You are on page 1of 35

‫المنية في إدراك النية‬

‫تأليف‪ :‬أحمد بن إدريس المالكي القرافي‬


‫كتاب يبحث في قضية إسلمية مهمة وهي قضية النية‪ ،‬حيث بحث المصنف في حقيقة النية‪،‬‬
‫ومحلها‪ ،‬وإيجابها في الشرع وتنبيهات في ذلك‪ ،‬ولم قال النبي صلى ال عليه وسلم إنما العمال‬
‫بالنيات ولم يقل إنما العمال بالرادات‪ ،‬ولم وجبت النية في الذبائح وهي ليست من العبادات‪،‬‬
‫وأمور أخرى في هذا الموضوع‬

‫الباب الول‪ :‬في حقيقة النية‬

‫أعلم ان جنس النية هو الرداة وهي صفة تقتضي التخصيص لذاتها عقل‬
‫شاهدا وغائبا كما يقتضي العلم الكشف لذاته عقل شاهدا وغائبا وترتب‬
‫الكشف عليه‬
‫والتخصيص على الرداة ليس بمعنى زائد أوجب له ذلك بل التخصيص‬
‫مع الرادة والكشف مع العلم نحو كون العشرة زوجا والخمسة فردا ليس‬
‫معلل بشيء‬

‫ثم إن هذه الرادة متنوعة الى العزم والهم والنية والشهوة والقصد‬
‫والختيار والقضاء والقدر والعناية والمشيئة فهي عشرة ألفاظ‬
‫ولنبحث الن هل هي ألفاظ مترادفة او متباينة أو بعضها كذلك والبعض‬
‫الخر من القسم الخر وما هو جائز على ال تعالى منها وما هو متعذر‬
‫فنقول‪ :‬الذي يظهر من مباحث الفضلء وإشارات الدباء فيما ينقلونه عن‬
‫اللغة أن الرادة كما تقدم تفسيرها هي الصفة المخصصة لحد طرفي‬
‫الممكن بما هو جائز عليه من وجود أو عدم أو هيئة دون هيئة أو حالة‬
‫دون حالة أو زمان دون زمان وجميع ما يمكن أن يتصف الممكن به بدل‬
‫عن خلفة أو ضده أو نقيضه أو مثله غير أنها في المشاهد ل يجب لها‬
‫حصول مرادها وفي حق ال تعالى يجب لها ذلك لنها في الشاهد عرض‬
‫مخلوق ومصرف بالقدرة اللهية والمشيئة الربانية ومرادها وفي ميلحق‬
‫ال تعالى معنى ليس بعرض واجبة الوجود متعلقة لذاتها أزلية أبدية‬
‫واجبة النفوذ فيما تعلقت به‬

‫وأما العزم فهو الرادة الكائنة على وفق الداعية والداعية ميل يحصل في‬
‫النفس لما شعرت به من اشتمال المراد على مصلحة خالصة أو راجحة‬

‫‪1‬‬
‫أو درء مفسدة خالصة أو راجحه والميل جائز على الخلق ممتنع على ال‬
‫تعالى فل جرم ل يقال في حق ال تعالى عزم بمعنى اراد الرادة‬
‫الخاصة المصممة بل عزائم ال تعالى طلبة الراجح أي كلمه النفساني‬
‫فإذا قلنا إن ال تعالى يجب أن تؤتى رخصة كما يحب أن بؤتى عزائمه‬
‫فالمراد مطلوباته والطلب أحد أقسام الكلم ليس من الرادة في شيء‬
‫فالعزائم ليست من العزم الذي نريده بقولنا عزمنا على السفر أو على‬
‫القامة فظهر الفرق بين العزم والرادة وهو معنى قول بعض الفضلء‬
‫العزم إرادة فيها تصميم‬
‫من‬ ‫وأما الهم في مثل قوله تعالى ولقد همت به وهم بها وفي قوله‬
‫هم بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنه ومن هم بسيئه فلم يعملها لم تكتب‬
‫عليه فالظاهر أنه مرادف للعزم وأن معناهما واحدا ويستحيل على ال‬
‫تعالى كما استحال العزم‬

‫وأما النية فهي إرادة تتعلق بإمالة الفعل إلى بعض ما يقبله ل بنفس الفعل‬
‫من حيث هو فعل ففرق بين قصدنا لفعل الصلة وبين قصدنا لكون ذلك‬
‫قربة أو فرضا أو نفل أو أداء أو قضاء الى غير ذلك مما هو جائز على‬
‫الفعل بالرادة المتعلقة بأصل الكسب واليجاد وهي المسماة بالرادة من‬
‫جهة أن هذه الرادة مميلة للفعل الى بعض جهاته الجائزة عليه فتسمى‬
‫من هذا الوجه نية فصارت الرادة إذا اضيف إليها هذا العتبار صارت‬
‫نية‬

‫وهذا العتبار هو تمييز الفعل عن بعض رتبه وتمييز الفعل عن بعض‬


‫رتبه جائز على ال تعالى فإنه سبحانه وتعالى قدير يريد بالفعل الواحد‬
‫نفع قوم وضرر قوم وضلل قوم الى غير ذلك مما هو جائز على فعله‬
‫تعالى كما قال جل عله قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين ل‬
‫يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى فجعل نفس إنزال القرآن القديم‬
‫هدى لقوم وضلل لخرين وهو فعل واحد والكل بإرادته تعالى ومشيئته‬
‫وكذلك نعمه على خلقه قد تكون فتنة لخرين ونقمة عليهم وقد تكون نعمة‬
‫لخرين بالتعاظ وغيره من النعم والكل بإرادته تعالى‬

‫غير أن أسماء ال تعالى توقيفية فل يسمى ال تعالى ناويا ويسمى مريدا‬


‫هذا إن اقتصر على العتبار العام وهو مطلق إمالة الفعل الى بعض‬

‫‪2‬‬
‫جهاته والصحيح انه ل يقتصر عليه وأن يؤخذ معنى أخص فنه وهو‬
‫إمالة الفعل الى جهة حكم شرعي يشمل الباحة فينوي إيقاع الفعل على‬
‫الوجه الذي أمر ال به ونهى عنه أو أباحه‬
‫ومنهم من يقول بل أخص من هذا وهو أن يميل الفعل الى جهة التقرب‬
‫والعبادة‬
‫وعلى التقديرين فيستحيل على ال معناها بخلف المعنى العام‬
‫وتفارق النية الرادة من وجه آخر وهو أن النية ل تتعلق إل بفعل الناوي‬
‫والرادة تتعلق بفعل الغير كما نريد مغفرة ال تعالى وإحسانه وليست من‬
‫فعلنا‬
‫وأما الشهوة فهي إرادة متعلقة براحات البشر كالملذ ورفع اللم ونحوها‬
‫فتستحيل على ال تعالى‬

‫وأما القصد فهو الرادة الكائنة بين جهتين كمن قصد الحج من مصر‬
‫وغيرها ومنه السفر القاصد أي في طريقة مستقيمة وبهذا المعنى يستحيل‬
‫على ال تعالى‬
‫وأما الختيار فهو الرادة الكائنة بين شيئين فصاعدا ومنه قوله تعالى‬
‫واختار موسى قومه سبعين رجل أي أرادهم دون غيرهم مضافا الى‬
‫اعتقاد رجحان المختار وهو جائز على ال تعالى قال ال تعالى ولقد‬
‫اخترناهم على علم على العالمين‬
‫وأما القضاء فهو الرادة المقرونه بالحكم الجبري فقضاء ال تعالى لزيد‬
‫بالسعادة أراد به سعادته مع إخباره بكلمه النفساني عن سعادته ومنه‬
‫قضاء الحاكم إذا أخبر عن حكم ال تعالى في تلك الواقعة واخبارا إنشائيا‬
‫ولذلك تعذر نقضه بخلف الفتيا وقد بسطته في كتاب القضية في‬
‫الذخيرة وبينت تحقيق الفرق بينه وبين الفتيا‬

‫وأما القدر فهو الرادة المتعلقه بما فيه مقدار من الجسام أو عدد من‬
‫العراض وهو جائز على ال تعالى‬

‫وأما العناية فهي الرادة المتعلقة بالشيء على نوع من الحصر‬


‫والتخصيص ولذلك قالت العرب إياك أعني وأسمعي يا جارة أي أخصك‬
‫دون غيرك ولم يقل إياك أريد ويقولون ما يعني بكلمه أي ما يخص به‬
‫من المعاني التي يحتملها دون غيرها‬

‫‪3‬‬
‫وموارد الستعمال تشهد لهذه المور مقصودة بأمرين‬
‫أحدهما أن الصل في الكلم الحقيقة مضافا الى أن الصل عدم الترادف‬
‫وبهذا التفسير هو جائز على ال تعالى غير أن اسماء ال تعالى توقيفية‬
‫فل يقال ل تعالى عان وان قيل مقدر ومريد‬

‫وأما المشيئة فالظاهر انها مرادفه للرادة وقال الحنفية هي مباينة‬


‫وجعلوها مشتقه من الشيء والشيء اسم لموجود حتى قالوا اذا قال‬
‫الحالف ان شئت دخول الدار فعبدي حر فأراد الدخول للدار ل يعتق عبده‬
‫حتى يدخل الدار ول يكفي ارادة دخول الدار حتى يدخلها بناء على ان‬
‫المشيئة مشتقه من الشيء‬

‫ووقع في ذلك بيني وبينهم بحث كبير وأطنبنا في كشف كتب اللغة فلم‬
‫نجد للمشيئة معنى إل الرادة فالظاهر الترادف وهي جائزة على ال‬
‫تعالى كالرادة‬

‫ول يفهم من قولي إن المعنى جائز على ال تعالى المكان الخاص وهو‬
‫جواز الوجود والعدم فإني لم أرده وإنما أريد بالجواز المكان العام وهو‬
‫كون المعنى غير ممتنع فيصدق على الواجب وهو المقصود فإن جميع‬
‫صفات ال تعالى واجبه له سبحانه‬

‫فهذه التعابير والتغايرات بين هذه المعاني العشرة يساعد عليها الستعمال‬
‫والصول الموجبة لعدم الترادف‬

‫فتلخص ان النية غير التسعة الباقية لما ذكر فيها من الخصوصية المتقدمة‬
‫وخصوصيات كل واحد من التسعة المفقودة في النية فيجزم الناظر‬
‫بالفرق حينئذ ول يضركون الستعمال قد يتوسع فيه فيستعمل وأراد‬
‫ومراده نوى أراد ومراده عزم أو قصد أو عنى فإنها متقاربه المعاني‬
‫حتى يكاد يجزم بينها بالترادف‬

‫غير أن زين الدين بن مصطفى من المغاربة والقاضي شمس الدين‬


‫الحوفي وجماعة من علماء العراق تعرضوا للفرق بينهما وهو أولى من‬
‫الترادف تكثير الفوائد اللغوية‬

‫‪4‬‬
‫وبهذا يظهر معنى قوله عليه السلم العمال بالنيات ولم يقل العمال‬
‫بالرادات والعنايات أو غير ذلك فإنه عليه السلم لم يرد إل الرادة‬
‫الخاصة المميلة للفعل الى جهة الحكام الشرعية كما تقدم في تفسير النية‬
‫وأما كونه عليه السلم قال العمال بالنيات ولم يقل الفعال ول اليثار‬
‫ول اليجاد فان الفرق واقع بين أثر وأوجد وخلق وفعل وعمل وصنع‬
‫وبرأ وذرأ وجعل وكسب فهذه عشرة ألفاظ‬

‫والفرق بينها أن أثر يصلح لليجاد والعدام‬


‫وأوجد خاص باليجاد وخلق له معنيان ‪ -‬أحدهما قدر وهو المراد بقوله‬
‫تعالى الخالق البارئ المصور ‪ - 2‬والثاني أوجد قال بعض الفضلء‬
‫والمثال الجامع ان الشقة اذا قدمت للخياط وأعتبرها قبل القطع فقال تكون‬
‫قميصين فهذا تقدير فإذا فصلها فهذا أثر فإذا خاطها فهو تصوير فخلق ال‬
‫تعالى علمه وقدره في الشياء قبل وجودها وإيجاد أبعاضها بردها‬
‫وتكميل خلقها‬

‫وفعل يظهر أنه مرادف لوجد وقيل معناه إذا أريد تعظيم المر قيل عمل‬
‫وأن اريد القتصار على تأثير الثر قيل فعل‬

‫وأما عمل فقيل معناه فعل فعل له شرف وظهور وكذلك فعل إذا أسند‬
‫ظهوره للحس ولذلك قال ال تعالى ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب‬
‫الفيل ألم تر كيف فعل ربك بعاد ولم يقل كيف عمل ربك لنه أثر فيه‬
‫عقاب وانتقام ل شرف وتعظيم‬
‫وقال ال تعالى مما عملت أيدينا أنعاما وأكثر ما ورد في القرآن الكريم‬
‫من ذكر أفعال الخير بلفظ عمل ل بلفظ الفعل فقال تعالى بما كنتم‬
‫تعملون فنعم أجر العاملين من عمل صالحا فلنفسه وهو كثير جدا‬

‫وأما صنع فيطلق على ما فيه قوة في اليجاد ولذلك يقال أرباب الصنائع‬
‫للحرف لحتياجها الى مزيد قوة والكائن عن الصنع أبدا يكون عظيما في‬
‫نفسه ولذلك قال ال تعالى صنع ال الذي أتقن كل شيء إشارة الى‬
‫عظمة تسيير الجبال وزوالها عن مواطنها ولذلك قال ال تعالى في الية‬
‫الخرى وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال فدل ذلك على أن أزالة‬

‫‪5‬‬
‫الجبال عظيم في نفس المر وإن كانت القدرة القديمة نسبةالممكنات إليها‬
‫بنسبة واحدة‬

‫وأما برأ فهو يختص بإيجاد الجسام وقد يضاف إليه أنها من التراب‬
‫ومنه بريت القلم أي هيأته على صور مخصوصه‬
‫ومنه قوله تعالى أولئك هم خير البرية إن همز فمن البرء الذي هو‬
‫اليجاد الخاص أو لم يهمز فمن البراء المقصورة الذي هو التراب‬

‫وأما درأ فمعناه الدفع ومنه قوله تعالى ويدرأ عنها العذاب أي يدفع‬
‫فالخراج من العدم إلى الوجود كالدفع من حيز العدم إلى حيز الوجود‬
‫وأما جعل فله خمسة معان قال أبو علي الفارسي في اليضاح جعل‬
‫بمعنى فعل نحو قوله تعالى وجعل الظلمات والنور‬
‫وبمعنى صير نحو قوله تعالى وجعلنا الليل لباسا‬
‫وبمعنى سمى نحو قوله تعالى وجعلوا الملئكة الذين هم عباد الرحمن‬
‫إناثا أي سموهم إناثا لنهم لم يؤثروا في ذواتهم وبمعنى قارب نحو‬
‫قولنا جعل زيد يقول كذا أي قارب القول وشرع فيه وبمعنى ألقى نحو‬
‫قولك جعلت متاعك بعضه على بعض أي ألقيته‬
‫وأما كسب فمعناه إيجاد الفعل على نوع من التعاطي والمحاولة ولذلك‬
‫يقال النسان يكسب ول يقال ل تعالى يكسب قال ال تعالى فبما كسبت‬
‫أيديكم‬
‫وإذا تقررت هذه المعاني بناء على موارد الستعمال منصوصة بأن‬
‫الصل عدم الترادف فل يضر ورود بعضها مكان بعض في الصور‬
‫لتقاربها في المعاني‬
‫فإذا تعين أن العمل لما فيه شرف وظهور بخلف أصل الثر فإنه يسمى‬
‫فعل حسنا حينئذ أن يقال العمال بالنيات دون الفعال بالنيات لن التقدير‬
‫في خبر المبتدأ المحذوف العمال معتبرة بالنيات وإنما يراد اعتبارها إذا‬
‫كانت تصلح ل تعالى وليصلح له إل ما كان شريفا في نفسه فإذا أضيف‬
‫إليه النية صار يترتب عليه الثواب عند ال تعالى ويسمى المحرم عمل‬
‫وإن كان منهيا عنه مبعدا عند ال تعالى لنه عظيم في طوره ولذلك‬
‫تسمى المعاصي كبائر وعظائم لما حوى الفعل من معنى العظمة في‬
‫طوره خيرا أو شرا‬

‫‪6‬‬
‫ولذلك منع بعض العلماء من تناول الحديث الوضوء حيث استدل به على‬
‫وجوب النية في الوضؤ فقال ل أسلم أن الوضوء من العمال بل هو من‬
‫الفعال والحديث إنما ورد في العمال وتقديره أن الطهارة شرط ووسيلة‬
‫ل تقصد في نفسها فلم يصل شرف رتبة المقاصد فليس فيه من الظهور‬
‫والشرف ما في الصلة ونحوها فل نسلم اندراجه وهو منع مشهور من‬
‫قبل الحنفية في مسألة اشتراط النية في الطهارة فظهر حينئذ حقيقة النية‬
‫والعمل والفرق بينهما وبين أضدادهما والجواب عن السؤال وهو‬
‫المطلوب‬

‫الباب الثاني في محل النية‬

‫اعلم أن النية هي نوع من الرادة كما تقدم والرادة وأنواعها والعلم‬


‫والظن والشك والخوف والرجاء وجميع ما ينسب إلى القلب من العمال‬
‫هو قائم بالنفس قال المازري في شرح التلقين أكثر الفقهاء وأقل الفلسفة‬
‫على أن العقل في القلب وأقل الفقهاء واكثر الفلسفة على أنه في الدماغ‬
‫محتجين بأنه إذا أصاب الدماغ آفة فسد العقل وبطلت العلوم والنظار‬
‫والفكر وأحوال النفس‬
‫وأجيب بأن استقامة الدماغ لعلها شرط والشيءقد يفسد لفساد محله وقد‬
‫يفسد لفساد شرطه ومع الحتمال فل جزم بل النصوص واردة بأن ذلك‬
‫في القلب كقوله تعالى أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلوب يعقلون‬
‫بها إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أولئك كتب في قلوبهم‬
‫اليمان أفمن شرح ال صدره للسلم ولم يذكر الدماغ قط في هذه‬
‫المواضع فدل على أن محل العقل القلب ل الدماغ‬
‫وجعل ال تعالى في مجاري عادته استقامة الدماغ شرطا في حصول‬
‫أحوال العقل والقلب على وجه الستقامة‬
‫وإذا تقرر أن العقل في القلب يلزم على أصولنا أن النفس في القلب لن‬
‫جميع ما ينسب إلى العقل من الفكر والعلوم وغير ذلك إنما هي صفات‬
‫النفس فتكون النفس في القلب عمل بظواهر النصوص‬
‫وقد قال بعض العلماء إن النفس هي الروح وهي العقل فتسمى نفسا‬
‫باعتبار ميلها إلى الملذ والشهوات‬
‫وروحا باعتبار تعلقها بالجسد تعلق التدبير بإذن ال تعالى في غذائه‬

‫‪7‬‬
‫وصحته وسقمه ومتى فارقته ذهبت حياته في مجاري العادات ومن‬
‫الممكن عقل أن تذهب الروح من الجسد ويبقى حيا كما تضع المرأة‬
‫جنينها وتبقى حية على حالها‬
‫فالنفس جسم لطيف حي شفاف في جسم حي كثيف فمفارقته كمفارقة‬
‫الجنين‬
‫وباعتبار كرنها محصلة للعلوم بالفكر تسمى عقل فصار لها ثلثة أسماء‬
‫باعتبار ثلثة أحوال والموصوف واحد وبهذا يتجه أنها في القلب‬
‫وإذا كانت النفس في القلب كانت النية والرادة وأنواع العلوم وجميع‬
‫أحوال النفس في القلب‬

‫الباب الثالث ‪:‬في اعتبارها شرعا‬

‫وهو قوله تعالى وما أمروا إل ليعبدوا ال مخلصين له الدين‬


‫والخلص هو إرادة تمييل الفعل إلى جهة ال تعالى وحده خالصا‬
‫والقصد المتعلق بتمييل الفعل إلى جهة ال تعالى هو النية كما تقدم في‬
‫بيان حقيقة النية وصيغة الحصر التي في الية تقتضي أن ما ليس بمنوي‬
‫ليس مأمورا به وما ليس مأمورا به ل يكون عبادة ول تبرأ الذمة من‬
‫المأمور به وهو المطلوب‬
‫إنما العمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى‬ ‫وفي مسلم قال‬
‫وتقديره العمال معتبرة بالنيات لن الخبار مع المجرورات محذوفة‬
‫فتقدر ويكون المجرور متعلقا بها وأحسن ما قدر الخبر ها هنا بهذه الية‬
‫لنه جامع بين الشرع والنحو فيكون ما ليس بمنوي غير معتبر وهو‬
‫المطلوب‬
‫وهذا الحديث يتناول جميع ما يسمى عمل لعموم اللف واللم ويبقى‬
‫النزاع فيما يسمى فعل كما تقدم مع الحنفية‬
‫العمال‬ ‫وقد تقدم في الباب الول الجواب عن السؤال الثاني لم قال‬
‫بالنيات ولم يقل الفعال بالنيات‬

‫الباب الرابع في حكمه أيجاب النية في الشرع‬

‫وحكمة إيجابها تمييز العبادات عن العادات أو تمييز مراتب العبادات‬

‫‪8‬‬
‫فالول لتمييز ما ل تعالى عن ما ليس له فيصلح الفعل للتعظيم كالغسل‬
‫يقع تبردا وتنظيفا ويقع عبادة مأمور بها فإذا نوى تعين أنه ل تعالى فيقع‬
‫تعظيم العبد للرب بذلك الغسل ومع عدم النية ل يحصل التعظيم وكالصوم‬
‫يكون لعدم الغذاء ويكون للتقرب فإذا نوى حصل به التعظيم ل تعالى‬
‫ونظائره في الفعال كثيرة فقال ء ويكون للتقرب فإذا حصل به التعظيم‬
‫ل تعالى ونظائره في الفعال كثيرة فقال‬
‫‪ 2‬وأما الثاني فكالصلة تنقسم إلى فرض ومندوب فالفرض ينقسم إلى‬
‫مندوب وغير مندوب وغير المندوب ينقسم إلى الصلوات الخمس قضاء‬
‫وأداء والمندوب ينقسم إلى راتب كالعيدين والوتر وغير راتب كالنوافل‬
‫وكذلك القول في قربات المال والصوم والنسك فشرعت النية لتمييز هذه‬
‫الرتب ولجل هذه الحكمة تضاف صلة الكسوف والستسقاء والعيدين‬
‫إلى أسبابها لتمييز رتبها وكذلك تتعين إضافة الفرائض إلى أسبابها لتمييز‬
‫رتبها ل لن تلك السباب قرب في نفسها بخلف أسباب الكفارات ل‬
‫تضاف إليها في النوع الواحد لنها مستوية نحو كفارات الحنث في اليمين‬
‫إذا وقع واحدة منها ل تضيفها إلى سببها لن السباب مستوية بخلف‬
‫كفارة حنث وكفارة ظهارة وكفارة قتل تتعين فيها الضافة كما يتعين‬
‫التكفير عن تلك الجناية وتلك اليمين‬
‫وسوى أبو حنيفة بين الصلوات والكفارات في عدم الضافات إلى‬
‫السباب والفرق ما تقدم من استوائها‬
‫وأما الصلوات فكلها مختلفة حتى الظهر والعصر بقصر القراءة في‬
‫العصر وطولها في الظهر وهذه الحكمة قد اعتبرت في ست قواعد في‬
‫الشريعة فنذكرها ليتضح للفقيه الشريعه‬
‫‪ 1‬القاعدة الولى القربات التي ل لبس فيها لتحتاج إلى نية كاليمان بال‬
‫تعالى وتعظيمه وإجلله والخوف من عذابه والرجاء لثوابه والتوكل على‬
‫كرمه والحياء من جلله والمحبه لجماله والمهابة من سلطانه وكذلك‬
‫التسبيح والتهليل وقراءة القرآن وسائر الذكار فإنها متميزة لجنابه سبحانه‬
‫وتعالى وكذلك النية منصرفة إلى ال تعالى بصورتها فل جرم لم تفتقر‬
‫النية إلى نية أخرى ول حاجة للتعليل بأنها لو افتقرت لنية أخرى لزم‬
‫التسلسل وكذلك يثاب النسان على على نية منفردة وليثاب على الفعل‬
‫المنفرد لنصرافها بصورتها إلى ال تعالى والفعل متردد بين ما ل تعالى‬
‫وما لغيره‬

‫‪9‬‬
‫وأما كون النسان يثاب على نية واحدة وعلى الفعل عشرا إذا نوى فلن‬
‫الفعال هي المقاصد والنيات وسائل والوسائل أخفض رتبة من المقاصد‬
‫‪ 2‬القاعدة الثانية اللفاظ إذا كانت نصوصا في شيئ غير مترددة لم تحتج‬
‫إلى نية لنصرافها بصراحتها لمدلولها وإن كانت كناية أو مشتركة‬
‫مترددة افتقرت إلى نية‬
‫‪ 3‬القاعدة الثالثة المقاصد من العيان في العقود إذا كانت متعينة استغنت‬
‫عما يعينها كمن أستأجر بساطا وقدوما أو ثوبا أو عمامة لم يحتج إلى‬
‫تعيين المنفعة في العقد لنصراف هذه الشياء بصورتها إلى مقاصدها‬
‫وإن كانت العين مترددة بين منفعتين كالدابة للحمل والركوب والرض‬
‫للبناء والزراعة والغرس فيفتقر إلى التعيين‬
‫‪ 4‬القاعدة الرابعة النقود إذا كان بعضها غالبا لم يحتج إلى تعيينها في‬
‫العقد وإن لم يكن احتاج إلى التعيين‬
‫‪ 5‬القاعدة الخامسة الحقوق إذا تعينت لمستحقها كالدين المنفرد فانه يتعين‬
‫لربه بغير نية مثل حقوق ال تعالى إذا تعينت له كاليمان وما ذكرمعه‬
‫وان تردد بين دينين أحدهما برهن والخر بغير رهن فإن الدافع يفتقر في‬
‫تعيين المدفوع إلى النية والتصريح‬
‫‪ 6‬القاعدة السادسة التصرفات إذا كانت دائرة بين جهات شتى ل تنصرف‬
‫لحدها إل بنية كمن هو وصي على أيتام متعددة فاشترى سلعة لتتعين‬
‫لحدهم إل بالنية‬
‫ومتى كان التصرف تحدا انصرفت لجهة لتعينه كتصرفه لنفسه ولغيره‬
‫بالوكالة ول تنصرف للغير إل بالنية لن تصرف النسان لنفسه اغلب‬
‫فينصرف التصرف إليه والنية في هذه الصورة مقصودها التمييز‬
‫ومقصودها في العبادات التمييز والتقرب‬
‫سؤال هذا التقرير يشكل بالتيمم فإنه متميز بصورته ل تعالى فلم افتقر‬
‫إلى نية‬
‫جوابه أن التيمم خارج عن نمط العبادات فإنها كلها تعظيم وإجلل وليس‬
‫في مس التراب ومسحه بالوجه صورة تعظيم بل هو يشبه العبث واللعب‬
‫فاحتاج إلى نية ليخرج من حيز اللعب إلى حيز التقرب بنيته‬
‫تنبيه‬

‫هذالحكمة هي سبب اختلف العلماء في اشتراط النية في رمضان‬

‫‪10‬‬
‫والوضوء ونحوهما فزفر يقول في رمضان وأبو حنيفة يقول في الوضوء‬
‫أنهما متعينان بصورتهما ل تعالى وليس لهما رتب فل حاجة فيهما للنية‬
‫ومالك والشافعي رحمهما ال تعالى يقولن المساك في رمضان قد يكون‬
‫لعدم الغذاء والمفطرات والوضوء قد يكون للتعليم والتجديد على سبيل‬
‫الندب أو لرفع الحدث على سبيل الوجوب فاحتاجا إلى النية لتميز العبادة‬
‫عما ليس بعبادة وامتياز الفرض عن الندب في الوضوء‬
‫تنبيه‬

‫وقع في المذهب إطلقات متناقضة‬


‫قال الصحاب صريح الطلق وغيره غير محتاج للنية اتفاقا‬
‫وقال صاحب المقدمات في كنايات الطلق صريح الطلق مفتقر الى النية‬
‫اتفاقا‬
‫وقال اللخمي في الكراه على الطلق في افتقار الصريح إلى النية قولن‬
‫أصحهما أنه لبد في الصريح من النية وكون النية معتبرة في الصريح‬
‫اتفاقا وغير معتبرة اتفاقا وفي اعتبارها قولن هذه إطلقات كلها متناقضة‬
‫ول يجتمع منها اثنان بل متى صدق أحد هذه الثلثة كذب اثنان منها‬
‫وتحقيقهما أن النية في المذهب من اللفاظ المشتركة بين القصد الخاص‬
‫وبين كلم النفس فحيث قالوا الصريح ل يفتقر إلى النية إتفاقا معناه أن‬
‫الصريح ل يفتقر إلى إرادة استعماله في مدلوله إلى نية كما يفتقر صرفة‬
‫عن حقيقتة إلى مجازها أو عن عمومه إلى الخصوص إلى نية بل‬
‫ينصرف بصراحته لمدلوله كما تقدم في القواعد الست‬
‫ومعنى قولهم إن الصريح يفتقر إلى النية اتفاقا أنه ل بد في الصريح من‬
‫القصد غلى إنشاء الصيغة حذرا ممن أراد أن يقول يا طارق فقال يا‬
‫طالق أو أراد أن يقول أنت منطلقة فقال أنت طالق لنه التف لسانه وسبق‬
‫ل يقصده لذلك فل تناقض بين‬
‫اشتراط النية في إرادة النطق وبين عدم اشتراطها في انصراف اللفظ‬
‫لمدلوله بعد النطق‬
‫ومعنى قولهم في اشتراط النية في الصريح قولن أن الكلم النفساني في‬
‫اشتراط مقارنته للنطق اللساني قولن أي ينطق بقلبه كما ينطق بلسانه‬
‫وقد صرح به صاحب الجواهر‬
‫وعبر عنه صاحب الجلب بعبارة أخرى فقال من اعتقد الطلق بقلبه ولم‬
‫يلفظ به بلسانه ففي لزوم الطلق له قولن فسماه اعتقادا والكلم النفساني‬

‫‪11‬‬
‫ليس من باب العتقادات والعلوم ول من باب الرادات والعزوم إنما هو‬
‫نوع مغاير لهما من أعراض القلوب‬
‫فظهر عدم التناقض بين هذه الثلثة وأن لفظ العتقاد والنية ليس على‬
‫ظاهرهما في الكلم النفساني‬
‫ومتى سمعت أن في الطلق بالنية قولين فاعلم أن المراد الطلق بالكلم‬
‫النفساني وإل فمن نوى طلق امرأته أو اعتقده أو عزم عليه ل يلزمه‬
‫طلق باتفاق وإنما الخلف إذا طلق بالكلم النفساني فاعلم ذلك وتفقد النية‬
‫في مواردها إذا ثبتت أو سلبت أو أختلف فيها وما المراد بتلك النية فقد‬
‫غلط فيها جمع كثير من الفقهاء ويمكنك أن تقول في الطلق بالنية قولن‬
‫وانعقد الجماع على عدم لزوم الطلق بالنية بناء على اختلف المعنى‬
‫في النية كما تقدم بيانه لتميز العبادة عما ليس بعبادة‬
‫الباب الخامس فيما يفتقر إلى النية الشرعية‬

‫ويتحرر ذلك بتقسيمين‬


‫التقسيم الول الشريعة كلها إما مطلوب أو غير مطلوب وغير المطلوب‬
‫ل يتقرب به إلى ال تعالى فل معنى للنية فيه والمطلوب إما نواة أو‬
‫أوامر‬
‫فالنواهي كلها يخرج النسان عن عهدتها بتركها وإن لم يشعر بها فضل‬
‫عن القصد إليها فمثاله زيد المجهول لنا حرم ال علينا قتله وماله‬
‫وعرضه وقد خرجنا عن عهدة ذلك النهي وإن لم نشعر به وكذلك سائر‬
‫المجهولت لنا من المحرمات‬
‫نعم إن شعرنا بالمحرم ونوينا تركه ل تعالى حصل لنا مع الخروج عن‬
‫العهدة الثواب لجل النية فهي شرط في الثواب ل في الخروج عن العهدة‬

‫والوامر قسمان‬
‫‪ 1‬قسم تكون صورة فعله كافية في تحصيل مصلحته كأداء الديون‬
‫والودائع والغصوب ونفقات الزوجات والقارب فإن المصلحة المقصودة‬
‫من فعل هذه المور انتفاع أربابها بها وذلك ل يتوقف على النية من حهة‬
‫الفاعل فيخرج النسان عن عهدتها وأن لم ينوها‬
‫‪ 2‬والقسم الثاني الوامر التي ل تكون صورتها كافية في تحصيل‬
‫مصلحتها المقصودة منها كالصلوات والطهارات والصيام‬

‫‪12‬‬
‫والنسك فإن المقصود منها تعظيم الرب سبحانه وتعالى بفعلها والخضوع‬
‫له في إتيانها وذلك إنما يحصل إذا قصدت من أجله سبحانه وتعالى فإن‬
‫التعظيم بالفعل بدون قصد المعظم محال كمن صنع ضيافة لنسان فانتفع‬
‫بها غيره من غير قصد فإنا نجزم بأن المعظم بها الذي قصد بالكرامة‬
‫دون من انتفع بها من غير قصد‬
‫فهذا القسم هو الذي أمر فيه صاحب الشرع بالنية‬
‫وعلى هذه القاعدة يتخرج خلف العلماء في إيجاب النية في إزالة‬
‫النجاسة فمن إعتقد أن ال تعالى أوجب مجانبة الحدث والخبث حالة‬
‫الوقوف بين يديه تعظيما له فيكون من باب المأمورات التي ل تكفي‬
‫صورتها من تحصيل مصلحتها فتجب فيها النية‬
‫ومن إعتقد أن ال حرم ملبسة الخبث فتكون هذه من باب المنهيات فل‬
‫تفتقر إلى نية وهو الصحيح‬
‫والقسم الثاني الفعل ينقسم إلى ما يمكن أن يقع ل تعالى ولغيره وما ل‬
‫يمكن أن يقع إل ل تعالى وما ل يمكن أن يقع ل تعالى البتة فهذه ثلثة‬
‫فصول‬
‫الفصل الول في التصرف الذي يمكن أن يقع ل تعالى ولغيره‬

‫وقد تقدم أن العبادات تفتقر إلى النية ودليل وجوبها‬


‫فيها وقد ظن بعض الفقهاء أن النية ل يعتبرها الشرع إل في العبادات‬
‫حتى سمعت كثيرا من الفضلء يحد العبادة بأنها عبارة عما تشترط فيه‬
‫النية ولذلك يجعلون الربع الول أبدا من دواوين الفقه بعض العبادات ل‬
‫يسمى بغير ذلك‬
‫وأشكل على جماعة منهم أشتراط النية في الذبائح مع أنها غير عبادة‬
‫والتزم بعضهم أنها عبادة لجل اشتراط النية فيها بناء على هذا العتقاد‬
‫وليس كما اعتقده بل قد يعتبر الشرع النية فيما هو فرض عين كالصلوات‬
‫الخمس وفيما هو فرض كفاية كصلة الجنائز من القربات وفيما هو‬
‫فرض كفاية من غير القربات كاشتراط النية في ذكاة الحيوان فإن أكل‬
‫لحوم الحيوان من فروض الكفاية لئل تضعف العقول عن العلوم‬
‫والجساد عن ملقاة العداء فتستأصل شأفة السلم وتفقد هداة النام‬
‫وقد تعتبر النية فيما ليس قربة من المحرمات فإن النسان إذا حفر بئر‬
‫ليهلك فيها نبي من النبياء فإنه كافر تزول عصمة دمه ويخلد في النار‬

‫‪13‬‬
‫أو ليقع فيها مؤمن فل تزول عصمه دمه ول يخلد في النار ويجب‬
‫تعزيره وتفسيقه ول يثبت الشرع أحد هذين الحكمين إل بشرط أن ينوى‬
‫سببه‬
‫وها أنا أبسط من موارد النية في نظر الشرع ما يمهد لك هذا البحث في‬
‫عشرة انواع فهي مختلفة الحقائق متشابهة الحكام إن شاء ال تعالى‬
‫النوع الول ما اعتبر الشرع فيه النية لتميز المدلولت كالحالف أو الناذر‬
‫بلفظ مشترك فالشرع إنما يوجب الكفارة أو الوفاء فيما نواه دون غيره‬
‫النوع الثاني صرف اللفاظ عن حقائقها المدلولت إلى مجازاتها كالحالف‬
‫أو الناذر بلفظ عام أو مطلق وينوي به تخصيص ذلك العام أو تقييد ذلك‬
‫المطلق فالشرع إنما يعتبر المجاز المنوي دون الحقيقة المدلولة‬
‫النوع الثالث صرف اللفاظ إلى بعض ما يصلح له بالنية كألفاظ الكنايات‬
‫في الطلق والعتاق واليمان إلى بعض المحامل التي يصلح لها اللفظ في‬
‫ذلك الباب ول تترتب الحكام الشرعية إل على المنوي دون غيره‬
‫النوع الرابع صورة الذكاة في الحيوان المقدور عليه والعقر في الصيد‬
‫دائرة بين سبب التحريم الذي هو المينة وبين سبب الباحة الذي هو الذكاة‬
‫الشرعية‬
‫فإذا نوى الذكاة الشرعية تخصصت الصورة الواقعة بسبب الحل دون‬
‫سبب التحريم وان لم ينو شيئا ل يرتب الشرع الحل لعدم تعين سببه فإن‬
‫الشرع كما شرع الحكام شرع السباب وجعل لكل‬
‫مسبب معين حكما معينا فإذا دارت الحقيقة بين أسباب مختلفة تقتضي‬
‫التحليل والتحريم وغير ذلك من الحكام لم يرتب الشرع أحد الحكام‬
‫لعدم تعين سببه ويقع ها هنا في هذه الصورة التحريم لن القاعدة‬
‫الشرعية أن عدم سبب الباحة سبب التحريم وعدم سبب التحريم سبب‬
‫الباحة كما أن عدم السكار الذي هو سبب التحريم سبب الباحة وعدم‬
‫العقد في النساء الذي هو سبب الباحة سبب التحريم وعدم ها هنا سبب‬
‫الباحه وهو قصد الذكاة الشرعية فيثبت التحريم فما رتب الشرع التحريم‬
‫في هذه الصورة إل لوقوع سببه الذي هو عدم سبب الباحه على ما تقدم‬

‫النوع الخامس الذكاء الشرعية دائرة بين سبب أصل الحل في الكل وبين‬
‫سبب التقرب بالضحايا والهدايا وسبب براءة الذمة من هدى أو فدية أو‬
‫نذر حتى ينوي أحدها فيرتب الشرع عليه حكمه لتعيين سببه‬
‫‪ 6‬النوع السادس صورة دفع المال للمساكين دائرة بين سبب أصل‬

‫‪14‬‬
‫التقرب الذي هو صدقة التطوع وبين سبب براءة الذمة من الزكاة الواجبة‬
‫وبين سبب براءة الذمة من نذر واجب‬
‫وإن كان المدفوع مدا دار أيضا بين ذلك وبين البراءة من كفارة اليمين أو‬
‫الظهار أو جزاء الصيد أو كفارة إفساد الصوم فإذا نوى الدافع أحد هذه‬
‫السباب رتب الشرع عليه مسببه وإل فل يرتب شيئا إل الباحة بخلف‬
‫ذكاة الحيوان ترتب عند عدم النية التحريم‬
‫والفرق أن الشرع عين لباحة الحيوان سببا وهو قصد الذكاة الشرعية‬
‫وقد عدمت‬
‫وقد تقدم أن القاعدة المتفق عليها أن عدم الباحة علة التحريم وقد عدمت‬
‫فيترتب التحريم وسبب الباحة هنا المملك للمال‬
‫ومن ملك مال جاز له دفعه لمن شاء فسبب الباحة موجود عند عدم النية‬
‫فترتبت الباحة‬
‫وينبغي أن يفهم من هذه القاعدة المشار إليها أن علة الطهارة في العيان‬
‫عدم علة النجاسة فيها لن الطهارة والنجاسة حكمان شرعيان يفتقران إلى‬
‫سببين شرعيين وعلة النجاسة الستقذار فعدم الستقذار علة الطهارة‬
‫والنجاسة راجعة إلى تحريم الملبسة في الصلة والغذية والطهارة في‬
‫العين إباحة ملبستها في ذلك ما لم يمنع مانع‬
‫وقد بسطت هذا المبحث في أول كتاب الذخيرة سؤال وجوابا وتقريرا‬
‫‪ 7‬النوع السابع‬
‫دفع الدين للمستحق وعليه دينان أحدهما برهن والخر بغير رهن فإن‬
‫ذلك الدفع يصلح سببا لبراءة الذمة من دين الرهن ومن الدين الخر فإذا‬
‫نوى الدافع أحدهما رتب الشرع عليه براءة ذمته منه وإن كان المنوي‬
‫دين الرهن فله أخذ الرهن في نفس المر دون الحكم في القضاء‬
‫‪ 8‬النوع الثامن‬
‫صرف السبب لحد محامله الصالح لها كقوله عمرة طالق أو حرة وله‬
‫إمرأتان أو أمتان مسميتان بهذا السم فإن هذا اللفظ سبب صالح لتحريم‬
‫كل واحدة منهما أو لعتقهما فإذا نواها تعينت ومن ذلك معاقدة الوكيل ل‬
‫تصلح لفادة الملك له ولموكله ول ينصرف لموكله إل بنية لن الصل‬
‫والغالب معاقدة النسان لنفسه‬
‫‪ 9‬النوع التاسع‬
‫صورة الجلد سبب صالح لبراءة ذمة المام من إقامة الحد والتعزير ول‬
‫ينصرف لحدهما في حق من وجب عليه إل بالنية ‪ -‬النوع العاشر‬

‫‪15‬‬
‫الفعل المختلف فيه بالتحريم والباحة والوجوب إذ وقع من المقلد سبب‬
‫صالح للتأثيم إن قلد القائل بالتحريم وصالح لتحصيل ثواب الواجب ان قلد‬
‫القائل بالوجوب ول يترتب عليه أحد المرين إل بالنية إذا استويا في‬
‫الشهرة فإذا اشتهر أحدهما وكان الخر في غاية الخفاء أو دليله في غاية‬
‫الضعف تعين ما قوي دليله من غير نيه‬
‫وقد بسطت هذه المسألة في تنقيح الفصول في علم الصول في باب‬
‫الجتهاد‬
‫فهذه النواع السبعة الخيرة النية فيها لتمييز السباب وفي الثلثة الولى‬
‫لتمييز اللفاظ وأبواب النية كثيرة في الشريعة والمقتصر على هذا القدر‬
‫ففيه كفاية ا‬
‫تنبيه‬

‫على الجواب عن السؤال الثاني في صدر الكتاب وما يحتاجه الفقيه من‬
‫اليقظة في مثل هذا وغيره تنبيه‬
‫كون النية مميزة ليس ذلك سبب ورود الشرع به ذلك لها لذاتها وحقيقتها‬
‫كما أن جعل العلم كاشفا ليس بجعل الشرع له بل ذلك من قبل السرار‬
‫الربانية وإن كانت الحقائق إنما وجدت على خصائصها بالقدرة اللهية‬
‫وكما كانت النية متميزه بذاتها اعتبر الشرع ذلك التمييز في مواطن ولم‬
‫يعتبره في مواطن وتلك المواطن التي اعتبرها الشرع فيها عبادات وغير‬
‫عبادات فالتابع لدلة الشرع هو اعتبارها ل تمييزها فتأمل ذلك فهو حسن‬
‫الفصل الثاني فيما ل يمكن أن يقع من التصرف إل ل تعالى‬

‫وهذا القسم هو نية التقرب وقصد العبادة ل تعالى واليمان به وتعظيمه‬


‫وإجلله والخشوع بالقلب لكبريائه والخوف من سلطانه والتوكل على‬
‫إحاطة قدرته ونحو ذلك من أعمال القلوب المتعلقة بال تعالى‬
‫فهذا القسم ل يفتقر الى نية لتعينه وتمييزه بذاته تعالى والنية إنما تحتاج‬
‫مع المتردد لتمييز المتردد لحد جهاته المتردد بينها‬
‫الفصل الثالث فيما ل يمكن أن يفعل ل تعالى‬

‫عند البلوغ على الخلف‬

‫‪16‬‬
‫وهو النظر الول الذي هو أول الواجبات عند البلوغ على الخلف هل‬
‫هو أول الوجبات أم ل وعلى جميع القوال يستحيل فيه أن يكون وقع‬
‫قربه ل تعالى ويقصد به التقرب‬
‫وها هنا ورد السؤال الثالث المذكور في أول الكتاب‬
‫فقيل كيف يتعذر التقرب به مع أن غاية الناظر ان يشك في أن له صانعا‬
‫أوجب عليه النظر أم ل وهل هذا النظر واجب عليه أم ل وإذا كان غايته‬
‫الشك والشك ل يمنع من قصد التقرب لوقوعه في الشريعة في عدة‬
‫مواضع بالجماع كمن شك هل صلى أم ل فإنه يصلي وينوي بتلك‬
‫الصلة الواقعة مع الشك في وجوبها وينويها قربة ل تعالى وكذلك من‬
‫نسى صلة يوم وليلة ل يدري عينها فإنه يصلي خمس صلوات وينوي‬
‫بها التقرب مع الشك في وجوب كل واحدة منها عليه وقد تقدم بسط هذا‬
‫في أول الكتاب‬
‫فعلم الشك ل ينافي التقرب فيكون ما أجمع عليه الناس من ان النظر‬
‫الول ل يمكن ان ينوي به التقرب باطل‬
‫والجواب ان ال تعالى شرع الحكام وشرع لكل حكم سببا وقد يكون‬
‫للسبب الواحد أحكام كثيرة كما أن للتقاء الختانين نحو الستين حكما‬
‫بسطتها في كتاب الذخيرة وقد يكون للحكم‬
‫الواحد عدة أسباب كإيجاب الوضوء بنحو عشرة أسباب وهل يوجد حكم‬
‫بل سبب‬
‫حصل للغزالي في المستصفى فيه تردد وإذا تقرر أن السباب مشروعة‬
‫فاعلم أنه من جملة ما شرع الشارع من السباب الشك فجعل الشرع‬
‫الشك سببا في صور‬
‫‪ - 1‬أحدها قوله عليه السلم من شك في صلته فلم يدر أصلى ثلثا أو‬
‫أربعا جعلها ثلثا وأتى بركعة وسجد سجدتين‬
‫والقاعدة أن ترتيب الحكم على الوصف يدل على عليه ذلك الوصف لذلك‬
‫الحكم نحو من سها سجد ومن سرق قطع ومن زنى جلد‬
‫وها هنا رتب الشرع إيجاب الركعة المأتي بها بعد الشك والمر‬
‫بالسجدتين على الشك فيكون الشك هو سببها وأيضا ل يمكن أن نقول‬
‫السجود لجل الزيادة لنها غير معلومة ول مظنونه ول للنقصان لنه‬
‫غير معلوم ول مظنون لن التقدير وقوع الشك في العدد فتعين إضافة‬
‫السجود لسبب آخر غير الزيادة ولنقص وهو الشك فيكون الشك هو‬
‫المنصوب سببا للركعة والسجود‬

‫‪17‬‬
‫‪ - 2‬وثانيها إذا شك في صلة من يوم وليلة أو تيقن نسيانها وشك في‬
‫عينها فإنه يجب عليه خمس صلوات‬
‫فنقول هذه الصلوات نصب الشرع لها أسبابا عامة وسببا خاصا أما‬
‫السباب العامة فهي أوقاتها من طلوع الفجر والزوال وآخر القامة‬
‫والغروب في الشمس والشفق والتبسب الخاص هو الشك ل يجب به على‬
‫جميع الناس إل على من عرض له الشك في أحدها والتسبت عليه فيجب‬
‫عليه بسبب الشك في واحدة منها جميعا فسببها الشك‬
‫‪ - 3‬وثالثها أن يشك في أخته من الرضاع أو النسب مع أجنبيه أيتهما‬
‫أخته جعل الشرع الشك سببا لتحريمها عليه‬
‫‪ - 4‬ورابعها من شك في ثوب نجس مع طاهر حرم عليه الصلة بهما‬
‫على الخلف في الصورتين ولكن متى قلنا بالمنع فقلنا السبب الشك وهو‬
‫المقصود ها هنا من أن الشرع نصب الشك سببا‬
‫‪ - 5‬وخامسها إذا شك في ميتة مع مذكاة أيتهما المذكاة حرمتا عليه‬
‫بسبب الشك ونظائره كثيرة ل أطول بها‬
‫إذا تقرر أن الشرع نصب الشك من جملة السباب فالمتقرب في صورة‬
‫تلك الشكوك بالواقعة في الشريعة قاطع جازم بالوجوب عليه لنعقاد‬
‫الجماع في وجوب تلك العبادات عليه إن كان فيها إجماع وإن لم يكن‬
‫فيها إجماع بل دليل وأمارة وقد تقرر في أصول الفقه‬
‫ان الحكام الشرعية كلها معلومه بسبب انعقاد الجماع على أن كل‬
‫مجتهد إذا غلب على ظنه حكم فهو حكم ال تعالى في حقه وحق من قلده‬
‫إذا اتصف بسببه وان كان قاطعا بالوجوب عليه فنقول الشكوك الواقعه‬
‫في الشريعة التي وقع فيها التقرب الموجب فيها معلوم وهو ال تعالى‬
‫والموجب معلوم الوجوب وهو الفعل والسبب المقتضي للوجوب معلوم‬
‫وهو الشك ودليل الوجوب معلوم وهو الجماع فجميع الجهات معلومه‬
‫والشك ليس في شيء منها بل هو نفس السبب ل أنه شك في السبب‬
‫والفرق بينهما ضروري‬
‫وفي المسألة النظر الموجب مشكوك فيه عند المبتديء للنظر والموجب‬
‫الذي هو الفعل مشكوك في وجوبه وسبب الوجوب مشكوك في نصبه‬
‫وتعيينه ودليل الوجوب مشكوك في خصوصه فجميع الجهات مشكوك‬
‫فيها والتي وقعت في الشريعة جميعها معلوم فظهر الفرق العظيم وأمكن‬
‫القصد للتقرب الواقع في الشريعة دون النظر الول ولم ينعقد الجماع في‬

‫‪18‬‬
‫تعذر القصد بالتقرب في النظر الول إل على الصواب وهو المطلوب‬
‫فاندفع السؤال الثالث دفعا بينا‬
‫الباب السادس في شروط النية وهي ثلثة‬

‫‪ - 1‬الشرط الول‬
‫ان تتعلق بمكتسب للناوي فإنها مخصصة وتخصيص غير المفعول‬
‫المكتسب للمخصص محال ولذلك امتنع نية النسان لفعل غيره لنه غير‬
‫مكتسب له‬
‫وأشكل على هذا الشرط نية المام للمامة فإن صلته حالة المامة‬
‫مساوية لصلته حالة النفراد فهذه النية ل بد لها من متعلق مكتسب ول‬
‫مكتسب فيشكل‬
‫وأجاب عنه بعض العلماء بأن النية يشترط فيها أن تتعلق بمكتسب للناوي‬
‫استقلل أو بما يكون تابعا للمكتسب وإن لم يكن مكتسبا كما يتعلق‬
‫بالوجوب في صلة الفرض والندب في صلة الضحى ونحو ذلك وليس‬
‫الوجوب والندب بمكتسبين للعبد فإن الحكام الشرعية واجبة الوجود‬
‫قديمة صفة ال تعالى وإنما حسن القصد إليها تبعا للقصد المكتسب فكذلك‬
‫المامة وإن لم تكن فعل زائدا على الصلة مكتسبا إل انها متعلقة‬
‫بمكتسب وتابعة له فأمكن القصد إليها تبعا كالفرض والنفل ونحوهما ومن‬
‫هذا الباب الضافة الى السباب في الصلوات والكفارات ونحوها وليست‬
‫مكتسبة وإنما المكتسب الفعل المرتب على السبب والسبب قد يكون‬
‫مكتسبا وقد ل يكون مكتسبا‬
‫وأما الضافة للسبب فنسبة وإضافة والنسب ل وجود لها في العيان‬
‫عند المحققين وما ل وجود له في الخارج فل يستحيل إيقاعه في الخارج‬
‫فل يكون مكتسبا مع أنه منوي‬
‫ومن هذا الباب ما تقدم من إضافة السباب الى بعض الحكام وإضافة‬
‫بعض اللفاظ الى بعض مدلولتها فإنها ليست بمكتسب بل المكتسب اللفظ‬
‫والسبب وأما الضافة المنوية فل‬
‫فهذه كلها نقوش على هذا الشرط وتندفع بأنها تبع لمكتسب‬
‫‪ - 2‬الشرط الثاني أن يكون المنوي بها معلوما أو مظنون الوجوب فإن‬
‫المشكوك تكون النية فيه متردده فل ينعقد ولذلك ل يصح وضوء الكافر‬
‫ول غسله قبل اعتقاد السلم لنه عنده غير معلوم ول مظنون‬

‫‪19‬‬
‫وقد تقدم في الباب الخامس الجواب عما وقع في الشريعة من القصد‬
‫للتقرب بالمشكوك وأن الوجوب ثمة معلوم ل مشكوك‬
‫ووقع في المذهب فروع أخر‬
‫‪ - 1‬أحدها لو شك في طهارته وقلنا ل يجب عليه الوضوء أو كان شكه‬
‫غير مستند الى سبب فتوضأ في الحالتين احتياطا ثم تيقن الحدث ففي‬
‫وجوب العادة عليه قولن وأما لو قلنا بوجوب الوضوء عليه فإنه معلوم‬
‫فل يرد‬
‫‪ - 2‬ثانيها لو توضأ مجددا ثم تيقن الحدث فالجزاء للشهب وعدمه‬
‫لسحنون‬
‫‪ 2‬وثالثها لو أغفل لمعة من الغسله الولى وغسل الثانية بنية الفضيلة ففي‬
‫الجزاء قولن‬
‫‪ - 3‬الشرط الثالث‬
‫أن تكون النية مقارنة للمنوي لن اول العبادات لو عرى عن النية لكان‬
‫أولها مترددا بين القربة وغيرها وآخر الصلة مبني على أولها وتبع له‬
‫بدليل ان اولها إذا نوى فرضا أو نفل أو قضاء أو أداء كان آخرها كذلك‬
‫وكذلك إذا كان أولها مترددا كان آخرها مترددا‬
‫هذا إن تأخرت النية فإن تقدمت على أولها ولم تقارن وقعت العبادة كلها‬
‫مترددة فإن ما ل يقارن الشيء ل يخصصه ول يميزه بدليل جميع‬
‫المشخصات كالجماد والنبات والحيوان وجميع الفعال‬
‫واستثنى من هذا الشرط الصوم للمشقة في المقارنة لتيان أول الصوم‬
‫حالة النوم غالبا والزكاة في الوكالة على إخراجها عونا على الخلص‬
‫ودفعا لخجل الفقير بالخذ فتقدم النية عند الوكالة ويتأخر الخراج المنوي‬

‫قال صاحب الطراز وجواز ابن القاسم تقدم النية عندمايأخذ في اسباب‬
‫الطهارة بذهابه للحمام والنهر بخلف الصلة وخالفه سحنون في الحمام‬
‫ووافقه في النهر لن النهر ل يؤتى غالبا إل لذلك بخلف الحمام فإنه‬
‫يؤتى للتنعم والنظافة فل تتميز العبادة فيه وقيل بعدم الجزاء في‬
‫الموضعين نظرا لتقدم النية‬
‫الباب السابع‬

‫في اقسام النية‬


‫النية قسمان فعليه موجوده وحكمية معدومه فإذا نوى المكلف أول العبادة‬

‫‪20‬‬
‫فهذه نية فعليه ثم إذا ذهل عن النية حكم صاحب الشرع بأنه ناو ومتقرب‬
‫فهذه هي النية الحكمية أي حكم الشرع لصاحبها ببقاء حكمها ل أنها‬
‫موجوده وكذلك الخلص واليمان والكفر والنفاق والرياء وجميع هذا‬
‫النوع من أحوال القلوب إذا شرع فيها واتصف القلب بها كانت فعليه وإذا‬
‫ذهل عنها حكم صاحب الشرع ببقاء أحكامها لمن كان اتصف بها قبل‬
‫ذلك حتى لو مات النسان مغمورا بالمرض حكم صاحب الشرع له‬
‫بالسلم المتقدم بل بالولية أو الصفة كيفية وجميع المعارف المتقدمة‬
‫وإن لم يتلفظ بالشهادة عند الموت وعكسه حكم له بالكفر والنفاق وجميع‬
‫مساوي الخلق وإن كان ل يستحضر منها شيئا عند الموت ول يتصف‬
‫بها بل يوم القيامة المر كذلك ومنه قوله تعالى إنه من يأت ربه مجرما‬
‫فإن له جهنم ل يموت فيها ول يحيى مع أن أحدا ل يكون يوم القيامة‬
‫مجرما ول كافرا ول عاصيا لظهور الحقائق عند الموت وصار الحق‬
‫ضروريا ولم تبق العقول متمكنة من الجهالت لقوة الظهور بل معناه‬
‫يكون محكوما له بالجرام كما يحكم لغيره باليمان‬
‫واكتفى صاحب الشرع باليمان والخلص والنية الحكمية للمشقه في‬
‫استمرارها بالفعل قال سند لو عزل زكاته بعد وزنها للمساكين‬
‫ودفعها بعد ذلك لهم بغير نية أجزأه اكتفاء بالنية الحكمية ولم يشترط‬
‫الشرع واليمان الفعلي أول العبادات لصعوبة الجمع وأفردت النية دونه‬
‫لنها مستلزمة له من غير عكس ثم إن الكتفاء بالنية الحكمية بشرط عدم‬
‫المنافي ففي المدونة لو توضأ وبقيت رجله فخاض بهما نهرا ومسح بيده‬
‫رجليه في الماء ولم ينو بذلك غسل رجليه ل يجزيه غسل رجليه قال سند‬
‫يريد إذا قصد بذلك إزالة القشب دون الوضوء‬
‫وقال صاحب النكت معناه إذا ظن كمال وضوئه فرفض نيته أما لو بقي‬
‫على نيته والنهر قريب أجزأه‬
‫وقال سند النية الحكمية تتناول الفعل ما لم تتناوله النية الفعليه بخصوصه‬
‫لن الخاصة به أقوى كما لو قام لركعة وقصد بها خامسة وهي رابعة‬
‫فسدت الصلة أو صام في الصوم المتتابع يوما ينوي به النذر بطل‬
‫التتابع‬
‫وقال المازري رحمه ال تعالى تكفي النية الحكمية في العمل فلو نسي‬
‫عضوا وطال ذلك جدد النية لن الحكمية على خلف الصل فتختص‬
‫بالمتصل وكذلك من خلع خفيه وشرع في غسل رجليه‬
‫الباب الثامن‬

‫‪21‬‬
‫في أقسام المنوي واحكامه‬
‫المنوي من العبادة ضربان‬
‫‪ - 1‬أحدهما مقصود في نفسه كالصلة‬
‫‪ - 2‬والثاني مقصود لغيره وهو قسمان‬
‫‪ - 1‬أحدهما مع كونه مقصودا للغير فهو أيضا مقصود في نفسه‬
‫كالوضوء فإنه نظافة مشتملة على المصلحة وهو مطلوب للصلة مكمل‬
‫لحسن هيئاتها في الوقوف بين يدي الرب تعالى على أحسن الهيئات‬
‫‪ - 2‬والثاني مقصود لغيره فقط كالتيمم ويدل على ذلك أن الشرع أمر‬
‫بتجديد الوضوء دون التيمم والمقصود بالنية إنما هو تمييز المقصود‬
‫لنفسه لنه المهم فل جرم إذا نوى التيمم دون استباحة الصلة فقولن‬
‫للعلماء‬
‫‪ - 1‬أحدهما ل يجزيء لكونه نوى ما ليس بمقصود في نفسه‬
‫‪ - 2‬والثاني يجزيء لكونه عبادة والذي هو مقصود لنفسه ولغيرة يتخير‬
‫المكلف بين قصده له لكونه مقصودا في نفسه وبين قصده لمقصوده دونه‬
‫فالول كقصده الوضوء والثاني كقصده استباحة الصلة فإن نوى الصلة‬
‫أو شيئا ل يقدم عليه إل بارتفاع الحدث الذي هو الستباحة ‪ -‬صح ل‬
‫ستلزام هذه المور رفع الحدث وفي الفقه فروع كثيرة متعلقه بهذا البحث‬
‫من أرادها راجع الذخيرة‬
‫الباب التاسع‬

‫معنى قول الفقهاء المتطهر ينوي رفع الحدث‬


‫أعلم أن الحدث له معنيان في اصطلح الفقهاء‬
‫‪ - 1‬أحدهما السباب الموجبة للوضوء ولذلك يقولون لها أحداثا وأسباب‬
‫أحداث إذا وجد منه ما يوجب الوضوء‬
‫‪ - 2‬وثانيهما المنع المترتب على هذه السباب فإن من صدر منه سبب‬
‫من هذه السباب منعه ال تعالى من القدام على العبادة حتى يتوضأ‬
‫ول أعلم للحديث معنى ثالثا والقصد لرفع الحديث الذي هو السبب محال‬
‫لستحالة رفع الواقع فيتعين أن يكون المنوي هو المنع وإذا ارتفع المنع‬
‫ثبتت الباحة‬
‫فيظهر بهذا البيان بطلن القول بأن التيمم ل يرفع الحدث فإن الباحة‬
‫حاصلة به فيكون الحدث مرتفعا ضرورة وإل اجتمع المنع مع الباحة‬

‫‪22‬‬
‫وهما ضدان‬
‫سؤال إذا كان الحدث منعا شرعيا والمنع حكم ال تعالى وحكمه قديم‬
‫واجب الوجود فكيف يتصور رفع واجب الوجود‬
‫وجوابه هذا السؤال عام في سائر الحكام المحكوم بتجددها عند السباب‬
‫كارتفاع التحريم في المرأة بعقد النكاح وارتفاع الباحة فيها بالطلق‬
‫وكذلك سائر الموارد الشرعية‬
‫والجواب عنه في الجميع أن الحكم مرتفع ومتجدد باعتبار تعلقه ل‬
‫باعتبار ذاته والتعلق عدمي يمكن ارتفاعه وإن كان قديما فإن القديم إنما‬
‫يستحيل رفعه إذا كان موجودا وإل فعدم العالم قديم وقد ارتفع‬
‫تنبيه‬

‫الحكام الشرعية ل تزيد على خمسة الوجوب والندب والتحريم والكراهة‬


‫والباحة‬
‫وأكثر الفقهاء ل يعقلها في مواردها لتغير اللفظ عليه فإذا سمع الطهارة ل‬
‫يعقلها وهي راجعة الى الباحة‬
‫وإذا سمع النجاسة ل يعقلها وهي راجعة الى التحريم وإذا سمع الحدث ل‬
‫يعقله وهو راجع التحريم‬
‫وإذا سمع المندوب ل يعقله وهو راجع الى الباحة الممكنة من التصرف‬
‫وإذا سمع فساد العقد ل يعقله وهو راجع للتحريم وهو المنع من التصرف‬
‫في المعقود عليه من عين أو منفعة وإذا سمع الطلق ل يعقله وهو راجع‬
‫للتحريم وإذا سمع العتق ل يعقله وهو راجع الى إباحة المنافع للعبد بعد‬
‫حجر الرق وإذا سمع الجنابة ل يعقلها وهي راجعة الى تحريم ملبسه‬
‫العبادات ومواطن القربات في المساجد وغيرها وإذا سمع صحة العقود ل‬
‫يعقلها وهي راجعة للباحه وهي الذن في التصرف في المعقود عليه‬
‫والفرق بينها وبين الملك أعم لترتيبه على الرث حيث انتفت الصحة في‬
‫العقود ويترتب على السباب الفعليه كالحتطاب والعتشاب والصيد‬
‫ونحوه ول توصف هذه السباب بالصحة ولذلك تتقرر مفيده للملك من‬
‫نحو من ل يتصور منه العقود الصحيحة كالصبي والسفيه والمجنون وفي‬
‫الملك مزيد بيان ذكرته في كتاب البيوع فإنه مشكل إذا قصد اقتياسه بحد‬
‫جامع مانع لكثرة ما يرد عليه من النقض في حدوده‬

‫‪23‬‬
‫وهذه النظائر كثيرة في أبواب الفقه وإذا قيل لكثر الفقهاء ردها الى أحد‬
‫الحكام الخمسة عسر عليه وإذا فسرت له وجدت ظاهره ل ينكرها وليس‬
‫فيها صعوبة غير أن التفطن لذلك يعسر قبل ذكره فطالما سألت الفقهاء‬
‫عن الحدث والطهارة والنجاسه فل يجيبون فإذا بينتها لهم وجدوها سهله‬
‫فليكن لك بهذا التنبه يقظه على هذه المور في مواردها بحيث تجيب‬
‫عنها بسهوله وال تعالى هو الخالق لما يشاء من الخير في قلوب عباده‬
‫الباب العاشر‬

‫فيما يقوله الفقهاء من ان النية تقبل الرفض مع ان رفع الواقع مستحيل‬


‫قال صاحب الطراز إذا رفض النية الحكمية بعد كمال الطهارة قال مالك‬
‫لحصول المقصود منها وهو التمييز حالة الفعل وعنه فساد العبادة لنها‬
‫جزء الفعل وذهاب الجزء يفسد فتفسد الطهارة‬
‫قال صاحب النكت إذا رفض النية في الطهارة أو الحج ل تضره بخلف‬
‫الصلة والصوم‬
‫والفرق ان المراد بالنية التمييز وهما متميزان بمكانهما وهو العضاء في‬
‫الوضوء والماكن المخصوصة في الحج فكان استغناؤهما عن النية أكثر‬
‫فلم يؤثر الرفض بخلف الصلة والصوم‬
‫قال العبدي في مختصره في كل مسأله من هذه الربع قولن والمشهور‬
‫الجزاء في الوضوء والحج والمسح بخلف الصلة والصوم وحكى‬
‫الخلف فيها بعد إيقاعها كما حكاه المازري في الطهارة وحينئذ‬
‫يتجه الشكال كيف يقال يرتفع الشيء بعد وقوعه أو يقع ويرتفض ورفع‬
‫الواقع محال عقل فمن نوى كيف يمكن أن يكون ما نوى في الزمان‬
‫الماضي بعد أن وقعت فيه النية وجميع ما يقع في الزمنه الماضية كيف‬
‫يتصور ارتفاعه عنها‬
‫فإن قلت هذا من حيث العقل وأما في الشرع فللشرع ان يحكم بما يريده‬
‫قلت القاعدة المعلومة أن الشرع ل يرد بخلف العقل بل جميع واردات‬
‫الشرائع يجب انحصارها فيما يجوزه العقل وجودا وعدما فيرد الشرع‬
‫بترجيح أحد طرفيه وجوده أو عدمه أو يسوى بينهما وهو الباحة‬
‫وللرفض في النية بعد وقوعها نظائر في الشكال من جهة رفع الشيء‬
‫بعد وقوعه‬
‫‪ - 1‬أحدها قول الفقهاء اختلف في الرد بالعيب هل هو فسخ للعقد من‬
‫حينه أو من أصله فأما من حينه فهو تيسير وأما قولهم من أصله فهو رفع‬

‫‪24‬‬
‫للواقع في الزمان الماضي وهو محال‬
‫فإن قلت المرتفع الحكام المترتبة على لفظ العقد ل على نفس العقد قلت‬
‫الحكام واقعة في الزمان الماضي قبل الرد بالعيب فإن كان رفع الواقع‬
‫محال فرفعها محال وإن لم يكن محال فل فرق بينهما وهو الجواب‬
‫‪ - 2‬وثانيها قول الفقهاء إن قال لمرأته إن دخلت الدار آخر الشهر فأنت‬
‫طالق من أوله‬
‫قال جماعة من الفقهاء المالكية وغيرهم إنها إن دخلت آخر الشهر وقع‬
‫الطلق من أوله مع أن العصمة كانت واقعه من أوله الى آخره إجماعا‬
‫والواقع بالجماع إذا تحقق في الزمان الماضي قبل الدخول كيف يرتفع‬
‫بعد الدخول‬
‫‪ - 3‬وثالثها قول الفقهاء إذا مات المقتول ورثت عنه ديته ويوقع الشرع‬
‫الملك قبل موته بالزمان الفرد ليصح التوريث لتعذر الملك بعد الموت وما‬
‫ل يملك قبل الموت ل يورث بعده فلذلك يتعين إثبات الملك قبل الموت‬
‫بالزمان المفرد وإل كان عدم الملك ثابتا بالجماع فإذا ثبت الملك قبل‬
‫الموت بالزمان نقضي برفع عدمه من ذلك الزمان من الكائن قبل الموت‬
‫بالزمان الفرد إن قضيت اجتماع الوجود مع العدم وهو اجتماع النقيضين‬
‫محال عقل فحينئذ أحد المرين لزم إما اجتماع النقيضين أو رفع الواقع‬
‫وكلهما محال عقل‬
‫‪ - 4‬ورابعها قول الفقهاء إذا قال له أعتق عبدك عني فأعتقه عنه أجزأ‬
‫عن كفارته وثبت الولء للمعتق عنه بالزمن المفرد وأثبتنا الملك للمعتق‬
‫عنه قبل العتق عنه بالزمان الفرد حتى يترتب العتق عنه على ملكه‬
‫فيصح له الولء فيتعذر ثبوت الولء مع عدم الملك‬
‫فنقول عدم الملك كان ثابتا قبل العتق عنه في حقه إجماعا فإذا أثبتنا الملك‬
‫في ذلك الزمان نفينا أن يبقى معه عدم الملك في عين ذلك الزمن أو‬
‫نرفعه فإن نفيناه اجتمع النقيضان وإن لم ننفه ارتفع الواقع وهو محال‬
‫ويلزم أحد المرين المحالين كما تقدم في مسأله الدية ‪ - 4‬وخامسها قول‬
‫المالكية إن الردة تبطل الحج والطهارة والطلق الثلث الواقع قبلها‬
‫ويصير كالكافر الصلي لم يقع شيء منه من هذه الفعال لن الردة تجدد‬
‫عليه التكليف بحج آخر ول تجدد أمثال ما وقع في الزمان الماضي‬
‫بل قالوا الردة ليست مجددة للتكليف بل مبطله لما وقع ولو قالوا إن‬
‫الثابت في الزمان الماضي لم يتعين بل تجدد تكليف بالردة لم يرد‬
‫الشكال بل جعلوا الردة مبطلة لما وقع في الزمن الماضي حتى جوزوا‬

‫‪25‬‬
‫العقد على المبتوته بالطلق الثلث قبل زوج بناء على بطلن الطلق‬
‫الثلث ل بناء على أن المرتد أباح ال تعالى له العقد قبل زوج وجعله‬
‫أسعد حال من غير المرتد وحاشا ل أن يكون المرتد أسعد حال من‬
‫الباقي على الدين القويم وإن كان مراد الفقهاء البطال بالزمان الماضي‬
‫فنقول الصحة كانت حاصلة في الزمان الماضي إجماعا فالقضاء بعدها‬
‫إما أن يكون مع بقاء الصحة أم ل فإن كان مع بقاء الصحة اجتمع‬
‫النقيضان أول مع بقائها فقد ارتفع الواقع ويلزم أحد المرين المحالين كما‬
‫تقدم في الدية وغيرها‬
‫‪ - 6‬وسادسها الصبي إذا زالت عليه الشمس وصلى الظهر مندوبة في‬
‫حقه ثم بلغ بعد ذلك ثبت الوجوب عليه مرتبا على الزوال ويلزم ان‬
‫يصلي الظهر مرة أخرى واجبة فهذا الوجوب إن أثبتناه مرتبا على ذلك‬
‫الزوال مع الندب الذي كان مرتبا عليه بالجماع اجتمع الضدان فإن‬
‫الحكام الشرعية الخمسة أضداد ل يجتمع منها اثنان وإن قضينا بارتفاع‬
‫الندب فقد رفعنا الواقع وأن أثبتناها بالنسبة الى التعلق فقد قلنا إن الزوال‬
‫يقتضي صلتين وهو خلف الجماع فيلزم أحد أمور ثلثة محالة وهي‬
‫أما اجتماع الضدين أو ارتفاع الواقع أو خلف الجماع‬
‫‪ - 7‬وسابعها المرأة إذا زالت عليها الشمس ثم حاضت آخر الوقت وقد‬
‫بقي مقدار عشر ركعات فإن الصلتين يسقطان عنها وقد أنعقد الجماع‬
‫قبل طرو الحيض على الوجوب عليها فعدم الوجوب في آخر الوقت إن‬
‫كان مع بقاء الواجب المقضي به أول الوقت فيجب عليها القضاء لذلك‬
‫الواجب الذي لم تفعله ولم تصل به حيث قلنا بالسقوط وإن كان ل مع‬
‫بقاء ذلك الواجب فقد رفعنا ما قضينا بثبوته قبل الحيض وهو رفع الواقع‬
‫بعد وقوعه في الزمان الماضي‬
‫‪ - 8‬وثامنها إذا طهرت آخر الوقت قضينا بوجوب الصلة عليها مع أنا‬
‫كنا قضينا بعدمها أول الوقت اعتبارا للمانع الذي هو الحيض فإن الحيض‬
‫وكل مانع سبب للعدم كما أن كل سبب يقتضي الثبوت فقضاؤنا بالثبوت‬
‫إن كان مع بقاء ذلك العدم فقد اجتمع النقيضان وإن كان ل مع بقاء ذلك‬
‫العدم فقد قضينا برفعه فيلزم رفع الواقع ورفع الواقع محال سواء أكان‬
‫عدما أو ثبوتا فإن عدمنا نحن في زمن الطوفان يستحيل الن رفعه لكونه‬
‫واقعا في الزمان الماضي‬
‫‪ - 9‬وتاسعها المسافر اذا قدم آخر الوقت زاد في فرضه ركعتان القضاء‬
‫بعدهما لما تقدم وإذا سافر به آخر الوقت سقط من فرضه ركعتان بعد‬

‫‪26‬‬
‫القضاء بثبوتهما وكذلك بقية أرباب العذار وال أعلم‬
‫‪ - 10‬وعاشرها إذا حلف بالطلق أو غيره على أنه ليشربن خمرا أو‬
‫ليغسلن محرما قال أصحابنا يحنث عقب حلفه لن المعدوم شرعا‬
‫كالمعدوم حسا فهو كما حلف ليقومن اليوم فلم يقم فإن تجرأ وفعل المحرم‬
‫لم يلزمه طلق ول كفارة ول شيء مما كان يلزمه مما حلف به فنفرض‬
‫أنا أفتيناه بالحنث ولزم الطلق فاعتدت امرأته وتزوجت وولدت أولدا ثم‬
‫فعل الحالف ذلك المحرم فإنا نقضي ببره بناء على ظاهر النقل عن‬
‫المذهب وتحل له امرأته بغير عقد جديد‬
‫فهذا الحل اللحق إن أثبتنا معه الحرمة السابقه والحل للزواج فقد اجتمع‬
‫الضدان الحل والحرمة وإن رفعنا الحرمة السابقة فقد رفعنا الحكم بعد‬
‫وقوعه ويلزمنا أن نقضي بتحريم وطء الزوج الثاني وأنه لم يكن مباحا له‬
‫العقد عليها ويتجه القول في الحد والولد هل تم شبهة تسقط الحد وتلحق‬
‫النسب أم ل فإنه إذا فعل بقيت العصمة عند الصحاب لم يتشعب منها‬
‫شيء وصحت البتة ومقتضى هذا الحد وسقوط النسب ومصتضى ما‬
‫أفتيناه بإباحة العقد عليها عدم الحد ولحوق النسب فتبقى هذه المسألة‬
‫مشكلة من وجوه من جهة رفع الواقع وغيره وهذه المسائل كثيرة ولو‬
‫استقرأناها لطالت ولنقتصر على هذا القدر منها‬
‫وينبغي أن تعلم أنه ليس منها الفسوخ في العقود لن الفسخ ل يرفع واقعا‬
‫في نفس المر بل تحقق الواقع وهو ان العقد كان ل يفيد الملك في نفس‬
‫المر ففسخنا إياه بمعنى أنا أمرنا كل واحد من المتعاقدين أن يرد ما اخذه‬
‫الى الخر فإن كان لم يقبض شيئا منعناه من القبض‬
‫وليس منها إل قلة لنها بيع إل في ثلث مسائل المرابحة وبيع الطعام‬
‫قبل قبضه والشفعة فهي حيث كانت بيعا كبيع النسان ما له بعد أن‬
‫اشتراه ليس فيه رفع الواقع بل تجديد أمر لم يكن في تلك‬
‫المسائل هي كالفسخ أو عديمة الثر البته على ما قرر من تلك المسائل‬
‫الثلث في مواطنها‬
‫وليس منها عقود المحجور عليهم لنها كانت موقوفه ولم نقض فيها قبل‬
‫الرد بل قضينا قبل الرد بأنها تستحق الرد إن رآه من له الرد وقد رآه فما‬
‫ارتفع واقع‬
‫وليس منها توريث الجنين لنا قضينا له بالرث بعد التوقف الى حين‬
‫ظهور حياته فانتهى التوقف نفسه لحصول الغاية فلم يرتفع واقعا‬
‫وليس منها تقديم الزكاة في الفطر والمال لن المقدم منها قضينا بعدم‬

‫‪27‬‬
‫وجوبه قبل كمال الحول ورؤية هلل الفطر فلو حال الحول ورأى الهلل‬
‫قلنا أجزأ ذلك الذي لم يكن واجبا عما في الذمة من الواجب رخصة‬
‫وتوسعة لنا عقلنا معنى الزكاة وهي أن المراد بها شكر نعم ال تعالى‬
‫على الغنياء وسد خلة الفقراء والمقصود ان حاصلن بالمال المتقدم‬
‫بخلف الصلة فإنا لم نعقل معناها فلم نتصرف فيها بإيقاعها قبل الزوال‬
‫وغيره من أوقاتها وإن كنا قد أهملنا ما في الزكاة من شائبة التعبد‬
‫الموجودة في مقادير نصبها وتحديد الواجب فيها ونحو ذلك فلم يجيزوا‬
‫فيها كثرة التقديم بل بالشهر ونحوه وفي الفطر باليوم والثلثة ونظير‬
‫براءة الذمه مما ليس بواجب الطهارة والسترة واجبتان على المكلف‬
‫للصلة والوجوب إنما يتعلق بفعله ولو قدم ذلك الفعل قبل الوقت فتوضأ‬
‫واستتر ثم دخل الوقت أجزأ المتقدم من فعله عن تجديد فعل بعد دخول‬
‫الوقت ول يقال الستدامة كالبتداء في المذهب‬
‫فإنا نقول إنما ذلك في اليمان لنها أسباب للزوم الكفارة والسبب ل‬
‫يشترط ان يكون فعل للمكلف كالزوال وغيره من السباب والطهارة‬
‫والسترة واجبتان والواجب ل بد ان يكون فعل للمكلف‬
‫فإن قلت المعنى بأنهما واجبان أن حصولهما شرط والشرط ل يشترط فيه‬
‫أن يكون فعل للمكلف كدوران الحول في الزكاة‬
‫قلت هذا كلم حسن غير أن ظاهر كلم الصحاب مصرح بالوجوب‬
‫وليس أيضا من رفع الواقع نقضي القضية حيث نقضناها لنها كالنسوخ‬
‫في العقود الباطلة فإنا إنما ننقض ما لم يستجمع للشرائط في نفس المر‬
‫وليس منها النصراني إذا عتق ثم دخل دار الحرب وقاتل ثم غنمناه فإنا‬
‫نسترقه وليس رفعا للحرية السابقة بل تجدد بسبب آخر اقتضى رقه فهو‬
‫كالطلق بعد الزواج والزواج بعد الطلق في المرأة الواحدة أحكام تتجدد‬
‫لتجدد أسبابها ول يبطل ما تقدم وليس من هذا الباب أيضا إزالة الملك‬
‫عن الرض بعد زوال الحكام أو عن الماء إذا أريق في النهر بعد حوزه‬
‫أو عن الصيد إذا توحش فطال هجانه بعد أصطياده أو عن الحوت إذا‬
‫رجع للنهر فإنا لم نقض ببطلن الملك السابقة بل جددنا إباحة لتجدد‬
‫سببها فهو كعود التحريم في الجنبيه بالطلق‬
‫وإنما البحث بيننا وبين المخالف لنا في أن الطاريء هل هو سبب يقتضي‬
‫الباحة العامة أم ل فنحن نقول به وهو ل يرى ذلك‬
‫وبالجمله فضابط مسائل الرفع إذا أردت استقراءها وتحقيقها هو أن يكون‬
‫سبب له حكم شرعي فيترتب عليه ذلك الحكم ثم ترتب عليه غيره بعد أن‬

‫‪28‬‬
‫ترتب الول إل أنك ترتب حكما آخر على سبب آخر من حين طرو‬
‫الثاني ول تعطفه على ما قبله أما متى عطفته على ما قبله من المسائل‬
‫التي فيها رفع الواقع فيندرج في البحث سؤال وجوابا‬
‫ولنقتصر على هذا القدر من التنبيه ونشرع في الجواب عن تلك العشرة‬
‫مع المسائل المذكورة في المسألة فنقول‬
‫قاعدة مشهورة في الشريعة وهي قاعدة التقديرين فيعطى الموجود حكم‬
‫المعدوم والمعدوم حكم الموجود‬
‫أما إعطاء المعدوم حكم الموجود فله في الشرع مسائل كثيرة‬
‫‪ - 1‬منها إيمان الصبيان وكذلك البالغون حالة الغفلة من اليمان وكفر‬
‫أطفال الكفار وبالغيهم حالى غفلتهم عن الكفر وعدالة العدول حالة الغفله‬
‫وكذلك الفسوق في الفساق والخلص في المخلصين والرياء في المرائين‬
‫إذا تلبسوا بذلك ثم غفلوا عنه فمن مات منهم على شيء من هذه‬
‫التقديرات بغته فهو عند ال تعالى كذلك ول تخرجه للغفلة عن حكمه‬
‫ومن ذلك النيات في العبادات وقد تقدمت‬
‫وكذلك العلم في العلماء والفقه في الفقهاء والعداوة في العداء والصداقة‬
‫في الصدقاء والحسد في الحساد حالة الغفله عن جميع ذلك فائدة قوله‬
‫تعالى ومن شر حاسد إذا حسد إنما قيد بقوله إذا حسد إشارة الى الحسد‬
‫الفعلي فإن الحكمي الذي هو الحسد المقدر ل يضر المحسود وإنما يضر‬
‫الحسد الفعلي فلذلك قيد بقوله إذا حسد‬
‫‪ - 2‬ومن التقدير في إعطاء المعدوم حكم الموجود أن المدلس بالسرقة‬
‫في العبد إذا قطع العبد في السرقة عند المشتري يقدر القطع عند البائع‬
‫ويكون له الرد بغير شيء أو دنس بالرده فقتل عند المشتري بالردة يقدر‬
‫القتل في يد البائع‬
‫‪ - 3‬ومن ذلك الذمم إنما هي تقديرات شرعية في النسان تقبل اللزام‬
‫واللتزام والحقوق في الذمم مقدرات فيقدر الذهب والفضة والطعام في‬
‫السلم وغيره والعروض في الذمم وهي أجسام ل يتصور‬
‫كونها في الذمم حقيقة بل تكون معدومه من الوجود كله بالضروره كمن‬
‫أسلم في فاكهة ل توجد إل في الصيف أو زهر كالورد ونحوه ويقع العقد‬
‫في الشتاء فيقدر ذلك كله في الذمة‬
‫وتقدر التقديرين في عروض التجارة للزكاة وتقدر الملك في المملوكات‬
‫وكذلك الرق والحرية والزوجية وهو كثير جدا حتى ل يكاد يخلو باب من‬
‫أبواب الفقه منه فتأمله تجده‬

‫‪29‬‬
‫وأما إعطاء الموجود حكم المعدوم فكالماء مع المسافر وهو يحتاجه‬
‫لعطشه أو عطش غيره فإنه كالمعدوم فيتيمم‬
‫وكذلك من معه نصاب حال عليه الحول وهو يحتاجه وهو يحتاجه لقضاء‬
‫دينه بقدر معدوما ول زكاة عليه وكذلك وجود الرقبة عند المكفر مع‬
‫حاجته الضرورية إليها وكذلك من عنده نصاب يحتاجه لضرورته وهو ل‬
‫يكفيه نقدره كالمعدوم ونعطيه الزكاه كالفقير الذي ل شيء له وكذلك‬
‫صاحب السلس والجراحات السائلة يقدر ما وجد من الحداث والخباث‬
‫في حقه معدوما وتصح صلته كأنه عدم الماء في حقه ويقع في التقدير‬
‫إعطاء المتقدم حكم المتأخر والمتأخر حكم المتقدم فأما إعطاء المتأخر‬
‫حكم المتقدم كمن رمى سهما أو حجرا ثم مات فأصاب بعد موته شيئا‬
‫فأفسده فإنه يلزمه ضمانة ويقدر الفساد وقع متقدما في حياته وكذلك لو‬
‫حفر بئرا فوقع فيها شيء فهلك بعد موته‬
‫وأما إعطاء المتقدم حكم المتأخر فكتقديم النية في الصوم أو في الطهارة‬
‫على الخلف في الطهارة فتقدر متأخرة مقارنة ويكون المقدم لينته بمنزله‬
‫المؤخر لها لنه الصل وكذلك مقدم الزكاة في الفطر والمال يقدر‬
‫الخراج وقع بعد الحول أو رؤية الهلل يترتب الحكم‬
‫على السبب الذي هو الهلل أو المشروط على شرطه الذي هو الحول‬
‫وأعلم انه متى وقع البيع دينا بدين أو عينا بعين اشتمل على التقدير في‬
‫الذمة ول يخرج البيع عن التقدير إل في بيع المعاطاة ول بد في الجارة‬
‫من التقدير إن قوبلت منفعة بمنفعة فكلهما مقدر لو تعين وكانت المنافع‬
‫مقدرة‬
‫وكذلك السلم ل بد فيه من التقدير في الجهتين أو في المسلم فيه فقط إن‬
‫كان الثمن مبينا‬
‫والوكالة منافع الوكيل فيها مقدرة وكذلك القراض والمساقاة منافع العامل‬
‫المعاقد عليها مقدرة في ذمتهم وكذلك القرض في ذمة المقترض وكذلك‬
‫المزارعة والجعالة‬
‫والوقف تمليك المعدوم فهو تقديري والرهن يقع في الديون المعدومة وقد‬
‫يكون دينا في نفسه وتقع الوصية بالدين للموجود والمعدوم والمقدر‬
‫وجوده والعواري تتناول المنافع المعدومه المقدرة في العيان وحفظ‬
‫الوديعة مطلوب حالة اليداع فهو تبع لمعدوم مقدر حتى يصح ورود‬
‫الشرع عليه‬
‫وعقد النكاح إنما يتناول معدوما مقدرا في الزوجة وفي الزوج من الوطء‬

‫‪30‬‬
‫والعشرة والصداق والنفقة والكسوة ول يخرج عن التقدير إل الصداق‬
‫المعين‬
‫والكفالة التزام معدوم والحوالة بيع معدوم بمعدوم والصلح بيع أو إجارة‬
‫فيدخله التقدير والبراء إنما يتناول المقدر في الذمم‬
‫والعجب ممن يعتقد أن المعارضة على المعدوم على خلف الصل مع‬
‫أن الشريعة طافحة به في مواردها أو مصادرها حتى ل يكاد يعرى عنه‬
‫باب كما قد رأيت بل الوامر والنواهي والدعية والشروط ومشروطاتها‬
‫في التعليقات والوعود والوعيدات وانواع التمني والترجي والباحات كلها‬
‫ل تتعلق إل بالمعدوم فتأمل ذلك حق تأمله تجد فيه‬
‫فقها كثيرا ينتفع به في محاولة الفقه واتساع النظر ودفع الشكالت عن‬
‫القواعد والفروع‬
‫وإنما أكثرت من مثل التقدير لني رأيت الفقهاء الفضلء إذا قيل لهم ما‬
‫مثل إعطاء الموجود حكم المعدوم أو المعدوم حكم الموجود صعب عليهم‬
‫تمثيل ذلك وإن مثلوا فعساهم يجدون المثال أو المثالين فاردت أن يتسع‬
‫للفقيه هذا الباب ويسهل عليه‬
‫إذا تقررت هذه القاعدة وهي التقديرات الشرعية فنقول الجواب عن الول‬
‫وهو رفض النية أنا لم نقل ارتفع ما كان تقدم من النية الحكمية بل‬
‫قدرناها معدومة وهي موجودة في نفس المر بل الشرع ألغاها كما ألغى‬
‫حكم السلس وغيره كما تقدم في المثل فما ارتفع ورقع ول لزم محال‬
‫غير أنه يبقى النظر في ذلك الدليل الذي يدل على هذا التقدير هل هو‬
‫صحيح أم ل‬
‫ذلك مما يبحث في الففه في مواطنه‬
‫وأما ها هنا فالمقصود بيان قول الفقهاء بالرفض ما معناه وأنه ممكن ل‬
‫مستحيل‬
‫‪ 2‬والجواب عن الثاني وهو الول من العشرة أن معنى قولنا في الرد‬
‫بالعيب أنه رفع للعقد من أصله أي يقدر كالمعدوم وإن كان موجودا‬
‫فيعطي حكم المعدوم ومقتضى هذا أن ترد الغلت للبائع ول يبقى أثر من‬
‫الثار‬
‫لكن الصحاب لم يقولوا بذلك ول إخاله قول أحد من العلماء بل إنما قدره‬
‫الصحاب كالمعدوم من أصله في أمور خاصة فقالوا إذا صرح بالرد‬
‫فهلك المبيع قبل وصوله ليد البائع ففي ضمانه من البائع أو المبتاع أقوال‬
‫ثالثها من البائع إن حكم به حاكم وإل فمن المبتاع‬

‫‪31‬‬
‫قال الشيخ أبو الطاهر منشأ الخلف هل الرد نقض للعقد من أصله فيكون‬
‫الضمان من البائع كأنه لم يخرج عنه أو من حينه فل يتحقق النقض إل‬
‫بوصوله إليه ونحو هذا‬
‫وأما التعميم في جملة الثار فلم يقولوا به لن التقدير على خلف الصل‬
‫فيقتصر به على مورد الدليل وقيامة ول عجب أن يقدر الشيء معدوما‬
‫بالنسبة الى بعض آثاره دون بعض أل ترى الخارج على وجه السلس ل‬
‫يوجب الوضوء وإذا وقع على ثوب إنسان نجسه اتفاقا بخلف ما لو‬
‫صلى صاحب السلس بإنسان ففيه خلف فقد قدر معدوما بالنسبة الى‬
‫بعض آثاره دون بعض‬
‫‪ - 3‬والجواب عن الثالث وهو الثاني من العشرة أنها إذا دخلت آخر‬
‫الشهر تحقق الشرط وترتب عليه شروطه بصفاته ومن صفات ذلك‬
‫الشروط أن يتقدم من أول الشهر ويقدر اجتماعه مع الباحة المتقدمة‬
‫فالباحة مقطوع بوجودها م أول الشهر الى آخره ويقدر لهذا السبب‬
‫الطاريء وهو دخول الدار مسبب على النحو الذي اقتضاه التعليق جمعا‬
‫بين السببين السابق الذي هو عقد النكاح المقتضي للباحة واللحق الذي‬
‫هو دخول الدار الذي جعل سببا بالتعليق بمسببه الموصوف بالتقدم ولذلك‬
‫لم يلزم تقديم المشروط الذي هو الطلق على شرطة الذي هو دخول‬
‫الدار بل الطلق بوصف التقدم هو المجموع متأخر في الترتيب عن‬
‫دخول الدار ومن اتسع عقله العتبارات العقليه والشرعيه لم يشكل عليه‬
‫من هذا المكان وأشباهه‬
‫ونظيره لو قال زيد لعمرو غفر ال لك ذنوبك لسنة ماضية فقال له عمرو‬
‫أنا أكافئك على دعائك هذا بأفضل منه غفر ال لك ذنوبك بجملة عمرك‬
‫فهذا الدعاء الثاني مكافأة للول فهو متأخر عنه من حيث إنه مكافأة ومن‬
‫حيث الوقوع فإن عمرا إنما نطق بالدعاء بعد زيد ومع ذلك فمقتضاه‬
‫متقدم على مقتضى الول لن جملة العمر يتقدم أوله على السنة الخيرة‬
‫التي دعا فيها زيد ولم يحصل في ذلك تناقض لكونه متأخرا متقدما‬
‫وبالجملة ل بد في هذه المور من جودة الذهن وإل فل ينفع التأنيس‬
‫بكثرة النظائر بل تشكل النظائر كما أشكل النظر‬
‫‪ -‬والجواب عن الرابع وهو الثالث من العشرة ان الملك إنما يثبت تقديرا‬
‫للمعدوم في حكم الموجود لضرورة التوريث فالمعدوم ارتفع بل قدر‬
‫الموجود معه المقدر ل يناقض العدم المحقق لن معنى التقدير أن هذا‬
‫العدم عند الشرع كالوجود ترتب حكم الموجود عليه وللشرع أن يرتب‬

‫‪32‬‬
‫حكمه على ما شاء فيرتب حكم الموجود على المعدوم ويرتب حكم‬
‫المعدوم على الموجود أو ل يجعله مرتبا البتة فإن ربط الحكام بالسباب‬
‫ليس لزما عقل عندنا خلفا للمعتزلة بل الجائز العقلي قابل لجميع ما‬
‫ذكرته ‪ - 5‬والجواب عن الخامس أن الملك للمعتق عنه مقدر ومعناه ان‬
‫الشرع صير ذلك العدم المتقدم كالملك المحقق فل تناقض ول نقض برفع‬
‫واقع‬
‫‪ - 6‬والجواب عن السادس الذي هو الخامس من العشرة ان الردة سبب‬
‫رتب الشرع عليها تقديرا شرعيا وهو إعطاء الموجود حكم المعدوم‬
‫بإعطاء العبادات وتلك التصرفات المتقدمة الموجوده قبل الردة حكم‬
‫المعدوم بأن جعل حكم هذا المرتد حكم من لم يفعلها‬
‫‪ - 7‬والجواب عن السابع أن الزوال يقتضي صلتين باعتبار حالتين‬
‫فيقتضي الظهر مندوبة باعتبار حالة عدم البلوغ واجبة باعتبار حالة‬
‫البلوغ كما يقتضيها مقصورة باعتبار حالة السفر وتامة باعتبار حالة‬
‫القامة باعتبار شخصين وباعتبار كل شخص فإن هذا حكم ال تعالى في‬
‫حقه أن الزوال يوجب عليه كل واحدة من الصلتين باعتبار حالين وإنما‬
‫ذكر هذا القول الشافعيه أن الشرع لم ينصب الزوال إل سببا لصلة‬
‫واحدة فثبت ان الزوال قد يقتضي صلتين باعتبار حالتين وها هنا الزوال‬
‫يقتضي الظهر الواجبة إذا اتصل به شرط البلوغ إجماعا فلما تحقق شرط‬
‫إيجاب الزوال للظهر قدرنا اليجاب مرتبا على سببه متقدما بعد أن كان‬
‫متأخرا كما يتعذر للملك في بيع الخيار بعد مضي المدة متقدما مرتبا على‬
‫عقد البيع‬
‫ثم إنا نقول للشافعية الذين يدعون أن الزوال ل يكون سببا لصلتين في‬
‫جميع الصور أو فيما عدا صورة النزاع الول مصادرة على صورة‬
‫النزاع ونحن نمنع صدق الكلية ل ندراج صورة النزاع فيها والثاني مسلم‬
‫لكن لم قلتم إن صورة النزاع كذلك‬
‫ثم إن الفرق أنه أهل للندبية قبل البلوغ فتثبت الندبية في حقه وشابه‬
‫المغمى عليه إذا أفاق بعد الزوال في حصول شرط اليجاب بعد تقدم‬
‫سببه فترتب اليجاب في حقه أيضا عمل بهذا السبب‬
‫وأما المغمى عليه ونحوه فلم تكن له أهلية الندبيه قبل الفاقة والبالغ‬
‫المستكمل للشروط عند الزوال ترتب اليجاب عليه أبدا لجل استجماعه‬
‫فصار الصبي دائرا بين قاعدتين فمتى الحقوه بإحداهما فرقنا بشبهه‬
‫الخرى‬

‫‪33‬‬
‫‪ - 8‬والجواب عن الثامن الذي هو السابع من العشرة أن المرأة إذا‬
‫حاضت آخر الوقت قدر لها عدم الوجوب قبل الحيض مرتبا على الزوال‬
‫ل أن الزوال سبب لبراءة الذمة فقط حتى ل تجب الصلة لنها لو‬
‫طهرت في آخر الوقت قفدرنا الوجوب متقدما مرتبا على الزوال فسوينا‬
‫في المسألتين ملحظة آخر الوقت ل أنه يفوت السبب ولنا قاعدتان‬
‫‪ - 1‬إحداهما أن أوقات الصلة أسباب لها ي‬
‫‪ - 2‬القاعدة الثانية أن المسببات إنما تنتقل للذمم عند ذهاب أسبابها لن‬
‫الزكاة ما دام النصاب فيها موجودا ل تنتقل الزكاة للذمة بالضمان بل إذا‬
‫عدم النصاب ضمن بشرط التفريط وإنما يفني الوقت ويعدم بذهاب آخره‬
‫لن السبب ليس مجموعه كالنصاب بل القدر المشترك بين أجزائة الذي‬
‫هو يسع مقدار الصلة وكل مشترك ما دام فرد منه باقيا فهو باق فل‬
‫جرم ل يعدم الوقت إل بعدم جميع أجزائه والنصاب يعدم بعدم أحد‬
‫أجزائه لن الحكم فيه مضاف للمجموع المشترك بين أفراد الدنانير فتعين‬
‫حينئذ أن الصلة ل تترتب في الذمة قضاء إل عند عدم جميع أجزاء‬
‫الزمان‬

‫‪ - 9‬والجواب عن التاسع ما تقدم في الثامن‬


‫‪ - 10‬والجواب عن العاشر أنه قد تقدم أن الزوال سبب في الشرع‬
‫لصلتين تامة بشرط القامة ومقصورة بشرط السفر وتقدم أيضا أن آخر‬
‫الوقت هو المعتبر باعتبار أرباب العذار فإذا سافر قدر فرضه ركعتين‬
‫عند الزوال متقدما لن الحكام إنما تقدر مرتبة على أسبابها كما قلنا في‬
‫بيع الخيار وغيره في البحث المتقدم وقدرنا فرض الربعة معدوما‬
‫فيجتمع في حقه التقديران إعطاء الموجود حكم المعدوم وإعطاء المعدوم‬
‫حكم الموجود‬
‫‪ - 11‬والجواب عن الحادي عشر وهو العاشر من النظائر ان الحالف‬
‫بالطلق ونحوه إذا فعل المحرم المحلوف عليه حينئذ يقدر ثبوت البر له‬
‫متقدما وإن كان سبب بره متأخرا ل سيما والتحريم السابق والحنث إنما‬
‫كان تقديريا ل حقيقيا لنا إنما قدرنا قدرته على الفعل معدومه للنهي‬
‫الشرعي فتحنيثه والتحريم عليه إنما هو أمر تقديري فأمكن أن يقدر بعد‬
‫ذلك نقيضه فإنا إذا قدرنا أحد النقيضين مع ثبوت النقيض الخر ثبوتا‬

‫‪34‬‬
‫محققا كما تقدم في النظائر فأولى جواز تقدير النقيض مع النقيض المقدر‬
‫وعلى هذا التقدير ينبغي أن ترد له زوجته ويسقط الحد عن الزوج الثاني‬
‫لن وطنه كان مباحا إباحة تقديريه ويترتب على عقده جميع آثار العقد‬
‫الكامل ويعود الزوج الول وتكون معه كغير الحالف البتة‬
‫هذا مقتضى الفقه ولم أر هذا التفريع منقول ول ما يمنعه فتأمله بقواعد‬
‫الفقه وقوانين الشرع فقد ظهر حينئذ معنى قول الفقهاء في رفض النية‬
‫وفي نظائرها وحصل التنبيه على تخريج الجميع على قاعدة واحدة وهي‬
‫قاعدة التقديرات هي قاعدة أجمع العلماء عليها وإذا خرجت الفروع‬
‫الكثيرة على قاعدة واحدة فهو أولى من تخريج كل فرع بمعنى يخصه‬
‫لنه أضبط للفقيه وأنول للعقل وأفضل في رتبه الفقه وليكن هذا شأنك في‬
‫تخريج الفقه فهو أولى بمن علت همته في القواعد الشرعيه‬

‫وال تعالى هو الفتاح الوهاب الهادي للصواب نسأله أن يهبنا من فضله‬


‫ما نصل به الى جزيل نيله وأن ل يكلنا الى أنفسنا ول إلى مساعينا في‬
‫أمر أخرانا وفي أمر دنيانا إنه سميع الدعاء واسع العطاء وصلى ال على‬
‫سيدنا محمد خير خلقه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا‬
‫وهذا آخر ما أردته من كتاب المنية في إدراك النية نفع ال به جامعة‬
‫وكاتبه وقارئه والمتأمل فيه بمنه وكرمه آمين وهو حسبنا ونعم الوكيل‬

‫‪35‬‬

You might also like