجة لها‪ .‬والعلقة بين الرياح والسحاب والمطر؛ ليس فيها ذرو‪ .‬والقرآن يوضح بجلء هذه‬
‫العلقة فى اليات التالية‪:‬‬
‫ح َييْنَا بِ هِ ا ْلَأرْ ضَ َب ْعدَ مَ ْو ِتهَا َكذَلِ كَ‬
‫سحَابا فَ سُ ْقنَا ُه إِلَى بََلدٍ ّميّ تٍ َفَأ ْ‬ ‫ل الرّيَا حَ َف ُتثِيرُ َ‬
‫" وَاللّ هُ اّلذِي َأرْ سَ َ‬
‫ال ّنشُورُ " (‪ 35‬فاطر‪)9/‬‬
‫جعَلُ هُ كِ سَفا َف َترَى ا ْل َودْ قَ‬
‫سمَاء َكيْ فَ َيشَاءُ َو َي ْ‬ ‫سطُهُ فِي ال ّ‬ ‫سحَابا فَ َيبْ ُ‬
‫" اللّ هُ اّلذِي ُيرْ سِلُ ال ّريَا حَ َف ُتثِيرُ َ‬
‫س َت ْبشِرُونَ " (‪ 30‬الروم‪)48/‬‬ ‫عبَادِ ِه ِإذَا ُهمْ َي ْ‬
‫ن خِلَالِهِ َفِإذَا َأصَابَ بِ ِه مَن َيشَاءُ مِنْ ِ‬ ‫ج مِ ْ‬ ‫َيخْرُ ُ‬

‫خرُجُ ِمنْ خِلَاله"‬


‫جعَلُهُ ُركَاما َفتَرَى الْ َو ْدقَ َي ْ‬
‫سحَابا ُث ّم يُؤَّلفُ َب ْينَ ُه ُثمّ َي ْ‬
‫" أََلمْ َترَ َأنّ اللّهَ ُي ْزجِي َ‬
‫(‪ 24‬النور‪)43 /‬‬
‫ومن اليات أعله نستطيع أن نفهم‪ :‬أن ال تعالي يرسل رياحا فتثير سحابا وتحمله من مكان‬
‫الى آخر‪ ،‬وهي التي تدفع وتسوق السحاب برفق‪ ،‬ثم يؤلف بينه‪ ،‬ثم يجعله ركاما (والركام هو‬
‫ما يل قي بع ضه علي ب عض)‪ ،‬وب عد َتكَوّن الركام يخرج الودق‪ ،‬و هو الم طر‪ .‬ووا ضح ه نا أن‬

‫‪20‬‬
‫العلقة بين الرياح والسحاب هى حمل وبسط وتجميع وتأليف وتكثيف‪ ،‬وليس تبديد ونثر‪ ،‬كما‬
‫هيو حاصيل مين الذاريات‪ .‬إذا فلو كانيت الذاريات ذروا هيي الرياح‪ ،‬والحاملت وقرا هيي‬
‫السحب التي تحمل المطر؛ لما عطف القرآن بالفاء‪ .‬وربما كان من البلغ والنسب أن يعطف‬
‫بالواو‪ :‬والذاريات ذروا‪ ً،‬والحاملت وقرا‪.‬‬

‫والعطيف بالفاء يمنعنيا – ايضيا‪ -‬مين قبول تفسيير الذاريات بالنسياء يذريين الولد‪ ،‬فالحميل‬
‫للج نة يأ تي أول‪ .‬ولن الن ساء تح مل الجن ين؛ اذا يم كن ت سميتها بالحاملت وقرا‪ ،‬ثم يذرون‬
‫الولد ب عد ذلك ‪ ،‬ول يس الع كس‪ ،‬فلو كا نت الذاريات هي النسياء الحوا مل لق يل‪ :‬والحاملت‬
‫وقرا ‪ ،‬فالذاريات ذروا‪ .‬ولو سلمنا بأن القرآن يخصص كل لفظ لستخدام معين ل يحيد عنه‪،‬‬
‫وتأملنا القرآن عندما يريد التعبير عن حمل النساء ووضعهن للولد‪ ،‬نلحظ أن القرآن إستخدم‬
‫كلمة "الوضع" في حالة الولدة‪ ،‬وليس "الذرو" فقال سبحانه وتعالى‪:‬‬
‫عمّا‬ ‫ضعَةٍ َ‬ ‫ل كُلّ ُمرْ ِ‬ ‫عظِي مٌ * يَوْ مَ َترَ ْو َنهَا َتذْهَ ُ‬ ‫شيْءٌ َ‬ ‫س اتّقُوا َربّكُ مْ إِنّ زَ ْلزَلَةَ ال سّاعَ ِة َ‬ ‫"يَا َأ ّيهَا النّا ُ‬
‫عذَا بَ اللّ هِ‬ ‫سكَارَى وََل ِكنّ َ‬ ‫سكَارَى َومَا هُ مْ بِ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫حمَْلهَا َو َترَى النّا َ‬ ‫ل َ‬ ‫حمْ ٍ‬
‫ضعَ تْ َو َتضَ عُ كُلّ ذَا تِ َ‬ ‫َأرْ َ‬
‫شدِيدٌ" (‪22‬الحج‪)2،1/‬‬ ‫َ‬
‫وواضح ان الحديث هنا يشمل النساء‪ ،‬فهن يرضعن أولدهن وهن من ذوات الحمال‪ .‬وجاء‬
‫في القرآن أيضا‪:‬‬
‫ن وَأُولَاتُ‬ ‫حضْ َ‬ ‫ش ُهرٍ وَاللّائِي لَمْ َي ِ‬ ‫ن ا ْل َمحِيضِ مِنْ نِسَا ِئ ُكمْ إِنِ ا ْر َت ْبتُمْ َف ِع ّد ُتهُنّ ثَلَاثَةُ َأ ْ‬ ‫ن مِ َ‬‫"وَاللّائِي َيئِسْ َ‬
‫ن َأ ْمرِ ِه يُ سْرًا * ذَلِ كَ َأ ْمرُ اللّ هِ َأ ْنزَلَ هُ‬ ‫جعَلْ َل ُه مِ ْ‬ ‫ن َيتّ قِ اللّ َه َي ْ‬ ‫حمَْلهُنّ َومَ ْ‬ ‫ضعْ نَ َ‬‫حمَالِ َأجَُلهُنّ أَ نْ َي َ‬ ‫ا ْلَأ ْ‬
‫ج ِدكُ مْ‬ ‫سكَ ْن ُتمْ مِ نْ ُو ْ‬‫حيْ ثُ َ‬ ‫ن مِ نْ َ‬ ‫س ِكنُوهُ ّ‬‫جرًا * أَ ْ‬ ‫س ّيئَاتِهِ َو ُي ْعظِ مْ لَ هُ َأ ْ‬ ‫ع ْن ُه َ‬
‫ن َيتّ قِ اللّ َه ُيكَ ّفرْ َ‬
‫إَِل ْيكُ مْ َومَ ْ‬
‫حمَْلهُنّ َفإِ نْ‬ ‫حتّ ى َيضَعْ نَ َ‬ ‫حمْلٍ َفَأنْفِقُوا عََل ْيهِنّ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ن كُنّ أُولَا ِ‬ ‫ضيّقُوا عََل ْيهِنّ وَِإ ْ‬ ‫وَلَا تُضَارّوهُنّ ِلُت َ‬
‫س ُترْضِعُ َل ُه ُأخْرَى "‬ ‫ن َتعَاسَ ْر ُتمْ فَ َ‬ ‫ن َل ُكمْ َفآَتُو ُهنّ ُأجُورَهُنّ وَ ْأ َت ِمرُوا َب ْي َن ُكمْ ِب َمعْرُوفٍ وَإِ ْ‬ ‫ضعْ َ‬
‫َأرْ َ‬
‫(‪65‬الطلق‪)6 –4/‬‬
‫وهذه الية شديدة الوضوح والتحديد‪ ،‬ول يوجد موضع في القرآن يستخدم ذاريات أو حمالت‬
‫الو قر ليدلل على الن ساء‪ .‬وهذا يجلع نا نطمئن لقول‪ :‬إن الذاريات لي ست هى الن ساء يقي نا‪ .‬ول‬
‫ي جب ان نن سى ان القرآن قد ا ستخدم ل فظ (ال بث من الن فس وزوج ها) ليدلل على عمل ية الن شر‬
‫والتفرق ( من زوج ين الى كث ير) عن طر يق التكا ثر والتوالد‪ ،‬ب ما في ها من إخ صاب بإجتماع‬
‫المائين‪ ،‬ثم حمل النثى‪ ،‬ثم الولدة‪ ،‬كما ذكرنا اعله‪.‬‬

‫ونعود للتأميل فيي آيات السيور الخميس‪ :‬الصيافات‪ ،‬والذاريات‪ ،‬والمرسيلت‪ ،‬والنازعات‪،‬‬
‫والعاديات‪ ،‬فيهيا يذكرال تعالي مخلوقات له تقوم بأفعال معينية‪ ،‬ويسيميها بفاعلت‪ ،‬تفعيل كذا‪،‬‬
‫ويذكر فعلها‪.‬‬
‫الصافات التى تصف‪،‬‬
‫الذاريات التى تذروا‪،‬‬
‫النازعات التى تنزع‪،‬‬
‫العاديات التى تعدو‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وبسبب حذف اسم الفاعل‪ ،‬والستغناءعنه‪ ،‬مع ذكر الفعل الذى يقوم به في هذه السور؛ تعددت‬
‫القوال‪ ،‬في معانيها‪ .‬كما هو الحال في تفسير الذاريات والنازعات والعاديات‪.‬‬
‫وال سؤال المشروع للمتدبر فى آيات ال هو‪ :‬لماذا ح جب ال ‪ -‬سبحانه وتعالي – ا سمها؟ فلم‬
‫يذكير ماهيي الذاريات‪ ،‬وميا الذى تذروه؟ وميا هيي النازعات‪ ،‬وميا الذى تنزعيه؟ وميا هيى‬
‫العاديات‪ ،‬وكيف ولماذا تعدوا؟ ويمكن أن نسأل أيضا وهل يريد لنا ال العنت فى فهم رسالته‬
‫الهادية‪ ،‬ام ان هناك سببا آخر؟ والجابة عندى سهلة يسيرة ‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ل قد حذف ال المو صوف لن الن سانية‪ ،‬ب ما في هم العرب بالط بع‪ ،‬لم يتعارفوا على ا سم ل ها‪،‬‬
‫وقت نزول القرآن‪ .‬وبالتالي اختار ال أن يذكر فعلها‪ .‬ومما لشك فيه أن الفعل الواحد؛ يمكن‬
‫أن يقوم بيه الكثيير مين الفاعليين‪ ،‬فالشميس تجري‪ ،‬والولد يجري‪ ،‬والنهار تجري‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫والمعروف أيضيا أن اللغات تتطور‪ ،‬وتزداد مفرداتهيا‪ ،‬ميع مرور الوقيت؛ بإزدياد معارف‬
‫البشر‪ .‬ول تستطيع لغة‪ ،‬مهما بلغ غناها‪ ،‬أن تحيط بوصف كل شيء‪ ،‬في هذا الكون الفسيح‪،‬‬
‫المل يء بالسيرار‪ .‬والمعروف أيضيا أن الل غة هي وعاء الف كر‪ ،‬فإن غاب الف كر إنعد مت‪ ،‬أو‬
‫شحت اللغة‪ .‬و بتعبير آخر لو غابت المعرفة؛ غابت السماء والمصطلحات‪ .‬ومن السهل علينا‬
‫– نحين ابناء العصير الحالى‪ -‬تفهّيم هذه المشكلة‪ .‬فمنيذ أن حدثيت الثورة العلميية‪ ،‬وزادت‬
‫الكتشافات؛ ظهرت مشكلة تسمية الشياء‪ ،‬التي تكتشفها البشرية يوما بعد يوم‪ ،‬وما زلنا نعاني‬
‫من هذه المشكلة إلى يومنا هذا‪ .‬وستظل هذه المشكلة قائمة؛ طالما استمر النسان في اكتشاف‬
‫الجد يد‪ .‬والكون مليءبالبداع اللهي‪ ،‬وما نعر فه أ قل كثيرا مما نج هل‪ .‬هو قطرة من مح يط‪.‬‬
‫والقرآن كلم ال – سبحانه وتعالي‪ -‬أراد به هداية البشر‪ ،‬ولكن كيف تتم الهداية؟‬
‫انها ل تتم ال بالتعليم‪،‬‬
‫أول بتصحيح أخطائهم المعرفية التي تراكمت‪ ،‬وتوارثها جيل بعد جيل‪،‬‬
‫وثانيا بتعليمهم ما ليعلمون‪.‬‬
‫وبذلك يدلهيم على الطرييق القوييم للحياة‪ ،‬فيي هذه الحياة الدنييا‪ .‬اسيتعدادا للحياة الخرة التيي‬
‫تنتظرهم بعد الموت‪ .‬لذا كان حتما عليه ‪ -‬سبحانه وتعالى‪ -‬أن يستخدم أسلوبا جديدا‪ ،‬ليسوق‬
‫إلينا معلومة جديدة‪ ،‬ل نعلمها وقت نزول القرآن‪ .‬وهذا السلوب نتصوره كما يلي‪:‬‬
‫أقسم – جل وعل‪ -‬بالذاريات‪ ،‬وبذا علمنا أنها أشياء عظيمة مهمة‪ .‬ثم أخبرنا‪ -‬سبحانه‪ -‬بما‬
‫تقوم به من ف عل يدلل علي ها‪ ،‬فالذاريات تقوم بعمل ية الذرو‪ .‬واختار – سبحانه‪ -‬ج مع المؤ نث‬
‫السالم‪ ،‬وليس جمع التكسير‪ ،‬مما يدل على التعدد والكثرة‪ .‬أو بأسلوب آخر إنها ليست ظاهرة‬
‫فريدة بل متكررة‪ ،‬و سوف نذ كر ذلك مرة أخرى عند ما ند قق في مع نى الجاريات لح قا‪ .‬ثم‬
‫جاء بالمصدر( ذروا)؛ حتي نعلم أن الذروعلى وجه الحقيقة‪ ،‬وليس مجازا‪ .‬والمجاز– كما هو‬
‫معلوم‪ -‬منت شر في الل غة العرب ية و في القرآن‪ .‬ثم ذكرا سما آ خر" الحاملت وقرا "‪ ،‬وع طف‬
‫الثانيية على الولى بالفاء‪ ،‬فاقتضيي التعقييب‪ ،‬ومين ذلك علينيا أن نفهيم أن الحاملت تعقيب‬
‫الذاريات‪ ،‬أو نتي جة لها‪ .‬وبهذا السلوب يحمل القرآن في ثناياه المعرفة‪ .‬لكنها معرفة تستلزم‬
‫إعّمال الع قل والف كر ل ستنباطها‪ .‬ول قد زود نا ال بالقدرة عليه ما‪ .‬أو بالحرى خ صنا – ن حن‬
‫البشر – بدرجة كافية من العقل ‪ ،‬والقدرة على الفكر‪ ،‬وأوجب علينا استعمالهما‪ ،‬دون الكثير‬
‫من خلقه‪:‬‬
‫سدُ فِيهَا َويَ سْ ِفكُ‬ ‫جعَلُ فِيهَا مَ نْ يُفْ ِ‬ ‫علٌ فِي ا ْلَأرْ ضِ خَلِي َفةً قَالُوا َأ َت ْ‬ ‫"وَِإذْ قَالَ َربّ كَ لِ ْلمَلَا ِئكَ ِة ِإنّ ي جَا ِ‬
‫سمَاءَ كُّلهَا ُثمّ‬ ‫ح ْمدِ كَ َونُ َقدّ سُ لَ كَ قَالَ ِإنّي أَعْلَ ُم مَا لَا َتعَْلمُو نَ * وَعَلّ مَ َآدَ َم ا ْلأَ ْ‬ ‫سبّحُ ِب َ‬‫ن نُ َ‬
‫حُ‬ ‫ال ّدمَاءَ َو َن ْ‬
‫س ْبحَا َنكَ لَا عِلْ مَ َلنَا‬ ‫ن * قَالُوا ُ‬ ‫ن ُك ْنتُ مْ صَا ِدقِي َ‬ ‫ل َأ ْن ِبئُونِي ِبأَ سْمَا ِء هَؤُلَا ِء إِ ْ‬‫ضهُ مْ عَلَى ا ْلمَلَا ِئكَةِ فَقَا َ‬ ‫ع َر َ‬‫َ‬
‫سمَا ِئ ِهمْ قَالَ أَلَ مْ‬
‫سمَا ِئ ِهمْ فََلمّا َأ ْن َبأَهُ مْ ِبأَ ْ‬
‫حكِي مُ * قَالَ يَا َآدَ مُ َأ ْن ِب ْئهُ ْم ِبأَ ْ‬
‫ت ا ْلعَلِي مُ ا ْل َ‬
‫إِلّا مَا عَّل ْم َتنَا ِإنّ كَ َأنْ َ‬
‫سمَاوَاتِ وَا ْلَأرْضِ وَأَعَْلمُ مَا ُت ْبدُونَ َومَا ُك ْن ُتمْ َت ْك ُتمُونَ"‬ ‫ب ال ّ‬ ‫غيْ َ‬‫َأقُلْ َل ُكمْ ِإنّي أَعَْلمُ َ‬
‫(‪2‬البقرة‪)33 – 31/‬‬
‫ومن هذه اليات الكريمة نستطيع أن نستنبط الفرق بين علم ال الذي استودعه الملئكة ( يقول‬
‫ال صوليون أن علم الملئ كة علم توقي في‪ ،‬بمع نى أن هم يفعلون ما يؤمرون‪ ،‬فح سب)‪ ،‬وعلم ال‬
‫الذي استودعه آدم وبنيه‪ .‬فآدام وبنيه أودع ال فيهم القدرة على الملحظة‪ ،‬والفكر‪ ،‬والستنباط‪.‬‬
‫بينميا علم الملئكية سينن ال الدقيقية الصيارمة( ميا شاع اسيمه بيننيا‪ ،‬نحين البشير‪ ،‬بقوانيين‬
‫الطبيعة)‪ .‬وعلى الملئكة اتباعها‪ ،‬فحسب‪.‬‬

‫وظيفةالدين ووظيفة العقل‪:‬‬

‫‪22‬‬
‫وهنا تبرز أسئلة بالغة الهمية‪ ،‬هي‪ :‬هل يمكن الستغناء بالعلم عن القرآن‪ ،‬الذى يمثل الهداية‬
‫ال سماوية؟ أويم كن أن ي ستغنى بالقرآن عن العلم؟ ثم ما هي العل قة ب ين الثن ين؟ و هل من هج‬
‫الد ين‪ -‬الذى يلح فى طلب اليمان بالغ يب‪ -‬فى عداء مع من هج العلم الذى يلح ‪ -‬من ناحي ته‪-‬‬
‫فى طلب الحقائق والبراه ين الملمو سة؟ أو بأ سلوب آ خر‪ ،‬هل من هج العلم في خ صام وشقاق‬
‫وتعارض مع منهج الدين؟‬
‫هذه السئلة فى غاية التعقيد‪ ،‬لكنها فى نفس الوقت فى غاية الهمية‪ .‬الجابة عليها‪ ،‬والفصل‬
‫فيها؛ تحتاج إلى بحوث أخرى‪ ،‬إل أننا سنكتفي فى مقامنا هذا بإجابة ملخصة وجيزة‪.‬‬
‫مثل هذه السئلة؛ تُبرزقضية شديدة الخطورة للبشرية عامة‪ .‬القضية نتجت من الفهم الخاطئ‪،‬‬
‫لكل من وظيفة الدين‪ ،‬ووظيفة العقل‪ .‬وزاد الطين بلة؛ استغلل بعض – نقول بعض ‪ -‬رجال‬
‫الدين؛ للدين‪ .‬فعندما حدثت الثورة العلمية الخيرة في أوروبا‪ ،‬تصادمت الحقائق العلمية‪ ،‬مع‬
‫تفا سير ك تب قد مت للناس علي أن ها من ال ‪ -‬سبحانه وتعالي‪ ،‬وبالتالي قُد ست‪ .‬فل ما و ضح‪،‬‬
‫وتأكيد التعارض بيين العلم والمقدس؛ كفير الناس– على حيق‪ -‬بميا اعتقدوا لقرون عديدة أنيه‬
‫مقدس‪ ،‬وأحس البشر انهم قد خدعوا‪ .‬خدعهم الذين سيطروا على عقولهم‪ ،‬وقادوهم كالنعام‪،‬‬
‫وا ستغلوهم با سم غ يبيات لتزن فى العلم جناح بعو ضة‪ ،‬ول ت صمد أمام الع قل لح ظة واحدة‪،‬‬
‫وباعوا لهم السراب باسم دين ال‪ ،‬وادعوا أنهم هم الموقعون عن ال سبحانه وتعالى‪ ،‬وأنهم هم‬
‫المتحدثون الرسيميون باسيم السيماء‪ .‬ومين اجيل التحرر مين هؤلء الفاقيين‪ ،‬وسييطرتهم‪،‬‬
‫وا ستغللهم؛ اخرج الناس الد ين من حيات هم‪ ،‬وظاهروا علي إخرا جه ‪ ،‬واكتفوا بالعلم ‪ ،‬ليكون‬
‫هاديهم الول‪ .‬ولكن– للسف‪ -‬لم يجبهم العلم‪ ،‬في مراحله البدائية؛ علي أسئلة شديدة الهمية‬
‫بالنسيبة للوجود النسياني‪ .‬وبالتالي فقدت مراكيب البشريية‪ ،‬مناراتهيا الهاديية‪ ،‬وهيي تسييرفي‬
‫شمَائِِل ِهمْ"‬
‫ن َ‬‫عنْ َأ ْيمَا ِن ِهمْ َوعَ ْ‬‫ن َبيْنِ َأ ْيدِي ِهمْ َو ِمنْ خَلْ ِف ِهمْ وَ َ‬
‫بحرلُجيّ من الشهوات‪ ،‬وأتاهم الشيطان "مِ ْ‬
‫وداهمهم الموج من كل جانب‪ .‬هنالك ظهرت الحاجة إلي الهداية اللهية‪ .‬وكان من فضل ال‬
‫– تعالي – علي البشر‪ ،‬أن حفظ لهم كتابه الخ ير إلي هم‪ .‬فحُفظت رسالة السماء نق ية طاهرة‪،‬‬
‫تهدي من آمن بها‪ ،‬ولجأ إليها‪ ،‬وارتقي بفكره ليتواصل مع فكرها‪.‬‬
‫وربما يبين هذا البحث علقة السماء بالرض‪ ،‬ويسهم في توضيح كيفية هداية السماء للرض‪،‬‬
‫وكيفية تواصل العلم القرآني مع ما وصل اليه العقل البشري‪ .‬فالعلم البشري مرحلي محدود؛‬
‫يحتاج إلي هداية السماء‪ُ ،‬ترّشده إلي الطريق القويم‪:‬‬
‫ن اّلذِي نَ َي ْعمَلُو نَ ال صّاِلحَاتِ أَنّ َلهُ مْ َأجْرا‬ ‫شرُ ا ْلمُ ْؤ ِمنِي َ‬‫ي َأقْوَ مُ َو ُي َب ّ‬
‫ن ِي ْهدِي لِّلتِي هِ َ‬
‫" إِنّ هَيذَا الْ ُقرْآ َ‬
‫كَبيرا" (‪17‬السراء‪)9/‬‬
‫حمَةً لّ َقوْ مٍ‬
‫شيْءٍ وَ ُهدًى َو َر ْ‬ ‫ل َ‬ ‫صدِيقَ اّلذِي َب ْي نَ َي َديْ ِه َوتَفْ صِيلَ كُ ّ‬ ‫حدِيثا يُ ْف َترَى وَلَ يكِن تَ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫" مَا كَا َ‬
‫ؤ ِمنُونَ " (‪ 12‬يوسف‪)111/‬‬ ‫يُ ْ‬
‫ولكن إذا كانت رسالة السماء قد وصلت إلينا ‪ -‬نحن البشر‪ -‬محفوظة نقية‪ ،‬ممثلة في القرآن‪،‬‬
‫والقرآن يقول عن نف سه‪ ،‬أ نه يحوي "تف صيل كل ش يء"؛ ف ما علي نا إذا ال ان نغلق المدارس‪،‬‬
‫والجامعات‪ ،‬ومراكيز البحوث‪ ،‬سيواءا النظريية منهيا او العمليية‪ ،‬ونعكيف على القرآن نُشبعيه‬
‫دراسية‪ ،‬وبحثيا‪ ،‬وتحليل؛ فيجود علينيا بكنوز العلم والمعرفية؟ ولماذا يظيل المدعون بوجود‬
‫العلوم الطبيعية فى القرآن؛ كامنون يتربصون لكل كشف علمى جديد‪ ،‬فيملون الدنيا صياحا‪:‬‬
‫هذا الكتشاف لم يأت بجديد‪ .‬إنه موجود فى القرآن منذ أربعة عشرقرنا‪ ،‬أو يزيد‪ ،‬من الزمان‪.‬‬
‫ألم نقل لكم إنّا نعلم مالتعلمون؟ ثم لو كانت هذه العلوم والكتشافات موجودة فى القرآن‪ ،‬فلماذا‬
‫ل يريحونا هؤلء‪ ،‬من الصعود إلى القمر‪ ،‬وإهدار القناطير المقنطرة من الذهب والفضة؛ على‬
‫بناء المراصد الفلكية‪ ،‬ومراكز البحوث العلمية عامة‪ ،‬فيستنبطون لنا من القرآن ما خفى علينا‬
‫مين علوم؟ هذه السيئلة المنطقيية يلوكهيا – للسيف – بتعال‪ ،‬وسيخرية‪ ،‬بعيض العلمانييين‬
‫الماديين‪ ،‬الذين يرفضون قبول فكرة علقة السماء بالرض‪ ،‬وحقيقة وجود خالق‪ ،‬ويستبعدون‬
‫كل ما هو خارج عن إدراكهم الحسي المادى المحدود‪ .‬ويعطلون عقولهم التي تميزهم عمن هو‬

‫‪23‬‬
‫أدني منهم من حيوان‪ ،‬ويقبلون فقط ما تلمسه أيديهم‪ ،‬وما تراه عيونهم‪ ،‬وما تسمعه آذانهم‪ ،‬ويا‬
‫ليتهم يتفكرون فيه‪ ،‬ويعقلونه‪.‬‬

‫السلوب التعليمي للقرآن‬


‫بالرغم من منطقية هذه السئلة؛ إل أنها تنم عن جهل عميق‪ ،‬بطبيعة علوم القرآن‪ ،‬واسلوبه فى‬
‫التعل يم‪ .‬وتنم كذلك بجهل بقدرات الن سان علي التعلم والستنباط والستكشاف‪ .‬وهي القدرات‬
‫التي تزداد إزديادا تراكميا مرحليا‪ .‬فالمعرفة النسانية لها طبيعة خاصة‪ ،‬فهي نتيجة لمحاولت‬
‫الن سان الدائ بة‪ ،‬في التعرف علي ما يح يط به‪ ،‬ومحاولة شرح الظوا هر‪ ،‬ال تي يتعرف علي ها‬
‫بحواسه التي يملكها‪ ،‬وبقدراته الذهنية‪ ،‬والجسدية المحدودة‪ .‬لذا كان من الضرورى التدرج فى‬
‫بناء هذه المعارف‪ .‬ويأتيي الي جانيب هذا أن أسيلوب العلم يشترط التوثييق المادى للمعلومية‪،‬‬
‫و هو ا سلوب اخترعناه ن حن الب شر‪ .‬و من الم سلم به؛ إن الن سان محدود القدرة على الدراك‬
‫والفهيم والتحصييل‪ .‬فمثلً العيين البشريية ترى جزء يسيير جدا مين الشعاع‪ .‬ويسيمي‬
‫المتخصصون فى علم الفيزياء‪ ،‬هذا الجزء بالضوء المرئي‪ ،‬وما أعله‪ ،‬وما دونه – في التردد‬
‫أو الطول الموجيي ( المعروف مين هذا الجزء عنيد كثيير مين الناس‪ :‬الشعية دون الحمراء‪،‬‬
‫وفوق البنفسيجية) ‪ -‬ل يراه النسيان ول يلمسيه بطريقية مباشرة؛ إل ان ذلك ل ينفيي وجوده‪.‬‬
‫و قد علم نا يقينا بوجوده‪ ،‬بعيد التطورالذى حدث لجهزة القياس‪ .‬وتطور أجهزة القياس‪ ،‬كا نت‬
‫هي نف سها نتي جة لترا كم المعر فة الن سانية‪ ،‬والتطور التق ني‪ .‬و ما نجهله اليوم سنعلمه ال غد‪،‬‬
‫اوبعيد غيد‪ .‬والنسيان الذي اكتشيف أن الخشيب يعوم علي الماء‪ ،‬واخترع العجلة‪ ،‬ووضيع‬
‫حروف اللغات‪ ،‬لم يرد علي خلده قيط؛ ميا نراه الن مين سيفن عملقية تعوم علي الماء‪ ،‬أو‬
‫سييارات وقطارات وطائرات‪ ،‬تدور عجلتهيا بسيرعات عظيمية تفوق كيل تصيور‪ ،‬أو آلف‬
‫الكتب وأجهزة الكمبيوتر‪ ،‬التى تحوى الحروف‪ ،‬والكلمات‪ ،‬وحتى الصوات والصور‪ .‬لقد جاء‬
‫كل هذا نتيجة لتراكم المعرفة علي مرآلف السنين‪ .‬والوصول إلي الحقيقة العلمية يتطلب من‬
‫النسييان العمييل الدؤوب‪ .‬وهذا ل يمكيين أن يتييم إل علي سيينين‪ ،‬ومراحييل ممتدة؛‬
‫تتجاوزعمرالفرد‪ ،‬أو عمير جييل‪ .‬ويتطلب أيضا تطور التقنيات المختلفية‪ ،‬التيي تسياعدالنسان‬
‫علي معرفة ما خفي‪ ،‬علي وسائل إدراكه الطبيعية محدودة القدرة‪ .‬ثم تأتي المرحلة التطبيقية‪،‬‬
‫وبلورة النظرية‪ ،‬والتي تتحول تدريجيا – نتيجة للبحوث المستمرة – إلي حقيقة علمية ‪.‬‬

‫أ ما الحقائق العلم ية‪ ،‬ال تي أورد ها ال تعالي لهدا ية البشر ية فيي القرآن‪ ،‬ف قد وردت بأ سلوب‬
‫مختلف‪ .‬فالقرآن كلم الخالق‪ ،‬أوحاه إلي وا حد من الب شر‪ ،‬بل غة الب شر‪ .‬كلم من هو ذو علم‬
‫مطلق‪ ،‬مُوجها إلى من لم يؤت من العلم إل القليل‪ .‬كلم القادر على كل شيء‪ ،‬إلى من له قدرة‬
‫محدودة‪ .‬وال تعالى‪ ،‬يعلم قدرات النسييان على الدراك‪ ،‬والفهييم‪ ،‬والتحصيييل‪ .‬ويعلم –‬
‫سيبحانه‪ -‬إن معرفية النسيان الضئيلة؛ تحتاج إلى وقيت حتيى تتراكيم‪ ،‬وتصيبح مين المعلوم‪،‬‬
‫والمقبول‪ .‬لهذا حتم ال علي نفسه؛ أن يتحدث إلينا بلغتنا‪ ،‬وعلى قدر علمنا‪ .‬ولذا كان لزاما أن‬
‫يأ تي القرآن بالعلوم إلي الب شر في إطار محدود من الكلمات‪ ،‬وال سماء‪ ،‬والم صطلحات‪ ،‬ال تي‬
‫تحدث ب ها الن سان نف سه‪ .‬وعلي قدر ما ت ستطيع هذه الل غة من ت عبير عن معلومات جديدة ل‬
‫تعرفها البشرية حين نزول القرآن‪ .‬ولقد تحدث القرآن‪ ،‬في مواضع عديدة؛ عن موضوع تيسير‬
‫القرآن للذكر؛ ليستفيد منه الجميع‪ ،‬كل على قدر فهمه‪ ،‬البسطاء والعلماء من البشر‪.‬‬
‫ولنقرأ مثل‪:‬‬
‫(‪ 54‬القمر‪)17،22،33،40 /‬‬ ‫س ْرنَا ا ْل ُقرْآنَ لِل ّذ ْكرِ َفهَلْ مِن ّم ّدكِرٍ "‬ ‫" وَلَ َقدْ َي ّ‬
‫(‪ 44‬الدخان‪)58/‬‬ ‫س ْرنَاهُ بِِلسَا ِنكَ َلعَّل ُهمْ َي َت َذكّرُونَ "‬
‫" َفِإ ّنمَا َي ّ‬
‫(‪ 73‬المزمل‪)20/‬‬ ‫" عَِل َم أَن لّن ُتحْصُوهُ َفتَابَ عََل ْي ُكمْ فَا ْقرَؤُوا مَا َت َيسّرَ ِمنَ ا ْل ُقرْآنِ "‬
‫(‪ 12‬يوسف‪)2/‬‬ ‫ع َر ِبيّا ّلعَّل ُكمْ َتعْقِلُونَ "‬
‫" ِإنّا أَنزَ ْلنَاهُ ُقرْآنا َ‬

‫‪24‬‬
‫فى سبيل هذا التيسير؛ كان من الضرورى‪ ،‬ان تلبس الحقيقة العلمية ثوبا غير كامل الشفافية‪،‬‬
‫فل يراها ال المتمعن الذى يطيل النظر والتأمل‪.‬‬
‫و من و سائل التي سير اي ضا؛ ضرب المثلة‪ ،‬ال تى تد فع الى التف كر‪ ،‬وا ستنباط المعر فة‪ .‬و فى‬
‫مواضع كثيرة من القرآن نجد امثلة المراد منها الدفع للتفكيروعقلها واستنباط الحقائق منها‪.‬‬
‫(‪29‬العنكبوت‪)43/‬‬ ‫ن"‬
‫ضرِ ُبهَا لِلنّاسِ َومَا َيعْقُِلهَا إِلّا ا ْلعَاِلمُو َ‬
‫" َوتِ ْلكَ ا ْلَأ ْمثَالُ َن ْ‬
‫ك ا ْلَأ ْمثَالُ َنضْ ِربُهَا‬
‫شيَ ِة اللّ هِ َوتِلْ َ‬
‫خْ‬‫صدّعًا مِ نْ َ‬
‫جبَلٍ َلرََأ ْيتَ ُه خَاشِعًا ُمتَ َ‬ ‫" َلوْ َأ ْنزَلْنَا َهذَا الْ ُقرْآَ نَ عَلَى َ‬
‫(‪59‬الحشر‪)21/‬‬ ‫لِلنّاسِ َلعَّل ُهمْ َيتَ َف ّكرُونَ"‬

‫ولو تمعن ّا اليات‪ ،‬التيي نحين بصيدد تأويلهيا‪ " ،‬والذاريات ذروا* فالحاملت وقرا"‪ ،‬وقبلنيا‪-‬‬
‫جدل‪ -‬صحة ما أذهب اليه من؛ أن هذه الذاريات هي تلك النجوم العملقة‪ ،‬التى تنفجر‪ ،‬وتذرو‬
‫ميا يتكون فيي بطنهيا مين عناصيرثقيلة‪ ،‬أثقيل مين الهيدروجيين‪ ،‬كمرحلة مين مراحيل الخلق‪،‬‬
‫يتطلبها خلق البسيط أول ثم المعقد من المواد‪ ،‬حتى يصل إلى الطين‪ ،‬الذى خلق منه النسان‪.‬‬
‫ويتخلف من هذا النفجار ن جم آ خر‪ ،‬يح مل الثقال؛ لعلم نا ك يف ي سوق القرآن معلوما ته إلى‬
‫البشر‪ ،‬التي غابت عنهم في اجزاء الكون الفسيح ‪ ،‬والذي لم نتوصل إلي معرفتها إل بالمس‬
‫القريب‪.‬‬
‫لقد ذكر الفعل المميز لها‪ .‬الذرو للذاريات‪ ،‬وحمل الثقال للحاملت ‪ .‬وذلك لن اللغة العربية‬
‫في ح ين نزول القرآن‪ ،‬ل يس في ها الم صطلح الدال علي ها‪ .‬ولوكان – سبحانه ‪ -‬يق صد الرياح‪،‬‬
‫فلماذا لم يقل والرياح التي تذرو ذروا ‪ ،‬فالسحب التي تحمل وقرا؟ فلو قالها لعفى البشرية من‬
‫الختلف‪ .‬ويع فى حينئذ‪ ،‬المف سرين العلمي ين من التهام بالشعوذة؛ من ب عض الجاهل ين‪ ،‬الذ ين‬
‫فقدو القدرة‪ ،‬علي التمييز بين‪ :‬الغث والثمين ‪ ،‬والشعوذة والعلم ‪.‬‬

‫حاجة القرآن الى العلم‬


‫ويبقى سؤال شديد الهمية ‪ :‬هل يحتاج تفسير القرآن إلي العلم؟‬
‫والجابية الصيحيحة علي هذا السيؤال هيي‪ :‬إن فهمنيا للقرآن فهميا متزايدا‪ ،‬هوالذي يحتاج إلي‬
‫شرح العلوم ال تي تتعلم ها البشر ية‪ ،‬في مرا حل تطور ها المختل فة‪ .‬فكل ما تطورت‪ ،‬وات سعت‪،‬‬
‫وزادت؛ كلما زاد فهمنا لطبيعة الشياء‪ ،‬ووظيفتها فى الحياة‪ .‬وبان لنا ما وُري عنا من قبل‪.‬‬
‫وأدركنا ما لم تدركه ابصارنا‪ ،‬وعقولنا‪ ،‬ولم تسمعه آذاننا‪ ،‬ولم تحسه ايدينا ‪ ،‬فعمليات الخلق‪،‬‬
‫والحياة‪ ،‬وغيرها‪ ،‬مسائل شديدة التعقيد ‪ ،‬تعلو قدرة الفرد‪ ،‬وربما البشرية‪ ،‬وإلى آخر الزمان‪:‬‬

‫حمَلَهَا‬
‫ن ِمنْهَا َو َ‬
‫حمِلْنَهَا وََأشْفَقْ َ‬
‫ن َي ْ‬‫ن أَ ْ‬ ‫ل فََأ َبيْ َ‬
‫جبَا ِ‬
‫سمَاوَاتِ وَا ْلَأرْ ضِ وَا ْل ِ‬
‫ع َرضْنَا ا ْلَأمَانَةَ عَلَى ال ّ‬
‫"ِإنّ ا َ‬
‫جهُولًا " (‪33‬الحزاب‪)72/‬‬ ‫ن ِإنّ ُه كَانَ ظَلُومًا َ‬ ‫ا ْلِإ ْنسَا ُ‬
‫ل قَلِيلً" (‪ 17‬السراء‪)85/‬‬ ‫ح ِمنْ َأ ْمرِ َربّي َومَا أُوتِي ُتمْ مِنَ ا ْلعِ ْلمِ ِإ ّ‬‫ح قُلِ الرّو ُ‬
‫ن الرّو ِ‬ ‫سأَلُو َنكَ عَ ِ‬
‫" َو َي ْ‬

‫ولو أرد نا ضرب مثال‪ ،‬لت سهيل ف هم ك يف ت ساعد الكتشافات العلم ية‪ ،‬فى توض يح معان فى‬
‫القرآن‪ ،‬مجهولة ل نا؛ فعلي نا إذا تأ مل اليات الكري مة‪" :‬والذاريات ذروا* فالحاملت وقرا" مره‬
‫أخري‪ .‬لقيد برز السيؤال‪ :‬لماذا عطيف الحاملت على الذاريات بالفاء؟ ولم يعيط أحيد مين‬
‫المفسرين اجابة وافية‪ .‬ولن يستطيع كائنا من كان‪ ،‬أن يعطي سببا وجيها لسبب استخدام الفاء‪،‬‬
‫بدل من الواو؛ إل العلم بطبي عة هذه الشياء‪ .‬فل بد ل نا من معر فة ماه ية الذاريات‪ .‬وماه ية‬
‫الحاملت وقرا‪ .‬وبالتالي نعرف لماذا عطيف بالفاء‪ ،‬ولم يسيتخدم الواو‪ .‬الثانيية تعقيب الولي‬
‫وتتكون ب سببها‪ .‬و سوف يزداد القارىء فه ما لذلك‪ ،‬وي تبين له بوضوح‪ ،‬عند ما نعرض ما قاله‬
‫علم الفلك في وصف هذه النجوم لحقا‪ ،‬في هذا البحث ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫إن مقاصد القرآن الكثر أهمية‪ ،‬واضحة سهلة الفهم‪ .‬أما كل ما في الحياة من أسرار‪ ،‬فيأتي‬
‫تباعا‪ .‬لقد اراد ال تعالى ان يعلم البشرية اهم مافى الحياة‪ ،‬الذي يتلخص فى‪ :‬اننا نحن البشرلم‬
‫نُخلق عبثا‪ .‬خلقنا لهدف‪ ،‬يصعب علينا تفهم ّه الن‪ ،‬لقلة علمنا‪ .‬واننا فى هذه الصورة المادية‬
‫التى نحن عليها الن نُحاسب على ما نفعل ويُسجل علينا بصورة أو بأخرى‪ .‬ان خيرا فخير‪،‬‬
‫وان شرا ف شر‪ .‬وان نا سنموت‪ ،‬ثم نب عث فى حياة اخرى لح قة‪ ،‬ندان في ها ب ما فعل نا‪ ،‬فى هذه‬
‫الدنيا‪.‬‬
‫كيف ية حدوث هذا يحتاج الى شرح وتف صيل ي صعب علي نا – ن حن الب شر‪ -‬فه مه جملة واحدة‪،‬‬
‫وبالتالى؛ يسر ال الرحيم بنا‪ ،‬العلوم الواردة في القرآن‪ .‬وساق إلينا علمه – سبحانه‪ -‬باسلوب‬
‫وصفه القرآن بأن بعضه متشابه‪ ،‬ل يتبين معناه ال اذا لمسناه بأيدينا‪ ،‬ورأيناه بأعيننا‪ ،‬وادركناه‬
‫بعقول نا‪ .‬وهذه وظي فة الب حث والعلم‪ ،‬الذى وهب نا ال قدرة ن سبية كاف ية؛ لتح صيله‪ .‬وزود نا –‬
‫دونا عن الحيوان‪ -‬بوسائل نقله من جيل إلى جيل‪ .‬ولهذا كان الحض على القراءة والكتابة منذ‬
‫اللحظة الولى‪ ،‬واليات الولى‪.‬‬

‫وحتيى يتثبيت القارئ‪ ،‬مين صيعوبة التعيبير عين المعلومات العلميية‪ ،‬لفراد يجهلونهيا‪ ،‬فليقيم‬
‫بتجر بة ب سيطة‪ .‬وهيى‪ :‬ليحاول القارئ الكرييم أن يبلور‪ ،‬وين قل المعلومية التال ية ال تى تقول–‬
‫باختصار‪ -‬إن هناك بعض النجوم الضخمة‪ ،‬التى تمثل خطوة هامة‪ ،‬فى خلق المادة‪ ،‬التى خلق‬
‫من ها الط ين‪ .‬وإن هذه النجوم تتف جر‪ ،‬ب عد صناعة العنا صر اللز مة‪ ،‬وتن ثر مافي ها فى الفراغ‬
‫المحيط ‪ .‬ويتخلف عنها نجوما تحمل اثقال كثيفة‪ ،‬ويتخلف ايضا ما ينطلق مسرعا فى الفضاء‪.‬‬

‫ب عد هذه التجر بة؛ لن ي جد بدا من قبول ما صاغه القرآن فى هذه اليات المعجزة " والذاريات‬
‫يا‪ ،‬لماذا ل‬
‫ييتبين ايضي‬
‫يرا * فالمدبرات امرا"‪ .‬وسي‬ ‫ذروا * فالحاملت وقرا * فالجاريات يسي‬
‫يكتشيف النسيان الحقيقية العلميية الموجودة فيى القرآن قبيل اكتشافهيا بالطرق المعهودة مين‬
‫الملحظة والبحث ‪ ،‬ثم التجربة والفكر‪ ،‬ثم التفسير ووضع النظريات‪ ،‬ثم التثبت حتى تتحول‬
‫النظرية الى حقيقة علمية‪.‬‬

‫وبهذا؛ تكون العل قة ب ين القرآن والعلم‪ ،‬واض حة وثي قة‪ .‬القرآن يج مل العلم‪ ،‬أو بأ سلوب آ خر‬
‫يضع إطارا للعلم يهديه ويرشده‪ ،‬ويحميه من الشطط ‪ .‬والعلم شارح ومبيّن لما استعصي على‬
‫الفهم‪ ،‬من القرآن‪.‬‬
‫فالقرآن اذا هداية للبشر وسيلتها العلم‪ .‬ول هداية بدون علم‪ ،‬ولذلك وصفت فترة ما قبل القرآن‬
‫بالجاهل ية‪" ،‬أفح كم الجاهل ية يبغون"‪ .‬والقرآن ي حض‪ ،‬ويدفع دف عا إلى العلم‪ ،‬ويك فى أن نقول ما‬
‫سبق‪ ،‬إن أول آياته‪ ،‬كانت تحوي المر بالقراءة والكتابة‪:‬‬
‫ن مِنْ عَلَقٍ * ا ْقرَأْ َو َربّكَ ا ْلَأكْرَمُ * اّلذِي عَلّمَ بِالْقَلَمِ *‬
‫سمِ َربّكَ اّلذِي خَلَقَ * خَلَقَ ا ْلإِنسَا َ‬ ‫" ا ْقرَأْ بِا ْ‬
‫(‪96‬العلق‪)5 -1/‬‬ ‫ن مَا َلمْ َيعَْلمْ "‬
‫عَّلمَ ا ْلإِنسَا َ‬

‫***‬
‫" فالحاملت وقرا " ‪:‬‬
‫الحاملت‪ :‬ج مع مؤ نث سالم‪ ،‬مفرد ها حاملة‪ ،‬ومذكر ها حا مل‪ .‬وح مل الش يء‪ ،‬يحمله حملً‪،‬‬
‫وحملنا ً‪ ،‬فهو (أي الشيء) محمول‪ ،‬وحميل‪ .‬والحِمل‪ -‬بكسر الحاء‪ -‬ما يحمل على الظهر أو‬
‫على الرأس‪ .‬والحَميل ‪ -‬بفتيح الحاء‪ -‬ميا كان فيي بطين‪ ،‬أوعلى شجير‪ .‬وحملت المرأة‪ :‬أي‬
‫حبلت‪ ،‬فهي حامل (لجنين)‪ .‬وحملت الشجرة‪ :‬أي أخرجت ثمارها ‪.‬‬
‫وقال الراغب‪ :‬الحمل معني واحد‪ ،‬واعتبر في أشياء كثيرة‪ ،‬فسوي بين لفظة في الفعل‪ ،‬وفرق‬
‫بين كثيرمن مصادرها‪ .‬يقال في الثقال المحمولة في الظاهر‪ ،‬كالشيء المحمول على الظهر‪:‬‬

‫‪26‬‬
‫حِ مل‪ -‬بك سر الحاء‪ .‬و فى الثقال المحمولة في الب طن حَ مل‪ -‬بف تح الحاء‪ .‬كالولد في الب طن‪،‬‬
‫والماء في السحاب‪ ،‬والثمرفي الشجر‪ ،‬تشبيها بحمل المرأة‪.‬‬
‫والحمل هو القلل والرفع‪ ،‬وأقل الشىء‪ :‬أي حمله ورفعه‪.‬‬
‫سحَابا ثِقَالً سُ ْقنَا ُه ِلبََلدٍ ّميّتٍ" (‪ 7‬العراف ‪) 57/‬‬
‫حتّى ِإذَا َأقَلّتْ َ‬
‫" َ‬
‫وحميل الثقيل‪ ،‬والحمال‪ ،‬هيو الصيل فيي اسيتخدام اللغية العربيية‪ .‬وحميل الرسيالة والمانية‬
‫والتوراة وغيرها من المجاز (‪.)12‬‬

‫ولقد استخدم القرآن الكلمة بنفس المعنى الذي جاءت به معاجم اللغة ‪ ،‬فالحمل ما يحمل على‬
‫الظهر أوعلى الرأس‪ ،‬يتبين في الية الكريمة التي تتحدث عن النعام ‪:‬‬
‫شقّ الَنفُسِ " (‪16‬النحل‪)7/‬‬ ‫حمِلُ َأثْقَاَل ُكمْ إِلَى بََلدٍ ّلمْ َتكُونُواْ بَاِلغِي ِه ِإلّ ِب ِ‬
‫" َو َت ْ‬
‫أما الحَمل‪ -‬بفتح الحاء‪ -‬هو ما كان في بطن‪ ،‬أو على شجرة‪ .‬وفى القرآن ذكرفي سورة مريم‬
‫– عليها السلم – قصة حملها بالمسيح عيسي بن مريم ‪:‬‬
‫ج ْذعِ ال ّنخْلَةِ" (‪19‬مريم‪)22،23/‬‬ ‫حمََلتْهُ فَانتَ َبذَتْ ِبهِ َمكَانا َقصِيّا * َفَأجَاءهَا ا ْل َمخَاضُ إِلَى ِ‬ ‫" َف َ‬
‫حمِلُ ِمنْ‬
‫ن َأ ْكمَا ِمهَا َومَا َت ْ‬
‫ت مّ ْ‬
‫خرُجُ مِن َث َمرَا ٍ‬‫كذلك في الية الكريمة " إَِل ْي ِه ُيرَدّ عِلْ ُم السّاعَ ِة َومَا َت ْ‬
‫أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلّا ِبعِ ْلمِهِ"(‪ 41‬فصلت‪( )47/‬مادة حمل‪ ،‬المعجم المفهرس للفاظ القرآن– ‪)13‬‬

‫والحاملت في ال ية الكريمة "فالحاملت وقرا"‪ ،‬هي فاعلت للح مل‪ ،‬تحمل وقرا‪ .‬وم ما يذ كر‬
‫أن الحاملت جاءت وحيدة ال صيغة في القرآن الكر يم كله‪ ،‬وعند ما أراد القرآن أن يتحدث عن‬
‫الناث الحاملت؛ لم يستخدم هذه الصيغة‪ ،‬ولكنه قال‪:‬‬
‫ن " (‪ 65‬الطلق‪)4/‬‬ ‫حمَْلهُ ّ‬
‫ضعْنَ َ‬‫ن أَن َي َ‬ ‫حمَالِ َأجَُلهُ ّ‬
‫" وَُأوْلَاتُ ا ْلَأ ْ‬
‫وبعد قليل‪ ،‬وفى نفس السورة؛ يتحدث عن النساء الحوامل‪ .‬ولكن بتعبير آخر واضح؛ فيقول‪:‬‬
‫حمَْلهُنّ" (‪ 65‬الطلق‪)6/‬‬
‫ن َ‬
‫ضعْ َ‬
‫حتّى يَ َ‬ ‫ن َ‬‫ل َفأَنفِقُوا عََل ْيهِ ّ‬
‫حمْ ٍ‬
‫" وَإِن كُنّ أُولَاتِ َ‬
‫وكذلك فى الية الكريمة من سورة فصلت‪ "،‬وما تحمل من أنثى ولتضع إل بعلمه"‪.‬‬

‫وكأ نه‪ -‬سيبحانه‪ -‬يو حى إلينيا؛ أن المقصيود بالحاملت فيى هذه ال ية‪ ،‬أشياء خاصية جدا‪ ،‬ل‬
‫تعرفون ها ولم ت سموها من ق بل القرآن‪ .‬و هي لي ست ن ساء‪ ،‬اولت ح مل‪ ،‬أو أًولت أحمال‪ .‬بل‬
‫هن حاملت يحملن وقرا‪ .‬أو هن حاملت يحملن أوقارا‪ ،‬كل واحدة منهن تحمل وقرها‪ .‬وأنها‬
‫مين تلك الشياء التيي تؤنثهيا لغية العرب‪ ،‬مثيل النجوم التيي انكدرت‪ ،‬والشميس التيي تجري‬
‫لمستقر لها‪ ،‬والكواكب التي انتثرت ‪.‬‬

‫" فالحاملت وقرا " ‪(:‬وقرا)‬


‫جاء في لسان العرب ‪ ،‬وغيره من معاجم اللغة ( ‪ ) 12‬ما يلي‪:‬‬
‫الوَقر‪ -‬بفتح الواو‪ -‬هو ثقل في الذن‪ .‬وقيل‪ :‬هو أن يذهب السمع كله‪ .‬أما الثقل في الذن‪ ،‬أو‬
‫فيي السيمع‪ ،‬فهيو أخيف مين الوَقير فيي الذن‪ .‬والوِقير‪ -‬بكسيرالواو‪ -‬فهوالثقيل‪ ،‬يحميل على‬
‫ظهرأوعلى رأس‪ ،‬يقال‪ :‬جاء يحمل وِقره‪ .‬وقيل‪ :‬الوقر هوالحِمل الثقيل‪ ،‬ومنها‪ :‬أوقرت النخلة‪،‬‬
‫أي ك ثر حمل ها‪ .‬وقوله عز و جل " فالحاملت وقرا " يع ني ال سحاب يح مل الماء( الثق يل) الذي‬
‫أوقرها‪.‬‬
‫و من المادة الوقار‪ :‬و هو الحلم والرزا نة‪ .‬وفي الحد يث الشر يف "لم ي سبقكم أبوبكربكثرة صوم‬
‫ولصلة‪ ،‬ولكن بشيء وقر في القلب"‪ .‬ووقر في القلب‪ :‬أي سكن وثبت فيه‪ .‬وثقل الشيء يثبته‬
‫ويجعله أقرب للستقرار‪ .‬وقيل‪ :‬الوقر هو الحمل للحمار والبغل‪ .‬أما الوسق فهو الحمل أيضا‪،‬‬
‫لكنة الحمل الذى يستطيع البعير حمله‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫أما في التفاسير (‪ ،)8‬فقد أول المفسرون " الحاملت وقرا " بالسحاب تحمل الماء (الوقر)‪.‬‬

‫والن نحاول استقراء القرآن‪.‬‬


‫جاء القرآن بهذه الصيغة‪ ،‬مرة واحدة‪ .‬في آية الذاريات‪ ،‬ول يوجد غيرها في القرآن كله‪ .‬لكن‬
‫القرآن استخدم كلمة " وقرا "‪ -‬بفتح الواو‪ -‬بمعني ثقل في الذن‪:‬‬
‫وقْرا " (‪17‬السراء‪)46/‬‬
‫جعَ ْلنَا عَلَى قُلُو ِبهِمْ َأ ِكنّةً أَن يَ ْف َقهُوهُ َوفِي آذَا ِن ِهمْ َ‬
‫" َو َ‬

‫وتعددت هذه الصيغة في آيات كثيرة بهذا المعني في‪:‬‬

‫ن َيرَوْا كُلّ‬ ‫ن يَفْ َقهُو هُ َوفِي آذَانِهِ مْ َو ْقرًا ۚ وَِإ ْ‬ ‫جعَ ْلنَا عََلىٰ قُلُو ِبهِ مْ َأ ِكنّ ًة أَ ْ‬‫س َتمِعُ إَِليْ كَ ۖ َو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫َو ِم ْنهُ مْ َم ْ‬
‫ن َهٰذَا إِلّا َأسَاطِيرُ ا ْلأَوّلِينَ"‬ ‫ل اّلذِينَ كَ َفرُوا إِ ْ‬ ‫حّتىٰ ِإذَا جَاءُوكَ ُيجَادِلُو َنكَ يَقُو ُ‬ ‫آيَ ٍة لَا يُ ْؤ ِمنُوا ِبهَا ۚ َ‬
‫(‪ 6‬النعام ‪، )25/‬‬
‫ِم َأڪِنّةً‬ ‫َت َيدَا ‌ۚهُ إِنّا جَع َۡلنَا عَلَىٰ قُلُوبِه ۡ‬ ‫َعرَضَ عَنۡہَا وَنَسِىَ مَا قَدّم ۡ‬ ‫"وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمّن ذُكّرَ ب ِٔـَاي َٰـتِ رَبّهِۦ فَأ ۡ‬
‫(‬ ‫ُواْ ِإذًا أَ َب ۬دًا"‬ ‫ۡ‬
‫َى فَلَن يَہتَد ٓ‬
‫ٱلهُد ٰ‬ ‫ُمــ إِلَى ۡ‬ ‫َدعُه ۡ‬ ‫ِمــ و َۡق ۬ر ‌ًۖا وَإِن ت ۡ‬
‫ِى ءَاذَانِہ ۡ‬‫أَن يَفۡقَهُوهــُ وَف ٓ‬
‫‪18‬الكهف‪،)57/‬‬
‫س َم ْعهَا َكأَنّ فِي ُأ ُذ َنيْهِ َو ْقرًا ۖ َف َبشّرْ ُه ِب َعذَابٍ أَلِيمٍ"‬ ‫س َت ْكبِرًا َكَأنْ َلمْ َي ْ‬‫وَِإذَا ُتتْلَىٰ عََليْ ِه آيَا ُتنَا وَّلىٰ ُم ْ‬
‫(‪ 31‬لقمان‪،)7/‬‬
‫عمَلْ ِإنّنَا‬ ‫حجَا بٌ فَا ْ‬ ‫ن َب ْينِنَا َو َب ْينِ كَ ِ‬ ‫َوقَالُوا قُلُوبُنَا فِي َأ ِكنّةٍ ِممّ ا َتدْعُونَا إَِليْ هِ وَفِي آذَانِنَا َوقْرٌ َومِ ْ‬
‫( ‪ 41‬فصلت‪)5/‬‬ ‫عَامِلُونَ"‬
‫ُل هُوَ لِلّذِينَ‬ ‫ىّ ق ۡ‬‫َاعجَمِىّ۬ وَعَرَبِ ۬‌ۗ‬ ‫ۥۤ‌ۖ ء ۠ ۡ‬ ‫َولَ فُصّلَتۡ ءَاي َٰـُتهُ‬ ‫َعجَمِ ۬يّا لّقَالُواْ ل ۡ‬
‫ُرءَانًا أ ۡ‬
‫َو جَع َۡلن َٰـهُ ق ۡ‬
‫"وَل ۡ‬
‫َونَ مِن مّكَا ۭ‬
‫نِ‬ ‫ًى أُوْل َٰٓـٕٮِكَ يُنَاد ۡ‬‫ِم عَم ‌ۚ‬ ‫ِم و َۡق ۬رٌ وَهُوَ عَل َۡيه ۡ‬‫ُؤمِنُونَ فِىٓ ءَاذَانِه ۡ‬ ‫ءَامَنُواْ ُه ۬دًى وَشِف َٓا ۬‌ۖءٌ وَٱلّذِينَ لَ ي ۡ‬
‫بَعِي ۬دٍ"‬
‫(‪ 41‬فصلت‪،)44/‬‬
‫كلها على سبيل المجاز‪ ،‬تعني ثقل في الذن‪ ،‬أداة السمع‪ .‬وكأنهم ل يستطيعون سماع القرآن‪،‬‬
‫وبالتالي ل يفهمونه‪ ،‬وهو الذي يدعوهم إلى الصلح‪.‬‬

‫ومن مادة "وقر" جاءت في القرآن الصيغ "وقارا" و" توقروه" في اليات‪:‬‬
‫ن لِلّهِ َوقَارا * َو َقدْ خَلَ َق ُكمْ َأطْوَارا" (‪71‬نوح‪)13،14/‬‬ ‫" مّا َل ُكمْ لَا َت ْرجُو َ‬
‫س ّبحُو ُه ُب ْكرَةً وََأصِيلً" (‪48‬الفتح‪)9/‬‬
‫" ِلتُ ْؤ ِمنُوا بِاللّهِ َو َرسُوِلهِ َو ُتعَ ّزرُوهُ َوتُ َو ّقرُوهُ َو ُت َ‬
‫ويفسرالراغب الصفهاني في مفرداته (‪ ) 12‬الوقار بالسكون والحلم‪ .‬وفيه أيضا من التعظيم‪،‬‬
‫فيقال للقطيع العظيم من الضأن‪ :‬الوقير‪ ،‬كأن فيها وقارا لكثرتها وبطء سيرها‪.‬‬
‫وفيي الفروق اللغويية (‪ )12‬يفرق أبيو هلل العسيكري بيين الوقار والتوقيير‪،‬يقول‪ :‬فالوقار‬
‫والتوقير الوارد في آيتي نوح والفتح‪ ،‬لعل المقصود منه هو رجاء الوقارأو التوقير ل ‪ .‬وهو‬
‫تقدير لعظم قدرة ‪ -‬سبحانه وتعالي‪.‬‬

‫اذا‪ ،‬الوقرهو‪ :‬الثقل‪ ،‬وهو‪ :‬الحمل الثقيل‪ ،‬وهو‪ :‬حمل الحمار أو البغل (أى ما يستطيع حمله)‪.‬‬

‫والسيؤال الذى يفرض نفسيه هنيا فيى هذا المقام هيو‪ :‬لماذا اختار القرآن هنيا كلمية (وقرا) ولم‬
‫يستعمل كلمات أخري تحمل مثل هذا المعني؟‬
‫فلم يقل‪ :‬فالحاملت وسقا‪،‬‬
‫أو يقل ‪ :‬فالحاملت ثقلً أو أثقال‪،‬‬

‫‪28‬‬
‫أو يقل‪ :‬فالحاملت وزرا‪ ،‬أو أوزارا‪.‬‬
‫وكل هذه الكلمات لها دلله الحمل الثقيل؟ فالوسق هو حمل البعير ‪ ،‬والثقل هو الحمل الثقيل ‪،‬‬
‫والوزر هو أيضا الحمل الثقيل( خصصه القرآن للدللة على حمل الذنوب)‪.‬‬
‫والهتداء الي إجابة هذا السؤال‪ ،‬تقتضي من الباحث التدبر في ثلثة مصادر للمعرفة في نفس‬
‫الوقت‪.‬والكتفاء بإثنين منهما لن يعطي الجابة الشافية الناجعة‪.‬‬
‫أول‪ :‬معاجم اللغة‪،‬‬
‫ثانيا‪ :‬كيفية استخدام القرآن لهذه الكلمات‪،‬‬
‫وثالثا‪ :‬العلوم الطبيعية التي تساعد على فهم سبب إختيار القرآن لهذه اللفظة‪.‬‬

‫فالوسق‪ :‬هو جمع لمتفرق‪ ،‬وبهذا المعني استخدمها القرآن في‪:‬‬


‫سقَ" (‪ 84‬النشقاق‪)17 /‬‬ ‫" وَالّليْلِ َومَا َو َ‬

‫ونود ه نا ان نض يف ملح ظة تعلمنا ها من تأ مل القرآن فى موا ضع كثيرة‪ .‬ل قد عود نا القرآن‬


‫استخدام الكلمات بأصل معناها في اللغة (وهذا هو السلوب العلمى فى ارقى مستوياته‪ ،‬يتخذ‬
‫منه جا ل ستعمال المفردات بالر غم من تقارب الدللة)‪ .‬هذا إن لم تو جد ضرورة ل ستخدامها‬
‫مجازا‪ .‬وبالطبع يمكن التعرف على الساليب المجازية من سياق الية أو اليات‪.‬‬
‫وا ستخدام ل فظ الو سق للدللة على ح مل البع ير‪ ،‬يأ تي من أن صاحب البع ير‪ ،‬يج مع وي ضم‬
‫(مفردات) ميا يرييد تحميله للبعيير‪ ،‬ثيم يوثقيه ويحمله آياه‪ .‬وقيد اصيطلح العرب على تسيمية‬
‫أقصي ما يستطيع حملة البعير‪ :‬وسقا‪ .‬وأقصي ما يحمله البغل أوالحمار وقرا‪ ،‬وأصلها الحمل‪،‬‬
‫والح مل الثق يل‪ .‬ويم كن اعتبارأن كل من‪ :‬الو سق‪ ،‬والو قر‪ ،‬وحدة قياس اثقال‪ .‬مثل ها م ثل ما‬
‫نتخذه اليوم من وحدات الوزن الكيلوجرام‪ ،‬والطن‪ ،‬والرطل‪ ،‬والوقية ‪.‬‬

‫من هنا نستنبط ان انتقاء القرآن لكلمة "وقرا"‪ ،‬فى الية الكريمة؛ يعطي دللة الحمل الثقيل ذو‬
‫الكتلة الصيماء؟ ولييس الحميل‪ ،‬الذي جُميع وضُم‪ ،‬مين وحدات منفصيلة‪( .‬بمعنيى أن الجسيم‬
‫المتخلف من عملية الذرو( النجم النيتروني)؛ يمثل وحدة واحدة‪ .‬ويتسم بتجانس‪ ،‬وتماسك مادته‬
‫من النيترونات‪ ،‬ورب ما يكون ذلك اضا فة الى ما يقد مه العلم‪ ،‬ح تى الن‪ .‬بين ما ا ستخدم القرآن‬
‫سقَ"‪.‬‬‫كلمة الوسق فيما جمع (الليل) وضم من مختلف الوحدات‪ " ،‬وَالّليْلِ َومَا َو َ‬

‫أما أصل معنى الوزر فهو‪ :‬الجبل المنيع‪ ،‬يحمي من يلجأ إليه‪ ،‬وهكذا استعملها القرآن في‪:‬‬
‫ستَ َقرّ" (‪75‬القيامة‪.)11،12/‬‬ ‫" كَلّا لَا َو َزرَ * إِلَى َر ّبكَ يَ ْو َم ِئذٍ ا ْل ُم ْ‬
‫و(الوزير) من يلجأ اليه المير ليحمل (وزره)‪ ،‬أواثقال هموم المارة‪.‬‬
‫ن َأخِي* اشْ ُددْ ِبهِ َأ ْزرِي* وََأشْ ِركْ ُه فِي َأ ْمرِي"‬ ‫جعَلْ لِي َوزِيرًا مِنْ أَهْلِي* هَارُو َ‬ ‫"وَا ْ‬
‫(‪20‬طه‪)32–29/‬‬
‫كذلك أورد القرآن معني الحمل الثقيل لكلمة الوزر في‪:‬‬
‫شدّوا ا ْل َوثَا قَ َفإِمّ ا َمنّا َب ْعدُ وَِإمّ ا‬
‫حتّ ى ِإذَا َأ ْثخَن ُتمُوهُ مْ َف ُ‬
‫ب الرّقَا بِ َ‬ ‫" َفإِذا لَقِيتُ مُ اّلذِي نَ َك َفرُوا َفضَرْ َ‬
‫وزَارَهَا " (‪ 47‬محمد‪)4/‬‬ ‫حرْبُ أَ ْ‬ ‫حتّى َتضَعَ ا ْل َ‬‫فِدَاء َ‬
‫وأوزار الحرب هي أثقال ها وآلت ها من ال سلح‪ .‬وهذا أ سلوب مجازي‪ ،‬المق صود م نه‪ ،‬الدللة‬
‫على انتهاء الحرب‪.‬‬
‫وفي موضع آخراستخدم القرآن الكلمة (أوزارا) بمعني أثقالً‪:‬‬
‫ِكي أَلْقَى‬
‫ْمي فَ َقذَ ْفنَاهَا َف َكذَل َ‬
‫حمّلْنَا َأ ْوزَارا مّني زِينَةِ الْ َقو ِ‬ ‫َكي ِبمَ ْلكِنَا وََل ِكنّاي ُ‬ ‫عد َ‬ ‫" قَالُوا مَا َأخْلَفْنَا مَ ْو ِ‬
‫(‪ 20‬طه‪)87/‬‬ ‫السّامِ ِريّ"‬
‫وغلب مجيء الوزر في معني الثم والذنب (‪ )14‬ويفهم ذلك من اليات الكريمة‪:‬‬

‫‪29‬‬
‫ن " (‪ 6‬النعام‪)31 /‬‬
‫ظهُورِهِمْ أَلَا سَاءَ مَا َي ِزرُو َ‬
‫ن َأ ْوزَارَ ُهمْ عَلَى ُ‬
‫حمِلُو َ‬
‫" َي ْ‬
‫ل نَفْسٍ إِلّا عََل ْيهَا وَلَا َت ِزرُ وَا ِزرَةٌ ِو ْزرَ‬ ‫شيْءٍ وَلَا َتكْسِبُ كُ ّ‬ ‫ل َ‬ ‫غ ْيرَ اللّ ِه َأ ْبغِي َربّا وَهُ َو رَبّ كُ ّ‬ ‫" قُلْ َأ َ‬
‫ن " (‪6‬النعام‪)164 /‬‬ ‫ختَلِفُو َ‬
‫ج ُعكُمْ َف ُي َن ّب ُئكُمْ ِبمَا ُك ْن ُتمْ فِي ِه َت ْ‬
‫خرَى ُثمّ إِلَى َربّ ُكمْ َم ْر ِ‬ ‫ُأ ْ‬
‫ن ُيضِلّو َنهُمْ ِب َغ ْيرِ عِ ْلمٍ أَلَا سَا َء مَا َيزِرُونَ "‬‫ن أَ ْوزَارِ اّلذِي َ‬ ‫حمِلُوا أَ ْوزَارَهُ ْم كَامِلَةً يَ ْو َم الْ ِقيَامَةِ َومِ ْ‬ ‫" ِل َي ْ‬
‫(‪16‬النحل‪)25/‬‬
‫خرَى وَمَا‬ ‫ن ضَلّ َفِإنّمَا َيضِلّ عََليْهَا وَلَا َتزِرُ وَا ِزرَةٌ ِوزْرَ ُأ ْ‬ ‫" مَ نِ ا ْه َتدَى َفِإنّمَا َي ْه َتدِي ِلنَفْ سِهِ َو َم ْ‬
‫رسُولًا " (‪17‬السراء‪)15/‬‬ ‫حتّى َن ْبعَثَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ُكنّا ُم َع ّذبِي َ‬
‫حمِلُ‬ ‫ع ْنهُ َفِإنّ ُه َي ْ‬
‫عرَضَ َ‬ ‫ن َل ُدنّا ِذكْرًا * َمنْ َأ ْ‬ ‫س َبقَ َو َقدْ َآ َت ْينَاكَ مِ ْ‬ ‫ن َأ ْنبَاءِ مَا َقدْ َ‬ ‫" َكذَلِكَ نَ ُقصّ عََليْكَ مِ ْ‬
‫حمْلًا" (‪ 20‬طه‪)101-99/‬‬ ‫ن فِي ِه َوسَاءَ َل ُهمْ يَ ْو َم الْ ِقيَامَةِ ِ‬ ‫يَ ْومَ ا ْل ِقيَامَةِ ِوزْرًا * خَاِلدِي َ‬
‫شيْءٌ وَلَ ْو كَا نَ ذَا ُقرْبَى‬ ‫حمَلْ ِمنْ هُ َ‬‫حمْلِهَا لَا ُي ْ‬‫" وَلَا َتزِرُ وَا ِزرَةٌ ِوزْ َر ُأخْرَى وَإِ نْ َتدْ عُ ُمثْقَلَ ٌة إِلَى ِ‬
‫ن َت َزكّى َفِإ ّنمَا َي َتزَكّى ِلنَفْ سِهِ وَإِلَى اللّ هِ‬‫ن َر ّبهُ مْ بِا ْل َغيْ بِ وََأقَامُوا ال صّلَاةَ َومَ ْ‬ ‫خشَوْ َ‬ ‫ن َي ْ‬
‫ِإ ّنمَا ُت ْنذِرُ اّلذِي َ‬
‫ا ْل َمصِيرُ " (‪ 35‬فاطر‪)18/‬‬
‫ش ُكرُوا َي ْرضَهُ َلكُمْ وَلَا َت ِزرُ وَا ِزرَةٌ‬ ‫ع ْنكُمْ وَلَا َيرْضَى ِل ِعبَادِهِ ا ْل ُك ْفرَ وَِإنْ َت ْ‬ ‫غ ِنيّ َ‬ ‫"ِإنْ َتكْ ُفرُوا َفإِنّ اللّهَ َ‬
‫صدُورِ"‬‫ج ُع ُكمْ فَ ُي َن ّب ُئكُ ْم ِبمَا ُك ْنتُمْ َت ْعمَلُونَ ِإنّهُ عَلِيمٌ ِبذَاتِ ال ّ‬
‫خرَى ُثمّ إِلَى َر ّبكُمْ َم ْر ِ‬ ‫ِو ْزرَ ُأ ْ‬
‫(‪39‬الزمر‪)7/‬‬
‫ن َليْسَ‬
‫حفِ مُوسَى* وَِإ ْبرَاهِيمَ اّلذِي َوفّى* أَلّا َتزِرُ وَا ِزرَةٌ ِوزْ َر ُأخْرَى* وََأ ْ‬ ‫صُ‬ ‫"أَمْ لَمْ ُي َن ّبأْ ِبمَا فِي ُ‬
‫سعَى" (‪ 53‬النجم‪)39 -36/‬‬ ‫ن إِلّا مَا َ‬‫لِ ْلِإ ْنسَا ِ‬
‫ركَ " (‪94‬الشرح‪)3 -1/‬‬ ‫ظ ْه َ‬
‫ع ْنكَ ِوزْ َركَ * اّلذِي َأنْ َقضَ َ‬ ‫ض ْعنَا َ‬
‫ك صَ ْد َركَ * َو َو َ‬‫شرَحْ َل َ‬ ‫"اََلمْ َن ْ‬

‫فالمتأميل فيى هذه اليات‪ ،‬يجيد أن كلمية الوزر؛ جاءت فيى القرآن بمعنيي الحميل الثقييل مين‬
‫الذنب‪ .‬ولعل اليات الكريمة ‪:‬‬
‫ع ْن هُ َفِإنّ هُ‬
‫عرَ ضَ َ‬
‫ن أَ ْ‬
‫س َبقَ َو َقدْ آ َت ْينَا كَ مِن ّل ُدنّ ا ِذكْرا * مَ ْ‬
‫ن أَنبَاء مَا َقدْ َ‬ ‫" َكذَلِ كَ َنقُ صّ عََليْ كَ مِ ْ‬
‫حمْل" (‪ 20‬طه ‪)101–99/‬‬ ‫حمِلُ يَ ْومَ ا ْل ِقيَامَةِ ِوزْرا* خَاِلدِينَ فِيهِ َوسَاء َل ُه ْم يَ ْومَ الْ ِقيَامَ ِة ِ‬
‫َي ْ‬
‫هي الكثر وضوحا في بيان هذا المعني‪ ،‬وتنفي كل شك‪ ،‬وتؤكد إن معني الوزر في القرآن‪،‬‬
‫هو الحمل الثقيل من الذنوب والثام‪ ،‬التي فعلتها النفس(الوازرة) في هذه الحياة الدنيا‪ .‬فتجيء‬
‫يوم القيامة حاملة له‪ ،‬حيث توفى جزاء ما كسبت‪.‬‬

‫هذا يدعونا إلى الزعم‪ ،‬إن القرآن يتفرد عن سائر ما قيل أو كتب بالعربية‪ ،‬بالرغم من أنه نزل‬
‫بلسيان العرب ولغتهيم‪ .‬إل أنيه اسيتعملها باسيلوب مختلف يميزه تماميا عميا سيبق‪ .‬إن القرآن‬
‫يخصص بعض المترادفات في اللغة‪ ،‬ويستعملها في سياق خاص‪ ،‬ل يتغير؛ للتعبير عما يريد‬
‫أن يقوله من الجديد الذي ل يعرفه العرب‪ ،‬فيحكم اللفظة أو الية‪ ،‬ثم يفصلها‪.‬‬
‫على سبيل المثال‪ ،‬ن جد ه نا‪ ،‬ا نه خ صص كل مة الوزر للدللة على الذ نب‪ .‬وا ستخدم "الو قر" –‬
‫وهي متفردة الصيغة في القرآن كله‪ ،‬لنفهم منها‪ :‬إن المقصود ليس ذنبا‪ ،‬وليس ثقلً عاديا؛ بل‬
‫هو ثقل مميز جدا فهو متفرد الصفات‪.‬‬
‫ثم لو تأمل نا ا ستخدام الكل مة في الل غة العرب ية‪ ،‬نجد ها في‪ :‬أوقرت النخلة‪ :‬أي ث قل حمل ها من‬
‫الثمير‪ .‬كذلك نتأميل كييف تكون هذا الوقير؟ سينجد‪ ،‬إن النخلة ( الحاملة )‪ ،‬تمتيص المياه‪،‬‬
‫والعناصر الغذائية الخفيفة الوزن من التر بة‪ ،‬وتحولها إلى ثمار‪ ،‬تبدأ صغيرة خفيفة‪ ،‬ثم تكبر‬
‫وتثقل‪ ،‬عندها توصف النخلة بأنها موقرة‪ ،‬أو حاملة وقرا‪ .‬ولوقارنا هذه الصورة مع ما يحدث‬
‫في هذه النجوم العمل قة ‪ -‬ال تي نتحدث عن ها – لوجد نا أن ما يحدث بداخل ها يش به تماما‪ ،‬ما‬
‫يحدث فيي النخلة‪ .‬هذه النجوم‪ ،‬تقوم بتحوييل نويات عناصيرخفيفة الوزن‪ ،‬مثيل الهيدروجيين‬
‫والهيليوم‪ ،‬إلى عناصير اثقيل منهيا‪ ،‬مثيل الوكسيجين والنيتروجيين والكربون‪ ،‬ثيم تحول تلك‬

‫‪30‬‬
‫العناصيرالمتوسطة الثقيل نسيبيا‪ ،‬إلى عناصير أثقيل‪ .‬وتسيتمرعملية التكويين هذه؛ حتيي يتكون‬
‫الحديد‪ .‬هنالك يتم النضج وتذرو ما بداخلها من عناصر ثقيلة‪ ،‬فى انفجار مروع‪.‬‬
‫وسنشرح ذلك بتفصيل أكبر نسبيا‪ ،‬عندما نشرح الظاهرة الطبيعية‪ ،‬التى يسميها الفلكيون النوفا‬
‫و السوبرنوفا‪.‬‬

‫ل لعطيت المعنيى المراد‪.‬‬ ‫ولكين لماذا لم يسيتخدم القرآن لفيظ ثقيل؟ فلو قال‪ :‬فالحاملت ثق ً‬
‫والجابة عن هذا السؤال‪ ،‬مثل سابقه‪ ،‬أسلوب القرآن يتفرد ويتمايز عن اساليب العرب‪ ،‬بالرغم‬
‫من ان الحروف هي الحروف‪ ،‬والكلمات هي الكلمات‪ ،‬وهذا هو العجاز بعي نه‪ .‬ل قد ا ستخدم‬
‫القرآن لفظ الثقل على أنه نقيض الخفة‪ ،‬واستعمله استعمالً عاما‪ ،‬كما يتبين من اليات الكريمة‬
‫التالية‪:‬‬
‫ل ‪ :‬بمعني الحمل الثقيل المادي من الجسام ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫ل سُ ْقنَاهُ ِلبََلدٍ ّميّ تٍ‬ ‫سحَابا ثِقَا ً‬
‫ت َ‬ ‫حتّىي ِإذَا َأقَلّ ْ‬
‫ح َمتِ هِ َ‬
‫"وَهُ َو اّلذِي ُيرْ سِلُ ال ّريَا حَ ُبشْرا َب ْي نَ َيدَ يْ َر ْ‬
‫َفأَنزَ ْلنَا بِ ِه ا ْلمَاء " (‪7‬العراف ‪)75/‬‬
‫شقّ الَنفُسِ " (‪16‬النحل‪)7/‬‬ ‫حمِلُ َأثْقَاَل ُكمْ إِلَى بََلدٍ ّلمْ َتكُونُواْ بَاِلغِي ِه ِإلّ ِب ِ‬
‫" َو َت ْ‬
‫خ ْردَلٍ َأ َت ْينَا ِبهَا‬
‫حبّ ٍة مّنْ َ‬
‫ن ِمثْقَالَ َ‬
‫شيْئا وَإِن كَا َ‬ ‫سطَ ِل َيوْمِ ا ْل ِقيَامَةِ فَلَا ُتظْلَمُ نَفسٌ َ‬‫ن الْقِ ْ‬
‫" َو َنضَعُ ا ْل َموَازِي َ‬
‫سبِينَ" (‪21‬النبياء‪)47/‬‬ ‫َوكَفَى ِبنَا حَا ِ‬

‫ثانيا‪ :‬بمعني حمل الذنوب أو الوزار ‪.‬‬


‫عمّا كَانُوا يَ ْف َترُون" (‪29‬العنكبوت‪)13/‬‬
‫ن يَ ْو َم الْ ِقيَامَةِ َ‬
‫سأَلُ ّ‬
‫حمِلُنّ َأ ْثقَاَلهُمْ وََأثْقَالً مّ َع َأثْقَاِل ِهمْ وََل ُي ْ‬
‫"وََل َي ْ‬

‫ثالثا‪ :‬بمعني معنوي‪ ،‬وليس ماديا‪ .‬فمن يتقاعس عن الجهاد يوصف وكأنه تثاقل إلى الرض‬
‫لرْضِ" (‪ 9‬التوبة‪.)38/‬‬‫سبِيلِ الّلهِ اثّاقَ ْل ُتمْ إِلَى ا َ‬
‫" مَا َل ُكمْ ِإذَا قِيلَ َل ُكمُ ان ِفرُو ْا فِي َ‬
‫ومن يُدعي إلى الهداية‪ ،‬فل يستمع إليها‪ ،‬كأنهم يُسألؤن أجرا‪ ،‬ويخشون المغرم‪:‬‬
‫رمٍ ّمثْقَلُونَ" ( ‪ 52‬الطور‪ 68 ( ، ) 40/‬القلم ‪.) 46/‬‬ ‫سأَُل ُهمْ َأجْرا َفهُم مّن ّم ْغ َ‬ ‫" َأمْ َت ْ‬

‫ومن هنا نطمئن إلى‪:‬‬


‫إن معنى" فالحاملت وقرا " وكأنه – سبحانه تعالى‪ -‬يقول‪ :‬وأقسم بتلك الحاملت‪ ،‬التي تعقب‬
‫ذرو الذاريات‪ ،‬وتحمل حمل ثقيل‪ ،‬ماديا‪ ،‬خاصا جدا ‪.‬‬
‫***‬
‫" فالجاريات يسرا "‬
‫مرة أخرى ع طف بالفاء‪ .‬وبذلك ي جب أن يأ خذ فى الح سبان دللة التعق يب‪ .‬وذلك بمع نى‪ ،‬إن‬
‫الجاريات قد بدأت بالجرى‪ ،‬بعد عملية الذرو‪ .‬ويمكن أن يفهم أيضا‪ :‬إن الجاريات نشأت بسبب‬
‫عملية الذرو‪ ،‬التي بُدأ بها‪ .‬وذلك – عندى‪ -‬هو المرجح‪ .‬حيث أنه ليس من اللئق‪ ،‬وليس من‬
‫البلغية فيي شييء‪ ،‬وصيف الذاريات بالحاملت‪ ،‬ثيم وصيفها بالجاريات‪ .‬فحميل الثقيل يعييق‬
‫الجرى‪ ،‬والبناء اللغوي يرجح أن الذاريات تقوم بعملية الذرو‪ ،‬ويعقب ذلك الحاملت وِقرا‪ ،‬إلى‬
‫جانب الجاريات يسرا‪.‬‬

‫الجاريات‪ :‬اسيم فاعيل معطوف على الذاريات‪ ،‬وجميع مؤنيث سيالم‪ ،‬مفرده جاريية‪ .‬والجاريية‬
‫يوصيف بهيا حال كيل ميا يجرى أو مين تجرى‪ .‬والجرى هوالمرالسيريع (أو السييرالسريع)‪،‬‬
‫وأصله في الماء أو ما يجرى مجراه ‪ -12(،‬عمده الحفاظ )‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫وفى لسان العرب‪ :‬الجرو والجروة‪ :‬الصغير من كل شيء‪ .‬وفي الحديث الشريف‪" ،‬وأمسك ال‬
‫جِريية الماء" (بالجييم المكسيورة)‪ ،‬بمعنيى جريان الماء‪ .‬وجري الفرس وغيره جرييا‪ ،‬وجرت‬
‫الشمس وسائر النجوم أي سارت (بسرعة) من المشرق والمغرب‪.‬‬

‫والحر كة في علم الفيزياء هي النتقال من مكان إلى مكان‪ .‬أو بت عبير أدق‪ ،‬النتقال من نق طة‬
‫إلى أخرى‪ .‬وتوصف الحركة ( في الفيزياء) باتجاهها‪ ،‬وسرعتها‪ .‬وسرعة الشيء (أوالجسم)‪،‬‬
‫هي مقدار الم سافة ال تي يقطع ها الج سم في وحدة الز من (الثان ية‪ ،‬الدقي قة أو ال ساعة)‪ .‬وعند ما‬
‫يقال إن سرعة الضوء هي ‪ 300‬ألف كيلو مترا في الثان ية الواحدة( تك تب ‪ 300‬ألف كم ‪/‬‬
‫ثانيية )؛ يكون ذلك معناه‪ :‬إن مكونات (فوتونات) الضوء (أو بتعيبير آخير موجات الضوء)‬
‫تنتقل من نقطة الى أخرىمسافة قدرها ‪ 300‬ألف كيلو متر في كل ثانية‪.‬‬

‫إذا فالجاريات في الل غة‪ ،‬هى فاعلت للجري‪ ،‬تتحرك‪ ،‬وتن ساب‪ ،‬وت سيربسرعة‪ ،‬وي سر‪ .‬و هى‬
‫جرْيا يُ سْرا‪ .‬ويجوز‬
‫ن مصدرا‪ ،‬أي‪َ :‬‬
‫معطوفة بالفاء على اسم الفاعل الذاريات‪ .‬ويجوزُ‪ ،‬أن تكو َ‬
‫جعِلَتْ " ُيسْرا "‪ ،‬مبالغةً للدللة على السرعة‪.‬‬
‫سرٍ‪ ،‬أو َم ْيسَرة‪ .‬أو ُ‬
‫ن حالً‪ ،‬أي‪ :‬ذات ُي ْ‬
‫أَنْ تكو َ‬

‫والن إلى القرآن الكريم‪ ،‬نتعلم ونستلهم منه‪ ،‬كيفية استخدام جذرالكلمة‪ ،‬في صيغها المختلفة (‬
‫‪:)13‬‬
‫جاءت "الجاريات" بهذه ال صيغة‪ ،‬وحيدة في القرآن الكر يم‪ ،‬ج مع مؤ نث سالم مفرد ها جار ية‪.‬‬
‫ولو صح ما ذكرناه‪ ،‬من ان تفرد ال صيغة في القرآن؛ يو حي بأن هذه الجاريات ل ها خواص‪،‬‬
‫وصفات‪ ،‬تتفرد بها‪ ،‬عما نعرفه من أشياء أخرى تجرى‪ ،‬وتعارف عليها العرب قبل‪ ،‬أو وقت‬
‫نزول القرآن؛ لستطعنا القول بأن الجاريات هنا‪ ،‬مقصود بها‪ ،‬أشياء تجري بسرعة‪ ،‬لم تسمى‬
‫قبل نزول القرآن‪ ،‬وتعقب عملية الذرو‪ ،‬التي تقوم بها الذاريات‪ ،‬وأفضل ما يمكن وصفها به‬
‫هو‪ :‬أنها " الجاريات يسرا"‪.‬‬
‫والتأميل فيي القرآن‪ ،‬يسياعدنا فيي الطمئنان؛ بأن فهمنيا لمسيألة التفرد فيي المادة أو الصييغة‬
‫صحيح‪ .‬وأنه يدل على تفرد هذه الشياء‪ ،‬التي يرد ذكرها مفردة في القرآن‪:‬‬
‫(الجاريات) معرفة بأل‪ .‬وحيدة الصيغة‪ .‬ولكنها ليست وحيدة المادة ول المعني‪.‬‬
‫فمن مادتها جاء العديد من الصيغ‪.‬‬
‫فجاءت‪:‬‬
‫بصيغة الفعل الماضي مرة واحدة (جرين) في‪:‬‬
‫حٍ طَيّبَ ۬ةٍ وَفَرِحُواْ‬
‫ٱلف ُۡلكِ وَجَر َۡينَ بِہِم بِرِي ۬‬
‫ُم فِى ۡ‬ ‫ّى ِإذَا كُنت ۡ‬
‫َح ‌ۖرِ حَت ٰٓ‬
‫َٱلب ۡ‬‫ٱلبَرّ و ۡ‬ ‫ُم فِى ۡ‬ ‫"هُوَ ٱلّذِى يُسَيّرُك ۡ‬
‫ِم دَعَوُاْ ٱلَّ م ۡ‬
‫ُخلِصِينَ‬ ‫ُم ُأحِيطَ بِه ۡ‌ۙ‬
‫ّواْ أَنّہ ۡ‬
‫نٍ وَظَن ٓ‬
‫َوجُ مِن كُلّ مَكَا ۬‬ ‫ٱلم ۡ‬
‫فٌ وَج َٓاءَهُمُ ۡ‬ ‫بِہَا ج َٓاءَتۡہَا رِيحٌ عَاصِ ۬‬
‫(‪10‬يونس ‪،) 22/‬‬ ‫ِن ه َٰـذِهِۦ لَنَكُونَنّ مِنَ ٱلش ّٰـكِرِينَ"‬ ‫ِن أَنج َۡيتَنَا م ۡ‬
‫لَهُ ٱلدّينَ لَٕٮ ۡ‬
‫وبالفعيل المضارع (تجري) إحدى وخمسيون مرة‪ .‬معظمهيا اسيتخدمت لوصيف النهار التيي‬
‫تجري بان سياب‪ ،‬وي سر‪ ،‬و سهولة‪ ،‬ت حت الجنات‪ ،‬في ت عبير يتكرر‪" :‬جنات تجري من تحت ها‬
‫النهار"‪ .‬في هذه اليات الكريمة ( يمكن قرآتها في ‪ ،)13‬يبين لنا القرآن‪ :‬إن النهار تجرى‪.‬‬
‫وكذلك الفلك تجرى‪:‬‬
‫جرِي فِي ا ْل َبحْرِ" (‪ 31‬لقمان‪)31/‬‬ ‫ن الْفُ ْلكَ َت ْ‬
‫"أََلمْ َترَ أَ ّ‬
‫والشمس تجرى ‪:‬‬
‫(‪ 36‬يس‪)38/‬‬ ‫جرِي ِل ُمسْتَ َقرّ ّلهَا ذَِلكَ تَ ْقدِي ُر ا ْلعَزِيزِ ا ْلعَلِيمِ"‬ ‫شمْسُ َت ْ‬ ‫"وَال ّ‬
‫وواضح من هذه اليات الكريمة أن كل ما يتحرك بسرعة يمكن وصف فعله بالجرى‪ ،‬وتكون‬
‫الجاريات هي فاعلت للجري‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ثيم ورد مين المادة صييغة الفعيل (يجري) أربيع مرات‪ ،‬كلهيا جاءت لوصيف حال الشميس‬
‫والقمر‪" :‬كل يجري لجل مسمى"‪ ،‬في اليات الكريمة‪13( :‬الرعد‪ 35( ،)2/‬فاطر‪،)13/‬‬
‫و(‪ 39‬الزمر‪ .)5/‬كذلك في الية الكريمة ‪:‬‬
‫سمّى" (‪ 31‬لقمان‪.)29/‬‬
‫جرِي إِلَى َأجَلٍ ّم َ‬
‫ل َي ْ‬
‫شمْسَ وَالْ َق َمرَ كُ ّ‬
‫خرَ ال ّ‬
‫سّ‬‫" َو َ‬
‫ويجب ملحظة أن هذه الية الخيرة‪ ،‬تختلف عن آيات الرعد وفاطر والزمر‪ ،‬فقط في حرف‬
‫ل من " لجل"‪ ،‬ولم نجد من تفسير يتحدث عن الفرق‪ .‬وربما كان‬ ‫الجر‪ .‬استخدم " إلى أجل"‪ ،‬بد ً‬
‫ذلك الستعمال القرآني لحرف الجر(إلى) و (ل)‪ ،‬في موضعين مختلفين‪ ،‬فقط ليؤكد أن كلهما‬
‫يؤدي إلى نفس المعني‪ ،‬ويكون بذلك توثيقا لقواعد النحو‪.‬‬

‫وجاء الفعيل المضارع تجري‪ ،‬فيي صييغة المثنيي (تجريان)‪ ،‬مرة واحدة‪ .‬وهيو يصيف حال‬
‫عينان في الجنة ليس لهما مثيل فى الدنيا‪:‬‬
‫ريَانِ" (‪ 55‬الرحمن‪.)50، 46/‬‬
‫جِ‬‫ع ْينَانِ َت ْ‬
‫ج ّنتَانِ*‪ *..‬فِي ِهمَا َ‬
‫ن خَافَ مَقَامَ َربّهِ َ‬
‫"وَِلمَ ْ‬
‫ورب ما يكون اي ضا‪ ،‬ا ستعمال المث نى في "جنتان"‪ ،‬و"عينان تجريان"؛ لمجرد توث يق ا ستخدامات‬
‫الفعل المختلفة في اللغة‪ .‬وبذلك يضيف إلى علوم القرآن علما جديدا‪ ،‬وهو توثيق قواعد النحو‬
‫وال صرف‪ ،‬ح يث أن العرب قد ا ستخدموها بطري قة تلقائ ية‪ ،‬مور ثة من امهات هم‪ .‬فلو ق يل‪ :‬ان‬
‫لمن خاف مقام ربة جنة‪ ،‬فيها عين تجرى‪ ،‬لما نقص من المعنى شيئا‪ .‬فالجنة فيها ما ل عين‬
‫رأت‪ ،‬ول أذن سمعت‪ ،‬ول خطر على قلب بشر‪ .‬وربما تكون جنتان – وليست جنة واحدة –‬
‫اسلوب بلغى؛ للتعبيرعن عظم الثواب‪ ،‬والخير‪،‬الذى ينتظر من خاف مقام ربه‪ ،‬وإتقاه‪ .‬وهذا‬
‫شائع فى الثقافة‪ ،‬واللغة العربية‪.‬‬

‫واشتق القرآن من الفعل (جرى)‪ ،‬مرة اسم مؤنث معرفا ب "ال"‪ ،‬كما فى‪:‬‬
‫حمَ ْلنَاكُ ْم فِي ا ْلجَارِيَةِ" (‪ 69‬الحا قة ‪ . )11/‬ومرة اخرى صفة "جار ية"‪ ،‬ب ها‬ ‫"ِإنّ ا َلمّ ا طَغَى ا ْلمَاء َ‬
‫يصف العين‪ ،‬التى تأتى بماء يتدفق‪ ،‬وينساب ويجرى‪ ،‬وهى غير مُعرفة‪:‬‬
‫ريَةٌ " (‪88‬الغاشية‪.)12-10/‬‬ ‫ن جَا ِ‬
‫عيْ ٌ‬
‫غ َيةً * فِيهَا َ‬
‫جنّةٍ عَاِليَة ٍ* لّا َتسْمَعُ فِيهَا لَا ِ‬ ‫"فِي َ‬
‫أ ما آ ية الحا قة‪ ،‬ف قد جاءت بل فظ "الجار ية" معرف ب"ال"‪ ،‬وحيدة فى القرآن‪ .‬وعندي‪ ،‬فإن هذا‬
‫التعرييف ربماجاء بيه ال تعالى ليدلل على شيىء‪ ،‬ينفرد بصيفات خاصية دونيا عين باقيى‬
‫الجاريات‪ .‬و سبب هذا الف هم أن القرآن قد جاء ب"الجار ية" كم صطلح معروف للعرب في ذلك‬
‫الحين‪ ،‬وهي سفينة نوح بالذات‪ ،‬التى‪ ":‬تجرى بهم فى موج كالجبال" (‪11‬هود‪.)42/‬‬
‫والتى تتفرد عما عداها من السفن‪ ،‬فهى التى حملت ذرية البشر‪.‬‬
‫و ُدسُرٍ" (‪ 54‬القمر‪.)13/‬‬ ‫ومن صفاتها أنها" ذَاتِ أَ ْلوَاحٍ َ‬
‫حمَ ْلنَا ُذ ّر ّيتَهُ مْ‬
‫وهى التى اطلق عليها القرآن وصفا آخرهو‪ ":‬الفلك المشحون" في‪" :‬وَآ َيةٌ ّلهُ مْ َأنّا َ‬
‫شحُونِ" (‪36‬يس‪.)41/‬‬ ‫فِي ا ْلفُ ْلكِ ا ْل َم ْ‬

‫مين التحلييل أعله‪ ،‬يمكننيا ان نسيتنبط‪ :‬إن القرآن يرييد منيا – وال اعلم‪ -‬أن نتعرف على‬
‫مخلوق جدييد‪" :‬الجاريات"‪ .‬اسيم لشياء تجرى‪ ،‬ليسيت معروفية للعرب‪ ،‬ولييس لهيا اسيم‬
‫اصطلحي‪ ،‬وقت نزول القرآن‪.‬‬
‫يشيد عضدد هذا الفهيم‪ ،‬ان القرآن قيد حذف الموصيوف‪ ،‬وأقام الصيفات مقاميه‪ .‬فلوكان هذا‬
‫الشيء موجودا‪ ،‬وقت نزول القرآن‪ ،‬لذكره بإ سمه‪ .‬وعلى ذلك ي جب أن نتوقع أن الشياء التي‬
‫لم يسمها القرأن‪ ،‬وأقام الصفات مقامها‪ ،‬هي مخلوقات ل يعرفها العرب وقت التنزيل‪.‬‬

‫وجاء القرآن بالمصدر الميمى للفعل‪" ،‬مجرى" ؛ فى موضع واحد فى سورة هود‪:‬‬

‫‪33‬‬
‫جرَيهَا َومُرْسَاهَا ِإنّ َربّي َلغَفُورٌ ّرحِيمٌ" (‪11‬هود‪ ، )41/‬أى باسم ال‬ ‫سمِ اللّ هِ َم ْ‬
‫" َوقَالَ ا ْر َكبُواْ فِيهَا بِ ْ‬
‫جري السفينة ومستقرها‪.‬‬
‫وجاء القرآن باشتقاق آخر للكلمة‪"،‬الجوارِ"‪ .‬جمع تكسير لجارية‪ ،‬دون إثبات الياء‪.‬‬
‫و هذه اللفظة مهمة‪ ،‬دعنا نتأمل في استخدام القرآن‪.‬‬
‫وردت هذه الصيغة ثلث مرات‪ ،‬فى القرآن الكريم‪ .‬هى ‪:‬‬
‫ظهْرِهِ"‬
‫ن الرّيحَ َف َيظْلَلْنَ رَوَا ِكدَ عَلَى َ‬
‫سكِ ِ‬
‫شأْ ُي ْ‬
‫جوَارِ فِي ا ْل َبحْرِ كَا ْلأَعْلَامِ * إِن َي َ‬‫ن آيَاتِهِ ا ْل َ‬
‫" َومِ ْ‬
‫(‪42‬الشورى‪)32،33/‬‬
‫(‪55‬الرحمن‪)24/‬‬ ‫حرِ كَا ْلأَعْلَامِ "‬
‫" وَلَ ُه ا ْلجَوَارِ ا ْلمُنشَآتُ فِي ا ْل َب ْ‬
‫(‪81‬التكوير‪.)15،16/‬‬ ‫خنّسِ* ا ْلجَوَارِ ا ْل ُكنّسِ"‬‫" فَلَا ُأ ْقسِمُ بِا ْل ُ‬

‫وجميع التفاسير(‪ ،)8‬تفسر معنى " الجوارِ" (تنطق بكسر الراء‪ ،‬ورسمت في المصحف بغير‬
‫ياء الميد) فيي آيتيي الشورى والرحمان؛ بأنهيا هيي نفسيها الجواري‪ .‬والجواري جميع تكسيير‬
‫جاريية‪ ،‬كميا قييل أعله‪ .‬وهيى السيفن الجوارى أوالسيفن الجاريات‪ .‬ويقول الزجاج(‪ ،)8‬فيى‬
‫تف سيره لمع نى"الجوارِ"‪ ،‬في آ ية الرح من‪ ،‬يقول‪" :‬الْجوار" هي‪ :‬الجواري‪ ،‬الو قف علي ها بالياء‪.‬‬
‫وإن ما سقطت الياء في الل فظ؛ ل سكون اللم ( فى ال التعر يف)‪ ،‬والختيار و صلها‪ .‬وإن و قف‬
‫عليها واقف بغير ياء؛ فذلك جائز على بعد‪ .‬ولكن يروم الكسر فى الراء ليدل على حذف الياء‪.‬‬

‫وأ ما الجوارِ الواردة في آ ية سورة التكو ير( الخ نس‪ ،‬الجوار الك نس)‪ ،‬ف قد أهمل ها المف سرون‪،‬‬
‫وكأنها جلية بالنسبة لهم‪ ،‬ل تستدعي التأمل والفكر‪ .‬واهتموا بشرح وتفسير؛ الخنس والكنس‪.‬‬
‫وجميع الطيبرى (‪ )8‬فيي تفسييره ل"الخنيس الجوار الكنيس" القوال‪ :‬أنهيا النجوم فيي السيماء‪،‬‬
‫والبقر‪ ،‬والظباء‪ .‬وأضاف‪ :‬ولم يكن في الية دللة على أن المراد بذلك النجوم دون البقر‪ ،‬ول‬
‫البقردون الظباء؛ فالصواب أن يعم بذلك كل ما كانت صفته الخنوس أحيانا‪ ،‬والجرى أخرى‪،‬‬
‫والكنوس بآنات (أحيانا اخرى) على ما وصف جل ثناؤه من صفتها‪.‬‬
‫وعندي فإن الطبري‪ ،‬بذلك التعميم؛ قد أصاب كبد الحقيقة‪ .‬فالجواري هي كل ما كان في حال‬
‫جري‪.‬‬
‫إذا فالجوارِ هيي نفسيها الجواري‪ ،‬هيي نفسيها الجاريات‪ ،‬مين الناحيية اللغويية‪ .‬كلهين فاعلت‬
‫للجري‪ .‬الولي جمع تكسير لجارية‪ ،‬رسمت في المصحف دون ياء‪ .‬ولعل ذلك اصطفاء يدلل‬
‫على التفرد والتم يز‪ .‬والثان ية ج مع تك سير لجار ية‪ ،‬ومرة اخرى نقول‪ :‬ا صطفاء وتخ صيص؛‬
‫رب ما‪ ،‬يراد به الدللة على تفرد فى ال صفات‪ .‬والثال ثة ج مع مؤ نث سالم‪ ،‬مفرده جار ية أيضا‪،‬‬
‫والجار ية‪ :‬هي كل ما كا نت فاعلة للجري‪ .‬أو من كان في حالة جري‪ ،‬ول يس بالضرورة أن‬
‫تتماثل شخوص الجاريات؛ فالشمس جارية‪ ،‬والسفينة جارية‪ ،‬والفتية من النساء جارية‪ ،‬كائنات‬
‫مختلفة‪ ،‬لكنها تفعل نفس الفعل‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫وأعتقد أن ذلك أسلوب من أساليب القرآن‪ ،‬استخدمه سبحانه‪ ،‬لعطي بعدا إضافيا لدللة اللفظة‪.‬‬
‫وهو أسلوب إنفرد به القرآن‪ ،‬دزنا عن جميع ما كتب بالعربية قديما وحديثا‪.‬‬

‫المتأمل فيما سبق أعله؛ يجب أن تعن له بعض السئلة‪:‬‬


‫‪.1‬لماذا قال ‪ -‬تعالي‪ " -‬فالجاريات يسرا " ولم يقل فالجواري يسرا ؟‬
‫‪.2‬و لماذا قال تعالي "فل أق سم بالخ نس* الجوار الك نس"‪ ،‬ولم ي قل فل أق سم‬
‫بالخنس الجاريات الكنس؟‬
‫يحف دون ياء‪،‬‬ ‫يي المصي‬ ‫يمت في‬ ‫ين الجواري ورسي‬ ‫يت الياء مي‬‫‪.3‬لماذا حذفي‬
‫"الجوارِ" ؟‬

‫‪34‬‬
‫‪.4‬لماذا تكررت كلمية "الجوارِ" (رسيمت دون ياء) ثلث مرات‪ ،‬فيى ثلث‬
‫آيات مختلفة؟ فى آيتين منهن‪ ،‬جاءتا واضحات‪ ،‬مؤكدات المعني‪ ،‬ل لبس‬
‫فيي معناهين‪ ،‬واضحات الدللة ( فيي سيورتى الرحمين والشورى)‪ ،‬أميا‬
‫الثالثة جاءت غير واضحة المعنى‪ ،‬ول مؤكدة الدللة‪.‬‬

‫الجا بة عن ال سؤال الول‪ ،‬تبدو في جزء من ها‪ ،‬سهلة ي سيرة‪ .‬و هي أن القرآن الكر يم قد جاء‬
‫بل فظ " الجاريات" في آ ية الذاريات؛ ح تى يتنا غم البناء القرآ ني مو سيقيا‪ .‬فل فظ الجاريات جاء‬
‫ليتناسق موسيقيا مع الذاريات والحاملت‪ ،‬فاللفاظ الثلثة جمع مؤنث سالم‪ :‬الذاريات هي التي‬
‫تذرو‪ ،‬والحاملت هي ال تي تح مل‪ ،‬والجاريات هي ال تي تجري‪ .‬والمعروف أن القرآن الكر يم‬
‫قد حرص على أن تكون ألفاظه وآياته موزونة‪ ،‬بحيث يكون لها موسيقى خاصة بها‪ ،‬تقع في‬
‫نفيس السيامع والقارئ‪ ،‬موقعا طيبا محببا إليية‪ ،‬إل ان ذلك يسيتحيل؛ أن يأتيي علي حسياب‬
‫المعنى‪ .‬وكذلك ل يجب أن ننسى ما يقوله اللغويون‪ ،‬أن جمع المؤنث السالم يدل على التكثير‪،‬‬
‫بينميا جميع التكسيير يفييد القلة‪ ،‬بمعنيى أن لفيظ الجاريات يسيتخدم فيي حالة الكثرة‪ ،‬ولفظية‬
‫الجواري توحى بقلة عدد اللتي يجرين‪.‬‬

‫ولكن‪ ،‬إذا صلح هذا الكلم إجابة للسؤال الول‪ ،‬فهو غير صالح للجابة عن السؤال الثاني‪.‬‬
‫فقوله تعالي "فل أقسم بالخنس* الجوارالكنس" ل تتأثرموسيقاه‪ ،‬ول تتغير رؤوس اليات‪ ،‬حين‬
‫نقول‪ :‬فل أقسم بالخنس* الجاريات الكنس‪ .‬ولذا فلعينا أن نبحث عن سبب آخر‪ ،‬لفهم اختياره‬
‫للفظ (الجوارِ) أثبتت في المصحف‪ ،‬دون الياء؟‬

‫لنبدأ بذ كر سريع لمشكلة الحذف‪ .‬هذه المشكلة لي ست جديدة‪ .‬ل قد ناقش ها المف سرون واللغويون‬
‫والنحاة الوائل‪ ،‬عند ما ناقشوا ال سجع‪ ،‬ورعا ية الفوا صل في القرآن الكر يم ( للمز يد في هذا‬
‫الموضوع أنظرالعجاز البيانى للقرآن لبنت الشاطئ ‪ ،14 -‬من صفحة ‪ ) 253‬وانتهت بنت‬
‫الشاطئ إلى القول‪:‬‬
‫"أفل يكون القائلون بالحذف (تق صد حذف الياء‪ ،‬وعدم إثبات ها في الم صحف) قد تعجلوا بم ثل‬
‫هذا القول‪ ،‬فيي آيتيى سورة الفجير‪" :‬واللييل إذا يسيرِ"‪ ،‬و"وثمود الذيين جابوا الصيخر بالوادِ" (‬
‫‪89‬الفجر‪ ،)4،9/‬ونظائرهما من مثل‪":‬الجوار الكنس"‪ ،‬محتكمين إلى قواعد اللغويين والنحاة في‬
‫المع تل ال خر والمنقوص‪ ،‬ح ين ينب غي أن نعرض قواعد هم على ما يهدي إل يه ال ستقراء ل كل‬
‫مواضع الحذف والثبات في الكتاب المحكم؟ ( ‪ 14‬ص ‪.)271‬‬
‫و نقول‪ :‬إذا كان هذا الخلف لم يحسم بعد‪ ،‬أليس من الواجب أن نبحث عن سبب آخرقد يكون‬
‫قد غاب عن الولين؟‬
‫ما أذهب‪ ،‬وما أطمئن إليه‪ -‬وهنا نكرر ما سبق‪ -‬هو‪ :‬ان ال – عز وجل‪ ،‬قد اختار كلمات لها‬
‫نفس المعني‪ ،‬واستخدمها بصيغ مختلفة‪ ،‬حتى يسوق لنا معلومة (في آيات متشابهة)‪ ،‬خفيت‬
‫علينا وقت نزول القرآن‪.‬‬

‫وتوضييح ذلك‪ :‬الجاريات هيي أشياء تجري‪ ،‬والجواري أيضا هيي أشياء تجري‪ ،‬لكين العزييز‬
‫الحكيم أراد أن يبين لنا أن الجاريات التي تع قب الذاريات‪ ،‬ليست مثل الخنس الجوارِ الك نس‪،‬‬
‫ال تي تجري أيضا‪ .‬كله ما يجري‪ ،‬ل كن له ما ماه ية مختل فة‪ .‬ف ما كان من القرآن‪ -‬ل سوق هذه‬
‫المعلو مة‪ -‬إل ان اختار للولي صيغة ج مع المؤ نث ال سالم‪ .‬واختار للثان ية صيغة أخرى هي‬
‫جمع التكسير‪.‬‬
‫ولو كان ما قل ته صحيحا؛ فإن ذلك سوف يودي إلى عدم اطمئنا نى ل ما قاله ب عض المف سرون‬
‫العلميون‪ ،‬إن الخنيس‪ ،‬الجوارِ الكنيس‪ ،‬هيي نفسيها الجرام السيماوية‪ ،‬التيي يسيميها الفلكيون‬

‫‪35‬‬
‫الثقوب السوداء (‪ .) Black Holes‬ويأتي عدم الطمئنان من حقيقة أن الثقوب السوداء التي‬
‫يتحدث عن ها الفلكيون‪ ،‬هي عبارة عن مراكزث قل‪ ،‬تتر كز في ها المادة‪ ،‬وبالتالي يكون ل ها قوة‬
‫جذب فائ قة‪ ،‬ويكون و صفها بالجوارِ؛ يدعو نا الى مز يد من التر يث‪ ،‬ح تى يترا كم المز يد من‬
‫المعارف عن هذه الجرام‪ .‬كذلك فإن الثقوب ال سوداء كثيرة متعددة‪ ،‬وبالتالي ل يتنا سب مع ها‬
‫جميع التكسيير‪ .‬بناءا علي ذلك سيتظل – بالنسيبة لي – الخنيس الجوارِ الكنيس‪ ،‬مجهولة‪.‬‬
‫ومعرفتها يحتاج إلى تدقيق وفحص‪ ،‬قبل الوصول إلى نتيجة‪.‬‬
‫ومن هذا يتبين لنا أقوال القرآن‪ ،‬التي تتحدث عن آيات تتكشف على مر اليام‪:‬‬
‫ل َكذّبُو ْا ِبمَا َلمْ ُيحِيطُو ْا ِبعِ ْلمِهِ وََلمّا َي ْأ ِتهِمْ َت ْأوِيلُهُ" (‪10‬يونس‪)39/‬‬‫" بَ ْ‬
‫سيُرِي ُكمْ آيَاتِهِ َف َت ْعرِفُو َنهَا " (‪27‬النمل‪)93/‬‬ ‫ح ْمدُ لِلّ ِه َ‬
‫" َوقُلِ ا ْل َ‬
‫ومين هذا نعلم‪ ،‬لماذا كان مين القرآن ميا هيو عسيير على الفهيم والتفسيير‪ .‬وهذا الصينف مين‬
‫اليات الكريمة‪ ،‬أطلق عليه الوائل اسم " غريب القرآن" أو"مشكل القرآن"‪.‬‬

‫يبقى سؤالنا الثالث – وهو‪ ،‬لماذا حذفت الياء من الجواري؟ – دون جواب‪.‬‬
‫إ ني ل أ جد سببا‪ ،‬غيرأن حذف الياء فى الجوارِ‪ ،‬هو لجذب انتباه نا‪ ،‬ودفع نا دف عا إلى التأ مل‬
‫والب حث‪ .‬وكأ نه يقول للب شر‪ :‬إن الجوارِ والجواري كله ما يجري‪ ،‬لكنه ما اشياء مختل فة‪ .‬أ ما‬
‫حذف الياء في ب عض اليات الخرى – ال تى ناقش ها ال سلف ‪ -‬فرب ما يكون لن فس ال سبب‪ ،‬أو‬
‫يكون لكل حذف سبب آخر‪ ،‬يناقش في موضعه‪ .‬ويجب على المفسر الباحث المدقق ‪ -‬في مثل‬
‫هذه الحالت‪ -‬أن يأخذ في الحسبان‪ ،‬حقيقة أن قواعد اللغة والنحو‪ ،‬وضعت بعد نزول‪ ،‬وكتابة‬
‫القرآن بحوالى قرن ين من الزمان‪ .‬ولذا كان من الوا جب أن يكون ا ستقراء القرآن هو الهادي‬
‫الول‪.‬‬

‫أما إجابة السؤال الرابع‪ :‬إني أطمئن‪ ،‬إلى ما سبق ان قاله السلف‪ .‬القرآن الكريم‪ ،‬يفسر بعضة‬
‫بعضا‪ .‬وأن لفيظ "الجوارِ" الوارد فيي سيورتي الشورى والرحمان بمعنيي السيفن تجري؛ هيو‬
‫معني مؤكد ‪،‬ل يختلف فيه اثنان‪ ،‬لنه شديد الوضوح في اليتين الكريمتين‪.‬‬
‫وعلى العكس من هذا الوضوح؛ فإن لفظ "الجوارِ" الوارد في سورة التكوير غير محدد الدللة‪،‬‬
‫والمقصود منه‪ ،‬غير معروف‪ ،‬ومختلف فيه‪ -‬كما سبق أن ذكرنا‪.‬‬

‫ولو تأمل نا قليل في هذا المثال‪ ،‬فإ نه يبدو لى‪ :‬أن من أ ساليب القرآن في تف سير بع ضه بع ضا‪،‬‬
‫أن يأتي بآية‪ ،‬أو آيتين‪ ،‬أو أكثر‪ ،‬على قدر المطلوب؛ لشرح‪ ،‬وتوضيح‪ ،‬معني لفظة في الية‪،‬‬
‫ال تى يشت به فى المراد منهيا‪ .‬فيي الحالة هذه ال تي ن حن بصيددها‪ ،‬ل فظ "الجوارِ"‪ ،‬في اليت ين‬
‫الكريمتيين‪" :‬فل أقسيم بالخنيس* الجوارِ الكنيس"‪ .‬ويكون سيياق آيتيى الشورى والرحمان‪ ،‬دال‬
‫على المعنيى المراد‪ .‬وهذا أسيلوب الحكام والتفصييل‪ ،‬يحكيم فيي آيية‪ ،‬ثيم يفصيل فيي اماكين‬
‫أخرى‪ .‬وعلى المفسر أيضا‪ ،‬أن يتزود بكثير من المعارف‪ ،‬عن العلوم الكونية الحديثة‪ .‬فالعلم‬
‫ي ساعد على توض يح وت صور‪ ،‬المع نى المق صود‪ .‬وه نا نذ كر بأن القرآن جاء هدا ية للبشر ية‪.‬‬
‫يهدي هم الى أ سلوب حيات هم‪ ،‬في هذه الحياة الدن يا‪ ،‬وبالتالي فإ نه يقدم ل هم علو ما‪ ،‬عن سنن ال‬
‫الكونية في هذه الحياة‪ ،‬جنبا الى جنب‪ ،‬مع علوم‪ ،‬تبين ما سيؤل اليه البشر‪ ،‬بعد النقلب في‬
‫الحياة القادمة‪ ،‬بعد القيامة‪.‬‬

‫من هذا التحليل‪ ،‬نطمئن للقول بأن الجاريات يسرا‪ ،‬أشياء تجري تعقب الذاريات‪ ،‬غاب اسمها‪،‬‬
‫واقيميت صيفتها‪ ،‬لنهيا لم يعرف لهيا اسيما وقيت نزول القرآن‪ ،‬ولم تصيطلح البشريية على‬
‫تسميتها‪ .‬كذلك نفهم أنها متواجدة بكثرة في الكون‪.‬‬
‫***‬

‫‪36‬‬
‫فالجاريات يسرا ‪:‬‬
‫اليسر في اللغة ضد العسر‪ .‬واليسرى ‪ :‬السهل‪ .‬واليسير‪ ،‬والميسور‪ ،‬هو‪ :‬السهل‪ .‬ويسرا أي‬
‫سهولة وسعة‪ .‬والشيء اليسير يقال في الشيء القليل (‪.)12‬‬
‫وسبق أن نقلنا عن الرازي أن "يسرا" منصوبة؛ لنها صفة مصدر‪ ،‬تقديره جريا ذا يسر‪.‬‬
‫وصفة الجري‪ ،‬أو الجاريات جريا ذا يسر‪ ،‬يوحي بسرعة الحركة‪ ،‬وعدم الممانعة‪ ،‬والنسياب‪،‬‬
‫والنطلق‪.‬‬

‫وفي القرآن جاءت الكلمة بصيغ مختلفة‪ .‬في آيات عديدة (‪ ،)13‬لم يخرج فيها استخدام الكلمة‬
‫عن المعاني المذكورة‪.‬‬
‫وفي القرآن استخدمت مادة "يسر"؛ في ست مواضع هي‪:‬‬
‫رنَا ُيسْرا" (‪18‬الكهف‪)88/‬‬ ‫ن َأ ْم ِ‬
‫ل لَ ُه مِ ْ‬ ‫سنَقُو ُ‬
‫‪َ "-1‬و َ‬
‫ن َأ ْمرِهِ ُيسْرا" (‪ 65‬الطلق‪)4/‬‬
‫جعَل لّ ُه مِ ْ‬ ‫‪َ "-2‬ومَن َيّتقِ اللّ َه َي ْ‬
‫سرٍ ُيسْرا" (‪ 65‬الطلق‪)7/‬‬ ‫عْ‬
‫جعَلُ اللّهُ َب ْعدَ ُ‬ ‫‪"-3‬سَ َي ْ‬
‫سرِ ُيسْرا" (‪94‬الشرح‪)5/‬‬ ‫ن مَعَ ا ْل ُع ْ‬‫‪َ "-4‬فإِ ّ‬
‫ر ُيسْرا" (‪94‬الشرح‪)6/‬‬ ‫‪"-5‬إِنّ مَ َع ا ْل ُعسْ ِ‬
‫‪"-6‬فَا ْلجَارِيَاتِ ُيسْرا" (‪51‬الذاريات‪)3/‬‬
‫وكلمة (يسرا) فى كل هذه المواضع سهلة الفهم‪ ،‬واضحة المعنى‪ ،‬مؤكدة ل لبس فى معناها‪،‬‬
‫إل الموضع الخير‪ .‬وصعوبة فهم معناها فى هذا الموضع؛ ليس في ذات الكلمة "يسرا"‪ ،‬ولكن‬
‫ال صعوبة تك من فى تحد يد مع نى الجاريات‪ ،‬فلو فهم نا ماه ية الجاريات‪ ،‬و ما الذى تفعلة هذه‬
‫الجاريات؛ لفهمنا لماذا وصف جريها او حالها باليسر‪.‬‬
‫والقرآن بهذا السلوب يساعدنا في تعيين معنى الكلمة وتعريفها‪:‬‬
‫• من ال ية ال سابعة من سورة الطلق‪ ،‬يمكن نا ف هم أن ي سرا ت صف حال‪ ،‬فب عد حال‬
‫العسر؛ يأتى حال اليسر‪ .‬فالجاريات تجري في يسر‪.‬‬
‫•ومن استخدام "بعد" في الية نفسها‪ ،‬نستلهم أن عملية الجري هذه تتم بعد الذرو‪.‬‬
‫بعدما تذرو الذاريات‪ ،‬تنطلق الجاريات‪.‬‬
‫• ثم استخدام "مع" فى آيتي سورة الشرح " إن مع العسر يسرا"‪ ،‬ومن ذلك نستلهم‬
‫ايضا؛ أن الزمن بين عمليتى الذرو والجري هو زمن متناهي في الصغر؛ لدرجة‬
‫أنه من الممكن استعمال "مع" بدلً من "بعد"‪ ،‬والمعية تلغى الفروق فى الزمن‪ .‬أي‬
‫ان الفرق بين الذرو والجري قصيرن شديد القصر‪.‬‬
‫•وآيتيي النشراح توحيان أيضيا؛ بتلزم الحالت وترابطهيا‪ ،‬فالعسير واليسيرمعا‪.‬‬
‫وكذا‪ ،‬الذرو والحمل والجري‪ .‬وتوحي اليتين أيضا‪ ،‬بعملية التزاوج بين الشياء‪.‬‬
‫وكأنه يريد أن نفهم أن عمليتى الحمل والجرى مترابطتتان‪.‬‬

‫هذا السلوب فى تفسير القرآن بالقرآن‪ ،‬اسميه "أسلوب الحكام والتفصيل"‪ ،‬من قوله تعالى ‪:‬‬
‫(‪11‬هود‪.)1/‬‬ ‫خبِيرٍ"‬
‫حكِيمٍ َ‬
‫ت مِنْ َل ُدنْ َ‬
‫ح ِكمَتْ َآيَاتُ ُه ُثمّ فُصّلَ ْ‬
‫"الر ِكتَابٌ ُأ ْ‬

‫وقول السلف‪" ،‬القرآن يفسربعضه بعضا"‪ ،‬قول صحيح‪ .‬ولكنهم لم يطبقوه كاستعمالنا اعله‪.‬‬

‫هذا السلوب لم يتبلوربعد‪ ،‬ومازال تحت التطوير‪ ،‬ويحتاج إلى كثير من الضبط والتدقيق‪ .‬إل‬
‫أ نه قد ساعدنا‪ ،‬فى ف هم وض بط معا ني ب عض الكلمات القرآن ية ذات الدللة العلم ية‪ ،‬وتو صلنا‬
‫بتطبيقه الى معان دقيقة‪ ،‬تتوافق تماما مع المعارف العلمية الحديثة‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫والمقصود من إحكام القول‪ :‬ذكره‪ ،‬باسلوب متقن‪ ،‬ألفاظه منتقاه بدقة؛ بحيث ل يمكن استبدال‬
‫الكلمة بأخرى تترادف معها‪ .‬هذا النتقاء يمنع المعنى المقصود من الفساد‪ ،‬ويعطي الدللة‬
‫المرادة بدقة‪ .‬وعلى ذلك يكون معنى "أُحكمت آياته"‪ :‬أى نُظمت نظما متقنا‪ ،‬باسلوب يمنعها من‬
‫الفساد‪ ،‬حتى تؤدي مغزى خاص‪ ،‬ل يلحقه تناقض ول خلل‪.‬‬

‫هذا المعنى لليات المحكمة ( والكلمة المحكمة)‪ ،‬على خلف الفهم الشائع‪ :‬إن المحكم من‬
‫اليات‪ ،‬هي اليات محددة الدللة واضحة المعنى‪ ،‬وأنها مقابلة لليات المتشابه‪ ،‬التي يغيب‬
‫معناها عنا‪.‬‬
‫قال مجاهد ‪" :‬أحكمت آياته ثم فصلت" ‪ :‬احكمت جملة ثم بينت بذكر آية آية‪.‬‬

‫والفصل في اللغة‪ :‬ابانة أحد الشيئين من الخر‪ ،‬حتى يكون بينهما فرجة‪ .‬ومنه قيل المفاصل‬
‫(الصفهانى)‪ ،‬وكذا في باقي المعاجم‪.‬‬
‫والتفصيل يساعد على الوضوح والبانة‪ .‬بينما الحكام ل يؤدي إلى الوضوح‪ ،‬بل على العكس‬
‫قد يؤدي في بعض الحالت الى الغموض‪.‬‬
‫حكَمة‪ :‬الممنوعة من التغيير وكل التبديل‪ ،‬وأن يلحق بها ما يخرج‬
‫وفى القرطبى‪ :‬السورة ال ُم ْ‬
‫عنها ويزاد عليها ما ليس منها‪ .‬ويقال احكم الشىء إذا اتقنه‪ ،‬ومنعه من الخروج عما يريد‪،‬‬
‫( أو عما يراد به‪ ،‬إن كان قول)‪.‬‬

‫وكذلك فإن الشائع في التفاسير‪ :‬ترادف الحكام والتقان‪ ،‬يفسر أحدهما بالخر ( وهو ما جرى‬
‫على لسان العرب)‪ .‬ولكن بالتأمل في كيفية استخدام القرآن للكلمتين؛ يبدو لى‪ ،‬إن القرآن‬
‫خصص لفظ الحكام لوصف القول المتقن‪ ،‬ولفظ التقان لوصف الفعل المتقن‪:‬‬
‫"صنع ال الذى أتقن كل شىء" (‪27‬النمل‪،)88/‬‬
‫ويجب ملحظة أن كلمة أتقن – صيغة ومادة ‪ -‬قد وردت مرة واحدة في القرآن كله‪ ،‬مما‬
‫يوحي بصحة ما نذهب اليه من فكرة التخصيص القرآني في استعمال الكلمات المترادفة‪.‬‬

‫ولقد طبقت هذا السلوب‪ ،‬لستنباط المعنى العلمى الدقيق لكلمة "طمست"‪ ،‬فى الية الكريمة "‬
‫فاذا النجوم طمست"‪ .‬كذلك معنى كلمة "تضحى" فى الية الكريمة‪" :‬ان لك ال تجوع فيها ول‬
‫تض حى"(‪ 20‬طه‪ .)119/‬وبي نا ما هو الض حى‪ ،‬الذى اق سم به العلى القد ير‪ ،‬فى " والض حى*‬
‫والليل اذا سجى "‪ .‬كذلك بينا ما المقصود بضحى الشمس‪ ،‬فى "والشمس وضحاها"‪ .‬ولقد أجاب‬
‫هذا ال سلوب‪ ،‬على ال سؤال الصيعب‪ :‬ماالفرق ب ين‪ :‬متيى وأيان؟ عنيد ال سؤال عن ميعاد يوم‬
‫القيامة‪ .‬ولقد جاء ذلك في بحث آخر أسميناه الدللت العلمية لبعض اللفاظ القرآنية‪.‬‬
‫و ما يجيب التنيبيه ال يه ان هذا السيلوب مازال فيى طورالطفولة‪ ،‬ولم يصيل بعيد الى النضوج‬
‫والبلورة‪ .‬ولكن نا نؤ كد أ نه سيحل مشا كل كثيرة‪ ،‬فى تف سير ما خ في علي نا فى القرآن‪ ،‬عند ما‬
‫يكت مل‪ .‬و سوف يز يل ب عض الخلفات فى التأو يل‪ .‬و سوف يض يف معارف جديدة؛ رب ما لم‬
‫يتوصل اليها العلم الحديث بعد‪.‬‬

‫وبالتالى نطمئن الى ان معنى "فالجاريات يسرا"‪ :‬وكأنه يقول – سبحانه‪ :‬اقسم بهذه الشياء التى‬
‫تتحرك فى سرعة‪ ،‬وتنطلق ب سهولة وإن سياب‪ .‬و هى ال تي تع قب الذاريات‪ ،‬ب عد ذرو ها‪ ،‬و قد‬
‫نتجت عنها‪.‬‬
‫***‬
‫" فالمقسمات أمرا "‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫الفاء هي فاء الع طف‪ ،‬تف يد الترت يب والتعق يب‪ .‬ويكون المع نى‪ :‬اق سم بالذرايات ذروا‪ ،‬واق سم‬
‫بالحاملت وقرا‪ ،‬وأقسم بالجاريات يسرا‪ ،‬وأقسم بالمقسمات أمرا‪ ،‬إن ما توعدون لصادق‪ ،‬وإن‬
‫الدين لواقع (جوابا القسم)‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬هل الذرايات‪ ،‬هي نفسها الحاملت‪ ،‬هي نفسها الجاريات‪ ،‬هي نفسها المقسمات؟‬
‫أى‪ :‬هيل تغيرت الصيفات والموصيوف واحيد؟ بمعنيى‪ :‬هيل الذرايات ذرون فحملن فجريين‬
‫فقسمن؟‬
‫لقيد بينيا سيابقا‪ ،‬إن التيى تذرو ذروا لينبغيى ان توصيف بانهيا تحميل وقرا‪ ،‬أو تجرى يسيرا‪.‬‬
‫فيكون من الغريب أن يصف القرآن البليغ الشيء الذي يُبدد ويُطيّر؛ بأنه هو نفسه الذي يحمل‬
‫وقرا‪ ،‬اويجري فى ي سر‪ .‬وبالتالي فل يس من المقبول أن تكون الذاريات هي نف سها الحاملت‪،‬‬
‫أو الجاريات‪ .‬أميا فيي حالة المقسيمات؛ فعمليية التقسييم تتشابيه فيي جانيب‪ ،‬ميع عمليية الذرو‪.‬‬
‫فالذاريية تفرق وتبدد الخفييف‪ ،‬وتبعده عين الثقييل‪ ،‬كميا تفعيل الرياح بهشييم النبات الجاف‬
‫المتكسير‪ ،‬وبالتالي فإنهيا تقوم بالتقسييم‪ ،‬أو بالتفرييق‪ .‬ولكين‪ ،‬سيياق اليات وترتييب الفاعلتين‬
‫يوحي بفهم آخر‪ .‬فليس من البلغة في شيء‪ ،‬أن يتحدث القرآن عن ذرايات‪ ،‬فحاملت وقرا‪،‬‬
‫فجاريات يسرا‪ ،‬ثم يعود بعد فترة‪ ،‬ليصف الذرايات بالمقسمات‪.‬‬
‫ونطمئن إلى‪ :‬إن المق سمات لي ست هي الذرايات‪ .‬وإلى أن عمليات الذرو‪ ،‬والح مل‪ ،‬والجري‪،‬‬
‫والتقسيم‪ ،‬هي أفعال مختلفة لشياء مختلفة تعقب بعضها البعض‪.‬‬
‫ونطمئن أيضيا الى القول‪ :‬إننيا أمام حالة جديدة‪ ،‬غيير معلومية لنيا‪ ،‬يحاول القرآن وصيفها‬
‫بأوصاف تعيننا على التعرف عليها‪ ،‬ربما بعد حين‪.‬‬

‫المقسمات في اللغة‪:‬‬
‫يقول الراغب الصفهانى في مفرداته(‪ :)12‬القسم والتقسيم‪ ،‬هو‪ :‬إفراز النصيب‪ .‬يقال قَ سَمتُ‬
‫كذا ق سما وق سمة‪ .‬وق سمة الميراث والغني مة‪ ،‬هي‪ :‬تفريق ها (وتوزيع ها) على أرباب ها‪ .‬ور جل‬
‫منق سم القلب‪ ،‬أى اقت سمه ال هم‪ .‬واق سم‪ ،‬أى‪ :‬حلف‪ .‬وأ صل هذا المع نى من الق سامة‪ .‬والق سامة‬
‫هذه‪ ،‬كانت أيمان تقسم على أولياء المقتول( للخذ بثأره)‪ ،‬ثم صار اسمها لكل حلف‪.‬‬
‫سمَ الدهرُالقومَ‪ :‬أى‪ :‬فرقهم الدهر‪.‬‬
‫سمَهُ‪ ،‬و َقسّمهُ‪ :‬أى جزّأه‪ .‬و َق َ‬
‫وفى القاموس المحيط ‪ :‬قَ َ‬
‫وفيى معجيم ألفاظ القرآن‪ :‬قسيمنا بينهيم‪ :‬اى أعطينيا كل نصييبه‪ .‬ويقسيمون‪ ،‬أى يوزعون‪.‬‬
‫َسيمُ‪ :‬اليميين أو الحلف‪ .‬والمقسيمات‪:‬‬ ‫والقسيمة‪ :‬أي التوزييع‪ .‬والقسيمة‪ :‬الشييء المقسيوم‪ .‬والق َ‬
‫الملئكية‪ ،‬يوزعون المور‪ ،‬على حسيب ميا أراد ال‪ ،‬أوالرياح توزع المطار‪ .‬والمقسيمات‬
‫أمرا‪ :‬يوزعون المور‪ ،‬على حسب ما أراد ال ( يلحظ أن صاحب القاموس‪ ،‬فسر المقسمات‬
‫أمرا‪ ،‬على أنها‪ :‬إما الملئكة‪ ،‬أو الرياح)‪.‬‬
‫ونلحيظ مين اسيتعراض المعنيى فيي المعاجيم؛ أن كيل ميا ورد‪ ،‬مين صييغ لمادة (قَس َيمَ)‪ ،‬قيد‬
‫اسيتخدمت فيي ابانية القسيمة‪ ،‬والتقسييم‪ .‬ومعناهيا‪ :‬التوزييع وإفراز النصييب‪ .‬وهذا هيو أصيل‬
‫استخدام الكلمة في الستعمال اللغوي‪.‬‬

‫استخدام القرآن للكلمة ‪:‬‬


‫جاءت الكلمة في القرآن بمعنى القسم‪ ،‬وهو اليمين‪ ،‬أو الحلف في آيات كثيرة مثل‪:‬‬
‫عظِيمٌ " (‪56‬الواقعة‪)76،75/‬‬‫" فَلَا ُأ ْقسِمُ ِب َموَاقِعِ ال ّنجُومِ ‪ ،‬وَِإنّهُ َل َقسَ ٌم لَ ْو َتعَْلمُونَ َ‬
‫واصل القسم فى اللغة العربية من القسامة وهى أيمان تقسم على أولياء المقتول‪ ،‬ثم صار اسما‬
‫لكل حلف‪ ،‬قالها الراغب الصفهانى في مفرداته كما ذكر آنفا‪ .‬واشتق القرآن من هذا المعنى‬
‫الكثير من الصيغ هي‪ :‬أقسمتم (‪ ،)2‬اقسموا (‪ ،)6‬اقسم(‪ ،)8‬تقسموا(‪ ،)1‬يقسم(‪ ،)1‬يقسمان(‪،)2‬‬
‫تقاسموا (‪ ،)1‬تستقسموا(‪ ،)1‬قسم(‪ .)2‬والرقم بين القوسين‪ ،‬يخبر عن عدد تكرار الصيغة في‬
‫القرآن (انظرمعجم ألفاظ القرآن الكريم ي مجمع اللغة العربية‪ ،‬القاهرة)‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫ولقد أسقطنا – عامدين‪ -‬الصيغة "قاسمهما" الواردة في الية الكريمة‪:‬‬
‫ن النّاصِحِينَ"‬ ‫س َم ُهمَا ِإنّي َل ُكمَا َلمِ َ‬‫" َوقَا َ‬
‫والسبب؛ أننا ل نطمئن إلى أن صيغة المفاعلة "قاسم" – في هذا الموضع‪ -‬تعنى‪ :‬أن الشيطان‬
‫قد ظهر‪ ،‬وحلف واقسم؛ لدم وزوجه‪ .‬ففي ذلك كثير من التجسيد‪ .‬والكيد‪ ،‬المفهوم من نص‬
‫اليات‪ ،‬أن الشيطان تحدث اليهم عن طريق الوسوسة‪:‬‬
‫ٰ‬
‫َو َءٲتِهِمَا وَقَالَ مَا نَہَٮكُمَا‬
‫ۥرِىَ عَنۡہُمَا مِن س ۡ‬ ‫"فَوَسۡوَسَ لَهُمَا ٱلشّيۡطَـٰنُ لِيُبۡدِىَ لَهُمَا مَا وُ‬
‫‪)٢٠‬‬ ‫رَبّكُمَا عَنـۡ هَــٰذِهِ ٱلشّجَرَةِ إِلّٓ أَن تَكُونَا مَلَك َۡينِـ أَوۡ تَكُونَا مِنَـ ٱلۡخَــٰلِدِينَ (‬
‫وَقَاسَمَهُمَآ إِنّى لَكُمَا لَمِنَ ٱلنّـٰصِحِينَ"‬
‫(‪ 7‬العراف‪)21 ،20/‬‬
‫والوسوسة هي‪ :‬حديث النفس‪ ،‬والهمس الخفي‪ ،‬كما قال الرازي والراغب في مختار الصحاح‬
‫والمفردات على التوالى (‪ .)12‬ويؤكيد القرآن معنيى الو سوسة‪ ،‬بأنهيا حدييث النفيس‪ ،‬والهميس‬
‫الخفى في الية الكريمة‪:‬‬
‫ورِيدِ" (‪ 50‬ق‪)16/‬‬ ‫ل الْ َ‬‫حبْ ِ‬
‫ب إَِليْهِ ِمنْ َ‬
‫ن َأقْرَ ُ‬
‫س بِ ِه نَ ْفسُهُ َو َنحْ ُ‬
‫"وَلَ َق ْد خَلَ ْقنَا ا ْلِإ ْنسَانَ َو َنعْلَمُ مَا تُ َوسْوِ ُ‬
‫وبالتالي سننتظر حتي ندقق في المقصود من الكلمة " قاسمهما "‪.‬‬

‫الستخدام الثاني لمادة (قسم) في القرآن‪ ،‬تأتي بمعنى‪ :‬التقسيم‪ .‬أى‪ :‬عطاء كل نصيبه‪ .‬وهذا هو‬
‫أصل الكلمة‪ .‬وقسمة الشىء‪ :‬توزيعه وتجزأته‪ .‬ونجد هذا المعنى في كثير من اليات الكريمة‪:‬‬
‫ضهُمْ فَوْقَ َبعْضٍ‬
‫حيَا ِة ال ّد ْنيَا َو َر َفعْنَا َب ْع َ‬
‫ش َتهُ ْم فِي ا ْل َ‬
‫س ْمنَا َب ْي َنهُمْ َمعِي َ‬
‫ن قَ َ‬‫حمَةَ َربّكَ َنحْ ُ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫سمُو َ‬ ‫"أَهُمْ يَقْ ِ‬
‫ج َمعُونَ" (‪43‬الزخرف‪)32/‬‬ ‫خ ْيرٌ ِممّا َي ْ‬‫حمَةُ َر ّبكَ َ‬ ‫خ ِريّا َو َر ْ‬ ‫سْ‬‫ضهُ ْم َبعْضًا ُ‬ ‫خذَ َب ْع ُ‬ ‫َدرَجَاتٍ ِل َي ّت ِ‬
‫ووردت مشتقات الكلمة في صيغ مختلفة‪ ،‬هي‪ :‬قسمنا (‪ ،)1‬يقسمون (‪ ،)1‬قسمة (‪ ،)2‬القسمة (‬
‫‪ ،)1‬مقسيوم (‪ ،)1‬المقتسيمين (‪ ،)1‬وأخيرا المقسيمات (‪ )1‬التيي نحين بصيدد التعرف على‬
‫مدلولها‪.‬‬
‫المُق سِماتُ‪ ،‬هي ج مع مؤ نث سالم‪ ،‬مفرد ها مُق سِمة‪ ،‬و هى ال تي تقوم بالتق سيم‪ .‬والتق سيم هو‪:‬‬
‫توزييع‪ ،‬وتعييين‪ ،‬وإفرازالنصييب‪ .‬والمقسيمات‪ -‬بهذه الصييغة‪ -‬لم تتكرر فيي القرآن‪ .‬وهذا‬
‫التفرد‪ ،‬وكأنه يوحى لنا‪ :‬إن المقسمات‪ ،‬اسم اصطلحي‪ ،‬اختير ليصف فعل هذه الشياء‪ ،‬التي‬
‫تقوم بتقسيم شيىء ما‪ .‬والبشر لم يسمعوا عنها‪ ،‬ولم يعرفوها‪ ،‬حين نزول القرآن‪.‬‬
‫ونتابع استشراف آفاق الهداية القرآنية‪ .‬نستعرض اليات التي وردت فيها الكلمة‪ ،‬ومشتقاتها‪.‬‬
‫ونفحص معناها‪ ،‬ونحاول ان نفهم‪ ،‬على ماذا تدل؟ وكيف استخدمها القرآن؟ حتى نفهم عملية‬
‫التقسيم‪ ،‬التي تقوم بها المقسمات‪ .‬ونحاول استنباط المراد من (التفصيل القرآني)‪ .‬اليات هي‪:‬‬
‫سمَةٌ ضِيزَى" (‪53‬النجم‪)21،22/‬‬ ‫"أََلكُ ُم ال ّذكَرُ وَلَ ُه ا ْلُأ ْنثَى ‪ ،‬تِ ْلكَ ِإذًا ِق ْ‬
‫قسمة ضيزى‪ :‬غير مستوية‪ ،‬فيها توزيع النصيب ليس متماثل‪ ،‬ومختلف عن الجزء الخر‪.‬‬
‫وكأنه يريد أن يقول‪ :‬هذه المقسمات‪ ،‬تقوم بقسمة؛ يكون أجزاءها غير متماثلة‪.‬‬
‫وكل مة ضيزى ت ستدعى النتباه أي ضا‪ ،‬ف هى وحيدة في القرآن صيغة ومادة‪ .‬وكأ نه – سبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬يريد أن يصف لنا هذه القسمة‪ ،‬التي تقوم بها المقسمات‪ ،‬ويقول إنها متفردة‪ .‬لشبيه‬
‫لها فى ارضكم‪ ،‬التى تعيشون عليها‪.‬‬
‫ولحقا سوف نرى؛ كيف يشرح لنا العلم كنه هذه القسمة الضيزى‪ ،‬التي تقوم بها المقسمات‪.‬‬
‫وسوف نرى كيف يخدم العلم الحديث تفسير ما خفي من كنوز المعرفة القرآنية‪.‬‬

‫ثم تأتى آية كريمة‪ ،‬تبين لنا‪ ،‬مثال يمكن أن يحتذى‪ ،‬يقرب لنا‪ ،‬ويسهل فهم؛ ماهية القسمة‪:‬‬

‫‪40‬‬
‫جزْءٌ مَقْ سُوم" (‪15‬الحجر‪44،4/‬‬
‫ب ِم ْنهُ مْ ُ‬
‫ب ِلكُلّ بَا ٍ‬
‫س ْبعَ ُة َأبْوَا ٍ‬
‫ج َمعِي نَ* َلهَا َ‬
‫عدُهُ مْ َأ ْ‬
‫ج َهنّ مَ َلمَوْ ِ‬
‫"وَإِنّ َ‬
‫‪)3‬‬

‫وجهنم‪ ،‬مصطلح قرآني‪ ،‬يريد أن يعبر به عن محتوى النار في الخرة‪:‬‬


‫حرّا" (‪9‬التو بة‪ .)81/‬والنار معرو فة بحرارت ها الفائ قة‪ .‬وكأ نه يو حى ل نا‪ ،‬إن‬
‫شدّ َ‬
‫ج َهنّ مَ َأ َ‬
‫ل نَارُ َ‬
‫"قُ ْ‬
‫التقسيم‪ ،‬الذي تقوم به المقسمات‪ ،‬يتم فى درجات حرارة فائقة‪.‬‬
‫وكأ نه يقول أي ضا‪ ،‬إن جه نم ل ها سبعة أبواب‪ ،‬ل كل باب من هم جزء مق سوم‪ ،‬اى‪ :‬مغا ير‪ ،‬غ ير‬
‫متما ثل‪ ،‬وغ ير مت ساوي‪ .‬رُو يّ عن على‪ ،‬ر ضي ال ع نه‪ ،‬قوله‪ :‬إن جه نم أطباق‪ ،‬ط بق فوق‬
‫طبيق‪ .‬وأنهيا دركات (تقارب فيي معناهيا درجات‪ ،‬خصيصها القرآن لوصيف درجات النار)‬
‫بعضها أشد من بعض (‪ ،8‬صفوة التفاسير)‪ .‬وكذلك رُويّ عن النبي‪ ،‬صلى ال عليه وسلم‪ ،‬في‬
‫قوله تعالى‪" :‬لها سبعة أبواب لكل باب منهم جزء مقسوم"‪ ،‬أنه قال‪ :‬جزء أشركوا بال‪ ،‬وجزء‬
‫شكوا فيي ال‪ ،‬وجزء غفلوا عين ال‪ ،‬وجزء آثروا شهواتهيم على ال‪ ،‬وجزء شفعوا غيظهيم‬
‫بغضب ال‪ ،‬وجزء صيروا رغبتهم بحظهم من ال‪ ،‬وجزء عتوا على ال (‪،8‬القرطبى)‪ .‬يهمنا‬
‫من تلك القوال‪ ،‬أن نتأكد من دللة القسمة‪ .‬فالية وكأنها توحى إلينا‪ :‬إن كل جزء مقسوم له‬
‫صفة مغايرة‪ ،‬عن الق سم ال خر‪ .‬وأن ها سبعة أق سام‪ ،‬كل ها في جه نم شديدة الحرارة‪ .‬كالطبقات‬
‫بعضها فوق بعض‪.‬‬
‫وبهذا‪ ،‬يقرب وييبين لنيا القرآن‪ ،‬كييف يمكين أن يكون عل يه التقسييم‪ ،‬الذي تقوم به‪ ،‬ويتيم فيي‬
‫الذرايات‪ ( .‬انظرالرسوم التوضيحة‪ ،‬التي تبين خطوات حدوث السوبرنوفي‪ ،‬أو الذاريات)‪.‬‬

‫ثم يستمر القرآن الكريم في تقديم مشتقا آخر من مشتقات المادة (قسم)‪ .‬يأتي بجمع صيغة اسم‬
‫الفاعل (المقتسم)‪ ،‬ويذكرها مرة واحدة‪ ،‬في القرآن كله‪ ،‬في اليات الكريمة ‪:‬‬
‫عضِينَ"‬
‫جعَلُوا الْ ُقرْآَنَ ِ‬
‫سمِينَ* اّلذِينَ َ‬
‫ن * َكمَا َأ ْنزَلْنَا عَلَى ا ْلمُ ْق َت ِ‬
‫" َوقُلْ ِإنّي َأنَا ال ّنذِيرُ ا ْل ُمبِي ُ‬
‫(‪15‬الحجر‪ 89/‬ي ‪)91‬‬
‫والمعنى الجمالى لليات ننقله من القرطبى (‪،8‬ج ‪10‬ص ‪ )62‬يقول ‪:‬‬
‫في الكلم حذف؛ أي إنى انا النذير المبين عذابا‪ ،‬فحذف المفعول (اى العذاب)‪ ،‬إذ كان النذار‬
‫يدل عل يه (يق صد أن النذار اخ تص بالخبار عن شيىء ف يه تخو يف‪ ،‬وأن التبش ير إخبار ف يه‬
‫سرور)‪ ،‬أنذرتكم مثل ما أنزلنا بالمقتمسين‪ ،‬الذين جعلوا القرآن عضين‪ .‬واختلف المفسرون فى‬
‫– ومازلنا ننقل من القرطبي‪ -‬من هم المقتسمون‪ .‬قيل‪ :‬قوم من كفار قريش اقتسموا كتاب ال؛‬
‫فجعلوا بعضه شعرا‪ ،‬وبعضه سحرا‪ ،‬وبعضه كهانة‪ ،‬وبعضه أساطير الولين‪[،‬عندي‪ ،‬ل داعى‬
‫لتخ صيص كفار قر يش‪ ،‬فإلى يوم نا هذا‪ ،‬وإلى ان يرث ال الرض و من علي ها؛ سيبقى هناك‬
‫فر يق من الب شر يقول في القرآن‪" ،‬م ثل قول هم‪ ،‬تشاب هت قلوب هم"] ‪ -‬وقول ا بن عباس‪ ،‬أخر جه‬
‫البخاري ع نه قال (‪ : )6‬هم أ هل الكتاب جزأو القرآن اجزاءا؛ فأمنوا ببع ضه‪ ،‬وكفروا ببع ضه‬
‫(انتهى النقل)‪.‬‬
‫وعلى هذا؛ يكون المقتسمون هم‪ :‬من قسموا القرآن‪ .‬وهم"الذين جعلوا القرآن عضين"‪.‬‬
‫وكلمة عضين‪ ،‬تعني أجزاء‪ .‬وأصلها من العضو‪ ،‬وهو جزء من أعضاء الجسم‪ .‬وفى الحديث‬
‫الشرييف "ل تعضيية فيي الميراث "‪ ،‬أي‪ :‬ل يفرق ول يقسيم؛ ميا يكون تفريقيه ضررا على‬
‫الورثة‪ .‬فمثل ليكسر السيف إلى نصفين‪ ،‬نصف لكل وارث‪ ،‬فذلك يفسد السيف‪.‬‬
‫ووا ضح أن "المقت سمين" ا سم ا صطلحي‪ ،‬أطل قه القرآن على من يقوم بعمل ية تق سيم‪ ،‬فى هذه‬
‫الية‪ :‬هي عملية تقسيم القرآن إلى أجزاء‪ .‬وعرفهم بأنهم "الذين جعلوا القرآن عضين"‪ .‬ومثل‬
‫هذه اليات نعتبر ها آيات مف صلة‪ ،‬بمع نى ان ها تُف صّل وتُبيّن ما يريدأن يقوله القرآن في شرح‬
‫المقسمات‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫وبذلك نطمئن لقول‪ :‬إن "المق سمات أمرا"‪ ،‬هي مخلوقات تقوم بعمل ية تق سيم ش يء‪ .‬و هى غ ير‬
‫يم‬
‫يبير‪ ،‬هذا السي‬
‫يم الخي‬‫يا العليي‬
‫يل أو أثناء نزول القرآن‪ .‬ولذلك اختار لهي‬
‫يا‪ ،‬قبي‬
‫ية لني‬
‫معروفي‬
‫ال صطلحي‪ ،‬الذي يدل علي ها‪ ،‬لح ين اكتشاف كنه ها‪ ،‬و ما تقوم به من مهام عظي مة‪ ،‬في هذا‬
‫الكون العظيم‪.‬‬

‫وإطلق الم صطلحات أ مر شائع في القرآن‪ ،‬وتدق يق معاني ها يحتاج إلى درا سة القرآن بتع مق‬
‫وتدبر‪ .‬ولقد وجدنا في سورة الحجر وحدها الكثير من المصطلحات‪ ،‬أحصينا منها ‪:‬‬
‫شيَعِ ا ْلَأوّلِينَ" (‪15‬الحجر‪)10/‬‬ ‫ن َقبِْلكَ فِي ِ‬ ‫"وَلَ َق ْد َأرْسَ ْلنَا مِ ْ‬
‫رمِينَ" (‪15‬الحجر‪)12/‬‬ ‫جِ‬‫" َكذَلِكَ َنسُْلكُ ُه فِي قُلُوبِ ا ْل ُم ْ‬
‫ظرِينَ" (‪15‬الحجر‪)16/‬‬ ‫سمَاءِ ُبرُوجًا َو َز ّينّاهَا لِلنّا ِ‬ ‫جعَ ْلنَا فِي ال ّ‬ ‫"وَلَ َق ْد َ‬
‫خرِينَ " (‪15‬الحجر‪)24/‬‬ ‫ستَ ْأ ِ‬
‫ستَ ْق ِدمِينَ ِم ْن ُكمْ وَلَ َقدْ عَِل ْمنَا ا ْل ُم ْ‬ ‫"وَلَ َقدْ عَِل ْمنَا ا ْل ُم ْ‬
‫عبَا َدكَ ِم ْنهُمُ ا ْل ُمخَْلصِينَ"‬
‫ج َمعِينَ * إِلّا ِ‬
‫غ ِو َي ّن ُهمْ َأ ْ‬
‫ن َل ُهمْ فِي ا ْلَأرْضِ وََلأُ ْ‬ ‫غ َو ْي َتنِي َلأُ َز ّينَ ّ‬
‫ب ِبمَا أَ ْ‬ ‫"قَالَ رَ ّ‬
‫(‪15‬الحجر‪)40،39/‬‬
‫ن ا ْلغَاوِينَ " (‪15‬الحجر‪)42/‬‬
‫ن ا ّت َب َعكَ مِ َ‬
‫ن إِلّا مَ ِ‬‫عبَادِي َليْسَ َلكَ عََل ْي ِهمْ سُلْطَا ٌ‬ ‫"إِنّ ِ‬
‫(‪15‬الحجر‪)60/‬‬ ‫"إِلّا ا ْمرََأتَهُ َق ّدرْنَا ِإ ّنهَا َل ِمنَ ا ْلغَا ِبرِينَ"‬
‫سمِينَ"‬
‫ن فِي ذَِلكَ َلَآيَاتٍ لِ ْل ُمتَ َو ّ‬
‫سجّيلٍ* إِ ّ‬
‫ن ِ‬
‫حجَارَ ًة مِ ْ‬
‫جعَ ْلنَا عَاِل َيهَا سَافَِلهَا وََأ ْمطَ ْرنَا عََل ْيهِ ْم ِ‬
‫" َف َ‬
‫(‪15‬الحجر‪)75،74/‬‬
‫ن ا ْل َعظِيمَ" (‪15‬الحجر‪)87/‬‬ ‫س ْبعًا مِنَ ا ْل َمثَانِي وَالْ ُقرْآَ َ‬ ‫"وَلَ َق ْد َآ َت ْينَاكَ َ‬
‫عضِينَ" (‪15‬الحجر‪)91،90/‬‬
‫جعَلُوا الْ ُقرْآَنَ ِ‬‫سمِينَ ‪ ،‬اّلذِينَ َ‬ ‫" َكمَا َأنْزَ ْلنَا عَلَى ا ْلمُ ْق َت ِ‬
‫جعَلُو نَ مَ عَ اللّ هِ‬
‫ن َي ْ‬
‫س َتهْ ِزئِينَ * اّلذِي َ‬
‫ن ا ْل ُمشْ ِركِي نَ * ِإنّا كَ َف ْينَا كَ ا ْلمُ ْ‬
‫عِ‬‫عرِ ضْ َ‬
‫ص َدعْ ِبمَا تُ ْؤ َمرُ وََأ ْ‬
‫"فَا ْ‬
‫وفَ َيعَْلمُونَ" (‪15‬الحجر‪)94 -95/‬‬ ‫خرَ َفسَ ْ‬
‫إَِلهًا َآ َ‬

‫ومين الصيفات البارزة‪ ،‬فيي هذه المصيطلحات‪ ،‬إن معظمهيا معرف بأل‪ .‬وإنهيا‪ ،‬جميعيا‪ ،‬فيي‬
‫صيغة الج مع‪ .‬ولوتأمل نا في آ ية ‪ ،16‬من سورة الح جر (أعله)؛ لوجد نا أن كل مة "الناظر ين"‪،‬‬
‫ليس المقصود بها كل من ينظر إلى السماء‪ .‬فكل البشر يفعلون ذلك‪ ،‬والغالبية ل ترى بروجا‪،‬‬
‫ولكين المقصيود بالناظريين‪ :‬الناظرون ‪،‬المتأملون‪ ،‬المعتيبرون‪ ،‬المتفكرون فيميا خلق ال فيى‬
‫السماء‪ .‬والمصطلح‪ ،‬كما هو معروف‪ ،‬كلمة تسمى بها الشياء‪ ،‬يستخدمها القائل‪ ،‬للدللة على‬
‫شيىء‪ ،‬له صيفات متعارف عليهيا‪ ،‬ولهيا مفهوم محدد‪ ،‬ومعيين‪ .‬والتعرف على دللة الشييء‪،‬‬
‫وتحديد معالمه‪ ،‬أمر شديد الهمية في العلوم بصفة عامة‪ ،‬وفى القرآن بصفة خاصة‪ .‬فالقرآن‬
‫‪ -‬ك ما يعت قد المؤمنون به ‪ -‬هو كلم خالق كل شيىء‪ ،‬العالم ب كل شيىء‪ ،‬ير يد به أن يهدى‬
‫النسيان‪ ،‬محدود القدرة‪ ،‬ومحدود العلم والفكير‪ .‬وبالتالي التزميت لغية القرآن‪ ،‬بحدود لغية‬
‫النسيان‪ ،‬التيي عيبر بهيا‪ ،‬عين فكره‪ ،‬وعلميه‪ ،‬المحدودان‪ ،‬بالزمان‪ ،‬والمكان‪ .‬فكان حتميا على‬
‫القرآن؛ أن يتخيذ بعيض السياليب الجديدة‪ ،‬حتيى يقدم مفهوميا جديدا‪ ،‬سيابقا ومتجاوزا عصير‬
‫نزول القرآن‪ .‬ومن تلك الساليب‪ ،‬اتخاذ بعض المصطلحات‪ ،‬التي يقوم بنفسه‪ ،‬بتعريفها‪ .‬وذلك‬
‫بذ كر فعل ها‪ ،‬و ما يدل علي ها‪ ،‬سواء في ن فس ال ية الواحدة‪ ،‬أو متناثرة في أما كن مختل فة من‬
‫القرآن (وهذا بعض ما نقصده بأسلوب الحكام والتفصيل‪ ،‬الذى سبق الحديث عنه اعله)‪.‬‬
‫و نضرب مثال آخر‪ ،‬لشرح فكرة المصطلح القرآني‪ .‬تأمل اليتين ‪ 75،74‬من سورة الحجر‪:‬‬

‫سمِينَ"‬
‫ت لِ ْل ُمتَ َو ّ‬
‫ن فِي ذَِلكَ َلَآيَا ٍ‬
‫ل * إِ ّ‬
‫سجّي ٍ‬
‫ن ِ‬
‫حجَارَ ًة مِ ْ‬
‫جعَ ْلنَا عَاِل َيهَا سَافَِلهَا وََأ ْمطَ ْرنَا عََل ْيهِ ْم ِ‬
‫" َف َ‬

‫هاتان اليتان الكريمتان يحتويان‪ ،‬على كل مة المتو سمين‪ ،‬والتو سم تَفَعّل‪ ،‬من الوَ سْم‪ .‬والو سم‪،‬‬
‫العلمية التيي يسيتدل بهيا على مطلوب غيرهيا‪ .‬أي إن المتوسيم‪ ،‬هيو مين يقوم بالسيتدلل‬

‫‪42‬‬
‫بالعلمات – آثار ما تر كه القدمون‪ ،‬مثل ‪ -‬لتفهّم ماذا حدث فى التار يخ‪ .‬و فى هذه اليات‪،‬‬
‫يتحدث القرآن‪ ،‬عن قوم لوط‪ .‬و هم من ج عل ال عالي قريت هم سافلها‪ ،‬وأمطر ها حجارة من‬
‫سجيل‪ .‬ويكون المتوسمون‪ ،‬هم النقبون في الرض‪ ،‬والقادرون على الستدلل بتلك العلمات‪،‬‬
‫ال تي وضح ها القرآن‪ ،‬للتعرف على تلك القر ية‪ ،‬ومكان ها‪ ،‬و ما حدث ل ها‪ ،‬او في ها‪ .‬وهذا الع مل‬
‫قد تطور في زمننا المعاصر‪ ،‬إلى علم خاص بذاته‪ ،‬نسمية الن علم الركيولوجيا‪ ،‬ونسمى من‬
‫يتخ صص فييه بعالم الثار‪ .‬وبالتالي يكون المتو سمون المذكورون فيي هذه اليات‪ ،‬هم علماء‬
‫الثار‪ ،‬الذ ين تخ صصوا في درا سة الحضارات القدي مة‪ ،‬للقوام المختل فة‪ .‬و هم الذ بن يقومون‬
‫بالستدلل على رقيهم‪ ،‬ومراحل تطورهم‪ ،‬في احقاب زمنية مختلفة‪ ،‬بعمل دراسات متعمقة‪،‬‬
‫ودرا سات مقار نة‪ ،‬لمختلف الثقافات والحضارات‪ .‬و هم الذ ين يحاولون التعرف على ال صول‬
‫الولى‪ ،‬لتطور الحياة النسانية‪ .‬وذلك من خلل محاولة رسم صورة متكاملة – بقدر المكان‪-‬‬
‫للمجتمعات النسانية القديمة‪ ،‬عن طريق التنقيب وكشف مخلفات الحضارات المختلفة‪.‬‬

‫نعود مرة أخرى لليتين الكريمتين‪" :‬كما أنزلنا على المقتسمين* الذين جعلوا القرآن عضين"‪.‬‬
‫المقت سمون ه نا ا سم ا صطلحي اطل قه القرآن على هؤلء الذ ين جعلوا القرآن عض ين‪ .‬وكأ نه‬
‫سبحانه‪ ،‬يريد أن يقول‪ :‬إن "المقسمات أمرا"‪ ،‬هي أيضا‪ ،‬اسم اصطلحي‪ ،‬لشياء ل تعرفونها‬
‫من قبل‪ .‬ولهذا وصفناها بما تقوم به من تقسيم للمر‪.‬‬
‫و معروف أن المقتسمين تشترك مع المقسمات في الجذر قَ سَم‪ ،‬ولهذا يتبين اهمية دراسة أصل‬
‫الكلمة القرآنية‪ ،‬ومشتقاتها التى اوردها القرآن فى آيات متفرقة ( سميناها مفصلة)‪ ،‬والتأمل فى‬
‫كيف ية ا ستعمالها‪ .‬وعلى هذا ينب ني أ ساس أ سلوب "الحكام والتف صيل"‪ ،‬الذي ن حن في مرحلة‬
‫تطويره‪ ،‬واستكمال معالمه‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪.‬‬

‫"المقسمات أمرا "‪ :‬مدلول المر في اللغة‪:‬‬


‫المير نقييض النهيى‪ .‬العرب تقول‪ :‬أمرتيك أن تفعيل‪ .‬وقوله عيز وجيل "أتيى أمير ال فل‬
‫تسيتعجلوه"‪ ،‬قال الزجاج‪ :‬أمير ال‪ ،‬ميا وعدهيم بيه‪ ،‬مين المُجاز ِة على كفرهيم‪ ،‬مين أصيناف‬
‫العذاب‪ .‬والمر‪ :‬واحد المور‪ ،‬يقال أمر فلن مستقيم‪ .‬والمر‪ :‬الحادثة‪ ،‬والجمع أمور‪ .‬وقول‬
‫أبو سيفان‪ :‬لقد أمر أمر ابن أبى كبشة (يقصد الرسول الكريم)‪ ،‬وارتفع شأنه‪ .‬وفى مفردات‬
‫الصفهانى‪ :‬المر يقال باعتبار طلب الفعل‪ ،‬والمر‪ :‬الشأن‪ ،‬وجمعه أمور‪ ،‬ومصدر أمرته؛ إذا‬
‫كلفته أن يفعل شيئا‪ .‬وفى المعجم الوجيز(‪ :)12‬المر‪ :‬فعل أو طلب فعل‪ ،‬والمر هو‪ ،‬الحال‬
‫والشأن‪ .‬ومقسمات أمرا‪ :‬اى تقوم بتقسيم الفعال‪ ،‬أو الشؤون‪ ،‬أو الوظيفة‪ ،‬أو الصنف‪.‬‬

‫استعمال القرآن للكلمة أوالمادة‪:‬‬


‫استخدم القرآن مادة (أمر) في صيغ كثيرة‪ ،‬جميعها لتخرج عن المعنيين التاليين‪:‬‬
‫الول‪ :‬المر هو طلب الفعل‪ ،‬وهو عكس النهى عن الفعل‪ ،‬في مثل‪:‬‬
‫ض " (‪2‬البقرة ‪)27/‬‬
‫ن فِي ا ْلأَرْ ِ‬
‫سدُو َ‬
‫ن يُوصَلَ َويُ ْف ِ‬ ‫ن مَا َأ َمرَ اللّ ُه بِ ِه أَ ْ‬
‫طعُو َ‬ ‫" َويَ ْق َ‬
‫ح ْكمُ إِلّا لِلّهِ َأ َمرَ أَلّا َت ْع ُبدُوا إِلّا ِإيّاه " (‪12‬يوسف ‪)40/‬‬ ‫ن ا ْل ُ‬
‫" إِ ِ‬
‫عصِي َلكَ َأ ْمرًا " (‪ 18‬الكهف‪.)69/‬‬ ‫جدُنِي ِإنْ شَا َء اللّ ُه صَا ِبرًا وَلَا أَ ْ‬ ‫س َت ِ‬
‫" قَالَ َ‬

‫الثانى‪ :‬المر‪ ،‬بمعنى الشأن والحال‪ ،‬في مثل‪:‬‬


‫ر شَيْ ٌء أَ ْو َيتُوبَ عََل ْي ِهمْ َأوْ ُي َع ّذ َبهُمْ َف ِإ ّن ُهمْ ظَالِمُونَ " (‪ 3‬آل عمران‪)128/‬‬
‫لمْ ِ‬
‫نٱَ‬ ‫ك مِ َ‬ ‫" َليْسَ َل َ‬
‫ش َهدُونِ" (‪27‬النمل ‪)32/‬‬
‫حتّى َت ْ‬
‫طعَ ًة َأمْرًا َ‬ ‫ت قَا ِ‬ ‫" قَالَتْ يَا َأ ّيهَا ا ْلمََلُأ َأ ْفتُونِي فِي َأ ْمرِي مَا ُكنْ ُ‬
‫افتو نى في امرى؛ بمع نى شاورو ني ماذا اف عل فى هذا الشأن‪ .‬و ما ك نت قاط عة أمرا‪ :‬أي ما‬
‫كنت متخذة قرار وآمرة بأمر‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ن َي ْأ ِت َيهُ مُ اللّ هُ فِي ظُلَلٍ ِم نَ ا ْل َغمَا مِ وَا ْلمَلَا ِئكَةُ َو ُقضِ يَ ا ْلَأمْرُ وَإِلَى اللّ هِ ُت ْرجَ عُ‬‫"هَلْ َي ْنظُرُو نَ إِلّا أَ ْ‬
‫(‪2‬البقرة ‪)210/‬‬ ‫ا ْلُأمُورُ"‬
‫سرًا" (‪65‬الطلق‪)4/‬‬ ‫ن َأ ْمرِهِ ُي ْ‬
‫جعَلْ لَ ُه مِ ْ‬ ‫ن َيّتقِ اللّ َه َي ْ‬
‫" َومَ ْ‬
‫حدِثُ َب ْعدَ ذَِلكَ َأ ْمرًا" (‪65‬الطلق‪)1/‬‬ ‫ل اللّ َه ُي ْ‬
‫"لَا َت ْدرِي َلعَ ّ‬

‫وأما الصيغة (ِإمْراَ) فقد جاءت مرة واحدة في القرآن كله‪ ،‬وهي بمعنى شأن عظيم في‪:‬‬
‫ش ْيئًا ِإ ْمرًا"‬
‫جئْتَ َ‬
‫خ َر ْقتَهَا ِل ُت ْغ ِرقَ أَهَْلهَا لَ َق ْد ِ‬
‫خ َرقَهَا قَالَ َأ َ‬
‫حتّى ِإذَا َر ِكبَا فِي السّفِينَةِ َ‬
‫"فَا ْنطَلَقَا َ‬
‫(‪18‬الكهف‪)71/‬‬
‫عظُم وتفاقَمَ‪.‬‬
‫ل ْمرُ‪ ،‬أي‪َ :‬‬
‫و" إمْرا" شيئا عظيما‪ ،‬يقال‪َ :‬أ ِمرَ ا َ‬
‫ويشرح الزمخشرى فى أساس البلغة معنى إمْرا فيقول‪ :‬وامرا‪ ،‬أي أمر عجيب‪ .‬وفى صفوة‬
‫التفاسير‪ :‬أمر المر؛ أي عظم‪ .‬ومعنى " لقد جئت شيئا ِإمْرا "؛ اى فعلت شيئا عظيما هائل‪.‬‬

‫وجاءت (أَمرا) بهذه ال صيغة سبعة ع شر مرة في القرآن الكر يم‪ ،‬معنا ها يحت مل المع نى الول‬
‫وهو أن المر هو طلب الفعل‪ ،‬أوالثاني بمعنى الحال والشأن‪ ،‬وهى مفرد أمور‪.‬‬
‫وجاءت أمرا مفعول به مع أفعال مختل فة‪ :‬ق ضى أمرا‪ ،‬يق ضى أمرا‪ ،‬سول أمرا‪ ،‬ق طع أمرا‪،‬‬
‫ابرم أمرا‪ ،‬أحدث أمرا‪ ،‬دبر أمرا‪ ،‬وق سم أمرا‪ .‬و من هذه الموا ضع ال سبعة ع شر جاءت الكل مة‬
‫في قسم معطوف على ما قبله بالفاء‪:‬‬
‫(‪51‬الذاريات‪)4/‬‬ ‫ت َأمْرًا " ‪ ،‬و‬ ‫" فَا ْلمُ َقسّمَا ِ‬
‫(‪79‬النازعات‪)5/‬‬ ‫" فَا ْلمُ َدّبرَاتِ َأ ْمرًا "‬
‫والصيغة اللغوية واحدة‪ ،‬إل أن الفعل في الولى له نوعية مختلفة عنها في الثانية‪.‬‬
‫الولى تقسم أمرا‪( ،‬توزع وتفرز أمرا)‬
‫والثانية تدبر أمرا‪( .‬تدبر المر هو النظر في عواقبه)‬
‫ول يقت ضى هذا أن يكون ال مر الذي تق سمة المق سمات هو ن فس ال مر الذي تدبره المدبرات‪،‬‬
‫فكل منهما يكون متناسقا مع السياق الذي جاء فيه‪.‬‬
‫ويمكن أن تفهم "المقسمات أمرا" على أنها سنن ال‪ ،‬أو القوانين الفيزيقية التى قدرها سبحانه‪،‬‬
‫وهى التى تنظم كيفية سير الكون‪ ،‬وهى التى تقوم بتوزيع الواجبات من الفعال؛ لتقوم الشياء‬
‫بفعل ما أراد لها ال أن تفعل‪ ،‬وتقسم ما أراد ال أن يقسم‪ ،‬بقوله سبحانه " كن فيكون"‪.‬‬
‫***‬
‫"إنما توعدون لصادق"‪:‬‬
‫يقول الطبرى في شرح هذه الية الكريمة‪ :‬يقول تعالى ذكره‪ :‬إن الذي توعدون أيها الناس من‬
‫قيام الساعة‪ ،‬وبعث الموتى من قبورهم لكائن حق يقين‪.‬‬
‫ولعل نا نقول‪ :‬وكأ نه ي سبحانه وتعالى ي يقول‪ :‬إن الذي توعدون به أي ها الناس‪ ،‬على ل سان‬
‫رسلنا من موتكم‪ ،‬ونهاية هذه الحياة الدنيا‪ ،‬ونهاية الرض ومن عليها‪ ،‬ونهاية الخلق الول‪ ،‬ثم‬
‫إعادة كل ذلك في خلق جديد‪ ،‬فيه إعادة خلقكم‪ ،‬تعودون الينا لنجزي كل نفس بما كسبت‪ ،‬كل‬
‫ذلك سوف يحدث يقينا‪ ،‬وآت ل محالة‪.‬‬

‫"وإن الدين لواقع"‪:‬‬


‫يقول الطبرى‪ :‬وإن الحساب والثواب والعقاب لواجب وال مجازعباده بأعمالهم‪.‬‬

‫وهاتان اليتان الكريمتان هميا جواب القسيم‪ .‬فقيد اقسيم ال‪ -‬سيبحانه ‪ -‬بالذاريات فالحاملت‬
‫فالجاريات فالمقسيمات على‪ :‬إن ميا يعدنيا بيه‪ ،‬نحين البشير‪ ،‬على لسيان رسيله؛ لصيادق‪ .‬وإن‬
‫الدين؛ لواقع يقينا‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫ومن معاني الدين‪ :‬الحساب‪ ،‬أي‪ :‬إن حساب البشر‪ ،‬على ما فعلوه من أعمال‪ ،‬في الحياة لدنيا‪،‬‬
‫لواقع وآت‪ ،‬في حياتهم الخرة‪ ،‬بعد بعثهم من جديد‪ ،‬بعد موتهم‪.‬‬
‫شرّا َيرَهُ" (‪99‬الزلة‪)8،7/‬‬ ‫ل ِمثْقَالَ َذرّةٍ َ‬
‫خ ْيرًا َيرَهُ ‪َ ،‬ومَنْ َي ْعمَ ْ‬
‫ن َي ْعمَلْ ِمثْقَالَ َذرّ ٍة َ‬
‫" َفمَ ْ‬
‫ت مَوَازِينُ ُه * فَُأمّ ُه هَا ِو َيةٌ *‬
‫ضيَةٍ * وََأمّ ا َم نْ خَفّ ْ‬
‫ت مَوَازِينُ هُ * َفهُ َو فِي عِيشَ ٍة رّا ِ‬ ‫" َفَأمّ ا مَن ثَقُلَ ْ‬
‫ه َيهْ * نَارٌ حَا ِميَ ٌة " (‪101‬القارعة‪)11 – 6/‬‬ ‫َومَا َأ ْدرَاكَ مَا ِ‬
‫وجد ير بالذ كر‪ ،‬إن ال تعالي لم يذ كر ما وعد نا في ال ية‪":‬إن ما توعدون ل صادق"‪ ،‬وذلك ل نه‬
‫معروف‪ ،‬وتم ذكره في كثير من اليات‪ ،‬في مختلف سور القرآن‪ .‬ومما يجب أن يقال في هذا‬
‫المقام‪ ،‬إن أهم رسالة‪ ،‬جاء بها القرآن والرسل عموما‪ ،‬حقيقة‪ :‬إن هذا الكون له إله واحد‪ .‬هو‬
‫خالقه‪ ،‬وخالق البشر‪ .‬وإن هذه الحياة الدنيا زائلة‪ ،‬إلى نهاية‪ .‬وموت البشر‪ ،‬آت ل محالة‪ .‬وبعد‬
‫ذلك‪ ،‬سيوف يعييد ال تعالي خلقنيا‪ ،‬فيي حياة أخري‪ ،‬ندان فيهيا بأفعالنيا فيي هذه الحياة الدنييا‬
‫الحالية‪.‬‬
‫***‬

‫من التحليل السابق لتفسير اليات الكريمة ‪:‬‬


‫عدُونَي‬
‫"وَالذّا ِريَاتِي َذرْوا ً* فَا ْلحَامِلَاتِي ِوقْرا * فَالْجَا ِريَاتِي يُسيْرا * فَا ْلمُقَسّيمَاتِ َأمْرا * ِإنّمَا تُو َ‬
‫ن َلوَاقِعٌ"‪ ،‬نستطيع أن نلخص المعني‪ .‬وكأنه سبحانه وتعالي يقول‪:‬‬ ‫َلصَا ِدقٌ* وَِإنّ الدّي َ‬
‫أقسيم بتلك الشياء( أو المخلوقات) التيي تقوم بعمليية ذرو حقيقيية‪ .‬فيهيا يتبدد ويتفرق الخفييف‬
‫عن الثق يل‪ .‬ول قد و صفنا هذه الشياء ب ما تقوم به‪ ،‬ول يس بإ سمها‪ ،‬لن كم – مع شر الب شر – ل‬
‫تعرفونها‪ ،‬ولم ت سموها من قبل نزول القرآن‪ .‬ولقد أقسمنا بها لهميت ها‪ ،‬وكونها مرحلة مهمة‬
‫في مراحل خلق المتراكم المعقد‪ ،‬من البسيط البتدائي‪ .‬ولقد وصفنا لكم عملية الذرو التي تقوم‬
‫ب ها الرياح‪ ،‬علي أرض كم؛ في أ ية أخري‪ .‬وبي نا أن الرياح تقوم بذرو الهش يم‪ ،‬والهش يم هو ما‬
‫ي بس وتك سر من النبات‪ ،‬ح يث يتبدد ويط ير‪ ،‬ويفرق ب ين خفي فه وثقيله‪ .‬وتع قب عمل ية الذرو‪،‬‬
‫تكوّن أج سام ثقيلة جدا‪ ،‬يم كن ت سميتها الحاملت وِقرا‪ ،‬ل ما تقوم به من ح مل المادة المتكث فة‪،‬‬
‫الشديدة الثقل‪ .‬وأثقالها تختلف في طبيعتها عن تلك الحمال الثقيلة‪ ،‬التي تعهدونها‪ ،‬وتعرفونها‬
‫علي أرض كم‪ .‬وتع قب أيضا عمل ية الذرو‪ ،‬ما ينطلق وين ساب ويجري‪ ،‬ب سرعات كبيرة‪ ،‬وبل‬
‫ممانعة‪ ،‬والتي يمكن تسميتها الجاريات يسرا‪ ،‬لحركتها السريعة وخفتها‪ .‬ونقسم أيضا؛ بالسنن‬
‫الكون ية‪ ،‬ال تي وضعنا ها‪ ،‬وحدد نا ل ها واجبات ها‪ .‬و هي تقوم بتوز يع وتق سيم للفعال والشؤون‪،‬‬
‫والشياء علي حسب ما أردنا وقدّرنا في قولنا "كن فيكون"‪.‬‬
‫أقسمنا بكل هذا؛ لتعلموا‪ ،‬وتؤمنوا‪ ،‬وتصدقوا‪ ،‬أننا قادرون على فعل ما وعدناكم به‪ ،‬من خلق‬
‫آ خر‪ .‬ف يه تعدون إلي نا‪ ،‬وتحا سبون علي ما فعل تم‪ ،‬في مرحلة الخلق في حيات كم الدن يا‪ .‬وأن ما‬
‫وعدناكم به صادق ل ريب‪ ،‬وسوف يقع يقينا ‪.‬‬

‫و مما يذكر؛ فإن اسلوب القسم‪ ،‬شديد الثارة للنفس النسانية‪ .‬يدفعها دفعا إلي محاولة معرفة‬
‫ما هي الذاريات ذروا‪ ،‬فالحاملت وقرا‪ ،‬فالجاريات ي سرا‪ ،‬فالمق سمات أمرا‪ .‬خا صة فإن الذي‬
‫يق سم‪ ،‬هو رب العالم ين‪ .‬ول قد اجت هد ال سلف‪ ،‬في محاولة التعرف ومطاب قة هذه الشياء‪ ،‬ال تي‬
‫أق سم بهيا الخالق العظييم‪ ،‬بأشياء يعرفون ها فيي زمانهيم‪ .‬وعندميا تطورت‪ ،‬وازدادت المعارف‬
‫النسيانية‪ ،‬اطلع البشير علي أشياء فيي الكون‪ ،‬لم يعرفوهيا مين قبيل‪ ،‬وبدءوا فيي محاولت‬
‫ن جديدة‪ ،‬لما سبق أن جهلوه‬ ‫التعرف عليها‪ ،‬وتحديد مواصفاتها‪ ،‬وماذا تقوم به‪ ،‬واكتشفوا معا ٍ‬
‫من أقوال القرآن‪ .‬وهكذا خدم العلم الحديث القرآن‪ ،‬في إبانة وتوضيح مقصوده‪ ،‬وتأويله‪.‬‬

‫ظاهرة النوفا والسوبرنوفا‪ ،‬أو الذاريات‬

‫‪45‬‬
‫الن‪ ،‬نجد أنه من الضروري‪ ،‬أن نعرض ما اكتشفه العلم‪ ،‬عن وجود أنواع من النجوم أسموها‬
‫"النوفيي" و"ال سوبر نو في" ( ‪ .)Super novae‬وا سموا النج مة الواحدة من ها "ال سوبرنوفا" (‬
‫‪ .)Super nova‬وسيوف نعرض وصيفا موجزا لظاهرة السيوبرنوفا‪ .‬وقمنيا بترجمية ميا جاء‬
‫عنهيا‪ ،‬فيي مرجعيين مختلفيين‪ ،‬حتيى تتكاميل الصيورة‪ .‬وبعيد ذلك سينقوم بتلخييص‪ ،‬وشرح‬
‫وتبسييط ميا ذكير‪ .‬والمعلومات التيي سينعرضها‪ ،‬هيي معلومات تتحدث عين النجوم‪ :‬أشكالهيا‬
‫ماهيي؟ وكيفيية موتهيا‪ .‬وتتحدث عين السيوبرنوفا ماهيي؟ وفيي هذه الظاهرة تموت النجوم‬
‫الضخمة‪ .‬وماذا يحدث بداخل النجم قبل أن ينفجر؟ ولماذا ينفجر؟ وماذا يتخلف عنها؟‬
‫وو صف هذه الظاهرة‪ ،‬يجده البا حث‪ ،‬في كل الك تب الحدي ثة – تقريبا‪ ،‬ال تي تعرض أ ساسيات‬
‫علم الفيزياء الفلكية (‪.)Astronomical Physics‬‬

‫القتباس الول‪ :‬من كتاب "علم الفلك الوصفي"(‪:)Descriptive astronomy ( )15‬‬

‫عمر النجوم الضخمة الثقيلة ‪:‬‬


‫النجوم ذات الوزن الثقيل (الثقل من شمسنا المعهودة‪ ،‬العديد من المرات)‪ ،‬تكون دورة حياتها‬
‫قصيرة‪ .‬أقصر بكثير من نجوم في حجم الشمس‪ .‬في بضع مليين من السنين فقط‪ ،‬تتحول هذه‬
‫النجوم الثقيلة‪ ،‬إلي نجوم تسيمي "العمالقية الحمراء" (النجيم الواحيد يسيمي عملق أحمير)‪.‬‬
‫ويتبعون طريقا آ خر من التطور‪ .‬در جة الحرارة‪ ،‬والض غط في مر كز الن جم (أو قلب الن جم)‪،‬‬
‫كبيرة لدر جة كاف ية‪ ،‬تك في لبدأ تفا عل نويات الهليوم‪ ،‬والندماج‪ ،‬والتحول إلي نويات عن صر‬
‫الكربون( وهو عنصر أثقل من الهيليوم)‪ .‬وعندما يتم ذلك؛ يصبح النجم أكثر حرارة‪ ،‬وتزداد‬
‫بالتالي درجة لمعانه‪ ،‬وزرقته (أي ميله للون الزرق)‪ .‬عند ذلك يدخل النجم‪ ،‬في مرحلة غير‬
‫مستقرة‪ .‬ويصبح نجم ضخم نابض‪ ،‬ثم ينكمش ويغير من لمعانه بطريقة ملحوظة‪.‬‬
‫وعند ما يتحول قلب (أو مر كز) الن جم إلي عن صر الكربون‪ ،‬يتقلص القلب‪ ،‬وتبدأ الحرارة في‬
‫الزدياد‪ ،‬ويزداد النجم تألقا ولمعانا‪ .‬وتصبح الطبقات الخارجية أبرد من الداخل‪ ،‬وينتفخ النجم‪،‬‬
‫ويصبح عملقا أحمرا‪ ،‬مرة أخري‪ .‬ولكن في هذه المرة‪ ،‬تبدأ التفاعلت النووية لنويات عنصر‬
‫الكربون‪ ،‬التي بدورها تبدأ في الندماج‪ .‬وتنتهي هذه الدورة من التفاعلت النووية والنبضية (‬
‫‪ )Pulsation‬فقيط؛ عندميا يتحول قلب النجيم إلي نويات عنصير الحدييد‪ .‬وقبيل أن تموت هذه‬
‫النجوم‪ ،‬وتط مس(أي تتو قف عن إشعاع الضوء)؛ تقوم بن ثر(‪ )Shed‬وذرو مع ظم ما ب ها من‬
‫مادة‪ .‬والفقرة التالية‪ ،‬تبين الطرق‪ ،‬التي تنثر (أو تذرو) بها هذه النجوم مادتها‪.‬‬

‫أساليب نثر‪ ،‬أو ذرو‪ ،‬مادة النجوم العملقة‪:‬‬


‫السلوب الول‪ :‬نثر القليل من المادة في المرة الواحدة‪:‬‬
‫ل من مادتها‪ .‬في الشمس مثل؛ ينتج ما يسمى بالرياح الشمسية (‬ ‫كل النجوم‪ ،‬دائما ما تفقد قلي ً‬
‫‪ .) Sun flare‬هذه الرياح تُذرى وتُن ثر خارج الش مس‪ ،‬حاملة مع ها جزئيات مشحو نة‪ ،‬تند فع‬
‫وتنثر في الفضاء ( هذا بالطبع علوة علي المادة الشمسية التي تتحول الى طاقة‪ ،‬وتنطلق في‬
‫ل مين إرسيال رياح تحميل‬ ‫صيورة ضوء وحرارة)‪ .‬بعيض النجوم الخرى تفعيل شيئا مماث ً‬
‫جزيئات مشحونة‪ ،‬هذه الحداث هي المسئولة عن نقصان مادة النجم‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫هذه الصورة ( أعله) عبارة عن مقطع مكبرمن صورة حقيقية للشمس‪،‬‬
‫توضح التيارات التي تحدث داخلها‪ ،‬نتيجة للتفاعلت النووية‪.‬‬
‫وهذا يحدث في كل النجوم التي مازالت في طور توليد الضوء‪.‬‬

‫الصورة تبين عملية النثر التي تُذرى فيها بعض مادة الشمس (أو النجم)‪،‬‬
‫التي تنطلق خارج الشمس بطاقة عالية‪ ،‬وتسمى الرياح الشمسية‪.‬‬
‫وفي أسفل الشكل‪ ،‬رسمت الرض‪ ،‬لبيان حجمها النسبي‪ ،‬بالنسبة للشمس‪.‬‬

‫وبالرغم من أن كمية المادة تكون قليلة نسبيا في هذه الحالت؛ إل أن الفقدان والتناقص مستمر‬
‫وثا بت‪ .‬وهناك طري قة أخري لفقدان الن جم جزءا من ماد ته‪ ،‬في ها يقوم هذا النوع من النجوم؛‬
‫بقذف كميات مين الغاز‪ ،‬الذي يكون سيديما (‪ .)nebula‬وبعيد أن ييبرد السيديم‪ ،‬يتكون منيه‬
‫كوكيب‪ ،‬أو عدة كواكيب ( تماميا كميا حدث فيي حالة النظام الشمسيي‪ ،‬الذي يحوي شمسينا‪،‬‬
‫وأرض نا المعهودت ين)‪ .‬هذه الطرق تحدث عند ما يكون الن جم متو سط الح جم‪ ،‬فيف قد بعضا من‬
‫ماد ته‪ ،‬ويتحول إلي ما ي سمي ب"القزم الب يض"‪ .‬والقزم الب يض هذا ن جم من نوع آ خر‪ ،‬تزن‬

‫‪47‬‬
‫مادته مره ونصف وزن الش مس‪ ،‬ول تزيد أبدا عن ذلك‪ .‬مثل هذه الطريقة‪ ،‬في فقدان المادة؛‬
‫ل يحدث في حالة النجوم‪ ،‬التي يكون وزنها أثقل من الشمس عشرات المرات‪.‬‬
‫هذه النجوم الضخمية تقوم فيي آخير عمرهيا بفعيل شدييد العنيف‪ .‬ويسيمي الفلكيون هذه النجوم‬
‫"نوفيي" ( ‪ ( )Novae‬سيميت فيي بعيض الترجمات العربيية بالمسيتعرات‪ ،‬ومفردهيا مسيتعر)‬
‫أوالنجوم الجديدة‪ .‬وهذا السيم الوصيفي اسيم مضلل‪ ،‬ول يدل علي الصيفة المميزة لفعيل هذا‬
‫الن جم‪ .‬وم صدر هذه الت سمية‪ ،‬إن هذه النجوم‪ ،‬عند ما تنف جر‪ ،‬تض يء بشدة‪ ،‬وتظ هر للمرا قب‬
‫فجأة‪ ،‬فتبدو وكأنها نجوم جديدة في السماء‪ ،‬لم تكن موجودة من قبل‪ .‬والنفجار الحادث يكون‬
‫نتيجة لتولد كمية هائلة من الطاقة‪ ،‬داخل النجم‪ .‬هذه الطاقة‪ ،‬وقوة النفجار‪ ،‬تدفع وتلفظ وتنثر‬
‫الطبقة الخارجية من النجم‪ .‬وتندفع مادة سطح النجم – المكونة من غاز كوني؛ بسرعة عالية‪،‬‬
‫تزييد عين ألف كيلومتير فيي الثانيية الواحدة (‪ 1000‬كيم‪/‬ثانيية)‪ ،‬وتتشتيت وتنثير‪ ،‬وتتفرق فيي‬
‫الفضاء (‪ .)Dispers‬هذا الغاز المنتشر يصبح غير مرئي (نظرا لبرودته) بعد بضع سنوات‪.‬‬
‫ويُميّز هذا النتشار‪ ،‬هذا الصنف من النجوم عن غيرها‪ ،‬من النجوم الخرى‪ ،‬التي ينطلق منها‬
‫السديم الكوكبي ‪ ،))Planetary nebula‬والسديم الكوكبي هو السديم الذي تتكون منه الكواكب‬
‫( مثل الرض)‪ .‬والنجم الذي يحدث له هذا النفجار‪ ،‬أو" حدث النوفا "( ‪ ،)Nova event‬يفقد‬
‫أقل من ‪ %1‬من مادته‪ .‬وظاهرة النفجار هذه‪ ،‬ليست فريدة‪ .‬بل هي متكررة‪ ،‬وتحدث بكثرة‪.‬‬
‫ويبدو إن هناك حوالي ‪ 40‬حادثية إنفجار ( ‪ ،)Nova event‬تحدث كيل عام فيي المجرة التيي‬
‫نعيش فيها‪ ،‬المسماة بمجرة "الطريق اللبني"( ‪ ،)Milky way‬ولكننا ل نستطيع إل رؤية القليل‬
‫من ها‪ ،‬وذلك ب سبب‪ ،‬إن الكث ير من هذه الحوادث‪ ،‬تخت في دا خل ال سحابات الغاز ية الضخ مة (‬
‫‪ )Gas & dust‬المتكونة في المجرة‪ .‬وبعد هذا النفجار؛ يتحول النجم المتفجر نفسه‪ ،‬إلي قزم‬
‫أبيض(واضح من السم أنه يصغر في الحجم كثيرا)‪ .‬وبعد قليل‪ ،‬يفقد تألقه‪ ،‬وبريقه ولمعانه‪،‬‬
‫ويتحول تدريجيا إلي قزم أ سود( سمي أ سود ل نه ي صبح غ ير مرئي)‪ .‬من ب ين هذه النجوم‪،‬‬
‫لوحظ أن بعضها يتفجر‪ ،‬وينفث حممه( ‪ )Erupt‬أكثر من مرة‪ ،‬في دورة حياتها‪ .‬وقد لوحظ‬
‫أيضا‪ ،‬إن هذه النجوم‪ ،‬التيي تكرر(‪ ) recurrent‬هذه النفجارات‪ ،‬دائما – تقريبا – ميا تكون‬
‫عضو‪ ،‬في نظام ثنائي‪ ،‬أي أنها تكون أحد نجمين متلزمين‪.‬‬

‫السلوب الثاني‪ :‬فقد مادة النجم كلها مرة واحدة‪:‬‬


‫النجوم العظيمية الضخمية (‪ )Great stellar‬تنتحير‪ .‬هذا النوع مين النجوم‪ ،‬يسيميه الفلكيون‬
‫"سيوبرنوفي" (‪ .)Supernovae‬هذا النتحار النجميي‪ ،‬يحدث عندميا ينفجير النجيم‪ ،‬وينثير‪،‬‬
‫ويقذف‪ ،‬ويذرو‪ ،‬تقريبا كل مادته‪ ،‬المكونة له‪ ،‬إلى الفضاء من حوله‪.‬‬
‫ويمكن وصف ما يحدث في هذا النفجار بطريقه تقريبية (انظر الرسم التالي) ‪،‬كما يلي‪:‬‬
‫تستمر النجوم الضخمة العملقة في الحياة‪ ،‬أي في توليد الطاقة والشعاع‪ ،‬حتى يتحول قلبها(‬
‫‪ )Core‬إلي نويات عن صر الحد يد‪ .‬دا خل هذا القلب‪ ،‬قد ت صل در جة الحرارة‪ ،‬إلي عدة آلف‬
‫الملي ين من الدرجات‪ .‬ح تى هذه اللح ظة‪ ،‬تب قي اللكترونات ( سالبة الشح نة الكهرب ية)‪ ،‬وال تي‬
‫تدخيل فيي تكويين الغاز المحييط بالقلب؛ حول الطبقات الخارجيية‪ ،‬وتسياعدها علي البقاء‬
‫والستمرار‪ .‬وعندما يصل النجم إلي الحالة التي يكون فيها التفاعلت النووية‪ ،‬التي تحدث في‬
‫القلب؛ مستهلكة للطاقة‪ ،‬وليست منتجة لها‪ .‬هنالك يبدأ الختلل في توازن القوي المؤثرة علي‬
‫الن جم‪ .‬وعندئذ ت صبح قوي الجذب المادي ‪ -‬ال تي تد فع إلي الدا خل‪ -‬هي الغال بة الم سيطرة‪.‬‬
‫وعندما تصبح هذه القوى الضاغطة علي القلب ضخمة؛ عندئذ تندمج اللكترونات – المحيطة‬
‫بالقلب– بنويات الحدييد‪ ،‬المكون لقلب النجيم‪ .‬وبالتالي ل يبقيي النجيم علي صيورته وشكله‬
‫السابق‪ .‬عندئذ ينهار(‪ )Collapses‬قلب النجم‪ ،‬ويصبح النجم قابل للطي (أوالتكور‪ -‬المترجم)‪.‬‬
‫فيي نفيس الوقيت‪ ،‬تنهار الطبقات الخارجيية للنجيم‪ ،‬فوق هذا القلب المنهار‪ .‬عنيد ذلك تدخيل‬

‫‪48‬‬
‫الذرات الخفيفة‪ ،‬من الوكسجين والكربون والهيليوم والهيدروجين‪ ،‬في التفاعل النووي‪ ،‬نتيجة‬
‫لدرجات الحرارة العالية القريبة من القلب‪.‬‬
‫هذا الحدث عظيييم‪ ،‬هائل الشدة (‪ ،)So violent‬لدرجيية إن الطبقات الخارجييية للنجييم‬
‫تُنث َر(وتُذرىَ) كلهيا‪ ،‬ويقذف بهيا إلي الخارج جميعهيا‪ .‬وتقذف أيضيا معظيم العناصير الثقيلة‬
‫(ن سبيا)‪ ،‬ال تي كا نت‪ ،‬قد تكو نت بداخل ها‪ .‬عمل ية القذف هذه؛ ت صاحبها طا قة عال ية‪ .‬تد فع مادة‬
‫النجم المنتشرة إلي الجري‪ ،‬في اتجاه الخارج‪ ،‬في الفضاء بسرعة عالية‪ ،‬تصل إلي سبعة آلف‬
‫كيلو مترا في الثانية الواحدة ( ‪ 7000‬كم‪/‬ثانية)‪ .‬هذه العملية‪ ،‬وهذا النفجار يتم كله في دقائق‬
‫قليلة معدودة‪ .‬وعندميا يحدث هذا النفجار(هذا الحدث‪ ،‬يسيميه الفلكيون السيوبرنوفا)‪ ،‬يصيبح‬
‫النجم ( يسمي النجم المتفجر أيضا سوبر نوفا) مضيئا‪ ،‬ولمعا‪ .‬وتكون إضاءته أشد من إضاءة‬
‫الش مس بمليين المرات‪ .‬ولهذا وب سبب الضاءة الشديدة العظيمة يم كن أن يُري (أيضا بالع ين‬
‫المجردة) علي أبعاد كبيرة جدا‪.‬‬
‫وحادث السوبرنوفا‪ ،‬ل يتكرر في الطبيعة كثيرا‪ ،‬مثلما تتكرر حوادث النوفا (لحظ الفرق بين‬
‫النوفيا‪ ،‬والسيوبرنوفا‪ .‬الخيرة حادثية أشيد قوة‪ ،‬وأهيم‪ .‬حييث أنهيا يحدث فيهيا خلق العناصير‬
‫الثقيلة‪ ،‬اللز مة لتكو ين مادة الحياة المعقدة – المتر جم)‪ .‬ف في مجرت نا "الطر يق اللب ني"‪ ،‬تحدث‬
‫ال سوبرنوفا‪ ،‬مرة كل خم سة وعشرون سنة‪ ،‬ح تى خم سون سنة‪ .‬و في الل في عام الخير ين‬
‫شوهدت ستة أو سبعة حوادث انفجار‪ ،‬تم فيها نثر وقذف لمادة النجم‪ .‬وأشهر سوبرنوفا ربما‬
‫تكون تلك ال تي حد ثت في برج الثور المعروف (‪ ،)Taurus‬عام ‪ 1054‬ميلد ية‪ .‬هذه الحاد ثة‬
‫سجلت في السجلت الصينية القديمة‪ ،‬وفي كهوف المريكيين الشماليين الصليين‪ .‬ولقد كانت‬
‫مضيئة إلى درجية أنهيا؛ ظهرت لنيا علي الرض مثيل كوكيب المشتري(‪ ) Jupiter‬وبقييت‬
‫ظاهرة لمدة عامين‪ .‬هذا الحدث لم يشاهده – أو علي القل لم يسجله – الوربيون‪.‬‬
‫هذا النفجار ترك سديما هائلً‪ ،‬من الغازات والتر بة الذر ية (‪ ،)Gas & Dust‬منتشرا في‬
‫فضاء مجرت نا‪ .‬وي سميه الفلكيون بال سديم ال سرطاني (‪ .)Crab nebula‬هذا ال سديم ال سرطاني‬
‫يتمدد ب سرعة عال ية (‪ 1100‬كم‪/‬ثان ية) متباعدا عن مركزه‪ .‬وي شع هذا ال سديم ال سرطاني‪ ،‬كل‬
‫أنواع الشعة‪ ،‬من ضوء مرئي( أي الشعاع الذي تحس به العين البشرية)‪ ،‬وموجات رادوية‪،‬‬
‫وأشعية سيينية‪ ،‬وأشعية جاميا‪ ،‬وميا إلي ذلك مين إشعاع‪ .‬ولهذا يعتيبره الفلكيون معميل أبحاث‬
‫فضائي ممتاز لدراسية الشعاعات ذات الطاقية العاليية‪ .‬ومين المثيير للدهشية حقا‪ ،‬أن كيل‬
‫السوبرنوفي‪ ،‬تصل في شدة إضاءتها إلي نفس الدرجة العليا‪ ،‬التي تصل كل منهم إليها‪ .‬هذه‬
‫الخا صية تجعل نا‪ ،‬ن حن سكان الرض‪ ،‬ن ستطيع‪ ،‬قياس الم سافات ب ين المجرات‪ .‬وذلك بقياس‬
‫شدة الضاءة الظاهرة ل نا (‪ ) Apparent magnitude‬من مختلف المجرات‪ .‬فبمقار نة "شدة‬
‫الضاءة الظاهريية" الناشئة مين سيوبر نوفيا فيي احدي المجرات‪ ،‬بشدة الضاءة الظاهريية‬
‫الناشئة من سوبرنوفا في مجرة أخري‪ ،‬نستطيع تقدير المسافات بين المجرتين‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫صورة حقيقية للسديم السرطاني (‪ )Crab nebula‬في برج الثور‪ ،‬اللوان ليست واقعية‬

‫و مع أن هذا الحدث النفجاري(ال سوبرنوفا)‪ ،‬يم ثل نها ية حياة ن جم ض خم‪ ،‬إل أ نه رب ما؛ يم ثل‬
‫البدا ية لتكون (أوخلق) ن جم جد يد‪ .‬ويحدث هذا‪ ،‬عند ما تتمدد بقا يا الن جم المنف جر (ال سوبرنوفا)‬
‫في صورة سديم تختلط ماد ته‪ ،‬مع المادة الكون ية الخرى‪ ،‬المتواجدة في الفضاء‪ .‬هذه المادة‬
‫الكون ية‪ ،‬وال تي ت سمي هي أي ضا بال سديم‪ ،‬يم كن أن ت صبح بدا ية إنشاء ج سم آ خر‪ .‬و من هذا‬
‫الجسم يتكون ما يسمي بالنجوم البتدائية (‪.)Protostars‬‬
‫وبالتالي فإن حدث السيوبرنوفا هذا‪ ،‬يمثيل طريقية فعالة لعادة تدويير المادة النجميية (لتصينيع‬
‫نجوم جديدة)‪ .‬وشم سنا المعرو فة وكواكب ها‪ ،‬ب ما تحتو يه من عنا صر ثقيلة‪ ،‬هي بالتأك يد ج يل‬
‫وليد‪ ،‬نشأ من جيل قبلها‪ ،‬من نجوم ضخمة انفجرت (سوبرنوفا)‪ .‬وبالتالي يمكننا القول‪ :‬إن كل‬
‫عنصر ثقيل‪ ،‬وكل جزئ في جسمنا البشري‪ ،‬كان قد أنتج في السابق في رحم (‪)Interiors‬‬
‫نجم ضخم‪ ،‬انفجر في وقت سابق‪( .‬ومن هنا يأتي قول البعض‪ ،‬أننا نحن البشر‪ ،‬ناتج من غبار‬
‫النجوم)‪ .‬ويتبقيي بعيد النفجار‪ -‬علوة علي السيديم الذي ذكير أعله‪ -‬القلب الداخلي للنجيم‬
‫المنف جر‪ .‬هذا القلب يل قي م صيرا يغ ير من طبيعته كليا‪ .‬وي صبح نجما مختل فا تما ما‪ ،‬وي سمي‬
‫بالقزم البيض (‪. )White Dwarf‬‬
‫المتبقي من السوبر نوفي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬النجم النيوتروني‪:‬‬
‫عند ما يبدأ قلب ن جم ض خم عملق في النهيار (‪ ،) Collapse‬يم ثل هذا النهيار شرارة البدء‬
‫لحادثية السيوبرنوفا‪ .‬تكون شدة النهيار كيبيرة جدا‪ ،‬لدرجية أن اللكترونات (المحيطية بقلب‬
‫النجم‪ ،‬وتكون سالبة الشحنة الكهربية) تندمج مع البروتونات( الموجبة الشحنة‪ ،‬وهي المكونة‬
‫لنويات الحديد)‪ ،‬ويتحول القلب الى نيترونات( متعادلة الشحنة) خالصة‪ .‬وبسرعة فائقة يتحول‬
‫كل قلب الن جم إلي نيوترونات منضغ طة‪ ،‬إلي أق صي در جة‪ .‬هذه الكتلة كل ها – وال تي تم ثل‬

‫‪50‬‬
‫قلب النجم الضخم المنفجر‪ ،‬وربما يصل وزنها أضعاف وزن الشمس – تتحول إلي كرة من‬
‫النيوترونات‪ ،‬ي صل قطر ها من عشرة إلي خم سة عشرة كيلوم تر‪ .‬ويمكن نا أن نع طي م ثل ‪-‬‬
‫للتخييل فقيط‪ -‬ييبين مدي التضاغيط‪ ،‬والتلحيم‪ ،‬ومدى تكاثيف هذه الكرة‪ .‬فلو تصيورنا أننيا‬
‫أحضرنيا ملئ ملعقية شاي مين هذه المادة‪ ،‬ووزناهيا علي الرض؛ لوزنيت حوالي مائة مليون‬
‫طين متري‪ .‬أو لنقيل مائة ألف مليون كيلو جرام (كجيم) مين المادة الرضيية‪ .‬مثيل هذا النجيم‬
‫النيوتروني‪ ،‬موجود في مركز سديم السرطان(‪.)Crab nebula‬‬

‫‪ – 2‬الثقب السود ( النوع الخر المتخلف من السوبرنوفا ) ‪:‬‬


‫علي قدر ضخامة النجم المتفجر‪ ،‬وما به من مادة؛ تختلف نوعية المادة المتخلفة من النفجار‪.‬‬
‫فعندما يكون النجم شديد الضخامة‪ ،‬يتخلف عن إنفجارة جسما أكثر غرابة من النجم النيتروني‪،‬‬
‫يسيمي الثقيب السيود‪ .‬فعندميا يكون قلب النجيم المنفجير شدييد الضخامية؛ تنكميش مادتيه‪،‬‬
‫وتتضا غط بقوة هائلة في إتجاه الدا خل ( ‪ .)Implodes‬في م ثل الظروف تته شم المادة كل يا (‬
‫‪ ،) Matter crushes‬أو بتعيبير آخير تنسيحق المادة‪ ،‬وينهار الجسيم النجميي(‪Stellar‬‬
‫‪ ،)collapse‬ويتضاءل حجمه‪ ،‬في حيز متناهي في الصغر‪ ،‬وتصل كثافته إلي درجة كبيرة‪،‬‬
‫ية المنفردة" (‬ ‫يئ "النقطي‬‫يل هذا الشي‬‫يمي الرياضيون الفلكيون مثي‬ ‫يورها‪ .‬ويسي‬ ‫ين تصي‬ ‫ليمكي‬
‫‪ .)Singularity‬هذه النقطة‪ ،‬أو هذا النجم المتبقي‪ ،‬أو هذا الجسم الغريب‪ ،‬تكون جاذبيته فائقة‬
‫العلو‪ ،‬لدر جة أن فوتونات الضوء( أو جزيئات الضوء‪ ،‬ال تي ل وزن ل ها) ل ت ستطيع أن تفلت‬
‫من قوة جذبه‪ ،‬وبالتالي ل يمكن رؤياه‪ .‬وكما هو واضح‪ ،‬إن تسمية هذا الجسم بالثقب السود‪،‬‬
‫تأتيي مين حقيقية أن هذا الجسيم ل يشيع ضوءا يمكننيا مين رؤياه ورصيده‪ .‬والطريقية الوحيدة‬
‫للتعرف عليه والحساس به‪ ،‬هي قياس تأثيره في المنطقة المحيطة به ( وإكتشف حديثا أن هذا‬
‫الج سم يبتلع المادة المحي طة به‪ ،‬ويتولد عن ذلك طاقة يمكن رصدها بواسطة تليسكوب يحس‬
‫بالشعية السيينية‪ ،‬والتليسيكوب بنيي حديثيا وسيمي بالسيم شندرا ‪Chandra X-Ray‬‬
‫‪.)Observatory‬‬
‫***‬
‫ثانيا ‪ :‬وصف وتعريف لظاهرة السوبرنوفا‪:‬‬
‫مترجم لما ورد في موقع‪ ،‬وكالة الفضاء المريكية ناسا ‪:)NASA )16‬‬
‫ظاهرة السيوبرنوفا (‪ )Supernova‬عبارة عين انفجارهائل القوة‪ ،‬عظييم ومروع (‪Mind-‬‬
‫‪ .)boggling‬يحدث لبعض النجوم‪ ،‬في نهاية حياتها‪ .‬والنجوم التي تنفجر‪ ،‬هي نجوم ضخمة‪،‬‬
‫ا ستنفدت ما ب ها من وقود نووي (الهيدروج ين)‪ ،‬وبالتالي ينهار( ‪ )Collapse‬قلب ها ‪،))Core‬‬
‫بينما تنفجر منتثر(‪ )Blast‬طبقاتها الخارجية‪ ،‬وتنتشر في الفضاء‪ .‬هذا النفجار يصحبه كمية‬
‫هائلة‪ ،‬من الطا قة الضوئ ية‪ ،‬ال تي تن ير الفضاء من حول ها‪ ،‬وتظ هر مضيئة‪ ،‬ك ما لو أن ها مجرة‬
‫كاملة‪.‬‬
‫وهناك نوع آخر من السوبرنوفا‪ ،‬يحدث عندما يتواجد نجمين‪ ،‬أحدهما قزم أبيض‪ .‬ويقوم هذا‬
‫الخير بجذب المادة النجمية‪ ،‬من النجم المرافق له (‪( )Companion‬يمكن تسميته القرين ‪-‬‬
‫المتر جم)‪ .‬وعند ما يزداد وزن القزم (وي صل الى حد مع ين)‪ ،‬يخ تل توازن التفاعلت النوو ية‬
‫ير‬‫بداخله‪ .‬هذا الختلل يؤدي إلي انفجار حراري نووي ( ‪ ،)Thermonuclear‬ينثير ويبعثي‬
‫(يذرو) فييه كيل مادتيه فيي الفضاء‪ .‬هذه المادة الناتجية‪ ،‬تُكوّن سيحابه غازيية سيديمية‪ .‬والتيي‬
‫بدورها تندمج مع ما في الفضاء من سدم أخرى‪.‬‬
‫من هذا ي تبين أن هناك نوع ين من ال سوبرنوفي (‪( )Supernovae‬مفرد ها سوبرنوفا)‪ .‬يعت مد‬
‫تصنيف النوعين؛ علي حسب نوع اللية الطبيعية (‪:) Physical mechanism‬‬
‫إما انهيار لقلب نجم ضخم‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫أو تفاعلت نووية حرارية انفجارية لقزم أبيض‪.‬‬
‫وفي كل الحالتين‪ ،‬يتم تصنيف السوبرنوفي‪ ،‬بناءا علي مشاهدة‪ ،‬وتسجيل نوع الضوء المنبعث‬
‫وشدته‪ .‬وبدراسة الضوء الصادر‪ ،‬من السوبرنوفا‪ ،‬يمكن للفلكيون‪ ،‬التعرف على نوع العناصر‬
‫التي تكونت في النجم‪ ،‬قبل انفجاره‪ ،‬وانتشار أشلءه في الفضاء‪ .‬والتحليل الطيفي (‪Spectral‬‬
‫‪ )analysis‬للضوء المنبعيث‪ ،‬هيو الذي يعطيي البصيمة (‪ )finger print‬الدالة‪ ،‬علي نوع‬
‫العنصر‪ ،‬الناتج من إنفجار النجم‪ ،‬في نهاية دورة حياته‪ .‬هذه العناصر الكيميائية‪ ،‬الثقيلة نسبيا‪،‬‬
‫الناتجية مين السيوبرنوفا (‪ ،) Supernova elements‬تصيبح أسياس‪ ،‬وبدايية لتكويين نجوم‪،‬‬
‫وكوا كب‪ ،‬ب ها ذرات‪ ،‬أو عنا صر‪ ،‬مواد تج عل الحياة (البيولوج ية المعقدة) في النها ية‪ ،‬ممك نة‬
‫(مثلما حدث في نظام شمسنا وأرضنا)‪.‬‬

‫النوع الول (‪ ،) I‬والنوع الثاني ( ‪ ) II‬من السوبر نوفي‪:‬‬


‫التحلييل الطيفيي للضوء المنبعيث مين النوع الول( ‪ ) I‬مين السيوبر نوفيي‪ ،‬ل يحتوي علي‬
‫خطوط عن صر الهيدروج ين‪ .‬بين ما يحتوي التحل يل الطي في النا تج من النوع الثا ني( ‪) II‬علي‬
‫خطوط الهيدروجين‪ .‬وبأسلوب آخر‪ ،‬يمكن القول‪ :‬إن عنصر الهيدروجين يوجد فقط‪ ،‬في حالة‬
‫النوع الثاني من السوبرنوفا‪.‬‬
‫يعتمد هذا التصنيف‪ ،‬علي نوع اللية الميكانيكية التي تم بها انفجارالنجم‪ .‬وهناك آليتين هما‪:‬‬
‫الولي‪ :‬انفجار(‪ )detonation‬قزم أبيض‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬انهيارقلب نجم ضخم‪.‬‬
‫ولقد لوحظ أن السوبرنوفي الناتجة عن انهيار قلب نجم ضخم‪ ،‬تتكرر بمقدار الضعف‪ ،‬عما هو‬
‫الحال عندما ينفجر قزما أبيض‪.‬‬
‫ويعتقيد الفلكيون الدارسيون للجسيام الغريبية مين نجوم نيترونيية‪ ،‬ونجوم نابضية (‪،)Pulsars‬‬
‫وثقوب سيوداء (‪ ،)black holes‬وكذلك الحزم الكثيفية مين أشعية جاميا (‪gamma ray‬‬
‫‪ ،)bursts‬أنها كلها ناتجة‪ -‬أولها صلة‪ -‬بالنهيار النجمي‪.‬‬

‫اللية الولى‪ :‬انفجار القزم البيض ينتج عن تفاعلت نووية حرارية‪:‬‬


‫هذا النوع من ال سوبرنوفا‪ ،‬الذي يش مل انفجار مفا جئ لقزم أب يض؛ يحدث عند ما ي سحب القزم‬
‫البييض كميية ضخمية مين مادة النجيم المرافيق له (‪ .)Companion‬والنجيم المسيمي بالقزم‬
‫الب يض‪ ،‬يبدأ حيا ته كن جم له كتله‪ ،‬أ قل من ثما ني مرات كتلة الش مس (وهذا معناه أن النجوم‬
‫التيي لهيا وزن صيغير نسيبيا‪ ،‬سيبعة فأقيل‪ ،‬ضعيف وزن شمسينا‪ ،‬ل تمير بمثيل هذه النهايية‬
‫الحزينة‪ ،‬من النتحار عن طريق النفجار‪ .‬وتستمر حياتها إلي مليارات السنين‪ ،‬كما هو الحال‬
‫في شمسنا)‪ ،‬وعندما ينتهي الوقود النووي في قلبه‪ ،‬ينكمش القلب‪ ،‬ويتحول إلي جسم في حجم‬
‫الكرة الرضية‪ ،‬وتكون كتلته أقل من ‪ 1.4‬من كتلة الشمس‪.‬‬
‫ولن النجوم‪ ،‬في كثير من الحيان‪ ،‬تكون في حالة تزاوج (أي أن النجم يدور حول نجم آخر‪،‬‬
‫ويسيمي كيل منهميا قريين الخير(‪ ،)Companion‬و ُي َكوّنيا ميا يسيمي بالنظام الثنائي(‪binary‬‬
‫‪)systems‬؛ فان القزم البييض‪ ،‬الذي يوجيد فيي حالة تزاوج‪ ،‬يبدأ بشيد وسيحب المادة مين‬
‫رفيقة‪ ،‬عندما يتواجد بالقرب منه بدرجة كبيرة‪ .‬وتتم هذه العملية بسبب أن القزم البيض‪ ،‬له‬
‫جذب مادي تثاقلي شديد( ‪ ) Strong gravitational pull‬ناتج عن كثافته العالية‪.‬‬
‫ولو حدث أن القزم البيض‪ ،‬سحب مادة من النجم المرافق له؛ لدرجة أوصلت وزنه حد ‪1.4‬‬
‫كتلة الش مس‪ ،‬أو يز يد في ب عض الحالت؛ ع ند ذلك سيكون للقزم الب يض‪ ،‬فجأة‪ ،‬مادة كاف ية‪،‬‬
‫لبدأ عمل ية الندماج النووي من جد يد‪ .‬ويبدأ تفا عل نووي‪ ،‬غ ير م سيطر عل يه‪ .‬ويكون وقوده‪،‬‬
‫في هذه الحالة‪ ،‬العناصر المكونة للنجم‪ ،‬وهي أثقل من الهيدروجين والهيليوم‪ ،‬مثل‪ :‬الوكسجين‬

‫‪52‬‬
‫والكربون‪ .‬هذا التفاعيل النووي الحراري‪ ،‬يسيبب انفجار وتشتيت‪ ،‬مادة النجيم كليا‪ .‬مثيل هذا‬
‫النفجار ل يبقي شيئا خلفه‪ .‬يبقي فقط العناصر التي تركها القزم البيض‪ ،‬أو كانت قد تشكلت‬
‫في انفجار السوبرنوفا في الحالة الخرى‪.‬‬
‫ويكون عنصير النيكيل ضمين هذه العناصير المتبقيية ‪ ،‬وتبدأ نوياتيه فيي النشطار بعيد ذلك‪،‬‬
‫وينب عث من هذا النشطار النووي كم ية هائلة من مختلف أنواع الطا قة وال تي تش مل الشعاع‬
‫المرئي‪ .‬وفي النهاية‪ ،‬فإن الغاز الذي قُذف ونثرفي الفضاء يصبح سديما‪ .‬وسمى الفلكيون هذا‬
‫السديم "السديم الكوكبي" (‪ .)Planetary nebula‬ولقد بقيت هذه التسمية لفترة طويلة‪ ،‬بالرغم‬
‫من أن هذا السم يؤدي إلي فهم خاطئ للظاهرة التي تحدث‪.‬‬

‫اللية الثانية‪ :‬انهيار قلب النجم الضخم‪ ،‬الذي يُنتج السوبرنوفا ‪:‬‬
‫ال سوبرنوفا النات جة من انهيار قلب الن جم ( ‪ ،) core - collapse‬تحدث ف قط في حالة النجوم‬
‫الضخمية‪ .‬والتيي يكون وزنهيا البتدائى‪ ،‬ثمانيي مرات وزن الشميس‪ ،‬على القيل‪ .‬يتولد هذا‬
‫النهيار‪ ،‬نتي جة أن الن جم ي ستهلك الوقود المتاح‪ ،‬من الهيدروج ين‪ .‬و هو العن صر اللزم لتول يد‬
‫الطاقية‪ ،‬التيي تسيتخدم فيي عمليية الندماج النووي فيي القلب‪ .‬ولن هذه النجوم ضخمية جداَ‬
‫(بعضها يصل وزنة ‪ 50‬مرة‪ ،‬ضعف وزن الشمس‪ ،‬وفى بعض الحالت أكثر من ذلك بكثير)؛‬
‫فإن القلب‪ ،‬نتيجة لقوة الضغط الهائلة‪ ،‬يستطيع أن يدمج نويات الوكسجين والكربون‪ ،‬ويحولها‬
‫إلى نويات عنا صر أث قل‪ .‬هذه العنا صرالثقل تش مل‪ :‬النيون‪ ،‬والمغن سيوم‪ ،‬وال سيليكون‪ ،‬وح تى‬
‫الحد يد( را جع الش كل التوضي حي الذي يبين خطوات تكون ال سوبرنوفا‪ ،‬أعله)‪ .‬و في كل مرة‬
‫تتولد طا قة كاف ية؛ للحفاظ على بقاء لمعان الن جم‪ .‬م ثل هذا الن جم‪ ،‬الذي ي مر بمرا حل متعددة‪،‬‬
‫يتكون مين عناصير مختلفية‪ .‬هذه العناصير تتوزع فيي طبقات متواليية‪ .‬تشبيه هذه الطبقات‬
‫"طبقات البصل" ( ‪( ،)onion layers‬حيث تشبه نبات البصل من حيث أنه مكون من طبقات‬
‫متواليية)‪ ،‬وحييث يتزاييد الوزن الذرى للعناصير المكونية للطبقات المختلفية‪ ،‬ويسيتمر تكويين‬
‫العناصر المختلف في طبقات تلي بعضها البعض‪ ،‬وحتى يتكون الحديد الذي ُيكَوّن القلب‪.‬‬

‫‪The Structure of a Pre-Supernova Supergiant‬‬


‫بنية ما قبل السوبرنوفا‪ ،‬وطبقات العناصر في طبقات متوالية مثل طبقات البصلة‬

‫وبمجرد تكون الحديد في القلب‪ ،‬يبدأ النجم في المعاناة من مشكلة رهيبة‪ .‬عنصر الحديد يحتاج‬
‫إلى طاقية ضخمية‪ ،‬حتيى تسيتطيع نوياتيه أن تندميج‪ ،‬وتتحول إلى عناصير أثقيل مين الحدييد‪.‬‬
‫وتكون كمية الطاقة اللزمة لستمرار التفاعل‪ ،‬اكبر مما يُنتج في التفاعلت النووية‪ .‬و نتيجة‬

‫‪53‬‬
‫لذلك‪ ،‬وبمجرد أن يبدأ القلب فيي إنتاج نوويات عنصير الحدييد؛ ل تسيتطيع عمليية الندماج‬
‫النووي‪ ،‬في المواصلة والستمرار‪ .‬وعند حد معين‪ ،‬تتوقف العملية بالكامل‪ .‬وبذلك يفقد قلب‬
‫النجم ضغطه الهائل إلى الخارج نتيجة للطاقة الحرارية الهائلة‪ ،‬الناتجة من التفاعلت النووية‪.‬‬
‫وفى فترة زمنية غاية في الصغر– ثانية أو أقل– ينهار القلب‪ .‬ويتحول إلى جسم‪ ،‬يبلغ قطره‬
‫حوالي عشرة أميال(‪ 16‬كم)‪ ،‬بعدما كان في ح جم الكرة الرضية‪ .‬ويسمى الفلكيون هذا الجسم‬
‫بالنجم النيوتروني‪ .‬وفى الحالت الخرى‪ ،‬عندما يكون النجم المنفجر شديد الضخامة؛ يتحول‬
‫القلب‪ ،‬إلى جسم شديد الغرابة‪ ،‬يسميه الفلكيون ب "الثقب السود" ((‪ ،Black Hole‬وحجم هذا‬
‫الجسم نظريا يساوى صفر‪.‬‬
‫إنهيار قلب النجيم هذا؛ يسيحق أو يعتصير(‪ )crushes‬اللكترونات ( الجسييمات ذات الشحنات‬
‫الكهرب ية ال سالبة)‪ ،‬والبروتونات(الج سيمات ذات الشحنات الموج بة) سويا‪ ،‬مكونا النيوترونات‪.‬‬
‫والنيترونات‪ ،‬أجسيام لهيا وزن البروتونات‪ ،‬لكنهيا متعادلة كهربيا‪ .‬وينتيج ميع النيوترونات‬
‫جزئيات أخرى‪ ،‬مجهولة الشكيل والحجيم‪ ،‬تسيمى النيوترينووات( ‪ ،)neutrinos‬وهيى فييض‬
‫إشعاعيي‪ ،‬ل وزن لهيا تقريبا‪ ،‬ول تتفاعيل ميع المادة العاديية‪ .‬وشمسينا المعروفية‪ ،‬ترسيل إلى‬
‫الرض فيضا ل حصر له‪ ،‬من النيوترينووات‪ ،‬التي تنفذ خلل المادة دون أن تتفاعل معها‪ ،‬أو‬
‫تؤثر عليها (‪ .)ever touching matter‬وعندما ينهار قلب النجم‪ ،‬يتكون ضغط هائل دا خل‬
‫النجيم‪ ،‬لدرجية أن النيوترينووات المندفعية إلى الخارج بسيرعة‪ ،‬تصيطدم بالطبقات المتهاويية‬
‫بداخيل النجيم‪ .‬هذا التصيادم هائل القوة‪ ،‬لدرجية أن الطبقات الخارجيية للنجيم تتعرض لدفعية (‬
‫‪ )bounce‬عنيفة قوية‪ ،‬تتسبب في نثرها‪ ،‬وتشتيتها‪ ،‬أي ذروها في الفضاء‪ .‬وتتولد نتيجة لقوة‬
‫الد فع هذه؛ طا قة هائلة‪ ،‬ت سمح لن صهار نووي للعنا صر‪ .‬وبذلك تتكون عنا صر أك ثر ثقلً من‬
‫الحد يد‪ .‬هذه الطا قة الهائلة المتولدة‪ ،‬تكون نتي جة لطا قة التثا قل ( ‪) gravitational energy‬‬
‫الضخمة‪ ،‬في النجوم الضخمة المسماة بالسوبرنوفا‪ .‬ويصاحب النفجار الحادث‪ ،‬طاقة ضوئية‪،‬‬
‫تظيل متألقية مبهرة فيي السيماء لسيبوع أو أكثير‪ .‬وتكون إضاءتهيا‪ ،‬أشيد مين إضاءة‪ ،‬مجرة‬
‫بكاملها‪ .‬وفي حوادث السوبرنوفي؛ يتم تشكيل وتكوين عناصر ثقيلة‪ ،‬أثقل من الحديد‪ .‬ومثال‬
‫هذه العناصير‪ :‬الزنيك‪ ،‬والذهيب‪ ،‬والفضية‪ ،‬والبلتيين‪ ،‬والكوبلت‪ ،‬والعناصير الخري حتيى‬
‫اليورانيوم (هذه العناصر هي المكونة للرض بنسب متفاوتة‪ .‬وهي نفسها العناصر المتواجدة‬
‫في الش مس‪ .‬وهذا ما د عى الفلكيون للقول‪ :‬إن الش مس والرض تكون تا من سحابة واحدة ‪-‬‬
‫المترجم)‪.‬‬
‫وينت شر نا تج ال سوبرنوفا في الفضاء علي ش كل سديم‪ .‬يند مج هذا ال سديم‪ ،‬المحتوي علي كل‬
‫العناصر الخفيفة والثقيلة‪ ،‬مع غيره من السدم‪ ،‬مكونا ما يسمي بالنجم البدائي(‪.)Protostars‬‬
‫هذا الجسيم‪ ،‬يمثيل السياس لتكوّن جييل جدييد مين النجوم‪ ،‬والكواكيب‪ .‬تماما مثيل المجموعية‬
‫الشم سية‪ ،‬ال تي نع يش علي أ حد كواكب ها‪ ،‬الم سمي بالرض‪ .‬وهكذا فإن حدث ال سوبرنوفا هو‬
‫الذي جعل‪ -‬بطريقة مباشرة‪ -‬نشوء الحياة علي الرض ممكنة‪.‬‬
‫ولكن ماذا يحدث لقلب النجم العملق بعد النفجار؟‬
‫وكيف نعرف‪ ،‬ما إذا كان النجم المنهار‪ ،‬سيخلف نجم نيوتروني‪ ،‬أو ثقب أسود؟‬
‫وما هي طبيعة النجم النيوتروني‪ ،‬والثقب السود؟‬
‫هذه السئلة سوف نجيب عليها في الجزء التالي‪.‬‬

‫ماذا يتخلف بعد انهيار القلب النجمي‪ :‬نجم نيتروني‪ ،‬أو نجم نابض‪ ،‬أو ثقب أسود ؟‬
‫النجم النيتروني (‪:) neutron star‬‬
‫يتو قف نوع الج سم‪ ،‬النا تج من انهيار قلب الن جم ب عد النفجار‪ ،‬علي وزن المادة المتخل فة‪ .‬فلو‬
‫كانت المادة أقل من ‪ 3 – 2‬مرات مثل وزن الشمس؛ فسوف يتحول القلب إلي نجم نيوتروني‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫هذا الن جم النيوترو ني له موا صفات خا صة جدا‪ ،‬ف هو يتكون من كرة كاملة ال ستدارة‪ ،‬يكون‬
‫قطرهيا حوالي عشرة أميال (‪ 16‬كيلو متير)‪ ،‬شديدة اللتهاب‪ ،‬تتوزع عليهيا الحرارة توزيعا‬
‫متساويا‪.‬‬
‫هذا النجيم النيترونيي الناتيج مين قلب النجيم الضخيم المنهار‪ ،‬يكون متضاغيط‪ ،‬ومادتيه شديدة‬
‫التماسيك‪ ،‬وذات كثافية عالييه‪ .‬تصيور لو أحضرنيا‪ ،‬ميا يوازي ملئ ملعقية شاي مين مادتيه‪،‬‬
‫ووزناها علي الرض‪ ،‬لزاد قيمة وزنها على وزن جبل علي الرض‪ .‬والسم الذي أطلق علي‬
‫هذا الجسم‪ ،‬النجم النيتروني‪ ،‬جاء من حقيقة‪ ،‬أن المادة المكونة له‪ ،‬تكون منضغطة بشدة وقوة‬
‫هائلة‪ .‬ونتيجة لذلك انع صرت واندمجت (‪ ) squeezed together‬البروتونات‪ ،‬واللكترونات‬
‫معا‪ ،‬لتكون النيوترونات (الشبيهة بالنيترونات الموجودة داخل نواة العناصر المعروفة)‪.‬‬

‫النجم النابض (‪:)Pulsars‬‬


‫النجوم النيوترونية تدور حول محور‪ ،‬في حركة مغزلية ( ‪ )spinning‬سريعة‪ .‬ينتج عن هذه‬
‫الحر كة‪ ،‬إشعاع كهرومغناطي سي (نتي جة للمجال المغناطي سي الهائل‪ ،‬للن جم النيوترو ني)‪ .‬هذا‬
‫الشعاع الكهرومغناطيسي‪ ،‬يمكن رصده علي الرض‪ .‬وعندما يتم ذلك الرصد‪ ،‬يسمي النجم‬
‫ب"النجم النابض" (‪ .)pulsar‬هذه النبضات يمكن عدها‪ ،‬وكل نجم له نبض منتظم (‪Regular‬‬
‫‪ ) pulsar‬في كل ثانية‪.‬‬
‫و قد لو حظ أن كل‪ ،‬أو مع ظم‪ ،‬النجوم النيوترون ية‪ ،‬تن بض‪ .‬وبالتالي يم كن ت سميتها "نوا بض"(‬
‫‪ ،)Pulsars‬لو أم كن ر صدها بزاو ية صحيحة‪ ،‬أو أجهزة ح ساسة ت ستطيع أن تلت قط نبضات ها‪.‬‬
‫وحديثا استطاع العلماء قياس ترددات الكثير من هذه النجوم النابضة أو النجوم النيوترونية‪.‬‬

‫الثقب السود ( ‪: ) Black Hole‬‬


‫ولكين ماذا يحدث لقلب النجيم المنفجير فيي السيوبرنوفا‪ ،‬عندميا يكون وزنيه أكثير مين مرتيين‬
‫ونصف المرة وزن الشمس؟ في مثل هذه الحالة‪ ،‬يكون انهيار المادة التثاقلي (‪gravitational‬‬
‫‪ )collapse‬كيبيرا جدا‪ ،‬إلي درجية أنيه يمكين وصيفه بالنهيار الهروبيي ( ‪runaway‬‬
‫‪ .)collapse‬وينتيج عين هذا النهيار جسيم شدييد الغرابية‪ ،‬سيُميّ بالثقيب السيود ( ‪Black‬‬
‫‪ .)Hole‬الثقب السود‪ ،‬قدرته علي شد وجذب المادة إليه‪ ،‬عظيمة‪ .‬وفي نصف قطر محدد‪ ،‬ل‬
‫يسيتطيع أي شيئ الهروب مين جذبيه‪ ،‬حتيى فوتونات الضوء (مين المتفيق علييه أن الضوء له‬
‫خواص الجزيئات المادية‪ ،‬كما أنه له خواص الموجات)‪ .‬وقوانين الفيزياء ‪ -‬التي نعرفها حتي‬
‫الن – تتحطم‪ ،‬ول تستطيع شرح صفات هذا الجسم الغريب‪ ،‬حيث أن الزمان‪ ،‬والمكان‪ ،‬يكونا‬
‫قد انحن يا ‪ /‬لُ فا ‪ /‬طُو يا ‪ /‬تَشو ها‪ ،‬إلي در جة نهائ ية ( ‪infinitely – curved / warped /‬‬
‫‪.)distorted ( )16‬‬
‫***‬
‫هذا ميا يذكره العلم عين هذه الظاهرة‪ ،‬أخذناه مين مصيدرين مختلفيين‪ .‬وترجمناه بأسيلوب‪،‬‬
‫اجتهدنيا ليكون يسييرا مبسيطا‪ ،‬لكنيه ل يُشوه الفكرة السياسية‪ ،‬التيي تصيف هذه الظاهرة‬
‫الطبيع ية‪ ،‬التي اكتش فت في الن صف الثا ني من القرن العشر ين الميلدي‪ .‬و في الفقرة التال ية‪،‬‬
‫سوف نحاول شرح الموضوع‪ ،‬مع تلخيصه مرة أخري‪ .‬وسنري ما هي المعلومات الساسية‪،‬‬
‫التي جاء بها العلم الحديث‪ .‬ونقارنها بما استنبطناه‪ ،‬من القرآن الكريم آنفا‪.‬‬
‫وقبل الخوض في الشرح‪ ،‬نجد أنه من الضروري‪ ،‬التمهيد بالتذكير بمعني بعض المصطلحات‬
‫العلمية‪ ،‬التي درسها الكثيرون‪ ،‬في دور العلم‪ ،‬مختلفة المستويات‪ ،‬علي مدي حياتهم الدراسية‪.‬‬
‫ولكنهم نسوها بعد اندماجهم في دراسة تخصصات أخرى‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫فجأة‪ ،‬و جد الن سان نف سه‪ ،‬موجودا على الرض‪ .‬ودف عه فضوله‪ ،‬إلى الت ساؤل والب حث‪ .‬و من‬
‫ثم‪ ،‬اكتشف مؤخرا جدا‪ ،‬بعد آلف السنين‪ ،‬من حياته على الرض‪ ،‬أن الرض عبارة عن كرة‬
‫ضخ مة‪ .‬علي ها صنفين‪ ،‬مختلف ين جذريا‪ ،‬من المادة‪ .‬ال صنف الول من المادة‪ ،‬ل يتزا يد‪ ،‬ول‬
‫يتغ ير‪ ،‬ول يتكا ثر من تلقاء نف سه‪ .‬هذا ال صنف من المادة‪ ،‬يم ثل الجزء الع ظم من الرض‪،‬‬
‫وهى المادة غير الحية‪ ،‬أوالجماد‪ .‬ويتميز الصنف ال خر بخواص وصفات‪ ،‬تجعله قادرا على‬
‫التكا ثر‪ ،‬وتكرار نف سه‪ .‬إن ها المادة الح ية (أطلق القرآن على هذه الظاهرة‪ ،‬ا سم البر كة‪" ،‬وَ َ‬
‫جعَلَ‬
‫‪ 41‬فصلت‪.)10/‬‬ ‫فِيهَا رَوَا سِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَ كَ فِيهَا وَقَدّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيّا مٍ سَوَآءً لّل سّآئِلِينَ" (‬
‫ويندرج ض من المادة الح ية‪ ،‬الممل كة النبات ية‪ ،‬والممل كة الحيوان ية‪ ،‬ب ما في ها الن سان‪ .‬وإكت شف‬
‫النسيان مؤخرا‪ ،‬وبطريقية ل تقبيل الشيك‪ ،‬إن هذه المادة الحيية‪ ،‬تتركيب‪ ،‬وتتكون مين نفيس‬
‫الوحدات الساسية‪ ،‬التي تتكون منها المادة غير الحية‪ .‬لقد اكتشف النسان وجود ‪ 91‬عنصرا‬
‫مختلفا‪ .‬هذه العناصير موجودة فيي الرض بنسيب متفاوتية‪ .‬أًسيميت هذه العناصير‪ ،‬اسيماءا‬
‫مختلفة‪ .‬ولقد وجد أن أصغرها حجما‪ ،‬ووزنا‪ ،‬ذرات عنصر‪ ،‬سمى بالهيدروجين‪ .‬وكان أكبرها‬
‫حجما‪ ،‬ووزنا‪ ،‬ذرات عن صر اليورانيوم‪ .‬ول قد كان من الغر يب على الن سان؛ أن يكت شف أن‬
‫المادة الحيية‪ ،‬تتكون بصيورة أسياسية‪ ،‬مين عناصيرقليلة العدد جدا بالنسيبة لعدد العناصير‬
‫المتواجدة في الرض‪ .‬هي الهيدروحين والكسجين والكربون والنيتروجين‪ .‬ثم تأتي بعد ذلك‬
‫بعض العناصر الخرى بنسب ضئيلة ‪.‬‬
‫والعناصر الساسية‪ ،‬التي يتكون منها جسم النسان‪ ،‬تتناسب كالتي‪:‬‬
‫عنصير الوكسيجين‪ ،‬يمثيل ‪ %63‬مين وزن النسيان‪ %10 ،‬مين الهيدروجيين‪ %20 ،‬مين‬
‫الكربون‪ %3 ،‬من النيتروج ين‪ %1.8 ،‬من الكال سيوم ‪ %1 ،‬من الف سفور‪ .‬مجموع هذا يم ثل‬
‫‪ %98.8‬مين المواد المكونية لجسيم النسيان‪ ،‬والباقيي وهيو عبارة عين ‪ %1.2‬مين العناصير‬
‫الخرى‪.‬‬
‫العنا صر الموجودة في الرض‪ ،‬سواء المكو نة للمادة الح ية‪ ،‬أو مكو نة لبا قي الرض‪ ،‬يتكون‬
‫كل عنصر منها من وحدات صغيرة أسميت بالذرات‪ .‬وبالتالي يمكن القول إن الرض تحتوي‬
‫على ‪ 91‬نو عا مختل فا من الذرات‪ .‬ويم كن تعر يف الذرة بأن ها؛ أ صغر جزء من المادة‪ ،‬تظ هر‬
‫فييه الخواص المميزة للعنصير‪ .‬ذرة الهيدروجيين‪ ،‬مثلً‪ ،‬لهيا خواص مختلفية عين ذرة‬
‫الوكسجين‪ ،‬وعن ذرة الكربون‪ ،‬وعن ذرات الحديد‪ ،‬والنحاس‪ ،‬والذهب‪ ،‬والفضة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫ثم اكتشف النسان أن ذرات العناصر المختلفة‪ ،‬تتحد مع بعضها البعض‪ ،‬وتكون مركبات أكثر‬
‫تعقيدا‪ ،‬سيميت بالجزيئات‪ .‬مثلً؛ ذرتان مين الهيدروجيين‪ ،‬تتحيد (أو ترتبيط كيميائيا)‪ ،‬ميع ذرة‬
‫واحدة من الوك سجين‪ ،‬ليكو نا جزيء واحد من جزيئات الماء‪ ،‬الذي نشر به‪ .‬والماء‪ ،‬كما هو‬
‫معروف‪ ،‬هو المركب الساسى‪ ،‬الذي بدونه تنعدم الحياة‪ ،‬بشكلها المتعارف عليه في الرض‪.‬‬
‫ويمكن تعريف جزيء المادة – أي مادة – بأنه‪ ،‬أصغر جزء من المادة‪ ،‬تظهر فيه خواص تلك‬
‫المادة‪ .‬وهيو يتكون مين ذرتيين أوأكثير مين عناصير مختلفية‪ ،‬مترابطية ميع بعضهيا البعيض‪،‬‬
‫ويتحكم في هذا الترابط قوانين محددة‪.‬‬
‫وكمثال أخر نذكر جزيء ملح الطعام‪ ،‬الذي يسمى كيميائيا كلوريد الصوديوم‪ .‬وكما يدل السم‬
‫الكيميائي؛ فهيو يتكون مين ذرة مين عنصير الكلور‪ ،‬ترتبيط (أو تتحيد كيميائيا) ميع ذرة مين‬
‫عنصيرالصوديوم‪ .‬ويوجيد فيي الطبيعية‪ ،‬الملييين مين المركبات المختلفية‪ ،‬البسييطة والمعقدة‪.‬‬
‫وجزئيات المادة الحيية‪ ،‬هيي مين أكثير الجزيئات تعقيداَ‪ ،‬على الطلق‪ .‬فمثلً يتكون الجزييء‬
‫الوا حد‪ ،‬من نوع غ ير مع قد من البروت ين‪ ،‬من ‪ 40‬ألف ذرة في المتو سط‪ .‬مع ملح ظة أن‬
‫بعض النواع الخرى من البروتينات يحتوي الجزئي الواحد على المليين من الذرات‪.‬‬
‫وجزيء البروتين يتكون من عناصرأساسية هي‪ :‬الكربون‪ ،‬والهيدروجين‪ ،‬والكسجين‪ .‬ثم ياتى‬
‫عنصر النيتروجين بنسبة اقل‪ ،‬ثم عنصرالكبريت ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫هذه الجزئيات المعقدة‪ ،‬تترابيط ميع بعضهيا البعيض‪ ،‬مكونية أنظمية أكثير تعقيدا‪ .‬فالبروتينات‬
‫والدهون والكربوهيدرات (السيكريات مين عائلة الكربوهيدرات) والفيتامينات‪ ،‬وغيرهيا‪ ،‬كلهيا‬
‫مركبات معقدة‪ ،‬تتراص جزيئات ها الضخ مة ال كبيرة‪ ،‬مع بعض ها الب عض‪ ،‬مكو نة أنظ مة أك ثر‬
‫تعقيدا‪ .‬و من هذه المركبات تتكون الخل يا الح ية‪ .‬وتن سجم الخل يا الح ية مع بعض ها الب عض‪،‬‬
‫وتتناغم وظائفها؛ لتعطى في النهاية الكائن الحي‪ ،‬من نبات‪ ،‬أو حيوان‪ ،‬بما فيها النسان‪ .‬وكل‬
‫كائن حي له صفاته المميزة‪ ،‬بالر غم من أن العنا صر المكو نة له تتمائل – في ال ساس – مع‬
‫العنا صر المكو نة لغيرة من الكائنات‪ .‬ويورِث كل كائن حي‪ ،‬صفاته المميزة؛ للجيال الناشئة‬
‫منه‪ .‬وهكذا تستمر الحياة‪ ،‬ويزداد عدد ( البركة) الكائنات الحية‪.‬‬

‫الملح ظة المه مة ه نا‪ ،‬هي أن عمل ية الخلق في الطبي عة‪ ،‬تت جه من الب سيط إلى المع قد‪ .‬ف من‬
‫الذرة إلى الجزيء‪ ،‬إلى الجزئيات المعقدة‪ ،‬إلى المركب البسيط المتميز‪ ،‬إلى المركبات المعقدة‪،‬‬
‫إلى الخل ية الح ية الواحدة المتميزة‪ ،‬إلى الخل يا مختل فة الوظي فة‪ ،‬إلى الع ضو الج سدي المم يز‪،‬‬
‫إلى العضاء مختلفة الوظيفة‪ ،‬لكنها متشابكة متناغمة مع بعضها البعض‪ ،‬لتكون الكائن الحي‬
‫المعروف‪.‬‬

‫الحديث السابق ينطبق‪ ،‬على المواد الموجودة على الرض‪ .‬ولقد علمنا‪ ،‬على وجه اليقين‪ ،‬إن‬
‫أ صغر الوحدات المكو نة للمادة‪ ،‬هي الذرة‪ ،‬ك ما ذ كر‪ .‬ول كن هل الذرة‪ ،‬هي أ صغر ش يء في‬
‫الوجود؟ ومن أى شيء خلقت الذرات؟‬
‫الحقيقة أن جميع ذرات العناصر المعروفة‪ ،‬تتكون من دقائق اصغر منها‪ .‬ولقد وجد‪ ،‬أن كل‬
‫ذرات العناصر تتركب من مواد أولية‪ .‬هذه الدقائق الصغيرة‪ ،‬تتشكل‪ ،‬وتترتب‪ ،‬في نظام يشابه‬
‫تماما‪ ،‬النظام الشمسيي‪ .‬حييث تكون الشميس فيي المركيز‪ ،‬ويدور حولهيا الكواكيب المعروفية‪،‬‬
‫والتي منها الرض التي نعيش عليها‪ .‬وفى حالة الذرة‪ ،‬تكون النواة‪ ،‬حاملة لمعظم كتلة الذرة‪.‬‬
‫ويدور حول النواة‪ ،‬أجسياما خفيفية تسيمى اللكترونات (وصيفت اللكترونات التيي تدور حول‬
‫النواة‪ ،‬بالسحابة اللكترونية)‪.‬‬

‫وفيميا يلي‪ :‬وصيفا مختصيرا‪ ،‬للمادة الوليية المكونية للذرات‪ .‬كذلك تعرييف موجيز‪ ،‬لبعيض‬
‫المصطلحات‪ ،‬التي تستخدم لشرح جانب من الظواهر النووية‪:‬‬

‫نواة الذرة ‪:‬‬


‫تحتوى نواة الذرة‪ ،‬على الجزء العظيم مين وزن الذرة‪ ،‬كيل مادة الذرة تقريبيا‪ .‬وللنواة شحنية‬
‫كهربيية موجبية‪ .‬وتتكون النواة بدورهيا‪ ،‬مين وحدات أصيغر‪ ،‬تسيمى البرتونات(‪،)Protons‬‬
‫والنيترونات (‪(.)Neutrons‬ل حظ أن النيترون‪ ،‬مفرد نيترونات‪ ،‬هو ج سيم يختلف تماما عن‬
‫النيترينيو‪ .‬الذي سيياتى ذكره لحقا)‪ .‬والبرتونات تحميل شحنات موجبية‪ ،‬بينميا النيوترونات‬
‫جسييمات وزنهيا يعادل وزن البروتونات‪ ،‬ولكنهيا متعادلة الشحنية الكهربيية‪ .‬ولقيد أُكتشيف‬
‫مؤخرا؛ أن البروتون يندمج مع اللكترون مكونا النيوترون‪ .‬وأبسط ذرات العناصر‪ ،‬هي ذرة‬
‫عنصير الهيدروجيين‪ ،‬تحتوى نواتهيا على برتون واحيد ( أهملنيا ذكير ميا يسيمى بالنظائر‬
‫للتسيهيل)‪ ،‬يدور حوله إلكترون‪ ،‬يعادله فيي الشحنية الكهربيية‪ .‬ونواة ذرة عنصير الكربون(‬
‫وزن ها ‪ 12‬وحدة وزن‪ ،‬و هي البرتون)‪ ،‬تحتوى على ستة بروتونات‪ ،‬و ستة نيوترونات‪ .‬ونواة‬
‫ذرة عن صر اليورانيوم‪ ،‬و هى أث قل العنا صر الموجودة طبيع يا في الر ضً‪ ،‬تحتوى على ‪92‬‬
‫برتون‪ ،‬و ‪ 146‬نيوترون( بذلك يكون وزنهيا الذري مجموع الثنييين‪ ،‬أي ‪ 238‬وحدة ذريية‬
‫يي أي‬ ‫ياوي عدد البرتونات في‬ ‫ية)‪ .‬ويدور حول النواة ‪ 92‬الكترون(عدد اللكترونات يسي‬ ‫وزنيي‬
‫ذرة)‪.‬‬

‫‪57‬‬
‫اللكترون‪:‬‬
‫هو ج سيم ( اللكترون له صفات مزدو جة‪ ،‬أهمل نا ذ كر ال صفة الموج ية ه نا أيضا للت سهيل)‬
‫خفييف ل وزن له تقريبا‪ ،‬له شحنية سيالبة‪ .‬وموقيع اللكترونات فيي الذرة‪ ،‬هيو المحييط حول‬
‫النواة‪ .‬و باسيلوب آخير يقال إن الكترونات الذرات‪ ،‬تكون غلفيا لنواة العنصير‪ .‬فمثلً ‪ :‬ذرة‬
‫الهيدروجيين‪ ،‬وهيى أبسيط الذرات‪ ،‬يدور حول نواتهيا‪ ،‬ويغلفهيا‪ ،‬إلكترونيا واحدا‪ .‬ونواة ذرة‬
‫الكربون‪ ،‬يدور حولهيا‪ ،‬ويغلفهيا‪ 6 ،‬الكترونات‪ .‬ونواة ذرة عنصير الوكسيجين‪ ،‬يدور حولهيا‪،‬‬
‫ويغلفها‪ ،‬ثمان الكترونات‪ .‬ونواة ذرة عنصر اليورانيوم يدور حولها‪ ،‬ويغلفها‪ 92 ،‬إلكترون‪.‬‬
‫وي جب ملح ظة‪ ،‬أن نواة العن صر‪ ،‬أي عن صر‪ ،‬تح مل الشح نة الكهرب ية الموج بة‪ ،‬بين ما يدور‬
‫حولها‪ ،‬ويغلفها‪ ،‬اللكترونات‪ ،‬التي تحمل الشحنة الكهربية السالبة‪ .‬ولها شحنة مساوية لشحنة‬
‫النواة فيي المقدار‪ .‬وبالتالي تكون ذرات العناصير متعادلة كهربيا‪ .‬كذلك‪ ،‬يجيب ملحظية‪ ،‬أن‬
‫العناصير الموجودة فيي الطبيعية‪ ،‬تختلف عين بعضهيا البعيض‪ ،‬فيي الخواص الطبيعيية‪،‬‬
‫والكيميائية‪ .‬وذلك نتيجة‪ ،‬لختلف عدد البروتونات واللكترونات‪ ،‬من عنصر إلى أخر‪ .‬فلكل‬
‫عنصير‪ ،‬عدد محدد مين البروتونات‪ ،‬والنيوترونات المتواجدة فيي النواة‪ ،‬ويدور حولهيم‪ ،‬عدد‬
‫محدد من اللكترونات‪ ،‬يساوى عدد البروتونات‪ ،‬ويعادلها كهربيا‪ .‬هذه اللكترونات تدور حول‬
‫النواة‪ ،‬ول تترك ها‪ ،‬إل في ظروف خا صة جدا‪ ،‬من درجات الحرارة العال ية‪ ،‬ال تي ت صل إلى‬
‫اللف من الدرجات المئوية‪ .‬هذه الظروف ل تناسب تواجد المادة الحية‪ ،‬لكنها كانت موجودة‬
‫ق بل خلق الرض‪ .‬و هي مرحلة سابقة‪ ،‬مهدت لخلق المادة الح ية‪ .‬هذه الظروف من الحرارة‪،‬‬
‫والطاقة العالية‪ ،‬مازالت موجودة إلى يومنا هذا‪ .‬لكن في الفضاء‪ ،‬وليس على الرض‪ .‬ولقد بدأ‬
‫النسيان‪ ،‬التعرف عليهيا‪ ،‬ودراسيتها‪ ،‬بالرغيم مين بعدهيا السيحيق عنيا‪ .‬وذلك للتطور التقنيي‬
‫العالي‪ ،‬الذي وصلت اليه الحضارة النسانية‪.‬‬

‫شكل ‪ .1 -‬هذا الشكل يوضح تركيب الذرة‪ ،‬وهى تتركب من نواة تدور حولها اللكترونات‪ .‬وحجم نواة الذرة‬
‫صغير جدا‪ ،‬ويحتوى على كل مادتها تقريبا‪ .‬وتشغل اللكترونات معظم حجم الذرة‪ .‬والنواة (على اليمين فى‬
‫الرسم) تتكون من بروتونات‪ ،‬وهى الجسيمات التى تحمل الشحنة الموجبة‪ ،‬ملتصقة مع النيترونات التى لتحمل‬
‫شحنة‪ ،‬ووزنها مثل وزن البروتونات‪ .‬ويمثل مجموع عدد البروتونات والنيترونات معا؛ ما يسمى باسم الوزن‬
‫الذرى للعنصر‪ .‬وقطر الذرة يساوى جزء من مليون جزء من السنتيمتر‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫شكل ‪ .2 -‬يبين ما يسمى بالجدول الدورى للعناصر‪ .‬وفيه تظهر جميع العناصر الموجودة طبيعيا على الرض‪،‬‬
‫وهم ‪ 91‬عنصر‪ .‬وأخف العناصر هو الهيدروجين ‪ ، H‬ووزنه الذرى يساوى وحدة ذرية واحدة ‪ ،‬أي إن نواته‪،‬‬
‫تحتوى على برتون واحد‪ .‬وأثقل العناصر هو اليورانيوم ‪ ، U‬ووزنه الذرى ‪ 238‬وحدة ذرية‪ .‬ويحتوى الجدول‬
‫ايضا على عناصر امكن تخليقها فى معامل بحوث الفيزياء النووية ‪.‬‬
‫وكل عنصر فى الجدول كتب اسمه بأول حرف أو اول حرفين من اسمه اللتينى‪.‬‬

‫التفاعل النووي‪:‬‬
‫يقصد بالتفاعل النووي‪ ،‬تفاعل الذي يجري لنواة العنصر‪ ،‬وليس الذرة ككل‪.‬‬
‫ويوجد نوعان فقط من التفاعلت النووية‪.‬‬
‫النوع الول‪ :‬النشطار النووي‪ ،‬وفييه تنشطير نويات العناصيرالثقيلة (مثيل اليورانيوم)‪ ،‬وين تج‬
‫عن هذا النشطار عنا صر أ خف من ها‪ .‬وكمثال على التفاعلت النوو ية النشطار ية‪ ،‬نذ كر ما‬
‫يحدث في القنا بل الذر ية‪ .‬في ها تنش طر نويات عن صر اليورانيوم (أوالبلوتونيوم)‪ ،‬وي سبب ذلك‬
‫انطلق كم ية هائلة من الطا قة ترفع درجات الحرارة ل ما يحيط ها الى آلف الدرجات المئوية‪،‬‬
‫وتولد ضغوطيا وخلخلة كيبيرة تدمير ميا حولهيا (مثلميا حدث عنيد إلقاء القنبلة الذريية على‬
‫هيروشيما‪ ،‬وبعدها نجازاكى في اليابان في أواخر الحرب العالمية الثانية)‪(.‬انظر شكل ‪)3‬‬

‫‪59‬‬
‫شكل‪ .3 -‬يبين هذا الشكل فكرة التفاعل النووى النشطارى‪ .‬عندما تقذف نواة عنصر ثقيل ‪،‬مثل اليورانيوم‪،‬‬
‫تنشطر النواة الى نويات عناصر اخف ‪ ،‬وتنطلق طاقة هائلة معها‪ .‬وهذا يحدث صناعيا على الرض كما فى حالة‬
‫القنبلة النووية‪.‬‬

‫والنوع الثاني‪ :‬من التفاعلت النووية يسمى بالتفاعل الندما جي‪ ،‬وفيه تند مج نويات العناصر‬
‫الخفيفة‪ ،‬مثل نويات عنصر الهيدروجين لتكون عناصر أثقل‪ ،‬فمثلً عندما تتحد(أوتندمج) نوى‬
‫الهيدروجين تكون نويات عنصر الهيليوم‪ .‬وينطلق من هذه التفاعلت كميات هائلة من الطاقة‪.‬‬
‫ومثال لهذه التفاعلت؛ هو ما يحدث في الش مس – وأي ضا في النجوم الخرى‪ -‬ح يث يتحول‬
‫الهيدروجين إلى هيليوم‪ ،‬ويتخلف من ذلك الحرارة والضوء اللزمين للحياة على الرض‪.‬‬
‫هذه التفاعلت الندماجية – النووية – هي التي تهمنا في هذا المقام‪ ،‬فهي التي تتم في النجوم‪،‬‬
‫وغير ها من الج سام والمواد المتواجدة خارج الكرة الرض ية‪ ،‬والمنتشرة في الفضاء‪(.‬ان ظر‬
‫شكل ‪.)4‬‬

‫شكل‪ .4 -‬يبين هذا الشكل النوع الثانى من التفاعلت النووية‪،‬‬


‫وهو التفاعل الندماجى‪ .‬وفيه تندمج الجسيمات النووية الصغيرة جدا الى نويات اكبر‪،‬‬
‫فمثل ينصهر‪ -‬او يندمج‪ -‬بروتونيين مع نيترونيين مكونة الهيليوم‪.‬‬

‫الوقود النووي‪:‬‬
‫المقصود بالوقود النووي؛ هو نويات العناصر المكونة للمادة‪ ،‬التي تدخل في عمليات التفاعل‬
‫النووي الندماجي‪ .‬وعندما نقول‪ :‬الوقود النووي الهيدروجيني‪ ،‬فذلك يعنى نويات الهيدروجين‬
‫ال تي تند مج مع بعض ها الب عض‪ ،‬ويتكون نوويات عن صر الهيليوم‪ ،‬وال تي تند مج بدور ها مع‬
‫غيرهيا مين النويات‪ ،‬وينتيج مين ذلك عناصير أثقيل مين الهيليوم مثيل الكربون والوكسيجين‪.‬‬
‫ويتخلف من التفاعل الندماجي كميات ضخمة هائلة من الحرارة والضغط‪ .‬ويمكن لنويات هذه‬
‫العناصير الثقيل الدخول فيي التفاعلت النوويية الندماجيية‪ ،‬بشرط أن يتوافير لهيا الظروف‬
‫المنا سبة من الض غط الفائق والحرارة الشديدة‪ .‬وعلى و جه العموم يم كن القول‪ :‬فى التفاعلت‬
‫الندماجيية تتحول النويات الخفي فة إلى نويات أثقيل منهيا‪ ،‬ويتحول جزء مين المادة إلى كميات‬
‫كبيرة من جميع أنواع الطاقة‪ ،‬التي تشمل الطاقة الحرارية والضوئية‪.‬‬
‫والشميس مثال على ذلك‪ .‬فيهيا تندميج نويات الهيدروجيين ميع بعضهيا لتكون نويات هيليوم‬
‫وتنطلق الحرارة والضوء‪ ،‬اللذان لولهميا لميا كانيت حياة على الرض‪ .‬وهذه العمليية تتيم‬
‫بالتدريج وعلى فترة زمنية كبيرة‪ ،‬تمتد في حالة شمسنا الى ألف المليين من السنين‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫النجم‪:‬‬
‫هو جسم سماوي ‪ ،‬تتم فيه التفاعلت الندماجية‪ .‬وتنطلق من هذه التفاعلت كميات هائلة من‬
‫الطاقة‪ .‬وتصل إلينا على الرض في صورة طاقة ضوئية وحرارية (وأيضا أنواع أخرى من‬
‫الشعاع أهملنيا ذكرهيا للتسيهيل)‪ ،‬ومنيذ بضيع عقود فقيط ؛ اسيتطاع النسيان دراسية النجوم‬
‫والتعرف عليهيا بدراسية الشعاعات التيي ترسيلها‪ .‬وبعيد تطور تقنيات الرصيد لمختلف انواع‬
‫ية‪.‬‬‫ين النجوم ومختلف أنواع المواد الفضائيي‬‫يتطعنا أن نكون معلومات وافرة عي‬ ‫الشعاع‪ ،‬اسي‬
‫وحديثا صنفت النجوم إلى أنواع مختلفة‪ ،‬وألوان مختلفة تبعا لنوع الشعاع الذي تصدره‪.‬‬
‫وبالنسبة لنا – نحن البشر– فالشمس هي أشهر النجوم‪ ،‬وأقربها إلينا‪ .‬ونحن نعيش على أحد‬
‫توابعها من الكواكب‪ .‬وهو الكوكب المسمى بالرض‪ ،‬والذي يدور حول الشمس‪ ،‬ويستمد منها‬
‫الطاقة‪ .‬ويعتقد أن الشمس هى أحد نجوم الجيل الثانى (أو الثالث)‪ ،‬الذي نتج من انفجار جيل‬
‫أ خر من النجوم الضخ مة‪ .‬و من مميزات الج يل الثا نى من النجوم؛ أ نه يحوى جم يع العنا صر‬
‫التى نعرفها على الرض‪ .‬ومن مميزاته المهمة أيضا‪ ،‬أ نه طويل العمر‪ .‬ف فى مثل هذا النجم‬
‫تندمج نويات الهيدروجين منتجة الهيليوم‪ ،‬وتنطلق كمية هائلة من الطاقة التى تدفع وتضاد قوة‬
‫الجذب المادى إلى دا خل الن جم‪ ،‬وبالتالى يب قى الن جم فى حالة اتزان ‪ ،‬ويب قى على ق يد الحياة‬
‫لعدة الف المليين (المليارات) من السنين‪.‬‬

‫الجذب التثاقلى ( ‪: )gravitational pull‬‬


‫لكيل جسيم مادى قدرة على جذب المادة الييه‪ .‬وفيى حالة النجيم تتركزقوة الجذب فيى المركيز‬
‫ح يث تؤ ثر على المادة المحي طة بقلب الن جم‪ .‬وتكون قوة الجذب ضخ مة بالتناسب مع ضخا مة‬
‫النجيم‪ .‬ويعادل هذه القوة قوة أخرى تدفيع المادة الى الخارج‪ ،‬وهيى قوة الضغيط الناتجية عين‬
‫الطاقة المنطلقة في التفاعلت النووية الندماجية‪ .‬وفي حالة توقف التفاعلت النووية؛ يتوقف‬
‫الدفييع الى الخارج‪ ،‬وبذلك يتغلب الجذب التثاقلي وينهار قلب النجييم ( ‪)core collapse‬‬
‫وتنكمش مادته‪ ،‬ويقل حجمه إلي درجة كبيرة‪.‬‬

‫الغاز والتربة( ‪:)gass & dust‬‬


‫لف ظى الغاز والتر بة فى علم الفلك ل يعطيان ن فس الدللة ال تى نفهم ها فى ا ستعمالنا اليو مى‬
‫المعهود على الرض‪.‬‬
‫الغاز على الرض يتكون من‪:‬‬
‫إميا ذرات مثيل غاز الهيليوم والنيون‪ ،‬أوجزئيات ذريية ( ذرات الغازات نشطية كيميائييا‪،‬‬
‫وبالتالي تتحيد ذرتيين مين نفيس الغاز لتكون جزييء) مثيل غاز الهيدروجيين والوكسيجين‬
‫والنيتروج ين‪ ،‬أو جزئيات مرك بة لغازات أك ثر تعقيدا م ثل‪ :‬غاز ثا نى أك سيد الكربون والمثيان‬
‫والبروبان وثانى أكسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين‪ ،‬وغيرها الكثير‪.‬‬
‫أما الغاز والتراب فى علم الفلك‪:‬‬
‫فيستخدما للدللة على المادة الموجودة في ما ب ين النجوم‪ ،‬ولم تتشكل بعد الى نجم أو كوكب‪.‬‬
‫و هى خل يط من كل شئ تقريبا‪ ،‬ذرات‪ ،‬وجزئيات‪ ،‬وج سيمات نوو ية‪ ،‬وطا قة من كل صنف‪.‬‬
‫ولقيد وجيد حديثا‪ ،‬ان بعيض السيحابات الغازيية‪ ،‬فيميا بيين النجوم‪ ،‬تحتوى على مواد جزيئيية‬
‫عضوية (المادة العضوية هي المادة الموجودة في‪ ،‬أوتتكون منها‪ ،‬المادة الحية)‪ .‬ومصدر الغاز‬
‫والتربية الفلكيية‪ ،‬هيى النفجارات التيى حدثيت‪ ،‬ومازالت تحدث فيى المجرات‪ ،‬وكذلك التيي‬
‫نشأت مين النفجار الول المكون للكون‪ ،‬والمعروف باسيم "النفجار الكيبير"‪ ،‬أو البييج بانيج (‬
‫‪.) Big Bang‬‬

‫‪61‬‬
‫شكل‪ .5 -‬يبين صورة حقيقية لغاز ما بين النجوم‪ ،‬ويسميه الفلكيون السديم‪.‬‬

‫السديم (‪:)nebule‬‬
‫ال سديم هو تج مع ض خم للغازات والتر بة فى الفضاء‪ .‬و من ال سديم تتطور النجوم البتدائ ية‪.‬‬
‫ويوصف السديم أيضا بأنه كمية من المادة الفضائية لم تتش كل بعد‪ ،‬وتأخذ اسما من السماء‬
‫المتعارف علي ها م ثل ن جم أو كو كب‪ .‬و من المثلة المعرو فة‪ ،‬سديم من كب الجوزاء الذي سبق‬
‫الحديث عنه‪.‬‬

‫النجم البتدائى(‪:)protostar‬‬
‫عندما تتجمع الغازات والتربة الكونية بكمية ضخمة؛ تزداد قوة التجاذب التثاقلى إلي المركز‬
‫أو القلب‪ .‬وتبدأ فى جذب بعضها البعض‪ ،‬وتبدأ فى التشكل مكونة جسما أكثر تماسكا‪ .‬مثل هذا‬
‫الجسيم يسيمى النجيم البتدائى‪ .‬وسيمي كذلك لن منيه تبدأ النجوم فيى التشكيل‪ .‬وعندميا يزداد‬
‫الجذب الى الداخيل إلي درجية كيبيرة؛ تتولد طاقية هائلة تنطلق بهيا التفاعلت النوويية‪ .‬ويبدأ‬
‫الجسم فى اطلق طاقة تولد دفعا إلى الخارج‪ ،‬وعند ذلك يصل النجم إلى حالة اتزان‪ ،‬و يمتد‬
‫عمره الى المليين من السنين‪.‬‬

‫المجرة(‪:)galaxy‬‬
‫تتكون المجرة من مئات الملي ين‪ ،‬وآلف الملي ين من النجوم‪ .‬ويتج مع حول النجوم الج سام‬
‫الفلكية الخرى‪ ،‬من كواكب وأقمار وغيرها‪ .‬وينتشر فيما بين النجوم الغازات والتربة الذرية‪.‬‬
‫م ثل هذه التجمعات تكون نظا ما قائ ما بذا ته‪ ،‬تتما سك افراده بقوى التجاذب المادي في ما بين ها‪،‬‬
‫ويسمى فى هذه الحالة بالمجرة‪.‬‬
‫وتتجاذب المجرات مع بعض ها الب عض مكو نة وحدات بنائ ية أ كبر تش به عناق يد الع نب وتكون‬
‫مجموعة عنقودية (‪.)clusters‬‬
‫وتوجد شمسنا المعروفة فى مجرة تسمى "الطريق اللبنى"(‪ ،)Milky Way‬تمثل الشمس نجم‬
‫واحد من مائة ألف مليون نجم‪ ،‬يمثلون أعضاء عائلة المجرة‪.‬‬

‫أنواع النجوم ‪:‬‬

‫‪62‬‬
‫فى بداية تواجد البشرية على الرض‪ ،‬بدأ النسان فى التعرف على الشياء المحيطة به‪ ،‬وبدأ‬
‫في إطلق السماء عليها‪ ،‬وتعرف النسان على الشمس والقمر كأقرب الجسام الفضائية اليه‪.‬‬
‫و فى الم ساء بدأ الن سان ملح ظة ظهور أج ساما أخرى مضيئة فى ال سماء فأ سماها النجوم‪.‬‬
‫وبتطور معرفية النسيانية بالكون‪ ،‬بدأ الدارسيون والعلماء بالتفرييق بيين مختلف الجسيام‬
‫ال سماوية‪ ،‬وتعرف الن سان على أنواع أخرى غ ير الش مس والق مر والنجوم‪ .‬وظهرت الحا جة‬
‫الى ت سمية هذه الج سام وو صفها‪ .‬وبدأ المتخ صصون فى ت صنيف النجوم وت سميتها؛ فأطل قت‬
‫أسيماء مثيل‪ :‬العملق الحمير(‪ ،)red giant‬والقزم البييض(‪ ،)white dwarf‬والقزم البنيى‬
‫والسيود (‪ ،)brown & black dwarf‬والنوفيا ‪ ،))nova‬والسيوبرنوفا ( ‪،) supernova‬‬
‫والن جم النيوترو نى ( ‪ ) neutron star‬أو الن جم النا بض (‪ ،)pulsar‬والث قب ال سود ( ‪black‬‬
‫‪.) hole‬‬

‫العملق الحمر( ‪:) red giant star‬‬


‫هو نجم فى طور معين من دورة حياته‪ ،‬قبل أن يختفى أويطمس ويتوقف عن اشعاع الضوء‬
‫المرئى‪ .‬فيى هذا الطور يتضاعيط قلب النجيم‪ ،‬وبالتالى يزداد سيخونة وكثافية‪ ،‬وعنيد ذلك يبدأ‬
‫القلب فى التفاعلت النوو ية المنت جة لعنا صر أث قل من الهيدروج ين‪ ،‬وتتر كز مادة الن جم فى‬
‫القلب‪ ،‬وتنت فج أودا جه‪ ،‬وتح يط بالقلب كرة ضخ مة من المادة المخلخلة من الهيدروج ين الذى‬
‫أفلت مين قوة جذب القلب‪ .‬ويبدو مثيل هذا النجيم أحمير وضخيم‪ ،‬ويتوقيف عين إشعاع الضوء‬
‫البيض والصفر ويكبر قطرة‪ ،‬ولذلك سمى بالعملق الحمر‪.‬‬
‫الش مس المعرو فة‪ ،‬في المرحلة الحال ية‪ ،‬تبدو صفراء‪ .‬لكن ها في مرحلة لح قة؛ يتو قع ل ها أن‬
‫تتحول إلى عملق أحمر‪ ،‬بعد حوالي أربعه آلف مليون سنة‪.‬‬

‫القزم البيض ( ‪:)white dwarf‬‬


‫يسيتمر التفاعيل النووى فيى قلب العملق الحمير حتيى ينتهيى وقوده النووى‪ .‬عنيد ذلك تبدأ‬
‫عناصر ثقيلة في التكون‪ .‬وتستمر هذه العملية حتى تكوين عنصر الحديد‪ .‬عند ذلك تزداد قوة‬
‫تجاذب القلب‪ ،‬بينميا تنفصيل عنيه المادة الخارجيية‪ ،‬التيي تنتشير وتتفرق فيى الفضاء‪ .‬ويزداد‬
‫انكماش القلب مكونا نجما صغيرا شد يد الكثا فة ( ت صل كثا فة ماد ته الى مليون وحدة‪ ،‬أي أن‬
‫الجرام الوا حد من ماد ته يزن على الرض ألف طن)‪ ،‬ويبدأ في إشعاع ضوء اب يض‪ ،‬ويكون‬
‫حجمه صغير‪ ،‬ومن هنا جاءت التسمية‪.‬‬

‫القزم البنى والسود‪:‬‬


‫عندما يبرد القزم البيض‪ ،‬يبدو لنا ذو لون بنى ثم أسود‪ .‬وهما عبارة عن بقايا النجم المنتهية‬
‫حياته‪.‬‬

‫النوفا ( ‪: ) nova‬‬
‫بعض النجوم تنفجر فى الفضاء بطريقة فجائية وفي فترة زمنية قصيرة‪ ،‬وتضيئ فى السماء‬
‫لفترة ق صيرة (بض عة أ سابيع‪ ،‬أو شهور) ثم تخت فى‪ .‬و من ال صفات المميزة لهذه النجوم‪ ،‬أن ها‬
‫شديدة الضاءة‪ .‬وسيميت بالنجوم الجديدة (‪)nova‬لن الفلكيون القداميى رأوهيا تظهير فجأة‪،‬‬
‫وكأنها نجم جديد‪ ،‬ثم تختفي‪ .‬وتبين حديثا للفلكيون‪ ،‬أن هذه الظاهرة تحدث عندما يسحب قزم‬
‫ابيض المادة النجمية من رفيقة ‪ ،))companion‬وذلك فى النظمة النجمية الثنائية ( ‪binary‬‬
‫‪ .) systems‬وبتزايد وتراكم المادة التي يسحبها القزم البيض تزداد كثافته‪ .‬وعندما تصل الى‬

‫‪63‬‬
‫حد مع ين؛ تبدأ التفاعلت النوو ية‪ ،‬وي ستمر ذلك الى ان تنف جر إنفجارا مرو عا‪ ،‬وتنطلق كم ية‬
‫هائلة من الضوء والحرارة تضئ السماء‪.‬‬

‫السوبرنوفا ( ‪:) super nova‬‬


‫هذه النجوم مثلها مثل النوفا‪ ،‬تنفجر أيضا‪ .‬ولكن سبب النفجار يكون راجعا الى أن النجم ذاته‬
‫يكون شد يد الضخا مة‪ .‬وعند ما تبدأ ماد ته فى التضا غط؛ تبدأ التفاعلت النوو ية‪ .‬هذا التفا عل‬
‫النووي‪ ،‬هيو الذي يُنتيج عناصير اثقيل مين الهيدروجيين‪ .‬ويتيم انتاج العناصير على مراحيل‪،‬‬
‫وتتكون طبقات مختل فة من العنا صر المختل فة‪ .‬وي ستمر التفا عل النووى فى القلب ح تى يتكون‬
‫الحديد‪ ،‬عند ذلك ينفجرالنجم‪ ،‬ناشراَ وذاريا مادته فى الفضاء‪ ،‬محملة بالعناصر الثقيلة‪ .‬وتنطلق‬
‫كميات هائلة مين الطاقية فيى الفضاء‪ .‬ويضيئ النجيم بشدة‪ .‬ويمكين ان يرى بالعيين المجردة‬
‫لشدته‪ .‬ويتخلف عن هذا النفجار جسم يسمى بالنجم النيوترونى‪.‬‬
‫وعندميا تكون السيوبرنوفا؛ ناتجية عين نجيم أشيد ضخامية ( فيى بعيض الحيان يكون النجيم‬
‫‪100‬مرة وزن الشمس )؛ يتخلف جسم أشد غرابة من النجم النيوتروني‪ ،‬يسمى بالثقب السود‪.‬‬

‫النجم النيوترونى ( ‪:) neutron star‬‬


‫عند ما ينف جر ن جم ال سوبرنوفا‪ ،‬تتكا ثف المادة فى قلب الن جم‪ .‬وتت سبب قوة الجذب الهائلة الى‬
‫صيهر اللكترونات ميع البروتونات‪ ،‬مكونية جسييمات متعادلة كهربيا‪ ،‬هيى النيوترونات‪ .‬هذا‬
‫الجسم‪ -‬المكون من النيوترونات‪ -‬المتخلف عن السوبرنوفا‪ ،‬يسميه الفلكيون‪:‬النجم النيوترونى‪.‬‬
‫ويتمييز النجيم النيوترونيى بأنيه صيغير جدا‪ ،‬وكثافية مادتيه فائقية العلو‪ ،‬ويولد اشعاع كهرو‬
‫مغناطيسي يمكن يرصده‪.‬‬

‫النجم النابض ( ‪:) pulsar star‬‬


‫النجم النابض هو نجم نيوترونى‪ .‬ولن الفلكيون على الرض‪ ،‬تعرفوا عليه عن طريق رصد‬
‫نبضاته‪ ،‬بواسطة تليسكوبات رادوية (أى تلتقط أشعة الراديو)‪ ،‬فأسموه النجم النابض‪ .‬ثم بعد‬
‫ذلك تعرفوا على العلقية بينيه وبيين السيوبرنوفا‪ .‬والن نعرف أن النجيم النابيض هوالنجيم‬
‫النيوترونى المتخلف من إنفجار السوبرنوفا‪.‬‬

‫الثقب السود ( ‪:) Black Hole‬‬


‫الث قب السود عبارة عن جسم (أو نجم) تخلف من انهيار نجم شديد الضخا مة‪ .‬ويتميز الث قب‬
‫السود‪ ،‬بأنه جسم هائل الكثافة‪ ،‬متناهى فى الصغر‪ ،‬له قوة جذب هائلة‪ ،‬تجذب اليها كل شئ‪،‬‬
‫ح تى فوتونات الضوء لت ستطيع الهرب من ها‪ .‬و من هنا جاء إسم الث قب ال سود‪ ،‬وذلك ل نه ل‬
‫ي صدر ول يشع ضوء مرئى‪ .‬ويكون حجم الج سم صغيرا ومركزا في ما يقرب من النق طة (‬
‫‪ .)singularity‬وليعرف الفلكيون الكثير عن مادة الثقوب السوداء ومما تتكون وكيف تتآلف‪،‬‬
‫ومازالت المعلومات تزيد وتتوالى عنه‪.‬‬

‫الطاقة ( ‪:) energy‬‬


‫تعرف الطاقية فيى علم الفيزياء‪ ،‬بأنهيا القدرة على بذل شغيل‪ .‬ويقاس الشغيل‪ ،‬بمقدار القوة‬
‫المؤثرة على الجسم‪ ،‬مضروبة فى المسافة التى يتحركها الجسم‪ ،‬بين نقطتي سكون‪.‬‬
‫والطاقية لهيا صيور متعددة منهيا‪ :‬طاقية الحركية ( ‪ ،) kinetic energy‬وطاقية الوضيع (‬
‫‪ ، )potential energy‬وتعرف طاقة الوضع‪ ،‬بأنها الطاقة التى يكتسبها جسم نتيجة لتواجده‬
‫فيى مجال أو مكان معيين‪ .‬فمثلً‪ :‬يكون للقمير طاقية وضعيية؛ نتيجية لوجوده فيى مجال جذب‬

‫‪64‬‬
‫الرض ال تى تجذ به الي ها‪ .‬وتتعادل هذه الطا قة مع الطا قة الحرك ية النات جة من دوران الق مر‬
‫حول الرض والتيى تدفعيه بعيدا عين الرض‪ ،‬وبذلك يحتفيظ القمير بمسياره الدائرى حول‬
‫الرض‪ .‬ومن صور الطاقة الخرى‪ :‬الطاقة الحرارية‪ ،‬وهى التى تسبب ارتفاع درجة حرارة‬
‫جزئيات الجسم‪ ،‬أوالمادة‪ .‬وتتخذ درجة الحرارة مقياسا لسرعة حركة جزئيات المادة‪ .‬والطاقة‬
‫الضوئية‪ ،‬صورة أخرى مهمة من صور الطاقة‪ ،‬وهى التى تسبب تحرك فوتونات الضوء من‬
‫الم صدر الى الم ستقبل‪ .‬والفيزيائيون يع تبرون الضوء مكونا من ج سيمات متناه ية فى ال صغر‬
‫يسمونها الفوتونات‪ ،‬والفوتونات لها صفات المادة ولها أيضا صفات الطاقة‪.‬‬

‫الشعاع (‪: )emission or radiation‬‬


‫هو عملية يتم فيها ارسال طاقة‪ ،‬سواء ضوئية أو حرارية أو كهرومغناطيسية‪ .‬ول تحتاج هذه‬
‫الطاقة إلى وسط يحملها‪ ،‬بل تنت قل عبر الفراغ‪ .‬والجسم الذى يولد ويرسل هذه الطاقة يسمى‬
‫الج سم الم شع‪ .‬م ثل الش مس تر سل – أو ت شع – طا قة حرار ية وضوئ ية وكهرومغناطي سية‪.‬‬
‫والشعاع الضوئى يحتوى على اصيناف مختلفية مين الطييف‪ .‬ويمكين رؤيية هذه الطياف‬
‫المختلفة إذا وضعنا منشورا زجاجيا فى طريق الشعة الضوئية‪ ،‬حيث يتحلل الضوء الصادر‬
‫من الشمس الى الوان مختلفة‪ ،‬تسمى ألوان الطيف‪ .‬وهى فى الحقيقة اشعاعات مختلفة الشدة‪،‬‬
‫أومقدار طاقتها مختلف‪ .‬وعندما تسخن المادة – أ يّ مادة ‪ -‬تشع اطيافا مختلفة الشدة‪ .‬ويمكن‬
‫التعرف على نوع المادة ( أى نوعية جزئيات وذرات المادة ) من دراسة الطيف الذى ترسله‪.‬‬
‫والنجوم م صدر ا ساسى فى تول يد الطا قة في الكون‪ .‬و هى ت شع طاقت ها فى اطياف مختل فة‪،‬‬
‫تصل الينا فى صورة موجات طاقة‪ ،‬يسميها الفيزيائيون أسماء مختلفة مثل‪ :‬الموجات الرادوية‬
‫(مثل ما ينقل عليه ارسال الذاعات المختلفة والتلفزيون)‪ ،‬وموجات الميكروويف‬
‫((‪ microwaves‬مثل التى تستخدم فى تسخين الطعام‪ .‬والموجات تحت الحمراء ( وتستخدم‬
‫فى كثير من التطبيقات‪ ،‬منها استخدامها فى الريموت كنترول‪ ،‬أو التحكم عن بعد‪ ،‬فى الجهزة‬
‫الكهربائ ية)‪ .‬والموجات المرئ ية‪ ،‬و هي الموجات ال تى ت ستطيع الع ين البشر ية الح ساس ب ها‪،‬‬
‫وترجمتها الى صور‪ .‬والموجات فوق البنفسجية ‪ ،‬والشعة السينية‪ ،‬واشعة جاما‪.‬‬

‫التحليل الطيفى ( ‪: ) spectral analysis‬‬


‫عملية يمكن بها فصل الشعاعات المختلفة‪ ،‬إلى مكوناتها‪ ،‬من مجموع اطياف مختلفة‪ .‬ويمكن‬
‫قياسيها والتعرف عليهيا ومعرفية كنيه المادة المشعية لهيا‪ .‬ويسيمى الجهاز‪ ،‬الذى يحلل ويقييس‬
‫الط يف؛ با سم المطياف (‪ .)spectro meter‬وعمل ية التحل يل الطي فى (أو التحل يل الضوئى)‪،‬‬
‫عملية أساسية‪ ،‬فى دراسة النجوم‪ ،‬وعلم الفلك على وجه العموم‪ .‬وذلك لن الصلة الوحيدة بين‬
‫البشير والنجوم هيو الشعاع الذى ترسيله‪ ،‬ويصيل الينيا‪ .‬ويقوم العلماء والدارسيون‪ ،‬بتحليله‬
‫ية‪ ،‬للتعرف على النجوم‪ .‬وكذلك التعرف على‬ ‫يتنباط معلومات‪ ،‬شديدة الهميي‬‫يته‪ .‬واسي‬
‫ودراسي‬
‫المادة النجمية‪ ،‬والمواد ما بين النجوم‪ .‬وأيضا التعرف على‪ ،‬ودراسة الجسام الفلكية الضخمة‬
‫مثل المجرات‪ .‬ولقد تمكن العلماء من التأكد من معلومات‪ ،‬غاية فى الهمية عن الشمس؛ بهذا‬
‫ال سلوب‪ .‬فهذا الن جم – و هو ال هم بالن سبة ل نا‪ ،‬و هو كذلك القرب – هوالذى ي مد الرض‬
‫بالطا قة اللز مة للحياة‪ .‬والش مس تحتوى على جم يع العنا صر الموجودة على الرض‪ ،‬ول كن‬
‫بن سب متفاو تة مختل فة ع ما عل يه في الرض‪ .‬و قد تبين‪ ،‬أن الش مس تتكون من‪ %70 :‬من‬
‫وزنها من الهيدروجين‪ ،‬و ‪ %28‬من الهيليوم‪ ،‬و ‪ %2‬فقط من العناصر الخرى‪ .‬وتبعد الشمس‬
‫عين الرض بحوالى ‪ 150‬مليون كيلو متير‪ .‬ووزنهيا ‪ 330‬ألف مرة وزن الرض‪ .‬ودرجية‬
‫حرارة سطحها‪ ،‬حوالى ‪ 6000‬درجة مئوية‪ .‬ودرجة حرارة مركزها (أو قلبها) تصل إلى ‪15‬‬
‫مليون در جة‪ .‬وتحتوى الش مس على ‪ %99.8‬من وزن المجمو عة الشم سية كل ها‪ .‬أو بأ سلوب‬

‫‪65‬‬
‫آ خر‪ :‬إن الكوا كب الت سعة‪ ،‬ال تى تدور حول الش مس – ومن ها الرض‪ ،‬تم ثل ف قط ‪ %0.2‬من‬
‫وزن المجمو عة كل ها‪ .‬ومرة أخرى نذ كر بأ نه قد تم التعرف على العنا صر المكو نة للش مس‪،‬‬
‫بالتحليل الطيفى‪ ،‬للضوء الصادر منها‪.‬‬
‫إذا فالشمس – وغيرها الكث ير من النجوم – تحتوى على عنا صر ثقيلة‪ ،‬أث قل من الهيدروج ين‬
‫والهيليوم‪ .‬فمن أين جاءت هذه العناصر الثقيلة ؟ صحيح إن نسبتها ضئيلة‪ ،‬ال أنه ل يوجد فى‬
‫الش مس‪ ،‬الظروف المنا سبة‪ ،‬من الض غط العالى‪ ،‬ودرجات الحرارة العال ية‪ ،‬ال تى تلزم لتكو ين‬
‫مثل هذه العناصر الثقيلة‪ .‬ولقد ظل هذا السؤال يسبب مشكلة للفلكيين‪ ،‬إلى أن اكتشفت ظاهرة‬
‫النوفا‪ ،‬والسوبرنوفا‪.‬‬

‫وفيما يلى عرض سريع يلخص المعلومات والفكارالتى سبقت‪ .‬ويعرض ماهية السوبرنوفا‪،‬‬
‫ويشرح فكرة تكونها وأهميتها‪ ،‬باختصار وتيسير‪:‬‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫منذ أن خُلق النسان‪ .‬ومنذ أن وُجد على الرض‪ ،‬وهو يتساءل أسئلة لحصر لها‪ .‬دفعه اليها‬
‫فضوله العلمى‪ .‬والسئلة الصعبة التى تسائل عنها النسان كثيرة‪ ،‬ومعقدة‪ ،‬وليستطيع أحد –‬
‫بأى حال من الحوال– الجابة عليها دفعة واحدة‪ ،‬بصورة واضحة وكلية‪ .‬لن الجابة عليها‬
‫تحتاج الى تراكيم كثييف مين المعلومات والمعرفية‪ ،‬عين هذا الكون الفسييح‪ .‬ومين أمثلة هذه‬
‫السئلة‪ :‬من أين جاء النسان؟‪ ،‬ومن أى شئ خُلق؟‪ ،‬وكيف خُلق؟‪ ،‬وهل هناك خالق؟‪ ،‬ولماذا‬
‫يموت الن سان؟‪ ،‬وك يف ستكون حال ته ب عد الموت؟‪ ،‬و هل سيعود للحياة؟‪ ،‬وك يف ستكون هذه‬
‫العودة؟‪ ،‬وماهى الصورة التى سيكون عليها بعد العودة؟‪ ،‬وهل هناك غاية من خلقنا؟‪ ،‬أم أنه‬
‫"ماهى ال حياتنا الدنيا نموت ونحيا ومايهلكنا ال الدهر"؟‪.‬‬

‫هذه السيئلة‪ ،‬ومثلهيا الملييين‪ ،‬والتيي تحتوي لماذا وكييف‪ ،‬قيد أجاب ال عنهيا – سيبحانه‬
‫وتعالى‪ -‬فيى رسيالته إلى البشريية‪ ،‬على لسيان رسيله‪ .‬والمشكلة لتكمين فيى أن رسيالته –‬
‫سبحانه – لتحتوى الجابة؛ إنما تكمن‪ ،‬فى قدرة النسان المحدودة‪ ،‬فى فهم الكم الهائل من‬
‫المعلومات عين الكون‪ ،‬التيى أتيت بهيا هذه الرسيالة‪ .‬وواجيب علينيا – نحين البشير– اليمان‬
‫بالشياء ال تي غا بت عن قدرت نا على الف هم‪ .‬وهذا ل يم نع‪ ،‬ول ي جب أن يم نع‪ ،‬المثابرة على‬
‫اكتشاف المز يد من علوم الكون‪ .‬والدرا سة الواع ية ل ما جاء به الر سل‪ .‬وعدم التكذ يب ب ما ل‬
‫نسيتطيع فهميه الن‪ .‬فالمعرفية عمليية تراكميية‪ ،‬فيهيا تتزاييد معرفية حضارة عين حضارة‪.‬‬
‫وحضارة اليوم بن يت أ ساسا‪ ،‬على معلومات تركت ها حضارات ال مس‪ .‬وحضارة اليوم ستكون‬
‫– يقينا‪ -‬الساس لحضارة الغد‪ ،‬وهلم جرا‪.‬‬
‫ل َكذّبُوا ِبمَا َلمْ ُيحِيطُوا ِبعِ ْلمِهِ وََلمّا َي ْأ ِتهِمْ َت ْأوِيلُهُ" (‪ 10‬يونس‪)39/‬‬ ‫" بَ ْ‬
‫حتّ ى ِإذَا جَاءُوا قَالَ َأ َك ّذ ْبتُ مْ‬
‫ن* َ‬ ‫ن ُي َكذّ بُ ِبَآيَاتِنَا فَهُ مْ يُوزَعُو َ‬
‫ن كُلّ ُأمّ ٍة فَ ْوجًا ِممّ ْ‬
‫شرُ مِ ْ‬
‫حُ‬‫" َويَوْ مَ َن ْ‬
‫ِبَآيَاتِي وََلمْ ُتحِيطُوا ِبهَا عِ ْلمًا َأمْ مَاذَا ُك ْن ُتمْ َت ْعمَلُونَ " (‪ 27‬النمل‪)85،84/‬‬

‫وتراكيم المعرفية‪ ،‬عمليية طويلة الميد‪ ،‬تحتاج إلى العدييد مين القرون‪ .‬وبالبرغيم مين مرور‬
‫اللف من السنين على النسانية؛ ال أنه ‪ -‬لحد الن‪ -‬لم تستطيع الجابة عن مثل هذه السئلة‬
‫ال تى ذكرت آنفا‪ .‬والمعلومات المتا حة للن سان اليوم‪ ،‬ت ستطيع أن تج يب عن ال سؤال‪ :‬ما هى‬
‫المادة التى خُلق منها النسان؟ وذلك بقدر كبير من الثقة واليقين‪.‬‬
‫نعم‪ ،‬لقد خُلق النسان من الطين‪ .‬والط ين هو مكونات القشرة الرض ية‪ ،‬التى اختلطت بماء‪.‬‬
‫هذا يعنيى‪ :‬إن الذرات (لحيظ القول‪ :‬الذرات‪ ،‬وليسيت الجزئيات) التيى يتركيب منهيا جسيم‬
‫النسان – ومثلها مثل المادة الحية كلها – هي من نفس نوعية الذرات‪ ،‬الموجودة على‪ ،‬وفى‬

‫‪66‬‬
‫الرض‪ .‬والرض تحتوى على ‪ 91‬نوعا مختلفا من ذرات العنا صر‪ .‬أو بت عبير آ خر‪ ،‬ارض نا‬
‫ال تى نع يش علي ها مرك بة من ‪ 91‬عن صرا بن سب متفاو تة‪ .‬هذه العنا صر تفاعلت مع بعض ها‬
‫البعض‪ ،‬وكونت الطبيعة التى يراها النسان‪ ،‬منذ أن نشأ من الرض‪ .‬وتتواجد هذه العناصر‬
‫بتركيزات مختلفة‪ .‬فمنها ما هو نادر الوجود‪ ،‬ومنها ماهو شائع‪.‬‬
‫ول قد وُ جد إن المادة الح ية‪ ،‬ب ما في ها المادة المرك بة لج سم الن سان‪ ،‬تتر كب أ ساسا من ارب عة‬
‫عناصر رئيسية‪ :‬الهيدروجين‪ ،‬والوكسجين‪ ،‬والكربون‪ ،‬والنيتروجين‪ .‬وبنسبة أقل بكثير‪ ،‬يليهم‬
‫سبعة عنا صر‪ ،‬هي‪ :‬الكال سيوم‪ ،‬والفو سفور‪ ،‬والكلور‪ ،‬والبوتا سيوم‪ ،‬وال كبريت‪ ،‬وال صوديوم‪،‬‬
‫والمغنسيوم‪ .‬وقد ذكرت بترتيب نسبة تواجدهم في الجسم‪ .‬هذه العناصر‪ ،‬لتصلح فى صورتها‬
‫المنفردة‪ ،‬لحتواء الحياة‪ .‬لكنهيا تمثيل‪ ،‬اللبنات الولى السياسية‪ ،‬فيى تكويين جزئيات المادة‬
‫المعقدة‪ ،‬التيي بدورهيا تسيتطيع أن تسيتوعب الحياة‪ .‬والجزئيات اللزمية لحتواء الحياة‪ ،‬مثيل‬
‫الماء‪ ،‬وجزئيات البروتين‪ ،‬وجزئيات الدهون‪ ،‬والكربوهيدرات وغيرها الكثير‪ ،‬هى فقط؛ التى‬
‫تصلح لتشكيل المادة الحية‪.‬‬
‫ولقيد عُلم‪ ،‬بشكيل يقينيي‪ ،‬أن هذه العناصير المكونية للرض‪ ،‬ليمكين ان تُخلق‪ ،‬فيى الظروف‬
‫الطبيعية‪ ،‬من الحرارة والضغط‪ ،‬التى توجد عليها الرض الن‪.‬‬
‫فمن أين جاءت هذه العناصر؟ وكيف خلقت وتكونت؟‬
‫إنها بالتأكيد خُلقت فى مرحلة سابقة‪ ،‬من وجود الرض‪ ،‬والحياة‪:‬‬
‫جعَلَ‬
‫جعَلُونَ َل ُه َأ ْندَادًا ذَلِكَ رَبّ ا ْلعَاَلمِينَ * َو َ‬‫ض فِي يَ ْو َميْنِ َو َت ْ‬ ‫ن بِاّلذِي خَلَقَ ا ْلَأرْ َ‬ ‫قُلْ َأ ِئ ّنكُمْ َل َتكْ ُفرُو َ‬
‫سيَ ِمنْ فَ ْو ِقهَا َوبَا َركَ فِيهَا َو َقدّ َر فِيهَا َأقْوَا َتهَا فِي َأ ْر َبعَةِ َأيّامٍ سَوَاءً لِلسّائِلِينَ"‬ ‫فِيهَا رَوَا ِ‬
‫(‪ 41‬فصلت‪)10،9/‬‬
‫لقيد كان القرن العشريين الميلدى‪ ،‬مين عمير البشريية‪ ،‬قرن الفتوحات العلميية بحيق‪ .‬فيى هذا‬
‫القرن‪ ،‬تطورت العلوم الطبيعييية السيياسية تطورا هائلً‪ ،‬سييمح للنسييانية أن تكتشييف‬
‫اسيرارالفضاء‪ .‬الفضاء الذى كان‪ ،‬ومازال‪ ،‬مسيرحا لعمليات خلق مادة ماقبيل الحياة‪ ،‬أى خلق‬
‫وتكوين ذرات العناصر المختلفة‪.‬‬
‫ل قد و جد الفلكيون‪ ،‬إن كل من الرض والش مس‪ ،‬يحتوى على ن فس العنا صر‪ .‬بالط بع بن سب‬
‫شديدة التفاوت‪ .‬وبتحلييل الضوء الصيادر مين الشميس‪ ،‬وأيضا النجوم الخرى‪ ،‬القريبية منيا‬
‫المماثلة للشمس‪ ،‬من حيث اللون والحجم‪ .‬وجد أن معظم النجوم‪ ،‬تتكون من ‪ %70‬من وزنها‬
‫هيدروجين‪ ،‬و ‪ %28‬هيليوم‪ ،‬و ‪ %2‬فقط‪ ،‬من عناصر أخرى أثقل من الهيدروجين والهيليوم‪.‬‬

‫هذه العناصير الثقيلة‪ ،‬ليمكين أن تكون قيد تكونيت مين التفاعلت النوويية‪ ،‬التيى تحدث فيى‬
‫الشمس في مرحلة حياتها الحالية‪ .‬والسبب ببساطة هو أن درجات الحرارة والضغط الناتج من‬
‫قوة التجاذب التثاقلى– بالرغم من ضخامتهما– فى قلب النجم‪ ،‬غير كافيتين‪ ،‬وغير مناسبتين؛‬
‫ل صهر نويات الهيدروج ين والهيليوم لتكو ين عنا صر أث قل‪ .‬أو با سلوب آ خر‪ ،‬فإن حرارة قلب‬
‫الشميس‪ ،‬والضغيط الموجود علييه‪ ،‬غيير كافيان لنطلق عمليية الندماج النووي‪ ،‬لتخلييق‬
‫العناصيير الثقيلة‪ .‬وبالتالي كان على علماء الفلك أن يفترضوا‪ ،‬وجود مرحلة‪ ،‬تسييبق مرحلة‬
‫تَكوّن الشمس والرض‪ .‬مرحلة‪ ،‬تكونت فيها نجوم ضخمة – أضخم بكثير من الشمس‪ -‬هي‬
‫التى كونت هذه العناصر الثقيلة‪ .‬ومن هذه النجوم‪ ،‬بعد موتها‪ ،‬تكون الجيل الثانى من النجوم‪،‬‬
‫ال تى من ها الش مس المعهودة‪ .‬وظلت هذه الفرض ية دون دل يل‪ ،‬إلى ان اكت شف الفلكيون نجوما‬
‫صنِع فى بطون ها العنا صر الثقيلة‪ .‬ويُع نى بالعنا صر الثقيلة‪ ،‬العنا صر‬
‫عمل قة‪ ،‬تتف جر بعد ما تُ ّ‬
‫ال تى هى أث قل من الهيدروج ين ( وزن ذر ته‪ :‬وحدة ذر ية واحدة)‪ ،‬والهيليوم (وزن ذر ته‪4 :‬‬
‫وحدات ذرية)‪ .‬ومن هذه العناصر‪ :‬الكربون (وزنه الذرى ‪ 12‬وحدة ذرية)‪ ،‬والنيتروجين(‪14‬‬
‫يييوم(‪ 24‬وحدة)‪،‬‬ ‫ييجين(‪ 16‬وحدة)‪ ،‬والنيون(‪ 20‬وحدة)‪ ،‬والمغنسي‬ ‫يية)‪ ،‬والكسي‬ ‫وحدة ذريي‬

‫‪67‬‬
‫والسييليكون(‪ 28‬وحدة)‪ ،‬والفسيفور(‪ 31‬وحدة)‪ ،‬والكيبريت (‪ 32‬وحدة)‪ .‬وتسيتمر التفاعلت‬
‫النووية مكونة عناصر ثقيلة حتى يتكون عنصر الحديد (وزنه الذرى ‪ 56‬وحدة ذرية)‪ .‬وعند‬
‫هذا الحد‪ ،‬يحدث حدثا غريبا‪ ،‬يسمى بالنوفا‪ ،‬والسوبر نوفا‪.‬‬

‫والنو فا(‪ ،)nova‬وال سوبرنوفا( ‪ )super nova‬نجوم عمل قة‪ .‬سميت بهذا ال سم لن ها كا نت‬
‫تظهر فجأة فى السماء‪ ،‬فيظن الفلكيون أنها ولدت حديثا‪ ،‬وبالتالى أسموها بالنجوم الجديدة (نوفا‬
‫باللتينيى تعنيى الجدييد)‪ .‬ولقيد ترجيم هذا السيم بعيض المترجمون العرب باسيم المسيتسعر(‬
‫النو فا)‪ ،‬والم ستسعر الع ظم( ال سوبرنوفا)‪ .‬وا سم الم ستسعر مش تق من ال سعر‪ ،‬و هو التهاب‬
‫النار‪ .‬وهذا السم أكثر دللة من اسم النوفا‪ .‬إل أننا سوف نبقي على إستخدام السم اللتيني‪،‬‬
‫ح تى ي سهل على القارئ الرجوع إلى المرا جع النجليز ية‪ ،‬والتعرف علي ها‪ ،‬وعلى خ صائصها‬
‫وتعلم المزيد‪.‬‬

‫وفيما يلى شرح وتبسيط لوصف ما تقوم به النوفا‪ ،‬والسوبرنوفا‪ ،‬وكيف يتكونا‪ ،‬وكيف ينفجرا‪،‬‬
‫وك يف يذرون مافيه ما‪ ،‬و ما ين تج عنه ما‪ .‬وال سوبرنوفا هى الك ثر أهم ية من ناح ية تكو ين‬
‫العناصر الثقيلة جدا وبالتالى سيكون التركيز عليها‪.‬‬

‫السوبر نوفا ‪:‬‬


‫توجد فى الفضاء الكوني‪ ،‬تجمعات عظيمة من الغازات‪ ،‬والتربة الكونية‪ .‬هذه الغازات تتكون‬
‫أ ساسا من الهيدروج ين‪ ،‬وعند ما تتكا ثف هذه المادة مع بعض ها الب عض‪ ،‬ين شأ ماي سمى بالن جم‬
‫البتدائي(‪ .)proto star‬عند ما يكون هذا الن جم البتدائي شد يد الضخا مة؛ تكون لقلب ماد ته‪،‬‬
‫قوة جذب هائلة‪ ،‬تجذب المادة المحيطية الى الداخيل‪ .‬وتسيمى عمليية التكاثيف التيى تؤدى إلى‬
‫إندماج مادة النجيم باسيم؛ انهيار قلب النجيم (‪ .)core collapse‬هذا التكاثيف‪ ،‬والندفاع‪،‬‬
‫والتضا غط الى المر كز؛ يولد حرارة هائلة‪ ،‬تبلغ في ها درجات الحرارة الملي ين من الدرجات‬
‫المئوييية‪ .‬وتنطلق طاقيية هائلة‪ ،‬تكون كافييية لبدء عمليات الندماج النووى‪ .‬وتبدأ نويات‬
‫الهيدروجين فى الندماج‪ ،‬والتحول الى هيليوم‪ .‬وتستمرهذه العملية‪ ،‬فقط‪ ،‬عشرات المليين من‬
‫السنين‪ ،‬حتى ينتهى الوقود النووى من الهيدرجين‪ ،‬وذلك بتحول معظمه الى هيليوم‪ .‬ويجب ان‬
‫يتذكرالقارئ‪ ،‬إن عشرات الملي ين من ال سنين مدة ق صيرة‪ ،‬اذا ماقور نت بآلف الملي ين من‬
‫ال سنين‪ ،‬و هو الع مر الغالب بالن سبة للنجوم المتولدة فى مرحلة لح قة‪ ،‬أو ما ي سمى بالج يل‬
‫الثاني من النجوم‪ ،‬ومنها شمسنا المعهودة‪.‬‬

‫عندما يتم التفاعل النووى؛ يتولد نتيجة لذلك حدثين مهمين‪:‬‬


‫الول‪ :‬إنطلق كميات هائلة من الطاقة‪ ،‬ترفع درجة حرارة القلب إلى درجات أعلى بكثير مما‬
‫كانت عليه‪.‬‬
‫الثا نى‪ :‬تولد ضغط هائل المقدار‪ ،‬أعلى بكث ير مما كان‪ ،‬على قلب الن جم‪ .‬وذلك نتيجة لتركيز‬
‫الهيليوم الثقل من الهيدروجين‪.‬‬
‫يا إندماج نوى ذرات‬ ‫يم فيهي‬‫ية‪ ،‬يتي‬
‫يبان وضروريان لبدء تفاعلت نوويي‬ ‫هذان العاملن‪ ،‬مناسي‬
‫الهيليوم؛ لتتحول إلى عنصير الكربون‪ .‬وتسيتمر هذه العمليية حوالى مليون عام‪ ،‬حتيى يتحول‬
‫معظم الهيليوم إلى عناصر أثقل أهمها الكربون ‪.‬‬
‫عندميا يتيم احتراق الهيليوم‪ ،‬ويتحول إلى كربون‪ ،‬تتولد مرة أخرى‪ ،‬طاقية أعلى مين سيابقتها‪،‬‬
‫ويتولد ضغط اعلى منه فى المرحلة السابقة‪ .‬ويكون الضغط ودرجة الحرارة المتولدان‪ ،‬كافيان‬
‫لبدء التفاعلت النوويية مين جدييد‪ ،‬وتبدأ نويات عنصير الكربون فيي الندماج‪ ،‬وتتحول الى‬
‫عنا صر اث قل‪ ،‬هى النيون والمغنسيوم‪ .‬ي ستمر هذا بضع مئات من ال سنين‪ ،‬يتحول فيها معظم‬

‫‪68‬‬
‫الكربون‪ ،‬ويبدأ قلب النجيم مرة أخرى فيى النكماش‪ ،‬فيزداد الضغيط ويتولد المزييد مين‬
‫الحرارة‪.‬‬
‫تتكرر هذه العمليية‪ ،‬وتبدأ نويات النيون والمغنسييوم فيى الندماج‪ ،‬متحولة الى السييليكون‬
‫والكبريت‪.‬‬
‫ويندميج هذان العنصيران‪ ،‬ويتحولن الى نويات عنصير الحدييد‪ .‬وتسيتمر هذه العمليية أياما‬
‫معدودة (لحيظ أيام‪ ،‬ولييس سينين)‪ ،‬يتحول فيهيا قلب النجيم الى كرة مين الحدييد‪ ،‬يحييط بهيا‬
‫طبقات من العنا صر المختل فة ال تى تكو نت فى المرا حل ال سابقة‪ .‬ويش به الن جم فى هذه الحالة‬
‫نبات البصل‪ ،‬لتشابه طبقات العناصر المختلفة‪ ،‬مع طبقات البصل المعروفة(‪.)onine layers‬‬

‫عندميا يتحول قلب النجيم الى عنصير الحدييد‪ ،‬تتوقيف التفاعلت النوويية‪ .‬ويبدأ القلب فيى‬
‫النكماش؛ مولدا طا قة هائلة‪ .‬هذه الطا قة – بالر غم من ضخامت ها – لي ست كاف ية لد مج نويات‬
‫الحدييد‪ ،‬ولكنهيا تولد موجية هائلة‪ ،‬مين الضغيط‪ ،‬الذى يسيرى بطريقية فجائيية‪ ،‬خلل الطبقات‬
‫المتكونة‪ ،‬من العناصر الثقيلة المختلفة‪ .‬يحدث ذلك فى لحظة وجيزة‪ ،‬أقل بكثيرمن الثانية‪.‬‬
‫ويتبع ذلك إنفجارهائل مُروع (‪،)explosion cataclysmic‬‬
‫فتتشتت وتُذرى محتويات النجم فى الفضاء‪ ،‬وهي محتوية للعناصر الثقيلة‪.‬‬
‫هذا النفجار يكون مصحوبا بكمية هائلة من الطاقة الضوئية‪ ،‬هذه الطاقة تنير السماء لبضعة‬
‫اسابيع‪ ،‬ومن هنا جاء السم الذى اطلقه الفلكيون الوائل عليها وهو النوفا‪ ،‬أى النجم الجديد‪،‬‬
‫والسوبرنوفا أى النجم الجديد العظيم‪.‬‬

‫شكل‪ .6 -‬يبين تولد نجم نيترونى‪ .‬اول من اليسار نجم ضخم ينفجر‪،‬‬
‫ثانيا فى الوسط‪ :‬يتولد طاقة هائلة تنير ما حولها ‪،‬‬
‫ويتخلف النجم النيترونى كنقطة صغيرة فى الشكل على اليمين‪.‬‬

‫نتي جة لهذا النفجار‪ ،‬تند فع طبقات العنا صر المتكو نة‪ ،‬ب سرعة هائلة‪ ،‬ت صل الى ‪ 16000‬كيلو‬
‫متر فى الثانية الواحدة‪ .‬وتنطلق طاقة هائلة‪ ،‬يعتقد العلماء انها السبب فى تكون عناصر اثقل‬
‫من الحديد‪ ،‬وحتى اليورانيوم‪ .‬واليورانيوم هو أثقل العناصر الموجودة فى الطبيعة‪ ،‬وتزن ذرته‬
‫‪ 238‬وحدة ذرية‪.‬‬
‫أي ضا نتي جة لهذه الطا قة الهائلة المتولدة من النفجار‪ ،‬تنع صر(‪ )squeezed‬اللكترونات مع‬
‫نويات العنا صر المكو نة من البروتونات‪ ،‬وتتكون كرة من النيوترونات‪ .‬وبأ سلوب آ خر يقال‪:‬‬
‫أن اللكترونات اتحدت ميع البروتونات‪ ،‬مكونية جسيم غرييب‪ ،‬مكون مين النيوترونات‪ ،‬ولذلك‬
‫ي سمية الفلكيون الن جم النيوترو ني‪ .‬وأ هم مايم يز هذا الن جم‪ ،‬ان ماد ته شديدة الكثا فة‪ ،‬أى ثقيلة‬
‫بدرجة ل يمكن تصورها‪ .‬ولتقريب ذلك للذهان‪ ،‬يقول الفلكيون‪ :‬أنه لو تصورنا إحضار ملئ‬
‫ملعقة صغيرة من جسم هذا النجم‪ ،‬ووزناها على الرض‪ ،‬لوزنت اكثر من جبل شاهق ضخم‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫ول قد و جد الفلكيون‪ ،‬ان نوع ية الج سم المتب قى من حاد ثة ال سوبرنوفا‪ ،‬يعت مد على وزن الن جم‬
‫البتدائى‪ .‬فعندما يزيد وزن النجم البتدائى عن خمسون مرة مثل وزن الشمس‪ ،‬يتخلف جسم‬
‫أ شد غرا بة من الن جم النيترو نى‪ .‬هذا الج سم (أوالن جم) تكون كثاف ته لنهائ ية‪ ،‬وقوة جذ به ل‬
‫نهائيية أيضيا‪ ،‬لدرجية أنيه يتركيز‪ -‬نظرييا ‪ -‬فيى نقطية (‪ .)singularity‬هذا الجسيم يسيميه‬
‫الفلكيون الثقيب السيود‪ .‬وأهيم مايمييز الثقيب السيود هذا‪ ،‬ان قوة جاذبيية هائلة‪ ،‬لدرجية أنهيا‬
‫تجذب جسييمات الضوء (الفوتونات)‪ ،‬فل يتركهيا تفلت منيه‪ .‬ومين هنيا جاء السيم "الثقيب‬
‫ال سود"‪ ،‬أى نق طة جذب للضوء‪ ،‬فل تُرى‪ ،‬وتبدو كنق طة سوداء معت مة‪ .‬وإكت شف أخيرا ا نه‬
‫يم كن ر صد الثقوب ال سوداء عن طر يق ر صد الشعاع الذي ينب عث من ها في صورة أش عة‬
‫سينية‪ .‬وفي ما يلي رسم توضيحي لخطوات تكون السوبرنوفا‪:‬‬
‫رسم توضيحي يبين خطوات حدوث السوبرنوفا‬

‫‪ – 2‬هذا الرسم يوضح اتجاه قوى التجاذب المادي التى‬ ‫‪ -1‬فى حالة النجوم الضخمة‪ ،‬التى يزن النجم ثمانى مرات‪-‬‬
‫تحاول جذب مادة النجم الى الداخل‪ ،‬اى الى المركز‪.‬‬ ‫او اكثر‪ -‬مثل وزن الشمس‪ ،‬يكون الضغط والجذب التثاقلى‬
‫وعندما تبدأ التفاعلت النووية؛ تتولد نتيجة لها طاقة كبيرة‪.‬‬ ‫لمادته من المركز على الخارج كبيرة‪ ،‬لدرجة تجعل الوقود‬
‫هذه الطاقة تولد ضغط يدفع الى الخارج‪ ،‬وبذلك يحتفظ‬ ‫النووى يستهلك بسرعة‪ ،‬فقط فى غضون ‪ 35‬مليون سنة‪.‬‬
‫النجم بتوازنه‪.‬‬ ‫وللمقارنة فان نجم بحجم الشمس يحتاج الى ‪ 10000‬مليون‬
‫سنة حتى يستهلك كل وقوده النووى فى التفاعل‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫‪ – 4‬عندما يتحول كل الهيدروجين الى هيليوم‪ ،‬تكون كمية‬ ‫‪ – 3‬نتيجة للضغط والحرارة يستمر اندماج الهيدروجين‬
‫الحرارة المتولدة والضغط الناتج من انكماش الهيليوم‬ ‫متحول الى هيليوم‪ ،‬الذى يتركز‪ -‬لثقله عن الهيدروجين‪ -‬فى‬
‫كافيين لبدأ اندماج نويات الهيليوم‪ .‬ينتج عن هذا التفاعل‬ ‫قلب النجم‪.‬‬
‫النووى نويات عنصرى الكربون والوكسيجين‪ .‬هذه‬
‫العناصر الثقيلة المتكونة حديثا تحل محل الهيليوم فى‬
‫القلب‪.‬‬

‫‪ – 5‬عندما ينتهى الهيليوم من التحول؛ يبدأ القلب مرة اخرى ‪ – 6‬يبدأ قلب النجم مرة اخرى فى النكماش‪ ،‬وتبدأ عملية‬
‫فى النكماش‪ ،‬وتتولد حرارة اشد من سابقتها‪ .‬هذه الحرارة الندماج النووى مرة اخرى‪ ،‬وتتكرر العملية‪ ،‬ويتحول‬
‫النيون والمغنسيوم الى سيليكون وكبريت‪ ،‬ويتولد ضغط‬ ‫المتكونة والضغط العالى كافيين‪ ،‬لدمج نويات الكربون‬
‫اشد‪ ،‬ودرجة حرارة اعلى‪ ،‬يدفعان المادة الى الخارج‪،‬‬ ‫والوكسجين وتحويلهما إلى عنصرى النيون والمغنسيوم‪.‬‬
‫ويستمر النجم فى التوازن‪.‬‬ ‫هذه النويات الثقيلة المتكونة تزيح الى الخارج النويات‬
‫الخف وتتركز هى فى قلب النجم‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫‪ – 8‬الخطوة التالية هى‪ :‬تبدأ نويات الحديد فى الندماج‬ ‫‪ – 7‬مرة اخرى تبدأ نويات عنصرى النيون والمغنيسيوم‬
‫والتفاعل‪ ،‬ولكن هذا التفاعل ل تتولد منه حرارة كافية‬ ‫فى التفاعل مع الكسيجين مكونة عنصر الحديد‪.‬‬
‫لستمراره‪ .‬والسبب فى ذلك ان نويات الحديد تحتاج الى‬ ‫فى هذه المرحلة يكون النجم مكونا من طبقات متتالية‬
‫كمية من الطاقة لتكوينها اكبر مما يتولد‪ .‬عند ذلك؛ يبدأ‬ ‫تحتوى على عناصر مختلفة‪ ،‬تشبه طبقات البصلة‪.‬‬
‫قلب النجم فى النكماش والتداخل نتيجة لقوة الجذب‬
‫التثاقلى الى الداخل‪.‬‬

‫‪ – 10‬هذه الموجة من الطاقة تسرى خلل الطبقات‬ ‫‪ – 9‬فى جزء ضئيل من الثانية‪ ،‬يفقد النجم التوازن وينهار‬
‫المختلفة من العناصر‪ ،‬ويتولد نتيجة لذلك انفجار هائل‪ .‬هذا‬ ‫قلبه‪ .‬بعدها تتولد كمية هائلة من الطاقة التثاقلية تدفع الى‬
‫النفجار يسبب نثر وذرو محتويات النجم التى تندفع‬ ‫الخارج‪ ،‬بينما قوة الجذب تشد الى الداخل‪ .‬ويولد تضاد‬
‫بسرعة تصل الى ‪ 16000‬كيلو متر فى الثانية الواحدة‪.‬‬ ‫القوتين طاقة هائلة ‪.‬هذه الطاقة تولد موجة فجائية‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫هذا الشكل يقارن بين النجوم المختلفة من حيث الحجم‬ ‫‪ – 11‬نتيجة لهذا النفجار فائق الشدة؛ يتمزق جسم النجم‬
‫بالنسبة للشمس‪.‬‬ ‫كامل‪ .‬يتخلف عن ذلك؛ جسم صغير الحجم‪ ،‬لكنه هائل‬
‫ويظهر فيه‪ :‬النجم الضخم المسمى ب"بتل‪ -‬جووز" او‬ ‫الثقل‪ ،‬يدور حول نفسه بسرعة‪ .‬ونتيجة لقوة الجذب الهائلة‬
‫منكب الجوزاء‪ ،‬والشمس ‪ ،‬والقزم البيض ‪ ،‬والنجم‬ ‫لمادته‪ ،‬تندمج اللكترونات المحيطة بالقلب مع البروتونات‪،‬‬
‫النيترونى ‪ ،‬والثقب السود‪.‬‬ ‫وتكون كرة من النيترونات‪ ،‬يسمى النجم النيترونى‪ .‬وفى‬
‫تذكر ‪ :‬الميل = ‪ 1,6‬كيلومتر‪.‬‬ ‫حالة ما اذا كان وزن النجم اضخم من ذلك‪ ،‬يتكون ما‬
‫يعرف باسم الثقب السود‪.‬‬

‫‪The Structure of a Pre-Supernova Supergiant‬‬


‫بنية ما قبل السوبرنوفا‪ ،‬وطبقات العناصر في طبقات متوالية مثل طبقات البصلة‬

‫‪73‬‬
‫ويمكن تلخيص ماذكر فى النقاط التالية ‪:‬‬
‫‪ - 1‬بعض النجوم الضخمة العملقة‪ ،‬هى التى تقوم بصناعة العناصر الثقيلة‪ ،‬اللزمة لخلق‬
‫الحياء من نبات وحيوان‪ .‬وتتم عملية تصنيع العناصر فى قلب النجم‪ ،‬وعندما تكتمل‬
‫العملية‪ ،‬تنفجر النجوم؛ فتذروا ماتكون فيها من عناصر فى الفضاء‪.‬‬
‫‪ - 2‬يتخلف بعد النفجار والذرو جسيما غريبا‪ ،‬يحمل أثقال المادة من النيترونات‪.‬‬
‫‪ - 3‬تندفع كمية من المادة الخفيفة المنتثرة‪ ،‬سويا مع‪ ،‬حزم الطاقة الهائلة‪ ،‬ب سرعة كبيرة‪،‬‬
‫تنطلق بسهولة ويسر‪.‬‬
‫‪ - 4‬أثناء عمل ية تكو ين العنا صر دا خل الن جم؛ تنق سم الطبقات بأ سلوب مع ين‪ ،‬وب عد عمل ية‬
‫الذرو تنفصل الجسام الثقيلة عن الخفيفة تبعا لقوانين محكمة دقيقة تسيطر على عملية‬
‫التقسيم‪.‬‬
‫سيوف يلحيظ القارئ‪ ،‬وجود التكرار فيى هذا العرض‪ .‬وهيو تكرار مقصيود حتيى يثبيت فيى‬
‫الذهن‪ ،‬وتتضح الصورة التى تصف هذه الظاهرة الطبيعية المهمة‪ .‬وفي ما يلي صور تزيد من‬
‫المر وضوحا‪:‬‬

‫شكل ‪ .7-‬يبين هذا الشكل السماء قبل وبعد انفجار السوبر نوفا‪.‬‬
‫ويبين السهم موضع النجم قبل أن ينفجر‪،‬‬
‫وعلى اليمين تظهر شدة الضاءة التى يسببها النفجار والتى تستمر بضعة اسابيع‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫شكل – ‪ .8‬يبين الشكل بقايا السوبر نوفا الغازية المتخلفة بعد النفجار‪ ،‬وتظهر على يسار الصورة مكبرة‪.‬‬
‫والصورة حقيقية سجلت بثلث تليسكوبات مختلفة‪ .‬الول يسجل الضوء المرئى(يسمى هبل)‪،‬‬
‫والثانى حساس للشعة السينية ( يسمى شندرا)‪ ،‬والثالث يسجل الشعة تحت الحمراء( يسمى سبيتسر)‪.‬‬

‫نعود الن مرة أخرى‪ ،‬ونقرأ ماقاله الخالق العظيم فى قرآنه الكريم ‪:‬‬
‫‪-1‬وَالذّارِيَاتِ َذرْوًا‬
‫‪ -2‬فَالْحَامِلَاتِ ِوقْرًا‬
‫‪ -3‬فَالْجَا ِريَاتِ ُيسْرًا‬
‫سمَاتِ َأ ْمرًا‬‫‪ -4‬فَالْمُ َق ّ‬
‫(‪ 51‬الذاريات‪)6 -1/‬‬ ‫ن لَوَاقِعٌ"‬
‫ن الدّي َ‬
‫عدُونَ َلصَادِقٌ * وَإِ ّ‬ ‫‪ِ-5‬إ ّنمَا تُو َ‬

‫أليس من الغريب‪ ،‬هذا التوافق بين ماجاء فى القرآن‪ ،‬وما أكتشفه العلم الحديث؟‬
‫أليس من الغريب‪ ،‬أن يتهم البعض محمدا – عليه الصلة والسلم‪ ،‬بأنه هو القائل لهذا الكلم؟‬
‫أليس من الغريب‪ ،‬أن ينكر البعض‪ ،‬وجود علوم بالقرآن؟‬
‫يقولون أنه‪ ،‬أي القرآن‪ ،‬هداية‪ .‬فما هى إذا وسيلة هذه الهداية؟‬
‫أليس العلم والتعليم‪ ،‬هما السلوب الوحيد للهداية؟‬
‫ألم يكن أول أمر لمحمد هو اقرأ‪ ،‬باسم ربك الذي خلق‪ ،‬وعلم بالقلم؟‬
‫أليس من الغريب‪ ،‬أن نجد بعضا‪ ،‬يتهمون المعتقدين بعلوم القرآن‪ ،‬بالشعوذة؟‬

‫‪75‬‬
‫غريب هذا المخلوق المسمى بالنسان‪ .‬كلما جهل شيئا انكره‪.‬‬
‫أفكلما قصرت عقولهم عن الفكر؛ أتهموا الخرين بالجهل؟‬
‫ث َلهُ مْ ِذ ْكرًا* َف َتعَالَى‬
‫حدِ ُ‬
‫ن أَ ْو ُي ْ‬
‫صرّ ْفنَا فِي ِه مِ نَ ا ْلوَعِيدِ َلعَّلهُ مْ َيتّقُو َ‬‫ع َر ِبيّ ا وَ َ‬ ‫" َو َكذَلِ كَ َأ ْنزَ ْلنَا ُه قُرَْآنًا َ‬
‫ب ِزدْنِي عِ ْلمًا"‬‫حيُهُ َوقُلْ رَ ّ‬ ‫ن مِنْ َقبْلِ َأنْ ُي ْقضَى إَِل ْيكَ َو ْ‬ ‫حقّ وَلَا َت ْعجَلْ بِالْ ُقرْآَ ِ‬
‫اللّ ُه ا ْلمَِلكُ ا ْل َ‬
‫(‪ 20‬طه‪)114،113/‬‬
‫ن ُكنّا‬
‫ن َل ُدنّا ِإ ْ‬
‫خذْنَا هُ ِم ْ‬
‫خذَ َلهْوًا لَا ّت َ‬ ‫ن َن ّت ِ‬
‫عبِي نَ* َلوْ َأ َر ْدنَا أَ ْ‬
‫سمَاءَ وَا ْلَأرْ ضَ َومَا َب ْي َن ُهمَا لَا ِ‬
‫" َومَا خََل ْقنَا ال ّ‬
‫ل ِممّا َتصِفُونَ"‬ ‫ل نَ ْق ِذفُ بِا ْلحَقّ عَلَى ا ْلبَاطِلِ َف َيدْ َمغُ ُه َفإِذَا هُ َو زَاهِقٌ وََل ُكمُ الْ َويْ ُ‬
‫فَاعِلِينَ * بَ ْ‬
‫(‪21‬النبياء‪)18-16/‬‬
‫وصدق ال العظيم‬
‫*******‬

‫المراجع الخاصة بالبحث‬

‫‪76‬‬
‫‪.1‬اسم الرجل الذي كان يتتبع المتشابه من القرآن هو صبيغ بن عسل بكسر العين‪،‬‬
‫وصبيغ تنطق كأمير – من القرطبي في تفسير سورة الذاريات ‪.‬‬
‫‪.2‬القتب ‪ :‬رحل صغيرعلى قدرالسنام‪ ،‬مختارالصحاح ‪.‬‬
‫‪.3‬الحديث أخرجه الترمذي في كتاب العلم ‪ ،‬باب فضل الفقه على العبادة رقم ‪2282‬‬
‫‪ .‬نقلت من الجامع لحكام القرآن للمام القرطبي الجزء الثامن صفحة ‪. 274‬‬
‫‪.4‬نفس المصدر السابق ص ‪. 275‬‬
‫‪ ".5‬التفسيير البيانيي للقرآن الكرييم " ‪ ،‬عائشية عبيد الرحمين‪ ،‬بنيت الشاطيئ‪ ،‬دار‬
‫المعارف بمصير‪ ،‬الجزء الول‪ ،‬الطبعية الرابعية‪1394 ،‬هيي ‪1974 -‬م الجزء‬
‫الول‪ ،‬صفحة ‪.123‬‬
‫‪.6‬متين البخاري بحاشيية السيندى‪ ،‬دار أحياء الكتيب العربيية‪ ،‬المجلد الثانيي‪ ،‬الجزء‬
‫الثالث باب تفسير القرآن سورة الذاريات‪ ،‬صفحة ‪.192‬‬
‫‪.7‬بحوث قرآنية ‪ ،‬مجمع البحوث السلمية – الزهر ‪ ،‬الدكتور‪ /‬عبد الغنى عوض‬
‫الراجحى ‪ ،‬المؤتمر السادس جزء ‪ 4‬صفحة ‪ 57‬وما بعدها ‪ ،‬محرم ‪ 1391‬هي‬
‫مارس ‪ 1971‬م ‪.‬‬
‫‪.8‬التفاسير التي استخدمت في البحث كثيرة وهى ‪:‬‬
‫‪-‬الطيبري‪ ،‬الطبرسيى‪ ،‬الزمخشرى‪ ،‬الرازى‪ ،‬وغيرهميا مين موقيع‬
‫التفاسيييييييييييير علي النترنيييييييييييت‪.‬‬
‫‪www.altafsir.com‬‬
‫‪-‬معا ني القرآن وإعرا به‪ ،‬الزجاج‪ ،‬دار الحد يث – القاهرة‪1424 ،‬‬
‫هي ‪ 2004-‬م‪.‬‬
‫‪-‬الجا مع لحكام القرآن‪ ،‬القر طبي‪ ،‬دار الحد يث – القاهرة‪ ،‬الطب عة‬
‫الثانية ‪ 1416‬ي ‪ 1996‬م‪.‬‬
‫‪-‬صيفوة التفاسيير ‪ ،‬د ‪ .‬محميد على الصيابوني ‪ ،‬دار الصيابوني –‬
‫القاهرة ‪.‬‬
‫‪ .9‬التفسير البياني للقرآن الكريم‪ ،‬بنت الشاطئ‪ ،‬دار المعارف بمصر‪ ،‬الجزء الثاني‪،‬‬
‫الطبعة الثانية‪.‬‬
‫‪.10‬الدلييل الكاميل ليات القرآن الكرييم ‪ ،‬د ‪ .‬حسيين محميد فهميي الشافعيي‪ ،‬المجلس‬
‫ية – أكتوبر ‪ 1972‬م حرف‬ ‫يلمية‪ ،‬رمضان ‪ 1392‬هجريي‬ ‫العلى للشئون السي‬
‫الواو‪.‬‬
‫‪.11‬الق سم في القرآن الكر يم ‪ ،‬د ‪ .‬شو قي ض يف‪ ،‬دار المعارف بالقاهرة سلسلة اقرأ‪،‬‬
‫‪.2001‬‬
‫‪.12‬معاجم اللغة التي استخدمت في البحث عديدة وهى ‪:‬‬
‫‪-‬لسييان العرب ميين موقييع الوراق على الشبكيية العالمييية (‬
‫‪.)www.alwaraq.com‬‬
‫‪-‬القاموس المحييط للفيروز ابادى ‪ ،‬الهيئة العامية للكتاب ‪1397 ،‬‬
‫هيي ‪1977 -‬م نسيخة مصيورة عين الطبعية الثالثية للمطبعية‬
‫الميرية عام ‪1301‬هي‬
‫‪-‬مختار الصيحاح للمام الرازي‪ ،‬دار التنويير العربيي‪– 1404،‬‬
‫‪1984‬م‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫‪-‬أساس البلغة للمام الزمخشرى ‪ ،‬دار التنوير العربي ‪– 1404‬‬
‫‪ ،1984‬بيروت ‪.‬‬
‫‪-‬المعجيم الوجييز ‪ /‬مجميع اللغية العربيية ‪ ،‬مصير ‪1410‬هيي ‪-‬‬
‫‪ 1990‬م ‪.‬‬
‫‪-‬الفروق اللغو ية‪ ،‬أ بو هلل الع سكري و ضع حواش يه وعلق عل يه‬
‫محميد باسيل عيون السيود‪ ،‬دار الكتيب العمليية‪ ،‬بيروت الطبعية‬
‫الولى ‪1417‬هي ‪ 1996-‬م في ‪ 4‬أجزاء‪.‬‬
‫‪-‬معجيم ألفاظ القرآن الكرييم ‪ ،‬مجميع اللغية العربيية مصير ‪1409‬‬
‫هي ‪1988-‬م‬
‫‪.13‬المع جم المفهرس للفاظ القرآن الكر يم‪ ،‬و ضع مح مد فؤاد ع بد البا قي‪ ،‬دار مطا بع‬
‫الشعيب ‪ /‬سلسة كتاب الشعيب مصير‪ .‬هذا المعجيم الق سم طبيع من دار الحدييث‪،‬‬
‫القاهرة ‪ 2001‬ميلدية‪.‬‬
‫‪.14‬العجاز البيانيي للقرآن ومسيائل بين الزرق‪ ،‬بنيت الشاطيئ‪ ،‬دار المعارف –‬
‫القاهرة‪ ،1987 ،‬المسألة رقم ‪ 66‬ص ‪.411‬‬
‫‪Descriptive Astronomy ", Fredrick berg, 1978, D.van No".15‬‬
‫‪.)strand company, New York )page: 226 – 232‬‬
‫‪.16‬موقيييييع وكالة الفضاء المريكيييييية " نازا " (‪)www.NASA.com‬‬
‫ثيم يكتيب فيي المكان المخصيص للبحيث " ‪ "SUPERNOVA‬ويلحيظ أن‬
‫المعلومات والمقالت التيي تكتبهيا " نازا " فيي موقعهيا تراجيع كيل فترة ‪ ،‬ولكين‬
‫الفكرة الساسية ل تتغير ‪.‬‬

‫‪78‬‬
Supernovae

CONTENT

NOVA

TYPE I Supernova

TYPE Ia Supernova

TYPE II Supernova

I would be surprised if you had not heard of a Supernova or Nova, but if not, here is all the
information you will ever need to know about the destructive forces of these hidden beasts.

NOVAE

Every few years most astronomers are aware of "new stars" that seem to appear out of
nowhere before fading into nothing again. These are called Novae. There have been a
couple of good examples in the last few years or so, including: Nova Cygni, Nova Aquila &
Nova Sagittarius. It's fair to say that most astronomers are aware that stars are not NEW
stars at all, but simply faint stars that for some reason had an increase in luminosity and
become visible to the naked eye. What I shall do here is briefly explain what happens during
the outburst of a nova, and it's cause.

Firstly, Novae only occur in binary star systems.... why? Well the cause of Novae is when a
normal main sequence star sheds matter onto it's white dwarf companion. This occurs due to
the large gravitational attraction of the small hot white dwarf. The surface of the normal main
sequence star is close to 95% Hydrogen, and so deposits almost pure Hydrogen gas onto the
white dwarf. The gas slowly gets peeled of the larger star and then begins to spiral faster and
faster toward the white dwarf before being deposited onto the surface. The speed at which
the gas is deposited is a major factor in determining how the layer is structured. This is
because the gas which is layered on the surface releases gravitational energy which heats
the white dwarf.

The quicker the gas is deposited onto the surface the hotter the star becomes. If the matter is
deposited slowly then the white dwarf surface remains cool enough for the surface of the star
)including the deposited material( to remain degenerate*. Over a long period of time
)hundreds or thousands of years( this hydrogen rich layer will increase dramatically in mass.
If the temperature at the base of the surface layer gets hot enough, the hydrogen rich layer
begins to fuse into helium. The energy of the fusion reactions do not depend on the
temperature of the gas if it is degenerate*. The heated Hydrogen increases the rate at which
it fuses, which raises the temperature even further and therefore increases the fusion rate
again. This effect is known as a thermonuclear runaway effect, and in a matter of hours it can
increase the luminosity of the white dwarf by a factor of one million. This is the cause of the
Novae outburst. The previously )but continual( accreted matter is blasted into space at
around 1,000 metres per sec. Over the following tens of thousands of years the white dwarf
will and cool, and repeatedly accrete matter from its binary partner.

The number of novae in a galaxy far out-weight the number of supernovae. About 50 a year
can be detected, although only about 2-3 of those are visible to the naked eye. For
comparison, no supernovae has been observed in the Milkyway since 1604.

79
)*electron degeneracy : When a gas becomes degenerate, the lowest electron energy levels
are filled, and the electrons are forced into higher and higher energy levels, filling the lowest
unoccupied states. The density of a degenerate gas is not temperature dependant(

Supernovae

A Supernova is simply a star that explodes. Like the events that shape a planetary nebula, a
supernova is the death of a star in a huge explosion. The energy released by supernovae is
much higher than that of any novae or planetary nebulae. A star will only become a
supernova if it is born with a mass greater than 5-8 times that of the sun, anything smaller will
simply become a planetary nebula.

The main types of supernovae are, type I, type Ia, and type II

Type I

A type I supernova is caused by the collapse of a white dwarf star left over from a planetary
nebula. A type I supernova can only occur in a binary star system. Although you may expect
both stars in a binary system to be the same age, a man called John Crawford proposed an
idea to the contrary. He proposed that the secondary star )the one about to become a white
dwarf( was in fact once a much more massive star, even bigger than the now seen primary
star in the system )which should be only a few hundred million years old - unlike the
secondary which should be many billions of years old(. The massive star completed it's
hydrogen burning phase and attempted to become a red supergiant )such as Betelgeuse &
Eta Carina(. As it grew, it found itself being distorted by the secondary )today's primary(
younger star. The once huge primary star starts to pour of material onto the secondary star
increasing it's mass to slowly become the primary. Over the course of a few million years the
two stars actually switch place. The now primary star will itself become a red giant in time
and start to pass it's material back onto the secondary )now white dwarf(. The higher gravity
of the white dwarf pulls more and more mass off the primary, gradually becoming more
dense. The stars mass will eventually increase above the Chandresekhar limit. This states
that when a white dwarf becomes more than 1.4 times the mass of the Sun, the laws of
Quantum mechanics prohibit the matter at the centre of the white dwarf from being any
denser. The star collapses in a catastrophic explosion called a type I Supernova. The white
dwarf star has now become a Neutron star )see below(.

Type Ia

The type Ia supernova is very similar to the standard nova which is described above. The
difference is the amount of energy released. The example of a nova above is described for a
slow deposition of hydrogen. The cause of a type Ia supernova is the same, but for a fast
deposition of hydrogen. In this circumstance, the rate at which the gas falls onto the surface
of the white dwarf is high enough for the surface temperature to increase so it cannot become
degenerate. Without degeneracy the thermonuclear runaway effect cannot occur. Without
this runaway effect the rate of fusion goes on at an almost steady rate. Without a runaway
effect and a steady rate of fusion, there is no surface explosion of gas, and so the white dwarf
becomes hotter, smaller, and gains more mass. Sooner or later the temperature at the
bottom of the newly deposited hydrogen layer reaches a temperature of 600 million oK, now
carbon starts to fuse into oxygen. In a less massive star, this increase in energy would
expand the size of the core, but, because the gas at the surface of the white dwarf is
degenerate, it only increases the temperature. Just as with the previous case, this then leads
to the runaway thermonuclear effect. Almost 100% of the gas as the centre of the star is
instantly changed by several nuclear reactions to form metals like Fe, Ni, and Co. At this time
the entire star becomes convective as huge amounts of energy are produced. As in a normal
convection system the cooler material absorbs the heat of a hotter material until equilibrium is
reached. In this case the extremely hot carbon rich gas is carried by convection currents into
the core of the white dwarf where it is rapidly consumed by fusion reactions. Because this
takes place in the core of the star, the energy produced tears the star apart leaving nothing
left. The remnants of the star are carried outward at speeds approaching 6,000 metres per

80
sec. The amount of energy released in a Type Ia supernova explosion in 1 second, is
equivalent to the entire energy the sun will produce in it's 10,000,000,000 year main
sequence.

Type II

A type II supernova is caused when a star with at least 8 times the mass of the sun becomes
a supergiant. The process of becoming a supernova through the fusion of elements in the
core, is the same for these massive stars as it is for smaller stars such as the sun. Having a
larger mass, the larger stars are able to continue the fusion phase past Helium, which is
normally the limit for sun type stars. This nuclear fusion is described in detail below.

• As the star begins to run out of hydrogen, the core cools and contracts as the
pressure decreases. As the core contracts further the temperature begins to increase
as the density increases. Once the temperature reaches 100 million degrees K, the
Helium core will begin to fuse into Carbon. Oxygen will also be produced via the
reaction:

4
He + 12C → 16O + γ → γ = gamma ray

At this stage Neon is also produced via the reaction......

4
He + 16O → 20Ne + γ

This stage lasts around 500,000 years.

• Once the core has depleted its helium content, the core now contains carbon and
oxygen. Yet again the core will begin to contract and heat up. Once the core reaches
500 million degrees K, the carbon and oxygen will begin fusing into Neon, Sodium,
and Magnesium via the reactions:

12
C + 12C → 20Ne + 4He

12
C + 12C → 23Na + p → p = proton

12
C + 12C → 23Mg + n → n = Neutron

This stage lasts around 600 years.

• Contraction occurs once again when the supply of carbon and oxygen has gone, and
the temperature of the core reaches 1 billion degrees K. The neon burning phase
directly produces oxygen through the destruction of Neon by high energy photons via
a process called photodisintegration:

γ + 20Ne → 16O + 4He

Magnesium is also produced through the interaction of helium nuclei with undisturbed Neon
via the reaction:

4
He + 20Ne → 24Mg + γ

This stage lasts around 1 year.

• Once the Neon has been depleted and temperatures reach 2 billion degrees K, the
oxygen and magnesium core now begin to produce Silicon through the fusion of
oxygen via the reaction:

81
16
O + 16O → 28Si + 4He

This stage lasts around 6 months.

• The final stage occurs when the core runs out of Oxygen, and begins to destroy
silicon via photodisintegration. This occurs when the temperature reaches 3 billion
degrees K. The nuclei of Silicon are very tightly bound and require huge energies to
break them apart. A photon energy of at least 1.3Mev is required. The break-up of
silicon produces Magnesium via the reaction:

γ + 28Si → 24Mg + 4He

The released Helium helps to create Sulphur via the reaction:

4
He + 28Si → 32S + γ

The sulphur then joins to Helium to create Argon via the reaction:

32
S + 4He → 36Ar + γ

This continues like so.....

36
Ar + 4He → 40Ca + γ

40
Ca + 4He → 44Ti + γ

44
Ti + 4He → 48Cr + γ

48
Cr + 4He → 52Fe + γ

52
Fe + 4He → 56Ni + γ

All these reactions proceed one after the other and are consumed in less than 1 day.

• At this point energy is absorbed from the gas and no more elements can be
produced. At this point the star resembles an onion, with several layers. The Iron
core is surrounded by shells containing Silicon, Oxygen, Neon, Carbon, Helium, and
Hydrogen at the surface. No energy can be released and so the internal pressure of
the core is lost and begins to contract. The contraction will continue until it reaches
the Chandrasekhar limit of 1.4Msun. At this point the core cannot be sustained by
internal pressure and begins to collapse. The core collapse speed is purely
dependant on the density of the core at the time of collapse. Given the enormous
density at the centre of a 25 solar mass star is around 1012kg m-3 )10 billion tonnes
per cubic meter(, the entire core can collapse from several thousand miles in
diameter to just a few miles across in 1millisecond )free fall speed(.

The core stops collapsing when it reaches a uniform density comparable to that of the nuclear
density.....the density of atomic nuclei. This is 2.3 x 1017 kg m-3 )230 trillion tonnes per cubic
meter(. Upon halting, the core will slightly rebound and send a violent shockwave through the
star. The shockwave tears apart the outer material of the star revealing the intensely hot and
bright core of the star, a neutron star. The outward explosion is the supernova type II.

Fact: The Iron in your blood and the calcium in your bones was produced over 5 billion years
ago in the core of a supergiant star in the same process as above. The outward flowing
material eventually collapsed to produced the sun and all the planets. If it were not for
supernovae, you and I would not be here.

82
It has been estimated that there is a supernova event of some sort every second in the
Universe. Unfortunately we have not witnessed one in our Galaxy since 1604.

The above image has been reversed to give a before and after view of a supernova in action.
Called SN1987a, a type II supernovae originally catalogued as Sanduleak -62o 202 was seen
to explode in mid 1987 in the southern hemisphere.

The images below were taken 4 years after the supernovae brightness peaked.

3.9m AAO telescope )pink dot(

83
The stunning view from HST 2.4m.

On a much larger scale you can see how supernovae

can easily outshine many billion stars

HST image of SN94D )type Ia( in NGC 4526. The supernovae is the bright star to the lower
left.

The most well known supernova remnant is probably M1, the crab nebula in the constellation
Taurus. Seen below is a photo of the remnant which was first recorded on the 4th July 1054
AD by Chinese Astronomers. This star was so bright it was visible in the middle of the day,
and at night could even cast shadows.

84
"...in the first year of the period Chih-Ho, the fifth moon, the day of Chi-ch'ou, a guest star
appeared approximately several inches south east of Tein-Kuan.....after more than a year it
gradually became invisible.....

The star actually exploded around 4,000 BC, and can still be seen in the images below taken
by the VLT and HST respectively.

The above image )right( shows the star to left of centre )indicated(. All the filaments, gas, and
dust seen above all went through the above process thousands of years ago.

Maybe one day the remnant will form new stars, and possibly even planets with life. If we
are alone in the universe, chances are that it will not be long before all that changes.

85

You might also like