Professional Documents
Culture Documents
الأمنية في إدراك النية
الأمنية في إدراك النية
أعلم ان جنس النية هو الرداة وهي صفة تقتضي التخصيص لذاتها عقل
شاهدا وغائبا كما يقتضي العلم الكشف لذاته عقل شاهدا وغائبا وترتب
الكشف عليه
والتخصيص على الرداة ليس بمعنى زائد أوجب له ذلك بل التخصيص
مع الرادة والكشف مع العلم نحو كون العشرة زوجا والخمسة فردا ليس
معلل بشيء
ثم إن هذه الرادة متنوعة الى العزم والهم والنية والشهوة والقصد
والختيار والقضاء والقدر والعناية والمشيئة فهي عشرة ألفاظ
ولنبحث الن هل هي ألفاظ مترادفة او متباينة أو بعضها كذلك والبعض
الخر من القسم الخر وما هو جائز على ال تعالى منها وما هو متعذر
فنقول :الذي يظهر من مباحث الفضلء وإشارات الدباء فيما ينقلونه عن
اللغة أن الرادة كما تقدم تفسيرها هي الصفة المخصصة لحد طرفي
الممكن بما هو جائز عليه من وجود أو عدم أو هيئة دون هيئة أو حالة
دون حالة أو زمان دون زمان وجميع ما يمكن أن يتصف الممكن به بدل
عن خلفة أو ضده أو نقيضه أو مثله غير أنها في المشاهد ل يجب لها
حصول مرادها وفي حق ال تعالى يجب لها ذلك لنها في الشاهد عرض
مخلوق ومصرف بالقدرة اللهية والمشيئة الربانية ومرادها وفي ميلحق
ال تعالى معنى ليس بعرض واجبة الوجود متعلقة لذاتها أزلية أبدية
واجبة النفوذ فيما تعلقت به
وأما العزم فهو الرادة الكائنة على وفق الداعية والداعية ميل يحصل في
النفس لما شعرت به من اشتمال المراد على مصلحة خالصة أو راجحة
1
أو درء مفسدة خالصة أو راجحه والميل جائز على الخلق ممتنع على ال
تعالى فل جرم ل يقال في حق ال تعالى عزم بمعنى اراد الرادة
الخاصة المصممة بل عزائم ال تعالى طلبة الراجح أي كلمه النفساني
فإذا قلنا إن ال تعالى يجب أن تؤتى رخصة كما يحب أن بؤتى عزائمه
فالمراد مطلوباته والطلب أحد أقسام الكلم ليس من الرادة في شيء
فالعزائم ليست من العزم الذي نريده بقولنا عزمنا على السفر أو على
القامة فظهر الفرق بين العزم والرادة وهو معنى قول بعض الفضلء
العزم إرادة فيها تصميم
من وأما الهم في مثل قوله تعالى ولقد همت به وهم بها وفي قوله
هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنه ومن هم بسيئه فلم يعملها لم تكتب
عليه فالظاهر أنه مرادف للعزم وأن معناهما واحدا ويستحيل على ال
تعالى كما استحال العزم
وأما النية فهي إرادة تتعلق بإمالة الفعل إلى بعض ما يقبله ل بنفس الفعل
من حيث هو فعل ففرق بين قصدنا لفعل الصلة وبين قصدنا لكون ذلك
قربة أو فرضا أو نفل أو أداء أو قضاء الى غير ذلك مما هو جائز على
الفعل بالرادة المتعلقة بأصل الكسب واليجاد وهي المسماة بالرادة من
جهة أن هذه الرادة مميلة للفعل الى بعض جهاته الجائزة عليه فتسمى
من هذا الوجه نية فصارت الرادة إذا اضيف إليها هذا العتبار صارت
نية
2
جهاته والصحيح انه ل يقتصر عليه وأن يؤخذ معنى أخص فنه وهو
إمالة الفعل الى جهة حكم شرعي يشمل الباحة فينوي إيقاع الفعل على
الوجه الذي أمر ال به ونهى عنه أو أباحه
ومنهم من يقول بل أخص من هذا وهو أن يميل الفعل الى جهة التقرب
والعبادة
وعلى التقديرين فيستحيل على ال معناها بخلف المعنى العام
وتفارق النية الرادة من وجه آخر وهو أن النية ل تتعلق إل بفعل الناوي
والرادة تتعلق بفعل الغير كما نريد مغفرة ال تعالى وإحسانه وليست من
فعلنا
وأما الشهوة فهي إرادة متعلقة براحات البشر كالملذ ورفع اللم ونحوها
فتستحيل على ال تعالى
وأما القصد فهو الرادة الكائنة بين جهتين كمن قصد الحج من مصر
وغيرها ومنه السفر القاصد أي في طريقة مستقيمة وبهذا المعنى يستحيل
على ال تعالى
وأما الختيار فهو الرادة الكائنة بين شيئين فصاعدا ومنه قوله تعالى
واختار موسى قومه سبعين رجل أي أرادهم دون غيرهم مضافا الى
اعتقاد رجحان المختار وهو جائز على ال تعالى قال ال تعالى ولقد
اخترناهم على علم على العالمين
وأما القضاء فهو الرادة المقرونه بالحكم الجبري فقضاء ال تعالى لزيد
بالسعادة أراد به سعادته مع إخباره بكلمه النفساني عن سعادته ومنه
قضاء الحاكم إذا أخبر عن حكم ال تعالى في تلك الواقعة واخبارا إنشائيا
ولذلك تعذر نقضه بخلف الفتيا وقد بسطته في كتاب القضية في
الذخيرة وبينت تحقيق الفرق بينه وبين الفتيا
وأما القدر فهو الرادة المتعلقه بما فيه مقدار من الجسام أو عدد من
العراض وهو جائز على ال تعالى
3
وموارد الستعمال تشهد لهذه المور مقصودة بأمرين
أحدهما أن الصل في الكلم الحقيقة مضافا الى أن الصل عدم الترادف
وبهذا التفسير هو جائز على ال تعالى غير أن اسماء ال تعالى توقيفية
فل يقال ل تعالى عان وان قيل مقدر ومريد
ووقع في ذلك بيني وبينهم بحث كبير وأطنبنا في كشف كتب اللغة فلم
نجد للمشيئة معنى إل الرادة فالظاهر الترادف وهي جائزة على ال
تعالى كالرادة
ول يفهم من قولي إن المعنى جائز على ال تعالى المكان الخاص وهو
جواز الوجود والعدم فإني لم أرده وإنما أريد بالجواز المكان العام وهو
كون المعنى غير ممتنع فيصدق على الواجب وهو المقصود فإن جميع
صفات ال تعالى واجبه له سبحانه
فهذه التعابير والتغايرات بين هذه المعاني العشرة يساعد عليها الستعمال
والصول الموجبة لعدم الترادف
فتلخص ان النية غير التسعة الباقية لما ذكر فيها من الخصوصية المتقدمة
وخصوصيات كل واحد من التسعة المفقودة في النية فيجزم الناظر
بالفرق حينئذ ول يضركون الستعمال قد يتوسع فيه فيستعمل وأراد
ومراده نوى أراد ومراده عزم أو قصد أو عنى فإنها متقاربه المعاني
حتى يكاد يجزم بينها بالترادف
4
وبهذا يظهر معنى قوله عليه السلم العمال بالنيات ولم يقل العمال
بالرادات والعنايات أو غير ذلك فإنه عليه السلم لم يرد إل الرادة
الخاصة المميلة للفعل الى جهة الحكام الشرعية كما تقدم في تفسير النية
وأما كونه عليه السلم قال العمال بالنيات ولم يقل الفعال ول اليثار
ول اليجاد فان الفرق واقع بين أثر وأوجد وخلق وفعل وعمل وصنع
وبرأ وذرأ وجعل وكسب فهذه عشرة ألفاظ
وفعل يظهر أنه مرادف لوجد وقيل معناه إذا أريد تعظيم المر قيل عمل
وأن اريد القتصار على تأثير الثر قيل فعل
وأما عمل فقيل معناه فعل فعل له شرف وظهور وكذلك فعل إذا أسند
ظهوره للحس ولذلك قال ال تعالى ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب
الفيل ألم تر كيف فعل ربك بعاد ولم يقل كيف عمل ربك لنه أثر فيه
عقاب وانتقام ل شرف وتعظيم
وقال ال تعالى مما عملت أيدينا أنعاما وأكثر ما ورد في القرآن الكريم
من ذكر أفعال الخير بلفظ عمل ل بلفظ الفعل فقال تعالى بما كنتم
تعملون فنعم أجر العاملين من عمل صالحا فلنفسه وهو كثير جدا
وأما صنع فيطلق على ما فيه قوة في اليجاد ولذلك يقال أرباب الصنائع
للحرف لحتياجها الى مزيد قوة والكائن عن الصنع أبدا يكون عظيما في
نفسه ولذلك قال ال تعالى صنع ال الذي أتقن كل شيء إشارة الى
عظمة تسيير الجبال وزوالها عن مواطنها ولذلك قال ال تعالى في الية
الخرى وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فدل ذلك على أن أزالة
5
الجبال عظيم في نفس المر وإن كانت القدرة القديمة نسبةالممكنات إليها
بنسبة واحدة
وأما برأ فهو يختص بإيجاد الجسام وقد يضاف إليه أنها من التراب
ومنه بريت القلم أي هيأته على صور مخصوصه
ومنه قوله تعالى أولئك هم خير البرية إن همز فمن البرء الذي هو
اليجاد الخاص أو لم يهمز فمن البراء المقصورة الذي هو التراب
وأما درأ فمعناه الدفع ومنه قوله تعالى ويدرأ عنها العذاب أي يدفع
فالخراج من العدم إلى الوجود كالدفع من حيز العدم إلى حيز الوجود
وأما جعل فله خمسة معان قال أبو علي الفارسي في اليضاح جعل
بمعنى فعل نحو قوله تعالى وجعل الظلمات والنور
وبمعنى صير نحو قوله تعالى وجعلنا الليل لباسا
وبمعنى سمى نحو قوله تعالى وجعلوا الملئكة الذين هم عباد الرحمن
إناثا أي سموهم إناثا لنهم لم يؤثروا في ذواتهم وبمعنى قارب نحو
قولنا جعل زيد يقول كذا أي قارب القول وشرع فيه وبمعنى ألقى نحو
قولك جعلت متاعك بعضه على بعض أي ألقيته
وأما كسب فمعناه إيجاد الفعل على نوع من التعاطي والمحاولة ولذلك
يقال النسان يكسب ول يقال ل تعالى يكسب قال ال تعالى فبما كسبت
أيديكم
وإذا تقررت هذه المعاني بناء على موارد الستعمال منصوصة بأن
الصل عدم الترادف فل يضر ورود بعضها مكان بعض في الصور
لتقاربها في المعاني
فإذا تعين أن العمل لما فيه شرف وظهور بخلف أصل الثر فإنه يسمى
فعل حسنا حينئذ أن يقال العمال بالنيات دون الفعال بالنيات لن التقدير
في خبر المبتدأ المحذوف العمال معتبرة بالنيات وإنما يراد اعتبارها إذا
كانت تصلح ل تعالى وليصلح له إل ما كان شريفا في نفسه فإذا أضيف
إليه النية صار يترتب عليه الثواب عند ال تعالى ويسمى المحرم عمل
وإن كان منهيا عنه مبعدا عند ال تعالى لنه عظيم في طوره ولذلك
تسمى المعاصي كبائر وعظائم لما حوى الفعل من معنى العظمة في
طوره خيرا أو شرا
6
ولذلك منع بعض العلماء من تناول الحديث الوضوء حيث استدل به على
وجوب النية في الوضؤ فقال ل أسلم أن الوضوء من العمال بل هو من
الفعال والحديث إنما ورد في العمال وتقديره أن الطهارة شرط ووسيلة
ل تقصد في نفسها فلم يصل شرف رتبة المقاصد فليس فيه من الظهور
والشرف ما في الصلة ونحوها فل نسلم اندراجه وهو منع مشهور من
قبل الحنفية في مسألة اشتراط النية في الطهارة فظهر حينئذ حقيقة النية
والعمل والفرق بينهما وبين أضدادهما والجواب عن السؤال وهو
المطلوب
7
وصحته وسقمه ومتى فارقته ذهبت حياته في مجاري العادات ومن
الممكن عقل أن تذهب الروح من الجسد ويبقى حيا كما تضع المرأة
جنينها وتبقى حية على حالها
فالنفس جسم لطيف حي شفاف في جسم حي كثيف فمفارقته كمفارقة
الجنين
وباعتبار كرنها محصلة للعلوم بالفكر تسمى عقل فصار لها ثلثة أسماء
باعتبار ثلثة أحوال والموصوف واحد وبهذا يتجه أنها في القلب
وإذا كانت النفس في القلب كانت النية والرادة وأنواع العلوم وجميع
أحوال النفس في القلب
8
فالول لتمييز ما ل تعالى عن ما ليس له فيصلح الفعل للتعظيم كالغسل
يقع تبردا وتنظيفا ويقع عبادة مأمور بها فإذا نوى تعين أنه ل تعالى فيقع
تعظيم العبد للرب بذلك الغسل ومع عدم النية ل يحصل التعظيم وكالصوم
يكون لعدم الغذاء ويكون للتقرب فإذا نوى حصل به التعظيم ل تعالى
ونظائره في الفعال كثيرة فقال ء ويكون للتقرب فإذا حصل به التعظيم
ل تعالى ونظائره في الفعال كثيرة فقال
2وأما الثاني فكالصلة تنقسم إلى فرض ومندوب فالفرض ينقسم إلى
مندوب وغير مندوب وغير المندوب ينقسم إلى الصلوات الخمس قضاء
وأداء والمندوب ينقسم إلى راتب كالعيدين والوتر وغير راتب كالنوافل
وكذلك القول في قربات المال والصوم والنسك فشرعت النية لتمييز هذه
الرتب ولجل هذه الحكمة تضاف صلة الكسوف والستسقاء والعيدين
إلى أسبابها لتمييز رتبها وكذلك تتعين إضافة الفرائض إلى أسبابها لتمييز
رتبها ل لن تلك السباب قرب في نفسها بخلف أسباب الكفارات ل
تضاف إليها في النوع الواحد لنها مستوية نحو كفارات الحنث في اليمين
إذا وقع واحدة منها ل تضيفها إلى سببها لن السباب مستوية بخلف
كفارة حنث وكفارة ظهارة وكفارة قتل تتعين فيها الضافة كما يتعين
التكفير عن تلك الجناية وتلك اليمين
وسوى أبو حنيفة بين الصلوات والكفارات في عدم الضافات إلى
السباب والفرق ما تقدم من استوائها
وأما الصلوات فكلها مختلفة حتى الظهر والعصر بقصر القراءة في
العصر وطولها في الظهر وهذه الحكمة قد اعتبرت في ست قواعد في
الشريعة فنذكرها ليتضح للفقيه الشريعه
1القاعدة الولى القربات التي ل لبس فيها لتحتاج إلى نية كاليمان بال
تعالى وتعظيمه وإجلله والخوف من عذابه والرجاء لثوابه والتوكل على
كرمه والحياء من جلله والمحبه لجماله والمهابة من سلطانه وكذلك
التسبيح والتهليل وقراءة القرآن وسائر الذكار فإنها متميزة لجنابه سبحانه
وتعالى وكذلك النية منصرفة إلى ال تعالى بصورتها فل جرم لم تفتقر
النية إلى نية أخرى ول حاجة للتعليل بأنها لو افتقرت لنية أخرى لزم
التسلسل وكذلك يثاب النسان على على نية منفردة وليثاب على الفعل
المنفرد لنصرافها بصورتها إلى ال تعالى والفعل متردد بين ما ل تعالى
وما لغيره
9
وأما كون النسان يثاب على نية واحدة وعلى الفعل عشرا إذا نوى فلن
الفعال هي المقاصد والنيات وسائل والوسائل أخفض رتبة من المقاصد
2القاعدة الثانية اللفاظ إذا كانت نصوصا في شيئ غير مترددة لم تحتج
إلى نية لنصرافها بصراحتها لمدلولها وإن كانت كناية أو مشتركة
مترددة افتقرت إلى نية
3القاعدة الثالثة المقاصد من العيان في العقود إذا كانت متعينة استغنت
عما يعينها كمن أستأجر بساطا وقدوما أو ثوبا أو عمامة لم يحتج إلى
تعيين المنفعة في العقد لنصراف هذه الشياء بصورتها إلى مقاصدها
وإن كانت العين مترددة بين منفعتين كالدابة للحمل والركوب والرض
للبناء والزراعة والغرس فيفتقر إلى التعيين
4القاعدة الرابعة النقود إذا كان بعضها غالبا لم يحتج إلى تعيينها في
العقد وإن لم يكن احتاج إلى التعيين
5القاعدة الخامسة الحقوق إذا تعينت لمستحقها كالدين المنفرد فانه يتعين
لربه بغير نية مثل حقوق ال تعالى إذا تعينت له كاليمان وما ذكرمعه
وان تردد بين دينين أحدهما برهن والخر بغير رهن فإن الدافع يفتقر في
تعيين المدفوع إلى النية والتصريح
6القاعدة السادسة التصرفات إذا كانت دائرة بين جهات شتى ل تنصرف
لحدها إل بنية كمن هو وصي على أيتام متعددة فاشترى سلعة لتتعين
لحدهم إل بالنية
ومتى كان التصرف تحدا انصرفت لجهة لتعينه كتصرفه لنفسه ولغيره
بالوكالة ول تنصرف للغير إل بالنية لن تصرف النسان لنفسه اغلب
فينصرف التصرف إليه والنية في هذه الصورة مقصودها التمييز
ومقصودها في العبادات التمييز والتقرب
سؤال هذا التقرير يشكل بالتيمم فإنه متميز بصورته ل تعالى فلم افتقر
إلى نية
جوابه أن التيمم خارج عن نمط العبادات فإنها كلها تعظيم وإجلل وليس
في مس التراب ومسحه بالوجه صورة تعظيم بل هو يشبه العبث واللعب
فاحتاج إلى نية ليخرج من حيز اللعب إلى حيز التقرب بنيته
تنبيه
10
والوضوء ونحوهما فزفر يقول في رمضان وأبو حنيفة يقول في الوضوء
أنهما متعينان بصورتهما ل تعالى وليس لهما رتب فل حاجة فيهما للنية
ومالك والشافعي رحمهما ال تعالى يقولن المساك في رمضان قد يكون
لعدم الغذاء والمفطرات والوضوء قد يكون للتعليم والتجديد على سبيل
الندب أو لرفع الحدث على سبيل الوجوب فاحتاجا إلى النية لتميز العبادة
عما ليس بعبادة وامتياز الفرض عن الندب في الوضوء
تنبيه
11
ليس من باب العتقادات والعلوم ول من باب الرادات والعزوم إنما هو
نوع مغاير لهما من أعراض القلوب
فظهر عدم التناقض بين هذه الثلثة وأن لفظ العتقاد والنية ليس على
ظاهرهما في الكلم النفساني
ومتى سمعت أن في الطلق بالنية قولين فاعلم أن المراد الطلق بالكلم
النفساني وإل فمن نوى طلق امرأته أو اعتقده أو عزم عليه ل يلزمه
طلق باتفاق وإنما الخلف إذا طلق بالكلم النفساني فاعلم ذلك وتفقد النية
في مواردها إذا ثبتت أو سلبت أو أختلف فيها وما المراد بتلك النية فقد
غلط فيها جمع كثير من الفقهاء ويمكنك أن تقول في الطلق بالنية قولن
وانعقد الجماع على عدم لزوم الطلق بالنية بناء على اختلف المعنى
في النية كما تقدم بيانه لتميز العبادة عما ليس بعبادة
الباب الخامس فيما يفتقر إلى النية الشرعية
والوامر قسمان
1قسم تكون صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته كأداء الديون
والودائع والغصوب ونفقات الزوجات والقارب فإن المصلحة المقصودة
من فعل هذه المور انتفاع أربابها بها وذلك ل يتوقف على النية من حهة
الفاعل فيخرج النسان عن عهدتها وأن لم ينوها
2والقسم الثاني الوامر التي ل تكون صورتها كافية في تحصيل
مصلحتها المقصودة منها كالصلوات والطهارات والصيام
12
والنسك فإن المقصود منها تعظيم الرب سبحانه وتعالى بفعلها والخضوع
له في إتيانها وذلك إنما يحصل إذا قصدت من أجله سبحانه وتعالى فإن
التعظيم بالفعل بدون قصد المعظم محال كمن صنع ضيافة لنسان فانتفع
بها غيره من غير قصد فإنا نجزم بأن المعظم بها الذي قصد بالكرامة
دون من انتفع بها من غير قصد
فهذا القسم هو الذي أمر فيه صاحب الشرع بالنية
وعلى هذه القاعدة يتخرج خلف العلماء في إيجاب النية في إزالة
النجاسة فمن إعتقد أن ال تعالى أوجب مجانبة الحدث والخبث حالة
الوقوف بين يديه تعظيما له فيكون من باب المأمورات التي ل تكفي
صورتها من تحصيل مصلحتها فتجب فيها النية
ومن إعتقد أن ال حرم ملبسة الخبث فتكون هذه من باب المنهيات فل
تفتقر إلى نية وهو الصحيح
والقسم الثاني الفعل ينقسم إلى ما يمكن أن يقع ل تعالى ولغيره وما ل
يمكن أن يقع إل ل تعالى وما ل يمكن أن يقع ل تعالى البتة فهذه ثلثة
فصول
الفصل الول في التصرف الذي يمكن أن يقع ل تعالى ولغيره
13
أو ليقع فيها مؤمن فل تزول عصمه دمه ول يخلد في النار ويجب
تعزيره وتفسيقه ول يثبت الشرع أحد هذين الحكمين إل بشرط أن ينوى
سببه
وها أنا أبسط من موارد النية في نظر الشرع ما يمهد لك هذا البحث في
عشرة انواع فهي مختلفة الحقائق متشابهة الحكام إن شاء ال تعالى
النوع الول ما اعتبر الشرع فيه النية لتميز المدلولت كالحالف أو الناذر
بلفظ مشترك فالشرع إنما يوجب الكفارة أو الوفاء فيما نواه دون غيره
النوع الثاني صرف اللفاظ عن حقائقها المدلولت إلى مجازاتها كالحالف
أو الناذر بلفظ عام أو مطلق وينوي به تخصيص ذلك العام أو تقييد ذلك
المطلق فالشرع إنما يعتبر المجاز المنوي دون الحقيقة المدلولة
النوع الثالث صرف اللفاظ إلى بعض ما يصلح له بالنية كألفاظ الكنايات
في الطلق والعتاق واليمان إلى بعض المحامل التي يصلح لها اللفظ في
ذلك الباب ول تترتب الحكام الشرعية إل على المنوي دون غيره
النوع الرابع صورة الذكاة في الحيوان المقدور عليه والعقر في الصيد
دائرة بين سبب التحريم الذي هو المينة وبين سبب الباحة الذي هو الذكاة
الشرعية
فإذا نوى الذكاة الشرعية تخصصت الصورة الواقعة بسبب الحل دون
سبب التحريم وان لم ينو شيئا ل يرتب الشرع الحل لعدم تعين سببه فإن
الشرع كما شرع الحكام شرع السباب وجعل لكل
مسبب معين حكما معينا فإذا دارت الحقيقة بين أسباب مختلفة تقتضي
التحليل والتحريم وغير ذلك من الحكام لم يرتب الشرع أحد الحكام
لعدم تعين سببه ويقع ها هنا في هذه الصورة التحريم لن القاعدة
الشرعية أن عدم سبب الباحة سبب التحريم وعدم سبب التحريم سبب
الباحة كما أن عدم السكار الذي هو سبب التحريم سبب الباحة وعدم
العقد في النساء الذي هو سبب الباحة سبب التحريم وعدم ها هنا سبب
الباحه وهو قصد الذكاة الشرعية فيثبت التحريم فما رتب الشرع التحريم
في هذه الصورة إل لوقوع سببه الذي هو عدم سبب الباحه على ما تقدم
النوع الخامس الذكاء الشرعية دائرة بين سبب أصل الحل في الكل وبين
سبب التقرب بالضحايا والهدايا وسبب براءة الذمة من هدى أو فدية أو
نذر حتى ينوي أحدها فيرتب الشرع عليه حكمه لتعيين سببه
6النوع السادس صورة دفع المال للمساكين دائرة بين سبب أصل
14
التقرب الذي هو صدقة التطوع وبين سبب براءة الذمة من الزكاة الواجبة
وبين سبب براءة الذمة من نذر واجب
وإن كان المدفوع مدا دار أيضا بين ذلك وبين البراءة من كفارة اليمين أو
الظهار أو جزاء الصيد أو كفارة إفساد الصوم فإذا نوى الدافع أحد هذه
السباب رتب الشرع عليه مسببه وإل فل يرتب شيئا إل الباحة بخلف
ذكاة الحيوان ترتب عند عدم النية التحريم
والفرق أن الشرع عين لباحة الحيوان سببا وهو قصد الذكاة الشرعية
وقد عدمت
وقد تقدم أن القاعدة المتفق عليها أن عدم الباحة علة التحريم وقد عدمت
فيترتب التحريم وسبب الباحة هنا المملك للمال
ومن ملك مال جاز له دفعه لمن شاء فسبب الباحة موجود عند عدم النية
فترتبت الباحة
وينبغي أن يفهم من هذه القاعدة المشار إليها أن علة الطهارة في العيان
عدم علة النجاسة فيها لن الطهارة والنجاسة حكمان شرعيان يفتقران إلى
سببين شرعيين وعلة النجاسة الستقذار فعدم الستقذار علة الطهارة
والنجاسة راجعة إلى تحريم الملبسة في الصلة والغذية والطهارة في
العين إباحة ملبستها في ذلك ما لم يمنع مانع
وقد بسطت هذا المبحث في أول كتاب الذخيرة سؤال وجوابا وتقريرا
7النوع السابع
دفع الدين للمستحق وعليه دينان أحدهما برهن والخر بغير رهن فإن
ذلك الدفع يصلح سببا لبراءة الذمة من دين الرهن ومن الدين الخر فإذا
نوى الدافع أحدهما رتب الشرع عليه براءة ذمته منه وإن كان المنوي
دين الرهن فله أخذ الرهن في نفس المر دون الحكم في القضاء
8النوع الثامن
صرف السبب لحد محامله الصالح لها كقوله عمرة طالق أو حرة وله
إمرأتان أو أمتان مسميتان بهذا السم فإن هذا اللفظ سبب صالح لتحريم
كل واحدة منهما أو لعتقهما فإذا نواها تعينت ومن ذلك معاقدة الوكيل ل
تصلح لفادة الملك له ولموكله ول ينصرف لموكله إل بنية لن الصل
والغالب معاقدة النسان لنفسه
9النوع التاسع
صورة الجلد سبب صالح لبراءة ذمة المام من إقامة الحد والتعزير ول
ينصرف لحدهما في حق من وجب عليه إل بالنية -النوع العاشر
15
الفعل المختلف فيه بالتحريم والباحة والوجوب إذ وقع من المقلد سبب
صالح للتأثيم إن قلد القائل بالتحريم وصالح لتحصيل ثواب الواجب ان قلد
القائل بالوجوب ول يترتب عليه أحد المرين إل بالنية إذا استويا في
الشهرة فإذا اشتهر أحدهما وكان الخر في غاية الخفاء أو دليله في غاية
الضعف تعين ما قوي دليله من غير نيه
وقد بسطت هذه المسألة في تنقيح الفصول في علم الصول في باب
الجتهاد
فهذه النواع السبعة الخيرة النية فيها لتمييز السباب وفي الثلثة الولى
لتمييز اللفاظ وأبواب النية كثيرة في الشريعة والمقتصر على هذا القدر
ففيه كفاية ا
تنبيه
على الجواب عن السؤال الثاني في صدر الكتاب وما يحتاجه الفقيه من
اليقظة في مثل هذا وغيره تنبيه
كون النية مميزة ليس ذلك سبب ورود الشرع به ذلك لها لذاتها وحقيقتها
كما أن جعل العلم كاشفا ليس بجعل الشرع له بل ذلك من قبل السرار
الربانية وإن كانت الحقائق إنما وجدت على خصائصها بالقدرة اللهية
وكما كانت النية متميزه بذاتها اعتبر الشرع ذلك التمييز في مواطن ولم
يعتبره في مواطن وتلك المواطن التي اعتبرها الشرع فيها عبادات وغير
عبادات فالتابع لدلة الشرع هو اعتبارها ل تمييزها فتأمل ذلك فهو حسن
الفصل الثاني فيما ل يمكن أن يقع من التصرف إل ل تعالى
16
وهو النظر الول الذي هو أول الواجبات عند البلوغ على الخلف هل
هو أول الوجبات أم ل وعلى جميع القوال يستحيل فيه أن يكون وقع
قربه ل تعالى ويقصد به التقرب
وها هنا ورد السؤال الثالث المذكور في أول الكتاب
فقيل كيف يتعذر التقرب به مع أن غاية الناظر ان يشك في أن له صانعا
أوجب عليه النظر أم ل وهل هذا النظر واجب عليه أم ل وإذا كان غايته
الشك والشك ل يمنع من قصد التقرب لوقوعه في الشريعة في عدة
مواضع بالجماع كمن شك هل صلى أم ل فإنه يصلي وينوي بتلك
الصلة الواقعة مع الشك في وجوبها وينويها قربة ل تعالى وكذلك من
نسى صلة يوم وليلة ل يدري عينها فإنه يصلي خمس صلوات وينوي
بها التقرب مع الشك في وجوب كل واحدة منها عليه وقد تقدم بسط هذا
في أول الكتاب
فعلم الشك ل ينافي التقرب فيكون ما أجمع عليه الناس من ان النظر
الول ل يمكن ان ينوي به التقرب باطل
والجواب ان ال تعالى شرع الحكام وشرع لكل حكم سببا وقد يكون
للسبب الواحد أحكام كثيرة كما أن للتقاء الختانين نحو الستين حكما
بسطتها في كتاب الذخيرة وقد يكون للحكم
الواحد عدة أسباب كإيجاب الوضوء بنحو عشرة أسباب وهل يوجد حكم
بل سبب
حصل للغزالي في المستصفى فيه تردد وإذا تقرر أن السباب مشروعة
فاعلم أنه من جملة ما شرع الشارع من السباب الشك فجعل الشرع
الشك سببا في صور
- 1أحدها قوله عليه السلم من شك في صلته فلم يدر أصلى ثلثا أو
أربعا جعلها ثلثا وأتى بركعة وسجد سجدتين
والقاعدة أن ترتيب الحكم على الوصف يدل على عليه ذلك الوصف لذلك
الحكم نحو من سها سجد ومن سرق قطع ومن زنى جلد
وها هنا رتب الشرع إيجاب الركعة المأتي بها بعد الشك والمر
بالسجدتين على الشك فيكون الشك هو سببها وأيضا ل يمكن أن نقول
السجود لجل الزيادة لنها غير معلومة ول مظنونه ول للنقصان لنه
غير معلوم ول مظنون لن التقدير وقوع الشك في العدد فتعين إضافة
السجود لسبب آخر غير الزيادة ولنقص وهو الشك فيكون الشك هو
المنصوب سببا للركعة والسجود
17
- 2وثانيها إذا شك في صلة من يوم وليلة أو تيقن نسيانها وشك في
عينها فإنه يجب عليه خمس صلوات
فنقول هذه الصلوات نصب الشرع لها أسبابا عامة وسببا خاصا أما
السباب العامة فهي أوقاتها من طلوع الفجر والزوال وآخر القامة
والغروب في الشمس والشفق والتبسب الخاص هو الشك ل يجب به على
جميع الناس إل على من عرض له الشك في أحدها والتسبت عليه فيجب
عليه بسبب الشك في واحدة منها جميعا فسببها الشك
- 3وثالثها أن يشك في أخته من الرضاع أو النسب مع أجنبيه أيتهما
أخته جعل الشرع الشك سببا لتحريمها عليه
- 4ورابعها من شك في ثوب نجس مع طاهر حرم عليه الصلة بهما
على الخلف في الصورتين ولكن متى قلنا بالمنع فقلنا السبب الشك وهو
المقصود ها هنا من أن الشرع نصب الشك سببا
- 5وخامسها إذا شك في ميتة مع مذكاة أيتهما المذكاة حرمتا عليه
بسبب الشك ونظائره كثيرة ل أطول بها
إذا تقرر أن الشرع نصب الشك من جملة السباب فالمتقرب في صورة
تلك الشكوك بالواقعة في الشريعة قاطع جازم بالوجوب عليه لنعقاد
الجماع في وجوب تلك العبادات عليه إن كان فيها إجماع وإن لم يكن
فيها إجماع بل دليل وأمارة وقد تقرر في أصول الفقه
ان الحكام الشرعية كلها معلومه بسبب انعقاد الجماع على أن كل
مجتهد إذا غلب على ظنه حكم فهو حكم ال تعالى في حقه وحق من قلده
إذا اتصف بسببه وان كان قاطعا بالوجوب عليه فنقول الشكوك الواقعه
في الشريعة التي وقع فيها التقرب الموجب فيها معلوم وهو ال تعالى
والموجب معلوم الوجوب وهو الفعل والسبب المقتضي للوجوب معلوم
وهو الشك ودليل الوجوب معلوم وهو الجماع فجميع الجهات معلومه
والشك ليس في شيء منها بل هو نفس السبب ل أنه شك في السبب
والفرق بينهما ضروري
وفي المسألة النظر الموجب مشكوك فيه عند المبتديء للنظر والموجب
الذي هو الفعل مشكوك في وجوبه وسبب الوجوب مشكوك في نصبه
وتعيينه ودليل الوجوب مشكوك في خصوصه فجميع الجهات مشكوك
فيها والتي وقعت في الشريعة جميعها معلوم فظهر الفرق العظيم وأمكن
القصد للتقرب الواقع في الشريعة دون النظر الول ولم ينعقد الجماع في
18
تعذر القصد بالتقرب في النظر الول إل على الصواب وهو المطلوب
فاندفع السؤال الثالث دفعا بينا
الباب السادس في شروط النية وهي ثلثة
- 1الشرط الول
ان تتعلق بمكتسب للناوي فإنها مخصصة وتخصيص غير المفعول
المكتسب للمخصص محال ولذلك امتنع نية النسان لفعل غيره لنه غير
مكتسب له
وأشكل على هذا الشرط نية المام للمامة فإن صلته حالة المامة
مساوية لصلته حالة النفراد فهذه النية ل بد لها من متعلق مكتسب ول
مكتسب فيشكل
وأجاب عنه بعض العلماء بأن النية يشترط فيها أن تتعلق بمكتسب للناوي
استقلل أو بما يكون تابعا للمكتسب وإن لم يكن مكتسبا كما يتعلق
بالوجوب في صلة الفرض والندب في صلة الضحى ونحو ذلك وليس
الوجوب والندب بمكتسبين للعبد فإن الحكام الشرعية واجبة الوجود
قديمة صفة ال تعالى وإنما حسن القصد إليها تبعا للقصد المكتسب فكذلك
المامة وإن لم تكن فعل زائدا على الصلة مكتسبا إل انها متعلقة
بمكتسب وتابعة له فأمكن القصد إليها تبعا كالفرض والنفل ونحوهما ومن
هذا الباب الضافة الى السباب في الصلوات والكفارات ونحوها وليست
مكتسبة وإنما المكتسب الفعل المرتب على السبب والسبب قد يكون
مكتسبا وقد ل يكون مكتسبا
وأما الضافة للسبب فنسبة وإضافة والنسب ل وجود لها في العيان
عند المحققين وما ل وجود له في الخارج فل يستحيل إيقاعه في الخارج
فل يكون مكتسبا مع أنه منوي
ومن هذا الباب ما تقدم من إضافة السباب الى بعض الحكام وإضافة
بعض اللفاظ الى بعض مدلولتها فإنها ليست بمكتسب بل المكتسب اللفظ
والسبب وأما الضافة المنوية فل
فهذه كلها نقوش على هذا الشرط وتندفع بأنها تبع لمكتسب
- 2الشرط الثاني أن يكون المنوي بها معلوما أو مظنون الوجوب فإن
المشكوك تكون النية فيه متردده فل ينعقد ولذلك ل يصح وضوء الكافر
ول غسله قبل اعتقاد السلم لنه عنده غير معلوم ول مظنون
19
وقد تقدم في الباب الخامس الجواب عما وقع في الشريعة من القصد
للتقرب بالمشكوك وأن الوجوب ثمة معلوم ل مشكوك
ووقع في المذهب فروع أخر
- 1أحدها لو شك في طهارته وقلنا ل يجب عليه الوضوء أو كان شكه
غير مستند الى سبب فتوضأ في الحالتين احتياطا ثم تيقن الحدث ففي
وجوب العادة عليه قولن وأما لو قلنا بوجوب الوضوء عليه فإنه معلوم
فل يرد
- 2ثانيها لو توضأ مجددا ثم تيقن الحدث فالجزاء للشهب وعدمه
لسحنون
2وثالثها لو أغفل لمعة من الغسله الولى وغسل الثانية بنية الفضيلة ففي
الجزاء قولن
- 3الشرط الثالث
أن تكون النية مقارنة للمنوي لن اول العبادات لو عرى عن النية لكان
أولها مترددا بين القربة وغيرها وآخر الصلة مبني على أولها وتبع له
بدليل ان اولها إذا نوى فرضا أو نفل أو قضاء أو أداء كان آخرها كذلك
وكذلك إذا كان أولها مترددا كان آخرها مترددا
هذا إن تأخرت النية فإن تقدمت على أولها ولم تقارن وقعت العبادة كلها
مترددة فإن ما ل يقارن الشيء ل يخصصه ول يميزه بدليل جميع
المشخصات كالجماد والنبات والحيوان وجميع الفعال
واستثنى من هذا الشرط الصوم للمشقة في المقارنة لتيان أول الصوم
حالة النوم غالبا والزكاة في الوكالة على إخراجها عونا على الخلص
ودفعا لخجل الفقير بالخذ فتقدم النية عند الوكالة ويتأخر الخراج المنوي
قال صاحب الطراز وجواز ابن القاسم تقدم النية عندمايأخذ في اسباب
الطهارة بذهابه للحمام والنهر بخلف الصلة وخالفه سحنون في الحمام
ووافقه في النهر لن النهر ل يؤتى غالبا إل لذلك بخلف الحمام فإنه
يؤتى للتنعم والنظافة فل تتميز العبادة فيه وقيل بعدم الجزاء في
الموضعين نظرا لتقدم النية
الباب السابع
20
فهذه نية فعليه ثم إذا ذهل عن النية حكم صاحب الشرع بأنه ناو ومتقرب
فهذه هي النية الحكمية أي حكم الشرع لصاحبها ببقاء حكمها ل أنها
موجوده وكذلك الخلص واليمان والكفر والنفاق والرياء وجميع هذا
النوع من أحوال القلوب إذا شرع فيها واتصف القلب بها كانت فعليه وإذا
ذهل عنها حكم صاحب الشرع ببقاء أحكامها لمن كان اتصف بها قبل
ذلك حتى لو مات النسان مغمورا بالمرض حكم صاحب الشرع له
بالسلم المتقدم بل بالولية أو الصفة كيفية وجميع المعارف المتقدمة
وإن لم يتلفظ بالشهادة عند الموت وعكسه حكم له بالكفر والنفاق وجميع
مساوي الخلق وإن كان ل يستحضر منها شيئا عند الموت ول يتصف
بها بل يوم القيامة المر كذلك ومنه قوله تعالى إنه من يأت ربه مجرما
فإن له جهنم ل يموت فيها ول يحيى مع أن أحدا ل يكون يوم القيامة
مجرما ول كافرا ول عاصيا لظهور الحقائق عند الموت وصار الحق
ضروريا ولم تبق العقول متمكنة من الجهالت لقوة الظهور بل معناه
يكون محكوما له بالجرام كما يحكم لغيره باليمان
واكتفى صاحب الشرع باليمان والخلص والنية الحكمية للمشقه في
استمرارها بالفعل قال سند لو عزل زكاته بعد وزنها للمساكين
ودفعها بعد ذلك لهم بغير نية أجزأه اكتفاء بالنية الحكمية ولم يشترط
الشرع واليمان الفعلي أول العبادات لصعوبة الجمع وأفردت النية دونه
لنها مستلزمة له من غير عكس ثم إن الكتفاء بالنية الحكمية بشرط عدم
المنافي ففي المدونة لو توضأ وبقيت رجله فخاض بهما نهرا ومسح بيده
رجليه في الماء ولم ينو بذلك غسل رجليه ل يجزيه غسل رجليه قال سند
يريد إذا قصد بذلك إزالة القشب دون الوضوء
وقال صاحب النكت معناه إذا ظن كمال وضوئه فرفض نيته أما لو بقي
على نيته والنهر قريب أجزأه
وقال سند النية الحكمية تتناول الفعل ما لم تتناوله النية الفعليه بخصوصه
لن الخاصة به أقوى كما لو قام لركعة وقصد بها خامسة وهي رابعة
فسدت الصلة أو صام في الصوم المتتابع يوما ينوي به النذر بطل
التتابع
وقال المازري رحمه ال تعالى تكفي النية الحكمية في العمل فلو نسي
عضوا وطال ذلك جدد النية لن الحكمية على خلف الصل فتختص
بالمتصل وكذلك من خلع خفيه وشرع في غسل رجليه
الباب الثامن
21
في أقسام المنوي واحكامه
المنوي من العبادة ضربان
- 1أحدهما مقصود في نفسه كالصلة
- 2والثاني مقصود لغيره وهو قسمان
- 1أحدهما مع كونه مقصودا للغير فهو أيضا مقصود في نفسه
كالوضوء فإنه نظافة مشتملة على المصلحة وهو مطلوب للصلة مكمل
لحسن هيئاتها في الوقوف بين يدي الرب تعالى على أحسن الهيئات
- 2والثاني مقصود لغيره فقط كالتيمم ويدل على ذلك أن الشرع أمر
بتجديد الوضوء دون التيمم والمقصود بالنية إنما هو تمييز المقصود
لنفسه لنه المهم فل جرم إذا نوى التيمم دون استباحة الصلة فقولن
للعلماء
- 1أحدهما ل يجزيء لكونه نوى ما ليس بمقصود في نفسه
- 2والثاني يجزيء لكونه عبادة والذي هو مقصود لنفسه ولغيرة يتخير
المكلف بين قصده له لكونه مقصودا في نفسه وبين قصده لمقصوده دونه
فالول كقصده الوضوء والثاني كقصده استباحة الصلة فإن نوى الصلة
أو شيئا ل يقدم عليه إل بارتفاع الحدث الذي هو الستباحة -صح ل
ستلزام هذه المور رفع الحدث وفي الفقه فروع كثيرة متعلقه بهذا البحث
من أرادها راجع الذخيرة
الباب التاسع
22
وهما ضدان
سؤال إذا كان الحدث منعا شرعيا والمنع حكم ال تعالى وحكمه قديم
واجب الوجود فكيف يتصور رفع واجب الوجود
وجوابه هذا السؤال عام في سائر الحكام المحكوم بتجددها عند السباب
كارتفاع التحريم في المرأة بعقد النكاح وارتفاع الباحة فيها بالطلق
وكذلك سائر الموارد الشرعية
والجواب عنه في الجميع أن الحكم مرتفع ومتجدد باعتبار تعلقه ل
باعتبار ذاته والتعلق عدمي يمكن ارتفاعه وإن كان قديما فإن القديم إنما
يستحيل رفعه إذا كان موجودا وإل فعدم العالم قديم وقد ارتفع
تنبيه
23
وهذه النظائر كثيرة في أبواب الفقه وإذا قيل لكثر الفقهاء ردها الى أحد
الحكام الخمسة عسر عليه وإذا فسرت له وجدت ظاهره ل ينكرها وليس
فيها صعوبة غير أن التفطن لذلك يعسر قبل ذكره فطالما سألت الفقهاء
عن الحدث والطهارة والنجاسه فل يجيبون فإذا بينتها لهم وجدوها سهله
فليكن لك بهذا التنبه يقظه على هذه المور في مواردها بحيث تجيب
عنها بسهوله وال تعالى هو الخالق لما يشاء من الخير في قلوب عباده
الباب العاشر
24
للواقع في الزمان الماضي وهو محال
فإن قلت المرتفع الحكام المترتبة على لفظ العقد ل على نفس العقد قلت
الحكام واقعة في الزمان الماضي قبل الرد بالعيب فإن كان رفع الواقع
محال فرفعها محال وإن لم يكن محال فل فرق بينهما وهو الجواب
- 2وثانيها قول الفقهاء إن قال لمرأته إن دخلت الدار آخر الشهر فأنت
طالق من أوله
قال جماعة من الفقهاء المالكية وغيرهم إنها إن دخلت آخر الشهر وقع
الطلق من أوله مع أن العصمة كانت واقعه من أوله الى آخره إجماعا
والواقع بالجماع إذا تحقق في الزمان الماضي قبل الدخول كيف يرتفع
بعد الدخول
- 3وثالثها قول الفقهاء إذا مات المقتول ورثت عنه ديته ويوقع الشرع
الملك قبل موته بالزمان الفرد ليصح التوريث لتعذر الملك بعد الموت وما
ل يملك قبل الموت ل يورث بعده فلذلك يتعين إثبات الملك قبل الموت
بالزمان المفرد وإل كان عدم الملك ثابتا بالجماع فإذا ثبت الملك قبل
الموت بالزمان نقضي برفع عدمه من ذلك الزمان من الكائن قبل الموت
بالزمان الفرد إن قضيت اجتماع الوجود مع العدم وهو اجتماع النقيضين
محال عقل فحينئذ أحد المرين لزم إما اجتماع النقيضين أو رفع الواقع
وكلهما محال عقل
- 4ورابعها قول الفقهاء إذا قال له أعتق عبدك عني فأعتقه عنه أجزأ
عن كفارته وثبت الولء للمعتق عنه بالزمن المفرد وأثبتنا الملك للمعتق
عنه قبل العتق عنه بالزمان الفرد حتى يترتب العتق عنه على ملكه
فيصح له الولء فيتعذر ثبوت الولء مع عدم الملك
فنقول عدم الملك كان ثابتا قبل العتق عنه في حقه إجماعا فإذا أثبتنا الملك
في ذلك الزمان نفينا أن يبقى معه عدم الملك في عين ذلك الزمن أو
نرفعه فإن نفيناه اجتمع النقيضان وإن لم ننفه ارتفع الواقع وهو محال
ويلزم أحد المرين المحالين كما تقدم في مسأله الدية - 4وخامسها قول
المالكية إن الردة تبطل الحج والطهارة والطلق الثلث الواقع قبلها
ويصير كالكافر الصلي لم يقع شيء منه من هذه الفعال لن الردة تجدد
عليه التكليف بحج آخر ول تجدد أمثال ما وقع في الزمان الماضي
بل قالوا الردة ليست مجددة للتكليف بل مبطله لما وقع ولو قالوا إن
الثابت في الزمان الماضي لم يتعين بل تجدد تكليف بالردة لم يرد
الشكال بل جعلوا الردة مبطلة لما وقع في الزمن الماضي حتى جوزوا
25
العقد على المبتوته بالطلق الثلث قبل زوج بناء على بطلن الطلق
الثلث ل بناء على أن المرتد أباح ال تعالى له العقد قبل زوج وجعله
أسعد حال من غير المرتد وحاشا ل أن يكون المرتد أسعد حال من
الباقي على الدين القويم وإن كان مراد الفقهاء البطال بالزمان الماضي
فنقول الصحة كانت حاصلة في الزمان الماضي إجماعا فالقضاء بعدها
إما أن يكون مع بقاء الصحة أم ل فإن كان مع بقاء الصحة اجتمع
النقيضان أول مع بقائها فقد ارتفع الواقع ويلزم أحد المرين المحالين كما
تقدم في الدية وغيرها
- 6وسادسها الصبي إذا زالت عليه الشمس وصلى الظهر مندوبة في
حقه ثم بلغ بعد ذلك ثبت الوجوب عليه مرتبا على الزوال ويلزم ان
يصلي الظهر مرة أخرى واجبة فهذا الوجوب إن أثبتناه مرتبا على ذلك
الزوال مع الندب الذي كان مرتبا عليه بالجماع اجتمع الضدان فإن
الحكام الشرعية الخمسة أضداد ل يجتمع منها اثنان وإن قضينا بارتفاع
الندب فقد رفعنا الواقع وأن أثبتناها بالنسبة الى التعلق فقد قلنا إن الزوال
يقتضي صلتين وهو خلف الجماع فيلزم أحد أمور ثلثة محالة وهي
أما اجتماع الضدين أو ارتفاع الواقع أو خلف الجماع
- 7وسابعها المرأة إذا زالت عليها الشمس ثم حاضت آخر الوقت وقد
بقي مقدار عشر ركعات فإن الصلتين يسقطان عنها وقد أنعقد الجماع
قبل طرو الحيض على الوجوب عليها فعدم الوجوب في آخر الوقت إن
كان مع بقاء الواجب المقضي به أول الوقت فيجب عليها القضاء لذلك
الواجب الذي لم تفعله ولم تصل به حيث قلنا بالسقوط وإن كان ل مع
بقاء ذلك الواجب فقد رفعنا ما قضينا بثبوته قبل الحيض وهو رفع الواقع
بعد وقوعه في الزمان الماضي
- 8وثامنها إذا طهرت آخر الوقت قضينا بوجوب الصلة عليها مع أنا
كنا قضينا بعدمها أول الوقت اعتبارا للمانع الذي هو الحيض فإن الحيض
وكل مانع سبب للعدم كما أن كل سبب يقتضي الثبوت فقضاؤنا بالثبوت
إن كان مع بقاء ذلك العدم فقد اجتمع النقيضان وإن كان ل مع بقاء ذلك
العدم فقد قضينا برفعه فيلزم رفع الواقع ورفع الواقع محال سواء أكان
عدما أو ثبوتا فإن عدمنا نحن في زمن الطوفان يستحيل الن رفعه لكونه
واقعا في الزمان الماضي
- 9وتاسعها المسافر اذا قدم آخر الوقت زاد في فرضه ركعتان القضاء
بعدهما لما تقدم وإذا سافر به آخر الوقت سقط من فرضه ركعتان بعد
26
القضاء بثبوتهما وكذلك بقية أرباب العذار وال أعلم
- 10وعاشرها إذا حلف بالطلق أو غيره على أنه ليشربن خمرا أو
ليغسلن محرما قال أصحابنا يحنث عقب حلفه لن المعدوم شرعا
كالمعدوم حسا فهو كما حلف ليقومن اليوم فلم يقم فإن تجرأ وفعل المحرم
لم يلزمه طلق ول كفارة ول شيء مما كان يلزمه مما حلف به فنفرض
أنا أفتيناه بالحنث ولزم الطلق فاعتدت امرأته وتزوجت وولدت أولدا ثم
فعل الحالف ذلك المحرم فإنا نقضي ببره بناء على ظاهر النقل عن
المذهب وتحل له امرأته بغير عقد جديد
فهذا الحل اللحق إن أثبتنا معه الحرمة السابقه والحل للزواج فقد اجتمع
الضدان الحل والحرمة وإن رفعنا الحرمة السابقة فقد رفعنا الحكم بعد
وقوعه ويلزمنا أن نقضي بتحريم وطء الزوج الثاني وأنه لم يكن مباحا له
العقد عليها ويتجه القول في الحد والولد هل تم شبهة تسقط الحد وتلحق
النسب أم ل فإنه إذا فعل بقيت العصمة عند الصحاب لم يتشعب منها
شيء وصحت البتة ومقتضى هذا الحد وسقوط النسب ومصتضى ما
أفتيناه بإباحة العقد عليها عدم الحد ولحوق النسب فتبقى هذه المسألة
مشكلة من وجوه من جهة رفع الواقع وغيره وهذه المسائل كثيرة ولو
استقرأناها لطالت ولنقتصر على هذا القدر منها
وينبغي أن تعلم أنه ليس منها الفسوخ في العقود لن الفسخ ل يرفع واقعا
في نفس المر بل تحقق الواقع وهو ان العقد كان ل يفيد الملك في نفس
المر ففسخنا إياه بمعنى أنا أمرنا كل واحد من المتعاقدين أن يرد ما اخذه
الى الخر فإن كان لم يقبض شيئا منعناه من القبض
وليس منها إل قلة لنها بيع إل في ثلث مسائل المرابحة وبيع الطعام
قبل قبضه والشفعة فهي حيث كانت بيعا كبيع النسان ما له بعد أن
اشتراه ليس فيه رفع الواقع بل تجديد أمر لم يكن في تلك
المسائل هي كالفسخ أو عديمة الثر البته على ما قرر من تلك المسائل
الثلث في مواطنها
وليس منها عقود المحجور عليهم لنها كانت موقوفه ولم نقض فيها قبل
الرد بل قضينا قبل الرد بأنها تستحق الرد إن رآه من له الرد وقد رآه فما
ارتفع واقع
وليس منها توريث الجنين لنا قضينا له بالرث بعد التوقف الى حين
ظهور حياته فانتهى التوقف نفسه لحصول الغاية فلم يرتفع واقعا
وليس منها تقديم الزكاة في الفطر والمال لن المقدم منها قضينا بعدم
27
وجوبه قبل كمال الحول ورؤية هلل الفطر فلو حال الحول ورأى الهلل
قلنا أجزأ ذلك الذي لم يكن واجبا عما في الذمة من الواجب رخصة
وتوسعة لنا عقلنا معنى الزكاة وهي أن المراد بها شكر نعم ال تعالى
على الغنياء وسد خلة الفقراء والمقصود ان حاصلن بالمال المتقدم
بخلف الصلة فإنا لم نعقل معناها فلم نتصرف فيها بإيقاعها قبل الزوال
وغيره من أوقاتها وإن كنا قد أهملنا ما في الزكاة من شائبة التعبد
الموجودة في مقادير نصبها وتحديد الواجب فيها ونحو ذلك فلم يجيزوا
فيها كثرة التقديم بل بالشهر ونحوه وفي الفطر باليوم والثلثة ونظير
براءة الذمه مما ليس بواجب الطهارة والسترة واجبتان على المكلف
للصلة والوجوب إنما يتعلق بفعله ولو قدم ذلك الفعل قبل الوقت فتوضأ
واستتر ثم دخل الوقت أجزأ المتقدم من فعله عن تجديد فعل بعد دخول
الوقت ول يقال الستدامة كالبتداء في المذهب
فإنا نقول إنما ذلك في اليمان لنها أسباب للزوم الكفارة والسبب ل
يشترط ان يكون فعل للمكلف كالزوال وغيره من السباب والطهارة
والسترة واجبتان والواجب ل بد ان يكون فعل للمكلف
فإن قلت المعنى بأنهما واجبان أن حصولهما شرط والشرط ل يشترط فيه
أن يكون فعل للمكلف كدوران الحول في الزكاة
قلت هذا كلم حسن غير أن ظاهر كلم الصحاب مصرح بالوجوب
وليس أيضا من رفع الواقع نقضي القضية حيث نقضناها لنها كالنسوخ
في العقود الباطلة فإنا إنما ننقض ما لم يستجمع للشرائط في نفس المر
وليس منها النصراني إذا عتق ثم دخل دار الحرب وقاتل ثم غنمناه فإنا
نسترقه وليس رفعا للحرية السابقة بل تجدد بسبب آخر اقتضى رقه فهو
كالطلق بعد الزواج والزواج بعد الطلق في المرأة الواحدة أحكام تتجدد
لتجدد أسبابها ول يبطل ما تقدم وليس من هذا الباب أيضا إزالة الملك
عن الرض بعد زوال الحكام أو عن الماء إذا أريق في النهر بعد حوزه
أو عن الصيد إذا توحش فطال هجانه بعد أصطياده أو عن الحوت إذا
رجع للنهر فإنا لم نقض ببطلن الملك السابقة بل جددنا إباحة لتجدد
سببها فهو كعود التحريم في الجنبيه بالطلق
وإنما البحث بيننا وبين المخالف لنا في أن الطاريء هل هو سبب يقتضي
الباحة العامة أم ل فنحن نقول به وهو ل يرى ذلك
وبالجمله فضابط مسائل الرفع إذا أردت استقراءها وتحقيقها هو أن يكون
سبب له حكم شرعي فيترتب عليه ذلك الحكم ثم ترتب عليه غيره بعد أن
28
ترتب الول إل أنك ترتب حكما آخر على سبب آخر من حين طرو
الثاني ول تعطفه على ما قبله أما متى عطفته على ما قبله من المسائل
التي فيها رفع الواقع فيندرج في البحث سؤال وجوابا
ولنقتصر على هذا القدر من التنبيه ونشرع في الجواب عن تلك العشرة
مع المسائل المذكورة في المسألة فنقول
قاعدة مشهورة في الشريعة وهي قاعدة التقديرين فيعطى الموجود حكم
المعدوم والمعدوم حكم الموجود
أما إعطاء المعدوم حكم الموجود فله في الشرع مسائل كثيرة
- 1منها إيمان الصبيان وكذلك البالغون حالة الغفلة من اليمان وكفر
أطفال الكفار وبالغيهم حالى غفلتهم عن الكفر وعدالة العدول حالة الغفله
وكذلك الفسوق في الفساق والخلص في المخلصين والرياء في المرائين
إذا تلبسوا بذلك ثم غفلوا عنه فمن مات منهم على شيء من هذه
التقديرات بغته فهو عند ال تعالى كذلك ول تخرجه للغفلة عن حكمه
ومن ذلك النيات في العبادات وقد تقدمت
وكذلك العلم في العلماء والفقه في الفقهاء والعداوة في العداء والصداقة
في الصدقاء والحسد في الحساد حالة الغفله عن جميع ذلك فائدة قوله
تعالى ومن شر حاسد إذا حسد إنما قيد بقوله إذا حسد إشارة الى الحسد
الفعلي فإن الحكمي الذي هو الحسد المقدر ل يضر المحسود وإنما يضر
الحسد الفعلي فلذلك قيد بقوله إذا حسد
- 2ومن التقدير في إعطاء المعدوم حكم الموجود أن المدلس بالسرقة
في العبد إذا قطع العبد في السرقة عند المشتري يقدر القطع عند البائع
ويكون له الرد بغير شيء أو دنس بالرده فقتل عند المشتري بالردة يقدر
القتل في يد البائع
- 3ومن ذلك الذمم إنما هي تقديرات شرعية في النسان تقبل اللزام
واللتزام والحقوق في الذمم مقدرات فيقدر الذهب والفضة والطعام في
السلم وغيره والعروض في الذمم وهي أجسام ل يتصور
كونها في الذمم حقيقة بل تكون معدومه من الوجود كله بالضروره كمن
أسلم في فاكهة ل توجد إل في الصيف أو زهر كالورد ونحوه ويقع العقد
في الشتاء فيقدر ذلك كله في الذمة
وتقدر التقديرين في عروض التجارة للزكاة وتقدر الملك في المملوكات
وكذلك الرق والحرية والزوجية وهو كثير جدا حتى ل يكاد يخلو باب من
أبواب الفقه منه فتأمله تجده
29
وأما إعطاء الموجود حكم المعدوم فكالماء مع المسافر وهو يحتاجه
لعطشه أو عطش غيره فإنه كالمعدوم فيتيمم
وكذلك من معه نصاب حال عليه الحول وهو يحتاجه وهو يحتاجه لقضاء
دينه بقدر معدوما ول زكاة عليه وكذلك وجود الرقبة عند المكفر مع
حاجته الضرورية إليها وكذلك من عنده نصاب يحتاجه لضرورته وهو ل
يكفيه نقدره كالمعدوم ونعطيه الزكاه كالفقير الذي ل شيء له وكذلك
صاحب السلس والجراحات السائلة يقدر ما وجد من الحداث والخباث
في حقه معدوما وتصح صلته كأنه عدم الماء في حقه ويقع في التقدير
إعطاء المتقدم حكم المتأخر والمتأخر حكم المتقدم فأما إعطاء المتأخر
حكم المتقدم كمن رمى سهما أو حجرا ثم مات فأصاب بعد موته شيئا
فأفسده فإنه يلزمه ضمانة ويقدر الفساد وقع متقدما في حياته وكذلك لو
حفر بئرا فوقع فيها شيء فهلك بعد موته
وأما إعطاء المتقدم حكم المتأخر فكتقديم النية في الصوم أو في الطهارة
على الخلف في الطهارة فتقدر متأخرة مقارنة ويكون المقدم لينته بمنزله
المؤخر لها لنه الصل وكذلك مقدم الزكاة في الفطر والمال يقدر
الخراج وقع بعد الحول أو رؤية الهلل يترتب الحكم
على السبب الذي هو الهلل أو المشروط على شرطه الذي هو الحول
وأعلم انه متى وقع البيع دينا بدين أو عينا بعين اشتمل على التقدير في
الذمة ول يخرج البيع عن التقدير إل في بيع المعاطاة ول بد في الجارة
من التقدير إن قوبلت منفعة بمنفعة فكلهما مقدر لو تعين وكانت المنافع
مقدرة
وكذلك السلم ل بد فيه من التقدير في الجهتين أو في المسلم فيه فقط إن
كان الثمن مبينا
والوكالة منافع الوكيل فيها مقدرة وكذلك القراض والمساقاة منافع العامل
المعاقد عليها مقدرة في ذمتهم وكذلك القرض في ذمة المقترض وكذلك
المزارعة والجعالة
والوقف تمليك المعدوم فهو تقديري والرهن يقع في الديون المعدومة وقد
يكون دينا في نفسه وتقع الوصية بالدين للموجود والمعدوم والمقدر
وجوده والعواري تتناول المنافع المعدومه المقدرة في العيان وحفظ
الوديعة مطلوب حالة اليداع فهو تبع لمعدوم مقدر حتى يصح ورود
الشرع عليه
وعقد النكاح إنما يتناول معدوما مقدرا في الزوجة وفي الزوج من الوطء
30
والعشرة والصداق والنفقة والكسوة ول يخرج عن التقدير إل الصداق
المعين
والكفالة التزام معدوم والحوالة بيع معدوم بمعدوم والصلح بيع أو إجارة
فيدخله التقدير والبراء إنما يتناول المقدر في الذمم
والعجب ممن يعتقد أن المعارضة على المعدوم على خلف الصل مع
أن الشريعة طافحة به في مواردها أو مصادرها حتى ل يكاد يعرى عنه
باب كما قد رأيت بل الوامر والنواهي والدعية والشروط ومشروطاتها
في التعليقات والوعود والوعيدات وانواع التمني والترجي والباحات كلها
ل تتعلق إل بالمعدوم فتأمل ذلك حق تأمله تجد فيه
فقها كثيرا ينتفع به في محاولة الفقه واتساع النظر ودفع الشكالت عن
القواعد والفروع
وإنما أكثرت من مثل التقدير لني رأيت الفقهاء الفضلء إذا قيل لهم ما
مثل إعطاء الموجود حكم المعدوم أو المعدوم حكم الموجود صعب عليهم
تمثيل ذلك وإن مثلوا فعساهم يجدون المثال أو المثالين فاردت أن يتسع
للفقيه هذا الباب ويسهل عليه
إذا تقررت هذه القاعدة وهي التقديرات الشرعية فنقول الجواب عن الول
وهو رفض النية أنا لم نقل ارتفع ما كان تقدم من النية الحكمية بل
قدرناها معدومة وهي موجودة في نفس المر بل الشرع ألغاها كما ألغى
حكم السلس وغيره كما تقدم في المثل فما ارتفع ورقع ول لزم محال
غير أنه يبقى النظر في ذلك الدليل الذي يدل على هذا التقدير هل هو
صحيح أم ل
ذلك مما يبحث في الففه في مواطنه
وأما ها هنا فالمقصود بيان قول الفقهاء بالرفض ما معناه وأنه ممكن ل
مستحيل
2والجواب عن الثاني وهو الول من العشرة أن معنى قولنا في الرد
بالعيب أنه رفع للعقد من أصله أي يقدر كالمعدوم وإن كان موجودا
فيعطي حكم المعدوم ومقتضى هذا أن ترد الغلت للبائع ول يبقى أثر من
الثار
لكن الصحاب لم يقولوا بذلك ول إخاله قول أحد من العلماء بل إنما قدره
الصحاب كالمعدوم من أصله في أمور خاصة فقالوا إذا صرح بالرد
فهلك المبيع قبل وصوله ليد البائع ففي ضمانه من البائع أو المبتاع أقوال
ثالثها من البائع إن حكم به حاكم وإل فمن المبتاع
31
قال الشيخ أبو الطاهر منشأ الخلف هل الرد نقض للعقد من أصله فيكون
الضمان من البائع كأنه لم يخرج عنه أو من حينه فل يتحقق النقض إل
بوصوله إليه ونحو هذا
وأما التعميم في جملة الثار فلم يقولوا به لن التقدير على خلف الصل
فيقتصر به على مورد الدليل وقيامة ول عجب أن يقدر الشيء معدوما
بالنسبة الى بعض آثاره دون بعض أل ترى الخارج على وجه السلس ل
يوجب الوضوء وإذا وقع على ثوب إنسان نجسه اتفاقا بخلف ما لو
صلى صاحب السلس بإنسان ففيه خلف فقد قدر معدوما بالنسبة الى
بعض آثاره دون بعض
- 3والجواب عن الثالث وهو الثاني من العشرة أنها إذا دخلت آخر
الشهر تحقق الشرط وترتب عليه شروطه بصفاته ومن صفات ذلك
الشروط أن يتقدم من أول الشهر ويقدر اجتماعه مع الباحة المتقدمة
فالباحة مقطوع بوجودها م أول الشهر الى آخره ويقدر لهذا السبب
الطاريء وهو دخول الدار مسبب على النحو الذي اقتضاه التعليق جمعا
بين السببين السابق الذي هو عقد النكاح المقتضي للباحة واللحق الذي
هو دخول الدار الذي جعل سببا بالتعليق بمسببه الموصوف بالتقدم ولذلك
لم يلزم تقديم المشروط الذي هو الطلق على شرطة الذي هو دخول
الدار بل الطلق بوصف التقدم هو المجموع متأخر في الترتيب عن
دخول الدار ومن اتسع عقله العتبارات العقليه والشرعيه لم يشكل عليه
من هذا المكان وأشباهه
ونظيره لو قال زيد لعمرو غفر ال لك ذنوبك لسنة ماضية فقال له عمرو
أنا أكافئك على دعائك هذا بأفضل منه غفر ال لك ذنوبك بجملة عمرك
فهذا الدعاء الثاني مكافأة للول فهو متأخر عنه من حيث إنه مكافأة ومن
حيث الوقوع فإن عمرا إنما نطق بالدعاء بعد زيد ومع ذلك فمقتضاه
متقدم على مقتضى الول لن جملة العمر يتقدم أوله على السنة الخيرة
التي دعا فيها زيد ولم يحصل في ذلك تناقض لكونه متأخرا متقدما
وبالجملة ل بد في هذه المور من جودة الذهن وإل فل ينفع التأنيس
بكثرة النظائر بل تشكل النظائر كما أشكل النظر
-والجواب عن الرابع وهو الثالث من العشرة ان الملك إنما يثبت تقديرا
للمعدوم في حكم الموجود لضرورة التوريث فالمعدوم ارتفع بل قدر
الموجود معه المقدر ل يناقض العدم المحقق لن معنى التقدير أن هذا
العدم عند الشرع كالوجود ترتب حكم الموجود عليه وللشرع أن يرتب
32
حكمه على ما شاء فيرتب حكم الموجود على المعدوم ويرتب حكم
المعدوم على الموجود أو ل يجعله مرتبا البتة فإن ربط الحكام بالسباب
ليس لزما عقل عندنا خلفا للمعتزلة بل الجائز العقلي قابل لجميع ما
ذكرته - 5والجواب عن الخامس أن الملك للمعتق عنه مقدر ومعناه ان
الشرع صير ذلك العدم المتقدم كالملك المحقق فل تناقض ول نقض برفع
واقع
- 6والجواب عن السادس الذي هو الخامس من العشرة ان الردة سبب
رتب الشرع عليها تقديرا شرعيا وهو إعطاء الموجود حكم المعدوم
بإعطاء العبادات وتلك التصرفات المتقدمة الموجوده قبل الردة حكم
المعدوم بأن جعل حكم هذا المرتد حكم من لم يفعلها
- 7والجواب عن السابع أن الزوال يقتضي صلتين باعتبار حالتين
فيقتضي الظهر مندوبة باعتبار حالة عدم البلوغ واجبة باعتبار حالة
البلوغ كما يقتضيها مقصورة باعتبار حالة السفر وتامة باعتبار حالة
القامة باعتبار شخصين وباعتبار كل شخص فإن هذا حكم ال تعالى في
حقه أن الزوال يوجب عليه كل واحدة من الصلتين باعتبار حالين وإنما
ذكر هذا القول الشافعيه أن الشرع لم ينصب الزوال إل سببا لصلة
واحدة فثبت ان الزوال قد يقتضي صلتين باعتبار حالتين وها هنا الزوال
يقتضي الظهر الواجبة إذا اتصل به شرط البلوغ إجماعا فلما تحقق شرط
إيجاب الزوال للظهر قدرنا اليجاب مرتبا على سببه متقدما بعد أن كان
متأخرا كما يتعذر للملك في بيع الخيار بعد مضي المدة متقدما مرتبا على
عقد البيع
ثم إنا نقول للشافعية الذين يدعون أن الزوال ل يكون سببا لصلتين في
جميع الصور أو فيما عدا صورة النزاع الول مصادرة على صورة
النزاع ونحن نمنع صدق الكلية ل ندراج صورة النزاع فيها والثاني مسلم
لكن لم قلتم إن صورة النزاع كذلك
ثم إن الفرق أنه أهل للندبية قبل البلوغ فتثبت الندبية في حقه وشابه
المغمى عليه إذا أفاق بعد الزوال في حصول شرط اليجاب بعد تقدم
سببه فترتب اليجاب في حقه أيضا عمل بهذا السبب
وأما المغمى عليه ونحوه فلم تكن له أهلية الندبيه قبل الفاقة والبالغ
المستكمل للشروط عند الزوال ترتب اليجاب عليه أبدا لجل استجماعه
فصار الصبي دائرا بين قاعدتين فمتى الحقوه بإحداهما فرقنا بشبهه
الخرى
33
- 8والجواب عن الثامن الذي هو السابع من العشرة أن المرأة إذا
حاضت آخر الوقت قدر لها عدم الوجوب قبل الحيض مرتبا على الزوال
ل أن الزوال سبب لبراءة الذمة فقط حتى ل تجب الصلة لنها لو
طهرت في آخر الوقت قفدرنا الوجوب متقدما مرتبا على الزوال فسوينا
في المسألتين ملحظة آخر الوقت ل أنه يفوت السبب ولنا قاعدتان
- 1إحداهما أن أوقات الصلة أسباب لها ي
- 2القاعدة الثانية أن المسببات إنما تنتقل للذمم عند ذهاب أسبابها لن
الزكاة ما دام النصاب فيها موجودا ل تنتقل الزكاة للذمة بالضمان بل إذا
عدم النصاب ضمن بشرط التفريط وإنما يفني الوقت ويعدم بذهاب آخره
لن السبب ليس مجموعه كالنصاب بل القدر المشترك بين أجزائة الذي
هو يسع مقدار الصلة وكل مشترك ما دام فرد منه باقيا فهو باق فل
جرم ل يعدم الوقت إل بعدم جميع أجزائه والنصاب يعدم بعدم أحد
أجزائه لن الحكم فيه مضاف للمجموع المشترك بين أفراد الدنانير فتعين
حينئذ أن الصلة ل تترتب في الذمة قضاء إل عند عدم جميع أجزاء
الزمان
34
محققا كما تقدم في النظائر فأولى جواز تقدير النقيض مع النقيض المقدر
وعلى هذا التقدير ينبغي أن ترد له زوجته ويسقط الحد عن الزوج الثاني
لن وطنه كان مباحا إباحة تقديريه ويترتب على عقده جميع آثار العقد
الكامل ويعود الزوج الول وتكون معه كغير الحالف البتة
هذا مقتضى الفقه ولم أر هذا التفريع منقول ول ما يمنعه فتأمله بقواعد
الفقه وقوانين الشرع فقد ظهر حينئذ معنى قول الفقهاء في رفض النية
وفي نظائرها وحصل التنبيه على تخريج الجميع على قاعدة واحدة وهي
قاعدة التقديرات هي قاعدة أجمع العلماء عليها وإذا خرجت الفروع
الكثيرة على قاعدة واحدة فهو أولى من تخريج كل فرع بمعنى يخصه
لنه أضبط للفقيه وأنول للعقل وأفضل في رتبه الفقه وليكن هذا شأنك في
تخريج الفقه فهو أولى بمن علت همته في القواعد الشرعيه
35