Professional Documents
Culture Documents
**2سورة البقرة
**3الية{ 203 :واذكروا ال في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فل إثم عليه ومن تأخر
فل إثم عليه لمن اتقى واتقوا ال واعلموا أنكم إليه تحشرون}
@قوله تعالى" :واذكروا ال ففي أيام معدودات" :قال الكوفيون :اللف والتاء ففي "معدودات"
لقفل العدد .وقال البصفريون :همفا للقليفل والكثيفر ،بدليفل قوله تعالى" :وهفم ففي الغرفات آمنون"
[سبأ ]37 :والغرفات كثيرة .ول خلف بين العلماء أن اليام المعدودات في هذه الية هي أيام
منفى ،وهفي أيام التشريفق ،وأن هذه الثلثفة السفماء واقعفة عليهفا ،وهفي أيام رمفي الجمار ،وهفي
واقعفة على الثلثفة اليام التفي يتعجفل الحاج منهفا ففي يوميفن بعفد يوم النحفر ،فقفف على ذلك .وقال
الثعلبي وقال إبراهيم :اليام المعدودات أيام العشر ،واليام المعلومات أيام النحر ،وكذا حكى مكي
والمهدوي أن اليام المعدودات هفي أيام العشفر .ول يصفح لمفا ذكرناه مفن الجماع ،على مفا نقله
أبو عمر بن عبدالبر وغيره .قال ابن عطية :وهذا إما أن يكون من تصحيف النسخة ،وإما أن يريد
العشر الذي بعد النحر ،وفي ذلك بعد.
@أمفر ال سفبحانه وتعالى عباده بذكره ففي اليام المعدودات ،وهفي الثلثفة التفي بعفد يوم النحفر،
وليس يوم النحر منها ،لجماع الناس أنه ل ينفر أحد يوم النفر وهو ثاني يوم النحر ،ولو كان يوم
النحر في المعدودات لساغ أن ينفر من شاء متعجل يوم النفر ،لنه قد أخذ يومين من المعدودات.
خرج الدارقطنفي والترمذي وغيرهمفا عفن عبدالرحمفن بفن يعمفر الديلي أن ناسفا مفن أهفل نجفد أتوا
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وهفو بعرففة فسفألوه ،فأمفر مناديفا فنادى( :الحفج عرففة ،فمفن جاء
ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك ،أيام منى ثلثة فمن تعجل في يومين فل إثم عليه ومن تأخر
فل إثفم عليفه) ،أي مفن تعجفل مفن الحاج ففي يوميفن مفن أيام منفى صفار مقامفه بمنفى ثلثفة أيام بيوم
النحر ،ويصير جميع رميه بتسع وأربعين حصاة ،ويسقط عنه رمي يوم الثالث .ومن لم ينفر منها
إل ففي آخفر اليوم الثالث حصفل له بمنفى مقام أربعفة أيام مفن أجفل يوم النحفر ،واسفتوفى العدد ففي
الرمي ،على ما يأتي بيانه .ومن الدليل على أن أيام منى ثلثة -مع ما ذكرناه -قول العرجي:
حتى يفرق بيننا النفر ما نلتقي إل ثلث منى
فأيام الرمففي معدودات ،وأيام النحففر معلومات .وروى نافففع عففن ابففن عمففر أن اليام المعدودات
واليام المعلومات يجمعهفا أربعفة أيام :يوم النحفر وثلثفة أيام بعده ،فيوم النحر معلوم غير معدود،
واليومان بعده معلومان معدودان ،واليوم الرابفع معدود ل معلوم ،وهذا مذهفب مالك وغيره .وإنمفا
كان كذلك لن الول ليفس مفن اليام التفي تختفص بمنفى ففي قوله سفبحانه تعالى" :واذكروا ال ففي
أيام معدودات" ول من التي عين النبي صلى ال عليه وسلم بقوله( :أيام منى ثلثة) فكان معلوما،
لن ال تعالى قال" :ويذكروا اسم ال في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة النعام" [الحج:
]28ول خلف أن المراد بفه النحفر ،وكان النحفر ففي اليوم الول وهفو يوم الضحفى والثانفي
والثالث ،ولم يكفن ففي الرابفع نحفر بإجماع مفن علمائنفا ،فكان الرابفع غيفر مراد ففي قوله تعالى:
"معلومات" لنه ل ينحر فيه وكان مما يرمى فيه ،فصار معدودا لجل الرمي ،غير معلوم لعدم
النحفر فيفه .قال ابفن العربفي :والحقيقفة فيفه أن يوم النحفر معدود بالرمفي معلوم بالذبفح ،لكنفه عنفد
علمائنفا ليفس مرادا ففي قوله تعالى" :واذكروا ال ففي أيام معدودات" .وقال أبفو حنيففة والشافعفي:
(اليام المعلومات العشر من أول يوم من ذي الحجة ،وآخرها يوم النحر) ،لم يختلف قولهما في
ذلك ،ورويففا ذلك عففن ابففن عباس .وروى الطحاوي عففن أبففي يوسففف أن اليام المعلومات أيام
النحفر ،قال أبفو يوسفف :روي ذلك عفن عمفر وعلي ،وإليفه أذهفب ،لنفه تعالى قال" :ويذكروا اسفم
ال في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة النعام" .وحكى الكرخي عن محمد بن الحسن أن
اليام المعلومات أيام النحفر الثلثة :يوم الضحفى ويومان بعده .قال الكيفا الطفبري :فعلى قول أبفي
يوسفففف ومحمفففد ل فرق بيفففن المعلومات والمعدودات ،لن المعدودات المذكورة ففففي القرآن أيام
التشريق بل خلف ،ول يشك أحد أن المعدودات ل تتناول أيام العشر ،لن ال تعالى يقول" :فمن
تعجل في يومين فل إثم عليه" وليس في العشر حكم يتعلق بيومين دون الثالث .وقد روي عن ابن
عباس (أن المعلومات العشر ،والمعدودات أيام التشريق) ،وهو قول الجمهور.
قلت :وقال ابفن زيفد :اليام المعلومات عشفر ذي الحجفة وأيام التشريفق ،وفيفه بعفد ،لمفا ذكرناه،
وظاهر الية يدفعه .وجعل ال الذكر في اليام المعدودات والمعلومات يدل على خلف قوله ،فل
معنى للشتغال به.
@ول خلف أن المخاطفب بهذا الذكفر هفو الحاج ،خوطفب بالتكفبير عنفد رمفي الجمار ،وعلى مفا
رزق مفن بهيمفة النعام ففي اليام المعلومات وعنفد أدبار الصفلوات دون تلبيفة ،وهفل يدخفل غيفر
الحاج في هذا أم ل؟ فالذي عليه فقهاء المصار والمشاهير من الصحابة والتابعين على أن المراد
بالتكبير كل أحد -وخصوصا في أوقات الصلوات -فكبر عند انقضاء كل صلة -كان المصلي
وحده أو فففي جماعففة -تكففبيرا ظاهرا فففي هذه اليام ،اقتداء بالسففلف رضففي ال عنهففم .وفففي
المختصر :ول يكبر النساء دبر الصلوات ،والول أشهر ،لنه يلزمها حكم الحرام كالرجل ،قاله
في المدونة.
@ومن نسي التكبير بإثر صلة كبر إن كان قريبا ،وإن تباعد فل شيء عليه ،قاله ابن الجلب.
وقال مالك في المختصر :يكبر ما دام في مجلسه ،فإذا قام من مجلسه فل شيء عليه وفي المدونة
مفن قول مالك :إن نسفي المام التكفبير فإن كان قريبفا قعفد فكفبر ،وإن تباعفد فل شيفء عليفه ،وإن
ذهب ولم يكبر والقوم جلوس فليكبروا.
@واختلف العلماء ففي طرففي مدة التكفبير ،فقال عمفر بفن الخطاب وعلي بفن أبفي طالب وابفن
عباس( :يكفبر مفن صفلة الصفبح يوم عرففة إلى العصفر مفن آخفر أيام التشريفق) .وقال ابفن مسفعود
وأبفو حنيففة :يكفبر مفن غداة عرففة إلى صفلة العصفر مفن يوم النحفر .وخالففه صفاحباه فقال بالقول
الول ،قول عمففر وعلي وابففن عباس رضففي ال عنهففم ،فاتفقوا فففي البتداء دون النتهاء .وقال
مالك :يكففبر مففن صففلة الظهففر يوم النحففر إلى صففلة الصففبح مففن آخففر أيام التشريففق ،وبففه قال
الشافعفي ،وهفو قول ابفن عمفر وابفن عباس أيضفا .وقال زيفد بفن ثابفت( :يكفبر مفن ظهفر يوم النحفر
إلى آخفر أيام التشريفق) .قال ابفن العربفي :فأمفا مفن قال :يكفبر يوم عرففة ويقطفع العصفر مفن يوم
النحففر فقففد خرج عففن الظاهففر ،لن ال تعالى قال" :فففي أيام معدودات" وأيامهففا ثلثففة ،وقففد قال
هؤلء :يكبر في يومين ،فتركوا الظاهفر لغيفر دليل .وأما من قال يوم عرفة وأيام التشريفق ،فقال:
إنفه قال" :فإذا أفضتفم مفن عرفات" [البقرة ،]198 :فذكفر "عرفات" داخفل ففي ذكفر اليام ،هذا
كان يصففح لو كان قال :يكففبر مففن المغرب يوم عرفففة ،لن وقففت الفاضففة حينئذ ،فأمففا قبففل فل
يقتضيه ظاهر اللفظ ،ويلزمه أن يكون من يوم التروية عند الحلول بمنى.
@واختلفوا ففي لففظ التكفبير ،فمشهور مذهفب مالك أنفه يكفبر إثفر كفل صفلة ثلث تكفبيرات ،رواه
زياد بن زياد عن مالك .وفي المذهب رواية :يقال بعد التكبيرات الثلث :ل إله إل ال ،وال أكبر
ول الحمفد .وففي المختصفر عفن مالك :ال أكفبر ال أكفبر ،ل إله إل ال ،وال أكفبر ،ال أكفبر ول
الحمد.
@قوله تعالى" :فمفن تعجفل ففي يوميفن فل إثفم عليفه ومفن تأخفر فل إثفم عليفه لمفن اتقفى واتقوا ال
واعلموا أنكففم إليفه تحشرون" :قوله تعالى" :فمففن تعجففل" التعجيففل أبدا ل يكون هنففا إل فففي آخففر
النهار ،وكذلك اليوم الثالث ،لن الرمي في تلك اليام إنما وقته بعد الزوال .وأجمعوا على أن يوم
النحفر ل يرمفى فيفه غيفر جمرة العقبفة ،لن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم لم يرم يوم النحفر مفن
الجمرات غيرهفا ،ووقتهفا مفن طلوع الشمفس إلى الزوال ،وكذلك أجمعوا أن وقفت رمفي الجمرات
ففي أيام التشريفق بعفد الزوال إلى الغروب ،واختلفوا فيمفن رمفى جمرة العقبفة قبفل طلوع الفجفر أو
بعفد طلوع الفجفر قبفل طلوع الشمفس ،فقال مالك وأبفو حنيففة وأحمفد وإسفحاق :جائز رميهفا بعفد
الفجفر قبفل طلوع الشمفس .وقال مالك :لم يبلغنفا أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم رخفص لحفد
برمي قبل أن يطلع الفجر ،ول يجوز رميها قبل الفجر ،فإن رماها قبل الفجر أعادها ،وكذلك قال
أبفو حنيففة وأصفحابه :ل يجوز رميهفا ،وبفه قال أحمفد وإسفحاق .ورخصفت طائففة ففي الرمفي قبفل
طلوع الفجر ،روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت ترمي بالليل وتقول :إنا كنا نصنع هذا على
عهفد رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ،أخرجفه أبفو داود .وروي هذا القول عفن عطاء وابفن أبفي
مليكة وعكرمة بن خالد ،وبه قال الشافعي إذا كان الرمي بعد نصف الليل .وقالت طائفة :ل يرمي
حتفى تطلع الشمفس ،قاله مجاهفد والنخعفي والثوري .وقال أبفو ثور :إن رماهفا قبفل طلوع الشمفس
فإن اختلفوا فيفه لم يجزه ،وإن أجمعوا ،أو كانفت فيفه سفنة أجزأه .قال أبفو عمفر :أمفا قول الثوري
ومن تابعه فحجته أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رمى الجمرة بعد طلوع الشمس وقال( :خذوا
عنفي مناسفككم) .وقال ابفن المنذر :السفنة أل ترمفي إل بعفد طلوع الشمفس ،ول يجزئ الرمفي قبفل
طلوع الفجر ،فإن رمى أعاد ،إذ فاعله مخالف لما سنه الرسول صلى ال عليه وسلم لمته .ومن
رماها بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس فل إعادة عليه ،إذ ل أعلم أحدا قال ل يجزئه.
@روى معمر قال أخبرني هشام بن عروة عن أبيه قال :أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم أم
سفلمة أن تصفبح بمكفة يوم النحفر وكان يومهفا .قال أبفو عمفر :اختلف على هشام ففي هذا الحديفث،
فروتفه طائففة عفن هشام عفن أبيفه مرسفل كمفا رواه معمفر ،ورواه آخرون عفن هشام عفن أبيفه عفن
عائشففة رضففي ال عنهففا أن رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم أمففر أم سففلمة بذلك مسففندا ،ورواه
آخرون عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة مسندا أيضا ،وكلهم ثقات .وهو
يدل على أنها رمت الجمرة بمنى قبل الفجر ،لن رسول ال صلى ال عليه وسلم أمرها أن تصبح
بمكفة يوم النحفر ،وهذا ل يكون إل وقفد رمفت الجمرة بمنفى ليل قبفل الفجفر ،وال أعلم .ورواه أبفو
داود قال حدثنفا هارون بفن عبدال قال حدثنفا ابفن أبفي فديفك عفن الضحاك بفن عثمان عفن هشام بفن
عروة عفن أبيفه عفن عائشفة رضفي ال عنهفا أنهفا قالت :أرسفل رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بأم
سفلمة ليلة النحفر فرمفت الجمرة قبفل الفجفر ثفم مضفت فأفاضفت ،وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم عندهفا .وإذا ثبفت فالرمفي بالليفل جائز لمفن فعله ،والختيار مفن
طلوع الشمس إلى زوالها .قال أبو عمر :أجمعوا على أن وقت الختيار في رمي جمرة العقبة من
طلوع الشمس إلى زوالها ،وأجمعوا أنه إن رماها قبل غروب الشمس من يوم النحر فقد أجزأ عنه
ول شيفء عليفه ،إل مالكفا فإنفه قال :أسفتحب له إن ترك جمرة العقبفة حتفى أمسفى أن يهريفق دمفا
يجيء به من الحل .واختلفوا فيمن لم يرمها حتى غابت الشمس فرماها من الليل أو من الغد ،فقال
مالك :عليفه دم ،واحتفج بأن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وقفت لرمفي الجمرة وقتفا ،وهفو يوم
النحفر ،فمفن رمفى بعفد غروب الشمفس فقفد رماهفا بعفد خروج وقتهفا ،ومفن فعفل شيئا ففي الحفج بعفد
وقتفه فعليفه دم .وقال الشافعفي :ل دم عليفه ،وهفو قول أبفي يوسفف ومحمفد ،وبفه قال أبفو ثور ،لن
النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال له السفائل :يفا رسفول ال ،رميفت بعفد مفا أمسفيت فقال( :ل حرج)،
قال مالك :من نسي رمي الجمار حتى يمسي فليرم أية ساعة ذكر من ليل أو نهار ،كما يصلي أية
ساعة ذكر ،ول يرمي إل ما فاته خاصة ،وإن كانت جمرة واحدة رماها ،ثم يرمي ما رمى بعدها
من الجمار ،فإن الترتيب في الجمار واجب ،فل يجوز أن يشرع في رمي جمرة حتى يكمل رمي
الجمرة الولى كركعات الصفلة ،هذا هفو المشهور مفن المذهفب .وقيفل :ليفس الترتيفب بواجفب ففي
صحة الرمي ،بل إذا كان الرمي كله في وقت الداء أجزأه.
@فإذا مضت أيام الرمي فل رمي فإن ذكر بعد ما يصدر وهو بمكة أو بعد ما يخرج منها فعليه
الهدي ،وسواء ترك الجمار كلها ،أو جمرة منها ،أو حصاة من جمرة حتى خرجت أيام منى فعليه
دم .وقال أبفو حنيففة :إن ترك الجمار كلهفا فعليفه دم ،وإن ترك جمرة واحدة كان عليفه بكفل حصفاة
من الجمرة إطعام مسكين نصف صاع ،إلى أن يبلغ دما فيطعم ما شاء ،إل جمرة العقبة فعليه دم.
وقال الوزاعفي :يتصفدق إن ترك حصفاة .وقال الثوري :يطعفم ففي الحصفاة والحصفاتين والثلث،
فإن ترك أربعفة فصفاعدا فعليفه دم .وقال الليفث :ففي الحصفاة الواحدة دم ،وهفو أحفد قولي الشافعفي.
والقول الخفر وهفو المشهور :إن ففي الحصفاة الواحدة مدا مفن طعام ،وففي حصفاتين مديفن ،وففي
ثلث حصيات دم.
@ول سفبيل عنفد الجميفع إلى رمفي مفا فاتفه مفن الجمار ففي أيام التشريفق حتفى غابفت الشمفس مفن
آخرهففا ،وذلك اليوم الرابففع مففن يوم النحففر ،وهففو الثالث مففن أيام التشريففق ،ولكففن يجزئه الدم أو
الطعام على حسب ما ذكرنا.
@ول تجوز البيتوتة بمكة وغيرها عن منى ليالي التشريق ،فإن ذلك غير جائز عند الجميع إل
للرعاء ،ولمن ولي السقاية من آل العباس .قال مالك :من ترك المبيت ليلة من ليالي منى من غير
الرعاء وأهفل السفقاية فعليفه دم .روى البخاري عفن ابفن عمفر أن العباس اسفتأذن النفبي صفلى ال
عليه وسلم ليبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له .قال ابن عبدالبر :كان العباس ينظر في
السفقاية ويقوم بأمرهفا ،ويسفقي الحاج شرابهفا أيام الموسفم ،فلذلك أرخفص له ففي المفبيت عفن منفى،
كمففا أرخففص لرعاء البففل مففن أجففل حاجتهففم لرعففي البففل وضرورتهففم إلى الخروج بهففا نحففو
المراعي التي تبعد عن منى.
وسميت منى "منى" لما يمنى فيها من الدماء ،أي يراق .وقال ابن عباس( :إنما سميت ،منى لن
جبريفل قال لدم عليفه السفلم :تمفن .قال :أتمنفى الجنفة ،فسفميت منفى .قال :وإنمفا سفميت جمعفا لنفه
اجتمع بها حواء وآدم عليهما السلم) ،والجمع أيضا هو المزدلفة ،وهو المشعر الحرام ،كما تقدم.
@وأجمع الفقهاء على أن المبيت للحاج غير الذين رخص لهم ليالي منى بمنى من شعائر الحج
ونسفكه ،والنظفر يوجفب على كفل مسفقط لنسفكه دمفا ،قياسفا على سفائر الحفج ونسفكه .وففي الموطفأ:
مالك عفن ناففع عفن ابفن عمفر قال :قال عمفر :ل يفبيتن أحفد مفن الحاج ليالي منفى مفن وراء العقبفة.
والعقبفة التفي منفع عمفر أن يفبيت أحفد وراءهفا هفي العقبفة التفي عنفد الجمرة التفي يرميهفا الناس يوم
النحفر ممفا يلي مكفة .رواه ابفن ناففع عفن مالك ففي المبسفوط ،قال :وقال مالك :ومفن بات وراءهفا
ليالي منفى فعليفه الفديفة ،وذلك أنفه بات بغيفر منفى ليالي منفى ،وهفو مفبيت مشروع ففي الحفج ،فلزم
الدم بتركفه كالمفبيت بالمزدلففة ،ومعنفى الفديفة هنفا عنفد مالك الهدي .قال مالك :هفو هدي يسفاق مفن
الحل إلى الحرم.
@روى مالك عن عبدال بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم عن أبيه أن أبا البداح بن عاصم
بفن عدي أخفبره أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أرخفص لرعاء البفل ففي البيتوتفة عفن منفى
يرمون يوم النحر ،ثم يرمون الغد ،ومن بعد الغد ليومين ،ثم يرمون يوم النفر.
قال أبفو عمفر :لم يقفل مالك بمقتضفى هذا الحديفث ،وكان يقول :يرمون يوم النحفر -يعنفي جمرة
العقبفة -ثفم ل يرمون مفن الغفد ،فإذا كان بعفد الغفد وهفو الثانفي مفن أيام التشريفق وهفو اليوم الذي
يتعجفل فيفه النففر مفن يريفد التعجيفل أو مفن يجوز له التعجيفل رموا اليوميفن لذلك اليوم ولليوم الذي
قبله ،لنهم يقضون ما كان عليهم ،ول يقضي أحد عنده شيئا إل بعد أن يجب عليه ،هذا معنى ما
فسفر بفه مالك هذا الحديفث ففي موطئه .وغيره يقول :ل بأس بذلك كله على مفا ففي حديفث مالك،
لنها أيام رمي كلها ،وإنما لم يجز عند مالك للرعاء تقديم الرمي لن غير الرعاء ل يجوز لهم أن
يرموا فففي أيام التشريففق شيئا مففن الجمار قبففل الزوال ،فإن رمففى قبففل الزوال أعادهففا ،ليففس لهففم
التقديفم .وإنمفا رخفص لهفم ففي اليوم الثانفي إلى الثالث .قال ابفن عبدالبر :الذي قاله مالك ففي هذه
المسألة موجود في رواية ابن جريج قال :أخبرني محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم
عن أبيه أن أبا البداح بن عاصم بن عدي أخبره أن النبي صلى ال عليه وسلم أرخص للرعاء أن
يتعاقبوا ،فيرموا يوم النحففر ،ثففم يدعوا يومففا وليلة ثففم يرمون الغففد .قال علماؤنففا :ويسففقط رمففي
الجمرة الثالثة عمن تعجل .قال ابن أبي زمنين يرميها يوم النفر الول حين يريد التعجيل .قال ابن
المواز :يرمي المتعجل في يومين بإحدى وعشرين حصاة كل جمرة بسبع حصيات ،فيصير جميع
رميفه بتسفع وأربعيفن حصفاة ،لنفه قفد رمفى جمرة العقبفة يوم النحفر بسفبع .قال ابفن المنذر :ويسفقط
رمي اليوم الثالث.
@روى مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح أنه سمعه يذكر أنه أرخص للرعاء أن
يرموا بالليفل ،يقول ففي الزمفن الول .قال الباجفي" :قوله ففي الزمفن الول يقتضفي إطلقفه زمفن
النبي صلى ال عليه وسلم لنه أول زمن هذه الشريعة ،فعلى هذا هو مرسل .ويحتمل أن يريد به
أول زمن أدركه عطاء ،فيكون موقوفا مسندا" .وال أعلم.
قلت :هفو مسفند مفن حديفث عمرو بفن شعيفب عفن أبيفه عفن جده عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم،
خرجفه الدارقطنفي وغيره ،وقفد ذكرناه ففي "المقتبفس ففي شرح موطفأ مالك بفن أنفس" ،وإنمفا أبيفح
لهم الرمي بالليل لنه أرففق بهم وأحوط فيما يحاولونه من رعي البل ،لن الليل وقت ل ترعى
فيفه ول تنتشفر ،فيرمون ففي ذلك الوقفت .وقفد اختلفوا فيمفن فاتفه الرمفي حتفى غربفت الشمفس ،فقال
عطاء :ل رمفي بالليفل إل لرعاء البفل ،فأمفا التجار فل .وروي عفن ابفن عمفر أنفه قال :مفن فاتفه
الرمفي حتفى تغيفب الشمفس فل يرم حتفى تطلع الشمفس مفن الغفد ،وبفه قال أحمفد وإسفحاق .وقال
مالك :إذا تركه نهارا رماه ليل ،وعليه دم في رواية ابن القاسم ،ولم يذكر في الموطأ أن عليه دما.
وقال الشافعفي وأبفو ثور ويعقوب ومحمفد :إذا نسفي الرمفي حتفى أمسفى يرمفي ول دم عليفه .وكان
الحسفن البصفري يرخفص ففي رمفي الجمار ليل .وقال أبفو حنيففة :يرمفي ول شيفء عليفه ،وإن لم
يذكرها من الليل حتى يأتي الغد فعليه أن يرميها وعليه دم .وقال الثوري :إذا أخر الرمي إلى الليل
ناسيا أو متعمدا أهرق دما.
قلت :أمفا مفن رمفى مفن رعاء البفل أو أهفل السفقاية بالليفل فل دم يجفب ،للحديفث ،وإن كان مفن
غيرهم فالنظر يوجب الدم لكن مع العمد ،وال أعلم.
@ ثبت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر على راحلته .واستحب
مالك وغيره أن يكون الذي يرميهفا راكبفا .وقفد كان ابفن عمفر وابفن الزبيفر وسفالم يرمونهفا وهفم
مشاة ،ويرمي في كل يوم من الثلثة بإحدى وعشرين حصاة ،يكبر مع كل حصاة ويكون وجهه
فففي حال رميففه إلى الكعبففة ،ويرتففب الجمرات ويجمعهففن ول يفرقهففن ول ينكسففهن ،يبدأ بالجمرة
الولى فيرميهففا بسففبع حصففيات رميففا ول يضعهففا وضعففا ،كذلك قال مالك والشافعففي وأبففو ثور
وأصفحاب الرأي ،فإن طرحهفا طرحفا جاز عنفد أصفحاب الرأي .وقال ابفن القاسفم :ل تجزئ ففي
الوجهيفن جميعفا ،وهفو الصفحيح ،لن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم كان يرميهفا ،ول يرمفي عندهفم
بحصاتين أو أكثر في مرة ،فإن فعل عدها حصاة واحدة ،فإذا فرغ منها تقدم أمامها فوقف طويل
للرعاء بمفا تيسفر .ثفم يرمفي الثانيفة وهفي الوسفطى وينصفرف عنهفا ذات الشمال ففي بطفن المسفيل،
ويطيل الوقوف عندها للدعاء .ثم يرمي الثالثة بموضع جمرة العقبة بسبع حصيات أيضا ،يرميها
من أسفلها ول يقف عندها ،ولو رماها من فوقها أجزأه ،ويكبر في ذلك كله مع كل حصاة يرميها.
وسففنة الذكففر ففي رمففي الجمار التكففبير دون غيره مفن الذكففر ،ويرميهففا ماشيفا بخلف جمرة يوم
النحفر ،وهذا كله توقيفف رفعفه النسفائي والدارقطنفي عفن الزهري أن رسفول ال صفلى ال عليفه
وسفلم كان إذا رمفى الجمرة التفي تلي المسفجد -مسفجد منفى -يرميهفا بسفبع حصفيات ،يكفبر كلمفا
رمى بحصاة ،ثم تقدم أمامها فوقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو ،وكان يطيل الوقوف .ثم يأتي
الجمرة الثانيفة فيرميهفا بسفبع حصفيات ،يكفبر كلمفا رمفى بحصفاة ،ثفم ينحدر ذات اليسفار ممفا يلي
الوادي فيقفف مسفتقبل القبلة رافعفا يديفه ثفم يدعفو .ثفم يأتفي الجمرة التفي عنفد العقبفة فيرميهفا بسفبع
حصفيات ،يكفبر كلمفا رمفى بحصفاة ثفم ينصفرف ول يقفف عندهفا .قال الزهري :سفمعت سفالم بفن
عبدال يحدث بهذا عففن أبيففه عففن النففبي صففلى ال عليففه وسففلم قال :وكان ابففن عمففر يفعله ،لفففظ
الدارقطني.
@وحكم الجمار أن تكون طاهرة غير نجسة ،ول مما رمي به ،فإن رمى بما قد رمي به لم يجزه
عند مالك ،وقد قال عنه ابن القاسم :إن كان ذلك في حصاة واحدة أجزأه ،ونزلت بابن القاسم فأفتاه
بهذا.
@واسفتحب أهفل العلم أخذهفا مفن المزدلففة ل مفن حصفى المسفجد ،فإن أخفذ زيادة على مفا يحتاج
وبقي ذلك بيده بعد الرمي دفنه ولم يطرحه ،قال أحمد بن حنبل وغيره.
@ول تغسل عند الجمهور خلفا لطاوس ،وقد روي أنه لو لم يغسل الجمار النجسة أو رمى بما
قد رمي به أنه أساء وأجزأ عنه .قال ابن المنذر :يكره أن يرمي بما قد رمي به ،ويجزئ إن رمى
بفه ،إذ ل أعلم أحدا أوجفب على مفن فعفل ذلك العادة ،ول نعلم ففي شيفء مفن الخبار التفي جاءت
عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه غسل الحصى ول أمر بغسله ،وقد روينا عن طاوس ،أنه كان
يغسله.
@ول يجزئ في الجمار المدر ول شيء غير الحجر ،وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق .وقال
أصففحاب الرأي :يجوز بالطيففن اليابففس ،وكذلك كففل شيففء رماهففا مففن الرض فهففو يجزئ .وقال
الثوري :مفن رمفى بالخزف والمدر لم يعفد الرمفي .قال ابفن المنذر :ل يجزئ الرمفي إل بالحصفى،
لن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال" :عليكفم بحصفى الخذف" .وبالحصفى رمفى رسفول ال صفلى
ال عليه وسلم.
@واختلف ففي قدر الحصفى ،فقال الشافعفي :يكون أصفغر مفن النملة طول وعرضفا .وقال أبفو
ثور وأصحاب الرأي :بمثل حصى الخذف ،وروينا عن ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة بمثل بعر
الغنفم ،ول معنفى لقول مالك :أكفبر مفن ذلك أحفب إلي ،لن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم سفن الرمفي
بمثفل حصفى الخذف ،ويجوز أن يرمفى بمفا وقفع عليفه اسفم حصفاة ،واتباع السفنة أفضفل ،قاله ابفن
المنذر.
قلت :وهو الصحيح الذي ل يجوز خلفه لمن اهتدى واقتدى .روى النسائي عن ابن عباس قال:
قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته( :هات القط لي -فلقطت له
حصيات هن حصى الخذف ،فلما وضعتهن في يده قال : -بأمثال هؤلء ،وإياكم والغلو في الدين
فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين) .فدل قوله( :وإياكم والغلو في الدين) على كراهة الرمي
بالجمار الكبار ،وأن ذلك مفن الغلو ،وال أعلم .ومفن بقفي ففي يده حصفاة ل يدري مفن أي الجمار
هي جعلها من الولى ،ورمى بعدها الوسطى والخرة ،فإن طال استأنف جميعا.
@قال مالك والشافعفي وعبدالملك وأبفو ثور وأصفحاب الرأي فيمفن قدم جمرة على جمرة :ل
يجزئه إل أن يرمي على الولء .وقال الحسن ،وعطاء وبعض الناس :يجزئه .واحتج بعض الناس
بقول النففبي صففلى ال عليففه وسففلم( :مففن قدم نسففكا بيففن يدي نسففك فل حرج وقال - :ل يكون هذا
بأكثفر مفن رجفل اجتمعفت عليفه صفلوات أو صفيام فقضفى بعضفا قبفل بعفض) .والول أحوط ،وال
أعلم.
@واختلفوا ففي رمفي المريفض والرمفي عنفه ،فقال مالك :يرمفى عفن المريفض والصفبي اللذيفن ل
يطيقان الرمي ،ويتحرى المريض حين رميهم فيكبر سبع تكبيرات لكل جمرة وعليه الهدي ،وإذا
صح المريض في أيام الرمي رمى عن نفسه ،وعليه مع ذلك دم عند مالك .وقال الحسن والشافعي
وأحمفد وإسفحاق وأصفحاب الرأي :يرمفى عفن المريفض ،ولم يذكروا هديفا .ول خلف ففي الصفبي
الذي ل يقدر على الرمي أنه يرمى عنه ،وكان ابن عمر يفعل ذلك.
@روى الدارقطني عن أبي سعيد الخدري قال قلنا :يا رسول ال ،هذه الجمار التي يرمى بها كل
عام فنحسب أنها تنقص ،فقال( :إنه ما تقبل منها رفع ولول ذلك لرأيتها أمثال الجبال).
قال ابفن المنذر :وأجمفع أهفل العلم على أن لمفن أراد الخروج مفن الحاج مفن منفى شاخصفا إلى بلده
خارجفا عفن الحرم غيفر مقيفم بمكفة ففي النففر الول أن ينففر بعفد زوال الشمفس إذا رمفى ففي اليوم
الذي يلي يوم النحفر قبفل أن يمسفي ،لن ال جفل ذكره قال" :فمفن تعجفل ففي يوميفن فل إثفم عليفه"،
فلينففر مفن أراد النففر مفا دام ففي شيفء مفن النهار .وقفد روينفا عفن النخعفي والحسفن أنهمفا قال :مفن
أدركه العصر وهو بمنى من اليوم الثاني من أيام التشريق لم ينفر حتى الغد .قال ابن المنذر :وقد
يحتمل أن يكونا قال ذلك استحبابا ،والقول الول به نقول ،لظاهر الكتاب والسنة.
@واختلفوا في أهل مكة هل ينفرون النفر الول ،فروينا عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنه
قال :مفن شاء مفن الناس كلهفم أن ينفروا ففي النففر الول ،إل آل خزيمفة فل ينفرون إل ففي النففر
الخر .وكان أحمد بن حنبل يقول :ل يعجبني لمن نفر النفر الول أن يقيم بمكة ،وقال :أهل مكة
أخفف ،وجعفل أحمفد وإسفحاق معنفى قول عمفر بفن الخطاب( :إل آل خزيمفة) أي أنهفم أهفل حرم.
وكان مالك يقول ففي أهفل مكفة :مفن كان له عذر فله أن يتعجفل ففي يوميفن ،فإن أراد التخفيفف عفن
نفسفه ممفا هفو فيفه مفن أمفر الحفج فل ،فرأى التعجيفل لمفن بعفد قطره .وقالت طائففة :اليفة على
العموم ،والرخصففة لجميففع الناس ،أهففل مكففة وغيرهففم ،أراد الخارج عففن منففى المقام بمكففة أو
الشخوص إلى بلده .وقال عطاء :هفي للناس عامفة .قال ابفن المنذر :وهفو يشبفه مذهفب ،الشافعفي،
وبفه نقول .وقال ابفن عباس والحسفن وعكرمفة ومجاهفد وقتادة والنخعفي( :مفن نففر ففي اليوم الثانفي
مففن اليام المعدودات فل حرج ،ومففن تأخففر إلى الثالث فل حرج) ،فمعنففى اليففة كففل ذلك مباح،
وعبر عنه بهذا التقسيم اهتماما وتأكيدا ،إذ كان من العرب من يذم المتعجل وبالعكس ،فنزلت الية
رافعفة للجناح ففي كفل ذلك .وقال علي بفن أبفي طالب وابفن عباس وابفن مسفعود وإبراهيفم النخعفي
أيضفا( :معنفى مفن تعجفل فقفد غففر له ،ومفن تأخفر فقفد غففر له) ،واحتجوا بقوله عليفه السفلم( :مفن
حفج هذا البيفت فلم يرففث ولم يفسفق خرج مفن خطاياه كيوم ولدتفه أمفه) .فقوله" :فل إثفم عليفه" نففي
عام وتفبرئة مطلقفة .وقال مجاهفد أيضفا :معنفى اليفة ،مفن تعجفل أو تأخفر فل إثفم عليفه إلى العام
المقبفل .وأسفند ففي هذا القول أثفر .وقال أبفو العاليفة ففي اليفة :ل إثفم عليفه لمفن اتقفى بقيفة عمره،
والحاج مغفور له البتففة ،أي ذهففب إثمففه كله إن اتقففى ال فيمففا بقففي مففن عمره .وقال أبففو صففالح
وغيره :معنى الية ل إثم عليه لمن اتقى قتل الصيد ،وما يجب عليه تجنبه في الحج .وقال أيضا:
لمن اتقى في حجه فأتى به تاما حتى كان مبرورا.
@"مفن" ففي قوله" :فمفن تعجفل" رففع بالبتداء ،والخفبر "فل إثفم عليفه" .ويجوز ففي غيفر القرآن
فل إثم عليهم ،لن معنى "من" جماعة ،كما قال جل وعز" :ومنهم من يستمعون إليك" [يونس:
]42وكذا "ومفن تأخفر فل إثفم عليفه" .واللم مفن قوله" :لمفن اتقفى" متعلقفة بالغفران ،التقديفر
المغفرة لمن اتقى ،وهذا على تفسير ابن مسعود وعلي .قال قتادة :ذكر لنا أن ابن مسعود قال :إنما
جعلت المغفرة لمن اتقى بعد انصرافه من الحج عن جميع المعاصي .وقال الخفش :التقدير ذلك
لمن اتقى .وقال بعضهم :لمن اتقى يعني قتل الصيد في الحرام وفي الحرم .وقيل التقدير الباحة
لمفن اتقفى ،روي هذا عفن ابفن عمفر .وقيفل :السفلمة لمفن اتقفى .وقيفل :هفي متعلقفة بالذكفر الذي ففي
قوله تعالى" :واذكروا" أي الذكفر لمفن اتقفى .وقرأ سفالم بفن عبدال "فل إثفم عليفه" بوصفل اللف
تخفيفا ،والعرب قد تستعمله .قال الشاعر:
إن لم أقاتل فالبسوني برقعا
ثم أمر ال تعالى بالتقوى وذكر بالحشر والوقوف.
* *3الية{ 204 :ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد ال على ما في قلبه وهو
ألد الخصام}
@قوله تعالى" :ومن الناس من يعجبك قوله" لما ذكر الذين قصرت همتهم على الدنيا -في قوله:
"فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا" [البقرة - ]200 :والمؤمنين الذين سألوا خير الدارين
ذكفر المنافقيفن لنهفم أظهروا اليمان وأسفروا الكففر .قال السفدي وغيره مفن المفسفرين :نزلت ففي
الخنفس بفن شريفق ،واسفمه أبفي ،والخنفس لقفب لُقفب بفه ،لنفه خنفس يوم بدر بثلثمائة رجفل مفن
حلفائه مفن بنفي زهرة عفن قتال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ،على مفا يأتفي ففي "آل عمران"
بيانففه .وكان رجل حلو القول والمنظففر ،فجاء بعففد ذلك إلى النففبي صففلى ال عليففه وسففلم فأظهففر
السففلم وقال :ال يعلم أنففي صففادق ،ثففم هرب بعففد ذلك ،فمففر بزرع لقوم مففن المسففلمين وبحمففر
فأحرق الزرع وعقفر الحمفر .قال المهدوي :وفيفه نزلت "ول تطفع كفل حلف مهيفن .هماز مشاء
بنميفم" [ن ]11 - 10 :و"ويفل لكفل همزة لمزة" [الهمزة .]1 :قال ابفن عطيفة :مفا ثبفت قفط أن
الخنففس أسففلم .وقال ابفن عباس( :نزلت فففي قوم مففن المنافقيففن تكلموا فففي الذيففن قتلوا فففي غزوة
الرجيفع :عاصفم بفن ثابفت ،وخفبيب ،وغيرهفم ،وقالوا :ويفح هؤلء القوم ،ل هفم قعدوا ففي بيوتهفم،
ول هفم أدوا رسفالة صفاحبهم) ،فنزلت هذه اليفة ففي صففات المنافقيفن ،ثفم ذكفر المسفتشهدين ففي
غزوة الرجيع في قوله" :ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات ال" [البقرة .]207 :وقال
قتادة ومجاهفد وجماعفة مفن العلماء :نزلت ففي كفل مبطفن كفرا أو نفاقفا أو كذبفا أو إضرارا ،وهفو
يظهفر بلسفانه خلف ذلك ،فهفي عامفة ،وهفي تشبفه مفا ورد ففي الترمذي أن ففي بعفض كتفب ال
تعالى :إن من عباد ال قوما ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر ،يلبسون للناس جلود
الضأن مففن الليففن ،يشترون الدنيففا بالديففن ،يقول ال تعالى :أبففي يغترون ،وعلي يجترئون ،فففبي
حلففت لتيحفن لهفم فتنفة تدع الحليفم منهفم حيران .ومعنفى "ويٌشهفد ال" أي يقول :ال يعلم أنفي أقول
حقا .وقرأ ابن محيصن "ويشهد ال على ما في قلبه" بفتح الياء والهاء في "يشهد" "ال" بالرفع،
والمعنى يعجبك قوله ،وال يعلم منه خلف ما قال .دليل قوله" :وال يشهفد إن المنافقين لكاذبون"
[المنافقون .]1 :وقراءة ابن عباس" :وال يشهد على ما في قلبه" .وقراءة الجماعة أبلغ في الذم،
لنفه قوى على نفسفه التزام الكلم الحسفن ،ثفم ظهفر مفن باطنفه خلففه .وقرأ أبفي وابفن مسفعود:
"ويستشهد ال على ما في قلبه" وهي حجة لقراءة الجماعة.
@قال علماؤنففا :وفففي هذه اليففة دليففل وتنففبيه على الحتياط فيمففا يتعلق بأمور الديففن والدنيففا،
واسففتبراء أحوال الشهود والقضاة ،وأن الحاكففم ل يعمففل على ظاهففر أحوال الناس ومففا يبدو مففن
إيمانهم وصلحهم حتى يبحث عن باطنهم ،لن ال تعالى بين أحوال الناس ،وأن منهم من يظهر
قول جميل وهففو ينوي قبيحففا .فإن قيففل :هذا يعارضففه قوله عليففه السففلم( :أمرت أن أقاتففل الناس
حتفى يقولوا ل إله إل ال) الحديفث ،وقوله( :فأقضفي له على نحفو مفا أسفمع) فالجواب أن هذا كان
في صدر السلم ،حيث كان إسلمهم سلمتهم ،وأما وقد عم الفساد فل ،قاله ابن العربي.
قلت :والصحيح أن الظاهر يعمل عليه حتى يتبين خلفه ،لقول عمر بن الخطاب رضي ال عنه
فففي صففحيح البخاري :أيهففا الناس ،إن الوحففي قففد انقطففع ،وإنمففا نأخذكففم الن بمففا ظهففر لنففا مففن
أعمالكم ،فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه ،وليس لنا من سريرته شيء ،ال يحاسبه في سريرته،
ومن أظهر لنا سوءا لم نؤمنه ولم نصدقه ،وإن قال إن سريرته حسنة.
@قوله تعالى" :وهو ألد الخصام" اللد :الشديد الخصومة ،وهو رجل ألد ،وامرأة لداء ،وهم أهل
لدد .وقففد لددت -بكسففر الدال -تلد -بالفتففح -لددا ،أي صففرت ألد .ولددتففه -بفتففح الدال -ألده -
بضمها -إذا جادلته فغلبته .واللد مشتق من اللديدين ،وهما صفحتا العنق ،أي في أي جانب أخذ
من الخصومة غلب .قال الشاعر :
تغلي عداوة صدره في مرجل وألد ذي حنق علي كأنما
وقال آخر:
وخصيما ألد ذا مغلق إن تحت التراب عزما وحزما
و "الخصففام" فففي اليففة مصففدر خاصففم ،قاله الخليففل .وقيففل :جمففع خصففم ،قاله الزجاج ،ككلب
وكلب ،وصففعب وصففعاب ،وضخففم وضخام .والمعنففى أشففد المخاصففمين خصففومة ،أي هففو ذو
جدال ،إذا كلمفك وراجعفك رأيفت لكلمفه طلوة وباطنفه باطفل .وهذا يدل على أن الجدال ل يجوز
إل بمفا ظاهره وباطنفه سفواء .وففي صفحيح مسفلم عفن عائشفة قالت :قال رسفول ال صفلى ال عليفه
وسلم( :إن أبغض الرجال إلى ال اللد الخصم).
* *3الية{ 205 :وإذا تولى سعى في الرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل وال ل يحب
الفساد}
@قوله تعالى" :وإذا تولى سفعى ففي الرض ليفسفد فيهفا" قيفل" :تولى وسفعى" مفن فعفل القلب،
فيجيء "تولى" بمعنفى ضل وغضب وأنف ففي نفسفه .و"سفعى" أي سفعى بحيلته وإرادته الدوائر
على السلم وأهله ،عن ابن جريج وغيره .وقيل :هما فعل الشخص ،فيجيء "تولى" بمعنى أدبر
وذهفب عنفك يفا محمفد .و"سفعى" أي بقدميفه فقطفع الطريفق وأفسفدها ،عفن ابفن عباس وغيره .وكل
السفعيين فسفاد .يقال :سفعى الرجفل يسفعى سفعيا ،أي عدا ،وكذلك إذا عمفل وكسفب .وفلن يسفعى
على عياله أي يعمل في نفعهم.
@قوله تعالى" :ويُهلك" عطفف على ليفسفد .وففي قراءة أبفي "وليهلك" .وقرأ الحسفن ،وقتادة
"ويهلك" بالرففع ،وففي رفعفه أقوال :يكون معطوففا على "يعجبفك" .وقال أبفو حاتفم :هفو معطوف
على "سففعى" لن معناه يسففعى ويهلك ،وقال أبففو إسففحاق :وهففو يهلك .وروي عففن ابففن كثيففر
"ويهلك" بفتفح الياء وضفم الكاف" ،الحرث والنسفل" مرفوعان بيهلك ،وهفي قراءة الحسفن وابفن
أبي إسحاق وأبي حيوة وابن محيصن ،ورواه عبدالوارث عن أبي عمرو .وقرأ قوم "ويهلك" بفتح
ك يَهلك ،مثل ركن يركن ،وأبى يأبى ،وسلى يسلى ،وقلى يقلى، الياء واللم ،ورفع الحرث ،لغة هََل َ
وشبهففه .والمعنففي فففي اليففة الخنففس فففي إحراقففه الزرع وقتله الحمففر ،قاله الطففبري .قال غيره:
ولكنها صارت عامة لجميع الناس ،فمن عمل مثل علمه استوجب تلك اللعنة والعقوبة .قال بعض
العلماء :إن من يقتفل حمارا أو يحرق كدسا استوجب الملمفة ،ولحقه الشين إلى يوم القيامفة .وقال
مجاهد :المراد أن الظالم يفسد في الرض فيمسك ال المطر فيهلك الحرث والنسل .وقيل :الحرث
النسفففاء ،والنسفففل الولد ،وهذا لن النفاق يؤدي إلى تفريفففق الكلمفففة ووقوع القتال ،وفيفففه هلك
الخلق ،قال معناه الزجاج .والسففعي فففي الرض المشففي بسففرعة ،وهذه عبارة عففن إيقاع الفتنففة
والتضريب بين الناس ،وال أعلم.
وفففي الحديففث( :إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديففه أوشففك أن يعمهففم ال بعقاب مففن
عنده) .وسيأتي بيان هذا إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :الحرث والنسفل" الحرث ففي اللغفة :الشفق ،ومنفه المحراث لمفا يشفق بفه الرض.
والحرث :كسفب المال وجمعفه ،وففي الحديفث( :احرث لدنياك كأنفك تعيفش أبدا) .والحرث الزرع.
والحراث الزراع .وقفففد حرث واحترث ،مثفففل زرع وازدرع ويقال :احرث القرآن ،أي ادرسفففه.
وحرثفت الناقفة وأحرثتهفا ،أي سفرت عليهفا حتفى هزلت وحرثفت النار حركتهفا .والمحراث :مفا
يحرك بفه نار التنور ،عفن الجوهري .والنسفل :مفا خرج مفن كفل أنثفى مفن ولد .وأصفله الخروج
والسفقوط ،ومنفه نسفل الشعفر ،وريفش الطائر ،والمسفتقبل ينسفل ،ومنفه "إلى ربهفم ينسفلون" [يفس:
" ،]51من كل حدب ينسلون" [النبياء ]96 :وقال امرؤ القيس:
فسلي ثيابي من ثيابك تنسل
قلت :ودلت الية على الحرث وزراعة الرض ،وغرسها بالشجار حمل على الزرع ،وطلب
النسففل ،وهففو .نماء الحيوان ،وبذلك يتففم قوام النسففان .وهففو يرد على مففن قال بترك السففباب،
وسيأتي بيانه في هذا الكتاب إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :وال ل يحب الفساد" قال العباس بن الفضل :الفساد هو الخراب .وقال سعيد بن
المسيب :قطع الدراهم من الفساد في الرض .وقال عطاء :إن رجل يقال له عطاء بن منبه أحرم
ففي جبفة فأمره النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أن ينزعهفا .قال قتادة :قلت لعطاء :إنفا كنفا نسفمع أن
يشقها ،فقال عطاء :إن ال ل يحب الفساد.
قلت :واليففة بعمومهففا تعففم كففل فسففاد كان فففي أرض أو مال أو ديففن ،وهفو الصففحيح إن شاء ال
تعالى .قيل :معنى ل يحب الفساد أي ل يحبه من أهل الصلح ،أول يحبه دينا.
ويحتمل أن يكون المعنى ل يأمر به ،وال أعلم.
* *3الية{ 206 :وإذا قيل له اتق ال أخذته العزة بالثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد}
@هذه صفة الكافر والمنافق الذاهب بنفسه زهوا ،ويكره للمؤمن أن يوقعه الحرج في بعض هذا.
وقال عبدال :كففى بالمرء إثمفا أن يقول له أخوه :اتفق ال ،فيقول :عليفك بنفسفك ،مثلك يوصفيني!
والعزة :القوة والغلبفة ،مفن عزه يعزه إذا غلبفه .ومنفه" :وعزنفي ففي الخطاب" [ص ]23 :وقيفل:
العزة هنا الحمية ،ومنه قول الشاعر:
فتولى مغضبا فعل الضجر أخذته عزة من جهله
وقيل :العزة هنا المنعة وشدة النفس ،أي اعتز ففي نفسه وانتحفى فأوقعته تلك العزة ففي الثم حين
أخذته وألزمته إياه .وقال قتادة :المعنى إذا قيل له مهل ازداد إقداما على المعصية ،والمعنى حملته
العزة على الثم .وقيل :أخذته العزة بما يؤثمه ،أي ارتكب الكفر للعزة وحمية الجاهلية .ونظيره:
"بفل الذيفن كفروا ففي عزة وشقاق" [ص ]2 :وقيفل :الباء ففي "بالثفم" بمعنفى اللم ،أي أخذتفه
العزة والحميفة عفن قبول الوعفظ للثفم الذي ففي قلبفه ،وهفو النفاق ،ومنفه قول عنترة يصفف عرق
الناقة:
حش الوقود به جوانب قمقم وكأن ربا أو كحيل معقدا
أي حفش الوقود له وقيفل :الباء بمعنفى مفع ،أي أخذتفه العزة مفع الثفم ،فمعنفى الباء يختلف بحسفب
التأويلت .وذكفر أن يهوديفا كانفت له حاجفة عنفد هارون الرشيفد ،فاختلف إلى بابفه سفنة ،فلم يقفض
حاجته ،فوقف يوما على الباب ،فلما خرج هارون سعى حتى وقف بين يديه وقال :اتق ال يا أمير
المؤمنيفن! فنزل هارون عفن دابتفه وخفر سفاجدا ،فلمفا رففع رأسفه أمفر بحاجتفه فقضيفت ،فلمفا رجفع
قيفل له :يفا أميفر المؤمنيفن ،نزلت عفن دابتفك لقول يهودي! قال :ل ،ولكفن تذكرت قول ال تعالى:
"وإذا قيفل له اتفق ال أخذتفه العزة بالثفم فحسفبه جهنفم ولبئس المهاد" .حسفبه أي كافيفه معاقبفة
وجزاء ،كمفا تقول للرجفل :كفاك مفا حفل بفك! وأنفت تسفتعظم وتعظفم عليفه مفا حفل .والمهاد جمفع
المهد ،وهو الموضع المهيأ للنوم ،ومنه مهد الصبي.
وسمي جهنم مهادا لنها مستقر الكفار .وقيل :لنها بدل لهم من المهاد ،كقوله" :فبشرهم بعذاب
أليم" [آل عمران ]21 :ونظيره من الكلم قولهم:
تحية بينِهم ضرب وجيع
* *3الية{ 207 :ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات ال وال رؤوف بالعباد}
@"ابتغاء" نصفب على المفعول مفن أجله .ولما ذكر صفنيع المنافقين ذكفر بعده صنيع المؤمنين.
قيفل :نزلت ففي صفهيب فإنفه أقبفل مهاجرا إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فاتبعفه نففر مفن
قريفش ،فنزل عفن راحلتفه ،وانتثفل مفا ففي كنانتفه ،وأخفذ قوسفه ،وقال :لقفد علمتفم أنفي مفن أرماكفم،
وايْم ال ل تصلون إلي حتى أرمي بما في كنانتي ،ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء ،ثم
افعلوا مفا شئتفم .فقالوا :ل نتركفك تذهفب عنفا غنيفا وقفد جئتنفا صفعلوكا ،ولكفن دلنفا على مالك بمكفة
ونخلي عنففك ،وعاهدوه على ذلك ففعففل ،فلمففا قدم على رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم نزلت:
"ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات ال" الية ،فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(ربح البيع أبا يحيى) ،وتل عليه الية ،أخرجه رزين ،وقاله سعيد بن المسيب رضي ال عنهما.
وقال المفسفرون :أخفذ المشركون صفهيبا فعذبوه ،فقال لهفم صفهيب :إنفي شيفخ كفبير ،ل يضركفم
أمنكفم كنفت أم مفن غيركفم ،فهفل لكفم أن تأخذوا مالي وتذرونفي ودينفي؟ ففعلوا ذلك ،وكان شرط
عليه راحلة ونفقة ،فخرج إلى المدينفة فتلقاه أبو بكفر وعمر رضفي ال عنهمفا ورجال ،فقال له أبو
بكفر :ربفح بيعفك أبفا يحيفى .فقال له صفهيب :وبيعفك فل يخسفر ،فمفا ذاك؟ فقال :أنزل ال فيفك كذا،
وقرأ عليه الية .وقال الحسن :أتدرون فيمن نزلت هذه الية ،نزلت في المسلم لقي الكافر فقال له:
قففل ل إله إل ال ،فإذا قلتهففا عصففمت مالك ونفسففك ،فأبففى أن يقولهففا ،فقال المسففلم :وال لشريففن
نفسفي ل ،فتقدم فقاتفل حتفى قتفل .وقيفل :نزلت فيمفن أمفر بالمعروف ونهفى عفن المنكفر ،وعلى ذلك
تأولهفا عمفر وعلي وابفن عباس رضفي ال عنهفم ،قال علي وابفن عباس( :اقتتفل الرجلن ،أي قال
المغيفر للمفسفد :اتفق ال ،فأبفى المفسفد وأخذتفه العزة ،فشرى المغيفر نفسفه مفن ال وقاتله فاقتتل).
وقال أبففو الخليففل :سففمع عمففر بففن الخطاب إنسففانا يقرأ هذه اليففة ،فقال عمففر( :إنففا ل وإنففا إليففه
راجعون ،قام رجفل يأمفر بالمعروف وينهفى عفن المنكفر فقتفل) .وقيفل :إن عمفر سفمع ابفن عباس
يقول( :اقتتل الرجلن عند قراءة القارئ هذه الية) ،فسأله عما قال ففسر له هذا التفسير ،فقال له
عمر( ،ل تلدك يا ابن عباس)! وقيل :نزلت فيمن يقتحم القتال .حمل هشام بن عامر على الصف
ففي القسفطنطينية فقاتفل حتفى قتفل ،فقرأ أبفو هريرة" :ومفن الناس مفن يشري نفسفه ابتغاء مرضات
ال" ،ومثله عففن أبففي أيوب .وقيففل :نزلت فففي شهداء غزوة الرجيففع .وقال قتادة :هففم المهاجرون
والنصار .وقيل :نزلت في علي رضي ال عنه حين تركه النبي صلى ال عليه وسلم على فراشه
ليلة خرج إلى الغار ،على مفا يأتفي بيانفه ففي "براءة" إن شاء ال تعالى .وقيفل :اليفة عامفة ،تتناول
كل مجاهد في سبيل ال ،أو مستشهد في ذاته أو مغير منكر .وقد تقدم حكم من حمل على الصف،
ويأتي ذكر المغير للمنكر وشروطه وأحكامه في "آل عمران" إن شاء ال تعالى.
و"يشري" معناه يبيع ،ومنه "وشروه بثمن بخس" [يوسف ]20 :أي باعوه ،وأصله الستبدال،
ومنه قوله تعالى" :إن ال اشترى من المؤمنين أنفسفهم وأموالهم بأن لهفم الجنفة" [التوبة.]111 :
ومنه قول الشاعر:
شروا هذه الدنيا بجناته الخلد وإن كان ريب الدهر أمضاك في اللى
وقال آخر:
من بعد برد كنت هامه وشريت بردا ليتني
البرد هنا اسم غلم .وقال آخر:
ويقول صاحبها أل فاشر يعطى بها ثمنا فيمنعها
وبيع النفس هنا هو بذلها لوامر ال" .ابتغاء" مفعول من أجله .ووقف الكسائي على "مرضات"
بالتاء ،والباقون بالهاء .قال أبفففو علي :وقفففف الكسفففائي بالتاء إمفففا على لغفففة مفففن يقول :طلحفففت
وعلقمت ،ومنه قول الشاعر:
بل جوزتيهاء كظهر الحجفت
وإما أنه لما كان هذا المضاف إليه في ضمن اللفظة ول بد أثبت التاء كما ثبتت في الوصل ليعلم
أن المضاف إليفه مراد .والمرضاة الرضفا ،يقال :رضفي يرضفى رضفا ومرضاة .وحكفى قوم أنفه
يقال :شرى بمعنفى اشترى ،ويحتاج إلى هذا مفن تأول اليفة ففي صفهيب ،لنفه اشترى نفسفه بماله
ولم يبعهفا ،اللهفم إل أن يقال :إن عرض صفهيب على قتالهفم بيفع لنفسفه مفن ال .فيسفتقيم اللففظ على
معنى باع.
* *3الية{ 208 :يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ول تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم
عدو مبين}
@لمفا بيفن ال سفبحانه الناس إلى مؤمفن وكاففر ومناففق فقال :كونوا على ملة واحدة ،واجتمعوا
على السلم واثبتوا عليه .فالسلم هنا بمعنى السلم ،قال مجاهد ،ورواه أبو مالك عن ابن عباس.
ومنه قول الشاعر الكندي:
رأيتهم تولوا مدبرينا دعوت عشيرتي للسلم لما
أي إلى السلم لما ارتدت كندة بعد وفاة النبي صلى ال عليه وسلم مع الشعث بن قيس الكندي،
ولن المؤمنيفن لم يؤمروا قفط بالدخول ففي المسفالمة التفي هفي الصفلح ،وإنمفا قيفل للنفبي صفلى ال
عليه وسلم أن يجنح للسلم إذا جنحوا له ،وأما أن يبتدئ بها فل ،قاله الطبري .وقيل :أمر من آمن
بأفواههفم أن يدخلوا فيفه بقلوبهفم .وقال طاوس ومجاهفد :ادخلوا ففي أمفر الديفن .سففيان الثوري :ففي
أنواع البر كلها .وقرئ "السلم" بكسر السين.
قال الكسفائي :السفّلم والسفّلم بمعنفى واحفد ،وكذا هفو عنفد أكثفر البصفريين ،وهمفا جميعفا يقعان
للسفلم والمسفالمة .وفرق أبفو عمرو بفن العلء بينهمفا ،فقرأههنفا" :ادخلوا ففي السفلم" وقال هفو
السفلم .وقرأ التفي ففي "النفال" والتفي ففي سفورة "محمفد" صفلى ال عليفه وسفلم "السفلم" بفتفح
السففين ،وقال :هففي بالفتففح المسففالمة .وأنكففر المففبرد هذه التفرقففة .وقال عاصففم الجحدري :السففلم
السفلم ،والسفلم الصفلح ،والسفلم السفتسلم .وأنكفر محمفد بفن يزيفد هذه التفريقات وقال :اللغفة ل
تؤخذ هكذا ،وإنما تؤخذ بالسماع ل بالقياس ،ويحتاج من فرق إلى دليل .وقد حكى البصريون :بنو
فلن سلم وسلم وسلم ،بمعنى واحد .قال الجوهري :والسلم الصلح ،يفتح ويكسر ،ويذكر ويؤنث،
وأصله من الستسلم والنقياد ،ولذلك قيل للصلح :سلم .قال زهير:
بمال ومعروف من المر نسلم وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا
ورجفح الطفبري حمفل اللفظفة على معنفى السفلم بمفا تقدم .وقال حذيففة بفن اليمان ففي هذه اليفة:
السفلم ثمانيفة أسفهم ،الصفلة سفهم ،والزكاة سفهم ،والصفوم سفهم ،والحفج سفهم ،والعمرة سفهم،
والجهاد سفهم ،والمفر بالمعروف سفهم ،والنهفي عفن المنكفر سفهم ،وقفد خاب مفن ل سفهم له ففي
السفلم .وقال ابفن عباس( :نزلت اليفة ففي أهفل الكتاب ،والمعنفى ،يفا أيهفا الذيفن آمنوا بموسفى
وعيسى ادخلوا في السلم بمحمد صلى ال عليه وسلم كافة) .وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة
عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال( :والذي نففس محمفد بيده ل يسفمع بفي أحفد مفن هذه المفة
يهودي ول نصفراني ثفم يموت ولم يؤمفن ،بالذي أرسفلت بفه إل كان مفن أصفحاب النار) .و(كاففة)
معناه جميعفا ،فهفو نصفب على الحال مفن السفلم أو مفن ضميفر المؤمنيفن ،وهفو مشتفق مفن قولهفم:
كففت أي منعت ،أي ل يمتنع منكم أحد من الدخول في السلم .والكف المنع ،ومنه كفة القميص
-بالضفم -لنهفا تمنفع الثوب مفن النتشار ،ومنفه كففة الميزان -بالكسفر -التفي تجمفع الموزون
وتمنعففه أن ينتشففر ،ومنففه كففف النسففان الذي يجمففع منافعففه ومضاره ،وكففل مسففتدير كفففة ،وكففل
مسفتطيل كففة .ورجفل مكفوف البصفر ،أي منفع عفن النظفر ،فالجماعفة تسفمى كاففة لمتناعهفم عفن
التفرق" .ول تتبعوا خطوات الشيطان" (ول تتبعوا) نهففي( .خطوات الشيطان) مفعول ،وقففد تقدم.
وقال مقاتل :استأذن عبدال بن سلم وأصحابه بأن يقرؤوا التوراة في الصلة ،وأن يعملوا ببعض
مفا ففي التوراة ،فنزلت" .ول تتبعوا خطوات الشيطان" فإن اتباع السفنة أولى بعفد مفا بعفث محمفد
صفلى ال عليفه وسفلم مفن خطوات الشيطان .وقيفل :ل تسلكوا الطريفق الذي يدعوكفم إليفه الشيطان.
"إنه لكم عدو مبين" ظاهر العداوة ،وقد تقدم.
* *3الية{ 209 :فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن ال عزيز حكيم}
@"فإن زللتم" أي تنحيتم عن طريق الستقامة .وأصل الزلل في القدم ،ثم يستعمل في العتقادات
والراء وغير ذلك ،يقال :زل يزل زل وزلل وزلول ،أي دحضت قدمه .وقرأ أبو السمال العدوي
"زللتم" بكسر اللم ،وهما لغتان .وأصل الحرف ،من الزلق ،والمعنى ضللتم وعجتم عن الحق.
"مفن بعفد مفا جاءتكفم البينات" أي المعجزات وآيات القرآن ،إن كان الخطاب للمؤمنيفن ،فإن كان
الخطاب لهففل الكتابيففن فالبينات مففا ورد فففي شرعهففم مفن العلم بمحمففد صففلى ال عليففه وسففلم
والتعريفف بفه .وففي اليفة دليفل على أن عقوبفة العالم بالذنفب أعظفم مفن عقوبفة الجاهفل بفه ،ومفن لم
تبلغفه دعوة السفلم ل يكون كافرا بترك الشرائع .وحكفى النقاش أن كعفب الحبار لمفا أسفلم كان
يتعلم القرآن ،فأقرأه الذي كان يعلمففه "فاعلموا أن ال غفور رحيففم" فقال كعففب :إنففي لسففتنكر أن
يكون هكذا ،ومر بهما رجل فقال كعب :كيف تقرأ هذه الية؟ فقال الرجل" :فاعلموا أن ال عزيز
حكيم" فقال كعب :هكذا ينبغي .و"عزيز" ل يمتنع عليه ما يريده" .حكيم" فيما يفعله.
* *3اليفة{ 210 :هفل ينظرون إل أن يأتيهفم ال ففي ظلل مفن الغمام والملئكفة وقضفي المفر
وإلى ال ترجع المور}
@"هل ينظرون" يعني التاركين الدخول في السلم ،و"هل" يراد به هنا الجحد ،أي ما ينتظرون:
"إل أن يأتيهم ال في ظلل من الغمام والملئكة" .نظرته وانتظرته بمعنى .والنظر النتظار .وقرأ
قتادة وأبفو جعففر يزيفد بن القعقاع والضحاك "ففي ظلل مفن الغمام" .وقرأ أبفو جعففر "والملئكفة"
بالخففض عطففا على الغمام ،وتقديره مفع الملئكفة ،تقول العرب :أقبفل الميفر ففي العسفكر ،أي مفع
العسكر" .ظلل" جمع ظلة في التكسير ،كظلمة وظلم وفي التسليم ظللت ،وأنشد سيبوبه:
سواقط من حر وقد كان أظهرا إذا الوحش ضم الوحش في ظللتها
وظلت وظلل ،جمففع ظففل فففي الكثيففر ،والقليففل أظلل .ويجوز أن يكون ظلل جمففع ظلة ،مثففل
قوله :قلة وقلل ،كما قال الشاعر:
ممزوجة بماء القلل
@قال الخففش سفعيد :و"الملئكفة" بالخففض بمعنفى وففي الملئكفة .قال :والرففع أجود ،كمفا قال:
"هل ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة" [النعام" ،]158 :وجاء ربك والملك صفا صفا" [الفجر:
.]22قال الفراء :وففي قراءة عبدال" :هفل ينظرون إل أن يأتيهفم ال والملئكفة ففي ظلل مفن
الغمام" .قال قتادة :الملئكفة يعنفي تأتيهفم لقبفض أرواحهفم ،ويقال يوم القيامفة ،وهفو أظهفر .قال أبفو
العاليفة والربيفع :تأتيهفم الملئكفة ففي ظلل مفن الغمام ،ويأتيهفم ال فيمفا شاء .وقال الزجاج :التقديفر
ففي ظلل مفن الغمام ومفن الملئكفة .وقيفل :ليفس الكلم على ظاهره ففي حقفه سفبحانه ،وإنمفا المعنفى
يأتيهم أمر ال وحكمه .وقيل :أي بما وعدهم من الحساب والعذاب في ظلل ،مثل" :فأتاهم ال من
حيث لم يحتسبوا" [الحشر ]2 :أي بخذلنه إياهم ،هذا قول الزجاج ،والول قول الخفش سعيد.
وقفد يحتمفل أن يكون معنفى التيان راجعفا إلى الجزاء ،فسفمى الجزاء إتيانفا كمفا سفمى التخويفف
والتعذيب في قصة نمروذ إتيانا فقال" :فأتى ال بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم"
[النحفل .]26 :وقال ففي قصفة النضيفر" :فأتاهفم ال مفن حيفث لم يحتسفبوا وقذف ففي قلوبهفم
الرعفب" ،وقال" :وإن كان مثقال حبفة مفن خردل أتينفا بهفا" [النفبياء .]47 :وإنمفا احتمفل التيان
هذه المعاني لن أصل التيان عند أهل اللغة هو القصد إلى الشيء ،فمعنى الية :هل ينظرون إل
أن يظهر ال تعالى فعل من الفعال مع خلق من خلقه يقصد إلى مجازاتهم ويقضي في أمرهم ما
هففو قاض ،وكمففا أنففه سففبحانه أحدث فعل سففماه نزول واسففتواء كذلك يحدث فعل يسففميه إتيانففا،
وأفعاله بل آلة ول علة ،سفبحانه! وقال ابفن عباس ففي روايفة أبفي صفالح :هذا مفن المكتوم الذي ل
يفسفر .وقفد سفكت بعضهفم عفن تأويلهفا ،وتأولهفا بعضهفم كمفا ذكرنفا .وقيفل :الفاء بمعنفى الباء ،أي
يأتيهفم بظلل ،ومنفه الحديفث( :يأتيهفم ال ففي صفورة) أي بصفورة امتحانفا لهفم ول يجوز أن يحمفل
هذا ومفا أشبهفه ممفا جاء ففي القرآن والخفبر على وجفه النتقال والحركفة والزوال ،لن ذلك مفن
صفات الجرام والجسام ،تعالى ال الكبير المتعال ،ذو الجلل والكرام عن مماثلة الجسام علوا
كبيرا .والغمام :السحاب الرقيق البيض ،سمي بذلك لنه يغم ،أي يستر ،كما تقدم .وقرأ معاذ بن
جبففل" :وقضاء المففر" .وقرأ يحيففى بففن يعمففر "وقضففي المور" بالجمففع .والجمهور "وقضففي
المففر" فالمعنففى وقفع الجزاء وعذب أهفل العصففيان .وقرأ ابفن عامفر وحمزة والكسففائي "ترجففع
المور" على بناء الفعفففل للفاعفففل ،وهفففو الصفففل ،دليله "أل إلى ال تصفففير المور" [الشورى:
" ،]53إلى ال مرجعكفم" [المائدة .]105 - 48 :وقرأ الباقون "ترجفع" على بنائه للمفعول،
وهفي أيضفا قراءة حسفنة ،دليله "ثفم تردون" [التوبفة" ]94 :ثفم ردوا إلى ال" [النعام،]62 :
"ولئن رددت إلى ربفي" [الكهفف .]36 :والقراءتان حسفنتان بمعنفى ،والصفل الولى ،وبناؤه
للمفعول توسع وفرع ،والمور كلها راجعة إلى ال قبل وبعد .وإنما نبه بذكر ذلك في يوم القيامة
على زوال ما كان منها إلى الملوك في الدنيا.
* *3الية{ 211 :سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة ال من بعد ما جاءته
فإن ال شديد العقاب}
@قوله تعالى" :سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة" "سل" من السؤال :بتخفيف الهمزة ،فلما
تحركفت السفين لم يحتفج إلى ألف الوصفل .وقيفل :إن للعرب ففي سفقوط ألف الوصفل ففي" ،سفل"
وثبوتها في "واسأل" وجهين:
أحدهمفا -حذفهفا ففي إحداهمفا وثبوتهفا ففي الخرى ،وجاء القرآن بهمفا ،فاتبفع خفط المصفحف ففي
إثباته للهمزة وإسقاطها.
والوجفه الثانفي -أنفه يختلف إثباتهفا وإسفقاطها باختلف الكلم المسفتعمل فيفه ،فتحذف الهمزة ففي
الكلم المبتدأ ،مثفل قوله" :سفل بنفي إسرائيل" ،وقوله" :سلهم أيهفم بذلك زعيفم" [ن .]40 :وثبفت
في العطف ،مثل قوله" :واسأل القرية" [يوسف" ،]82 :واسألوا ال من فضله" [النساء]32 :
قاله علي بفن عيسفى .وقرأ أبفو عمرو ففي روايفة ابفن عباس عنفه "اسفأل" على الصفل .وقرأ قوم
"اسفل" على نقفل الحركفة إلى السفين وإبقاء ألف الوصفل ،على لغفة مفن قال :الحمفر .و"كفم" ففي
موضفع نصفب ،لنهفا مفعول ثان لتيناهفم .وقيفل :بفعفل مضمفر ،تقديره كفم آتينفا آتيناهفم .ول يجوز
أن يتقدمهفا الفعفل لن لهفا صفدر الكلم" .مفن آيفة" ففي موضفع نصفب على التمييفز على التقديفر
الول ،وعلى الثانفي مفعول ثان لتيناهفم ،ويجوز أن تكون ففي موضفع رففع بالبتداء ،والخفبر ففي
آتيناهففم ،ويصففير فيففه عائد على كففم ،تقديره :كففم آتيناهموه ،ولم يعرب وهففي اسففم لنهففا بمنزلة
الحروف لمفا وقفع فيفه معنفى السفتفهام ،وإذا فرقفت بيفن كفم وبيفن السفم كان الختيار أن تأتفي بمفن
كمفا ففي هذه اليفة ،فإن حذفتهفا نصفبت ففي السفتفهام والخفبر ،ويجوز الخففض ففي الخفبر كمفا قال
الشاعر:
وكريم بخله قد وضعه كم بجود مقرف نال العل
والمراد باليفة كفم جاءهفم ففي أمفر محمفد عليفه السفلم مفن آيفة معرففة بفه دالة عليفه .قال مجاهفد
والحسن وغيرهما :يعني اليات التي جاء بها موسى عليه السلم من فلق البحر والظلل من الغمام
والعصا واليد وغير ذلك .وأمر ال تعالى نبيه بسؤالهم على جهة التقريع لهم والتوبيخ.
@قوله تعالى" :ومن يبدل نعمة ال من بعد ما جاءته" لفظ عام لجميع العامة ،وإن كان المشار
إليفه بنفي إسفرائيل ،لكونهفم بدلوا مفا ففي كتبهفم وجحدوا أمفر محمفد صفلى ال عليفه وسفلم ،فاللففظ
منسحب على كل مبدل نعمة ال تعالى .وقال الطبري :النعمة هنا السلم ،وهذا قريب من الول.
ويدخل في اللفظ أيضا كفار قريش ،فإن بعث محمد صلى ال عليه وسلم فيهم نعمة عليهم ،فبدلوا
قبولها والشكر عليها كفرا.
@قوله تعالى" :فإن ال شديفد العقاب" خفبر يتضمفن الوعيفد .والعقاب مأخوذ مفن العقفب ،كأن
المعاقفب يمشفي بالمجازاة له ففي آثار عقبفه ،ومنفه عقبفة الراكفب وعقبفة القدر .فالعقاب والعقوبفة
يكونان بعقب الذنب ،وقد عاقبه بذنبه.
* *3الية{ 212 :زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم
يوم القيامة وال يرزق من يشاء بغير حساب}
@قوله تعالى" :زيفن للذيفن كفروا الحياة الدنيفا" على مفا لم يسفم فاعله .والمراد رؤسفاء قريفش.
وقرأ مجاهد وحميد بن قيس على بناء الفاعل .قال النحاس :وهي قراءة شاذة ،لنه لم يتقدم للفاعل
ذكر .وقرأ ابن أبي عبلة" :زينت" بإظهار العلمة ،وجاز ذلك لكون التأنيث غير حقيقي ،والمزين
هفو خالقهفا ومخترعهفا وخالق الكففر ،ويزينهفا أيضفا الشيطان بوسفوسته وإغوائه .وخفص الذيفن
كفروا بالذكر لقبولهم التزيين جملة ،وإقبالهم على الدنيا وإعراضهم عن الخرة بسببها .وقد جعل
ال ما على الرض زينة لها ليبلو الخلق أيهم أحسن عمل ،فالمؤمنون الذين هم على سنن الشرع
لم تفتنهفم الزينفة ،والكفار تملكتهفم لنهفم ل يعتقدون غيرهفا .وقفد قال أبفو بكفر الصفديق رضفي ال
عنه حين قدم عليه بالمال :اللهم إنا ل نستطيع إل أن نفرح بما زينت لنا.
@قوله تعالى" :ويسخرون من الذين آمنوا" إشارة إلى كفار قريش ،فإنهم كانوا يعظمون حالهفم
مفن الدنيفا ويغتبطون بهفا ،ويسفخرون مفن أتباع محمفد صفلى ال عليفه وسفلم .قال ابفن جريفج :ففي
طلبهفم الخرة .وقيفل :لفقرهفم وإقللهفم ،كبلل وصفهيب وابفن مسفعود وغيرهفم ،رضفي ال عنهفم،
فنبه سبحانه على خفض منزلتهم لقبيح فعلهم بقوله" :والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة" .وروى علي
أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :من استذل مؤمنا أو مؤمنة أو حقره لفقره وقلة ذات يده شهره
ال يوم القيامة ثم فضحه ومن بهت مؤمنا أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه أقامه ال تعالى على تل
من نار يوم القيامة حتى يخرج مما قال فيه وإن عظم المؤمن أعظم عند ال وأكرم عليه من ملك
مقرب وليفس شيفء أحفب إلى ال مفن مؤمفن تائب أو مؤمنفة تائبفة وإن الرجفل المؤمفن يعرف ففي
السفماء كمفا يعرف الرجفل أهله وولده) .ثفم قيفل :معنفى "والذيفن اتقوا فوقهفم يوم القيامفة" أي ففي
الدرجة ،لنهم في الجنة والكفار في النار .ويحتمل أن يراد بالفوق المكان ،من حيث إن الجنة في
السماء ،والنار في أسفل السافلين .ويحتمل أن يكون التفضيل على ما يتضمنه زعم الكفار ،فإنهم
يقولون :وإن كان معاد فلنفا فيفه الحفظ أكثفر ممفا لكفم ،ومنفه حديفث خباب مفع العاص بفن وائل ،قال
خباب :كان لي على العاص بفن وائل ديفن فأتيتفه أتقاضاه ،فقال لي :لن أقضيفك حتفى تكففر بمحمفد
صفلى ال عليفه وسفلم .قال فقلت له :إنفي لن أكففر بفه حتفى تموت ثفم تبعفث .قال :وإنفي لمبعوث مفن
بعد الموت؟! فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد ،الحديث .وسيأتي بتمامه إن شاء ال تعالى.
ويقال :سفخرت منفه وسفخرت بفه ،وضحكفت منفه وضحكفت بفه ،وهزئت منفه وبفه ،كفل ذلك يقال،
حكاه الخففش .والسفم السفخرية والسفخري والسفخري ،وقرئ بهمفا قوله تعالى" :ليتخفذ بعضهفم
بعضففا سففخريا" [الزخرف ]32 :وقوله" :فاتخذتموهففم سففخريا" [المؤمنون .]110 :ورجففل
سفخرة .يسفخر منفه ،وسفخرة -بفتفح الخاء -يسفخر مفن الناس .وفلن سفخرة يتسفخر ففي العمفل،
يقال :خادمه سخرة ،وسخره تسخيرا كلفه عمل بل أجرة.
@قوله تعالى" :وال يرزق من يشاء بغير حساب" قال الضحاك :يعني من غير تبعة في الخرة.
وقيل :هو إشارة إلى هؤلء المستضعفين ،أي يرزقهم علو المنزلة ،فالية تنبيه على عظيم النعمة
عليهم .وجعل رزقهم بغير حساب من حيث هو دائم ل يتناهى ،فهو ل ينعد .وقيل :إن قوله" :بغير
حسفاب" صففة لرزق ال تعالى كيفف يصفرف ،إذ هفو جلت قدرتفه ل ينففق بعفد ،ففضله كله بغيفر
حسففاب ،والذي بحسففاب مففا كان على عمففل قدمففه العبففد ،قال ال تعالى" :جزاء مففن ربففك عطاء
حسابا" [النبأ .]36 :وال أعلم .ويحتمل أن يكون المعنى بغير احتساب من المرزوقين ،كما قال:
"ويرزقه من حيث ل يحتسب" [الطلق.]3 :
* *3الية{ 213 :كان الناس أمة واحدة فبعث ال النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب
بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إل الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات
بغيفا بينهفم فهدى ال الذيفن آمنوا لمفا اختلفوا فيفه مفن الحفق بإذنفه وال يهدي مفن يشاء إلى صفراط
مستقيم}
@قوله تعالى" :كان الناس أمة واحدة" أي على دين واحد .قال أبي بن كعب ،وابن زيد :المراد
بالناس بنفو آدم حيفن أخرجهفم ال نسفما من ظهفر آدم فأقروا له بالوحدانيفة .وقال مجاهفد :الناس آدم
وحده ،وسفمي الواحفد بلففظ الجمفع لنفه أصفل النسفل .وقيفل :آدم وحواء .وقال ابفن عباس وقتادة:
(المراد بالناس القرون التي كانت بين آدم ونوح ،وهي عشرة كانوا على الحق حتى اختلفوا فبعث
ال نوحا فمن بعده) .وقال ابن أبي خيثمة :منذ خلق ال آدم عليه السلم إلى أن بعث محمدا صلى
ال عليفه وسفلم خمسفة آلف سفنة وثمانمائة سفنة .وقيفل :أكثفر مفن ذلك ،وكان بينفه وبيفن نوح ألف
سففنة ومائتففا سففنة .وعاش آدم تسففعمائة وسففتين سففنة ،وكان الناس فففي زمانففه أهففل ملة واحدة،
متمسفكين بالديفن ،تصفافحهم الملئكفة ،وداموا على ذلك إلى أن رففع إدريفس عليفه السفلم فاختلفوا.
وهذا فيفه نظفر ،لن إدريفس بعفد نوح على الصفحيح .وقال قوم منهفم الكلبفي الواقدي :المراد نوح
ومفن ففي السففينة ،وكانوا مسفلمين ثفم بعفد وفاة نوح اختلفوا .وقال ابفن عباس أيضفا( :كانوا أمفة
واحدة على الكففر ،يريفد ففي مدة نوح حيفن بعثفه ال) .وعنفه أيضفا :كان الناس على عهفد إبراهيفم
عليه السلم أمة واحدة ،كلهم كفار ،وولد إبراهيم في جاهلية ،فبعث ال تعالى إبراهيم وغيره من
النبيين .فف "كان" على هذه القوال على بابها من المضي المنقضي .وكل من قدر الناس في الية
مؤمنين قدر في الكلم فاختلفوا فبعث ،ودل على هذا الحذف" :وما اختلف فيه إل الذين أوتوه" أي
كان الناس على دين الحق فاختلفوا فبعث ال النبيين ،مبشرين من أطاع ومنذرين من عصى .وكل
مفن قدرهفم كفارا كانفت بعثفة النفبيين إليهفم .ويحتمفل أن تكون "كان" للثبوت ،والمراد الخبار عفن
الناس الذين هم الجنس كله أنهم أمة واحدة في خلوهم عن الشرائع ،وجهلهم بالحقائق ،لول من ال
عليهفم ،وتفضله بالرسفل إليهفم .فل يختفص "كان" على هذا التأويفل بالمضفي فقفط ،بفل معناه معنفى
قوله" :وكان ال غفورا رحيما" [النساء .]152 ،100 ،96 :و"أمة" مأخوذة من قولهم :أممت
كذا ،أي قصدته ،فمعنى "أمة" مقصدهم واحد ،ويقال للواحد :أمة ،أي مقصده غير مقصد الناس،
ومنفه قول النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي قفس بفن سفاعدة( :يحشفر يوم القيامفة أمفة وحده) .وكذلك
قال في زيد بن عمرو بن نفيل .والمة القامة ،كأنها مقصد سائر البدن .والمة (بالكسر) :النعمة،
لن الناس يقصفدون قصفدها .وقيفل :إمام ،لن الناس يقصفدون قصفد مفا يفعفل ،عفن النحاس .وقرأ
أبي بن كعب" :كان البشر أمة واحدة" وقرأ ابن مسعود "كان الناس أمة واحدة فاختلفوا".
@قوله تعالى" :فبعفث ال النفبيين" وجملتهفم مائة وأربعفة وعشرون ألففا ،والرسفل منهفم ثلثمائة
وثلثة عشر ،والمذكورون في القرآن بالسم العلم ثمانية عشر ،وأول الرسل آدم ،على ما جاء في
حديففث أبففي ذر ،أخرجففه الجري وأبففو حاتففم البسففتي .وقيففل :نوح ،لحديففث الشفاعففة ،فإن الناس
يقولون له :أنت أول الرسل .وقيل :إدريس ،وسيأتي بيان هذا في "العراف" إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :مبشرين ومنذرين" نصب على الحال" .وأنزل معهم الكتاب" اسم جنس بمعنفى
الكتب .وقال الطبري :اللف واللم في الكتاب للعهد ،والمراد التوراة .و"ليحكم" مسند إلى الكتاب
في قول الجمهور ،وهو نصب بإضمار أن ،أي لن يحكم وهو مجاز مثل "هذا كتابنا ينطق عليكم
بالحفق" [الجاثيفة .]29 :وقيفل :أي ليحكفم كفل نفبي بكتابفه ،وإذا حكفم بالكتاب فكأنمفا حكفم الكتاب.
وقراءة عاصم الجحدري "ليحكم بين الناس" على ما لم يسم فاعله ،وهي قراءة شاذة ،لنه قد تقدم
ذكففر الكتاب .وقيففل :المعنففى ليحكففم ال ،والضميففر فففي "فيففه" عائد على "مففا" مففن قوله" :فيمففا"
والضميففر فففي "فيففه" الثانيففة يحتمففل أن يعود على الكتاب ،أي ومففا اختلف فففي الكتاب إل الذيففن
أوتوه .موضفع "الذيفن" رففع بفعلهفم .و"أتوه" بمعنفى أعطوه .وقيفل :يعود على المنزل عليفه ،وهفو
محمفد صفلى ال عليفه وسفلم ،قاله الزجاج .أي ومفا اختلف ففي النفبي عليفه السفلم إل الذيفن أعطوا
علمففه" .بغيففا بينهففم" نصففب على المفعول له ،أي لم يختلفوا إل للبغففي ،وقففد تقدم معناه .وفففي هذا
تنبيه على السفه في فعلهم ،والقبح الذي واقعوه .و"هدى" معناه أرشد ،أي فهدى ال أمة محمد إلى
الحفق بأن بيفن لهفم مفا اختلف فيفه مفن كان قبلهفم .وقالت طائففة :معنفى اليفة أن المفم كذب بعضهفم
كتاب بعفض ،فهدى ال تعالى أمفة محمفد للتصفديق بجميعهفا .وقالت طائففة :إن ال هدى المؤمنيفن
للحق فيما اختلف فيه أهل الكتابين ،من قولهم :إن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا .وقال ابن زيد
وزيد بن أسلم :من قبلتهم ،فإن اليهود إلى بيت المقدس ،والنصارى إلى المشرق ،ومن يوم الجمعة
فإن النفففبي صفففلى ال عليفففه وسفففلم قال( :هذا اليوم الذي اختلفوا فيفففه فهدانفففا ال له فلليهود غفففد
وللنصارى بعد غد) ومن صيامهم ،ومن جميع ما اختلفوا فيه.
وقال ابففن زيففد :واختلفوا فففي عيسففى فجعلتففه اليهود لفريففة ،وجعلتففه النصففارى ربففا ،فهدى ال
المؤمنيففن بأن جعلوه عبدا ل .وقال الفراء :هففو مففن المقلوب -واختاره الطففبري -قال :وتقديره
فهدى ال الذين آمنوا للحق لما اختلفوا فيه .قال ابن عطية :ودعاه إلى هذا التقدير خوف أن يحتمل
اللفظ أنهم اختلفوا في الحق فهدى ال المؤمنين لبعض ما اختلفوا فيه ،وعساه غير الحق في نفسه،
نحفا إلى هذا الطفبري ففي حكايتفه عفن الفراء ،وادعاء القلب على لففظ كتاب ال دون ضرورة تدففع
إلى ذلك عجففز وسففوء نظفففر ،وذلك أن الكلم يتخرج على وجهففه ووصفففه ،لن قوله" :فهدى"
يقتضفي أنهفم أصفابوا الحفق وتفم المعنفى ففي قوله" :فيفه" وتفبين بقوله" :مفن الحفق" جنفس مفا وقفع
الخلف فيفه ،قال المهدوي :وقدم لففظ الختلف على لففظ الحفق اهتمامفا ،إذ العنايفة إنمفا هفي بذكفر
الختلف .قال ابن عطية :وليس هذا عندي بقوي .وفي قراءة عبدال بن مسعود "لما اختلفوا عنه
من الحق" أي عن السلم .و"بإذنه" قال الزجاج :معناه بعلمه .قال النحاس :وهذا غلط ،والمعنى
بأمره ،وإذا أذنففت فففي الشيففء فقففد أمرت بففه ،أي فهدى ال الذيففن آمنوا بأن أمرهففم بمففا يجففب أن
يسفتعملوه .وففي قوله" :وال يهدي مفن يشاء إلى صفراط مسفتقيم" رد على المعتزلة ففي قولهفم :إن
العبد يستبد بهداية نفسه.
* *3الية{ 214 :أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء
والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر ال أل إن نصر ال قريب}
@قوله تعالى" :أم حسففبتم أن تدخلوا الجنففة" "حسففبتم" معناه ظننتففم .قال قتادة والسففدي وأكثففر
المفسرين :نزلت هذه الية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة،
والحر والبرد ،وسوء العيش ،وأنواع الشدائد ،وكان كما قال ال تعالى" :وبلغت القلوب الحناجر"
[الحزاب .]10 :وقيفل :نزلت ففي حرب أحفد ،نظيرهفا -ففي آل عمران " -أم حسفبتم أن تدخلوا
الجنففة ولمففا يعلم ال الذيففن جاهدوا منكففم" [آل عمران .]142 :وقالت فرقففة :نزلت اليففة تسففلية
للمهاجريفن حيفن تركوا ديارهفم وأموالهفم بأيدي المشركيفن ،وآثروا رضفا ال ورسفوله ،وأظهرت
اليهود العداوة لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ،وأسفر قوم مفن الغنياء النفاق ،فأنزل ال تعالى
تطييبفا لقلوبهفم "أم حسفبتم" .و"أم" هنفا منقطعفة ،بمعنفى بفل ،وحكفى بعفض اللغوييفن أنهفا قفد تجيفء
بمثابفة ألف السفتفهام ليبتدأ بهفا ،و"حسفبتم" تطلب مفعوليفن ،فقال النحاة" :أن تدخلوا" تسفد مسفد
المفعولين .وقيل :المفعول الثاني محذوف :أحسبتم دخولكم الجنة واقعا .و"لما" بمعنى لم .و"مثل"
معناه شبه ،أي ولم تمتحنوا بمثل ما امتحن به من كان قبلكم فتصبروا كما صبروا .وحكى النضر
بفن شميفل أن "مثفل" يكون بمعنفى صففة ،ويجوز أن يكون المعنفى :ولمفا يصفبكم مثفل الذي أصفاب
الذيفن مفن قبلكفم ،أي مفن البلء .قال وهفب :وجفد فيمفا بيفن مكفة والطائف سفبعون نبيفا موتفى ،كان
سفبب موتهفم الجوع والقمفل ،ونظيفر هذه اليفة "الم أحسفب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنفا وهفم ل
يفتنون ولقفد فتنفا الذيفن مفن قبلهفم" [العنكبوت ]3 - 2 - 1 :على مفا يأتفي ،فاسفتدعاهم تعالى إلى
الصففبر ،ووعدهففم على ذلك بالنصففر فقال" :أل إن نصففر ال قريففب" .والزلزلة :شدة التحريففك،
تكون فففي الشخاص وفففي الحوال ،يقال :زلزل ال الرض زلزلة وزلزال -بالكسففر -فتزلزلت
إذا تحركت واضطربت ،فمعنى "زلزلوا" خوفوا وحركوا .والزلزال -بالفتح -السم .والزلزل:
الشدائد .وقال الزجاج :أصفل الزلزلة مفن زل الشيفء عفن مكانفه ،فإذا قلت :زلزلتفه فمعناه كررت
زل مففن مكانففه .ومذهففب سففيبويه أن زلزل رباعففي كدحرج .وقرأ نافففع "حتففى يقول" بالرفففع،
والباقون بالنصفب .ومذهفب سفيبويه ففي "حتفى" أن النصفب فيمفا بعدهفا مفن جهتيفن والرففع مفن
جهتين ،تقول :سرت حتى أدخل المدينة -بالنصب -على أن السير والدخول جميعا قد مضيا ،أي
سفرت إلى أن أدخلهفا ،وهذه غايفة ،وعليفه قراءة مفن قرأ بالنصفب .والوجفه الخفر ففي النصفب ففي
غير الية سرت حتى أدخلها ،أي كي أدخلها .والوجهان في الرفع سرت حتى أدخلها ،أي سرت
فأدخلهفا ،وقفد مضيفا جميعفا ،أي كنفت سفرت فدخلت .ول تعمفل حتفى ههنفا بإضمار أن ،لن بعدهفا
جملة ،كما قال الفرزدق:
فيا عجبا حتى كليب تسبني
قال النحاس :فعلى هذا القراءة بالرفففع أبيففن وأصففح معنففى ،أي وزلزلوا حتففى الرسففول يقول ،أي
حتفى هذه حاله ،لن القول إنمفا كان عفن الزلزلة غيفر منقطفع منهفا ،والنصفب على الغايفة ليفس فيفه
هذا المعنى .والرسول هنا شعيا في قول مقاتل ،وهو اليسع .وقال الكلبي :هذا في كل رسول بعث
إلى أمتفه وأجهفد ففي ذلك حتفى قال :متفى نصفر ال؟ .وروي عفن الضحاك قال :يعنفي محمدا صفلى
ال عليففه وسففلم ،وعليفه يدل نزول اليففة ،وال أعلم .والوجففه الخففر فففي غيففر اليففة سففرت حتففى
أدخلها ،على أن يكون السير قد مضى والدخول الن .وحكى سيبويه :مرض حتى ل يرجونه ،أي
هو الن ل يرجى ،ومثله سرت حتى أدخلها ل أمنع .وبالرفع قرأ مجاهد والعرج وابن محيصن
وشيبفة .وبالنصفب قرأ الحسفن وأبفو جعففر وابفن أبفي إسفحاق وشبفل وغيرهفم .قال مكفي :وهفو
الختيار ،لن جماعففة القراء عليففه .وقرأ العمففش" :وزلزلوا ويقول الرسففول" بالواو بدل حتففى.
وفي مصحف ابن مسعود" :وزلزلوا ثم زلزلوا ويقول" .وأكثر المتأولين على أن الكلم إلى آخر
الية من قول الرسول والمؤمنين ،أي بلغ الجهد بهم حتى استبطؤوا النصر ،فقال ال تعالى" :أل
إن نصففر ال قريففب" .ويكون ذلك مففن قول الرسففول على طلب اسففتعجال النصففر ل على شففك
وارتياب .والرسول اسم جنس .وقالت طائفة :في الكلم تقديم وتأخير ،والتقدير :حتى يقول الذين
آمنوا متفى نصفر ال ،فيقول الرسفول :أل إن نصفر ال قريفب ،فقدم الرسفول ففي الرتبفة لمكانتفه ،ثفم
قدم قول المؤمنيفن لنفه المتقدم ففي الزمان .قال ابفن عطيفة :وهذا تحكفم ،وحمفل الكلم على وجهفه
غير متعذر .ويحتمل أن يكون "أل إن نصر ال قريب" إخبارا من ال تعالى مؤتنفا بعد تمام ذكر
القول.
@قوله تعالى" :متفى نصفر ال" رففع بالبتداء على قول سفيبويه ،وعلى قول أبفي العباس رففع
بفعل ،أي متى يقع نصر ال .و"قريب" خبر "إن" .قال النحاس :ويجوز في غير القرآن "قريبا"
أي مكانا قريبا .و"قريب" ل تثنيه العرب ول تجمعه ول تؤنثه في هذا المعنى ،قال ال عز وجل:
"إن رحمة ال قريب من المحسنين" [العراف .]56 :وقال الشاعر:
قريب ول بسباسة بنة يشكرا له الويل إن أمسى ول أم هاشم
فإن قلت :فلن قريب لي ثنيت وجمعت ،فقلت :قريبون وأقرباء وقرباء.
* *3اليفة{ 215 :يسفألونك ماذا ينفقون قفل مفا أنفقتفم مفن خيفر فللوالديفن والقربيفن واليتامفى
والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن ال به عليم}
@قوله تعالى" :يسفألونك" إن خفففت الهمزة ألقيفت حركتهفا على السفين ففتحهفا وحذففت الهمزة
فقلت :يسفلونك .ونزلت اليفة ففي عمرو بفن الجموح ،وكان شيخفا كفبيرا فقال :يفا رسفول ال ،إن
مالي كثير ،فبماذا أتصدق ،وعلى من أنفق؟ فنزلت "يسألونك ماذا ينفقون".
@قوله تعالى" :ماذا ينفقون" "مفا" ففي موضفع رففع بالبتداء ،و"ذا" الخفبر ،وهفو بمعنفى الذي،
وحذفففت الهاء لطول السففم ،أي مففا الذي ينفقونففه ،وإن شئت كانففت "مففا" فففي موضففع نصففب بفف
"ينفقون" و"ذا" مع "ما" بمنزلة شيء واحد ول يحتاج إلى ضمير ،ومتى كانت اسما مركبا فهي
في موضع نصب ،إل ما جاء في قول الشاعر:
سوى أن يقولوا إنني لك عاشق وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا
فإن "عسى" ل تعمل فيه ،فف "ماذا" في موضع رفع وهو مركب ،إذ ل صلة لف "ذا".
@قيفل :إن السفائلين هفم المؤمنون ،والمعنفى يسفألونك مفا هفي الوجوه التفي ينفقون فيهفا ،وأيفن
يضعون مفففا لزم إنفاقفففه .قال السفففدي :نزلت هذه اليفففة قبفففل فرض الزكاة ثفففم نسفففختها الزكاة
المفروضة .قال ابن عطية :ووهم المهدوي على السدي في هذا ،فنسب إليه أنه قال :إن الية في
الزكاة المفروضففة ثففم نسففخ منهففا الوالدان .وقال ابففن جريففج وغيره :هففي ندب ،والزكاة غيففر هذا
النفاق ،فعلى هذا ل نسفخ فيهفا ،وهفي مبينفة لمصفارف صفدقة التطوع ،فواجفب على الرجفل الغنفي
أن ينفق على أبويه المحتاجين ما يصلحهما في قدر حالهما من حاله ،من طعام وكسوة وغير ذلك.
قال مالك ،ليس عليه أن يزوج أباه ،وعليه أن ينفق على امرأة أبيه ،كانت أمه أو أجنبية ،وإنما قال
مالك :ليس عليه أن يزوج أباه لنه رآه يستغني عن التزويج غالبا ،ولو احتاج حاجة ماسة لوجب
أن يزوجفه ،ولول ذلك لم يوجفب عليفه أن ينففق عليهمفا .فأمفا مفا يتعلق بالعبادات مفن الموال فليفس
عليفه أن يعطيفه مفا يحفج بفه أو يغزو ،وعليفه أن يخرج عنفه صفدقة الفطفر ،لنهفا مسفتحقة بالنفقفة
والسلم.
@قوله تعالى" :قفل مفا أنفقتفم" "مفا" ففي موضفع نصفب بفف "أنفقتفم" وكذا "ومفا تنفقوا" وهفو شرط
والجواب "فللوالديفن" ،وكذا "ومفا تفعلوا مفن خيفر" شرط ،وجوابفه "فإن ال بفه عليفم" وقفد مضفى
القول فففي اليتيففم والمسففكين وابففن السففبيل .ونظيففر هذه اليففة قوله تعالى "فآت ذا القربففى حقففه
والمسكين وابن السبيل" [الروم .]38 :وقرأ علي بن أبي طالب "يفعلوا" بالياء على ذكر الغائب،
وظاهر الية الخبر ،وهي تتضمن الوعد بالمجازاة.
* *3اليفة{ 216 :كتفب عليكفم القتال وهفو كره لكفم وعسفى أن تكرهوا شيئا وهفو خيفر لكفم
وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم وال يعلم وأنتم ل تعلمون}
@قوله تعالى" :كتب" معناه فرض ،وقد تقدم مثله .وقرأ قوم "كتب عليكم القتل" ،وقال الشاعر:
وعلى الغانيات جر الذيول كتب القتل والقتال علينا
هذا هو فرض الجهاد ،بين سبحانه أن هذا مما امتحنوا به وجعل وصلة إلى الجنة .والمراد بالقتال
قتال العداء مففن الكفار ،وهذا كان معلومففا لهففم بقرائن الحوال ،ولم يؤذن للنففبي صففلى ال عليففه
وسفلم ففي القتال مدة إقامتفه بمكفة ،فلمفا هاجفر أذن له ففي قتال مفن يقاتله مفن المشركيفن فقال تعالى:
"أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا" [الحج ]39 :ثم أذن له في قتال المشركين عامة .واختلفوا من
المراد بهذه اليفة ،فقيفل :أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم خاصفة ،فكان القتال مفع النفبي صفلى
ال عليفه وسفلم فرض عيفن عليهفم ،فلمفا اسفتقر الشرع صفار على الكفايفة ،قال عطاء والوزاعفي.
قال ابففن جريففج :قلت لعطاء :أواجففب الغزو على الناس فففي هذه اليففة؟ فقال :ل ،إنمففا كتففب على
أولئك .وقال الجمهور مففن المففة :أول فرضففه إنمففا كان على الكفايففة دون تعييففن ،غيففر أن النففبي
صلى ال عليه وسلم كان إذا استنفرهم تعين عليهم النفير لوجوب طاعته .وقال سعيد بن المسيب:
إن الجهاد فرض على كل مسلم في عينه أبدا ،حكاه الماوردي .قال ابن عطية :والذي استمر عليه
الجماع أن الجهاد على كفل أمفة محمفد صفلى ال عليفه وسفلم فرض كفايفة ،فإذا قام بفه مفن قام مفن
المسلمين سقط عن الباقين ،إل أن ينزل العدو بساحة السلم فهو حينئذ فرض عين ،وسيأتي هذا
مبينففا فففي سففورة "براءة" إن شاء ال تعالى .وذكففر المهدوي وغيره عففن الثوري أنففه قال :الجهاد
تطوع .قال ابفن عطيفة :وهذه العبارة عندي إنمفا هفي على سفؤال سفائل وقفد قيفم بالجهاد ،فقيفل له:
ذلك تطوع.
@قوله تعالى" :وهو كره لكم" ابتداء وخبر ،وهو كره في الطباع .قال ابن عرفة :الكره ،المشقة
والكره -بالفتح -ما أكرهت عليه ،هذا هو الختيار ،ويجوز الضم في معنى الفتح فيكونان لغتين،
يقال :كرهفت الشيفء كرهفا وكرهفا وكراهفة وكراهيفة ،وأكرهتفه عليفه إكراهفا .وإنمفا كان الجهاد
كرهفا لن فيفه إخراج المال ومفارقفة الوطفن والهفل ،والتعرض بالجسفد للشجاج والجراح وقطفع
الطراف وذهاب النفس ،فكانت كراهيتهم لذلك ،ل أنهم كرهوا فرض ال تعالى .وقال عكرمة في
هذه الية :إنهم كرهوه ثم أحبوه وقالوا :سمعنا وأطعنا ،وهذا لن امتثال المر يتضمن مشقة ،لكن
إذا عرف الثواب هان في جنبه مقاساة المشقات.
قلت :ومثاله ففي الدنيفا إزالة مفا يؤلم النسفان ويخاف منفه كقطفع عضفو وقلع ضرس ،وفصفد
وحجامفة ابتغاء العافيفة ودوام الصفحة ،ول نعيفم أفضفل مفن الحياة الدائمفة ففي دار الخلد والكرامفة
في مقعد صدق.
@قوله تعالى" :وعسى أن تكرهوا شيئا" قيل" :عسى" :بمعنى قد ،قاله الصم .وقيل :هي واجبة.
و"عسففى" مففن ال واجبففة فففي جميففع القرآن إل قوله تعالى" :عسففى ربففه إن طلقكففن أن يبدله"
[التحريم .]5 :وقال أبو عبيدة" :عسى" من ال إيجاب ،والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد
مفن المشقفة وهفو خيفر لكفم ففي أنكفم تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون ،ومن مات مات شهيدا،
وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تغلبون وتذلون ويذهب أمركم.
قلت :وهذا صفحيح ل غبار عليفه ،كمفا اتففق ففي بلد الندلس ،تركوا الجهاد وجبنوا عفن القتال
وأكثروا مفن الفرار ،فاسفتولى العدو على البلد ،وأي بلد؟! وأسفر وقتفل وسفبى واسفترق ،فإنفا ل
وإنا إليه راجعون! ذلك بما قدمت أيدينا وكسبته! وقال الحسن في معنى الية :ل تكرهوا الملمات
الواقعة ،فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك ،ولرب أم تحبه فيه عطبك ،وأنشد أبو سعيد الضرير:
جر أمرا ترتضيه رب أمر تتقيه
وبدا المكروه فيه خفي المحبوب منه
* *3اليفة{ 217 :يسفألونك عفن الشهفر الحرام قتال فيفه قفل قتال فيفه كفبير وصفد عفن سفبيل ال
وكفففر بففه والمسففجد الحرام وإخراج أهله منففه أكففبر عنففد ال والفتنففة أكففبر مففن القتففل ول يزالون
يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك
حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}
@قوله تعالى" :يسفألونك" تقدم القول فيفه .وروى جريفر بفن عبدالحميفد ومحمفد بفن فضيفل عفن
عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال(:ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد
صففلى ال عليففه وسففلم ،مففا سففألوه إل عففن ثلث عشرة مسففألة كلهففن فففي القرآن" :يسففألونك عففن
المحيفض"" ،يسفألونك عفن الشهفر الحرام"" ،يسفألونك عفن اليتامفى" ،مفا كانوا يسفألونك إل عمفا
ينفعهفم) .قال ابفن عبدالبر :ليفس ففي الحديفث مفن الثلث عشرة مسفألة إل ثلث .وروى أبفو اليسفار
عن جندب بن عبدال أن النبي صلى ال عليه وسلم بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الحارث
أو عفبيدة بفن الحارث ،فلمفا ذهفب لينطلق بكفى صفبابة إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ،فبعفث
عبدال بففن جحففش ،وكتففب له كتابففا وأمره أل يقرأ الكتاب حتففى يبلغ مكان كذا وكذا ،وقال :ول
تكرهففن أصففحابك على المسففير ،فلمففا بلغ المكان قرأ الكتاب فاسففترجع وقال :سففمعا وطاعففة ل
ولرسوله ،قال :فرجع رجلن ومضى بقيتهم ،فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ،ولم يدروا أن ذلك اليوم
مففن رجففب ،فقال المشركون :قتلتففم فففي الشهففر الحرام ،فأنزل ال تعالى" :يسففألونك عففن الشهففر
الحرام" الية .وروى أن سبب نزولها أن رجلين من بني كلب لقيا عمرو بن أمية الضمري وهو
ل يعلم أنهمفا كانفا عنفد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وذلك ففي أول يوم مفن رجفب فقتلهمفا ،فقالت
قريش :قتلهما في الشهر الحرام ،فنزلت الية .والقول بأن نزولها في قصة عبدال بن جحش أكثر
وأشهر ،وأن النبي صلى ال عليه وسلم بعثه مع تسعة رهط ،وقيل ثمانية ،في جمادى الخرة قبل
بدر بشهرين ،وقيل في رجب .قال أبو عمر -في كتاب الدرر له : -ولما رجع رسول ال صلى
ال عليففه وسففلم مففن طلب كرز بففن جابر -وتعرف تلك الخرجففة ببدر الولى -أقام بالمدينففة بقيففة
جمادى الخرة ورجفب ،وبعفث ففي رجفب عبدال بفن جحفش بفن رئاب السفدي ومعفه ثمانيفة رجال
مفن المهاجريفن ،وهفم أبفو حذيففة بفن عتبفة ،وعكاشفة بفن محصفن ،وعتبفة بفن غزوان ،وسفهيل بفن
بيضاء الفهري ،وسفعد بفن أبفي وقاص ،وعامفر بفن ربيعفة ،وواقفد بفن عبدال التميمفي ،وخالد بفن
بكيفر الليثفي .وكتفب لعبدال بفن جحفش كتابفا ،وأمره أل ينظفر فيفه حتفى يسفير يوميفن ثفم ينظفر فيفه
فيمضي لما أمره به ول يستكره أحدا من أصحابه ،وكان أميرهم ،ففعل عبدال بن جحش ما أمره
بفه ،فلمفا فتفح الكتاب وقرأه وجفد فيفه( :إذا نظرت ففي كتابفي هذا فامفض حتفى تنزل نخلة بيفن مكفة
والطائف فترصد بها قريشا ،وتعلم لنا من أخبارهم) .فلما قرأ الكتاب قال :سمعا وطاعة ،ثم أخبر
أصحابه بذلك ،وبأنه ل يستكره أحدا منهم ،وأنه ناهض لوجهه بمن أطاعه ،وأنه إن لم يطعه أحد
مضففى وحده ،فمففن أحففب الشهادة فلينهففض ،ومففن كره الموت فليرجففع .فقالوا :كلنففا نرغففب فيمففا
ترغفب فيفه ،ومفا منفا أحفد إل وهفو سفامع مطيفع لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ،ونهضوا معفه،
فسفلك على الحجاز ،وشرد لسفعد بفن أبفي وقاص وعتبفة بفن غزوان جمفل كانفا يعتقبانفه فتخلففا ففي
طلبفه ،ونففذ عبدال بفن جحفش مفع سفائرهم لوجهفه حتفى نزل بنخلة ،فمرت بهفم عيفر لقريفش تحمفل
زبيبففا وتجارة فيهففا عمرو بففن الحضرمففي -واسففم الحضرمففي عبدال بففن عباد مففن الصففدف،
والصففدف بطففن مففن حضرموت -وعثمان بففن عبدال بففن المغيرة ،وأخوه نوفففل بففن عبدال بففن
المغيرة المخزوميان ،والحكفم بفن كيسفان مولى بنفي المغيرة ،فتشاور المسفلمون وقالوا :نحفن ففي
آخفر يوم مفن رجفب الشهفر الحرام ،فإن نحفن قاتلناهفم هتكنفا حرمفة الشهفر الحرام :وإن تركناهفم
الليلة دخلوا الحرم ،ثفم اتفقوا على لقائهفم ،فرمفى واقفد بفن عبدال التميمفي عمرو بفن الحضرمفي
فقتله ،وأسففروا عثمان بففن عبدال والحكففم بففن كيسففان ،وأفلت نوفففل بففن عبدال ،ثففم قدموا بالعيففر
والسفيرين ،وقال لهفم عبدال بفن جحفش :اعزلوا ممفا غنمنفا الخمفس لرسفول ال صفلى ال عليفه
وسفلم ففعلوا ،فكان أول خمفس ففي السلم ،ثم نزل القرآن" :واعلموا أنما غنمتفم من شيفء فأن ل
خمسفه" [النفال ]41 :فأقفر ال ورسفوله فعفل عبدال بفن جحفش ورضيفه وسفنه للمفة إلى يوم
القيامة ،وهي أول غنيمة غنمت في السلم ،وأول أمير ،وعمرو بن الحضرمي أول قتيل .وأنكر
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قتفل ابفن الحضرمفي ففي الشهفر الحرام ،فسفقط ففي أيدي القوم،
فأنزل ال عفز وجفل" :يسفألونك عفن الشهفر الحرام قتال فيفه" إلى قوله" :هفم فيهفا خالدون" .وقبفل
رسول ال صلى ال عليه وسلم الفداء في السيرين ،فأما عثمان بن عبدال فمات بمكة كافرا ،وأما
الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى استشهد ببئر معونة ،ورجع
سعد وعتبة إلى المدينة سالمين.
وقيفل :إن انطلق سفعد بفن أبفي وقاص وعتبفة ففي طلب بعيرهمفا كان عفن إذن مفن عبدال بفن
جحفش ،وإن عمرو بفن الحضرمفي وأصفحابه لمفا رأوا أصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم
هابوهم ،فقال عبدال بن جحش :إن القوم قد فزعوا منكم ،فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم،
فإذا رأوه محلوقفا أمنوا وقالوا :قوم عمار ل بأس عليكفم ،وتشاوروا ففي قتالهفم ،الحديفث .وتفاءلت
اليهود وقالوا :واقفد وقدت الحرب ،وعمرو عمرت الحرب ،والحضرمفي حضرت الحرب .وبعفث
أهفل مكفة ففي فداء أسفيريهم ،فقال :ل نفديهمفا حتفى يقدم سفعد وعتبفة ،وإن لم يقدمفا قتلناهمفا بهمفا،
فلمفا قدمفا فاداهمفا فأمفا الحكفم فأسفلم وأقام بالمدينفة حتفى قتفل يوم بئر معونفة شهيدا ،وأمفا عثمان
فرجفع إلى مكفة فمات بهفا كافرا ،وأمفا نوففل فضرب بطفن فرسفه يوم الحزاب ليدخفل الخندق على
المسففلمين فوقففع فففي الخندق مففع فرسففه فتحطمففا جميعففا فقتله ال تعالى ،وطلب المشركون جيفتففه
بالثمن فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم(:خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية) فهذا سبب نزول
قوله تعالى" :يسفألونك عفن الشهفر الحرام" .وذكفر ابفن إسفحاق أن قتفل عمرو بفن الحضرمفي كان
في آخر يوم من رجب ،على ما تقدم .وذكر الطبري عن السدي وغيره أن ذلك كان في آخر يوم
مفن جمادى الخرة ،والول أشهفر ،على أن ابفن عباس قفد ورد عنفه أن ذلك كان ففي أول ليلة مفن
رجفب ،والمسفلمون يظنونهفا مفن جمادى .قال ابفن عطيفة :وذكفر الصفاحب بفن عباد ففي رسفالته
المعروففة بالسفدية أن عبدال بفن جحفش سفمي أميفر المؤمنيفن ففي ذلك الوقفت لكونفه مؤمرا على
جماعة من المؤمنين.
@واختلف العلماء ففي نسفخ هذه اليفة ،فالجمهور على نسفخها ،وأن قتال المشركيفن ففي الشهفر
الحرم مباح .واختلفوا في ناسخها ،فقال الزهري :نسخها "وقاتلوا المشركين كافة" [التوبة.]36 :
وقيفل نسفخها غزو النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ثقيففا ففي الشهفر الحرام ،وإغزاؤه أبفا عامفر إلى
أوطاس في الشهر الحرام .وقيل :نسخها بيعة الرضوان على القتال في ذي القعدة ،وهذا ضعيف،
فإن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم لمفا بلغفه قتفل عثمان بمكفة وأنهفم عازمون على حربفه بايفع حينئذ
المسلمين على دفعهم ل على البتداء بقتالهم .وذكر البيهقي عن عروة بن الزبير من غير حديث
محمفد بفن إسفحاق ففي أثفر قصفة الحضرمفي :فأنزل عفز وجفل" :يسفألونك عفن الشهفر الحرام قتال
فيففه" اليففة ،قال :فحدثهففم ال فففي كتابففه أن القتال فففي الشهففر الحرام حرام كمففا كان ،وأن الذي
يسفتحلون مفن المؤمنيفن هفو أكفبر مفن ذلك مفن صفدهم عفن سفبيل ال حيفن يسفجنونهم ويعذبونهفم
ويحبسونهم أن يهاجروا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وكفرهم بال وصدهم المسلمين عن
المسفجد الحرام ففي الحفج والعمرة والصفلة فيفه ،وإخراجهفم أهفل المسفجد الحرام وهفم سفكانه مفن
المسفلمين ،وفتنتهفم إياهفم عفن الديفن ،فبلغنفا أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم عقفل ابفن الحضرمفي
وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه ،حتى أنزل ال عز وجل" :براءة من ال ورسوله" [التوبة:
.]1وكان عطاء يقول :الية محكمة ،ول يجوز القتال في الشهر الحرم ،ويحلف على ذلك ،لن
اليات التفي وردت بعدهفا عامفة ففي الزمنفة ،وهذا خاص والعام ل ينسفخ الخاص باتفاق .وروى
أبفو الزبيفر عفن جابر قال :كان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ل يقاتفل ففي الشهفر الحرام إل أن
يغزى.
@قوله تعالى" :قتال فيفه" "قتال" بدل عنفد سفيبويه بدل اشتمال ،لن السفؤال اشتمفل على الشهفر
وعلى القتال ،أي يسفألك الكفار تعجبفا مفن هتفك حرمفة الشهفر ،فسفؤالهم عفن الشهفر إنمفا كان لجفل
القتال فيفه .قال الزجاج :المعنفى يسفألونك عفن القتال ففي الشهفر الحرام .وقال القتفبي :يسفألونك عفن
القتال في الشهر الحرام هل يجوز؟ فأبدل قتال من الشهر ،وأنشد سيبويه:
ولكنه بنيان قوم تهدما فما كان قيس هلكه هلك واحد
وقرأ عكرمفة" :يسفألونك عفن الشهفر الحرام قتفل فيفه قفل قتفل" بغيفر ألف فيهمفا .وقيفل :المعنفى
يسفألونك عفن الشهفر الحرام وعفن قتال فيفه ،وهكذا قرأ ابفن مسفعود ،فيكون مخفوضفا بعفن على
التكريفر ،قاله الكسفائي .وقال الفراء :هفو مخفوض على نيفة عفن .وقال أبفو عفبيدة :هفو مخفوض
على الجوار .قال النحاس :ل يجوز أن يعرب الشيفء على الجوار ففي كتاب ال ول ففي شيفء مفن
الكلم ،وإنما الجوار غلط ،وإنما وقع ففي شيء شاذ ،وهو قولهم :هذا جحر ضب خرب ،والدليل
على أنفه غلط قول العرب فففي التثنيففة :هذان :جحرا ضففب خربان ،وإنمفا هذا بمنزلة القواء ،ول
يجوز أن يحمففل شيففء مففن كتاب ال على هذا ،ول يكون إل بأفصففح اللغات وأصففحها .قال ابففن
عطيفة :وقال أبفو عفبيدة :هفو خففض على الجوار ،وقوله هذا خطفأ .قال النحاس :ول يجوز إضمار
عففن ،والقول فيففه أنففه بدل .وقرأ العرج" :يسففألونك عففن الشهففر الحرام قتال فيففه" بالرفففع .قال
النحاس :وهو غامض في العربية ،والمعنى فيه يسألونك عن الشهر الحرام أجائز قتال فيه؟ فقوله:
"يسألونك" يدل على الستفهام ،كما قال امرؤ القيس:
كلمع اليدين في حبي مكلل أصاح ترى برقا أريك وميضه
والمعنفى :أترى برقفا ،فحذف ألف السفتفهام ،لن اللف التفي ففي "أصفاح" تدل عليهفا وإن كانفت
حرف نداء ،كما قال الشاعر:
تروح من الحي أم تبتكر
والمعنى :أتروح ،فحذف اللف لن "أم" تدل عليها.
@قوله تعالى" :قل قتال فيه كبير" ابتداء وخبر ،أي مستنكر ،لن تحريم القتال في الشهر الحرام
كان ثابتا يومئذ إذ كان البتداء من المسلمين .والشهر في الية اسم جنس ،وكانت العرب قد جعل
ال لهفا الشهفر الحرام قوامفا تعتدل عنده ،فكانفت ل تسففك دمفا ،ول تغيفر ففي الشهفر الحرم ،وهفي
رجففب وذو القعدة وذو الحجففة والمحرم ،ثلثففة سففرد وواحففد فرد .وسففيأتي لهذا مزيففد بيان فففي
"المائدة" إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :وصفد عفن سفبيل ال" ابتداء "وكففر بفه" عطفف على "صفد" "والمسفجد الحرام"
عطفف على "سفبيل ال" "وإخراج أهله منفه" عطفف على "صفد" ،وخفبر البتداء "أكفبر عنفد ال"
أي أعظفم إثمفا مفن القتال ففي الشهفر الحرام ،قاله المفبرد وغيره .وهفو الصفحيح ،لطول منفع الناس
عفن الكعبفة أن يطاف بهفا" .وكففر بفه" أي بال ،وقيفل" :وكففر بفه" أي بالحفج والمسفجد الحرام.
"وإخراج أهله منفه أكفبر" أي أعظفم عقوبفة عنفد ال مفن القتال ففي الشهفر الحرام .وقال الفراء:
"صفد" عطفف على "كفبير"" .والمسفجد" عطفف على الهاء ففي "بفه" ،فيكون الكلم نسفقا متصفل
غيفر منقطفع .قال ابفن عطيفة :وذلك خطفأ ،لن المعنفى يسفوق إلى أن قوله" :وكففر بفه" أي بال
عطفف أيضفا على "كفبير" ،ويجيفء مفن ذلك أن إخراج أهفل المسفجد منفه أكفبر مفن الكففر عنفد ال،
وهذا بين فساده .ومعنى الية على قول الجمهور :إنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في
الشهففر الحرام ،ومففا تفعلون أنتففم مففن الصففد عففن سففبيل ال لمففن أراد السففلم ،ومففن كفركففم بال
وإخراجكم أهل المسجد منه ،كما فعلتم برسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه أكبر جرما عند
ال .وقال عبدال بن جحش رضي ال عنه:
وأعظم منه لو يرى الرشد راشد تعدون قتل في الحرام عظيمة
وكفر به وال راء وشاهد صدودكم عما يقول محمد
لئل يرى ل في البيت ساجد وإخراجكم من مسجد ال أهله
وأرجف بالسلم باغ وحاسد فإنا وإن غيرتمونا بقتله
بنخلة لما أوقد الحرب واقد سقينا من ابن الحضرمي رماحنا
ينازعه غل من القد عاند دما وابن عبدال عثمان بيننا
وقال الزهري ومجاهفففد وغيرهمفففا :قوله تعالى" :قفففل قتال فيفففه كفففبير" منسفففوخ بقوله" :وقاتلوا
المشركين كافة" وبقوله" :فاقتلوا المشركين" [التوبة .]5 :وقال عطاء :لم ينسخ ،ول ينبغي القتال
في الشهر الحرم ،وقد تقدم.
@قوله تعالى" :والفتنة أكبر من القتل" قال مجاهد وغيره :الفتنة هنا الكفر ،أي كفركم أكبر من
قتلنفا أولئك .وقال الجمهور :معنفى الفتنفة هنفا فتنتهفم المسفلمين عفن دينهفم حتفى يهلكوا ،أي أن ذلك
أشد اجتراما من قتلكم في الشهر الحرام.
@قوله تعالى" :ول يزالون" ابتداء خبر من ال تعالى ،وتحذير منه للمؤمنين من شر الكفرة .قال
مجاهد :يعني كفار قريش .و"يردوكم" نصب بحتى ،لنها غاية مجردة.
@قوله تعالى" :ومفن يرتدد" أي يرجفع عفن السفلم إلى الكففر "فأولئك حبطفت" أي بطلت
وفسفدت ،ومنفه الحبفط وهفو فسفاد يلحفق المواشفي ففي بطونهفا مفن كثرة أكلهفا الكل فتنتففخ أجوافهفا،
وربما تموت من ذلك ،فالية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين السلم.
@واختلف العلماء ففي المرتفد هفل يسفتتاب أم ل؟ وهفل يحبفط عمله بنففس الردة أم ل ،إل على
الموافاة على الكففر؟ وهفل يورث أم ل؟ قالت طائففة :يسفتتاب ،فإن تاب وإل قتفل ،وقال بعضهفم:
سفاعة واحدة .وقال آخرون :يسفتتاب شهرا .وقال آخرون :يسفتتاب ثلثفا ،على مفا روي عفن عمفر
وعثمان ،وهو قول مالك رواه عنه ابن القاسم .وقال الحسن :يستتاب مائة مرة ،وقد روي عنه أنه
يقتل دون استتابة ،وبه قال الشافعي في أحد قوليه ،وهو أحد قولي طاوس وعبيد بن عمير .وذكر
سحنون أن عبدالعزيز بن أبي سلمة الماجشون كان يقول :يقتل المرتد ول يستتاب ،واحتج بحديث
معاذ وأبفي موسفى ،وفيفه :أن النفبي صفلى ال عليه وسفلم لمفا بعفث أبفا موسفى إلى اليمفن أتبعفه معاذ
بن جبل فلما قدم عليه قال :انزل ،وألقى إليه وسادة ،وإذا رجل عنده موثق قال :ما هذا؟ قال :هذا
كان يهوديفا فأسفلم ثفم راجفع دينفه ديفن السفوء فتهود .قال :ل أجلس حتفى يقتفل ،قضاء ال ورسفوله،
فقال :اجلس .قال :نعففم ل أجلس حتففى يقتففل ،قضاء ال ورسففوله -ثلث مرات -فأمففر بففه فقتففل،
خرجفه مسفلم وغيره .وذكفر أبفو يوسفف عفن أبفى حنيففة أن المرتفد يعرض عليفه السفلم فإن أسفلم
وإل قتففل مكانففه ،إل أن يطلب أن يؤجففل ،فإن طلب ذلك أجففل ثلثففة أيام ،والمشهور عنففه وعففن
أصففحابه أن المرتففد ل يقتففل حتففى يسففتتاب .والزنديفق عندهفم والمرتفد سفواء .وقال مالك :وتقتفل
الزنادقة ول يستتابون .وقد مضى هذا أول "البقرة" .واختلفوا فيمن خرج من كفر إلى كفر ،فقال
مالك وجمهور الفقهاء :ل يتعرض له ،لنففه انتقففل إلى مففا لو كان عليففه فففي البتداء لقففر عليففه.
وحكى ابن عبدالحكم عن الشافعي أنه يقتل ،لقوله عليه السلم( :من بدل دينه فاقتلوه) ولم يخص
مسفلما مفن كاففر .وقال مالك :معنفى الحديفث مفن خرج مفن السفلم إلى الكففر ،وأمفا مفن خرج مفن
كفر إلى كفر فلم يعن بهذا الحديث ،وهو قول جماعة من الفقهاء .والمشهور عن الشافعي ما ذكره
المزنففي والربيففع أن المبدل لدينففه مففن أهففل الذمففة يلحقففه المام بأرض الحرب ويخرجففه مففن بلده
ويستحل ماله مع أموال الحربيين إن غلب على الدار ،لنه إنما جعل له الذمة على الدين الذي كان
عليه في حين عقد العهد .واختلفوا في المرتدة ،فقال مالك والوزاعي والشافعي والليث بن سعد:
تقتل كما يقتل المرتد سواء ،وحجتهم ظاهر الحديث( :من بدل دينه فاقتلوه) .و"من" يصلح للذكر
والنثفى .وقال الثوري وأبفو حنيففة وأصفحابه :ل تقتفل المرتدة ،وهفو قول ابفن شبرمفة ،وإليفه ذهفب
ابن علية ،وهو قول عطاء والحسن .واحتجوا بأن ابن عباس روى عن النبي صلى ال عليه وسلم
أنففه قال( :مففن بدل دينففه فاقتلوه) ثففم إن ابففن عباس لم يقتففل المرتدة ،ومففن روى حديثففا كان أعلم
بتأويله ،وروي عفن علي مثله .ونهفى صفلى ال عليفه وسفلم عفن قتفل النسفاء والصفبيان .واحتفج
الولون بقوله عليه السلم( :ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحدى ثلث كفر بعد إيمان )...فعم كل من
كفر بعد إيمانه ،وهو أصح.
@قال الشافعي :إن من ارتد ثم عاد إلى السلم لم يحبط عمله ول حجه الذي فرغ منه ،بل إن
مات على الردة فحينئذ تحبفط أعماله .وقال مالك :تحبفط بنففس الردة ،ويظهفر الخلف ففي المسفلم
إذا حفج ثفم ارتفد ثفم أسفلم ،فقال مالك :يلزمفه الحفج ،لن الول قفد حبفط بالردة .وقال الشافعفي :ل
إعادة عليه ،لن عمله باق .واستظهر علماؤنا بقوله تعالى" :لئن أشركت ليحبطن عملك" [الزمر:
.]65قالوا :وهو خطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد أمته ،لنه عليه السلم يستحيل منه
الردة شرعففا .وقال أصففحاب الشافعففي :بففل هففو خطاب النففبي صففلى ال عليففه وسففلم على طريففق
التغليظ على المة ،وبيان أن النبي صلى ال عليه وسلم على شرف منزلته لو أشرك لحبط عمله،
فكيفف أنتفم! لكنفه ل يشرك لفضفل مرتبتفه ،كمفا قال" :يفا نسفاء النفبي مفن يأت منكفن بفاحشفة مبينفة
يضاعفف لهفا العذاب ضعفيفن" [الحزاب ]30 :وذلك لشرف منزلتهفن ،وإل فل يتصفور إتيان
منهفن صفيانة لزوجهفن المكرم المعظفم ،ابفن العربفي .وقال علماؤنفا :إنمفا ذكفر ال الموافاة شرطفا
ههنفا لنفه علق عليهفا الخلود ففي النار جزاء ،فمفن واففى على الكففر خلده ال ففي النار بهذه اليفة،
ومففن أشرك حبففط عمله باليففة الخرى ،فهمففا آيتان مفيدتان لمعنييففن ،وحكميففن متغايريففن .ومففا
خوطب به عليه السلم فهو لمته حتى يثبت اختصاصه ،وما ورد في أزواجه فإنما قيل ذلك فيهن
ليبين أنه لو تصور لكان هتكان أحدهما لحرمة الدين ،والثاني لحرمة النبي صلى ال عليه وسلم،
ولكل هتك حرمة عقاب ،وينزل ذلك منزلة من عصى في الشهر الحرام أو في البلد الحرام أو في
المسجد الحرام ،يضاعف عليه العذاب بعدد ما هتك من الحرمات .وال أعلم.
@اختلف العلماء في ميراث المرتد :فقال علي بن أبي طالب والحسن والشعبي والحكم والليث
وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه :ميراث المرتد لورثته من المسلمين .وقال مالك وربيعة وابن أبي
ليلى والشافعي وأبو ثور :ميراثه في بيت المال .وقال ابن شبرمة وأبو يوسف ومحمد والوزاعي
في إحدى الروايتين :ما اكتسبه المرتد بعد الردة فهو لورثته المسلمين .وقال أبو حنيفة :ما اكتسبه
المرتد في حال الردة فهو فيء ،وما كان مكتسبا في حالة السلم ثم ارتد يرثه ورثته المسلمون،
وأمفا ابفن شبرمفة وأبفو يوسفف ومحمفد فل يفصفلون بيفن المريفن ،ومطلق قوله عليفه السفلم( :ل
وراثففة بيففن أهففل ملتيففن) يدل على بطلن قولهففم .وأجمعوا على أن ورثتففه مففن الكفار ل يرثونففه،
سوى عمر بن عبدالعزيز فإنه قال :يرثونه.
**3الية{ 218 :إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل ال أولئك يرجون رحمة ال
وال غفور رحيم}
@قوله تعالى" :إن الذيفن آمنوا والذيفن هاجروا" اليفة .قال جندب بفن عبدال وعروة بفن الزبيفر
وغيرهما :لما قتل واقفد بفن عبدال التميمفي عمرو بن الحضرمفي ففي الشهفر الحرام توقفف رسفول
ال صلى ال عليه وسلم عن أخذ خمسه الذي وفق في فرضه له عبدال بن جحش وفي السيرين،
فعنفف المسفلمون عبدال بفن جحفش وأصفحابه حتفى شفق ذلك عليهفم ،فتلفاهفم ال عفز وجفل بهذه
اليفة ففي الشهفر الحرام وفرج عنهفم ،وأخفبر أن لهفم ثواب مفن هاجفر وغزا ،فالشارة إليهفم ففي
قوله" :إن الذيفن آمنوا" ثفم هفي باقيفة ففي كفل مفن فعفل مفا ذكره ال عفز وجفل .وقيفل :إن لم يكونوا
أصابوا وزرا فليس لهم أجر ،فأنزل ال" :إن الذين آمنوا والذين هاجروا" إلى آخر الية.
والهجرة معناها النتقال من موضع إلى موضع ،وقصفد ترك الول إيثارا للثانفي .والهجر ضفد
الوصل .وقد هجره هجرا وهجرانا ،والسم الهجرة .والمهاجرة من أرض إلى أرض ترك الولى
للثانيفة .والتهاجفر التقاطفع .ومفن قال :المهاجرة النتقال مفن الباديفة إلى الحاضرة فقفد أوهفم ،بسفبب
أن ذلك كان الغلب ففي العرب ،وليفس أهفل مكفة مهاجريفن على قوله" .وجاهفد" مفاعلة مفن جهفد
إذا استخرج الجهد ،مجاهدة وجهادا .والجتهاد والتجاهد :بذل الوسع والمجهود .والجهاد (بالفتح):
الرض الصفلبة" .ويرجون" معناه يطمعون ويسفتقربون .وإنمفا قال "يرجون" وقفد مدحهفم لنفه ل
يعلم أحفد ففي هذه الدنيفا أنفه صفائر إلى الجنفة ولو بلغ ففي طاعفة ال كفل مبلغ ،لمريفن :أحدهمفا ل
يدري بما يختم له .والثاني -لئل يتكل على عمله ،والرجاء ينعم ،والرجاء أبدا معه خوف ول بد،
كمفا أن الخوف معفه رجاء .والرجاء مفن المفل ممدود ،يقال :رجوت فلنفا رجوا ورجاء ورجاوة،
يقال :مففا أتيتففك إل رجاوة الخيففر .وترجيتففه وارتجيتففه ورجيتففه وكله بمعنففى رجوتففه ،قال بشففر
يخاطب بنته:
إذا ما القارظ العنزي آبا فرجي الخير وانتظري إيابي
ومفا لي ففي فلن رجيفة ،أي مفا أرجفو .وقفد يكون الرجفو والرجاء بمعنفى الخوف ،قال ال تعالى:
"ما لكم ل ترجون ل وقارا" [نوح ]13 :أي ل تخافون عظمة ال ،قال أبو ذؤيب:
وخالفها في بيت نوب عوامل إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
أي لم يخفف ولم يبال .والرجفا -مقصفور : -ناحيفة البئر وحافتاهفا ،وكفل ناحيفة رجفا .والعوام مفن
الناس يخطئون في قولهم :يا عظيم الرجا ،فيقصرون ول يمدون.
**3اليفة{ 219 :يسفألونك عفن الخمفر والميسفر قفل فيهمفا إثفم كفبير ومناففع للناس وإثمهمفا أكفبر
من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين ال لكم اليات لعلكم تتفكرون}
**4قوله تعالى" :يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من
نفعهما" فيه تسع مسائل:
@قوله تعالى" :يسألونك" السائلون هم المؤمنون ،كما تقدم .والخمر مأخوذة من خمر إذا ستر،
ومنه خمار المرأة .وكل شيفء غطفى شيئا فقد خمره ،ومنفه "خمروا آنيتكفم" فالخمفر تخمر العقل،
أي تغطيفه وتسفتره ،ومفن ذلك الشجفر الملتفف يقال له :الخمفر (بفتفح الميفم لنفه يغطفي مفا تحتفه
ويستره ،يقال منه :أخمرت الرض كثر خمرها ،قال الشاعر:
فقد جاوزتما خمر الطريق أل يا زيد والضحاك سيرا
أي سيرا مدلين فقد جاوزتما الوهدة التي يستتر بها الذئب وغيره .وقال العجاج يصف جيشا يمشي
برايات وجيوش غير مستخف:
يوجه الرض ويستاق الشجر في لمع العقبان ل يمشي الخمر
ومنه قولهم :دخل في غمار الناس وخمارهم ،أي هو في مكان خاف .فلما كانت الخمر تستر العقل
وتغطيه سميت بذلك وقيل :إنما سميت الخمر خمرا لنها تركت حتى أدركت ،كما يقال :قد اختمر
العجيفن ،أي بلغ إدراكفه .وخمفر الرأي ،أي ترك حتفى يتفبين فيفه الوجفه .وقيفل :إنمفا سفميت الخمفر
خمرا لنهفا تخالط العقفل ،مفن المخامرة وهفي المخالطفة ،ومنفه قولهفم :دخلت ففي خمار الناس ،أي
اختلطت بهم .فالمعاني الثلثة متقاربة ،فالخمر تركت وخمرت حتى أدركت ،ثم خالطت العقل ،ثم
خمرته ،والصل الستر.
والخمفر :ماء العنفب الذي غلى أو طبفخ ،ومفا خامفر العقفل مفن غيره فهفو ففي حكمفه ،لن إجماع
العلماء أن القمار كله حرام .وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسا على الميسر ،والميسر إنما
كان قمارا في الجزر خاصة ،فكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها.
@والجمهور من المة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فمحرم قليله وكثيره ،والحد
في ذلك واجب .وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وجماعة من فقهاء الكوفة :ما
أسفكر كثيره مفن غيفر خمفر العنفب فهفو حلل ،وإذا سفكر منفه أحفد دون أن يتعمفد الوصفول إلى حفد
السكر فل حد عليه ،وهذا ضعيف يرده النظر والخبر ،على ما يأتي بيانه في "المائدة والنحل" إن
شاء ال تعالى.
@قال بعض المفسفرين :إن ال تعالى لم يدع شيئا من الكرامفة والبر إل أعطاه هذه المفة ،ومن
كرامتفه وإحسفانه أنفه لم يوجفب عليهفم الشرائع دفعفة واحدة ،ولكفن أوجفب عليهفم مرة بعفد مرة،
فكذلك تحريفم الخمفر .وهذه اليفة أول مفا نزل ففي أمفر الخمفر ،ثفم بعده" :ل تقربوا الصفلة وأنتفم
سكارى" [النساء ]43 :ثم قوله" :إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر
والميسفر ويصفدكم عفن ذكفر ال وعفن الصفلة فهفل أنتفم منتهون" [المائدة ]91 :ثفم قوله" :إنمفا
الخمفر والميسفر والنصفاب والزلم رجفس مفن عمفل الشيطان فاجتنبوه" [المائدة ]90 :على مفا
يأتي بيانه في "المائدة".
@قوله تعالى" :والميسفر" الميسفر :قمار العرب بالزلم .قال ابفن عباس( :كان الرجفل ففي
الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بماله وأهله) فنزلت الية .وقال
مجاهد ومحمد بن سيرين والحسن وابن المسيب وعطاء وقتادة ومعاوية بن صالح وطاوس وعلي
بفن أبفى طالب رضفي ال عنفه وابفن عباس أيضفا( :كفل شيفء فيفه قمار مفن نرد وشطرنفج فهفو
الميسر ،حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب ،إل ما أبيح من الرهان في الخيل والقرعة في إفراز
الحقوق) ،على مفا يأتفي .وقال مالك :الميسفر ميسفران :ميسفر اللهفو ،وميسفر القمار ،فمفن ميسفر
اللهفو النرد والشطرنفج والملهفي كلهفا .وميسفر القمار :مفا يتخاطفر الناس عليفه .قال علي بفن أبفي
طالب :الشطرنج ميسر العجم .وكل ما قومر به فهو ميسر عند مالك وغيره من العلماء .وسيأتي
في "يونس" زيادة بيان لهذا الباب إن شاء ال تعالى.
والميسر مأخوذ من اليسر ،وهو وجوب الشيء لصاحبه ،يقال :يسر لي كذا إذا وجب فهو ييسر
يسرا وميسرا .والياسر :اللعب بالقداح ،وقد يسر ييسر ،قال الشاعر:
وإذا هم نزلوا بضنك فانزل فأعنهم وايسر بما يسروا به
وقال الزهري :الميسر :الجزور الذي كانوا يتقامرون عليه ،سمي ميسرا لنه يجزأ أجزاء ،فكأنه
موضفع التجزئة ،وكفل شيفء جزأتفه فقفد يسفرته .والياسفر :الجازر ،لنفه يجزئ لحفم الجزور .قال:
وهذا الصفل ففي الياسفر ،ثفم يقال للضاربيفن بالقداح والمتقامريفن على الجزور :ياسفرون ،لنهفم
جازرون إذ كانوا سفففببا لذلك .وففففي الصفففحاح :ويسفففر القوم الجزور أي اجتزروهفففا واقتسفففموا
أعضاءها .قال سحيم بن وثيل اليربوعي:
ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني
كان قفد وقفع عليفه سفباء فضرب عليفه بالسفهام .ويقال :يسفر القوم إذا قامروا .ورجفل يسفر وياسفر
بمعنى .والجمع أيسار ،قال النابغة:
مثنى اليادي وأكسو الجفنة الدما أنى أتمم أيساري وأمنحهم
وقال طرفة:
أغلت الشتوة أبداء الجزر وهم أيسار لقمان إذا
وكان من تطوع بنحرها ممدوحا عندهم ،قال الشاعر:
وما ناديت أيسار الجزر وناجية نحرت لقوم صدق
@روى مالك ففي الموطفأ عفن داود بفن حصفين أنفه سفمع سفعيد بفن المسفيب يقول :كان مفن ميسفر
أهفل الجاهليفة بيفع اللحفم بالشاة والشاتيفن ،وهذا محمول عنفد مالك وجمهور أصفحابه ففي الجنفس
الواحد ،حيوانه بلحمه ،وهو عنده من باب المزابنة والغرر والقمار ،لنه ل يدرى هل في الحيوان
مثفل اللحفم الذي أعطفى أو أقفل أو أكثفر ،وبيفع اللحفم باللحفم ل يجوز متفاضل ،فكان بيفع الحيوان
باللحفم كفبيع اللحفم المغيفب ففي جلده إذا كانفا مفن جنفس واحفد ،والجنفس الواحفد عنده البفل والبقفر
والغنفم والظباء والوعول وسفائر الوحوش ،وذوات الربفع المأكولت كلهفا عنده جنفس واحفد ،ل
يجوز بيع شيء من حيوان هذا الصنف والجنس كله بشيء واحد من لحمه بوجه من الوجوه ،لنه
عنده مفن باب المزابنفة ،كفبيع الزبيفب بالعنفب والزيتون بالزيفت والشيرج بالسفمسم ،ونحفو ذلك.
والطيففر عنده كله جنففس واحففد ،وكذلك الحيتان مففن سففمك وغيره .وروي عنففه أن الجراد وحده
صففنف .وقال الشافعففي وأصففحابه والليففث بففن سففعد :ل يجوز بيففع اللحففم بالحيوان على حال مففن
الحوال مفن جنفس واحفد كان أم مفن جنسفين مختلفيفن ،على عموم الحديفث .وروي عفن ابفن عباس
(أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر الصديق فقسمت على عشرة أجزاء ،فقال رجل :أعطوني
جزءا منها بشاة ،فقال أبو بكر :ل يصلح هذا) .قال الشافعي :ولست أعلم لبي بكر في ذلك مخالفا
مفن الصفحابة .قال أبفو عمفر :قفد روي عفن ابفن عباس (أنفه أجاز بيفع الشاة باللحفم ،وليفس بالقوي).
وذكفر عبدالرزاق عفن الثوري عفن يحيفى بفن سفعيد عفن سفعيد بفن المسفيب أنفه كره أن يباع حفي
بميت ،يعني الشاة المذبوحة بالقائمة .قال سفيان :ونحن ل نرى به بأسا .قال المزني :إن لم يصح
الحديفث ففي بيفع الحيوان باللحفم فالقياس أنفه جائز ،وإن صفح بطفل القياس واتبفع الثفر .قال أبفو
عمفر :وللكوفييفن ففي أنفه جائز بيفع اللحفم بالحيوان حجفج كثيرة مفن جهفة القياس والعتبار ،إل أنفه
إذا صح الثر بطل القياس والنظر .وروى مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول
ال صفلى ال عليفه وسفلم نهفى عفن بيفع الحيوان باللحفم .قال أبفو عمفر :ول أعلمفه يتصفل عفن النفبي
صلى ال عليه وسلم من وجه ثابت ،وأحسن أسانيده مرسل سعيد بن المسيب على ما ذكره مالك
في موطئه ،وإليه ذهب الشافعي ،وأصله أنه ل يقبل المراسيل إل أنه زعم أنه افتقد مراسيل سعيد
فوجدهفا أو أكثرهفا صفحاحا .فكره بيفع أنواع الحيوان بأنواع اللحوم على ظاهفر الحديفث وعمومفه،
لنفه لم يأت أثفر يخصفه ول إجماع .ول يجوز عنده أن يخفص النفص بالقياس .والحيوان عنده اسفم
لكل ما يعيش في البر والماء وإن اختلفت أجناسه ،كالطعام الذي هو اسم لكل مأكول أو مشروب،
فاعلم.
@قوله تعالى" :قل فيهما" يعني الخمر والميسر "إثم كبير" إثم الخمر ما يصدر عن الشارب من
المخاصففمة والمشاتمففة وقول الفحففش والزور ،وزوال العقففل الذي يعرف بففه مففا يجففب لخالقففه،
وتعطيل الصلوات والتعوق عن ذكر ال ،إلى غير ذلك .روى النسائي عن عثمان رضي ال عنه
قال :اجتنبوا الخمففر فإنهففا أم الخبائث ،إنففه كان رجففل ممففن كان قبلكففم تعبففد فعلقتففه امرأة غويففة،
فأرسفلت إليفه جاريتهفا فقالت له :إنفا ندعوك للشهادة ،فانطلق مفع جاريتهفا فطفقفت كلمفا دخفل بابفا
أغلقته دونه ،حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلم وباطية خمر ،فقالت :إني وال ما دعوتك
للشهادة ،ولكففن دعوتففك لتقففع علي ،أو تشرب مففن هذه الخمففر كأسففا ،أو تقتففل هذا الغلم .قال:
فاسفقيني مفن هذه الخمفر كأسفا ،فسفقته كأسفا .قال :زيدونفي ،فلم يرم حتفى وقفع عليهفا ،وقتفل النففس،
فاجتنبوا الخمر ،فإنها وال ل يجتمع اليمان وإدمان الخمر ،إل ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه،
وذكره أبففو عمففر فففي السففتيعاب .وروي أن العشففى لمففا توجففه إلى المدينففة ليسففلم فلقيففه بعففض
المشركيفن ففي الطريفق فقالوا له :أيفن تذهفب؟ فأخفبرهم بأنفه يريفد محمدا صفلى ال عليفه وسفلم،
فقالوا :ل تصل إليه ،فإنه يأمرك بالصلة ،فقال :إن خدمة الرب واجبة .فقالوا :إنه يأمرك بإعطاء
المال إلى الفقراء .فقال :اصطناع المعروف واجب .فقيل له :إنه ينهى عن الزنى .فقال :هو فحش
وقبيح في العقل ،وقد صرت شيخا فل أحتاج إليه .فقيل له :إنه ينهى عن شرب الخمر .فقال :أما
هذا فإني ل أصبر عليه! فرجع ،وقال :أشرب الخمر سنة ثم أرجع إليه ،فلم يصل إلى منزله حتى
سفقط عفن البعيفر فانكسفرت عنقفه فمات .وكان قيفس بفن عاصفم المنقري شرابفا لهفا ففي الجاهليفة ثفم
حرمهفا على نفسفه ،وكان سفبب ذلك أنفه غمفز عكنفة ابنتفه وهفو سفكران ،وسفب أبويفه ،ورأى القمفر
فتكلم بشيء ،وأعطى الخمار كثيرا من ماله ،فلما أفاق أخبر بذلك فحرمها على نفسه ،وفيها يقول:
خصال تفسد الرجل الحليما رأيت الخمر صالحة وفيها
ول أشفى بها أبدا سقيما فل وال أشربها صحيحا
ول أدعو لها أبدا نديما ول أعطي بها ثمنا حياتي
وتجنيهم بها المر العظيما فإن الخمر تفضح شاربيها
قال أبو عمر :وروى ابن العرابي عن المفضل الضبي أن هذه البيات لبي محجن الثقفي قالها
في تركه الخمر ،وهو القائل رضي ال عنه:
تروي عظامي بعد موتي عروقها إذا مت فادفني إلى جنب كرمة
أخاف إذا ما مت أن ل أذوقها ول تدفنني بالفلة فإنني
وجلده عمر الحد عليها مرارا ،ونفاه إلى جزيرة في البحر ،فلحق بسعد فكتب إليه عمر أن يحبسه
فحبسه ،وكان أحد الشجعان البهم ،فلما كان من أمره في حرب القادسية ما هو معروف حل قيوده
وقال ل نجلدك على الخمفر أبدا .قال أبفو محجفن :وأنفا وال ل أشربهفا أبدا ،فلم يشربهفا بعفد ذلك.
وفي رواية :قد كنت أشربها إذ يقام علي الحد وأطهر منها ،وأما إذ بهرجتني فوال ل أشربها أبدا.
وذكر الهيثم بن عدي أنه أخبره من رأى قبر أبي محجن بأذربيجان ،أو قال :في نواحي جرجان،
وقفد نبتفت عليفه ثلث أصفول كرم وقفد طالت وأثمرت ،وهفي معروشفة على قفبره ،ومكتوب على
القبر "هذا قبر أبي محجن" قال :فجعلت أتعجب وأذكر قوله:
إذا مت فادفني إلى جنب كرمة
ثفم إن الشارب يصفير ضحكفة للعقلء ،فيلعفب ببوله وعذرتفه ،وربمفا يمسفح وجهفه ،حتفى رؤي
بعضهفم يمسفح وجهفه ببوله ويقول :اللهفم اجعلنفي مفن التوابيفن واجعلنفي مفن المتطهريفن ورؤي
بعضهم والكلب يلحس وجهه وهو يقول له :أكرمك ال.
وأما القمار فيورث العداوة والبغضاء ،لنه أكل مال الغير بالباطل.
@قوله تعالى" :ومناففع للناس" أمفا ففي الخمفر فربفح التجارة ،فإنهفم كانوا يجلبونهفا مفن الشام
برخص فيبيعونها في الحجاز بربح ،وكانوا ل يرون المماسكة فيها ،فيشتري طالب الخمر الخمر
بالثمفن الغالي .هذا أصفح مفا قيفل ففي منفعتهفا ،وقفد قيفل ففي منافعهفا :إنهفا تهضفم الطعام ،وتقوي
الضعفف ،وتعيفن على الباه ،وتسفخي البخيفل ،وتشجفع الجبان ،وتصففي اللون ،إلى غيفر ذلك مفن
اللذة بها .وقد قال حسان بن ثابت رضي ال عنه:
وأسدا ما ينهنهنا اللقاء ونشربها فتتركنا ملوكا
إلى غير ذلك من أفراحها .وقال آخر:
رب الخورنق والسدير فإذا شربت فإنني
رب الشويهة والبعير وإذا صحوت فإنني
ومنفعفة الميسفر مصفير الشيفء إلى النسفان ففي القمار بغيفر كفد ول تعفب ،فكانوا يشترون الجزور
ويضربون بسهامهم ،فمن خرج سهمه أخذ نصيبه من اللحم ول يكون عليه من الثمن شيء ،ومن
بقفي سفهمه آخفر كان عليفه ثمفن الجزور كله ول يكون له مفن اللحفم شيفء .وقيفل :منفعتفه التوسفعة
على المحاويج ،فإن من قمر منهم كان ل يأكل من الجزور وكان يفرقه في المحتاجين.
وسفهام الميسفر أحد عشر سهما ،منها سبعة لهفا حظوظ وفيها فروض على عدد الحظوظ ،وهي:
"الففذ" وفيفه علمفة واحدة له نصفيب وعليفه نصفيب إن خاب .الثانفي" :التوأم" وفيفه علمتان وله
وعليفه نصفيبان .الثالث" :الرقيفب" وفيفه ثلث علمات على مفا ذكرنفا .الرابفع" :حلس" وله أربفع.
الخامس" :الناففز" والنافس أيضا وله خمس .السادس" :المسبل" وله ست .السابع" :المعلى" وله
سبع .فذلك ثمانية وعشرون فرضا ،وأنصباء الجزور كذلك في قول الصمعي .وبقي من السهام
أربعففة ،وهففي الغفال ل فروض لهففا ول أنصففباء ،وهففي" :المصففدر" و"المضعففف" و"المنيففح"
و"السففيح" .وقيفل :الباقيفة الغفال الثلثفة" :السففيح" و"المنيفح" و"الوغفد" تزاد هذه الثلثفة لتكثفر
السفهام على الذي يجيلهفا فل يجفد إلى الميفل مفع أحفد سفبيل .ويسفمى المجيفل المفيفض والضارب
والضريفب والجمفع الضرباء .وقيفل :يجعفل خلففه رقيفب لئل يحابفي أحدا ،ثفم يجثفو الضريفب على
ركبتيففه ،ويلتحففف بثوب ويخرج رأسففه ويدخففل يده فففي الربابففة فيخرج .وكانففت عادة العرب أن
تضرب الجزور بهذه السفهام ففي الشتوة وضيفق الوقفت وكلب البرد على الفقراء ،يشترى الجزور
ويضمن اليسار ثمنها ويرضي صاحبها من حقه ،وكانوا يفتخرون بذلك ويذمون من لم يفعل ذلك
منهم ،ويسمونه "البرم" قال متمم بن نويرة:
إذا القشع من برد الشتاء تقعقعا ول برما تهدي النساء لعرسه
ثم تنحر وتقسم على عشرة أقسام .قال ابن عطية :وأخطأ الصمعي في قسمة الجزور ،فذكر أنها
على قدر حظوظ السفهام ثمانيفة وعشرون قسففما ،وليفس كذلك ،ثفم يضرب على العشرة فمففن فاز
سهمه بأن يخرج من الربابة متقدما أخذ أنصباءه وأعطاها الفقراء .والربابة (بكسر الراء) :شبيهة
بالكنانفة تجمفع فيهفا سفهام الميسفر ،وربمفا سفموا جميفع السفهام ربابفة ،قال أبفو ذؤيفب يصفف الحمار
وأتنه:
يسر يفيض على القداح ويصدع وكأنهن ربابة وكأنه
والربابة أيضا :العهد والميثاق ،قال الشاعر:
وقبلك ربتني فضعت ربوب وكنت امرأ أفضت إليك ربابتي
وففي أحيان ربمفا تقامروا لنفسفهم ثفم يغرم الثمفن مفن لم يففز سفهمه ،كمفا تقدم .ويعيفش بهذه السفيرة
فقراء الحي ،ومنه قول العشى:
والجاعلو القوت على الياسر المطعمو الضيف إذا ما شتوا
ومنه قول الخر:
يعود بأرزاق العفاة منيحها بأيديهم مقرومة ومغالق
و"المنيح" في هذا البيت المستمنح ،لنهم كانوا يستعيرون السهم الذي قد امّلس وكثر فوزه ،فذلك
المنيفح الممدوح .وأمفا المنيفح الذي هفو أحفد الغفال فذلك إنمفا يوصفف بالكفر ،وإياه أراد الخطفل
بقوله:
كر المنيح وجلن ثم مجال ولقد عطفن على فزارة عطفة
وفي الصحاح" :والمنيح سهم من سهام الميسر مما ل نصيب له إل أن يمنح صاحبه شيئا" .ومن
الميسر قول لبيد:
فواحش ينعى ذكرها بالمصايف إذا يسروا لم يورث اليسر بينهم
فهذا كله نفع الميسر ،إل أنه أكل المال بالباطل.
@قوله تعالى" :وإثمهمفا أكفبر مفن نفعهمفا" أعلم ال جفل وعفز أن الثفم أكفبر مفن النففع ،وأعود
بالضرر فففي الخرة ،فالثففم الكففبير بعففد التحريففم ،والمنافففع قبففل التحريففم .وقرأ حمزة والكسففائي
"كثيفر" بالثاء المثلثفة ،وحجتهمفا أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم لعفن الخمفر ولعفن معهفا عشرة:
بائعها ومبتاعها والمشتراة له وعاصرها والمعصورة له وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة له
وآكل ثمنها .وأيضا فجمع المنافع يحسن معه جمع الثام .و"كثير" بالثاء المثلثة يعطي ذلك .وقرأ
باقفي القراء وجمهور الناس "كفبير" بالباء الموحدة ،وحجتهفم أن الذنفب ففي القمار وشرب الخمفر
مفن الكبائر ،فوصففه بالكفبير أليفق .وأيضفا فاتفاقهفم على "أكفبر" حجفة لفف "كفبير" بالباء بواحدة.
وأجمعوا على رفض "أكثفر" بالثاء المثلثة ،إل في مصحف عبدال بن مسعود فإن فيه "قل فيهما
إثم كثير" "وإثمهما أكثر" بالثاء مثلثة في الحرفين.
@ قال قوم من أهل النظر :حرمت الخمر بهذه الية ،لن ال تعالى قد قال" :قل إنما حرم ربي
الفواحش ما ظهفر منها وما بطن والثم" [العراف ]33 :فأخبر في هذه الية أن فيها إثما فهو
حرام .قال ابن عطية :ليس هذا النظر بجيد ،لن الثم الذي فيها هو الحرام ،ل هي بعينها على ما
يقتضيه هذا النظر.
قلت :وقال بعضهم :في هذه الية ما دل على تحريم الخمر لنه سماه إثما ،وقد حرم الثم في آية
أخرى ،وهفو قوله عفز وجفل" :قفل إنمفا حرم ربفي الفواحفش مفا ظهفر منهفا ومفا بطفن والثفم" وقال
بعضهم :الثم أراد به الخمر ،بدليل قول الشاعر:
كذاك الثم يذهب بالعقول شربت الثم حتى ضل عقلي
قلت :وهذا أيضفا ليفس بجيفد ،لن ال تعالى لم يسفم الخمفر إثمفا ففي هذه اليفة ،وإنمفا قال" :قفل
فيهمفا إثفم كفبير" ولم يقفل :قفل همفا إثفم كفبير .وأمفا آيفة "العراف" وبيفت الشعفر فيأتفي الكلم فيهمفا
هناك مبينا ،إن شاء ال تعالى .وقد قال قتادة :إنما في هذه الية ذم الخمر ،فأما التحريم فيعلم بآية
أخرى وهي آية "المائدة" وعلى هذا أكثر المفسرين.
@قوله تعالى" :ويسفألونك ماذا ينفقون قفل العففو كذلك يفبين ال لكفم اليات لعلكفم تتفكرون" "قفل
العفو" قراءة الجمهور بالنصب .وقرأ أبو عمرو وحده بالرفع .واختلف فيه عن ابن كثير .وبالرفع
قراءة الحسفففن وقتادة وابففن أبففي إسففحاق .قال النحاس وغيره :إن جعلت "ذا" بمعنفففى الذي كان
الختيار الرففع ،على معنفى :الذي ينفقون هفو العففو ،وجاز النصفب .وإن جعلت "مفا" و"ذا" شيئا
واحدا كان الختيار النصفب ،على معنفى :قفل ينفقون العففو ،وجاز الرففع .وحكفى النحويون :ماذا
تعلمت :أنحوا أم شعرا؟ بالنصب والرفع ،على أنهما جيدان حسنان ،إل أن التفسير في الية على
النصب.
@قال العلماء :لما كان السؤال في الية المتقدمة في قوله تعالى" :ويسألونك ماذا ينفقون" سؤال
عفن النفقفة إلى مفن تصفرف ،كمفا بيناه ودل عليفه الجواب ،والجواب خرج على وففق السفؤال ،كان
السؤال الثاني في هذه الية عن قدر النفاق ،وهو في شأن عمرو بن الجموح -كما تقدم -فإنه لما
نزل "قل ما أنفقتم من خير فللوالدين" [البقرة ]215 :قال :كم أنفق؟ فنزل" :قل العفو" والعفو:
ما سهل وتيسر وفضل ،ولم يشق على القلب إخراجه ،ومنه قول الشاعر:
ول تنطقي في سورتي حين أغضب خذي العفو مني تستديمي مودتي
فالمعنفى :أنفقوا مفا فضفل عفن حوائجكفم ،ولم تؤذوا فيفه أنفسفكم فتكونوا عالة ،هذا أولى مفا قيفل ففي
تأويفل اليفة ،وهفو معنفى قول الحسفن وقتادة وعطاء والسفدي والقرظفي محمفد بفن كعفب وابفن أبفي
ليلى وغيرهم ،قالوا( :العفو ما فضل عن العيال) ،ونحوه عن ابن عباس وقال مجاهد :صدقة عن
ظهفر غنفى وكذا قال عليفه السفلم( :خيفر الصفدقة مفا أنفقفت عفن غنفى) وففي حديفث آخفر( :خيفر
الصدقة ما كان عن ظهر غنى) .وقال قيس بن سعد :هذه الزكاة المفروضة .وقال جمهور العلماء:
بل هي نفقات التطوع .وقيل :هي منسوخة .وقال الكلبي :كان الرجل بعد نزول هذه الية إذا كان
له مال مفن ذهفب أو فضفة أو زرع أو ضرع نظفر إلى مفا يكفيفه وعياله لنفقفة سفنة أمسفكه وتصفدق
بسفائره ،وإن كان ممفن يعمفل بيده أمسفك مفا يكفيفه وعياله يومفا وتصفدق بالباقفي ،حتفى نزلت آيفه
الزكاة المفروضة فنسخت هذه الية وكل صدقة أمروا بها .وقال قوم :هي محكمة ،وفي المال حق
سوى الزكاة .والظاهر يدل على القول الول.
@قوله تعالى" :كذلك يفبين ال لكفم اليات" قال المفضفل بفن سفلمة :أي ففي أمفر النفقفة" .لعلكفم
تتفكرون" فتحبسفون مفن أموالكفم مفا يصفلحكم ففي معاش الدنيفا وتنفقون الباقفي فيمفا ينفعكفم ففي
العقبى .وقيل :في الكلم تقديم وتأخير ،أي كذلك يبين ال لكم اليات في أمر الدنيا والخرة لعلكم
تتفكرون في الدنيا وزوالها وفنائها فتزهدون فيها ،وفي إقبال الخرة وبقائها فترغبون فيها.
**3الية{ 220 :في الدنيا والخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلح لهم خير وإن تخالطوهم
فإخوانكم وال يعلم المفسد من المصلح ولو شاء ال لعنتكم إن ال عزيز حكيم}
@روى أبفو داود والنسفائي عن ابفن عباس قال( :لمفا أنزل ال تعالى" :ول تقربوا مال اليتيفم إل
بالتي هي أحسن" [النعام ]152 :و"إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما" [النساء ]10 :الية،
انطلق مفن كان عنده يتيفم فعزل طعامفه مفن طعامفه وشرابفه مفن شرابفه فجعفل يفضفل مفن طعامفه
فيحبفس له ،حتفى يأكله أو يفسفد ،فاشتفد ذلك عليهفم ،فذكروا ذلك لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم
فأنزل ال تعالى" :ويسفألونك عفن اليتامفى قفل إصفلح لهفم خيفر" اليفة ،فخلطوا طعامهفم بطعامفه
وشرابهفم بشرابفه) ،لففظ أبفي داود .واليفة متصفلة بمفا قبفل ،لنفه اقترن بذكفر الموال المفر بحففظ
أموال اليتامفى .وقيفل :إن السفائل عبدال بفن رواحفة .وقيفل :كانفت العرب تتشاءم بملبسفة أموال
اليتامى في مؤاكلتهم ،فنزلت هذه الية.
@لما أذن ال جل وعز في مخالطة اليتام مع قصد الصلح بالنظر إليهم وفيهم كان ذلك دليل
على جواز التصرف في مال اليتيم ،تصرف الوصي في البيع والقسمة وغير ذلك ،على الطلق
لهذه اليفة .فإذا كففل الرجفل اليتيفم وحازه وكان ففي نظره جاز عليفه فعله وإن لم يقدمفه وال عليفه،
لن اليفة مطلقفة والكفالة وليفة عامفة .لم يؤثفر عفن أحفد مفن الخلفاء أنفه قدم أحدا على يتيفم مفع
وجودهم في أزمنتهم ،وإنما كانوا يقتصرون على كونهم عندهم.
@تواترت الثار في دفع مال اليتيم مضاربة والتجارة فيه ،وفي جواز خلط ماله بماله دللة على
جواز التصفرف ففي ماله بالبيفع والشراء إذا واففق الصفلح ،وجواز دفعفه مضاربفة ،إلى غيفر ذلك
على مفا نذكره مبينفا .واختلف ففي عمله هفو قراضفا ،فمنعفه أشهفب ،وقاسفه على منعفه مفن أن يفبيع
لهففم مففن نفسففه أو يشتري لهففا .وقال غيره :إذا أخذه على جزء مففن الربففح بنسففبة قراض مثله فيففه
أمضفي ،كشرائه شيئا لليتيفم بتعقفب فيكون أحسفن لليتيفم .قال محمفد بفن عبدالحكفم :وله أن يفبيع له
بالديففن إن رأى ذلك نظرا .قال ابففن كنانففة :وله أن ينفففق فففي عرس اليتيففم مففا يصففلح مففن صففنيع
وطيفب ،ومصفلحته بقدر حاله وحال مفن يزوج إليفه ،وبقدر كثرة ماله .قال :وكذلك ففي ختانفه ،فإن
خشي أن يتهم رفع ذلك إلى السلطان فيأمره بالقصد ،وكل ما فعله على وجه النظر فهو جائز ،وما
فعله على وجفه المحاباة وسفوء النظفر فل يجوز .ودل الظاهفر على أن ولي اليتيفم يعلمفه أمفر الدنيفا
والخرة ،ويستأجر له ويؤاجره ممن يعلمه الصناعات .وإذا وهب لليتيم شيء فللوصي أن يقبضه
لما فيه من الصلح .وسيأتي لهذا مزيد بيان في "النساء" إن شاء ال تعالى.
@ولما ينفقه الوصي والكفيل من مال اليتيفم حالتان :حالة يمكنه الشهاد عليه ،فل يقبل قوله إل
ببينفة .وحالة ل يمكنفه الشهاد عليفه فقوله مقبول بغيفر بينفة ،فمهمفا اشترى مفن العقار ومفا جرت
العادة بالتوثق فيه لم يقبل قوله بغير بينة .قال ابن خويز منداد :ولذلك فرق أصحابنا بين أن يكون
اليتيفم ففي دار الوصفي ينففق عليفه فل يكلف الشهاد على نفقتفه وكسفوته ،لنفه يتعذر عليفه الشهاد
على ما يأكله ويلبسه في كل وقت ،ولكن إذا قال :أنفقت نفقة لسنة قبل منه ،وبين أن يكون عند أمه
أو حاضنته فيدعي الوصي أنه كان ينفق عليه ،أو كان يعطي الم أو الحاضنة النفقة والكسوة فل
يقبل قوله على الم أو الحاضنة إل ببينة أنها كانت تقبض ذلك له مشاهرة أو مساناة.
@واختلف العلماء ففي الرجفل ينكفح نفسفه مفن يتيمفه ،وهفل له أن يشتري لنفسفه مفن مال يتيمفه أو
يتيمتفه؟ فقال مالك :وليفة النكاح بالكفالة والحضانفة أقوى منهفا بالقرابفة ،حتفى قال ففي العراب
الذيفن يسفلمون أولدهفم ففي أيام المجاعفة :إنهفم ينكحونهفم إنكاحهفم ،فأمفا إنكاح الكاففل والحاضفن
لنفسه فيأتي في "النساء" بيانه ،إن شاء ال تعالى .وأما الشراء منه فقال مالك :يشتري في مشهور
القوال ،وكذلك قال أبفو حنيففة :له أن يشتري مال الطففل اليتيفم لنفسفه بأكثفر مفن ثمفن المثفل ،لنفه
إصلح دل عليه ظاهر القرآن .وقال الشافعي :ل يجوز ذلك في النكاح ول في البيع ،لنه لم يذكر
في الية التصرف ،بل قال" :إصلح لهم خير" من غير أن يذكر فيه الذي يجوز له النظر .وأبو
حنيففة يقول :إذا كان الصفلح خيرا فيجوز تزويجفه ويجوز أن يزوج منفه .والشافعفي ل يرى ففي
التزويج إصلحا إل من جهة دفع الحاجة ،ول حاجة قبل البلوغ .وأحمد بن حنبل يجوز للوصفي
التزويج لنه إصلح .والشافعي يجوز للجد التزويج مع الوصي ،وللب في حق ولده الذي ماتت
أمفه ل بحكفم هذه اليفة .وأبفو حنيففة يجوز للقاضفي تزويفج اليتيفم بظاهفر القرآن .وهذه المذاهفب
نشأت مففن هذه اليففة ،فإن ثبففت كون التزويففج إصففلحا فظاهففر اليففة يقتضففي جوازه .ويجوز أن
يكون معنففى قوله تعالى" :ويسففألونك عففن اليتامففى" أي يسففألك القوام على اليتامففى الكافلون لهففم،
وذلك مجمل ل يعلم منه عين الكافل والقيم وما يشترط فيه من الوصاف.
فإن قيفل :يلزم ترك مالك أصفله ففي التهمفة والذرائع إذ جوز له الشراء مفن يتيمفه ،فالجواب أن
ذلك ل يلزم ،وإنمففا يكون ذلك ذريعففة فيمففا يؤدى مففن الفعال المحظورة إلى محظورة منصففوص
عليها ،وأما ههنا فقد أذن ال سبحانه في صورة المخالطة ،ووكل الحاضنين في ذلك إلى أمانتهم
بقوله" :وال يعلم المفسفد مفن المصفلح" وكفل أمفر مخوف وكفل ال سفبحانه المكلف إلى أمانتفه ل
يقال فيفه :إنفه يتذرع إلى محظور بفه فيمنفع منفه ،كمفا جعفل ال النسفاء مؤتمنات على فروجهفن ،مفع
عظيم ما يترتب على قولهن في ذلك من الحكام ،ويرتبفط به من الحل والحرمة والنساب ،وإن
جاز أن يكذبففن .وكان طاوس إذا سففئل عففن شيففء مففن أمففر اليتامففى قرأ" :وال يعلم المفسففد مففن
المصفلح" .وكان ابفن سفيرين أحفب الشياء إليفه ففي مال اليتيفم أن يجتمفع نصفحاؤه فينظرون الذي
هففو خيففر له ،ذكره البخاري .وفففي هذا دللة على جواز الشراء منففه لنفسففه ،كمففا ذكرنففا .والقول
الخر أنه ل ينبغي للولي أن يشتري مما تحت يده شيئا ،لما يلحقه في ذلك من التهمة إل أن يكون
البيع في ذلك بيع سلطان في مل من الناس .وقال محمد بن عبدالحكم :ل يشتري من التركة ،ول
بأس أن يدس من يشتري له منها إذا لم يعلم أنه من قبله.
@قوله تعالى" :وإن تخالطوهم فإخوانكم" هذه المخالطة كخلط المثل بالمثل كالتمر بالتمر .وقال
أبو عبيد :مخالطة اليتامى أن يكون لحدهم المال ويشق على كافله أن يفرد طعامه عنه ،ول يجد
بدا من خلطه بعياله فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنه كافيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله ،وهذا قد
يقفع فيفه الزيادة والنقصفان ،فجاءت هذه اليفة الناسفخة بالرخصفة فيفه .قال أبفو عبيفد :وهذا عندي
أصفل لمفا يفعله الرفقاء ففي السففار فإنهفم يتخارجون النفقات بينهفم بالسفوية ،وقفد يتفاوتون ففي قلة
المطعفم وكثرتفه ،وليفس كفل مفن قفل مطعمفه تطيفب نفسفه بالتفضفل على رفيقفه ،فلمفا كان هذا ففي
أموال اليتامى واسعا كان في غيرهم أوسع ،ولول ذلك لخفت أن يضيق فيه المر على الناس.
@قوله تعالى" :فإخوانكفم" خفبر لمبتدأ محذوف ،أي فهفم إخوانكفم ،والفاء جواب الشرط .وقوله
تعالى" :وال يعلم المفسفد مفن المصفلح" تحذيفر ،أي يعلم المفسفد لموال اليتامفى مفن المصفلح لهفا،
فيجازي كل على إصلحه وإفساده.
@قوله تعالى" :ولو شاء ال لعنتكفم" روى الحكفم عفن مقسفم عفن ابفن عباس" :ولو شاء ال
لعنتكم" قال(:لو شاء لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا) .وقيل" :لعنتكم" لهلككم ،عن
الزجاج وأبي عبيدة .وقال القتبي :لضيق عليكم وشدد ،ولكنه لم يشأ إل التسهيل عليكم .وقيل :أي
لكلفكفم مفا يشتفد عليكفم أداؤه وأثمكفم ففي مخالطتهفم ،كمفا فعفل بمفن كان قبلكفم ،ولكنفه خففف عنكفم.
والعنت :المشقة ،وقد عنت وأعنته غيره .ويقال للعظم المجبور إذا أصابه شيء فهاضه :قد أعنته،
فهفو عنفت ومعنفت .وعنتفت الدابفة تعنفت عنتفا :إذا حدث ففي قوائمهفا كسفر بعفد جفبر ل يمكنهفا معفه
جري .وأكمفة عنوت :شاقفة المصفعد .وقال ابفن النباري :أصفل العنفت التشديفد ،فإذا قالت العرب:
فلن يتعنفت فلنفا ويعنتفه فمرادهفا يشدد عليفه ويلزمفه مفا يصفعب عليفه أداؤه ،ثفم نقلت إلى معنفى
الهلك .والصل ما وصفنا.
@قوله تعالى" :إن ال عزيفز" أي ل يمتنفع عليفه شيفء "حكيفم" يتصفرف ففي ملكفه بمفا يريفد ل
حجر عليه ،جل وتعالى علوا كبيرا.
**3الية{ 221 :ول تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم
ول تنكحوا المشركيفن حتفى يؤمنوا ولعبفد مؤمفن خيفر مفن مشرك ولو أعجبكفم أولئك يدعون إلى
النار وال يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون}
@قوله تعالى" :ول تنكحوا" قراءة الجمهور بفتح التاء .وقرئت في الشاذ بالضم ،كأن المعنى أن
المتزوج لها أنكحها من نفسه .ونكح أصله الجماع ،ويستعمل في التزوج تجوزا واتساعا ،وسيأتي
بيانه إن شاء ال تعالى.
لما أذن ال سبحانه وتعالى في مخالطة اليتام ،وفي مخالطة النكاح بين أن مناكحة المشركين
ل تصح .وقال مقاتل :نزلت هذه الية في أبي مرثد الغنوي ،وقيل :في مرثد بن أبي مرثد ،واسمه
كناز بففن حصففين الغنوي ،بعثففه رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم مكففة سففرا ليخرج رجل مففن
أصحابه ،وكانت له بمكة امرأة يحبها في الجاهلية يقال لها "عناق" فجاءته ،فقال لها :إن السلم
حرم مفا كان ففي الجاهليفة ،قالت :فتزوجنفي ،قال :حتفى أسفتأذن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم،
فأتفى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فاسفتأذنه فنهاه عفن التزوج بهفا ،لنفه كان مسفلما وهفي مشركفة.
وسيأتي في "النور" بيانه إن شاء ال تعالى.
@واختلف العلماء فففي تأويفل هذه اليففة ،فقالت طائففة :حرم ال نكاح المشركات فففي سفورة
"البقرة" ثم نسخ من هذه الجملة نساء أهل الكتاب ،فأحلهن في سورة "المائدة" .وروي هذا القول
عففن ابففن عباس ،وبففه قال مالك بففن أنففس وسفففيان بففن سففعيد الثوري ،وعبدالرحمففن بففن عمرو
الوزاعفي .وقال قتادة وسفعيد بفن جفبير :لففظ اليفة العموم ففي كفل كافرة ،والمراد بهفا الخصفوص
ففي الكتابيات ،وبينفت الخصفوص آيفة "المائدة" ولم يتناول العموم قفط الكتابيات .وهذا أحفد قولي
الشافعي ،وعلى القول الول يتناولهن العموم ،ثم نسخت آية "المائدة" بعض العموم .وهذا مذهب
مالك رحمفه ال ،ذكره ابفن حفبيب ،وقال :ونكاح اليهوديفة والنصفرانية وإن كان قفد أحله ال تعالى
مسفتثقل مذموم .وقال إسفحاق بفن إبراهيفم الحربفي :ذهفب قوم فجعلوا اليفة التفي ففي "البقرة" هفي
الناسخة ،والتي في "المائدة" هي المنسوخة ،فحرموا نكاح كل مشركة كتابية أو غير كتابية .قال
النحاس :ومفن الحجفة لقائل هذا ممفا صفح سفنده مفا حدثناه محمفد بفن ريان ،قال :حدثنفا محمفد بفن
رمفح ،قال :حدثنفا الليفث عفن ناففع أن عبدال بفن عمفر كان إذا سفئل عفن نكاح الرجفل النصفرانية أو
اليهودية قال :حرم ال المشركات على المؤمنين ،ول أعرف شيئا من الشراك أعظم من أن تقول
المرأة ربهفا عيسفى ،أو عبفد مفن عباد ال! .قال النحاس :وهذا قول خارج عفن قول الجماعفة الذيفن
تقوم بهم الحجة ،لنه قد قال بتحليل نكاح نساء أهل الكتاب من الصحابة والتابعين جماعة ،منهم
عثمان وطلحفة وابفن عباس وجابر وحذيففة .ومفن التابعيففن سفعيد بفن المسففيب وسففعيد بفن جففبير
والحسن ومجاهد وطاوس وعكرمة والشعبي والضحاك ،وفقهاء المصار عليه .وأيضا فيمتنع أن
تكون هذه الية من سورة "البقرة" ناسخة للية التي في سورة "المائدة" لن "البقرة" من أول ما
نزل بالمدينفة ،و"المائدة" مفن آخفر مفا نزل .وإنمفا الخفر ينسفخ الول ،وأمفا حديفث ابفن عمفر فل
حجفة فيه ،لن ابن عمر رحمه ال كان رجل متوقففا ،فلما سمع اليتيفن ،ففي واحدة التحليفل ،وفي
أخرى التحريفم ولم يبلغفه النسفخ توقفف ،ولم يؤخفذ عنفه ذكفر النسفخ وإنمفا تؤول عليفه ،وليفس يؤخفذ
الناسفخ والمنسفوخ بالتأويفل .وذكفر ابن عطيفة :وقال ابفن عباس ففي بعفض مفا روي عنه( :إن الية
عامفة ففي الوثنيات والمجوسفيات والكتابيات ،وكفل مفن على غيفر السفلم حرام) ،فعلى هذا هفي
ناسفخة للية التفي ففي "المائدة" وينظفر إلى هذا قول ابن عمر ففي الموطأ :ول أعلم إشراكفا أعظم
من أن تقول المرأة ربها عيسى .وروي عن عمر أنه فرق بين طلحة بن عبيدال وحذيفة بن اليمان
وبيفن كتابيتيفن وقال :نطلق يفا أميفر المؤمنيفن ول تغضفب ،فقال :لو جاز طلقكمفا لجاز نكاحكمفا!
ولكففن أفرق بينكمففا صففغرة قمأة .قال ابففن عطيففة :وهذا ل يسففتند جيدا ،وأسففند منففه أن عمففر أراد
التفريق بينهما فقال له حذيفة :أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها يا أمير المؤمنين؟ فقال :ل أزعم أنها
حرام ،ولكنففي أخاف أن تعاطوا المومسففات منهففن .وروي عففن ابففن عباس نحففو هذا .وذكففر ابففن
المنذر جواز نكاح الكتابيات عفن عمفر بفن الخطاب ،ومفن ذكفر مفن الصفحابة والتابعيفن ففي قول
النحاس .وقال ففي آخفر كلمفه :ول يصفح عفن أحفد مفن الوائل أنفه حرم ذلك .وقال بعفض العلماء:
وأمفا اليتان فل تعارض بينهمفا ،فإن ظاهفر لففظ الشرك ل يتناول أهفل الكتاب ،لقوله تعالى" :مفا
يود الذيففن كفروا مففن أهففل الكتاب ول المشركيففن أن ينزل عليكففم مففن خيففر مففن ربكففم" [البقرة:
،]105وقال" :لم يكفن الذيفن كفروا مفن أهفل الكتاب والمشركيفن" [البينفة ]1 :ففرق بينهفم ففي
اللفظ ،وظاهر العطف يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه ،وأيضا فاسم الشرك عموم
وليفففس بنفففص ،وقوله تعالى" :والمحصفففنات مفففن الذيفففن أوتوا الكتاب" [المائدة ]5 :بعفففد قوله
"والمحصفنات مفن المؤمنات" نص ،فل تعارض بيفن المحتمل وبيفن ما ل يحتمل .فإن قيفل :أراد
بقوله" :والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" أي أوتوا الكتاب من قبلكم وأسلموا ،كقوله
"وإن مفن أهفل الكتاب لمفن يؤمفن بال" [آل عمران ]199 :اليفة .وقوله" :مفن أهفل الكتاب أمفة
قائمة" [آل عمران ]113 :الية .قيل له :هذا خلف نص الية في قوله" :والمحصنات من الذين
أوتوا الكتاب من قبلكم" وخلف ما قاله الجمهور ،فإنه ل يشكل على أحد جواز التزويج ممن أسلم
وصفار مفن أعيان المسفلمين .فإن قالوا :فقفد قال ال تعالى" :أولئك يدعون إلى النار" فجعفل العلة
ففي تحريفم نكاحهفن الدعاء إلى النار .والجواب أن ذلك علة لقوله تعالى" :ولمفة مؤمنفة خيفر مفن
مشركففة" لن المشرك يدعففو إلى النار ،وهذه العلة مطردة فففي جميففع الكفار ،فالمسففلم خيففر مففن
الكافر مطلقا ،وهذا بين.
وأمفا نكاح أهفل الكتاب إذا كانوا حربفا فل يحفل ،وسفئل ابفن عباس عفن ذلك فقال :ل يحفل ،وتل
قول ال تعالى" :قاتلوا الذيففففن ل يؤمنون بال ول باليوم الخففففر" [التوبففففة ]29 :إلى قوله
"صفاغرون" .قال المحدث :حدثفت بذلك إبراهيفم النخعفي فأعجبفه .وكره مالك تزوج الحربيات،
لعلة ترك الولد في دار الحرب ،ولتصرفها في الخمر والخنزير.
@قوله تعالى" :ولمة مؤمنة خيفر من مشركة" إخبار بأن المؤمنة المملوكة خير من المشركة،
وإن كانفت ذات الحسفب والمال" .ولو أعجبتكفم" ففي الحسفن وغيفر ذلك ،هذا قول الطفبري وغيره.
ونزلت في خنساء وليدة سوداء كانت لحذيفة بن اليمان ،فقال لها حذيفة :يا خنساء ،قد ذكرت في
المل العلى مفع سفوادك ودمامتفك ،وأنزل ال تعالى ذكرك ففي كتابفه ،فأعتقهفا حذيففة وتزوجهفا.
وقال السدي :نزلت في عبداللهله بن رواحة ،كانت له أمة سوداء فلطمها في غضب ثم ندم ،فأتى
النبي صلى ال عليه وسلم فأخبره ،فقال( :ما هي يا عبدال) قال :تصوم وتصلي وتحسن الوضوء
وتشهد الشهادتين ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :هذه مؤمنة) .فقال ابن رواحة :لعتقنها
ولتزوجنهفا ،ففعفل ،فطعفن عليه ناس من المسفلمين وقالوا :نكفح أمفة ،وكانوا يرون أن ينكحوا إلى
المشركين ،وكانوا ينكحونهم رغبة في أحسابهم ،فنزلت هذه الية .وال أعلم.
@واختلف العلماء ففي نكاح إماء أهفل الكتاب ،فقال مالك :ل يجوز نكاح المفة الكتابيفة .وقال
أشهففب فففي كتاب محمففد ،فيمففن أسففلم وتحتففه أمففة كتابيففة :إنففه ل يفرق بينهمففا .وقال أبففو حنيفففة
وأصفحابه ،يجوز نكاح إماء أهفل الكتاب .قال ابفن العربفي :درسفنا الشيفخ أبفو بكفر الشاشفي بمدينفة
السفلم قال :احتفج أصفحاب أبفي حنيففة على جواز نكاح المفة الكتابيفة بقوله تعالى" :ولمفة مؤمنفة
خير من مشركة" .ووجه الدليل من الية أن ال سبحانه خاير بين نكاح المة المؤمنة والمشركة،
فلول أن نكاح المة المشركة جائز لما خاير ال تعالى بينهما ،لن المخايرة إنما هي بين الجائزين
ل بين جائز وممتنع ،ول بين متضادين .والجواب أن المخايرة بين الضدين تجوز لغة وقرآنا :لن
ال سفبحانه قال" :أصفحاب الجنفة يومئذ خيفر مسفتقرا وأحسفن مقيل" [الفرقان .]24 :وقال عمفر
ففي رسفالته لبفي موسفى" :الرجوع إلى الحفق خيفر مفن التمادي ففي الباطفل" .جواب آخفر :قوله
تعالى" :ولمفة" لم يرد بفه الرق المملوك وإنمفا أراد بفه الدميفة ،والدميات والدميون بأجمعهفم
عبيدال وإماؤه ،قاله القاضي بالبصرة أبو العباس الجرجاني.
@واختلفوا ففي نكاح نسفاء المجوس ،فمنفع مالك والشافعفي وأبفو حنيففة والوزاعفي وإسفحاق مفن
ذلك .وقال ابفن حنبفل :ل يعجبنفي .وروي أن حذيففة بفن اليمان تزوج مجوسفية ،وأن عمفر قال له:
طلقهفا .وقال ابفن القصففار :قال بعفض أصفحابنا :يجفب على أحفد القوليفن أن لهفم كتابفا أن تجوز
مناكحتهفم .وروى ابفن وهفب عفن مالك أن المفة المجوسفية ل يجوز أن توطفأ بملك اليميفن ،وكذلك
الوثنيات وغيرهفن مفن الكافرات ،وعلى هذا جماعفة العلماء ،إل مفا رواه يحيفى بفن أيوب عفن ابفن
جريفج عفن عطاء وعمرو بفن دينار أنهمفا سفئل عفن نكاح الماء المجوسفيات ،فقال :ل بأس بذلك.
وتأول قول ال عفز وجفل" :ول تنكحوا المشركات" .فهذا عندهمفا على عقفد النكاح ل على المفة
المشتراة ،واحتجففا بسففبي أوطاس ،وأن الصففحابة نكحوا الماء منهففن بملك اليميففن .قال النحاس:
وهذا قول شاذ ،أمفا سفبي أوطاس فقفد يجوز أن يكون الماء أسفلمن فجاز نكاحهفن وأمفا الحتجاج
بقوله تعالى" :ول تنكحوا المشركات حتفى يؤمفن" فغلط ،لنهفم حملوا النكاح على العقفد ،والنكاح
في اللغة يقع على العقد وعلى الوطء ،فلما قال" :ول تنكحوا المشركات" حرم كل نكاح يقع على
المشركات مففن نكاح ووطففء .وقال أبففو عمففر بففن عبدالبر :وقال الوزاعففي :سففألت الزهري عففن
الرجفل يشتري المجوسفية أيطؤهفا؟ فقال :إذا شهدت أن ل إله إل ال وطئهفا .وعفن يونفس عفن ابفن
شهاب قال :ل يحفل له أن يطأهفا حتفى تسفلم .قال أبفو عمفر :قول ابفن شهاب ل يحفل له أن يطأهفا
حتففى تسففلم هذا -وهففو أعلم الناس بالمغازي والسففير -دليففل على فسففاد قول مففن زعففم أن سففبي
أوطاس وطئن ولم يسفلمن .روي ذلك عفن طائففة منهفم عطاء وعمرو بفن دينار قال :ل بأس بوطفء
المجوسفية ،وهذا لم يلتففت إليفه أحفد مفن الفقهاء بالمصفار .وقفد جاء عفن الحسفن البصفري -وهفو
ممن لم يكن غزوه ول غزو أهل ناحيته إل الفرس وما وراءهم من خراسان ،وليس منهم أحد أهل
كتاب -ما يبين لك كيف كانت السيرة في نسائهم إذا سبين ،قال :أخبرنا عبدال بن محمد بن أسد،
قال :حدثنا إبراهيم بن أحمد بن فراس ،قال :حدثنا علي بن عبدالعزيز ،قال :حدثنا أبو عبيد ،قال:
حدثنففا هشام عففن يونففس عففن الحسففن ،قال :قال رجففل له :يففا أبففا سففعيد كيففف كنتففم تصففنعون إذا
سبيتموهن؟ قال :كنا نوجهها إلى القبلة ونأمرها أن تسلم وتشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول
ال ،ثففم نأمرهففا أن تغتسففل ،وإذا أراد صففاحبها أن يصففيبها لم يصففبها حتففى يسففتبرئها .وعلى هذا
تأويففل جماعففة العلماء فففي قول ال تعالى" :ول تنكحوا المشركات حتففى يؤمففن" .أنهففن الوثنيات
والمجوسفيات ،لن ال تعالى قفد أحفل الكتابيات بقوله" :والمحصفنات مفن الذيفن أوتوا الكتاب مفن
قبلكفم" يعنفي العفائف ،ل مفن شهفر زناهفا مفن المسفلمات .ومنهفم مفن كره نكاحهفا ووطأهفا بملك
اليمين ما لم يكن منهن توبة ،لما في ذلك من إفساد النسب.
@قوله تعالى" :ول تنكحوا" أي ل تزوجوا المسفلمة مفن المشرك .وأجمعفت المفة على أن
المشرك ل يطفأ المؤمنفة بوجفه ،لمفا ففي ذلك مفن الغضاضفة على السفلم .والقراء على ضفم التاء
من "تنكحوا".
@في هذه الية دليل بالنص على أن ل نكاح إل بولي .قال محمد بن علي بن الحسين" :النكاح
بولي في كتاب ال" ،ثم قرأ "ول تنكحوا المشركين" .قال ابن المنذر :ثبت أن رسول ال صلى ال
عليه وسلم قال( :ل نكاح إل بولي) وقد اختلف أهل العلم في النكاح بغير ولي ،فقال كثير من أهل
العلم :ل نكاح إل بولي ،روي هذا الحديفث عفن عمفر بفن الخطاب رضفي ال عنفه وعلي بفن أبفي
طالب وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة رضي ال عنهم ،وبه قال سعيد بن المسيب والحسن
البصفري وعمفر بفن عبدالعزيفز وجابر بفن زيفد وسففيان الثوري وابفن أبفي ليلى وابفن شبرمفة وابفن
المبارك والشافعي وعبيدال بن الحسن وأحمد وإسحاق وأبو عبيد.
قلت :وهفو قول مالك رضفي ال عنهفم أجمعيفن وأبفي ثور والطفبري .قال أبفو عمفر :حجفة مفن
قال( :ل نكاح إل بولي) أن رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم قففد ثبففت عنففه أنففه قال( :ل نكاح إل
بولي) .روى هذا الحديث شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى ال عليه
وسلم مرسل ،فمن يقبل المراسيل يلزمه قبوله ،وأما من ل يقبل المراسيل فيلزمه أيضا ،لن الذين
وصلوه من أهل الحفظ والثقة .وممن وصله إسرائيل وأبو عوانة كلهما عن أبي إسحاق عن أبي
بردة عفن أبفي موسفى عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم .وإسفرائيل ومفن تابعفه حفاظ ،والحاففظ تقبفل
زيادتفه ،وهذه الزيادة يعضدهفا أصفول ،قال ال عفز وجفل" :فل تعضلوهفن أن ينكحفن أزواجهفن"
[البقرة .]232 :وهذه اليفة نزلت ففي معقفل بفن يسفار إذ عضفل أختفه عفن مراجعفة زوجهفا ،قاله
البخاري .ولول أن له حقا في النكاح ما نهي عن العضل.
قلت :ومما يدل على هذا أيضا من الكتاب قوله" :فانكحوهن بإذن أهلهن" [النساء ]25 :وقوله:
"وأنكحوا اليامفى منكفم" [النور ]32 :فلم يخاطفب تعالى بالنكاح غيفر الرجال ،ولو كان إلى
النسفاء لذكرهفن .وسفيأتي بيان هذا ففي "النور" وقال تعالى حكايفة عفن شعيفب ففي قصفة موسفى
عليهمفا السفلم" :إنفي أريفد أن أنكحفك" على مفا يأتفي بيانفه ففي سفورة "القصفص" .وقال تعالى:
"الرجال قوامون على النسفاء" [النسفاء ،]34 :فقفد تعاضفد الكتاب والسفنة على أن ل نكاح إل
بولي .قال الطفبري :ففي حديفث حفصفة حيفن تأيمفت وعقفد عمفر عليهفا النكاح ولم تعقده هفي إبطال
قول من قال :إن للمرأة البالغة المالكة لنفسها تزويج نفسها وعقد النكاح دون وليها ،ولو كان ذلك
لهفا لم يكفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ليدع خطبفة حفصفة لنفسفها إذا كانفت أولى بنفسفها مفن
أبيهفا ،وخطبهفا إلى مفن ل يملك أمرهفا ول العقفد عليهفا ،وفيفه بيان قوله عليفه السفلم( :اليفم أحفق
بنفسفها مفن وليهفا) أن معنفى ذلك أنهفا أحفق بنفسفها ففي أنفه ل يعقفد عليهفا إل برضاهفا ،ل أنهفا أحفق
بنفسها في أن تعقد عقد النكاح على نفسها دون وليها .وروى الدارقطني عن أبي هريرة قال :قال
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :ل تزوج المرأة المرأة ول تزوج المرأة نفسفها فإن الزانيفة هفي
التي تزوج نفسها) .قال :حديث صحيح .وروى أبو داود من حديث سفيان عن الزهري عن عروة
عن عائشة قالت :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها
باطل -ثلث مرات -فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها فإن تشاجروا فالسلطان ولي من ل
ولي له) وهذا الحديفث صفحيح .ول اعتبار بقول ابفن عليفة عفن ابفن جريفج أنفه قال :سفألت عنفه
الزهري فلم يعرفه ،ولم يقل هذا أحد عن ابن جريج غير ابن علية ،وقد رواه جماعة عن الزهري
لم يذكروا ذلك ،ولو ثبفت هذا عفن الزهري لم يكفن ففي ذلك حجفة ،لنفه قفد نقله عنفه ثقات ،منهفم
سليمان بن موسى وهو ثقة إمام وجعفر بن ربيعة ،فلو نسيه الزهري لم يضره ذلك ،لن النسيان
ل يعصفم منفه ابفن آدم ،قال صفلى ال عليفه وسفلم( :نسفي آدم فنسفيت ذريتفه) .وكان صفلى ال عليفه
وسلم ينسى ،فمن سواه أحرى أن ينسى ،ومن حفظ فهو حجة على من نسي ،فإذا روى الخبر ثقة
فل يضره نسفيان مفن نسفيه ،هذا لو صفح مفا حكفى ابفن عليفة عفن ابفن جريفج ،فكيفف وقفد أنكفر أهفل
العلم ذلك من حكايته ولم يعرجوا عليها.
قلت :وقد أخرج هذا الحديث أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي في المسند الصحيح له -
على التقاسيم والنواع من غير وجود قطع في سندها ،ول ثبوت جرح في ناقلها -عن حفص بن
غياث عفن ابفن جريفج عفن سفليمان بفن موسفى عفن الزهري عفن عروة عفن عائشفة أن رسفول ال
صفلى ال عليفه وسفلم قال( :ل نكاح إل بولي وشاهدي عدل ومفا كان مفن نكاح على غيفر ذلك فهفو
باطفل فإن تشاجروا فالسفلطان ولي مفن ل ولي له) .قال أبفو حاتفم :لم يقفل أحفد ففي خفبر ابفن جريفج
عن سليمان بن موسى عن الزهري هذا( :وشاهدي عدل) إل ثلثة أنفس :سويد بن يحيى الموي
عفن حففص بفن غياث وعبدال بفن عبدالوهاب الجمحفي عفن خالد بفن الحارث وعبدالرحمفن بفن
يونس الرقفي عن عيسى بن يونس ،ول يصفح في الشاهديفن غير هذا الخبر ،وإذا ثبت هذا الخفبر
فقد صرح الكتاب والسنة بأن ل نكاح إل بولي ،فل معنى لما خالفهما .وقد كان الزهري والشعبي
يقولن" :إذا زوجفت المرأة نفسفها كفؤا بشاهديفن فذلك نكاح جائز" .وكذلك كان أبفو حنيففة يقول:
إذا زوجفت المرأة نفسفها كفؤا بشاهديفن فذلك نكاح جائز ،وهفو قول زففر .وإن زوجفت نفسفها غيفر
كفففء فالنكاح جائز ،وللولياء أن يفرقوا بينهمففا .قال ابففن المنذر :وأمففا مففا قاله النعمان فمخالف
للسفنة ،خارج عفن قول أكثفر أهفل العلم .وبالخفبر عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم نقول .وقال
أبو يوسف :ل يجوز النكاح إل بولي ،فإن سلم الولي جاز ،وإن أبى أن يسلم والزوج كفء أجازه
القاضفي .وإنمفا يتفم النكاح ففي قوله حيفن يجيزه القاضفي ،وهفو قول محمفد بفن الحسفن ،وقفد كان
محمفد بفن الحسفن يقول :يأمفر القاضفي الولي بإجازتفه ،فإن لم يفعفل اسفتأنف عقدا .ول خلف بيفن
أبفي حنيففة وأصفحابه أنفه إذا أذن لهفا وليهفا فعقدت النكاح بنفسفها جاز .وقال الوزاعفي" :إذا ولت
أمرهفففا رجل فزوجهفففا كفؤا فالنكاح جائز ،وليفففس للولي أن يفرق بينهمفففا ،إل أن تكون عربيفففة
تزوجت مولى" ،وهذا نحو مذهب مالك على ما يأتي .وحمل القائلون بمذهب الزهري وأبي حنيفة
والشعفففبي قوله عليفففه السفففلم( :ل نكاح إل بولي) على الكمال ل على الوجوب ،كمفففا قال عليفففه
السلم( :ل صلة لجار المسجد إل في المسجد) و(ل حظ في السلم لمن ترك الصلة) .واستدلوا
على هذا بقوله تعالى" :فل تعضلوهفن أن ينكحفن أزواجهفن" [البقرة ،]232 :وقوله تعالى" :فل
جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف" [البقرة ،]234 :وبما روى الدارقطني عن سماك
بفن حرب قال :جاء رجل إلى علي رضفي ال عنه فقال :امرأة أنا وليهفا تزوجفت بغيفر إذنفي؟ فقال
علي :ينظر فيما صنعت ،فإن كانت تزوجت كفؤا أجزنا ذلك لها ،وإن كانت تزوجت من ليس لها
بكففء جعلنفا ذلك إليفك .وففي الموطفأ أن عائشفة رضفي ال عنهفا زوجفت بنفت أخيهفا عبدالرحمفن
وهفو غائب ،الحديفث .وقفد رواه ابفن جريفج عفن عبدالرحمفن بفن القاسفم بفن محمفد بفن أبفي بكفر عفن
أبيفه عفن عائشفة رضفى ال عنهفا أنهفا أنكحفت رجل هفو المنذر بفن الزبيفر امرأة مفن بنفي أخيهفا
فضربفت بينهفم بسفتر ،ثفم تكلمفت حتفى إذا لم يبفق إل العقفد أمرت رجل فأنكفح ،ثفم قالت :ليفس على
النسفاء إنكاح .فالوجفه ففي حديفث مالك أن عائشفة قررت المهفر وأحوال النكاح ،وتولى العقفد أحفد
عصبتها ،ونسب العقد إلى عائشة لما كان تقريره إليها.
@ذكر ابن خويز منداد :واختلفت الرواية عن مالك في الولياء ،من هم؟ فقال مرة :كل من وضع
المرأة ففي منصفب حسفن فهفو وليهفا ،سفواء كان مفن العصفبة أو مفن ذوي الرحام أو الجانفب أو
المام أو الوصي .وقال مرة :الولياء من العصبة ،فمن وضعها منهم في منصب حسن فهو ولي.
وقال أبفو عمفر :قال مالك فيمفا ذكفر ابفن القاسفم عنفه :إن المرأة إذا زوجهفا غيفر وليهفا بإذنهفا فإن
كانففت شريفففة لهففا فففي الناس حال كان وليهففا بالخيار فففي فسففخ النكاح وإقراره ،وإن كانففت دنيئة
كالمعتقفة والسفوداء والسفعاية والمسفلمانية ،ومفن ل حال لهفا جاز نكاحهفا ،ول خيار لوليهفا لن كفل
واحفد كففء لهفا ،وقفد روي عفن مالك أن الشريففة والدنيئة ل يزوجهفا إل وليهفا أو السفلطان ،وهذا
القول اختاره ابن المنذر ،قال :وأما تفريق مالك بين المسكينة والتي لها قدر فغير جائز ،لن النبي
صلى ال عليه وسلم قد سوى بين أحكامهم في الدماء فقال( :المسلمون تتكافأ دماؤهم) .وإذا كانوا
ففي الدماء سفواء فهفم ففي غيفر ذلك شيفء واحفد .وقال إسفماعيل بفن إسفحاق :لمفا أمفر ال سفبحانه
بالنكاح جعفل المؤمنيفن بعضهفم أولياء بعفض فقال تعالى" :والمؤمنون والمؤمنات بعضهفم أولياء
بعفض" [التوبفة ]71 :والمؤمنون ففي الجملة هكذا يرث بعضهفم بعضفا ،فلو أن رجل مات ول
وارث له لكان ميراثفه لجماعفة المسفلمين ،ولو جنفى جنايفة لعقفل عنفه المسفلمون ،ثفم تكون وليفة
أقرب مفن وليفة ،وقرابفة أقرب مفن قرابفة .وإذا كانفت المرأة بموضفع ل سفلطان فيفه ول ولي لهفا
فإنهفا تصفير أمرهفا إلى مفن يوثفق بفه مفن جيرانهفا ،فيزوجهفا ويكون هفو وليهفا ففي هذه الحال ،لن
الناس ل بفد لهفم مفن التزويفج ،وإنمفا يعملون فيفه بأحسفن مفا يمكفن ،وعلى هذا قال مالك ففي المرأة
الضعيفة الحال :إنه يزوجها من تسند أمرها إليه ،لنها ممن تضعف عن السلطان فأشبهت من ل
سفلطان بحضرتهفا ،فرجعفت ففي الجملة إلى أن المسفلمين أولياؤهفا ،فأمفا إذا صفيرت أمرهفا إلى
رجففل وتركففت أولياءهففا فإنهففا أخذت المففر مففن غيففر وجهففه ،وفعلت مففا ينكره الحاكففم عليهففا
والمسفلمون ،فيفسفخ ذلك النكاح مفن غيفر أن يعلم أن حقيقتفه حرام ،لمفا وصففنا مفن أن المؤمنيفن
بعضهم أولياء بعض ،ولما في ذلك من الختلف ،ولكن يفسخ لتناول المر من غير وجهه ،ولنه
أحوط للفروج ولتحصفينها ،فإذا وقفع الدخول وتطاول المفر وولدت الولد وكان صفوابا لم يجفز
الفسفخ ،لن المور إذا تفاوتفت لم يرد منهفا إل الحرام الذي ل يشفك فيفه ،ويشبفه مفا فات مفن ذلك
بحكم الحاكم إذا حكم بحكم لم يفسخ إل أن يكون خطأ ل شك فيه .وأما الشافعي وأصحابه فالنكاح
عندهم بغير ولي مفسوخ أبدا قبل الدخول وبعده ،ول يتوارثان إن مات أحدهما .والولي عندهم من
فرائض النكاح ،لقيام الدليفل عندهفم مفن الكتاب والسفنة :قال ال تعالى" :وأنكحوا اليامفى منكفم"
[النور ]32 :كمفا قال" :فانكحوهفن بإذن أهلهفن" [النسفاء ،]25 :وقال مخاطبفا للولياء" :فل
تعضلوهفن" [البقرة .]232 :وقال عليفه السفلم( :ل نكاح إل بولي) .ولم يفرقوا بيفن دنيفة الحال
وبيفن الشريففة ،لجماع العلماء على أن ل فرق بينهمفا ففي الدماء ،لقوله عليفه السفلم( :المسفلمون
تتكاففأ دماؤهفم) .وسفائر الحكام كذلك .وليفس ففي شيفء مفن ذلك فرق بيفن الرفيفع والوضيفع ففي
كتاب ول سنة.
@واختلفوا ففي النكاح يقفع على غيفر ولي ثفم يجيزه الولي قبفل الدخول ،فقال مالك وأصفحابه إل
عبدالملك :ذلك جائز ،إذا كانت إجازته لذلك بالقرب ،وسواء دخل أو لم يدخل .هذا إذا عقد النكاح
غيففر ولي ولم تعقده المرأة بنفسففها ،فإن زوجففت المرأة نفسففها وعقدت عقدة النكاح مففن غيففر ولي
قريففب ول بعيففد مففن المسففلمين فإن هذا النكاح ل يقففر أبدا على حال وإن تطاول وولدت الولد،
ولكنه يلحق الولد إن دخل ،ويسقط الحد ،ول بد من فسخ ذلك النكاح على كل حال .وقال ابن نافع
عن مالك :الفسخ فيه بغير طلق.
@واختلف العلماء ففي منازل الولياء وترتيبهفم ،فكان مالك يقول :أولهفم البنون وإن سففلوا ،ثفم
الباء ،ثم الخوة للب والم ،ثم للب ،ثم بنو الخوة للب والم ،ثم بنو الخوة للب ،ثم الجداد
للب وإن علوا ،ثم العمومة على ترتيب الخوة ،ثم بنوهم على ترتيب بني الخوة وإن سفلوا ،ثم
المولى ثففم السففلطان أو قاضيففه .والوصففي مقدم فففي إنكاح اليتام على الولياء ،وهففو خليفففة الب
ووكيله ،فأشبه حاله لو كان الب حيا .وقال الشافعي :ل ولية لحد مع الب ،فإن مات فالجد ،ثم
أب أب الجد ،لنهم كلهم آباء .والولية بعد الجد للخوة ،ثم القرب .وقال المزني :قال في الجديد:
من انفرد بأم كان أولى بالنكاح ،كالميراث .وقال في القديم :هما سواء.
قلت :وروى المدنيون عفن مالك مثفل قول الشافعفي ،وأن الب أولى مفن البفن ،وهفو أحفد قولي
أبفي حنيففة ،حكاه الباجفي .وروي عفن المغيرة أنفه قال" :الجفد أولى مفن الخوة" ،والمشهور مفن
المذهفب مفا قدمناه .وقال أحمفد :أحقهفم بالمرأة أن يزوجهفا أبوهفا ،ثفم البفن ،ثفم الخ ،ثفم ابنفه ،ثفم
العفم .وقال إسفحاق :البفن أولى مفن الب ،كمفا قاله مالك ،واختاره ابفن المنذر ،لن عمفر ابفن أم
سلمة زوجها بإذنها من رسول ال صلى ال عليه وسلم.
قلت :أخرجه النسائي عن أم سلمة وترجم له (إنكاح البن أمه).
قلت :وكثيرا مفا يسفتدل بهذا علماؤنفا وليفس بشيفء ،والدليفل على ذلك مفا ثبفت ففي الصفحاح أن
عمر بن أبي سلمة قال :كنت غلما في حجر رسول ال صلى ال عليه وسلم وكانت يدي تطيش
فففي الصففحفة ،فقال( :يففا غلم سففم ال وكففل بيمينففك وكففل ممففا يليففك) .وقال أبففو عمففر فففي كتاب
الستيعاب :عمر بن أبي سلمة يكنى أبا حفص ،ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة.
وقيل :إنه كان يوم قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم ابن تسع سنين.
قلت :ومن كان سنه هذا ل يصلح أن يكون وليا ،ولكن ذكر أبو عمر أن لبي سلمة من أم سلمة
ابنفا آخفر اسفمه سفلمة ،وهفو الذي عقفد لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم على أمفه أم سفلمة ،وكان
سلمة أسن من أخيه عمر بن أبي سلمة ،ول أحفظ له رواية عن النبي صلى ال عليه وسلم ،وقد
روى عنه عمر أخوه.
@واختلفوا ففي الرجفل يزوج المرأة البعفد مفن الولياء -كذا وقفع ،والقرب عبارة أن يقال:
اختلف ففي المرأة يزوجهفا مفن أوليائهفا البعفد والقعفد حاضفر ،فقال الشافعفي :النكاح باطفل .وقال
مالك :النكاح جائز .قال ابن عبدالبر :إن لم ينكر القعد شيئا من ذلك ول رده نفذ ،وإن أنكره وهي
ثيب أو بكر بالغ يتيمة ول وصي لها فقد اختلف قول مالك وأصحابه وجماعة من أهل المدينة في
ذلك ،فقال منهم قائلون :ل يرد ذلك وينفذ ،لنه نكاح انعقد بإذن ولي من الفخذ والعشيرة .ومن قال
هذا منهفم ل ينففذ قال :إنمفا جاءت الرتبفة ففي الولياء على الفضفل والولى ،وذلك مسفتحب وليفس
بواجب .وهذا تحصيل مذهب مالك عند أكثر أصحابه ،وإياه اختار إسماعيل بن إسحاق وأتباعه.
وقيفل :ينظفر السفلطان ففي ذلك ويسفأل الولي القرب على مفا ينكره ،ثفم إن رأى إمضاءه أمضاه،
وإن رأى أن يرده رده .وقيل :بل للقعد رده على كل حال ،لنه حق له .وقيل :له رده وإجازته ما
لم يطل مكثها وتلد الولد ،وهذه كلها أقاويل أهل المدينة.
@فلو كان الولي القرب محبوسفا أو سففيها زوجهفا مفن يليفه مفن أوليائهفا ،وعفد كالميفت منهفم،
وكذلك إذا غاب القرب من أوليائها غيبة بعيدة أو غيبة ل يرجى لها أوبة سريعة زوجها من يليه
مففن الولياء .وقففد قيففل :إذا غاب أقرب أوليائهففا لم يكففن للذي يليففه تزويجهففا ،ويزوجهففا الحاكففم،
والول قول مالك.
@وإذا كان الوليان قد استويا في القعدد وغاب أحدهما وفوضت المرأة عقد نكاحها إلى الحاضر
لم يكفن للغائب إن قدم نكرتفه .وإن كانفا حاضريفن ففوضفت أمرهفا إلى أحدهمفا لم يزوجهفا إل بإذن
صفاحبه ،فإن اختلففا نظفر الحاكفم ففي ذلك ،وأجاز عليهفا رأي أحسفنهما نظرا لهفا ،رواه ابفن وهفب
عن مالك.
@وأما الشهادة على النكاح فليست بركن عند مالك وأصحابه ،ويكفي من ذلك شهرته والعلن
بفه ،وخرج عفن أن يكون نكاح سفر .قال ابفن القاسفم عفن مالك :لو زوج ببينفة ،وأمرهفم أن يكتموا
ذلك لم يجفز النكاح ،لنفه نكاح سفر .وإن تزوج بغيفر بينفة على غيفر اسفتسرار جاز ،وأشهدا فيمفا
يسفتقبلن .وروى ابفن وهفب عفن مالك ففي الرجفل يتزوج المرأة بشهادة رجليفن ويسفتكتمهما قال:
يفرق بينهمفا بتطليقفة ول يجوز النكاح ،ولهفا صفداقها إن كان أصفابها ،ول يعاقفب الشاهدان .وقال
أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما :إذا تزوجها بشاهدين وقال لهما :اكتما جاز النكاح .قال أبو عمر:
وهذا قول يحيى بن يحيى الليثي الندلسي صاحبنا ،قال :كل نكاح شهد عليه رجلن فقد خرج من
حد السر ،وأظنه حكاه عن الليث بن سعد .والسر عند الشافعي والكوفيين ومن تابعهم :كل نكاح لم
يشهد عليه رجلن فصاعدا ،ويفسخ على كل حال.
قلت :قول الشافعففي أصففح للحديففث الذي ذكرناه .وروى عففن ابففن عباس أنففه قال( :ل نكاح إل
بشاهدي عدل وولي مرشففد) ،ول مخالف له مففن الصففحابة فيمففا علمتففه .واحتففج مالك لمذهبففه أن
البيوع التفي ذكرهفا ال تعالى فيهفا الشهاد عنفد العقفد ،وقفد قامفت الدللة بأن ذلك ليفس مفن فرائض
البيوع .والنكاح الذي لم يذكففر ال تعالى فيففه الشهاد أحرى بأل يكون الشهاد فيففه مففن شروطففه
وفرائضفه ،وإنمفا الغرض العلن والظهور لحففظ النسفاب .والشهاد يصفلح بعفد العقفد للتداعفي
والختلف فيما ينعقد بين المتناكحين ،وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :أعلنوا
النكاح) .وقول مالك هذا قول ابن شهاب وأكثر أهل المدينة.
@قوله تعالى" :ولعبد مؤمن" أي مملوك "خير من مشرك" أي حسيب" .ولو أعجبكم" أي حسبه
وماله ،حسفب مفا تقدم .وقيفل المعنفى :ولرجفل مؤمفن ،وكذا ولمفة مؤمنفة ،أي ولمرأة مؤمنة ،كمفا
بيناه .قال صلى ال عليه وسلم( :كل رجالكم عبيدال وكل نسائكم إماء ال) وقال( :ل تمنعوا إماء
ال مسفاجد ال) وقال تعالى" :نعفم العبفد إنفه أواب" [ص .]44 ،30 :وهذا أحسفن مفا حمفل عليفه
القول في هذه الية ،وبه يرتفع النزاع ويزول الخلف ،وال الموفق.
@قوله تعالى" :أولئك" إشارة للمشركيفن والمشركات" .يدعون إلى النار" أي إلى العمال
الموجبة للنار ،فإن صحبتهم ومعاشرتهم توجب النحطاط في كثير من هواهم مع تربيتهم النسل.
"وال يدعو إلى الجنة والمغفرة" أي إلى عمل أهل الجنة" .بإذنه" أي بأمره ،قاله الزجاج.
**3اليففة{ 222 :ويسففألونك عفن المحيفض قففل هفو أذى فاعتزلوا النسففاء فففي المحيففض ول
تقربوهففن حتففى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهففن مففن حيففث أمركففم ال إن ال يحففب التوابيففن ويحففب
المتطهرين}
@قوله تعالى" :ويسألونك عن المحيض" ذكر الطبري عن السدي أن السائل ثابت بن الدحداح -
وقيل :أسيد بن حضير وعباد بن بشر ،وهو قول الكثرين .وسبب السؤال فيما قال قتادة وغيره:
أن العرب ففي المدينفة ومفا والهفا كانوا قفد اسفتنوا بسفنة بنفي إسفرائيل ففي تجنفب مؤاكلة الحائض
ومسففاكنتها ،فنزلت هذه اليففة .وقال مجاهففد :كانوا يتجنبون النسففاء فففي الحيففض ،ويأتونهففن فففي
أدبارهفن مدة زمفن الحيفض ،فنزلت .وففي صفحيح مسفلم عفن أنفس :أن اليهود كانوا إذا حاضفت
المرأة فيهفم لم يؤاكلوهفا ولم يجامعوهفن ففي البيوت ،فسفأل أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم
النففبي صففلى ال عليففه وسففلم ،فأنزل ال تعالى" :ويسففألونك عففن المحيففض قففل هففو أذى فاعتزلوا
النساء في المحيض" إلى آخر الية ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :اصنعوا كل شيء إل
النكاح) فبلغ ذلك اليهود ،فقالوا :مفا يريفد هذا الرجفل أن يدع مفن أمرنفا شيئا إل خالفنفا فيفه ،فجاء
أسففيد بففن حضيففر وعباد بفن بشففر فقال :يففا رسففول ال ،إن اليهود تقول كذا وكذا ،أفل نجامعهففن؟
فتغير وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،حتى ظننا أن قد وجد عليهما ،فخرجا فاستقبلهما هدية
مفن َلبَنٍف إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ،فأرسفل ففي آثارهمفا فسفقاهما ،فعرففا أن لم يجفد
عليهمفففا .قال علماؤنفففا :كانففت اليهود والمجوس تجتنفففب الحائض ،وكانففت النصفففارى يجامعون
الحيض ،فأمر ال بالقصد بين هذين.
@قوله تعالى" :عفن المحيفض" المحيفض :الحيفض وهفو مصفدر ،يقال :حاضفت المرأة حيضفا
ومحاضا ومحيضا ،فهي حائض ،وحائضة أيضا ،عن الفراء وأنشد:
كحائضة يزنى بها غير طاهر
ونسفاء حيفض وحوائض .والحيضفة :المرة الواحدة .والحيضفة (بالكسفر) السفم ،والجمفع الحيفض.
والحيضة أيضا :الخرقة التي تستثفر بها المرأة .قالت عائشة رضي ال عنها :ليتني كنت حيضة
ملقاة .وكذلك المحيضففة ،والجمففع المحائض .وقيففل :المحيففض عبارة عففن الزمان والمكان ،وعففن
الحيففض نفسففه ،وأصففله فففي الزمان والمكان مجاز فففي الحيففض .وقال الطففبري :المحيففض اسففم
للحيض ،ومثله قول رؤبة في العيش:
ومر أعوام نتفن ريشي إليك أشكو شدة المعيش
وأصفل الكلمفة مفن السفيلن والنفجار ،يقال :حاض السفيل وفاض ،وحاضفت الشجرة أي سفالت
رطوبتهفا ،ومنفه الحيفض أي الحوض ،لن الماء يحيفض إليفه أي يسفيل ،والعرب تدخفل الواو على
الياء والياء على الواو ،لنهما من حيز واحد .قال ابن عرفة :المحيض والحيض اجتماع الدم إلى
ذلك الموضفع ،وبفه سفمي الحوض لجتماع الماء فيفه ،يقال :حاضفت المرأة وتحيضفت ،ودرسفت
وعركفت ،وطمثفت ،تحيفض حيضفا ومحاضفا ومحيضفا إذا سفال الدم منهفا ففي أوقات معلومفة .فإذا
سفال ففي غيفر أيام معلومفة ،ومفن غيفر عرق المحيفض قلت :اسفتحيضت ،فهفي مسفتحاضة .ابفن
العربي :ولها ثمانية ابن العربي .ولها ثمانية أسماء :الول :حائض .الثاني :عارك .الثالث :فارك.
الرابع :طامس .الخامس :دارس .السادس :كابر .السابع :ضاحك .الثامن :طامث .قال مجاهد في
قوله تعالى" :فضحكت" يعني حاضت .وقيل في قوله تعالى" :فلما رأينه أكبرنه" [يوسف]31 :
يعني حضن .وسيأتي في موضعه إن شاء ال تعالى.
@أجمع العلماء على أن للمرأة ثلثة أحكام في رؤيتها الدم الظاهر السائل من فرجها ،فمن ذلك
الحيفض المعروف ،ودمفه أسفود خاثفر تعلوه حمرة ،تترك له الصفلة والصفوم ،ل خلف ففي ذلك.
وقد يتصل وينقطع ،فإن اتصل فالحكم ثابت له ،وإن انقطع فرأت الدم يوما والطهر يوما ،أو رأت
الدم يوميففن والطهففر يوميففن أو يومففا فإنهففا تترك الصففلة فففي أيام الدم ،وتغتسففل عنففد انقطاعففه
وتصففلي ،ثففم تلفففق أيام الدم وتلغففي أيام الطهففر المتخللة لهففا ،ول تحتسففب بهففا طهرا فففي عدة ول
اسفتبراء .والحيفض خلقفة ففي النسفاء ،وطبفع معتاد معروف منهفن .روى البخاري عفن أبفي سفعيد
الخدري قال :خرج رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي أضحفى أو فطفر إلى المصفلى فمفر على
النساء فقال( :يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار -فقلن وبم يا رسول ال؟ قال -
تكثرن اللعفن وتكفرن العشيفر مفا رأيفت مفن ناقصفات عقفل وديفن أذهفب للب الرجفل الحازم مفن
إحداكفن -قلن :ومفا نقصفان عقلنفا وديننفا يفا رسفول ال؟ قال :أليفس شهادة المرأة مثفل نصفف شهادة
الرجفل؟ قلن :بلى ،قال :فذلك مفن نقصفان عقلهفا أليفس إذا حاضفت لم تصفل ولم تصفم؟ قلن :بلى يفا
رسول ال ،قال :فذلك من نقصان دينها)
وأجمع العلماء على أن الحائض تقضي الصوم ول تقضي الصلة ،لحديث معاذة قالت :سألت
عائشة فقلت :ما بال الحائض تقضي الصوم ول تقضي الصلة؟ قالت :أحرورية أنت؟ قلت :لست
بحروريفة ،ولكنفي أسفأل .قالت :كان يصفيبنا ذلك فنؤمفر بقضاء الصفوم ول نؤمفر بقضاء الصفلة،
خرجه مسلم .فإذا انقطع عنها كان طهرها منه الغسل ،على ما يأتي.
@واختلف العلماء ففي مقدار الحيفض ،فقال فقهاء المدينفة :إن الحيفض ل يكون أكثفر مفن خمسفة
عشر يوما ،وجائز أن يكون خمسة عشر يوما فما دون ،وما زاد على خمسة عشر يوما ل يكون
حيضفا وإنمفا هفو اسفتحاضة ،هذا مذهفب مالك وأصفحابه .وقفد روي عفن مالك أنفه ل وقفت لقليفل
الحيفض ول لكثيره إل مفا يوجفد ففي النسفاء ،فكأنفه ترك قوله الول ورجفع إلى عادة النسفاء .وقال
محمفد بفن سفلمة :أقفل الطهفر خمسفة عشفر يومفا ،وهفو اختيار أكثفر البغدادييفن مفن المالكييفن ،وهفو
قول الشافعفي وأبفي حنيففة وأصفحابهما والثوري ،وهفو الصفحيح ففي الباب ،لن ال تعالى قفد جعفل
عدة ذوات القراء ثلث حيفض ،وجعفل عدة مفن ل تحيفض مفن كفبر أو صفغر ثلثفة أشهفر ،فكان
كل قرء عوضا من شهر ،والشهر يجمع الطهر والحيض .فإذا قل الحيض كثر الطهر ،وإذا كثر
الحيفض قفل الطهفر ،فلمفا كان أكثفر الحيفض خمسفة عشفر يومفا وجفب أن يكون بإزائه أقفل الطهفر
خمسفة عشفر يومفا ليكمفل ففي الشهفر الواحفد حيفض وطهفر ،وهفو المتعارف ففي الغلب مفن خلقفة
النسفاء وجبلتهفن مفع دلئل القرآن والسفنة .وقال الشافعفي :أقفل الحيفض يوم وليلة ،وأكثره خمسفة
عشففر يومففا .وقففد روي عنففه مثففل قول مالك :إن ذلك مردود إلى عرف النسففاء .وقال أبففو حنيفففة
وأصحابه :أقل الحيض ثلثة أيام ،وأكثره عشرة .قال ابن عبدالبر :ما نقص عند هؤلء عن ثلثة
أيام فهفو اسفتحاضة ،ل يمنفع مفن الصفلة إل عنفد أول ظهوره ،لنفه ل يعلم مبلغ مدتفه .ثفم على
المرأة قضاء صفلة تلك الوقات ،وكذلك مفا زاد على عشرة أيام عنفد الكوفييفن .وعنفد الحجازييفن
مفا زاد على خمسفة عشفر يومفا فهفو اسفتحاضة .ومفا كان أقفل مفن يوم وليلة عنفد الشافعففي فهفو
اسفتحاضة ،وهفو قول الوزاعفي والطفبري .وممفن قال أقفل الحيفض يوم وليلة وأكثره خمسفة عشفر
يومفا عطاء بفن أبفي رباح وأبفو ثور وأحمفد بفن حنبفل .قال الوزاعفي :وعندنفا امرأة تحيفض غدوة
وتطهر عشية وقد أتينا على ما للعلماء في هذا الباب -من أكثر الحيض وأقله وأقل الطهر ،وفي
الستظهار ،والحجة في ذلك -في "المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس" فإن كانت بكرا مبتدأة
فإنهفا تجلس أول مفا ترى الدم ففي قول الشافعفي خمسفة عشفر يومفا ،ثفم تغتسفل وتعيفد صفلة أربعفة
عشفر يومفا .وقال مالك :ل تقضفي الصفلة ويمسفك عنهفا زوجهفا .علي بفن زياد عنفه :تجلس قدر
لداتهفا ،وهذا قول عطاء والثوري وغيرهمفا .ابفن حنبفل :تجلس يومفا وليلة ،ثفم تغتسفل وتصفلي ول
يأتيهفا زوجهفا .أبفو حنيففة وأبفو يوسفف :تدع الصفلة عشرا ،ثفم تغتسفل وتصفلي عشريفن يومفا ،ثفم
تترك الصففلة بعففد العشريففن عشرا ،فيكون هذا حالهففا حيففت ينقطففع الدم عنهففا .أمففا التففي لهففا أيام
معلومة فإنها تستظهر على أيامها المعلومة بثلثة أيام ،عن مالك :ما لم تجاوز خمسة عشر يوما.
الشافعي :تغتسل إذا انقضت أيامها بغير استظهار.
والثاني من الدماء :دم النفاس عند الولدة ،وله أيضا عند العلماء حد معلوم اختلفوا فيه ،فقيل:
شهران ،وهفو قول مالك .وقيفل :أربعون يومفا ،وهفو قول الشافعفي .وقيفل غيفر ذلك .وطهرهفا عنفد
انقطاعففه .والغسففل منففه كالغسففل مففن الجنابففة .قال القاضففي أبففو محمففد عبدالوهاب :ودم الحيففض
والنفاس يمنعان أحفد عشفر شيئا :وهفي وجوب الصفلة وصفحة فعلهفا وفعفل الصفوم دون وجوبفه -
وفائدة الفرق لزوم القضاء للصففوم ونفيففه فففي الصففلة -والجماع فففي الفرج ومففا دونففه والعدة
والطلق ،والطواف ومس المصحف ودخول المسجد والعتكاف فيه ،وفي قراءة القرآن روايتان.
والثالث مفن الدماء :دم ليفس بعادة ول طبفع منهفن ول خلقفة ،وإنمفا هفو عرق انقطفع ،سفائله دم
أحمر ل انقطاع له إل عند البرء منه ،فهذا حكمه أن تكون المرأة منه طاهرة ل يمنعها من صلة
ول صففوم بإجماع مففن العلماء واتفاق مففن الثار المرفوعففة إذا كان معلومففا أنففه دم عرق ل دم
حيفض .روى مالك عفن هشام بفن عروة عفن أبيفه عفن عائشفة رضفي ال عنهفا أنهفا قالت :قالت
فاطمة بنت أبي حبيش :يا رسول ال ،إني ل أطهر! أفأدع الصلة؟ فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم( :إنما ذلك عرق وليس بالحيضة إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلة فإذا ذهب قدرها فاغسلي
عنففك الدم وصففلي) .وفففي هذا الحديففث مففع صففحته وقلة ألفاظففه مففا يفسففر لك أحكام الحائض
والمستحاضة ،وهو أصح ما روي في هذا الباب ،وهو يرد ما روي عن عقبة بن عامر ومكحول
أن الحائض تغتسل وتتوضأ عند كل وقت صلة ،وتستقبل القبلة ذاكرة ال عز وجل جالسة .وفيه
أن الحائض ل تصفلي ،وهفو إجماع من كاففة العلماء إل طوائف من الخوارج يرون على الحائض
الصلة .وفيه ما يدل على أن المستحاضة ل يلزمها غير ذلك الغسل الذي تغتسل من حيضها ،ولو
لزمهفا غيره لمرهفا بفه ،وفيفه رد لقول مفن رأى ذلك عليهفا لكفل صفلة .ولقول مفن رأى عليهفا أن
تجمع بين صلتي النهار بغسل واحد ،وصلتي الليل بغسل واحد وتغتسل للصبح .ولقول من قال:
تغتسل من طهر إلى طهر .ولقول سعيد بن المسيب من طهر إلى طهر ،لن رسول ال صلى ال
عليه وسلم لم يأمرها بشيء من ذلك .وفيه رد لقول من قال بالستظهار ،لن النبي صلى ال عليه
وسفلم أمرهفا إذا علمفت أن حيضتهفا قفد أدبرت وذهبفت أن تغتسفل وتصفلي ،ولم يأمرهفا أن تترك
الصلة ثلثة أيام لنتظار حيض يجيء أو ل يجيء ،والحتياط إنما يكون في عمل الصلة ل في
تركها.
@قوله تعالى" :قفل هفو أذى" أي هفو شيفء تتأذى بفه المرأة وغيرهفا أي برائحفة دم الحيفض.
والذى كنايففة عففن القذر على الجملة .ويطلق على القول المكروه ،ومنففه قوله تعالى" :ل تبطلوا
صفدقاتكم بالمفن والذى" [البقرة ]264 :أي بمفا تسفمعه مفن المكروه .ومنفه قوله تعالى" :ودع
أذاهفم" [الحزاب ]48 :أي دع أذى المنافقيفن ل تجازهفم إل أن تؤمفر فيهفم ،وففي الحديفث:
(وأميطوا عنه الذى) يعني بف "الذى" الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد ،يحلق عنه
يوم أسفبوعه ،وهفي العقيقفة .وففي حديفث اليمان( :وأدناهفا إماطفة الذى عفن الطريفق) أي تنحيتفه،
يعنفي الشوك والحجفر ،ومفا أشبفه ذلك ممفا يتأذى بفه المار .وقوله تعالى" :ول جناح عليكفم إن كان
بكم أذى من مطر" [النساء ]102 :وسيأتي.
@استدل من منع وطء المستحاضة بسيلن دم الستحاضة ،فقالوا :كل دم فهو أذى ،يجب غسله
مففن الثوب والبدن ،فل فرق فففي المباشرة بيففن دم الحيففض والسففتحاضة لنففه كله رجففس .وأمففا
الصلة فرخصة وردت بها السنة كما يصلى بسلس البول ،هذا قول إبراهيم النخعي وسليمان بن
يسار والحكم بن عيينة وعامر الشعبي وابن سيرين والزهري .واختلف فيه عن الحسن ،وهو قول
عائشفة :ل يأتيهفا زوجهفا ،وبفه قال ابفن عليفة والمغيرة بفن عبدالرحمفن ،وكان مفن أعلى أصفحاب
مالك ،وأبفو مصفعب ،وبفه كان يفتفي .وقال جمهور العلماء :المسفتحاضة تصفوم وتصفلي وتطوف
وتقرأ ،ويأتيهفا زوجهفا .قال مالك :أمفر أهفل الفقفه والعلم على هذا ،وإن كان دمهفا كثيرا ،رواه عنفه
ابففن وهففب .وكان أحمففد يقول :أحففب إلي أل يطأهففا إل أن يطول ذلك بهففا .وعففن ابففن عباس فففي
المستحاضة( :ل بأس أن يصيبها زوجها وإن كان الدم يسيل على عقبيها) .وقال مالك :قال رسول
ال صفلى ال عليفه وسفلم( :إنمفا ذلك عرق وليفس بالحيضفة) .فإذا لم تكفن حيضفة فمففا يمنعفه أن
يصفيبها وهفي تصفلي! قال ابفن عبدالبر :لمفا حكفم ال عفز وجفل ففي دم المسفتحاضة بأنفه ل يمنفع
الصفلة وتعبفد فيفه بعبادة غيفر عبادة الحائض وجفب أل يحكفم له بشيفء مفن حكفم الحيفض إل فيمفا
أجمعوا عليه من غسله كسائر الدماء.
@قوله تعالى" :فاعتزلوا النسفاء ففي المحيفض" أي ففي زمفن الحيفض ،إن حملت المحيفض على
المصفدر ،أو ففي محفل الحيفض إن حملتفه على السفم .ومقصفود هذا النهفي ترك المجامعفة .وقفد
اختلف العلماء في مباشرة الحائض وما يستباح منها ،فروي عن ابن عباس وعبيدة السلماني (أنه
يجففب أن يعتزل الرجففل فراش زوجتففه إذا حاضففت) .وهذا قول شاذ خارج عففن قول العلماء .وإن
كان عموم الية يقتضيه فالسنة الثابتة بخلفه ،وقد وقفت على ابن عباس خالته ميمونة وقالت له:
أراغفب أنفت عفن سفنة رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم؟! وقال مالك والشافعفي والوزاعفي وأبفو
حنيفة وأبو يوسف وجماعة عظيمة من العلماء :له منها ما فوق الزار ،لقوله عليه السلم للسائل
حين سأله :ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال ( : -لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلها)
وقوله عليه السلم لعائشة حين حاضت( :شدي على نفسك إزارك ثم عودي إلى مضجعك) .وقال
الثوري ومحمفد بفن الحسفن وبعفض أصفحاب الشافعفي :يجتنفب موضفع الدم ،لقوله عليفه السفلم:
(اصنعوا كل شيء إل النكاح) .وقد تقدم .وهو قول داود ،وهو الصحيح من قول الشافعي .وروى
أبو معشر عن إبراهيم عن مسروق قال :سألت عائشة ما يحل لي من امرأتي وهي حائض فقالت:
كففل شيففء إل الفرج .قال العلماء :مباشرة الحائض وهففي متزرة على الحتياط والقطففع للذريعففة،
ولنفه لو أباح فخذيهفا كان ذلك مفن ذريعفة إلى موضفع الدم المحرم بإجماع فأمفر بذلك احتياطفا،
والمحرم نفسه موضع الدم ،فتتفق بذلك معاني الثار ،ول تضاد ،وبال التوفيق.
@واختلفوا ففي الذي يأتفي امرأتفه وهفي حائض ماذا عليفه ،فقال مالك والشافعفي وأبفو حنيففة:
يستغفر ال ول شيء عليه ،وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد ،وبه قال داود .وروي عن محمد بن
الحسفن :يتصفدق بنصفف دينار .وقال أحمد :ما أحسن حديفث عبدالحميفد عن مقسفم عن ابن عباس
عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :يتصفدق بدينار أو نصفف دينار) .أخرجفه أبفو داود وقال :هكذا
الروايفة الصفحيحة ،قال :دينار أو نصفف دينار ،واسفتحبه الطفبري .فإن لم يفعفل فل شيفء عليفه،
وهو قول الشافعي ببغداد .وقالت فرقة من أهل الحديث :إن وطئ في الدم فعليه دينار ،وإن وطئ
في انقطاعه فنصف دينار .وقال الوزاعي :من وطئ امرأته وهي حائض تصدق بخمسي دينار،
والطرق لهذا كله في "سنن أبي داود والدارقطني" وغيرهما .وفي كتاب الترمذي عن ابن عباس
عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إذا كان دما أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار).
قال أبو عمر :حجة من لم يوجب عليه كفارة إل الستغفار والتوبة اضطراب هذا الحديث عن ابن
عباس ،وأن مثله ل تقوم بفه حجفة ،وأن الذمفة على البراءة ،ول يجفب أن يثبفت فيهفا شيفء لمسفكين
ول غيره إل بدليل ل مدفع فيه ول مطعن عليه ،وذلك معدوم في هذه المسألة.
@قوله تعالى" :ول تقربوهفن حتفى يطهرن" قال ابفن العربفي :سفمعت الشاشفي ففي مجلس النظفر
يقول :إذا قيفل ل تقرب (بفتفح الراء) كان معناه :ل تلبفس بالفعفل ،وإن كان بضفم الراء كان معناه:
ل تدن منه .وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه "يطهرن"
بسكون الطاء وضم الهاء .وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل "يطهرن"
بتشديد الطاء والهاء وفتحهما .وفي مصحف أبي وعبدال "يتطهرن" .وفي مصحف أنس بن مالك
"ول تقربوا النساء في محيضهن واعتزلوهن حتى يتطهرن" .ورجح الطبري قراءة تشديد الطاء،
وقال :هففي بمعنففى يغتسففلن ،لجماع الجميففع على أن حرامففا على الرجففل أن يقرب امرأتففه بعففد
انقطاع الدم حتفى تطهفر .قال :وإنمفا الخلف ففي الطهفر مفا هفو ،فقال قوم :هفو الغتسفال بالماء.
وقال قوم :هفو وضوء كوضوء الصفلة .وقال قوم :هفو غسفل الفرج ،وذلك يحلهفا لزوجهفا وإن لم
تغتسفل مفن الحيضفة ،ورجفح أبفو علي الفارسفي قراءة تخفيفف الطاء ،إذ هفو ثلثفي مضاد لطمفث
وهو ثلثي.
@قوله تعالى" :فإذا تطهرن" يعني بالماء ،وإليه ذهب مالك وجمهور العلماء ،وأن الطهر الذي
يحفل بفه جماع الحائض الذي يذهفب عنهفا الدم هفو تطهرهفا بالماء كطهفر الجنفب ،ول يجزئ مفن
ذلك تيمفم ول غيره ،وبفه قال مالك والشافعفي والطفبري ومحمفد بفن مسفلمة وأهفل المدينفة وغيرهفم.
وقال يحيفى بفن بكيفر ومحمفد بفن كعفب القرظفي :إذا طهرت الحائض وتيممفت -حيفث ل ماء حلت
لزوجهففا وإن لم تغتسففل .وقال مجاهففد وعكرمففة وطاوس :انقطاع الدم يحلهففا لزوجهففا .ولكففن بأن
تتوضفأ .وقال أبفو حنيففة وأبفو يوسفف ومحمفد :إن انقطفع دمهفا بعفد مضفي عشرة أيام جاز له أن
يطأها قبل الغسل ،وإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت الصلة.
وهذا تحكففم ل وجففه له ،وقففد حكموا للحائض بعففد انقطاع دمهففا بحكففم الحبففس فففي العدة وقالوا
لزوجهفا :عليهفا الرجعفة مفا لم تغتسفل مفن الحيضفة الثالثفة ،فعلى قياس قولهفم هذا ل يجفب أن توطفأ
حتففى تغتسففل ،مففع موافقففة أهففل المدينففة .ودليلنففا أن ال سففبحانه علق الحكففم فيهففا على شرطيففن:
أحدهمففا :انقطاع الدم ،وهففو قوله تعالى" :حتففى يطهرن" .والثانففي :الغتسففال بالماء ،وهففو قوله
تعالى" :فإذا تطهرن" أي يفعلن الغسففل بالماء ،وهذا مثففل قوله تعالى" :وابتلوا اليتامففى حتففى إذا
بلغوا النكاح" [النساء ]6 :الية ،فعلق الحكم وهو جواز دفع المال على شرطين :أحدهما :بلوغ
المكلف النكاح .والثانفي :إيناس الرشفد ،وكذلك قوله تعالى ففي المطلقفة" :فل تحفل له مفن بعفد حتفى
تنكح زوجا غيره" [البقرة ]230 :ثم جاءت السنة باشتراط العسيلة ،فوقف التحليل على المرين
جميعا ،وهو انعقاد النكاح ووجود الوطء .احتج أبو حنيفة فقال :إن معنى الية ،الغاية في الشرط
هففو المذكور فففي الغايففة قبلهففا ،فيكون قوله" :حتففى يطهرن" مخففففا هففو بمعنففى قوله" :يطهرن"
مشددا بعينفه ،ولكنفه جمفع بيفن اللغتيفن ففي اليفة ،كمفا قال تعالى" :فيفه رجال يحبون أن يتطهروا
وال يحب المطهرين" [التوبة .]108 :قال الكميت:
ول غيبا فيها إذا الناس غيب وما كانت النصار فيها أذلة
وأيضفا فإن القراءتيفن كاليتيفن فيجفب أن يعمفل بهمفا .ونحفن نحمفل كفل واحدة منهمفا على معنفى،
فنحمفل المخفففة على مفا إذا انقطفع دمهفا للقفل ،فإنفا ل نجوز وطأهفا حتفى تغتسفل ،لنفه ل يؤمفن
عوده :ونحمفل القراءة الخرى على مفا إذا انقطفع دمهفا للكثفر فيجوز وطؤهفا وإن لم تغتسفل .قال
ابفن العربفي :وهذا أقوى مفا لهفم ،فالجواب عفن الول :أن ذلك ليفس مفن كلم الفصفحاء ،ول ألسفن
البلغاء ،فإن ذلك يقتضففي التكرار فففي التعداد ،وإذا أمكففن حمففل اللفففظ على فائدة مجردة لم يحمففل
على التكرار ففي كلم الناس ،فكيفف ففي كلم العليفم الحكيفم! وعفن الثانفي :أن كفل واحدة منهمفا
محمولة على معنى دون معنى الخرى ،فيلزمهم إذا انقطع الدم أل يحكم لها بحكم الحيض قبل أن
تغتسفل ففي الرجعفة ،وهفم ل يقولون ذلك كمفا بيناه ،فهفي إذا حائض ،والحائض ل يجوز وطؤهفا
اتفاقا .وأيضا فإن ما قالوه يقتضي إباحة الوطء عند انقطاع الدم للكثر وما قلناه يقتضي الحظر،
وإذا تعارض ما يقتضي الحظر وما يقتضي الباحة ويغلب باعثاهما غلب باعث الحظر ،كما قال
علي وعثمان في الجمع بين الختين بملك اليمين ،أحلتهما آية وحرمتهما أخرى ،والتحريم أولى.
وال أعلم.
@واختلف علماؤنا ففي الكتابية هل تجبر على الغتسال أم ل ،فقال مالك ففي رواية ابن القاسفم:
نعفم ،ليحفل للزوج وطؤهفا ،قال ال تعالى" :ول تقربوهفن حتفى يطهرن فإذا تطهرن" يقول بالماء،
ولم يخص مسلمة من غيرها .وروى أشهب عن مالك أنها ل تجبر على الغتسال من المحيض،
لنهفا غيفر معتقدة لذلك ،لقوله تعالى" :ول يحفل لهفن أن يكتمفن مفا خلق ال .ففي أرحامهفن إن كفن
يؤمن بال واليوم الخر" [البقرة ]228 :وهو الحيض والحمل ،وإنما خاطب ال عز وجل بذلك
المؤمنات ،وقال" :ل إكراه في الدين" [البقرة ]256 :وبهذا كان يقول محمود بن عبدالحكم.
@وصففة غسفل الحائض صففة غسفلها من الجنابفة ،وليفس عليهفا نقفض شعرهفا ففي ذلك ،لمفا رواه
مسلم عن أم سلمة قالت قلت :يا رسول ال ،إني أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال( :ل
إنمفا يكفيفك أن تحثفي على رأسفك ثلث حثيات ثفم تفيضيفن عليفك الماء فتطهريفن) وففي روايفة:
أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ فقال( :ل) زاد أبو داود( :واغمزي قرونك عند كل حفنة).
@قوله تعالى" :فأتوهن من حيث أمركم ال" أي فجامعوهن .وهو أمر إباحة ،وكنى بالتيان عن
الوطفء ،وهذا المفر يقوي مفا قلناه مفن أن المراد بالتطهفر الغسفل بالماء ،لن صفيغة المفر مفن ال
تعالى ل تقفع إل على الوجه الكمفل .وال أعلم .و"مفن" بمعنفى ففي ،أي ففي حيفث أمركفم ال تعالى
وهو القبل ،ونظيره قوله تعالى" :أروني ماذا خلقوا من الرض" [فاطر ]40 :أي في الرض:،
وقوله" :إذا نودي للصفلة مفن يوم الجمعفة" [الجمعفة ]9 :أي ففي يوم الجمعفة .وقيفل :المعنفى ،أي
مفن الوجفه الذي أذن لكفم فيفه ،أي مفن غيفر صفوم وإحرام واعتكاف ،قاله الصفم .وقال ابفن عباس
وأبو رزين( :من قبل الطهر ل من قبل الحيض) ،وقاله الضحاك .وقال محمد بن الحنفية :المعنى
من قبل الحلل ل من قبل الزنى.
@قوله تعالى" :إن ال يحب التوابين ويحب المتطهرين" اختلف فيه ،فقيل :التوابون من الذنوب
والشرك .والمتطهرون أي بالماء مففن الجنابففة والحداث ،قاله عطاء وغيره .وقال مجاهففد :مففن
الذنوب ،وعنفه أيضفا :مفن إتيان النسفاء ففي أدبارهفن .ابفن عطيفة :كأنفه نظفر إلى قوله تعالى حكايفة
عن قوم لوط" :أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون" [العراف .]82 :وقيل :المتطهرون
الذين لم يذنبوا .فإن قيل :كيف قدم بالذكر الذي أذنب على من لم يذنب ،قيل :قدمه لئل يقنط التائب
من الرحمة ول يعجب المتطهر بنفسه ،كما ذكر في آية أخرى" :فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد
ومنهم سابق بالخيرات" [الملئكة ]32 :على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى.
**3الية{ 223 :نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لنفسكم واتقوا ال واعلموا
أنكم ملقوه وبشر المؤمنين}
@قوله تعالى" :نساؤكم حرث لكم" روى الئمة واللفظ للمسلم عن جابر بن عبدال قال( :كانت
اليهود تقول :إذا أتفى الرجفل امرأتفه مفن دبرهفا ففي قبلهفا كان الولد أحول) ،فنزلت اليفة "نسفائكم
حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" زاد في رواية عن الزهري :إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية
غير إن ذلك في صمام واحد .ويروى :في سمام واحد بالسين ،قاله الترمذي .وروى البخاري عن
ناففع قال :كان ابفن عمفر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتفى يفرغ منفه ،فأخذت عليفه يومفا ،فقرأ سفورة
"البقرة" حتفى انتهفى إلى مكان قال :أتدري فيفم أنزلت؟ قلت :ل ،قال :نزلت ففي كذا وكذا ،ثفم
مضى .وعن عبدالصمد قال :حدثني أبي قال حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر" :فأتوا حرثكم
أنفى شئتفم" قال :يأتيهفا ففي .قال الحميدي :يعنفي الفرج .وروى أبفو داود عفن ابفن عباس قال( :إن
ابفن عمفر وال يغففر له وهِم ،إنمفا كان هذا الحفي مفن النصفار ،وهفم أهفل وثفن ،مفع هذا الحفي مفن
يهود ،وهفم أهفل كتاب :وكانوا يرون لهفم فضل عليهفم ففي العلم ،فكانوا يقتدون بكثيفر مفن فعلهفم،
وكان مفن أمفر أهفل الكتاب أل يأتوا النسفاء إل على حرف ،وذلك أسفتر مفا تكون المرأة ،فكان هذا
الحفي مفن النصفار قفد أخذوا بذلك مفن فعلهفم ،وكان هذا الحفي مفن قريفش يشرحون النسفاء شرحفا
منكرا ،ويتلذذون منهففن مقبلت ومدبرات ومسففتلقيات ،فلمففا قدم المهاجرون المدينففة تزوج رجففل
منهم امرأة من النصار ،فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه ،وقالت :إنما كنا نؤتى على حرف!
فاصفنع ذلك وإل فاجتنبنفي ،حتفى شري أمرهمفا)؟ فبلغ ذلك النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ،فأنزل ال
عفز وجفل" :فأتوا حرثكفم أنفى شئتفم" ،أي مقبلت ومدبرات ومسفتلقيات ،يعنفي بذلك موضفع الولد.
وروى الترمذي عففن ابففن عباس قال( :جاء عمففر إلى رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم فقال :يففا
رسففول ال ،هلكففت! قال( :ومففا أهلكففك؟) قال :حولت رحلي الليلة ،قال :فلم يرد عليففه رسففول ال
صفلى ال عليفه وسفلم شيئا ،قال :فأوحفى إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم هذه اليفة" :نسفائكم
حرث لكففم فأتوا حرثكففم أنففى شئتففم" أقبففل وأدبر واتففق الدبر والحيضففة) قال :هذا حديففث حسففن
صفحيح .وروى النسفائي عفن أبفي النضفر أنفه قال لناففع مولى ابفن عمفر :قفد أكثفر عليفك القول .إنفك
تقول عفن ابفن عمفر( :أنفه أفتفى بأن يؤتفى النسفاء ففي أدبارهفن) .قال ناففع :لقفد كذبوا علي! ولكفن
سأخبرك كيف كان المر :إن ابن عمر عرض علي المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ" :نسائكم
حرث لكم" ،قال نافع :هل تدري ما أمر هذه الية؟ إنا كنا معشر قريش نجبي النساء ،فلما دخلنا
المدينة ونكحنا نساء النصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا ،فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه،
وكان نساء النصار إنما يؤتين على جنوبهن ،فأنزل ال سبحانه" :نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم
أنى شئتم".
@هذه الحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث ،أي كيف
شئتفم مفن خلف ومفن قدام وباركفة ومسفتلقية ومضطجعفة ،فأمفا التيان ففي غيفر المأتفى فمفا كان
مباحففا ،ول يباح! وذكففر الحرث يدل على أن التيان فففي غيففر المأتففى محرم .و"حرث" تشففبيه،
لنهففن مزدرع الذريففة ،فلفففظ "الحرث" يعطففي أن الباحففة لم تقففع إل فففي الفرج خاصففة إذ هففو
المزدرع .وأنشد ثعلب:
ضون لنا محترثات إنما الرحام أر
وعلى ال النبات فعلينا الزرع فيها
ففرج المرأة كالرض ،والنطففة كالبذر ،والولد كالنبات ،فالحرث بمعنفى المحترث .ووحفد الحرث
لنه مصدر ،كما يقال :رجل صوم ،وقوم صوم.
@قوله تعالى" :أنى شئتم" معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى :من أي وجه
شئتم مقبلة ومدبرة ،كما ذكرنا آنفا .و"أنى" تجيء سؤال وإخبارا عن أمر له جهات ،فهو أعم في
اللغة من "كيف" ومن "أين" ومن "متى" ،هذا هو الستعمال العربي في "أنى" .وقد فسر الناس
"أنفى" ففي هذه اليفة بهذه اللفاظ .وفسفرها سفيبوبه بفف "كيفف" ومفن "أيفن" باجتماعهمفا .وذهبفت
فرقفة ممفن فسفرها بفف "أيفن" إلى أن الوطفء ففي الدبر مباح ،وممفن نسفب إليفه هذا القول :سفعيد بفن
المسفيب وناففع وابفن عمفر ومحمفد بفن كعفب القرظفي وعبدالملك بفن الماجشون ،وحكفي ذلك عفن
مالك فففي كتاب له يسففمى "كتاب السففر" .وحذاق أصففحاب مالك ومشايخهففم ينكرون ذلك الكتاب،
ومالك أجفل مفن أن يكون له "كتاب سفر" .ووقفع هذا القول ففي العتبيفة .وذكفر ابفن العربفي أن ابفن
شعبان أسففند جواز هذا القول إلى زمرة كففبيرة مففن الصففحابة والتابعيففن ،وإلى مالك مففن روايات
كثيرة ففي كتاب "جماع النسفوان وأحكام القرآن" .وقال الكيفا الطفبري :وروي عفن محمفد بفن كعفب
القرظي أنه كان ل يرى بذلك بأسا ،ويتأول فيه قول ال عز وجل" :أتأتون الذكران من العالمين.
وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم" [الشعراء .]166 :وقال :فتقديره تتركون مثل ذلك من
أزواجكفم ،ولو لم يبفح مثفل ذلك مفن الزواج لمفا صفح ذلك ،وليفس المباح مفن الموضفع الخفر مثل
له ،حتفى يقال :تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح .قال الكيا :وهذا فيه نظر ،إذ معناه :وتذرون
مفا خلق لكفم ربكفم مفن أزواجكفم ممفا فيفه تسفكين شهوتفك ،ولذة الوقاع حاصفلة بهمفا جميعفا ،فيجوز
التوبيففخ على هذا المعنففى .وفففي قوله تعالى" :فإذا تطهرن فأتوا مففن حيففث أمركففم ال" مففع قوله:
"فأتوا حرثكم" ما يدل على أن في المأتى اختصاصا ،وأنه مقصور على موضع الولد.
قلت :هذا هو الحق في المسألة .وقد ذكر أبو عمر بن عبدالبر أن العلماء لم اختلفوا في الرتقاء
التفي ل يوصفل إلى وطئهفا أنفه عيفب ترد بفه ،إل شيئا جاء عفن عمفر بفن عبدالعزيفز مفن وجفه ليفس
بالقوي أنفه ل ترد الرتقاء ول غيرهفا ،والفقهاء كلهفم على خلف ذلك ،لن المسفيس هفو المبتغفى
بالنكاح ،وففي إجماعهفم على هذا دليفل على أن الدبر ليفس بموضفع وطفء ،ولو كان موضعفا للوطفء
مفا ردت مفن ل يوصفل إلى وطئهفا ففي الفرج .وففي إجماعهفم أيضفا على أن العقيفم التفي ل تلد ل
ترد .والصحيح في هذه المسألة ما بيناه .وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرؤون
مفن ذلك ،لن إباحفة التيان مختصفة بموضفع الحرث ،لقوله تعالى" :فأتوا حرثكفم" ،ولن الحكمفة
ففي خلق الزواج بفث النسفل ،فغيفر موضفع النسفل ل يناله ملك النكاح ،وهذا هفو الحفق .وقفد قال
أصحاب أبي حنيفة :إنه عندنا ولئط الذكر سواء في الحكم ،ولن القذر والذى في موضع النجو
أكثر من دم الحيض ،فكان أشنع .وأما صمام البول فغير صمام الرحم .وقال ابن العربي في قبسه:
قال لنفا الشيفخ المام فخفر السفلم أبفو بكفر محمفد بفن أحمفد بفن الحسفين فقيفه الوقفت وإمامفه :الفرج
أشبفه شيفء بخمسفة وثلثيفن ،وأخرج يده عاقدا بهفا .وقال :مسفلك البول مفا تحفت الثلثيفن ،ومسفلك
الذكفر والفرج مفا اشتملت عليفه الخمسفة ،وقفد حرم ال تعالى الفرج حال الحيفض لجفل النجاسفة
العارضة .فأولى أن يحرم الدبر لجل النجاسة اللزمة .وقال مالك لبن وهب وعلي بن زياد لما
أخفبراه أن ناسفا بمصفر يتحدثون عنه أنفه يجيفز ذلك ،فنففر مفن ذلك ،وبادر إلى تكذيفب الناقفل فقال:
كذبوا علي ،كذبوا علي ،كذبوا علي! ثفم قال :ألسفتم قومفا عربفا؟ ألم يقفل ال تعالى" :نسفاؤكم حرث
لكفم" وهفل يكون الحرث إل ففي موضفع المنبفت! ومفا اسفتدل بفه المخالف مفن أن قوله عفز وجفل:
"أنى شئتم" شامل للمسالك بحكم عمومها فل حجة فيها ،إذ هي مخصصة بما ذكرناه ،وبأحاديث
صفحيحة حسفان وشهيرة رواهفا عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم اثنفا عشفر صفحابيا بمتون
مختلفة ،كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الدبار ،ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده ،وأبو
داود والنسففائي والترمذي وغيرهففم .وقففد جمعهففا أبففو الفرج بفن الجوزي بطرقهففا فففي جزء سففماه
"تحريم المحل المكروه" .ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه (إظهار إدبار ،من أجاز
الوطء في الدبار).
قلت :وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة ،ول ينبغي لمؤمن بال واليوم الخر أن يعرج
ففي هذه النازلة على زلة عالم بعفد أن تصفح عنفه .وقفد حذرنفا مفن زلة العالم .وقفد روي عفن ابفن
عمر خلف هذا ،وتكفير من فعله ،وهذا هو اللئق به رضي ال عنه .وكذلك كذب نافع من أخبر
عنفه بذلك ،كمفا ذكفر النسفائي ،وقفد تقدم .وأنكفر ذلك مالك واسفتعظمه ،وكذب مفن نسفب ذلك إليفه.
وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال :قلت لبن عمر :ما تقول
ففي الجواري حيفن أحمفض بهفن؟ قال :ومفا التحميفض؟ فذكرت له الدبر ،فقال :هفل يفعفل ذلك أحفد
مفن المسفلمين! وأسفند عفن خزيمفة بفن ثابفت :سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقول( :أيهفا
الناس إن ال ل يسفتحي مفن الحفق ل تأتوا النسفاء ففي أعجازهفن) .ومثله عفن علي بفن طلق .وأسفند
عفن أبفي هريرة عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال( :مفن أتفى امرأة ففي دبرهفا لم ينظفر ال تعالى
إليه يوم القيامة) وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن
عبدال بفن عمرو عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال( :تلك اللوطيفة الصفغرى) يعنفي إتيان المرأة
ففي دبرهفا .وروي عن طاوس أنفه قال :كان بدء عمفل قوم لوط إتيان النسفاء ففي أدبارهفن .قال ابفن
المنذر :وإذا ثبت الشيء عن رسول ال صلى ال عليه وسلم استغني به عما سواه.
@قوله تعالى" :وقدموا لنفسفكم" أي قدموا مفا ينفعكفم غدا ،فحذف المفعول ،وقفد صفرح بفه ففي
قوله تعالى" :وما تقدموا لنفسكم من خير تجدوه عند ال" [البقرة .]11 :فالمعنى قدموا لنفسكم
الطاعة والعمل الصالح .وقيل ابتغاء الولد والنسل ،لن الولد خير الدنيا والخرة ،فقد يكون شفيعا
وجنفة .وقيفل :هفو التزوج بالعفائف ،ليكون الولد صفالحا طاهرا .وقيفل :هفو تقدم الفراط ،كمفا قال
النبي صلى ال عليه وسلم( :من قدم ثلثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إل تحلة القسم)
الحديفث .وسفيأتي ففي "مريفم" إن شاء ال تعالى .وقال ابفن عباس وعطاء :أي قدموا ذكفر ال عنفد
الجماع ،كمففا قال عليففه السففلم( :لو أن أحدكففم إذا أتففى امرأتففه قال بسففم ال اللهففم جنبنففا الشيطان
وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره شيطان أبدا) .أخرجه مسلم.
@قوله تعالى" :واتقوا ال" تحذير "واعلموا أنكم ملقوه" خبر يقتضي المبالغة في التحذير ،أي
فهو مجازيكم على البر والثم .وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال :سمعت سعيد بن جبير
عفن ابفن عباس قال :سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وهفو يخطفب يقول( :إنكفم ملقفو ال
حفاة عراة مشاة غرل) -ثفففم تل رسفففول ال صفففلى ال عليفففه وسفففلم" :واتقوا ال وأعلموا أنكفففم
ملقوه" .أخرجه مسلم بمعناه" .وبشر المؤمنين" تأنيس لفاعل البر ومبتغي سنن الهدى.
**3اليفة{ 224 :ول تجعلوا ال عرضفة ليمانكفم أن تفبروا وتتقوا وتصفلحوا بيفن الناس وال
سميع عليم}
@قال العلماء :لما أمر ال تعالى بالنفاق وصحبة اليتام والنساء بجميل المعاشرة قال :ل تمتنعوا
عن شيء من المكارم تعلل بأنا حلفنا أل نفعل كذا ،قال معناه ابن عباس والنخعي ومجاهد والربيع
وغيرهم .قال سعيد بن جبير( :هو الرجل يحلف أل يبر ول يصل ول يصلح بين الناس ،فيقال له:
بر ،فيقول :قففد حلفففت) .وقال بعففض المتأوليففن :المعنففى ول تحلفوا بال كاذبيففن إذا أردتففم البر
والتقوى والصفلح ،فل يحتاج إلى تقديفر "ل" بعفد "أن" .وقيفل :المعنفى ل تسفتكثروا مفن اليميفن
بال فإنفه أهيفب للقلوب ،ولهذا قال تعالى" :واحفظوا أيمانكفم" [المائدة .]89 :وذم مفن كثفر اليميفن
فقال تعالى" :ول تطفع كفل حلف مهيفن" [القلم .]10 :والعرب تمتدح بقلة اليمان ،حتفى قال
قائلهم:
وإن صدرت منه اللية برت قليل الليا حافظ ليمينه
وعلى هذا "أن تبروا" معناه :أقلوا اليمان لما فيه من البر والتقوى ،فان الكثار يكون معه الحنث
وقلة رعي لحق ال تعالى ،وهذا تأويل حسن .مالك بن أنس :بلغني أنه الحلف بال في كل شيء.
وقيفل :المعنفى ل تجعلوا اليميفن مبتذلة ففي كفل حفق وباطفل وقال الزجاج وغيره :معنفى اليفة أن
يكون الرجل إذا طلب منه فعل خير اعتل بال فقال :علي يمين ،وهو لم يحلف القتبي :المعنى إذا
حلفتم على أل تصلوا أرحامكم ول تتصدقوا ول تصلحوا ،وعلى أشباه ذلك من أبواب البر فكفروا
اليمين.
قلت :وهذا حسن لما بيناه ،وهو الذي يدل على سبب النزول ،على ما نبينه في المسألة بعد هذا.
قيل :نزلت بسبب الصديق إذ حلف أل ينفق على مسطح حين تكلم في عائشة رضي ال عنها،
كما في حديث الفك ،وسيأتي بيانه في "النور" ،عن ابن جريج .وقيل :نزلت في الصديق أيضا
حيفن حلف أل يأكفل مفع الضياف .وقيفل نزلت ففي عبدال بفن رواحفة حيفن حلف أل يكلم بشيفر بفن
النعمان وكان ختنه على أخته ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :عرضفة ليمانكفم" أي نصفبا ،عفن الجوهري .وفلن عرضفة ذاك ،أي عرضفة
لذلك ،أي مقرن له قوي عليه .والعرضة :الهمة .قال:
هم النصار عرضتها اللقاء
وفلن عرضففة للناس :ل يزالون يقعون فيففه .وجعلت فلنففا عرضففة لكذا أي نصففبته له ،وقيففل:
العرضة من الشدة والقوة ،ومنه قولهم للمرأة :عرضة للنكاح ،إذا صلحت له وقويت عليه ،ولفلن
عرضة :أي قوة على السفر والحرب ،قال كعب بن زهير:
عرضتها طامس العلم مجهول من كان نضاخة الذفرى إذا عرقت
وقال عبدال بن الزبير:
للهوي وهذي عرضة لرتحالنا فهذي ليام الحروب وهذه
أي عدة .وقال آخر:
فل تجعلني عرضة للوائم
وقال أوس بن حجر:
لرحلي وفيها هزة وتقاذف وأدماء مثل الفحل يوما عرضتها
والمعنى :ل تجعلوا اليمين بال قوة لنفسكم ،وعدة في المتناع من البر.
@قوله تعالى" :أن تفبروا وتتقوا" مبتدأ وخفبره محذوف ،أي البر والتقوى والصفلح أولى
وأمثفل ،مثفل "طاعفة وقول معروف" [محمفد ]21 :عفن الزجاج والنحاس .وقيفل :محله النصفب،
أي ل تمنعكم اليمين بال عز وجل البر والتقوى والصلح ،عن الزجاج أيضا .وقيل :مفعول من
أجله .وقيفففل :معناه أل تفففبروا ،فحذف "ل" ،كقوله تعالى" :يفففبين ال لكفففم أن تضلوا" [النسفففاء:
]176أي لئل تضلوا ،قاله الطبري والنحاس .ووجه رابع من وجوه النصب :كراهة أن تبروا،
ثفم حذففت ،ذكره النحاس والمهدوي .وقيفل :هفو ففي موضفع خففض على قول الخليفل والكسفائي،
التقدير :في أن تبروا ،فأضمرت "في" وخفضت بها .و"سميع" أي لقوال العباد" .عليم" بنياتهم.
**3الية{ 225 :ل يؤاخذكم ال باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وال غفور
حليم}
@قوله تعالى" :باللغو" اللغو :مصدر لغا يلغو ويلغى ،ولغي يلغى لغا إذا أتى بما ل يحتاج إليه
في الكلم ،أو بما ل خير فيه ،أو بما يلغى إثمه ،وفي الحديث( :إذا قلت لصاحبك والمام يخطب
يوم الجمعة أنصت فقد لغوت) .ولغة أبي هريرة "فقد لغيت" وقال الشاعر:
عن اللغا ورفث التكلم ورب أسراب حجيج كظم
وقال آخر:
إذا لم تعمد عاقدات العزائم ولست بمأخوذ بلغو تقوله
@واختلف العلماء ففي اليميفن التفي هفي لغفو ،فقال ابفن عباس( :هفو قول الرجفل ففي درج كلمفه
واسفتعجاله ففي المحاورة :ل وال ،وبلى وال ،دون قصفد لليميفن) .قال المروزي :لغفو اليميفن التفي
اتففق العلماء على أنهفا لغفو هفو قول الرجفل :ل وال ،وبلى وال ،ففي حديثفه وكلمفه غيفر معتقفد
لليميفن ول مريدهفا .وروى ابفن وهفب عفن يونفس عفن ابفن شهاب أن عروة حدثفه أن عائشفة زوج
النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قالت( :أيمان اللغفو مفا كانفت ففي المراء والهزل والمزاحفة والحديفث
الذي ل ينعقد عليه القلب) .وفي البخاري عن عائشة رضي ال عنها قالت :نزل قوله تعالى"( :ل
يؤاخذكفم ال باللغفو ففي أيمانكفم" ففي قول الرجفل :ل وال ،وبلى وال) .وقيفل :اللغفو مفا يحلف بفه
على الظفن ،فيكون بخلففه ،قاله مالك ،حكاه ابن القاسفم عنه ،وقال به جماعة مفن السلف .قال أبفو
هريرة( :إذا حلف الرجفل على الشيفء ل يظفن إل أنفه إياه ،فإذا ليفس هفو ،فهفو اللغفو ،وليفس فيفه
كفارة) ،ونحوه عفن ابفن عباس .وروي :أن قومفا تراجعوا القول عنفد رسفول ال صفلى ال عليفه
وسفلم وهفم يرمون بحضرتفه ،فحلف أحدهفم لقفد أصفبت وأخطأت يفا فلن ،فإذا المفر بخلف ذلك،
فقال الرجل :حنث يا رسول ال ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :أيمان الرماة لغو ل حنث فيها
ول كفارة) .وففي الموطفأ قال مالك :أحسفن مفا سفمعت ففي هذا أن اللغفو حلف النسفان على الشيفء
يسفتيقن أنفه كذلك ثفم يوجفد بخلففه ،فل كفارة فيفه .والذي يحلف على الشيفء وهفو يعلم أن فيفه آثفم
كاذب ليرضفي بفه أحدا ،أو يعتذر لمخلوق ،أو يقتطفع بفه مال ،فهذا أعظفم مفن أن يكون فيفه كفارة،
وإنما الكفارة على من حلف أل يفعل الشيفء المباح له فعله ثفم يفعله ،أو أن يفعله ثفم ل يفعله ،مثفل
إن حلف أل يفبيع ثوبفه بعشرة دراهفم ثفم يفبيعه بمثفل ذلك ،أو حلف ليضربفن غلمفه ثفم ل يضربفه.
وروى عن ابن عباس -إن صح عنه -قال( :لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان) ،وقاله طاوس.
وروى ابفن عباس أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال( :ل يميفن ففي غضفب) أخرجفه مسفلم.
وقال سففعيد بففن جففبير :هففو تحريففم الحلل ،فيقول :مالي علي حرام إن فعلت كذا ،والحلل علي
حرام ،وقاله مكحول الدمشقي ،ومالك أيضا ،إل في الزوجة فإنه ألزم فيها التحريم إل أن يخرجها
الحالف بقلبه .وقيل :هو يمين المعصية ،قاله سعيد بن المسيب ،وأبو بكر بن عبدالرحمن وعروة
وعبدال ابنا الزبير ،كالذي يقسم ليشربن الخمر أو ليقطعن الرحم فبره ترك ذلك الفعل ول كفارة
عليه ،وحجتهم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :من
حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليتركها فإن تركها كفارتها) أخرجه ابن ماجة في سننه،
وسفيأتي ففي "المائدة" أيضفا .وقال زيفد بفن أسفلم لغفو اليميفن دعاء الرجفل على نفسفه :أعمفى ال
بصففره ،أذهففب ال ماله ،هففو يهودي ،هففو مشرك ،هففو لغيففة إن فعففل كذا .مجاهففد :همففا الرجلن
يتبايعان فيقول أحدهمففا :وال ل أبيعففك بكذا ،ويقول الخففر ،وال ل أشتريففه بكذا .النخعففي :هففو
الرجفل يحلف أل يفعفل الشيفء ثفم ينسفى فيفعله .وقال ابفن عباس أيضفا والضحاك( :إن لغفو اليميفن
هفي المكفرة ،أي إذا كفرت اليميفن سفقطت وصفارت لغوا ،ول يؤاخفذ ال بتكفيرهفا والرجوع إلى
الذي هفو خيفر) .وحكفى ابفن عبدالبر قول :أن اللغفو أيمان المكره .قال ابفن العربفي :أمفا اليميفن مفع
النسيان فل شك في إلغائها .لنها جاءت على خلف قصده ،فهي لغو محض.
قلت :ويمين المكره بمثابتها .وسيأتي حكم من حلف مكرها في "النحل" إن شاء ال تعالى .قال
ابفن العربفي :وأما مفن قال إنه يميفن المعصفية فباطل ،لن الحالف على ترك المعصية تنعقفد يمينه
عبادة ،والحالف على فعفل المعصفية تنعقفد يمينفه معصفية ،ويقال له :ل تفعفل وكففر ،فإن أقدم على
الفعل أثم في إقدامه وبر في قسمه .وأما من قال :إنه دعاء النسان على نفسه إن لم يكن كذا فينزل
به كذا ،فهو قول لغو ،ففي طريفق الكفارة ،ولكنفه منعقد ففي القصفد ،مكروه ،وربمفا يؤاخذ به ،لن
النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ل يدعون أحدكم على نفسه فربما صادف ساعة ل يسأل ال أحد
فيها شيئا إل أعطاه إياه) .وأما من قال إنه يمين الغضب فإنه يرده حلف النبي صلى ال عليه وسلم
غاضبا أل يحمل الشعريين وحملهم وكفر عن يمينه .وسيأتي في "براءة " .قال ابن العربي :وأما
مفن قال :إنفه اليميفن المكفرة فل متعلق له يحكفى .وضعففه ابفن عطيفة أيضفا وقال :قفد رففع ال عفز
وجففل المؤاخذة بالطلق فففي اللغففو ،فحقيقتهففا ل إثففم فيففه ول كفارة ،والمؤاخذة فففي اليمان هففي
بعقوبة الخرة في اليمين الغموس المصبورة ،وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة ،وبعقوبة الدنيا في
إلزام الكفارة ،فيضعففف القول بأنهففا اليميففن المكفرة ،لن المؤاخذة قففد وقعففت فيهففا ،وتخصففيص
المؤاخذة بأنها في الخرة فقط تحكم.
@قوله تعالى" :ففي أيمانكفم" اليمان جمفع يميفن ،واليميفن الحلف ،وأصفله أن العرب كانفت إذا
تحالففت أو تعاقدت أخفذ الرجفل يميفن صفاحبه بيمينفه ،ثفم كثفر ذلك حتفى سفمي الحلف والعهفد نفسفه
يمينا .وقيل :يمين فعيل من اليمن ،وهو البركة ،سماها ال تعالى بذلك لنها تحفظ الحقوق .ويمين
تذكر وتؤنث ،وتجمع أيمان وأيمن ،قال زهير:
فتجمع أيمن منا ومنكم
@قوله تعالى" :ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" مثل قوله" :ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان"
[المائدة .]89 :وهناك يأتفي الكلم فيفه مسفتوفى ،إن شاء ال تعالى .وقال زيفد بفن أسفلم :قوله
تعالى" :ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" هو في الرجل يقول :هو مشرك إن فعل ،أي هذا اللغو،
إل أن يعقد الشراك بقلبه ويكسبه .و"غفور حليم" صفتان لئقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة ،إذ
هو باب رفق وتوسعة.
**3اليتان{ 227 - 226 :للذيفن يؤلون مفن نسفائهم تربفص أربعفة أشهفر فإن فاؤوا فإن ال
غفور رحيم ،وإن عزموا الطلق فإن ال سميع عليم}
@قوله تعالى" :للذيفن يؤلون" "يؤلون" معناه يحلفون ،والمصفدر إيلء وأليفة وألوة وإلوة .وقرأ
أبفي وابفن عباس "للذيفن يقسفمون" .ومعلوم أن "يقسفمون" تفسفير "يؤلون" .وقرئ "للذيفن آلوا"
يقال :آلى يؤلي إيلء ،وتألى تأليفا ،وائتلى ائتلء ،أي حلف ،ومنفه "ول يأتفل أولو الفضفل منكفم"،
وقال الشاعر:
تكون وإياها بها مثل بعدي فآليت ل أنفك أحدو قصيدة
وقال آخر:
وإن سبقت منه اللية برت قليل الليا حافظ ليمينه
وقال ابن دريد:
بها النجاء بين أجواز الفل ألية باليعملت يرتمي
قال عبدال بفن عباس :كان إيلء الجاهليفة السفنة والسفنتين وأكثفر مفن ذلك ،يقصفدون بذلك إيذاء
المرأة عند المساءة ،فوقت لهم أربعة أشهر ،فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلء حكمي.
قلت :وقفد آلى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وطلق ،وسفبب إيلئه سفؤال نسفائه إياه مفن النفقفة مفا
ليس عنده ،كذا في صحيح مسلم .وقيل :لن زينب ردت عليه هديته ،فغضب صلى ال عليه وسلم
فآلى منهن ،ذكره ابن ماجة.
@ويلزم اليلء كفل مفن يلزمفه الطلق ،فالحفر والعبفد والسفكران يلزمفه اليلء .وكذلك السففيه
والمولى عليفه إذا كان بالغفا غيفر مجنون ،وكذلك الخصفي إذا لم يكفن مجبوبفا ،والشيفخ إذا كان فيفه
بقيفة رمفق ونشاط .واختلف قول الشافعفي ففي المجبوب إذا آلى ،فففي قول :ل إيلء له .وففي قول:
يصح إيلؤه ،والول أصح وأقرب إلى الكتاب والسنة ،فإن الفيء هو الذي يسقط اليمين ،والفيء
بالقول ل يسقطها ،فإذا بقيت اليمين المانعة من الحنث بقي حكم اليلء .وإيلء الخرس بما يفهم
عنه من كتابة أو إشارة مفهومة لزم له ،وكذلك العجمي إذا آلى من نسائه.
@واختلف العلماء فيما يقع به اليلء من اليمين ،فقال قوم :ل يقع اليلء إل باليمين بال تعالى
وحده لقوله عليفه السفلم( :مفن كان حالففا فليحلف بال أو ليصفمت) .وبفه قال الشافعفي ففي الجديفد.
وقال ابفن عباس( :كفل يميفن منعفت جماعفا فهفي إيلء) ،وبفه قال الشعفبي والنخعفي ومالك وأهفل
الحجاز وسففيان الثوري وأهفل العراق ،والشافعفي ففي القول الخفر ،وأبفو ثور وأبفو عبيفد وابفن
المنذر والقاضفي أبفو بكفر بفن العربفي .قال ابفن عبدالبر :وكفل يميفن ل يقدر صفاحبها على جماع
امرأته من أجلها إل بأن يحنث فهو بها مول ،إذا كانت يمينه على أكثر من أربعة أشهر ،فكل من
حلف بال أو بصففة مفن صففاته أو قال :أقسفم بال ،أو أشهفد بال ،أو علي عهفد ال وكفالتفه وميثاقفه
وذمتفه فإنفه يلزمفه اليلء .فإن قال :أقسفم أو أعزم ولم يذكفر بفف "ال" فقيفل :ل يدخفل عليفه اليلء،
إل أن يكون أراد بفف "ال" ونواه .ومفن قال إنفه يميفن يدخفل عليفه ،وسفيأتي بيانفه ففي "المائدة" إن
شاء ال تعالى .فإن حلف بالصفيام أل يطفأ امرأتفه فقال :إن وطئتفك فعلي صفيام شهفر أو سفنة فهفو
مول .وكذلك كل ما يلزمه من حج أو طلق أو عتق أو صلة أو صدقة .والصل في هذه الجملة
عموم قوله تعالى" :للذين يؤلون" ولم يفرق ،فإذا آلى بصدقة أو عتق عبد معين أو غير معين لزم
اليلء.
@فإن حلف بال أل يطأ واستثنى فقال :إن شاء ال فإنه يكون موليا ،فإن وطئها فل كفارة عليه
ففي روايفة ابفن القاسفم عفن مالك .وقال ابفن الماجشون ففي المبسفوط :ليفس بمول ،وهفو أصفح لن
السففتثناء يحففل اليميففن ويجعففل الحالف كأنففه لم يحلف ،وهففو مذهففب فقهاء المصففار ،لنففه بيففن
بالسفتثناء أنفه غيفر عازم على الفعفل .ووجفه مفا رواه ابفن القاسفم مبنفي على أن السفتثناء ل يحفل
اليميفن ،ولكنفه يؤثفر ففي إسفقاط الكفارة ،على مفا يأتفي بيانفه ففي "المائدة" فلمفا كانفت يمينفه باقيفة
منعقدة لزمففه حكففم اليلء وإن لم تجففب عليففه كفارة .فإن حلف بالنففبي أو الملئكففة أو الكعبففة أل
يطأهفا ،أو قال هفو يهودي أو نصفراني أو زان إن وطئهفا ،فهذا ليفس بمول ،قاله مالك وغيره .قال
الباجفي :ومعنفى ذلك عندي أنفه أورده على غيفر وجفه القسفم ،وأمفا لو أورده على أنفه مول بمفا قاله
مفن ذلك أو غيره ،فففي المبسفوط :أن ابفن القاسفم سفئل عفن الرجفل يقول لمرأتفه :ل مرحبفا ،يريفد
بذلك اليلء يكون موليففا ،قال :قال مالك :كففل كلم نوي بففه الطلق فهففو طلق ،وهذا والطلق
سواء.
@واختلف العلماء في اليلء المذكور ففي القرآن ،فقال ابن عباس( :ل يكون موليا حتى يحلف
أل يمسها أبدا) .وقال طائفة :إذا حلف أل يقرب امرأته يوما أو أقل أو أكثر ثم لم يطأ أربعة أشهر
بانفت منفه باليلء ،روي هذا عفن ابفن مسفعود والنخعفي وابفن أبفي ليلى والحكفم وحماد بفن أبفي
سففليمان وقتادة ،وبففه قال إسففحاق .قال ابففن المنذر :وأنكففر هذا القول كثيففر مففن أهففل العلم .وقال
الجمهور :اليلء هفو أن يحلف أل يطفأ أكثفر مفن أربعفة أشهفر ،فان حلف على أربعفة فمفا دونهفا ل
يكون موليا ،وكانت عندهم يمينا محضا ،لو وطئ في هذه المدة لم يكن عليه شيء كسائر اليمان،
هذا قول مالك والشافعفي وأحمفد وأبي ثور .وقال الثوري والكوفيون :اليلء أن يحلف على أربعة
أشهفر فصفاعدا ،وهفو قول عطاء .قال الكوفيون :جعفل ال التربفص ففي اليلء أربعفة أشهفر كمفا
جعفل عدة الوفاة أربعفة أشهفر وعشرا ،وففي العدة ثلثفة قروء ،فل تربفص بعفد .قالوا :فيجفب بعفد
المدة سففقوط اليلء ،ول يسففقط إل بالفيففء وهففو الجماع فففي داخففل المدة ،والطلق بعففد انقضاء
الربعفة الشهفر .واحتفج مالك والشافعفي فقال :جعفل ال للمولي أربعفة أشهفر ،فهفي له بكمالهفا ل
اعتراض لزوجتفه عليفه فيهفا ،كمفا أن الديفن المؤجفل ل يسفتحق صفاحبه المطالبفة بفه إل بعفد تمام
الجفل .ووجفه قول إسفحاق -ففي قليفل المفد يكون صفاحبه بفه موليفا إذا لم يطفأ -القياس على مفن
حلف على أكثفر مفن أربعفة أشهفر فإنفه يكون موليفا ،لنفه قصفد الضرار باليميفن ،وهذا المعنفى
موجود في المدة القصيرة.
@واختلفوا أن من حلف أل يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر فانقضت الربعة الشهر ولم تطالبه
امرأتفه ول رفعتفه إلى السفلطان ليوقففه ،لم يلزمفه شيفء عنفد مالك وأصفحابه وأكثفر أهفل المدينفة.
ومفن علمائنفا مفن يقول :يلزمفه بانقضاء الربعفة الشهفر طلقفة رجعيفة .ومنهفم ومفن غيرهفم مفن
يقول :يلزمفه طلقة بائنفة بانقضاء الربعفة الشهفر .والصفحيح مفا ذهفب إليفه مالك وأصفحابه ،وذلك
أن المولي ل يلزمفه طلق حتفى يوقففه السفلطان بمطالبفة زوجتفه له ليفيفء فيراجفع امرأتفه بالوطفء
ويكفر يمينه أو يطلق ،ول يتركه حتى يفيء أو يطلق .والفيء :الجماع فيمن يمكن مجامعتها .قال
سفليمان بفن يسفار :كان تسفعة رجال مفن أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم يوقفون ففي اليلء،
قال مالك :وذلك المفر عندنفا ،وبفه قال الليفث والشافعفي وأحمفد وإسفحاق وأبفو ثور ،واختاره ابفن
المنذر.
@وأجل المولي من يوم حلف ل من يوم تخاصمه امرأته وترفعه إلى الحاكم ،فإن خاصمته ولم
ترض بامتناعه من الوطء ضرب له السلطان أجل أربعة أشهفر من يوم حلف ،فإن وطفئ فقفد فاء
إلى حفق الزوجفة وكففر عفن يمينفه ،وإن لم يفيفء طلق عليفه طلقفة رجعيفة .قال مالك :فإن راجفع ل
تصفح رجعتفه حتفى يطفأ ففي العدة .قال البهري :وذلك أن الطلق إنمفا وقفع لدففع الضرر ،فمتفى لم
يطفأ فالضرر باق ،فل معنفى للرجعفة إل أن يكون له عذر يمنعفه مفن الوطفء فتصفح رجعتفه ،لن
الضرر قد زال ،وامتناعه من الوطء ليس من أجل الضرر وإنما هو من أجل العذر.
@واختلف العلماء ففي اليلء ففي غيفر حال الغضفب ،فقال ابفن عباس( :ل إيلء إل بغضفب)،
وروى عفن علي بفن أبفي طالب رضفي ال عنفه ففي المشهور عنفه ،وقاله الليفث والشعفبي والحسفن
وعطاء ،كلهفففم يقولون( :اليلء ل يكون إل على وجفففه مغاضبفففة ومشادة وحرجفففة ومناكدة أل
يجامعهفا ففي فرجهفا إضرارا بهفا ،وسفواء كان ففي ضمفن ذلك إصفلح ولد أم لم يكفن ،فإن لم يكفن
عفن غضفب فليفس بإيلء) .وقال ابفن سفيرين :سفواء كانفت اليميفن ففي غضفب أو غيفر غضفب هفو
إيلء ،وقاله ابفن مسفعود والثوري ومالك وأهفل العراق والشافعفي وأصفحابه وأحمفد ،إل أن مالكفا
قال :مفا لم يرد إصفلح ولد .قال ابفن المنذر :وهذا أصفح ،لنهففم لمفا أجمعوا أن الظهار والطلق
وسائر اليمان سواء في حال الغضب والرضا كان اليلء كذلك.
قلت :ويدل عليفه عموم القرآن ،وتخصفيص حالة الغضفب يحتاج إلى دليفل ول يؤخفذ مفن وجفه
يلزم .وال أعلم.
قال علماؤنفا :ومفن امتنفع مفن وطفء امرأتفه بغيفر يميفن حلفهفا إضرارا بهفا أمفر بوطئهفا ،فإن أبفى
وأقام على امتناعففه مضرا بهففا فرق بينففه وبينهففا مففن غيففر ضرب أجففل .وقففد قيففل :يضرب أجففل
اليلء .وقفد قيفل :ل يدخفل على الرجفل اليلء ففي هجرتفه مفن زوجتفه وإن أقام سفنين ل يغشاهفا،
ولكنه يوعظ ويؤمر بتقوى ال تعالى في أل يمسكها ضرارا.
واختلفوا فيمن حلف أل يطأ امرأته حتى تفطم ولدها لئل يمغل ولدها ،ولم يرد إضرارا بها حتى
ينقضفي أمفد الرضاع لم يكفن لزوجتفه عنفد مالك مطالبفة لقصفد إصفلح الولد .قال مالك :وقفد بلغنفي
أن علي بن أبي طالب سئل عن ذلك فلم يره إيلء ،وبه قال الشافعي في أحد قوليه ،والقول الخر
يكون موليا ،ول اعتبار برضاع الولد ،وبه قال أبو حنيفة.
وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والوزاعي وأحمد بن حنبل إلى أنه ل يكون موليا
من حلف أل يطأ زوجته في هذا البيت أو في هذه الدار لنه يجد السبيل إلى وطئها في غير ذلك
المكان .قال ابفن أبفي ليلى وإسفحاق :إن تركهفا أربعفة أشهفر بانفت باليلء ،أل ترى أنفه يوقفف عنفد
الشهفر الربعفة ،فإن حلف أل يطأهفا ففي مصفره أو بلده فهفو مول عنفد مالك ،وهذا إنمفا يكون ففي
سفر يتكلف المؤونة والكلفة دون جنته أو مزرعته القريبة.
@قوله تعالى" :مفن نسفائهم" يدخفل فيفه الحرائر والذميات والماء إذا تزوجفن .والعبفد يلزمفه
اليلء من زوجته .قال الشافعي وأحمد وأبو ثور :إيلؤه مثل إيلء الحر ،وحجتهم ظاهر
قوله تعالى" :للذيففن يؤلون مففن نسففائهم" فكان ذلك لجميففع الزواج .قال ابففن المنذر :وبففه أقول.
وقال مالك والزهري وعطاء بفن أبفي رباح وإسفحاق :أجله شهران .وقال الحسفن والنخعفي :إيلؤه
من زوجته المة شهران ،ومن الحرة أربعة أشهر ،وبه قال أبو حنيفة .وقال الشعبي :إيلء المة
نصف إيلء الحرة.
قال مالك وأصفحابه وأبفو حنيففة وأصفحابه والوزاعفي والنخعفي وغيرهفم :المدخول بهفا وغيفر
المدخول بهفففا سفففواء ففففي لزوم اليلء فيهمفففا .وقال الزهري وعطاء والثوري :ل إيلء إل بعفففد
الدخول .وقال مالك :ول إيلء مفففن صفففغيرة لم تبلغ ،فإن آلى منهفففا فبلغفففت لزم اليلء مفففن يوم
بلوغها.
وأمفا الذمفي فل يصفح إيلؤه ،كمفا ل يصفح ظهاره ول طلقفه ،وذلك أن نكاح أهفل الشرك ليفس
عندنفا بنكاح صفحيح ،وإنمفا لهفم شبهفة يفد ،ولنهفم ل يكلفون الشرائع فتلزمهفم كفارات اليمان ،فلو
ترافعوا إلينا في حكم اليلء لم ينبغ لحاكمنا أن يحكم بينهم ،ويذهبون إلى حكامهم ،فإن جرى ذلك
مجرى التظالم بينهم حكم بحكم السلم ،كما لو ترك المسلم وطء زوجته ضرارا من غير يمين.
@قوله تعالى" :تربص أربعة أشهر" التربص :التأني والتأخر ،مقلوب التصبر ،قال الشاعر:
تطلق يوما أو يموت حليلها تربص بها ريب المنون لعلها
وأمفا فائدة توقيفت الربعفة الشهفر فيمفا ذكفر ابفن عباس عفن أهفل الجاهليفة كمفا تقدم ،فمنفع ال مفن
ذلك وجعففل للزوج مدة أربعففة أشهففر فففي تأديففب المرأة بالهجففر ،لقوله تعالى" :واهجروهففن فففي
المضاجع" [النساء ]34 :وقد آلى النبي صلى ال عليه وسلم من أزواجه شهرا تأديبا لهن .وقد
قيل :الربعة الشهر هي التي ل تستطيع ذات الزوج أن تصبر عنه أكثر منها ،وقد روي أن عمر
بن الخطاب رضي ال عنه كان يطوف ليلة بالمدينة فسمع امرأة تنشد:
وأرقني أن ل حبيب ألعبه أل طال هذا الليل وأسود جانبه
لزعزع من هذا السرير جوانبه فوال لول ال ل شيء غيره
وإكرام بعلي أن تنال مراكبه مخافة ربي والحياء يكفني
فلمفا كان مفن الغفد اسفتدعى عمفر بتلك المرأة وقال لهفا :أيفن زوجفك؟ فقالت :بعثفت بفه إلى العراق!
فاسفتدعى نسفاء فسفألهن عفن المرأة كفم مقدار مفا تصفبر عفن زوجهفا؟ فقلن :شهريفن ،ويقفل صفبرها
ففي ثلثفة أشهفر ،وينففد صفبرها ففي أربعفة أشهفر ،فجعفل عمفر مدة غزو الرجفل أربعفة أشهفر ،فإذا
مضففت أربعففة أشهففر اسففترد الغازيففن ووجففه بقوم آخريففن ،وهذا وال أعلم يقوي اختصففاص مدة
اليلء بأربعة أشهر.
@قوله تعالى" :فإن فاؤوا" معناه رجعوا ،ومنه "حتى تفيء إلى أمر ال" [الحجرات ]9 :ومنه
قيل للظل بعد الزوال :فيء ،لنه رجع من جانب المشرق إلى جانب المغرب ،يقال :فاء يفيء فيئة
وفيوءا .وإنه لسريع الفيئة ،يعني الرجوع .قال:
ومن حاجة النسان ما ليس قاضيا ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له
@قال ابن المنذر :أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الفيء الجماع لمن ل عذر له،
فإن كان له عذر مرض أو سفجن أو شبفه ذلك فإن ارتجاعفه صفحيح وهفي امرأتفه ،فإذا زال العذر
بقدومفه مفن سففره أو إفاقتفه مفن مرضفه ،أو انطلقفه مفن سفجنه فأبفى الوطفء فرق بينهمفا إن كانفت
المدة قفد انقضفت ،قاله مالك ففي المدونفة والمبسفوط .وقال عبدالملك :وتكون بائنفا منفه يوم انقضفت
المدة ،فإن صفدق عذره بالفيئة إذا أمكنتفه حكفم بصفدقه فيمفا مضفى ،فان أكذب مفا ادعاه مفن الفيئة
بالمتناع حيفن القدرة عليهفا ،حمفل أمره على الكذب فيهفا واللدد ،وأمضيفت الحكام على مفا كانفت
تجففب فففي ذلك الوقففت .وقالت طائفففة :إذا شهدت بينففة بفيئتففه فففي حال العذر أجزأه ،قاله الحسففن
وعكرمفة والنخعفي :وبفه قال الوزاعفي .وقال النخعفي أيضفا :يصفح الفيفء بالقول والشهاد فقفط،
ويسفقط حكفم اليلء ،أرأيفت إن لم ينتشفر للوطفء ،قال ابفن عطيفة :ويرجفع هذا القول إن لم يطفأ إلى
باب الضرر .وقال أحمد بن حنبل :إذا كان له عذر يفيء بقلبه ،وبه قال أبو قلبة .وقال أبو حنيفة:
إن لم يقدر على الجماع فيقول :قفد فئت إليهفا .قال الكيفا الطفبري :أبفو حنيففة يقول فيمفن آلى وهفو
مريفض وبينفه وبينهفا مدة أربعفة أشهفر ،وهفي رتقاء أو صفغيره أو هفو مجبوب :إنفه إذا فاء إليهفا
بلسفانه ومضفت المدة والعذر قائم فذلك فيفء صفحيح ،والشافعفي يخالففه على أحفد مذهفبيه .وقالت
طائفة :ل يكون الفيء إل بالجماع في حال العذر وغيره ،وكذلك قال سعيد بن جبير ،قال :وكذلك
إن كان في سفر أو سجن.
@أوجفب مالك والشافعفي وأبفو حنيففة وأصفحابهم وجمهور العلماء الكفارة على المولي إذا فاء
بجماع امرأته .وقال الحسن :ل كفارة عليه ،وبه قال النخعي ،قال النخعي :كانوا يقولون إذا فاء ل
كفارة عليفه .وقال إسفحاق :قال بعفض أهفل التأويفل ففي قوله تعالى" :فإن فاؤوا" يعنفي لليميفن التفي
حنثوا فيها ،وهو مذهب في اليمان لبعض التابعين فيمن حلف على بر أو تقوى أو باب من الخير
أل يفعله فإنفه يفعله ول كفارة عليفه ،والحجفة له قوله تعالى" :فإن فاؤوا فإن ال غفور رحيفم" ،ولم
يذكففر كفارة ،وأيضففا فإن هذا يتركففب على أن لغففو اليميففن مففا حلف على معصففية ،وترك وطففء
الزوجة معصية.
قلت :وقفد يسفتدل لهذا القول مفن السفنة بحديفث عمرو بفن شعيفب عفن أبيفه عفن جده عفن النفبي
صففلى ال عليففه وسففلم قال( :مففن حلف على يميففن فرأى غيرهففا خيرا منهففا فليتركهففا فإن تركهففا
كفارتهفا) خرجفه ابفن ماجفة ففي سفننه .وسفيأتي لهفا مزيفد بيان ففي آيفة اليمان إن شاء ال تعالى.
وحجفة الجمهور قوله عليفه السفلم( :مفن حلف على يميفن فرأى غيرهفا خيرا منهفا فليأت الذي هفو
خير وليكفر عن يمينه).
إذا كففر عفن يمينفه سفقط عنفه اليلء ،قاله علماؤنفا .وففي ذلك دليفل على تقديفم الكفارة على الحنفث
في المذهب ،وذلك إجماع في مسألة اليلء ،ودليل على أبي حنيفة في مسألة اليمان ،إذ ل يرى
جواز تقديم الكفارة على الحنث ،قاله ابن العربي.
قلت :بهذه الية استدل محمد بن الحسن على امتناع جواز الكفارة قبل الحنث فقال :لما حكم ال
تعالى للمولي بأحفد الحكميفن مفن فيفء أو عزيمفة الطلق ،فلو جاز تقديفم الكفارة على الحنفث لبطفل
اليلء بغير فيء أو عزيمة الطلق ،لنه إن حنث ل يلزمه بالحنث شيء ،ومتى لم يلزم الحانث
بالحنفث شيفء لم يكفن موليفا .وففي جواز تقديفم الكفارة إسفقاط حكفم اليلء بغيفر مفا ذكفر ال ،وذلك
خلف الكتاب.
@قوله تعالى" :وإن عزموا الطلق" العزيمفة :تتميفم العقفد على الشيفء ،يقال :عزم عليفه يعزم
عزمفا (بالضفم) وعزيمفة وعزيمفا وعزمانفا واعتزم اعتزامفا ،وعزمفت عليفك لتفعلن ،أي أقسفمت
عليفك .قال شمفر :العزيمفة والعزم مفا عقدت عليفه نفسفك مفن أمفر أنفك فاعله .والطلق مفن طلقفت
المرأة تطلق (على وزن نصر ينصر) طلقا ،فهي طالق وطالقة أيضا .قال العشى:
أيا جارتا بيني فإنك طالقة
ويجوز طلقفت (بضفم اللم) مثفل عظفم يعظفم ،وأنكره الخففش .والطلق حفل عقدة النكاح ،وأصفله
النطلق ،والمطلقات المخليات ،والطلق :التخليفة ،يقال :نعجفة طالق ،وناقفة طالق ،أي مهملة قفد
تركفت ففي المرعفى ل قيفد عليهفا ول راعفي ،وبعيفر طلق (بضفم الطاء واللم) غيفر مقيفد ،والجمفع
أطلق ،وحبس فلن في السجن طلقا أي بغير قيد ،والطالق من البل :التي يتركها الراعي لنفسه
ل يحتلبهفا على الماء ،يقال :اسفتطلق الراعفي ناقفة لنفسفه .فسفميت المرأة المخلى سفبيلها بمفا سفميت
به النعجة أو الناقة المهمل أمرها .وقيل :إنه مأخوذ من طلق الفرس ،وهو ذهابه شوطا ل يمنع،
فسميت المرأة المخلة طالقا ل تمنع من نفسها بعد أن كانت ممنوعة.
@ففي قوله تعالى" :وإن عزموا الطلق" دليفل على أنهفا ل تطلق بمضفي مدة أربعفة أشهفر ،كمفا
قال مالك :ما لم يقع إنشاء تطليق بعد المدة ،وأيضا فإنه قال" :سميع" وسميع يقتضي مسموعا بعد
المضففي .وقال أبفو حنيففة" :سففمع" ليلئه" ،عليففم" بعزمفه الذي دل عليففه مضففي أربعففة أشهففر.
وروى سفهيل بفن أبفي صفالح عفن أبيفه قال :سفألت اثنفي عشفر رجل مفن أصفحاب رسفول ال صفلى
ال عليه وسلم عن الرجل يولي من امرأته ،فكلهم يقول :ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر
فيوقفف ،فإن فاء وإل طلق .قال القاضفي ابن العربفي :وتحقيفق المفر أن تقديفر الية عندنفا" :للذيفن
يؤلون مفن نسفائهم تربفص أربعفة أشهفر فإن فاؤوا بعفد انقضائهفا فإن ال غفور رحيفم وإن عزموا
الطلق فإن ال سميع عليم" .وتقديرها عندهم" :للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن
فاؤوا" فيهفا "فإن ال غفور رحيفم .وإن عزموا الطلق" بترك الفيئة فيهفا ،يريفد مدة التربفص فيهفا
"فإن ال سميع عليم" .ابن العربي :وهذا احتمال متساو ،ولجل تساويه توقفت الصحابة فيه.
قلت :وإذا تسففاوى الحتمال كان قول الكوفييففن أقوى قياسففا على المعتدة بالشهور والقراء ،إذ
كفل ذلك أجفل ضربفه ال تعالى ،فبانقضائه انقطعفت العصفمة وأبينفت مفن غيفر خلف ،ولم يكفن
لزوجهفا سفبيل عليهفا إل بإذنهفا ،فكذلك اليلء ،حتفى لو نسفي الفيفء وانقضفت المدة لوقفع الطلق،
وال أعلم.
وففي قوله تعالى" :وإن عزموا الطلق" دليفل على أن المفة بملك اليميفن ل يكون فيهفا إيلء ،إذ
ل يقع عليها طلق ،وال أعلم.
**3الية{ 228 :والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء ول يحل لهن أن يكتمن ما خلق ال
ففي أرحامهفن إن كفن يؤمفن بال واليوم الخفر وبعولتهفن أحفق بردهفن ففي ذلك إن أرادوا إصفلحا
ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة وال عزيز حكيم}
@قوله تعالى" :والمطلقات" لمفا ذكفر ال تعالى اليلء وأن الطلق قفد يقفع فيفه بيفن تعالى حكفم
المرأة بعففد التطليففق .وفففي كتاب أبففي داود والنسففائي عففن ابففن عباس قال فففي قول ال تعالى:
"والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء" الية ،وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق
بها ،وإن طلقها ثلثا) ،فنسخ ذلك وقال" :الطلق مرتان" الية .والمطلقات لفظ عموم ،والمراد به
الخصوص ففي المدخول بهن ،وخرجت المطلقة قبل البناء بآية "الحزاب"" :فما لكم عليهن من
عدة تعتدونها" [الحزاب ]49 :على ما يأتي .وكذلك الحامل بقوله" :وأولت الحمال أجلهن أن
يضعفن حملهفن" [الطلق .]4 :والمقصفود مفن القراء السفتبراء ،بخلف عدة الوفاة التفي هفي
عبادة .وجعل ال عدة الصغيرة التي لم تحض والكبيرة التي قد يئست الشهور على ما يأتي .وقال
قوم :إن العموم ففي المطلقات يتناول هؤلء ثفم نسفخن ،وهفو ضعيفف ،وإنمفا اليفة فيمفن تحيفض
خاصة ،وهو عرف النساء وعليه معظمهن.
@قوله تعالى" :يتربصفن" التربفص النتظار ،على مفا قدمناه .وهذا خفبر والمراد المفر ،كقوله
تعالى" :والوالدات يرضعفن أولدهفن" [البقرة ]233 :وجمفع رجفل عليفه ثيابفه ،وحسفبك درهفم،
أي اكتف بدرهم ،هذا قول أهل اللسان من غير خلف بينهم فيما ذكر ابن الشجري .ابن العربي:
وهذا باطل ،وإنما هو خبر عن حكم الشرع ،فإن وجدت مطلقة ل تتربص فليس من الشرع ،ول
يلزم من ذلك وقوع خبر ال تعالى على خلف مخبره .وقيل :،معناه ليتربصن ،فحذف اللم.
@قرأ جمهور الناس "قروء" على وزن فعول ،اللم همزة .ويروى عن نافع "قرو" بكسر الواو
وشدهفا من غيفر همفز .وقرأ الحسفن "قرء" بفتفح القاف وسفكون الراء والتنويفن .وقروء جمفع أقرؤ
وأقراء ،والواحفد قرء بضفم القاف ،قال الصفمعي .وقال أبفو زيفد" :قرء" بفتفح القاف ،وكلهمفا
قال :أقرأت المرأة إذا حاضفففت ،فهفففي مقرئ .وأقرأت طهرت .وقال الخففففش :أقرأت المرأة إذا
صفففارت صفففاحبة حيفففض ،فإذا حاضفففت قلت :قرأت ،بل ألف .يقال :أقرأت المرأة حيضفففة أو
حيضتيفن .والقرء :انقطاع الحيفض .وقال بعضهفم :مفا بيفن الحيضتيفن وأقرأت حاجتفك :دنفت ،عفن
الجوهري .وقال أبفو عمرو بفن العلء :مفن العرب مفن يسفمي الحيفض قرءا ،ومنهفم مفن يسفمي
الطهر قرءا ،ومنهم من يجمعهما جميعا ،فيسمي الطهر مع الحيض قرءا ،ذكره النحاس.
@واختلف العلماء في القراء ،فقال أهل الكوفة :هي الحيض ،وهو قول عمر وعلي وابن مسعود
وأبفي موسفى ومجاهفد وقتادة والضحاك وعكرمفة والسفدي .وقال أهفل الحجاز :هفي الطهار ،وهفو
قول عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت والزهري وأبان بن عثمان والشافعي .فمن جعل القرء اسما
للحيض سماه بذلك ،لجتماع الدم في الرحم ،ومن جعله اسما للطهر فلجتماعه في البدن ،والذي
يحقق لك هذا الصل في القرء الوقت ،يقال :هبت الريح لقرئها وقارئها أي لوقتها ،قال الشاعر:
إذا هبت لقارئها الرياح كرهت العقر عقر بني شليل
فقيل للحيض :وقت ،وللطهر وقت ،لنهما يرجعان لوقت معلوم ،وقال العشى في الطهار:
تسد لقصاها عزيم عزائكا أفي كل عام أنت جاشم غزوة
لما ضاع فيها من قروء نسائكا مورثة عزا وفي الحي رفعة
وقال آخر في الحيض:
له قروء كقروء الحائض يا رب ذي ضغن علي فارض
يعنفي أنفه طعنفه فكان له دم كدم الحائض .وقال قوم :هفو مأخوذ مفن قرء الماء ففي الحوض .وهفو
جمعه ،ومنه القرآن لجتماع المعاني .ويقال لجتماع حروفه ،ويقال :ما قرأت الناقة سلى قط ،أي
لم تجمع في جوفها ،وقال عمرو بن كلثوم:
هجان اللون لم تقرأ جنينا ذراعي عيطل أدماء بكر
فكأن الرحم يجمع الدم وقت الحيض ،والجسم يجمعه وقت الطهر .قال أبو عمر بن عبدالبر :قول
من قال :إن القرء مأخوذ من قولهم :قريت الماء في الحوض ليس بشيء ،لن القرء مهموز وهذا
غير مهموز.
قلت :هذا صففحيح بنقففل أهففل اللغففة :الجوهري وغيره .واسففم ذلك الماء قرى (بكسففر القاف
مقصور) .وقيل :القرء ،الخروج إما من طهر إلى حيض أو من حيض إلى طهر ،وعلى هذا قال
الشافعي في قول :القرء النتقال من الطهر إلى الحيض ،ول يرى الخروج من الحيض إلى الطهر
قرءا .وكان يلزم بحكففم الشتقاق أن يكون قرءا ،ويكون معنففى قوله تعالى" :والمطلقات يتربصففن
بأنفسفهن ثلثفة قروء" .أي ثلثفة أدوار أو ثلثفة انتقالت ،والمطلقفة متصففة بحالتيفن فقفط ،فتارة
تنتقل من طهفر إلى حيض ،وتارة من حيض إلى طهفر فيستقيم معنى الكلم ،ودللته على الطهفر
والحيض جميعا ،فيصير السم مشتركا .ويقال :إذا ثبت أن القرء النتقال فخروجها من طهر إلى
حيفض غيفر مراد باليفة أصفل ،ولذلك لم يكفن الطلق ففي الحيفض طلقفا سفنيا مأمورا بفه ،وهفو
الطلق للعدة ،فإن الطلق للعدة مففففا كان فففففي الطهففففر ،وذلك يدل على كون القرء مأخوذا مففففن
النتقال ،فإذا كان الطلق في الطهر سنيا فتقدير الكلم :فعدتهن ثلثة انتقالت ،فأولها النتقال من
الطهر الذي وقع فيه الطلق ،والذي هو النتقال من حيض إلى طهر لم يجعل قرءا ،لن اللغة ل
تدل عليفه ،ولكفن عرفنفا بدليفل آخفر ،إن ال تعالى لم يرد النتقال مفن حيفض إلى طهفر ،فإذا خرج
أحدهمففا عففن أن يكون مرادا بقففي الخففر وهففو النتقال مففن الطهففر إلى الحيففض مرادا ،فعلى هذا
عدتها ثلثة انتقالت ،أولها الطهر ،وعلى هذا يمكن استيفاء ثلثة أقراء كاملة إذا كان الطلق في
حالة الطهفر ،ول يكون ذلك حمل على المجاز بوجفه مفا .قال الكيفا الطفبري :وهذا نظفر دقيفق ففي
غاية التجاه لمذهب الشافعي ،ويمكن أن نذكر في ذلك سرا ل يبعد فهمه من دقائق حكم الشريعة،
وهفو أن النتقال مفن الطهفر إلى الحيفض إنمفا جعفل قرءا لدللتفه على براءة الرحفم ،فإن الحامفل ل
تحيففض فففي الغالب فبحيضهففا علم براءة رحمهففا .والنتقال مففن حيففض إلى طهففر بخلفففه ،فان
الحائض يجوز أن تحبففل فففي أعقاب حيضهففا ،وإذا تمادى أمففد الحمففل وقوي الولد انقطففع دمهففا،
ولذلك تمتدح العرب بحمفل نسفائهم ففي حالة الطهفر ،وقفد مدحفت عائشفة رسفول ال صفلى ال عليفه
وسلم بقول الشاعر:
وفساد مرضعة وداء م ْغيَل ومبرأ من كل غبّر حيضة
يعنفي أن أمفه لم تحمفل بفه ففي بقيفة حيضهفا .فهذا مفا للعلماء وأهفل اللسفان ففي تأويفل القرء .وقالوا:
قرأت المرأة إذا حاضففت أو طهرت .وقرأت أيضففا إذا حملت .واتفقوا على أن القرء الوقففت ،فإذا
قلت :والمطلقات يتربصففن بأنفسففهن ثلثففة أوقات ،صففارت اليففة مفسففرة فففي العدد محتملة فففي
المعدود ،فوجففب طلب البيان للمعدود مففن غيرهففا ،فدليلنففا قول ال تعالى" :فطلقوهففن لعدتهففن"
[الطلق ]1 :ول خلف أنه يؤمر بالطلق وقت الطهر فيجب أن يكون هو المعتبر في العدة ،فإنه
قال" :فطلقوهن" يعني وقتا تعتد به ،ثم قال تعالى" :وأحصوا العدة" .يريد ما تعتد به المطلقة وهو
الطهفر الذي تطلق فيفه ،وقال صفلى ال عليفه وسفلم لعمفر( :مرة فليراجعهفا ثفم ليمسفكها حتفى تطهفر
ثم تحيض ثم تطهر فتلك العدة التي أمر ال أن تطلق لها النساء) .أخرجه مسلم وغيره .وهو نص
ففي أن زمفن الطهفر هو الذي يسفمى عدة ،وهفو الذي تطلق فيفه النسفاء .ول خلف أن مفن طلق ففي
حال الحيففض لم تعتففد بذلك الحيففض ،ومففن طلق فففي حال الطهففر فإنهففا تعتففد عنففد الجمهور بذلك
الطهفر ،فكان ذلك أولى .قال أبفو بكفر بفن عبدالرحمفن :مفا أدركنفا أحدا مفن فقهائنفا إل يقول بقول
عائشفة ففي (أن القراء هفي الطهار) .فإذا طلق الرجفل ففي طهفر لم يطفأ فيفه اعتدت بمفا بقفي منفه
ولو ساعة ولو لحظة ،ثم استقبلت طهرا ثانيا بعد حيضة ،ثم ثالثا بعد حيضة ثانية ،فإذا رأت الدم
من الحيضة الثالثة حلت للزواج وخرجت من العدة .فإن طلق مطلق في طهر قد مس فيه لزمه
الطلق وقفد أسفاء ،واعتدت بمفا بقفي مفن ذلك الطهفر .وقال الزهري ففي امرأة طلقفت ففي بعفض
طهرهفا :إنهفا تعتفد بثلثفة أطهار سفوى بقيفة ذلك الطهفر .قال أبفو عمفر :ل أعلم أحدا ممفن قال:
القراء الطهار يقول هذا غير ابن شهاب الزهري ،فإنه قال :تلغي الطهر الذي طلقت فيه ثم تعتد
بثلثة أطهار ،لن ال عز وجل يقول "ثلثة قروء".
قلت :فعلى قوله ل تحففل المطلقفة حتففى تدخففل فففي الحيضففة الرابعففة ،وقول ابففن القاسففم ومالك
وجمهور أصفحابه والشافعفي وعلماء المدينفة :إن المطلقفة إذا رأت أول نقطفة مفن الحيضفة الثالثفة
خرجت من العصمة ،وهو مذهب زيد بن ثابت وعائشة وابن عمر ،وبه قال أحمد بن حنبل ،وإليه
ذهفب داود بفن علي وأصفحابه .والحجفة على الزهري أن النفبي صفلى أذن ففي طلق الطاهفر مفن
غير جماع ،ولم يقل أول الطهر ول آخره .وقال أشهب :ل تنقطع العصمة والميراث حتى يتحقق
أنه دم حيض ،لئل تكون دفعة دم من غير الحيض .احتج الكوفيون بقوله عليه السلم لفاطمة بنت
أبي حبيش حين شكت إليه الدم( :إنما ذلك عرق فانظري فإذا أتى قرؤك فل تصلي وإذا مر القرء
فتطهري ثفم صفلي من القرء إلى القرء) .وقال تعالى" :واللئي يئسفن مفن المحيفض مفن نسفائكم إن
ارتبتم فعدتهن ثلثة أشهر" [الطلق .]4 :فجعل المأيوس منه المحيض ،فدل على أنه هو العدة،
وجعففل العوض منففه هففو الشهففر إذا كان معدومففا .وقال عمففر بحضرة الصففحابة( :عدة المففة
حيضتان ،نصفف عدة الحرة ،ولو قدرت على أن أجعلهفا حيضفة ونصففا لفعلت) ،ولم ينكفر عليفه
أحفد .فدل على أنفه إجماع منهفم ،وهفو قول عشرة مفن الصفحابة منهفم الخلفاء الربعفة ،وحسفبك مفا
قالوا! وقوله تعالى" :والمطلقات يتربصفففن بأنفسفففهن ثلثفففة قروء" يدل على ذلك ،لن المعنفففى
يتربصن ثلثة أقراء ،يريد كوامل ،هذا ل يمكن أن يكون إل على قولنا بأن القراء الحيض ،لن
مفن يقول :إنه الطهفر يجوز أن تعتفد بطهريفن وبعض آخفر ،لنه إذا طلق حال الطهر اعتدت عنده
ببقيفة ذلك الطهفر قرءا .وعندنفا تسفتأنف مفن أول الحيفض حتفى يصفدق السفم ،فإذا طلق الرجفل
المرأة في طهر لم يطأ فيه استقبلت حيضة ثم حيضة ثم حيضة ،فإذا اغتسلت من الثالثة خرجت
من العدة.
قلت :هذا يرده قوله تعالى" :سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام" [الحاقة ]7 :فأثبت الهاء في
"ثمانية أيام" ،لن اليوم مذكر وكذلك القرء ،فدل على أنه المراد .ووافقنا أبو حنيفة على أنها إذا
طلقت حائضا أنها ل تعتد بالحيضة التي طلقت فيها ول بالطهر الذي بعدها ،وإنما تعتد بالحيض
الذي بعد الطهر .وعندنا تعتد بالطهر ،على ما بيناه .وقد استجاز أهل اللغة أن يعبروا عن البعض
باسم الجميع ،كما قال تعالى" :الحج أشهر معلومات" [البقرة ]197 :والمراد به شهران وبعض
الثالث ،فكذلك قوله" :ثلثففة قروء" .وال أعلم .وقال بعففض مففن يقول بالحيففض :إذا طهرت مففن
الثالثففة انقضففت العدة بعففد الغسففل وبطلت الرجعففة ،قال سففعيد بففن جففبير وطاوس وابففن شبرمففة
والوزاعي .وقال شريك :إذا فرطت المرأة في الغسل عشرين سنة فلزوجها عليها الرجعة ما لم
تغتسففل .وروي عففن إسففحاق بففن راهويففه أنففه قال( :إذا طعنففت المرأة فففي الحيضففة الثالثففة بانففت
وانقطعفت رجعفة الزوج .إل أنهفا ل يحفل لهفا أن تتزوج حتفى تغتسفل مفن حيضتهفا) .وروى نحوه
عفن ابفن عباس ،وهفو قول ضعيفف بدليفل قول ال تعالى" :فإذا بلغفن أجلهفن فل جناح عليكفم فيمفا
فعلن ففي أنفسفهن" [البقرة ]234:على مفا يأتفي .وأمفا مفا ذكره الشافعفي مفن أن نففس النتقال مفن
الطهفر إلى الحيضفة يسفمى قرءا ففائدتفه تقصفير العدة على المرأة ،وذلك أنفه إذا طلق المرأة ففي
آخر ساعة من طهرها فدخلت في الحيضة عدته قرءا ،وبنفس النتقال من الطهر الثالث انقطعت
العصمة وحلت .وال أعلم.
@والجمهور من العلماء على أن عدة المة التي تحيض من طلق زوجها حيضتان .وروي عن
ابففن سففيرين أنففه قال :مففا أرى عدة المففة إل كعدة الحرة ،إل أن تكون مضففت فففي ذلك سففنة :فإن
السنة أحق أن تتبع .وقال الصم عبدالرحمن بن كيسان وداود بن علي وجماعة أهل الظاهر :إن
اليات ففي عدة الطلق والوفاة بالشهفر والقراء عامفة ففي حفق المفة والحرة ،فعدة الحرة والمفة
سفواء .واحتفج الجمهور بقوله عليفه السفلم( :طلق المفة تطليقتان وعدتهفا حيضتان) .رواه ابفن
جريج عن عطاء عن مظاهر بن أسلم عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت :قال رسول
ال صفلى ال عليفه وسفلم( :طلق المفة تطليقتان وقرؤهفا حيضتان) فأضاف إليهفا الطلق والعدة
جميعفا ،إل أن مظاهفر بفن أسفلم انفرد بهذا الحديفث وهفو ضعيفف .وروي عفن ابفن عمفر :أيهمفا رق
نقص طلقه ،وقالت به فرقة من العلماء.
@قوله تعالى" :ول يحل لهن أن يكتمن ما خلق ال في أرحامهن" فيه مسألتان:
الولى :قوله تعالى "ول يحفل لهفن أن يكتمفن مفا خلق ال ففي أرحامهفن" أي مفن الحيفض ،قاله
عكرمفة والزهري والنخعفي .وقيفل :الحمفل ،قاله عمفر وابفن عباس .وقال مجاهفد :الحيفض والحمفل
معا ،وهذا على أن الحامل تحيض .والمعنى المقصود من الية أنه لما دار أمر العدة على الحيض
والطهار ول اطلع إل مففن جهففة النسففاء جعففل القول قولهففا إذا ادعففت انقضاء العدة أو عدمهففا،
وجعلهفن مؤتمنات على ذلك ،وهفو مقتضفى قوله تعالى" :ول يحفل لهفن أن يكتمفن مفا خلق ال ففي
أرحامهن" .وقال سليمان بن يسار :ولم نؤمر أن نفتح النساء فننظر إلى فروجهن ،ولكن وكل ذلك
إليهفن إذ كفن مؤتمنات .ومعنفى النهفي عفن الكتمان النهفي عفن الضرار بالزوج وإذهاب حقفه ،فإذا
قالت المطلقة :حضت ،وهي لم تحض ،ذهبت بحقه من الرتجاع ،وإذا قالت :لم أحض ،وهي قد
حاضفت ،ألزمتفه مفن النفقفة مفا لم يلزمفه فأضرت بفه ،أو تقصفد بكذبهفا ففي نففي الحيفض أل ترتجفع
حتى تنقضي العدة ويقطع الشرع حقه ،وكذلك الحامل تكتم الحمل ،لتقطع حقه من الرتجاع .قال
قتادة :كانفت عادتهفن ففي الجاهليفة أن يكتمفن الحمفل ليلحقفن الولد بالزوج الجديفد ،فففي ذلك نزلت
اليفة .وحكفي أن رجل مفن أشجفع أتفى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فقال :يفا رسفول ال ،إنفي
طلقفت امرأتفي وهفي حبلى ،ولسفت آمفن أن تتزوج فيصفير ولدي لغيري فأنزل ال اليفة ،وردت
امرأة الشجعي عليه.
الثانية :قال ابن المنذر :وقال كل من حفظت عنه من أهل العلم :إذا قالت المرأة في عشرة أيام:
قد حضت ثلث حيض وانقضت عدتي إنها ل تصدق ول يقبل ذلك منها ،إل أن تقول :قد أسقطت
سفقطا قفد اسفتبان خلقفه .واختلفوا ففي المدة التفي تصفدق فيهفا المرأة ،فقال مالك :إذا قالت انقضفت
عدتففي فففي أمففد تنقضففي فففي مثله العدة قبففل قولهففا ،فإن أخففبرت بانقضاء العدة فففي مدة تقففع نادرا
فقولن .قال ففي المدونفة :إذا قالت حضفت ثلث حيفض ففي شهفر صفدقت إذا صفدقها النسفاء ،وبفه
قال شريفح ،وقال له علي بفن أبفي طالب :قالون! أي أصفبت وأحسفنت .وقال ففي كتاب محمفد :ل
تصففدق إل ففي شهفر ونصففف .ونحوه قول أبفي ثور ،قال أبفو ثور :أقفل مفا يكون ذلك ففي سفبعة
وأربعين يوما ،وذلك أن أقل الطهر خمسة عشر يوما ،وأقل الحيض يوم .وقال النعمان :ل تصدق
في أقل من ستين يوما ،وقال به الشافعي.
@قوله تعالى" :إن كفن يؤمفن بال واليوم الخفر" هذا وعيفد عظيفم شديفد لتأكيفد تحريفم الكتمان،
وإيجاب لداء المانة في الخبار عن الرحم بحقيقة ما فيه .أي فسبيل المؤمنات أل يكتمن الحق،
وليفس قوله" :إن كفن يؤمفن بال" على أنفه أبيفح لمفن ل يؤمفن أن يكتفم ،لن ذلك ل يحفل لمفن ل
يؤمفن ،وإنمفا هفو كقولك :إن كنفت أخفي فل تظلمنفي ،أي فينبغفي أن يحجزك اليمان عنفه ،لن هذا
ليس من فعل أهل اليمان.
@قوله تعالى" :وبعولتهن" البعولة جمع البعل ،وهو الزوج ،سمي بعل لعلوه على الزوجة بما قد
ملكففه مففن زوجيتهففا ،ومنففه قوله تعالى" :أتدعون بعل" [الصففافات ]125 :أي ربففا ،لعلوه فففي
الربوبيفة ،يقال :بعفل وبعولة ،كمفا يقال ففي جمفع الذكفر :ذكفر وذكورة ،وففي جمفع الفحفل :فحفل
وفحولة ،وهذه الهاء زائدة مؤكدة لتأنيفث الجماعفة ،وهفو شاذ ل يقاس عليفه ،ويعتفبر فيهفا السفماع،
فل يقال ففي لعفب :لعوبفة .وقيفل :هفي هاء تأنيفث دخلت على فعول .والبعولة أيضفا مصفدر البعفل.
وبعفل الرجفل يبعفل (مثفل منفع يمنفع) بعولة ،أي صفار بعل :والمباعلة والبعال :الجماع ،ومنفه قوله
عليفه السفلم ليام التشريفق( :إنهفا أيام أكفل وشرب وبعال) وقفد تقدم .فالرجفل بعفل المرأة ،والمرأة
بعلته .وباعل مباعلة إذا باشرها .وفلن بعل هذا ،أي مالكه وربه .وله محامل كثيرة تأتي إن شاء
ال تعالى.
@قوله تعالى" :أحق بردهن" أي بمراجعتهن ،فالمراجعة على ضربين :مراجعة في العدة على
حديفث ابفن عمفر .ومراجعفة بعفد العدة على حديفث معقفل ،وإذا كان هذا فيكون ففي اليفة دليفل على
تخصفيص مفا شمله العموم ففي المسفميات ،لن قوله تعالى" :والمطلقات يتربصفن بأنفسفهن ثلثفة
قروء" عام في المطلقات ثلثا ،وفيما دونها ل خلف فيه .ثم قوله" :وبعولتهن أحق" حكم خاص
فيمففن كان طلقهففا دون الثلث .وأجمففع العلماء على أن الحففر إذا طلق زوجتففه الحرة ،وكانففت
مدخول بهفا تطليقفة أو تطليقتيفن ،أنفه أحفق برجعتهفا مفا لم تنقفض عدتهفا وإن كرهفت المرأة ،فإن لم
يراجعهفا المطلق حتفى انقضفت عدتها فهفي أحفق بنفسفها وتصفير أجنبيفة منه ،ل تحل له إل بخطبة
ونكاح مسففتأنف بولي وإشهاد ،ليففس على سففنة المراجعففة ،وهذا إجماع مففن العلماء .قال المهلب:
وكفل مفن راجفع ففي العدة فإنفه ل يلزمفه شيفء مفن أحكام النكاح غيفر الشهاد على المراجعفة فقفط،
وهذا إجماع مفففن العلماء ،لقوله تعالى" :فإذا بلغفففن أجلهفففن فأمسفففكوهن بمعروف أو فارقوهفففن
بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم" [الطلق ]2 :فذكر الشهاد في الرجعة ولم يذكره في النكاح
ول في الطلق .قال ابن المنذر :وفيما ذكرناه من كتاب ال مع إجماع أهل العلم كفاية عن ذكر ما
روي عن الوائل في هذا الباب ،وال تعالى أعلم.
@واختلفوا فيمفا يكون بفه الرجفل مراجعفا ففي العدة ،فقال مالك :إذا وطئهفا ففي العدة وهفو يريفد
الرجعة وجهل أن يشهد فهي رجعة .وينبغي للمرأة أن تمنعه الوطء حتى يشهد ،وبه قال إسحاق،
لقوله عليه السلم( :إنما العمال بالنيات ،وإنمفا لكفل امرئ ما نوى) .فإن وطفئ ففي العدة ل ينوي
الرجعفة فقال مالك :يراجفع ففي العدة ول يطفأ حتفى يسفتبرئها مفن مائه الفاسفد .قال ابفن القاسفم :فإن
انقضفت عدتهفا لم ينكحهفا هفو ول غيره ففي بقيفة مدة السفتبراء ،فإن فعفل فسفخ نكاحفه ،ول يتأبفد
تحريمها عليه لن الماء ماؤه .وقالت طائفة :إذا جامعها فقد راجعها ،وهكذا قال سعيد بن المسيب
والحسففن البصففري وابففن سففيرين والزهري وعطاء وطاوس والثوري .قال :ويشهففد ،وبففه قال
أصفحاب الرأي والوزاعفي وابفن أبفي ليلى ،حكاه ابفن المنذر .وقال أبفو عمفر :وقفد قيفل :وطؤه
مراجعة على كل حال ،نواها أو لم ينوها ،ويروى ذلك عن طائفة من أصحاب مالك ،وإليه ذهب
الليفث .ولم يختلفوا فيمفن باع جاريتفه بالخيار أن له وطأهفا ففي مدة الخيار ،وأنفه قفد ارتجعهفا بذلك
إلى ملكه واختار نقض البيع بفعله ذلك .وللمطلقة الرجعية حكم من هذا .وال أعلم.
@مفن قبفل أو باشفر ينوي بذلك الرجعفة كانفت رجعفة ،وإن لم ينفو بالقبلة والمباشرة الرجعفة كان
آثمففا وليففس بمراجففع .والسففنة أن يشهففد قبففل أن يطففأ أو قبففل أن يقبففل أو يباشففر .وقال أبففو حنيفففة
وأصفحابه :إن وطئهفا أو لمسفها بشهوة أو نظفر إلى فرجهفا بشهوة فهفي رجعفة ،وهفو قول الثوري:
وينبغفي أن يشهفد .وففي قول مالك والشافعفي وإسفحاق وأبفي عبيفد وأبفي ثور ل يكون رجعفة ،قاله
ابفن المنذر .وففي "المنتقفى" قال :ول خلف ففي صفحة الرتجاع بالقول ،فأمفا بالفعفل نحفو الجماع
والقبلة فقال القاضفي أبفو محمفد :يصفح بهفا وبسفائر السفتمتاع للذة .قال ابفن المواز :ومثفل الجسفة
للذة ،أو أن ينظفر إلى فرجهفا أو مفا قارب ذلك مفن محاسفنها إذا أراد بذلك الرجعفة ،خلففا للشافعفي
في قوله :ل تصح الرجعة إل بالقول ،وحكاه ابن المنذر عن أبي ثور وجابر بن زيد وأبي قلبة.
قال الشافعي :إن جامعها ينوي الرجعة ،أو ل ينويها فليس برجعة ،ولها عليه مهر مثلها .وقال
مالك :ل شيء لها ،لنه لو ارتجعها لم يكن عليه مهر ،فل يكون الوطء دون الرجعة أولى بالمهر
مفن الرجعفة .وقال أبفو عمفر :ول أعلم أحدا أوجفب عليفه مهفر المثفل غيفر الشافعفي ،وليفس قوله
بالقوي ،لنها في حكم الزوجات وترثه ويرثها ،فكيف يجب مهر المثل في وطء امرأة حكمها في
أكثفر أحكامهفا حكفم الزوجفة! إل أن الشبهفة ففي قول الشافعفي قويفة ،لنهفا عليفه محرمفة إل برجعفة
لها .وقد أجمعوا على أن الموطوءة بشبهة يجب لها المهر ،وحسبك بهذا!
@واختلفوا هفل يسفافر بهفا قبفل أن يرتجعهفا ،فقال مالك والشافعفي :ل يسفافر بهفا حتفى يراجعهفا،
وكذلك قال أبفو حنيففة وأصفحابه إل زففر فإنفه روى عنفه الحسفن بفن زياد أن له أن يسفافر بهفا قبفل
الرجعة ،وروى عنه عمرو بن خالد ،ل يسافر بها حتى يراجع.
@واختلفوا هل له أن يدخل عليها ويرى شيئا من محاسنها ،وهل تتزين له وتتشرف ،فقال مالك:
ل يخلو معهفا ،ول يدخفل عليهفا إل بإذن ،ول ينظفر إليهفا إل وعليهفا ثيابهفا ،ول ينظفر إلى شعرهفا،
ول بأس أن يأكفل معهفا إذا كان معهمفا غيرهمفا ،ول يفبيت معهفا ففي بيفت وينتقفل عنهفا .وقال ابفن
القاسم :رجع مالك عن ذلك فقال :ل يدخل عليها ول يرى شعرها .ولم يختلف أبو حنيفة وأصحابه
ففي أنهفا تتزيفن له وتتطيفب وتلبفس الحلي وتتشرف .وعفن سفعيد بفن المسفيب قال :إذا طلق الرجفل
امرأتفه تطليقفة فإنفه يسفتأذن عليهفا ،وتلبفس مفا شاءت مفن الثياب والحلي ،فإن لم يكفن لهمفا إل بيفت
واحد فليجعل بينهما سترا ،ويسلم إذا دخل ،ونحوه عن قتادة ،ويشعرها إذا دخل بالتنخم والتنحنح.
وقال الشافعي :المطلقة طلقا يملك رجعتها محرمة على مطلقها تحريم المبتوتة حتى يراجع ،ول
يراجع إل بالكلم ،على ما تقدم.
@أجمع العلماء على أن المطلق إذا قال بعد انقضاء العدة :إني كنت راجعتك في العدة وأنكرت
أن القول قولها مع يمينها ،ول سبيل له إليها ،غير أن النعمان كان ل يرى يمينا في النكاح ول في
الرجعة ،وخالفه صاحباه فقال كقول سائر أهل العلم .وكذلك إذا كانت الزوجة أمة واختلف المولى
والجاريفة ،والزوج يدعفي الرجعفة ففي العدة بعفد انقضاء العدة وأنكرت فالقول قول الزوجفة المفة
وإن كذبها مولها ،هذا قول الشافعي وأبي ثور والنعمان .وقال يعقوب ومحمد :القول قول المولى
وهو أحق بها.
@لفظ الرد يقتضي زوال العصمة ،إل أن علماءنا قالوا :إن الرجعية محرمة الوطء ،فيكون الرد
عائدا إلى الحل .وقال الليث بن سعد وأبو حنيفة ومن قال بقولهما -في أن الرجعة محللة الوطء:
إن الطلق فائدته تنقيص العدد الذي جعل له خاصة ،وإن أحكام الزوجية باقية لم ينحل منها شيء
-قالوا :وأحكام الزوجيفة وإن كانفت باقيفة فالمرأة مفا دامفت ففي العدة سفائرة ففي سفبيل الزوال
بانقضاء العدة ،فالرجعففة رد عففن هذه السففبيل التففي أخذت المرأة فففي سففلوكها ،وهذا رد مجازي،
والرد الذي حكمنفا بفه رد حقيقفي ،فإن هناك زوال مسفتنجز وهفو تحريفم الوطفء ،فوقفع الرد عنفه
حقيقة ،وال أعلم.
@لفظ "أحق" يطلق عند تعارض حقين ،ويترجح أحدهما ،فالمعنى حق الزوج في مدة التربص
أحق من حقها بنفسها ،فإنها إنما تملك نفسها بعد انقضاء العدة ،ومثل هذا قوله عليه السلم( :اليم
أحق بنفسها من وليها) .وقد تقدم.
@الرجفل مندوب إلى المراجعفة ،ولكفن إذا قصفد الصفلح بإصفلح حاله معهفا ،وإزالة الوحشفة
بينهمفا ،فأمفا إذا قصفد الضرار وتطويفل العدة والقطفع بهفا عفن الخلص مفن ربقفة النكاح فمحرم،
لقوله تعالى" :ول تمسكوهن ضرارا لتعتدوا" [البقرة ]231 :ثم من فعل ذلك فالرجعة صحيحة،
وإن ارتكب النهي وظلم نفسه ،ولو علمنا نحن ذلك المقصد طلقنا عليه.
@قوله تعالى" :ولهفن" أي لهفن مفن حقوق الزوجيفة على الرجال مثفل مفا للرجال عليهفن ،ولهذا
قال ابفن عباس :إنفي لتزيفن لمرأتفي كمفا تتزيفن لي ،ومفا أحفب أن أسفتنظف كفل حقفي الذي لي
عليها فتستوجب حقها الذي لها علي ،لن ال تعالى قال" :ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" أي
زينفة مفن غيفر مأثفم .وعنفه أيضفا :أي لهفن مفن حسفن الصفحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهفن
مثفل الذي عليهفن مفن الطاعفة فيمفا أوجبفه عليهفن لزواجهفن .وقيفل :إن لهفن على أزواجهفن ترك
مضارتهففن كمففا كان ذلك عليهففن لزواجهففن .قاله الطففبري :وقال ابففن زيففد :تتقون ال فيهففن كمففا
عليهن أن يتقين ال عز وجل فيكم ،والمعنى متقارب .والية تعم جميع ذلك من حقوق الزوجية.
@قول ابفن عباس( :إنفي لتزيفن لمرأتفي) .قال العلماء :أمفا زينفة الرجال فعلى تفاوت أحوالهفم،
فإنهم يعملون ذلك على اللبق والوفاق ،فربما كانت زينة تليق في وقت ول تليق في وقت ،وزينة
تليفق بالشباب ،وزينفة تليفق بالشيوخ ول تليفق بالشباب ،أل ترى أن الشيفخ والكهفل إذا حفف شاربفه
ليق به ذلك وزانه ،والشاب إذا فعل ذلك سمج ومقت .لن اللحية لم توفر بعد ،فإذا حف شاربه في
أول ما خرج وجهه سمج ،وإذا وفرت لحيته وحف شاربه زانه ذلك .وروي عن رسول ال صلى
ال عليفه وسفلم أنفه قال( :أمرنفي ربفي أن أعففي لحيتفي وأحففي شاربفي) .وكذلك ففي شأن الكسفوة،
ففي هذا كله ابتغاء الحقوق ،فإنما يعمل على اللبق والوفاق عند امرأته في زينة تسرها ويعفها عن
غيره مفن الرجال .وكذلك الكحفل من الرجال منهفم مفن يليفق بفه ومنهفم مفن ل يليفق بفه .فأمفا الطيفب
والسواك والخلل والرمي بالدرن وفضول الشعر والتطهير وقلم الظفار فهو بين موافق للجميع.
والخضاب للشيوخ والخاتفم للجميفع مفن الشباب والشيوخ زينفة ،وهفو حلي الرجال على مفا يأتفي
بيانه في سورة "النحل" .ثم عليه أن يتوخى أوقات حاجتها إلى الرجل فيعفها ويغنيها عن التطلع
إلى غيره .وإن رأى الرجفل مفن نفسفه عجزا عفن إقامفة حقهفا ففي مضجعهفا أخفذ مفن الدويفة التفي
تزيد في باهه وتقوي شهوته حتى يعفها.
@قوله تعالى" :وللرجال عليهفن درجفة" أي منزلة .ومدرجفة الطريفق :قارعتفه ،والصفل فيفه
الطففي ،يقال :درجوا ،أي طووا عمرهففم ،ومنهففا الدرجففة التففي يرتقففى عليهففا .ويقال :رجففل بيففن
الرجلة ،أي القوة .وهو أرجل الرجلين ،أي أقواهما .وفرس رجيل ،أي قوي ،ومنه الرجل ،لقوتها
على المشففي .فزيادة درجففة الرجففل بعقله وقوتففه على النفاق وبالديففة والميراث والجهاد .وقال
حميفد :الدرجفة اللحيفة ،وهذا إن صفح عنفه فهفو ضعيفف ل يقتضيفه لففظ اليفة ول معناهفا .قال ابفن
العربفي :فطوبفى لعبفد أمسفك عمفا ل يعلم ،وخصفوصا ففي كتاب ال تعالى! ول يخففى على لبيفب
فضل الرجال على النساء ،ولو لم يكن إل أن المرأة خلقت من الرجل فهو أصلها ،وله أن يمنعها
من التصرف إل بإذنه ،فل تصوم إل بإذنه ول تحج إل معه .وقيل :الدرجة الصداق ،قاله الشعبي.
وقيفل :جواز الدب .وعلى الجملة فدرجفة تقتضفي التفضيفل ،وتشعفر بأن حفق الزوج عليهفا أوجفب
من حقها عليه ،ولهذا قال عليه السلم( :ولو أمرت أحدا بالسجود لغير ال لمرت المرأة أن تسجد
لزوجها) .وقال ابن عباس( :الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة ،والتوسع للنساء
ففي المال والخلق ،أي أن الفضفل ينبغفي أن يتحامفل على نفسفه) .قال ابفن عطيفة :وهذا قول حسفن
بارع .قال الماوردي :يحتمففل أنهففا فففي حقوق النكاح ،له رفففع العقففد دونهففا ،ويلزمهففا إجابتففه إلى
الفراش ،ول يلزمه إجابتها.
قلت :ومن هذا قوله عليه السلم( :أيما امرأة دعاها زوجها إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملئكة
حتى تصبح) .قوله تعالى" :وال عزيز" أي منيع السلطان ل معترض عليه .قوله تعالى" :حكيم"
أي عالم مصيب فيما يفعل.
**3الية{ 229 :الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ول يحل لكم أن تأخذوا
ممفا آتيتموهفن شيئا إل أن يخاففا أل يقيمفا حدود ال فإن خفتفم أل يقيمفا حدود ال فل جناح عليهمفا
فيما افتدت به تلك حدود ال فل تعتدوها ومن يتعد حدود ال فأولئك هم الظالمون}
@قوله تعالى" :الطلق مرتان" ثبت أن أهل الجاهلية لم يكن عندهم للطلق عدد ،وكانت عندهم
العدة معلومفة مقدرة ،وكان هذا ففي أول السفلم برهفة ،يطلق الرجفل امرأتفه مفا شاء مفن الطلق،
فإذا كادت تحفل مفن طلقفه راجعهفا مفا شاء ،فقال رجفل لمرأتفه على عهفد النفبي صفلى ال عليفه
وسلم :ل آويك ول أدعك تحلين ،قالت :وكيف؟ قال :أطلقك فإذا دنا مضي عدتك راجعتك .فشكت
المرأة ذلك إلى عائشفة ،فذكرت ذلك للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم ،فأنزل ال تعالى هذه اليفة بيانفا
لعدد الطلق الذي للمرء فيفه أن يرتجفع دون تجديفد مهفر وولي ،ونسفخ مفا كانوا عليفه .قال معناه
عروة بففن الزبيففر وقتادة وابففن زيففد وغيرهففم .وقال ابففن مسففعود وابففن عباس ومجاهففد وغيرهففم:
(المراد باليفة التعريفف بسفنة الطلق ،أي مفن طلق اثنتيفن فليتفق ال ففي الثالثفة ،فإمفا تركهفا غيفر
مظلومة شيئا من حقها ،وإما أمسكها محسنا عشرتها ،والية تتضمن هذين المعنيين).
@الطلق هفو حفل العصفمة المنعقدة بيفن الزواج بألفاظ مخصفوصة .والطلق مباح بهذه اليفة
وبغيرهفا ،وبقوله عليفه السفلم ففي حديفث ابفن عمفر( :فإن شاء أمسفك وإن شاء طلق) وقفد طلق
رسول ال صلى ال عليه وسلم حفصة ثم راجعها ،خرجه ابن ماجة .وأجمع العلماء على أن من
طلق امرأته طاهرا في طهر لم يمسها فيه أنه مطلق للسنة ،وللعدة التي أمر ال تعالى بها ،وأن له
الرجعفة إذا كانفت مدخول بهفا قبفل أن تنقضفي عدتهفا ،فإذا انقضفت فهفو خاطفب مفن الخطاب .فدل
الكتاب والسنة وإجماع المة على أن الطلق مباح غير محظور .قال ابن المنذر :وليس في المنع
منه خبر يثبت.
@روى الدار قطني حدثني أبو العباس محمد بن موسى بن علي الدولبي ويعقوب بن إبراهيم،
قال :حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا إسماعيل بن عياش بن حميد بن مالك اللخمي عن مكحول عن
معاذ بفن جبفل قال :قال لي رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :يفا معاذ مفا خلق ال شيئا على وجفه
الرض أحفب إليفه مفن العتاق ول خلق ال تعالى شيئا على وجفه الرض أبغفض إليفه مفن الطلق
فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء ال فهو حر ول استثناء له وإذا قال الرجل لمرأته أنت
طالق إن شاء ال فله اسفتثناؤه ول طلق عليفه) .حدثنفا محمفد بفن موسفى بفن علي حدثنفا حميفد بفن
الربيفع حدثنفا يزيفد بفن هارون أنبأنفا إسفماعيل بفن عياش بإسفناده نحوه .قال حميفد قال لي يزيفد بفن
هارون :وأي حديث لو كان حميفد بفن مالك اللخمفي معروففا! قلت :هو جدي! قال يزيد :سفررتني،
الن صار حديثا! .قال ابن المنذر :وممن رأى الستثناء في الطلق طاوس وحماد والشافعي وأبو
ثور وأصففحاب الرأي .ول يجوز السففتثناء فففي الطلق فففي قول مالك والوزاعففي ،وهففو قول
الحسن وقتادة في الطلق خاصة .قال :وبالقول الول أقول.
@قوله تعالى" :فإمسفاك بمعروف" ابتداء ،والخفبر أمثفل أو أحسفن ،ويصفح أن يرتففع على خفبر
ابتداء محذوف ،أي فعليكففم إمسففاك بمعروف ،أو فالواجففب عليكففم إمسففاك بمففا يعرف أنففه الحففق.
ويجوز في غير القرآن "فإمساكا" على المصدر .ومعنى "بإحسان" أي ل يظلمها شيئا من حقها،
ول يتعدى ففي قول .والمسفاك :خلف الطلق .والتسفريح :إرسفال الشيفء ،ومنفه تسفريح الشعفر،
ليخلص البعفض مفن البعفض .وسفرح الماشيفة :أرسفلها .والتسفريح يحتمفل لفظفه معنييفن :أحدهمفا:
تركها حتى تتم العدة من الطلقة الثانية ،وتكون أملك لنفسها ،وهذا قول السدي والضحاك .والمعنى
الخر أن يطلقها ثالثة فيسرحها ،هذا قول مجاهد وعطاء وغيرهما ،وهو أصح لوجوه ثلثة:
أحدها :ما رواه الدارقطني عن أنس أن رجل قال :يا رسول ال ،قال ال تعالى" :الطلق مرتان"
فلم صفار ثلثفا؟ قال( :إمسفاك بمعروف أو تسفريح بإحسفان -ففي روايفة -هفي الثالثفة) .ذكره ابفن
المنذر .الثاني :إن التسريح من ألفاظ الطلق ،أل ترى أنه قد قرئ "إن عزموا السراح".
الثالثفة :أن فعفل تفعيل يعطفي أنفه أحدث فعل مكررا على الطلقفة الثانيفة ،وليفس ففي الترك إحداث
فعفل يعفبر عنفه بالتفعيفل ،قال أبفو عمفر :وأجمفع العلماء على أن قوله تعالى" :أو تسفريح بإحسفان"
هفي الطلقفة الثالثفة بعفد الطلقتيفن ،وإياهفا عنفى بقوله تعالى" :فإن طلقهفا فل تحفل له مفن بعفد حتفى
تنكففح زوجففا غيره" [البقرة .]230 :وأجمعوا على أن مففن طلق امرأتففه طلقففة أو طلقتيففن فله
مراجعتها ،فإن طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره ،وكان هذا من محكم القرآن الذي لم
يختلف ففي تأويله .وقفد روي مفن أخبار العدول مثفل ذلك أيضفا :حدثنفا سفعيد بفن نصفر قال حدثنفا
قاسم بن أصبغ قال :حدثنا محمد بن وضاح قال :حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال :حدثنا أبو معاوية
عفن إسفماعيل بفن سفميع عفن أبفي رزيفن قال :جاء رجفل إلى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقال :يفا
رسففول ال ،أرأيففت قول ال تعالى" :الطلق مرتان فإمسففاك بمعروف أو تسففريح بإحسففان" فأيففن
الثالثففة؟ فقال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم( :فإمسففاك بمعروف أو تسففريح بإحسففان) .ورواه
الثوري وغيره عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين مثله.
قلت :وذكفر الكيفا الطفبري هذا الخفبر وقال :إنفه غيفر ثابفت مفن جهفة النقفل ،ورجفح قول الضحاك
والسفدي ،وأن الطلقفة الثالثفة إنمفا هفي مذكورة ففي مسفاق الخطاب ففي قوله تعالى" :فإن طلقهفا فل
تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" [البقرة .]230 :فالثالثة مذكورة في صلب هذا الخطاب،
مفيدة للبينونفة الموجبفة للتحريفم إل بعفد زوج ،فوجفب حمفل قوله" :أو تسفريح بإحسفان" على فائدة
مجددة ،وهفو وقوع البينونفة بالثنتيفن عنفد انقضاء العدة ،وعلى أن المقصفود مفن اليفة بيان عدد
الطلق الموجب للتحريم ،ونسخ ما كان جائزا من إيقاع الطلق بل عدد محصور ،فلو كان قوله:
"أو تسريح بإحسان" هو الثالثة لما أبان عن المقصد في إيقاع التحريم بالثلث ،إذ لو اقتصر عليه
لما دل على وقوع البينونة المحرمة لها إل بعد زوج ،وإنما علم التحريم بقوله تعالى" :فإن طلقها
فل تحفل له مفن بعفد حتفى تنكفح زوجفا غيره" .فوجفب أل يكون معنفى قوله" :أو تسفريح بإحسفان"
الثالثففة ،ولو كان قوله" :أو تسففريح بإحسففان" بمعنففى الثالثففة كان قوله عقيففب ذلك" :فإن طلقهففا"
الرابعفة ،لن الفاء للتعقيفب ،وقفد اقتضففى طلقففا مسفتقبل بعفد مفا تقدم ذكره ،فثبفت بذلك أن قوله
تعالى" :أو تسريح بإحسان" هو تركها حتى تنقضي عدتها.
@ترجفم البخاري على هذه اليفة "باب مفن أجاز الطلق الثلث بقوله تعالى :الطلق مرتان
فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" وهذا إشارة منه إلى أن هذا التعديد إنما هو فسحة لهم ،فمن
ضيفق على نفسفه لزمفه .قال علماؤنفا :واتففق أئمفة الفتوى على لزوم إيقاع الطلق الثلث ففي كلمفة
واحدة ،وهو قول جمهور السلف ،وشذ طاوس وبعض أهل الظاهر إلى أن طلق الثلث في كلمة
واحدة يقع واحدة ،ويروى هذا عن محمد بن إسحاق والحجاج بن أرطأة .وقيل عنهما :ل يلزم منه
شيففء ،وهففو قول مقاتففل .ويحكففى عففن داود أنففه قال ل يقففع .والمشهور عففن الحجاج بففن أرطأة
وجمهور السفلف والئمفة أنفه لزم واقفع ثلثفا .ول فرق بيفن أن يوقفع ثلثفا مجتمعفة ففي كلمفة أو
متفرقة في كلمات ،فأما من ذهب إلى أنه ل يلزم منه شيء فاحتج بدليل قوله تعالى" :والمطلقات
يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء" [البقرة .]228 :وهذا يعم كل مطلقة إل ما خص منه ،وقد تقدم.
وقال" :الطلق مرتان" والثالثة "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" .ومن طلق ثلثا في كلمة
فل يلزم ،إذ هو غير مذكور في القرآن .وأما من ذهب إلى أنه واقع واحدة فاستدل بأحاديث ثلثة:
أحدها :حديث ابن عباس من رواية طاوس وأبي الصهباء وعكرمة .وثانيها :حديث ابن عمر على
روايفة مفن روى (أنفه طلق امرأتفه ثلثفا ،وأنفه عليفه السفلم أمره برجعتهفا واحتسفبت له واحدة).
وثالثهفا( :أن ركانفة طلق امرأتفه ثلثفا فأمره رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم برجعتهفا ،والرجعفة
تقتضففي وقوع واحدة) .والجواب عففن الحاديففث مففا ذكره الطحاوي أن سففعيد بففن جففبير ومجاهدا
وعطاء وعمرو بن دينار ومالك بن الحويرث ومحمد بن إياس بن البكير والنعمان بن أبي عياش
رووا عن ابن عباس (فيمن طلق امرأته ثلثا أنه قد عصى ربه وبانت منه امرأته ،ول ينكحها إل
بعد زوج) ،وفيما رواه هؤلء الئمة عن ابن عباس مما يواففق الجماعة ما يدل على وهن رواية
طاوس وغيره ،ومفا كان ابففن عباس ليخالف الصفحابة إلى رأي نفسفه .قال ابففن عبدالبر :وروايفة
طاوس وهففم وغلط لم يعرج عليهففا أحففد مففن فقهاء المصففار بالحجاز والشام والعراق والمشرق
والمغرب ،وقففد قيففل :إن أبففا الصففهباء ل يعرف فففي موالي ابففن عباس .قال القاضففي أبففو الوليففد
الباجفي" :وعندي أن الروايفة عفن ابفن طاوس بذلك صفحيحة ،فقفد روى عنفه الئمفة :معمفر وابفن
جريج وغيرهما ،وابن طاوس إمام .والحديث الذي يشيرون إليه هو ما رواه ابن طاوس عن أبيه
عن ابن عباس قال( :كان الطلق على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من
خلففة عمفر بفن الخطاب طلق الثلث واحدة ،فقال عمفر رضفي ال عنفه :إن الناس قفد اسفتعجلوا
في أمر كانت لهم فيه أناة ،فلو أمضيناه عليهم! فأمضاه عليهم) .ومعنى الحديث أنهم كانوا يوقعون
طلقفة واحدة بدل إيقاع الناس الن ثلث تطليقات ،ويدل على صفحة هذا التأويفل أن عمفر قال :إن
الناس قفد اسفتعجلوا ففي أمفر كانفت لهفم فيفه أناة ،فأنكفر عليهفم أن أحدثوا ففي الطلق اسفتعجال أمفر
كانفت لهفم فيفه أناة ،فلو كان حالهفم ذلك ففي أول السفلم ففي زمفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم مفا
قاله ،ول عاب عليهفم أنهفم اسفتعجلوا ففي أمفر كانفت لهفم فيفه أناة .ويدل على صفحة هذا التأويفل مفا
روي عفن ابفن عباس مفن غيفر طريفق أنفه (أفتفى بلزوم الطلق الثلث لمفن أوقعهفا مجتمعفة) ،فإن
كان هذا معنفى حديفث ابفن طاوس فهفو الذي قلناه ،وإن حمفل حديفث ابفن عباس على مفا يتأول فيفه
من ل يعبأ بقوله فقد رجع ابن عباس إلى قول الجماعة وانعقد به الجماع ،ودليلنا من جهة القياس
أن هذا طلق أوقعه من يملكه فوجب أن يلزمه ،أصل ذلك إذا أوقعه مفردا".
قلت :مفا تأوله الباجفي هفو الذي ذكفر معناه الكيفا الطفبري عفن علماء الحديفث ،أي إنهفم كانوا
يطلقون طلقفة واحدة هذا الذي يطلقون ثلثفا ،أي مفا كانوا يطلقون ففي كفل قرء طلقفة ،وإنمفا كانوا
يطلقون ففي جميفع العدة واحدة إلى أن تفبين وتنقضفي العدة .وقال القاضفي أبفو محمفد عبدالوهاب:
معناه أن الناس كانوا يقتصففرون على طلقففة واحدة ،ثففم أكثروا أيام عمففر مففن إيقاع الثلث .قال
القاضفي :وهذا هفو الشبفه بقول الراوي :إن الناس ففي أيام عمفر اسفتعجلوا الثلث فعجفل عليهفم،
معناه ألزمهم حكمها .وأما حديث ابن عمر فإن الدارقطني روى عن أحمد بن صبيح عن طريف
بن ناصح عن معاوية بن عمار الدهني عن أبي الزبير قال :سألت ابن عمر عن رجل طلق امرأته
ثلثفا وهفي حائض ،فقال لي :أتعرف ابفن عمفر؟ قلت :نعفم ،قال :طلقفت امرأتفي ثلثفا على عهفد
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وهفي حائض فردهفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم إلى السفنة.
فقال الدارقطنفي :كلهفم مفن الشيعفة ،والمحفوظ أن ابفن عمفر طلق امرأتفه واحدة ففي الحيفض .قال
عبيدال :وكان تطليقه إياها في الحيض واحدة غير أنه خالف السنة .وكذلك قال صالح بن كيسان
وموسى بن عقبة وإسماعيل بن أمية وليث بن سعد وابن أبي ذئب وابن جريج وجابر وإسماعيل
بفن إبراهيفم بفن عقبفة عفن ناففع :أن ابفن عمفر طلق تطليقفة واحدة .وكذا قال الزهري عفن سفالم عفن
أبيه ويونس بن جبير والشعبي والحسن .وأما حديث ركانة فقيل :إنه حديث مضطرب منقطع ،ل
يستند من وجه يحتج به ،رواه أبو داود من حديث ابن جريج عن بعض بني أبي رافع ،وليس فيهم
مفن يحتفج بفه ،عفن عكرمفة عفن ابفن عباس .وقال فيفه :إن ركانفة بفن عبفد يزيفد طلق امرأتفه ثلثفا،
فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم( :أرجعها) .وقد رواه أيضا من طرق عن نافع بن عجير
أن ركانفة بفن عبفد يزيفد طلق امرأتفه البتفة فاسفتحلفه رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم مفا أراد بهفا؟
فحلف ما أراد إل واحدة ،فردها إليه .فهذا اضطراب في السم والفعل ،ول يحتج بشيء من مثل
هذا.
قلت :قفد أخرج هذا الحديفث مفن طرق الدارقطنفي ففي سفننه ،قال ففي بعضهفا" :حدثنفا محمفد بفن
يحيى بن مرداس حدثنا أبو داود السجستاني حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وأبو ثور إبراهيم بن
خالد الكلبي وآخرون قالوا :حدثنا محمد بن إدريس الشافعي حدثني عمي محمد بن علي بن شافع
عفن عبدال بفن علي بفن السفائب عفن ناففع بفن عجيفر بفن عبفد يزيفد :أن ركانفة بفن عبفد يزيفد طلق
امرأتفه سفهيمة المزنيفة البتفة ،فأخفبر النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بذلك ،فقال :وال مفا أردت إل
واحدة ،فقال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم( :وال مففا أردت إل واحدة)؟ فقال ركانففة :وال مففا
أردت بها إل واحدة ،فردها إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فطلقها الثانية في زمان عمر بن
الخطاب ،والثالثفة ففي زمان عثمان .قال أبفو داود :هذا حديفث صفحيح" .فالذي صفح مفن حديفث
ركانة أنه طلق امرأته البتة ل ثلثا ،وطلق البتة قد اختلف فيه على ما يأتي بيانه فسقط الحتجاج
والحمفد ل ،وال أعلم .وقال أبفو عمفر :رواية الشافعفي لحديفث ركانفة عن عمه أتفم ،وقفد زاد زيادة
ل تردهفا الصفول ،فوجفب قبولهفا لثقفة ناقليهفا ،والشافعفي وعمفه وجده أهفل بيفت ركانفة ،كلهفم مفن
بني عبدالمطلب بن عبد مناف وهم أعلم بالقصة التي عرضت لهم.
@فصفل :ذكفر أحمفد بفن محمفد بفن مغيفث الطليطلي هذه المسفألة ففي وثائقفه فقال :الطلق ،ينقسفم
على ضربيفن :طلق سفنة ،وطلق بدعفة .فطلق السفنة هفو الواقفع على الوجفه الذي ندب الشرع
إليه .وطلق البدعة نقيضه ،وهو أن يطلقها في حيض أو نفاس أو ثلثا في كلمه واحدة ،فإن فعل
لزمه الطلق .ثم اختلف أهل العلم بعد إجماعهم على أنه مطلق ،كم يلزمه من الطلق ،فقال علي
بن أبي طالب وابن مسعود( :يلزمه طلقة واحدة) ،وقاله ابن عباس ،وقال( :قوله ثلثا ل معنى له
لنه لم يطلق ثلث مرات وإنما يجوز قوله في ثلث إذا كان مخبرا عما مضى فيقول :طلقت ثلثا
فيكون مخبرا عن ثلثة أفعال كانت منه في ثلثة أوقات ،كرجل قال :قرأت أمس سورة كذا ثلث
مرات فذلك يصح ،ولو قرأها مره واحدة فقال :قرأتها ثلث مرات كان كاذبا .وكذلك لو حلف بال
ثلثفا يردد الحلف كانفت ثلثفة أيمان ،وأمفا لو حلف فقال :أحلف بال ثلثفا لم يكفن حلف إل يمينفا
واحدة والطلق مثله) .وقال الزبيفر بفن العوام وعبدالرحمفن بفن عوف .وروينفا ذلك كله عفن ابفن
وضاح ،وبفه قال مفن شيوخ قرطبفة ابفن زنباع شيفخ هدى ومحمفد بفن تقفي بفن مخلد ومحمفد بفن
عبدالسفلم الحسفني فريفد وقتفه وفقيفه عصفره وأصفبغ بفن الحباب وجماعفة سفواهم .وكان مفن حجفة
ابفن عباس أن ال تعالى فرق ففي كتابفه لففظ الطلق فقال عفز اسفمه" :الطلق مرتان" يريفد أكثفر
الطلق الذي يكون بعده المسففاك بالمعروف وهففو الرجعففة فففي العدة .ومعنففى قوله" :أو تسففريح
بإحسفان" يريفد تركهفا بل ارتجاع حتفى تنقضفي عدتهفا ،وففي ذلك إحسفان إليهفا إن وقفع ندم بينهمفا،
قال ال تعالى" :ل تدري لعففل ال يحدث بعففد ذلك أمرا" [الطلق ]1 :يريففد الندم على الفرقففة
والرغبفة ففي الرجعفة ،وموقفع الثلث غيفر حسفن ،لن فيفه ترك المندوحفة التفي وسفع ال بهفا ونبفه
عليها ،فذكر ال سبحانه الطلق مفرقا يدل على أنه إذا جمع أنه لفظ واحد ،وقد يخرج بقياس من
غيفر ما مسألة مفن المدونة ما يدل على ذلك ،من ذلك قول النسان :مالي صفدقة ففي المساكين أن
الثلث يجزيفه مفن ذلك .وففي الشراف لبفن المنذر :وكان سفعيد بفن جفبير وطاوس وأبفو الشعثاء
وعطاء وعمرو بن دينار يقولون :من طلق البكر ثلثا فهي واحدة.
قلت :وربمفا اعتلوا فقالوا :غيفر المدخول بهفا ل عدة عليهفا ،فإذا قال :أنفت طالق ثلثفا فقفد بانفت
بنففس فراغفه مفن قوله :أنفت طالق ،فيرد "ثلثفا" عليهفا وهفى بائن فل يؤثفر شيئا ،ولن قوله :أنفت
طالق مسفتقل بنفسفه ،فوجفب أل تقفف البينونفة ففي غيفر المدخول بهفا على مفا يرد بعده ،أصفله إذا
قال :أنت طالق.
@استدل الشافعي بقوله تعالى" :أو تسريح بإحسان" وقوله" :وسرحوهن" [الحزاب ]49 :على
أن هذا اللفظ من صريح الطلق .وقد اختلف العلماء في هذا المعنى ،فذهب القاضي أبو محمد إلى
أن الصريح ما تضمن لفظ الطلق على أي وجه ،مثل أن يقول :أنت طالق ،أو أنت مطلقة ،أو قد
طلقتك ،أو الطلق له لزم ،وما عدا ذلك من ألفاظ الطلق مما يستعمل فيه فهو كناية ،وبهذا قال
أبففو حنيفففة .وقال القاضففي أبففو الحسففن :صففريح ألفاظ الطلق كثيرة ،وبعضهففا أبيففن مففن بعففض:
الطلق والسراح والفراق والحرام والخلية والبرية .وقال الشافعي :الصفريح ثلثة ألفاظ ،وهو ما
ورد بفففه القرآن مفففن لففففظ الطلق والسفففراح والفراق ،قال ال تعالى" :أو فارقوهفففن بمعروف"
[الطلق ]2 :وقال" :أو تسريح بإحسان" وقال" :فطلقوهن لعدتهن" [الطلق.]1 :
قلت :وإذا تقرر هذا فالطلق على ضربيفن :صفريح وكنايفة ،فالصفريح مفا ذكرنفا ،والكنايفة مفا
عداه ،والفرق بينهما أن الصريح ل يفتقر إلى نية ،بل بمجرد اللفظ يقع الطلق ،والكناية تفتقر إلى
نيفة ،والحجفة لمفن قال :إن الحرام والخليفة والبريفة مفن صفريح الطلق كثرة اسفتعمالها ففي الطلق
حتففى عرفففت بففه ،فصففارت بينففة واضحففة فففي إيقاع الطلق ،كالغائط الذي وضففع للمطمئن مففن
الرض ،ثم استعمل على وجه المجاز في إتيان قضاء الحاجة ،فكان فيه أبين وأظهر وأشهر منه
فيما وضع له ،وكذلك في مسألتنا مثله .ثم إن عمر بن عبدالعزيز قد قال" :لو كان الطلق ألفا ما
أبقت البتة منه شيئا ،فمن قال :البتة ،فقد رمى الغاية القصوى" أخرجه مالك .وقد روى الدارقطني
عفن علي قال( :الخليفة والبريفة والبتفة والبائن والحرام ثلث ،ل تحفل له حتفى تنكفح زوجفا غيره).
وقد جاء عن النبي صلى ال عليه وسلم (أن البتة ثلث ،من طريق فيه لين) ،خرجه الدارقطني.
وسيأتي عند قوله تعالى" :ول تتخذوا آيات ال هزوا" [البقرة ]231 :إن شاء ال تعالى.
@لم يختلف العلماء فيمن قال لمرأته :قد طلقتك ،إنه من صريح الطلق في المدخول بها وغير
المدخول بها ،فمن قال لمرأته :أنت طالق فهي واحدة إل أن ينوي أكثر من ذلك .فإن نوى اثنتين
أو ثلثا لزمه ما نواه ،فإن لم ينو شيئا فهي واحدة تملك الرجعة .ولو قال :أنت طالق ،وقال :أردت
مففن وثاق لم يقبففل قوله ولزمففه ،إل أن يكون هناك مففا يدل على صففدقه .ومففن ،قال :أنففت طالق
واحدة ،ل رجعففة لي عليففك فقوله" :ل رجعففة لي عليففك" باطففل ،وله الرجعففة لقوله واحدة ،لن
الواحدة ل تكون ثلثا ،فإن نوى بقوله" :ل رجعة لي عليك" ثلثا فهي ثلث عند مالك.
واختلفوا فيمفن قال لمرأتفه :قفد فارقتفك ،أو سفرحتك ،أو أنفت خليفة ،أو بريفة ،أو بائن ،أو حبلك
على غاربك ،أو أنت علي حرام ،أو الحقي بأهلك ،أو قد وهبتك لهلك ،أو قد خليت سبيلك ،أو ل
سفبيل لي عليفك ،فقال أبفو حنيففة وأبفو يوسفف :هفو طلق بائن ،وروى عفن ابفن مسفعود وقال( :إذا
قال الرجفل لمرأتفه اسفتقلي بأمرك ،أو أمرك لك ،أو الحقفي بأهلك فقبلوهفا فواحدة بائنفة) .وروي
عفن مالك فيمفن قال لمرأتفه :قفد فارقتفك ،أو سفرحتك ،أنفه مفن صفريح الطلق ،كقوله :أنفت طالق.
وروي عنفه أنفه كنايفة يرجفع فيهفا إلى نيفة قائلهفا ،ويسفأل مفا أراد مفن العدد ،مدخول بهفا كانفت أو
غيفر مدخول بهفا .قال ابفن المواز :وأصفح قوليفه ففي التفي لم يدخفل بهفا أنهفا واحدة ،إل أن ينوي
أكثفر ،وقاله ابفن القاسفم وابفن عبدالحكفم .وقال أبو يوسفف :هفي ثلث ،ومثله خلعتفك ،أو ل ملك لي
عليفك .وأمفا سفائر الكنايات فهفي ثلث عنفد مالك ففي كفل مفن دخفل بهفا ل ينوى فيهفا قائلهفا ،وينوى
ففي غيفر المدخول بهفا .فإن حلف وقال أردت واحدة كان خاطبفا مفن الخطاب ،لنفه ل يخلي المرأة
التففي قففد دخففل بهففا زوجهففا ول يبينهففا ول يبريهففا إل ثلث تطليقات .والتففي لم يدخففل بهففا يخليهففا
ويبريها ويبينها الواحدة .وقد روى مالك وطائفة من أصحابه ،وهو قول جماعة من أهل المدينة،
أنه ينوي في هذه اللفاظ كلها ويلزمه من الطلق ما نوى .وقد روي عنه في البتة خاصة من بين
سفائر الكنايات أنفه ل ينوي فيهفا ل ففي المدخول بهفا ول ففي غيفر المدخول بهفا .وقال الثوري وأبفو
حنيفة وأصحابه :له نيته في ذلك كله ،فإن نوى ثلثا فهي ثلث ،وإن نوى واحدة فهي واحده بائنة
وهففي أحففق بنفسففها .وإن نوى اثنتيففن فهففي واحدة .وقال زفففر :إن نوى اثنتيففن فهففي اثنتان .وقال
الشافعي :هو في ذلك كله غير مطلق حتى يقول :أردت بمخرج الكلم مني طلقا فيكون ما نوى.
فإن نوى دون الثلث كان رجعيفا ،ولو طلقهفا واحدة بائنفة كانفت رجعيفة .وقال إسفحاق :كفل كلم
يشبفه الطلق فهفو مفا نوى مفن الطلق .وقال أبفو ثور :هفي تطليقفة رجعيفة ول يسفأل عفن نيتفه.
وروي عن ابن مسعود (أنه كان ل يرى طلقا بائنا إل في خلع أو إيلء) وهو المحفوظ عنه ،قال
أبفو عبيفد .وقفد ترجفم البخاري "باب إذا قال فارقتفك أو سفرحتك أو البريفة أو الخليفة أو مفا عنفى بفه
الطلق فهفو على نيتفه" .وهذا منفه إشارة إلى قول الكوفييفن والشافعفي وإسفحاق ففي قوله :أو مفا
عنى به من الطلق" والحجة في ذلك أن كل كلمة تحتمل أن تكون طلقا أو غير طلق فل يجوز
أن يلزم بهفففا الطلق إل أن يقول المتكلم :إنفففه أراد بهفففا الطلق فيلزمفففه ذلك بإقراره ،ول يجوز
إبطال النكاح لنهم قد أجمعوا على صحته بيقين .قال أبو عمر :واختلف قول مالك في معنى قول
الرجل لمرأته :اعتدي ،أو قد خليتك ،أو حبلك على غاربك ،فقال مرة :ل ينوي فيها وهي ثلث.
وقال مرة :ينوي فيها كلها ،في المدخول بها وغير المدخول بها ،وبه أقول.
قلت :مفا ذهفب إليفه الجمهور ،ومفا روى عفن مالك أنفه ينوي ففي هذه اللفاظ ويحكفم عليفه بذلك
هففو الصففحيح ،لمففا ذكرناه مففن الدليففل ،وللحديففث الصففحيح الذي خرجففه أبففو داود وابففن ماجففة
والدارقطني وغيرهم عن يزيد بن ركانة :أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر
النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بذلك ،فقال( :ال مفا أردت إل واحدة)؟ فقال ركانفة :وال مفا أردت إل
واحدة ،فردهفا إليفه رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ،قال ابفن ماجفة :سفمعت أبفا الحسفن الطنافسفي
يقول :مفا أشرف هذا الحديفث! وقال مالك ففي الرجفل يقول لمرأتفه :أنفت علي كالميتفة والدم ولحفم
الخنزير :أراها البتة وإن لم تكن له نية ،فل تحل إل بعد زوج .وفي قول الشافعي :إن أراد طلقا
فهفو طلق ،ومفا أراد مفن عدد الطلق ،وإن لم يرد طلقفا فليفس بشيفء بعفد أن يحلف .وقال أبفو
عمر :أصل هذا الباب في كل كناية عن الطلق ،ما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال -
للتي تزوجها حين قالت :أعوذ بال منك ( : -قد عذت بمعاذ الحقي بأهلك) .فكان ذلك طلقا .وقال
كعب بن مالك لمرأته حين أمره رسول ال صلى ال عليه وسلم باعتزالها :الحقي بأهلك فلم يكن
ذلك طلقا ،فدل على أن هذه اللفظة مفتقرة إلى النية ،وأنها ل يقضى فيها إل بما ينوي اللفظ بها،
وكذلك سففائر الكنايات المحتملت للفراق وغيره .وال أعلم .وأمففا اللفاظ التففي ليسففت مففن ألفاظ
الطلق ول يكنفى بهفا عفن الفراق ،فأكثفر العلماء ل يوقعون بشيفء منهفا طلقفا وإن قصفده القائل.
وقال مالك :كففل مففن أراد الطلق بأي لفففظ كان لزمففه الطلق حتففى بقوله كلي واشربففي وقومففي
واقعدي ،ولم يتابع مالكا على ذلك إل أصحابه.
@قوله تعالى" :ول يحفل لكفم أن تأخذوا ممفا آتيتموهفن شيئا" "أن" ففي موضفع رففع بفف "يحفل".
واليففة خطاب للزواج ،نهوا أن يأخذوا مففن أزواجهففم شيئا على وجففه المضارة ،وهذا هففو الخلع
الذي ل يصفح إل بأل ينفرد الرجفل بالضرر ،وخفص بالذكفر مفا آتفى الزواج نسفاءهم ،لن العرف
بيفن الناس أن يطلب الرجفل عند الشقاق والفسفاد ما خرج من يده لهفا صفداقا وجهازا ،فلذلك خص
بالذكففر .وقففد قيففل :إن قوله "ول يحففل" فصففل معترض بيففن قوله تعالى" :الطلق مرتان" وبيففن
قوله" :فإن طلقها".
@والجمهور على أن أخذ الفدية على الطلق جائز .وأجمعوا على تحظير أخذ ما لها إل أن يكون
النشوز وفساد العشرة من قبلها .وحكى ابن المنذر عن النعمان أنه قال :إذا جاء الظلم والنشوز من
قبله وخالعتفه فهفو جائز ماض وهفو آثفم ،ل يحفل له مفا صفنع ،ول يجفبر على رد مفا أخذه .قال ابفن
المنذر :وهذا مفن قوله خلف ظاهفر كتاب ال ،وخلف الخفبر الثابفت عفن النفبي صفلى ال عليفه
وسفلم ،وخلف مفا أجمفع عليفه عامفة أهفل العلم مفن ذلك ،ول أحسفب أن لو قيفل لحفد :اجهفد نفسفك
ففي طلب الخطفأ مفا وجفد أمرا أعظفم مفن أن ينطفق الكتاب بتحريفم شيفء ثفم يقابله مقابفل بالخلف
نصففا ،فيقول :بفل يجوز ذلك :ول يجفبر على رد مفا أخفذ .قال أبفو الحسفن بفن بطال :وروى ابفن
القاسففم عففن مالك مثله .وهذا القول خلف ظاهففر كتاب ال تعالى ،وخلف حديففث امرأة ثابففت،
وسيأتي.
@قوله تعالى" :إل أن يخاففا أل يقيمفا حدود ال" حرم ال تعالى ففي هذه اليفة أل يأخفذ إل بعفد
الخوف أل يقيمفا حدود ال ،وأكفد التحريفم بالوعيفد لمفن تعدى الحفد .والمعنفى أن يظفن كفل واحفد
منهما بنفسه أل يقيم حق النكاح لصاحبه حسب ما يجب عليه فيه لكراهة يعتقدها ،فل حرج على
المرأة أن تفتدي ،ول حرج على الزوج أن يأخفذ .والخطاب للزوجيفن .والضميفر ففي "أن يخاففا"
لهمفا ،و"أل يقيمفا" مفعول بفه .و"خففت" يتعدى إلى مفعول واحفد .ثفم قيفل :هذا الخوف هفو بمعنفى
العلم ،أي أن يعلما أل يقيما حدود ال ،وهو من الخوف الحقيقي ،وهو الشفاق من وقوع المكروه،
وهفو قريفب مفن معنفى الظفن .ثفم قيفل" :إل أن يخاففا" اسفتثناء منقطفع ،أي لكفن إن كان منهفن نشوز
فل جناح عليكففم فففي أخففذ الفديففة .وقرأ حمزة "إل أن يخافففا" بضففم الياء على مففا لم يسففم فاعله،
والفاعفل محذوف وهفو الولة والحكام ،واختاره أبفو عبيفد .قال :لقوله عفز وجفل "فإن خفتفم" قال:
فجعفل الخوف لغيفر الزوجيفن ،ولو أراد الزوجيفن لقال :فإن خاففا ،وففي هذا حجفة لمفن جعفل الخلع
إلى السلطان.
قلت :وهو قول سعيد بن جبير والحسن وابن سيرين .وقال شعبة :قلت لقتادة :عمن أخذ الحسن
الخلع إلى السلطان؟ قال :عن زياد ،وكان واليا لعمر وعلي .قال النحاس :وهذا معروف عن زياد،
ول معنففى لهذا القول لن الرجففل إذا خالع امرأتففه فإنمففا هففو على مففا يتراضيان بففه ،ول يجففبره
السفلطان على ذلك ،ول معنفى لقول مفن قال :هذا إلى السفلطان .وقفد أنكفر اختياره أبفي عبيفد ورد،
ومفا علمفت ففي اختياره شيئا أبعفد مفن هذا الحرف ،لنفه ل يوجبفه العراب ول اللففظ ول المعنفى.
أمفا العراب فإن عبدال بفن مسفعود قرأ "إل أن يخاففا" تخافوا ،فهذا ففي العربيفة إذا رد إلى مفا لم
يسم فاعله قيل :إل أن يخاف .وأما اللفظ فإن كان على لفظ "يخافا" وجب أن يقال :فإن خيف .وإن
كان على لففظ "فإن خفتفم" وجفب أن يقال :إل أن تخافوا .وأمفا المعنفى فإنفه يبعفد أن يقال :ل يحفل
لكفم أن تأخذوا ممفا آتيتموهفن شيئا ،إل أن يخاف غيركفم ولم يقفل جفل وعفز :فل جناح عليكفم أن
تأخذوا له منهفا فديفة ،فيكون الخلع إلى السفلطان .قال الطحاوي :وقفد صفح عفن عمفر وعثمان وابفن
عمففر جوازه دون السففلطان ،وكمففا جاز الطلق والنكاح دون السففلطان فكذلك الخلع ،وهففو قول
الجمهور من العلماء.
@قوله تعالى" :فإن خفتم أل يقيما" أي على أن ل يقيما" .حدود ال" أي فيمفا يجب عليهما من
حسن الصحبة وجميل العشرة .والمخاطبة للحكام والمتوسطين لمثل هذا المر وإن لم يكن حاكما.
وترك إقامففة حدود ال هففو اسففتخفاف المرأة بحففق زوجهففا ،وسففوء طاعتهففا إياه ،قاله ابففن عباس
ومالك بفن أنفس وجمهور الفقهاء .وقال الحسفن بفن أبفي الحسفن وقوم معفه :إذا قالت المرأة ل أطيفع
لك أمرا ،ول أغتسفل لك مفن جنابفة ،ول أبر لك قسفما ،حفل الخلع .وقال الشعفبي" :أل يقيمفا حدود
ال" أل يطيعفا ال ،وذلك أن المغاضبفة تدعفو إلى ترك الطاعفة .وقال عطاء بفن أبفي رباح :يحفل
الخلع والخفذ أن تقول المرأة لزوجهفا :إنفي أكرهفك ول أحبفك ،ونحفو هذا "فل جناح عليهمفا فيمفا
افتدت بفه" .روى البخاري مفن حديفث أيوب عفن عكرمفة عفن ابفن عباس أن امرأة ثابفت بفن قيفس
أتفت النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقالت :يفا رسفول ال ،ثابفت بفن قيفس مفا أعتفب عليفه ففي خلق ول
ديفن ولكفن ل أطيقفه! فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :أترديفن عليفه حديقتفه)؟ قالت :نعفم.
وأخرجه ابن ماجة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى ال
عليفه وسفلم فقالت :وال مفا أعيفب على ثابفت ففي ديفن ول خلق ولكنفي أكره الكففر ففي السفلم ،ل
أطيقه بغضا! فقال لها النبي صلى ال عليه وسلم( :أتردين عليه حديقته)؟ قالت :نعم .فأمره رسول
ال صفلى ال عليفه وسفلم أن يأخفذ منهفا حديقتفه ول يزداد .فيقال :إنهفا كانفت تبغضفه أشفد البغفض،
وكان يحبها أشد الحب ،ففرق رسول ال صلى ال عليه وسلم بينهما بطريق الخلع ،فكان أول خلع
ففي السفلم .روى عكرمفة عفن ابفن عباس قال :أول مفن خالع ففي السفلم أخفت عبدال بفن أبفي،
أتفت النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقالت :يفا رسفول ال ،ل يجتمفع رأسفي ورأسفه أبدا ،إنفي رفعفت
جانفب الخباء فرأيتفه أقبفل ففي عدة إذ هفو أشدهفم سفوادا وأقصفرهم قامفة ،وأقبحهفم وجهفا! فقال:
(أترديفن عليفه حديقتفه)؟ قالت :نعفم ،وإن شاء زدتفه ،ففرق بينهمفا .وهذا الحديفث أصفل ففي الخلع،
وعليففه جمهور الفقهاء .قال مالك :لم أزل أسففمع ذلك مففن أهففل العلم ،وهففو المففر المجتمففع عليففه
عندنفا ،وهفو أن الرجفل إذا لم يضفر بالمرأة ولم يسفئ إليهفا ،ولم تؤت مفن قبله ،وأحبفت فراقفه فإنفه
يحل له أن يأخذ منها كل ما افتدت به ،كما فعل النبي صلى ال عليه وسلم في امرأة ثابت بن قيس
وإن كان النشوز مفن قبله بأن يضيفق علهفا ويضرهفا رد عليهفا مفا أخفذ منهفا .وقال عقبفة بفن أبفي
الصفهباء :سفألت بكفر بفن عبدال المزنفي عفن الرجفل تريفد امرأتفه أن تخالعفه فقال :ل يحفل له أن
يأخفذ منهفا شيئا .قلت :فأيفن قول ال عفز وجفل ففي كتابفه" :فإن خفتفم أل يقيمفا حدود ال فل جناح
عليهمفا فيمفا افتدت بفه"؟ قال :نسفخت .قلت :فأيفن جعلت؟ قال :ففي سفورة "النسفاء"" :وإن أردتفم
اسفتبدال زوج مكان زوج وآتيتفم إحداهفن قنطارا فل تأخذوا منفه شيئا أتأخذونفه بهتانفا وإثمفا مبينفا"
[النسفاء .]20 :قال النحاس :هذا قول شاذ خارج عفن الجماع لشذوذه ،وليسفت إحدى اليتيفن
دافعفة للخرى فيقفع النسفخ ،.لن قوله "فإن خفتفم" اليفة ،ليسفت بمزالة بتلك اليفة ،لنهمفا إذا خاففا
هذا لم يدخففل الزوج .فففي "وإن أردتففم اسففتبدال زوج مكان زوج" لن هذا للرجال خاصففة .وقال
الطبري :الية محكمة ،ول معنى لقول بكر :إن أرادت هي العطاء فقد جوز النبي صلى ال عليه
وسلم لثابت أن يأخذ من زوجته ما ساق إليها كما تقدم.
@تمسفك بهذه اليفة مفن رأى اختصفاص الخلع بحالة الشقاق والضرر ،وأنفه شرط ففي الخلع،
وعضد هذا بما رواه أبو داود عن عائشة أن حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت بن قيس بن شماس
فضربها فكسر نغضها ،فأتت رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد الصبح فاشتكت إليه ،فدعا النبي
صلى ال عليه وسلم ثابتا فقال( :خذ بعض مالها وفارقهفا) .قال :ويصلح ذلك يا رسول ال؟ قال:
(نعم) .قال :فإني أصدقتها حديقتين وهما بيدها ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :خذهما وفارقها)
فأخذهمفا وفارقهفا .والذي عليفه الجمهور مفن الفقهاء أنفه يجوز الخلع مفن غيفر اشتكاء ضرر ،كمفا
دل عليه حديث البخاري وغيره .وأما الية فل حجة فيها ،لن ال عز وجل لم يذكرها على جهة
الشرط ،وإنمفا ذكرهفا لنفه الغالب مفن أحوال الخلع ،فخرج القول على الغالب ،والذي يقطفع العذر
ويوجب العلم قوله تعالى" :فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا" [النساء.]4 :
@لما قال ال تعالى" :فل جناح عليهما فيما افتدت به" دل على جواز الخلع بأكثرها مما أعطاها.
وقد اختلف العلماء في هذا ،فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وأبو ثور :يجوز أن تفتدى
منفه بمفا تراضيفا عليفه ،كان أقفل ممفا أعطاهفا أو أكثفر منفه .وروي هذا عفن عثمان بفن عفان وابفن
عمر وقبيصة والنخعي .واحتج قبيصة بقوله" :فل جناح عليهما فيما افتدت به" .وقال مالك :ليس
مففن مكارم الخلق ،ولم أر أحدا مففن أهففل العلم يكره ذلك .وروى الدارقطنففي عففن أبففي سففعيد
الخدري أنفه قال :كانفت أختفي تحفت رجفل مفن النصفار تزوجهفا على حديقفة ،فكان بينهمفا كلم،
فارتفعفا إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فقال( :ترديفن عليفه حديقتفه ويطلقفك)؟ قالت :نعفم،
وأزيده .قال( :ردي عليفه حديقتفه وزيديفه) .وففي حديفث ابفن عباس( :وإن شاء زدتفه ولم ينكفر).
وقالت طائففففة :ل يأخفففذ منهفففا أكثفففر ممفففا أعطاهفففا ،كذلك قال طاوس وعطاء والوزاعفففي ،قال
الوزاعي :كان القضاة ل يجيزون أن يأخذ إل ما ساق إليها ،وبه قال أحمد وإسحاق .واحتجوا بما
رواه ابن جريج :أخبرني أبو الزبير أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبدال بن
أبي بن سلول ،وكان أصدقها حديقة فكرته ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :أما الزيادة فل ولكن
حديقتفه) ،فقالت :نعفم .فأخذهفا له وخلى سفبيلها ،فلمفا بلغ ذلك ثابفت بفن قيفس قال :قفد قبلت قضاء
رسول ال صلى ال عليه وسلم ،سمعه أبو الزبير من غير واحد ،أخرجه الدارقطني .وروي عن
عطاء مرسل أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :ل يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها).
@الخلع عنفد مالك رضفي ال عنفه على ثمرة لم يبفد صفلحها وعلى جمفل شارد أو عبفد آبفق أو
جنين في بطن أمه أو نحو ذلك من وجوه الغرر جائز ،بخلف البيوع والنكاح .وله المطالبة بذلك
كله ،فإن سفلم كان له ،وإن لم يسفلم فل شيفء له ،والطلق ناففذ على حكمفه .وقال الشافعفي :الخلع
جائز وله مهفر مثلهفا ،وحكاه ابفن خويفز منداد عفن مالك قال :لن عقود المعاوضات إذا تضمنفت
بدل فاسفدا وفاتفت رجفع فيهفا إلى الواجفب ففي أمثالهفا مفن البدل .وقال أبفو ثور :الخلع باطفل .وقال
أصفحاب الرأي :الخلع جائز ،وله مفا ففي بطفن المفة ،وإن لم يكفن فيفه ولد فل شيفء له .وقال ففي
"المبسفوط" عفن ابفن القاسفم :يجوز بمفا يثمره نخله العام ،ومفا تلد غنمفه العام خلففا لبفي حنيففة
والشافعفي ،والحجفة لمفا ذهفب إليفه مالك وابفن القاسفم عموم قوله تعالى" :فل جناح عليهمفا فيمفا
افتدت بفه" .ومفن جهفة القياس أنفه ممفا يملك بالهبفة والوصفية ،فجاز أن يكون عوضفا ففي الخلع
كالمعلوم ،وأيضا فإن الخلع طلق ،والطلق يصح بغير عوض أصل ،فإذا صح على غير شيء
فلن يصففح بفاسففد العوض أولى ،لن أسففوأ حال المبذول أن يكون كالمسففكوت عنففه .ولمففا كان
النكاح الذي هو عقد تحليل ل يفسده فاسد العوض فلن ل يفسد الطلق الذي هو إتلف وحل عقد
أولى.
@ولو اختلعت منه برضاع ابنها منه حولين جاز .وفي الخلع بنفقتها على البن بعد الحولين مدة
معلومفة قولن :أحدهمفا :يجوز ،وهفو قول المخزومفي ،واختاره سفحنون .والثانفي :ل يجوز ،رواه
ابن القاسم عن مالك ،وإن شرطه الزوج فهو باطل موضوع عن الزوجة .قال أبو عمر :من أجاز
الخلع على الجمفل الشارد والعبفد البفق ونحفو ذلك مفن الغرر لزمفه أن يجوز هذا .وقال غيره مفن
القرويين :لم يمنع مالك الخلع بنفقة ما زاد على الحولين لجل الغرر ،وإنما منعه لنه حق يختص
بالب على كل حال فليس له أن ينقله إلى غيره ،والفرق بين هذا وبين نفقة الحولين أن تلك النفقة
وهفي الرضاع قفد تجفب على الم حال الزوجيفة وبعفد الطلق إذا أعسفر الب ،فجاز أن تنقفل هذه
النفقفة إلى الم ،لنهفا محفل لهفا .وقفد احتفج مالك ففي "المبسفوط" على هذا بقوله تعالى" :والوالدات
يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" [البقرة.]233 :
@فإن وقفع الخلع على الوجفه المباح بنفقفة البفن فمات الصفبي قبفل انقضاء المدة فهفل للزوج
الرجوع عليهفا ببقيفة النفقفة ،فروى ابفن المواز عفن مالك :ل يتبعهفا بشيفء ،وروى عنفه أبفو الفرج:
يتبعهفا ،لنفه حفق ثبفت له ففي ذمفة الزوجفة بالخلع فل يسفقط بموت الصفبي ،كمفا لو خالعهفا بمال
متعلق بذمتها ،ووجه الول أنه لم يشترط لنفسه مال يتموله ،وإنما اشترط كفاية مؤونة ولده ،فإذا
مات الولد لم يكفن له الرجوع عليهفا بشيفء ،كمفا لو تطوع رجفل بالنفاق على صفبي سفنة فمات
الصفبي لم يرجفع عليفه بشيفء ،لنفه إنمفا قصفد بتطوعفه تحمفل مؤونتفه ،وال أعلم .قال مالك :لم أر
أحدا يتبفع بمثفل هذا ،ولو اتبعفه لكان له ففي ذلك قول .واتفقوا على أنهفا إن ماتفت فنفقفة الولد ففي
مالها ،لنه حق ثبت فيه قبل موتها فل يسقط بموتها.
ومن اشترط على امرأته في الخلع نفقة حملها وهي ل شيء لها فعليه النفقة إذا لم يكن لها مال
تنفق منه ،وإن أيسرت بعد ذلك اتبعها بما أنفق وأخذه منها .قال مالك :ومن الحق أن يكلف الرجل
نفقة ولده وإن اشترط على أمه نفقته إذا لم يكن لها ما تنفق عليه.
@واختلف العلماء ففي الخلع هفل هفو طلق أو فسفخ ،فروي عفن عثمان وعلي وابفن مسفعود
وجماعففة مففن التابعيففن :هففو طلق ،وبففه قال مالك والثوري والوزاعففي وأبففو حنيفففة :وأصففحابه
والشافعفي ففي أحفد قوليفه .فمفن نوى بالخلع تطليقتيفن أو ثلثفا لزمفه ذلك عنفد مالك .وقال أصفحاب
الرأي :إن نوى الزوج ثلثفا كان ثلثفا ،وإن نوى اثنتيفن فهفو واحدة بائنفة لنهفا كلمفة واحدة .وقال
الشافعي في أحد قوليه :إن نوى بالخلع طلقا وسماه فهو طلق ،وإن لم ينو طلقا ول سمى لم تقع
فرقفة ،قاله ففي القديفم .وقوله الول أحفب إلي .المزنفي :وهفو الصفح عندهفم .وقال أبفو ثور :إذا لم
يسفم الطلق فالخلع فرقة وليس بطلق ،وإن سمى تطليقة فهفي تطليقة ،والزوج أملك برجعتها ما
دامت في العدة .وممن قال :إن الخلع فسخ وليس بطلق إل أن ينويه ابن عباس وطاوس وعكرمة
وإسفحاق وأحمفد .واحتجوا بالحديفث عفن ابفن عيينفة عفن عمرو عفن طاوس عفن ابفن عباس (أن
إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله :رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أيتزوجها؟ قال:
نعفم لينكحهفا ،ليفس الخلع بطلق) ،ذكفر ال عفز وجفل الطلق ففي أول اليفة وآخرهفا ،والخلع فيمفا
بيففن ذلك ،فليففس الخلع بشيففء ثففم قال" :الطلق مرتان فإمسففاك بمعروف أو تسففريح بإحسففان"
[البقرة .]229 :ثم قرأ "فإن طلقها فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" [البقرة.]230 :
قالوا :ولنه لو كان طلقا لكان بعد ذكر الطلقتين ثالثا ،وكان قوله" :فإن طلقها" بعد ذلك دال على
الطلق الرابفع ،فكان يكون التحريفم متعلقفا بأربفع تطليقات .واحتجوا أيضفا بمفا رواه الترمذي وأبفو
داود والدارقطني عن ابن عباس :أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد رسول ال
صفلى ال عليفه وسفلم (فأمرهفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أن تعتفد بحيضفة) .قال الترمذي:
حديث حسن غريب .وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء أنها اختلعت على عهد النبي صلى ال عليه
وسلم (فأمرها النبي صلى ال عليه وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة) .قال الترمذي :حديث الربيع
الصفحيح أنهفا أمرت أن تعتفد بحيضفة .قالوا :فهذا يدل على أن الخلع فسفخ ل طلق ،وذلك أن ال
تعالى قال" :والمطلقات يتربصفن بأنفسفهن ثلثفة قروء" [البقرة ]228 :ولو كانفت هذه مطلقفة لم
يقتصر بها على قرء واحد.
قلت :فمن طلق امرأته تطليقتين ثم خالعها ثم أراد أن يتزوجها فله ذلك -كما قال ابن عباس -
وإن لم تنكفح زوجفا غيره ،لنفه ليفس له غيفر تطليقتيفن والخلع لغفو .ومفن جعفل الخلع طلقفا قال :لم
يجفز أن يرتجعهفا حتفى تنكفح زوجفا غيره ،لنفه بالخلع كملت الثلث ،وهفو الصفحيح إن شاء ال
تعالى .قال القاضي إسماعيل بن إسحاق :كيف يجوز القول في رجل قالت له امرأته :طلقني على
مال فطلقهفا إنفه ل يكون طلقفا ،وهفو لو جعفل أمرهفا بيدهفا مفن غيفر شيفء فطلقفت نفسفها كان
طلقففا! .قال وأمففا قوله تعالى" :فإن طلقهففا فل تحففل له مففن بعففد حتففى تنكففح زوجففا غيره" فهففو
معطوف .على قوله تعالى" :الطلق مرتان" ،لن قوله" :أو تسففريح بإحسففان" إنمففا يعنففي بففه أو
تطليق .فلو كان الخلع معطوفا على التطليقتين لكان ل يجوز الخلع أصل إل بعد تطليقتين وهذا ل
يقوله أحفد .وقال غيره :مفا تأولوه ففي اليفة غلط فإن قوله" :الطلق مرتان" أفاد حكفم الثنتيفن إذا
أوقعهما على غير وجه الخلع ،وأثبت معهما الرجعة بقوله" :فإمسفاك بمعروف" ثم ذكر حكمهما
إذا كان على وجففففه الخلع فعاد الخلع إلى الثنتيففففن المتقدم ذكرهمففففا ،إذ المراد بذلك بيان الطلق
المطلق والطلق بعوض ،والطلق الثالث بعوض كان أو بغيففر عوض فإنففه يقطففع الحففل إل بعففد
زوج.
قلت :هذا الجواب عففن اليففة ،وأمففا الحديففث فقال أبففو داود -لمففا ذكففر حديففث ابففن عباس فففي
الحيضفة : -هذا الحديفث رواه عبدالرزاق عفن معمفر عفن عمرو بفن مسفلم عفن عكرمفة عفن النفبي
صلى ال عليه وسلم مرسل .وحدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال :عدة المختلعة
عدة المطلقة .قال أبو داود :والعمل عندنا على هذا.
قلت :وهفو مذهفب مالك والشافعفي وأحمفد وإسفحاق والثوري وأهفل الكوففة .قال الترمذي :وأكثفر
أهل العلم من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم وغيرهم.
قلت :وحديث ابن عباس في الحيضة مع غرابته كما ذكر الترمذي ،وإرساله كما ذكر أبو داود
فقفد قيفل فيفه :إن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم جعفل عدتهفا حيضفة ونصففا ،أخرجفه الدارقطنفي مفن
حديث معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس :أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من
زوجهفا (فجعفل النفبي صفلى ال عليفه وسفلم عدتهفا حيضفة ونصففا) .والراوي عفن معمفر هنفا ففي
الحيضفة والنصفف هفو الراوي عنفه ففي الحيضفة الواحدة ،وهفو هشام بفن يوسفف أبفو عبدالرحمفن
الصفنعاني اليمانفي :خرج له البخاري وحده فالحديفث مضطرب مفن جهفة السفناد والمتفن ،فسفقط
الحتجاج بففه فففي أن الخلع فسففخ ،وفففي أن عدة المطلقففة حيضففة ،وبقففي قوله تعالى" :والمطلقات
يتربصفن بأنفسفهن ثلثفة قروء" نصفا ففي كفل مطلقفة مدخول بهفا إل مفا خفص منهفا كمفا تقدم .قال
الترمذي" :وقال بعفض أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم :عدة المختلعفة حيضفة ،قال إسفحاق:
وإن ذهففب ذاهففب إلى هذا فهففو مذهففب قوي" قال ابففن المنذر :قال عثمان بففن عفان وابففن عمففر:
(عدتهفا حيضففة) ،وبفه قال أبان بفن عثمان وإسففحاق .وقال علي بفن أبففي طالب( :عدتهفا عدة
المطلقة) ،وبقول عثمان وابن عمر أقول ،ول يثبت حديث علي.
قلت :قد ذكرنا عن ابن عمر أنه قال( :عدة المختلعة عدة المطلقة) ،وهو صحيح.
@واختلف قول مالك فيمفن قصفد إيقاع الخلع على غيفر عوض ،فقال عبدالوهاب :هفو خلع عنفد
مالك ،وكان الطلق بائنا .وقيل عنه :ل يكون بائنا إل بوجود العوض ،قاله أشهب والشافعي ،لنه
طلق عري عففن عوض واسففتيفاء عدد فكان رجعيففا كمففا لو كان بلفففظ الطلق قال ابففن عبدالبر:
وهذا أصفح قوليفه عندي وعنفد أهفل العلم ففي النظفر .ووجفه الول أن عدم حصفول العوض ففي
الخلع ل يخرجه عن مقتضاه ،أصل ذلك إذا خالع بخمر أو خنزير.
@المختلعة هي التي تختلع من كل الذي لها .والمفتدية أن تفتدي ببعضه وتأخذ بعضه .والمبارئة
هي التي بارأت زوجها من قبل أن يدخل بها فتقول :قد أبرأتك فبارئني ،هذا هو قول مالك .وروى
عيسى بن دينار عن مالك :المبارئة هي التي ل تأخذ شيئا ول تعطفي ،والمختلعة هي التي تعطي
ما أعطاها وتزيد من مالها ،والمفتدية هي التي تفتدي ببعض ما أعطاها وتمسك بعضه ،وهذا كله
يكون قبل الدخول وبعده ،فما كان قبل الدخول فل عدة فيه ،والمصالحة مثل المبارئة .قال القاضي
أبو محمد وغيره :هذه اللفاظ الربعة تعود إلى معنى واحد وإن اختلفت صفاتها من جهة اليقاع،
وهي طلقة بائنة سماها أو لم يسمها ،ل رجعة له في العدة ،وله نكاحها في العدة .وبعدها برضاها
بولي وصفداق وقبفل زوج وبعده ،خلففا لبفي ثور ،لنهفا إنمفا أعطتفه العوض لتملك نفسفها ،ولو
كان طلق الخلع رجعيا لن تملك نفسها ،فكان يجتمع للزوج العوض والمعوض عنه.
وهذا مفع إطلق العقفد ناففذ ،فلو بذلت له العوض وشرط الرجعفة ،ففيهفا روايتان رواهمفا ابفن
وهفب عفن مالك :إحداهمفا ثبوتهفا ،وبهفا قال سفحنون .والخرى نفيهفا .قال سفحنون :وجفه الروايفة
الولى أنهمففا قففد اتفقففا على أن يكون العوض فففي مقابلة مففا يسففقط مففن عدد الطلق ،وهذا جائز.
ووجه الرواية الثانية أنه شرط في العقد ما يمنع المقصود منه فلم يثبت ذلك ،كما لو شرط في عقد
النكاح :أني ل أطأها.
@قوله تعالى" :تلك حدود ال فل تعتدوها" لما بين تعالى أحكام النكاح والفراق قال" :تلك حدود
ال" التففي أمرت بامتثالهففا ،كمففا بيففن تحريمات الصففوم فففي آيففة أخرى فقال" :تلك حدود ال فل
تقربوهففا" [البقرة ]187 :فقسففم الحدود قسففمين ،منهففا حدود المففر بالمتثال ،وحدود النهففي
بالجتناب ،ثم أخبر تعالى فقال" :ومن يتعد حدود ال فأولئك هم الظالمون".
**3اليفة{ 230 :فإن طلقهفا فل تحفل له مفن بعفد حتفى تنكفح زوجفا غيره فإن طلقهفا فل جناح
عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود ال وتلك حدود ال يبينها لقوم يعلمون}
@احتفج بعفض مشايفخ خراسفان مفن الحنفيفة بهذه اليفة على أن المختلعفة يلحقهفا الطلق ،قالوا:
فشرع ال سفبحانه صفريح الطلق بعفد المفاداة بالطلق ،لن الفاء حرف تعقيفب ،فيبعفد أن يرجفع
إلى قوله" :الطلق مرتان" لن الذي تخلل مففففن الكلم يمنففففع بناء قوله "فإن طلقهففففا" على قوله
"الطلق مرتان" بل القرب عوده على ما يليه كما في الستثناء ول يعود إلى ما تقدمه إل بدللة،
كما أن قوله تعالى" :وربائبكم اللتي ففي حجوركفم من نسائكم اللتي دخلتم بهن" [النسفاء]23 :
فصار مقصورا على ما يليه غير عائد على ما تقدمه حتى ل يشترط الدخول في أمهات النساء.
وقفد اختلف العلماء ففي الطلق بعفد الخلع ففي العدة ،فقالت طائففة :إذا خالع الرجفل زوجتفه ثفم
طلقهففا وهففي فففي العدة لحقهففا الطلق مففا دامففت فففي العدة ،كذلك قال سففعيد بففن المسففيب وشريففح
وطاوس والنخعففي والزهري والحكففم وحماد والثوري وأصففحاب الرأي .وفيففه قول ثان وهففو (أن
الطلق ل يلزمها) ،وهو قول ابن عباس وابن الزبير وعكرمة والحسن وجابر بن زيد والشافعي
وأحمفد وإسفحاق وأبفي ثور ،وهفو قول مالك إل أن مالكفا قال :إن افتدت منفه على أن يطلقهفا ثلثفا
متتابعا نسقا حين طلقها فذلك ثابت عليه ،وإن كان بين ذلك صمات فما أتبعه بعد الصمات فليس
بشيفء ،وإنمفا كان ذلك لن نسفق الكلم بعضفه على بعفض متصفل يوجفب له حكمفا واحدا ،وكذلك
إذا اتصل .الستثناء باليمين بال أثر وثبت له حكم الستثناء ،وإذا انفصل عنه لم يكن له تعلق بما
تقدم من الكلم.
@المراد بقوله تعالى" :فإن طلقها" الطلقة الثالثة "فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره".
وهذا مجمع عليه ل خلف فيه.
واختلفوا فيمفا يكففي مفن النكاح ،ومفا الذي يبيفح التحليفل ،فقال سفعيد بفن المسفيب ومفن وافقفه:
مجرد العقفد كاف .وقال الحسفن بفن أبفي الحسفن :ل يكففي مجرد الوطفء حتفى يكون إنزال .وذهفب
الجمهور مفن العلماء والكاففة مفن الفقهاء إلى أن الوطفء كاف ففي ذلك ،وهفو التقاء الختانيفن الذي
يوجفب الحفد والغسفل ،ويفسفد الصفوم والحفج ويحصفن الزوجيفن ويوجفب كمال الصفداق .قال ابفن
العربفي :مفا مرت بفي ففي الفقفه مسفألة أعسفر منهفا ،وذلك أن مفن أصفول الفقفه أن الحكفم هفل يتعلق
بأوائل السفماء أو بأواخرهفا؟ فإن قلنفا :إن الحكفم يتعلق بأوائل السفماء لزمنفا أن نقول بقول سفعيد
بن المسيب .وإن قلنا :إن الحكم يتعلق بأواخر السماء لزمنا أن نشترط النزال مع مغيب الحشفة
في الحلل ،لنه آخر ذوق العسيلة على ما قاله الحسن .قال ابن المنذر :ومعنى ذوق العسيلة هو
الوطفء ،وعلى هذا جماعفة العلماء إل سفعيد بفن المسفيب فقال :أمفا الناس فيقولون :ل تحفل ،للول
حتفى يجامعهفا الثانفي ،وأنفا أقول :إذا تزوجهفا زواجفا صفحيحا ل يريفد بذلك إحللهفا فل بأس أن
يتزوجهفا الول .وهذا قول ل نعلم أحدا وافقفه عليفه إل طائففة مفن الخوارج ،والسفنة مسفتغنى بهفا
عما سواها.
قلت :وقد قال بقول سعيد بن المسيب سعيد بن جبير ،ذكره النحاس في كتاب "معاني القرآن"
له .قال :وأهفل العلم على أن النكاح ههنفا الجماع ،لنفه قال" :زوجفا غيره" فقفد تقدمفت الزوجيفة
فصففار النكاح الجماع ،إل سففعيد بففن جففبير فإنففه قال :النكاح ههنففا التزوج الصففحيح إذا لم يرد
إحللها.
قلت :وأظنهمففا لم يبلغهمففا حديفث العسففيلة أو لم يصففح عندهمففا فأخذا بظاهففر القرآن ،وهفو قوله
تعالى" :حتفى تنكفح زوجفا غيره" وال أعلم .روى الئمفة واللففظ للدارقطنفي عفن عائشفة قالت :قال
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :إذا طلق الرجفل امرأتفه ثلثفا ل تحفل له حتفى تنكفح زوجفا غيره
ويذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه) .قال بعض علماء الحنفية :من عقد على مذهب سعيد بن
المسفيب فللقاضفي أن يفسفخه ،ول يعتفبر فيفه خلففه لنفه خارج عفن إجماع العلماء .قال علماؤنفا:
ويفهم من قوله عليه السلم( :حتى يذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه) استواؤهما في إدراك لذة
الجماع ،وهفو حجفة لحفد القوليفن عندنفا ففي أنفه لو وطئهفا نائمفة أو مغمفى عليهفا لم تحفل لمطلقهفا،
لنها لم تذق العسيلة إذ لم تدركها.
@روى النسفائي عفن عبدال قال( :لعفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم الواشمفة والمسفتوشمة
والواصلة والمستوصلة وآكل الربا وموكله والمحلل والمحلل له) .وروى الترمذي عن عبدال بن
مسفعود قال( :لعفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم المحلل والمحلل له) .وقال :هذا حديفث حسفن
صفحيح .وقفد روى هذا الحديفث عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم مفن غيفر وجفه .والعمفل على هذا
عند أهل العلم من أصفحاب النبي صلى ال عليه وسلم ،منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان
وعبدال بن عمر وغيرهم ،وهو قول الفقهاء من التابعين ،وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك
والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق ،وسمعت الجارود يذكر عن وكيع أنه قال بهذا ،وقال :ينبغي أن
يرمى بهذا الباب من قول أصحاب الرأي .وقال سفيان :إذا تزوج الرجل المرأة ليحلها ثم بدا له أن
يمسكها فل تحل له حتى يتزوجها بنكاح جديد.
قال أبو عمر بن عبدالبر :اختلف العلماء في نكاح المحلل ،فقال مالك ،المحلل ل يقيم على نكاحه
حتفى يسفتقبل نكاحفا جديدا ،فإن أصفابها فلهفا مهفر مثلهفا ،ول تحلهفا إصفابته لزوجهفا الول ،وسفواء
علمفا أو لم يعلمفا إذا تزوجهفا ليحلهفا ،ول يقفر على نكاحفه ويفسفخ ،وبفه قال الثوري والوزاعفي.
وفيففه قول ثان روي عففن الثوري فففي نكاح الحيار والمحلل أن النكاح جائز والشرط باطففل ،وهففو
قول ابن أبي ليلى في ذلك وفي نكاح المتعة .وروي عن الوزاعي في نكاح المحلل :بئس ما صنع
والنكاح جائز .وقال أبفو حنيففة وأبفو يوسفف ومحمفد :النكاح جائز إن دخفل بهفا ،وله أن يمسفكها إن
شاء .وقال أبفو حنيففة مرة هفو وأصفحابه :ل تحفل للول إن تزوجهفا ليحلهفا ،ومرة قالوا :تحفل له
بهذا النكاح إذا جامعهفا وطلقهفا .ولم يختلفوا ففي أن نكاح هذا الزوج صفحيح ،وأن له أن يقيفم عليفه.
وفيفه قول ثالث -قال الشافعفي :إذا قال أتزوجفك لحلك ثفم ل نكاح بيننفا بعفد ذلك فهذا ضرب مفن
نكاح المتعففة ،وهففو فاسففد ل يقففر عليففه ويفسففخ ،ولو وطففئ على هذا لم يكففن تحليل .فإن تزوجهففا
تزوجا مطلقا لم يشترط ول اشترط عليه التحليل فللشافعي في ذلك قولن في كتابه القديم :أحدهما
مثل قول مالك ،والخر مثل قول أبي حنيفة .ولم يختلف قوله في كتابه الجديد المصري أن النكاح
صحيح إذا لم يشترط ،وهو قول داود.
قلت :وحكفى الماوردي عفن الشافعفي أنفه إن شرط التحليفل قبفل العقفد صفح النكاح وأحلهفا للول،
وإن شرطاه فففي العقففد بطففل النكاح ولم يحلهففا للول ،قال :وهففو قول الشافعففي .وقال الحسففن
وإبراهيفم :إذا هفم أحفد الثلثفة بالتحليفل فسفد النكاح ،وهذا تشديفد .وقال سفالم والقاسفم :ل بأس أن
يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان وهو مأجور ،وبه قال ربيعة ويحيى بن سعيد ،وقاله داود بن
علي لم يظهر ذلك في اشتراطه في حين العقد.
@مدار جواز نكاح التحليل عند علمائنا على الزوج الناكح ،وسواء شرط ذلك أو نواه ،ومتى كان
شيففء مففن ذلك فسففد نكاحففه ولم يقففر عليففه ،ولم يحلل وطؤه المرأة لزوجهففا .وعلم الزوج المطلق
وجهله ففي ذلك سفواء .وقفد قيفل :إنفه ينبغفي له إذا علم أن الناكفح لهفا لذلك تزوجهفا أن يتنزه عفن
مراجعتها ،ول يحلها عند مالك إل نكاح رغبة لحاجته إليها ،ول يقصد به التحليل ،ويكون وطؤه
لهفا وطفأ مباحفا :ل تكون صفائمة ول محرمفة ول ففي حيضتهفا ،ويكون الزوج بالغفا مسفلما .وقال
الشافعفي :إذا أصفابها بنكاح صفحيح وغيفب الحشففة ففي فرجهفا فقفد ذاقفا العسفيلة ،وسفواء ففي ذلك
قوي النكاح وضعيفه ،وسواء أدخله بيده أم بيدها ،وكان من صبي أو مراهق أو مجبوب بقي له ما
يغيبفه كمفا يغيفب غيفر الخصفي ،وسفواء أصفابها الزوج محرمفة أو صفائمة ،وهذا كله -على مفا
وصف الشافعي -قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والوزاعي والحسن بن صالح ،وقول بعض
أصحاب مالك .قال ابن حبيب :وإن تزوجها فإن أعجبته أمسكها ،وإل كان قد احتسب في تحليلها
الجر لم يجز ،لما خالط نكاحه من نية التحليل ،ول تحل بذلك للول.
@وطء السيد لمته التي قد بت زوجها طلقها ل يحلها ،إذ ليس بزوج ،روي عن علي بن أبي
طالب ،وهو قول عبيدة ومسروق والشعبي وإبراهيم وجابر بن زيد وسليمان بن يسار وحماد بن
أبففي سففليمان وأبففي الزناد ،وعليففه جماعففة فقهاء المصففار .ويروى عففن عثمان وزيففد بففن ثابففت
والزبيففر خلف ذلك ،وأنففه يحلهففا إذا غشيهففا سففيدها غشيانففا ل يريففد بذلك مخادعففة ول إحلل،
وترجفع إلى زوجهفا بخطبفة وصفداق .والقول الول أصفح ،لقوله تعالى" :حتفى تنكفح زوجفا غيره"
والسيد إنما تسلط بملك اليمين وهذا واضح.
ففي موطفأ مالك أنفه بلغفه أن سفعيد بفن المسفيب وسفليمان بفن يسفار سفئل عفن رجفل زوج عبدا له
جاريفة له فطلقهفا العبفد البتفة ثفم وهبهفا سفيدها له هفل تحفل له بملك اليميفن؟ فقال :ل تحفل له حتفى
تنكح زوجا غيره.
@روي عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن رجل كانت تحته أمة مملوكة فاشتراها وقد كان طلقها
واحدة ،فقال :تحفل له بملك يمينفه مفا لم يبفت طلقهفا ،فإن بفت طلقهفا فل تحفل له بملك يمينفه حتفى
تنكفففح زوجفففا غيره .قال أبفففو عمفففر :وعلى هذا جماعفففة العلماء وأئمفففة الفتوى :مالك والثوري
والوزاعفي والشافعفي وأبفو حنيففة وأحمفد وإسفحاق وأبفو ثور .وكان ابفن عباس وعطاء وطاوس
والحسن يقولون( :إذا اشتراها الذي بت طلقها حلت له بملك اليمين) ،على عموم قوله عز وجل:
"أو ما ملكت أيمانكم" [النساء .]3 :قال أبو عمر :وهذا خطأ من القول ،لن قوله عز وجل" :أو
ما ملكت أيمانكم" ل يبيح المهات ول الخوات ،فكذلك سائر المحرمات.
إذا طلق المسلم زوجته الذمية ثلثا فنكحها ذمي ودخل بها ثم طلقها ،فقالت طائفة :الذمي زوج
لهفا ،ولهفا أن ترجفع إلى الول ،هكذا قال الحسفن والزهري وسففيان الثوري والشافعفي وأبفو عبيفد
وأصففحاب الرأي .قال ابففن المنذر :وكذلك نقول ،لن ال تعالى قال" :حتففى تنكففح زوجففا غيره"
والنصراني زوج .وقال مالك وربيعة :ل يحلها.
@النكاح الفاسفد ل يحفل المطلقفة ثلثفا ففي قول الجمهور .مالك والثوري .والشافعفي والوزاعفي
وأصففحاب الرأي وأحمففد وإسففحاق وأبففي عبيففد ،كلهففم يقولون :ل تحففل للزوج الول إل بنكاح
صحيح ،وكان الحكم يقول :هو زوج .قال ابن المنذر :ليس بزوج ،لن أحكام الزواج في الظهار
واليلء واللعان غيفر ثابتفة بينهمفا .وأجمفع كفل مفن يحففظ عنفه مفن أهفل العلم أن المرأة إذا قالت
للزوج الول :قد تزوجت ودخل علي زوجي وصدقها أنها تحل للول .قال الشافعي :والورع أل
يفعل إذا وقع في نفسه أنها كذبته.
جاء عفن عمفر بفن الخطاب ففي هذا الباب تغليفظ شديفد وهفو قوله( :ل أوتفى بمحلل ول محلل له
إل رجمتهمفا) .وقال ابن عمفر :التحليفل سففاح ،ول يزالون زانييفن ولو أقامفا عشريفن سفنة .قال أبفو
عمر :ل يحتمل قول عمر إل التغليظ ،لنه قد صح عنه أنه وضع الحد عن الواطئ فرجا حراما
قد جهل تحريمه وعذره بالجهالة ،فالتأويل أولى بذلك ول خلف أنه ل رجم عليه.
@قوله تعالى" :فإن طلقها" يريد الزوج الثاني" .فل جناح عليهما" أي المرأة والزوج الول ،قاله
ابن عباس ،ول خلف فيه .قال ابن المنذر :أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق زوجته ثلثا ثم
انقضفت عدتهفا ونكحفت زوجفا آخفر ودخفل بهفا ثفم فارقهفا وانقضفت عدتهفا ثفم نكحفت زوجهفا الول
أنها تكون عنده على ثلث تطليقات.
واختلفوا ففي الرجفل يطلق امرأتفه تطليقفة أو تطليقتيفن ثفم تتزوج غيره ثفم ترجفع إلى زوجهفا
الول ،فقالت طائففة :تكون على مفا بقفي مفن طلقهفا ،وكذلك قال الكابر مفن أصفحاب رسفول ال
صفلى ال عليفه وسفلم :عمفر بفن الخطاب وعلي بن أبفي طالب وأبفي بفن كعفب وعمران بفن حصفين
وأبو هريرة .ويروى ذلك عن زيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وعبدال بن عمرو بن العاص ،وبه قال
عففبيدة السففلماني وسففعيد بففن المسففيب والحسففن البصففري ومالك وسفففيان الثوري وابففن أبففي ليلى
والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن الحسن وابن نصر .وفيه قول ثان وهو
(أن النكاح جديد والطلق جديد) ،هذا قول ابن عمر وابن عباس ،وبه قال عطاء والنخعي وشريح
والنعمان ويعقوب .وذكفر أبفو بكفر بفن أبفي شيبفة قال :حدثنفا أبفو معاويفة ووكيفع عفن العمفش عفن
إبراهيفم قال :كان أصفحاب عبدال يقولون :أيهدم الزوج الثلث ،ول يهدم الواحدة والثنتيفن! قال:
وحدثنفا حففص عفن حجاج عفن طلحفة عفن إبراهيفم أن أصفحاب عبدال كانوا يقولون :يهدم الزوج
الواحدة والثنتيفن كمفا يهدم الثلث ،إل عفبيدة فإنفه قال :هفي على مفا بقفي مفن طلقهفا ،ذكره أبفو
عمفر .قال ابفن المنذر :وبالقول الول أقول .وفيفه قول ثالث وهفو :إن كان دخفل بهفا الخيفر فطلق
جديد ونكاح جديد ،وإن لم يكن دخل بها فعلى ما بقي ،هذا قول إبراهيم النخغي.
@قوله تعالى" :إن ظنا أن يقيما حدود ال" شرط .قال طاوس :إن ظنا أن كل واحد منهما يحسن
عشرة صفاحبه .وقيفل :حدود ال فرائضفه ،أي إذا علمفا أنفه يكون بينهمفا الصفلح بالنكاح الثانفي،
فمتى علم الزوج أنه يعجز عن نفقة زوجته أو صداقها أو شيء من حقوقها الواجبة عليه فل يحل
له أن يتزوجهفا حتفى يفبين لهفا ،أو يعلم مفن نفسفه القدرة على أداء حقوقهفا وكذلك لو كانفت بفه علة
تمنعفه مفن السفتمتاع كان عليفه أن يفبين ،كيل يغفر المرأة مفن نفسفه .وكذلك ل يجوز أن يغرهفا
بنسفب يدعيفه ول مال له ول صفناعة يذكرهفا وهفو كاذب فيهفا .وكذلك يجفب على المرأة إذا علمفت
من نفسها العجز عن قيامها بحقوق الزوج ،أو كان بها علة تمنع الستمتاع من جنون أو جذام أو
برص أو داء ففي الفرج لم يجفز لهفا أن تغره ،وعليهفا أن تفبين له مفا بهفا مفن ذلك ،كمفا يجفب على
بائع السلعة أن يبين ما بسلعته من العيوب ،ومتى وجد أحد الزوجين بصاحبه عيبا فله الرد ،فإن
كان العيفب بالرجفل فلهفا الصفداق إن كان دخفل بهفا ،وإن لم يدخفل بهفا فلهفا نصففه .وإن كان العيفب
بالمرأة ردهفا الزوج وأخفذ مفا كان أعطاهفا مفن الصفداق ،وقفد روي أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم
تزوج امرأة من بني بياضة فوجد بكشحها برصا فردها وقال( :دلستم علي).
واختلففت الروايفة عفن مالك ففي امرأة العنيفن إذا سفلمت نفسفها ثفم فرق بينهمفا بالعنفة ،فقال مرة:
لهفا جميفع الصفداق ،وقال مرة :لهفا نصفف الصفداق ،وهذا ينبنفي على اختلف قوله :بفم تسفتحق
الصداق بالتسليم أو الدخول؟ قولن.
@قال ابفن خويفز منداد :واختلف أصفحابنا هفل على الزوجفة خدمفة أو ل؟ فقال بعفض أصفحابنا:
ليس على الزوجة خدمة ،وذلك أن العقد يتناول الستمتاع ل الخدمة ،أل ترى أنه ليس بعقد إجارة
ول تملك رقبفة ،وإنمفا هفو عقفد على السفتمتاع ،والمسفتحق بالعقفد هفو السفتمتاع دون غيره ،فل
تطالب بأكثفر منفه ،أل ترى إلى قوله تعالى" :فإن أطعنكفم فل تبغوا عليهفن سفبيل" [النسفاء.]34 :
وقال بعفض أصفحابنا :عليهفا خدمفة مثلهفا ،فإن كانفت شريففة المحفل ليسفار أبوة أو ترففه فعليهفا
التدبيفر للمنزل وأمفر الخادم ،وإن كانفت متوسفطة الحال فعليهفا أن تفرش الفراش ونحفو ذلك ،وإن
كانت دون ذلك فعليها أن تقم البيت وتطبخ وتغسل .وإن كانت من نساء الكرد والديلم والجبل في
بلدهففن كلفففت مففا يكلفففه نسففاؤهم ،وذلك أن ال تعالى قال" :ولهففن مثففل الذي عليهففن بالمعروف"
[البقرة .]228 :وقد جرى عرف المسلمين في بلدانهم في قديم المر وحديثه بما ذكرنا ،أل ترى
أن أزواج النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وأصفحابه كانوا يتكلفون الطحيفن والخفبيز والطفبيخ وفرش
الفراش وتقريفب الطعام وأشباه ذلك ،ول نعلم امرأة امتنعفت مفن ذلك ،ول يسفوغ لهفا المتناع ،بفل
كانوا يضربون نساءهم إذا قصرن في ذلك ،ويأخذونهن بالخدمة ،فلول أنها مستحقة لما طالبوهن
ذلك.
@قوله تعالى" :وتلك حدود ال يبينهفا لقوم يعلمون" حدود ال :مفا منفع منفه ،والحفد مانفع مفن
الجتزاء على الفواحفش ،وأحدت المرأة :امتنعفت مفن الزينفة ،ورجفل محدود :ممنوع مفن الخيفر،
والبواب حداد أي مانفع .وقفد تقدم هذا مسفتوفى .وإنمفا قال" :لقوم يعلمون" لن الجاهفل إذا كثفر له
أمره ونهيفه فإنفه ل يحفظفه ول يتعاهده .والعالم يحففظ ويتعاهفد ،فلهذا المعنفى خاطفب العلماء ولم
يخاطب الجهال.
**3اليفة{ 231 :وإذا طلقتفم النسفاء فبلغن أجلهفن فأمسفكوهن بمعروف أو سفرحوهن بمعروف
ول تمسففكوهن ضرارا لتعتدوا ومففن يفعففل ذلك فقففد ظلم نفسففه ول تتخذوا آيات ال هزوا واذكروا
نعمفة ال عليكفم ومفا أنزل عليكفم مفن الكتاب والحكمفة يعظكفم بفه واتقوا ال واعلموا أن ال بكفل
شيء عليم}
@قوله تعالى" :فبلغفن أجلهفن" معنفى "بلغفن" قاربفن ،بإجماع مفن العلماء ،ولن المعنفى يضطفر
إلى ذلك ،لنه بعد بلوغ الجل ل خيار له في المساك ،وهو في الية التي بعدها بمعنى التناهي،
لن المعنى يقتضي ذلك ،فهو حقيقة في الثانية مجاز في الولى.
@قوله تعالى" :فأمسفكوهن بمعروف" المساك بالمعروف هو القيام بمفا يجفب لهفا من حفق على
زوجهفا ،ولذلك قال جماعفة مفن العلماء :إن مفن المسفاك بالمعروف أن الزوج إذا لم يجفد مفا ينففق
على الزوجففة أن يطلقهففا ،فإن لم يفعففل خرج عففن حففد المعروف ،فيطلق عليففه الحاكففم مففن أجففل
الضرر اللحق لها من بقائها عند من ل يقدر على نفقتها ،والجوع ل صبر عليه ،وبهذا قال مالك
والشافعفي وأحمفد وإسفحاق وأبفو ثور وأبفو عبيفد ويحيفى القطان وعبدالرحمفن بفن مهدي ،وقاله مفن
الصحابة عمر وعلي وأبو هريرة ،ومن التابعين سعيد بن المسيب وقال :إن ذلك سنة .ورواه أبو
هريرة عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم .وقالت طائففة :ل يفرق بينهمفا ،ويلزمهفا الصفبر عليفه،
وتتعلق النفقففة بذمتففه بحكففم الحاكففم ،وهذا قول عطاء والزهري ،وإليففه ذهففب الكوفيون والثوري،
واحتجوا بقوله تعالى" :وإن كان ذو عسفرة فنظرة إلى ميسفرة" [البقرة ]280 :وقال" :وأنكحوا
اليامفى منكفم" [النور ]32 :اليفة ،فندب تعالى إلى إنكاح الفقيفر ،فل يجوز أن يكون الفقفر سفببا
للفرقفة ،وهفو مندوب معفه إلى النكاح .وأيضفا فإن النكاح بيفن الزوجيفن قفد انعقفد بإجماع فل يفرق
بينهما إل بإجماع مثله ،أو بسنة عن الرسول صلى ال عليه وسلم ل معارض لها .والحجة للول
قوله صفلى ال عليفه وسفلم ففي صفحيح البخاري( :تقول المرأة إمفا أن تطعمنفي وإمفا أن تطلقنفي)
فهذا نص في موضع الخلف .والفرقة بالعسار عندنا طلقة رجعية خلفا للشافعي في قوله :إنها
طلقففة بائنففة ،لن هذه فرقففة بعففد البناء لم يسففتكمل بهففا عدد الطلق ول كانففت لعوض ول لضرر
بالزوج فكانت رجعية ،أصله طلق المولي.
@قوله تعالى" :أو سفرحوهن بمعروف" يعنفي فطلقوهفن ،وقفد تقدم" .ول تمسفكوهن ضرارا
لتعتدوا" روى مالك عن ثور بن زيد الديلي :أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ول حاجة له
بهفا ول يريفد إمسفاكها ،كيمفا يطول بذلك العدة عليهفا وليضارهفا ،فأنزل ال تعالى" :ول تمسفكوهن
ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه" يعظهم ال به .وقال الزجاج" :فقد ظلم نفسه" يعني
عرض نفسه للعذاب ،لن إتيان ما نهى ال عنه تعرض لعذاب ال .وهذا الخبر موافق للخبر الذي
نزل بترك ما كان عليه أهل الجاهلية من الطلق والرتجاع حسب ما تقدم بيانه عند قوله تعالى:
"الطلق مرتان" .فأفادنا هذان الخبران أن نزول اليتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب
وذلك حبس الرجل المرأة ومراجعته لها قاصدا إلى الضرار بها ،وهذا ظاهر.
@قوله تعالى" :ول تتخذوا آيات ال هزوا" معناه ل تتخذوا أحكام ال تعالى ففي طريفق الهزو
بالهزو فإنهفا جفد كلهفا ،فمفن هزل فيهفا لزمتفه .قال أبفو الدرداء :كان الرجفل يطلق ففي الجاهليفة
ويقول :إنما طلقت وأنا لعب ،وكان يعتق وينكح ويقول :كنت لعبا ،فنزلت هذه الية ،فقال عليه
السفلم( :مفن طلق أو حرر أو نكفح أو أنكفح فزعفم أنفه لعفب فهفو جفد) .رواه معمفر قال :حدثنفا
عيسفى بن يونفس عن عمرو عن الحسن عن أبفي الدرداء فذكره بمعناه .وفي موطفأ مالك أنه بلغه
أن رجل قال لبفن عباس :إنفي طلقفت امرأتفي مائة مرة فماذا ترى علي؟ فقال ابفن عباس( :طلقفت
منك بثلث ،وسبع وتسعون اتخذت بها آيات ال هزوا) .وخرج الدارقطني من حديث إسماعيل بن
أميففة القرشففي عففن علي قال :سففمع النففبي صففلى ال عليففه وسففلم رجل طلق البتففة فغضففب وقال:
(تتخذون آيات ال هزوا -أو دين ال هزوا ولعبا من طلق البتة ألزمناه ثلثا ل تحل له حتى تنكح
زوجفا غيره) .إسفماعيل بفن أميفة هذا كوففي ضعيفف الحديفث .وروي عفن عائشفة( :أن الرجفل كان
يطلق امرأتفه ثفم يقول :وال ل أورثفك ول أدعفك .قالت :وكيفف ذاك؟ قال :إذا كدت تقضيفن عدتفك
راجعتففك) ،فنزلت" :ول تتخذوا آيات ال هزوا" .قال علماؤنففا :والقوال كلهففا داخلة فففي معنففى
اليفة ،لنفه يقال لمفن سفخر مفن آيات ال :اتخذهفا هزوا .ويقال ذلك لمفن كففر بهفا ،ويقال ذلك لمفن
طرحهففا ولم يأخففذ بهففا وعمففل بغيرهففا ،فعلى هذا تدخففل هذه القوال فففي اليففة .وآيات ال :دلئله
وأمره ونهيه.
ول خلف بيفن العلماء أن مفن طلق هازل أن الطلق يلزمفه ،واختلفوا ففي غيره على مفا يأتفي
بيانه في "براءة" إن شاء ال تعالى .وخرج أبو داود عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه
وسفلم قال( :ثلث جدهفن جفد وهزلهفن جفد النكاح والطلق والرجعفة) .وروي عفن علي بفن أبفي
طالب وابففن مسففعود وأبففي الدرداء كلهففم قالوا( :ثلث ل لعففب فيهففن واللعففب فيهففن جاد :النكاح
والطلق والعتاق) .وقيفل :المعنفى ل تتركوا أوامفر ال فتكونوا مقصفرين لعفبين .ويدخفل ففي هذه
الية الستغفار من الذنب قول مع الصرار فعل ،وكذا كل ما كان في هذا المعنى فاعلمه.
@قوله تعالى" :واذكروا نعمفة ال عليكفم" أي بالسفلم وبيان الحكام" .والحكمفة" هفي السفنة
المبينة على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم مراد ال فيما لم ينص عليه في الكتاب" .يعظكم
به" أي يخوفكم" .واتقوا ال واعلموا أن ال بكل شيء عليم" تقدم.
**3اليففة{ 232 :وإذا طلقتففم النسففاء فبلغففن أجلهففن فل تعضلوهففن أن ينكحففن أزواجهففن إذا
تراضوا بينهفم بالمعروف ذلك يوعفظ بفه مفن كان منكفم يؤمفن بال واليوم الخفر ذلكفم أزكفى لكفم
وأطهر وال يعلم وأنتم ل تعلمون}
@قوله تعالى" :فل تعضلوهفن" روي أن معقفل بفن يسفار كانفت أختفه تحفت أبفي البدّاح فطلقهفا
وتركهفا حتفى انقضفت عدتهفا ،ثفم ندم فخطبهفا فرضيفت وأبفى أخوهفا أن يزوجهفا وقال :وجهفي مفن
وجهفك حرام إن تزوجتيفه .فنزلت اليفة .قال مقاتفل :فدعفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم معقل
فقال( :إن كنففت مؤمنففا فل تمنففع أختففك عففن أبففي البداح) فقال :آمنففت بال ،وزوجهففا منففه .وروى
البخاري عن الحسن أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها حتى انقضت عدتها فخطبها فأبى معقل
فنزلت" :فل تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن" .وأخرجه أيضا الدارقطني عن الحسن قال :حدثني
معقفل بفن يسفار قال :كانفت لي أخفت فخطبفت إلي فكنفت أمنعهفا الناس ،فأتفى ابفن عفم لي فخطبهفا
فأنكحتها إياه ،فاصطحبا ما شاء ال ثم طلقها طلقا رجعيا ثم تركها حتى انقضت عدتها فخطبها
مع الخطاب ،فقلت :منعتها الناس وزوجتك إياها ثم طلقتها طلقا له رجعة ثم تركتها حتى انقضت
عدتها فلما خطبت إلي أتيتني تخطبها مع الخطاب ل أزوجك أبدا فأنزل ال ،أو قال أنزلت" :وإذا
طلقتم النساء فبلغن أجلهن فل تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن" فكفرت عن يمين وأنكحتها إياه .في
رواية للبخاري :فحمي معقل من ذلك أنفا ،وقال :خلى عنها وهو يقدر عليها ثم يخطبها فأنزل ال
اليفة ،فدعاه رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فقرأ عليفه اليفة فترك الحميفة وانقاد لمفر ال تعالى.
وقيفل :هفو معقفل بفن سفنان (بالنون) .قال النحاس :رواه الشافعفي ففي كتبفه عفن معقفل بفن يسفار أو
سنان .وقال الطحاوي :هو معقل بن سنان.
إذا ثبت هذا ففي الية دليل على أنه ل يجوز النكاح بغير ولي لن أخت معقل كانت ثيبا ،ولو
كان المففر إليهففا دون وليهففا لزوجففت نفسففها ،ولم تحتففج إلى وليهففا معقففل ،فالخطاب إذا فففي قوله
تعالى" :فل تعضلوهن" للولياء ،وأن المر إليهم في التزويج مع رضاهن .وقد قيل :إن الخطاب
ففي ذلك للزواج ،وذلك بأن يكون الرتجاع مضارة عضل عفن نكاح الغيفر بتطويفل العدة عليهفا.
واحتفج بهفا أصفحاب أبفي حنيففة على أن تزوج المرأة نفسفها قالوا :لن ال تعالى أضاف ذلك إليهفا
كما قال" :فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" [البقرة ]230 :ولم يذكر الولي .وقد تقدم
القول في هذه المسألة مستوفى .والول أصح لما ذكرناه من سبب النزول .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فإذا بلغفن أجلهفن" بلوغ الجفل ففي هذا الموضفع :تناهيفه ،لن ابتداء النكاح إنمفا
يتصفور بعفد انقضاء العدة .و"تعضلوهفن" معناه تحبسفوهن .وحكفى الخليفل :دجاجفة معضفل :قفد
احتبفس بيضهفا .وقيفل :العضفل التضييفق والمنفع وهفو راجفع إلى معنفى الحبفس ،يقال :أردت أمرا
فعضلتنفي عنه أي منعتنفي عنه وضيقفت علي .وأعضفل المفر :إذا ضاقفت عليفك فيفه الحيفل ،ومنفه
قولهم :إنه لعضلة من العضل إذا كان ل يقدر على وجه الحيلة فيه .وقال الزهري :أصل العضل
من قولهم :عضلت الناقة إذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه ،وعضلت الدجاجة :نشب بيضها .وفي
حديففث معاويففة( :معضلة ول أبففا حسففن) ،أي مسففألة صففعبة ضيقففة المخارج .وقال طاوس :لقففد
وردت عضففل أقضيففة مففا قام بهففا إل ابففن عباس .وكففل مشكففل عنففد العرب معضففل ،ومنففه قول
الشافعي:
كشفت حقائقها بالنظر إذا المعضلت تصدينني
ويقال :أعضل المر إذا اشتد .وداء عضال أي شديد عسر البرء أعيا الطباء .وعضل فلن أيمه
أي منعها ،يعضُلها ويعضِلها (بالضم والكسر) لغتان.
@قوله تعالى" :ذلك يوعظ به من كان" ولم يقل "ذلكم" لنه محمول على معنى الجمع .ولو كان
"ذلكفم" لجاز ،مثفل "ذلكفم أزكفى لكفم وأطهفر وال يعلم" أي مفا لكفم فيفه مفن الصفلح" .وأنتفم ل
تعلمون" ذلك.
**3الية{ 233 :والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى
المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ل تكلف نفس إل وسعها ل تضار والدة بولدها ول مولود
له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصال عن تراض منهما وتشاور فل جناح عليهما وإن
أردتم أن تسترضعوا أولدكفم فل جناح عليكم إذا سفلمتم ما آتيتفم بالمعروف واتقوا ال واعلموا أن
ال بما تعملون بصير}
@قوله تعالى" :والوالدات" ابتداء" .يرضعفن أولدهفن" ففي موضفع الخفبر" .حوليفن كامليفن"
ظرف زمان .ولما ذكر ال سبحانه النكاح والطلق ذكر الولد ،لن الزوجين قد يفترقان وثم ولد،
فالية إذا في المطلقات اللتفي لهفن أولد مفن أزواجهن ،قاله السدي والضحاك وغيرهمفا ،أي هن
أحق برضاع أولدهن من الجنبيات لنهن أحنى وأرق ،وانتزاع الولد الصغير إضرار به وبها،
وهذا يدل على أن الولد وإن فطفم فالم أحفق بحضانتفه لفضفل حنوهفا وشفقتهفا ،وإنمفا تكون أحفق
بالحضانة إذا لم تتزوج على ما يأتي .وعلى هذا يشكل قوله" :وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن
بالمعروف" لن المطلقة ل تستحق الكسوة إذا لم تكن رجعية بل تستحق الجرة إل أن يحمل على
مكارم الخلق فيقال :الولى أل تنقص الجرة عما يكفيها لقوتها وكسوتها .وقيل :الية عامة في
المطلقات اللواتففي لهففن أولد وفففي الزوجات .والظهففر أنهففا فففي الزوجات فففي حال بقاء النكاح،
لنهن المستحقات للنفقة والكسوة ،والزوجة تستحق النفقة والكسوة أرضعت أو لم ترضع ،والنفقة
والكسوة مقابلة التمكين ،فإذا اشتغلت بالرضاع لم يكمل التمكين ،فقد يتوهم أن النفقة تسقط فأزال
ذلك الوهم بقوله تعالى" :وعلى المولود له" أي الزوج "رزقهن وكسوتهن ،في حال الرضاع لنه
اشتغال في مصالح الزوج ،فصارت كما لو سافرت لحاجة الزوج بإذنه فإن النفقة ل تسقط.
@قوله تعالى" :يرضعفن" خفبر معناه المفر على الوجوب لبعفض الوالدات ،وعلى جهفة الندب
لبعضهن على ما يأتي .وقيل :هو خبر عن المشروعية كما تقدم.
@واختلف الناس ففي الرضاع هفل هفو حفق للم أو هفو حفق عليهفا ،واللففظ محتمفل لنفه لو أراد
التصففريح بكونففه عليهففا لقال :وعلى الوالدات رضاع أولدهففن كمففا قال تعالى" :وعلى المولود له
رزقهفن وكسفوتهن" ولكفن هفو عليهفا ففي حال الزوجيفة ،وهفو عرف يلزم إذ قفد صفار كالشرط ،إل
أن تكون شريفففة ذات ترفففه فعرفهففا أل ترضففع وذلك كالشرط .وعليهففا إن لم يقبففل الولد غيرهففا
واجفب .وهفو عليهففا إذا عدم لختصففاصها بفه .فإن مات الب ول مال للصفبي فمذهفب مالك فففي
المدونففة أن الرضاع لزم للم بخلف النفقففة .وفففي كتاب ابففن الجلب :رضاعففه فففي بيففت المال.
وقال عبدالوهاب :هففو فقيففر مففن فقراء المسففلمين .وأمففا المطلقففة طلق بينونففة فل رضاع عليهففا،
والرضاع على الزوج إل أن تشاء هففي ،فهففي أحففق بأجرة المثففل ،هذا مففع يسففر الزوج فإن كان
معدمفا لم يلزمهفا الرضاع إل أن يكون المولود ل يقبفل غيرهفا فتجفبر حينئذ على الرضاع .وكفل
مفن يلزمهفا الرضاع فإن أصفابها عذر يمنعهفا منفه عاد الرضاع على الب .وروي عفن مالك أن
الب إذا كان معدمفففا ول مال للصفففبي أن الرضاع على الم ،فإن لم يكفففن لهفففا لبفففن ولهفففا مال
فالرضاع عليهفا ففي مالهفا .قال الشافعفي :،ل يلزم الرضاع إل والدا أو جدا وإن عل ،وسفيأتي مفا
للعلماء ففففي هذا عنفففد قوله تعالى" :وعلى الوارث مثفففل ذلك" .يقال :رضفففع يرضفففع رضاعفففة
ورضاعفا ،ورضفع يرضفع رضاعفا ورضاعفة (بكسفر الراء ففي الول وفتحهفا ففي الثانفي) واسفم
الفاعل راضع فيهما .والرضاعة :اللؤم (مفتوح الراء ل غير).
@قوله تعالى" :حوليفن" أي سفنتين ،من حال الشيفء إذا انقلب ،فالحول منقلب مفن الوقفت الول
إلى الثانفي .وقيفل :سفمي العام حول لسفتحالة المور فيفه ففي الغلب" .كامليفن" قيفد بالكمال لن
القائل قفد يقول :أقمفت عنفد فلن حوليفن وهفو يريفد حول وبعفض حول آخفر ،قال ال تعالى" :فمفن
تعجل في يومين" [البقرة ]203:وإنما يتعجل في يوم وبعض الثاني .وقوله تعالى" :لمن أراد أن
يتفم الرضاعفة" دليفل على أن إرضاع الحوليفن ليفس حتمفا فإنفه يجوز الفطام قبفل الحوليفن ،ولكنفه
تحديد لقطع التنازع بين الزوجين في مدة الرضاع ،فل يجب على الزوج إعطاء الجرة لكثر من
حوليفن .وإن أراد الب الفطفم قبفل هذه المدة ولم ترض الم لم يكفن له ذلك .والزيادة على الحوليفن
أو النقصففان إنمففا يكون عنففد عدم الضرار بالمولود وعنففد رضففا الوالديففن .وقرأ مجاهففد وابففن
محيصفن "لمفن أراد أن تتفم الرضاعفة" بفتفح التاء ورففع "الرضاعفة" على إسفناد الفعفل إليهفا .وقرأ
أبو حيوة وابن أبي عبلة والجارود بن أبي سبرة بكسر الراء من "الرضاعة" وهي لغة كالحضارة
والحضارة .وروي عن مجاهد أنه قرأ "الرضعة" على وزن الفعلة .وروي عن ابن عباس أنه قرأ
"أن يكمل الرضاعة" .النحاس :ل يعرف البصريون "الرضاعة" إل بفتح الراء ،ول "الرضاع"
إل بكسر الراء ،مثل القتال .وحكى الكوفيون كسر الراء مع الهاء وفتحها بغير هاء.
@انتزع مالك رحمفه ال تعالى ومفن تابعفه وجماعفة مفن العلماء مفن هذه اليفة أن الرضاعفة
المحرمففة الجاريففة مجرى النسففب إنمففا هففي مففا كان فففي الحوليففن ،لنففه بانقضاء الحوليففن تمففت
الرضاعففة ،ول رضاعففة بعففد الحوليففن معتففبرة .هذا قوله فففي موطئه ،وهففي روايففة محمففد بففن
عبدالحكفم عنفه ،وهفو قول عمفر وابفن عباس ،وروي عفن ابفن مسفعود ،وبفه قال الزهري وقتادة
والشعفبي وسففيان الثوري والوزاعفي والشافعفي وأحمفد وإسفحاق وأبفو يوسفف ومحمفد وأبفو ثور.
وروى ابففن عبدالحكففم عنففه الحوليففن وزيادة أيام يسففيرة .عبدالملك :كالشهففر ونحوه .وروى ابففن
القاسم عن مالك أنه قال :الرضاع الحولين والشهرين بعد الحولين ،وحكى عنه الوليد بن مسلم أنه
قال :ما كان بعد الحولين من رضاع بشهر أو شهرين أو ثلثة فهو من الحولين ،وما كان بعد ذلك
فهففو عبففث .وحكففي عففن النعمان أنففه قال :ومففا كان بعففد الحوليففن إلى سففتة أشهففر فهففو رضاع،
والصففحيح الول لقوله تعالى" :والوالدات يرضعففن أولدهففن حوليففن كامليففن" وهذا يدل على أل
حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين .وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال :قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ل رضاع إل ما كان في الحولين) .قال الدارقطني :لم يسنده عن
ابن عيينة غير الهيثم بن جميل ،وهو ثقة حافظ.
قلت :وهذا الخفبر مفع اليفة والمعنفى ،ينففي رضاعفة الكفبير وأنفه ل حرمفة له .وقفد روي عفن
عائشفة القول بفه .وبفه يقول الليفث بفن سفعد مفن بيفن العلماء .وروي عفن أبفي موسفى الشعري أنفه
كان يرى رضاع الكفبير .وروي عنفه الرجوع عنفه .وسفيأتي ففي سفورة "النسفاء" مبينفا إن شاء ال
تعالى.
قال جمهور المفسرين :إن هذين الحولين لكل ولد .وروي عن ابن عباس أنه قال :هي في الولد
يمكفث ففي البطفن سفتة أشهفر ،فإن مكفث سفبعة أشهفر فرضاعفه ثلثفة وعشرون شهرا فإن مكفث
ثمانيففة أشهففر فرضاعففه اثنان وعشرون شهرا ،فان مكففث تسففعة أشهففر فرضاعففه أحففد وعشرون
شهرا ،لقوله تعالى" :وحمله وفصففاله ثلثون شهرا" [الحقاف .]15 :وعلى هذا تتداخففل مدة
الحمل ومدة الرضاع ويأخذ الواحد من الخر.
@قوله تعالى" :وعلى المولود له" أي وعلى الب .ويجوز ففي العربيفة "وعلى المولود لهفم"
كقوله تعالى" :ومنهم من يستمعون إليك" [يونس ]42 :لن المعنى وعلى الذي ولد له و"الذي"
يعبر به عن الواحد والجمع كما تقدم.
@قوله تعالى" :رزقهفن وكسفوتهن" الرزق ففي هذا الحكفم الطعام الكاففي ،وففي هذا دليفل على
وجوب نفقففة الولد على الوالد لضعفففه وعجزه .وسففماه ال سففبحانه للم ،لن الغذاء يصففل إليففه
بواسطتها في الرضاع كما قال" :وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن" [الطلق ]6 :لن الغذاء ل
يصل إل بسببها.
وأجمففع العلماء على أن على المرء نفقففة ولده الطفال الذيففن ل مال لهففم .وقال صففلى ال عليففه
وسلم لهند بنت عتبة وقد قالت له :إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه ل يعطيني من النفقة ما يكفيني
ويكفففي بنففي إل مففا أخذت مفن مال بغيففر علمففه فهففل علي فففي ذلك جناح؟ فقال( :خذي مففا يكفيففك
وولدك بالمعروف) .والكسفوة :اللباس .وقوله" :بالمعروف" أي بالمتعارف ففي عرف الشرع مفن
غير تفريط ول إفراط .ثم بين تعالى أن النفاق على قدر غنى الزوج ومنصبها من غير تقدير مد
ول غيره بقوله تعالى" :ل تكلف نفففس إل وسففعها" على مففا يأتففي بيانففه فففي الطلق إن شاء ال
تعالى .وقيفل المعنفى :أي ل تكلف المرأة الصفبر على التقتيفر ففي الجرة ،ول يكلف الزوج مفا هفو
إسراف بل يراعى القصد.
@في هذه الية دليل لمالك على أن الحضانة للم ،فهي في الغلم إلى البلوغ ،وفي الجارية إلى
النكاح ،وذلك حفق لهفا ،وبفه قال أبفو حنيففة .وقال الشافعفي :إذا بلغ الولد ثمانفي سفنين وهفو سفن
التمييز ،خير بين أبويه ،فإنه في تلك الحالة تتحرك همته لتعلم القرآن والدب ووظائف العبادات،
وذلك يسففتوي فيففه الغلم والجاريففة .وروى النسففائي وغيره عففن أبففي هريرة أن امرأة جاءت إلى
النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقالت له :زوجفي يريفد أن يذهفب بابنفي ،فقال له النفبي صفلى ال عليفه
وسفلم( :هذا أبوك وهذه أمفك فخفذ أيهمفا شئت) فأخفذ بيفد أمفه .وففي كتاب أبفي داود عفن أبفي هريرة
قال :جاءت امرأة إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وأنفا قاعفد عنده فقالت :يفا رسفول ال ،إن
زوجي يريد أن يذهب بابني ،وقد سقاني من بئر أبي عنبة ،وقد نفعني ،فقال النبي صلى ال عليه
وسفلم( :اسفتهما عليفه) فقال زوجهفا :مفن يحاقنفي ففي ولدي ،فقال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :هذا
أبوك وهذه أمفك فخفذ بيفد أحدهمفا شئت) فأخفذ بيفد أمفه فانطلقفت بفه .ودليلنفا مفا رواه أبفو داود عفن
الوزاعفي قال :حدثنفي عمرو بفن شعيفب عفن أبيفه عفن جده عبدال بفن عمرو أن امرأة جاءت إلى
النبي صلى ال عليه وسلم فقالت :يا رسول ال ،إن ابني هذا كان بطني له وعاء ،وثديي له سقاء،
وحجري له حواء ،وإن أباه طلقنففي وأراد أن ينتزعففه منففي ،فقال لهففا رسففول ال صففلى ال عليففه
وسلم( :أنت أحق به ما لم تنكحي) .قال ابن المنذر :أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن
الزوجيفن إذا افترقفا ولهمفا ولد أن الم أحفق بفه مفا لم تنكفح .وكذا قال أبفو عمفر :ل أعلم خلففا بيفن
السلف من العلماء في المرأة المطلقة إذا لم تتزوج أنها أحق بولدها من أبيه ما دام طفل صغيرا ل
يميز شيئا إذا كان عندها في حرز وكفاية ولم يثبت فيها فسق ول تبرج.
ثم اختلفوا بعد ذلك في تخييره إذا ميز وعقل بين أبيه وأمه وفيمن هو أولى به ،قال ابن المنذر:
وثبفت أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قضفى ففي ابنفة حمزة للخالة مفن غيفر تخييفر ،.روى أبفو داود
عن علي قال :خرج زيد بن حارثة إلى مكة فقدم بابنة حمزة ،فقال جعفر :أنا آخذها أنا أحق بها،
ابنفة عمفي وخالتهفا عندي والخالة أم .فقال علي :أنفا أحفق بهفا :،ابنفة عمفي وعندي ابنفة رسفول ال
صفلى ال عليفه وسفلم ،وهفي أحفق بهفا .فقال زيفد :أنفا أحفق بهفا ،أنفا خرجفت إليهفا وسفافرت وقدمفت
بها .فخرج النبي صلى ال عليه وسلم فذكر حديثا قال( :وأما الجارية فأقضي بها لجعفر تكون مع
خالتها وإنما الخالة أم).
@قال ابفن المنذر :وقفد أجمفع كفل مفن يحففظ عنفه مفن أهفل العلم على أل حفق للم ففي الولد إذا
تزوجت.
قلت :كذا قال في كتاب الشراف له .وذكر القاضي عبدالوهاب في شرح الرسالة له عن الحسن
أنه ل يسقط حقها من الحضانة بالتزوج .وأجمع مالك والشافعي والنعمان وأبو ثور على أن الجدة
أم الم أحفق بحضانفة الولد .واختلفوا إذا لم يكفن لهفا أم وكان لهفا جدة هفي أم الب ،فقال مالك :أم
الب أحفق إذا لم يكفن للصفبي خالة .وقال ابفن القاسفم :قال مالك :وبلغنفي ذلك عنفه أنفه قال :الخالة
أولى مفن الجدة أم الب .وففي قول الشافعفي والنعمان :أم الب أحفق مفن الخالة .وقفد قيفل :إن الب
أولى بابنه من الجدة أم الب .قال أبو عمر :وهذا عندي إذا لم يكن له زوجة أجنبية .ثم الخت بعد
الب ثم العمة .وهذا إذا كان كل واحد من هؤلء مأمونا على الولد ،وكان عنده في حرز وكفاية،
فإذا لم يكفن كذلك لم يكفن له حفق ففي الحضانفة ،وإنمفا ينظفر ففي ذلك إلى مفن يحوط الصفبي ومفن
يحسن إليه في حفظه وتعلمه الخير .وهذا على قول من قال إن الحضانة حق الولد ،وقد روى ذلك
عفن مالك وقال بفه طائففة مفن أصفحابه ،وكذلك ل يرون حضانفة لفاجرة ول لضعيففة عاجزة عفن
القيام بحفق الصفبي لمرض أو زمانفة .وذكفر ابفن حفبيب عفن مطرف وابفن الماجشون عفن مالك أن
الحضانفة للم ثفم الجدة للم ثفم الخالة ثفم الجدة للب ثفم أخفت الصفبي ثفم عمفة الصفبي ثفم ابنفة أخفي
الصبي ثم الب .والجدة للب أولى من الخت والخت أولى من العمة والعمة أولى ممن بعدها،
وأولى من جميع الرجال الولياء .وليس لبنة الخالة ول لبنة العمة ول لبنات أخوات الصبي من
حضانتفه شيفء .فإذا كان الحاضفن ل يخاف منفه على الطففل تضييفع أو دخول فسفاد كان حاضنفا له
أبدا حتففى يبلغ الحلم .وقففد قيففل :حتففى يثغففر ،وحتففى تتزوج الجاريففة ،إل أن يريففد الب نقلة سفففر
وإيطان فيكون حينئذ أحفق بولده مفن أمفه وغيرهفا إن لم ترد النتقال .وإن أراد الخروج لتجارة لم
يكففن له ذلك .وكذلك أولياء الصففبي الذيففن يكون مآله إذا انتقلوا للسففتيطان .وليففس للم أن تنقففل
ولدها عن موضفع سفكنى الب إل فيمفا يقرب نحفو المسافة التي ل تقصفر فيها الصلة .ولو شرط
عليها في حين انتقاله عن بلدها أنه ل يترك ولده عندها إل أن تلتزم نفقته ومؤونته سنين معلومة
فإن التزمفت ذلك لزمهفا :فإن ماتفت لم تتبفع بذلك ورثتهفا ففي تركتهفا .وقفد قيفل :ذلك ديفن يؤخفذ مفن
تركتهفا ،والول أصفح إن شاء ال تعالى ،كمفا لو مات الوالد أو كمفا لو صفالحها على نفقفة الحمفل
والرضاع فأسقطت لم تتبع بشيء من ذلك.
@إذا تزوجت الم لم ينزع منها ولدها حتى يدخل بها زوجها عند مالك .وقال الشافعي :إذا نكحت
فقفد انقطفع حقهفا .فإن طلقهفا لم يكفن لهفا الرجوع فيفه عنفد مالك ففي الشهفر عندنفا مفن مذهبفه .وقفد
ذكر القاضي إسماعيل وذكره ابن خويز منداد أيضا عن مالك أنه اختلف قوله في ذلك ،فقال مرة:
يرد إليهفا .وقال مرة :ل يرد .قال ابفن المنذر :فإذا خرجفت الم عفن البلد الذي بفه ولدهفا ثفم رجعفت
إليه فهي أحق بولدها في قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي .وكذلك لو تزوجت ثم طلقت أو
توفى عنها زوجها رجعت في حقها من الولد.
قلت وكذلك قال القاضففي أبففو محمففد عبدالوهاب ،فإن طلقهففا الزوج أو مات عنهففا كان لهففا أخذه
لزوال العذر الذي جاز له تركه.
@فإن تركت المرأة حضانة ولدها ولم ترد أخذه وهي فارغة غير مشغولة بزوج ثم أرادت بعد
ذلك أخذه نظر لها ،فإن كان تركها له من عذر كان لها أخذه ،وإن كانت تركته رفضا له ومقتا لم
يكن لها بعد ذلك أخذه.
@واختلفوا فففي الزوجيففن يفترقان بطلق والزوجففة ذميففة ،فقالت طائفففة :ل فرق بيففن الذميففة
والمسفلمة وهفي أحفق بولدهفا ،هذا قول أبفي ثور وأصفحاب الرأي وابفن القاسفم صفاحب مالك .قال
ابفن المنذر :وقفد روينفا حديثفا مرفوعفا موافقفا لهذا القول ،وففي إسفناده مقال .وفيفه قول ثان أن الولد
مفع المسفلم منهمفا ،هذا قول مالك وسفوار وعبدال بفن الحسفن ،وحكفي ذلك عفن الشافعفي .وكذلك
اختلفوا فففي الزوجيففن يفترقان ،أحدهمففا حففر والخففر مملوك ،فقالت طائففة :الحففر أولى ،هذا قول
عطاء والثوري والشافعفي وأصفحاب الرأي .وقال مالك :ففي الب إذا كان حرا وله ولد حفر والم
مملوكة :إن الم أحق به إل أن تباع فتنتقل فيكون الب أحق به.
@قوله تعالى" :ل تضار والدة بولدهفا ول مولود له بولده" المعنفى :ل تأبفى الم أن ترضعفه
إضرارا بأبيفه أو تطلب أكثفر مفن أجفر مثلهفا ،ول يحفل للب أن يمنفع الم مفن ذلك مفع رغبتهفا ففي
الرضاع ،هذا قول جمهور المفسفرين .وقرأ ناففع وعاصفم وحمزة والكسفائي "تضار" بفتفح الراء
المشددة وموضعفه جزم على النهفي ،وأصفله ل تضارر على الصفل ،فأدغمفت الراء الولى ففي
الثانية وفتحت الثانية للتقاء الساكنين ،وهكذا يفعل في المضاعف إذا كان قبله فتح أو ألف ،تقول:
عض يا رجل ،وضار فلنا يا رجل .أي ل ينزع الولد منها إذا رضيت بالرضاع وألفها الصبي.
وقرأ أبفو عمرو وابفن كثيفر وأبان بفن عاصفم وجماعفة "تضار" بالرففع عطففا على قوله" :تكلف
نفس" وهو خبر والمراد به المر .وروى يونس عن الحسن قال يقول :ل تضار زوجها ،تقول :ل
أرضعه ،ول يضارها فينزعه منها وهي تقول :أنا أرضعه .ويحتمل أن يكون الصل "تضارر"
بكسفر الراء الولى ،ورواهفا أبان عفن عاصفم ،وهفي لغفة أهفل الحجاز .ففف "والدة" فاعله ،ويحتمفل
أن يكون "تضارر" ففف "والدة" مفعول مفا لم يسفم فاعله .وروي عفن عمفر بفن الخطاب رضفي ال
عنفه أنفه قرأ "ل تضارر" براءيفن الولى مفتوحفة .وقرأ أبفو جعففر بفن القعقاع "تضار" بإسفكان
الراء وتخفيفهفا .وكذلك "ل يضار كاتفب" وهذا بعيفد لن المثليفن إذا اجتمعفا وهمفا أصفليان لم يجفز
حذف أحدهما للتخفيف ،فإما الدغام وإما الظهار .وروي عنه السكان والتشديد .وروي عن ابن
عباس والحسن "ل تضارر" بكسر الراء الولى.
@قوله تعالى" :وعلى الوارث مثل ذلك" هو معطوف على قوله" :وعلى المولود" واختلفوا في
تأويفل قوله" :وعلى الوارث مثفل ذلك" فقال قتادة والسفدي والحسفن وعمفر بفن الخطاب رضفي ال
عنه :هو وارث الصبي أن لو مات .قال بعضهم :وارثه من الرجال خاصة يلزمه الرضاع ،كما
كان يلزم أبفا الصفبي لو كان حيفا ،وقاله مجاهفد وعطاء .وقال قتادة وغيره :هفو وارث الصفبي مفن
كان مفن الرجال والنسفاء ،ويلزمهفم إرضاعفه على قدر مواريثهفم منفه ،وبفه قال أحمفد وإسفحاق.
وقال القاضفي أبفو إسفحاق إسفماعيل بفن إسفحاق ففي كتاب "معانفي القرآن" له :فأمفا أبفو حنيففة فإنفه
قال :تجفب نفقفة الصفغير ورضاعفه على كفل ذي رحفم محرم ،مثفل أن يكون رجفل له ابفن أخفت
صغير محتاج وابن عم صغير محتاج وهو وارثه ،فإن النفقة تجب على الخال لبن أخته الذي ل
يرثفه ،وتسفقط عفن ابن العفم لبفن عمفه الوارث .قال أبفو إسفحاق :فقالوا قول ليفس ففي كتاب ال ول
نعلم أحدا قاله .وحكى الطبري عن أبي حنيفة وصاحبيه أنهم قالوا :الوارث الذي يلزمه الرضاع
هفو وارثفه إذا كان ذا رحفم محرم منفه ،فإن كان ابفن عفم وغيره ليفس بذي رحفم محرم فل يلزمفه
شيففء .وقيففل :المراد عصففبة الب عليهففم النفقففة والكسففوة .قال الضحاك :إن مات أبففو الصففبي
وللصفبي مال أخفذ رضاعفه مفن المال ،وإن لم يكفن له مال أخفذ مفن العصفبة ،وإن لم يكفن للعصفبة
مال أجفبرت الم على إرضاعفه .وقال قبيصفة بفن ذؤيفب والضحاك وبشيفر بفن نصفر قاضفي عمفر
بفن عبدالعزيفز :الوارث هفو الصفبي نفسفه ،وتأولوا قوله" :وعلى الوارث" المولود ،مثفل مفا على
المولود له ،أي عليه في ماله إذا ورث أباه إرضاع نفسه .وقال سفيان :الوارث هنا هو الباقي من
والدي المولود بعففد وفاة الخففر منهمففا فإن مات الب فعلى الم كفايففة الطفففل إذا لم يكففن له مال،
ويشاركهفا العاصفب ففي إرضاع المولود على قدر حظفه مفن الميراث .وقال ابفن خويفز منداد :ولو
كان اليتيفم فقيرا ل مال له ،وجفب على المام القيام بفه مفن بيفت المال ،فإن لم يفعفل المام وجفب
ذلك على المسفلمين ،الخفص بفه فالخفص ،والم أخفص بفه فيجفب عليهفا إرضاعفه والقيام بفه ،ول
ترجففع عليففه ول على أحففد .والرضاع واجففب والنفقففة اسففتحباب :ووجففه السففتحباب قوله تعالى:
"والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين" وواجب على الزواج القيام بهن ،فإذا تعذر استيفاء
الحفق لهفن بموت الزوج أو إعسفاره لم يسفقط الحفق عنهفن ،أل ترى أن العدة واجبفة عليهفن والنفقفة
والسفكنى على أزواجهفن ،وإذا تعذرت النفقفة لهفن لم تسفقط العدة عنهفن .وروى عبدالرحمفن بفن
القاسم في السدية عن مالك بن أنس رحمه ال أنه قال :ل يلزم الرجل نفقة أخ ول ذي قرابة ول
ذي رحفم منفه .قال :وقول ال عفز وجفل" :وعلى الوارث مثفل ذلك" هفو منسفوخ .قال النحاس :هذا
لفظ مالك ،ولم يبين ما الناسخ لها ول عبدالرحمن بن القاسم ،ول علمت أن أحدا من أصحابهم بين
ذلك ،والذي يشبففه أن يكون الناسففخ لهففا عنده وال أعلم ،أنففه لمففا أوجففب ال تعالى للمتوفففى عنهففا
زوجها من مال المتوفى نفقة حول والسكنى ثم نسخ ذلك ورفعه ،نسخ ذلك أيضا عن الوارث.
قلت :فعلى هذا تكون النفقفة على الصفبي نفسفه مفن ماله ،ل يكون على الوارث منهفا شيفء على
ما يأتي .قال ابن العربي :قوله "وعلى الوارث مثل ذلك" قال ابن القاسم عن مالك هي منسوخة،
وهذا كلم تشمئز منففه قلوب الغافليففن ،وتحتار فيففه ألباب الشاذيففن ،والمففر فيففه قريففب ،وذلك أن
العلماء المتقدميفن مفن الفقهاء والمفسفرين كانوا يسفمون التخصفيص نسفخا ،لنفه رففع لبعفض مفا
يتناوله العموم مسفامحة ،وجرى ذلك ففي ألسفنتهم حتفى أشكفل ذلك على مفن بعدهفم ،وتحقيفق القول
فيفه :أن قوله تعالى "وعلى الوارث مثفل ذلك" إشارة إلى مفا تقدم ،فمفن الناس مفن رده إلى جميعفه
من إيجاب النفقة وتحريم الضرار ،منهم أبو حنيفة من الفقهاء ،ومن السلف قتادة والحسن ويسند
إلى عمر .وقالت طائفة من العلماء :إن معنى قوله تعالى" :وعلى الوارث مثل ذلك" ل يرجع إلى
جميفع مفا تقدم ،وإنمفا يرجفع إلى تحريفم الضرار ،والمعنفى :وعلى الوارث مفن تحريفم الضرار
بالم مفا على الب ،وهذا هفو الصفل ،فمفن ادعفى أنفه يرجفع العطفف فيفه إلى جميفع مفا تقدم فعليفه
الدليل.
قلت :قوله" :وهذا هو الصل" يريد في رجوع الضمير إلى أقرب مذكور ،وهو صحيح ،إذ لو
أراد الجميع الذي هو الرضاع والنفاق وعدم الضرر لقال :وعلى الوارث مثل هؤلء ،فدل على
أنففه معطوف على المنففع مففن المضارة ،وعلى ذلك تأوله كافففة المفسففرين فيمففا حكففى القاضففي
عبدالوهاب ،وهفو أن المراد بفه أن الوالدة ل تضار ولدهفا ففي أن الب إذا بذل لهفا أجرة المثفل أل
ترضعففه" ،ول مولود له بولده" فففي أن الم إذا بذلت أن ترضعففه بأجرة المثففل كان لهففا ذلك ،لن
الم أرففق وأحفن عليفه ،ولبنهفا خيفر له مفن لبفن الجنبيفة .قال ابفن عطيفة :وقال مالك رحمفه ال
وجميففع أصففحابه والشعففبي أيضففا والزهري والضحاك وجماعففة مففن العلماء :المراد بقوله "مثففل
ذلك" أل تضار ،وأمفا الرزق والكسفوة فل يجفب شيفء منفه .وروى ابفن القاسفم عفن مالك أن اليفة
تضمنت أن الرزق والكسوة على الوارث ،ثم نسخ ذلك بالجماع من المة في أل يضار الوارث،
والخلف هففل عليففه رزق وكسففوة أم ل .وقرأ يحيففى بففن يعمففر "وعلى الورثففة" بالجمففع ،وذلك
يقتضفي العموم ،فإن اسفتدلوا بقوله عليفه السفلم( :ل يقبفل ال صفدقة وذو رحفم محتاج) قيفل لهفم
الرحم عموم في كل ذي رحم ،محرما كان أو غير محرم ،ول خلف أن صرف الصدقة إلى ذي
الرحم أولى لقوله عليه السلم( :اجعلها في القربين) فحمل الحديث على هذا ،ول حجة فيه على
مفا راموه ،وال أعلم .وقال النحاس :وأمفا قول مفن قال "وعلى الوارث مثفل ذلك" أل يضار فقول
حسفن ،لن أموال الناس محظورة فل يخرج شيفء منهفا إل بدليفل قاطفع .وأمفا قول مفن قال على
ورثفة الب فالحجفة أن النفقفة كانفت على الب ،فورثتفه أولى مفن ورثفة البفن وأمفا حجفة مفن قال
على ورثفة البفن فيقول :كمفا يرثونفه يقومون بفه .قال النحاس :وكان محمفد بفن جريفر يختار قول
مفن قال :الوارث هنفا البفن ،وهفو وإن كان قول غريبفا فالسفتدلل بفه صفحيح والحجفة بفه ظاهرة،
لن ماله أولى بفه .وقففد أجمففع الفقهاء إل مفن شففذ منهففم أن رجل لو كان له ولد طفففل وللولد مال،
والب موسفر أنفه ل يجفب على الب نفقفة ول رضاع ،وأن ذلك مفن مال الصفبي .فإن قيفل :قفد قال
ال عفز وجفل "وعلى المولود له رزقهفن وكسفوتهن بالمعروف" ،قيفل :هذا الضميفر للمؤنفث ،ومفع
هذا فإن الجماع حد للية مبين لها ،ل يسع مسلما الخروج عنه .وأما من قال :ذلك على من بقي
مفن البويفن ،فحجتفه أنفه ل يجوز للم تضييفع ولدهفا ،وقفد مات مفن كان ينففق عليفه وعليهفا .وقفد
ترجفم البخاري على رد هذا القول [باب -وعلى الوارث مثفل ذلك ،وهفل على المرأة منفه شيفء]
وسفاق حديفث أم سفلمة وهنفد .والمعنفى فيفه :أن أم سفلمة كان لهفا أبناء مفن أبفي سفلمة ولم يكفن لهفم
مال ،فسفألت النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فأخبرهفا أن لهفا ففي ذلك أجرا .فدل هذا الحديفث على أن
نفقفة بنيهفا ل تجفب عليهفا ،ولو وجبفت عليهفا لم تقفل للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم :ولسفت بتاركتهفم.
وأما حديث هند فإن النبي صلى ال عليه وسلم أطلقها على أخذ نفقتها ونفقة بنيها من مال الب،
ولم يوجبهفا عليهفا كمفا أوجبهفا على الب .فاسفتدل البخاري مفن هذا على أنفه لمفا لم يلزم المهات
نفقات البناء ففي حياة الباء فكذلك ل يلزمهفن بموت الباء .وأمفا قول مفن قال إن النفقفة والكسفوة
على كفل ذي رحفم محرم فحجتفه أن على الرجفل أن ينففق على كفل ذي رحفم محرم إذا كان فقيرا.
قال النحاس :وقد عورض هذا القول بأنه لم يؤخذ من كتاب ال تعالى ول من إجماع ول من سنة
صففحيحة ،بففل ل يعرف مففن قول سففوى مففا ذكرناه .فأمففا القرآن فقففد قال ال عففز وجففل" :وعلى
الوارث مثل ذلك" فإن كان على الوارث النفقة والكسوة فقد خالفوا ذلك فقالوا :إذا ترك خاله وابن
عمه فالنفقة على خاله وليس على ابن عمه شيء ،فهذا مخالف نص القرآن لن الخال ل يرث مع
ابن العم في قول أحد ،ول يرث وحده في قول كثير من العلماء ،والذي احتجوا به من النفقة على
كل ذي رحم محرم ،أكثر أهل العلم على خلفه.
@قوله تعالى" :فإن أرادا فصفال" الضميفر ففي "أرادا" للوالديفن .و"فصفال" معناه فطامفا عفن
الرضاع ،أي عفن الغتذاء بلبفن أمفه إلى غيره مفن القوات .والفصفال والفصفل :الفطام ،وأصفله
التفريق ،فهو تفريق بين الصبي والثدي ،ومنه سمي الفصيل ،لنه مفصول عن أمه" .عن تراض
منهمفا" أي قبفل الحوليفن" .فل جناح عليهمفا" أي ففي فصفله ،وذلك أن ال سفبحانه لمفا جعفل مدة
الرضاع حولين بين أن فطامهما ،هو الفطام ،وفصالهما هو الفصال ليس لحد عنه منزع ،إل أن
يتففق البوان على أقفل مفن ذلك العدد مفن غيفر مضارة بالولد ،فذلك جائز بهذا البيان .وقال قتادة:
كان الرضاع واجبا في الحولين وكان يحرم الفطام قبله ،ثم خفف وأبيح الرضاع أقل من الحولين
بقوله" :فإن أرادا فصفال" اليفة .وففي هذا دليفل على جواز الجتهاد ففي الحكام بإباحفة ال تعالى
للوالديففن التشاور فيمففا يؤدي إلى صففلح الصففغير ،وذلك موقوف على غالب ظنونهمففا ل على
الحقيقفففة واليقيفففن ،والتشاور :اسفففتحراج الرأي ،وكذلك المشاورة ،والمشورة كالمعونفففة ،وشرت
العسل :استخرجته ،وشرت الدابة وشورتها أي أجريتها لستخراج جريها ،والشوار :متاع البيت،
لنه يظهر للناظر ،والشارة :هيئة الرجل ،والشارة :إخراج ما في نفسك وإظهاره.
@قوله تعالى" :وإن أردتفم أن تسفترضعوا أولدكفم فل جناح عليكفم" أي لولدكفم غيفر الوالدة،
قاله الزجاج .قال النحاس :التقديفر ففي العربيفة أن تسفترضعوا أجنبيفة لولدكفم ،مثفل "كالوهفم أو
وزنوهفم" [المطففيفن ]3 :أي كالوا لهفم أو وزنوا لهفم ،وحذففت اللم لنفه يتعدى إلى مفعوليفن
أحدهما بحرف ،وأنشد سيبوبه:
فقد تركتك ذا مال وذا نشب أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
ول يجوز :دعوت زيدا ،أي دعوت لزيد ،لنه يؤدي إلى التلبيس ،فيعتبر في هذا النوع السماع.
قلت :وعلى هذا يكون فففي اليففة دليففل على جواز اتخاذ الظئر إذا اتفففق الباء والمهات على
ذلك .وقد قال عكرمة في قوله تعالى" :ل تضار والدة" معناه الظئر ،حكاه ابن عطية .والصل أن
كفل أم يلزمهفا رضاع ولدهفا كمفا أخفبر ال عفز وجفل ،فأمفر الزوجات بإرضاع أولدهفن ،وأوجفب
لهن على الزواج النفقة والكسوة والزوجية قائمة ،فلو كان الرضاع على الب لذكره مع ما ذكره
مففن رزقهففن وكسففوتهن ،إل أن مالكففا رحمففه ال دون فقهاء المصففار اسففتثنى الحسففيبة فقال :ل
يلزمها رضاعفه .فأخرجها من الية وخصفصها بأصفل من أصفول الفقه وهو العمل بالعادة .وهذا
أصفل لم يتفطفن له إل مالك .والصفل البديفع فيفه أن ،هذا أمفر كان ففي الجاهليفة ففي ذوي الحسفب
وجاء السفففلم فلم يغيره ،وتمادى ذوو الثروة والحسفففاب على تفريفففغ المهات للمتعفففة بدففففع
الرضعاء للمراضع إلى زمانه فقال به ،وإلى زماننا فتحققناه شرعا.
@قوله تعالى" :إذا سفلمتم" يعنفي الباء ،أي سفلمتم الجرة إلى المرضعفة الظئر ،قاله سففيان.
مجاهفد :سفلمتم إلى المهات أجرهفن بحسفاب مفا أرضعفن إلى وقفت إرادة السفترضاع .وقرأ السفتة
مفن السفبعة "مفا آتيتفم" بمعنفى مفا أعطيتفم .وقرأ ابفن كثيفر "أتيتفم" بمعنفى مفا جئتفم وفعلتفم ،كمفا قال
زهير:
توارثه آباء آبائهم قبل وما كان من خير أتوه فإنما
قال قتادة والزهري :المعنفى سفلمتم مفا أتيتفم مفن إرادة السفترضاع ،أي سفلم كفل واحفد مفن البويفن
ورضفي ،وكان ذلك على اتفاق منهمفا وقصفد خيفر وإرادة معروف مفن المفر .وعلى هذا الحتمال
فيدخفل ففي الخطاب "سفلمتم" الرجال والنسفاء ،وعلى القوليفن المتقدميفن الخطاب للرجال .قال أبفو
علي :المعنففى إذا سففلمتم مففا آتيتففم نقده أو إعطاءه ،فحذف المضاف وأقيففم الضميففر مقامففه ،فكان
التقدير :ما آتيتموه ،ثم حذف الضمير من الصلة ،وعلى هذا التأويل فالخطاب للرجال ،لنهم الذين
يعطون أجففر الرضاع .قال أبففو علي :ويحتمففل أن تكون "مففا" مصففدرية ،أي إذا سففلمتم التيان،
والمعنى كالول ،لكن يستغني عن الصفة من حذف المضاف ثم حذف الضمير.
**3الية{ 234 :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا
فإذا بلغن أجلهن فل جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف وال بما تعملون خبير}
@قوله تعالى" :والذيفن يتوفون منكفم" لمفا ذكفر عفز وجفل عدة الطلق واتصفل بذكرهفا ذكفر
الرضاع ،ذكفففر عدة الوفاة أيضفففا؛ لئل يتوهفففم أن عدة الوفاة مثفففل عدة الطلق" .والذيفففن" أي
والرجال الذيفففن يموتون منكفففم" .ويذرون أزواجفففا" أي يتركون أزواجفففا ،أي ولهفففم زوجات؛
فالزوجات "يتربصفن"؛ قال معناه الزجاج واختاره النحاس .وحذف المبتدأ ففي الكلم كثيفر؛ كقوله
تعالى" :قفل أفأنبئكفم بشفر مفن ذلكفم النار" [الحفج ]72 :أي هفو النار .وقال أبفو علي الفارسفي:
تقديره والذيفن يتوفون منكفم ويذرون أزواجفا يتربصفن بعدهفم؛ وهفو كقولك :السفمن منوان بدرهفم،
أي منوان منفه بدرهفم .وقيفل :التقديفر وأزواج الذيفن يتوفون منكفم يتربصفن؛ فجاءت العبارة ففي
غاية اليجاز وحكى المهدوي عن سيبويه أن المعنى :وفيما يتلى عليكم الذين يتوفون .وقال بعض
نحاة الكوففة :الخفبر عفن "الذيفن" متروك ،والقصفد الخبار عفن أزواجهفم بأنهفن يتربصفن؛ وهذا
اللفظ معناه الخبر عن المشروعية في أحد الوجهين كما تقدم.
@هذه اليففة فففي عدة المتوفففى عنهففا زوجهففا ،وظاهرهففا العموم ومعناهففا الخصففوص .وحكففى
المهدوي عن بعفض العلماء أن الية تناولت الحوامل ثفم نسفخ ذلك بقوله "وأولت الحمال أجلهن
أن يضعفن حملهفن" [الطلق .]4 :وأكثففر العلماء على أن هذه اليفة ناسفخة لقوله عفز وجفل:
"والذيفن يتوفون منكفم ويذرون أزواجفا وصفية لزواجهفم متاعفا إلى الحول غيفر إخراج" [البقرة:
]240لن الناس أقاموا برهفة مفن السفلم إذا توففى الرجفل وخلف امرأتفه حامل أوصفى لهفا
زوجهفا بنفقفة سفنة وبالسفكنى مفا لم تخرج فتتزوج؛ ثفم نسفخ ذلك بأربعفة أشهفر وعشفر وبالميراث.
وقال قوم :ليس في هذا نسخ وإنما هو نقصان من الحول؛ كصلة المسافر لما نقصت من الربع
إلى الثنتين لم يكن هذا نسخا .وهذا غلط بين؛ لنه إذا كان حكمها أن تعتد سنة إذا لم تخرج ،فإن
خرجت لم تمنع ،ثم أزيل هذا ولزمتها العدة أربعة أشهر وعشرا .وهذا هو النسخ ،وليست صلة
المسفافر مفن هذا ففي شيفء .وقفد قالت عائشفة رضفي ال عنهفا :فرضفت الصفلة ركعتيفن ركعتيفن،
فزيد في صلة الحضر وأقرت صلة السفر بحالها؛ وسيأتي.
@عدة الحامل المتوفى عنها زوجها وضع حملها عند جمهور العلماء .وروي عن علي بن أبي
طالب وابن عباس أن تمام عدتها آخر الجلين؛ واختاره سحنون من علمائنا ،.وقد روي عن ابن
عباس أنفه رجفع عفن هذا .والحجفة لمفا روي عفن على وابفن عباس روم الجمفع بيفن قوله تعالى:
"والذيففن يتوفون منكففم ويذرون أزواجففا يتربصففن بأنفسففهن أربعففة أشهففر وعشرا" وبيففن قوله:
"وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن" [الطلق ]4 :وذلك أنها إذا قعدت أقصى الجلين فقد
عملت بمقتضى اليتين ،وإن اعتدت بوضع الحمل فقد تركت العمل بآية عدة الوفاة ،والجمع أولى
من الترجيح باتفاق أهل الصول .وهذا نظر حسن لول ما يعكر عليه من حديث سبيعة السلمية
وأنها نفست بعفد وفاة زوجهفا بليال ،وأنها ذكرت ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم فأمرهفا أن
تتزوج؛ أخرجفه ففي الصفحيح .ففبين الحديفث أن قوله تعالى" :وأولت الحمال أجلهفن أن يضعفن
حملهفن" محمول على عمومفه ففي المطلقات والمتوففى عنهفن أزواجهفن ،وأن عدة الوفاة مختصفة
بالحائل مفن الصفنفين؛ ويعتضفد هذا بقول ابفن مسفعود :ومفن شاء باهلتفه أن آيفة النسفاء القصفرى
نزلت بعد آية عدة الوفاة .قال علماؤنا :وظاهر كلمه أنها ناسخة لها وليس ذلك مراده .وال أعلم.
وإنما يعني أنها مخصصة لها؛ فإنها أخرجت منها بعض متناولتها .وكذلك حديث سبيعة متأخر
عن عدة الوفاة؛ لن قصة سبيعة كانت بعد حجة الوداع ،وزوجها هو سعد بن خولة وهو من بني
عامفر بن لؤي وهو ممفن شهفد بدرا ،توففي بمكفة حينئذ وهفي حامفل ،وهفو الذي رثفى له رسفول ال
صلى ال عليه وسلم من أن توفي بمكة ،وولدت بعده بنصف شهر .وقال البخاري :بأربعين ليلة.
وروى مسلم من حديث عمر بن عبدال بن الرقم أن سبيعة سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم
عفن ذلك قالت :فأفتانفي بأنفي قفد حللت حيفن وضعفت حملي ،وأمرنفي بالتزوج إن بدا لي .قال ابفن
شهاب :ول أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها ،غير أن زوجها ل يقربها حتى
تطهفر؛ وعلى هذا جمهور العلماء وأئمفة الفقهاء .وقال الحسفن والشعفبي والنخعفي وحماد :ل تنكفح
النفسففاء مففا دامففت فففي دم نفاسففها .فاشترطوا شرطيففن :وضففع الحمففل ،والطهففر مففن دم النفاس.
والحديفث حجفة عليهفم ،ول حجفة لهفم ففي قوله( :فلمفا تعلت مفن نفاسفها تجملت للخطاب) كمفا ففي
صحيح مسلم وأبي داود؛ لن (تعلت) وإن كان أصله ،طهرت من دم نفاسها على ما قاله الخليل -
فيحتمل أن يكون المراد به ههنا تعلت من آلم نفاسها؛ أي استقلت من أوجاعها .ولو سلم أن معناه
مفا قال الخليفل فل حجفة فيفه؛ وإنمفا الحجفة ففي قوله عليفه السفلم لسفبيعة( :قفد حللت حيفن وضعفت)
فأوقفع الحفل ففي حيفن الوضفع وعلقفه عليفه ،ولم يقفل إذا انقطفع دمفك ول إذا طهرت؛ فصفح مفا قاله
الجمهور.
ول خلف بيفن العلماء على أن أجفل كفل حامفل مطلقفة يملك الزوج رجعتهفا أو ل يملك ،حرة
كانت أو أمة أو مدبرة أو مكاتبة أن تضع حملها.
واختلفوا ففي أجفل الحامفل المتوففى عنهفا كمفا تقدم؛ وقفد أجمفع الجميفع بل خلف بينهفم أن رجل
لو توفي وترك امرأة حامل فانقضت أربعة أشهر وعشر أنها ل تحل حتى تلد؛ فعلم أن المقصود
الولدة.
@قوله تعالى" :يتربصفن" التربفص :التأنفي والتصفبر عفن النكاح ،وترك الخروج عفن مسفكن
النكاح وذلك بأل تفارقففه ليل .ولم يذكففر ال تعالى السففكنى للمتوفففى عنهففا فففي كتابففه كمففا ذكرهففا
للمطلقفة بقوله تعالى" :أسفكنوهن" وليفس ففي لففظ العدة ففي كتاب ال تعالى مفا يدل على الحداد،
وإنمففا قال" :يتربصففن" فففبينت السففنة جميففع ذلك .والحاديففث عففن النففبي صففلى ال عليففه وسففلم
متظاهرة بأن التربص في الوفاة إنما هو بإحداد ،وهو المتناع عن الزينة ولبس المصبوغ الجميل
والطيب ونحوه ،وهذا قول جمهور العلماء .وقال الحسن بن أبي الحسن :ليس الحداد بشيء ،إنما
تتربص عن الزوج ،ولها أن تتزين وتتطيب؛ وهذا ضعيف لنه خلف السنة على ما نبينه إن شاء
ال تعالى .وثبفت أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال للفريعفة بنفت مالك بفن سفنان وكانفت متوففى
عنهفا( :امكثفي ففي بيتفك حتفى يبلغ الكتاب أجله) قالت :فاعتددت فيفه أربعفة أشهفر وعشرا؛ وهذا
حديفث ثابفت أخرجفه مالك عفن سفعيد بفن إسفحاق بفن كعفب بفن عجرة ،رواه عنفه مالك والثوري
ووهيفب بفن خالد وحماد بفن زيفد وعيسفى بفن يونفس وعدد كثيفر وابفن عيينفة والقطان وشعبفة ،وقفد
رواه مالك عن ابن شهاب ،وحسبك ،قال الباجي :لم يرو عنه غيره ،وقد أخذ به عثمان بن عفان.
قال أبفو عمفر :وقضفى بفه ففي اعتداد المتوففى عنهفا ففي بيتهفا ،وهفو حديفث معروف مشهور عنفد
علماء الحجاز والعراق أن المتوفى عنها زوجها عليها أن تعتد في بيتها ول تخرج عنه ،وهو قول
جماعفة فقهاء المصفار بالحجاز والشام والعراق ومصفر .وكان داود يذهفب إلى أن المتوففى عنهفا
زوجهفا ليفس عليهفا أن تعتفد ففي بيتهفا وتعتفد حيفث شاءت ،لن السفكنى إنمفا ورد بفه القرآن ففي
المطلقات؛ ومففن حجتففه أن المسففألة مسففألة خلف .قالوا :وهذا الحديففث إنمففا ترويففه امرأة غيففر
معروفة بحمل العلم؛ وإيجاب السكنى إيجاب حكم ،والحكام ل تجب إل بنص كتاب ال أو سنة أو
إجماع .قال أبففو عمففر :أمففا السففنة فثابتففة بحمففد ال ،وأمففا الجماع فمسففتغنى عنففه بالسففنة؛ لن
الختلف إذا نزل ففي مسفألة كانفت الحجفة ففي قول مفن وافقتفه السفنة ،وبال التوفيفق :وروي عفن
علي وابن عباس وجابر وعائشة مثل قول داود؛ وبه قال جابر بن زيد وعطاء والحسن البصري.
قال ابفن عباس :إنمفا قال ال تعالى" :يتربصفن بأنفسفهن أربعفة أشهفر وعشرا" ولم يقفل يعتددن ففي
بيوتهفن ،ولتعتفد حيفث شاءت؛ وروي عفن أبفي حنيففة .وذكفر عبدالرزاق قال :حدثنفا معمفر عفن
الزهري عن عروة قال :خرجت عائشة بأختها أم كلثوم -حين قتل عنها زوجها طلحة بن عبيدال
-إلى مكة في عمرة ،وكانت تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها .قال :وحدثنا الثوري
عن عبيدال بن عمر أنه سمع القاسم بن محمد يقول :أبى الناس ذلك عليها .قال :وحدثنا معمر عن
الزهري قال :أخفذ المترخصفون ففي المتوففى عنهفا زوجهفا بقول عائشفة ،وأخفذ أهفل الورع والعزم
بقول ابفن عمفر .وففي الموطفأ :أن عمفر بفن الخطاب كان يرد المتوففى عنهفن أزواجهفن مفن البيداء
يمنعهففن الحففج .وهذا مففن عمففر رضففي ال عنففه اجتهاد؛ لنففه كان يرى اعتداد المرأة فففي منزل
زوجها المتوفى عنها لزما لها؛ وهو مقتضى القرآن والسنة ،فل يجوز لها أن تخرج في حج ول
عمرة حتى تنقضي عدتها .وقال مالك :ترد ما لم تحرم.
@إذا كان الزوج يملك رقبة المسكن فإن للزوجة العدة فيه؛ وعليه أكثر الفقهاء :مالك وأبو حنيفة
والشافعفي وأحمفد وغيرهفم لحديفث الفريعفة .وهفل يجوز بيفع الدار ،إذا كانفت ملكفا للمتوففى وأراد
ذلك الورثة؛ فالذي عليه جمهور أصحابنا أن ذلك جائز ،ويشترط فيه العدة للمرأة .قال ابن القاسم:
لنهفا أحفق بالسفكنى مفن الغرماء .وقال محمفد بفن الحكفم :البيفع فاسفد؛ لنهفا قفد ترتاب فتمتفد عدتهفا.
وجفه قول ابفن القاسفم :أن الغالب السفلمة ،والريبفة نادرة وذلك ل يؤثفر ففي فسفاد العقود؛ فإن وقفع
البيفع فيفه بهذا الشرط فارتابفت ،قال مالك ففي كتاب محمفد :هفي أحفق بالمقام حتفى تنقضفي الريبفة،
وأحب إلينا أن يكون للمشتري الخيار في فسخ البيع أو إمضائه ول يرجع بشيء؛ لنه دخل على
العدة المعتادة ،ولو وقع البيع بشرط زوال الريبة كان فاسدا .وقال سحنون :ل حجة للمشترى وإن
تمادت الريبة إلى خمس سنين؛ لنه دخل على العدة والعدة قد تكون خمس سنين؛ ونحو هذا روى
أبو زيد عن ابن القاسم.
@فإن كان للزوج السكنى دون الرقبة ،فلها السكنى في مدة العدة ،خلفا لبي حنيفة والشافعي؛
لقوله عليفه السفلم للفريعفة -وقفد علم أن زوجهفا ل يملك رقبفة المسفكن ( : -امكثفي ففي بيتفك حتفى
يبلغ الكتاب أجله) .ل يقال إن المنزل كان لهفا ،فلذلك قال لهفا( :امكثفي ففي بيتفك) فإن معمرا روى
عن الزهري أنها ذكرت للنبي صلى ال عليه وسلم أن زوجها قتل ،وأنه تركها في مسكن ليس لها
واستأذنته؛ وذكر الحديث .ولنا من جهة المعنى أنه ترك دارا يملك سكناها ملكا ل تبعة عليه فيه؛
فلزم أن تعتد الزوجة فيه؛ أصل ذلك إذا ملك رقبتها.
وهذا إذا كان قد أدى الكراء ،وأما إذا كان لم يؤد الكراء فالذي في المدونة :إنه ل سكنى لها في
مال الميفت وإن كان موسفرا؛ لن حقهفا إنمفا يتعلق بمفا يملكفه مفن السفكنى ملكفا تامفا ،ومفا لم ينقفد
عوضفه لم يملكفه ملكفا تامفا ،وإنمفا ملك العوض الذي بيده ،ول حفق ففي ذلك للزوجفة إل بالميراث
دون السكنى؛ لن ذلك مال وليس بسكنى .وروى محمد عن مالك أن الكراء لزم للميت في ماله.
قوله صفلى ال عليفه وسفلم للفريعفة( :امكثفي ففي بيتفك حتفى يبلغ الكتاب أجله) يحتمفل أنفه أمرهفا
بذلك لما كان زوجها قد أدى كراء المسكن ،أو كان أسكن فيه إلى وفاته ،أو أن أهل المنزل أباحوا
لها العدة فيه بكراء أو غير كراء ،أو ما شاء ال تعالى من ذلك مما رأى به أن المقام لزم لها فيه
حتى تنقضي عدتها.
@واختلفوا ففي المرأة يأتيهفا نعفي زوجهفا وهفي ففي بيفت غيفر بيفت زوجهفا؛ فأمرهفا بالرجوع إلى
مسكنه وقراره مالك بن أنس؛ وروى ذلك عن عمر بن عبدالعزيز رضي ال عنه .وقال سعيد بن
المسفيب والنخعفي :تعتفد حيفث أتاهفا الخفبر ،ل تفبرح منفه حتفى تنقضفي العدة .قال ابفن المنذر :قول
مالك صحيح ،إل أن يكون نقلها الزوج إلى مكان فتلزم ذلك المكان.
@ويجوز لها أن تخرج في حوائجها من وقت انتشار الناس بكرة إلى وقت هدوئهم بعد العتمة،
ول تفبيت إل ففي ذلك المنزل .وففي البخاري ومسفلم عفن أم عطيفة أن رسفول ال صفلى ال عليفه
وسفلم قال( :ل تحفد امرأة على ميفت فوق ثلث إل على زوج أربعفة أشهفر وعشرا ،ول تلبفس ثوبفا
مصفبوغا إل ثوب عصفب ،ول تكتحفل ،ول تمفس طيبفا إل إذا طهرت نبذة مفن قسفط أو أظفار).
وففي حديفث أم حبيبفة( :ل يحفل لمرأة تؤمفن بال واليوم الخفر تحفد على ميفت فوق ثلث إل على
زوج أربعففة أشهففر وعشرا )...الحديففث .الحداد :ترك المرأة الزينففة كلهففا مففن اللباس والطيففب
والحلي والكحل والخضاب بالحناء ما دامت في عدتها؛ لن الزينة داعية إلى الزواج ،فنهيت عن
ذلك قطعففا للذرائع ،وحمايففة لحرمات ال تعالى أن تنتهففك ،وليففس دهففن المرأة رأسففها بالزيففت
والشيرج من الطيب في شيء .يقال :امرأة حاد ومحد .قال الصمعي :ولم نعرف (حدت) .وفاعل
(ل يحل) المصدر الذي يمكن صياغته من (تحد) مع (أن) المرادة؛ فكأنه قال :الحداد.
@وصفه عليه السلم المرأة باليمان يدل على صحة أحد القولين عندنا في الكتابية المتوفى عنها
زوجهفا أنهفا ل إحداد عليها؛ وهو قول ابن كنانفة وابن نافع ،ورواه أشهفب عن مالك ،وبه قال أبو
حنيففة وابفن المنذر ،وروي عفن ابفن القاسفم أن عليهفا الحداد ،كالمسفلمة؛ وبفه قال الليفث والشافعفي
وأبو ثور وعامة أصحابنا؛ لنه حكم من أحكام العدة فلزمت الكتابية للمسلم كلزوم المسكن والعدة.
@وفي قوله عليه السلم( :فوق ثلث إل على زوج) دليل على تحريم إحداد المسلمات على غير
أزواجهففن فوق ثلث ،وإباحففة الحداد عليهففم ثلثففا تبدأ بالعدد مففن الليلة التففي تسففتقبلها إلى آخففر
ثالثها؛ فإن مات حميمها في بقية يوم أو ليلة ألغته وحسبت من الليلة القابلة.
@هذا الحديفث بحكفم عمومفه يتناول الزوجات كلهفن المتوففى عنهفن أزواجهفن ،فيدخفل فيفه الماء
والحرائر والكبار والصغار؛ وهو مذهب الجمهور من العلماء .وذهب أبو حنيفة إلى أنه ل إحداد
على أمة ول على صغيرة؛ حكاه عنه القاضي أبو الوليد الباجي .قال ابن المنذر :أما المة الزوجة
فهفي داخلة ففي جملة الزواج وففي عموم الخبار؛ وهو قول مالك والشافعفي وأبفي ثور وأصفحاب
الرأي؛ ول أحففظ ففي ذلك عفن أحفد خلففا ،ول أعلمهفم يختلفون ففي الحداد على أم الولد إذا مات
سفيدها؛ لنهفا ليسفت بزوجفة ،والحاديفث إنمفا جاءت ففي الزواج .قال الباجفي :الصفغيرة إذا كانفت
ممن تعقل المر والنهي وتلتزم ما حد لها أمرت بذلك ،وإن كانت ل تدرك شيئا من ذلك لصغرها
فروى ابفن مزيفن عفن عيسفى يجنبهفا أهلهفا جميفع مفا تجتنبفه الكفبيرة ،وذلك لزم لهفا .والدليفل على
وجوب الحداد على الصفغيرة مفا روي أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم سفألته امرأة عفن بنفت لهفا
توفي عنها زوجها فاشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم (ل) مرتين أو ثلثا؛
كل ذلك يقول (ل) ولم يسأل عن سنها؛ ولو كان الحكم يفترق بالصغر والكبر لسأل عن سنها حتى
يفبين الحكفم ،وتأخيفر البيان ففي مثفل هذا ل يجوز ،وأيضفا فإن كفل مفن لزمتهفا العدة بالوفاة لزمهفا
الحداد كالكبيرة.
@قال ابن المنذر :ول أعلم خلفا أن الخضاب داخل في جملة الزينة المنهي عنها .وأجمعوا على
أنفه ل يجوز لهفا لباس الثياب المصفبغة والمعصففرة ،إل مفا صفبغ ،بالسفواد فإنفه رخفص فيفه عروة
بفن الزبيفر ومالك والشافعفي ،وكرهفه الزهري .وقال الزهري :ل تلبفس ثوب عصفب ،وهفو خلف
الحديث .وفي المدونة قال مالك :ل تلبس رقيق عصب اليمن؛ ووسع في غليظه .قال ابن القاسم:
لن رقيقفه بمنزلة الثياب المصفبغة وتلبفس رقيفق الثياب وغليظفه مفن الحريفر والكتان والقطفن .قال
ابن المنذر :ورخص كل من أحفظ عنه في لباس البياض؛ قال القاضي عياض :ذهب الشافعي إلى
أن كل صبغ كان زينة ل تمسه الحاد رقيقا كان أو غليظا .ونحوه للقاضي عبدالوهاب قال :كل ما
كان مفن اللوان تتزيفن بفه النسفاء لزواجهفن فلتمتنفع منفه الحاد .ومنفع بعفض ،مشايخنفا المتأخريفن
جيد البياض الذي يتزين به ،وكذلك الرفيع من السواد .وروى ابن المواز عن مالك :ل تلبس حليا
وإن كان حديدا؛ وفي الجملة أن كل ما تلبسه المرأة على وجه ما يستعمل عليه الحلي من التجمل
فل تلبسه الحاد .ولم ينص أصحابنا على الجواهر واليواقيت والزمرد وهو داخل في معنى الحلي.
وال أعلم.
@وأجمفع الناس على وجوب الحداد على المتوففى عنهفا زوجهفا ،إل الحسفن فإنفه قال :ليفس
بواجب؛ واحتج بما رواه عبدال بن شداد بن الهاد عن أسماء بنت عميس قالت :لما أصيب جعفر
بن أبي طالب قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم( :تسلبي ثلثا ثم اصنعي ما شئت) .قال ابن
المنذر :كان الحسففن البصففري مففن بيففن سففائر أهففل العلم ل يرى الحداد ،وقال :المطلقففة ثلثففا
والمتوفى عنها زوجها تكتحلن وتختضبان وتصنعان ما شاءا .وقد ثبتت الخبار عن النبي صلى
ال عليفه وسفلم بالحداد ،وليفس لحفد بلغتفه إل التسفليم؛ ولعفل الحسفن لم تبلغفه ،أو بلغتفه فتأولهفا
بحديفث أسفماء بنفت عميفس أنهفا اسفتأذنت النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أن تحفد على جعففر وهفى
امرأته؛ فأذن لهفا ثلثة أيام ثفم بعفث إليها بعد ثلثة أيام أن تطهري واكتحلي .قال ابن المنذر؛ وقد
دفع أهل العلم هذا الحديث بوجوبه؛ وكان أحمد بن حنبل يقول :هذا الشاذ من الحديث ل يؤخذ به؛
وقاله إسحاق.
@ذهب مالك والشافعي إلى أن ل إحداد على مطلقة رجعية كانت أو بائنة واحدة .أو أكثر؛ وهو
قول ربيعفة وعطاء .وذهفب الكوفيون :أبفو حنيففة وأصفحابه والثوري والحسفن بفن حفي ،وأبفو ثور
وأبو عبيد؟؟ أن المطلقة ثلثا عليها الحداد؛ وهو قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن
سفيرين والحكفم بن عيينة .قال الحكفم :هو عليها أوكفد وأشد منه على المتوففى عنها زوجها؛ ومن
جهفة المعنفى أنهمفا جميعفا ففي عدة يحففظ بهفا النسفب .وقال الشافعفي وأحمفد وإسفحاق :الحتياط أن
تتقي المطلقة الزينة .قال ابن المنذر :وفي قول النبي صلى ال عليه وسلم( :ل يحل لمرأة تؤمن
بال واليوم الخفر أن تحفد على ميفت فوق ثلث إل على زوج أربعفة أشهفر وعشرا) دليفل على أن
المطلقة ثلثا والمطلِق حيّ ل إحداد عليها.
@أجمع العلماء على أن من طلق زوجته طلقا يملك رجعتها ثم توفي قبل انقضاء العدة أن عليها
عدة الوفاة وترثه .واختلفوا في عدة المطلقة ثلثا في المرض؛ فقالت طائفة تعتد عدة الطلق؛ هذا
قول مالك والشافعي ويعقوب وأبي عبيد وأبي ثور .قال ابن المنذر :وبه نقول؛ لن ال تعالى جعل
عدة المطلقات القراء ،وقد أجمعوا على المطلقة ثلثا لو ماتت لم يرثها المطلق ،وذلك لنها غير
زوجفة؛ وإذا كانفت غيفر زوجفة فهفو غيفر زوج لهفا .وقال الثوري :تعتفد بأقصفى العدتيفن .وقال
النعمان ومحمد :عليها أربعة أشهر وعشر تستكمل في ذلك ثلث حيض.
@واختلفوا ففي المرأة يبلغهفا وفاة زوجهفا أو طلقفه؛ فقالت طائففة :العدة ففي الطلق والوفاة مفن
يوم يموت أو يطلق؛ هذا قول ابففن عمففر وابففن مسففعود وابففن عباس ،وبففه قال مسففروق وعطاء
وجماعفة مفن التابعيفن ،وإليفه ذهفب مالك والشافعفي وأحمفد وإسفحاق وأبفو عبيفد والثوري وأبفو ثور
وأصحاب الرأي وابن المنذر .وفيه قول ثان وهو أن عدتها من يوم يبلغها الخبر؛ روي هذا القول
عفن علي ،وبفه قال الحسفن البصفري وقتادة وعطاء الخراسفاني وجلس بفن عمرو .وقال سفعيد بفن
المسيب وعمر بن عبدالعزيز :إن قامت بينة فعدتها من يوم مات أو طلق ،وإن لم تقم بينة فمن يوم
يأتيهفا الخفبر؛ والصفحيح الول ،لنفه تعالى علق العدة بالوفاة أو الطلق ،ولنهفا لو علمفت بموتفه
فتركفت الحداد انقضفت العدة ،فإذا تركتفه مفع عدم العلم فهفو أهون؛ أل ترى أن الصفغيرة تنقضفي
عدتها ول إحداد عليها .وأيضا فقد أجمع العلماء على أنها لو كانت .حامل ل تعلم طلق الزوج أو
وفاته ثم وضعت حملها أن عدتها منقضية .ول فرق بين هذه المسألة وبين المسألة المختلف فيها.
ووجفه مفن قال بالعدة مفن يوم يبلغهفا الخفبر ،أن العدة عبادة بترك الزينفة وذلك ل يصفح إل بقصفد
ونية ،والقصد ل يكون إل بعد العلم .وال أعلم.
@عدة الوفاة تلزم الحرة والمفة والصفغيرة والكفبيرة والتفي لم تبلغ المحيفض ،والتفي حاضفت
واليائسفة مفن المحيفض والكتابيفة -دخفل بهفا أو لم يدخفل بهفا إذا كانفت غيفر حامفل -وعدة جميعهفن
إل المفة أربعفة أشهفر وعشرة أيام؛ لعموم اليفة ففي قوله تعالى" :يتربصفن بأنفسفهن أربعفة أشهفر
وعشرا" .وعدة المفة المتوففى عنهفا زوجهفا شهران وخمفس ليال .قال ابفن العربفي :نصفف عدة
الحرة إجماعا ،إل ما يحكى عن الصم فإنه سوى فيها بين الحرة والمة وقد سبقه الجماع ،لكن
لصممه لم يسمع .قال الباجي :ول نعلم في ذلك خلفا إل ما يروى عن ابن سيرين ،وليس بالثابت
عنه أنه قال :عدتها عدة الحرة.
قلت :قول الصم صحيح من حيث النظر؛ فإن اليات الواردة في عدة الوفاة والطلق بالشهر
والقراء عامة في حق المة والحرة؛ فعدة الحرة والمة سواء على هذا النظر؛ فإن العمومات ل
فصل فيها بين الحرة والمة ،وكما استوت المة والحرة في النكاح فكذلك تستوي معها في العدة.
وال أعلم .قال ابفن العربفي :وروي عفن مالك أن الكتابيفة تعتفد بثلث حيفض إذ يفبرأ الرحفم؛ وهذا
منه فاسد جدا ،لنه أخرجها من عموم آية الوفاة وهي منها وأدخلها في عموم آية الطلق وليست
منها.
قلت :وعليفه بناء مفا ففي المدونفة ل عدة عليهفا إن كانفت غيفر مدخول بهفا؛ لنفه قفد علم براءة
رحمهفا ،هذا يقتضفي أن تتزوج مسفلما أو غيره إثفر وفاتفه؛ لنفه إذا لم يكفن عليهفا عدة للوفاة ول
استبراء للدخول فقد حلت للزواج.
@واختلفوا في عدة أم الولد إذا توفى عنها سيدها؛ فقالت طائفة :عدتها أربعة أشهر وعشر؛ قاله
جماعففة مففن التابعيففن منهففم سففعيد والزهري والحسففن البصففري وغيرهففم ،وبففه قال الوزاعففي
وإسحاق .وروى أبو داود والدارقطني عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص قال :ل تلبسوا
علينا سنة نبينا صلى ال عليه وسلم ،عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر؛ يعني في أم
الولد؛ لففظ أبفي داود .وقال الدارقطنفي :موقوف .وهفو الصفواب ،وهفو مرسفل لن قبيصفة لم يسفمع
مفن عمرو .قال ابفن المنذر :وضعفف أحمفد وأبفو عبيفد هذا الحديفث .وروي عفن علي وابفن مسفعود
أن عدتها ثلث حيض؛ وهو قول عطاء وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأصحاب الرأي؛ قالوا:
لنهففا عدة تجففب فففي حال الحريففة ،فوجففب أن تكون عدة كاملة؛ أصففله عدة الحرة .وقال مالك
والشافعفي وأحمفد وأبفو ثور :عدتهفا حيضفة؛ وهفو قول ابفن عمفر .وروي عفن طاوس أن عدتهفا
نصف عدة الحرة المتوفى عنها؛ وبه قال قتادة .قال ابن المنذر :وبقول ابن عمر أقول؛ لنه القل
مما قيل فيه وليس فيه سنة تتبع ول إجماع يعتمد عليه .وذكر اختلفهم في عدتها في العتق كهو
في الوفاة سواء ،إل أن الوزاعي جعل عدتها في العتق ثلث حيض.
قلت :أصفح هذه القوال قول مالك ،لن ال سفبحانه قال" :والمطلقات يتربصفن بأنفسفهن ثلثفة
قروء" [البقرة ]228 :فشرط في تربص القراء أن يكون عن طلق؛ فانتفى بذلك أن يكون عن
غيره .وقال" :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا" فعلق
وجوب ذلك بكون المتربصففة زوجففة؛ فدل على أن المففة بخلفهففا .وأيضففا فإن هذه أمففة موطوءة
بملك اليمين فكان استبراؤها بحيضة؛ أصل ذلك المة.
إذا ثبفت هذا فهفل عدة أم الولد اسفتبراء محفض أو عدة؛ فالذي ذكره أبفو محمفد ففي معونتفه أن
الحيضة استبراء وليست بعدة .وفي المدونة أن أم الولد عليها العدة ،وأن عدتها حيضة كعدة الحرة
ثلث حيض .وفائدة الخلف أنا إذا قلنا هي عدة فقد قال مالك :ل أحب أن تواعد أحدا ينكحها حتى
تحيفض حيضفة .قال ابفن القاسفم :وبلغنفي عنفه أنفه قال :ل تفبيت إل ففي بيتهفا؛ فأثبفت لمدة اسفتبرائها
حكم العدة.
@أجمفع أهفل العلم على أن نفقفة المطلقفة ثلثفا أو مطلقفة للزوج عليهفا رجعفة وهفي حامفل واجبفة؛
لقوله تعالى" :وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن" [الطلق.]6 :
واختلفوا في وجوب نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها؛ فقالت طائفة :ل نفقة لها؛ كذلك قال جابر
بفن عبدال وابفن عباس وسفعيد بفن المسفيب وعطاء والحسفن وعكرمفة وعبدالملك بفن يعلى ويحيفى
النصفاري وربيعفة ومالك وأحمفد وإسفحاق ،وحكفى أبفو عبيفد ذلك عفن أصفحاب الرأي .وفيفه قول
ثان وهفو أن لهفا النفقفة مفن جميفع المال؛ وروي هذا القول عفن علي وعبدال وبفه قال ابفن عمرو
وشريفح وابفن سفيرين والشعفبي وأبفو العاليفة والنخعفي وجلس بفن عمرو وحماد بفن أبفي سفليمان
وأيوب السفختياني وسفيان الثوري وأبفو عبيفد .قال ابن المنذر :وبالقول الول أقول؛ لنهفم أجمعوا
على أن نفقفة كفل مفن كان يجفبر على نفقتفه وهفو حفي مثفل أولده الطفال وزوجتفه ووالديفه تسفقط
عنه؛ فكذلك تسقط عنه نفقة الحامفل مفن أزواجفه .وقال القاضي أبو محمفد :لن نفقة الحمل ليسفت
بديففن ثابففت فتتعلق بماله بعففد موتففه ،بدليففل أنهففا تسففقط عنففه بالعسففار فبأن تسففقط بالموت أولى
وأحرى.
@قوله تعالى" :أربعة أشهر وعشرا" اختلف العلماء في الربعة الشهر والعشر التي جعلها ال
ميقاتا لعدة المتوفى عنها زوجها ،هل تحتاج فيها إلى حيضة أم ل؛ فقال بعضهم :ل تبرأ إذا كانت
ممفن توطفأ إل بحيضفة تأتفي بهفا ففي الربعفة الشهفر والعشفر ،وإل فهفي مسفترابة .وقال آخرون:
ليس عليها أكثر من أربعة أشهر وعشر ،إل أن تستريب نفسها ريبة بينة؛ لن هذه المدة ل بد فيها
مفن الحيفض ففي الغلب مفن أمفر النسفاء إل أن تكون المرأة ممفن ل تحيفض أو ممفن عرففت مفن
نفسها أو عرف منها أن حيضتها ل تأتيها إل في أكثر من هذه المدة.
@قوله تعالى" :وعشرا" روى وكيفع عن أبفي جعففر الرازي عفن الربيفع بفن أنفس عن أبفى العاليفة
أنه سئل :لم ضمت العشر إلى الربعة الشهر؟ قال :لن الروح تنفخ فيها ،وسيأتي في الحج بيان
هذا إن شاء ال تعالى .وقال الصفمعي :ويقال إن ولد كفل حامفل يرتكفض ففي نصفف حملهفا فهفي
مركض .وقال غيره :أركضت فهي مركضة وأنشد:
تهان لها الغلمة والغلم ومركضة صريحي أبوها
وقال الخطابي :قوله "وعشرا" يريد -وال أعلم -اليام بلياليها .وقال المبرد :إنما أنث العشر لن
المراد بففه المدة .المعنففى وعشففر مدد ،كففل مدة مففن يوم وليلة ،فالليلة مففع يومهففا مدة معلومففة مففن
الدهففر .وقيففل :لم يقففل عشرة تغليبففا لحكففم الليالي إذ الليلة أسففبق مففن اليوم واليام فففي ضمنهففا.
"وعشرا" أخف في اللفظ؛ فتغلب الليالي على اليام إذا اجتمعت في التاريخ ،لن ابتداء الشهور
بالليففل عنففد السففتهلل ،فلمففا كان أول الشهففر الليلة غلب الليلة؛ تقول :صففمنا خمسففا مففن الشهففر؛
فتغلب الليالي وإن كان الصفوم بالنهار .وذهفب مالك والشافعفي والكوفيون إلى أن المراد بهفا اليام
والليالي .قال ابففن المنذر :فلو عقففد عاقففد عليهففا النكاح على هذا القول وقففد مضففت أربعففة أشهففر
وعشفر ليالي كان باطل حتفى يمضفي اليوم العاشفر .وذهفب بعفض الفقهاء إلى أنفه إذا انقضفى لهفا
أربعفة أشهفر وعشفر ليالي حلت للزواج ،وذلك لنفه رأى العدة مبهمفة فغلب التأنيفث وتأولهفا على
الليالي .وإلى هذا ذهفب الوزاعفي مفن الفقهاء وأبفو بكفر الصفم مفن المتكلميفن .وروي عفن ابفن
عباس أنه قرأ "أربعة أشهر وعشر ليال ".
@قوله تعالى" :فإذا بلغفن أجلهفن فل جناح عليكفم فيمفا فعلن ففي أنفسفهن بالمعروف وال بمفا
تعملون خبير"
فيه ثلث مسائل:
الولى :أضاف تعالى الجل إليهن إذ هو محدود مضروب في أمرهن ،وهو عبارة عن انقضاء
العدة.
الثانيففة :قوله تعالى" :فل جناح عليكففم" خطاب لجميففع الناس ،والتلبففس بهذا الحكففم هففو للحكام
والولياء" .فيما فعلن" يريد به التزوج فما دونه من التزين واطراح الحداد" .بالمعروف" أي بما
أذن فيفه الشرع مفن اختيار أعيان الزواج وتقديفر الصفداق دون مباشرة العقفد؛ لنفه حفق للولياء
كما تقدم.
الثالثة :وفي هذه الية دليل على أن للولياء منعهن من التبرج والتشوف للزوج في زمان العدة.
وفيهفا رد على إسفحاق ففي قوله :إن المطلقفة إذا طعنفت ففي الحيضفة الثالثفة بانفت وانقطعفت رجعفة
الزوج الول ،إل أنفه ل يحفل لهفا أن تتزوج حتفى تغتسفل .وعفن شريفك أن لزوجهفا الرجعفة مفا لم
تغتسففل ولو بعففد عشريففن سففنة؛ قال ال تعالى" :فإذا بلغففن أجلهففن فل جناح عليكففم فيمففا فعلن فففي
أنفسهن" وبلوغ الجل هنا انقضاء العدة بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة ولم يذكر غسل؛ فإذا
انقضفت عدتهفا حلت للزواج ول جناح عليهفا فيمفا فعلت مفن ذلك .والحديفث عفن ابفن عباس لو
صح يحتمل أن يكون منه على الستحباب ،وال أعلم.
**3الية{ 235 :ول جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم ال
أنكم ستذكرونهن ولكن ل تواعدوهن سرا إل أن تقولوا قول معروفا ول تعزموا عقدة النكاح حتى
يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن ال يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن ال غفور حليم}
@قوله تعالى" :ول جناح" أي ل إثم ،والجناح الثم ،وهو أصح في الشرع وقيل :بل هو المر
الشاق ،وهو أصح في اللغة؛ قال الشماخ:
تذكر ما لديه من الجناح إذا تعلو براكبها خليجا
وقوله تعالى" :عليكم فيما عرضتم به" المخاطبة لجميع الناس؛ والمراد بحكمها هو الرجل الذي
ففي نفسه تزوج معتدة ،أي ل وزر عليكفم ففي التعريفض بالخطبفة ففي عدة الوفاة .والتعريفض :ضفد
التصريح ،وهو إفهام المعنى بالشيء المحتمل له ولغيره وهو من عرض الشيء وهو جانبه؛ كأنه
يحوم به على الشيء ول يظهره .وقيل؛ هو من قولك عرضت الرجل ،أي أهديت إليه تحفة ،وفي
الحديث :أن ركبا من المسلمين عرضوا رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضا؛ أي
أهدوا لهما .فالمعرض بالكلم يوصل إلى صاحبه كلما يفهم معناه.
@قال ابن عطية :أجمعت المة على أن الكلم مع المعتدة بما هو نص في تزوجها وتنبيه عليه ل
يجوز ،وكذلك أجمعفت المفة على أن الكلم معهفا بمفا هفو رففث وذكفر جماع أو تحريفض عليفه ل
يجوز ،وكذلك ما أشبهه ،وجوز ما عدا ذلك .ومن أعظمه قربا إلى التصريح قول النبي صلى ال
عليفه وسفلم لفاطمفة بنفت قيفس( :كونفي عنفد أم شريفك ول تسفبقيني بنفسفك) .ول يجوز التعريفض
لخطبة الرجعية إجماعا لنها كالزوجة .وأما من كانت في عدة البينونة فالصحيح جواز التعريض
لخطبتها وال أعلم .وروي في تفسير التعريض ألفاظ كثيرة جماعها يرجع إلى قسمين :الول :أن
يذكرهفا لوليهفا يقول له ل تسفبقني بهفا .والثانفي :أن يشيفر بذلك إليهفا دون واسفطة؛ فيقول لهفا :إنفي
أريفد التزويفج؛ أو إنفك لجميلة ،إنفك لصفالحة ،إن ال لسفائق إليفك خيرا ،إنفي فيفك لراغفب ،ومفن
يرغب عنك ،إنك لنافقة ،وإن حاجتي في النساء ،وإن يقدر ال أمرا يكن .هذا هو تمثيل مالك وابن
شهاب .وقال ابفن عباس :ل بأس أن يقول :ل تسفبقيني بنفسفك ،ول بأس أن يهدي إليهفا ،وأن يقوم
بشغلهفا ففي العدة إذا كانفت مفن شأنفه؛ قاله إبراهيفم .وجائز أن يمدح نفسفه ويذكفر مآثره على وجفه
التعريض بالزواج؛ وقد فعله أبو جعفر محمد بن علي بن حسين ،قالت سكينة بنت حنظلة استأذن
علي محمفد بفن علي ولم تنقفض عدتفي مفن مهلك زوجفي فقال :قفد عرففت قرابتفي مفن رسفول ال
صلى ال عليه وسلم وقرابتي من علي وموضعي في العرب .قلت ،غفر ال لك يا أبا جعفر ،إنك
رجفل يؤخفذ عنفك ،تخطبنفي ففي عدتفي ،قال :إنمفا أخبرتفك بقرابتفي مفن رسفول ال صفلى ال عليفه
وسلم ومن علي .وقد دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم على أم سلمة وهي متأيمة من أبى سلمة
فقال( :لقففد علمففت أنففي رسففول ال وخيرتففه وموضعففي فففي قومففي) كانففت تلك خطبففة؛ أخرجففه
الدارقطني .والهدية إلى المعتدة جائزة ،وهي من التعريض؛ قاله سحنون وكثير من العلماء وقاله
إبراهيفم .وكره مجاهفد أن يقول لهفا :ل تسفبقيني بنفسفك ورآه مفن المواعدة سفرا .قال القاضفي أبفو
محمد بن عطية :وهذا عندي على أن يتأول قول النبي صلى ال عليه وسلم لفاطمة أنه على جهة
الرأي لها فيمن يتزوجها ل أنه أرادها لنفسه وإل فهو خلف لقول النبي صلى ال عليه وسلم.
قوله تعالى" :من خطبة النساء" الخطبة (بكسر الخاء) :فعل الخاطب من كلم وقصد واستلطاف
بفعل أو قول .يقال :خطبها يخطبها خطبا وخطبة .ورجل خطاب كثير التصرف في الخطبة؛ ومنه
قول الشاعر:
يقول إني خاطب وقد كذب برح بالعينين خطاب الكثب
وإنما يخطب عسا من حلب
والخطيفب :الخاطفب .والخطيفبى :الخطبفة؛ قال :عدي بفن زيفد يذكفر قصفد جذيمفة البرش لخطبفة
الزباء:
وهن ذوات غائلة لحينا لخطيبي التي غدرت وخانت
والخطفب؛ الرجفل الذي يخطفب المرأة؛ ويقال أيضفا :هفي خطبفه وخطبتفه التفي يخطبهفا .والخطبفة
فعلة كجلسفة وقعدة :والخطبفة (بضفم الخاء) هفي الكلم الذي يقال ففي النكاح وغيره .قال النحاس:
والخطبة ما كان لها أول وآخر؛ وكذا ما كان على فعلة نحو الكلة والضغطة.
@قوله تعالى" :أو أكننتم في أنفسكم" معناه سترتم وأضمرتم من التزوج بها بعد انقضاء عدتها.
والكنان :السففتر والخفاء؛ يقال :كننتففه وأكننتففه بمعنففى واحففد .وقيففل ،:كننتففه أي صففنته حتففى ل
تصيبه آفة وإن لم يكن مستورا؛ ومنه بيض مكنون ودر مكنون .وأكننته أسررته وسترته .وقيل:
كننفت الشيفء (مفن الجرام) إذا سفترته بثوب أو بيفت أو أرض ونحوه .وأكننفت المفر ففي نفسفي.
ولم يسفمع مفن العرب "كننتفه ففي نفسفي" .ويقال :أكفن البيفت النسفان؛ ونحفو هذا .فرففع ال الجناح
عمففن أراد تزوج المعتدة مففع التعريففض ومففع الكنان ،ونهففى عففن المواعدة التففي هففي تصففريح
بالتزويففج وبناء عليففه واتفاق على وعففد .ورخففص لعلمففه تعالى بغلبففة النفوس وطمحهففا وضعففف
البشر عن ملكها.
@اسفتدلت الشافعيفة بهذه اليفة على أن التعريفض ل يجفب فيفه حفد؛ وقالوا :لمفا رففع ال تعالى
الحرج ففي التعريفض ففي النكاح دل على أن التعريفض بالقذف ل يوجفب الحفد؛ لن ال سفبحانه لم
يجعففل التعريفض فففي النكاح مقام التصففريح .قلنففا :هذا سففاقط لن ال سففبحانه وتعالى لم يأذن فففي
التصففريح بالنكاح فففي الخطبففة ،وأذن فففي التعريففض الذي يفهففم منففه النكاح ،فهذا دليففل على أن
التعريفض يفهفم منفه القذف؛ والعراض يجفب صفيانتها ،وذلك يوجفب حفد المعرض؛ لئل يتطرق
الفسقة إلى أخذ العراض بالتعريض الذي يفهم منه ما يفهم بالتصريح.
@قوله تعالى" :علم ال أنكفم سفتذكرونهن" أي إمفا سفرا وإمفا إعلنفا ففي نفوسفكم وبألسفنتكم؛
فرخص في التعريض دون التصريح .الحسن :معناه ستخطبونهن" .ولكن ل تواعدوهن سرا" أي
على سر فحذف الحرف؛ لنه مما يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف جر.
واختلف العلماء فففي معنففى قوله تعالى" :سففرا" فقيففل؛ معناه نكاحففا ،أي ل يقففل الرجففل لهذه
المعتدة تزوجينففي؛ بففل يعرض إن أراد ،ول يأخففذ ميثاقهففا وعهدهففا أل تنكففح غيره فففي اسففتسرار
وخفيفة؛ هذا قول ابفن عباس وابففن جفبير ومالك وأصفحابه والشعففبي ومجاهففد وعكرمفة والسفدي
وجمهور أهففل العلم" .وسففرا" على هذا التأويففل نصففب على الحال ،أي مسففتسرين .وقيففل :السففر
الزنفا ،أي ل يكونفن منكفم مواعدة على الزنفا ففي العدة ثفم التزوج بعدهفا .قال معناه جابر بفن زيفد
وأبو مجلز لحق بن حميد ،والحسن وقتادة والنخعي والضحاك ،وأن السر في هذه الية الزنا ،أي
ل تواعدوهن زنا ،واختاره الطبري؛ ومنه قول العشى:
عليك حرام فأنكحن أو تأبدا فل تقربن جارة إن سرها
وقال الحطيئة:
ويأكل جارهم أنف القصاع ويحرم سر جارتهم عليهم
وقيففل :السففر الجماع ،أي ل تصفففوا أنفسففكم لهففن بكثرة الجماع ترغيبففا لهففن فففي النكاح فإن ذكففر
الجماع مع غير الزوج فحش؛ هذا قول الشافعي .وقال امرؤ القيس:
كبرت وأل يحسن السر أمثالي أل زعمت بسباسة اليوم أنني
وقال رؤبة:
فكف عن إسرارها بعد العسق
أي كفف عفن جماعهفا بعفد ملزمتفه لذلك .وقفد يكون السفر عقدة النكاح ،سفرا كان أو جهرا ،قال
العشى:
ولن يسلموها لزهادها فلن يطلبوا سرها للغنى
وأراد أن يطلبوا نكاحها لكثرة مالها ،ولن يسلموها لقلة مالها .وقال ابن زيد :معنى قوله "ولكن ل
تواعدوهن سرا" أن ل تنكحوهن وتكتمون ذلك؛ فإذا حلت أظهرتموه ودخلتم بهن؛ وهذا هو معنى
القول الول؛ فابفن زيفد على هذا قائل بالقول الول؛ وإنمفا شفذ ففي أن سفمى العقفد مواعدة ،وذلك
قلق .وحكى مكي والثعلبي عنه أنه قال :الية منسوخة بقوله تعالى" :ول تعزموا عقدة النكاح".
@قال القاضفي أبفو محمفد بفن عطيفة :أجمعفت المفة على كراهفة المواعدة ففي العدة للمرأة ففي
نفسفها ،وللب ففي ابنتفه البكفر ،وللسفيد ففي أمتفه .قال ابفن المواز :وأمفا الولي الذي ل يملك الجفبر
فأكرهفه وإن نزل لم أفسفخه .وقال مالك رحمفه ال فيمفن يواعفد ففي العدة ثفم يتزوج بعدهفا :فراقهفا
أحفب إلي ،دخل بها أو لم يدخل ،وتكون تطليقفة واحدة؛ فإذا حلت خطبهفا مفع الخطاب؛ هذه رواية
ابفن وهب .وروى أشهفب عفن مالك أنفه يفرق بينهمفا إيجابفا؛ وقاله ابن القاسفم .وحكفى ابفن الحارث
مثله عفن ابفن الماجشون ،وزاد مفا يقتضفي أن التحريفم يتأبفد .وقال الشافعفي :إن صفرح بالخطبفة
وصرحت له بالجابة ولم يعقد النكاح حتى تنقضي العدة فالنكاح ثابت والتصريح لها مكروه لن
النكاح حادث بعد الخطبة؛ قاله ابن المنذر.
@قوله تعالى" :إل أن تقولوا قول معروفا" استثناء منقطع بمعنى لكن؛ كقوله" إل خطأ" [النساء:
]92أي لكن خطأ .والقول المعروف هو ما أبيح من التعريض .وقد ذكر الضحاك أن من القول
المعروف أن يقول للمعتدة :احبسي علي نفسك فإن لي بك رغبة؛ فتقول هي :وأنا مثل ذلك؛ وهذا
شبه المواعدة.
@قوله تعالى" :ول تعزموا عقدة النكاح" قد تقدم القول في معنى العزم؛ يقال :عزم الشيء وعزم
عليفه .والمعنفى هنفا :ول تعزموا على عقدة النكاح .ومفن المفر البيفن أن القرآن أفصفح كلم؛ فمفا
ورد فيففه فل معترض عليففه ،ول يشففك فففي صففحته وفصففاحته؛ وقففد قال ال تعالى" :وإن عزموا
الطلق" [البقرة ]227 :وقال هنفا" :ول تعزموا عقدة النكاح" والمعنفى :ل تعزموا على عقدة
النكاح فففي زمان العدة ثففم حذف على مففا تقدم .وحكففى سففيبويه :ضرب فلن الظهففر والبطففن؛ أي
على .قال سفففيبويه :والحذف ففففي هذه الشياء ل يقاس عليفففه .قال النحاس :ويجوز أن يكون "ول
تعقدوا عقدة النكاح"؛ لن معنى "تعزموا" وتعقدوا واحد .ويقال" :تعزموا" بضم الزاي.
@قوله تعالى" :حتى يبلغ الكتاب أجله" يريد تمام العدة .والكتاب هنا هو الحد الذي جعل والقدر
الذي رسفم مفن المدة؛ سفماها كتابفا إذ قفد حده وفرضفه كتاب ال كمفا قال "كتاب ال عليكفم" وكمفا
قال" :إن الصلة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" [النساء .]103 :فالكتاب :الفرض ،أي حتى
يبلغ الفرض أجله؛ "كتفب عليكفم الصفيام" [البقرة ]183 :أي فرض .وقيفل ، :ففي الكلم حذف،
أي حتففى يبلغ فرض الكتاب أجله؛ فالكتاب على هذا التأويففل بمعنففى القرآن .وعلى الول ل حذف
فهو أولى ،وال أعلم.
@حرم ال تعالى عقفد النكاح ففي العدة بقوله تعالى" :ول تعزموا عقدة النكاح حتفى يبلغ الكتاب
أجله" وهذا من المحكم المجمع على تأويله ،أن بلوغ أجله انقضاء العدة .وأباح التعريض في العدة
بقوله" :ول جناح عليكفم فيمفا عرضتفم بفه مفن خطبفة النسفاء" اليفة .ولم يختلف العلماء ففي إباحفة
ذلك ،واختلفوا فففي ألفاظ التعريففض على مففا تقدم .واختلفوا فففي الرجففل يخطففب امرأة فففي عدتهففا
جاهل ،أو يواعدها ويعقد بعد العدة؛ وقد تقدم هذا في الية التي قبلها .واختلفوا إن عزم العقدة في
العدة وعثر عليه ففسخ الحاكم نكاحه؛ وذلك قبل الدخول وهي:
فقول عمفر بفن الخطاب وجماعفة مفن العلماء أن ذلك ل يؤبفد تحريمفا ،وأنفه يكون خاطبفا مفن
الخطاب؛ وقاله مالك وابففن القاسففم فففي المدونففة فففي آخففر الباب الذي يليففه [ضرب أجففل المفقود].
وحكى ابن الجلب عن مالك رواية أن التحريم يتأبد في العقد وإن فسخ قبل الدخول؛ ووجهه أنه
نكاح ففي العدة فوجفب أن يتأبفد بفه التحريفم؛ أصفله إذا بنفى بهفا .وأمفا إن عقفد ففي العدة ودخفل بعفد
انقضائها وهي:
فقال قوم مفن أهفل العلم :ذلك كالدخول ففي العدة؛ يتأبفد التحريفم بينهمفا .وقال قوم مفن أهفل العلم:
ل يتأبفد بذلك تحريفم .وقال مالك :يتأبفد التحريفم .وقال مرة :ومفا التحريفم بذلك بالبيفن؛ والقولن له
في المدونة في طلق السنة .وأما إن دخل في العدة ،وهي:
فقال مالك والليث والوزاعي :يفرق بينهما ول تحل له أبدا .قال مالك والليث :ول بملك اليمين؛
مفع أنهفم جوزوا التزويفج بالمزنفي بهفا .واحتجوا بأن عمفر بفن الخطاب قال :ل يجتمعان أبدا .قال
سففعيد :ولهففا مهرهففا بمففا اسففتحل مففن فرجهففا؛ أخرجففه مالك فففي موطئه وسففيأتي .وقال الثوري
والكوفيون والشافعي :يفرق بينهما ول يتأبد التحريم بل يفسخ بينهما ثم تعتد منه ،ثم يكون خاطبا
مفن الخطاب .واحتجوا بإجماع العلماء على أنفه لو زنفى بهفا لم يحرم عليفه تزويجهفا؛ فكذلك وطؤه
إياها في العدة .قالوا :وهو قول علي .ذكره عبدالرزاق .وذكر عن ابن مسعود مثله؛ وعن الحسن
أيضا .وذكر عبدالرزاق عن الثوري عن أشعث عن الشعبي عن مسروق أن عمر رجع عن ذلك
وجعلهما يجتمعان .وذكر القاضفي أبو الوليد الباجي في المنتقى فقال :ل يخلو الناكح ففي العدة إذا
بنفى بهفا أن يبنفي بهفا ففي العدة أو بعدهفا؛ فإن كان بنفى بهفا ففي العدة فإن المشهور مفن المذهفب أن
التحريفم يتأبفد؛ وبفه قال أحمفد بفن حنبفل .وروى الشيفخ أبفو القاسفم ففي تفريعفه أن ففي التفي يتزوجهفا
الرجفل ففي عدة مفن طلق أو وفاة عالمفا بالتحريفم روايتيفن؛ إحداهمفا :أن تحريمفه يتأبفد على مفا
قدمناه .والثانية :أنه زان وعليه الحد ،ول يلحق به الولد ،وله أن يتزوجها إذا انقضت عدتها؛ وبه
قال الشافعي وأبو حنيفة .ووجه الرواية الولى -وهي المشهورة -ما ثبت من قضاء عمر بذلك،
وقيامفه بذلك ففي الناس ،وكانفت قضاياه تسفير وتنتشفر وتنقفل ففي المصفار ،ولم يعلم له مخالف؛
فثبفت أنفه إجماع .قال القاضفي أبفو محمفد :وقفد روي مثفل ذلك عفن علي بفن أبفي طالب ول مخالف
لهمفا مفع شهرة ذلك وانتشاره؛ وهذا حكفم الجماع .ووجفه الروايفة الثانيفة أن هذا وطفء ممنوع فلم
يتأبفد تحريمفه؛ كمفا لو زوجفت نفسفها أو تزوجفت متعفة أو زنفت .وقفد قال القاضفي أبفو الحسفن :إن
مذهففب مالك المشهور فففي ذلك ضعيففف مففن جهففة النظففر .وال أعلم .وأسففند أبففو عمففر :حدثنففا
عبدالوارث بفن سففيان حدثنفا قاسفم بفن أصفبغ عفن محمفد بفن إسفماعيل عفن نعيفم بفن حماد عفن ابفن
المبارك عفن أشعفث عفن الشعفبي عفن مسفروق قال :بلغ عمفر بفن الخطاب أن امرأة مفن قريفش
تزوجها رجل من ثقيف في عدتها فأرسل إليهما ففرق بينهما وعاقبهما وقال :ل تنكحها أبدا وجعل
صفداقها ففي بيفت المال؛ وفشفا ذلك ففي الناس فبلغ عليفا فقال :يرحفم ال أميفر المؤمنيفن ،مفا بال
الصفداق وبيفت المال ،إنمفا جهل فينبغفي للمام أن يردهمفا إلى السفنة .قيفل :فمفا تقول أنفت فيهمفا؟
فقال :لها الصداق بما استحل من فرجها ،ويفرق بينهما ول جلد عليهما ،وتكمل عدتها من الول،
ثفم تعتفد مفن الثانفي عدة كاملة ثلثفة أقراء ثفم يخطبهفا إن شاء .فبلغ عمفر فخطفب الناس فقال :أيهفا
الناس ،ردوا الجهالت إلى السنة .قال الكيا الطبري :ول خلف بين الفقهاء أن من عقد على امرأة
نكاحهفا وهفي ففي عدة مفن غيره أن النكاح فاسفد .وففي اتفاق عمفر وعلي على نففي الحفد عنهمفا مفا
يدل على أن النكاح الفاسفد ل يوجفب الحفد؛ إل أنفه مفع الجهفل بالتحريفم متففق عليفه ،ومفع العلم بفه
مختلف فيه .واختلفوا هل تعتد منهما جميعا .وهذه مسألة العدتين وهي:
@فروى المدنيون عن مالك أنها تتم بقية عدتها من الول ،وتستأنف عدة أخرى من الخر؛ وهو
قول الليفث والحسفن بفن حفي والشافعفي وأحمفد وإسفحاق .وروي عفن علي كمفا ذكرنفا ،وعفن عمفر
على مفا يأتفي .وروى محمفد بفن القاسفم وابفن وهفب عفن مالك :إن عدتهفا مفن الثانفي تكفيهفا مفن يوم
فرق بينه وبينها ،سواء كانت بالحمل أو بالقراء أو بالشهور؛ وهو قول الثوري والوزاعي وأبي
حنيففة .وحجتهفم الجماع على أن الول ل ينكحهفا ففي بقيفة العدة منفه؛ فدل على أنهفا ففي عدة مفن
الثانفي ،ولول ذلك لنكحهفا ففي عدتهفا منفه .أجاب الولون فقالوا :هذا غيفر لزم لن منفع الول مفن
أن ينكحها في بقية عدتها إنما وجب لما يتلوها من عدة الثاني؛ وهما حقان قد وجبا عليها لزوجين
كسفائر حقوق الدمييفن ،ل يدخفل أحدهمفا ففي صفاحبه .وخرج مالك عفن ابفن شهاب عفن سفعيد بفن
المسفيب وعفن سفليمان بفن يسفار أن طليحفة السفدية كانفت تحفت رشيفد الثقففي فطلقهفا فنكحفت ففي
عدتها فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما؛ ثم قال عمر بن
الخطاب رضي ال عنه :أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوج بها لم يدخل بها
فرق بينهمفا ثفم اعتدت بقيفة عدتهفا مفن الزوج الول ،ثفم كان الخفر خاطبفا مفن الخطاب؛ وإن كان
دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الول ،ثم اعتدت من الخر ثم ل يجتمعان أبدا .قال
مالك :وقال سعيد بن المسيب :ولها مهرها بما استحل من فرجها .قال أبو عمر :وأما طليحة هذه
فهفي طليحفة ،بنفت عفبيدال أخفت طلحفة بفن عفبيدال التيمفي ،وففي بعفض نسفخ الموطفأ مفن روايفة
يحيى :طليحة السدية وذلك خطأ وجهل ،ول أعلم أحدا قاله.
@قوله (فضربها عمر بالمخفقة وضرب زوجها ضربات) يريد على وجه العقوبة لما ارتكباه من
المحظور وهفو النكاح ففي العدة .وقال الزهري :فل أدري كفم بلغ ذلك الجلد .قال :وجلد عبدالملك
ففي ذلك كفل واحفد منهمفا أربعيفن جلدة .قال :فسفئل عفن ذلك قبيصفة بفن ذؤيفب فقال :لو كنتفم خففتفم
فجلدتفم عشريفن ،وقال ابفن حفبيب ففي التفي تتزوج ففي العدة فيمسفها الرجفل أو يقبفل أو يباشفر أو
يغمز أو ينظر على وجه اللذة أن على الزوجين العقوبة وعلى الولي وعلى الشهود ومن علم منهم
أنهفا ففي عدة ،ومفن جهفل منهفم ذلك فل عقوبة عليفه .وقال ابفن المواز :يجلد الزوجان الحفد إن كانفا
تعمدا ذلك؛ فيحمففل قول ابففن حففبيب على مففن علم بالعدة ،ولعله جهففل التحريففم ولم يتعمففد ارتكاب
المحظور فذلك الذي يعاقفففب؛ وعلى ذلك كان ضرب عمفففر المرأة وزوجهفففا بالمخفقفففة ضربات.
وتكون العقوبفة والدب ففي ذلك بحسفب حال المعاقفب .ويحمفل قول ابفن المواز على أنهمفا علمفا
التحريفم واقتحمفا ارتكاب المحظور جرأة وإقدامفا .وقفد قال الشيفخ أبفو القاسفم :إنهمفا روايتان ففي
التعمد؛ إحداهما يحد ،والثانية يعاقب ول يحد.
@قوله تعالى" :واعلموا أن ال يعلم ما في أنفسكم فاحذروه" هذا نهاية التحذير من الوقوع فيما
نهى عنه.
**3اليفة{ 236 :ل جناح عليكفم إن طلقتفم النسفاء مفا لم تمسفوهن أو تفرضوا لهفن فريضفة
ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين}
@قوله تعالى" :ل جناح عليكم إن طلقتم النساء" هذا أيضا من أحكام المطلقات؛ وهو ابتداء إخبار
برفففع الحرج عففن المطلق قبففل البناء والجماع ،فرض مهرا أو لم يفرض؛ ولمففا نهففى رسففول ال
صففلى ال عليففه وسففلم عففن التزوج لمعنففى الذوق وقضاء الشهوة ،وأمففر بالتزوج لطلب العصففمة
والتماس ثواب ال وقصفد دوام الصفحبة وقفع ففي نفوس المؤمنيفن أن مفن طلق قبفل البناء قفد واقفع
جزءا مففن هذا المكروه فنزلت اليففة رافعففة للجناح فففي ذلك إذا كان أصففل النكاح على المقصففد
الحسفن .وقال قوم" :ل جناح عليكفم" معناه ل طلب لجميفع المهفر بفل عليكفم نصفف المفروض لمفن
فرض لها ،والمتعة لمن لم يفرض لها .وقيل :لما كان أمر المهر مؤكدا في الشرع فقد يتوهم أنه ل
بد من مهر إما مسمى وإما مهر المثل؛ فرفع الحرج عن المطلق في وقت التطليق وإن لم يكن في
النكاح مهفر .وقال قوم" :ل جناح عليكفم" معناه ففي أن ترسفلوا الطلق ففي وقفت الحيفض ،بخلف
المدخول بها إذ غير المدخول بها ل عدة عليها.
@المطلقات أربفع :مطلقفة مدخول بهفا مفروض لهفا وقفد ذكفر ال حكمهفا قبفل هذه اليفة وأنفه ل
يسفترد منهفا شيفء مفن المهفر ،وأن عدتهفا ثلثفة قروء .ومطلقفة غيفر مفروض لهفا ول مدخول بهفا
فهذه الية في شأنها ول مهر لها بل أمر الرب تعالى بإمتاعها وبين في سورة "الحزاب" أن غير
المدخول بها إذا طلقت فل عدة عليها ،وسيأتي .ومطلقة مفروض لها غير مدخول بها ذكرها بعد
هذه اليففة إذ قال" :وإن طلقتموهففن مففن قبففل أن تمسففوهن وقففد فرضتففم لهففن فريضففة"[ ،البقرة:
]237ومطلقة مدخول بها غير مفروض لها ذكرها ال في قوله" :فما استمتعتم به منهن فآتوهن
أجورهفن" [النسفاء]24:؛ فذكفر تعالى هذه اليفة والتفي بعدهفا مطلقفة قبفل المسفيس وقبفل الفرض،
ومطلقة قبفل المسفيس وبعفد الفرض؛ فجعل للولى المتعة ،وجعل للثانيفة نصفف الصفداق لمفا لحق
الزوجة من دحض العقد ،ووصم الحل الحاصل للزوج بالعقد؛ وقابل المسيس بالمهر الواجب.
@لمفا قسفم ال تعالى حال المطلقفة هنفا قسفمين :مطلقفة مسفمى لهفا المهفر ،ومطلقفة لم يسفم لهفا دل
على أن نكاح التفويفض جائز وهفو كفل نكاح عقفد مفن غيفر ذكفر الصفداق ول خلف فيفه ،ويفرض
بعفد ذلك الصفداق فإن فرض التحفق بالعقفد وجاز وإن لم يفرض لهفا وكان الطلق لم يجفب صفداق
إجماعا قاله القاضي أبو بكر بن العربي .وحكى المهدوي عن حماد بن أبي سليمان أنه إذا طلقها
ولم يدخل بها ولم يكن فرض لها أجبر على نصف صداق مثلها .وإن فرض بعد عقد النكاح وقبل
وقوع الطلق فقال أبفو حنيففة :ل يتنصفف بالطلق لنفه لم يجفب بالعقفد وهذا خلف الظاهفر مفن
قوله تعالى" :وإن طلقتموهففن مففن قبففل أن تمسففوهن وقففد فرضتففم لهففن فريضففة" [البقرة]237:
وخلف القياس أيضففا؛ فإن الفرض بعففد العقففد يلحففق بالعقففد فوجففب أن يتنصففف بالطلق؛ أصففله
الفرض المقترن بالعقد.
@إن وقع الموت قبل الفرض فذكر الترمذي عن ابن مسعود (أنه سئل عن رجل تزوج امرأة لم
يفرض لهفا ولم يدخفل بهفا حتفى مات فقال ابفن مسفعود :لهفا مثفل صفداق نسفائها ل وكفس ول شطفط
وعليهفا العدة ولهفا الميراث فقام معقفل بفن سفنان الشجعفي فقال :قضفى رسفول ال صفلى ال عليفه
وسفلم ففي بروع بنفت واشفق امرأة منفا مثفل الذي قضيفت ففرح بهفا ابفن مسفعود) .قال الترمذي:
حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح ،وقد روي عنه من غير وجه ،والعمل على هذا عند بعض
أهفل العلم مفن أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وغيرهفم ،وبفه يقول الثوري وأحمفد وإسفحاق،
وقال بعفض أهفل العلم مفن أصفحاب النفبي صفلى ال عليه وسفلم منهفم علي بفن أبفي طالب وزيفد بفن
ثابفت وابفن عباس وابفن عمفر( :إذا تزوج الرجفل امرأة ولم يدخفل بهفا ولم يفرض لهفا صفداقا حتفى
مات قالوا :لهفا الميراث ول صفداق لهفا وعليهفا العدة) وهول قول الشافعفي .وقال :ولو ثبفت حديفث
بروع بنت واشق لكانت الحجة فيما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم .ويروى عن الشافعي أنه
رجع بمصر بعد عن هذا القول ،وقال بحديث بروع بنت واشق.
قلت :اختلف ففي تثبيت حديث بروع؛ فقال القاضفي أبو محمد عبدالوهاب في شرح رسالة ابن
أبي زيد :وأما حديث بروع بنت واشق فقد رده حفاظ الحديث وأئمة أهل العلم .وقال الواقدي :وقع
هذا الحديث بالمدينة فلم يقبله أحد من العلماء وصححه الترمذي كما ذكرنا عنه وابن المنذر .قال
ابفن المنذر :وقفد ثبفت مثفل قول عبدال بفن مسفعود عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وبفه نقول.
وذكفر أنفه قول أبفي ثور وأصفحاب الرأي .وذكفر عفن الزهري والوزاعفي ومالك والشافعفي مثفل
قول علي وزيفد وابفن عباس وابفن عمفر .وففي المسفألة قول ثالث وهفو أنفه ل يكون ميراث حتفى
يكون مهر؛ قاله مسروق.
قلت :ومفن الحجفة لمفا ذهفب إليفه مالك أنفه فراق ففي نكاح قبفل الفرض فلم يجفب فيفه صفداق؛
أصله الطلق لكن إذا صح الحديث فالقياس في مقابلته فاسد .وقد حكى أبو محمد عبدالحميد عن
المذهفب مفا يواففق الحديفث والحمفد ل .وقال أبفو عمفر :حديفث بروع رواه عبدالرزاق عفن الثوري
عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود الحديث .وفيه :فقام معقل بن سنان .وقال فيه
ابفن مهدي عفن الثوري عفن فراس عفن الشعفبي عفن مسفروق عفن عبدال فقال معقفل بفن يسفار،
والصفواب عندي قول مفن قال :معقفل بفن سفنان ل معقفل بفن يسفار لن معقفل بفن يسفار رجفل مفن
مزينة ،وهذا الحديث إنما جاء في امرأة من أشجع ل من مزينة وكذلك رواه داود عن الشعبي عن
علقمة؛ وفيه :فقال ناس من أشجع ومعقل بن سنان قتل يوم الحرة وفي يوم الحرة يقول الشاعر:
وأشجع تبكي معقل بن سنان أل تلكم النصار تبكي سراتها
@قوله تعالى" :مفا لم تمسفوهن" (مفا) بمعنفى الذي ،أي إن طلقتفم النسفاء اللتفي لم تمسفوهن.
و"تمسفوهن" قرئ بفتفح التاء مفن الثلثفي ،وهفي قراءة ناففع وابفن كثيفر وأبفي عمرو وعاصفم وابفن
عامفر .وقرأ حمزة والكسفائي "تماسفوهن" مفن المفاعلة؛ لن الوطفء تفم بهمفا؛ وقفد يرد ففي باب
المفاعلة فاعفل بمعنفى فعفل؛ نحفو طارقفت النعفل ،وعاقبفت اللص .والقراءة الولى تقتضفي معنفى
المفاعلة فففي هذا الباب بالمعنففى المفهوم مففن المففس؛ ورجحهففا أبففو علي؛ لن أفعال هذا المعنففى
جاءت ثلثيفة على هذا الوزن ،جاء :نكفح وسففد وقرع ودففط وضرب الفحفل؛ والقراءتان حسفنتان.
و"أو" في "أو تفرضوا" قيل هو بمعنى الواو؛ أي ما لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن؛ كقوله تعالى:
"وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون" [العراف ]4 :أي وهم قائلون .وقوله:
"وأرسفلناه إلى مائة ألف أو يزيدون" [الصفافات ]147 :أي ويزيدون ،.وقوله" :ول تطفع منهفم
آثمفا أو كفورا" [النسان ]24:أي وكفورا .وقوله" :وإن كنتفم مرضفى أو على سففر أو جاء أحفد
منكفم مفن الغائط" [النسفاء ]43 :معناه وجاء أحفد منكفم مفن الغائط وأنتفم مرضفى أو مسفافرون.
وقوله" :إل مفا حملت ظهورهمفا أو الحوايفا أو مفا اختلط بعظفم" [النعام ]146 :ومفا كان مثله.
ويعتضفد هذا بأنفه تعالى عطفف عليهفا بعفد ذلك المفروض لهفا فقال" :وإن طلقتموهفن مفن قبفل أن
تمسفوهن وقفد فرضتفم لهفن فريضفة" [البقرة .]237 :فلو كان الول لبيان طلق المفروض لهفا
قبل المسيس لما كرره.
@قوله تعالى" :ومتعوهن" معناه أعطوهن شيئا يكون متاعا لهن .وحمله ابن عمر وعلي بن أبي
طالب والحسن بن أبى الحسن وسعيد بن جبير وأبو قلبة والزهري وقتادة والضحاك بن مزاحم
على الوجوب .وحمله أبفو عبيفد ومالك بفن أنفس وأصفحابه والقاضفي شريفح وغيرهفم على الندب.
تمسففك أهففل القول الول بمقتضففى المففر .وتمسففك أهففل القول الثانففي بقوله تعالى" :حقففا على
المحسفنين" و"على المتقيفن" ولو كانفت واجبفة لطلقهفا على الخلق أجمعيفن .والقول الول أولى؛
لن عمومات المفر بالمتاع ففي قوله" :متعوهفن" وإضاففة المتاع إليهفن بلم التمليفك ففي قوله:
"وللمطلقات متاع" أظهر في الوجوب منه في الندب .وقوله" :على المتقين" تأكيد ليجابها؛ لن
كفل واحفد يجفب عليفه أن يتقفي ال ففي الشراك بفه ومعاصفيه ،وقفد قال تعالى ففي القرآن" :هدى
للمتقين".
@واختلفوا ففي الضميفر المتصفل بقوله "ومتعوهفن" مفن المراد بفه مفن النسفاء؟ فقال ابفن عباس
وابفن عمفر وجابر بفن زيفد والحسفن والشافعفي وأحمفد وعطاء وإسفحاق وأصفحاب الرأي :المتعفة
واجبة للمطلقة قبل البناء والفرض ،ومندوبة في حق غيرها .وقال مالك وأصحابه :المتعة مندوب
إليهفا ففي كفل مطلقفة وإن دخفل بهفا ،إل ففي التفي لم يدخفل بهفا وقفد فرض لهفا فحسفبها مفا فرض لهفا
ول متعة لها .وقال أبو ثور :لها المتعة ولكل مطلقة .وأجمع أهل العلم على أن التي لم يفرض لها
ولم يدخل بها ل شيء لها غير المتعة .قال الزهري :يقضي لها بها القاضي .وقال جمهور الناس:
ل يقضي بها لها.
قلت :هذا الجماع إنمفا هفو ففي الحرة ،فأمفا المفة إذا طلقفت قبفل الفرض والمسفيس فالجمهور
على أن لها المتعة .وقال الوزاعي والثوري :ل متعة لها لنها تكون لسيدها وهو ل يستحق مال
فففي مقابلة تأذي مملوكتففه بالطلق .وأمففا ربففط مذهففب مالك فقال ابففن شعبان :المتعففة بإزاء غففم
الطلق ،ولذلك ليففس للمختلعففة والمبارئة والملعنففة متعففة قبففل البناء ول بعده؛ لنهففا هففي التففي
اختارت الطلق .وقال الترمذي وعطاء والنخعي :للمختلعة متعة .وقال أصحاب الرأي :للملعنة
متعة .قال ابن القاسم :ول متعة في نكاح مفسوخ .قال ابن المواز :ول فيما يدخله الفسخ بعد صحة
العقد؛ مثل ملك أحد الزوجين صاحبه .قال ابن القاسم :وأصل ذلك قوله تعالى" :وللمطلقات متاع
بالمعروف" فكان هذا الحكم مختصا بالطلق دون الفسخ .وروى ابن وهب عن مالك أن المخيرة
لها المتعة بخلف المة تعتق تحت العبد فتختار هي نفسها ،فهذه ل متعة لها .وأما الحرة تخير أو
تملك أو يتزوج عليها أمة فتختار هي نفسها في ذلك كله فلها المتعة؛ لن الزوج سبب للفراق.
@قال مالك :ليس للمتعة عندنا حد معروف في قليلها ول كثيرها .وقد اختلف الناس في هذا؛ فقال
ابن عمر :أدنى ما يجزئ في المتعة ثلثون درهما أو شبهها .وقال ابن عباس :أرفع المتعة خادم
ثفم كسفوة ثفم نفقفة .عطاء :أوسففطها الدرع والخمار والملحففة .أبفو حنيففة :ذلك أدناهفا .وقال ابفن
محيريز :على صاحب الديوان ثلثة دنانير ،وعلى العبد المتعة .وقال الحسن :يمتع كل بقدره ،هذا
بخادم وهذا بأثواب وهذا بثوب وهذا بنفقفة؛ وكذلك يقول مالك بفن أنفس ،وهفو مقتضفى القرآن فإن
ال سبحانه لم يقدرها ول حددها وإنما قال" :على الموسع قدره وعلى المقتر قدره" .ومتع الحسن
بفن علي بعشريفن ألففا وزقاق مفن عسفل .ومتفع شريفح بخمسفمائة درهفم .وقفد قيفل :إن حالة المرأة
معتففبرة أيضففا؛ قاله بعففض الشافعيففة ،قالوا :لو اعتبرنففا حال الرجففل وحده لزم منففه أنففه لو تزوج
امرأتين إحداهما شريفة والخرى دنية ثم طلقهما قبل المسيس ولم يسم لهما أن يكونا متساويتين
في المتعة فيجب للدنية ما يجب للشريفة وهذا خلف ما قال ال تعالى" :متاعا بالمعروف" ويلزم
منفه أن ،الموسفر العظيفم اليسفار إذا تزوج امرأة دنيفة أن يكون مثلهفا؛ لنفه إذا طلقهفا قبفل الدخول
والفرض لزمتفه المتعفة على قدر حاله ومهفر مثلهفا؛ فتكون المتعفة على هذا أضعاف مهفر مثلهفا؛
فتكون قفد اسفتحقت قبفل الدخول أضعاف مفا تسفتحقه بعفد الدخول مفن مهفر المثفل الذي فيفه غايفة
البتذال وهو الوطء .وقال أصحاب الرأي وغيرهم :متعة التي تطلق قبل الدخول والفرض نصف
مهر مثلها ل غير؛ لن مهر المثل مستحق بالعقد ،والمتعة هي بعض مهر المثل؛ فيجب لها كما
يجففب نصففف المسففمى إذا طلق قبففل الدخول ،وهذا يرده قوله تعالى" :على الموسففع قدره وعلى
المقتفر قدرة" وهذا دليفل على رففض التحديفد؛ وال بحقائق المور عليفم .وقفد ذكفر الثعلبفي حديثفا
قال :نزلت "ل جناح عليكفم إن طلقتفم النسفاء" اليفة ،ففي رجفل مفن النصفار تزوج امرأة مفن بنفي
حنيففة ولم يسفم لهفا مهرا ثفم طلقهفا قبفل أن يمسفها فنزلت اليفة؛ فقال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم:
(متعهفا ولو بقلنسفوتك) .وروى الدارقطنفي عفن سفويد بفن غفلة قال :كانفت عائشفة الخثعميفة عنفد
الحسفن بفن علي بفن أبفي طالب فلمفا أصفيب علي وبويفع الحسفن بالخلففة قالت :لتهنفك الخلففة يفا
أمير المؤمنين ،فقال :يقتل علي وتظهرين الشماتة ،اذهبي فأنت طالق ثلثا .قال :فتلفعت بساجها
وقعدت حتى انقضت عدتها فبعث إليها بعشرة آلف متعة ،وبقية ما بقي لها من صداقها .فقالت:
متاع قليل من حبيب مفارق
فلما بلغه قولها بكى وقال :لول أنى سمعت جدي -أو حدثني أبي أنه سمع جدي -يقول :أيما رجل
طلق امرأتفه ثلثفا مبهمفة أو ثلثفا عنفد القراء لم تحفل له حتفى تنكفح زوجفا غيره لراجعتهفا .وففي
رواية :أخبره الرسول فبكى وقال :لول أني أبنت الطلق لها لراجعتها ،ولكني سمعت رسول ال
صفلى ال عليفه وسفلم يقول( :أيمفا رجفل طلق امرأتفه ثلثفا عنفد كفل طهفر تطليقفة أو عنفد رأس كفل
شهر تطليقة أو طلقها ثلثا جميعا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره).
@من جهل المتعة حتى مضت أعوام فليدفع ذلك إليها وإن تزوجت ،وإلى ورثتها إن ماتت ،رواه
ابفن المواز عفن ابفن القاسفم .وقال أصفبغ :ل شيفء عليفه إن ماتفت لنهفا تسفلية للزوجفة عفن الطلق
وقد فات ذلك .ووجه الول أنه حق ثبت عليه وينتقل عنها إلى ورثتها كسائر الحقوق ،وهذا يشعر
بوجوبها في المذهب ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف" دليل على وجوب المتعة
وقرأ الجمهور "الموسفع" بسفكون الواو وكسفر السفين ،وهفو الذي اتسفعت حاله ،يقال :فلن ينففق،
على قدره ،أي على وسفعه .وقرأ أبفو حيوة بفتفح الواو وشفد السفين وفتحهفا .وقرأ ابفن كثيفر وناففع
وأبفو عمرو وعاصفم ففي روايفة أبفي بكفر "قدره" بسفكون الدال ففي الموضعيفن .وقرأ ابفن عامفر
وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص بفتح الدال فيهما .قال أبو الحسن الخفش وغيره :هما
بمعنفى ،لغتان فصفيحتان ،وكذلك حكفى أبفو زيفد ،يقول :خفذ قدر كذا وقدر كذا ،بمعنفى .ويقرأ ففي
كتاب ال" :فسالت أودية بقدرها" [الرعد ]17 :وقدرها ،وقال تعالى" :وما قدروا ال حق قدره"
[النعام ]91 :ولو حركت الدال لكان جائزا .و"المقتر" المقل القليل المال .و"متاعا" نصب على
المصدر ،أي متعوهن متاعا "بالمعروف" أي بما عرف في الشرع من القتصاد.
@قوله تعالى" :حقا على المحسنين" أي يحق ذلك عليهم حقا ،يقال :حققت عليه القضاء وأحققت،
أي أوجبت ،وفي هذا دليل على وجوب المتعة مع المر بها ،فقوله" :حقا" تأكيد للوجوب .ومعنى
"على المحسفنين" و"على المتقيفن" أي على المؤمنيفن ،إذ ليفس لحفد أن يقول :لسفت بمحسفن ول
متفق ،والناس مأمورون بأن يكونوا جميعا محسفنين متقين؛ فيحسنون ،بأداء فرائض ال ويجتنبون
معاصففيه حتففى ل يدخلوا النار؛ فواجففب على الخلق أجمعيففن أن يكونوا محسففنين متقيففن .و"حقففا"
صفة لقوله "متاعا" أو نصب على المصدر ،وذلك أدخل في التأكيد للمر؛ وال أعلم.
**3اليفة{ 237 :وإن طلقتموهفن مفن قبفل أن تمسفوهن وقفد فرضتفم لهفن فريضفة فنصفف مفا
فرضتففم إل أن يعفون أو يعفففو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ول تنسففوا الفضففل
بينكم إن ال بما تعملون بصير}
@اختلف الناس ففي هذه اليفة؛ فقالت فرقفة منهفا مالك وغيره :إنهفا مخرجفة المطلقفة بعفد الفرض
مفن حكفم التمتفع؛ إذ يتناولهفا قوله تعالى" :ومتعوهفن" .وقال ابفن المسفيب :نسفخت هذه اليفة اليفة
التفي ففي "الحزاب" لن تلك تضمنفت تمتيفع كفل مفن لم يدخفل بهفا .وقال قتادة :نسفخت هذه اليفة
الية التي قبلها.
قلت :قول سعيد وقتادة فيه نظر؛ إذ شروط النسخ غير موجودة والجمع ممكن .وقال ابن القاسم
فففي المدونففة :كان المتاع لكففل مطلقففة بقوله تعالى" :وللمطلقات متاع بالمعروف" [البقرة]241:
ولغيففر المدخول بهففا باليففة التففي فففي سففورة "الحزاب" فاسففتثنى ال تعالى المفروض لهففا قبففل
الدخول بهفا بهذه اليفة ،وأثبفت للمفروض لهفا نصفف مفا فرض فقفط .وقال فريفق مفن العلماء منهفم
أبو ثور :المتعة لكل مطلقة عموما ،وهذه الية إنما بينت أن المفروض لها تأخذ نصف ما فرض
لها ،ولم يعن بالية إسقاط متعتها ،بل لها المتعة ونصف المفروض.
@قوله تعالى" :فنصفف مفا فرضتفم" أي فالواجفب نصفف مفا فرضتفم ،أي مفن المهفر فالنصفف
للزوج والنصففف للمرأة بإجماع .والنصففف الجزء مففن اثنيففن؛ فيقال :نصففف الماء القدح أي بلغ
نصففه .ونصفف الزار السفاق؛ وكفل شيفء بلغ نصفف غيره فقفد نصففه .وقرأ الجمهور "فنصفف"
بالرففع .وقرأت فرقفة "فنصفف" بنصفب الفاء؛ المعنفى فادفعوا نصفف .وقرأ علي بفن أبفي طالب
وزيفد بفن ثابفت "فنصفف" بضفم النون ففي جميفع القرآن وهفي لغفة .وكذلك روى الصفمعي قراءة
عن أبي عمرو بن العلء يقال :نصف ونصف ونصيف ،،لغات ثلث في النصف؛ وفي الحديث:
(لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ول نصيفه) أي نصفه .والنصيف أيضا القناع.
@إذا أصدقها ثم طلقها قبل الدخول ونما الصداق في يدها فقال مالك :كل عرض أصدقها أو عبد
فنماؤهمففا لهمففا جميعففا ونقصففانه بينهمففا ،وتواه عليهمففا جميعففا ليففس على المرأة منففه شيففء .فإن
أصدقها عينا ذهبا أو ورقا فاشترت به عبدا أو دارا أو اشترت به منه أو من غيره طيبا أو شوارا
أو غيفر ذلك ممفا لهفا التصفرف فيفه لجهازهفا وصفلح شأنهفا ففي بقائهفا معفه فذلك كله بمنزلة مفا لو
أصفدقها إياه ،ونماؤه ونقصفانه بينهمفا .وإن طلقهفا قبفل الدخول لم يكفن لهفا إل نصففه ،وليفس عليهفا
أن تغرم له نصف ما قبضته منه ،وإن اشترت به أو منه شيئا تختص به فعليها أن تغرم له نصف
صداقها الذي قبضت منه ،وكذلك لو اشترت من غيره عبدا أو دارا باللف الذي أصدقها ثم طلقها
قبل الدخول رجع عليها بنصف اللف.
@ل خلف أن من دخل بزوجته ثم مات عنها وقد سمى لها أن لها ذلك المسمى كامل والميراث،
وعليها العدة.
واختلفوا ففي الرجفل يخلو بالمرأة ولم يجامعهفا حتفى فارقهفا؛ فقال الكوفيون ومالك :عليفه جميفع
المهفر ،وعليهفا العدة؛ لخفبر ابفن مسفعود قال :قضفى الخلفاء الراشدون فيمفن أغلق بابفا أو أرخفى
سففترا أن لهففا الميراث وعليهففا العدة؛ وروي مرفوعففا خرجففه الدارقطنففي وسففيأتي فففي "النسففاء".
والشافعفي ل يوجفب مهرا كامل ،ول عدة إذا لم يكفن دخول؛ لظاهفر القرآن .قال شريفح :لم أسفمع
ال سبحانه وتعالى ذكر في كتابه بابا ول سترا ،إذا زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصداق؛ وهو
مذهفب ابفن عباس وسفيأتي مفا لعلمائنفا ففي هذا ففي سفورة "النسفاء" إن شاء ال تعالى عنفد قوله
تعالى" :وقد أفضى بعضكم إلى بعض" [النساء.]21 :
@قوله تعالى" :إل أن يعفون أو يعففو الذي بيده عقدة النكاح" اليفة" .إل أن يعفون" اسفتثناء
منقطفع؛ لن عفوهفن عفن النصفف ليفس مفن جنفس أخذهفن .و"يعفون" معناه يتركفن ويصففحن،
ووزنفه يفعلن .والمعنفى إل أن يتركفن النصفف الذي ،وجفب لهفن عنفد الزوج ،ولم تسفقط النون مفع
"أن"؛ لن جمع المؤنث في المضارع على حالة واحدة في الرفع والنصب والجزم ،فهي ضمير
وليست بعلمة إعراب فلذلك لم تسقط؛ ولنه لو سقطت النون لشتبه بالمذكر .والعافيات في هذه
اليفة كفل امرأة تملك أمفر نفسفها ،فأذن ال سفبحانه وتعالى لهفن ففي إسفقاطه بعفد وجوبفه؛ إذ جعله
خالص حقهفن ،فيتصفرفن فيفه بالمضاء والسفقاط كيفف شئن ،إذا ملكفن أمفر أنفسفهن وكفن بالغات
عاقلت راشدات .وقال ابفن عباس وجماعفة مفن الفقهاء والتابعيفن :ويجوز عففو البكفر التفي ل ولي
لهفا؛ وحكاه سفحنون ففي المدونفة عفن غيفر ابفن القاسفم بعفد أن ذكفر لبفن القاسفم أن وضعهفا نصفف
الصففداق ل يجوز .وأمففا التففي فففي حجففر أب أو وصففي فل يجوز وضعهففا لنصففف صففداقها قول
واحدا ،ول خلف فيه فيما أعلم.
@قوله تعالى" :أو يعففو الذي بيده" معطوف على الول مبنفي ،وهذا معرب .وقرأ الحسفن "أو
يعفو" ساكنة الواو ،كأنه استثقل الفتحة في الواو .واختلف الناس في المراد بقوله تعالى" :أو يعفو
الذي بيده عقدة النكاح" فروى الدارقطنففي عففن جففبير بففن مطعففم أنففه تزوج امرأة مففن بنففي نصففر
فطلقها قبل أن يدخل بهفا ،فأرسفل إليها بالصفداق كامل وقال :أنا أحفق بالعففو منها ،قال ال تعالى:
"إل أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح "وأنا أحق بالعفو منها .وتأول قوله تعالى" :أو يعفو
الذي بيده عقدة النكاح" يعنفي نفسفه ففي كفل حال قبفل الطلق وبعده ،أي عقدة نكاحفه؛ فلمفا أدخفل
اللم حذف الهاء كقوله" :فإن الجنة هي المأوى" [النازعات ]41 :أي مأواه .قال النابغة:
من الجود والحلم غير عوازب لهم شيمة لم يعطها ال غيرهم
أي أحلمهفم .وكذلك قوله" :عقدة النكاح" أي عقدة نكاحفه .وروى الدارقطنفي مرفوعفا مفن حديفث
قتيبفة بفن سفعيد حدثنفا ابفن لهيعفة عفن عمرو بفن شعيفب عفن أبيفه عفن جده قال قال رسفول ال صفلى
ال عليفه وسفلم( :ولي عقدة النكاح الزوج) .وأسفند هذا عفن علي وابفن عباس وسفعيد بفن المسفيب
وشريفح .قال :وكذلك قال ناففع بفن جفبير ومحمفد بفن كعفب وطاوس ومجاهفد ،والشعفبي وسفعيد بفن
جبير ،زاد غيره ومجاهد والثوري؛ واختاره أبو حنيفة ،وهو الصحيح من قول الشافعي ،كلهم ل
يرى سفبيل للولي على شيفء مفن صفداقها؛ للجماع على أن الولي لو أبرأ الزوج مفن المهفر قبفل
الطلق لم يجففز فكذلك بعده .وأجمعوا على أن الولي ل يملك أن يهففب شيئا مففن مالهففا ،والمهففر
مالها .وأجمعوا على أن من الولياء من ل يجوز عفوهم وهم بنو العم وبنو الخوة ،فكذلك الب،
وال أعلم .ومنهم من قال هو الولي أسنده الدارقطني أيضا عن ابن عباس قال :وهو قول إبراهيم
وعلقمة والحسن ،زاد غيره وعكرمة وطاوس وعطاء وأبي الزناد وزيد بن أسلم وربيعة ومحمد
بفن كعفب وابن شهاب والسفود بن يزيفد والشعفبي وقتادة ومالك والشافعفي ففي القديفم .فيجوز للب
العففو عفن نصفف صفداق ابنتفه البكفر إذا طلقفت ،بلغفت المحيفض أم لم تبلغفه .قال عيسفى بفن دينار:
ول ترجفع بشيء منفه على أبيها ،والدليل على أن المراد الولي أن ال سبحانه وتعالى قال في أول
اليفة" :وإن طلقتموهفن مفن قبفل أن تمسفوهن وقفد فرضتفم لهفن فريضفة فنصفف مفا فرضتفم" فذكفر
الزواج وخاطبهم بهذا الخطاب ،ثم قال" :إل أن يعفون" فذكر النسوان" ،أو يعفو الذي بيده عقدة
النكاح" فهفو ثالث فل يرد إلى الزوج المتقدم إل لو لم يكفن لغيره وجود ،وقفد وجفد وهفو الولي فهفو
المراد .قال معناه مكفي وذكره ابفن العربفي .وأيضفا فإن ال تعالى قال" :إل أن يعفون" ومعلوم أنفه
ليس كل امرأة تعفو ،فإن الصغيرة والمحجور عليها ل عفو لهما ،فبين ال القسمين فقال" :إل أن
يعفون" أي إن كفن لذلك أهل" ،أو يعففو الذي بيده عقدة النكاح" وهفو الولي؛ لن المفر فيفه إليفه.
وكذلك روى ابفن وهفب وأشهفب وابفن عبدالحكفم وابفن القاسفم عفن مالك أنفه الب ففي ابنتفه البكفر
والسفيد ففي أمتفه .وإنمفا يجوز عففو الولي إذا كان مفن أهفل السفداد ،ول يجوز عفوه إذا كان سففيها.
فإن قيل :ل نسلم أنه الولي بل هو الزوج ،وهذا السم أولى به؛ لنه أملك للعقد من الولي على ما
تقدم .فالجواب -أنفا ل نسفلم أن الزوج أملك للعقفد مفن الب ففي ابنتفه البكفر ،بفل أب البكفر يملكفه
خاصة دون الزوج؛ لن المعقود عليه هو بضع البكر ،ول يملك الزوج أن يعقد على ذلك بل الب
يملكفه .وقفد أجاز شريفح عففو الخ عفن نصفف المهفر؛ وكذلك قال عكرمفة :يجوز عففو الذي ،عقفد
عقدة النكاح بينهمففا ،كان عمففا أو أبففا أو أخففا ،وإن كرهففت .وقرأ أبففو نهيففك والشعففبي "أو يعفففو"
بإسكان الواو على التشبيه باللف؛ ومثله قول الشاعر:
أبى ال أن أسمو بأم ول أب فما سودتني عامر عن وراثة
@قوله تعالى" :وأن تعفوا أقرب للتقوى" ابتداء وخفبر ،أو الصفل تعفووا أسفكنت الواو الولى
لثقفل حركتهفا ثفم حذففت للتقاء السفاكنين ،وهفو خطاب للرجال والنسفاء ففي قول ابفن عباس فغلب
الذكور ،واللم بمعنففى إلى ،أي أقرب إلى التقوى .وقرأ الجمهور "تعففو" بالتاء باثنتيففن مفن فوق.
وقرأ أبو نهيك والشعبي "وأن يعفوا" بالياء ،وذلك راجع إلى الذي بيده عقدة النكاح.
قلت :ولم يقرأ "وأن تعفون" بالتاء فيكون للنسففاء .وقرأ الجمهور "ول تنسففوا الفضففل" بضففم
الواو؛ وكسرها يحيى بن يعمر .وقرأ علي ومجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة "ول تناسوا الفضل"
وهي قراءة متمكنة المعنى؛ لنه موضع تناس ل نسيان إل على التشبيه .قال مجاهد :الفضل إتمام
الرجل الصداق كله ،أو ترك المرأة النصف الذي لها.
@قوله تعالى" :إن ال بمفا تعملون بصفير" خفبر ففي ضمنفه الوعفد للمحسفن والحرمان لغيفر
المحسن ،أي ل يخفى عليه عفوكم واستقضاؤكم.
**3الية{ 238 :حافظوا على الصلوات والصلة الوسطى وقوموا ل قانتين}
@قوله تعالى" :حافظوا" خطاب لجمفع المفة ،واليفة أمفر بالمحافظفة على إقامفة الصفلوات ففي
أوقاتها بجميع شروطها .والمحافظة هي المداومة على الشيء والمواظبة عليه ، .والوسطى تأنيث
الوسفط .ووسفط الشيفء خيره وأعدله؛ ومنفه قوله تعالى" :وكذلك جعلناكفم أمفة وسفطا" [البقرة:
]143وقد تقدم .وقال أعرابي يمدح النبي صلى ال عليه وسلم:
وأكرم الناس أما برة وأبا يا أوسط الناس طرا في مفاخرهم
ووسط فلن القوم يسطهم أي صار في وسطهم .وأفرد الصلة الوسطى بالذكر وقد دخلت قبل في
عموم الصففلوات تشريفففا لهففا؛ كقوله تعالى" :وإذ أخذنففا مففن النففبيين ميثاقهففم ومنففك ومففن نوح"
[الحزاب ،]7 :وقوله" :فيهما فاكهة ونخل ورمان" [الرحمن .]68 :وقرأ أبو جعفر الواسطي
"والصلة الوسطى" بالنصب على الغراء ،أي وألزموا الصلة الوسطى :وكذلك قرأ الحلواني.
وقرأ قالون عفن ناففع "الوصفطى" بالصفاد لمجاورة الطاء لهفا؛ لنهمفا مفن حيفز واحفد ،وهمفا لغتان
كالصراط ونحوه.
@واختلف الناس في تعيين الصلة الوسطى على عشرة أقوال:
الول :أنها الظهر؛ لنها وسط النهار على الصحيح من القولين أن النهار أوله من طلوع الفجر
كما تقدم ،وإنما بدأنا بالظهر لنها أول صلة صليت في السلم .وممن قال أنها الوسطى زيد بن
ثابفت وأبفو سفعيد الخدري وعبدال بن عمفر وعائشفة رضفي ال عنهفم .وممفا يدل على أنهفا وسفطى
مفا قالتفه عائشفة وحفصفة حيفن أملتفا "حافظوا على الصفلوات والصفلة الوسفطى وصفلة العصفر"
بالواو .وروي أنهفا كانفت أشفق على المسفلمين؛ لنهفا كانفت تجيفء ففي الهاجرة وهفم قفد نفهتهفم
أعمالهفم ففي أموالهفم .وروى أبفو داود عفن زيفد قال :كان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يصفلي
الظهفر بالهاجرة ولم تكفن تصفلى صفلة أشفد على أصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم منهفا،
فنزلت" :حافظوا على الصفلوات والصفلة الوسفطى" وقال :إن قبلهفا صفلتين وبعدهفا صفلتين.
وروى مالك ففي موطئه وأبفو داود الطيالسفي ففي مسفنده عفن زيفد بفن ثابفت قال :الصفلة الوسفطى
صلة الظهر؛ زاد الطيالسي :وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصليها بالهجير.
الثانفي :إنهفا العصفر؛ لن قبلهفا صفلتي نهار وبعدهفا صفلتي ليفل .قال النحاس :وأجود مفن هذا
الحتجاج أن يكون إنما قيل لها وسطى لنها بين صلتين إحداهما أول ما فرض والخرى الثانية
ممفا فرض .وممفن قال أنهفا وسفطى علي بفن أبفي طالب وابفن عباس وابفن عمفر وأبفو هريرة وأبفو
سفعيد الخدري ،وهفو اختيار أبفي حنيففة وأصفحابه ،وقاله الشافعفي وأكثفر أهفل الثفر ،وإليفه ذهفب
عبدالملك بفن حفبيب واختاره ابفن العربفي ففي قبسفه وابفن عطيفة ففي تفسفيره وقال :وعلى هذا القول
الجمهور مففن الناس وبففه أقول واحتجوا بالحاديففث الواردة فففي هذا الباب خرجهففا مسففلم وغيره،
وأنصفها حديفث ابفن مسفعود قال :قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :الصفلة الوسفطى صفلة
العصر) خرجه الترمذي وقال :حديث حسن صحيح .وقد أتينا زيادة على هذا في القبس في شرح
موطأ مالك بن أنس.
الثالث :إنها المغرب؛ قاله قبيصة بن أبي ذؤيب في جماعة .والحجة لهم أنها متوسطة في عدد
الركعات ليسفت بأقلهفا ول أكثرهفا ول تقصفر ففي السففر ،وإن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم لم
يؤخرها عن وقتها ولم يعجلهفا ،وبعدها صلتا جهر وقبلها صلتا سر .وروي من حديث عائشة
رضي ال عتها عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إن أفضل الصلوات عند ال صلة المغرب
لم يحطها عن مسافر ول مقيم فتح ال بها صلة الليل وختم بها صلة النهار فمن صلى المغرب
وصلى بعدها ركعتين بنى ال له قصرا في الجنة ومن صلى بعدها أربع ركعات غفر ال له ذنوب
عشرين سنة -أو قال -أربعين سنة).
الرابفع :صفلة العشاء الخرة؛ لنهفا بيفن صفلتين ل تقصفران ،وتجيفء ففي وقفت نوم ويسفتحب
تأخيرها وذلك شاق فوقع التأكيد في المحافظة عليها.
الخامس :إنها الصبح؛ لن قبلها صلتي ليل يجهر فيهما وبعدها صلتي نهار يسر فيهما؛ ولن
وقتهفا يدخفل والناس نيام ،والقيام إليهفا شاق ففي زمفن البرد لشدة البرد وففي زمفن الصفيف لقصفر
الليفل .وممفن قال أنهفا وسفطى علي بفن أبفي طالب وعبدال بفن عباس ،أخرجفه ،الموطفأ بلغفا،
وأخرجفه الترمذي عفن ابفن عمفر وابفن عباس تعليقفا ،وروي عفن جابر بفن عبدال ،وهفو قول مالك
وأصفحابه وإليفه ميفل الشافعفي فيمفا ذكفر عنفه القشيري .والصفحيح عفن علي أنهفا العصفر ،وروي
عنففه ذلك مففن وجففه معروف صففحيح وقففد اسففتدل مففن قال أنهففا الصففبح بقوله تعالى" :وقوموا ل
قانتيفن" يعنفي فيهفا ،ول صفلة مكتوبفة فيهفا قنوت إل الصفبح .قال أبفو رجاء :صفلى بنفا ابفن عباس
صلة الغداة بالبصرة فقنت فيها قبل الركوع ورفع يديه فلما فرغ قال :هذه الصلة الوسطى التي
أمرنا ال تعالى أن نقوم فيها قانتين .وقال أنس :قنت النبي صلى ال عليه وسلم في صلة الصبح
بعد الركوع؛ وسيأتي حكم القنوت وما للعلماء فيه في "آل عمران" عند قوله تعالى" :ليس لك من
المر شيء".
السفادس :صفلة الجمعفة؛ لنهفا خصفت بالجمفع لهفا والخطبفة فيهفا وجعلت عيدا ذكره ابفن حفبيب
ومكي وروى مسلم عن عبدال أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة( :لقد
هممت أن آمر رجل يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم).
السفابع :إنهفا الصفبح والعصفر معفا .قاله الشيفخ أبفو بكفر البهري؛ واحتفج بقول رسفول ال صفلى
ال عليه وسلم( :يتعاقبون فيكم ملئكة بالليل وملئكة بالنهار )...الحديث ،رواه أبو هريرة .وروى
جرير بن عبدال قال :كنا جلوسا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر
فقال( :أمفا أنكفم سفترون ربكفم كمفا ترون هذا القمفر ل تضامون ففي رؤيتفه فإن اسفتطعتم أل تغلبوا
على صلة قبل طلوع الشمس وصلة قبل غروبها )...يعني العصر والفجر :ثم قرأ جرير "وسبح
بحمفد ربفك قبفل طلوع الشمفس وقبفل غروبهفا" [ق .]39 :وروى عمارة بفن رؤيبفة قال سفمعت
رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)،
يعنفي الفجفر والعصفر .وعنفه أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال( :مفن صفلى البرديفن دخفل
الجنة) كله ثابت في صحيح مسلم وغيره .وسميتا البردين لنهما يفعلن في وقتي البرد.
الثامففن :إنهففا العتمففة والصففبح .قال أبففو الدرداء رضففي ال عنففه فففي مرضففه الذي مات فيففه:
(اسفمعوا وبلغوا مفن خلفكفم حافظوا على هاتيفن الصفلتين -يعنفي ففي جماعفة -العشاء والصفبح،
ولو تعلمون مففا فيهمففا لتيتموهمففا ولو حبوا على مرافقكففم وركبكففم) قاله عمففر وعثمان .وروى
الئمفة عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أنفه قال( :ولو يعلمون مفا ففي العتمفة والصفبح لتوهمفا
ولو حبوا -وقال -إنهمفا أشفد الصفلة على المنافقيفن) وجعفل لمصفلي الصفبح ففي جماعفة قيام ليلة
والعتمة نصف ليلة؛ ذكره مالك موقوفا على عثمان ورفعه مسلم ،وخرجه أبو داود والترمذي عنه
قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة ومن
صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة) وهذا خلف ما رواه مالك ومسلم.
التاسففع :أنهففا الصففلوات الخمففس بجملتهففا؛ قاله معاذ بففن جبففل؛ لن قوله تعالى" :حافظوا على
الصلوات" يعم الفرض والنفل ،ثم خص الفرض بالذكر.
العاشفر :إنهفا غيفر معينفة؛ قاله ناففع عفن ابفن عمفر ،وقاله الربيفع بفن خيثفم فخبأهفا ال تعالى ففي
الصفلوات كمفا خبفأ ليلة القدر ففي رمضان ،وكمفا خبفأ سفاعة يوم الجمعفة وسفاعات الليفل المسفتجاب
فيهفا الدعاء ليقوموا بالليفل ففي الظلمات لمناجاة عالم الخفيات .وممفا يدل على صفحة أنهفا مبهمفة
غير معينة ما رواه مسلم ففي صحيحه في آخر الباب عن البراء بن عازب قال :نزلت هذه الية:
"حافظوا على الصفلوات وصفلة العصفر" فقرأناهفا مفا شاء ال ،ثفم نسفخها ال فنزلت" :حافظوا
على الصلوات والصلة الوسطى" فقال رجل :هي إذا صلة العصر؟ قال البراء :قد أخبرتك كيف
نزلت وكيفف نسفخها ال تعالى ،وال أعلم .فلزم مفن هذا أنهفا بعفد أن عينفت نسفخ تعيينهفا وأبهمفت
فارتففع التعييفن ،وال أعلم .وهذا اختيار مسفلم لنفه أتفى بفه ففي آخفر الباب وقال بفه غيفر واحفد مفن
العلماء المتأخريففن ،وهففو الصففحيح إن شاء ال تعالى لتعارض الدلة وعدم الترجيففح فلم يبففق إل
المحافظة على جميعها وأدائها في أوقاتها وال أعلم.
@وهذا الختلف في الصلة الوسطى يدل على بطلن من أثبت "وصلة العصر" المذكور في
حديفث أبفي يونفس مولى عائشفة حيفن أمرتفه أن يكتفب لهفا مصفحفا قرآنفا .قال علماؤنفا :وإنمفا ذلك
كالتفسففير مفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ،يدل على ذلك حديفث عمرو بفن راففع قال( :أمرتنفي
حفصفة أن أكتفب لهفا مصفحفا )...الحديفث .وفيفه :فأملت علي "حافظوا على الصفلوات والصفلة
الوسفطى -وهفي العصفر -وقوموا ل قانتيفن" وقالت :هكذا سفمعتها مفن رسفول ال صفلى ال عليه
وسلم يقرؤها .فقولها" :وهي العصر" دليل على أن رسول ال صلى ال عليه وسلم فسر الصلة
الوسففطى مففن كلم ال تعالى بقوله هففو(وهففي العصففر) .وقففد روى نافففع عففن حفصففة "وصففلة
العصفر"؛ كمفا روي عفن عائشفة وعفن حفصفة أيضفا "صفلة العصفر" بغيفر واو .وقال أبفو بكفر
النباري :وهذا الخلف فففي هذا اللفففظ المزيففد يدل على بطلنففه وصففحة مففا فففي المام مصففحف
جماعفة المسفلمين .وعليفه حجفة أخرى وهفو أن مفن قال :والصفلة الوسفطى وصفلة العصفر جعفل
الصفلة الوسفطى غيفر العصفر؛ وففي هذا دففع لحديفث رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم الذي رواه
عبدال قال :شغفل المشركون رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يوم الحزاب عفن صفلة العصفر
حتى اصفرت الشمس فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :شغلونا عن الصلة الوسطى مل ال
أجوافهم وقبورهم نارا )...الحديث.
@قوله تعالى" :والصفلة الوسفطى" دليفل على أن الوتفر ليفس بواجفب لن المسفلمين اتفقوا على
أعداد الصفلوات المفروضات أنهفا تنقفص عفن سفبعة وتزيفد على ثلثفة وليفس بيفن الثلثفة والسفبعة
فرد إل الخمسفة والزواج ل وسفط لهفا فثبفت أنهفا خمسفة .وففي حديفث السفراء( :هفي خمفس وهفن
خمسون ل يبدل القول لدي).
@قوله تعالى" :وقوموا ل قانتيفن" معناه ففي صفلتكم .واختلف الناس ففي معنفى قوله "قانتيفن"
فقال الشعبي :طائعين؛ وقاله جابر بن زيد وعطاء وسعيد بن جبير ،.وقال الضحاك :كل قنوت في
القرآن فإنما يعني به الطاعة .وقاله أبو سعيد عن النبي صلى ال عليه وسلم .وإن أهل كل دين فهم
اليوم يقومون عاصفين ،فقيفل لهذه المفة فقوموا ل طائعيفن .وقال مجاهفد :معنفى قانتيفن خاشعيفن،
والقنوت طول الركوع والخشوع وغفففض البصفففر وخففففض الجناح .وقال الربيفففع :القنوت طول
القيام؛ وقاله ابفن عمفر وقرأ "أمفن هفو قانفت آناء الليفل سفاجدا وقائمفا" [الزمفر .]9 :وقال عليفه
السلم( .أفضل الصلة طول القنوت) خرجه مسلم وغيره .وقال الشاعر:
وعلى عمدن من الناس اعتزل قانتا ل يدعو ربه
وقفد تقدم .وروي عفن ابفن عباس "قانتيفن" داعيفن .وففي الحديفث( :قنفت رسفول ال صفلى ال عليفه
وسففلم شهرا يدعففو على رعففل وذكوان) قال قوم :معناه دعففا ،وقال قوم :معناه طول قيامففه .وقال
السدي" :قانتين" ساكتين؛ دليله أن الية نزلت في المنع من الكلم في الصلة وكان ذلك مباحا في
صدر السلم؛ وهذا هو الصحيح لما رواه مسلم وغيره عن عبدال بن مسعود قال :كنا نسلم على
رسول ال صفلى ال عليفه وسفلم وهو ففي الصفلة فيرد علينا ،فلمفا رجعنفا من عنفد النجاشفي سلمنا
عليفه فلم يرد علينفا فقلنفا :يفا رسفول ال ،كنفا نسفلم عليفك ففي الصفلة فترد علينفا؟ فقال( :إن ففي
الصلة شغل) .وروى زيد بن أرقم قال :كنا نتكلم في الصلة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه
ففي الصفلة حتفى نزلت" :وقوموا ل قانتيفن" فأمرنفا بالسفكوت ونهينفا عفن الكلم .وقيفل :إن أصفل
القنوت ففي اللغفة الدوام على الشيفء .ومفن حيفث كان أصفل القنوت ففي اللغفة الدوام على الشيفء
جاز أن يسفمى مديفم الطاعفة قانتفا ،وكذلك مفن أطال القيام والقراءة والدعاء ففي الصفلة ،أو أطال
الخشوع والسكوت ،كل هؤلء فاعلون للقنوت.
@قال أبو عمر :أجمع المسلمون طرا أن الكلم عامدا في الصلة إذا كان المصلي يعلم أنه في
صلة ،ولم يكن ذلك في إصلح صلته أنه يفسد الصلة ،إل ما روي عن الوزاعي أنه قال :من
تكلم لحياء نفففس أو مثففل ذلك مففن المور الجسففام لم تفسففد صففلته بذلك .وهفو قول ضعيففف فففي
النظفر؛ لقول ال عفز وجفل" :وقوموا ل قانتيفن" وقال زيفد بفن أرقفم( :كنفا نتكلم ففي الصفلة حتفى
نزلت" :وقوموا ل قانتين" )...الحديث .وقال ابن مسعود :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم
يقول( :إن ال أحدث مفن أمره أل تكلموا ففي الصفلة) .وليفس الحادث الجسفيم الذي يجفب له قطفع
الصفلة ومفن أجله يمنفع مفن السفتئناف ،فمفن قطفع صفلته لمفا يراه مفن الفضفل ففي إحياء نففس أو
مال أو ما كان بسبيل ذلك استأنف صلته ولم يبن .هذا هو الصحيح في المسألة إن شاء ال تعالى.
@واختلفوا ففي الكلم سفاهيا فيهفا؛ فذهب مالك والشافعفي وأصفحابهما إلى أن الكلم فيهفا سفاهيا ل
يفسفدها ،غيفر أن مالكفا قال :ل يفسفد الصفلة تعمفد الكلم فيهفا إذا كان ففي شأنهفا وإصفلحها؛ وهفو
قول ربيعة وابن القاسم .وروى سحنون عن ابن القاسم عن مالك قال :لو أن قوما صلى بهم المام
ركعتين وسلم ساهيا فسبحوا به فلم يفقه ،فقال له رجل من خلفه ممن هو معه في الصلة :إنك لم
تتم فأتم صلتك؛ فالتفت إلى القوم فقال :أحق ما يقول هذا؟ فقالوا :نعم ،قال :يصلي بهم المام ما
بقي من صلتهم ويصلون معه بقية صلتهم من تكلم منهم ومن لم يتكلم ول شيء عليهم ويفعلون
ففي ذلك مفا فعفل النفبي صفلى ال عليفه وسفلم يوم ذي اليديفن .هذا قول ابفن القاسفم ففي كتابفه المدونفة
وروايتفه عفن مالك ،وهفو المشهور مفن مذهفب مالك وإياه تقلد إسفماعيل بفن إسفحاق واحتفج له ففي
كتاب رده على محمد بن الحسن .وذكر الحارث بن مسكين قال :أصحاب مالك كلهم على خلف
قول مالك ففي مسفألة ذي اليديفن إل ابفن القاسفم وحده فإنفه يقول فيهفا بقول مالك ،وغيرهفم يأبونفه
ويقولون :إنمففا كان هذا فففي صففدر السففلم ،فأمففا الن فقففد عرف الناس صففلتهم فمففن تكلم فيهففا
أعادهفا؛ وهذا هفو قول العراقييفن :أبفي حنيففة وأصفحابه والثوري فإنهفم ذهبوا إلى أن الكلم ففي
الصففلة يفسففدها على أي حال كان سففهوا أو عمدا لصففلة كان أو لغيففر ذلك؛ وهففو قوله إبراهيففم
النخعي ،وعطاء والحسن وحماد بن أبي سليمان وقتادة .وزعم أصحاب أبي حنيفة أن حديث أبى
هريرة هذا ففي قصفة ذي اليديفن منسفوخ بحديفث ابفن مسفعود وزيفد بفن أرقفم ،قالوا :وإن كان أبفو
هريرة متأخفر السفلم فإنفه أرسفل حديفث ذي اليديفن كمفا أرسفل حديفث (مفن أدركفه الفجفر جنبفا فل
صفوم له) قالوا :وكان كثيفر الرسفال .وذكفر علي بفن زياد قال حدثنفا أبفو قرة قال :سفمعت مالكفا
يقول :يسففتحب إذا تكلم الرجففل فففي الصففلة أن يعود لهففا ول يبنففي .قال :وقال لنففا مالك إنمففا تكلم
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وتكلم أصفحابه معفه يومئذ؛ لنهفم ظنوا أن الصفلة قصفرت ول
يجوز ذلك لحد اليوم .وقد روى سحنون عن ابن القاسم في رجل صلى وحده ففرغ عند نفسه من
الربفع ،فقال له رجفل إلى جبنفه :إنفك لم تصفل إل ثلثفا؛ فالتففت إلى آخفر فقال :أحفق مفا يقول هذا؟
قال :نعفم ،قال :تفسفد صفلته ولم يكفن ينبغفي له أن يكلمفه ول أن يلتففت إليفه .قال أبفو عمفر :فكانوا
يفرقون ففي هذه المسفألة بيفن المام مفع الجماعفة والمنفرد فيجيزون مفن الكلم ففي شأن الصفلة.
للمام ومفن معفه مفا ل يجيزونفه للمنفرد؛ وكان غيفر هؤلء يحملون جواب ابفن القاسفم ففي المنفرد
ففي هذه المسفألة وففي المام ومفن معفه على اختلف مفن قوله ففي اسفتعمال حديفث ذي اليديفن كمفا
اختلف قول مالك ففي ذلك .وقال الشافعفي وأصفحابه :مفن تعمفد الكلم وهفو يعلم أنفه لم يتفم الصفلة
وأنه فيها أفسد صلته ،فإن تكلم ساهيا أو تكلم وهو يظن أنه ليس في الصلة لنه قد أكملها عند
نفسفه فإنفه يبنفي .واختلف قول أحمفد ففي هذه المسفألة فذكفر الثرم عنه أنفه قال :مفا تكلم به النسفان
فففي صففلته لصففلحها لم تفسففد عليففه صففلته ،فإن تكلم لغيففر ذلك فسففدت؛ وهذا هففو قول مالك
المشهور .وذكر الخرقي عنه أن مذهبه فيمن تكلم عامدا أو ساهيا بطلت صلته ،إل المام خاصة
فإنه إذا تكلم لمصلحة صلته لم تبطل صلته .واستثنى سحنون من أصحاب مالك أن من سلم من
اثنتيفن ففي الرباعيفة فوقفع الكلم هناك لم تبطفل الصفلة ،وإن وقفع ففي غيفر ذلك بطلت الصفلة.
والصحيح ما ذهب إليه مالك في المشهور تمسكا بالحديث وحمل له على الصل الكلي من تعدي
الحكام ،وعموم الشريعفة ،ودفعفا لمفا يتوهفم مفن الخصفوصية إذ ل دليفل عليهفا .فإن قال قائل :فقفد
جرى الكلم في الصلة والسهو أيضا وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لهم( :التسبيح
للرجال والتصففيق للنسفاء) فلم لم يسفبحوا؟ فيقال :لعفل ففي ذلك الوقفت لم يكفن أمرهفم بذلك ،ولئن
كان كمفا ذكرت فلم يسفبحوا؛ لنهفم توهموا أن الصفلة قصفرت؛ وقفد جاء ذلك ففي الحديفث قال:
وخرج سرعان الناس فقالوا :أقصرت الصلة؟ فلما يكن بد من الكلم لجل ذلك .وال أعلم.
وقفد قال بعفض المخالفيفن :قول أبفي هريرة (صفلى بنفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم) يحتمفل
أن يكون مراده أنه صلى بالمسلمين وهو ليس منهم؛ كما روي عن النزال بن سبرة أنه قال :قال
لنفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :إنفا وإياكفم كنفا ندعفى بنفي عبفد مناف وأنتفم اليوم بنفو عبدال
ونحن بنو عبدال) وإنما عنى به أنه قال لقومه وهذا بعيد؛ فإنه ل يجوز أن يقول صلى بنا وهو إذ
ذاك كاففر ليفس مفن أهفل الصفلة ويكون ذلك كذبفا ،وحديفث النزال هفو كان مفن جملة القوم وسفمع
من رسول ال صلى ال عليه وسلم ما سمع .وأما ما ادعته الحنفية من النسخ والرسال فقد أجاب
عفن قولهفم علماؤنفا وغيرهفم وأبطلوه ،وخاصفة الحاففظ أبفا عمفر بفن عبدالبر ففي كتابفه المسفمى بفف
[التمهيد] وذكر أن أبا هريرة أسلم عام خيبر ،وقدم المدينة في ذلك العام ،وصحب النبي صلى ال
عليفه وسفلم أربعفة أعوام ،وشهفد قصفة ذي اليديفن وحضرهفا ،وأنهفا لم تكفن قبفل بدر كمفا زعموا،
وأن ذا اليديفن قتفل ففي بدر .قال :وحضور أبفي هريرة يوم ذي اليديفن محفوظ مفن روايفة الحفاظ
الثقات ،وليس تقصير من قصر عن ذلك بحجة على من علم ذلك وحفظه وذكر.
@القنوت :القيام ،وهو أحد أقسامه فيما ذكر أبو بكر بن النباري ،وأجمعت المة على أن القيام
ففي صفلة الفرض واجفب على كفل صفحيح قادر عليفه ،منفردا كان أو إمامفا .وقال صفلى ال عليفه
وسلم( :إنما جعل المام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما) الحديث ،،أخرجه الئمة ،وهو بيان
لقوله تعالى" :وقوموا ل قانتين" .واختلفوا في المأموم الصحيح يصلي قاعدا خلف إمام مريض ل
يسفتطيع القيام؛ فأجازت ذلك طائففة مفن أهفل العلم بفل جمهورهفم؛ لقوله صفلى ال عليفه وسفلم ففي
المام( :وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون) وهذا هو الصحيح في المسألة على ما نبينه آنفا
إن شاء ال تعالى .وقففد أجاز طائففة مفن العلماء صفلة القائم خلف المام المريففض لن كل يؤدي
فرضه على قدر طاقته تأسيا برسول ال صلى ال عليه وسلم إذ صلى في مرضه الذي توفي فيه
قاعدا وأبو بكفر إلى جنبفه قائمفا يصفلي بصلته والناس قيام خلفه ،ولم يشفر إلى أبي بكفر ول إليهم
بالجلوس ،وأكمفل صفلته بهفم جالسفا وهفم قيام؛ ومعلوم أن ذلك كان منفه بعفد سفقوطه عفن فرسفه؛
فعلم أن الخففر مفن فعله ناسففخ للول .قال أبففو عمففر :وممففن ذهففب إلى هذا المذهففب واحتففج بهذه
الحجفة الشافعفي وداود بفن علي ،وهفي روايفة الوليفد بفن مسفلم عفن مالك .قال :وأحفب إلي أن يقوم
إلى جنبفه ممفن يعلم الناس بصفلته ،وهذه الروايفة غريبفة عفن مالك .وقال بهذا جماعفة مفن أهفل
المدينفة وغيرهفم وهفو الصفحيح إن شاء ال تعالى؛ لنهفا آخفر صفلة صفلها رسفول ال صفلى ال
عليففه وسففلم .والمشهور عففن مالك أنففه ل يؤم القيام أحففد جالسففا ،فإن أمهففم قاعدا بطلت صففلته
وصفلتهم ،لن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال( :ل يؤمفن أحفد بعدي قاعدا) .قال :فإن كان
المام عليل تمت صلة المام وفسدت صلة من خلفه .قال :ومن صلى قاعدا من غير علة أعاد
الصفلة؛ هذه روايفة أبفي مصفعب ففي مختصفره عفن مالك ،وعليهفا فيجفب على مفن صفلى قاعدا
العادة في الوقت وبعده .وقد روي عن مالك في هذا أنهم يعيدون في الوقت خاصة ،وقول محمد
بففن الحسففن فففي هذا مثففل قول مالك المشهور .واحتففج لقوله ومذهبففه بالحديففث الذي ذكره أبففو
مصفعب ،أخرجه الدارقطني عن جابر عن الشعبي قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ل
يؤمفن أحفد بعدي جالسفا) .قال الدارقطنفي :لم يروه غيفر جابر الجعففي عفن الشعفبي وهفو متروك
الحديث ،مرسل ل تقوم به حجة .قال أبو عمر :جابر الجعفي ل يحتج بشيء يرويه مسندا فكيف
بما يرويه مرسل؟ قال محمد بن الحسن :إذا صلى المام المريض جالسا بقوم أصحاء ومرضفى
جلوسفا فصفلته وصفلة مفن خلففه ممفن ل يسفتطيع القيام صفحيحة جائزة ،وصفلة مفن صفلى خلففه
ممفن حكمفه القيام باطلة .وقال أبفو حنيففة وأبفو يوسفف :صفلته وصفلتهم جائزة .وقالوا :لو صفلى
وهو يومئ بقوم وهم يركعون ويسجدون لم تجزهم في قولهم جميعا وأجزأت المام صلته .وكان
زففر يقول :تجزئهفم صفلتهم؛ لنهفم صفلوا على فرضهفم وصفلى إمامهفم على فرضفه ،كمفا قال
الشافعي.
قلت :أما ما ذكره أبو عمر وغيره من العلماء قبله وبعده من أنها آخر صلة صلها رسول ال
صلى ال عليه وسلم ،فقد رأيت لغيرهم خلل ذلك ممن جمع طرق الحاديث في هذا الباب ،وتكلم
عليها وذكر اختلف الفقهاء في ذلك ،ونحن نذكر ما ذكره ملخصا حتى يتبين لك الصواب إن شاء
ال تعالى .وصففحة قول مففن قال أن صففلة المأموم الصففحيح قاعدا خلف المام المريففض جائزة،
فذكر أبو حاتم محمد بن حبان البستي في المسند الصحيح له عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال
عليفه وسفلم كان ففي نففر مفن أصفحابه فقال( :ألسفتم تعلمون أنفي رسفول ال إليكفم) قالوا :بلى ،نشهفد
أنك رسول ال ،قال( :ألستم تعلمون أنه من أطاعني فقد أطاع ال ومن طاعة ال طاعتي)؟ قالوا:
بلى ،نشهففد أنففه مففن أطاعففك فقففد أطاع ال ومففن طاعففة ال طاعتففك .قال( :فإن مففن طاعففة ال أن
تطيعونفي ومفن طاعتفي أن تطيعوا أمراءكفم فإن صفلوا قعودا فصفلوا قعودا) .ففي طريقفه عقبفة بفن
أبفي الصفهباء وهفو ثقفة؛ قاله يحيفى بفن معيفن .قال أبفو حاتفم :ففي هذا الخفبر بيان واضفح أن صفلة
المأموميفن قعودا إذا صفلى إمامهفم قاعدا مفن طاعفة ال جفل وعل التفي أمفر ال بهفا عباده ،وهفو
عندي ضرب من الجماع الذي أجمعوا على إجازته؛ لن من أصحاب رسول ال صلى ال عليه
وسلم أربعة أفتوا به :جابر بن عبدال وأبو هريرة وأسيد بن حضيفر وقيس بن قهفد ،ولم يرو عن
أحففد مففن الصففحابة الذيففن شهدوا هبوط الوحففي والتنزيففل وأعيذوا مففن التحريففف والتبديففل خلف
لهؤلء الربعففة ،ل بإسففناد متصففل ول منقطففع؛ فكأن الصففحابة أجمعوا على أن المام إذا صففلى
قاعدا كان على المأموميفن أن يصفلوا قعودا .وبفه قال جابر بفن زيفد والوزاعفي ومالك بفن أنفس
وأحمفد بفن حنبفل وإسفحاق بفن إبراهيفم وأبفو أيوب سفليمان بفن داود الهاشمفي وأبفو خيثمفة وابفن أبفي
شيبة ومحمد بن إسماعيل ومن تبعهم من أصحاب الحديث مثل محمد بن نصر ومحمد بن إسحاق
بفن خزيمفة .وهذه السفنة رواهفا عفن المصفطفى صفلى ال عليفه وسفلم أنفس بفن مالك وعائشفة وأبفو
هريرة وجابر بن عبدال وعبدال بن عمر بن الخطاب وأبو أمامة الباهلي .وأول من أبطل في هذه
المة صلة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه جالسا المغيرة بن مقسم صاحب النخعي وأخذ عنه حماد
بن أبي سليمان ثم أخذ عن حماد أبو حنيفة وتبعه عليه من بعده من أصحابه .وأعلى شيء احتجوا
به فيه شيء رواه جابر الجعفي عن الشعبي قال قال رسول ال( :ل يؤمن أحد بعدي جالسا) وهذا
لو صفح إسفناده لكان مرسفل ،والمرسفل مفن الخفبر ومفا لم يرو سفيان ففي الحكفم عندنفا ،ثفم إن أبفا
حنيففة يقول :مفا رأيفت فيمفن لقيفت أفضفل مفن عطاء ،ول فيمفن لقيفت أكذب من جابر الجعففي ،ومفا
أتيتفه بشيفء قفط مفن رأي إل جاءنفي فيفه بحديفث ،وزعفم أن عنده كذا وكذا ألف حديفث عفن رسفول
ال صفلى ال عليفه وسفلم لم ينطفق بهفا؛ فهذا أبفو حنيففة يجرح جابرا الجعففي ويكذبفه ضفد قول مفن
انتحل من أصحابه مذهبه .قال أبو حاتم :وأما صلة النبي صلى ال عليه وسلم في مرضه فجاءت
الخبار فيهفا مجملة ومختصفرة ،وبعضهفا مفصفلة مبينفة؛ فففي بعضهفا :فجاء النفبي صفلى ال عليفه
وسلم فجلس إلى جنب أبي بكر فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى ال عليه وسلم والناس يأتمون بأبي
بكفر .وفي بعضهفا :فجلس عن يسفار أبي بكفر وهذا مفسفر .وفيه :فكان النبي صلى ال عليه وسلم
يصفلي بالناس قاعدا وأبفو بكفر قائمفا .قال أبفو حاتفم :وأمفا إجمال هذا الخفبر فإن عائشفة حكفت هذه
الصلة إلى هذا الموضع ،وآخر القصة عند جابر بن عبدال :أن النبي صلى ال عليه وسلم أمرهم
بالقعود أيضفا ففي هذه الصفلة كمفا أمرهفم بفه عنفد سفقوطه عفن فرسفه؛ أنبأنفا محمفد بفن الحسفن بفن
قتيبفة قال أنبأنفا يزيفد بفن موهفب قال حدثنفي الليفث بفن سفعد عفن أبفي الزبيفر عفن جابر قال :اشتكفى
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فصفلينا وراءه وهفو قاعفد ،وأبفو بكفر يسفمع الناس تكفبيره ،قال:
فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلته قعودا ،فلما سلم قال( :كدتم أن تفعلوا فعل
فارس والروم يقومون على ملوكهففم وهففم قعود فل تفعلوا ائتموا بأئمتكففم إن صففلى قائمففا فصففلوا
قيامفا وإن صفلى قاعدا فصفلوا قعودا) .قال أبفو حاتفم :فففي هذا الخفبر المفسفر بيان واضفح أن النفبي
صفلى ال عليفه وسفلم لمفا قعفد عفن يسفار أبفي بكفر وتحول أبفو بكفر مأمومفا يقتدى بصفلته ويكفبر
يسفمع الناس التكفبير ليقتدوا بصفلته ،أمرهفم صفلى ال عليفه وسفلم حينئذ بالقعود حيفن رآهفم قيامفا؛
ولما فرغ من صلته أمرهم أيضا بالقعود إذا صلى إمامهم قاعدا.
وقفد شهفد جابر بفن عبدال صفلته صفلى ال عليفه وسفلم حيفن سفقط عفن فرسفه فجحفش شقفه
اليمن ،وكان سقوطه صلى ال عليه وسلم في شهر ذي الحجة آخر سنة خمس من الهجرة ،وشهد
هذه الصلة في علته صلى ال عليه وسلم في غير هذا التاريخ فأدى كل خبر بلفظه؛ أل تراه يذكر
في هذه الصلة :رفع أبو بكر صوته بالتكبير ليقتدي به الناس ،وتلك الصلة التي صلها رسول
ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي بيتفه عنفد سفقوطه عفن فرسفه ،لم يحتفج إلى أن يرففع صفوته بالتكفبير
ليسففمع الناس تكففبيره على صففغر حجرة عائشففة ،وإنمففا كان رفعففه صففوته بالتكففبير فففي المسففجد
العظم الذي صلى فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم في علته؛ فلما صح ما وصفنا لم يجز أن
نجعل بعض هذه الخبار ناسخا لبعض؛ وهذه الصلة كان خروجه إليها صلى ال عليه وسلم بين
رجلين ،وكان فيها إماما وصلى بهم قاعدا وأمرهم بالقعود .وأما الصلة التي صلها آخر عمره
فكان خروجفه إليهفا بيفن بريرة وثوبفة ،وكان فيهفا مأمومفا ،وصفلى قاعدا خلف أبفي بكفر ففي ثوب
واحد متوشحا به .رواه أنس بن مالك قال :آخر صلة صلها رسول ال صلى ال عليه وسلم مع
القوم ففي ثوب واحفد متوشحفا بفه قاعدا خلف أبفي بكفر فصفلى عليفه السفلم صفلتين ففي المسفجد
جماعة ل صلة واحدة .وإن في خبر عبيدال بن عبدال عن عائشة أن النبي صلى ال عليه وسلم
خرج بين رجلين .يريد أحدهما العباس والخر عليا .وفي خبر مسروق عن عائشة :ثم إن النبي
صلى ال عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين بريرة وثوبة ،إني لنظر إلى نعليه تخطان في
الحصفى وأنظفر إلى بطون قدميفه؛ الحديفث .فهذا يدلك على أنهمفا كانتفا صفلتين ل صفلة واحدة.
قال أبفو حاتفم :أخبرنفا محمفد بفن إسفحاق بفن خزيمفة قال :حدثنفا محمفد بفن بشار قال :حدثنفا بدل بفن
المحبر قال :حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيدال بن عبدال عن عائشة :أن أبا بكر
صفلى بالناس ورسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي الصفف خلففه .قال أبفو حاتفم :خالف شعبفة بفن
الحجاج زائدة بن قدامة في متن هذا الخبر عن موسى بن أبي عائشة فجعل شعبة النبي صلى ال
عليفه وسفلم مأمومفا حيفث صفلى قاعدا والقوم قيام ،وجعفل زائدة النفبي صفلى ال عليفه وسفلم إمامفا
حيث صلى قاعدا والقوم قيام ،وهما متقنان حافظان .فكيف يجوز أن يجعل إحدى الروايتين اللتين
تضادتا في الظاهر في فعل واحد ناسخا لمر مطلق متقدم ،فمن جعل أحد الخبرين ناسخا لما تقدم
من أمر النبي صلى ال عليه وسلم وترك الخر من غير دليل ثبت له على صحته سوغ لخصمه
أخفذ مفا ترك مفن الخفبرين وترك مفا أخفذ منهمفا .ونظيفر هذا النوع مفن السفنن خفبر ابفن عباس أن
النفبي صفلى ال عليفه وسفلم نكفح ميمونفة وهفو محرم وخفبر أبفي راففع صفلى نكحهفا وهمفا حللن
فتضاد الخبران في فعل واحد في الظاهر من غير أن يكون بينهما تضاد عندنا؛ فجعل جماعة من
أصفحاب الحديفث الخفبرين اللذيفن رويفا ففي نكاح ميمونفة متعارضيفن ،وذهبوا إلى خفبر عثمان بفن
عفان عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :ل ينكفح المحرم ول ينكفح) فأخذوا بفه ،إذ هفو يواففق إحدى
الروايتيفن اللتيفن رويتفا ففي نكاح ميمونفة ،وتركوا خفبر ابفن عباس أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم
نكحهفا وهفو محرم؛ فمفن فعفل هذا لزمفه أن يقول :تضاد الخفبران ففي صفلة النفبي صفلى ال عليفه
وسفلم ففي علتفه على حسفب مفا ذكرناه قبفل ،فيجفب أن يجيفء إلى الخفبر الذي فيفه المفر بصفلة
المأموميفن قعودا إذا صفلى إمامهفم قاعدا فيأخفذ بفه ،إذ هفو يواففق إحدى الروايتيفن اللتيفن رويتفا ففي
صفلة النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي علتفه ويترك الخفبر المنفرد عنهمفا كمفا فعفل ذلك ففي نكاح
ميمونة .قال أبو حاتم :زعم بعض العراقيين ممن كان ينتحل مذهب الكوفيين أن قوله( :وإذا صلى
قاعدا فصفلوا قعودا) أراد بفه وإذا تشهفد قاعدا فتشهدوا قعودا أجمعون فحرف الخفبر عفن عموم مفا
ورد الخبر فيه بغير دليل ثبت له على تأويله.
**3اليفة{ 239 :فإن خفتفم فرجال أو ركبانفا فإذا أمنتفم فاذكروا ال كمفا علمكفم مفا لم تكونوا
تعلمون}
@قوله تعالى" :فإن خفتم" من الخوف الذي هو الفزع" .فرجال" أي فصلوا رجال" .أو ركبانا"
معطوف عليففه .والرجال جمففع راجففل أو رجففل مففن قولهففم :رجففل النسففان يرجففل رجل إذا عدم
المركوب ومشفى على قدميفه ،فهفو رجفل وراجفل ورجفل ( -بضفم الجيفم) وهفي لغفة أهفل الحجاز؛
يقولون :مشفى فلن إلى بيفت ال حافيفا رجل؛ -حكاه الطفبري وغيره -ورجلن ورجيفل ورجفل،
ويجمع على رجال ورجلي ورجال ورجالة ورجالى ورجلن ورجلة ورجله (بفتح الجيم) وأرجلة
وأراجل وأراجيل .والرجل الذي هو اسم الجنس يجمع أيضا على رجال.
@لما أمر ال تعالى بالقيام له في الصلة بحال قنوت وهو الوقار والسكينة وهدوء الجوارح وهذا
على الحالة الغالبة من المن والطمأنينة ذكر حالة الخوف الطارئة أحيانا ،وبين أن هذه العبادة ل
تسففقط عفن العبففد فففي حال ،ورخففص لعفبيده ففي الصفلة رجال على القدام وركبانفا على الخيفل
والبل ونحوها ،إيماء وإشارة بالرأس حيثما توجه؛ هذا قول العلماء ،وهذه هي صلة الفذ الذي قد
ضايقفه الخوف على نفسفه ففي حال المسفايفة أو مفن سفبع يطلبفه أو مفن عدو يتبعفه أو سفيل يحمله،
وبالجملة فكل أمر يخاف منه على روحه فهو مبيح ما تضمنته هذه الية.
هذه الرخصفة ففي ضمنهفا إجماع العلماء أن يكون النسفان حيثمفا توجفه مفن السفّموت ويتقلب
ويتصرف بحسب نظره في نجاة نفسه.
@واختلف ففي الخوف الذي تجوز فيفه الصفلة رجال وركبانفا؛ فقال الشافعفي :هفو إطلل العدو
عليهفم فيتراءون معفا والمسفلمون ففي غيفر حصفن حتفى ينالهفم السفلح مفن الرمفي أو أكثفر مفن أن
يقرب العدو فيه منهم من الطعن والضرب ،أو يأتي من يصدق خبره فيخبره بأن العدو قريب منه
ومسيرهم جادين إليه؛ فإن لم يكن واحد من هذين المعنيين فل يجوز له أن يصلي صلة الخوف.
فإن صلوا بالخبر صلة الخوف ثم ذهب العدو لم يعيدوا ،وقيل :يعيدون؛ وهو قول أبي حنيفة .قال
أبففو عمففر :فالحال التففي يجوز منهففا للخائف أن يصففلي راجل أو راكبففا مسففتقبل القبلة أو غيففر
مستقبلها هي حال شدة الخوف ،والحال التي وردت الثار فيها هي غير هذه .وهي صلة الخوف
بالمام وانقسام الناس وليس حكمها في هذه الية ،وهذا يأتي بيانه في سورة "النساء" إن شاء ال
تعالى .وفرق مالك بيفن خوف العدو المقاتفل وبيفن خوف السفبع ونحوه مفن جمفل صفائل أو سفيل أو
مفا الغلب من شأنفه الهلك ،فإنفه استحب من غير خوف العدو العادة ففي الوقت إن وقفع المن.
وأكثر فقهاء المصار على أن المر سواء.
@قال أبفو حنيففة :إن القتال يفسفد الصفلة؛ وحديفث ابفن عمفر يرد عليفه ،وظاهفر اليفة أقوى دليفل
عليفه ،وسفيأتي هذا ففي "النسفاء" إن شاء ال تعالى .قال الشافعفي :لمفا رخفص تبارك وتعالى ففي
جواز ترك بعض الشروط دل ذلك على أن القتال في الصلة ل يفسدها ،وال أعلم.
@ل نقصفان ففي عدد الركعات ففي الخوف عن صفلة المسفافر عند مالك والشافعفي وجماعة من
العلماء وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة وغيرهما :يصلي ركعة إيماء؛ روى مسلم عن بكير بن
الخنفس عفن مجاهفد عفن ابفن عباس قال :فرض ال الصفلة على لسفان رسفول ال صفلى ال عليفه
وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة .قال ابن عبدالبر :انفرد به بكير بن
الخنفس وليفس بحجفة فيمفا ينفرد بفه ،والصفلة أولى مفا احتيفط فيفه ،ومفن صفلى ركعتيفن ففي خوففه
وسففره خرج مفن الختلف إلى اليقيفن .وقال الضحاك بفن مزاحفم :يصفلي صفاحب خوف الموت
في المسايفة وغيرها ركعة فإن لم يقدر فليكبر تكبيرتين .وقال إسحاق بن راهويه :فإن لم يقدر إل
على تكبيرة واحدة أجزأت عنه ذكره ابن المنذر.
وقوله تعالى" :فإذا أمنتففم فاذكروا ال كمففا علمكففم" أي ارجعوا إلى مففا أمرتففم بففه مففن إتمام
الركان .وقال مجاهففد" :أمنتففم" خرجتففم مففن دار السفففر إلى دار القامففة؛ ورد الطففبري على هذا
القول .وقالت فرقة" :أمنتم" زال خوفكم الذي ألجأكم إلى هذه الصلة.
@واختلف العلماء مفن هذا الباب ففي بناء الخائف إذا أمفن؛ فقال مالك :إن صفلى ركعفة آمنفا ثفم
خاف ركفب وبنفى ،وكذلك إن صفلى ركعفة راكبفا وهفو خائف ثفم أمفن نزل وبنفى؛ وهفو أحفد قولي
الشافعفي ،وبفه قال المزنفي .وقال أبفو حنيففة :إذا افتتفح الصفلة آمنفا ثفم خاف اسفتقبل ولم يبفن فإن
صفلى خائففا ثفم أمفن بنفى .وقال الشافعفي :يبنفي النازل ول يبنفي الراكفب .وقال أبفو يوسفف :ل يبنفى
في شيء من هذا كله.
قوله تعالى" :فاذكروا ال" قيففل :معناه اشكروه على هذه النعمفة فففي تعليمكففم هذه الصففلة التفي
وقفع بهفا الجزاء؛ ولم تفتكفم صفلة مفن الصفلوات وهفو الذي لم تكونوا تعلمونفه .فالكاف ففي قوله
"كمفا" بمعنفى الشكفر؛ تقول :افعفل بفي كمفا فعلت بفك كذا مكافأة وشكرا" .ومفا" ففي قوله "مفا لم"
مفعولة بف "علمكم".
@قال علماؤنفا رحمفة ال عليهفم :الصفلة أصفلها الدعاء ،وحالة الخوف أولى بالدعاء؛ فلهذا لم
تسقط الصلة بالخوف؛ فإذا لم تسقط الصلة بالخوف فأحرى أل تسقط بغيره من مرض أو نحوه،
فأمفر ال سفبحانه وتعالى بالمحافظفة على الصفلوات ففي كفل حال مفن صفحة أو مرض ،وحضفر أو
سفففر ،وقدرة أو عجففز وخوف أو أمففن ،ل تسففقط عففن المكلف بحال ،ول يتطرق إلى فرضيتهففا
اختلل .وسفيأتي بيان حكفم المريفض ففي آخفر "آل عمران" إن شاء ال تعالى .والمقصفود مفن هذا
أن تفعل الصلة كيفما أمكن ،ول تسقط بحال حتى لو لم يتفق فعلها إل بالشارة بالعين لزم فعلها،
وبهذا تميزت عن سائر العبادات ،كلها تسقط بالعذار ويترخص فيها بالرخص .قال ابن العربي:
ولهذا قال علماؤنففا :وهففي مسففألة عظمففى ،إن تارك الصففلة يقتففل؛ لنهففا أشبهففت اليمان الذي ل
يسفقط بحال ،وقالوا فيهفا :إحدى دعائم السفلم ل تجوز النيابفة عنهفا ببدن ول مال ،فيقتفل تاركهفا؛
أصله الشهادتان .وسيأتي ما للعلماء في تارك الصلة في "براءة" إن شاء ال تعالى.
**3الية{ 240 :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لزواجهم متاعا إلى الحول غير
إخراج فإن خرجن فل جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف وال عزيز حكيم}
@قوله تعالى" :والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا" ذهب جماعة من المفسرين في تأويل هذه
الية أن المتوفى عنها زوجها كانت تجلس في بيت المتوفى عنها حول ،وينفق عليها من ماله ما
لم تخرج مفن المنزل؛ فإن خرجفت لم يكفن على الورثفة جناح ففي قطفع النفقة عنهفا؛ ثفم نسفخ الحول
بالربعة الشهر والعشر ،ونسخت النفقة بالربع والثمن في سورة "النساء" قاله ابن عباس وقتادة
والضحاك وابفن زيفد والربيفع .وففي السفكنى خلف للعلماء ،روى البخاري عفن ابفن الزبيفر قال:
قلت لعثمان هذه الية التفي ففي "البقرة"" :والذيفن يتوفون منكفم ويذرون أزواجفا -إلى قوله -غيفر
إخراج" قفد نسفختها اليفة الخرى فلم تكتبهفا أو تدعهفا ؟ قال :يفا ابفن أخفي ل أغيفر شيئا منفه مفن
مكانفه .وقال الطفبري عفن مجاهفد :إن هذه اليفة محكمفة ل نسفخ فيهفا ،والعدة كانفت قفد ثبتفت أربعفة
أشهفر وعشرا ،ثفم جعفل ال لهفن وصفية منفه سفكنى سفبعة أشهفر وعشريفن ليلة ،فإن شاءت المرأة
سفكنت ففي وصفيتها ،وإن شاءت خرجفت ،وهفو قول ال عفز وجفل" :غيفر إخراج فإن خرجفن فل
جناح عليكفم" .قال ابفن عطيفة :وهذا كله قفد زال حكمفه بالنسفخ المتففق عليفه إل مفا قوله الطفبري
مجاهدا رحمهمفا ال تعالى ،وففي ذلك نظفر على الطفبري .وقال القاضفي عياض :والجماع منعقفد
على أن الحول منسوخ وأن عدتها أربعة أشهر وعشر .قال غيره :معنى قوله "وصية" أي من ال
تعالى تجب على النساء بعد وفاة الزوج بلزوم البيوت سنة ثم نسخ.
قلت :مفا ذكره الطفبري عن مجاهفد صفحيح ثابفت ،خرج البخاري قال :حدثنفا إسفحاق قال حدثنفا
روح قال حدثنفا شبفل عفن ابفن أبفي نجيفح عفن مجاهفد "والذيفن يتوفون منكفم ويذرون أزواجفا" قال:
كانففت هذه العدة تعتففد عنففد أهففل زوجهففا واجبففة فأنزل ال تعالى" :والذيففن يتوفون منكففم ويذرون
أزواجا -إلى قوله -من معروف" قال :جعل ال لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية،
إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت ،وهو قوله تعالى" :غير إخراج فإن خرجن فل
جناح عليكم" إل أن القول الول أظهر لقوله عليه السلم( :إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت
إحداكفن ففي الجاهليفة ترمفي بالبعرة عنفد رأس الحول) الحديفث .وهذا إخبار منفه صفلى ال عليفه
وسفلم عفن حالة المتوففى عنهفن أزواجهفن قبفل ورود الشرع ،فلمفا جاء السفلم أمرهفن ال تعالى
بملزمفة البيوت حول ثفم نسفخ بالربعفة الشهفر والعشفر ،هذا -مفع وضوحفه ففي السفنة الثابتفة
المنقولة بأخبار الحاد -إجماع مففن علماء المسففلمين ل خلف فيففه؛ قاله أبففو عمففر ،قال :وكذلك
سفائر اليفة .فقوله عفز وجفل" :والذيفن يتوفون منكفم ويذرون أزواجفا وصفية لزواجهفن متاعفا إلى
الحول غيففر إخراج" منسففوخ كله عنففد جمهور العلماء ،ثففم نسففخ الوصففية بالسففكنى للزوجات فففي
الحول ،إل رواية شاذة مهجورة جاءت عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لم يتابع عليها ،ول قال بها
فيما زاد على الربعة الشهر والعشر أحد من علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم
فيما علمت .وقد روى ابن جريج عن مجاهد مثل ما عليه الناس ،فانعقد الجماع وارتفع الخلف،
وبال التوفيق.
@قوله تعالى" :وصفية" قرأ ناففع وابفن كثيفر والكسفائي وعاصفم ففي روايفة أبفي بكفر "وصفية"
بالرففع على البتداء ،وخفبره "لزواجهفم" .ويحتمفل أن يكون المعنفى عليهفم وصفية ،ويكون قوله
"لزواجهفم" صففة؛ قال الطفبري :قال بعفض النحاة :المعنفى كتبفت عليهفم وصفية ،ويكون قوله
"لزواجهفم" صففة ،قال :وكذلك هفي ففي قراءة عبدال بفن مسفعود .وقرأ أبفو عمرو وحمزة وابفن
عامر "وصية" بالنصب ،وذلك حمل على الفعل ،أي فليوصوا وصية .ثم الميت ل يوصي ،ولكنه
أراد إذا قربوا مفن الوفاة ،و"لزواجهفم" على هذه القراءة أيضفا صففة .وقيفل :المعنفى أوصفى ال
وصفية" .متاعفا" أي متعوهفن متاعفا :أو جعفل ال لهفن ذلك متاعفا لدللة الكلم عليفه ،ويجوز أن
يكون نصففبا على الحال أو بالمصففدر الذي هففو الوصففية؛ كقوله" :أو إطعام فففي يوم ذي مسففغبة
يتيما" [البلد ]15 - 14 :والمتاع ههنا نفقة سنتها.
@قوله تعالى" :غير إخراج" معناه ليس لولياء الميت ووارثي المنزل إخراجها و"غير" نصب
على المصدر عند الخفش ،كأنه قال ل إخراجا .وقيل :نصب لنه صفة المتاع وقيل :نصب على
الحال من الموصين أي متعوهن غير مخرجات .وقيل :بنزع الخافض ،أي من غير إخراج.
@قوله تعالى" :فإن خرجن" الية .معناه باختيارهن قبل الحول" .فل جناح عليكم في ما فعلن في
أنفسفهن" أي ل حرج على أحفد وِليّ أو حاكفم أو غيره؛ لنفه ل يجفب عليهفا المقام ففي بيفت زوجهفا
حول .وقيل :أي ل جناح في قطع النفقة عنهن ،أو ل جناح عليهن في التشوف إلى الزواج ،إذ قد
انقطعت عنهن مراقبتكم أيها الورثة ،ثم عليها أل تتزوج قبل انقضاء العدة بالحول ،أو ل جناح في
تزويجهفن بعفد انقضاء العدة .لنفه قال "مفن معروف" وهفو مفا يواففق الشرع" .وال عزيفز" صففة
تقتضففي الوعيفد بالنسففبة لمفن خالف الحفد ففي هذه النازلة ،فأخرج المرأة وهففي ل تريفد الخروج.
"حكيم" أي محكم لما يريد من أمور عباده.
**3اليتان{ 242 - 241 :وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين ،كذلك يبين ال لكم
آياته لعلكم تعقلون}
@اختلف الناس ففي هذه اليفة؛ فقال أبفو ثور :هفي محكمفة ،والمتعفة لكفل مطلقفة؛ وكذلك قال
الزهري .قال الزهري :حتفى للمفة يطلقهفا زوجهفا .وكذلك قال سفعيد بفن جفبير :لكفل مطلقفة متعفة
وهو أحد قولي الشافعي لهذه الية .وقال مالك :لكل مطلقه -اثنتين أو واحدة بنى بها أم ل؛ سمى
لهفا صفداقا أم ل -المتعفة ،إل المطلقفة قبفل البناء وقفد سفمى لهفا صفداقا فحسفبها نصففه ،ولو لم يكفن
سفمى لهفا كان لهفا المتعفة أقفل مفن صفداق المثفل أو أكثفر ،وليفس لهذه المتعفة حفد؛ حكاه عنفه ابفن
القاسفم .وقال ابفن القاسفم ففي إرخاء السفتور مفن المدونفة ،قال :جعفل ال تعالى المتعفة لكفل مطلقفة
بهذه اليفة ،ثفم اسفتثنى ففي اليفة الخرى التفي قفد فرض لهفا ولم يدخفل بهفا فأخرجهفا مفن المتعفة،
وزعفم ابفن زيفد أنهفا نسفختها .قال ابفن عطيفة :فففر ابفن القاسفم مفن لففظ النسفخ إلى لففظ السفتثناء
والسفتثناء ل يتجفه ففي هذا الموضفع ،بفل هفو نسفخ محفض كمفا قال زيفد بفن أسفلم ،وإذا التزم ابفن
القاسم أن قوله" :وللمطلقات" يعم كل مطلقة لزمه القول بالنسخ ول بد .وقال عطاء بن أبي رباح
وغيره :هذه الية في الثيبات اللواتي قفد جومعن ،إذ تقدم في غير هذه الية ذكر المتعة للواتي لم
يدخل بهن؛ فهذا قول بأن التي قد فرض لها قبل المسيس لم تدخل قط في العموم .فهذا يجيء على
أن قوله تعالى" :وإن طلقتموهفن مفن قبفل أن تمسفوهن" [البقرة ]237 :مخصفصة لهذا الصفنف
مفن النسفاء ،ومتفى قيفل :إن هذا العموم يتناولهفا فذلك نسفخ ل تخصفيص .وقال الشافعفي ففي القول
الخر :إنه ل متعة إل للتي طلقت قبل الدخول وليس ثم مسيس ول فرض؛ لن من استحقت شيئا
مفن المهفر لم تحتفج ففي حقهفا إلى المتعفة .وقول ال عفز وجفل ففي زوجات النفبي صفلى ال عليفه
وسلم" :فتعالين أمتعكن" [الحزاب ]28 :محمول على أنه تطوع من النبي صلى ال عليه وسلم،
ل وجوب له .وقوله" :فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن" [الحزاب ]49 :محمول على
غيفر المفروضفة أيضفا؛ قال الشافعفي :والمفروض لهفا المهفر إذا طلقفت قبفل المسفيس ل متعفة لهفا؛
لنهفا أخذت نصفف المهفر من غير جريان وطء ،والمدخول بهفا إذا طلقت فلهفا المتعفة؛ لن المهفر
يقفع ففي مقابلة الوطفء والمتعفة بسفبب البتذال بالعقفد .وأوجفب الشافعفي المتعفة للمختلعفة والمبارئة.
وقال أصفحاب مالك :كيفف يكون للمفتديفة متعفة وهفي تعطفي ،فكيفف تأخفذ متاعفا ل متعفة لمختارة
الفراق من مختلعة أو مفتدية أو مبارئة أو مصالحة أو ملعنة أو معتقة تختار الفراق ،دخل بها أم
ل ،سمى لها صداقا أم ل ،وقد مضى هذا مبينا.
**3اليفة{ 243 :ألم تفر إلى الذيفن خرجوا مفن ديارهفم وهفم ألوف حذر الموت فقال لهفم ال
موتوا ثم أحياهم إن ال لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس ل يشكرون}
@قوله تعالى" :ألم تر" هذه رؤية القلب بمعنى ألم تعلم .والمعنى عند سيبويه تنبه إلى أمر الذين.
ول تحتاج هذه الرؤيفة إلى مفعوليفن .وقرأ أبفو عبدالرحمفن السفلمي "ألم تفر" بجزم الراء ،وحذففت
الهمزة حذففا مفن غيفر إلقاء حركفة لن الصفل ألم ترء .وقصفة هؤلء أنهفم قوم مفن بنفي إسفرائيل
وقفع فيهفم الوباء ،وكانوا بقريفة يقال لهفا (داوردان) فخرجوا منهفا هاربيفن فنزلوا واديفا فأماتهفم ال
تعالى .قال ابن عباس :كانوا أربعة آلف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا :نأتي أرضا ليس بها
موت ،فأماتهم ال تعالى؛ فمر بهم نبي فدعا ال تعالى فأحياهم .وقيل :إنهم ماتوا ثمانية أيام .وقيل:
سفبعة ،وال أعلم .قال الحسفن :أماتهفم ال قبفل آجالهفم عقوبفة لهفم ،ثفم بعثهفم إلى بقيفة آجالهفم .وقيفل:
إنما فعل ذلك بهم معجزة لنبي من أنبيائهم ،قيل :كان اسمه شمعون .وحكى النقاش أنهم فروا من
الحمفى .وقيفل :إنهفم فروا مفن الجهاد ولمفا أمرهفم ال بفه على لسفان حزقيفل النفبي عليفه السفلم،
فخافوا الموت بالقتفل ففي الجهاد فخرجوا مفن ديارهفم فرارا مفن ذلك ،فأماتهفم ال ليعرفهفم أنفه ل
ينجيهفم مفن الموت شيفء ،ثفم أحياهفم وأمرهفم بالجهاد بقوله تعالى" :وقاتلوا ففي سفبيل ال" [البقرة:
]190؛ قاله الضحاك .قال ابن عطية :وهذا القصص كله لين السانيد ،وإنما اللزم من الية أن
ال تعالى أخفبر نفبيه محمدا صفلى ال عليفه وسفلم إخبارا ففي عبارة التنفبيه والتوقيفف عفن قوم مفن
البشر خرجوا من ديارهم فرارا من الموت فأماتهم ال تعالى ثم أحياهم؛ ليروا هم وكل من خلف
مفن بعدهفم أن الماتفة إنمفا هفي بيفد ال تعالى ل بيفد غيره؛ فل معنفى لخوف خائف ول لغترار
مغتفر .وجعفل ال هذه اليفة مقدمفة بيفن يدي أمرة المؤمنيفن مفن أمفة محمفد صفلى ال عليفه وسفلم
بالجهاد؛ هذا قول الطبري وهو ظاهر رصف الية.
قوله تعالى" :وهففم ألوف" قال الجمهور :هففي جمفع ألف .قال بعضهففم :كانوا سففتمائة ألف .وقيفل:
كانوا ثمانين ألفا .ابن عباس :أربعين ألفا .أبو مالك :ثلثين ألفا .السدي :سبعة وثلثين ألفا .وقيل:
سبعين ألفا؛ قاله عطاء بن أبي رباح .وعن ابن عباس أيضا أربعين ألفا ،وثمانية آلف؛ رواه عنه
ابن جريج .وعنه أيضا ثمانية آلف ،وعنه أيضا أربعة آلف ،وقيل :ثلثة آلف .والصحيح أنهم
زادوا على عشرة آلف لقوله تعالى" :وهففم ألوف" وهففو جمففع الكثرة ،ول يقال فففي عشرة فمففا
دونها ألوف .وقال ابن زيد في لفظة ألوف :إنما معناها وهم مؤتلفون ،أي لم تخرجهم فرقة قومهم
ول فتنفة بينهفم إنمفا كانوا مؤتلفيفن ،فخالففت هذه الفرقفة فخرجفت فرارا مفن الموت وابتغاء الحياة
بزعمهفم ،فأماتهفم ال ففي منجاهفم بزعمهفم .فألوف على هذا جمفع الف؛ مثفل جالس وجلوس .قال
ابن العربي :أماتهم ال تعالى مدة عقوبة لهم ثم أحياهم؛ وميتة العقوبة بعدها حياة ،وميتة الجل ل
حياة بعدهفا .قال مجاهفد :إنهفم لمفا أحيوا رجعوا إلى قومهفم يعرفون أنهفم كانوا موتفى ولكفن سفحنة
الموت على وجوههفم ،ول يلبفس أحفد منهفم ثوبفا إل عاد كفنفا دسفما حتفى ماتوا لجالهفم التفي كتبفت
لهم .ابن جريج عن ابن عباس :وبقيت الرائحة على ذلك السبط من بني إسرائيل إلى اليوم .وروي
أنهفم كانوا بواسفط العراق .ويقال :إنهفم أحيوا بعفد أن أنتنوا؛ فتلك الرائحفة موجودة ففي نسفلهم إلى
اليوم.
@قوله تعالى" :حذر الموت" أي لحذر الموت؛ فهو نصب لنه مفعول له .و"موتوا" أمر تكوين،
ول يبعفد أن يقال :نودوا وقيفل لهفم :موتوا .وقفد حكفي أن ملكيفن صفاحا بهفم :موتوا فماتوا؛ فالمعنفى
قال لهم ال بواسطة الملكين "موتوا" ،وال أعلم.
@أصح هذه القوال وأبينها وأشهرها أنهم خرجوا فرارا من الوباء؛ رواه سعيد بن جبير عن ابن
عباس قال :خرجوا فرارا مفن الطاعون فماتوا ،فدعفا ال نفبي مفن النفبياء أن يحييهفم حتفى يعبدوه
فأحياهففم ال .وقال عمرو بففن دينار فففي هذه اليففة :وقففع الطاعون فففي قريتهففم فخرج أناس وبقففي
أناس ،ومفن خرج أكثفر ممفن بقفي ،قال :فنجفا الذيفن خرجوا ومات الذيفن أقاموا؛ فلمفا كانفت الثانيفة
خرجوا بأجمعهم إل قليل فأماتهم ال ودوابهم ،ثم أحياهم فرجعوا إلى بلدهم وقد توالدت ذريتهم.
وقال الحسن :خرجوا حذارا من الطاعون فأماتهم ال ودوابهم في ساعة واحدة ،وهم أربعون ألفا.
قلت :وعلى هذا تترتب الحكام في هذه الية .فروى الئمة واللفظ للبخاري من حديث عامر بن
سعد بن أبي وقاص أنه سمع أسامة بن زيفد يحدث سعدا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ذكر
الوجفع فقال (رجفز أو عذاب عذب بفه بعفض المفم ثفم بقفي منفه بقيفة فيذهفب المرة ويأتفي الخرى
فمن سمع به بأرض فل يقدمن عليه ومن كان بأرض وقع بها فل يخرج فرارا منه) وأخرجه أبو
عيسفى الترمذي فقال حدثنفا قتيبفة أنبأنفا حماد بفن زيفد عفن عمرو بفن دينار عفن عامفر بفن سفعد عفن
أسامة بن زيد أن النبي صلى ال عليه وسلم ذكر الطاعون فقال( :بقية رجز أو عذاب أرسل على
طائفة من بني إسرائيل فإذا وقع بأرض وأنتم بها فل تخرجوا منها وإذا وقع بأرض ولستم بها فل
تهبطوا عليها) قال :حديث حسن صحيح .وبمقتضى هذه الحاديث عمل عمر والصحابة رضوان
ال عليهم لما رجعوا من سرغ حين أخبرهم عبدالرحمن بن عوف بالحديث ،على ما هو مشهور
في الموطأ وغيره .وقد كره قوم الفرار من الوباء والرض السقيمة؛ روي عن عائشة رضي ال
عنها أنها قالت :الفرار من الوباء كالفرار من الزحف .وقصة عمر في خروجه إلى الشام مع أبي
عفبيدة معروففة ،وفيهفا :أنفه رجفع .وقال الطفبري :ففي حديفث سفعد دللة على أن على المرء توقفي
المكاره قبفل نزولهفا ،وتجنفب الشياء المخوففة قبفل هجومهفا ،وأن عليفه الصفبر وترك الجزع بعفد
نزولهفا؛ وذلك أنفه عليفه السفلم نهفى مفن لم يكفن ففي أرض الوباء عفن دخولهفا إذا وقفع فيهفا ،ونهفى
من هو فيها عن الخروج منها بعد وقوعه فيها فرارا منه؛ فكذلك الواجب أن يكون حكم كل متق
مفن المور غوائلهفا ،سفبيله ففي ذلك سفبيل الطاعون .وهذا المعنفى نظيفر قوله عليفه السفلم( :ل
تتمنوا لقاء العدو وسلوا ال العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا).
قلت :وهذا هففو الصففحيح فففي الباب ،وهففو مقتضففى قول الرسففول عليففه السففلم ،وعليففه عمففل
أصحابه البررة الكرام رضي ال عنهم ،وقد قال عمر لبي عبيدة محتجا عليه لما قال له :أفرارا
من قدر ال فقال عمر :لو غيرك قالها يا أبا عبيدة نعم ،نفر من قدر ال إلى قدر ال .المعنى :أي ل
محيص للنسان عما قدره ال له وعليه ،ولكن أمرنا ال تعالى بالتحرز من المخاوف والمهلكات،
وباستفراغ الوسع في التوقي من المكروهات .ثم قال له :أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت واديا له
عدوتان إحداهمفا خصفبة والخرى جدبفة ،أليفس إن رعيفت الخصفبة رعيتهفا بقدر ال ،وإن رعيفت
الجدبفة رعيتهفا بقدر ال عفز وجفل .فرجفع عمفر مفن موضعفه ذلك إلى المدينفة .قال الكيفا الطفبري:
ول نعلم خلففا أن الكفار أو قطاع الطريفق إذا قصفدوا بلدة ضعيففة ل طاقفة لهلهفا بالقاصفدين فلهفم
أن يتنحوا مفن بيفن أيديهفم ،وإن كانفت الجال المقدرة ل تزيفد ول تنقفص .وقفد قيفل :إنمفا نهفي عفن
الفرار منففه لن الكائن بالموضففع الذي الوباء فيففه لعله قففد أخففذ بحففظ منففه ،لشتراك أهففل ذلك
الموضوع فففي سففبب ذلك المرض العام ،فل فائدة لفراره ،بففل يضيففف إلى مففا أصففابه مففن مبادئ
الوباء مشقات السففر ،فتتضاعفف اللم ويكثفر الضرر فيهلكون بكفل طريفق ويطرحون ففي كفل
فجوة ومضيففق ،ولذلك يقال :مففا فففر أحففد مففن الوباء فسففلم؛ حكاه ابففن المدائنففي .ويكفففي فففي ذلك
موعظفة قوله تعالى" :ألم تفر إلى الذيفن خرجوا مفن ديارهفم وهفم ألوف حذر الموت فقال لهفم ال
موتوا" ولعله إن فففر ونجففا يقول :إنمففا نجوت مففن أجففل خروجففي عنففه فيسففوء اعتقاده .وبالجملة
فالفرار منه ممنوع لما ذكرناه ،ولما فيه من تخلية البلد :ول تخلو من مستضعفين يصعب عليهم
الخروج منهففا ،ول يتأتففى لهففم ذلك ،ويتأذون بخلو البلد مففن المياسففير الذيففن كانوا أركانففا للبلد
ومعونة للمستضعفين .وإذا كان الوباء بأرض فل يقدم عليه أحد أخذا بالحزم والحذر والتحرز من
مواضففع الضرر ،ودفعففا للوهام المشوشففة لنفففس النسففان؛ وفففي الدخول عليففه الهلك ،وذلك ل
يجوز فففي حكففم ال تعالى ،فإن صففيانة النفففس عففن المكروه واجبففة ،وقففد يخاف عليففه مففن سففوء
العتقاد بأن يقول :لول دخولي فففي هذا المكان لمففا نزل بففي مكروه .فهذه فائدة النهففي عففن دخول
أرض بهفا الطاعون أو الخروج منهفا ،وال أعلم .وقفد قال ابفن مسفعود :الطاعون فتنفة على المقيفم
والفار؛ فأمففا الفار فيقول :فبفراري نجوت ،وأمففا المقيففم فيقول :أقمففت فمففت؛ وإلى نحففو هذا أشار
مالك حين سئل عن كراهة النظر إلى المجذوم فقال :ما سمعت فيه بكراهة ،وما أرى ما جاء من
النهي عن ذلك إل خيفة أن يفزعه أو يخيفه شيء يقع في نفسه؛ قال النبي صلى ال عليه وسلم في
الوباء( :إذا سمعتم به في أرض فل تقدموا عليه وإذا وقع وأنتم بها فل تخرجوا فرارا منه) .وسئل
أيضفا عفن البلدة يقفع فيهفا الموت وأمراض ،فهفل يكره الخروج منهفا ؟ فقال :مفا أرى بأسفا خرج أو
أقام.
ففي قوله عليفه السفلم( :إذا وقفع الوباء بأرض وأنتفم بهفا فل تخرجوا فرارا منفه) .دليفل على أنفه
يجوز الخروج مففن بلدة الطاعون على غيففر سففبيل الفرار منففه ،إذا اعتقففد أن مففا أصففابه لم يكففن
ليخطئه ،وكذلك حكففم الداخففل إذا أيقففن أن دخولهففا ل يجلب إليففه قدرا لم يكففن ال قدره له؛ فباح له
الدخول إليه والخروج منه على هذا الحد الذي ذكرناه ،وال أعلم.
@في فضل الصبر على الطاعون وبيانه .الطاعون وزنه فاعول من الطعن ،غير أنه لما عدل به
عفن أصفله وضفع دال على الموت العام بالوباء؛ قاله الجوهري .ويروى مفن حديفث عائشفة رضفي
ال عنها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :فناء أمتي بالطعن والطاعون) قالت :الطعن قد
عرفناه فمفففا الطاعون ؟ قال( :غدة كغدة البعيففففر تخرج ففففي المراق والباط) .قال العلماء :وهذا
الوباء قد يرسله ال نقمة وعقوبة على من يشاء من العصاة من عبيده وكفرتهم ،وقد يرسله شهادة
ورحمة للصالحين؛ كما قال معاذ في طاعون عمواس :إنه شهادة ورحمة لكم ودعوة نبيكم ،اللهم
أعفط معاذا وأهله نصفيبهم مفن رحمتفك .فطعفن ففي كففه رضفي ال عنفه .قال أبفو قلبفة :قفد عرففت
الشهادة والرحمفة ولم أعرف مفا دعوة نفبيكم ؟ فسفألت عنهفا فقيفل :دعفا عليفه السفلم أن يجعفل فناء
أمتفه بالطعفن والطاعون حيفن دعفا أل يجعفل بأس أمتفه بينهفم فمنعهفا فدعفا بهذا .ويروى مفن حديفث
جابر وغيره عففن النففبي صففلى ال عليففه وسففلم أنففه قال( :الفار مففن الطاعون كالفار مففن الزحففف
والصابر فيه كالصابر في الزحف) .وفي البخاري عن يحيى بن يعمر عن عائشة أنها أخبرته أنها
سفألت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم عفن الطاعون فأخبرهفا نفبي ال صفلى ال عليفه وسفلم( :أنفه
كان عذابفا يبعثفه ال على من يشاء فجعله ال رحمفة للمؤمنيفن فليفس من عبفد يقع الطاعون فيمكفث
ففي بلده صفابرا يعلم أنفه لن يصفيبه إل مفا كتفب ال له إل كان له مثفل أجفر الشهيفد) .وهذا تفسفير
لقوله عليه الصلة والسلم( :الطاعون شهادة والمطعون شهيد) .أي الصابر عليه المحتسب أجره
على ال العالم أنفه لن يصفيبه إل مفا كتفب ال عليفه؛ ولذلك تمنفى معاذ أن يموت فيفه لعلمفه أن مفن
مات فهو شهيد .وأما من جزع من الطاعون وكرهه وفر منه فليس بداخل في معنى الحديث ،وال
أعلم.
@قال أبو عمر :لم يبلغني أن أحدا من حملة العلم فر من الطاعون إل ما ذكره ابن المدائني أن
علي بفن زيفد بفن جدعان هرب مفن الطاعون إلى السفيالة فكان يجمفع كفل جمعفة ويرجفع؛ فكان إذا
جمفع صفاحوا بفه :ففر مفن الطاعون فمات بالسفيالة .قال :وهرب عمرو بفن عبيفد ورباط بفن محمفد
إلى الرباطية فقال إبراهيم بن علي الفقيمي في ذلك:
صبرت ولم يصبر رباط ول عمرو ولما استفز الموت كل مكذب
وذكر أبو حاتم عن الصمعي قال :هرب بعض البصريين من الطاعون فركب حمارا له ومضى
بأهله نحو سفوان؛ فسمع حاديا يحدو خلفه:
ول على ذي منعة طيار لن يسبق ال على حمار
قد يصبح ال أمام الساري أو يأتي الحتف على مقدار
وذكر المدائني قال :وقع الطاعون بمصر في ولية عبدالعزيز بن مروان فخرج هاربا منه فنزل
قرية من قرى الصعيد يقال لها [سكر] .فقدم عليه حين نزلها رسول لعبدالملك بن مروان .فقال له
عبدالعزيفز :مفا اسفمك ؟ فقال له :طالب بفن مدرك .فقال :أوه مفا أرانفي راجعفا إلى الفسفطاط فمات
في تلك القرية.
**3الية{ 244 :وقاتلوا في سبيل ال واعلموا أن ال سميع عليم}
@هذا خطاب لمة محمد صلى ال عليه وسلم بالقتال في سبيل ال في قول الجمهور .وهو الذي
ينوى بفه أن تكون كلمفة ال هفي العليفا .وسفبل ال كثيرة فهفي عامفة ففي كفل سفبيل؛ قال ال تعالى:
"قفل هذه سفبيلي" [يوسفف .]108 :قال مالك :سفبل ال كثيرة ،ومفا مفن سفبيل إل يقاتفل عليهفا أو
فيهففا أو لهففا ،وأعظمهففا ديففن السففلم ،ل خلف فففي هذا .وقيففل :الخطاب للذيففن أحيوا مففن بنففي
إسرائيل؛ وروي عن ابن عباس والضحاك .والواو على هذا في قوله "وقاتلوا" عاطفة على المر
المتقدم ،وفففي الكلم متروك تقديره :وقال لهففم قاتلوا .وعلى القول الول عاطفففة جملة كلم على
جملة مفففا تقدم ،ول حاجفففة إلى إضمار ففففي الكلم .قال النحاس" :وقاتلوا" أمفففر مفففن ال تعالى
للمؤمنيفن أل تهربوا كمفا هرب هؤلء" .واعلموا أن ال سفميع عليفم" أي يسفمع قولكفم إن قلتفم مثفل
مففا قال هؤلء ويعلم مرادكففم بففه ،وقال الطففبري :ل وجففه لقول مففن قال :إن المففر بالقتال للذيففن
أحيوا .وال أعلم.
**3اليفة{ 245 :مفن ذا الذي يقرض ال قرضفا حسفنا فيضاعففه له أضعاففا كثيرة وال يقبفض
ويبسط وإليه ترجعون}
@قوله تعالى" :من ذا الذي يقرض ال قرضا حسنا" لما أمر ال تعالى بالجهاد والقتال على الحق
-إذ ليس شيء من الشريعة إل ويجوز القتال عليه وعنه ،وأعظمها دين السلم كما قال مالك -
حرض على النفاق ففي ذلك .فدخفل ففي هذا الخفبر المقاتفل ففي سفبيل ال ،فإنفه يقرض بفه رجاء
الثواب كمفا فعفل عثمان رضفي ال عنفه ففي جيفش العسفرة .و" مفن" رففع بالبتداء ،و"ذا" خفبره،
و"الذي" نعت لذا ،وإن شئت بدل .ولما نزلت هذه الية بادر أبو الدحداح إلى التصدق بماله ابتغاء
ثواب ربه .أخبرنا الشيخ الفقيه المام المحدث القاضي أبو عامر يحيى بن عامر بن أحمد بن منيع
الشعري نسبا ومذهبا بقرطبة -أعادها ال -في ربيع الخر عام ثمانية وعشرين وستمائة قراءة
منفي عليه قال :أخبرنفا أبفي إجازة قال :قرأت على أبفي بكفر عبدالعزيفز بفن خلف بفن مديفن الزدي
عفن أبفي عبدال بفن سفعدون سفماعا عليفه؛ قال :حدثنفا أبفو الحسفن علي بفن مهران قال :حدثنفا أبفو
الحسفن محمفد بفن عبدال بفن زكريفا بفن حيوة النيسفابوري سفنة سفت وسفتين وثلثمائة ،قال :أنبأنفا
عمي أبو زكريا يحيى بن زكريا قال :حدثنا محمد بن معاوية بن صالح قال :حدثنا خلف بن خليفة
عفن حميفد العرج عفن عبدال بفن الحارث عفن عبدال بفن مسفعود قال :لمفا نزلت" :مفن ذا الذي
يقرض ال قرضفا حسفنا" قال أبفو الدحداح :يفا رسفول ال أو إن ال تعالى يريفد منفا القرض ؟ قال:
(نعم يا أبا الدحداح) قال :أرني يدك؛ قال فناوله؛ قال :فإني أقرضت ال حائطا فيه ستمائة نخلة،.
ثفم جاء يمشفي حتفى أتفى الحائط وأم الدحداح فيفه وعياله؛ فناداهفا :يفا أم الدحداح؛ قالت :لبيفك؛ قال:
اخرجي ،قد أقرضت ربي عز وجل حائطا فيه ستمائة نخلة .وقال زيد بن أسلم :لما نزل" :من ذا
الذي يقرض ال قرضفا حسفنا" قال أبفو الدحداح :فداك أبفي وأمفي يفا رسفول ال إن ال يسفتقرضنا
وهو غني عن القرض ؟ قال( :نعم يريد أن يدخلكم الجنة به) .قال :فإني إن أقرضت ربي قرضا
يضمفن لي بفه ولصفبيتي الدحداحفة معفي الجنفة ؟ قال( :نعفم) قال :فناولنفي يدك؛ فناوله رسفوله ال
صفلى ال عليفه وسفلم يده :فقال :إن لي حديقتيفن إحداهمفا بالسفافلة والخرى بالعاليفة ،وال ل أملك
غيرهمفا ،قفد جعلتهمفا قرضفا ل تعالى .قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :اجعفل إحداهمفا ل
والخرى دعهفا معيشفة لك ولعيالك) قال :فأشهدك يفا رسفول ال أنفي قفد جعلت خيرهمفا ل تعالى،
وهفو حائط فيففه سففتمائة نخلة .قال( :إذا يجزيففك ال بففه الجنففة) .فانطلق أبففو الدحداح حتففى جاء أم
الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل فأنشأ يقول:
إلى سبيل الخير والسداد هداك ربي سبل الرشاد
فقد مضى قرضا إلى التناد بيني من الحائط بالوداد
بالطوع ل من ول ارتداد أقرضته ال على اعتمادي
فارتحلي بالنفس والولد إل رجاء الضعف في المعاد
قدمه المرء إلى المعاد والبر ل شك فخير زاد
قالت أم الدحداح :ربح بيعك بارك ال لك فيما اشتريت ،ثم أجابته أم الدحداح وأنشأت تقول:
مثلك أدى ما لديه ونصح بشرك ال بخير وفرح
بالعجوة السوداء والزهو البلح قد متع ال عيالي ومنح
طول الليالي وعليه ما اجترح والعبد يسعى وله ما قد كدح
ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى
الحائط الخر؛ فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :كم من عذق رداح ودار فياح لبي الدحداح).
@قال ابفن العربفي" :انقسفم الخلق بحكفم الخالق وحكمتفه وقدرتفه ومشيئتفه وقضائه وقدره حيفن
سفمعوا هذه اليفة أقسفاما ،فتفرقوا فرقفا ثلثفة :الفرقفة الولى الرّذلى قالوا :إن رب محمفد محتاج
فقير إلينا ونحن أغنياء ،فهذه جهالة ل تخفى على ذي لب ،فرد ال عليهم بقوله" :لقد سمع ال قول
الذيفن قالوا إن ال فقيفر ونحفن أغنياء" [آل عمران .]181 :الفرقفة الثانيفة لمفا سفمعت هذا القول
آثرت الشفح والبخفل وقدمفت الرغبفة ففي المال فمفا أنفقفت ففي سفبيل ال ول فكفت أسفيرا ول أعانفت
أحدا تكاسفل عفن الطاعفة وركونفا إلى هذه الدار .الفرقفة الثالثفة لمفا سفمعت بادرت إلى امتثاله وآثفر
المجيب منهم بسرعة بماله كأبي الدحداح رضي ال عنه وغيره .وال أعلم.
@قوله تعالى" :قرضفا حسفنا" القرض :اسفم لكفل مفا يلتمفس عليفه الجزاء وأقرض فلن فلنفا أي
أعطاه ما يتجازاه قال الشاعر وهو لبيد:
إنما يجزي الفتى ليس الجمل وإذا جوزيت قرضا فاجزه
والقرض بالكسر لغة فيه حكاها الكسائي .واستقرضت من فلن أي طلبت منه القرض فأقرضني.
واقترضفت منفه أي أخذت القرض .وقال الزجاج :القرض ففي اللغفة البلء الحسفن والبلء السفيئ
قال أمية:
أو سيئا ومدينا مثل ما دانا كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا
وقال آخر:
فبالخير خيرا وبالشر شرا تجازى القروض بأمثالها
وقال الكسائي :القرض ما أسلفت من عمل صالح أو سيئ .وأصل الكلمة القطع؛ ومنه المقراض.
وأقرضتففه أي قطعففت له مففن مالي قطعففة يجازي عليهففا .وانقرض القوم :انقطففع أثرهففم وهلكوا.
والقرض ههنفا :اسفم ،ولوله لقال ههنفا إقراضفا .واسفتدعاء القرض ففي هذه اليفة إنمفا هفي تأنيفس
وتقريفب للناس بمفا يفهمونفه ،وال هفو الغنفي الحميفد؛ لكنفه تعالى شبفه عطاء المؤمفن ففي الدنيفا بمفا
يرجففو بففه ثوابففه فففي الخرة بالقرض كمففا شبففه إعطاء النفوس والموال فففي أخففذ الجنففة بالبيففع
والشراء .حسففب مففا يأتففي بيانففه فففي "براءة" إن شاء ال تعالى .وقيففل المراد باليففة الحففث على
الصفدقة وإنفاق المال على الفقراء والمحتاجيفن والتوسفعة عليهفم ،وففي سفبيل ال بنصفرة ا الديفن.
وكنى ال سبحانه عن الفقير بنفسه العلية المنزهة عن الحاجات ترغيبا في الصدقة ،كما كنى عن
المريض والجائع والعطشان بنفسه المقدسة عن النقائص واللم .ففي صحيح الحديث إخبارا عن
ال تعالى( :يفا ابفن آدم مرضفت فلم تعدنفي واسفتطعمتك فلم تطعمنفي واسفتسقيتك فلم تسفقني) قال يفا
رب كيفف أسفقيك وأنفت رب العالميفن ؟ قال( :اسفتسقاك عبدي فلن فلم تسفقه أمفا إنفك لو سفقيته
وجدت ذلك عندي) وكذا فيمفا قبفل؛ أخرجفه مسفلم والبخاري وهذا كله خرج مخرج التشريفف لمفن
كنى عنه ترغيبا لمن خوطب به.
@يجب على المستقرض رد القرض؛ لن ال تعالى بين أن من أنفق في سبيل ال ل يضيع عند
ال تعالى بففل يرد الثواب قطعففا وأبهففم الجزاء .وفففي الخففبر( :النفقففة فففي سففبيل ال تضاعففف إلى
سفبعمائة ضعفف وأكثفر) على مفا يأتفي بيانفه ففي هذه السفورة عنفد قوله تعالى" :مثفل الذيفن ينفقون
أموالهم في سبيل ال كمثل حبة أنبتت سبع سنابل" [البقرة ]261 :الية .وقال ههنا" :فيضاعفه
له أضعافا كثيرة" وهذا ل نهاية له ول حد.
@ثواب القرض عظيم ،لن فيه توسعة على المسلم وتفريجا عنه .خرج ابن ماجة في سننه عن
أنفس بفن مالك قال :قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :رأيفت ليلة أسفري بفي على باب الجنفة
مكتوبفا الصفدقة بعشفر أمثالهفا والقرض بثمانيفة عشفر فقلت لجبريفل :مفا بال القرض أفضفل مفن
الصفدقة قال لن السفائل يسفأل وعنده والمسفتقرض ل يسفتقرض إل مفن حاجفة) .قال :حدثنفا محمفد
بفن خلف العسفقلني حدثنفا يعلى حدثنفا سفليمان بفن يسفير عفن قيفس بفن رومفي قال :كان سفليمان بفن
أذنان يقرض علقمفة ألف درهفم إلى عطائه ،فلمفا خرج عطاؤه تقاضاهفا منفه ،واشتفد عليفه فقضاه،
فكأن علقمة غضب فمكث أشهرا ثم أتاه فقال :أقرضني ألف درهم إلى عطائي ،قال :نعم وكرامة
يففا أم عتبففة هلمففي تلك الخريطففة المختومففة التففي عندك ،قال :فجاءت بهففا؛ فقال :أمففا وال إنهففا
لدراهمك التي قضيتني ما حركت منها درهما واحدا؛ قال :فلله أبوك ؟ ما حملك على ما فعلت بي
؟ قال :ما سمعت منك؛ قال :ما سمعت مني ؟ قال :سفمعتك تذكفر عن ابن مسفعود أن النبي صلى
ال عليفه وسفلم قال( :مفا مفن مسفلم يقرض مسفلما قرضفا مرتيفن إل كان كصفدقتها مرة) قال :كذلك
أنبأني ابن مسعود.
@قرض الدمي للواحد واحد ،أي يرد عليه مثل ما أقرضه .وأجمع أهل العلم على أن استقراض
الدنانيفر والدراهفم والحنطفة والشعيفر والتمفر والزبيفب وكفل مفا له مثفل مفن سفائر الطعمفة جائز.
وأجمفع المسفلمون نقل عفن نفبيهم صفلى ال عليفه وسفلم أن اشتراط الزيادة ففي السفلف ربفا ولو كان
قبضفة مفن علف -كمفا قال ابفن مسفعود -أو حبفة واحدة .ويجوز أن يرد أفضفل ممفا يسفتلف إذا لم
يشترط ذلك عليه؛ لن ذلك من باب المعروف؛ استدلل بحديث أبي هريرة في البكر( :إن خياركم
أحسففنكم قضاء) رواه الئمففة :البخاري ومسففلم وغيرهمففا .فأثنففى صففلى ال عليففه وسففلم على مففن
أحسن القضاء ،وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة .وكذلك قضى هو صلى ال عليه وسلم في البكر وهو
الفتي المختار من البل جمل خيارا رباعيا ،والخيار :المختار ،والرباعي هو الذي دخل في السنة
الرابعفة؛ لنفه يلقفي فيهفا رباعيتفه وهفي التفي تلي الثنايفا وهفي أربفع رباعيات -مخفففة الباء -وهذا
الحديث دليل على جواز قرض الحيوان ،وهو مذهب الجمهور ،ومنع من ذلك أبو حنيفة وقد تقدم.
@ول يجوز أن يهدي مفن اسفتقرض هديفة للمقرض ،ول يحفل للمقرض قبولهفا إل أن يكون
عادتهمفا ذلك؛ بهذا جاءت السفنة :خرج ابفن ماجفة حدثنفا هشام بفن عمار قال :حدثنفا إسفماعيل بفن
عياش حدثنفا عتبفة بفن حميفد الضفبي عفن يحيفى بفن أبفي إسفحاق الهنائي قال ،:سفألت أنفس بفن مالك
عففن الرجففل منففا يقرض أخاه المال فيهدي إليففه؟ قال :قال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم( :إذا
أقرض أحدكفم أخاه قرضفا فأهدى له أو حمله على دابتفه فل يقبلهفا ول يركبهفا إل أن يكون جرى
بينه وبينه قبله ذلك).
@القرض يكون من المال -وقد بينا حكمه -ويكون من العرض؛ وفي الحديث عن النبي صلى
ال عليفه وسفلم( :أيعجفز أحدكفم أن يكون كأبفي ضمضفم كان إذا خرج مفن بيتفه قال اللهفم إنفي قفد
تصفدقت بعِرضفي على عبادك) .وروي عن ابفن عمفر :أقرض مفن عرضفك ليوم فقرك؛ يعنفي مفن
سفبك فل تأخفذ منفه حقفا ول تقفم عليفه حدا حتفى تأتفي يوم القيامفة موففر الجفر .وقال أبفو حنيففة :ل
يجوز التصدق بالعِرض لنه حق ال تعالى ،وروي عن مالك .ابن العربي :وهذا فاسد ،قال عليه
السفلم ففي الصفحيح( :إن دماءكفم وأموالكفم وأعراضكفم عليكفم حرام )...الحديفث .وهذا يقتضفي أن
تكون هذه المحرمات الثلث تجري مجرى واحدا في كونها باحترامها حقا للدمي.
@قوله تعالى" :حسنا" قال الواقدي :محتسبا طيبفة به نفسه .وقال عمرو بن عثمان الصدفي :ل
يمن به ول يؤذي .وقال سهل بن عبدال :ل يعتقد في قرضه عوضا.
@قوله تعالى" :فيضاعفه له أضعافا كثيرة" قرأ عاصم وغيره "فيضاعفه" باللف ونصب الفاء.
وقرأ ابفن عامفر ويعقوب بالتشديفد ففي العيفن مفع سفقوط اللف ونصفب الفاء .وقرأ ابفن كثيفر وأبفو
جعففر وشيبفة بالتشديفد ورففع الفاء .وقرأ الخرون باللف ورففع الفاء .فمفن رفعفه نسفقه على قوله:
"يقرض" وقيفل :على تقديفر هفو يضاعففه .ومفن نصفب فجوابفا للسفتفهام بالفاء .وقيفل :بإضمار
"أن" والتشديفد والتخفيفف لغتان .دليفل التشديفد "أضعاففا كثيرة" لن التشديفد للتكثيفر .وقال الحسفن
والسدي :ل نعلم هذا التضعيف إل ل وحده ،لقوله تعالى" :ويؤت من لدنه أجرا عظيما" [النساء:
.]40قاله أبو هريرة :هذا في نفقة الجهاد ،وكنا نحسب والنبي صلى ال عليه وسلم بين أظهرنا
نفقة الرجل على نفسه ورفقائه وظهره بألفي ألف.
@قوله تعالى" :وال يقبض ويبسط" هذا عام في كل شيء فهو القابض الباسط ،وقد أتينا عليهما
في (شرح السماء الحسنى في الكتاب السنى)" .وإليه ترجعون" وعيد فيجازي كل بعمله.
**3اليفة{ 246 :ألم تفر إلى المل مفن بنفي إسفرائيل مفن بعفد موسفى إذ قالوا لنفبي لهفم ابعفث لنفا
ملكفا نقاتفل ففي سفبيل ال قال هفل عسفيتم إن كتفب عليكفم القتال أل تقاتلوا قالوا ومفا لنفا أل نقاتفل ففي
سفبيل ال وقفد أخرجنفا مفن ديارنفا وأبنائنفا فلمفا كتفب عليهفم القتال تولوا إل قليل منهفم وال عليفم
بالظالمين}
@ذكفر ففي التحريفض على القتال قصفة أخرى جرت ففي بنفي إسفرائيل .والمل :الشراف مفن
الناس ،كأنهفم ممتلئون شرففا .وقال الزجاج :سفموا بذلك لنهفم ممتلئون ممفا يحتاجون إليفه منهفم.
والمل ففي هذه الية القوم؛ لن المعنفى يقتضيفه .والمل :اسفم للجمفع كالقوم والرهفط .والمل أيضفا:
حسن الخلق ،ومنه الحديث (أحسنوا المل فكلكم سيروى) خرجه مسلم.
@قوله تعالى" :مفن بعفد موسفى" أي مفن بعفد وفاتفه" .إذ قالوا لنفبي لهفم ابعفث لنفا ملكفا نقاتفل ففي
سففبيل ال" قيففل :هففو شمويففل بففن بال بففن علقمففة ويعرف بابففن العجوز .ويقال فيففه :شمعون ،قاله
السدي :وإنما قيل :ابن العجوز لن أمه كانت عجوزا فسفألت ال الولد وقد كبرت وعقمت فوهبه
ال تعالى لهففا .ويقال له :سففمعون لنهففا دعففت ال أن يرزقهففا الولد فسففمع دعاءهففا فولدت غلمففا
فسففمته "سففمعون" ،تقول :سففمع ال دعائي ،والسففين تصففير شينففا بلغففة العبرانيففة ،وهففو مففن ولد
يعقوب .وقال مقاتفل :هفو مفن نسفل هارون عليفه السفلم .وقال قتادة :هفو يوشفع بفن نون .قال ابفن
عطية :وهذا ضعيف لن مدة داود هي من بعد موسى بقرون من الناس ،ويوشع هو فتى موسى.
وذكفر المحاسفبي أن اسفمه إسفماعيل ،وال أعلم .وهذه اليفة هفي خفبر عفن قوم مفن بنفي إسفرائيل
نالتهم ذلة وغلبة عدو فطلبوا الذن في الجهاد وأن يؤمروا به ،فلما أمروا كعّ أكثرهم وصبر القل
فنصرهم ال .وفي الخبر أن هؤلء المذكورين هم الذين أميتوا ثم أحيوا ،وال أعلم.
قوله تعالى" :نقاتففففل" بالنون والجزم وقراءة جمهور القراء على جواب المففففر .وقرأ الضحاك
وابن أبي عبلة بالياء ورفع الفعل ،فهو في موضع الصفة للملك.
@قوله تعالى" :قال هفل عسفيتم" و"عسفيتم" بالفتفح والكسفر لغتان ،وبالثانيفة قرأ ناففع ،والباقون
بالولى وهي الشهر .قال أبو حاتم :وليس للكسر وجه ،وبه قرأ الحسن وطلحة .قال مكي في اسم
الفاعل :عس ،فهذا يدل على كسر السين في الماضي .والفتح في السين هي اللغة الفاشية .قال أبو
س بذلك ،مثل حرٍ وش جٍ ،وقد جاء فعل وفعل ففي نحو نعم علي :ووجه الكسر قول العرب :هو ع ٍ
ي زيفد ،مثفل ونعفم ،وكذلك عَسفَيت وعَسفِيت ،فإن أسفند الفعفل إلى ظاهفر فقياس عسفيتم أن يقال عَسِف َ
رضفي زيفد ،فإن قيفل فهفو القياس وإن لم يقفل ،فسفائغ أن يؤخفذ باللغتيفن فتسفتعمل إحداهمفا موضفع
الخرى .ومعنففى هذه المقالة :هففل أنتففم قريففب مففن التولي والفرار؟" .إن كتففب عليكففم القتال أل
تقاتلوا" قال الزجاج" :أل تقاتلوا" في موضع نصب ،أي هل عسيتم مقاتلة" .قالوا وما لنا أل نقاتل
ففي سفبيل ال" قال الخففش" :أن" زائدة .وقال الفراء :هفو محمول على المعنفى ،أي ومفا منعنفا،
كما تقول :ما لك أل تصلي ؟ أي ما منعك .وقيل :المعنى وأي شيء لنا في أل نقاتل في سبيل ال
قال النحاس :وهذا أجودهفا" .وأن" ففي موضفع نصفب" .وقفد أخرجنفا مفن ديارنفا" تعليفل ،وكذلك
"وأبنائنا" أي بسبب ذرارينا.
@قوله تعالى" :فلمفا كتفب عليهفم القتال" أي فرض عليهفم" .القتال تولوا" أخفبر تعالى أنفه لمفا
فرض عليهفم القتال ورأوا الحقيقفة ورجعفت أفكارهفم إلى مباشرة الحرب وأن نفوسفهم ،ربمفا قفد
تذهفب "تولوا" أي اضطربت نياتهفم وفترت عزائمهفم ،وهذا شأن المم المتنعمفة المائلة إلى الدعة
تتمنفى الحرب أوقات النففة فإذا حضرت الحرب كعفت وانقادت لطبعهفا .وعفن هذا المعنفى نهفى
النففبي صففلى ال عليففه وسففلم بقوله( :ل تتمنوا لقاء العدو وسففلوا ال العافيففة فإذا لقيتموهففم فأثبتوا)
رواه الئمفة .ثفم أخفبر ال تعالى عفن قليفل منهفم أنهفم ثبتوا على النيفة الولى واسفتمرت عزيمتهفم
على القتال في سبيل ال تعالى.
**3الية{ 247 :وقال لهم نبيهم إن ال قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا
ونحفن أحفق بالملك منفه ولم يؤت سفعة مفن المال قال إن ال اصفطفاه عليكفم وزاده بسفطة ففي العلم
والجسم وال يؤتي ملكه من يشاء وال واسع عليم}
@قوله تعالى" :وقال لهم نبيهم إن ال قد بعث لكم طالوت ملكا" أي أجابكم إلى ما سألتم ،وكان
طالوت سفقاء .وقيفل :دباغفا .وقيفل :مكاريفا ،وكان عالمفا فلذلك رفعفه ال على مفا يأتفي :وكان مفن
سبط بنيامين ولم يكن من سبط النبوة ول من سبط الملك ،وكانت النبوة في بني لوى ،والملك في
سفبط يهوذا فلذلك أنكروا .قال وهفب بفن منبفه :لمفا قال المل مفن بنفي إسفرائيل لشمويفل بفن بال مفا
قالوا ،سأل ال تعالى أن يبعث إليهم ملكا ويدله عليه؛ فقال ال تعالى له :انظر إلى القرن الذي فيه
الدهفن ففي بيتفك فإذا دخفل عليفك رجفل فنفش الدهفن الذي ففي القرن ،فهفو ملك بنفي إسفرائيل فأدهفن
رأسفه منفه وملكفه عليهفم .قال :وكان طالوت دباغفا فخرج ففي ابتغاء دابفة أضلهفا ،فقصفد شمويفل
عسفى أن يدعفو له ففي أمفر الدابفة أو يجفد عنده فرجفا ،فنفش الدهفن على مفا زعموا ،قال :فقام إليفه
شمويفل فأخذه ودهفن منفه رأس طالوت ،وقال له :أنفت ملك بنفي إسفرائيل الذي أمرنفي ال تعالى
بتقديمففه ،ثففم قال لبنففي إسففرائيل" :إن ال قففد بعففث لكففم طالوت ملكففا" .وطالوت وجالوت اسففمان
أعجميان معربان؛ ولذلك ،لم ينصففرفا ،وكذلك داود ،والجمففع طواليففت وجواليففت ودوايففد ،ولو
سففميت رجل بطاوس وراقود لصففرفت وإن كان أعجمييففن .والفرق بيففن هذا والول أنففك تقول:
الطاوس ،فتدخل اللف واللم فيمكن في العربية ول يمكن هذا في ذاك.
@قوله تعالى" :أنفى يكون له الملك علينفا" أي كيفف يملكنفا ونحفن أحفق بالملك منفه .جروا على
سنتهم في تعنيتهم النبياء وحيدهم عن أمر ال تعالى فقالوا" :أنى" أي من أي جهة ،فف "أنى" في
موضفع نصفب على الظرف ،ونحفن مفن سفبط الملوك وهفو ليفس كذلك وهفو فقيفر ،فتركوا السفبب
القوى وهفو قدر ال تعالى وقضاؤه السفابق حتفى احتفج عليهفم نفبيهم بقوله" :إن ال اصفطفاه" أي
اختاره وهو الحجة القاطعة ،وبين لهم مع ذلك تعليل اصطفاء طالوت ،وهو بسطته في العلم الذي
هفو مِلك النسفان ،والجسفم الذي هفو معينفه ففي الحرب وعدتفه عنفد اللقاء؛ فتضمنفت بيان صففة
المام وأحوال المامفة ،وإنهفا مسفتحقة بالعلم والديفن والقوة ل بالنسفب ،فل حفظ للنسفب فيهفا مفع
العلم وفضائل النففس وأنهفا متقدمفة عليفه؛ لن ال تعالى أخفبر أنفه اختاره عليهفم لعلمفه وقوتفه ،وإن
كانوا أشرف منتسبا .وقد مضى في أول السورة من ذكر المامة وشروطها ما يكفي ويغني .وهذه
اليفة أصفل فيهفا .قال ابفن عباس :كان طالوت يومئذ أعلم رجفل ففي بنفي إسفرائيل وأجمله وأتمفه؛
وزيادة الجسم مما يهيب العدو .وقيل :سمى طالوت لطوله .وقيل :زيادة الجسم كانت بكثرة معاني
الخير والشجاعة ،ولم يرد عظم الجسم؛ ألم تر إلى قول الشاعر:
وفي أثوابه أسد هصور ترى الرجل النحيف فتزدريه
فخلف ظنك الرجل الطرير ويعجبك الطرير فتبتليه
فلم يستغن بالعظم البعير وقد عظم البعير بغير لب
قلت :ومفن هذا المعنفى قوله صفلى ال عليفه وسفلم لزواجفه( :أسفرعكن لحاقفا بفي أطولكفن يدا)
فكفن يتطاولن؛ فكانفت زينفب أولهفن موتفا؛ لنهفا كانفت تعمفل بيدهفا وتتصفدق؛ خرجفه مسفلم .وقال
بعض المتأولين :المراد بالعلم علم الحرب ،وهذا تخصيص العموم من غير دليل .وقد قيل :زيادة
العلم بأن أوحى ال إليه ،وعلى هذا كان طالوت نبيا ،وسيأتي.
@قوله تعالى" :وال يؤتفي ملكفه مفن يشاء" ذهفب بعفض المتأوليفن إلى أن هذا مفن قول ال عفز
وجل لمحمفد صلى ال عليه وسلم .وقيل :هو من قول شمويفل وهو الظهفر .قال لهم ذلك لمفا علم
مفن تعنتهفم وجدالهفم ففي الحجفج ،فأراد إن يتمفم كلمفه بالقطعفي الذي ل اعتراض عليفه فقال ال
تعالى" :وال يؤتفي ملكفه مفن يشاء" .وإضاففة ملك الدنيفا إلى ال تعالى إضاففة مملوك إلى ملك .ثفم
قال لهم على جهة التغبيط والتنبيه من غير سؤال منهم" :إن آية ملكه" .ويحتمل أن يكونوا سألوه
الدللة على صفدقه ففي قوله" :إن ال قفد بعفث لكفم طالوت ملكفا" .قال ابفن عطيفة :والول أظهفر
بمساق الية ،والثاني أشبه بأخلق بني إسرائيل الذميمة ،وإليه ذهب الطبري.
**3الية{ 248 :وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما
ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملئكة إن في ذلك لية لكم إن كنتم مؤمنين}
@قوله تعالى" :وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت" أي إتيان التابوت ،والتابوت كان
مفن شأنفه فيمفا ذكفر أنفه أنزله ال على آدم عليفه السفلم ،فكان عنده إلى أن وصفل إلى يعقوب عليفه
السفلم ،فكان ففي بنفي إسفرائيل يغلبون بفه مفن قاتلهفم حتفى عصفوا فغلبوا على التابوت غلبهفم عليفه
العمالقة :جالوت وأصحابه في قول السدي ،وسلبوا التابوت منهم.
قلت :وهذا أدل دليله على أن العصفففيان سفففبب الخذلن ،وهذا بيفففن .قال النحاس :واليفففة ففففي
التابوت على ما روي أنه كان يسمع فيه أنين ،فإذا سمعوا ذلك ساروا لحربهم ،،وإذا هدأ النين لم
يسففيروا ولم يسففر التابوت .وقيففل :كانوا يضعونففه فففي مأزق الحرب فل تزال تغلب حتففى عصففوا
فغلبوا وأخففذ منهففم التابوت وذل أمرهففم؛ فلمففا رأوا آيففة الصففطلم وذهاب الذكففر ،أنففف بعضهففم
وتكلموا ففي أمرهفم حتفى اجتمفع ملؤهفم أن قالوا لنفبي الوقفت :أبعفث لنفا ملكفا؛ فلمفا قال لهفم :ملككفم
طالوت راجعوه فيففه كمففا أخففبر ال عنهففم؛ فلمففا قطعهففم بالحجففة سففألوه البينففة على ذلك ،فففي قول
الطبري .فلما سألوا نبيهم البينة على ما قال ،دعا ربه فنزل بالقوم الذين أخذوا التابوت داء بسببه،
على خلف ففي ذلك .قيفل :وضعوه ففي كنيسفة لهفم فيهفا أصفنام فكانفت الصفنام تصفبح منكوسفة.
وقيفل :وضعوه ففي بيفت أصفنامهم تحفت الصفنم الكفبير فأصفبحوا وهفو فوق الصفنم ،فأخذوه وشدوه
إلى رجليفه فأصفبحوا وقفد قطعفت يدا الصفنم ورجله وألقيفت تحفت التابوت؛ فأخذوه وجملوه ففي
قريففة قوم فأصففاب أولئك القوم أوجاع فففي أعناقهففم .وقيففل :جعلوه فففي مخرأة قوم فكانوا يصففيبهم
الباسففور؛ فلمففا عظففم بلؤهففم كيفمففا كان ،قالوا :مففا هذا إل لهذا التابوت فلنرده إلى بنففي إسففرائيل
فوضعوه على عجلة بين ثورين وأرسلوهما في الرض نحو بلد بني إسرائيل ،وبعث ال ملئكة
تسوق البقرتين حتى دخلتا على بني إسرائيل ،وهم في أمر طالوت فأيقنوا بالنصر؛ وهذا هو حمل
الملئكفة للتابوت فففي هذه الروايفة .وروي أن الملئكفة جاءت بفه تحمله وكان يوشفع بفن نون قفد
جعله ففي البريفة ،فروي أنهفم رأوا التابوت ففي الهواء حتفى نزل بينهفم؛ قال الربيفع بفن خيثفم .وقال
وهب بن منبه :كان قدر التابوت نحوا من ثلثة أذرع في ذراعين .الكلبي :وكان من عود شمسار
الذي يتخفذ منفه المشاط .وقرأ زيفد بفن ثابفت "التابوه" وهفي لغتفه ،والناس على قراءتفه بالتاء وقفد
تقدم .وروي عنه "التيبوت" ذكره النحاس .وقرأ حميد بن قيس "يحمله" بالياء.
@قوله تعالى" :فيفه سفكينة مفن ربكفم وبقيفة" اختلف الناس ففي السفكينة والبقيفة؛ فالسفكينة فعيلة
مأخوذة مففن السففكون والوقار والطمأنينففة .فقوله "فيففه سففكينة" أي هففو سففبب سففكون قلوبكففم فيمففا
اختلفتفم فيفه مفن أمفر طالوت؛ ونظيره "فأنزل ال سفكينته عليفه" [التوبفة ]40 :أي أنزل عليفه مفا
سفكن بفه قلبفه .وقيفل :أراد أن التابوت كان سفبب سفكون قلوبهفم ،فأينمفا كانوا سفكنوا إليفه ولم يفروا
من التابوت إذا كان معهم في الحرب .وقال وهب بن منبه :السكينة روح من ال تتكلم ،فكانوا إذا
اختلفوا ففي أمفر نطقفت بفبيان مفا يريدون ،وإذا صفاحت ففي الحرب كان الظففر لهفم .وقال علي بفن
أبفي طالب :هفي ريفح هفاففة لهفا وجفه كوجفه النسفان .وروي عنفه أنفه قال :هفي ريفح خجوج لهفا
رأسفان .وقال مجاهفد :حيوان كالهفر له جناحان وذنفب ولعينيفه شعاع ،فإذا نظفر إلى الجيفش انهزم.
وقال ابن عباس :طست من ذهب من الجنة ،كان يغسل فيه قلوب النبياء؛ وقال السدي .وقال ابن
عطيفة :والصفحيح أن التابوت كانفت فيفه أشياء فاضلة مفن بقايفا النفبياء وآثارهفم ،فكانفت النفوس
تسكن إلى ذلك وتأنس به وتقوى.
قلت :وففي صفحيح مسفلم عفن البراء قال :كان رجفل يقرأ سفورة "الكهفف" وعنده فرس مربوط
بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو وجعل فرسه ينفر منها ،فلما أصبح أتى النبي صلى ال
عليفه وسفلم فذكفر ذلك له فقال( :تلك السفكينة تنزلت للقرآن) .وففي حديفث أبفي سفعيد الخدري :أن
أسيد بن الحضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده الحديث وفيه :فقال رسوله ال صلى ال عليه وسلم:
(تلك الملئكة كانت تستمع لك ولو قرأت لصبحت يراها الناس ما تستتر منهم) خرجه البخاري
ومسفلم .فأخفبر صفلى ال عليفه وسفلم عفن نزول السفكينة مرة ،ومرة عفن نزول الملئكفة؛ فدل على
أن السفكينة كانفت ففي تلك الظلة ،وأنهفا تنزل أبدا مفع الملئكفة .وففي هذا حجفة لمفن قال إن السفكينة
روح أو شيء له روح لنه ل يصح استماع القرآن إل لمن يعقل ،وال أعلم.
@قوله تعالى" :وبقيففة" اختلف فففي البقيففة على أقوال ،فقيففل :عصففا موسففى وعصففا هارون
ورضاض اللواح؛ لنها انكسرت حين ألقاها موسى ،قال ابن عباس .زاد عكرمة ،:التوراة .وقال
أبفو صفالح :البقيفة :عصفا موسفى وثيابفه وثياب هارون ولوحان مفن التوراة .وقال عطيفة بفن سفعد:
وهي عصا موسى وعصا هارون وثيابهما ورضاض اللواح .وقاله الثوري :من الناس من يقول
البقية قفيزا من في طست من ذهب وعصا موسى وعمامة هارون ورضاض اللواح .ومنهم من
يقول :العصفا والنعلن .ومعنفى هذا مفا روي مفن أن موسفى لمفا جاء قومفه باللواح فوجدهفم قفد
عبدوا العجل ،ألقى اللواح غضبا فتكسرت ،فنزع منها ما كان صحيحا وأخذ رضاض ما تكسر
فجعله ففي التابوت .وقال الضحاك :البقيفة :الجهاد وقتال العداء .قال ابفن عطيفة :أي المفر بذلك
ففي التابوت ،إمفا أنفه مكتوب فيفه ،وإمفا أن نففس التيان بفه هفو كالمفر بذلك ،وأسفند الترك إلى آل
موسفى وآل هارون مفن حيفث كان المفر مندرجفا مفن قوم إلى قوم وكلهفم آل موسفى وآل هارون.
وآل الرجل قرابته .وقد تقدم.
**3الية{ 249 :فلما فصل طالوت بالجنود قال إن ال مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني
ومفن لم يطعمفه فإنفه منفي إل مفن اغترف غرففة بيده فشربوا منفه إل قليل منهفم فلمفا جاوزه هفو
والذيفن آمنوا معفه قالوا ل طاقفة لنفا اليوم بجالوت وجنوده قال الذيفن يظنون أنهفم ملقفو ال كفم مفن
فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن ال وال مع الصابرين}
@قوله تعالى" :فلما فصل طالوت بالجنود" "فصل" معناه خرج بهم .فصلت الشيء فانفصل ،أي
قطعتففه فانقطففع .قال وهففب بففن منبففه :فلمففا فصففل طالوت قالوا له أن المياه ل تحملنففا فادع ال أن
يجري لنا نهرا فقال لهم طالوت :إن ال مبتليكم بنهر .وكان عدد الجنود -في قول السدي -ثمانين
ألفففا .وقال وهففب :لم يتخلف عنففه إل ذو عذر مففن صففغر أو كففبر أو مرض .والبتلء الختبار.
والنهَر والنهْر لغتان .واشتقاقه من السعة ،ومنه النهار وقد تقدم .قال قتادة :النهر الذي ابتلهم ال
به هو نهر بين الردن وفلسطين .وقرأ الجمهور "بنهر" بفتح الهاء .وقرأ مجاهد وحميد العرج
"بنهر" بإسكان الهاء .ومعنى هذا البتلء أنه اختبار لهم ،فمن ظهرت طاعته في ترك الماء علم
أنه مطيع فيما عدا ذلك ،ومن غلبته شهوته في الماء وعصى المر فهو في العصيان في الشدائد
أحرى ،فروي أنهفم أتوا النهفر وقفد نالهفم عطفش وهفو ففي غايفة العذوبفة والحسفن ،فلذلك رخفص
للمطيعيفن ففي الغرففة ليرتففع عنهفم أذى العطفش بعفض الرتفاع وليكسفروا نزاع النففس ففي هذه
الحال وبين أن الغرفة كافة ضرر العطش عند الحزمة الصابرين على شظف العيش الذين همهم
في غير الرفاهية ،كما قال عروة:
وأحسوا قراح الماء والماء بارد
قلت :ومفن هذا المعنفى قوله عليفه السفلم( :حسفب المرء لقيمات يقمفن صفلبه) .وقال بعفض مفن
يتعاطى غوامض المعاني :هذه الية مثل ضربه ال للدنيا فشبهها ال بالنهر والشارب منه والمائل
إليهفا والمستكثر منها والتارك لشربه بالمنحرف عنها والزاهفد فيهفا ،والمغترف بيده غرففة بالخفذ
منها قدر الحاجة ،وأحوال الثلثة عند ال مختلفة.
قلت :مفا أحسفن هذا لول مفا فيفه مفن التحريفف ففي التأويفل والخروج عفن الظاهفر ،لكفن معناه
صحيح من غير هذا.
@اسفتدل مفن قال أن طالوت كان نبيفا بقوله" :إن ال مبتليكفم" وأن ال أوحفى إليفه بذلك وألهمفه،
وجعله اللهام ابتلء من ال لهم .ومن قال لم يكن نبيا قال :أخبره نبيهم شمويل بالوحي حين أخبر
طالوت قومففه بهذا ،وإنمففا وقففع هذا البتلء ليتميففز الصففادق مففن الكاذب .وقففد ذهففب قوم إلى أن
عبدال بفن حذاففة السفهمي صفاحب رسفول ال صفلى ال علي وسفلم إنمفا أمفر أصفحابه بإيقاد النار
والدخول فيها تجربة لطاعتهم ،لكنه حمل مزاحه على تخشين المر الذي كلفهم ،وسيأتي بيانه في
"النساء" إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :فمن شرب منه فليس مني" شرب قيل معناه كرع .ومعنى "فليس مني" أي ليس
مفن أصفحابي ففي هذه الحرب ،ولم يخرجهفم بذلك عفن اليمان .قال السفدي :كانوا ثمانيفن ألففا ،ول
محالة أنفه كان فيهفم المؤمفن والمناففق والمجفد والكسفلن ،وففي الحديفث (مفن غشنفا فليفس منفا) أي
ليس من أصحابنا ول على طريقتنا وهدينا .قال:
فإني لست منك ولست مني إذا حاولت في أسد فجورا
هذا مهيع في كلم العرب؛ يقول الرجل لبنه إذا سلك غير أسلوبه :لست مني.
@قوله تعالى" :ومن لم يطعمه فإنه مني" يقال :طعمت الشيء أي ذقته .وأطعمته الماء أي أذقته،
ولم يقفل ومفن لم يشربفه لن مفن عادة العرب إذا كرروا شيئا أن يكرروه بلففظ آخفر ،ولغفة القرآن
أفصح اللغات ،فل عبرة بقدح من يقول :ل يقال طعمت الماء.
@اسفتدل علماؤنفا بهذا على القول بسفد الذرائع؛ لن أدنفى الذوق يدخفل ففي لففظ الطعفم ،فإذا وقفع
النهفي عفن الطعفم فل سفبيل إلى وقوع الشرب ممفن يتجنفب الطعفم؛ ولهذه المبالغفة لم يأت الكلم
"ومن لم يشرب منه".
@لمفا قال تعالى" :ومفن لم يطعمفه" دل على أن الماء طعام وإذا كان طعامفا كان قوتفا لبقائه
واقتيات البدان بفه فوجفب أن يجري فيفه الربفا ،قال ابفن العربفي :وهفو الصفحيح مفن المذهفب .قال
أبفو عمفر قال مالك :ل بأس بفبيع الماء على الشفط بالماء متفاضل وإلى أجفل ،وهفو قول أبفي حنيففة
وأبففي يوسففف .وقال محمففد بففن الحسففن :هففو ممففا يكال ويوزن ،فعلى هذا القول ل يجوز عنده
التفاضل ،وذلك عنده فيه ربا؛ لن علته في الربا الكيل والوزن .وقال الشافعي :ل يجوز بيع الماء
متفاضل ول يجوز فيه الجل ،وعلته في الربا أن يكون مأكول جنسا.
@قال ابن العربي قال أبو حنيفة :من قال إن شرب عبدي فلن من الفرات فهو حر فل يعتق إل
أن يكرع فيفه ،والكرع أن يشرب الرجفل بفيفه مفن النهفر ،فإن شرب بيده أو اغترف بالناء منفه لم
يعتفق؛ لن ال سفبحانه فرق بيفن الكرع ففي النهفر وبيفن الشرب باليفد .قال :وهذا فاسفد؛ لن شرب
الماء يطلق على كفل هيئة وصففة ففي لسفان العرب مفن غرف باليفد أو كرع بالففم انطلقفا واحدا،
فإذا وجد الشرب المحلوف عليه لغة وحقيقة حنث ،فاعلمه.
قلت :قول أبي حنيفة أصح ،فإن أهل اللغة فرقوا بينهما كما فرق الكتاب والسنة .قال الجوهري
وغيره :وكرع ففي الماء كروعفا إذا تناوله بفيفه مفن موضعفه مفن غيفر أن يشرب بكفيفه ول بإناء،
وفيه لغة أخرى [كرع] بكسر الراء يكرع كرعا .وال َكرَع :ماء السماء يكرع فيه .وأما السنة فذكر
ابن ماجة في سننه :حدثنا واصل بن عبدالعلى حدثنا ابن فضيل عن ليث عن سعيد بن عامر عن
ابففن عمففر قال :مررنففا على بركفة فجعلنفا نكرع فيهففا فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :ل
تكرعوا ولكفن اغسفلوا أيديكفم ثفم اشربوا فيهفا فإنفه ليفس إناء أطيفب مفن اليفد) وهذا نفص .وليفث بفن
أبي سليم خرج له مسلم وقد ضعف.
@قوله تعالى" :إل مفن اغترف غرففة بيده" الغتراف :الخفذ مفن الشيفء باليفد وبآلة ،ومنفه
المغرفة ،والغَرف مثل الغتراف .وقرئ "غرفة" بفتح الغين وهي مصدر ،ولم يقل اغترافة لن
معنفى الغرف والغتراف واحفد .والغرففة المرة الواحدة .وقرئ "غرففة" بضفم الغيفن وهفي الشيفء
المغترف .وقال بعفض المفسفرين :الغَرففة بالكفف الواحفد والغُرففة بالكفيفن .وقال بعضهفم :كلهمفا
لغتان بمعنى واحد .وقال علي رضي ال عنه :الكف أنظف النية ،ومنه قول الحسن:
إل اغترافا من الغدران بالراح ل يدلفون إلى ماء بآنية
الدليف :المشي الرويد.
قلت :ومففن أراد الحلل الصففرف فففي هذه الزمان دون شبهففة ول امتراء ول ارتياب فليشرب
بكفيففه الماء مففن العيون والنهار المسففخرة بالجريان آناء الليففل وآناء النهار ،مبتغيففا بذلك مففن ال
كسفب الحسفنات ووضفع الوزار واللحوق بالئمفة البرار ،قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم:
(من شرب بيده وهو يقدر على إناء يريد به التواضع كتب ال له بعدد أصابعه حسنات وهو إناء
عيسفى ابفن مريفم عليهمفا السفلم إذا طرح القدح فقال أف هذا مفع الدنيفا) .خرجفه ابفن ماجفة مفن
حديفث ابفن عمفر قال :نهفى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أن نشرب على بطوننفا وهفو الكرع،
ونهانفا أن نغترف باليفد الواحدة ،وقال( :ل يلغ أحدكفم كمفا يلغ الكلب ول يشرب باليفد الواحدة كمفا
يشرب القوم الذين سخط ال عليهم ول يشرب بالليل في إناء حتى يحركه إل أن يكون إناء مخمرا
ومفن شرب بيده وهفو يقدر على إناء )...الحديفث كمفا تقدم ،وففي إسفناده بقيفة بفن الوليفد ،قال أبفو
حاتم :يكتب حديثه ول يحتج به .وقال أبو زرعة :إذا حدث بقية عن الثقات فهو ثقة.
@قوله تعالى" :فشربوا منه إل قليل منهم" قال ابن عباس :شربوا على قدر يقينهم فشرب الكفار
شرب الهيففم وشرب العاصففون دون ذلك ،وانصففرف مففن القوم سففتة وسففبعون ألفففا وبقففي بعففض
المؤمنيفن لم يشرب شيئا وأخفذ بعضهفم الغرففة ،فأمفا مفن شرب فلم يرو ،بفل برح بفه العطفش ،وأمفا
من ترك الماء فحسنت حاله وكان أجلد ممن أخذ الغرفة.
@قوله تعالى" :فلما جاوزه هو" الهاء تعود على النهر ،و"هو" توكيد" .والذين" في موضع رفع
عطففا على المضمفر ففي "جاوزه" يقال :جاوزت المكان مجاوزة وجوازا .والمجاز ففي الكلم مفا
جاز ففي السفتعمال ونففذ واسفتمر على وجهفه .قال ابفن عباس والسفدي :جاز معفه ففي النهفر أربعفة
آلف رجففل فيهففم مففن شرب ،فلمففا نظروا إلى جالوت وجنوده وكانوا مائة ألف كلهففم شاكون فففي
السلح رجع منهم ثلثة آلف وستمائة وبضعة وثمانون؛ فعلى هذا القول قال المؤمنون الموقنون
بالبعفث والرجوع إلى ال تعالى عنفد ذلك وهفم عدة أهفل بدر" :كفم مفن فئة قليلة غلبفت فئة كثيرة
بإذن ال" .وأكثر المفسرين :على أنه إنما جاز معه النهر من لم يشرب جملة ،فقال بعضهم :كيف
نطيفق العدو مفع كثرتهفم فقال أولو العزم منهفم" :كفم مفن فئة قليلة غلبفت فئة كثيرة بإذن ال" .قال
البراء بفن عازب :كنفا نتحدث أن عدة أهفل بدر كعدة أصفحاب طالوت الذيفن جاوزوا معفه النهففر
ثلثمائة وبضعة عشر رجل -وفي رواية :وثلثة عشر رجل -وما جاز معه إل مؤمن.
@قوله تعالى" :قال الذين يظنون" والظن هنا بمعنفى اليقين ،ويجوز أن يكون شكا ل علما ،أي
قال الذين يتوهمون أنهم يقتلون مع طالوت فيلقون ال شهداء ،فوقع الشك في القتل.
@قوله تعالى" :كفم مفن فئة قليلة غلبفت فئة كثيرة" الفئة :الجماعفة مفن الناس والقطعفة منهفم مفن
فأوت رأسفه بالسفيف وفأيتفه أي قطعتفه .وففي قولهفم رضفي ال عنهفم" :كفم مفن فئة قليلة" اليفة
تحريض على القتال واستشعار للصبر واقتداء بمن صدق ربه.
قلت :هكذا يجفب علينفا نحفن أن نفعفل ؟ لكفن العمال القبيحفة والنيات الفاسفدة منعفت مفن ذلك
حتفى ينكسفر العدد الكفبير منفا قدام اليسفير مفن العدو كمفا شاهدناه غيفر مرة ،وذلك بمفا كسفبت أيدينفا
وففي البخاري :قال أبفو الدرداء :إنمفا تقاتلون بأعمالكفم .وفيفه مسفند أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم
قال( :هفل ترزقون وتنصفرون إل بضعفائكفم) .فالعمال فاسفدة والضعفاء مهملون والصفبر قليفل
والعتماد ضعيففف والتقوى زائلة .قال ال تعالى" :اصففبروا وصففابروا ورابطوا واتقوا ال" [آل
عمران ]200 :وقال" :وعلى ال فتوكلوا" [المائدة ]23 :وقال" :إن ال مع الذين اتقوا والذين
هم محسنون" [النحل ]128 :وقال" :ولينصرن ال من ينصره" [الحج ]40 :وقال" :إذا لقيتم
فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيرا لعلكفم تفلحون" [النفال .]45 :فهذه أسفباب النصفر وشروطفه وهفي
معدومة عندنا غير موجودة فينا ،فإنا ل وإنا إليه راجعون على ما أصابنا وحل بنا! بل لم يبق من
السففلم إل ذكره ،ول مففن الديففن إل رسففمه لظهور الفسففاد ولكثرة الطغيان وقلة الرشاد حتففى
استولى العدو شرقا وغربا برا وبحرا ،وعمت الفتن وعظمت المحن ول عاصم إل من رحم.
**3اليفة{ 250 :ولمفا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنفا أفرغ علينفا صفبرا وثبفت أقدامنفا
وانصرنا على القوم الكافرين}
@قوله" :برزوا" صاروا في البَراز وهو الفيح من الرض المتسع .وكان جالوت أمير العمالقة
وملكهفم ظله ميفل .ويقال :إن البر مفن مفن نسفله ،وكان فيمفا روي ففي ثلثمائة ألف فارس .وقال
عكرمففة :فففي تسففعين ألفففا ،ولمففا رأى المؤمنون كثرة عدوهففم تضرعوا إلى ربهففم؛ وهذا كقوله:
"وكأيفن مفن نفبي قاتفل معفه ربيون كثيفر" [آل عمران ]146 :إلى قوله "ومفا كان قولهفم إل أن
قالوا ربنفا اغففر لنفا ذنوبنفا" [آل عمران ]147 :اليفة .وكان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم إذا
لقفي العدو يقول ففي القتال( :اللهفم بفك أصفول وأجول) وكان صفلى ال عليفه وسفلم يقول إذا لقفي
العدو( :اللهفم إنفي أعوذ بفك مفن شرورهفم وأجعلك ففي نحورهفم) ودعفا يوم بدر حتفى سفقط رداؤه
عن منكبيه يستنجز ال وعده على ما يأتي بيانه في "آل عمران" إن شاء ال تعالى.
**3اليفة{ 251 :فهزموهفم بإذن ال وقتفل داود جالوت وآتاه ال الملك والحكمفة وعلمفه ممفا
يشاء ولول دفع ال الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض ولكن ال ذو فضل على العالمين}
@قوله تعالى" :فهزموهم بإذن ال" أي فأنزل ال عليهم النصر "فهزموهم" :فكسروهم .والهزم:
الكسفر ومنفه سفقاء متهزم ،أي انثنفى بعضفه على بعفض مفع الجفاف ،ومنفه مفا قيفل ففي زمزم :إنهفا
هزمة جبريل أي هزمها جبريل برجله فخرج الماء .والهزم :ما تكسر من يابس الحطب.
@قوله تعالى" :وقتفل داود جالوت" وذلك أن طالوت الملك اختاره من بيفن قومه لقتال جالوت،
وكان رجل قصفيرا مسفقاما مصففارا أصفغر أزرق ،وكان جالوت مفن أشفد الناس وأقواهفم وكان
يهزم الجيوش وحده ،وكان قتل جالوت وهو رأس العمالقة على يده .وهو داود ،بن إيشى -بكسر
الهمزة ،ويقال :داود بن زكريا بن رشوى ،وكان من سبط يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم
عليهفم السفلم ،وكان مفن أهفل بيفت المقدس جمفع له بيفن النبوة والملك بعفد أن كان راعيفا وكان
أصغر إخوته وكان يرعى غنما ،وكان له سبعة إخوة في أصحاب طالوت؛ فلما حضرت الحرب
قال في نفسه :لذهبن إلى رؤية هذه الحرب ،فلما نهض في طريقه مر بحجر فناداه :يا داود خذني
ففبي تقتفل جالوت ،ثفم ناداه حجفر آخفر ثفم آخفر فأخذهفا وجعلهفا ففي مخلتفه وسفار ،فخرج جالوت
يطلب مبارزا فكع الناس عنه حتى قال طالوت :من يبرز إليه ويقتله فأنا أزوجه ابنتي وأحكمه في
مالي؛ فجاء داود عليفه السفلم فقال :أنفا أبرز إليفه وأقتله ،فازدراه طالوت حيفن رآه لصفغير سفنه
وقصفره فرده ،وكان داود أزرق قصفيرا؛ ثفم نادى ثانيفة وثالثفة فخرج داود ،فقال طالوت له :هفل
جربفت نفسفك بشيفء ؟ قال نعفم؛ قال بماذا ؟ قال :وقفع ذئب ففي غنمفي فضربتفه ثفم أخذت رأسفه
فقطعته من جسده .قال طالوت :الذئب ضعيف ،هل جربت نفسك في غيره ؟ قال :نعم ،دخل السد
فففي غنمفي فضربتفه ثفم أخذت بلحييفه فشققتهمفا؛ أفترى هذا أشفد مفن السفد ؟ قال ل؛ وكان عنفد
طالوت درع ل تستوي إل على من يقتل جالوت ،فأخبره بها وألقاها عليه فاستوت؛ فقال طالوت:
فأركب فرسي وخذ سلحي ففعل؛ فلما مشى قليل رجع فقال الناس :جبن الفتى فقال داود :إن ال
إن لم يقتله لي ويعنففي عليففه لم ينفعنففي هذا الفرس ول هذا السففلح ،ولكنففي أحففب أن أقاتله على
عادتففي .قال :وكان داود مففن أرمففى الناس بالمقلع ،فنزل وأخففذ مخلتففه فتقلدهففا وأخففذ مقلعففه
وخرج إلى جالوت ،وهففو شاك فففي سففلحه على رأسففه بيضففة فيهففا ثلثمائة رطففل ،فيمففا ذكففر
الماوردي وغيره؛ فقال له جالوت :أنففت يففا فتففى تخرج إلي قال نعففم؛ قال :هكذا كمففا تخرج إلى
الكلب قال نعم ،وأنت أهون .قال :لطعمن لحمك اليوم للطير والسباع؛ ثم تدانيا وقصد جالوت أن
يأخففذ داود بيده اسففتخفافا بففه ،فأدخففل داود يده إلى الحجارة ،فروي أنهففا التأمففت فصففارت حجرا
واحدا ،فأخذه فوضعفه ففي المقلع وسفمى ال ،وأداره ورماه فأصفاب بفه رأس جالوت فقتله ،وحفز
رأسفه وجعله ففي مخلتفه ،وأختلط الناس وحمله أصفحاب طالوت فكانفت الهزيمفة .وقفد قيفل :إنمفا
أصاب بالحجر من البيضة موضع أنفه ،وقيل :عينه وخرج من قفاه ،وأصاب جماعة من عسكره
فقتلهفم .وقيفل :إن الحجفر تفتفت حتفى أصفاب كفل مفن ففي العسفكر شيفء منفه؛ وكان كالقبضفة التفي
رمى بها النبي صلى ال عليه وسلم هوازن يوم حنين ،وال أعلم .وقد أكثر الناس في قصص هذه
الي ،وقد ذكرت لك منها المقصود وال المحمود.
قلت :وففي قول طالوت( :مفن يفبرز له ويقتله فإنفي أزوجه ابنتفي وأحكمفه ففي مالي) معناه ثابفت
ففي شرعنفا ،وهفو أن يقول المام :مفن جاء برأس فله كذا ،أو أسفير فله كذا على مفا يأتفي بيانفه ففي
"النفال" إن شاء ال تعالى .وفيه دليل على أن المبارزة ل تكون إل بإذن المام؛ كما يقوله أحمد
وإسفحاق وغيرهمفا .واختلف فيفه عفن الوزاعفي فحكفي عنفه أنفه قال :ل يحمفل أحفد إل بإذن إمامفه.
وحكي عنه أنه قال :ل بأس به ،فإن نهى المام عن البراز فل يبارز أحد إل بإذنه .وأباحت طائفة
البراز ولم تذكففر بإذن المام ول بغيففر إذنففه؛ هذا قول مالك .سففئل مالك عففن الرجففل يقول بيففن
الصففين :مفن يبارز ؟ فقال :ذلك إلى نيتفه إن كان يريفد بذلك ال فأرجفو أل يكون بفه بأس ،قفد كان
يفعففل ذلك فيمففا مضففى .وقال الشافعففي :ل بأس بالمبارزة .قال ابففن المنذر :المبارزة بإذن المام
حسفن ،وليفس على مفن بارز بغيفر إذن المام حرج ،وليفس ذلك بمكروه لنفي ل أعلم خفبرا يمنفع
منه.
@قوله تعالى" :وآتاه ال الملك والحكمة" قال السدي :أتاه ال ملك ،طالوت ونبوة شمعون .والذي
علمه هو صنعة الدروع ومنطق الطير وغير ذلك من أنواع ما علمه صلى ال عليه وسلم .وقال
ابن عباس :هو أن ال أعطاه سلسلة موصولة بالمجرة والفلك ورأسها عند صومعة داود؛ فكان ل
يحدث ففي الهواء حدث إل صفلصلت السفلسلة فيعلم داود مفا حدث ،ول يمسفها ذو عاهفة إل برئ؛
وكانت علمة دخول قومه في الدين أن يمسوها بأيديهم ثم يمسحون أكفهم على صدورهم ،وكانوا
يتحاكمون إليها بعد داود عليه السلم إلى أن رفعت.
@قوله تعالى" :مما يشاء" أي مما شاء ،وقد يوضع المستقبل موضع الماضي ،وقد تقدم.
@قوله تعالى" :ولول دففع ال الناس بعضهفم ببعفض" كذا قراءة الجماعفة ،إل نافعفا فإنفه قرأ
"دفاع" ويجوز أن يكون مصفدرا لفعفل كمفا يقال :حسفبت الشيفء حسفابا ،وآب إيابفا ،ولقيتفه لقاء؛
ومثله كتبه كتابا؛ ومنه "كتاب ال عليكم" [النساء ]24 :النحاس :وهذا حسن؛ فيكون دفاع ودفع
مصفدرين لدففع وهفو مذهفب سفيبويه .وقال أبفو حاتفم :داففع ودففع بمعنفى واحفد؛ مثفل طرقفت النعفل
وطارقفففت؛ أي خصففففت إحداهمفففا فوق الخرى ،والخصفففف :الخرز .واختار أبفففو عفففبيدة قراءة
الجمهور "ولول دفففع ال" .وأنكففر أن يقرأ "دفاع" وقال :لن ال عففز وجففل ل يغالبففه أحففد .قال
مكي :هذا وهم توهم فيه باب المفاعلة وليس به ،واسم "ال" في موضع رفع بالفعل ،أي لول أن
يدفففع ال .و"دفاع" مرفوع بالبتداء عنففد سففيبويه" .الناس" مفعول" ،بعضهففم" بدل مففن الناس،
"ببعفض" ففي موضفع المفعول الثانفي عنفد سفيبويه ،وهفو عنده مثفل قولك :ذهبفت بزيفد ،فزيفد ففي
موضع مفعول فاعلمه.
واختلف العلماء ففي الناس المدفوع بهفم الفسفاد مفن هفم ؟ فقيفل :هفم البدال وهفم أربعون رجل
كلما مات واحد بدل ال آخر ،فإذا كان عند القيامة ماتوا كلهم؛ اثنان وعشرون منهم بالشام وثمانية
عشر بالعراق .وروي عن علي رضي ال عنه قال :سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول:
(إن البدال يكونون بالشام وهفم أربعون رجل كلمفا مات منهفم رجفل أبدله ال مكانفه رجل يسفقى
بهم الغيث وينصر بهم على العداء ويصرف بهم عن أهل الرض البلء) ذكره الترمذي الحكيم
ففي "نوادر الصفول" .وخرج أيضفا عفن أبفي الدرداء قال :إن النفبياء كانوا أوتاد الرض ،فلمفا
انقطعففت النبوة أبدل ال مكانهففم قومففا مففن أمففة محمففد صففلى ال عليففه وسففلم يقال لهففم البدال؛ لم
يفضلوا الناس بكثرة صفوم ول صففلة ولكفن بحسفن الخلق وصففدق الورع وحسفن النيففة وسفلمة
القلوب لجميفع المسفلمين والنصفيحة لهفم ابتغاء مرضاة ال بصفبر وحلم ولب ،وتواضفع ففي غيفر
مذلة ،فهفم خلفاء النفبياء قوم اصفطفاهم ال لنفسفه واسفتخلصهم بعلمفه لنفسفه ،وهفم أربعون صفديقا
منهفم ثلثون رجل على مثفل يقيفن إبراهيفم خليفل الرحمفن ،يدففع ال بهفم المكاره عفن أهفل الرض
والبليا عن الناس ،وبهم يمطرون ومن يرزقون ،ل يموت الرجل منهم حتى يكون ال قد أنشأ من
يخلفففه .وقال ابففن عباس :ولول دفففع ال العدو بجنود المسففلمين لغلب المشركون فقتلوا المؤمنيففن
وخربوا البلد والمسففاجد .وقال سففيان الثوري :هفم الشهود الذيفن تسففتخرج بهفم الحقوق .وحكففى
مكفي أن أكثفر المفسفرين على أن المعنفى :لول أن ال يدففع بمفن يصفلي عمفن ل يصفلي وبمفن يتقفي
عمفن ل يتقفي لهلك الناس بذنوبهفم؛ وكذا ذكفر النحاس والثعلبفي أيضفا .قال الثعلبفي وقال سفائر
المفسفرين :ولول دفاع ال المؤمنيفن البرار عفن الفجار والكفار لفسفدت الرض ،أي هلكفت وذكفر
حديثا أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إن ال يدفع العذاب بمن يصلي من أمتي عمن ل يصلي
وبمن يزكي عمن ل يزكي وبمن يصوم عمن ل يصوم وبمن يحج عمن ل يحج وبمن يجاهد عمن
ل يجاهد ،ولو اجتمعوا على ترك هذه الشياء ما أنظرهم ال طرفة عين -ثم تل رسول ال صلى
ال عليه وسلم -ولول دفع ال الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض) .وعن النبي صلى ال عليه
وسفلم قال( :إن ل ملئكفة تنادي كفل يوم لول عباد ركفع وأطفال رضفع وبهائم رتفع لصفب عليكفم
العذاب صفبا) خرجفه أبفو بكفر الخطيفب بمعناه مفن حديفث الفضيفل بفن عياض .حدثنفا منصفور عفن
إبراهيفم عفن علقمفة عفن عبدال قال :قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :لول فيكفم رجال خشفع
وبهائم رتع وصبيان رضع لصب العذاب على المؤمنين صبا) .أخذ بعضهم هذا المعنى فقال:
وصبية من اليتامى رضع لول عباد للله ركع
صب عليكم العذاب الوجع ومهملت في الفلة رتع
وروى جابر أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال( :إن ال ليصفلح بصفلح الرجفل ولده وولد
ولده وأهله دويرتففه ودويرات حوله ول يزالون فففي حفففظ ال مففا دام فيهففم) .وقال قتادة :يبتلي ال
المؤمفن بالكاففر ويعاففي الكاففر بالمؤمفن .وقال ابفن عمفر قال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( ،:إن ال
ليدففع بالمؤمفن الصفالح عفن مائة مفن أهفل بيتفه وجيرانفه البلء) .ثفم قرأ ابفن عمفر "ولول دففع ال
الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض" .وقيل :هذا الدفع بما شرع على السنة الرسل من الشرائع،
ولول ذلك لتسالب الناس وتناهبوا وهلكوا ،وهذا قول حسن فإنه عموم في الكف والدفع وغير ذلك
فتأمله" .ولكفن ال ذو فضفل على العالميفن" .بيفن سفبحانه أن دفعفه بالمؤمنيفن شفر الكافريفن فضفل
منه ونعمة.
**3الية{ 252 :تلك آيات ال نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين}
@تلك :ابتداء "آيات ال" خفبره ،وإن شئت كان بدل والخفبر "نتلوهفا عليفك بالحفق"" .وإنفك لمفن
المرسلين" ،خبر إن أي وإنك لمرسل .نبه ال تعالى نبيه صلى ال عليه وسلم أن هذه اليات التي
تقدم ذكرها ل يعلمها إل نبي مرسل.
**3الية{ 253 :تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم درجات
وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء ال ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد
مفا جاءتهفم البينات ولكفن اختلفوا فمنهفم مفن آمفن ومنهفم مفن كففر ولو شاء ال مفا اقتتلوا ولكفن ال
يفعل ما يريد}
@قوله تعالى" :تلك الرسفل" قال" :تلك" ولم يقفل :ذلك مراعاة لتأنيفث لففظ الجماعفة ،وهفي رففع
بالبتداء .و"الرسفل" نعتفه ،وخفبر البتداء الجملة .وقيفل :الرسفل عطفف بيان ،و"فضلنفا" الخفبر.
وهذه آيفة مشكلة والحاديفث ثابتفة بأن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال( :ل تخيروا بيفن النفبياء)
و(ل تفضلوا بيففن أنففبياء ال) رواهففا الئمففة الثقات ،أي ل تقولوا :فلن خيففر مففن فلن ،ول فلن
أفضففل مففن فلن .يقال :خيففر فلن بيففن فلن وفلن ،وفضففل(،مشددا) إذا قال ذلك .وقففد اختلف
العلماء ففي تأويله هذا المعنفى؛ فقال قوم :إن هذا كان قبفل أن يوحفى إليفه بالتفضيفل ،وقبفل أن يعلم
أنفه سفيد ولد آدم ،وإن القرآن ناسفخ للمنفع مفن التفضيفل .وقال ابفن قتيبفة :إنمفا أراد بقوله( :أنفا سفيد
ولد آدم يوم القيامفة؛ لنفه الشاففع يومئذ وله لواء الحمفد والحوض ،وأراد بقوله" :ل تخيرونفي على
موسفى" على طريفق التواضفع؛ كمفا قال أبفو بكفر :وليتكفم ولسفت بخيركفم .وكذلك معنفى قوله( :ل
يقفل أحفد أنفا خيفر مفن يونفس بفن متفى) على معنفى التواضفع .وففي قوله تعالى" :ول تكفن كصفاحب
الحوت" [القلم ]48 :ما يدل على أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أفضل منه؛ لن ال تعالى
يقول :ول تكن مثله؛ فدل على أن قوله( :ل تفضلوني عليه) من طريق التواضع .ويجوز أن يريد
ل تفضلونفي عليفه ففي العمفل فلعله أفضفل عمل منفي ،ول ففي البلوى والمتحان فإنفه أعظفم محنفة
منفي .وليفس مفا أعطاه ال لنبينفا محمفد صفلى ال عليفه وسفلم مفن السفؤدد والفضفل يوم القيامفة على
جميفع النفبياء والرسفل بعمله بفل بتفضيفل ال إياه واختصفاصه له ،وهذا التأويفل اختاره المهلب.
ومنهفم مفن قال :إنمفا نهفى عفن الخوض ففي ذلك ،لن الخوض ففي ذلك ذريعفة إلى الجدال وذلك
يؤدي إلى أن يذكفر منهفم مفا ل ينبغفي أن يذكفر ويقفل احترامهفم عنفد المماراة .قال شيخنفا :فل يقال:
النفبي أفضفل مفن النفبياء كلهفم ول من فلن ول خيفر ،كمفا هفو ظاهفر النهفي لمفا يتوهفم من النقفص
في المفضول؛ لن النهي اقتضى منه إطلق اللفظ ل منع اعتقاد ذلك المعنى؛ فإن ال تعالى أخبر
بأن الرسفل متفاضلون ،فل تقول :نبينفا خيفر مفن النفبياء ول مفن فلن النفبي اجتنابفا لمفا نهفي عنفه
وتأدبا به وعمل باعتقاد ما تضمنه القرآن من التفضيل ،وال بحقائق المور عليم.
قلت :وأحسفن مفن هذا قول مفن قال :إن المنفع مفن التفضيفل إنمفا هفو مفن جهفة النبوة التفي هفي
خصفففلة واحدة ل تفاضفففل فيهفففا ،وإنمفففا التفضيفففل ففففي زيادة الحوال والخصفففوص والكرامات
واللطاف والمعجزات المتباينات ،وأمفا النبوة ففي نفسفها فل تتفاضفل وإنمفا تتفاضفل بأمور أخفر
زائدة عليهففا؛ ولذلك منهففم رسففل وأولو عزم ،ومنهففم مففن اتخففذ خليل ،ومنهففم مففن كلم ال ،ورفففع
بعضهففم درجات ،قال ال تعالى" :ولقففد فضلنففا بعففض النففبيين على بعففض وآتينففا داود زبورا"
[السراء ]55 :وقال" :تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض" [البقرة.]253 :
قلت :وهذا قول حسن ،فإنه جمع بين الي والحاديث من غير نسخ ،والقول بتفضيل بعضهم
على بعض إنما هو بما منح من الفضائل وأعطي من الوسائل ،وقد أشار ابن عباس إلى هذا فقال:
إن ال فضففل محمدا على النففبياء وعلى أهففل السففماء ،فقالوا :بففم يففا ابففن عباس فضله على أهففل
السماء ؟ فقال :إن ال تعالى قال" :ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي
الظالمين" [النبياء .]29 :وقال لمحمد صلى ال عليه وسلم" :إنا فتحنا لك فتحا مبينا .ليغفر لك
ال مفا تقدم مفن ذنبفك ومفا تأخفر" [الفتفح .]2 - 1 :قالوا :فمفا فضله على النفبياء ؟ .قال :قال ال
تعالى" :وما أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ليبين لهم" [إبراهيم ]4 :وقال ال عز وجل لمحمد
صلى ال عليه وسلم" :وما أرسلناك إل كافة للناس" [سبأ ]28 :فأرسله إلى الجن والنس؛ ذكره
أبو محمد الدارمي في مسنده .وقال أبو هريرة :خير بني آدم نوج وإبراهيم وموسى ومحمد صلى
ال عليفه وسفلم ،وهفم أولو العزم مفن الرسفل ،وهذا نفص مفن ابفن عباس وأبفي هريرة ففي التعييفن،
ومعلوم أن من أرسل أفضل ممن لم يرسل ،فإن من أرسل فضل على غيره بالرسالة واستووا في
النبوة إلى ما يلقاه الرسل من تكذيب أممهم وقتلهم إياهم ،وهذا مما ل خفاء فيه ،إل أن ابن عطية
أبفا محمفد عبدالحفق قال :إن القرآن يقتضفي التفضيفل ،وذلك ففي الجملة دون تعييفن أحفد مفضول،
وكذلك هفي الحاديفث؛ ولذلك قال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :أنفا أكرم ولد آدم على ربفي) وقال:
(أنفا سفيد ولد آدم) ولم يعيفن ،وقال عليفه السفلم( :ل ينبغفي لحفد أن يقول أنفا خيفر مفن يونفس بفن
متففى) وقال( :ل تفضلونففي على موسففى) .وقال ابففن عطيففة :وفففي هذا نهففي شديففد عففن تعييففن
المفضول؛ لن يونفس عليفه السفلم كان شابفا وتفسفخ تحفت أعباء النبوة .فإذا كان التوقيفف لمحمفد
صلى ال عليه وسلم فغيره أحرى.
قلت :ما اخترناه أولى إن شاء ال تعالى؛ فإن ال تعالى لما أخبر أنه فضل بعضهم على بعض
جعففل يففبين بعففض المتفاضليففن ويذكففر الحوال التففي فضلوا بهففا فقال" :منهففم مففن كلم ال ورفففع
بعضهففم درجات وآتينففا عيسففى ابففن مريففم البينات" [البقرة ]253 :وقال "وآتينففا داود زبورا"
[السفراء ]55 :وقال تعالى" :وآتيناه النجيفل" [المائدة" ،]46 :ولقفد آتينفا موسفى وهارون
الفرقان وضياء وذكرا للمتقيفن" [النفبياء ]48 :وقال تعالى" :ولقفد آتينفا داود وسفليمان علمفا"
[النمل ]15 :وقال" :وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح" [الحزاب ]7 :فعم ثم خص
وبدأ بمحمد صلى ال عليه وسلم ،وهذا ظاهر.
قلت :وهكذا القول في الصحابة إن شاء ال تعالى ،اشتركوا في الصحبة ثم تباينوا في الفضائل
بمفا منحهفم ال مفن المواهفب والوسفائل ،فهفم متفاضلون بتلك مفع أن الكفل شملتهفم الصفحبة والعدالة
والثناء عليهفم ،وحسفبك بقوله الحفق" :محمفد رسفول ال والذيفن معفه أشداء على الكفار" [الفتفح:
]29إلى آخفر السفورة .وقال" :وألزمهفم كلمفة التقوى وكانوا أحفق بهفا وأهلهفا" [الفتفح ]26 :ثفم
قال" :ل يسفتوي منكفم مفن أنففق مفن قبفل الفتفح وقاتفل" [الحديفد ]10 :وقال" :لقفد رضفي ال عفن
المؤمنيففن إذ يبايعونففك تحففت الشجرة" [الفتففح ]18 :فعففم وخففص ،ونفففى عنهففم الشيففن والنقففص،
رضي ال عنهم أجمعين ونفعنا بحبهم آمين.
@قوله تعالى" :منهم من كلم ال" المكلم موسى عليه السلم ،وقد سئل رسوله ال صلى ال عليه
وسفلم عفن آدم أنفبي مرسفل هو ؟ فقال( :نعفم نفبي مكلم) .قال ابفن عطيفة :وقفد تأول بعفض الناس أن
تكليفم آدم كان ففي الجنفة ،فعلى هذا تبقفى خاصفية موسفى .وحذففت الهاء لطول السفم ،والمعنفى مفن
كلمه ال.
@قوله تعالى" :ورفع بعضهم درجات" قال النحاس :بعضهم هنا على قول ابن عباس والشعبي
ومجاهفد محمفد صفلى ال عليفه وسفلم ،قال صفلى ال عليفه وسفلم( :بعثفت إلى الحمفر والسفود
وجعلت لي الرض مسفجدا وطهورا ونصفرت بالرعفب مسفيرة شهفر وأحلت لي الغنائم وأعطيفت،
الشفاعففة) .ومففن ذلك القرآن وانشقاق القمففر وتكليمففه الشجففر وإطعامففه الطعام خلقففا عظيمففا مففن
تميرات ودرور شاة أم معبد بعد جفاف .وقال ابن عطية معناه ،وزاد :وهو أعظم الناس أمة وختم
به النبيون إلى غير ذلك من الخلق العظيم الذي أعطاه ال .ويحتمل اللفظ أن يراد به محمد صلى
ال عليفه وسفلم وغيره ممفن عظمفت آياتفه ،ويكون الكلم تأكيدا .ويحتمفل أن يريفد بفه رففع إدريفس
المكان العلي ،ومراتب النبياء في السماء كما في حديث السراء ،وسيأتي.
@قوله تعالى" :وآتينا عيسى ابن مريم البينات" وبينات عيسى هي إحياء الموتى وإبراء الكمه
والبرص وخلق الطيفر مفن الطيفن كمفا نفص عليفه ففي التنزيفل" .وأيدناه" قويناه" .بروح القدس"
جبريل عليه السلم ،وقد تقدم.
@قوله تعالى" :ولو شاء ال ما أقتتل الذين من بعدهم" أي من بعد الرسل .وقيل :الضمير لموسى
وعيسى ،والثنان جمع .وقيل :من بعد جميع الرسل ،وهو ظاهر اللفظ .وقيل :إن القتال إنما وقع
مفن الذيفن جاؤوا بعدهفم وليفس كذلك المعنفى ،بفل المراد مفا اقتتفل الناس بعفد كفل نفبي ،وهذا كمفا
تقول :اشتريت خيل ثم بعتها ،فجائز لك هذه العبارة وأنت إنما اشتريت فرسا وبعته ثم آخر وبعته
ثفم آخفر وبعتفه ،وكذلك هذه النوازل إنمفا اختلف الناس بعفد كفل نفبي فمنهفم مفن آمفن ومنهفم مفن كففر
بغيا وحسدا وعلى حطام الدنيا ،وذلك كله بقضاء وقدر وإرادة من ال تعالى ،ولو شاء خلف ذلك
لكان ولكنفه المسفتأثر بسفر الحكمفة ففي ذلك الفعفل لمفا يريفد .وكسفرت النون مفن "ولكفن اختلفوا"
للتقاء الساكنين ،ويجوز حذفها في غير القرآن ،وأنشد سيبويه:
ولك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل فلست بآتيه ول أستطيعه
"فمنهم من آمن ومنهم من كفر" "من" في موضع رفع بالبتداء والصفة
**3الية{ 254 :يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم ل بيع فيه ول خلة
ول شفاعة والكافرون هم الظالمون}
@قال الحسفن :هفي الزكاة المفروضفة .وقال ابفن جريفج وسفعيد بفن جفبير :هذه اليفة تجمفع الزكاة
المفروضفة والتطوع .قال ابفن عطيفة .وهذا صفحيح ،ولكفن مفا تقدم مفن اليات ففي ذكفر القتال وأن
ال يدففع بالمؤمنيفن ففي صفدور الكافريفن يترجفح منفه أن هذا الندب إنمفا هفو ففي سفبيل ال ،ويقوى
ذلك في آخر الية قوله" :والكافرون هم الظالمون" أي فكافحوهم بالقتال بالنفس وإنفاق الموال.
قلت :وعلى هذا التأويففل يكون إنفاق الموال مرة واجبففا ومرة ندبففا بحسففب تعيففن الجهاد وعدم
تعينفه .وأمفر تعالى عباده بالنفاق ممفا رزقهفم ال وأنعفم بفه عليهفم وحذرهفم مفن المسفاك إلى أن
يجيفء يوم ل يمكفن فيفه بيفع ول شراء ول اسفتدراك نفقفة ،كمفا قال" :فيقول رب لول أخرتنفي إلى
أجفل قريفب فأصفدق" [المنافقيفن .]10 :والخلة :خالص المودة ،مأخوذة مفن تخلل السفرار بيفن
الصديقين .والخللة والخللة والخللة :الصداقة والمودة ،قال الشاعر:
خللته كأبي مرحب وكيف تواصل من أصبحت
وأبفو مرحفب كنيفة الظفل ،ويقال :هفو كنيفة عرقوب الذي قيفل فيفه :مواعيفد عرقوب .والخلة بالضفم
أيضا :ما خل من النبت ،يقال :الخلة خبز البل والحمض فاكهتها .والخلة بالفتح :الحاجة والفقر.
والخلة :ابففن مخاض ،عفن الصففمعي .يقال :أتاهففم بقرص كأنففه فرسففن خلة .والنثففى خلة أيضففا.
ويقال للميت :اللهم أصلح خلته ،أي الثلمة التي ترك .والخلة :الخمرة الحامضة .والخلة (بالكسر):
واحدة خلل السفيوف ،وهفي بطائن كانفت تغشفى بهفا أجفان السفيوف منقوشفة بالذهفب وغيره ،وهفي
أيضفا سفيور تلبفس ظهفر سِفيَتي القوس .والخلة أيضفا :مفا يبقفى بيفن السفنان .وسفيأتي ففي "النسفاء"
اشتقاق الخليل ومعناه .فأخبر ال تعالى أل خلة في الخرة ول شفاعة إل بإذن ال .وحقيقتها رحمة
منفه تعالى شرف بهفا الذي أذن له ففي أن يشففع .وقرأ ابفن كثيفر وأبفو عمرو "ل بيفع فيفه ول خلة،
ول شفاعففة" بالنصففب مففن غيففر تنويففن ،وكذلك فففي سففورة "إبراهيففم" "ل بيففع فيففه ول خلل"
[إبراهيم ]31 :وفي "الطور] "ل لغو فيها ول تأثيم" [الطور ]23 :وأنشد حسان بن ثابت:
إل تجشوكم عند التنانير أل طعان ول فرسان عادية
وألف السفتفهام غيفر مغيرة عمفل "ل" كقولك :أل رجفل عندك ،ويجوز أل رجفل ول امرأة كمفا
جاز في غير الستفهام فاعلمه .وقرأ الباقون جميع ذلك بالرفع والتنوين ،كما قال الراعي:
ل ناقة لي في هذا ول جمل وما صرمتك حتى قلت معلنة
ويروى "ومفا هجرتفك" فالفتفح على النففي العام المسفتغرق لجميفع الوجوه مفن ذلك الصفنف ،كأنفه
جواب لمفن قال :هفل فيفه مفن بيفع ؟ فسفأل سفؤال عامفا فأجيفب جوابفا عامفا بالنففي .و"ل" مفع السفم
المنففى بمنزلة اسفم واحفد ففي موضفع رففع بالبتداء ،والخفبر "فيفه" .وإن شئت جعلتفه صففة ليوم،
ومفن رففع جمله "ل" بمنزلة ليفس .وجعفل الجواب غيفر عام ،وكأنفه جواب مفن قال :هفل فيفه بيفع ؟
بإسفقاط مفن ،فأتفى الجواب غيفر مغيفر عفن رفعفه ،والمرفوع مبتدأ أو اسفم ليفس و"فيفه" الخفبر .قال
مكفي :والختيار الرفع؛ لن أكثفر القراء عليه ،ويجوز ففي غيفر القرآن ل بيفع فيفه ول خلة ،وأنشفد
سيبويه لرجل من مذحج:
ل أم لي إن كان ذاك ول أب هذا لعمركم الصغار بعينه
ويجوز أن تبني الول وتنصب الثاني وتنونه فتقول :ل رجل فيه ول امرأة ،وأنشد سيبويه:
اتسع الخرق على الراقع ل نسب اليوم ول خلة
ف "ل" زائدة ففي الموضعيفن ،الول عطفف على الموضفع والثانفي على اللففظ ووجفه خامفس أن
ترفع الول وتبني الثاني كقولك :ل رجل فيها ول امرأة ،قال أمية:
وما فاهوا به أبدا مقيم فل لغو ول تأثيم فيها
وهذه الخمسفففة الوجفففه جائزة ففففي قولك :ل حول ول قوة إل بال ،وقفففد تقدم هذا والحمفففد ل.
"والكافرون" ابتداء" .هفم" ابتداء ثان" ،الظالمون" خفبر الثانفي ،وإن شئت كانفت "هفم" زائدة
للفصل و"الظالمون" خبر "الكافرون" .قال عطاء بن دينار :والحمد ل الذي قال" :والكافرون هم
الظالمون" ولم يقل والظالمون هم الكافرون.
**3الية{ 255 :ال ل إله إل هو الحي القيوم ل تأخذه سنة ول نوم له ما في السماوات وما في
الرض مفن ذا الذي يشففع عنده إل بإذنفه يعلم مفا بيفن أيديهفم ومفا خلفهفم ول يحيطون بشيفء مفن
علمه إل بما شاء وسع كرسيه السماوات والرض ول يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم}
@قوله تعالى" :ال ل إله إل هو الحي القيوم" هذه آية الكرسي سيدة آي القرآن وأعظم آية ،كما
تقدم بيانفه ففي الفاتحفة ،ونزلت ليل ودعفا النفبي صفلى ال عليفه وسفلم زيدا فكتبهفا .روي عفن محمفد
بفن الحنفيفة أنه قال :لمفا نزلت آية الكرسفي خفر كفل صفنم ففي الدنيفا ،وكذلك خفر كفل ملك ففي الدنيفا
وسقطت التيجان عن رؤوسهم ،وهربت الشياطين يضرب بعضهم على بعض إلى أن أتوا إبليس
فأخفبروه بذلك فأمرهفم أن يبحثوا عفن ذلك ،فجاؤوا إلى المدينفة فبلغهفم أن آيفة الكرسفي قفد نزلت.
وروى الئمة عن أبي بن كعب قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم(:يا أبا المنذر أتدري أي
آية من كتاب ال معك أعظم) ؟ قال قلت :ال ورسوله أعلم ،قال( :يا أبا المنذر أتدري أي آية من
كتاب ال معففك أعظففم) ؟ قال قلت" :ال ل إله إل هففو الحففي القيوم" فضرب فففي صففدري وقال:
(ليهنفك العلم يفا أبفا المنذر) .زاد الترمذي الحكيفم أبفو عبدال( :فوالذي نفسفي بيده إن لهذه اليفة
للسففانا وشفتيففن تقدس الملك عنففد سففاق العرش) .قال أبففو عبدال :فهذه آيففة أنزلهففا ال جففل ذكره،
وجعل ثوابها لقارئها عاجل وآجل ،فأما في العاجل فهي حارسة لمن قرأها من الفات ،وروي لنا
عفن نوف البكالي أنفه قال :آيفة الكرسفي تدعفى ففي التوراة وليفة ال .يريفد يدعفي قارئهفا ففي ملكوت
السفماوات والرض عزيزا ،قال :فكان عبدالرحمفن بفن عوف إذا دخفل بيتفه قرأ آيفة الكرسفي ففي
زوايفا بيتفه الربفع ،معناه كأنفه يلتمفس بذلك أن تكون له حارسفا مفن جوانبفه الربفع ،وأن تنففي عنفه
الشيطان من زوايا بيته .وروي عن عمر أنه صارع جنيا فصرعه عمر رضي ال عنه؛ فقال له
الجنفي :خفل عنفي حتفى أعلمفك مفا تمتنعون بفه منفا ،فخلى عنفه وسفأله فقال :إنكفم تمتنعون منفا بآيفة
الكرسي.
قلت :هذا صحيح ،وفي الخبر :من قرأ الكرسي دبر كل صلة كان الذي يتولى قبض روحه ذو
الجلل والكرام ،وكان كمفن قاتفل مفع أنفبياء ال حتفى يسفتشهد .وعفن علي رضفي ال عنفه قال:
سفمعت نفبيكم صفلى ال عليفه وسفلم يقول وهفو على أعواد المنفبر( :مفن قرأ آيفة الكرسفي دبر كفل
صفلة لم يمنعفه مفن دخول الجنفة إل الموت ول يواظفب عليهفا إل صفديق أو عابفد ،ومفن قرأهفا إذا
أخففذ مضجعففه آمنففه ال على نفسففه وجاره وجار جاره والبيات حوله) .وفففي البخاري عففن أبففي
هريرة قال :وكلني رسول ال صلى ال عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان ،وذكر قصة وفيها :فقلت
يا رسول ال ،زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني ال بها فخيلت سبيله ،قال( :ما هي) ؟ قلت قال لي:
إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم "ال ل إله إل هو الحي القيوم" .وقال
لي :لن يزال عليففك مففن ال حافففظ ول يقربففك شيطان حتففى تصففبح ،وكانوا أحرص شيففء على
الخير .فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلث
ليال يفا أبفا هريرة) ؟ قال :ل؛ قال( :ذاك شيطان) .وففي مسفند الدارمفي أبفي محمفد قال الشعفبي قال
عبدال بفن مسفعود :لقفي رجفل مفن أصفحاب محمفد صفلى ال عليفه وسفلم رجل مفن الجفن فصفارعه
فصفرعه النسفي ،فقال له النسفي :إنفي لراك ضئيل شخيتفا كأن ذريعتيفك ذريعتفا كلب فكذلك أنتفم
معشفر الجفن ،أم أنفت مفن بينهفم كذلك ؟ قال :ل وال إنفي منهفم لضليفع ولكفن عاودنفي الثانيفة فإن
صرعتني علمتك شيئا ينفعك ،قال نعم ،فصرعه ،قال ،:تقرأ آية الكرسي" :ال ل إله إل هو الحي
القيوم"؟ قال :نعم؛ قال :فإنك ل تقرأها في بيت إل خرج منه الشيطان له خبج كخبج الحمار ثم ل
يدخله حتفى يصفبح .أخرجفه أبفو نعيفم عفن أبفي عاصفم الثقففي عفن الشعفبي .وذكره أبفو عفبيدة ففي
غريفب حديفث عمفر حدثناه أبفو معاويفة عفن أبفي عاصفم الثقففي عفن الشعفبي عفن عبدال قال :فقيفل
لعبدال :أهفو عمفر ؟ فقال :مفا عسفى أن يكون إل عمفر .قال أبفو محمفد الدارمفي :الضئيفل :الدقيفق،
والشخيت :المهزول ،والضليع :جيد الضلع ،والخبج :الريح .وقال أبو عبيدة :الخبج :الضراط،
وهو الحبج أيضا بالحاء .وفي الترمذي عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم:
(من قرأ حم -المؤمن -إلى إليه المصير وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي ،ومن
قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح) قال :حديث غريب .وقال أبو عبدال الترمذي الحكيم:
وروى أن المؤمنيفن ندبوا إلى المحافظفة على قراءتهفا دبر كفل صفلة .عفن أنفس رففع الحديفث إلى
النففبي صففلى ال عليففه وسففلم قال( :أوحففى ال إلى موسففى عليففه السففلم مففن داوم على قراءة آيففة
الكرسي دبر كل صلة أعطيته فوق ما أعطي الشاكرين وأجر النبيين وأعمال الصديقين وبسطت
عليه يميني بالرحمة ولم يمنعه أن أدخله الجنة إل أن يأتيه ملك الموت) قال موسى عليه السلم :يا
رب من سمع بهذا ل يداوم عليه؟ قال( :إني ل أعطيه من عبادي إل لنبي أو صديق أو رجل أحبه
أو رجفل أريفد قتله ففي سفبيلي) .وعفن أبفي بفن كعفب قال :قال ال تعالى( :يفا موسفى مفن قرأ آيفة
الكرسي في دبر كل صلة أعطيته ثواب النبياء) قال أبو عبدال :معناه عندي أعطيته ثواب عمل
النفبياء ،فأمفا ثواب النبوة فليفس لحفد إل للنفبياء .وهذه اليفة تضمنفت التوحيفد والصففات العل،
وهفي خمسفون كلمفة ،وففي كفل كلمفة خمسفون بركفة ،وهفي تعدل ثلث القرآن ،ورد بذلك الحديفث،
ذكره ابفففن عطيفففة .و"ال" مبتدأ ،و"ل إله" مبتدأ ثان وخفففبره محذوف تقديره معبود أو موجود.
و"إل هفو" بدل مفن موضفع ل إله .وقيفل" :ال ل إله إل هفو" ابتداء وخفبر ،وهفو مرفوع محمول
على المعنفى ،أي مفا إله إل هفو ،ويجوز ففي غيفر القرآن ل إله إل إياه ،نصفب على السفتثناء .قال
أبو ذر في حديثه الطويل :سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم أي آية أنزل ال عليك من القرآن
أعظم ؟ فقال( :ال ل إله إل هو الحي القيوم) .وقال ابن عباس :أشرف آية في القرآن آية الكرسي.
قال بعض العلماء :لنه يكرر فيها اسم ال تعالى بين مضمر وظاهر ثماني عشرة مرة.
@ قوله" :الحي القيوم" نعت ل عز وجل ،وإن شئت كان بدل من "هو" ،وإن شئت كان خبرا
بعد خبر ،وإن شئت على إضمار مبتدأ .ويجوز في غير القرآن النصب على المدح .و"الحي" اسم
من أسمائه الحسنى يسمى به ،ويقال :إنه اسم ال تعالى العظم .ويقال :إن عيسى ابن مريم عليه
السلم كان إذا أراد أن يحيي الموتى يدعو بهذا الدعاء :يا حي يا قيوم .ويقال :إن آصف بن برخيا
لما أراد أن يأتي بعرش بلقيس إلى سليمان دعا بقوله يا حي يا قيوم .ويقال :إن بني إسرائيل سألوا
موسى عن اسم ال العظم فقال لهم :أيا هيا شرا هيا ،يعني يا حي يا قيوم .ويقال :هو دعاء أهل
البحفر إذا خافوا الغرق يدعون بفه .قال الطفبري عفن قوم :إنفه يقال حفي قيوم كمفا وصفف نفسفه،
ويسفلم ذلك دون أن ينظفر فيفه .وقيفل :سفمى نفسفه حيفا لصفرفه المور مصفاريفها وتقديره الشياء
مقاديرها .وقال قتادة :الحي الذي ل يموت .وقال السدي :المراد بالحي الباقي .قال لبيد:
فلست بأحيا من كلب وجعفر فإما تريني اليوم أصبحت سالما
وقد قيل :إن هذا السم هو اسم ال العظم" .القيوم" من قام؛ أي القائم بتدبير ما خلق؛ عن قتادة.
وقال الحسن :معناه القائم على كل نفس بما كسبت حتى يجازيها بعملها ،من حيث هو عالم بها ل
يخفى عليه شيء منها .وقال ابن عباس :معناه الذي ل يحول ول يزول؛ قال أمية بن أبي الصلت:
والشمس معها قمر يقوم لم تخلق السماء والنجوم
والحشر والجنة والنعيم قدره مهيمن قيوم
إل لمر شأنه عظيم
قال البيهقي :ورأيت في "عيون التفسير" لسماعيل الضرير تفسير القيوم قال :ويقال هو الذي
ل ينام؛ وكأنفه أخذه مففن قوله عففز وجففل عقيبفه فففي آيففة الكرسففي" :ل تأخذه سففنة ول نوم" .وقال
الكلبفي :القيوم الذي ل بدئ له؛ ذكره أبفو بكفر النباري .وأصفل قيوم قيووم اجتمعفت الواو والياء
وسفبقت إحداهمفا بالسفكون فأدغمفت الولى ففي الثانيفة بعفد قلب الواو ياء؛ ول يكون قيوم فعول؛
لنفه مفن الواو فكان يكون قيوومفا .وقرأ ابفن مسفعود وعلقمفة والعمفش والنخعفي "الحفي القيام"
باللف ،وروي ذلك عفن عمفر .ول خلف بيفن أهفل اللغفة ففي أن القيوم أعرف عنفد العرب وأصفح
بناء وأثبففت علة .والقيام منقول عففن القوام إلى القيام ،صففرف عففن الفعال إلى الفيعال ،كمففا قيففل
للصواغ الصياغ؛ قال الشاعر:
س وحي عليهم قيوم إن ذا العرش للذي يرزق النا
ثفم نففى عفز وجفل أن تأخذه سفنة ول نوم .والسفنة :النعاس ففي قول الجميفع .والنعاس مفا كان مفن
العين فإذا صار في القلب صار نوما؛ قال عدي بن الرقاع يصف امرأة بفتور النظر:
في عينه سنة وليس بنائم وسنان أقصده النعاس فرنقت
وفرق المفضل بينهما فقال :السنة من الرأس ،والنعاس في العين ،والنوم في القلب .وقال ابن زيد:
الوسنان الذي يقوم من النوم وهو ل يعقل ،حتى ربما جرد السيف على أهله .قال ابن عطية :وهذا
الذي قاله ابفن زيفد فيفه نظفر ،وليفس ذلك بمفهوم مفن كلم العرب .وقال السفدي :السفنة :ريفح النوم
الذي يأخذ في الوجه فينعس النسان.
قلت :وبالجملة فهفو فتور يعتري النسفان ول يفقفد معفه عقله .والمراد بهذه اليفة أن ال تعالى ل
سنَة حذفت الواو كما حذفت من سنَة و ْ
يدركه خلل ول يلحقه ملل بحال من الحوال .والصل في ِ
يسن .والنوم هو المستثقل الذي يزول معه الذهن في حق البشر .والواو للعطف و"ل" توكيد.
قلت :والناس يذكرون فففي هذا الباب عفن أبفي هريرة قال :سفمعت رسففول ال صفلى ال عليفه
وسفلم يحكفي عفن موسفى على المنفبر قال( :وقفع ففي نففس موسفى هفل ينام ال جفل ثناؤه فأرسفل ال
إليفه ملكفا فأرقفه ثلثفا ثفم أعطاه قارورتيفن ففي كله يفد قارورة وأمره أن يحتففظ بهمفا قال فجعفل ينام
وتكاد يداه تلتقيان ثم يستيقظ فينحي أحديهما عن الخرى حتى نام نومة فاصطفقت يداه فانكسرت
القارورتان -قال -ضرب ال له مثل أن لو كان ينام لم تمتسففك السففماء والرض) ول يصففح هذا
الحديث ،ضعفه غير واحد منهم البيهقي
@قوله تعالى" :له ما في السماوات وما في الرض" أي بالملك فهو مالك الجميع وربه وجاءت
العبارة بفف "مفا" وإن كان ففي الجملة مفن يعقفل مفن حيفث المراد الجملة والموجود .قال الطفبري:
نزلت هذه الية لما قال الكفار :ما نعبد أوثانا إل ليقربونا إلى ال زلفى.
@قوله تعالى" :مفن ذا الذي يشففع عنده إل بإذنفه" "مفن" رففع بالبتداء و"ذا" خفبره؛ و"الذي"
نعت لف "ذا" ،وإن شئت بدل ،ول يجوز أن تكون "ذا" زائدة كما زيدت مع "ما" لن "ما" مبهمة
فزيدت "ذا" معهففا لشبههففا بهففا .وتقرر فففي هذه اليففة أن ال يأذن لمففن يشاء فففي الشفاعففة ،وهففم
النبياء والعلماء والمجاهدون والملئكة وغيرهم ممن أكرمهم وشرفهم ال ،ثم ل يشفعون إل لمن
ارتضفى؛ كمفا قال" :ول يشفعون إل لمفن ارتضفى" [النفبياء ]28 :قال ابفن عطيفة :والذي يظهفر
أن العلماء والصفالحين يشفعون فيمفن لم يصفل إلى النار وهفو بيفن المنزلتيفن ،أو وصفل ولكفن له
أعماله صفالحة .وففي البخاري ففي "باب بقيفة مفن أبواب الرؤيفة" :إن المؤمنيفن يقولون :ربنفا إن
إخواننفا كانوا يصفلون معنفا ويصفومون معنفا .وهذه شفاعفة فيمفن يقرب أمره ،وكمفا يشففع الطففل
المحبنطئ على باب الجنة .وهذا إنما هو في قراباتهم ومعارفهم .وإن النبياء يشفعون فيمن حصل
ففي النار مفن عصفاة أممهفم بذنوب دون قربفى ول معرففة إل بنففس اليمان ،ثفم تبقفى شفاعفة أرحفم
الراحميفن ففي المسفتغرقين ففي الخطايفا والذنوب الذيفن لم تعمفل فيهفم شفاعفة النفبياء .وأمفا شفاعفة
محمد صلى ال عليه وسلم في تعجيل الحساب فخاصة له.
قلت :قففد بيففن مسففلم فففي صففحيحه كيفيففة الشفاعففة بيانففا شافيففا ،وكأنففه رحمففه ال لم يقرأه وأن
الشافعيفففن يدخلون النار ويخرجون منهفففا أناسفففا اسفففتوجبوا العذاب؛ فعلى هذا ل يبعفففد أن يكون
للمؤمنين شفاعتان :شفاعة فيمن لم يصل إلى النار ،وشفاعة فيمن وصل إليها ودخلها؛ أجارنا ال
منها .فذكر من حديث أبي سعيد الخدري( :ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون
اللهفم سفلم سفلم -قيفل :يفا رسفول ال ومفا الجسفر ؟ قال :دحفض مزلة فيهفا خطاطيففف وكلليفب
وحسكة تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح
وكالطيفر وكأجاويفد الخيفل والركاب فناج مسفلم ومخدوش مرسفل ومكدوس ففي نار جهنفم حتفى إذا
خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة ل في استيفاء الحق من
المؤمنيفن ل يوم القيامفة لخوانهفم الذيفن ففي النار ،يقولون ربنفا كانوا يصفومون معنفا ويصفلون
ويحجون ،فيقال لهففم أخرجوا مففن عرفتففم ،فتحرم صففورهم على النار فيخرجون خلقففا كثيرا قففد
أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به ،فيقول
عفز وجفل ارجعوا فمفن وجدتفم ففي قلبفه مثقال دينار مفن خيفر فأخرجوه ،فيخرجون خلقفا كثيرا ،ثفم
يقولون ربنفا لم نذر فيهفا أحدا ممفن أمرتنفا بفه ،ثفم يقول ارجعوا فمفن وجدتفم ففي قلبفه مثقال نصفف
دينار من خير فأخرجوه ،فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به ،ثم
يقول ارجعوا فمفن وجدتفم ففي قلبفه مثقال ذرة مفن خيفر فأخرجوه ،فيخرجون خلقفا كثيرا ثفم يقولون
ربنا لم نذر فيهفا خيرا -وكان أبو سفعيد يقول :إن لم تصفدقوني بهذا الحديفث فاقرؤوا إن شئتم "إن
ال ل يظلم مثقال ذرة وإن تففك حسففنة يضاعفهففا ويؤت مففن لدنففه أجرا عظيمففا" [النسففاء]40 :
(فيقول ال تعالى :شفعفت الملئكفة وشففع النفبيون وشففع المؤمنون ولم يبفق إل أرحفم الراحميفن
فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما) وذكر الحديث .وذكر
من حديث أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم( :فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال ل إله إل ال قال
ليس ذلك لك -أو قال ليس ذلك إليك -وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لخرجن من قال ل
إله إل ال) .وذكر من حديث أبي هريرة عنه صلى ال عليه وسلم( :حتى إذا فرغ ال من القضاء
بيفن العباد وأراد أن يخرج برحمتفه مفن أراد مفن أهفل النار أمفر الملئكفة أن يخرجوا مفن النار مفن
كان ل يشرك بال شيئا ممن أراد ال تعالى أن يرحمه ممن يقول ل إله إل ال فيعرفونهم في النار
يعرفونهم بأثر السجود تأكل النار ابن آدم إل أثر السجود حرم ال على النار أن تأكل أثر السجود)
الحديث بطوله.
قلت :فدلت هذه الحاديفث على أن شفاعفة المؤمنيفن وغيرهفم إنمفا هفي لمفن دخفل النار وحصفل
فيهففا ،أجارنففا ال منهففا وقول ابففن عطيففة" :ممففن لم يصففل أو وصففل" يحتمففل أن يكون أخذه مففن
أحاديفث أخفر ،وال أعلم .وقفد خرج ابفن ماجفة ففي سفننه عفن أنفس بفن مالك قال :قال رسفول ال
صلى ال عليه وسلم( :يصف الناس يوم القيامة صفوفا -وقال ابن نمير أهل الجنة -فيمر الرجل
مفن أهفل النار على الرجفل فيقول يفا فلن أمفا تذكفر يوم اسفتسقيت فسفقيتك شربفة ؟ قال فيشففع له
ويمر الرجل على الرجل فيقول أما تذكر يوم ناولتك طهورا ؟ فيشفع له -قال ابن نمير -ويقول يا
فلن أما تذكر يوم بعثتني لحاجة كذا وكذا فذهبت لك ؟ فيشفع له).
وأمفا شفاعات نبينفا محمفد صفلى ال عليفه وسفلم فاختلف فيهفا؛ فقيفل ثلث ،وقيفل اثنتان ،وقيفل:
خمس ،يأتي بيانها في "سبحان" إن شاء ال تعالى .وقد أتينا عليها في كتاب "التذكرة" والحمد ل.
@قوله تعالى" :يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم" الضميران عائدان على كل من يعقل ممن تضمنه
قوله" :له مفا ففي السفماوات ومفا ففي الرض " .وقال مجاهفد" :مفا بيفن أيديهفم" الدنيفا "ومفا خلفهفم"
الخرة .قال ابفن عطيفة :وكفل هذا صفحيح ففي نفسفه ل بأس بفه؛ لن مفا بيفن اليفد هفو كفل مفا تقدم
النسان ،وما خلفه هو كل ما يأتي بعده؛ وبنحو قول مجاهد قال السدي وغيره.
@قوله تعالى" :ول يحيطون بشيفء مفن علمفه إل بمفا شاء" العلم هنفا بمعنفى المعلوم ،أي ول
يحيطون بشيفء مفن معلوماتفه؛ وهذا كقول الخضفر لموسفى عليفه السفلم حيفن نقفر العصففور ففي
البحفر :مفا نقفص علمفي وعلمفك مفن علم ال إل كمفا نقفص هذا العصففور مفن هذا البحفر .فهذا ومفا
شاكله راجفع إلى المعلومات؛ لن علم ال سفبحانه وتعالى الذي هفو صففة ذاتفه ل يتبعفض .ومعنفى
الية ل معلوم لحد إل ما شاء ال أن يعلمه.
@قوله تعالى" :وسع كرسيه السماوات والرض" ذكر ابن عساكر في تاريخه عن علي رضي
ال عنه قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :الكرسي لؤلؤة والقلم لؤلؤة وطول القلم سبعمائة
سفنة وطول الكرسفي حيفث ل يعلمفه إل ال) .وروى حماد بفن سفلمة عفن عاصفم بفن بهدلة -وهفو
عاصم بن أبي النجود -عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال :بين كل سماءين مسيرة خمسمائة
عام وبيففن السففماء السففابعة وبيففن الكرسففي خمسففمائة عام ،وبيففن الكرسففي وبيففن العرش مسففيرة
خمسمائة عام ،والعرش فوق الماء وال فوق العرش يعلم ما أنتم فيه وعليه .يقال كُرسي وكرسي
والجمع الكراسي .وقال ابن عباس :كرسيه علمه .ورجحه الطبري ،قال :ومنه الكراسة التي تضم
العلم؛ ومنه قيل للعلماء :الكراسي؛ لنهم المعتمد عليهم؛ كما يقال :أوتاد الرض.
قال الشاعر:
كراسي بالحداث حين تنوب يحف بهم بيض الوجوه وعصبة
أي علماء بحوادث المور .وقيفل :كرسفيه قدرتفه التفي يمسفك بهفا السفماوات والرض ،كمفا تقول:
اجعل لهذا الحائط كرسيا ،أي ما يعمده .وهذا قريب من قول ابن عباس في قوله "وسع كرسفيه".
قال البيهقي :وروينا عن ابن مسعود وسعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله "وسع كرسيه" قال:
علمففه .وسففائر الروايات عففن ابففن عباس وغيره تدل على أن المراد بففه الكرسففي المشهور مففع
العرش .وروى إسفرائيل عفن السفدي عفن أبفي مالك ففي قوله "وسفع كرسفيه السفماوات والرض"
قال :إن الصففخرة التففي عليهففا الرض السففابعة ومنتهففى الخلق على أرجائهففا ،عليهففا أربعففة مففن
الملئكفة لكفل واحفد منهفم أربعفة وجوه :وجفه إنسفان ووجفه أسفد ووجفه ثور ووجفه نسفر؛ فهفم قيام
عليهفا قفد أحاطوا بالرضيفن والسفماوات ،ورؤوسفهم تحفت الكرسفي والكرسفي تحفت العرش وال
واضففع كرسففيه فوق العرش .قال البيهقففي :فففي هذا إشارة إلى كرسففيين :أحدهمففا تحففت العرش،
والخر موضوع على العرش .وفي رواية أسباط عن السدي عن أبي مالك ،وعن أبي صالح عن
ابن عباس ،وعن مرة الهمداني عن ابن عباس ،وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود عن ناس من
أصففحاب رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم فففي قوله "وسففع كرسففيه السففماوات والرض" فإن
السماوات والرض في جوف الكرسي والكرسي بين يدي العرش .وأرباب اللحاد يحملونها على
عظففم الملك وجللة السففلطان ،وينكرون وجود العرش والكرسففي وليففس بشيففء .وأهففل الحففق
يجيزونهما؛ إذ في قدرة ال متسع فيجب اليمان بذلك .قال أبو موسى الشعري :الكرسي موضع
القدميفن وله أطيفط كأطيفط الرحفل .قال البيهقفي :قفد روينفا أيضفا ففي هذا عفن ابفن عباس وذكرنفا أن
معناه فيمفا يرى أنفه موضوع مفن العرش موضفع القدميفن مفن السفرير ،وليفس فيفه إثبات المكان ل
تعالى .وعفن ابفن بريدة عفن أبيفه قال :لمفا قدم جعففر مفن الحبشفة قال له رسفول ال صفلى ال عليفه
وسفلم( :مفا أعجفب شيفء رأيتفه) ؟ قال :رأيفت امرأة على رأسفها مكتفل طعام فمفر فارس فأذراه
فقعدت تجمع طعامها ،ثم التفتت إليه فقالت له :ويل لك يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من
الظالم فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم تصفديقا لقولهفا( :ل قدسفت أمفة -أو كيفف تقدس أمفة -
ل يأخذ ضعيفها حقه من شديدها) .قال ابن عطية :في قول أبي موسى "الكرسي موضع القدمين"
يريفد هفو مفن عرش الرحمفن كموضفع القدميفن مفن أسفرة الملوك ،فهفو مخلوق عظيفم بيفن يدي
العرش نسفبته إليفه كنسفبة الكرسفي إلى سفرير الملك .وقال الحسفن بفن أبفي الحسفن :الكرسفي هفو
العرش نفسه؛ وهذا ليس بمرضفي ،والذي تقتضيفه الحاديفث أن الكرسفي مخلوق بين يدي العرش
والعرش أعظم منه .وروى أبو إدريس الخولني عن أبي ذر قال :قلت يا رسول ال ،أي ما أنزل
عليفك أعظفم ؟ قال( :آيفة الكرسفي -ثفم قال -يفا أبفا ذر مفا السفماوات السفبع مفع الكرسفي إل كحلقفة
ملقاة فففي أرض فلة وفضففل العرش على الكرسففي كفضففل الفلة على الحلقففة) .أخرجففه الجري
وأبفو حاتفم البسفتي ففي صفحيح مسفنده والبيهقفي وذكفر أنفه صفحيح .وقال مجاهفد :مفا السفماوات
والرض ففي الكرسفي إل بمنزلة حلقفة ملقاة ففي أرض فلة .وهذه اليفة منبئة عفن عظفم مخلوقات
ال تعالى ،ويستفاد من ذلك عظم قدرة ال عز وجل إذ ل يؤده حفظ هذا المر العظيم.
@و "يؤوده" معناه يثقله؛ يقال :آدني الشيء بمعنى أثقلني وتحملت منه المشقة ،وبهذا فسر اللفظة
ابفن عباس والحسفن وقتادة وغيرهفم .قال الزجاج :فجائز أن تكون الهاء ل عفز وجفل ،وجائز أن
تكون للكرسي؛ وإذا كانت للكرسي؛ فهو من أمر ال تعالى .و"العلي" يراد به علو القدر والمنزلة
ل علو المكان؛ لن ال منزه عفن التحيفز .وحكفى الطفبري عفن قوم أنهفم قالوا :هفو العلي عفن خلقفه
بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه .قال ابن عطية :وهذا قول جهلة مجسمين ،وكان الوجه أل يحكى.
وعفن عبدالرحمفن بفن قرط أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ليلة أسفري بفه سفمع تسفبيحا ففي
السففففماوات العلى :سففففبحان ال العلي العلى سففففبحانه وتعالى .والعلي والعالي :القاهففففر الغالب
للشياء؛ تقول العرب :عل فلن فلنا أي غلبه وقهره؛ قال الشاعر:
تركناهم صرعى لنسر وكاسر فلما علونا واستوينا عليهم
ومنه قوله تعالى" :إن فرعون عل في الرض" [القصص .]4 :و"العظيم" صفة بمعنى عظيم
القدر والخطفر والشرف ،ل على معنفى عظفم الجرام .وحكفى الطفبري عفن قوم أن العظيفم معناه
المعظم ،كما يقال :العتيق بمعنى المعتق ،وأنشد بيت العشى:
ففنط ممزوجة بماء زلل فكأن الخمر العتيق من السف
وحكي عن قوم أنهم أنكروا ذلك وقالوا :لو كان بمعنى معظم لوجب أل يكون عظيما قبل أن يخلق
الخلق وبعد فنائهم؛ إذ ل معظم له حينئذ.
**3الية{ 256 :ل إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال
فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها وال سميع عليم}
@قوله تعالى" :ل إكراه في الدين" الدين في هذه الية المعتقد والملة بقرينة قوله" :قد تبين الرشد
مفن الغفي" .والكراه الذي ففي الحكام مفن اليمان والبيوع والهبات وغيرهفا ليفس هذا موضعفه،
وإنما يجيء في تفسير قوله" :إل من أكره" [النحل .]106 :وقرأ أبو عبدالرحمن "قد تبين الرشد
من الغي" وكذا روي عن الحسن والشعبي؛ يقالَ :رشَد َيرْشُد ُرشْداً ،و َرشِ َد ي ْرشَد َرشَدا :إذا بلغ ما
يحب .وغوى ضده؛ عن النحاس .وحكى ابن عطية عن أبي عبدالرحمن السلمي أنه قرأ "الرشاد"
باللف .وروي عن الحسن أيضا "الرشد" بضم الراء والشين" .الغي" مصدر من غوى يغوي إذا
ضل في معتقد أو رأي؛ ول يقال الغي في الضلل على الطلق.
@ اختلف العلماء في معنى هذه الية على ستة أقوال:
[الول] قيفل إنهفا منسفوخة؛ لن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قفد أكره العرب على ديفن السفلم
وقاتلهفم ولم يرض منهفم إل بالسفلم؛ قاله سفليمان بفن موسفى ،قال :نسفختها "يفا أيهفا النفبي جاهفد
الكفار والمنافقين" [التوبة .]73 :وروي هذا عن ابن مسعود وكثير من المفسرين.
الثانفي :ليسفت بمنسفوخة وإنمفا نزلت ففي أهفل الكتاب خاصفة ،وأنهفم ل يكرهون على السفلم إذا
أدوا الجزيفة ،والذيفن يكرهون أهفل الوثان فل يقبفل منهفم إل السفلم فهفم الذيفن نزل فيهفم "يفا أيهفا
النبي جاهد الكفار والمنافقين" .هذا قول الشعبي وقتادة والحسن والضحاك .والحجة لهذا القول ما
رواه زيفد بفن أسفلم عفن أبيفه قال :سفمعت عمفر بفن الخطاب يقول لعجوز نصفرانية :اسفلمي أيتهفا
العجوز تسفلمي ،إن ال بعفث محمدا بالحفق .قالت :أنفا عجوز كفبيرة والموت إلي قريفب فقال عمفر:
اللهم اشهد ،وتل "ل إكراه في الدين".
الثالث :مفا رواه أبفو داود عفن ابفن عباس قال :نزلت هذه ففي النصفار ،كانفت تكون المرأة مقلتفا
فتجعفل على نفسفها إن عاش لهفا ولد أن تهوده؛ فلمفا أجليفت بنفو النضيفر كان فيهفم كثيفر مفن أبناء
النصار فقالوا :ل ندع أبناءنا فأنزل ال تعالى" :ل إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" .قال
أبفو داود :والمقلت التفي ل يعيفش لهفا ولد .ففي روايفة :إنمفا فعلنفا مفا فعلنفا ونحفن نرى أن دينهفم
أفضفل ممفا نحفن عليفه ،وأمفا إذا جاء ال بالسفلم فنكرههفم عليفه فنزلت" :ل إكراه ففي الديفن" مفن
شاء التحق بهم ومن شاء دخل في السلم .وهذا قول سعيد بن جبير والشعبي ومجاهد إل أنه قال:
كان سفبب كونهفم ففي بنفي النضيفر السفترضاع .قال النحاس :قول ابفن عباس ففي هذه اليفة أولى
القوال لصحة إسناده ،وأن مثله ل يؤخذ بالرأي.
الرابع :قال السدي :نزلت الية في رجل من النصار يقال له أبو حصين كان له ابنان ،فقدم تجار
مففن الشام إلى المدينففة يحملون الزيففت ،فلمففا أرادوا الخروج أتاهففم ابنففا الحصففين فدعوهمففا إلى
النصفرانية فتنصفرا ومضيفا معهفم إلى الشام ،فأتفى أبوهمفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم مشتكيفا
أمرهمفا ،ورغفب ففي أن يبعفث رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم مفن يردهمفا فنزلت" :ل إكراه ففي
الديففن" ولم يؤمففر يومئذ بقتال أهففل الكتاب ،وقال( :أبعدهمففا ال همففا أول مففن كفففر) فوجففد أبففو
الحصفين ففي نفسفه على النفبي صفلى ال عليفه وسفلم حيفن لم يبعفث ففي طلبهمفا فأنزل ال جفل ثناؤه
"فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" [النساء ]65 :الية ثم إنه نسخ "ل إكراه
في الدين" فأمر بقتال أهل الكتاب في سورة [براءة] .والصحيح في سبب قوله تعالى" :فل وربك
ل يؤمنون" حديث الزبير مع جاره النصاري في السقي ،على ما يأتي في "النساء" بيانه إن شاء
ال تعالى.
[وقيل] معناها ل تقولوا لمن أسلم تحت السيف مجبرا مكرها؛ وهو القول الخامس.
[وقول سادس] وهو أنها وردت في السبي متى كانوا من أهل الكتاب لم يجبروا إذا كانوا كبارا،
وإن كانوا مجوسا صغارا أو كبارا أو وثنيين فإنهم يجبرون على السلم؛ لن من سباهم ل ينتفع
بهم مع كونهم وثنيين؛ أل ترى أنه ل تؤكل ذبائحهم ول توطأ نساؤهم ،ويدينون بأكل الميتة
والنجاسفات وغيرهمفا ،ويسفتقذرهم المالك لهفم ويتعذر عليفه النتفاع بهفم مفن جهفة الملك فجاز له
الجبار .ونحو هذا روى ابن القاسم عن مالك .وأما أشهب فإنه قال :هم على دين من سباهم ،فإذا
امتنعوا أجفبروا على السفلم ،والصفغار ل ديفن لهفم فلذلك فأجفبروا على الدخول ففي ديفن السفلم
لئل يذهبوا إلى دين باطل .فأما سائر أنواع الكفر متى بذلوا الجزية لم نكرههم على السلم سواء
كانوا عربا أم عجما قريشا أو غيرهم .وسيأتي بيان هذا وما للعلماء في الجزية ومن تقبل منه في
"براءة" إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :فمفن يكففر بالطاغوت ويؤمفن بال" جزم بالشرط .والطاغوت مؤنثفة مفن طغفى
يطغى - .وحكى الطبري يطغو -إذا جاوز الحد بزيادة عليه .ووزنه فعلوت ،ومذهب سيبويه أنه
اسففم مذكففر مفرد كأنففه اسففم جنففس يقففع للقليففل والكثيففر .ومذهففب أبففي علي أنففه مصففدر كرهبوت
وجفبروت ،وهفو يوصفف بفه الواحفد والجمفع ،وقلبفت لمفه إلى موضفع العيفن وعينفه موضفع اللم
جذَب ،فقلبت الواو ألفاً لتحركها وتحرك ما قبلها فقيل طاغوت؛ واختار هذا القول النحاس. جبَذ و َ
كَ
وقيل :أصل طاغوت في اللغة مأخوذة من الطغيان يؤدي معناه من غير اشتقاق ،كما قيل :لل من
اللؤلؤ .وقال المفبرد :هفو جمفع .وقال ابفن عطيفة :وذلك مردود .قال الجوهري :والطاغوت الكاهفن
والشيطان وكفففل رأس ففففي الضلل ،وقفففد يكون واحدًا قال ال تعالى" :يريدون أن يتحاكموا إلى
الطاغوت وقفد أمروا أن يكفروا بفه" [النسفاء .]60 :وقفد يكون جمعفا قال ال تعالى" :أولياؤهفم
الطاغوت" [البقرة ]257والجمففع الطواغيففت" .ويؤمففن بال" عطففف" .فقففد اسففتمسك بالعروة
الوثقفى" جواب الشرط ،وجمفع ال ُوثْقفى الوُثْق مثفل ال ُفضْلى والفُضْل؛ فالوثقفى فعلى مفن الوثاقفة،
وهذه اليفة تشفبيه .واختلف عبارة المفسفرين ففي الشيفء المشبفه بفه؛ فقال مجاهفد :العروة اليمان.
وقال السفدي :السفلم .وقال ابفن عباس وسفعيد بفن جفبير والضحاك؛ ل إله إل ال؛ وهذه عبارات
ترجفع إلى معنىً واحفد .ثفم قال" :ل انفصفام لهفا" قال مجاهفد :أي ل يغيفر مفا بقوم حتفى يغيروا مفا
بأنفسففهم ،أي ل يزيففل عنهففم اسففم اليمان حتففى يكفروا .والنفصففام :النكسففار مففن غيففر بينونففة.
والقصفم :كسفر ببينونفة؛ وففي صفحيح الحديفث (فيفصفم عنفه الوحفي وإن جفبينه ليتفصفد عرقفا) أي
يقلع .قال الجوهري :فصم الشيفء كسفره من غير أن يفبين ،تقول :فصفمته فانفصفم؛ قال ال تعالى:
ل انفصام لها" وتفصم مثله؛ قال ذو الرمة يذكر غزال يشبهه ب ُدمْلُج فضة:
في ملعب من جواري الحي مفصوم كأنه دملج من فضة نبه
وإنما جعله مفصوما لتثنيه وانحنائه إذا نام .ولم يقل "مقصفوم" بالقاف فيكون بائنا باثنيفن .وافْصفم
المطر :أقلع .وأفصمت عنه الحمى .ولما كان الكفر بالطاغوت واليمان بال مما ينطق به اللسان
ويعتقده القلب حسن في الصفات "سميع" من أجل النطق "عليم" من أجل المعتقد.
**3الية{ 257 :ال ولي الذين آمنوا يخرجهفم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم
الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}
@قوله تعالى" :ال ولي الذيفن آمنوا" الولي فعيفل بمعنفى فاعفل .قال الخطابفي :الولي الناصفر
ينصر عباده المؤمنين؛ قال ال عز وجل "ال ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور"،
وقال "ذلك بأن ال مولى الذيفففن آمنوا وأن الكافريفففن ل مولى لهفففم" [محمفففد ]11 :قال قتادة:
الظلمات الضللة ،والنور الهدى ،وبمعناه قال الضحاك والربيع .وقال مجاهد وعبدة بن أبي لبابة:
قوله "ال ولي الذين آمنوا" نزلت في قوم آمنوا بعيسى فلما جاء محمد صلى ال عليه وسلم كفروا
بففه ،فذلك إخراجهففم مففن النور إلى الظلمات .قال ابففن عطيففة :فكأن هذا المعتقففد أحرز نوراً فففي
المعتقد خرج منه إلى الظلمات ،ولفظ الية مستغن عن هذا التخصيص ،بل هو مترتب في كل أمة
كافرة آمفن بعضهفا كالعرب ،وذلك أن مفن آمفن منهفم فال وليفه أخرجفه مفن ظلمفة الكففر إلى نور
اليمان ،ومفن كففر بعفد وجود النفبي صفلى ال عليفه وسفلم الداعفي المرسفل فشيطانفه مغويفه ،كأنفه
أخرجفه مفن اليمان إذ هفو معفه معفد وأهفل للدخول فيفه ،وحكفم عليهفم بالدخول ففي النار لكفرهفم؛
عدل منه ،ل يسأل عما يفعل .وقرأ الحسن "أولياؤهم الطواغيت" يعني الشياطين ،وال أعلم.
**3اليفة{ 258 :ألم تر إلى الذي حاج إبراهيفم في ربه أن آتاه ال الملك إذ قال إبراهيم ربفي
الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن ال يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من
المغرب فبهت الذي كفر وال ل يهدي القوم الظالمين}
@قوله تعالى" :ألم تفر" هذه ألف التوقيفف ،وففي الكلم معنفى التعجفب ،أي اعجبوا له .وقال
الفراء" :ألم تفر" بمعنفى هفل رأيفت ،أي هفل رأيفت الذي حاج إبراهيفم ،وهفل رأيفت الذي مفر على
قرية ،وهو النمروذ بن كوش بن كنعان بن سام بن نوح ملك زمانه وصاحب النار والبعوضة هذا
قول ابففن عباس ومجاهففد وقتادة والربيففع والسففدي وابففن إسففحاق وزيففد بففن أسففلم وغيرهففم .وكان
إهلكفه لمفا قصفد المحاربفة مفع ال تعالى بأن فتفح ال تعالى عليفه بابًا مفن البعوض فسفتروا عيفن
الشمس وأكلوا عسكره ولم يتركوا إل العظام ،ودخلت واحدة منها في دماغه فأكلته حتى صارت
مثل الفأرة؛ فكان أعز الناس عنده بعد ذلك من يضرب دماغه بمطرقة عتيدة لذلك ،فبقي في البلء
أربعين يوما .قال ابفن جريح :هو أول ملك ففي الرض .قال ابفن عطية :وهذا مردود .وقال قتادة:
هو أول من تجبر وهو صاحب الصرح ببابل .وقيل :إنه ملك الدنيا بأجمعها؛ وهو أحد الكافرين؛
والخفر بختنصفر .وقيفل :إن الذي حاج إبراهيفم نمروذ بفن فالخ بفن عابر بفن شالخ بفن أرفخشفد بفن
سفام؛ حكفى جميعفه ابفن عطيفة .وحكفى السفهيلي أنفه النمروذ بفن كوش بفن كنعان بفن حام بفن نوح
وكان ملكاً على السواد وكان ملكه الضحاك الذي يعرف بالزدهاق واسمه بيوراسب بن أندراست
وكان ملك القاليم كلها ،وهو الذي قتله أفريدون بن أثفيان؛ وفيه يقول حبيب:
في العالمين وأنت أفريدون وكأنه الضحاك من فتكاته
وكان الضحاك طاغيفا جبارا ودام ملكفه ألف عام فيمفا ذكروا .وهفو أول مفن صفلب وأول مفن
قطفع اليدي والرجفل ،وللنمروذ ابفن لصفلبه يسفمى [كوشفا] أو نحفو هذا السفم ،وله ابفن يسفمى
نمروذ الصففغر .وكان ملك نمروذ الصففغر عامففا واحدا ،وكان ملك نمروذ الكففبر أربعمائة عام
فيما ذكروا .وفي قصص هذه المحاجة روايتان :إحداهما أنهم خرجوا إلى عيد لهم فدخل إبراهيم
على أصفنامهم فكسفرها؛ فلمفا رجعوا قال لهفم :أتعبدون مفا تنحتون ؟ فقالوا :فمفن تعبفد؟ قال :أعبفد
ربفففي الذي يحيفففي ويميفففت .وقال بعضهففم :إن نمروذ كان يحتكفففر الطعام فكانوا إذا احتاجوا إلى
الطعام يشترونه منه ،فإذا دخلوا عليه سجدوا له؛ فدخل إبراهيم فلم يسجد له ،فقال :مالك ل تسجد
لي قال :أنفا ل أسفجد إل لربفي .فقال له نمروذ :مفن ربفك ؟ قال إبراهيفم :ربفي الذي يحيفي ويميفت.
وذكففر زيففد بففن أسففلم أن النمروذ هذا قعففد يأمففر الناس بالميرة ،فكلمففا جاء قوم يقول :مففن ربكففم
وإلهكففم ؟ فيقولون أنففت؛ فيقول :ميروهففم .وجاء إبراهيففم عليففه السففلم يمتار فقال له :مففن ربففك
وإلهك ؟ قال إبراهيم :ربي الذي يحيي ويميت؛ فلما سمعها نمروذ قال :أنا أحيي وأميت؛ فعارضه
إبراهيفم بأمفر الشمفس فبهفت الذي كففر ،وقال ل تميروه؛ فرجفع إبراهيفم إلى أهله دون شيفء فمفر
على كثيفب رمفل كالدقيفق فقال ففي نفسفه :لو ملت غرارتفي مفن هذا فإذا دخلت بفه فرح الصفبيان
حتى أنظر لهم ،فذهب بذلك فلما بلغ منزله فرح الصبيان وجعلوا يلعبون فوق الغرارتين ونام هو
مفن العياء؛ فقالت امرأتفه :لو صفنعت له طعامفا يجده حاضرا إذا انتبفه ،ففتحفت إحدى الغرارتيفن
فوجدت أحسن ما يكون من الحوارى فخبزته ،فلما قام وضعته بين يديه فقال :من أين هذا؟ فقالت:
من الدقيق الذي سقت .فعلم إبراهيم أن ال تعالى يسر لهم ذلك.
قلت :وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي صالح قال :انطلق إبراهيم النبي عليه السلم يمتار
فلم يقدر على الطعام ،فمر بسهلة حمراء فأخذ منها ثم رجع إلى أهله فقالوا :ما هذا ؟ فقال :حنطة
حمراء؛ ففتحوها فوجدوها حنطة حمراء ،قال :وكان إذا زرع منها شيئا جاء سنبله من أصلها إلى
فرعهفا حبًا متراكباً .وقال الربيفع وغيره ففي هذا القصفص :إن النمروذ لمفا قال أنفا أحيفي وأميفت
أحضفر رجليفن فقتفل أحدهمفا وأرسفل الخفر فقال :قفد أحييفت هذا وأمفت هذا؛ فلمفا رد عليفه بأمفر
الشمففس بهففت .وروي فففي الخففبر :أن ال تعالى قال وعزتففي وجللي ل تقوم السففاعة حتففى آتففي
بالشمس من المغرب ليعلم أني أنا القادر على ذلك .ثم أمر نمروذ بإبراهيم فألقي في النار ،وهكذا
عادة الجبابرة فإنهففم إذا عورضوا بشيففء وعجزوا عففن الحجففة اشتغلوا بالعقوبففة ،فأنجاه ال مففن
النار ،على ما يأتي .وقال السدي :إنه لما خرج إبراهيم من النار أدخلوه على الملك -ولم يكن قبل
ذلك دخل عليه -فكلمه وقال له :من ربك ؟ فقال :ربي الذي يحيي ويميت .قال النمروذ :أنا أحيي
وأميفت ،وأنفا آخفذ أربعفة نففر فأدخلهفم بيتفا ول يطعمون شيئا ول يسفقون حتفى إذا جاعوا أخرجتهفم
فأطعمت اثنين فحييا وتركت اثنين فماتا .فعارضه إبراهيم بالشمس فبهت .وذكر الصوليون في
هذه الية أن إبراهيم عليه السلم لما وصف ربه تعالى بما هو صفة له من الحياء والماتة لكنه
أمر له حقيقة ومجاز ،قصد إبراهيم عليه السلم إلى الحقيقة ،وفزع نمروذ إلى المجاز وموه على
قومفه؛ فسفلم له إبراهيفم تسفليم الجدل وانتقفل معفه مفن المثال وجاءه بأمفر ل مجاز فيفه "فبهفت الذي
كفر" أي انقطعت حجته ولم يمكنه أن يقول أنا التي بها من المشرق؛ لن ذوي اللباب يكذبونه.
@هذه الية تدل على جواز تسمية الكافر ملكا إذا آتاه الملك والعز والرفعة في الدنيا ،وتدل على
إثبات المناظرة والمجادلة وإقامففة الحجففة .وفففي القرآن والسففنة مففن هذا كثيففر لمففن تأمله ،قال ال
تعالى" :قفل هاتوا برهانكفم إن كنتفم صفادقين" [البقرة" .]111 :إن عندكفم مفن سفلطان" [يونفس:
]68أي من حجة .وقد وصف خصومة إبراهيم عليه السلم قومه ورده عليهم في عبادة الوثان
كمفا ففي سفورة [النفبياء] وغيرهفا .وقال ففي قصفة نوح عليفه السفلم" :قالوا يفا نوح قفد جادلتنفا
فأكثرت جدالنفا" [هود ]32 :اليات إلى قوله" :وأنفا بريفء ممفا تجرمون" [هود .]35 :وكذلك
مجادلة موسففى مففع فرعون إلى غيففر ذلك مففن الي .فهففو كله تعليففم مففن ال عففز وجففل السففؤال
والجواب والمجادلة ففي الديفن؛ لنفه ل يظهفر الفرق بيفن الحفق والباطفل إل بظهور حجفة الحفق
ودحفض حجفة الباطفل .وجادل رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أهفل الكتاب وباهلهفم بعفد الحجفة،
على مففا يأتففي بيانففه فففي "آل عمران" .وتحاج آدم وموسففى فغلبففه آدم بالحجففة .وتجادل أصففحاب
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يوم السفقيفة وتدافعوا وتقرروا وتناظروا حتفى صفدر الحفق ففي
أهله ،وتناظروا بعفد مبايعفة أبفي بكفر ففي أهفل الردة ،إلى غيفر ذلك ممفا يكثفر إيراده .وففي قول ال
عفز وجفل" :فلم تحاجون فيمفا ليفس لكفم بفه علم" [آل عمران ]66 :دليفل على أن الحتجاج بالعلم
مباح شائع لمفن تدبر .قال المزنفي صفاحب الشافعفي :ومفن حفق المناظرة أن يراد بهفا ال عفز وجفل
وأن يقبففل منهففا مففا تفبين .وقالوا :ل تصففح المناظرة ويظهفر الحففق بيفن المتناظريفن حتففى يكونوا
متقاربيففن أو مسففتويين فففي مرتبففة واحدة مففن الديففن والعقففل والفهففم والنصففاف ،وإل فهففو مراء
ومكابرة.
قراءات -قرأ علي بففن أبففي طالب "ألم تففر" بجزم الراء ،والجمهور بتحريكهففا ،وحذفففت الياء
للجزم" .أن آتاه ال الملك" فففي موضففع نصففب ،أي لن آتاه ال ،أو مففن أجففل أن آتاه ال .وقرأ
جمهور القراء "أن أحيفي" بطرح اللف التفي بعفد النون مفن "أنفا" ففي الوصفل ،وأثبتهفا ناففع وابفن
أبي أويس ،إذا لقيتها همزة في كل القرآن إل في قوله تعالى" :إن أنا إل نذير" [العراف]188 :
فإنفه يطرحهفا ففي هذا الموضفع مثفل سفائر القراء لقلة ذلك ،فإنفه لم يقفع منفه ففي القرآن إل ثلثفة
مواضع أجراهفا مجرى مفا ليفس بعده همزة لقلته فحذف اللف ففي الوصل .قال النحويون :ضميفر
المتكلم السفم فيه الهمزة والنون ،فإذا قلت :أنا أو أنه فاللف والهاء لبيان الحركة ففي الوقفف ،فإذا
اتصفلت الكلمفة بشيفء سفقطتا؛ لن الشيفء الذي تتصفل بفه الكلمفة يقوم مقام اللف ،فل يقال :أنفا
فعلت بإثبات اللف إل شاذاً في الشعر كما قال الشاعر:
حميدًا قد تذريت السناما أنا سيف العشيرة فاعرفوني
قال النحاس :على أن نافعاً قد أثبت اللف فقرأ "أنا أحيي وأميت" ول وجه له .قال مكي :واللف
زائدة عند البصريين ،والسم المضمر عندهم الهمزة والنون وزيدت اللف للتقوية .وقيل :زيدت
للوقفف لتظهفر حركفة النون .والسفم عنفد الكوفييفن "أنا" بكماله؛ فنافع في إثبات اللف على قولهم
على الصفل ،وإنمفا حذف اللف مفن حذفهفا تخفيفاً؛ ولن الفتحفة تدل عليهفا .قال الجوهري :وأمفا
قولهم "أنا" فهو اسم مكنى وهو للمتكلم وحده ،وإنما بني على الفتح فرقا بينه وبين "أن" التي هي
حرف ناصففب للفعففل ،واللف الخيرة إنمففا هففي لبيان الحركففة فففي الوقففف ،فإن توسففطت الكلم
سقطت إل في لغة رديئة؛ كما قال:
حميدًا قد تذريت السناما أنا سيف العشيرة فاعرفوني
و َبهُت الرجل و َبهِت وبُهت إذا انقطع وسكت متحيراً؛ عن النحاس وغيره .وقال الطبري :وحكي
عفن بعفض العرب ففي هذا المعنفى "بَهَت" بفتفح الباء والهاء .قال ابفن جنفي قرأ أبفو حيوة" :فبهفت
الذي كفففر" بفتففح الباء وضففم الهاء ،وهففي لغففة فففي "بهففت" بكسففر الهاء .قال :وقرأ ابففن السففميقع
"فبهت" بفتح الباء والهاء على معنى فبهت إبراهيم الذي كفر؛ فالذي في موضع نصب .قال :وقد
يجوز أن يكون َبهَت بفتحهفا لغفة ففي َبهُت .قال :وحكفى أبفو الحسفن الخففش قراءة "فبهفت" بكسفر
الهاء كغرق ودهش .قال :والكثرون بالضم في الهاء .قال ابن عطية :وقد تأول قوم في قراءة من
قرأ "فبهت" بفتحها أنه بمعنى سب وقذف ،وأن نمروذ هو الذي سب حين انقطع ولم تكن له حيلة.
**3الية{ 259 :أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه ال بعد
موتها فأماته ال مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام
فانظفر إلى طعامفك وشرابفك لم يتسفنه وانظفر إلى حمارك ولنجعلك آيفة للناس وانظفر إلى العظام
كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن ال على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :أو كالذي مفر على قريفة وهفي خاويفة على عروشهفا" "أو" للعطفف حمل على
المعنى والتقدير عند الكسائي والفراء :هل رأيت كالذي حاج إبراهيم في ربه ،أو كالذي مر على
قريفة .وقال المفبرد :المعنفى ألم تفر إلى الذي حاج إبراهيفم ففي ربفه ،ألم تفر مفن هفو كالذي مفر على
قرية .فأضمر في الكلم من هو .وقرأ أبو سفيان بن حسين "أو كالذي مر" بفتح الواو ،وهي واو
العطفف دخفل عليهفا ألف السفتفهام الذي معناه التقريفر .وسفميت القريفة قريفة لجتماع الناس فيهفا؛
مفن قولهفم :قريفت الماء أي جمعتفه ،وقفد تقدم .قال سفليمان بفن بريدة وناجيفة بفن كعفب وقتادة وابفن
عباس والربيع وعكرمة والضحاك :الذي مر على القرية هو عزير .وقال وهب بن منبه وعبدال
بن عبيد بن عمير وعبدال بن بكر بن مضر :هو إرمياء وكان نبياً .وقال ابن إسحاق :إرمياء هو
الخضر ،وحكاه النقاش عن وهب بن منبه .قال ابن عطية :وهذا كما تراه ،إل أن يكون اسما وافق
اسفما؛ لن الخضفر معاصفر لموسفى ،وهذا الذي مفر على القريفة هفو بعده بزمان مفن سفبط هارون
فيما رواه وهب بن منبه.
قلت :إن كان الخضففر هففو إرمياء فل يبعففد أن يكون هففو؛ لن الخضففر لم يزل حيففا مففن وقففت
موسفى حتفى الن على الصفحيح ففي ذلك ،على مفا يأتفي بيانفه ففي سفورة "الكهفف" .وإن كان مات
قبفل هذه القصفة فقول ابفن عطيفة صفحيح ،وال أعلم .وحكفى النحاس ومكفي عفن مجاهفد أنفه رجفل
من بني إسرائيل غير مسمى .قال النقاش :ويقال هو غلم لوط عليه السلم .وحكى السهيلي عن
القتفبي هو شعيفا في أحد قوليه .والذي أحياهفا بعفد خرابها كوشك الفارسفي .والقريفة المذكورة هي
بيت المقدس في قول وهب بن منبه وقتادة والربيع بن أنس وغيرهم .قال :وكان مقبل من مصر
وطعامفه وشرابفه المذكور تيفن أخضفر وعنفب وركوة مفن خمفر .وقيفل مفن عصفير .وقيفل :قلة ماء
هففي شرابففه .والذي أخلى بيففت المقدس حينئذ بختنصففر وكان واليففا على العراق للهراسففب ثففم
ليسفتاسب بفن لهراسفب والد اسفبندياد .وحكفى النقاش أن قومفا قالوا :هفي المؤتفكفة .وقال ابفن عباس
ففي روايفة أبفي صفالح :إن بختنصفر غزا بنفي إسفرائيل فسفبى منهفم أناسفا كثيرة فجاء بهفم وفيهفم
عزيفر بفن شرخيفا وكان مفن علماء بنفي إسفرائيل فجاء بهفم إلى بابفل ،فخرج ذات يوم ففي حاجفة له
إلى دير هزقل على شاطئ الدجلة .فنزل تحت ظل شجرة وهو على حمار له ،فربط الحمار تحت
ظل الشجرة ثم طاف بالقرية فلم ير بها ساكنا وهي خاوية على عروشها فقال :أنى يحيي هذه ال
بعفد موتهفا .وقيفل :إنهفا القريفة التفي خرج منهفا اللوف حذر الموت؛ قاله ابفن زيفد .وعفن ابفن زيفد
أيضفا أن القوم الذيفن خرجوا مفن ديارهفم وهفم ألوف حذر الموت فقال لهفم ال موتوا ،مفر رجفل
عليهم وهم عظام نخرة تلوح فوقف ينظر فقال :أنى يحيفي هذه ال بعد موتها فأماته ال مائة عام.
قال :ابن عطية :وهذا القول من ابن زيد مناقض للفاظ الية ،إذ الية إنما تضمنت قرية خاوية ل
أنيفس فيهفا ،والشارة بفف "ففهذه" إنمفا هفي إلى القريفة .وإحياؤهفا إنمفا هفو بالعمارة ووجود البناء
والسكان .وقال وهب بن منبه وقتادة والضحاك والربيع وعكرمة :القرية بيت المقدس لما خربها
بختنصفر البابلي .وففي الحديفث الطويفل حيفن أحدثفت بنفو إسفرائيل الحداث وقفف إرمياء أو عزيفر
على القرية وهي كالتل العظيم وسط بيت المقدس ،لن بختنصر أمر جنده بنقل التراب إليه حتى
جعله كالجبفل ،ورأى إرمياء البيوت قفد سفقطت حيطانهفا على سفقفها فقال :أنفى يحيفي هذه ال بعفد
موتها.
والعريفش :سفقف البيفت .وكفل مفا يتهيفأ ليظفل أو يكفن فهفو عريفش؛ ومنفه عريفش الداليفة؛ ومنفه
قوله تعالى" :وممففا يعرشون" [النحففل .]68 :قال السففدي :يقول هففي سففاقطة على سففقفها ،أي
سفقطت السفقف ثفم سفقطت الحيطان عليهفا؛ واختاره الطفبري .وقال غيفر السفدي :معناه خاويفة مفن
خ ِويَت فْ
الناس والبيوت قائمففة؛ وخاويففة معناهففا خاليففة؛ وأصففل الخواء الخلو؛ يقال :خَوَت الدار و َ
تخوى خواء (ممدود) وخُوِياً :أقْوَتفْ ،وكذلك إذا سففقطت؛ ومنففه قوله تعالى" :فتلك بيوتهففم خاويففة
بمفا ظلموا" [النمفل ]52 :أي خاليفة ،ويقال سفاقطة؛ كمفا يقال" :فهفي خاويفة على عروشهفا" أي
ساقطة على سقفها .والخَواء الجوع لخلو البطن من الغذاء .وخوت المرأة وخويت أيضا خوًى أي
خل جوفها عند الولدة .وخويت لها تخوية إذا عملت لها خوية تأكلها وهي طعام .والخوي البطن
السففهل مففن الرض على فعيففل .وخوى البعيففر إذا جافففى بطنففه عففن الرض فففي بروكففه ،وكذلك
الرجل في سجوده.
@قوله تعالى" :قال أنى يحيي هذه ال بعد موتها" معناه من أي طريق وبأي سبب ،وظاهر اللفظ
السفؤال عفن إحياء القريفة بعمارة وسفكان ،كمفا يقال الن ففي المدن الخربفة التفي يبعفد أن تعمفر
وتسكن :أنى تعمر هذه بعد خرابها .فكأن هذا تلهف من الواقف المعتبر على مدينته التي عهد فيها
أهله وأحبتفه .وضرب له المثل ففي نفسه بما هو أعظفم مما سأل عنه ،والمثال الذي ضرب له ففي
نفسفه يحتمفل أن يكون على أن سفؤاله إنمفا كان على إحياء الموتفى مفن بنفي آدم ،أي أنفى يحيفي ال
موتاهففا .وقففد حكففى الطففبري عففن بعضهففم أنففه قال :كان هذا القول شكففا فففي قدرة ال تعالى على
الحياء؛ فلذلك ضرب له المثل في نفسه .قال ابن عطية :وليس يدخل شك في قدرة ال تعالى على
إحياء قريفة بجلب العمارة إليهفا وإنمفا يتصفور الشفك مفن جاهفل ففي الوجفه الخفر ،والصفواب أل
يتأول في الية شك.
عوّم@قوله تعالى" :فأماته ال مائة عام" "مائة" نصب على الظرف .والعام :السنة؛ يقال :سِنون ُ
وهو تأكيد للول؛ كما يقال :بينهم شغل شاغل .وقال العجاج:
من مر أعوام السنين العُوّم
وهو في التقدير جمع عائم ،إل أنه ل يفرد بالذكر؛ لنه ليس باسم وإنما هو توكيد ،قال الجوهري.
وقال النقاش :العام مصفدر كالعَوْم؛ سفمي بفه هذا القدر مفن الزمان لنهفا عومفة مفن الشمفس ففي
الفلك .والعوم كالسّفبْح؛ وقال ال تعالى" :كفل ففي فلك يسفبحون" [النفبياء .]33 :قال ابفن عطيفة:
هذا بمعنففى قول النقاش ،والعام على هذا كالقول والقال ،وظاهففر هذه الماتففة أنهففا بإخراج الروح
من الجسد .وروي في قصص هذه الية أن ال تعالى بعث لها ملكا من الملوك يعمرها ويجد في
ذلك حتى كان كمال عمارتها عند بعث القائل .وقد قيل :إنه لما مضى لموته سبعون سنة أرسل ال
ملكا من ملوك فارس عظيما يقال له "كوشك" فعمرها في ثلثين سنة.
@قوله تعالى" :ثم بعثه" معناه أحياه ،وقد تقدم الكلم فيه.
@قوله تعالى" :قال كم لبثت" اختلف في القائل له "كم لبثت"؛ فقيل ال جل وعز؛ ولم يقل له إن
كنفت صفادقا كمفا قال للملئكفة على مفا تقدم .وقيفل :سفمع هاتففا مفن السفماء يقول له ذلك .وقيفل:
خاطبفه جبريفل .وقيفل :نفبي .وقيفل :رجفل مؤمفن ممفن شاهده مفن قومفه عنفد موتفه وعمفر إلى حيفن
إحيائه فقال له :كم لبثت.
قلت :والظهفر أن القائل هفو ال تعالى؛ لقوله" :وانظفر إلى العظام كيفف ننشزهفا ثفم نكسفوها
لحمفا" وال أعلم .وقرأ أهفل الكوففة "كفم لبثفت" بإدغام الثاء ففي التاء لقربهفا منهفا ففي المخرج .فإن
مخرجهمفا من طرف اللسفان وأصفول الثنايفا وففي أنهمفا مهموسفتان .قال النحاس :والظهار أحسفن
لتبايففن مخرج الثاء مففن مخرج التاء .ويقال :كان هذا السففؤال بواسففطة الملك على جهففة التقريففر.
و"كم" في موضع نصب على الظرف.
@قوله تعالى" :قال لبثت يوما أو بعض يوم" إنما قال هذا على ما عنده وفي ظنه ،وعلى هذا ل
يكون كاذبفا فيمفا أخفبر بفه؛ ومثله قول أصفحاب الكهفف "قالوا لبثنفا يومفا أو بعفض يوم" [الكهفف:
]19وإنما لبثوا ثلثمائة سنة وتسع سنين -على ما يأتي -ولم يكونوا كاذبين لنهم أخبروا عما
عندهم ،كأنهم قالوا :الذي عندنا وفي ظنوننا أننا لبثنا يوما أو بعض يوم .ونظيره قول النبي صلى
ال عليفه وسفلم ففي قصفة ذي اليديفن( :لم أقصفر ولم أنْس) .ومفن الناس مفن يقول :إنفه كذب على
معنى وجود حقيقة الكذب فيه ولكنه ل مؤاخذة به ،وإل فالكذب الخبار عن الشيء على خلف ما
هو عليه وذلك ل يختلف بالعلم والجهل ،وهذا بين في نظر الصول .فعلى هذا يجوز أن يقال :إن
النبياء ل يعصمون عن الخبار عن الشيء على خلف ما هو عليه إذا لم يكن عن قصد ،كما ل
يعصفمون عفن السفهو والنسفيان .فهذا مفا يتعلق بهذه اليفة ،والقول الول أصفح .قال ابفن جريفج
وقتادة والربيع :أماته ال غدوة يوم ثم بعث قبل الغروب فظن هذا اليوم واحداً فقال :لبثت يوما ،ثم
رأى بقيفة مفن الشمفس فخشفى أن يكون كاذبفا فقال :أو بعفض يوم .فقيفل :بفل لبثفت مائة عام؛ ورأى
من عمارة القرية وأشجارها ومبانيها ما دله على ذلك.
@قوله تعالى" :فانظفر إلى طعامفك" وهفو التيفن الذي جمعفه مفن أشجار القريفة التفي مفر عليهفا.
"وشرابك لم يتسنه" قرأ ابن مسعود "وهذا طعامك وشرابك لم يتسنه" .وقرأ طلحة بن مصرف
غيره "وانظفر لطعامفك وشرابفك لمائة سفنة" .وقرأ الجمهور بإثبات الهاء ففي الوصفل إل الخوان
فإنهمففا يحذفانهففا ،ول خلف أن الوقففف عليهففا بالهاء .وقرأ طلحففة بففن مصففرف أيضففا "لم يسففن"
"وانظر" أدغم التاء في السين؛ فعلى قراءة الجمهور الهاء أصلية ،وحذفت الضمة للجزم ،ويكون
"يتسنه" من السنة أي لم تغيره السنون .قال الجوهري :ويقال سنون ،والسنة واحدة السنين ،وفي
نقصفانها قولن :أحدهمفا الواو ،والخفر الهاء .وأصفلها سَفنْهة مثفل الجبهفة؛ لنفه مفن سفنهت النخلة
وتسنهت إذا أتت عليها السنون .ونخلة سناء أي تحمل سنة ول تحمل أخرى؛ وسنهاء أيضا ،قال
بعض النصار:
ولكن عرايا في السنين الجوائح فليست بسنهاء ول رجبية
وأسفنهت عنفد بنفي فلن أقمفت عندهفم ،وتسفنيت أيضفا .واسفتأجرته مسفاناة ومسفانهة أيضفا .وففي
سنّية وحذفت التصغير سنية وسنيهة .قال النحاس :من قرأ "لم يتسن" و"انظر" قال في التصغيرُ :
اللف للجزم ،ويقففففف على الهاء فيقول" :لم يتسففففنه" تكون الهاء لبيان الحركففففة .قال المهدوي:
ويجوز أن يكون أصله من سا َن ْيتُه مساناة ،أي عاملته سنة بعد سنة ،أو من سانهت بالهاء؛ فإن كان
مفن سانيت فأصفله يتسفنى فسقطت اللف للجزم؛ وأصله من الواو بدليفل قولهفم سفنوات والهاء فيفه
للسفكت ،وإن كان مفن سفانهت فالهاء لم الفعفل؛ وأصفل سفنة على هذا سفنهة .وعلى القول الول
ن الماء إذا تغيففر ،وكان يجففب أن يكون على هذا يتأسففن .أبففو عمرو س َفنَوَة .وقيففل :هففو مففن أس فِ َ
الشيباني :هو من قوله "حمأ مسنون" [الحجر ]26 :فالمعنى لم يتغير .الزجاج ،ليس كذلك؛ لن
قوله "مسفنون" ليفس معناه متغيفر وإنمفا معناه مصفبوب على سفنة الرض .قال المهدوي :وأصفله
على قول الشيباني "يتسنن" فأبدلت إحدى النونين ياء كراهة التضعيف فصار يتسنى ،ثم سقطت
اللف للجزم ودخلت الهاء للسفكت .وقال مجاهفد" :لم يتسفنه" لم ينتفن .قال النحاس :أصفح مفا قيفل
فيفه أنفه مفن السفنة ،أي لم تغيره السفنون .ويحتمفل أن يكون مفن السفنة وهفي الجدب؛ ومنفه قوله
تعالى" :ولقففد أخذنففا آل فرعون بالسففنين" [العراف ]130 :وقوله عليففه السففلم (اللهففم اجعلهففا
عليهفم سفنين كسفني يوسفف) .يقال منفه :أسفنت القوم أي أجدبوا؛ فيكون المعنفى لم يغيفر طعامفك
القحوط والجدوب ،أو لم تغيره السنون والعوام ،أي هو باق على طراوته وغضارته.
@قوله تعالى" :وانظفر إلى حمارك" قال وهفب بفن منبفه وغيره :وانظفر إلى اتصفال عظامفه
وإحيائه جزءا جزءا .ويروى أنفه أحياه ال كذلك حتفى صفار عظامفا ملتئمفة ،ثفم كسفاه لحمفا حتفى
كمل حمارا ،ثم جاءه ملك فنفخ فيه الروح فقام الحمار ينهق؛ على هذا أكثر المفسرين .وروي عن
الضحاك ووهب بن منبه أيضا أنهما قال :بل قيل له :وانظر إلى حمارك قائما في مربطه لم يصبه
شيء مائة عام؛ وإنما العظام التي نظر إليها عظام نفسه بعد أن أحيا ال منه عينيه ورأسه ،وسائر
جسده ميت ،قال :وأعمى ال العيون عن إرمياء وحماره طول هذه المدة.
@قوله تعالى" :ولنجعلك آية للناس" قال الفراء :إنما ادخل الواو في قوله "ولنجعلك" دللة على
أنهفا شرط لفعفل بعده ،معناه "ولنجعلك آيفة للناس" ودللة على البعفث بعفد الموت جعلنفا ذلك .وإن
شئت جملت الواو مقحمفة زائدة .وقال العمفش :موضفع كونفه آيفة هفو أنفه جاء شابفا على حاله يوم
مات ،فوجفد البناء والحفدة شيوخفا .عكرمفة :وكان يوم مات ابفن أربعيفن سفنة .وروي عفن علي
رضوان ال عليه أن عزيرا خرج من أهله وخلف امرأته حامل ،وله خمسون سنة فأماته ال مائة
عام ،ثفم بعثفه فرجفع إلى أهله وهفو ابفن خمسفين سفنة وله ولد مفن مائة سفنة فكان ابنفه أكفبر منفه
بخمسفين سفنة .وروي عفن ابفن عباس قال :لمفا أحيفا ال عزيرا ركفب حماره فأتفى محلتفه فأنكفر
الناس وأنكروه ،فوجففد فففي منزله عجوزا عمياء كانففت أمففة لهففم ،خرج عنهففم عزيففر وهففي بنففت
عشريفن سفنة ،فقال لهفا :أهذا منزل عزيفر؟ فقالت نعفم! ثفم بكفت وقالت :فارقنفا عزيفر منفذ كذا وكذا
سفنة! قال :فأنفا عزيفر؛ قالت :إن عزيرا فقدناه منفذ مائة سفنة .قال :فال أماتنفي مائة سفنة ثفم بعثنفي.
قالت :فعزيفر كان مسفتجاب الدعوة للمريفض وصفاحب البلء فيفيفق ،فادع ال يرد علي بصفري؛
فدعا ال ومسح على عينيها بيده فصحت مكانها كأنها أنشطت من عقال .قالت :أشهد أنك عزير!
ثم انطلقت إلى مل بني إسرائيل وفيهم ابن لعزير شيخ ابن مائة وثمان وعشرين سنة ،وبنو بنيه
شيوخ ،فقالت :يا قوم ،هذا وال عزير فأقبل إليه ابنه مع الناس فقال ابنه :كانت لبي شامة سوداء
مثل الهلل بين كتفيه؛ فنظرها فإذا هو عزير .وقيل :جاء وقد هلك كل من يعرف ،فكان آية لمن
كان حيفا مفن قومفه إذ كانوا موقنيفن بحاله سفماعا .قال ابفن عطيفة :وففي إماتتفه هذه المدة ثفم إحيائه
بعدها أعظم آية ،وأمره كله آية غابر الدهر ،ول يحتاج إلى تخصيص بعض ذلك دون بعض.
@قوله تعالى" :وانظفر إلى العظام كيفف ننشزهفا ثفم نكسفوها لحمفا" قرأ الكوفيون وابفن عامفر
بالزاي والباقون بالراء ،وروى أبان عن عاصم "ننشرها" بفتح النون وضم الشين والراء ،وكذلك
قرأ ابن عباس والحسن وأبو حيوة؛ فقيل :هما لغتان ففي الحياء بمعنى؛ كما يقال رجع ورجعته،
وغاض الماء وغضتفه ،وخسفرت الدابفة وخسفرتها؛ إل أن المعروف ففي اللغفة أنشفر ال الموتفى
فنشروا ،أي أحياهم ال فحيوا؛ قال ال تعالى" :ثم إذا شاء أنشره" ويكون نشرها مثل نشر الثوب.
نشر الميت ينشر نشورا أي عاش بعد الموت؛ قال العشى:
يا عجبا للميت الناشر حتى يقول الناس مما رأوا
فكأن الموت طفي للعظام والعضاء ،وكأن الحياء وجمفع العضاء بعضهفا إلى بعفض نشفر .وأمفا
قراءة "ننشزها" بالزاي فمعناه نرفعها .والنشز :المرتفع من الرض؛ قال:
إذا ما عل نشزا حصان مجلل ترى الثعلب الحولي فيها كأنه
قال مكفي :المعنفى :انظفر إلى العظام كيفف نرففع بعضهفا على بعفض ففي التركيفب للحياء؛ لن
النشفز الرتفاع؛ ومنه المرأة النشوز ،وهي المرتفعة عن موافقة زوجها؛ ومنه قوله تعالى" :وإذا
قيفل انشزوا فانشزوا" [المجادلة ]11 :أي ارتفعوا وانضموا .وأيضفا فإن القراءة بالراء بمعنفى
الحياء ،والعظام ل تحيا على النفراد حتى ينضم بعضها إلى بعض ،والزاي أولى بذلك المعنى،
إذ هفففو ،بمعنفففى النضمام دون الحياء .فالموصفففوف بالحياء هفففو الرجفففل دون العظام على
انفرادهفا ،ول يقال :هذا عظفم حفي ،وإنمفا المعنفى فانظفر إلى العظام كيفف نرفعهفا مفن أماكنهفا مفن
الرض إلى جسففم صففاحبها للحياء .وقرأ النخعففي "ننشزهففا" بفتففح النون وضففم الشيففن والزاي؛
وروي ذلك عن ابن عباس وقتادة .وقرأ أبي بن كعب "ننشيها" بالياء.
والكسوة :ما وارى من الثياب ،وشبه اللحم بها .وقد استعاره لبيد للسلم فقال:
حتى اكتسيت من السلم سربال
وقد تقدم أول السورة.
@قوله تعالى" :فلما تبين له قال أعلم أن ال على كل شيء قدير" بقطع اللف .وقد روي أن ال
جل ذكره أحيا بعضه ثم أراه كيف أحيا باقي جسده .قال قتادة :إنه جعل ينظر كيف يوصل بعض
عظامفه إلى بعض؛ لن أول مفا خلق ال منه ورأسفه وقيل له :انظفر ،فقال عند ذلك" :أعلم" بقطفع
اللف ،أي أعلم هذا .وقال الطبري :المعنى في قوله "فلما تبين له" أي لما اتضح له عيانا ما كان
مسففتنكرا فففي قدرة ال عنده قبففل عيانففه قال :أعلم .قال ابففن عطيففة :وهذا خطففأ؛ لنففه ألزم مففا ل
يقتضيه اللفظ ،وفسفر على القول الشاذ والحتمال الضعيفف ،وهذا عندي ليفس بإقرار بما كان قبل
ينكره كما زعم الطبري ،بل هو قول بعثه العتبار؛ كما يقول النسان المؤمن إذا رأى شيئا غريبا
من قدرة ال تعالى :ل إله إل ال ونحو هذا .وقال أبو علي :معناه أعلم هذا الضرب من العلم الذي
لم أكن علمته.
قلت :وقفد ذكرنفا هذا المعنفى عفن قتادة ،وكذلك قال مكفي رحمفه ال ،قال مكفي :إنفه أخفبر عفن
نفسه عندما عاين من قدرة ال تعالى في إحيائه الموتى ،فتيقن ذلك بالمشاهدة ،فأقرأنه يعلم أن ال
على كل شيء قدير ،أي أعلم أنا هذا الضرب من العلم الذي لم أكن أعلمه على معاينة؛ وهذا على
قراءة مفن قرأ "أعلم" بقطفع اللف وهفم الكثفر مفن القراء .وقرأ حمزة والكسفائي بوصفل اللف،
ويحتمل وجهين :أحدهمفا قال له الملك :اعلم ،والخر هو أن ينزل نفسه منزلة المخاطب الجنبي
المنفصفل؛ فالمعنفى فلمفا تفبين له قال لنفسفه :اعلمفي يفا نففس هذا العلم اليقيفن الذي لم تكونفي تعلميفن
معاينة؛ وأنشد أبو علي في مثل هذا المعنى:
ودع هريرة إن الركب مرتحل
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا
قال ابن عطية :وتأنس أبو علي في هذا الشعر بقول الشاعر:
يؤامر نفسيه كذي الهجمة البل تذكر من أنى ومن أين شربه
قال مكفي :ويبعفد أن يكون ذلك أمرا مفن ال جفل ذكره له بالعلم؛ لنفه قفد أظهفر إليفه قدرتفه ،وأراه
أمرا أيقفن صفحته وأقفر بالقدرة فل معنفى لن يأمره ال بعلم ذلك ،بفل هفو يأمفر نفسفه بذلك وهفو
جائز حسفن .وففي حرف عبدال مفا يدل على أنفه أمفر مفن ال تعالى له بالعلم على معنفى ألزم هذا
العلم لما عاينت وتيقنت ،وذلك أن في حرفه :قيل اعلم .وأيضا فإنه موافق لما قبله من المر في
قوله "انظفر إلى طعامفك" و"انظفر إلى حمارك" و"انظفر إلى العظام "فكذلك "واعلم أن ال" وقفد
كان ابفن عباس يقرؤهفا "قيفل اعلم" ويقول أهفو خيفر أم إبراهيفم؟ إذ قيفل له" :واعلم أن ال عزيفز
حكيم" .فهذا يبين أنه من قول ال سبحانه له لما عاين من الحياء.
**3الية{ 260 :وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن
ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن
يأتينك سعيا واعلم أن ال عزيز حكيم}
@اختلف الناس ففي هذا السفؤال هفل صفدر مفن إبراهيفم عفن شفك أم ل؟ فقال الجمهور :لم يكفن
إبراهيففم عليففه السففلم شاكففا فففي إحياء ال الموتففى قففط وإنمففا طلب المعاينففة ،وذلك أن النفوس
مستشرقة إلى رؤية ما أخبرت به ،ولهذا قال عليه السلم( :ليس الخبر كالمعاينة) رواه ابن عباس
ولم يروه غيره ،قاله أبففو عمففر .قال الخفففش :لم يرد رؤيففة القلب وإنمففا أراد رؤيففة العيففن .وقال
الحسن وقتادة وسعيد بن جبير والربيع :سأل ليزداد يقينا إلى يقينه .قال ابن عطية :وترجم الطبري
في تفسيره فقال :وقال آخرون سأل ذلك ربه ،لنه شك في قدرة ال تعالى .وأدخل تحت الترجمة
عفن ابفن عباس قال :مفا ففي القرآن آية أرجفى عندي منهفا .وذكفر عفن عطاء بن أبفي رباح أنفه قال:
دخفل قلب إبراهيفم بعفض ما يدخل قلوب الناس فقال :رب أرنفي كيف تحيفي الموتى .وذكر حديث
أبفي هريرة أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال( :نحفن أحفق بالشفك مفن إبراهيفم) الحديفث ،ثفم
رجح الطبري هذا القول.
قلت :حديفث أبفي هريرة خرجفه البخاري ومسفلم عنفه أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال:
(نحفن أحفق بالشفك مفن إبراهيفم إذ قال رب أرنفي كيفف تحيفي الموتفى قال أو لم تؤمفن ؟ قال بلى
ولكفن ليطمئن قلبفي ،ويرحفم ال لوطفا لقفد كان يأوي إلى ركفن شديفد ولو لبثفت ففي السفجن مفا لبفث
يوسفف لجبفت الداعفي) .قال ابفن عطيفة :ومفا ترجفم بفه الطفبري عندي مردود ،ومفا أدخفل تحفت
الترجمفة متأول ،فأمفا قول ابفن عباس( :هفي أرجفى آيفة) فمفن حيفث فيهفا الدلل على ال تعالى
وسؤال الحياء في الدنيا وليست مظنة ذلك .ويجوز أن يقول :هي أرجى آية لقوله "أو لم تؤمن"
أي أن اليمان كاف ل يحتاج معه إلى تنقير وبحث .وأما قول عطاء( :دخل قلب إبراهيم بعض ما
يدخفل قلوب الناس) فمعناه مفن حيفث المعاينفة على مفا تقدم .وأمفا قول النفبي صفلى ال عليفه وسفلم:
(نحن أحق بالشك من إبراهيم) فمعناه أنه لو كان شاكا لكنا نحن أحق به ونحن ل نشك فإبراهيم
عليفه السفلم أحرى أل يشفك ،فالحديفث مبنفي على نففي الشفك عفن إبراهيفم ،والذي روي فيفه عفن
النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :ذلك محض اليمان) إنما هو في الخواطر التي ل تثبت ،وأما
الشفك فهفو توقفف بيفن أمريفن ل مزيفة لحدهمفا على الخفر ،وذلك هفو المنففي عفن الخليفل عليفه
السفلم .وإحياء الموتفى إنمفا يثبفت بالسفمع وقفد كان إبراهيفم عليفه السفلم أعلم بفه ،يدلك على ذلك
قوله" :ربي الذي يحيي ويميت" [البقرة ]258 :فالشك يبعد على من تثبت قدمه في اليمان فقط
فكيففف بمرتبففة النبوة والخلة ،والنففبياء معصففومون مففن الكبائر ومففن الصففغائر التففي فيهففا رذيلة
إجماعاً .وإذا تأملت سفؤاله عليفه السفلم وسفائر ألفاظ اليفة لم تعفط شكفا ،وذلك أن السفتفهام بكيفف
إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول ،نحو قولك :كيف علم
زيد؟ وكيف نسج الثوب ؟ ونحو هذا .ومتى قلت :كيف ثوبك ؟ وكيف زيد ؟ فإنما السؤال عن حال
من أحواله .وقد تكون "كيف" خبرا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه بكيف ،نحو قولك :كيف شئت
فكن ،ونحو قول البخاري :كيف كان بدء الوحي .و"كيف" في هذه الية إنما هي استفهام عن هيئة
الحياء ،والحياء متقرر ،ولكفن لمفا وجدنفا بعفض المنكريفن لوجود شيفء قفد يعفبرون عفن إنكاره
بالسفتفهام عفن حالة لذلك الشيفء يعلم أنهفا ل تصفح ،فيلزم مفن ذلك أن الشيفء ففي نفسفه ل يصفح،
مثال ذلك أن يقول مدع :أنففا أرفففع هذا الجبففل ،فيقول المكذب له :أرنففي كيففف ترفعففه فهذه طريقففة
مجاز ففي العبارة ،ومعناهفا تسفليم جدلي ،كأنفه يقول :افرض أنفك ترفعفه ،فأرنفي كيفف ترفعفه فلمفا
كانت عبارة الخليل عليه السلم بهذا الشتراك المجازي ،خلص ال له ذلك وحمله على أن بين له
الحقيقفة فقال له" :أو لم تؤمفن قال بلى" فكمفل المفر وتخلص مفن كفل شفك ،ثفم علل عليفه السفلم
سؤاله بالطمأنينة.
قلت :هذا مفا ذكره ابفن عطيفة وهفو بالغ ،ول يجوز على النفبياء صفلوات ال عليهفم مثفل هذا
الشك فإنه كفر ،والنبياء متفقون على اليمان بالبعث .وقد أخبر ال تعالى أن أنبياءه وأولياءه ليس
للشيطان عليهفم سفبيل فقال" :إن عبادي ليفس لك عليهفم سفلطان" [الحجفر ]42 :وقال اللعيفن :إل
عبادك منهفم المخلصفين ،وإذا لم يكفن له عليهفم سفلطنة فكيفف يشككهفم ،وإنمفا سفأل أن يشاهفد كيفيفة
جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها وإيصال العصاب والجلود بعد تمزيقها ،فأراد أن يترقى من علم
اليقيفن إلى علم اليقيفن ،فقوله" :أرنفي كيفف" طلب مشاهدة الكيفيفة .وقال بعفض أهفل المعانفي :إنمفا
أراد إبراهيفم مفن ربفه أن يريفه كيفف يحيفي القلوب ،وهذا فاسفد مردود بمفا تعقبفه مفن البيان ،ذكره
الماوردي ،وليسفت اللف ففي قوله "أو لم تؤمفن" ألف اسفتفهام وإنمفا هفي ألف إيجاب وتقريفر كمفا
قال جرير:
ألستم خير من ركب المطايا
والواو واو الحال .و"تؤمن" معناه إيمانا مطلقا ،دخل فيه فضل إحياء الموتى.
@قوله تعالى" :قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" أي سألتك ليطمئن قلبي بحصول الفرق بين المعلوم
برهانفا والمعلوم عيانفا .والطمأنينفة :اعتدال وسفكون ،فطمأنينفة العضاء معروففة ،كمفا قال عليفه
السفلم( :ثفم اركفع حتفى تطمئن راكعفا) الحديفث .وطمأنينفة القلب هفي أن يسفكن فكره ففي الشيفء
المعتقد .والفكر في صورة الحياء غير محظور ،كما لنا نحن اليوم أن نفكر فيها إذ هي فكر فيها
عبر فأراد الخليل أن يعاين فيذهب فكره في صورة الحياء .وقال الطبري :معنى "ليطمئن قلبي"
ليوقفن ،وحكفي نحفو ذلك عفن سفعيد بفن جفبير ،وحكفي عنفه ليزداد يقينفا ،وقاله إبراهيفم وقتادة .وقال
بعضهم :لزداد إيمانا مع إيماني .قال ابن عطية :ول زيادة في هذا المعنى تمكن إل السكون عن
الفكفر وإل فاليقيفن ل يتبعفض .وقال السفدي وابفن جفبير أيضفا :أو لم تؤمفن بأنفك خليلي؟ قال :بلى
ولكن ليطمئن قلبي بالخلة .وقيل :دعا أن يريه كيف يحيي الموتى ليعلم هل تستجاب دعوته ،فقال
ال له :أو لم تؤمن أني أجيب دعاءك ،قال :بلى ولكن ليطمئن قلبي أنك تجيب دعائي.
واختلف ففي المحرك له على ذلك ،فقيفل :إن ال وعده أن يتخذه خليل فأراد آيفة على ذلك ،قاله
السفائب بفن يزيفد .وقيفل :قول النمروذ :أنفا أحيفي وأميفت .وقال الحسفن :رأى جيففة نصففها ففي البر
توزعها السباع ونصفها في البحر توزعها دواب البحر ،فلما رأى تفرقها أحب أن يرى انضمامها
فسأل ليطمئن قلبه برؤية كيفية الجمع كما رأى كيفية التفريق،
@قوله تعالى" :قال فخفذ أربعفة مفن الطيفر فصفرهن إليفك ثفم اجعفل على كفل جبفل منهفن جزءا ثفم
ادعهفن يأتينفك سفعيا واعلم أن ال عزيفز حكيفم" فقيفل له" :خفذ أربعفة مفن الطيفر" قيفل :هفي الديفك
والطاووس والحمام والغراب ،ذكففر ذلك ابففن إسففحاق عففن بعففض أهففل العلم ،وقاله مجاهففد وابففن
جريففج وعطاء بففن يسففار وابففن زيففد .وقال ابففن عباس مكان الغراب الكركففي ،وعنففه أيضففا مكان
الحمام النسر .فأخذ هذه الطير حسب ما أمر وذكاها ثم قطعها قطعا صغارا ،وخلط لحوم البعض
إلى لحوم البعفض مفع الدم والريفش حتفى يكون أعجفب ،ثفم جعفل مفن ذلك المجموع المختلط جزءا
على كفل جبفل ،ووقفف هفو مفن حيفث يرى تلك الجزاء وأمسفك رؤوس الطيفر ففي يده ،ثفم قال:
تعاليفن بإذن ال ،فتطايرت تلك الجزاء وطار الدم إلى الدم والريفش إلى الريفش حتفى التأمفت مثفل
مفا كانفت أول وبقيفت بل رؤوس ،ثفم كرر النداء فجاءتفه سفعيا ،أي عدوا على أرجلهفن .ول يقال
للطائر" :سففعى" إذا طار إل على التمثيففل ،قاله النحاس .وكان إبراهيففم إذا أشار إلى واحففد منهففا
بغير رأسه تباعد الطائر ،وإذا أشار إليه برأسه قرب حتى لقي كل طائر رأسه ،وطارت بإذن ال.
وقال الزجاج :المعنى ثم اجعل على كل جبل من كل واحد جزءا .وقرأ أبو بكر عن عاصم وأبو
جعففر "جزءا" على فعفل .وعفن أبفي جعففر أيضفا "جزا" مشددة الزاي .الباقون مهموز مخففف،
وهفي لغات ،ومعناه النصفيب" .يأتينفك سفعيا" نصفب على الحال .و"صفرهن" معناه قطعهفن ،قاله
ابفن عباس ومجاهفد وأبفو عفبيدة وابفن النباري ،يقال :صفار الشيفء يصفوره أي قطعفه ،وقاله ابفن
إسحاق .وعن أبي السود الدؤلي :هو بالسريانية التقطيع ،قاله توبة بن الحمير يصفه:
بأطراف عيدان شديد سيورها فلما جذبت الحبل أطت نسوعه
بنهضي وقد كاد ارتقائي يصورها فأدنت لي السباب حتى بلغتها
أي يقطعهفا .والصفور :القطفع .وقال الضحاك وعكرمفة وابفن عباس ففي بعفض مفا روي عنفه :إنهفا
لفظة بالنبطية معناه قطعهن .وقيل :المعنى أملهن إليك ،أي اضممهن واجمعهن إليك ،يقال :رجل
أص فْور إذا كان مائل العنففق .وتقول :إنففي إليكففم لصففور ،يعنففي مشتاقففا مائل .وامرأة صففوراء،
والجمع صور مثل أسود وسود ،قال الشاعر:
يوم الفراق إلى جيراننا صور ال يعلم أنا في تلفتنا
فقوله "إليففك" على تأويففل التقطيففع متعلق بف ف "خففذ" ول حاجففة إلى مضمففر ،وعلى تأويففل المالة
والضفم متعلق بفف "صفرهن" وففي الكلم متروك :فأملهفن إليفك ثفم قطعهفن .وفيهفا خمفس قراءات:
اثنتان في السبع وهما ضم الصاد وكسرها وتخفيف الراء .وقرأ قوم "فصرهن" بضم الصاد وشد
الراء المفتوحة ،كأنه يقول فشدهن ،ومنه صفرة الدنانيفر .وقرأ قوم "فصرهن" بكسفر الصاد وشد
الراء المفتوحفة ،ومعناه صفيحهن ،مفن قولك :صفر الباب والقلم إذا صفوت ،حكاه النقاش .قال ابفن
جني :هي قراءة غريبة ،وذلك أن يفعل بكسر العين في المضاعف المتعدي قليل ،وإنما بابه يفعل
بضفم العيفن ،كشفد يشفد ونحوه ،ولكفن قفد جاء منفه نفم الحديفث َينُمفه و َينِمفه ،وهفر الحرب َيهُرهفا
ويهِرها ،ومنه بيت العشى:
ليعتورنك القول حتى تهره
إلى غيفر ذلك ففي حروف قليلة .قال ابفن جنفي :وأمفا قراءة عكرمفة بضفم الصفاد فيحتمفل ففي الراء
الضم والفتح والكسر كمد وشد والوجه ضم الراء من أجل ضمة الهاء من بعد.
القراءة الخامسففة "صففرهن" بفتففح الصففاد وشففد الراء مكسففورة ،حكاهففا المهدوي وغيره عففن
عكرمففة ،بمعنففى فاحبسففهن ،مففن قولهففم :صففرى يصففري إذا حبففس ،ومنففه الشاة المصففراة .وهنففا
اعتراض ذكره الماوردي وهفو يقال :فكيفف أجيفب إبراهيفم إلى آيات الخرة دون موسفى ففي قوله
"رب أرني أنظر إليك" [العراف ]143 :؟ فعنه جوابان :أحدهما أن ما سأله موسى ل يصح
مفع بقاء التكليفف ،ومفا سفأله إبراهيفم خاص يصفح معفه بقاء التكليفف .الثانفي أن الحوال تختلف
فيكون الصفلح ففي بعفض الوقات الجابفة ،وففي وقفت آخفر المنفع فيمفا لم يتقدم فيفه إذن .وقال ابفن
عباس :أمر ال تعالى إبراهيم بهذا قبل أن يولد له وقبل أن ينزل عليه الصحف ،وال أعلم.
**3اليفة{ 261 :مثفل الذيفن ينفقون أموالهفم ففي سفبيل ال كمثفل حبفة أنبتفت سفبع سفنابل ففي كفل
سنبلة مائة حبة وال يضاعف لمن يشاء وال واسع عليم}
@ لمفا قفص ال سفبحانه مفا فيفه مفن البراهيفن ،حفث على الجهاد ،وأعلم أن مفن جاهفد بعفد هذا
البرهان الذي ل يأتي به إل نبي فله في جهاده الثواب العظيم .روى البستي في صحيح مسنده عن
ابفن عمفر قال :لمفا نزلت هذه اليفة قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :رب زد أمتفي) فنزلت
"من ذا الذي يقرض ال قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة" [البقرة ]245 :قال رسول ال
صلى ال عليه وسلم( :رب زد أمتي) فنزلت "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" [الزمر:
.]10وهذه الية لفظها بيان مثال لشرف النفقة في سبيل ال ولحسنها ،وضمنها التحريض على
ذلك .وففي الكلم حذف مضاف تقديره مثفل نفقفة الذيفن ينفقون أموالهفم ففي سفبيل ال كمثفل حبفة.
وطريفق آخفر :مثفل الذيفن ينفقون أموالهفم كمثفل زارع زرع ففي الرض حبفة فأنبتفت الحبفة سفبع
سنابل ،يعني أخرجت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ،فشبه المتصدق بالزارع وشبه الصدقة
بالبذر فيعطيفه ال بكفل صفدقة له سفبعمائة حسفنة ،ثفم قال تعالى" :وال يضاعفف لمفن يشاء" يعنفي
على سففبعمائة ،فيكون مثففل المتصففدق مثففل الزارع ،إن كان حاذقففا فففي عمله ،ويكون البذر جيدا
وتكون الرض عامرة يكون الزرع أكثفر ،فكذلك المتصفدق إذا كان صفالحا والمال طيبفا ويضعفه
موضعه فيصير الثواب أكثر ،خلفا لمن قال :ليس في الية تضعيف على سبعمائة ،على ما نبينه
إن شاء ال.
@ روي أن هذه الية نزلت في شأن عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف رضي ال عنهما،
وذلك أن رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم لمففا حففث الناس على الصففدقة حيففن أراد الخروج إلى
غزوة تبوك جاءه عبدالرحمفن بأربعفة آلف فقال :يفا رسفول ال ،كانفت لي ثمانيفة آلف فأمسفكت
لنفسفي ولعيالي أربعفة آلف ،وأربعفة آلف أقرضتهفا لربفي .فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم:
(بارك ال لك فيما أمسكت وفيما أعطيت) .وقال عثمان :يا رسول ال علي جهاز من ل جهاز له،
فنزلت هذه اليفة فيهمفا .وقيفل :نزلت ففي نفقفة التطوع .وقيفل :نزلت قبفل آيفة الزكاة ثفم نسفخت بآيفة
الزكاة ،ول حاجة إلى دعوى النسخ ،لن النفاق في سبيل ال مندوب إليه في كل وقت .وسبل ال
كثيرة وأعظمها الجهاد لتكون كلمة ال هي العليا.
@قوله تعالى" :كمثفل حبفة" الحبفة اسفم جنفس لكفل مفا يزدرعفه ابفن آدم ويقتاتفه وأشهفر ذلك البر
فكثيرا ما يراد بالحب ،ومنه قول المتلمس:
والحب يأكله في القرية السوس آليت حب العراق الدهر أطعمه
وحبة القالب :سويداؤه ،ويقال ثمرته وهو ذاك .والحبة بكسر الحاء :بذور البقول مما ليس بقوت،
وفي حديث الشفاعة( :فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل) والجمع حبب .والحبة بضم الحاء
الحفب يقال :نعفم وحبفة وكرامفة .والحفب المحبفة وكذلك الحفب بالكسفر .والحفب أيضفا الحفبيب مثفل
خدن وخديففن وسففنبلة فنعلة مففن أسففبل الزرع إذا صففار فيففه السففنبل ،أي اسففترسل بالسففنبل كمففا
يسترسل الستر بالسبال .وقيل :معناه صار فيه حب مستور كما يستر الشيء بإسبال الستر عليه.
والجمع سنابل .ثم قيل :المراد سنبل الدخن فهو الذي يكون في السنبلة منه هذا العدد.
قلت :هذا ليفس بشيفء فإن سفنبل الدخفن يجيفء ففي السفنبلة منفه أكثفر مفن هذا العدد بضعفيفن
وأكثر ،على ما شاهدناه .قال ابن عطية :وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة ،فأما في سائر
الحبوب فأكثفر ولكفن المثال وقفع بهذا القدر .وقال الطفبري ففي هذه اليفة :إن قوله "ففي كفل سفنبلة
مائة حبة" معناه إن وجد ذلك ،وإل فعلى أن يفرضه ،ثم نقل عن الضحاك أنه قال" :في كل سنبلة
مائة حبفة" معناه كفل سفنبلة أنبتفت مائة حبفة .قال ابفن عطيفة :فجعفل الطفبري قول الضحاك نحفو مفا
قال ،وذلك غيفر لزم مفن قول الضحاك .وقال أبفو عمرو الدانفي :وقرأ بعضهففم "مائة" بالنصفب
على تقدير أنبتت مائة حبة.
قلت :وقال يعقوب الحضرمي :وقرأ بعضهفم "ففي كل سنبلة مائة حبة" على :أنبتت مائة حبة،
وكذلك قرأ بعضهففم "وللذيففن كفروا بربهففم عذاب جهنففم" [الملك ]6 :على "وأعتدنففا لهففم عذاب
السعير" [الملك ]5 :وأعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم .وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي "أنبتت
سبع سنابل" بإدغام التاء في السين ،لنهما مهموستان ،أل ترى أنهما يتعاقبان .وأنشد أبو عمرو:
عمرو بن ميمون لئام النات يا لعن ال بني السعلة
أراد الناس فحول السين تاء .الباقون بالظهار على الصل لنهما كلمتان.
@ ورد القرآن بأن الحسنة في جميع أعمال البر بعشر أمثالها ،واقتضت هذه الية أن نفقة الجهاد
حسنتها بسبعمائة ضعف .واختلف العلماء في معنى قوله "وال يضاعف لمن يشاء" فقالت طائفة:
هي مبينة مؤكدة لما تقدم من ذكر السبعمائة ،وليس ثم تضعيف فوق السبعمائة .وقالت طائفة من
العلماء :بل هو إعلم بأن ال تعالى يضاعف لمن يشاء أكثر من سبعمائة ضعف.
قلت :وهذا القول أصح لحديث ابن عمر المذكور أول الية .وروى ابن ماجة حدثنا هارون بن
عبدال الحمال حدثنا ابن أبي فديك عن الخليل بن عبدال عن الحسن عن علي بن أبي طالب وأبي
الدرداء وعبدال بفن عمرو وأبفي أمامفة الباهلي وعبدال بفن عمرو وجابر بفن عبدال وعمران بفن
حصفين كلهفم يحدث عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أنفه قال( :مفن أرسفل بنفقفة ففي سفبيل ال
وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ومن غزا بنفسه في سبيل ال وأنفق في وجهه فله بكل
درهفم سفبعمائة ألف درهفم -ثفم تل هذه اليفة "وال يضاعفف لمفن يشاء ال") .وقفد روي عفن ابفن
عباس أن التضعيفف ينتهفي لمفن شاء ال إلى ألففي ألف .قال ابفن عطيفة :وليفس هذا بثابفت السفناد
عنه.
@في هذه الية دليل على أن اتخاذ الزرع من أعلى الحرف التي يتخذها الناس والمكاسب التي
يشتغففل بهففا العمال ،ولذلك ضرب ال بففه المثففل فقال" :مثففل الذيففن ينفقون أموالهففم" اليففة .وفففي
صفحيح مسفلم عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :مفا مفن مسفلم يغرس غرسفا أو يزرع زرعفا فيأكفل
منه طير أو إنسان أو بهيمة إل كان له صدقة) .وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت:
قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :التمسفوا الرزق ففي خبايفا الرض) يعنفي الزرع ،أخرجفه
الترمذي .وقال صلى ال عليه وسلم في النخل( :هي الراسخات في الوحل المطعمات في المحل).
وهذا خرج مخرج المدح والزراعفة مفن فروض الكفايفة فيجفب على المام أن يجفبر الناس عليهفا
وما كان في معناها من غرس الشجار .ولقي عبدال بن عبدالملك بن شهاب الزهري فقال :دلني
على مال أعالجه ،فأنشأ ابن شهاب يقول:
وقد شد أحلس المطي مشرقا أقول لعبدال يوم لقيته
لعلك يوما أن تجاب فترزقا تتبع خبايا الرض وادع مليكها
إذا ما مياه الرض غارت تدفقا فيؤتيك مال واسعا ذا مثابة
وحكفي عفن المعتضفد أنفه قال :رأيفت علي بفن أبفي طالب رضفي ال عنفه ففي المنام يناولنفي مسفحاة
وقال :خذها فإنها مفاتيح خزائن الرض.
**3اليفة{ 262 :الذيفن ينفقون أموالهفم ففي سفبيل ال ثفم ل يتبعون مفا أنفقوا منفا ول أذى لهفم
أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون}
@قوله تعالى" :الذين ينفقون أموالهم ففي سفبيل ال" قيل :إنها نزلت ففي عثمان بن عفان رضفي
ال عنفه .قال عبدالرحمفن بفن سفمرة :جاء عثمان بألف دينار ففي جيفش العسفرة فصفبها ففي حجفر
رسول ال صلى ال عليه وسلم فرأيته يدخل يده فيها ويقلبها ويقول( :ما ضر ابن عفان ما عمل
بعفد اليوم اللهفم ل تنفس هذا اليوم لعثمان) .وقال أبفو سفعيد الخدري :رأيفت النفبي صفلى ال عليفه
وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان يقول( :يا رب عثمان إني رضيت عن عثمان فارض عنه) فما زال
يدعفو حتفى طلع الفجفر فنزلت" :الذيفن ينفقون أموالهفم ففي سفبيل ال ثفم ل يتبعون مفا أنفقوا منفا ول
أذى" الية.
@ لمفا تقدم ففي اليفة التفي قبفل ذكفر النفاق ففي سفبيل ال على العموم بيفن ففي هذه اليفة أن ذلك
الحكفم والثواب إنمفا هفو لمفن ل يتبفع إنفاقفه منفا ول أذى ،لن المفن والذى مبطلن لثواب الصفدقة
كمفا أخفبر تعالى ففي اليفة بعفد هذا ،وإنمفا على المرء أن يريفد وجفه ال تعالى وثوابفه بإنفاقفه على
المنفق عليه ،ول يرجو منه شيئا ول ينظر من أحواله في حال سوى أن يراعي استحقاقه ،قال ال
تعالى" :ل نريفد منكفم جزاء ول شكورا" [النسفان .]9 :ومتفى أنففق ليريفد مفن المنففق عليفه جزاء
بوجفه من الوجوه فهذا لم يرد وجه ال ،فهذا إذا أخلف ظنفه فيفه منّف بإنفاقفه وآذى .وكذلك من أنففق
مضطرا داففع غرم إمفا لمانفة للمنففق عليفه أو لقرينفة أخرى مفن اعتناء معتفن فهذا لم يرد وجفه ال.
وإنمفا يقبفل مفا كان عطاؤه ل وأكثفر قصفده ابتغاء مفا عنفد ال ،كالذي حكفي عفن عمفر بفن الخطاب
رضي ال عنه أن أعرابيا أتاه فقال:
اكس بنياتي وأمهنه يا عمر الخير جزيت الجنه
أقسم بال لتفعلنه وكن لنا من الزمان جنة
قال عمر :إن لم أفعل يكون ماذا ؟ قال:
إذاً أبا حفص لذهبنه
قال :إذا ذهبت يكون ماذا؟ -قال:
يوم تكون العطيات هنه تكون عن حالي لتسألنه
إما إلى نار وإما جنه وموقف المسؤول بينهنه
فبكفى عمفر حتفى اخضلت لحيتفه ثفم قال :يفا غلم ،أعطفه قميصفي هذا لذلك اليوم ل لشعره وال ل
أملك غيره .قال الماوردي :وإذا كان العطاء على هذا الوجفه خاليفا مفن طلب جزاء وشكفر وعريفا
عففن امتنان ونشففر كان ذلك أشرف للباذل وأهنففأ للقابففل .فأمففا المعطففي إذا التمففس بعطائه الجزاء،
وطلب بفه الشكفر والثناء ،كان صفاحب سفمعة ورياء ،وففي هذيفن مفن الذم مفا يناففي السفخاء .وإن
طلب كان تاجرا مربحفا ل يسفتحق حمدا ول مدحفا .وقفد قال ابفن عباس ففي قوله تعالى" :ول تمنفن
تستكثر" [المدثر ]6 :أي ل تعط عطية تلتمس بها أفضل منها .وذهب ابن زيد إلى أن هذه الية
إنما هي في الذين ل يخرجون في الجهاد بل ينفقون وهم قعود ،وإن الية التي قبلها هي في الذين
يخرجون بأنفسفهم ،قال :ولذلك شرط على هؤلء ولم يشترط على الوليفن .قال ابفن عطيفة :وففي
هذا القول نظر ،لن التحكم فيه باد.
@قوله تعالى" :منا ول أذى" المن ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها مثل أن يقول:
قفد أحسفنت إليفك ونعشتفك وشبهفه .وقال بعضهفم :المفن :التحدث بمفا أعطفى حتفى يبلغ ذلك المعطفى
فيؤذيه .والمن من الكبائر ،ثبت ذلك في صحيح مسلم وغيره ،وأنه أحد الثلثة الذين ل ينظر ال
إليهفم ول يزكيهفم ولهفم عذاب أليفم ،وروى النسفائي عفن ابفن عمفر قال :قال رسفول ال صفلى ال
عليفه وسفلم( :ثلثفة ل ينظفر ال إليهفم يوم القيامفة العاق لوالديفه والمرأة المترجلة تتشبفه بالرجال
والديوث ،وثلثفة ل يدخلون الجنفة العاق لوالديه والمدمفن الخمفر والمنان بمفا أعطفى) .وففي بعفض
طرق مسلم( :المنان هو الذي ل يعطي شيئا إل منة) .والذى :السب والتشكي ،وهو أعم من المن
لن المن جزء من الذى لكنه نص عليه لكثرة وقوعه .وقال ابن زيد :لئن ظننت أن سلمك يثقل
على مفن أنفقفت عليفه تريفد وجفه ال فل تسفلم عليفه .وقالت له امرأة :يفا أبفا أسفامة دلنفي على رجفل
يخرج ففي سفبيل ال حقفا فإنهفم إنمفا يخرجون يأكلون الفواكفه فإن عندي أسفهما وجعبفة .فقال :ل
بارك ال في أسهمك وجعبتك فقد آذيتهم قبل أن تعطيهم .قال علماؤنا رحمة ال عليهم :فمن أنفق
في سبيل ال ولم يتبعه منا ول أذى كقوله :ما أشد إلحاحك وخلصنا ال منك وأمثال هذا فقد تضمن
ال له بالجر ،والجر الجنة ،ونفى عنه الخوف بعد موته لما يستقبل ،والحزن على ما سلف من
دنياه ،لنفه يغتبفط بآخرتفه فقال" :لهفم أجرهفم عنفد ربهفم ول خوف عليهفم ول هفم يحزنون" .وكففى
بهذا فضل وشرففا للنفقفة ففي سفبيل ال تعالى .وفيهفا دللة لمفن فضفل الغنفي على الفقيفر حسفب مفا
يأتي بيانه إن شاء ال تعالى.
**3الية{ 263 :قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى وال غني حليم}
@قوله تعالى" :قول معروف" ابتداء والخفبر محذوف ،أي قول معروف أولى وأمثفل ،ذكره
النحاس والمهدوي .قال النحاس :ويجوز أن يكون "قول معروف" خفففبر ابتداء محذوف ،أي الذي
أمرتفم بفه قول معروف .والقول المعروف هفو الدعاء والتأنيفس والترجيفة بمفا عنفد ال ،خيفر مفن
صفدقة هفي ففي ظاهرهفا صفدقة وففي باطنهفا ل شيفء ،لن ذكفر القول المعروف فيفه أجفر وهذه ل
أجر فيها .قال صلى ال عليه وسلم( :الكلمة الطيبة صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه
طلق) أخرجه مسلم .فيتلقى السائل بالبشر والترحيب ،ويقابله بالطلقة والتقريب ،ليكون مشكورا
إن أعطى ومعذورا إن منع .وقد قال بعض الحكماء :الق صاحب الحاجة بالبشر فإن عدمت شكره
لم تعدم عذره .وحكفى ابفن لنكفك أن أبفا بكفر بفن دريفد قصفد بعفض الوزراء ففي حاجفة لم يقضهفا
وظهر له منه ضجر فقال:
فلخير دهرك أن ترى مسؤول ل تدخلنك ضجرة من سائل
فبقاء عزك أن ترى مأمول ل تجبهن بالرد وجه مؤمل
وترى العبوس على اللئيم دليل تلقى الكريم فتستدل ببشره
خبرا فكن خبرا يروق جميل واعلم بأنك عن قليل صائر
وروي مفن حديفث عمفر رضفي ال عنفه قال :قال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :إذا سفأل السفائل فل
تقطعوا عليفه مسفألته حتفى يفرغ منهفا ثفم ردوا عليفه بوقار وليفن أو ببذل يسفير أو رد جميفل فقفد
يأتيكم من ليس بإنس ول جان ينظرون صنيعكم فيما خولكم ال تعالى).
قلت :دليله حديففث أبرص وأقرع وأعمففى ،خرجففه مسففلم وغيره .وذلك أن ملكففا تصففور فففي
صفورة أبرص مرة وأقرع أخرى وأعمفى أخرى امتحانفا للمسفؤول .وقال بشفر بفن الحارث :رأيفت
عليفا ففي المنام فقلت :يفا أميفر المؤمنيفن قفل لي شيئا ينفعنفي ال بفه ،قال :مفا أحسفن عطفف النفبياء
على الفقراء رغبففة فففي ثواب ال تعالى ،وأحسففن منففه تيففه الفقراء على الغنياء ثقففة بموعود ال.
فقلت :يا أمير المؤمنين زدني ،فولى وهو يقول:
وعن قليل تصير ميتا قد كنت ميتا فصرت حيا
وابن بدار البقاء بيتا فاخرب بدار الفناء بيتا
@قوله تعالى" :ومغفرة" المغفرة هنا :الستر للخلة وسوء حالة المحتاج ،ومن هذا قول العرابي
-وقد سأل قوما بكلم فصيح -فقال له قائل :ممن الرجل ؟ فقال له :اللهم غفرا! سوء الكتساب
يمنع من النتساب .وقيل :المعنى تجاوز عن السائل إذا ألح وأغلظ وجفى خير من التصدق عليه
مففن المففن والذى ،قال معناه النقاش .وقال النحاس :هذا مشكففل يففبينه العراب" .مغفرة" رفففع
بالبتداء والخفبر "خيفر مفن صفدقة" .والمعنفى وال أعلم وفعفل يؤدي إلى المغفرة خيفر مفن صفدقة
يتبعهفا أذى ،وتقديره ففي العربيفة وفعفل مغفرة .ويجوز أن يكون مثفل قولك :تفضفل ال عليفك أكفبر
من الصدقة التي تمن بها ،أي غفران ال خير من صدقتكم هذه التي تمنون بها.
@قوله تعالى" :وال غني حليم" أخبر تعالى عن غناه المطلق أنه غني عن صدقة العباد ،وإنما
أمر بها ليثيبهم ،وعن حلمه بأنه ل يعاجل بالعقوبة من منّ وآذى بصدقته.
**3اليفة{ 264 :يفا أيهفا الذيفن آمنوا ل تبطلوا صفدقاتكم بالمفن والذى كالذي ينففق ماله رئاء
الناس ول يؤمفن بال واليوم الخفر فمثله كمثفل صففوان عليفه تراب فأصفابه وابفل فتركفه صفلدا ل
يقدرون على شيء مما كسبوا وال ل يهدي القوم الكافرين}
@قوله تعالى" :بالمفن والذى" قفد تقدم معناه .وعفبر تعالى عفن عدم القبول وحرمان الثواب
بالبطال ،والمراد الصدقة التي يمن بها ويؤذي ،ل غيرها .والعقيدة أن السيئات ل تبطل الحسنات
ول تحبطها ،فالمن والذى في صدقة ل يبطل صدقة غيرها.
قال جمهور العلماء ففي هذه اليفة :إن الصفدقة التفي يعلم ال مفن صفاحبها أنفه يمفن أو يؤذي بهفا
فإنهفا ل تقبفل .وقيفل :بفل قفد جعفل ال للملك عليهفا أمارة فهفو ل يكتبهفا ،وهذا حسفن .والعرب تقول
لما يمن به :يد سوداء .ولما يعطى عن غير مسألة :يد بيضاء .ولما يعطى عن مسألة :يد خضراء.
وقال بعفض البلغاء :مفن مفن بمعروففه سفقط شكره ،ومفن أعجفب بعمله حبفط أجره .وقال بعفض
الشعراء:
أبطا عليه مكافاتي فعاداني وصاحب سلفت منه إلي يد
أبدى الندامة فيما كان أولني لما تيقن أن الدهر حاربني
وقال آخر:
ليس الكريم إذا أسدى بمنان أفسدت بالمن ما أسديت من حسن
وقال أبو بكر الوراق فأحسن:
في كل وقت وزمن أحسن من كل حسن
خالية من المنن صنيعة مربوبة
وسفففمع ابفففن سفففيرين رجل يقول لرجفففل :فعلت إليفففك وفعلت! فقال له :اسفففكت فل خيفففر ففففي
المعروف ،إذا أحصي .وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :إياكم والمتنان بالمعروف
فإنه يبطل الشكر ويمحق الجر -ثم تل " -ل تبطلوا صدقاتكم بالمن والذى").
@ قال علماؤنا رحمة ال عليهم :كره مالك لهذه الية أن يعطي الرجل صدقته الواجبة أقاربه لئل
يعتاض منهففم الحمففد والثناء ،ويظهففر منتففه عليهففم ويكافئوه عليهففا فل تخلص لوجففه ال تعالى.
واسفتحب أن يعطيهفا الجانفب ،واسفتحب أيضفا أن يولى غيره تفريقهفا إذا لم يكفن المام عدل ،لئل
تحبفط بالمفن والذى والشكفر والثناء والمكافأة بالخدمفة مفن المعطفى .وهذا بخلف صفدقة التطوع
السفر ،لن ثوابهفا إذا حبفط سفلم مفن الوعيفد وصفار ففي حكفم مفن لم يفعفل ،والواجفب إذا حبفط ثوابفه
توجه الوعيد عليه لكونه في حكم من لم يفعل.
@قوله تعالى" :كالذي ينفق ماله رئاء الناس" الكاف في موضع نصب ،أي إبطال "كالذي" فهي
نعت للمصدر المحذوف .ويجوز أن تكون موضع الحال .مثل ال تعالى الذي يمن ويؤذي بصدقته
بالذي ينفق ماله رئاء الناس ل لوجه ال تعالى ،وبالكافر الذي ينفق ليقال جواد وليثنى عليه بأنواع
الثناء .ثفم مثفل هذا المنففق أيضفا بصففوان عليفه تراب فيظنفه الظان أرضفا منبتفة طيبفة ،فإذا أصفابه
وابل من المطر أذهب عنه التراب وبقي صلدا ،فكذلك هذا المرائي .فالمن والذى والرياء تكشف
عن النية في الخرة فتبطل الصدقة كما يكشف الوابل عن الصفوان ،وهو الحجر الكبير الملس.
وقيفل :المراد باليفة إبطال الفضفل دون الثواب ،فالقاصفد بنفقتفه الرياء غيفر مثاب كالكاففر ،لنفه لم
يقصد به وجه ال تعالى فيستحق الثواب .وخالف صاحب المن والذى القاصد وجه ال المستحق
ثوابفه -وإن كرر عطاءه -وأبطفل فضله .وقفد قيفل :إنمفا يبطفل المفن ثواب صفدقته مفن وقفت منفه
وإيذائه ،ومفا قبفل ذلك يكتفب له ويضاعفف ،فإذا مفن وآذى انقطفع التضعيفف ،لن الصفدقة تربفى
لصاحبها حتى تكون أعظم من الجبل ،فإذا خرجت من يد صاحبها خالصة على الوجه المشروع
ضوعففت ،فإذا جاء المفن بهفا والذى وقفف بههناك وانقطفع زيادة التضعيفف عنهفا ،والقول الول
أظهففر وال أعلم .والصفففوان جمففع واحده صفففوانة ،قاله الخفففش .قال :وقال بعضهففم :صفففوان
واحفد ،مثفل حجفر .وقال الكسفائي :صففوان واحفد وجمعفه صِففْوان وصُففِي وصِففِي ،وأنكره المفبرد
وقال :إنمفا صففي جمفع صففا كقففا وقففي ،ومفن هذا المعنفى الصففواء والصففا ،وقفد تقدم .وقرأ سفعيد
بفن المسفيب والزهري "صففوان" بتحريفك الفاء ،وهفي لغفة .وحكفى قطرب صففوان .قال النحاس:
صَففْوان وصَففَوان يجوز أن يكون جمعفا ويجوز أن يكون واحدا ،إل أن الولى بفه أن يكون واحدا
لقوله عفز وجفل" :عليفه تراب فأصفابه وابفل" وإن كان يجوز تذكيفر الجمفع إل أن الشيفء ل يخرج
عن بابه إل بدليل قاطع ،فأما ما حكاه الكسائي في الجمع فليس بصحيح على حقيقة النظر ،ولكن
صففوان جمفع صففاً ،وصففًا بمعنفى صففوان ،ونظيره ورل وورلن وأخ وإخوان وكراً وكروان،
كما قال الشاعر:
تطير البائسات ول نطير لنا يوم وللكروان يوم
صفِي جمع صفا مثل عصا .والوابل :المطر والضعيف في العربية ِكرْوان جمع َكرَوَان ،وصُفِي و ِ
الشديففد .وقففد وبلت السففماء تبففل ،والرض موبولة .قال الخفففش :ومنففه قوله تعالى" :أخذناه أخذا
وبيل" [المزمفل ]16 :أي شديدا .وضرب وبيفل ،وعذاب وبيفل أي شديفد .والصفلد :الملس مفن
الحجارة .قال الكسفائي :صَلِد يَصْفَلدُ صَلَدا بتحريفك اللم فهفو صلد بالسفكان ،وهو كفل ما ل ينبت
شيئا ،ومنه جبين أصلد ،وأنشد الصمعي لرؤبة:
براق أصلد الجبين الجله
قال النقاش :الصفلد الجرد بلغفة هذيفل .ومعنفى "ل يقدرون" يعنفي المرائي والكاففر والمان "على
شيفء" أي على النتفاع بثواب شيفء مفن إنفاقهفم وهفو كسفبهم عنفد حاجتهفم إليفه ،إذا كان لغيفر ال
فعبر عن النفقة بالكسب ،لنهم قصدوا بها الكسب .وقيل :ضرب هذا مثل للمرائي في إبطال ثوابه
ولصاحب المن والذى في إبطال فضله ،ذكره الماوردي.
**3الية{ 265 :ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات ال وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة
بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل وال بما تعملون بصير}
@قوله تعالى" :ومثفل الذيفن ينفقون أموالهفم ابتغاء مرضات ال وتثبيتفا مفن أنفسفهم" "ابتغاء"
مفعول مفن أجله" .وتثبيتفا مفن أنفسفهم" عطفف عليفه .وقال مكفي ففي المشكفل :كلهمفا مفعول مفن
أجله .قال ابفن عطيفة :وهفو مردود ،ول يصفح ففي "تثبيتفا" أنفه مفعول مفن أجله ،لن النفاق ليفس
من أجل التثبيت .و"ابتغاء" نصب على المصدر في موضع الحال ،وكان يتوجه فيه النصب على
المفعول مفن أجله ،لكفن النصفب على المصفدر هفو الصفواب مفن جهفة عطفف المصفدر الذي هفو
"تثبيتا" عليه .ولما ذكر ال تعالى صفة صدقات القوم الذين ل خلق لصدقاتهم ،ونهى المؤمنين
عن مواقعة مفا يشبفه ذلك بوجه مفا ،عقب ففي هذه اليفة بذكفر نفقات القوم الذيفن تزكفو صدقاتهم إذ
كانفت على وففق الشرع ووجهفه .و"ابتغاء" معناه طلب .و"مرضات" مصفدر مفن رضفي يرضفى.
"وتثبيتا" معناه أنهم يتثبتون أين يضعون صدقاتهم ،قاله مجاهد والحسن .قال الحسن :كان الرجل
إذا هفم بصفدقه تثبفت ،فإن كان ذلك ل أمضاه وإن خالطفه شفك أمسفك .وقيفل :معناه تصفديقا ويقينفا،
قاله ابفن عباس .وقال ابفن عباس أيضفا وقتادة :معناه واحتسفابا مفن أنفسفهم .وقال الشعفبي والسفدي
وقتادة أيضا وابن زيد وأبو صالح وغيرهم" :وتثبيتا" معناه وتيقنا أي أن نفوسهم لها بصائر فهي
تثبتهففم على النفاق فففي طاعففة ال تعالى تثبيتففا .وهذه القوال الثلث أصففوب مففن قول الحسففن
ومجاهفد ،لن المعنفى الذي ذهبفا إليفه إنمفا عبارتفه "وتثبيتفا" مصفدر على غيفر المصفدر .قال ابفن
عطيفة :وهذا ل يسفوغ إل مفع ذكفر المصفدر والفصفاح بالفعفل المتقدم ،كقوله تعالى" :وال أنبتكفم
مفن الرض نباتفا" [نوح" ،]17 :وتبتفل إليفه تبتيل" [المزمفل .]8 :وأمفا إذا لم يقفع إفصفاح بفعفل
فليفس لك أن تأتفي بمصفدر ففي غيفر معناه ثفم تقول :أحمله على معنفى كذا وكذا ،لفعفل لم يتقدم له
ذكفر .قال ابفن عطيفة :هذا م ْهيَعُف كلم العرب فيمفا علمتفه .وقال النحاس :لو كان كمفا قال مجاهفد
لكان وتثبتفا مفن تثبفت كتكرمفت تكرمفا ،وقول قتادة :احتسفابا ،ل يعرف إل أن يراد بفه أن أنفسفهم
تثبتهم محتسبة ،وهذا بعيد .وقول الشعبي حسن ،أي تثبيتا من أنفسهم لهم على إنفاق ذلك في طاعة
ال عز وجل ،يقال :ثبت فلنفا ففي هذا المفر ،أي صححت عزمه ،وقويفت فيه رأيفه ،أثبته تثبيتفا،
أي أنفسفهم موقنفة بوعفد ال على تثفبيتهم ففي ذلك .وقيفل" :وتثبيتفا مفن أنفسفهم" أي يقرون بأن ال
تعالى يثبت عليها ،أي وتثبيتا من أنفسهم لثوابها ،بخلف المنافق الذي ل يحتسب الثواب.
@قوله تعالى" :كمثفل جنفة بربوة" الجنفة البسفتان ،وهفي قطعفة أرض تنبفت فيهفا الشجار حتفى
تغطيهففا ،فهففي مأخوذة مففن لفففظ الجففن والجنيففن لسففتتارهم .وقففد تقدم .والربوة :المكان المرتفففع
ارتفاعفا يسفيرا ،معفه ففي الغلب كثاففة تراب ،ومفا كان كذلك فنباتفه أحسفن ،ولذلك خفص الربوة
بالذكفر .قال ابفن عطيفة :ورياض الحزن ليسفت مفن هذا كمفا زعفم الطفبري ،بفل تلك هفي الرياض
المنسفوبة إلى نجفد ،لنهفا خيفر مفن رياض تهامفة ،ونبات نجفد أعطفر ،ونسفيمه أبرد وأرق ،ونجفد
يقال لهفا حزن .وقلمفا يصفلح هواء تهامفة إل بالليفل ،ولذلك قالت العرابيفة" :زوجفي كليفل تهامفة".
وقال السدي" :بربوة" أي برباوة ،وهو ما انخفض من الرض .قال ابن عطية :وهذه عبارة قِلقة،
ولفظ الربوة هو مأخوذ من ربا يربو إذا زاد.
ب و" معناه الزيادة في كلم العرب ،ومنه الربو قلت :عبارة السدي ليست بشيء ،لن بناء "رَ َ
للنففس العالىِ .ربفا يربفو إذا أخذه الربفو .وربفا الفرس إذا أخذه الربفو مفن عدو أو فزع .وقال الفراء
في قوله تعالى" :أخذهم أخذة رابية" [الحاقة ]10 :أي زائدة ،كقولك :أربيت إذا أخذت أكثر مما
أعطيفت .وربوت ففي بنفي فلن وربيفت أي نشأت فيهفم .وقال الخليفل :الربوة أرض مرتفعفة طيبفة
وخفص ال تعالى بالذكفر التفي ل يجري فيهفا ماء مفن حيفث العرف ففي بلد العرب ،فمثفل لهفم مفا
يحسفونه ويدركونفه .وقال ابفن عباس :الربوة المكان المرتففع الذي ل تجري فيفه النهار ،لن قوله
تعالى" :أصابها وابل" إلى آخر الية يدل على أنها ليس فيها ماء جار ،ولم يرد جنس التي تجري
فيها النهار ،لن ال تعالى قد ذكر ربوة ذات قرار ومعين .والمعروف من كلم العرب أن الربوة
ما ارتفع عما جاوره سواء جرى فيها ماء أو لم يجر .وفيها خمس لغات "ربوة" بضم الراء ،وبها
قرأ ابفن كثيفر وحمزة والكسفائي وناففع وأبفو عمرو .و"ربوة" بفتفح الراء ،وبهفا قرأ عاصفم وابفن
عامففر والحسففن" .وربوة" بكسففر الراء ،وبهففا قرأ ابففن عباس وأبففو إسففحاق السففبيعي .و"رباوة"
بالفتح ،وبها قرأ أبو جعفر وأبو عبدالرحمن ،وقال الشاعر:
بين النخيل إلى بقيع الغرقد؟ من منزلي في روضة برباوة
و "رباوة" بالكسفففر ،وبهفففا قرأ الشهفففب العقيلي .قال الفراء :ويقال ِبرَباوة وبرِباوة ،وكله مفففن
الرابية ،وفعله ربا يربو.
@قوله تعالى" :أصابها" يعني الربوة" .وابل" أي مطر شديد قال الشاعر:
خضراء جاد عليها وابل هطل ما روضة من رياض الحزن معشبة
@قوله تعالى" :فآتفت" أي أعطفت" .أكلهفا" بضفم الهمزة :الثمفر الذي يؤكفل ،ومنفه قوله تعالى:
"تؤتفي أكلهفا كفل حيفن" [إبراهيفم .]25 :والشيفء المأكول مفن كفل شيفء يقال له أكفل .والكلة:
اللقمة ،ومنه الحديث( :فإن كان الطعام مشفوها قليل فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين) يعني لقمة
أو لقمتيفن ،خرجفه مسفلم .وإضافتفه إلى الجنفة إضاففة اختصفاص ،كسفرج الفرس وباب الدار .وإل
فليفس الثمفر ممفا تأكله الجنفة .وقرأ ناففع ،وابفن كثيفر وأبفو عمرو "أكلهفا" بضفم الهمزة وسفكون
الكاف ،وكذلك كفل مضاف إلى مؤنفث ،وفارقهمفا أبفو عمرو فيمفا أضيفف إلى مذكفر مثفل ُأكُلَه أو
كان غير مضاف إلى شيء مثل "أكل خمط" فثقل أبو عمرو ذلك وخففاه .وقرأ عاصم وابن عامر
وحمزة والكسفائي ففي جميفع مفا ذكرناه بالتثقيفل .ويقال :أَكْل وأُكُل بمعنفى" .ضعفيفن" أي أعطفت
ضعففي ثمر غيرها من الرضين .وقال بعفض أهل العلم :حملت مرتيفن ففي السفنة ،والول أكثفر،
أي أخرجت من الزرع ما يخرج غيرها في سنتين.
@قوله تعالى" :فإن لم يصفبها وابفل فطفل" تأكيفد منفه تعالى لمدح هذه الربوة بأنهفا إن لم يصفبها
وابل فإن الطل يكفيها وينوب مناب الوابل في إخراج الثمرة ضعفين ،وذلك لكرم الرض وطيبها.
قال المبرد وغيره :تقديره فطل يكفيها .وقال الزجاج :فالذي يصيبها طل .والطل :المطر الضعيف
المسفتدق مفن القطفر الخفيفف ،قاله ابفن عباس وغيره ،وهفو مشهور اللغفة .وقال قوم منهفم مجاهفد:
الطفل :الندى .قال ابفن عطيفة :وهفو تجوز وتشفبيه .قال النحاس :وحكفى أهفل اللغفة َوبَلَت وأ ْوبَلَت،
وطَلّت وَأطَلّت .وففي الصفحاح :الطفل أضعفف المطفر والجمفع الطلل ،تقول منفه :طلت الرض
وأطلها الندى فهي مطلولة .قال الماوردي :وزرع الطل أضعف من زرع المطر وأقل ريعا ،وفيه
-وإن قل -تماسك ونفع .قال بعضهم الية تقديم وتأخير ،ومعناه كمثل جنة بربوة أصابها وابل
فإن لم يصفبها وابفل فطفل فآتفت أكلهفا ضعفيفن .يعنفي اخضرت أوراق البسفتان وخرجفت ثمرتهفا
ضعفين.
قلت :التأويففل الول أصففوب ول حاجففة إلى التقديففم والتأخيففر .فشبففه تعالى نمففو نفقات هؤلء
المخلصفين الذيفن يربفي ال صفدقاتهم كتربيفة الفُلُوّ والفصفيل بنمفو نبات الجنفة بالربوة الموصفوفة،
بخلف الصفوان الذي انكشف عنه ترابه فبقي صلدا .وخرج مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي
ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم( :ل يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إل أخذها ال بيمينه
فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل الجبل أو أعظم) خرجه الموطأ أيضا.
@قوله تعالى" :وال بما تعملون بصير" وعد ووعيد .وقرأ الزهري "يعملون" بالياء كأنه يريد
به الناس أجمع ،أو يريد المنفقين فقط ،فهو وعد محض.
**3اليفة{ 266 :أيود أحدكفم أن تكون له جنفة مفن نخيفل وأعناب تجري مفن تحتهفا النهار له
فيهفا مفن كفل الثمرات وأصفابه الكفبر وله ذريفة ضعفاء فأصفابها إعصفار فيفه نار فاحترقفت كذلك
يبين ال لكم اليات لعلكم تتفكرون}
@قوله تعالى" :أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب" الية .حكى الطبري عن السدي
أن هذه الية مثل آخر لنفقة الرياء ،ورجح هو هذا القول.
قلت وروي عن ابن عباس أيضا قال :هذا مثل ضربه ال للمرائين بالعمال يبطلها يوم القيامة
أحوج مفا كان إليهفا ،كمثفل رجفل كانفت له جنفة وله أطفال ل ينفعونفه فكفبر وأصفاب الجنفة إعصفار
أي ريح عاصف فيه نار فاحترقت ففقدها أحوج ما كان إليها .وحكي عن ابن زيد أنه قرأ قول ال
تعالى" :يففا أيهففا الذيففن آمنوا ل تبطلوا صففدقاتكم بالمففن والذى" [البقرة ]264 :اليففة ،قال :ثففم
ضرب في ذلك مثل فقال" :أيود أحدكم" الية .قال ابن عطية :وهذا أبين من الذي رجح الطبري،
وليست هذه الية بمثل آخر لنفقة الرياء ،هذا هو مقتضى سياق الكلم .وأما بالمعنى في غير هذا
السياق فتشبه حال كل منافق أو كافر عمل عمل وهو يحسب أنه يحسن صنعا فلما جاء إلى وقت
الحاجة لم يجد شيئا.
قلت :قفد روي عفن ابفن عباس أنهفا مثفل لمفن عمفل لغيفر ال مفن مناففق وكاففر على مفا يأتفي ،إل
أن الذي ثبفت ففي البخاري عنفه خلف هذا .خرج البخاري عفن عبيفد بفن عميفر قال :قال عمفر بفن
الخطاب يومفا لصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم :فيفم ترون هذه اليفة نزلت "أيود أحدكفم
أن تكون له جنفة مفن نخيفل وأعناب"؟ قالوا :ال ورسفوله أعلم ،فغضفب عمفر وقال :قولوا :نعلم أو
ل نعلم! فقال ابفن عباس :ففي نفسفي منهفا شيفء يفا أميفر المؤمنيفن ،قال :يفا ابفن أخفي قفل ول تحقفر
نفسك ،قال ابن عباس :ضربت مثل لعمل .قال عمر :أي عمل؟ قال ابن عباس :لعمل رجل غني
يعمفل بطاعفة ال ثفم بعفث ال عفز وجفل له الشيطان فعمفل ففي المعاصفي حتفى أحرق عمله .ففي
روايفة :فإذا فنفي عمره واقترب أجله ختفم ذلك بعمفل مفن أعمال الشقاء ،فرضفى ذلك عمفر .وروى
ابن أبي مليكة أن عمر تل هذه الية .وقال :هذا مثل ضرب للنسفان يعمل عمل صالحا حتى إذا
كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمفل عمفل السوء .قال ابفن عطية :فهذا نظفر يحمفل الية
على كفل مفا يدخفل تحفت ألفاظهفا ،وبنحفو ذلك قال مجاهفد وقتادة والربيفع وغيرهفم .وخفص النخيفل
والعناب بالذكر لشرفهما وفضلهما على سائر الشجر .وقرأ الحسن "جنات" بالجمع" .تجري من
تحتهفا النهار" تقدم ذكره" .له فيهفا مفن كفل الثمرات" يريفد ليفس شيفء مفن الثمار إل وهفو فيهفا
نابت.
@قوله تعالى" :وأصفابه الكفبر" عطفف ماضيفا على مسفتقبل وهفو "تكون" وقيفل" :يود" فقيفل:
التقديفر وقفد أصفابه الكفبر .وقيفل إنفه محمول على المعنفى ،لن المعنفى أيود أحدكفم أن لو كانفت له
جنة .وقيل :الواو واو الحال ،وكذا في قوله تعالى "وله".
@قوله تعالى" :فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت" قال الحسن" :إعصار فيه نار" ريح فيها برد
شديد .الزجاج :العصار في اللغة الريح الشديدة التي تهب من الرض إلى السماء كالعمود ،وهي
التفي يقال لهفا :الزوبعفة .قال الجوهري :الزوبعفة رئيفس مفن رؤسفاء الجفن ،ومنفه سفمي العصفار
زوبعة .ويقال :أم زوبعة ،وهي ريح تثير الغبار وترتفع إلى السماء كأنها عمود .وقيل :العصار
ريفح تثيفر سفحابا ذا رعفد وبرق .المهدوي :قيفل لهفا إعصفار لنهفا تلتفف كالثوب إذا عصفر .ابفن
عطية :وهذا ضعيف.
قلت :بل هو صحيح ،لنه المشاهد المحسوس ،فإنه يصعد عمودا ملتفا .وقيل :إنما قيل للريح
إعصار ،لنه يعصر السحاب ،والسحاب معصرات إما لنها حوامل فهي كالمعصر من النساء.
وإما لنها تنعصر بالرياح .وحكى ابن سيده :إن المعصرات فسرها قوم بالرياح ل بالسحاب .ابن
زيفد :العصفار ريفح عاصفف وسفموم شديدة ،وكذلك قال السفدي :العصفار الريفح والنار السفموم.
ابفن عباس :ريفح فيهفا سفموم شديدة .قال ابفن عطيفة :ويكون ،ذلك ففي شدة الحفر ويكون ففي شدة
البرد ،وكل ذلك من فيح جهنم ونفسها ،كما تضمن قول النبي صلى ال عليه وسلم( :إذا اشتد الحر
فأبردوا عفن الصفلة فإن شدة الحفر مفن فيفح جهنفم) و(إن النار اشتكفت إلى ربهفا) الحديفث .وروي
عففن ابففن عباس وغيره( :إن هذا مثففل ضربففه ال تعالى للكافريففن والمنافقيففن ،كهيئة رجففل غرس
بسفتانا فأكثفر فيفه مفن الثمفر فأصفابه الكفبر وله ذريفة ضعفاء -يريفد صفبيانا بنات وغلمانفا -فكانفت
معيشته ومعيشة ذريته من ذلك البستان ،فأرسل ال على بستانه ريحا فيها نار فأحرقته ،ولم يكن
عنده قوة فيغرسفه ثانيفة ،ولم يكفن عنفد بنيفه خيفر فيعودون على أبيهفم .وكذلك الكاففر والمناففق إذا
ورد إلى ال تعالى يوم القيامففة ليسففت له كرة يبعففث فيرد ثانيففة ،كمففا ليسففت عنففد هذا قوة فيغرس
بستانه ثانية ،ولم يكن عنده من افتقر إليه عند كبر سنه وضعف ذريته غنى عنه.
@قوله تعالى" :كذلك يففبين ال لكففم اليات لعلكففم تتفكرون" يريففد كففي ترجعوا إلى عظمتففي
وربوبيتفي ول تتخذوا مفن دونفي أولياء .وقال ابفن عباس أيضفا :تتفكرون ففي زوال الدنيفا وفنائهفا
وإقبال الخرة وبقائها.
**3الية{ 267 :يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الرض
ول تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إل أن تغمضوا فيه واعلموا أن ال غني حميد}
@قوله تعالى" :يفا أيهفا الذيفن آمنوا أنفقوا" هذا خطاب لجميفع أمفة محمفد صفلى ال عليفه وسفلم.
واختلف العلماء ففي المعنفى المراد بالنفاق هنفا ،فقال علي بفن أبفي طالب وعفبيدة السفلماني وابفن
سفيرين :هفي الزكاة المفروضفة ،نهفى الناس عفن إنفاق الرديفء فيهفا بدل الجيفد .قال ابفن عطيفة:
والظاهر من قول البراء بن عازب والحسن وقتادة أن الية في التطوع ،ندبوا إلى أل يتطوعوا إل
بمختار جيففد .واليففة تعففم الوجهيففن ،لكففن صففاحب الزكاة تعلق بأنهففا مأمور بهففا والمففر على
الوجوب ،وبأنه نهفى عفن الرديفء وذلك مخصفوص بالفرض ،وأمفا التطوع فكمفا للمرء أن يتطوع
بالقليففل فكذلك له أن يتطوع بنازل فففي القدر ،ودرهففم خيففر مففن تمرة .تمسففك أصففحاب الندب بأن
لفظة ا ْفعَلْ صالح للندب صلحيته للفرض ،والرديء منهفي عنه في النقل كما هو منهفي عنه ففي
الفرض ،وال أحفق مفن اختيفر له .وروى البراء أن رجل علق ِقنْ َو حَشَف ،فرآه رسفول ال صفلى
ال عليفه وسفلم فقال( :بئسفما علق) فنزلت اليفة ،خرجفه الترمذي وسفيأتي بكماله .والمفر على هذا
القول على الندب ،ندبوا إلى أل يتطوعوا إل بجيففد مختار .وجمهور المتأوليففن قالوا :معنففى "مففن
طيبات" من جيد ومختار "ما كسبتم" .وقال ابن زيد :من حلل "ما كسبتم".
@الكسب يكون بتعب بدن وهي الجارة وسيأتي حكمها ،أو مقاولة في تجارة وهو البيع وسيأتي
بيانففه .والميراث داخففل فففي هذا ،لن غيففر الوارث قففد كسففبه .قال سففهل بففن عبدال :وسففئل ابففن
المبارك عففن الرجففل يريففد أن يكتسففب وينوي باكتسففابه أن يصففل بففه الرحففم وأن يجاهففد ويعمففل
الخيرات ويدخفل ففي آفات الكسفب لهذا الشأن .قال :إن كان معفه قوام مفن العيفش بمقدار مفا يكفف
نفسفه عفن الناس فترك هذا أفضفل ،لنفه إذا طلب حلل وأنففق ففي حلل سفئل عنفه وعفن وكسفبه
وعن إنفاقه ،وترك ذلك زهد فإن الزهد في ترك الحلل.
@قال ابن خويز منداد :ولهذه الية جاز للوالد أن يأكل من كسب ولده ،وذلك أن النبي صلى ال
عليه وسلم قال( :أولدكم من طيب أكسابكم فكلوا من أموال أولدكم هنيئا).
@قوله تعالى" :وممفا أخرجنفا لكفم مفن الرض" يعنفي النبات والمعادن والركاز ،وهذه أبواب
ثلثفة تضمنتهفا هذه اليفة .أمفا النبات فروى الدارقطنفي عفن عائشفة رضفي ال عنهفا قالت :جرت
السفنة مفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم (ليفس فيمفا دون خمسفة أوسفق زكاة) .والوَسفْق سفتون
صفاعا ،فذلك ثلثمائة صفاع من الحنطفة والشعيفر والتمفر والزبيفب .وليفس فيمفا أنبتفت الرض مفن
الخضر زكاة .وقد احتج قوم لبي حنيفة بقول ال تعالى" :ومما أخرجنا لكم من الرض" [البقرة:
]267وإن ذلك عموم ففي قليفل مفا تخرجفه الرض وكثيره وففي سفائر الصفناف ،ورأوا ظاهفر
المففر الوجوب .وسففيأتي بيان هذا فففي "النعام" مسففتوفى .وأمففا المعدن فروى الئمففة عففن أبففي
جبَار والبئر جبار والمعدن هريرة عن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أنفه قال( :العجماء جرحهفا ُ
جبار وفي الركاز الخمس) .قال علماؤنا :لما قال صلى ال عليه وسلم( :وفي الركاز الخمس) دل
على أن الحكم في المعادن غير الحكم في الركاز ،لنه صلى ال عليه وسلم قد فصل بين المعادن
والركاز بالواو الفاصفلة ،ولو كان الحكفم فيهمفا سفواء لقال والمعدن جبار وفيفه الخمفس ،فلمفا قال
(وفي الركاز الخمس) علم أن حكم الركاز غير حكم المعدن فيما يؤخذ منه ،وال أعلم.
والركاز أصفله ففي اللغفة مفا ارتكفز بالرض مفن الذهفب والفضفة والجواهفر ،وهفو عنفد سفائر
الفقهاء كذلك ،لنهفم يقولون ففي الندرة التفي توجفد ففي المعدن مرتكزة بالرض ل تنال بعمفل ول
بسعي ول نصب ،فيها الخمس ،لنها ركاز .وقد روى عن مالك أن الندرة في المعدن حكمها حكم
مفا يتكلف فيفه العمفل ممفا يسفتخرج مفن المعدن ففي الركاز ،والول تحصفيل مذهبفه وعليفه فتوى
جمهور الفقهاء .وروى عبدال بفن سفعيد بفن أبفي سفعيد المقفبري عفن أبيفه عفن جده عفن أبفي هريرة
قال :سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الركاز قال( :الذهب الذي خلق ال في الرض يوم
خلق السفماوات والرض) .عبدال بفن سفعيد هذا متروك الحديفث ،ذكفر ذلك ابفن أبفي حاتفم .وقفد
روى من طريق أخرى عن أبي هريرة ول يصح ،ذكره الدارقطني .ودفن الجاهلية لموالهم عند
جماعفة العلماء ركاز أيضفا ل يختلفون فيفه إذا كان دفنفه قبفل السفلم مفن الموال العاديفة ،وأمفا مفا
كان من ضرب السلم فحكمه عندهم حكم اللقطة.
@ واختلفوا في حكم الركاز إذا وجد ،فقال مالك :ما وجد من دفن الجاهلية في أرض العرب أو
ففي فياففي الرض التفي ملكهفا المسفلمون بغيفر حرب فهفو لواجده وفيفه الخمفس ،وأمفا مفا كان ففي
أرض السلم فهو كاللقطة .قال :وما وجد من ذلك في أرض العنوة فهو للجماعة الذين افتتحوها
دون واجده ،ومففا وجففد مففن ذلك فففي أرض الصففلح فإنففه لهففل تلك البلد دون الناس ،ول شيففء
للواجففد فيففه إل أن يكون مففن أهففل الدار فهففو له دونهففم .وقيففل :بففل هففو لجملة أهففل الصففلح .قال
إسفماعيل :وإنمفا حكفم للركاز بحكفم الغنيمفة لنفه مال كاففر وجده مسفلم فأنزل منزلة مفن قاتله وأخفذ
ماله ،فكان له أربعفة أخماسفه .وقال ابفن القاسفم :كان مالك يقول ففي العروض والجواهفر والحديفد
والرصاص ونحوه يوجد ركازا :إن فيه الخمس ثم رجع فقال :ل أرى فيه شيئا ،ثم آخر ما فارقناه
أن قال :فيفه الخمفس .وهفو الصفحيح لعموم الحديفث وعليفه جمهور الفقهاء .وقال أبو حنيففة ومحمفد
ففي الركاز يوجد ففي الدار :إنه لصفاحب الدار دون الواجد وفيه الخمس .وخالفه أبو يوسفف فقال:
إنه للواجد دون صاحب الدار ،وهو قول الثوري :وان وجد في الفلة فهو للواجد في قولهم جميعا
وفيففه الخمففس .ول فرق عندهففم بيففن أرض الصففلح وأرض العنوة ،وسففواء عندهففم أرض العرب
وغيرها ،وجائز عندهم لواجده أن يحتبس الخمس لنفسه إذا كان محتاجا وله أن يعطيه للمساكين.
ومفن أهفل المدينفة وأصفحاب مالك مفن ل يفرق بيفن شيفء مفن ذلك وقالوا :سفواء وجفد الركاز ففي
أرض العنوة أو فففي أرض الصففلح أو أرض العرب أو أرض الحرب إذا لم يكففن ملكففا لحففد ولم
يدعفه أحفد فهفو لواجده وفيفه الخمفس على عموم ظاهفر الحديفث ،وهفو قول الليفث وعبدال بفن ناففع
والشافعي وأكثر أهل العلم.
@ وأما ما يوجد من المعادن ويخرج منها فاختلف فيه ،فقال مالك وأصحابه :ل شيء فيما يخرج
من المعادن من ذهب أو فضة حتى يكون عشرين مثقال ذهبا أو خمس أواق فضة ،فإذا بلغتا هذا
المقدار وجبفت فيهمفا الزكاة ،ومفا زاد فبحسفاب ذلك مفا دام ففي المعدن نيفل ،فإن انقطفع ثفم جاء بعفد
ذلك نيل آخر فإنه تبتدأ فيه الزكاة مكانه .والركاز عندهم بمنزلة الزرع تؤخذ منه الزكاة في حينه
ول ينتظر به حول .قال سحنون في رجل له معادن :إنه ل يضم ما في واحد منها إلى غيرها ول
يزكفى إل عفن مائتفي درهفم أو عشريفن دينارا ففي كفل واحفد .وقال محمفد بفن مسفلمة :يضفم بعضهفا
إلى بعفض ويزكففى الجميففع كالزرع .وقال أبفو حنيففة وأصفحابه :المعدن كالركاز ،فمففا وجفد ففي
المعدن من ذهب أو فضة بعد إخراج الخمس اعتبر كل واحد منهما ،فمن حصل بيده ما تجب فيه
الزكاة زكاه لتمام الحول إن أتفى عليفه حول وهفو نصفاب عنده ،هذا إذا لم يكفن عنده ذهفب أو فضفة
وجبت فيه الزكاة .فإن كان عنده من ذلك ما تجب فيه الزكاة ضمه إلى ذلك وزكاه .وكذلك عندهم
كل فائدة تضم في الحول إلى النصاب من جنسها وتزكى لحول الصل ،وهو قول الثوري .وذكر
المزني عن الشافعي قال :وأما الذي أنا واقف فيه فما يخرج من المعادن .قال المزني :الولى به
على أصله أن يكون ما يخرج من المعدن فائدة يزكى بحوله بعد إخراجه .وقال الليث بن سعد :ما
يخرج من المعادن من الذهب والفضة فهو بمنزلة الفائدة يستأنف به حول ،وهو قول الشافعي فيما
حصفله المزنفي مفن مذهبفه ،وقال بفه داود وأصفحابه إذا حال عليهفا الحول عنفد مالك صفحيح الملك
لقوله صففلى ال عليففه وسففلم( :مففن اسففتفاد مال فل زكاة عليففه حتففى يحول عليففه الحول) أخرجففه
الترمذي والدارقطنفي .واحتجوا أيضفا بمفا رواه عبدالرحمفن بفن أنعفم عفن أبفي سفعيد الخدري أن
النبي صلى ال عليه وسلم أعطى قوما من المؤلفة قلوبهم ذهيبة في تربتها ،بعثها علي رضي ال
عنه من اليمن .قال الشافعي :والمؤلفة قلوبهم حقهم في الزكاة ،فتبين بذلك أن المعادن سنتها سنة
الزكاة .وحجة مالك حديث عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن أن النبي صلى ال عليه وسلم أقطع بلل
بن الحارث المعادن القبلية وهي من ناحية الفرع ،فتلك المعادن ل يؤخذ منها إلى اليوم إل الزكاة.
وهذا حديفث منقطفع السفناد ل يحتفج بمثله أهفل الحديفث ،ولكنفه عمفل يعمفل بفه عندهفم ففي المدينفة.
ورواه الدراوردي عن ربيعة عن الحارث بن بلل المزني عن أبيه .ذكره البزار ،ورواه كثير بن
عبدال بفن عمرو بفن عوف عفن أبيفه عفن جده عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أنفه أقطفع بلل بفن
الحارث المعادن القبليفة جلسفيها وغوريهفا .وحيفث يصفلح للزرع مفن قدس ولم يعطفه حفق مسفلم،
ذكره البزار أيضفا ،وكثيفر مجمفع على ضعففه .هذا حكفم مفا أخرجتفه الرض ،وسفيأتي ففي سفورة
[النحل] حكم ما أخرجه البحر إذ هو قسيم الرض .ويأتي في "النبياء" معنى قوله عليه السلم:
(العجماء جرحها جبار) كل في موضعه إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :ول تيمموا الخفبيث منفه تنفقون" تيمموا معناه تقصفدوا ،وسفتأتي الشواهفد مفن
أشعار العرب ففي أن التيمفم القصفد ففي "النسفاء" إن شاء ال تعالى .ودلت اليفة على أن المكاسفب
فيها طيب وخبيث .وروى النسائي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في الية التي قال ال تعالى
فيها" :ول تيمموا الخبيث منه تنفقون" قال :هو الجعرور ولون حبيق ،فنهى رسول ال صلى ال
عليفه وسفلم أن يؤخذا ففي الصفدقة .وروى الدارقطنفي عفن أبفي أمامفة بفن سفهل بفن حنيفف عفن أبيفه
قال :أمفر رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بصفدقة فجاء رجفل مفن هذا السفحل بكبائس قال سففيان:
يعني الشيص -فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من جاء بهذا) ؟ وكان ل يجيء أحد بشيء
إل نسفب إلى الذي جاء بفه .فنزلت" :ول تيمموا الخفبيث منفه تنفقون" .قال :ونهفى النفبي صفلى ال
عليه وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة -قال الزهري :لونين من تمر المدينة
-وأخرجه الترمذي من حديث البراء وصححه ،وسيأتي .وحكى الطبري والنحاس أن في قراءة
عبدال "ول تأمموا" وهما لغتان .وقرأ مسلم بن جندب "ول تيمموا" بضم التاء وكسر الميم .وقرأ
ابفن كثيفر "تيمموا" بتشديفد التاء .وففي اللفظفة لغات ،منهفا "أممفت الشيفء" مخفففة الميفم الولى
و"أممتفه" بشدهفا ،و"يممتفه وتيممتفه" .وحكفى أبفو عمرو أن ابفن مسفعود قرأ "ول تؤمموا" بهمزة
بعد التاء المضمومة.
@قوله تعالى" :منفه تنفقون" قال الجرجانفي ففي كتاب "نظفم القرآن" :قال فريفق مفن الناس :إن
الكلم تم في قوله تعالى "الخبيث" ثم ابتدأ خبرا آخر في وصف الخبيث فقال" :منه تنفقون" وأنتم
ل تأخذونه إل إذا أغمضتم أي تساهلتم ،كأن هذا المعنى عتاب للناس وتقريع .والضمير في "منه"
عائد على الخفبيث وهفو الدون والرديفء .قال الجرجانفي :وقال فريفق آخفر :الكلم متصفل إلى قوله
"منه" ،فالضمير في "منه" عائد على "ما كسبتم" ويجيء "تنفقون" كأنه في موضع نصب على
الحال ،وهو كقولك :أنا أخرج أجاهد في سبيل ال.
@قوله تعالى" :ولستم بآخذيه إل أن تغمضوا فيه" أي لستم بآخذيه في ديونكم وحقوقكم من الناس
إل أن تتساهلوا في ذلك وتتركوا من حقوقكم ،وتكرهونه ول ترضونه .أي فل تفعلوا مع ال ما ل
ترضونفه لنفسفكم ،قال معناه البراء بفن عازب وابفن عباس والضحاك .وقال الحسفن :معنفى اليفة:
ولسفتم بآخذيفه ولو وجدتموه ففي السفوق يباع إل أن يهضفم لكفم مفن ثمنفه .وروي نحوه عفن علي
رضفي ال عنفه .قال ابفن عطيفة :وهذان القولن يشبهان كون اليفة ففي الزكاة الواجبفة .قال ابفن
العربفي :لو كانفت ففي الفرض لمفا قال "ولسفتم بآخذيفه" لن الرديفء والمعيفب ل يجوز أخذه ففي
الفرض بحال ،ل مع تقدير الغماض ول مع عدمه ،وإنما يؤخذ مع عدم إغماض في النفل .وقال
البراء بن عازب أيضا معناه" :ولستم بآخذيه" لو أهدى لكم "إل أن تغمضوا فيه" أي تستحي من
المهدي فتقبل منه ما ل حاجة لك به ول قدر له في نفسه .قال ابن عطية :وهذا يشبه كون الية في
التطوع .وقال ابن زيد :ولستم بآخذي الحرام إل أن تغمضوا في مكروهه.
@قوله تعالى" :إل أن تغمضوا فيفه" كذا قراءة الجمهور ،مفن أغمفض الرجفل ففي أمفر كذا إذا
تساهل فيه ورضي ببعض حقه وتجاوز ،ومن ذلك قول الطرماح:
ل أناس يرضون بالغماض لم يفتنا بالوتر قوم وللذ
وقفد يحتمفل أن يكون منتزعفا إمفا مفن تغميفض العيفن ،لن الذي يريفد الصفبر على مكروه يغمفض
عينيه -قال:
أغمض عنها لست عنها بذي عمى إلى كم وكم أشياء منك تريبني
وهذا كالغضاء عند المكروه .وقد ذكر النقاش هذا المعنى في هذه الية -وأشار إليه مكي -وإما
مففن قول العرب :أغمففض الرجففل إذا أتففى غامضففا مفن المففر ،كمففا تقول :أعمففن أي أتففى عمان،
وأعرق أي أتففى العراق ،وأنجففد وأغور أي أتففى نجدا والغور الذي هففو تهامففة ،أي فهففو يطلب
التأويل على أخذه .وقرأ الزهري بفتح التاء وكسر الميم مخففا ،وعنه أيضا" .تغمضوا" بضم التاء
وفتفح الغيفن وكسفر الميفم وشدهفا .فالولى على معنفى تهضموا سفومها مفن البائع منكفم فيحطكفم.
والثانيفة ،وهفى قراءة قتادة فيمفا ذكفر النحاس ،أي تأخذوا بنقصفان .وقال أبفو عمرو الدانفي :معنفى
قراءتفي الزهري حتفى تأخذوا بنقصفان .وحكفى مكفي عفن الحسفن "إل أن تغمضوا" مشددة الميفم
مفتوحفة .وقرأ قتادة أيضفا "تغمضوا" بضفم التاء وسفكون الغيفن وفتفح الميفم مخفففا .قال أبفو عمرو
الداني :معناه إل أن يغمض لكم ،وحكاه النحاس عن قتادة نفسه .وقال ابن جني :معناها توجدوا قد
غمضتفم ففي المفر بتأولكفم أو بتسفاهلكم وجريتفم على غيفر السفابق إلى النفوس .وهذا كمفا تقول:
أحمدت الرجل وجدتفه محمودا ،إلى غير ذلك من المثلة .قال ابن عطية :وقراءة الجمهور تخرج
على التجاوز وعلى تغميففض العيففن ،لن أغمففض بمنزلة غمففض .وعلى أنهففا بمعنففى حتففى تأتوا
غامضا من التأويل والنظر في أخذ ذلك ،إما لكونه حراما على قول ابن زيد ،وإما لكونه مهدى أو
مأخوذا فففي ديففن على قول غيره .وقال المهدوي :ومففن قرأ "تغمضوا" فالمعنففى تغمضون أعيففن
بصففائركم عففن أخذه .قال الجوهري :وغمضففت عففن فلن إذا تسففاهلت عليففه فففي بيففع أو شراء
وأغمضفت ،وقال تعالى" :ولسفتم بآخذيفه إل أن تغمضوا فيفه" [البقرة .]267 :يقال :أغمفض لي
فيما بعتني ،كأنك تريد الزيادة منه لرداءته والحط من ثمنه .و"أن" في موضع نصب ،والتقدير إل
بأن.
@قوله تعالى" :واعلموا أن ال غني حميد" نبه سبحانه وتعالى على صفة الغني ،أي ل حاجة به
إلى صفدقاتكم ،فمفن تقرب وطلب مثوبفة فليفعفل ذلك بمفا له قدر وبال ،فإنمفا يقدم لنفسفه .و"حميفد"
معناه محمود ففي كفل حال .وقفد أتينفا على معانفي هذيفن السفمين ففي "الكتاب السفنى" والحمفد ل.
قال الزجاج في قوله" :واعلموا أن ال غني حميد" :أي لم يأمركم أن تصدقوا من عوز ولكنه بل
أخباركم فهو حميد على ذلك على جميع نعمه.
**3اليفة{ 268 :الشيطان يعدكفم الفقفر ويأمركفم بالفحشاء وال يعدكفم مغفرة منفه وفضل وال
واسع عليم}
@قوله تعالى" :الشيطان" تقدم معنفى الشيطان واشتقاقفه فل معنفى لعادتفه .و"يعدكفم" معناه
يخوفكففم "الفقففر" أي بالفقففر لئل تنفقوا .فهذه اليففة متصففلة بمففا قبففل ،وأن الشيطان له مدخففل فففي
التثفبيط للنسفان عفن النفاق ففي سفبيل ال ،وهفو مفع ذلك يأمفر بالفحشاء وهفي المعاصفي والنفاق
فيهففا .وقيففل :أي بأن ل تتصففدقوا فتعصففوا وتتقاطعوا .وقرئ "الفُقْفر" بضففم الفاء وهففي لغففة .قال
الجوهري :والفقر لغة في الفقر ،مثل الضّعف والضّعف.
@قوله تعالى" :وال يعدكم مغفرة منه وفضل" الوعد في كلم العرب إذا أطلق فهو في الخير،
وإذا قيففد بالموعود مففا هففو فقففد يقدر بالخيففر وبالشففر كالبشارة .فهذه اليففة ممففا يقيففد فيهففا الوعففد
بالمعنييفن جميعفا .قال ابفن عباس :ففي هذه اليفة اثنتان مفن ال تعالى واثنتان مفن الشيطان .وروى
الترمذي عفن عبدال بفن مسفعود قال :قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :إن للشيطان لمفة بابفن
آدم وللملك لمففة فأمففا لمففة الشيطان فإيعاد بالشففر وتكذيففب بالحففق وأمففا لمففة الملك فإيعاد بالخيففر
وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من ال ،ومن وجد الخرى فليتعوذ بال من الشيطان -ثم
قرأ -الشيطان يعدكفم الفقفر ويأمركفم بالفحشاء) .قال :هذا حديفث حسفن صفحيح .ويجوز ففي غيفر
القرآن "ويأمركم الفحشاء" بحذف الباء ،وأنشد سيبويه:
فقد تركتك ذا مال وذا نشب أمرتك الخير فافعل ما أمرت به
والمغفرة هي الستر على عباده في الدنيا والخرة .والفضل هو الرزق في الدنيا والتوسعة والنعيم
في الخرة ،وبكل قد وعد ال تعالى.
@ذكر النقاش أن بعض الناس تأنس بهذه الية في أن الفقر أفضل من الغنى ،لن الشيطان إنما
يبعد العبد من الخير ،وهو بتخويفه الفقر يبعد منه .قال ابن عطية :وليس في الية حجة قاطعة بل
المعارضفة بهفا قويفة .وروي أن ففي التوراة (عبدي أنففق مفن رزقفي أبسفط عليفك فضلي فإن يدي
مبسوطة على كل يد مبسوطة) .وفي القرآن مصداقه وهو قوله" :وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه
وهو خير الرازقين" [سبأ .]39 :ذكره ابن عباس" .وال واسع عليم" تقدم معناه .والمراد هنا أنه
سفبحانه وتعالى يعطفي مفن سفعة ويعلم حيفث يضفع ذلك ،ويعلم الغيفب والشهادة .وهمفا اسفمان مفن
أسمائه ذكرناهما في جملة السماء في (الكتاب السنى) والحمد ل.
**3الية{ 269 :يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إل
أولوا اللباب}
@قوله تعالى" :يؤتِف الحكمفة مفن يشاء" أي يعطيهفا لمفن يشاء مفن عباده .واختلف العلماء ففي
الحكمففة هنففا ،فقال السففدي :هففي النبوة .ابففن عباس :هففي المعرفففة بالقرآن فقهففه ونسففخه ومحكمففه
ومتشابهففه وغريبففه ومقدمففه ومؤخره .وقال قتادة ومجاهففد :الحكمففة هففي الفقففه فففي القرآن .وقال
مجاهفد :الصفابة ففي القول والفعفل .وقال ابفن زيفد :الحكمفة العقفل ففي الديفن .وقال مالك بفن أنفس:
الحكمة المعرفة بدين ال والفقه فيه والتباع له .وروى عنه ابن القاسم أنه قال :الحكمة التفكر في
أمفر ال والتباع له .وقال أيضفا :الحكمفة طاعفة ال والفقفه ففي الديفن والعمفل بفه .وقال الربيفع بفن
أنفس :الحكمفة الخشيفة .وقال إبراهيفم النخعفي :الحكمفة الفهفم ففي القرآن ،وقاله زيفد بفن أسفلم .وقال
الحسن :الحكمة الورع.
قلت :وهذه القوال كلها ما عدا السدي والربيع والحسن قريب بعضها من بعض ،لن الحكمة
مصفدر مفن الحكام وهفو التقان ففي قول أو فعفل ،فكفل مفا ذكفر فهفو نوع مفن الحكمفة التفي هفي
الجنس ،فكتاب ال حكمة ،وسنة نبيه حكمة ،وكل ما ذكر من التفضيل فهو حكمة .وأصل الحكمة
ما يمتنع به من السفه ،فقيل للعلم حكمة ،لنه يمتنع به ،وبه يعلم المتناع من السفه وهو كل فعل
قبيح ،وكذا القرآن والعقل والفهم .وفي البخاري( :من يرد ال به خيرا يفقهه في الدين) وقال هنا:
"ومفن يؤت الحكمفة فقفد أوتفي خيرا كثيرا" وكرر ذكفر الحكمفة ولم يضمرهفا اعتناء بهفا ،وتنبيهفا
على شرفها وفضلها حسب ما تقدم بيانه عند قوله تعالى" :فبدل الذين ظلموا قول" [البقرة.]59 :
وذكر الدارمي أبو محمد في مسنده :حدثنا مروان بن محمد حدثنا رفدة الغساني قال :أخبرنا ثابت
بفن عجولن النصفاري قال :كان يقال :إن ال يريفد العذاب بأهفل الرض فإذا سفمع تعليفم المعلم
الصبيان الحكمة صرف ذلك عنهم .قال مروان :يعني بالحكمة القرآن.
@قوله تعالى" :ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إل أولو اللباب" يقال :إن من
أعطفي الحكمفة والقرآن فقفد أعطفي أفضفل مفا أعطفي مفن جمفع علم كتفب الوليفن مفن الصفحف
وغيرهفا ،لنفه قال لولئك" :ومفا أوتيتفم مفن العلم إل قليل" [السفراء .]85 :وسفمى هذا خيرا
كثيرا ،لن هذا هفو جوامفع الكلم .وقال بعفض الحكماء :مفن أعطفي العلم والقرآن ينبغفي أن يعرف
نفسه ،ول يتواضع لهل الدنيا لجل دنياهم ،فإنما أعطي أفضل ما أعطي أصحاب الدنيا ،لن ال
تعالى سففمى الدنيففا متاعففا قليل فقال" :قففل متاع الدنيففا قليففل" وسففمى العلم والقرآن "خيرا كثيرا".
وقرأ الجمهور "ومفن يؤت" على بناء الفعفل للمفعول .وقرأ الزهري ويعقوب "ومفن يؤت" بكسفر
التاء على معنففى ومففن يؤت ال الحكمففة ،فالفاعففل اسففم ال عففز وجففل .و"مففن" مفعول أول مقدم،
والحكمة مفعول ثان .واللباب :العقول ،واحدها لب وقد تقدم.
**3الية{ 270 :وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن ال يعلمه وما للظالمين من أنصار}
@شرط وجوابه ،وكانفت النذور من سفيرة العرب تكثفر منهفا ،فذكفر ال تعالى النوعين ،ما يفعله
المرء متبرعفا ،ومفا يفعله بعفد إلزامفه لنفسفه .وففي اليفة معنفى الوعفد والوعيفد ،أي مفن كان خالص
النيفة فهفو مثاب ،ومفن أنففق رياء أو لمعنفى آخفر ممفا يكسفبه المفن والذى ونحفو ذلك فهفو ظالم،
يذهفب فعله باطل ول يجفد له ناصفرا فيفه .ومعنفى "يعلمفه" يحصفيه ،قاله مجاهفد .ووحفد الضميفر
وقد ذكر شيئين ،فقال النحاس :التقدير "وما أنفقتم من نفقة" فإن ال يعلمها" ،أو نذرتم من نذر فإن
ال يعلمه" ثم حذف .ويجوز أن يكون التقدير :وما أنفقتم فإن ال يعلمه وتعود الهاء على "ما" كما
أنشد سيبويه لمرئ القيس:
لما نسجتها من جنوب وشمأل فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها
ويكون "أو نذرتفم مفن نذر" معطوففا عليفه .قال ابفن عطيفة :ووحفد الضميفر ففي "يعلمفه" وقفد ذكفر
شيئين من حيث أراد ما ذكر أو نص.
قلت :وهذا حسن :فإن الضمير قد يراد به جميع المذكور وإن كثر .والنذر حقيقة العبارة عنه أن
تقول :هو مفا أوجبفه المكلف على نفسفه مفن العبادات ممفا لو لم يوجبفه لم يلزمفه ،تقول :نذر الرجفل
كذا إذا التزم فعله ،ينذر -بضففم الذال -وينذر -بكسففرها . -وله أحكام يأتففي بيانهففا فففي غيففر هذا
الوضع إن شاء ال تعالى.
**3اليفة{ 271 :إن تبدوا الصفدقات فنعمفا هفي وإن تخفوهفا وتؤتوهفا الفقراء فهفو خيفر لكفم
ويكفر عنكم من سيئاتكم وال بما تعملون خبير}
@ذهفب جمهور المفسفرين إلى أن هذه اليفة ففي صفدقة التطوع ،لن الخفاء فيهفا أفضفل مفن
الظهار ،وكذلك سففائر العبادات الخفاء أفضففل فففي تطوعهففا لنتفاء الرياء عنهففا ،وليففس كذلك
الواجبات .قال الحسففن :إظهار الزكاة أحسففن ،وإخفاء التطوع أفضففل ،لنففه أدل على أنففه يراد ال
عز وجل به وحده .قال ابن عباس :جعل ال صدقة السر في التطوع تفضل علنيتها يقال بسبعين
ضعففا ،وجعفل صفدقة الفريضفة علنيتهفا أفضفل مفن سفرها يقال بخمسفة وعشريفن ضعففا .قال:
وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الشياء كلها.
قلت :مثل هذا ل يقال من جهة الرأي وإنما هو توقيف ،وفي صحيح مسلم عن النبي صلى ال
عليفه وسفلم أنه قال( :أفضفل صفلة المرء ففي بيتفه إل المكتوبة) وذلك أن الفرائض ل يدخلهفا رياء
والنوافل عرضة لذلك .وروى النسائي عن عقبة بن عامر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إن
الذي يجهر بالقرآن كالذي يجهر بالصدقة والذي يسر بالقرآن كالذي يسر بالصدقة) .وفي الحديث:
(صدقة السر تطفئ غضب الرب).
قال ابفن العربفي :وليفس ففي تفضيفل صفدقة العلنيفة على السفر ،ول تفضيفل صفدقة السفر على
العلنيفة حديفث صفحيح ولكنفه الجماع الثابفت ،فأمفا صفدقة النففل فالقرآن ورد مصفرحا بأنهفا ففي
السفر أفضفل منهفا ففي الجهفر ،بيفد أن علماءنفا قالوا :إن هذا على الغالب مخرجفه ،والتحقيفق فيفه أن
الحال في الصدقة تختلف بحال المعطي لها والمعطى إياها والناس الشاهدين لها .أما المعطي فله
فيها فائدة إظهار السنة وثواب القدوة.
قلت :هذا لمفن قويفت حاله وحسفنت نيتفه وأمفن على نفسفه الرياء ،وأمفا مفن ضعفف عفن هذه
المرتبفة فالسفر له أفضفل .وأمفا المعطفى إياهفا فإن السفر له أسفلم مفن احتقار الناس له ،أو نسفبته إلى
أنه أخذها مع الغنى عنها وترك التعفف ،وأما حال الناس فالسر عنهم أفضل من العلنية لهم ،من
جهفة أنهفم ربمفا طعنوا على المعطفي لهفا بالرياء وعلى الخفذ لهفا بالسفتغناء ،ولهفم فيهفا تحريفك
القلوب إلى الصدقة ،لكن هذا اليوم قليل.
وقال يزيد بن أبي حبيب :إنما نزلت هذه الية في الصدقة على اليهود والنصارى ،فكان يأمر
بقسم الزكاة في السر .قال ابن عطية :وهذا مردود ،ل سيما عند السلف الصالح ،فقد قال الطبري:
أجمع الناس على أن إظهار الواجب أفضل.
قلت :ذكفر الكيفا الطفبري أن ففي هذه اليفة دللة على قول إخفاء الصفدقات مطلقفا أولى ،وأنهفا
حفق الفقيفر وأنفه يجوز لرب المال تفريقهفا بنفسفه ،على مفا هفو أحفد قولي الشافعفي .وعلى القول
الخفر ذكروا أن المراد بالصفدقات ههنفا التطوع دون الفرض الذي إظهاره أولى لئل يلحقفه تهمفة،
ولجففل ذلك قيففل :صففلة النفففل فرادى أفضففل ،والجماعففة فففي الفرض أبعففد عففن التهمففة .وقال
المهدوي :المراد باليفة فرض الزكاة ومفا تطوع بفه ،فكان الخفاء أفضفل ففي مدة النفبي صفلى ال
عليفه وسفلم ،ثفم سفاءت ظنون الناس بعفد ذلك ،فاسفتحسن العلماء إظهار الفرائض لئل يظفن بأحفد
المنففع .قال ابففن عطيففة :وهذا القول مخالف للثار ،ويشبففه فففي زماننففا أن يحسففن التسففتر بصففدقة
الفرض ،فقد كثر المانع لها وصار إخراجها عرضة للرياء .وقال ابن خويز منداد :وقد يجوز أن
يراد باليفة الواجبات مفن الزكاة والتطوع ،لنه ذكفر الخفاء ومدحفه والظهار ومدحفه ،فيجوز أن
يتوجفه إليهمفا جميعفا .وقال النقاش :إن هذه اليفة نسفخها قوله تعالى" :الذيفن ينفقون أموالهفم بالليفل
والنهار سرا وعلنية" [البقرة ]274 :الية.
@قوله تعالى" :فنعما هي" ثناء على إبداء الصدقة ،ثم حكم على أن الخفاء خير من ذلك .ولذلك
قال بعفففض الحكماء :إذا اصفففطنعت المعروف فاسفففتره ،وإذا اصفففطنع إليفففك فانشره .قال دعبفففل
الخزاعي:
وإن أنعموا باكتتام إذا انتقموا أعلنوا أمرهم
وقال سهل بن هارون:
أعطاك ما ملكت كفاه واعتذرا خل إذا جئته يوما لتسأله
إن الجميل إذا أخفيته ظهرا يخفى صنائعه وال يظهرها
وقال العباس بن عبدالمطلب رضي ال عنه :ل يتم المعروف إل بثلث خصال :تعجيله وتصغيره
وسففتره ،فإذا أعجلتففه هنيتففه ،وإذا صففغرته عظمتففه ،وإذا سففترته أتممتففه .وقال بعففض الشعراء
فأحسن:
أنه عندك مستور حقير زاد معروفك عندي عظما
وهو عند الناس مشهور خطير تتناساه كأن لم تأته
واختلف القراء في قول "فنعما هي" فقرأ أبو عمرو ونافع في رواية ورش وعاصم في رواية
حففص وابفن كثيفر "فنعمفا هفي" بكسفر النون والعيفن .وقرأ أبفو عمرو أيضفا وناففع ففي غيفر روايفة
ورش وعاصفم ففي روايفة أبفي بكفر والمفضفل "فنعمفا" بكسفر النون وسفكون العيفن .وقرأ العمفش
وابن عامر وحمزة والكسائي "فنعما" بفتح النون وكسر العين ،وكلهم سكن الميم .ويجوز في غير
القرآن فنعفم مفا هفي .قال النحاس :ولكنفه ففي السفواد متصفل فلزم الدغام .وحكفى النحويون ففي
"نعفم" أربفع لغات :نعفم الرجفل زيفد ،هذا الصفل .ونعفم الرجفل ،بكسفر النون لكسفر العيفن .ونعفم
الرجفل ،بفتفح النون وسفكون العيفن ،والصفل نعفم حذففت الكسفرة لنهفا ثقيلة .ونعفم الرجفل ،وهذا
أفضفل اللغات ،والصفل فيهفا َنعِم .وهفي تقفع ففي كفل مدح ،فخفففت وقلبفت كسفرة العيفن على النون
وأسفكنت العيفن ،فمفن قرأ "فنعمفا هفي" فله تقديران :أحدهمفا أن يكون جاء بفه على لغفة مفن يقول
نِعِم .والتقديففر الخففر أن يكون على اللغففة الجيدة ،فيكون الصففل ِنعْمفَ ،ثففم كسففرت العيففن للتقاء
السفاكنين .قال النحاس :فأمفا الذي حكفي عفن أبفي عمرو وناففع مفن إسفكان العيفن فمحال .حكفي عفن
محمفد بفن يزيفد أنفه قال :أمفا إسفكان العيفن والميفم مشددة فل يقدر أحفد أن ينطفق بفه ،وإنمفا يروم
الجمع بين ساكنين ويحرك ول يأبه .وقال أبو علي :من قرأ بسكون العين لم يستقم قوله ،لنه جمع
بين ساكنين الول منهما ليس بحرف مد ولين وإنما يجوز ذلك عند النحويين إذا كان الول حرف
مفد ،إذ المفد يصفير عوضفا مفن الحركفة ،وهذا نحفو دابفة وضوال ونحوه .ولعفل أبفا عمرو أخففى
الحركفة واختلسفها كأخذه بالخفاء ففي "بارئكفم -و -يأمركفم" فظفن السفامع الخفاء إسفكانا للطفف
ذلك ففي السفمع وخفائه .قال أبفو علي :وأمفا مفن قرأ "نعمفا" بفتفح النون وكسفر العيفن فإنمفا جاء
بالكلمة على أصلها ومنه قول الشاعر:
نعم الساعون في المر المبر ما أقلت قدماي إنهم
قال أبففو علي :و"مففا" مففن قوله تعالى" :نعمففا" فففي موضففع نصففب ،وقوله "هففي" تفسففير للفاعففل
المضمفر قبفل الذكفر ،والتقديفر نعفم شيئا إبداؤهفا ،والبداء هفو المخصفوص بالمدح إل أن المضاف
حذف وأقيفم المضاف إليفه مقامفه .ويدلك على هذا قوله "فهفو خيفر لكفم" أي الخفاء خيفر .فكمفا أن
الضميفر هنفا للخفاء ل للصفدقات فكذلك ،أول الفاعفل هفو البداء وهفو الذي اتصفل بفه الضميفر،
فحذف البداء وأقيم ضمير الصدقات مثله" .وإن تخفوها" شرط ،فلذلك حذفت النون" .وتؤتوها"
عطف عليه .والجواب "فهو خيفر لكم"" .ويكفر" اختلف القراء في قراءته ،فقرأ أبو عمرو وابن
كثير وعاصم في رواية أبي بكر وقتادة وابن أبي إسحاق "ونكفر" بالنون ورفع الراء .وقرأ نافع
وحمزة والكسائي بالنون والجزم في الراء ،وروي مثل ذلك أيضا عن عاصم .وروى الحسين بن
علي الجعفي عن العمش "يكفر" بنصب الراء .وقرأ ابن عامر بالياء ورفع الراء ،ورواه حفص
عن عاصم ،وكذلك روي عن الحسن ،وروي عنه بالياء والجزم .وقرأ ابن عباس "وتكفر" بالتاء
وكسفر الفاء وجزم الراء .وقرأ عكرمفة "وتكففر" بالتاء وفتفح الفاء وجزم الراء .وحكفى المهدوي
عفن ابفن هرمفز أنفه قرأ "وتكففر" بالتاء ورففع الراء .وحكفي عفن عكرمفة وشهفر بفن حوشفب أنهمفا
قرآ بتاء ونصب الراء .فهذه تسع قراءات أبينها "ونكفر" بالنون والرفع .هذا قول الخليل وسيبويه.
قال النحاس :قال سيبويه :والرفع ههنا الوجه وهو الجيد ،لن الكلم الذي بعد الفاء يجري مجراه
ففي غيفر الجزاء .وأجاز الجزم بحمله على المعنفى ،لن المعنفى وإن تخفوهفا وتؤتوهفا الفقراء يكفن
خيرا لكفم ونكففر عنكفم .وقال أبفو حاتفم :قرأ العمفش "يكففر" بالياء دون واو قبلهفا .قال النحاس:
والذي حكاه أبو حاتم عن العمش بغير واو جزما يكون على البدل كأنه في موضع الفاء .والذي
روي عففن عاصففم "ويكفففر" بالياء والرفففع يكون معناه ويكفففر ال ،هذا قول أبففي عبيففد .وقال أبففو
حاتفم :معناه يكففر العطاء .وقرأ ابفن عباس "وتكففر" يكون معناه وتكففر الصفدقات .وبالجملة فمفا
كان مفن هذه القراءات بالنون فهفي نون العظمفة ،ومفا كان منهفا بالتاء فهفي الصفدقة فاعلمفه ،إل مفا
روي عفن عكرمفة مفن فتفح الفاء فإن التاء ففي تلك القراءة إنمفا هفي للسفيئات ،ومفا كان منهفا بالياء
فال تعالى هفو المكففر ،والعطاء ففي خفاء مكففر أيضفا كمفا ذكرنفا ،وحكاه مكفي .وأمفا رففع الراء
فهفو على وجهيفن :أحدهمفا أن يكون الفعفل خفبر ابتداء تقديره ونحفن نكففر أو وهفي تكففر ،أعنفي
الصفدقة ،أو وال يكففر .والثانفي القطفع والسفتئناف ل تكون الواو العاطففة للشتراك لكفن تعطفف
جملة كلم على جملة .وقفد ذكرنفا معنفى قراءة الجزم .فأمفا نصفب "ونكففر" فضعيفف وهفو على
إضمار أن وجاز على بُعْفد .قال المهدوي :وهففو مشبففه بالنصففب فففي جواب السففتفهام ،إذ الجزاء
يجففب بففه الشيففء لوجوب غيره كالسففتفهام .والجزم فففي الراء أفصففح هذه القراءات ،لنهففا تؤذن
بدخول التكفير في الجزاء وكونه مشروطا إن وقع الخفاء .وأما الرفع فليس فيه هذا المعنى.
قلت :هذا خلف ما اختاره الخليل وسيبويه .و"من" في قوله "من سيئاتكم" للتبعيض المحض.
وحكفى الطفبري عفن فرقفة أنهفا زائدة .قال ابفن عطيفة :وذلك منهفم خطفأ" .وال بمفا تعملون خفبير"
وعد ووعيد.
**3الية{ 272 :ليس عليك هداهم ولكن ال يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلنفسكم وما
تنفقوا إل ابتغاء وجه ال وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم ل تظلمون}
@قوله تعالى" :ليفس عليفك هداهفم" هذا الكلم متصفل بذكفر الصفدقات ،فكأنفه بيفن فيفه جواز
الصفدقة على المشركيفن .روى سفعيد بفن جفبير مرسفل عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي سفبب
نزول هذه الية أن المسلمين كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة ،فلما كثر فقراء المسلمين قال
رسول ال صلى ال عليه وسلم (ل تتصدقوا إل على أهل دينكم) .فنزلت هذه الية مبيحة للصدقة
على مفن ليفس مفن ديفن السفلم .وذكفر النقاش أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أتفي بصفدقات فجاءه
يهودي فقال :أعطنفي .فقال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :ليفس لك مفن صفدقة المسفلمين شيفء).
فذهفب اليهودي غيفر بعيفد فنزلت" :ليفس عليفك هداهفم" فدعاه رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم
فأعطاه ،ثفم نسفخ ال ذلك بآيفة الصفدقات .وروى ابفن عباس أنفه قال :كان ناس مفن النصفار لهفم
قرابات مففن بنففي قريظففة والنضيففر ،وكانوا ل يتصففدقون عليهففم رغبففة منهففم فففي أن يسففلموا إذا
احتاجوا ،فنزلت اليفة بسفبب أولئك .وحكفى بعفض المفسفرين أن أسفماء ابنفة أبفي بكفر الصفديق
أرادت أن تصفل جدهفا أبفا قحاففة ثفم امتنعفت مفن ذلك لكونفه كافرا فنزلت اليفة ففي ذلك .وحكفى
الطفبري أن مقصفد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بمنفع الصفدقة إنمفا كان ليسفلموا ويدخلوا ففي الديفن،
فقال ال تعالى" :ليفس عليفك هداهفم" .وقيفل" :ليفس عليفك هداهفم" ليفس متصفل بمفا قبفل ،فيكون
ظاهرا في الصدقات وصرفها إلى الكفار ،بل يحتمل أن يكون معناه ابتداء كلم.
@قال علماؤنفا :هذه الصفدقة التفي أبيحفت لهفم حسفب مفا تضمنتفه هذه الثار هفي صفدقة التطوع.
وأمفا المفروضفة فل يجزئ دفعهفا لكاففر ،لقوله عليفه السفلم( :أمرت أن آخفذ الصفدقة مفن أغنيائكفم
وأردهفا ففي فقرائكفم) .قال ابفن المنذر :أجمفع كفل مفن أحففظ عنفه مفن أهفل العلم أن الذمفي ل يعطفى
مففن زكاة الموال شيئا ،ثففم ذكففر جماعففة ممففن نففص على ذلك ولم يذكففر خلفففا .وقال المهدوي:
رخص للمسلمين أن يعطوا المشركين من قراباتهم من صدقة الفريضة لهذه الية .قال ابن عطية:
وهذا مردود بالجماع .وال أعلم .وقال أبفو حنيففة :تصفرف إليهفم زكاة الفطفر .ابفن العربفي :وهذا
ضعيففف ل أصففل له .ودليلنففا أنهففا صففدقة طهرة واجبففة فل تصففرف إلى الكافففر كصففدقة الماشيففة
والعين ،وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم( :أغنوهم عن سؤال هذا اليوم) يعني يوم الفطر.
قلت :وذلك لتشاغلهم بالعيد وصلة العيد وهذا ل يتحقق في المشركين .وقد يجوز صرفها إلى
غير المسلم في قول من جعلها سنة ،وهو أحد القولين عندنا ،وهو قول أبي حنيفة على ما ذكرنا،
نظرا إلى عموم اليففة فففي البر وإطعام الطعام وإطلق الصففدقات .قال ابففن عطيففة :وهذا الحكففم
متصور للمسلمين مع أهل ذمتهم ومع المسترقين من الحربيين.
قلت :وفي التنزيل "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا" [النسان ]8 :والسير
في دار السلم ل يكون إل مشركا .وقال تعالى" :ل ينهاكم ال عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم
يخرجوكفم مفن دياركفم أن تفبروهم وتقسفطوا إليهفم" [الممتحنفة .]8 :فظواهفر هذه اليات تقتضفي
جواز صففرف الصففدقات إليهففم جملة ،إل أن النففبي صففلى ال عليففه وسففلم خففص منهففا الزكاة
المفروضففة ،لقوله عليففه السففلم لمعاذ( :خففذ الصففدقة مففن أغنيائهففم وردهففا على فقرائهففم) واتفففق
العلماء على ذلك على مففا تقدم .فيدفففع إليهففم مففن صففدقة التطوع إذا احتاجوا ،وال أعلم .قال ابففن
العربفي :فأمفا المسفلم العاصفي فل خلف أن صفدقة الفطفر تصفرف إليفه إل إذا كان يترك أركان
السفلم مفن الصفلة والصفيام فل تدففع إليفه الصفدقة حتفى يتوب .وسفائر أهفل المعاصفي تصفرف
الصفدقة إلى مرتكبيهفا لدخولهفم ففي اسفم المسفلمين .وففي صفحيح مسفلم أن رجل تصفدق على غنفي
وسارق وزانية وتقبلت صدقته ،على ما يأتي بيانه في آية "الصدقات".
@قوله تعالى" :ولكن ال يهدي من يشاء" أي يرشد من يشاء .وفي هذا رد على القدرية وطوائف
من المعتزلة ،كما تقدم.
@قوله تعالى" :ومفا تنفقوا مفن خيفر فلنفسفكم ومفا تنفقون إل ابتغاء وجفه ال" شرط وجوابفه.
والخير في هذه الية المال ،لنه قد اقترن بذكر النفاق فهذه القرينة تدل على أنه المال ،ومتى لم
تقترن بمففا يدل على أنففه المال فل يلزم أن يكون بمعنففى المال ،نحففو قوله تعالى" :خيففر مسففتقرا"
[الفرقان ]24 :وقوله "مثقال ذرة خيرا يره" [الزلزلة .]7 :إلى غير ذلك .وهذا تحرز من قول
عكرمفة :كفل خيفر ففي كتاب ال تعالى فهفو المال .وحكفي أن بعفض العلماء كان يصفنع كثيرا مفن
المعروف ثم يحلف أنه ما فعل مع أحد خيرا ،فقيل له في ذلك فيقول :إنما فعلت مع نفسي ،ويتلو
"ومفا تنفقوا مفن خيفر فلنفسفكم" .ثفم بيفن تعالى أن النفقفة المعتفد بقبولهفا إنمفا هفي مفا كان ابتغاء
وجهفه .و"ابتغاء" هفو على المفعول له .وقيفل :إنفه شهادة مفن ال تعالى للصفحابة رضفي ال عنهفم
أنهفم إنمفا ينفقون ابتغاء وجهفه ،فهذا خرج مخرج التفضيفل والثناء عليهفم .وعلى التأويفل الول هفو
اشتراط عليهم ،ويتناول الشتراط غيرهم من المة .قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لسعد بن
أبفي وقاص( :إنفك لن تنففق نفقفة تبتغفي بهفا وجفه ال تعالى إل أجرت بهفا حتفى مفا تجعفل ففي فيِف
امرأتك).
@قوله تعالى" :وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم ل تظلمون" "يوف إليكم" تأكيد وبيان لقوله:
"وما تنفقوا من خير فلنفسكم" وأن ثواب النفاق يوفى إلى المنفقين ول يبخسون منه شيئا فيكون
ذلك البخس ظلما لهم.
**3الية{ 273 :للفقراء الذين أحصروا في سبيل ال ل يستطيعون ضربا في الرض يحسبهم
الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم ل يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن ال به
عليم}
@قوله تعالى" :للفقراء" اللم متعلقة بقوله "وما تنفقوا من خير" وقيل :بمحذوف تقديره النفاق
أو الصففدقة للفقراء .قال السففدي ومجاهففد وغيرهمففا :المراد بهؤلء الفقراء فقراء المهاجريففن مففن
قريفش وغيرهفم ،ثفم تتناول اليفة كفل مفن دخفل تحفت صففة الفقراء غابر الدهفر .وإنمفا خفص فقراء
المهاجريفن بالذكفر لنفه لم يكفن هناك سفواهم وهفم أهفل الصففة وكانوا نحوا مفن أربعمائة رجفل،
وذلك أنهم كانوا يقدمون فقراء على رسول ال صلى ال عليه وسلم ،وما لهم أهل ول مال فبنيت
لهم صفة في مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقيل لهم :أهل الصفة .قال أبو ذر :كنت من
أهل الصفة وكنا إذا أمسينا حضرنا باب رسول ال صلى ال عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف
برجفل ويبقفى مفن بقفي مفن أهفل الصففة عشرة أو أقفل فيؤتفى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بعشائه
ونتعشففى معففه .فإذا فرغنففا قال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم( :ناموا فففي المسففجد) .وخرج
الترمذي عفن البراء بفن عازب "ول تيمموا الخفبيث منفه تنفقون" قال :نزلت فينفا معشفر النصفار
كنفا أصفحاب نخفل ،قال :فكان الرجفل يأتفي مفن نخله على قدر كثرتفه وقلتفه ،وكان الرجفل يأتفي
بالقنفو والقنويفن فيعلقفه ففي المسفجد ،وكان أهفل الصففة ليفس لهفم طعام ،فكان أحدهفم إذا جاع أتفى
القنفو فيضربفه بعصفاه فيسفقط مفن البُسفر والتمفر فيأكفل ،وكان ناس ممفن ل يرغفب ففي الخيفر يأتفي
حشَف ،وبالقنو قد انكسر فيعلقه في المسجد ،فأنزل ال تعالى "يا أيها الذين بالقنو فيه الشيص وال َ
آمنوا أنفقوا مفن طيبات مفا كسفبتم وممفا أخرجنفا لكفم مفن الرض ول تيمموا الخفبيث منفه تنفقون
ولستم بآخذيه إل أن تغمضوا فيه" [البقرة .]267 :قال :ولو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطاه
لم يأخذه إل على إغماض وحياء .قال :فكنا بعد ذلك يأتي الرجل بصالح ما عنده .قال :هذا حديث
حسففن غريففب صففحيح .قال علماؤنففا :وكانوا رضففي ال عنهففم فففي المسففجد ضرورة ،وأكلوا مففن
الصفدقة ضرورة ،فلمفا فتفح ال على المسفلمين اسفتغنوا عفن تلك الحال وخرجوا ثفم ملكوا وتأمروا.
ثم بين ال سبحانه من أحوال أولئك الفقراء المهاجرين ما يوجب الحنو عليهم بقوله تعالى" :الذين
أحصفروا ففي سفبيل ال" والمعنفى حبسفوا ومنعوا .قال قتادة وابفن زيفد :معنفى "أحصفروا ففي سفبيل
ال" حبسففوا أنفسففهم عففن التصففرف فففي معايشهففم خوف العدو ،ولهذا قال تعالى" :ل يسففتطيعون
ضربففا فففي الرض" لكون البلد كلهففا كفرا مطبقففا .وهذا فففي صففدر السففلم ،فعلتهففم تمنففع مففن
الكتسففاب بالجهاد ،وإنكار الكفار عليهففم إسففلمهم يمنففع مففن التصففرف فففي التجارة فبقوا فقراء.
وقيفل :معنففى "ل يسففتطيعون ضربفا فففي الرض" أي لمفا قفد ألزموا أنفسفهم مفن الجهاد .والول
أظهر .وال أعلم.
@قوله تعالى" :يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف" أي أنهم من النقباض وترك المسألة والتوكل
على ال بحيث يظنهم الجاهل بهم أغنياء .وفيه دليل على أن اسم الفقر يجوز أن يطلق على من له
كسففوة ذات قيمففة ول يمنففع ذلك مففن إعطاء الزكاة إليففه .وقففد أمففر ال تعالى بإعطاء هؤلء القوم،
وكانوا من المهاجرين الذين يقاتلون مع رسول ال صلى ال عليه وسلم غير مرضى ول عميان.
والتعفف تفعل ،وهو بناء مبالغة من عف عن الشيء إذا أمسك عنه وتنزه عن طلبه ،وبهذا المعنى
فسفر قتادة وغيره .وفتفح السفين وكسفرها ففي "يحسفبهم" لغتان .قال أبفو علي :والفتفح أقيفس ،لن
العين من الماضي مكسورة فبابها أن تأتي في المضارع مفتوحة .والقراءة بالكسر حسنة ،لمجيء
السفمع بفه وإن كان شاذا عفن القياس .و"مفن" ففي قوله "مفن التعففف" لبتداء الغايفة .وقيفل لبيان
الجنس.
@قوله تعالى" :تعرفهم بسيماهم" فيه دليل على أن للسيما أثرا في اعتبار من يظهر عليه ذلك،
حتفى إذا رأينفا ميتفا ففي دار السفلم وعليفه زنار وهفو غيفر مختون ل يدففن ففي مقابر المسفلمين،
ويقدم ذلك على حكفم الدار ففي قول أكثفر العلماء ،ومنفه قوله تعالى" :ولتعرفنهفم ففي لحفن القول"
[محمد .]30 :فدلت الية على جواز صرف الصدقة إلى من له ثياب وكسوة وزي في التجمل.
واتفق العلماء على ذلك ،وإن اختلفوا بعده في مقدار ما يأخذه إذا احتاج فأبو حنيفة اعتبر مقدار ما
تجفب فيفه الزكاة ،والشافعفي اعتفبر قوت سفنة ،ومالك اعتفبر أربعيفن درهمفا ،والشافعفي ل يصفرف
الزكاة إلى المكتسب.
والسفيما (مقصفورة) :العلمفة ،وقفد تمفد فيقال السفيماء .وقفد اختلف العلماء ففي تعيينههنفا ،فقال
مجاهفد :هفي الخشوع والتواضفع .السفدي :أثفر الفاقفة والحاجفة ففي وجوههفم وقلة النعمفة .ابفن زيفد:
رثاثففة ثيابهففم .وقال قوم وحكاه مكففي :أثففر السففجود .ابففن عطيففة :وهذا حسففن ،وذلك لنهففم كانوا
متفرغين متوكلين ل شغل لهم في الغلب إل الصلة ،فكان أثر السجود عليهم.
قلت :وهده السيما التي هي أثر السجود اشترك فيها جميع الصحابة رضوان ال عليهم بإخبار
ال تعالى ففي آخفر "الفتح" بقوله" :سفيماهم ففي وجوههفم مفن أثفر السفجود" [الفتفح ]29 :فل فرق
بينهفم وبيفن غيرهفم ،فلم يبفق إل أن تكون السفيماء أثفر الخصفاصة والحاجفة ،أو يكون أثفر السفجود
أكثفر ،فكانوا يعرفون بصففرة الوجوه مفن قيام الليفل وصفوم النهار .وال أعلم .وأمفا الخشوع فذلك
محله القلب ويشترك فيه الغني والفقير ،فلم يبق إل ما اخترناه ،والموفق الله.
@قوله تعالى" :ل يسألون الناس إلحافا" مصدر في موضع الحال أي ملحفين يقال :ألحف وأحفى
وألح في المسألة سواء ويقال:
وليس للملحف مثل الرد
واشتقاق اللحاف مفففن اللحاف ،سفففمي بذلك لشتماله على وجوه الطلب ففففي المسفففألة كاشتمال
اللحاف من التغطية ،أي هذا السائل يعم الناس بسؤاله فيلحفهم ذلك ،ومنه قول ابن أحمر:
ويلحفهن هفهافا ثخينا فظل يحفهن بقفقفيه
يصف ذكر النعام يحضن بيضا بجناحيه ويجعل جناحه لها كاللحاف وهو رقيق مع ثخنه .وروى
النسائي ومسلم عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :ليس المسكين الذي ترده
التمرة والتمرتان واللقمففة واللقمتان إنمففا المسففكين المتعفففف اقرؤوا إن شئتففم "ل يسففألون الناس
إلحافا".
@واختلف العلماء في معنى قوله "ل يسألون الناس إلحافا" على قولين ،فقال قوم منهم الطبري
والزجاج :إن المعنفى ل يسفألون البتفة ،وهذا على أنهفم متعففون عفن المسفألة عففة تامفة ،وعلى هذا
جمهور المفسفرين ،يكون التعففف صففة ثابتفة لهفم ،أي ل يسفألون الناس إلحاحفا ول غيفر إلحاح.
وقال قوم :إن المراد نفففي اللحاف ،أي أنهففم يسففألون غيففر إلحاف ،وهذا هففو السففابق للفهففم ،أي
يسفألون غيفر ملحفيفن .وففي هذا تنفبيه على سفوء حالة مفن يسفأل الناس إلحاففا .روى الئمفة واللففظ
لمسلم عن معاوية بن أبي سفيان قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :ل تلحفوا في المسألة
فوال ل يسفألني أحفد منكفم شيئا فتخرج له مسفألته منفي شيئا وأنفا له كاره فيبارك له فيمفا أعطيتفه).
وففي الموطفأ "عفن زيفد بفن أسفلم عفن عطاء بفن يسفار عفن رجفل مفن بنفي أسفد أنفه قال :نزلت أنفا
وأهلي ببقيع الغرقد فقال لي أهلي :اذهب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فاسأله لنا شيئاً نأكله،
وجعلوا يذكرون مففن حاجتهففم ،فذهبففت إلى رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم فوجدت عنده رجل
يسأله ورسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :ل أجد ما أعطيك) فتولى الرجل عنه وهو مغضب
وهو يقول :لعمري إنك لتعطي من شئت! فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :إنه يغضب علي
أل أجد ما أعطيه من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا) .قال السدي :فقلت للقحة لنا
خيفر مفن أوقيفة -قال مالك :والوقيفة أربعون درهمفا -قال :فرجعفت ولم أسفأله ،فقدم على رسفول
ال صفلى ال عليفه وسفلم بعفد ذلك بشعيفر وزبيفب فقسفم لنفا منفه حتفى أغنانفا ال" .قال ابفن عبدالبر:
هكذا رواه مالك وتابعفه هشام بفن سفعد وغيره ،وهفو حديفث صفحيح ،وليفس حكفم الصفحابي إذا لم
يسم كحكم من دونه إذا لم يسم عند العلماء ،لرتفاع الجرحة عن جميعهم وثبوت العدالة لهم .وهذا
الحديث يدل على أن السؤال مكروه لمن له أوقية من فضة ،فمن سأل وله هذا الحد والعدد والقدر
من الفضة أو ما يقوم مقامها ويكون عدل منها فهو ملحف ،وما علمت أحدا من أهل العلم إل وهو
يكره السؤال لمن له هذا المقدار من الفضة أو عدلها من الذهب على ظاهر هذا الحديث .وما جاءه
مفن غيفر مسفألة فجائز له أن يأكله إن كان مفن غيفر الزكاة ،وهذا ممفا ل أعلم فيفه خلففا ،فإن كان
من الزكاة ففيه خلف يأتي بيانه في آية الصدقات إن شاء ال تعالى.
@قال ابفن عبدالبر :مفن أحسفن مفا روي مفن أجوبفة الفقهاء ففي معانفي السفؤال وكراهيتفه ومذهفب
أهل الورع فيه ما حكاه الثرم عن أحمد بن حنبل وقد سئل عن المسألة متى تحل قال :إذا لم يكن
ما يغذيه ويعشيه على حديث سهل بن الحنظلية .قيل لبي عبدال :فإن اضطر إلى المسألة؟ قال:
هفي مباحفة له إذا اضطفر .قيفل له :فإن تعففف ؟ قال :ذلك خيفر له .ثفم قال :مفا أظفن أحدا يموت مفن
الجوع! ال يأتيه برزقه .ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري (من استعف أعفه ال) .وحديث أبي ذر
عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال له( :تعففف) .قال أبفو بكفر :وسفمعته يسفأل عفن الرجفل ل يجفد
شيئا أيسأل الناس أم يأكل الميتة؟ فقال :أيأكل الميتة وهو يجد من يسأله ،هذا شنيع .قال :وسمعته
يسفأله هفل يسفأل الرجفل لغيره؟ قال ل ،ولكفن يعرض ،كمفا قال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم حيفن
جاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار فقال( :تصدقوا) ولم يقل أعطوهم .قال أبو عمر :قد قال النبي
صفلى ال عليفه وسفلم (اشفعوا تؤجروا) .وفيفه إطلق السفؤال لغيره .وال أعلم .وقال( :أل رجفل
يتصدق على هذا)؟ قال أبو بكر :قيل له -يعني أحمد بن حنبل -فالرجل يذكر الرجل فيقول :إنه
محتاج؟ فقال :هذا تعريفض وليفس بفه بأس ،إنمفا المسفألة أن يقول أعطفه .ثفم قال :ل يعجبنفي أن
يسأل المرء لنفسه فكيف لغيره؟ والتعريض هنا أحب إلي.
قلت :قفد روى أبفو داود والنسفائي وغيرهمفا أن الفراسفي قال لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم:
أسأل يا رسول ال؟ قال( :ل وإن كنت سائل ل بد فاسأل الصالحين) .فأباح صلى ال عليه وسلم
سفؤال أهفل الفضفل والصفلح عنفد الحاجفة إلى ذلك ،وإن أوقفع حاجتفه بال فهفو أعلى .قال إبراهيفم
بفن أدهفم :سفؤال الحاجات مفن الناس هفي الحجاب بينفك وبيفن ال تعالى ،فأنزل حاجتفك بمفن يملك
الضر والنفع ،وليكن مفزعك إلى ال تعالى يكفيك ال ما سواه وتعيش مسرورا.
@فإن جاءه شيء من غير سؤال فله أن يقبله ول يرده ،إذ هو رزق رزقه ال .روى مالك عن
زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب
بعطاء فرده ،فقال له رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم( :لم رددتففه)؟ فقال :يففا رسففول ال ،أليففس
أخبرتنففا أن أحدنففا خيففر له أل يأخففذ شيئا؟ فقال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم( :إنمففا ذاك عففن
المسفألة فأمفا مفا كان مفن غيفر مسفألة فإنمفا هفو رزق رزقكفه ال) .فقال عمفر بفن الخطاب :والذي
نفسي بيده ل أسأل أحدا شيئا ول يأتيني بشيء من غير مسألة إل أخذته .وهذا نص .وخرج مسلم
ففي صفحيحه والنسفائي ففي سفننه وغيرهمفا عفن ابفن عمفر قال سفمعت عمفر يقول :كان النفبي صفلى
ال عليفه وسفلم يعطينفي العطاء فأقول :أعطفه أفقفر إليفه منفي ،حتفى أعطانفي مرة مالً فقلت :أعطفه
أفقفر إليفه منفي ،فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :خذه ومفا جاءك مفن هذا المال وأنفت غيفر
مشرف ول سفائل فخذه ومال فل تتبعفه نفسفك) .زاد النسفائي -بعفد قوله (خذه -فتموله أو تصفدق
بفه) .وروى مسفلم مفن حديفث عبدال بفن السفعدي المالكفي عفن عمفر فقال لي رسفول ال صفلى ال
عليفه وسفلم( :إذا أعطيفت شيئا مفن غيفر أن تسفأل فكفل وتصفدق) .وهذا يصفحح لك حديفث مالك
المرسل .قال الثرم :سمعت أبا عبدال أحمد بن حنبل يسأل عن قول النبي صلى ال عليه وسلم:
(مفا أتاك مفن غيفر مسفألة ول إشراف) أي الشراف أراد؟ فقال :أن تسفتشرفه وتقول :لعله يبعفث
إلي بقلبك .قيل له :وإن لم يتعرض ،قال نعم إنما هو بالقلب .قيل له :هذا شديد قال :وإن كان شديدا
فهفو هكذا .قيفل له :فإن كان الرجفل لم يعودنفي أن يرسفل إلي شيئا إل أنفه قفد عرض بقلبفي فقلت:
عسفى أن يبعفث إلي .قال :هذا إشراف ،فأمفا إذا جاءك مفن غيفر أن تحتسفبه ول خطفر على قلبفك
فهذا الن ليففس فيففه إشراف .قال أبففو عمففر :الشراف فففي اللغففة رفففع الرأس إلى المطموع عنده
والمطموع فيفه ،وأن يهفش النسفان ويتعرض .ومفا قاله أحمفد ففي تأويفل الشراف تضييفق وتشديفد
وهو عندي بعيد ،لن ال عز وجل تجاوز لهذه المة عما حدثت به أنفسها ما لم ينطق به لسان أو
تعمله جارحفة .وأمفا مفا اعتقده القلب مفن المعاصففي مففا خل الكفففر فليففس بشيفء حتففى يعمفل له،
وخطرات النفس متجاوز عنها بإجماع.
@اللحاح في المسألة واللحاف فيها مع الغنى عنها حرام ل يحل .قال رسول ال صلى ال عليه
وسففلم( :مففن سففأل الناس أموالهففم تكثراً فإنمففا يسففأل جمرًا فليسففتقل أو ليسففتكثر) رواه أبففو هريرة
خرجفه مسفلم .وعفن ابفن عمفر أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال( :ل تزال المسفألة بأحدكفم حتفى
يلقى ال وليس في وجهه مزعة لحم) رواه مسلم أيضا.
@السائل إذا كان محتاجا فل بأس أن يكرر المسألة ثلثا إعذارا وإنذارا والفضل تركه .فإن كان
المسففؤول يعلم بذلك وهففو قادر على مففا سففأله وجففب عليففه العطاء ،وإن كان جاهل بففه فيعطيففه
مخافة أن يكون صادقاً في سؤاله فل يفلح في رده.
فإن كان محتاجاً إلى ما يقيم به سنة كالتجمل بثوب يلبسه في العيد والجمعة فذكر ابن العربي:
سفمعت بجامفع الخليففة ببغداد رجلً يقول :هذا أخوكفم يحضفر الجمعفة معكفم وليفس عنده ثياب يقيفم
بهفا سفنة الجمعفة .فلمفا كان ففي الجمعفة الخرى رأيفت عليفه ثيابفا أخفر ،فقيفل لي :كسفاه إياهفا أبفو
الطاهر البرسني أخذ الثناء.
**3الية{ 274 :الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلنية فلهم أجرهم عند ربهم ول
خوف عليهم ول هم يحزنون}
@روي عن ابن عباس وأبي ذر وأبي أمامة وأبي الدرداء وعبدال بن بشر الغافقي والوزاعي
أنها نزلت ففي علف الخيل المربوطة ففي سبيل ال .وذكر ابن سعد في الطبقات قال :أخبرت عن
محمد بن شعيب بن شابور قال :أنبأنا سعيد بن سنان عن يزيد بن عبدال بن عريب عن أبيه عن
جده عريب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سئل عن قوله تعالى" :الذين ينفقون أموالهم بالليل
والنهار سرا وعلنية فلهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون" قال( :هم أصحاب
الخيفل) .وبهذا السفناد قال :قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :المنففق على الخيفل كباسفط يده
بالصفدقة ل يقبضهفا وأبوالهفا وأرواثهفا عنفد ال يوم القيامفة كذكفي المسفك) .وروي عفن ابفن عباس
أنه قال :نزلت في علي بن أبي طالب رضي ال عنه ،كانت معه أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلً
وبدرهفم نهارًا وبدرهفم سفراً وبدرهفم جهراً ،ذكره عبدالرزاق قال :أخبرنفا عبدالوهاب بفن مجاهفد
عن أبيه عن ابن عباس .ابن جريج :نزلت في رجل فعل ذلك ،ولم يسم عليا ول غيره .وقال قتادة.
هذه الية نزلت ففي المنفقين من غير تبذير ول تقتيفر .ومعنى "بالليل والنهار" في الليل والنهار،
ودخلت الفاء فففي قوله تعالى" :فلهففم" لن فففي الكلم معنففى الجزاء .وقففد تقدم .ول يجوز زيففد
فمنطلق.
**3اليفة{ 275 :الذيفن يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المفس
ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل ال البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى
فله ما سلف وأمره إلى ال ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}
@قوله تعالى" :الذيفن يأكلون الربفا" (يأكلون) يأخذون ،فعفبر عفن الخفذ بالكفل ،لن الخفذ إنمفا
يراد للكل .والربا في اللغة الزيادة مطلقا ،يقال :ربا الشيء يربو إذا زاد ،ومنه الحديث( :فل وال
ما أخذنا من لقمة إل ربا من تحتها) يعني الطعام الذي دعا فيه النبي صلى ال عليه وسلم بالبركة،
خرج الحديفث مسفلم رحمفه ال .وقياس كتابتفه بالياء للكسفرة ففي أوله ،وقفد كتبوه ففي القرآن بالواو.
ثفم إن الشرع قفد تصفرف ففي هذا الطلق فقصفره على بعفض موارده ،فمرة أطلقفه على كسفب
الحرام ،كما قال ال تعالى في اليهود" :وأخذهم الربا وقد نهوا عنه" [النساء .]161 :ولم يرد به
الربا الشرعي الذي حكم بتحريمه علينا وإنما أراد المال الحرام ،كما قال تعالى" :سماعون للكذب
أكالون للسحت" [المائدة ]42 :يعني به المال الحرام من الرشا ،وما استحلوه من أموال الميين
حيث قالوا" :ليس علينا في الميين سبيل" [آل عمران .]75 :وعلى هذا فيدخل فيه النهي عن كل
مال حرام بأي وجه اكتسب .والربا الذي عليه عرف الشرع شيئان :تحريم النساء ،والتفاضل في
العقود وفي المطعومات على ما نبينه .وغالبه ما كانت العرب تفعله ،من قولها للغريم :أتقضي أم
تربي ؟ فكان الغريم يزيد في عدد المال ويصبر الطالب عليه .وهذا كله محرم باتفاق المة.
أكثفر البيوع الممنوعة إنمفا تجفد منعهفا لمعنفى زيادة إمفا ففي عيفن مال ،وإمفا ففي منفعفة لحدهمفا
مفن تأخيفر ونحوه .ومفن البيوع مفا ليفس فيفه معنفى الزيادة ،كفبيع الثمرة قبفل بدو صفلحها ،وكالبيفع
ساعة النداء يوم الجمعة ،فإن قيل لفاعلها ،آكل الربا فتجوز وتشبيه.
@روى الئمفة واللففظ لمسفلم عفن أبفي سفعيد الخدري قال :قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم:
(الذهفب بالذهفب والفضفة بالفضفة والبر بالبر والشعيفر بالشعيفر والتمفر بالتمفر والملح بالملح ِمثْل
بِمثفل يدًا بيفد فمفن زاد أو اسفتزاد فقفد أربفى الخفذ والمعطفي فيفه سفواء) .وففي حديفث عبادة بفن
الصفامت( :فإذا اختلففت هذه الصفناف ففبيعوا كيفف شئتفم إذا كان يدًا بيفد) .وروى أبفو داود عفن
عبادة بن الصامت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة
بالفضفة تبرهفا وعينهفا والبر بالبر ُمدْيٌف بمديٍف والشعيفر بالشعيفر مدي بمدي والتمفر بالتمفر مدي
بمدي والملح بالملح مدي بمدي فمفن زاد أو ازداد فقفد أربفى ول بأس يفبيع الذهفب بالفضفة والفضفة
أكثرهمفا يداً بيفد وأمفا نسفيئة فل ول بأس بفبيع البر بالشعيفر والشعيفر أكثرهمفا يداً بيفد وأمفا نسفيئة
فل) .وأجمفع العلماء على القول بمقتضفى هذه السفنة وعليهفا جماعفة فقهاء المسفلمين إل ففي البر
والشعير فإن مالكا جعلهما صنفا واحدا ،فل يجوز منهما اثنان بواحد ،وهو قول الليث والوزاعي
ومعظفم علماء المدينفة والشام ،وأضاف مالك إليهمفا السفلت .وقال الليفث :السفلت والدخفن والذرة
صنف واحد ،وقاله ابن وهب.
قلت :وإذا ثبتفت السفنة فل قول معهفا .وقال عليفه السفلم( :فإذا اختلففت هذه الصفناف ففبيعوا
كيفف شئتفم إذا كان يداً بيفد) .وقوله( :البر بالبر والشعيفر بالشعيفر) دليفل على أنهمفا نوعان مختلفان
كمخالففة البر للتمفر ،ولن صففاتهما مختلففة وأسفماؤهما مختلففة ،ول اعتبار بالمنبفت والمحصفد إذا
لم يعتبره الشرع ،بل فصل وبين ،وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة والثوري وأصحاب الحديث.
@كان معاويفة بفن أبفي سففيان يذهفب إلى أن النهفي والتحريفم إنمفا ورد مفن النفبي صفلى ال عليفه
وسلم في الدينار المضروب والدرهم المضروب ل في التبر من الذهب والفضة بالمضروب ،ول
ففي المصفوغ بالمضروب .وقفد قيفل إن ذلك إنمفا كان منفه ففي المصفوغ خاصفة ،حتفى وقفع له مفع
عبادة مففا خرجففه مسففلم وغيره ،قال :غزونففا وعلى الناس معاويففة فغنمنففا غنائم كثيرة ،فكان ممففا
غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجل ببيعها في أعطيات الناس فتنازع الناس في ذلك فبلغ عبادة
بفن الصفامت ذلك فقام فقال :إنفي سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ينهفى عفن بيفع الذهفب
بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إل سواء بسواء
عينفا بعين مفن زاد أو ازداد فقد أربفى ،فرد الناس مفا أخذوا ،فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبفا فقال :أل
مفا بال رجال يتحدثون عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أحاديفث قفد كنفا نشهده ونصفحبه فلم
نسفمعها منفه فقام عبادة بفن الصفامت فأعاد القصفة ثفم قال :لنحدثفن بمفا سفمعنا مفن رسفول ال صفلى
ال عليه وسلم وإن كره معاوية -أو قال وإن رغم -ما أبالي إل أصحبه في جنده في ليلة سوداء.
قال حماد هذا أو نحوه .قال ابففن عبدالبر :وقففد روي أن هذه القصففة إنمففا كانففت لبففي الدرداء مففع
معاويفة .ويحتمففل أن يكون وقففع ذلك لهمفا معفه ،ولكففن الحديفث ففي العرف محفوظ لعبادة ،وهفو
الصفل الذي عول عليفه العلماء ففي باب [الربفا] .ولم يختلفوا أن فعفل معاويفة ففي ذلك غيفر جائز،
وغيفر نكيفر أن يكون معاويفة خففي عليفه مفا قفد علمفه أبفو الدرداء وعبادة فإنهمفا جليلن مفن فقهاء
الصحابة وكبارهم ،وقد خفي على أبي بكر وعمر ما وجد عند غيرهم ممن هو دونهم ،فمعاوية
أخرى .ويحتمفل أن يكون مذهبفه كمذهفب ابفن عباس ،فقفد كان وهفو بحفر ففي العلم ل يرى الدرهفم
بالدرهميفن بأسفا حتفى صفرفه عفن ذلك أبفو سفعيد .وقصفة معاويفة هذه مفع عبادة كانفت ففي وليفة
عمفر .قال قبيصفة بفن ذؤيفب :إن عبادة أنكفر شيئا على معاويفة فقال :ل أسفاكنك بأرض أنفت بهفا
ودخفل المدينفة .فقال له عمفر :مفا أقدمفك ؟ فأخفبره .فقال :ارجفع إلى مكانفك ،فقبفح ال أرضفا لسفت
فيها ول أمثالك ! وكتب إلى معاوية "ل إمارة لك عليه".
@روى الئمفة واللففظ للدارقطنفي عفن علي رضفي ال عنفه قال قال رسفول ال صفلى ال عليفه
وسلم( :الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم ل فضل بينهما من كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب
وإن كانفت له حاجفة بذهفب فليصفرفها بورق هاء وهاء) .قال العلماء فقوله عليفه السفلم( :الدينار
بالدينار والدرهففم بالدرهففم ل فضففل بينهمففا) إشارة إلى جنففس الصففل المضروب ،بدليففل قوله:
(الفضة بالفضة والذهب بالذهب) الحديث .والفضة البيضاء والسوداء والذهب الحمر والصفر
كفل ذلك ل يجوز بيفع بعضفه ببعفض إل مثلً بمثفل سفواء بسفواء على كفل حال ،على هذا جماعفة
أهل العلم على ما بينا .واختلفت الرواية عن مالك في الفلوس فألحقها بالدراهم من حيث كانت ثمنا
للشياء ،ومنع من إلحاقها مرة من حيث إنها ليست ثمنا في كل بلد وإنما يختص بها بلد دون بلد.
@ل اعتبار بما قد روي عن كثير من أصحاب مالك وبعضهم يرويه عن مالك في التاجر يحفزه
الخروج وبفه حاجفة إلى دراهفم مضروبفة أو دنانيفر مضروبفة ،فيأتفي دار الضرب بفضتفه أو ذهبفه
فيقول للضراب ،خذ فضتي هذه أو ذهبي وخذ قدر عمل يدك وادفع إلي دنانير مضروبة في ذهبي
أو دراهفم مضروبفة ففي فضتفي هذه لنفي محفوز للخروج وأخاف أن يفوتنفي مفن أخرج معفه ،أن
ذلك جائز للضرورة ،وأنه قد عمل به بعض الناس .وحكاه ابن العربي في قبسه عن مالك في غير
التاجر ،وإن مالكا خفف في ذلك ،فيكون في الصورة قد باع فضته التي زنتها مائة وخمسة دراهم
أجره بمائة وهذا محففض الربففا .والذي أوجففب جواز ذلك أنففه لو قال له :اضرب لي هذه وقاطعففه
على ذلك بأجرة ،فلمفا ضربهفا قبضهفا منفه وأعطاه أجرتهفا ،فالذي فعفل مالك أول هفو الذي يكون
آخرا ،ومالك إنمفا نظفر إلى المال فركفب عليفه حكفم الحال ،وأباه سفائر الفقهاء .قال ابفن العربفي:
والحجة فيه لمالك بينة .قال أبو عمر رحمه ال :وهذا هو عين الربا الذي حرمه رسول ال صلى
ال عليففه وسففلم بقوله( :مففن زاد أو ازداد فقففد أربففى) .وقففد رد ابففن وهففب هذه المسففألة على مالك
وأنكرها .وزعم البهري أن ذلك من باب الرفق لطلب التجارة ولئل يفوت السوق ،وليس الربا إل
على من أراد أن يربي ممن يقصد إلى ذلك ويبتغيه .ونسي البهري أصله في قطع الذرائع ،وقوله
فيمن باع ثوبا بنسيئة وهو ل نية له في شرائه ثم يجده في السوق يباع :إنه ل يجوز له ابتياعه منه
بدون مفا باعفه بفه وإن لم يقصففد إلى ذلك ولم يبتغففه ،ومثله كثيفر ،ولو لم يكفن الربففا إل على مفن
قصده ما حرم إل على الفقهاء .وقد قال عمر :ل يتجر في سوقنا إل من فقه وإل أكل الربا .وهذا
بين لمن رزق النصاف وألهم رشده.
قلت :وقففد بالغ مالك رحمففه ال فففي منففع الزيادة حتففى جعففل المتوهففم كالمتحقففق ،فمنففع دينارا
ودرهمفا بدينار ودرهفم سفدا للذريعفة وحسفما للتوهمات ،إذ لول توهفم الزيادة لمفا تبادل .وقفد علل
منفع ذلك بتعذر المماثلة عنفد التوزيفع ،فإنفه يلزم منفه ذهفب وفضفة بذهفب .وأوضفح مفن هذا منعفه
التفاضفل المعنوي ،وذلك أنفه منفع دينارا مفن الذهفب العالي ودينارا مفن الذهفب الدون ففي مقابلة
العالي وألففى الدون ،وهذا مفن دقيفق نظره رحمفه ال ،فدل أن تلك الروايفة عنفه منكرة ول تصفح.
وال أعلم.
@قال الخطابفي :التفبر قطفع الذهفب والفضفة قبفل أن تضرب وتطبفع دراهفم أو دنانيفر ،واحدتهفا
تفبرة .والعيفن :المضروب مفن الدراهفم أو الدنانيفر .وقفد حرم رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أن
يباع مثقال ذهب عين بمثقال وشيء من تبر غير مضروب .وكذلك حرم التفاوت بين المضروب
من الفضة وغير المضروب منها ،وذلك معنى قوله( :تبرها وعينها سواء).
@أجمفع العلماء على أن التمفر بالتمفر ول يجوز إل مثل بمثفل .واختلفوا ففي بيفع التمرة الواحدة
بالتمرتين ،والحبة الواحدة من القمح بحبتين ،فمنعه الشافعي وأحمد وإسحاق والثوري ،وهو قياس
قول مالك وهفو الصفحيح ،لن مفا جرى الربفا فيفه بالتفاضفل ففي كثيره دخفل قليله ففي ذلك قياسفا
ونظرا .احتج من أجاز ذلك بأن مستهلك التمرة والتمرتين ل تجب عليه القيمة ،قال :لنه ل مكيل
ول موزون فجاز فيه التفاضل.
@اعلم رحمك ال أن مسائل هذا الباب كثيرة وفروعه منتشرة ،والذي يربط لك ذلك أن تنظر إلى
مفا اعتفبره كفل واحفد مفن العلماء ففي علة الربفا ،فقال أبفو حنيففة :علة ذلك كونفه مكيل أو موزونفا
جنسفا ،فكفل مفا يدخله الكيفل أو الوزن عنده مفن جنفس واحفد ،فإن بيفع بعضفه ببعفض متفاضل أو
نسفيئا ل يجوز ،فمنفع بيفع التراب بعضفه ببعفض متفاضل ،لنفه يدخله الكيفل ،وأجاز الخبفز قرصفا
بقرصين ،لنه لم يدخل عنده في الكيل الذي هو أصله ،فخرج من الجنس الذي يدخله الربا إلى ما
عداه .وقال الشافعفي :العلة كونفه مطعومفا جنسفا .هذا قوله ففي الجديفد ،فل يجوز عنده بيفع الدقيفق
بالخبفز ول بيفع الخفبر بالخبفز متفاضل ول نسفيئا ،وسفواء أكان الخبفز خميرا أو فطيرا .ول يجوز
عنده بيضفة بفبيضتين ،ول رمانفة برمانتيفن ،ول بطيخفة ببطيختيفن ل يدا بيفد ول نسفيئة ،لن ذلك
كله طعام مأكول .وقال في القديم :كونه مكيل أو موزونا .واختلفت عبارات أصحابنا المالكية في
ذلك ،وأحسن ما في ذلك كونه مقتاتا مدخرا للعيش غالبا جنسا ،كالحنطة والشعير والتمر والملح
المنصفوص عليهفا ،ومفا ففي معناهفا كالرز والذرة والدخفن والسفمسم ،والقطانفي كالفول والعدس
واللوبياء والحمفففففص ،وكذلك اللحوم واللبان والخلول والزيوت ،والثمار كالعنفففففب والزبيفففففب
والزيتون ،واختلف ففي التيفن ،ويلحفق بهفا العسفل والسفكر .فهذا كله يدخله الربفا مفن جهفة النسفاء.
وجائز فيفه التفاضفل لقوله عليفه السفلم( :إذا اختلففت هذه الصفناف ففبيعوا كيفف شئتفم إذا كان يداً
بيفد) .ول ربا ففي رطب الفواكه التي ل تبقى كالتفاح والبطيخ والرمان والكمثرى والقثاء والخيار
والباذنجان وغيفر ذلك مفن الخضراوات .قال مالك :ل يجوز بيفع البيفض بالبيفض متفاضل ،لنفه
ممفا يدخفر ،ويجوز عنده مثل بمثفل .وقال محمفد بفن عبدال بفن عبدالحكفم :جائز بيضفة بفبيضتين
وأكثر ،لنه مما ل يدخر ،وهو قول الوزاعي.
@اختلف النحاة ففي لففظ "الربفا" فقال البصفريون :هفو مفن ذوات الواو ،لنفك تقول ففي تثنيتفه:
ِربَوان ،قاله سيبويه .وقال الكوفيون :يكتب بالياء ،وتثنيته بالياء ،لجل الكسرة التي في أوله .قال
الزجاج :مفا رأيفت خطفأ أقبفح من هذا ول أشنفع ل يكفيهفم الخطفأ ففي الخفط حتفى يخطئوا ففي التثنيفة
وهم يقرؤون" :وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس" [الروم ]39 :قال محمد بن يزيد :كتب
"الربا" في المصحف بالواو فرقا بينه وبين الزنا ،وكان الربا أولى منه بالواو ،لنه من ربا يربو.
@قوله تعالى" :ل يقومون إل كمفا يقوم الذي يتخبطفه الشيطان مفن المفس" الجملة خفبر البتداء
وهو "الذين" .والمعنى من قبورهم ،قاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير وقتادة والربيع والضحاك
والسفدي وابفن زيفد .وقال بعضهفم :يجعفل معفه شيطان يخنقفه .وقالوا كلهفم :يبعفث كالمجنون عقوبفة
له وتمقيتاً عند جميع أهل المحشفر .ويقوي هذا التأويل المجمع عليه أن في قراءة ابن مسعود "ل
يقومون يوم القيامة إل كما يقوم" .قال ابن عطية :وأما ألفاظ الية فكانت تحتمل تشبيه حال القائم
بحرص وجشففع إلى تجارة الدنيففا بقيام المجنون ،لن الطمففع والرغبففة تسففتفزه حتففى تضطرب
أعضاؤه ،وهذا كمفا تقول لمسفرع ففي مشيفه يخلط ففي هيئة حركاتفه إمفا مفن فزع أو غيره :قفد جفن
هذا! وقد شبه العشى ناقته في نشاطها بالجنون في قوله:
ألم بها من طائف الجن أولق وتصبح عن غب السرى وكأنما
وقال آخر:
لعمرك بي من حب أسماء أولق
لكففن مففا جاءت بففه قراءة ابففن مسففعود وتظاهرت بففه أقوال المفسففرين يضعففف هذا التأويففل.
و"يتخبطفه" يتفعله مفن خبفط يخبفط ،كمفا تقول :تملكفه وتعبده .فجعفل ال هذه العلمفة لكلة الربفا،
وذلك أنفه أرباه ففي بطونهفم فأثقلهفم ،فهفم إذا خرجوا مفن قبورهفم يقومون ويسفقطون .ويقال :إنهفم
يبعثون يوم القيامفة قفد انتفخفت بطونهفم كالحبالى ،وكلمفا قاموا سفقطوا والناس يمشون عليهفم .وقال
بعفض العلماء :إنمفا ذلك شعار لهفم يعرفون بفه يوم القيامفة ثفم العذاب مفن وراء ذلك ،كمفا أن الغال
يجيففء بمففا غففل يوم القيامففة بشهرة يشهففر بهففا ثففم العذاب مففن وراء ذلك .وقال تعالى" :يأكلون"
والمراد يكسفبون الربفا ويفعلونفه .وإنمفا خفص الكفل بالذكفر لنفه أقوى مقاصفد النسفان ففي المال،
ولنفه دال على الجشفع وهفو أشفد الحرص ،يقال :رجفل جشفع بيفن الجشفع وقوم جشعون ،قاله ففي
المجمل .فأقيم هذا البعض من توابع الكسب مقام الكسب كله ،فاللباس والسكنى والدخار والنفاق
على العيال داخل في قوله" :الذين يأكلون".
@ففي هذه اليفة دليفل على فسفاد إنكار مفن أنكفر الصفرع مفن جهفة الجفن ،وزعفم أنفه مفن فعفل
الطبائع ،وأن الشيطان ل يسفلك ففي النسفان ول يكون منفه مفس ،وقفد مضفى الرد عليهفم فيمفا تقدم
من هذا الكتاب .وقد روى النسائي عن أبي اليسر قال :كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يدعو
فيقول( :اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم والغرق والحريق وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان
عنفد الموت وأعوذ بفك أن أموت ففي سفبيلك مدبراً وأعوذ بفك أن أموت لديغاً) .وروي مفن حديفث
محمد بن المثنى حدثنا أبو داود حدثنا همام عن قتادة عن أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه
كان يقول( :اللهفم إنفي أعوذ بفك مفن الجنون والجذام والبرص وسفيئ السفقام) .والمفس :الجنون،
يقال :مفس الرجفل وألس ،فهفو ممسفوس ومألوس إذا كان مجنونفا ،وذلك علمفة الربفا ففي الخرة.
وروي ففي حديفث السفراء( :فانطلق بفي جبريفل فمررت برجال كثيفر كفل رجفل منهفم بطنفه مثفل
البيففت الضخففم متصففدين على سففابلة آل فرعون وآل فرعون يعرضون على النار بكرة وعشيففا
فيقبلون مثففل البففل المهيومففة يتخبطون الحجارة والشجففر ل يسففمعون ول يعقلون فإذا أحففس بهففم
أصفحاب تلك البطون قاموا فتميفل بهفم بطونهفم فيصفرعون ثفم يقوم أحدهفم فيميفل بفه بطنفه فيصفرع
فل يستطيعون براحا حتى يغشاهم آل فرعون فيطؤونهم مقبلين ومدبرين فذلك عذابهم في البرزخ
بيفن الدنيفا والخرة وآل فرعون يقولون اللهفم ل تقفم السفاعة أبدا ،فإن ال تعالى يقول" :ويوم تقوم
السفاعة أدخلوا آل فرعون أشفد العذاب" [المؤمفن - ]46 :قلت -يفا جبريفل مفن هؤلء؟ قال:
(هؤلء الذيفن يأكلون الربفا ل يقومون إل كمفا يقوم الذي يتخبطفه الشيطان مفن المفس) .والمفس
الجنون وكذلك الولق واللس والرود.
@قوله تعالى" :ذلك بأنهم قالوا" معناه عند جميع المتأولين في الكفار ،ولهم قيل" :فله ما سلف"
ول يقال ذلك لمؤمفن عاص بفل ينقفض بيعفه ويرد فعله وإن كان جاهل ،فلذلك قال صفلى ال عليفه
وسلم( :من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد) .لكن قد يأخذ العصاة في الربا بطرف من وعيد
هذه الية.
@قوله تعالى" :إنما البيع مثل الربا" أي إنما الزيادة عند حلول الجل آخرا كمثل أصل الثمن في
أول العقد ،وذلك أن العرب كانت ل تعرف ربا إل ذلك ،فكانت إذا حل دينها قالت للغريم :إما أن
تقضفي وإمفا أن تربفي ،أي تزيفد ففي الديفن .فحرم ال سفبحانه ذلك ورد عليهفم قولهفم بقوله الحفق:
"وأحل ال البيع وحرم الربا" [البقرة ]275 :وأوضح أن الجل إذا حل ولم يكن عنده ما يؤدي
أنظر إلى الميسرة .وهذا الربا هو الذي نسخه النبي صلى ال عليه وسلم بقوله يوم عرفة لما قال:
(أل إن كل رباً موضوع وإن أول ربا أضعه ربانا ربا عباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله).
فبدأ صلى ال عليه وسلم بعمه وأخص الناس به .وهذا من سنن العدل للمام أن يفيض العدل على
نفسه وخاصته فيستفيض حينئذ في الناس.
@قوله تعالى" :وأحل ال البيع" هذا من عموم القرآن ،واللف واللم للجنس ل للعهد إذ لم يتقدم
بيفع مذكور يرجفع إليفه ،كمفا قال تعالى" :والعصفر إن النسفان لففي خسفر" [العصفر ]2 ،1ثفم
استثنى "إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات" [العصر .]3 :وإذا ثبت أن البيع عام فهو مخصص
حبَلة وغير ل ال َ
بما ذكرناه من الربا وغير ذلك مما نهي عنه ومنع العقد عليه ،كالخمر والميتة وحَب َ
ذلك ممفا هفو ثابفت ففي السفنة وإجماع المفة النهفي عنفه .ونظيره "فاقتلوا المشركيفن" [التوبفة]5 :
وسففائر الظواهففر التففي تقتضففي العمومات ويدخلهففا التخصففيص وهذا مذهففب أكثففر الفقهاء .وقال
بعضهفم :هفو مفن مجمفل القرآن الذي فسفر بالمحلل مفن البيفع وبالمحرم فل يمكفن أن يسفتعمل ففي
إحلل البيفع وتحريمفه إل أن يقترن بفه بيان مفن سفنة الرسفول صفلى ال عليفه وسفلم ،وإن دل على
إباحة البيوع في الجملة دون التفصيل .وهذا فرق ما بين العموم والمجمل .فالعموم يدل على إباحة
البيوع ففي الجملة ،والتفصفيل مفا لم يخفص بدليفل .والمجمفل ل يدل على إباحتهفا ففي التفصفيل حتفى
يقترن به بيان .والول أصح .وال أعلم.
@البيفع ففي اللغفة مصفدر باع كذا بكذا ،أي دففع عوضاً وأخفذ معوضاً .وهفو يقتضفي بائعفا وهفو
المالك أو مفن ينزل منزلتفه ،ومبتاعفا وهفو الذي يبذل الثمفن ،ومبيعفا وهفو المثمون وهفو الذي يبذل
ففي مقابلتفه الثمفن .وعلى هذا فأركان البيفع أربعفة :البائع والمبتاع والثمفن والمثمفن .ثفم المعاوضفة
عنففد العرب تختلف بحسففب اختلف مفا يضاف إليفه ،فإن كان أحففد المعوضيفن ففي مقابلة الرقبففة
سفمي بيعاً ،وإن كان ففي مقابلة منفعفة رقبفة فإن كانفت منفعفة بضفع سفمي نكاحاً ،وإن كانفت منفعفة
غيرهفا سفمي إجارة ،وإن كان عينفا بعيفن فهفو بيفع النقفد وهفو الصفرف ،وان كان بديفن مؤجفل فهفو
السلم ،وسيأتي بيانه في آية الدين .وقد مضى حكم الصرف ،ويأتي حكم الجارة في "القصص"
وحكم المهر في النكاح في "النساء" كل في موضعه إن شاء ال تعالى.
@البيع قبول وإيجاب يقع باللفظ المستقبل والماضي ،فالماضي فيه حقيقة والمستقبل كناية ،ويقع
بالصريح والكناية المفهوم منها نقل الملك .فسواء قال :بعتك هذه السلعة بعشرة فقال :اشتريتها ،أو
قال المشتري :اشتريتهففا وقال البائع :بعتكهففا ،أو قال البائع :أنففا أبيعففك بعشرة فقال المشتري :أنففا
أشتري أو قففد اشتريففت ،وكذلك لو قال :خذهففا بعشرة أو أعطيتكهففا أو دونكهففا أو بورك لك فيهففا
بعشرة أو سفلمتها إليفك -وهمفا يريدان البيفع -فذلك كله بيفع لزم .ولو قال البائع :بعتفك بعشرة ثفم
رجع قبل أن يقبل المشتري فقد قال :ليس له أن يرجع حتى يسمع قبول المشتري أو رده ،لنه قد
بذل ذلك مفن نفسفه وأوجبفه عليهفا ،وقفد قال ذلك له ،لن العقفد لم يتفم عليفه .ولو قال البائع :كنفت
لعبفا ،فقفد اختلففت الروايفة عنفه ،فقال مرة :يلزمفه البيفع ول يلتففت إلى قوله .وقال مرة :ينظفر إلى
قيمة السلعة.
فإن كان الثمفن يشبفه قيمتهفا فالبيفع لزم ،وإن كان متفاوتفا كعبفد بدرهفم ودار بدينار ،علم أنفه لم
ل فلم يلزمه.يرد به البيع ،وإنما كان هاز ً
@قوله تعالى" :وحرم الربفا" اللف واللم هنفا للعهفد ،وهفو مفا كانفت العرب تفعله كمفا بيناه ،ثفم
تتناول مفا حرمفه رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ونهفى عنفه مفن البيفع الذي يدخله الربفا ومفا ففي
معناه من البيوع المنهي عنها.
عقد الربا مفسوخ ل يجوز بحال ،لما رواه الئمة واللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخدري قال :جاء
بلل بتمر برني فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من أين هذا) ؟ فقال بلل :من تمر كان
عندنا رديء ،فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلى ال عليه وسلم ،فقال رسول ال صلى
ال عليه وسلم عند ذلك( :أوه عين الربا ل تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم
اشتفر بفه) وففي روايفة (هذا الربفا فردوه ثفم بيعوا تمرنفا واشتروا لنفا مفن هذا) .قال علماؤنفا :فقوله
(أوه عيفن الربفا) أي هفو الربفا المحرم نفسفه ل مفا يشبهفه .وقوله( :فردوه) يدل على وجوب فسفخ
صفقة الربا وأنها ل تصح بوجه ،وهو قول الجمهور ،خلفاً لبي حنيفة حيث يقول :إن بيع الربا
جائز بأصفله مفن حيفث هفو بيفع ،ممنوع بوصففه مفن حيفث هفو رباً ،فيسفقط الربفا ويصفح البيفع .ولو
كان على ما ذكر لما فسخ النبي صلى ال عليه وسلم هذه الصفقة ،ولمره برد الزيادة على الصاع
ولصحح الصفقة في مقابلة الصاع.
كل ما كان من حرام بين ففسخ فعلى المبتاع رد السلعة بعينها .فإن تلفت بيده رد القيمة فيما له
القيمة ،وذلك كالعقار والعروض والحيوان ،والمثل فيما له مثل من موزون أو مكيل من طعام أو
عرض .قال مالك :يرد الحرام البيففن فات أو لم يفففت ،ومففا كان ممففا كره الناس رد إل أن يفوت
فيترك.
@قوله تعالى ":فمن جاءه موعظة من ربه" قال جعفر بن محمد الصادق رحمهما ال :حرم ال
الربا ليتقارض الناس .وعن ابن مسعود عن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :قرض مرتين يعدل
صففدقة مرة) أخرجفه البزار ،وقفد تقدم هذا المعنفى مسففتوفى .وقال بعفض الناس :حرمفه ال لنفه
متلفففة للموال مهلكففة للناس .وسففقطت علمففة التأنيففث فففي قوله تعالى" :فمففن جاءه" لن تأنيففث
"الموعظة" غير حقيقي وهو بمعنى وعظ .وقرأ الحسن "فمن جاءته" بإثبات العلمة.
هذه اليفة تلتهفا عائشفة لمفا أخفبرت بفعفل زيفد بفن أرقفم .روى الدارقطنفي عفن العاليفة بنفت أنففع
قالت :خرجت أنا وأم محبة إلى مكة فدخلنا على عائشة رضي ال عنها فسلمنا عليها ،فقالت لنا:
ممن أنتن ؟ قلنا من أهل الكوفة ،قالت :فكأنها أعرضت عنا ،فقالت لها أم محبة :يا أم المؤمنين !
كانت لي جارية وإني بعتها من زيد بن أرقم النصاري بثمانمائة درهم إلى عطائه وإنه أراد بيعها
فابتعتهفا منفه بسفتمائة درهفم نقداً .قالت :فأقبلت علينفا فقالت :بئسفما شريفت ومفا اشتريفت ! فأبلغفي
زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إل أن يتوب .فقالت لها :أرأيت إن لم
آخفذ منفه إل رأس مالي ؟ قالت" :فمفن جاءه موعظفة مفن ربفه فانتهفى فله مفا سفلف" .العاليفة هفي
زوج أبفي إسفحاق الهمدانفي الكوففي السفبيعي أم يونفس بن أبفي إسفحاق .وهذا الحديفث أخرجفه مالك
مفن روايفة ابفن وهفب عنفه ففي بيوع الجال ،فان كان منهفا مفا يؤدي إلى الوقوع ففي المحظور منفع
منفففه وإن كان ظاهره بيعًا جائزاً .وخالف مالكًا ففففي هذا الصفففل جمهور الفقهاء وقالوا :الحكام
مبنية على الظاهفر ل على الظنون .ودليلنا القول بسد الذرائع ،فإن سلم وإل استدللنا على صفحته.
وقفد تقدم .وهذا الحديفث نفص ،ول تقول عائشفة (أبلغفي زيدا أنفه قفد أبطفل جهاده إل أن يتوب) إل
بتوقيفف ،إذ مثله ل يقال بالرأي فإن إبطال العمال ل يتوصفل إلى معرفتهفا إل بالوحفي كمفا تقدم.
وففي صفحيح مسفلم عفن النعمان بفن بشيفر قال :سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقول( :إن
الحلل بيفن والحرام بيفن وبينهمفا أمور مشتبهات ل يعلمهفن كثيفر مفن الناس فمفن اتقفى الشبهات
استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك
أن يوقفع فيفه أل وإن لكفل ملك حمفى أل وإن حمفى ال محارمفه) .وجفه دللتفه أنفه منفع مفن القدام
على المتشابهات مخافة الوقوع ففي المحرمات وذلك سفد للذريعة .وقال صفلى ال عليه وسلم( :إن
من الكبائر شتم الرجل والديه) قالوا :وكيف يشتم الرجل والديه؟ قال( :يسب أبا الرجل فيسب أباه
ويسفب أمفه فيسفب أمفه) .فجعفل التعريفض لسفب الباء كسفب الباء .ولعفن صفلى ال عليفه وسفلم
اليهود إذا أكلوا ثمن ما نهوا عن أكله .وقال أبو بكر في كتابه :ل يجمع بين متفرق ول يفرق بين
مجتمع خشية الصدقة .ونهى ابن عباس عن دراهم بدراهم بينهما جريرة .واتفق العلماء على منع
الجمع بين بيع وسلف ،وعلى تحريم قليل الخمر وإن كان ل يسكر ،وعلى تحريم الخلوة بالجنبية
وإن كان عنيناً ،وعلى تحريففم النظففر إلى وجففه المرأة الشابففة إلى غيففر ذلك ممففا يكثففر ويعلم على
القطفع والثبات أن الشرع حكفم فيها بالمنفع ،لنها ذرائع المحرمات .والربفا أحفق ما حميفت مراتعه
وسففدت طرائقففه ،ومففن أباح هذه السففباب فليبففح حفففر البئر ونصففب الحبالت لهلك المسففلمين
والمسلمات ،وذلك ل يقوله أحد .وأيضا فقد اتفقنا على منع من باع بالعينة إذا عرف بذلك وكانت
عادته ،وهي في معنى هذا الباب .وال الموفق للصواب.
@روى أبفو داود عفن ابفن عمفر قال :سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقول( :إذا تبايعتفم
ل ل ينزعفه عنكفم بالعينفة وأخذتفم أذناب البقفر ورضيتفم بالزرع وتركتفم الجهاد سفلط ال عليكفم ذ ً
حتفى ترجعوا إلى دينكفم) .ففي إسفناده أبفو عبدالرحمفن الخراسفاني .ليفس بمشهور .وفسفر أبفو عبيفد
الهروي العينة فقال :هي أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى ،ثم يشتريها منه بأقل
مففن الثمففن الذي باعهففا بففه .قال :فإن اشترى بحضرة طالب العينففة سففلعة مففن آخففر بثمففن معلوم
وقبضها ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمى ،ثم باعها المشتري من
البائع الول بالنقففد بأقففل مففن الثمففن فهذه أيضففا عينففة ،وهففي أهون مففن الولى ،وهففو جائز عنففد
بعضهففم .وسففميت عينففة لحضور النقففد لصففاحب العينففة ،وذلك أن العَيففن هففو المال الحاضففر
والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضر يصل إليه من فوره.
قال علماؤنا :فمن باع سلعة بثمن إلى أجل ثم ابتاعها بثمن من جنس الثمن الذي باعها به ،فل
يخلو أن يشتريها منه بنقفد ،أو إلى أجفل دون الجفل الذي باعها إليفه ،أو إلى أبعفد منفه ،بمثفل الثمفن
أو بأقفل منفه أو بأكثفر ،فهذه ثلث مسفائل :وأمفا الولى والثانيفة فإن كان بمثفل الثمفن أو أكثفر جاز،
ول يجوز بأقل على مقتضى حديث عائشة ،لنه أعطى ستمائة ليأخذ ثمانمائة والسلعة لغو ،وهذا
هفو الربفا بعينفه .وأمفا الثالثفة إلى أبعفد مفن الجفل ،فإن كان اشتراهفا وحدهفا أو زيادة فيجوز بمثفل
الثمن أو أقل منه ،ول يجوز بأكثر ،فإن اشترى بعضها فل يجوز على كل حال ل بمثل الثمن ول
بأقفل ول بأكثفر .ومسفائل هذا الباب حصفرها علماؤنفا ففي سفبع وعشريفن مسفألة ،ومدارهفا على مفا
ذكرناه فاعلم.
@قوله تعالى" :فله ما سلف" أي من أمر الربا ل تباعة عليه منه في الدنيا ول في الخرة ،قاله
السفدي وغيره .وهذا حكفم مفن ال تعالى لمفن أسفلم مفن كفار قريفش وثقيفف ومفن كان يتجفر هنالك.
وسلف :معناه تقدم في الزمن وانقضى.
@قوله تعالى" :وأمره إلى ال" فيه أربع تأويلت :أحدها أن الضمير عائد إلى الربا ،بمعنى وأمر
الربا إلى ال في إمرار تحريمه أو غير ذلك .والخر أن يكون الضمير عائداً على "ما سلف" أي
أمره إلى ال تعالى ففي العففو عنفه وإسفقاط التبعفة فيفه .والثالث أن يكون الضميفر عائدا على ذي
الربفا ،بمعنفى أمره إلى ال ففي أن يثبتفه على النتهاء أو يعيده إلى المعصفية ففي الربفا .واختار هذا
القول النحاس ،قال :وهذا قول حسفففن بيفففن ،أي وأمره إلى ال ففففي المسفففتقبل إن شاء ثبتفففه على
التحريفم وإن شاء أباحفه .والرابفع أن يعود الضميفر على المنتهفى ،ولكفن بمعنفى التأنيفس له وبسفط
أمله فففي الخيففر ،كمففا تقول :وأمره إلى طاعففة وخيففر ،وكمففا تقول :وأمره فففي نمففو وإقبال إلى ال
تعالى وإلى طاعته.
@قوله تعالى" :ومن عاد" يعني إلى فعل الربا حتى يموت ،قاله سفيان .وقال غيره :من عاد فقال
إنمفا البيفع مثفل الربفا فقفد كففر .قال ابفن عطيفة :إن قدرنفا اليفة ففي كاففر فالخلود خلود تأبيفد حقيقفي،
وإن لحظناها في مسلم عاص فهذا خلود مستعار على معنى المبالغة ،كما تقول العرب :ملك خالد،
عبارة عن دوام ما ل يبقى على التأبيد الحقيقي.
**3الية{ 276 :يمحق ال الربا ويربي الصدقات وال ل يحب كل كفار أثيم}
@قوله تعالى" :يمحفق ال الربفا" يعنفي ففي الدنيفا أي يذهفب بركتفه وإن كان كثيراً .روى ابفن
مسعود عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :إن الربا وإن كثر فعاقبته إلى قل) .وقيل" :يمحق
ال الربفا" يعنفي ففي الخرة .وعفن ابفن عباس ففي قوله تعالى" :يمحفق ال الربفا" قال :ل يقبفل منفه
صدقة ول حجاً ول جهاداً ول صلةً .والمحق :النقص والذهاب ،ومنه محاق القمر وهو انتقاصه.
"ويربي الصدقات" أي ينميها في الدنيا بالبركة ويكثر ثوابها بالتضعيف في الخرة .وفي صحيح
مسلم( :إن صدقة أحدكم لتقع في يد ال فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى يجيء يوم
القيامففة وإن اللقمففة لعلى قدر أحففد) .وقرأ ابففن الزبيففر "يمحففق" بضففم الياء وكسففر الحاء مشددة
"يربي" بفتح الراء وتشديد الباء ،ورويت عن النبي صلى ال عليه وسلم كذلك.
@قوله تعالى" :وال ل يحب كل كفار أثيم" ووصف كفار بأثيم مبالغة ،من حيث اختلف اللفظان.
وقيفل :لزالة الشتراك ففي كفار ،إذ قفد يقفع على الزارع الذي يسفتر الحفب ففي الرض :قاله ابفن
فورك.
**3اليفة{ 277 :إن الذيفن آمنوا وعملوا الصفالحات وأقاموا الصفلة وآتوا الزكاة لهفم أجرهفم
عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون}
@قوله تعالى" :إن الذيفن آمنوا وعملوا الصفالحات وأقاموا الصفلة وآتوا الزكاة" تقدم القول فيفه
وخفص الصفلة والزكاة بالذكفر وقفد تضمنهفا عمفل الصفالحات تشريففا لهمفا وتنبيهفا على قدرهمفا إذ
هما رأس العمال الصلة في أعمال البدن والزكاة في أعمال المال.
@قوله تعالى" :لهفم أجرهفم عند ربهفم ول خوف عليهفم ول هم يحزنون" الخوف هو الذعر ول
يكون إل ففي المسفتقبل وخاوفنفي فلن فخفتفه أي كنفت أشفد خوففا منفه والتخوف التنقفص ومنفه قوله
تعالى "أو يأخذهم على تخوف" [النحل ]47 :وقرأ الزهري والحسن وعيسى بن عمر وابن أبي
إسحاق ويعقوب "فل خوف" بفتح الفاء على التبرمة والختيار عند النحويين الرفع والتنوين على
البتداء لن الثانفي معرففة ل يكون فيفه إل الرففع لن "ل" ل تعمفل ففي معرففة فاختاروا ففي الول
الرففع أيضفا ليكون الكلم مفن وجفه واحفد ويجوز أن تكون "ل" ففي قوله فل خوف بمعنفى ليفس
والحزن والحزن ضففد السففرور ول يكون إل على ماض وحزن الرجففل -بالكسففر -فهففو حزن
وحزين وأحزنه غيره وحزنه أيضا مثل أسلكه وسلكه ومحزون بنى عليه قال اليزيدي حزنه لغة
قريش وأحزنه لغة تميم وقد قرئ بهما واحتزن وتحزن بمعنى والمعنى في الية فل خوف عليهم
فيما بين أيديهفم من الخرة ول هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا وقيل ليس فيه دليل على نفي
أهوال يوم القيامفة وخوفهفا على المطيعيفن لمفا وصففه ال تعالى ورسفوله مفن شدائد القيامفة إل أنفه
يخففه عن المطيعين وإذا صاروا إلى رحمته فكأنهم لم يخافوا وال أعلم.
**3الية{ 278 :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين}
@قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وذروا ما بقي من الربا" ظاهره أنه أبطل من الربا ما
لم يكفن مقبوضفا وإن كان معقودا قبفل نزول آيفة التحريفم ،ول يتعقفب بالفسفخ مفا كان مقبوضفا .وقفد
قيفل :إن اليفة نزلت بسفبب ثقيفف ،وكانوا عاهدوا النفبي صفلى ال عليفه وسفلم على أن مالهفم مفن
الربا على الناس فهو لهم ،وما للناس عليهم فهو موضوع عنهم ،فلما أن جاءت آجال رباهم بعثوا
إلى مكة للقتضاء ،وكانت الديون لبني عبدة وهم بنو عمرو بن عمير من ثقيف ،وكانت على بني
المغيرة المخزوميين .فقال بنو المغيرة :ل نعطي شيئا فإن الربا قد رفع ورفعوا أمرهفم إلى عتاب
بفن أسفيد ،فكتفب بفه إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ،ونزلت اليفة فكتفب بهفا رسفول ال صفلى
ال عليه وسلم إلى عتاب ،فعلمت بها ثقيف فكفت .هذا سبب الية على اختصار مجموع ما روى
ابن إسحاق وابن جريج والسدي وغيرهم .والمعنى اجعلوا بينكم وبين عذاب ال وقاية بترككم ما
بقي لكم من الربا وصفحكم عنه.
@قوله تعالى" :إن كنتم مؤمنين" شرط محض في ثقيف على بابه لنه كان في أول دخولهم في
السلم .وإذا قدرنا الية فيمن قد تقرر إيمانه فهو شرط مجازي على جهة المبالغة ،كما تقول لمن
تريد إقامة نفسه :إن كنت رجلً فافعل كذا .وحكى النقاش عن مقاتل بن سليمان أنه قال :إن "إ نْ"
فففي هذه اليففة بمعنففى "إذ" .قال ابففن عطيففة :وهذا مردود ل يعرف فففي اللغففة .وقال ابففن فورك:
يحتمفل أن يريفد "يفا أيهفا الذيفن آمنوا" بمفن قبفل محمفد عليفه السفلم مفن النفبياء "ذروا مفا بقفي مفن
الربفا إن كنتفم مؤمنيفن" بمحمفد صفلى ال عليفه وسفلم إذ ل ينففع الول إل بهذا .وهذا مردود بمفا
روي في سبب الية.
**3الية{ 279 :فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من ال ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ل
تظلمون ول تظلمون}
@قوله تعالى" :فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب مفن ال ورسفوله" هذا وعيفد إن لم يذروا الربفا،
والحرب داعية القتل .وروى ابن عباس أنه يقال يوم القيامة لكل الربا :خذ سلحك للحرب .وقال
ابن عباس أيضا :من كان مقيماً على الربا ل ينزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يسفتثيبه ،فإن
نزع وإل ضرب عنقفه .وقال قتادة :أوعفد ال أهفل الربفا بالقتفل فجعلهفم بهرجاً أينمفا ثقفوا .وقيفل:
المعنفى إن لم تنتهوا فأنتفم حرب ل ولرسفوله ،أي أعداء .وقال ابفن خويفز منداد :ولو أن أهفل بلد
اصطلحوا على الربا استحللً كانوا مرتدين ،والحكم فيهم كالحكم في أهل الردة ،وإن لم يكن ذلك
ل جاز للمام محاربتهفم ،أل ترى أن ال تعالى قفد أذن ففي ذلك فقال" :فأذنوا بحرب منهفم اسفتحل ً
من ال ورسوله" [البقرة .]279 :وقرأ أبو بكر عن عاصم "فآذنوا" على معنى فأعلموا غيركم
أنكم على حربهم.
@ذكفر ابن بكير قال :جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال :يا أبا عبدال ،إني رأيت رجلً سكراناً
يتعاقفر يريفد أن يأخفذ القمفر ،فقلت :امرأتفي طالق إن كان يدخفل جوف ابفن آدم أشفر مفن الخمفر.
فقال :ارجع حتى أنظر في مسألتك .فأتاه من الغد فقال له :ارجع حتى أنظر في مسألتك فأتاه من
الغد فقال له :امرأتك طالق ،إني تصفحت كتاب ال وسنة نبيه فلم أر شيئا أشر من الربا ،لن ال
أذن فيه بالحرب.
@دلت هذه اليفة على أن أكفل الربفا والعمفل بفه مفن الكبائر ،ول خلف ففي ذلك على مفا نفبينه.
وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال( :يأتي على الناس زمان ل يبقى أحد إل أكل الربا
ومفن لم يأكفل الربفا أصفابه غباره) وروى الدارقطنفي عفن عبدال بفن حنظلة غسفيل الملئكفة أن
النبي صلى ال عليه وسلم قال( :لدرهم ربا أشد عند ال تعالى من ست وثلثين زنية في الخطيئة)
وروي عنه عليه السلم أنه قال( :الربا تسعة وتسعون بابا أدناها كإتيان الرجل بأمه) يعني الزنا
بأمفه .وقال ابفن مسفعود آكفل الربفا وموكله وكاتبفه وشاهده ملعون على لسفان محمفد صفلى ال عليفه
وسفلم .وروى البخاري عفن أبفي جحيففة قال :نهفى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم عفن ثمفن الدم
وثمن الكلب وكسب البغي ولعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور .وفي صحيح
مسلم عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :اجتنبوا السبع الموبقات - ...وفيها -
وآكل الربا) .وفي مصنف أبي داود عن ابن مسعود قال :لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم آكل
الربا وموكله وكاتبه وشاهده.
@قوله تعالى" :وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم" الية .روى أبو داود عن سليمان بن عمرو عن
أبيفه قال سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقول ففي حجفة الوداع( :أل إن كفل ربًا مفن ربفا
الجاهليفة موضوع لكفم رؤوس أموالكفم ل َتظْلِمون ول ُتظْلَمون) وذكفر الحديفث .فردهفم تعالى مفع
التوبفة إلى رؤوس أموالهفم وقال لهفم" :ل َتظْلِمون" ففي أخفذ الربفا "ول ُتظْلَمون" ففي أن يتمسفك
بشيفء مفن رؤوس أموالكفم فتذهفب أموالكفم .ويحتمفل أن يكون "ل ُتظْلَمون" ففي مطفل ،لن مطفل
الغنففي ظلم ،فالمعنففى أنففه يكون القضاء مففع وضففع الربففا ،وهكذا سففنة الصففلح ،وهذا أشبففه شيففء
بالصلح .أل ترى أن النبي صلى ال عليه وسلم لما أشار إلى كعب بن مالك في َديْن ابن أبي حدرد
بوضفع الشطفر فقال كعفب :نعفم ،فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم للخفر( :قفم فاقضفه) .فتلقفى
العلماء أمره بالقضاء سنة في المصالحات .وسيأتي في "النساء" بيان الصلح وما يجوز منه وما
ل يجوز ،إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم" تأكيفد لبطال ما لم يُ ْقبَض منه وأخذ رأس المال
الذي ل ربا فيه .فاستدل بعض العلماء بذلك على أن كل ما طرأ على البيع قبل القبض مما يوجب
تحريم العقد أبطل العقد ،كما إذا اشترى مسلم صيدا ثم أحرم المشتري أو البائع قبل القبض بطل
البيفع ،لنفه طرأ عليفه قبفل القبفض مفا أوجفب تحريفم العقفد ،كمفا أبطفل ال تعالى مفا لم يقبفض ،لنفه
طرأ عليه ما أوجفب تحريمفه قبل القبض ،ولو كان مقبوضفا لم يؤثفر .هذا مذهب أبفي حنيففة ،وهو
قول لصحاب الشافعي .ويستدل به على أن هلك المبيع قبل القبض في يد البائع وسقوط القبض
فيفه يوجفب بطلن العقفد خلففا لبعفض السفلف ،ويروى هذا الخلف عفن أحمفد .وهذا إنمفا يتمشفى
على قول مفن يقول :إن العقفد ففي الربفا كان ففي الصفل منعقدا ،وإنمفا بطفل بالسفلم الطارئ قبفل
القبفض .وأمفا مفن منففع انعقاد الربففا ففي الصففل لم يكففن هذا الكلم صفحيحا ،وذلك أن الربفا كان
محرما في الديان ،والذي فعلوه في الجاهلية كان عادة المشركين ،وأن ما قبضوه منه كان بمثابة
أموال وصففلت إليهففم بالغصففب والسففلب فل يتعرض له .فعلى هذا ل يصففح السففتشهاد على مففا
ذكروه مفن المسفائل .واشتمال شرائع النفبياء قبلنفا على تحريفم الربفا مشهور مذكور ففي كتاب ال
تعالى ،كما حكي عن اليهود في قوله تعالى "وأخذهم الربا وقد نهوا عنه" [النساء .]161 :وذكر
في قصة شعيب أن قومه أنكروا عليه وقالوا:
"أصلتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء" [هود ]87 :فعلى هذا ل
يستقيم الستدلل به .نعم ،يفهم من هذا أن العقود الواقعة في دار الحرب إذا ظهر عليها المام ل
يعترض عليها بالفسخ إن كانت معقودة على فساد.
@ذهفب بعفض الغلة مفن أرباب الورع إلى أن المال الحلل إذا خالطفه حرام حتفى لم يتميفز ثفم
أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحل ولم يطب لنه يمكن أن يكون الذي أخرج هو الحلل
والذي بقفي هفو الحرام .قال ابفن العربفي :وهذا غلو ففي الديفن فإن كفل مفا لم يتميفز فالمقصفود منفه
ماليتفه ل عينفه ،ولو تلف لقام المثفل مقامفه والختلط إتلف لتمييزه كمفا أن الهلك إتلف لعينفه
والمثل قائم مقام الذاهب وهذا بين حسا بين معنى .وال أعلم.
قلت :قال علماؤنفا إن سفبيل التوبفة ممفا بيده مفن الموال الحرام إن كانفت مفن ربًا فليردهفا على
مفن أربفى عليفه ،ويطلبفه إن لم يكفن حاضراً ،فإن أيفس مفن وجوده فليتصفدق بذلك عنفه .وإن أخذه
بظلم فليفعفل كذلك ففي أمفر مفن ظلمفه .فإن التبفس عليفه المفر ولم يدرِ كَمْف الحرام مفن الحلل ممفا
بيده ،فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده ،حتى ل يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من
ذلك الذي أزال عفن يده إلى مفن عُرف ممفن ظلمفه أو أربفى عليفه .فإن أيفس مفن وجوده تصفدق بفه
عنه .فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما ل يطيق أداءه أبداً لكثرته فتوبته
أن يزيل ما بيده أجمع إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلح المسلمين ،حتى ل يبقى في يده إل
أقفل مفا يجزئه ففي الصفلة مفن اللباس وهفو مفا يسفتر العورة وهفو مفن سفرته إلى ركبتيفه ،وقوت
يومفه ،لنفه الذي يجفب له أن يأخذه مفن مال غيره إذا اضطفر إليفه ،وإن كره ذلك مفن يأخذه منفه.
وفارق ههنفا المفلس ففي قول أكثفر العلماء لن المفلس لم يصفر إليفه أموال الناس باعتداء بفل هفم
الذيفن صفيروها إليفه ،فيترك له مفا يواريفه ومفا هفو هيئة لباسفه .وأبفو عبيفد وغيره يرى أل يترك
للمفلس من اللباس إل أقل ما يجزئه في الصلة وهو ما يواريه من سرته إلى ركبته ،ثم كلما وقع
بيد هذا شيء أخرجه عن يده ولم يمسك منه إل ما ذكرنا ،حتى يعلم هو ومن يعلم حاله أنه أدى ما
عليه.
@هذا الوعيد الذي وعد ال به في الربا من المحاربة ،قد ورد عن النبي صلى ال عليه وسلم مثله
ففي المخابرة .وروى أبفو داود قال :أخبرنفا يحيفى بفن معيفن قال أخبرنفا ابفن رجاء قال ابفن خيثفم
حدثنفي عفن أبفي الزبيفر عفن جابر بفن عبدال قال :سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقول:
(مفن لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب مفن ال ورسفوله) .وهذا دليفل على منفع المخابرة وهفي أخفذ
الرض بنصفف أو ثلث أو ربفع ،ويسفمى المزارعفة .وأجمفع أصفحاب مالك كلهفم والشافعفي وأبفو
حنيفففة وأتباعهففم وداود ،على أنففه ل يجوز دفففع الرض على الثلث والربففع ،ول على جزء ممففا
تخرج ،لنفه مجهول ،إل أن الشافعفي وأصفحابه وأبفا حنيففة قالوا بجواز كراء الرض بالطعام إذا
كان معلوماً ،لقوله عليه السلم( :فأما شيء معلوم مضمون فل بأس به) خرجه مسلم .وإليه ذهب
محمفد بفن عبدال بفن عبدالحكفم ،ومنعفه مالك وأصفحابه ،لمفا رواه مسفلم أيضفا عفن راففع بفن خديفج
قال( :كنففا نحاقففل بالرض على عهففد رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم ،فنكريهففا بالثلث والربففع
والطعام المسفمى ،فجاءنفا ذات يوم رجل من عمومتفي فقال :نهانا رسفول ال صلى ال عليه وسلم
عفن أمفر كان لنفا نافعاً ،وطواعيفة ال ورسفوله أنففع لنفا ،نهانفا أن نحاقفل بالرض فنكتريهفا على
الثلث والربفع والطعام المسفمى ،وأمفر رب الرض أن يزرعهفا أو يزارعهفا .وكره كراءهفا ومفا
سففوى ذلك) .قالوا :فل يجوز كراء الرض بشيففء مففن الطعام مأكول كان أو مشروبففا على حال،
لن ذلك فففي معنففى بيففع الطعام بالطعام نسففيئا .وكذلك ل يجوز عندهففم كراء الرض بشيففء ممففا
يخرج منها وإن لم يكن طعاما مأكول ول مشروبا ،سوى الخشب والقصب والحطب ،لنه عندهم
ففي معنفى المزابنفة .هذا هفو المحفوظ عفن مالك وأصفحابه .وقفد ذكفر ابفن سفحنون عفن المغيرة بفن
عبدالرحمففن المخزومففي المدنففي أنففه قال :ل بأس بإكراء الرض بطعام ل يخرج منهففا .وروى
يحيى بن عمر عن المغيرة أن ذلك ل يجوز ،كقول سائر أصحاب مالك .وذكر ابن حبيب أن ابن
كنانة كان يقول :ل تكرى الرض بشيء إذا أعيد فيها نبت ،ول بأس أن تكرى بما سوى ذلك من
جميفع الشياء ممفا يؤكفل وممفا ل يؤكفل خرج منهفا أو لم يخرج منهفا ،وبفه قال يحيفى بفن يحيفى،
وقال :إنففه مففن قول مالك .قال :وكان ابففن نافففع يقول :ل بأس بأن تكرى الرض بكففل شيففء مففن
طعام وغيره خرج منهفا أو لم يخرج ،مفا عدا الحنطفة وأخواتهفا فإنهفا المحاقلة المنهفي عنهفا .وقال
مالك في الموطأ :فأما الذي يعطي أرضه البيضاء بالثلث والربع مما يخرج منها فذلك مما يدخله
ال َغرَر ،لن الزرع يقل مرة ويكثر أخرى ،وربما هلك رأسا فيكون صاحب الرض قد ترك كراء
معلوما ،وإنما مثل ذلك مثل رجل استأجر أجيرا لسفر بشيء معلوم ،ثم قال الذي استأجر للجير:
هل لك أن أعطيك عشر ما أربح في سفري هذا إجارة لك .فهذا ل يحل ول ينبغي .قال مالك :ول
ينبغي لرجل أن يؤاجر نفسه ول أرضه ول سفينته ول دابته إل بشيء معلوم ل يزول .وبه يقول
الشافعفي وأبفو حنيففة وأصفحابهما .وقال أحمفد بفن حنبفل والليفث والثوري والوزاعفي والحسفن بفن
حففي وأبففو يوسففف ومحمففد :ل بأس أن يعطففي الرجففل أرضففه على جزء ممففا تخرجففه نحففو الثلث
والربفع ،وهفو قول ابفن عمفر وطاوس .واحتجوا بقصفة خيفبر وأن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم
عامفل أهلهفا على شطفر مفا تخرجفه أرضهفم وثمارهفم .قال أحمفد :حديفث راففع بفن خديفج ففي النهفي
عفن كراء المزارع مضطرب اللفاظ ول يصفح ،والقول بقصفة خيفبر أولى وهفو حديفث صفحيح.
وقد أجاز طائفة من التابعين ومن بعدهم أن يعطى الرجل سفينته ودابته ،كما يعطى أرضه بجزء
ممفا يرزقفه ال ففي العلج بهفا .وجعلوا أصفلهم ففي ذلك القراض المجمفع عليفه على مفا يأتفي بيانفه
فففي "المزمففل" إن شاء ال تعالى عنففد قوله تعالى" :وآخرون يضربون فففي الرض يبتغون مففن
فضل ال" [المزمل ]20 :وقال الشافعي في قول ابن عمر :كنا نخابر ول نرى بذلك بأسًا حتى
أخبرنا رافع بن خديج أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عنها ،أي كنا نكري الرض ببعض
ما يخرج منها .قال :وفي ذلك نسخ لسنة خيبر.
قلت :ومما يصحح قول الشافعي في النسخ ما رواه الئمة واللفظ للدارقطني عن جابر أن النبي
صففلى ال عليففه وسففلم نهففى عففن المحاقلة والمزابنففة والمخابرة وعففن الثنيففا إل أن تُعلم .صففحيح.
وروى أبفو داود عفن زيفد بفن ثابفت قال :نهفى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم عفن المخابرة .قلت:
وما المخابرة ؟ قال :أن تأخذ الرض بنصف أو ثلث أو ربع.
@في القراءات .قرأ الجمهور "ما بقي" بتحريك الياء ،وسكنها الحسن ،ومثله قول جرير:
ماضي العزيمة ما في حكمه جنف هو الخليفة فارضوا ما رضي لكم
وقال عمر بن أبي ربيعة:
يا أشبه الناس كل الناس بالقمر كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم
حباً لرؤية من أشبهت في الصور إني لجذل أن أمسي مقابله
أصله "ما رضي" و"أن أمسي" فأسكنها وهو في الشعر كثير .ووجهه أنه شبه الياء باللف فكما
ل تصل الحركة إلى اللف فكذلك ل تصل هنا إلى الياء .ومن هذه اللغة أحب أن أدعوك ،وأشتهي
أن أقضيك ،بإسكان الواو والياء .وقرأ الحسن "ما بقى" باللف ،وهي لغة طيء ،يقولون للجارية:
جاراة ،وللناصية :ناصاة ،وقال الشاعر:
على الرض قيسي يسوق الباعرا لعمرك ل أخشى التصعلك ما بقى
وقرأ أبو السمال من بين جميع القراء "من الربو" بكسر الراء المشددة وضم الباء وسكون الواو.
وقال أبو الفتح عثمان بن جني :شذ هذا الحرف من أمرين ،أحدهما الخروج من الكسر إلى الضم،
والخفر وقوع الواو بعفد الضفم ففي آخفر السفم .وقال المهدوي .وجههفا أنفه فخفم اللف فانتحفى بهفا
نحو الواو التي اللف منها ،ول ينبغي أن يحمل على غير هذا الوجه ،إذ ليس في الكلم اسم آخره
واو سفاكنة قبلهفا ضمفة .وأمال الكسفائي وحمزة "الربفا" لمكان الكسفرة ففي الراء .الباقون بالتفخيفم
لفتحة الباء .وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة "فآذنوا" على معنى فآذنوا غيركم ،فحذف المفعول.
وقرأ الباقون "فأذنوا" أي كونوا على إذن ،من قولك :إن على علم ،حكاه أبو عبيد عن الصمعي.
وحكفى أهفل اللغفة أنفه يقال :أذنفت بفه إذنفا ،أي علمفت بفه .وقال ابفن عباس وغيره مفن المفسفرين:
معنفى "فأذنوا" فاسفتيقنوا الحرب مفن ال تعالى ،وهفو بمعنفى الذن .ورجفح أبفو علي وغيره قراءة
المففد قال :لنهففم إذا أمروا بإعلم غيرهففم ممففن لم ينتففه عففن ذلك علموا هففم ل محالة .قال :ففففي
إعلمهم علمهم وليس في علمهم إعلمهم .ورجح الطبري قراءة القصر ،لنها تختص بهم .وإنما
أمروا على قراءة المفد بإعلم غيرهفم .وقرأ جميفع القراء "ل تظلمون" بفتفح التاء "ول تظلمون"
بضمهفا .وروى المفضفل عفن عاصفم "ل تظلمون" "ول تظلمون" بضفم التاء ففي الولى وفتحهفا
ففي الثانيفة على العكفس .وقال أبفو علي :تترجفح قراءة الجماعفة بأنهفا تناسفب قوله" :وإن تبتفم" ففي
إسناد الفعلين إلى الفاعل ،فيجيء "تظلمون" بفتح التاء أشكل بما قبله.
**3الية{ 280 :وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون}
@قوله تعالى" :وإن كان ذو عسفرة" لمفا حكفم جفل وعفز لرباب الربفا برؤوس أموالهفم عنفد
الواجديفن للمال ،حكفم ففي ذي العسفرة بالنظرة إلى حال الميسفرة ،وذلك أن ثقيففا لمفا طلبوا أموالهفم
التفي لهفم على بنفي المغيرة شكوا العسفرة -يعنفي بنفي المغيرة -وقالوا :ليفس لنفا شيفء ،وطلبوا
الجل إلى وقت ثمارهم ،فنزلت هذه الية "وإن كان ذو عسرة".
قوله تعالى" :وإن كان ذو عسففرة" مففع قوله "وإن تبتففم فلكففم رؤوس أموالكففم"[البقرة]279 :
يدل على ثبوت المطالبفة لصفاحب الديفن على المديفن وجواز أخفذ ماله بغيفر رضاه .ويدل على أن
الغريففم متففى امتنففع مففن أداء الديففن مففع المكان كان ظالماً ،فإن ال تعالى يقول" :فلكففم رؤوس
أموالكفم" فجعفل له المطالبفة برأس ماله .فإذا كان له حفق المطالبفة فعلى مفن عليفه الديفن ل محالة
وجوب قضائه.
@قال المهدوي وقال بعفض العلماء :هذه اليفة ناسفخة لمفا كان ففي الجاهليفة مفن بيفع مَنْف أعسفر.
وحكى مكي أن النبي صلى ال عليه وسلم أمر به في صدر السلم .قال ابن عطية :فإن ثبت فعل
النبي صلى ال عليه وسلم فهو نسخ وإل فليس بنسخ .قال الطحاوي :كان الحر يباع في الدين أول
السلم إذا لم يكن له مال يقضيه عن نفسه حتى نسخ ال ذلك فقال جل وعز" :وإن كان ذو عسرة
فنظرة إلى ميسفرة" .واحتجوا بحديفث رواه الدارقطنفي مفن حديفث مسفلم بفن خالد الزنجفي أخبرنفا
زيد بن أسلم عن ابن البيلماني عن سرق قال :كان لرجل علي مال -أو قال دين -فذهب بي إلى
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فلم يصفب لي مالً فباعنفي منفه ،أو باعنفي له .أخرجفه البزار بهذا
السناد أطول منه .ومسلم بن خالد الزنجي وعبدالرحمن بن البيلماني ل يحتج بهما .وقال جماعة
مفن أهفل العلم :قوله تعالى" :فنظرة إلى ميسفرة" عامفة ففي جميفع الناس ،فكفل مفن أعسفر أنظفر،
وهذا قول أبففي هريرة والحسففن وعامففة الفقهاء .قال النحاس :وأحسففن مففا قيففل فففي هذه اليففة قول
عطاء والضحاك والربيفع بفن خيثفم .قال :هفي لكفل معسفر ينظفر ففي الربفا والديفن كله .فهذا قول
يجمع القوال ،لنه يجوز أن تكون ناسخة عامة نزلت في الربا ثم صار حكم غيره كحكمه .ولن
القراءة بالرفففع بمعنىً وإن وقففع ذو عسففرة مففن الناس أجمعيففن .ولو كان فففي الربففا خاصففة لكان
النصب الوجه ،بمعنى وإن كان الذي عليه الربا ذا عسرة .وقال ابن عباس وشريح :ذلك في الربا
خاصفة ،فأمفا الديون وسفائر المعاملت فليفس فيهفا نظرة بفل يؤدي إلى أهلهفا أو يحبفس فيفه حتفى
يوفيفه ،وهفو قول إبراهيفم .واحتجوا بقول ال تعالى" :إن ال يأمركفم أن تؤدوا المانات إلى أهلهفا"
[النساء ]58 :الية .قال ابن عطية :فكان هذا القول يترتب إذا لم يكن فقر مدقع ،وأما مع العدم
والفقر الصريح فالحكم هو النظرة ضرورة.
@مفن كثرت ديونفه وطلب غرماؤه مالهفم فللحاكفم أن يخلعفه عفن كفل ماله ويترك له مفا كان مفن
ضرورتفه .روى ابفن ناففع عفن مالك أنفه ل يترك له إل مفا يواريفه .والمشهور أنفه يترك له كسفوته
المعتادة ما لم يكن فيها فضل ،ول ينزع منه رداؤه إن كان ذلك مزرياً به .وفي ترك كسوة زوجته
وفي بيع كتبه إن كان عالما خلف .ول يترك له مسكن ول خادم ول ثوب جمعة ما لم تقل قيمتها،
وعنففد هذا يحرم حبسففه .والصففل فففي هذا قوله تعالى" :وإن كان ذو عسففرة فنظرة إلى ميسففرة".
روى الئمة واللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخدري قال :أصيب رجل في عهد رسول ال صلى ال
عليفه وسفلم ففي ثمار ابتاعهفا فكثفر دينفه ،فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم (تصفدقوا عليفه)
فتصفدق الناس عليفه فلم يبلغ ذلك وفاء دينفه .فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم لغرمائه( :خذوا
مفا وجدتفم وليفس لكفم إل ذلك) .وففي مصفنف أبفى داود :فلم يزد رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم
غرماءه على أن خلع لهففم ماله .وهذا نففص ،فلم يأمففر رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم بحبففس
الرجفل ،وهفو معاذ بفن جبفل كمفا قال شريفح ،ول بملزمتفه ،خلففا لبفي حنيففة فإنفه قال :يلزم
لمكان أن يظهر له مال ،ول يكلف أن يكتسب لما ذكرنا .وبال توفيقنا.
@ويحبس المفلس في قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم حتى يتبين عدمه .ول يحبس عند
مالك إن لم يتهم أنه غيب ماله ولم يتبين لدده .وكذلك ل يحبس إن صح عسره على ما ذكرنا.
فإن جمفع مال المفلس ثفم تلف قبفل وصفوله إلى أربابفه وقبفل البيفع ،فعلى المفلس ضمانفه ،وديفن
الغرماء ثابت في ذمته .فإن باع الحاكم ماله وقبض ثمنه ثم تلف الثمن قبل قبض الغرماء له ،كان
عليهم ضمانه وقد برئ المفلس منه .وقال محمد بن عبدالحكم :ضمانه من المفلس أبدا حتى يصل
إلى الغرماء.
@العسفرة ضيفق الحال مفن جهفة عدم المال ،ومنفه جيفش العسفرة .والنظرة التأخيفر .والميسفرة
مصفدر بمعنفى اليسفر .وارتففع "ذو" بكان التامفة التفي بمعنفى وجفد وحدث ،هذا قول سفيبويه وأبفى
علي وغيرهما .وأنشد سيبويه:
إذا كان يوم ذو كواكب أشهب ى لبني ذهل بن شيبان ناقتي
فد ً
ويجوز النصفب .وففي مصفحف أبفي بفن كعفب "وإن كان ذا عسفرة" على معنفى وإن كان المطلوب
ذا عسفرة .وقرأ العمفش "وإن كان معسفراً فنظرة" .قال أبفو عمرو الدانفي عفن أحمفد بفن موسفى:
وكذلك في مصحف أبي بن كعب .قال النحاس ومكي والنقاش :وعلى هذا يختص لفظ الية بأهل
الربفا ،وعلى مفن قرأ "ذو" فهفي عامفة ففي جميفع مفن عليفه ديفن ،وقفد تقدم .وحكفى المهدوي أن ففي
مصففحف عثمان "فإن كان -بالفاء -ذو عسففرة" .وروى المعتمففر عففن حجاج الوراق قال :فففي
مصفحف عثمان "وإن كان ذا عسفرة" ذكره النحاس .وقراءة الجماعفة "نظرة" بكسفر الظاء .وقرأ
مجاهد وأبو رجاء والحسن "فنظرة" بسكون الظاء ،وهي لغة تميمية وهم الذين يقولون :في َكرْم
زيفد بمعنفى َكرَم زيفد ،ويقولون كبْد ففي كبِد .وقرأ ناففع وحده "ميسفرة" بضفم السفين ،والجمهور
بفتحهفا .وحكفى النحاس عفن مجاهفد وعطاء "فناظره -على المفر -إلى ميسفر هفي" بضفم السفين
وكسفر الراء وإثبات الياء ففي الدراج .وقرئ "فناظرة" قال أبفو حاتفم ل يجوز فناظرة ،إنمفا ذلك
ففي "النمفل" لنهفا امرأة تكلمفت بهذا لنفسفها ،مفن نظرت تنظفر فهفي ناظرة ،ومفا ففي "البقرة" فمفن
التأخيففر ،مففن قولك :أنظرتففك بالديْفن ،أي أخرتففك بففه .ومنففه قوله" :أنظرنففي إلى يوم يبعثون"
[العراف ]14 :وأجاز ذلك أبفو إسفحاق الزجاج وقال :هفي مفن أسفماء المصفادر ،كقوله تعالى:
"ليس لوقعتها كاذبة" [الواقعة .]2 :وكقوله تعالى" :تظن أن يفعل بها فاقرة" [القيامة ]25 :وكف
"خائنة العين" [المؤمن ]19 :وغيره.
@قوله تعالى" :وأن تصفدقوا" ابتداء ،وخفبره "خيفر" .ندب ال تعالى بهذه اللفاظ إلى الصفدقة
على المعسفر وجعفل ذلك خيرا مفن إنظاره ،قاله السفدي وابفن زيفد والضحاك .وقال الطفبري :وقال
آخرون :معنفى اليفة وأن تصفدقوا على الغنفي والفقيفر خيفر لكفم .والصفحيح الول ،وليس ففي الية
مدخل للغني.
روى أبفو جعففر الطحاوي عفن بريدة بفن الخصفيب قال قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم:
(مفن أنظفر معسفرا كان له بكفل يوم صفدقة) ثفم قلت :بكفل يوم مثله صفدقة ،قال فقال( :بكفل يوم
صفدقة مفا لم يحفل الديفن فإذا أنظره بعفد الحفل فله بكفل يوم مثله صفدقة) .وروى مسفلم عفن أبفي
مسفعود قال قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :حوسفب رجفل ممفن كان قبلكفم فلم يوجفد له مفن
الخيفر شيفء إل أنفه كان يخالط الناس وكان موسفرا فكان يأمفر غلمانفه أن يتجاوزوا عفن المعسفر
قال :قال ال عز وجل نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه) .وروي عن أبي قتادة أنه طلب غريما له
فتوارى عنفه ثفم وجده فقال :إنفي معسفر .فقال :آل ؟ قال :أل .قال :فإنفي سفمعت رسفول ال صفلى
ال عليفه وسفلم يقول( :مفن سفره أن ينجيفه ال مفن كرب يوم القيامفة فلينففس عفن معسفر أو يضفع
عنفه) ،وففي حديفث أبفي اليسفر الطويفل -واسفمه كعفب بفن عمرو -أنفه سفمع رسفول ال صفلى ال
عليفه وسفلم يقول( :مفن أنظفر معسفرا أو وضفع عنفه أظله ال ففي ظله) .فففي هذه الحاديفث مفن
الترغيب ما هو منصوص فيها .وحديث أبي قتادة يدل على أن رب الدين إذا علم عسرة غريمه أو
ظنهفا حرمفت عليففه مطالبتففه ،وإن لم تثبفت عسففرته عنفد الحاكفم .وإنظار المعسففر تأخيره إلى أن
يوسر .والوضع عنه إسقاط الدين عن ذمته .وقد جمع المعنيين أبو اليسر لغريمه حيث محا عنه
الصحيفة وقال له :إن وجدت قضاء فاقض وإل فأنت في حل.
**3الية{ 281 :واتقوا يوما ترجعون فيه إلى ال ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمون}
@قيفل :إن هذه اليفة نزلت قبفل موت النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بتسفع ليال ثفم لم ينزل بعدهفا
شيفء ،قاله ابفن جريفج .وقال ابفن جفبير ومقاتفل :بسفبع ليال .وروي بثلث ليال .وروي أنهفا نزلت
قبل موته بثلث ساعات ،وأنه عليه السلم قال( :اجعلوها بين آية الربا وآية الدين) .وحكى مكي
أن النبي صلى ال عليه وسلم قال( :جاءني جبريل فقال اجعلها على رأس مائتين وثمانين آية).
قلت :وحكي عن أبي كعب وابن عباس وقتادة أن آخر ما نزل" :لقد جاءكم رسول من أنفسكم"
[التوبة ]128 :إلى آخر الية .والقول الول أعرف وأكثر وأصح وأشهر .ورواه أبو صالح عن
ابفن عباس قال :آخفر مفا نزل مفن القرآن "واتقوا يومفا ترجعون فيفه إلى ال ثفم توففى كفل نففس مفا
كسبت وهم ل يظلمون" فقال جبريل للنبي صلى ال عليه وسلم (يا محمد ضعها على رأس ثمانين
ومائتيفن مفن البقرة) .ذكره أبفو بكفر النباري ففي "كتاب الرد" له ،وهفو قول ابفن عمفر رضفي ال
عنه أنهفا آخفر مفا نزل ،وأنه عليفه السلم عاش بعدها أحدا وعشرين يوما ،على مفا يأتفي بيانه ففي
آخفر سفورة "إذا جاء نصفر ال والفتفح" [النصفر ]1 :إن شاء تعالى .واليفة وعفظ لجميفع الناس
وأمر يخص كل إنسان .و"يوما" منصوب على المفعول ل على الظرف" .ترجعون فيه إلى ال"
من نعته .وقرأ أبو عمرو بفتح التاء وكسر الجيم ،مثل "إن إلينا إيابهم" [الغاشية ]25 :واعتبارا
بقراءة أبي "يوما تصيرون فيه إلى ال" .والباقون بضم التاء وفتح الجيم ،مثل "ثم ردوا إلى ال"
[النعام" .]62 :ولئن رددت إلى ربي" [الكهف ]36 :واعتبارا بقراءة عبدال "يوما تردون فيه
إلى ال" وقرأ الحسفن "يرجعون" بالياء ،على معنفى يرجفع جميفع الناس .قال ابفن جنفي :كأن ال
تعالى رففق بالمؤمنيفن على أن يواجههفم بذكفر الرجعفة ،إذ هفي ممفا ينفطفر لهفا القلوب فقال لهفم:
"واتقوا يومفا" ثفم رجفع ففي ذكفر الرجعفة إلى الغيبفة رفقفا بهفم .وجهور العلماء على أن هذا اليوم
المحذر منه هو يوم القيامة والحساب والتوفية .وقال قوم :هو يوم الموت .قال ابن عطية :والول
أصفح بحكفم اللفاظ ففي اليفة .وففي قوله "إلى ال" مضاف محذوف ،تقديره إلى حكفم ال وفصفل
قضائه" .وهففم" رد على معنففى "كففل" ل على اللفففظ ،إل على قراءة الحسففن "يرجعون" فقوله
"وهفم" رد على ضميفر الجماعفة ففي "يرجعون" .وففي هذه اليفة نفص على أن الثواب والعقاب
متعلق بكسب العمال ،وهو رد على الجبرية ،وقد تقدم.
**3الية{ 282 :يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب
بالعدل ول يأب كاتفب أن يكتفب كمفا علمفه ال فليكتفب وليملل الذي عليفه الحفق وليتفق ال ربفه ول
يبخفس منفه شيئا فإن كان الذي عليفه الحفق سففيها أو ضعيففا أو ل يسفتطيع أن يمفل هفو فليملل وليفه
بالعدل واسفتشهدوا شهيديفن مفن رجالكفم فإن لم يكونفا رجليفن فرجفل وامرأتان ممفن ترضون مفن
الشهداء أن تضففل إحداهمففا فتذكففر إحداهمففا الخرى ول يأب الشهداء إذا مففا دعوا ول تسففأموا أن
تكتبوه صفغيرا أو كفبيرا إلى أجله ذلكفم أقسفط عنفد ال وأقوم للشهادة وأدنفى أل ترتابوا إل أن تكون
تجارة حاضرة تديرونهفا بينكفم فليفس عليكفم جناح أل تكتبوهفا وأشهدوا إذا تبايعتفم ول يضار كاتفب
ول شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا ال ويعلمكم ال وال بكل شيء عليم}
@قوله تعالى" :يفا أيهفا الذيفن آمنوا إذا تداينتفم" اليفة .قال سفعيد بفن المسفيب :بلغنفي أن أحدث
القرآن بالعرش آيفة الديفن .وقال ابفن عباس :هذه اليفة نزلت ففي السفلم خاصفة .معناه أن سفلم أهفل
المدينففة كان سففبب اليففة ،ثففم هففي تتناول جميففع المداينات إجماعففا .وقال ابففن خويففز منداد :إنهففا
تضمنت ثلثين حكما .وقد استدل بها بعض علمائنا على جواز التأجيل في القروض ،على ما قال
مالك ،إذ لم يفصل بين القرض وسائر العقود في المداينات .وخالف في ذلك الشافعية وقالوا :الية
ليفس فيهفا جواز التأجيفل ففي سفائر الديون ،وإنمفا فيهفا المفر بالشهاد إذا كان َديْناً مؤجل ،ثفم يعلم
بدللة أخرى جواز التأجيل في الدين وامتناعه.
@قوله تعالى" :بدين" تأكيد مثل قوله "ول طائر يطير بجناحيه" [النعام" .]38 :فسجد الملئكة
كلهفم أجمعون" [الحجفر .]30 :وحقيقة الديفن عبارة عن كفل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا
والخر في الذمة نسيئة ،فإن العين عند العرب ما كان حاضرا ،والدين ما كان غائبا ،قال الشاعر:
وشواء معجل غير دين وعدتنا بدرهمينا طلء
وقال آخر:
إذا لم ترم بي في الحفرتين لترم بي المنايا حيث شاءت
فذاك الموت نقدا غير دين إذا ما أوقدوا حطبا ونارا
وقد بين ال تعالى هذا المعنى بقوله الحق "إلى أجل مسمى".
@قوله تعالى" :إلى أجل مسمى" قال ابن المنذر :دل قول ال "إلى أجل مسمى" على أن السلم
إلى الجل المجهول غير جائز ،ودلت سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم على مثل معنى كتاب
ال تعالى .ثبفت أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قدم المدينفة وهفم يسفتلفون ففي الثمار السفنتين
والثلث ،فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن
معلوم إلى أجفل معلوم) رواه ابفن عباس .أخرجفه البخاري ومسفلم وغيرهمفا .وقال ابفن عمفر :كان
حبَلة .وحبفل الحبلة :أن تنتفج الناقفة ثفم تحمفل التفي
أهفل الجاهليفة يتبايعون لحفم الجزور إلى حَبَل ال َ
نتجت .فنهاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ذلك .وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم
على أن السففلم الجائز أن يسففلم الرجففل إلى صففاحبه فففي طعام معلوم موصففوف ،مففن طعام أرض
عامفة ل يخطفئ مثلهفا .بكيفل معلوم ،إلى أجفل معلوم بدنانيفر أو دراهفم معلومفة ،يدففع ممفن مفا أسفلم
فيه قبل أن يفترقا من مقامهما الذي تبايعا فيه ،وسميا المكان الذي يقبض فيه الطعام .فإذا فعل ذلك
وكان جائز المر كان سلما صحيحا ل أعلم أحدا من أهل العلم يبطله.
قلت :وقال علماؤنفا :إن السفلم إلى الحصفاد والجذاذ والنيروز والمهرجان جائز ،إذ ذاك يختفص
بوقت وزمن معلوم.
@حدّ علماؤنفا رحمفة ال عليهفم السفلم فقالوا :هفو بيفع معلوم ففي الذمفة محصفور بالصففة بعيفن
حاضرة أو مفا هو ففي حكمهفا إلى أجفل معلوم .فتقييده بمعلوم ففي الذمفة يفيفد التحرز من المجهول،
ومفن السفلم ففي العيان المعينفة ،مثفل الذي كانوا يسفتلفون ففي المدينفة حيفن قدم عليهفم النفبي عليفه
السفلم فإنهفم كانوا يسفتلفون ففي ثمار نخيفل بأعيانهفا ،فنهاهفم عفن ذلك لمفا فيفه مفن الغرر ،إذ قفد
تخلف تلك الشجار فل تثمر شيئا.
وقولهم [محصور بالصفة] تحرز عن المعلوم على الجملة دون التفصيل ،كما لو أسلم في تمر أو
ثياب أو حيتان ولم يففبين نوعهففا ول صفففتها المعينففة .وقولهففم [بعيففن حاضرة] تحرز مففن الديففن
بالديفن .وقولهفم [أو مفا هفو ففي حكمهفا] تحرز مفن اليوميفن والثلثفة التفي يجوز تأخيفر رأس مال
السفففلم إليفففه ،فإنفففه يجوز تأخيره عندنفففا ذلك القدر ،بشرط وبغيفففر شرط لقرب ذلك ،ول يجوز
اشتراطه عليها .ولم يجز الشافعي ول الكوفي تأخير رأس مال السلم عن العقد والفتراق ،ورأوا
أنفه كالصفرف .ودليلنفا أن البابيفن مختلفان بأخفص أوصفافهما ،فإن الصفرف بابفه ضيفق كثرت فيفه
الشروط بخلف السلم فإن شوائب المعاملت عليه أكثر .وال أعلم.
وقولهفم إلى أجفل معلوم تحرز مفن السفلم الحال فإنفه ل يجوز على المشهور وسفيأتي .ووصفف
الجل بالمعلوم تحرز من الجل المجهول الذي كانوا في الجاهلية يسلمون إليه.
@السفلم والسفلف عبارتان عفن معنفى واحفد وقفد جاءا ففي الحديفث ،غيفر أن السفم الخاص بهذا
الباب [السفّلم] لن السفلف يقال على القرض .والسفلم بيفع مفن البيوع الجائزة بالتفاق ،مسفتثنى مفن
نهيفه عليفه السفلم عفن بيفع مفا ليفس عندك .وأرخفص ففي السفلم ،لن السفلم لمفا كان بيفع معلوم ففي
الذمفة كان بيفع غائب تدعفو إليفه ضرورة كفل واحفد مفن المتابعيفن ،فإن صفاحب رأس المال محتاج
إلى أن يشتري الثمرة ،وصفاحب الثمرة محتاج إلى ثمنهفا قبفل إبانهفا لينفقفه عليهفا ،فظهفر أن بيفع
السفلم مفن المصفالح الحاجيفة ،وقفد سفماه الفقهاء بيفع المحاويفج ،فإن جاز حال بطلت هذه الحكمفة
وارتفعت هذه المصلحة ،ولم يكن لستثنائه من بيع ما ليس عندك فائدة .وال أعلم.
@في شروط السلم المتفق عليها والمختلف فيها وهي تسعة :ستة في المُسْلَم فيه ،وثلثة في رأس
مال السفلم .أمفا السفتة التفي ففي المسفلم فيفه فأن يكون ففي الذمفة ،وأن يكون موصفوفا ،وأن يكون
مقدرا ،وأن يكون مؤجل ،وأن يكون الجففل معلومفا ،وأن يكون موجودا عنففد محفل الجفل .وأمفا
الثلثفة التفي ففي رأس مال السفلم فأن يكون معلوم الجنفس ،مقدرا ،نقدا .وهذه الشروط الثلثفة التفي
ففي رأس المال متففق عليهفا إل النقفد حسفب مفا تقدم .قال ابفن العربفي :وأمفا الشرط الول وهفو أن
يكون ففي الذمفة فل إشكال ففي أن المقصفود منفه كونفه ففي الذمفة ،لنفه مداينفة ،ولول ذلك لم يشرع
دينفا ول قصفد الناس إليفه ربحفا ورفقفا .وعلى ذلك القول اتففق الناس .بيفد أن مالكفا قال :ل يجوز
السفلم ففي المعيفن إل بشرطيفن :أحدهمفا أن يكون قريفة مأمونفة ،والثانفي أن يشرع ففي أخذه كاللبفن
مفن الشاة والرطفب مفن النخلة ،ولم يقفل ذلك أحفد سفواه .وهاتان المسفألتان صفحيحتان ففي الدليفل،
لن التعييفن امتنفع ففي السفلم مخاففة المزابنفة والغرر ،لئل يتعذر عنفد المحفل .وإذا كان الموضفع
مأمونفا ل يتعذر وجود مفا فيفه ففي الغالب جاز ذلك ،إذ ل يتيقفن ضمان العواقفب على القطفع ففي
مسفائل الفقفه ،ول بفد مفن احتمال الغرر اليسفير ،وذلك كثيفر ففي مسفائل الفروع ،تعدادهفا ففي كتفب
المسفائل .وأمفا السفلم ففي اللبفن والرطفب مفع الشروع ففي أخذه فهفي مسفألة مدنيفة اجتمفع عليهفا أهفل
المدينة ،وهي مبنية على قاعدة المصلحة ،لن المرء يحتاج إلى أخذ اللبن والرطب مياومة ويشق
أن يأخفذ كفل يوم ابتداء ،لن النقفد قفد ل يحضره ولن السفعر قفد يختلف عليفه ،وصفاحب النخفل
واللبفن محتاج إلى النقفد ،لن الذي عنده عروض ل يتصفرف له .فلمفا اشتركفا ففي الحاجفة رخفص
لهمفا ففي هذه المعاملة قياسفا على العرايفا وغيرهفا مفن أصفول الحاجات والمصفالح .وأمفا الشرط
الثاني وهو أن يكون موصوفا فمتفق عليه ،وكذلك الشرط الثالث .والتقدير يكون من ثلثة أوجه:
الكيل ،والوزن ،والعدد ،وذلك ينبني على العرف ،وهو إما عرف الناس وإما عرف الشرع .وأما
الشرط الرابع وهو أن يكون مؤجل فاختلف فيه ،فقال الشافعي :يجوز السلم الحال ،ومنعه الكثر
مفن العلماء .قال ابفن العربفي :واضطربت المالكية ففي تقديفر الجل حتفى ردوه إلى يوم ،حتفى قال
بعفض علمائنفا :السفلم الحال جائز .والصفحيح أنفه ل بفد مفن الجفل فيفه ،لن المفبيع على ضربيفن:
معجفل وهفو العيفن ،ومؤجفل .فإن كان حال ولم يكفن عنفد المسفلم إليفه فهفو مفن باب :بيفع مفا ليفس
عندك ،فل بففد مففن الجففل حتففى يخلص كففل عقففد على صفففته وعلى شروطففه ،وتتنزل الحكام،
الشرعيفة منازلهفا .وتحديده عنفد علمائنفا مدة تختلف السفواق ففي مثلهفا .وقول ال تعالى "إلى أجفل
مسمى" وقوله عليه السلم( :إلى أجل معلوم) يغني عن قول كل قائل.
قلت :الذي أجازه علماؤنا من السلم الحال ما تختلف فيه البلدان من السعار ،فيجوز السلم فيما
كان بينفه وبينفه يوم أو يومان أو ثلثفة .فأمفا ففي البلد الواحفد فل ،لن سفعره واحد ،وال أعلم .وأما
الشرط الخامفس وهفو أن يكون الجفل معلومفا فل خلف فيفه بيفن المفة ،لوصفف ال تعالى ونفبيه
الجففل بذلك .وانفرد مالك دون الفقهاء بالمصففار بجواز البيففع إلى الجذاذ والحصففاد ،لنففه رآه
معلومفا .وقفد مضفى القول ففي هذا عنفد قوله تعالى "يسفألونك عفن الهلة"[البقرة .]189 :وأمفا
الشرط السفادس وهفو أن يكون موجودا عنفد المحفل فل خلف فيفه بيفن المفة أيضفا ،فإن انقطفع
المبيع عند محل الجل بأمر من ال تعالى انفسخ العقد عند كافة العلماء.
@ليفس مفن شرط السفلم أن يكون المسفلم إليفه مالكفا للمسفلم فيفه خلففا لبعفض السفلف ،لمفا رواه
البخاري عفن محمفد بفن المجالد قال :بعثنفي عبدال بفن شداد وأبفو بردة إلى عبدال بفن أبفي أوففى
فقال :سله هل كان أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم في عهد النبي صلى ال عليه وسلم يسلفون
في الحنطة ؟ فقال عبدال :كنا نسلف نبيط أهل الشام في الحنطة والشعير والزيت في كيل معلوم
إلى أجففل معلوم .قلت :إلى مففن كان أصففله عنده ؟ قال :مففا كنففا نسففألهم عففن ذلك .ثففم بعثانففي إلى
عبدالرحمفن بفن أبزى فسفألته فقال :كان أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم يسفلفون على عهفد
النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ولم نسفألهم ألهفم حرث أم ل ؟ وشرط أبفو حنيففة وجود المسفلم فيفه مفن
حين العقد إلى حين الجل ،مخافة أن يطلب المسلم فيه فل يوجد فيكون ذلك غررا ،وخالفه سائر
الفقهاء وقالوا :المراعفى وجوده عنفد الجفل .وشرط الكوفيون والثوري أن يذكفر موضفع القبفض
فيما له حمل ومؤونة وقالوا :السلم فاسد إذا لم يذكر موضع القبض .وقال الوزاعي :هو مكروه.
وعندنفا لو سفكتوا عنفه لم يفسفد العقفد ،ويتعيفن موضفع القبفض ،وبفه قال أحمفد وإسفحاق وطائففة مفن
أهفل الحديفث ،لحديفث ابفن عباس فإنفه ليفس فيفه ذكفر المكان الذي يقبفض فيفه السفلم ،ولو كان مفن
شروطه لبينه النبي صلى ال عليه وسلم كما بين الكيل والوزن والجل ،ومثله ابن أبي أوفى.
@روى أبو داود عن سعد -يعني الطائي -عن عطية بن سعد عن أبي سعيد الخدري قال قال
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :مفن أسفلف ففي شيفء فل يصفرفه إلى غيره) .قال أبفو محمفد
عبدالحفق بفن عطيفة :هفو العوففي ول يحتفج أحفد بحديثفه ،وإن كان الجلة قفد رووا عنفه .قال مالك:
المفر عندنفا فيمفن أسفلف ففي طعام بسفعر معلوم إلى أجفل مسفمى فحفل الجفل فلم يجفد المبتاع عنفد
البائع وفاء مما ابتاعه منه فأقاله ،إنه ل ينبغي له أن يأخذ منه إل ورقه أو ذهبه أو الثمن الذي دفع
إليه بعينه ،وأنه ل يشتري منه بذلك الثمن شيئا حتى يقبضه منه ،وذلك أنه إذا أخذ غير الثمن الذي
دففع إليفه أو صفرفه ففي سفلعة غيفر الطعام الذي ابتاع منفه فهفو بيفع الطعام قبفل أن يسفتوفى .قال
مالك :وقد نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن بيع الطعام قبل أن يستوفى.
@قوله تعالى" :فاكتبوه" يعني الدين والجل .ويقال :أمر بالكتابة ولكن المراد الكتابة والشهاد،
لن الكتابة بغير شهود ل تكون حجة .ويقال :أمرنا بالكتابة لكيل ننسى .وروى أبو داود الطيالسي
ففي مسفنده عفن حماد بفن سفلمة عفن علي بفن زيفد عفن يوسفف بفن مهران عفن ابفن عباس قال :قال
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي قول ال عفز وجفل "إذا تداينتفم بديفن إلى أجفل مسفمى فاكتبوه"
إلى آخفر اليفة( :إن أول مفن جحفد آدم عليفه السفلم إن ال أراه ذريتفه فرأى رجل أزهفر سفاطعا
نوره فقال يفا رب مفن هذا قال :هذا ابنفك داود ،قال :يفا رب فمفا عمره ؟ قال :سفتون سفنة ،قال :يفا
رب زده ففي عمره ! فقال :ل إل أن تزيده مفن عمرك ،قال :ومفا عمري ؟ قال :ألف سفنة ،قال آدم
فقفد وهبفت له أربعيفن سفنة ،قال :فكتفب ال عليفه كتابفا وأشهفد عليفه ملئكتفه فلمفا حضرتفه الوفاة
جاءتفه الملئكة ،قال :إنه بقفي من عمري أربعون سنة ،قالوا :إنفك قفد وهبتها لبنك داود ،قال :مفا
وهبت لحفد شيئا ،فأخرج ال تعالى الكتاب وشهفد عليه ملئكتفه -ففي روايفة :وأتفم لداود مائة سفنة
ولدم عمره ألف سفنة) .خرجفه الترمذي أيضفا .وففي قوله "فاكتبوه" إشارة ظاهرة إلى أنفه يكتبفه
بجميع صفته المبينة له المعربة عنه ،للختلف المتوهم بين المتعاملين ،المعرفة للحاكم ما يحكم
به عند ارتفاعهما إليه .وال أعلم.
@ذهفب بعفض الناس إلى أن كتفب الديون واجفب على أربابهفا ،فرض بهذه اليفة ،بيعفا كان أو
قرضفا ،لئل يقفع فيفه نسفيان أو جحود ،وهفو اختيار الطفبري .وقال ابفن جريفج :مفن ادّان فليكتفب،
ومففن باع فليشهففد .وقال الشعففبي :كانوا يرون أن قوله "فإن أمففن" [البقرة ]283 :ناسففخ لمره
بالكتب .وحكى نحوه ابن جريج ،وقاله ابن زيد ،وروي عن أبي سعيد الخدري .وذهب الربيع إلى
أن ذلك واجفب بهذه اللفاظ ،ثفم خفففه ال تعالى بقوله" :فإن أمفن بعضكفم بعضفا" .وقال الجمهور:
المفر بالكتفب ندب إلى حففظ الموال وإزالة الريفب ،وإذا كان الغريفم تقيفا فمفا يضره الكتاب ،وإن
كان غيفر ذلك فالكتاب ثقاف ففي دينفه وحاجفة صفاحب الحفق .قال بعضهفم :إن أشهدت فحزم ،وإن
ائتمنفت فففي حفل وسفعة .ابفن عطيفة :وهذا هفو القول الصفحيح .ول يترتفب نسفخ ففي هذا ،لن ال
تعالى ندب إلى الكتاب فيما للمرء أن يهبه ويتركه بإجماع ،فندبه إنما هو على جهة الحيطة للناس.
@قوله تعالى" :وليكتفب بينكفم كاتفب" قال عطاء وغيره :واجفب على الكاتفب أن يكتفب ،وقاله
الشعبي ،وذلك إذا لم يوجد كاتب سواه فواجب عليه أن يكتب .السدي :واجب مع الفراغ .وحذفت
اللم مفن الول وأثبتفت ففي الثانفي ،لن الثانفي غائب والول للمخاطفب .وقفد ثبتفت ففي المخاطفب،
ومنه قوله تعالى" :فلتفرحوا" بالتاء .وتحذف في الغائب ،ومنه:
إذا ما خفت من شيء تبال محمد تفد نفسك كل نفس
@قوله تعالى" :بالعدل" أي بالحق والمعدلة ،أي ل يكتب لصاحب الحق أكثر مما قاله ول أقل.
وإنمفا قال "بينكفم" ولم يقفل أحدكفم ،لنفه لمفا كان الذي له الديفن يتهفم ففي الكتابفة الذي عليفه الديفن
وكذلك بالعكففس شرع ال سففبحانه كاتبففا غيرهمففا يكتففب بالعدل ل يكون فففي قلبففه ول قلمففه موادة
لحدهمفا على الخفر .وقيفل :إن الناس لمفا كانوا يتعاملون حتفى ل يشفذ أحدهفم عفن المعاملة ،وكان
منهم من يكتب ومن ل يكتب ،أمر ال سبحانه أن يكتب بينهم كاتب بالعدل.
الباء ففي قوله تعالى "بالعدل" متعلقفة بقوله" :وليكتفب" وليسفت متعلقفة بفف "كاتفب" لنفه كان يلزم
أل يكتففب وثيقففة إل العدل فففي نفسففه ،وقففد يكتبهففا الصففبي والعبففد والمتحوط إذا أقاموا فقههففا .أمففا
المنتصبون لكتبها فل يجوز للولة أن يتركوهم إل عدول مرضيين .قال مالك رحمه ال تعالى :ل
يكتفب الوثائق بيفن الناس إل عارف بهفا عدل ففي نفسفه مأمون ،لقوله تعالى" :وليكتفب بينكفم كاتفب
بالعدل ".
قلت :فالباء على هذا متعلقفة بفف "كاتفب" أي ليكتفب بينكفم كاتفب عدل ،ففف "بالعدل" ففي موضفع
الصفة.
@قوله تعالى" :ول يأب كاتب أن يكتب" نهى ال الكاتب عن الباء ،واختلف الناس في وجوب
الكتابفة على الكاتفب والشهادة على الشاهفد ،فقال الطفبري والربيفع :واجفب على الكاتفب إذا أمفر أن
يكتب .وقال الحسن :ذلك واجب عليه في الموضع الذي ل يقدر على كاتب غيره ،فيضر صاحب
الديفن إن امتنفع ،فإن كان كذلك فهفو فريضفة ،وإن قدر على كاتفب غيره فهفو ففي سفعة إذا قام بفه
غيره .السفدي :واجفب عليفه ففي حال فراغفه ،وقفد تقدم .وحكفى المهدوي عفن الربيفع والضحاك أن
قوله "ول يأب" منسوخ بقوله "ول يضار كاتب ول شهيد".
قلت :هذا يتمشفى على قول مفن رأى أو ظفن أنفه قفد كان وجفب ففي الول على كفل مفن اختاره
المتبايعان أن يكتففب ،وكان ل يجوز له أن يمتنففع حتففى نسففخه قوله تعالى" :ول يضار كاتففب ول
شهيد" وهذا بعيد ،فإنه لم يثبت وجوب ذلك على كل من أراده المتبايعان كائنا من كان .ولو كانت
الكتابفة واجبفة مفا صفح السفتئجار بهفا ،لن الجارة على فعفل الفروض باطلة ،ولم يختلف العلماء
ففي جواز أخفذ الجرة على كتفب الوثيقفة .ابفن العربفي :والصفحيح أنفه أمفر إرشاد فل يكتفب حتفى
يأخذه حقه .وأبى يأبى شاذ ،ولم يجئ إل قلى يقلى وأبى يأبى وغسى يغسى وجبى الخراج يجبى،
وقد تقدم.
@قوله تعالى" :كما علمه ال فليكتب" الكاف في "كما" متعلقة بقوله "أن يكتب" المعنى كتبا كما
علمه ال .ويحتمل أن تكون متعلقة بما في قوله "ول يأب" من المعنى ،أي كما أنعم ال عليه بعلم
الكتابفة فل يأب هفو وليفضفل كمفا أفضفل ال عليفه .ويحتمفل أن يكون الكلم على هذا المعنفى تامفا
عند قوله "أن يكتب" ثم يكون "كما علمه ال" ابتداء كلم ،وتكون الكاف متعلقة بقوله "فليكتب".
@قوله تعالى" :وليملل الذي عليه الحق" وهو المديون المطلوب يقر على نفسه بلسفانه ليعلم ما
عليه .والملء والملل لغتان ،أملّ وأملى ،فأمل لغة أهل الحجاز وبني أسد ،وتميم تقول :أمليت.
وجاء القرآن باللغتيفن ،قال عفز وجفل" :فهفي تملى عليفه بكرة وأصفيل" [الفرقان .]5 :والصفل
أمللت ،أبدل مفن اللم ياء لنفه أخفف .فأمفر ال تعالى الذي عليفه الحفق بالملء ،لن الشهادة إنمفا
تكون بسبب إقراره .وأمره تعالى بالتقوى فيما يمل ،ونهى عن أن يبخس شيئا من الحق .والبخس
النقص .ومن هذا المعنى قوله تعالى" :ول يحل لهن أن يكتمن ما خلق ال في أرحامهن" [البقرة:
.]228
@قوله تعالى" :فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا" قال بعض الناس :أي صغيرا .وهو
خطففأ فإن السفففيه قففد يكون كففبيرا على مففا يأتففي بيانففه" .أو ضعيفففا" أي كففبيرا ل عقففل له" .أو ل
يستطيع أن يمل" جعل ال الذي عليه الحق أربعة أصناف :مستقل بنفسه يمل ،وثلثة أصناف ل
يملون وتقع نوازلهم في كل زمن ،وكون الحق يترتب لهم في جهات سوى المعاملت كالمواريث
إذا قسمت وغير ذلك ،وهم السفيه والضعيف والذي ل يستطيع أن يمل .فالسفيه المهلهل الرأي في
المال الذي ل يحسفن الخفذ لنفسفه ول العطاء منهفا ،مشبفه بالثوب السففيه وهفو الخفيفف النسفج.
والبذيففء اللسففان يسففمى سفففيها ،لنففه ل تكاد تتفففق البذاءة إل فففي جهال الناس وأصففحاب العقول
الخفيفة .والعرب تطلق السفه على ضعف العقل تارة وعلى ضعف البدن أخرى ،قال الشاعر:
ويجهل الدهر مع الحالم نخاف أن تسفه أحلمنا
وقال ذو الرمة:
أعاليها مر الرياح النواسم مشين كما اهتزت رماح تسفهت
أي اسفتضعفها واسفتلنها فحركهفا .وقفد قالوا :الضعفف بضفم الضاد ففي البدن وبفتحهفا ففي الرأي،
وقيفل :همفا لغتان .والول أصفح ،لمفا روى أبفو داود عفن أنفس بفن مالك أن رجل على عهفد النفبي
صلى ال عليه وسلم كان يبتاع وفي عقله ضعف فأتى أهله نبي ال صلى ال عليه وسلم فقالوا :يا
نبي ال ،احجر على فلن فإنه يبتاع وفي عقله ضعف .فدعاه النبي صلى ال عليه وسلم فنهاه عن
البيع ،فقال :يا رسول ال ،إني ل أصبر عن البيع ساعة .فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم (إن
كنفت غيفر تارك البيفع فقفل هفا وهفا ول خلبفة) وأخرجفه أبفو عيسفى محمفد بفن عيسفى السفلمي
الترمذي من حديث أنس وقال :هو صحيح ،وقال :إن رجل كان في عقله ضعف ،وذكر الحديث.
وذكره البخاري في التاريخ وقال فيه( :إذا بايعت فقل ل خلبة وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار
ثلث ليال) .وهذا الرجفل هفو حبان بفن منقفذ بفن عمرو النصفاري والد يحيفى وواسفع ابنفي حبان:
وقيفل :وهفو منقفذ جفد يحيفى وواسفع شيخفي مالك ووالده حبان ،أتفى عليفه مائة وثلثون سفنة ،وكان
شفج ففي بعفض مغازيفه مفع النفبي صفلى ال عليفه وسفلم مأمومفة خبفل منهفا عقله ولسفانه :وروى
الدارقطني قال :كان حبان بن منقذ رجل ضعيفا ضرير البصر وكان قفد سفع ففي رأسه مأمومة،
فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم له الخيار فيما يشتري ثلثة أيام ،وكان قفد ثقل لسانه ،فقال
له رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :بفع وقفل ل خلبفة) فكنفت أسفمعه يقول :ل خذابفة ل خذابفة.
أخرجه من حديث ابن عمرو .الخلبة :الخديعة ،ومنه قولهم" :إذا لم تغلب فاخلب".
@اختلف العلماء فيمفن يخدع ففي البيوع لقلة خفبرته وضعفف عقله فهفل يحجفر عليفه أول فقال
بالحجففر عليففه أحمففد وإسففحاق .وقال آخرون :ل يحجففر عليففه .والقولن فففي المذهففب ،والصففحيح
الول ،لهذه اليفة ،ولقوله ففي الحديفث( :يفا نفبي ال احجفر على فلن) .وإنمفا ترك الحجفر عليفه
لقوله( :يفا نفبي ال إنفي ل أصفبر عفن البيفع) .فأباح له البيفع وجعله خاصفا بفه ،لن مفن يخدع ففي
البيوع ينبغي أن يحجر عليه ل سيما إذا كان ذلك لخبل عقله .ومما يدل على الخصوصية ما رواه
محمد بن إسحاق قال :حدثني محمد بن يحيى بن حبان قال :هو جدي منقذ بن عمرو وكان رجل
قد أصابته آفة في رأسه فكسرت لسانه ونازعته عقله ،وكان ل يدع التجارة ول يزال يغبن ،فأتى
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فذكفر ذلك له ،فقال( :إذا بعفت فقفل ل خلبفة ثفم أنفت ففي كفل سفلعة
تبتاعهففا بالخيار ثلث ليال فإن رضيففت فأمسففك وإن سففخطت فارددهففا على صففاحبها) .وقففد كان
عمّرف عمرا طويل ،عاش ثلثين ومائة سنة ،وكان ففي زمن عثمان بن عفان رضفي ال عنه حيفن
فشفا الناس وكثروا ،يبتاع البيفع ففي السفوق ويرجفع بفه إلى أهله وقفد غبفن غبنفا قبيحفا ،فيلومونفه
ويقولون له تبتاع ؟ فيقول :أنفا بالخيار ،إن رضيفت أخذت وإن سفخطت رددت ،قفد كان رسفول ال
صفلى ال عليفه وسفلم جعلنفي بالخيار ثلثفا .فيرد السفلعة على صفاحبها مفن الغفد وبعفد الغفد ،فيقول:
وال ل أقبلها ،قد أخذت سلعتي وأعطيتنفي دراهفم ،قال فيقول :إن رسول ال صلى ال عليه وسلم
قفد جعلنفي بالخيار ثلثفا .فكان يمفر الرجفل مفن أصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فيقول
للتاجفر :ويحفك ! إنفه قفد صفدق ،إن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قفد كان جعله بالخيار ثلثفا.
أخرجه الدارقطني .وذكره أبو عمر في الستيعاب وقال :ذكره البخاري في التاريخ عن عياش بن
الوليد عن عبدالعلى عن ابن إسحاق.
@قوله تعالى" :أو ضعيفا" الضعيف هو المدخول العقل الناقص الفطرة العاجز عن الملء ،إما
لعيه أو لخرسه أو جهله بأداء الكلم ،وهذا أيضا قد يكون وليه أبا أو وصيا .والذي ل يستطيع أن
يمفل هفو الصفغير ،ووليفه وصفيه أو أبوه والغائب عفن موضوع الشهاد ،إمفا لمرض أو لغيفر ذلك
مففن العذر .ووليففه وكيله .وأمففا الخرس فيسففوغ أن يكون مففن الضعفاء ،والولى أنففه ممففن ل
يستطيع .فهذه أصناف تتميز ،وسيأتي في "النساء" بيانها والكلم عليها إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :فليملل وليه بالعدل" ذهب الطبري إلى أن الضمير في "وليه" عائد على "الحق"
وأسففند فففي ذلك عففن الربيففع ،وعففن ابففن عباس .وقيففل :هففو عائد على "الذي عليففه الحففق" وهففو
الصفحيح .ومفا روي عفن ابفن عباس ل يصفح .وكيفف تشهفد البينفة على شيفء وتدخفل مال ففي ذمفة
السفيه بإملء الذي له الدين ! هذا شي ليس في الشريعة .إل أن يريد قائله :إن الذي ل يستطيع أن
يمفل لمرض أو كفبر سفن لثقفل لسفانه عفن الملء أو لخرس ،وإذا كان كذلك فليفس على المريفض
ومفن ثقفل لسفانه عفن الملء لخرس ولي عنفد أحفد العلماء ،مثفل مفا ثبفت على الصفبي والسففيه عنفد
مفن يحجفر عليفه .فإذا كان كذلك فليمفل صفاحب الحفق بالعدل ويسفمع الذي عجفز ،فإذا كمفل الملء
أقر به .وهذا معنى لم تعن الية إليه :ول يصح هذا إل فيمن ل يستطيع أن يمل لمرض ومن ذكر
معه.
@لمفا قال ال تعالى" :فليملل الذي عليفه الحفق" دل ذلك على أنفه مؤتمفن فيمفا يورده ويصفدره،
فيقتضفي ذلك قبول قول الراهفن مفع يمينفه إذا اختلف هفو والمرتهفن ففي مقدار الديفن والرهفن قائم،
فيقول الراهففن رهنففت بخمسففين والمرتهففن يدعففي مائة ،فالقول قول الراهففن والرهففن قائم ،وهففو
مذهففب أكثففر الفقهاء :سفففيان الثوري والشافعففي وأحمففد وإسففحاق وأصففحاب الرأي ،واختاره ابففن
المنذر قال :لن المرتهففن مدع للفضففل ،وقال النففبي صففلى ال عليففه وسففلم( :البينففة على المدعففي
واليميففن على المدعففى عليففه) .وقال مالك :القول قول المرتهففن فيمففا بينففه وبيففن قيمففة الرهففن ول
يصفدق على أكثفر مفن ذلك .فكأنفه يرى أن الرهفن ويمينفه شاهفد للمرتهفن ،وقوله تعالى" :فليملل
الذي عليفه الحق" رد عليه .فإن الذي عليه الحق هو الراهن .وسفتأتي هذه المسفألة .وإن قال قائل:
إن ال تعالى جعففل الرهففن بدل عففن الشهادة والكتاب ،والشهادة دالة على صففدق المشهود له فيمففا
بينفه وبيفن قيمفة الرهفن ،فإذا بلغ قيمتفه فل وثيقفة ففي الزيادة .قيفل له :الرهفن ل يدل على أن قيمتفه
تجب أن تكون مقدار الدين ،فإنه ربما رهن الشيء بالقليل والكثير .يصدق المرتهن مع اليمين في
مقدار الديفن إلى أن يسفاوي قيمفة الرهفن .وليفس العرف على ذلك فربمفا نقفص الديفن عفن الرهفن
وهو الغالب ،فل حاصل لقولهم هذا.
وإذا ثبفت أن المراد الولي ففيفه دليفل على أن إقراره جائز على يتيمفه ،لنفه إذا أمله فقفد نففذ
قوله عليه فيما أمله.
وتصفرف السففيه المحجور عليفه دون إذن وليفه فاسفد إجماعفا مفسفوخ أبدا ل يوجفب حكمفا ول
يؤثففر شيئا .فإن تصففرف سفففيه ول حجففر عليفه ففيفه خلف يأتففي بيانفه فففي "النسفاء" إن شاء ال
تعالى.
@قوله تعالى" :واسفتشهدوا" السفتشهاد طلب الشهادة .واختلف الناس هفل هفي فرض أو ندب،
والصحيح أنه ندب على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :شهيديفن" رتفب ال سفبحانه الشهادة بحكمتفه ففي الحقوق الماليفة والبدنيفة والحدود
وجعل في كل فن شهيدين إل في الزنا ،على ما يأتي بيانه في سورة "النساء" .وشهيد بناء مبالغة،
وفي ذلك دللة على من قد شهد وتكرر ذلك منه ،فكأنه إشارة إلى العدالة .وال أعلم.
@قوله تعالى" :مففن رجالكففم" نففص فففي رفففض الكفار والصففبيان والنسففاء ،وأمففا العبيففد فاللفففظ
يتناولهففم .وقال مجاهففد :المراد الحرار ،واختاره القاضففي أبففو إسففحاق وأطنففب فيففه .وقففد اختلف
العلماء في شهادة العبيد ،فقال شريح وعثمان البتي وأحمد وإسحاق وأبو ثور :شهادة العبد جائزة
إذا كان عدل ،وغلبوا لفففظ اليففة .وقال مالك وأبففو حنيفففة والشافعففي وجمهور العلماء :ل تجوز
شهادة العبفد ،وغلبوا نقفص الرق ،وأجازهفا الشعفبي والنخعفي ففي الشيفء اليسفير .والصفحيح قول
الجمهور ،لن ال تعالى قال" :يفففا أيهفففا الذيفففن آمنوا إذا تداينتفففم بديفففن" [البقرة ]282 :وسفففاق
الخطاب إلى قوله "مففن رجالكففم" فظاهففر الخطاب يتناول الذيففن يتداينون ،والعبيففد ل يملكون ذلك
دون إذن السففادة .فإن قالوا :إن خصففوص أول اليففة ل يمنففع التعلق بعموم آخرهففا .قيففل لهففم :هذا
يخصه قوله تعالى" :ول يأب الشهداء إذا ما دعوا" على ما يأتي بيانه .وقوله "من رجالكم" دليل
على أن العمى من أهل الشهادة لكن إذا علم يقينا ،مثل ما روي عن ابن عباس قال :سئل رسول
ال صلى ال عليه وسلم عن الشهادة فقال( :ترى هذه الشمس فاشهد على مثلها أو دع) .وهذا يدل
على اشتراط معاينة الشاهد لما يشهد به ،ل من يشهد بالستدلل الذي يجوز أن يخطئ .نعم يجوز
له وطفء امرأتفه إذا عرف صفوتها ،لن القدام على الوطفء جائز بغلبفة الظفن ،فلو زففت إليفه امرأة
وقيل :هذه امرأتك وهو ل يعرفها جاز له وطؤها ،ويحل له قبول هدية جاءته بقول الرسول .ولو
خبَر عنه، أخبره مخبر عن زيد بإقرار أو بيع أو قذف أو غصب لما جاز له إقامة الشهادة على الم ْ
لن سفبيل الشهادة اليقيفن ،وففي غيرهفا يجوز اسفتعمال غالب الظفن ،ولذلك قال الشافعفي وابفن أبفي
ليلى وأبو يوسف :إذا علمه قبل العمى جازت الشهادة بعد العمى ،ويكون العمى الحائل بينه وبين
المشهود عليفه كالغيبفة والموت ففي المشهود عليفه .فهذا مذهفب هؤلء .والذي يمنفع أداء العمفى
فيمفا تحمفل بصفيرا ل وجفه له ،وتصفح شهادتفه بالنسفب الذي يثبفت بالخفبر المسفتفيض ،كمفا يخفبر
عمفا تواتفر حكمفه مفن الرسفول صفلى ال عليفه وسفلم .ومفن العلماء مفن قبفل شهادة العمفى فيمفا
طريقففه الصففوت ،لنففه رأى السففتدلل بذلك يترقففى إلى حففد اليقيففن ،ورأى أن اشتباه الصففوات
كاشتباه الصور واللوان .وهذا ضعيف يلزم منه جواز العتماد على الصوت للبصير.
قلت :مذهفففب مالك ففففي شهادة العمفففى على الصفففوت جائزة ففففي الطلق وغيره إذا عرف
الصفوت .قال ابفن قاسفم :قلت لمالك :فالرجفل يسفمع جاره مفن وراء الحائط ول يراه ،يسفمعه يطلق
امرأتفه فيشهفد عليفه وقفد عرف الصفوت ؟ قال :قال مالك :شهادتفه جائزة .وقال ذلك علي بفن أبفي
طالب والقاسفم بفن محمفد وشريفح الكندي والشعفبي وعطاء بفن أبفي رباح ويحيفى بفن سفعيد وربيعفة
وإبراهيم النخعي ومالك والليث.
@قوله تعالى" :فإن لم يكونفا رجليفن فرجفل وامرأتان" المعنفى إن لم يأت الطالب برجليفن فليأت
برجفل وامرأتيففن ،هذا قول الجمهور" .فرجفل" رفففع بالبتداء" ،وامرأتان" عطففف عليفه والخففبر
محذوف .أي فرجفل وامرأتان يقومان مقامهمفا .ويجوز النصفب ففي غيفر القرآن ،أي فاسفتشهدوا
رجل وامرأتين .وحكى سيبويه :إن خنجرا فخنجرا .وقال قوم :بل المعنى فإن لم يكن رجلن ،أي
لم يوجدا فل يجوز اسففتشهاد المرأتيففن إل مففع عدم الرجال .قال ابففن عطيففة :وهذا ضعيففف ،فلفففظ
الية ل يعطيه ،بل الظاهر منه قول الجمهور ،أي إن لم يكن المستشهد رجلين ،أي إن أغفل ذلك
صاحب الحق أو قصده لعذر ما فليستشهد رجل وامرأتين .فجعل تعالى شهادة المرأتين مع الرجل
جائزة مفع وجود الرجليفن ففي هذه اليفة ،ولم يذكرهفا ففي غيرهفا ،فأجيزت ففي الموال خاصفة ففي
قول الجمهور ،بشرط أن يكون معهما رجل .وإنما كان ذلك في الموال دون غيرها ،لن الموال
كثر ال أسباب توثيقها لكثرة جهات تحصيلها وعموم البلوى بها وتكررها ،فجعل فيها التوثق تارة
بالكتبففة وتارة بالشهاد وتارة بالرهففن وتارة بالضمان ،وأدخففل فففي جميففع ذلك شهادة النسففاء مففع
الرجال .ول يتوهفم عاقفل أن قوله تعالى" :إذا تداينتفم بديفن" يشتمفل على ديفن المهفر مفع البضفع،
وعلى الصلح على دم العمد ،فإن تلك الشهادة ليست شهادة على الدين ،بل هي شهادة على النكاح.
وأجاز العلماء شهادتهفن منفردات فيمفا ل يطلع عليفه غيرهفن للضرورة .وعلى مثفل ذلك أجيزت
شهادة الصبيان في الجراح فيما بينهم للضرورة.
وقد اختلف العلماء في شهادة الصبيان في الجراح:
فأجازها مالك ما لم يختلفوا ولم يفترقوا .ول يجوز أقل من شهادة اثنين منهم على صغير لكبير
ولكبير على صفغير .وممن كان يقضي بشهادة الصبيان فيمفا بينهفم من الجراح عبدال بن الزبيفر.
وقال مالك :وهفو المفر عندنفا المجتمفع عليفه .ولم يجفز الشافعفي وأبفو حنيففة وأصفحابه شهادتهفم،
لقوله تعالى" :من رجالكم" وقوله" :ممن ترضون" وقوله" :ذوي عدل منكم" [الطلق ]2 :وهذه
الصفات ليست في الصبي.
@لما جعل ال سبحانه شهادة امرأتين بدل شهادة رجل وجب أن يكون حكمهما حكمه ،فكما له أن
يحلف مففع الشاهففد عندنففا ،وعنففد الشافعففي كذلك ،يجففب أن يحلف مففع شهادة امرأتيففن بمطلق هذه
العوضيفة .وخالف ففي هذا أبفو حنيففة وأصفحابه فلم يروا اليميفن مفع الشاهفد وقالوا :إن ال سفبحانه
قسفم الشهادة وعددهفا ،ولم يذكفر الشاهفد واليميفن ،فل يجوز القضاء بفه لنفه يكون قسفما زائدا على
مففا قسففمه ال ،وهذه زيادة على النففص ،وذلك نسففخ .وممففن قال بهذا القول الثوري والوزاعففي
وعطاء والحكفم بفن عتيبفة وطائففة .قال بعضهفم :الحكفم باليميفن مفع الشاهفد منسفوخ بالقرآن .وزعفم
عطاء أن أول مفن قضفى بفه عبدالملك بفن مروان ،وقال :الحكفم :القضاء باليميفن والشاهفد بدعفة،
وأول من حكم به معاوية .وهذا كله غلط وظن ل يغني من الحق شيئا ،وليس من نفى وجهل كمن
أثبفت وعلم وليفس ففي قول ال تعالى" :واسفتشهدوا شهيديفن مفن رجالكفم" اليفة ،مفا يرد بفه قضاء
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي اليميفن مفع الشاهفد ول أنفه ل يتوصفل إلى الحقوق ول تسفتحق
إل بما ذكر فيها ل غير ،فإن ذلك يبطل بنكول المطلوب ويمين الطالب ،فإن ذلك يستحق به المال
إجماعا وليس في كتاب ال تعالى ،وهذا قاطع في الرد عليهم .قال مالك :فمن الحجة على من قال
ذلك القول أن يقال له :أرأيففت لو أن رجل ادعففى على رجففل مال أليففس يحلف المطلوب مففا ذلك
الحفق عليفه ؟ فإن حلف بطفل ذلك الحفق عنفه ،وإن نكفل عفن اليميفن حلف صفاحب الحفق ،أن حقفه
لحفق ،وثبفت حقفه على صفاحبه .فهذا ممفا ل اختلف فيفه عنفد أحفد مفن الناس ول ببلد مفن البلدان،
فبأي شيفء أخفذ هذا وففي أي كتاب ال وجده؟ فمفن أقفر فليقفر باليميفن مفع الشاهفد .قال علماؤنفا :ثفم
العجفب مفع شهرة الحاديفث وصفحتها بدعوا مفن عمفل بهفا حتفى نقضوا حكمفه واسفتقصروا رأيفه،
مفع أنفه قفد عمفل بذلك الخلفاء الربعفة وأبفي بفن كعفب ومعاويفة وشريفح وعمفر بفن عبدالعزيفز -
وكتب به إلى عماله -وإياس بن معاوية وأبو سلمة بن عبدالرحمن وأبو الزناد وربيعة ،ولذلك قال
مالك :وإنه ليكفي من ذلك ما مضى من عمل السنة ،أترى هؤلء تنقض أحكامهم ،ويحكم ببدعتهم
! هذا إغفال شديد ،ونظر غير سديد .روى الئمة عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم
أنه قضى باليمين مع الشاهد .قال عمرو بن دينار :في الموال خاصة ،رواه سيف بن سليمان عن
قيس بن سعد بن دينار عن ابن عباس .قال أبو عمر :هذا أصح إسناد لهذا الحديث ،وهو حديث ل
مطعفن لحفد ففي إسفناده ،ول خلف بيفن أهفل المعرففة بالحديفث ففي أن رجاله ثقات .قال يحيفى
القطان :سفيف بفن سفليمان ثَبْت ،مفا رأيفت أحففظ منفه .وقال النسفائي :هذا إسفناد جيفد ،سفيف ثقفة،
وقيس ثقة .وقد خرج مسلم حديث ابن عباس هذا .قال أبو بكر البزار :سيف بن سليمان وقيس بن
سفعد ثقتان ،ومفن بعدهمفا يسفتغنى عفن ذكرهمفا لشهرتهمفا ففي الثقفة والعدالة .ولم يأت عفن أحفد مفن
الصفحابة أنفه أنكفر اليميفن مفع الشاهفد ،بفل جاء عنهفم القول بفه ،وعليفه جمهور أهفل العلم بالمدينفة.
واختلف فيه عن عروة بن الزبير وابن شهاب ،فقال معمر :سألت الزهري عن اليمين مع الشاهد
فقال :هذا شيء أحدثه الناس ،لبد من شاهدين .وقد روي عنه أنه أول ما ولي القضاء حكم بشاهد
ويمين ،وبه قال مالك وأصحابه والشافعي وأتباعه وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود بن
علي وجماعفة أهفل الثفر ،وهفو الذي ل يجوز عندي خلففه ،لتواتفر الثار بفه عفن النفبي صفلى ال
عليه وسلم وعمل أهل المدينة قرنا بعد قرن .وقال مالك :يقضى باليمين مع الشاهد في كل البلدان،
ولم يحتفج ففي موطئه لمسفألة غيرهفا .ولم يختلف عنفه ففي القضاء باليميفن مفع الشاهفد ول عفن أحفد
من أصحابه بالمدينة ومصر وغيرهما ،ول يعرف المالكيون في كل بلد غير ذلك من مذهبهم إل
عندنفا بالندلس ،فإن يحيفى بفن يحيفى زعفم أنفه لم يفر الليفث يفتفي بفه ول يذهفب إليفه .وخالف يحيفى
مالكفا ففي ذلك مفع مخالفتفه السفنة والعمفل بدار الهجرة .ثفم اليميفن مفع الشاهفد زيادة حكفم على لسفان
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ،كنهيفه عفن نكاح المرأة على عمتهفا وعلى خالتهفا مفع قول ال
تعالى" :وأحل لكم ما وراء ذلكم" [النساء .]24 :وكنهيه عن أكل لحوم الحمر الهلية ،وكل ذي
ناب من السباع مع قوله" :قل ل أجد" [النعام .]145 :وكالمسح على الخفين ،والقرآن إنما ورد
بغسفل الرجليفن أو مسفحهما ،ومثفل هذا كثيفر .ولو جاز أن يقال :إن القرآن نسفخ حكفم رسفول ال
صفلى ال عليفه وسفلم باليميفن مفع الشاهفد ،لجاز أن يقال :إن القرآن ففي قوله عفز وجفل" :وأحفل ال
البيفع وحرم الربفا" [البقرة ]275 :وففي قوله" :إل أن تكون تجارة عفن تراض منكفم" [النسفاء:
]29ناسفخ لنهيفه عفن المزابنفة وبيفع الغرر وبيفع مفا لم يخلق ،إلى سفائر مفا نهفى عنفه ففي البيوع،
وهذا ل يسوغ لحد ،لن السنة مبينة للكتاب.
فإن قيفل :إن مفا ورد مفن الحديفث قضيفة ففي عيفن فل عموم .قلنفا :بفل ذلك عبارة عفن تقعيفد هذه
القاعدة ،فكأنفه قال :أوجفب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم الحكفم باليميفن مفع الشاهفد .وممفا يشهفد
لهذا التأويفل مفا رواه أبفو داود ففي حديفث ابفن عباس أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قضفى
بشاهفد ويميفن ففي الحقوق ،ومفن جهفة القياس والنظفر أنفا وقفد وجدنفا اليميفن أقوى مفن المرأتيفن،
لنهما ل مدخل لهما في اللعان واليمين تدخل في اللعان .وإذا صحت السنة فالقول بها يجب ،ول
تحتاج السنة إلى مايتابعها ،لن من خالفها محجوج بها .وبال التوفيق.
@وإذا تقرر وثبفت الحكفم باليميفن مفع الشاهفد ،فقال القاضفي أبفو محمفد عبدالوهاب :ذلك ففي
الموال ومفا يتعلق بهفا دون حقوق البدان ،للجماع على ذلك مفن كفل قائل باليميفن مفع الشاهفد.
قال :لن حقوق الموال أخفض من حقوق البدان ،بدليل قبول شهادة النساء فيها .وقد اختلف قول
مالك ففي جراح العمفد ،هفل يجفب القَوَد فيهفا بالشاهفد واليميفن ؟ فيفه روايتان :إحداهمفا أنفه يجفب بفه
التخييففر بيففن القود والديففة .والخرى أنففه ل يجففب بففه شيففء ،لنففه مففن حقوق البدان .قال :وهففو
الصحيح .قال مالك في الموطأ :وإنما يكون ذلك في الموال خاصة ،وقاله عمرو بن دينار .وقال
المازري :يقبفل ففي المال المحفض مفن غيفر خلف ،ول يقبفل ففي النكاح والطلق المحضيفن مفن
غيفر خلف .وإن كان مضمون الشهادة مفا ليفس بمال ،ولكنفه يؤدي إلى المال ،كالشهادة بالوصفية
والنكاح بعفد الموت ،حتفى ل يطلب مفن ثبوتهفا إل المال إلى غيفر ذلك ،فففي قبوله اختلف ،فمفن
راعى المال قبله كما يقبله في المال ،ومن راعى الحال لم يقبله .وقال المهدوي :شهادة النساء في
الحدود غيفر جائزة ففي قول عامفة الفقهاء ،وكذلك ففي النكاح والطلق ففي قول أكثفر العلماء ،وهفو
مذهب مالك والشافعي وغيرهما ،وإنما يشهدن في الموال .وكل ما ل يشهدن فيه فل يشهدن على
شهادة غيرهففن فيففه ،كان معهففن رجففل أو لم يكففن ،ول ينقلن شهادة إل مففع رجففل نقلن عففن رجففل
وامرأة .ويقضى باثنتين منهن في كل ما ل يحضره غيرهن كالولدة والستهلل ونحو ذلك .هذا
كله مذهب مالك ،وفي بعضه اختلف.
@قوله تعالى" :ممن ترضون من الشهداء" في موضع رفع على الصفة لرجل وامرأتين .قال ابن
بكيفر وغيره :هذه مخاطبفة للحكام .ابفن عطيفة :وهذا غيفر نبيفل ،وإنمفا الخطاب لجميفع الناس ،لكفن
المتلبس بهذه القضية إنما هم الحكام ،وهذا كثير في كتاب ال يعم الخطاب فيما يتلبس به البعض.
لمفا قال ال تعالى" :ممفن ترضون مفن الشهداء" دل على أن ففي الشهود مفن ل يرضفي ،فيجيفء
مفن ذلك أن الناس ليسفوا محموليفن على العدالة حتفى تثبفت لهفم ،وذلك معنفى زائد على السفلم،
وهذا قول الجمهور .وقال أبفو حنيففة :كفل مسفلم ظاهفر السفلم مفع السفلمة مفن فسفق ظاهفر فهفو
عدل وإن كان مجهول الحال .وقال شريح وعثمان البتي وأبو ثور :هم عدول المسلمين وإن كانوا
عبيدا.
قلت فعمموا الحكم ،ويلزم منه قبول قبول شهادة البدوي على القروي إذا كان عدل مرضيا وبه
قال الشافعي ومن وافقه ،وهو من رجالنا وأهل ديننا .وكونه بدويا ككونه من بلد آخر والعمومات
ففففي القرآن الدالة على قبول شهادة العدول تسفففوي بيفففن البدوي والقروي ،قال ال تعالى" :ممفففن
ترضون من الشهداء" وقال تعالى" :وأشهدوا ذوي عدل منكم" فف "منكم" خطاب للمسلمين .وهذا
يقتضففففي قطعففففا أن يكون معنففففى العدالة زائدا على السففففلم ضرورة ،لن الصففففة زائدة على
الموصوف ،وكذلك "ممن ترضون" مثله ،خلف ما قال أبو حنيفة ،ثم ل يعلم كونه مرضيا حتى
يختبر حاله ،فيلزمه أل يكتفي بظاهر السلم .وذهب أحمد بن حنبل ومالك في رواية ابن وهب
عنه إلى رد شهادة البدوي على القروي لحديث أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال:
(ل تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية) .والصحيح جواز شهادته إذا كان عدل مرضيا ،على
مفا يأتفي ففي "النسفاء" و"براءة" إن شاء ال تعالى .وليفس ففي حديفث أبفي هريرة فرق بيفن القروي
في الحضر أو السفر ،ومتى كان في السفر فل خلف في قبوله.
قال علماؤنففا :العدالة هففي العتدال فففي الحوال الدينيففة ،وذلك يتففم بأن يكون مجتنبففا للكبائر
محافظفا على مروءتفه وعلى ترك الصفغائر ،ظاهفر المانفة غيفر مغففل .وقيفل :صففاء السفريرة
واستقامة السيرة في ظن المعدل ،والمعنى متقارب.
@لما كانت الشهادة ولية عظيمة ومرتبة منيفة ،وهي قبول قول الغير على الغير ،شرط تعالى
فيهفا الرضففا والعدالة .فمفن حكفم الشاهفد .أن تكون له شمائل ينفرد بهفا وفضائل يتحلى بهفا حتفى
تكون له مزية على غيره ،توجب له تلك المزية رتبة الختصاص بقبول قوله ،ويحكم بشغل ذمة
المطلوب بشهادتففه .وهذا أدل دليففل على جواز الجتهاد والسففتدلل بالمارات والعلمات عنففد
علمائنفا على مفا خففي مفن المعانفي والحكام .وسفيأتي لهذا ففي سفورة "يوسفف" زيادة بيان إن شاء
ال تعالى .وفيفه مفا يدل على تفويفض المفر إلى اجتهاد الحكام ،فربمفا تفرس ففي الشاهفد غفلة أو
ريبة فيرد شهادته لذلك.
قال أبفو حنيففة :يكتففى بظاهفر السفلم ففي الموال دون الحدود .وهذه مناقصفة تسفقط كلمفه
وتفسففد عليففه مرامففه ،لننففا نقول :حففق مففن الحقوق .فل يكتفففى فففي الشهادة عليففه بظاهففر الديففن
كالحدود ،قاله ابن العربي.
@وإذ قد شرط ال تعالى الرضا والعدالة في المداينة كما بينا فاشتراطها في النكاح أولى ،خلفا
لبي حنيفة حيث قال :إن النكاح ينعقد .بشهادة فاسقين .فنفى الحتياط المأمور به في الموال عن
النكاح ،وهو أولى لما يتعلق به من الحل والحرمة والحد والنسب.
قلت :قول أبفي حنيففة ففي هذا الباب ضعيفف جدا ،لشرط ال تعالى الرضفا والعدالة ،وليفس يعلم
كونه مرضيا بمجرد السلم ،وإنما يعلم بالنظر في أحواله حسب ما تقدم .ول يغتر بظاهر قوله:
أنا مسلم .فربما انطوى على ما يوجب رد شهادته ،مثل قوله تعالى" :ومن الناس من يعجبك قوله
ففي الحياة الدنيفا ويشهفد ال على مفا ففي قلبفه" [البقرة ]204:إلى قوله" :وال ل يحفب الفسفاد"
[البقرة ]205:وقال" :وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم" [المنافقين ]4 :الية.
@قوله تعالى" :أن تضل إحداهما" قال أبو عبيد :معنى تضل تنسى .والضلل عن الشهادة إنما
هفو نسفيان جزء منهفا وذكفر جزء ،ويبقفى المرء حيران ببفن ذلك ضال .ومفن نسفي الشهادة جملة
فليفففس يقال :ضفففل فيهفففا .وقرأ حمزة "إن" بكسفففر الهمزة على معنفففى الجزاء ،والفاء ففففي قوله:
"فتذكفر" جوابفه ،وموضفع الشرط وجوابفه رففع على الصففة للمرأتيفن والرجفل ،وارتففع "تذكفر"
على الستئناف ،كما ارتفع قوله" :ومن عاد فينتقم ال منه" [المائدة ]95 :هذا قول سيبويه .ومن
فتفح "أن" فهفي مفعول له والعامفل فيهفا محذوف .وانتصفب "فتذكفر" على قراءة الجماعفة عطففا
على الفعفل المنصفوب بأن .قال النحاس :ويجوز "تضفل" بفتفح التاء والضاد ،ويجوز تضفل بكسفر
التاء وفتففح الضاد .فمففن قال" :تضففل" جاء بففه على لغففة مففن قال :ضَلِلْت تَضَل .وعلى هذا تقول
تِضل فتكسر التاء لتدل على أن الماضي فعلت .وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر "أن تضل" بضم
التاء وفتففح الضاد بمعنففى تنسففى ،وهكذا حكففى عنهمففا أبففو عمرو الدانففي .وحكففى النقاش عففن
الجحدري ضفم التاء وكسفر الضاد بمعنفى أن تضفل الشهادة .تقول :أضللت الفرس والبعيفر إذا تلففا
لك وذهبا فلم تجدهما.
@قوله تعالى" :فتذكر" خفف الذال والكاف ابن كثير وأبو عمرو ،وعليه فيكون المعنى أن تردها
ذكرا في الشهادة ،لن شهادة المرأة نصف شهادة ،فإذا شهدتا صار مجموعهما كشهادة ذكر ،قاله
سففيان بفن عيينفة وأبفو عمرو بفن العلء .وفيفه بعفد ،إذ ل يحصفل ففي مقابلة الضلل الذي معناه
النسيان إل الذكر ،وهو معنى قراءة الجماعة "فتذكر" بالتشديد ،أي تنبهها إذا غفلت ونسيت.
قلت :وإليهففا ترجففع قراءة أبففي عمرو ،أي إن تنففس إحداهمففا فتذكرهففا الخرى ،يقال :تذكرت
الشيء وأذكرته وذكرته بمعنى ،قاله في الصحاح.
@قوله تعالى" :ول يأب الشهداء إذا مفا دعوا" قال الحسفن :جمعفت هذه اليفة أمريفن ،وهمفا أل
تأبففى إذا دعيففت إلى تحصففيل الشهادة ،ول إذا دعيففت إلى أدائهففا ،وقاله ابففن عباس .وقال قتادة
والربيع وابن عباس :أي لتحملها وإثباتها في الكتاب .وقال مجاهد :معنى الية إذا دعيت إلى أداء
شهادة وقفد حصفلت عندك .وأسفند النقاش إلى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أنفه فسفر اليفة بهذا ،قال
مجاهفففد :فأمفففا إذا دعيفففت لتشهفففد أول فإن شئت فاذهفففب وإن شئت فل ،وقاله أبفففو مجلز وعطاء
وإبراهيفم وابفن جفبير والسفدي وابفن زيفد وغيرهفم .وعليفه فل يجفب على الشهود الحضور عنفد
المتعاقديفن ،وإنمفا على المتداينين أن يحضرا عند الشهود ،فإذا حضراهفم وسفألهم إثبات شهادتهفم
فففي الكتاب فهذه الحالة التففي يجوز أن تراد بقوله تعالى" :ول يأب الشهداء إذا مففا دعوا" لثبات
الشهادة فإذا ثبتت شهادتهم ثم دعوا لقامتها عند الحاكم فهذا الدعاء هو بحضورهما عند الحاكم،
على ما يأتي .وقال ابن عطية :والية كما قال الحسن جمعت أمرين على جهة الندب ،فالمسلمون
مندوبون إلى معونفة إخوانهفم ،فإذا كانفت الفسفحة لكثرة الشهود والمفن مفن تعطيفل الحفق فالمدعفو
مندوب ،وله أن يتخلف لدنفى عذر ،وإن تخلف لغيفر عذر فل إثفم عليفه ول ثواب له .وإذا كانفت
الضرورة وخيففف تعطففل الحففق أدنففى خوف قوي الندب وقرب مففن الوجوب ،وإذا علم أن الحففق
يذهفب ويتلف بتأخفر الشاهفد عفن الشهادة فواجفب عليفه القيام بهفا ،ل سفيما إن كانفت محصفلة وكان
الدعاء إلى أدائها ،فإن هذا الظرف آكد ،لنها قلدة في العنق وأمانة تقتضي الداء.
قلت :وقد يستلوح من هذه الية دليل على أن جائزا للمام أن يقيم للناس شهودا ويجعل لهم من
بيت المال كفايتهم ،فل يكون لهم شغل إل تحمل حقوق الناس حفظا لها ،وإن لم يكن ذلك ضاعت
الحقوق وبطلت .فيكون المعنفى ول يأب الشهداء إذا أخذوا حقوقهفم أن يجيبوا .وال أعلم .فإن قيفل:
هذه شهادة بالجرة ،قلنفا :إنمفا هفي شهادة خالصفة مفن قوم اسفتوفوا حقوقهفم مفن بيفت المال ،وذلك
كأرزاق القضاة والولة وجميع المصالح التي تعن للمسلمين وهذا من جملتها .وال أعلم .وقد قال
تعالى" :والعاملين عليها" [التوبة ]60 :ففرض لهم.
لما قال تعالى" :ول يأب الشهداء إذا ما دعوا" دل على أن الشاهد هو الذي يمشي إلى الحاكم،
وهذا أمر بني عليه الشرع وعمل به في كل زمان وفهمته كل أمة ،ومن أمثالهم" :في بيته يؤتى
الحكم".
وإذا ثبفت هذا فالعبفد خارج عفن جملة الشهداء ،وهفو يخفص عموم قوله" :مفن رجالكفم" لنفه ل
يمكنفه أن يجيفب ،ول يصفح له أن يأتفي ،لنفه ل اسفتقلل له بنفسفه ،وإنمفا يتصفرف بإذن غيره،
فانحفط عفن منصفب الشهادة كمفا انحفط عفن منزل الوليفة .نعفم ! وكمفا انحفط عفن فرض الجمعفة
والجهاد والحج ،على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى.
@قال علماؤنفا :هذا ففي حال الدعاء إلى الشهادة .فأمفا مفن كانفت عنده شهادة لرجفل لم يعلمهفا
مسففتحقها الذي ينتفففع بهففا ،فقال قوم :أداؤهففا ندب لقوله تعالى" :ول يأب الشهداء إذا مففا دعوا"
ففرض ال الداء عنفد الدعاء ،فإذا لم يدع كان ندبفا ،لقوله عليفه السفلم( :خيفر الشهداء الذي يأتفي
بشهادتففه قبففل أن يسففألها) رواه الئمففة .والصففحيح أن أداءهففا فرض وان لم يسففألها إذا خاف على
الحفق ضياعفه أو فوتفه ،أو بطلق أو عتفق على مفن أقام على تصفرفه على السففتمتاع بالزوجفة
واسففتخدام العبففد إلى غيففر ذلك ،فيجففب على مففن تحمففل شيئا مففن ذلك أداء تلك الشهادة ،ول يقففف
أداؤها على أن تسأل منه فيضيع الحق ،وقد قال تعالى" :وأقيموا الشهادة ل" [الطلق ]2 :وقال:
"إل مفن شهفد بالحفق وهفم يعلمون" [الزخرف .]86 :وففي الصفحيح عفن النفبي صفلى ال عليفه
وسفلم( :انصفر أخاك ظالمفا أو مظلومفا) .فقفد تعيفن عليفه نصفره بأداء الشهادة التفي له عنده إحياء
لحقه الذي أماته النكار.
ل إشكال ففي أن مفن وجبفت عليفه شهادة على أحفد الوجفه التفي ذكرناهفا فلم يؤدهفا أنهفا جرحفة
في الشاهد والشهادة ،ول فرق في هذا بين حقوق ال تعالى وحقوق الدميين وهذا قول ابن القاسم
وغيره .وذهب بعضهم إلى أن تلك الشهادة إن كانت بحق من حقوق الدميين كان ذلك جرحة في
تلك الشهادة نفسففها خاصففة ،فل يصففلح له أداؤهففا بعففد ذلك .والصففحيح الول ،لن الذي يوجففب
جرحتفه إنمفا هفو فسفقه بامتناعفه مفن القيام بمفا وجفب عليفه مفن غيفر عذر ،والفسفق يسفلب أهليفة
الشهادة مطلقا ،وهذا واضح.
@ل تعارض بين قوله عليه السلم( :خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها) وبين قوله
عليفه السفلم ففي حديفث عمران بفن حصفين( :إن خيركفم قرنفي ثفم الذيفن يلونهفم ثفم الذيفن يلونهفم ثفم
الذيفن يلونهفم -ثفم قال عمران :فل أدري أقال رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد قرنفه مرتيفن أو
ثلثففا -ثففم يكون بعدهففم قوم يشهدون ول يسففتشهدون ويخونون ول يؤتمنون وينذرون ول يوفون
ويظهفر فيهفم السفمن) أخرجهمفا الصفحيحان .وهذا الحديفث محمول على ثلثفة أوجفه :أحدهفا :أن
يراد به شاهد الزور ،فإنه يشهد بما لم يستشهد ،أي بما لم يتحمله ول حمله .وذكر أبو بكر بن أبي
شيبة أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه خطب بباب الجابية فقال :إن رسول ال صلى ال عليه
وسلم قام فينا كمقامي فيكم .ثم قال( :يا أيها الناس اتقوا ال في أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين
يلونهفم ثفم يفشفو الكذب وشهادة الزور) .الوجفه الثانفي :أن يراد بفه الذي يحمله الشره على تنفيفذ مفا
يشهفد بفه ،فيبادر بالشهادة قبفل أن يسفألها ،فهذه شهادة مردودة ،فإن ذلك يدل على هوى غالب على
الشاهد .الثالث ما قاله إبراهيم النخعي راوي طرق بعض هذا الحديث :كانوا ينهوننا ونحن غلمان
عن العهد والشهادات.
@قوله تعالى" :ول تسفأموا أن تكتبوه صفغيرا أو كفبيرا إلى أجله" "تسفأموا" معناه تملوا .قال
الخفش :يقال سئمت أسأم سأما وسآمة وسآما وسأْمة وسأَما ،كما قال الشاعر:
ثمانين حول -ل أبالك -يسأم سئمت تكاليف الحياة ومن يعش
"أن تكتبوه" في موضع نصب بالفعل" .صغيرا أو كبيرا" حالن من الضمير في "تكتبوه" وقدم
الصغير اهتماما به .وهذا النهي عن السآمة إنما جاء لتردد المداينة عندهفم فخيفف عليهم أن يملوا
الكتب ،ويقول أحدهم :هذا قليل ل أحتاج إلى كتبه ،فأكد تعالى التحضيض في القليل والكثير .قال
علماؤنا :إل ما كان من قيراط ونحوه لنزارته وعدم تشوف النفس إليه إقرارا وإنكارا.
@قوله تعالى" :ذلكفم أقسفط عنفد ال" معناه أعدل ،يعنفي أن يكتفب القليفل والكثيفر ويشهفد عليفه.
"وأقوم للشهادة" أي أصح وأحفظ" .وأدنى" معناه أقرب .و"ترتابوا" تشكوا.
قوله تعالى" :وأقوم للشهادة" دليفل على أن الشاهفد إذا رأى الكتاب ولم يذكفر الشهادة ل يؤديهفا
لما دخل عليه من الريبة فيها ،ول يؤدي إل ما يعلم لكنه يقول :هذا خطي ول أذكر الن ما كتبت
فيه .قال ابن المنذر :أكثر من يحفظ عنه من أهل العلم يمنع أن يشهد الشاهد على خطه إذا لم يذكر
الشهادة .واحتففج مالك على جواز ذلك بقوله تعالى" :ومففا شهدنففا إل بمففا علمنففا" [يوسففف.]81 :
وقال بعففض العلماء :لمففا نسففب ال تعالى الكتابففة إلى العدالة وسففعه أن يشهففد على خطففه وإن لم
يتذكر .ذكر ابن المبارك عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه في الرجل يشهد على شهادة فينساها
قال :ل بأس أن يشهد إن وجد علمته في الصك أو خط يده .قال ابن المبارك :استحسنت هذا جدا.
وفيما جاءت به الخبار عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه حكم في أشياء غير واحدة بالدلئل
والشواهفد ،وعفن الرسفل مفن قبله مفا يدل على صفحة هذا المذهفب .وال أعلم .وسفيأتي لهذا مزيفد
بيان في (الحقاف) إن شاء ال تعالى.
@قوله تعالى" :إل أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم" "أن" في موضع نصب استثناء ليس
مفن الول .قال الخففش أبفو سفعيد :أي إل أن تقفع تجارة ،فكان بمعنفى وقفع وحدث .وقال غيره:
"تديرونهفا" الخفبر .وقرأ عاصفم وحده "تجارة" على خفبر كان واسفمها مضمفر فيهفا" .حاضرة"
نعفففت لتجارة ،والتقديفففر إل أن تكون التجارة تجارة ،أو إل أن تكون المبايعفففة تجارة ،هكذا قدره
مكفي وأبفو علي الفارسفي ،وقفد تقدم نظائره والسفتشهاد عليفه .ولمفا علم ال تعالى مشقفة الكتاب
عليهم نص على ترك ذلك ورفع الجناح فيه في كل مبايعة بنقد ،وذلك في الغلب إنما هو في قليل
كالمطعوم ونحوه ل في كثير كالملك ونحوها .وقال السدي والضحاك :هذا فيما كان يدا بيد.
@قوله تعالى" :تديرونهففا بينكففم" يقتضففي التقابففض والبينونففة بالمقبوض .ولمففا كانففت الرباع
والرض وكثيفر مفن الحيوان ل يقبفل البينونفة ول يغاب عليفه ،حسفن الكتفب فيهفا ولحقفت ففي ذلك
مبايعفة الديفن ،فكان الكتاب توثقفا لمفا عسفى أن يطرأ مفن اختلف الحوال وتغيفر القلوب .فأمفا إذا
تفاصل في المعاملة وتقابضا وبان كل واحد منهما بما ابتاعه من صفاحبه ،فيقل في العادة خوف
التنازع إل بأسفباب غامضفة .ونبفه الشرع على هذه المصفالح ففي حالتفي النسفيئة والنقفد ومفا يغاب
عليففه ومففا ل يغاب ،بالكتاب والشهادة والرهففن .قال الشافعففي :البيوع ثلثففة :بيففع بكتاب وشهود،
وبيفع برهان ،وبيفع بأمانفة ،وقرأ هذه اليفة .وكان ابفن عمفر إذا باع بنقفد أشهفد ،وإذا باع بنسفيئة
كتب.
@قوله تعالى" :وأشهدوا" قال الطبري :معناه وأشهدوا على صغير ذلك وكبيره .واختلف الناس
هففل ذلك على الوجوب أو الندب ،فقال أبففو موسففى الشعري وابففن عمففر والضحاك وسففعيد بففن
المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وداود بن علي وابنه أبو بكر .هو على الوجوب ،ومن أشدهم في
ذلك عطاء قال :أشهفد إذا بعفت وإذا اشتريفت بدرهفم أو نصفف درهفم أو ثلث أو أقفل مفن ذلك ،فإن
ال عفز وجفل يقول" :وأشهدوا إذا تبايعتفم" .وعفن إبراهيفم قال :أشهفد إذا بعفت وإذا اشتريفت ولو
س َتجَ َة بَقَلٍ .وممن كان يذهب إلى هذا ويرجحه الطبري ،وقال :ل يحل لمسلم إذا باع وإذا اشترى دَ ْ
إل أن يشهد ،وإل كان مخالفا كتاب ال عز وجل ،وكذا إن كان إلى أجل فعليه أن يكتب ويشهد إن
وجفد كاتبفا .وذهفب الشعفبي والحسفن إلى أن ذلك على الندب والرشاد ل على الحتفم .ويحكفى أن
هذا قول مالك والشافعففي وأصففحاب الرأي .وزعففم ابففن العربففي أن هذا قول الكافففة ،قال :وهففو
الصفحيح .ولم يحفك عفن أحفد ممفن قال بالوجوب إل الضحاك .قال وقفد باع النفبي صفلى ال عليفه
وسلم وكتب .قال :ونسخة كتابه( :بسم ال الرحمن الرحيم .هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة
من محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم ،اشترى منه عبدا -أو أمة -ل داء ول غائلة ول خبثة
بيفع المسفلم المسفلم) .وقفد باع ولم يشهفد ،واشترى ورهفن درعفه عنفد يهودي ولم يشهفد .ولو كان
الشهاد أمرا واجبا لوجب مع الرهن لخوف المنازعة.
قلت :قفد ذكرنفا الوجوب عفن غيفر الضحاك .وحديفث العداء هذا أخرجفه الدارقطنفي وأبفو داود.
وكان إسفلمه بعفد الفتفح وحنيفن ،وهفو القائل :قاتلنفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يوم حنيفن فلم
يظهرنا ال ولم ينصرنا ،ثم أسلم فحسن إسلمه .ذكره أبو عمر ،وذكر حديثه هذا ،وقال في آخره:
قال الصفمعي :سفألت سفعيد بفن أبفي عروبفة عفن الغائلة فقال :الباق والسفرقة والزنفا ،وسفألته عفن
الخبثة فقال :بيع أهل عهد المسلمين .وقال المام أبو محمد بن عطية :والوجوب في ذلك قلق ،أما
ففي الدقائق فصفعب شاق ،وأمفا مفا كثفر فربمفا يقصفد التاجفر السفتئلف بترك الشهاد ،وقفد يكون
عادة ففي بعفض البلد ،وقفد يسفتحيي مفن العالم والرجفل الكفبير الموقفر فل يشهفد عليفه ،فيدخفل ذلك
كله في الئتمان ويبقى المر بالشهاد ندبا ،لما فيه من المصلحة في الغلب ما لم يقع عذر يمنع
منه كما ذكرنا .وحكى المهدوي والنحاس ومكي عن قوم أنهم قالوا" :وأشهدوا إذا تبايعتم" منسوخ
بقوله" :فإن أمن بعضكم بعضا" [البقرة ]283 :وأسنده النحاس عن أبي سعيد الخدري ،وأنه تل
"يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" إلى قوله" :فإن أمن بعضكم بعضا
فليؤد الذي ائتمن أمانته" [البقرة .]283 :قال :نسخت هذه الية ما قبلها .قال النحاس :وهذا قول
الحسفن والحكفم وعبدالرحمفن بفن زيفد .قال الطفبري :وهذا ل معنفى له ،لن هذا حكفم غيفر الول،
وإنمفا هذا حكفم مفن لم يجفد كاتبفا قال ال عفز وجفل" :وإن كنتفم على سففر ولم تجدوا كاتبفا فرهان
مقبوضففة فإن أمففن بعضكففم بعضففا -أي فلم يطالبففه برهففن -فليؤد الذي اؤتمففن أمانتففه" [البقرة:
.]283قال :ولو جاز أن يكون هذا ناسفخا للول لجاز أن يكون قوله عفز وجفل" :وإن كنتفم
مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط" [النساء ]43 :الية ناسخا لقوله عز وجل" :يا
أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة" [المائدة ]5 :الية ولجاز أن يكون قوله عز وجل" :فمن لم
يجفد فصفيام شهريفن متتابعيفن" [النسفاء ]92 :ناسفخا لقوله عفز وجفل" :فتحريفر رقبفة مؤمنفة"
[النساء ]92 :وقال بعض العلماء :إن قوله تعالى" :فإن أمن بعضكم بعضا" لم يتبين تأخر نزوله
عن صفدر الية المشتملة على المفر بالشهاد ،بل وردا معفا .ول يجوز أن يرد الناسخ والمنسفوخ
معا جميعا في حالة واحدة .قال :وقد روي عن ابن عباس أنه قال لما قيل له :إن آية الدين منسوخة
قال :ل وال إن آيفة الديفن محكمفة ليفس فيهفا نسفخ قال :والشهاد إنمفا جعفل للطمأنينفة ،وذلك أن ال
تعالى جعل لتوثيق الدين طرقا ،منها الكتاب ،ومنها الرهن ،ومنها الشهاد .ول خلف بين علماء
المصفار أن الرهفن مشروع بطريفق الندب ل بطريفق الوجوب .فيعلم مفن ذلك مثله ففي الشهاد.
ومفا زال الناس يتبايعون حضرا وصففرا وبرا وبحرا وسفهل وجبل مفن غيفر إشهاد مفع علم الناس
بذلك من غير نكير ،ولو وجب الشهاد ما تركوا النكير على تاركه.
قلت :هذا كله استدلل حسن ،وأحسن منه ما جاء من صريح السنة في ترك الشهاد ،وهو ما
خرجه الدارقطني عن طارق بن عبدال المحاربي قال( :أقبلنا في ركب من الربذة وجنوب الربذة:
حتفى نزلنفا قريبفا مفن المدينفة ومعنفا ظعينفة لنفا .فبينفا نحفن قعود إذ أتانفا رجفل عليفه ثوبان أبيضان
فسفلم فرددنفا عليفه ،فقال :مفن أيفن أقبفل القوم ؟ فقلنفا :مفن الربذة وجنوب الربذة .قال :ومعنفا جمفل
أحمفر ،فقال :تفبيعوني جملكفم هذا؟ فقلنفا نعفم .قال بكفم ؟ قلنفا :بكذا وكذا صفاعا مفن تمفر .قال :فمفا
اسفتوضعنا شيئا وقال :قفد أخذتفه ،ثفم أخفذ برأس الجمفل حتفى دخفل المدينفة فتوارى عنفا ،فتلومنفا
بيننا وقلنا :أعطيتم جملكم من ل تعرفونه! فقالت الظعينة :ل تلوموا فقد رأيت وجه رجل ما كان
ليخفركم .ما رأيت وجه رجل أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه .فلما كان العشاء أتانا رجل فقال:
السلم عليكم ،أنا رسول رسول ال صلى ال عليه وسلم إليكم ،وإنه أمركم أن تأكلوا من هذا حتى
تشبعوا ،وتكتالوا حتفى تسفتوفوا .قال :فأكلنفا حتفى شبعنفا ،واكتلنفا حتفى اسفتوفينا) .وذكفر الحديفث
الزهري عفن عمارة بفن خزيمفة أن عمفه حدثفه وهفو مفن أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أن
النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ابتاع فرسفا مفن أعرابفي ،الحديفث .وفيفه :فطففق العرابفي يقول :هلم
شاهدا يشهفد أنفي بعتفك -قال خزيمفة بفن ثابفت :أنفا أشهفد أنفك قفد بعتفه .فأقبفل النفبي صفلى ال عليفه
وسلم على خزيمة فقال( :بم تشهد)؟ فقال :بتصديقك يا رسول ال .قال :فجعل رسول ال صلى ال
عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين .أخرجه النسائي وغيره.
@قوله تعالى" :ول يضار كاتب ول شهيد" فيه ثلثة أقوال:
الول :ل يكتفب الكاتفب مفا لم يمفل عليفه ،ول يزيفد الشاهفد ففي شهادتفه ول ينقفص منهفا .قاله
الحسن وقتادة وطاوس وابن زيد وغيرهم.
الثانفي :وروي عفن ابفن عباس ومجاهفد وعطاء أن المعنفى ل يمتنفع الكاتفب أن يكتفب ول الشاهفد
أن يشهفد" .ول يضار" على هذيفن القوليفن أصفله يضارر بكسفر الراء ،ثفم وقفع الدغام ،وفتحفت
الراء ففي الجزم لخففة الفتحفة .قال النحاس :ورأيفت أبفا إسفحاق يميفل إلى هذا القول ،قال :لن بعده.
"وإن تفعلوا فإن فسوق بكم" [البقرة ]282 :فالولى أن تكون ،من شهد بغير الحق أو حرف في
الكتابفة أن يقال له :فاسفق ،فهفو أولى بهذا ممفن سفأل شاهدا أن يشهفد وهفو مشغول .وقرأ عمفر بفن
الخطاب وابن عباس وابن أبي إسحاق يضارر بكسر الراء الولى.
الثالث :وقال مجاهففد والضحاك وطاوس والسففدي وروي عففن ابففن عباس :معنففى اليففة (ول
يضار كاتفب ول شهيفد) بأن يدعفى الشاهفد إلى الشهادة والكاتفب إلى الكتفب وهمفا مشغولن ،فإذا
اعتذرا بعذرهمففا أخرجهمففا وآذاهمففا ،وقال :خالفتمففا أمففر ال ،ونحفو هذا مفن القول فيضففر بهمففا.
وأصل "يضار" على هذا يضارر بفتح الراء ،وكذا قرأ ابن مسعود "يضارر" بفتح الراء الولى،
فنهفى ال سفبحانه عفن هذا ،لنفه لو أطلقفه لكان فيفه شغفل لهمفا عفن أمفر دينهمفا ومعاشهمفا .ولففظ
المضارة ،إذ هفو مفن اثنيفن ،يقتضفي هذه المعانفي .والكاتفب والشهيفد على القوليفن الوليفن رففع
بفعلهما ،وعلى القول الثالث رفع على المفعول الذي لم يسم فاعله.
@قوله تعالى" :وإن تفعلوا" يعني المضارة" .فإنه فسوق بكم" أي معصية ،عن سفيان الثوري.
فالكاتفب والشاهفد يعصفيان بالزيادة أو النقصفان ،وذلك مفن الكذب المؤذي ففي الموال والبدان،
وفيفه إبطال الحفق .وكذلك إذايتهمفا إذا كانفا مشغوليفن معصفية وخروج عفن الصفواب مفن حيفث
المخالفة لمر ال .وقوله "بكم" تقديره فسوق حال بكم.
@قوله تعالى" :واتقوا ال ويعلمكفم ال وال بكفل شيفء عليفم" وعفد مفن ال تعالى بأن مفن اتقاه
علمه ،أي يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه ،وقد يجعل ال في قلبه ابتداء فرقانا ،أي فيصل
يفصل به بين الحق والباطل ،ومنه قوله تعالى" :يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا ال يجعل لكم فرقانا"
[النفال .]29 :وال أعلم.
**3الية{ 283 :وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا
فليؤد الذي اؤتمففن أمانتففه وليتففق ال ربففه ول تكتموا الشهادة ومففن يكتمهففا فإنففه آثففم قلبففه وال بمففا
تعملون عليم}
@لما ذكر ال تعالى الندب إلى الشهاد والكتب لمصلحة حفظ الموال والديان ،عقب ذلك بذكر
حال العذار المانعفة مفن الكتفب ،وجعفل لهفا الرهفن ،ونفص مفن أحوال العذر على السففر الذي هفو
غالب العذار ،ل سيما في ذلك الوقت لكثرة الغزو ،ويدخل في ذلك بالمعنى كل عذر .فرب وقت
يتعذر فيففه الكاتففب فففي الحضففر كأوقات أشغال الناس وبالليففل ،وأيضففا فالخوف على خراب ذمففة
الغريم عذر يوجب طلب الرهن .وقد رهن النبي صلى ال عليه وسلم درعه عند يهودي طلب منه
سفلف الشعيفر فقال :إنمفا يريفد محمفد أن يذهفب بمالي .فقال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم( :كذب إنفي
لمين في الرض أمين في السماء ولو ائتمنني لديت اذهبوا إليه بدرعي) فمات ودرعه مرهونة
صلى ال عليه وسلم ،على ما يأتي بيانه آنفا.
@قال جمهور مفن العلماء :الرهفن ففي السففر بنفص التنزيفل ،وففي الحضفر ثابفت بسفنة الرسفول
صفلى ال عليفه وسفلم ،وهذا صحيح .وقد بينفا جوازه ففي الحضفر من اليفة بالمعنفى ،إذا قفد تترتب
العذار في الحضر ،ولم يرو عن أحد منعه في الحضر سوى مجاهد والضحاك وداود ،متمسكين
باليففة .ول حجففة فيهففا ،لن هذا الكلم وإن كان خرج مخرج الشرط فالمراد بففه غالب الحوال.
وليس كون الرهن في الية في السفر مما يحظر في غيره .وفي الصحيحين وغيرهما عن عائشة
أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم اشترى مفن يهودي طعامفا إلى أجفل ورهنفه درعفا له مفن حديفد.
وأخرجه النسائي من حديث ابن عباس قال :توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم ودرعه مرهونة
عند يهودي بثلثين صاعا من شعير لهله.
@قوله تعالى" :ولم تجدوا كاتبا" قرأ الجمهور "كاتبا" بمعنى رجل يكتب .وقرأ ابن عباس وأبي
ومجاهفد والضحاك وعكرمفة وأبفو العاليفة "ولم تجدوا كتابفا" .قال أبفو بكفر النباري :فسفره مجاهفد
فقال :معناه فإن لم تجدوا مدادا يعني في السفار .وروي عن ابن عباس "كتّابا" .قال النحاس :هذه
القراءة شاذة والعامفة على خلفهفا .وقلمفا يخرج شيفء عفن قراءة العامفة إل وفيفه مطعفن ،ونسفق
الكلم على كاتففب ،قال ال عففز وجففل قبففل هذا" :وليكتففب بينكففم كاتففب بالعدل" وكتاب يقتضففي
جماعفة .قال ابفن عطيفة :كتابفا يحسفن مفن حيفث لكفل نازلة كاتفب ،فقيفل للجماعفة :ولم تجدوا كتابفا.
وحكفى المهدوي عفن أبفي العاليفة أنفه قرأ " ُكتُبفا" وهذا جمفع كتاب مفن حيفث النوازل مختلففة .وأمفا
قراءة أبي وابن عباس "كتّابا" فقال النحاس ومكي :هو جمع كاتب كقائم وقيام .مكي :المعنى وإن
عدمفت الدواة والقلم والصفحيفة .ونففي وجود الكاتفب يكون بعدم أي آلة اتففق ،ونففي الكاتفب أيضفا
يقتضي نفي الكتاب ،فالقراءتان حسنتان إل من جهة خط المصحف.
@قوله تعالى" :فرهان مقبوضة" وقرأ أبو عمرو وابن كثير "فرهن" بضم الراء والهاء ،وروي
عنهما تخفيف الهاء .وقال الطبري :تأول قوم أن "رهنا" بضم الراء والهاء جمع رهان ،فهو جمع
جمفففع ،وحكاه الزجاج عفففن الفراء .وقال المهدوي" :فرهان" ابتداء والخفففبر محذوف .والمعنفففى
فرهان مقبوضفة يكففي مفن ذلك .قال النحاس :وقرأ عاصفم بفن أبفي النجود "فرهفن" بإسفكان الهاء،
ويروى عفن أهفل مكفة .والباب ففي هذا "رهان" ،كمفا يقال :بغفل وبغال ،وكبفش وكباش ،ورُهُن
سفبيله أن يكون جمفع رهان ،مثفل كتاب وكتفب .وقيفل :هفو جمفع رهفن ،مثفل سفقف وسفقف ،وحلق
وحلق ،وفرش وفرش ،ونشففر ونشففر ،وشبهففه" .ورهففن" بإسففكان الهاء سففبيله أن تكون الضمففة
حذففت لثقلهفا .وقيفل :هفو جمفع رهفن ،مثفل سفهم حشفر أي دقيفق ،وسفهام حشفر .والول أولى ،لن
الول ليفس بنعفت وهذا نعفت .وقال أبفو علي الفارسفي :وتكسفير "رهفن" على أقفل العدد لم أعلمفه
جاء ،فلو جاء كان قياسه أ ْفعُل ككلب وأكلب ،وكأنهم استغنوا بالقليل عن الكثير ،كما استغنى ببناء
الكثيفر عفن بناء القليفل ففي قولهفم :ثلثفة شسفوع ،وقفد اسفتغنى ببناء القليفل عفن الكثيفر ففي رسفن
وأرسان ،فرهن يجمع على بناءين وهما ُفعُل و ِفعَال .الخفشَ :فعْل على ُفعُل قبيح وهو قليل شاذ،
قال :وقفد يكون "رهفن" جمعفا للرهان ،كأنفه يجمفع رهفن على رهان ،ثفم يجمفع رهان على رُهُن،
مثل فراش وفرش.
@معنى الرّهن :احتباس العين وثيقة بالحق ليستوفى الحق من ثمنها أو من ثمن منافعها عند تعذر
أخذه مفن الغريفم ،وهكذا حده العلماء ،وهفو ففي كلم العرب بمعنفى الدوام والسفتمرار .وقال ابفن
سيده :ورهنه أي أدامه ،ومن رهن بمعنى دام قول الشاعر:
وقهوة راووقها ساكب الخبز واللحم لهم راهن
قال الجوهري :ورهن الشيء رهنا أي دام .وأرهنت له الطعام والشراب أدمته لهم ،وهو طعام
راهن .والراهن :الثابت ،والراهن :المهزول من البل والناس ،قال:
هزل وما مجد الرجال في السمن إما تري جسمي خل قد رهن
قال ابففن عطيفة :ويقال فففي معنففى الرهففن الذي هفو الوثيقففة مفن الرهففن :أرهنففت إرهانففا ،حكاه
بعضهفم .وقال أبفو علي :أرهنفت ففي المغالة ،وأمفا ففي القرض والبيفع فرهنفت .وقال أبفو زيفد:
أرهنت في السلعة إرهانا :غاليت بها ،وهو في الغلء خاصة .قال:
عيدية أرهنت فيها الدنانير
يصفف ناقفة .والعيفد بطفن مفن مهرة وإبفل مهرة موصفوفة بالنجابفة .وقال الزجاج :يقال ففي الرهفن:
رهنت وأرهنت ،وقاله ابن العرابي والخفش .قال عبدال بن همام السلولي:
نجوت وأرهنتهم مالكا فلما خشيت أظافيرهم
قال ثعلب :الرواة كلهففم على أرهنتهففم ،على أنفه يجوز رهنتففه وأرهنتففه ،إل الصففمعي فإنففه رواه
وأرهنهم ،على أنه عطف بفعل مستقبل على فعل ماض ،وشبهه بقولهم :قمت وأصك وجهه ،وهو
مذهب حسن ،لن الواو واو الحال ،فجعل أصك حال للفعل الول على معنى قمت صاكا وجهه،
أي تركتفه مقيمفا عندهفم ،لنفه ل يقال :أرهنفت الشيفء ،وإنمفا يقال :رهنتفه .وتقول :رهنفت لسفاني
بكذا ،ول يقال فيفه :أرهنفت .وقال ابفن السفكيت :أرهنفت فيهفا بمعنفى أسفلفت .والمرتهفن :الذي يأخفذ
الرهففن .والشيففء مرهون ورهيففن ،والنثففى رهينففة .وراهنففت فلنففا على كذا مراهنففة :خاطرتففه.
وأرهنفت بفه ولدي إرهانفا :أخطرتهفم بفه خطرا .والرهينفة واحدة الرهائن ،كله عفن الجوهري .ابفن
عطيفة :ويقال بل خلف ففي البيفع والقرض :رهنفت رهنفا ،ثفم سفمي بهذا المصفدر الشيفء المدفوع
تقول :رهنت رهنا ،كما تقول رهنت ثوبا.
@قال أبو علي :ولما كان الرهن بمعنى الثبوت ،والدوام فمن ثم بطل الرهن عند الفقهاء إذا خرج
من يد المرتهن إلى الراهن بوجه من الوجوه ،لنه فارق ما جعل باختيار المرتهن له.
قلت :هذا هفو المعتمفد عندنفا ففي أن الرهفن متفى رجفع إلى الراهفن باختيار المرتهفن بطفل الرهفن،
وقاله أبو حنيفة ،غير أنه قال :إن رجع بعارية أو وديعة لم يبطل .وقال الشافعي :إن رجوعه إلى
يففد الراهففن مطلقففا ل يبطففل حكففم القبففض المتقدم ،ودليلنففا "فرهان مقبوضففة" ،فإذا خرج عففن يففد
القابض لم يصدق ذلك اللفظ عليه لغة ،فل يصدق عليه حكما ،وهذا واضح.
إذا رهنفففه قول ولم يقبضفففه فعل لم يوجفففب ذلك حكمفففا ،لقوله تعالى" :فرهان مقبوضفففة" قال
الشافعففي :لم يجعففل ال الحكففم إل برهففن موصففوف بالقبففض ،فإذا عدمففت الصفففة وجففب أن يعدم
الحكففم ،وهذا ظاهففر جدا .وقالت المالكيففة :يلزم الرهففن بالعقففد ويجففبر الراهففن على دفففع الرهففن
ليحوزه المرتهن ،لقوله تعالى" :أوفوا بالعقود" [المائدة ]1 :وهذا عقد ،وقوله "بالعهد" [السراء:
]34وهذا عهد .وقوله عليه السلم( :المؤمنون عند شروطهم) وهذا شرط ،فالقبض عندنا شرط
في كمال فائدته .وعندهما شرط في لزومه وصحته.
@قوله تعالى" :مقبوضفة" يقتضفي بينونفة المرتهفن بالرهفن .وأجمفع الناس على صفحة قبفض
المرتهفن ،وكذلك على قبفض وكيله .واختلفوا ففي قبفض عدل يوضفع الرهفن على يديفه ،فقال مالك
وجميفع أصفحابه وجمهور العلماء :قبفض العدل قبفض .وقال ابفن أبفي ليلى وقتادة والحكفم وعطاء:
ليفس بقبفض ،ول يكون مقبوضفا إل إذا كان عنفد المرتهفن ،ورأوا ذلك تعبدا .وقول الجمهور أصفح
مففن جهففة المعنففى ،لنففه إذا صففار عنففد العدل صففار مقبوضففا لغففة وحقيقففة ،لن العدل نائب عففن
صاحب الحق وبمنزلة الوكيل ،وهذا ظاهر.
ولو وضفففع الرهفففن عفففل يدي عدل فضاع لم يضمفففن المرتهفففن ول الموضوع على يده ،لن
المرتهن لم يكن في يده شيء يضمنه .والموضوع على يده أمين والمين غير ضامن.
لمفا قال تعالى" :مقبوضفة" قال علماؤنفا :فيفه مفا يقتضفي بظاهره ومطلقفه جواز رهفن المشاع.
خلفا لبي حنيفة وأصحابه ،ل يجوز عندهم أن يرهنه ثلث دار ول نصفا من عبد ول سيف ،ثم
قالوا :إذا كان لرجلين على رجل مال هما فيه شريكان فرهنهما بذلك أرضا فهو جائز إذا قبضاها.
قال ابففن المنذر :وهذا إجازة رهففن المشاع ،لن كففل واحففد منهمففا مرتهففن نصففف دار .قال ابففن
المنذر :رهن المشاع جائز كما يجوز بيعه.
@ورهن ما في الذمة جائز عند علمائنا ،لنه مقبوض خلفا لمن منع ذلك ،ومثاله رجلن تعامل
لحدهما على الخر دين فرهنه دينه الذي عليه .قال ابن خويز منداد :وكل عرض جاز بيعه جاز
رهنفه ،ولهذه العلة جوزنفا رهفن مفا ففي الذمفة ،لن بيعفه جائز ،ولنفه مال تقفع الوثيقفة بفه فجاز أن
يكون رهنفا ،قياسفا على سفلعة موجودة .وقال مفن منفع ذلك :لنفه ل يتحقفق إقباضفه والقبفض شرط
ففي لزوم الرهفن ،لنفه ل بفد أن يسفتوفي الحفق منفه عنفد المحفل ،ويكون السفتيفاء مفن ماليتفه ل مفن
عينه ول يتصور ذلك في الدين.
@روى البخاري عن أبي هريرة قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم( :الظهر يركب بنفقته
إذا كان مرهونففا ولبففن الدر يشرب بنفقتففه إذا كان مرهونففا وعلى الذي يركففب ويشرب النفقففة).
وأخرجه أبو داود وقال بدل (يشرب) في الموضعين( :يحلب) .قال الخطابي :هذا كلم مبهم ليس
في نفس اللفظ بيان من يركب ويحلب ،هل الراهن أو المرتهن أو العدل الموضوع على يده الرهن
؟.
قلت :قد جاء ذلك مبينا مفسرا في حديثين ،وبسببهما اختلف العلماء في ذلك ،فروى الدارقطني
من حديث أبي هريرة ذكر النبي صلى ال عليه وسلم قال( :إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن
علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته) .أخرجه عن أحمد بن علي بن العلء حدثنا زياد
بفن أيوب حدثنفا هشيفم حدثنفا زكريفا عفن الشعفبي عفن أبفي هريرة .وهفو قول أحمفد وإسفحاق :أن
المرتهن ينتففع من الرهفن بالحلب والركوب بقدر النفقة .وقال أبو ثور :إذا كان الراهفن ينفق عليه
لم ينتفع بفه المرتهن .وان كان الراهن ل ينففق عليه وتركه ففي يد المرتهن فأنفق عليه فله ركوبه
واستخدام العبد .وقاله الوزاعي والليث .الحديث الثاني خرجه الدارقطني أيضا ،وفي إسناده مقال
ويأتي بيانه -من حديث إسماعيل بن عياش عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن المقبري عن أبي
هريرة قال قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم( :ل يغلق الرهفن ولصفاحبه غنمفه وعليفه غرمفه).
وهفو قول الشافعفي والشعفبي وابفن سفيرين .وهفو قول مالك وأصفحابه .قال الشافعفي :منفعفة الرهفن
للراهفن ،ونفقتفه عليفه ،والمرتهفن ل ينتففع بشيفء مفن الرهفن خل الحفاظ للوثيقفة .قال الخطابفي:
وهفو أولى القوال وأصفحها ،بدليفل قوله عليفه السفلم( :ل يغلق الرهفن مفن صفاحبه الذي رهنفه له
غنمففه وعليففه غرمففه) .قال الخطابففي :وقوله( :مففن صففاحبه أي لصففاحبه) .والعرب تضففع "مففن"
موضع اللم ،كقولهم:
أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
قلت :قفد جاء صفريحا (لصفاحبه) فل حاجفة للتأويفل .وقال الطحاوي :كان ذلك وقفت كون الربفا
مباحفا ،ولم ينفه عفن قرض جفر منفعفة ،ول عفن أخفذ الشيفء بالشيفء وإن كانفا غيفر متسفاويين ،ثفم
حرم الربا بعد ذلك .وقد أجمعت المة على أن المة المرهونة ل يجوز للراهن أن يطأها ،فكذلك
ل يجوز له خدمتها .وقد قال الشعبي :ل ينتفع من الرهن بشيء .فهذا الشعبي روى الحديث وأفتى
بخلفه ،ول يجوز عنده ذلك إل وهو منسوخ .وقال ابن عبدالبر وقد أجمعوا أن لبن الرهن وظهره
للراهن .ول يخلو من أن يكون احتلب المرتهن له بإذن الراهن أو بغير إذنه ،فإن كان بغير إذنه
ففي حديث ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم( :ل يحتلبن أحد ماشية أحد إل بإذنه) ما يرده
ويقضي بنسخه .وإن كان بإذنه ففي الصول المجتمع عليها في تحريم المجهول والغرر وبيع ما
ليس عندك وبيع ما لم يخلق ،ما يرده أيضا ،فإن ذلك كان قبل نزول تحريم الربا .وال أعلم.
وقال ابفن خويفز منداد :ولو شرط المرتهفن النتفاع بالرهفن فلذلك حالتان :إن كان مفن قرض لم
يجز ،وإن كان من بيع أو إجارة جاز ،لنه يصير بائعا للسلعة بالثمن المذكور ومنافع الرهن مدة
معلومة فكأنه بيع وإجارة ،وأما في القرض فلنه يصير قرضا جر منفعة ،ولن موضوع القرض
أن يكون قربة ،فإذا دخله نفع صار زيادة في الجنس وذلك ربا.
@ل يجوز غلق الرهن ،وهو أن يشترط المرتهن أنه له بحقه إن لم يأته به عند أجله .وكان هذا
مففن فعفل الجاهليفة فأبطله النفبي صففلى ال عليفه وسففلم بقوله( :ل يغلق الرهففن) هكذا قيدناه برفففع
القاف على الخففبر ،أي ليففس يغلق الرهففن .تقول :أغلقففت الباب فهففو مغلق .وغلق الرهففن فففي يففد
مرتهنه إذا لم يفتك ،قال الشاعر:
ومن يك رهنا للحوادث يغلق أجارتنا من يجتمع يتفرق
وقال زهير:
يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا وفارقتك برهن ل فكاك له
@روى الدارقطنفي مفن حديفث سففيان بفن عيينفة عفن زياد بفن سفعد عفن الزهري عفن سفعيد بفن
المسفيب عفن أبفي هريرة أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال( :ل يغلق الرهفن له غنمفه وعليفه
غرمفه) .زياد بفن سفعد أحفد الحفاظ الثقات ،وهذا إسفناد حسفن .وأخرجفه مالك عفن ابفن شهاب عفن
سعيد بن المسيب مرسل أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال( :ل يغلق الرهن) .قال أبو عمر:
وهكذا رواه كل من روى الموطأ عن مالك فيما علمت ،إل معن بن عيسى فإنه وصله ،ومعن ثقة،
إل أنفي أخشفى أن يكون الخطفأ فيفه مفن علي بفن عبدالحميفد الغضائري عفن مجاهفد بفن موسفى عفن
معفن بفن عيسفى .وزاد فيفه أبفو عبدال عمروس عفن البهري بإسفناده( :له غنمفه وعليفه غرمفه).
وهذه اللفظة قد اختلف الرواة في رفعها ،فرفعها ابن أبي ذئب ومعمر وغيرهما .ورواه ابن وهب
وقال :قال يونس قال ابن شهاب :وكان سعيد بن المسيب يقول :الرهن ممن رهنه ،له غنمه وعليه
غرمفه ،فأخفبر ابفن شهاب أن هذا مفن قول سفعيد ل عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم .إل أن معمرا
ذكره عن ابن شهاب مرفوعا ،ومعمر أثبت الناس في ابن شهاب .وتابعه على رفعه يحيى بن أبي
أنيسة ويحيى ليس بالقوي .وأصل هذا الحديث عند أهل العلم بالنقل مرسل ،وإن كان قد وصل من
جهات كثيرة فإنهم يعللونها .وهو مع هذا حديث ل يرفعه أحد منهم وإن اختلفوا في تأويله ومعناه.
ورواه الدارقطني أيضا عن إسماعيل بن عياش عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد عن أبي
هريرة مرفوعا .قال أبو عمر :لم يسمعه إسماعيل من ابن أبي ذئب وإنما سمعه من عباد بن كثير
عن ابن أبي ذئب ،وعباد عندهم ضعيف ل يحتج به .وإسماعيل عندهم أيضا غير مقبول الحديث
إذا حدث عفن غيففر أهففل بلده ،فإذا حدث عفن الشامييففن فحديثفه مسففتقيم ،وإذا حدث عفن المدنييففن
وغيرهم ففي حديثه خطأ كثير واضطراب.
@نماء الرهفن داخفل معفه إن كان ل يتميفز كالسفمن ،أو كان نسفل كالولدة والنتاج ،وففي معناه
فسفيل النخفل ،ومفا عدا ذلك مفن غلة وثمرة ولبفن وصفوف فل يدخفل فيفه إل أن يشترطفه .والفرق
بينهمفا أن الولد تبفع ففي الزكاة للمهات ،وليفس كذلك الصفواف واللبان وثمفر الشجار ،لنهفا
ليست تبعا للمهات في الزكاة ول هي في صورها ول في معناها ول تقوم معها ،فلها حكم نفسها
ل حكم الصل خلف الولد والنتاج .وال أعلم بصواب ذلك.
ورهفن مفن أحاط الديْن بماله جائز مفا لم يفلس ،ويكون المرتهفن أحفق بالرهفن مفن الغرماء ،قاله
مالك وجماعففة مففن الناس .وروي عففن مالك خلف هذا -وقاله عبدالعزيففز بففن أبففي سففلمة -أن
الغرماء يدخلون معفه ففي ذلك وليفس بشيفء ،لن مفن لم يحجفر عليفه فتصفرفاته صفحيحة ففي كفل
أحواله من بيع وشراء ،والغرماء عاملوه على أنه يبيع ويشتري ويقضي ،لم يختلف قول مالك في
هذا الباب ،فكذلك الرهن .وال أعلم.
@قوله تعالى" :فإن أمفن بعضكفم بعضفا" شرط ربفط بفه وصفية الذي عليفه الحفق بالداء وترك
المطل .يعني إن كان الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق وثقة فليؤد له ما عليه ائتمن .وقوله
"فليؤد" من الداء مهموز ،وهو جواب الشرط ويجوز تخفيف همزه فتقلب الهمزة واوا ول تقلب
ألفا ول تجعل بين بين ،لن اللف ل يكون ما قبلها إل مفتوحا .وهو أمر معناها الوجوب ،بقرينة
الجماع على وجوب أداء الديون ،وثبوت حكم الحاكم به وجبره الغرماء عليه ،وبقرينة الحاديث
الصحاح في تحريم مال الغير.
@قوله تعالى" :أمانته" المانة مصفدر سمي به الشيء الذي في الذمة ،وأضافها إلى الذي عليه
الدين من حيث لها إليه نسبة ،كما قال تعالى" :ول تؤتوا السفهاء أموالكم" [النساء.]5 :
@قوله تعالى" :وليتفق ال ربفه" أي ففي أل يكتفم مفن الحفق شيئا .وقوله" :ول تكتموا الشهادة"
تفسفير لقوله" :ول يضارر" بكسفر العيفن .نهفى الشاهفد عفن أن يضفر بكتمان الشهادة ،وهفو نهفي
على الوجوب بعدة قرائن منهفا الوعيفد .وموضفع النهفي هفو حيفث يخاف الشاهفد ضياع حفق .وقال
ابفن عباس :على الشاهفد أن يشهفد حيثمفا اسفتشهد ،ويخفبر حيثمفا اسفتخبر ،قال :ول تقفل أخفبر بهفا
عنفد الميفر بفل أخفبره بهفا لعله يرجفع ويرعوي .وقرأ أبفو عبدالرحمفن "ول يكتموا" بالياء ،جعله
نهيا للغائب.
@إذا كان على الحق شهود تعين عليهم أداؤها على الكفاية ،فإن أداها اثنان واجتزأ الحاكم بهما
سفقط الفرض عفن الباقيفن ،وإن لم يجتزأ بهفا تعيفن المشفي إليفه حتفى يقفع الثبات .وهذا يعلم بدعاء
صاحبها ،فإذا قال له :أحي حقي بأداء ما عندك لي من الشهادة تعين ذلك عليه.
@قوله تعالى" :ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" خص القلب بالذكر إذ الكتم من أفعاله ،وإذ هو المضغة
التي بصلحها يصلح الجسد كله كما قال عليه السلم ،فعبر بالبعض عن الجملة ،وقد تقدم في أول
السففورة .وقال الكيففا :لمففا عزم على أل يؤديهففا وترك أداءهففا باللسففان رجففع المأثففم إلى الوجهيففن
جميعا .فقوله "آثم قلبه" مجاز ،وهو آكد من الحقيقة في الدللة على الوعيد ،وهو من بديع البيان
ولطيفف العراب عن المعانفي .يقال :إثفم القلب سفبب مسفخه ،وال تعالى إذا مسفخ قلبفا جعله منافقفا
وطبفع عليفه ،نعوذ بال منفه وقفد تقدم ففي أول السفورة .و"قلبفه" رففع بفف "آثفم" و"آثفم" خفبر "إن"،
وان شئت رفعت آثما بالبتداء ،و"قلبه" فاعل يسد مسد الخبر والجملة خبر إن .وإن شئت رفعت
آثما على أنه خبر البتداء تنوي به التأخير .وإن شئت كان "قلبه" بدل من "آثم" بدل البعض من
الكل .وإن شئت كان بدل من المضمر الذي في "آثم".
وهنا ثلث مسائل:
الولى :اعلم أن الذي أمفر ال تعالى بفه مفن الشهادة والكتابفة لمراعاة صفلح ذات البيفن ونففي
التنازع المؤدي إلى فسففاد ذات البيففن ،لئل يسففول له الشيطان جحود الحففق وتجاوز مففا حففد له
الشرع ،أو ترك القتصففار على المقدار المسففتحق ،ولجله حرم الشرع البياعات المجهولة التففي
اعتيادهفا يؤدي إلى الختلف وفسفاد ذات البيفن وإيقاع التضاغفن والتبايفن .فمفن ذلك مفا حرمفه ال
مففن الميسففر والقمار وشرب الخمففر بقوله تعالى" :إنمففا يريففد الشيطان أن يوقففع بينكففم العداوة
والبغضاء ففي الخمفر والميسفر" [المائدة ]91 :اليفة .فمفن تأدب بأدب ال ففي أوامره وزواجره
حاز صلح الدنيا والدين ،قال ال تعالى" :ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم" [النساء:
]66الية.
الثانيفة :روى البخاري عفن أبفي هريرة عفن النفي صفلى ال عليفه وسفلم قال( :مفن أخفذ أموال
الناس يريفد أداءهفا أدى ال عنفه ومفن أخذهفا يريفد إتلفهفا أتلففه ال) وروى النسفائي عفن ميمونفة
زوج النبي صلى ال عليه وسلم أنها استدانت ،فقيل :يا أم المؤمنين ،تستدينين وليس عندك وفاء ؟
قالت :إني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول( :من أخذ دينا وهو يريد أن يؤديه أعانه
ال عليه) .وروى الطحاوي وأبو جعفر الطبري والحارث بن أبي أسامة في مسنده عن عقبة بن
عامفر أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال( :ل تخيفوا النففس بعفد أمنهفا) قالوا :يفا رسفول ال،
وما ذاك؟ قال( :الدين) .وروى البخاري عن أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم في دعاء ذكره:
(اللهففم أنففي أعوذ بففك مففن الهففم والحزن والعجففز والكسففل والجبففن والبخففل وضلع الديففن وغلبففة
الرجال) .قال العلماء :ضلع الديفن هفو الذي ل يجفد دائنفه مفن حيفث يؤديفه .وهفو مأخوذ مفن قول
العرب :حمل مضلع أي ثقيل ،ودابة مضلع ل تقوى على الحمل ،قاله صاحب العين .وقال صلى
ال عليفه وسفلم( :الدّيْن شيْن الدّيفن) .وروي عنفه أنفه قال( :الديفن هفم بالليفل ومذلة بالنهار) .قال
علماؤنفا :وإنمفا كان شينفا ومذلة لمفا فيفه مفن شغفل القلب والبال والهفم اللزم ففي قضائه ،والتذلل
للغريفم عنفد لقائه ،وتحمفل منتفه بالتأخيفر إلى حيفن أوانفه .وربمفا يعفد مفن نفسفه القضاء فيخلف ،أو
يحدث الغريفم بسفببه فيكذب ،أو يحلف له فيحنفث ،إلى غيفر ذلك .ولهذا كان عليفه السفلم يتعوذ مفن
المأثفم والمغرم ،وهفو الديفن .فقيفل له :يفا رسفول ال ،مفا أكثفر مفا تتعوذ مفن المغرم ؟ فقال( :إن
الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف) .وأيضا فربما قد مات ولم يقض الدين فيرتهن به ،كما
قال عليفه السفلم( :نسفمة المؤمفن مرتهنفة ففي قفبره بدينفه حتفى يقضفى عنفه) .وكفل هذه السفباب
مشائن في الدين تذهب جماله وتنقص كماله .وال اعلم
الثالثة :لما أمر ال تعالى بالكتب والشهاد وأخذ الرهان كان ذلك نصا قاطعا على مراعاة حفظ
الموال وتنميتهففا ،وردا على الجهلة المتصففوفة ورعاعهففا الذيففن ل يرون ذلك ،فيخرجون عففن
جميع أموالهم ول يتركون كفاية لنفسهم وعيالهم ،ثم إذا احتاج وافتقر عياله فهو إما أن يتعرض
لمنن الخوان أو لصدقاتهم ،أو أن يأخذ من أرباب الدنيا وظلمتهم ،وهذا الفعل مذموم منهي عنه.
قال أبو الفرج الجوزي :ولست أعجب من المتزهدين الذين فعلوا هذا مع قلة علمهم ،إنما أتعجب
مففن أقوام لهففم علم وعقففل كيففف حثوا على هذا ،وأمروا بففه مففع مضادتففه للشرع والعقففل .فذكففر
المحاسبي في هذا كلما كثيرا ،وشيده أبو حامد الطوسي ونصره .والحارث عندي أعذر من أبي
حامفد ،لن أبفا حامفد كان أفقفه ،غيفر أن دخوله ففي التصفوف أوجفب عليفه نصفرة مفا دخفل فيفه .قال
المحاسبي في كلم طويل له :ولقد بلغني أنه لما توفي عبدالرحمن بن عوف قال ناس من أصحاب
رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم إنمفا نخاف على عبدالرحمفن فيمفا ترك .فقال كعفب :سفبحان ال !
وما تخافون على عبدالرحمن ؟ كسب طيبا وأنفق طيبا وترك طيبا .فبلغ ذلك أبا ذر فخرج مغضبا
يريد كعبا ،فمر بلحي بعير فأخذه بيده ،ثم انطلق يطلب كعبا ،فقيل لكعب :إن أبا ذر يطلبك .فخرج
هاربا حتى دخل على عثمان يستغيث به وأخبره الخبر .فأقبل أبو ذر يقص الثر في طلب كعب
حتى انتهى إلى دار عثمان ،فلما دخل قام كعب فجلس خلف عثمان هاربا من أبي ذر ،فقال له أبو
ذر :يفا ابفن اليهوديفة ،تزعفم أل بأس بمفا تركفه عبدالرحمفن ! لقفد خرج رسفول ال صفلى ال عليفه
وسفلم يومفا فقال( :الكثرون هفم القلون يوم القيامفة إل مفن قال هكذا وهكذا) .قال المحاسفبي :فهذا
عبدالرحمفن مفع فضله يوقفف ففي عرصفة يوم القيامفة بسفبب مفا كسفبه مفن حلل ،للتعففف وصفنائع
المعروف فيمنفع السفعي إلى الجنفة مفع الفقراء وصفار يحبفو ففي آثارهفم حبوا ،إلى غيفر ذلك مفن
كلمفه .ذكره أبفو حامفد وشيده وقواه بحديفث ثعلبفة ،وأنفه أعطفي المال فمنفع الزكاة .قال أبفو حامفد:
فمفن راقفب أحوال النفبياء والولياء وأقوالهفم لم يشفك ففي أن فقفد المال أفضفل مفن وجوده ،وإن
صرف إلى الخيرات ،إذ أقل ما فيه اشتغال الهمة بإصلحه عن ذكر ال .فينبغي للمريد أن يخرج
عن ماله حتى ل يبقى له إل قدر ضرورته ،فما بقي له درهم يلتفت إليه قلبه فهو محجوب عن ال
تعالى .قال الجوزي :وهذا كله خلف الشرع والعقففل ،وسففوء فهففم المراد بالمال ،وقففد شرفففه ال
وعظفم قدره وأمفر بحفظفه ،إذ جعله قوامفا للدمفي ومفا جعفل قوامفا للدمفي الشريفف فهفو شريفف،
فقال تعالى" :ول تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل ال لكم قياما" [النساء ]5 :ونهى جل وعز أن
يسلم المال إلى غير رشيد فقال" :فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم" [النساء .]6 :ونهى
النفبي صفلى ال عليه وسلم عن إضاعة المال ،قال لسعد( :إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن
تذرهم عالة يتكففون الناس) .وقال( :ما نفعني مال كمال أبي بكر) .وقال لعمرو بن العاص( :نعم
المال الصالح للرجفل الصفالح) .ودعا لنس ،وكان في آخر دعائه( :اللهفم أكثفر ماله وولده وبارك
له فيفه) .وقال كعفب :يفا رسفول ال ،إن مفن توبتفي أن أنخلع مفن مالي صفدقة إلى ال وإلى رسفوله.
فقال( :أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك) .قال الجوزي :هذه الحاديث مخرجة في الصحاح،
وهففي على خلف مففا تعتقده المتصففوفة مففن أن إكثار المال حجاب وعقوبففة ،وأن حبسففه ينافففي
التوكفل ،ول ينكفر أنفه يخاف مفن فتنتفه ،وأن خلقفا كثيرا اجتنبوه لخوف ذلك ،وأن جمعفه مفن وجهفه
ليعفز ،وأن سفلمة القلب مفن الفتتان بفه تقفل ،واشتغال القلب مفع وجوده بذكفر الخفر يندر ،فلهذا
خيف فتنته .فأما كسب المال فإن من اقتصر على كسب البلغة من حلها فذلك أمر ل بد منه وأما
من قصد جمعه والستكثار منه من الحلل نظر في مقصوده ،فإن قصد نفس المفاخرة والمباهاة
فبئس المقصود ،وإن قصد إعفاف نفسه وعائلته ،وادخر لحوادث زمانه وزمانهم ،وقصد التوسعة
على الخوان وإغناء الفقراء وفعفل المصفالح أثيفب على قصفده ،وكان جمعفه بهذه النيفة أفضفل مفن
كثير من الطاعات .وقد كانت نيات خلق كثير من الصحابة في جمع المال سليمة لحسن مقاصدهم
بجمعه ،فحرصوا عليه وسألوا زيادته .ولما أقطع النبي صلى ال عليه وسلم الزبير حضر فرسه
أجرى الفرس حتفى قام ثفم رمفى سفوطه ،فقال( :أعطوه حيفث بلغ سفوطه) .وكان سفعد بفن عبادة
يقول ففي دعائه :اللهفم وسفع علي .وقال إخوة يوسفف" :ونزداد كيفل بعيفر" .وقال شعيفب لموسفى:
"فإن أتممت عشرا فمفن عندك" .وإن أيوب لما عوفي نثفر عليه رجل من جراد من ذهفب ،فأخذ
يحثي في ثوبه ويستكثر منه ،فقيل له :أما شبعت ؟ فقال :يا رب فقير يشبع من فضلك ؟ .وهذا أمر
مركوز في الطباع .وأما كلم المحاسبي فخطأ يدل على الجهل بالعلم ،وما ذكره من حديث كعب
وأبفي ذر فمحال .مفن وضفع الجهال وخفيفت عدم صفحته عنفه للحوقفه بالقوم .وقفد روي بعفض هذا
وإن كان طريقه ل يثبت ،لن في سنده ابن لهيعة وهو مطعون فيه .قال يحيى :ل يحتج بحديثه.
والصحيح في التاريخ أن أبا ذر توفي سنة خمس وعشرين ،وعبدالرحمن بن عوف توفي سنة
اثنتين وثلثين ،فقد عاش بعد أبي ذر سبع سنين .ثم لفظ ما ذكروه من حديثهم يدل على أن حديثهم
موضوع ،ثم كيف تقول الصحابة :إنا نخاف على عبدالرحمن! أو ليس الجماع منعقدا على إباحة
جمفع المال مفن حله ،فمفا وجفه الخوف مفع الباحفة؟ أو يأذن الشرع ففي شيفء ثفم يعاقفب عليفه؟ هذا
قلة فهم وفقه .ثم أينكر أبو ذر على عبدالرحمن ،وعبدالرحمن خير من أبي ذر بما ل يتقارب ؟ ثم
تعلقفه بعبدالرحمفن وحده دليفل على أنفه لم يسفير سفير الصفحابة؛ فإنفه قفد خلف طلحفة ثلثمائة بهار
في كل بهار ثلثة قناطير .والبهار الحمل .وكان مال الزبير خمسين ألفا ومائتي ألف .وخلف ابن
مسفعود تسفعين ألففا .وأكثفر الصفحابة كسفبوا الموال وخلفوهفا ولم ينكفر أحفد منهفم على أحفد .وأمفا
قوله" :إن عبدالرحمفن يحبفو حبوا يوم القيامفة" فهذا دليفل على أنفه مفا عرف الحديفث ،وأعوذ بال
أن يحبو عبدالرحمن في القيامة؛ أفترى من سبق وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ومن أهل
بدر والشورى يحبفو ؟ ثفم الحديفث يرويفه عمارة بفن زاذان؛ وقال البخاري :ربمفا اضطرب حديثفه.
وقال أحمد :يروي عن أنس أحاديث مناكير ،وقال أبو حاتم الرازي :ل يحتج به .وقال الدارقطني:
ضعيفف .وقوله" :ترك المال الحلل أفضفل مفن جمعفه" ليفس كذلك ،ومتفى صفح القصفد فجمعفه
أفضل بل خلف عند العلماء .وكان سعيد بن المسيب يقول :ل خير فيمن ل يطلب المال ،يقضي
به دينه ويصون به عرضه؛ فإن مات تركه ميراثا لمن بعده .وخلف ابن المسيب أربعمائة دينار،
وخلف سففيان الثوري مائتيفن ،وكان يقول :المال ففي هذا الزمان سفلح .ومفا زال السفلف يمدحون
المال ويجمعونفه للنوائب وإعانفة الفقراء؛ وإنمفا تحاماه قوم منهفم إيثارا للتشاغفل بالعبادات ،وجمفع
الهمفم فقنعوا باليسفير .فلو قال هذا القائل :إن التقليفل منفه أولى قرب المفر ولكنفه زاحفم بفه مرتبفة
الثم.
قلت :وممفا يدل على حففظ الموال ومراعاتهفا إباحفة القتال دونهفا وعليهفا؛ قال صفلى ال عليفه
وسلم( :من قتل دون ماله فهو شهيد) .وسيأتي بيانه في "المائدة" إن شاء ال تعالى.
**3اليفة{ 284 :ل مفا ففي السفماوات ومفا ففي الرض وإن تبدوا مفا ففي أنفسفكم أو تخفوه
يحاسبكم به ال فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وال على كل شيء قدير}
@قوله تعالى" :ل مفا ففي السفماوات ومفا ففي الرض" تقدم معناه" .وإن تبدوا مفا ففي أنفسفكم أو
تخفوه يحاسفبكم بفه ال" اختلف الناس ففي معنفى قوله تعالى" :وإن تبدوا مفا ففي أنفسفكم أو تخفوه
يحاسبكم به ال" على أقوال خمسة:
[الول] أنها منسوخة ،قاله ابن عباس وابن مسعود وعائشة وأبو هريرة والشعبي وعطاء ومحمد
بفن سفيرين ومحمفد بفن كعفب وموسفى بفن عفبيدة وجماعفة مفن الصفحابة والتابعيفن ،وأنفه بقفي هذا
التكليفف حول حتفى أنزل ال الفرج بقوله" :ل يكلف ال نفسفا إل وسفعها" [البقرة .]286 :وهفو
قول ابن مسعود وعائشة وعطاء ومحمد بن سيرين ومحمد بن كعب وغيرهم وفي صحيح مسلم
عفن ابفن عباس قال :لمفا نزلت "وإن تبدوا مففا فففي أنفسففكم أو تخفوه يحاسفبكم بفه ال" قال :دخففل
قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم( :قولوا سمعنا وأطعنا
وسفلمنا) قال :فألقفى ال اليمان ففي قلوبهفم فأنزل ال تعالى" :ل يكلف ال نفسفا إل وسفعها لهفا مفا
كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا قال( :قد فعلت) ربنا ول تحمل علينا
إصرا كما حملته على الذين من قبلنا قال( :قد فعلت) ربنا ول تحملنا ما ل طاقة لنا به واعف عنا
واغففر لنفا وارحمنفا أنفت مولنفا فانصفرنا على القوم الكافريفن" [البقرة ]286 :قال( :قفد فعلت):
في رواية فلما فعلوا ذلك نسخها ال ثم أنزل تعالى" :ل يكلف ال نفسا إل وسعها" وسيأتي.
الثانفي :قال ابفن عباس وعكرمفة والشعفبي ومجاهفد :إنهفا محكمفة مخصفوصة ،وهفي ففي معنفى
الشهادة التي نهى عن كتمها ،ثم أعلم في هذه الية أن الكاتم لها المخفي ما في نفسه محاسب.
الثالث :أن الية فيما يطرأ على النفوس من الشك واليقين ،وقاله مجاهد أيضا.
الرابع :أنها محكمة عامة غير منسوخة ،وال محاسب خلقه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم
يعملوه ممففا ثبففت فففي نفوسففهم وأضمروه ونووه وأرادوه ،فيغفففر للمؤمنيففن ويأخففذ بففه أهففل الكفففر
والنفاق ،ذكره الطبري عن قوم ،وأدخل عن ابن عباس ما يشبه هذا .روي عن علي بن أبي طلحة
عفن ابفن عباس أنفه قال :لم تنسفخ ،ولكفن إذا جمفع ال الخلئق يقول( :إنفي أخفبركم بمفا أكننتفم ففي
أنفسفكم) فأمفا المؤمنون فيخفبرهم ثفم يغففر لهفم ،وأمفا أهفل الشفك والريفب فيخفبرهم بمفا أخفوه مفن
التكذيفب ،فذلك قوله" :يحاسفبكم بفه ال فيغففر لمفن يشاء ويعذب مفن يشاء" [البقرة ]284 :وهفو
قوله عفز وجفل" :ولكفن يؤاخذكفم بمفا كسفبت قلوبكفم" [البقرة ]225 :مفن الشفك والنفاق .وقال
الضحاك :يعلمفه ال يوم القيامفة بمفا كان يسفره ليعلم أنفه لم يخفف عليفه .وففي الخفبر( :إن ال تعالى
يقول يوم القيامفة هذا يوم تبلى فيفه السفرائر وتخرج الضمائر وأن كتابفي لم يكتبوا إل مفا ظهفر مفن
أعمالكفم وأنفا المطلع على مفا لم يطلعوا عليفه ولم يخفبروه ول كتبوه فأنفا أخفبركم بذلك وأحاسفبكم
عليفه فأغففر لمفن أشاء وأعذب مفن أشاء) فيغففر للمؤمنيفن ويعذب الكافريفن ،وهذا أصفح مفا ففي
الباب ،يدل عليفه حديفث النجوى على مفا يأتفي بيانفه ،ل يقال :فقفد ثبفت عفن النفبي صفلى ال عليفه
وسففلم (إن ال تجاوز لمتففي عمففا حدثففت بففه أنفسففها مففا لم يتكلموا أو يعملوا بففه) .فإنففا نقول :ذلك
محمول على أحكام الدنيا ،مثل الطلق والعتاق والبيع التي ل يلزمه حكمها ما لم يتكلم به ،والذي
ذكر في الية فيما يؤاخذ العبد به بينه وبين ال تعالى في الخرة .وقال الحسن :الية محكمة ليست
بمنسوخة .قال الطبري :وقال آخرون نحو هذا المعنى الذي ذكر عن ابن عباس ،إل أنهم قالوا :إن
العذاب الذي يكون جزاء لمفا خطفر ففي النفوس وصفحبه الفكفر إنمفا هفو بمصفائب الدنيفا وآلمهفا
وسائر مكارهها .ثم أسند عن عائشة نحو هذا المعنى ،وهو [القول الخامس] :ورجح الطبري أن
اليفة محكمفة غيفر منسفوخة :قال ابفن عطيفة :وهذا هفو الصفواب ،وذلك أن قوله تعالى" :وإن تبدوا
مففا فففي أنفسففكم أو تخفوه" معناه ممففا هففو فففي وسففعكم وتحففت كسففبكم ،وذلك اسففتصحاب المعتقففد
والفكفر ،فلمفا كان اللففظ ممفا يمكفن أن تدخفل فيفه الخواطفر أشففق الصفحابة والنفبي صفلى ال عليفه
وسفلم ،ففبين ال لهفم مفا أراد باليفة الخرى ،وخصفصها ونفص على حكمفه أنفه ل يكلف نفسفا إل
وسعها ،والخواطر ليست هي ول دفعها في الوسع ،بل هي أمر غالب وليست مما يكتسب ،فكان
ففي هذا البيان فرجهفم وكشفف كربهفم ،وباقفي اليفة محكمفة ل نسفخ فيهفا :وممفا يدففع أمفر النسفخ أن
اليفة خفبر والخبار ل يدخلهفا النسفخ ،فإن ذهفب ذاهفب إلى تقديفر النسفخ فإنمفا يترتفب له ففي الحكفم
الذي لحفق الصفحابة حيفن فزعوا مفن اليفة ،وذلك أن قول النفبي صفلى ال عليفه وسفلم لهفم( :قولوا
سفمعنا وأطعنفا) يجيفء منفه المفر بأن يثبتوا على هذا ويلتزموه وينتظروا لطفف ال ففي الغفران.
فإذا قرر هذا الحكففم فصففحيح وقوع النسففخ فيففه ،وتشبففه اليففة حينئذ قوله تعالى" :إن يكففن منكففم
عشرون صابرون يغلبوا مائتين" [النفال ]65 :فهذا لفظه الخبر ولكن معناه التزموا هذا واثبتوا
عليفه واصفبروا بحسفبه ،ثفم نسفخ بعفد ذلك .وأجمفع الناس فيمفا علمفت على أن هذه اليفة ففي الجهاد
منسوخة بصبر المائة للمائتين .قال ابن عطية :وهذه الية في "البقرة" أشبه شيء بها .وقيل :في
الكلم إضمار وتقييففد ،تقديره يحاسففبكم بففه ال إن شاء ،وعلى هذا فل نسففخ .وقال النحاس :ومففن
أحسفن ما قيل ففي الية وأشبه بالظاهفر قول ابن عباس :إنهفا عامة ،ثم أدخل حديث ابن عمر في
النجوى ،أخرجفه البخاري ومسفلم وغيرهمفا ،واللففظ لمسفلم قال :سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه
وسلم يقول (يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه جل وعز حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول
هففل تعرف فيقول أي رب أعرف قال فإنففي قففد سففترتها عليففك فففي الدنيففا وإنففي أغفرهففا لك اليوم
فيعطففى صففحيفة حسففناته وأمففا الكفار والمنافقون فينادى بهففم على رؤوس الخلئق هؤلء الذيففن
كذبوا على ال) .وقفد قيفل :إنهفا نزلت ففي الذيفن يتولون الكافريفن مفن المؤمنيفن ،أي وإن تعلنوا مفا
فففي أنفسففكم أيهففا المؤمنون مففن وليففة الكفار أو تسففروها يحاسففبكم بففه ال ،قاله الواقدي ومقاتففل.
واستدلوا بقوله تعالى في (آل عمران) "قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه ف من ولية الكفار ف
يعلمه ال" [آل عمران ]29 :يدل عليه ما قبله من قوله" :ل يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من
دون المؤمنين" [آل عمران.]28 :
قلت :وهذا فيه بعد ،لن سياق الية ل يقتضيه ،وإنما ذلك بين في "آل عمران" وال أعلم .وقد
قال سففيان بفن عيينفة :بلغنفي أن النفبياء عليهفم السفلم كانوا يأتون قومهفم بهذه اليفة "ل مفا ففي
السماوات وما في الرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به ال".
@قوله تعالى" :فيغففر لمفن يشاء ويعذب مفن يشاء" قرأ ابفن كثيفر وناففع وأبفو عمرو وحمزة
والكسفائي "فيغففر ويعذب" بالجزم عطفف على الجواب .وقرأ ابفن عامفر وعاصفم بالرففع فيهمفا
على القطففع ،أي فهففو يغفففر ويعذب .وروي عففن ابففن عباس والعرج وأبففي العاليففة وعاصففم
الجحدري بالنصب فيهما على إضمار "أن" .وحقيقته أنه عطف على المعنى ،كما في قوله تعالى:
"فيضاعفه له" وقد تقدم .والعطف على اللفظ أجود للمشاكلة ،كما قال الشاعر:
يتكلم فيجبك بعقل ومتى ما يع منك كلما
قال النحاس :وروي عفن طلحفة بفن مصففرف "يحاسفبكم بفه ال يغففر" بغيفر فاء على البدل .ابفن
عطيفة :وبهفا قرأ الجعففي وخلد .وروي أنهفا كذلك ففي مصفحف ابفن مسفعود .قال ابفن جنفي :هفي
على البدل من "يحاسبكم" وهي تفسير المحاسبة ،وهذا كقول الشاعر:
تلقوا غدا خيلي على سفوان رويدا بني شيبان بعض وعيدكم
إذا ما غدت في المأزق المتداني تلقوا جيادا ل تحيد عن الوغى
فهذا على البدل .وكرر الشاعففر الفعففل ،لن الفائدة فيمففا يليففه مففن القول .قال النحاس :وأجود مففن
الجزم لو كان بل فاء الرفع ،يكون في موضع الحال ،كما قال الشاعر:
تجد خير نار عندها خير موقد متى تأته تعشو إلى ضوء ناره
**3الية{ 285 :آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه
ورسله ل نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}
@قوله تعالى" :آمفن الرسفول بمفا أنزل إليفه مفن ربفه" روي عفن الحسفن ومجاهفد والضحاك :أن
هذه اليففة كانففت فففي قصففة المعراج ،وهكذا روي فففي بعففض الروايات عففن ابففن عباس ،وقال
بعضهفم :جميفع القرآن نزل بفه جبريفل عليفه السفلم على محمفد صفلى ال عليفه وسفلم إل هذه اليفة
فإن النبي صلى ال عليه وسلم :هو الذي سفمع ليلة المعراج ،وقال بعضهفم :لم يكفن ذلك ففي قصة
المعراج ،لن ليلة المعراج كانففت بمكففة وهذه السففورة كلهففا مدنيففة ،فأمففا مففن قال إنهففا كانففت ليلة
المعراج قال :لمفا صفعد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وبلغ ففي السفماوات ففي مكان مرتففع ومعفه
جبريل حتى جاوز سدرة المنتهى فقال له جبريل :إني لم أجاوز هذا الموضع ولم يؤمر بالمجاوزة
أحد هذا الموضع غيرك فجاوز النبي صلى ال عليه وسلم حتى بلغ الموضع الذي شاء ال ،فأشار
إليه جبريل بأن سلم على ربك ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم :التحيات ل والصلوات والطيبات.
قال ال تعالى :السفلم عليفك أيهفا النفبي ورحمفة ال وبركاتفه ،فأراد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أن
يكون لمتففه حففظ فففي السففلم فقال :السففلم علينففا وعلى عباد ال الصففالحين ،فقال جبريففل وأهففل
السففماوات كلهففم :أشهففد أن ل إله إل ال وأشهففد أن محمدا عبده ورسففوله .قال ال تعالى" :آمففن
الرسول" على معنى الشكر أي صدق الرسول "بما أنزل إليه من ربه" فأراد النبي صلى ال عليه
وسففلم أن يشارك أمتففه فففي الكرامففة والفضيلة فقال" :والمؤمنون كففل آمففن بال وملئكتففه وكتبففه
ورسله ل نفرق بين أحد من رسله" يعني يقولون آمنا بجميع الرسل ول نكفر بأحد منهم ول نفرق
بينهفم كمفا فرقفت اليهود والنصفارى ،فقال له ربفه كيفف قبولهفم بآي الذي أنزلتهفا ؟ وهفو قوله" :إن
تبدوا ما في أنفسكم" فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم (قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك
المصففير) يعنفي المرجفع .فقال ال تعالى عنفد ذلك" :ل يكلف ال نفسفا إل وسفعها" يعنفي طاقتهفا
ويقال :إل دون طاقتهفا" .لهفا مفا كسفبت" مفن الخيفر "وعليهفا مفا اكتسفبت" مفن الشفر ،فقال جبريفل
عند ذلك :سل تعطه ،فقال النبي صلى ال عليه وسلم" :ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا" يعني إن جهلنا
"أو أخطأنا" يعني إن تعمدنا ،ويقال :إن عملنا بالنسيان والخطأ .فقال له جبريل :قد أعطيت ذلك
قفد رففع عن أمتفك الخطفأ والنسفيان .فسفل شيئا آخفر فقال" :ربنفا ول تحمفل علينفا إصفرا" يعنفي ثقل
"كمفا حملتفه على الذيفن مفن قبل" وهفو أنفه حرم عليهفم الطيبات بظلمهفم ،وكانوا إذا أذنبوا بالليفل
وجدوا ذلك مكتوبفا على بابهفم ،وكانفت الصفلوات عليهفم خمسفين ،فخففف ال عفن هذه المفة وحفط
عنهم بعد ما فرض خمسين صلة .ثم قال" :ربنا ول تحملنا ما ل طاقة لنا به" يقول :ل تثقلنا من
العمفل مفا ل نطيفق فتعذبنفا ،ويقال :مفا تشفق علينفا ،لنهفم لو أمروا بخمسفين صفلة لكانوا يطيقون
ذلك ولكنفه يشفق عليهفم ول يطيقون الدامفة عليفه "واعفف عنفا" مفن ذلك كله "واغففر لنفا" وتجاوز
عنا ،ويقال" :واعف عنا" من المسخ "واغفر لنا" من الخسف "وارحمنا" من القذف ،لن المم
الماضية بعضهم أصابهم المسخ وبعضهم أصابهم الخسف وبعضهم القذف ثم قال" :أنت مولنا"
يعني ولينا وحافظنا "فانصرنا على القوم الكافرين" فاستجيبت دعوته .وروى عن النبي صلى ال
عليه وسلم أنه قال( :نصرت بالرعب مسيرة شهر) ويقال إن الغزاة :إذا خرجوا من ديارهم بالنية
الخالصفة وضربوا بالطبفل وقفع الرعفب والهيبفة ففي قلوب الكفار مسفيرة شهفر ففي شهفر ،علموا
بخروجهفم أو لم يعلموا ،ثفم إن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم لمفا رجفع أوحفى ال هذه اليات ،ليعلم
أمته بذلك .ولهذه الية تفسير آخر ،قال الزجاج :لما ذكر ال تعالى في هذه السورة فرض الصلة
والزكاة وبيفن أحكام الحفج وحكفم الحيفض والطلق واليلء وأقاصفيص النفبياء وبيفن حكفم الربفا،
ذكر تعظيمه سبحانه بقوله سبحانه وتعالى" :ل ما في السماوات وما في الرض" ثم ذكر تصديق
نبيه صلى ال عليه وسلم ثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك فقال" :آمن الرسول بما أنزل إليه
مفن ربه" أي صدق الرسول بجميفع هذه الشياء التفي جرى ذكرها وكذلك المؤمنون كلهفم صفدقوا
بال وملئكته وكتبه ورسله.
وقيفل سفبب نزولهفا اليفة التفي قبلهفا وهفي" :ل مفا ففي السفماوات ومفا ففي الرض وإن تبدوا مفا
ففي أنفسفكم أو تخفوه يحاسفبكم بفه ال فيغففر لمفن يشاء ويعذب مفن يشاء وال على كفل شيفء قديفر"
[المائدة ]284 :فإنه لما أنزل هذا على النبي صلى ال عليه وسلم اشتد ذلك على أصحاب رسول
ال صفلى ال عليفه وسفلم فأتوا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ثفم بركوا على الركفب فقالوا :أي
رسفول ال ،كلفنفا مفن العمال مفا نطيفق :الصفلة والصفيام والجهاد والصفدقة ،وقفد أنزل ال عليفك
هذه اليففة ول نطيقهففا .قال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم( :أتريدون أن تقولوا كمففا قال أهففل
الكتابيفن مفن قبلكفم سفمعنا وعصفينا بفل قولوا سفمعنا وأطعنفا غفرانفك ربنفا وإليفك المصفير) فقالوا:
سفمعنا وأطعنفا غفرانفك ربنفا وإليفك المصفير .فلمفا اقترأهفا القوم ذلت بهفا ألسفنتهم فأنزل ال ففي
إثرهفا" :آمفن الرسفول بمفا أنزل إليفه مفن ربفه والمؤمنون كفل آمفن بال وملئكتفه وكتبفه ورسفله ل
نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" [البقرة .]285 :فلما
فعلوا ذلك نسفخها ال ،فأنزل ال عفز وجفل" :ل يكلف ال نفسفا إل وسفعها لهفا مفا كسفبت وعليهفا مفا
اكتسبت" "ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" قال( :نعم) "ربنا ول تحمل علينا إصرا كما حملته
على الذيفن مفن قبلنفا" قال( :نعفم) "ربنفا ول تحملنفا مفا ل طاقفة لنفا بفه" قال( :نعفم) "واعفف عنفا
واغففر لنفا وارحمنفا أنفت مولنفا فانصفرنا على القوم الكافريفن" قال( :نعفم) .أخرجفه مسفلم عن أبفي
هريرة.
قال علماؤنا :قوله في الرواية الولى (قد فعلت) وهنا قال( :نعم) دليل على نقل الحديث بالمعنى،
وقفد تقدم .ولمفا تقرر المفر على أن قالوا :سفمعنا وأطعنفا ،مدحهفم ال وأثنفى عليهفم ففي هذه اليفة،
ورفع المشقة في أمر الخواطر عنهم ،وهذه ثمرة الطاعة والنقطاع إلى ال تعالى ،كما جرى لبني
إسففرائيل ضففد ذلك مففن ذمهففم وتحميلهففم المشقات مففن الذلة والمسففكنة والنجلء إذ قالوا :سففمعنا
وعصفينا ،وهذه ثمرة العصفيان والتمرد على ال تعالى ،أعاذنفا ال مفن نقمفه بمنفه وكرمفه .وففي
الحديفث أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قيفل له :إن بيفت ثابفت بفن قيفس بفن شماس يزهفر كفل ليلة
بمصابيح .قال( :فلعله يقرأ سفورة البقرة) فسفئل ثابفت قال :قرأت مفن سورة البقرة "آمن الرسفول"
نزلت حين شق على أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ما توعدهم ال تعالى به من محاسبتهم.
على مفا أخفتفه نفوسفهم ،فشكوا ذلك إلى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقال( :فلعلكفم تقولون سفمعنا
وعصففينا كمففا قالت بنففو إسففرائيل) قالوا :بففل سففمعنا وأطعنففا ،فأنزل ال تعالى ثناء عليهففم" :آمففن
الرسول بما أنزل إليه من ربه" فقال صلى ال عليه وسلم( :وحق لهم أن يؤمنوا).
@قوله تعالى" :آمفن" أي صفدق ،وقفد تقدم .والذي أنزل هفو القرآن .وقرأ ابفن مسفعود "وآمفن
المؤمنون كل آمن بال" على اللفظ ،ويجوز في غير القرآن "آمنوا" على المعنى .وقرأ نافع وابن
كثير وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر "وكتبه" على الجمع .وقرؤوا في "التحريم" كتابه،
على التوحيفد .وقرأ أبفو عمرو هنفا وففي "التحريفم" و"كتبفه" على الجمفع .وقرأ حمزة والكسفائي
"وكتابه" على التوحيد فيهما .فمن جمع أراد جمع كتاب ،ومن أفرد أراد المصدر الذي يجمع كل
مكتوب كان نزوله مفن عنفد ال .ويجوز ففي قراءة مفن وحفد أن يراد بفه الجمفع يكون الكتاب اسفما
للجنففس فتسففتوي القراءتان ،قال ال تعالى" :فبعففث ال النففبيين مبشريففن ومنذريففن وأنزل معهففم
الكتاب" [البقرة .]213 :قرأت الجماعففة "ورسففله" بضففم السففين ،وكذلك "رسففُلنا ورسففُلكم
ورسفلك" ،إل أبفا عمرو فروي عنفه تخفيفف "رسفْلنا ورسفْلكم" ،وروي عنفه ففي "رسفلك" التثقيفل
والتخفيف .قال أبو علي :من قرأ "رسلك" بالتثقيل فذلك أصل الكلمة ،ومن خفف فكما يخفف في
الحاد ،مثل عنق وطنب .وإذا خفف في الحاد فذلك أحرى في الجمع الذي هو أثقل ،وقال معناه
مكففففي .وقرأ جمهور الناس "ل نفرق" بالنون ،والمعنففففى يقولون ل نفرق ،فحذف القول ،وحذف
القول كثيفر ،قال ال تعالى" :والملئكفة يدخلون عليهفم مفن كفل باب .سفلم عليكفم" [الرعفد:]23 :
أي يقولون سلم عليكم .وقال" :ويتفكرون في خلق السماوات والرض ربنا ما خلقت هذا باطل"
[آل عمران ]191 :أي يقولون ربنا ،وما كان مثله .وقرأ سعيد بن جبير ويحيى بن يعمر وأبو
زرعفة بفن عمرو بفن جريفر ويعقوب "ل يفرق" بالياء ،وهذا على لففظ كفل .قال هارون :وهفي ففي
حرف ابففن مسففعود "ل يفرقون" .وقال "بيففن أحففد" على الفراد ولم يقففل آحاد ،لن الحففد يتناول
الواحفد والجميفع ،كمفا قال تعالى" :فمفا منكفم من أحفد عنفه حاجزيفن" [الحاقفة ]47 :ففف "حاجزيفن"
صففة لحفد ،لن معناه الجمفع .وقال صفلى ال عليفه وسفلم( :مفا أحلت الغنائم لحفد سفود الرؤوس
غيركم) وقال رؤبة:
ل يرهبون أحدا من دونكا إذا أمور الناس دينت دينكا
ومعنففى هذه اليففة :أن المؤمنيففن ليسففوا كاليهود والنصففارى فففي أنهففم يؤمنون ببعففض ويكفرون
ببعض.
@قوله تعالى" :وقالوا سمعنا وأطعنا" فيه حذف ،أي سمعنا سماع قابلين .وقيل :سمع بمعنى قبل،
كمفا يقال :سفمع ال لمفن حمده فل يكون فيفه حذف .وعلى الجملة فهذا القول يقتضفي المدح لقائله.
والطاعفة قبول المففر .وقوله "غفرانففك" مصففدر كالكفران والخسففران ،والعامفل فيففه فعفل مقدر،
تقديره :اغفففر غفرانففك ،قاله الزجاج .وغيره :نطلب أو أسففأل غفرانففك" .وإليففك المصففير" إقرار
بالبعفث والوقوف بيفن يدي ال تعالى .وروي أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم لمفا نزلت عليفه هذه
الية قال له جبريل( :إن ال قد أحل الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه) فسأل إلى آخر السورة.
**3الية{ 286 :ل يكلف ال نفسا إل وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا ل تؤاخذنا
إن نسينا أو أخطأنا ربنا ول تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ول تحملنا ما ل
طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولنا فانصرنا على القوم الكافرين}
@قوله تعالى" :ل يكلف ال نفسفا إل وسفعها" التكليفف هفو المفر بمفا يشفق عليفه وتكلففت المفر
تجشمتففه ،حكاه الجوهري .والوسففع :الطاقففة والجدة .وهذا خففبر جزم .نففص ال تعالى على أنففه ل
يكلف العباد مفن وقفت نزول اليفة عبادة مفن أعمال القلب أو الجوارح إل وهفي ففي وسفع المكلف
وففي مقتضفى إدراكفه وبنيتفه ،وبهذا انكشففت الكربفة عفن المسفلمين ففي تأولهفم أمفر الخواطفر .وففي
معنى هذه الية ما حكاه أبو هريرة رضي ال عنه قال :ما وددت أن أحدا ولدتني أمه إل جعفر بن
أبي طالب ،فإني تبعته يوما وأنا جائع فلما بلغ منزله لم يجد فيه سوى نحي سمن قد بقي فيه أثارة
فشقه بين أيدينا ،فجعلنا نلعق ما فيه من السمن والرّب وهو يقول:
ول تجود يد إل بما تجد ما كلف ال نفسا فوق طاقتها
@اختلف الناس في جواز تكليف ما ل يطاق في الحكام التي هي في الدنيا ،بعد اتفاقهم على أنه
ليففس واقعففا فففي الشرع ،وأن هذه اليففة آذنففت بعدمففه ،قال أبففو الحسففن الشعري وجماعففة مففن
المتكلمين :تكليف ما ل يطاق جائز عقل ،ول يخرم ذلك شيئا من عقائد الشرع ،ويكون ذلك أمارة
على تعذيفب المكلف وقطعفا بفه ،وينظفر إلى هذا تكليفف المصفور أن يعقفد شعيرة .واختلف القائلون
بجوازه هل وقع في رسالة محمد صلى ال عليه وسلم أو ل؟ فقال فرقة :وقع في نازلة أبي لهب،
لنفه كلففه باليمان بجملة الشريعفة ،ومفن جملتهفا أنفه ل يؤمفن ،لنفه حكفم عليفه بتفب اليديفن وصفلي
النار وذلك مؤذن بأنفه ل يؤمفن ،فقفد كلففه بأن يؤمفن بأنفه ل يؤمفن .وقالت فرقفة :لم يقفع قفط .وقفد
حكفى الجماع على ذلك .وقوله تعالى" :سفيصلى نارا" [المسفد ]3 :معناه إن وافففى ،حكاه ابفن
عطيفة" .ويكلف" يتعدى إلى مفعوليفن أحدهمفا محذوف ،تقديره عبادة أو شيئا .فال سفبحانه بلطففه
وإنعامه علينا وإن كان قد كلفنا بما يشق ويثقل كثبوت الواحد للعشرة ،وهجرة النسان وخروجه
من وطنه ومفارقة أهله ووطنه وعادته ،لكنه لم يكلفنا بالمشقات المثقلة ول بالمور المؤلمة ،كما
كلف من قبلنا بقتل أنفسهم وقرض موضع البول من ثيابهم وجلودهم ،بل سهل ورفق ووضع عنا
الصر والغلل التي وضعها على من كان قبلنا .فلله الحمد والمنة ،والفضل والنعمة.
@قوله تعالى" :لهفا مفا كسفبت وعليهفا مفا اكتسفبت" يريفد مفن الحسفنات والسفيئات قاله السفدي.
وجماعة المفسرين ل خلف بينهم في ذلك ،قاله ابن عطية .وهو مثل قوله" :ول تزر وازرة وزر
أخرى" [النعام" ]164 :ول تكسفب كفل نففس إل عليهفا" [النعام .]164 :والخواطفر ونحوهفا
ليسفت مفن كسفب النسفان .وجاءت العبارة ففي الحسفنات بفف "لهفا" مفن حيفث هفي ممفا يفرح المرء
بكسفبه ويسفر بهفا ،فتضاف إلى ملكفه وجاءت ففي السفيئات بفف "عليهفا" مفن حيفث هفي أثقال وأوزار
ومتحملت صعبة ،وهذا كما تقول :لي مال وعلى دين .وكرر فعل الكسب فخالف بين التصريف
حسفنا لنمفط الكلم ،كمفا قال" :فمهفل الكافريفن أمهلهفم رويدا" [الطارق .]17 :قال ابفن عطيفة:
ويظهفر لي ففي هذا أن الحسفنات هفي ممفا تكتسفب دون تكلف ،إذ كاسفبها على جادة أمفر ال تعالى
ورسم شرعه ،والسيئات تكتسب ببناء المبالغة ،إذ كاسبها يتكلف في أمرها خرق حجاب نهى ال
تعالى ويتخطاه إليها ،فيحسن في الية مجيء التصريفين إحرازا ،لهذا المعنى.
@في هذه الية دليل على صحة إطلق أئمتنا على أفعال العباد كسبا واكتسابا ،ولذلك لم يطلقوا
على ذلك ل خلق ول خالق ،خلفا لمن أطلق ذلك من مجترئة المبتدعة .ومن أطلق من أئمتنا ذلك
على العبفد ،وأنفه فاعفل فبالمجاز المحفض .وقال المهدوي وغيره :وقيفل معنفى اليفة ل يؤاخفذ أحفد
بذنب أحد .قال ابن عطية :وهذا صحيح في نفسه ولكن من غير هذه الية.
@قال الكيا الطبري :قوله تعالى" :لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" يستدل به على أن من قتل
غيره بمثقل أو بخنق أو تغريق فعليه ضمانه قصاصا أو دية ،فخلفا لمن جعل ديته على العاقلة،
وذلك يخالف الظاهفر ،ويدل على أن سفقوط القصفاص عفن الب ل يقتضفي سفقوطه عفن شريكفه.
ويدل على وجوب الحففد على العاقلة إذا مكنففت مجنونففا مففن نفسففها .وقال القاضففي أبففو بكففر بففن
العربفي" :ذكفر علماؤنفا هذه اليفة ففي أن القود واجفب على شريفك الب خلففا لبفي حنيففة ،وعلى
شريفك الخاطفئ خلففا للشافعفي وأبفي حنيففة ،لن كفل واحفد منهمفا قفد اكتسفب القتفل .وقالوا :إن
اشتراك مفن ل يجب عليه القصفاص مع من يجب عليه القصفاص ل يكون شبهة ففي درء ما يدرأ
بالشبهة".
@قوله تعالى" :ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" المعنى :أعف عن إثم ما يقع منا على هذين
الوجهين أو أحدهما ،كقوله عليه السلم( :رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) أي
إثفم ذلك .وهذا لم يختلف فيفه أن الثفم مرفوع ،وإنمفا اختلف فيمفا يتعلق على ذلك مفن الحكام ،هفل
ذلك مرفوع ل يلزم منففه شيفففء أو يلزم أحكام ذلك كله ؟ اختلف فيففه .والصفففحيح أن ذلك يختلف
بحسفب الوقائع ،فقسفم ل يسفقط باتفاق كالغرامات والديات والصفلوات المفروضات .وقسفم يسفقط
باتفاق كالقصفاص والنطفق بكلمفة الكففر .وقسفم ثالث يختلف فيفه كمفن أكفل ناسفيا ففي رمضان أو
حنث ساهيا ،وما كان مثله مما يقع خطأ ونسيانا ،ويعرف ذلك في الفروع.
@قوله تعالى" :ربنفا ول تحمفل علينفا إصفرا" أي ثقل قال مالك والربيفع :الصفر المفر الغليفظ
الصعب .وقال سعيد بن جبير :الصفر شدة العمل .وما غلظ على بني إسرائيل من البول ونحوه،
قال الضحاك :كانوا يحملون أمورا شدادا ،وهذا نحو قول مالك والربيع ،ومنه قول النابغة:
والحامل الصر عنهم بعدما عرفوا يا مانع الضيم أن يغشى سراتهم
عطاء :الصفر المسفخ قردة وخنازيفر ،وقاله ابفن زيفد أيضفا .وعنفه أيضفا أنفه الذنفب الذي ليفس فيفه
توبفة ول كفارة .والصفر ففي اللغفة العهفد ،ومنفه قوله تعالى" :وأخذتفم على ذلكفم إصفري"[ .آل
عمران ]81 :والصر :الضيق والذنب والثقل .والصار :الحبل الذي تربط به الحمال ونحوها،
يقال :أصفر يأصفر أصفرا حبسفه .والصفر -بكسفر الهمزة -مفن ذلك قال الجوهري :والموضفع
مأصفِر ومأصفَر والجمفع مآصفر ،والعامفة تقول معاصفر .قال ابفن خويفز منداد :ويمكفن أن يسفتدل
بهذا الظاهر في كل عبادة ادعى الخصم تثقيلها ،فهو نحو قوله تعالى" :وما جعل عليكم في الدين
مففن حرج" [المؤمنون ]78 :وكقول النففبي صففلى ال عليففه وسففلم( :الديففن يسففر فيسففروا ول
تعسروا) .اللهم شق على من شق على أمة محمد صلى ال عليه وسلم.
قلت :ونحوه قال الكيفا الطفبري قال :يحتفج بفه ففي نففي الحرج والضيفق المناففي ظاهره للحنيفيفة
السمحة ،وهذا بين.