You are on page 1of 200

‫*‪*1‬الجزء ‪ 3‬من الطبعة‬

‫*‪*2‬سورة البقرة‬
‫*‪*3‬الية‪{ 203 :‬واذكروا ال في أيام معدودات فمن تعجل في يومين فل إثم عليه ومن تأخر‬
‫فل إثم عليه لمن اتقى واتقوا ال واعلموا أنكم إليه تحشرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واذكروا ال ففي أيام معدودات"‪ :‬قال الكوفيون‪ :‬اللف والتاء ففي "معدودات"‬
‫لقفل العدد‪ .‬وقال البصفريون‪ :‬همفا للقليفل والكثيفر‪ ،‬بدليفل قوله تعالى‪" :‬وهفم ففي الغرفات آمنون"‬
‫[سبأ‪ ]37 :‬والغرفات كثيرة‪ .‬ول خلف بين العلماء أن اليام المعدودات في هذه الية هي أيام‬
‫منفى‪ ،‬وهفي أيام التشريفق‪ ،‬وأن هذه الثلثفة السفماء واقعفة عليهفا‪ ،‬وهفي أيام رمفي الجمار‪ ،‬وهفي‬
‫واقعفة على الثلثفة اليام التفي يتعجفل الحاج منهفا ففي يوميفن بعفد يوم النحفر‪ ،‬فقفف على ذلك‪ .‬وقال‬
‫الثعلبي وقال إبراهيم‪ :‬اليام المعدودات أيام العشر‪ ،‬واليام المعلومات أيام النحر‪ ،‬وكذا حكى مكي‬
‫والمهدوي أن اليام المعدودات هفي أيام العشفر‪ .‬ول يصفح لمفا ذكرناه مفن الجماع‪ ،‬على مفا نقله‬
‫أبو عمر بن عبدالبر وغيره‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا إما أن يكون من تصحيف النسخة‪ ،‬وإما أن يريد‬
‫العشر الذي بعد النحر‪ ،‬وفي ذلك بعد‪.‬‬
‫@أمفر ال سفبحانه وتعالى عباده بذكره ففي اليام المعدودات‪ ،‬وهفي الثلثفة التفي بعفد يوم النحفر‪،‬‬
‫وليس يوم النحر منها‪ ،‬لجماع الناس أنه ل ينفر أحد يوم النفر وهو ثاني يوم النحر‪ ،‬ولو كان يوم‬
‫النحر في المعدودات لساغ أن ينفر من شاء متعجل يوم النفر‪ ،‬لنه قد أخذ يومين من المعدودات‪.‬‬
‫خرج الدارقطنفي والترمذي وغيرهمفا عفن عبدالرحمفن بفن يعمفر الديلي أن ناسفا مفن أهفل نجفد أتوا‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وهفو بعرففة فسفألوه‪ ،‬فأمفر مناديفا فنادى‪( :‬الحفج عرففة‪ ،‬فمفن جاء‬
‫ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك‪ ،‬أيام منى ثلثة فمن تعجل في يومين فل إثم عليه ومن تأخر‬
‫فل إثفم عليفه)‪ ،‬أي مفن تعجفل مفن الحاج ففي يوميفن مفن أيام منفى صفار مقامفه بمنفى ثلثفة أيام بيوم‬
‫النحر‪ ،‬ويصير جميع رميه بتسع وأربعين حصاة‪ ،‬ويسقط عنه رمي يوم الثالث‪ .‬ومن لم ينفر منها‬
‫إل ففي آخفر اليوم الثالث حصفل له بمنفى مقام أربعفة أيام مفن أجفل يوم النحفر‪ ،‬واسفتوفى العدد ففي‬
‫الرمي‪ ،‬على ما يأتي بيانه‪ .‬ومن الدليل على أن أيام منى ثلثة ‪ -‬مع ما ذكرناه ‪ -‬قول العرجي‪:‬‬
‫حتى يفرق بيننا النفر‬ ‫ما نلتقي إل ثلث منى‬
‫فأيام الرمففي معدودات‪ ،‬وأيام النحففر معلومات‪ .‬وروى نافففع عففن ابففن عمففر أن اليام المعدودات‬
‫واليام المعلومات يجمعهفا أربعفة أيام‪ :‬يوم النحفر وثلثفة أيام بعده‪ ،‬فيوم النحر معلوم غير معدود‪،‬‬
‫واليومان بعده معلومان معدودان‪ ،‬واليوم الرابفع معدود ل معلوم‪ ،‬وهذا مذهفب مالك وغيره‪ .‬وإنمفا‬
‫كان كذلك لن الول ليفس مفن اليام التفي تختفص بمنفى ففي قوله سفبحانه تعالى‪" :‬واذكروا ال ففي‬
‫أيام معدودات" ول من التي عين النبي صلى ال عليه وسلم بقوله‪( :‬أيام منى ثلثة) فكان معلوما‪،‬‬
‫لن ال تعالى قال‪" :‬ويذكروا اسم ال في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة النعام" [الحج‪:‬‬
‫‪ ]28‬ول خلف أن المراد بفه النحفر‪ ،‬وكان النحفر ففي اليوم الول وهفو يوم الضحفى والثانفي‬
‫والثالث‪ ،‬ولم يكفن ففي الرابفع نحفر بإجماع مفن علمائنفا‪ ،‬فكان الرابفع غيفر مراد ففي قوله تعالى‪:‬‬
‫"معلومات" لنه ل ينحر فيه وكان مما يرمى فيه‪ ،‬فصار معدودا لجل الرمي‪ ،‬غير معلوم لعدم‬
‫النحفر فيفه‪ .‬قال ابفن العربفي‪ :‬والحقيقفة فيفه أن يوم النحفر معدود بالرمفي معلوم بالذبفح‪ ،‬لكنفه عنفد‬
‫علمائنفا ليفس مرادا ففي قوله تعالى‪" :‬واذكروا ال ففي أيام معدودات"‪ .‬وقال أبفو حنيففة والشافعفي‪:‬‬
‫(اليام المعلومات العشر من أول يوم من ذي الحجة‪ ،‬وآخرها يوم النحر)‪ ،‬لم يختلف قولهما في‬
‫ذلك‪ ،‬ورويففا ذلك عففن ابففن عباس‪ .‬وروى الطحاوي عففن أبففي يوسففف أن اليام المعلومات أيام‬
‫النحفر‪ ،‬قال أبفو يوسفف‪ :‬روي ذلك عفن عمفر وعلي‪ ،‬وإليفه أذهفب‪ ،‬لنفه تعالى قال‪" :‬ويذكروا اسفم‬
‫ال في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة النعام"‪ .‬وحكى الكرخي عن محمد بن الحسن أن‬
‫اليام المعلومات أيام النحفر الثلثة‪ :‬يوم الضحفى ويومان بعده‪ .‬قال الكيفا الطفبري‪ :‬فعلى قول أبفي‬
‫يوسفففف ومحمفففد ل فرق بيفففن المعلومات والمعدودات‪ ،‬لن المعدودات المذكورة ففففي القرآن أيام‬
‫التشريق بل خلف‪ ،‬ول يشك أحد أن المعدودات ل تتناول أيام العشر‪ ،‬لن ال تعالى يقول‪" :‬فمن‬
‫تعجل في يومين فل إثم عليه" وليس في العشر حكم يتعلق بيومين دون الثالث‪ .‬وقد روي عن ابن‬
‫عباس (أن المعلومات العشر‪ ،‬والمعدودات أيام التشريق)‪ ،‬وهو قول الجمهور‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقال ابفن زيفد‪ :‬اليام المعلومات عشفر ذي الحجفة وأيام التشريفق‪ ،‬وفيفه بعفد‪ ،‬لمفا ذكرناه‪،‬‬
‫وظاهر الية يدفعه‪ .‬وجعل ال الذكر في اليام المعدودات والمعلومات يدل على خلف قوله‪ ،‬فل‬
‫معنى للشتغال به‪.‬‬
‫@ول خلف أن المخاطفب بهذا الذكفر هفو الحاج‪ ،‬خوطفب بالتكفبير عنفد رمفي الجمار‪ ،‬وعلى مفا‬
‫رزق مفن بهيمفة النعام ففي اليام المعلومات وعنفد أدبار الصفلوات دون تلبيفة‪ ،‬وهفل يدخفل غيفر‬
‫الحاج في هذا أم ل؟ فالذي عليه فقهاء المصار والمشاهير من الصحابة والتابعين على أن المراد‬
‫بالتكبير كل أحد ‪ -‬وخصوصا في أوقات الصلوات ‪ -‬فكبر عند انقضاء كل صلة ‪ -‬كان المصلي‬
‫وحده أو فففي جماعففة ‪ -‬تكففبيرا ظاهرا فففي هذه اليام‪ ،‬اقتداء بالسففلف رضففي ال عنهففم‪ .‬وفففي‬
‫المختصر‪ :‬ول يكبر النساء دبر الصلوات‪ ،‬والول أشهر‪ ،‬لنه يلزمها حكم الحرام كالرجل‪ ،‬قاله‬
‫في المدونة‪.‬‬
‫@ومن نسي التكبير بإثر صلة كبر إن كان قريبا‪ ،‬وإن تباعد فل شيء عليه‪ ،‬قاله ابن الجلب‪.‬‬
‫وقال مالك في المختصر‪ :‬يكبر ما دام في مجلسه‪ ،‬فإذا قام من مجلسه فل شيء عليه وفي المدونة‬
‫مفن قول مالك‪ :‬إن نسفي المام التكفبير فإن كان قريبفا قعفد فكفبر‪ ،‬وإن تباعفد فل شيفء عليفه‪ ،‬وإن‬
‫ذهب ولم يكبر والقوم جلوس فليكبروا‪.‬‬
‫@واختلف العلماء ففي طرففي مدة التكفبير‪ ،‬فقال عمفر بفن الخطاب وعلي بفن أبفي طالب وابفن‬
‫عباس‪( :‬يكفبر مفن صفلة الصفبح يوم عرففة إلى العصفر مفن آخفر أيام التشريفق)‪ .‬وقال ابفن مسفعود‬
‫وأبفو حنيففة‪ :‬يكفبر مفن غداة عرففة إلى صفلة العصفر مفن يوم النحفر‪ .‬وخالففه صفاحباه فقال بالقول‬
‫الول‪ ،‬قول عمففر وعلي وابففن عباس رضففي ال عنهففم‪ ،‬فاتفقوا فففي البتداء دون النتهاء‪ .‬وقال‬
‫مالك‪ :‬يكففبر مففن صففلة الظهففر يوم النحففر إلى صففلة الصففبح مففن آخففر أيام التشريففق‪ ،‬وبففه قال‬
‫الشافعفي‪ ،‬وهفو قول ابفن عمفر وابفن عباس أيضفا‪ .‬وقال زيفد بفن ثابفت‪( :‬يكفبر مفن ظهفر يوم النحفر‬
‫إلى آخفر أيام التشريفق)‪ .‬قال ابفن العربفي‪ :‬فأمفا مفن قال‪ :‬يكفبر يوم عرففة ويقطفع العصفر مفن يوم‬
‫النحففر فقففد خرج عففن الظاهففر‪ ،‬لن ال تعالى قال‪" :‬فففي أيام معدودات" وأيامهففا ثلثففة‪ ،‬وقففد قال‬
‫هؤلء‪ :‬يكبر في يومين‪ ،‬فتركوا الظاهفر لغيفر دليل‪ .‬وأما من قال يوم عرفة وأيام التشريفق‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إنفه قال‪" :‬فإذا أفضتفم مفن عرفات" [البقرة‪ ،]198 :‬فذكفر "عرفات" داخفل ففي ذكفر اليام‪ ،‬هذا‬
‫كان يصففح لو كان قال‪ :‬يكففبر مففن المغرب يوم عرفففة‪ ،‬لن وقففت الفاضففة حينئذ‪ ،‬فأمففا قبففل فل‬
‫يقتضيه ظاهر اللفظ‪ ،‬ويلزمه أن يكون من يوم التروية عند الحلول بمنى‪.‬‬
‫@واختلفوا ففي لففظ التكفبير‪ ،‬فمشهور مذهفب مالك أنفه يكفبر إثفر كفل صفلة ثلث تكفبيرات‪ ،‬رواه‬
‫زياد بن زياد عن مالك‪ .‬وفي المذهب رواية‪ :‬يقال بعد التكبيرات الثلث‪ :‬ل إله إل ال‪ ،‬وال أكبر‬
‫ول الحمفد‪ .‬وففي المختصفر عفن مالك‪ :‬ال أكفبر ال أكفبر‪ ،‬ل إله إل ال‪ ،‬وال أكفبر‪ ،‬ال أكفبر ول‬
‫الحمد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمفن تعجفل ففي يوميفن فل إثفم عليفه ومفن تأخفر فل إثفم عليفه لمفن اتقفى واتقوا ال‬
‫واعلموا أنكففم إليفه تحشرون"‪ :‬قوله تعالى‪" :‬فمففن تعجففل" التعجيففل أبدا ل يكون هنففا إل فففي آخففر‬
‫النهار‪ ،‬وكذلك اليوم الثالث‪ ،‬لن الرمي في تلك اليام إنما وقته بعد الزوال‪ .‬وأجمعوا على أن يوم‬
‫النحفر ل يرمفى فيفه غيفر جمرة العقبفة‪ ،‬لن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم لم يرم يوم النحفر مفن‬
‫الجمرات غيرهفا‪ ،‬ووقتهفا مفن طلوع الشمفس إلى الزوال‪ ،‬وكذلك أجمعوا أن وقفت رمفي الجمرات‬
‫ففي أيام التشريفق بعفد الزوال إلى الغروب‪ ،‬واختلفوا فيمفن رمفى جمرة العقبفة قبفل طلوع الفجفر أو‬
‫بعفد طلوع الفجفر قبفل طلوع الشمفس‪ ،‬فقال مالك وأبفو حنيففة وأحمفد وإسفحاق‪ :‬جائز رميهفا بعفد‬
‫الفجفر قبفل طلوع الشمفس‪ .‬وقال مالك‪ :‬لم يبلغنفا أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم رخفص لحفد‬
‫برمي قبل أن يطلع الفجر‪ ،‬ول يجوز رميها قبل الفجر‪ ،‬فإن رماها قبل الفجر أعادها‪ ،‬وكذلك قال‬
‫أبفو حنيففة وأصفحابه‪ :‬ل يجوز رميهفا‪ ،‬وبفه قال أحمفد وإسفحاق‪ .‬ورخصفت طائففة ففي الرمفي قبفل‬
‫طلوع الفجر‪ ،‬روي عن أسماء بنت أبي بكر أنها كانت ترمي بالليل وتقول‪ :‬إنا كنا نصنع هذا على‬
‫عهفد رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬أخرجفه أبفو داود‪ .‬وروي هذا القول عفن عطاء وابفن أبفي‬
‫مليكة وعكرمة بن خالد‪ ،‬وبه قال الشافعي إذا كان الرمي بعد نصف الليل‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬ل يرمي‬
‫حتفى تطلع الشمفس‪ ،‬قاله مجاهفد والنخعفي والثوري‪ .‬وقال أبفو ثور‪ :‬إن رماهفا قبفل طلوع الشمفس‬
‫فإن اختلفوا فيفه لم يجزه‪ ،‬وإن أجمعوا‪ ،‬أو كانفت فيفه سفنة أجزأه‪ .‬قال أبفو عمفر‪ :‬أمفا قول الثوري‬
‫ومن تابعه فحجته أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رمى الجمرة بعد طلوع الشمس وقال‪( :‬خذوا‬
‫عنفي مناسفككم)‪ .‬وقال ابفن المنذر‪ :‬السفنة أل ترمفي إل بعفد طلوع الشمفس‪ ،‬ول يجزئ الرمفي قبفل‬
‫طلوع الفجر‪ ،‬فإن رمى أعاد‪ ،‬إذ فاعله مخالف لما سنه الرسول صلى ال عليه وسلم لمته‪ .‬ومن‬
‫رماها بعد طلوع الفجر قبل طلوع الشمس فل إعادة عليه‪ ،‬إذ ل أعلم أحدا قال ل يجزئه‪.‬‬
‫@روى معمر قال أخبرني هشام بن عروة عن أبيه قال‪ :‬أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم أم‬
‫سفلمة أن تصفبح بمكفة يوم النحفر وكان يومهفا‪ .‬قال أبفو عمفر‪ :‬اختلف على هشام ففي هذا الحديفث‪،‬‬
‫فروتفه طائففة عفن هشام عفن أبيفه مرسفل كمفا رواه معمفر‪ ،‬ورواه آخرون عفن هشام عفن أبيفه عفن‬
‫عائشففة رضففي ال عنهففا أن رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم أمففر أم سففلمة بذلك مسففندا‪ ،‬ورواه‬
‫آخرون عن هشام عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة مسندا أيضا‪ ،‬وكلهم ثقات‪ .‬وهو‬
‫يدل على أنها رمت الجمرة بمنى قبل الفجر‪ ،‬لن رسول ال صلى ال عليه وسلم أمرها أن تصبح‬
‫بمكفة يوم النحفر‪ ،‬وهذا ل يكون إل وقفد رمفت الجمرة بمنفى ليل قبفل الفجفر‪ ،‬وال أعلم‪ .‬ورواه أبفو‬
‫داود قال حدثنفا هارون بفن عبدال قال حدثنفا ابفن أبفي فديفك عفن الضحاك بفن عثمان عفن هشام بفن‬
‫عروة عفن أبيفه عفن عائشفة رضفي ال عنهفا أنهفا قالت‪ :‬أرسفل رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بأم‬
‫سفلمة ليلة النحفر فرمفت الجمرة قبفل الفجفر ثفم مضفت فأفاضفت‪ ،‬وكان ذلك اليوم اليوم الذي يكون‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم عندهفا‪ .‬وإذا ثبفت فالرمفي بالليفل جائز لمفن فعله‪ ،‬والختيار مفن‬
‫طلوع الشمس إلى زوالها‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬أجمعوا على أن وقت الختيار في رمي جمرة العقبة من‬
‫طلوع الشمس إلى زوالها‪ ،‬وأجمعوا أنه إن رماها قبل غروب الشمس من يوم النحر فقد أجزأ عنه‬
‫ول شيفء عليفه‪ ،‬إل مالكفا فإنفه قال‪ :‬أسفتحب له إن ترك جمرة العقبفة حتفى أمسفى أن يهريفق دمفا‬
‫يجيء به من الحل‪ .‬واختلفوا فيمن لم يرمها حتى غابت الشمس فرماها من الليل أو من الغد‪ ،‬فقال‬
‫مالك‪ :‬عليفه دم‪ ،‬واحتفج بأن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وقفت لرمفي الجمرة وقتفا‪ ،‬وهفو يوم‬
‫النحفر‪ ،‬فمفن رمفى بعفد غروب الشمفس فقفد رماهفا بعفد خروج وقتهفا‪ ،‬ومفن فعفل شيئا ففي الحفج بعفد‬
‫وقتفه فعليفه دم‪ .‬وقال الشافعفي‪ :‬ل دم عليفه‪ ،‬وهفو قول أبفي يوسفف ومحمفد‪ ،‬وبفه قال أبفو ثور‪ ،‬لن‬
‫النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال له السفائل‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬رميفت بعفد مفا أمسفيت فقال‪( :‬ل حرج)‪،‬‬
‫قال مالك‪ :‬من نسي رمي الجمار حتى يمسي فليرم أية ساعة ذكر من ليل أو نهار‪ ،‬كما يصلي أية‬
‫ساعة ذكر‪ ،‬ول يرمي إل ما فاته خاصة‪ ،‬وإن كانت جمرة واحدة رماها‪ ،‬ثم يرمي ما رمى بعدها‬
‫من الجمار‪ ،‬فإن الترتيب في الجمار واجب‪ ،‬فل يجوز أن يشرع في رمي جمرة حتى يكمل رمي‬
‫الجمرة الولى كركعات الصفلة‪ ،‬هذا هفو المشهور مفن المذهفب‪ .‬وقيفل‪ :‬ليفس الترتيفب بواجفب ففي‬
‫صحة الرمي‪ ،‬بل إذا كان الرمي كله في وقت الداء أجزأه‪.‬‬
‫@فإذا مضت أيام الرمي فل رمي فإن ذكر بعد ما يصدر وهو بمكة أو بعد ما يخرج منها فعليه‬
‫الهدي‪ ،‬وسواء ترك الجمار كلها‪ ،‬أو جمرة منها‪ ،‬أو حصاة من جمرة حتى خرجت أيام منى فعليه‬
‫دم‪ .‬وقال أبفو حنيففة‪ :‬إن ترك الجمار كلهفا فعليفه دم‪ ،‬وإن ترك جمرة واحدة كان عليفه بكفل حصفاة‬
‫من الجمرة إطعام مسكين نصف صاع‪ ،‬إلى أن يبلغ دما فيطعم ما شاء‪ ،‬إل جمرة العقبة فعليه دم‪.‬‬
‫وقال الوزاعفي‪ :‬يتصفدق إن ترك حصفاة‪ .‬وقال الثوري‪ :‬يطعفم ففي الحصفاة والحصفاتين والثلث‪،‬‬
‫فإن ترك أربعفة فصفاعدا فعليفه دم‪ .‬وقال الليفث‪ :‬ففي الحصفاة الواحدة دم‪ ،‬وهفو أحفد قولي الشافعفي‪.‬‬
‫والقول الخفر وهفو المشهور‪ :‬إن ففي الحصفاة الواحدة مدا مفن طعام‪ ،‬وففي حصفاتين مديفن‪ ،‬وففي‬
‫ثلث حصيات دم‪.‬‬
‫@ول سفبيل عنفد الجميفع إلى رمفي مفا فاتفه مفن الجمار ففي أيام التشريفق حتفى غابفت الشمفس مفن‬
‫آخرهففا‪ ،‬وذلك اليوم الرابففع مففن يوم النحففر‪ ،‬وهففو الثالث مففن أيام التشريففق‪ ،‬ولكففن يجزئه الدم أو‬
‫الطعام على حسب ما ذكرنا‪.‬‬
‫@ول تجوز البيتوتة بمكة وغيرها عن منى ليالي التشريق‪ ،‬فإن ذلك غير جائز عند الجميع إل‬
‫للرعاء‪ ،‬ولمن ولي السقاية من آل العباس‪ .‬قال مالك‪ :‬من ترك المبيت ليلة من ليالي منى من غير‬
‫الرعاء وأهفل السفقاية فعليفه دم‪ .‬روى البخاري عفن ابفن عمفر أن العباس اسفتأذن النفبي صفلى ال‬
‫عليه وسلم ليبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له‪ .‬قال ابن عبدالبر‪ :‬كان العباس ينظر في‬
‫السفقاية ويقوم بأمرهفا‪ ،‬ويسفقي الحاج شرابهفا أيام الموسفم‪ ،‬فلذلك أرخفص له ففي المفبيت عفن منفى‪،‬‬
‫كمففا أرخففص لرعاء البففل مففن أجففل حاجتهففم لرعففي البففل وضرورتهففم إلى الخروج بهففا نحففو‬
‫المراعي التي تبعد عن منى‪.‬‬
‫وسميت منى "منى" لما يمنى فيها من الدماء‪ ،‬أي يراق‪ .‬وقال ابن عباس‪( :‬إنما سميت‪ ،‬منى لن‬
‫جبريفل قال لدم عليفه السفلم‪ :‬تمفن‪ .‬قال‪ :‬أتمنفى الجنفة‪ ،‬فسفميت منفى‪ .‬قال‪ :‬وإنمفا سفميت جمعفا لنفه‬
‫اجتمع بها حواء وآدم عليهما السلم)‪ ،‬والجمع أيضا هو المزدلفة‪ ،‬وهو المشعر الحرام‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫@وأجمع الفقهاء على أن المبيت للحاج غير الذين رخص لهم ليالي منى بمنى من شعائر الحج‬
‫ونسفكه‪ ،‬والنظفر يوجفب على كفل مسفقط لنسفكه دمفا‪ ،‬قياسفا على سفائر الحفج ونسفكه‪ .‬وففي الموطفأ‪:‬‬
‫مالك عفن ناففع عفن ابفن عمفر قال‪ :‬قال عمفر‪ :‬ل يفبيتن أحفد مفن الحاج ليالي منفى مفن وراء العقبفة‪.‬‬
‫والعقبفة التفي منفع عمفر أن يفبيت أحفد وراءهفا هفي العقبفة التفي عنفد الجمرة التفي يرميهفا الناس يوم‬
‫النحفر ممفا يلي مكفة‪ .‬رواه ابفن ناففع عفن مالك ففي المبسفوط‪ ،‬قال‪ :‬وقال مالك‪ :‬ومفن بات وراءهفا‬
‫ليالي منفى فعليفه الفديفة‪ ،‬وذلك أنفه بات بغيفر منفى ليالي منفى‪ ،‬وهفو مفبيت مشروع ففي الحفج‪ ،‬فلزم‬
‫الدم بتركفه كالمفبيت بالمزدلففة‪ ،‬ومعنفى الفديفة هنفا عنفد مالك الهدي‪ .‬قال مالك‪ :‬هفو هدي يسفاق مفن‬
‫الحل إلى الحرم‪.‬‬
‫@روى مالك عن عبدال بن أبي بكر بن محمد بن عمر بن حزم عن أبيه أن أبا البداح بن عاصم‬
‫بفن عدي أخفبره أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أرخفص لرعاء البفل ففي البيتوتفة عفن منفى‬
‫يرمون يوم النحر‪ ،‬ثم يرمون الغد‪ ،‬ومن بعد الغد ليومين‪ ،‬ثم يرمون يوم النفر‪.‬‬
‫قال أبفو عمفر‪ :‬لم يقفل مالك بمقتضفى هذا الحديفث‪ ،‬وكان يقول‪ :‬يرمون يوم النحفر ‪ -‬يعنفي جمرة‬
‫العقبفة ‪ -‬ثفم ل يرمون مفن الغفد‪ ،‬فإذا كان بعفد الغفد وهفو الثانفي مفن أيام التشريفق وهفو اليوم الذي‬
‫يتعجفل فيفه النففر مفن يريفد التعجيفل أو مفن يجوز له التعجيفل رموا اليوميفن لذلك اليوم ولليوم الذي‬
‫قبله‪ ،‬لنهم يقضون ما كان عليهم‪ ،‬ول يقضي أحد عنده شيئا إل بعد أن يجب عليه‪ ،‬هذا معنى ما‬
‫فسفر بفه مالك هذا الحديفث ففي موطئه‪ .‬وغيره يقول‪ :‬ل بأس بذلك كله على مفا ففي حديفث مالك‪،‬‬
‫لنها أيام رمي كلها‪ ،‬وإنما لم يجز عند مالك للرعاء تقديم الرمي لن غير الرعاء ل يجوز لهم أن‬
‫يرموا فففي أيام التشريففق شيئا مففن الجمار قبففل الزوال‪ ،‬فإن رمففى قبففل الزوال أعادهففا‪ ،‬ليففس لهففم‬
‫التقديفم‪ .‬وإنمفا رخفص لهفم ففي اليوم الثانفي إلى الثالث‪ .‬قال ابفن عبدالبر‪ :‬الذي قاله مالك ففي هذه‬
‫المسألة موجود في رواية ابن جريج قال‪ :‬أخبرني محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم‬
‫عن أبيه أن أبا البداح بن عاصم بن عدي أخبره أن النبي صلى ال عليه وسلم أرخص للرعاء أن‬
‫يتعاقبوا‪ ،‬فيرموا يوم النحففر‪ ،‬ثففم يدعوا يومففا وليلة ثففم يرمون الغففد‪ .‬قال علماؤنففا‪ :‬ويسففقط رمففي‬
‫الجمرة الثالثة عمن تعجل‪ .‬قال ابن أبي زمنين يرميها يوم النفر الول حين يريد التعجيل‪ .‬قال ابن‬
‫المواز‪ :‬يرمي المتعجل في يومين بإحدى وعشرين حصاة كل جمرة بسبع حصيات‪ ،‬فيصير جميع‬
‫رميفه بتسفع وأربعيفن حصفاة‪ ،‬لنفه قفد رمفى جمرة العقبفة يوم النحفر بسفبع‪ .‬قال ابفن المنذر‪ :‬ويسفقط‬
‫رمي اليوم الثالث‪.‬‬
‫@روى مالك عن يحيى بن سعيد عن عطاء بن أبي رباح أنه سمعه يذكر أنه أرخص للرعاء أن‬
‫يرموا بالليفل‪ ،‬يقول ففي الزمفن الول‪ .‬قال الباجفي‪" :‬قوله ففي الزمفن الول يقتضفي إطلقفه زمفن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم لنه أول زمن هذه الشريعة‪ ،‬فعلى هذا هو مرسل‪ .‬ويحتمل أن يريد به‬
‫أول زمن أدركه عطاء‪ ،‬فيكون موقوفا مسندا"‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هفو مسفند مفن حديفث عمرو بفن شعيفب عفن أبيفه عفن جده عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪،‬‬
‫خرجفه الدارقطنفي وغيره‪ ،‬وقفد ذكرناه ففي "المقتبفس ففي شرح موطفأ مالك بفن أنفس"‪ ،‬وإنمفا أبيفح‬
‫لهم الرمي بالليل لنه أرففق بهم وأحوط فيما يحاولونه من رعي البل‪ ،‬لن الليل وقت ل ترعى‬
‫فيفه ول تنتشفر‪ ،‬فيرمون ففي ذلك الوقفت‪ .‬وقفد اختلفوا فيمفن فاتفه الرمفي حتفى غربفت الشمفس‪ ،‬فقال‬
‫عطاء‪ :‬ل رمفي بالليفل إل لرعاء البفل‪ ،‬فأمفا التجار فل‪ .‬وروي عفن ابفن عمفر أنفه قال‪ :‬مفن فاتفه‬
‫الرمفي حتفى تغيفب الشمفس فل يرم حتفى تطلع الشمفس مفن الغفد‪ ،‬وبفه قال أحمفد وإسفحاق‪ .‬وقال‬
‫مالك‪ :‬إذا تركه نهارا رماه ليل‪ ،‬وعليه دم في رواية ابن القاسم‪ ،‬ولم يذكر في الموطأ أن عليه دما‪.‬‬
‫وقال الشافعفي وأبفو ثور ويعقوب ومحمفد‪ :‬إذا نسفي الرمفي حتفى أمسفى يرمفي ول دم عليفه‪ .‬وكان‬
‫الحسفن البصفري يرخفص ففي رمفي الجمار ليل‪ .‬وقال أبفو حنيففة‪ :‬يرمفي ول شيفء عليفه‪ ،‬وإن لم‬
‫يذكرها من الليل حتى يأتي الغد فعليه أن يرميها وعليه دم‪ .‬وقال الثوري‪ :‬إذا أخر الرمي إلى الليل‬
‫ناسيا أو متعمدا أهرق دما‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أمفا مفن رمفى مفن رعاء البفل أو أهفل السفقاية بالليفل فل دم يجفب‪ ،‬للحديفث‪ ،‬وإن كان مفن‬
‫غيرهم فالنظر يوجب الدم لكن مع العمد‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ ثبت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم رمى جمرة العقبة يوم النحر على راحلته‪ .‬واستحب‬
‫مالك وغيره أن يكون الذي يرميهفا راكبفا‪ .‬وقفد كان ابفن عمفر وابفن الزبيفر وسفالم يرمونهفا وهفم‬
‫مشاة‪ ،‬ويرمي في كل يوم من الثلثة بإحدى وعشرين حصاة‪ ،‬يكبر مع كل حصاة ويكون وجهه‬
‫فففي حال رميففه إلى الكعبففة‪ ،‬ويرتففب الجمرات ويجمعهففن ول يفرقهففن ول ينكسففهن‪ ،‬يبدأ بالجمرة‬
‫الولى فيرميهففا بسففبع حصففيات رميففا ول يضعهففا وضعففا‪ ،‬كذلك قال مالك والشافعففي وأبففو ثور‬
‫وأصفحاب الرأي‪ ،‬فإن طرحهفا طرحفا جاز عنفد أصفحاب الرأي‪ .‬وقال ابفن القاسفم‪ :‬ل تجزئ ففي‬
‫الوجهيفن جميعفا‪ ،‬وهفو الصفحيح‪ ،‬لن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم كان يرميهفا‪ ،‬ول يرمفي عندهفم‬
‫بحصاتين أو أكثر في مرة‪ ،‬فإن فعل عدها حصاة واحدة‪ ،‬فإذا فرغ منها تقدم أمامها فوقف طويل‬
‫للرعاء بمفا تيسفر‪ .‬ثفم يرمفي الثانيفة وهفي الوسفطى وينصفرف عنهفا ذات الشمال ففي بطفن المسفيل‪،‬‬
‫ويطيل الوقوف عندها للدعاء‪ .‬ثم يرمي الثالثة بموضع جمرة العقبة بسبع حصيات أيضا‪ ،‬يرميها‬
‫من أسفلها ول يقف عندها‪ ،‬ولو رماها من فوقها أجزأه‪ ،‬ويكبر في ذلك كله مع كل حصاة يرميها‪.‬‬
‫وسففنة الذكففر ففي رمففي الجمار التكففبير دون غيره مفن الذكففر‪ ،‬ويرميهففا ماشيفا بخلف جمرة يوم‬
‫النحفر‪ ،‬وهذا كله توقيفف رفعفه النسفائي والدارقطنفي عفن الزهري أن رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم كان إذا رمفى الجمرة التفي تلي المسفجد ‪ -‬مسفجد منفى ‪ -‬يرميهفا بسفبع حصفيات‪ ،‬يكفبر كلمفا‬
‫رمى بحصاة‪ ،‬ثم تقدم أمامها فوقف مستقبل القبلة رافعا يديه يدعو‪ ،‬وكان يطيل الوقوف‪ .‬ثم يأتي‬
‫الجمرة الثانيفة فيرميهفا بسفبع حصفيات‪ ،‬يكفبر كلمفا رمفى بحصفاة‪ ،‬ثفم ينحدر ذات اليسفار ممفا يلي‬
‫الوادي فيقفف مسفتقبل القبلة رافعفا يديفه ثفم يدعفو‪ .‬ثفم يأتفي الجمرة التفي عنفد العقبفة فيرميهفا بسفبع‬
‫حصفيات‪ ،‬يكفبر كلمفا رمفى بحصفاة ثفم ينصفرف ول يقفف عندهفا‪ .‬قال الزهري‪ :‬سفمعت سفالم بفن‬
‫عبدال يحدث بهذا عففن أبيففه عففن النففبي صففلى ال عليففه وسففلم قال‪ :‬وكان ابففن عمففر يفعله‪ ،‬لفففظ‬
‫الدارقطني‪.‬‬
‫@وحكم الجمار أن تكون طاهرة غير نجسة‪ ،‬ول مما رمي به‪ ،‬فإن رمى بما قد رمي به لم يجزه‬
‫عند مالك‪ ،‬وقد قال عنه ابن القاسم‪ :‬إن كان ذلك في حصاة واحدة أجزأه‪ ،‬ونزلت بابن القاسم فأفتاه‬
‫بهذا‪.‬‬
‫@واسفتحب أهفل العلم أخذهفا مفن المزدلففة ل مفن حصفى المسفجد‪ ،‬فإن أخفذ زيادة على مفا يحتاج‬
‫وبقي ذلك بيده بعد الرمي دفنه ولم يطرحه‪ ،‬قال أحمد بن حنبل وغيره‪.‬‬
‫@ول تغسل عند الجمهور خلفا لطاوس‪ ،‬وقد روي أنه لو لم يغسل الجمار النجسة أو رمى بما‬
‫قد رمي به أنه أساء وأجزأ عنه‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬يكره أن يرمي بما قد رمي به‪ ،‬ويجزئ إن رمى‬
‫بفه‪ ،‬إذ ل أعلم أحدا أوجفب على مفن فعفل ذلك العادة‪ ،‬ول نعلم ففي شيفء مفن الخبار التفي جاءت‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه غسل الحصى ول أمر بغسله‪ ،‬وقد روينا عن طاوس‪ ،‬أنه كان‬
‫يغسله‪.‬‬
‫@ول يجزئ في الجمار المدر ول شيء غير الحجر‪ ،‬وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق‪ .‬وقال‬
‫أصففحاب الرأي‪ :‬يجوز بالطيففن اليابففس‪ ،‬وكذلك كففل شيففء رماهففا مففن الرض فهففو يجزئ‪ .‬وقال‬
‫الثوري‪ :‬مفن رمفى بالخزف والمدر لم يعفد الرمفي‪ .‬قال ابفن المنذر‪ :‬ل يجزئ الرمفي إل بالحصفى‪،‬‬
‫لن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال‪" :‬عليكفم بحصفى الخذف"‪ .‬وبالحصفى رمفى رسفول ال صفلى‬
‫ال عليه وسلم‪.‬‬
‫@واختلف ففي قدر الحصفى‪ ،‬فقال الشافعفي‪ :‬يكون أصفغر مفن النملة طول وعرضفا‪ .‬وقال أبفو‬
‫ثور وأصحاب الرأي‪ :‬بمثل حصى الخذف‪ ،‬وروينا عن ابن عمر أنه كان يرمي الجمرة بمثل بعر‬
‫الغنفم‪ ،‬ول معنفى لقول مالك‪ :‬أكفبر مفن ذلك أحفب إلي‪ ،‬لن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم سفن الرمفي‬
‫بمثفل حصفى الخذف‪ ،‬ويجوز أن يرمفى بمفا وقفع عليفه اسفم حصفاة‪ ،‬واتباع السفنة أفضفل‪ ،‬قاله ابفن‬
‫المنذر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو الصحيح الذي ل يجوز خلفه لمن اهتدى واقتدى‪ .‬روى النسائي عن ابن عباس قال‪:‬‬
‫قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته‪( :‬هات القط لي ‪ -‬فلقطت له‬
‫حصيات هن حصى الخذف‪ ،‬فلما وضعتهن في يده قال ‪ : -‬بأمثال هؤلء‪ ،‬وإياكم والغلو في الدين‬
‫فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين)‪ .‬فدل قوله‪( :‬وإياكم والغلو في الدين) على كراهة الرمي‬
‫بالجمار الكبار‪ ،‬وأن ذلك مفن الغلو‪ ،‬وال أعلم‪ .‬ومفن بقفي ففي يده حصفاة ل يدري مفن أي الجمار‬
‫هي جعلها من الولى‪ ،‬ورمى بعدها الوسطى والخرة‪ ،‬فإن طال استأنف جميعا‪.‬‬
‫@قال مالك والشافعفي وعبدالملك وأبفو ثور وأصفحاب الرأي فيمفن قدم جمرة على جمرة‪ :‬ل‬
‫يجزئه إل أن يرمي على الولء‪ .‬وقال الحسن‪ ،‬وعطاء وبعض الناس‪ :‬يجزئه‪ .‬واحتج بعض الناس‬
‫بقول النففبي صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬مففن قدم نسففكا بيففن يدي نسففك فل حرج وقال‪ - :‬ل يكون هذا‬
‫بأكثفر مفن رجفل اجتمعفت عليفه صفلوات أو صفيام فقضفى بعضفا قبفل بعفض)‪ .‬والول أحوط‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫@واختلفوا ففي رمفي المريفض والرمفي عنفه‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يرمفى عفن المريفض والصفبي اللذيفن ل‬
‫يطيقان الرمي‪ ،‬ويتحرى المريض حين رميهم فيكبر سبع تكبيرات لكل جمرة وعليه الهدي‪ ،‬وإذا‬
‫صح المريض في أيام الرمي رمى عن نفسه‪ ،‬وعليه مع ذلك دم عند مالك‪ .‬وقال الحسن والشافعي‬
‫وأحمفد وإسفحاق وأصفحاب الرأي‪ :‬يرمفى عفن المريفض‪ ،‬ولم يذكروا هديفا‪ .‬ول خلف ففي الصفبي‬
‫الذي ل يقدر على الرمي أنه يرمى عنه‪ ،‬وكان ابن عمر يفعل ذلك‪.‬‬
‫@روى الدارقطني عن أبي سعيد الخدري قال قلنا‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬هذه الجمار التي يرمى بها كل‬
‫عام فنحسب أنها تنقص‪ ،‬فقال‪( :‬إنه ما تقبل منها رفع ولول ذلك لرأيتها أمثال الجبال)‪.‬‬
‫قال ابفن المنذر‪ :‬وأجمفع أهفل العلم على أن لمفن أراد الخروج مفن الحاج مفن منفى شاخصفا إلى بلده‬
‫خارجفا عفن الحرم غيفر مقيفم بمكفة ففي النففر الول أن ينففر بعفد زوال الشمفس إذا رمفى ففي اليوم‬
‫الذي يلي يوم النحفر قبفل أن يمسفي‪ ،‬لن ال جفل ذكره قال‪" :‬فمفن تعجفل ففي يوميفن فل إثفم عليفه"‪،‬‬
‫فلينففر مفن أراد النففر مفا دام ففي شيفء مفن النهار‪ .‬وقفد روينفا عفن النخعفي والحسفن أنهمفا قال‪ :‬مفن‬
‫أدركه العصر وهو بمنى من اليوم الثاني من أيام التشريق لم ينفر حتى الغد‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وقد‬
‫يحتمل أن يكونا قال ذلك استحبابا‪ ،‬والقول الول به نقول‪ ،‬لظاهر الكتاب والسنة‪.‬‬
‫@واختلفوا في أهل مكة هل ينفرون النفر الول‪ ،‬فروينا عن عمر بن الخطاب رضي ال عنه أنه‬
‫قال‪ :‬مفن شاء مفن الناس كلهفم أن ينفروا ففي النففر الول‪ ،‬إل آل خزيمفة فل ينفرون إل ففي النففر‬
‫الخر‪ .‬وكان أحمد بن حنبل يقول‪ :‬ل يعجبني لمن نفر النفر الول أن يقيم بمكة‪ ،‬وقال‪ :‬أهل مكة‬
‫أخفف‪ ،‬وجعفل أحمفد وإسفحاق معنفى قول عمفر بفن الخطاب‪( :‬إل آل خزيمفة) أي أنهفم أهفل حرم‪.‬‬
‫وكان مالك يقول ففي أهفل مكفة‪ :‬مفن كان له عذر فله أن يتعجفل ففي يوميفن‪ ،‬فإن أراد التخفيفف عفن‬
‫نفسفه ممفا هفو فيفه مفن أمفر الحفج فل‪ ،‬فرأى التعجيفل لمفن بعفد قطره‪ .‬وقالت طائففة‪ :‬اليفة على‬
‫العموم‪ ،‬والرخصففة لجميففع الناس‪ ،‬أهففل مكففة وغيرهففم‪ ،‬أراد الخارج عففن منففى المقام بمكففة أو‬
‫الشخوص إلى بلده‪ .‬وقال عطاء‪ :‬هفي للناس عامفة‪ .‬قال ابفن المنذر‪ :‬وهفو يشبفه مذهفب‪ ،‬الشافعفي‪،‬‬
‫وبفه نقول‪ .‬وقال ابفن عباس والحسفن وعكرمفة ومجاهفد وقتادة والنخعفي‪( :‬مفن نففر ففي اليوم الثانفي‬
‫مففن اليام المعدودات فل حرج‪ ،‬ومففن تأخففر إلى الثالث فل حرج)‪ ،‬فمعنففى اليففة كففل ذلك مباح‪،‬‬
‫وعبر عنه بهذا التقسيم اهتماما وتأكيدا‪ ،‬إذ كان من العرب من يذم المتعجل وبالعكس‪ ،‬فنزلت الية‬
‫رافعفة للجناح ففي كفل ذلك‪ .‬وقال علي بفن أبفي طالب وابفن عباس وابفن مسفعود وإبراهيفم النخعفي‬
‫أيضفا‪( :‬معنفى مفن تعجفل فقفد غففر له‪ ،‬ومفن تأخفر فقفد غففر له)‪ ،‬واحتجوا بقوله عليفه السفلم‪( :‬مفن‬
‫حفج هذا البيفت فلم يرففث ولم يفسفق خرج مفن خطاياه كيوم ولدتفه أمفه)‪ .‬فقوله‪" :‬فل إثفم عليفه" نففي‬
‫عام وتفبرئة مطلقفة‪ .‬وقال مجاهفد أيضفا‪ :‬معنفى اليفة‪ ،‬مفن تعجفل أو تأخفر فل إثفم عليفه إلى العام‬
‫المقبفل‪ .‬وأسفند ففي هذا القول أثفر‪ .‬وقال أبفو العاليفة ففي اليفة‪ :‬ل إثفم عليفه لمفن اتقفى بقيفة عمره‪،‬‬
‫والحاج مغفور له البتففة‪ ،‬أي ذهففب إثمففه كله إن اتقففى ال فيمففا بقففي مففن عمره‪ .‬وقال أبففو صففالح‬
‫وغيره‪ :‬معنى الية ل إثم عليه لمن اتقى قتل الصيد‪ ،‬وما يجب عليه تجنبه في الحج‪ .‬وقال أيضا‪:‬‬
‫لمن اتقى في حجه فأتى به تاما حتى كان مبرورا‪.‬‬
‫@"مفن" ففي قوله‪" :‬فمفن تعجفل" رففع بالبتداء‪ ،‬والخفبر "فل إثفم عليفه"‪ .‬ويجوز ففي غيفر القرآن‬
‫فل إثم عليهم‪ ،‬لن معنى "من" جماعة‪ ،‬كما قال جل وعز‪" :‬ومنهم من يستمعون إليك" [يونس‪:‬‬
‫‪ ]42‬وكذا "ومفن تأخفر فل إثفم عليفه"‪ .‬واللم مفن قوله‪" :‬لمفن اتقفى" متعلقفة بالغفران‪ ،‬التقديفر‬
‫المغفرة لمن اتقى‪ ،‬وهذا على تفسير ابن مسعود وعلي‪ .‬قال قتادة‪ :‬ذكر لنا أن ابن مسعود قال‪ :‬إنما‬
‫جعلت المغفرة لمن اتقى بعد انصرافه من الحج عن جميع المعاصي‪ .‬وقال الخفش‪ :‬التقدير ذلك‬
‫لمن اتقى‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬لمن اتقى يعني قتل الصيد في الحرام وفي الحرم‪ .‬وقيل التقدير الباحة‬
‫لمفن اتقفى‪ ،‬روي هذا عفن ابفن عمفر‪ .‬وقيفل‪ :‬السفلمة لمفن اتقفى‪ .‬وقيفل‪ :‬هفي متعلقفة بالذكفر الذي ففي‬
‫قوله تعالى‪" :‬واذكروا" أي الذكفر لمفن اتقفى‪ .‬وقرأ سفالم بفن عبدال "فل إثفم عليفه" بوصفل اللف‬
‫تخفيفا‪ ،‬والعرب قد تستعمله‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫إن لم أقاتل فالبسوني برقعا‬
‫ثم أمر ال تعالى بالتقوى وذكر بالحشر والوقوف‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 204 :‬ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد ال على ما في قلبه وهو‬
‫ألد الخصام}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن الناس من يعجبك قوله" لما ذكر الذين قصرت همتهم على الدنيا ‪ -‬في قوله‪:‬‬
‫"فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا" [البقرة‪ - ]200 :‬والمؤمنين الذين سألوا خير الدارين‬
‫ذكفر المنافقيفن لنهفم أظهروا اليمان وأسفروا الكففر‪ .‬قال السفدي وغيره مفن المفسفرين‪ :‬نزلت ففي‬
‫الخنفس بفن شريفق‪ ،‬واسفمه أبفي‪ ،‬والخنفس لقفب لُقفب بفه‪ ،‬لنفه خنفس يوم بدر بثلثمائة رجفل مفن‬
‫حلفائه مفن بنفي زهرة عفن قتال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬على مفا يأتفي ففي "آل عمران"‬
‫بيانففه‪ .‬وكان رجل حلو القول والمنظففر‪ ،‬فجاء بعففد ذلك إلى النففبي صففلى ال عليففه وسففلم فأظهففر‬
‫السففلم وقال‪ :‬ال يعلم أنففي صففادق‪ ،‬ثففم هرب بعففد ذلك‪ ،‬فمففر بزرع لقوم مففن المسففلمين وبحمففر‬
‫فأحرق الزرع وعقفر الحمفر‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وفيفه نزلت "ول تطفع كفل حلف مهيفن‪ .‬هماز مشاء‬
‫بنميفم" [ن‪ ]11 - 10 :‬و"ويفل لكفل همزة لمزة" [الهمزة‪ .]1 :‬قال ابفن عطيفة‪ :‬مفا ثبفت قفط أن‬
‫الخنففس أسففلم‪ .‬وقال ابفن عباس‪( :‬نزلت فففي قوم مففن المنافقيففن تكلموا فففي الذيففن قتلوا فففي غزوة‬
‫الرجيفع‪ :‬عاصفم بفن ثابفت‪ ،‬وخفبيب‪ ،‬وغيرهفم‪ ،‬وقالوا‪ :‬ويفح هؤلء القوم‪ ،‬ل هفم قعدوا ففي بيوتهفم‪،‬‬
‫ول هفم أدوا رسفالة صفاحبهم)‪ ،‬فنزلت هذه اليفة ففي صففات المنافقيفن‪ ،‬ثفم ذكفر المسفتشهدين ففي‬
‫غزوة الرجيع في قوله‪" :‬ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات ال" [البقرة‪ .]207 :‬وقال‬
‫قتادة ومجاهفد وجماعفة مفن العلماء‪ :‬نزلت ففي كفل مبطفن كفرا أو نفاقفا أو كذبفا أو إضرارا‪ ،‬وهفو‬
‫يظهفر بلسفانه خلف ذلك‪ ،‬فهفي عامفة‪ ،‬وهفي تشبفه مفا ورد ففي الترمذي أن ففي بعفض كتفب ال‬
‫تعالى‪ :‬إن من عباد ال قوما ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر‪ ،‬يلبسون للناس جلود‬
‫الضأن مففن الليففن‪ ،‬يشترون الدنيففا بالديففن‪ ،‬يقول ال تعالى‪ :‬أبففي يغترون‪ ،‬وعلي يجترئون‪ ،‬فففبي‬
‫حلففت لتيحفن لهفم فتنفة تدع الحليفم منهفم حيران‪ .‬ومعنفى "ويٌشهفد ال" أي يقول‪ :‬ال يعلم أنفي أقول‬
‫حقا‪ .‬وقرأ ابن محيصن "ويشهد ال على ما في قلبه" بفتح الياء والهاء في "يشهد" "ال" بالرفع‪،‬‬
‫والمعنى يعجبك قوله‪ ،‬وال يعلم منه خلف ما قال‪ .‬دليل قوله‪" :‬وال يشهفد إن المنافقين لكاذبون"‬
‫[المنافقون‪ .]1 :‬وقراءة ابن عباس‪" :‬وال يشهد على ما في قلبه"‪ .‬وقراءة الجماعة أبلغ في الذم‪،‬‬
‫لنفه قوى على نفسفه التزام الكلم الحسفن‪ ،‬ثفم ظهفر مفن باطنفه خلففه‪ .‬وقرأ أبفي وابفن مسفعود‪:‬‬
‫"ويستشهد ال على ما في قلبه" وهي حجة لقراءة الجماعة‪.‬‬
‫@قال علماؤنففا‪ :‬وفففي هذه اليففة دليففل وتنففبيه على الحتياط فيمففا يتعلق بأمور الديففن والدنيففا‪،‬‬
‫واسففتبراء أحوال الشهود والقضاة‪ ،‬وأن الحاكففم ل يعمففل على ظاهففر أحوال الناس ومففا يبدو مففن‬
‫إيمانهم وصلحهم حتى يبحث عن باطنهم‪ ،‬لن ال تعالى بين أحوال الناس‪ ،‬وأن منهم من يظهر‬
‫قول جميل وهففو ينوي قبيحففا‪ .‬فإن قيففل‪ :‬هذا يعارضففه قوله عليففه السففلم‪( :‬أمرت أن أقاتففل الناس‬
‫حتفى يقولوا ل إله إل ال) الحديفث‪ ،‬وقوله‪( :‬فأقضفي له على نحفو مفا أسفمع) فالجواب أن هذا كان‬
‫في صدر السلم‪ ،‬حيث كان إسلمهم سلمتهم‪ ،‬وأما وقد عم الفساد فل‪ ،‬قاله ابن العربي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والصحيح أن الظاهر يعمل عليه حتى يتبين خلفه‪ ،‬لقول عمر بن الخطاب رضي ال عنه‬
‫فففي صففحيح البخاري‪ :‬أيهففا الناس‪ ،‬إن الوحففي قففد انقطففع‪ ،‬وإنمففا نأخذكففم الن بمففا ظهففر لنففا مففن‬
‫أعمالكم‪ ،‬فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه‪ ،‬وليس لنا من سريرته شيء‪ ،‬ال يحاسبه في سريرته‪،‬‬
‫ومن أظهر لنا سوءا لم نؤمنه ولم نصدقه‪ ،‬وإن قال إن سريرته حسنة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهو ألد الخصام" اللد‪ :‬الشديد الخصومة‪ ،‬وهو رجل ألد‪ ،‬وامرأة لداء‪ ،‬وهم أهل‬
‫لدد‪ .‬وقففد لددت ‪ -‬بكسففر الدال ‪ -‬تلد ‪ -‬بالفتففح ‪ -‬لددا‪ ،‬أي صففرت ألد‪ .‬ولددتففه ‪ -‬بفتففح الدال ‪ -‬ألده ‪-‬‬
‫بضمها ‪ -‬إذا جادلته فغلبته‪ .‬واللد مشتق من اللديدين‪ ،‬وهما صفحتا العنق‪ ،‬أي في أي جانب أخذ‬
‫من الخصومة غلب‪ .‬قال الشاعر ‪:‬‬
‫تغلي عداوة صدره في مرجل‬ ‫وألد ذي حنق علي كأنما‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫وخصيما ألد ذا مغلق‬ ‫إن تحت التراب عزما وحزما‬
‫و "الخصففام" فففي اليففة مصففدر خاصففم‪ ،‬قاله الخليففل‪ .‬وقيففل‪ :‬جمففع خصففم‪ ،‬قاله الزجاج‪ ،‬ككلب‬
‫وكلب‪ ،‬وصففعب وصففعاب‪ ،‬وضخففم وضخام‪ .‬والمعنففى أشففد المخاصففمين خصففومة‪ ،‬أي هففو ذو‬
‫جدال‪ ،‬إذا كلمفك وراجعفك رأيفت لكلمفه طلوة وباطنفه باطفل‪ .‬وهذا يدل على أن الجدال ل يجوز‬
‫إل بمفا ظاهره وباطنفه سفواء‪ .‬وففي صفحيح مسفلم عفن عائشفة قالت‪ :‬قال رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسلم‪( :‬إن أبغض الرجال إلى ال اللد الخصم)‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 205 :‬وإذا تولى سعى في الرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل وال ل يحب‬
‫الفساد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإذا تولى سفعى ففي الرض ليفسفد فيهفا" قيفل‪" :‬تولى وسفعى" مفن فعفل القلب‪،‬‬
‫فيجيء "تولى" بمعنفى ضل وغضب وأنف ففي نفسفه‪ .‬و"سفعى" أي سفعى بحيلته وإرادته الدوائر‬
‫على السلم وأهله‪ ،‬عن ابن جريج وغيره‪ .‬وقيل‪ :‬هما فعل الشخص‪ ،‬فيجيء "تولى" بمعنى أدبر‬
‫وذهفب عنفك يفا محمفد‪ .‬و"سفعى" أي بقدميفه فقطفع الطريفق وأفسفدها‪ ،‬عفن ابفن عباس وغيره‪ .‬وكل‬
‫السفعيين فسفاد‪ .‬يقال‪ :‬سفعى الرجفل يسفعى سفعيا‪ ،‬أي عدا‪ ،‬وكذلك إذا عمفل وكسفب‪ .‬وفلن يسفعى‬
‫على عياله أي يعمل في نفعهم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويُهلك" عطفف على ليفسفد‪ .‬وففي قراءة أبفي "وليهلك"‪ .‬وقرأ الحسفن‪ ،‬وقتادة‬
‫"ويهلك" بالرففع‪ ،‬وففي رفعفه أقوال‪ :‬يكون معطوففا على "يعجبفك"‪ .‬وقال أبفو حاتفم‪ :‬هفو معطوف‬
‫على "سففعى" لن معناه يسففعى ويهلك‪ ،‬وقال أبففو إسففحاق‪ :‬وهففو يهلك‪ .‬وروي عففن ابففن كثيففر‬
‫"ويهلك" بفتفح الياء وضفم الكاف‪" ،‬الحرث والنسفل" مرفوعان بيهلك‪ ،‬وهفي قراءة الحسفن وابفن‬
‫أبي إسحاق وأبي حيوة وابن محيصن‪ ،‬ورواه عبدالوارث عن أبي عمرو‪ .‬وقرأ قوم "ويهلك" بفتح‬
‫ك يَهلك‪ ،‬مثل ركن يركن‪ ،‬وأبى يأبى‪ ،‬وسلى يسلى‪ ،‬وقلى يقلى‪،‬‬ ‫الياء واللم‪ ،‬ورفع الحرث‪ ،‬لغة هََل َ‬
‫وشبهففه‪ .‬والمعنففي فففي اليففة الخنففس فففي إحراقففه الزرع وقتله الحمففر‪ ،‬قاله الطففبري‪ .‬قال غيره‪:‬‬
‫ولكنها صارت عامة لجميع الناس‪ ،‬فمن عمل مثل علمه استوجب تلك اللعنة والعقوبة‪ .‬قال بعض‬
‫العلماء‪ :‬إن من يقتفل حمارا أو يحرق كدسا استوجب الملمفة‪ ،‬ولحقه الشين إلى يوم القيامفة‪ .‬وقال‬
‫مجاهد‪ :‬المراد أن الظالم يفسد في الرض فيمسك ال المطر فيهلك الحرث والنسل‪ .‬وقيل‪ :‬الحرث‬
‫النسفففاء‪ ،‬والنسفففل الولد‪ ،‬وهذا لن النفاق يؤدي إلى تفريفففق الكلمفففة ووقوع القتال‪ ،‬وفيفففه هلك‬
‫الخلق‪ ،‬قال معناه الزجاج‪ .‬والسففعي فففي الرض المشففي بسففرعة‪ ،‬وهذه عبارة عففن إيقاع الفتنففة‬
‫والتضريب بين الناس‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫وفففي الحديففث‪( :‬إن الناس إذا رأوا الظالم ولم يأخذوا على يديففه أوشففك أن يعمهففم ال بعقاب مففن‬
‫عنده)‪ .‬وسيأتي بيان هذا إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الحرث والنسفل" الحرث ففي اللغفة‪ :‬الشفق‪ ،‬ومنفه المحراث لمفا يشفق بفه الرض‪.‬‬
‫والحرث‪ :‬كسفب المال وجمعفه‪ ،‬وففي الحديفث‪( :‬احرث لدنياك كأنفك تعيفش أبدا)‪ .‬والحرث الزرع‪.‬‬
‫والحراث الزراع‪ .‬وقفففد حرث واحترث‪ ،‬مثفففل زرع وازدرع ويقال‪ :‬احرث القرآن‪ ،‬أي ادرسفففه‪.‬‬
‫وحرثفت الناقفة وأحرثتهفا‪ ،‬أي سفرت عليهفا حتفى هزلت وحرثفت النار حركتهفا‪ .‬والمحراث‪ :‬مفا‬
‫يحرك بفه نار التنور‪ ،‬عفن الجوهري‪ .‬والنسفل‪ :‬مفا خرج مفن كفل أنثفى مفن ولد‪ .‬وأصفله الخروج‬
‫والسفقوط‪ ،‬ومنفه نسفل الشعفر‪ ،‬وريفش الطائر‪ ،‬والمسفتقبل ينسفل‪ ،‬ومنفه "إلى ربهفم ينسفلون" [يفس‪:‬‬
‫‪" ،]51‬من كل حدب ينسلون" [النبياء‪ ]96 :‬وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫فسلي ثيابي من ثيابك تنسل‬
‫قلت‪ :‬ودلت الية على الحرث وزراعة الرض‪ ،‬وغرسها بالشجار حمل على الزرع‪ ،‬وطلب‬
‫النسففل‪ ،‬وهففو‪ .‬نماء الحيوان‪ ،‬وبذلك يتففم قوام النسففان‪ .‬وهففو يرد على مففن قال بترك السففباب‪،‬‬
‫وسيأتي بيانه في هذا الكتاب إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال ل يحب الفساد" قال العباس بن الفضل‪ :‬الفساد هو الخراب‪ .‬وقال سعيد بن‬
‫المسيب‪ :‬قطع الدراهم من الفساد في الرض‪ .‬وقال عطاء‪ :‬إن رجل يقال له عطاء بن منبه أحرم‬
‫ففي جبفة فأمره النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أن ينزعهفا‪ .‬قال قتادة‪ :‬قلت لعطاء‪ :‬إنفا كنفا نسفمع أن‬
‫يشقها‪ ،‬فقال عطاء‪ :‬إن ال ل يحب الفساد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬واليففة بعمومهففا تعففم كففل فسففاد كان فففي أرض أو مال أو ديففن‪ ،‬وهفو الصففحيح إن شاء ال‬
‫تعالى‪ .‬قيل‪ :‬معنى ل يحب الفساد أي ل يحبه من أهل الصلح‪ ،‬أول يحبه دينا‪.‬‬
‫ويحتمل أن يكون المعنى ل يأمر به‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 206 :‬وإذا قيل له اتق ال أخذته العزة بالثم فحسبه جهنم ولبئس المهاد}‬
‫@هذه صفة الكافر والمنافق الذاهب بنفسه زهوا‪ ،‬ويكره للمؤمن أن يوقعه الحرج في بعض هذا‪.‬‬
‫وقال عبدال‪ :‬كففى بالمرء إثمفا أن يقول له أخوه‪ :‬اتفق ال‪ ،‬فيقول‪ :‬عليفك بنفسفك‪ ،‬مثلك يوصفيني!‬
‫والعزة‪ :‬القوة والغلبفة‪ ،‬مفن عزه يعزه إذا غلبفه‪ .‬ومنفه‪" :‬وعزنفي ففي الخطاب" [ص ‪ ]23 :‬وقيفل‪:‬‬
‫العزة هنا الحمية‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫فتولى مغضبا فعل الضجر‬ ‫أخذته عزة من جهله‬
‫وقيل‪ :‬العزة هنا المنعة وشدة النفس‪ ،‬أي اعتز ففي نفسه وانتحفى فأوقعته تلك العزة ففي الثم حين‬
‫أخذته وألزمته إياه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬المعنى إذا قيل له مهل ازداد إقداما على المعصية‪ ،‬والمعنى حملته‬
‫العزة على الثم‪ .‬وقيل‪ :‬أخذته العزة بما يؤثمه‪ ،‬أي ارتكب الكفر للعزة وحمية الجاهلية‪ .‬ونظيره‪:‬‬
‫"بفل الذيفن كفروا ففي عزة وشقاق" [ص‪ ]2 :‬وقيفل‪ :‬الباء ففي "بالثفم" بمعنفى اللم‪ ،‬أي أخذتفه‬
‫العزة والحميفة عفن قبول الوعفظ للثفم الذي ففي قلبفه‪ ،‬وهفو النفاق‪ ،‬ومنفه قول عنترة يصفف عرق‬
‫الناقة‪:‬‬
‫حش الوقود به جوانب قمقم‬ ‫وكأن ربا أو كحيل معقدا‬
‫أي حفش الوقود له وقيفل‪ :‬الباء بمعنفى مفع‪ ،‬أي أخذتفه العزة مفع الثفم‪ ،‬فمعنفى الباء يختلف بحسفب‬
‫التأويلت‪ .‬وذكفر أن يهوديفا كانفت له حاجفة عنفد هارون الرشيفد‪ ،‬فاختلف إلى بابفه سفنة‪ ،‬فلم يقفض‬
‫حاجته‪ ،‬فوقف يوما على الباب‪ ،‬فلما خرج هارون سعى حتى وقف بين يديه وقال‪ :‬اتق ال يا أمير‬
‫المؤمنيفن! فنزل هارون عفن دابتفه وخفر سفاجدا‪ ،‬فلمفا رففع رأسفه أمفر بحاجتفه فقضيفت‪ ،‬فلمفا رجفع‬
‫قيفل له‪ :‬يفا أميفر المؤمنيفن‪ ،‬نزلت عفن دابتفك لقول يهودي! قال‪ :‬ل‪ ،‬ولكفن تذكرت قول ال تعالى‪:‬‬
‫"وإذا قيفل له اتفق ال أخذتفه العزة بالثفم فحسفبه جهنفم ولبئس المهاد"‪ .‬حسفبه أي كافيفه معاقبفة‬
‫وجزاء‪ ،‬كمفا تقول للرجفل‪ :‬كفاك مفا حفل بفك! وأنفت تسفتعظم وتعظفم عليفه مفا حفل‪ .‬والمهاد جمفع‬
‫المهد‪ ،‬وهو الموضع المهيأ للنوم‪ ،‬ومنه مهد الصبي‪.‬‬
‫وسمي جهنم مهادا لنها مستقر الكفار‪ .‬وقيل‪ :‬لنها بدل لهم من المهاد‪ ،‬كقوله‪" :‬فبشرهم بعذاب‬
‫أليم" [آل عمران‪ ]21 :‬ونظيره من الكلم قولهم‪:‬‬
‫تحية بينِهم ضرب وجيع‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 207 :‬ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات ال وال رؤوف بالعباد}‬
‫@"ابتغاء" نصفب على المفعول مفن أجله‪ .‬ولما ذكر صفنيع المنافقين ذكفر بعده صنيع المؤمنين‪.‬‬
‫قيفل‪ :‬نزلت ففي صفهيب فإنفه أقبفل مهاجرا إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فاتبعفه نففر مفن‬
‫قريفش‪ ،‬فنزل عفن راحلتفه‪ ،‬وانتثفل مفا ففي كنانتفه‪ ،‬وأخفذ قوسفه‪ ،‬وقال‪ :‬لقفد علمتفم أنفي مفن أرماكفم‪،‬‬
‫وايْم ال ل تصلون إلي حتى أرمي بما في كنانتي‪ ،‬ثم أضرب بسيفي ما بقي في يدي منه شيء‪ ،‬ثم‬
‫افعلوا مفا شئتفم‪ .‬فقالوا‪ :‬ل نتركفك تذهفب عنفا غنيفا وقفد جئتنفا صفعلوكا‪ ،‬ولكفن دلنفا على مالك بمكفة‬
‫ونخلي عنففك‪ ،‬وعاهدوه على ذلك ففعففل‪ ،‬فلمففا قدم على رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم نزلت‪:‬‬
‫"ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات ال" الية‪ ،‬فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(ربح البيع أبا يحيى)‪ ،‬وتل عليه الية‪ ،‬أخرجه رزين‪ ،‬وقاله سعيد بن المسيب رضي ال عنهما‪.‬‬
‫وقال المفسفرون‪ :‬أخفذ المشركون صفهيبا فعذبوه‪ ،‬فقال لهفم صفهيب‪ :‬إنفي شيفخ كفبير‪ ،‬ل يضركفم‬
‫أمنكفم كنفت أم مفن غيركفم‪ ،‬فهفل لكفم أن تأخذوا مالي وتذرونفي ودينفي؟ ففعلوا ذلك‪ ،‬وكان شرط‬
‫عليه راحلة ونفقة‪ ،‬فخرج إلى المدينفة فتلقاه أبو بكفر وعمر رضفي ال عنهمفا ورجال‪ ،‬فقال له أبو‬
‫بكفر‪ :‬ربفح بيعفك أبفا يحيفى‪ .‬فقال له صفهيب‪ :‬وبيعفك فل يخسفر‪ ،‬فمفا ذاك؟ فقال‪ :‬أنزل ال فيفك كذا‪،‬‬
‫وقرأ عليه الية‪ .‬وقال الحسن‪ :‬أتدرون فيمن نزلت هذه الية‪ ،‬نزلت في المسلم لقي الكافر فقال له‪:‬‬
‫قففل ل إله إل ال‪ ،‬فإذا قلتهففا عصففمت مالك ونفسففك‪ ،‬فأبففى أن يقولهففا‪ ،‬فقال المسففلم‪ :‬وال لشريففن‬
‫نفسفي ل‪ ،‬فتقدم فقاتفل حتفى قتفل‪ .‬وقيفل‪ :‬نزلت فيمفن أمفر بالمعروف ونهفى عفن المنكفر‪ ،‬وعلى ذلك‬
‫تأولهفا عمفر وعلي وابفن عباس رضفي ال عنهفم‪ ،‬قال علي وابفن عباس‪( :‬اقتتفل الرجلن‪ ،‬أي قال‬
‫المغيفر للمفسفد‪ :‬اتفق ال‪ ،‬فأبفى المفسفد وأخذتفه العزة‪ ،‬فشرى المغيفر نفسفه مفن ال وقاتله فاقتتل)‪.‬‬
‫وقال أبففو الخليففل‪ :‬سففمع عمففر بففن الخطاب إنسففانا يقرأ هذه اليففة‪ ،‬فقال عمففر‪( :‬إنففا ل وإنففا إليففه‬
‫راجعون‪ ،‬قام رجفل يأمفر بالمعروف وينهفى عفن المنكفر فقتفل)‪ .‬وقيفل‪ :‬إن عمفر سفمع ابفن عباس‬
‫يقول‪( :‬اقتتل الرجلن عند قراءة القارئ هذه الية)‪ ،‬فسأله عما قال ففسر له هذا التفسير‪ ،‬فقال له‬
‫عمر‪( ،‬ل تلدك يا ابن عباس)! وقيل‪ :‬نزلت فيمن يقتحم القتال‪ .‬حمل هشام بن عامر على الصف‬
‫ففي القسفطنطينية فقاتفل حتفى قتفل‪ ،‬فقرأ أبفو هريرة‪" :‬ومفن الناس مفن يشري نفسفه ابتغاء مرضات‬
‫ال"‪ ،‬ومثله عففن أبففي أيوب‪ .‬وقيففل‪ :‬نزلت فففي شهداء غزوة الرجيففع‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هففم المهاجرون‬
‫والنصار‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت في علي رضي ال عنه حين تركه النبي صلى ال عليه وسلم على فراشه‬
‫ليلة خرج إلى الغار‪ ،‬على مفا يأتفي بيانفه ففي "براءة" إن شاء ال تعالى‪ .‬وقيفل‪ :‬اليفة عامفة‪ ،‬تتناول‬
‫كل مجاهد في سبيل ال‪ ،‬أو مستشهد في ذاته أو مغير منكر‪ .‬وقد تقدم حكم من حمل على الصف‪،‬‬
‫ويأتي ذكر المغير للمنكر وشروطه وأحكامه في "آل عمران" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫و"يشري" معناه يبيع‪ ،‬ومنه "وشروه بثمن بخس" [يوسف‪ ]20 :‬أي باعوه‪ ،‬وأصله الستبدال‪،‬‬
‫ومنه قوله تعالى‪" :‬إن ال اشترى من المؤمنين أنفسفهم وأموالهم بأن لهفم الجنفة" [التوبة‪.]111 :‬‬
‫ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫شروا هذه الدنيا بجناته الخلد‬ ‫وإن كان ريب الدهر أمضاك في اللى‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫من بعد برد كنت هامه‬ ‫وشريت بردا ليتني‬
‫البرد هنا اسم غلم‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫ويقول صاحبها أل فاشر‬ ‫يعطى بها ثمنا فيمنعها‬
‫وبيع النفس هنا هو بذلها لوامر ال‪" .‬ابتغاء" مفعول من أجله‪ .‬ووقف الكسائي على "مرضات"‬
‫بالتاء‪ ،‬والباقون بالهاء‪ .‬قال أبفففو علي‪ :‬وقفففف الكسفففائي بالتاء إمفففا على لغفففة مفففن يقول‪ :‬طلحفففت‬
‫وعلقمت‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫بل جوزتيهاء كظهر الحجفت‬
‫وإما أنه لما كان هذا المضاف إليه في ضمن اللفظة ول بد أثبت التاء كما ثبتت في الوصل ليعلم‬
‫أن المضاف إليفه مراد‪ .‬والمرضاة الرضفا‪ ،‬يقال‪ :‬رضفي يرضفى رضفا ومرضاة‪ .‬وحكفى قوم أنفه‬
‫يقال‪ :‬شرى بمعنفى اشترى‪ ،‬ويحتاج إلى هذا مفن تأول اليفة ففي صفهيب‪ ،‬لنفه اشترى نفسفه بماله‬
‫ولم يبعهفا‪ ،‬اللهفم إل أن يقال‪ :‬إن عرض صفهيب على قتالهفم بيفع لنفسفه مفن ال‪ .‬فيسفتقيم اللففظ على‬
‫معنى باع‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 208 :‬يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ول تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم‬
‫عدو مبين}‬
‫@لمفا بيفن ال سفبحانه الناس إلى مؤمفن وكاففر ومناففق فقال‪ :‬كونوا على ملة واحدة‪ ،‬واجتمعوا‬
‫على السلم واثبتوا عليه‪ .‬فالسلم هنا بمعنى السلم‪ ،‬قال مجاهد‪ ،‬ورواه أبو مالك عن ابن عباس‪.‬‬
‫ومنه قول الشاعر الكندي‪:‬‬
‫رأيتهم تولوا مدبرينا‬ ‫دعوت عشيرتي للسلم لما‬
‫أي إلى السلم لما ارتدت كندة بعد وفاة النبي صلى ال عليه وسلم مع الشعث بن قيس الكندي‪،‬‬
‫ولن المؤمنيفن لم يؤمروا قفط بالدخول ففي المسفالمة التفي هفي الصفلح‪ ،‬وإنمفا قيفل للنفبي صفلى ال‬
‫عليه وسلم أن يجنح للسلم إذا جنحوا له‪ ،‬وأما أن يبتدئ بها فل‪ ،‬قاله الطبري‪ .‬وقيل‪ :‬أمر من آمن‬
‫بأفواههفم أن يدخلوا فيفه بقلوبهفم‪ .‬وقال طاوس ومجاهفد‪ :‬ادخلوا ففي أمفر الديفن‪ .‬سففيان الثوري‪ :‬ففي‬
‫أنواع البر كلها‪ .‬وقرئ "السلم" بكسر السين‪.‬‬
‫قال الكسفائي‪ :‬السفّلم والسفّلم بمعنفى واحفد‪ ،‬وكذا هفو عنفد أكثفر البصفريين‪ ،‬وهمفا جميعفا يقعان‬
‫للسفلم والمسفالمة‪ .‬وفرق أبفو عمرو بفن العلء بينهمفا‪ ،‬فقرأههنفا‪" :‬ادخلوا ففي السفلم" وقال هفو‬
‫السفلم‪ .‬وقرأ التفي ففي "النفال" والتفي ففي سفورة "محمفد" صفلى ال عليفه وسفلم "السفلم" بفتفح‬
‫السففين‪ ،‬وقال‪ :‬هففي بالفتففح المسففالمة‪ .‬وأنكففر المففبرد هذه التفرقففة‪ .‬وقال عاصففم الجحدري‪ :‬السففلم‬
‫السفلم‪ ،‬والسفلم الصفلح‪ ،‬والسفلم السفتسلم‪ .‬وأنكفر محمفد بفن يزيفد هذه التفريقات وقال‪ :‬اللغفة ل‬
‫تؤخذ هكذا‪ ،‬وإنما تؤخذ بالسماع ل بالقياس‪ ،‬ويحتاج من فرق إلى دليل‪ .‬وقد حكى البصريون‪ :‬بنو‬
‫فلن سلم وسلم وسلم‪ ،‬بمعنى واحد‪ .‬قال الجوهري‪ :‬والسلم الصلح‪ ،‬يفتح ويكسر‪ ،‬ويذكر ويؤنث‪،‬‬
‫وأصله من الستسلم والنقياد‪ ،‬ولذلك قيل للصلح‪ :‬سلم‪ .‬قال زهير‪:‬‬
‫بمال ومعروف من المر نسلم‬ ‫وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا‬
‫ورجفح الطفبري حمفل اللفظفة على معنفى السفلم بمفا تقدم‪ .‬وقال حذيففة بفن اليمان ففي هذه اليفة‪:‬‬
‫السفلم ثمانيفة أسفهم‪ ،‬الصفلة سفهم‪ ،‬والزكاة سفهم‪ ،‬والصفوم سفهم‪ ،‬والحفج سفهم‪ ،‬والعمرة سفهم‪،‬‬
‫والجهاد سفهم‪ ،‬والمفر بالمعروف سفهم‪ ،‬والنهفي عفن المنكفر سفهم‪ ،‬وقفد خاب مفن ل سفهم له ففي‬
‫السفلم‪ .‬وقال ابفن عباس‪( :‬نزلت اليفة ففي أهفل الكتاب‪ ،‬والمعنفى‪ ،‬يفا أيهفا الذيفن آمنوا بموسفى‬
‫وعيسى ادخلوا في السلم بمحمد صلى ال عليه وسلم كافة)‪ .‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة‬
‫عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬والذي نففس محمفد بيده ل يسفمع بفي أحفد مفن هذه المفة‬
‫يهودي ول نصفراني ثفم يموت ولم يؤمفن‪ ،‬بالذي أرسفلت بفه إل كان مفن أصفحاب النار)‪ .‬و(كاففة)‬
‫معناه جميعفا‪ ،‬فهفو نصفب على الحال مفن السفلم أو مفن ضميفر المؤمنيفن‪ ،‬وهفو مشتفق مفن قولهفم‪:‬‬
‫كففت أي منعت‪ ،‬أي ل يمتنع منكم أحد من الدخول في السلم‪ .‬والكف المنع‪ ،‬ومنه كفة القميص‬
‫‪ -‬بالضفم ‪ -‬لنهفا تمنفع الثوب مفن النتشار‪ ،‬ومنفه كففة الميزان ‪ -‬بالكسفر ‪ -‬التفي تجمفع الموزون‬
‫وتمنعففه أن ينتشففر‪ ،‬ومنففه كففف النسففان الذي يجمففع منافعففه ومضاره‪ ،‬وكففل مسففتدير كفففة‪ ،‬وكففل‬
‫مسفتطيل كففة‪ .‬ورجفل مكفوف البصفر‪ ،‬أي منفع عفن النظفر‪ ،‬فالجماعفة تسفمى كاففة لمتناعهفم عفن‬
‫التفرق‪" .‬ول تتبعوا خطوات الشيطان" (ول تتبعوا) نهففي‪( .‬خطوات الشيطان) مفعول‪ ،‬وقففد تقدم‪.‬‬
‫وقال مقاتل‪ :‬استأذن عبدال بن سلم وأصحابه بأن يقرؤوا التوراة في الصلة‪ ،‬وأن يعملوا ببعض‬
‫مفا ففي التوراة‪ ،‬فنزلت‪" .‬ول تتبعوا خطوات الشيطان" فإن اتباع السفنة أولى بعفد مفا بعفث محمفد‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم مفن خطوات الشيطان‪ .‬وقيفل‪ :‬ل تسلكوا الطريفق الذي يدعوكفم إليفه الشيطان‪.‬‬
‫"إنه لكم عدو مبين" ظاهر العداوة‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 209 :‬فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات فاعلموا أن ال عزيز حكيم}‬
‫@"فإن زللتم" أي تنحيتم عن طريق الستقامة‪ .‬وأصل الزلل في القدم‪ ،‬ثم يستعمل في العتقادات‬
‫والراء وغير ذلك‪ ،‬يقال‪ :‬زل يزل زل وزلل وزلول‪ ،‬أي دحضت قدمه‪ .‬وقرأ أبو السمال العدوي‬
‫"زللتم" بكسر اللم‪ ،‬وهما لغتان‪ .‬وأصل الحرف‪ ،‬من الزلق‪ ،‬والمعنى ضللتم وعجتم عن الحق‪.‬‬
‫"مفن بعفد مفا جاءتكفم البينات" أي المعجزات وآيات القرآن‪ ،‬إن كان الخطاب للمؤمنيفن‪ ،‬فإن كان‬
‫الخطاب لهففل الكتابيففن فالبينات مففا ورد فففي شرعهففم مفن العلم بمحمففد صففلى ال عليففه وسففلم‬
‫والتعريفف بفه‪ .‬وففي اليفة دليفل على أن عقوبفة العالم بالذنفب أعظفم مفن عقوبفة الجاهفل بفه‪ ،‬ومفن لم‬
‫تبلغفه دعوة السفلم ل يكون كافرا بترك الشرائع‪ .‬وحكفى النقاش أن كعفب الحبار لمفا أسفلم كان‬
‫يتعلم القرآن‪ ،‬فأقرأه الذي كان يعلمففه "فاعلموا أن ال غفور رحيففم" فقال كعففب‪ :‬إنففي لسففتنكر أن‬
‫يكون هكذا‪ ،‬ومر بهما رجل فقال كعب‪ :‬كيف تقرأ هذه الية؟ فقال الرجل‪" :‬فاعلموا أن ال عزيز‬
‫حكيم" فقال كعب‪ :‬هكذا ينبغي‪ .‬و"عزيز" ل يمتنع عليه ما يريده‪" .‬حكيم" فيما يفعله‪.‬‬
‫*‪ *3‬اليفة‪{ 210 :‬هفل ينظرون إل أن يأتيهفم ال ففي ظلل مفن الغمام والملئكفة وقضفي المفر‬
‫وإلى ال ترجع المور}‬
‫@"هل ينظرون" يعني التاركين الدخول في السلم‪ ،‬و"هل" يراد به هنا الجحد‪ ،‬أي ما ينتظرون‪:‬‬
‫"إل أن يأتيهم ال في ظلل من الغمام والملئكة"‪ .‬نظرته وانتظرته بمعنى‪ .‬والنظر النتظار‪ .‬وقرأ‬
‫قتادة وأبفو جعففر يزيفد بن القعقاع والضحاك "ففي ظلل مفن الغمام"‪ .‬وقرأ أبفو جعففر "والملئكفة"‬
‫بالخففض عطففا على الغمام‪ ،‬وتقديره مفع الملئكفة‪ ،‬تقول العرب‪ :‬أقبفل الميفر ففي العسفكر‪ ،‬أي مفع‬
‫العسكر‪" .‬ظلل" جمع ظلة في التكسير‪ ،‬كظلمة وظلم وفي التسليم ظللت‪ ،‬وأنشد سيبوبه‪:‬‬
‫سواقط من حر وقد كان أظهرا‬ ‫إذا الوحش ضم الوحش في ظللتها‬
‫وظلت وظلل‪ ،‬جمففع ظففل فففي الكثيففر‪ ،‬والقليففل أظلل‪ .‬ويجوز أن يكون ظلل جمففع ظلة‪ ،‬مثففل‬
‫قوله‪ :‬قلة وقلل‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ممزوجة بماء القلل‬
‫@قال الخففش سفعيد‪ :‬و"الملئكفة" بالخففض بمعنفى وففي الملئكفة‪ .‬قال‪ :‬والرففع أجود‪ ،‬كمفا قال‪:‬‬
‫"هل ينظرون إل أن تأتيهم الملئكة" [النعام‪" ،]158 :‬وجاء ربك والملك صفا صفا" [الفجر‪:‬‬
‫‪ .]22‬قال الفراء‪ :‬وففي قراءة عبدال‪" :‬هفل ينظرون إل أن يأتيهفم ال والملئكفة ففي ظلل مفن‬
‫الغمام"‪ .‬قال قتادة‪ :‬الملئكفة يعنفي تأتيهفم لقبفض أرواحهفم‪ ،‬ويقال يوم القيامفة‪ ،‬وهفو أظهفر‪ .‬قال أبفو‬
‫العاليفة والربيفع‪ :‬تأتيهفم الملئكفة ففي ظلل مفن الغمام‪ ،‬ويأتيهفم ال فيمفا شاء‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬التقديفر‬
‫ففي ظلل مفن الغمام ومفن الملئكفة‪ .‬وقيفل‪ :‬ليفس الكلم على ظاهره ففي حقفه سفبحانه‪ ،‬وإنمفا المعنفى‬
‫يأتيهم أمر ال وحكمه‪ .‬وقيل‪ :‬أي بما وعدهم من الحساب والعذاب في ظلل‪ ،‬مثل‪" :‬فأتاهم ال من‬
‫حيث لم يحتسبوا" [الحشر‪ ]2 :‬أي بخذلنه إياهم‪ ،‬هذا قول الزجاج‪ ،‬والول قول الخفش سعيد‪.‬‬
‫وقفد يحتمفل أن يكون معنفى التيان راجعفا إلى الجزاء‪ ،‬فسفمى الجزاء إتيانفا كمفا سفمى التخويفف‬
‫والتعذيب في قصة نمروذ إتيانا فقال‪" :‬فأتى ال بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم"‬
‫[النحفل‪ .]26 :‬وقال ففي قصفة النضيفر‪" :‬فأتاهفم ال مفن حيفث لم يحتسفبوا وقذف ففي قلوبهفم‬
‫الرعفب"‪ ،‬وقال‪" :‬وإن كان مثقال حبفة مفن خردل أتينفا بهفا" [النفبياء‪ .]47 :‬وإنمفا احتمفل التيان‬
‫هذه المعاني لن أصل التيان عند أهل اللغة هو القصد إلى الشيء‪ ،‬فمعنى الية‪ :‬هل ينظرون إل‬
‫أن يظهر ال تعالى فعل من الفعال مع خلق من خلقه يقصد إلى مجازاتهم ويقضي في أمرهم ما‬
‫هففو قاض‪ ،‬وكمففا أنففه سففبحانه أحدث فعل سففماه نزول واسففتواء كذلك يحدث فعل يسففميه إتيانففا‪،‬‬
‫وأفعاله بل آلة ول علة‪ ،‬سفبحانه! وقال ابفن عباس ففي روايفة أبفي صفالح‪ :‬هذا مفن المكتوم الذي ل‬
‫يفسفر‪ .‬وقفد سفكت بعضهفم عفن تأويلهفا‪ ،‬وتأولهفا بعضهفم كمفا ذكرنفا‪ .‬وقيفل‪ :‬الفاء بمعنفى الباء‪ ،‬أي‬
‫يأتيهفم بظلل‪ ،‬ومنفه الحديفث‪( :‬يأتيهفم ال ففي صفورة) أي بصفورة امتحانفا لهفم ول يجوز أن يحمفل‬
‫هذا ومفا أشبهفه ممفا جاء ففي القرآن والخفبر على وجفه النتقال والحركفة والزوال‪ ،‬لن ذلك مفن‬
‫صفات الجرام والجسام‪ ،‬تعالى ال الكبير المتعال‪ ،‬ذو الجلل والكرام عن مماثلة الجسام علوا‬
‫كبيرا‪ .‬والغمام‪ :‬السحاب الرقيق البيض‪ ،‬سمي بذلك لنه يغم‪ ،‬أي يستر‪ ،‬كما تقدم‪ .‬وقرأ معاذ بن‬
‫جبففل‪" :‬وقضاء المففر"‪ .‬وقرأ يحيففى بففن يعمففر "وقضففي المور" بالجمففع‪ .‬والجمهور "وقضففي‬
‫المففر" فالمعنففى وقفع الجزاء وعذب أهفل العصففيان‪ .‬وقرأ ابفن عامفر وحمزة والكسففائي "ترجففع‬
‫المور" على بناء الفعفففل للفاعفففل‪ ،‬وهفففو الصفففل‪ ،‬دليله "أل إلى ال تصفففير المور" [الشورى‪:‬‬
‫‪" ،]53‬إلى ال مرجعكفم" [المائدة‪ .]105 - 48 :‬وقرأ الباقون "ترجفع" على بنائه للمفعول‪،‬‬
‫وهفي أيضفا قراءة حسفنة‪ ،‬دليله "ثفم تردون" [التوبفة‪" ]94 :‬ثفم ردوا إلى ال" [النعام‪،]62 :‬‬
‫"ولئن رددت إلى ربفي" [الكهفف‪ .]36 :‬والقراءتان حسفنتان بمعنفى‪ ،‬والصفل الولى‪ ،‬وبناؤه‬
‫للمفعول توسع وفرع‪ ،‬والمور كلها راجعة إلى ال قبل وبعد‪ .‬وإنما نبه بذكر ذلك في يوم القيامة‬
‫على زوال ما كان منها إلى الملوك في الدنيا‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 211 :‬سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة ومن يبدل نعمة ال من بعد ما جاءته‬
‫فإن ال شديد العقاب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬سل بني إسرائيل كم آتيناهم من آية بينة" "سل" من السؤال‪ :‬بتخفيف الهمزة‪ ،‬فلما‬
‫تحركفت السفين لم يحتفج إلى ألف الوصفل‪ .‬وقيفل‪ :‬إن للعرب ففي سفقوط ألف الوصفل ففي‪" ،‬سفل"‬
‫وثبوتها في "واسأل" وجهين‪:‬‬
‫أحدهمفا ‪ -‬حذفهفا ففي إحداهمفا وثبوتهفا ففي الخرى‪ ،‬وجاء القرآن بهمفا‪ ،‬فاتبفع خفط المصفحف ففي‬
‫إثباته للهمزة وإسقاطها‪.‬‬
‫والوجفه الثانفي ‪ -‬أنفه يختلف إثباتهفا وإسفقاطها باختلف الكلم المسفتعمل فيفه‪ ،‬فتحذف الهمزة ففي‬
‫الكلم المبتدأ‪ ،‬مثفل قوله‪" :‬سفل بنفي إسرائيل"‪ ،‬وقوله‪" :‬سلهم أيهفم بذلك زعيفم" [ن ‪ .]40 :‬وثبفت‬
‫في العطف‪ ،‬مثل قوله‪" :‬واسأل القرية" [يوسف‪" ،]82 :‬واسألوا ال من فضله" [النساء‪]32 :‬‬
‫قاله علي بفن عيسفى‪ .‬وقرأ أبفو عمرو ففي روايفة ابفن عباس عنفه "اسفأل" على الصفل‪ .‬وقرأ قوم‬
‫"اسفل" على نقفل الحركفة إلى السفين وإبقاء ألف الوصفل‪ ،‬على لغفة مفن قال‪ :‬الحمفر‪ .‬و"كفم" ففي‬
‫موضفع نصفب‪ ،‬لنهفا مفعول ثان لتيناهفم‪ .‬وقيفل‪ :‬بفعفل مضمفر‪ ،‬تقديره كفم آتينفا آتيناهفم‪ .‬ول يجوز‬
‫أن يتقدمهفا الفعفل لن لهفا صفدر الكلم‪" .‬مفن آيفة" ففي موضفع نصفب على التمييفز على التقديفر‬
‫الول‪ ،‬وعلى الثانفي مفعول ثان لتيناهفم‪ ،‬ويجوز أن تكون ففي موضفع رففع بالبتداء‪ ،‬والخفبر ففي‬
‫آتيناهففم‪ ،‬ويصففير فيففه عائد على كففم‪ ،‬تقديره‪ :‬كففم آتيناهموه‪ ،‬ولم يعرب وهففي اسففم لنهففا بمنزلة‬
‫الحروف لمفا وقفع فيفه معنفى السفتفهام‪ ،‬وإذا فرقفت بيفن كفم وبيفن السفم كان الختيار أن تأتفي بمفن‬
‫كمفا ففي هذه اليفة‪ ،‬فإن حذفتهفا نصفبت ففي السفتفهام والخفبر‪ ،‬ويجوز الخففض ففي الخفبر كمفا قال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫وكريم بخله قد وضعه‬ ‫كم بجود مقرف نال العل‬
‫والمراد باليفة كفم جاءهفم ففي أمفر محمفد عليفه السفلم مفن آيفة معرففة بفه دالة عليفه‪ .‬قال مجاهفد‬
‫والحسن وغيرهما‪ :‬يعني اليات التي جاء بها موسى عليه السلم من فلق البحر والظلل من الغمام‬
‫والعصا واليد وغير ذلك‪ .‬وأمر ال تعالى نبيه بسؤالهم على جهة التقريع لهم والتوبيخ‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يبدل نعمة ال من بعد ما جاءته" لفظ عام لجميع العامة‪ ،‬وإن كان المشار‬
‫إليفه بنفي إسفرائيل‪ ،‬لكونهفم بدلوا مفا ففي كتبهفم وجحدوا أمفر محمفد صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬فاللففظ‬
‫منسحب على كل مبدل نعمة ال تعالى‪ .‬وقال الطبري‪ :‬النعمة هنا السلم‪ ،‬وهذا قريب من الول‪.‬‬
‫ويدخل في اللفظ أيضا كفار قريش‪ ،‬فإن بعث محمد صلى ال عليه وسلم فيهم نعمة عليهم‪ ،‬فبدلوا‬
‫قبولها والشكر عليها كفرا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن ال شديفد العقاب" خفبر يتضمفن الوعيفد‪ .‬والعقاب مأخوذ مفن العقفب‪ ،‬كأن‬
‫المعاقفب يمشفي بالمجازاة له ففي آثار عقبفه‪ ،‬ومنفه عقبفة الراكفب وعقبفة القدر‪ .‬فالعقاب والعقوبفة‬
‫يكونان بعقب الذنب‪ ،‬وقد عاقبه بذنبه‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 212 :‬زين للذين كفروا الحياة الدنيا ويسخرون من الذين آمنوا والذين اتقوا فوقهم‬
‫يوم القيامة وال يرزق من يشاء بغير حساب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬زيفن للذيفن كفروا الحياة الدنيفا" على مفا لم يسفم فاعله‪ .‬والمراد رؤسفاء قريفش‪.‬‬
‫وقرأ مجاهد وحميد بن قيس على بناء الفاعل‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهي قراءة شاذة‪ ،‬لنه لم يتقدم للفاعل‬
‫ذكر‪ .‬وقرأ ابن أبي عبلة‪" :‬زينت" بإظهار العلمة‪ ،‬وجاز ذلك لكون التأنيث غير حقيقي‪ ،‬والمزين‬
‫هفو خالقهفا ومخترعهفا وخالق الكففر‪ ،‬ويزينهفا أيضفا الشيطان بوسفوسته وإغوائه‪ .‬وخفص الذيفن‬
‫كفروا بالذكر لقبولهم التزيين جملة‪ ،‬وإقبالهم على الدنيا وإعراضهم عن الخرة بسببها‪ .‬وقد جعل‬
‫ال ما على الرض زينة لها ليبلو الخلق أيهم أحسن عمل‪ ،‬فالمؤمنون الذين هم على سنن الشرع‬
‫لم تفتنهفم الزينفة‪ ،‬والكفار تملكتهفم لنهفم ل يعتقدون غيرهفا‪ .‬وقفد قال أبفو بكفر الصفديق رضفي ال‬
‫عنه حين قدم عليه بالمال‪ :‬اللهم إنا ل نستطيع إل أن نفرح بما زينت لنا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويسخرون من الذين آمنوا" إشارة إلى كفار قريش‪ ،‬فإنهم كانوا يعظمون حالهفم‬
‫مفن الدنيفا ويغتبطون بهفا‪ ،‬ويسفخرون مفن أتباع محمفد صفلى ال عليفه وسفلم‪ .‬قال ابفن جريفج‪ :‬ففي‬
‫طلبهفم الخرة‪ .‬وقيفل‪ :‬لفقرهفم وإقللهفم‪ ،‬كبلل وصفهيب وابفن مسفعود وغيرهفم‪ ،‬رضفي ال عنهفم‪،‬‬
‫فنبه سبحانه على خفض منزلتهم لقبيح فعلهم بقوله‪" :‬والذين اتقوا فوقهم يوم القيامة"‪ .‬وروى علي‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من استذل مؤمنا أو مؤمنة أو حقره لفقره وقلة ذات يده شهره‬
‫ال يوم القيامة ثم فضحه ومن بهت مؤمنا أو مؤمنة أو قال فيه ما ليس فيه أقامه ال تعالى على تل‬
‫من نار يوم القيامة حتى يخرج مما قال فيه وإن عظم المؤمن أعظم عند ال وأكرم عليه من ملك‬
‫مقرب وليفس شيفء أحفب إلى ال مفن مؤمفن تائب أو مؤمنفة تائبفة وإن الرجفل المؤمفن يعرف ففي‬
‫السفماء كمفا يعرف الرجفل أهله وولده)‪ .‬ثفم قيفل‪ :‬معنفى "والذيفن اتقوا فوقهفم يوم القيامفة" أي ففي‬
‫الدرجة‪ ،‬لنهم في الجنة والكفار في النار‪ .‬ويحتمل أن يراد بالفوق المكان‪ ،‬من حيث إن الجنة في‬
‫السماء‪ ،‬والنار في أسفل السافلين‪ .‬ويحتمل أن يكون التفضيل على ما يتضمنه زعم الكفار‪ ،‬فإنهم‬
‫يقولون‪ :‬وإن كان معاد فلنفا فيفه الحفظ أكثفر ممفا لكفم‪ ،‬ومنفه حديفث خباب مفع العاص بفن وائل‪ ،‬قال‬
‫خباب‪ :‬كان لي على العاص بفن وائل ديفن فأتيتفه أتقاضاه‪ ،‬فقال لي‪ :‬لن أقضيفك حتفى تكففر بمحمفد‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم‪ .‬قال فقلت له‪ :‬إنفي لن أكففر بفه حتفى تموت ثفم تبعفث‪ .‬قال‪ :‬وإنفي لمبعوث مفن‬
‫بعد الموت؟! فسوف أقضيك إذا رجعت إلى مال وولد‪ ،‬الحديث‪ .‬وسيأتي بتمامه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫ويقال‪ :‬سفخرت منفه وسفخرت بفه‪ ،‬وضحكفت منفه وضحكفت بفه‪ ،‬وهزئت منفه وبفه‪ ،‬كفل ذلك يقال‪،‬‬
‫حكاه الخففش‪ .‬والسفم السفخرية والسفخري والسفخري‪ ،‬وقرئ بهمفا قوله تعالى‪" :‬ليتخفذ بعضهفم‬
‫بعضففا سففخريا" [الزخرف‪ ]32 :‬وقوله‪" :‬فاتخذتموهففم سففخريا" [المؤمنون‪ .]110 :‬ورجففل‬
‫سفخرة‪ .‬يسفخر منفه‪ ،‬وسفخرة ‪ -‬بفتفح الخاء ‪ -‬يسفخر مفن الناس‪ .‬وفلن سفخرة يتسفخر ففي العمفل‪،‬‬
‫يقال‪ :‬خادمه سخرة‪ ،‬وسخره تسخيرا كلفه عمل بل أجرة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال يرزق من يشاء بغير حساب" قال الضحاك‪ :‬يعني من غير تبعة في الخرة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو إشارة إلى هؤلء المستضعفين‪ ،‬أي يرزقهم علو المنزلة‪ ،‬فالية تنبيه على عظيم النعمة‬
‫عليهم‪ .‬وجعل رزقهم بغير حساب من حيث هو دائم ل يتناهى‪ ،‬فهو ل ينعد‪ .‬وقيل‪ :‬إن قوله‪" :‬بغير‬
‫حسفاب" صففة لرزق ال تعالى كيفف يصفرف‪ ،‬إذ هفو جلت قدرتفه ل ينففق بعفد‪ ،‬ففضله كله بغيفر‬
‫حسففاب‪ ،‬والذي بحسففاب مففا كان على عمففل قدمففه العبففد‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬جزاء مففن ربففك عطاء‬
‫حسابا" [النبأ‪ .]36 :‬وال أعلم‪ .‬ويحتمل أن يكون المعنى بغير احتساب من المرزوقين‪ ،‬كما قال‪:‬‬
‫"ويرزقه من حيث ل يحتسب" [الطلق‪.]3 :‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 213 :‬كان الناس أمة واحدة فبعث ال النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب‬
‫بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إل الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات‬
‫بغيفا بينهفم فهدى ال الذيفن آمنوا لمفا اختلفوا فيفه مفن الحفق بإذنفه وال يهدي مفن يشاء إلى صفراط‬
‫مستقيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كان الناس أمة واحدة" أي على دين واحد‪ .‬قال أبي بن كعب‪ ،‬وابن زيد‪ :‬المراد‬
‫بالناس بنفو آدم حيفن أخرجهفم ال نسفما من ظهفر آدم فأقروا له بالوحدانيفة‪ .‬وقال مجاهفد‪ :‬الناس آدم‬
‫وحده‪ ،‬وسفمي الواحفد بلففظ الجمفع لنفه أصفل النسفل‪ .‬وقيفل‪ :‬آدم وحواء‪ .‬وقال ابفن عباس وقتادة‪:‬‬
‫(المراد بالناس القرون التي كانت بين آدم ونوح‪ ،‬وهي عشرة كانوا على الحق حتى اختلفوا فبعث‬
‫ال نوحا فمن بعده)‪ .‬وقال ابن أبي خيثمة‪ :‬منذ خلق ال آدم عليه السلم إلى أن بعث محمدا صلى‬
‫ال عليفه وسفلم خمسفة آلف سفنة وثمانمائة سفنة‪ .‬وقيفل‪ :‬أكثفر مفن ذلك‪ ،‬وكان بينفه وبيفن نوح ألف‬
‫سففنة ومائتففا سففنة‪ .‬وعاش آدم تسففعمائة وسففتين سففنة‪ ،‬وكان الناس فففي زمانففه أهففل ملة واحدة‪،‬‬
‫متمسفكين بالديفن‪ ،‬تصفافحهم الملئكفة‪ ،‬وداموا على ذلك إلى أن رففع إدريفس عليفه السفلم فاختلفوا‪.‬‬
‫وهذا فيفه نظفر‪ ،‬لن إدريفس بعفد نوح على الصفحيح‪ .‬وقال قوم منهفم الكلبفي الواقدي‪ :‬المراد نوح‬
‫ومفن ففي السففينة‪ ،‬وكانوا مسفلمين ثفم بعفد وفاة نوح اختلفوا‪ .‬وقال ابفن عباس أيضفا‪( :‬كانوا أمفة‬
‫واحدة على الكففر‪ ،‬يريفد ففي مدة نوح حيفن بعثفه ال)‪ .‬وعنفه أيضفا‪ :‬كان الناس على عهفد إبراهيفم‬
‫عليه السلم أمة واحدة‪ ،‬كلهم كفار‪ ،‬وولد إبراهيم في جاهلية‪ ،‬فبعث ال تعالى إبراهيم وغيره من‬
‫النبيين‪ .‬فف "كان" على هذه القوال على بابها من المضي المنقضي‪ .‬وكل من قدر الناس في الية‬
‫مؤمنين قدر في الكلم فاختلفوا فبعث‪ ،‬ودل على هذا الحذف‪" :‬وما اختلف فيه إل الذين أوتوه" أي‬
‫كان الناس على دين الحق فاختلفوا فبعث ال النبيين‪ ،‬مبشرين من أطاع ومنذرين من عصى‪ .‬وكل‬
‫مفن قدرهفم كفارا كانفت بعثفة النفبيين إليهفم‪ .‬ويحتمفل أن تكون "كان" للثبوت‪ ،‬والمراد الخبار عفن‬
‫الناس الذين هم الجنس كله أنهم أمة واحدة في خلوهم عن الشرائع‪ ،‬وجهلهم بالحقائق‪ ،‬لول من ال‬
‫عليهفم‪ ،‬وتفضله بالرسفل إليهفم‪ .‬فل يختفص "كان" على هذا التأويفل بالمضفي فقفط‪ ،‬بفل معناه معنفى‬
‫قوله‪" :‬وكان ال غفورا رحيما" [النساء‪ .]152 ،100 ،96 :‬و"أمة" مأخوذة من قولهم‪ :‬أممت‬
‫كذا‪ ،‬أي قصدته‪ ،‬فمعنى "أمة" مقصدهم واحد‪ ،‬ويقال للواحد‪ :‬أمة‪ ،‬أي مقصده غير مقصد الناس‪،‬‬
‫ومنفه قول النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي قفس بفن سفاعدة‪( :‬يحشفر يوم القيامفة أمفة وحده)‪ .‬وكذلك‬
‫قال في زيد بن عمرو بن نفيل‪ .‬والمة القامة‪ ،‬كأنها مقصد سائر البدن‪ .‬والمة (بالكسر)‪ :‬النعمة‪،‬‬
‫لن الناس يقصفدون قصفدها‪ .‬وقيفل‪ :‬إمام‪ ،‬لن الناس يقصفدون قصفد مفا يفعفل‪ ،‬عفن النحاس‪ .‬وقرأ‬
‫أبي بن كعب‪" :‬كان البشر أمة واحدة" وقرأ ابن مسعود "كان الناس أمة واحدة فاختلفوا"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فبعفث ال النفبيين" وجملتهفم مائة وأربعفة وعشرون ألففا‪ ،‬والرسفل منهفم ثلثمائة‬
‫وثلثة عشر‪ ،‬والمذكورون في القرآن بالسم العلم ثمانية عشر‪ ،‬وأول الرسل آدم‪ ،‬على ما جاء في‬
‫حديففث أبففي ذر‪ ،‬أخرجففه الجري وأبففو حاتففم البسففتي‪ .‬وقيففل‪ :‬نوح‪ ،‬لحديففث الشفاعففة‪ ،‬فإن الناس‬
‫يقولون له‪ :‬أنت أول الرسل‪ .‬وقيل‪ :‬إدريس‪ ،‬وسيأتي بيان هذا في "العراف" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مبشرين ومنذرين" نصب على الحال‪" .‬وأنزل معهم الكتاب" اسم جنس بمعنفى‬
‫الكتب‪ .‬وقال الطبري‪ :‬اللف واللم في الكتاب للعهد‪ ،‬والمراد التوراة‪ .‬و"ليحكم" مسند إلى الكتاب‬
‫في قول الجمهور‪ ،‬وهو نصب بإضمار أن‪ ،‬أي لن يحكم وهو مجاز مثل "هذا كتابنا ينطق عليكم‬
‫بالحفق" [الجاثيفة‪ .]29 :‬وقيفل‪ :‬أي ليحكفم كفل نفبي بكتابفه‪ ،‬وإذا حكفم بالكتاب فكأنمفا حكفم الكتاب‪.‬‬
‫وقراءة عاصم الجحدري "ليحكم بين الناس" على ما لم يسم فاعله‪ ،‬وهي قراءة شاذة‪ ،‬لنه قد تقدم‬
‫ذكففر الكتاب‪ .‬وقيففل‪ :‬المعنففى ليحكففم ال‪ ،‬والضميففر فففي "فيففه" عائد على "مففا" مففن قوله‪" :‬فيمففا"‬
‫والضميففر فففي "فيففه" الثانيففة يحتمففل أن يعود على الكتاب‪ ،‬أي ومففا اختلف فففي الكتاب إل الذيففن‬
‫أوتوه‪ .‬موضفع "الذيفن" رففع بفعلهفم‪ .‬و"أتوه" بمعنفى أعطوه‪ .‬وقيفل‪ :‬يعود على المنزل عليفه‪ ،‬وهفو‬
‫محمفد صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬قاله الزجاج‪ .‬أي ومفا اختلف ففي النفبي عليفه السفلم إل الذيفن أعطوا‬
‫علمففه‪" .‬بغيففا بينهففم" نصففب على المفعول له‪ ،‬أي لم يختلفوا إل للبغففي‪ ،‬وقففد تقدم معناه‪ .‬وفففي هذا‬
‫تنبيه على السفه في فعلهم‪ ،‬والقبح الذي واقعوه‪ .‬و"هدى" معناه أرشد‪ ،‬أي فهدى ال أمة محمد إلى‬
‫الحفق بأن بيفن لهفم مفا اختلف فيفه مفن كان قبلهفم‪ .‬وقالت طائففة‪ :‬معنفى اليفة أن المفم كذب بعضهفم‬
‫كتاب بعفض‪ ،‬فهدى ال تعالى أمفة محمفد للتصفديق بجميعهفا‪ .‬وقالت طائففة‪ :‬إن ال هدى المؤمنيفن‬
‫للحق فيما اختلف فيه أهل الكتابين‪ ،‬من قولهم‪ :‬إن إبراهيم كان يهوديا أو نصرانيا‪ .‬وقال ابن زيد‬
‫وزيد بن أسلم‪ :‬من قبلتهم‪ ،‬فإن اليهود إلى بيت المقدس‪ ،‬والنصارى إلى المشرق‪ ،‬ومن يوم الجمعة‬
‫فإن النفففبي صفففلى ال عليفففه وسفففلم قال‪( :‬هذا اليوم الذي اختلفوا فيفففه فهدانفففا ال له فلليهود غفففد‬
‫وللنصارى بعد غد) ومن صيامهم‪ ،‬ومن جميع ما اختلفوا فيه‪.‬‬
‫وقال ابففن زيففد‪ :‬واختلفوا فففي عيسففى فجعلتففه اليهود لفريففة‪ ،‬وجعلتففه النصففارى ربففا‪ ،‬فهدى ال‬
‫المؤمنيففن بأن جعلوه عبدا ل‪ .‬وقال الفراء‪ :‬هففو مففن المقلوب ‪ -‬واختاره الطففبري ‪ -‬قال‪ :‬وتقديره‬
‫فهدى ال الذين آمنوا للحق لما اختلفوا فيه‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬ودعاه إلى هذا التقدير خوف أن يحتمل‬
‫اللفظ أنهم اختلفوا في الحق فهدى ال المؤمنين لبعض ما اختلفوا فيه‪ ،‬وعساه غير الحق في نفسه‪،‬‬
‫نحفا إلى هذا الطفبري ففي حكايتفه عفن الفراء‪ ،‬وادعاء القلب على لففظ كتاب ال دون ضرورة تدففع‬
‫إلى ذلك عجففز وسففوء نظفففر‪ ،‬وذلك أن الكلم يتخرج على وجهففه ووصفففه‪ ،‬لن قوله‪" :‬فهدى"‬
‫يقتضفي أنهفم أصفابوا الحفق وتفم المعنفى ففي قوله‪" :‬فيفه" وتفبين بقوله‪" :‬مفن الحفق" جنفس مفا وقفع‬
‫الخلف فيفه‪ ،‬قال المهدوي‪ :‬وقدم لففظ الختلف على لففظ الحفق اهتمامفا‪ ،‬إذ العنايفة إنمفا هفي بذكفر‬
‫الختلف‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وليس هذا عندي بقوي‪ .‬وفي قراءة عبدال بن مسعود "لما اختلفوا عنه‬
‫من الحق" أي عن السلم‪ .‬و"بإذنه" قال الزجاج‪ :‬معناه بعلمه‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا غلط‪ ،‬والمعنى‬
‫بأمره‪ ،‬وإذا أذنففت فففي الشيففء فقففد أمرت بففه‪ ،‬أي فهدى ال الذيففن آمنوا بأن أمرهففم بمففا يجففب أن‬
‫يسفتعملوه‪ .‬وففي قوله‪" :‬وال يهدي مفن يشاء إلى صفراط مسفتقيم" رد على المعتزلة ففي قولهفم‪ :‬إن‬
‫العبد يستبد بهداية نفسه‪.‬‬
‫*‪ *3‬الية‪{ 214 :‬أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء‬
‫والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر ال أل إن نصر ال قريب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أم حسففبتم أن تدخلوا الجنففة" "حسففبتم" معناه ظننتففم‪ .‬قال قتادة والسففدي وأكثففر‬
‫المفسرين‪ :‬نزلت هذه الية في غزوة الخندق حين أصاب المسلمين ما أصابهم من الجهد والشدة‪،‬‬
‫والحر والبرد‪ ،‬وسوء العيش‪ ،‬وأنواع الشدائد‪ ،‬وكان كما قال ال تعالى‪" :‬وبلغت القلوب الحناجر"‬
‫[الحزاب‪ .]10 :‬وقيفل‪ :‬نزلت ففي حرب أحفد‪ ،‬نظيرهفا ‪ -‬ففي آل عمران ‪" -‬أم حسفبتم أن تدخلوا‬
‫الجنففة ولمففا يعلم ال الذيففن جاهدوا منكففم" [آل عمران‪ .]142 :‬وقالت فرقففة‪ :‬نزلت اليففة تسففلية‬
‫للمهاجريفن حيفن تركوا ديارهفم وأموالهفم بأيدي المشركيفن‪ ،‬وآثروا رضفا ال ورسفوله‪ ،‬وأظهرت‬
‫اليهود العداوة لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬وأسفر قوم مفن الغنياء النفاق‪ ،‬فأنزل ال تعالى‬
‫تطييبفا لقلوبهفم "أم حسفبتم"‪ .‬و"أم" هنفا منقطعفة‪ ،‬بمعنفى بفل‪ ،‬وحكفى بعفض اللغوييفن أنهفا قفد تجيفء‬
‫بمثابفة ألف السفتفهام ليبتدأ بهفا‪ ،‬و"حسفبتم" تطلب مفعوليفن‪ ،‬فقال النحاة‪" :‬أن تدخلوا" تسفد مسفد‬
‫المفعولين‪ .‬وقيل‪ :‬المفعول الثاني محذوف‪ :‬أحسبتم دخولكم الجنة واقعا‪ .‬و"لما" بمعنى لم‪ .‬و"مثل"‬
‫معناه شبه‪ ،‬أي ولم تمتحنوا بمثل ما امتحن به من كان قبلكم فتصبروا كما صبروا‪ .‬وحكى النضر‬
‫بفن شميفل أن "مثفل" يكون بمعنفى صففة‪ ،‬ويجوز أن يكون المعنفى‪ :‬ولمفا يصفبكم مثفل الذي أصفاب‬
‫الذيفن مفن قبلكفم‪ ،‬أي مفن البلء‪ .‬قال وهفب‪ :‬وجفد فيمفا بيفن مكفة والطائف سفبعون نبيفا موتفى‪ ،‬كان‬
‫سفبب موتهفم الجوع والقمفل‪ ،‬ونظيفر هذه اليفة "الم أحسفب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنفا وهفم ل‬
‫يفتنون ولقفد فتنفا الذيفن مفن قبلهفم" [العنكبوت‪ ]3 - 2 - 1 :‬على مفا يأتفي‪ ،‬فاسفتدعاهم تعالى إلى‬
‫الصففبر‪ ،‬ووعدهففم على ذلك بالنصففر فقال‪" :‬أل إن نصففر ال قريففب"‪ .‬والزلزلة‪ :‬شدة التحريففك‪،‬‬
‫تكون فففي الشخاص وفففي الحوال‪ ،‬يقال‪ :‬زلزل ال الرض زلزلة وزلزال ‪ -‬بالكسففر ‪ -‬فتزلزلت‬
‫إذا تحركت واضطربت‪ ،‬فمعنى "زلزلوا" خوفوا وحركوا‪ .‬والزلزال ‪ -‬بالفتح ‪ -‬السم‪ .‬والزلزل‪:‬‬
‫الشدائد‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬أصفل الزلزلة مفن زل الشيفء عفن مكانفه‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬زلزلتفه فمعناه كررت‬
‫زل مففن مكانففه‪ .‬ومذهففب سففيبويه أن زلزل رباعففي كدحرج‪ .‬وقرأ نافففع "حتففى يقول" بالرفففع‪،‬‬
‫والباقون بالنصفب‪ .‬ومذهفب سفيبويه ففي "حتفى" أن النصفب فيمفا بعدهفا مفن جهتيفن والرففع مفن‬
‫جهتين‪ ،‬تقول‪ :‬سرت حتى أدخل المدينة ‪ -‬بالنصب ‪ -‬على أن السير والدخول جميعا قد مضيا‪ ،‬أي‬
‫سفرت إلى أن أدخلهفا‪ ،‬وهذه غايفة‪ ،‬وعليفه قراءة مفن قرأ بالنصفب‪ .‬والوجفه الخفر ففي النصفب ففي‬
‫غير الية سرت حتى أدخلها‪ ،‬أي كي أدخلها‪ .‬والوجهان في الرفع سرت حتى أدخلها‪ ،‬أي سرت‬
‫فأدخلهفا‪ ،‬وقفد مضيفا جميعفا‪ ،‬أي كنفت سفرت فدخلت‪ .‬ول تعمفل حتفى ههنفا بإضمار أن‪ ،‬لن بعدهفا‬
‫جملة‪ ،‬كما قال الفرزدق‪:‬‬
‫فيا عجبا حتى كليب تسبني‬
‫قال النحاس‪ :‬فعلى هذا القراءة بالرفففع أبيففن وأصففح معنففى‪ ،‬أي وزلزلوا حتففى الرسففول يقول‪ ،‬أي‬
‫حتفى هذه حاله‪ ،‬لن القول إنمفا كان عفن الزلزلة غيفر منقطفع منهفا‪ ،‬والنصفب على الغايفة ليفس فيفه‬
‫هذا المعنى‪ .‬والرسول هنا شعيا في قول مقاتل‪ ،‬وهو اليسع‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬هذا في كل رسول بعث‬
‫إلى أمتفه وأجهفد ففي ذلك حتفى قال‪ :‬متفى نصفر ال؟‪ .‬وروي عفن الضحاك قال‪ :‬يعنفي محمدا صفلى‬
‫ال عليففه وسففلم‪ ،‬وعليفه يدل نزول اليففة‪ ،‬وال أعلم‪ .‬والوجففه الخففر فففي غيففر اليففة سففرت حتففى‬
‫أدخلها‪ ،‬على أن يكون السير قد مضى والدخول الن‪ .‬وحكى سيبويه‪ :‬مرض حتى ل يرجونه‪ ،‬أي‬
‫هو الن ل يرجى‪ ،‬ومثله سرت حتى أدخلها ل أمنع‪ .‬وبالرفع قرأ مجاهد والعرج وابن محيصن‬
‫وشيبفة‪ .‬وبالنصفب قرأ الحسفن وأبفو جعففر وابفن أبفي إسفحاق وشبفل وغيرهفم‪ .‬قال مكفي‪ :‬وهفو‬
‫الختيار‪ ،‬لن جماعففة القراء عليففه‪ .‬وقرأ العمففش‪" :‬وزلزلوا ويقول الرسففول" بالواو بدل حتففى‪.‬‬
‫وفي مصحف ابن مسعود‪" :‬وزلزلوا ثم زلزلوا ويقول"‪ .‬وأكثر المتأولين على أن الكلم إلى آخر‬
‫الية من قول الرسول والمؤمنين‪ ،‬أي بلغ الجهد بهم حتى استبطؤوا النصر‪ ،‬فقال ال تعالى‪" :‬أل‬
‫إن نصففر ال قريففب"‪ .‬ويكون ذلك مففن قول الرسففول على طلب اسففتعجال النصففر ل على شففك‬
‫وارتياب‪ .‬والرسول اسم جنس‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬في الكلم تقديم وتأخير‪ ،‬والتقدير‪ :‬حتى يقول الذين‬
‫آمنوا متفى نصفر ال‪ ،‬فيقول الرسفول‪ :‬أل إن نصفر ال قريفب‪ ،‬فقدم الرسفول ففي الرتبفة لمكانتفه‪ ،‬ثفم‬
‫قدم قول المؤمنيفن لنفه المتقدم ففي الزمان‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وهذا تحكفم‪ ،‬وحمفل الكلم على وجهفه‬
‫غير متعذر‪ .‬ويحتمل أن يكون "أل إن نصر ال قريب" إخبارا من ال تعالى مؤتنفا بعد تمام ذكر‬
‫القول‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬متفى نصفر ال" رففع بالبتداء على قول سفيبويه‪ ،‬وعلى قول أبفي العباس رففع‬
‫بفعل‪ ،‬أي متى يقع نصر ال‪ .‬و"قريب" خبر "إن"‪ .‬قال النحاس‪ :‬ويجوز في غير القرآن "قريبا"‬
‫أي مكانا قريبا‪ .‬و"قريب" ل تثنيه العرب ول تجمعه ول تؤنثه في هذا المعنى‪ ،‬قال ال عز وجل‪:‬‬
‫"إن رحمة ال قريب من المحسنين" [العراف‪ .]56 :‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫قريب ول بسباسة بنة يشكرا‬ ‫له الويل إن أمسى ول أم هاشم‬
‫فإن قلت‪ :‬فلن قريب لي ثنيت وجمعت‪ ،‬فقلت‪ :‬قريبون وأقرباء وقرباء‪.‬‬
‫*‪ *3‬اليفة‪{ 215 :‬يسفألونك ماذا ينفقون قفل مفا أنفقتفم مفن خيفر فللوالديفن والقربيفن واليتامفى‬
‫والمساكين وابن السبيل وما تفعلوا من خير فإن ال به عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يسفألونك" إن خفففت الهمزة ألقيفت حركتهفا على السفين ففتحهفا وحذففت الهمزة‬
‫فقلت‪ :‬يسفلونك‪ .‬ونزلت اليفة ففي عمرو بفن الجموح‪ ،‬وكان شيخفا كفبيرا فقال‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬إن‬
‫مالي كثير‪ ،‬فبماذا أتصدق‪ ،‬وعلى من أنفق؟ فنزلت "يسألونك ماذا ينفقون"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ماذا ينفقون" "مفا" ففي موضفع رففع بالبتداء‪ ،‬و"ذا" الخفبر‪ ،‬وهفو بمعنفى الذي‪،‬‬
‫وحذفففت الهاء لطول السففم‪ ،‬أي مففا الذي ينفقونففه‪ ،‬وإن شئت كانففت "مففا" فففي موضففع نصففب بفف‬
‫"ينفقون" و"ذا" مع "ما" بمنزلة شيء واحد ول يحتاج إلى ضمير‪ ،‬ومتى كانت اسما مركبا فهي‬
‫في موضع نصب‪ ،‬إل ما جاء في قول الشاعر‪:‬‬
‫سوى أن يقولوا إنني لك عاشق‬ ‫وماذا عسى الواشون أن يتحدثوا‬
‫فإن "عسى" ل تعمل فيه‪ ،‬فف "ماذا" في موضع رفع وهو مركب‪ ،‬إذ ل صلة لف "ذا"‪.‬‬
‫@قيفل‪ :‬إن السفائلين هفم المؤمنون‪ ،‬والمعنفى يسفألونك مفا هفي الوجوه التفي ينفقون فيهفا‪ ،‬وأيفن‬
‫يضعون مفففا لزم إنفاقفففه‪ .‬قال السفففدي‪ :‬نزلت هذه اليفففة قبفففل فرض الزكاة ثفففم نسفففختها الزكاة‬
‫المفروضة‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬ووهم المهدوي على السدي في هذا‪ ،‬فنسب إليه أنه قال‪ :‬إن الية في‬
‫الزكاة المفروضففة ثففم نسففخ منهففا الوالدان‪ .‬وقال ابففن جريففج وغيره‪ :‬هففي ندب‪ ،‬والزكاة غيففر هذا‬
‫النفاق‪ ،‬فعلى هذا ل نسفخ فيهفا‪ ،‬وهفي مبينفة لمصفارف صفدقة التطوع‪ ،‬فواجفب على الرجفل الغنفي‬
‫أن ينفق على أبويه المحتاجين ما يصلحهما في قدر حالهما من حاله‪ ،‬من طعام وكسوة وغير ذلك‪.‬‬
‫قال مالك‪ ،‬ليس عليه أن يزوج أباه‪ ،‬وعليه أن ينفق على امرأة أبيه‪ ،‬كانت أمه أو أجنبية‪ ،‬وإنما قال‬
‫مالك‪ :‬ليس عليه أن يزوج أباه لنه رآه يستغني عن التزويج غالبا‪ ،‬ولو احتاج حاجة ماسة لوجب‬
‫أن يزوجفه‪ ،‬ولول ذلك لم يوجفب عليفه أن ينففق عليهمفا‪ .‬فأمفا مفا يتعلق بالعبادات مفن الموال فليفس‬
‫عليفه أن يعطيفه مفا يحفج بفه أو يغزو‪ ،‬وعليفه أن يخرج عنفه صفدقة الفطفر‪ ،‬لنهفا مسفتحقة بالنفقفة‬
‫والسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قفل مفا أنفقتفم" "مفا" ففي موضفع نصفب بفف "أنفقتفم" وكذا "ومفا تنفقوا" وهفو شرط‬
‫والجواب "فللوالديفن"‪ ،‬وكذا "ومفا تفعلوا مفن خيفر" شرط‪ ،‬وجوابفه "فإن ال بفه عليفم" وقفد مضفى‬
‫القول فففي اليتيففم والمسففكين وابففن السففبيل‪ .‬ونظيففر هذه اليففة قوله تعالى "فآت ذا القربففى حقففه‬
‫والمسكين وابن السبيل" [الروم‪ .]38 :‬وقرأ علي بن أبي طالب "يفعلوا" بالياء على ذكر الغائب‪،‬‬
‫وظاهر الية الخبر‪ ،‬وهي تتضمن الوعد بالمجازاة‪.‬‬
‫*‪ *3‬اليفة‪{ 216 :‬كتفب عليكفم القتال وهفو كره لكفم وعسفى أن تكرهوا شيئا وهفو خيفر لكفم‬
‫وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم وال يعلم وأنتم ل تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كتب" معناه فرض‪ ،‬وقد تقدم مثله‪ .‬وقرأ قوم "كتب عليكم القتل"‪ ،‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫وعلى الغانيات جر الذيول‬ ‫كتب القتل والقتال علينا‬
‫هذا هو فرض الجهاد‪ ،‬بين سبحانه أن هذا مما امتحنوا به وجعل وصلة إلى الجنة‪ .‬والمراد بالقتال‬
‫قتال العداء مففن الكفار‪ ،‬وهذا كان معلومففا لهففم بقرائن الحوال‪ ،‬ولم يؤذن للنففبي صففلى ال عليففه‬
‫وسفلم ففي القتال مدة إقامتفه بمكفة‪ ،‬فلمفا هاجفر أذن له ففي قتال مفن يقاتله مفن المشركيفن فقال تعالى‪:‬‬
‫"أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا" [الحج‪ ]39 :‬ثم أذن له في قتال المشركين عامة‪ .‬واختلفوا من‬
‫المراد بهذه اليفة‪ ،‬فقيفل‪ :‬أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم خاصفة‪ ،‬فكان القتال مفع النفبي صفلى‬
‫ال عليفه وسفلم فرض عيفن عليهفم‪ ،‬فلمفا اسفتقر الشرع صفار على الكفايفة‪ ،‬قال عطاء والوزاعفي‪.‬‬
‫قال ابففن جريففج‪ :‬قلت لعطاء‪ :‬أواجففب الغزو على الناس فففي هذه اليففة؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬إنمففا كتففب على‬
‫أولئك‪ .‬وقال الجمهور مففن المففة‪ :‬أول فرضففه إنمففا كان على الكفايففة دون تعييففن‪ ،‬غيففر أن النففبي‬
‫صلى ال عليه وسلم كان إذا استنفرهم تعين عليهم النفير لوجوب طاعته‪ .‬وقال سعيد بن المسيب‪:‬‬
‫إن الجهاد فرض على كل مسلم في عينه أبدا‪ ،‬حكاه الماوردي‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬والذي استمر عليه‬
‫الجماع أن الجهاد على كفل أمفة محمفد صفلى ال عليفه وسفلم فرض كفايفة‪ ،‬فإذا قام بفه مفن قام مفن‬
‫المسلمين سقط عن الباقين‪ ،‬إل أن ينزل العدو بساحة السلم فهو حينئذ فرض عين‪ ،‬وسيأتي هذا‬
‫مبينففا فففي سففورة "براءة" إن شاء ال تعالى‪ .‬وذكففر المهدوي وغيره عففن الثوري أنففه قال‪ :‬الجهاد‬
‫تطوع‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وهذه العبارة عندي إنمفا هفي على سفؤال سفائل وقفد قيفم بالجهاد‪ ،‬فقيفل له‪:‬‬
‫ذلك تطوع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وهو كره لكم" ابتداء وخبر‪ ،‬وهو كره في الطباع‪ .‬قال ابن عرفة‪ :‬الكره‪ ،‬المشقة‬
‫والكره ‪ -‬بالفتح ‪ -‬ما أكرهت عليه‪ ،‬هذا هو الختيار‪ ،‬ويجوز الضم في معنى الفتح فيكونان لغتين‪،‬‬
‫يقال‪ :‬كرهفت الشيفء كرهفا وكرهفا وكراهفة وكراهيفة‪ ،‬وأكرهتفه عليفه إكراهفا‪ .‬وإنمفا كان الجهاد‬
‫كرهفا لن فيفه إخراج المال ومفارقفة الوطفن والهفل‪ ،‬والتعرض بالجسفد للشجاج والجراح وقطفع‬
‫الطراف وذهاب النفس‪ ،‬فكانت كراهيتهم لذلك‪ ،‬ل أنهم كرهوا فرض ال تعالى‪ .‬وقال عكرمة في‬
‫هذه الية‪ :‬إنهم كرهوه ثم أحبوه وقالوا‪ :‬سمعنا وأطعنا‪ ،‬وهذا لن امتثال المر يتضمن مشقة‪ ،‬لكن‬
‫إذا عرف الثواب هان في جنبه مقاساة المشقات‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومثاله ففي الدنيفا إزالة مفا يؤلم النسفان ويخاف منفه كقطفع عضفو وقلع ضرس‪ ،‬وفصفد‬
‫وحجامفة ابتغاء العافيفة ودوام الصفحة‪ ،‬ول نعيفم أفضفل مفن الحياة الدائمفة ففي دار الخلد والكرامفة‬
‫في مقعد صدق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعسى أن تكرهوا شيئا" قيل‪" :‬عسى"‪ :‬بمعنى قد‪ ،‬قاله الصم‪ .‬وقيل‪ :‬هي واجبة‪.‬‬
‫و"عسففى" مففن ال واجبففة فففي جميففع القرآن إل قوله تعالى‪" :‬عسففى ربففه إن طلقكففن أن يبدله"‬
‫[التحريم‪ .]5 :‬وقال أبو عبيدة‪" :‬عسى" من ال إيجاب‪ ،‬والمعنى عسى أن تكرهوا ما في الجهاد‬
‫مفن المشقفة وهفو خيفر لكفم ففي أنكفم تغلبون وتظفرون وتغنمون وتؤجرون‪ ،‬ومن مات مات شهيدا‪،‬‬
‫وعسى أن تحبوا الدعة وترك القتال وهو شر لكم في أنكم تغلبون وتذلون ويذهب أمركم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا صفحيح ل غبار عليفه‪ ،‬كمفا اتففق ففي بلد الندلس‪ ،‬تركوا الجهاد وجبنوا عفن القتال‬
‫وأكثروا مفن الفرار‪ ،‬فاسفتولى العدو على البلد‪ ،‬وأي بلد؟! وأسفر وقتفل وسفبى واسفترق‪ ،‬فإنفا ل‬
‫وإنا إليه راجعون! ذلك بما قدمت أيدينا وكسبته! وقال الحسن في معنى الية‪ :‬ل تكرهوا الملمات‬
‫الواقعة‪ ،‬فلرب أمر تكرهه فيه نجاتك‪ ،‬ولرب أم تحبه فيه عطبك‪ ،‬وأنشد أبو سعيد الضرير‪:‬‬
‫جر أمرا ترتضيه‬ ‫رب أمر تتقيه‬
‫وبدا المكروه فيه‬ ‫خفي المحبوب منه‬
‫*‪ *3‬اليفة‪{ 217 :‬يسفألونك عفن الشهفر الحرام قتال فيفه قفل قتال فيفه كفبير وصفد عفن سفبيل ال‬
‫وكفففر بففه والمسففجد الحرام وإخراج أهله منففه أكففبر عنففد ال والفتنففة أكففبر مففن القتففل ول يزالون‬
‫يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك‬
‫حبطت أعمالهم في الدنيا والخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يسفألونك" تقدم القول فيفه‪ .‬وروى جريفر بفن عبدالحميفد ومحمفد بفن فضيفل عفن‬
‫عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‪(:‬ما رأيت قوما خيرا من أصحاب محمد‬
‫صففلى ال عليففه وسففلم‪ ،‬مففا سففألوه إل عففن ثلث عشرة مسففألة كلهففن فففي القرآن‪" :‬يسففألونك عففن‬
‫المحيفض"‪" ،‬يسفألونك عفن الشهفر الحرام"‪" ،‬يسفألونك عفن اليتامفى"‪ ،‬مفا كانوا يسفألونك إل عمفا‬
‫ينفعهفم)‪ .‬قال ابفن عبدالبر‪ :‬ليفس ففي الحديفث مفن الثلث عشرة مسفألة إل ثلث‪ .‬وروى أبفو اليسفار‬
‫عن جندب بن عبدال أن النبي صلى ال عليه وسلم بعث رهطا وبعث عليهم أبا عبيدة بن الحارث‬
‫أو عفبيدة بفن الحارث‪ ،‬فلمفا ذهفب لينطلق بكفى صفبابة إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬فبعفث‬
‫عبدال بففن جحففش‪ ،‬وكتففب له كتابففا وأمره أل يقرأ الكتاب حتففى يبلغ مكان كذا وكذا‪ ،‬وقال‪ :‬ول‬
‫تكرهففن أصففحابك على المسففير‪ ،‬فلمففا بلغ المكان قرأ الكتاب فاسففترجع وقال‪ :‬سففمعا وطاعففة ل‬
‫ولرسوله‪ ،‬قال‪ :‬فرجع رجلن ومضى بقيتهم‪ ،‬فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه‪ ،‬ولم يدروا أن ذلك اليوم‬
‫مففن رجففب‪ ،‬فقال المشركون‪ :‬قتلتففم فففي الشهففر الحرام‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬يسففألونك عففن الشهففر‬
‫الحرام" الية‪ .‬وروى أن سبب نزولها أن رجلين من بني كلب لقيا عمرو بن أمية الضمري وهو‬
‫ل يعلم أنهمفا كانفا عنفد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وذلك ففي أول يوم مفن رجفب فقتلهمفا‪ ،‬فقالت‬
‫قريش‪ :‬قتلهما في الشهر الحرام‪ ،‬فنزلت الية‪ .‬والقول بأن نزولها في قصة عبدال بن جحش أكثر‬
‫وأشهر‪ ،‬وأن النبي صلى ال عليه وسلم بعثه مع تسعة رهط ‪ ،‬وقيل ثمانية‪ ،‬في جمادى الخرة قبل‬
‫بدر بشهرين‪ ،‬وقيل في رجب‪ .‬قال أبو عمر ‪ -‬في كتاب الدرر له ‪ : -‬ولما رجع رسول ال صلى‬
‫ال عليففه وسففلم مففن طلب كرز بففن جابر ‪ -‬وتعرف تلك الخرجففة ببدر الولى ‪ -‬أقام بالمدينففة بقيففة‬
‫جمادى الخرة ورجفب‪ ،‬وبعفث ففي رجفب عبدال بفن جحفش بفن رئاب السفدي ومعفه ثمانيفة رجال‬
‫مفن المهاجريفن‪ ،‬وهفم أبفو حذيففة بفن عتبفة‪ ،‬وعكاشفة بفن محصفن‪ ،‬وعتبفة بفن غزوان‪ ،‬وسفهيل بفن‬
‫بيضاء الفهري‪ ،‬وسفعد بفن أبفي وقاص‪ ،‬وعامفر بفن ربيعفة‪ ،‬وواقفد بفن عبدال التميمفي‪ ،‬وخالد بفن‬
‫بكيفر الليثفي‪ .‬وكتفب لعبدال بفن جحفش كتابفا‪ ،‬وأمره أل ينظفر فيفه حتفى يسفير يوميفن ثفم ينظفر فيفه‬
‫فيمضي لما أمره به ول يستكره أحدا من أصحابه‪ ،‬وكان أميرهم‪ ،‬ففعل عبدال بن جحش ما أمره‬
‫بفه‪ ،‬فلمفا فتفح الكتاب وقرأه وجفد فيفه‪( :‬إذا نظرت ففي كتابفي هذا فامفض حتفى تنزل نخلة بيفن مكفة‬
‫والطائف فترصد بها قريشا‪ ،‬وتعلم لنا من أخبارهم)‪ .‬فلما قرأ الكتاب قال‪ :‬سمعا وطاعة‪ ،‬ثم أخبر‬
‫أصحابه بذلك‪ ،‬وبأنه ل يستكره أحدا منهم‪ ،‬وأنه ناهض لوجهه بمن أطاعه‪ ،‬وأنه إن لم يطعه أحد‬
‫مضففى وحده‪ ،‬فمففن أحففب الشهادة فلينهففض‪ ،‬ومففن كره الموت فليرجففع‪ .‬فقالوا‪ :‬كلنففا نرغففب فيمففا‬
‫ترغفب فيفه‪ ،‬ومفا منفا أحفد إل وهفو سفامع مطيفع لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬ونهضوا معفه‪،‬‬
‫فسفلك على الحجاز‪ ،‬وشرد لسفعد بفن أبفي وقاص وعتبفة بفن غزوان جمفل كانفا يعتقبانفه فتخلففا ففي‬
‫طلبفه‪ ،‬ونففذ عبدال بفن جحفش مفع سفائرهم لوجهفه حتفى نزل بنخلة‪ ،‬فمرت بهفم عيفر لقريفش تحمفل‬
‫زبيبففا وتجارة فيهففا عمرو بففن الحضرمففي ‪ -‬واسففم الحضرمففي عبدال بففن عباد مففن الصففدف‪،‬‬
‫والصففدف بطففن مففن حضرموت ‪ -‬وعثمان بففن عبدال بففن المغيرة‪ ،‬وأخوه نوفففل بففن عبدال بففن‬
‫المغيرة المخزوميان‪ ،‬والحكفم بفن كيسفان مولى بنفي المغيرة‪ ،‬فتشاور المسفلمون وقالوا‪ :‬نحفن ففي‬
‫آخفر يوم مفن رجفب الشهفر الحرام‪ ،‬فإن نحفن قاتلناهفم هتكنفا حرمفة الشهفر الحرام‪ :‬وإن تركناهفم‬
‫الليلة دخلوا الحرم‪ ،‬ثفم اتفقوا على لقائهفم‪ ،‬فرمفى واقفد بفن عبدال التميمفي عمرو بفن الحضرمفي‬
‫فقتله‪ ،‬وأسففروا عثمان بففن عبدال والحكففم بففن كيسففان‪ ،‬وأفلت نوفففل بففن عبدال‪ ،‬ثففم قدموا بالعيففر‬
‫والسفيرين‪ ،‬وقال لهفم عبدال بفن جحفش‪ :‬اعزلوا ممفا غنمنفا الخمفس لرسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم ففعلوا‪ ،‬فكان أول خمفس ففي السلم‪ ،‬ثم نزل القرآن‪" :‬واعلموا أنما غنمتفم من شيفء فأن ل‬
‫خمسفه" [النفال‪ ]41 :‬فأقفر ال ورسفوله فعفل عبدال بفن جحفش ورضيفه وسفنه للمفة إلى يوم‬
‫القيامة‪ ،‬وهي أول غنيمة غنمت في السلم‪ ،‬وأول أمير‪ ،‬وعمرو بن الحضرمي أول قتيل‪ .‬وأنكر‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قتفل ابفن الحضرمفي ففي الشهفر الحرام‪ ،‬فسفقط ففي أيدي القوم‪،‬‬
‫فأنزل ال عفز وجفل‪" :‬يسفألونك عفن الشهفر الحرام قتال فيفه" إلى قوله‪" :‬هفم فيهفا خالدون"‪ .‬وقبفل‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم الفداء في السيرين‪ ،‬فأما عثمان بن عبدال فمات بمكة كافرا‪ ،‬وأما‬
‫الحكم بن كيسان فأسلم وأقام مع رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى استشهد ببئر معونة‪ ،‬ورجع‬
‫سعد وعتبة إلى المدينة سالمين‪.‬‬
‫وقيفل‪ :‬إن انطلق سفعد بفن أبفي وقاص وعتبفة ففي طلب بعيرهمفا كان عفن إذن مفن عبدال بفن‬
‫جحفش‪ ،‬وإن عمرو بفن الحضرمفي وأصفحابه لمفا رأوا أصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫هابوهم‪ ،‬فقال عبدال بن جحش‪ :‬إن القوم قد فزعوا منكم‪ ،‬فاحلقوا رأس رجل منكم فليتعرض لهم‪،‬‬
‫فإذا رأوه محلوقفا أمنوا وقالوا‪ :‬قوم عمار ل بأس عليكفم‪ ،‬وتشاوروا ففي قتالهفم‪ ،‬الحديفث‪ .‬وتفاءلت‬
‫اليهود وقالوا‪ :‬واقفد وقدت الحرب‪ ،‬وعمرو عمرت الحرب‪ ،‬والحضرمفي حضرت الحرب‪ .‬وبعفث‬
‫أهفل مكفة ففي فداء أسفيريهم‪ ،‬فقال‪ :‬ل نفديهمفا حتفى يقدم سفعد وعتبفة‪ ،‬وإن لم يقدمفا قتلناهمفا بهمفا‪،‬‬
‫فلمفا قدمفا فاداهمفا فأمفا الحكفم فأسفلم وأقام بالمدينفة حتفى قتفل يوم بئر معونفة شهيدا‪ ،‬وأمفا عثمان‬
‫فرجفع إلى مكفة فمات بهفا كافرا‪ ،‬وأمفا نوففل فضرب بطفن فرسفه يوم الحزاب ليدخفل الخندق على‬
‫المسففلمين فوقففع فففي الخندق مففع فرسففه فتحطمففا جميعففا فقتله ال تعالى‪ ،‬وطلب المشركون جيفتففه‬
‫بالثمن فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪(:‬خذوه فإنه خبيث الجيفة خبيث الدية) فهذا سبب نزول‬
‫قوله تعالى‪" :‬يسفألونك عفن الشهفر الحرام"‪ .‬وذكفر ابفن إسفحاق أن قتفل عمرو بفن الحضرمفي كان‬
‫في آخر يوم من رجب‪ ،‬على ما تقدم‪ .‬وذكر الطبري عن السدي وغيره أن ذلك كان في آخر يوم‬
‫مفن جمادى الخرة‪ ،‬والول أشهفر‪ ،‬على أن ابفن عباس قفد ورد عنفه أن ذلك كان ففي أول ليلة مفن‬
‫رجفب‪ ،‬والمسفلمون يظنونهفا مفن جمادى‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وذكفر الصفاحب بفن عباد ففي رسفالته‬
‫المعروففة بالسفدية أن عبدال بفن جحفش سفمي أميفر المؤمنيفن ففي ذلك الوقفت لكونفه مؤمرا على‬
‫جماعة من المؤمنين‪.‬‬
‫@واختلف العلماء ففي نسفخ هذه اليفة‪ ،‬فالجمهور على نسفخها‪ ،‬وأن قتال المشركيفن ففي الشهفر‬
‫الحرم مباح‪ .‬واختلفوا في ناسخها‪ ،‬فقال الزهري‪ :‬نسخها "وقاتلوا المشركين كافة" [التوبة‪.]36 :‬‬
‫وقيفل نسفخها غزو النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ثقيففا ففي الشهفر الحرام‪ ،‬وإغزاؤه أبفا عامفر إلى‬
‫أوطاس في الشهر الحرام‪ .‬وقيل‪ :‬نسخها بيعة الرضوان على القتال في ذي القعدة‪ ،‬وهذا ضعيف‪،‬‬
‫فإن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم لمفا بلغفه قتفل عثمان بمكفة وأنهفم عازمون على حربفه بايفع حينئذ‬
‫المسلمين على دفعهم ل على البتداء بقتالهم‪ .‬وذكر البيهقي عن عروة بن الزبير من غير حديث‬
‫محمفد بفن إسفحاق ففي أثفر قصفة الحضرمفي‪ :‬فأنزل عفز وجفل‪" :‬يسفألونك عفن الشهفر الحرام قتال‬
‫فيففه" اليففة‪ ،‬قال‪ :‬فحدثهففم ال فففي كتابففه أن القتال فففي الشهففر الحرام حرام كمففا كان‪ ،‬وأن الذي‬
‫يسفتحلون مفن المؤمنيفن هفو أكفبر مفن ذلك مفن صفدهم عفن سفبيل ال حيفن يسفجنونهم ويعذبونهفم‬
‫ويحبسونهم أن يهاجروا إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وكفرهم بال وصدهم المسلمين عن‬
‫المسفجد الحرام ففي الحفج والعمرة والصفلة فيفه‪ ،‬وإخراجهفم أهفل المسفجد الحرام وهفم سفكانه مفن‬
‫المسفلمين‪ ،‬وفتنتهفم إياهفم عفن الديفن‪ ،‬فبلغنفا أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم عقفل ابفن الحضرمفي‬
‫وحرم الشهر الحرام كما كان يحرمه‪ ،‬حتى أنزل ال عز وجل‪" :‬براءة من ال ورسوله" [التوبة‪:‬‬
‫‪ .]1‬وكان عطاء يقول‪ :‬الية محكمة‪ ،‬ول يجوز القتال في الشهر الحرم‪ ،‬ويحلف على ذلك‪ ،‬لن‬
‫اليات التفي وردت بعدهفا عامفة ففي الزمنفة‪ ،‬وهذا خاص والعام ل ينسفخ الخاص باتفاق‪ .‬وروى‬
‫أبفو الزبيفر عفن جابر قال‪ :‬كان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ل يقاتفل ففي الشهفر الحرام إل أن‬
‫يغزى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قتال فيفه" "قتال" بدل عنفد سفيبويه بدل اشتمال‪ ،‬لن السفؤال اشتمفل على الشهفر‬
‫وعلى القتال‪ ،‬أي يسفألك الكفار تعجبفا مفن هتفك حرمفة الشهفر‪ ،‬فسفؤالهم عفن الشهفر إنمفا كان لجفل‬
‫القتال فيفه‪ .‬قال الزجاج‪ :‬المعنفى يسفألونك عفن القتال ففي الشهفر الحرام‪ .‬وقال القتفبي‪ :‬يسفألونك عفن‬
‫القتال في الشهر الحرام هل يجوز؟ فأبدل قتال من الشهر‪ ،‬وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫ولكنه بنيان قوم تهدما‬ ‫فما كان قيس هلكه هلك واحد‬
‫وقرأ عكرمفة‪" :‬يسفألونك عفن الشهفر الحرام قتفل فيفه قفل قتفل" بغيفر ألف فيهمفا‪ .‬وقيفل‪ :‬المعنفى‬
‫يسفألونك عفن الشهفر الحرام وعفن قتال فيفه‪ ،‬وهكذا قرأ ابفن مسفعود‪ ،‬فيكون مخفوضفا بعفن على‬
‫التكريفر‪ ،‬قاله الكسفائي‪ .‬وقال الفراء‪ :‬هفو مخفوض على نيفة عفن‪ .‬وقال أبفو عفبيدة‪ :‬هفو مخفوض‬
‫على الجوار‪ .‬قال النحاس‪ :‬ل يجوز أن يعرب الشيفء على الجوار ففي كتاب ال ول ففي شيفء مفن‬
‫الكلم‪ ،‬وإنما الجوار غلط‪ ،‬وإنما وقع ففي شيء شاذ‪ ،‬وهو قولهم‪ :‬هذا جحر ضب خرب‪ ،‬والدليل‬
‫على أنفه غلط قول العرب فففي التثنيففة‪ :‬هذان‪ :‬جحرا ضففب خربان‪ ،‬وإنمفا هذا بمنزلة القواء‪ ،‬ول‬
‫يجوز أن يحمففل شيففء مففن كتاب ال على هذا‪ ،‬ول يكون إل بأفصففح اللغات وأصففحها‪ .‬قال ابففن‬
‫عطيفة‪ :‬وقال أبفو عفبيدة‪ :‬هفو خففض على الجوار‪ ،‬وقوله هذا خطفأ‪ .‬قال النحاس‪ :‬ول يجوز إضمار‬
‫عففن‪ ،‬والقول فيففه أنففه بدل‪ .‬وقرأ العرج‪" :‬يسففألونك عففن الشهففر الحرام قتال فيففه" بالرفففع‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬وهو غامض في العربية‪ ،‬والمعنى فيه يسألونك عن الشهر الحرام أجائز قتال فيه؟ فقوله‪:‬‬
‫"يسألونك" يدل على الستفهام‪ ،‬كما قال امرؤ القيس‪:‬‬
‫كلمع اليدين في حبي مكلل‬ ‫أصاح ترى برقا أريك وميضه‬
‫والمعنفى‪ :‬أترى برقفا‪ ،‬فحذف ألف السفتفهام‪ ،‬لن اللف التفي ففي "أصفاح" تدل عليهفا وإن كانفت‬
‫حرف نداء‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫تروح من الحي أم تبتكر‬
‫والمعنى‪ :‬أتروح‪ ،‬فحذف اللف لن "أم" تدل عليها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل قتال فيه كبير" ابتداء وخبر‪ ،‬أي مستنكر‪ ،‬لن تحريم القتال في الشهر الحرام‬
‫كان ثابتا يومئذ إذ كان البتداء من المسلمين‪ .‬والشهر في الية اسم جنس‪ ،‬وكانت العرب قد جعل‬
‫ال لهفا الشهفر الحرام قوامفا تعتدل عنده‪ ،‬فكانفت ل تسففك دمفا‪ ،‬ول تغيفر ففي الشهفر الحرم‪ ،‬وهفي‬
‫رجففب وذو القعدة وذو الحجففة والمحرم‪ ،‬ثلثففة سففرد وواحففد فرد‪ .‬وسففيأتي لهذا مزيففد بيان فففي‬
‫"المائدة" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وصفد عفن سفبيل ال" ابتداء "وكففر بفه" عطفف على "صفد" "والمسفجد الحرام"‬
‫عطفف على "سفبيل ال" "وإخراج أهله منفه" عطفف على "صفد"‪ ،‬وخفبر البتداء "أكفبر عنفد ال"‬
‫أي أعظفم إثمفا مفن القتال ففي الشهفر الحرام‪ ،‬قاله المفبرد وغيره‪ .‬وهفو الصفحيح‪ ،‬لطول منفع الناس‬
‫عفن الكعبفة أن يطاف بهفا‪" .‬وكففر بفه" أي بال‪ ،‬وقيفل‪" :‬وكففر بفه" أي بالحفج والمسفجد الحرام‪.‬‬
‫"وإخراج أهله منفه أكفبر" أي أعظفم عقوبفة عنفد ال مفن القتال ففي الشهفر الحرام‪ .‬وقال الفراء‪:‬‬
‫"صفد" عطفف على "كفبير"‪" .‬والمسفجد" عطفف على الهاء ففي "بفه"‪ ،‬فيكون الكلم نسفقا متصفل‬
‫غيفر منقطفع‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وذلك خطفأ‪ ،‬لن المعنفى يسفوق إلى أن قوله‪" :‬وكففر بفه" أي بال‬
‫عطفف أيضفا على "كفبير"‪ ،‬ويجيفء مفن ذلك أن إخراج أهفل المسفجد منفه أكفبر مفن الكففر عنفد ال‪،‬‬
‫وهذا بين فساده‪ .‬ومعنى الية على قول الجمهور‪ :‬إنكم يا كفار قريش تستعظمون علينا القتال في‬
‫الشهففر الحرام‪ ،‬ومففا تفعلون أنتففم مففن الصففد عففن سففبيل ال لمففن أراد السففلم‪ ،‬ومففن كفركففم بال‬
‫وإخراجكم أهل المسجد منه‪ ،‬كما فعلتم برسول ال صلى ال عليه وسلم وأصحابه أكبر جرما عند‬
‫ال‪ .‬وقال عبدال بن جحش رضي ال عنه‪:‬‬
‫وأعظم منه لو يرى الرشد راشد‬ ‫تعدون قتل في الحرام عظيمة‬
‫وكفر به وال راء وشاهد‬ ‫صدودكم عما يقول محمد‬
‫لئل يرى ل في البيت ساجد‬ ‫وإخراجكم من مسجد ال أهله‬
‫وأرجف بالسلم باغ وحاسد‬ ‫فإنا وإن غيرتمونا بقتله‬
‫بنخلة لما أوقد الحرب واقد‬ ‫سقينا من ابن الحضرمي رماحنا‬
‫ينازعه غل من القد عاند‬ ‫دما وابن عبدال عثمان بيننا‬
‫وقال الزهري ومجاهفففد وغيرهمفففا‪ :‬قوله تعالى‪" :‬قفففل قتال فيفففه كفففبير" منسفففوخ بقوله‪" :‬وقاتلوا‬
‫المشركين كافة" وبقوله‪" :‬فاقتلوا المشركين" [التوبة‪ .]5 :‬وقال عطاء‪ :‬لم ينسخ‪ ،‬ول ينبغي القتال‬
‫في الشهر الحرم‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والفتنة أكبر من القتل" قال مجاهد وغيره‪ :‬الفتنة هنا الكفر‪ ،‬أي كفركم أكبر من‬
‫قتلنفا أولئك‪ .‬وقال الجمهور‪ :‬معنفى الفتنفة هنفا فتنتهفم المسفلمين عفن دينهفم حتفى يهلكوا‪ ،‬أي أن ذلك‬
‫أشد اجتراما من قتلكم في الشهر الحرام‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يزالون" ابتداء خبر من ال تعالى‪ ،‬وتحذير منه للمؤمنين من شر الكفرة‪ .‬قال‬
‫مجاهد‪ :‬يعني كفار قريش‪ .‬و"يردوكم" نصب بحتى‪ ،‬لنها غاية مجردة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومفن يرتدد" أي يرجفع عفن السفلم إلى الكففر "فأولئك حبطفت" أي بطلت‬
‫وفسفدت‪ ،‬ومنفه الحبفط وهفو فسفاد يلحفق المواشفي ففي بطونهفا مفن كثرة أكلهفا الكل فتنتففخ أجوافهفا‪،‬‬
‫وربما تموت من ذلك‪ ،‬فالية تهديد للمسلمين ليثبتوا على دين السلم‪.‬‬
‫@واختلف العلماء ففي المرتفد هفل يسفتتاب أم ل؟ وهفل يحبفط عمله بنففس الردة أم ل‪ ،‬إل على‬
‫الموافاة على الكففر؟ وهفل يورث أم ل؟ قالت طائففة‪ :‬يسفتتاب‪ ،‬فإن تاب وإل قتفل‪ ،‬وقال بعضهفم‪:‬‬
‫سفاعة واحدة‪ .‬وقال آخرون‪ :‬يسفتتاب شهرا‪ .‬وقال آخرون‪ :‬يسفتتاب ثلثفا‪ ،‬على مفا روي عفن عمفر‬
‫وعثمان‪ ،‬وهو قول مالك رواه عنه ابن القاسم‪ .‬وقال الحسن‪ :‬يستتاب مائة مرة‪ ،‬وقد روي عنه أنه‬
‫يقتل دون استتابة‪ ،‬وبه قال الشافعي في أحد قوليه‪ ،‬وهو أحد قولي طاوس وعبيد بن عمير‪ .‬وذكر‬
‫سحنون أن عبدالعزيز بن أبي سلمة الماجشون كان يقول‪ :‬يقتل المرتد ول يستتاب‪ ،‬واحتج بحديث‬
‫معاذ وأبفي موسفى‪ ،‬وفيفه‪ :‬أن النفبي صفلى ال عليه وسفلم لمفا بعفث أبفا موسفى إلى اليمفن أتبعفه معاذ‬
‫بن جبل فلما قدم عليه قال‪ :‬انزل‪ ،‬وألقى إليه وسادة‪ ،‬وإذا رجل عنده موثق قال‪ :‬ما هذا؟ قال‪ :‬هذا‬
‫كان يهوديفا فأسفلم ثفم راجفع دينفه ديفن السفوء فتهود‪ .‬قال‪ :‬ل أجلس حتفى يقتفل‪ ،‬قضاء ال ورسفوله‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اجلس‪ .‬قال‪ :‬نعففم ل أجلس حتففى يقتففل‪ ،‬قضاء ال ورسففوله ‪ -‬ثلث مرات ‪ -‬فأمففر بففه فقتففل‪،‬‬
‫خرجفه مسفلم وغيره‪ .‬وذكفر أبفو يوسفف عفن أبفى حنيففة أن المرتفد يعرض عليفه السفلم فإن أسفلم‬
‫وإل قتففل مكانففه‪ ،‬إل أن يطلب أن يؤجففل‪ ،‬فإن طلب ذلك أجففل ثلثففة أيام‪ ،‬والمشهور عنففه وعففن‬
‫أصففحابه أن المرتففد ل يقتففل حتففى يسففتتاب‪ .‬والزنديفق عندهفم والمرتفد سفواء‪ .‬وقال مالك‪ :‬وتقتفل‬
‫الزنادقة ول يستتابون‪ .‬وقد مضى هذا أول "البقرة"‪ .‬واختلفوا فيمن خرج من كفر إلى كفر‪ ،‬فقال‬
‫مالك وجمهور الفقهاء‪ :‬ل يتعرض له‪ ،‬لنففه انتقففل إلى مففا لو كان عليففه فففي البتداء لقففر عليففه‪.‬‬
‫وحكى ابن عبدالحكم عن الشافعي أنه يقتل‪ ،‬لقوله عليه السلم‪( :‬من بدل دينه فاقتلوه) ولم يخص‬
‫مسفلما مفن كاففر‪ .‬وقال مالك‪ :‬معنفى الحديفث مفن خرج مفن السفلم إلى الكففر‪ ،‬وأمفا مفن خرج مفن‬
‫كفر إلى كفر فلم يعن بهذا الحديث‪ ،‬وهو قول جماعة من الفقهاء‪ .‬والمشهور عن الشافعي ما ذكره‬
‫المزنففي والربيففع أن المبدل لدينففه مففن أهففل الذمففة يلحقففه المام بأرض الحرب ويخرجففه مففن بلده‬
‫ويستحل ماله مع أموال الحربيين إن غلب على الدار‪ ،‬لنه إنما جعل له الذمة على الدين الذي كان‬
‫عليه في حين عقد العهد‪ .‬واختلفوا في المرتدة‪ ،‬فقال مالك والوزاعي والشافعي والليث بن سعد‪:‬‬
‫تقتل كما يقتل المرتد سواء‪ ،‬وحجتهم ظاهر الحديث‪( :‬من بدل دينه فاقتلوه)‪ .‬و"من" يصلح للذكر‬
‫والنثفى‪ .‬وقال الثوري وأبفو حنيففة وأصفحابه‪ :‬ل تقتفل المرتدة‪ ،‬وهفو قول ابفن شبرمفة‪ ،‬وإليفه ذهفب‬
‫ابن علية‪ ،‬وهو قول عطاء والحسن‪ .‬واحتجوا بأن ابن عباس روى عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أنففه قال‪( :‬مففن بدل دينففه فاقتلوه) ثففم إن ابففن عباس لم يقتففل المرتدة‪ ،‬ومففن روى حديثففا كان أعلم‬
‫بتأويله‪ ،‬وروي عفن علي مثله‪ .‬ونهفى صفلى ال عليفه وسفلم عفن قتفل النسفاء والصفبيان‪ .‬واحتفج‬
‫الولون بقوله عليه السلم‪( :‬ل يحل دم امرئ مسلم إل بإحدى ثلث كفر بعد إيمان‪ )...‬فعم كل من‬
‫كفر بعد إيمانه‪ ،‬وهو أصح‪.‬‬
‫@قال الشافعي‪ :‬إن من ارتد ثم عاد إلى السلم لم يحبط عمله ول حجه الذي فرغ منه‪ ،‬بل إن‬
‫مات على الردة فحينئذ تحبفط أعماله‪ .‬وقال مالك‪ :‬تحبفط بنففس الردة‪ ،‬ويظهفر الخلف ففي المسفلم‬
‫إذا حفج ثفم ارتفد ثفم أسفلم‪ ،‬فقال مالك‪ :‬يلزمفه الحفج‪ ،‬لن الول قفد حبفط بالردة‪ .‬وقال الشافعفي‪ :‬ل‬
‫إعادة عليه‪ ،‬لن عمله باق‪ .‬واستظهر علماؤنا بقوله تعالى‪" :‬لئن أشركت ليحبطن عملك" [الزمر‪:‬‬
‫‪ .]65‬قالوا‪ :‬وهو خطاب للنبي صلى ال عليه وسلم والمراد أمته‪ ،‬لنه عليه السلم يستحيل منه‬
‫الردة شرعففا‪ .‬وقال أصففحاب الشافعففي‪ :‬بففل هففو خطاب النففبي صففلى ال عليففه وسففلم على طريففق‬
‫التغليظ على المة‪ ،‬وبيان أن النبي صلى ال عليه وسلم على شرف منزلته لو أشرك لحبط عمله‪،‬‬
‫فكيفف أنتفم! لكنفه ل يشرك لفضفل مرتبتفه‪ ،‬كمفا قال‪" :‬يفا نسفاء النفبي مفن يأت منكفن بفاحشفة مبينفة‬
‫يضاعفف لهفا العذاب ضعفيفن" [الحزاب‪ ]30 :‬وذلك لشرف منزلتهفن‪ ،‬وإل فل يتصفور إتيان‬
‫منهفن صفيانة لزوجهفن المكرم المعظفم‪ ،‬ابفن العربفي‪ .‬وقال علماؤنفا‪ :‬إنمفا ذكفر ال الموافاة شرطفا‬
‫ههنفا لنفه علق عليهفا الخلود ففي النار جزاء‪ ،‬فمفن واففى على الكففر خلده ال ففي النار بهذه اليفة‪،‬‬
‫ومففن أشرك حبففط عمله باليففة الخرى‪ ،‬فهمففا آيتان مفيدتان لمعنييففن‪ ،‬وحكميففن متغايريففن‪ .‬ومففا‬
‫خوطب به عليه السلم فهو لمته حتى يثبت اختصاصه‪ ،‬وما ورد في أزواجه فإنما قيل ذلك فيهن‬
‫ليبين أنه لو تصور لكان هتكان أحدهما لحرمة الدين‪ ،‬والثاني لحرمة النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ولكل هتك حرمة عقاب‪ ،‬وينزل ذلك منزلة من عصى في الشهر الحرام أو في البلد الحرام أو في‬
‫المسجد الحرام‪ ،‬يضاعف عليه العذاب بعدد ما هتك من الحرمات‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@اختلف العلماء في ميراث المرتد‪ :‬فقال علي بن أبي طالب والحسن والشعبي والحكم والليث‬
‫وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه‪ :‬ميراث المرتد لورثته من المسلمين‪ .‬وقال مالك وربيعة وابن أبي‬
‫ليلى والشافعي وأبو ثور‪ :‬ميراثه في بيت المال‪ .‬وقال ابن شبرمة وأبو يوسف ومحمد والوزاعي‬
‫في إحدى الروايتين‪ :‬ما اكتسبه المرتد بعد الردة فهو لورثته المسلمين‪ .‬وقال أبو حنيفة‪ :‬ما اكتسبه‬
‫المرتد في حال الردة فهو فيء‪ ،‬وما كان مكتسبا في حالة السلم ثم ارتد يرثه ورثته المسلمون‪،‬‬
‫وأمفا ابفن شبرمفة وأبفو يوسفف ومحمفد فل يفصفلون بيفن المريفن‪ ،‬ومطلق قوله عليفه السفلم‪( :‬ل‬
‫وراثففة بيففن أهففل ملتيففن) يدل على بطلن قولهففم‪ .‬وأجمعوا على أن ورثتففه مففن الكفار ل يرثونففه‪،‬‬
‫سوى عمر بن عبدالعزيز فإنه قال‪ :‬يرثونه‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 218 :‬إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل ال أولئك يرجون رحمة ال‬
‫وال غفور رحيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذيفن آمنوا والذيفن هاجروا" اليفة‪ .‬قال جندب بفن عبدال وعروة بفن الزبيفر‬
‫وغيرهما‪ :‬لما قتل واقفد بفن عبدال التميمفي عمرو بن الحضرمفي ففي الشهفر الحرام توقفف رسفول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم عن أخذ خمسه الذي وفق في فرضه له عبدال بن جحش وفي السيرين‪،‬‬
‫فعنفف المسفلمون عبدال بفن جحفش وأصفحابه حتفى شفق ذلك عليهفم‪ ،‬فتلفاهفم ال عفز وجفل بهذه‬
‫اليفة ففي الشهفر الحرام وفرج عنهفم‪ ،‬وأخفبر أن لهفم ثواب مفن هاجفر وغزا‪ ،‬فالشارة إليهفم ففي‬
‫قوله‪" :‬إن الذيفن آمنوا" ثفم هفي باقيفة ففي كفل مفن فعفل مفا ذكره ال عفز وجفل‪ .‬وقيفل‪ :‬إن لم يكونوا‬
‫أصابوا وزرا فليس لهم أجر‪ ،‬فأنزل ال‪" :‬إن الذين آمنوا والذين هاجروا" إلى آخر الية‪.‬‬
‫والهجرة معناها النتقال من موضع إلى موضع‪ ،‬وقصفد ترك الول إيثارا للثانفي‪ .‬والهجر ضفد‬
‫الوصل‪ .‬وقد هجره هجرا وهجرانا‪ ،‬والسم الهجرة‪ .‬والمهاجرة من أرض إلى أرض ترك الولى‬
‫للثانيفة‪ .‬والتهاجفر التقاطفع‪ .‬ومفن قال‪ :‬المهاجرة النتقال مفن الباديفة إلى الحاضرة فقفد أوهفم‪ ،‬بسفبب‬
‫أن ذلك كان الغلب ففي العرب‪ ،‬وليفس أهفل مكفة مهاجريفن على قوله‪" .‬وجاهفد" مفاعلة مفن جهفد‬
‫إذا استخرج الجهد‪ ،‬مجاهدة وجهادا‪ .‬والجتهاد والتجاهد‪ :‬بذل الوسع والمجهود‪ .‬والجهاد (بالفتح)‪:‬‬
‫الرض الصفلبة‪" .‬ويرجون" معناه يطمعون ويسفتقربون‪ .‬وإنمفا قال "يرجون" وقفد مدحهفم لنفه ل‬
‫يعلم أحفد ففي هذه الدنيفا أنفه صفائر إلى الجنفة ولو بلغ ففي طاعفة ال كفل مبلغ‪ ،‬لمريفن‪ :‬أحدهمفا ل‬
‫يدري بما يختم له‪ .‬والثاني ‪ -‬لئل يتكل على عمله‪ ،‬والرجاء ينعم‪ ،‬والرجاء أبدا معه خوف ول بد‪،‬‬
‫كمفا أن الخوف معفه رجاء‪ .‬والرجاء مفن المفل ممدود‪ ،‬يقال‪ :‬رجوت فلنفا رجوا ورجاء ورجاوة‪،‬‬
‫يقال‪ :‬مففا أتيتففك إل رجاوة الخيففر‪ .‬وترجيتففه وارتجيتففه ورجيتففه وكله بمعنففى رجوتففه‪ ،‬قال بشففر‬
‫يخاطب بنته‪:‬‬
‫إذا ما القارظ العنزي آبا‬ ‫فرجي الخير وانتظري إيابي‬
‫ومفا لي ففي فلن رجيفة‪ ،‬أي مفا أرجفو‪ .‬وقفد يكون الرجفو والرجاء بمعنفى الخوف‪ ،‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫"ما لكم ل ترجون ل وقارا" [نوح‪ ]13 :‬أي ل تخافون عظمة ال‪ ،‬قال أبو ذؤيب‪:‬‬
‫وخالفها في بيت نوب عوامل‬ ‫إذا لسعته النحل لم يرج لسعها‬
‫أي لم يخفف ولم يبال‪ .‬والرجفا ‪ -‬مقصفور ‪ : -‬ناحيفة البئر وحافتاهفا‪ ،‬وكفل ناحيفة رجفا‪ .‬والعوام مفن‬
‫الناس يخطئون في قولهم‪ :‬يا عظيم الرجا‪ ،‬فيقصرون ول يمدون‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 219 :‬يسفألونك عفن الخمفر والميسفر قفل فيهمفا إثفم كفبير ومناففع للناس وإثمهمفا أكفبر‬
‫من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبين ال لكم اليات لعلكم تتفكرون}‬
‫*‪*4‬قوله تعالى‪" :‬يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من‬
‫نفعهما" فيه تسع مسائل‪:‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يسألونك" السائلون هم المؤمنون‪ ،‬كما تقدم‪ .‬والخمر مأخوذة من خمر إذا ستر‪،‬‬
‫ومنه خمار المرأة‪ .‬وكل شيفء غطفى شيئا فقد خمره‪ ،‬ومنفه "خمروا آنيتكفم" فالخمفر تخمر العقل‪،‬‬
‫أي تغطيفه وتسفتره‪ ،‬ومفن ذلك الشجفر الملتفف يقال له‪ :‬الخمفر (بفتفح الميفم لنفه يغطفي مفا تحتفه‬
‫ويستره‪ ،‬يقال منه‪ :‬أخمرت الرض كثر خمرها‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫فقد جاوزتما خمر الطريق‬ ‫أل يا زيد والضحاك سيرا‬
‫أي سيرا مدلين فقد جاوزتما الوهدة التي يستتر بها الذئب وغيره‪ .‬وقال العجاج يصف جيشا يمشي‬
‫برايات وجيوش غير مستخف‪:‬‬
‫يوجه الرض ويستاق الشجر‬ ‫في لمع العقبان ل يمشي الخمر‬
‫ومنه قولهم‪ :‬دخل في غمار الناس وخمارهم‪ ،‬أي هو في مكان خاف‪ .‬فلما كانت الخمر تستر العقل‬
‫وتغطيه سميت بذلك وقيل‪ :‬إنما سميت الخمر خمرا لنها تركت حتى أدركت‪ ،‬كما يقال‪ :‬قد اختمر‬
‫العجيفن‪ ،‬أي بلغ إدراكفه‪ .‬وخمفر الرأي‪ ،‬أي ترك حتفى يتفبين فيفه الوجفه‪ .‬وقيفل‪ :‬إنمفا سفميت الخمفر‬
‫خمرا لنهفا تخالط العقفل‪ ،‬مفن المخامرة وهفي المخالطفة‪ ،‬ومنفه قولهفم‪ :‬دخلت ففي خمار الناس‪ ،‬أي‬
‫اختلطت بهم‪ .‬فالمعاني الثلثة متقاربة‪ ،‬فالخمر تركت وخمرت حتى أدركت‪ ،‬ثم خالطت العقل‪ ،‬ثم‬
‫خمرته‪ ،‬والصل الستر‪.‬‬
‫والخمفر‪ :‬ماء العنفب الذي غلى أو طبفخ‪ ،‬ومفا خامفر العقفل مفن غيره فهفو ففي حكمفه‪ ،‬لن إجماع‬
‫العلماء أن القمار كله حرام‪ .‬وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسا على الميسر‪ ،‬والميسر إنما‬
‫كان قمارا في الجزر خاصة‪ ،‬فكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها‪.‬‬
‫@والجمهور من المة على أن ما أسكر كثيره من غير خمر العنب فمحرم قليله وكثيره‪ ،‬والحد‬
‫في ذلك واجب‪ .‬وقال أبو حنيفة والثوري وابن أبي ليلى وابن شبرمة وجماعة من فقهاء الكوفة‪ :‬ما‬
‫أسفكر كثيره مفن غيفر خمفر العنفب فهفو حلل‪ ،‬وإذا سفكر منفه أحفد دون أن يتعمفد الوصفول إلى حفد‬
‫السكر فل حد عليه‪ ،‬وهذا ضعيف يرده النظر والخبر‪ ،‬على ما يأتي بيانه في "المائدة والنحل" إن‬
‫شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قال بعض المفسفرين‪ :‬إن ال تعالى لم يدع شيئا من الكرامفة والبر إل أعطاه هذه المفة‪ ،‬ومن‬
‫كرامتفه وإحسفانه أنفه لم يوجفب عليهفم الشرائع دفعفة واحدة‪ ،‬ولكفن أوجفب عليهفم مرة بعفد مرة‪،‬‬
‫فكذلك تحريفم الخمفر‪ .‬وهذه اليفة أول مفا نزل ففي أمفر الخمفر‪ ،‬ثفم بعده‪" :‬ل تقربوا الصفلة وأنتفم‬
‫سكارى" [النساء‪ ]43 :‬ثم قوله‪" :‬إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر‬
‫والميسفر ويصفدكم عفن ذكفر ال وعفن الصفلة فهفل أنتفم منتهون" [المائدة‪ ]91 :‬ثفم قوله‪" :‬إنمفا‬
‫الخمفر والميسفر والنصفاب والزلم رجفس مفن عمفل الشيطان فاجتنبوه" [المائدة‪ ]90 :‬على مفا‬
‫يأتي بيانه في "المائدة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والميسفر" الميسفر‪ :‬قمار العرب بالزلم‪ .‬قال ابفن عباس‪( :‬كان الرجفل ففي‬
‫الجاهلية يخاطر الرجل على أهله وماله فأيهما قمر صاحبه ذهب بماله وأهله) فنزلت الية‪ .‬وقال‬
‫مجاهد ومحمد بن سيرين والحسن وابن المسيب وعطاء وقتادة ومعاوية بن صالح وطاوس وعلي‬
‫بفن أبفى طالب رضفي ال عنفه وابفن عباس أيضفا‪( :‬كفل شيفء فيفه قمار مفن نرد وشطرنفج فهفو‬
‫الميسر‪ ،‬حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب‪ ،‬إل ما أبيح من الرهان في الخيل والقرعة في إفراز‬
‫الحقوق)‪ ،‬على مفا يأتفي‪ .‬وقال مالك‪ :‬الميسفر ميسفران‪ :‬ميسفر اللهفو‪ ،‬وميسفر القمار‪ ،‬فمفن ميسفر‬
‫اللهفو النرد والشطرنفج والملهفي كلهفا‪ .‬وميسفر القمار‪ :‬مفا يتخاطفر الناس عليفه‪ .‬قال علي بفن أبفي‬
‫طالب‪ :‬الشطرنج ميسر العجم‪ .‬وكل ما قومر به فهو ميسر عند مالك وغيره من العلماء‪ .‬وسيأتي‬
‫في "يونس" زيادة بيان لهذا الباب إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫والميسر مأخوذ من اليسر‪ ،‬وهو وجوب الشيء لصاحبه‪ ،‬يقال‪ :‬يسر لي كذا إذا وجب فهو ييسر‬
‫يسرا وميسرا‪ .‬والياسر‪ :‬اللعب بالقداح‪ ،‬وقد يسر ييسر‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وإذا هم نزلوا بضنك فانزل‬ ‫فأعنهم وايسر بما يسروا به‬
‫وقال الزهري‪ :‬الميسر‪ :‬الجزور الذي كانوا يتقامرون عليه‪ ،‬سمي ميسرا لنه يجزأ أجزاء‪ ،‬فكأنه‬
‫موضفع التجزئة‪ ،‬وكفل شيفء جزأتفه فقفد يسفرته‪ .‬والياسفر‪ :‬الجازر‪ ،‬لنفه يجزئ لحفم الجزور‪ .‬قال‪:‬‬
‫وهذا الصفل ففي الياسفر‪ ،‬ثفم يقال للضاربيفن بالقداح والمتقامريفن على الجزور‪ :‬ياسفرون‪ ،‬لنهفم‬
‫جازرون إذ كانوا سفففببا لذلك‪ .‬وففففي الصفففحاح‪ :‬ويسفففر القوم الجزور أي اجتزروهفففا واقتسفففموا‬
‫أعضاءها‪ .‬قال سحيم بن وثيل اليربوعي‪:‬‬
‫ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم‬ ‫أقول لهم بالشعب إذ ييسرونني‬
‫كان قفد وقفع عليفه سفباء فضرب عليفه بالسفهام‪ .‬ويقال‪ :‬يسفر القوم إذا قامروا‪ .‬ورجفل يسفر وياسفر‬
‫بمعنى‪ .‬والجمع أيسار‪ ،‬قال النابغة‪:‬‬
‫مثنى اليادي وأكسو الجفنة الدما‬ ‫أنى أتمم أيساري وأمنحهم‬
‫وقال طرفة‪:‬‬
‫أغلت الشتوة أبداء الجزر‬ ‫وهم أيسار لقمان إذا‬
‫وكان من تطوع بنحرها ممدوحا عندهم‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وما ناديت أيسار الجزر‬ ‫وناجية نحرت لقوم صدق‬
‫@روى مالك ففي الموطفأ عفن داود بفن حصفين أنفه سفمع سفعيد بفن المسفيب يقول‪ :‬كان مفن ميسفر‬
‫أهفل الجاهليفة بيفع اللحفم بالشاة والشاتيفن‪ ،‬وهذا محمول عنفد مالك وجمهور أصفحابه ففي الجنفس‬
‫الواحد‪ ،‬حيوانه بلحمه‪ ،‬وهو عنده من باب المزابنة والغرر والقمار‪ ،‬لنه ل يدرى هل في الحيوان‬
‫مثفل اللحفم الذي أعطفى أو أقفل أو أكثفر‪ ،‬وبيفع اللحفم باللحفم ل يجوز متفاضل‪ ،‬فكان بيفع الحيوان‬
‫باللحفم كفبيع اللحفم المغيفب ففي جلده إذا كانفا مفن جنفس واحفد‪ ،‬والجنفس الواحفد عنده البفل والبقفر‬
‫والغنفم والظباء والوعول وسفائر الوحوش‪ ،‬وذوات الربفع المأكولت كلهفا عنده جنفس واحفد‪ ،‬ل‬
‫يجوز بيع شيء من حيوان هذا الصنف والجنس كله بشيء واحد من لحمه بوجه من الوجوه‪ ،‬لنه‬
‫عنده مفن باب المزابنفة‪ ،‬كفبيع الزبيفب بالعنفب والزيتون بالزيفت والشيرج بالسفمسم‪ ،‬ونحفو ذلك‪.‬‬
‫والطيففر عنده كله جنففس واحففد‪ ،‬وكذلك الحيتان مففن سففمك وغيره‪ .‬وروي عنففه أن الجراد وحده‬
‫صففنف‪ .‬وقال الشافعففي وأصففحابه والليففث بففن سففعد‪ :‬ل يجوز بيففع اللحففم بالحيوان على حال مففن‬
‫الحوال مفن جنفس واحفد كان أم مفن جنسفين مختلفيفن‪ ،‬على عموم الحديفث‪ .‬وروي عفن ابفن عباس‬
‫(أن جزورا نحرت على عهد أبي بكر الصديق فقسمت على عشرة أجزاء‪ ،‬فقال رجل‪ :‬أعطوني‬
‫جزءا منها بشاة‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬ل يصلح هذا)‪ .‬قال الشافعي‪ :‬ولست أعلم لبي بكر في ذلك مخالفا‬
‫مفن الصفحابة‪ .‬قال أبفو عمفر‪ :‬قفد روي عفن ابفن عباس (أنفه أجاز بيفع الشاة باللحفم‪ ،‬وليفس بالقوي)‪.‬‬
‫وذكفر عبدالرزاق عفن الثوري عفن يحيفى بفن سفعيد عفن سفعيد بفن المسفيب أنفه كره أن يباع حفي‬
‫بميت‪ ،‬يعني الشاة المذبوحة بالقائمة‪ .‬قال سفيان‪ :‬ونحن ل نرى به بأسا‪ .‬قال المزني‪ :‬إن لم يصح‬
‫الحديفث ففي بيفع الحيوان باللحفم فالقياس أنفه جائز‪ ،‬وإن صفح بطفل القياس واتبفع الثفر‪ .‬قال أبفو‬
‫عمفر‪ :‬وللكوفييفن ففي أنفه جائز بيفع اللحفم بالحيوان حجفج كثيرة مفن جهفة القياس والعتبار‪ ،‬إل أنفه‬
‫إذا صح الثر بطل القياس والنظر‪ .‬وروى مالك عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيب أن رسول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم نهفى عفن بيفع الحيوان باللحفم‪ .‬قال أبفو عمفر‪ :‬ول أعلمفه يتصفل عفن النفبي‬
‫صلى ال عليه وسلم من وجه ثابت‪ ،‬وأحسن أسانيده مرسل سعيد بن المسيب على ما ذكره مالك‬
‫في موطئه‪ ،‬وإليه ذهب الشافعي‪ ،‬وأصله أنه ل يقبل المراسيل إل أنه زعم أنه افتقد مراسيل سعيد‬
‫فوجدهفا أو أكثرهفا صفحاحا‪ .‬فكره بيفع أنواع الحيوان بأنواع اللحوم على ظاهفر الحديفث وعمومفه‪،‬‬
‫لنفه لم يأت أثفر يخصفه ول إجماع‪ .‬ول يجوز عنده أن يخفص النفص بالقياس‪ .‬والحيوان عنده اسفم‬
‫لكل ما يعيش في البر والماء وإن اختلفت أجناسه‪ ،‬كالطعام الذي هو اسم لكل مأكول أو مشروب‪،‬‬
‫فاعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قل فيهما" يعني الخمر والميسر "إثم كبير" إثم الخمر ما يصدر عن الشارب من‬
‫المخاصففمة والمشاتمففة وقول الفحففش والزور‪ ،‬وزوال العقففل الذي يعرف بففه مففا يجففب لخالقففه‪،‬‬
‫وتعطيل الصلوات والتعوق عن ذكر ال‪ ،‬إلى غير ذلك‪ .‬روى النسائي عن عثمان رضي ال عنه‬
‫قال‪ :‬اجتنبوا الخمففر فإنهففا أم الخبائث‪ ،‬إنففه كان رجففل ممففن كان قبلكففم تعبففد فعلقتففه امرأة غويففة‪،‬‬
‫فأرسفلت إليفه جاريتهفا فقالت له‪ :‬إنفا ندعوك للشهادة‪ ،‬فانطلق مفع جاريتهفا فطفقفت كلمفا دخفل بابفا‬
‫أغلقته دونه‪ ،‬حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلم وباطية خمر‪ ،‬فقالت‪ :‬إني وال ما دعوتك‬
‫للشهادة‪ ،‬ولكففن دعوتففك لتقففع علي‪ ،‬أو تشرب مففن هذه الخمففر كأسففا‪ ،‬أو تقتففل هذا الغلم‪ .‬قال‪:‬‬
‫فاسفقيني مفن هذه الخمفر كأسفا‪ ،‬فسفقته كأسفا‪ .‬قال‪ :‬زيدونفي‪ ،‬فلم يرم حتفى وقفع عليهفا‪ ،‬وقتفل النففس‪،‬‬
‫فاجتنبوا الخمر‪ ،‬فإنها وال ل يجتمع اليمان وإدمان الخمر‪ ،‬إل ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه‪،‬‬
‫وذكره أبففو عمففر فففي السففتيعاب‪ .‬وروي أن العشففى لمففا توجففه إلى المدينففة ليسففلم فلقيففه بعففض‬
‫المشركيفن ففي الطريفق فقالوا له‪ :‬أيفن تذهفب؟ فأخفبرهم بأنفه يريفد محمدا صفلى ال عليفه وسفلم‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬ل تصل إليه‪ ،‬فإنه يأمرك بالصلة‪ ،‬فقال‪ :‬إن خدمة الرب واجبة‪ .‬فقالوا‪ :‬إنه يأمرك بإعطاء‬
‫المال إلى الفقراء‪ .‬فقال‪ :‬اصطناع المعروف واجب‪ .‬فقيل له‪ :‬إنه ينهى عن الزنى‪ .‬فقال‪ :‬هو فحش‬
‫وقبيح في العقل‪ ،‬وقد صرت شيخا فل أحتاج إليه‪ .‬فقيل له‪ :‬إنه ينهى عن شرب الخمر‪ .‬فقال‪ :‬أما‬
‫هذا فإني ل أصبر عليه! فرجع‪ ،‬وقال‪ :‬أشرب الخمر سنة ثم أرجع إليه‪ ،‬فلم يصل إلى منزله حتى‬
‫سفقط عفن البعيفر فانكسفرت عنقفه فمات‪ .‬وكان قيفس بفن عاصفم المنقري شرابفا لهفا ففي الجاهليفة ثفم‬
‫حرمهفا على نفسفه‪ ،‬وكان سفبب ذلك أنفه غمفز عكنفة ابنتفه وهفو سفكران‪ ،‬وسفب أبويفه‪ ،‬ورأى القمفر‬
‫فتكلم بشيء‪ ،‬وأعطى الخمار كثيرا من ماله‪ ،‬فلما أفاق أخبر بذلك فحرمها على نفسه‪ ،‬وفيها يقول‪:‬‬
‫خصال تفسد الرجل الحليما‬ ‫رأيت الخمر صالحة وفيها‬
‫ول أشفى بها أبدا سقيما‬ ‫فل وال أشربها صحيحا‬
‫ول أدعو لها أبدا نديما‬ ‫ول أعطي بها ثمنا حياتي‬
‫وتجنيهم بها المر العظيما‬ ‫فإن الخمر تفضح شاربيها‬
‫قال أبو عمر‪ :‬وروى ابن العرابي عن المفضل الضبي أن هذه البيات لبي محجن الثقفي قالها‬
‫في تركه الخمر‪ ،‬وهو القائل رضي ال عنه‪:‬‬
‫تروي عظامي بعد موتي عروقها‬ ‫إذا مت فادفني إلى جنب كرمة‬
‫أخاف إذا ما مت أن ل أذوقها‬ ‫ول تدفنني بالفلة فإنني‬
‫وجلده عمر الحد عليها مرارا‪ ،‬ونفاه إلى جزيرة في البحر‪ ،‬فلحق بسعد فكتب إليه عمر أن يحبسه‬
‫فحبسه‪ ،‬وكان أحد الشجعان البهم‪ ،‬فلما كان من أمره في حرب القادسية ما هو معروف حل قيوده‬
‫وقال ل نجلدك على الخمفر أبدا‪ .‬قال أبفو محجفن‪ :‬وأنفا وال ل أشربهفا أبدا‪ ،‬فلم يشربهفا بعفد ذلك‪.‬‬
‫وفي رواية‪ :‬قد كنت أشربها إذ يقام علي الحد وأطهر منها‪ ،‬وأما إذ بهرجتني فوال ل أشربها أبدا‪.‬‬
‫وذكر الهيثم بن عدي أنه أخبره من رأى قبر أبي محجن بأذربيجان‪ ،‬أو قال‪ :‬في نواحي جرجان‪،‬‬
‫وقفد نبتفت عليفه ثلث أصفول كرم وقفد طالت وأثمرت‪ ،‬وهفي معروشفة على قفبره‪ ،‬ومكتوب على‬
‫القبر "هذا قبر أبي محجن" قال‪ :‬فجعلت أتعجب وأذكر قوله‪:‬‬
‫إذا مت فادفني إلى جنب كرمة‬
‫ثفم إن الشارب يصفير ضحكفة للعقلء‪ ،‬فيلعفب ببوله وعذرتفه‪ ،‬وربمفا يمسفح وجهفه‪ ،‬حتفى رؤي‬
‫بعضهفم يمسفح وجهفه ببوله ويقول‪ :‬اللهفم اجعلنفي مفن التوابيفن واجعلنفي مفن المتطهريفن ورؤي‬
‫بعضهم والكلب يلحس وجهه وهو يقول له‪ :‬أكرمك ال‪.‬‬
‫وأما القمار فيورث العداوة والبغضاء‪ ،‬لنه أكل مال الغير بالباطل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومناففع للناس" أمفا ففي الخمفر فربفح التجارة‪ ،‬فإنهفم كانوا يجلبونهفا مفن الشام‬
‫برخص فيبيعونها في الحجاز بربح‪ ،‬وكانوا ل يرون المماسكة فيها‪ ،‬فيشتري طالب الخمر الخمر‬
‫بالثمفن الغالي‪ .‬هذا أصفح مفا قيفل ففي منفعتهفا‪ ،‬وقفد قيفل ففي منافعهفا‪ :‬إنهفا تهضفم الطعام‪ ،‬وتقوي‬
‫الضعفف‪ ،‬وتعيفن على الباه‪ ،‬وتسفخي البخيفل‪ ،‬وتشجفع الجبان‪ ،‬وتصففي اللون‪ ،‬إلى غيفر ذلك مفن‬
‫اللذة بها‪ .‬وقد قال حسان بن ثابت رضي ال عنه‪:‬‬
‫وأسدا ما ينهنهنا اللقاء‬ ‫ونشربها فتتركنا ملوكا‬
‫إلى غير ذلك من أفراحها‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫رب الخورنق والسدير‬ ‫فإذا شربت فإنني‬
‫رب الشويهة والبعير‬ ‫وإذا صحوت فإنني‬
‫ومنفعفة الميسفر مصفير الشيفء إلى النسفان ففي القمار بغيفر كفد ول تعفب‪ ،‬فكانوا يشترون الجزور‬
‫ويضربون بسهامهم‪ ،‬فمن خرج سهمه أخذ نصيبه من اللحم ول يكون عليه من الثمن شيء‪ ،‬ومن‬
‫بقفي سفهمه آخفر كان عليفه ثمفن الجزور كله ول يكون له مفن اللحفم شيفء‪ .‬وقيفل‪ :‬منفعتفه التوسفعة‬
‫على المحاويج‪ ،‬فإن من قمر منهم كان ل يأكل من الجزور وكان يفرقه في المحتاجين‪.‬‬
‫وسفهام الميسفر أحد عشر سهما‪ ،‬منها سبعة لهفا حظوظ وفيها فروض على عدد الحظوظ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫"الففذ" وفيفه علمفة واحدة له نصفيب وعليفه نصفيب إن خاب‪ .‬الثانفي‪" :‬التوأم" وفيفه علمتان وله‬
‫وعليفه نصفيبان‪ .‬الثالث‪" :‬الرقيفب" وفيفه ثلث علمات على مفا ذكرنفا‪ .‬الرابفع‪" :‬حلس" وله أربفع‪.‬‬
‫الخامس‪" :‬الناففز" والنافس أيضا وله خمس‪ .‬السادس‪" :‬المسبل" وله ست‪ .‬السابع‪" :‬المعلى" وله‬
‫سبع‪ .‬فذلك ثمانية وعشرون فرضا‪ ،‬وأنصباء الجزور كذلك في قول الصمعي‪ .‬وبقي من السهام‬
‫أربعففة‪ ،‬وهففي الغفال ل فروض لهففا ول أنصففباء‪ ،‬وهففي‪" :‬المصففدر" و"المضعففف" و"المنيففح"‬
‫و"السففيح"‪ .‬وقيفل‪ :‬الباقيفة الغفال الثلثفة‪" :‬السففيح" و"المنيفح" و"الوغفد" تزاد هذه الثلثفة لتكثفر‬
‫السفهام على الذي يجيلهفا فل يجفد إلى الميفل مفع أحفد سفبيل‪ .‬ويسفمى المجيفل المفيفض والضارب‬
‫والضريفب والجمفع الضرباء‪ .‬وقيفل‪ :‬يجعفل خلففه رقيفب لئل يحابفي أحدا‪ ،‬ثفم يجثفو الضريفب على‬
‫ركبتيففه‪ ،‬ويلتحففف بثوب ويخرج رأسففه ويدخففل يده فففي الربابففة فيخرج‪ .‬وكانففت عادة العرب أن‬
‫تضرب الجزور بهذه السفهام ففي الشتوة وضيفق الوقفت وكلب البرد على الفقراء‪ ،‬يشترى الجزور‬
‫ويضمن اليسار ثمنها ويرضي صاحبها من حقه‪ ،‬وكانوا يفتخرون بذلك ويذمون من لم يفعل ذلك‬
‫منهم‪ ،‬ويسمونه "البرم" قال متمم بن نويرة‪:‬‬
‫إذا القشع من برد الشتاء تقعقعا‬ ‫ول برما تهدي النساء لعرسه‬
‫ثم تنحر وتقسم على عشرة أقسام‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وأخطأ الصمعي في قسمة الجزور‪ ،‬فذكر أنها‬
‫على قدر حظوظ السفهام ثمانيفة وعشرون قسففما‪ ،‬وليفس كذلك‪ ،‬ثفم يضرب على العشرة فمففن فاز‬
‫سهمه بأن يخرج من الربابة متقدما أخذ أنصباءه وأعطاها الفقراء‪ .‬والربابة (بكسر الراء)‪ :‬شبيهة‬
‫بالكنانفة تجمفع فيهفا سفهام الميسفر‪ ،‬وربمفا سفموا جميفع السفهام ربابفة‪ ،‬قال أبفو ذؤيفب يصفف الحمار‬
‫وأتنه‪:‬‬
‫يسر يفيض على القداح ويصدع‬ ‫وكأنهن ربابة وكأنه‬
‫والربابة أيضا‪ :‬العهد والميثاق‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وقبلك ربتني فضعت ربوب‬ ‫وكنت امرأ أفضت إليك ربابتي‬
‫وففي أحيان ربمفا تقامروا لنفسفهم ثفم يغرم الثمفن مفن لم يففز سفهمه‪ ،‬كمفا تقدم‪ .‬ويعيفش بهذه السفيرة‬
‫فقراء الحي‪ ،‬ومنه قول العشى‪:‬‬
‫والجاعلو القوت على الياسر‬ ‫المطعمو الضيف إذا ما شتوا‬
‫ومنه قول الخر‪:‬‬
‫يعود بأرزاق العفاة منيحها‬ ‫بأيديهم مقرومة ومغالق‬
‫و"المنيح" في هذا البيت المستمنح‪ ،‬لنهم كانوا يستعيرون السهم الذي قد امّلس وكثر فوزه‪ ،‬فذلك‬
‫المنيفح الممدوح‪ .‬وأمفا المنيفح الذي هفو أحفد الغفال فذلك إنمفا يوصفف بالكفر‪ ،‬وإياه أراد الخطفل‬
‫بقوله‪:‬‬
‫كر المنيح وجلن ثم مجال‬ ‫ولقد عطفن على فزارة عطفة‬
‫وفي الصحاح‪" :‬والمنيح سهم من سهام الميسر مما ل نصيب له إل أن يمنح صاحبه شيئا"‪ .‬ومن‬
‫الميسر قول لبيد‪:‬‬
‫فواحش ينعى ذكرها بالمصايف‬ ‫إذا يسروا لم يورث اليسر بينهم‬
‫فهذا كله نفع الميسر‪ ،‬إل أنه أكل المال بالباطل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإثمهمفا أكفبر مفن نفعهمفا" أعلم ال جفل وعفز أن الثفم أكفبر مفن النففع‪ ،‬وأعود‬
‫بالضرر فففي الخرة‪ ،‬فالثففم الكففبير بعففد التحريففم‪ ،‬والمنافففع قبففل التحريففم‪ .‬وقرأ حمزة والكسففائي‬
‫"كثيفر" بالثاء المثلثفة‪ ،‬وحجتهمفا أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم لعفن الخمفر ولعفن معهفا عشرة‪:‬‬
‫بائعها ومبتاعها والمشتراة له وعاصرها والمعصورة له وساقيها وشاربها وحاملها والمحمولة له‬
‫وآكل ثمنها‪ .‬وأيضا فجمع المنافع يحسن معه جمع الثام‪ .‬و"كثير" بالثاء المثلثة يعطي ذلك‪ .‬وقرأ‬
‫باقفي القراء وجمهور الناس "كفبير" بالباء الموحدة‪ ،‬وحجتهفم أن الذنفب ففي القمار وشرب الخمفر‬
‫مفن الكبائر‪ ،‬فوصففه بالكفبير أليفق‪ .‬وأيضفا فاتفاقهفم على "أكفبر" حجفة لفف "كفبير" بالباء بواحدة‪.‬‬
‫وأجمعوا على رفض "أكثفر" بالثاء المثلثة‪ ،‬إل في مصحف عبدال بن مسعود فإن فيه "قل فيهما‬
‫إثم كثير" "وإثمهما أكثر" بالثاء مثلثة في الحرفين‪.‬‬
‫@ قال قوم من أهل النظر‪ :‬حرمت الخمر بهذه الية‪ ،‬لن ال تعالى قد قال‪" :‬قل إنما حرم ربي‬
‫الفواحش ما ظهفر منها وما بطن والثم" [العراف‪ ]33 :‬فأخبر في هذه الية أن فيها إثما فهو‬
‫حرام‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬ليس هذا النظر بجيد‪ ،‬لن الثم الذي فيها هو الحرام‪ ،‬ل هي بعينها على ما‬
‫يقتضيه هذا النظر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقال بعضهم‪ :‬في هذه الية ما دل على تحريم الخمر لنه سماه إثما‪ ،‬وقد حرم الثم في آية‬
‫أخرى‪ ،‬وهفو قوله عفز وجفل‪" :‬قفل إنمفا حرم ربفي الفواحفش مفا ظهفر منهفا ومفا بطفن والثفم" وقال‬
‫بعضهم‪ :‬الثم أراد به الخمر‪ ،‬بدليل قول الشاعر‪:‬‬
‫كذاك الثم يذهب بالعقول‬ ‫شربت الثم حتى ضل عقلي‬
‫قلت‪ :‬وهذا أيضفا ليفس بجيفد‪ ،‬لن ال تعالى لم يسفم الخمفر إثمفا ففي هذه اليفة‪ ،‬وإنمفا قال‪" :‬قفل‬
‫فيهمفا إثفم كفبير" ولم يقفل‪ :‬قفل همفا إثفم كفبير‪ .‬وأمفا آيفة "العراف" وبيفت الشعفر فيأتفي الكلم فيهمفا‬
‫هناك مبينا‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪ .‬وقد قال قتادة‪ :‬إنما في هذه الية ذم الخمر‪ ،‬فأما التحريم فيعلم بآية‬
‫أخرى وهي آية "المائدة" وعلى هذا أكثر المفسرين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويسفألونك ماذا ينفقون قفل العففو كذلك يفبين ال لكفم اليات لعلكفم تتفكرون" "قفل‬
‫العفو" قراءة الجمهور بالنصب‪ .‬وقرأ أبو عمرو وحده بالرفع‪ .‬واختلف فيه عن ابن كثير‪ .‬وبالرفع‬
‫قراءة الحسفففن وقتادة وابففن أبففي إسففحاق‪ .‬قال النحاس وغيره‪ :‬إن جعلت "ذا" بمعنفففى الذي كان‬
‫الختيار الرففع‪ ،‬على معنفى‪ :‬الذي ينفقون هفو العففو‪ ،‬وجاز النصفب‪ .‬وإن جعلت "مفا" و"ذا" شيئا‬
‫واحدا كان الختيار النصفب‪ ،‬على معنفى‪ :‬قفل ينفقون العففو‪ ،‬وجاز الرففع‪ .‬وحكفى النحويون‪ :‬ماذا‬
‫تعلمت‪ :‬أنحوا أم شعرا؟ بالنصب والرفع‪ ،‬على أنهما جيدان حسنان‪ ،‬إل أن التفسير في الية على‬
‫النصب‪.‬‬
‫@قال العلماء‪ :‬لما كان السؤال في الية المتقدمة في قوله تعالى‪" :‬ويسألونك ماذا ينفقون" سؤال‬
‫عفن النفقفة إلى مفن تصفرف‪ ،‬كمفا بيناه ودل عليفه الجواب‪ ،‬والجواب خرج على وففق السفؤال‪ ،‬كان‬
‫السؤال الثاني في هذه الية عن قدر النفاق‪ ،‬وهو في شأن عمرو بن الجموح ‪ -‬كما تقدم ‪ -‬فإنه لما‬
‫نزل "قل ما أنفقتم من خير فللوالدين" [البقرة‪ ]215 :‬قال‪ :‬كم أنفق؟ فنزل‪" :‬قل العفو" والعفو‪:‬‬
‫ما سهل وتيسر وفضل‪ ،‬ولم يشق على القلب إخراجه‪ ،‬ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫ول تنطقي في سورتي حين أغضب‬ ‫خذي العفو مني تستديمي مودتي‬
‫فالمعنفى‪ :‬أنفقوا مفا فضفل عفن حوائجكفم‪ ،‬ولم تؤذوا فيفه أنفسفكم فتكونوا عالة‪ ،‬هذا أولى مفا قيفل ففي‬
‫تأويفل اليفة‪ ،‬وهفو معنفى قول الحسفن وقتادة وعطاء والسفدي والقرظفي محمفد بفن كعفب وابفن أبفي‬
‫ليلى وغيرهم‪ ،‬قالوا‪( :‬العفو ما فضل عن العيال)‪ ،‬ونحوه عن ابن عباس وقال مجاهد‪ :‬صدقة عن‬
‫ظهفر غنفى وكذا قال عليفه السفلم‪( :‬خيفر الصفدقة مفا أنفقفت عفن غنفى) وففي حديفث آخفر‪( :‬خيفر‬
‫الصدقة ما كان عن ظهر غنى)‪ .‬وقال قيس بن سعد‪ :‬هذه الزكاة المفروضة‪ .‬وقال جمهور العلماء‪:‬‬
‫بل هي نفقات التطوع‪ .‬وقيل‪ :‬هي منسوخة‪ .‬وقال الكلبي‪ :‬كان الرجل بعد نزول هذه الية إذا كان‬
‫له مال مفن ذهفب أو فضفة أو زرع أو ضرع نظفر إلى مفا يكفيفه وعياله لنفقفة سفنة أمسفكه وتصفدق‬
‫بسفائره‪ ،‬وإن كان ممفن يعمفل بيده أمسفك مفا يكفيفه وعياله يومفا وتصفدق بالباقفي‪ ،‬حتفى نزلت آيفه‬
‫الزكاة المفروضة فنسخت هذه الية وكل صدقة أمروا بها‪ .‬وقال قوم‪ :‬هي محكمة‪ ،‬وفي المال حق‬
‫سوى الزكاة‪ .‬والظاهر يدل على القول الول‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذلك يفبين ال لكفم اليات" قال المفضفل بفن سفلمة‪ :‬أي ففي أمفر النفقفة‪" .‬لعلكفم‬
‫تتفكرون" فتحبسفون مفن أموالكفم مفا يصفلحكم ففي معاش الدنيفا وتنفقون الباقفي فيمفا ينفعكفم ففي‬
‫العقبى‪ .‬وقيل‪ :‬في الكلم تقديم وتأخير‪ ،‬أي كذلك يبين ال لكم اليات في أمر الدنيا والخرة لعلكم‬
‫تتفكرون في الدنيا وزوالها وفنائها فتزهدون فيها‪ ،‬وفي إقبال الخرة وبقائها فترغبون فيها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 220 :‬في الدنيا والخرة ويسألونك عن اليتامى قل إصلح لهم خير وإن تخالطوهم‬
‫فإخوانكم وال يعلم المفسد من المصلح ولو شاء ال لعنتكم إن ال عزيز حكيم}‬
‫@روى أبفو داود والنسفائي عن ابفن عباس قال‪( :‬لمفا أنزل ال تعالى‪" :‬ول تقربوا مال اليتيفم إل‬
‫بالتي هي أحسن" [النعام‪ ]152 :‬و"إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما" [النساء‪ ]10 :‬الية‪،‬‬
‫انطلق مفن كان عنده يتيفم فعزل طعامفه مفن طعامفه وشرابفه مفن شرابفه فجعفل يفضفل مفن طعامفه‬
‫فيحبفس له‪ ،‬حتفى يأكله أو يفسفد‪ ،‬فاشتفد ذلك عليهفم‪ ،‬فذكروا ذلك لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫فأنزل ال تعالى‪" :‬ويسفألونك عفن اليتامفى قفل إصفلح لهفم خيفر" اليفة‪ ،‬فخلطوا طعامهفم بطعامفه‬
‫وشرابهفم بشرابفه)‪ ،‬لففظ أبفي داود‪ .‬واليفة متصفلة بمفا قبفل‪ ،‬لنفه اقترن بذكفر الموال المفر بحففظ‬
‫أموال اليتامفى‪ .‬وقيفل‪ :‬إن السفائل عبدال بفن رواحفة‪ .‬وقيفل‪ :‬كانفت العرب تتشاءم بملبسفة أموال‬
‫اليتامى في مؤاكلتهم‪ ،‬فنزلت هذه الية‪.‬‬
‫@لما أذن ال جل وعز في مخالطة اليتام مع قصد الصلح بالنظر إليهم وفيهم كان ذلك دليل‬
‫على جواز التصرف في مال اليتيم‪ ،‬تصرف الوصي في البيع والقسمة وغير ذلك‪ ،‬على الطلق‬
‫لهذه اليفة‪ .‬فإذا كففل الرجفل اليتيفم وحازه وكان ففي نظره جاز عليفه فعله وإن لم يقدمفه وال عليفه‪،‬‬
‫لن اليفة مطلقفة والكفالة وليفة عامفة‪ .‬لم يؤثفر عفن أحفد مفن الخلفاء أنفه قدم أحدا على يتيفم مفع‬
‫وجودهم في أزمنتهم‪ ،‬وإنما كانوا يقتصرون على كونهم عندهم‪.‬‬
‫@تواترت الثار في دفع مال اليتيم مضاربة والتجارة فيه‪ ،‬وفي جواز خلط ماله بماله دللة على‬
‫جواز التصفرف ففي ماله بالبيفع والشراء إذا واففق الصفلح‪ ،‬وجواز دفعفه مضاربفة‪ ،‬إلى غيفر ذلك‬
‫على مفا نذكره مبينفا‪ .‬واختلف ففي عمله هفو قراضفا‪ ،‬فمنعفه أشهفب‪ ،‬وقاسفه على منعفه مفن أن يفبيع‬
‫لهففم مففن نفسففه أو يشتري لهففا‪ .‬وقال غيره‪ :‬إذا أخذه على جزء مففن الربففح بنسففبة قراض مثله فيففه‬
‫أمضفي‪ ،‬كشرائه شيئا لليتيفم بتعقفب فيكون أحسفن لليتيفم‪ .‬قال محمفد بفن عبدالحكفم‪ :‬وله أن يفبيع له‬
‫بالديففن إن رأى ذلك نظرا‪ .‬قال ابففن كنانففة‪ :‬وله أن ينفففق فففي عرس اليتيففم مففا يصففلح مففن صففنيع‬
‫وطيفب‪ ،‬ومصفلحته بقدر حاله وحال مفن يزوج إليفه‪ ،‬وبقدر كثرة ماله‪ .‬قال‪ :‬وكذلك ففي ختانفه‪ ،‬فإن‬
‫خشي أن يتهم رفع ذلك إلى السلطان فيأمره بالقصد‪ ،‬وكل ما فعله على وجه النظر فهو جائز‪ ،‬وما‬
‫فعله على وجفه المحاباة وسفوء النظفر فل يجوز‪ .‬ودل الظاهفر على أن ولي اليتيفم يعلمفه أمفر الدنيفا‬
‫والخرة‪ ،‬ويستأجر له ويؤاجره ممن يعلمه الصناعات‪ .‬وإذا وهب لليتيم شيء فللوصي أن يقبضه‬
‫لما فيه من الصلح‪ .‬وسيأتي لهذا مزيد بيان في "النساء" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@ولما ينفقه الوصي والكفيل من مال اليتيفم حالتان‪ :‬حالة يمكنه الشهاد عليه‪ ،‬فل يقبل قوله إل‬
‫ببينفة‪ .‬وحالة ل يمكنفه الشهاد عليفه فقوله مقبول بغيفر بينفة‪ ،‬فمهمفا اشترى مفن العقار ومفا جرت‬
‫العادة بالتوثق فيه لم يقبل قوله بغير بينة‪ .‬قال ابن خويز منداد‪ :‬ولذلك فرق أصحابنا بين أن يكون‬
‫اليتيفم ففي دار الوصفي ينففق عليفه فل يكلف الشهاد على نفقتفه وكسفوته‪ ،‬لنفه يتعذر عليفه الشهاد‬
‫على ما يأكله ويلبسه في كل وقت‪ ،‬ولكن إذا قال‪ :‬أنفقت نفقة لسنة قبل منه‪ ،‬وبين أن يكون عند أمه‬
‫أو حاضنته فيدعي الوصي أنه كان ينفق عليه‪ ،‬أو كان يعطي الم أو الحاضنة النفقة والكسوة فل‬
‫يقبل قوله على الم أو الحاضنة إل ببينة أنها كانت تقبض ذلك له مشاهرة أو مساناة‪.‬‬
‫@واختلف العلماء ففي الرجفل ينكفح نفسفه مفن يتيمفه‪ ،‬وهفل له أن يشتري لنفسفه مفن مال يتيمفه أو‬
‫يتيمتفه؟ فقال مالك‪ :‬وليفة النكاح بالكفالة والحضانفة أقوى منهفا بالقرابفة‪ ،‬حتفى قال ففي العراب‬
‫الذيفن يسفلمون أولدهفم ففي أيام المجاعفة‪ :‬إنهفم ينكحونهفم إنكاحهفم‪ ،‬فأمفا إنكاح الكاففل والحاضفن‬
‫لنفسه فيأتي في "النساء" بيانه‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪ .‬وأما الشراء منه فقال مالك‪ :‬يشتري في مشهور‬
‫القوال‪ ،‬وكذلك قال أبفو حنيففة‪ :‬له أن يشتري مال الطففل اليتيفم لنفسفه بأكثفر مفن ثمفن المثفل‪ ،‬لنفه‬
‫إصلح دل عليه ظاهر القرآن‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ل يجوز ذلك في النكاح ول في البيع‪ ،‬لنه لم يذكر‬
‫في الية التصرف‪ ،‬بل قال‪" :‬إصلح لهم خير" من غير أن يذكر فيه الذي يجوز له النظر‪ .‬وأبو‬
‫حنيففة يقول‪ :‬إذا كان الصفلح خيرا فيجوز تزويجفه ويجوز أن يزوج منفه‪ .‬والشافعفي ل يرى ففي‬
‫التزويج إصلحا إل من جهة دفع الحاجة‪ ،‬ول حاجة قبل البلوغ‪ .‬وأحمد بن حنبل يجوز للوصفي‬
‫التزويج لنه إصلح‪ .‬والشافعي يجوز للجد التزويج مع الوصي‪ ،‬وللب في حق ولده الذي ماتت‬
‫أمفه ل بحكفم هذه اليفة‪ .‬وأبفو حنيففة يجوز للقاضفي تزويفج اليتيفم بظاهفر القرآن‪ .‬وهذه المذاهفب‬
‫نشأت مففن هذه اليففة‪ ،‬فإن ثبففت كون التزويففج إصففلحا فظاهففر اليففة يقتضففي جوازه‪ .‬ويجوز أن‬
‫يكون معنففى قوله تعالى‪" :‬ويسففألونك عففن اليتامففى" أي يسففألك القوام على اليتامففى الكافلون لهففم‪،‬‬
‫وذلك مجمل ل يعلم منه عين الكافل والقيم وما يشترط فيه من الوصاف‪.‬‬
‫فإن قيفل‪ :‬يلزم ترك مالك أصفله ففي التهمفة والذرائع إذ جوز له الشراء مفن يتيمفه‪ ،‬فالجواب أن‬
‫ذلك ل يلزم‪ ،‬وإنمففا يكون ذلك ذريعففة فيمففا يؤدى مففن الفعال المحظورة إلى محظورة منصففوص‬
‫عليها‪ ،‬وأما ههنا فقد أذن ال سبحانه في صورة المخالطة‪ ،‬ووكل الحاضنين في ذلك إلى أمانتهم‬
‫بقوله‪" :‬وال يعلم المفسفد مفن المصفلح" وكفل أمفر مخوف وكفل ال سفبحانه المكلف إلى أمانتفه ل‬
‫يقال فيفه‪ :‬إنفه يتذرع إلى محظور بفه فيمنفع منفه‪ ،‬كمفا جعفل ال النسفاء مؤتمنات على فروجهفن‪ ،‬مفع‬
‫عظيم ما يترتب على قولهن في ذلك من الحكام‪ ،‬ويرتبفط به من الحل والحرمة والنساب‪ ،‬وإن‬
‫جاز أن يكذبففن‪ .‬وكان طاوس إذا سففئل عففن شيففء مففن أمففر اليتامففى قرأ‪" :‬وال يعلم المفسففد مففن‬
‫المصفلح"‪ .‬وكان ابفن سفيرين أحفب الشياء إليفه ففي مال اليتيفم أن يجتمفع نصفحاؤه فينظرون الذي‬
‫هففو خيففر له‪ ،‬ذكره البخاري‪ .‬وفففي هذا دللة على جواز الشراء منففه لنفسففه‪ ،‬كمففا ذكرنففا‪ .‬والقول‬
‫الخر أنه ل ينبغي للولي أن يشتري مما تحت يده شيئا‪ ،‬لما يلحقه في ذلك من التهمة إل أن يكون‬
‫البيع في ذلك بيع سلطان في مل من الناس‪ .‬وقال محمد بن عبدالحكم‪ :‬ل يشتري من التركة‪ ،‬ول‬
‫بأس أن يدس من يشتري له منها إذا لم يعلم أنه من قبله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تخالطوهم فإخوانكم" هذه المخالطة كخلط المثل بالمثل كالتمر بالتمر‪ .‬وقال‬
‫أبو عبيد‪ :‬مخالطة اليتامى أن يكون لحدهم المال ويشق على كافله أن يفرد طعامه عنه‪ ،‬ول يجد‬
‫بدا من خلطه بعياله فيأخذ من مال اليتيم ما يرى أنه كافيه بالتحري فيجعله مع نفقة أهله‪ ،‬وهذا قد‬
‫يقفع فيفه الزيادة والنقصفان‪ ،‬فجاءت هذه اليفة الناسفخة بالرخصفة فيفه‪ .‬قال أبفو عبيفد‪ :‬وهذا عندي‬
‫أصفل لمفا يفعله الرفقاء ففي السففار فإنهفم يتخارجون النفقات بينهفم بالسفوية‪ ،‬وقفد يتفاوتون ففي قلة‬
‫المطعفم وكثرتفه‪ ،‬وليفس كفل مفن قفل مطعمفه تطيفب نفسفه بالتفضفل على رفيقفه‪ ،‬فلمفا كان هذا ففي‬
‫أموال اليتامى واسعا كان في غيرهم أوسع‪ ،‬ولول ذلك لخفت أن يضيق فيه المر على الناس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإخوانكفم" خفبر لمبتدأ محذوف‪ ،‬أي فهفم إخوانكفم‪ ،‬والفاء جواب الشرط‪ .‬وقوله‬
‫تعالى‪" :‬وال يعلم المفسفد مفن المصفلح" تحذيفر‪ ،‬أي يعلم المفسفد لموال اليتامفى مفن المصفلح لهفا‪،‬‬
‫فيجازي كل على إصلحه وإفساده‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو شاء ال لعنتكفم" روى الحكفم عفن مقسفم عفن ابفن عباس‪" :‬ولو شاء ال‬
‫لعنتكم" قال‪(:‬لو شاء لجعل ما أصبتم من أموال اليتامى موبقا)‪ .‬وقيل‪" :‬لعنتكم" لهلككم‪ ،‬عن‬
‫الزجاج وأبي عبيدة‪ .‬وقال القتبي‪ :‬لضيق عليكم وشدد‪ ،‬ولكنه لم يشأ إل التسهيل عليكم‪ .‬وقيل‪ :‬أي‬
‫لكلفكفم مفا يشتفد عليكفم أداؤه وأثمكفم ففي مخالطتهفم‪ ،‬كمفا فعفل بمفن كان قبلكفم‪ ،‬ولكنفه خففف عنكفم‪.‬‬
‫والعنت‪ :‬المشقة‪ ،‬وقد عنت وأعنته غيره‪ .‬ويقال للعظم المجبور إذا أصابه شيء فهاضه‪ :‬قد أعنته‪،‬‬
‫فهفو عنفت ومعنفت‪ .‬وعنتفت الدابفة تعنفت عنتفا‪ :‬إذا حدث ففي قوائمهفا كسفر بعفد جفبر ل يمكنهفا معفه‬
‫جري‪ .‬وأكمفة عنوت‪ :‬شاقفة المصفعد‪ .‬وقال ابفن النباري‪ :‬أصفل العنفت التشديفد‪ ،‬فإذا قالت العرب‪:‬‬
‫فلن يتعنفت فلنفا ويعنتفه فمرادهفا يشدد عليفه ويلزمفه مفا يصفعب عليفه أداؤه‪ ،‬ثفم نقلت إلى معنفى‬
‫الهلك‪ .‬والصل ما وصفنا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال عزيفز" أي ل يمتنفع عليفه شيفء "حكيفم" يتصفرف ففي ملكفه بمفا يريفد ل‬
‫حجر عليه‪ ،‬جل وتعالى علوا كبيرا‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 221 :‬ول تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم‬
‫ول تنكحوا المشركيفن حتفى يؤمنوا ولعبفد مؤمفن خيفر مفن مشرك ولو أعجبكفم أولئك يدعون إلى‬
‫النار وال يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تنكحوا" قراءة الجمهور بفتح التاء‪ .‬وقرئت في الشاذ بالضم‪ ،‬كأن المعنى أن‬
‫المتزوج لها أنكحها من نفسه‪ .‬ونكح أصله الجماع‪ ،‬ويستعمل في التزوج تجوزا واتساعا‪ ،‬وسيأتي‬
‫بيانه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫لما أذن ال سبحانه وتعالى في مخالطة اليتام‪ ،‬وفي مخالطة النكاح بين أن مناكحة المشركين‬
‫ل تصح‪ .‬وقال مقاتل‪ :‬نزلت هذه الية في أبي مرثد الغنوي‪ ،‬وقيل‪ :‬في مرثد بن أبي مرثد‪ ،‬واسمه‬
‫كناز بففن حصففين الغنوي‪ ،‬بعثففه رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم مكففة سففرا ليخرج رجل مففن‬
‫أصحابه‪ ،‬وكانت له بمكة امرأة يحبها في الجاهلية يقال لها "عناق" فجاءته‪ ،‬فقال لها‪ :‬إن السلم‬
‫حرم مفا كان ففي الجاهليفة‪ ،‬قالت‪ :‬فتزوجنفي‪ ،‬قال‪ :‬حتفى أسفتأذن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪،‬‬
‫فأتفى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فاسفتأذنه فنهاه عفن التزوج بهفا‪ ،‬لنفه كان مسفلما وهفي مشركفة‪.‬‬
‫وسيأتي في "النور" بيانه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@واختلف العلماء فففي تأويفل هذه اليففة‪ ،‬فقالت طائففة‪ :‬حرم ال نكاح المشركات فففي سفورة‬
‫"البقرة" ثم نسخ من هذه الجملة نساء أهل الكتاب‪ ،‬فأحلهن في سورة "المائدة"‪ .‬وروي هذا القول‬
‫عففن ابففن عباس‪ ،‬وبففه قال مالك بففن أنففس وسفففيان بففن سففعيد الثوري‪ ،‬وعبدالرحمففن بففن عمرو‬
‫الوزاعفي‪ .‬وقال قتادة وسفعيد بفن جفبير‪ :‬لففظ اليفة العموم ففي كفل كافرة‪ ،‬والمراد بهفا الخصفوص‬
‫ففي الكتابيات‪ ،‬وبينفت الخصفوص آيفة "المائدة" ولم يتناول العموم قفط الكتابيات‪ .‬وهذا أحفد قولي‬
‫الشافعي‪ ،‬وعلى القول الول يتناولهن العموم‪ ،‬ثم نسخت آية "المائدة" بعض العموم‪ .‬وهذا مذهب‬
‫مالك رحمفه ال‪ ،‬ذكره ابفن حفبيب‪ ،‬وقال‪ :‬ونكاح اليهوديفة والنصفرانية وإن كان قفد أحله ال تعالى‬
‫مسفتثقل مذموم‪ .‬وقال إسفحاق بفن إبراهيفم الحربفي‪ :‬ذهفب قوم فجعلوا اليفة التفي ففي "البقرة" هفي‬
‫الناسخة‪ ،‬والتي في "المائدة" هي المنسوخة‪ ،‬فحرموا نكاح كل مشركة كتابية أو غير كتابية‪ .‬قال‬
‫النحاس‪ :‬ومفن الحجفة لقائل هذا ممفا صفح سفنده مفا حدثناه محمفد بفن ريان‪ ،‬قال‪ :‬حدثنفا محمفد بفن‬
‫رمفح‪ ،‬قال‪ :‬حدثنفا الليفث عفن ناففع أن عبدال بفن عمفر كان إذا سفئل عفن نكاح الرجفل النصفرانية أو‬
‫اليهودية قال‪ :‬حرم ال المشركات على المؤمنين‪ ،‬ول أعرف شيئا من الشراك أعظم من أن تقول‬
‫المرأة ربهفا عيسفى‪ ،‬أو عبفد مفن عباد ال!‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا قول خارج عفن قول الجماعفة الذيفن‬
‫تقوم بهم الحجة‪ ،‬لنه قد قال بتحليل نكاح نساء أهل الكتاب من الصحابة والتابعين جماعة‪ ،‬منهم‬
‫عثمان وطلحفة وابفن عباس وجابر وحذيففة‪ .‬ومفن التابعيففن سفعيد بفن المسففيب وسففعيد بفن جففبير‬
‫والحسن ومجاهد وطاوس وعكرمة والشعبي والضحاك‪ ،‬وفقهاء المصار عليه‪ .‬وأيضا فيمتنع أن‬
‫تكون هذه الية من سورة "البقرة" ناسخة للية التي في سورة "المائدة" لن "البقرة" من أول ما‬
‫نزل بالمدينفة‪ ،‬و"المائدة" مفن آخفر مفا نزل‪ .‬وإنمفا الخفر ينسفخ الول‪ ،‬وأمفا حديفث ابفن عمفر فل‬
‫حجفة فيه‪ ،‬لن ابن عمر رحمه ال كان رجل متوقففا‪ ،‬فلما سمع اليتيفن‪ ،‬ففي واحدة التحليفل‪ ،‬وفي‬
‫أخرى التحريفم ولم يبلغفه النسفخ توقفف‪ ،‬ولم يؤخفذ عنفه ذكفر النسفخ وإنمفا تؤول عليفه‪ ،‬وليفس يؤخفذ‬
‫الناسفخ والمنسفوخ بالتأويفل‪ .‬وذكفر ابن عطيفة‪ :‬وقال ابفن عباس ففي بعفض مفا روي عنه‪( :‬إن الية‬
‫عامفة ففي الوثنيات والمجوسفيات والكتابيات‪ ،‬وكفل مفن على غيفر السفلم حرام)‪ ،‬فعلى هذا هفي‬
‫ناسفخة للية التفي ففي "المائدة" وينظفر إلى هذا قول ابن عمر ففي الموطأ‪ :‬ول أعلم إشراكفا أعظم‬
‫من أن تقول المرأة ربها عيسى‪ .‬وروي عن عمر أنه فرق بين طلحة بن عبيدال وحذيفة بن اليمان‬
‫وبيفن كتابيتيفن وقال‪ :‬نطلق يفا أميفر المؤمنيفن ول تغضفب‪ ،‬فقال‪ :‬لو جاز طلقكمفا لجاز نكاحكمفا!‬
‫ولكففن أفرق بينكمففا صففغرة قمأة‪ .‬قال ابففن عطيففة‪ :‬وهذا ل يسففتند جيدا‪ ،‬وأسففند منففه أن عمففر أراد‬
‫التفريق بينهما فقال له حذيفة‪ :‬أتزعم أنها حرام فأخلي سبيلها يا أمير المؤمنين؟ فقال‪ :‬ل أزعم أنها‬
‫حرام‪ ،‬ولكنففي أخاف أن تعاطوا المومسففات منهففن‪ .‬وروي عففن ابففن عباس نحففو هذا‪ .‬وذكففر ابففن‬
‫المنذر جواز نكاح الكتابيات عفن عمفر بفن الخطاب‪ ،‬ومفن ذكفر مفن الصفحابة والتابعيفن ففي قول‬
‫النحاس‪ .‬وقال ففي آخفر كلمفه‪ :‬ول يصفح عفن أحفد مفن الوائل أنفه حرم ذلك‪ .‬وقال بعفض العلماء‪:‬‬
‫وأمفا اليتان فل تعارض بينهمفا‪ ،‬فإن ظاهفر لففظ الشرك ل يتناول أهفل الكتاب‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬مفا‬
‫يود الذيففن كفروا مففن أهففل الكتاب ول المشركيففن أن ينزل عليكففم مففن خيففر مففن ربكففم" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ،]105‬وقال‪" :‬لم يكفن الذيفن كفروا مفن أهفل الكتاب والمشركيفن" [البينفة‪ ]1 :‬ففرق بينهفم ففي‬
‫اللفظ‪ ،‬وظاهر العطف يقتضي مغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه‪ ،‬وأيضا فاسم الشرك عموم‬
‫وليفففس بنفففص‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬والمحصفففنات مفففن الذيفففن أوتوا الكتاب" [المائدة‪ ]5 :‬بعفففد قوله‬
‫"والمحصفنات مفن المؤمنات" نص‪ ،‬فل تعارض بيفن المحتمل وبيفن ما ل يحتمل‪ .‬فإن قيفل‪ :‬أراد‬
‫بقوله‪" :‬والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم" أي أوتوا الكتاب من قبلكم وأسلموا‪ ،‬كقوله‬
‫"وإن مفن أهفل الكتاب لمفن يؤمفن بال" [آل عمران‪ ]199 :‬اليفة‪ .‬وقوله‪" :‬مفن أهفل الكتاب أمفة‬
‫قائمة" [آل عمران‪ ]113 :‬الية‪ .‬قيل له‪ :‬هذا خلف نص الية في قوله‪" :‬والمحصنات من الذين‬
‫أوتوا الكتاب من قبلكم" وخلف ما قاله الجمهور‪ ،‬فإنه ل يشكل على أحد جواز التزويج ممن أسلم‬
‫وصفار مفن أعيان المسفلمين‪ .‬فإن قالوا‪ :‬فقفد قال ال تعالى‪" :‬أولئك يدعون إلى النار" فجعفل العلة‬
‫ففي تحريفم نكاحهفن الدعاء إلى النار‪ .‬والجواب أن ذلك علة لقوله تعالى‪" :‬ولمفة مؤمنفة خيفر مفن‬
‫مشركففة" لن المشرك يدعففو إلى النار‪ ،‬وهذه العلة مطردة فففي جميففع الكفار‪ ،‬فالمسففلم خيففر مففن‬
‫الكافر مطلقا‪ ،‬وهذا بين‪.‬‬
‫وأمفا نكاح أهفل الكتاب إذا كانوا حربفا فل يحفل‪ ،‬وسفئل ابفن عباس عفن ذلك فقال‪ :‬ل يحفل‪ ،‬وتل‬
‫قول ال تعالى‪" :‬قاتلوا الذيففففن ل يؤمنون بال ول باليوم الخففففر" [التوبففففة‪ ]29 :‬إلى قوله‬
‫"صفاغرون"‪ .‬قال المحدث‪ :‬حدثفت بذلك إبراهيفم النخعفي فأعجبفه‪ .‬وكره مالك تزوج الحربيات‪،‬‬
‫لعلة ترك الولد في دار الحرب‪ ،‬ولتصرفها في الخمر والخنزير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولمة مؤمنة خيفر من مشركة" إخبار بأن المؤمنة المملوكة خير من المشركة‪،‬‬
‫وإن كانفت ذات الحسفب والمال‪" .‬ولو أعجبتكفم" ففي الحسفن وغيفر ذلك‪ ،‬هذا قول الطفبري وغيره‪.‬‬
‫ونزلت في خنساء وليدة سوداء كانت لحذيفة بن اليمان‪ ،‬فقال لها حذيفة‪ :‬يا خنساء‪ ،‬قد ذكرت في‬
‫المل العلى مفع سفوادك ودمامتفك‪ ،‬وأنزل ال تعالى ذكرك ففي كتابفه‪ ،‬فأعتقهفا حذيففة وتزوجهفا‪.‬‬
‫وقال السدي‪ :‬نزلت في عبداللهله بن رواحة‪ ،‬كانت له أمة سوداء فلطمها في غضب ثم ندم‪ ،‬فأتى‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فأخبره‪ ،‬فقال‪( :‬ما هي يا عبدال) قال‪ :‬تصوم وتصلي وتحسن الوضوء‬
‫وتشهد الشهادتين‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬هذه مؤمنة)‪ .‬فقال ابن رواحة‪ :‬لعتقنها‬
‫ولتزوجنهفا‪ ،‬ففعفل‪ ،‬فطعفن عليه ناس من المسفلمين وقالوا‪ :‬نكفح أمفة‪ ،‬وكانوا يرون أن ينكحوا إلى‬
‫المشركين‪ ،‬وكانوا ينكحونهم رغبة في أحسابهم‪ ،‬فنزلت هذه الية‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@واختلف العلماء ففي نكاح إماء أهفل الكتاب‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ل يجوز نكاح المفة الكتابيفة‪ .‬وقال‬
‫أشهففب فففي كتاب محمففد‪ ،‬فيمففن أسففلم وتحتففه أمففة كتابيففة‪ :‬إنففه ل يفرق بينهمففا‪ .‬وقال أبففو حنيفففة‬
‫وأصفحابه‪ ،‬يجوز نكاح إماء أهفل الكتاب‪ .‬قال ابفن العربفي‪ :‬درسفنا الشيفخ أبفو بكفر الشاشفي بمدينفة‬
‫السفلم قال‪ :‬احتفج أصفحاب أبفي حنيففة على جواز نكاح المفة الكتابيفة بقوله تعالى‪" :‬ولمفة مؤمنفة‬
‫خير من مشركة"‪ .‬ووجه الدليل من الية أن ال سبحانه خاير بين نكاح المة المؤمنة والمشركة‪،‬‬
‫فلول أن نكاح المة المشركة جائز لما خاير ال تعالى بينهما‪ ،‬لن المخايرة إنما هي بين الجائزين‬
‫ل بين جائز وممتنع‪ ،‬ول بين متضادين‪ .‬والجواب أن المخايرة بين الضدين تجوز لغة وقرآنا‪ :‬لن‬
‫ال سفبحانه قال‪" :‬أصفحاب الجنفة يومئذ خيفر مسفتقرا وأحسفن مقيل" [الفرقان‪ .]24 :‬وقال عمفر‬
‫ففي رسفالته لبفي موسفى‪" :‬الرجوع إلى الحفق خيفر مفن التمادي ففي الباطفل"‪ .‬جواب آخفر‪ :‬قوله‬
‫تعالى‪" :‬ولمفة" لم يرد بفه الرق المملوك وإنمفا أراد بفه الدميفة‪ ،‬والدميات والدميون بأجمعهفم‬
‫عبيدال وإماؤه‪ ،‬قاله القاضي بالبصرة أبو العباس الجرجاني‪.‬‬
‫@واختلفوا ففي نكاح نسفاء المجوس‪ ،‬فمنفع مالك والشافعفي وأبفو حنيففة والوزاعفي وإسفحاق مفن‬
‫ذلك‪ .‬وقال ابفن حنبفل‪ :‬ل يعجبنفي‪ .‬وروي أن حذيففة بفن اليمان تزوج مجوسفية‪ ،‬وأن عمفر قال له‪:‬‬
‫طلقهفا‪ .‬وقال ابفن القصففار‪ :‬قال بعفض أصفحابنا‪ :‬يجفب على أحفد القوليفن أن لهفم كتابفا أن تجوز‬
‫مناكحتهفم‪ .‬وروى ابفن وهفب عفن مالك أن المفة المجوسفية ل يجوز أن توطفأ بملك اليميفن‪ ،‬وكذلك‬
‫الوثنيات وغيرهفن مفن الكافرات‪ ،‬وعلى هذا جماعفة العلماء‪ ،‬إل مفا رواه يحيفى بفن أيوب عفن ابفن‬
‫جريفج عفن عطاء وعمرو بفن دينار أنهمفا سفئل عفن نكاح الماء المجوسفيات‪ ،‬فقال‪ :‬ل بأس بذلك‪.‬‬
‫وتأول قول ال عفز وجفل‪" :‬ول تنكحوا المشركات"‪ .‬فهذا عندهمفا على عقفد النكاح ل على المفة‬
‫المشتراة‪ ،‬واحتجففا بسففبي أوطاس‪ ،‬وأن الصففحابة نكحوا الماء منهففن بملك اليميففن‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫وهذا قول شاذ‪ ،‬أمفا سفبي أوطاس فقفد يجوز أن يكون الماء أسفلمن فجاز نكاحهفن وأمفا الحتجاج‬
‫بقوله تعالى‪" :‬ول تنكحوا المشركات حتفى يؤمفن" فغلط‪ ،‬لنهفم حملوا النكاح على العقفد‪ ،‬والنكاح‬
‫في اللغة يقع على العقد وعلى الوطء‪ ،‬فلما قال‪" :‬ول تنكحوا المشركات" حرم كل نكاح يقع على‬
‫المشركات مففن نكاح ووطففء‪ .‬وقال أبففو عمففر بففن عبدالبر‪ :‬وقال الوزاعففي‪ :‬سففألت الزهري عففن‬
‫الرجفل يشتري المجوسفية أيطؤهفا؟ فقال‪ :‬إذا شهدت أن ل إله إل ال وطئهفا‪ .‬وعفن يونفس عفن ابفن‬
‫شهاب قال‪ :‬ل يحفل له أن يطأهفا حتفى تسفلم‪ .‬قال أبفو عمفر‪ :‬قول ابفن شهاب ل يحفل له أن يطأهفا‬
‫حتففى تسففلم هذا ‪ -‬وهففو أعلم الناس بالمغازي والسففير ‪ -‬دليففل على فسففاد قول مففن زعففم أن سففبي‬
‫أوطاس وطئن ولم يسفلمن‪ .‬روي ذلك عفن طائففة منهفم عطاء وعمرو بفن دينار قال‪ :‬ل بأس بوطفء‬
‫المجوسفية‪ ،‬وهذا لم يلتففت إليفه أحفد مفن الفقهاء بالمصفار‪ .‬وقفد جاء عفن الحسفن البصفري ‪ -‬وهفو‬
‫ممن لم يكن غزوه ول غزو أهل ناحيته إل الفرس وما وراءهم من خراسان‪ ،‬وليس منهم أحد أهل‬
‫كتاب ‪ -‬ما يبين لك كيف كانت السيرة في نسائهم إذا سبين‪ ،‬قال‪ :‬أخبرنا عبدال بن محمد بن أسد‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا إبراهيم بن أحمد بن فراس‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا علي بن عبدالعزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا أبو عبيد‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حدثنففا هشام عففن يونففس عففن الحسففن‪ ،‬قال‪ :‬قال رجففل له‪ :‬يففا أبففا سففعيد كيففف كنتففم تصففنعون إذا‬
‫سبيتموهن؟ قال‪ :‬كنا نوجهها إلى القبلة ونأمرها أن تسلم وتشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول‬
‫ال‪ ،‬ثففم نأمرهففا أن تغتسففل‪ ،‬وإذا أراد صففاحبها أن يصففيبها لم يصففبها حتففى يسففتبرئها‪ .‬وعلى هذا‬
‫تأويففل جماعففة العلماء فففي قول ال تعالى‪" :‬ول تنكحوا المشركات حتففى يؤمففن"‪ .‬أنهففن الوثنيات‬
‫والمجوسفيات‪ ،‬لن ال تعالى قفد أحفل الكتابيات بقوله‪" :‬والمحصفنات مفن الذيفن أوتوا الكتاب مفن‬
‫قبلكفم" يعنفي العفائف‪ ،‬ل مفن شهفر زناهفا مفن المسفلمات‪ .‬ومنهفم مفن كره نكاحهفا ووطأهفا بملك‬
‫اليمين ما لم يكن منهن توبة‪ ،‬لما في ذلك من إفساد النسب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تنكحوا" أي ل تزوجوا المسفلمة مفن المشرك‪ .‬وأجمعفت المفة على أن‬
‫المشرك ل يطفأ المؤمنفة بوجفه‪ ،‬لمفا ففي ذلك مفن الغضاضفة على السفلم‪ .‬والقراء على ضفم التاء‬
‫من "تنكحوا"‪.‬‬
‫@في هذه الية دليل بالنص على أن ل نكاح إل بولي‪ .‬قال محمد بن علي بن الحسين‪" :‬النكاح‬
‫بولي في كتاب ال"‪ ،‬ثم قرأ "ول تنكحوا المشركين"‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬ثبت أن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬ل نكاح إل بولي) وقد اختلف أهل العلم في النكاح بغير ولي‪ ،‬فقال كثير من أهل‬
‫العلم‪ :‬ل نكاح إل بولي‪ ،‬روي هذا الحديفث عفن عمفر بفن الخطاب رضفي ال عنفه وعلي بفن أبفي‬
‫طالب وابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة رضي ال عنهم‪ ،‬وبه قال سعيد بن المسيب والحسن‬
‫البصفري وعمفر بفن عبدالعزيفز وجابر بفن زيفد وسففيان الثوري وابفن أبفي ليلى وابفن شبرمفة وابفن‬
‫المبارك والشافعي وعبيدال بن الحسن وأحمد وإسحاق وأبو عبيد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهفو قول مالك رضفي ال عنهفم أجمعيفن وأبفي ثور والطفبري‪ .‬قال أبفو عمفر‪ :‬حجفة مفن‬
‫قال‪( :‬ل نكاح إل بولي) أن رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم قففد ثبففت عنففه أنففه قال‪( :‬ل نكاح إل‬
‫بولي)‪ .‬روى هذا الحديث شعبة والثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم مرسل‪ ،‬فمن يقبل المراسيل يلزمه قبوله‪ ،‬وأما من ل يقبل المراسيل فيلزمه أيضا‪ ،‬لن الذين‬
‫وصلوه من أهل الحفظ والثقة‪ .‬وممن وصله إسرائيل وأبو عوانة كلهما عن أبي إسحاق عن أبي‬
‫بردة عفن أبفي موسفى عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ .‬وإسفرائيل ومفن تابعفه حفاظ‪ ،‬والحاففظ تقبفل‬
‫زيادتفه‪ ،‬وهذه الزيادة يعضدهفا أصفول‪ ،‬قال ال عفز وجفل‪" :‬فل تعضلوهفن أن ينكحفن أزواجهفن"‬
‫[البقرة‪ .]232 :‬وهذه اليفة نزلت ففي معقفل بفن يسفار إذ عضفل أختفه عفن مراجعفة زوجهفا‪ ،‬قاله‬
‫البخاري‪ .‬ولول أن له حقا في النكاح ما نهي عن العضل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومما يدل على هذا أيضا من الكتاب قوله‪" :‬فانكحوهن بإذن أهلهن" [النساء‪ ]25 :‬وقوله‪:‬‬
‫"وأنكحوا اليامفى منكفم" [النور‪ ]32 :‬فلم يخاطفب تعالى بالنكاح غيفر الرجال‪ ،‬ولو كان إلى‬
‫النسفاء لذكرهفن‪ .‬وسفيأتي بيان هذا ففي "النور" وقال تعالى حكايفة عفن شعيفب ففي قصفة موسفى‬
‫عليهمفا السفلم‪" :‬إنفي أريفد أن أنكحفك" على مفا يأتفي بيانفه ففي سفورة "القصفص"‪ .‬وقال تعالى‪:‬‬
‫"الرجال قوامون على النسفاء" [النسفاء‪ ،]34 :‬فقفد تعاضفد الكتاب والسفنة على أن ل نكاح إل‬
‫بولي‪ .‬قال الطفبري‪ :‬ففي حديفث حفصفة حيفن تأيمفت وعقفد عمفر عليهفا النكاح ولم تعقده هفي إبطال‬
‫قول من قال‪ :‬إن للمرأة البالغة المالكة لنفسها تزويج نفسها وعقد النكاح دون وليها‪ ،‬ولو كان ذلك‬
‫لهفا لم يكفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ليدع خطبفة حفصفة لنفسفها إذا كانفت أولى بنفسفها مفن‬
‫أبيهفا‪ ،‬وخطبهفا إلى مفن ل يملك أمرهفا ول العقفد عليهفا‪ ،‬وفيفه بيان قوله عليفه السفلم‪( :‬اليفم أحفق‬
‫بنفسفها مفن وليهفا) أن معنفى ذلك أنهفا أحفق بنفسفها ففي أنفه ل يعقفد عليهفا إل برضاهفا‪ ،‬ل أنهفا أحفق‬
‫بنفسها في أن تعقد عقد النكاح على نفسها دون وليها‪ .‬وروى الدارقطني عن أبي هريرة قال‪ :‬قال‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬ل تزوج المرأة المرأة ول تزوج المرأة نفسفها فإن الزانيفة هفي‬
‫التي تزوج نفسها)‪ .‬قال‪ :‬حديث صحيح‪ .‬وروى أبو داود من حديث سفيان عن الزهري عن عروة‬
‫عن عائشة قالت‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها‬
‫باطل ‪ -‬ثلث مرات ‪ -‬فإن دخل بها فالمهر لها بما أصاب منها فإن تشاجروا فالسلطان ولي من ل‬
‫ولي له) وهذا الحديفث صفحيح‪ .‬ول اعتبار بقول ابفن عليفة عفن ابفن جريفج أنفه قال‪ :‬سفألت عنفه‬
‫الزهري فلم يعرفه‪ ،‬ولم يقل هذا أحد عن ابن جريج غير ابن علية‪ ،‬وقد رواه جماعة عن الزهري‬
‫لم يذكروا ذلك‪ ،‬ولو ثبفت هذا عفن الزهري لم يكفن ففي ذلك حجفة‪ ،‬لنفه قفد نقله عنفه ثقات‪ ،‬منهفم‬
‫سليمان بن موسى وهو ثقة إمام وجعفر بن ربيعة‪ ،‬فلو نسيه الزهري لم يضره ذلك‪ ،‬لن النسيان‬
‫ل يعصفم منفه ابفن آدم‪ ،‬قال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬نسفي آدم فنسفيت ذريتفه)‪ .‬وكان صفلى ال عليفه‬
‫وسلم ينسى‪ ،‬فمن سواه أحرى أن ينسى‪ ،‬ومن حفظ فهو حجة على من نسي‪ ،‬فإذا روى الخبر ثقة‬
‫فل يضره نسفيان مفن نسفيه‪ ،‬هذا لو صفح مفا حكفى ابفن عليفة عفن ابفن جريفج‪ ،‬فكيفف وقفد أنكفر أهفل‬
‫العلم ذلك من حكايته ولم يعرجوا عليها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد أخرج هذا الحديث أبو حاتم محمد بن حبان التميمي البستي في المسند الصحيح له ‪-‬‬
‫على التقاسيم والنواع من غير وجود قطع في سندها‪ ،‬ول ثبوت جرح في ناقلها ‪ -‬عن حفص بن‬
‫غياث عفن ابفن جريفج عفن سفليمان بفن موسفى عفن الزهري عفن عروة عفن عائشفة أن رسفول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬ل نكاح إل بولي وشاهدي عدل ومفا كان مفن نكاح على غيفر ذلك فهفو‬
‫باطفل فإن تشاجروا فالسفلطان ولي مفن ل ولي له)‪ .‬قال أبفو حاتفم‪ :‬لم يقفل أحفد ففي خفبر ابفن جريفج‬
‫عن سليمان بن موسى عن الزهري هذا‪( :‬وشاهدي عدل) إل ثلثة أنفس‪ :‬سويد بن يحيى الموي‬
‫عفن حففص بفن غياث وعبدال بفن عبدالوهاب الجمحفي عفن خالد بفن الحارث وعبدالرحمفن بفن‬
‫يونس الرقفي عن عيسى بن يونس‪ ،‬ول يصفح في الشاهديفن غير هذا الخبر‪ ،‬وإذا ثبت هذا الخفبر‬
‫فقد صرح الكتاب والسنة بأن ل نكاح إل بولي‪ ،‬فل معنى لما خالفهما‪ .‬وقد كان الزهري والشعبي‬
‫يقولن‪" :‬إذا زوجفت المرأة نفسفها كفؤا بشاهديفن فذلك نكاح جائز"‪ .‬وكذلك كان أبفو حنيففة يقول‪:‬‬
‫إذا زوجفت المرأة نفسفها كفؤا بشاهديفن فذلك نكاح جائز‪ ،‬وهفو قول زففر‪ .‬وإن زوجفت نفسفها غيفر‬
‫كفففء فالنكاح جائز‪ ،‬وللولياء أن يفرقوا بينهمففا‪ .‬قال ابففن المنذر‪ :‬وأمففا مففا قاله النعمان فمخالف‬
‫للسفنة‪ ،‬خارج عفن قول أكثفر أهفل العلم‪ .‬وبالخفبر عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم نقول‪ .‬وقال‬
‫أبو يوسف‪ :‬ل يجوز النكاح إل بولي‪ ،‬فإن سلم الولي جاز‪ ،‬وإن أبى أن يسلم والزوج كفء أجازه‬
‫القاضفي‪ .‬وإنمفا يتفم النكاح ففي قوله حيفن يجيزه القاضفي‪ ،‬وهفو قول محمفد بفن الحسفن‪ ،‬وقفد كان‬
‫محمفد بفن الحسفن يقول‪ :‬يأمفر القاضفي الولي بإجازتفه‪ ،‬فإن لم يفعفل اسفتأنف عقدا‪ .‬ول خلف بيفن‬
‫أبفي حنيففة وأصفحابه أنفه إذا أذن لهفا وليهفا فعقدت النكاح بنفسفها جاز‪ .‬وقال الوزاعفي‪" :‬إذا ولت‬
‫أمرهفففا رجل فزوجهفففا كفؤا فالنكاح جائز‪ ،‬وليفففس للولي أن يفرق بينهمفففا‪ ،‬إل أن تكون عربيفففة‬
‫تزوجت مولى"‪ ،‬وهذا نحو مذهب مالك على ما يأتي‪ .‬وحمل القائلون بمذهب الزهري وأبي حنيفة‬
‫والشعفففبي قوله عليفففه السفففلم‪( :‬ل نكاح إل بولي) على الكمال ل على الوجوب‪ ،‬كمفففا قال عليفففه‬
‫السلم‪( :‬ل صلة لجار المسجد إل في المسجد) و(ل حظ في السلم لمن ترك الصلة)‪ .‬واستدلوا‬
‫على هذا بقوله تعالى‪" :‬فل تعضلوهفن أن ينكحفن أزواجهفن" [البقرة‪ ،]232 :‬وقوله تعالى‪" :‬فل‬
‫جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف" [البقرة‪ ،]234 :‬وبما روى الدارقطني عن سماك‬
‫بفن حرب قال‪ :‬جاء رجل إلى علي رضفي ال عنه فقال‪ :‬امرأة أنا وليهفا تزوجفت بغيفر إذنفي؟ فقال‬
‫علي‪ :‬ينظر فيما صنعت‪ ،‬فإن كانت تزوجت كفؤا أجزنا ذلك لها‪ ،‬وإن كانت تزوجت من ليس لها‬
‫بكففء جعلنفا ذلك إليفك‪ .‬وففي الموطفأ أن عائشفة رضفي ال عنهفا زوجفت بنفت أخيهفا عبدالرحمفن‬
‫وهفو غائب‪ ،‬الحديفث‪ .‬وقفد رواه ابفن جريفج عفن عبدالرحمفن بفن القاسفم بفن محمفد بفن أبفي بكفر عفن‬
‫أبيفه عفن عائشفة رضفى ال عنهفا أنهفا أنكحفت رجل هفو المنذر بفن الزبيفر امرأة مفن بنفي أخيهفا‬
‫فضربفت بينهفم بسفتر‪ ،‬ثفم تكلمفت حتفى إذا لم يبفق إل العقفد أمرت رجل فأنكفح‪ ،‬ثفم قالت‪ :‬ليفس على‬
‫النسفاء إنكاح‪ .‬فالوجفه ففي حديفث مالك أن عائشفة قررت المهفر وأحوال النكاح‪ ،‬وتولى العقفد أحفد‬
‫عصبتها‪ ،‬ونسب العقد إلى عائشة لما كان تقريره إليها‪.‬‬
‫@ذكر ابن خويز منداد‪ :‬واختلفت الرواية عن مالك في الولياء‪ ،‬من هم؟ فقال مرة‪ :‬كل من وضع‬
‫المرأة ففي منصفب حسفن فهفو وليهفا‪ ،‬سفواء كان مفن العصفبة أو مفن ذوي الرحام أو الجانفب أو‬
‫المام أو الوصي‪ .‬وقال مرة‪ :‬الولياء من العصبة‪ ،‬فمن وضعها منهم في منصب حسن فهو ولي‪.‬‬
‫وقال أبفو عمفر‪ :‬قال مالك فيمفا ذكفر ابفن القاسفم عنفه‪ :‬إن المرأة إذا زوجهفا غيفر وليهفا بإذنهفا فإن‬
‫كانففت شريفففة لهففا فففي الناس حال كان وليهففا بالخيار فففي فسففخ النكاح وإقراره‪ ،‬وإن كانففت دنيئة‬
‫كالمعتقفة والسفوداء والسفعاية والمسفلمانية‪ ،‬ومفن ل حال لهفا جاز نكاحهفا‪ ،‬ول خيار لوليهفا لن كفل‬
‫واحفد كففء لهفا‪ ،‬وقفد روي عفن مالك أن الشريففة والدنيئة ل يزوجهفا إل وليهفا أو السفلطان‪ ،‬وهذا‬
‫القول اختاره ابن المنذر‪ ،‬قال‪ :‬وأما تفريق مالك بين المسكينة والتي لها قدر فغير جائز‪ ،‬لن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم قد سوى بين أحكامهم في الدماء فقال‪( :‬المسلمون تتكافأ دماؤهم)‪ .‬وإذا كانوا‬
‫ففي الدماء سفواء فهفم ففي غيفر ذلك شيفء واحفد‪ .‬وقال إسفماعيل بفن إسفحاق‪ :‬لمفا أمفر ال سفبحانه‬
‫بالنكاح جعفل المؤمنيفن بعضهفم أولياء بعفض فقال تعالى‪" :‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهفم أولياء‬
‫بعفض" [التوبفة‪ ]71 :‬والمؤمنون ففي الجملة هكذا يرث بعضهفم بعضفا‪ ،‬فلو أن رجل مات ول‬
‫وارث له لكان ميراثفه لجماعفة المسفلمين‪ ،‬ولو جنفى جنايفة لعقفل عنفه المسفلمون‪ ،‬ثفم تكون وليفة‬
‫أقرب مفن وليفة‪ ،‬وقرابفة أقرب مفن قرابفة‪ .‬وإذا كانفت المرأة بموضفع ل سفلطان فيفه ول ولي لهفا‬
‫فإنهفا تصفير أمرهفا إلى مفن يوثفق بفه مفن جيرانهفا‪ ،‬فيزوجهفا ويكون هفو وليهفا ففي هذه الحال‪ ،‬لن‬
‫الناس ل بفد لهفم مفن التزويفج‪ ،‬وإنمفا يعملون فيفه بأحسفن مفا يمكفن‪ ،‬وعلى هذا قال مالك ففي المرأة‬
‫الضعيفة الحال‪ :‬إنه يزوجها من تسند أمرها إليه‪ ،‬لنها ممن تضعف عن السلطان فأشبهت من ل‬
‫سفلطان بحضرتهفا‪ ،‬فرجعفت ففي الجملة إلى أن المسفلمين أولياؤهفا‪ ،‬فأمفا إذا صفيرت أمرهفا إلى‬
‫رجففل وتركففت أولياءهففا فإنهففا أخذت المففر مففن غيففر وجهففه‪ ،‬وفعلت مففا ينكره الحاكففم عليهففا‬
‫والمسفلمون‪ ،‬فيفسفخ ذلك النكاح مفن غيفر أن يعلم أن حقيقتفه حرام‪ ،‬لمفا وصففنا مفن أن المؤمنيفن‬
‫بعضهم أولياء بعض‪ ،‬ولما في ذلك من الختلف‪ ،‬ولكن يفسخ لتناول المر من غير وجهه‪ ،‬ولنه‬
‫أحوط للفروج ولتحصفينها‪ ،‬فإذا وقفع الدخول وتطاول المفر وولدت الولد وكان صفوابا لم يجفز‬
‫الفسفخ‪ ،‬لن المور إذا تفاوتفت لم يرد منهفا إل الحرام الذي ل يشفك فيفه‪ ،‬ويشبفه مفا فات مفن ذلك‬
‫بحكم الحاكم إذا حكم بحكم لم يفسخ إل أن يكون خطأ ل شك فيه‪ .‬وأما الشافعي وأصحابه فالنكاح‬
‫عندهم بغير ولي مفسوخ أبدا قبل الدخول وبعده‪ ،‬ول يتوارثان إن مات أحدهما‪ .‬والولي عندهم من‬
‫فرائض النكاح‪ ،‬لقيام الدليفل عندهفم مفن الكتاب والسفنة‪ :‬قال ال تعالى‪" :‬وأنكحوا اليامفى منكفم"‬
‫[النور‪ ]32 :‬كمفا قال‪" :‬فانكحوهفن بإذن أهلهفن" [النسفاء‪ ،]25 :‬وقال مخاطبفا للولياء‪" :‬فل‬
‫تعضلوهفن" [البقرة‪ .]232 :‬وقال عليفه السفلم‪( :‬ل نكاح إل بولي)‪ .‬ولم يفرقوا بيفن دنيفة الحال‬
‫وبيفن الشريففة‪ ،‬لجماع العلماء على أن ل فرق بينهمفا ففي الدماء‪ ،‬لقوله عليفه السفلم‪( :‬المسفلمون‬
‫تتكاففأ دماؤهفم)‪ .‬وسفائر الحكام كذلك‪ .‬وليفس ففي شيفء مفن ذلك فرق بيفن الرفيفع والوضيفع ففي‬
‫كتاب ول سنة‪.‬‬
‫@واختلفوا ففي النكاح يقفع على غيفر ولي ثفم يجيزه الولي قبفل الدخول‪ ،‬فقال مالك وأصفحابه إل‬
‫عبدالملك‪ :‬ذلك جائز‪ ،‬إذا كانت إجازته لذلك بالقرب‪ ،‬وسواء دخل أو لم يدخل‪ .‬هذا إذا عقد النكاح‬
‫غيففر ولي ولم تعقده المرأة بنفسففها‪ ،‬فإن زوجففت المرأة نفسففها وعقدت عقدة النكاح مففن غيففر ولي‬
‫قريففب ول بعيففد مففن المسففلمين فإن هذا النكاح ل يقففر أبدا على حال وإن تطاول وولدت الولد‪،‬‬
‫ولكنه يلحق الولد إن دخل‪ ،‬ويسقط الحد‪ ،‬ول بد من فسخ ذلك النكاح على كل حال‪ .‬وقال ابن نافع‬
‫عن مالك‪ :‬الفسخ فيه بغير طلق‪.‬‬
‫@واختلف العلماء ففي منازل الولياء وترتيبهفم‪ ،‬فكان مالك يقول‪ :‬أولهفم البنون وإن سففلوا‪ ،‬ثفم‬
‫الباء‪ ،‬ثم الخوة للب والم‪ ،‬ثم للب‪ ،‬ثم بنو الخوة للب والم‪ ،‬ثم بنو الخوة للب‪ ،‬ثم الجداد‬
‫للب وإن علوا‪ ،‬ثم العمومة على ترتيب الخوة‪ ،‬ثم بنوهم على ترتيب بني الخوة وإن سفلوا‪ ،‬ثم‬
‫المولى ثففم السففلطان أو قاضيففه‪ .‬والوصففي مقدم فففي إنكاح اليتام على الولياء‪ ،‬وهففو خليفففة الب‬
‫ووكيله‪ ،‬فأشبه حاله لو كان الب حيا‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ل ولية لحد مع الب‪ ،‬فإن مات فالجد‪ ،‬ثم‬
‫أب أب الجد‪ ،‬لنهم كلهم آباء‪ .‬والولية بعد الجد للخوة‪ ،‬ثم القرب‪ .‬وقال المزني‪ :‬قال في الجديد‪:‬‬
‫من انفرد بأم كان أولى بالنكاح‪ ،‬كالميراث‪ .‬وقال في القديم‪ :‬هما سواء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وروى المدنيون عفن مالك مثفل قول الشافعفي‪ ،‬وأن الب أولى مفن البفن‪ ،‬وهفو أحفد قولي‬
‫أبفي حنيففة‪ ،‬حكاه الباجفي‪ .‬وروي عفن المغيرة أنفه قال‪" :‬الجفد أولى مفن الخوة"‪ ،‬والمشهور مفن‬
‫المذهفب مفا قدمناه‪ .‬وقال أحمفد‪ :‬أحقهفم بالمرأة أن يزوجهفا أبوهفا‪ ،‬ثفم البفن‪ ،‬ثفم الخ‪ ،‬ثفم ابنفه‪ ،‬ثفم‬
‫العفم‪ .‬وقال إسفحاق‪ :‬البفن أولى مفن الب‪ ،‬كمفا قاله مالك‪ ،‬واختاره ابفن المنذر‪ ،‬لن عمفر ابفن أم‬
‫سلمة زوجها بإذنها من رسول ال صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أخرجه النسائي عن أم سلمة وترجم له (إنكاح البن أمه)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وكثيرا مفا يسفتدل بهذا علماؤنفا وليفس بشيفء‪ ،‬والدليفل على ذلك مفا ثبفت ففي الصفحاح أن‬
‫عمر بن أبي سلمة قال‪ :‬كنت غلما في حجر رسول ال صلى ال عليه وسلم وكانت يدي تطيش‬
‫فففي الصففحفة‪ ،‬فقال‪( :‬يففا غلم سففم ال وكففل بيمينففك وكففل ممففا يليففك)‪ .‬وقال أبففو عمففر فففي كتاب‬
‫الستيعاب‪ :‬عمر بن أبي سلمة يكنى أبا حفص‪ ،‬ولد في السنة الثانية من الهجرة بأرض الحبشة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه كان يوم قبض رسول ال صلى ال عليه وسلم ابن تسع سنين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن كان سنه هذا ل يصلح أن يكون وليا‪ ،‬ولكن ذكر أبو عمر أن لبي سلمة من أم سلمة‬
‫ابنفا آخفر اسفمه سفلمة‪ ،‬وهفو الذي عقفد لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم على أمفه أم سفلمة‪ ،‬وكان‬
‫سلمة أسن من أخيه عمر بن أبي سلمة‪ ،‬ول أحفظ له رواية عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وقد‬
‫روى عنه عمر أخوه‪.‬‬
‫@واختلفوا ففي الرجفل يزوج المرأة البعفد مفن الولياء ‪ -‬كذا وقفع‪ ،‬والقرب عبارة أن يقال‪:‬‬
‫اختلف ففي المرأة يزوجهفا مفن أوليائهفا البعفد والقعفد حاضفر‪ ،‬فقال الشافعفي‪ :‬النكاح باطفل‪ .‬وقال‬
‫مالك‪ :‬النكاح جائز‪ .‬قال ابن عبدالبر‪ :‬إن لم ينكر القعد شيئا من ذلك ول رده نفذ‪ ،‬وإن أنكره وهي‬
‫ثيب أو بكر بالغ يتيمة ول وصي لها فقد اختلف قول مالك وأصحابه وجماعة من أهل المدينة في‬
‫ذلك‪ ،‬فقال منهم قائلون‪ :‬ل يرد ذلك وينفذ‪ ،‬لنه نكاح انعقد بإذن ولي من الفخذ والعشيرة‪ .‬ومن قال‬
‫هذا منهفم ل ينففذ قال‪ :‬إنمفا جاءت الرتبفة ففي الولياء على الفضفل والولى‪ ،‬وذلك مسفتحب وليفس‬
‫بواجب‪ .‬وهذا تحصيل مذهب مالك عند أكثر أصحابه‪ ،‬وإياه اختار إسماعيل بن إسحاق وأتباعه‪.‬‬
‫وقيفل‪ :‬ينظفر السفلطان ففي ذلك ويسفأل الولي القرب على مفا ينكره‪ ،‬ثفم إن رأى إمضاءه أمضاه‪،‬‬
‫وإن رأى أن يرده رده‪ .‬وقيل‪ :‬بل للقعد رده على كل حال‪ ،‬لنه حق له‪ .‬وقيل‪ :‬له رده وإجازته ما‬
‫لم يطل مكثها وتلد الولد‪ ،‬وهذه كلها أقاويل أهل المدينة‪.‬‬
‫@فلو كان الولي القرب محبوسفا أو سففيها زوجهفا مفن يليفه مفن أوليائهفا‪ ،‬وعفد كالميفت منهفم‪،‬‬
‫وكذلك إذا غاب القرب من أوليائها غيبة بعيدة أو غيبة ل يرجى لها أوبة سريعة زوجها من يليه‬
‫مففن الولياء‪ .‬وقففد قيففل‪ :‬إذا غاب أقرب أوليائهففا لم يكففن للذي يليففه تزويجهففا‪ ،‬ويزوجهففا الحاكففم‪،‬‬
‫والول قول مالك‪.‬‬
‫@وإذا كان الوليان قد استويا في القعدد وغاب أحدهما وفوضت المرأة عقد نكاحها إلى الحاضر‬
‫لم يكفن للغائب إن قدم نكرتفه‪ .‬وإن كانفا حاضريفن ففوضفت أمرهفا إلى أحدهمفا لم يزوجهفا إل بإذن‬
‫صفاحبه‪ ،‬فإن اختلففا نظفر الحاكفم ففي ذلك‪ ،‬وأجاز عليهفا رأي أحسفنهما نظرا لهفا‪ ،‬رواه ابفن وهفب‬
‫عن مالك‪.‬‬
‫@وأما الشهادة على النكاح فليست بركن عند مالك وأصحابه‪ ،‬ويكفي من ذلك شهرته والعلن‬
‫بفه‪ ،‬وخرج عفن أن يكون نكاح سفر‪ .‬قال ابفن القاسفم عفن مالك‪ :‬لو زوج ببينفة‪ ،‬وأمرهفم أن يكتموا‬
‫ذلك لم يجفز النكاح‪ ،‬لنفه نكاح سفر‪ .‬وإن تزوج بغيفر بينفة على غيفر اسفتسرار جاز‪ ،‬وأشهدا فيمفا‬
‫يسفتقبلن‪ .‬وروى ابفن وهفب عفن مالك ففي الرجفل يتزوج المرأة بشهادة رجليفن ويسفتكتمهما قال‪:‬‬
‫يفرق بينهمفا بتطليقفة ول يجوز النكاح‪ ،‬ولهفا صفداقها إن كان أصفابها‪ ،‬ول يعاقفب الشاهدان‪ .‬وقال‬
‫أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما‪ :‬إذا تزوجها بشاهدين وقال لهما‪ :‬اكتما جاز النكاح‪ .‬قال أبو عمر‪:‬‬
‫وهذا قول يحيى بن يحيى الليثي الندلسي صاحبنا‪ ،‬قال‪ :‬كل نكاح شهد عليه رجلن فقد خرج من‬
‫حد السر‪ ،‬وأظنه حكاه عن الليث بن سعد‪ .‬والسر عند الشافعي والكوفيين ومن تابعهم‪ :‬كل نكاح لم‬
‫يشهد عليه رجلن فصاعدا‪ ،‬ويفسخ على كل حال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول الشافعففي أصففح للحديففث الذي ذكرناه‪ .‬وروى عففن ابففن عباس أنففه قال‪( :‬ل نكاح إل‬
‫بشاهدي عدل وولي مرشففد)‪ ،‬ول مخالف له مففن الصففحابة فيمففا علمتففه‪ .‬واحتففج مالك لمذهبففه أن‬
‫البيوع التفي ذكرهفا ال تعالى فيهفا الشهاد عنفد العقفد‪ ،‬وقفد قامفت الدللة بأن ذلك ليفس مفن فرائض‬
‫البيوع‪ .‬والنكاح الذي لم يذكففر ال تعالى فيففه الشهاد أحرى بأل يكون الشهاد فيففه مففن شروطففه‬
‫وفرائضفه‪ ،‬وإنمفا الغرض العلن والظهور لحففظ النسفاب‪ .‬والشهاد يصفلح بعفد العقفد للتداعفي‬
‫والختلف فيما ينعقد بين المتناكحين‪ ،‬وقد روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬أعلنوا‬
‫النكاح)‪ .‬وقول مالك هذا قول ابن شهاب وأكثر أهل المدينة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولعبد مؤمن" أي مملوك "خير من مشرك" أي حسيب‪" .‬ولو أعجبكم" أي حسبه‬
‫وماله‪ ،‬حسفب مفا تقدم‪ .‬وقيفل المعنفى‪ :‬ولرجفل مؤمفن‪ ،‬وكذا ولمفة مؤمنفة‪ ،‬أي ولمرأة مؤمنة‪ ،‬كمفا‬
‫بيناه‪ .‬قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬كل رجالكم عبيدال وكل نسائكم إماء ال) وقال‪( :‬ل تمنعوا إماء‬
‫ال مسفاجد ال) وقال تعالى‪" :‬نعفم العبفد إنفه أواب" [ص‪ .]44 ،30 :‬وهذا أحسفن مفا حمفل عليفه‬
‫القول في هذه الية‪ ،‬وبه يرتفع النزاع ويزول الخلف‪ ،‬وال الموفق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أولئك" إشارة للمشركيفن والمشركات‪" .‬يدعون إلى النار" أي إلى العمال‬
‫الموجبة للنار‪ ،‬فإن صحبتهم ومعاشرتهم توجب النحطاط في كثير من هواهم مع تربيتهم النسل‪.‬‬
‫"وال يدعو إلى الجنة والمغفرة" أي إلى عمل أهل الجنة‪" .‬بإذنه" أي بأمره‪ ،‬قاله الزجاج‪.‬‬
‫*‪*3‬اليففة‪{ 222 :‬ويسففألونك عفن المحيفض قففل هفو أذى فاعتزلوا النسففاء فففي المحيففض ول‬
‫تقربوهففن حتففى يطهرن فإذا تطهرن فأتوهففن مففن حيففث أمركففم ال إن ال يحففب التوابيففن ويحففب‬
‫المتطهرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ويسألونك عن المحيض" ذكر الطبري عن السدي أن السائل ثابت بن الدحداح ‪-‬‬
‫وقيل‪ :‬أسيد بن حضير وعباد بن بشر‪ ،‬وهو قول الكثرين‪ .‬وسبب السؤال فيما قال قتادة وغيره‪:‬‬
‫أن العرب ففي المدينفة ومفا والهفا كانوا قفد اسفتنوا بسفنة بنفي إسفرائيل ففي تجنفب مؤاكلة الحائض‬
‫ومسففاكنتها‪ ،‬فنزلت هذه اليففة‪ .‬وقال مجاهففد‪ :‬كانوا يتجنبون النسففاء فففي الحيففض‪ ،‬ويأتونهففن فففي‬
‫أدبارهفن مدة زمفن الحيفض‪ ،‬فنزلت‪ .‬وففي صفحيح مسفلم عفن أنفس‪ :‬أن اليهود كانوا إذا حاضفت‬
‫المرأة فيهفم لم يؤاكلوهفا ولم يجامعوهفن ففي البيوت‪ ،‬فسفأل أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫النففبي صففلى ال عليففه وسففلم‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬ويسففألونك عففن المحيففض قففل هففو أذى فاعتزلوا‬
‫النساء في المحيض" إلى آخر الية‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬اصنعوا كل شيء إل‬
‫النكاح) فبلغ ذلك اليهود‪ ،‬فقالوا‪ :‬مفا يريفد هذا الرجفل أن يدع مفن أمرنفا شيئا إل خالفنفا فيفه‪ ،‬فجاء‬
‫أسففيد بففن حضيففر وعباد بفن بشففر فقال‪ :‬يففا رسففول ال‪ ،‬إن اليهود تقول كذا وكذا‪ ،‬أفل نجامعهففن؟‬
‫فتغير وجه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬حتى ظننا أن قد وجد عليهما‪ ،‬فخرجا فاستقبلهما هدية‬
‫مفن َلبَنٍف إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬فأرسفل ففي آثارهمفا فسفقاهما‪ ،‬فعرففا أن لم يجفد‬
‫عليهمفففا‪ .‬قال علماؤنفففا‪ :‬كانففت اليهود والمجوس تجتنفففب الحائض‪ ،‬وكانففت النصفففارى يجامعون‬
‫الحيض‪ ،‬فأمر ال بالقصد بين هذين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عفن المحيفض" المحيفض‪ :‬الحيفض وهفو مصفدر‪ ،‬يقال‪ :‬حاضفت المرأة حيضفا‬
‫ومحاضا ومحيضا‪ ،‬فهي حائض‪ ،‬وحائضة أيضا‪ ،‬عن الفراء وأنشد‪:‬‬
‫كحائضة يزنى بها غير طاهر‬
‫ونسفاء حيفض وحوائض‪ .‬والحيضفة‪ :‬المرة الواحدة‪ .‬والحيضفة (بالكسفر) السفم‪ ،‬والجمفع الحيفض‪.‬‬
‫والحيضة أيضا‪ :‬الخرقة التي تستثفر بها المرأة‪ .‬قالت عائشة رضي ال عنها‪ :‬ليتني كنت حيضة‬
‫ملقاة‪ .‬وكذلك المحيضففة‪ ،‬والجمففع المحائض‪ .‬وقيففل‪ :‬المحيففض عبارة عففن الزمان والمكان‪ ،‬وعففن‬
‫الحيففض نفسففه‪ ،‬وأصففله فففي الزمان والمكان مجاز فففي الحيففض‪ .‬وقال الطففبري‪ :‬المحيففض اسففم‬
‫للحيض‪ ،‬ومثله قول رؤبة في العيش‪:‬‬
‫ومر أعوام نتفن ريشي‬ ‫إليك أشكو شدة المعيش‬
‫وأصفل الكلمفة مفن السفيلن والنفجار‪ ،‬يقال‪ :‬حاض السفيل وفاض‪ ،‬وحاضفت الشجرة أي سفالت‬
‫رطوبتهفا‪ ،‬ومنفه الحيفض أي الحوض‪ ،‬لن الماء يحيفض إليفه أي يسفيل‪ ،‬والعرب تدخفل الواو على‬
‫الياء والياء على الواو‪ ،‬لنهما من حيز واحد‪ .‬قال ابن عرفة‪ :‬المحيض والحيض اجتماع الدم إلى‬
‫ذلك الموضفع‪ ،‬وبفه سفمي الحوض لجتماع الماء فيفه‪ ،‬يقال‪ :‬حاضفت المرأة وتحيضفت‪ ،‬ودرسفت‬
‫وعركفت‪ ،‬وطمثفت‪ ،‬تحيفض حيضفا ومحاضفا ومحيضفا إذا سفال الدم منهفا ففي أوقات معلومفة‪ .‬فإذا‬
‫سفال ففي غيفر أيام معلومفة‪ ،‬ومفن غيفر عرق المحيفض قلت‪ :‬اسفتحيضت‪ ،‬فهفي مسفتحاضة‪ .‬ابفن‬
‫العربي‪ :‬ولها ثمانية ابن العربي‪ .‬ولها ثمانية أسماء‪ :‬الول‪ :‬حائض‪ .‬الثاني‪ :‬عارك‪ .‬الثالث‪ :‬فارك‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬طامس‪ .‬الخامس‪ :‬دارس‪ .‬السادس‪ :‬كابر‪ .‬السابع‪ :‬ضاحك‪ .‬الثامن‪ :‬طامث‪ .‬قال مجاهد في‬
‫قوله تعالى‪" :‬فضحكت" يعني حاضت‪ .‬وقيل في قوله تعالى‪" :‬فلما رأينه أكبرنه" [يوسف‪]31 :‬‬
‫يعني حضن‪ .‬وسيأتي في موضعه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@أجمع العلماء على أن للمرأة ثلثة أحكام في رؤيتها الدم الظاهر السائل من فرجها‪ ،‬فمن ذلك‬
‫الحيفض المعروف‪ ،‬ودمفه أسفود خاثفر تعلوه حمرة‪ ،‬تترك له الصفلة والصفوم‪ ،‬ل خلف ففي ذلك‪.‬‬
‫وقد يتصل وينقطع‪ ،‬فإن اتصل فالحكم ثابت له‪ ،‬وإن انقطع فرأت الدم يوما والطهر يوما‪ ،‬أو رأت‬
‫الدم يوميففن والطهففر يوميففن أو يومففا فإنهففا تترك الصففلة فففي أيام الدم‪ ،‬وتغتسففل عنففد انقطاعففه‬
‫وتصففلي‪ ،‬ثففم تلفففق أيام الدم وتلغففي أيام الطهففر المتخللة لهففا‪ ،‬ول تحتسففب بهففا طهرا فففي عدة ول‬
‫اسفتبراء‪ .‬والحيفض خلقفة ففي النسفاء‪ ،‬وطبفع معتاد معروف منهفن‪ .‬روى البخاري عفن أبفي سفعيد‬
‫الخدري قال‪ :‬خرج رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي أضحفى أو فطفر إلى المصفلى فمفر على‬
‫النساء فقال‪( :‬يا معشر النساء تصدقن فإني أريتكن أكثر أهل النار ‪ -‬فقلن وبم يا رسول ال؟ قال ‪-‬‬
‫تكثرن اللعفن وتكفرن العشيفر مفا رأيفت مفن ناقصفات عقفل وديفن أذهفب للب الرجفل الحازم مفن‬
‫إحداكفن ‪ -‬قلن‪ :‬ومفا نقصفان عقلنفا وديننفا يفا رسفول ال؟ قال‪ :‬أليفس شهادة المرأة مثفل نصفف شهادة‬
‫الرجفل؟ قلن‪ :‬بلى‪ ،‬قال‪ :‬فذلك مفن نقصفان عقلهفا أليفس إذا حاضفت لم تصفل ولم تصفم؟ قلن‪ :‬بلى يفا‬
‫رسول ال‪ ،‬قال‪ :‬فذلك من نقصان دينها)‬
‫وأجمع العلماء على أن الحائض تقضي الصوم ول تقضي الصلة‪ ،‬لحديث معاذة قالت‪ :‬سألت‬
‫عائشة فقلت‪ :‬ما بال الحائض تقضي الصوم ول تقضي الصلة؟ قالت‪ :‬أحرورية أنت؟ قلت‪ :‬لست‬
‫بحروريفة‪ ،‬ولكنفي أسفأل‪ .‬قالت‪ :‬كان يصفيبنا ذلك فنؤمفر بقضاء الصفوم ول نؤمفر بقضاء الصفلة‪،‬‬
‫خرجه مسلم‪ .‬فإذا انقطع عنها كان طهرها منه الغسل‪ ،‬على ما يأتي‪.‬‬
‫@واختلف العلماء ففي مقدار الحيفض‪ ،‬فقال فقهاء المدينفة‪ :‬إن الحيفض ل يكون أكثفر مفن خمسفة‬
‫عشر يوما‪ ،‬وجائز أن يكون خمسة عشر يوما فما دون‪ ،‬وما زاد على خمسة عشر يوما ل يكون‬
‫حيضفا وإنمفا هفو اسفتحاضة‪ ،‬هذا مذهفب مالك وأصفحابه‪ .‬وقفد روي عفن مالك أنفه ل وقفت لقليفل‬
‫الحيفض ول لكثيره إل مفا يوجفد ففي النسفاء‪ ،‬فكأنفه ترك قوله الول ورجفع إلى عادة النسفاء‪ .‬وقال‬
‫محمفد بفن سفلمة‪ :‬أقفل الطهفر خمسفة عشفر يومفا‪ ،‬وهفو اختيار أكثفر البغدادييفن مفن المالكييفن‪ ،‬وهفو‬
‫قول الشافعفي وأبفي حنيففة وأصفحابهما والثوري‪ ،‬وهفو الصفحيح ففي الباب‪ ،‬لن ال تعالى قفد جعفل‬
‫عدة ذوات القراء ثلث حيفض‪ ،‬وجعفل عدة مفن ل تحيفض مفن كفبر أو صفغر ثلثفة أشهفر‪ ،‬فكان‬
‫كل قرء عوضا من شهر‪ ،‬والشهر يجمع الطهر والحيض‪ .‬فإذا قل الحيض كثر الطهر‪ ،‬وإذا كثر‬
‫الحيفض قفل الطهفر‪ ،‬فلمفا كان أكثفر الحيفض خمسفة عشفر يومفا وجفب أن يكون بإزائه أقفل الطهفر‬
‫خمسفة عشفر يومفا ليكمفل ففي الشهفر الواحفد حيفض وطهفر‪ ،‬وهفو المتعارف ففي الغلب مفن خلقفة‬
‫النسفاء وجبلتهفن مفع دلئل القرآن والسفنة‪ .‬وقال الشافعفي‪ :‬أقفل الحيفض يوم وليلة‪ ،‬وأكثره خمسفة‬
‫عشففر يومففا‪ .‬وقففد روي عنففه مثففل قول مالك‪ :‬إن ذلك مردود إلى عرف النسففاء‪ .‬وقال أبففو حنيفففة‬
‫وأصحابه‪ :‬أقل الحيض ثلثة أيام‪ ،‬وأكثره عشرة‪ .‬قال ابن عبدالبر‪ :‬ما نقص عند هؤلء عن ثلثة‬
‫أيام فهفو اسفتحاضة‪ ،‬ل يمنفع مفن الصفلة إل عنفد أول ظهوره‪ ،‬لنفه ل يعلم مبلغ مدتفه‪ .‬ثفم على‬
‫المرأة قضاء صفلة تلك الوقات‪ ،‬وكذلك مفا زاد على عشرة أيام عنفد الكوفييفن‪ .‬وعنفد الحجازييفن‬
‫مفا زاد على خمسفة عشفر يومفا فهفو اسفتحاضة‪ .‬ومفا كان أقفل مفن يوم وليلة عنفد الشافعففي فهفو‬
‫اسفتحاضة‪ ،‬وهفو قول الوزاعفي والطفبري‪ .‬وممفن قال أقفل الحيفض يوم وليلة وأكثره خمسفة عشفر‬
‫يومفا عطاء بفن أبفي رباح وأبفو ثور وأحمفد بفن حنبفل‪ .‬قال الوزاعفي‪ :‬وعندنفا امرأة تحيفض غدوة‬
‫وتطهر عشية وقد أتينا على ما للعلماء في هذا الباب ‪ -‬من أكثر الحيض وأقله وأقل الطهر‪ ،‬وفي‬
‫الستظهار‪ ،‬والحجة في ذلك ‪ -‬في "المقتبس في شرح موطأ مالك بن أنس" فإن كانت بكرا مبتدأة‬
‫فإنهفا تجلس أول مفا ترى الدم ففي قول الشافعفي خمسفة عشفر يومفا‪ ،‬ثفم تغتسفل وتعيفد صفلة أربعفة‬
‫عشفر يومفا‪ .‬وقال مالك‪ :‬ل تقضفي الصفلة ويمسفك عنهفا زوجهفا‪ .‬علي بفن زياد عنفه‪ :‬تجلس قدر‬
‫لداتهفا‪ ،‬وهذا قول عطاء والثوري وغيرهمفا‪ .‬ابفن حنبفل‪ :‬تجلس يومفا وليلة‪ ،‬ثفم تغتسفل وتصفلي ول‬
‫يأتيهفا زوجهفا‪ .‬أبفو حنيففة وأبفو يوسفف‪ :‬تدع الصفلة عشرا‪ ،‬ثفم تغتسفل وتصفلي عشريفن يومفا‪ ،‬ثفم‬
‫تترك الصففلة بعففد العشريففن عشرا‪ ،‬فيكون هذا حالهففا حيففت ينقطففع الدم عنهففا‪ .‬أمففا التففي لهففا أيام‬
‫معلومة فإنها تستظهر على أيامها المعلومة بثلثة أيام‪ ،‬عن مالك‪ :‬ما لم تجاوز خمسة عشر يوما‪.‬‬
‫الشافعي‪ :‬تغتسل إذا انقضت أيامها بغير استظهار‪.‬‬
‫والثاني من الدماء‪ :‬دم النفاس عند الولدة‪ ،‬وله أيضا عند العلماء حد معلوم اختلفوا فيه‪ ،‬فقيل‪:‬‬
‫شهران‪ ،‬وهفو قول مالك‪ .‬وقيفل‪ :‬أربعون يومفا‪ ،‬وهفو قول الشافعفي‪ .‬وقيفل غيفر ذلك‪ .‬وطهرهفا عنفد‬
‫انقطاعففه‪ .‬والغسففل منففه كالغسففل مففن الجنابففة‪ .‬قال القاضففي أبففو محمففد عبدالوهاب‪ :‬ودم الحيففض‬
‫والنفاس يمنعان أحفد عشفر شيئا‪ :‬وهفي وجوب الصفلة وصفحة فعلهفا وفعفل الصفوم دون وجوبفه ‪-‬‬
‫وفائدة الفرق لزوم القضاء للصففوم ونفيففه فففي الصففلة ‪ -‬والجماع فففي الفرج ومففا دونففه والعدة‬
‫والطلق‪ ،‬والطواف ومس المصحف ودخول المسجد والعتكاف فيه‪ ،‬وفي قراءة القرآن روايتان‪.‬‬
‫والثالث مفن الدماء‪ :‬دم ليفس بعادة ول طبفع منهفن ول خلقفة‪ ،‬وإنمفا هفو عرق انقطفع‪ ،‬سفائله دم‬
‫أحمر ل انقطاع له إل عند البرء منه‪ ،‬فهذا حكمه أن تكون المرأة منه طاهرة ل يمنعها من صلة‬
‫ول صففوم بإجماع مففن العلماء واتفاق مففن الثار المرفوعففة إذا كان معلومففا أنففه دم عرق ل دم‬
‫حيفض‪ .‬روى مالك عفن هشام بفن عروة عفن أبيفه عفن عائشفة رضفي ال عنهفا أنهفا قالت‪ :‬قالت‬
‫فاطمة بنت أبي حبيش‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إني ل أطهر! أفأدع الصلة؟ فقال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم‪( :‬إنما ذلك عرق وليس بالحيضة إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلة فإذا ذهب قدرها فاغسلي‬
‫عنففك الدم وصففلي)‪ .‬وفففي هذا الحديففث مففع صففحته وقلة ألفاظففه مففا يفسففر لك أحكام الحائض‬
‫والمستحاضة‪ ،‬وهو أصح ما روي في هذا الباب‪ ،‬وهو يرد ما روي عن عقبة بن عامر ومكحول‬
‫أن الحائض تغتسل وتتوضأ عند كل وقت صلة‪ ،‬وتستقبل القبلة ذاكرة ال عز وجل جالسة‪ .‬وفيه‬
‫أن الحائض ل تصفلي‪ ،‬وهفو إجماع من كاففة العلماء إل طوائف من الخوارج يرون على الحائض‬
‫الصلة‪ .‬وفيه ما يدل على أن المستحاضة ل يلزمها غير ذلك الغسل الذي تغتسل من حيضها‪ ،‬ولو‬
‫لزمهفا غيره لمرهفا بفه‪ ،‬وفيفه رد لقول مفن رأى ذلك عليهفا لكفل صفلة‪ .‬ولقول مفن رأى عليهفا أن‬
‫تجمع بين صلتي النهار بغسل واحد‪ ،‬وصلتي الليل بغسل واحد وتغتسل للصبح‪ .‬ولقول من قال‪:‬‬
‫تغتسل من طهر إلى طهر‪ .‬ولقول سعيد بن المسيب من طهر إلى طهر‪ ،‬لن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم لم يأمرها بشيء من ذلك‪ .‬وفيه رد لقول من قال بالستظهار‪ ،‬لن النبي صلى ال عليه‬
‫وسفلم أمرهفا إذا علمفت أن حيضتهفا قفد أدبرت وذهبفت أن تغتسفل وتصفلي‪ ،‬ولم يأمرهفا أن تترك‬
‫الصلة ثلثة أيام لنتظار حيض يجيء أو ل يجيء‪ ،‬والحتياط إنما يكون في عمل الصلة ل في‬
‫تركها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قفل هفو أذى" أي هفو شيفء تتأذى بفه المرأة وغيرهفا أي برائحفة دم الحيفض‪.‬‬
‫والذى كنايففة عففن القذر على الجملة‪ .‬ويطلق على القول المكروه‪ ،‬ومنففه قوله تعالى‪" :‬ل تبطلوا‬
‫صفدقاتكم بالمفن والذى" [البقرة‪ ]264 :‬أي بمفا تسفمعه مفن المكروه‪ .‬ومنفه قوله تعالى‪" :‬ودع‬
‫أذاهفم" [الحزاب‪ ]48 :‬أي دع أذى المنافقيفن ل تجازهفم إل أن تؤمفر فيهفم‪ ،‬وففي الحديفث‪:‬‬
‫(وأميطوا عنه الذى) يعني بف "الذى" الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد‪ ،‬يحلق عنه‬
‫يوم أسفبوعه‪ ،‬وهفي العقيقفة‪ .‬وففي حديفث اليمان‪( :‬وأدناهفا إماطفة الذى عفن الطريفق) أي تنحيتفه‪،‬‬
‫يعنفي الشوك والحجفر‪ ،‬ومفا أشبفه ذلك ممفا يتأذى بفه المار‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬ول جناح عليكفم إن كان‬
‫بكم أذى من مطر" [النساء‪ ]102 :‬وسيأتي‪.‬‬
‫@استدل من منع وطء المستحاضة بسيلن دم الستحاضة‪ ،‬فقالوا‪ :‬كل دم فهو أذى‪ ،‬يجب غسله‬
‫مففن الثوب والبدن‪ ،‬فل فرق فففي المباشرة بيففن دم الحيففض والسففتحاضة لنففه كله رجففس‪ .‬وأمففا‬
‫الصلة فرخصة وردت بها السنة كما يصلى بسلس البول‪ ،‬هذا قول إبراهيم النخعي وسليمان بن‬
‫يسار والحكم بن عيينة وعامر الشعبي وابن سيرين والزهري‪ .‬واختلف فيه عن الحسن‪ ،‬وهو قول‬
‫عائشفة‪ :‬ل يأتيهفا زوجهفا‪ ،‬وبفه قال ابفن عليفة والمغيرة بفن عبدالرحمفن‪ ،‬وكان مفن أعلى أصفحاب‬
‫مالك‪ ،‬وأبفو مصفعب‪ ،‬وبفه كان يفتفي‪ .‬وقال جمهور العلماء‪ :‬المسفتحاضة تصفوم وتصفلي وتطوف‬
‫وتقرأ‪ ،‬ويأتيهفا زوجهفا‪ .‬قال مالك‪ :‬أمفر أهفل الفقفه والعلم على هذا‪ ،‬وإن كان دمهفا كثيرا‪ ،‬رواه عنفه‬
‫ابففن وهففب‪ .‬وكان أحمففد يقول‪ :‬أحففب إلي أل يطأهففا إل أن يطول ذلك بهففا‪ .‬وعففن ابففن عباس فففي‬
‫المستحاضة‪( :‬ل بأس أن يصيبها زوجها وإن كان الدم يسيل على عقبيها)‪ .‬وقال مالك‪ :‬قال رسول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬إنمفا ذلك عرق وليفس بالحيضفة)‪ .‬فإذا لم تكفن حيضفة فمففا يمنعفه أن‬
‫يصفيبها وهفي تصفلي! قال ابفن عبدالبر‪ :‬لمفا حكفم ال عفز وجفل ففي دم المسفتحاضة بأنفه ل يمنفع‬
‫الصفلة وتعبفد فيفه بعبادة غيفر عبادة الحائض وجفب أل يحكفم له بشيفء مفن حكفم الحيفض إل فيمفا‬
‫أجمعوا عليه من غسله كسائر الدماء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاعتزلوا النسفاء ففي المحيفض" أي ففي زمفن الحيفض‪ ،‬إن حملت المحيفض على‬
‫المصفدر‪ ،‬أو ففي محفل الحيفض إن حملتفه على السفم‪ .‬ومقصفود هذا النهفي ترك المجامعفة‪ .‬وقفد‬
‫اختلف العلماء في مباشرة الحائض وما يستباح منها‪ ،‬فروي عن ابن عباس وعبيدة السلماني (أنه‬
‫يجففب أن يعتزل الرجففل فراش زوجتففه إذا حاضففت)‪ .‬وهذا قول شاذ خارج عففن قول العلماء‪ .‬وإن‬
‫كان عموم الية يقتضيه فالسنة الثابتة بخلفه‪ ،‬وقد وقفت على ابن عباس خالته ميمونة وقالت له‪:‬‬
‫أراغفب أنفت عفن سفنة رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم؟! وقال مالك والشافعفي والوزاعفي وأبفو‬
‫حنيفة وأبو يوسف وجماعة عظيمة من العلماء‪ :‬له منها ما فوق الزار‪ ،‬لقوله عليه السلم للسائل‬
‫حين سأله‪ :‬ما يحل لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال ‪( : -‬لتشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلها)‬
‫وقوله عليه السلم لعائشة حين حاضت‪( :‬شدي على نفسك إزارك ثم عودي إلى مضجعك)‪ .‬وقال‬
‫الثوري ومحمفد بفن الحسفن وبعفض أصفحاب الشافعفي‪ :‬يجتنفب موضفع الدم‪ ،‬لقوله عليفه السفلم‪:‬‬
‫(اصنعوا كل شيء إل النكاح)‪ .‬وقد تقدم‪ .‬وهو قول داود‪ ،‬وهو الصحيح من قول الشافعي‪ .‬وروى‬
‫أبو معشر عن إبراهيم عن مسروق قال‪ :‬سألت عائشة ما يحل لي من امرأتي وهي حائض فقالت‪:‬‬
‫كففل شيففء إل الفرج‪ .‬قال العلماء‪ :‬مباشرة الحائض وهففي متزرة على الحتياط والقطففع للذريعففة‪،‬‬
‫ولنفه لو أباح فخذيهفا كان ذلك مفن ذريعفة إلى موضفع الدم المحرم بإجماع فأمفر بذلك احتياطفا‪،‬‬
‫والمحرم نفسه موضع الدم‪ ،‬فتتفق بذلك معاني الثار‪ ،‬ول تضاد‪ ،‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫@واختلفوا ففي الذي يأتفي امرأتفه وهفي حائض ماذا عليفه‪ ،‬فقال مالك والشافعفي وأبفو حنيففة‪:‬‬
‫يستغفر ال ول شيء عليه‪ ،‬وهو قول ربيعة ويحيى بن سعيد‪ ،‬وبه قال داود‪ .‬وروي عن محمد بن‬
‫الحسفن‪ :‬يتصفدق بنصفف دينار‪ .‬وقال أحمد‪ :‬ما أحسن حديفث عبدالحميفد عن مقسفم عن ابن عباس‬
‫عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬يتصفدق بدينار أو نصفف دينار)‪ .‬أخرجفه أبفو داود وقال‪ :‬هكذا‬
‫الروايفة الصفحيحة‪ ،‬قال‪ :‬دينار أو نصفف دينار‪ ،‬واسفتحبه الطفبري‪ .‬فإن لم يفعفل فل شيفء عليفه‪،‬‬
‫وهو قول الشافعي ببغداد‪ .‬وقالت فرقة من أهل الحديث‪ :‬إن وطئ في الدم فعليه دينار‪ ،‬وإن وطئ‬
‫في انقطاعه فنصف دينار‪ .‬وقال الوزاعي‪ :‬من وطئ امرأته وهي حائض تصدق بخمسي دينار‪،‬‬
‫والطرق لهذا كله في "سنن أبي داود والدارقطني" وغيرهما‪ .‬وفي كتاب الترمذي عن ابن عباس‬
‫عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إذا كان دما أحمر فدينار وإن كان دما أصفر فنصف دينار)‪.‬‬
‫قال أبو عمر‪ :‬حجة من لم يوجب عليه كفارة إل الستغفار والتوبة اضطراب هذا الحديث عن ابن‬
‫عباس‪ ،‬وأن مثله ل تقوم بفه حجفة‪ ،‬وأن الذمفة على البراءة‪ ،‬ول يجفب أن يثبفت فيهفا شيفء لمسفكين‬
‫ول غيره إل بدليل ل مدفع فيه ول مطعن عليه‪ ،‬وذلك معدوم في هذه المسألة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تقربوهفن حتفى يطهرن" قال ابفن العربفي‪ :‬سفمعت الشاشفي ففي مجلس النظفر‬
‫يقول‪ :‬إذا قيفل ل تقرب (بفتفح الراء) كان معناه‪ :‬ل تلبفس بالفعفل‪ ،‬وإن كان بضفم الراء كان معناه‪:‬‬
‫ل تدن منه‪ .‬وقرأ نافع وأبو عمرو وابن كثير وابن عامر وعاصم في رواية حفص عنه "يطهرن"‬
‫بسكون الطاء وضم الهاء‪ .‬وقرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر والمفضل "يطهرن"‬
‫بتشديد الطاء والهاء وفتحهما‪ .‬وفي مصحف أبي وعبدال "يتطهرن"‪ .‬وفي مصحف أنس بن مالك‬
‫"ول تقربوا النساء في محيضهن واعتزلوهن حتى يتطهرن"‪ .‬ورجح الطبري قراءة تشديد الطاء‪،‬‬
‫وقال‪ :‬هففي بمعنففى يغتسففلن‪ ،‬لجماع الجميففع على أن حرامففا على الرجففل أن يقرب امرأتففه بعففد‬
‫انقطاع الدم حتفى تطهفر‪ .‬قال‪ :‬وإنمفا الخلف ففي الطهفر مفا هفو‪ ،‬فقال قوم‪ :‬هفو الغتسفال بالماء‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬هفو وضوء كوضوء الصفلة‪ .‬وقال قوم‪ :‬هفو غسفل الفرج‪ ،‬وذلك يحلهفا لزوجهفا وإن لم‬
‫تغتسفل مفن الحيضفة‪ ،‬ورجفح أبفو علي الفارسفي قراءة تخفيفف الطاء‪ ،‬إذ هفو ثلثفي مضاد لطمفث‬
‫وهو ثلثي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا تطهرن" يعني بالماء‪ ،‬وإليه ذهب مالك وجمهور العلماء‪ ،‬وأن الطهر الذي‬
‫يحفل بفه جماع الحائض الذي يذهفب عنهفا الدم هفو تطهرهفا بالماء كطهفر الجنفب‪ ،‬ول يجزئ مفن‬
‫ذلك تيمفم ول غيره‪ ،‬وبفه قال مالك والشافعفي والطفبري ومحمفد بفن مسفلمة وأهفل المدينفة وغيرهفم‪.‬‬
‫وقال يحيفى بفن بكيفر ومحمفد بفن كعفب القرظفي‪ :‬إذا طهرت الحائض وتيممفت ‪ -‬حيفث ل ماء حلت‬
‫لزوجهففا وإن لم تغتسففل‪ .‬وقال مجاهففد وعكرمففة وطاوس‪ :‬انقطاع الدم يحلهففا لزوجهففا‪ .‬ولكففن بأن‬
‫تتوضفأ‪ .‬وقال أبفو حنيففة وأبفو يوسفف ومحمفد‪ :‬إن انقطفع دمهفا بعفد مضفي عشرة أيام جاز له أن‬
‫يطأها قبل الغسل‪ ،‬وإن كان انقطاعه قبل العشرة لم يجز حتى تغتسل أو يدخل عليها وقت الصلة‪.‬‬
‫وهذا تحكففم ل وجففه له‪ ،‬وقففد حكموا للحائض بعففد انقطاع دمهففا بحكففم الحبففس فففي العدة وقالوا‬
‫لزوجهفا‪ :‬عليهفا الرجعفة مفا لم تغتسفل مفن الحيضفة الثالثفة‪ ،‬فعلى قياس قولهفم هذا ل يجفب أن توطفأ‬
‫حتففى تغتسففل‪ ،‬مففع موافقففة أهففل المدينففة‪ .‬ودليلنففا أن ال سففبحانه علق الحكففم فيهففا على شرطيففن‪:‬‬
‫أحدهمففا‪ :‬انقطاع الدم‪ ،‬وهففو قوله تعالى‪" :‬حتففى يطهرن"‪ .‬والثانففي‪ :‬الغتسففال بالماء‪ ،‬وهففو قوله‬
‫تعالى‪" :‬فإذا تطهرن" أي يفعلن الغسففل بالماء‪ ،‬وهذا مثففل قوله تعالى‪" :‬وابتلوا اليتامففى حتففى إذا‬
‫بلغوا النكاح" [النساء‪ ]6 :‬الية‪ ،‬فعلق الحكم وهو جواز دفع المال على شرطين‪ :‬أحدهما‪ :‬بلوغ‬
‫المكلف النكاح‪ .‬والثانفي‪ :‬إيناس الرشفد‪ ،‬وكذلك قوله تعالى ففي المطلقفة‪" :‬فل تحفل له مفن بعفد حتفى‬
‫تنكح زوجا غيره" [البقرة‪ ]230 :‬ثم جاءت السنة باشتراط العسيلة‪ ،‬فوقف التحليل على المرين‬
‫جميعا‪ ،‬وهو انعقاد النكاح ووجود الوطء‪ .‬احتج أبو حنيفة فقال‪ :‬إن معنى الية‪ ،‬الغاية في الشرط‬
‫هففو المذكور فففي الغايففة قبلهففا‪ ،‬فيكون قوله‪" :‬حتففى يطهرن" مخففففا هففو بمعنففى قوله‪" :‬يطهرن"‬
‫مشددا بعينفه‪ ،‬ولكنفه جمفع بيفن اللغتيفن ففي اليفة‪ ،‬كمفا قال تعالى‪" :‬فيفه رجال يحبون أن يتطهروا‬
‫وال يحب المطهرين" [التوبة‪ .]108 :‬قال الكميت‪:‬‬
‫ول غيبا فيها إذا الناس غيب‬ ‫وما كانت النصار فيها أذلة‬
‫وأيضفا فإن القراءتيفن كاليتيفن فيجفب أن يعمفل بهمفا‪ .‬ونحفن نحمفل كفل واحدة منهمفا على معنفى‪،‬‬
‫فنحمفل المخفففة على مفا إذا انقطفع دمهفا للقفل‪ ،‬فإنفا ل نجوز وطأهفا حتفى تغتسفل‪ ،‬لنفه ل يؤمفن‬
‫عوده‪ :‬ونحمفل القراءة الخرى على مفا إذا انقطفع دمهفا للكثفر فيجوز وطؤهفا وإن لم تغتسفل‪ .‬قال‬
‫ابفن العربفي‪ :‬وهذا أقوى مفا لهفم‪ ،‬فالجواب عفن الول‪ :‬أن ذلك ليفس مفن كلم الفصفحاء‪ ،‬ول ألسفن‬
‫البلغاء‪ ،‬فإن ذلك يقتضففي التكرار فففي التعداد‪ ،‬وإذا أمكففن حمففل اللفففظ على فائدة مجردة لم يحمففل‬
‫على التكرار ففي كلم الناس‪ ،‬فكيفف ففي كلم العليفم الحكيفم! وعفن الثانفي‪ :‬أن كفل واحدة منهمفا‬
‫محمولة على معنى دون معنى الخرى‪ ،‬فيلزمهم إذا انقطع الدم أل يحكم لها بحكم الحيض قبل أن‬
‫تغتسفل ففي الرجعفة‪ ،‬وهفم ل يقولون ذلك كمفا بيناه‪ ،‬فهفي إذا حائض‪ ،‬والحائض ل يجوز وطؤهفا‬
‫اتفاقا‪ .‬وأيضا فإن ما قالوه يقتضي إباحة الوطء عند انقطاع الدم للكثر وما قلناه يقتضي الحظر‪،‬‬
‫وإذا تعارض ما يقتضي الحظر وما يقتضي الباحة ويغلب باعثاهما غلب باعث الحظر‪ ،‬كما قال‬
‫علي وعثمان في الجمع بين الختين بملك اليمين‪ ،‬أحلتهما آية وحرمتهما أخرى‪ ،‬والتحريم أولى‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@واختلف علماؤنا ففي الكتابية هل تجبر على الغتسال أم ل‪ ،‬فقال مالك ففي رواية ابن القاسفم‪:‬‬
‫نعفم‪ ،‬ليحفل للزوج وطؤهفا‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ول تقربوهفن حتفى يطهرن فإذا تطهرن" يقول بالماء‪،‬‬
‫ولم يخص مسلمة من غيرها‪ .‬وروى أشهب عن مالك أنها ل تجبر على الغتسال من المحيض‪،‬‬
‫لنهفا غيفر معتقدة لذلك‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ول يحفل لهفن أن يكتمفن مفا خلق ال‪ .‬ففي أرحامهفن إن كفن‬
‫يؤمن بال واليوم الخر" [البقرة‪ ]228 :‬وهو الحيض والحمل‪ ،‬وإنما خاطب ال عز وجل بذلك‬
‫المؤمنات‪ ،‬وقال‪" :‬ل إكراه في الدين" [البقرة‪ ]256 :‬وبهذا كان يقول محمود بن عبدالحكم‪.‬‬
‫@وصففة غسفل الحائض صففة غسفلها من الجنابفة‪ ،‬وليفس عليهفا نقفض شعرهفا ففي ذلك‪ ،‬لمفا رواه‬
‫مسلم عن أم سلمة قالت قلت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إني أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال‪( :‬ل‬
‫إنمفا يكفيفك أن تحثفي على رأسفك ثلث حثيات ثفم تفيضيفن عليفك الماء فتطهريفن) وففي روايفة‪:‬‬
‫أفأنقضه للحيضة والجنابة؟ فقال‪( :‬ل) زاد أبو داود‪( :‬واغمزي قرونك عند كل حفنة)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأتوهن من حيث أمركم ال" أي فجامعوهن‪ .‬وهو أمر إباحة‪ ،‬وكنى بالتيان عن‬
‫الوطفء‪ ،‬وهذا المفر يقوي مفا قلناه مفن أن المراد بالتطهفر الغسفل بالماء‪ ،‬لن صفيغة المفر مفن ال‬
‫تعالى ل تقفع إل على الوجه الكمفل‪ .‬وال أعلم‪ .‬و"مفن" بمعنفى ففي‪ ،‬أي ففي حيفث أمركفم ال تعالى‬
‫وهو القبل‪ ،‬ونظيره قوله تعالى‪" :‬أروني ماذا خلقوا من الرض" [فاطر‪ ]40 :‬أي في الرض‪:،‬‬
‫وقوله‪" :‬إذا نودي للصفلة مفن يوم الجمعفة" [الجمعفة‪ ]9 :‬أي ففي يوم الجمعفة‪ .‬وقيفل‪ :‬المعنفى‪ ،‬أي‬
‫مفن الوجفه الذي أذن لكفم فيفه‪ ،‬أي مفن غيفر صفوم وإحرام واعتكاف‪ ،‬قاله الصفم‪ .‬وقال ابفن عباس‬
‫وأبو رزين‪( :‬من قبل الطهر ل من قبل الحيض)‪ ،‬وقاله الضحاك‪ .‬وقال محمد بن الحنفية‪ :‬المعنى‬
‫من قبل الحلل ل من قبل الزنى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال يحب التوابين ويحب المتطهرين" اختلف فيه‪ ،‬فقيل‪ :‬التوابون من الذنوب‬
‫والشرك‪ .‬والمتطهرون أي بالماء مففن الجنابففة والحداث‪ ،‬قاله عطاء وغيره‪ .‬وقال مجاهففد‪ :‬مففن‬
‫الذنوب‪ ،‬وعنفه أيضفا‪ :‬مفن إتيان النسفاء ففي أدبارهفن‪ .‬ابفن عطيفة‪ :‬كأنفه نظفر إلى قوله تعالى حكايفة‬
‫عن قوم لوط‪" :‬أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون" [العراف‪ .]82 :‬وقيل‪ :‬المتطهرون‬
‫الذين لم يذنبوا‪ .‬فإن قيل‪ :‬كيف قدم بالذكر الذي أذنب على من لم يذنب‪ ،‬قيل‪ :‬قدمه لئل يقنط التائب‬
‫من الرحمة ول يعجب المتطهر بنفسه‪ ،‬كما ذكر في آية أخرى‪" :‬فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد‬
‫ومنهم سابق بالخيرات" [الملئكة‪ ]32 :‬على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 223 :‬نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لنفسكم واتقوا ال واعلموا‬
‫أنكم ملقوه وبشر المؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬نساؤكم حرث لكم" روى الئمة واللفظ للمسلم عن جابر بن عبدال قال‪( :‬كانت‬
‫اليهود تقول‪ :‬إذا أتفى الرجفل امرأتفه مفن دبرهفا ففي قبلهفا كان الولد أحول)‪ ،‬فنزلت اليفة "نسفائكم‬
‫حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم" زاد في رواية عن الزهري‪ :‬إن شاء مجبية وإن شاء غير مجبية‬
‫غير إن ذلك في صمام واحد‪ .‬ويروى‪ :‬في سمام واحد بالسين‪ ،‬قاله الترمذي‪ .‬وروى البخاري عن‬
‫ناففع قال‪ :‬كان ابفن عمفر إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتفى يفرغ منفه‪ ،‬فأخذت عليفه يومفا‪ ،‬فقرأ سفورة‬
‫"البقرة" حتفى انتهفى إلى مكان قال‪ :‬أتدري فيفم أنزلت؟ قلت‪ :‬ل‪ ،‬قال‪ :‬نزلت ففي كذا وكذا‪ ،‬ثفم‬
‫مضى‪ .‬وعن عبدالصمد قال‪ :‬حدثني أبي قال حدثني أيوب عن نافع عن ابن عمر‪" :‬فأتوا حرثكم‬
‫أنفى شئتفم" قال‪ :‬يأتيهفا ففي‪ .‬قال الحميدي‪ :‬يعنفي الفرج‪ .‬وروى أبفو داود عفن ابفن عباس قال‪( :‬إن‬
‫ابفن عمفر وال يغففر له وهِم‪ ،‬إنمفا كان هذا الحفي مفن النصفار‪ ،‬وهفم أهفل وثفن‪ ،‬مفع هذا الحفي مفن‬
‫يهود‪ ،‬وهفم أهفل كتاب‪ :‬وكانوا يرون لهفم فضل عليهفم ففي العلم‪ ،‬فكانوا يقتدون بكثيفر مفن فعلهفم‪،‬‬
‫وكان مفن أمفر أهفل الكتاب أل يأتوا النسفاء إل على حرف‪ ،‬وذلك أسفتر مفا تكون المرأة‪ ،‬فكان هذا‬
‫الحفي مفن النصفار قفد أخذوا بذلك مفن فعلهفم‪ ،‬وكان هذا الحفي مفن قريفش يشرحون النسفاء شرحفا‬
‫منكرا‪ ،‬ويتلذذون منهففن مقبلت ومدبرات ومسففتلقيات‪ ،‬فلمففا قدم المهاجرون المدينففة تزوج رجففل‬
‫منهم امرأة من النصار‪ ،‬فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه‪ ،‬وقالت‪ :‬إنما كنا نؤتى على حرف!‬
‫فاصفنع ذلك وإل فاجتنبنفي‪ ،‬حتفى شري أمرهمفا)؟ فبلغ ذلك النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬فأنزل ال‬
‫عفز وجفل‪" :‬فأتوا حرثكفم أنفى شئتفم"‪ ،‬أي مقبلت ومدبرات ومسفتلقيات‪ ،‬يعنفي بذلك موضفع الولد‪.‬‬
‫وروى الترمذي عففن ابففن عباس قال‪( :‬جاء عمففر إلى رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم فقال‪ :‬يففا‬
‫رسففول ال‪ ،‬هلكففت! قال‪( :‬ومففا أهلكففك؟) قال‪ :‬حولت رحلي الليلة‪ ،‬قال‪ :‬فلم يرد عليففه رسففول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم شيئا‪ ،‬قال‪ :‬فأوحفى إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم هذه اليفة‪" :‬نسفائكم‬
‫حرث لكففم فأتوا حرثكففم أنففى شئتففم" أقبففل وأدبر واتففق الدبر والحيضففة) قال‪ :‬هذا حديففث حسففن‬
‫صفحيح‪ .‬وروى النسفائي عفن أبفي النضفر أنفه قال لناففع مولى ابفن عمفر‪ :‬قفد أكثفر عليفك القول‪ .‬إنفك‬
‫تقول عفن ابفن عمفر‪( :‬أنفه أفتفى بأن يؤتفى النسفاء ففي أدبارهفن)‪ .‬قال ناففع‪ :‬لقفد كذبوا علي! ولكفن‬
‫سأخبرك كيف كان المر‪ :‬إن ابن عمر عرض علي المصحف يوما وأنا عنده حتى بلغ‪" :‬نسائكم‬
‫حرث لكم"‪ ،‬قال نافع‪ :‬هل تدري ما أمر هذه الية؟ إنا كنا معشر قريش نجبي النساء‪ ،‬فلما دخلنا‬
‫المدينة ونكحنا نساء النصار أردنا منهن ما كنا نريد من نسائنا‪ ،‬فإذا هن قد كرهن ذلك وأعظمنه‪،‬‬
‫وكان نساء النصار إنما يؤتين على جنوبهن‪ ،‬فأنزل ال سبحانه‪" :‬نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم‬
‫أنى شئتم"‪.‬‬
‫@هذه الحاديث نص في إباحة الحال والهيئات كلها إذا كان الوطء في موضع الحرث‪ ،‬أي كيف‬
‫شئتفم مفن خلف ومفن قدام وباركفة ومسفتلقية ومضطجعفة‪ ،‬فأمفا التيان ففي غيفر المأتفى فمفا كان‬
‫مباحففا‪ ،‬ول يباح! وذكففر الحرث يدل على أن التيان فففي غيففر المأتففى محرم‪ .‬و"حرث" تشففبيه‪،‬‬
‫لنهففن مزدرع الذريففة‪ ،‬فلفففظ "الحرث" يعطففي أن الباحففة لم تقففع إل فففي الفرج خاصففة إذ هففو‬
‫المزدرع‪ .‬وأنشد ثعلب‪:‬‬
‫ضون لنا محترثات‬ ‫إنما الرحام أر‬
‫وعلى ال النبات‬ ‫فعلينا الزرع فيها‬
‫ففرج المرأة كالرض‪ ،‬والنطففة كالبذر‪ ،‬والولد كالنبات‪ ،‬فالحرث بمعنفى المحترث‪ .‬ووحفد الحرث‬
‫لنه مصدر‪ ،‬كما يقال‪ :‬رجل صوم‪ ،‬وقوم صوم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أنى شئتم" معناه عند الجمهور من الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى‪ :‬من أي وجه‬
‫شئتم مقبلة ومدبرة‪ ،‬كما ذكرنا آنفا‪ .‬و"أنى" تجيء سؤال وإخبارا عن أمر له جهات‪ ،‬فهو أعم في‬
‫اللغة من "كيف" ومن "أين" ومن "متى"‪ ،‬هذا هو الستعمال العربي في "أنى"‪ .‬وقد فسر الناس‬
‫"أنفى" ففي هذه اليفة بهذه اللفاظ‪ .‬وفسفرها سفيبوبه بفف "كيفف" ومفن "أيفن" باجتماعهمفا‪ .‬وذهبفت‬
‫فرقفة ممفن فسفرها بفف "أيفن" إلى أن الوطفء ففي الدبر مباح‪ ،‬وممفن نسفب إليفه هذا القول‪ :‬سفعيد بفن‬
‫المسفيب وناففع وابفن عمفر ومحمفد بفن كعفب القرظفي وعبدالملك بفن الماجشون‪ ،‬وحكفي ذلك عفن‬
‫مالك فففي كتاب له يسففمى "كتاب السففر"‪ .‬وحذاق أصففحاب مالك ومشايخهففم ينكرون ذلك الكتاب‪،‬‬
‫ومالك أجفل مفن أن يكون له "كتاب سفر"‪ .‬ووقفع هذا القول ففي العتبيفة‪ .‬وذكفر ابفن العربفي أن ابفن‬
‫شعبان أسففند جواز هذا القول إلى زمرة كففبيرة مففن الصففحابة والتابعيففن‪ ،‬وإلى مالك مففن روايات‬
‫كثيرة ففي كتاب "جماع النسفوان وأحكام القرآن"‪ .‬وقال الكيفا الطفبري‪ :‬وروي عفن محمفد بفن كعفب‬
‫القرظي أنه كان ل يرى بذلك بأسا‪ ،‬ويتأول فيه قول ال عز وجل‪" :‬أتأتون الذكران من العالمين‪.‬‬
‫وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم" [الشعراء‪ .]166 :‬وقال‪ :‬فتقديره تتركون مثل ذلك من‬
‫أزواجكفم‪ ،‬ولو لم يبفح مثفل ذلك مفن الزواج لمفا صفح ذلك‪ ،‬وليفس المباح مفن الموضفع الخفر مثل‬
‫له‪ ،‬حتفى يقال‪ :‬تفعلون ذلك وتتركون مثله من المباح‪ .‬قال الكيا‪ :‬وهذا فيه نظر‪ ،‬إذ معناه‪ :‬وتذرون‬
‫مفا خلق لكفم ربكفم مفن أزواجكفم ممفا فيفه تسفكين شهوتفك‪ ،‬ولذة الوقاع حاصفلة بهمفا جميعفا‪ ،‬فيجوز‬
‫التوبيففخ على هذا المعنففى‪ .‬وفففي قوله تعالى‪" :‬فإذا تطهرن فأتوا مففن حيففث أمركففم ال" مففع قوله‪:‬‬
‫"فأتوا حرثكم" ما يدل على أن في المأتى اختصاصا‪ ،‬وأنه مقصور على موضع الولد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا هو الحق في المسألة‪ .‬وقد ذكر أبو عمر بن عبدالبر أن العلماء لم اختلفوا في الرتقاء‬
‫التفي ل يوصفل إلى وطئهفا أنفه عيفب ترد بفه‪ ،‬إل شيئا جاء عفن عمفر بفن عبدالعزيفز مفن وجفه ليفس‬
‫بالقوي أنفه ل ترد الرتقاء ول غيرهفا‪ ،‬والفقهاء كلهفم على خلف ذلك‪ ،‬لن المسفيس هفو المبتغفى‬
‫بالنكاح‪ ،‬وففي إجماعهفم على هذا دليفل على أن الدبر ليفس بموضفع وطفء‪ ،‬ولو كان موضعفا للوطفء‬
‫مفا ردت مفن ل يوصفل إلى وطئهفا ففي الفرج‪ .‬وففي إجماعهفم أيضفا على أن العقيفم التفي ل تلد ل‬
‫ترد‪ .‬والصحيح في هذه المسألة ما بيناه‪ .‬وما نسب إلى مالك وأصحابه من هذا باطل وهم مبرؤون‬
‫مفن ذلك‪ ،‬لن إباحفة التيان مختصفة بموضفع الحرث‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬فأتوا حرثكفم"‪ ،‬ولن الحكمفة‬
‫ففي خلق الزواج بفث النسفل‪ ،‬فغيفر موضفع النسفل ل يناله ملك النكاح‪ ،‬وهذا هفو الحفق‪ .‬وقفد قال‬
‫أصحاب أبي حنيفة‪ :‬إنه عندنا ولئط الذكر سواء في الحكم‪ ،‬ولن القذر والذى في موضع النجو‬
‫أكثر من دم الحيض‪ ،‬فكان أشنع‪ .‬وأما صمام البول فغير صمام الرحم‪ .‬وقال ابن العربي في قبسه‪:‬‬
‫قال لنفا الشيفخ المام فخفر السفلم أبفو بكفر محمفد بفن أحمفد بفن الحسفين فقيفه الوقفت وإمامفه‪ :‬الفرج‬
‫أشبفه شيفء بخمسفة وثلثيفن‪ ،‬وأخرج يده عاقدا بهفا‪ .‬وقال‪ :‬مسفلك البول مفا تحفت الثلثيفن‪ ،‬ومسفلك‬
‫الذكفر والفرج مفا اشتملت عليفه الخمسفة‪ ،‬وقفد حرم ال تعالى الفرج حال الحيفض لجفل النجاسفة‬
‫العارضة‪ .‬فأولى أن يحرم الدبر لجل النجاسة اللزمة‪ .‬وقال مالك لبن وهب وعلي بن زياد لما‬
‫أخفبراه أن ناسفا بمصفر يتحدثون عنه أنفه يجيفز ذلك‪ ،‬فنففر مفن ذلك‪ ،‬وبادر إلى تكذيفب الناقفل فقال‪:‬‬
‫كذبوا علي‪ ،‬كذبوا علي‪ ،‬كذبوا علي! ثفم قال‪ :‬ألسفتم قومفا عربفا؟ ألم يقفل ال تعالى‪" :‬نسفاؤكم حرث‬
‫لكفم" وهفل يكون الحرث إل ففي موضفع المنبفت! ومفا اسفتدل بفه المخالف مفن أن قوله عفز وجفل‪:‬‬
‫"أنى شئتم" شامل للمسالك بحكم عمومها فل حجة فيها‪ ،‬إذ هي مخصصة بما ذكرناه‪ ،‬وبأحاديث‬
‫صفحيحة حسفان وشهيرة رواهفا عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم اثنفا عشفر صفحابيا بمتون‬
‫مختلفة‪ ،‬كلها متواردة على تحريم إتيان النساء في الدبار‪ ،‬ذكرها أحمد بن حنبل في مسنده‪ ،‬وأبو‬
‫داود والنسففائي والترمذي وغيرهففم‪ .‬وقففد جمعهففا أبففو الفرج بفن الجوزي بطرقهففا فففي جزء سففماه‬
‫"تحريم المحل المكروه"‪ .‬ولشيخنا أبي العباس أيضا في ذلك جزء سماه (إظهار إدبار‪ ،‬من أجاز‬
‫الوطء في الدبار)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا هو الحق المتبع والصحيح في المسألة‪ ،‬ول ينبغي لمؤمن بال واليوم الخر أن يعرج‬
‫ففي هذه النازلة على زلة عالم بعفد أن تصفح عنفه‪ .‬وقفد حذرنفا مفن زلة العالم‪ .‬وقفد روي عفن ابفن‬
‫عمر خلف هذا‪ ،‬وتكفير من فعله‪ ،‬وهذا هو اللئق به رضي ال عنه‪ .‬وكذلك كذب نافع من أخبر‬
‫عنفه بذلك‪ ،‬كمفا ذكفر النسفائي‪ ،‬وقفد تقدم‪ .‬وأنكفر ذلك مالك واسفتعظمه‪ ،‬وكذب مفن نسفب ذلك إليفه‪.‬‬
‫وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال‪ :‬قلت لبن عمر‪ :‬ما تقول‬
‫ففي الجواري حيفن أحمفض بهفن؟ قال‪ :‬ومفا التحميفض؟ فذكرت له الدبر‪ ،‬فقال‪ :‬هفل يفعفل ذلك أحفد‬
‫مفن المسفلمين! وأسفند عفن خزيمفة بفن ثابفت‪ :‬سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقول‪( :‬أيهفا‬
‫الناس إن ال ل يسفتحي مفن الحفق ل تأتوا النسفاء ففي أعجازهفن)‪ .‬ومثله عفن علي بفن طلق‪ .‬وأسفند‬
‫عفن أبفي هريرة عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬مفن أتفى امرأة ففي دبرهفا لم ينظفر ال تعالى‬
‫إليه يوم القيامة) وروى أبو داود الطيالسي في مسنده عن قتادة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن‬
‫عبدال بفن عمرو عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬تلك اللوطيفة الصفغرى) يعنفي إتيان المرأة‬
‫ففي دبرهفا‪ .‬وروي عن طاوس أنفه قال‪ :‬كان بدء عمفل قوم لوط إتيان النسفاء ففي أدبارهفن‪ .‬قال ابفن‬
‫المنذر‪ :‬وإذا ثبت الشيء عن رسول ال صلى ال عليه وسلم استغني به عما سواه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقدموا لنفسفكم" أي قدموا مفا ينفعكفم غدا‪ ،‬فحذف المفعول‪ ،‬وقفد صفرح بفه ففي‬
‫قوله تعالى‪" :‬وما تقدموا لنفسكم من خير تجدوه عند ال" [البقرة‪ .]11 :‬فالمعنى قدموا لنفسكم‬
‫الطاعة والعمل الصالح‪ .‬وقيل ابتغاء الولد والنسل‪ ،‬لن الولد خير الدنيا والخرة‪ ،‬فقد يكون شفيعا‬
‫وجنفة‪ .‬وقيفل‪ :‬هفو التزوج بالعفائف‪ ،‬ليكون الولد صفالحا طاهرا‪ .‬وقيفل‪ :‬هفو تقدم الفراط‪ ،‬كمفا قال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬من قدم ثلثة من الولد لم يبلغوا الحنث لم تمسه النار إل تحلة القسم)‬
‫الحديفث‪ .‬وسفيأتي ففي "مريفم" إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال ابفن عباس وعطاء‪ :‬أي قدموا ذكفر ال عنفد‬
‫الجماع‪ ،‬كمففا قال عليففه السففلم‪( :‬لو أن أحدكففم إذا أتففى امرأتففه قال بسففم ال اللهففم جنبنففا الشيطان‬
‫وجنب الشيطان ما رزقتنا فإنه إن يقدر بينهما ولد لم يضره شيطان أبدا)‪ .‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتقوا ال" تحذير "واعلموا أنكم ملقوه" خبر يقتضي المبالغة في التحذير‪ ،‬أي‬
‫فهو مجازيكم على البر والثم‪ .‬وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال‪ :‬سمعت سعيد بن جبير‬
‫عفن ابفن عباس قال‪ :‬سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وهفو يخطفب يقول‪( :‬إنكفم ملقفو ال‬
‫حفاة عراة مشاة غرل) ‪ -‬ثفففم تل رسفففول ال صفففلى ال عليفففه وسفففلم‪" :‬واتقوا ال وأعلموا أنكفففم‬
‫ملقوه"‪ .‬أخرجه مسلم بمعناه‪" .‬وبشر المؤمنين" تأنيس لفاعل البر ومبتغي سنن الهدى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 224 :‬ول تجعلوا ال عرضفة ليمانكفم أن تفبروا وتتقوا وتصفلحوا بيفن الناس وال‬
‫سميع عليم}‬
‫@قال العلماء‪ :‬لما أمر ال تعالى بالنفاق وصحبة اليتام والنساء بجميل المعاشرة قال‪ :‬ل تمتنعوا‬
‫عن شيء من المكارم تعلل بأنا حلفنا أل نفعل كذا‪ ،‬قال معناه ابن عباس والنخعي ومجاهد والربيع‬
‫وغيرهم‪ .‬قال سعيد بن جبير‪( :‬هو الرجل يحلف أل يبر ول يصل ول يصلح بين الناس‪ ،‬فيقال له‪:‬‬
‫بر‪ ،‬فيقول‪ :‬قففد حلفففت)‪ .‬وقال بعففض المتأوليففن‪ :‬المعنففى ول تحلفوا بال كاذبيففن إذا أردتففم البر‬
‫والتقوى والصفلح‪ ،‬فل يحتاج إلى تقديفر "ل" بعفد "أن"‪ .‬وقيفل‪ :‬المعنفى ل تسفتكثروا مفن اليميفن‬
‫بال فإنفه أهيفب للقلوب‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪" :‬واحفظوا أيمانكفم" [المائدة‪ .]89 :‬وذم مفن كثفر اليميفن‬
‫فقال تعالى‪" :‬ول تطفع كفل حلف مهيفن" [القلم‪ .]10 :‬والعرب تمتدح بقلة اليمان‪ ،‬حتفى قال‬
‫قائلهم‪:‬‬
‫وإن صدرت منه اللية برت‬ ‫قليل الليا حافظ ليمينه‬
‫وعلى هذا "أن تبروا" معناه‪ :‬أقلوا اليمان لما فيه من البر والتقوى‪ ،‬فان الكثار يكون معه الحنث‬
‫وقلة رعي لحق ال تعالى‪ ،‬وهذا تأويل حسن‪ .‬مالك بن أنس‪ :‬بلغني أنه الحلف بال في كل شيء‪.‬‬
‫وقيفل‪ :‬المعنفى ل تجعلوا اليميفن مبتذلة ففي كفل حفق وباطفل وقال الزجاج وغيره‪ :‬معنفى اليفة أن‬
‫يكون الرجل إذا طلب منه فعل خير اعتل بال فقال‪ :‬علي يمين‪ ،‬وهو لم يحلف القتبي‪ :‬المعنى إذا‬
‫حلفتم على أل تصلوا أرحامكم ول تتصدقوا ول تصلحوا‪ ،‬وعلى أشباه ذلك من أبواب البر فكفروا‬
‫اليمين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا حسن لما بيناه‪ ،‬وهو الذي يدل على سبب النزول‪ ،‬على ما نبينه في المسألة بعد هذا‪.‬‬
‫قيل‪ :‬نزلت بسبب الصديق إذ حلف أل ينفق على مسطح حين تكلم في عائشة رضي ال عنها‪،‬‬
‫كما في حديث الفك‪ ،‬وسيأتي بيانه في "النور"‪ ،‬عن ابن جريج‪ .‬وقيل‪ :‬نزلت في الصديق أيضا‬
‫حيفن حلف أل يأكفل مفع الضياف‪ .‬وقيفل نزلت ففي عبدال بفن رواحفة حيفن حلف أل يكلم بشيفر بفن‬
‫النعمان وكان ختنه على أخته‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬عرضفة ليمانكفم" أي نصفبا‪ ،‬عفن الجوهري‪ .‬وفلن عرضفة ذاك‪ ،‬أي عرضفة‬
‫لذلك‪ ،‬أي مقرن له قوي عليه‪ .‬والعرضة‪ :‬الهمة‪ .‬قال‪:‬‬
‫هم النصار عرضتها اللقاء‬
‫وفلن عرضففة للناس‪ :‬ل يزالون يقعون فيففه‪ .‬وجعلت فلنففا عرضففة لكذا أي نصففبته له‪ ،‬وقيففل‪:‬‬
‫العرضة من الشدة والقوة‪ ،‬ومنه قولهم للمرأة‪ :‬عرضة للنكاح‪ ،‬إذا صلحت له وقويت عليه‪ ،‬ولفلن‬
‫عرضة‪ :‬أي قوة على السفر والحرب‪ ،‬قال كعب بن زهير‪:‬‬
‫عرضتها طامس العلم مجهول‬ ‫من كان نضاخة الذفرى إذا عرقت‬
‫وقال عبدال بن الزبير‪:‬‬
‫للهوي وهذي عرضة لرتحالنا‬ ‫فهذي ليام الحروب وهذه‬
‫أي عدة‪ .‬وقال آخر‪:‬‬
‫فل تجعلني عرضة للوائم‬
‫وقال أوس بن حجر‪:‬‬
‫لرحلي وفيها هزة وتقاذف‬ ‫وأدماء مثل الفحل يوما عرضتها‬
‫والمعنى‪ :‬ل تجعلوا اليمين بال قوة لنفسكم‪ ،‬وعدة في المتناع من البر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن تفبروا وتتقوا" مبتدأ وخفبره محذوف‪ ،‬أي البر والتقوى والصفلح أولى‬
‫وأمثفل‪ ،‬مثفل "طاعفة وقول معروف" [محمفد‪ ]21 :‬عفن الزجاج والنحاس‪ .‬وقيفل‪ :‬محله النصفب‪،‬‬
‫أي ل تمنعكم اليمين بال عز وجل البر والتقوى والصلح‪ ،‬عن الزجاج أيضا‪ .‬وقيل‪ :‬مفعول من‬
‫أجله‪ .‬وقيفففل‪ :‬معناه أل تفففبروا‪ ،‬فحذف "ل"‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬يفففبين ال لكفففم أن تضلوا" [النسفففاء‪:‬‬
‫‪ ]176‬أي لئل تضلوا‪ ،‬قاله الطبري والنحاس‪ .‬ووجه رابع من وجوه النصب‪ :‬كراهة أن تبروا‪،‬‬
‫ثفم حذففت‪ ،‬ذكره النحاس والمهدوي‪ .‬وقيفل‪ :‬هفو ففي موضفع خففض على قول الخليفل والكسفائي‪،‬‬
‫التقدير‪ :‬في أن تبروا‪ ،‬فأضمرت "في" وخفضت بها‪ .‬و"سميع" أي لقوال العباد‪" .‬عليم" بنياتهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 225 :‬ل يؤاخذكم ال باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم وال غفور‬
‫حليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬باللغو" اللغو‪ :‬مصدر لغا يلغو ويلغى‪ ،‬ولغي يلغى لغا إذا أتى بما ل يحتاج إليه‬
‫في الكلم‪ ،‬أو بما ل خير فيه‪ ،‬أو بما يلغى إثمه‪ ،‬وفي الحديث‪( :‬إذا قلت لصاحبك والمام يخطب‬
‫يوم الجمعة أنصت فقد لغوت)‪ .‬ولغة أبي هريرة "فقد لغيت" وقال الشاعر‪:‬‬
‫عن اللغا ورفث التكلم‬ ‫ورب أسراب حجيج كظم‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫إذا لم تعمد عاقدات العزائم‬ ‫ولست بمأخوذ بلغو تقوله‬
‫@واختلف العلماء ففي اليميفن التفي هفي لغفو‪ ،‬فقال ابفن عباس‪( :‬هفو قول الرجفل ففي درج كلمفه‬
‫واسفتعجاله ففي المحاورة‪ :‬ل وال‪ ،‬وبلى وال‪ ،‬دون قصفد لليميفن)‪ .‬قال المروزي‪ :‬لغفو اليميفن التفي‬
‫اتففق العلماء على أنهفا لغفو هفو قول الرجفل‪ :‬ل وال‪ ،‬وبلى وال‪ ،‬ففي حديثفه وكلمفه غيفر معتقفد‬
‫لليميفن ول مريدهفا‪ .‬وروى ابفن وهفب عفن يونفس عفن ابفن شهاب أن عروة حدثفه أن عائشفة زوج‬
‫النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قالت‪( :‬أيمان اللغفو مفا كانفت ففي المراء والهزل والمزاحفة والحديفث‬
‫الذي ل ينعقد عليه القلب)‪ .‬وفي البخاري عن عائشة رضي ال عنها قالت‪ :‬نزل قوله تعالى‪"( :‬ل‬
‫يؤاخذكفم ال باللغفو ففي أيمانكفم" ففي قول الرجفل‪ :‬ل وال‪ ،‬وبلى وال)‪ .‬وقيفل‪ :‬اللغفو مفا يحلف بفه‬
‫على الظفن‪ ،‬فيكون بخلففه‪ ،‬قاله مالك‪ ،‬حكاه ابن القاسفم عنه‪ ،‬وقال به جماعة مفن السلف‪ .‬قال أبفو‬
‫هريرة‪( :‬إذا حلف الرجفل على الشيفء ل يظفن إل أنفه إياه‪ ،‬فإذا ليفس هفو‪ ،‬فهفو اللغفو‪ ،‬وليفس فيفه‬
‫كفارة)‪ ،‬ونحوه عفن ابفن عباس‪ .‬وروي‪ :‬أن قومفا تراجعوا القول عنفد رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم وهفم يرمون بحضرتفه‪ ،‬فحلف أحدهفم لقفد أصفبت وأخطأت يفا فلن‪ ،‬فإذا المفر بخلف ذلك‪،‬‬
‫فقال الرجل‪ :‬حنث يا رسول ال‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أيمان الرماة لغو ل حنث فيها‬
‫ول كفارة)‪ .‬وففي الموطفأ قال مالك‪ :‬أحسفن مفا سفمعت ففي هذا أن اللغفو حلف النسفان على الشيفء‬
‫يسفتيقن أنفه كذلك ثفم يوجفد بخلففه‪ ،‬فل كفارة فيفه‪ .‬والذي يحلف على الشيفء وهفو يعلم أن فيفه آثفم‬
‫كاذب ليرضفي بفه أحدا‪ ،‬أو يعتذر لمخلوق‪ ،‬أو يقتطفع بفه مال‪ ،‬فهذا أعظفم مفن أن يكون فيفه كفارة‪،‬‬
‫وإنما الكفارة على من حلف أل يفعل الشيفء المباح له فعله ثفم يفعله‪ ،‬أو أن يفعله ثفم ل يفعله‪ ،‬مثفل‬
‫إن حلف أل يفبيع ثوبفه بعشرة دراهفم ثفم يفبيعه بمثفل ذلك‪ ،‬أو حلف ليضربفن غلمفه ثفم ل يضربفه‪.‬‬
‫وروى عن ابن عباس ‪ -‬إن صح عنه ‪ -‬قال‪( :‬لغو اليمين أن تحلف وأنت غضبان)‪ ،‬وقاله طاوس‪.‬‬
‫وروى ابفن عباس أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬ل يميفن ففي غضفب) أخرجفه مسفلم‪.‬‬
‫وقال سففعيد بففن جففبير‪ :‬هففو تحريففم الحلل‪ ،‬فيقول‪ :‬مالي علي حرام إن فعلت كذا‪ ،‬والحلل علي‬
‫حرام‪ ،‬وقاله مكحول الدمشقي‪ ،‬ومالك أيضا‪ ،‬إل في الزوجة فإنه ألزم فيها التحريم إل أن يخرجها‬
‫الحالف بقلبه‪ .‬وقيل‪ :‬هو يمين المعصية‪ ،‬قاله سعيد بن المسيب‪ ،‬وأبو بكر بن عبدالرحمن وعروة‬
‫وعبدال ابنا الزبير‪ ،‬كالذي يقسم ليشربن الخمر أو ليقطعن الرحم فبره ترك ذلك الفعل ول كفارة‬
‫عليه‪ ،‬وحجتهم حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬من‬
‫حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليتركها فإن تركها كفارتها) أخرجه ابن ماجة في سننه‪،‬‬
‫وسفيأتي ففي "المائدة" أيضفا‪ .‬وقال زيفد بفن أسفلم لغفو اليميفن دعاء الرجفل على نفسفه‪ :‬أعمفى ال‬
‫بصففره‪ ،‬أذهففب ال ماله‪ ،‬هففو يهودي‪ ،‬هففو مشرك‪ ،‬هففو لغيففة إن فعففل كذا‪ .‬مجاهففد‪ :‬همففا الرجلن‬
‫يتبايعان فيقول أحدهمففا‪ :‬وال ل أبيعففك بكذا‪ ،‬ويقول الخففر‪ ،‬وال ل أشتريففه بكذا‪ .‬النخعففي‪ :‬هففو‬
‫الرجفل يحلف أل يفعفل الشيفء ثفم ينسفى فيفعله‪ .‬وقال ابفن عباس أيضفا والضحاك‪( :‬إن لغفو اليميفن‬
‫هفي المكفرة‪ ،‬أي إذا كفرت اليميفن سفقطت وصفارت لغوا‪ ،‬ول يؤاخفذ ال بتكفيرهفا والرجوع إلى‬
‫الذي هفو خيفر)‪ .‬وحكفى ابفن عبدالبر قول‪ :‬أن اللغفو أيمان المكره‪ .‬قال ابفن العربفي‪ :‬أمفا اليميفن مفع‬
‫النسيان فل شك في إلغائها‪ .‬لنها جاءت على خلف قصده‪ ،‬فهي لغو محض‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويمين المكره بمثابتها‪ .‬وسيأتي حكم من حلف مكرها في "النحل" إن شاء ال تعالى‪ .‬قال‬
‫ابفن العربفي‪ :‬وأما مفن قال إنه يميفن المعصفية فباطل‪ ،‬لن الحالف على ترك المعصية تنعقفد يمينه‬
‫عبادة‪ ،‬والحالف على فعفل المعصفية تنعقفد يمينفه معصفية‪ ،‬ويقال له‪ :‬ل تفعفل وكففر‪ ،‬فإن أقدم على‬
‫الفعل أثم في إقدامه وبر في قسمه‪ .‬وأما من قال‪ :‬إنه دعاء النسان على نفسه إن لم يكن كذا فينزل‬
‫به كذا‪ ،‬فهو قول لغو‪ ،‬ففي طريفق الكفارة‪ ،‬ولكنفه منعقد ففي القصفد‪ ،‬مكروه‪ ،‬وربمفا يؤاخذ به‪ ،‬لن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ل يدعون أحدكم على نفسه فربما صادف ساعة ل يسأل ال أحد‬
‫فيها شيئا إل أعطاه إياه)‪ .‬وأما من قال إنه يمين الغضب فإنه يرده حلف النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫غاضبا أل يحمل الشعريين وحملهم وكفر عن يمينه‪ .‬وسيأتي في "براءة "‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬وأما‬
‫مفن قال‪ :‬إنفه اليميفن المكفرة فل متعلق له يحكفى‪ .‬وضعففه ابفن عطيفة أيضفا وقال‪ :‬قفد رففع ال عفز‬
‫وجففل المؤاخذة بالطلق فففي اللغففو‪ ،‬فحقيقتهففا ل إثففم فيففه ول كفارة‪ ،‬والمؤاخذة فففي اليمان هففي‬
‫بعقوبة الخرة في اليمين الغموس المصبورة‪ ،‬وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة‪ ،‬وبعقوبة الدنيا في‬
‫إلزام الكفارة‪ ،‬فيضعففف القول بأنهففا اليميففن المكفرة‪ ،‬لن المؤاخذة قففد وقعففت فيهففا‪ ،‬وتخصففيص‬
‫المؤاخذة بأنها في الخرة فقط تحكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ففي أيمانكفم" اليمان جمفع يميفن‪ ،‬واليميفن الحلف‪ ،‬وأصفله أن العرب كانفت إذا‬
‫تحالففت أو تعاقدت أخفذ الرجفل يميفن صفاحبه بيمينفه‪ ،‬ثفم كثفر ذلك حتفى سفمي الحلف والعهفد نفسفه‬
‫يمينا‪ .‬وقيل‪ :‬يمين فعيل من اليمن‪ ،‬وهو البركة‪ ،‬سماها ال تعالى بذلك لنها تحفظ الحقوق‪ .‬ويمين‬
‫تذكر وتؤنث‪ ،‬وتجمع أيمان وأيمن‪ ،‬قال زهير‪:‬‬
‫فتجمع أيمن منا ومنكم‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" مثل قوله‪" :‬ولكن يؤاخذكم بما عقدتم اليمان"‬
‫[المائدة‪ .]89 :‬وهناك يأتفي الكلم فيفه مسفتوفى‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال زيفد بفن أسفلم‪ :‬قوله‬
‫تعالى‪" :‬ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم" هو في الرجل يقول‪ :‬هو مشرك إن فعل‪ ،‬أي هذا اللغو‪،‬‬
‫إل أن يعقد الشراك بقلبه ويكسبه‪ .‬و"غفور حليم" صفتان لئقتان بما ذكر من طرح المؤاخذة‪ ،‬إذ‬
‫هو باب رفق وتوسعة‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 227 - 226 :‬للذيفن يؤلون مفن نسفائهم تربفص أربعفة أشهفر فإن فاؤوا فإن ال‬
‫غفور رحيم‪ ،‬وإن عزموا الطلق فإن ال سميع عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬للذيفن يؤلون" "يؤلون" معناه يحلفون‪ ،‬والمصفدر إيلء وأليفة وألوة وإلوة‪ .‬وقرأ‬
‫أبفي وابفن عباس "للذيفن يقسفمون"‪ .‬ومعلوم أن "يقسفمون" تفسفير "يؤلون"‪ .‬وقرئ "للذيفن آلوا"‬
‫يقال‪ :‬آلى يؤلي إيلء‪ ،‬وتألى تأليفا‪ ،‬وائتلى ائتلء‪ ،‬أي حلف‪ ،‬ومنفه "ول يأتفل أولو الفضفل منكفم"‪،‬‬
‫وقال الشاعر‪:‬‬
‫تكون وإياها بها مثل بعدي‬ ‫فآليت ل أنفك أحدو قصيدة‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫وإن سبقت منه اللية برت‬ ‫قليل الليا حافظ ليمينه‬
‫وقال ابن دريد‪:‬‬
‫بها النجاء بين أجواز الفل‬ ‫ألية باليعملت يرتمي‬
‫قال عبدال بفن عباس‪ :‬كان إيلء الجاهليفة السفنة والسفنتين وأكثفر مفن ذلك‪ ،‬يقصفدون بذلك إيذاء‬
‫المرأة عند المساءة‪ ،‬فوقت لهم أربعة أشهر‪ ،‬فمن آلى بأقل من ذلك فليس بإيلء حكمي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقفد آلى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وطلق‪ ،‬وسفبب إيلئه سفؤال نسفائه إياه مفن النفقفة مفا‬
‫ليس عنده‪ ،‬كذا في صحيح مسلم‪ .‬وقيل‪ :‬لن زينب ردت عليه هديته‪ ،‬فغضب صلى ال عليه وسلم‬
‫فآلى منهن‪ ،‬ذكره ابن ماجة‪.‬‬
‫@ويلزم اليلء كفل مفن يلزمفه الطلق‪ ،‬فالحفر والعبفد والسفكران يلزمفه اليلء‪ .‬وكذلك السففيه‬
‫والمولى عليفه إذا كان بالغفا غيفر مجنون‪ ،‬وكذلك الخصفي إذا لم يكفن مجبوبفا‪ ،‬والشيفخ إذا كان فيفه‬
‫بقيفة رمفق ونشاط‪ .‬واختلف قول الشافعفي ففي المجبوب إذا آلى‪ ،‬فففي قول‪ :‬ل إيلء له‪ .‬وففي قول‪:‬‬
‫يصح إيلؤه‪ ،‬والول أصح وأقرب إلى الكتاب والسنة‪ ،‬فإن الفيء هو الذي يسقط اليمين‪ ،‬والفيء‬
‫بالقول ل يسقطها‪ ،‬فإذا بقيت اليمين المانعة من الحنث بقي حكم اليلء‪ .‬وإيلء الخرس بما يفهم‬
‫عنه من كتابة أو إشارة مفهومة لزم له‪ ،‬وكذلك العجمي إذا آلى من نسائه‪.‬‬
‫@واختلف العلماء فيما يقع به اليلء من اليمين‪ ،‬فقال قوم‪ :‬ل يقع اليلء إل باليمين بال تعالى‬
‫وحده لقوله عليفه السفلم‪( :‬مفن كان حالففا فليحلف بال أو ليصفمت)‪ .‬وبفه قال الشافعفي ففي الجديفد‪.‬‬
‫وقال ابفن عباس‪( :‬كفل يميفن منعفت جماعفا فهفي إيلء)‪ ،‬وبفه قال الشعفبي والنخعفي ومالك وأهفل‬
‫الحجاز وسففيان الثوري وأهفل العراق‪ ،‬والشافعفي ففي القول الخفر‪ ،‬وأبفو ثور وأبفو عبيفد وابفن‬
‫المنذر والقاضفي أبفو بكفر بفن العربفي‪ .‬قال ابفن عبدالبر‪ :‬وكفل يميفن ل يقدر صفاحبها على جماع‬
‫امرأته من أجلها إل بأن يحنث فهو بها مول‪ ،‬إذا كانت يمينه على أكثر من أربعة أشهر‪ ،‬فكل من‬
‫حلف بال أو بصففة مفن صففاته أو قال‪ :‬أقسفم بال‪ ،‬أو أشهفد بال‪ ،‬أو علي عهفد ال وكفالتفه وميثاقفه‬
‫وذمتفه فإنفه يلزمفه اليلء‪ .‬فإن قال‪ :‬أقسفم أو أعزم ولم يذكفر بفف "ال" فقيفل‪ :‬ل يدخفل عليفه اليلء‪،‬‬
‫إل أن يكون أراد بفف "ال" ونواه‪ .‬ومفن قال إنفه يميفن يدخفل عليفه‪ ،‬وسفيأتي بيانفه ففي "المائدة" إن‬
‫شاء ال تعالى‪ .‬فإن حلف بالصفيام أل يطفأ امرأتفه فقال‪ :‬إن وطئتفك فعلي صفيام شهفر أو سفنة فهفو‬
‫مول‪ .‬وكذلك كل ما يلزمه من حج أو طلق أو عتق أو صلة أو صدقة‪ .‬والصل في هذه الجملة‬
‫عموم قوله تعالى‪" :‬للذين يؤلون" ولم يفرق‪ ،‬فإذا آلى بصدقة أو عتق عبد معين أو غير معين لزم‬
‫اليلء‪.‬‬
‫@فإن حلف بال أل يطأ واستثنى فقال‪ :‬إن شاء ال فإنه يكون موليا‪ ،‬فإن وطئها فل كفارة عليه‬
‫ففي روايفة ابفن القاسفم عفن مالك‪ .‬وقال ابفن الماجشون ففي المبسفوط‪ :‬ليفس بمول‪ ،‬وهفو أصفح لن‬
‫السففتثناء يحففل اليميففن ويجعففل الحالف كأنففه لم يحلف‪ ،‬وهففو مذهففب فقهاء المصففار‪ ،‬لنففه بيففن‬
‫بالسفتثناء أنفه غيفر عازم على الفعفل‪ .‬ووجفه مفا رواه ابفن القاسفم مبنفي على أن السفتثناء ل يحفل‬
‫اليميفن‪ ،‬ولكنفه يؤثفر ففي إسفقاط الكفارة‪ ،‬على مفا يأتفي بيانفه ففي "المائدة" فلمفا كانفت يمينفه باقيفة‬
‫منعقدة لزمففه حكففم اليلء وإن لم تجففب عليففه كفارة‪ .‬فإن حلف بالنففبي أو الملئكففة أو الكعبففة أل‬
‫يطأهفا‪ ،‬أو قال هفو يهودي أو نصفراني أو زان إن وطئهفا‪ ،‬فهذا ليفس بمول‪ ،‬قاله مالك وغيره‪ .‬قال‬
‫الباجفي‪ :‬ومعنفى ذلك عندي أنفه أورده على غيفر وجفه القسفم‪ ،‬وأمفا لو أورده على أنفه مول بمفا قاله‬
‫مفن ذلك أو غيره‪ ،‬فففي المبسفوط‪ :‬أن ابفن القاسفم سفئل عفن الرجفل يقول لمرأتفه‪ :‬ل مرحبفا‪ ،‬يريفد‬
‫بذلك اليلء يكون موليففا‪ ،‬قال‪ :‬قال مالك‪ :‬كففل كلم نوي بففه الطلق فهففو طلق‪ ،‬وهذا والطلق‬
‫سواء‪.‬‬
‫@واختلف العلماء في اليلء المذكور ففي القرآن‪ ،‬فقال ابن عباس‪( :‬ل يكون موليا حتى يحلف‬
‫أل يمسها أبدا)‪ .‬وقال طائفة‪ :‬إذا حلف أل يقرب امرأته يوما أو أقل أو أكثر ثم لم يطأ أربعة أشهر‬
‫بانفت منفه باليلء‪ ،‬روي هذا عفن ابفن مسفعود والنخعفي وابفن أبفي ليلى والحكفم وحماد بفن أبفي‬
‫سففليمان وقتادة‪ ،‬وبففه قال إسففحاق‪ .‬قال ابففن المنذر‪ :‬وأنكففر هذا القول كثيففر مففن أهففل العلم‪ .‬وقال‬
‫الجمهور‪ :‬اليلء هفو أن يحلف أل يطفأ أكثفر مفن أربعفة أشهفر‪ ،‬فان حلف على أربعفة فمفا دونهفا ل‬
‫يكون موليا‪ ،‬وكانت عندهم يمينا محضا‪ ،‬لو وطئ في هذه المدة لم يكن عليه شيء كسائر اليمان‪،‬‬
‫هذا قول مالك والشافعفي وأحمفد وأبي ثور‪ .‬وقال الثوري والكوفيون‪ :‬اليلء أن يحلف على أربعة‬
‫أشهفر فصفاعدا‪ ،‬وهفو قول عطاء‪ .‬قال الكوفيون‪ :‬جعفل ال التربفص ففي اليلء أربعفة أشهفر كمفا‬
‫جعفل عدة الوفاة أربعفة أشهفر وعشرا‪ ،‬وففي العدة ثلثفة قروء‪ ،‬فل تربفص بعفد‪ .‬قالوا‪ :‬فيجفب بعفد‬
‫المدة سففقوط اليلء‪ ،‬ول يسففقط إل بالفيففء وهففو الجماع فففي داخففل المدة‪ ،‬والطلق بعففد انقضاء‬
‫الربعفة الشهفر‪ .‬واحتفج مالك والشافعفي فقال‪ :‬جعفل ال للمولي أربعفة أشهفر‪ ،‬فهفي له بكمالهفا ل‬
‫اعتراض لزوجتفه عليفه فيهفا‪ ،‬كمفا أن الديفن المؤجفل ل يسفتحق صفاحبه المطالبفة بفه إل بعفد تمام‬
‫الجفل‪ .‬ووجفه قول إسفحاق ‪ -‬ففي قليفل المفد يكون صفاحبه بفه موليفا إذا لم يطفأ ‪ -‬القياس على مفن‬
‫حلف على أكثفر مفن أربعفة أشهفر فإنفه يكون موليفا‪ ،‬لنفه قصفد الضرار باليميفن‪ ،‬وهذا المعنفى‬
‫موجود في المدة القصيرة‪.‬‬
‫@واختلفوا أن من حلف أل يطأ امرأته أكثر من أربعة أشهر فانقضت الربعة الشهر ولم تطالبه‬
‫امرأتفه ول رفعتفه إلى السفلطان ليوقففه‪ ،‬لم يلزمفه شيفء عنفد مالك وأصفحابه وأكثفر أهفل المدينفة‪.‬‬
‫ومفن علمائنفا مفن يقول‪ :‬يلزمفه بانقضاء الربعفة الشهفر طلقفة رجعيفة‪ .‬ومنهفم ومفن غيرهفم مفن‬
‫يقول‪ :‬يلزمفه طلقة بائنفة بانقضاء الربعفة الشهفر‪ .‬والصفحيح مفا ذهفب إليفه مالك وأصفحابه‪ ،‬وذلك‬
‫أن المولي ل يلزمفه طلق حتفى يوقففه السفلطان بمطالبفة زوجتفه له ليفيفء فيراجفع امرأتفه بالوطفء‬
‫ويكفر يمينه أو يطلق‪ ،‬ول يتركه حتى يفيء أو يطلق‪ .‬والفيء‪ :‬الجماع فيمن يمكن مجامعتها‪ .‬قال‬
‫سفليمان بفن يسفار‪ :‬كان تسفعة رجال مفن أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم يوقفون ففي اليلء‪،‬‬
‫قال مالك‪ :‬وذلك المفر عندنفا‪ ،‬وبفه قال الليفث والشافعفي وأحمفد وإسفحاق وأبفو ثور‪ ،‬واختاره ابفن‬
‫المنذر‪.‬‬
‫@وأجل المولي من يوم حلف ل من يوم تخاصمه امرأته وترفعه إلى الحاكم‪ ،‬فإن خاصمته ولم‬
‫ترض بامتناعه من الوطء ضرب له السلطان أجل أربعة أشهفر من يوم حلف‪ ،‬فإن وطفئ فقفد فاء‬
‫إلى حفق الزوجفة وكففر عفن يمينفه‪ ،‬وإن لم يفيفء طلق عليفه طلقفة رجعيفة‪ .‬قال مالك‪ :‬فإن راجفع ل‬
‫تصفح رجعتفه حتفى يطفأ ففي العدة‪ .‬قال البهري‪ :‬وذلك أن الطلق إنمفا وقفع لدففع الضرر‪ ،‬فمتفى لم‬
‫يطفأ فالضرر باق‪ ،‬فل معنفى للرجعفة إل أن يكون له عذر يمنعفه مفن الوطفء فتصفح رجعتفه‪ ،‬لن‬
‫الضرر قد زال‪ ،‬وامتناعه من الوطء ليس من أجل الضرر وإنما هو من أجل العذر‪.‬‬
‫@واختلف العلماء ففي اليلء ففي غيفر حال الغضفب‪ ،‬فقال ابفن عباس‪( :‬ل إيلء إل بغضفب)‪،‬‬
‫وروى عفن علي بفن أبفي طالب رضفي ال عنفه ففي المشهور عنفه‪ ،‬وقاله الليفث والشعفبي والحسفن‬
‫وعطاء‪ ،‬كلهفففم يقولون‪( :‬اليلء ل يكون إل على وجفففه مغاضبفففة ومشادة وحرجفففة ومناكدة أل‬
‫يجامعهفا ففي فرجهفا إضرارا بهفا‪ ،‬وسفواء كان ففي ضمفن ذلك إصفلح ولد أم لم يكفن‪ ،‬فإن لم يكفن‬
‫عفن غضفب فليفس بإيلء)‪ .‬وقال ابفن سفيرين‪ :‬سفواء كانفت اليميفن ففي غضفب أو غيفر غضفب هفو‬
‫إيلء‪ ،‬وقاله ابفن مسفعود والثوري ومالك وأهفل العراق والشافعفي وأصفحابه وأحمفد‪ ،‬إل أن مالكفا‬
‫قال‪ :‬مفا لم يرد إصفلح ولد‪ .‬قال ابفن المنذر‪ :‬وهذا أصفح‪ ،‬لنهففم لمفا أجمعوا أن الظهار والطلق‬
‫وسائر اليمان سواء في حال الغضب والرضا كان اليلء كذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ويدل عليفه عموم القرآن‪ ،‬وتخصفيص حالة الغضفب يحتاج إلى دليفل ول يؤخفذ مفن وجفه‬
‫يلزم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫قال علماؤنفا‪ :‬ومفن امتنفع مفن وطفء امرأتفه بغيفر يميفن حلفهفا إضرارا بهفا أمفر بوطئهفا‪ ،‬فإن أبفى‬
‫وأقام على امتناعففه مضرا بهففا فرق بينففه وبينهففا مففن غيففر ضرب أجففل‪ .‬وقففد قيففل‪ :‬يضرب أجففل‬
‫اليلء‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬ل يدخفل على الرجفل اليلء ففي هجرتفه مفن زوجتفه وإن أقام سفنين ل يغشاهفا‪،‬‬
‫ولكنه يوعظ ويؤمر بتقوى ال تعالى في أل يمسكها ضرارا‪.‬‬
‫واختلفوا فيمن حلف أل يطأ امرأته حتى تفطم ولدها لئل يمغل ولدها‪ ،‬ولم يرد إضرارا بها حتى‬
‫ينقضفي أمفد الرضاع لم يكفن لزوجتفه عنفد مالك مطالبفة لقصفد إصفلح الولد‪ .‬قال مالك‪ :‬وقفد بلغنفي‬
‫أن علي بن أبي طالب سئل عن ذلك فلم يره إيلء‪ ،‬وبه قال الشافعي في أحد قوليه‪ ،‬والقول الخر‬
‫يكون موليا‪ ،‬ول اعتبار برضاع الولد‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪.‬‬
‫وذهب مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم والوزاعي وأحمد بن حنبل إلى أنه ل يكون موليا‬
‫من حلف أل يطأ زوجته في هذا البيت أو في هذه الدار لنه يجد السبيل إلى وطئها في غير ذلك‬
‫المكان‪ .‬قال ابفن أبفي ليلى وإسفحاق‪ :‬إن تركهفا أربعفة أشهفر بانفت باليلء‪ ،‬أل ترى أنفه يوقفف عنفد‬
‫الشهفر الربعفة‪ ،‬فإن حلف أل يطأهفا ففي مصفره أو بلده فهفو مول عنفد مالك‪ ،‬وهذا إنمفا يكون ففي‬
‫سفر يتكلف المؤونة والكلفة دون جنته أو مزرعته القريبة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مفن نسفائهم" يدخفل فيفه الحرائر والذميات والماء إذا تزوجفن‪ .‬والعبفد يلزمفه‬
‫اليلء من زوجته‪ .‬قال الشافعي وأحمد وأبو ثور‪ :‬إيلؤه مثل إيلء الحر‪ ،‬وحجتهم ظاهر‬
‫قوله تعالى‪" :‬للذيففن يؤلون مففن نسففائهم" فكان ذلك لجميففع الزواج‪ .‬قال ابففن المنذر‪ :‬وبففه أقول‪.‬‬
‫وقال مالك والزهري وعطاء بفن أبفي رباح وإسفحاق‪ :‬أجله شهران‪ .‬وقال الحسفن والنخعفي‪ :‬إيلؤه‬
‫من زوجته المة شهران‪ ،‬ومن الحرة أربعة أشهر‪ ،‬وبه قال أبو حنيفة‪ .‬وقال الشعبي‪ :‬إيلء المة‬
‫نصف إيلء الحرة‪.‬‬
‫قال مالك وأصفحابه وأبفو حنيففة وأصفحابه والوزاعفي والنخعفي وغيرهفم‪ :‬المدخول بهفا وغيفر‬
‫المدخول بهفففا سفففواء ففففي لزوم اليلء فيهمفففا‪ .‬وقال الزهري وعطاء والثوري‪ :‬ل إيلء إل بعفففد‬
‫الدخول‪ .‬وقال مالك‪ :‬ول إيلء مفففن صفففغيرة لم تبلغ‪ ،‬فإن آلى منهفففا فبلغفففت لزم اليلء مفففن يوم‬
‫بلوغها‪.‬‬
‫وأمفا الذمفي فل يصفح إيلؤه‪ ،‬كمفا ل يصفح ظهاره ول طلقفه‪ ،‬وذلك أن نكاح أهفل الشرك ليفس‬
‫عندنفا بنكاح صفحيح‪ ،‬وإنمفا لهفم شبهفة يفد‪ ،‬ولنهفم ل يكلفون الشرائع فتلزمهفم كفارات اليمان‪ ،‬فلو‬
‫ترافعوا إلينا في حكم اليلء لم ينبغ لحاكمنا أن يحكم بينهم‪ ،‬ويذهبون إلى حكامهم‪ ،‬فإن جرى ذلك‬
‫مجرى التظالم بينهم حكم بحكم السلم‪ ،‬كما لو ترك المسلم وطء زوجته ضرارا من غير يمين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تربص أربعة أشهر" التربص‪ :‬التأني والتأخر‪ ،‬مقلوب التصبر‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫تطلق يوما أو يموت حليلها‬ ‫تربص بها ريب المنون لعلها‬
‫وأمفا فائدة توقيفت الربعفة الشهفر فيمفا ذكفر ابفن عباس عفن أهفل الجاهليفة كمفا تقدم‪ ،‬فمنفع ال مفن‬
‫ذلك وجعففل للزوج مدة أربعففة أشهففر فففي تأديففب المرأة بالهجففر‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬واهجروهففن فففي‬
‫المضاجع" [النساء‪ ]34 :‬وقد آلى النبي صلى ال عليه وسلم من أزواجه شهرا تأديبا لهن‪ .‬وقد‬
‫قيل‪ :‬الربعة الشهر هي التي ل تستطيع ذات الزوج أن تصبر عنه أكثر منها‪ ،‬وقد روي أن عمر‬
‫بن الخطاب رضي ال عنه كان يطوف ليلة بالمدينة فسمع امرأة تنشد‪:‬‬
‫وأرقني أن ل حبيب ألعبه‬ ‫أل طال هذا الليل وأسود جانبه‬
‫لزعزع من هذا السرير جوانبه‬ ‫فوال لول ال ل شيء غيره‬
‫وإكرام بعلي أن تنال مراكبه‬ ‫مخافة ربي والحياء يكفني‬
‫فلمفا كان مفن الغفد اسفتدعى عمفر بتلك المرأة وقال لهفا‪ :‬أيفن زوجفك؟ فقالت‪ :‬بعثفت بفه إلى العراق!‬
‫فاسفتدعى نسفاء فسفألهن عفن المرأة كفم مقدار مفا تصفبر عفن زوجهفا؟ فقلن‪ :‬شهريفن‪ ،‬ويقفل صفبرها‬
‫ففي ثلثفة أشهفر‪ ،‬وينففد صفبرها ففي أربعفة أشهفر‪ ،‬فجعفل عمفر مدة غزو الرجفل أربعفة أشهفر‪ ،‬فإذا‬
‫مضففت أربعففة أشهففر اسففترد الغازيففن ووجففه بقوم آخريففن‪ ،‬وهذا وال أعلم يقوي اختصففاص مدة‬
‫اليلء بأربعة أشهر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن فاؤوا" معناه رجعوا‪ ،‬ومنه "حتى تفيء إلى أمر ال" [الحجرات‪ ]9 :‬ومنه‬
‫قيل للظل بعد الزوال‪ :‬فيء‪ ،‬لنه رجع من جانب المشرق إلى جانب المغرب‪ ،‬يقال‪ :‬فاء يفيء فيئة‬
‫وفيوءا‪ .‬وإنه لسريع الفيئة‪ ،‬يعني الرجوع‪ .‬قال‪:‬‬
‫ومن حاجة النسان ما ليس قاضيا‬ ‫ففاءت ولم تقض الذي أقبلت له‬
‫@قال ابن المنذر‪ :‬أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن الفيء الجماع لمن ل عذر له‪،‬‬
‫فإن كان له عذر مرض أو سفجن أو شبفه ذلك فإن ارتجاعفه صفحيح وهفي امرأتفه‪ ،‬فإذا زال العذر‬
‫بقدومفه مفن سففره أو إفاقتفه مفن مرضفه‪ ،‬أو انطلقفه مفن سفجنه فأبفى الوطفء فرق بينهمفا إن كانفت‬
‫المدة قفد انقضفت‪ ،‬قاله مالك ففي المدونفة والمبسفوط‪ .‬وقال عبدالملك‪ :‬وتكون بائنفا منفه يوم انقضفت‬
‫المدة‪ ،‬فإن صفدق عذره بالفيئة إذا أمكنتفه حكفم بصفدقه فيمفا مضفى‪ ،‬فان أكذب مفا ادعاه مفن الفيئة‬
‫بالمتناع حيفن القدرة عليهفا‪ ،‬حمفل أمره على الكذب فيهفا واللدد‪ ،‬وأمضيفت الحكام على مفا كانفت‬
‫تجففب فففي ذلك الوقففت‪ .‬وقالت طائفففة‪ :‬إذا شهدت بينففة بفيئتففه فففي حال العذر أجزأه‪ ،‬قاله الحسففن‬
‫وعكرمفة والنخعفي‪ :‬وبفه قال الوزاعفي‪ .‬وقال النخعفي أيضفا‪ :‬يصفح الفيفء بالقول والشهاد فقفط‪،‬‬
‫ويسفقط حكفم اليلء‪ ،‬أرأيفت إن لم ينتشفر للوطفء‪ ،‬قال ابفن عطيفة‪ :‬ويرجفع هذا القول إن لم يطفأ إلى‬
‫باب الضرر‪ .‬وقال أحمد بن حنبل‪ :‬إذا كان له عذر يفيء بقلبه‪ ،‬وبه قال أبو قلبة‪ .‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫إن لم يقدر على الجماع فيقول‪ :‬قفد فئت إليهفا‪ .‬قال الكيفا الطفبري‪ :‬أبفو حنيففة يقول فيمفن آلى وهفو‬
‫مريفض وبينفه وبينهفا مدة أربعفة أشهفر‪ ،‬وهفي رتقاء أو صفغيره أو هفو مجبوب‪ :‬إنفه إذا فاء إليهفا‬
‫بلسفانه ومضفت المدة والعذر قائم فذلك فيفء صفحيح‪ ،‬والشافعفي يخالففه على أحفد مذهفبيه‪ .‬وقالت‬
‫طائفة‪ :‬ل يكون الفيء إل بالجماع في حال العذر وغيره‪ ،‬وكذلك قال سعيد بن جبير‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك‬
‫إن كان في سفر أو سجن‪.‬‬
‫@أوجفب مالك والشافعفي وأبفو حنيففة وأصفحابهم وجمهور العلماء الكفارة على المولي إذا فاء‬
‫بجماع امرأته‪ .‬وقال الحسن‪ :‬ل كفارة عليه‪ ،‬وبه قال النخعي‪ ،‬قال النخعي‪ :‬كانوا يقولون إذا فاء ل‬
‫كفارة عليفه‪ .‬وقال إسفحاق‪ :‬قال بعفض أهفل التأويفل ففي قوله تعالى‪" :‬فإن فاؤوا" يعنفي لليميفن التفي‬
‫حنثوا فيها‪ ،‬وهو مذهب في اليمان لبعض التابعين فيمن حلف على بر أو تقوى أو باب من الخير‬
‫أل يفعله فإنفه يفعله ول كفارة عليفه‪ ،‬والحجفة له قوله تعالى‪" :‬فإن فاؤوا فإن ال غفور رحيفم"‪ ،‬ولم‬
‫يذكففر كفارة‪ ،‬وأيضففا فإن هذا يتركففب على أن لغففو اليميففن مففا حلف على معصففية‪ ،‬وترك وطففء‬
‫الزوجة معصية‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقفد يسفتدل لهذا القول مفن السفنة بحديفث عمرو بفن شعيفب عفن أبيفه عفن جده عفن النفبي‬
‫صففلى ال عليففه وسففلم قال‪( :‬مففن حلف على يميففن فرأى غيرهففا خيرا منهففا فليتركهففا فإن تركهففا‬
‫كفارتهفا) خرجفه ابفن ماجفة ففي سفننه‪ .‬وسفيأتي لهفا مزيفد بيان ففي آيفة اليمان إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫وحجفة الجمهور قوله عليفه السفلم‪( :‬مفن حلف على يميفن فرأى غيرهفا خيرا منهفا فليأت الذي هفو‬
‫خير وليكفر عن يمينه)‪.‬‬
‫إذا كففر عفن يمينفه سفقط عنفه اليلء‪ ،‬قاله علماؤنفا‪ .‬وففي ذلك دليفل على تقديفم الكفارة على الحنفث‬
‫في المذهب‪ ،‬وذلك إجماع في مسألة اليلء‪ ،‬ودليل على أبي حنيفة في مسألة اليمان‪ ،‬إذ ل يرى‬
‫جواز تقديم الكفارة على الحنث‪ ،‬قاله ابن العربي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬بهذه الية استدل محمد بن الحسن على امتناع جواز الكفارة قبل الحنث فقال‪ :‬لما حكم ال‬
‫تعالى للمولي بأحفد الحكميفن مفن فيفء أو عزيمفة الطلق‪ ،‬فلو جاز تقديفم الكفارة على الحنفث لبطفل‬
‫اليلء بغير فيء أو عزيمة الطلق‪ ،‬لنه إن حنث ل يلزمه بالحنث شيء‪ ،‬ومتى لم يلزم الحانث‬
‫بالحنفث شيفء لم يكفن موليفا‪ .‬وففي جواز تقديفم الكفارة إسفقاط حكفم اليلء بغيفر مفا ذكفر ال‪ ،‬وذلك‬
‫خلف الكتاب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن عزموا الطلق" العزيمفة‪ :‬تتميفم العقفد على الشيفء‪ ،‬يقال‪ :‬عزم عليفه يعزم‬
‫عزمفا (بالضفم) وعزيمفة وعزيمفا وعزمانفا واعتزم اعتزامفا‪ ،‬وعزمفت عليفك لتفعلن‪ ،‬أي أقسفمت‬
‫عليفك‪ .‬قال شمفر‪ :‬العزيمفة والعزم مفا عقدت عليفه نفسفك مفن أمفر أنفك فاعله‪ .‬والطلق مفن طلقفت‬
‫المرأة تطلق (على وزن نصر ينصر) طلقا‪ ،‬فهي طالق وطالقة أيضا‪ .‬قال العشى‪:‬‬
‫أيا جارتا بيني فإنك طالقة‬
‫ويجوز طلقفت (بضفم اللم) مثفل عظفم يعظفم‪ ،‬وأنكره الخففش‪ .‬والطلق حفل عقدة النكاح‪ ،‬وأصفله‬
‫النطلق‪ ،‬والمطلقات المخليات‪ ،‬والطلق‪ :‬التخليفة‪ ،‬يقال‪ :‬نعجفة طالق‪ ،‬وناقفة طالق‪ ،‬أي مهملة قفد‬
‫تركفت ففي المرعفى ل قيفد عليهفا ول راعفي‪ ،‬وبعيفر طلق (بضفم الطاء واللم) غيفر مقيفد‪ ،‬والجمفع‬
‫أطلق‪ ،‬وحبس فلن في السجن طلقا أي بغير قيد‪ ،‬والطالق من البل‪ :‬التي يتركها الراعي لنفسه‬
‫ل يحتلبهفا على الماء‪ ،‬يقال‪ :‬اسفتطلق الراعفي ناقفة لنفسفه‪ .‬فسفميت المرأة المخلى سفبيلها بمفا سفميت‬
‫به النعجة أو الناقة المهمل أمرها‪ .‬وقيل‪ :‬إنه مأخوذ من طلق الفرس‪ ،‬وهو ذهابه شوطا ل يمنع‪،‬‬
‫فسميت المرأة المخلة طالقا ل تمنع من نفسها بعد أن كانت ممنوعة‪.‬‬
‫@ففي قوله تعالى‪" :‬وإن عزموا الطلق" دليفل على أنهفا ل تطلق بمضفي مدة أربعفة أشهفر‪ ،‬كمفا‬
‫قال مالك‪ :‬ما لم يقع إنشاء تطليق بعد المدة‪ ،‬وأيضا فإنه قال‪" :‬سميع" وسميع يقتضي مسموعا بعد‬
‫المضففي‪ .‬وقال أبفو حنيففة‪" :‬سففمع" ليلئه‪" ،‬عليففم" بعزمفه الذي دل عليففه مضففي أربعففة أشهففر‪.‬‬
‫وروى سفهيل بفن أبفي صفالح عفن أبيفه قال‪ :‬سفألت اثنفي عشفر رجل مفن أصفحاب رسفول ال صفلى‬
‫ال عليه وسلم عن الرجل يولي من امرأته‪ ،‬فكلهم يقول‪ :‬ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر‬
‫فيوقفف‪ ،‬فإن فاء وإل طلق‪ .‬قال القاضفي ابن العربفي‪ :‬وتحقيفق المفر أن تقديفر الية عندنفا‪" :‬للذيفن‬
‫يؤلون مفن نسفائهم تربفص أربعفة أشهفر فإن فاؤوا بعفد انقضائهفا فإن ال غفور رحيفم وإن عزموا‬
‫الطلق فإن ال سميع عليم"‪ .‬وتقديرها عندهم‪" :‬للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر فإن‬
‫فاؤوا" فيهفا "فإن ال غفور رحيفم‪ .‬وإن عزموا الطلق" بترك الفيئة فيهفا‪ ،‬يريفد مدة التربفص فيهفا‬
‫"فإن ال سميع عليم"‪ .‬ابن العربي‪ :‬وهذا احتمال متساو‪ ،‬ولجل تساويه توقفت الصحابة فيه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإذا تسففاوى الحتمال كان قول الكوفييففن أقوى قياسففا على المعتدة بالشهور والقراء‪ ،‬إذ‬
‫كفل ذلك أجفل ضربفه ال تعالى‪ ،‬فبانقضائه انقطعفت العصفمة وأبينفت مفن غيفر خلف‪ ،‬ولم يكفن‬
‫لزوجهفا سفبيل عليهفا إل بإذنهفا‪ ،‬فكذلك اليلء‪ ،‬حتفى لو نسفي الفيفء وانقضفت المدة لوقفع الطلق‪،‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫وففي قوله تعالى‪" :‬وإن عزموا الطلق" دليفل على أن المفة بملك اليميفن ل يكون فيهفا إيلء‪ ،‬إذ‬
‫ل يقع عليها طلق‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 228 :‬والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء ول يحل لهن أن يكتمن ما خلق ال‬
‫ففي أرحامهفن إن كفن يؤمفن بال واليوم الخفر وبعولتهفن أحفق بردهفن ففي ذلك إن أرادوا إصفلحا‬
‫ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة وال عزيز حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والمطلقات" لمفا ذكفر ال تعالى اليلء وأن الطلق قفد يقفع فيفه بيفن تعالى حكفم‬
‫المرأة بعففد التطليففق‪ .‬وفففي كتاب أبففي داود والنسففائي عففن ابففن عباس قال فففي قول ال تعالى‪:‬‬
‫"والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء" الية‪ ،‬وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق‬
‫بها‪ ،‬وإن طلقها ثلثا)‪ ،‬فنسخ ذلك وقال‪" :‬الطلق مرتان" الية‪ .‬والمطلقات لفظ عموم‪ ،‬والمراد به‬
‫الخصوص ففي المدخول بهن‪ ،‬وخرجت المطلقة قبل البناء بآية "الحزاب"‪" :‬فما لكم عليهن من‬
‫عدة تعتدونها" [الحزاب‪ ]49 :‬على ما يأتي‪ .‬وكذلك الحامل بقوله‪" :‬وأولت الحمال أجلهن أن‬
‫يضعفن حملهفن" [الطلق‪ .]4 :‬والمقصفود مفن القراء السفتبراء‪ ،‬بخلف عدة الوفاة التفي هفي‬
‫عبادة‪ .‬وجعل ال عدة الصغيرة التي لم تحض والكبيرة التي قد يئست الشهور على ما يأتي‪ .‬وقال‬
‫قوم‪ :‬إن العموم ففي المطلقات يتناول هؤلء ثفم نسفخن‪ ،‬وهفو ضعيفف‪ ،‬وإنمفا اليفة فيمفن تحيفض‬
‫خاصة‪ ،‬وهو عرف النساء وعليه معظمهن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يتربصفن" التربفص النتظار‪ ،‬على مفا قدمناه‪ .‬وهذا خفبر والمراد المفر‪ ،‬كقوله‬
‫تعالى‪" :‬والوالدات يرضعفن أولدهفن" [البقرة‪ ]233 :‬وجمفع رجفل عليفه ثيابفه‪ ،‬وحسفبك درهفم‪،‬‬
‫أي اكتف بدرهم‪ ،‬هذا قول أهل اللسان من غير خلف بينهم فيما ذكر ابن الشجري‪ .‬ابن العربي‪:‬‬
‫وهذا باطل‪ ،‬وإنما هو خبر عن حكم الشرع‪ ،‬فإن وجدت مطلقة ل تتربص فليس من الشرع‪ ،‬ول‬
‫يلزم من ذلك وقوع خبر ال تعالى على خلف مخبره‪ .‬وقيل‪ :،‬معناه ليتربصن‪ ،‬فحذف اللم‪.‬‬
‫@قرأ جمهور الناس "قروء" على وزن فعول‪ ،‬اللم همزة‪ .‬ويروى عن نافع "قرو" بكسر الواو‬
‫وشدهفا من غيفر همفز‪ .‬وقرأ الحسفن "قرء" بفتفح القاف وسفكون الراء والتنويفن‪ .‬وقروء جمفع أقرؤ‬
‫وأقراء‪ ،‬والواحفد قرء بضفم القاف‪ ،‬قال الصفمعي‪ .‬وقال أبفو زيفد‪" :‬قرء" بفتفح القاف‪ ،‬وكلهمفا‬
‫قال‪ :‬أقرأت المرأة إذا حاضفففت‪ ،‬فهفففي مقرئ‪ .‬وأقرأت طهرت‪ .‬وقال الخففففش‪ :‬أقرأت المرأة إذا‬
‫صفففارت صفففاحبة حيفففض‪ ،‬فإذا حاضفففت قلت‪ :‬قرأت‪ ،‬بل ألف‪ .‬يقال‪ :‬أقرأت المرأة حيضفففة أو‬
‫حيضتيفن‪ .‬والقرء‪ :‬انقطاع الحيفض‪ .‬وقال بعضهفم‪ :‬مفا بيفن الحيضتيفن وأقرأت حاجتفك‪ :‬دنفت‪ ،‬عفن‬
‫الجوهري‪ .‬وقال أبفو عمرو بفن العلء‪ :‬مفن العرب مفن يسفمي الحيفض قرءا‪ ،‬ومنهفم مفن يسفمي‬
‫الطهر قرءا‪ ،‬ومنهم من يجمعهما جميعا‪ ،‬فيسمي الطهر مع الحيض قرءا‪ ،‬ذكره النحاس‪.‬‬
‫@واختلف العلماء في القراء‪ ،‬فقال أهل الكوفة‪ :‬هي الحيض‪ ،‬وهو قول عمر وعلي وابن مسعود‬
‫وأبفي موسفى ومجاهفد وقتادة والضحاك وعكرمفة والسفدي‪ .‬وقال أهفل الحجاز‪ :‬هفي الطهار‪ ،‬وهفو‬
‫قول عائشة وابن عمر وزيد بن ثابت والزهري وأبان بن عثمان والشافعي‪ .‬فمن جعل القرء اسما‬
‫للحيض سماه بذلك‪ ،‬لجتماع الدم في الرحم‪ ،‬ومن جعله اسما للطهر فلجتماعه في البدن‪ ،‬والذي‬
‫يحقق لك هذا الصل في القرء الوقت‪ ،‬يقال‪ :‬هبت الريح لقرئها وقارئها أي لوقتها‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫إذا هبت لقارئها الرياح‬ ‫كرهت العقر عقر بني شليل‬
‫فقيل للحيض‪ :‬وقت‪ ،‬وللطهر وقت‪ ،‬لنهما يرجعان لوقت معلوم‪ ،‬وقال العشى في الطهار‪:‬‬
‫تسد لقصاها عزيم عزائكا‬ ‫أفي كل عام أنت جاشم غزوة‬
‫لما ضاع فيها من قروء نسائكا‬ ‫مورثة عزا وفي الحي رفعة‬
‫وقال آخر في الحيض‪:‬‬
‫له قروء كقروء الحائض‬ ‫يا رب ذي ضغن علي فارض‬
‫يعنفي أنفه طعنفه فكان له دم كدم الحائض‪ .‬وقال قوم‪ :‬هفو مأخوذ مفن قرء الماء ففي الحوض‪ .‬وهفو‬
‫جمعه‪ ،‬ومنه القرآن لجتماع المعاني‪ .‬ويقال لجتماع حروفه‪ ،‬ويقال‪ :‬ما قرأت الناقة سلى قط‪ ،‬أي‬
‫لم تجمع في جوفها‪ ،‬وقال عمرو بن كلثوم‪:‬‬
‫هجان اللون لم تقرأ جنينا‬ ‫ذراعي عيطل أدماء بكر‬
‫فكأن الرحم يجمع الدم وقت الحيض‪ ،‬والجسم يجمعه وقت الطهر‪ .‬قال أبو عمر بن عبدالبر‪ :‬قول‬
‫من قال‪ :‬إن القرء مأخوذ من قولهم‪ :‬قريت الماء في الحوض ليس بشيء‪ ،‬لن القرء مهموز وهذا‬
‫غير مهموز‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا صففحيح بنقففل أهففل اللغففة‪ :‬الجوهري وغيره‪ .‬واسففم ذلك الماء قرى (بكسففر القاف‬
‫مقصور)‪ .‬وقيل‪ :‬القرء‪ ،‬الخروج إما من طهر إلى حيض أو من حيض إلى طهر‪ ،‬وعلى هذا قال‬
‫الشافعي في قول‪ :‬القرء النتقال من الطهر إلى الحيض‪ ،‬ول يرى الخروج من الحيض إلى الطهر‬
‫قرءا‪ .‬وكان يلزم بحكففم الشتقاق أن يكون قرءا‪ ،‬ويكون معنففى قوله تعالى‪" :‬والمطلقات يتربصففن‬
‫بأنفسفهن ثلثفة قروء"‪ .‬أي ثلثفة أدوار أو ثلثفة انتقالت‪ ،‬والمطلقفة متصففة بحالتيفن فقفط‪ ،‬فتارة‬
‫تنتقل من طهفر إلى حيض‪ ،‬وتارة من حيض إلى طهفر فيستقيم معنى الكلم‪ ،‬ودللته على الطهفر‬
‫والحيض جميعا‪ ،‬فيصير السم مشتركا‪ .‬ويقال‪ :‬إذا ثبت أن القرء النتقال فخروجها من طهر إلى‬
‫حيفض غيفر مراد باليفة أصفل‪ ،‬ولذلك لم يكفن الطلق ففي الحيفض طلقفا سفنيا مأمورا بفه‪ ،‬وهفو‬
‫الطلق للعدة‪ ،‬فإن الطلق للعدة مففففا كان فففففي الطهففففر‪ ،‬وذلك يدل على كون القرء مأخوذا مففففن‬
‫النتقال‪ ،‬فإذا كان الطلق في الطهر سنيا فتقدير الكلم‪ :‬فعدتهن ثلثة انتقالت‪ ،‬فأولها النتقال من‬
‫الطهر الذي وقع فيه الطلق‪ ،‬والذي هو النتقال من حيض إلى طهر لم يجعل قرءا‪ ،‬لن اللغة ل‬
‫تدل عليفه‪ ،‬ولكفن عرفنفا بدليفل آخفر‪ ،‬إن ال تعالى لم يرد النتقال مفن حيفض إلى طهفر‪ ،‬فإذا خرج‬
‫أحدهمففا عففن أن يكون مرادا بقففي الخففر وهففو النتقال مففن الطهففر إلى الحيففض مرادا‪ ،‬فعلى هذا‬
‫عدتها ثلثة انتقالت‪ ،‬أولها الطهر‪ ،‬وعلى هذا يمكن استيفاء ثلثة أقراء كاملة إذا كان الطلق في‬
‫حالة الطهفر‪ ،‬ول يكون ذلك حمل على المجاز بوجفه مفا‪ .‬قال الكيفا الطفبري‪ :‬وهذا نظفر دقيفق ففي‬
‫غاية التجاه لمذهب الشافعي‪ ،‬ويمكن أن نذكر في ذلك سرا ل يبعد فهمه من دقائق حكم الشريعة‪،‬‬
‫وهفو أن النتقال مفن الطهفر إلى الحيفض إنمفا جعفل قرءا لدللتفه على براءة الرحفم‪ ،‬فإن الحامفل ل‬
‫تحيففض فففي الغالب فبحيضهففا علم براءة رحمهففا‪ .‬والنتقال مففن حيففض إلى طهففر بخلفففه‪ ،‬فان‬
‫الحائض يجوز أن تحبففل فففي أعقاب حيضهففا‪ ،‬وإذا تمادى أمففد الحمففل وقوي الولد انقطففع دمهففا‪،‬‬
‫ولذلك تمتدح العرب بحمفل نسفائهم ففي حالة الطهفر‪ ،‬وقفد مدحفت عائشفة رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسلم بقول الشاعر‪:‬‬
‫وفساد مرضعة وداء م ْغيَل‬ ‫ومبرأ من كل غبّر حيضة‬
‫يعنفي أن أمفه لم تحمفل بفه ففي بقيفة حيضهفا‪ .‬فهذا مفا للعلماء وأهفل اللسفان ففي تأويفل القرء‪ .‬وقالوا‪:‬‬
‫قرأت المرأة إذا حاضففت أو طهرت‪ .‬وقرأت أيضففا إذا حملت‪ .‬واتفقوا على أن القرء الوقففت‪ ،‬فإذا‬
‫قلت‪ :‬والمطلقات يتربصففن بأنفسففهن ثلثففة أوقات‪ ،‬صففارت اليففة مفسففرة فففي العدد محتملة فففي‬
‫المعدود‪ ،‬فوجففب طلب البيان للمعدود مففن غيرهففا‪ ،‬فدليلنففا قول ال تعالى‪" :‬فطلقوهففن لعدتهففن"‬
‫[الطلق‪ ]1 :‬ول خلف أنه يؤمر بالطلق وقت الطهر فيجب أن يكون هو المعتبر في العدة‪ ،‬فإنه‬
‫قال‪" :‬فطلقوهن" يعني وقتا تعتد به‪ ،‬ثم قال تعالى‪" :‬وأحصوا العدة"‪ .‬يريد ما تعتد به المطلقة وهو‬
‫الطهفر الذي تطلق فيفه‪ ،‬وقال صفلى ال عليفه وسفلم لعمفر‪( :‬مرة فليراجعهفا ثفم ليمسفكها حتفى تطهفر‬
‫ثم تحيض ثم تطهر فتلك العدة التي أمر ال أن تطلق لها النساء)‪ .‬أخرجه مسلم وغيره‪ .‬وهو نص‬
‫ففي أن زمفن الطهفر هو الذي يسفمى عدة‪ ،‬وهفو الذي تطلق فيفه النسفاء‪ .‬ول خلف أن مفن طلق ففي‬
‫حال الحيففض لم تعتففد بذلك الحيففض‪ ،‬ومففن طلق فففي حال الطهففر فإنهففا تعتففد عنففد الجمهور بذلك‬
‫الطهفر‪ ،‬فكان ذلك أولى‪ .‬قال أبفو بكفر بفن عبدالرحمفن‪ :‬مفا أدركنفا أحدا مفن فقهائنفا إل يقول بقول‬
‫عائشفة ففي (أن القراء هفي الطهار)‪ .‬فإذا طلق الرجفل ففي طهفر لم يطفأ فيفه اعتدت بمفا بقفي منفه‬
‫ولو ساعة ولو لحظة‪ ،‬ثم استقبلت طهرا ثانيا بعد حيضة‪ ،‬ثم ثالثا بعد حيضة ثانية‪ ،‬فإذا رأت الدم‬
‫من الحيضة الثالثة حلت للزواج وخرجت من العدة‪ .‬فإن طلق مطلق في طهر قد مس فيه لزمه‬
‫الطلق وقفد أسفاء‪ ،‬واعتدت بمفا بقفي مفن ذلك الطهفر‪ .‬وقال الزهري ففي امرأة طلقفت ففي بعفض‬
‫طهرهفا‪ :‬إنهفا تعتفد بثلثفة أطهار سفوى بقيفة ذلك الطهفر‪ .‬قال أبفو عمفر‪ :‬ل أعلم أحدا ممفن قال‪:‬‬
‫القراء الطهار يقول هذا غير ابن شهاب الزهري‪ ،‬فإنه قال‪ :‬تلغي الطهر الذي طلقت فيه ثم تعتد‬
‫بثلثة أطهار‪ ،‬لن ال عز وجل يقول "ثلثة قروء"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فعلى قوله ل تحففل المطلقفة حتففى تدخففل فففي الحيضففة الرابعففة‪ ،‬وقول ابففن القاسففم ومالك‬
‫وجمهور أصفحابه والشافعفي وعلماء المدينفة‪ :‬إن المطلقفة إذا رأت أول نقطفة مفن الحيضفة الثالثفة‬
‫خرجت من العصمة‪ ،‬وهو مذهب زيد بن ثابت وعائشة وابن عمر‪ ،‬وبه قال أحمد بن حنبل‪ ،‬وإليه‬
‫ذهفب داود بفن علي وأصفحابه‪ .‬والحجفة على الزهري أن النفبي صفلى أذن ففي طلق الطاهفر مفن‬
‫غير جماع‪ ،‬ولم يقل أول الطهر ول آخره‪ .‬وقال أشهب‪ :‬ل تنقطع العصمة والميراث حتى يتحقق‬
‫أنه دم حيض‪ ،‬لئل تكون دفعة دم من غير الحيض‪ .‬احتج الكوفيون بقوله عليه السلم لفاطمة بنت‬
‫أبي حبيش حين شكت إليه الدم‪( :‬إنما ذلك عرق فانظري فإذا أتى قرؤك فل تصلي وإذا مر القرء‬
‫فتطهري ثفم صفلي من القرء إلى القرء)‪ .‬وقال تعالى‪" :‬واللئي يئسفن مفن المحيفض مفن نسفائكم إن‬
‫ارتبتم فعدتهن ثلثة أشهر" [الطلق‪ .]4 :‬فجعل المأيوس منه المحيض‪ ،‬فدل على أنه هو العدة‪،‬‬
‫وجعففل العوض منففه هففو الشهففر إذا كان معدومففا‪ .‬وقال عمففر بحضرة الصففحابة‪( :‬عدة المففة‬
‫حيضتان‪ ،‬نصفف عدة الحرة‪ ،‬ولو قدرت على أن أجعلهفا حيضفة ونصففا لفعلت)‪ ،‬ولم ينكفر عليفه‬
‫أحفد‪ .‬فدل على أنفه إجماع منهفم‪ ،‬وهفو قول عشرة مفن الصفحابة منهفم الخلفاء الربعفة‪ ،‬وحسفبك مفا‬
‫قالوا! وقوله تعالى‪" :‬والمطلقات يتربصفففن بأنفسفففهن ثلثفففة قروء" يدل على ذلك‪ ،‬لن المعنفففى‬
‫يتربصن ثلثة أقراء‪ ،‬يريد كوامل‪ ،‬هذا ل يمكن أن يكون إل على قولنا بأن القراء الحيض‪ ،‬لن‬
‫مفن يقول‪ :‬إنه الطهفر يجوز أن تعتفد بطهريفن وبعض آخفر‪ ،‬لنه إذا طلق حال الطهر اعتدت عنده‬
‫ببقيفة ذلك الطهفر قرءا‪ .‬وعندنفا تسفتأنف مفن أول الحيفض حتفى يصفدق السفم‪ ،‬فإذا طلق الرجفل‬
‫المرأة في طهر لم يطأ فيه استقبلت حيضة ثم حيضة ثم حيضة‪ ،‬فإذا اغتسلت من الثالثة خرجت‬
‫من العدة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا يرده قوله تعالى‪" :‬سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام" [الحاقة‪ ]7 :‬فأثبت الهاء في‬
‫"ثمانية أيام"‪ ،‬لن اليوم مذكر وكذلك القرء‪ ،‬فدل على أنه المراد‪ .‬ووافقنا أبو حنيفة على أنها إذا‬
‫طلقت حائضا أنها ل تعتد بالحيضة التي طلقت فيها ول بالطهر الذي بعدها‪ ،‬وإنما تعتد بالحيض‬
‫الذي بعد الطهر‪ .‬وعندنا تعتد بالطهر‪ ،‬على ما بيناه‪ .‬وقد استجاز أهل اللغة أن يعبروا عن البعض‬
‫باسم الجميع‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬الحج أشهر معلومات" [البقرة‪ ]197 :‬والمراد به شهران وبعض‬
‫الثالث‪ ،‬فكذلك قوله‪" :‬ثلثففة قروء"‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال بعففض مففن يقول بالحيففض‪ :‬إذا طهرت مففن‬
‫الثالثففة انقضففت العدة بعففد الغسففل وبطلت الرجعففة‪ ،‬قال سففعيد بففن جففبير وطاوس وابففن شبرمففة‬
‫والوزاعي‪ .‬وقال شريك‪ :‬إذا فرطت المرأة في الغسل عشرين سنة فلزوجها عليها الرجعة ما لم‬
‫تغتسففل‪ .‬وروي عففن إسففحاق بففن راهويففه أنففه قال‪( :‬إذا طعنففت المرأة فففي الحيضففة الثالثففة بانففت‬
‫وانقطعفت رجعفة الزوج‪ .‬إل أنهفا ل يحفل لهفا أن تتزوج حتفى تغتسفل مفن حيضتهفا)‪ .‬وروى نحوه‬
‫عفن ابفن عباس‪ ،‬وهفو قول ضعيفف بدليفل قول ال تعالى‪" :‬فإذا بلغفن أجلهفن فل جناح عليكفم فيمفا‬
‫فعلن ففي أنفسفهن" [البقرة‪ ]234:‬على مفا يأتفي‪ .‬وأمفا مفا ذكره الشافعفي مفن أن نففس النتقال مفن‬
‫الطهفر إلى الحيضفة يسفمى قرءا ففائدتفه تقصفير العدة على المرأة‪ ،‬وذلك أنفه إذا طلق المرأة ففي‬
‫آخر ساعة من طهرها فدخلت في الحيضة عدته قرءا‪ ،‬وبنفس النتقال من الطهر الثالث انقطعت‬
‫العصمة وحلت‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@والجمهور من العلماء على أن عدة المة التي تحيض من طلق زوجها حيضتان‪ .‬وروي عن‬
‫ابففن سففيرين أنففه قال‪ :‬مففا أرى عدة المففة إل كعدة الحرة‪ ،‬إل أن تكون مضففت فففي ذلك سففنة‪ :‬فإن‬
‫السنة أحق أن تتبع‪ .‬وقال الصم عبدالرحمن بن كيسان وداود بن علي وجماعة أهل الظاهر‪ :‬إن‬
‫اليات ففي عدة الطلق والوفاة بالشهفر والقراء عامفة ففي حفق المفة والحرة‪ ،‬فعدة الحرة والمفة‬
‫سفواء‪ .‬واحتفج الجمهور بقوله عليفه السفلم‪( :‬طلق المفة تطليقتان وعدتهفا حيضتان)‪ .‬رواه ابفن‬
‫جريج عن عطاء عن مظاهر بن أسلم عن أبيه عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت‪ :‬قال رسول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬طلق المفة تطليقتان وقرؤهفا حيضتان) فأضاف إليهفا الطلق والعدة‬
‫جميعفا‪ ،‬إل أن مظاهفر بفن أسفلم انفرد بهذا الحديفث وهفو ضعيفف‪ .‬وروي عفن ابفن عمفر‪ :‬أيهمفا رق‬
‫نقص طلقه‪ ،‬وقالت به فرقة من العلماء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يحل لهن أن يكتمن ما خلق ال في أرحامهن" فيه مسألتان‪:‬‬
‫الولى‪ :‬قوله تعالى "ول يحفل لهفن أن يكتمفن مفا خلق ال ففي أرحامهفن" أي مفن الحيفض‪ ،‬قاله‬
‫عكرمفة والزهري والنخعفي‪ .‬وقيفل‪ :‬الحمفل‪ ،‬قاله عمفر وابفن عباس‪ .‬وقال مجاهفد‪ :‬الحيفض والحمفل‬
‫معا‪ ،‬وهذا على أن الحامل تحيض‪ .‬والمعنى المقصود من الية أنه لما دار أمر العدة على الحيض‬
‫والطهار ول اطلع إل مففن جهففة النسففاء جعففل القول قولهففا إذا ادعففت انقضاء العدة أو عدمهففا‪،‬‬
‫وجعلهفن مؤتمنات على ذلك‪ ،‬وهفو مقتضفى قوله تعالى‪" :‬ول يحفل لهفن أن يكتمفن مفا خلق ال ففي‬
‫أرحامهن"‪ .‬وقال سليمان بن يسار‪ :‬ولم نؤمر أن نفتح النساء فننظر إلى فروجهن‪ ،‬ولكن وكل ذلك‬
‫إليهفن إذ كفن مؤتمنات‪ .‬ومعنفى النهفي عفن الكتمان النهفي عفن الضرار بالزوج وإذهاب حقفه‪ ،‬فإذا‬
‫قالت المطلقة‪ :‬حضت‪ ،‬وهي لم تحض‪ ،‬ذهبت بحقه من الرتجاع‪ ،‬وإذا قالت‪ :‬لم أحض‪ ،‬وهي قد‬
‫حاضفت‪ ،‬ألزمتفه مفن النفقفة مفا لم يلزمفه فأضرت بفه‪ ،‬أو تقصفد بكذبهفا ففي نففي الحيفض أل ترتجفع‬
‫حتى تنقضي العدة ويقطع الشرع حقه‪ ،‬وكذلك الحامل تكتم الحمل‪ ،‬لتقطع حقه من الرتجاع‪ .‬قال‬
‫قتادة‪ :‬كانفت عادتهفن ففي الجاهليفة أن يكتمفن الحمفل ليلحقفن الولد بالزوج الجديفد‪ ،‬فففي ذلك نزلت‬
‫اليفة‪ .‬وحكفي أن رجل مفن أشجفع أتفى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فقال‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬إنفي‬
‫طلقفت امرأتفي وهفي حبلى‪ ،‬ولسفت آمفن أن تتزوج فيصفير ولدي لغيري فأنزل ال اليفة‪ ،‬وردت‬
‫امرأة الشجعي عليه‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬قال ابن المنذر‪ :‬وقال كل من حفظت عنه من أهل العلم‪ :‬إذا قالت المرأة في عشرة أيام‪:‬‬
‫قد حضت ثلث حيض وانقضت عدتي إنها ل تصدق ول يقبل ذلك منها‪ ،‬إل أن تقول‪ :‬قد أسقطت‬
‫سفقطا قفد اسفتبان خلقفه‪ .‬واختلفوا ففي المدة التفي تصفدق فيهفا المرأة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إذا قالت انقضفت‬
‫عدتففي فففي أمففد تنقضففي فففي مثله العدة قبففل قولهففا‪ ،‬فإن أخففبرت بانقضاء العدة فففي مدة تقففع نادرا‬
‫فقولن‪ .‬قال ففي المدونفة‪ :‬إذا قالت حضفت ثلث حيفض ففي شهفر صفدقت إذا صفدقها النسفاء‪ ،‬وبفه‬
‫قال شريفح‪ ،‬وقال له علي بفن أبفي طالب‪ :‬قالون! أي أصفبت وأحسفنت‪ .‬وقال ففي كتاب محمفد‪ :‬ل‬
‫تصففدق إل ففي شهفر ونصففف‪ .‬ونحوه قول أبفي ثور‪ ،‬قال أبفو ثور‪ :‬أقفل مفا يكون ذلك ففي سفبعة‬
‫وأربعين يوما‪ ،‬وذلك أن أقل الطهر خمسة عشر يوما‪ ،‬وأقل الحيض يوم‪ .‬وقال النعمان‪ :‬ل تصدق‬
‫في أقل من ستين يوما‪ ،‬وقال به الشافعي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن كفن يؤمفن بال واليوم الخفر" هذا وعيفد عظيفم شديفد لتأكيفد تحريفم الكتمان‪،‬‬
‫وإيجاب لداء المانة في الخبار عن الرحم بحقيقة ما فيه‪ .‬أي فسبيل المؤمنات أل يكتمن الحق‪،‬‬
‫وليفس قوله‪" :‬إن كفن يؤمفن بال" على أنفه أبيفح لمفن ل يؤمفن أن يكتفم‪ ،‬لن ذلك ل يحفل لمفن ل‬
‫يؤمفن‪ ،‬وإنمفا هفو كقولك‪ :‬إن كنفت أخفي فل تظلمنفي‪ ،‬أي فينبغفي أن يحجزك اليمان عنفه‪ ،‬لن هذا‬
‫ليس من فعل أهل اليمان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبعولتهن" البعولة جمع البعل‪ ،‬وهو الزوج‪ ،‬سمي بعل لعلوه على الزوجة بما قد‬
‫ملكففه مففن زوجيتهففا‪ ،‬ومنففه قوله تعالى‪" :‬أتدعون بعل" [الصففافات‪ ]125 :‬أي ربففا‪ ،‬لعلوه فففي‬
‫الربوبيفة‪ ،‬يقال‪ :‬بعفل وبعولة‪ ،‬كمفا يقال ففي جمفع الذكفر‪ :‬ذكفر وذكورة‪ ،‬وففي جمفع الفحفل‪ :‬فحفل‬
‫وفحولة‪ ،‬وهذه الهاء زائدة مؤكدة لتأنيفث الجماعفة‪ ،‬وهفو شاذ ل يقاس عليفه‪ ،‬ويعتفبر فيهفا السفماع‪،‬‬
‫فل يقال ففي لعفب‪ :‬لعوبفة‪ .‬وقيفل‪ :‬هفي هاء تأنيفث دخلت على فعول‪ .‬والبعولة أيضفا مصفدر البعفل‪.‬‬
‫وبعفل الرجفل يبعفل (مثفل منفع يمنفع) بعولة‪ ،‬أي صفار بعل‪ :‬والمباعلة والبعال‪ :‬الجماع‪ ،‬ومنفه قوله‬
‫عليفه السفلم ليام التشريفق‪( :‬إنهفا أيام أكفل وشرب وبعال) وقفد تقدم‪ .‬فالرجفل بعفل المرأة‪ ،‬والمرأة‬
‫بعلته‪ .‬وباعل مباعلة إذا باشرها‪ .‬وفلن بعل هذا‪ ،‬أي مالكه وربه‪ .‬وله محامل كثيرة تأتي إن شاء‬
‫ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أحق بردهن" أي بمراجعتهن‪ ،‬فالمراجعة على ضربين‪ :‬مراجعة في العدة على‬
‫حديفث ابفن عمفر‪ .‬ومراجعفة بعفد العدة على حديفث معقفل‪ ،‬وإذا كان هذا فيكون ففي اليفة دليفل على‬
‫تخصفيص مفا شمله العموم ففي المسفميات‪ ،‬لن قوله تعالى‪" :‬والمطلقات يتربصفن بأنفسفهن ثلثفة‬
‫قروء" عام في المطلقات ثلثا‪ ،‬وفيما دونها ل خلف فيه‪ .‬ثم قوله‪" :‬وبعولتهن أحق" حكم خاص‬
‫فيمففن كان طلقهففا دون الثلث‪ .‬وأجمففع العلماء على أن الحففر إذا طلق زوجتففه الحرة‪ ،‬وكانففت‬
‫مدخول بهفا تطليقفة أو تطليقتيفن‪ ،‬أنفه أحفق برجعتهفا مفا لم تنقفض عدتهفا وإن كرهفت المرأة‪ ،‬فإن لم‬
‫يراجعهفا المطلق حتفى انقضفت عدتها فهفي أحفق بنفسفها وتصفير أجنبيفة منه‪ ،‬ل تحل له إل بخطبة‬
‫ونكاح مسففتأنف بولي وإشهاد‪ ،‬ليففس على سففنة المراجعففة‪ ،‬وهذا إجماع مففن العلماء‪ .‬قال المهلب‪:‬‬
‫وكفل مفن راجفع ففي العدة فإنفه ل يلزمفه شيفء مفن أحكام النكاح غيفر الشهاد على المراجعفة فقفط‪،‬‬
‫وهذا إجماع مفففن العلماء‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬فإذا بلغفففن أجلهفففن فأمسفففكوهن بمعروف أو فارقوهفففن‬
‫بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم" [الطلق‪ ]2 :‬فذكر الشهاد في الرجعة ولم يذكره في النكاح‬
‫ول في الطلق‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وفيما ذكرناه من كتاب ال مع إجماع أهل العلم كفاية عن ذكر ما‬
‫روي عن الوائل في هذا الباب‪ ،‬وال تعالى أعلم‪.‬‬
‫@واختلفوا فيمفا يكون بفه الرجفل مراجعفا ففي العدة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬إذا وطئهفا ففي العدة وهفو يريفد‬
‫الرجعة وجهل أن يشهد فهي رجعة‪ .‬وينبغي للمرأة أن تمنعه الوطء حتى يشهد‪ ،‬وبه قال إسحاق‪،‬‬
‫لقوله عليه السلم‪( :‬إنما العمال بالنيات‪ ،‬وإنمفا لكفل امرئ ما نوى)‪ .‬فإن وطفئ ففي العدة ل ينوي‬
‫الرجعفة فقال مالك‪ :‬يراجفع ففي العدة ول يطفأ حتفى يسفتبرئها مفن مائه الفاسفد‪ .‬قال ابفن القاسفم‪ :‬فإن‬
‫انقضفت عدتهفا لم ينكحهفا هفو ول غيره ففي بقيفة مدة السفتبراء‪ ،‬فإن فعفل فسفخ نكاحفه‪ ،‬ول يتأبفد‬
‫تحريمها عليه لن الماء ماؤه‪ .‬وقالت طائفة‪ :‬إذا جامعها فقد راجعها‪ ،‬وهكذا قال سعيد بن المسيب‬
‫والحسففن البصففري وابففن سففيرين والزهري وعطاء وطاوس والثوري‪ .‬قال‪ :‬ويشهففد‪ ،‬وبففه قال‬
‫أصفحاب الرأي والوزاعفي وابفن أبفي ليلى‪ ،‬حكاه ابفن المنذر‪ .‬وقال أبفو عمفر‪ :‬وقفد قيفل‪ :‬وطؤه‬
‫مراجعة على كل حال‪ ،‬نواها أو لم ينوها‪ ،‬ويروى ذلك عن طائفة من أصحاب مالك‪ ،‬وإليه ذهب‬
‫الليفث‪ .‬ولم يختلفوا فيمفن باع جاريتفه بالخيار أن له وطأهفا ففي مدة الخيار‪ ،‬وأنفه قفد ارتجعهفا بذلك‬
‫إلى ملكه واختار نقض البيع بفعله ذلك‪ .‬وللمطلقة الرجعية حكم من هذا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@مفن قبفل أو باشفر ينوي بذلك الرجعفة كانفت رجعفة‪ ،‬وإن لم ينفو بالقبلة والمباشرة الرجعفة كان‬
‫آثمففا وليففس بمراجففع‪ .‬والسففنة أن يشهففد قبففل أن يطففأ أو قبففل أن يقبففل أو يباشففر‪ .‬وقال أبففو حنيفففة‬
‫وأصفحابه‪ :‬إن وطئهفا أو لمسفها بشهوة أو نظفر إلى فرجهفا بشهوة فهفي رجعفة‪ ،‬وهفو قول الثوري‪:‬‬
‫وينبغفي أن يشهفد‪ .‬وففي قول مالك والشافعفي وإسفحاق وأبفي عبيفد وأبفي ثور ل يكون رجعفة‪ ،‬قاله‬
‫ابفن المنذر‪ .‬وففي "المنتقفى" قال‪ :‬ول خلف ففي صفحة الرتجاع بالقول‪ ،‬فأمفا بالفعفل نحفو الجماع‬
‫والقبلة فقال القاضفي أبفو محمفد‪ :‬يصفح بهفا وبسفائر السفتمتاع للذة‪ .‬قال ابفن المواز‪ :‬ومثفل الجسفة‬
‫للذة‪ ،‬أو أن ينظفر إلى فرجهفا أو مفا قارب ذلك مفن محاسفنها إذا أراد بذلك الرجعفة‪ ،‬خلففا للشافعفي‬
‫في قوله‪ :‬ل تصح الرجعة إل بالقول‪ ،‬وحكاه ابن المنذر عن أبي ثور وجابر بن زيد وأبي قلبة‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬إن جامعها ينوي الرجعة‪ ،‬أو ل ينويها فليس برجعة‪ ،‬ولها عليه مهر مثلها‪ .‬وقال‬
‫مالك‪ :‬ل شيء لها‪ ،‬لنه لو ارتجعها لم يكن عليه مهر‪ ،‬فل يكون الوطء دون الرجعة أولى بالمهر‬
‫مفن الرجعفة‪ .‬وقال أبفو عمفر‪ :‬ول أعلم أحدا أوجفب عليفه مهفر المثفل غيفر الشافعفي‪ ،‬وليفس قوله‬
‫بالقوي‪ ،‬لنها في حكم الزوجات وترثه ويرثها‪ ،‬فكيف يجب مهر المثل في وطء امرأة حكمها في‬
‫أكثفر أحكامهفا حكفم الزوجفة! إل أن الشبهفة ففي قول الشافعفي قويفة‪ ،‬لنهفا عليفه محرمفة إل برجعفة‬
‫لها‪ .‬وقد أجمعوا على أن الموطوءة بشبهة يجب لها المهر‪ ،‬وحسبك بهذا!‬
‫@واختلفوا هفل يسفافر بهفا قبفل أن يرتجعهفا‪ ،‬فقال مالك والشافعفي‪ :‬ل يسفافر بهفا حتفى يراجعهفا‪،‬‬
‫وكذلك قال أبفو حنيففة وأصفحابه إل زففر فإنفه روى عنفه الحسفن بفن زياد أن له أن يسفافر بهفا قبفل‬
‫الرجعة‪ ،‬وروى عنه عمرو بن خالد‪ ،‬ل يسافر بها حتى يراجع‪.‬‬
‫@واختلفوا هل له أن يدخل عليها ويرى شيئا من محاسنها‪ ،‬وهل تتزين له وتتشرف‪ ،‬فقال مالك‪:‬‬
‫ل يخلو معهفا‪ ،‬ول يدخفل عليهفا إل بإذن‪ ،‬ول ينظفر إليهفا إل وعليهفا ثيابهفا‪ ،‬ول ينظفر إلى شعرهفا‪،‬‬
‫ول بأس أن يأكفل معهفا إذا كان معهمفا غيرهمفا‪ ،‬ول يفبيت معهفا ففي بيفت وينتقفل عنهفا‪ .‬وقال ابفن‬
‫القاسم‪ :‬رجع مالك عن ذلك فقال‪ :‬ل يدخل عليها ول يرى شعرها‪ .‬ولم يختلف أبو حنيفة وأصحابه‬
‫ففي أنهفا تتزيفن له وتتطيفب وتلبفس الحلي وتتشرف‪ .‬وعفن سفعيد بفن المسفيب قال‪ :‬إذا طلق الرجفل‬
‫امرأتفه تطليقفة فإنفه يسفتأذن عليهفا‪ ،‬وتلبفس مفا شاءت مفن الثياب والحلي‪ ،‬فإن لم يكفن لهمفا إل بيفت‬
‫واحد فليجعل بينهما سترا‪ ،‬ويسلم إذا دخل‪ ،‬ونحوه عن قتادة‪ ،‬ويشعرها إذا دخل بالتنخم والتنحنح‪.‬‬
‫وقال الشافعي‪ :‬المطلقة طلقا يملك رجعتها محرمة على مطلقها تحريم المبتوتة حتى يراجع‪ ،‬ول‬
‫يراجع إل بالكلم‪ ،‬على ما تقدم‪.‬‬
‫@أجمع العلماء على أن المطلق إذا قال بعد انقضاء العدة‪ :‬إني كنت راجعتك في العدة وأنكرت‬
‫أن القول قولها مع يمينها‪ ،‬ول سبيل له إليها‪ ،‬غير أن النعمان كان ل يرى يمينا في النكاح ول في‬
‫الرجعة‪ ،‬وخالفه صاحباه فقال كقول سائر أهل العلم‪ .‬وكذلك إذا كانت الزوجة أمة واختلف المولى‬
‫والجاريفة‪ ،‬والزوج يدعفي الرجعفة ففي العدة بعفد انقضاء العدة وأنكرت فالقول قول الزوجفة المفة‬
‫وإن كذبها مولها‪ ،‬هذا قول الشافعي وأبي ثور والنعمان‪ .‬وقال يعقوب ومحمد‪ :‬القول قول المولى‬
‫وهو أحق بها‪.‬‬
‫@لفظ الرد يقتضي زوال العصمة‪ ،‬إل أن علماءنا قالوا‪ :‬إن الرجعية محرمة الوطء‪ ،‬فيكون الرد‬
‫عائدا إلى الحل‪ .‬وقال الليث بن سعد وأبو حنيفة ومن قال بقولهما ‪ -‬في أن الرجعة محللة الوطء‪:‬‬
‫إن الطلق فائدته تنقيص العدد الذي جعل له خاصة‪ ،‬وإن أحكام الزوجية باقية لم ينحل منها شيء‬
‫‪ -‬قالوا‪ :‬وأحكام الزوجيفة وإن كانفت باقيفة فالمرأة مفا دامفت ففي العدة سفائرة ففي سفبيل الزوال‬
‫بانقضاء العدة‪ ،‬فالرجعففة رد عففن هذه السففبيل التففي أخذت المرأة فففي سففلوكها‪ ،‬وهذا رد مجازي‪،‬‬
‫والرد الذي حكمنفا بفه رد حقيقفي‪ ،‬فإن هناك زوال مسفتنجز وهفو تحريفم الوطفء‪ ،‬فوقفع الرد عنفه‬
‫حقيقة‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@لفظ "أحق" يطلق عند تعارض حقين‪ ،‬ويترجح أحدهما‪ ،‬فالمعنى حق الزوج في مدة التربص‬
‫أحق من حقها بنفسها‪ ،‬فإنها إنما تملك نفسها بعد انقضاء العدة‪ ،‬ومثل هذا قوله عليه السلم‪( :‬اليم‬
‫أحق بنفسها من وليها)‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@الرجفل مندوب إلى المراجعفة‪ ،‬ولكفن إذا قصفد الصفلح بإصفلح حاله معهفا‪ ،‬وإزالة الوحشفة‬
‫بينهمفا‪ ،‬فأمفا إذا قصفد الضرار وتطويفل العدة والقطفع بهفا عفن الخلص مفن ربقفة النكاح فمحرم‪،‬‬
‫لقوله تعالى‪" :‬ول تمسكوهن ضرارا لتعتدوا" [البقرة‪ ]231 :‬ثم من فعل ذلك فالرجعة صحيحة‪،‬‬
‫وإن ارتكب النهي وظلم نفسه‪ ،‬ولو علمنا نحن ذلك المقصد طلقنا عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولهفن" أي لهفن مفن حقوق الزوجيفة على الرجال مثفل مفا للرجال عليهفن‪ ،‬ولهذا‬
‫قال ابفن عباس‪ :‬إنفي لتزيفن لمرأتفي كمفا تتزيفن لي‪ ،‬ومفا أحفب أن أسفتنظف كفل حقفي الذي لي‬
‫عليها فتستوجب حقها الذي لها علي‪ ،‬لن ال تعالى قال‪" :‬ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف" أي‬
‫زينفة مفن غيفر مأثفم‪ .‬وعنفه أيضفا‪ :‬أي لهفن مفن حسفن الصفحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهفن‬
‫مثفل الذي عليهفن مفن الطاعفة فيمفا أوجبفه عليهفن لزواجهفن‪ .‬وقيفل‪ :‬إن لهفن على أزواجهفن ترك‬
‫مضارتهففن كمففا كان ذلك عليهففن لزواجهففن‪ .‬قاله الطففبري‪ :‬وقال ابففن زيففد‪ :‬تتقون ال فيهففن كمففا‬
‫عليهن أن يتقين ال عز وجل فيكم‪ ،‬والمعنى متقارب‪ .‬والية تعم جميع ذلك من حقوق الزوجية‪.‬‬
‫@قول ابفن عباس‪( :‬إنفي لتزيفن لمرأتفي)‪ .‬قال العلماء‪ :‬أمفا زينفة الرجال فعلى تفاوت أحوالهفم‪،‬‬
‫فإنهم يعملون ذلك على اللبق والوفاق‪ ،‬فربما كانت زينة تليق في وقت ول تليق في وقت‪ ،‬وزينة‬
‫تليفق بالشباب‪ ،‬وزينفة تليفق بالشيوخ ول تليفق بالشباب‪ ،‬أل ترى أن الشيفخ والكهفل إذا حفف شاربفه‬
‫ليق به ذلك وزانه‪ ،‬والشاب إذا فعل ذلك سمج ومقت‪ .‬لن اللحية لم توفر بعد‪ ،‬فإذا حف شاربه في‬
‫أول ما خرج وجهه سمج‪ ،‬وإذا وفرت لحيته وحف شاربه زانه ذلك‪ .‬وروي عن رسول ال صلى‬
‫ال عليفه وسفلم أنفه قال‪( :‬أمرنفي ربفي أن أعففي لحيتفي وأحففي شاربفي)‪ .‬وكذلك ففي شأن الكسفوة‪،‬‬
‫ففي هذا كله ابتغاء الحقوق‪ ،‬فإنما يعمل على اللبق والوفاق عند امرأته في زينة تسرها ويعفها عن‬
‫غيره مفن الرجال‪ .‬وكذلك الكحفل من الرجال منهفم مفن يليفق بفه ومنهفم مفن ل يليفق بفه‪ .‬فأمفا الطيفب‬
‫والسواك والخلل والرمي بالدرن وفضول الشعر والتطهير وقلم الظفار فهو بين موافق للجميع‪.‬‬
‫والخضاب للشيوخ والخاتفم للجميفع مفن الشباب والشيوخ زينفة‪ ،‬وهفو حلي الرجال على مفا يأتفي‬
‫بيانه في سورة "النحل"‪ .‬ثم عليه أن يتوخى أوقات حاجتها إلى الرجل فيعفها ويغنيها عن التطلع‬
‫إلى غيره‪ .‬وإن رأى الرجفل مفن نفسفه عجزا عفن إقامفة حقهفا ففي مضجعهفا أخفذ مفن الدويفة التفي‬
‫تزيد في باهه وتقوي شهوته حتى يعفها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وللرجال عليهفن درجفة" أي منزلة‪ .‬ومدرجفة الطريفق‪ :‬قارعتفه‪ ،‬والصفل فيفه‬
‫الطففي‪ ،‬يقال‪ :‬درجوا‪ ،‬أي طووا عمرهففم‪ ،‬ومنهففا الدرجففة التففي يرتقففى عليهففا‪ .‬ويقال‪ :‬رجففل بيففن‬
‫الرجلة‪ ،‬أي القوة‪ .‬وهو أرجل الرجلين‪ ،‬أي أقواهما‪ .‬وفرس رجيل‪ ،‬أي قوي‪ ،‬ومنه الرجل‪ ،‬لقوتها‬
‫على المشففي‪ .‬فزيادة درجففة الرجففل بعقله وقوتففه على النفاق وبالديففة والميراث والجهاد‪ .‬وقال‬
‫حميفد‪ :‬الدرجفة اللحيفة‪ ،‬وهذا إن صفح عنفه فهفو ضعيفف ل يقتضيفه لففظ اليفة ول معناهفا‪ .‬قال ابفن‬
‫العربفي‪ :‬فطوبفى لعبفد أمسفك عمفا ل يعلم‪ ،‬وخصفوصا ففي كتاب ال تعالى! ول يخففى على لبيفب‬
‫فضل الرجال على النساء‪ ،‬ولو لم يكن إل أن المرأة خلقت من الرجل فهو أصلها‪ ،‬وله أن يمنعها‬
‫من التصرف إل بإذنه‪ ،‬فل تصوم إل بإذنه ول تحج إل معه‪ .‬وقيل‪ :‬الدرجة الصداق‪ ،‬قاله الشعبي‪.‬‬
‫وقيفل‪ :‬جواز الدب‪ .‬وعلى الجملة فدرجفة تقتضفي التفضيفل‪ ،‬وتشعفر بأن حفق الزوج عليهفا أوجفب‬
‫من حقها عليه‪ ،‬ولهذا قال عليه السلم‪( :‬ولو أمرت أحدا بالسجود لغير ال لمرت المرأة أن تسجد‬
‫لزوجها)‪ .‬وقال ابن عباس‪( :‬الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة‪ ،‬والتوسع للنساء‬
‫ففي المال والخلق‪ ،‬أي أن الفضفل ينبغفي أن يتحامفل على نفسفه)‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وهذا قول حسفن‬
‫بارع‪ .‬قال الماوردي‪ :‬يحتمففل أنهففا فففي حقوق النكاح‪ ،‬له رفففع العقففد دونهففا‪ ،‬ويلزمهففا إجابتففه إلى‬
‫الفراش‪ ،‬ول يلزمه إجابتها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومن هذا قوله عليه السلم‪( :‬أيما امرأة دعاها زوجها إلى فراشه فأبت عليه لعنتها الملئكة‬
‫حتى تصبح)‪ .‬قوله تعالى‪" :‬وال عزيز" أي منيع السلطان ل معترض عليه‪ .‬قوله تعالى‪" :‬حكيم"‬
‫أي عالم مصيب فيما يفعل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 229 :‬الطلق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ول يحل لكم أن تأخذوا‬
‫ممفا آتيتموهفن شيئا إل أن يخاففا أل يقيمفا حدود ال فإن خفتفم أل يقيمفا حدود ال فل جناح عليهمفا‬
‫فيما افتدت به تلك حدود ال فل تعتدوها ومن يتعد حدود ال فأولئك هم الظالمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الطلق مرتان" ثبت أن أهل الجاهلية لم يكن عندهم للطلق عدد‪ ،‬وكانت عندهم‬
‫العدة معلومفة مقدرة‪ ،‬وكان هذا ففي أول السفلم برهفة‪ ،‬يطلق الرجفل امرأتفه مفا شاء مفن الطلق‪،‬‬
‫فإذا كادت تحفل مفن طلقفه راجعهفا مفا شاء‪ ،‬فقال رجفل لمرأتفه على عهفد النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسلم‪ :‬ل آويك ول أدعك تحلين‪ ،‬قالت‪ :‬وكيف؟ قال‪ :‬أطلقك فإذا دنا مضي عدتك راجعتك‪ .‬فشكت‬
‫المرأة ذلك إلى عائشفة‪ ،‬فذكرت ذلك للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬فأنزل ال تعالى هذه اليفة بيانفا‬
‫لعدد الطلق الذي للمرء فيفه أن يرتجفع دون تجديفد مهفر وولي‪ ،‬ونسفخ مفا كانوا عليفه‪ .‬قال معناه‬
‫عروة بففن الزبيففر وقتادة وابففن زيففد وغيرهففم‪ .‬وقال ابففن مسففعود وابففن عباس ومجاهففد وغيرهففم‪:‬‬
‫(المراد باليفة التعريفف بسفنة الطلق‪ ،‬أي مفن طلق اثنتيفن فليتفق ال ففي الثالثفة‪ ،‬فإمفا تركهفا غيفر‬
‫مظلومة شيئا من حقها‪ ،‬وإما أمسكها محسنا عشرتها‪ ،‬والية تتضمن هذين المعنيين)‪.‬‬
‫@الطلق هفو حفل العصفمة المنعقدة بيفن الزواج بألفاظ مخصفوصة‪ .‬والطلق مباح بهذه اليفة‬
‫وبغيرهفا‪ ،‬وبقوله عليفه السفلم ففي حديفث ابفن عمفر‪( :‬فإن شاء أمسفك وإن شاء طلق) وقفد طلق‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم حفصة ثم راجعها‪ ،‬خرجه ابن ماجة‪ .‬وأجمع العلماء على أن من‬
‫طلق امرأته طاهرا في طهر لم يمسها فيه أنه مطلق للسنة‪ ،‬وللعدة التي أمر ال تعالى بها‪ ،‬وأن له‬
‫الرجعفة إذا كانفت مدخول بهفا قبفل أن تنقضفي عدتهفا‪ ،‬فإذا انقضفت فهفو خاطفب مفن الخطاب‪ .‬فدل‬
‫الكتاب والسنة وإجماع المة على أن الطلق مباح غير محظور‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وليس في المنع‬
‫منه خبر يثبت‪.‬‬
‫@روى الدار قطني حدثني أبو العباس محمد بن موسى بن علي الدولبي ويعقوب بن إبراهيم‪،‬‬
‫قال‪ :‬حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا إسماعيل بن عياش بن حميد بن مالك اللخمي عن مكحول عن‬
‫معاذ بفن جبفل قال‪ :‬قال لي رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬يفا معاذ مفا خلق ال شيئا على وجفه‬
‫الرض أحفب إليفه مفن العتاق ول خلق ال تعالى شيئا على وجفه الرض أبغفض إليفه مفن الطلق‬
‫فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء ال فهو حر ول استثناء له وإذا قال الرجل لمرأته أنت‬
‫طالق إن شاء ال فله اسفتثناؤه ول طلق عليفه)‪ .‬حدثنفا محمفد بفن موسفى بفن علي حدثنفا حميفد بفن‬
‫الربيفع حدثنفا يزيفد بفن هارون أنبأنفا إسفماعيل بفن عياش بإسفناده نحوه‪ .‬قال حميفد قال لي يزيفد بفن‬
‫هارون‪ :‬وأي حديث لو كان حميفد بفن مالك اللخمفي معروففا! قلت‪ :‬هو جدي! قال يزيد‪ :‬سفررتني‪،‬‬
‫الن صار حديثا!‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وممن رأى الستثناء في الطلق طاوس وحماد والشافعي وأبو‬
‫ثور وأصففحاب الرأي‪ .‬ول يجوز السففتثناء فففي الطلق فففي قول مالك والوزاعففي‪ ،‬وهففو قول‬
‫الحسن وقتادة في الطلق خاصة‪ .‬قال‪ :‬وبالقول الول أقول‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإمسفاك بمعروف" ابتداء‪ ،‬والخفبر أمثفل أو أحسفن‪ ،‬ويصفح أن يرتففع على خفبر‬
‫ابتداء محذوف‪ ،‬أي فعليكففم إمسففاك بمعروف‪ ،‬أو فالواجففب عليكففم إمسففاك بمففا يعرف أنففه الحففق‪.‬‬
‫ويجوز في غير القرآن "فإمساكا" على المصدر‪ .‬ومعنى "بإحسان" أي ل يظلمها شيئا من حقها‪،‬‬
‫ول يتعدى ففي قول‪ .‬والمسفاك‪ :‬خلف الطلق‪ .‬والتسفريح‪ :‬إرسفال الشيفء‪ ،‬ومنفه تسفريح الشعفر‪،‬‬
‫ليخلص البعفض مفن البعفض‪ .‬وسفرح الماشيفة‪ :‬أرسفلها‪ .‬والتسفريح يحتمفل لفظفه معنييفن‪ :‬أحدهمفا‪:‬‬
‫تركها حتى تتم العدة من الطلقة الثانية‪ ،‬وتكون أملك لنفسها‪ ،‬وهذا قول السدي والضحاك‪ .‬والمعنى‬
‫الخر أن يطلقها ثالثة فيسرحها‪ ،‬هذا قول مجاهد وعطاء وغيرهما‪ ،‬وهو أصح لوجوه ثلثة‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬ما رواه الدارقطني عن أنس أن رجل قال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬الطلق مرتان"‬
‫فلم صفار ثلثفا؟ قال‪( :‬إمسفاك بمعروف أو تسفريح بإحسفان ‪ -‬ففي روايفة ‪ -‬هفي الثالثفة)‪ .‬ذكره ابفن‬
‫المنذر‪ .‬الثاني‪ :‬إن التسريح من ألفاظ الطلق‪ ،‬أل ترى أنه قد قرئ "إن عزموا السراح"‪.‬‬
‫الثالثفة‪ :‬أن فعفل تفعيل يعطفي أنفه أحدث فعل مكررا على الطلقفة الثانيفة‪ ،‬وليفس ففي الترك إحداث‬
‫فعفل يعفبر عنفه بالتفعيفل‪ ،‬قال أبفو عمفر‪ :‬وأجمفع العلماء على أن قوله تعالى‪" :‬أو تسفريح بإحسفان"‬
‫هفي الطلقفة الثالثفة بعفد الطلقتيفن‪ ،‬وإياهفا عنفى بقوله تعالى‪" :‬فإن طلقهفا فل تحفل له مفن بعفد حتفى‬
‫تنكففح زوجففا غيره" [البقرة‪ .]230 :‬وأجمعوا على أن مففن طلق امرأتففه طلقففة أو طلقتيففن فله‬
‫مراجعتها‪ ،‬فإن طلقها الثالثة لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره‪ ،‬وكان هذا من محكم القرآن الذي لم‬
‫يختلف ففي تأويله‪ .‬وقفد روي مفن أخبار العدول مثفل ذلك أيضفا‪ :‬حدثنفا سفعيد بفن نصفر قال حدثنفا‬
‫قاسم بن أصبغ قال‪ :‬حدثنا محمد بن وضاح قال‪ :‬حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال‪ :‬حدثنا أبو معاوية‬
‫عفن إسفماعيل بفن سفميع عفن أبفي رزيفن قال‪ :‬جاء رجفل إلى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقال‪ :‬يفا‬
‫رسففول ال‪ ،‬أرأيففت قول ال تعالى‪" :‬الطلق مرتان فإمسففاك بمعروف أو تسففريح بإحسففان" فأيففن‬
‫الثالثففة؟ فقال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬فإمسففاك بمعروف أو تسففريح بإحسففان)‪ .‬ورواه‬
‫الثوري وغيره عن إسماعيل بن سميع عن أبي رزين مثله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وذكفر الكيفا الطفبري هذا الخفبر وقال‪ :‬إنفه غيفر ثابفت مفن جهفة النقفل‪ ،‬ورجفح قول الضحاك‬
‫والسفدي‪ ،‬وأن الطلقفة الثالثفة إنمفا هفي مذكورة ففي مسفاق الخطاب ففي قوله تعالى‪" :‬فإن طلقهفا فل‬
‫تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" [البقرة‪ .]230 :‬فالثالثة مذكورة في صلب هذا الخطاب‪،‬‬
‫مفيدة للبينونفة الموجبفة للتحريفم إل بعفد زوج‪ ،‬فوجفب حمفل قوله‪" :‬أو تسفريح بإحسفان" على فائدة‬
‫مجددة‪ ،‬وهفو وقوع البينونفة بالثنتيفن عنفد انقضاء العدة‪ ،‬وعلى أن المقصفود مفن اليفة بيان عدد‬
‫الطلق الموجب للتحريم‪ ،‬ونسخ ما كان جائزا من إيقاع الطلق بل عدد محصور‪ ،‬فلو كان قوله‪:‬‬
‫"أو تسريح بإحسان" هو الثالثة لما أبان عن المقصد في إيقاع التحريم بالثلث‪ ،‬إذ لو اقتصر عليه‬
‫لما دل على وقوع البينونة المحرمة لها إل بعد زوج‪ ،‬وإنما علم التحريم بقوله تعالى‪" :‬فإن طلقها‬
‫فل تحفل له مفن بعفد حتفى تنكفح زوجفا غيره"‪ .‬فوجفب أل يكون معنفى قوله‪" :‬أو تسفريح بإحسفان"‬
‫الثالثففة‪ ،‬ولو كان قوله‪" :‬أو تسففريح بإحسففان" بمعنففى الثالثففة كان قوله عقيففب ذلك‪" :‬فإن طلقهففا"‬
‫الرابعفة‪ ،‬لن الفاء للتعقيفب‪ ،‬وقفد اقتضففى طلقففا مسفتقبل بعفد مفا تقدم ذكره‪ ،‬فثبفت بذلك أن قوله‬
‫تعالى‪" :‬أو تسريح بإحسان" هو تركها حتى تنقضي عدتها‪.‬‬
‫@ترجفم البخاري على هذه اليفة "باب مفن أجاز الطلق الثلث بقوله تعالى‪ :‬الطلق مرتان‬
‫فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان" وهذا إشارة منه إلى أن هذا التعديد إنما هو فسحة لهم‪ ،‬فمن‬
‫ضيفق على نفسفه لزمفه‪ .‬قال علماؤنفا‪ :‬واتففق أئمفة الفتوى على لزوم إيقاع الطلق الثلث ففي كلمفة‬
‫واحدة‪ ،‬وهو قول جمهور السلف‪ ،‬وشذ طاوس وبعض أهل الظاهر إلى أن طلق الثلث في كلمة‬
‫واحدة يقع واحدة‪ ،‬ويروى هذا عن محمد بن إسحاق والحجاج بن أرطأة‪ .‬وقيل عنهما‪ :‬ل يلزم منه‬
‫شيففء‪ ،‬وهففو قول مقاتففل‪ .‬ويحكففى عففن داود أنففه قال ل يقففع‪ .‬والمشهور عففن الحجاج بففن أرطأة‬
‫وجمهور السفلف والئمفة أنفه لزم واقفع ثلثفا‪ .‬ول فرق بيفن أن يوقفع ثلثفا مجتمعفة ففي كلمفة أو‬
‫متفرقة في كلمات‪ ،‬فأما من ذهب إلى أنه ل يلزم منه شيء فاحتج بدليل قوله تعالى‪" :‬والمطلقات‬
‫يتربصن بأنفسهن ثلثة قروء" [البقرة‪ .]228 :‬وهذا يعم كل مطلقة إل ما خص منه‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫وقال‪" :‬الطلق مرتان" والثالثة "فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان"‪ .‬ومن طلق ثلثا في كلمة‬
‫فل يلزم‪ ،‬إذ هو غير مذكور في القرآن‪ .‬وأما من ذهب إلى أنه واقع واحدة فاستدل بأحاديث ثلثة‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬حديث ابن عباس من رواية طاوس وأبي الصهباء وعكرمة‪ .‬وثانيها‪ :‬حديث ابن عمر على‬
‫روايفة مفن روى (أنفه طلق امرأتفه ثلثفا‪ ،‬وأنفه عليفه السفلم أمره برجعتهفا واحتسفبت له واحدة)‪.‬‬
‫وثالثهفا‪( :‬أن ركانفة طلق امرأتفه ثلثفا فأمره رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم برجعتهفا‪ ،‬والرجعفة‬
‫تقتضففي وقوع واحدة)‪ .‬والجواب عففن الحاديففث مففا ذكره الطحاوي أن سففعيد بففن جففبير ومجاهدا‬
‫وعطاء وعمرو بن دينار ومالك بن الحويرث ومحمد بن إياس بن البكير والنعمان بن أبي عياش‬
‫رووا عن ابن عباس (فيمن طلق امرأته ثلثا أنه قد عصى ربه وبانت منه امرأته‪ ،‬ول ينكحها إل‬
‫بعد زوج)‪ ،‬وفيما رواه هؤلء الئمة عن ابن عباس مما يواففق الجماعة ما يدل على وهن رواية‬
‫طاوس وغيره‪ ،‬ومفا كان ابففن عباس ليخالف الصفحابة إلى رأي نفسفه‪ .‬قال ابففن عبدالبر‪ :‬وروايفة‬
‫طاوس وهففم وغلط لم يعرج عليهففا أحففد مففن فقهاء المصففار بالحجاز والشام والعراق والمشرق‬
‫والمغرب‪ ،‬وقففد قيففل‪ :‬إن أبففا الصففهباء ل يعرف فففي موالي ابففن عباس‪ .‬قال القاضففي أبففو الوليففد‬
‫الباجفي‪" :‬وعندي أن الروايفة عفن ابفن طاوس بذلك صفحيحة‪ ،‬فقفد روى عنفه الئمفة‪ :‬معمفر وابفن‬
‫جريج وغيرهما‪ ،‬وابن طاوس إمام‪ .‬والحديث الذي يشيرون إليه هو ما رواه ابن طاوس عن أبيه‬
‫عن ابن عباس قال‪( :‬كان الطلق على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبي بكر وسنتين من‬
‫خلففة عمفر بفن الخطاب طلق الثلث واحدة‪ ،‬فقال عمفر رضفي ال عنفه‪ :‬إن الناس قفد اسفتعجلوا‬
‫في أمر كانت لهم فيه أناة‪ ،‬فلو أمضيناه عليهم! فأمضاه عليهم)‪ .‬ومعنى الحديث أنهم كانوا يوقعون‬
‫طلقفة واحدة بدل إيقاع الناس الن ثلث تطليقات‪ ،‬ويدل على صفحة هذا التأويفل أن عمفر قال‪ :‬إن‬
‫الناس قفد اسفتعجلوا ففي أمفر كانفت لهفم فيفه أناة‪ ،‬فأنكفر عليهفم أن أحدثوا ففي الطلق اسفتعجال أمفر‬
‫كانفت لهفم فيفه أناة‪ ،‬فلو كان حالهفم ذلك ففي أول السفلم ففي زمفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم مفا‬
‫قاله‪ ،‬ول عاب عليهفم أنهفم اسفتعجلوا ففي أمفر كانفت لهفم فيفه أناة‪ .‬ويدل على صفحة هذا التأويفل مفا‬
‫روي عفن ابفن عباس مفن غيفر طريفق أنفه (أفتفى بلزوم الطلق الثلث لمفن أوقعهفا مجتمعفة)‪ ،‬فإن‬
‫كان هذا معنفى حديفث ابفن طاوس فهفو الذي قلناه‪ ،‬وإن حمفل حديفث ابفن عباس على مفا يتأول فيفه‬
‫من ل يعبأ بقوله فقد رجع ابن عباس إلى قول الجماعة وانعقد به الجماع‪ ،‬ودليلنا من جهة القياس‬
‫أن هذا طلق أوقعه من يملكه فوجب أن يلزمه‪ ،‬أصل ذلك إذا أوقعه مفردا"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مفا تأوله الباجفي هفو الذي ذكفر معناه الكيفا الطفبري عفن علماء الحديفث‪ ،‬أي إنهفم كانوا‬
‫يطلقون طلقفة واحدة هذا الذي يطلقون ثلثفا‪ ،‬أي مفا كانوا يطلقون ففي كفل قرء طلقفة‪ ،‬وإنمفا كانوا‬
‫يطلقون ففي جميفع العدة واحدة إلى أن تفبين وتنقضفي العدة‪ .‬وقال القاضفي أبفو محمفد عبدالوهاب‪:‬‬
‫معناه أن الناس كانوا يقتصففرون على طلقففة واحدة‪ ،‬ثففم أكثروا أيام عمففر مففن إيقاع الثلث‪ .‬قال‬
‫القاضفي‪ :‬وهذا هفو الشبفه بقول الراوي‪ :‬إن الناس ففي أيام عمفر اسفتعجلوا الثلث فعجفل عليهفم‪،‬‬
‫معناه ألزمهم حكمها‪ .‬وأما حديث ابن عمر فإن الدارقطني روى عن أحمد بن صبيح عن طريف‬
‫بن ناصح عن معاوية بن عمار الدهني عن أبي الزبير قال‪ :‬سألت ابن عمر عن رجل طلق امرأته‬
‫ثلثفا وهفي حائض‪ ،‬فقال لي‪ :‬أتعرف ابفن عمفر؟ قلت‪ :‬نعفم‪ ،‬قال‪ :‬طلقفت امرأتفي ثلثفا على عهفد‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وهفي حائض فردهفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم إلى السفنة‪.‬‬
‫فقال الدارقطنفي‪ :‬كلهفم مفن الشيعفة‪ ،‬والمحفوظ أن ابفن عمفر طلق امرأتفه واحدة ففي الحيفض‪ .‬قال‬
‫عبيدال‪ :‬وكان تطليقه إياها في الحيض واحدة غير أنه خالف السنة‪ .‬وكذلك قال صالح بن كيسان‬
‫وموسى بن عقبة وإسماعيل بن أمية وليث بن سعد وابن أبي ذئب وابن جريج وجابر وإسماعيل‬
‫بفن إبراهيفم بفن عقبفة عفن ناففع‪ :‬أن ابفن عمفر طلق تطليقفة واحدة‪ .‬وكذا قال الزهري عفن سفالم عفن‬
‫أبيه ويونس بن جبير والشعبي والحسن‪ .‬وأما حديث ركانة فقيل‪ :‬إنه حديث مضطرب منقطع‪ ،‬ل‬
‫يستند من وجه يحتج به‪ ،‬رواه أبو داود من حديث ابن جريج عن بعض بني أبي رافع‪ ،‬وليس فيهم‬
‫مفن يحتفج بفه‪ ،‬عفن عكرمفة عفن ابفن عباس‪ .‬وقال فيفه‪ :‬إن ركانفة بفن عبفد يزيفد طلق امرأتفه ثلثفا‪،‬‬
‫فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬أرجعها)‪ .‬وقد رواه أيضا من طرق عن نافع بن عجير‬
‫أن ركانفة بفن عبفد يزيفد طلق امرأتفه البتفة فاسفتحلفه رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم مفا أراد بهفا؟‬
‫فحلف ما أراد إل واحدة‪ ،‬فردها إليه‪ .‬فهذا اضطراب في السم والفعل‪ ،‬ول يحتج بشيء من مثل‬
‫هذا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قفد أخرج هذا الحديفث مفن طرق الدارقطنفي ففي سفننه‪ ،‬قال ففي بعضهفا‪" :‬حدثنفا محمفد بفن‬
‫يحيى بن مرداس حدثنا أبو داود السجستاني حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وأبو ثور إبراهيم بن‬
‫خالد الكلبي وآخرون قالوا‪ :‬حدثنا محمد بن إدريس الشافعي حدثني عمي محمد بن علي بن شافع‬
‫عفن عبدال بفن علي بفن السفائب عفن ناففع بفن عجيفر بفن عبفد يزيفد‪ :‬أن ركانفة بفن عبفد يزيفد طلق‬
‫امرأتفه سفهيمة المزنيفة البتفة‪ ،‬فأخفبر النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بذلك‪ ،‬فقال‪ :‬وال مفا أردت إل‬
‫واحدة‪ ،‬فقال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬وال مففا أردت إل واحدة)؟ فقال ركانففة‪ :‬وال مففا‬
‫أردت بها إل واحدة‪ ،‬فردها إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فطلقها الثانية في زمان عمر بن‬
‫الخطاب‪ ،‬والثالثفة ففي زمان عثمان‪ .‬قال أبفو داود‪ :‬هذا حديفث صفحيح"‪ .‬فالذي صفح مفن حديفث‬
‫ركانة أنه طلق امرأته البتة ل ثلثا‪ ،‬وطلق البتة قد اختلف فيه على ما يأتي بيانه فسقط الحتجاج‬
‫والحمفد ل‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقال أبفو عمفر‪ :‬رواية الشافعفي لحديفث ركانفة عن عمه أتفم‪ ،‬وقفد زاد زيادة‬
‫ل تردهفا الصفول‪ ،‬فوجفب قبولهفا لثقفة ناقليهفا‪ ،‬والشافعفي وعمفه وجده أهفل بيفت ركانفة‪ ،‬كلهفم مفن‬
‫بني عبدالمطلب بن عبد مناف وهم أعلم بالقصة التي عرضت لهم‪.‬‬
‫@فصفل‪ :‬ذكفر أحمفد بفن محمفد بفن مغيفث الطليطلي هذه المسفألة ففي وثائقفه فقال‪ :‬الطلق‪ ،‬ينقسفم‬
‫على ضربيفن‪ :‬طلق سفنة‪ ،‬وطلق بدعفة‪ .‬فطلق السفنة هفو الواقفع على الوجفه الذي ندب الشرع‬
‫إليه‪ .‬وطلق البدعة نقيضه‪ ،‬وهو أن يطلقها في حيض أو نفاس أو ثلثا في كلمه واحدة‪ ،‬فإن فعل‬
‫لزمه الطلق‪ .‬ثم اختلف أهل العلم بعد إجماعهم على أنه مطلق‪ ،‬كم يلزمه من الطلق‪ ،‬فقال علي‬
‫بن أبي طالب وابن مسعود‪( :‬يلزمه طلقة واحدة)‪ ،‬وقاله ابن عباس‪ ،‬وقال‪( :‬قوله ثلثا ل معنى له‬
‫لنه لم يطلق ثلث مرات وإنما يجوز قوله في ثلث إذا كان مخبرا عما مضى فيقول‪ :‬طلقت ثلثا‬
‫فيكون مخبرا عن ثلثة أفعال كانت منه في ثلثة أوقات‪ ،‬كرجل قال‪ :‬قرأت أمس سورة كذا ثلث‬
‫مرات فذلك يصح‪ ،‬ولو قرأها مره واحدة فقال‪ :‬قرأتها ثلث مرات كان كاذبا‪ .‬وكذلك لو حلف بال‬
‫ثلثفا يردد الحلف كانفت ثلثفة أيمان‪ ،‬وأمفا لو حلف فقال‪ :‬أحلف بال ثلثفا لم يكفن حلف إل يمينفا‬
‫واحدة والطلق مثله)‪ .‬وقال الزبيفر بفن العوام وعبدالرحمفن بفن عوف‪ .‬وروينفا ذلك كله عفن ابفن‬
‫وضاح‪ ،‬وبفه قال مفن شيوخ قرطبفة ابفن زنباع شيفخ هدى ومحمفد بفن تقفي بفن مخلد ومحمفد بفن‬
‫عبدالسفلم الحسفني فريفد وقتفه وفقيفه عصفره وأصفبغ بفن الحباب وجماعفة سفواهم‪ .‬وكان مفن حجفة‬
‫ابفن عباس أن ال تعالى فرق ففي كتابفه لففظ الطلق فقال عفز اسفمه‪" :‬الطلق مرتان" يريفد أكثفر‬
‫الطلق الذي يكون بعده المسففاك بالمعروف وهففو الرجعففة فففي العدة‪ .‬ومعنففى قوله‪" :‬أو تسففريح‬
‫بإحسفان" يريفد تركهفا بل ارتجاع حتفى تنقضفي عدتهفا‪ ،‬وففي ذلك إحسفان إليهفا إن وقفع ندم بينهمفا‪،‬‬
‫قال ال تعالى‪" :‬ل تدري لعففل ال يحدث بعففد ذلك أمرا" [الطلق‪ ]1 :‬يريففد الندم على الفرقففة‬
‫والرغبفة ففي الرجعفة‪ ،‬وموقفع الثلث غيفر حسفن‪ ،‬لن فيفه ترك المندوحفة التفي وسفع ال بهفا ونبفه‬
‫عليها‪ ،‬فذكر ال سبحانه الطلق مفرقا يدل على أنه إذا جمع أنه لفظ واحد‪ ،‬وقد يخرج بقياس من‬
‫غيفر ما مسألة مفن المدونة ما يدل على ذلك‪ ،‬من ذلك قول النسان‪ :‬مالي صفدقة ففي المساكين أن‬
‫الثلث يجزيفه مفن ذلك‪ .‬وففي الشراف لبفن المنذر‪ :‬وكان سفعيد بفن جفبير وطاوس وأبفو الشعثاء‬
‫وعطاء وعمرو بن دينار يقولون‪ :‬من طلق البكر ثلثا فهي واحدة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وربمفا اعتلوا فقالوا‪ :‬غيفر المدخول بهفا ل عدة عليهفا‪ ،‬فإذا قال‪ :‬أنفت طالق ثلثفا فقفد بانفت‬
‫بنففس فراغفه مفن قوله‪ :‬أنفت طالق‪ ،‬فيرد "ثلثفا" عليهفا وهفى بائن فل يؤثفر شيئا‪ ،‬ولن قوله‪ :‬أنفت‬
‫طالق مسفتقل بنفسفه‪ ،‬فوجفب أل تقفف البينونفة ففي غيفر المدخول بهفا على مفا يرد بعده‪ ،‬أصفله إذا‬
‫قال‪ :‬أنت طالق‪.‬‬
‫@استدل الشافعي بقوله تعالى‪" :‬أو تسريح بإحسان" وقوله‪" :‬وسرحوهن" [الحزاب‪ ]49 :‬على‬
‫أن هذا اللفظ من صريح الطلق‪ .‬وقد اختلف العلماء في هذا المعنى‪ ،‬فذهب القاضي أبو محمد إلى‬
‫أن الصريح ما تضمن لفظ الطلق على أي وجه‪ ،‬مثل أن يقول‪ :‬أنت طالق‪ ،‬أو أنت مطلقة‪ ،‬أو قد‬
‫طلقتك‪ ،‬أو الطلق له لزم‪ ،‬وما عدا ذلك من ألفاظ الطلق مما يستعمل فيه فهو كناية‪ ،‬وبهذا قال‬
‫أبففو حنيفففة‪ .‬وقال القاضففي أبففو الحسففن‪ :‬صففريح ألفاظ الطلق كثيرة‪ ،‬وبعضهففا أبيففن مففن بعففض‪:‬‬
‫الطلق والسراح والفراق والحرام والخلية والبرية‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬الصفريح ثلثة ألفاظ‪ ،‬وهو ما‬
‫ورد بفففه القرآن مفففن لففففظ الطلق والسفففراح والفراق‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬أو فارقوهفففن بمعروف"‬
‫[الطلق‪ ]2 :‬وقال‪" :‬أو تسريح بإحسان" وقال‪" :‬فطلقوهن لعدتهن" [الطلق‪.]1 :‬‬
‫قلت‪ :‬وإذا تقرر هذا فالطلق على ضربيفن‪ :‬صفريح وكنايفة‪ ،‬فالصفريح مفا ذكرنفا‪ ،‬والكنايفة مفا‬
‫عداه‪ ،‬والفرق بينهما أن الصريح ل يفتقر إلى نية‪ ،‬بل بمجرد اللفظ يقع الطلق‪ ،‬والكناية تفتقر إلى‬
‫نيفة‪ ،‬والحجفة لمفن قال‪ :‬إن الحرام والخليفة والبريفة مفن صفريح الطلق كثرة اسفتعمالها ففي الطلق‬
‫حتففى عرفففت بففه‪ ،‬فصففارت بينففة واضحففة فففي إيقاع الطلق‪ ،‬كالغائط الذي وضففع للمطمئن مففن‬
‫الرض‪ ،‬ثم استعمل على وجه المجاز في إتيان قضاء الحاجة‪ ،‬فكان فيه أبين وأظهر وأشهر منه‬
‫فيما وضع له‪ ،‬وكذلك في مسألتنا مثله‪ .‬ثم إن عمر بن عبدالعزيز قد قال‪" :‬لو كان الطلق ألفا ما‬
‫أبقت البتة منه شيئا‪ ،‬فمن قال‪ :‬البتة‪ ،‬فقد رمى الغاية القصوى" أخرجه مالك‪ .‬وقد روى الدارقطني‬
‫عفن علي قال‪( :‬الخليفة والبريفة والبتفة والبائن والحرام ثلث‪ ،‬ل تحفل له حتفى تنكفح زوجفا غيره)‪.‬‬
‫وقد جاء عن النبي صلى ال عليه وسلم (أن البتة ثلث‪ ،‬من طريق فيه لين)‪ ،‬خرجه الدارقطني‪.‬‬
‫وسيأتي عند قوله تعالى‪" :‬ول تتخذوا آيات ال هزوا" [البقرة‪ ]231 :‬إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@لم يختلف العلماء فيمن قال لمرأته‪ :‬قد طلقتك‪ ،‬إنه من صريح الطلق في المدخول بها وغير‬
‫المدخول بها‪ ،‬فمن قال لمرأته‪ :‬أنت طالق فهي واحدة إل أن ينوي أكثر من ذلك‪ .‬فإن نوى اثنتين‬
‫أو ثلثا لزمه ما نواه‪ ،‬فإن لم ينو شيئا فهي واحدة تملك الرجعة‪ .‬ولو قال‪ :‬أنت طالق‪ ،‬وقال‪ :‬أردت‬
‫مففن وثاق لم يقبففل قوله ولزمففه‪ ،‬إل أن يكون هناك مففا يدل على صففدقه‪ .‬ومففن‪ ،‬قال‪ :‬أنففت طالق‬
‫واحدة‪ ،‬ل رجعففة لي عليففك فقوله‪" :‬ل رجعففة لي عليففك" باطففل‪ ،‬وله الرجعففة لقوله واحدة‪ ،‬لن‬
‫الواحدة ل تكون ثلثا‪ ،‬فإن نوى بقوله‪" :‬ل رجعة لي عليك" ثلثا فهي ثلث عند مالك‪.‬‬
‫واختلفوا فيمفن قال لمرأتفه‪ :‬قفد فارقتفك‪ ،‬أو سفرحتك‪ ،‬أو أنفت خليفة‪ ،‬أو بريفة‪ ،‬أو بائن‪ ،‬أو حبلك‬
‫على غاربك‪ ،‬أو أنت علي حرام‪ ،‬أو الحقي بأهلك‪ ،‬أو قد وهبتك لهلك‪ ،‬أو قد خليت سبيلك‪ ،‬أو ل‬
‫سفبيل لي عليفك‪ ،‬فقال أبفو حنيففة وأبفو يوسفف‪ :‬هفو طلق بائن‪ ،‬وروى عفن ابفن مسفعود وقال‪( :‬إذا‬
‫قال الرجفل لمرأتفه اسفتقلي بأمرك‪ ،‬أو أمرك لك‪ ،‬أو الحقفي بأهلك فقبلوهفا فواحدة بائنفة)‪ .‬وروي‬
‫عفن مالك فيمفن قال لمرأتفه‪ :‬قفد فارقتفك‪ ،‬أو سفرحتك‪ ،‬أنفه مفن صفريح الطلق‪ ،‬كقوله‪ :‬أنفت طالق‪.‬‬
‫وروي عنفه أنفه كنايفة يرجفع فيهفا إلى نيفة قائلهفا‪ ،‬ويسفأل مفا أراد مفن العدد‪ ،‬مدخول بهفا كانفت أو‬
‫غيفر مدخول بهفا‪ .‬قال ابفن المواز‪ :‬وأصفح قوليفه ففي التفي لم يدخفل بهفا أنهفا واحدة‪ ،‬إل أن ينوي‬
‫أكثفر‪ ،‬وقاله ابفن القاسفم وابفن عبدالحكفم‪ .‬وقال أبو يوسفف‪ :‬هفي ثلث‪ ،‬ومثله خلعتفك‪ ،‬أو ل ملك لي‬
‫عليفك‪ .‬وأمفا سفائر الكنايات فهفي ثلث عنفد مالك ففي كفل مفن دخفل بهفا ل ينوى فيهفا قائلهفا‪ ،‬وينوى‬
‫ففي غيفر المدخول بهفا‪ .‬فإن حلف وقال أردت واحدة كان خاطبفا مفن الخطاب‪ ،‬لنفه ل يخلي المرأة‬
‫التففي قففد دخففل بهففا زوجهففا ول يبينهففا ول يبريهففا إل ثلث تطليقات‪ .‬والتففي لم يدخففل بهففا يخليهففا‬
‫ويبريها ويبينها الواحدة‪ .‬وقد روى مالك وطائفة من أصحابه‪ ،‬وهو قول جماعة من أهل المدينة‪،‬‬
‫أنه ينوي في هذه اللفاظ كلها ويلزمه من الطلق ما نوى‪ .‬وقد روي عنه في البتة خاصة من بين‬
‫سفائر الكنايات أنفه ل ينوي فيهفا ل ففي المدخول بهفا ول ففي غيفر المدخول بهفا‪ .‬وقال الثوري وأبفو‬
‫حنيفة وأصحابه‪ :‬له نيته في ذلك كله‪ ،‬فإن نوى ثلثا فهي ثلث‪ ،‬وإن نوى واحدة فهي واحده بائنة‬
‫وهففي أحففق بنفسففها‪ .‬وإن نوى اثنتيففن فهففي واحدة‪ .‬وقال زفففر‪ :‬إن نوى اثنتيففن فهففي اثنتان‪ .‬وقال‬
‫الشافعي‪ :‬هو في ذلك كله غير مطلق حتى يقول‪ :‬أردت بمخرج الكلم مني طلقا فيكون ما نوى‪.‬‬
‫فإن نوى دون الثلث كان رجعيفا‪ ،‬ولو طلقهفا واحدة بائنفة كانفت رجعيفة‪ .‬وقال إسفحاق‪ :‬كفل كلم‬
‫يشبفه الطلق فهفو مفا نوى مفن الطلق‪ .‬وقال أبفو ثور‪ :‬هفي تطليقفة رجعيفة ول يسفأل عفن نيتفه‪.‬‬
‫وروي عن ابن مسعود (أنه كان ل يرى طلقا بائنا إل في خلع أو إيلء) وهو المحفوظ عنه‪ ،‬قال‬
‫أبفو عبيفد‪ .‬وقفد ترجفم البخاري "باب إذا قال فارقتفك أو سفرحتك أو البريفة أو الخليفة أو مفا عنفى بفه‬
‫الطلق فهفو على نيتفه"‪ .‬وهذا منفه إشارة إلى قول الكوفييفن والشافعفي وإسفحاق ففي قوله‪ :‬أو مفا‬
‫عنى به من الطلق" والحجة في ذلك أن كل كلمة تحتمل أن تكون طلقا أو غير طلق فل يجوز‬
‫أن يلزم بهفففا الطلق إل أن يقول المتكلم‪ :‬إنفففه أراد بهفففا الطلق فيلزمفففه ذلك بإقراره‪ ،‬ول يجوز‬
‫إبطال النكاح لنهم قد أجمعوا على صحته بيقين‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬واختلف قول مالك في معنى قول‬
‫الرجل لمرأته‪ :‬اعتدي‪ ،‬أو قد خليتك‪ ،‬أو حبلك على غاربك‪ ،‬فقال مرة‪ :‬ل ينوي فيها وهي ثلث‪.‬‬
‫وقال مرة‪ :‬ينوي فيها كلها‪ ،‬في المدخول بها وغير المدخول بها‪ ،‬وبه أقول‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مفا ذهفب إليفه الجمهور‪ ،‬ومفا روى عفن مالك أنفه ينوي ففي هذه اللفاظ ويحكفم عليفه بذلك‬
‫هففو الصففحيح‪ ،‬لمففا ذكرناه مففن الدليففل‪ ،‬وللحديففث الصففحيح الذي خرجففه أبففو داود وابففن ماجففة‬
‫والدارقطني وغيرهم عن يزيد بن ركانة‪ :‬أن ركانة بن عبد يزيد طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر‬
‫النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بذلك‪ ،‬فقال‪( :‬ال مفا أردت إل واحدة)؟ فقال ركانفة‪ :‬وال مفا أردت إل‬
‫واحدة‪ ،‬فردهفا إليفه رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬قال ابفن ماجفة‪ :‬سفمعت أبفا الحسفن الطنافسفي‬
‫يقول‪ :‬مفا أشرف هذا الحديفث! وقال مالك ففي الرجفل يقول لمرأتفه‪ :‬أنفت علي كالميتفة والدم ولحفم‬
‫الخنزير‪ :‬أراها البتة وإن لم تكن له نية‪ ،‬فل تحل إل بعد زوج‪ .‬وفي قول الشافعي‪ :‬إن أراد طلقا‬
‫فهفو طلق‪ ،‬ومفا أراد مفن عدد الطلق‪ ،‬وإن لم يرد طلقفا فليفس بشيفء بعفد أن يحلف‪ .‬وقال أبفو‬
‫عمر‪ :‬أصل هذا الباب في كل كناية عن الطلق‪ ،‬ما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪-‬‬
‫للتي تزوجها حين قالت‪ :‬أعوذ بال منك ‪( : -‬قد عذت بمعاذ الحقي بأهلك)‪ .‬فكان ذلك طلقا‪ .‬وقال‬
‫كعب بن مالك لمرأته حين أمره رسول ال صلى ال عليه وسلم باعتزالها‪ :‬الحقي بأهلك فلم يكن‬
‫ذلك طلقا‪ ،‬فدل على أن هذه اللفظة مفتقرة إلى النية‪ ،‬وأنها ل يقضى فيها إل بما ينوي اللفظ بها‪،‬‬
‫وكذلك سففائر الكنايات المحتملت للفراق وغيره‪ .‬وال أعلم‪ .‬وأمففا اللفاظ التففي ليسففت مففن ألفاظ‬
‫الطلق ول يكنفى بهفا عفن الفراق‪ ،‬فأكثفر العلماء ل يوقعون بشيفء منهفا طلقفا وإن قصفده القائل‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬كففل مففن أراد الطلق بأي لفففظ كان لزمففه الطلق حتففى بقوله كلي واشربففي وقومففي‬
‫واقعدي‪ ،‬ولم يتابع مالكا على ذلك إل أصحابه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يحفل لكفم أن تأخذوا ممفا آتيتموهفن شيئا" "أن" ففي موضفع رففع بفف "يحفل"‪.‬‬
‫واليففة خطاب للزواج‪ ،‬نهوا أن يأخذوا مففن أزواجهففم شيئا على وجففه المضارة‪ ،‬وهذا هففو الخلع‬
‫الذي ل يصفح إل بأل ينفرد الرجفل بالضرر‪ ،‬وخفص بالذكفر مفا آتفى الزواج نسفاءهم‪ ،‬لن العرف‬
‫بيفن الناس أن يطلب الرجفل عند الشقاق والفسفاد ما خرج من يده لهفا صفداقا وجهازا‪ ،‬فلذلك خص‬
‫بالذكففر‪ .‬وقففد قيففل‪ :‬إن قوله "ول يحففل" فصففل معترض بيففن قوله تعالى‪" :‬الطلق مرتان" وبيففن‬
‫قوله‪" :‬فإن طلقها"‪.‬‬
‫@والجمهور على أن أخذ الفدية على الطلق جائز‪ .‬وأجمعوا على تحظير أخذ ما لها إل أن يكون‬
‫النشوز وفساد العشرة من قبلها‪ .‬وحكى ابن المنذر عن النعمان أنه قال‪ :‬إذا جاء الظلم والنشوز من‬
‫قبله وخالعتفه فهفو جائز ماض وهفو آثفم‪ ،‬ل يحفل له مفا صفنع‪ ،‬ول يجفبر على رد مفا أخذه‪ .‬قال ابفن‬
‫المنذر‪ :‬وهذا مفن قوله خلف ظاهفر كتاب ال‪ ،‬وخلف الخفبر الثابفت عفن النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم‪ ،‬وخلف مفا أجمفع عليفه عامفة أهفل العلم مفن ذلك‪ ،‬ول أحسفب أن لو قيفل لحفد‪ :‬اجهفد نفسفك‬
‫ففي طلب الخطفأ مفا وجفد أمرا أعظفم مفن أن ينطفق الكتاب بتحريفم شيفء ثفم يقابله مقابفل بالخلف‬
‫نصففا‪ ،‬فيقول‪ :‬بفل يجوز ذلك‪ :‬ول يجفبر على رد مفا أخفذ‪ .‬قال أبفو الحسفن بفن بطال‪ :‬وروى ابفن‬
‫القاسففم عففن مالك مثله‪ .‬وهذا القول خلف ظاهففر كتاب ال تعالى‪ ،‬وخلف حديففث امرأة ثابففت‪،‬‬
‫وسيأتي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل أن يخاففا أل يقيمفا حدود ال" حرم ال تعالى ففي هذه اليفة أل يأخفذ إل بعفد‬
‫الخوف أل يقيمفا حدود ال‪ ،‬وأكفد التحريفم بالوعيفد لمفن تعدى الحفد‪ .‬والمعنفى أن يظفن كفل واحفد‬
‫منهما بنفسه أل يقيم حق النكاح لصاحبه حسب ما يجب عليه فيه لكراهة يعتقدها‪ ،‬فل حرج على‬
‫المرأة أن تفتدي‪ ،‬ول حرج على الزوج أن يأخفذ‪ .‬والخطاب للزوجيفن‪ .‬والضميفر ففي "أن يخاففا"‬
‫لهمفا‪ ،‬و"أل يقيمفا" مفعول بفه‪ .‬و"خففت" يتعدى إلى مفعول واحفد‪ .‬ثفم قيفل‪ :‬هذا الخوف هفو بمعنفى‬
‫العلم‪ ،‬أي أن يعلما أل يقيما حدود ال‪ ،‬وهو من الخوف الحقيقي‪ ،‬وهو الشفاق من وقوع المكروه‪،‬‬
‫وهفو قريفب مفن معنفى الظفن‪ .‬ثفم قيفل‪" :‬إل أن يخاففا" اسفتثناء منقطفع‪ ،‬أي لكفن إن كان منهفن نشوز‬
‫فل جناح عليكففم فففي أخففذ الفديففة‪ .‬وقرأ حمزة "إل أن يخافففا" بضففم الياء على مففا لم يسففم فاعله‪،‬‬
‫والفاعفل محذوف وهفو الولة والحكام‪ ،‬واختاره أبفو عبيفد‪ .‬قال‪ :‬لقوله عفز وجفل "فإن خفتفم" قال‪:‬‬
‫فجعفل الخوف لغيفر الزوجيفن‪ ،‬ولو أراد الزوجيفن لقال‪ :‬فإن خاففا‪ ،‬وففي هذا حجفة لمفن جعفل الخلع‬
‫إلى السلطان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهو قول سعيد بن جبير والحسن وابن سيرين‪ .‬وقال شعبة‪ :‬قلت لقتادة‪ :‬عمن أخذ الحسن‬
‫الخلع إلى السلطان؟ قال‪ :‬عن زياد‪ ،‬وكان واليا لعمر وعلي‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا معروف عن زياد‪،‬‬
‫ول معنففى لهذا القول لن الرجففل إذا خالع امرأتففه فإنمففا هففو على مففا يتراضيان بففه‪ ،‬ول يجففبره‬
‫السفلطان على ذلك‪ ،‬ول معنفى لقول مفن قال‪ :‬هذا إلى السفلطان‪ .‬وقفد أنكفر اختياره أبفي عبيفد ورد‪،‬‬
‫ومفا علمفت ففي اختياره شيئا أبعفد مفن هذا الحرف‪ ،‬لنفه ل يوجبفه العراب ول اللففظ ول المعنفى‪.‬‬
‫أمفا العراب فإن عبدال بفن مسفعود قرأ "إل أن يخاففا" تخافوا‪ ،‬فهذا ففي العربيفة إذا رد إلى مفا لم‬
‫يسم فاعله قيل‪ :‬إل أن يخاف‪ .‬وأما اللفظ فإن كان على لفظ "يخافا" وجب أن يقال‪ :‬فإن خيف‪ .‬وإن‬
‫كان على لففظ "فإن خفتفم" وجفب أن يقال‪ :‬إل أن تخافوا‪ .‬وأمفا المعنفى فإنفه يبعفد أن يقال‪ :‬ل يحفل‬
‫لكفم أن تأخذوا ممفا آتيتموهفن شيئا‪ ،‬إل أن يخاف غيركفم ولم يقفل جفل وعفز‪ :‬فل جناح عليكفم أن‬
‫تأخذوا له منهفا فديفة‪ ،‬فيكون الخلع إلى السفلطان‪ .‬قال الطحاوي‪ :‬وقفد صفح عفن عمفر وعثمان وابفن‬
‫عمففر جوازه دون السففلطان‪ ،‬وكمففا جاز الطلق والنكاح دون السففلطان فكذلك الخلع‪ ،‬وهففو قول‬
‫الجمهور من العلماء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن خفتم أل يقيما" أي على أن ل يقيما‪" .‬حدود ال" أي فيمفا يجب عليهما من‬
‫حسن الصحبة وجميل العشرة‪ .‬والمخاطبة للحكام والمتوسطين لمثل هذا المر وإن لم يكن حاكما‪.‬‬
‫وترك إقامففة حدود ال هففو اسففتخفاف المرأة بحففق زوجهففا‪ ،‬وسففوء طاعتهففا إياه‪ ،‬قاله ابففن عباس‬
‫ومالك بفن أنفس وجمهور الفقهاء‪ .‬وقال الحسفن بفن أبفي الحسفن وقوم معفه‪ :‬إذا قالت المرأة ل أطيفع‬
‫لك أمرا‪ ،‬ول أغتسفل لك مفن جنابفة‪ ،‬ول أبر لك قسفما‪ ،‬حفل الخلع‪ .‬وقال الشعفبي‪" :‬أل يقيمفا حدود‬
‫ال" أل يطيعفا ال‪ ،‬وذلك أن المغاضبفة تدعفو إلى ترك الطاعفة‪ .‬وقال عطاء بفن أبفي رباح‪ :‬يحفل‬
‫الخلع والخفذ أن تقول المرأة لزوجهفا‪ :‬إنفي أكرهفك ول أحبفك‪ ،‬ونحفو هذا "فل جناح عليهمفا فيمفا‬
‫افتدت بفه"‪ .‬روى البخاري مفن حديفث أيوب عفن عكرمفة عفن ابفن عباس أن امرأة ثابفت بفن قيفس‬
‫أتفت النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقالت‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬ثابفت بفن قيفس مفا أعتفب عليفه ففي خلق ول‬
‫ديفن ولكفن ل أطيقفه! فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬أترديفن عليفه حديقتفه)؟ قالت‪ :‬نعفم‪.‬‬
‫وأخرجه ابن ماجة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى ال‬
‫عليفه وسفلم فقالت‪ :‬وال مفا أعيفب على ثابفت ففي ديفن ول خلق ولكنفي أكره الكففر ففي السفلم‪ ،‬ل‬
‫أطيقه بغضا! فقال لها النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أتردين عليه حديقته)؟ قالت‪ :‬نعم‪ .‬فأمره رسول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم أن يأخفذ منهفا حديقتفه ول يزداد‪ .‬فيقال‪ :‬إنهفا كانفت تبغضفه أشفد البغفض‪،‬‬
‫وكان يحبها أشد الحب‪ ،‬ففرق رسول ال صلى ال عليه وسلم بينهما بطريق الخلع‪ ،‬فكان أول خلع‬
‫ففي السفلم‪ .‬روى عكرمفة عفن ابفن عباس قال‪ :‬أول مفن خالع ففي السفلم أخفت عبدال بفن أبفي‪،‬‬
‫أتفت النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقالت‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬ل يجتمفع رأسفي ورأسفه أبدا‪ ،‬إنفي رفعفت‬
‫جانفب الخباء فرأيتفه أقبفل ففي عدة إذ هفو أشدهفم سفوادا وأقصفرهم قامفة‪ ،‬وأقبحهفم وجهفا! فقال‪:‬‬
‫(أترديفن عليفه حديقتفه)؟ قالت‪ :‬نعفم‪ ،‬وإن شاء زدتفه‪ ،‬ففرق بينهمفا‪ .‬وهذا الحديفث أصفل ففي الخلع‪،‬‬
‫وعليففه جمهور الفقهاء‪ .‬قال مالك‪ :‬لم أزل أسففمع ذلك مففن أهففل العلم‪ ،‬وهففو المففر المجتمففع عليففه‬
‫عندنفا‪ ،‬وهفو أن الرجفل إذا لم يضفر بالمرأة ولم يسفئ إليهفا‪ ،‬ولم تؤت مفن قبله‪ ،‬وأحبفت فراقفه فإنفه‬
‫يحل له أن يأخذ منها كل ما افتدت به‪ ،‬كما فعل النبي صلى ال عليه وسلم في امرأة ثابت بن قيس‬
‫وإن كان النشوز مفن قبله بأن يضيفق علهفا ويضرهفا رد عليهفا مفا أخفذ منهفا‪ .‬وقال عقبفة بفن أبفي‬
‫الصفهباء‪ :‬سفألت بكفر بفن عبدال المزنفي عفن الرجفل تريفد امرأتفه أن تخالعفه فقال‪ :‬ل يحفل له أن‬
‫يأخفذ منهفا شيئا‪ .‬قلت‪ :‬فأيفن قول ال عفز وجفل ففي كتابفه‪" :‬فإن خفتفم أل يقيمفا حدود ال فل جناح‬
‫عليهمفا فيمفا افتدت بفه"؟ قال‪ :‬نسفخت‪ .‬قلت‪ :‬فأيفن جعلت؟ قال‪ :‬ففي سفورة "النسفاء"‪" :‬وإن أردتفم‬
‫اسفتبدال زوج مكان زوج وآتيتفم إحداهفن قنطارا فل تأخذوا منفه شيئا أتأخذونفه بهتانفا وإثمفا مبينفا"‬
‫[النسفاء‪ .]20 :‬قال النحاس‪ :‬هذا قول شاذ خارج عفن الجماع لشذوذه‪ ،‬وليسفت إحدى اليتيفن‬
‫دافعفة للخرى فيقفع النسفخ‪ ،.‬لن قوله "فإن خفتفم" اليفة‪ ،‬ليسفت بمزالة بتلك اليفة‪ ،‬لنهمفا إذا خاففا‬
‫هذا لم يدخففل الزوج‪ .‬فففي "وإن أردتففم اسففتبدال زوج مكان زوج" لن هذا للرجال خاصففة‪ .‬وقال‬
‫الطبري‪ :‬الية محكمة‪ ،‬ول معنى لقول بكر‪ :‬إن أرادت هي العطاء فقد جوز النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم لثابت أن يأخذ من زوجته ما ساق إليها كما تقدم‪.‬‬
‫@تمسفك بهذه اليفة مفن رأى اختصفاص الخلع بحالة الشقاق والضرر‪ ،‬وأنفه شرط ففي الخلع‪،‬‬
‫وعضد هذا بما رواه أبو داود عن عائشة أن حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت بن قيس بن شماس‬
‫فضربها فكسر نغضها‪ ،‬فأتت رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد الصبح فاشتكت إليه‪ ،‬فدعا النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ثابتا فقال‪( :‬خذ بعض مالها وفارقهفا)‪ .‬قال‪ :‬ويصلح ذلك يا رسول ال؟ قال‪:‬‬
‫(نعم)‪ .‬قال‪ :‬فإني أصدقتها حديقتين وهما بيدها‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬خذهما وفارقها)‬
‫فأخذهمفا وفارقهفا‪ .‬والذي عليفه الجمهور مفن الفقهاء أنفه يجوز الخلع مفن غيفر اشتكاء ضرر‪ ،‬كمفا‬
‫دل عليه حديث البخاري وغيره‪ .‬وأما الية فل حجة فيها‪ ،‬لن ال عز وجل لم يذكرها على جهة‬
‫الشرط‪ ،‬وإنمفا ذكرهفا لنفه الغالب مفن أحوال الخلع‪ ،‬فخرج القول على الغالب‪ ،‬والذي يقطفع العذر‬
‫ويوجب العلم قوله تعالى‪" :‬فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا" [النساء‪.]4 :‬‬
‫@لما قال ال تعالى‪" :‬فل جناح عليهما فيما افتدت به" دل على جواز الخلع بأكثرها مما أعطاها‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء في هذا‪ ،‬فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم وأبو ثور‪ :‬يجوز أن تفتدى‬
‫منفه بمفا تراضيفا عليفه‪ ،‬كان أقفل ممفا أعطاهفا أو أكثفر منفه‪ .‬وروي هذا عفن عثمان بفن عفان وابفن‬
‫عمر وقبيصة والنخعي‪ .‬واحتج قبيصة بقوله‪" :‬فل جناح عليهما فيما افتدت به"‪ .‬وقال مالك‪ :‬ليس‬
‫مففن مكارم الخلق‪ ،‬ولم أر أحدا مففن أهففل العلم يكره ذلك‪ .‬وروى الدارقطنففي عففن أبففي سففعيد‬
‫الخدري أنفه قال‪ :‬كانفت أختفي تحفت رجفل مفن النصفار تزوجهفا على حديقفة‪ ،‬فكان بينهمفا كلم‪،‬‬
‫فارتفعفا إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فقال‪( :‬ترديفن عليفه حديقتفه ويطلقفك)؟ قالت‪ :‬نعفم‪،‬‬
‫وأزيده‪ .‬قال‪( :‬ردي عليفه حديقتفه وزيديفه)‪ .‬وففي حديفث ابفن عباس‪( :‬وإن شاء زدتفه ولم ينكفر)‪.‬‬
‫وقالت طائففففة‪ :‬ل يأخفففذ منهفففا أكثفففر ممفففا أعطاهفففا‪ ،‬كذلك قال طاوس وعطاء والوزاعفففي‪ ،‬قال‬
‫الوزاعي‪ :‬كان القضاة ل يجيزون أن يأخذ إل ما ساق إليها‪ ،‬وبه قال أحمد وإسحاق‪ .‬واحتجوا بما‬
‫رواه ابن جريج‪ :‬أخبرني أبو الزبير أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبدال بن‬
‫أبي بن سلول‪ ،‬وكان أصدقها حديقة فكرته‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أما الزيادة فل ولكن‬
‫حديقتفه)‪ ،‬فقالت‪ :‬نعفم‪ .‬فأخذهفا له وخلى سفبيلها‪ ،‬فلمفا بلغ ذلك ثابفت بفن قيفس قال‪ :‬قفد قبلت قضاء‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬سمعه أبو الزبير من غير واحد‪ ،‬أخرجه الدارقطني‪ .‬وروي عن‬
‫عطاء مرسل أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ل يأخذ من المختلعة أكثر مما أعطاها)‪.‬‬
‫@الخلع عنفد مالك رضفي ال عنفه على ثمرة لم يبفد صفلحها وعلى جمفل شارد أو عبفد آبفق أو‬
‫جنين في بطن أمه أو نحو ذلك من وجوه الغرر جائز‪ ،‬بخلف البيوع والنكاح‪ .‬وله المطالبة بذلك‬
‫كله‪ ،‬فإن سفلم كان له‪ ،‬وإن لم يسفلم فل شيفء له‪ ،‬والطلق ناففذ على حكمفه‪ .‬وقال الشافعفي‪ :‬الخلع‬
‫جائز وله مهفر مثلهفا‪ ،‬وحكاه ابفن خويفز منداد عفن مالك قال‪ :‬لن عقود المعاوضات إذا تضمنفت‬
‫بدل فاسفدا وفاتفت رجفع فيهفا إلى الواجفب ففي أمثالهفا مفن البدل‪ .‬وقال أبفو ثور‪ :‬الخلع باطفل‪ .‬وقال‬
‫أصفحاب الرأي‪ :‬الخلع جائز‪ ،‬وله مفا ففي بطفن المفة‪ ،‬وإن لم يكفن فيفه ولد فل شيفء له‪ .‬وقال ففي‬
‫"المبسفوط" عفن ابفن القاسفم‪ :‬يجوز بمفا يثمره نخله العام‪ ،‬ومفا تلد غنمفه العام خلففا لبفي حنيففة‬
‫والشافعفي‪ ،‬والحجفة لمفا ذهفب إليفه مالك وابفن القاسفم عموم قوله تعالى‪" :‬فل جناح عليهمفا فيمفا‬
‫افتدت بفه"‪ .‬ومفن جهفة القياس أنفه ممفا يملك بالهبفة والوصفية‪ ،‬فجاز أن يكون عوضفا ففي الخلع‬
‫كالمعلوم‪ ،‬وأيضا فإن الخلع طلق‪ ،‬والطلق يصح بغير عوض أصل‪ ،‬فإذا صح على غير شيء‬
‫فلن يصففح بفاسففد العوض أولى‪ ،‬لن أسففوأ حال المبذول أن يكون كالمسففكوت عنففه‪ .‬ولمففا كان‬
‫النكاح الذي هو عقد تحليل ل يفسده فاسد العوض فلن ل يفسد الطلق الذي هو إتلف وحل عقد‬
‫أولى‪.‬‬
‫@ولو اختلعت منه برضاع ابنها منه حولين جاز‪ .‬وفي الخلع بنفقتها على البن بعد الحولين مدة‬
‫معلومفة قولن‪ :‬أحدهمفا‪ :‬يجوز‪ ،‬وهفو قول المخزومفي‪ ،‬واختاره سفحنون‪ .‬والثانفي‪ :‬ل يجوز‪ ،‬رواه‬
‫ابن القاسم عن مالك‪ ،‬وإن شرطه الزوج فهو باطل موضوع عن الزوجة‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬من أجاز‬
‫الخلع على الجمفل الشارد والعبفد البفق ونحفو ذلك مفن الغرر لزمفه أن يجوز هذا‪ .‬وقال غيره مفن‬
‫القرويين‪ :‬لم يمنع مالك الخلع بنفقة ما زاد على الحولين لجل الغرر‪ ،‬وإنما منعه لنه حق يختص‬
‫بالب على كل حال فليس له أن ينقله إلى غيره‪ ،‬والفرق بين هذا وبين نفقة الحولين أن تلك النفقة‬
‫وهفي الرضاع قفد تجفب على الم حال الزوجيفة وبعفد الطلق إذا أعسفر الب‪ ،‬فجاز أن تنقفل هذه‬
‫النفقفة إلى الم‪ ،‬لنهفا محفل لهفا‪ .‬وقفد احتفج مالك ففي "المبسفوط" على هذا بقوله تعالى‪" :‬والوالدات‬
‫يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة" [البقرة‪.]233 :‬‬
‫@فإن وقفع الخلع على الوجفه المباح بنفقفة البفن فمات الصفبي قبفل انقضاء المدة فهفل للزوج‬
‫الرجوع عليهفا ببقيفة النفقفة‪ ،‬فروى ابفن المواز عفن مالك‪ :‬ل يتبعهفا بشيفء‪ ،‬وروى عنفه أبفو الفرج‪:‬‬
‫يتبعهفا‪ ،‬لنفه حفق ثبفت له ففي ذمفة الزوجفة بالخلع فل يسفقط بموت الصفبي‪ ،‬كمفا لو خالعهفا بمال‬
‫متعلق بذمتها‪ ،‬ووجه الول أنه لم يشترط لنفسه مال يتموله‪ ،‬وإنما اشترط كفاية مؤونة ولده‪ ،‬فإذا‬
‫مات الولد لم يكفن له الرجوع عليهفا بشيفء‪ ،‬كمفا لو تطوع رجفل بالنفاق على صفبي سفنة فمات‬
‫الصفبي لم يرجفع عليفه بشيفء‪ ،‬لنفه إنمفا قصفد بتطوعفه تحمفل مؤونتفه‪ ،‬وال أعلم‪ .‬قال مالك‪ :‬لم أر‬
‫أحدا يتبفع بمثفل هذا‪ ،‬ولو اتبعفه لكان له ففي ذلك قول‪ .‬واتفقوا على أنهفا إن ماتفت فنفقفة الولد ففي‬
‫مالها‪ ،‬لنه حق ثبت فيه قبل موتها فل يسقط بموتها‪.‬‬
‫ومن اشترط على امرأته في الخلع نفقة حملها وهي ل شيء لها فعليه النفقة إذا لم يكن لها مال‬
‫تنفق منه‪ ،‬وإن أيسرت بعد ذلك اتبعها بما أنفق وأخذه منها‪ .‬قال مالك‪ :‬ومن الحق أن يكلف الرجل‬
‫نفقة ولده وإن اشترط على أمه نفقته إذا لم يكن لها ما تنفق عليه‪.‬‬
‫@واختلف العلماء ففي الخلع هفل هفو طلق أو فسفخ‪ ،‬فروي عفن عثمان وعلي وابفن مسفعود‬
‫وجماعففة مففن التابعيففن‪ :‬هففو طلق‪ ،‬وبففه قال مالك والثوري والوزاعففي وأبففو حنيفففة‪ :‬وأصففحابه‬
‫والشافعفي ففي أحفد قوليفه‪ .‬فمفن نوى بالخلع تطليقتيفن أو ثلثفا لزمفه ذلك عنفد مالك‪ .‬وقال أصفحاب‬
‫الرأي‪ :‬إن نوى الزوج ثلثفا كان ثلثفا‪ ،‬وإن نوى اثنتيفن فهفو واحدة بائنفة لنهفا كلمفة واحدة‪ .‬وقال‬
‫الشافعي في أحد قوليه‪ :‬إن نوى بالخلع طلقا وسماه فهو طلق‪ ،‬وإن لم ينو طلقا ول سمى لم تقع‬
‫فرقفة‪ ،‬قاله ففي القديفم‪ .‬وقوله الول أحفب إلي‪ .‬المزنفي‪ :‬وهفو الصفح عندهفم‪ .‬وقال أبفو ثور‪ :‬إذا لم‬
‫يسفم الطلق فالخلع فرقة وليس بطلق‪ ،‬وإن سمى تطليقة فهفي تطليقة‪ ،‬والزوج أملك برجعتها ما‬
‫دامت في العدة‪ .‬وممن قال‪ :‬إن الخلع فسخ وليس بطلق إل أن ينويه ابن عباس وطاوس وعكرمة‬
‫وإسفحاق وأحمفد‪ .‬واحتجوا بالحديفث عفن ابفن عيينفة عفن عمرو عفن طاوس عفن ابفن عباس (أن‬
‫إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص سأله‪ :‬رجل طلق امرأته تطليقتين ثم اختلعت منه أيتزوجها؟ قال‪:‬‬
‫نعفم لينكحهفا‪ ،‬ليفس الخلع بطلق)‪ ،‬ذكفر ال عفز وجفل الطلق ففي أول اليفة وآخرهفا‪ ،‬والخلع فيمفا‬
‫بيففن ذلك‪ ،‬فليففس الخلع بشيففء ثففم قال‪" :‬الطلق مرتان فإمسففاك بمعروف أو تسففريح بإحسففان"‬
‫[البقرة‪ .]229 :‬ثم قرأ "فإن طلقها فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" [البقرة‪.]230 :‬‬
‫قالوا‪ :‬ولنه لو كان طلقا لكان بعد ذكر الطلقتين ثالثا‪ ،‬وكان قوله‪" :‬فإن طلقها" بعد ذلك دال على‬
‫الطلق الرابفع‪ ،‬فكان يكون التحريفم متعلقفا بأربفع تطليقات‪ .‬واحتجوا أيضفا بمفا رواه الترمذي وأبفو‬
‫داود والدارقطني عن ابن عباس‪ :‬أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من زوجها على عهد رسول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم (فأمرهفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أن تعتفد بحيضفة)‪ .‬قال الترمذي‪:‬‬
‫حديث حسن غريب‪ .‬وعن الربيع بنت معوذ بن عفراء أنها اختلعت على عهد النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم (فأمرها النبي صلى ال عليه وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة)‪ .‬قال الترمذي‪ :‬حديث الربيع‬
‫الصفحيح أنهفا أمرت أن تعتفد بحيضفة‪ .‬قالوا‪ :‬فهذا يدل على أن الخلع فسفخ ل طلق‪ ،‬وذلك أن ال‬
‫تعالى قال‪" :‬والمطلقات يتربصفن بأنفسفهن ثلثفة قروء" [البقرة‪ ]228 :‬ولو كانفت هذه مطلقفة لم‬
‫يقتصر بها على قرء واحد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فمن طلق امرأته تطليقتين ثم خالعها ثم أراد أن يتزوجها فله ذلك ‪ -‬كما قال ابن عباس ‪-‬‬
‫وإن لم تنكفح زوجفا غيره‪ ،‬لنفه ليفس له غيفر تطليقتيفن والخلع لغفو‪ .‬ومفن جعفل الخلع طلقفا قال‪ :‬لم‬
‫يجفز أن يرتجعهفا حتفى تنكفح زوجفا غيره‪ ،‬لنفه بالخلع كملت الثلث‪ ،‬وهفو الصفحيح إن شاء ال‬
‫تعالى‪ .‬قال القاضي إسماعيل بن إسحاق‪ :‬كيف يجوز القول في رجل قالت له امرأته‪ :‬طلقني على‬
‫مال فطلقهفا إنفه ل يكون طلقفا‪ ،‬وهفو لو جعفل أمرهفا بيدهفا مفن غيفر شيفء فطلقفت نفسفها كان‬
‫طلقففا!‪ .‬قال وأمففا قوله تعالى‪" :‬فإن طلقهففا فل تحففل له مففن بعففد حتففى تنكففح زوجففا غيره" فهففو‬
‫معطوف‪ .‬على قوله تعالى‪" :‬الطلق مرتان"‪ ،‬لن قوله‪" :‬أو تسففريح بإحسففان" إنمففا يعنففي بففه أو‬
‫تطليق‪ .‬فلو كان الخلع معطوفا على التطليقتين لكان ل يجوز الخلع أصل إل بعد تطليقتين وهذا ل‬
‫يقوله أحفد‪ .‬وقال غيره‪ :‬مفا تأولوه ففي اليفة غلط فإن قوله‪" :‬الطلق مرتان" أفاد حكفم الثنتيفن إذا‬
‫أوقعهما على غير وجه الخلع‪ ،‬وأثبت معهما الرجعة بقوله‪" :‬فإمسفاك بمعروف" ثم ذكر حكمهما‬
‫إذا كان على وجففففه الخلع فعاد الخلع إلى الثنتيففففن المتقدم ذكرهمففففا‪ ،‬إذ المراد بذلك بيان الطلق‬
‫المطلق والطلق بعوض‪ ،‬والطلق الثالث بعوض كان أو بغيففر عوض فإنففه يقطففع الحففل إل بعففد‬
‫زوج‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا الجواب عففن اليففة‪ ،‬وأمففا الحديففث فقال أبففو داود ‪ -‬لمففا ذكففر حديففث ابففن عباس فففي‬
‫الحيضفة ‪ : -‬هذا الحديفث رواه عبدالرزاق عفن معمفر عفن عمرو بفن مسفلم عفن عكرمفة عفن النفبي‬
‫صلى ال عليه وسلم مرسل‪ .‬وحدثنا القعنبي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال‪ :‬عدة المختلعة‬
‫عدة المطلقة‪ .‬قال أبو داود‪ :‬والعمل عندنا على هذا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهفو مذهفب مالك والشافعفي وأحمفد وإسفحاق والثوري وأهفل الكوففة‪ .‬قال الترمذي‪ :‬وأكثفر‬
‫أهل العلم من أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم وغيرهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحديث ابن عباس في الحيضة مع غرابته كما ذكر الترمذي‪ ،‬وإرساله كما ذكر أبو داود‬
‫فقفد قيفل فيفه‪ :‬إن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم جعفل عدتهفا حيضفة ونصففا‪ ،‬أخرجفه الدارقطنفي مفن‬
‫حديث معمر عن عمرو بن مسلم عن عكرمة عن ابن عباس‪ :‬أن امرأة ثابت بن قيس اختلعت من‬
‫زوجهفا (فجعفل النفبي صفلى ال عليفه وسفلم عدتهفا حيضفة ونصففا)‪ .‬والراوي عفن معمفر هنفا ففي‬
‫الحيضفة والنصفف هفو الراوي عنفه ففي الحيضفة الواحدة‪ ،‬وهفو هشام بفن يوسفف أبفو عبدالرحمفن‬
‫الصفنعاني اليمانفي‪ :‬خرج له البخاري وحده فالحديفث مضطرب مفن جهفة السفناد والمتفن‪ ،‬فسفقط‬
‫الحتجاج بففه فففي أن الخلع فسففخ‪ ،‬وفففي أن عدة المطلقففة حيضففة‪ ،‬وبقففي قوله تعالى‪" :‬والمطلقات‬
‫يتربصفن بأنفسفهن ثلثفة قروء" نصفا ففي كفل مطلقفة مدخول بهفا إل مفا خفص منهفا كمفا تقدم‪ .‬قال‬
‫الترمذي‪" :‬وقال بعفض أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ :‬عدة المختلعفة حيضفة‪ ،‬قال إسفحاق‪:‬‬
‫وإن ذهففب ذاهففب إلى هذا فهففو مذهففب قوي" قال ابففن المنذر‪ :‬قال عثمان بففن عفان وابففن عمففر‪:‬‬
‫(عدتهفا حيضففة)‪ ،‬وبفه قال أبان بفن عثمان وإسففحاق‪ .‬وقال علي بفن أبففي طالب‪( :‬عدتهفا عدة‬
‫المطلقة)‪ ،‬وبقول عثمان وابن عمر أقول‪ ،‬ول يثبت حديث علي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد ذكرنا عن ابن عمر أنه قال‪( :‬عدة المختلعة عدة المطلقة)‪ ،‬وهو صحيح‪.‬‬
‫@واختلف قول مالك فيمفن قصفد إيقاع الخلع على غيفر عوض‪ ،‬فقال عبدالوهاب‪ :‬هفو خلع عنفد‬
‫مالك‪ ،‬وكان الطلق بائنا‪ .‬وقيل عنه‪ :‬ل يكون بائنا إل بوجود العوض‪ ،‬قاله أشهب والشافعي‪ ،‬لنه‬
‫طلق عري عففن عوض واسففتيفاء عدد فكان رجعيففا كمففا لو كان بلفففظ الطلق قال ابففن عبدالبر‪:‬‬
‫وهذا أصفح قوليفه عندي وعنفد أهفل العلم ففي النظفر‪ .‬ووجفه الول أن عدم حصفول العوض ففي‬
‫الخلع ل يخرجه عن مقتضاه‪ ،‬أصل ذلك إذا خالع بخمر أو خنزير‪.‬‬
‫@المختلعة هي التي تختلع من كل الذي لها‪ .‬والمفتدية أن تفتدي ببعضه وتأخذ بعضه‪ .‬والمبارئة‬
‫هي التي بارأت زوجها من قبل أن يدخل بها فتقول‪ :‬قد أبرأتك فبارئني‪ ،‬هذا هو قول مالك‪ .‬وروى‬
‫عيسى بن دينار عن مالك‪ :‬المبارئة هي التي ل تأخذ شيئا ول تعطفي‪ ،‬والمختلعة هي التي تعطي‬
‫ما أعطاها وتزيد من مالها‪ ،‬والمفتدية هي التي تفتدي ببعض ما أعطاها وتمسك بعضه‪ ،‬وهذا كله‬
‫يكون قبل الدخول وبعده‪ ،‬فما كان قبل الدخول فل عدة فيه‪ ،‬والمصالحة مثل المبارئة‪ .‬قال القاضي‬
‫أبو محمد وغيره‪ :‬هذه اللفاظ الربعة تعود إلى معنى واحد وإن اختلفت صفاتها من جهة اليقاع‪،‬‬
‫وهي طلقة بائنة سماها أو لم يسمها‪ ،‬ل رجعة له في العدة‪ ،‬وله نكاحها في العدة‪ .‬وبعدها برضاها‬
‫بولي وصفداق وقبفل زوج وبعده‪ ،‬خلففا لبفي ثور‪ ،‬لنهفا إنمفا أعطتفه العوض لتملك نفسفها‪ ،‬ولو‬
‫كان طلق الخلع رجعيا لن تملك نفسها‪ ،‬فكان يجتمع للزوج العوض والمعوض عنه‪.‬‬
‫وهذا مفع إطلق العقفد ناففذ‪ ،‬فلو بذلت له العوض وشرط الرجعفة‪ ،‬ففيهفا روايتان رواهمفا ابفن‬
‫وهفب عفن مالك‪ :‬إحداهمفا ثبوتهفا‪ ،‬وبهفا قال سفحنون‪ .‬والخرى نفيهفا‪ .‬قال سفحنون‪ :‬وجفه الروايفة‬
‫الولى أنهمففا قففد اتفقففا على أن يكون العوض فففي مقابلة مففا يسففقط مففن عدد الطلق‪ ،‬وهذا جائز‪.‬‬
‫ووجه الرواية الثانية أنه شرط في العقد ما يمنع المقصود منه فلم يثبت ذلك‪ ،‬كما لو شرط في عقد‬
‫النكاح‪ :‬أني ل أطأها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تلك حدود ال فل تعتدوها" لما بين تعالى أحكام النكاح والفراق قال‪" :‬تلك حدود‬
‫ال" التففي أمرت بامتثالهففا‪ ،‬كمففا بيففن تحريمات الصففوم فففي آيففة أخرى فقال‪" :‬تلك حدود ال فل‬
‫تقربوهففا" [البقرة‪ ]187 :‬فقسففم الحدود قسففمين‪ ،‬منهففا حدود المففر بالمتثال‪ ،‬وحدود النهففي‬
‫بالجتناب‪ ،‬ثم أخبر تعالى فقال‪" :‬ومن يتعد حدود ال فأولئك هم الظالمون"‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 230 :‬فإن طلقهفا فل تحفل له مفن بعفد حتفى تنكفح زوجفا غيره فإن طلقهفا فل جناح‬
‫عليهما أن يتراجعا إن ظنا أن يقيما حدود ال وتلك حدود ال يبينها لقوم يعلمون}‬
‫@احتفج بعفض مشايفخ خراسفان مفن الحنفيفة بهذه اليفة على أن المختلعفة يلحقهفا الطلق‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫فشرع ال سفبحانه صفريح الطلق بعفد المفاداة بالطلق‪ ،‬لن الفاء حرف تعقيفب‪ ،‬فيبعفد أن يرجفع‬
‫إلى قوله‪" :‬الطلق مرتان" لن الذي تخلل مففففن الكلم يمنففففع بناء قوله "فإن طلقهففففا" على قوله‬
‫"الطلق مرتان" بل القرب عوده على ما يليه كما في الستثناء ول يعود إلى ما تقدمه إل بدللة‪،‬‬
‫كما أن قوله تعالى‪" :‬وربائبكم اللتي ففي حجوركفم من نسائكم اللتي دخلتم بهن" [النسفاء‪]23 :‬‬
‫فصار مقصورا على ما يليه غير عائد على ما تقدمه حتى ل يشترط الدخول في أمهات النساء‪.‬‬
‫وقفد اختلف العلماء ففي الطلق بعفد الخلع ففي العدة‪ ،‬فقالت طائففة‪ :‬إذا خالع الرجفل زوجتفه ثفم‬
‫طلقهففا وهففي فففي العدة لحقهففا الطلق مففا دامففت فففي العدة‪ ،‬كذلك قال سففعيد بففن المسففيب وشريففح‬
‫وطاوس والنخعففي والزهري والحكففم وحماد والثوري وأصففحاب الرأي‪ .‬وفيففه قول ثان وهففو (أن‬
‫الطلق ل يلزمها)‪ ،‬وهو قول ابن عباس وابن الزبير وعكرمة والحسن وجابر بن زيد والشافعي‬
‫وأحمفد وإسفحاق وأبفي ثور‪ ،‬وهفو قول مالك إل أن مالكفا قال‪ :‬إن افتدت منفه على أن يطلقهفا ثلثفا‬
‫متتابعا نسقا حين طلقها فذلك ثابت عليه‪ ،‬وإن كان بين ذلك صمات فما أتبعه بعد الصمات فليس‬
‫بشيفء‪ ،‬وإنمفا كان ذلك لن نسفق الكلم بعضفه على بعفض متصفل يوجفب له حكمفا واحدا‪ ،‬وكذلك‬
‫إذا اتصل‪ .‬الستثناء باليمين بال أثر وثبت له حكم الستثناء‪ ،‬وإذا انفصل عنه لم يكن له تعلق بما‬
‫تقدم من الكلم‪.‬‬
‫@المراد بقوله تعالى‪" :‬فإن طلقها" الطلقة الثالثة "فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره"‪.‬‬
‫وهذا مجمع عليه ل خلف فيه‪.‬‬
‫واختلفوا فيمفا يكففي مفن النكاح‪ ،‬ومفا الذي يبيفح التحليفل‪ ،‬فقال سفعيد بفن المسفيب ومفن وافقفه‪:‬‬
‫مجرد العقفد كاف‪ .‬وقال الحسفن بفن أبفي الحسفن‪ :‬ل يكففي مجرد الوطفء حتفى يكون إنزال‪ .‬وذهفب‬
‫الجمهور مفن العلماء والكاففة مفن الفقهاء إلى أن الوطفء كاف ففي ذلك‪ ،‬وهفو التقاء الختانيفن الذي‬
‫يوجفب الحفد والغسفل‪ ،‬ويفسفد الصفوم والحفج ويحصفن الزوجيفن ويوجفب كمال الصفداق‪ .‬قال ابفن‬
‫العربفي‪ :‬مفا مرت بفي ففي الفقفه مسفألة أعسفر منهفا‪ ،‬وذلك أن مفن أصفول الفقفه أن الحكفم هفل يتعلق‬
‫بأوائل السفماء أو بأواخرهفا؟ فإن قلنفا‪ :‬إن الحكفم يتعلق بأوائل السفماء لزمنفا أن نقول بقول سفعيد‬
‫بن المسيب‪ .‬وإن قلنا‪ :‬إن الحكم يتعلق بأواخر السماء لزمنا أن نشترط النزال مع مغيب الحشفة‬
‫في الحلل‪ ،‬لنه آخر ذوق العسيلة على ما قاله الحسن‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬ومعنى ذوق العسيلة هو‬
‫الوطفء‪ ،‬وعلى هذا جماعفة العلماء إل سفعيد بفن المسفيب فقال‪ :‬أمفا الناس فيقولون‪ :‬ل تحفل‪ ،‬للول‬
‫حتفى يجامعهفا الثانفي‪ ،‬وأنفا أقول‪ :‬إذا تزوجهفا زواجفا صفحيحا ل يريفد بذلك إحللهفا فل بأس أن‬
‫يتزوجهفا الول‪ .‬وهذا قول ل نعلم أحدا وافقفه عليفه إل طائففة مفن الخوارج‪ ،‬والسفنة مسفتغنى بهفا‬
‫عما سواها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد قال بقول سعيد بن المسيب سعيد بن جبير‪ ،‬ذكره النحاس في كتاب "معاني القرآن"‬
‫له‪ .‬قال‪ :‬وأهفل العلم على أن النكاح ههنفا الجماع‪ ،‬لنفه قال‪" :‬زوجفا غيره" فقفد تقدمفت الزوجيفة‬
‫فصففار النكاح الجماع‪ ،‬إل سففعيد بففن جففبير فإنففه قال‪ :‬النكاح ههنففا التزوج الصففحيح إذا لم يرد‬
‫إحللها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأظنهمففا لم يبلغهمففا حديفث العسففيلة أو لم يصففح عندهمففا فأخذا بظاهففر القرآن‪ ،‬وهفو قوله‬
‫تعالى‪" :‬حتفى تنكفح زوجفا غيره" وال أعلم‪ .‬روى الئمفة واللففظ للدارقطنفي عفن عائشفة قالت‪ :‬قال‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬إذا طلق الرجفل امرأتفه ثلثفا ل تحفل له حتفى تنكفح زوجفا غيره‬
‫ويذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه)‪ .‬قال بعض علماء الحنفية‪ :‬من عقد على مذهب سعيد بن‬
‫المسفيب فللقاضفي أن يفسفخه‪ ،‬ول يعتفبر فيفه خلففه لنفه خارج عفن إجماع العلماء‪ .‬قال علماؤنفا‪:‬‬
‫ويفهم من قوله عليه السلم‪( :‬حتى يذوق كل واحد منهما عسيلة صاحبه) استواؤهما في إدراك لذة‬
‫الجماع‪ ،‬وهفو حجفة لحفد القوليفن عندنفا ففي أنفه لو وطئهفا نائمفة أو مغمفى عليهفا لم تحفل لمطلقهفا‪،‬‬
‫لنها لم تذق العسيلة إذ لم تدركها‪.‬‬
‫@روى النسفائي عفن عبدال قال‪( :‬لعفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم الواشمفة والمسفتوشمة‬
‫والواصلة والمستوصلة وآكل الربا وموكله والمحلل والمحلل له)‪ .‬وروى الترمذي عن عبدال بن‬
‫مسفعود قال‪( :‬لعفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم المحلل والمحلل له)‪ .‬وقال‪ :‬هذا حديفث حسفن‬
‫صفحيح‪ .‬وقفد روى هذا الحديفث عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم مفن غيفر وجفه‪ .‬والعمفل على هذا‬
‫عند أهل العلم من أصفحاب النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬منهم عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان‬
‫وعبدال بن عمر وغيرهم‪ ،‬وهو قول الفقهاء من التابعين‪ ،‬وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك‬
‫والشافعي ومالك وأحمد وإسحاق‪ ،‬وسمعت الجارود يذكر عن وكيع أنه قال بهذا‪ ،‬وقال‪ :‬ينبغي أن‬
‫يرمى بهذا الباب من قول أصحاب الرأي‪ .‬وقال سفيان‪ :‬إذا تزوج الرجل المرأة ليحلها ثم بدا له أن‬
‫يمسكها فل تحل له حتى يتزوجها بنكاح جديد‪.‬‬
‫قال أبو عمر بن عبدالبر‪ :‬اختلف العلماء في نكاح المحلل‪ ،‬فقال مالك‪ ،‬المحلل ل يقيم على نكاحه‬
‫حتفى يسفتقبل نكاحفا جديدا‪ ،‬فإن أصفابها فلهفا مهفر مثلهفا‪ ،‬ول تحلهفا إصفابته لزوجهفا الول‪ ،‬وسفواء‬
‫علمفا أو لم يعلمفا إذا تزوجهفا ليحلهفا‪ ،‬ول يقفر على نكاحفه ويفسفخ‪ ،‬وبفه قال الثوري والوزاعفي‪.‬‬
‫وفيففه قول ثان روي عففن الثوري فففي نكاح الحيار والمحلل أن النكاح جائز والشرط باطففل‪ ،‬وهففو‬
‫قول ابن أبي ليلى في ذلك وفي نكاح المتعة‪ .‬وروي عن الوزاعي في نكاح المحلل‪ :‬بئس ما صنع‬
‫والنكاح جائز‪ .‬وقال أبفو حنيففة وأبفو يوسفف ومحمفد‪ :‬النكاح جائز إن دخفل بهفا‪ ،‬وله أن يمسفكها إن‬
‫شاء‪ .‬وقال أبفو حنيففة مرة هفو وأصفحابه‪ :‬ل تحفل للول إن تزوجهفا ليحلهفا‪ ،‬ومرة قالوا‪ :‬تحفل له‬
‫بهذا النكاح إذا جامعهفا وطلقهفا‪ .‬ولم يختلفوا ففي أن نكاح هذا الزوج صفحيح‪ ،‬وأن له أن يقيفم عليفه‪.‬‬
‫وفيفه قول ثالث ‪ -‬قال الشافعفي‪ :‬إذا قال أتزوجفك لحلك ثفم ل نكاح بيننفا بعفد ذلك فهذا ضرب مفن‬
‫نكاح المتعففة‪ ،‬وهففو فاسففد ل يقففر عليففه ويفسففخ‪ ،‬ولو وطففئ على هذا لم يكففن تحليل‪ .‬فإن تزوجهففا‬
‫تزوجا مطلقا لم يشترط ول اشترط عليه التحليل فللشافعي في ذلك قولن في كتابه القديم‪ :‬أحدهما‬
‫مثل قول مالك‪ ،‬والخر مثل قول أبي حنيفة‪ .‬ولم يختلف قوله في كتابه الجديد المصري أن النكاح‬
‫صحيح إذا لم يشترط‪ ،‬وهو قول داود‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحكفى الماوردي عفن الشافعفي أنفه إن شرط التحليفل قبفل العقفد صفح النكاح وأحلهفا للول‪،‬‬
‫وإن شرطاه فففي العقففد بطففل النكاح ولم يحلهففا للول‪ ،‬قال‪ :‬وهففو قول الشافعففي‪ .‬وقال الحسففن‬
‫وإبراهيفم‪ :‬إذا هفم أحفد الثلثفة بالتحليفل فسفد النكاح‪ ،‬وهذا تشديفد‪ .‬وقال سفالم والقاسفم‪ :‬ل بأس أن‬
‫يتزوجها ليحلها إذا لم يعلم الزوجان وهو مأجور‪ ،‬وبه قال ربيعة ويحيى بن سعيد‪ ،‬وقاله داود بن‬
‫علي لم يظهر ذلك في اشتراطه في حين العقد‪.‬‬
‫@مدار جواز نكاح التحليل عند علمائنا على الزوج الناكح‪ ،‬وسواء شرط ذلك أو نواه‪ ،‬ومتى كان‬
‫شيففء مففن ذلك فسففد نكاحففه ولم يقففر عليففه‪ ،‬ولم يحلل وطؤه المرأة لزوجهففا‪ .‬وعلم الزوج المطلق‬
‫وجهله ففي ذلك سفواء‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬إنفه ينبغفي له إذا علم أن الناكفح لهفا لذلك تزوجهفا أن يتنزه عفن‬
‫مراجعتها‪ ،‬ول يحلها عند مالك إل نكاح رغبة لحاجته إليها‪ ،‬ول يقصد به التحليل‪ ،‬ويكون وطؤه‬
‫لهفا وطفأ مباحفا‪ :‬ل تكون صفائمة ول محرمفة ول ففي حيضتهفا‪ ،‬ويكون الزوج بالغفا مسفلما‪ .‬وقال‬
‫الشافعفي‪ :‬إذا أصفابها بنكاح صفحيح وغيفب الحشففة ففي فرجهفا فقفد ذاقفا العسفيلة‪ ،‬وسفواء ففي ذلك‬
‫قوي النكاح وضعيفه‪ ،‬وسواء أدخله بيده أم بيدها‪ ،‬وكان من صبي أو مراهق أو مجبوب بقي له ما‬
‫يغيبفه كمفا يغيفب غيفر الخصفي‪ ،‬وسفواء أصفابها الزوج محرمفة أو صفائمة‪ ،‬وهذا كله ‪ -‬على مفا‬
‫وصف الشافعي ‪ -‬قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والوزاعي والحسن بن صالح‪ ،‬وقول بعض‬
‫أصحاب مالك‪ .‬قال ابن حبيب‪ :‬وإن تزوجها فإن أعجبته أمسكها‪ ،‬وإل كان قد احتسب في تحليلها‬
‫الجر لم يجز‪ ،‬لما خالط نكاحه من نية التحليل‪ ،‬ول تحل بذلك للول‪.‬‬
‫@وطء السيد لمته التي قد بت زوجها طلقها ل يحلها‪ ،‬إذ ليس بزوج‪ ،‬روي عن علي بن أبي‬
‫طالب‪ ،‬وهو قول عبيدة ومسروق والشعبي وإبراهيم وجابر بن زيد وسليمان بن يسار وحماد بن‬
‫أبففي سففليمان وأبففي الزناد‪ ،‬وعليففه جماعففة فقهاء المصففار‪ .‬ويروى عففن عثمان وزيففد بففن ثابففت‬
‫والزبيففر خلف ذلك‪ ،‬وأنففه يحلهففا إذا غشيهففا سففيدها غشيانففا ل يريففد بذلك مخادعففة ول إحلل‪،‬‬
‫وترجفع إلى زوجهفا بخطبفة وصفداق‪ .‬والقول الول أصفح‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬حتفى تنكفح زوجفا غيره"‬
‫والسيد إنما تسلط بملك اليمين وهذا واضح‪.‬‬
‫ففي موطفأ مالك أنفه بلغفه أن سفعيد بفن المسفيب وسفليمان بفن يسفار سفئل عفن رجفل زوج عبدا له‬
‫جاريفة له فطلقهفا العبفد البتفة ثفم وهبهفا سفيدها له هفل تحفل له بملك اليميفن؟ فقال‪ :‬ل تحفل له حتفى‬
‫تنكح زوجا غيره‪.‬‬
‫@روي عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن رجل كانت تحته أمة مملوكة فاشتراها وقد كان طلقها‬
‫واحدة‪ ،‬فقال‪ :‬تحفل له بملك يمينفه مفا لم يبفت طلقهفا‪ ،‬فإن بفت طلقهفا فل تحفل له بملك يمينفه حتفى‬
‫تنكفففح زوجفففا غيره‪ .‬قال أبفففو عمفففر‪ :‬وعلى هذا جماعفففة العلماء وأئمفففة الفتوى‪ :‬مالك والثوري‬
‫والوزاعفي والشافعفي وأبفو حنيففة وأحمفد وإسفحاق وأبفو ثور‪ .‬وكان ابفن عباس وعطاء وطاوس‬
‫والحسن يقولون‪( :‬إذا اشتراها الذي بت طلقها حلت له بملك اليمين)‪ ،‬على عموم قوله عز وجل‪:‬‬
‫"أو ما ملكت أيمانكم" [النساء‪ .]3 :‬قال أبو عمر‪ :‬وهذا خطأ من القول‪ ،‬لن قوله عز وجل‪" :‬أو‬
‫ما ملكت أيمانكم" ل يبيح المهات ول الخوات‪ ،‬فكذلك سائر المحرمات‪.‬‬
‫إذا طلق المسلم زوجته الذمية ثلثا فنكحها ذمي ودخل بها ثم طلقها‪ ،‬فقالت طائفة‪ :‬الذمي زوج‬
‫لهفا‪ ،‬ولهفا أن ترجفع إلى الول‪ ،‬هكذا قال الحسفن والزهري وسففيان الثوري والشافعفي وأبفو عبيفد‬
‫وأصففحاب الرأي‪ .‬قال ابففن المنذر‪ :‬وكذلك نقول‪ ،‬لن ال تعالى قال‪" :‬حتففى تنكففح زوجففا غيره"‬
‫والنصراني زوج‪ .‬وقال مالك وربيعة‪ :‬ل يحلها‪.‬‬
‫@النكاح الفاسفد ل يحفل المطلقفة ثلثفا ففي قول الجمهور‪ .‬مالك والثوري‪ .‬والشافعفي والوزاعفي‬
‫وأصففحاب الرأي وأحمففد وإسففحاق وأبففي عبيففد‪ ،‬كلهففم يقولون‪ :‬ل تحففل للزوج الول إل بنكاح‬
‫صحيح‪ ،‬وكان الحكم يقول‪ :‬هو زوج‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬ليس بزوج‪ ،‬لن أحكام الزواج في الظهار‬
‫واليلء واللعان غيفر ثابتفة بينهمفا‪ .‬وأجمفع كفل مفن يحففظ عنفه مفن أهفل العلم أن المرأة إذا قالت‬
‫للزوج الول‪ :‬قد تزوجت ودخل علي زوجي وصدقها أنها تحل للول‪ .‬قال الشافعي‪ :‬والورع أل‬
‫يفعل إذا وقع في نفسه أنها كذبته‪.‬‬
‫جاء عفن عمفر بفن الخطاب ففي هذا الباب تغليفظ شديفد وهفو قوله‪( :‬ل أوتفى بمحلل ول محلل له‬
‫إل رجمتهمفا)‪ .‬وقال ابن عمفر‪ :‬التحليفل سففاح‪ ،‬ول يزالون زانييفن ولو أقامفا عشريفن سفنة‪ .‬قال أبفو‬
‫عمر‪ :‬ل يحتمل قول عمر إل التغليظ‪ ،‬لنه قد صح عنه أنه وضع الحد عن الواطئ فرجا حراما‬
‫قد جهل تحريمه وعذره بالجهالة‪ ،‬فالتأويل أولى بذلك ول خلف أنه ل رجم عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن طلقها" يريد الزوج الثاني‪" .‬فل جناح عليهما" أي المرأة والزوج الول‪ ،‬قاله‬
‫ابن عباس‪ ،‬ول خلف فيه‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمع أهل العلم على أن الحر إذا طلق زوجته ثلثا ثم‬
‫انقضفت عدتهفا ونكحفت زوجفا آخفر ودخفل بهفا ثفم فارقهفا وانقضفت عدتهفا ثفم نكحفت زوجهفا الول‬
‫أنها تكون عنده على ثلث تطليقات‪.‬‬
‫واختلفوا ففي الرجفل يطلق امرأتفه تطليقفة أو تطليقتيفن ثفم تتزوج غيره ثفم ترجفع إلى زوجهفا‬
‫الول‪ ،‬فقالت طائففة‪ :‬تكون على مفا بقفي مفن طلقهفا‪ ،‬وكذلك قال الكابر مفن أصفحاب رسفول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم‪ :‬عمفر بفن الخطاب وعلي بن أبفي طالب وأبفي بفن كعفب وعمران بفن حصفين‬
‫وأبو هريرة‪ .‬ويروى ذلك عن زيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وعبدال بن عمرو بن العاص‪ ،‬وبه قال‬
‫عففبيدة السففلماني وسففعيد بففن المسففيب والحسففن البصففري ومالك وسفففيان الثوري وابففن أبففي ليلى‬
‫والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور ومحمد بن الحسن وابن نصر‪ .‬وفيه قول ثان وهو‬
‫(أن النكاح جديد والطلق جديد)‪ ،‬هذا قول ابن عمر وابن عباس‪ ،‬وبه قال عطاء والنخعي وشريح‬
‫والنعمان ويعقوب‪ .‬وذكفر أبفو بكفر بفن أبفي شيبفة قال‪ :‬حدثنفا أبفو معاويفة ووكيفع عفن العمفش عفن‬
‫إبراهيفم قال‪ :‬كان أصفحاب عبدال يقولون‪ :‬أيهدم الزوج الثلث‪ ،‬ول يهدم الواحدة والثنتيفن! قال‪:‬‬
‫وحدثنفا حففص عفن حجاج عفن طلحفة عفن إبراهيفم أن أصفحاب عبدال كانوا يقولون‪ :‬يهدم الزوج‬
‫الواحدة والثنتيفن كمفا يهدم الثلث‪ ،‬إل عفبيدة فإنفه قال‪ :‬هفي على مفا بقفي مفن طلقهفا‪ ،‬ذكره أبفو‬
‫عمفر‪ .‬قال ابفن المنذر‪ :‬وبالقول الول أقول‪ .‬وفيفه قول ثالث وهفو‪ :‬إن كان دخفل بهفا الخيفر فطلق‬
‫جديد ونكاح جديد‪ ،‬وإن لم يكن دخل بها فعلى ما بقي‪ ،‬هذا قول إبراهيم النخغي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ظنا أن يقيما حدود ال" شرط‪ .‬قال طاوس‪ :‬إن ظنا أن كل واحد منهما يحسن‬
‫عشرة صفاحبه‪ .‬وقيفل‪ :‬حدود ال فرائضفه‪ ،‬أي إذا علمفا أنفه يكون بينهمفا الصفلح بالنكاح الثانفي‪،‬‬
‫فمتى علم الزوج أنه يعجز عن نفقة زوجته أو صداقها أو شيء من حقوقها الواجبة عليه فل يحل‬
‫له أن يتزوجهفا حتفى يفبين لهفا‪ ،‬أو يعلم مفن نفسفه القدرة على أداء حقوقهفا وكذلك لو كانفت بفه علة‬
‫تمنعفه مفن السفتمتاع كان عليفه أن يفبين‪ ،‬كيل يغفر المرأة مفن نفسفه‪ .‬وكذلك ل يجوز أن يغرهفا‬
‫بنسفب يدعيفه ول مال له ول صفناعة يذكرهفا وهفو كاذب فيهفا‪ .‬وكذلك يجفب على المرأة إذا علمفت‬
‫من نفسها العجز عن قيامها بحقوق الزوج‪ ،‬أو كان بها علة تمنع الستمتاع من جنون أو جذام أو‬
‫برص أو داء ففي الفرج لم يجفز لهفا أن تغره‪ ،‬وعليهفا أن تفبين له مفا بهفا مفن ذلك‪ ،‬كمفا يجفب على‬
‫بائع السلعة أن يبين ما بسلعته من العيوب‪ ،‬ومتى وجد أحد الزوجين بصاحبه عيبا فله الرد‪ ،‬فإن‬
‫كان العيفب بالرجفل فلهفا الصفداق إن كان دخفل بهفا‪ ،‬وإن لم يدخفل بهفا فلهفا نصففه‪ .‬وإن كان العيفب‬
‫بالمرأة ردهفا الزوج وأخفذ مفا كان أعطاهفا مفن الصفداق‪ ،‬وقفد روي أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫تزوج امرأة من بني بياضة فوجد بكشحها برصا فردها وقال‪( :‬دلستم علي)‪.‬‬
‫واختلففت الروايفة عفن مالك ففي امرأة العنيفن إذا سفلمت نفسفها ثفم فرق بينهمفا بالعنفة‪ ،‬فقال مرة‪:‬‬
‫لهفا جميفع الصفداق‪ ،‬وقال مرة‪ :‬لهفا نصفف الصفداق‪ ،‬وهذا ينبنفي على اختلف قوله‪ :‬بفم تسفتحق‬
‫الصداق بالتسليم أو الدخول؟ قولن‪.‬‬
‫@قال ابفن خويفز منداد‪ :‬واختلف أصفحابنا هفل على الزوجفة خدمفة أو ل؟ فقال بعفض أصفحابنا‪:‬‬
‫ليس على الزوجة خدمة‪ ،‬وذلك أن العقد يتناول الستمتاع ل الخدمة‪ ،‬أل ترى أنه ليس بعقد إجارة‬
‫ول تملك رقبفة‪ ،‬وإنمفا هفو عقفد على السفتمتاع‪ ،‬والمسفتحق بالعقفد هفو السفتمتاع دون غيره‪ ،‬فل‬
‫تطالب بأكثفر منفه‪ ،‬أل ترى إلى قوله تعالى‪" :‬فإن أطعنكفم فل تبغوا عليهفن سفبيل" [النسفاء‪.]34 :‬‬
‫وقال بعفض أصفحابنا‪ :‬عليهفا خدمفة مثلهفا‪ ،‬فإن كانفت شريففة المحفل ليسفار أبوة أو ترففه فعليهفا‬
‫التدبيفر للمنزل وأمفر الخادم‪ ،‬وإن كانفت متوسفطة الحال فعليهفا أن تفرش الفراش ونحفو ذلك‪ ،‬وإن‬
‫كانت دون ذلك فعليها أن تقم البيت وتطبخ وتغسل‪ .‬وإن كانت من نساء الكرد والديلم والجبل في‬
‫بلدهففن كلفففت مففا يكلفففه نسففاؤهم‪ ،‬وذلك أن ال تعالى قال‪" :‬ولهففن مثففل الذي عليهففن بالمعروف"‬
‫[البقرة‪ .]228 :‬وقد جرى عرف المسلمين في بلدانهم في قديم المر وحديثه بما ذكرنا‪ ،‬أل ترى‬
‫أن أزواج النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وأصفحابه كانوا يتكلفون الطحيفن والخفبيز والطفبيخ وفرش‬
‫الفراش وتقريفب الطعام وأشباه ذلك‪ ،‬ول نعلم امرأة امتنعفت مفن ذلك‪ ،‬ول يسفوغ لهفا المتناع‪ ،‬بفل‬
‫كانوا يضربون نساءهم إذا قصرن في ذلك‪ ،‬ويأخذونهن بالخدمة‪ ،‬فلول أنها مستحقة لما طالبوهن‬
‫ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وتلك حدود ال يبينهفا لقوم يعلمون" حدود ال‪ :‬مفا منفع منفه‪ ،‬والحفد مانفع مفن‬
‫الجتزاء على الفواحفش‪ ،‬وأحدت المرأة‪ :‬امتنعفت مفن الزينفة‪ ،‬ورجفل محدود‪ :‬ممنوع مفن الخيفر‪،‬‬
‫والبواب حداد أي مانفع‪ .‬وقفد تقدم هذا مسفتوفى‪ .‬وإنمفا قال‪" :‬لقوم يعلمون" لن الجاهفل إذا كثفر له‬
‫أمره ونهيفه فإنفه ل يحفظفه ول يتعاهده‪ .‬والعالم يحففظ ويتعاهفد‪ ،‬فلهذا المعنفى خاطفب العلماء ولم‬
‫يخاطب الجهال‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 231 :‬وإذا طلقتفم النسفاء فبلغن أجلهفن فأمسفكوهن بمعروف أو سفرحوهن بمعروف‬
‫ول تمسففكوهن ضرارا لتعتدوا ومففن يفعففل ذلك فقففد ظلم نفسففه ول تتخذوا آيات ال هزوا واذكروا‬
‫نعمفة ال عليكفم ومفا أنزل عليكفم مفن الكتاب والحكمفة يعظكفم بفه واتقوا ال واعلموا أن ال بكفل‬
‫شيء عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فبلغفن أجلهفن" معنفى "بلغفن" قاربفن‪ ،‬بإجماع مفن العلماء‪ ،‬ولن المعنفى يضطفر‬
‫إلى ذلك‪ ،‬لنه بعد بلوغ الجل ل خيار له في المساك‪ ،‬وهو في الية التي بعدها بمعنى التناهي‪،‬‬
‫لن المعنى يقتضي ذلك‪ ،‬فهو حقيقة في الثانية مجاز في الولى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأمسفكوهن بمعروف" المساك بالمعروف هو القيام بمفا يجفب لهفا من حفق على‬
‫زوجهفا‪ ،‬ولذلك قال جماعفة مفن العلماء‪ :‬إن مفن المسفاك بالمعروف أن الزوج إذا لم يجفد مفا ينففق‬
‫على الزوجففة أن يطلقهففا‪ ،‬فإن لم يفعففل خرج عففن حففد المعروف‪ ،‬فيطلق عليففه الحاكففم مففن أجففل‬
‫الضرر اللحق لها من بقائها عند من ل يقدر على نفقتها‪ ،‬والجوع ل صبر عليه‪ ،‬وبهذا قال مالك‬
‫والشافعفي وأحمفد وإسفحاق وأبفو ثور وأبفو عبيفد ويحيفى القطان وعبدالرحمفن بفن مهدي‪ ،‬وقاله مفن‬
‫الصحابة عمر وعلي وأبو هريرة‪ ،‬ومن التابعين سعيد بن المسيب وقال‪ :‬إن ذلك سنة‪ .‬ورواه أبو‬
‫هريرة عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ .‬وقالت طائففة‪ :‬ل يفرق بينهمفا‪ ،‬ويلزمهفا الصفبر عليفه‪،‬‬
‫وتتعلق النفقففة بذمتففه بحكففم الحاكففم‪ ،‬وهذا قول عطاء والزهري‪ ،‬وإليففه ذهففب الكوفيون والثوري‪،‬‬
‫واحتجوا بقوله تعالى‪" :‬وإن كان ذو عسفرة فنظرة إلى ميسفرة" [البقرة‪ ]280 :‬وقال‪" :‬وأنكحوا‬
‫اليامفى منكفم" [النور‪ ]32 :‬اليفة‪ ،‬فندب تعالى إلى إنكاح الفقيفر‪ ،‬فل يجوز أن يكون الفقفر سفببا‬
‫للفرقفة‪ ،‬وهفو مندوب معفه إلى النكاح‪ .‬وأيضفا فإن النكاح بيفن الزوجيفن قفد انعقفد بإجماع فل يفرق‬
‫بينهما إل بإجماع مثله‪ ،‬أو بسنة عن الرسول صلى ال عليه وسلم ل معارض لها‪ .‬والحجة للول‬
‫قوله صفلى ال عليفه وسفلم ففي صفحيح البخاري‪( :‬تقول المرأة إمفا أن تطعمنفي وإمفا أن تطلقنفي)‬
‫فهذا نص في موضع الخلف‪ .‬والفرقة بالعسار عندنا طلقة رجعية خلفا للشافعي في قوله‪ :‬إنها‬
‫طلقففة بائنففة‪ ،‬لن هذه فرقففة بعففد البناء لم يسففتكمل بهففا عدد الطلق ول كانففت لعوض ول لضرر‬
‫بالزوج فكانت رجعية‪ ،‬أصله طلق المولي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو سفرحوهن بمعروف" يعنفي فطلقوهفن‪ ،‬وقفد تقدم‪" .‬ول تمسفكوهن ضرارا‬
‫لتعتدوا" روى مالك عن ثور بن زيد الديلي‪ :‬أن الرجل كان يطلق امرأته ثم يراجعها ول حاجة له‬
‫بهفا ول يريفد إمسفاكها‪ ،‬كيمفا يطول بذلك العدة عليهفا وليضارهفا‪ ،‬فأنزل ال تعالى‪" :‬ول تمسفكوهن‬
‫ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه" يعظهم ال به‪ .‬وقال الزجاج‪" :‬فقد ظلم نفسه" يعني‬
‫عرض نفسه للعذاب‪ ،‬لن إتيان ما نهى ال عنه تعرض لعذاب ال‪ .‬وهذا الخبر موافق للخبر الذي‬
‫نزل بترك ما كان عليه أهل الجاهلية من الطلق والرتجاع حسب ما تقدم بيانه عند قوله تعالى‪:‬‬
‫"الطلق مرتان"‪ .‬فأفادنا هذان الخبران أن نزول اليتين المذكورتين كان في معنى واحد متقارب‬
‫وذلك حبس الرجل المرأة ومراجعته لها قاصدا إلى الضرار بها‪ ،‬وهذا ظاهر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تتخذوا آيات ال هزوا" معناه ل تتخذوا أحكام ال تعالى ففي طريفق الهزو‬
‫بالهزو فإنهفا جفد كلهفا‪ ،‬فمفن هزل فيهفا لزمتفه‪ .‬قال أبفو الدرداء‪ :‬كان الرجفل يطلق ففي الجاهليفة‬
‫ويقول‪ :‬إنما طلقت وأنا لعب‪ ،‬وكان يعتق وينكح ويقول‪ :‬كنت لعبا‪ ،‬فنزلت هذه الية‪ ،‬فقال عليه‬
‫السفلم‪( :‬مفن طلق أو حرر أو نكفح أو أنكفح فزعفم أنفه لعفب فهفو جفد)‪ .‬رواه معمفر قال‪ :‬حدثنفا‬
‫عيسفى بن يونفس عن عمرو عن الحسن عن أبفي الدرداء فذكره بمعناه‪ .‬وفي موطفأ مالك أنه بلغه‬
‫أن رجل قال لبفن عباس‪ :‬إنفي طلقفت امرأتفي مائة مرة فماذا ترى علي؟ فقال ابفن عباس‪( :‬طلقفت‬
‫منك بثلث‪ ،‬وسبع وتسعون اتخذت بها آيات ال هزوا)‪ .‬وخرج الدارقطني من حديث إسماعيل بن‬
‫أميففة القرشففي عففن علي قال‪ :‬سففمع النففبي صففلى ال عليففه وسففلم رجل طلق البتففة فغضففب وقال‪:‬‬
‫(تتخذون آيات ال هزوا ‪ -‬أو دين ال هزوا ولعبا من طلق البتة ألزمناه ثلثا ل تحل له حتى تنكح‬
‫زوجفا غيره)‪ .‬إسفماعيل بفن أميفة هذا كوففي ضعيفف الحديفث‪ .‬وروي عفن عائشفة‪( :‬أن الرجفل كان‬
‫يطلق امرأتفه ثفم يقول‪ :‬وال ل أورثفك ول أدعفك‪ .‬قالت‪ :‬وكيفف ذاك؟ قال‪ :‬إذا كدت تقضيفن عدتفك‬
‫راجعتففك)‪ ،‬فنزلت‪" :‬ول تتخذوا آيات ال هزوا"‪ .‬قال علماؤنففا‪ :‬والقوال كلهففا داخلة فففي معنففى‬
‫اليفة‪ ،‬لنفه يقال لمفن سفخر مفن آيات ال‪ :‬اتخذهفا هزوا‪ .‬ويقال ذلك لمفن كففر بهفا‪ ،‬ويقال ذلك لمفن‬
‫طرحهففا ولم يأخففذ بهففا وعمففل بغيرهففا‪ ،‬فعلى هذا تدخففل هذه القوال فففي اليففة‪ .‬وآيات ال‪ :‬دلئله‬
‫وأمره ونهيه‪.‬‬
‫ول خلف بيفن العلماء أن مفن طلق هازل أن الطلق يلزمفه‪ ،‬واختلفوا ففي غيره على مفا يأتفي‬
‫بيانه في "براءة" إن شاء ال تعالى‪ .‬وخرج أبو داود عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسفلم قال‪( :‬ثلث جدهفن جفد وهزلهفن جفد النكاح والطلق والرجعفة)‪ .‬وروي عفن علي بفن أبفي‬
‫طالب وابففن مسففعود وأبففي الدرداء كلهففم قالوا‪( :‬ثلث ل لعففب فيهففن واللعففب فيهففن جاد‪ :‬النكاح‬
‫والطلق والعتاق)‪ .‬وقيفل‪ :‬المعنفى ل تتركوا أوامفر ال فتكونوا مقصفرين لعفبين‪ .‬ويدخفل ففي هذه‬
‫الية الستغفار من الذنب قول مع الصرار فعل‪ ،‬وكذا كل ما كان في هذا المعنى فاعلمه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واذكروا نعمفة ال عليكفم" أي بالسفلم وبيان الحكام‪" .‬والحكمفة" هفي السفنة‬
‫المبينة على لسان رسول ال صلى ال عليه وسلم مراد ال فيما لم ينص عليه في الكتاب‪" .‬يعظكم‬
‫به" أي يخوفكم‪" .‬واتقوا ال واعلموا أن ال بكل شيء عليم" تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليففة‪{ 232 :‬وإذا طلقتففم النسففاء فبلغففن أجلهففن فل تعضلوهففن أن ينكحففن أزواجهففن إذا‬
‫تراضوا بينهفم بالمعروف ذلك يوعفظ بفه مفن كان منكفم يؤمفن بال واليوم الخفر ذلكفم أزكفى لكفم‬
‫وأطهر وال يعلم وأنتم ل تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فل تعضلوهفن" روي أن معقفل بفن يسفار كانفت أختفه تحفت أبفي البدّاح فطلقهفا‬
‫وتركهفا حتفى انقضفت عدتهفا‪ ،‬ثفم ندم فخطبهفا فرضيفت وأبفى أخوهفا أن يزوجهفا وقال‪ :‬وجهفي مفن‬
‫وجهفك حرام إن تزوجتيفه‪ .‬فنزلت اليفة‪ .‬قال مقاتفل‪ :‬فدعفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم معقل‬
‫فقال‪( :‬إن كنففت مؤمنففا فل تمنففع أختففك عففن أبففي البداح) فقال‪ :‬آمنففت بال‪ ،‬وزوجهففا منففه‪ .‬وروى‬
‫البخاري عن الحسن أن أخت معقل بن يسار طلقها زوجها حتى انقضت عدتها فخطبها فأبى معقل‬
‫فنزلت‪" :‬فل تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن"‪ .‬وأخرجه أيضا الدارقطني عن الحسن قال‪ :‬حدثني‬
‫معقفل بفن يسفار قال‪ :‬كانفت لي أخفت فخطبفت إلي فكنفت أمنعهفا الناس‪ ،‬فأتفى ابفن عفم لي فخطبهفا‬
‫فأنكحتها إياه‪ ،‬فاصطحبا ما شاء ال ثم طلقها طلقا رجعيا ثم تركها حتى انقضت عدتها فخطبها‬
‫مع الخطاب‪ ،‬فقلت‪ :‬منعتها الناس وزوجتك إياها ثم طلقتها طلقا له رجعة ثم تركتها حتى انقضت‬
‫عدتها فلما خطبت إلي أتيتني تخطبها مع الخطاب ل أزوجك أبدا فأنزل ال‪ ،‬أو قال أنزلت‪" :‬وإذا‬
‫طلقتم النساء فبلغن أجلهن فل تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن" فكفرت عن يمين وأنكحتها إياه‪ .‬في‬
‫رواية للبخاري‪ :‬فحمي معقل من ذلك أنفا‪ ،‬وقال‪ :‬خلى عنها وهو يقدر عليها ثم يخطبها فأنزل ال‬
‫اليفة‪ ،‬فدعاه رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فقرأ عليفه اليفة فترك الحميفة وانقاد لمفر ال تعالى‪.‬‬
‫وقيفل‪ :‬هفو معقفل بفن سفنان (بالنون)‪ .‬قال النحاس‪ :‬رواه الشافعفي ففي كتبفه عفن معقفل بفن يسفار أو‬
‫سنان‪ .‬وقال الطحاوي‪ :‬هو معقل بن سنان‪.‬‬
‫إذا ثبت هذا ففي الية دليل على أنه ل يجوز النكاح بغير ولي لن أخت معقل كانت ثيبا‪ ،‬ولو‬
‫كان المففر إليهففا دون وليهففا لزوجففت نفسففها‪ ،‬ولم تحتففج إلى وليهففا معقففل‪ ،‬فالخطاب إذا فففي قوله‬
‫تعالى‪" :‬فل تعضلوهن" للولياء‪ ،‬وأن المر إليهم في التزويج مع رضاهن‪ .‬وقد قيل‪ :‬إن الخطاب‬
‫ففي ذلك للزواج‪ ،‬وذلك بأن يكون الرتجاع مضارة عضل عفن نكاح الغيفر بتطويفل العدة عليهفا‪.‬‬
‫واحتفج بهفا أصفحاب أبفي حنيففة على أن تزوج المرأة نفسفها قالوا‪ :‬لن ال تعالى أضاف ذلك إليهفا‬
‫كما قال‪" :‬فل تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره" [البقرة‪ ]230 :‬ولم يذكر الولي‪ .‬وقد تقدم‬
‫القول في هذه المسألة مستوفى‪ .‬والول أصح لما ذكرناه من سبب النزول‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا بلغفن أجلهفن" بلوغ الجفل ففي هذا الموضفع‪ :‬تناهيفه‪ ،‬لن ابتداء النكاح إنمفا‬
‫يتصفور بعفد انقضاء العدة‪ .‬و"تعضلوهفن" معناه تحبسفوهن‪ .‬وحكفى الخليفل‪ :‬دجاجفة معضفل‪ :‬قفد‬
‫احتبفس بيضهفا‪ .‬وقيفل‪ :‬العضفل التضييفق والمنفع وهفو راجفع إلى معنفى الحبفس‪ ،‬يقال‪ :‬أردت أمرا‬
‫فعضلتنفي عنه أي منعتنفي عنه وضيقفت علي‪ .‬وأعضفل المفر‪ :‬إذا ضاقفت عليفك فيفه الحيفل‪ ،‬ومنفه‬
‫قولهم‪ :‬إنه لعضلة من العضل إذا كان ل يقدر على وجه الحيلة فيه‪ .‬وقال الزهري‪ :‬أصل العضل‬
‫من قولهم‪ :‬عضلت الناقة إذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه‪ ،‬وعضلت الدجاجة‪ :‬نشب بيضها‪ .‬وفي‬
‫حديففث معاويففة‪( :‬معضلة ول أبففا حسففن)‪ ،‬أي مسففألة صففعبة ضيقففة المخارج‪ .‬وقال طاوس‪ :‬لقففد‬
‫وردت عضففل أقضيففة مففا قام بهففا إل ابففن عباس‪ .‬وكففل مشكففل عنففد العرب معضففل‪ ،‬ومنففه قول‬
‫الشافعي‪:‬‬
‫كشفت حقائقها بالنظر‬ ‫إذا المعضلت تصدينني‬
‫ويقال‪ :‬أعضل المر إذا اشتد‪ .‬وداء عضال أي شديد عسر البرء أعيا الطباء‪ .‬وعضل فلن أيمه‬
‫أي منعها‪ ،‬يعضُلها ويعضِلها (بالضم والكسر) لغتان‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك يوعظ به من كان" ولم يقل "ذلكم" لنه محمول على معنى الجمع‪ .‬ولو كان‬
‫"ذلكفم" لجاز‪ ،‬مثفل "ذلكفم أزكفى لكفم وأطهفر وال يعلم" أي مفا لكفم فيفه مفن الصفلح‪" .‬وأنتفم ل‬
‫تعلمون" ذلك‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 233 :‬والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى‬
‫المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ل تكلف نفس إل وسعها ل تضار والدة بولدها ول مولود‬
‫له بولده وعلى الوارث مثل ذلك فإن أرادا فصال عن تراض منهما وتشاور فل جناح عليهما وإن‬
‫أردتم أن تسترضعوا أولدكفم فل جناح عليكم إذا سفلمتم ما آتيتفم بالمعروف واتقوا ال واعلموا أن‬
‫ال بما تعملون بصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والوالدات" ابتداء‪" .‬يرضعفن أولدهفن" ففي موضفع الخفبر‪" .‬حوليفن كامليفن"‬
‫ظرف زمان‪ .‬ولما ذكر ال سبحانه النكاح والطلق ذكر الولد‪ ،‬لن الزوجين قد يفترقان وثم ولد‪،‬‬
‫فالية إذا في المطلقات اللتفي لهفن أولد مفن أزواجهن‪ ،‬قاله السدي والضحاك وغيرهمفا‪ ،‬أي هن‬
‫أحق برضاع أولدهن من الجنبيات لنهن أحنى وأرق‪ ،‬وانتزاع الولد الصغير إضرار به وبها‪،‬‬
‫وهذا يدل على أن الولد وإن فطفم فالم أحفق بحضانتفه لفضفل حنوهفا وشفقتهفا‪ ،‬وإنمفا تكون أحفق‬
‫بالحضانة إذا لم تتزوج على ما يأتي‪ .‬وعلى هذا يشكل قوله‪" :‬وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن‬
‫بالمعروف" لن المطلقة ل تستحق الكسوة إذا لم تكن رجعية بل تستحق الجرة إل أن يحمل على‬
‫مكارم الخلق فيقال‪ :‬الولى أل تنقص الجرة عما يكفيها لقوتها وكسوتها‪ .‬وقيل‪ :‬الية عامة في‬
‫المطلقات اللواتففي لهففن أولد وفففي الزوجات‪ .‬والظهففر أنهففا فففي الزوجات فففي حال بقاء النكاح‪،‬‬
‫لنهن المستحقات للنفقة والكسوة‪ ،‬والزوجة تستحق النفقة والكسوة أرضعت أو لم ترضع‪ ،‬والنفقة‬
‫والكسوة مقابلة التمكين‪ ،‬فإذا اشتغلت بالرضاع لم يكمل التمكين‪ ،‬فقد يتوهم أن النفقة تسقط فأزال‬
‫ذلك الوهم بقوله تعالى‪" :‬وعلى المولود له" أي الزوج "رزقهن وكسوتهن‪ ،‬في حال الرضاع لنه‬
‫اشتغال في مصالح الزوج‪ ،‬فصارت كما لو سافرت لحاجة الزوج بإذنه فإن النفقة ل تسقط‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يرضعفن" خفبر معناه المفر على الوجوب لبعفض الوالدات‪ ،‬وعلى جهفة الندب‬
‫لبعضهن على ما يأتي‪ .‬وقيل‪ :‬هو خبر عن المشروعية كما تقدم‪.‬‬
‫@واختلف الناس ففي الرضاع هفل هفو حفق للم أو هفو حفق عليهفا‪ ،‬واللففظ محتمفل لنفه لو أراد‬
‫التصففريح بكونففه عليهففا لقال‪ :‬وعلى الوالدات رضاع أولدهففن كمففا قال تعالى‪" :‬وعلى المولود له‬
‫رزقهفن وكسفوتهن" ولكفن هفو عليهفا ففي حال الزوجيفة‪ ،‬وهفو عرف يلزم إذ قفد صفار كالشرط‪ ،‬إل‬
‫أن تكون شريفففة ذات ترفففه فعرفهففا أل ترضففع وذلك كالشرط‪ .‬وعليهففا إن لم يقبففل الولد غيرهففا‬
‫واجفب‪ .‬وهفو عليهففا إذا عدم لختصففاصها بفه‪ .‬فإن مات الب ول مال للصفبي فمذهفب مالك فففي‬
‫المدونففة أن الرضاع لزم للم بخلف النفقففة‪ .‬وفففي كتاب ابففن الجلب‪ :‬رضاعففه فففي بيففت المال‪.‬‬
‫وقال عبدالوهاب‪ :‬هففو فقيففر مففن فقراء المسففلمين‪ .‬وأمففا المطلقففة طلق بينونففة فل رضاع عليهففا‪،‬‬
‫والرضاع على الزوج إل أن تشاء هففي‪ ،‬فهففي أحففق بأجرة المثففل‪ ،‬هذا مففع يسففر الزوج فإن كان‬
‫معدمفا لم يلزمهفا الرضاع إل أن يكون المولود ل يقبفل غيرهفا فتجفبر حينئذ على الرضاع‪ .‬وكفل‬
‫مفن يلزمهفا الرضاع فإن أصفابها عذر يمنعهفا منفه عاد الرضاع على الب‪ .‬وروي عفن مالك أن‬
‫الب إذا كان معدمفففا ول مال للصفففبي أن الرضاع على الم‪ ،‬فإن لم يكفففن لهفففا لبفففن ولهفففا مال‬
‫فالرضاع عليهفا ففي مالهفا‪ .‬قال الشافعفي‪ :،‬ل يلزم الرضاع إل والدا أو جدا وإن عل‪ ،‬وسفيأتي مفا‬
‫للعلماء ففففي هذا عنفففد قوله تعالى‪" :‬وعلى الوارث مثفففل ذلك"‪ .‬يقال‪ :‬رضفففع يرضفففع رضاعفففة‬
‫ورضاعفا‪ ،‬ورضفع يرضفع رضاعفا ورضاعفة (بكسفر الراء ففي الول وفتحهفا ففي الثانفي) واسفم‬
‫الفاعل راضع فيهما‪ .‬والرضاعة‪ :‬اللؤم (مفتوح الراء ل غير)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حوليفن" أي سفنتين‪ ،‬من حال الشيفء إذا انقلب‪ ،‬فالحول منقلب مفن الوقفت الول‬
‫إلى الثانفي‪ .‬وقيفل‪ :‬سفمي العام حول لسفتحالة المور فيفه ففي الغلب‪" .‬كامليفن" قيفد بالكمال لن‬
‫القائل قفد يقول‪ :‬أقمفت عنفد فلن حوليفن وهفو يريفد حول وبعفض حول آخفر‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬فمفن‬
‫تعجل في يومين" [البقرة‪ ]203:‬وإنما يتعجل في يوم وبعض الثاني‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬لمن أراد أن‬
‫يتفم الرضاعفة" دليفل على أن إرضاع الحوليفن ليفس حتمفا فإنفه يجوز الفطام قبفل الحوليفن‪ ،‬ولكنفه‬
‫تحديد لقطع التنازع بين الزوجين في مدة الرضاع‪ ،‬فل يجب على الزوج إعطاء الجرة لكثر من‬
‫حوليفن‪ .‬وإن أراد الب الفطفم قبفل هذه المدة ولم ترض الم لم يكفن له ذلك‪ .‬والزيادة على الحوليفن‬
‫أو النقصففان إنمففا يكون عنففد عدم الضرار بالمولود وعنففد رضففا الوالديففن‪ .‬وقرأ مجاهففد وابففن‬
‫محيصفن "لمفن أراد أن تتفم الرضاعفة" بفتفح التاء ورففع "الرضاعفة" على إسفناد الفعفل إليهفا‪ .‬وقرأ‬
‫أبو حيوة وابن أبي عبلة والجارود بن أبي سبرة بكسر الراء من "الرضاعة" وهي لغة كالحضارة‬
‫والحضارة‪ .‬وروي عن مجاهد أنه قرأ "الرضعة" على وزن الفعلة‪ .‬وروي عن ابن عباس أنه قرأ‬
‫"أن يكمل الرضاعة"‪ .‬النحاس‪ :‬ل يعرف البصريون "الرضاعة" إل بفتح الراء‪ ،‬ول "الرضاع"‬
‫إل بكسر الراء‪ ،‬مثل القتال‪ .‬وحكى الكوفيون كسر الراء مع الهاء وفتحها بغير هاء‪.‬‬
‫@انتزع مالك رحمفه ال تعالى ومفن تابعفه وجماعفة مفن العلماء مفن هذه اليفة أن الرضاعفة‬
‫المحرمففة الجاريففة مجرى النسففب إنمففا هففي مففا كان فففي الحوليففن‪ ،‬لنففه بانقضاء الحوليففن تمففت‬
‫الرضاعففة‪ ،‬ول رضاعففة بعففد الحوليففن معتففبرة‪ .‬هذا قوله فففي موطئه‪ ،‬وهففي روايففة محمففد بففن‬
‫عبدالحكفم عنفه‪ ،‬وهفو قول عمفر وابفن عباس‪ ،‬وروي عفن ابفن مسفعود‪ ،‬وبفه قال الزهري وقتادة‬
‫والشعفبي وسففيان الثوري والوزاعفي والشافعفي وأحمفد وإسفحاق وأبفو يوسفف ومحمفد وأبفو ثور‪.‬‬
‫وروى ابففن عبدالحكففم عنففه الحوليففن وزيادة أيام يسففيرة‪ .‬عبدالملك‪ :‬كالشهففر ونحوه‪ .‬وروى ابففن‬
‫القاسم عن مالك أنه قال‪ :‬الرضاع الحولين والشهرين بعد الحولين‪ ،‬وحكى عنه الوليد بن مسلم أنه‬
‫قال‪ :‬ما كان بعد الحولين من رضاع بشهر أو شهرين أو ثلثة فهو من الحولين‪ ،‬وما كان بعد ذلك‬
‫فهففو عبففث‪ .‬وحكففي عففن النعمان أنففه قال‪ :‬ومففا كان بعففد الحوليففن إلى سففتة أشهففر فهففو رضاع‪،‬‬
‫والصففحيح الول لقوله تعالى‪" :‬والوالدات يرضعففن أولدهففن حوليففن كامليففن" وهذا يدل على أل‬
‫حكم لما ارتضع المولود بعد الحولين‪ .‬وروى سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال‪ :‬قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل رضاع إل ما كان في الحولين)‪ .‬قال الدارقطني‪ :‬لم يسنده عن‬
‫ابن عيينة غير الهيثم بن جميل‪ ،‬وهو ثقة حافظ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا الخفبر مفع اليفة والمعنفى‪ ،‬ينففي رضاعفة الكفبير وأنفه ل حرمفة له‪ .‬وقفد روي عفن‬
‫عائشفة القول بفه‪ .‬وبفه يقول الليفث بفن سفعد مفن بيفن العلماء‪ .‬وروي عفن أبفي موسفى الشعري أنفه‬
‫كان يرى رضاع الكفبير‪ .‬وروي عنفه الرجوع عنفه‪ .‬وسفيأتي ففي سفورة "النسفاء" مبينفا إن شاء ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫قال جمهور المفسرين‪ :‬إن هذين الحولين لكل ولد‪ .‬وروي عن ابن عباس أنه قال‪ :‬هي في الولد‬
‫يمكفث ففي البطفن سفتة أشهفر‪ ،‬فإن مكفث سفبعة أشهفر فرضاعفه ثلثفة وعشرون شهرا فإن مكفث‬
‫ثمانيففة أشهففر فرضاعففه اثنان وعشرون شهرا‪ ،‬فان مكففث تسففعة أشهففر فرضاعففه أحففد وعشرون‬
‫شهرا‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬وحمله وفصففاله ثلثون شهرا" [الحقاف‪ .]15 :‬وعلى هذا تتداخففل مدة‬
‫الحمل ومدة الرضاع ويأخذ الواحد من الخر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعلى المولود له" أي وعلى الب‪ .‬ويجوز ففي العربيفة "وعلى المولود لهفم"‬
‫كقوله تعالى‪" :‬ومنهم من يستمعون إليك" [يونس‪ ]42 :‬لن المعنى وعلى الذي ولد له و"الذي"‬
‫يعبر به عن الواحد والجمع كما تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬رزقهفن وكسفوتهن" الرزق ففي هذا الحكفم الطعام الكاففي‪ ،‬وففي هذا دليفل على‬
‫وجوب نفقففة الولد على الوالد لضعفففه وعجزه‪ .‬وسففماه ال سففبحانه للم‪ ،‬لن الغذاء يصففل إليففه‬
‫بواسطتها في الرضاع كما قال‪" :‬وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن" [الطلق‪ ]6 :‬لن الغذاء ل‬
‫يصل إل بسببها‪.‬‬
‫وأجمففع العلماء على أن على المرء نفقففة ولده الطفال الذيففن ل مال لهففم‪ .‬وقال صففلى ال عليففه‬
‫وسلم لهند بنت عتبة وقد قالت له‪ :‬إن أبا سفيان رجل شحيح وإنه ل يعطيني من النفقة ما يكفيني‬
‫ويكفففي بنففي إل مففا أخذت مفن مال بغيففر علمففه فهففل علي فففي ذلك جناح؟ فقال‪( :‬خذي مففا يكفيففك‬
‫وولدك بالمعروف)‪ .‬والكسفوة‪ :‬اللباس‪ .‬وقوله‪" :‬بالمعروف" أي بالمتعارف ففي عرف الشرع مفن‬
‫غير تفريط ول إفراط‪ .‬ثم بين تعالى أن النفاق على قدر غنى الزوج ومنصبها من غير تقدير مد‬
‫ول غيره بقوله تعالى‪" :‬ل تكلف نفففس إل وسففعها" على مففا يأتففي بيانففه فففي الطلق إن شاء ال‬
‫تعالى‪ .‬وقيفل المعنفى‪ :‬أي ل تكلف المرأة الصفبر على التقتيفر ففي الجرة‪ ،‬ول يكلف الزوج مفا هفو‬
‫إسراف بل يراعى القصد‪.‬‬
‫@في هذه الية دليل لمالك على أن الحضانة للم‪ ،‬فهي في الغلم إلى البلوغ‪ ،‬وفي الجارية إلى‬
‫النكاح‪ ،‬وذلك حفق لهفا‪ ،‬وبفه قال أبفو حنيففة‪ .‬وقال الشافعفي‪ :‬إذا بلغ الولد ثمانفي سفنين وهفو سفن‬
‫التمييز‪ ،‬خير بين أبويه‪ ،‬فإنه في تلك الحالة تتحرك همته لتعلم القرآن والدب ووظائف العبادات‪،‬‬
‫وذلك يسففتوي فيففه الغلم والجاريففة‪ .‬وروى النسففائي وغيره عففن أبففي هريرة أن امرأة جاءت إلى‬
‫النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقالت له‪ :‬زوجفي يريفد أن يذهفب بابنفي‪ ،‬فقال له النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم‪( :‬هذا أبوك وهذه أمفك فخفذ أيهمفا شئت) فأخفذ بيفد أمفه‪ .‬وففي كتاب أبفي داود عفن أبفي هريرة‬
‫قال‪ :‬جاءت امرأة إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وأنفا قاعفد عنده فقالت‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬إن‬
‫زوجي يريد أن يذهب بابني‪ ،‬وقد سقاني من بئر أبي عنبة‪ ،‬وقد نفعني‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه‬
‫وسفلم‪( :‬اسفتهما عليفه) فقال زوجهفا‪ :‬مفن يحاقنفي ففي ولدي‪ ،‬فقال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬هذا‬
‫أبوك وهذه أمفك فخفذ بيفد أحدهمفا شئت) فأخفذ بيفد أمفه فانطلقفت بفه‪ .‬ودليلنفا مفا رواه أبفو داود عفن‬
‫الوزاعفي قال‪ :‬حدثنفي عمرو بفن شعيفب عفن أبيفه عفن جده عبدال بفن عمرو أن امرأة جاءت إلى‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فقالت‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إن ابني هذا كان بطني له وعاء‪ ،‬وثديي له سقاء‪،‬‬
‫وحجري له حواء‪ ،‬وإن أباه طلقنففي وأراد أن ينتزعففه منففي‪ ،‬فقال لهففا رسففول ال صففلى ال عليففه‬
‫وسلم‪( :‬أنت أحق به ما لم تنكحي)‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على أن‬
‫الزوجيفن إذا افترقفا ولهمفا ولد أن الم أحفق بفه مفا لم تنكفح‪ .‬وكذا قال أبفو عمفر‪ :‬ل أعلم خلففا بيفن‬
‫السلف من العلماء في المرأة المطلقة إذا لم تتزوج أنها أحق بولدها من أبيه ما دام طفل صغيرا ل‬
‫يميز شيئا إذا كان عندها في حرز وكفاية ولم يثبت فيها فسق ول تبرج‪.‬‬
‫ثم اختلفوا بعد ذلك في تخييره إذا ميز وعقل بين أبيه وأمه وفيمن هو أولى به‪ ،‬قال ابن المنذر‪:‬‬
‫وثبفت أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قضفى ففي ابنفة حمزة للخالة مفن غيفر تخييفر‪ ،.‬روى أبفو داود‬
‫عن علي قال‪ :‬خرج زيد بن حارثة إلى مكة فقدم بابنة حمزة‪ ،‬فقال جعفر‪ :‬أنا آخذها أنا أحق بها‪،‬‬
‫ابنفة عمفي وخالتهفا عندي والخالة أم‪ .‬فقال علي‪ :‬أنفا أحفق بهفا‪ :،‬ابنفة عمفي وعندي ابنفة رسفول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬وهفي أحفق بهفا‪ .‬فقال زيفد‪ :‬أنفا أحفق بهفا‪ ،‬أنفا خرجفت إليهفا وسفافرت وقدمفت‬
‫بها‪ .‬فخرج النبي صلى ال عليه وسلم فذكر حديثا قال‪( :‬وأما الجارية فأقضي بها لجعفر تكون مع‬
‫خالتها وإنما الخالة أم)‪.‬‬
‫@قال ابفن المنذر‪ :‬وقفد أجمفع كفل مفن يحففظ عنفه مفن أهفل العلم على أل حفق للم ففي الولد إذا‬
‫تزوجت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬كذا قال في كتاب الشراف له‪ .‬وذكر القاضي عبدالوهاب في شرح الرسالة له عن الحسن‬
‫أنه ل يسقط حقها من الحضانة بالتزوج‪ .‬وأجمع مالك والشافعي والنعمان وأبو ثور على أن الجدة‬
‫أم الم أحفق بحضانفة الولد‪ .‬واختلفوا إذا لم يكفن لهفا أم وكان لهفا جدة هفي أم الب‪ ،‬فقال مالك‪ :‬أم‬
‫الب أحفق إذا لم يكفن للصفبي خالة‪ .‬وقال ابفن القاسفم‪ :‬قال مالك‪ :‬وبلغنفي ذلك عنفه أنفه قال‪ :‬الخالة‬
‫أولى مفن الجدة أم الب‪ .‬وففي قول الشافعفي والنعمان‪ :‬أم الب أحفق مفن الخالة‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬إن الب‬
‫أولى بابنه من الجدة أم الب‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وهذا عندي إذا لم يكن له زوجة أجنبية‪ .‬ثم الخت بعد‬
‫الب ثم العمة‪ .‬وهذا إذا كان كل واحد من هؤلء مأمونا على الولد‪ ،‬وكان عنده في حرز وكفاية‪،‬‬
‫فإذا لم يكفن كذلك لم يكفن له حفق ففي الحضانفة‪ ،‬وإنمفا ينظفر ففي ذلك إلى مفن يحوط الصفبي ومفن‬
‫يحسن إليه في حفظه وتعلمه الخير‪ .‬وهذا على قول من قال إن الحضانة حق الولد‪ ،‬وقد روى ذلك‬
‫عفن مالك وقال بفه طائففة مفن أصفحابه‪ ،‬وكذلك ل يرون حضانفة لفاجرة ول لضعيففة عاجزة عفن‬
‫القيام بحفق الصفبي لمرض أو زمانفة‪ .‬وذكفر ابفن حفبيب عفن مطرف وابفن الماجشون عفن مالك أن‬
‫الحضانفة للم ثفم الجدة للم ثفم الخالة ثفم الجدة للب ثفم أخفت الصفبي ثفم عمفة الصفبي ثفم ابنفة أخفي‬
‫الصبي ثم الب‪ .‬والجدة للب أولى من الخت والخت أولى من العمة والعمة أولى ممن بعدها‪،‬‬
‫وأولى من جميع الرجال الولياء‪ .‬وليس لبنة الخالة ول لبنة العمة ول لبنات أخوات الصبي من‬
‫حضانتفه شيفء‪ .‬فإذا كان الحاضفن ل يخاف منفه على الطففل تضييفع أو دخول فسفاد كان حاضنفا له‬
‫أبدا حتففى يبلغ الحلم‪ .‬وقففد قيففل‪ :‬حتففى يثغففر‪ ،‬وحتففى تتزوج الجاريففة‪ ،‬إل أن يريففد الب نقلة سفففر‬
‫وإيطان فيكون حينئذ أحفق بولده مفن أمفه وغيرهفا إن لم ترد النتقال‪ .‬وإن أراد الخروج لتجارة لم‬
‫يكففن له ذلك‪ .‬وكذلك أولياء الصففبي الذيففن يكون مآله إذا انتقلوا للسففتيطان‪ .‬وليففس للم أن تنقففل‬
‫ولدها عن موضفع سفكنى الب إل فيمفا يقرب نحفو المسافة التي ل تقصفر فيها الصلة‪ .‬ولو شرط‬
‫عليها في حين انتقاله عن بلدها أنه ل يترك ولده عندها إل أن تلتزم نفقته ومؤونته سنين معلومة‬
‫فإن التزمفت ذلك لزمهفا‪ :‬فإن ماتفت لم تتبفع بذلك ورثتهفا ففي تركتهفا‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬ذلك ديفن يؤخفذ مفن‬
‫تركتهفا‪ ،‬والول أصفح إن شاء ال تعالى‪ ،‬كمفا لو مات الوالد أو كمفا لو صفالحها على نفقفة الحمفل‬
‫والرضاع فأسقطت لم تتبع بشيء من ذلك‪.‬‬
‫@إذا تزوجت الم لم ينزع منها ولدها حتى يدخل بها زوجها عند مالك‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬إذا نكحت‬
‫فقفد انقطفع حقهفا‪ .‬فإن طلقهفا لم يكفن لهفا الرجوع فيفه عنفد مالك ففي الشهفر عندنفا مفن مذهبفه‪ .‬وقفد‬
‫ذكر القاضي إسماعيل وذكره ابن خويز منداد أيضا عن مالك أنه اختلف قوله في ذلك‪ ،‬فقال مرة‪:‬‬
‫يرد إليهفا‪ .‬وقال مرة‪ :‬ل يرد‪ .‬قال ابفن المنذر‪ :‬فإذا خرجفت الم عفن البلد الذي بفه ولدهفا ثفم رجعفت‬
‫إليه فهي أحق بولدها في قول الشافعي وأبي ثور وأصحاب الرأي‪ .‬وكذلك لو تزوجت ثم طلقت أو‬
‫توفى عنها زوجها رجعت في حقها من الولد‪.‬‬
‫قلت وكذلك قال القاضففي أبففو محمففد عبدالوهاب‪ ،‬فإن طلقهففا الزوج أو مات عنهففا كان لهففا أخذه‬
‫لزوال العذر الذي جاز له تركه‪.‬‬
‫@فإن تركت المرأة حضانة ولدها ولم ترد أخذه وهي فارغة غير مشغولة بزوج ثم أرادت بعد‬
‫ذلك أخذه نظر لها‪ ،‬فإن كان تركها له من عذر كان لها أخذه‪ ،‬وإن كانت تركته رفضا له ومقتا لم‬
‫يكن لها بعد ذلك أخذه‪.‬‬
‫@واختلفوا فففي الزوجيففن يفترقان بطلق والزوجففة ذميففة‪ ،‬فقالت طائفففة‪ :‬ل فرق بيففن الذميففة‬
‫والمسفلمة وهفي أحفق بولدهفا‪ ،‬هذا قول أبفي ثور وأصفحاب الرأي وابفن القاسفم صفاحب مالك‪ .‬قال‬
‫ابفن المنذر‪ :‬وقفد روينفا حديثفا مرفوعفا موافقفا لهذا القول‪ ،‬وففي إسفناده مقال‪ .‬وفيفه قول ثان أن الولد‬
‫مفع المسفلم منهمفا‪ ،‬هذا قول مالك وسفوار وعبدال بفن الحسفن‪ ،‬وحكفي ذلك عفن الشافعفي‪ .‬وكذلك‬
‫اختلفوا فففي الزوجيففن يفترقان‪ ،‬أحدهمففا حففر والخففر مملوك‪ ،‬فقالت طائففة‪ :‬الحففر أولى‪ ،‬هذا قول‬
‫عطاء والثوري والشافعفي وأصفحاب الرأي‪ .‬وقال مالك‪ :‬ففي الب إذا كان حرا وله ولد حفر والم‬
‫مملوكة‪ :‬إن الم أحق به إل أن تباع فتنتقل فيكون الب أحق به‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل تضار والدة بولدهفا ول مولود له بولده" المعنفى‪ :‬ل تأبفى الم أن ترضعفه‬
‫إضرارا بأبيفه أو تطلب أكثفر مفن أجفر مثلهفا‪ ،‬ول يحفل للب أن يمنفع الم مفن ذلك مفع رغبتهفا ففي‬
‫الرضاع‪ ،‬هذا قول جمهور المفسفرين‪ .‬وقرأ ناففع وعاصفم وحمزة والكسفائي "تضار" بفتفح الراء‬
‫المشددة وموضعفه جزم على النهفي‪ ،‬وأصفله ل تضارر على الصفل‪ ،‬فأدغمفت الراء الولى ففي‬
‫الثانية وفتحت الثانية للتقاء الساكنين‪ ،‬وهكذا يفعل في المضاعف إذا كان قبله فتح أو ألف‪ ،‬تقول‪:‬‬
‫عض يا رجل‪ ،‬وضار فلنا يا رجل‪ .‬أي ل ينزع الولد منها إذا رضيت بالرضاع وألفها الصبي‪.‬‬
‫وقرأ أبفو عمرو وابفن كثيفر وأبان بفن عاصفم وجماعفة "تضار" بالرففع عطففا على قوله‪" :‬تكلف‬
‫نفس" وهو خبر والمراد به المر‪ .‬وروى يونس عن الحسن قال يقول‪ :‬ل تضار زوجها‪ ،‬تقول‪ :‬ل‬
‫أرضعه‪ ،‬ول يضارها فينزعه منها وهي تقول‪ :‬أنا أرضعه‪ .‬ويحتمل أن يكون الصل "تضارر"‬
‫بكسفر الراء الولى‪ ،‬ورواهفا أبان عفن عاصفم‪ ،‬وهفي لغفة أهفل الحجاز‪ .‬ففف "والدة" فاعله‪ ،‬ويحتمفل‬
‫أن يكون "تضارر" ففف "والدة" مفعول مفا لم يسفم فاعله‪ .‬وروي عفن عمفر بفن الخطاب رضفي ال‬
‫عنفه أنفه قرأ "ل تضارر" براءيفن الولى مفتوحفة‪ .‬وقرأ أبفو جعففر بفن القعقاع "تضار" بإسفكان‬
‫الراء وتخفيفهفا‪ .‬وكذلك "ل يضار كاتفب" وهذا بعيفد لن المثليفن إذا اجتمعفا وهمفا أصفليان لم يجفز‬
‫حذف أحدهما للتخفيف‪ ،‬فإما الدغام وإما الظهار‪ .‬وروي عنه السكان والتشديد‪ .‬وروي عن ابن‬
‫عباس والحسن "ل تضارر" بكسر الراء الولى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعلى الوارث مثل ذلك" هو معطوف على قوله‪" :‬وعلى المولود" واختلفوا في‬
‫تأويفل قوله‪" :‬وعلى الوارث مثفل ذلك" فقال قتادة والسفدي والحسفن وعمفر بفن الخطاب رضفي ال‬
‫عنه‪ :‬هو وارث الصبي أن لو مات‪ .‬قال بعضهم‪ :‬وارثه من الرجال خاصة يلزمه الرضاع‪ ،‬كما‬
‫كان يلزم أبفا الصفبي لو كان حيفا‪ ،‬وقاله مجاهفد وعطاء‪ .‬وقال قتادة وغيره‪ :‬هفو وارث الصفبي مفن‬
‫كان مفن الرجال والنسفاء‪ ،‬ويلزمهفم إرضاعفه على قدر مواريثهفم منفه‪ ،‬وبفه قال أحمفد وإسفحاق‪.‬‬
‫وقال القاضفي أبفو إسفحاق إسفماعيل بفن إسفحاق ففي كتاب "معانفي القرآن" له‪ :‬فأمفا أبفو حنيففة فإنفه‬
‫قال‪ :‬تجفب نفقفة الصفغير ورضاعفه على كفل ذي رحفم محرم‪ ،‬مثفل أن يكون رجفل له ابفن أخفت‬
‫صغير محتاج وابن عم صغير محتاج وهو وارثه‪ ،‬فإن النفقة تجب على الخال لبن أخته الذي ل‬
‫يرثفه‪ ،‬وتسفقط عفن ابن العفم لبفن عمفه الوارث‪ .‬قال أبفو إسفحاق‪ :‬فقالوا قول ليفس ففي كتاب ال ول‬
‫نعلم أحدا قاله‪ .‬وحكى الطبري عن أبي حنيفة وصاحبيه أنهم قالوا‪ :‬الوارث الذي يلزمه الرضاع‬
‫هفو وارثفه إذا كان ذا رحفم محرم منفه‪ ،‬فإن كان ابفن عفم وغيره ليفس بذي رحفم محرم فل يلزمفه‬
‫شيففء‪ .‬وقيففل‪ :‬المراد عصففبة الب عليهففم النفقففة والكسففوة‪ .‬قال الضحاك‪ :‬إن مات أبففو الصففبي‬
‫وللصفبي مال أخفذ رضاعفه مفن المال‪ ،‬وإن لم يكفن له مال أخفذ مفن العصفبة‪ ،‬وإن لم يكفن للعصفبة‬
‫مال أجفبرت الم على إرضاعفه‪ .‬وقال قبيصفة بفن ذؤيفب والضحاك وبشيفر بفن نصفر قاضفي عمفر‬
‫بفن عبدالعزيفز‪ :‬الوارث هفو الصفبي نفسفه‪ ،‬وتأولوا قوله‪" :‬وعلى الوارث" المولود‪ ،‬مثفل مفا على‬
‫المولود له‪ ،‬أي عليه في ماله إذا ورث أباه إرضاع نفسه‪ .‬وقال سفيان‪ :‬الوارث هنا هو الباقي من‬
‫والدي المولود بعففد وفاة الخففر منهمففا فإن مات الب فعلى الم كفايففة الطفففل إذا لم يكففن له مال‪،‬‬
‫ويشاركهفا العاصفب ففي إرضاع المولود على قدر حظفه مفن الميراث‪ .‬وقال ابفن خويفز منداد‪ :‬ولو‬
‫كان اليتيفم فقيرا ل مال له‪ ،‬وجفب على المام القيام بفه مفن بيفت المال‪ ،‬فإن لم يفعفل المام وجفب‬
‫ذلك على المسفلمين‪ ،‬الخفص بفه فالخفص‪ ،‬والم أخفص بفه فيجفب عليهفا إرضاعفه والقيام بفه‪ ،‬ول‬
‫ترجففع عليففه ول على أحففد‪ .‬والرضاع واجففب والنفقففة اسففتحباب‪ :‬ووجففه السففتحباب قوله تعالى‪:‬‬
‫"والوالدات يرضعن أولدهن حولين كاملين" وواجب على الزواج القيام بهن‪ ،‬فإذا تعذر استيفاء‬
‫الحفق لهفن بموت الزوج أو إعسفاره لم يسفقط الحفق عنهفن‪ ،‬أل ترى أن العدة واجبفة عليهفن والنفقفة‬
‫والسفكنى على أزواجهفن‪ ،‬وإذا تعذرت النفقفة لهفن لم تسفقط العدة عنهفن‪ .‬وروى عبدالرحمفن بفن‬
‫القاسم في السدية عن مالك بن أنس رحمه ال أنه قال‪ :‬ل يلزم الرجل نفقة أخ ول ذي قرابة ول‬
‫ذي رحفم منفه‪ .‬قال‪ :‬وقول ال عفز وجفل‪" :‬وعلى الوارث مثفل ذلك" هفو منسفوخ‪ .‬قال النحاس‪ :‬هذا‬
‫لفظ مالك‪ ،‬ولم يبين ما الناسخ لها ول عبدالرحمن بن القاسم‪ ،‬ول علمت أن أحدا من أصحابهم بين‬
‫ذلك‪ ،‬والذي يشبففه أن يكون الناسففخ لهففا عنده وال أعلم‪ ،‬أنففه لمففا أوجففب ال تعالى للمتوفففى عنهففا‬
‫زوجها من مال المتوفى نفقة حول والسكنى ثم نسخ ذلك ورفعه‪ ،‬نسخ ذلك أيضا عن الوارث‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فعلى هذا تكون النفقفة على الصفبي نفسفه مفن ماله‪ ،‬ل يكون على الوارث منهفا شيفء على‬
‫ما يأتي‪ .‬قال ابن العربي‪ :‬قوله "وعلى الوارث مثل ذلك" قال ابن القاسم عن مالك هي منسوخة‪،‬‬
‫وهذا كلم تشمئز منففه قلوب الغافليففن‪ ،‬وتحتار فيففه ألباب الشاذيففن‪ ،‬والمففر فيففه قريففب‪ ،‬وذلك أن‬
‫العلماء المتقدميفن مفن الفقهاء والمفسفرين كانوا يسفمون التخصفيص نسفخا‪ ،‬لنفه رففع لبعفض مفا‬
‫يتناوله العموم مسفامحة‪ ،‬وجرى ذلك ففي ألسفنتهم حتفى أشكفل ذلك على مفن بعدهفم‪ ،‬وتحقيفق القول‬
‫فيفه‪ :‬أن قوله تعالى "وعلى الوارث مثفل ذلك" إشارة إلى مفا تقدم‪ ،‬فمفن الناس مفن رده إلى جميعفه‬
‫من إيجاب النفقة وتحريم الضرار‪ ،‬منهم أبو حنيفة من الفقهاء‪ ،‬ومن السلف قتادة والحسن ويسند‬
‫إلى عمر‪ .‬وقالت طائفة من العلماء‪ :‬إن معنى قوله تعالى‪" :‬وعلى الوارث مثل ذلك" ل يرجع إلى‬
‫جميفع مفا تقدم‪ ،‬وإنمفا يرجفع إلى تحريفم الضرار‪ ،‬والمعنفى‪ :‬وعلى الوارث مفن تحريفم الضرار‬
‫بالم مفا على الب‪ ،‬وهذا هفو الصفل‪ ،‬فمفن ادعفى أنفه يرجفع العطفف فيفه إلى جميفع مفا تقدم فعليفه‬
‫الدليل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قوله‪" :‬وهذا هو الصل" يريد في رجوع الضمير إلى أقرب مذكور‪ ،‬وهو صحيح‪ ،‬إذ لو‬
‫أراد الجميع الذي هو الرضاع والنفاق وعدم الضرر لقال‪ :‬وعلى الوارث مثل هؤلء‪ ،‬فدل على‬
‫أنففه معطوف على المنففع مففن المضارة‪ ،‬وعلى ذلك تأوله كافففة المفسففرين فيمففا حكففى القاضففي‬
‫عبدالوهاب‪ ،‬وهفو أن المراد بفه أن الوالدة ل تضار ولدهفا ففي أن الب إذا بذل لهفا أجرة المثفل أل‬
‫ترضعففه‪" ،‬ول مولود له بولده" فففي أن الم إذا بذلت أن ترضعففه بأجرة المثففل كان لهففا ذلك‪ ،‬لن‬
‫الم أرففق وأحفن عليفه‪ ،‬ولبنهفا خيفر له مفن لبفن الجنبيفة‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وقال مالك رحمفه ال‬
‫وجميففع أصففحابه والشعففبي أيضففا والزهري والضحاك وجماعففة مففن العلماء‪ :‬المراد بقوله "مثففل‬
‫ذلك" أل تضار‪ ،‬وأمفا الرزق والكسفوة فل يجفب شيفء منفه‪ .‬وروى ابفن القاسفم عفن مالك أن اليفة‬
‫تضمنت أن الرزق والكسوة على الوارث‪ ،‬ثم نسخ ذلك بالجماع من المة في أل يضار الوارث‪،‬‬
‫والخلف هففل عليففه رزق وكسففوة أم ل‪ .‬وقرأ يحيففى بففن يعمففر "وعلى الورثففة" بالجمففع‪ ،‬وذلك‬
‫يقتضفي العموم‪ ،‬فإن اسفتدلوا بقوله عليفه السفلم‪( :‬ل يقبفل ال صفدقة وذو رحفم محتاج) قيفل لهفم‬
‫الرحم عموم في كل ذي رحم‪ ،‬محرما كان أو غير محرم‪ ،‬ول خلف أن صرف الصدقة إلى ذي‬
‫الرحم أولى لقوله عليه السلم‪( :‬اجعلها في القربين) فحمل الحديث على هذا‪ ،‬ول حجة فيه على‬
‫مفا راموه‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقال النحاس‪ :‬وأمفا قول مفن قال "وعلى الوارث مثفل ذلك" أل يضار فقول‬
‫حسفن‪ ،‬لن أموال الناس محظورة فل يخرج شيفء منهفا إل بدليفل قاطفع‪ .‬وأمفا قول مفن قال على‬
‫ورثفة الب فالحجفة أن النفقفة كانفت على الب‪ ،‬فورثتفه أولى مفن ورثفة البفن وأمفا حجفة مفن قال‬
‫على ورثفة البفن فيقول‪ :‬كمفا يرثونفه يقومون بفه‪ .‬قال النحاس‪ :‬وكان محمفد بفن جريفر يختار قول‬
‫مفن قال‪ :‬الوارث هنفا البفن‪ ،‬وهفو وإن كان قول غريبفا فالسفتدلل بفه صفحيح والحجفة بفه ظاهرة‪،‬‬
‫لن ماله أولى بفه‪ .‬وقففد أجمففع الفقهاء إل مفن شففذ منهففم أن رجل لو كان له ولد طفففل وللولد مال‪،‬‬
‫والب موسفر أنفه ل يجفب على الب نفقفة ول رضاع‪ ،‬وأن ذلك مفن مال الصفبي‪ .‬فإن قيفل‪ :‬قفد قال‬
‫ال عفز وجفل "وعلى المولود له رزقهفن وكسفوتهن بالمعروف"‪ ،‬قيفل‪ :‬هذا الضميفر للمؤنفث‪ ،‬ومفع‬
‫هذا فإن الجماع حد للية مبين لها‪ ،‬ل يسع مسلما الخروج عنه‪ .‬وأما من قال‪ :‬ذلك على من بقي‬
‫مفن البويفن‪ ،‬فحجتفه أنفه ل يجوز للم تضييفع ولدهفا‪ ،‬وقفد مات مفن كان ينففق عليفه وعليهفا‪ .‬وقفد‬
‫ترجفم البخاري على رد هذا القول [باب ‪ -‬وعلى الوارث مثفل ذلك‪ ،‬وهفل على المرأة منفه شيفء]‬
‫وسفاق حديفث أم سفلمة وهنفد‪ .‬والمعنفى فيفه‪ :‬أن أم سفلمة كان لهفا أبناء مفن أبفي سفلمة ولم يكفن لهفم‬
‫مال‪ ،‬فسفألت النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فأخبرهفا أن لهفا ففي ذلك أجرا‪ .‬فدل هذا الحديفث على أن‬
‫نفقفة بنيهفا ل تجفب عليهفا‪ ،‬ولو وجبفت عليهفا لم تقفل للنفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ :‬ولسفت بتاركتهفم‪.‬‬
‫وأما حديث هند فإن النبي صلى ال عليه وسلم أطلقها على أخذ نفقتها ونفقة بنيها من مال الب‪،‬‬
‫ولم يوجبهفا عليهفا كمفا أوجبهفا على الب‪ .‬فاسفتدل البخاري مفن هذا على أنفه لمفا لم يلزم المهات‬
‫نفقات البناء ففي حياة الباء فكذلك ل يلزمهفن بموت الباء‪ .‬وأمفا قول مفن قال إن النفقفة والكسفوة‬
‫على كفل ذي رحفم محرم فحجتفه أن على الرجفل أن ينففق على كفل ذي رحفم محرم إذا كان فقيرا‪.‬‬
‫قال النحاس‪ :‬وقد عورض هذا القول بأنه لم يؤخذ من كتاب ال تعالى ول من إجماع ول من سنة‬
‫صففحيحة‪ ،‬بففل ل يعرف مففن قول سففوى مففا ذكرناه‪ .‬فأمففا القرآن فقففد قال ال عففز وجففل‪" :‬وعلى‬
‫الوارث مثل ذلك" فإن كان على الوارث النفقة والكسوة فقد خالفوا ذلك فقالوا‪ :‬إذا ترك خاله وابن‬
‫عمه فالنفقة على خاله وليس على ابن عمه شيء‪ ،‬فهذا مخالف نص القرآن لن الخال ل يرث مع‬
‫ابن العم في قول أحد‪ ،‬ول يرث وحده في قول كثير من العلماء‪ ،‬والذي احتجوا به من النفقة على‬
‫كل ذي رحم محرم‪ ،‬أكثر أهل العلم على خلفه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن أرادا فصفال" الضميفر ففي "أرادا" للوالديفن‪ .‬و"فصفال" معناه فطامفا عفن‬
‫الرضاع‪ ،‬أي عفن الغتذاء بلبفن أمفه إلى غيره مفن القوات‪ .‬والفصفال والفصفل‪ :‬الفطام‪ ،‬وأصفله‬
‫التفريق‪ ،‬فهو تفريق بين الصبي والثدي‪ ،‬ومنه سمي الفصيل‪ ،‬لنه مفصول عن أمه‪" .‬عن تراض‬
‫منهمفا" أي قبفل الحوليفن‪" .‬فل جناح عليهمفا" أي ففي فصفله‪ ،‬وذلك أن ال سفبحانه لمفا جعفل مدة‬
‫الرضاع حولين بين أن فطامهما‪ ،‬هو الفطام‪ ،‬وفصالهما هو الفصال ليس لحد عنه منزع‪ ،‬إل أن‬
‫يتففق البوان على أقفل مفن ذلك العدد مفن غيفر مضارة بالولد‪ ،‬فذلك جائز بهذا البيان‪ .‬وقال قتادة‪:‬‬
‫كان الرضاع واجبا في الحولين وكان يحرم الفطام قبله‪ ،‬ثم خفف وأبيح الرضاع أقل من الحولين‬
‫بقوله‪" :‬فإن أرادا فصفال" اليفة‪ .‬وففي هذا دليفل على جواز الجتهاد ففي الحكام بإباحفة ال تعالى‬
‫للوالديففن التشاور فيمففا يؤدي إلى صففلح الصففغير‪ ،‬وذلك موقوف على غالب ظنونهمففا ل على‬
‫الحقيقفففة واليقيفففن‪ ،‬والتشاور‪ :‬اسفففتحراج الرأي‪ ،‬وكذلك المشاورة‪ ،‬والمشورة كالمعونفففة‪ ،‬وشرت‬
‫العسل‪ :‬استخرجته‪ ،‬وشرت الدابة وشورتها أي أجريتها لستخراج جريها‪ ،‬والشوار‪ :‬متاع البيت‪،‬‬
‫لنه يظهر للناظر‪ ،‬والشارة‪ :‬هيئة الرجل‪ ،‬والشارة‪ :‬إخراج ما في نفسك وإظهاره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن أردتفم أن تسفترضعوا أولدكفم فل جناح عليكفم" أي لولدكفم غيفر الوالدة‪،‬‬
‫قاله الزجاج‪ .‬قال النحاس‪ :‬التقديفر ففي العربيفة أن تسفترضعوا أجنبيفة لولدكفم‪ ،‬مثفل "كالوهفم أو‬
‫وزنوهفم" [المطففيفن‪ ]3 :‬أي كالوا لهفم أو وزنوا لهفم‪ ،‬وحذففت اللم لنفه يتعدى إلى مفعوليفن‬
‫أحدهما بحرف‪ ،‬وأنشد سيبوبه‪:‬‬
‫فقد تركتك ذا مال وذا نشب‬ ‫أمرتك الخير فافعل ما أمرت به‬
‫ول يجوز‪ :‬دعوت زيدا‪ ،‬أي دعوت لزيد‪ ،‬لنه يؤدي إلى التلبيس‪ ،‬فيعتبر في هذا النوع السماع‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا يكون فففي اليففة دليففل على جواز اتخاذ الظئر إذا اتفففق الباء والمهات على‬
‫ذلك‪ .‬وقد قال عكرمة في قوله تعالى‪" :‬ل تضار والدة" معناه الظئر‪ ،‬حكاه ابن عطية‪ .‬والصل أن‬
‫كفل أم يلزمهفا رضاع ولدهفا كمفا أخفبر ال عفز وجفل‪ ،‬فأمفر الزوجات بإرضاع أولدهفن‪ ،‬وأوجفب‬
‫لهن على الزواج النفقة والكسوة والزوجية قائمة‪ ،‬فلو كان الرضاع على الب لذكره مع ما ذكره‬
‫مففن رزقهففن وكسففوتهن‪ ،‬إل أن مالكففا رحمففه ال دون فقهاء المصففار اسففتثنى الحسففيبة فقال‪ :‬ل‬
‫يلزمها رضاعفه‪ .‬فأخرجها من الية وخصفصها بأصفل من أصفول الفقه وهو العمل بالعادة‪ .‬وهذا‬
‫أصفل لم يتفطفن له إل مالك‪ .‬والصفل البديفع فيفه أن‪ ،‬هذا أمفر كان ففي الجاهليفة ففي ذوي الحسفب‬
‫وجاء السفففلم فلم يغيره‪ ،‬وتمادى ذوو الثروة والحسفففاب على تفريفففغ المهات للمتعفففة بدففففع‬
‫الرضعاء للمراضع إلى زمانه فقال به‪ ،‬وإلى زماننا فتحققناه شرعا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إذا سفلمتم" يعنفي الباء‪ ،‬أي سفلمتم الجرة إلى المرضعفة الظئر‪ ،‬قاله سففيان‪.‬‬
‫مجاهفد‪ :‬سفلمتم إلى المهات أجرهفن بحسفاب مفا أرضعفن إلى وقفت إرادة السفترضاع‪ .‬وقرأ السفتة‬
‫مفن السفبعة "مفا آتيتفم" بمعنفى مفا أعطيتفم‪ .‬وقرأ ابفن كثيفر "أتيتفم" بمعنفى مفا جئتفم وفعلتفم‪ ،‬كمفا قال‬
‫زهير‪:‬‬
‫توارثه آباء آبائهم قبل‬ ‫وما كان من خير أتوه فإنما‬
‫قال قتادة والزهري‪ :‬المعنفى سفلمتم مفا أتيتفم مفن إرادة السفترضاع‪ ،‬أي سفلم كفل واحفد مفن البويفن‬
‫ورضفي‪ ،‬وكان ذلك على اتفاق منهمفا وقصفد خيفر وإرادة معروف مفن المفر‪ .‬وعلى هذا الحتمال‬
‫فيدخفل ففي الخطاب "سفلمتم" الرجال والنسفاء‪ ،‬وعلى القوليفن المتقدميفن الخطاب للرجال‪ .‬قال أبفو‬
‫علي‪ :‬المعنففى إذا سففلمتم مففا آتيتففم نقده أو إعطاءه‪ ،‬فحذف المضاف وأقيففم الضميففر مقامففه‪ ،‬فكان‬
‫التقدير‪ :‬ما آتيتموه‪ ،‬ثم حذف الضمير من الصلة‪ ،‬وعلى هذا التأويل فالخطاب للرجال‪ ،‬لنهم الذين‬
‫يعطون أجففر الرضاع‪ .‬قال أبففو علي‪ :‬ويحتمففل أن تكون "مففا" مصففدرية‪ ،‬أي إذا سففلمتم التيان‪،‬‬
‫والمعنى كالول‪ ،‬لكن يستغني عن الصفة من حذف المضاف ثم حذف الضمير‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 234 :‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا‬
‫فإذا بلغن أجلهن فل جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف وال بما تعملون خبير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذيفن يتوفون منكفم" لمفا ذكفر عفز وجفل عدة الطلق واتصفل بذكرهفا ذكفر‬
‫الرضاع‪ ،‬ذكفففر عدة الوفاة أيضفففا؛ لئل يتوهفففم أن عدة الوفاة مثفففل عدة الطلق‪" .‬والذيفففن" أي‬
‫والرجال الذيفففن يموتون منكفففم‪" .‬ويذرون أزواجفففا" أي يتركون أزواجفففا‪ ،‬أي ولهفففم زوجات؛‬
‫فالزوجات "يتربصفن"؛ قال معناه الزجاج واختاره النحاس‪ .‬وحذف المبتدأ ففي الكلم كثيفر؛ كقوله‬
‫تعالى‪" :‬قفل أفأنبئكفم بشفر مفن ذلكفم النار" [الحفج‪ ]72 :‬أي هفو النار‪ .‬وقال أبفو علي الفارسفي‪:‬‬
‫تقديره والذيفن يتوفون منكفم ويذرون أزواجفا يتربصفن بعدهفم؛ وهفو كقولك‪ :‬السفمن منوان بدرهفم‪،‬‬
‫أي منوان منفه بدرهفم‪ .‬وقيفل‪ :‬التقديفر وأزواج الذيفن يتوفون منكفم يتربصفن؛ فجاءت العبارة ففي‬
‫غاية اليجاز وحكى المهدوي عن سيبويه أن المعنى‪ :‬وفيما يتلى عليكم الذين يتوفون‪ .‬وقال بعض‬
‫نحاة الكوففة‪ :‬الخفبر عفن "الذيفن" متروك‪ ،‬والقصفد الخبار عفن أزواجهفم بأنهفن يتربصفن؛ وهذا‬
‫اللفظ معناه الخبر عن المشروعية في أحد الوجهين كما تقدم‪.‬‬
‫@هذه اليففة فففي عدة المتوفففى عنهففا زوجهففا‪ ،‬وظاهرهففا العموم ومعناهففا الخصففوص‪ .‬وحكففى‬
‫المهدوي عن بعفض العلماء أن الية تناولت الحوامل ثفم نسفخ ذلك بقوله "وأولت الحمال أجلهن‬
‫أن يضعفن حملهفن" [الطلق‪ .]4 :‬وأكثففر العلماء على أن هذه اليفة ناسفخة لقوله عفز وجفل‪:‬‬
‫"والذيفن يتوفون منكفم ويذرون أزواجفا وصفية لزواجهفم متاعفا إلى الحول غيفر إخراج" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]240‬لن الناس أقاموا برهفة مفن السفلم إذا توففى الرجفل وخلف امرأتفه حامل أوصفى لهفا‬
‫زوجهفا بنفقفة سفنة وبالسفكنى مفا لم تخرج فتتزوج؛ ثفم نسفخ ذلك بأربعفة أشهفر وعشفر وبالميراث‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬ليس في هذا نسخ وإنما هو نقصان من الحول؛ كصلة المسافر لما نقصت من الربع‬
‫إلى الثنتين لم يكن هذا نسخا‪ .‬وهذا غلط بين؛ لنه إذا كان حكمها أن تعتد سنة إذا لم تخرج‪ ،‬فإن‬
‫خرجت لم تمنع‪ ،‬ثم أزيل هذا ولزمتها العدة أربعة أشهر وعشرا‪ .‬وهذا هو النسخ‪ ،‬وليست صلة‬
‫المسفافر مفن هذا ففي شيفء‪ .‬وقفد قالت عائشفة رضفي ال عنهفا‪ :‬فرضفت الصفلة ركعتيفن ركعتيفن‪،‬‬
‫فزيد في صلة الحضر وأقرت صلة السفر بحالها؛ وسيأتي‪.‬‬
‫@عدة الحامل المتوفى عنها زوجها وضع حملها عند جمهور العلماء‪ .‬وروي عن علي بن أبي‬
‫طالب وابن عباس أن تمام عدتها آخر الجلين؛ واختاره سحنون من علمائنا‪ ،.‬وقد روي عن ابن‬
‫عباس أنفه رجفع عفن هذا‪ .‬والحجفة لمفا روي عفن على وابفن عباس روم الجمفع بيفن قوله تعالى‪:‬‬
‫"والذيففن يتوفون منكففم ويذرون أزواجففا يتربصففن بأنفسففهن أربعففة أشهففر وعشرا" وبيففن قوله‪:‬‬
‫"وأولت الحمال أجلهن أن يضعن حملهن" [الطلق‪ ]4 :‬وذلك أنها إذا قعدت أقصى الجلين فقد‬
‫عملت بمقتضى اليتين‪ ،‬وإن اعتدت بوضع الحمل فقد تركت العمل بآية عدة الوفاة‪ ،‬والجمع أولى‬
‫من الترجيح باتفاق أهل الصول‪ .‬وهذا نظر حسن لول ما يعكر عليه من حديث سبيعة السلمية‬
‫وأنها نفست بعفد وفاة زوجهفا بليال‪ ،‬وأنها ذكرت ذلك لرسول ال صلى ال عليه وسلم فأمرهفا أن‬
‫تتزوج؛ أخرجفه ففي الصفحيح‪ .‬ففبين الحديفث أن قوله تعالى‪" :‬وأولت الحمال أجلهفن أن يضعفن‬
‫حملهفن" محمول على عمومفه ففي المطلقات والمتوففى عنهفن أزواجهفن‪ ،‬وأن عدة الوفاة مختصفة‬
‫بالحائل مفن الصفنفين؛ ويعتضفد هذا بقول ابفن مسفعود‪ :‬ومفن شاء باهلتفه أن آيفة النسفاء القصفرى‬
‫نزلت بعد آية عدة الوفاة‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬وظاهر كلمه أنها ناسخة لها وليس ذلك مراده‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وإنما يعني أنها مخصصة لها؛ فإنها أخرجت منها بعض متناولتها‪ .‬وكذلك حديث سبيعة متأخر‬
‫عن عدة الوفاة؛ لن قصة سبيعة كانت بعد حجة الوداع‪ ،‬وزوجها هو سعد بن خولة وهو من بني‬
‫عامفر بن لؤي وهو ممفن شهفد بدرا‪ ،‬توففي بمكفة حينئذ وهفي حامفل‪ ،‬وهفو الذي رثفى له رسفول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم من أن توفي بمكة‪ ،‬وولدت بعده بنصف شهر‪ .‬وقال البخاري‪ :‬بأربعين ليلة‪.‬‬
‫وروى مسلم من حديث عمر بن عبدال بن الرقم أن سبيعة سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عفن ذلك قالت‪ :‬فأفتانفي بأنفي قفد حللت حيفن وضعفت حملي‪ ،‬وأمرنفي بالتزوج إن بدا لي‪ .‬قال ابفن‬
‫شهاب‪ :‬ول أرى بأسا أن تتزوج حين وضعت وإن كانت في دمها‪ ،‬غير أن زوجها ل يقربها حتى‬
‫تطهفر؛ وعلى هذا جمهور العلماء وأئمفة الفقهاء‪ .‬وقال الحسفن والشعفبي والنخعفي وحماد‪ :‬ل تنكفح‬
‫النفسففاء مففا دامففت فففي دم نفاسففها‪ .‬فاشترطوا شرطيففن‪ :‬وضففع الحمففل‪ ،‬والطهففر مففن دم النفاس‪.‬‬
‫والحديفث حجفة عليهفم‪ ،‬ول حجفة لهفم ففي قوله‪( :‬فلمفا تعلت مفن نفاسفها تجملت للخطاب) كمفا ففي‬
‫صحيح مسلم وأبي داود؛ لن (تعلت) وإن كان أصله‪ ،‬طهرت من دم نفاسها على ما قاله الخليل ‪-‬‬
‫فيحتمل أن يكون المراد به ههنا تعلت من آلم نفاسها؛ أي استقلت من أوجاعها‪ .‬ولو سلم أن معناه‬
‫مفا قال الخليفل فل حجفة فيفه؛ وإنمفا الحجفة ففي قوله عليفه السفلم لسفبيعة‪( :‬قفد حللت حيفن وضعفت)‬
‫فأوقفع الحفل ففي حيفن الوضفع وعلقفه عليفه‪ ،‬ولم يقفل إذا انقطفع دمفك ول إذا طهرت؛ فصفح مفا قاله‬
‫الجمهور‪.‬‬
‫ول خلف بيفن العلماء على أن أجفل كفل حامفل مطلقفة يملك الزوج رجعتهفا أو ل يملك‪ ،‬حرة‬
‫كانت أو أمة أو مدبرة أو مكاتبة أن تضع حملها‪.‬‬
‫واختلفوا ففي أجفل الحامفل المتوففى عنهفا كمفا تقدم؛ وقفد أجمفع الجميفع بل خلف بينهفم أن رجل‬
‫لو توفي وترك امرأة حامل فانقضت أربعة أشهر وعشر أنها ل تحل حتى تلد؛ فعلم أن المقصود‬
‫الولدة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يتربصفن" التربفص‪ :‬التأنفي والتصفبر عفن النكاح‪ ،‬وترك الخروج عفن مسفكن‬
‫النكاح وذلك بأل تفارقففه ليل‪ .‬ولم يذكففر ال تعالى السففكنى للمتوفففى عنهففا فففي كتابففه كمففا ذكرهففا‬
‫للمطلقفة بقوله تعالى‪" :‬أسفكنوهن" وليفس ففي لففظ العدة ففي كتاب ال تعالى مفا يدل على الحداد‪،‬‬
‫وإنمففا قال‪" :‬يتربصففن" فففبينت السففنة جميففع ذلك‪ .‬والحاديففث عففن النففبي صففلى ال عليففه وسففلم‬
‫متظاهرة بأن التربص في الوفاة إنما هو بإحداد‪ ،‬وهو المتناع عن الزينة ولبس المصبوغ الجميل‬
‫والطيب ونحوه‪ ،‬وهذا قول جمهور العلماء‪ .‬وقال الحسن بن أبي الحسن‪ :‬ليس الحداد بشيء‪ ،‬إنما‬
‫تتربص عن الزوج‪ ،‬ولها أن تتزين وتتطيب؛ وهذا ضعيف لنه خلف السنة على ما نبينه إن شاء‬
‫ال تعالى‪ .‬وثبفت أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال للفريعفة بنفت مالك بفن سفنان وكانفت متوففى‬
‫عنهفا‪( :‬امكثفي ففي بيتفك حتفى يبلغ الكتاب أجله) قالت‪ :‬فاعتددت فيفه أربعفة أشهفر وعشرا؛ وهذا‬
‫حديفث ثابفت أخرجفه مالك عفن سفعيد بفن إسفحاق بفن كعفب بفن عجرة‪ ،‬رواه عنفه مالك والثوري‬
‫ووهيفب بفن خالد وحماد بفن زيفد وعيسفى بفن يونفس وعدد كثيفر وابفن عيينفة والقطان وشعبفة‪ ،‬وقفد‬
‫رواه مالك عن ابن شهاب‪ ،‬وحسبك‪ ،‬قال الباجي‪ :‬لم يرو عنه غيره‪ ،‬وقد أخذ به عثمان بن عفان‪.‬‬
‫قال أبفو عمفر‪ :‬وقضفى بفه ففي اعتداد المتوففى عنهفا ففي بيتهفا‪ ،‬وهفو حديفث معروف مشهور عنفد‬
‫علماء الحجاز والعراق أن المتوفى عنها زوجها عليها أن تعتد في بيتها ول تخرج عنه‪ ،‬وهو قول‬
‫جماعفة فقهاء المصفار بالحجاز والشام والعراق ومصفر‪ .‬وكان داود يذهفب إلى أن المتوففى عنهفا‬
‫زوجهفا ليفس عليهفا أن تعتفد ففي بيتهفا وتعتفد حيفث شاءت‪ ،‬لن السفكنى إنمفا ورد بفه القرآن ففي‬
‫المطلقات؛ ومففن حجتففه أن المسففألة مسففألة خلف‪ .‬قالوا‪ :‬وهذا الحديففث إنمففا ترويففه امرأة غيففر‬
‫معروفة بحمل العلم؛ وإيجاب السكنى إيجاب حكم‪ ،‬والحكام ل تجب إل بنص كتاب ال أو سنة أو‬
‫إجماع‪ .‬قال أبففو عمففر‪ :‬أمففا السففنة فثابتففة بحمففد ال‪ ،‬وأمففا الجماع فمسففتغنى عنففه بالسففنة؛ لن‬
‫الختلف إذا نزل ففي مسفألة كانفت الحجفة ففي قول مفن وافقتفه السفنة‪ ،‬وبال التوفيفق‪ :‬وروي عفن‬
‫علي وابن عباس وجابر وعائشة مثل قول داود؛ وبه قال جابر بن زيد وعطاء والحسن البصري‪.‬‬
‫قال ابفن عباس‪ :‬إنمفا قال ال تعالى‪" :‬يتربصفن بأنفسفهن أربعفة أشهفر وعشرا" ولم يقفل يعتددن ففي‬
‫بيوتهفن‪ ،‬ولتعتفد حيفث شاءت؛ وروي عفن أبفي حنيففة‪ .‬وذكفر عبدالرزاق قال‪ :‬حدثنفا معمفر عفن‬
‫الزهري عن عروة قال‪ :‬خرجت عائشة بأختها أم كلثوم ‪ -‬حين قتل عنها زوجها طلحة بن عبيدال‬
‫‪ -‬إلى مكة في عمرة‪ ،‬وكانت تفتي المتوفى عنها زوجها بالخروج في عدتها‪ .‬قال‪ :‬وحدثنا الثوري‬
‫عن عبيدال بن عمر أنه سمع القاسم بن محمد يقول‪ :‬أبى الناس ذلك عليها‪ .‬قال‪ :‬وحدثنا معمر عن‬
‫الزهري قال‪ :‬أخفذ المترخصفون ففي المتوففى عنهفا زوجهفا بقول عائشفة‪ ،‬وأخفذ أهفل الورع والعزم‬
‫بقول ابفن عمفر‪ .‬وففي الموطفأ‪ :‬أن عمفر بفن الخطاب كان يرد المتوففى عنهفن أزواجهفن مفن البيداء‬
‫يمنعهففن الحففج‪ .‬وهذا مففن عمففر رضففي ال عنففه اجتهاد؛ لنففه كان يرى اعتداد المرأة فففي منزل‬
‫زوجها المتوفى عنها لزما لها؛ وهو مقتضى القرآن والسنة‪ ،‬فل يجوز لها أن تخرج في حج ول‬
‫عمرة حتى تنقضي عدتها‪ .‬وقال مالك‪ :‬ترد ما لم تحرم‪.‬‬
‫@إذا كان الزوج يملك رقبة المسكن فإن للزوجة العدة فيه؛ وعليه أكثر الفقهاء‪ :‬مالك وأبو حنيفة‬
‫والشافعفي وأحمفد وغيرهفم لحديفث الفريعفة‪ .‬وهفل يجوز بيفع الدار‪ ،‬إذا كانفت ملكفا للمتوففى وأراد‬
‫ذلك الورثة؛ فالذي عليه جمهور أصحابنا أن ذلك جائز‪ ،‬ويشترط فيه العدة للمرأة‪ .‬قال ابن القاسم‪:‬‬
‫لنهفا أحفق بالسفكنى مفن الغرماء‪ .‬وقال محمفد بفن الحكفم‪ :‬البيفع فاسفد؛ لنهفا قفد ترتاب فتمتفد عدتهفا‪.‬‬
‫وجفه قول ابفن القاسفم‪ :‬أن الغالب السفلمة‪ ،‬والريبفة نادرة وذلك ل يؤثفر ففي فسفاد العقود؛ فإن وقفع‬
‫البيفع فيفه بهذا الشرط فارتابفت‪ ،‬قال مالك ففي كتاب محمفد‪ :‬هفي أحفق بالمقام حتفى تنقضفي الريبفة‪،‬‬
‫وأحب إلينا أن يكون للمشتري الخيار في فسخ البيع أو إمضائه ول يرجع بشيء؛ لنه دخل على‬
‫العدة المعتادة‪ ،‬ولو وقع البيع بشرط زوال الريبة كان فاسدا‪ .‬وقال سحنون‪ :‬ل حجة للمشترى وإن‬
‫تمادت الريبة إلى خمس سنين؛ لنه دخل على العدة والعدة قد تكون خمس سنين؛ ونحو هذا روى‬
‫أبو زيد عن ابن القاسم‪.‬‬
‫@فإن كان للزوج السكنى دون الرقبة‪ ،‬فلها السكنى في مدة العدة‪ ،‬خلفا لبي حنيفة والشافعي؛‬
‫لقوله عليفه السفلم للفريعفة ‪ -‬وقفد علم أن زوجهفا ل يملك رقبفة المسفكن ‪( : -‬امكثفي ففي بيتفك حتفى‬
‫يبلغ الكتاب أجله)‪ .‬ل يقال إن المنزل كان لهفا‪ ،‬فلذلك قال لهفا‪( :‬امكثفي ففي بيتفك) فإن معمرا روى‬
‫عن الزهري أنها ذكرت للنبي صلى ال عليه وسلم أن زوجها قتل‪ ،‬وأنه تركها في مسكن ليس لها‬
‫واستأذنته؛ وذكر الحديث‪ .‬ولنا من جهة المعنى أنه ترك دارا يملك سكناها ملكا ل تبعة عليه فيه؛‬
‫فلزم أن تعتد الزوجة فيه؛ أصل ذلك إذا ملك رقبتها‪.‬‬
‫وهذا إذا كان قد أدى الكراء‪ ،‬وأما إذا كان لم يؤد الكراء فالذي في المدونة‪ :‬إنه ل سكنى لها في‬
‫مال الميفت وإن كان موسفرا؛ لن حقهفا إنمفا يتعلق بمفا يملكفه مفن السفكنى ملكفا تامفا‪ ،‬ومفا لم ينقفد‬
‫عوضفه لم يملكفه ملكفا تامفا‪ ،‬وإنمفا ملك العوض الذي بيده‪ ،‬ول حفق ففي ذلك للزوجفة إل بالميراث‬
‫دون السكنى؛ لن ذلك مال وليس بسكنى‪ .‬وروى محمد عن مالك أن الكراء لزم للميت في ماله‪.‬‬
‫قوله صفلى ال عليفه وسفلم للفريعفة‪( :‬امكثفي ففي بيتفك حتفى يبلغ الكتاب أجله) يحتمفل أنفه أمرهفا‬
‫بذلك لما كان زوجها قد أدى كراء المسكن‪ ،‬أو كان أسكن فيه إلى وفاته‪ ،‬أو أن أهل المنزل أباحوا‬
‫لها العدة فيه بكراء أو غير كراء‪ ،‬أو ما شاء ال تعالى من ذلك مما رأى به أن المقام لزم لها فيه‬
‫حتى تنقضي عدتها‪.‬‬
‫@واختلفوا ففي المرأة يأتيهفا نعفي زوجهفا وهفي ففي بيفت غيفر بيفت زوجهفا؛ فأمرهفا بالرجوع إلى‬
‫مسكنه وقراره مالك بن أنس؛ وروى ذلك عن عمر بن عبدالعزيز رضي ال عنه‪ .‬وقال سعيد بن‬
‫المسفيب والنخعفي‪ :‬تعتفد حيفث أتاهفا الخفبر‪ ،‬ل تفبرح منفه حتفى تنقضفي العدة‪ .‬قال ابفن المنذر‪ :‬قول‬
‫مالك صحيح‪ ،‬إل أن يكون نقلها الزوج إلى مكان فتلزم ذلك المكان‪.‬‬
‫@ويجوز لها أن تخرج في حوائجها من وقت انتشار الناس بكرة إلى وقت هدوئهم بعد العتمة‪،‬‬
‫ول تفبيت إل ففي ذلك المنزل‪ .‬وففي البخاري ومسفلم عفن أم عطيفة أن رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم قال‪( :‬ل تحفد امرأة على ميفت فوق ثلث إل على زوج أربعفة أشهفر وعشرا‪ ،‬ول تلبفس ثوبفا‬
‫مصفبوغا إل ثوب عصفب‪ ،‬ول تكتحفل‪ ،‬ول تمفس طيبفا إل إذا طهرت نبذة مفن قسفط أو أظفار)‪.‬‬
‫وففي حديفث أم حبيبفة‪( :‬ل يحفل لمرأة تؤمفن بال واليوم الخفر تحفد على ميفت فوق ثلث إل على‬
‫زوج أربعففة أشهففر وعشرا‪ )...‬الحديففث‪ .‬الحداد‪ :‬ترك المرأة الزينففة كلهففا مففن اللباس والطيففب‬
‫والحلي والكحل والخضاب بالحناء ما دامت في عدتها؛ لن الزينة داعية إلى الزواج‪ ،‬فنهيت عن‬
‫ذلك قطعففا للذرائع‪ ،‬وحمايففة لحرمات ال تعالى أن تنتهففك‪ ،‬وليففس دهففن المرأة رأسففها بالزيففت‬
‫والشيرج من الطيب في شيء‪ .‬يقال‪ :‬امرأة حاد ومحد‪ .‬قال الصمعي‪ :‬ولم نعرف (حدت)‪ .‬وفاعل‬
‫(ل يحل) المصدر الذي يمكن صياغته من (تحد) مع (أن) المرادة؛ فكأنه قال‪ :‬الحداد‪.‬‬
‫@وصفه عليه السلم المرأة باليمان يدل على صحة أحد القولين عندنا في الكتابية المتوفى عنها‬
‫زوجهفا أنهفا ل إحداد عليها؛ وهو قول ابن كنانفة وابن نافع‪ ،‬ورواه أشهفب عن مالك‪ ،‬وبه قال أبو‬
‫حنيففة وابفن المنذر‪ ،‬وروي عفن ابفن القاسفم أن عليهفا الحداد‪ ،‬كالمسفلمة؛ وبفه قال الليفث والشافعفي‬
‫وأبو ثور وعامة أصحابنا؛ لنه حكم من أحكام العدة فلزمت الكتابية للمسلم كلزوم المسكن والعدة‪.‬‬
‫@وفي قوله عليه السلم‪( :‬فوق ثلث إل على زوج) دليل على تحريم إحداد المسلمات على غير‬
‫أزواجهففن فوق ثلث‪ ،‬وإباحففة الحداد عليهففم ثلثففا تبدأ بالعدد مففن الليلة التففي تسففتقبلها إلى آخففر‬
‫ثالثها؛ فإن مات حميمها في بقية يوم أو ليلة ألغته وحسبت من الليلة القابلة‪.‬‬
‫@هذا الحديفث بحكفم عمومفه يتناول الزوجات كلهفن المتوففى عنهفن أزواجهفن‪ ،‬فيدخفل فيفه الماء‬
‫والحرائر والكبار والصغار؛ وهو مذهب الجمهور من العلماء‪ .‬وذهب أبو حنيفة إلى أنه ل إحداد‬
‫على أمة ول على صغيرة؛ حكاه عنه القاضي أبو الوليد الباجي‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬أما المة الزوجة‬
‫فهفي داخلة ففي جملة الزواج وففي عموم الخبار؛ وهو قول مالك والشافعفي وأبفي ثور وأصفحاب‬
‫الرأي؛ ول أحففظ ففي ذلك عفن أحفد خلففا‪ ،‬ول أعلمهفم يختلفون ففي الحداد على أم الولد إذا مات‬
‫سفيدها؛ لنهفا ليسفت بزوجفة‪ ،‬والحاديفث إنمفا جاءت ففي الزواج‪ .‬قال الباجفي‪ :‬الصفغيرة إذا كانفت‬
‫ممن تعقل المر والنهي وتلتزم ما حد لها أمرت بذلك‪ ،‬وإن كانت ل تدرك شيئا من ذلك لصغرها‬
‫فروى ابفن مزيفن عفن عيسفى يجنبهفا أهلهفا جميفع مفا تجتنبفه الكفبيرة‪ ،‬وذلك لزم لهفا‪ .‬والدليفل على‬
‫وجوب الحداد على الصفغيرة مفا روي أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم سفألته امرأة عفن بنفت لهفا‬
‫توفي عنها زوجها فاشتكت عينها أفتكحلها؟ فقال النبي صلى ال عليه وسلم (ل) مرتين أو ثلثا؛‬
‫كل ذلك يقول (ل) ولم يسأل عن سنها؛ ولو كان الحكم يفترق بالصغر والكبر لسأل عن سنها حتى‬
‫يفبين الحكفم‪ ،‬وتأخيفر البيان ففي مثفل هذا ل يجوز‪ ،‬وأيضفا فإن كفل مفن لزمتهفا العدة بالوفاة لزمهفا‬
‫الحداد كالكبيرة‪.‬‬
‫@قال ابن المنذر‪ :‬ول أعلم خلفا أن الخضاب داخل في جملة الزينة المنهي عنها‪ .‬وأجمعوا على‬
‫أنفه ل يجوز لهفا لباس الثياب المصفبغة والمعصففرة‪ ،‬إل مفا صفبغ‪ ،‬بالسفواد فإنفه رخفص فيفه عروة‬
‫بفن الزبيفر ومالك والشافعفي‪ ،‬وكرهفه الزهري‪ .‬وقال الزهري‪ :‬ل تلبفس ثوب عصفب‪ ،‬وهفو خلف‬
‫الحديث‪ .‬وفي المدونة قال مالك‪ :‬ل تلبس رقيق عصب اليمن؛ ووسع في غليظه‪ .‬قال ابن القاسم‪:‬‬
‫لن رقيقفه بمنزلة الثياب المصفبغة وتلبفس رقيفق الثياب وغليظفه مفن الحريفر والكتان والقطفن‪ .‬قال‬
‫ابن المنذر‪ :‬ورخص كل من أحفظ عنه في لباس البياض؛ قال القاضي عياض‪ :‬ذهب الشافعي إلى‬
‫أن كل صبغ كان زينة ل تمسه الحاد رقيقا كان أو غليظا‪ .‬ونحوه للقاضي عبدالوهاب قال‪ :‬كل ما‬
‫كان مفن اللوان تتزيفن بفه النسفاء لزواجهفن فلتمتنفع منفه الحاد‪ .‬ومنفع بعفض‪ ،‬مشايخنفا المتأخريفن‬
‫جيد البياض الذي يتزين به‪ ،‬وكذلك الرفيع من السواد‪ .‬وروى ابن المواز عن مالك‪ :‬ل تلبس حليا‬
‫وإن كان حديدا؛ وفي الجملة أن كل ما تلبسه المرأة على وجه ما يستعمل عليه الحلي من التجمل‬
‫فل تلبسه الحاد‪ .‬ولم ينص أصحابنا على الجواهر واليواقيت والزمرد وهو داخل في معنى الحلي‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@وأجمفع الناس على وجوب الحداد على المتوففى عنهفا زوجهفا‪ ،‬إل الحسفن فإنفه قال‪ :‬ليفس‬
‫بواجب؛ واحتج بما رواه عبدال بن شداد بن الهاد عن أسماء بنت عميس قالت‪ :‬لما أصيب جعفر‬
‫بن أبي طالب قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬تسلبي ثلثا ثم اصنعي ما شئت)‪ .‬قال ابن‬
‫المنذر‪ :‬كان الحسففن البصففري مففن بيففن سففائر أهففل العلم ل يرى الحداد‪ ،‬وقال‪ :‬المطلقففة ثلثففا‬
‫والمتوفى عنها زوجها تكتحلن وتختضبان وتصنعان ما شاءا‪ .‬وقد ثبتت الخبار عن النبي صلى‬
‫ال عليفه وسفلم بالحداد‪ ،‬وليفس لحفد بلغتفه إل التسفليم؛ ولعفل الحسفن لم تبلغفه‪ ،‬أو بلغتفه فتأولهفا‬
‫بحديفث أسفماء بنفت عميفس أنهفا اسفتأذنت النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أن تحفد على جعففر وهفى‬
‫امرأته؛ فأذن لهفا ثلثة أيام ثفم بعفث إليها بعد ثلثة أيام أن تطهري واكتحلي‪ .‬قال ابن المنذر؛ وقد‬
‫دفع أهل العلم هذا الحديث بوجوبه؛ وكان أحمد بن حنبل يقول‪ :‬هذا الشاذ من الحديث ل يؤخذ به؛‬
‫وقاله إسحاق‪.‬‬
‫@ذهب مالك والشافعي إلى أن ل إحداد على مطلقة رجعية كانت أو بائنة واحدة‪ .‬أو أكثر؛ وهو‬
‫قول ربيعفة وعطاء‪ .‬وذهفب الكوفيون‪ :‬أبفو حنيففة وأصفحابه والثوري والحسفن بفن حفي‪ ،‬وأبفو ثور‬
‫وأبو عبيد؟؟ أن المطلقة ثلثا عليها الحداد؛ وهو قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وابن‬
‫سفيرين والحكفم بن عيينة‪ .‬قال الحكفم‪ :‬هو عليها أوكفد وأشد منه على المتوففى عنها زوجها؛ ومن‬
‫جهفة المعنفى أنهمفا جميعفا ففي عدة يحففظ بهفا النسفب‪ .‬وقال الشافعفي وأحمفد وإسفحاق‪ :‬الحتياط أن‬
‫تتقي المطلقة الزينة‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وفي قول النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل يحل لمرأة تؤمن‬
‫بال واليوم الخفر أن تحفد على ميفت فوق ثلث إل على زوج أربعفة أشهفر وعشرا) دليفل على أن‬
‫المطلقة ثلثا والمطلِق حيّ ل إحداد عليها‪.‬‬
‫@أجمع العلماء على أن من طلق زوجته طلقا يملك رجعتها ثم توفي قبل انقضاء العدة أن عليها‬
‫عدة الوفاة وترثه‪ .‬واختلفوا في عدة المطلقة ثلثا في المرض؛ فقالت طائفة تعتد عدة الطلق؛ هذا‬
‫قول مالك والشافعي ويعقوب وأبي عبيد وأبي ثور‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وبه نقول؛ لن ال تعالى جعل‬
‫عدة المطلقات القراء‪ ،‬وقد أجمعوا على المطلقة ثلثا لو ماتت لم يرثها المطلق‪ ،‬وذلك لنها غير‬
‫زوجفة؛ وإذا كانفت غيفر زوجفة فهفو غيفر زوج لهفا‪ .‬وقال الثوري‪ :‬تعتفد بأقصفى العدتيفن‪ .‬وقال‬
‫النعمان ومحمد‪ :‬عليها أربعة أشهر وعشر تستكمل في ذلك ثلث حيض‪.‬‬
‫@واختلفوا ففي المرأة يبلغهفا وفاة زوجهفا أو طلقفه؛ فقالت طائففة‪ :‬العدة ففي الطلق والوفاة مفن‬
‫يوم يموت أو يطلق؛ هذا قول ابففن عمففر وابففن مسففعود وابففن عباس‪ ،‬وبففه قال مسففروق وعطاء‬
‫وجماعفة مفن التابعيفن‪ ،‬وإليفه ذهفب مالك والشافعفي وأحمفد وإسفحاق وأبفو عبيفد والثوري وأبفو ثور‬
‫وأصحاب الرأي وابن المنذر‪ .‬وفيه قول ثان وهو أن عدتها من يوم يبلغها الخبر؛ روي هذا القول‬
‫عفن علي‪ ،‬وبفه قال الحسفن البصفري وقتادة وعطاء الخراسفاني وجلس بفن عمرو‪ .‬وقال سفعيد بفن‬
‫المسيب وعمر بن عبدالعزيز‪ :‬إن قامت بينة فعدتها من يوم مات أو طلق‪ ،‬وإن لم تقم بينة فمن يوم‬
‫يأتيهفا الخفبر؛ والصفحيح الول‪ ،‬لنفه تعالى علق العدة بالوفاة أو الطلق‪ ،‬ولنهفا لو علمفت بموتفه‬
‫فتركفت الحداد انقضفت العدة‪ ،‬فإذا تركتفه مفع عدم العلم فهفو أهون؛ أل ترى أن الصفغيرة تنقضفي‬
‫عدتها ول إحداد عليها‪ .‬وأيضا فقد أجمع العلماء على أنها لو كانت‪ .‬حامل ل تعلم طلق الزوج أو‬
‫وفاته ثم وضعت حملها أن عدتها منقضية‪ .‬ول فرق بين هذه المسألة وبين المسألة المختلف فيها‪.‬‬
‫ووجفه مفن قال بالعدة مفن يوم يبلغهفا الخفبر‪ ،‬أن العدة عبادة بترك الزينفة وذلك ل يصفح إل بقصفد‬
‫ونية‪ ،‬والقصد ل يكون إل بعد العلم‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@عدة الوفاة تلزم الحرة والمفة والصفغيرة والكفبيرة والتفي لم تبلغ المحيفض‪ ،‬والتفي حاضفت‬
‫واليائسفة مفن المحيفض والكتابيفة ‪ -‬دخفل بهفا أو لم يدخفل بهفا إذا كانفت غيفر حامفل ‪ -‬وعدة جميعهفن‬
‫إل المفة أربعفة أشهفر وعشرة أيام؛ لعموم اليفة ففي قوله تعالى‪" :‬يتربصفن بأنفسفهن أربعفة أشهفر‬
‫وعشرا"‪ .‬وعدة المفة المتوففى عنهفا زوجهفا شهران وخمفس ليال‪ .‬قال ابفن العربفي‪ :‬نصفف عدة‬
‫الحرة إجماعا‪ ،‬إل ما يحكى عن الصم فإنه سوى فيها بين الحرة والمة وقد سبقه الجماع‪ ،‬لكن‬
‫لصممه لم يسمع‪ .‬قال الباجي‪ :‬ول نعلم في ذلك خلفا إل ما يروى عن ابن سيرين‪ ،‬وليس بالثابت‬
‫عنه أنه قال‪ :‬عدتها عدة الحرة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول الصم صحيح من حيث النظر؛ فإن اليات الواردة في عدة الوفاة والطلق بالشهر‬
‫والقراء عامة في حق المة والحرة؛ فعدة الحرة والمة سواء على هذا النظر؛ فإن العمومات ل‬
‫فصل فيها بين الحرة والمة‪ ،‬وكما استوت المة والحرة في النكاح فكذلك تستوي معها في العدة‪.‬‬
‫وال أعلم‪ .‬قال ابفن العربفي‪ :‬وروي عفن مالك أن الكتابيفة تعتفد بثلث حيفض إذ يفبرأ الرحفم؛ وهذا‬
‫منه فاسد جدا‪ ،‬لنه أخرجها من عموم آية الوفاة وهي منها وأدخلها في عموم آية الطلق وليست‬
‫منها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعليفه بناء مفا ففي المدونفة ل عدة عليهفا إن كانفت غيفر مدخول بهفا؛ لنفه قفد علم براءة‬
‫رحمهفا‪ ،‬هذا يقتضفي أن تتزوج مسفلما أو غيره إثفر وفاتفه؛ لنفه إذا لم يكفن عليهفا عدة للوفاة ول‬
‫استبراء للدخول فقد حلت للزواج‪.‬‬
‫@واختلفوا في عدة أم الولد إذا توفى عنها سيدها؛ فقالت طائفة‪ :‬عدتها أربعة أشهر وعشر؛ قاله‬
‫جماعففة مففن التابعيففن منهففم سففعيد والزهري والحسففن البصففري وغيرهففم‪ ،‬وبففه قال الوزاعففي‬
‫وإسحاق‪ .‬وروى أبو داود والدارقطني عن قبيصة بن ذؤيب عن عمرو بن العاص قال‪ :‬ل تلبسوا‬
‫علينا سنة نبينا صلى ال عليه وسلم‪ ،‬عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشر؛ يعني في أم‬
‫الولد؛ لففظ أبفي داود‪ .‬وقال الدارقطنفي‪ :‬موقوف‪ .‬وهفو الصفواب‪ ،‬وهفو مرسفل لن قبيصفة لم يسفمع‬
‫مفن عمرو‪ .‬قال ابفن المنذر‪ :‬وضعفف أحمفد وأبفو عبيفد هذا الحديفث‪ .‬وروي عفن علي وابفن مسفعود‬
‫أن عدتها ثلث حيض؛ وهو قول عطاء وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأصحاب الرأي؛ قالوا‪:‬‬
‫لنهففا عدة تجففب فففي حال الحريففة‪ ،‬فوجففب أن تكون عدة كاملة؛ أصففله عدة الحرة‪ .‬وقال مالك‬
‫والشافعفي وأحمفد وأبفو ثور‪ :‬عدتهفا حيضفة؛ وهفو قول ابفن عمفر‪ .‬وروي عفن طاوس أن عدتهفا‬
‫نصف عدة الحرة المتوفى عنها؛ وبه قال قتادة‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وبقول ابن عمر أقول؛ لنه القل‬
‫مما قيل فيه وليس فيه سنة تتبع ول إجماع يعتمد عليه‪ .‬وذكر اختلفهم في عدتها في العتق كهو‬
‫في الوفاة سواء‪ ،‬إل أن الوزاعي جعل عدتها في العتق ثلث حيض‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أصفح هذه القوال قول مالك‪ ،‬لن ال سفبحانه قال‪" :‬والمطلقات يتربصفن بأنفسفهن ثلثفة‬
‫قروء" [البقرة‪ ]228 :‬فشرط في تربص القراء أن يكون عن طلق؛ فانتفى بذلك أن يكون عن‬
‫غيره‪ .‬وقال‪" :‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا" فعلق‬
‫وجوب ذلك بكون المتربصففة زوجففة؛ فدل على أن المففة بخلفهففا‪ .‬وأيضففا فإن هذه أمففة موطوءة‬
‫بملك اليمين فكان استبراؤها بحيضة؛ أصل ذلك المة‪.‬‬
‫إذا ثبفت هذا فهفل عدة أم الولد اسفتبراء محفض أو عدة؛ فالذي ذكره أبفو محمفد ففي معونتفه أن‬
‫الحيضة استبراء وليست بعدة‪ .‬وفي المدونة أن أم الولد عليها العدة‪ ،‬وأن عدتها حيضة كعدة الحرة‬
‫ثلث حيض‪ .‬وفائدة الخلف أنا إذا قلنا هي عدة فقد قال مالك‪ :‬ل أحب أن تواعد أحدا ينكحها حتى‬
‫تحيفض حيضفة‪ .‬قال ابفن القاسفم‪ :‬وبلغنفي عنفه أنفه قال‪ :‬ل تفبيت إل ففي بيتهفا؛ فأثبفت لمدة اسفتبرائها‬
‫حكم العدة‪.‬‬
‫@أجمفع أهفل العلم على أن نفقفة المطلقفة ثلثفا أو مطلقفة للزوج عليهفا رجعفة وهفي حامفل واجبفة؛‬
‫لقوله تعالى‪" :‬وإن كن أولت حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن" [الطلق‪.]6 :‬‬
‫واختلفوا في وجوب نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها؛ فقالت طائفة‪ :‬ل نفقة لها؛ كذلك قال جابر‬
‫بفن عبدال وابفن عباس وسفعيد بفن المسفيب وعطاء والحسفن وعكرمفة وعبدالملك بفن يعلى ويحيفى‬
‫النصفاري وربيعفة ومالك وأحمفد وإسفحاق‪ ،‬وحكفى أبفو عبيفد ذلك عفن أصفحاب الرأي‪ .‬وفيفه قول‬
‫ثان وهفو أن لهفا النفقفة مفن جميفع المال؛ وروي هذا القول عفن علي وعبدال وبفه قال ابفن عمرو‬
‫وشريفح وابفن سفيرين والشعفبي وأبفو العاليفة والنخعفي وجلس بفن عمرو وحماد بفن أبفي سفليمان‬
‫وأيوب السفختياني وسفيان الثوري وأبفو عبيفد‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬وبالقول الول أقول؛ لنهفم أجمعوا‬
‫على أن نفقفة كفل مفن كان يجفبر على نفقتفه وهفو حفي مثفل أولده الطفال وزوجتفه ووالديفه تسفقط‬
‫عنه؛ فكذلك تسقط عنه نفقة الحامفل مفن أزواجفه‪ .‬وقال القاضي أبو محمفد‪ :‬لن نفقة الحمل ليسفت‬
‫بديففن ثابففت فتتعلق بماله بعففد موتففه‪ ،‬بدليففل أنهففا تسففقط عنففه بالعسففار فبأن تسففقط بالموت أولى‬
‫وأحرى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أربعة أشهر وعشرا" اختلف العلماء في الربعة الشهر والعشر التي جعلها ال‬
‫ميقاتا لعدة المتوفى عنها زوجها‪ ،‬هل تحتاج فيها إلى حيضة أم ل؛ فقال بعضهم‪ :‬ل تبرأ إذا كانت‬
‫ممفن توطفأ إل بحيضفة تأتفي بهفا ففي الربعفة الشهفر والعشفر‪ ،‬وإل فهفي مسفترابة‪ .‬وقال آخرون‪:‬‬
‫ليس عليها أكثر من أربعة أشهر وعشر‪ ،‬إل أن تستريب نفسها ريبة بينة؛ لن هذه المدة ل بد فيها‬
‫مفن الحيفض ففي الغلب مفن أمفر النسفاء إل أن تكون المرأة ممفن ل تحيفض أو ممفن عرففت مفن‬
‫نفسها أو عرف منها أن حيضتها ل تأتيها إل في أكثر من هذه المدة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وعشرا" روى وكيفع عن أبفي جعففر الرازي عفن الربيفع بفن أنفس عن أبفى العاليفة‬
‫أنه سئل‪ :‬لم ضمت العشر إلى الربعة الشهر؟ قال‪ :‬لن الروح تنفخ فيها‪ ،‬وسيأتي في الحج بيان‬
‫هذا إن شاء ال تعالى‪ .‬وقال الصفمعي‪ :‬ويقال إن ولد كفل حامفل يرتكفض ففي نصفف حملهفا فهفي‬
‫مركض‪ .‬وقال غيره‪ :‬أركضت فهي مركضة وأنشد‪:‬‬
‫تهان لها الغلمة والغلم‬ ‫ومركضة صريحي أبوها‬
‫وقال الخطابي‪ :‬قوله "وعشرا" يريد ‪ -‬وال أعلم ‪ -‬اليام بلياليها‪ .‬وقال المبرد‪ :‬إنما أنث العشر لن‬
‫المراد بففه المدة‪ .‬المعنففى وعشففر مدد‪ ،‬كففل مدة مففن يوم وليلة‪ ،‬فالليلة مففع يومهففا مدة معلومففة مففن‬
‫الدهففر‪ .‬وقيففل‪ :‬لم يقففل عشرة تغليبففا لحكففم الليالي إذ الليلة أسففبق مففن اليوم واليام فففي ضمنهففا‪.‬‬
‫"وعشرا" أخف في اللفظ؛ فتغلب الليالي على اليام إذا اجتمعت في التاريخ‪ ،‬لن ابتداء الشهور‬
‫بالليففل عنففد السففتهلل‪ ،‬فلمففا كان أول الشهففر الليلة غلب الليلة؛ تقول‪ :‬صففمنا خمسففا مففن الشهففر؛‬
‫فتغلب الليالي وإن كان الصفوم بالنهار‪ .‬وذهفب مالك والشافعفي والكوفيون إلى أن المراد بهفا اليام‬
‫والليالي‪ .‬قال ابففن المنذر‪ :‬فلو عقففد عاقففد عليهففا النكاح على هذا القول وقففد مضففت أربعففة أشهففر‬
‫وعشفر ليالي كان باطل حتفى يمضفي اليوم العاشفر‪ .‬وذهفب بعفض الفقهاء إلى أنفه إذا انقضفى لهفا‬
‫أربعفة أشهفر وعشفر ليالي حلت للزواج‪ ،‬وذلك لنفه رأى العدة مبهمفة فغلب التأنيفث وتأولهفا على‬
‫الليالي‪ .‬وإلى هذا ذهفب الوزاعفي مفن الفقهاء وأبفو بكفر الصفم مفن المتكلميفن‪ .‬وروي عفن ابفن‬
‫عباس أنه قرأ "أربعة أشهر وعشر ليال "‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإذا بلغفن أجلهفن فل جناح عليكفم فيمفا فعلن ففي أنفسفهن بالمعروف وال بمفا‬
‫تعملون خبير"‬
‫فيه ثلث مسائل‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أضاف تعالى الجل إليهن إذ هو محدود مضروب في أمرهن‪ ،‬وهو عبارة عن انقضاء‬
‫العدة‪.‬‬
‫الثانيففة‪ :‬قوله تعالى‪" :‬فل جناح عليكففم" خطاب لجميففع الناس‪ ،‬والتلبففس بهذا الحكففم هففو للحكام‬
‫والولياء‪" .‬فيما فعلن" يريد به التزوج فما دونه من التزين واطراح الحداد‪" .‬بالمعروف" أي بما‬
‫أذن فيفه الشرع مفن اختيار أعيان الزواج وتقديفر الصفداق دون مباشرة العقفد؛ لنفه حفق للولياء‬
‫كما تقدم‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬وفي هذه الية دليل على أن للولياء منعهن من التبرج والتشوف للزوج في زمان العدة‪.‬‬
‫وفيهفا رد على إسفحاق ففي قوله‪ :‬إن المطلقفة إذا طعنفت ففي الحيضفة الثالثفة بانفت وانقطعفت رجعفة‬
‫الزوج الول‪ ،‬إل أنفه ل يحفل لهفا أن تتزوج حتفى تغتسفل‪ .‬وعفن شريفك أن لزوجهفا الرجعفة مفا لم‬
‫تغتسففل ولو بعففد عشريففن سففنة؛ قال ال تعالى‪" :‬فإذا بلغففن أجلهففن فل جناح عليكففم فيمففا فعلن فففي‬
‫أنفسهن" وبلوغ الجل هنا انقضاء العدة بدخولها في الدم من الحيضة الثالثة ولم يذكر غسل؛ فإذا‬
‫انقضفت عدتهفا حلت للزواج ول جناح عليهفا فيمفا فعلت مفن ذلك‪ .‬والحديفث عفن ابفن عباس لو‬
‫صح يحتمل أن يكون منه على الستحباب‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 235 :‬ول جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم ال‬
‫أنكم ستذكرونهن ولكن ل تواعدوهن سرا إل أن تقولوا قول معروفا ول تعزموا عقدة النكاح حتى‬
‫يبلغ الكتاب أجله واعلموا أن ال يعلم ما في أنفسكم فاحذروه واعلموا أن ال غفور حليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول جناح" أي ل إثم‪ ،‬والجناح الثم‪ ،‬وهو أصح في الشرع وقيل‪ :‬بل هو المر‬
‫الشاق‪ ،‬وهو أصح في اللغة؛ قال الشماخ‪:‬‬
‫تذكر ما لديه من الجناح‬ ‫إذا تعلو براكبها خليجا‬
‫وقوله تعالى‪" :‬عليكم فيما عرضتم به" المخاطبة لجميع الناس؛ والمراد بحكمها هو الرجل الذي‬
‫ففي نفسه تزوج معتدة‪ ،‬أي ل وزر عليكفم ففي التعريفض بالخطبفة ففي عدة الوفاة‪ .‬والتعريفض‪ :‬ضفد‬
‫التصريح‪ ،‬وهو إفهام المعنى بالشيء المحتمل له ولغيره وهو من عرض الشيء وهو جانبه؛ كأنه‬
‫يحوم به على الشيء ول يظهره‪ .‬وقيل؛ هو من قولك عرضت الرجل‪ ،‬أي أهديت إليه تحفة‪ ،‬وفي‬
‫الحديث‪ :‬أن ركبا من المسلمين عرضوا رسول ال صلى ال عليه وسلم وأبا بكر ثيابا بيضا؛ أي‬
‫أهدوا لهما‪ .‬فالمعرض بالكلم يوصل إلى صاحبه كلما يفهم معناه‪.‬‬
‫@قال ابن عطية‪ :‬أجمعت المة على أن الكلم مع المعتدة بما هو نص في تزوجها وتنبيه عليه ل‬
‫يجوز‪ ،‬وكذلك أجمعفت المفة على أن الكلم معهفا بمفا هفو رففث وذكفر جماع أو تحريفض عليفه ل‬
‫يجوز‪ ،‬وكذلك ما أشبهه‪ ،‬وجوز ما عدا ذلك‪ .‬ومن أعظمه قربا إلى التصريح قول النبي صلى ال‬
‫عليفه وسفلم لفاطمفة بنفت قيفس‪( :‬كونفي عنفد أم شريفك ول تسفبقيني بنفسفك)‪ .‬ول يجوز التعريفض‬
‫لخطبة الرجعية إجماعا لنها كالزوجة‪ .‬وأما من كانت في عدة البينونة فالصحيح جواز التعريض‬
‫لخطبتها وال أعلم‪ .‬وروي في تفسير التعريض ألفاظ كثيرة جماعها يرجع إلى قسمين‪ :‬الول‪ :‬أن‬
‫يذكرهفا لوليهفا يقول له ل تسفبقني بهفا‪ .‬والثانفي‪ :‬أن يشيفر بذلك إليهفا دون واسفطة؛ فيقول لهفا‪ :‬إنفي‬
‫أريفد التزويفج؛ أو إنفك لجميلة‪ ،‬إنفك لصفالحة‪ ،‬إن ال لسفائق إليفك خيرا‪ ،‬إنفي فيفك لراغفب‪ ،‬ومفن‬
‫يرغب عنك‪ ،‬إنك لنافقة‪ ،‬وإن حاجتي في النساء‪ ،‬وإن يقدر ال أمرا يكن‪ .‬هذا هو تمثيل مالك وابن‬
‫شهاب‪ .‬وقال ابفن عباس‪ :‬ل بأس أن يقول‪ :‬ل تسفبقيني بنفسفك‪ ،‬ول بأس أن يهدي إليهفا‪ ،‬وأن يقوم‬
‫بشغلهفا ففي العدة إذا كانفت مفن شأنفه؛ قاله إبراهيفم‪ .‬وجائز أن يمدح نفسفه ويذكفر مآثره على وجفه‬
‫التعريض بالزواج؛ وقد فعله أبو جعفر محمد بن علي بن حسين‪ ،‬قالت سكينة بنت حنظلة استأذن‬
‫علي محمفد بفن علي ولم تنقفض عدتفي مفن مهلك زوجفي فقال‪ :‬قفد عرففت قرابتفي مفن رسفول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم وقرابتي من علي وموضعي في العرب‪ .‬قلت‪ ،‬غفر ال لك يا أبا جعفر‪ ،‬إنك‬
‫رجفل يؤخفذ عنفك‪ ،‬تخطبنفي ففي عدتفي‪ ،‬قال‪ :‬إنمفا أخبرتفك بقرابتفي مفن رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسلم ومن علي‪ .‬وقد دخل رسول ال صلى ال عليه وسلم على أم سلمة وهي متأيمة من أبى سلمة‬
‫فقال‪( :‬لقففد علمففت أنففي رسففول ال وخيرتففه وموضعففي فففي قومففي) كانففت تلك خطبففة؛ أخرجففه‬
‫الدارقطني‪ .‬والهدية إلى المعتدة جائزة‪ ،‬وهي من التعريض؛ قاله سحنون وكثير من العلماء وقاله‬
‫إبراهيفم‪ .‬وكره مجاهفد أن يقول لهفا‪ :‬ل تسفبقيني بنفسفك ورآه مفن المواعدة سفرا‪ .‬قال القاضفي أبفو‬
‫محمد بن عطية‪ :‬وهذا عندي على أن يتأول قول النبي صلى ال عليه وسلم لفاطمة أنه على جهة‬
‫الرأي لها فيمن يتزوجها ل أنه أرادها لنفسه وإل فهو خلف لقول النبي صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬من خطبة النساء" الخطبة (بكسر الخاء)‪ :‬فعل الخاطب من كلم وقصد واستلطاف‬
‫بفعل أو قول‪ .‬يقال‪ :‬خطبها يخطبها خطبا وخطبة‪ .‬ورجل خطاب كثير التصرف في الخطبة؛ ومنه‬
‫قول الشاعر‪:‬‬
‫يقول إني خاطب وقد كذب‬ ‫برح بالعينين خطاب الكثب‬
‫وإنما يخطب عسا من حلب‬
‫والخطيفب‪ :‬الخاطفب‪ .‬والخطيفبى‪ :‬الخطبفة؛ قال‪ :‬عدي بفن زيفد يذكفر قصفد جذيمفة البرش لخطبفة‬
‫الزباء‪:‬‬
‫وهن ذوات غائلة لحينا‬ ‫لخطيبي التي غدرت وخانت‬
‫والخطفب؛ الرجفل الذي يخطفب المرأة؛ ويقال أيضفا‪ :‬هفي خطبفه وخطبتفه التفي يخطبهفا‪ .‬والخطبفة‬
‫فعلة كجلسفة وقعدة‪ :‬والخطبفة (بضفم الخاء) هفي الكلم الذي يقال ففي النكاح وغيره‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫والخطبة ما كان لها أول وآخر؛ وكذا ما كان على فعلة نحو الكلة والضغطة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو أكننتم في أنفسكم" معناه سترتم وأضمرتم من التزوج بها بعد انقضاء عدتها‪.‬‬
‫والكنان‪ :‬السففتر والخفاء؛ يقال‪ :‬كننتففه وأكننتففه بمعنففى واحففد‪ .‬وقيففل‪ ،:‬كننتففه أي صففنته حتففى ل‬
‫تصيبه آفة وإن لم يكن مستورا؛ ومنه بيض مكنون ودر مكنون‪ .‬وأكننته أسررته وسترته‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫كننفت الشيفء (مفن الجرام) إذا سفترته بثوب أو بيفت أو أرض ونحوه‪ .‬وأكننفت المفر ففي نفسفي‪.‬‬
‫ولم يسفمع مفن العرب "كننتفه ففي نفسفي"‪ .‬ويقال‪ :‬أكفن البيفت النسفان؛ ونحفو هذا‪ .‬فرففع ال الجناح‬
‫عمففن أراد تزوج المعتدة مففع التعريففض ومففع الكنان‪ ،‬ونهففى عففن المواعدة التففي هففي تصففريح‬
‫بالتزويففج وبناء عليففه واتفاق على وعففد‪ .‬ورخففص لعلمففه تعالى بغلبففة النفوس وطمحهففا وضعففف‬
‫البشر عن ملكها‪.‬‬
‫@اسفتدلت الشافعيفة بهذه اليفة على أن التعريفض ل يجفب فيفه حفد؛ وقالوا‪ :‬لمفا رففع ال تعالى‬
‫الحرج ففي التعريفض ففي النكاح دل على أن التعريفض بالقذف ل يوجفب الحفد؛ لن ال سفبحانه لم‬
‫يجعففل التعريفض فففي النكاح مقام التصففريح‪ .‬قلنففا‪ :‬هذا سففاقط لن ال سففبحانه وتعالى لم يأذن فففي‬
‫التصففريح بالنكاح فففي الخطبففة‪ ،‬وأذن فففي التعريففض الذي يفهففم منففه النكاح‪ ،‬فهذا دليففل على أن‬
‫التعريفض يفهفم منفه القذف؛ والعراض يجفب صفيانتها‪ ،‬وذلك يوجفب حفد المعرض؛ لئل يتطرق‬
‫الفسقة إلى أخذ العراض بالتعريض الذي يفهم منه ما يفهم بالتصريح‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬علم ال أنكفم سفتذكرونهن" أي إمفا سفرا وإمفا إعلنفا ففي نفوسفكم وبألسفنتكم؛‬
‫فرخص في التعريض دون التصريح‪ .‬الحسن‪ :‬معناه ستخطبونهن‪" .‬ولكن ل تواعدوهن سرا" أي‬
‫على سر فحذف الحرف؛ لنه مما يتعدى إلى مفعولين أحدهما بحرف جر‪.‬‬
‫واختلف العلماء فففي معنففى قوله تعالى‪" :‬سففرا" فقيففل؛ معناه نكاحففا‪ ،‬أي ل يقففل الرجففل لهذه‬
‫المعتدة تزوجينففي؛ بففل يعرض إن أراد‪ ،‬ول يأخففذ ميثاقهففا وعهدهففا أل تنكففح غيره فففي اسففتسرار‬
‫وخفيفة؛ هذا قول ابفن عباس وابففن جفبير ومالك وأصفحابه والشعففبي ومجاهففد وعكرمفة والسفدي‬
‫وجمهور أهففل العلم‪" .‬وسففرا" على هذا التأويففل نصففب على الحال‪ ،‬أي مسففتسرين‪ .‬وقيففل‪ :‬السففر‬
‫الزنفا‪ ،‬أي ل يكونفن منكفم مواعدة على الزنفا ففي العدة ثفم التزوج بعدهفا‪ .‬قال معناه جابر بفن زيفد‬
‫وأبو مجلز لحق بن حميد‪ ،‬والحسن وقتادة والنخعي والضحاك‪ ،‬وأن السر في هذه الية الزنا‪ ،‬أي‬
‫ل تواعدوهن زنا‪ ،‬واختاره الطبري؛ ومنه قول العشى‪:‬‬
‫عليك حرام فأنكحن أو تأبدا‬ ‫فل تقربن جارة إن سرها‬
‫وقال الحطيئة‪:‬‬
‫ويأكل جارهم أنف القصاع‬ ‫ويحرم سر جارتهم عليهم‬
‫وقيففل‪ :‬السففر الجماع‪ ،‬أي ل تصفففوا أنفسففكم لهففن بكثرة الجماع ترغيبففا لهففن فففي النكاح فإن ذكففر‬
‫الجماع مع غير الزوج فحش؛ هذا قول الشافعي‪ .‬وقال امرؤ القيس‪:‬‬
‫كبرت وأل يحسن السر أمثالي‬ ‫أل زعمت بسباسة اليوم أنني‬
‫وقال رؤبة‪:‬‬
‫فكف عن إسرارها بعد العسق‬
‫أي كفف عفن جماعهفا بعفد ملزمتفه لذلك‪ .‬وقفد يكون السفر عقدة النكاح‪ ،‬سفرا كان أو جهرا‪ ،‬قال‬
‫العشى‪:‬‬
‫ولن يسلموها لزهادها‬ ‫فلن يطلبوا سرها للغنى‬
‫وأراد أن يطلبوا نكاحها لكثرة مالها‪ ،‬ولن يسلموها لقلة مالها‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬معنى قوله "ولكن ل‬
‫تواعدوهن سرا" أن ل تنكحوهن وتكتمون ذلك؛ فإذا حلت أظهرتموه ودخلتم بهن؛ وهذا هو معنى‬
‫القول الول؛ فابفن زيفد على هذا قائل بالقول الول؛ وإنمفا شفذ ففي أن سفمى العقفد مواعدة‪ ،‬وذلك‬
‫قلق‪ .‬وحكى مكي والثعلبي عنه أنه قال‪ :‬الية منسوخة بقوله تعالى‪" :‬ول تعزموا عقدة النكاح"‪.‬‬
‫@قال القاضفي أبفو محمفد بفن عطيفة‪ :‬أجمعفت المفة على كراهفة المواعدة ففي العدة للمرأة ففي‬
‫نفسفها‪ ،‬وللب ففي ابنتفه البكفر‪ ،‬وللسفيد ففي أمتفه‪ .‬قال ابفن المواز‪ :‬وأمفا الولي الذي ل يملك الجفبر‬
‫فأكرهفه وإن نزل لم أفسفخه‪ .‬وقال مالك رحمفه ال فيمفن يواعفد ففي العدة ثفم يتزوج بعدهفا‪ :‬فراقهفا‬
‫أحفب إلي‪ ،‬دخل بها أو لم يدخل‪ ،‬وتكون تطليقفة واحدة؛ فإذا حلت خطبهفا مفع الخطاب؛ هذه رواية‬
‫ابفن وهب‪ .‬وروى أشهفب عفن مالك أنفه يفرق بينهمفا إيجابفا؛ وقاله ابن القاسفم‪ .‬وحكفى ابفن الحارث‬
‫مثله عفن ابفن الماجشون‪ ،‬وزاد مفا يقتضفي أن التحريفم يتأبفد‪ .‬وقال الشافعفي‪ :‬إن صفرح بالخطبفة‬
‫وصرحت له بالجابة ولم يعقد النكاح حتى تنقضي العدة فالنكاح ثابت والتصريح لها مكروه لن‬
‫النكاح حادث بعد الخطبة؛ قاله ابن المنذر‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل أن تقولوا قول معروفا" استثناء منقطع بمعنى لكن؛ كقوله" إل خطأ" [النساء‪:‬‬
‫‪ ]92‬أي لكن خطأ‪ .‬والقول المعروف هو ما أبيح من التعريض‪ .‬وقد ذكر الضحاك أن من القول‬
‫المعروف أن يقول للمعتدة‪ :‬احبسي علي نفسك فإن لي بك رغبة؛ فتقول هي‪ :‬وأنا مثل ذلك؛ وهذا‬
‫شبه المواعدة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تعزموا عقدة النكاح" قد تقدم القول في معنى العزم؛ يقال‪ :‬عزم الشيء وعزم‬
‫عليفه‪ .‬والمعنفى هنفا‪ :‬ول تعزموا على عقدة النكاح‪ .‬ومفن المفر البيفن أن القرآن أفصفح كلم؛ فمفا‬
‫ورد فيففه فل معترض عليففه‪ ،‬ول يشففك فففي صففحته وفصففاحته؛ وقففد قال ال تعالى‪" :‬وإن عزموا‬
‫الطلق" [البقرة‪ ]227 :‬وقال هنفا‪" :‬ول تعزموا عقدة النكاح" والمعنفى‪ :‬ل تعزموا على عقدة‬
‫النكاح فففي زمان العدة ثففم حذف على مففا تقدم‪ .‬وحكففى سففيبويه‪ :‬ضرب فلن الظهففر والبطففن؛ أي‬
‫على‪ .‬قال سفففيبويه‪ :‬والحذف ففففي هذه الشياء ل يقاس عليفففه‪ .‬قال النحاس‪ :‬ويجوز أن يكون "ول‬
‫تعقدوا عقدة النكاح"؛ لن معنى "تعزموا" وتعقدوا واحد‪ .‬ويقال‪" :‬تعزموا" بضم الزاي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حتى يبلغ الكتاب أجله" يريد تمام العدة‪ .‬والكتاب هنا هو الحد الذي جعل والقدر‬
‫الذي رسفم مفن المدة؛ سفماها كتابفا إذ قفد حده وفرضفه كتاب ال كمفا قال "كتاب ال عليكفم" وكمفا‬
‫قال‪" :‬إن الصلة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا" [النساء‪ .]103 :‬فالكتاب‪ :‬الفرض‪ ،‬أي حتى‬
‫يبلغ الفرض أجله؛ "كتفب عليكفم الصفيام" [البقرة‪ ]183 :‬أي فرض‪ .‬وقيفل‪ ، :‬ففي الكلم حذف‪،‬‬
‫أي حتففى يبلغ فرض الكتاب أجله؛ فالكتاب على هذا التأويففل بمعنففى القرآن‪ .‬وعلى الول ل حذف‬
‫فهو أولى‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@حرم ال تعالى عقفد النكاح ففي العدة بقوله تعالى‪" :‬ول تعزموا عقدة النكاح حتفى يبلغ الكتاب‬
‫أجله" وهذا من المحكم المجمع على تأويله‪ ،‬أن بلوغ أجله انقضاء العدة‪ .‬وأباح التعريض في العدة‬
‫بقوله‪" :‬ول جناح عليكفم فيمفا عرضتفم بفه مفن خطبفة النسفاء" اليفة‪ .‬ولم يختلف العلماء ففي إباحفة‬
‫ذلك‪ ،‬واختلفوا فففي ألفاظ التعريففض على مففا تقدم‪ .‬واختلفوا فففي الرجففل يخطففب امرأة فففي عدتهففا‬
‫جاهل‪ ،‬أو يواعدها ويعقد بعد العدة؛ وقد تقدم هذا في الية التي قبلها‪ .‬واختلفوا إن عزم العقدة في‬
‫العدة وعثر عليه ففسخ الحاكم نكاحه؛ وذلك قبل الدخول وهي‪:‬‬
‫فقول عمفر بفن الخطاب وجماعفة مفن العلماء أن ذلك ل يؤبفد تحريمفا‪ ،‬وأنفه يكون خاطبفا مفن‬
‫الخطاب؛ وقاله مالك وابففن القاسففم فففي المدونففة فففي آخففر الباب الذي يليففه [ضرب أجففل المفقود]‪.‬‬
‫وحكى ابن الجلب عن مالك رواية أن التحريم يتأبد في العقد وإن فسخ قبل الدخول؛ ووجهه أنه‬
‫نكاح ففي العدة فوجفب أن يتأبفد بفه التحريفم؛ أصفله إذا بنفى بهفا‪ .‬وأمفا إن عقفد ففي العدة ودخفل بعفد‬
‫انقضائها وهي‪:‬‬
‫فقال قوم مفن أهفل العلم‪ :‬ذلك كالدخول ففي العدة؛ يتأبفد التحريفم بينهمفا‪ .‬وقال قوم مفن أهفل العلم‪:‬‬
‫ل يتأبفد بذلك تحريفم‪ .‬وقال مالك‪ :‬يتأبفد التحريفم‪ .‬وقال مرة‪ :‬ومفا التحريفم بذلك بالبيفن؛ والقولن له‬
‫في المدونة في طلق السنة‪ .‬وأما إن دخل في العدة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫فقال مالك والليث والوزاعي‪ :‬يفرق بينهما ول تحل له أبدا‪ .‬قال مالك والليث‪ :‬ول بملك اليمين؛‬
‫مفع أنهفم جوزوا التزويفج بالمزنفي بهفا‪ .‬واحتجوا بأن عمفر بفن الخطاب قال‪ :‬ل يجتمعان أبدا‪ .‬قال‬
‫سففعيد‪ :‬ولهففا مهرهففا بمففا اسففتحل مففن فرجهففا؛ أخرجففه مالك فففي موطئه وسففيأتي‪ .‬وقال الثوري‬
‫والكوفيون والشافعي‪ :‬يفرق بينهما ول يتأبد التحريم بل يفسخ بينهما ثم تعتد منه‪ ،‬ثم يكون خاطبا‬
‫مفن الخطاب‪ .‬واحتجوا بإجماع العلماء على أنفه لو زنفى بهفا لم يحرم عليفه تزويجهفا؛ فكذلك وطؤه‬
‫إياها في العدة‪ .‬قالوا‪ :‬وهو قول علي‪ .‬ذكره عبدالرزاق‪ .‬وذكر عن ابن مسعود مثله؛ وعن الحسن‬
‫أيضا‪ .‬وذكر عبدالرزاق عن الثوري عن أشعث عن الشعبي عن مسروق أن عمر رجع عن ذلك‬
‫وجعلهما يجتمعان‪ .‬وذكر القاضفي أبو الوليد الباجي في المنتقى فقال‪ :‬ل يخلو الناكح ففي العدة إذا‬
‫بنفى بهفا أن يبنفي بهفا ففي العدة أو بعدهفا؛ فإن كان بنفى بهفا ففي العدة فإن المشهور مفن المذهفب أن‬
‫التحريفم يتأبفد؛ وبفه قال أحمفد بفن حنبفل‪ .‬وروى الشيفخ أبفو القاسفم ففي تفريعفه أن ففي التفي يتزوجهفا‬
‫الرجفل ففي عدة مفن طلق أو وفاة عالمفا بالتحريفم روايتيفن؛ إحداهمفا‪ :‬أن تحريمفه يتأبفد على مفا‬
‫قدمناه‪ .‬والثانية‪ :‬أنه زان وعليه الحد‪ ،‬ول يلحق به الولد‪ ،‬وله أن يتزوجها إذا انقضت عدتها؛ وبه‬
‫قال الشافعي وأبو حنيفة‪ .‬ووجه الرواية الولى ‪ -‬وهي المشهورة ‪ -‬ما ثبت من قضاء عمر بذلك‪،‬‬
‫وقيامفه بذلك ففي الناس‪ ،‬وكانفت قضاياه تسفير وتنتشفر وتنقفل ففي المصفار‪ ،‬ولم يعلم له مخالف؛‬
‫فثبفت أنفه إجماع‪ .‬قال القاضفي أبفو محمفد‪ :‬وقفد روي مثفل ذلك عفن علي بفن أبفي طالب ول مخالف‬
‫لهمفا مفع شهرة ذلك وانتشاره؛ وهذا حكفم الجماع‪ .‬ووجفه الروايفة الثانيفة أن هذا وطفء ممنوع فلم‬
‫يتأبفد تحريمفه؛ كمفا لو زوجفت نفسفها أو تزوجفت متعفة أو زنفت‪ .‬وقفد قال القاضفي أبفو الحسفن‪ :‬إن‬
‫مذهففب مالك المشهور فففي ذلك ضعيففف مففن جهففة النظففر‪ .‬وال أعلم‪ .‬وأسففند أبففو عمففر‪ :‬حدثنففا‬
‫عبدالوارث بفن سففيان حدثنفا قاسفم بفن أصفبغ عفن محمفد بفن إسفماعيل عفن نعيفم بفن حماد عفن ابفن‬
‫المبارك عفن أشعفث عفن الشعفبي عفن مسفروق قال‪ :‬بلغ عمفر بفن الخطاب أن امرأة مفن قريفش‬
‫تزوجها رجل من ثقيف في عدتها فأرسل إليهما ففرق بينهما وعاقبهما وقال‪ :‬ل تنكحها أبدا وجعل‬
‫صفداقها ففي بيفت المال؛ وفشفا ذلك ففي الناس فبلغ عليفا فقال‪ :‬يرحفم ال أميفر المؤمنيفن‪ ،‬مفا بال‬
‫الصفداق وبيفت المال‪ ،‬إنمفا جهل فينبغفي للمام أن يردهمفا إلى السفنة‪ .‬قيفل‪ :‬فمفا تقول أنفت فيهمفا؟‬
‫فقال‪ :‬لها الصداق بما استحل من فرجها‪ ،‬ويفرق بينهما ول جلد عليهما‪ ،‬وتكمل عدتها من الول‪،‬‬
‫ثفم تعتفد مفن الثانفي عدة كاملة ثلثفة أقراء ثفم يخطبهفا إن شاء‪ .‬فبلغ عمفر فخطفب الناس فقال‪ :‬أيهفا‬
‫الناس‪ ،‬ردوا الجهالت إلى السنة‪ .‬قال الكيا الطبري‪ :‬ول خلف بين الفقهاء أن من عقد على امرأة‬
‫نكاحهفا وهفي ففي عدة مفن غيره أن النكاح فاسفد‪ .‬وففي اتفاق عمفر وعلي على نففي الحفد عنهمفا مفا‬
‫يدل على أن النكاح الفاسفد ل يوجفب الحفد؛ إل أنفه مفع الجهفل بالتحريفم متففق عليفه‪ ،‬ومفع العلم بفه‬
‫مختلف فيه‪ .‬واختلفوا هل تعتد منهما جميعا‪ .‬وهذه مسألة العدتين وهي‪:‬‬
‫@فروى المدنيون عن مالك أنها تتم بقية عدتها من الول‪ ،‬وتستأنف عدة أخرى من الخر؛ وهو‬
‫قول الليفث والحسفن بفن حفي والشافعفي وأحمفد وإسفحاق‪ .‬وروي عفن علي كمفا ذكرنفا‪ ،‬وعفن عمفر‬
‫على مفا يأتفي‪ .‬وروى محمفد بفن القاسفم وابفن وهفب عفن مالك‪ :‬إن عدتهفا مفن الثانفي تكفيهفا مفن يوم‬
‫فرق بينه وبينها‪ ،‬سواء كانت بالحمل أو بالقراء أو بالشهور؛ وهو قول الثوري والوزاعي وأبي‬
‫حنيففة‪ .‬وحجتهفم الجماع على أن الول ل ينكحهفا ففي بقيفة العدة منفه؛ فدل على أنهفا ففي عدة مفن‬
‫الثانفي‪ ،‬ولول ذلك لنكحهفا ففي عدتهفا منفه‪ .‬أجاب الولون فقالوا‪ :‬هذا غيفر لزم لن منفع الول مفن‬
‫أن ينكحها في بقية عدتها إنما وجب لما يتلوها من عدة الثاني؛ وهما حقان قد وجبا عليها لزوجين‬
‫كسفائر حقوق الدمييفن‪ ،‬ل يدخفل أحدهمفا ففي صفاحبه‪ .‬وخرج مالك عفن ابفن شهاب عفن سفعيد بفن‬
‫المسفيب وعفن سفليمان بفن يسفار أن طليحفة السفدية كانفت تحفت رشيفد الثقففي فطلقهفا فنكحفت ففي‬
‫عدتها فضربها عمر بن الخطاب وضرب زوجها بالمخفقة ضربات وفرق بينهما؛ ثم قال عمر بن‬
‫الخطاب رضي ال عنه‪ :‬أيما امرأة نكحت في عدتها فإن كان زوجها الذي تزوج بها لم يدخل بها‬
‫فرق بينهمفا ثفم اعتدت بقيفة عدتهفا مفن الزوج الول‪ ،‬ثفم كان الخفر خاطبفا مفن الخطاب؛ وإن كان‬
‫دخل بها فرق بينهما ثم اعتدت بقية عدتها من الول‪ ،‬ثم اعتدت من الخر ثم ل يجتمعان أبدا‪ .‬قال‬
‫مالك‪ :‬وقال سعيد بن المسيب‪ :‬ولها مهرها بما استحل من فرجها‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬وأما طليحة هذه‬
‫فهفي طليحفة‪ ،‬بنفت عفبيدال أخفت طلحفة بفن عفبيدال التيمفي‪ ،‬وففي بعفض نسفخ الموطفأ مفن روايفة‬
‫يحيى‪ :‬طليحة السدية وذلك خطأ وجهل‪ ،‬ول أعلم أحدا قاله‪.‬‬
‫@قوله (فضربها عمر بالمخفقة وضرب زوجها ضربات) يريد على وجه العقوبة لما ارتكباه من‬
‫المحظور وهفو النكاح ففي العدة‪ .‬وقال الزهري‪ :‬فل أدري كفم بلغ ذلك الجلد‪ .‬قال‪ :‬وجلد عبدالملك‬
‫ففي ذلك كفل واحفد منهمفا أربعيفن جلدة‪ .‬قال‪ :‬فسفئل عفن ذلك قبيصفة بفن ذؤيفب فقال‪ :‬لو كنتفم خففتفم‬
‫فجلدتفم عشريفن‪ ،‬وقال ابفن حفبيب ففي التفي تتزوج ففي العدة فيمسفها الرجفل أو يقبفل أو يباشفر أو‬
‫يغمز أو ينظر على وجه اللذة أن على الزوجين العقوبة وعلى الولي وعلى الشهود ومن علم منهم‬
‫أنهفا ففي عدة‪ ،‬ومفن جهفل منهفم ذلك فل عقوبة عليفه‪ .‬وقال ابفن المواز‪ :‬يجلد الزوجان الحفد إن كانفا‬
‫تعمدا ذلك؛ فيحمففل قول ابففن حففبيب على مففن علم بالعدة‪ ،‬ولعله جهففل التحريففم ولم يتعمففد ارتكاب‬
‫المحظور فذلك الذي يعاقفففب؛ وعلى ذلك كان ضرب عمفففر المرأة وزوجهفففا بالمخفقفففة ضربات‪.‬‬
‫وتكون العقوبفة والدب ففي ذلك بحسفب حال المعاقفب‪ .‬ويحمفل قول ابفن المواز على أنهمفا علمفا‬
‫التحريفم واقتحمفا ارتكاب المحظور جرأة وإقدامفا‪ .‬وقفد قال الشيفخ أبفو القاسفم‪ :‬إنهمفا روايتان ففي‬
‫التعمد؛ إحداهما يحد‪ ،‬والثانية يعاقب ول يحد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واعلموا أن ال يعلم ما في أنفسكم فاحذروه" هذا نهاية التحذير من الوقوع فيما‬
‫نهى عنه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 236 :‬ل جناح عليكفم إن طلقتفم النسفاء مفا لم تمسفوهن أو تفرضوا لهفن فريضفة‬
‫ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل جناح عليكم إن طلقتم النساء" هذا أيضا من أحكام المطلقات؛ وهو ابتداء إخبار‬
‫برفففع الحرج عففن المطلق قبففل البناء والجماع‪ ،‬فرض مهرا أو لم يفرض؛ ولمففا نهففى رسففول ال‬
‫صففلى ال عليففه وسففلم عففن التزوج لمعنففى الذوق وقضاء الشهوة‪ ،‬وأمففر بالتزوج لطلب العصففمة‬
‫والتماس ثواب ال وقصفد دوام الصفحبة وقفع ففي نفوس المؤمنيفن أن مفن طلق قبفل البناء قفد واقفع‬
‫جزءا مففن هذا المكروه فنزلت اليففة رافعففة للجناح فففي ذلك إذا كان أصففل النكاح على المقصففد‬
‫الحسفن‪ .‬وقال قوم‪" :‬ل جناح عليكفم" معناه ل طلب لجميفع المهفر بفل عليكفم نصفف المفروض لمفن‬
‫فرض لها‪ ،‬والمتعة لمن لم يفرض لها‪ .‬وقيل‪ :‬لما كان أمر المهر مؤكدا في الشرع فقد يتوهم أنه ل‬
‫بد من مهر إما مسمى وإما مهر المثل؛ فرفع الحرج عن المطلق في وقت التطليق وإن لم يكن في‬
‫النكاح مهفر‪ .‬وقال قوم‪" :‬ل جناح عليكفم" معناه ففي أن ترسفلوا الطلق ففي وقفت الحيفض‪ ،‬بخلف‬
‫المدخول بها إذ غير المدخول بها ل عدة عليها‪.‬‬
‫@المطلقات أربفع‪ :‬مطلقفة مدخول بهفا مفروض لهفا وقفد ذكفر ال حكمهفا قبفل هذه اليفة وأنفه ل‬
‫يسفترد منهفا شيفء مفن المهفر‪ ،‬وأن عدتهفا ثلثفة قروء‪ .‬ومطلقفة غيفر مفروض لهفا ول مدخول بهفا‬
‫فهذه الية في شأنها ول مهر لها بل أمر الرب تعالى بإمتاعها وبين في سورة "الحزاب" أن غير‬
‫المدخول بها إذا طلقت فل عدة عليها‪ ،‬وسيأتي‪ .‬ومطلقة مفروض لها غير مدخول بها ذكرها بعد‬
‫هذه اليففة إذ قال‪" :‬وإن طلقتموهففن مففن قبففل أن تمسففوهن وقففد فرضتففم لهففن فريضففة"‪[ ،‬البقرة‪:‬‬
‫‪ ]237‬ومطلقة مدخول بها غير مفروض لها ذكرها ال في قوله‪" :‬فما استمتعتم به منهن فآتوهن‬
‫أجورهفن" [النسفاء‪]24:‬؛ فذكفر تعالى هذه اليفة والتفي بعدهفا مطلقفة قبفل المسفيس وقبفل الفرض‪،‬‬
‫ومطلقة قبفل المسفيس وبعفد الفرض؛ فجعل للولى المتعة‪ ،‬وجعل للثانيفة نصفف الصفداق لمفا لحق‬
‫الزوجة من دحض العقد‪ ،‬ووصم الحل الحاصل للزوج بالعقد؛ وقابل المسيس بالمهر الواجب‪.‬‬
‫@لمفا قسفم ال تعالى حال المطلقفة هنفا قسفمين‪ :‬مطلقفة مسفمى لهفا المهفر‪ ،‬ومطلقفة لم يسفم لهفا دل‬
‫على أن نكاح التفويفض جائز وهفو كفل نكاح عقفد مفن غيفر ذكفر الصفداق ول خلف فيفه‪ ،‬ويفرض‬
‫بعفد ذلك الصفداق فإن فرض التحفق بالعقفد وجاز وإن لم يفرض لهفا وكان الطلق لم يجفب صفداق‬
‫إجماعا قاله القاضي أبو بكر بن العربي‪ .‬وحكى المهدوي عن حماد بن أبي سليمان أنه إذا طلقها‬
‫ولم يدخل بها ولم يكن فرض لها أجبر على نصف صداق مثلها‪ .‬وإن فرض بعد عقد النكاح وقبل‬
‫وقوع الطلق فقال أبفو حنيففة‪ :‬ل يتنصفف بالطلق لنفه لم يجفب بالعقفد وهذا خلف الظاهفر مفن‬
‫قوله تعالى‪" :‬وإن طلقتموهففن مففن قبففل أن تمسففوهن وقففد فرضتففم لهففن فريضففة" [البقرة‪]237:‬‬
‫وخلف القياس أيضففا؛ فإن الفرض بعففد العقففد يلحففق بالعقففد فوجففب أن يتنصففف بالطلق؛ أصففله‬
‫الفرض المقترن بالعقد‪.‬‬
‫@إن وقع الموت قبل الفرض فذكر الترمذي عن ابن مسعود (أنه سئل عن رجل تزوج امرأة لم‬
‫يفرض لهفا ولم يدخفل بهفا حتفى مات فقال ابفن مسفعود‪ :‬لهفا مثفل صفداق نسفائها ل وكفس ول شطفط‬
‫وعليهفا العدة ولهفا الميراث فقام معقفل بفن سفنان الشجعفي فقال‪ :‬قضفى رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم ففي بروع بنفت واشفق امرأة منفا مثفل الذي قضيفت ففرح بهفا ابفن مسفعود)‪ .‬قال الترمذي‪:‬‬
‫حديث ابن مسعود حديث حسن صحيح‪ ،‬وقد روي عنه من غير وجه‪ ،‬والعمل على هذا عند بعض‬
‫أهفل العلم مفن أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وغيرهفم‪ ،‬وبفه يقول الثوري وأحمفد وإسفحاق‪،‬‬
‫وقال بعفض أهفل العلم مفن أصفحاب النفبي صفلى ال عليه وسفلم منهفم علي بفن أبفي طالب وزيفد بفن‬
‫ثابفت وابفن عباس وابفن عمفر‪( :‬إذا تزوج الرجفل امرأة ولم يدخفل بهفا ولم يفرض لهفا صفداقا حتفى‬
‫مات قالوا‪ :‬لهفا الميراث ول صفداق لهفا وعليهفا العدة) وهول قول الشافعفي‪ .‬وقال‪ :‬ولو ثبفت حديفث‬
‫بروع بنت واشق لكانت الحجة فيما روي عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬ويروى عن الشافعي أنه‬
‫رجع بمصر بعد عن هذا القول‪ ،‬وقال بحديث بروع بنت واشق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬اختلف ففي تثبيت حديث بروع؛ فقال القاضفي أبو محمد عبدالوهاب في شرح رسالة ابن‬
‫أبي زيد‪ :‬وأما حديث بروع بنت واشق فقد رده حفاظ الحديث وأئمة أهل العلم‪ .‬وقال الواقدي‪ :‬وقع‬
‫هذا الحديث بالمدينة فلم يقبله أحد من العلماء وصححه الترمذي كما ذكرنا عنه وابن المنذر‪ .‬قال‬
‫ابفن المنذر‪ :‬وقفد ثبفت مثفل قول عبدال بفن مسفعود عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وبفه نقول‪.‬‬
‫وذكفر أنفه قول أبفي ثور وأصفحاب الرأي‪ .‬وذكفر عفن الزهري والوزاعفي ومالك والشافعفي مثفل‬
‫قول علي وزيفد وابفن عباس وابفن عمفر‪ .‬وففي المسفألة قول ثالث وهفو أنفه ل يكون ميراث حتفى‬
‫يكون مهر؛ قاله مسروق‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومفن الحجفة لمفا ذهفب إليفه مالك أنفه فراق ففي نكاح قبفل الفرض فلم يجفب فيفه صفداق؛‬
‫أصله الطلق لكن إذا صح الحديث فالقياس في مقابلته فاسد‪ .‬وقد حكى أبو محمد عبدالحميد عن‬
‫المذهفب مفا يواففق الحديفث والحمفد ل‪ .‬وقال أبفو عمفر‪ :‬حديفث بروع رواه عبدالرزاق عفن الثوري‬
‫عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود الحديث‪ .‬وفيه‪ :‬فقام معقل بن سنان‪ .‬وقال فيه‬
‫ابفن مهدي عفن الثوري عفن فراس عفن الشعفبي عفن مسفروق عفن عبدال فقال معقفل بفن يسفار‪،‬‬
‫والصفواب عندي قول مفن قال‪ :‬معقفل بفن سفنان ل معقفل بفن يسفار لن معقفل بفن يسفار رجفل مفن‬
‫مزينة‪ ،‬وهذا الحديث إنما جاء في امرأة من أشجع ل من مزينة وكذلك رواه داود عن الشعبي عن‬
‫علقمة؛ وفيه‪ :‬فقال ناس من أشجع ومعقل بن سنان قتل يوم الحرة وفي يوم الحرة يقول الشاعر‪:‬‬
‫وأشجع تبكي معقل بن سنان‬ ‫أل تلكم النصار تبكي سراتها‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مفا لم تمسفوهن" (مفا) بمعنفى الذي‪ ،‬أي إن طلقتفم النسفاء اللتفي لم تمسفوهن‪.‬‬
‫و"تمسفوهن" قرئ بفتفح التاء مفن الثلثفي‪ ،‬وهفي قراءة ناففع وابفن كثيفر وأبفي عمرو وعاصفم وابفن‬
‫عامفر‪ .‬وقرأ حمزة والكسفائي "تماسفوهن" مفن المفاعلة؛ لن الوطفء تفم بهمفا؛ وقفد يرد ففي باب‬
‫المفاعلة فاعفل بمعنفى فعفل؛ نحفو طارقفت النعفل‪ ،‬وعاقبفت اللص‪ .‬والقراءة الولى تقتضفي معنفى‬
‫المفاعلة فففي هذا الباب بالمعنففى المفهوم مففن المففس؛ ورجحهففا أبففو علي؛ لن أفعال هذا المعنففى‬
‫جاءت ثلثيفة على هذا الوزن‪ ،‬جاء‪ :‬نكفح وسففد وقرع ودففط وضرب الفحفل؛ والقراءتان حسفنتان‪.‬‬
‫و"أو" في "أو تفرضوا" قيل هو بمعنى الواو؛ أي ما لم تمسوهن ولم تفرضوا لهن؛ كقوله تعالى‪:‬‬
‫"وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بياتا أو هم قائلون" [العراف‪ ]4 :‬أي وهم قائلون‪ .‬وقوله‪:‬‬
‫"وأرسفلناه إلى مائة ألف أو يزيدون" [الصفافات‪ ]147 :‬أي ويزيدون‪ ،.‬وقوله‪" :‬ول تطفع منهفم‬
‫آثمفا أو كفورا" [النسان‪ ]24:‬أي وكفورا‪ .‬وقوله‪" :‬وإن كنتفم مرضفى أو على سففر أو جاء أحفد‬
‫منكفم مفن الغائط" [النسفاء‪ ]43 :‬معناه وجاء أحفد منكفم مفن الغائط وأنتفم مرضفى أو مسفافرون‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬إل مفا حملت ظهورهمفا أو الحوايفا أو مفا اختلط بعظفم" [النعام‪ ]146 :‬ومفا كان مثله‪.‬‬
‫ويعتضفد هذا بأنفه تعالى عطفف عليهفا بعفد ذلك المفروض لهفا فقال‪" :‬وإن طلقتموهفن مفن قبفل أن‬
‫تمسفوهن وقفد فرضتفم لهفن فريضفة" [البقرة‪ .]237 :‬فلو كان الول لبيان طلق المفروض لهفا‬
‫قبل المسيس لما كرره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومتعوهن" معناه أعطوهن شيئا يكون متاعا لهن‪ .‬وحمله ابن عمر وعلي بن أبي‬
‫طالب والحسن بن أبى الحسن وسعيد بن جبير وأبو قلبة والزهري وقتادة والضحاك بن مزاحم‬
‫على الوجوب‪ .‬وحمله أبفو عبيفد ومالك بفن أنفس وأصفحابه والقاضفي شريفح وغيرهفم على الندب‪.‬‬
‫تمسففك أهففل القول الول بمقتضففى المففر‪ .‬وتمسففك أهففل القول الثانففي بقوله تعالى‪" :‬حقففا على‬
‫المحسفنين" و"على المتقيفن" ولو كانفت واجبفة لطلقهفا على الخلق أجمعيفن‪ .‬والقول الول أولى؛‬
‫لن عمومات المفر بالمتاع ففي قوله‪" :‬متعوهفن" وإضاففة المتاع إليهفن بلم التمليفك ففي قوله‪:‬‬
‫"وللمطلقات متاع" أظهر في الوجوب منه في الندب‪ .‬وقوله‪" :‬على المتقين" تأكيد ليجابها؛ لن‬
‫كفل واحفد يجفب عليفه أن يتقفي ال ففي الشراك بفه ومعاصفيه‪ ،‬وقفد قال تعالى ففي القرآن‪" :‬هدى‬
‫للمتقين"‪.‬‬
‫@واختلفوا ففي الضميفر المتصفل بقوله "ومتعوهفن" مفن المراد بفه مفن النسفاء؟ فقال ابفن عباس‬
‫وابفن عمفر وجابر بفن زيفد والحسفن والشافعفي وأحمفد وعطاء وإسفحاق وأصفحاب الرأي‪ :‬المتعفة‬
‫واجبة للمطلقة قبل البناء والفرض‪ ،‬ومندوبة في حق غيرها‪ .‬وقال مالك وأصحابه‪ :‬المتعة مندوب‬
‫إليهفا ففي كفل مطلقفة وإن دخفل بهفا‪ ،‬إل ففي التفي لم يدخفل بهفا وقفد فرض لهفا فحسفبها مفا فرض لهفا‬
‫ول متعة لها‪ .‬وقال أبو ثور‪ :‬لها المتعة ولكل مطلقة‪ .‬وأجمع أهل العلم على أن التي لم يفرض لها‬
‫ولم يدخل بها ل شيء لها غير المتعة‪ .‬قال الزهري‪ :‬يقضي لها بها القاضي‪ .‬وقال جمهور الناس‪:‬‬
‫ل يقضي بها لها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا الجماع إنمفا هفو ففي الحرة‪ ،‬فأمفا المفة إذا طلقفت قبفل الفرض والمسفيس فالجمهور‬
‫على أن لها المتعة‪ .‬وقال الوزاعي والثوري‪ :‬ل متعة لها لنها تكون لسيدها وهو ل يستحق مال‬
‫فففي مقابلة تأذي مملوكتففه بالطلق‪ .‬وأمففا ربففط مذهففب مالك فقال ابففن شعبان‪ :‬المتعففة بإزاء غففم‬
‫الطلق‪ ،‬ولذلك ليففس للمختلعففة والمبارئة والملعنففة متعففة قبففل البناء ول بعده؛ لنهففا هففي التففي‬
‫اختارت الطلق‪ .‬وقال الترمذي وعطاء والنخعي‪ :‬للمختلعة متعة‪ .‬وقال أصحاب الرأي‪ :‬للملعنة‬
‫متعة‪ .‬قال ابن القاسم‪ :‬ول متعة في نكاح مفسوخ‪ .‬قال ابن المواز‪ :‬ول فيما يدخله الفسخ بعد صحة‬
‫العقد؛ مثل ملك أحد الزوجين صاحبه‪ .‬قال ابن القاسم‪ :‬وأصل ذلك قوله تعالى‪" :‬وللمطلقات متاع‬
‫بالمعروف" فكان هذا الحكم مختصا بالطلق دون الفسخ‪ .‬وروى ابن وهب عن مالك أن المخيرة‬
‫لها المتعة بخلف المة تعتق تحت العبد فتختار هي نفسها‪ ،‬فهذه ل متعة لها‪ .‬وأما الحرة تخير أو‬
‫تملك أو يتزوج عليها أمة فتختار هي نفسها في ذلك كله فلها المتعة؛ لن الزوج سبب للفراق‪.‬‬
‫@قال مالك‪ :‬ليس للمتعة عندنا حد معروف في قليلها ول كثيرها‪ .‬وقد اختلف الناس في هذا؛ فقال‬
‫ابن عمر‪ :‬أدنى ما يجزئ في المتعة ثلثون درهما أو شبهها‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬أرفع المتعة خادم‬
‫ثفم كسفوة ثفم نفقفة‪ .‬عطاء‪ :‬أوسففطها الدرع والخمار والملحففة‪ .‬أبفو حنيففة‪ :‬ذلك أدناهفا‪ .‬وقال ابفن‬
‫محيريز‪ :‬على صاحب الديوان ثلثة دنانير‪ ،‬وعلى العبد المتعة‪ .‬وقال الحسن‪ :‬يمتع كل بقدره‪ ،‬هذا‬
‫بخادم وهذا بأثواب وهذا بثوب وهذا بنفقفة؛ وكذلك يقول مالك بفن أنفس‪ ،‬وهفو مقتضفى القرآن فإن‬
‫ال سبحانه لم يقدرها ول حددها وإنما قال‪" :‬على الموسع قدره وعلى المقتر قدره"‪ .‬ومتع الحسن‬
‫بفن علي بعشريفن ألففا وزقاق مفن عسفل‪ .‬ومتفع شريفح بخمسفمائة درهفم‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬إن حالة المرأة‬
‫معتففبرة أيضففا؛ قاله بعففض الشافعيففة‪ ،‬قالوا‪ :‬لو اعتبرنففا حال الرجففل وحده لزم منففه أنففه لو تزوج‬
‫امرأتين إحداهما شريفة والخرى دنية ثم طلقهما قبل المسيس ولم يسم لهما أن يكونا متساويتين‬
‫في المتعة فيجب للدنية ما يجب للشريفة وهذا خلف ما قال ال تعالى‪" :‬متاعا بالمعروف" ويلزم‬
‫منفه أن‪ ،‬الموسفر العظيفم اليسفار إذا تزوج امرأة دنيفة أن يكون مثلهفا؛ لنفه إذا طلقهفا قبفل الدخول‬
‫والفرض لزمتفه المتعفة على قدر حاله ومهفر مثلهفا؛ فتكون المتعفة على هذا أضعاف مهفر مثلهفا؛‬
‫فتكون قفد اسفتحقت قبفل الدخول أضعاف مفا تسفتحقه بعفد الدخول مفن مهفر المثفل الذي فيفه غايفة‬
‫البتذال وهو الوطء‪ .‬وقال أصحاب الرأي وغيرهم‪ :‬متعة التي تطلق قبل الدخول والفرض نصف‬
‫مهر مثلها ل غير؛ لن مهر المثل مستحق بالعقد‪ ،‬والمتعة هي بعض مهر المثل؛ فيجب لها كما‬
‫يجففب نصففف المسففمى إذا طلق قبففل الدخول‪ ،‬وهذا يرده قوله تعالى‪" :‬على الموسففع قدره وعلى‬
‫المقتفر قدرة" وهذا دليفل على رففض التحديفد؛ وال بحقائق المور عليفم‪ .‬وقفد ذكفر الثعلبفي حديثفا‬
‫قال‪ :‬نزلت "ل جناح عليكفم إن طلقتفم النسفاء" اليفة‪ ،‬ففي رجفل مفن النصفار تزوج امرأة مفن بنفي‬
‫حنيففة ولم يسفم لهفا مهرا ثفم طلقهفا قبفل أن يمسفها فنزلت اليفة؛ فقال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪:‬‬
‫(متعهفا ولو بقلنسفوتك)‪ .‬وروى الدارقطنفي عفن سفويد بفن غفلة قال‪ :‬كانفت عائشفة الخثعميفة عنفد‬
‫الحسفن بفن علي بفن أبفي طالب فلمفا أصفيب علي وبويفع الحسفن بالخلففة قالت‪ :‬لتهنفك الخلففة يفا‬
‫أمير المؤمنين‪ ،‬فقال‪ :‬يقتل علي وتظهرين الشماتة‪ ،‬اذهبي فأنت طالق ثلثا‪ .‬قال‪ :‬فتلفعت بساجها‬
‫وقعدت حتى انقضت عدتها فبعث إليها بعشرة آلف متعة‪ ،‬وبقية ما بقي لها من صداقها‪ .‬فقالت‪:‬‬
‫متاع قليل من حبيب مفارق‬
‫فلما بلغه قولها بكى وقال‪ :‬لول أنى سمعت جدي ‪ -‬أو حدثني أبي أنه سمع جدي ‪ -‬يقول‪ :‬أيما رجل‬
‫طلق امرأتفه ثلثفا مبهمفة أو ثلثفا عنفد القراء لم تحفل له حتفى تنكفح زوجفا غيره لراجعتهفا‪ .‬وففي‬
‫رواية‪ :‬أخبره الرسول فبكى وقال‪ :‬لول أني أبنت الطلق لها لراجعتها‪ ،‬ولكني سمعت رسول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم يقول‪( :‬أيمفا رجفل طلق امرأتفه ثلثفا عنفد كفل طهفر تطليقفة أو عنفد رأس كفل‬
‫شهر تطليقة أو طلقها ثلثا جميعا لم تحل له حتى تنكح زوجا غيره)‪.‬‬
‫@من جهل المتعة حتى مضت أعوام فليدفع ذلك إليها وإن تزوجت‪ ،‬وإلى ورثتها إن ماتت‪ ،‬رواه‬
‫ابفن المواز عفن ابفن القاسفم‪ .‬وقال أصفبغ‪ :‬ل شيفء عليفه إن ماتفت لنهفا تسفلية للزوجفة عفن الطلق‬
‫وقد فات ذلك‪ .‬ووجه الول أنه حق ثبت عليه وينتقل عنها إلى ورثتها كسائر الحقوق‪ ،‬وهذا يشعر‬
‫بوجوبها في المذهب‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف" دليل على وجوب المتعة‬
‫وقرأ الجمهور "الموسفع" بسفكون الواو وكسفر السفين‪ ،‬وهفو الذي اتسفعت حاله‪ ،‬يقال‪ :‬فلن ينففق‪،‬‬
‫على قدره‪ ،‬أي على وسفعه‪ .‬وقرأ أبفو حيوة بفتفح الواو وشفد السفين وفتحهفا‪ .‬وقرأ ابفن كثيفر وناففع‬
‫وأبفو عمرو وعاصفم ففي روايفة أبفي بكفر "قدره" بسفكون الدال ففي الموضعيفن‪ .‬وقرأ ابفن عامفر‬
‫وحمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص بفتح الدال فيهما‪ .‬قال أبو الحسن الخفش وغيره‪ :‬هما‬
‫بمعنفى‪ ،‬لغتان فصفيحتان‪ ،‬وكذلك حكفى أبفو زيفد‪ ،‬يقول‪ :‬خفذ قدر كذا وقدر كذا‪ ،‬بمعنفى‪ .‬ويقرأ ففي‬
‫كتاب ال‪" :‬فسالت أودية بقدرها" [الرعد‪ ]17 :‬وقدرها‪ ،‬وقال تعالى‪" :‬وما قدروا ال حق قدره"‬
‫[النعام‪ ]91 :‬ولو حركت الدال لكان جائزا‪ .‬و"المقتر" المقل القليل المال‪ .‬و"متاعا" نصب على‬
‫المصدر‪ ،‬أي متعوهن متاعا "بالمعروف" أي بما عرف في الشرع من القتصاد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حقا على المحسنين" أي يحق ذلك عليهم حقا‪ ،‬يقال‪ :‬حققت عليه القضاء وأحققت‪،‬‬
‫أي أوجبت‪ ،‬وفي هذا دليل على وجوب المتعة مع المر بها‪ ،‬فقوله‪" :‬حقا" تأكيد للوجوب‪ .‬ومعنى‬
‫"على المحسفنين" و"على المتقيفن" أي على المؤمنيفن‪ ،‬إذ ليفس لحفد أن يقول‪ :‬لسفت بمحسفن ول‬
‫متفق‪ ،‬والناس مأمورون بأن يكونوا جميعا محسفنين متقين؛ فيحسنون‪ ،‬بأداء فرائض ال ويجتنبون‬
‫معاصففيه حتففى ل يدخلوا النار؛ فواجففب على الخلق أجمعيففن أن يكونوا محسففنين متقيففن‪ .‬و"حقففا"‬
‫صفة لقوله "متاعا" أو نصب على المصدر‪ ،‬وذلك أدخل في التأكيد للمر؛ وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 237 :‬وإن طلقتموهفن مفن قبفل أن تمسفوهن وقفد فرضتفم لهفن فريضفة فنصفف مفا‬
‫فرضتففم إل أن يعفون أو يعفففو الذي بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ول تنسففوا الفضففل‬
‫بينكم إن ال بما تعملون بصير}‬
‫@اختلف الناس ففي هذه اليفة؛ فقالت فرقفة منهفا مالك وغيره‪ :‬إنهفا مخرجفة المطلقفة بعفد الفرض‬
‫مفن حكفم التمتفع؛ إذ يتناولهفا قوله تعالى‪" :‬ومتعوهفن"‪ .‬وقال ابفن المسفيب‪ :‬نسفخت هذه اليفة اليفة‬
‫التفي ففي "الحزاب" لن تلك تضمنفت تمتيفع كفل مفن لم يدخفل بهفا‪ .‬وقال قتادة‪ :‬نسفخت هذه اليفة‬
‫الية التي قبلها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول سعيد وقتادة فيه نظر؛ إذ شروط النسخ غير موجودة والجمع ممكن‪ .‬وقال ابن القاسم‬
‫فففي المدونففة‪ :‬كان المتاع لكففل مطلقففة بقوله تعالى‪" :‬وللمطلقات متاع بالمعروف" [البقرة‪]241:‬‬
‫ولغيففر المدخول بهففا باليففة التففي فففي سففورة "الحزاب" فاسففتثنى ال تعالى المفروض لهففا قبففل‬
‫الدخول بهفا بهذه اليفة‪ ،‬وأثبفت للمفروض لهفا نصفف مفا فرض فقفط‪ .‬وقال فريفق مفن العلماء منهفم‬
‫أبو ثور‪ :‬المتعة لكل مطلقة عموما‪ ،‬وهذه الية إنما بينت أن المفروض لها تأخذ نصف ما فرض‬
‫لها‪ ،‬ولم يعن بالية إسقاط متعتها‪ ،‬بل لها المتعة ونصف المفروض‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فنصفف مفا فرضتفم" أي فالواجفب نصفف مفا فرضتفم‪ ،‬أي مفن المهفر فالنصفف‬
‫للزوج والنصففف للمرأة بإجماع‪ .‬والنصففف الجزء مففن اثنيففن؛ فيقال‪ :‬نصففف الماء القدح أي بلغ‬
‫نصففه‪ .‬ونصفف الزار السفاق؛ وكفل شيفء بلغ نصفف غيره فقفد نصففه‪ .‬وقرأ الجمهور "فنصفف"‬
‫بالرففع‪ .‬وقرأت فرقفة "فنصفف" بنصفب الفاء؛ المعنفى فادفعوا نصفف‪ .‬وقرأ علي بفن أبفي طالب‬
‫وزيفد بفن ثابفت "فنصفف" بضفم النون ففي جميفع القرآن وهفي لغفة‪ .‬وكذلك روى الصفمعي قراءة‬
‫عن أبي عمرو بن العلء يقال‪ :‬نصف ونصف ونصيف‪ ،،‬لغات ثلث في النصف؛ وفي الحديث‪:‬‬
‫(لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ول نصيفه) أي نصفه‪ .‬والنصيف أيضا القناع‪.‬‬
‫@إذا أصدقها ثم طلقها قبل الدخول ونما الصداق في يدها فقال مالك‪ :‬كل عرض أصدقها أو عبد‬
‫فنماؤهمففا لهمففا جميعففا ونقصففانه بينهمففا‪ ،‬وتواه عليهمففا جميعففا ليففس على المرأة منففه شيففء‪ .‬فإن‬
‫أصدقها عينا ذهبا أو ورقا فاشترت به عبدا أو دارا أو اشترت به منه أو من غيره طيبا أو شوارا‬
‫أو غيفر ذلك ممفا لهفا التصفرف فيفه لجهازهفا وصفلح شأنهفا ففي بقائهفا معفه فذلك كله بمنزلة مفا لو‬
‫أصفدقها إياه‪ ،‬ونماؤه ونقصفانه بينهمفا‪ .‬وإن طلقهفا قبفل الدخول لم يكفن لهفا إل نصففه‪ ،‬وليفس عليهفا‬
‫أن تغرم له نصف ما قبضته منه‪ ،‬وإن اشترت به أو منه شيئا تختص به فعليها أن تغرم له نصف‬
‫صداقها الذي قبضت منه‪ ،‬وكذلك لو اشترت من غيره عبدا أو دارا باللف الذي أصدقها ثم طلقها‬
‫قبل الدخول رجع عليها بنصف اللف‪.‬‬
‫@ل خلف أن من دخل بزوجته ثم مات عنها وقد سمى لها أن لها ذلك المسمى كامل والميراث‪،‬‬
‫وعليها العدة‪.‬‬
‫واختلفوا ففي الرجفل يخلو بالمرأة ولم يجامعهفا حتفى فارقهفا؛ فقال الكوفيون ومالك‪ :‬عليفه جميفع‬
‫المهفر‪ ،‬وعليهفا العدة؛ لخفبر ابفن مسفعود قال‪ :‬قضفى الخلفاء الراشدون فيمفن أغلق بابفا أو أرخفى‬
‫سففترا أن لهففا الميراث وعليهففا العدة؛ وروي مرفوعففا خرجففه الدارقطنففي وسففيأتي فففي "النسففاء"‪.‬‬
‫والشافعفي ل يوجفب مهرا كامل‪ ،‬ول عدة إذا لم يكفن دخول؛ لظاهفر القرآن‪ .‬قال شريفح‪ :‬لم أسفمع‬
‫ال سبحانه وتعالى ذكر في كتابه بابا ول سترا‪ ،‬إذا زعم أنه لم يمسها فلها نصف الصداق؛ وهو‬
‫مذهفب ابفن عباس وسفيأتي مفا لعلمائنفا ففي هذا ففي سفورة "النسفاء" إن شاء ال تعالى عنفد قوله‬
‫تعالى‪" :‬وقد أفضى بعضكم إلى بعض" [النساء‪.]21 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل أن يعفون أو يعففو الذي بيده عقدة النكاح" اليفة‪" .‬إل أن يعفون" اسفتثناء‬
‫منقطفع؛ لن عفوهفن عفن النصفف ليفس مفن جنفس أخذهفن‪ .‬و"يعفون" معناه يتركفن ويصففحن‪،‬‬
‫ووزنفه يفعلن‪ .‬والمعنفى إل أن يتركفن النصفف الذي‪ ،‬وجفب لهفن عنفد الزوج‪ ،‬ولم تسفقط النون مفع‬
‫"أن"؛ لن جمع المؤنث في المضارع على حالة واحدة في الرفع والنصب والجزم‪ ،‬فهي ضمير‬
‫وليست بعلمة إعراب فلذلك لم تسقط؛ ولنه لو سقطت النون لشتبه بالمذكر‪ .‬والعافيات في هذه‬
‫اليفة كفل امرأة تملك أمفر نفسفها‪ ،‬فأذن ال سفبحانه وتعالى لهفن ففي إسفقاطه بعفد وجوبفه؛ إذ جعله‬
‫خالص حقهفن‪ ،‬فيتصفرفن فيفه بالمضاء والسفقاط كيفف شئن‪ ،‬إذا ملكفن أمفر أنفسفهن وكفن بالغات‬
‫عاقلت راشدات‪ .‬وقال ابفن عباس وجماعفة مفن الفقهاء والتابعيفن‪ :‬ويجوز عففو البكفر التفي ل ولي‬
‫لهفا؛ وحكاه سفحنون ففي المدونفة عفن غيفر ابفن القاسفم بعفد أن ذكفر لبفن القاسفم أن وضعهفا نصفف‬
‫الصففداق ل يجوز‪ .‬وأمففا التففي فففي حجففر أب أو وصففي فل يجوز وضعهففا لنصففف صففداقها قول‬
‫واحدا‪ ،‬ول خلف فيه فيما أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو يعففو الذي بيده" معطوف على الول مبنفي‪ ،‬وهذا معرب‪ .‬وقرأ الحسفن "أو‬
‫يعفو" ساكنة الواو‪ ،‬كأنه استثقل الفتحة في الواو‪ .‬واختلف الناس في المراد بقوله تعالى‪" :‬أو يعفو‬
‫الذي بيده عقدة النكاح" فروى الدارقطنففي عففن جففبير بففن مطعففم أنففه تزوج امرأة مففن بنففي نصففر‬
‫فطلقها قبل أن يدخل بهفا‪ ،‬فأرسفل إليها بالصفداق كامل وقال‪ :‬أنا أحفق بالعففو منها‪ ،‬قال ال تعالى‪:‬‬
‫"إل أن يعفون أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح "وأنا أحق بالعفو منها‪ .‬وتأول قوله تعالى‪" :‬أو يعفو‬
‫الذي بيده عقدة النكاح" يعنفي نفسفه ففي كفل حال قبفل الطلق وبعده‪ ،‬أي عقدة نكاحفه؛ فلمفا أدخفل‬
‫اللم حذف الهاء كقوله‪" :‬فإن الجنة هي المأوى" [النازعات‪ ]41 :‬أي مأواه‪ .‬قال النابغة‪:‬‬
‫من الجود والحلم غير عوازب‬ ‫لهم شيمة لم يعطها ال غيرهم‬
‫أي أحلمهفم‪ .‬وكذلك قوله‪" :‬عقدة النكاح" أي عقدة نكاحفه‪ .‬وروى الدارقطنفي مرفوعفا مفن حديفث‬
‫قتيبفة بفن سفعيد حدثنفا ابفن لهيعفة عفن عمرو بفن شعيفب عفن أبيفه عفن جده قال قال رسفول ال صفلى‬
‫ال عليفه وسفلم‪( :‬ولي عقدة النكاح الزوج)‪ .‬وأسفند هذا عفن علي وابفن عباس وسفعيد بفن المسفيب‬
‫وشريفح‪ .‬قال‪ :‬وكذلك قال ناففع بفن جفبير ومحمفد بفن كعفب وطاوس ومجاهفد‪ ،‬والشعفبي وسفعيد بفن‬
‫جبير‪ ،‬زاد غيره ومجاهد والثوري؛ واختاره أبو حنيفة‪ ،‬وهو الصحيح من قول الشافعي‪ ،‬كلهم ل‬
‫يرى سفبيل للولي على شيفء مفن صفداقها؛ للجماع على أن الولي لو أبرأ الزوج مفن المهفر قبفل‬
‫الطلق لم يجففز فكذلك بعده‪ .‬وأجمعوا على أن الولي ل يملك أن يهففب شيئا مففن مالهففا‪ ،‬والمهففر‬
‫مالها‪ .‬وأجمعوا على أن من الولياء من ل يجوز عفوهم وهم بنو العم وبنو الخوة‪ ،‬فكذلك الب‪،‬‬
‫وال أعلم‪ .‬ومنهم من قال هو الولي أسنده الدارقطني أيضا عن ابن عباس قال‪ :‬وهو قول إبراهيم‬
‫وعلقمة والحسن‪ ،‬زاد غيره وعكرمة وطاوس وعطاء وأبي الزناد وزيد بن أسلم وربيعة ومحمد‬
‫بفن كعفب وابن شهاب والسفود بن يزيفد والشعفبي وقتادة ومالك والشافعفي ففي القديفم‪ .‬فيجوز للب‬
‫العففو عفن نصفف صفداق ابنتفه البكفر إذا طلقفت‪ ،‬بلغفت المحيفض أم لم تبلغفه‪ .‬قال عيسفى بفن دينار‪:‬‬
‫ول ترجفع بشيء منفه على أبيها‪ ،‬والدليل على أن المراد الولي أن ال سبحانه وتعالى قال في أول‬
‫اليفة‪" :‬وإن طلقتموهفن مفن قبفل أن تمسفوهن وقفد فرضتفم لهفن فريضفة فنصفف مفا فرضتفم" فذكفر‬
‫الزواج وخاطبهم بهذا الخطاب‪ ،‬ثم قال‪" :‬إل أن يعفون" فذكر النسوان‪" ،‬أو يعفو الذي بيده عقدة‬
‫النكاح" فهفو ثالث فل يرد إلى الزوج المتقدم إل لو لم يكفن لغيره وجود‪ ،‬وقفد وجفد وهفو الولي فهفو‬
‫المراد‪ .‬قال معناه مكفي وذكره ابفن العربفي‪ .‬وأيضفا فإن ال تعالى قال‪" :‬إل أن يعفون" ومعلوم أنفه‬
‫ليس كل امرأة تعفو‪ ،‬فإن الصغيرة والمحجور عليها ل عفو لهما‪ ،‬فبين ال القسمين فقال‪" :‬إل أن‬
‫يعفون" أي إن كفن لذلك أهل‪" ،‬أو يعففو الذي بيده عقدة النكاح" وهفو الولي؛ لن المفر فيفه إليفه‪.‬‬
‫وكذلك روى ابفن وهفب وأشهفب وابفن عبدالحكفم وابفن القاسفم عفن مالك أنفه الب ففي ابنتفه البكفر‬
‫والسفيد ففي أمتفه‪ .‬وإنمفا يجوز عففو الولي إذا كان مفن أهفل السفداد‪ ،‬ول يجوز عفوه إذا كان سففيها‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬ل نسلم أنه الولي بل هو الزوج‪ ،‬وهذا السم أولى به؛ لنه أملك للعقد من الولي على ما‬
‫تقدم‪ .‬فالجواب ‪ -‬أنفا ل نسفلم أن الزوج أملك للعقفد مفن الب ففي ابنتفه البكفر‪ ،‬بفل أب البكفر يملكفه‬
‫خاصة دون الزوج؛ لن المعقود عليه هو بضع البكر‪ ،‬ول يملك الزوج أن يعقد على ذلك بل الب‬
‫يملكفه‪ .‬وقفد أجاز شريفح عففو الخ عفن نصفف المهفر؛ وكذلك قال عكرمفة‪ :‬يجوز عففو الذي‪ ،‬عقفد‬
‫عقدة النكاح بينهمففا‪ ،‬كان عمففا أو أبففا أو أخففا‪ ،‬وإن كرهففت‪ .‬وقرأ أبففو نهيففك والشعففبي "أو يعفففو"‬
‫بإسكان الواو على التشبيه باللف؛ ومثله قول الشاعر‪:‬‬
‫أبى ال أن أسمو بأم ول أب‬ ‫فما سودتني عامر عن وراثة‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأن تعفوا أقرب للتقوى" ابتداء وخفبر‪ ،‬أو الصفل تعفووا أسفكنت الواو الولى‬
‫لثقفل حركتهفا ثفم حذففت للتقاء السفاكنين‪ ،‬وهفو خطاب للرجال والنسفاء ففي قول ابفن عباس فغلب‬
‫الذكور‪ ،‬واللم بمعنففى إلى‪ ،‬أي أقرب إلى التقوى‪ .‬وقرأ الجمهور "تعففو" بالتاء باثنتيففن مفن فوق‪.‬‬
‫وقرأ أبو نهيك والشعبي "وأن يعفوا" بالياء‪ ،‬وذلك راجع إلى الذي بيده عقدة النكاح‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ولم يقرأ "وأن تعفون" بالتاء فيكون للنسففاء‪ .‬وقرأ الجمهور "ول تنسففوا الفضففل" بضففم‬
‫الواو؛ وكسرها يحيى بن يعمر‪ .‬وقرأ علي ومجاهد وأبو حيوة وابن أبي عبلة "ول تناسوا الفضل"‬
‫وهي قراءة متمكنة المعنى؛ لنه موضع تناس ل نسيان إل على التشبيه‪ .‬قال مجاهد‪ :‬الفضل إتمام‬
‫الرجل الصداق كله‪ ،‬أو ترك المرأة النصف الذي لها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن ال بمفا تعملون بصفير" خفبر ففي ضمنفه الوعفد للمحسفن والحرمان لغيفر‬
‫المحسن‪ ،‬أي ل يخفى عليه عفوكم واستقضاؤكم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 238 :‬حافظوا على الصلوات والصلة الوسطى وقوموا ل قانتين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حافظوا" خطاب لجمفع المفة‪ ،‬واليفة أمفر بالمحافظفة على إقامفة الصفلوات ففي‬
‫أوقاتها بجميع شروطها‪ .‬والمحافظة هي المداومة على الشيء والمواظبة عليه‪ ، .‬والوسطى تأنيث‬
‫الوسفط‪ .‬ووسفط الشيفء خيره وأعدله؛ ومنفه قوله تعالى‪" :‬وكذلك جعلناكفم أمفة وسفطا" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]143‬وقد تقدم‪ .‬وقال أعرابي يمدح النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫وأكرم الناس أما برة وأبا‬ ‫يا أوسط الناس طرا في مفاخرهم‬
‫ووسط فلن القوم يسطهم أي صار في وسطهم‪ .‬وأفرد الصلة الوسطى بالذكر وقد دخلت قبل في‬
‫عموم الصففلوات تشريفففا لهففا؛ كقوله تعالى‪" :‬وإذ أخذنففا مففن النففبيين ميثاقهففم ومنففك ومففن نوح"‬
‫[الحزاب‪ ،]7 :‬وقوله‪" :‬فيهما فاكهة ونخل ورمان" [الرحمن‪ .]68 :‬وقرأ أبو جعفر الواسطي‬
‫"والصلة الوسطى" بالنصب على الغراء‪ ،‬أي وألزموا الصلة الوسطى‪ :‬وكذلك قرأ الحلواني‪.‬‬
‫وقرأ قالون عفن ناففع "الوصفطى" بالصفاد لمجاورة الطاء لهفا؛ لنهمفا مفن حيفز واحفد‪ ،‬وهمفا لغتان‬
‫كالصراط ونحوه‪.‬‬
‫@واختلف الناس في تعيين الصلة الوسطى على عشرة أقوال‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنها الظهر؛ لنها وسط النهار على الصحيح من القولين أن النهار أوله من طلوع الفجر‬
‫كما تقدم‪ ،‬وإنما بدأنا بالظهر لنها أول صلة صليت في السلم‪ .‬وممن قال أنها الوسطى زيد بن‬
‫ثابفت وأبفو سفعيد الخدري وعبدال بن عمفر وعائشفة رضفي ال عنهفم‪ .‬وممفا يدل على أنهفا وسفطى‬
‫مفا قالتفه عائشفة وحفصفة حيفن أملتفا "حافظوا على الصفلوات والصفلة الوسفطى وصفلة العصفر"‬
‫بالواو‪ .‬وروي أنهفا كانفت أشفق على المسفلمين؛ لنهفا كانفت تجيفء ففي الهاجرة وهفم قفد نفهتهفم‬
‫أعمالهفم ففي أموالهفم‪ .‬وروى أبفو داود عفن زيفد قال‪ :‬كان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يصفلي‬
‫الظهفر بالهاجرة ولم تكفن تصفلى صفلة أشفد على أصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم منهفا‪،‬‬
‫فنزلت‪" :‬حافظوا على الصفلوات والصفلة الوسفطى" وقال‪ :‬إن قبلهفا صفلتين وبعدهفا صفلتين‪.‬‬
‫وروى مالك ففي موطئه وأبفو داود الطيالسفي ففي مسفنده عفن زيفد بفن ثابفت قال‪ :‬الصفلة الوسفطى‬
‫صلة الظهر؛ زاد الطيالسي‪ :‬وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم يصليها بالهجير‪.‬‬
‫الثانفي‪ :‬إنهفا العصفر؛ لن قبلهفا صفلتي نهار وبعدهفا صفلتي ليفل‪ .‬قال النحاس‪ :‬وأجود مفن هذا‬
‫الحتجاج أن يكون إنما قيل لها وسطى لنها بين صلتين إحداهما أول ما فرض والخرى الثانية‬
‫ممفا فرض‪ .‬وممفن قال أنهفا وسفطى علي بفن أبفي طالب وابفن عباس وابفن عمفر وأبفو هريرة وأبفو‬
‫سفعيد الخدري‪ ،‬وهفو اختيار أبفي حنيففة وأصفحابه‪ ،‬وقاله الشافعفي وأكثفر أهفل الثفر‪ ،‬وإليفه ذهفب‬
‫عبدالملك بفن حفبيب واختاره ابفن العربفي ففي قبسفه وابفن عطيفة ففي تفسفيره وقال‪ :‬وعلى هذا القول‬
‫الجمهور مففن الناس وبففه أقول واحتجوا بالحاديففث الواردة فففي هذا الباب خرجهففا مسففلم وغيره‪،‬‬
‫وأنصفها حديفث ابفن مسفعود قال‪ :‬قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬الصفلة الوسفطى صفلة‬
‫العصر) خرجه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ .‬وقد أتينا زيادة على هذا في القبس في شرح‬
‫موطأ مالك بن أنس‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إنها المغرب؛ قاله قبيصة بن أبي ذؤيب في جماعة‪ .‬والحجة لهم أنها متوسطة في عدد‬
‫الركعات ليسفت بأقلهفا ول أكثرهفا ول تقصفر ففي السففر‪ ،‬وإن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم لم‬
‫يؤخرها عن وقتها ولم يعجلهفا‪ ،‬وبعدها صلتا جهر وقبلها صلتا سر‪ .‬وروي من حديث عائشة‬
‫رضي ال عتها عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن أفضل الصلوات عند ال صلة المغرب‬
‫لم يحطها عن مسافر ول مقيم فتح ال بها صلة الليل وختم بها صلة النهار فمن صلى المغرب‬
‫وصلى بعدها ركعتين بنى ال له قصرا في الجنة ومن صلى بعدها أربع ركعات غفر ال له ذنوب‬
‫عشرين سنة ‪ -‬أو قال ‪ -‬أربعين سنة)‪.‬‬
‫الرابفع‪ :‬صفلة العشاء الخرة؛ لنهفا بيفن صفلتين ل تقصفران‪ ،‬وتجيفء ففي وقفت نوم ويسفتحب‬
‫تأخيرها وذلك شاق فوقع التأكيد في المحافظة عليها‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬إنها الصبح؛ لن قبلها صلتي ليل يجهر فيهما وبعدها صلتي نهار يسر فيهما؛ ولن‬
‫وقتهفا يدخفل والناس نيام‪ ،‬والقيام إليهفا شاق ففي زمفن البرد لشدة البرد وففي زمفن الصفيف لقصفر‬
‫الليفل‪ .‬وممفن قال أنهفا وسفطى علي بفن أبفي طالب وعبدال بفن عباس‪ ،‬أخرجفه‪ ،‬الموطفأ بلغفا‪،‬‬
‫وأخرجفه الترمذي عفن ابفن عمفر وابفن عباس تعليقفا‪ ،‬وروي عفن جابر بفن عبدال‪ ،‬وهفو قول مالك‬
‫وأصفحابه وإليفه ميفل الشافعفي فيمفا ذكفر عنفه القشيري‪ .‬والصفحيح عفن علي أنهفا العصفر‪ ،‬وروي‬
‫عنففه ذلك مففن وجففه معروف صففحيح وقففد اسففتدل مففن قال أنهففا الصففبح بقوله تعالى‪" :‬وقوموا ل‬
‫قانتيفن" يعنفي فيهفا‪ ،‬ول صفلة مكتوبفة فيهفا قنوت إل الصفبح‪ .‬قال أبفو رجاء‪ :‬صفلى بنفا ابفن عباس‬
‫صلة الغداة بالبصرة فقنت فيها قبل الركوع ورفع يديه فلما فرغ قال‪ :‬هذه الصلة الوسطى التي‬
‫أمرنا ال تعالى أن نقوم فيها قانتين‪ .‬وقال أنس‪ :‬قنت النبي صلى ال عليه وسلم في صلة الصبح‬
‫بعد الركوع؛ وسيأتي حكم القنوت وما للعلماء فيه في "آل عمران" عند قوله تعالى‪" :‬ليس لك من‬
‫المر شيء"‪.‬‬
‫السفادس‪ :‬صفلة الجمعفة؛ لنهفا خصفت بالجمفع لهفا والخطبفة فيهفا وجعلت عيدا ذكره ابفن حفبيب‬
‫ومكي وروى مسلم عن عبدال أن النبي صلى ال عليه وسلم قال لقوم يتخلفون عن الجمعة‪( :‬لقد‬
‫هممت أن آمر رجل يصلي بالناس ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم)‪.‬‬
‫السفابع‪ :‬إنهفا الصفبح والعصفر معفا‪ .‬قاله الشيفخ أبفو بكفر البهري؛ واحتفج بقول رسفول ال صفلى‬
‫ال عليه وسلم‪( :‬يتعاقبون فيكم ملئكة بالليل وملئكة بالنهار‪ )...‬الحديث‪ ،‬رواه أبو هريرة‪ .‬وروى‬
‫جرير بن عبدال قال‪ :‬كنا جلوسا عند رسول ال صلى ال عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر‬
‫فقال‪( :‬أمفا أنكفم سفترون ربكفم كمفا ترون هذا القمفر ل تضامون ففي رؤيتفه فإن اسفتطعتم أل تغلبوا‬
‫على صلة قبل طلوع الشمس وصلة قبل غروبها‪ )...‬يعني العصر والفجر‪ :‬ثم قرأ جرير "وسبح‬
‫بحمفد ربفك قبفل طلوع الشمفس وقبفل غروبهفا" [ق‪ .]39 :‬وروى عمارة بفن رؤيبفة قال سفمعت‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬لن يلج النار أحد صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها)‪،‬‬
‫يعنفي الفجفر والعصفر‪ .‬وعنفه أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬مفن صفلى البرديفن دخفل‬
‫الجنة) كله ثابت في صحيح مسلم وغيره‪ .‬وسميتا البردين لنهما يفعلن في وقتي البرد‪.‬‬
‫الثامففن‪ :‬إنهففا العتمففة والصففبح‪ .‬قال أبففو الدرداء رضففي ال عنففه فففي مرضففه الذي مات فيففه‪:‬‬
‫(اسفمعوا وبلغوا مفن خلفكفم حافظوا على هاتيفن الصفلتين ‪ -‬يعنفي ففي جماعفة ‪ -‬العشاء والصفبح‪،‬‬
‫ولو تعلمون مففا فيهمففا لتيتموهمففا ولو حبوا على مرافقكففم وركبكففم) قاله عمففر وعثمان‪ .‬وروى‬
‫الئمفة عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أنفه قال‪( :‬ولو يعلمون مفا ففي العتمفة والصفبح لتوهمفا‬
‫ولو حبوا ‪ -‬وقال ‪ -‬إنهمفا أشفد الصفلة على المنافقيفن) وجعفل لمصفلي الصفبح ففي جماعفة قيام ليلة‬
‫والعتمة نصف ليلة؛ ذكره مالك موقوفا على عثمان ورفعه مسلم‪ ،‬وخرجه أبو داود والترمذي عنه‬
‫قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من شهد العشاء في جماعة كان له قيام نصف ليلة ومن‬
‫صلى العشاء والفجر في جماعة كان له كقيام ليلة) وهذا خلف ما رواه مالك ومسلم‪.‬‬
‫التاسففع‪ :‬أنهففا الصففلوات الخمففس بجملتهففا؛ قاله معاذ بففن جبففل؛ لن قوله تعالى‪" :‬حافظوا على‬
‫الصلوات" يعم الفرض والنفل‪ ،‬ثم خص الفرض بالذكر‪.‬‬
‫العاشفر‪ :‬إنهفا غيفر معينفة؛ قاله ناففع عفن ابفن عمفر‪ ،‬وقاله الربيفع بفن خيثفم فخبأهفا ال تعالى ففي‬
‫الصفلوات كمفا خبفأ ليلة القدر ففي رمضان‪ ،‬وكمفا خبفأ سفاعة يوم الجمعفة وسفاعات الليفل المسفتجاب‬
‫فيهفا الدعاء ليقوموا بالليفل ففي الظلمات لمناجاة عالم الخفيات‪ .‬وممفا يدل على صفحة أنهفا مبهمفة‬
‫غير معينة ما رواه مسلم ففي صحيحه في آخر الباب عن البراء بن عازب قال‪ :‬نزلت هذه الية‪:‬‬
‫"حافظوا على الصفلوات وصفلة العصفر" فقرأناهفا مفا شاء ال‪ ،‬ثفم نسفخها ال فنزلت‪" :‬حافظوا‬
‫على الصلوات والصلة الوسطى" فقال رجل‪ :‬هي إذا صلة العصر؟ قال البراء‪ :‬قد أخبرتك كيف‬
‫نزلت وكيفف نسفخها ال تعالى‪ ،‬وال أعلم‪ .‬فلزم مفن هذا أنهفا بعفد أن عينفت نسفخ تعيينهفا وأبهمفت‬
‫فارتففع التعييفن‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وهذا اختيار مسفلم لنفه أتفى بفه ففي آخفر الباب وقال بفه غيفر واحفد مفن‬
‫العلماء المتأخريففن‪ ،‬وهففو الصففحيح إن شاء ال تعالى لتعارض الدلة وعدم الترجيففح فلم يبففق إل‬
‫المحافظة على جميعها وأدائها في أوقاتها وال أعلم‪.‬‬
‫@وهذا الختلف في الصلة الوسطى يدل على بطلن من أثبت "وصلة العصر" المذكور في‬
‫حديفث أبفي يونفس مولى عائشفة حيفن أمرتفه أن يكتفب لهفا مصفحفا قرآنفا‪ .‬قال علماؤنفا‪ :‬وإنمفا ذلك‬
‫كالتفسففير مفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬يدل على ذلك حديفث عمرو بفن راففع قال‪( :‬أمرتنفي‬
‫حفصفة أن أكتفب لهفا مصفحفا‪ )...‬الحديفث‪ .‬وفيفه‪ :‬فأملت علي "حافظوا على الصفلوات والصفلة‬
‫الوسفطى ‪ -‬وهفي العصفر ‪ -‬وقوموا ل قانتيفن" وقالت‪ :‬هكذا سفمعتها مفن رسفول ال صفلى ال عليه‬
‫وسلم يقرؤها‪ .‬فقولها‪" :‬وهي العصر" دليل على أن رسول ال صلى ال عليه وسلم فسر الصلة‬
‫الوسففطى مففن كلم ال تعالى بقوله هففو(وهففي العصففر)‪ .‬وقففد روى نافففع عففن حفصففة "وصففلة‬
‫العصفر"؛ كمفا روي عفن عائشفة وعفن حفصفة أيضفا "صفلة العصفر" بغيفر واو‪ .‬وقال أبفو بكفر‬
‫النباري‪ :‬وهذا الخلف فففي هذا اللفففظ المزيففد يدل على بطلنففه وصففحة مففا فففي المام مصففحف‬
‫جماعفة المسفلمين‪ .‬وعليفه حجفة أخرى وهفو أن مفن قال‪ :‬والصفلة الوسفطى وصفلة العصفر جعفل‬
‫الصفلة الوسفطى غيفر العصفر؛ وففي هذا دففع لحديفث رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم الذي رواه‬
‫عبدال قال‪ :‬شغفل المشركون رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يوم الحزاب عفن صفلة العصفر‬
‫حتى اصفرت الشمس فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬شغلونا عن الصلة الوسطى مل ال‬
‫أجوافهم وقبورهم نارا‪ )...‬الحديث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والصفلة الوسفطى" دليفل على أن الوتفر ليفس بواجفب لن المسفلمين اتفقوا على‬
‫أعداد الصفلوات المفروضات أنهفا تنقفص عفن سفبعة وتزيفد على ثلثفة وليفس بيفن الثلثفة والسفبعة‬
‫فرد إل الخمسفة والزواج ل وسفط لهفا فثبفت أنهفا خمسفة‪ .‬وففي حديفث السفراء‪( :‬هفي خمفس وهفن‬
‫خمسون ل يبدل القول لدي)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقوموا ل قانتيفن" معناه ففي صفلتكم‪ .‬واختلف الناس ففي معنفى قوله "قانتيفن"‬
‫فقال الشعبي‪ :‬طائعين؛ وقاله جابر بن زيد وعطاء وسعيد بن جبير‪ ،.‬وقال الضحاك‪ :‬كل قنوت في‬
‫القرآن فإنما يعني به الطاعة‪ .‬وقاله أبو سعيد عن النبي صلى ال عليه وسلم‪ .‬وإن أهل كل دين فهم‬
‫اليوم يقومون عاصفين‪ ،‬فقيفل لهذه المفة فقوموا ل طائعيفن‪ .‬وقال مجاهفد‪ :‬معنفى قانتيفن خاشعيفن‪،‬‬
‫والقنوت طول الركوع والخشوع وغفففض البصفففر وخففففض الجناح‪ .‬وقال الربيفففع‪ :‬القنوت طول‬
‫القيام؛ وقاله ابفن عمفر وقرأ "أمفن هفو قانفت آناء الليفل سفاجدا وقائمفا" [الزمفر‪ .]9 :‬وقال عليفه‬
‫السلم‪( .‬أفضل الصلة طول القنوت) خرجه مسلم وغيره‪ .‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫وعلى عمدن من الناس اعتزل‬ ‫قانتا ل يدعو ربه‬
‫وقفد تقدم‪ .‬وروي عفن ابفن عباس "قانتيفن" داعيفن‪ .‬وففي الحديفث‪( :‬قنفت رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسففلم شهرا يدعففو على رعففل وذكوان) قال قوم‪ :‬معناه دعففا‪ ،‬وقال قوم‪ :‬معناه طول قيامففه‪ .‬وقال‬
‫السدي‪" :‬قانتين" ساكتين؛ دليله أن الية نزلت في المنع من الكلم في الصلة وكان ذلك مباحا في‬
‫صدر السلم؛ وهذا هو الصحيح لما رواه مسلم وغيره عن عبدال بن مسعود قال‪ :‬كنا نسلم على‬
‫رسول ال صفلى ال عليفه وسفلم وهو ففي الصفلة فيرد علينا‪ ،‬فلمفا رجعنفا من عنفد النجاشفي سلمنا‬
‫عليفه فلم يرد علينفا فقلنفا‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬كنفا نسفلم عليفك ففي الصفلة فترد علينفا؟ فقال‪( :‬إن ففي‬
‫الصلة شغل)‪ .‬وروى زيد بن أرقم قال‪ :‬كنا نتكلم في الصلة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه‬
‫ففي الصفلة حتفى نزلت‪" :‬وقوموا ل قانتيفن" فأمرنفا بالسفكوت ونهينفا عفن الكلم‪ .‬وقيفل‪ :‬إن أصفل‬
‫القنوت ففي اللغفة الدوام على الشيفء‪ .‬ومفن حيفث كان أصفل القنوت ففي اللغفة الدوام على الشيفء‬
‫جاز أن يسفمى مديفم الطاعفة قانتفا‪ ،‬وكذلك مفن أطال القيام والقراءة والدعاء ففي الصفلة‪ ،‬أو أطال‬
‫الخشوع والسكوت‪ ،‬كل هؤلء فاعلون للقنوت‪.‬‬
‫@قال أبو عمر‪ :‬أجمع المسلمون طرا أن الكلم عامدا في الصلة إذا كان المصلي يعلم أنه في‬
‫صلة‪ ،‬ولم يكن ذلك في إصلح صلته أنه يفسد الصلة‪ ،‬إل ما روي عن الوزاعي أنه قال‪ :‬من‬
‫تكلم لحياء نفففس أو مثففل ذلك مففن المور الجسففام لم تفسففد صففلته بذلك‪ .‬وهفو قول ضعيففف فففي‬
‫النظفر؛ لقول ال عفز وجفل‪" :‬وقوموا ل قانتيفن" وقال زيفد بفن أرقفم‪( :‬كنفا نتكلم ففي الصفلة حتفى‬
‫نزلت‪" :‬وقوموا ل قانتين"‪ )...‬الحديث‪ .‬وقال ابن مسعود‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول‪( :‬إن ال أحدث مفن أمره أل تكلموا ففي الصفلة)‪ .‬وليفس الحادث الجسفيم الذي يجفب له قطفع‬
‫الصفلة ومفن أجله يمنفع مفن السفتئناف‪ ،‬فمفن قطفع صفلته لمفا يراه مفن الفضفل ففي إحياء نففس أو‬
‫مال أو ما كان بسبيل ذلك استأنف صلته ولم يبن‪ .‬هذا هو الصحيح في المسألة إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@واختلفوا ففي الكلم سفاهيا فيهفا؛ فذهب مالك والشافعفي وأصفحابهما إلى أن الكلم فيهفا سفاهيا ل‬
‫يفسفدها‪ ،‬غيفر أن مالكفا قال‪ :‬ل يفسفد الصفلة تعمفد الكلم فيهفا إذا كان ففي شأنهفا وإصفلحها؛ وهفو‬
‫قول ربيعة وابن القاسم‪ .‬وروى سحنون عن ابن القاسم عن مالك قال‪ :‬لو أن قوما صلى بهم المام‬
‫ركعتين وسلم ساهيا فسبحوا به فلم يفقه‪ ،‬فقال له رجل من خلفه ممن هو معه في الصلة‪ :‬إنك لم‬
‫تتم فأتم صلتك؛ فالتفت إلى القوم فقال‪ :‬أحق ما يقول هذا؟ فقالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪ :‬يصلي بهم المام ما‬
‫بقي من صلتهم ويصلون معه بقية صلتهم من تكلم منهم ومن لم يتكلم ول شيء عليهم ويفعلون‬
‫ففي ذلك مفا فعفل النفبي صفلى ال عليفه وسفلم يوم ذي اليديفن‪ .‬هذا قول ابفن القاسفم ففي كتابفه المدونفة‬
‫وروايتفه عفن مالك‪ ،‬وهفو المشهور مفن مذهفب مالك وإياه تقلد إسفماعيل بفن إسفحاق واحتفج له ففي‬
‫كتاب رده على محمد بن الحسن‪ .‬وذكر الحارث بن مسكين قال‪ :‬أصحاب مالك كلهم على خلف‬
‫قول مالك ففي مسفألة ذي اليديفن إل ابفن القاسفم وحده فإنفه يقول فيهفا بقول مالك‪ ،‬وغيرهفم يأبونفه‬
‫ويقولون‪ :‬إنمففا كان هذا فففي صففدر السففلم‪ ،‬فأمففا الن فقففد عرف الناس صففلتهم فمففن تكلم فيهففا‬
‫أعادهفا؛ وهذا هفو قول العراقييفن‪ :‬أبفي حنيففة وأصفحابه والثوري فإنهفم ذهبوا إلى أن الكلم ففي‬
‫الصففلة يفسففدها على أي حال كان سففهوا أو عمدا لصففلة كان أو لغيففر ذلك؛ وهففو قوله إبراهيففم‬
‫النخعي‪ ،‬وعطاء والحسن وحماد بن أبي سليمان وقتادة‪ .‬وزعم أصحاب أبي حنيفة أن حديث أبى‬
‫هريرة هذا ففي قصفة ذي اليديفن منسفوخ بحديفث ابفن مسفعود وزيفد بفن أرقفم‪ ،‬قالوا‪ :‬وإن كان أبفو‬
‫هريرة متأخفر السفلم فإنفه أرسفل حديفث ذي اليديفن كمفا أرسفل حديفث (مفن أدركفه الفجفر جنبفا فل‬
‫صفوم له) قالوا‪ :‬وكان كثيفر الرسفال‪ .‬وذكفر علي بفن زياد قال حدثنفا أبفو قرة قال‪ :‬سفمعت مالكفا‬
‫يقول‪ :‬يسففتحب إذا تكلم الرجففل فففي الصففلة أن يعود لهففا ول يبنففي‪ .‬قال‪ :‬وقال لنففا مالك إنمففا تكلم‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم وتكلم أصفحابه معفه يومئذ؛ لنهفم ظنوا أن الصفلة قصفرت ول‬
‫يجوز ذلك لحد اليوم‪ .‬وقد روى سحنون عن ابن القاسم في رجل صلى وحده ففرغ عند نفسه من‬
‫الربفع‪ ،‬فقال له رجفل إلى جبنفه‪ :‬إنفك لم تصفل إل ثلثفا؛ فالتففت إلى آخفر فقال‪ :‬أحفق مفا يقول هذا؟‬
‫قال‪ :‬نعفم‪ ،‬قال‪ :‬تفسفد صفلته ولم يكفن ينبغفي له أن يكلمفه ول أن يلتففت إليفه‪ .‬قال أبفو عمفر‪ :‬فكانوا‬
‫يفرقون ففي هذه المسفألة بيفن المام مفع الجماعفة والمنفرد فيجيزون مفن الكلم ففي شأن الصفلة‪.‬‬
‫للمام ومفن معفه مفا ل يجيزونفه للمنفرد؛ وكان غيفر هؤلء يحملون جواب ابفن القاسفم ففي المنفرد‬
‫ففي هذه المسفألة وففي المام ومفن معفه على اختلف مفن قوله ففي اسفتعمال حديفث ذي اليديفن كمفا‬
‫اختلف قول مالك ففي ذلك‪ .‬وقال الشافعفي وأصفحابه‪ :‬مفن تعمفد الكلم وهفو يعلم أنفه لم يتفم الصفلة‬
‫وأنه فيها أفسد صلته‪ ،‬فإن تكلم ساهيا أو تكلم وهو يظن أنه ليس في الصلة لنه قد أكملها عند‬
‫نفسفه فإنفه يبنفي‪ .‬واختلف قول أحمفد ففي هذه المسفألة فذكفر الثرم عنه أنفه قال‪ :‬مفا تكلم به النسفان‬
‫فففي صففلته لصففلحها لم تفسففد عليففه صففلته‪ ،‬فإن تكلم لغيففر ذلك فسففدت؛ وهذا هففو قول مالك‬
‫المشهور‪ .‬وذكر الخرقي عنه أن مذهبه فيمن تكلم عامدا أو ساهيا بطلت صلته‪ ،‬إل المام خاصة‬
‫فإنه إذا تكلم لمصلحة صلته لم تبطل صلته‪ .‬واستثنى سحنون من أصحاب مالك أن من سلم من‬
‫اثنتيفن ففي الرباعيفة فوقفع الكلم هناك لم تبطفل الصفلة‪ ،‬وإن وقفع ففي غيفر ذلك بطلت الصفلة‪.‬‬
‫والصحيح ما ذهب إليه مالك في المشهور تمسكا بالحديث وحمل له على الصل الكلي من تعدي‬
‫الحكام‪ ،‬وعموم الشريعفة‪ ،‬ودفعفا لمفا يتوهفم مفن الخصفوصية إذ ل دليفل عليهفا‪ .‬فإن قال قائل‪ :‬فقفد‬
‫جرى الكلم في الصلة والسهو أيضا وقد كان رسول ال صلى ال عليه وسلم قال لهم‪( :‬التسبيح‬
‫للرجال والتصففيق للنسفاء) فلم لم يسفبحوا؟ فيقال‪ :‬لعفل ففي ذلك الوقفت لم يكفن أمرهفم بذلك‪ ،‬ولئن‬
‫كان كمفا ذكرت فلم يسفبحوا؛ لنهفم توهموا أن الصفلة قصفرت؛ وقفد جاء ذلك ففي الحديفث قال‪:‬‬
‫وخرج سرعان الناس فقالوا‪ :‬أقصرت الصلة؟ فلما يكن بد من الكلم لجل ذلك‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقفد قال بعفض المخالفيفن‪ :‬قول أبفي هريرة (صفلى بنفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم) يحتمفل‬
‫أن يكون مراده أنه صلى بالمسلمين وهو ليس منهم؛ كما روي عن النزال بن سبرة أنه قال‪ :‬قال‬
‫لنفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬إنفا وإياكفم كنفا ندعفى بنفي عبفد مناف وأنتفم اليوم بنفو عبدال‬
‫ونحن بنو عبدال) وإنما عنى به أنه قال لقومه وهذا بعيد؛ فإنه ل يجوز أن يقول صلى بنا وهو إذ‬
‫ذاك كاففر ليفس مفن أهفل الصفلة ويكون ذلك كذبفا‪ ،‬وحديفث النزال هفو كان مفن جملة القوم وسفمع‬
‫من رسول ال صلى ال عليه وسلم ما سمع‪ .‬وأما ما ادعته الحنفية من النسخ والرسال فقد أجاب‬
‫عفن قولهفم علماؤنفا وغيرهفم وأبطلوه‪ ،‬وخاصفة الحاففظ أبفا عمفر بفن عبدالبر ففي كتابفه المسفمى بفف‬
‫[التمهيد] وذكر أن أبا هريرة أسلم عام خيبر‪ ،‬وقدم المدينة في ذلك العام‪ ،‬وصحب النبي صلى ال‬
‫عليفه وسفلم أربعفة أعوام‪ ،‬وشهفد قصفة ذي اليديفن وحضرهفا‪ ،‬وأنهفا لم تكفن قبفل بدر كمفا زعموا‪،‬‬
‫وأن ذا اليديفن قتفل ففي بدر‪ .‬قال‪ :‬وحضور أبفي هريرة يوم ذي اليديفن محفوظ مفن روايفة الحفاظ‬
‫الثقات‪ ،‬وليس تقصير من قصر عن ذلك بحجة على من علم ذلك وحفظه وذكر‪.‬‬
‫@القنوت‪ :‬القيام‪ ،‬وهو أحد أقسامه فيما ذكر أبو بكر بن النباري‪ ،‬وأجمعت المة على أن القيام‬
‫ففي صفلة الفرض واجفب على كفل صفحيح قادر عليفه‪ ،‬منفردا كان أو إمامفا‪ .‬وقال صفلى ال عليفه‬
‫وسلم‪( :‬إنما جعل المام ليؤتم به فإذا صلى قائما فصلوا قياما) الحديث‪ ،،‬أخرجه الئمة‪ ،‬وهو بيان‬
‫لقوله تعالى‪" :‬وقوموا ل قانتين"‪ .‬واختلفوا في المأموم الصحيح يصلي قاعدا خلف إمام مريض ل‬
‫يسفتطيع القيام؛ فأجازت ذلك طائففة مفن أهفل العلم بفل جمهورهفم؛ لقوله صفلى ال عليفه وسفلم ففي‬
‫المام‪( :‬وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون) وهذا هو الصحيح في المسألة على ما نبينه آنفا‬
‫إن شاء ال تعالى‪ .‬وقففد أجاز طائففة مفن العلماء صفلة القائم خلف المام المريففض لن كل يؤدي‬
‫فرضه على قدر طاقته تأسيا برسول ال صلى ال عليه وسلم إذ صلى في مرضه الذي توفي فيه‬
‫قاعدا وأبو بكفر إلى جنبفه قائمفا يصفلي بصلته والناس قيام خلفه‪ ،‬ولم يشفر إلى أبي بكفر ول إليهم‬
‫بالجلوس‪ ،‬وأكمفل صفلته بهفم جالسفا وهفم قيام؛ ومعلوم أن ذلك كان منفه بعفد سفقوطه عفن فرسفه؛‬
‫فعلم أن الخففر مفن فعله ناسففخ للول‪ .‬قال أبففو عمففر‪ :‬وممففن ذهففب إلى هذا المذهففب واحتففج بهذه‬
‫الحجفة الشافعفي وداود بفن علي‪ ،‬وهفي روايفة الوليفد بفن مسفلم عفن مالك‪ .‬قال‪ :‬وأحفب إلي أن يقوم‬
‫إلى جنبفه ممفن يعلم الناس بصفلته‪ ،‬وهذه الروايفة غريبفة عفن مالك‪ .‬وقال بهذا جماعفة مفن أهفل‬
‫المدينفة وغيرهفم وهفو الصفحيح إن شاء ال تعالى؛ لنهفا آخفر صفلة صفلها رسفول ال صفلى ال‬
‫عليففه وسففلم‪ .‬والمشهور عففن مالك أنففه ل يؤم القيام أحففد جالسففا‪ ،‬فإن أمهففم قاعدا بطلت صففلته‬
‫وصفلتهم‪ ،‬لن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬ل يؤمفن أحفد بعدي قاعدا)‪ .‬قال‪ :‬فإن كان‬
‫المام عليل تمت صلة المام وفسدت صلة من خلفه‪ .‬قال‪ :‬ومن صلى قاعدا من غير علة أعاد‬
‫الصفلة؛ هذه روايفة أبفي مصفعب ففي مختصفره عفن مالك‪ ،‬وعليهفا فيجفب على مفن صفلى قاعدا‬
‫العادة في الوقت وبعده‪ .‬وقد روي عن مالك في هذا أنهم يعيدون في الوقت خاصة‪ ،‬وقول محمد‬
‫بففن الحسففن فففي هذا مثففل قول مالك المشهور‪ .‬واحتففج لقوله ومذهبففه بالحديففث الذي ذكره أبففو‬
‫مصفعب‪ ،‬أخرجه الدارقطني عن جابر عن الشعبي قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل‬
‫يؤمفن أحفد بعدي جالسفا)‪ .‬قال الدارقطنفي‪ :‬لم يروه غيفر جابر الجعففي عفن الشعفبي وهفو متروك‬
‫الحديث‪ ،‬مرسل ل تقوم به حجة‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬جابر الجعفي ل يحتج بشيء يرويه مسندا فكيف‬
‫بما يرويه مرسل؟ قال محمد بن الحسن‪ :‬إذا صلى المام المريض جالسا بقوم أصحاء ومرضفى‬
‫جلوسفا فصفلته وصفلة مفن خلففه ممفن ل يسفتطيع القيام صفحيحة جائزة‪ ،‬وصفلة مفن صفلى خلففه‬
‫ممفن حكمفه القيام باطلة‪ .‬وقال أبفو حنيففة وأبفو يوسفف‪ :‬صفلته وصفلتهم جائزة‪ .‬وقالوا‪ :‬لو صفلى‬
‫وهو يومئ بقوم وهم يركعون ويسجدون لم تجزهم في قولهم جميعا وأجزأت المام صلته‪ .‬وكان‬
‫زففر يقول‪ :‬تجزئهفم صفلتهم؛ لنهفم صفلوا على فرضهفم وصفلى إمامهفم على فرضفه‪ ،‬كمفا قال‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬أما ما ذكره أبو عمر وغيره من العلماء قبله وبعده من أنها آخر صلة صلها رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقد رأيت لغيرهم خلل ذلك ممن جمع طرق الحاديث في هذا الباب‪ ،‬وتكلم‬
‫عليها وذكر اختلف الفقهاء في ذلك‪ ،‬ونحن نذكر ما ذكره ملخصا حتى يتبين لك الصواب إن شاء‬
‫ال تعالى‪ .‬وصففحة قول مففن قال أن صففلة المأموم الصففحيح قاعدا خلف المام المريففض جائزة‪،‬‬
‫فذكر أبو حاتم محمد بن حبان البستي في المسند الصحيح له عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال‬
‫عليفه وسفلم كان ففي نففر مفن أصفحابه فقال‪( :‬ألسفتم تعلمون أنفي رسفول ال إليكفم) قالوا‪ :‬بلى‪ ،‬نشهفد‬
‫أنك رسول ال‪ ،‬قال‪( :‬ألستم تعلمون أنه من أطاعني فقد أطاع ال ومن طاعة ال طاعتي)؟ قالوا‪:‬‬
‫بلى‪ ،‬نشهففد أنففه مففن أطاعففك فقففد أطاع ال ومففن طاعففة ال طاعتففك‪ .‬قال‪( :‬فإن مففن طاعففة ال أن‬
‫تطيعونفي ومفن طاعتفي أن تطيعوا أمراءكفم فإن صفلوا قعودا فصفلوا قعودا)‪ .‬ففي طريقفه عقبفة بفن‬
‫أبفي الصفهباء وهفو ثقفة؛ قاله يحيفى بفن معيفن‪ .‬قال أبفو حاتفم‪ :‬ففي هذا الخفبر بيان واضفح أن صفلة‬
‫المأموميفن قعودا إذا صفلى إمامهفم قاعدا مفن طاعفة ال جفل وعل التفي أمفر ال بهفا عباده‪ ،‬وهفو‬
‫عندي ضرب من الجماع الذي أجمعوا على إجازته؛ لن من أصحاب رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم أربعة أفتوا به‪ :‬جابر بن عبدال وأبو هريرة وأسيد بن حضيفر وقيس بن قهفد‪ ،‬ولم يرو عن‬
‫أحففد مففن الصففحابة الذيففن شهدوا هبوط الوحففي والتنزيففل وأعيذوا مففن التحريففف والتبديففل خلف‬
‫لهؤلء الربعففة‪ ،‬ل بإسففناد متصففل ول منقطففع؛ فكأن الصففحابة أجمعوا على أن المام إذا صففلى‬
‫قاعدا كان على المأموميفن أن يصفلوا قعودا‪ .‬وبفه قال جابر بفن زيفد والوزاعفي ومالك بفن أنفس‬
‫وأحمفد بفن حنبفل وإسفحاق بفن إبراهيفم وأبفو أيوب سفليمان بفن داود الهاشمفي وأبفو خيثمفة وابفن أبفي‬
‫شيبة ومحمد بن إسماعيل ومن تبعهم من أصحاب الحديث مثل محمد بن نصر ومحمد بن إسحاق‬
‫بفن خزيمفة‪ .‬وهذه السفنة رواهفا عفن المصفطفى صفلى ال عليفه وسفلم أنفس بفن مالك وعائشفة وأبفو‬
‫هريرة وجابر بن عبدال وعبدال بن عمر بن الخطاب وأبو أمامة الباهلي‪ .‬وأول من أبطل في هذه‬
‫المة صلة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه جالسا المغيرة بن مقسم صاحب النخعي وأخذ عنه حماد‬
‫بن أبي سليمان ثم أخذ عن حماد أبو حنيفة وتبعه عليه من بعده من أصحابه‪ .‬وأعلى شيء احتجوا‬
‫به فيه شيء رواه جابر الجعفي عن الشعبي قال قال رسول ال‪( :‬ل يؤمن أحد بعدي جالسا) وهذا‬
‫لو صفح إسفناده لكان مرسفل‪ ،‬والمرسفل مفن الخفبر ومفا لم يرو سفيان ففي الحكفم عندنفا‪ ،‬ثفم إن أبفا‬
‫حنيففة يقول‪ :‬مفا رأيفت فيمفن لقيفت أفضفل مفن عطاء‪ ،‬ول فيمفن لقيفت أكذب من جابر الجعففي‪ ،‬ومفا‬
‫أتيتفه بشيفء قفط مفن رأي إل جاءنفي فيفه بحديفث‪ ،‬وزعفم أن عنده كذا وكذا ألف حديفث عفن رسفول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم لم ينطفق بهفا؛ فهذا أبفو حنيففة يجرح جابرا الجعففي ويكذبفه ضفد قول مفن‬
‫انتحل من أصحابه مذهبه‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬وأما صلة النبي صلى ال عليه وسلم في مرضه فجاءت‬
‫الخبار فيهفا مجملة ومختصفرة‪ ،‬وبعضهفا مفصفلة مبينفة؛ فففي بعضهفا‪ :‬فجاء النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسلم فجلس إلى جنب أبي بكر فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى ال عليه وسلم والناس يأتمون بأبي‬
‫بكفر‪ .‬وفي بعضهفا‪ :‬فجلس عن يسفار أبي بكفر وهذا مفسفر‪ .‬وفيه‪ :‬فكان النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫يصفلي بالناس قاعدا وأبفو بكفر قائمفا‪ .‬قال أبفو حاتفم‪ :‬وأمفا إجمال هذا الخفبر فإن عائشفة حكفت هذه‬
‫الصلة إلى هذا الموضع‪ ،‬وآخر القصة عند جابر بن عبدال‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم أمرهم‬
‫بالقعود أيضفا ففي هذه الصفلة كمفا أمرهفم بفه عنفد سفقوطه عفن فرسفه؛ أنبأنفا محمفد بفن الحسفن بفن‬
‫قتيبفة قال أنبأنفا يزيفد بفن موهفب قال حدثنفي الليفث بفن سفعد عفن أبفي الزبيفر عفن جابر قال‪ :‬اشتكفى‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فصفلينا وراءه وهفو قاعفد‪ ،‬وأبفو بكفر يسفمع الناس تكفبيره‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا فصلينا بصلته قعودا‪ ،‬فلما سلم قال‪( :‬كدتم أن تفعلوا فعل‬
‫فارس والروم يقومون على ملوكهففم وهففم قعود فل تفعلوا ائتموا بأئمتكففم إن صففلى قائمففا فصففلوا‬
‫قيامفا وإن صفلى قاعدا فصفلوا قعودا)‪ .‬قال أبفو حاتفم‪ :‬فففي هذا الخفبر المفسفر بيان واضفح أن النفبي‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم لمفا قعفد عفن يسفار أبفي بكفر وتحول أبفو بكفر مأمومفا يقتدى بصفلته ويكفبر‬
‫يسفمع الناس التكفبير ليقتدوا بصفلته‪ ،‬أمرهفم صفلى ال عليفه وسفلم حينئذ بالقعود حيفن رآهفم قيامفا؛‬
‫ولما فرغ من صلته أمرهم أيضا بالقعود إذا صلى إمامهم قاعدا‪.‬‬
‫وقفد شهفد جابر بفن عبدال صفلته صفلى ال عليفه وسفلم حيفن سفقط عفن فرسفه فجحفش شقفه‬
‫اليمن‪ ،‬وكان سقوطه صلى ال عليه وسلم في شهر ذي الحجة آخر سنة خمس من الهجرة‪ ،‬وشهد‬
‫هذه الصلة في علته صلى ال عليه وسلم في غير هذا التاريخ فأدى كل خبر بلفظه؛ أل تراه يذكر‬
‫في هذه الصلة‪ :‬رفع أبو بكر صوته بالتكبير ليقتدي به الناس‪ ،‬وتلك الصلة التي صلها رسول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي بيتفه عنفد سفقوطه عفن فرسفه‪ ،‬لم يحتفج إلى أن يرففع صفوته بالتكفبير‬
‫ليسففمع الناس تكففبيره على صففغر حجرة عائشففة‪ ،‬وإنمففا كان رفعففه صففوته بالتكففبير فففي المسففجد‬
‫العظم الذي صلى فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم في علته؛ فلما صح ما وصفنا لم يجز أن‬
‫نجعل بعض هذه الخبار ناسخا لبعض؛ وهذه الصلة كان خروجه إليها صلى ال عليه وسلم بين‬
‫رجلين‪ ،‬وكان فيها إماما وصلى بهم قاعدا وأمرهم بالقعود‪ .‬وأما الصلة التي صلها آخر عمره‬
‫فكان خروجفه إليهفا بيفن بريرة وثوبفة‪ ،‬وكان فيهفا مأمومفا‪ ،‬وصفلى قاعدا خلف أبفي بكفر ففي ثوب‬
‫واحد متوشحا به‪ .‬رواه أنس بن مالك قال‪ :‬آخر صلة صلها رسول ال صلى ال عليه وسلم مع‬
‫القوم ففي ثوب واحفد متوشحفا بفه قاعدا خلف أبفي بكفر فصفلى عليفه السفلم صفلتين ففي المسفجد‬
‫جماعة ل صلة واحدة‪ .‬وإن في خبر عبيدال بن عبدال عن عائشة أن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫خرج بين رجلين‪ .‬يريد أحدهما العباس والخر عليا‪ .‬وفي خبر مسروق عن عائشة‪ :‬ثم إن النبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وجد من نفسه خفة فخرج بين بريرة وثوبة‪ ،‬إني لنظر إلى نعليه تخطان في‬
‫الحصفى وأنظفر إلى بطون قدميفه؛ الحديفث‪ .‬فهذا يدلك على أنهمفا كانتفا صفلتين ل صفلة واحدة‪.‬‬
‫قال أبفو حاتفم‪ :‬أخبرنفا محمفد بفن إسفحاق بفن خزيمفة قال‪ :‬حدثنفا محمفد بفن بشار قال‪ :‬حدثنفا بدل بفن‬
‫المحبر قال‪ :‬حدثنا شعبة عن موسى بن أبي عائشة عن عبيدال بن عبدال عن عائشة‪ :‬أن أبا بكر‬
‫صفلى بالناس ورسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي الصفف خلففه‪ .‬قال أبفو حاتفم‪ :‬خالف شعبفة بفن‬
‫الحجاج زائدة بن قدامة في متن هذا الخبر عن موسى بن أبي عائشة فجعل شعبة النبي صلى ال‬
‫عليفه وسفلم مأمومفا حيفث صفلى قاعدا والقوم قيام‪ ،‬وجعفل زائدة النفبي صفلى ال عليفه وسفلم إمامفا‬
‫حيث صلى قاعدا والقوم قيام‪ ،‬وهما متقنان حافظان‪ .‬فكيف يجوز أن يجعل إحدى الروايتين اللتين‬
‫تضادتا في الظاهر في فعل واحد ناسخا لمر مطلق متقدم‪ ،‬فمن جعل أحد الخبرين ناسخا لما تقدم‬
‫من أمر النبي صلى ال عليه وسلم وترك الخر من غير دليل ثبت له على صحته سوغ لخصمه‬
‫أخفذ مفا ترك مفن الخفبرين وترك مفا أخفذ منهمفا‪ .‬ونظيفر هذا النوع مفن السفنن خفبر ابفن عباس أن‬
‫النفبي صفلى ال عليفه وسفلم نكفح ميمونفة وهفو محرم وخفبر أبفي راففع صفلى نكحهفا وهمفا حللن‬
‫فتضاد الخبران في فعل واحد في الظاهر من غير أن يكون بينهما تضاد عندنا؛ فجعل جماعة من‬
‫أصفحاب الحديفث الخفبرين اللذيفن رويفا ففي نكاح ميمونفة متعارضيفن‪ ،‬وذهبوا إلى خفبر عثمان بفن‬
‫عفان عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬ل ينكفح المحرم ول ينكفح) فأخذوا بفه‪ ،‬إذ هفو يواففق إحدى‬
‫الروايتيفن اللتيفن رويتفا ففي نكاح ميمونفة‪ ،‬وتركوا خفبر ابفن عباس أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫نكحهفا وهفو محرم؛ فمفن فعفل هذا لزمفه أن يقول‪ :‬تضاد الخفبران ففي صفلة النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم ففي علتفه على حسفب مفا ذكرناه قبفل‪ ،‬فيجفب أن يجيفء إلى الخفبر الذي فيفه المفر بصفلة‬
‫المأموميفن قعودا إذا صفلى إمامهفم قاعدا فيأخفذ بفه‪ ،‬إذ هفو يواففق إحدى الروايتيفن اللتيفن رويتفا ففي‬
‫صفلة النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي علتفه ويترك الخفبر المنفرد عنهمفا كمفا فعفل ذلك ففي نكاح‬
‫ميمونة‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬زعم بعض العراقيين ممن كان ينتحل مذهب الكوفيين أن قوله‪( :‬وإذا صلى‬
‫قاعدا فصفلوا قعودا) أراد بفه وإذا تشهفد قاعدا فتشهدوا قعودا أجمعون فحرف الخفبر عفن عموم مفا‬
‫ورد الخبر فيه بغير دليل ثبت له على تأويله‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 239 :‬فإن خفتفم فرجال أو ركبانفا فإذا أمنتفم فاذكروا ال كمفا علمكفم مفا لم تكونوا‬
‫تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن خفتم" من الخوف الذي هو الفزع‪" .‬فرجال" أي فصلوا رجال‪" .‬أو ركبانا"‬
‫معطوف عليففه‪ .‬والرجال جمففع راجففل أو رجففل مففن قولهففم‪ :‬رجففل النسففان يرجففل رجل إذا عدم‬
‫المركوب ومشفى على قدميفه‪ ،‬فهفو رجفل وراجفل ورجفل ‪( -‬بضفم الجيفم) وهفي لغفة أهفل الحجاز؛‬
‫يقولون‪ :‬مشفى فلن إلى بيفت ال حافيفا رجل؛ ‪ -‬حكاه الطفبري وغيره ‪ -‬ورجلن ورجيفل ورجفل‪،‬‬
‫ويجمع على رجال ورجلي ورجال ورجالة ورجالى ورجلن ورجلة ورجله (بفتح الجيم) وأرجلة‬
‫وأراجل وأراجيل‪ .‬والرجل الذي هو اسم الجنس يجمع أيضا على رجال‪.‬‬
‫@لما أمر ال تعالى بالقيام له في الصلة بحال قنوت وهو الوقار والسكينة وهدوء الجوارح وهذا‬
‫على الحالة الغالبة من المن والطمأنينة ذكر حالة الخوف الطارئة أحيانا‪ ،‬وبين أن هذه العبادة ل‬
‫تسففقط عفن العبففد فففي حال‪ ،‬ورخففص لعفبيده ففي الصفلة رجال على القدام وركبانفا على الخيفل‬
‫والبل ونحوها‪ ،‬إيماء وإشارة بالرأس حيثما توجه؛ هذا قول العلماء‪ ،‬وهذه هي صلة الفذ الذي قد‬
‫ضايقفه الخوف على نفسفه ففي حال المسفايفة أو مفن سفبع يطلبفه أو مفن عدو يتبعفه أو سفيل يحمله‪،‬‬
‫وبالجملة فكل أمر يخاف منه على روحه فهو مبيح ما تضمنته هذه الية‪.‬‬
‫هذه الرخصفة ففي ضمنهفا إجماع العلماء أن يكون النسفان حيثمفا توجفه مفن السفّموت ويتقلب‬
‫ويتصرف بحسب نظره في نجاة نفسه‪.‬‬
‫@واختلف ففي الخوف الذي تجوز فيفه الصفلة رجال وركبانفا؛ فقال الشافعفي‪ :‬هفو إطلل العدو‬
‫عليهفم فيتراءون معفا والمسفلمون ففي غيفر حصفن حتفى ينالهفم السفلح مفن الرمفي أو أكثفر مفن أن‬
‫يقرب العدو فيه منهم من الطعن والضرب‪ ،‬أو يأتي من يصدق خبره فيخبره بأن العدو قريب منه‬
‫ومسيرهم جادين إليه؛ فإن لم يكن واحد من هذين المعنيين فل يجوز له أن يصلي صلة الخوف‪.‬‬
‫فإن صلوا بالخبر صلة الخوف ثم ذهب العدو لم يعيدوا‪ ،‬وقيل‪ :‬يعيدون؛ وهو قول أبي حنيفة‪ .‬قال‬
‫أبففو عمففر‪ :‬فالحال التففي يجوز منهففا للخائف أن يصففلي راجل أو راكبففا مسففتقبل القبلة أو غيففر‬
‫مستقبلها هي حال شدة الخوف‪ ،‬والحال التي وردت الثار فيها هي غير هذه‪ .‬وهي صلة الخوف‬
‫بالمام وانقسام الناس وليس حكمها في هذه الية‪ ،‬وهذا يأتي بيانه في سورة "النساء" إن شاء ال‬
‫تعالى‪ .‬وفرق مالك بيفن خوف العدو المقاتفل وبيفن خوف السفبع ونحوه مفن جمفل صفائل أو سفيل أو‬
‫مفا الغلب من شأنفه الهلك‪ ،‬فإنفه استحب من غير خوف العدو العادة ففي الوقت إن وقفع المن‪.‬‬
‫وأكثر فقهاء المصار على أن المر سواء‪.‬‬
‫@قال أبفو حنيففة‪ :‬إن القتال يفسفد الصفلة؛ وحديفث ابفن عمفر يرد عليفه‪ ،‬وظاهفر اليفة أقوى دليفل‬
‫عليفه‪ ،‬وسفيأتي هذا ففي "النسفاء" إن شاء ال تعالى‪ .‬قال الشافعفي‪ :‬لمفا رخفص تبارك وتعالى ففي‬
‫جواز ترك بعض الشروط دل ذلك على أن القتال في الصلة ل يفسدها‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ل نقصفان ففي عدد الركعات ففي الخوف عن صفلة المسفافر عند مالك والشافعفي وجماعة من‬
‫العلماء وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة وغيرهما‪ :‬يصلي ركعة إيماء؛ روى مسلم عن بكير بن‬
‫الخنفس عفن مجاهفد عفن ابفن عباس قال‪ :‬فرض ال الصفلة على لسفان رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة‪ .‬قال ابن عبدالبر‪ :‬انفرد به بكير بن‬
‫الخنفس وليفس بحجفة فيمفا ينفرد بفه‪ ،‬والصفلة أولى مفا احتيفط فيفه‪ ،‬ومفن صفلى ركعتيفن ففي خوففه‬
‫وسففره خرج مفن الختلف إلى اليقيفن‪ .‬وقال الضحاك بفن مزاحفم‪ :‬يصفلي صفاحب خوف الموت‬
‫في المسايفة وغيرها ركعة فإن لم يقدر فليكبر تكبيرتين‪ .‬وقال إسحاق بن راهويه‪ :‬فإن لم يقدر إل‬
‫على تكبيرة واحدة أجزأت عنه ذكره ابن المنذر‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪" :‬فإذا أمنتففم فاذكروا ال كمففا علمكففم" أي ارجعوا إلى مففا أمرتففم بففه مففن إتمام‬
‫الركان‪ .‬وقال مجاهففد‪" :‬أمنتففم" خرجتففم مففن دار السفففر إلى دار القامففة؛ ورد الطففبري على هذا‬
‫القول‪ .‬وقالت فرقة‪" :‬أمنتم" زال خوفكم الذي ألجأكم إلى هذه الصلة‪.‬‬
‫@واختلف العلماء مفن هذا الباب ففي بناء الخائف إذا أمفن؛ فقال مالك‪ :‬إن صفلى ركعفة آمنفا ثفم‬
‫خاف ركفب وبنفى‪ ،‬وكذلك إن صفلى ركعفة راكبفا وهفو خائف ثفم أمفن نزل وبنفى؛ وهفو أحفد قولي‬
‫الشافعفي‪ ،‬وبفه قال المزنفي‪ .‬وقال أبفو حنيففة‪ :‬إذا افتتفح الصفلة آمنفا ثفم خاف اسفتقبل ولم يبفن فإن‬
‫صفلى خائففا ثفم أمفن بنفى‪ .‬وقال الشافعفي‪ :‬يبنفي النازل ول يبنفي الراكفب‪ .‬وقال أبفو يوسفف‪ :‬ل يبنفى‬
‫في شيء من هذا كله‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬فاذكروا ال" قيففل‪ :‬معناه اشكروه على هذه النعمفة فففي تعليمكففم هذه الصففلة التفي‬
‫وقفع بهفا الجزاء؛ ولم تفتكفم صفلة مفن الصفلوات وهفو الذي لم تكونوا تعلمونفه‪ .‬فالكاف ففي قوله‬
‫"كمفا" بمعنفى الشكفر؛ تقول‪ :‬افعفل بفي كمفا فعلت بفك كذا مكافأة وشكرا‪" .‬ومفا" ففي قوله "مفا لم"‬
‫مفعولة بف "علمكم"‪.‬‬
‫@قال علماؤنفا رحمفة ال عليهفم‪ :‬الصفلة أصفلها الدعاء‪ ،‬وحالة الخوف أولى بالدعاء؛ فلهذا لم‬
‫تسقط الصلة بالخوف؛ فإذا لم تسقط الصلة بالخوف فأحرى أل تسقط بغيره من مرض أو نحوه‪،‬‬
‫فأمفر ال سفبحانه وتعالى بالمحافظفة على الصفلوات ففي كفل حال مفن صفحة أو مرض‪ ،‬وحضفر أو‬
‫سفففر‪ ،‬وقدرة أو عجففز وخوف أو أمففن‪ ،‬ل تسففقط عففن المكلف بحال‪ ،‬ول يتطرق إلى فرضيتهففا‬
‫اختلل‪ .‬وسفيأتي بيان حكفم المريفض ففي آخفر "آل عمران" إن شاء ال تعالى‪ .‬والمقصفود مفن هذا‬
‫أن تفعل الصلة كيفما أمكن‪ ،‬ول تسقط بحال حتى لو لم يتفق فعلها إل بالشارة بالعين لزم فعلها‪،‬‬
‫وبهذا تميزت عن سائر العبادات‪ ،‬كلها تسقط بالعذار ويترخص فيها بالرخص‪ .‬قال ابن العربي‪:‬‬
‫ولهذا قال علماؤنففا‪ :‬وهففي مسففألة عظمففى‪ ،‬إن تارك الصففلة يقتففل؛ لنهففا أشبهففت اليمان الذي ل‬
‫يسفقط بحال‪ ،‬وقالوا فيهفا‪ :‬إحدى دعائم السفلم ل تجوز النيابفة عنهفا ببدن ول مال‪ ،‬فيقتفل تاركهفا؛‬
‫أصله الشهادتان‪ .‬وسيأتي ما للعلماء في تارك الصلة في "براءة" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 240 :‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لزواجهم متاعا إلى الحول غير‬
‫إخراج فإن خرجن فل جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن من معروف وال عزيز حكيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا" ذهب جماعة من المفسرين في تأويل هذه‬
‫الية أن المتوفى عنها زوجها كانت تجلس في بيت المتوفى عنها حول‪ ،‬وينفق عليها من ماله ما‬
‫لم تخرج مفن المنزل؛ فإن خرجفت لم يكفن على الورثفة جناح ففي قطفع النفقة عنهفا؛ ثفم نسفخ الحول‬
‫بالربعة الشهر والعشر‪ ،‬ونسخت النفقة بالربع والثمن في سورة "النساء" قاله ابن عباس وقتادة‬
‫والضحاك وابفن زيفد والربيفع‪ .‬وففي السفكنى خلف للعلماء‪ ،‬روى البخاري عفن ابفن الزبيفر قال‪:‬‬
‫قلت لعثمان هذه الية التفي ففي "البقرة"‪" :‬والذيفن يتوفون منكفم ويذرون أزواجفا ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬غيفر‬
‫إخراج" قفد نسفختها اليفة الخرى فلم تكتبهفا أو تدعهفا ؟ قال‪ :‬يفا ابفن أخفي ل أغيفر شيئا منفه مفن‬
‫مكانفه‪ .‬وقال الطفبري عفن مجاهفد‪ :‬إن هذه اليفة محكمفة ل نسفخ فيهفا‪ ،‬والعدة كانفت قفد ثبتفت أربعفة‬
‫أشهفر وعشرا‪ ،‬ثفم جعفل ال لهفن وصفية منفه سفكنى سفبعة أشهفر وعشريفن ليلة‪ ،‬فإن شاءت المرأة‬
‫سفكنت ففي وصفيتها‪ ،‬وإن شاءت خرجفت‪ ،‬وهفو قول ال عفز وجفل‪" :‬غيفر إخراج فإن خرجفن فل‬
‫جناح عليكفم"‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وهذا كله قفد زال حكمفه بالنسفخ المتففق عليفه إل مفا قوله الطفبري‬
‫مجاهدا رحمهمفا ال تعالى‪ ،‬وففي ذلك نظفر على الطفبري‪ .‬وقال القاضفي عياض‪ :‬والجماع منعقفد‬
‫على أن الحول منسوخ وأن عدتها أربعة أشهر وعشر‪ .‬قال غيره‪ :‬معنى قوله "وصية" أي من ال‬
‫تعالى تجب على النساء بعد وفاة الزوج بلزوم البيوت سنة ثم نسخ‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مفا ذكره الطفبري عن مجاهفد صفحيح ثابفت‪ ،‬خرج البخاري قال‪ :‬حدثنفا إسفحاق قال حدثنفا‬
‫روح قال حدثنفا شبفل عفن ابفن أبفي نجيفح عفن مجاهفد "والذيفن يتوفون منكفم ويذرون أزواجفا" قال‪:‬‬
‫كانففت هذه العدة تعتففد عنففد أهففل زوجهففا واجبففة فأنزل ال تعالى‪" :‬والذيففن يتوفون منكففم ويذرون‬
‫أزواجا ‪ -‬إلى قوله ‪ -‬من معروف" قال‪ :‬جعل ال لها تمام السنة سبعة أشهر وعشرين ليلة وصية‪،‬‬
‫إن شاءت سكنت في وصيتها وإن شاءت خرجت‪ ،‬وهو قوله تعالى‪" :‬غير إخراج فإن خرجن فل‬
‫جناح عليكم" إل أن القول الول أظهر لقوله عليه السلم‪( :‬إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت‬
‫إحداكفن ففي الجاهليفة ترمفي بالبعرة عنفد رأس الحول) الحديفث‪ .‬وهذا إخبار منفه صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم عفن حالة المتوففى عنهفن أزواجهفن قبفل ورود الشرع‪ ،‬فلمفا جاء السفلم أمرهفن ال تعالى‬
‫بملزمفة البيوت حول ثفم نسفخ بالربعفة الشهفر والعشفر‪ ،‬هذا ‪ -‬مفع وضوحفه ففي السفنة الثابتفة‬
‫المنقولة بأخبار الحاد ‪ -‬إجماع مففن علماء المسففلمين ل خلف فيففه؛ قاله أبففو عمففر‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك‬
‫سفائر اليفة‪ .‬فقوله عفز وجفل‪" :‬والذيفن يتوفون منكفم ويذرون أزواجفا وصفية لزواجهفن متاعفا إلى‬
‫الحول غيففر إخراج" منسففوخ كله عنففد جمهور العلماء‪ ،‬ثففم نسففخ الوصففية بالسففكنى للزوجات فففي‬
‫الحول‪ ،‬إل رواية شاذة مهجورة جاءت عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لم يتابع عليها‪ ،‬ول قال بها‬
‫فيما زاد على الربعة الشهر والعشر أحد من علماء المسلمين من الصحابة والتابعين ومن بعدهم‬
‫فيما علمت‪ .‬وقد روى ابن جريج عن مجاهد مثل ما عليه الناس‪ ،‬فانعقد الجماع وارتفع الخلف‪،‬‬
‫وبال التوفيق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وصفية" قرأ ناففع وابفن كثيفر والكسفائي وعاصفم ففي روايفة أبفي بكفر "وصفية"‬
‫بالرففع على البتداء‪ ،‬وخفبره "لزواجهفم"‪ .‬ويحتمفل أن يكون المعنفى عليهفم وصفية‪ ،‬ويكون قوله‬
‫"لزواجهفم" صففة؛ قال الطفبري‪ :‬قال بعفض النحاة‪ :‬المعنفى كتبفت عليهفم وصفية‪ ،‬ويكون قوله‬
‫"لزواجهفم" صففة‪ ،‬قال‪ :‬وكذلك هفي ففي قراءة عبدال بفن مسفعود‪ .‬وقرأ أبفو عمرو وحمزة وابفن‬
‫عامر "وصية" بالنصب‪ ،‬وذلك حمل على الفعل‪ ،‬أي فليوصوا وصية‪ .‬ثم الميت ل يوصي‪ ،‬ولكنه‬
‫أراد إذا قربوا مفن الوفاة‪ ،‬و"لزواجهفم" على هذه القراءة أيضفا صففة‪ .‬وقيفل‪ :‬المعنفى أوصفى ال‬
‫وصفية‪" .‬متاعفا" أي متعوهفن متاعفا‪ :‬أو جعفل ال لهفن ذلك متاعفا لدللة الكلم عليفه‪ ،‬ويجوز أن‬
‫يكون نصففبا على الحال أو بالمصففدر الذي هففو الوصففية؛ كقوله‪" :‬أو إطعام فففي يوم ذي مسففغبة‬
‫يتيما" [البلد‪ ]15 - 14 :‬والمتاع ههنا نفقة سنتها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬غير إخراج" معناه ليس لولياء الميت ووارثي المنزل إخراجها و"غير" نصب‬
‫على المصدر عند الخفش‪ ،‬كأنه قال ل إخراجا‪ .‬وقيل‪ :‬نصب لنه صفة المتاع وقيل‪ :‬نصب على‬
‫الحال من الموصين أي متعوهن غير مخرجات‪ .‬وقيل‪ :‬بنزع الخافض‪ ،‬أي من غير إخراج‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن خرجن" الية‪ .‬معناه باختيارهن قبل الحول‪" .‬فل جناح عليكم في ما فعلن في‬
‫أنفسفهن" أي ل حرج على أحفد وِليّ أو حاكفم أو غيره؛ لنفه ل يجفب عليهفا المقام ففي بيفت زوجهفا‬
‫حول‪ .‬وقيل‪ :‬أي ل جناح في قطع النفقة عنهن‪ ،‬أو ل جناح عليهن في التشوف إلى الزواج‪ ،‬إذ قد‬
‫انقطعت عنهن مراقبتكم أيها الورثة‪ ،‬ثم عليها أل تتزوج قبل انقضاء العدة بالحول‪ ،‬أو ل جناح في‬
‫تزويجهفن بعفد انقضاء العدة‪ .‬لنفه قال "مفن معروف" وهفو مفا يواففق الشرع‪" .‬وال عزيفز" صففة‬
‫تقتضففي الوعيفد بالنسففبة لمفن خالف الحفد ففي هذه النازلة‪ ،‬فأخرج المرأة وهففي ل تريفد الخروج‪.‬‬
‫"حكيم" أي محكم لما يريد من أمور عباده‪.‬‬
‫*‪*3‬اليتان‪{ 242 - 241 :‬وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين‪ ،‬كذلك يبين ال لكم‬
‫آياته لعلكم تعقلون}‬
‫@اختلف الناس ففي هذه اليفة؛ فقال أبفو ثور‪ :‬هفي محكمفة‪ ،‬والمتعفة لكفل مطلقفة؛ وكذلك قال‬
‫الزهري‪ .‬قال الزهري‪ :‬حتفى للمفة يطلقهفا زوجهفا‪ .‬وكذلك قال سفعيد بفن جفبير‪ :‬لكفل مطلقفة متعفة‬
‫وهو أحد قولي الشافعي لهذه الية‪ .‬وقال مالك‪ :‬لكل مطلقه ‪ -‬اثنتين أو واحدة بنى بها أم ل؛ سمى‬
‫لهفا صفداقا أم ل ‪ -‬المتعفة‪ ،‬إل المطلقفة قبفل البناء وقفد سفمى لهفا صفداقا فحسفبها نصففه‪ ،‬ولو لم يكفن‬
‫سفمى لهفا كان لهفا المتعفة أقفل مفن صفداق المثفل أو أكثفر‪ ،‬وليفس لهذه المتعفة حفد؛ حكاه عنفه ابفن‬
‫القاسفم‪ .‬وقال ابفن القاسفم ففي إرخاء السفتور مفن المدونفة‪ ،‬قال‪ :‬جعفل ال تعالى المتعفة لكفل مطلقفة‬
‫بهذه اليفة‪ ،‬ثفم اسفتثنى ففي اليفة الخرى التفي قفد فرض لهفا ولم يدخفل بهفا فأخرجهفا مفن المتعفة‪،‬‬
‫وزعفم ابفن زيفد أنهفا نسفختها‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬فففر ابفن القاسفم مفن لففظ النسفخ إلى لففظ السفتثناء‬
‫والسفتثناء ل يتجفه ففي هذا الموضفع‪ ،‬بفل هفو نسفخ محفض كمفا قال زيفد بفن أسفلم‪ ،‬وإذا التزم ابفن‬
‫القاسم أن قوله‪" :‬وللمطلقات" يعم كل مطلقة لزمه القول بالنسخ ول بد‪ .‬وقال عطاء بن أبي رباح‬
‫وغيره‪ :‬هذه الية في الثيبات اللواتي قفد جومعن‪ ،‬إذ تقدم في غير هذه الية ذكر المتعة للواتي لم‬
‫يدخل بهن؛ فهذا قول بأن التي قد فرض لها قبل المسيس لم تدخل قط في العموم‪ .‬فهذا يجيء على‬
‫أن قوله تعالى‪" :‬وإن طلقتموهفن مفن قبفل أن تمسفوهن" [البقرة‪ ]237 :‬مخصفصة لهذا الصفنف‬
‫مفن النسفاء‪ ،‬ومتفى قيفل‪ :‬إن هذا العموم يتناولهفا فذلك نسفخ ل تخصفيص‪ .‬وقال الشافعفي ففي القول‬
‫الخر‪ :‬إنه ل متعة إل للتي طلقت قبل الدخول وليس ثم مسيس ول فرض؛ لن من استحقت شيئا‬
‫مفن المهفر لم تحتفج ففي حقهفا إلى المتعفة‪ .‬وقول ال عفز وجفل ففي زوجات النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسلم‪" :‬فتعالين أمتعكن" [الحزاب‪ ]28 :‬محمول على أنه تطوع من النبي صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ل وجوب له‪ .‬وقوله‪" :‬فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن" [الحزاب‪ ]49 :‬محمول على‬
‫غيفر المفروضفة أيضفا؛ قال الشافعفي‪ :‬والمفروض لهفا المهفر إذا طلقفت قبفل المسفيس ل متعفة لهفا؛‬
‫لنهفا أخذت نصفف المهفر من غير جريان وطء‪ ،‬والمدخول بهفا إذا طلقت فلهفا المتعفة؛ لن المهفر‬
‫يقفع ففي مقابلة الوطفء والمتعفة بسفبب البتذال بالعقفد‪ .‬وأوجفب الشافعفي المتعفة للمختلعفة والمبارئة‪.‬‬
‫وقال أصفحاب مالك‪ :‬كيفف يكون للمفتديفة متعفة وهفي تعطفي‪ ،‬فكيفف تأخفذ متاعفا ل متعفة لمختارة‬
‫الفراق من مختلعة أو مفتدية أو مبارئة أو مصالحة أو ملعنة أو معتقة تختار الفراق‪ ،‬دخل بها أم‬
‫ل‪ ،‬سمى لها صداقا أم ل‪ ،‬وقد مضى هذا مبينا‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 243 :‬ألم تفر إلى الذيفن خرجوا مفن ديارهفم وهفم ألوف حذر الموت فقال لهفم ال‬
‫موتوا ثم أحياهم إن ال لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس ل يشكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تر" هذه رؤية القلب بمعنى ألم تعلم‪ .‬والمعنى عند سيبويه تنبه إلى أمر الذين‪.‬‬
‫ول تحتاج هذه الرؤيفة إلى مفعوليفن‪ .‬وقرأ أبفو عبدالرحمفن السفلمي "ألم تفر" بجزم الراء‪ ،‬وحذففت‬
‫الهمزة حذففا مفن غيفر إلقاء حركفة لن الصفل ألم ترء‪ .‬وقصفة هؤلء أنهفم قوم مفن بنفي إسفرائيل‬
‫وقفع فيهفم الوباء‪ ،‬وكانوا بقريفة يقال لهفا (داوردان) فخرجوا منهفا هاربيفن فنزلوا واديفا فأماتهفم ال‬
‫تعالى‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬كانوا أربعة آلف خرجوا فرارا من الطاعون وقالوا‪ :‬نأتي أرضا ليس بها‬
‫موت‪ ،‬فأماتهم ال تعالى؛ فمر بهم نبي فدعا ال تعالى فأحياهم‪ .‬وقيل‪ :‬إنهم ماتوا ثمانية أيام‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫سفبعة‪ ،‬وال أعلم‪ .‬قال الحسفن‪ :‬أماتهفم ال قبفل آجالهفم عقوبفة لهفم‪ ،‬ثفم بعثهفم إلى بقيفة آجالهفم‪ .‬وقيفل‪:‬‬
‫إنما فعل ذلك بهم معجزة لنبي من أنبيائهم‪ ،‬قيل‪ :‬كان اسمه شمعون‪ .‬وحكى النقاش أنهم فروا من‬
‫الحمفى‪ .‬وقيفل‪ :‬إنهفم فروا مفن الجهاد ولمفا أمرهفم ال بفه على لسفان حزقيفل النفبي عليفه السفلم‪،‬‬
‫فخافوا الموت بالقتفل ففي الجهاد فخرجوا مفن ديارهفم فرارا مفن ذلك‪ ،‬فأماتهفم ال ليعرفهفم أنفه ل‬
‫ينجيهفم مفن الموت شيفء‪ ،‬ثفم أحياهفم وأمرهفم بالجهاد بقوله تعالى‪" :‬وقاتلوا ففي سفبيل ال" [البقرة‪:‬‬
‫‪]190‬؛ قاله الضحاك‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا القصص كله لين السانيد‪ ،‬وإنما اللزم من الية أن‬
‫ال تعالى أخفبر نفبيه محمدا صفلى ال عليفه وسفلم إخبارا ففي عبارة التنفبيه والتوقيفف عفن قوم مفن‬
‫البشر خرجوا من ديارهم فرارا من الموت فأماتهم ال تعالى ثم أحياهم؛ ليروا هم وكل من خلف‬
‫مفن بعدهفم أن الماتفة إنمفا هفي بيفد ال تعالى ل بيفد غيره؛ فل معنفى لخوف خائف ول لغترار‬
‫مغتفر‪ .‬وجعفل ال هذه اليفة مقدمفة بيفن يدي أمرة المؤمنيفن مفن أمفة محمفد صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫بالجهاد؛ هذا قول الطبري وهو ظاهر رصف الية‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬وهففم ألوف" قال الجمهور‪ :‬هففي جمفع ألف‪ .‬قال بعضهففم‪ :‬كانوا سففتمائة ألف‪ .‬وقيفل‪:‬‬
‫كانوا ثمانين ألفا‪ .‬ابن عباس‪ :‬أربعين ألفا‪ .‬أبو مالك‪ :‬ثلثين ألفا‪ .‬السدي‪ :‬سبعة وثلثين ألفا‪ .‬وقيل‪:‬‬
‫سبعين ألفا؛ قاله عطاء بن أبي رباح‪ .‬وعن ابن عباس أيضا أربعين ألفا‪ ،‬وثمانية آلف؛ رواه عنه‬
‫ابن جريج‪ .‬وعنه أيضا ثمانية آلف‪ ،‬وعنه أيضا أربعة آلف‪ ،‬وقيل‪ :‬ثلثة آلف‪ .‬والصحيح أنهم‬
‫زادوا على عشرة آلف لقوله تعالى‪" :‬وهففم ألوف" وهففو جمففع الكثرة‪ ،‬ول يقال فففي عشرة فمففا‬
‫دونها ألوف‪ .‬وقال ابن زيد في لفظة ألوف‪ :‬إنما معناها وهم مؤتلفون‪ ،‬أي لم تخرجهم فرقة قومهم‬
‫ول فتنفة بينهفم إنمفا كانوا مؤتلفيفن‪ ،‬فخالففت هذه الفرقفة فخرجفت فرارا مفن الموت وابتغاء الحياة‬
‫بزعمهفم‪ ،‬فأماتهفم ال ففي منجاهفم بزعمهفم‪ .‬فألوف على هذا جمفع الف؛ مثفل جالس وجلوس‪ .‬قال‬
‫ابن العربي‪ :‬أماتهم ال تعالى مدة عقوبة لهم ثم أحياهم؛ وميتة العقوبة بعدها حياة‪ ،‬وميتة الجل ل‬
‫حياة بعدهفا‪ .‬قال مجاهفد‪ :‬إنهفم لمفا أحيوا رجعوا إلى قومهفم يعرفون أنهفم كانوا موتفى ولكفن سفحنة‬
‫الموت على وجوههفم‪ ،‬ول يلبفس أحفد منهفم ثوبفا إل عاد كفنفا دسفما حتفى ماتوا لجالهفم التفي كتبفت‬
‫لهم‪ .‬ابن جريج عن ابن عباس‪ :‬وبقيت الرائحة على ذلك السبط من بني إسرائيل إلى اليوم‪ .‬وروي‬
‫أنهفم كانوا بواسفط العراق‪ .‬ويقال‪ :‬إنهفم أحيوا بعفد أن أنتنوا؛ فتلك الرائحفة موجودة ففي نسفلهم إلى‬
‫اليوم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حذر الموت" أي لحذر الموت؛ فهو نصب لنه مفعول له‪ .‬و"موتوا" أمر تكوين‪،‬‬
‫ول يبعفد أن يقال‪ :‬نودوا وقيفل لهفم‪ :‬موتوا‪ .‬وقفد حكفي أن ملكيفن صفاحا بهفم‪ :‬موتوا فماتوا؛ فالمعنفى‬
‫قال لهم ال بواسطة الملكين "موتوا"‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@أصح هذه القوال وأبينها وأشهرها أنهم خرجوا فرارا من الوباء؛ رواه سعيد بن جبير عن ابن‬
‫عباس قال‪ :‬خرجوا فرارا مفن الطاعون فماتوا‪ ،‬فدعفا ال نفبي مفن النفبياء أن يحييهفم حتفى يعبدوه‬
‫فأحياهففم ال‪ .‬وقال عمرو بففن دينار فففي هذه اليففة‪ :‬وقففع الطاعون فففي قريتهففم فخرج أناس وبقففي‬
‫أناس‪ ،‬ومفن خرج أكثفر ممفن بقفي‪ ،‬قال‪ :‬فنجفا الذيفن خرجوا ومات الذيفن أقاموا؛ فلمفا كانفت الثانيفة‬
‫خرجوا بأجمعهم إل قليل فأماتهم ال ودوابهم‪ ،‬ثم أحياهم فرجعوا إلى بلدهم وقد توالدت ذريتهم‪.‬‬
‫وقال الحسن‪ :‬خرجوا حذارا من الطاعون فأماتهم ال ودوابهم في ساعة واحدة‪ ،‬وهم أربعون ألفا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا تترتب الحكام في هذه الية‪ .‬فروى الئمة واللفظ للبخاري من حديث عامر بن‬
‫سعد بن أبي وقاص أنه سمع أسامة بن زيفد يحدث سعدا أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ذكر‬
‫الوجفع فقال (رجفز أو عذاب عذب بفه بعفض المفم ثفم بقفي منفه بقيفة فيذهفب المرة ويأتفي الخرى‬
‫فمن سمع به بأرض فل يقدمن عليه ومن كان بأرض وقع بها فل يخرج فرارا منه) وأخرجه أبو‬
‫عيسفى الترمذي فقال حدثنفا قتيبفة أنبأنفا حماد بفن زيفد عفن عمرو بفن دينار عفن عامفر بفن سفعد عفن‬
‫أسامة بن زيد أن النبي صلى ال عليه وسلم ذكر الطاعون فقال‪( :‬بقية رجز أو عذاب أرسل على‬
‫طائفة من بني إسرائيل فإذا وقع بأرض وأنتم بها فل تخرجوا منها وإذا وقع بأرض ولستم بها فل‬
‫تهبطوا عليها) قال‪ :‬حديث حسن صحيح‪ .‬وبمقتضى هذه الحاديث عمل عمر والصحابة رضوان‬
‫ال عليهم لما رجعوا من سرغ حين أخبرهم عبدالرحمن بن عوف بالحديث‪ ،‬على ما هو مشهور‬
‫في الموطأ وغيره‪ .‬وقد كره قوم الفرار من الوباء والرض السقيمة؛ روي عن عائشة رضي ال‬
‫عنها أنها قالت‪ :‬الفرار من الوباء كالفرار من الزحف‪ .‬وقصة عمر في خروجه إلى الشام مع أبي‬
‫عفبيدة معروففة‪ ،‬وفيهفا‪ :‬أنفه رجفع‪ .‬وقال الطفبري‪ :‬ففي حديفث سفعد دللة على أن على المرء توقفي‬
‫المكاره قبفل نزولهفا‪ ،‬وتجنفب الشياء المخوففة قبفل هجومهفا‪ ،‬وأن عليفه الصفبر وترك الجزع بعفد‬
‫نزولهفا؛ وذلك أنفه عليفه السفلم نهفى مفن لم يكفن ففي أرض الوباء عفن دخولهفا إذا وقفع فيهفا‪ ،‬ونهفى‬
‫من هو فيها عن الخروج منها بعد وقوعه فيها فرارا منه؛ فكذلك الواجب أن يكون حكم كل متق‬
‫مفن المور غوائلهفا‪ ،‬سفبيله ففي ذلك سفبيل الطاعون‪ .‬وهذا المعنفى نظيفر قوله عليفه السفلم‪( :‬ل‬
‫تتمنوا لقاء العدو وسلوا ال العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا هففو الصففحيح فففي الباب‪ ،‬وهففو مقتضففى قول الرسففول عليففه السففلم‪ ،‬وعليففه عمففل‬
‫أصحابه البررة الكرام رضي ال عنهم‪ ،‬وقد قال عمر لبي عبيدة محتجا عليه لما قال له‪ :‬أفرارا‬
‫من قدر ال فقال عمر‪ :‬لو غيرك قالها يا أبا عبيدة نعم‪ ،‬نفر من قدر ال إلى قدر ال‪ .‬المعنى‪ :‬أي ل‬
‫محيص للنسان عما قدره ال له وعليه‪ ،‬ولكن أمرنا ال تعالى بالتحرز من المخاوف والمهلكات‪،‬‬
‫وباستفراغ الوسع في التوقي من المكروهات‪ .‬ثم قال له‪ :‬أرأيت لو كانت لك إبل فهبطت واديا له‬
‫عدوتان إحداهمفا خصفبة والخرى جدبفة‪ ،‬أليفس إن رعيفت الخصفبة رعيتهفا بقدر ال‪ ،‬وإن رعيفت‬
‫الجدبفة رعيتهفا بقدر ال عفز وجفل‪ .‬فرجفع عمفر مفن موضعفه ذلك إلى المدينفة‪ .‬قال الكيفا الطفبري‪:‬‬
‫ول نعلم خلففا أن الكفار أو قطاع الطريفق إذا قصفدوا بلدة ضعيففة ل طاقفة لهلهفا بالقاصفدين فلهفم‬
‫أن يتنحوا مفن بيفن أيديهفم‪ ،‬وإن كانفت الجال المقدرة ل تزيفد ول تنقفص‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬إنمفا نهفي عفن‬
‫الفرار منففه لن الكائن بالموضففع الذي الوباء فيففه لعله قففد أخففذ بحففظ منففه‪ ،‬لشتراك أهففل ذلك‬
‫الموضوع فففي سففبب ذلك المرض العام‪ ،‬فل فائدة لفراره‪ ،‬بففل يضيففف إلى مففا أصففابه مففن مبادئ‬
‫الوباء مشقات السففر‪ ،‬فتتضاعفف اللم ويكثفر الضرر فيهلكون بكفل طريفق ويطرحون ففي كفل‬
‫فجوة ومضيففق‪ ،‬ولذلك يقال‪ :‬مففا فففر أحففد مففن الوباء فسففلم؛ حكاه ابففن المدائنففي‪ .‬ويكفففي فففي ذلك‬
‫موعظفة قوله تعالى‪" :‬ألم تفر إلى الذيفن خرجوا مفن ديارهفم وهفم ألوف حذر الموت فقال لهفم ال‬
‫موتوا" ولعله إن فففر ونجففا يقول‪ :‬إنمففا نجوت مففن أجففل خروجففي عنففه فيسففوء اعتقاده‪ .‬وبالجملة‬
‫فالفرار منه ممنوع لما ذكرناه‪ ،‬ولما فيه من تخلية البلد‪ :‬ول تخلو من مستضعفين يصعب عليهم‬
‫الخروج منهففا‪ ،‬ول يتأتففى لهففم ذلك‪ ،‬ويتأذون بخلو البلد مففن المياسففير الذيففن كانوا أركانففا للبلد‬
‫ومعونة للمستضعفين‪ .‬وإذا كان الوباء بأرض فل يقدم عليه أحد أخذا بالحزم والحذر والتحرز من‬
‫مواضففع الضرر‪ ،‬ودفعففا للوهام المشوشففة لنفففس النسففان؛ وفففي الدخول عليففه الهلك‪ ،‬وذلك ل‬
‫يجوز فففي حكففم ال تعالى‪ ،‬فإن صففيانة النفففس عففن المكروه واجبففة‪ ،‬وقففد يخاف عليففه مففن سففوء‬
‫العتقاد بأن يقول‪ :‬لول دخولي فففي هذا المكان لمففا نزل بففي مكروه‪ .‬فهذه فائدة النهففي عففن دخول‬
‫أرض بهفا الطاعون أو الخروج منهفا‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقفد قال ابفن مسفعود‪ :‬الطاعون فتنفة على المقيفم‬
‫والفار؛ فأمففا الفار فيقول‪ :‬فبفراري نجوت‪ ،‬وأمففا المقيففم فيقول‪ :‬أقمففت فمففت؛ وإلى نحففو هذا أشار‬
‫مالك حين سئل عن كراهة النظر إلى المجذوم فقال‪ :‬ما سمعت فيه بكراهة‪ ،‬وما أرى ما جاء من‬
‫النهي عن ذلك إل خيفة أن يفزعه أو يخيفه شيء يقع في نفسه؛ قال النبي صلى ال عليه وسلم في‬
‫الوباء‪( :‬إذا سمعتم به في أرض فل تقدموا عليه وإذا وقع وأنتم بها فل تخرجوا فرارا منه)‪ .‬وسئل‬
‫أيضفا عفن البلدة يقفع فيهفا الموت وأمراض‪ ،‬فهفل يكره الخروج منهفا ؟ فقال‪ :‬مفا أرى بأسفا خرج أو‬
‫أقام‪.‬‬
‫ففي قوله عليفه السفلم‪( :‬إذا وقفع الوباء بأرض وأنتفم بهفا فل تخرجوا فرارا منفه)‪ .‬دليفل على أنفه‬
‫يجوز الخروج مففن بلدة الطاعون على غيففر سففبيل الفرار منففه‪ ،‬إذا اعتقففد أن مففا أصففابه لم يكففن‬
‫ليخطئه‪ ،‬وكذلك حكففم الداخففل إذا أيقففن أن دخولهففا ل يجلب إليففه قدرا لم يكففن ال قدره له؛ فباح له‬
‫الدخول إليه والخروج منه على هذا الحد الذي ذكرناه‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@في فضل الصبر على الطاعون وبيانه‪ .‬الطاعون وزنه فاعول من الطعن‪ ،‬غير أنه لما عدل به‬
‫عفن أصفله وضفع دال على الموت العام بالوباء؛ قاله الجوهري‪ .‬ويروى مفن حديفث عائشفة رضفي‬
‫ال عنها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬فناء أمتي بالطعن والطاعون) قالت‪ :‬الطعن قد‬
‫عرفناه فمفففا الطاعون ؟ قال‪( :‬غدة كغدة البعيففففر تخرج ففففي المراق والباط)‪ .‬قال العلماء‪ :‬وهذا‬
‫الوباء قد يرسله ال نقمة وعقوبة على من يشاء من العصاة من عبيده وكفرتهم‪ ،‬وقد يرسله شهادة‬
‫ورحمة للصالحين؛ كما قال معاذ في طاعون عمواس‪ :‬إنه شهادة ورحمة لكم ودعوة نبيكم‪ ،‬اللهم‬
‫أعفط معاذا وأهله نصفيبهم مفن رحمتفك‪ .‬فطعفن ففي كففه رضفي ال عنفه‪ .‬قال أبفو قلبفة‪ :‬قفد عرففت‬
‫الشهادة والرحمفة ولم أعرف مفا دعوة نفبيكم ؟ فسفألت عنهفا فقيفل‪ :‬دعفا عليفه السفلم أن يجعفل فناء‬
‫أمتفه بالطعفن والطاعون حيفن دعفا أل يجعفل بأس أمتفه بينهفم فمنعهفا فدعفا بهذا‪ .‬ويروى مفن حديفث‬
‫جابر وغيره عففن النففبي صففلى ال عليففه وسففلم أنففه قال‪( :‬الفار مففن الطاعون كالفار مففن الزحففف‬
‫والصابر فيه كالصابر في الزحف)‪ .‬وفي البخاري عن يحيى بن يعمر عن عائشة أنها أخبرته أنها‬
‫سفألت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم عفن الطاعون فأخبرهفا نفبي ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬أنفه‬
‫كان عذابفا يبعثفه ال على من يشاء فجعله ال رحمفة للمؤمنيفن فليفس من عبفد يقع الطاعون فيمكفث‬
‫ففي بلده صفابرا يعلم أنفه لن يصفيبه إل مفا كتفب ال له إل كان له مثفل أجفر الشهيفد)‪ .‬وهذا تفسفير‬
‫لقوله عليه الصلة والسلم‪( :‬الطاعون شهادة والمطعون شهيد)‪ .‬أي الصابر عليه المحتسب أجره‬
‫على ال العالم أنفه لن يصفيبه إل مفا كتفب ال عليفه؛ ولذلك تمنفى معاذ أن يموت فيفه لعلمفه أن مفن‬
‫مات فهو شهيد‪ .‬وأما من جزع من الطاعون وكرهه وفر منه فليس بداخل في معنى الحديث‪ ،‬وال‬
‫أعلم‪.‬‬
‫@قال أبو عمر‪ :‬لم يبلغني أن أحدا من حملة العلم فر من الطاعون إل ما ذكره ابن المدائني أن‬
‫علي بفن زيفد بفن جدعان هرب مفن الطاعون إلى السفيالة فكان يجمفع كفل جمعفة ويرجفع؛ فكان إذا‬
‫جمفع صفاحوا بفه‪ :‬ففر مفن الطاعون فمات بالسفيالة‪ .‬قال‪ :‬وهرب عمرو بفن عبيفد ورباط بفن محمفد‬
‫إلى الرباطية فقال إبراهيم بن علي الفقيمي في ذلك‪:‬‬
‫صبرت ولم يصبر رباط ول عمرو‬ ‫ولما استفز الموت كل مكذب‬
‫وذكر أبو حاتم عن الصمعي قال‪ :‬هرب بعض البصريين من الطاعون فركب حمارا له ومضى‬
‫بأهله نحو سفوان؛ فسمع حاديا يحدو خلفه‪:‬‬
‫ول على ذي منعة طيار‬ ‫لن يسبق ال على حمار‬
‫قد يصبح ال أمام الساري‬ ‫أو يأتي الحتف على مقدار‬
‫وذكر المدائني قال‪ :‬وقع الطاعون بمصر في ولية عبدالعزيز بن مروان فخرج هاربا منه فنزل‬
‫قرية من قرى الصعيد يقال لها [سكر]‪ .‬فقدم عليه حين نزلها رسول لعبدالملك بن مروان‪ .‬فقال له‬
‫عبدالعزيفز‪ :‬مفا اسفمك ؟ فقال له‪ :‬طالب بفن مدرك‪ .‬فقال‪ :‬أوه مفا أرانفي راجعفا إلى الفسفطاط فمات‬
‫في تلك القرية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 244 :‬وقاتلوا في سبيل ال واعلموا أن ال سميع عليم}‬
‫@هذا خطاب لمة محمد صلى ال عليه وسلم بالقتال في سبيل ال في قول الجمهور‪ .‬وهو الذي‬
‫ينوى بفه أن تكون كلمفة ال هفي العليفا‪ .‬وسفبل ال كثيرة فهفي عامفة ففي كفل سفبيل؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫"قفل هذه سفبيلي" [يوسفف‪ .]108 :‬قال مالك‪ :‬سفبل ال كثيرة‪ ،‬ومفا مفن سفبيل إل يقاتفل عليهفا أو‬
‫فيهففا أو لهففا‪ ،‬وأعظمهففا ديففن السففلم‪ ،‬ل خلف فففي هذا‪ .‬وقيففل‪ :‬الخطاب للذيففن أحيوا مففن بنففي‬
‫إسرائيل؛ وروي عن ابن عباس والضحاك‪ .‬والواو على هذا في قوله "وقاتلوا" عاطفة على المر‬
‫المتقدم‪ ،‬وفففي الكلم متروك تقديره‪ :‬وقال لهففم قاتلوا‪ .‬وعلى القول الول عاطفففة جملة كلم على‬
‫جملة مفففا تقدم‪ ،‬ول حاجفففة إلى إضمار ففففي الكلم‪ .‬قال النحاس‪" :‬وقاتلوا" أمفففر مفففن ال تعالى‬
‫للمؤمنيفن أل تهربوا كمفا هرب هؤلء‪" .‬واعلموا أن ال سفميع عليفم" أي يسفمع قولكفم إن قلتفم مثفل‬
‫مففا قال هؤلء ويعلم مرادكففم بففه‪ ،‬وقال الطففبري‪ :‬ل وجففه لقول مففن قال‪ :‬إن المففر بالقتال للذيففن‬
‫أحيوا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 245 :‬مفن ذا الذي يقرض ال قرضفا حسفنا فيضاعففه له أضعاففا كثيرة وال يقبفض‬
‫ويبسط وإليه ترجعون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬من ذا الذي يقرض ال قرضا حسنا" لما أمر ال تعالى بالجهاد والقتال على الحق‬
‫‪ -‬إذ ليس شيء من الشريعة إل ويجوز القتال عليه وعنه‪ ،‬وأعظمها دين السلم كما قال مالك ‪-‬‬
‫حرض على النفاق ففي ذلك‪ .‬فدخفل ففي هذا الخفبر المقاتفل ففي سفبيل ال‪ ،‬فإنفه يقرض بفه رجاء‬
‫الثواب كمفا فعفل عثمان رضفي ال عنفه ففي جيفش العسفرة‪ .‬و" مفن" رففع بالبتداء‪ ،‬و"ذا" خفبره‪،‬‬
‫و"الذي" نعت لذا‪ ،‬وإن شئت بدل‪ .‬ولما نزلت هذه الية بادر أبو الدحداح إلى التصدق بماله ابتغاء‬
‫ثواب ربه‪ .‬أخبرنا الشيخ الفقيه المام المحدث القاضي أبو عامر يحيى بن عامر بن أحمد بن منيع‬
‫الشعري نسبا ومذهبا بقرطبة ‪ -‬أعادها ال ‪ -‬في ربيع الخر عام ثمانية وعشرين وستمائة قراءة‬
‫منفي عليه قال‪ :‬أخبرنفا أبفي إجازة قال‪ :‬قرأت على أبفي بكفر عبدالعزيفز بفن خلف بفن مديفن الزدي‬
‫عفن أبفي عبدال بفن سفعدون سفماعا عليفه؛ قال‪ :‬حدثنفا أبفو الحسفن علي بفن مهران قال‪ :‬حدثنفا أبفو‬
‫الحسفن محمفد بفن عبدال بفن زكريفا بفن حيوة النيسفابوري سفنة سفت وسفتين وثلثمائة‪ ،‬قال‪ :‬أنبأنفا‬
‫عمي أبو زكريا يحيى بن زكريا قال‪ :‬حدثنا محمد بن معاوية بن صالح قال‪ :‬حدثنا خلف بن خليفة‬
‫عفن حميفد العرج عفن عبدال بفن الحارث عفن عبدال بفن مسفعود قال‪ :‬لمفا نزلت‪" :‬مفن ذا الذي‬
‫يقرض ال قرضفا حسفنا" قال أبفو الدحداح‪ :‬يفا رسفول ال أو إن ال تعالى يريفد منفا القرض ؟ قال‪:‬‬
‫(نعم يا أبا الدحداح) قال‪ :‬أرني يدك؛ قال فناوله؛ قال‪ :‬فإني أقرضت ال حائطا فيه ستمائة نخلة‪،.‬‬
‫ثفم جاء يمشفي حتفى أتفى الحائط وأم الدحداح فيفه وعياله؛ فناداهفا‪ :‬يفا أم الدحداح؛ قالت‪ :‬لبيفك؛ قال‪:‬‬
‫اخرجي‪ ،‬قد أقرضت ربي عز وجل حائطا فيه ستمائة نخلة‪ .‬وقال زيد بن أسلم‪ :‬لما نزل‪" :‬من ذا‬
‫الذي يقرض ال قرضفا حسفنا" قال أبفو الدحداح‪ :‬فداك أبفي وأمفي يفا رسفول ال إن ال يسفتقرضنا‬
‫وهو غني عن القرض ؟ قال‪( :‬نعم يريد أن يدخلكم الجنة به)‪ .‬قال‪ :‬فإني إن أقرضت ربي قرضا‬
‫يضمفن لي بفه ولصفبيتي الدحداحفة معفي الجنفة ؟ قال‪( :‬نعفم) قال‪ :‬فناولنفي يدك؛ فناوله رسفوله ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم يده‪ :‬فقال‪ :‬إن لي حديقتيفن إحداهمفا بالسفافلة والخرى بالعاليفة‪ ،‬وال ل أملك‬
‫غيرهمفا‪ ،‬قفد جعلتهمفا قرضفا ل تعالى‪ .‬قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬اجعفل إحداهمفا ل‬
‫والخرى دعهفا معيشفة لك ولعيالك) قال‪ :‬فأشهدك يفا رسفول ال أنفي قفد جعلت خيرهمفا ل تعالى‪،‬‬
‫وهفو حائط فيففه سففتمائة نخلة‪ .‬قال‪( :‬إذا يجزيففك ال بففه الجنففة)‪ .‬فانطلق أبففو الدحداح حتففى جاء أم‬
‫الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل فأنشأ يقول‪:‬‬
‫إلى سبيل الخير والسداد‬ ‫هداك ربي سبل الرشاد‬
‫فقد مضى قرضا إلى التناد‬ ‫بيني من الحائط بالوداد‬
‫بالطوع ل من ول ارتداد‬ ‫أقرضته ال على اعتمادي‬
‫فارتحلي بالنفس والولد‬ ‫إل رجاء الضعف في المعاد‬
‫قدمه المرء إلى المعاد‬ ‫والبر ل شك فخير زاد‬
‫قالت أم الدحداح‪ :‬ربح بيعك بارك ال لك فيما اشتريت‪ ،‬ثم أجابته أم الدحداح وأنشأت تقول‪:‬‬
‫مثلك أدى ما لديه ونصح‬ ‫بشرك ال بخير وفرح‬
‫بالعجوة السوداء والزهو البلح‬ ‫قد متع ال عيالي ومنح‬
‫طول الليالي وعليه ما اجترح‬ ‫والعبد يسعى وله ما قد كدح‬
‫ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى‬
‫الحائط الخر؛ فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬كم من عذق رداح ودار فياح لبي الدحداح)‪.‬‬
‫@قال ابفن العربفي‪" :‬انقسفم الخلق بحكفم الخالق وحكمتفه وقدرتفه ومشيئتفه وقضائه وقدره حيفن‬
‫سفمعوا هذه اليفة أقسفاما‪ ،‬فتفرقوا فرقفا ثلثفة‪ :‬الفرقفة الولى الرّذلى قالوا‪ :‬إن رب محمفد محتاج‬
‫فقير إلينا ونحن أغنياء‪ ،‬فهذه جهالة ل تخفى على ذي لب‪ ،‬فرد ال عليهم بقوله‪" :‬لقد سمع ال قول‬
‫الذيفن قالوا إن ال فقيفر ونحفن أغنياء" [آل عمران‪ .]181 :‬الفرقفة الثانيفة لمفا سفمعت هذا القول‬
‫آثرت الشفح والبخفل وقدمفت الرغبفة ففي المال فمفا أنفقفت ففي سفبيل ال ول فكفت أسفيرا ول أعانفت‬
‫أحدا تكاسفل عفن الطاعفة وركونفا إلى هذه الدار‪ .‬الفرقفة الثالثفة لمفا سفمعت بادرت إلى امتثاله وآثفر‬
‫المجيب منهم بسرعة بماله كأبي الدحداح رضي ال عنه وغيره‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قرضفا حسفنا" القرض‪ :‬اسفم لكفل مفا يلتمفس عليفه الجزاء وأقرض فلن فلنفا أي‬
‫أعطاه ما يتجازاه قال الشاعر وهو لبيد‪:‬‬
‫إنما يجزي الفتى ليس الجمل‬ ‫وإذا جوزيت قرضا فاجزه‬
‫والقرض بالكسر لغة فيه حكاها الكسائي‪ .‬واستقرضت من فلن أي طلبت منه القرض فأقرضني‪.‬‬
‫واقترضفت منفه أي أخذت القرض‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬القرض ففي اللغفة البلء الحسفن والبلء السفيئ‬
‫قال أمية‪:‬‬
‫أو سيئا ومدينا مثل ما دانا‬ ‫كل امرئ سوف يجزى قرضه حسنا‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫فبالخير خيرا وبالشر شرا‬ ‫تجازى القروض بأمثالها‬
‫وقال الكسائي‪ :‬القرض ما أسلفت من عمل صالح أو سيئ‪ .‬وأصل الكلمة القطع؛ ومنه المقراض‪.‬‬
‫وأقرضتففه أي قطعففت له مففن مالي قطعففة يجازي عليهففا‪ .‬وانقرض القوم‪ :‬انقطففع أثرهففم وهلكوا‪.‬‬
‫والقرض ههنفا‪ :‬اسفم‪ ،‬ولوله لقال ههنفا إقراضفا‪ .‬واسفتدعاء القرض ففي هذه اليفة إنمفا هفي تأنيفس‬
‫وتقريفب للناس بمفا يفهمونفه‪ ،‬وال هفو الغنفي الحميفد؛ لكنفه تعالى شبفه عطاء المؤمفن ففي الدنيفا بمفا‬
‫يرجففو بففه ثوابففه فففي الخرة بالقرض كمففا شبففه إعطاء النفوس والموال فففي أخففذ الجنففة بالبيففع‬
‫والشراء‪ .‬حسففب مففا يأتففي بيانففه فففي "براءة" إن شاء ال تعالى‪ .‬وقيففل المراد باليففة الحففث على‬
‫الصفدقة وإنفاق المال على الفقراء والمحتاجيفن والتوسفعة عليهفم‪ ،‬وففي سفبيل ال بنصفرة ا الديفن‪.‬‬
‫وكنى ال سبحانه عن الفقير بنفسه العلية المنزهة عن الحاجات ترغيبا في الصدقة‪ ،‬كما كنى عن‬
‫المريض والجائع والعطشان بنفسه المقدسة عن النقائص واللم‪ .‬ففي صحيح الحديث إخبارا عن‬
‫ال تعالى‪( :‬يفا ابفن آدم مرضفت فلم تعدنفي واسفتطعمتك فلم تطعمنفي واسفتسقيتك فلم تسفقني) قال يفا‬
‫رب كيفف أسفقيك وأنفت رب العالميفن ؟ قال‪( :‬اسفتسقاك عبدي فلن فلم تسفقه أمفا إنفك لو سفقيته‬
‫وجدت ذلك عندي) وكذا فيمفا قبفل؛ أخرجفه مسفلم والبخاري وهذا كله خرج مخرج التشريفف لمفن‬
‫كنى عنه ترغيبا لمن خوطب به‪.‬‬
‫@يجب على المستقرض رد القرض؛ لن ال تعالى بين أن من أنفق في سبيل ال ل يضيع عند‬
‫ال تعالى بففل يرد الثواب قطعففا وأبهففم الجزاء‪ .‬وفففي الخففبر‪( :‬النفقففة فففي سففبيل ال تضاعففف إلى‬
‫سفبعمائة ضعفف وأكثفر) على مفا يأتفي بيانفه ففي هذه السفورة عنفد قوله تعالى‪" :‬مثفل الذيفن ينفقون‬
‫أموالهم في سبيل ال كمثل حبة أنبتت سبع سنابل" [البقرة‪ ]261 :‬الية‪ .‬وقال ههنا‪" :‬فيضاعفه‬
‫له أضعافا كثيرة" وهذا ل نهاية له ول حد‪.‬‬
‫@ثواب القرض عظيم‪ ،‬لن فيه توسعة على المسلم وتفريجا عنه‪ .‬خرج ابن ماجة في سننه عن‬
‫أنفس بفن مالك قال‪ :‬قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬رأيفت ليلة أسفري بفي على باب الجنفة‬
‫مكتوبفا الصفدقة بعشفر أمثالهفا والقرض بثمانيفة عشفر فقلت لجبريفل‪ :‬مفا بال القرض أفضفل مفن‬
‫الصفدقة قال لن السفائل يسفأل وعنده والمسفتقرض ل يسفتقرض إل مفن حاجفة)‪ .‬قال‪ :‬حدثنفا محمفد‬
‫بفن خلف العسفقلني حدثنفا يعلى حدثنفا سفليمان بفن يسفير عفن قيفس بفن رومفي قال‪ :‬كان سفليمان بفن‬
‫أذنان يقرض علقمفة ألف درهفم إلى عطائه‪ ،‬فلمفا خرج عطاؤه تقاضاهفا منفه‪ ،‬واشتفد عليفه فقضاه‪،‬‬
‫فكأن علقمة غضب فمكث أشهرا ثم أتاه فقال‪ :‬أقرضني ألف درهم إلى عطائي‪ ،‬قال‪ :‬نعم وكرامة‬
‫يففا أم عتبففة هلمففي تلك الخريطففة المختومففة التففي عندك‪ ،‬قال‪ :‬فجاءت بهففا؛ فقال‪ :‬أمففا وال إنهففا‬
‫لدراهمك التي قضيتني ما حركت منها درهما واحدا؛ قال‪ :‬فلله أبوك ؟ ما حملك على ما فعلت بي‬
‫؟ قال‪ :‬ما سمعت منك؛ قال‪ :‬ما سمعت مني ؟ قال‪ :‬سفمعتك تذكفر عن ابن مسفعود أن النبي صلى‬
‫ال عليفه وسفلم قال‪( :‬مفا مفن مسفلم يقرض مسفلما قرضفا مرتيفن إل كان كصفدقتها مرة) قال‪ :‬كذلك‬
‫أنبأني ابن مسعود‪.‬‬
‫@قرض الدمي للواحد واحد‪ ،‬أي يرد عليه مثل ما أقرضه‪ .‬وأجمع أهل العلم على أن استقراض‬
‫الدنانيفر والدراهفم والحنطفة والشعيفر والتمفر والزبيفب وكفل مفا له مثفل مفن سفائر الطعمفة جائز‪.‬‬
‫وأجمفع المسفلمون نقل عفن نفبيهم صفلى ال عليفه وسفلم أن اشتراط الزيادة ففي السفلف ربفا ولو كان‬
‫قبضفة مفن علف ‪ -‬كمفا قال ابفن مسفعود ‪ -‬أو حبفة واحدة‪ .‬ويجوز أن يرد أفضفل ممفا يسفتلف إذا لم‬
‫يشترط ذلك عليه؛ لن ذلك من باب المعروف؛ استدلل بحديث أبي هريرة في البكر‪( :‬إن خياركم‬
‫أحسففنكم قضاء) رواه الئمففة‪ :‬البخاري ومسففلم وغيرهمففا‪ .‬فأثنففى صففلى ال عليففه وسففلم على مففن‬
‫أحسن القضاء‪ ،‬وأطلق ذلك ولم يقيده بصفة‪ .‬وكذلك قضى هو صلى ال عليه وسلم في البكر وهو‬
‫الفتي المختار من البل جمل خيارا رباعيا‪ ،‬والخيار‪ :‬المختار‪ ،‬والرباعي هو الذي دخل في السنة‬
‫الرابعفة؛ لنفه يلقفي فيهفا رباعيتفه وهفي التفي تلي الثنايفا وهفي أربفع رباعيات ‪ -‬مخفففة الباء ‪ -‬وهذا‬
‫الحديث دليل على جواز قرض الحيوان‪ ،‬وهو مذهب الجمهور‪ ،‬ومنع من ذلك أبو حنيفة وقد تقدم‪.‬‬
‫@ول يجوز أن يهدي مفن اسفتقرض هديفة للمقرض‪ ،‬ول يحفل للمقرض قبولهفا إل أن يكون‬
‫عادتهمفا ذلك؛ بهذا جاءت السفنة‪ :‬خرج ابفن ماجفة حدثنفا هشام بفن عمار قال‪ :‬حدثنفا إسفماعيل بفن‬
‫عياش حدثنفا عتبفة بفن حميفد الضفبي عفن يحيفى بفن أبفي إسفحاق الهنائي قال‪ ،:‬سفألت أنفس بفن مالك‬
‫عففن الرجففل منففا يقرض أخاه المال فيهدي إليففه؟ قال‪ :‬قال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬إذا‬
‫أقرض أحدكفم أخاه قرضفا فأهدى له أو حمله على دابتفه فل يقبلهفا ول يركبهفا إل أن يكون جرى‬
‫بينه وبينه قبله ذلك)‪.‬‬
‫@القرض يكون من المال ‪ -‬وقد بينا حكمه ‪ -‬ويكون من العرض؛ وفي الحديث عن النبي صلى‬
‫ال عليفه وسفلم‪( :‬أيعجفز أحدكفم أن يكون كأبفي ضمضفم كان إذا خرج مفن بيتفه قال اللهفم إنفي قفد‬
‫تصفدقت بعِرضفي على عبادك)‪ .‬وروي عن ابفن عمفر‪ :‬أقرض مفن عرضفك ليوم فقرك؛ يعنفي مفن‬
‫سفبك فل تأخفذ منفه حقفا ول تقفم عليفه حدا حتفى تأتفي يوم القيامفة موففر الجفر‪ .‬وقال أبفو حنيففة‪ :‬ل‬
‫يجوز التصدق بالعِرض لنه حق ال تعالى‪ ،‬وروي عن مالك‪ .‬ابن العربي‪ :‬وهذا فاسد‪ ،‬قال عليه‬
‫السفلم ففي الصفحيح‪( :‬إن دماءكفم وأموالكفم وأعراضكفم عليكفم حرام‪ )...‬الحديفث‪ .‬وهذا يقتضفي أن‬
‫تكون هذه المحرمات الثلث تجري مجرى واحدا في كونها باحترامها حقا للدمي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬حسنا" قال الواقدي‪ :‬محتسبا طيبفة به نفسه‪ .‬وقال عمرو بن عثمان الصدفي‪ :‬ل‬
‫يمن به ول يؤذي‪ .‬وقال سهل بن عبدال‪ :‬ل يعتقد في قرضه عوضا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فيضاعفه له أضعافا كثيرة" قرأ عاصم وغيره "فيضاعفه" باللف ونصب الفاء‪.‬‬
‫وقرأ ابفن عامفر ويعقوب بالتشديفد ففي العيفن مفع سفقوط اللف ونصفب الفاء‪ .‬وقرأ ابفن كثيفر وأبفو‬
‫جعففر وشيبفة بالتشديفد ورففع الفاء‪ .‬وقرأ الخرون باللف ورففع الفاء‪ .‬فمفن رفعفه نسفقه على قوله‪:‬‬
‫"يقرض" وقيفل‪ :‬على تقديفر هفو يضاعففه‪ .‬ومفن نصفب فجوابفا للسفتفهام بالفاء‪ .‬وقيفل‪ :‬بإضمار‬
‫"أن" والتشديفد والتخفيفف لغتان‪ .‬دليفل التشديفد "أضعاففا كثيرة" لن التشديفد للتكثيفر‪ .‬وقال الحسفن‬
‫والسدي‪ :‬ل نعلم هذا التضعيف إل ل وحده‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬ويؤت من لدنه أجرا عظيما" [النساء‪:‬‬
‫‪ .]40‬قاله أبو هريرة‪ :‬هذا في نفقة الجهاد‪ ،‬وكنا نحسب والنبي صلى ال عليه وسلم بين أظهرنا‬
‫نفقة الرجل على نفسه ورفقائه وظهره بألفي ألف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال يقبض ويبسط" هذا عام في كل شيء فهو القابض الباسط‪ ،‬وقد أتينا عليهما‬
‫في (شرح السماء الحسنى في الكتاب السنى)‪" .‬وإليه ترجعون" وعيد فيجازي كل بعمله‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 246 :‬ألم تفر إلى المل مفن بنفي إسفرائيل مفن بعفد موسفى إذ قالوا لنفبي لهفم ابعفث لنفا‬
‫ملكفا نقاتفل ففي سفبيل ال قال هفل عسفيتم إن كتفب عليكفم القتال أل تقاتلوا قالوا ومفا لنفا أل نقاتفل ففي‬
‫سفبيل ال وقفد أخرجنفا مفن ديارنفا وأبنائنفا فلمفا كتفب عليهفم القتال تولوا إل قليل منهفم وال عليفم‬
‫بالظالمين}‬
‫@ذكفر ففي التحريفض على القتال قصفة أخرى جرت ففي بنفي إسفرائيل‪ .‬والمل‪ :‬الشراف مفن‬
‫الناس‪ ،‬كأنهفم ممتلئون شرففا‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬سفموا بذلك لنهفم ممتلئون ممفا يحتاجون إليفه منهفم‪.‬‬
‫والمل ففي هذه الية القوم؛ لن المعنفى يقتضيفه‪ .‬والمل‪ :‬اسفم للجمفع كالقوم والرهفط‪ .‬والمل أيضفا‪:‬‬
‫حسن الخلق‪ ،‬ومنه الحديث (أحسنوا المل فكلكم سيروى) خرجه مسلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مفن بعفد موسفى" أي مفن بعفد وفاتفه‪" .‬إذ قالوا لنفبي لهفم ابعفث لنفا ملكفا نقاتفل ففي‬
‫سففبيل ال" قيففل‪ :‬هففو شمويففل بففن بال بففن علقمففة ويعرف بابففن العجوز‪ .‬ويقال فيففه‪ :‬شمعون‪ ،‬قاله‬
‫السدي‪ :‬وإنما قيل‪ :‬ابن العجوز لن أمه كانت عجوزا فسفألت ال الولد وقد كبرت وعقمت فوهبه‬
‫ال تعالى لهففا‪ .‬ويقال له‪ :‬سففمعون لنهففا دعففت ال أن يرزقهففا الولد فسففمع دعاءهففا فولدت غلمففا‬
‫فسففمته "سففمعون"‪ ،‬تقول‪ :‬سففمع ال دعائي‪ ،‬والسففين تصففير شينففا بلغففة العبرانيففة‪ ،‬وهففو مففن ولد‬
‫يعقوب‪ .‬وقال مقاتفل‪ :‬هفو مفن نسفل هارون عليفه السفلم‪ .‬وقال قتادة‪ :‬هفو يوشفع بفن نون‪ .‬قال ابفن‬
‫عطية‪ :‬وهذا ضعيف لن مدة داود هي من بعد موسى بقرون من الناس‪ ،‬ويوشع هو فتى موسى‪.‬‬
‫وذكفر المحاسفبي أن اسفمه إسفماعيل‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وهذه اليفة هفي خفبر عفن قوم مفن بنفي إسفرائيل‬
‫نالتهم ذلة وغلبة عدو فطلبوا الذن في الجهاد وأن يؤمروا به‪ ،‬فلما أمروا كعّ أكثرهم وصبر القل‬
‫فنصرهم ال‪ .‬وفي الخبر أن هؤلء المذكورين هم الذين أميتوا ثم أحيوا‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬نقاتففففل" بالنون والجزم وقراءة جمهور القراء على جواب المففففر‪ .‬وقرأ الضحاك‬
‫وابن أبي عبلة بالياء ورفع الفعل‪ ،‬فهو في موضع الصفة للملك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال هفل عسفيتم" و"عسفيتم" بالفتفح والكسفر لغتان‪ ،‬وبالثانيفة قرأ ناففع‪ ،‬والباقون‬
‫بالولى وهي الشهر‪ .‬قال أبو حاتم‪ :‬وليس للكسر وجه‪ ،‬وبه قرأ الحسن وطلحة‪ .‬قال مكي في اسم‬
‫الفاعل‪ :‬عس‪ ،‬فهذا يدل على كسر السين في الماضي‪ .‬والفتح في السين هي اللغة الفاشية‪ .‬قال أبو‬
‫س بذلك‪ ،‬مثل حرٍ وش جٍ‪ ،‬وقد جاء فعل وفعل ففي نحو نعم‬ ‫علي‪ :‬ووجه الكسر قول العرب‪ :‬هو ع ٍ‬
‫ي زيفد‪ ،‬مثفل‬ ‫ونعفم‪ ،‬وكذلك عَسفَيت وعَسفِيت‪ ،‬فإن أسفند الفعفل إلى ظاهفر فقياس عسفيتم أن يقال عَسِف َ‬
‫رضفي زيفد‪ ،‬فإن قيفل فهفو القياس وإن لم يقفل‪ ،‬فسفائغ أن يؤخفذ باللغتيفن فتسفتعمل إحداهمفا موضفع‬
‫الخرى‪ .‬ومعنففى هذه المقالة‪ :‬هففل أنتففم قريففب مففن التولي والفرار؟‪" .‬إن كتففب عليكففم القتال أل‬
‫تقاتلوا" قال الزجاج‪" :‬أل تقاتلوا" في موضع نصب‪ ،‬أي هل عسيتم مقاتلة‪" .‬قالوا وما لنا أل نقاتل‬
‫ففي سفبيل ال" قال الخففش‪" :‬أن" زائدة‪ .‬وقال الفراء‪ :‬هفو محمول على المعنفى‪ ،‬أي ومفا منعنفا‪،‬‬
‫كما تقول‪ :‬ما لك أل تصلي ؟ أي ما منعك‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى وأي شيء لنا في أل نقاتل في سبيل ال‬
‫قال النحاس‪ :‬وهذا أجودهفا‪" .‬وأن" ففي موضفع نصفب‪" .‬وقفد أخرجنفا مفن ديارنفا" تعليفل‪ ،‬وكذلك‬
‫"وأبنائنا" أي بسبب ذرارينا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلمفا كتفب عليهفم القتال" أي فرض عليهفم‪" .‬القتال تولوا" أخفبر تعالى أنفه لمفا‬
‫فرض عليهفم القتال ورأوا الحقيقفة ورجعفت أفكارهفم إلى مباشرة الحرب وأن نفوسفهم‪ ،‬ربمفا قفد‬
‫تذهفب "تولوا" أي اضطربت نياتهفم وفترت عزائمهفم‪ ،‬وهذا شأن المم المتنعمفة المائلة إلى الدعة‬
‫تتمنفى الحرب أوقات النففة فإذا حضرت الحرب كعفت وانقادت لطبعهفا‪ .‬وعفن هذا المعنفى نهفى‬
‫النففبي صففلى ال عليففه وسففلم بقوله‪( :‬ل تتمنوا لقاء العدو وسففلوا ال العافيففة فإذا لقيتموهففم فأثبتوا)‬
‫رواه الئمفة‪ .‬ثفم أخفبر ال تعالى عفن قليفل منهفم أنهفم ثبتوا على النيفة الولى واسفتمرت عزيمتهفم‬
‫على القتال في سبيل ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 247 :‬وقال لهم نبيهم إن ال قد بعث لكم طالوت ملكا قالوا أنى يكون له الملك علينا‬
‫ونحفن أحفق بالملك منفه ولم يؤت سفعة مفن المال قال إن ال اصفطفاه عليكفم وزاده بسفطة ففي العلم‬
‫والجسم وال يؤتي ملكه من يشاء وال واسع عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال لهم نبيهم إن ال قد بعث لكم طالوت ملكا" أي أجابكم إلى ما سألتم‪ ،‬وكان‬
‫طالوت سفقاء‪ .‬وقيفل‪ :‬دباغفا‪ .‬وقيفل‪ :‬مكاريفا‪ ،‬وكان عالمفا فلذلك رفعفه ال على مفا يأتفي‪ :‬وكان مفن‬
‫سبط بنيامين ولم يكن من سبط النبوة ول من سبط الملك‪ ،‬وكانت النبوة في بني لوى‪ ،‬والملك في‬
‫سفبط يهوذا فلذلك أنكروا‪ .‬قال وهفب بفن منبفه‪ :‬لمفا قال المل مفن بنفي إسفرائيل لشمويفل بفن بال مفا‬
‫قالوا‪ ،‬سأل ال تعالى أن يبعث إليهم ملكا ويدله عليه؛ فقال ال تعالى له‪ :‬انظر إلى القرن الذي فيه‬
‫الدهفن ففي بيتفك فإذا دخفل عليفك رجفل فنفش الدهفن الذي ففي القرن‪ ،‬فهفو ملك بنفي إسفرائيل فأدهفن‬
‫رأسفه منفه وملكفه عليهفم‪ .‬قال‪ :‬وكان طالوت دباغفا فخرج ففي ابتغاء دابفة أضلهفا‪ ،‬فقصفد شمويفل‬
‫عسفى أن يدعفو له ففي أمفر الدابفة أو يجفد عنده فرجفا‪ ،‬فنفش الدهفن على مفا زعموا‪ ،‬قال‪ :‬فقام إليفه‬
‫شمويفل فأخذه ودهفن منفه رأس طالوت‪ ،‬وقال له‪ :‬أنفت ملك بنفي إسفرائيل الذي أمرنفي ال تعالى‬
‫بتقديمففه‪ ،‬ثففم قال لبنففي إسففرائيل‪" :‬إن ال قففد بعففث لكففم طالوت ملكففا"‪ .‬وطالوت وجالوت اسففمان‬
‫أعجميان معربان؛ ولذلك‪ ،‬لم ينصففرفا‪ ،‬وكذلك داود‪ ،‬والجمففع طواليففت وجواليففت ودوايففد‪ ،‬ولو‬
‫سففميت رجل بطاوس وراقود لصففرفت وإن كان أعجمييففن‪ .‬والفرق بيففن هذا والول أنففك تقول‪:‬‬
‫الطاوس‪ ،‬فتدخل اللف واللم فيمكن في العربية ول يمكن هذا في ذاك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أنفى يكون له الملك علينفا" أي كيفف يملكنفا ونحفن أحفق بالملك منفه‪ .‬جروا على‬
‫سنتهم في تعنيتهم النبياء وحيدهم عن أمر ال تعالى فقالوا‪" :‬أنى" أي من أي جهة‪ ،‬فف "أنى" في‬
‫موضفع نصفب على الظرف‪ ،‬ونحفن مفن سفبط الملوك وهفو ليفس كذلك وهفو فقيفر‪ ،‬فتركوا السفبب‬
‫القوى وهفو قدر ال تعالى وقضاؤه السفابق حتفى احتفج عليهفم نفبيهم بقوله‪" :‬إن ال اصفطفاه" أي‬
‫اختاره وهو الحجة القاطعة‪ ،‬وبين لهم مع ذلك تعليل اصطفاء طالوت‪ ،‬وهو بسطته في العلم الذي‬
‫هفو مِلك النسفان‪ ،‬والجسفم الذي هفو معينفه ففي الحرب وعدتفه عنفد اللقاء؛ فتضمنفت بيان صففة‬
‫المام وأحوال المامفة‪ ،‬وإنهفا مسفتحقة بالعلم والديفن والقوة ل بالنسفب‪ ،‬فل حفظ للنسفب فيهفا مفع‬
‫العلم وفضائل النففس وأنهفا متقدمفة عليفه؛ لن ال تعالى أخفبر أنفه اختاره عليهفم لعلمفه وقوتفه‪ ،‬وإن‬
‫كانوا أشرف منتسبا‪ .‬وقد مضى في أول السورة من ذكر المامة وشروطها ما يكفي ويغني‪ .‬وهذه‬
‫اليفة أصفل فيهفا‪ .‬قال ابفن عباس‪ :‬كان طالوت يومئذ أعلم رجفل ففي بنفي إسفرائيل وأجمله وأتمفه؛‬
‫وزيادة الجسم مما يهيب العدو‪ .‬وقيل‪ :‬سمى طالوت لطوله‪ .‬وقيل‪ :‬زيادة الجسم كانت بكثرة معاني‬
‫الخير والشجاعة‪ ،‬ولم يرد عظم الجسم؛ ألم تر إلى قول الشاعر‪:‬‬
‫وفي أثوابه أسد هصور‬ ‫ترى الرجل النحيف فتزدريه‬
‫فخلف ظنك الرجل الطرير‬ ‫ويعجبك الطرير فتبتليه‬
‫فلم يستغن بالعظم البعير‬ ‫وقد عظم البعير بغير لب‬
‫قلت‪ :‬ومفن هذا المعنفى قوله صفلى ال عليفه وسفلم لزواجفه‪( :‬أسفرعكن لحاقفا بفي أطولكفن يدا)‬
‫فكفن يتطاولن؛ فكانفت زينفب أولهفن موتفا؛ لنهفا كانفت تعمفل بيدهفا وتتصفدق؛ خرجفه مسفلم‪ .‬وقال‬
‫بعض المتأولين‪ :‬المراد بالعلم علم الحرب‪ ،‬وهذا تخصيص العموم من غير دليل‪ .‬وقد قيل‪ :‬زيادة‬
‫العلم بأن أوحى ال إليه‪ ،‬وعلى هذا كان طالوت نبيا‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال يؤتفي ملكفه مفن يشاء" ذهفب بعفض المتأوليفن إلى أن هذا مفن قول ال عفز‬
‫وجل لمحمفد صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقيل‪ :‬هو من قول شمويفل وهو الظهفر‪ .‬قال لهم ذلك لمفا علم‬
‫مفن تعنتهفم وجدالهفم ففي الحجفج‪ ،‬فأراد إن يتمفم كلمفه بالقطعفي الذي ل اعتراض عليفه فقال ال‬
‫تعالى‪" :‬وال يؤتفي ملكفه مفن يشاء"‪ .‬وإضاففة ملك الدنيفا إلى ال تعالى إضاففة مملوك إلى ملك‪ .‬ثفم‬
‫قال لهم على جهة التغبيط والتنبيه من غير سؤال منهم‪" :‬إن آية ملكه"‪ .‬ويحتمل أن يكونوا سألوه‬
‫الدللة على صفدقه ففي قوله‪" :‬إن ال قفد بعفث لكفم طالوت ملكفا"‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬والول أظهفر‬
‫بمساق الية‪ ،‬والثاني أشبه بأخلق بني إسرائيل الذميمة‪ ،‬وإليه ذهب الطبري‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 248 :‬وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما‬
‫ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملئكة إن في ذلك لية لكم إن كنتم مؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت" أي إتيان التابوت‪ ،‬والتابوت كان‬
‫مفن شأنفه فيمفا ذكفر أنفه أنزله ال على آدم عليفه السفلم‪ ،‬فكان عنده إلى أن وصفل إلى يعقوب عليفه‬
‫السفلم‪ ،‬فكان ففي بنفي إسفرائيل يغلبون بفه مفن قاتلهفم حتفى عصفوا فغلبوا على التابوت غلبهفم عليفه‬
‫العمالقة‪ :‬جالوت وأصحابه في قول السدي‪ ،‬وسلبوا التابوت منهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا أدل دليله على أن العصفففيان سفففبب الخذلن‪ ،‬وهذا بيفففن‪ .‬قال النحاس‪ :‬واليفففة ففففي‬
‫التابوت على ما روي أنه كان يسمع فيه أنين‪ ،‬فإذا سمعوا ذلك ساروا لحربهم‪ ،،‬وإذا هدأ النين لم‬
‫يسففيروا ولم يسففر التابوت‪ .‬وقيففل‪ :‬كانوا يضعونففه فففي مأزق الحرب فل تزال تغلب حتففى عصففوا‬
‫فغلبوا وأخففذ منهففم التابوت وذل أمرهففم؛ فلمففا رأوا آيففة الصففطلم وذهاب الذكففر‪ ،‬أنففف بعضهففم‬
‫وتكلموا ففي أمرهفم حتفى اجتمفع ملؤهفم أن قالوا لنفبي الوقفت‪ :‬أبعفث لنفا ملكفا؛ فلمفا قال لهفم‪ :‬ملككفم‬
‫طالوت راجعوه فيففه كمففا أخففبر ال عنهففم؛ فلمففا قطعهففم بالحجففة سففألوه البينففة على ذلك‪ ،‬فففي قول‬
‫الطبري‪ .‬فلما سألوا نبيهم البينة على ما قال‪ ،‬دعا ربه فنزل بالقوم الذين أخذوا التابوت داء بسببه‪،‬‬
‫على خلف ففي ذلك‪ .‬قيفل‪ :‬وضعوه ففي كنيسفة لهفم فيهفا أصفنام فكانفت الصفنام تصفبح منكوسفة‪.‬‬
‫وقيفل‪ :‬وضعوه ففي بيفت أصفنامهم تحفت الصفنم الكفبير فأصفبحوا وهفو فوق الصفنم‪ ،‬فأخذوه وشدوه‬
‫إلى رجليفه فأصفبحوا وقفد قطعفت يدا الصفنم ورجله وألقيفت تحفت التابوت؛ فأخذوه وجملوه ففي‬
‫قريففة قوم فأصففاب أولئك القوم أوجاع فففي أعناقهففم‪ .‬وقيففل‪ :‬جعلوه فففي مخرأة قوم فكانوا يصففيبهم‬
‫الباسففور؛ فلمففا عظففم بلؤهففم كيفمففا كان‪ ،‬قالوا‪ :‬مففا هذا إل لهذا التابوت فلنرده إلى بنففي إسففرائيل‬
‫فوضعوه على عجلة بين ثورين وأرسلوهما في الرض نحو بلد بني إسرائيل‪ ،‬وبعث ال ملئكة‬
‫تسوق البقرتين حتى دخلتا على بني إسرائيل‪ ،‬وهم في أمر طالوت فأيقنوا بالنصر؛ وهذا هو حمل‬
‫الملئكفة للتابوت فففي هذه الروايفة‪ .‬وروي أن الملئكفة جاءت بفه تحمله وكان يوشفع بفن نون قفد‬
‫جعله ففي البريفة‪ ،‬فروي أنهفم رأوا التابوت ففي الهواء حتفى نزل بينهفم؛ قال الربيفع بفن خيثفم‪ .‬وقال‬
‫وهب بن منبه‪ :‬كان قدر التابوت نحوا من ثلثة أذرع في ذراعين‪ .‬الكلبي‪ :‬وكان من عود شمسار‬
‫الذي يتخفذ منفه المشاط‪ .‬وقرأ زيفد بفن ثابفت "التابوه" وهفي لغتفه‪ ،‬والناس على قراءتفه بالتاء وقفد‬
‫تقدم‪ .‬وروي عنه "التيبوت" ذكره النحاس‪ .‬وقرأ حميد بن قيس "يحمله" بالياء‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فيفه سفكينة مفن ربكفم وبقيفة" اختلف الناس ففي السفكينة والبقيفة؛ فالسفكينة فعيلة‬
‫مأخوذة مففن السففكون والوقار والطمأنينففة‪ .‬فقوله "فيففه سففكينة" أي هففو سففبب سففكون قلوبكففم فيمففا‬
‫اختلفتفم فيفه مفن أمفر طالوت؛ ونظيره "فأنزل ال سفكينته عليفه" [التوبفة‪ ]40 :‬أي أنزل عليفه مفا‬
‫سفكن بفه قلبفه‪ .‬وقيفل‪ :‬أراد أن التابوت كان سفبب سفكون قلوبهفم‪ ،‬فأينمفا كانوا سفكنوا إليفه ولم يفروا‬
‫من التابوت إذا كان معهم في الحرب‪ .‬وقال وهب بن منبه‪ :‬السكينة روح من ال تتكلم‪ ،‬فكانوا إذا‬
‫اختلفوا ففي أمفر نطقفت بفبيان مفا يريدون‪ ،‬وإذا صفاحت ففي الحرب كان الظففر لهفم‪ .‬وقال علي بفن‬
‫أبفي طالب‪ :‬هفي ريفح هفاففة لهفا وجفه كوجفه النسفان‪ .‬وروي عنفه أنفه قال‪ :‬هفي ريفح خجوج لهفا‬
‫رأسفان‪ .‬وقال مجاهفد‪ :‬حيوان كالهفر له جناحان وذنفب ولعينيفه شعاع‪ ،‬فإذا نظفر إلى الجيفش انهزم‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪ :‬طست من ذهب من الجنة‪ ،‬كان يغسل فيه قلوب النبياء؛ وقال السدي‪ .‬وقال ابن‬
‫عطيفة‪ :‬والصفحيح أن التابوت كانفت فيفه أشياء فاضلة مفن بقايفا النفبياء وآثارهفم‪ ،‬فكانفت النفوس‬
‫تسكن إلى ذلك وتأنس به وتقوى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وففي صفحيح مسفلم عفن البراء قال‪ :‬كان رجفل يقرأ سفورة "الكهفف" وعنده فرس مربوط‬
‫بشطنين فتغشته سحابة فجعلت تدور وتدنو وجعل فرسه ينفر منها‪ ،‬فلما أصبح أتى النبي صلى ال‬
‫عليفه وسفلم فذكفر ذلك له فقال‪( :‬تلك السفكينة تنزلت للقرآن)‪ .‬وففي حديفث أبفي سفعيد الخدري‪ :‬أن‬
‫أسيد بن الحضير بينما هو ليلة يقرأ في مربده الحديث وفيه‪ :‬فقال رسوله ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(تلك الملئكة كانت تستمع لك ولو قرأت لصبحت يراها الناس ما تستتر منهم) خرجه البخاري‬
‫ومسفلم‪ .‬فأخفبر صفلى ال عليفه وسفلم عفن نزول السفكينة مرة‪ ،‬ومرة عفن نزول الملئكفة؛ فدل على‬
‫أن السفكينة كانفت ففي تلك الظلة‪ ،‬وأنهفا تنزل أبدا مفع الملئكفة‪ .‬وففي هذا حجفة لمفن قال إن السفكينة‬
‫روح أو شيء له روح لنه ل يصح استماع القرآن إل لمن يعقل‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وبقيففة" اختلف فففي البقيففة على أقوال‪ ،‬فقيففل‪ :‬عصففا موسففى وعصففا هارون‬
‫ورضاض اللواح؛ لنها انكسرت حين ألقاها موسى‪ ،‬قال ابن عباس‪ .‬زاد عكرمة‪ ،:‬التوراة‪ .‬وقال‬
‫أبفو صفالح‪ :‬البقيفة‪ :‬عصفا موسفى وثيابفه وثياب هارون ولوحان مفن التوراة‪ .‬وقال عطيفة بفن سفعد‪:‬‬
‫وهي عصا موسى وعصا هارون وثيابهما ورضاض اللواح‪ .‬وقاله الثوري‪ :‬من الناس من يقول‬
‫البقية قفيزا من في طست من ذهب وعصا موسى وعمامة هارون ورضاض اللواح‪ .‬ومنهم من‬
‫يقول‪ :‬العصفا والنعلن‪ .‬ومعنفى هذا مفا روي مفن أن موسفى لمفا جاء قومفه باللواح فوجدهفم قفد‬
‫عبدوا العجل‪ ،‬ألقى اللواح غضبا فتكسرت‪ ،‬فنزع منها ما كان صحيحا وأخذ رضاض ما تكسر‬
‫فجعله ففي التابوت‪ .‬وقال الضحاك‪ :‬البقيفة‪ :‬الجهاد وقتال العداء‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬أي المفر بذلك‬
‫ففي التابوت‪ ،‬إمفا أنفه مكتوب فيفه‪ ،‬وإمفا أن نففس التيان بفه هفو كالمفر بذلك‪ ،‬وأسفند الترك إلى آل‬
‫موسفى وآل هارون مفن حيفث كان المفر مندرجفا مفن قوم إلى قوم وكلهفم آل موسفى وآل هارون‪.‬‬
‫وآل الرجل قرابته‪ .‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 249 :‬فلما فصل طالوت بالجنود قال إن ال مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني‬
‫ومفن لم يطعمفه فإنفه منفي إل مفن اغترف غرففة بيده فشربوا منفه إل قليل منهفم فلمفا جاوزه هفو‬
‫والذيفن آمنوا معفه قالوا ل طاقفة لنفا اليوم بجالوت وجنوده قال الذيفن يظنون أنهفم ملقفو ال كفم مفن‬
‫فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن ال وال مع الصابرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما فصل طالوت بالجنود" "فصل" معناه خرج بهم‪ .‬فصلت الشيء فانفصل‪ ،‬أي‬
‫قطعتففه فانقطففع‪ .‬قال وهففب بففن منبففه‪ :‬فلمففا فصففل طالوت قالوا له أن المياه ل تحملنففا فادع ال أن‬
‫يجري لنا نهرا فقال لهم طالوت‪ :‬إن ال مبتليكم بنهر‪ .‬وكان عدد الجنود ‪ -‬في قول السدي ‪ -‬ثمانين‬
‫ألفففا‪ .‬وقال وهففب‪ :‬لم يتخلف عنففه إل ذو عذر مففن صففغر أو كففبر أو مرض‪ .‬والبتلء الختبار‪.‬‬
‫والنهَر والنهْر لغتان‪ .‬واشتقاقه من السعة‪ ،‬ومنه النهار وقد تقدم‪ .‬قال قتادة‪ :‬النهر الذي ابتلهم ال‬
‫به هو نهر بين الردن وفلسطين‪ .‬وقرأ الجمهور "بنهر" بفتح الهاء‪ .‬وقرأ مجاهد وحميد العرج‬
‫"بنهر" بإسكان الهاء‪ .‬ومعنى هذا البتلء أنه اختبار لهم‪ ،‬فمن ظهرت طاعته في ترك الماء علم‬
‫أنه مطيع فيما عدا ذلك‪ ،‬ومن غلبته شهوته في الماء وعصى المر فهو في العصيان في الشدائد‬
‫أحرى‪ ،‬فروي أنهفم أتوا النهفر وقفد نالهفم عطفش وهفو ففي غايفة العذوبفة والحسفن‪ ،‬فلذلك رخفص‬
‫للمطيعيفن ففي الغرففة ليرتففع عنهفم أذى العطفش بعفض الرتفاع وليكسفروا نزاع النففس ففي هذه‬
‫الحال وبين أن الغرفة كافة ضرر العطش عند الحزمة الصابرين على شظف العيش الذين همهم‬
‫في غير الرفاهية‪ ،‬كما قال عروة‪:‬‬
‫وأحسوا قراح الماء والماء بارد‬
‫قلت‪ :‬ومفن هذا المعنفى قوله عليفه السفلم‪( :‬حسفب المرء لقيمات يقمفن صفلبه)‪ .‬وقال بعفض مفن‬
‫يتعاطى غوامض المعاني‪ :‬هذه الية مثل ضربه ال للدنيا فشبهها ال بالنهر والشارب منه والمائل‬
‫إليهفا والمستكثر منها والتارك لشربه بالمنحرف عنها والزاهفد فيهفا‪ ،‬والمغترف بيده غرففة بالخفذ‬
‫منها قدر الحاجة‪ ،‬وأحوال الثلثة عند ال مختلفة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مفا أحسفن هذا لول مفا فيفه مفن التحريفف ففي التأويفل والخروج عفن الظاهفر‪ ،‬لكفن معناه‬
‫صحيح من غير هذا‪.‬‬
‫@اسفتدل مفن قال أن طالوت كان نبيفا بقوله‪" :‬إن ال مبتليكفم" وأن ال أوحفى إليفه بذلك وألهمفه‪،‬‬
‫وجعله اللهام ابتلء من ال لهم‪ .‬ومن قال لم يكن نبيا قال‪ :‬أخبره نبيهم شمويل بالوحي حين أخبر‬
‫طالوت قومففه بهذا‪ ،‬وإنمففا وقففع هذا البتلء ليتميففز الصففادق مففن الكاذب‪ .‬وقففد ذهففب قوم إلى أن‬
‫عبدال بفن حذاففة السفهمي صفاحب رسفول ال صفلى ال علي وسفلم إنمفا أمفر أصفحابه بإيقاد النار‬
‫والدخول فيها تجربة لطاعتهم‪ ،‬لكنه حمل مزاحه على تخشين المر الذي كلفهم‪ ،‬وسيأتي بيانه في‬
‫"النساء" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمن شرب منه فليس مني" شرب قيل معناه كرع‪ .‬ومعنى "فليس مني" أي ليس‬
‫مفن أصفحابي ففي هذه الحرب‪ ،‬ولم يخرجهفم بذلك عفن اليمان‪ .‬قال السفدي‪ :‬كانوا ثمانيفن ألففا‪ ،‬ول‬
‫محالة أنفه كان فيهفم المؤمفن والمناففق والمجفد والكسفلن‪ ،‬وففي الحديفث (مفن غشنفا فليفس منفا) أي‬
‫ليس من أصحابنا ول على طريقتنا وهدينا‪ .‬قال‪:‬‬
‫فإني لست منك ولست مني‬ ‫إذا حاولت في أسد فجورا‬
‫هذا مهيع في كلم العرب؛ يقول الرجل لبنه إذا سلك غير أسلوبه‪ :‬لست مني‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن لم يطعمه فإنه مني" يقال‪ :‬طعمت الشيء أي ذقته‪ .‬وأطعمته الماء أي أذقته‪،‬‬
‫ولم يقفل ومفن لم يشربفه لن مفن عادة العرب إذا كرروا شيئا أن يكرروه بلففظ آخفر‪ ،‬ولغفة القرآن‬
‫أفصح اللغات‪ ،‬فل عبرة بقدح من يقول‪ :‬ل يقال طعمت الماء‪.‬‬
‫@اسفتدل علماؤنفا بهذا على القول بسفد الذرائع؛ لن أدنفى الذوق يدخفل ففي لففظ الطعفم‪ ،‬فإذا وقفع‬
‫النهفي عفن الطعفم فل سفبيل إلى وقوع الشرب ممفن يتجنفب الطعفم؛ ولهذه المبالغفة لم يأت الكلم‬
‫"ومن لم يشرب منه"‪.‬‬
‫@لمفا قال تعالى‪" :‬ومفن لم يطعمفه" دل على أن الماء طعام وإذا كان طعامفا كان قوتفا لبقائه‬
‫واقتيات البدان بفه فوجفب أن يجري فيفه الربفا‪ ،‬قال ابفن العربفي‪ :‬وهفو الصفحيح مفن المذهفب‪ .‬قال‬
‫أبفو عمفر قال مالك‪ :‬ل بأس بفبيع الماء على الشفط بالماء متفاضل وإلى أجفل‪ ،‬وهفو قول أبفي حنيففة‬
‫وأبففي يوسففف‪ .‬وقال محمففد بففن الحسففن‪ :‬هففو ممففا يكال ويوزن‪ ،‬فعلى هذا القول ل يجوز عنده‬
‫التفاضل‪ ،‬وذلك عنده فيه ربا؛ لن علته في الربا الكيل والوزن‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬ل يجوز بيع الماء‬
‫متفاضل ول يجوز فيه الجل‪ ،‬وعلته في الربا أن يكون مأكول جنسا‪.‬‬
‫@قال ابن العربي قال أبو حنيفة‪ :‬من قال إن شرب عبدي فلن من الفرات فهو حر فل يعتق إل‬
‫أن يكرع فيفه‪ ،‬والكرع أن يشرب الرجفل بفيفه مفن النهفر‪ ،‬فإن شرب بيده أو اغترف بالناء منفه لم‬
‫يعتفق؛ لن ال سفبحانه فرق بيفن الكرع ففي النهفر وبيفن الشرب باليفد‪ .‬قال‪ :‬وهذا فاسفد؛ لن شرب‬
‫الماء يطلق على كفل هيئة وصففة ففي لسفان العرب مفن غرف باليفد أو كرع بالففم انطلقفا واحدا‪،‬‬
‫فإذا وجد الشرب المحلوف عليه لغة وحقيقة حنث‪ ،‬فاعلمه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول أبي حنيفة أصح‪ ،‬فإن أهل اللغة فرقوا بينهما كما فرق الكتاب والسنة‪ .‬قال الجوهري‬
‫وغيره‪ :‬وكرع ففي الماء كروعفا إذا تناوله بفيفه مفن موضعفه مفن غيفر أن يشرب بكفيفه ول بإناء‪،‬‬
‫وفيه لغة أخرى [كرع] بكسر الراء يكرع كرعا‪ .‬وال َكرَع‪ :‬ماء السماء يكرع فيه‪ .‬وأما السنة فذكر‬
‫ابن ماجة في سننه‪ :‬حدثنا واصل بن عبدالعلى حدثنا ابن فضيل عن ليث عن سعيد بن عامر عن‬
‫ابففن عمففر قال‪ :‬مررنففا على بركفة فجعلنفا نكرع فيهففا فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬ل‬
‫تكرعوا ولكفن اغسفلوا أيديكفم ثفم اشربوا فيهفا فإنفه ليفس إناء أطيفب مفن اليفد) وهذا نفص‪ .‬وليفث بفن‬
‫أبي سليم خرج له مسلم وقد ضعف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل مفن اغترف غرففة بيده" الغتراف‪ :‬الخفذ مفن الشيفء باليفد وبآلة‪ ،‬ومنفه‬
‫المغرفة‪ ،‬والغَرف مثل الغتراف‪ .‬وقرئ "غرفة" بفتح الغين وهي مصدر‪ ،‬ولم يقل اغترافة لن‬
‫معنفى الغرف والغتراف واحفد‪ .‬والغرففة المرة الواحدة‪ .‬وقرئ "غرففة" بضفم الغيفن وهفي الشيفء‬
‫المغترف‪ .‬وقال بعفض المفسفرين‪ :‬الغَرففة بالكفف الواحفد والغُرففة بالكفيفن‪ .‬وقال بعضهفم‪ :‬كلهمفا‬
‫لغتان بمعنى واحد‪ .‬وقال علي رضي ال عنه‪ :‬الكف أنظف النية‪ ،‬ومنه قول الحسن‪:‬‬
‫إل اغترافا من الغدران بالراح‬ ‫ل يدلفون إلى ماء بآنية‬
‫الدليف‪ :‬المشي الرويد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومففن أراد الحلل الصففرف فففي هذه الزمان دون شبهففة ول امتراء ول ارتياب فليشرب‬
‫بكفيففه الماء مففن العيون والنهار المسففخرة بالجريان آناء الليففل وآناء النهار‪ ،‬مبتغيففا بذلك مففن ال‬
‫كسفب الحسفنات ووضفع الوزار واللحوق بالئمفة البرار‪ ،‬قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪:‬‬
‫(من شرب بيده وهو يقدر على إناء يريد به التواضع كتب ال له بعدد أصابعه حسنات وهو إناء‬
‫عيسفى ابفن مريفم عليهمفا السفلم إذا طرح القدح فقال أف هذا مفع الدنيفا)‪ .‬خرجفه ابفن ماجفة مفن‬
‫حديفث ابفن عمفر قال‪ :‬نهفى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أن نشرب على بطوننفا وهفو الكرع‪،‬‬
‫ونهانفا أن نغترف باليفد الواحدة‪ ،‬وقال‪( :‬ل يلغ أحدكفم كمفا يلغ الكلب ول يشرب باليفد الواحدة كمفا‬
‫يشرب القوم الذين سخط ال عليهم ول يشرب بالليل في إناء حتى يحركه إل أن يكون إناء مخمرا‬
‫ومفن شرب بيده وهفو يقدر على إناء‪ )...‬الحديفث كمفا تقدم‪ ،‬وففي إسفناده بقيفة بفن الوليفد‪ ،‬قال أبفو‬
‫حاتم‪ :‬يكتب حديثه ول يحتج به‪ .‬وقال أبو زرعة‪ :‬إذا حدث بقية عن الثقات فهو ثقة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فشربوا منه إل قليل منهم" قال ابن عباس‪ :‬شربوا على قدر يقينهم فشرب الكفار‬
‫شرب الهيففم وشرب العاصففون دون ذلك‪ ،‬وانصففرف مففن القوم سففتة وسففبعون ألفففا وبقففي بعففض‬
‫المؤمنيفن لم يشرب شيئا وأخفذ بعضهفم الغرففة‪ ،‬فأمفا مفن شرب فلم يرو‪ ،‬بفل برح بفه العطفش‪ ،‬وأمفا‬
‫من ترك الماء فحسنت حاله وكان أجلد ممن أخذ الغرفة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما جاوزه هو" الهاء تعود على النهر‪ ،‬و"هو" توكيد‪" .‬والذين" في موضع رفع‬
‫عطففا على المضمفر ففي "جاوزه" يقال‪ :‬جاوزت المكان مجاوزة وجوازا‪ .‬والمجاز ففي الكلم مفا‬
‫جاز ففي السفتعمال ونففذ واسفتمر على وجهفه‪ .‬قال ابفن عباس والسفدي‪ :‬جاز معفه ففي النهفر أربعفة‬
‫آلف رجففل فيهففم مففن شرب‪ ،‬فلمففا نظروا إلى جالوت وجنوده وكانوا مائة ألف كلهففم شاكون فففي‬
‫السلح رجع منهم ثلثة آلف وستمائة وبضعة وثمانون؛ فعلى هذا القول قال المؤمنون الموقنون‬
‫بالبعفث والرجوع إلى ال تعالى عنفد ذلك وهفم عدة أهفل بدر‪" :‬كفم مفن فئة قليلة غلبفت فئة كثيرة‬
‫بإذن ال"‪ .‬وأكثر المفسرين‪ :‬على أنه إنما جاز معه النهر من لم يشرب جملة‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬كيف‬
‫نطيفق العدو مفع كثرتهفم فقال أولو العزم منهفم‪" :‬كفم مفن فئة قليلة غلبفت فئة كثيرة بإذن ال"‪ .‬قال‬
‫البراء بفن عازب‪ :‬كنفا نتحدث أن عدة أهفل بدر كعدة أصفحاب طالوت الذيفن جاوزوا معفه النهففر‬
‫ثلثمائة وبضعة عشر رجل ‪ -‬وفي رواية‪ :‬وثلثة عشر رجل ‪ -‬وما جاز معه إل مؤمن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال الذين يظنون" والظن هنا بمعنفى اليقين‪ ،‬ويجوز أن يكون شكا ل علما‪ ،‬أي‬
‫قال الذين يتوهمون أنهم يقتلون مع طالوت فيلقون ال شهداء‪ ،‬فوقع الشك في القتل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كفم مفن فئة قليلة غلبفت فئة كثيرة" الفئة‪ :‬الجماعفة مفن الناس والقطعفة منهفم مفن‬
‫فأوت رأسفه بالسفيف وفأيتفه أي قطعتفه‪ .‬وففي قولهفم رضفي ال عنهفم‪" :‬كفم مفن فئة قليلة" اليفة‬
‫تحريض على القتال واستشعار للصبر واقتداء بمن صدق ربه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هكذا يجفب علينفا نحفن أن نفعفل ؟ لكفن العمال القبيحفة والنيات الفاسفدة منعفت مفن ذلك‬
‫حتفى ينكسفر العدد الكفبير منفا قدام اليسفير مفن العدو كمفا شاهدناه غيفر مرة‪ ،‬وذلك بمفا كسفبت أيدينفا‬
‫وففي البخاري‪ :‬قال أبفو الدرداء‪ :‬إنمفا تقاتلون بأعمالكفم‪ .‬وفيفه مسفند أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫قال‪( :‬هفل ترزقون وتنصفرون إل بضعفائكفم)‪ .‬فالعمال فاسفدة والضعفاء مهملون والصفبر قليفل‬
‫والعتماد ضعيففف والتقوى زائلة‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬اصففبروا وصففابروا ورابطوا واتقوا ال" [آل‬
‫عمران‪ ]200 :‬وقال‪" :‬وعلى ال فتوكلوا" [المائدة‪ ]23 :‬وقال‪" :‬إن ال مع الذين اتقوا والذين‬
‫هم محسنون" [النحل‪ ]128 :‬وقال‪" :‬ولينصرن ال من ينصره" [الحج‪ ]40 :‬وقال‪" :‬إذا لقيتم‬
‫فئة فاثبتوا واذكروا ال كثيرا لعلكفم تفلحون" [النفال‪ .]45 :‬فهذه أسفباب النصفر وشروطفه وهفي‬
‫معدومة عندنا غير موجودة فينا‪ ،‬فإنا ل وإنا إليه راجعون على ما أصابنا وحل بنا! بل لم يبق من‬
‫السففلم إل ذكره‪ ،‬ول مففن الديففن إل رسففمه لظهور الفسففاد ولكثرة الطغيان وقلة الرشاد حتففى‬
‫استولى العدو شرقا وغربا برا وبحرا‪ ،‬وعمت الفتن وعظمت المحن ول عاصم إل من رحم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 250 :‬ولمفا برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنفا أفرغ علينفا صفبرا وثبفت أقدامنفا‬
‫وانصرنا على القوم الكافرين}‬
‫@قوله‪" :‬برزوا" صاروا في البَراز وهو الفيح من الرض المتسع‪ .‬وكان جالوت أمير العمالقة‬
‫وملكهفم ظله ميفل‪ .‬ويقال‪ :‬إن البر مفن مفن نسفله‪ ،‬وكان فيمفا روي ففي ثلثمائة ألف فارس‪ .‬وقال‬
‫عكرمففة‪ :‬فففي تسففعين ألفففا‪ ،‬ولمففا رأى المؤمنون كثرة عدوهففم تضرعوا إلى ربهففم؛ وهذا كقوله‪:‬‬
‫"وكأيفن مفن نفبي قاتفل معفه ربيون كثيفر" [آل عمران‪ ]146 :‬إلى قوله "ومفا كان قولهفم إل أن‬
‫قالوا ربنفا اغففر لنفا ذنوبنفا" [آل عمران‪ ]147 :‬اليفة‪ .‬وكان رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم إذا‬
‫لقفي العدو يقول ففي القتال‪( :‬اللهفم بفك أصفول وأجول) وكان صفلى ال عليفه وسفلم يقول إذا لقفي‬
‫العدو‪( :‬اللهفم إنفي أعوذ بفك مفن شرورهفم وأجعلك ففي نحورهفم) ودعفا يوم بدر حتفى سفقط رداؤه‬
‫عن منكبيه يستنجز ال وعده على ما يأتي بيانه في "آل عمران" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 251 :‬فهزموهفم بإذن ال وقتفل داود جالوت وآتاه ال الملك والحكمفة وعلمفه ممفا‬
‫يشاء ولول دفع ال الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض ولكن ال ذو فضل على العالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فهزموهم بإذن ال" أي فأنزل ال عليهم النصر "فهزموهم"‪ :‬فكسروهم‪ .‬والهزم‪:‬‬
‫الكسفر ومنفه سفقاء متهزم‪ ،‬أي انثنفى بعضفه على بعفض مفع الجفاف‪ ،‬ومنفه مفا قيفل ففي زمزم‪ :‬إنهفا‬
‫هزمة جبريل أي هزمها جبريل برجله فخرج الماء‪ .‬والهزم‪ :‬ما تكسر من يابس الحطب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقتفل داود جالوت" وذلك أن طالوت الملك اختاره من بيفن قومه لقتال جالوت‪،‬‬
‫وكان رجل قصفيرا مسفقاما مصففارا أصفغر أزرق‪ ،‬وكان جالوت مفن أشفد الناس وأقواهفم وكان‬
‫يهزم الجيوش وحده‪ ،‬وكان قتل جالوت وهو رأس العمالقة على يده‪ .‬وهو داود‪ ،‬بن إيشى ‪ -‬بكسر‬
‫الهمزة‪ ،‬ويقال‪ :‬داود بن زكريا بن رشوى‪ ،‬وكان من سبط يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم‬
‫عليهفم السفلم‪ ،‬وكان مفن أهفل بيفت المقدس جمفع له بيفن النبوة والملك بعفد أن كان راعيفا وكان‬
‫أصغر إخوته وكان يرعى غنما‪ ،‬وكان له سبعة إخوة في أصحاب طالوت؛ فلما حضرت الحرب‬
‫قال في نفسه‪ :‬لذهبن إلى رؤية هذه الحرب‪ ،‬فلما نهض في طريقه مر بحجر فناداه‪ :‬يا داود خذني‬
‫ففبي تقتفل جالوت‪ ،‬ثفم ناداه حجفر آخفر ثفم آخفر فأخذهفا وجعلهفا ففي مخلتفه وسفار‪ ،‬فخرج جالوت‬
‫يطلب مبارزا فكع الناس عنه حتى قال طالوت‪ :‬من يبرز إليه ويقتله فأنا أزوجه ابنتي وأحكمه في‬
‫مالي؛ فجاء داود عليفه السفلم فقال‪ :‬أنفا أبرز إليفه وأقتله‪ ،‬فازدراه طالوت حيفن رآه لصفغير سفنه‬
‫وقصفره فرده‪ ،‬وكان داود أزرق قصفيرا؛ ثفم نادى ثانيفة وثالثفة فخرج داود‪ ،‬فقال طالوت له‪ :‬هفل‬
‫جربفت نفسفك بشيفء ؟ قال نعفم؛ قال بماذا ؟ قال‪ :‬وقفع ذئب ففي غنمفي فضربتفه ثفم أخذت رأسفه‬
‫فقطعته من جسده‪ .‬قال طالوت‪ :‬الذئب ضعيف‪ ،‬هل جربت نفسك في غيره ؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬دخل السد‬
‫فففي غنمفي فضربتفه ثفم أخذت بلحييفه فشققتهمفا؛ أفترى هذا أشفد مفن السفد ؟ قال ل؛ وكان عنفد‬
‫طالوت درع ل تستوي إل على من يقتل جالوت‪ ،‬فأخبره بها وألقاها عليه فاستوت؛ فقال طالوت‪:‬‬
‫فأركب فرسي وخذ سلحي ففعل؛ فلما مشى قليل رجع فقال الناس‪ :‬جبن الفتى فقال داود‪ :‬إن ال‬
‫إن لم يقتله لي ويعنففي عليففه لم ينفعنففي هذا الفرس ول هذا السففلح‪ ،‬ولكنففي أحففب أن أقاتله على‬
‫عادتففي‪ .‬قال‪ :‬وكان داود مففن أرمففى الناس بالمقلع‪ ،‬فنزل وأخففذ مخلتففه فتقلدهففا وأخففذ مقلعففه‬
‫وخرج إلى جالوت‪ ،‬وهففو شاك فففي سففلحه على رأسففه بيضففة فيهففا ثلثمائة رطففل‪ ،‬فيمففا ذكففر‬
‫الماوردي وغيره؛ فقال له جالوت‪ :‬أنففت يففا فتففى تخرج إلي قال نعففم؛ قال‪ :‬هكذا كمففا تخرج إلى‬
‫الكلب قال نعم‪ ،‬وأنت أهون‪ .‬قال‪ :‬لطعمن لحمك اليوم للطير والسباع؛ ثم تدانيا وقصد جالوت أن‬
‫يأخففذ داود بيده اسففتخفافا بففه‪ ،‬فأدخففل داود يده إلى الحجارة‪ ،‬فروي أنهففا التأمففت فصففارت حجرا‬
‫واحدا‪ ،‬فأخذه فوضعفه ففي المقلع وسفمى ال‪ ،‬وأداره ورماه فأصفاب بفه رأس جالوت فقتله‪ ،‬وحفز‬
‫رأسفه وجعله ففي مخلتفه‪ ،‬وأختلط الناس وحمله أصفحاب طالوت فكانفت الهزيمفة‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬إنمفا‬
‫أصاب بالحجر من البيضة موضع أنفه‪ ،‬وقيل‪ :‬عينه وخرج من قفاه‪ ،‬وأصاب جماعة من عسكره‬
‫فقتلهفم‪ .‬وقيفل‪ :‬إن الحجفر تفتفت حتفى أصفاب كفل مفن ففي العسفكر شيفء منفه؛ وكان كالقبضفة التفي‬
‫رمى بها النبي صلى ال عليه وسلم هوازن يوم حنين‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقد أكثر الناس في قصص هذه‬
‫الي‪ ،‬وقد ذكرت لك منها المقصود وال المحمود‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وففي قول طالوت‪( :‬مفن يفبرز له ويقتله فإنفي أزوجه ابنتفي وأحكمفه ففي مالي) معناه ثابفت‬
‫ففي شرعنفا‪ ،‬وهفو أن يقول المام‪ :‬مفن جاء برأس فله كذا‪ ،‬أو أسفير فله كذا على مفا يأتفي بيانفه ففي‬
‫"النفال" إن شاء ال تعالى‪ .‬وفيه دليل على أن المبارزة ل تكون إل بإذن المام؛ كما يقوله أحمد‬
‫وإسفحاق وغيرهمفا‪ .‬واختلف فيفه عفن الوزاعفي فحكفي عنفه أنفه قال‪ :‬ل يحمفل أحفد إل بإذن إمامفه‪.‬‬
‫وحكي عنه أنه قال‪ :‬ل بأس به‪ ،‬فإن نهى المام عن البراز فل يبارز أحد إل بإذنه‪ .‬وأباحت طائفة‬
‫البراز ولم تذكففر بإذن المام ول بغيففر إذنففه؛ هذا قول مالك‪ .‬سففئل مالك عففن الرجففل يقول بيففن‬
‫الصففين‪ :‬مفن يبارز ؟ فقال‪ :‬ذلك إلى نيتفه إن كان يريفد بذلك ال فأرجفو أل يكون بفه بأس‪ ،‬قفد كان‬
‫يفعففل ذلك فيمففا مضففى‪ .‬وقال الشافعففي‪ :‬ل بأس بالمبارزة‪ .‬قال ابففن المنذر‪ :‬المبارزة بإذن المام‬
‫حسفن‪ ،‬وليفس على مفن بارز بغيفر إذن المام حرج‪ ،‬وليفس ذلك بمكروه لنفي ل أعلم خفبرا يمنفع‬
‫منه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتاه ال الملك والحكمة" قال السدي‪ :‬أتاه ال ملك‪ ،‬طالوت ونبوة شمعون‪ .‬والذي‬
‫علمه هو صنعة الدروع ومنطق الطير وغير ذلك من أنواع ما علمه صلى ال عليه وسلم‪ .‬وقال‬
‫ابن عباس‪ :‬هو أن ال أعطاه سلسلة موصولة بالمجرة والفلك ورأسها عند صومعة داود؛ فكان ل‬
‫يحدث ففي الهواء حدث إل صفلصلت السفلسلة فيعلم داود مفا حدث‪ ،‬ول يمسفها ذو عاهفة إل برئ؛‬
‫وكانت علمة دخول قومه في الدين أن يمسوها بأيديهم ثم يمسحون أكفهم على صدورهم‪ ،‬وكانوا‬
‫يتحاكمون إليها بعد داود عليه السلم إلى أن رفعت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مما يشاء" أي مما شاء‪ ،‬وقد يوضع المستقبل موضع الماضي‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولول دففع ال الناس بعضهفم ببعفض" كذا قراءة الجماعفة‪ ،‬إل نافعفا فإنفه قرأ‬
‫"دفاع" ويجوز أن يكون مصفدرا لفعفل كمفا يقال‪ :‬حسفبت الشيفء حسفابا‪ ،‬وآب إيابفا‪ ،‬ولقيتفه لقاء؛‬
‫ومثله كتبه كتابا؛ ومنه "كتاب ال عليكم" [النساء‪ ]24 :‬النحاس‪ :‬وهذا حسن؛ فيكون دفاع ودفع‬
‫مصفدرين لدففع وهفو مذهفب سفيبويه‪ .‬وقال أبفو حاتفم‪ :‬داففع ودففع بمعنفى واحفد؛ مثفل طرقفت النعفل‬
‫وطارقفففت؛ أي خصففففت إحداهمفففا فوق الخرى‪ ،‬والخصفففف‪ :‬الخرز‪ .‬واختار أبفففو عفففبيدة قراءة‬
‫الجمهور "ولول دفففع ال"‪ .‬وأنكففر أن يقرأ "دفاع" وقال‪ :‬لن ال عففز وجففل ل يغالبففه أحففد‪ .‬قال‬
‫مكي‪ :‬هذا وهم توهم فيه باب المفاعلة وليس به‪ ،‬واسم "ال" في موضع رفع بالفعل‪ ،‬أي لول أن‬
‫يدفففع ال‪ .‬و"دفاع" مرفوع بالبتداء عنففد سففيبويه‪" .‬الناس" مفعول‪" ،‬بعضهففم" بدل مففن الناس‪،‬‬
‫"ببعفض" ففي موضفع المفعول الثانفي عنفد سفيبويه‪ ،‬وهفو عنده مثفل قولك‪ :‬ذهبفت بزيفد‪ ،‬فزيفد ففي‬
‫موضع مفعول فاعلمه‪.‬‬
‫واختلف العلماء ففي الناس المدفوع بهفم الفسفاد مفن هفم ؟ فقيفل‪ :‬هفم البدال وهفم أربعون رجل‬
‫كلما مات واحد بدل ال آخر‪ ،‬فإذا كان عند القيامة ماتوا كلهم؛ اثنان وعشرون منهم بالشام وثمانية‬
‫عشر بالعراق‪ .‬وروي عن علي رضي ال عنه قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫(إن البدال يكونون بالشام وهفم أربعون رجل كلمفا مات منهفم رجفل أبدله ال مكانفه رجل يسفقى‬
‫بهم الغيث وينصر بهم على العداء ويصرف بهم عن أهل الرض البلء) ذكره الترمذي الحكيم‬
‫ففي "نوادر الصفول"‪ .‬وخرج أيضفا عفن أبفي الدرداء قال‪ :‬إن النفبياء كانوا أوتاد الرض‪ ،‬فلمفا‬
‫انقطعففت النبوة أبدل ال مكانهففم قومففا مففن أمففة محمففد صففلى ال عليففه وسففلم يقال لهففم البدال؛ لم‬
‫يفضلوا الناس بكثرة صفوم ول صففلة ولكفن بحسفن الخلق وصففدق الورع وحسفن النيففة وسفلمة‬
‫القلوب لجميفع المسفلمين والنصفيحة لهفم ابتغاء مرضاة ال بصفبر وحلم ولب‪ ،‬وتواضفع ففي غيفر‬
‫مذلة‪ ،‬فهفم خلفاء النفبياء قوم اصفطفاهم ال لنفسفه واسفتخلصهم بعلمفه لنفسفه‪ ،‬وهفم أربعون صفديقا‬
‫منهفم ثلثون رجل على مثفل يقيفن إبراهيفم خليفل الرحمفن‪ ،‬يدففع ال بهفم المكاره عفن أهفل الرض‬
‫والبليا عن الناس‪ ،‬وبهم يمطرون ومن يرزقون‪ ،‬ل يموت الرجل منهم حتى يكون ال قد أنشأ من‬
‫يخلفففه‪ .‬وقال ابففن عباس‪ :‬ولول دفففع ال العدو بجنود المسففلمين لغلب المشركون فقتلوا المؤمنيففن‬
‫وخربوا البلد والمسففاجد‪ .‬وقال سففيان الثوري‪ :‬هفم الشهود الذيفن تسففتخرج بهفم الحقوق‪ .‬وحكففى‬
‫مكفي أن أكثفر المفسفرين على أن المعنفى‪ :‬لول أن ال يدففع بمفن يصفلي عمفن ل يصفلي وبمفن يتقفي‬
‫عمفن ل يتقفي لهلك الناس بذنوبهفم؛ وكذا ذكفر النحاس والثعلبفي أيضفا‪ .‬قال الثعلبفي وقال سفائر‬
‫المفسفرين‪ :‬ولول دفاع ال المؤمنيفن البرار عفن الفجار والكفار لفسفدت الرض‪ ،‬أي هلكفت وذكفر‬
‫حديثا أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إن ال يدفع العذاب بمن يصلي من أمتي عمن ل يصلي‬
‫وبمن يزكي عمن ل يزكي وبمن يصوم عمن ل يصوم وبمن يحج عمن ل يحج وبمن يجاهد عمن‬
‫ل يجاهد‪ ،‬ولو اجتمعوا على ترك هذه الشياء ما أنظرهم ال طرفة عين ‪ -‬ثم تل رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ -‬ولول دفع ال الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض)‪ .‬وعن النبي صلى ال عليه‬
‫وسفلم قال‪( :‬إن ل ملئكفة تنادي كفل يوم لول عباد ركفع وأطفال رضفع وبهائم رتفع لصفب عليكفم‬
‫العذاب صفبا) خرجفه أبفو بكفر الخطيفب بمعناه مفن حديفث الفضيفل بفن عياض‪ .‬حدثنفا منصفور عفن‬
‫إبراهيفم عفن علقمفة عفن عبدال قال‪ :‬قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬لول فيكفم رجال خشفع‬
‫وبهائم رتع وصبيان رضع لصب العذاب على المؤمنين صبا)‪ .‬أخذ بعضهم هذا المعنى فقال‪:‬‬
‫وصبية من اليتامى رضع‬ ‫لول عباد للله ركع‬
‫صب عليكم العذاب الوجع‬ ‫ومهملت في الفلة رتع‬
‫وروى جابر أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬إن ال ليصفلح بصفلح الرجفل ولده وولد‬
‫ولده وأهله دويرتففه ودويرات حوله ول يزالون فففي حفففظ ال مففا دام فيهففم)‪ .‬وقال قتادة‪ :‬يبتلي ال‬
‫المؤمفن بالكاففر ويعاففي الكاففر بالمؤمفن‪ .‬وقال ابفن عمفر قال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( ،:‬إن ال‬
‫ليدففع بالمؤمفن الصفالح عفن مائة مفن أهفل بيتفه وجيرانفه البلء)‪ .‬ثفم قرأ ابفن عمفر "ولول دففع ال‬
‫الناس بعضهم ببعض لفسدت الرض"‪ .‬وقيل‪ :‬هذا الدفع بما شرع على السنة الرسل من الشرائع‪،‬‬
‫ولول ذلك لتسالب الناس وتناهبوا وهلكوا‪ ،‬وهذا قول حسن فإنه عموم في الكف والدفع وغير ذلك‬
‫فتأمله‪" .‬ولكفن ال ذو فضفل على العالميفن"‪ .‬بيفن سفبحانه أن دفعفه بالمؤمنيفن شفر الكافريفن فضفل‬
‫منه ونعمة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 252 :‬تلك آيات ال نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين}‬
‫@تلك‪ :‬ابتداء "آيات ال" خفبره‪ ،‬وإن شئت كان بدل والخفبر "نتلوهفا عليفك بالحفق"‪" .‬وإنفك لمفن‬
‫المرسلين"‪ ،‬خبر إن أي وإنك لمرسل‪ .‬نبه ال تعالى نبيه صلى ال عليه وسلم أن هذه اليات التي‬
‫تقدم ذكرها ل يعلمها إل نبي مرسل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 253 :‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم ال ورفع بعضهم درجات‬
‫وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس ولو شاء ال ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد‬
‫مفا جاءتهفم البينات ولكفن اختلفوا فمنهفم مفن آمفن ومنهفم مفن كففر ولو شاء ال مفا اقتتلوا ولكفن ال‬
‫يفعل ما يريد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تلك الرسفل" قال‪" :‬تلك" ولم يقفل‪ :‬ذلك مراعاة لتأنيفث لففظ الجماعفة‪ ،‬وهفي رففع‬
‫بالبتداء‪ .‬و"الرسفل" نعتفه‪ ،‬وخفبر البتداء الجملة‪ .‬وقيفل‪ :‬الرسفل عطفف بيان‪ ،‬و"فضلنفا" الخفبر‪.‬‬
‫وهذه آيفة مشكلة والحاديفث ثابتفة بأن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬ل تخيروا بيفن النفبياء)‬
‫و(ل تفضلوا بيففن أنففبياء ال) رواهففا الئمففة الثقات‪ ،‬أي ل تقولوا‪ :‬فلن خيففر مففن فلن‪ ،‬ول فلن‬
‫أفضففل مففن فلن‪ .‬يقال‪ :‬خيففر فلن بيففن فلن وفلن‪ ،‬وفضففل‪(،‬مشددا) إذا قال ذلك‪ .‬وقففد اختلف‬
‫العلماء ففي تأويله هذا المعنفى؛ فقال قوم‪ :‬إن هذا كان قبفل أن يوحفى إليفه بالتفضيفل‪ ،‬وقبفل أن يعلم‬
‫أنفه سفيد ولد آدم‪ ،‬وإن القرآن ناسفخ للمنفع مفن التفضيفل‪ .‬وقال ابفن قتيبفة‪ :‬إنمفا أراد بقوله‪( :‬أنفا سفيد‬
‫ولد آدم يوم القيامفة؛ لنفه الشاففع يومئذ وله لواء الحمفد والحوض‪ ،‬وأراد بقوله‪" :‬ل تخيرونفي على‬
‫موسفى" على طريفق التواضفع؛ كمفا قال أبفو بكفر‪ :‬وليتكفم ولسفت بخيركفم‪ .‬وكذلك معنفى قوله‪( :‬ل‬
‫يقفل أحفد أنفا خيفر مفن يونفس بفن متفى) على معنفى التواضفع‪ .‬وففي قوله تعالى‪" :‬ول تكفن كصفاحب‬
‫الحوت" [القلم‪ ]48 :‬ما يدل على أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أفضل منه؛ لن ال تعالى‬
‫يقول‪ :‬ول تكن مثله؛ فدل على أن قوله‪( :‬ل تفضلوني عليه) من طريق التواضع‪ .‬ويجوز أن يريد‬
‫ل تفضلونفي عليفه ففي العمفل فلعله أفضفل عمل منفي‪ ،‬ول ففي البلوى والمتحان فإنفه أعظفم محنفة‬
‫منفي‪ .‬وليفس مفا أعطاه ال لنبينفا محمفد صفلى ال عليفه وسفلم مفن السفؤدد والفضفل يوم القيامفة على‬
‫جميفع النفبياء والرسفل بعمله بفل بتفضيفل ال إياه واختصفاصه له‪ ،‬وهذا التأويفل اختاره المهلب‪.‬‬
‫ومنهفم مفن قال‪ :‬إنمفا نهفى عفن الخوض ففي ذلك‪ ،‬لن الخوض ففي ذلك ذريعفة إلى الجدال وذلك‬
‫يؤدي إلى أن يذكفر منهفم مفا ل ينبغفي أن يذكفر ويقفل احترامهفم عنفد المماراة‪ .‬قال شيخنفا‪ :‬فل يقال‪:‬‬
‫النفبي أفضفل مفن النفبياء كلهفم ول من فلن ول خيفر‪ ،‬كمفا هفو ظاهفر النهفي لمفا يتوهفم من النقفص‬
‫في المفضول؛ لن النهي اقتضى منه إطلق اللفظ ل منع اعتقاد ذلك المعنى؛ فإن ال تعالى أخبر‬
‫بأن الرسفل متفاضلون‪ ،‬فل تقول‪ :‬نبينفا خيفر مفن النفبياء ول مفن فلن النفبي اجتنابفا لمفا نهفي عنفه‬
‫وتأدبا به وعمل باعتقاد ما تضمنه القرآن من التفضيل‪ ،‬وال بحقائق المور عليم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وأحسفن مفن هذا قول مفن قال‪ :‬إن المنفع مفن التفضيفل إنمفا هفو مفن جهفة النبوة التفي هفي‬
‫خصفففلة واحدة ل تفاضفففل فيهفففا‪ ،‬وإنمفففا التفضيفففل ففففي زيادة الحوال والخصفففوص والكرامات‬
‫واللطاف والمعجزات المتباينات‪ ،‬وأمفا النبوة ففي نفسفها فل تتفاضفل وإنمفا تتفاضفل بأمور أخفر‬
‫زائدة عليهففا؛ ولذلك منهففم رسففل وأولو عزم‪ ،‬ومنهففم مففن اتخففذ خليل‪ ،‬ومنهففم مففن كلم ال‪ ،‬ورفففع‬
‫بعضهففم درجات‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ولقففد فضلنففا بعففض النففبيين على بعففض وآتينففا داود زبورا"‬
‫[السراء‪ ]55 :‬وقال‪" :‬تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض" [البقرة‪.]253 :‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا قول حسن‪ ،‬فإنه جمع بين الي والحاديث من غير نسخ‪ ،‬والقول بتفضيل بعضهم‬
‫على بعض إنما هو بما منح من الفضائل وأعطي من الوسائل‪ ،‬وقد أشار ابن عباس إلى هذا فقال‪:‬‬
‫إن ال فضففل محمدا على النففبياء وعلى أهففل السففماء‪ ،‬فقالوا‪ :‬بففم يففا ابففن عباس فضله على أهففل‬
‫السماء ؟ فقال‪ :‬إن ال تعالى قال‪" :‬ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي‬
‫الظالمين" [النبياء‪ .]29 :‬وقال لمحمد صلى ال عليه وسلم‪" :‬إنا فتحنا لك فتحا مبينا‪ .‬ليغفر لك‬
‫ال مفا تقدم مفن ذنبفك ومفا تأخفر" [الفتفح‪ .]2 - 1 :‬قالوا‪ :‬فمفا فضله على النفبياء ؟‪ .‬قال‪ :‬قال ال‬
‫تعالى‪" :‬وما أرسلنا من رسول إل بلسان قومه ليبين لهم" [إبراهيم‪ ]4 :‬وقال ال عز وجل لمحمد‬
‫صلى ال عليه وسلم‪" :‬وما أرسلناك إل كافة للناس" [سبأ‪ ]28 :‬فأرسله إلى الجن والنس؛ ذكره‬
‫أبو محمد الدارمي في مسنده‪ .‬وقال أبو هريرة‪ :‬خير بني آدم نوج وإبراهيم وموسى ومحمد صلى‬
‫ال عليفه وسفلم‪ ،‬وهفم أولو العزم مفن الرسفل‪ ،‬وهذا نفص مفن ابفن عباس وأبفي هريرة ففي التعييفن‪،‬‬
‫ومعلوم أن من أرسل أفضل ممن لم يرسل‪ ،‬فإن من أرسل فضل على غيره بالرسالة واستووا في‬
‫النبوة إلى ما يلقاه الرسل من تكذيب أممهم وقتلهم إياهم‪ ،‬وهذا مما ل خفاء فيه‪ ،‬إل أن ابن عطية‬
‫أبفا محمفد عبدالحفق قال‪ :‬إن القرآن يقتضفي التفضيفل‪ ،‬وذلك ففي الجملة دون تعييفن أحفد مفضول‪،‬‬
‫وكذلك هفي الحاديفث؛ ولذلك قال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬أنفا أكرم ولد آدم على ربفي) وقال‪:‬‬
‫(أنفا سفيد ولد آدم) ولم يعيفن‪ ،‬وقال عليفه السفلم‪( :‬ل ينبغفي لحفد أن يقول أنفا خيفر مفن يونفس بفن‬
‫متففى) وقال‪( :‬ل تفضلونففي على موسففى)‪ .‬وقال ابففن عطيففة‪ :‬وفففي هذا نهففي شديففد عففن تعييففن‬
‫المفضول؛ لن يونفس عليفه السفلم كان شابفا وتفسفخ تحفت أعباء النبوة‪ .‬فإذا كان التوقيفف لمحمفد‬
‫صلى ال عليه وسلم فغيره أحرى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ما اخترناه أولى إن شاء ال تعالى؛ فإن ال تعالى لما أخبر أنه فضل بعضهم على بعض‬
‫جعففل يففبين بعففض المتفاضليففن ويذكففر الحوال التففي فضلوا بهففا فقال‪" :‬منهففم مففن كلم ال ورفففع‬
‫بعضهففم درجات وآتينففا عيسففى ابففن مريففم البينات" [البقرة‪ ]253 :‬وقال "وآتينففا داود زبورا"‬
‫[السفراء‪ ]55 :‬وقال تعالى‪" :‬وآتيناه النجيفل" [المائدة‪" ،]46 :‬ولقفد آتينفا موسفى وهارون‬
‫الفرقان وضياء وذكرا للمتقيفن" [النفبياء‪ ]48 :‬وقال تعالى‪" :‬ولقفد آتينفا داود وسفليمان علمفا"‬
‫[النمل‪ ]15 :‬وقال‪" :‬وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح" [الحزاب‪ ]7 :‬فعم ثم خص‬
‫وبدأ بمحمد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهذا ظاهر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهكذا القول في الصحابة إن شاء ال تعالى‪ ،‬اشتركوا في الصحبة ثم تباينوا في الفضائل‬
‫بمفا منحهفم ال مفن المواهفب والوسفائل‪ ،‬فهفم متفاضلون بتلك مفع أن الكفل شملتهفم الصفحبة والعدالة‬
‫والثناء عليهفم‪ ،‬وحسفبك بقوله الحفق‪" :‬محمفد رسفول ال والذيفن معفه أشداء على الكفار" [الفتفح‪:‬‬
‫‪ ]29‬إلى آخفر السفورة‪ .‬وقال‪" :‬وألزمهفم كلمفة التقوى وكانوا أحفق بهفا وأهلهفا" [الفتفح‪ ]26 :‬ثفم‬
‫قال‪" :‬ل يسفتوي منكفم مفن أنففق مفن قبفل الفتفح وقاتفل" [الحديفد‪ ]10 :‬وقال‪" :‬لقفد رضفي ال عفن‬
‫المؤمنيففن إذ يبايعونففك تحففت الشجرة" [الفتففح‪ ]18 :‬فعففم وخففص‪ ،‬ونفففى عنهففم الشيففن والنقففص‪،‬‬
‫رضي ال عنهم أجمعين ونفعنا بحبهم آمين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منهم من كلم ال" المكلم موسى عليه السلم‪ ،‬وقد سئل رسوله ال صلى ال عليه‬
‫وسفلم عفن آدم أنفبي مرسفل هو ؟ فقال‪( :‬نعفم نفبي مكلم)‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وقفد تأول بعفض الناس أن‬
‫تكليفم آدم كان ففي الجنفة‪ ،‬فعلى هذا تبقفى خاصفية موسفى‪ .‬وحذففت الهاء لطول السفم‪ ،‬والمعنفى مفن‬
‫كلمه ال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ورفع بعضهم درجات" قال النحاس‪ :‬بعضهم هنا على قول ابن عباس والشعبي‬
‫ومجاهفد محمفد صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬قال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬بعثفت إلى الحمفر والسفود‬
‫وجعلت لي الرض مسفجدا وطهورا ونصفرت بالرعفب مسفيرة شهفر وأحلت لي الغنائم وأعطيفت‪،‬‬
‫الشفاعففة)‪ .‬ومففن ذلك القرآن وانشقاق القمففر وتكليمففه الشجففر وإطعامففه الطعام خلقففا عظيمففا مففن‬
‫تميرات ودرور شاة أم معبد بعد جفاف‪ .‬وقال ابن عطية معناه‪ ،‬وزاد‪ :‬وهو أعظم الناس أمة وختم‬
‫به النبيون إلى غير ذلك من الخلق العظيم الذي أعطاه ال‪ .‬ويحتمل اللفظ أن يراد به محمد صلى‬
‫ال عليفه وسفلم وغيره ممفن عظمفت آياتفه‪ ،‬ويكون الكلم تأكيدا‪ .‬ويحتمفل أن يريفد بفه رففع إدريفس‬
‫المكان العلي‪ ،‬ومراتب النبياء في السماء كما في حديث السراء‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وآتينا عيسى ابن مريم البينات" وبينات عيسى هي إحياء الموتى وإبراء الكمه‬
‫والبرص وخلق الطيفر مفن الطيفن كمفا نفص عليفه ففي التنزيفل‪" .‬وأيدناه" قويناه‪" .‬بروح القدس"‬
‫جبريل عليه السلم‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولو شاء ال ما أقتتل الذين من بعدهم" أي من بعد الرسل‪ .‬وقيل‪ :‬الضمير لموسى‬
‫وعيسى‪ ،‬والثنان جمع‪ .‬وقيل‪ :‬من بعد جميع الرسل‪ ،‬وهو ظاهر اللفظ‪ .‬وقيل‪ :‬إن القتال إنما وقع‬
‫مفن الذيفن جاؤوا بعدهفم وليفس كذلك المعنفى‪ ،‬بفل المراد مفا اقتتفل الناس بعفد كفل نفبي‪ ،‬وهذا كمفا‬
‫تقول‪ :‬اشتريت خيل ثم بعتها‪ ،‬فجائز لك هذه العبارة وأنت إنما اشتريت فرسا وبعته ثم آخر وبعته‬
‫ثفم آخفر وبعتفه‪ ،‬وكذلك هذه النوازل إنمفا اختلف الناس بعفد كفل نفبي فمنهفم مفن آمفن ومنهفم مفن كففر‬
‫بغيا وحسدا وعلى حطام الدنيا‪ ،‬وذلك كله بقضاء وقدر وإرادة من ال تعالى‪ ،‬ولو شاء خلف ذلك‬
‫لكان ولكنفه المسفتأثر بسفر الحكمفة ففي ذلك الفعفل لمفا يريفد‪ .‬وكسفرت النون مفن "ولكفن اختلفوا"‬
‫للتقاء الساكنين‪ ،‬ويجوز حذفها في غير القرآن‪ ،‬وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫ولك اسقني إن كان ماؤك ذا فضل‬ ‫فلست بآتيه ول أستطيعه‬
‫"فمنهم من آمن ومنهم من كفر" "من" في موضع رفع بالبتداء والصفة‬
‫*‪*3‬الية‪{ 254 :‬يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم ل بيع فيه ول خلة‬
‫ول شفاعة والكافرون هم الظالمون}‬
‫@قال الحسفن‪ :‬هفي الزكاة المفروضفة‪ .‬وقال ابفن جريفج وسفعيد بفن جفبير‪ :‬هذه اليفة تجمفع الزكاة‬
‫المفروضفة والتطوع‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ .‬وهذا صفحيح‪ ،‬ولكفن مفا تقدم مفن اليات ففي ذكفر القتال وأن‬
‫ال يدففع بالمؤمنيفن ففي صفدور الكافريفن يترجفح منفه أن هذا الندب إنمفا هفو ففي سفبيل ال‪ ،‬ويقوى‬
‫ذلك في آخر الية قوله‪" :‬والكافرون هم الظالمون" أي فكافحوهم بالقتال بالنفس وإنفاق الموال‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وعلى هذا التأويففل يكون إنفاق الموال مرة واجبففا ومرة ندبففا بحسففب تعيففن الجهاد وعدم‬
‫تعينفه‪ .‬وأمفر تعالى عباده بالنفاق ممفا رزقهفم ال وأنعفم بفه عليهفم وحذرهفم مفن المسفاك إلى أن‬
‫يجيفء يوم ل يمكفن فيفه بيفع ول شراء ول اسفتدراك نفقفة‪ ،‬كمفا قال‪" :‬فيقول رب لول أخرتنفي إلى‬
‫أجفل قريفب فأصفدق" [المنافقيفن‪ .]10 :‬والخلة‪ :‬خالص المودة‪ ،‬مأخوذة مفن تخلل السفرار بيفن‬
‫الصديقين‪ .‬والخللة والخللة والخللة‪ :‬الصداقة والمودة‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫خللته كأبي مرحب‬ ‫وكيف تواصل من أصبحت‬
‫وأبفو مرحفب كنيفة الظفل‪ ،‬ويقال‪ :‬هفو كنيفة عرقوب الذي قيفل فيفه‪ :‬مواعيفد عرقوب‪ .‬والخلة بالضفم‬
‫أيضا‪ :‬ما خل من النبت‪ ،‬يقال‪ :‬الخلة خبز البل والحمض فاكهتها‪ .‬والخلة بالفتح‪ :‬الحاجة والفقر‪.‬‬
‫والخلة‪ :‬ابففن مخاض‪ ،‬عفن الصففمعي‪ .‬يقال‪ :‬أتاهففم بقرص كأنففه فرسففن خلة‪ .‬والنثففى خلة أيضففا‪.‬‬
‫ويقال للميت‪ :‬اللهم أصلح خلته‪ ،‬أي الثلمة التي ترك‪ .‬والخلة‪ :‬الخمرة الحامضة‪ .‬والخلة (بالكسر)‪:‬‬
‫واحدة خلل السفيوف‪ ،‬وهفي بطائن كانفت تغشفى بهفا أجفان السفيوف منقوشفة بالذهفب وغيره‪ ،‬وهفي‬
‫أيضفا سفيور تلبفس ظهفر سِفيَتي القوس‪ .‬والخلة أيضفا‪ :‬مفا يبقفى بيفن السفنان‪ .‬وسفيأتي ففي "النسفاء"‬
‫اشتقاق الخليل ومعناه‪ .‬فأخبر ال تعالى أل خلة في الخرة ول شفاعة إل بإذن ال‪ .‬وحقيقتها رحمة‬
‫منفه تعالى شرف بهفا الذي أذن له ففي أن يشففع‪ .‬وقرأ ابفن كثيفر وأبفو عمرو "ل بيفع فيفه ول خلة‪،‬‬
‫ول شفاعففة" بالنصففب مففن غيففر تنويففن‪ ،‬وكذلك فففي سففورة "إبراهيففم" "ل بيففع فيففه ول خلل"‬
‫[إبراهيم‪ ]31 :‬وفي "الطور] "ل لغو فيها ول تأثيم" [الطور‪ ]23 :‬وأنشد حسان بن ثابت‪:‬‬
‫إل تجشوكم عند التنانير‬ ‫أل طعان ول فرسان عادية‬
‫وألف السفتفهام غيفر مغيرة عمفل "ل" كقولك‪ :‬أل رجفل عندك‪ ،‬ويجوز أل رجفل ول امرأة كمفا‬
‫جاز في غير الستفهام فاعلمه‪ .‬وقرأ الباقون جميع ذلك بالرفع والتنوين‪ ،‬كما قال الراعي‪:‬‬
‫ل ناقة لي في هذا ول جمل‬ ‫وما صرمتك حتى قلت معلنة‬
‫ويروى "ومفا هجرتفك" فالفتفح على النففي العام المسفتغرق لجميفع الوجوه مفن ذلك الصفنف‪ ،‬كأنفه‬
‫جواب لمفن قال‪ :‬هفل فيفه مفن بيفع ؟ فسفأل سفؤال عامفا فأجيفب جوابفا عامفا بالنففي‪ .‬و"ل" مفع السفم‬
‫المنففى بمنزلة اسفم واحفد ففي موضفع رففع بالبتداء‪ ،‬والخفبر "فيفه"‪ .‬وإن شئت جعلتفه صففة ليوم‪،‬‬
‫ومفن رففع جمله "ل" بمنزلة ليفس‪ .‬وجعفل الجواب غيفر عام‪ ،‬وكأنفه جواب مفن قال‪ :‬هفل فيفه بيفع ؟‬
‫بإسفقاط مفن‪ ،‬فأتفى الجواب غيفر مغيفر عفن رفعفه‪ ،‬والمرفوع مبتدأ أو اسفم ليفس و"فيفه" الخفبر‪ .‬قال‬
‫مكفي‪ :‬والختيار الرفع؛ لن أكثفر القراء عليه‪ ،‬ويجوز ففي غيفر القرآن ل بيفع فيفه ول خلة‪ ،‬وأنشفد‬
‫سيبويه لرجل من مذحج‪:‬‬
‫ل أم لي إن كان ذاك ول أب‬ ‫هذا لعمركم الصغار بعينه‬
‫ويجوز أن تبني الول وتنصب الثاني وتنونه فتقول‪ :‬ل رجل فيه ول امرأة‪ ،‬وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫اتسع الخرق على الراقع‬ ‫ل نسب اليوم ول خلة‬
‫ف "ل" زائدة ففي الموضعيفن‪ ،‬الول عطفف على الموضفع والثانفي على اللففظ ووجفه خامفس أن‬
‫ترفع الول وتبني الثاني كقولك‪ :‬ل رجل فيها ول امرأة‪ ،‬قال أمية‪:‬‬
‫وما فاهوا به أبدا مقيم‬ ‫فل لغو ول تأثيم فيها‬
‫وهذه الخمسفففة الوجفففه جائزة ففففي قولك‪ :‬ل حول ول قوة إل بال‪ ،‬وقفففد تقدم هذا والحمفففد ل‪.‬‬
‫"والكافرون" ابتداء‪" .‬هفم" ابتداء ثان‪" ،‬الظالمون" خفبر الثانفي‪ ،‬وإن شئت كانفت "هفم" زائدة‬
‫للفصل و"الظالمون" خبر "الكافرون"‪ .‬قال عطاء بن دينار‪ :‬والحمد ل الذي قال‪" :‬والكافرون هم‬
‫الظالمون" ولم يقل والظالمون هم الكافرون‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 255 :‬ال ل إله إل هو الحي القيوم ل تأخذه سنة ول نوم له ما في السماوات وما في‬
‫الرض مفن ذا الذي يشففع عنده إل بإذنفه يعلم مفا بيفن أيديهفم ومفا خلفهفم ول يحيطون بشيفء مفن‬
‫علمه إل بما شاء وسع كرسيه السماوات والرض ول يؤوده حفظهما وهو العلي العظيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال ل إله إل هو الحي القيوم" هذه آية الكرسي سيدة آي القرآن وأعظم آية‪ ،‬كما‬
‫تقدم بيانفه ففي الفاتحفة‪ ،‬ونزلت ليل ودعفا النفبي صفلى ال عليفه وسفلم زيدا فكتبهفا‪ .‬روي عفن محمفد‬
‫بفن الحنفيفة أنه قال‪ :‬لمفا نزلت آية الكرسفي خفر كفل صفنم ففي الدنيفا‪ ،‬وكذلك خفر كفل ملك ففي الدنيفا‬
‫وسقطت التيجان عن رؤوسهم‪ ،‬وهربت الشياطين يضرب بعضهم على بعض إلى أن أتوا إبليس‬
‫فأخفبروه بذلك فأمرهفم أن يبحثوا عفن ذلك‪ ،‬فجاؤوا إلى المدينفة فبلغهفم أن آيفة الكرسفي قفد نزلت‪.‬‬
‫وروى الئمة عن أبي بن كعب قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪(:‬يا أبا المنذر أتدري أي‬
‫آية من كتاب ال معك أعظم) ؟ قال قلت‪ :‬ال ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪( :‬يا أبا المنذر أتدري أي آية من‬
‫كتاب ال معففك أعظففم) ؟ قال قلت‪" :‬ال ل إله إل هففو الحففي القيوم" فضرب فففي صففدري وقال‪:‬‬
‫(ليهنفك العلم يفا أبفا المنذر)‪ .‬زاد الترمذي الحكيفم أبفو عبدال‪( :‬فوالذي نفسفي بيده إن لهذه اليفة‬
‫للسففانا وشفتيففن تقدس الملك عنففد سففاق العرش)‪ .‬قال أبففو عبدال‪ :‬فهذه آيففة أنزلهففا ال جففل ذكره‪،‬‬
‫وجعل ثوابها لقارئها عاجل وآجل‪ ،‬فأما في العاجل فهي حارسة لمن قرأها من الفات‪ ،‬وروي لنا‬
‫عفن نوف البكالي أنفه قال‪ :‬آيفة الكرسفي تدعفى ففي التوراة وليفة ال‪ .‬يريفد يدعفي قارئهفا ففي ملكوت‬
‫السفماوات والرض عزيزا‪ ،‬قال‪ :‬فكان عبدالرحمفن بفن عوف إذا دخفل بيتفه قرأ آيفة الكرسفي ففي‬
‫زوايفا بيتفه الربفع‪ ،‬معناه كأنفه يلتمفس بذلك أن تكون له حارسفا مفن جوانبفه الربفع‪ ،‬وأن تنففي عنفه‬
‫الشيطان من زوايا بيته‪ .‬وروي عن عمر أنه صارع جنيا فصرعه عمر رضي ال عنه؛ فقال له‬
‫الجنفي‪ :‬خفل عنفي حتفى أعلمفك مفا تمتنعون بفه منفا‪ ،‬فخلى عنفه وسفأله فقال‪ :‬إنكفم تمتنعون منفا بآيفة‬
‫الكرسي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا صحيح‪ ،‬وفي الخبر‪ :‬من قرأ الكرسي دبر كل صلة كان الذي يتولى قبض روحه ذو‬
‫الجلل والكرام‪ ،‬وكان كمفن قاتفل مفع أنفبياء ال حتفى يسفتشهد‪ .‬وعفن علي رضفي ال عنفه قال‪:‬‬
‫سفمعت نفبيكم صفلى ال عليفه وسفلم يقول وهفو على أعواد المنفبر‪( :‬مفن قرأ آيفة الكرسفي دبر كفل‬
‫صفلة لم يمنعفه مفن دخول الجنفة إل الموت ول يواظفب عليهفا إل صفديق أو عابفد‪ ،‬ومفن قرأهفا إذا‬
‫أخففذ مضجعففه آمنففه ال على نفسففه وجاره وجار جاره والبيات حوله)‪ .‬وفففي البخاري عففن أبففي‬
‫هريرة قال‪ :‬وكلني رسول ال صلى ال عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان‪ ،‬وذكر قصة وفيها‪ :‬فقلت‬
‫يا رسول ال‪ ،‬زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني ال بها فخيلت سبيله‪ ،‬قال‪( :‬ما هي) ؟ قلت قال لي‪:‬‬
‫إذا آويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم "ال ل إله إل هو الحي القيوم"‪ .‬وقال‬
‫لي‪ :‬لن يزال عليففك مففن ال حافففظ ول يقربففك شيطان حتففى تصففبح‪ ،‬وكانوا أحرص شيففء على‬
‫الخير‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أما إنه قد صدقك وهو كذوب تعلم من تخاطب منذ ثلث‬
‫ليال يفا أبفا هريرة) ؟ قال‪ :‬ل؛ قال‪( :‬ذاك شيطان)‪ .‬وففي مسفند الدارمفي أبفي محمفد قال الشعفبي قال‬
‫عبدال بفن مسفعود‪ :‬لقفي رجفل مفن أصفحاب محمفد صفلى ال عليفه وسفلم رجل مفن الجفن فصفارعه‬
‫فصفرعه النسفي‪ ،‬فقال له النسفي‪ :‬إنفي لراك ضئيل شخيتفا كأن ذريعتيفك ذريعتفا كلب فكذلك أنتفم‬
‫معشفر الجفن‪ ،‬أم أنفت مفن بينهفم كذلك ؟ قال‪ :‬ل وال إنفي منهفم لضليفع ولكفن عاودنفي الثانيفة فإن‬
‫صرعتني علمتك شيئا ينفعك‪ ،‬قال نعم‪ ،‬فصرعه‪ ،‬قال‪ ،:‬تقرأ آية الكرسي‪" :‬ال ل إله إل هو الحي‬
‫القيوم"؟ قال‪ :‬نعم؛ قال‪ :‬فإنك ل تقرأها في بيت إل خرج منه الشيطان له خبج كخبج الحمار ثم ل‬
‫يدخله حتفى يصفبح‪ .‬أخرجفه أبفو نعيفم عفن أبفي عاصفم الثقففي عفن الشعفبي‪ .‬وذكره أبفو عفبيدة ففي‬
‫غريفب حديفث عمفر حدثناه أبفو معاويفة عفن أبفي عاصفم الثقففي عفن الشعفبي عفن عبدال قال‪ :‬فقيفل‬
‫لعبدال‪ :‬أهفو عمفر ؟ فقال‪ :‬مفا عسفى أن يكون إل عمفر‪ .‬قال أبفو محمفد الدارمفي‪ :‬الضئيفل‪ :‬الدقيفق‪،‬‬
‫والشخيت‪ :‬المهزول‪ ،‬والضليع‪ :‬جيد الضلع‪ ،‬والخبج‪ :‬الريح‪ .‬وقال أبو عبيدة‪ :‬الخبج‪ :‬الضراط‪،‬‬
‫وهو الحبج أيضا بالحاء‪ .‬وفي الترمذي عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(من قرأ حم ‪ -‬المؤمن ‪ -‬إلى إليه المصير وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي‪ ،‬ومن‬
‫قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح) قال‪ :‬حديث غريب‪ .‬وقال أبو عبدال الترمذي الحكيم‪:‬‬
‫وروى أن المؤمنيفن ندبوا إلى المحافظفة على قراءتهفا دبر كفل صفلة‪ .‬عفن أنفس رففع الحديفث إلى‬
‫النففبي صففلى ال عليففه وسففلم قال‪( :‬أوحففى ال إلى موسففى عليففه السففلم مففن داوم على قراءة آيففة‬
‫الكرسي دبر كل صلة أعطيته فوق ما أعطي الشاكرين وأجر النبيين وأعمال الصديقين وبسطت‬
‫عليه يميني بالرحمة ولم يمنعه أن أدخله الجنة إل أن يأتيه ملك الموت) قال موسى عليه السلم‪ :‬يا‬
‫رب من سمع بهذا ل يداوم عليه؟ قال‪( :‬إني ل أعطيه من عبادي إل لنبي أو صديق أو رجل أحبه‬
‫أو رجفل أريفد قتله ففي سفبيلي)‪ .‬وعفن أبفي بفن كعفب قال‪ :‬قال ال تعالى‪( :‬يفا موسفى مفن قرأ آيفة‬
‫الكرسي في دبر كل صلة أعطيته ثواب النبياء) قال أبو عبدال‪ :‬معناه عندي أعطيته ثواب عمل‬
‫النفبياء‪ ،‬فأمفا ثواب النبوة فليفس لحفد إل للنفبياء‪ .‬وهذه اليفة تضمنفت التوحيفد والصففات العل‪،‬‬
‫وهفي خمسفون كلمفة‪ ،‬وففي كفل كلمفة خمسفون بركفة‪ ،‬وهفي تعدل ثلث القرآن‪ ،‬ورد بذلك الحديفث‪،‬‬
‫ذكره ابفففن عطيفففة‪ .‬و"ال" مبتدأ‪ ،‬و"ل إله" مبتدأ ثان وخفففبره محذوف تقديره معبود أو موجود‪.‬‬
‫و"إل هفو" بدل مفن موضفع ل إله‪ .‬وقيفل‪" :‬ال ل إله إل هفو" ابتداء وخفبر‪ ،‬وهفو مرفوع محمول‬
‫على المعنفى‪ ،‬أي مفا إله إل هفو‪ ،‬ويجوز ففي غيفر القرآن ل إله إل إياه‪ ،‬نصفب على السفتثناء‪ .‬قال‬
‫أبو ذر في حديثه الطويل‪ :‬سألت رسول ال صلى ال عليه وسلم أي آية أنزل ال عليك من القرآن‬
‫أعظم ؟ فقال‪( :‬ال ل إله إل هو الحي القيوم)‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬أشرف آية في القرآن آية الكرسي‪.‬‬
‫قال بعض العلماء‪ :‬لنه يكرر فيها اسم ال تعالى بين مضمر وظاهر ثماني عشرة مرة‪.‬‬
‫@ قوله‪" :‬الحي القيوم" نعت ل عز وجل‪ ،‬وإن شئت كان بدل من "هو"‪ ،‬وإن شئت كان خبرا‬
‫بعد خبر‪ ،‬وإن شئت على إضمار مبتدأ‪ .‬ويجوز في غير القرآن النصب على المدح‪ .‬و"الحي" اسم‬
‫من أسمائه الحسنى يسمى به‪ ،‬ويقال‪ :‬إنه اسم ال تعالى العظم‪ .‬ويقال‪ :‬إن عيسى ابن مريم عليه‬
‫السلم كان إذا أراد أن يحيي الموتى يدعو بهذا الدعاء‪ :‬يا حي يا قيوم‪ .‬ويقال‪ :‬إن آصف بن برخيا‬
‫لما أراد أن يأتي بعرش بلقيس إلى سليمان دعا بقوله يا حي يا قيوم‪ .‬ويقال‪ :‬إن بني إسرائيل سألوا‬
‫موسى عن اسم ال العظم فقال لهم‪ :‬أيا هيا شرا هيا‪ ،‬يعني يا حي يا قيوم‪ .‬ويقال‪ :‬هو دعاء أهل‬
‫البحفر إذا خافوا الغرق يدعون بفه‪ .‬قال الطفبري عفن قوم‪ :‬إنفه يقال حفي قيوم كمفا وصفف نفسفه‪،‬‬
‫ويسفلم ذلك دون أن ينظفر فيفه‪ .‬وقيفل‪ :‬سفمى نفسفه حيفا لصفرفه المور مصفاريفها وتقديره الشياء‬
‫مقاديرها‪ .‬وقال قتادة‪ :‬الحي الذي ل يموت‪ .‬وقال السدي‪ :‬المراد بالحي الباقي‪ .‬قال لبيد‪:‬‬
‫فلست بأحيا من كلب وجعفر‬ ‫فإما تريني اليوم أصبحت سالما‬
‫وقد قيل‪ :‬إن هذا السم هو اسم ال العظم‪" .‬القيوم" من قام؛ أي القائم بتدبير ما خلق؛ عن قتادة‪.‬‬
‫وقال الحسن‪ :‬معناه القائم على كل نفس بما كسبت حتى يجازيها بعملها‪ ،‬من حيث هو عالم بها ل‬
‫يخفى عليه شيء منها‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬معناه الذي ل يحول ول يزول؛ قال أمية بن أبي الصلت‪:‬‬
‫والشمس معها قمر يقوم‬ ‫لم تخلق السماء والنجوم‬
‫والحشر والجنة والنعيم‬ ‫قدره مهيمن قيوم‬
‫إل لمر شأنه عظيم‬
‫قال البيهقي‪ :‬ورأيت في "عيون التفسير" لسماعيل الضرير تفسير القيوم قال‪ :‬ويقال هو الذي‬
‫ل ينام؛ وكأنفه أخذه مففن قوله عففز وجففل عقيبفه فففي آيففة الكرسففي‪" :‬ل تأخذه سففنة ول نوم"‪ .‬وقال‬
‫الكلبفي‪ :‬القيوم الذي ل بدئ له؛ ذكره أبفو بكفر النباري‪ .‬وأصفل قيوم قيووم اجتمعفت الواو والياء‬
‫وسفبقت إحداهمفا بالسفكون فأدغمفت الولى ففي الثانيفة بعفد قلب الواو ياء؛ ول يكون قيوم فعول؛‬
‫لنفه مفن الواو فكان يكون قيوومفا‪ .‬وقرأ ابفن مسفعود وعلقمفة والعمفش والنخعفي "الحفي القيام"‬
‫باللف‪ ،‬وروي ذلك عفن عمفر‪ .‬ول خلف بيفن أهفل اللغفة ففي أن القيوم أعرف عنفد العرب وأصفح‬
‫بناء وأثبففت علة‪ .‬والقيام منقول عففن القوام إلى القيام‪ ،‬صففرف عففن الفعال إلى الفيعال‪ ،‬كمففا قيففل‬
‫للصواغ الصياغ؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫س وحي عليهم قيوم‬ ‫إن ذا العرش للذي يرزق النا‬
‫ثفم نففى عفز وجفل أن تأخذه سفنة ول نوم‪ .‬والسفنة‪ :‬النعاس ففي قول الجميفع‪ .‬والنعاس مفا كان مفن‬
‫العين فإذا صار في القلب صار نوما؛ قال عدي بن الرقاع يصف امرأة بفتور النظر‪:‬‬
‫في عينه سنة وليس بنائم‬ ‫وسنان أقصده النعاس فرنقت‬
‫وفرق المفضل بينهما فقال‪ :‬السنة من الرأس‪ ،‬والنعاس في العين‪ ،‬والنوم في القلب‪ .‬وقال ابن زيد‪:‬‬
‫الوسنان الذي يقوم من النوم وهو ل يعقل‪ ،‬حتى ربما جرد السيف على أهله‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا‬
‫الذي قاله ابفن زيفد فيفه نظفر‪ ،‬وليفس ذلك بمفهوم مفن كلم العرب‪ .‬وقال السفدي‪ :‬السفنة‪ :‬ريفح النوم‬
‫الذي يأخذ في الوجه فينعس النسان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وبالجملة فهفو فتور يعتري النسفان ول يفقفد معفه عقله‪ .‬والمراد بهذه اليفة أن ال تعالى ل‬
‫سنَة حذفت الواو كما حذفت من‬ ‫سنَة و ْ‬
‫يدركه خلل ول يلحقه ملل بحال من الحوال‪ .‬والصل في ِ‬
‫يسن‪ .‬والنوم هو المستثقل الذي يزول معه الذهن في حق البشر‪ .‬والواو للعطف و"ل" توكيد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والناس يذكرون فففي هذا الباب عفن أبفي هريرة قال‪ :‬سفمعت رسففول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم يحكفي عفن موسفى على المنفبر قال‪( :‬وقفع ففي نففس موسفى هفل ينام ال جفل ثناؤه فأرسفل ال‬
‫إليفه ملكفا فأرقفه ثلثفا ثفم أعطاه قارورتيفن ففي كله يفد قارورة وأمره أن يحتففظ بهمفا قال فجعفل ينام‬
‫وتكاد يداه تلتقيان ثم يستيقظ فينحي أحديهما عن الخرى حتى نام نومة فاصطفقت يداه فانكسرت‬
‫القارورتان ‪ -‬قال ‪ -‬ضرب ال له مثل أن لو كان ينام لم تمتسففك السففماء والرض) ول يصففح هذا‬
‫الحديث‪ ،‬ضعفه غير واحد منهم البيهقي‬
‫@قوله تعالى‪" :‬له ما في السماوات وما في الرض" أي بالملك فهو مالك الجميع وربه وجاءت‬
‫العبارة بفف "مفا" وإن كان ففي الجملة مفن يعقفل مفن حيفث المراد الجملة والموجود‪ .‬قال الطفبري‪:‬‬
‫نزلت هذه الية لما قال الكفار‪ :‬ما نعبد أوثانا إل ليقربونا إلى ال زلفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مفن ذا الذي يشففع عنده إل بإذنفه" "مفن" رففع بالبتداء و"ذا" خفبره؛ و"الذي"‬
‫نعت لف "ذا"‪ ،‬وإن شئت بدل‪ ،‬ول يجوز أن تكون "ذا" زائدة كما زيدت مع "ما" لن "ما" مبهمة‬
‫فزيدت "ذا" معهففا لشبههففا بهففا‪ .‬وتقرر فففي هذه اليففة أن ال يأذن لمففن يشاء فففي الشفاعففة‪ ،‬وهففم‬
‫النبياء والعلماء والمجاهدون والملئكة وغيرهم ممن أكرمهم وشرفهم ال‪ ،‬ثم ل يشفعون إل لمن‬
‫ارتضفى؛ كمفا قال‪" :‬ول يشفعون إل لمفن ارتضفى" [النفبياء‪ ]28 :‬قال ابفن عطيفة‪ :‬والذي يظهفر‬
‫أن العلماء والصفالحين يشفعون فيمفن لم يصفل إلى النار وهفو بيفن المنزلتيفن‪ ،‬أو وصفل ولكفن له‬
‫أعماله صفالحة‪ .‬وففي البخاري ففي "باب بقيفة مفن أبواب الرؤيفة"‪ :‬إن المؤمنيفن يقولون‪ :‬ربنفا إن‬
‫إخواننفا كانوا يصفلون معنفا ويصفومون معنفا‪ .‬وهذه شفاعفة فيمفن يقرب أمره‪ ،‬وكمفا يشففع الطففل‬
‫المحبنطئ على باب الجنة‪ .‬وهذا إنما هو في قراباتهم ومعارفهم‪ .‬وإن النبياء يشفعون فيمن حصل‬
‫ففي النار مفن عصفاة أممهفم بذنوب دون قربفى ول معرففة إل بنففس اليمان‪ ،‬ثفم تبقفى شفاعفة أرحفم‬
‫الراحميفن ففي المسفتغرقين ففي الخطايفا والذنوب الذيفن لم تعمفل فيهفم شفاعفة النفبياء‪ .‬وأمفا شفاعفة‬
‫محمد صلى ال عليه وسلم في تعجيل الحساب فخاصة له‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قففد بيففن مسففلم فففي صففحيحه كيفيففة الشفاعففة بيانففا شافيففا‪ ،‬وكأنففه رحمففه ال لم يقرأه وأن‬
‫الشافعيفففن يدخلون النار ويخرجون منهفففا أناسفففا اسفففتوجبوا العذاب؛ فعلى هذا ل يبعفففد أن يكون‬
‫للمؤمنين شفاعتان‪ :‬شفاعة فيمن لم يصل إلى النار‪ ،‬وشفاعة فيمن وصل إليها ودخلها؛ أجارنا ال‬
‫منها‪ .‬فذكر من حديث أبي سعيد الخدري‪( :‬ثم يضرب الجسر على جهنم وتحل الشفاعة ويقولون‬
‫اللهفم سفلم سفلم ‪ -‬قيفل‪ :‬يفا رسفول ال ومفا الجسفر ؟ قال‪ :‬دحفض مزلة فيهفا خطاطيففف وكلليفب‬
‫وحسكة تكون بنجد فيها شويكة يقال لها السعدان فيمر المؤمنون كطرف العين وكالبرق وكالريح‬
‫وكالطيفر وكأجاويفد الخيفل والركاب فناج مسفلم ومخدوش مرسفل ومكدوس ففي نار جهنفم حتفى إذا‬
‫خلص المؤمنون من النار فوالذي نفسي بيده ما من أحد منكم بأشد مناشدة ل في استيفاء الحق من‬
‫المؤمنيفن ل يوم القيامفة لخوانهفم الذيفن ففي النار‪ ،‬يقولون ربنفا كانوا يصفومون معنفا ويصفلون‬
‫ويحجون‪ ،‬فيقال لهففم أخرجوا مففن عرفتففم‪ ،‬فتحرم صففورهم على النار فيخرجون خلقففا كثيرا قففد‬
‫أخذت النار إلى نصف ساقيه وإلى ركبتيه ثم يقولون ربنا ما بقي فيها أحد ممن أمرتنا به‪ ،‬فيقول‬
‫عفز وجفل ارجعوا فمفن وجدتفم ففي قلبفه مثقال دينار مفن خيفر فأخرجوه‪ ،‬فيخرجون خلقفا كثيرا‪ ،‬ثفم‬
‫يقولون ربنفا لم نذر فيهفا أحدا ممفن أمرتنفا بفه‪ ،‬ثفم يقول ارجعوا فمفن وجدتفم ففي قلبفه مثقال نصفف‬
‫دينار من خير فأخرجوه‪ ،‬فيخرجون خلقا كثيرا ثم يقولون ربنا لم نذر فيها أحدا ممن أمرتنا به‪ ،‬ثم‬
‫يقول ارجعوا فمفن وجدتفم ففي قلبفه مثقال ذرة مفن خيفر فأخرجوه‪ ،‬فيخرجون خلقفا كثيرا ثفم يقولون‬
‫ربنا لم نذر فيهفا خيرا ‪ -‬وكان أبو سفعيد يقول‪ :‬إن لم تصفدقوني بهذا الحديفث فاقرؤوا إن شئتم "إن‬
‫ال ل يظلم مثقال ذرة وإن تففك حسففنة يضاعفهففا ويؤت مففن لدنففه أجرا عظيمففا" [النسففاء‪]40 :‬‬
‫(فيقول ال تعالى‪ :‬شفعفت الملئكفة وشففع النفبيون وشففع المؤمنون ولم يبفق إل أرحفم الراحميفن‬
‫فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط قد عادوا حمما) وذكر الحديث‪ .‬وذكر‬
‫من حديث أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬فأقول يا رب ائذن لي فيمن قال ل إله إل ال قال‬
‫ليس ذلك لك ‪ -‬أو قال ليس ذلك إليك ‪ -‬وعزتي وكبريائي وعظمتي وجبريائي لخرجن من قال ل‬
‫إله إل ال)‪ .‬وذكر من حديث أبي هريرة عنه صلى ال عليه وسلم‪( :‬حتى إذا فرغ ال من القضاء‬
‫بيفن العباد وأراد أن يخرج برحمتفه مفن أراد مفن أهفل النار أمفر الملئكفة أن يخرجوا مفن النار مفن‬
‫كان ل يشرك بال شيئا ممن أراد ال تعالى أن يرحمه ممن يقول ل إله إل ال فيعرفونهم في النار‬
‫يعرفونهم بأثر السجود تأكل النار ابن آدم إل أثر السجود حرم ال على النار أن تأكل أثر السجود)‬
‫الحديث بطوله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فدلت هذه الحاديفث على أن شفاعفة المؤمنيفن وغيرهفم إنمفا هفي لمفن دخفل النار وحصفل‬
‫فيهففا‪ ،‬أجارنففا ال منهففا وقول ابففن عطيففة‪" :‬ممففن لم يصففل أو وصففل" يحتمففل أن يكون أخذه مففن‬
‫أحاديفث أخفر‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وقفد خرج ابفن ماجفة ففي سفننه عفن أنفس بفن مالك قال‪ :‬قال رسفول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬يصف الناس يوم القيامة صفوفا ‪ -‬وقال ابن نمير أهل الجنة ‪ -‬فيمر الرجل‬
‫مفن أهفل النار على الرجفل فيقول يفا فلن أمفا تذكفر يوم اسفتسقيت فسفقيتك شربفة ؟ قال فيشففع له‬
‫ويمر الرجل على الرجل فيقول أما تذكر يوم ناولتك طهورا ؟ فيشفع له ‪ -‬قال ابن نمير ‪ -‬ويقول يا‬
‫فلن أما تذكر يوم بعثتني لحاجة كذا وكذا فذهبت لك ؟ فيشفع له)‪.‬‬
‫وأمفا شفاعات نبينفا محمفد صفلى ال عليفه وسفلم فاختلف فيهفا؛ فقيفل ثلث‪ ،‬وقيفل اثنتان‪ ،‬وقيفل‪:‬‬
‫خمس‪ ،‬يأتي بيانها في "سبحان" إن شاء ال تعالى‪ .‬وقد أتينا عليها في كتاب "التذكرة" والحمد ل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم" الضميران عائدان على كل من يعقل ممن تضمنه‬
‫قوله‪" :‬له مفا ففي السفماوات ومفا ففي الرض "‪ .‬وقال مجاهفد‪" :‬مفا بيفن أيديهفم" الدنيفا "ومفا خلفهفم"‬
‫الخرة‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وكفل هذا صفحيح ففي نفسفه ل بأس بفه؛ لن مفا بيفن اليفد هفو كفل مفا تقدم‬
‫النسان‪ ،‬وما خلفه هو كل ما يأتي بعده؛ وبنحو قول مجاهد قال السدي وغيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يحيطون بشيفء مفن علمفه إل بمفا شاء" العلم هنفا بمعنفى المعلوم‪ ،‬أي ول‬
‫يحيطون بشيفء مفن معلوماتفه؛ وهذا كقول الخضفر لموسفى عليفه السفلم حيفن نقفر العصففور ففي‬
‫البحفر‪ :‬مفا نقفص علمفي وعلمفك مفن علم ال إل كمفا نقفص هذا العصففور مفن هذا البحفر‪ .‬فهذا ومفا‬
‫شاكله راجفع إلى المعلومات؛ لن علم ال سفبحانه وتعالى الذي هفو صففة ذاتفه ل يتبعفض‪ .‬ومعنفى‬
‫الية ل معلوم لحد إل ما شاء ال أن يعلمه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وسع كرسيه السماوات والرض" ذكر ابن عساكر في تاريخه عن علي رضي‬
‫ال عنه قال قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬الكرسي لؤلؤة والقلم لؤلؤة وطول القلم سبعمائة‬
‫سفنة وطول الكرسفي حيفث ل يعلمفه إل ال)‪ .‬وروى حماد بفن سفلمة عفن عاصفم بفن بهدلة ‪ -‬وهفو‬
‫عاصم بن أبي النجود ‪ -‬عن زر بن حبيش عن ابن مسعود قال‪ :‬بين كل سماءين مسيرة خمسمائة‬
‫عام وبيففن السففماء السففابعة وبيففن الكرسففي خمسففمائة عام‪ ،‬وبيففن الكرسففي وبيففن العرش مسففيرة‬
‫خمسمائة عام‪ ،‬والعرش فوق الماء وال فوق العرش يعلم ما أنتم فيه وعليه‪ .‬يقال كُرسي وكرسي‬
‫والجمع الكراسي‪ .‬وقال ابن عباس‪ :‬كرسيه علمه‪ .‬ورجحه الطبري‪ ،‬قال‪ :‬ومنه الكراسة التي تضم‬
‫العلم؛ ومنه قيل للعلماء‪ :‬الكراسي؛ لنهم المعتمد عليهم؛ كما يقال‪ :‬أوتاد الرض‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫كراسي بالحداث حين تنوب‬ ‫يحف بهم بيض الوجوه وعصبة‬
‫أي علماء بحوادث المور‪ .‬وقيفل‪ :‬كرسفيه قدرتفه التفي يمسفك بهفا السفماوات والرض‪ ،‬كمفا تقول‪:‬‬
‫اجعل لهذا الحائط كرسيا‪ ،‬أي ما يعمده‪ .‬وهذا قريب من قول ابن عباس في قوله "وسع كرسفيه"‪.‬‬
‫قال البيهقي‪ :‬وروينا عن ابن مسعود وسعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله "وسع كرسيه" قال‪:‬‬
‫علمففه‪ .‬وسففائر الروايات عففن ابففن عباس وغيره تدل على أن المراد بففه الكرسففي المشهور مففع‬
‫العرش‪ .‬وروى إسفرائيل عفن السفدي عفن أبفي مالك ففي قوله "وسفع كرسفيه السفماوات والرض"‬
‫قال‪ :‬إن الصففخرة التففي عليهففا الرض السففابعة ومنتهففى الخلق على أرجائهففا‪ ،‬عليهففا أربعففة مففن‬
‫الملئكفة لكفل واحفد منهفم أربعفة وجوه‪ :‬وجفه إنسفان ووجفه أسفد ووجفه ثور ووجفه نسفر؛ فهفم قيام‬
‫عليهفا قفد أحاطوا بالرضيفن والسفماوات‪ ،‬ورؤوسفهم تحفت الكرسفي والكرسفي تحفت العرش وال‬
‫واضففع كرسففيه فوق العرش‪ .‬قال البيهقففي‪ :‬فففي هذا إشارة إلى كرسففيين‪ :‬أحدهمففا تحففت العرش‪،‬‬
‫والخر موضوع على العرش‪ .‬وفي رواية أسباط عن السدي عن أبي مالك‪ ،‬وعن أبي صالح عن‬
‫ابن عباس‪ ،‬وعن مرة الهمداني عن ابن عباس‪ ،‬وعن مرة الهمداني عن ابن مسعود عن ناس من‬
‫أصففحاب رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم فففي قوله "وسففع كرسففيه السففماوات والرض" فإن‬
‫السماوات والرض في جوف الكرسي والكرسي بين يدي العرش‪ .‬وأرباب اللحاد يحملونها على‬
‫عظففم الملك وجللة السففلطان‪ ،‬وينكرون وجود العرش والكرسففي وليففس بشيففء‪ .‬وأهففل الحففق‬
‫يجيزونهما؛ إذ في قدرة ال متسع فيجب اليمان بذلك‪ .‬قال أبو موسى الشعري‪ :‬الكرسي موضع‬
‫القدميفن وله أطيفط كأطيفط الرحفل‪ .‬قال البيهقفي‪ :‬قفد روينفا أيضفا ففي هذا عفن ابفن عباس وذكرنفا أن‬
‫معناه فيمفا يرى أنفه موضوع مفن العرش موضفع القدميفن مفن السفرير‪ ،‬وليفس فيفه إثبات المكان ل‬
‫تعالى‪ .‬وعفن ابفن بريدة عفن أبيفه قال‪ :‬لمفا قدم جعففر مفن الحبشفة قال له رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم‪( :‬مفا أعجفب شيفء رأيتفه) ؟ قال‪ :‬رأيفت امرأة على رأسفها مكتفل طعام فمفر فارس فأذراه‬
‫فقعدت تجمع طعامها‪ ،‬ثم التفتت إليه فقالت له‪ :‬ويل لك يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من‬
‫الظالم فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم تصفديقا لقولهفا‪( :‬ل قدسفت أمفة ‪ -‬أو كيفف تقدس أمفة ‪-‬‬
‫ل يأخذ ضعيفها حقه من شديدها)‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬في قول أبي موسى "الكرسي موضع القدمين"‬
‫يريفد هفو مفن عرش الرحمفن كموضفع القدميفن مفن أسفرة الملوك‪ ،‬فهفو مخلوق عظيفم بيفن يدي‬
‫العرش نسفبته إليفه كنسفبة الكرسفي إلى سفرير الملك‪ .‬وقال الحسفن بفن أبفي الحسفن‪ :‬الكرسفي هفو‬
‫العرش نفسه؛ وهذا ليس بمرضفي‪ ،‬والذي تقتضيفه الحاديفث أن الكرسفي مخلوق بين يدي العرش‬
‫والعرش أعظم منه‪ .‬وروى أبو إدريس الخولني عن أبي ذر قال‪ :‬قلت يا رسول ال‪ ،‬أي ما أنزل‬
‫عليفك أعظفم ؟ قال‪( :‬آيفة الكرسفي ‪ -‬ثفم قال ‪ -‬يفا أبفا ذر مفا السفماوات السفبع مفع الكرسفي إل كحلقفة‬
‫ملقاة فففي أرض فلة وفضففل العرش على الكرسففي كفضففل الفلة على الحلقففة)‪ .‬أخرجففه الجري‬
‫وأبفو حاتفم البسفتي ففي صفحيح مسفنده والبيهقفي وذكفر أنفه صفحيح‪ .‬وقال مجاهفد‪ :‬مفا السفماوات‬
‫والرض ففي الكرسفي إل بمنزلة حلقفة ملقاة ففي أرض فلة‪ .‬وهذه اليفة منبئة عفن عظفم مخلوقات‬
‫ال تعالى‪ ،‬ويستفاد من ذلك عظم قدرة ال عز وجل إذ ل يؤده حفظ هذا المر العظيم‪.‬‬
‫@و "يؤوده" معناه يثقله؛ يقال‪ :‬آدني الشيء بمعنى أثقلني وتحملت منه المشقة‪ ،‬وبهذا فسر اللفظة‬
‫ابفن عباس والحسفن وقتادة وغيرهفم‪ .‬قال الزجاج‪ :‬فجائز أن تكون الهاء ل عفز وجفل‪ ،‬وجائز أن‬
‫تكون للكرسي؛ وإذا كانت للكرسي؛ فهو من أمر ال تعالى‪ .‬و"العلي" يراد به علو القدر والمنزلة‬
‫ل علو المكان؛ لن ال منزه عفن التحيفز‪ .‬وحكفى الطفبري عفن قوم أنهفم قالوا‪ :‬هفو العلي عفن خلقفه‬
‫بارتفاع مكانه عن أماكن خلقه‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا قول جهلة مجسمين‪ ،‬وكان الوجه أل يحكى‪.‬‬
‫وعفن عبدالرحمفن بفن قرط أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ليلة أسفري بفه سفمع تسفبيحا ففي‬
‫السففففماوات العلى‪ :‬سففففبحان ال العلي العلى سففففبحانه وتعالى‪ .‬والعلي والعالي‪ :‬القاهففففر الغالب‬
‫للشياء؛ تقول العرب‪ :‬عل فلن فلنا أي غلبه وقهره؛ قال الشاعر‪:‬‬
‫تركناهم صرعى لنسر وكاسر‬ ‫فلما علونا واستوينا عليهم‬
‫ومنه قوله تعالى‪" :‬إن فرعون عل في الرض" [القصص‪ .]4 :‬و"العظيم" صفة بمعنى عظيم‬
‫القدر والخطفر والشرف‪ ،‬ل على معنفى عظفم الجرام‪ .‬وحكفى الطفبري عفن قوم أن العظيفم معناه‬
‫المعظم‪ ،‬كما يقال‪ :‬العتيق بمعنى المعتق‪ ،‬وأنشد بيت العشى‪:‬‬
‫ففنط ممزوجة بماء زلل‬ ‫فكأن الخمر العتيق من السف‬
‫وحكي عن قوم أنهم أنكروا ذلك وقالوا‪ :‬لو كان بمعنى معظم لوجب أل يكون عظيما قبل أن يخلق‬
‫الخلق وبعد فنائهم؛ إذ ل معظم له حينئذ‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 256 :‬ل إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال‬
‫فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها وال سميع عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل إكراه في الدين" الدين في هذه الية المعتقد والملة بقرينة قوله‪" :‬قد تبين الرشد‬
‫مفن الغفي"‪ .‬والكراه الذي ففي الحكام مفن اليمان والبيوع والهبات وغيرهفا ليفس هذا موضعفه‪،‬‬
‫وإنما يجيء في تفسير قوله‪" :‬إل من أكره" [النحل‪ .]106 :‬وقرأ أبو عبدالرحمن "قد تبين الرشد‬
‫من الغي" وكذا روي عن الحسن والشعبي؛ يقال‪َ :‬رشَد َيرْشُد ُرشْداً‪ ،‬و َرشِ َد ي ْرشَد َرشَدا‪ :‬إذا بلغ ما‬
‫يحب‪ .‬وغوى ضده؛ عن النحاس‪ .‬وحكى ابن عطية عن أبي عبدالرحمن السلمي أنه قرأ "الرشاد"‬
‫باللف‪ .‬وروي عن الحسن أيضا "الرشد" بضم الراء والشين‪" .‬الغي" مصدر من غوى يغوي إذا‬
‫ضل في معتقد أو رأي؛ ول يقال الغي في الضلل على الطلق‪.‬‬
‫@ اختلف العلماء في معنى هذه الية على ستة أقوال‪:‬‬
‫[الول] قيفل إنهفا منسفوخة؛ لن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قفد أكره العرب على ديفن السفلم‬
‫وقاتلهفم ولم يرض منهفم إل بالسفلم؛ قاله سفليمان بفن موسفى‪ ،‬قال‪ :‬نسفختها "يفا أيهفا النفبي جاهفد‬
‫الكفار والمنافقين" [التوبة‪ .]73 :‬وروي هذا عن ابن مسعود وكثير من المفسرين‪.‬‬
‫الثانفي‪ :‬ليسفت بمنسفوخة وإنمفا نزلت ففي أهفل الكتاب خاصفة‪ ،‬وأنهفم ل يكرهون على السفلم إذا‬
‫أدوا الجزيفة‪ ،‬والذيفن يكرهون أهفل الوثان فل يقبفل منهفم إل السفلم فهفم الذيفن نزل فيهفم "يفا أيهفا‬
‫النبي جاهد الكفار والمنافقين"‪ .‬هذا قول الشعبي وقتادة والحسن والضحاك‪ .‬والحجة لهذا القول ما‬
‫رواه زيفد بفن أسفلم عفن أبيفه قال‪ :‬سفمعت عمفر بفن الخطاب يقول لعجوز نصفرانية‪ :‬اسفلمي أيتهفا‬
‫العجوز تسفلمي‪ ،‬إن ال بعفث محمدا بالحفق‪ .‬قالت‪ :‬أنفا عجوز كفبيرة والموت إلي قريفب فقال عمفر‪:‬‬
‫اللهم اشهد‪ ،‬وتل "ل إكراه في الدين"‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬مفا رواه أبفو داود عفن ابفن عباس قال‪ :‬نزلت هذه ففي النصفار‪ ،‬كانفت تكون المرأة مقلتفا‬
‫فتجعفل على نفسفها إن عاش لهفا ولد أن تهوده؛ فلمفا أجليفت بنفو النضيفر كان فيهفم كثيفر مفن أبناء‬
‫النصار فقالوا‪ :‬ل ندع أبناءنا فأنزل ال تعالى‪" :‬ل إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"‪ .‬قال‬
‫أبفو داود‪ :‬والمقلت التفي ل يعيفش لهفا ولد‪ .‬ففي روايفة‪ :‬إنمفا فعلنفا مفا فعلنفا ونحفن نرى أن دينهفم‬
‫أفضفل ممفا نحفن عليفه‪ ،‬وأمفا إذا جاء ال بالسفلم فنكرههفم عليفه فنزلت‪" :‬ل إكراه ففي الديفن" مفن‬
‫شاء التحق بهم ومن شاء دخل في السلم‪ .‬وهذا قول سعيد بن جبير والشعبي ومجاهد إل أنه قال‪:‬‬
‫كان سفبب كونهفم ففي بنفي النضيفر السفترضاع‪ .‬قال النحاس‪ :‬قول ابفن عباس ففي هذه اليفة أولى‬
‫القوال لصحة إسناده‪ ،‬وأن مثله ل يؤخذ بالرأي‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬قال السدي‪ :‬نزلت الية في رجل من النصار يقال له أبو حصين كان له ابنان‪ ،‬فقدم تجار‬
‫مففن الشام إلى المدينففة يحملون الزيففت‪ ،‬فلمففا أرادوا الخروج أتاهففم ابنففا الحصففين فدعوهمففا إلى‬
‫النصفرانية فتنصفرا ومضيفا معهفم إلى الشام‪ ،‬فأتفى أبوهمفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم مشتكيفا‬
‫أمرهمفا‪ ،‬ورغفب ففي أن يبعفث رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم مفن يردهمفا فنزلت‪" :‬ل إكراه ففي‬
‫الديففن" ولم يؤمففر يومئذ بقتال أهففل الكتاب‪ ،‬وقال‪( :‬أبعدهمففا ال همففا أول مففن كفففر) فوجففد أبففو‬
‫الحصفين ففي نفسفه على النفبي صفلى ال عليفه وسفلم حيفن لم يبعفث ففي طلبهمفا فأنزل ال جفل ثناؤه‬
‫"فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم" [النساء‪ ]65 :‬الية ثم إنه نسخ "ل إكراه‬
‫في الدين" فأمر بقتال أهل الكتاب في سورة [براءة]‪ .‬والصحيح في سبب قوله تعالى‪" :‬فل وربك‬
‫ل يؤمنون" حديث الزبير مع جاره النصاري في السقي‪ ،‬على ما يأتي في "النساء" بيانه إن شاء‬
‫ال تعالى‪.‬‬
‫[وقيل] معناها ل تقولوا لمن أسلم تحت السيف مجبرا مكرها؛ وهو القول الخامس‪.‬‬
‫[وقول سادس] وهو أنها وردت في السبي متى كانوا من أهل الكتاب لم يجبروا إذا كانوا كبارا‪،‬‬
‫وإن كانوا مجوسا صغارا أو كبارا أو وثنيين فإنهم يجبرون على السلم؛ لن من سباهم ل ينتفع‬
‫بهم مع كونهم وثنيين؛ أل ترى أنه ل تؤكل ذبائحهم ول توطأ نساؤهم‪ ،‬ويدينون بأكل الميتة‬
‫والنجاسفات وغيرهمفا‪ ،‬ويسفتقذرهم المالك لهفم ويتعذر عليفه النتفاع بهفم مفن جهفة الملك فجاز له‬
‫الجبار‪ .‬ونحو هذا روى ابن القاسم عن مالك‪ .‬وأما أشهب فإنه قال‪ :‬هم على دين من سباهم‪ ،‬فإذا‬
‫امتنعوا أجفبروا على السفلم‪ ،‬والصفغار ل ديفن لهفم فلذلك فأجفبروا على الدخول ففي ديفن السفلم‬
‫لئل يذهبوا إلى دين باطل‪ .‬فأما سائر أنواع الكفر متى بذلوا الجزية لم نكرههم على السلم سواء‬
‫كانوا عربا أم عجما قريشا أو غيرهم‪ .‬وسيأتي بيان هذا وما للعلماء في الجزية ومن تقبل منه في‬
‫"براءة" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فمفن يكففر بالطاغوت ويؤمفن بال" جزم بالشرط‪ .‬والطاغوت مؤنثفة مفن طغفى‬
‫يطغى‪ - .‬وحكى الطبري يطغو ‪ -‬إذا جاوز الحد بزيادة عليه‪ .‬ووزنه فعلوت‪ ،‬ومذهب سيبويه أنه‬
‫اسففم مذكففر مفرد كأنففه اسففم جنففس يقففع للقليففل والكثيففر‪ .‬ومذهففب أبففي علي أنففه مصففدر كرهبوت‬
‫وجفبروت‪ ،‬وهفو يوصفف بفه الواحفد والجمفع‪ ،‬وقلبفت لمفه إلى موضفع العيفن وعينفه موضفع اللم‬
‫جذَب‪ ،‬فقلبت الواو ألفاً لتحركها وتحرك ما قبلها فقيل طاغوت؛ واختار هذا القول النحاس‪.‬‬ ‫جبَذ و َ‬
‫كَ‬
‫وقيل‪ :‬أصل طاغوت في اللغة مأخوذة من الطغيان يؤدي معناه من غير اشتقاق‪ ،‬كما قيل‪ :‬لل من‬
‫اللؤلؤ‪ .‬وقال المفبرد‪ :‬هفو جمفع‪ .‬وقال ابفن عطيفة‪ :‬وذلك مردود‪ .‬قال الجوهري‪ :‬والطاغوت الكاهفن‬
‫والشيطان وكفففل رأس ففففي الضلل‪ ،‬وقفففد يكون واحدًا قال ال تعالى‪" :‬يريدون أن يتحاكموا إلى‬
‫الطاغوت وقفد أمروا أن يكفروا بفه" [النسفاء‪ .]60 :‬وقفد يكون جمعفا قال ال تعالى‪" :‬أولياؤهفم‬
‫الطاغوت" [البقرة ‪ ]257‬والجمففع الطواغيففت‪" .‬ويؤمففن بال" عطففف‪" .‬فقففد اسففتمسك بالعروة‬
‫الوثقفى" جواب الشرط‪ ،‬وجمفع ال ُوثْقفى الوُثْق مثفل ال ُفضْلى والفُضْل؛ فالوثقفى فعلى مفن الوثاقفة‪،‬‬
‫وهذه اليفة تشفبيه‪ .‬واختلف عبارة المفسفرين ففي الشيفء المشبفه بفه؛ فقال مجاهفد‪ :‬العروة اليمان‪.‬‬
‫وقال السفدي‪ :‬السفلم‪ .‬وقال ابفن عباس وسفعيد بفن جفبير والضحاك؛ ل إله إل ال؛ وهذه عبارات‬
‫ترجفع إلى معنىً واحفد‪ .‬ثفم قال‪" :‬ل انفصفام لهفا" قال مجاهفد‪ :‬أي ل يغيفر مفا بقوم حتفى يغيروا مفا‬
‫بأنفسففهم‪ ،‬أي ل يزيففل عنهففم اسففم اليمان حتففى يكفروا‪ .‬والنفصففام‪ :‬النكسففار مففن غيففر بينونففة‪.‬‬
‫والقصفم‪ :‬كسفر ببينونفة؛ وففي صفحيح الحديفث (فيفصفم عنفه الوحفي وإن جفبينه ليتفصفد عرقفا) أي‬
‫يقلع‪ .‬قال الجوهري‪ :‬فصم الشيفء كسفره من غير أن يفبين‪ ،‬تقول‪ :‬فصفمته فانفصفم؛ قال ال تعالى‪:‬‬
‫ل انفصام لها" وتفصم مثله؛ قال ذو الرمة يذكر غزال يشبهه ب ُدمْلُج فضة‪:‬‬
‫في ملعب من جواري الحي مفصوم‬ ‫كأنه دملج من فضة نبه‬
‫وإنما جعله مفصوما لتثنيه وانحنائه إذا نام‪ .‬ولم يقل "مقصفوم" بالقاف فيكون بائنا باثنيفن‪ .‬وافْصفم‬
‫المطر‪ :‬أقلع‪ .‬وأفصمت عنه الحمى‪ .‬ولما كان الكفر بالطاغوت واليمان بال مما ينطق به اللسان‬
‫ويعتقده القلب حسن في الصفات "سميع" من أجل النطق "عليم" من أجل المعتقد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 257 :‬ال ولي الذين آمنوا يخرجهفم من الظلمات إلى النور والذين كفروا أولياؤهم‬
‫الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ال ولي الذيفن آمنوا" الولي فعيفل بمعنفى فاعفل‪ .‬قال الخطابفي‪ :‬الولي الناصفر‬
‫ينصر عباده المؤمنين؛ قال ال عز وجل "ال ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور"‪،‬‬
‫وقال "ذلك بأن ال مولى الذيفففن آمنوا وأن الكافريفففن ل مولى لهفففم" [محمفففد‪ ]11 :‬قال قتادة‪:‬‬
‫الظلمات الضللة‪ ،‬والنور الهدى‪ ،‬وبمعناه قال الضحاك والربيع‪ .‬وقال مجاهد وعبدة بن أبي لبابة‪:‬‬
‫قوله "ال ولي الذين آمنوا" نزلت في قوم آمنوا بعيسى فلما جاء محمد صلى ال عليه وسلم كفروا‬
‫بففه‪ ،‬فذلك إخراجهففم مففن النور إلى الظلمات‪ .‬قال ابففن عطيففة‪ :‬فكأن هذا المعتقففد أحرز نوراً فففي‬
‫المعتقد خرج منه إلى الظلمات‪ ،‬ولفظ الية مستغن عن هذا التخصيص‪ ،‬بل هو مترتب في كل أمة‬
‫كافرة آمفن بعضهفا كالعرب‪ ،‬وذلك أن مفن آمفن منهفم فال وليفه أخرجفه مفن ظلمفة الكففر إلى نور‬
‫اليمان‪ ،‬ومفن كففر بعفد وجود النفبي صفلى ال عليفه وسفلم الداعفي المرسفل فشيطانفه مغويفه‪ ،‬كأنفه‬
‫أخرجفه مفن اليمان إذ هفو معفه معفد وأهفل للدخول فيفه‪ ،‬وحكفم عليهفم بالدخول ففي النار لكفرهفم؛‬
‫عدل منه‪ ،‬ل يسأل عما يفعل‪ .‬وقرأ الحسن "أولياؤهم الطواغيت" يعني الشياطين‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 258 :‬ألم تر إلى الذي حاج إبراهيفم في ربه أن آتاه ال الملك إذ قال إبراهيم ربفي‬
‫الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت قال إبراهيم فإن ال يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من‬
‫المغرب فبهت الذي كفر وال ل يهدي القوم الظالمين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ألم تفر" هذه ألف التوقيفف‪ ،‬وففي الكلم معنفى التعجفب‪ ،‬أي اعجبوا له‪ .‬وقال‬
‫الفراء‪" :‬ألم تفر" بمعنفى هفل رأيفت‪ ،‬أي هفل رأيفت الذي حاج إبراهيفم‪ ،‬وهفل رأيفت الذي مفر على‬
‫قرية‪ ،‬وهو النمروذ بن كوش بن كنعان بن سام بن نوح ملك زمانه وصاحب النار والبعوضة هذا‬
‫قول ابففن عباس ومجاهففد وقتادة والربيففع والسففدي وابففن إسففحاق وزيففد بففن أسففلم وغيرهففم‪ .‬وكان‬
‫إهلكفه لمفا قصفد المحاربفة مفع ال تعالى بأن فتفح ال تعالى عليفه بابًا مفن البعوض فسفتروا عيفن‬
‫الشمس وأكلوا عسكره ولم يتركوا إل العظام‪ ،‬ودخلت واحدة منها في دماغه فأكلته حتى صارت‬
‫مثل الفأرة؛ فكان أعز الناس عنده بعد ذلك من يضرب دماغه بمطرقة عتيدة لذلك‪ ،‬فبقي في البلء‬
‫أربعين يوما‪ .‬قال ابفن جريح‪ :‬هو أول ملك ففي الرض‪ .‬قال ابفن عطية‪ :‬وهذا مردود‪ .‬وقال قتادة‪:‬‬
‫هو أول من تجبر وهو صاحب الصرح ببابل‪ .‬وقيل‪ :‬إنه ملك الدنيا بأجمعها؛ وهو أحد الكافرين؛‬
‫والخفر بختنصفر‪ .‬وقيفل‪ :‬إن الذي حاج إبراهيفم نمروذ بفن فالخ بفن عابر بفن شالخ بفن أرفخشفد بفن‬
‫سفام؛ حكفى جميعفه ابفن عطيفة‪ .‬وحكفى السفهيلي أنفه النمروذ بفن كوش بفن كنعان بفن حام بفن نوح‬
‫وكان ملكاً على السواد وكان ملكه الضحاك الذي يعرف بالزدهاق واسمه بيوراسب بن أندراست‬
‫وكان ملك القاليم كلها‪ ،‬وهو الذي قتله أفريدون بن أثفيان؛ وفيه يقول حبيب‪:‬‬
‫في العالمين وأنت أفريدون‬ ‫وكأنه الضحاك من فتكاته‬
‫وكان الضحاك طاغيفا جبارا ودام ملكفه ألف عام فيمفا ذكروا‪ .‬وهفو أول مفن صفلب وأول مفن‬
‫قطفع اليدي والرجفل‪ ،‬وللنمروذ ابفن لصفلبه يسفمى [كوشفا] أو نحفو هذا السفم‪ ،‬وله ابفن يسفمى‬
‫نمروذ الصففغر‪ .‬وكان ملك نمروذ الصففغر عامففا واحدا‪ ،‬وكان ملك نمروذ الكففبر أربعمائة عام‬
‫فيما ذكروا‪ .‬وفي قصص هذه المحاجة روايتان‪ :‬إحداهما أنهم خرجوا إلى عيد لهم فدخل إبراهيم‬
‫على أصفنامهم فكسفرها؛ فلمفا رجعوا قال لهفم‪ :‬أتعبدون مفا تنحتون ؟ فقالوا‪ :‬فمفن تعبفد؟ قال‪ :‬أعبفد‬
‫ربفففي الذي يحيفففي ويميفففت‪ .‬وقال بعضهففم‪ :‬إن نمروذ كان يحتكفففر الطعام فكانوا إذا احتاجوا إلى‬
‫الطعام يشترونه منه‪ ،‬فإذا دخلوا عليه سجدوا له؛ فدخل إبراهيم فلم يسجد له‪ ،‬فقال‪ :‬مالك ل تسجد‬
‫لي قال‪ :‬أنفا ل أسفجد إل لربفي‪ .‬فقال له نمروذ‪ :‬مفن ربفك ؟ قال إبراهيفم‪ :‬ربفي الذي يحيفي ويميفت‪.‬‬
‫وذكففر زيففد بففن أسففلم أن النمروذ هذا قعففد يأمففر الناس بالميرة‪ ،‬فكلمففا جاء قوم يقول‪ :‬مففن ربكففم‬
‫وإلهكففم ؟ فيقولون أنففت؛ فيقول‪ :‬ميروهففم‪ .‬وجاء إبراهيففم عليففه السففلم يمتار فقال له‪ :‬مففن ربففك‬
‫وإلهك ؟ قال إبراهيم‪ :‬ربي الذي يحيي ويميت؛ فلما سمعها نمروذ قال‪ :‬أنا أحيي وأميت؛ فعارضه‬
‫إبراهيفم بأمفر الشمفس فبهفت الذي كففر‪ ،‬وقال ل تميروه؛ فرجفع إبراهيفم إلى أهله دون شيفء فمفر‬
‫على كثيفب رمفل كالدقيفق فقال ففي نفسفه‪ :‬لو ملت غرارتفي مفن هذا فإذا دخلت بفه فرح الصفبيان‬
‫حتى أنظر لهم‪ ،‬فذهب بذلك فلما بلغ منزله فرح الصبيان وجعلوا يلعبون فوق الغرارتين ونام هو‬
‫مفن العياء؛ فقالت امرأتفه‪ :‬لو صفنعت له طعامفا يجده حاضرا إذا انتبفه‪ ،‬ففتحفت إحدى الغرارتيفن‬
‫فوجدت أحسن ما يكون من الحوارى فخبزته‪ ،‬فلما قام وضعته بين يديه فقال‪ :‬من أين هذا؟ فقالت‪:‬‬
‫من الدقيق الذي سقت‪ .‬فعلم إبراهيم أن ال تعالى يسر لهم ذلك‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي صالح قال‪ :‬انطلق إبراهيم النبي عليه السلم يمتار‬
‫فلم يقدر على الطعام‪ ،‬فمر بسهلة حمراء فأخذ منها ثم رجع إلى أهله فقالوا‪ :‬ما هذا ؟ فقال‪ :‬حنطة‬
‫حمراء؛ ففتحوها فوجدوها حنطة حمراء‪ ،‬قال‪ :‬وكان إذا زرع منها شيئا جاء سنبله من أصلها إلى‬
‫فرعهفا حبًا متراكباً‪ .‬وقال الربيفع وغيره ففي هذا القصفص‪ :‬إن النمروذ لمفا قال أنفا أحيفي وأميفت‬
‫أحضفر رجليفن فقتفل أحدهمفا وأرسفل الخفر فقال‪ :‬قفد أحييفت هذا وأمفت هذا؛ فلمفا رد عليفه بأمفر‬
‫الشمففس بهففت‪ .‬وروي فففي الخففبر‪ :‬أن ال تعالى قال وعزتففي وجللي ل تقوم السففاعة حتففى آتففي‬
‫بالشمس من المغرب ليعلم أني أنا القادر على ذلك‪ .‬ثم أمر نمروذ بإبراهيم فألقي في النار‪ ،‬وهكذا‬
‫عادة الجبابرة فإنهففم إذا عورضوا بشيففء وعجزوا عففن الحجففة اشتغلوا بالعقوبففة‪ ،‬فأنجاه ال مففن‬
‫النار‪ ،‬على ما يأتي‪ .‬وقال السدي‪ :‬إنه لما خرج إبراهيم من النار أدخلوه على الملك ‪ -‬ولم يكن قبل‬
‫ذلك دخل عليه ‪ -‬فكلمه وقال له‪ :‬من ربك ؟ فقال‪ :‬ربي الذي يحيي ويميت‪ .‬قال النمروذ‪ :‬أنا أحيي‬
‫وأميفت‪ ،‬وأنفا آخفذ أربعفة نففر فأدخلهفم بيتفا ول يطعمون شيئا ول يسفقون حتفى إذا جاعوا أخرجتهفم‬
‫فأطعمت اثنين فحييا وتركت اثنين فماتا‪ .‬فعارضه إبراهيم بالشمس فبهت‪ .‬وذكر الصوليون في‬
‫هذه الية أن إبراهيم عليه السلم لما وصف ربه تعالى بما هو صفة له من الحياء والماتة لكنه‬
‫أمر له حقيقة ومجاز‪ ،‬قصد إبراهيم عليه السلم إلى الحقيقة‪ ،‬وفزع نمروذ إلى المجاز وموه على‬
‫قومفه؛ فسفلم له إبراهيفم تسفليم الجدل وانتقفل معفه مفن المثال وجاءه بأمفر ل مجاز فيفه "فبهفت الذي‬
‫كفر" أي انقطعت حجته ولم يمكنه أن يقول أنا التي بها من المشرق؛ لن ذوي اللباب يكذبونه‪.‬‬
‫@هذه الية تدل على جواز تسمية الكافر ملكا إذا آتاه الملك والعز والرفعة في الدنيا‪ ،‬وتدل على‬
‫إثبات المناظرة والمجادلة وإقامففة الحجففة‪ .‬وفففي القرآن والسففنة مففن هذا كثيففر لمففن تأمله‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى‪" :‬قفل هاتوا برهانكفم إن كنتفم صفادقين" [البقرة‪" .]111 :‬إن عندكفم مفن سفلطان" [يونفس‪:‬‬
‫‪ ]68‬أي من حجة‪ .‬وقد وصف خصومة إبراهيم عليه السلم قومه ورده عليهم في عبادة الوثان‬
‫كمفا ففي سفورة [النفبياء] وغيرهفا‪ .‬وقال ففي قصفة نوح عليفه السفلم‪" :‬قالوا يفا نوح قفد جادلتنفا‬
‫فأكثرت جدالنفا" [هود‪ ]32 :‬اليات إلى قوله‪" :‬وأنفا بريفء ممفا تجرمون" [هود‪ .]35 :‬وكذلك‬
‫مجادلة موسففى مففع فرعون إلى غيففر ذلك مففن الي‪ .‬فهففو كله تعليففم مففن ال عففز وجففل السففؤال‬
‫والجواب والمجادلة ففي الديفن؛ لنفه ل يظهفر الفرق بيفن الحفق والباطفل إل بظهور حجفة الحفق‬
‫ودحفض حجفة الباطفل‪ .‬وجادل رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أهفل الكتاب وباهلهفم بعفد الحجفة‪،‬‬
‫على مففا يأتففي بيانففه فففي "آل عمران"‪ .‬وتحاج آدم وموسففى فغلبففه آدم بالحجففة‪ .‬وتجادل أصففحاب‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يوم السفقيفة وتدافعوا وتقرروا وتناظروا حتفى صفدر الحفق ففي‬
‫أهله‪ ،‬وتناظروا بعفد مبايعفة أبفي بكفر ففي أهفل الردة‪ ،‬إلى غيفر ذلك ممفا يكثفر إيراده‪ .‬وففي قول ال‬
‫عفز وجفل‪" :‬فلم تحاجون فيمفا ليفس لكفم بفه علم" [آل عمران‪ ]66 :‬دليفل على أن الحتجاج بالعلم‬
‫مباح شائع لمفن تدبر‪ .‬قال المزنفي صفاحب الشافعفي‪ :‬ومفن حفق المناظرة أن يراد بهفا ال عفز وجفل‬
‫وأن يقبففل منهففا مففا تفبين‪ .‬وقالوا‪ :‬ل تصففح المناظرة ويظهفر الحففق بيفن المتناظريفن حتففى يكونوا‬
‫متقاربيففن أو مسففتويين فففي مرتبففة واحدة مففن الديففن والعقففل والفهففم والنصففاف‪ ،‬وإل فهففو مراء‬
‫ومكابرة‪.‬‬
‫قراءات ‪ -‬قرأ علي بففن أبففي طالب "ألم تففر" بجزم الراء‪ ،‬والجمهور بتحريكهففا‪ ،‬وحذفففت الياء‬
‫للجزم‪" .‬أن آتاه ال الملك" فففي موضففع نصففب‪ ،‬أي لن آتاه ال‪ ،‬أو مففن أجففل أن آتاه ال‪ .‬وقرأ‬
‫جمهور القراء "أن أحيفي" بطرح اللف التفي بعفد النون مفن "أنفا" ففي الوصفل‪ ،‬وأثبتهفا ناففع وابفن‬
‫أبي أويس‪ ،‬إذا لقيتها همزة في كل القرآن إل في قوله تعالى‪" :‬إن أنا إل نذير" [العراف‪]188 :‬‬
‫فإنفه يطرحهفا ففي هذا الموضفع مثفل سفائر القراء لقلة ذلك‪ ،‬فإنفه لم يقفع منفه ففي القرآن إل ثلثفة‬
‫مواضع أجراهفا مجرى مفا ليفس بعده همزة لقلته فحذف اللف ففي الوصل‪ .‬قال النحويون‪ :‬ضميفر‬
‫المتكلم السفم فيه الهمزة والنون‪ ،‬فإذا قلت‪ :‬أنا أو أنه فاللف والهاء لبيان الحركة ففي الوقفف‪ ،‬فإذا‬
‫اتصفلت الكلمفة بشيفء سفقطتا؛ لن الشيفء الذي تتصفل بفه الكلمفة يقوم مقام اللف‪ ،‬فل يقال‪ :‬أنفا‬
‫فعلت بإثبات اللف إل شاذاً في الشعر كما قال الشاعر‪:‬‬
‫حميدًا قد تذريت السناما‬ ‫أنا سيف العشيرة فاعرفوني‬
‫قال النحاس‪ :‬على أن نافعاً قد أثبت اللف فقرأ "أنا أحيي وأميت" ول وجه له‪ .‬قال مكي‪ :‬واللف‬
‫زائدة عند البصريين‪ ،‬والسم المضمر عندهم الهمزة والنون وزيدت اللف للتقوية‪ .‬وقيل‪ :‬زيدت‬
‫للوقفف لتظهفر حركفة النون‪ .‬والسفم عنفد الكوفييفن "أنا" بكماله؛ فنافع في إثبات اللف على قولهم‬
‫على الصفل‪ ،‬وإنمفا حذف اللف مفن حذفهفا تخفيفاً؛ ولن الفتحفة تدل عليهفا‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وأمفا‬
‫قولهم "أنا" فهو اسم مكنى وهو للمتكلم وحده‪ ،‬وإنما بني على الفتح فرقا بينه وبين "أن" التي هي‬
‫حرف ناصففب للفعففل‪ ،‬واللف الخيرة إنمففا هففي لبيان الحركففة فففي الوقففف‪ ،‬فإن توسففطت الكلم‬
‫سقطت إل في لغة رديئة؛ كما قال‪:‬‬
‫حميدًا قد تذريت السناما‬ ‫أنا سيف العشيرة فاعرفوني‬
‫و َبهُت الرجل و َبهِت وبُهت إذا انقطع وسكت متحيراً؛ عن النحاس وغيره‪ .‬وقال الطبري‪ :‬وحكي‬
‫عفن بعفض العرب ففي هذا المعنفى "بَهَت" بفتفح الباء والهاء‪ .‬قال ابفن جنفي قرأ أبفو حيوة‪" :‬فبهفت‬
‫الذي كفففر" بفتففح الباء وضففم الهاء‪ ،‬وهففي لغففة فففي "بهففت" بكسففر الهاء‪ .‬قال‪ :‬وقرأ ابففن السففميقع‬
‫"فبهت" بفتح الباء والهاء على معنى فبهت إبراهيم الذي كفر؛ فالذي في موضع نصب‪ .‬قال‪ :‬وقد‬
‫يجوز أن يكون َبهَت بفتحهفا لغفة ففي َبهُت‪ .‬قال‪ :‬وحكفى أبفو الحسفن الخففش قراءة "فبهفت" بكسفر‬
‫الهاء كغرق ودهش‪ .‬قال‪ :‬والكثرون بالضم في الهاء‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وقد تأول قوم في قراءة من‬
‫قرأ "فبهت" بفتحها أنه بمعنى سب وقذف‪ ،‬وأن نمروذ هو الذي سب حين انقطع ولم تكن له حيلة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 259 :‬أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه ال بعد‬
‫موتها فأماته ال مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام‬
‫فانظفر إلى طعامفك وشرابفك لم يتسفنه وانظفر إلى حمارك ولنجعلك آيفة للناس وانظفر إلى العظام‬
‫كيف ننشزها ثم نكسوها لحما فلما تبين له قال أعلم أن ال على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو كالذي مفر على قريفة وهفي خاويفة على عروشهفا" "أو" للعطفف حمل على‬
‫المعنى والتقدير عند الكسائي والفراء‪ :‬هل رأيت كالذي حاج إبراهيم في ربه‪ ،‬أو كالذي مر على‬
‫قريفة‪ .‬وقال المفبرد‪ :‬المعنفى ألم تفر إلى الذي حاج إبراهيفم ففي ربفه‪ ،‬ألم تفر مفن هفو كالذي مفر على‬
‫قرية‪ .‬فأضمر في الكلم من هو‪ .‬وقرأ أبو سفيان بن حسين "أو كالذي مر" بفتح الواو‪ ،‬وهي واو‬
‫العطفف دخفل عليهفا ألف السفتفهام الذي معناه التقريفر‪ .‬وسفميت القريفة قريفة لجتماع الناس فيهفا؛‬
‫مفن قولهفم‪ :‬قريفت الماء أي جمعتفه‪ ،‬وقفد تقدم‪ .‬قال سفليمان بفن بريدة وناجيفة بفن كعفب وقتادة وابفن‬
‫عباس والربيع وعكرمة والضحاك‪ :‬الذي مر على القرية هو عزير‪ .‬وقال وهب بن منبه وعبدال‬
‫بن عبيد بن عمير وعبدال بن بكر بن مضر‪ :‬هو إرمياء وكان نبياً‪ .‬وقال ابن إسحاق‪ :‬إرمياء هو‬
‫الخضر‪ ،‬وحكاه النقاش عن وهب بن منبه‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا كما تراه‪ ،‬إل أن يكون اسما وافق‬
‫اسفما؛ لن الخضفر معاصفر لموسفى‪ ،‬وهذا الذي مفر على القريفة هفو بعده بزمان مفن سفبط هارون‬
‫فيما رواه وهب بن منبه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬إن كان الخضففر هففو إرمياء فل يبعففد أن يكون هففو؛ لن الخضففر لم يزل حيففا مففن وقففت‬
‫موسفى حتفى الن على الصفحيح ففي ذلك‪ ،‬على مفا يأتفي بيانفه ففي سفورة "الكهفف"‪ .‬وإن كان مات‬
‫قبفل هذه القصفة فقول ابفن عطيفة صفحيح‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وحكفى النحاس ومكفي عفن مجاهفد أنفه رجفل‬
‫من بني إسرائيل غير مسمى‪ .‬قال النقاش‪ :‬ويقال هو غلم لوط عليه السلم‪ .‬وحكى السهيلي عن‬
‫القتفبي هو شعيفا في أحد قوليه‪ .‬والذي أحياهفا بعفد خرابها كوشك الفارسفي‪ .‬والقريفة المذكورة هي‬
‫بيت المقدس في قول وهب بن منبه وقتادة والربيع بن أنس وغيرهم‪ .‬قال‪ :‬وكان مقبل من مصر‬
‫وطعامفه وشرابفه المذكور تيفن أخضفر وعنفب وركوة مفن خمفر‪ .‬وقيفل مفن عصفير‪ .‬وقيفل‪ :‬قلة ماء‬
‫هففي شرابففه‪ .‬والذي أخلى بيففت المقدس حينئذ بختنصففر وكان واليففا على العراق للهراسففب ثففم‬
‫ليسفتاسب بفن لهراسفب والد اسفبندياد‪ .‬وحكفى النقاش أن قومفا قالوا‪ :‬هفي المؤتفكفة‪ .‬وقال ابفن عباس‬
‫ففي روايفة أبفي صفالح‪ :‬إن بختنصفر غزا بنفي إسفرائيل فسفبى منهفم أناسفا كثيرة فجاء بهفم وفيهفم‬
‫عزيفر بفن شرخيفا وكان مفن علماء بنفي إسفرائيل فجاء بهفم إلى بابفل‪ ،‬فخرج ذات يوم ففي حاجفة له‬
‫إلى دير هزقل على شاطئ الدجلة‪ .‬فنزل تحت ظل شجرة وهو على حمار له‪ ،‬فربط الحمار تحت‬
‫ظل الشجرة ثم طاف بالقرية فلم ير بها ساكنا وهي خاوية على عروشها فقال‪ :‬أنى يحيي هذه ال‬
‫بعفد موتهفا‪ .‬وقيفل‪ :‬إنهفا القريفة التفي خرج منهفا اللوف حذر الموت؛ قاله ابفن زيفد‪ .‬وعفن ابفن زيفد‬
‫أيضفا أن القوم الذيفن خرجوا مفن ديارهفم وهفم ألوف حذر الموت فقال لهفم ال موتوا‪ ،‬مفر رجفل‬
‫عليهم وهم عظام نخرة تلوح فوقف ينظر فقال‪ :‬أنى يحيفي هذه ال بعد موتها فأماته ال مائة عام‪.‬‬
‫قال‪ :‬ابن عطية‪ :‬وهذا القول من ابن زيد مناقض للفاظ الية‪ ،‬إذ الية إنما تضمنت قرية خاوية ل‬
‫أنيفس فيهفا‪ ،‬والشارة بفف "ففهذه" إنمفا هفي إلى القريفة‪ .‬وإحياؤهفا إنمفا هفو بالعمارة ووجود البناء‬
‫والسكان‪ .‬وقال وهب بن منبه وقتادة والضحاك والربيع وعكرمة‪ :‬القرية بيت المقدس لما خربها‬
‫بختنصفر البابلي‪ .‬وففي الحديفث الطويفل حيفن أحدثفت بنفو إسفرائيل الحداث وقفف إرمياء أو عزيفر‬
‫على القرية وهي كالتل العظيم وسط بيت المقدس‪ ،‬لن بختنصر أمر جنده بنقل التراب إليه حتى‬
‫جعله كالجبفل‪ ،‬ورأى إرمياء البيوت قفد سفقطت حيطانهفا على سفقفها فقال‪ :‬أنفى يحيفي هذه ال بعفد‬
‫موتها‪.‬‬
‫والعريفش‪ :‬سفقف البيفت‪ .‬وكفل مفا يتهيفأ ليظفل أو يكفن فهفو عريفش؛ ومنفه عريفش الداليفة؛ ومنفه‬
‫قوله تعالى‪" :‬وممففا يعرشون" [النحففل‪ .]68 :‬قال السففدي‪ :‬يقول هففي سففاقطة على سففقفها‪ ،‬أي‬
‫سفقطت السفقف ثفم سفقطت الحيطان عليهفا؛ واختاره الطفبري‪ .‬وقال غيفر السفدي‪ :‬معناه خاويفة مفن‬
‫خ ِويَت فْ‬
‫الناس والبيوت قائمففة؛ وخاويففة معناهففا خاليففة؛ وأصففل الخواء الخلو؛ يقال‪ :‬خَوَت الدار و َ‬
‫تخوى خواء (ممدود) وخُوِياً‪ :‬أقْوَتفْ‪ ،‬وكذلك إذا سففقطت؛ ومنففه قوله تعالى‪" :‬فتلك بيوتهففم خاويففة‬
‫بمفا ظلموا" [النمفل‪ ]52 :‬أي خاليفة‪ ،‬ويقال سفاقطة؛ كمفا يقال‪" :‬فهفي خاويفة على عروشهفا" أي‬
‫ساقطة على سقفها‪ .‬والخَواء الجوع لخلو البطن من الغذاء‪ .‬وخوت المرأة وخويت أيضا خوًى أي‬
‫خل جوفها عند الولدة‪ .‬وخويت لها تخوية إذا عملت لها خوية تأكلها وهي طعام‪ .‬والخوي البطن‬
‫السففهل مففن الرض على فعيففل‪ .‬وخوى البعيففر إذا جافففى بطنففه عففن الرض فففي بروكففه‪ ،‬وكذلك‬
‫الرجل في سجوده‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال أنى يحيي هذه ال بعد موتها" معناه من أي طريق وبأي سبب‪ ،‬وظاهر اللفظ‬
‫السفؤال عفن إحياء القريفة بعمارة وسفكان‪ ،‬كمفا يقال الن ففي المدن الخربفة التفي يبعفد أن تعمفر‬
‫وتسكن‪ :‬أنى تعمر هذه بعد خرابها‪ .‬فكأن هذا تلهف من الواقف المعتبر على مدينته التي عهد فيها‬
‫أهله وأحبتفه‪ .‬وضرب له المثل ففي نفسه بما هو أعظفم مما سأل عنه‪ ،‬والمثال الذي ضرب له ففي‬
‫نفسفه يحتمفل أن يكون على أن سفؤاله إنمفا كان على إحياء الموتفى مفن بنفي آدم‪ ،‬أي أنفى يحيفي ال‬
‫موتاهففا‪ .‬وقففد حكففى الطففبري عففن بعضهففم أنففه قال‪ :‬كان هذا القول شكففا فففي قدرة ال تعالى على‬
‫الحياء؛ فلذلك ضرب له المثل في نفسه‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وليس يدخل شك في قدرة ال تعالى على‬
‫إحياء قريفة بجلب العمارة إليهفا وإنمفا يتصفور الشفك مفن جاهفل ففي الوجفه الخفر‪ ،‬والصفواب أل‬
‫يتأول في الية شك‪.‬‬
‫عوّم‬‫@قوله تعالى‪" :‬فأماته ال مائة عام" "مائة" نصب على الظرف‪ .‬والعام‪ :‬السنة؛ يقال‪ :‬سِنون ُ‬
‫وهو تأكيد للول؛ كما يقال‪ :‬بينهم شغل شاغل‪ .‬وقال العجاج‪:‬‬
‫من مر أعوام السنين العُوّم‬
‫وهو في التقدير جمع عائم‪ ،‬إل أنه ل يفرد بالذكر؛ لنه ليس باسم وإنما هو توكيد‪ ،‬قال الجوهري‪.‬‬
‫وقال النقاش‪ :‬العام مصفدر كالعَوْم؛ سفمي بفه هذا القدر مفن الزمان لنهفا عومفة مفن الشمفس ففي‬
‫الفلك‪ .‬والعوم كالسّفبْح؛ وقال ال تعالى‪" :‬كفل ففي فلك يسفبحون" [النفبياء‪ .]33 :‬قال ابفن عطيفة‪:‬‬
‫هذا بمعنففى قول النقاش‪ ،‬والعام على هذا كالقول والقال‪ ،‬وظاهففر هذه الماتففة أنهففا بإخراج الروح‬
‫من الجسد‪ .‬وروي في قصص هذه الية أن ال تعالى بعث لها ملكا من الملوك يعمرها ويجد في‬
‫ذلك حتى كان كمال عمارتها عند بعث القائل‪ .‬وقد قيل‪ :‬إنه لما مضى لموته سبعون سنة أرسل ال‬
‫ملكا من ملوك فارس عظيما يقال له "كوشك" فعمرها في ثلثين سنة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ثم بعثه" معناه أحياه‪ ،‬وقد تقدم الكلم فيه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال كم لبثت" اختلف في القائل له "كم لبثت"؛ فقيل ال جل وعز؛ ولم يقل له إن‬
‫كنفت صفادقا كمفا قال للملئكفة على مفا تقدم‪ .‬وقيفل‪ :‬سفمع هاتففا مفن السفماء يقول له ذلك‪ .‬وقيفل‪:‬‬
‫خاطبفه جبريفل‪ .‬وقيفل‪ :‬نفبي‪ .‬وقيفل‪ :‬رجفل مؤمفن ممفن شاهده مفن قومفه عنفد موتفه وعمفر إلى حيفن‬
‫إحيائه فقال له‪ :‬كم لبثت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والظهفر أن القائل هفو ال تعالى؛ لقوله‪" :‬وانظفر إلى العظام كيفف ننشزهفا ثفم نكسفوها‬
‫لحمفا" وال أعلم‪ .‬وقرأ أهفل الكوففة "كفم لبثفت" بإدغام الثاء ففي التاء لقربهفا منهفا ففي المخرج‪ .‬فإن‬
‫مخرجهمفا من طرف اللسفان وأصفول الثنايفا وففي أنهمفا مهموسفتان‪ .‬قال النحاس‪ :‬والظهار أحسفن‬
‫لتبايففن مخرج الثاء مففن مخرج التاء‪ .‬ويقال‪ :‬كان هذا السففؤال بواسففطة الملك على جهففة التقريففر‪.‬‬
‫و"كم" في موضع نصب على الظرف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال لبثت يوما أو بعض يوم" إنما قال هذا على ما عنده وفي ظنه‪ ،‬وعلى هذا ل‬
‫يكون كاذبفا فيمفا أخفبر بفه؛ ومثله قول أصفحاب الكهفف "قالوا لبثنفا يومفا أو بعفض يوم" [الكهفف‪:‬‬
‫‪ ]19‬وإنما لبثوا ثلثمائة سنة وتسع سنين ‪ -‬على ما يأتي ‪ -‬ولم يكونوا كاذبين لنهم أخبروا عما‬
‫عندهم‪ ،‬كأنهم قالوا‪ :‬الذي عندنا وفي ظنوننا أننا لبثنا يوما أو بعض يوم‪ .‬ونظيره قول النبي صلى‬
‫ال عليفه وسفلم ففي قصفة ذي اليديفن‪( :‬لم أقصفر ولم أنْس)‪ .‬ومفن الناس مفن يقول‪ :‬إنفه كذب على‬
‫معنى وجود حقيقة الكذب فيه ولكنه ل مؤاخذة به‪ ،‬وإل فالكذب الخبار عن الشيء على خلف ما‬
‫هو عليه وذلك ل يختلف بالعلم والجهل‪ ،‬وهذا بين في نظر الصول‪ .‬فعلى هذا يجوز أن يقال‪ :‬إن‬
‫النبياء ل يعصمون عن الخبار عن الشيء على خلف ما هو عليه إذا لم يكن عن قصد‪ ،‬كما ل‬
‫يعصفمون عفن السفهو والنسفيان‪ .‬فهذا مفا يتعلق بهذه اليفة‪ ،‬والقول الول أصفح‪ .‬قال ابفن جريفج‬
‫وقتادة والربيع‪ :‬أماته ال غدوة يوم ثم بعث قبل الغروب فظن هذا اليوم واحداً فقال‪ :‬لبثت يوما‪ ،‬ثم‬
‫رأى بقيفة مفن الشمفس فخشفى أن يكون كاذبفا فقال‪ :‬أو بعفض يوم‪ .‬فقيفل‪ :‬بفل لبثفت مائة عام؛ ورأى‬
‫من عمارة القرية وأشجارها ومبانيها ما دله على ذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فانظفر إلى طعامفك" وهفو التيفن الذي جمعفه مفن أشجار القريفة التفي مفر عليهفا‪.‬‬
‫"وشرابك لم يتسنه" قرأ ابن مسعود "وهذا طعامك وشرابك لم يتسنه"‪ .‬وقرأ طلحة بن مصرف‬
‫غيره "وانظفر لطعامفك وشرابفك لمائة سفنة"‪ .‬وقرأ الجمهور بإثبات الهاء ففي الوصفل إل الخوان‬
‫فإنهمففا يحذفانهففا‪ ،‬ول خلف أن الوقففف عليهففا بالهاء‪ .‬وقرأ طلحففة بففن مصففرف أيضففا "لم يسففن"‬
‫"وانظر" أدغم التاء في السين؛ فعلى قراءة الجمهور الهاء أصلية‪ ،‬وحذفت الضمة للجزم‪ ،‬ويكون‬
‫"يتسنه" من السنة أي لم تغيره السنون‪ .‬قال الجوهري‪ :‬ويقال سنون‪ ،‬والسنة واحدة السنين‪ ،‬وفي‬
‫نقصفانها قولن‪ :‬أحدهمفا الواو‪ ،‬والخفر الهاء‪ .‬وأصفلها سَفنْهة مثفل الجبهفة؛ لنفه مفن سفنهت النخلة‬
‫وتسنهت إذا أتت عليها السنون‪ .‬ونخلة سناء أي تحمل سنة ول تحمل أخرى؛ وسنهاء أيضا‪ ،‬قال‬
‫بعض النصار‪:‬‬
‫ولكن عرايا في السنين الجوائح‬ ‫فليست بسنهاء ول رجبية‬
‫وأسفنهت عنفد بنفي فلن أقمفت عندهفم‪ ،‬وتسفنيت أيضفا‪ .‬واسفتأجرته مسفاناة ومسفانهة أيضفا‪ .‬وففي‬
‫سنّية وحذفت‬ ‫التصغير سنية وسنيهة‪ .‬قال النحاس‪ :‬من قرأ "لم يتسن" و"انظر" قال في التصغير‪ُ :‬‬
‫اللف للجزم‪ ،‬ويقففففف على الهاء فيقول‪" :‬لم يتسففففنه" تكون الهاء لبيان الحركففففة‪ .‬قال المهدوي‪:‬‬
‫ويجوز أن يكون أصله من سا َن ْيتُه مساناة‪ ،‬أي عاملته سنة بعد سنة‪ ،‬أو من سانهت بالهاء؛ فإن كان‬
‫مفن سانيت فأصفله يتسفنى فسقطت اللف للجزم؛ وأصله من الواو بدليفل قولهفم سفنوات والهاء فيفه‬
‫للسفكت‪ ،‬وإن كان مفن سفانهت فالهاء لم الفعفل؛ وأصفل سفنة على هذا سفنهة‪ .‬وعلى القول الول‬
‫ن الماء إذا تغيففر‪ ،‬وكان يجففب أن يكون على هذا يتأسففن‪ .‬أبففو عمرو‬ ‫س َفنَوَة‪ .‬وقيففل‪ :‬هففو مففن أس فِ َ‬
‫الشيباني‪ :‬هو من قوله "حمأ مسنون" [الحجر‪ ]26 :‬فالمعنى لم يتغير‪ .‬الزجاج‪ ،‬ليس كذلك؛ لن‬
‫قوله "مسفنون" ليفس معناه متغيفر وإنمفا معناه مصفبوب على سفنة الرض‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وأصفله‬
‫على قول الشيباني "يتسنن" فأبدلت إحدى النونين ياء كراهة التضعيف فصار يتسنى‪ ،‬ثم سقطت‬
‫اللف للجزم ودخلت الهاء للسفكت‪ .‬وقال مجاهفد‪" :‬لم يتسفنه" لم ينتفن‪ .‬قال النحاس‪ :‬أصفح مفا قيفل‬
‫فيفه أنفه مفن السفنة‪ ،‬أي لم تغيره السفنون‪ .‬ويحتمفل أن يكون مفن السفنة وهفي الجدب؛ ومنفه قوله‬
‫تعالى‪" :‬ولقففد أخذنففا آل فرعون بالسففنين" [العراف‪ ]130 :‬وقوله عليففه السففلم (اللهففم اجعلهففا‬
‫عليهفم سفنين كسفني يوسفف)‪ .‬يقال منفه‪ :‬أسفنت القوم أي أجدبوا؛ فيكون المعنفى لم يغيفر طعامفك‬
‫القحوط والجدوب‪ ،‬أو لم تغيره السنون والعوام‪ ،‬أي هو باق على طراوته وغضارته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وانظفر إلى حمارك" قال وهفب بفن منبفه وغيره‪ :‬وانظفر إلى اتصفال عظامفه‬
‫وإحيائه جزءا جزءا‪ .‬ويروى أنفه أحياه ال كذلك حتفى صفار عظامفا ملتئمفة‪ ،‬ثفم كسفاه لحمفا حتفى‬
‫كمل حمارا‪ ،‬ثم جاءه ملك فنفخ فيه الروح فقام الحمار ينهق؛ على هذا أكثر المفسرين‪ .‬وروي عن‬
‫الضحاك ووهب بن منبه أيضا أنهما قال‪ :‬بل قيل له‪ :‬وانظر إلى حمارك قائما في مربطه لم يصبه‬
‫شيء مائة عام؛ وإنما العظام التي نظر إليها عظام نفسه بعد أن أحيا ال منه عينيه ورأسه‪ ،‬وسائر‬
‫جسده ميت‪ ،‬قال‪ :‬وأعمى ال العيون عن إرمياء وحماره طول هذه المدة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولنجعلك آية للناس" قال الفراء‪ :‬إنما ادخل الواو في قوله "ولنجعلك" دللة على‬
‫أنهفا شرط لفعفل بعده‪ ،‬معناه "ولنجعلك آيفة للناس" ودللة على البعفث بعفد الموت جعلنفا ذلك‪ .‬وإن‬
‫شئت جملت الواو مقحمفة زائدة‪ .‬وقال العمفش‪ :‬موضفع كونفه آيفة هفو أنفه جاء شابفا على حاله يوم‬
‫مات‪ ،‬فوجفد البناء والحفدة شيوخفا‪ .‬عكرمفة‪ :‬وكان يوم مات ابفن أربعيفن سفنة‪ .‬وروي عفن علي‬
‫رضوان ال عليه أن عزيرا خرج من أهله وخلف امرأته حامل‪ ،‬وله خمسون سنة فأماته ال مائة‬
‫عام‪ ،‬ثفم بعثفه فرجفع إلى أهله وهفو ابفن خمسفين سفنة وله ولد مفن مائة سفنة فكان ابنفه أكفبر منفه‬
‫بخمسفين سفنة‪ .‬وروي عفن ابفن عباس قال‪ :‬لمفا أحيفا ال عزيرا ركفب حماره فأتفى محلتفه فأنكفر‬
‫الناس وأنكروه‪ ،‬فوجففد فففي منزله عجوزا عمياء كانففت أمففة لهففم‪ ،‬خرج عنهففم عزيففر وهففي بنففت‬
‫عشريفن سفنة‪ ،‬فقال لهفا‪ :‬أهذا منزل عزيفر؟ فقالت نعفم! ثفم بكفت وقالت‪ :‬فارقنفا عزيفر منفذ كذا وكذا‬
‫سفنة! قال‪ :‬فأنفا عزيفر؛ قالت‪ :‬إن عزيرا فقدناه منفذ مائة سفنة‪ .‬قال‪ :‬فال أماتنفي مائة سفنة ثفم بعثنفي‪.‬‬
‫قالت‪ :‬فعزيفر كان مسفتجاب الدعوة للمريفض وصفاحب البلء فيفيفق‪ ،‬فادع ال يرد علي بصفري؛‬
‫فدعا ال ومسح على عينيها بيده فصحت مكانها كأنها أنشطت من عقال‪ .‬قالت‪ :‬أشهد أنك عزير!‬
‫ثم انطلقت إلى مل بني إسرائيل وفيهم ابن لعزير شيخ ابن مائة وثمان وعشرين سنة‪ ،‬وبنو بنيه‬
‫شيوخ‪ ،‬فقالت‪ :‬يا قوم‪ ،‬هذا وال عزير فأقبل إليه ابنه مع الناس فقال ابنه‪ :‬كانت لبي شامة سوداء‬
‫مثل الهلل بين كتفيه؛ فنظرها فإذا هو عزير‪ .‬وقيل‪ :‬جاء وقد هلك كل من يعرف‪ ،‬فكان آية لمن‬
‫كان حيفا مفن قومفه إذ كانوا موقنيفن بحاله سفماعا‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وففي إماتتفه هذه المدة ثفم إحيائه‬
‫بعدها أعظم آية‪ ،‬وأمره كله آية غابر الدهر‪ ،‬ول يحتاج إلى تخصيص بعض ذلك دون بعض‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وانظفر إلى العظام كيفف ننشزهفا ثفم نكسفوها لحمفا" قرأ الكوفيون وابفن عامفر‬
‫بالزاي والباقون بالراء‪ ،‬وروى أبان عن عاصم "ننشرها" بفتح النون وضم الشين والراء‪ ،‬وكذلك‬
‫قرأ ابن عباس والحسن وأبو حيوة؛ فقيل‪ :‬هما لغتان ففي الحياء بمعنى؛ كما يقال رجع ورجعته‪،‬‬
‫وغاض الماء وغضتفه‪ ،‬وخسفرت الدابفة وخسفرتها؛ إل أن المعروف ففي اللغفة أنشفر ال الموتفى‬
‫فنشروا‪ ،‬أي أحياهم ال فحيوا؛ قال ال تعالى‪" :‬ثم إذا شاء أنشره" ويكون نشرها مثل نشر الثوب‪.‬‬
‫نشر الميت ينشر نشورا أي عاش بعد الموت؛ قال العشى‪:‬‬
‫يا عجبا للميت الناشر‬ ‫حتى يقول الناس مما رأوا‬
‫فكأن الموت طفي للعظام والعضاء‪ ،‬وكأن الحياء وجمفع العضاء بعضهفا إلى بعفض نشفر‪ .‬وأمفا‬
‫قراءة "ننشزها" بالزاي فمعناه نرفعها‪ .‬والنشز‪ :‬المرتفع من الرض؛ قال‪:‬‬
‫إذا ما عل نشزا حصان مجلل‬ ‫ترى الثعلب الحولي فيها كأنه‬
‫قال مكفي‪ :‬المعنفى‪ :‬انظفر إلى العظام كيفف نرففع بعضهفا على بعفض ففي التركيفب للحياء؛ لن‬
‫النشفز الرتفاع؛ ومنه المرأة النشوز‪ ،‬وهي المرتفعة عن موافقة زوجها؛ ومنه قوله تعالى‪" :‬وإذا‬
‫قيفل انشزوا فانشزوا" [المجادلة‪ ]11 :‬أي ارتفعوا وانضموا‪ .‬وأيضفا فإن القراءة بالراء بمعنفى‬
‫الحياء‪ ،‬والعظام ل تحيا على النفراد حتى ينضم بعضها إلى بعض‪ ،‬والزاي أولى بذلك المعنى‪،‬‬
‫إذ هفففو ‪ ،‬بمعنفففى النضمام دون الحياء‪ .‬فالموصفففوف بالحياء هفففو الرجفففل دون العظام على‬
‫انفرادهفا‪ ،‬ول يقال‪ :‬هذا عظفم حفي‪ ،‬وإنمفا المعنفى فانظفر إلى العظام كيفف نرفعهفا مفن أماكنهفا مفن‬
‫الرض إلى جسففم صففاحبها للحياء‪ .‬وقرأ النخعففي "ننشزهففا" بفتففح النون وضففم الشيففن والزاي؛‬
‫وروي ذلك عن ابن عباس وقتادة‪ .‬وقرأ أبي بن كعب "ننشيها" بالياء‪.‬‬
‫والكسوة‪ :‬ما وارى من الثياب‪ ،‬وشبه اللحم بها‪ .‬وقد استعاره لبيد للسلم فقال‪:‬‬
‫حتى اكتسيت من السلم سربال‬
‫وقد تقدم أول السورة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فلما تبين له قال أعلم أن ال على كل شيء قدير" بقطع اللف‪ .‬وقد روي أن ال‬
‫جل ذكره أحيا بعضه ثم أراه كيف أحيا باقي جسده‪ .‬قال قتادة‪ :‬إنه جعل ينظر كيف يوصل بعض‬
‫عظامفه إلى بعض؛ لن أول مفا خلق ال منه ورأسفه وقيل له‪ :‬انظفر‪ ،‬فقال عند ذلك‪" :‬أعلم" بقطفع‬
‫اللف‪ ،‬أي أعلم هذا‪ .‬وقال الطبري‪ :‬المعنى في قوله "فلما تبين له" أي لما اتضح له عيانا ما كان‬
‫مسففتنكرا فففي قدرة ال عنده قبففل عيانففه قال‪ :‬أعلم‪ .‬قال ابففن عطيففة‪ :‬وهذا خطففأ؛ لنففه ألزم مففا ل‬
‫يقتضيه اللفظ‪ ،‬وفسفر على القول الشاذ والحتمال الضعيفف‪ ،‬وهذا عندي ليفس بإقرار بما كان قبل‬
‫ينكره كما زعم الطبري‪ ،‬بل هو قول بعثه العتبار؛ كما يقول النسان المؤمن إذا رأى شيئا غريبا‬
‫من قدرة ال تعالى‪ :‬ل إله إل ال ونحو هذا‪ .‬وقال أبو علي‪ :‬معناه أعلم هذا الضرب من العلم الذي‬
‫لم أكن علمته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقفد ذكرنفا هذا المعنفى عفن قتادة‪ ،‬وكذلك قال مكفي رحمفه ال‪ ،‬قال مكفي‪ :‬إنفه أخفبر عفن‬
‫نفسه عندما عاين من قدرة ال تعالى في إحيائه الموتى‪ ،‬فتيقن ذلك بالمشاهدة‪ ،‬فأقرأنه يعلم أن ال‬
‫على كل شيء قدير‪ ،‬أي أعلم أنا هذا الضرب من العلم الذي لم أكن أعلمه على معاينة؛ وهذا على‬
‫قراءة مفن قرأ "أعلم" بقطفع اللف وهفم الكثفر مفن القراء‪ .‬وقرأ حمزة والكسفائي بوصفل اللف‪،‬‬
‫ويحتمل وجهين‪ :‬أحدهمفا قال له الملك‪ :‬اعلم‪ ،‬والخر هو أن ينزل نفسه منزلة المخاطب الجنبي‬
‫المنفصفل؛ فالمعنفى فلمفا تفبين له قال لنفسفه‪ :‬اعلمفي يفا نففس هذا العلم اليقيفن الذي لم تكونفي تعلميفن‬
‫معاينة؛ وأنشد أبو علي في مثل هذا المعنى‪:‬‬
‫ودع هريرة إن الركب مرتحل‬
‫ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا‬
‫قال ابن عطية‪ :‬وتأنس أبو علي في هذا الشعر بقول الشاعر‪:‬‬
‫يؤامر نفسيه كذي الهجمة البل‬ ‫تذكر من أنى ومن أين شربه‬
‫قال مكفي‪ :‬ويبعفد أن يكون ذلك أمرا مفن ال جفل ذكره له بالعلم؛ لنفه قفد أظهفر إليفه قدرتفه‪ ،‬وأراه‬
‫أمرا أيقفن صفحته وأقفر بالقدرة فل معنفى لن يأمره ال بعلم ذلك‪ ،‬بفل هفو يأمفر نفسفه بذلك وهفو‬
‫جائز حسفن‪ .‬وففي حرف عبدال مفا يدل على أنفه أمفر مفن ال تعالى له بالعلم على معنفى ألزم هذا‬
‫العلم لما عاينت وتيقنت‪ ،‬وذلك أن في حرفه‪ :‬قيل اعلم‪ .‬وأيضا فإنه موافق لما قبله من المر في‬
‫قوله "انظفر إلى طعامفك" و"انظفر إلى حمارك" و"انظفر إلى العظام "فكذلك "واعلم أن ال" وقفد‬
‫كان ابفن عباس يقرؤهفا "قيفل اعلم" ويقول أهفو خيفر أم إبراهيفم؟ إذ قيفل له‪" :‬واعلم أن ال عزيفز‬
‫حكيم"‪ .‬فهذا يبين أنه من قول ال سبحانه له لما عاين من الحياء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 260 :‬وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن‬
‫ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزء ثم ادعهن‬
‫يأتينك سعيا واعلم أن ال عزيز حكيم}‬
‫@اختلف الناس ففي هذا السفؤال هفل صفدر مفن إبراهيفم عفن شفك أم ل؟ فقال الجمهور‪ :‬لم يكفن‬
‫إبراهيففم عليففه السففلم شاكففا فففي إحياء ال الموتففى قففط وإنمففا طلب المعاينففة‪ ،‬وذلك أن النفوس‬
‫مستشرقة إلى رؤية ما أخبرت به‪ ،‬ولهذا قال عليه السلم‪( :‬ليس الخبر كالمعاينة) رواه ابن عباس‬
‫ولم يروه غيره‪ ،‬قاله أبففو عمففر‪ .‬قال الخفففش‪ :‬لم يرد رؤيففة القلب وإنمففا أراد رؤيففة العيففن‪ .‬وقال‬
‫الحسن وقتادة وسعيد بن جبير والربيع‪ :‬سأل ليزداد يقينا إلى يقينه‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وترجم الطبري‬
‫في تفسيره فقال‪ :‬وقال آخرون سأل ذلك ربه‪ ،‬لنه شك في قدرة ال تعالى‪ .‬وأدخل تحت الترجمة‬
‫عفن ابفن عباس قال‪ :‬مفا ففي القرآن آية أرجفى عندي منهفا‪ .‬وذكفر عفن عطاء بن أبفي رباح أنفه قال‪:‬‬
‫دخفل قلب إبراهيفم بعفض ما يدخل قلوب الناس فقال‪ :‬رب أرنفي كيف تحيفي الموتى‪ .‬وذكر حديث‬
‫أبفي هريرة أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬نحفن أحفق بالشفك مفن إبراهيفم) الحديفث‪ ،‬ثفم‬
‫رجح الطبري هذا القول‪.‬‬
‫قلت‪ :‬حديفث أبفي هريرة خرجفه البخاري ومسفلم عنفه أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال‪:‬‬
‫(نحفن أحفق بالشفك مفن إبراهيفم إذ قال رب أرنفي كيفف تحيفي الموتفى قال أو لم تؤمفن ؟ قال بلى‬
‫ولكفن ليطمئن قلبفي‪ ،‬ويرحفم ال لوطفا لقفد كان يأوي إلى ركفن شديفد ولو لبثفت ففي السفجن مفا لبفث‬
‫يوسفف لجبفت الداعفي)‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬ومفا ترجفم بفه الطفبري عندي مردود‪ ،‬ومفا أدخفل تحفت‬
‫الترجمفة متأول‪ ،‬فأمفا قول ابفن عباس‪( :‬هفي أرجفى آيفة) فمفن حيفث فيهفا الدلل على ال تعالى‬
‫وسؤال الحياء في الدنيا وليست مظنة ذلك‪ .‬ويجوز أن يقول‪ :‬هي أرجى آية لقوله "أو لم تؤمن"‬
‫أي أن اليمان كاف ل يحتاج معه إلى تنقير وبحث‪ .‬وأما قول عطاء‪( :‬دخل قلب إبراهيم بعض ما‬
‫يدخفل قلوب الناس) فمعناه مفن حيفث المعاينفة على مفا تقدم‪ .‬وأمفا قول النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪:‬‬
‫(نحن أحق بالشك من إبراهيم) فمعناه أنه لو كان شاكا لكنا نحن أحق به ونحن ل نشك فإبراهيم‬
‫عليفه السفلم أحرى أل يشفك‪ ،‬فالحديفث مبنفي على نففي الشفك عفن إبراهيفم‪ ،‬والذي روي فيفه عفن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬ذلك محض اليمان) إنما هو في الخواطر التي ل تثبت‪ ،‬وأما‬
‫الشفك فهفو توقفف بيفن أمريفن ل مزيفة لحدهمفا على الخفر‪ ،‬وذلك هفو المنففي عفن الخليفل عليفه‬
‫السفلم‪ .‬وإحياء الموتفى إنمفا يثبفت بالسفمع وقفد كان إبراهيفم عليفه السفلم أعلم بفه‪ ،‬يدلك على ذلك‬
‫قوله‪" :‬ربي الذي يحيي ويميت" [البقرة‪ ]258 :‬فالشك يبعد على من تثبت قدمه في اليمان فقط‬
‫فكيففف بمرتبففة النبوة والخلة‪ ،‬والنففبياء معصففومون مففن الكبائر ومففن الصففغائر التففي فيهففا رذيلة‬
‫إجماعاً‪ .‬وإذا تأملت سفؤاله عليفه السفلم وسفائر ألفاظ اليفة لم تعفط شكفا‪ ،‬وذلك أن السفتفهام بكيفف‬
‫إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر الوجود عند السائل والمسؤول‪ ،‬نحو قولك‪ :‬كيف علم‬
‫زيد؟ وكيف نسج الثوب ؟ ونحو هذا‪ .‬ومتى قلت‪ :‬كيف ثوبك ؟ وكيف زيد ؟ فإنما السؤال عن حال‬
‫من أحواله‪ .‬وقد تكون "كيف" خبرا عن شيء شأنه أن يستفهم عنه بكيف‪ ،‬نحو قولك‪ :‬كيف شئت‬
‫فكن‪ ،‬ونحو قول البخاري‪ :‬كيف كان بدء الوحي‪ .‬و"كيف" في هذه الية إنما هي استفهام عن هيئة‬
‫الحياء‪ ،‬والحياء متقرر‪ ،‬ولكفن لمفا وجدنفا بعفض المنكريفن لوجود شيفء قفد يعفبرون عفن إنكاره‬
‫بالسفتفهام عفن حالة لذلك الشيفء يعلم أنهفا ل تصفح‪ ،‬فيلزم مفن ذلك أن الشيفء ففي نفسفه ل يصفح‪،‬‬
‫مثال ذلك أن يقول مدع‪ :‬أنففا أرفففع هذا الجبففل‪ ،‬فيقول المكذب له‪ :‬أرنففي كيففف ترفعففه فهذه طريقففة‬
‫مجاز ففي العبارة‪ ،‬ومعناهفا تسفليم جدلي‪ ،‬كأنفه يقول‪ :‬افرض أنفك ترفعفه‪ ،‬فأرنفي كيفف ترفعفه فلمفا‬
‫كانت عبارة الخليل عليه السلم بهذا الشتراك المجازي‪ ،‬خلص ال له ذلك وحمله على أن بين له‬
‫الحقيقفة فقال له‪" :‬أو لم تؤمفن قال بلى" فكمفل المفر وتخلص مفن كفل شفك‪ ،‬ثفم علل عليفه السفلم‬
‫سؤاله بالطمأنينة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا مفا ذكره ابفن عطيفة وهفو بالغ‪ ،‬ول يجوز على النفبياء صفلوات ال عليهفم مثفل هذا‬
‫الشك فإنه كفر‪ ،‬والنبياء متفقون على اليمان بالبعث‪ .‬وقد أخبر ال تعالى أن أنبياءه وأولياءه ليس‬
‫للشيطان عليهفم سفبيل فقال‪" :‬إن عبادي ليفس لك عليهفم سفلطان" [الحجفر‪ ]42 :‬وقال اللعيفن‪ :‬إل‬
‫عبادك منهفم المخلصفين‪ ،‬وإذا لم يكفن له عليهفم سفلطنة فكيفف يشككهفم‪ ،‬وإنمفا سفأل أن يشاهفد كيفيفة‬
‫جمع أجزاء الموتى بعد تفريقها وإيصال العصاب والجلود بعد تمزيقها‪ ،‬فأراد أن يترقى من علم‬
‫اليقيفن إلى علم اليقيفن‪ ،‬فقوله‪" :‬أرنفي كيفف" طلب مشاهدة الكيفيفة‪ .‬وقال بعفض أهفل المعانفي‪ :‬إنمفا‬
‫أراد إبراهيفم مفن ربفه أن يريفه كيفف يحيفي القلوب‪ ،‬وهذا فاسفد مردود بمفا تعقبفه مفن البيان‪ ،‬ذكره‬
‫الماوردي‪ ،‬وليسفت اللف ففي قوله "أو لم تؤمفن" ألف اسفتفهام وإنمفا هفي ألف إيجاب وتقريفر كمفا‬
‫قال جرير‪:‬‬
‫ألستم خير من ركب المطايا‬
‫والواو واو الحال‪ .‬و"تؤمن" معناه إيمانا مطلقا‪ ،‬دخل فيه فضل إحياء الموتى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال بلى ولكن ليطمئن قلبي" أي سألتك ليطمئن قلبي بحصول الفرق بين المعلوم‬
‫برهانفا والمعلوم عيانفا‪ .‬والطمأنينفة‪ :‬اعتدال وسفكون‪ ،‬فطمأنينفة العضاء معروففة‪ ،‬كمفا قال عليفه‬
‫السفلم‪( :‬ثفم اركفع حتفى تطمئن راكعفا) الحديفث‪ .‬وطمأنينفة القلب هفي أن يسفكن فكره ففي الشيفء‬
‫المعتقد‪ .‬والفكر في صورة الحياء غير محظور‪ ،‬كما لنا نحن اليوم أن نفكر فيها إذ هي فكر فيها‬
‫عبر فأراد الخليل أن يعاين فيذهب فكره في صورة الحياء‪ .‬وقال الطبري‪ :‬معنى "ليطمئن قلبي"‬
‫ليوقفن‪ ،‬وحكفي نحفو ذلك عفن سفعيد بفن جفبير‪ ،‬وحكفي عنفه ليزداد يقينفا‪ ،‬وقاله إبراهيفم وقتادة‪ .‬وقال‬
‫بعضهم‪ :‬لزداد إيمانا مع إيماني‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬ول زيادة في هذا المعنى تمكن إل السكون عن‬
‫الفكفر وإل فاليقيفن ل يتبعفض‪ .‬وقال السفدي وابفن جفبير أيضفا‪ :‬أو لم تؤمفن بأنفك خليلي؟ قال‪ :‬بلى‬
‫ولكن ليطمئن قلبي بالخلة‪ .‬وقيل‪ :‬دعا أن يريه كيف يحيي الموتى ليعلم هل تستجاب دعوته‪ ،‬فقال‬
‫ال له‪ :‬أو لم تؤمن أني أجيب دعاءك‪ ،‬قال‪ :‬بلى ولكن ليطمئن قلبي أنك تجيب دعائي‪.‬‬
‫واختلف ففي المحرك له على ذلك‪ ،‬فقيفل‪ :‬إن ال وعده أن يتخذه خليل فأراد آيفة على ذلك‪ ،‬قاله‬
‫السفائب بفن يزيفد‪ .‬وقيفل‪ :‬قول النمروذ‪ :‬أنفا أحيفي وأميفت‪ .‬وقال الحسفن‪ :‬رأى جيففة نصففها ففي البر‬
‫توزعها السباع ونصفها في البحر توزعها دواب البحر‪ ،‬فلما رأى تفرقها أحب أن يرى انضمامها‬
‫فسأل ليطمئن قلبه برؤية كيفية الجمع كما رأى كيفية التفريق‪،‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قال فخفذ أربعفة مفن الطيفر فصفرهن إليفك ثفم اجعفل على كفل جبفل منهفن جزءا ثفم‬
‫ادعهفن يأتينفك سفعيا واعلم أن ال عزيفز حكيفم" فقيفل له‪" :‬خفذ أربعفة مفن الطيفر" قيفل‪ :‬هفي الديفك‬
‫والطاووس والحمام والغراب‪ ،‬ذكففر ذلك ابففن إسففحاق عففن بعففض أهففل العلم‪ ،‬وقاله مجاهففد وابففن‬
‫جريففج وعطاء بففن يسففار وابففن زيففد‪ .‬وقال ابففن عباس مكان الغراب الكركففي‪ ،‬وعنففه أيضففا مكان‬
‫الحمام النسر‪ .‬فأخذ هذه الطير حسب ما أمر وذكاها ثم قطعها قطعا صغارا‪ ،‬وخلط لحوم البعض‬
‫إلى لحوم البعفض مفع الدم والريفش حتفى يكون أعجفب‪ ،‬ثفم جعفل مفن ذلك المجموع المختلط جزءا‬
‫على كفل جبفل‪ ،‬ووقفف هفو مفن حيفث يرى تلك الجزاء وأمسفك رؤوس الطيفر ففي يده‪ ،‬ثفم قال‪:‬‬
‫تعاليفن بإذن ال‪ ،‬فتطايرت تلك الجزاء وطار الدم إلى الدم والريفش إلى الريفش حتفى التأمفت مثفل‬
‫مفا كانفت أول وبقيفت بل رؤوس‪ ،‬ثفم كرر النداء فجاءتفه سفعيا‪ ،‬أي عدوا على أرجلهفن‪ .‬ول يقال‬
‫للطائر‪" :‬سففعى" إذا طار إل على التمثيففل‪ ،‬قاله النحاس‪ .‬وكان إبراهيففم إذا أشار إلى واحففد منهففا‬
‫بغير رأسه تباعد الطائر‪ ،‬وإذا أشار إليه برأسه قرب حتى لقي كل طائر رأسه‪ ،‬وطارت بإذن ال‪.‬‬
‫وقال الزجاج‪ :‬المعنى ثم اجعل على كل جبل من كل واحد جزءا‪ .‬وقرأ أبو بكر عن عاصم وأبو‬
‫جعففر "جزءا" على فعفل‪ .‬وعفن أبفي جعففر أيضفا "جزا" مشددة الزاي‪ .‬الباقون مهموز مخففف‪،‬‬
‫وهفي لغات‪ ،‬ومعناه النصفيب‪" .‬يأتينفك سفعيا" نصفب على الحال‪ .‬و"صفرهن" معناه قطعهفن‪ ،‬قاله‬
‫ابفن عباس ومجاهفد وأبفو عفبيدة وابفن النباري‪ ،‬يقال‪ :‬صفار الشيفء يصفوره أي قطعفه‪ ،‬وقاله ابفن‬
‫إسحاق‪ .‬وعن أبي السود الدؤلي‪ :‬هو بالسريانية التقطيع‪ ،‬قاله توبة بن الحمير يصفه‪:‬‬
‫بأطراف عيدان شديد سيورها‬ ‫فلما جذبت الحبل أطت نسوعه‬
‫بنهضي وقد كاد ارتقائي يصورها‬ ‫فأدنت لي السباب حتى بلغتها‬
‫أي يقطعهفا‪ .‬والصفور‪ :‬القطفع‪ .‬وقال الضحاك وعكرمفة وابفن عباس ففي بعفض مفا روي عنفه‪ :‬إنهفا‬
‫لفظة بالنبطية معناه قطعهن‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى أملهن إليك‪ ،‬أي اضممهن واجمعهن إليك‪ ،‬يقال‪ :‬رجل‬
‫أص فْور إذا كان مائل العنففق‪ .‬وتقول‪ :‬إنففي إليكففم لصففور‪ ،‬يعنففي مشتاقففا مائل‪ .‬وامرأة صففوراء‪،‬‬
‫والجمع صور مثل أسود وسود‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫يوم الفراق إلى جيراننا صور‬ ‫ال يعلم أنا في تلفتنا‬
‫فقوله "إليففك" على تأويففل التقطيففع متعلق بف ف "خففذ" ول حاجففة إلى مضمففر‪ ،‬وعلى تأويففل المالة‬
‫والضفم متعلق بفف "صفرهن" وففي الكلم متروك‪ :‬فأملهفن إليفك ثفم قطعهفن‪ .‬وفيهفا خمفس قراءات‪:‬‬
‫اثنتان في السبع وهما ضم الصاد وكسرها وتخفيف الراء‪ .‬وقرأ قوم "فصرهن" بضم الصاد وشد‬
‫الراء المفتوحة‪ ،‬كأنه يقول فشدهن‪ ،‬ومنه صفرة الدنانيفر‪ .‬وقرأ قوم "فصرهن" بكسفر الصاد وشد‬
‫الراء المفتوحفة‪ ،‬ومعناه صفيحهن‪ ،‬مفن قولك‪ :‬صفر الباب والقلم إذا صفوت‪ ،‬حكاه النقاش‪ .‬قال ابفن‬
‫جني‪ :‬هي قراءة غريبة‪ ،‬وذلك أن يفعل بكسر العين في المضاعف المتعدي قليل‪ ،‬وإنما بابه يفعل‬
‫بضفم العيفن‪ ،‬كشفد يشفد ونحوه‪ ،‬ولكفن قفد جاء منفه نفم الحديفث َينُمفه و َينِمفه‪ ،‬وهفر الحرب َيهُرهفا‬
‫ويهِرها‪ ،‬ومنه بيت العشى‪:‬‬
‫ليعتورنك القول حتى تهره‬
‫إلى غيفر ذلك ففي حروف قليلة‪ .‬قال ابفن جنفي‪ :‬وأمفا قراءة عكرمفة بضفم الصفاد فيحتمفل ففي الراء‬
‫الضم والفتح والكسر كمد وشد والوجه ضم الراء من أجل ضمة الهاء من بعد‪.‬‬
‫القراءة الخامسففة "صففرهن" بفتففح الصففاد وشففد الراء مكسففورة‪ ،‬حكاهففا المهدوي وغيره عففن‬
‫عكرمففة‪ ،‬بمعنففى فاحبسففهن‪ ،‬مففن قولهففم‪ :‬صففرى يصففري إذا حبففس‪ ،‬ومنففه الشاة المصففراة‪ .‬وهنففا‬
‫اعتراض ذكره الماوردي وهفو يقال‪ :‬فكيفف أجيفب إبراهيفم إلى آيات الخرة دون موسفى ففي قوله‬
‫"رب أرني أنظر إليك" [العراف‪ ]143 :‬؟ فعنه جوابان‪ :‬أحدهما أن ما سأله موسى ل يصح‬
‫مفع بقاء التكليفف‪ ،‬ومفا سفأله إبراهيفم خاص يصفح معفه بقاء التكليفف‪ .‬الثانفي أن الحوال تختلف‬
‫فيكون الصفلح ففي بعفض الوقات الجابفة‪ ،‬وففي وقفت آخفر المنفع فيمفا لم يتقدم فيفه إذن‪ .‬وقال ابفن‬
‫عباس‪ :‬أمر ال تعالى إبراهيم بهذا قبل أن يولد له وقبل أن ينزل عليه الصحف‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 261 :‬مثفل الذيفن ينفقون أموالهفم ففي سفبيل ال كمثفل حبفة أنبتفت سفبع سفنابل ففي كفل‬
‫سنبلة مائة حبة وال يضاعف لمن يشاء وال واسع عليم}‬
‫@ لمفا قفص ال سفبحانه مفا فيفه مفن البراهيفن‪ ،‬حفث على الجهاد‪ ،‬وأعلم أن مفن جاهفد بعفد هذا‬
‫البرهان الذي ل يأتي به إل نبي فله في جهاده الثواب العظيم‪ .‬روى البستي في صحيح مسنده عن‬
‫ابفن عمفر قال‪ :‬لمفا نزلت هذه اليفة قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬رب زد أمتفي) فنزلت‬
‫"من ذا الذي يقرض ال قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة" [البقرة‪ ]245 :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم‪( :‬رب زد أمتي) فنزلت "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" [الزمر‪:‬‬
‫‪ .]10‬وهذه الية لفظها بيان مثال لشرف النفقة في سبيل ال ولحسنها‪ ،‬وضمنها التحريض على‬
‫ذلك‪ .‬وففي الكلم حذف مضاف تقديره مثفل نفقفة الذيفن ينفقون أموالهفم ففي سفبيل ال كمثفل حبفة‪.‬‬
‫وطريفق آخفر‪ :‬مثفل الذيفن ينفقون أموالهفم كمثفل زارع زرع ففي الرض حبفة فأنبتفت الحبفة سفبع‬
‫سنابل‪ ،‬يعني أخرجت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة‪ ،‬فشبه المتصدق بالزارع وشبه الصدقة‬
‫بالبذر فيعطيفه ال بكفل صفدقة له سفبعمائة حسفنة‪ ،‬ثفم قال تعالى‪" :‬وال يضاعفف لمفن يشاء" يعنفي‬
‫على سففبعمائة‪ ،‬فيكون مثففل المتصففدق مثففل الزارع‪ ،‬إن كان حاذقففا فففي عمله‪ ،‬ويكون البذر جيدا‬
‫وتكون الرض عامرة يكون الزرع أكثفر‪ ،‬فكذلك المتصفدق إذا كان صفالحا والمال طيبفا ويضعفه‬
‫موضعه فيصير الثواب أكثر‪ ،‬خلفا لمن قال‪ :‬ليس في الية تضعيف على سبعمائة‪ ،‬على ما نبينه‬
‫إن شاء ال‪.‬‬
‫@ روي أن هذه الية نزلت في شأن عثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف رضي ال عنهما‪،‬‬
‫وذلك أن رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم لمففا حففث الناس على الصففدقة حيففن أراد الخروج إلى‬
‫غزوة تبوك جاءه عبدالرحمفن بأربعفة آلف فقال‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬كانفت لي ثمانيفة آلف فأمسفكت‬
‫لنفسفي ولعيالي أربعفة آلف‪ ،‬وأربعفة آلف أقرضتهفا لربفي‪ .‬فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪:‬‬
‫(بارك ال لك فيما أمسكت وفيما أعطيت)‪ .‬وقال عثمان‪ :‬يا رسول ال علي جهاز من ل جهاز له‪،‬‬
‫فنزلت هذه اليفة فيهمفا‪ .‬وقيفل‪ :‬نزلت ففي نفقفة التطوع‪ .‬وقيفل‪ :‬نزلت قبفل آيفة الزكاة ثفم نسفخت بآيفة‬
‫الزكاة‪ ،‬ول حاجة إلى دعوى النسخ‪ ،‬لن النفاق في سبيل ال مندوب إليه في كل وقت‪ .‬وسبل ال‬
‫كثيرة وأعظمها الجهاد لتكون كلمة ال هي العليا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كمثفل حبفة" الحبفة اسفم جنفس لكفل مفا يزدرعفه ابفن آدم ويقتاتفه وأشهفر ذلك البر‬
‫فكثيرا ما يراد بالحب‪ ،‬ومنه قول المتلمس‪:‬‬
‫والحب يأكله في القرية السوس‬ ‫آليت حب العراق الدهر أطعمه‬
‫وحبة القالب‪ :‬سويداؤه‪ ،‬ويقال ثمرته وهو ذاك‪ .‬والحبة بكسر الحاء‪ :‬بذور البقول مما ليس بقوت‪،‬‬
‫وفي حديث الشفاعة‪( :‬فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل) والجمع حبب‪ .‬والحبة بضم الحاء‬
‫الحفب يقال‪ :‬نعفم وحبفة وكرامفة‪ .‬والحفب المحبفة وكذلك الحفب بالكسفر‪ .‬والحفب أيضفا الحفبيب مثفل‬
‫خدن وخديففن وسففنبلة فنعلة مففن أسففبل الزرع إذا صففار فيففه السففنبل‪ ،‬أي اسففترسل بالسففنبل كمففا‬
‫يسترسل الستر بالسبال‪ .‬وقيل‪ :‬معناه صار فيه حب مستور كما يستر الشيء بإسبال الستر عليه‪.‬‬
‫والجمع سنابل‪ .‬ثم قيل‪ :‬المراد سنبل الدخن فهو الذي يكون في السنبلة منه هذا العدد‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا ليفس بشيفء فإن سفنبل الدخفن يجيفء ففي السفنبلة منفه أكثفر مفن هذا العدد بضعفيفن‬
‫وأكثر‪ ،‬على ما شاهدناه‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة‪ ،‬فأما في سائر‬
‫الحبوب فأكثفر ولكفن المثال وقفع بهذا القدر‪ .‬وقال الطفبري ففي هذه اليفة‪ :‬إن قوله "ففي كفل سفنبلة‬
‫مائة حبة" معناه إن وجد ذلك‪ ،‬وإل فعلى أن يفرضه‪ ،‬ثم نقل عن الضحاك أنه قال‪" :‬في كل سنبلة‬
‫مائة حبفة" معناه كفل سفنبلة أنبتفت مائة حبفة‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬فجعفل الطفبري قول الضحاك نحفو مفا‬
‫قال‪ ،‬وذلك غيفر لزم مفن قول الضحاك‪ .‬وقال أبفو عمرو الدانفي‪ :‬وقرأ بعضهففم "مائة" بالنصفب‬
‫على تقدير أنبتت مائة حبة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقال يعقوب الحضرمي‪ :‬وقرأ بعضهفم "ففي كل سنبلة مائة حبة" على‪ :‬أنبتت مائة حبة‪،‬‬
‫وكذلك قرأ بعضهففم "وللذيففن كفروا بربهففم عذاب جهنففم" [الملك‪ ]6 :‬على "وأعتدنففا لهففم عذاب‬
‫السعير" [الملك‪ ]5 :‬وأعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم‪ .‬وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي "أنبتت‬
‫سبع سنابل" بإدغام التاء في السين‪ ،‬لنهما مهموستان‪ ،‬أل ترى أنهما يتعاقبان‪ .‬وأنشد أبو عمرو‪:‬‬
‫عمرو بن ميمون لئام النات‬ ‫يا لعن ال بني السعلة‬
‫أراد الناس فحول السين تاء‪ .‬الباقون بالظهار على الصل لنهما كلمتان‪.‬‬
‫@ ورد القرآن بأن الحسنة في جميع أعمال البر بعشر أمثالها‪ ،‬واقتضت هذه الية أن نفقة الجهاد‬
‫حسنتها بسبعمائة ضعف‪ .‬واختلف العلماء في معنى قوله "وال يضاعف لمن يشاء" فقالت طائفة‪:‬‬
‫هي مبينة مؤكدة لما تقدم من ذكر السبعمائة‪ ،‬وليس ثم تضعيف فوق السبعمائة‪ .‬وقالت طائفة من‬
‫العلماء‪ :‬بل هو إعلم بأن ال تعالى يضاعف لمن يشاء أكثر من سبعمائة ضعف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا القول أصح لحديث ابن عمر المذكور أول الية‪ .‬وروى ابن ماجة حدثنا هارون بن‬
‫عبدال الحمال حدثنا ابن أبي فديك عن الخليل بن عبدال عن الحسن عن علي بن أبي طالب وأبي‬
‫الدرداء وعبدال بفن عمرو وأبفي أمامفة الباهلي وعبدال بفن عمرو وجابر بفن عبدال وعمران بفن‬
‫حصفين كلهفم يحدث عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أنفه قال‪( :‬مفن أرسفل بنفقفة ففي سفبيل ال‬
‫وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ومن غزا بنفسه في سبيل ال وأنفق في وجهه فله بكل‬
‫درهفم سفبعمائة ألف درهفم ‪ -‬ثفم تل هذه اليفة "وال يضاعفف لمفن يشاء ال")‪ .‬وقفد روي عفن ابفن‬
‫عباس أن التضعيفف ينتهفي لمفن شاء ال إلى ألففي ألف‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وليفس هذا بثابفت السفناد‬
‫عنه‪.‬‬
‫@في هذه الية دليل على أن اتخاذ الزرع من أعلى الحرف التي يتخذها الناس والمكاسب التي‬
‫يشتغففل بهففا العمال‪ ،‬ولذلك ضرب ال بففه المثففل فقال‪" :‬مثففل الذيففن ينفقون أموالهففم" اليففة‪ .‬وفففي‬
‫صفحيح مسفلم عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬مفا مفن مسفلم يغرس غرسفا أو يزرع زرعفا فيأكفل‬
‫منه طير أو إنسان أو بهيمة إل كان له صدقة)‪ .‬وروى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت‪:‬‬
‫قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬التمسفوا الرزق ففي خبايفا الرض) يعنفي الزرع‪ ،‬أخرجفه‬
‫الترمذي‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم في النخل‪( :‬هي الراسخات في الوحل المطعمات في المحل)‪.‬‬
‫وهذا خرج مخرج المدح والزراعفة مفن فروض الكفايفة فيجفب على المام أن يجفبر الناس عليهفا‬
‫وما كان في معناها من غرس الشجار‪ .‬ولقي عبدال بن عبدالملك بن شهاب الزهري فقال‪ :‬دلني‬
‫على مال أعالجه‪ ،‬فأنشأ ابن شهاب يقول‪:‬‬
‫وقد شد أحلس المطي مشرقا‬ ‫أقول لعبدال يوم لقيته‬
‫لعلك يوما أن تجاب فترزقا‬ ‫تتبع خبايا الرض وادع مليكها‬
‫إذا ما مياه الرض غارت تدفقا‬ ‫فيؤتيك مال واسعا ذا مثابة‬
‫وحكفي عفن المعتضفد أنفه قال‪ :‬رأيفت علي بفن أبفي طالب رضفي ال عنفه ففي المنام يناولنفي مسفحاة‬
‫وقال‪ :‬خذها فإنها مفاتيح خزائن الرض‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 262 :‬الذيفن ينفقون أموالهفم ففي سفبيل ال ثفم ل يتبعون مفا أنفقوا منفا ول أذى لهفم‬
‫أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذين ينفقون أموالهم ففي سفبيل ال" قيل‪ :‬إنها نزلت ففي عثمان بن عفان رضفي‬
‫ال عنفه‪ .‬قال عبدالرحمفن بفن سفمرة‪ :‬جاء عثمان بألف دينار ففي جيفش العسفرة فصفبها ففي حجفر‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فرأيته يدخل يده فيها ويقلبها ويقول‪( :‬ما ضر ابن عفان ما عمل‬
‫بعفد اليوم اللهفم ل تنفس هذا اليوم لعثمان)‪ .‬وقال أبفو سفعيد الخدري‪ :‬رأيفت النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسلم رافعا يديه يدعو لعثمان يقول‪( :‬يا رب عثمان إني رضيت عن عثمان فارض عنه) فما زال‬
‫يدعفو حتفى طلع الفجفر فنزلت‪" :‬الذيفن ينفقون أموالهفم ففي سفبيل ال ثفم ل يتبعون مفا أنفقوا منفا ول‬
‫أذى" الية‪.‬‬
‫@ لمفا تقدم ففي اليفة التفي قبفل ذكفر النفاق ففي سفبيل ال على العموم بيفن ففي هذه اليفة أن ذلك‬
‫الحكفم والثواب إنمفا هفو لمفن ل يتبفع إنفاقفه منفا ول أذى‪ ،‬لن المفن والذى مبطلن لثواب الصفدقة‬
‫كمفا أخفبر تعالى ففي اليفة بعفد هذا‪ ،‬وإنمفا على المرء أن يريفد وجفه ال تعالى وثوابفه بإنفاقفه على‬
‫المنفق عليه‪ ،‬ول يرجو منه شيئا ول ينظر من أحواله في حال سوى أن يراعي استحقاقه‪ ،‬قال ال‬
‫تعالى‪" :‬ل نريفد منكفم جزاء ول شكورا" [النسفان‪ .]9 :‬ومتفى أنففق ليريفد مفن المنففق عليفه جزاء‬
‫بوجفه من الوجوه فهذا لم يرد وجه ال‪ ،‬فهذا إذا أخلف ظنفه فيفه منّف بإنفاقفه وآذى‪ .‬وكذلك من أنففق‬
‫مضطرا داففع غرم إمفا لمانفة للمنففق عليفه أو لقرينفة أخرى مفن اعتناء معتفن فهذا لم يرد وجفه ال‪.‬‬
‫وإنمفا يقبفل مفا كان عطاؤه ل وأكثفر قصفده ابتغاء مفا عنفد ال‪ ،‬كالذي حكفي عفن عمفر بفن الخطاب‬
‫رضي ال عنه أن أعرابيا أتاه فقال‪:‬‬
‫اكس بنياتي وأمهنه‬ ‫يا عمر الخير جزيت الجنه‬
‫أقسم بال لتفعلنه‬ ‫وكن لنا من الزمان جنة‬
‫قال عمر‪ :‬إن لم أفعل يكون ماذا ؟ قال‪:‬‬
‫إذاً أبا حفص لذهبنه‬
‫قال‪ :‬إذا ذهبت يكون ماذا؟ ‪ -‬قال‪:‬‬
‫يوم تكون العطيات هنه‬ ‫تكون عن حالي لتسألنه‬
‫إما إلى نار وإما جنه‬ ‫وموقف المسؤول بينهنه‬
‫فبكفى عمفر حتفى اخضلت لحيتفه ثفم قال‪ :‬يفا غلم‪ ،‬أعطفه قميصفي هذا لذلك اليوم ل لشعره وال ل‬
‫أملك غيره‪ .‬قال الماوردي‪ :‬وإذا كان العطاء على هذا الوجفه خاليفا مفن طلب جزاء وشكفر وعريفا‬
‫عففن امتنان ونشففر كان ذلك أشرف للباذل وأهنففأ للقابففل‪ .‬فأمففا المعطففي إذا التمففس بعطائه الجزاء‪،‬‬
‫وطلب بفه الشكفر والثناء‪ ،‬كان صفاحب سفمعة ورياء‪ ،‬وففي هذيفن مفن الذم مفا يناففي السفخاء‪ .‬وإن‬
‫طلب كان تاجرا مربحفا ل يسفتحق حمدا ول مدحفا‪ .‬وقفد قال ابفن عباس ففي قوله تعالى‪" :‬ول تمنفن‬
‫تستكثر" [المدثر‪ ]6 :‬أي ل تعط عطية تلتمس بها أفضل منها‪ .‬وذهب ابن زيد إلى أن هذه الية‬
‫إنما هي في الذين ل يخرجون في الجهاد بل ينفقون وهم قعود‪ ،‬وإن الية التي قبلها هي في الذين‬
‫يخرجون بأنفسفهم‪ ،‬قال‪ :‬ولذلك شرط على هؤلء ولم يشترط على الوليفن‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وففي‬
‫هذا القول نظر‪ ،‬لن التحكم فيه باد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منا ول أذى" المن ذكر النعمة على معنى التعديد لها والتقريع بها مثل أن يقول‪:‬‬
‫قفد أحسفنت إليفك ونعشتفك وشبهفه‪ .‬وقال بعضهفم‪ :‬المفن‪ :‬التحدث بمفا أعطفى حتفى يبلغ ذلك المعطفى‬
‫فيؤذيه‪ .‬والمن من الكبائر‪ ،‬ثبت ذلك في صحيح مسلم وغيره‪ ،‬وأنه أحد الثلثة الذين ل ينظر ال‬
‫إليهفم ول يزكيهفم ولهفم عذاب أليفم‪ ،‬وروى النسفائي عفن ابفن عمفر قال‪ :‬قال رسفول ال صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم‪( :‬ثلثفة ل ينظفر ال إليهفم يوم القيامفة العاق لوالديفه والمرأة المترجلة تتشبفه بالرجال‬
‫والديوث‪ ،‬وثلثفة ل يدخلون الجنفة العاق لوالديه والمدمفن الخمفر والمنان بمفا أعطفى)‪ .‬وففي بعفض‬
‫طرق مسلم‪( :‬المنان هو الذي ل يعطي شيئا إل منة)‪ .‬والذى‪ :‬السب والتشكي‪ ،‬وهو أعم من المن‬
‫لن المن جزء من الذى لكنه نص عليه لكثرة وقوعه‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬لئن ظننت أن سلمك يثقل‬
‫على مفن أنفقفت عليفه تريفد وجفه ال فل تسفلم عليفه‪ .‬وقالت له امرأة‪ :‬يفا أبفا أسفامة دلنفي على رجفل‬
‫يخرج ففي سفبيل ال حقفا فإنهفم إنمفا يخرجون يأكلون الفواكفه فإن عندي أسفهما وجعبفة‪ .‬فقال‪ :‬ل‬
‫بارك ال في أسهمك وجعبتك فقد آذيتهم قبل أن تعطيهم‪ .‬قال علماؤنا رحمة ال عليهم‪ :‬فمن أنفق‬
‫في سبيل ال ولم يتبعه منا ول أذى كقوله‪ :‬ما أشد إلحاحك وخلصنا ال منك وأمثال هذا فقد تضمن‬
‫ال له بالجر‪ ،‬والجر الجنة‪ ،‬ونفى عنه الخوف بعد موته لما يستقبل‪ ،‬والحزن على ما سلف من‬
‫دنياه‪ ،‬لنفه يغتبفط بآخرتفه فقال‪" :‬لهفم أجرهفم عنفد ربهفم ول خوف عليهفم ول هفم يحزنون"‪ .‬وكففى‬
‫بهذا فضل وشرففا للنفقفة ففي سفبيل ال تعالى‪ .‬وفيهفا دللة لمفن فضفل الغنفي على الفقيفر حسفب مفا‬
‫يأتي بيانه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 263 :‬قول معروف ومغفرة خير من صدقة يتبعها أذى وال غني حليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬قول معروف" ابتداء والخفبر محذوف‪ ،‬أي قول معروف أولى وأمثفل‪ ،‬ذكره‬
‫النحاس والمهدوي‪ .‬قال النحاس‪ :‬ويجوز أن يكون "قول معروف" خفففبر ابتداء محذوف‪ ،‬أي الذي‬
‫أمرتفم بفه قول معروف‪ .‬والقول المعروف هفو الدعاء والتأنيفس والترجيفة بمفا عنفد ال‪ ،‬خيفر مفن‬
‫صفدقة هفي ففي ظاهرهفا صفدقة وففي باطنهفا ل شيفء‪ ،‬لن ذكفر القول المعروف فيفه أجفر وهذه ل‬
‫أجر فيها‪ .‬قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬الكلمة الطيبة صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه‬
‫طلق) أخرجه مسلم‪ .‬فيتلقى السائل بالبشر والترحيب‪ ،‬ويقابله بالطلقة والتقريب‪ ،‬ليكون مشكورا‬
‫إن أعطى ومعذورا إن منع‪ .‬وقد قال بعض الحكماء‪ :‬الق صاحب الحاجة بالبشر فإن عدمت شكره‬
‫لم تعدم عذره‪ .‬وحكفى ابفن لنكفك أن أبفا بكفر بفن دريفد قصفد بعفض الوزراء ففي حاجفة لم يقضهفا‬
‫وظهر له منه ضجر فقال‪:‬‬
‫فلخير دهرك أن ترى مسؤول‬ ‫ل تدخلنك ضجرة من سائل‬
‫فبقاء عزك أن ترى مأمول‬ ‫ل تجبهن بالرد وجه مؤمل‬
‫وترى العبوس على اللئيم دليل‬ ‫تلقى الكريم فتستدل ببشره‬
‫خبرا فكن خبرا يروق جميل‬ ‫واعلم بأنك عن قليل صائر‬
‫وروي مفن حديفث عمفر رضفي ال عنفه قال‪ :‬قال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬إذا سفأل السفائل فل‬
‫تقطعوا عليفه مسفألته حتفى يفرغ منهفا ثفم ردوا عليفه بوقار وليفن أو ببذل يسفير أو رد جميفل فقفد‬
‫يأتيكم من ليس بإنس ول جان ينظرون صنيعكم فيما خولكم ال تعالى)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬دليله حديففث أبرص وأقرع وأعمففى‪ ،‬خرجففه مسففلم وغيره‪ .‬وذلك أن ملكففا تصففور فففي‬
‫صفورة أبرص مرة وأقرع أخرى وأعمفى أخرى امتحانفا للمسفؤول‪ .‬وقال بشفر بفن الحارث‪ :‬رأيفت‬
‫عليفا ففي المنام فقلت‪ :‬يفا أميفر المؤمنيفن قفل لي شيئا ينفعنفي ال بفه‪ ،‬قال‪ :‬مفا أحسفن عطفف النفبياء‬
‫على الفقراء رغبففة فففي ثواب ال تعالى‪ ،‬وأحسففن منففه تيففه الفقراء على الغنياء ثقففة بموعود ال‪.‬‬
‫فقلت‪ :‬يا أمير المؤمنين زدني‪ ،‬فولى وهو يقول‪:‬‬
‫وعن قليل تصير ميتا‬ ‫قد كنت ميتا فصرت حيا‬
‫وابن بدار البقاء بيتا‬ ‫فاخرب بدار الفناء بيتا‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومغفرة" المغفرة هنا‪ :‬الستر للخلة وسوء حالة المحتاج‪ ،‬ومن هذا قول العرابي‬
‫‪ -‬وقد سأل قوما بكلم فصيح ‪ -‬فقال له قائل‪ :‬ممن الرجل ؟ فقال له‪ :‬اللهم غفرا! سوء الكتساب‬
‫يمنع من النتساب‪ .‬وقيل‪ :‬المعنى تجاوز عن السائل إذا ألح وأغلظ وجفى خير من التصدق عليه‬
‫مففن المففن والذى‪ ،‬قال معناه النقاش‪ .‬وقال النحاس‪ :‬هذا مشكففل يففبينه العراب‪" .‬مغفرة" رفففع‬
‫بالبتداء والخفبر "خيفر مفن صفدقة"‪ .‬والمعنفى وال أعلم وفعفل يؤدي إلى المغفرة خيفر مفن صفدقة‬
‫يتبعهفا أذى‪ ،‬وتقديره ففي العربيفة وفعفل مغفرة‪ .‬ويجوز أن يكون مثفل قولك‪ :‬تفضفل ال عليفك أكفبر‬
‫من الصدقة التي تمن بها‪ ،‬أي غفران ال خير من صدقتكم هذه التي تمنون بها‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال غني حليم" أخبر تعالى عن غناه المطلق أنه غني عن صدقة العباد‪ ،‬وإنما‬
‫أمر بها ليثيبهم‪ ،‬وعن حلمه بأنه ل يعاجل بالعقوبة من منّ وآذى بصدقته‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 264 :‬يفا أيهفا الذيفن آمنوا ل تبطلوا صفدقاتكم بالمفن والذى كالذي ينففق ماله رئاء‬
‫الناس ول يؤمفن بال واليوم الخفر فمثله كمثفل صففوان عليفه تراب فأصفابه وابفل فتركفه صفلدا ل‬
‫يقدرون على شيء مما كسبوا وال ل يهدي القوم الكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بالمفن والذى" قفد تقدم معناه‪ .‬وعفبر تعالى عفن عدم القبول وحرمان الثواب‬
‫بالبطال‪ ،‬والمراد الصدقة التي يمن بها ويؤذي‪ ،‬ل غيرها‪ .‬والعقيدة أن السيئات ل تبطل الحسنات‬
‫ول تحبطها‪ ،‬فالمن والذى في صدقة ل يبطل صدقة غيرها‪.‬‬
‫قال جمهور العلماء ففي هذه اليفة‪ :‬إن الصفدقة التفي يعلم ال مفن صفاحبها أنفه يمفن أو يؤذي بهفا‬
‫فإنهفا ل تقبفل‪ .‬وقيفل‪ :‬بفل قفد جعفل ال للملك عليهفا أمارة فهفو ل يكتبهفا‪ ،‬وهذا حسفن‪ .‬والعرب تقول‬
‫لما يمن به‪ :‬يد سوداء‪ .‬ولما يعطى عن غير مسألة‪ :‬يد بيضاء‪ .‬ولما يعطى عن مسألة‪ :‬يد خضراء‪.‬‬
‫وقال بعفض البلغاء‪ :‬مفن مفن بمعروففه سفقط شكره‪ ،‬ومفن أعجفب بعمله حبفط أجره‪ .‬وقال بعفض‬
‫الشعراء‪:‬‬
‫أبطا عليه مكافاتي فعاداني‬ ‫وصاحب سلفت منه إلي يد‬
‫أبدى الندامة فيما كان أولني‬ ‫لما تيقن أن الدهر حاربني‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫ليس الكريم إذا أسدى بمنان‬ ‫أفسدت بالمن ما أسديت من حسن‬
‫وقال أبو بكر الوراق فأحسن‪:‬‬
‫في كل وقت وزمن‬ ‫أحسن من كل حسن‬
‫خالية من المنن‬ ‫صنيعة مربوبة‬
‫وسفففمع ابفففن سفففيرين رجل يقول لرجفففل‪ :‬فعلت إليفففك وفعلت! فقال له‪ :‬اسفففكت فل خيفففر ففففي‬
‫المعروف‪ ،‬إذا أحصي‪ .‬وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬إياكم والمتنان بالمعروف‬
‫فإنه يبطل الشكر ويمحق الجر ‪ -‬ثم تل ‪" -‬ل تبطلوا صدقاتكم بالمن والذى")‪.‬‬
‫@ قال علماؤنا رحمة ال عليهم‪ :‬كره مالك لهذه الية أن يعطي الرجل صدقته الواجبة أقاربه لئل‬
‫يعتاض منهففم الحمففد والثناء‪ ،‬ويظهففر منتففه عليهففم ويكافئوه عليهففا فل تخلص لوجففه ال تعالى‪.‬‬
‫واسفتحب أن يعطيهفا الجانفب‪ ،‬واسفتحب أيضفا أن يولى غيره تفريقهفا إذا لم يكفن المام عدل‪ ،‬لئل‬
‫تحبفط بالمفن والذى والشكفر والثناء والمكافأة بالخدمفة مفن المعطفى‪ .‬وهذا بخلف صفدقة التطوع‬
‫السفر‪ ،‬لن ثوابهفا إذا حبفط سفلم مفن الوعيفد وصفار ففي حكفم مفن لم يفعفل‪ ،‬والواجفب إذا حبفط ثوابفه‬
‫توجه الوعيد عليه لكونه في حكم من لم يفعل‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كالذي ينفق ماله رئاء الناس" الكاف في موضع نصب‪ ،‬أي إبطال "كالذي" فهي‬
‫نعت للمصدر المحذوف‪ .‬ويجوز أن تكون موضع الحال‪ .‬مثل ال تعالى الذي يمن ويؤذي بصدقته‬
‫بالذي ينفق ماله رئاء الناس ل لوجه ال تعالى‪ ،‬وبالكافر الذي ينفق ليقال جواد وليثنى عليه بأنواع‬
‫الثناء‪ .‬ثفم مثفل هذا المنففق أيضفا بصففوان عليفه تراب فيظنفه الظان أرضفا منبتفة طيبفة‪ ،‬فإذا أصفابه‬
‫وابل من المطر أذهب عنه التراب وبقي صلدا‪ ،‬فكذلك هذا المرائي‪ .‬فالمن والذى والرياء تكشف‬
‫عن النية في الخرة فتبطل الصدقة كما يكشف الوابل عن الصفوان‪ ،‬وهو الحجر الكبير الملس‪.‬‬
‫وقيفل‪ :‬المراد باليفة إبطال الفضفل دون الثواب‪ ،‬فالقاصفد بنفقتفه الرياء غيفر مثاب كالكاففر‪ ،‬لنفه لم‬
‫يقصد به وجه ال تعالى فيستحق الثواب‪ .‬وخالف صاحب المن والذى القاصد وجه ال المستحق‬
‫ثوابفه ‪ -‬وإن كرر عطاءه ‪ -‬وأبطفل فضله‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬إنمفا يبطفل المفن ثواب صفدقته مفن وقفت منفه‬
‫وإيذائه‪ ،‬ومفا قبفل ذلك يكتفب له ويضاعفف‪ ،‬فإذا مفن وآذى انقطفع التضعيفف‪ ،‬لن الصفدقة تربفى‬
‫لصاحبها حتى تكون أعظم من الجبل‪ ،‬فإذا خرجت من يد صاحبها خالصة على الوجه المشروع‬
‫ضوعففت‪ ،‬فإذا جاء المفن بهفا والذى وقفف بههناك وانقطفع زيادة التضعيفف عنهفا‪ ،‬والقول الول‬
‫أظهففر وال أعلم‪ .‬والصفففوان جمففع واحده صفففوانة‪ ،‬قاله الخفففش‪ .‬قال‪ :‬وقال بعضهففم‪ :‬صفففوان‬
‫واحفد‪ ،‬مثفل حجفر‪ .‬وقال الكسفائي‪ :‬صففوان واحفد وجمعفه صِففْوان وصُففِي وصِففِي‪ ،‬وأنكره المفبرد‬
‫وقال‪ :‬إنمفا صففي جمفع صففا كقففا وقففي‪ ،‬ومفن هذا المعنفى الصففواء والصففا‪ ،‬وقفد تقدم‪ .‬وقرأ سفعيد‬
‫بفن المسفيب والزهري "صففوان" بتحريفك الفاء‪ ،‬وهفي لغفة‪ .‬وحكفى قطرب صففوان‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫صَففْوان وصَففَوان يجوز أن يكون جمعفا ويجوز أن يكون واحدا‪ ،‬إل أن الولى بفه أن يكون واحدا‬
‫لقوله عفز وجفل‪" :‬عليفه تراب فأصفابه وابفل" وإن كان يجوز تذكيفر الجمفع إل أن الشيفء ل يخرج‬
‫عن بابه إل بدليل قاطع‪ ،‬فأما ما حكاه الكسائي في الجمع فليس بصحيح على حقيقة النظر‪ ،‬ولكن‬
‫صففوان جمفع صففاً‪ ،‬وصففًا بمعنفى صففوان‪ ،‬ونظيره ورل وورلن وأخ وإخوان وكراً وكروان‪،‬‬
‫كما قال الشاعر‪:‬‬
‫تطير البائسات ول نطير‬ ‫لنا يوم وللكروان يوم‬
‫صفِي جمع صفا مثل عصا‪ .‬والوابل‪ :‬المطر‬ ‫والضعيف في العربية ِكرْوان جمع َكرَوَان‪ ،‬وصُفِي و ِ‬
‫الشديففد‪ .‬وقففد وبلت السففماء تبففل‪ ،‬والرض موبولة‪ .‬قال الخفففش‪ :‬ومنففه قوله تعالى‪" :‬أخذناه أخذا‬
‫وبيل" [المزمفل‪ ]16 :‬أي شديدا‪ .‬وضرب وبيفل‪ ،‬وعذاب وبيفل أي شديفد‪ .‬والصفلد‪ :‬الملس مفن‬
‫الحجارة‪ .‬قال الكسفائي‪ :‬صَلِد يَصْفَلدُ صَلَدا بتحريفك اللم فهفو صلد بالسفكان‪ ،‬وهو كفل ما ل ينبت‬
‫شيئا‪ ،‬ومنه جبين أصلد‪ ،‬وأنشد الصمعي لرؤبة‪:‬‬
‫براق أصلد الجبين الجله‬
‫قال النقاش‪ :‬الصفلد الجرد بلغفة هذيفل‪ .‬ومعنفى "ل يقدرون" يعنفي المرائي والكاففر والمان "على‬
‫شيفء" أي على النتفاع بثواب شيفء مفن إنفاقهفم وهفو كسفبهم عنفد حاجتهفم إليفه‪ ،‬إذا كان لغيفر ال‬
‫فعبر عن النفقة بالكسب‪ ،‬لنهم قصدوا بها الكسب‪ .‬وقيل‪ :‬ضرب هذا مثل للمرائي في إبطال ثوابه‬
‫ولصاحب المن والذى في إبطال فضله‪ ،‬ذكره الماوردي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 265 :‬ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات ال وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنة‬
‫بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل وال بما تعملون بصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومثفل الذيفن ينفقون أموالهفم ابتغاء مرضات ال وتثبيتفا مفن أنفسفهم" "ابتغاء"‬
‫مفعول مفن أجله‪" .‬وتثبيتفا مفن أنفسفهم" عطفف عليفه‪ .‬وقال مكفي ففي المشكفل‪ :‬كلهمفا مفعول مفن‬
‫أجله‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وهفو مردود‪ ،‬ول يصفح ففي "تثبيتفا" أنفه مفعول مفن أجله‪ ،‬لن النفاق ليفس‬
‫من أجل التثبيت‪ .‬و"ابتغاء" نصب على المصدر في موضع الحال‪ ،‬وكان يتوجه فيه النصب على‬
‫المفعول مفن أجله‪ ،‬لكفن النصفب على المصفدر هفو الصفواب مفن جهفة عطفف المصفدر الذي هفو‬
‫"تثبيتا" عليه‪ .‬ولما ذكر ال تعالى صفة صدقات القوم الذين ل خلق لصدقاتهم‪ ،‬ونهى المؤمنين‬
‫عن مواقعة مفا يشبفه ذلك بوجه مفا‪ ،‬عقب ففي هذه اليفة بذكفر نفقات القوم الذيفن تزكفو صدقاتهم إذ‬
‫كانفت على وففق الشرع ووجهفه‪ .‬و"ابتغاء" معناه طلب‪ .‬و"مرضات" مصفدر مفن رضفي يرضفى‪.‬‬
‫"وتثبيتا" معناه أنهم يتثبتون أين يضعون صدقاتهم‪ ،‬قاله مجاهد والحسن‪ .‬قال الحسن‪ :‬كان الرجل‬
‫إذا هفم بصفدقه تثبفت‪ ،‬فإن كان ذلك ل أمضاه وإن خالطفه شفك أمسفك‪ .‬وقيفل‪ :‬معناه تصفديقا ويقينفا‪،‬‬
‫قاله ابفن عباس‪ .‬وقال ابفن عباس أيضفا وقتادة‪ :‬معناه واحتسفابا مفن أنفسفهم‪ .‬وقال الشعفبي والسفدي‬
‫وقتادة أيضا وابن زيد وأبو صالح وغيرهم‪" :‬وتثبيتا" معناه وتيقنا أي أن نفوسهم لها بصائر فهي‬
‫تثبتهففم على النفاق فففي طاعففة ال تعالى تثبيتففا‪ .‬وهذه القوال الثلث أصففوب مففن قول الحسففن‬
‫ومجاهفد‪ ،‬لن المعنفى الذي ذهبفا إليفه إنمفا عبارتفه "وتثبيتفا" مصفدر على غيفر المصفدر‪ .‬قال ابفن‬
‫عطيفة‪ :‬وهذا ل يسفوغ إل مفع ذكفر المصفدر والفصفاح بالفعفل المتقدم‪ ،‬كقوله تعالى‪" :‬وال أنبتكفم‬
‫مفن الرض نباتفا" [نوح‪" ،]17 :‬وتبتفل إليفه تبتيل" [المزمفل‪ .]8 :‬وأمفا إذا لم يقفع إفصفاح بفعفل‬
‫فليفس لك أن تأتفي بمصفدر ففي غيفر معناه ثفم تقول‪ :‬أحمله على معنفى كذا وكذا‪ ،‬لفعفل لم يتقدم له‬
‫ذكفر‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬هذا م ْهيَعُف كلم العرب فيمفا علمتفه‪ .‬وقال النحاس‪ :‬لو كان كمفا قال مجاهفد‬
‫لكان وتثبتفا مفن تثبفت كتكرمفت تكرمفا‪ ،‬وقول قتادة‪ :‬احتسفابا‪ ،‬ل يعرف إل أن يراد بفه أن أنفسفهم‬
‫تثبتهم محتسبة‪ ،‬وهذا بعيد‪ .‬وقول الشعبي حسن‪ ،‬أي تثبيتا من أنفسهم لهم على إنفاق ذلك في طاعة‬
‫ال عز وجل‪ ،‬يقال‪ :‬ثبت فلنفا ففي هذا المفر‪ ،‬أي صححت عزمه‪ ،‬وقويفت فيه رأيفه‪ ،‬أثبته تثبيتفا‪،‬‬
‫أي أنفسفهم موقنفة بوعفد ال على تثفبيتهم ففي ذلك‪ .‬وقيفل‪" :‬وتثبيتفا مفن أنفسفهم" أي يقرون بأن ال‬
‫تعالى يثبت عليها‪ ،‬أي وتثبيتا من أنفسهم لثوابها‪ ،‬بخلف المنافق الذي ل يحتسب الثواب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كمثفل جنفة بربوة" الجنفة البسفتان‪ ،‬وهفي قطعفة أرض تنبفت فيهفا الشجار حتفى‬
‫تغطيهففا‪ ،‬فهففي مأخوذة مففن لفففظ الجففن والجنيففن لسففتتارهم‪ .‬وقففد تقدم‪ .‬والربوة‪ :‬المكان المرتفففع‬
‫ارتفاعفا يسفيرا‪ ،‬معفه ففي الغلب كثاففة تراب‪ ،‬ومفا كان كذلك فنباتفه أحسفن‪ ،‬ولذلك خفص الربوة‬
‫بالذكفر‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬ورياض الحزن ليسفت مفن هذا كمفا زعفم الطفبري‪ ،‬بفل تلك هفي الرياض‬
‫المنسفوبة إلى نجفد‪ ،‬لنهفا خيفر مفن رياض تهامفة‪ ،‬ونبات نجفد أعطفر‪ ،‬ونسفيمه أبرد وأرق‪ ،‬ونجفد‬
‫يقال لهفا حزن‪ .‬وقلمفا يصفلح هواء تهامفة إل بالليفل‪ ،‬ولذلك قالت العرابيفة‪" :‬زوجفي كليفل تهامفة"‪.‬‬
‫وقال السدي‪" :‬بربوة" أي برباوة‪ ،‬وهو ما انخفض من الرض‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذه عبارة قِلقة‪،‬‬
‫ولفظ الربوة هو مأخوذ من ربا يربو إذا زاد‪.‬‬
‫ب و" معناه الزيادة في كلم العرب‪ ،‬ومنه الربو‬ ‫قلت‪ :‬عبارة السدي ليست بشيء‪ ،‬لن بناء "رَ َ‬
‫للنففس العالىِ‪ .‬ربفا يربفو إذا أخذه الربفو‪ .‬وربفا الفرس إذا أخذه الربفو مفن عدو أو فزع‪ .‬وقال الفراء‬
‫في قوله تعالى‪" :‬أخذهم أخذة رابية" [الحاقة‪ ]10 :‬أي زائدة‪ ،‬كقولك‪ :‬أربيت إذا أخذت أكثر مما‬
‫أعطيفت‪ .‬وربوت ففي بنفي فلن وربيفت أي نشأت فيهفم‪ .‬وقال الخليفل‪ :‬الربوة أرض مرتفعفة طيبفة‬
‫وخفص ال تعالى بالذكفر التفي ل يجري فيهفا ماء مفن حيفث العرف ففي بلد العرب‪ ،‬فمثفل لهفم مفا‬
‫يحسفونه ويدركونفه‪ .‬وقال ابفن عباس‪ :‬الربوة المكان المرتففع الذي ل تجري فيفه النهار‪ ،‬لن قوله‬
‫تعالى‪" :‬أصابها وابل" إلى آخر الية يدل على أنها ليس فيها ماء جار‪ ،‬ولم يرد جنس التي تجري‬
‫فيها النهار‪ ،‬لن ال تعالى قد ذكر ربوة ذات قرار ومعين‪ .‬والمعروف من كلم العرب أن الربوة‬
‫ما ارتفع عما جاوره سواء جرى فيها ماء أو لم يجر‪ .‬وفيها خمس لغات "ربوة" بضم الراء‪ ،‬وبها‬
‫قرأ ابفن كثيفر وحمزة والكسفائي وناففع وأبفو عمرو‪ .‬و"ربوة" بفتفح الراء‪ ،‬وبهفا قرأ عاصفم وابفن‬
‫عامففر والحسففن‪" .‬وربوة" بكسففر الراء‪ ،‬وبهففا قرأ ابففن عباس وأبففو إسففحاق السففبيعي‪ .‬و"رباوة"‬
‫بالفتح‪ ،‬وبها قرأ أبو جعفر وأبو عبدالرحمن‪ ،‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫بين النخيل إلى بقيع الغرقد؟‬ ‫من منزلي في روضة برباوة‬
‫و "رباوة" بالكسفففر‪ ،‬وبهفففا قرأ الشهفففب العقيلي‪ .‬قال الفراء‪ :‬ويقال ِبرَباوة وبرِباوة‪ ،‬وكله مفففن‬
‫الرابية‪ ،‬وفعله ربا يربو‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أصابها" يعني الربوة‪" .‬وابل" أي مطر شديد قال الشاعر‪:‬‬
‫خضراء جاد عليها وابل هطل‬ ‫ما روضة من رياض الحزن معشبة‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فآتفت" أي أعطفت‪" .‬أكلهفا" بضفم الهمزة‪ :‬الثمفر الذي يؤكفل‪ ،‬ومنفه قوله تعالى‪:‬‬
‫"تؤتفي أكلهفا كفل حيفن" [إبراهيفم‪ .]25 :‬والشيفء المأكول مفن كفل شيفء يقال له أكفل‪ .‬والكلة‪:‬‬
‫اللقمة‪ ،‬ومنه الحديث‪( :‬فإن كان الطعام مشفوها قليل فليضع في يده منه أكلة أو أكلتين) يعني لقمة‬
‫أو لقمتيفن‪ ،‬خرجفه مسفلم‪ .‬وإضافتفه إلى الجنفة إضاففة اختصفاص‪ ،‬كسفرج الفرس وباب الدار‪ .‬وإل‬
‫فليفس الثمفر ممفا تأكله الجنفة‪ .‬وقرأ ناففع‪ ،‬وابفن كثيفر وأبفو عمرو "أكلهفا" بضفم الهمزة وسفكون‬
‫الكاف‪ ،‬وكذلك كفل مضاف إلى مؤنفث‪ ،‬وفارقهمفا أبفو عمرو فيمفا أضيفف إلى مذكفر مثفل ُأكُلَه أو‬
‫كان غير مضاف إلى شيء مثل "أكل خمط" فثقل أبو عمرو ذلك وخففاه‪ .‬وقرأ عاصم وابن عامر‬
‫وحمزة والكسفائي ففي جميفع مفا ذكرناه بالتثقيفل‪ .‬ويقال‪ :‬أَكْل وأُكُل بمعنفى‪" .‬ضعفيفن" أي أعطفت‬
‫ضعففي ثمر غيرها من الرضين‪ .‬وقال بعفض أهل العلم‪ :‬حملت مرتيفن ففي السفنة‪ ،‬والول أكثفر‪،‬‬
‫أي أخرجت من الزرع ما يخرج غيرها في سنتين‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن لم يصفبها وابفل فطفل" تأكيفد منفه تعالى لمدح هذه الربوة بأنهفا إن لم يصفبها‬
‫وابل فإن الطل يكفيها وينوب مناب الوابل في إخراج الثمرة ضعفين‪ ،‬وذلك لكرم الرض وطيبها‪.‬‬
‫قال المبرد وغيره‪ :‬تقديره فطل يكفيها‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬فالذي يصيبها طل‪ .‬والطل‪ :‬المطر الضعيف‬
‫المسفتدق مفن القطفر الخفيفف‪ ،‬قاله ابفن عباس وغيره‪ ،‬وهفو مشهور اللغفة‪ .‬وقال قوم منهفم مجاهفد‪:‬‬
‫الطفل‪ :‬الندى‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وهفو تجوز وتشفبيه‪ .‬قال النحاس‪ :‬وحكفى أهفل اللغفة َوبَلَت وأ ْوبَلَت‪،‬‬
‫وطَلّت وَأطَلّت‪ .‬وففي الصفحاح‪ :‬الطفل أضعفف المطفر والجمفع الطلل‪ ،‬تقول منفه‪ :‬طلت الرض‬
‫وأطلها الندى فهي مطلولة‪ .‬قال الماوردي‪ :‬وزرع الطل أضعف من زرع المطر وأقل ريعا‪ ،‬وفيه‬
‫‪ -‬وإن قل ‪ -‬تماسك ونفع‪ .‬قال بعضهم الية تقديم وتأخير‪ ،‬ومعناه كمثل جنة بربوة أصابها وابل‬
‫فإن لم يصفبها وابفل فطفل فآتفت أكلهفا ضعفيفن‪ .‬يعنفي اخضرت أوراق البسفتان وخرجفت ثمرتهفا‬
‫ضعفين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬التأويففل الول أصففوب ول حاجففة إلى التقديففم والتأخيففر‪ .‬فشبففه تعالى نمففو نفقات هؤلء‬
‫المخلصفين الذيفن يربفي ال صفدقاتهم كتربيفة الفُلُوّ والفصفيل بنمفو نبات الجنفة بالربوة الموصفوفة‪،‬‬
‫بخلف الصفوان الذي انكشف عنه ترابه فبقي صلدا‪ .‬وخرج مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي‬
‫ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل يتصدق أحد بتمرة من كسب طيب إل أخذها ال بيمينه‬
‫فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى تكون مثل الجبل أو أعظم) خرجه الموطأ أيضا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال بما تعملون بصير" وعد ووعيد‪ .‬وقرأ الزهري "يعملون" بالياء كأنه يريد‬
‫به الناس أجمع‪ ،‬أو يريد المنفقين فقط‪ ،‬فهو وعد محض‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 266 :‬أيود أحدكفم أن تكون له جنفة مفن نخيفل وأعناب تجري مفن تحتهفا النهار له‬
‫فيهفا مفن كفل الثمرات وأصفابه الكفبر وله ذريفة ضعفاء فأصفابها إعصفار فيفه نار فاحترقفت كذلك‬
‫يبين ال لكم اليات لعلكم تتفكرون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب" الية‪ .‬حكى الطبري عن السدي‬
‫أن هذه الية مثل آخر لنفقة الرياء‪ ،‬ورجح هو هذا القول‪.‬‬
‫قلت وروي عن ابن عباس أيضا قال‪ :‬هذا مثل ضربه ال للمرائين بالعمال يبطلها يوم القيامة‬
‫أحوج مفا كان إليهفا‪ ،‬كمثفل رجفل كانفت له جنفة وله أطفال ل ينفعونفه فكفبر وأصفاب الجنفة إعصفار‬
‫أي ريح عاصف فيه نار فاحترقت ففقدها أحوج ما كان إليها‪ .‬وحكي عن ابن زيد أنه قرأ قول ال‬
‫تعالى‪" :‬يففا أيهففا الذيففن آمنوا ل تبطلوا صففدقاتكم بالمففن والذى" [البقرة‪ ]264 :‬اليففة‪ ،‬قال‪ :‬ثففم‬
‫ضرب في ذلك مثل فقال‪" :‬أيود أحدكم" الية‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا أبين من الذي رجح الطبري‪،‬‬
‫وليست هذه الية بمثل آخر لنفقة الرياء‪ ،‬هذا هو مقتضى سياق الكلم‪ .‬وأما بالمعنى في غير هذا‬
‫السياق فتشبه حال كل منافق أو كافر عمل عمل وهو يحسب أنه يحسن صنعا فلما جاء إلى وقت‬
‫الحاجة لم يجد شيئا‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قفد روي عفن ابفن عباس أنهفا مثفل لمفن عمفل لغيفر ال مفن مناففق وكاففر على مفا يأتفي‪ ،‬إل‬
‫أن الذي ثبفت ففي البخاري عنفه خلف هذا‪ .‬خرج البخاري عفن عبيفد بفن عميفر قال‪ :‬قال عمفر بفن‬
‫الخطاب يومفا لصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ :‬فيفم ترون هذه اليفة نزلت "أيود أحدكفم‬
‫أن تكون له جنفة مفن نخيفل وأعناب"؟ قالوا‪ :‬ال ورسفوله أعلم‪ ،‬فغضفب عمفر وقال‪ :‬قولوا‪ :‬نعلم أو‬
‫ل نعلم! فقال ابفن عباس‪ :‬ففي نفسفي منهفا شيفء يفا أميفر المؤمنيفن‪ ،‬قال‪ :‬يفا ابفن أخفي قفل ول تحقفر‬
‫نفسك‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬ضربت مثل لعمل‪ .‬قال عمر‪ :‬أي عمل؟ قال ابن عباس‪ :‬لعمل رجل غني‬
‫يعمفل بطاعفة ال ثفم بعفث ال عفز وجفل له الشيطان فعمفل ففي المعاصفي حتفى أحرق عمله‪ .‬ففي‬
‫روايفة‪ :‬فإذا فنفي عمره واقترب أجله ختفم ذلك بعمفل مفن أعمال الشقاء‪ ،‬فرضفى ذلك عمفر‪ .‬وروى‬
‫ابن أبي مليكة أن عمر تل هذه الية‪ .‬وقال‪ :‬هذا مثل ضرب للنسفان يعمل عمل صالحا حتى إذا‬
‫كان عند آخر عمره أحوج ما يكون إليه عمفل عمفل السوء‪ .‬قال ابفن عطية‪ :‬فهذا نظفر يحمفل الية‬
‫على كفل مفا يدخفل تحفت ألفاظهفا‪ ،‬وبنحفو ذلك قال مجاهفد وقتادة والربيفع وغيرهفم‪ .‬وخفص النخيفل‬
‫والعناب بالذكر لشرفهما وفضلهما على سائر الشجر‪ .‬وقرأ الحسن "جنات" بالجمع‪" .‬تجري من‬
‫تحتهفا النهار" تقدم ذكره‪" .‬له فيهفا مفن كفل الثمرات" يريفد ليفس شيفء مفن الثمار إل وهفو فيهفا‬
‫نابت‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأصفابه الكفبر" عطفف ماضيفا على مسفتقبل وهفو "تكون" وقيفل‪" :‬يود" فقيفل‪:‬‬
‫التقديفر وقفد أصفابه الكفبر‪ .‬وقيفل إنفه محمول على المعنفى‪ ،‬لن المعنفى أيود أحدكفم أن لو كانفت له‬
‫جنة‪ .‬وقيل‪ :‬الواو واو الحال‪ ،‬وكذا في قوله تعالى "وله"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت" قال الحسن‪" :‬إعصار فيه نار" ريح فيها برد‬
‫شديد‪ .‬الزجاج‪ :‬العصار في اللغة الريح الشديدة التي تهب من الرض إلى السماء كالعمود‪ ،‬وهي‬
‫التفي يقال لهفا‪ :‬الزوبعفة‪ .‬قال الجوهري‪ :‬الزوبعفة رئيفس مفن رؤسفاء الجفن‪ ،‬ومنفه سفمي العصفار‬
‫زوبعة‪ .‬ويقال‪ :‬أم زوبعة‪ ،‬وهي ريح تثير الغبار وترتفع إلى السماء كأنها عمود‪ .‬وقيل‪ :‬العصار‬
‫ريفح تثيفر سفحابا ذا رعفد وبرق‪ .‬المهدوي‪ :‬قيفل لهفا إعصفار لنهفا تلتفف كالثوب إذا عصفر‪ .‬ابفن‬
‫عطية‪ :‬وهذا ضعيف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬بل هو صحيح‪ ،‬لنه المشاهد المحسوس‪ ،‬فإنه يصعد عمودا ملتفا‪ .‬وقيل‪ :‬إنما قيل للريح‬
‫إعصار‪ ،‬لنه يعصر السحاب‪ ،‬والسحاب معصرات إما لنها حوامل فهي كالمعصر من النساء‪.‬‬
‫وإما لنها تنعصر بالرياح‪ .‬وحكى ابن سيده‪ :‬إن المعصرات فسرها قوم بالرياح ل بالسحاب‪ .‬ابن‬
‫زيفد‪ :‬العصفار ريفح عاصفف وسفموم شديدة‪ ،‬وكذلك قال السفدي‪ :‬العصفار الريفح والنار السفموم‪.‬‬
‫ابفن عباس‪ :‬ريفح فيهفا سفموم شديدة‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬ويكون‪ ،‬ذلك ففي شدة الحفر ويكون ففي شدة‬
‫البرد‪ ،‬وكل ذلك من فيح جهنم ونفسها‪ ،‬كما تضمن قول النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬إذا اشتد الحر‬
‫فأبردوا عفن الصفلة فإن شدة الحفر مفن فيفح جهنفم) و(إن النار اشتكفت إلى ربهفا) الحديفث‪ .‬وروي‬
‫عففن ابففن عباس وغيره‪( :‬إن هذا مثففل ضربففه ال تعالى للكافريففن والمنافقيففن‪ ،‬كهيئة رجففل غرس‬
‫بسفتانا فأكثفر فيفه مفن الثمفر فأصفابه الكفبر وله ذريفة ضعفاء ‪ -‬يريفد صفبيانا بنات وغلمانفا ‪ -‬فكانفت‬
‫معيشته ومعيشة ذريته من ذلك البستان‪ ،‬فأرسل ال على بستانه ريحا فيها نار فأحرقته‪ ،‬ولم يكن‬
‫عنده قوة فيغرسفه ثانيفة‪ ،‬ولم يكفن عنفد بنيفه خيفر فيعودون على أبيهفم‪ .‬وكذلك الكاففر والمناففق إذا‬
‫ورد إلى ال تعالى يوم القيامففة ليسففت له كرة يبعففث فيرد ثانيففة‪ ،‬كمففا ليسففت عنففد هذا قوة فيغرس‬
‫بستانه ثانية‪ ،‬ولم يكن عنده من افتقر إليه عند كبر سنه وضعف ذريته غنى عنه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كذلك يففبين ال لكففم اليات لعلكففم تتفكرون" يريففد كففي ترجعوا إلى عظمتففي‬
‫وربوبيتفي ول تتخذوا مفن دونفي أولياء‪ .‬وقال ابفن عباس أيضفا‪ :‬تتفكرون ففي زوال الدنيفا وفنائهفا‬
‫وإقبال الخرة وبقائها‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 267 :‬يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الرض‬
‫ول تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه إل أن تغمضوا فيه واعلموا أن ال غني حميد}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يفا أيهفا الذيفن آمنوا أنفقوا" هذا خطاب لجميفع أمفة محمفد صفلى ال عليفه وسفلم‪.‬‬
‫واختلف العلماء ففي المعنفى المراد بالنفاق هنفا‪ ،‬فقال علي بفن أبفي طالب وعفبيدة السفلماني وابفن‬
‫سفيرين‪ :‬هفي الزكاة المفروضفة‪ ،‬نهفى الناس عفن إنفاق الرديفء فيهفا بدل الجيفد‪ .‬قال ابفن عطيفة‪:‬‬
‫والظاهر من قول البراء بن عازب والحسن وقتادة أن الية في التطوع‪ ،‬ندبوا إلى أل يتطوعوا إل‬
‫بمختار جيففد‪ .‬واليففة تعففم الوجهيففن‪ ،‬لكففن صففاحب الزكاة تعلق بأنهففا مأمور بهففا والمففر على‬
‫الوجوب‪ ،‬وبأنه نهفى عفن الرديفء وذلك مخصفوص بالفرض‪ ،‬وأمفا التطوع فكمفا للمرء أن يتطوع‬
‫بالقليففل فكذلك له أن يتطوع بنازل فففي القدر‪ ،‬ودرهففم خيففر مففن تمرة‪ .‬تمسففك أصففحاب الندب بأن‬
‫لفظة ا ْفعَلْ صالح للندب صلحيته للفرض‪ ،‬والرديء منهفي عنه في النقل كما هو منهفي عنه ففي‬
‫الفرض‪ ،‬وال أحفق مفن اختيفر له‪ .‬وروى البراء أن رجل علق ِقنْ َو حَشَف‪ ،‬فرآه رسفول ال صفلى‬
‫ال عليفه وسفلم فقال‪( :‬بئسفما علق) فنزلت اليفة‪ ،‬خرجفه الترمذي وسفيأتي بكماله‪ .‬والمفر على هذا‬
‫القول على الندب‪ ،‬ندبوا إلى أل يتطوعوا إل بجيففد مختار‪ .‬وجمهور المتأوليففن قالوا‪ :‬معنففى "مففن‬
‫طيبات" من جيد ومختار "ما كسبتم"‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬من حلل "ما كسبتم"‪.‬‬
‫@الكسب يكون بتعب بدن وهي الجارة وسيأتي حكمها‪ ،‬أو مقاولة في تجارة وهو البيع وسيأتي‬
‫بيانففه‪ .‬والميراث داخففل فففي هذا‪ ،‬لن غيففر الوارث قففد كسففبه‪ .‬قال سففهل بففن عبدال‪ :‬وسففئل ابففن‬
‫المبارك عففن الرجففل يريففد أن يكتسففب وينوي باكتسففابه أن يصففل بففه الرحففم وأن يجاهففد ويعمففل‬
‫الخيرات ويدخفل ففي آفات الكسفب لهذا الشأن‪ .‬قال‪ :‬إن كان معفه قوام مفن العيفش بمقدار مفا يكفف‬
‫نفسفه عفن الناس فترك هذا أفضفل‪ ،‬لنفه إذا طلب حلل وأنففق ففي حلل سفئل عنفه وعفن وكسفبه‬
‫وعن إنفاقه‪ ،‬وترك ذلك زهد فإن الزهد في ترك الحلل‪.‬‬
‫@قال ابن خويز منداد‪ :‬ولهذه الية جاز للوالد أن يأكل من كسب ولده‪ ،‬وذلك أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم قال‪( :‬أولدكم من طيب أكسابكم فكلوا من أموال أولدكم هنيئا)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وممفا أخرجنفا لكفم مفن الرض" يعنفي النبات والمعادن والركاز‪ ،‬وهذه أبواب‬
‫ثلثفة تضمنتهفا هذه اليفة‪ .‬أمفا النبات فروى الدارقطنفي عفن عائشفة رضفي ال عنهفا قالت‪ :‬جرت‬
‫السفنة مفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم (ليفس فيمفا دون خمسفة أوسفق زكاة)‪ .‬والوَسفْق سفتون‬
‫صفاعا‪ ،‬فذلك ثلثمائة صفاع من الحنطفة والشعيفر والتمفر والزبيفب‪ .‬وليفس فيمفا أنبتفت الرض مفن‬
‫الخضر زكاة‪ .‬وقد احتج قوم لبي حنيفة بقول ال تعالى‪" :‬ومما أخرجنا لكم من الرض" [البقرة‪:‬‬
‫‪ ]267‬وإن ذلك عموم ففي قليفل مفا تخرجفه الرض وكثيره وففي سفائر الصفناف‪ ،‬ورأوا ظاهفر‬
‫المففر الوجوب‪ .‬وسففيأتي بيان هذا فففي "النعام" مسففتوفى‪ .‬وأمففا المعدن فروى الئمففة عففن أبففي‬
‫جبَار والبئر جبار والمعدن‬ ‫هريرة عن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أنفه قال‪( :‬العجماء جرحهفا ُ‬
‫جبار وفي الركاز الخمس)‪ .‬قال علماؤنا‪ :‬لما قال صلى ال عليه وسلم‪( :‬وفي الركاز الخمس) دل‬
‫على أن الحكم في المعادن غير الحكم في الركاز‪ ،‬لنه صلى ال عليه وسلم قد فصل بين المعادن‬
‫والركاز بالواو الفاصفلة‪ ،‬ولو كان الحكفم فيهمفا سفواء لقال والمعدن جبار وفيفه الخمفس‪ ،‬فلمفا قال‬
‫(وفي الركاز الخمس) علم أن حكم الركاز غير حكم المعدن فيما يؤخذ منه‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫والركاز أصفله ففي اللغفة مفا ارتكفز بالرض مفن الذهفب والفضفة والجواهفر‪ ،‬وهفو عنفد سفائر‬
‫الفقهاء كذلك‪ ،‬لنهفم يقولون ففي الندرة التفي توجفد ففي المعدن مرتكزة بالرض ل تنال بعمفل ول‬
‫بسعي ول نصب‪ ،‬فيها الخمس‪ ،‬لنها ركاز‪ .‬وقد روى عن مالك أن الندرة في المعدن حكمها حكم‬
‫مفا يتكلف فيفه العمفل ممفا يسفتخرج مفن المعدن ففي الركاز‪ ،‬والول تحصفيل مذهبفه وعليفه فتوى‬
‫جمهور الفقهاء‪ .‬وروى عبدال بفن سفعيد بفن أبفي سفعيد المقفبري عفن أبيفه عفن جده عفن أبفي هريرة‬
‫قال‪ :‬سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن الركاز قال‪( :‬الذهب الذي خلق ال في الرض يوم‬
‫خلق السفماوات والرض)‪ .‬عبدال بفن سفعيد هذا متروك الحديفث‪ ،‬ذكفر ذلك ابفن أبفي حاتفم‪ .‬وقفد‬
‫روى من طريق أخرى عن أبي هريرة ول يصح‪ ،‬ذكره الدارقطني‪ .‬ودفن الجاهلية لموالهم عند‬
‫جماعفة العلماء ركاز أيضفا ل يختلفون فيفه إذا كان دفنفه قبفل السفلم مفن الموال العاديفة‪ ،‬وأمفا مفا‬
‫كان من ضرب السلم فحكمه عندهم حكم اللقطة‪.‬‬
‫@ واختلفوا في حكم الركاز إذا وجد‪ ،‬فقال مالك‪ :‬ما وجد من دفن الجاهلية في أرض العرب أو‬
‫ففي فياففي الرض التفي ملكهفا المسفلمون بغيفر حرب فهفو لواجده وفيفه الخمفس‪ ،‬وأمفا مفا كان ففي‬
‫أرض السلم فهو كاللقطة‪ .‬قال‪ :‬وما وجد من ذلك في أرض العنوة فهو للجماعة الذين افتتحوها‬
‫دون واجده‪ ،‬ومففا وجففد مففن ذلك فففي أرض الصففلح فإنففه لهففل تلك البلد دون الناس‪ ،‬ول شيففء‬
‫للواجففد فيففه إل أن يكون مففن أهففل الدار فهففو له دونهففم‪ .‬وقيففل‪ :‬بففل هففو لجملة أهففل الصففلح‪ .‬قال‬
‫إسفماعيل‪ :‬وإنمفا حكفم للركاز بحكفم الغنيمفة لنفه مال كاففر وجده مسفلم فأنزل منزلة مفن قاتله وأخفذ‬
‫ماله‪ ،‬فكان له أربعفة أخماسفه‪ .‬وقال ابفن القاسفم‪ :‬كان مالك يقول ففي العروض والجواهفر والحديفد‬
‫والرصاص ونحوه يوجد ركازا‪ :‬إن فيه الخمس ثم رجع فقال‪ :‬ل أرى فيه شيئا‪ ،‬ثم آخر ما فارقناه‬
‫أن قال‪ :‬فيفه الخمفس‪ .‬وهفو الصفحيح لعموم الحديفث وعليفه جمهور الفقهاء‪ .‬وقال أبو حنيففة ومحمفد‬
‫ففي الركاز يوجد ففي الدار‪ :‬إنه لصفاحب الدار دون الواجد وفيه الخمس‪ .‬وخالفه أبو يوسفف فقال‪:‬‬
‫إنه للواجد دون صاحب الدار‪ ،‬وهو قول الثوري‪ :‬وان وجد في الفلة فهو للواجد في قولهم جميعا‬
‫وفيففه الخمففس‪ .‬ول فرق عندهففم بيففن أرض الصففلح وأرض العنوة‪ ،‬وسففواء عندهففم أرض العرب‬
‫وغيرها‪ ،‬وجائز عندهم لواجده أن يحتبس الخمس لنفسه إذا كان محتاجا وله أن يعطيه للمساكين‪.‬‬
‫ومفن أهفل المدينفة وأصفحاب مالك مفن ل يفرق بيفن شيفء مفن ذلك وقالوا‪ :‬سفواء وجفد الركاز ففي‬
‫أرض العنوة أو فففي أرض الصففلح أو أرض العرب أو أرض الحرب إذا لم يكففن ملكففا لحففد ولم‬
‫يدعفه أحفد فهفو لواجده وفيفه الخمفس على عموم ظاهفر الحديفث‪ ،‬وهفو قول الليفث وعبدال بفن ناففع‬
‫والشافعي وأكثر أهل العلم‪.‬‬
‫@ وأما ما يوجد من المعادن ويخرج منها فاختلف فيه‪ ،‬فقال مالك وأصحابه‪ :‬ل شيء فيما يخرج‬
‫من المعادن من ذهب أو فضة حتى يكون عشرين مثقال ذهبا أو خمس أواق فضة‪ ،‬فإذا بلغتا هذا‬
‫المقدار وجبفت فيهمفا الزكاة‪ ،‬ومفا زاد فبحسفاب ذلك مفا دام ففي المعدن نيفل‪ ،‬فإن انقطفع ثفم جاء بعفد‬
‫ذلك نيل آخر فإنه تبتدأ فيه الزكاة مكانه‪ .‬والركاز عندهم بمنزلة الزرع تؤخذ منه الزكاة في حينه‬
‫ول ينتظر به حول‪ .‬قال سحنون في رجل له معادن‪ :‬إنه ل يضم ما في واحد منها إلى غيرها ول‬
‫يزكفى إل عفن مائتفي درهفم أو عشريفن دينارا ففي كفل واحفد‪ .‬وقال محمفد بفن مسفلمة‪ :‬يضفم بعضهفا‬
‫إلى بعفض ويزكففى الجميففع كالزرع‪ .‬وقال أبفو حنيففة وأصفحابه‪ :‬المعدن كالركاز‪ ،‬فمففا وجفد ففي‬
‫المعدن من ذهب أو فضة بعد إخراج الخمس اعتبر كل واحد منهما‪ ،‬فمن حصل بيده ما تجب فيه‬
‫الزكاة زكاه لتمام الحول إن أتفى عليفه حول وهفو نصفاب عنده‪ ،‬هذا إذا لم يكفن عنده ذهفب أو فضفة‬
‫وجبت فيه الزكاة‪ .‬فإن كان عنده من ذلك ما تجب فيه الزكاة ضمه إلى ذلك وزكاه‪ .‬وكذلك عندهم‬
‫كل فائدة تضم في الحول إلى النصاب من جنسها وتزكى لحول الصل‪ ،‬وهو قول الثوري‪ .‬وذكر‬
‫المزني عن الشافعي قال‪ :‬وأما الذي أنا واقف فيه فما يخرج من المعادن‪ .‬قال المزني‪ :‬الولى به‬
‫على أصله أن يكون ما يخرج من المعدن فائدة يزكى بحوله بعد إخراجه‪ .‬وقال الليث بن سعد‪ :‬ما‬
‫يخرج من المعادن من الذهب والفضة فهو بمنزلة الفائدة يستأنف به حول‪ ،‬وهو قول الشافعي فيما‬
‫حصفله المزنفي مفن مذهبفه‪ ،‬وقال بفه داود وأصفحابه إذا حال عليهفا الحول عنفد مالك صفحيح الملك‬
‫لقوله صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬مففن اسففتفاد مال فل زكاة عليففه حتففى يحول عليففه الحول) أخرجففه‬
‫الترمذي والدارقطنفي‪ .‬واحتجوا أيضفا بمفا رواه عبدالرحمفن بفن أنعفم عفن أبفي سفعيد الخدري أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أعطى قوما من المؤلفة قلوبهم ذهيبة في تربتها‪ ،‬بعثها علي رضي ال‬
‫عنه من اليمن‪ .‬قال الشافعي‪ :‬والمؤلفة قلوبهم حقهم في الزكاة‪ ،‬فتبين بذلك أن المعادن سنتها سنة‬
‫الزكاة‪ .‬وحجة مالك حديث عن ربيعة بن أبي عبدالرحمن أن النبي صلى ال عليه وسلم أقطع بلل‬
‫بن الحارث المعادن القبلية وهي من ناحية الفرع‪ ،‬فتلك المعادن ل يؤخذ منها إلى اليوم إل الزكاة‪.‬‬
‫وهذا حديفث منقطفع السفناد ل يحتفج بمثله أهفل الحديفث‪ ،‬ولكنفه عمفل يعمفل بفه عندهفم ففي المدينفة‪.‬‬
‫ورواه الدراوردي عن ربيعة عن الحارث بن بلل المزني عن أبيه‪ .‬ذكره البزار‪ ،‬ورواه كثير بن‬
‫عبدال بفن عمرو بفن عوف عفن أبيفه عفن جده عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أنفه أقطفع بلل بفن‬
‫الحارث المعادن القبليفة جلسفيها وغوريهفا‪ .‬وحيفث يصفلح للزرع مفن قدس ولم يعطفه حفق مسفلم‪،‬‬
‫ذكره البزار أيضفا‪ ،‬وكثيفر مجمفع على ضعففه‪ .‬هذا حكفم مفا أخرجتفه الرض‪ ،‬وسفيأتي ففي سفورة‬
‫[النحل] حكم ما أخرجه البحر إذ هو قسيم الرض‪ .‬ويأتي في "النبياء" معنى قوله عليه السلم‪:‬‬
‫(العجماء جرحها جبار) كل في موضعه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تيمموا الخفبيث منفه تنفقون" تيمموا معناه تقصفدوا‪ ،‬وسفتأتي الشواهفد مفن‬
‫أشعار العرب ففي أن التيمفم القصفد ففي "النسفاء" إن شاء ال تعالى‪ .‬ودلت اليفة على أن المكاسفب‬
‫فيها طيب وخبيث‪ .‬وروى النسائي عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في الية التي قال ال تعالى‬
‫فيها‪" :‬ول تيمموا الخبيث منه تنفقون" قال‪ :‬هو الجعرور ولون حبيق‪ ،‬فنهى رسول ال صلى ال‬
‫عليفه وسفلم أن يؤخذا ففي الصفدقة‪ .‬وروى الدارقطنفي عفن أبفي أمامفة بفن سفهل بفن حنيفف عفن أبيفه‬
‫قال‪ :‬أمفر رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم بصفدقة فجاء رجفل مفن هذا السفحل بكبائس قال سففيان‪:‬‬
‫يعني الشيص ‪ -‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من جاء بهذا) ؟ وكان ل يجيء أحد بشيء‬
‫إل نسفب إلى الذي جاء بفه‪ .‬فنزلت‪" :‬ول تيمموا الخفبيث منفه تنفقون"‪ .‬قال‪ :‬ونهفى النفبي صفلى ال‬
‫عليه وسلم عن الجعرور ولون الحبيق أن يؤخذا في الصدقة ‪ -‬قال الزهري‪ :‬لونين من تمر المدينة‬
‫‪ -‬وأخرجه الترمذي من حديث البراء وصححه‪ ،‬وسيأتي‪ .‬وحكى الطبري والنحاس أن في قراءة‬
‫عبدال "ول تأمموا" وهما لغتان‪ .‬وقرأ مسلم بن جندب "ول تيمموا" بضم التاء وكسر الميم‪ .‬وقرأ‬
‫ابفن كثيفر "تيمموا" بتشديفد التاء‪ .‬وففي اللفظفة لغات‪ ،‬منهفا "أممفت الشيفء" مخفففة الميفم الولى‬
‫و"أممتفه" بشدهفا‪ ،‬و"يممتفه وتيممتفه"‪ .‬وحكفى أبفو عمرو أن ابفن مسفعود قرأ "ول تؤمموا" بهمزة‬
‫بعد التاء المضمومة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬منفه تنفقون" قال الجرجانفي ففي كتاب "نظفم القرآن"‪ :‬قال فريفق مفن الناس‪ :‬إن‬
‫الكلم تم في قوله تعالى "الخبيث" ثم ابتدأ خبرا آخر في وصف الخبيث فقال‪" :‬منه تنفقون" وأنتم‬
‫ل تأخذونه إل إذا أغمضتم أي تساهلتم‪ ،‬كأن هذا المعنى عتاب للناس وتقريع‪ .‬والضمير في "منه"‬
‫عائد على الخفبيث وهفو الدون والرديفء‪ .‬قال الجرجانفي‪ :‬وقال فريفق آخفر‪ :‬الكلم متصفل إلى قوله‬
‫"منه"‪ ،‬فالضمير في "منه" عائد على "ما كسبتم" ويجيء "تنفقون" كأنه في موضع نصب على‬
‫الحال‪ ،‬وهو كقولك‪ :‬أنا أخرج أجاهد في سبيل ال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولستم بآخذيه إل أن تغمضوا فيه" أي لستم بآخذيه في ديونكم وحقوقكم من الناس‬
‫إل أن تتساهلوا في ذلك وتتركوا من حقوقكم‪ ،‬وتكرهونه ول ترضونه‪ .‬أي فل تفعلوا مع ال ما ل‬
‫ترضونفه لنفسفكم‪ ،‬قال معناه البراء بفن عازب وابفن عباس والضحاك‪ .‬وقال الحسفن‪ :‬معنفى اليفة‪:‬‬
‫ولسفتم بآخذيفه ولو وجدتموه ففي السفوق يباع إل أن يهضفم لكفم مفن ثمنفه‪ .‬وروي نحوه عفن علي‬
‫رضفي ال عنفه‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وهذان القولن يشبهان كون اليفة ففي الزكاة الواجبفة‪ .‬قال ابفن‬
‫العربفي‪ :‬لو كانفت ففي الفرض لمفا قال "ولسفتم بآخذيفه" لن الرديفء والمعيفب ل يجوز أخذه ففي‬
‫الفرض بحال‪ ،‬ل مع تقدير الغماض ول مع عدمه‪ ،‬وإنما يؤخذ مع عدم إغماض في النفل‪ .‬وقال‬
‫البراء بن عازب أيضا معناه‪" :‬ولستم بآخذيه" لو أهدى لكم "إل أن تغمضوا فيه" أي تستحي من‬
‫المهدي فتقبل منه ما ل حاجة لك به ول قدر له في نفسه‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا يشبه كون الية في‬
‫التطوع‪ .‬وقال ابن زيد‪ :‬ولستم بآخذي الحرام إل أن تغمضوا في مكروهه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل أن تغمضوا فيفه" كذا قراءة الجمهور‪ ،‬مفن أغمفض الرجفل ففي أمفر كذا إذا‬
‫تساهل فيه ورضي ببعض حقه وتجاوز‪ ،‬ومن ذلك قول الطرماح‪:‬‬
‫ل أناس يرضون بالغماض‬ ‫لم يفتنا بالوتر قوم وللذ‬
‫وقفد يحتمفل أن يكون منتزعفا إمفا مفن تغميفض العيفن‪ ،‬لن الذي يريفد الصفبر على مكروه يغمفض‬
‫عينيه ‪ -‬قال‪:‬‬
‫أغمض عنها لست عنها بذي عمى‬ ‫إلى كم وكم أشياء منك تريبني‬
‫وهذا كالغضاء عند المكروه‪ .‬وقد ذكر النقاش هذا المعنى في هذه الية ‪ -‬وأشار إليه مكي ‪ -‬وإما‬
‫مففن قول العرب‪ :‬أغمففض الرجففل إذا أتففى غامضففا مفن المففر‪ ،‬كمففا تقول‪ :‬أعمففن أي أتففى عمان‪،‬‬
‫وأعرق أي أتففى العراق‪ ،‬وأنجففد وأغور أي أتففى نجدا والغور الذي هففو تهامففة‪ ،‬أي فهففو يطلب‬
‫التأويل على أخذه‪ .‬وقرأ الزهري بفتح التاء وكسر الميم مخففا‪ ،‬وعنه أيضا‪" .‬تغمضوا" بضم التاء‬
‫وفتفح الغيفن وكسفر الميفم وشدهفا‪ .‬فالولى على معنفى تهضموا سفومها مفن البائع منكفم فيحطكفم‪.‬‬
‫والثانيفة‪ ،‬وهفى قراءة قتادة فيمفا ذكفر النحاس‪ ،‬أي تأخذوا بنقصفان‪ .‬وقال أبفو عمرو الدانفي‪ :‬معنفى‬
‫قراءتفي الزهري حتفى تأخذوا بنقصفان‪ .‬وحكفى مكفي عفن الحسفن "إل أن تغمضوا" مشددة الميفم‬
‫مفتوحفة‪ .‬وقرأ قتادة أيضفا "تغمضوا" بضفم التاء وسفكون الغيفن وفتفح الميفم مخفففا‪ .‬قال أبفو عمرو‬
‫الداني‪ :‬معناه إل أن يغمض لكم‪ ،‬وحكاه النحاس عن قتادة نفسه‪ .‬وقال ابن جني‪ :‬معناها توجدوا قد‬
‫غمضتفم ففي المفر بتأولكفم أو بتسفاهلكم وجريتفم على غيفر السفابق إلى النفوس‪ .‬وهذا كمفا تقول‪:‬‬
‫أحمدت الرجل وجدتفه محمودا‪ ،‬إلى غير ذلك من المثلة‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وقراءة الجمهور تخرج‬
‫على التجاوز وعلى تغميففض العيففن‪ ،‬لن أغمففض بمنزلة غمففض‪ .‬وعلى أنهففا بمعنففى حتففى تأتوا‬
‫غامضا من التأويل والنظر في أخذ ذلك‪ ،‬إما لكونه حراما على قول ابن زيد‪ ،‬وإما لكونه مهدى أو‬
‫مأخوذا فففي ديففن على قول غيره‪ .‬وقال المهدوي‪ :‬ومففن قرأ "تغمضوا" فالمعنففى تغمضون أعيففن‬
‫بصففائركم عففن أخذه‪ .‬قال الجوهري‪ :‬وغمضففت عففن فلن إذا تسففاهلت عليففه فففي بيففع أو شراء‬
‫وأغمضفت‪ ،‬وقال تعالى‪" :‬ولسفتم بآخذيفه إل أن تغمضوا فيفه" [البقرة‪ .]267 :‬يقال‪ :‬أغمفض لي‬
‫فيما بعتني‪ ،‬كأنك تريد الزيادة منه لرداءته والحط من ثمنه‪ .‬و"أن" في موضع نصب‪ ،‬والتقدير إل‬
‫بأن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واعلموا أن ال غني حميد" نبه سبحانه وتعالى على صفة الغني‪ ،‬أي ل حاجة به‬
‫إلى صفدقاتكم‪ ،‬فمفن تقرب وطلب مثوبفة فليفعفل ذلك بمفا له قدر وبال‪ ،‬فإنمفا يقدم لنفسفه‪ .‬و"حميفد"‬
‫معناه محمود ففي كفل حال‪ .‬وقفد أتينفا على معانفي هذيفن السفمين ففي "الكتاب السفنى" والحمفد ل‪.‬‬
‫قال الزجاج في قوله‪" :‬واعلموا أن ال غني حميد"‪ :‬أي لم يأمركم أن تصدقوا من عوز ولكنه بل‬
‫أخباركم فهو حميد على ذلك على جميع نعمه‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 268 :‬الشيطان يعدكفم الفقفر ويأمركفم بالفحشاء وال يعدكفم مغفرة منفه وفضل وال‬
‫واسع عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الشيطان" تقدم معنفى الشيطان واشتقاقفه فل معنفى لعادتفه‪ .‬و"يعدكفم" معناه‬
‫يخوفكففم "الفقففر" أي بالفقففر لئل تنفقوا‪ .‬فهذه اليففة متصففلة بمففا قبففل‪ ،‬وأن الشيطان له مدخففل فففي‬
‫التثفبيط للنسفان عفن النفاق ففي سفبيل ال‪ ،‬وهفو مفع ذلك يأمفر بالفحشاء وهفي المعاصفي والنفاق‬
‫فيهففا‪ .‬وقيففل‪ :‬أي بأن ل تتصففدقوا فتعصففوا وتتقاطعوا‪ .‬وقرئ "الفُقْفر" بضففم الفاء وهففي لغففة‪ .‬قال‬
‫الجوهري‪ :‬والفقر لغة في الفقر‪ ،‬مثل الضّعف والضّعف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال يعدكم مغفرة منه وفضل" الوعد في كلم العرب إذا أطلق فهو في الخير‪،‬‬
‫وإذا قيففد بالموعود مففا هففو فقففد يقدر بالخيففر وبالشففر كالبشارة‪ .‬فهذه اليففة ممففا يقيففد فيهففا الوعففد‬
‫بالمعنييفن جميعفا‪ .‬قال ابفن عباس‪ :‬ففي هذه اليفة اثنتان مفن ال تعالى واثنتان مفن الشيطان‪ .‬وروى‬
‫الترمذي عفن عبدال بفن مسفعود قال‪ :‬قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬إن للشيطان لمفة بابفن‬
‫آدم وللملك لمففة فأمففا لمففة الشيطان فإيعاد بالشففر وتكذيففب بالحففق وأمففا لمففة الملك فإيعاد بالخيففر‬
‫وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من ال‪ ،‬ومن وجد الخرى فليتعوذ بال من الشيطان ‪ -‬ثم‬
‫قرأ ‪ -‬الشيطان يعدكفم الفقفر ويأمركفم بالفحشاء)‪ .‬قال‪ :‬هذا حديفث حسفن صفحيح‪ .‬ويجوز ففي غيفر‬
‫القرآن "ويأمركم الفحشاء" بحذف الباء‪ ،‬وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫فقد تركتك ذا مال وذا نشب‬ ‫أمرتك الخير فافعل ما أمرت به‬
‫والمغفرة هي الستر على عباده في الدنيا والخرة‪ .‬والفضل هو الرزق في الدنيا والتوسعة والنعيم‬
‫في الخرة‪ ،‬وبكل قد وعد ال تعالى‪.‬‬
‫@ذكر النقاش أن بعض الناس تأنس بهذه الية في أن الفقر أفضل من الغنى‪ ،‬لن الشيطان إنما‬
‫يبعد العبد من الخير‪ ،‬وهو بتخويفه الفقر يبعد منه‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وليس في الية حجة قاطعة بل‬
‫المعارضفة بهفا قويفة‪ .‬وروي أن ففي التوراة (عبدي أنففق مفن رزقفي أبسفط عليفك فضلي فإن يدي‬
‫مبسوطة على كل يد مبسوطة)‪ .‬وفي القرآن مصداقه وهو قوله‪" :‬وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه‬
‫وهو خير الرازقين" [سبأ‪ .]39 :‬ذكره ابن عباس‪" .‬وال واسع عليم" تقدم معناه‪ .‬والمراد هنا أنه‬
‫سفبحانه وتعالى يعطفي مفن سفعة ويعلم حيفث يضفع ذلك‪ ،‬ويعلم الغيفب والشهادة‪ .‬وهمفا اسفمان مفن‬
‫أسمائه ذكرناهما في جملة السماء في (الكتاب السنى) والحمد ل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 269 :‬يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إل‬
‫أولوا اللباب}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يؤتِف الحكمفة مفن يشاء" أي يعطيهفا لمفن يشاء مفن عباده‪ .‬واختلف العلماء ففي‬
‫الحكمففة هنففا‪ ،‬فقال السففدي‪ :‬هففي النبوة‪ .‬ابففن عباس‪ :‬هففي المعرفففة بالقرآن فقهففه ونسففخه ومحكمففه‬
‫ومتشابهففه وغريبففه ومقدمففه ومؤخره‪ .‬وقال قتادة ومجاهففد‪ :‬الحكمففة هففي الفقففه فففي القرآن‪ .‬وقال‬
‫مجاهفد‪ :‬الصفابة ففي القول والفعفل‪ .‬وقال ابفن زيفد‪ :‬الحكمفة العقفل ففي الديفن‪ .‬وقال مالك بفن أنفس‪:‬‬
‫الحكمة المعرفة بدين ال والفقه فيه والتباع له‪ .‬وروى عنه ابن القاسم أنه قال‪ :‬الحكمة التفكر في‬
‫أمفر ال والتباع له‪ .‬وقال أيضفا‪ :‬الحكمفة طاعفة ال والفقفه ففي الديفن والعمفل بفه‪ .‬وقال الربيفع بفن‬
‫أنفس‪ :‬الحكمفة الخشيفة‪ .‬وقال إبراهيفم النخعفي‪ :‬الحكمفة الفهفم ففي القرآن‪ ،‬وقاله زيفد بفن أسفلم‪ .‬وقال‬
‫الحسن‪ :‬الحكمة الورع‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذه القوال كلها ما عدا السدي والربيع والحسن قريب بعضها من بعض‪ ،‬لن الحكمة‬
‫مصفدر مفن الحكام وهفو التقان ففي قول أو فعفل‪ ،‬فكفل مفا ذكفر فهفو نوع مفن الحكمفة التفي هفي‬
‫الجنس‪ ،‬فكتاب ال حكمة‪ ،‬وسنة نبيه حكمة‪ ،‬وكل ما ذكر من التفضيل فهو حكمة‪ .‬وأصل الحكمة‬
‫ما يمتنع به من السفه‪ ،‬فقيل للعلم حكمة‪ ،‬لنه يمتنع به‪ ،‬وبه يعلم المتناع من السفه وهو كل فعل‬
‫قبيح‪ ،‬وكذا القرآن والعقل والفهم‪ .‬وفي البخاري‪( :‬من يرد ال به خيرا يفقهه في الدين) وقال هنا‪:‬‬
‫"ومفن يؤت الحكمفة فقفد أوتفي خيرا كثيرا" وكرر ذكفر الحكمفة ولم يضمرهفا اعتناء بهفا‪ ،‬وتنبيهفا‬
‫على شرفها وفضلها حسب ما تقدم بيانه عند قوله تعالى‪" :‬فبدل الذين ظلموا قول" [البقرة‪.]59 :‬‬
‫وذكر الدارمي أبو محمد في مسنده‪ :‬حدثنا مروان بن محمد حدثنا رفدة الغساني قال‪ :‬أخبرنا ثابت‬
‫بفن عجولن النصفاري قال‪ :‬كان يقال‪ :‬إن ال يريفد العذاب بأهفل الرض فإذا سفمع تعليفم المعلم‬
‫الصبيان الحكمة صرف ذلك عنهم‪ .‬قال مروان‪ :‬يعني بالحكمة القرآن‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إل أولو اللباب" يقال‪ :‬إن من‬
‫أعطفي الحكمفة والقرآن فقفد أعطفي أفضفل مفا أعطفي مفن جمفع علم كتفب الوليفن مفن الصفحف‬
‫وغيرهفا‪ ،‬لنفه قال لولئك‪" :‬ومفا أوتيتفم مفن العلم إل قليل" [السفراء‪ .]85 :‬وسفمى هذا خيرا‬
‫كثيرا‪ ،‬لن هذا هفو جوامفع الكلم‪ .‬وقال بعفض الحكماء‪ :‬مفن أعطفي العلم والقرآن ينبغفي أن يعرف‬
‫نفسه‪ ،‬ول يتواضع لهل الدنيا لجل دنياهم‪ ،‬فإنما أعطي أفضل ما أعطي أصحاب الدنيا‪ ،‬لن ال‬
‫تعالى سففمى الدنيففا متاعففا قليل فقال‪" :‬قففل متاع الدنيففا قليففل" وسففمى العلم والقرآن "خيرا كثيرا"‪.‬‬
‫وقرأ الجمهور "ومفن يؤت" على بناء الفعفل للمفعول‪ .‬وقرأ الزهري ويعقوب "ومفن يؤت" بكسفر‬
‫التاء على معنففى ومففن يؤت ال الحكمففة‪ ،‬فالفاعففل اسففم ال عففز وجففل‪ .‬و"مففن" مفعول أول مقدم‪،‬‬
‫والحكمة مفعول ثان‪ .‬واللباب‪ :‬العقول‪ ،‬واحدها لب وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 270 :‬وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن ال يعلمه وما للظالمين من أنصار}‬
‫@شرط وجوابه‪ ،‬وكانفت النذور من سفيرة العرب تكثفر منهفا‪ ،‬فذكفر ال تعالى النوعين‪ ،‬ما يفعله‬
‫المرء متبرعفا‪ ،‬ومفا يفعله بعفد إلزامفه لنفسفه‪ .‬وففي اليفة معنفى الوعفد والوعيفد‪ ،‬أي مفن كان خالص‬
‫النيفة فهفو مثاب‪ ،‬ومفن أنففق رياء أو لمعنفى آخفر ممفا يكسفبه المفن والذى ونحفو ذلك فهفو ظالم‪،‬‬
‫يذهفب فعله باطل ول يجفد له ناصفرا فيفه‪ .‬ومعنفى "يعلمفه" يحصفيه‪ ،‬قاله مجاهفد‪ .‬ووحفد الضميفر‬
‫وقد ذكر شيئين‪ ،‬فقال النحاس‪ :‬التقدير "وما أنفقتم من نفقة" فإن ال يعلمها‪" ،‬أو نذرتم من نذر فإن‬
‫ال يعلمه" ثم حذف‪ .‬ويجوز أن يكون التقدير‪ :‬وما أنفقتم فإن ال يعلمه وتعود الهاء على "ما" كما‬
‫أنشد سيبويه لمرئ القيس‪:‬‬
‫لما نسجتها من جنوب وشمأل‬ ‫فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها‬
‫ويكون "أو نذرتفم مفن نذر" معطوففا عليفه‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬ووحفد الضميفر ففي "يعلمفه" وقفد ذكفر‬
‫شيئين من حيث أراد ما ذكر أو نص‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا حسن‪ :‬فإن الضمير قد يراد به جميع المذكور وإن كثر‪ .‬والنذر حقيقة العبارة عنه أن‬
‫تقول‪ :‬هو مفا أوجبفه المكلف على نفسفه مفن العبادات ممفا لو لم يوجبفه لم يلزمفه‪ ،‬تقول‪ :‬نذر الرجفل‬
‫كذا إذا التزم فعله‪ ،‬ينذر ‪ -‬بضففم الذال ‪ -‬وينذر ‪ -‬بكسففرها ‪ . -‬وله أحكام يأتففي بيانهففا فففي غيففر هذا‬
‫الوضع إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 271 :‬إن تبدوا الصفدقات فنعمفا هفي وإن تخفوهفا وتؤتوهفا الفقراء فهفو خيفر لكفم‬
‫ويكفر عنكم من سيئاتكم وال بما تعملون خبير}‬
‫@ذهفب جمهور المفسفرين إلى أن هذه اليفة ففي صفدقة التطوع‪ ،‬لن الخفاء فيهفا أفضفل مفن‬
‫الظهار‪ ،‬وكذلك سففائر العبادات الخفاء أفضففل فففي تطوعهففا لنتفاء الرياء عنهففا‪ ،‬وليففس كذلك‬
‫الواجبات‪ .‬قال الحسففن‪ :‬إظهار الزكاة أحسففن‪ ،‬وإخفاء التطوع أفضففل‪ ،‬لنففه أدل على أنففه يراد ال‬
‫عز وجل به وحده‪ .‬قال ابن عباس‪ :‬جعل ال صدقة السر في التطوع تفضل علنيتها يقال بسبعين‬
‫ضعففا‪ ،‬وجعفل صفدقة الفريضفة علنيتهفا أفضفل مفن سفرها يقال بخمسفة وعشريفن ضعففا‪ .‬قال‪:‬‬
‫وكذلك جميع الفرائض والنوافل في الشياء كلها‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مثل هذا ل يقال من جهة الرأي وإنما هو توقيف‪ ،‬وفي صحيح مسلم عن النبي صلى ال‬
‫عليفه وسفلم أنه قال‪( :‬أفضفل صفلة المرء ففي بيتفه إل المكتوبة) وذلك أن الفرائض ل يدخلهفا رياء‬
‫والنوافل عرضة لذلك‪ .‬وروى النسائي عن عقبة بن عامر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إن‬
‫الذي يجهر بالقرآن كالذي يجهر بالصدقة والذي يسر بالقرآن كالذي يسر بالصدقة)‪ .‬وفي الحديث‪:‬‬
‫(صدقة السر تطفئ غضب الرب)‪.‬‬
‫قال ابفن العربفي‪ :‬وليفس ففي تفضيفل صفدقة العلنيفة على السفر‪ ،‬ول تفضيفل صفدقة السفر على‬
‫العلنيفة حديفث صفحيح ولكنفه الجماع الثابفت‪ ،‬فأمفا صفدقة النففل فالقرآن ورد مصفرحا بأنهفا ففي‬
‫السفر أفضفل منهفا ففي الجهفر‪ ،‬بيفد أن علماءنفا قالوا‪ :‬إن هذا على الغالب مخرجفه‪ ،‬والتحقيفق فيفه أن‬
‫الحال في الصدقة تختلف بحال المعطي لها والمعطى إياها والناس الشاهدين لها‪ .‬أما المعطي فله‬
‫فيها فائدة إظهار السنة وثواب القدوة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا لمفن قويفت حاله وحسفنت نيتفه وأمفن على نفسفه الرياء‪ ،‬وأمفا مفن ضعفف عفن هذه‬
‫المرتبفة فالسفر له أفضفل‪ .‬وأمفا المعطفى إياهفا فإن السفر له أسفلم مفن احتقار الناس له‪ ،‬أو نسفبته إلى‬
‫أنه أخذها مع الغنى عنها وترك التعفف‪ ،‬وأما حال الناس فالسر عنهم أفضل من العلنية لهم‪ ،‬من‬
‫جهفة أنهفم ربمفا طعنوا على المعطفي لهفا بالرياء وعلى الخفذ لهفا بالسفتغناء‪ ،‬ولهفم فيهفا تحريفك‬
‫القلوب إلى الصدقة‪ ،‬لكن هذا اليوم قليل‪.‬‬
‫وقال يزيد بن أبي حبيب‪ :‬إنما نزلت هذه الية في الصدقة على اليهود والنصارى‪ ،‬فكان يأمر‬
‫بقسم الزكاة في السر‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا مردود‪ ،‬ل سيما عند السلف الصالح‪ ،‬فقد قال الطبري‪:‬‬
‫أجمع الناس على أن إظهار الواجب أفضل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ذكفر الكيفا الطفبري أن ففي هذه اليفة دللة على قول إخفاء الصفدقات مطلقفا أولى‪ ،‬وأنهفا‬
‫حفق الفقيفر وأنفه يجوز لرب المال تفريقهفا بنفسفه‪ ،‬على مفا هفو أحفد قولي الشافعفي‪ .‬وعلى القول‬
‫الخفر ذكروا أن المراد بالصفدقات ههنفا التطوع دون الفرض الذي إظهاره أولى لئل يلحقفه تهمفة‪،‬‬
‫ولجففل ذلك قيففل‪ :‬صففلة النفففل فرادى أفضففل‪ ،‬والجماعففة فففي الفرض أبعففد عففن التهمففة‪ .‬وقال‬
‫المهدوي‪ :‬المراد باليفة فرض الزكاة ومفا تطوع بفه‪ ،‬فكان الخفاء أفضفل ففي مدة النفبي صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم‪ ،‬ثفم سفاءت ظنون الناس بعفد ذلك‪ ،‬فاسفتحسن العلماء إظهار الفرائض لئل يظفن بأحفد‬
‫المنففع‪ .‬قال ابففن عطيففة‪ :‬وهذا القول مخالف للثار‪ ،‬ويشبففه فففي زماننففا أن يحسففن التسففتر بصففدقة‬
‫الفرض‪ ،‬فقد كثر المانع لها وصار إخراجها عرضة للرياء‪ .‬وقال ابن خويز منداد‪ :‬وقد يجوز أن‬
‫يراد باليفة الواجبات مفن الزكاة والتطوع‪ ،‬لنه ذكفر الخفاء ومدحفه والظهار ومدحفه‪ ،‬فيجوز أن‬
‫يتوجفه إليهمفا جميعفا‪ .‬وقال النقاش‪ :‬إن هذه اليفة نسفخها قوله تعالى‪" :‬الذيفن ينفقون أموالهفم بالليفل‬
‫والنهار سرا وعلنية" [البقرة‪ ]274 :‬الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فنعما هي" ثناء على إبداء الصدقة‪ ،‬ثم حكم على أن الخفاء خير من ذلك‪ .‬ولذلك‬
‫قال بعفففض الحكماء‪ :‬إذا اصفففطنعت المعروف فاسفففتره‪ ،‬وإذا اصفففطنع إليفففك فانشره‪ .‬قال دعبفففل‬
‫الخزاعي‪:‬‬
‫وإن أنعموا باكتتام‬ ‫إذا انتقموا أعلنوا أمرهم‬
‫وقال سهل بن هارون‪:‬‬
‫أعطاك ما ملكت كفاه واعتذرا‬ ‫خل إذا جئته يوما لتسأله‬
‫إن الجميل إذا أخفيته ظهرا‬ ‫يخفى صنائعه وال يظهرها‬
‫وقال العباس بن عبدالمطلب رضي ال عنه‪ :‬ل يتم المعروف إل بثلث خصال‪ :‬تعجيله وتصغيره‬
‫وسففتره‪ ،‬فإذا أعجلتففه هنيتففه‪ ،‬وإذا صففغرته عظمتففه‪ ،‬وإذا سففترته أتممتففه‪ .‬وقال بعففض الشعراء‬
‫فأحسن‪:‬‬
‫أنه عندك مستور حقير‬ ‫زاد معروفك عندي عظما‬
‫وهو عند الناس مشهور خطير‬ ‫تتناساه كأن لم تأته‬
‫واختلف القراء في قول "فنعما هي" فقرأ أبو عمرو ونافع في رواية ورش وعاصم في رواية‬
‫حففص وابفن كثيفر "فنعمفا هفي" بكسفر النون والعيفن‪ .‬وقرأ أبفو عمرو أيضفا وناففع ففي غيفر روايفة‬
‫ورش وعاصفم ففي روايفة أبفي بكفر والمفضفل "فنعمفا" بكسفر النون وسفكون العيفن‪ .‬وقرأ العمفش‬
‫وابن عامر وحمزة والكسائي "فنعما" بفتح النون وكسر العين‪ ،‬وكلهم سكن الميم‪ .‬ويجوز في غير‬
‫القرآن فنعفم مفا هفي‪ .‬قال النحاس‪ :‬ولكنفه ففي السفواد متصفل فلزم الدغام‪ .‬وحكفى النحويون ففي‬
‫"نعفم" أربفع لغات‪ :‬نعفم الرجفل زيفد‪ ،‬هذا الصفل‪ .‬ونعفم الرجفل‪ ،‬بكسفر النون لكسفر العيفن‪ .‬ونعفم‬
‫الرجفل‪ ،‬بفتفح النون وسفكون العيفن‪ ،‬والصفل نعفم حذففت الكسفرة لنهفا ثقيلة‪ .‬ونعفم الرجفل‪ ،‬وهذا‬
‫أفضفل اللغات‪ ،‬والصفل فيهفا َنعِم‪ .‬وهفي تقفع ففي كفل مدح‪ ،‬فخفففت وقلبفت كسفرة العيفن على النون‬
‫وأسفكنت العيفن‪ ،‬فمفن قرأ "فنعمفا هفي" فله تقديران‪ :‬أحدهمفا أن يكون جاء بفه على لغفة مفن يقول‬
‫نِعِم‪ .‬والتقديففر الخففر أن يكون على اللغففة الجيدة‪ ،‬فيكون الصففل ِنعْمفَ‪ ،‬ثففم كسففرت العيففن للتقاء‬
‫السفاكنين‪ .‬قال النحاس‪ :‬فأمفا الذي حكفي عفن أبفي عمرو وناففع مفن إسفكان العيفن فمحال‪ .‬حكفي عفن‬
‫محمفد بفن يزيفد أنفه قال‪ :‬أمفا إسفكان العيفن والميفم مشددة فل يقدر أحفد أن ينطفق بفه‪ ،‬وإنمفا يروم‬
‫الجمع بين ساكنين ويحرك ول يأبه‪ .‬وقال أبو علي‪ :‬من قرأ بسكون العين لم يستقم قوله‪ ،‬لنه جمع‬
‫بين ساكنين الول منهما ليس بحرف مد ولين وإنما يجوز ذلك عند النحويين إذا كان الول حرف‬
‫مفد‪ ،‬إذ المفد يصفير عوضفا مفن الحركفة‪ ،‬وهذا نحفو دابفة وضوال ونحوه‪ .‬ولعفل أبفا عمرو أخففى‬
‫الحركفة واختلسفها كأخذه بالخفاء ففي "بارئكفم ‪ -‬و ‪ -‬يأمركفم" فظفن السفامع الخفاء إسفكانا للطفف‬
‫ذلك ففي السفمع وخفائه‪ .‬قال أبفو علي‪ :‬وأمفا مفن قرأ "نعمفا" بفتفح النون وكسفر العيفن فإنمفا جاء‬
‫بالكلمة على أصلها ومنه قول الشاعر‪:‬‬
‫نعم الساعون في المر المبر‬ ‫ما أقلت قدماي إنهم‬
‫قال أبففو علي‪ :‬و"مففا" مففن قوله تعالى‪" :‬نعمففا" فففي موضففع نصففب‪ ،‬وقوله "هففي" تفسففير للفاعففل‬
‫المضمفر قبفل الذكفر‪ ،‬والتقديفر نعفم شيئا إبداؤهفا‪ ،‬والبداء هفو المخصفوص بالمدح إل أن المضاف‬
‫حذف وأقيفم المضاف إليفه مقامفه‪ .‬ويدلك على هذا قوله "فهفو خيفر لكفم" أي الخفاء خيفر‪ .‬فكمفا أن‬
‫الضميفر هنفا للخفاء ل للصفدقات فكذلك‪ ،‬أول الفاعفل هفو البداء وهفو الذي اتصفل بفه الضميفر‪،‬‬
‫فحذف البداء وأقيم ضمير الصدقات مثله‪" .‬وإن تخفوها" شرط‪ ،‬فلذلك حذفت النون‪" .‬وتؤتوها"‬
‫عطف عليه‪ .‬والجواب "فهو خيفر لكم"‪" .‬ويكفر" اختلف القراء في قراءته‪ ،‬فقرأ أبو عمرو وابن‬
‫كثير وعاصم في رواية أبي بكر وقتادة وابن أبي إسحاق "ونكفر" بالنون ورفع الراء‪ .‬وقرأ نافع‬
‫وحمزة والكسائي بالنون والجزم في الراء‪ ،‬وروي مثل ذلك أيضا عن عاصم‪ .‬وروى الحسين بن‬
‫علي الجعفي عن العمش "يكفر" بنصب الراء‪ .‬وقرأ ابن عامر بالياء ورفع الراء‪ ،‬ورواه حفص‬
‫عن عاصم‪ ،‬وكذلك روي عن الحسن‪ ،‬وروي عنه بالياء والجزم‪ .‬وقرأ ابن عباس "وتكفر" بالتاء‬
‫وكسفر الفاء وجزم الراء‪ .‬وقرأ عكرمفة "وتكففر" بالتاء وفتفح الفاء وجزم الراء‪ .‬وحكفى المهدوي‬
‫عفن ابفن هرمفز أنفه قرأ "وتكففر" بالتاء ورففع الراء‪ .‬وحكفي عفن عكرمفة وشهفر بفن حوشفب أنهمفا‬
‫قرآ بتاء ونصب الراء‪ .‬فهذه تسع قراءات أبينها "ونكفر" بالنون والرفع‪ .‬هذا قول الخليل وسيبويه‪.‬‬
‫قال النحاس‪ :‬قال سيبويه‪ :‬والرفع ههنا الوجه وهو الجيد‪ ،‬لن الكلم الذي بعد الفاء يجري مجراه‬
‫ففي غيفر الجزاء‪ .‬وأجاز الجزم بحمله على المعنفى‪ ،‬لن المعنفى وإن تخفوهفا وتؤتوهفا الفقراء يكفن‬
‫خيرا لكفم ونكففر عنكفم‪ .‬وقال أبفو حاتفم‪ :‬قرأ العمفش "يكففر" بالياء دون واو قبلهفا‪ .‬قال النحاس‪:‬‬
‫والذي حكاه أبو حاتم عن العمش بغير واو جزما يكون على البدل كأنه في موضع الفاء‪ .‬والذي‬
‫روي عففن عاصففم "ويكفففر" بالياء والرفففع يكون معناه ويكفففر ال‪ ،‬هذا قول أبففي عبيففد‪ .‬وقال أبففو‬
‫حاتفم‪ :‬معناه يكففر العطاء‪ .‬وقرأ ابفن عباس "وتكففر" يكون معناه وتكففر الصفدقات‪ .‬وبالجملة فمفا‬
‫كان مفن هذه القراءات بالنون فهفي نون العظمفة‪ ،‬ومفا كان منهفا بالتاء فهفي الصفدقة فاعلمفه‪ ،‬إل مفا‬
‫روي عفن عكرمفة مفن فتفح الفاء فإن التاء ففي تلك القراءة إنمفا هفي للسفيئات‪ ،‬ومفا كان منهفا بالياء‬
‫فال تعالى هفو المكففر‪ ،‬والعطاء ففي خفاء مكففر أيضفا كمفا ذكرنفا‪ ،‬وحكاه مكفي‪ .‬وأمفا رففع الراء‬
‫فهفو على وجهيفن‪ :‬أحدهمفا أن يكون الفعفل خفبر ابتداء تقديره ونحفن نكففر أو وهفي تكففر‪ ،‬أعنفي‬
‫الصفدقة‪ ،‬أو وال يكففر‪ .‬والثانفي القطفع والسفتئناف ل تكون الواو العاطففة للشتراك لكفن تعطفف‬
‫جملة كلم على جملة‪ .‬وقفد ذكرنفا معنفى قراءة الجزم‪ .‬فأمفا نصفب "ونكففر" فضعيفف وهفو على‬
‫إضمار أن وجاز على بُعْفد‪ .‬قال المهدوي‪ :‬وهففو مشبففه بالنصففب فففي جواب السففتفهام‪ ،‬إذ الجزاء‬
‫يجففب بففه الشيففء لوجوب غيره كالسففتفهام‪ .‬والجزم فففي الراء أفصففح هذه القراءات‪ ،‬لنهففا تؤذن‬
‫بدخول التكفير في الجزاء وكونه مشروطا إن وقع الخفاء‪ .‬وأما الرفع فليس فيه هذا المعنى‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا خلف ما اختاره الخليل وسيبويه‪ .‬و"من" في قوله "من سيئاتكم" للتبعيض المحض‪.‬‬
‫وحكفى الطفبري عفن فرقفة أنهفا زائدة‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وذلك منهفم خطفأ‪" .‬وال بمفا تعملون خفبير"‬
‫وعد ووعيد‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 272 :‬ليس عليك هداهم ولكن ال يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلنفسكم وما‬
‫تنفقوا إل ابتغاء وجه ال وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم ل تظلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ليفس عليفك هداهفم" هذا الكلم متصفل بذكفر الصفدقات‪ ،‬فكأنفه بيفن فيفه جواز‬
‫الصفدقة على المشركيفن‪ .‬روى سفعيد بفن جفبير مرسفل عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ففي سفبب‬
‫نزول هذه الية أن المسلمين كانوا يتصدقون على فقراء أهل الذمة‪ ،‬فلما كثر فقراء المسلمين قال‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم (ل تتصدقوا إل على أهل دينكم)‪ .‬فنزلت هذه الية مبيحة للصدقة‬
‫على مفن ليفس مفن ديفن السفلم‪ .‬وذكفر النقاش أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أتفي بصفدقات فجاءه‬
‫يهودي فقال‪ :‬أعطنفي‪ .‬فقال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬ليفس لك مفن صفدقة المسفلمين شيفء)‪.‬‬
‫فذهفب اليهودي غيفر بعيفد فنزلت‪" :‬ليفس عليفك هداهفم" فدعاه رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫فأعطاه‪ ،‬ثفم نسفخ ال ذلك بآيفة الصفدقات‪ .‬وروى ابفن عباس أنفه قال‪ :‬كان ناس مفن النصفار لهفم‬
‫قرابات مففن بنففي قريظففة والنضيففر‪ ،‬وكانوا ل يتصففدقون عليهففم رغبففة منهففم فففي أن يسففلموا إذا‬
‫احتاجوا‪ ،‬فنزلت اليفة بسفبب أولئك‪ .‬وحكفى بعفض المفسفرين أن أسفماء ابنفة أبفي بكفر الصفديق‬
‫أرادت أن تصفل جدهفا أبفا قحاففة ثفم امتنعفت مفن ذلك لكونفه كافرا فنزلت اليفة ففي ذلك‪ .‬وحكفى‬
‫الطفبري أن مقصفد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بمنفع الصفدقة إنمفا كان ليسفلموا ويدخلوا ففي الديفن‪،‬‬
‫فقال ال تعالى‪" :‬ليفس عليفك هداهفم"‪ .‬وقيفل‪" :‬ليفس عليفك هداهفم" ليفس متصفل بمفا قبفل‪ ،‬فيكون‬
‫ظاهرا في الصدقات وصرفها إلى الكفار‪ ،‬بل يحتمل أن يكون معناه ابتداء كلم‪.‬‬
‫@قال علماؤنفا‪ :‬هذه الصفدقة التفي أبيحفت لهفم حسفب مفا تضمنتفه هذه الثار هفي صفدقة التطوع‪.‬‬
‫وأمفا المفروضفة فل يجزئ دفعهفا لكاففر‪ ،‬لقوله عليفه السفلم‪( :‬أمرت أن آخفذ الصفدقة مفن أغنيائكفم‬
‫وأردهفا ففي فقرائكفم)‪ .‬قال ابفن المنذر‪ :‬أجمفع كفل مفن أحففظ عنفه مفن أهفل العلم أن الذمفي ل يعطفى‬
‫مففن زكاة الموال شيئا‪ ،‬ثففم ذكففر جماعففة ممففن نففص على ذلك ولم يذكففر خلفففا‪ .‬وقال المهدوي‪:‬‬
‫رخص للمسلمين أن يعطوا المشركين من قراباتهم من صدقة الفريضة لهذه الية‪ .‬قال ابن عطية‪:‬‬
‫وهذا مردود بالجماع‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال أبفو حنيففة‪ :‬تصفرف إليهفم زكاة الفطفر‪ .‬ابفن العربفي‪ :‬وهذا‬
‫ضعيففف ل أصففل له‪ .‬ودليلنففا أنهففا صففدقة طهرة واجبففة فل تصففرف إلى الكافففر كصففدقة الماشيففة‬
‫والعين‪ ،‬وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬أغنوهم عن سؤال هذا اليوم) يعني يوم الفطر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وذلك لتشاغلهم بالعيد وصلة العيد وهذا ل يتحقق في المشركين‪ .‬وقد يجوز صرفها إلى‬
‫غير المسلم في قول من جعلها سنة‪ ،‬وهو أحد القولين عندنا‪ ،‬وهو قول أبي حنيفة على ما ذكرنا‪،‬‬
‫نظرا إلى عموم اليففة فففي البر وإطعام الطعام وإطلق الصففدقات‪ .‬قال ابففن عطيففة‪ :‬وهذا الحكففم‬
‫متصور للمسلمين مع أهل ذمتهم ومع المسترقين من الحربيين‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وفي التنزيل "ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا" [النسان‪ ]8 :‬والسير‬
‫في دار السلم ل يكون إل مشركا‪ .‬وقال تعالى‪" :‬ل ينهاكم ال عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم‬
‫يخرجوكفم مفن دياركفم أن تفبروهم وتقسفطوا إليهفم" [الممتحنفة‪ .]8 :‬فظواهفر هذه اليات تقتضفي‬
‫جواز صففرف الصففدقات إليهففم جملة‪ ،‬إل أن النففبي صففلى ال عليففه وسففلم خففص منهففا الزكاة‬
‫المفروضففة‪ ،‬لقوله عليففه السففلم لمعاذ‪( :‬خففذ الصففدقة مففن أغنيائهففم وردهففا على فقرائهففم) واتفففق‬
‫العلماء على ذلك على مففا تقدم‪ .‬فيدفففع إليهففم مففن صففدقة التطوع إذا احتاجوا‪ ،‬وال أعلم‪ .‬قال ابففن‬
‫العربفي‪ :‬فأمفا المسفلم العاصفي فل خلف أن صفدقة الفطفر تصفرف إليفه إل إذا كان يترك أركان‬
‫السفلم مفن الصفلة والصفيام فل تدففع إليفه الصفدقة حتفى يتوب‪ .‬وسفائر أهفل المعاصفي تصفرف‬
‫الصفدقة إلى مرتكبيهفا لدخولهفم ففي اسفم المسفلمين‪ .‬وففي صفحيح مسفلم أن رجل تصفدق على غنفي‬
‫وسارق وزانية وتقبلت صدقته‪ ،‬على ما يأتي بيانه في آية "الصدقات"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولكن ال يهدي من يشاء" أي يرشد من يشاء‪ .‬وفي هذا رد على القدرية وطوائف‬
‫من المعتزلة‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومفا تنفقوا مفن خيفر فلنفسفكم ومفا تنفقون إل ابتغاء وجفه ال" شرط وجوابفه‪.‬‬
‫والخير في هذه الية المال‪ ،‬لنه قد اقترن بذكر النفاق فهذه القرينة تدل على أنه المال‪ ،‬ومتى لم‬
‫تقترن بمففا يدل على أنففه المال فل يلزم أن يكون بمعنففى المال‪ ،‬نحففو قوله تعالى‪" :‬خيففر مسففتقرا"‬
‫[الفرقان‪ ]24 :‬وقوله "مثقال ذرة خيرا يره" [الزلزلة‪ .]7 :‬إلى غير ذلك‪ .‬وهذا تحرز من قول‬
‫عكرمفة‪ :‬كفل خيفر ففي كتاب ال تعالى فهفو المال‪ .‬وحكفي أن بعفض العلماء كان يصفنع كثيرا مفن‬
‫المعروف ثم يحلف أنه ما فعل مع أحد خيرا‪ ،‬فقيل له في ذلك فيقول‪ :‬إنما فعلت مع نفسي‪ ،‬ويتلو‬
‫"ومفا تنفقوا مفن خيفر فلنفسفكم"‪ .‬ثفم بيفن تعالى أن النفقفة المعتفد بقبولهفا إنمفا هفي مفا كان ابتغاء‬
‫وجهفه‪ .‬و"ابتغاء" هفو على المفعول له‪ .‬وقيفل‪ :‬إنفه شهادة مفن ال تعالى للصفحابة رضفي ال عنهفم‬
‫أنهفم إنمفا ينفقون ابتغاء وجهفه‪ ،‬فهذا خرج مخرج التفضيفل والثناء عليهفم‪ .‬وعلى التأويفل الول هفو‬
‫اشتراط عليهم‪ ،‬ويتناول الشتراط غيرهم من المة‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم لسعد بن‬
‫أبفي وقاص‪( :‬إنفك لن تنففق نفقفة تبتغفي بهفا وجفه ال تعالى إل أجرت بهفا حتفى مفا تجعفل ففي فيِف‬
‫امرأتك)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم ل تظلمون" "يوف إليكم" تأكيد وبيان لقوله‪:‬‬
‫"وما تنفقوا من خير فلنفسكم" وأن ثواب النفاق يوفى إلى المنفقين ول يبخسون منه شيئا فيكون‬
‫ذلك البخس ظلما لهم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 273 :‬للفقراء الذين أحصروا في سبيل ال ل يستطيعون ضربا في الرض يحسبهم‬
‫الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم ل يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن ال به‬
‫عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬للفقراء" اللم متعلقة بقوله "وما تنفقوا من خير" وقيل‪ :‬بمحذوف تقديره النفاق‬
‫أو الصففدقة للفقراء‪ .‬قال السففدي ومجاهففد وغيرهمففا‪ :‬المراد بهؤلء الفقراء فقراء المهاجريففن مففن‬
‫قريفش وغيرهفم‪ ،‬ثفم تتناول اليفة كفل مفن دخفل تحفت صففة الفقراء غابر الدهفر‪ .‬وإنمفا خفص فقراء‬
‫المهاجريفن بالذكفر لنفه لم يكفن هناك سفواهم وهفم أهفل الصففة وكانوا نحوا مفن أربعمائة رجفل‪،‬‬
‫وذلك أنهم كانوا يقدمون فقراء على رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وما لهم أهل ول مال فبنيت‬
‫لهم صفة في مسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقيل لهم‪ :‬أهل الصفة‪ .‬قال أبو ذر‪ :‬كنت من‬
‫أهل الصفة وكنا إذا أمسينا حضرنا باب رسول ال صلى ال عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف‬
‫برجفل ويبقفى مفن بقفي مفن أهفل الصففة عشرة أو أقفل فيؤتفى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بعشائه‬
‫ونتعشففى معففه‪ .‬فإذا فرغنففا قال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬ناموا فففي المسففجد)‪ .‬وخرج‬
‫الترمذي عفن البراء بفن عازب "ول تيمموا الخفبيث منفه تنفقون" قال‪ :‬نزلت فينفا معشفر النصفار‬
‫كنفا أصفحاب نخفل‪ ،‬قال‪ :‬فكان الرجفل يأتفي مفن نخله على قدر كثرتفه وقلتفه‪ ،‬وكان الرجفل يأتفي‬
‫بالقنفو والقنويفن فيعلقفه ففي المسفجد‪ ،‬وكان أهفل الصففة ليفس لهفم طعام‪ ،‬فكان أحدهفم إذا جاع أتفى‬
‫القنفو فيضربفه بعصفاه فيسفقط مفن البُسفر والتمفر فيأكفل‪ ،‬وكان ناس ممفن ل يرغفب ففي الخيفر يأتفي‬
‫حشَف‪ ،‬وبالقنو قد انكسر فيعلقه في المسجد‪ ،‬فأنزل ال تعالى "يا أيها الذين‬ ‫بالقنو فيه الشيص وال َ‬
‫آمنوا أنفقوا مفن طيبات مفا كسفبتم وممفا أخرجنفا لكفم مفن الرض ول تيمموا الخفبيث منفه تنفقون‬
‫ولستم بآخذيه إل أن تغمضوا فيه" [البقرة‪ .]267 :‬قال‪ :‬ولو أن أحدكم أهدي إليه مثل ما أعطاه‬
‫لم يأخذه إل على إغماض وحياء‪ .‬قال‪ :‬فكنا بعد ذلك يأتي الرجل بصالح ما عنده‪ .‬قال‪ :‬هذا حديث‬
‫حسففن غريففب صففحيح‪ .‬قال علماؤنففا‪ :‬وكانوا رضففي ال عنهففم فففي المسففجد ضرورة‪ ،‬وأكلوا مففن‬
‫الصفدقة ضرورة‪ ،‬فلمفا فتفح ال على المسفلمين اسفتغنوا عفن تلك الحال وخرجوا ثفم ملكوا وتأمروا‪.‬‬
‫ثم بين ال سبحانه من أحوال أولئك الفقراء المهاجرين ما يوجب الحنو عليهم بقوله تعالى‪" :‬الذين‬
‫أحصفروا ففي سفبيل ال" والمعنفى حبسفوا ومنعوا‪ .‬قال قتادة وابفن زيفد‪ :‬معنفى "أحصفروا ففي سفبيل‬
‫ال" حبسففوا أنفسففهم عففن التصففرف فففي معايشهففم خوف العدو‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪" :‬ل يسففتطيعون‬
‫ضربففا فففي الرض" لكون البلد كلهففا كفرا مطبقففا‪ .‬وهذا فففي صففدر السففلم‪ ،‬فعلتهففم تمنففع مففن‬
‫الكتسففاب بالجهاد‪ ،‬وإنكار الكفار عليهففم إسففلمهم يمنففع مففن التصففرف فففي التجارة فبقوا فقراء‪.‬‬
‫وقيفل‪ :‬معنففى "ل يسففتطيعون ضربفا فففي الرض" أي لمفا قفد ألزموا أنفسفهم مفن الجهاد‪ .‬والول‬
‫أظهر‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف" أي أنهم من النقباض وترك المسألة والتوكل‬
‫على ال بحيث يظنهم الجاهل بهم أغنياء‪ .‬وفيه دليل على أن اسم الفقر يجوز أن يطلق على من له‬
‫كسففوة ذات قيمففة ول يمنففع ذلك مففن إعطاء الزكاة إليففه‪ .‬وقففد أمففر ال تعالى بإعطاء هؤلء القوم‪،‬‬
‫وكانوا من المهاجرين الذين يقاتلون مع رسول ال صلى ال عليه وسلم غير مرضى ول عميان‪.‬‬
‫والتعفف تفعل‪ ،‬وهو بناء مبالغة من عف عن الشيء إذا أمسك عنه وتنزه عن طلبه‪ ،‬وبهذا المعنى‬
‫فسفر قتادة وغيره‪ .‬وفتفح السفين وكسفرها ففي "يحسفبهم" لغتان‪ .‬قال أبفو علي‪ :‬والفتفح أقيفس‪ ،‬لن‬
‫العين من الماضي مكسورة فبابها أن تأتي في المضارع مفتوحة‪ .‬والقراءة بالكسر حسنة‪ ،‬لمجيء‬
‫السفمع بفه وإن كان شاذا عفن القياس‪ .‬و"مفن" ففي قوله "مفن التعففف" لبتداء الغايفة‪ .‬وقيفل لبيان‬
‫الجنس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تعرفهم بسيماهم" فيه دليل على أن للسيما أثرا في اعتبار من يظهر عليه ذلك‪،‬‬
‫حتفى إذا رأينفا ميتفا ففي دار السفلم وعليفه زنار وهفو غيفر مختون ل يدففن ففي مقابر المسفلمين‪،‬‬
‫ويقدم ذلك على حكفم الدار ففي قول أكثفر العلماء‪ ،‬ومنفه قوله تعالى‪" :‬ولتعرفنهفم ففي لحفن القول"‬
‫[محمد‪ .]30 :‬فدلت الية على جواز صرف الصدقة إلى من له ثياب وكسوة وزي في التجمل‪.‬‬
‫واتفق العلماء على ذلك‪ ،‬وإن اختلفوا بعده في مقدار ما يأخذه إذا احتاج فأبو حنيفة اعتبر مقدار ما‬
‫تجفب فيفه الزكاة‪ ،‬والشافعفي اعتفبر قوت سفنة‪ ،‬ومالك اعتفبر أربعيفن درهمفا‪ ،‬والشافعفي ل يصفرف‬
‫الزكاة إلى المكتسب‪.‬‬
‫والسفيما (مقصفورة)‪ :‬العلمفة‪ ،‬وقفد تمفد فيقال السفيماء‪ .‬وقفد اختلف العلماء ففي تعيينههنفا‪ ،‬فقال‬
‫مجاهفد‪ :‬هفي الخشوع والتواضفع‪ .‬السفدي‪ :‬أثفر الفاقفة والحاجفة ففي وجوههفم وقلة النعمفة‪ .‬ابفن زيفد‪:‬‬
‫رثاثففة ثيابهففم‪ .‬وقال قوم وحكاه مكففي‪ :‬أثففر السففجود‪ .‬ابففن عطيففة‪ :‬وهذا حسففن‪ ،‬وذلك لنهففم كانوا‬
‫متفرغين متوكلين ل شغل لهم في الغلب إل الصلة‪ ،‬فكان أثر السجود عليهم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وهده السيما التي هي أثر السجود اشترك فيها جميع الصحابة رضوان ال عليهم بإخبار‬
‫ال تعالى ففي آخفر "الفتح" بقوله‪" :‬سفيماهم ففي وجوههفم مفن أثفر السفجود" [الفتفح‪ ]29 :‬فل فرق‬
‫بينهفم وبيفن غيرهفم‪ ،‬فلم يبفق إل أن تكون السفيماء أثفر الخصفاصة والحاجفة‪ ،‬أو يكون أثفر السفجود‬
‫أكثفر‪ ،‬فكانوا يعرفون بصففرة الوجوه مفن قيام الليفل وصفوم النهار‪ .‬وال أعلم‪ .‬وأمفا الخشوع فذلك‬
‫محله القلب ويشترك فيه الغني والفقير‪ ،‬فلم يبق إل ما اخترناه‪ ،‬والموفق الله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يسألون الناس إلحافا" مصدر في موضع الحال أي ملحفين يقال‪ :‬ألحف وأحفى‬
‫وألح في المسألة سواء ويقال‪:‬‬
‫وليس للملحف مثل الرد‬
‫واشتقاق اللحاف مفففن اللحاف‪ ،‬سفففمي بذلك لشتماله على وجوه الطلب ففففي المسفففألة كاشتمال‬
‫اللحاف من التغطية‪ ،‬أي هذا السائل يعم الناس بسؤاله فيلحفهم ذلك‪ ،‬ومنه قول ابن أحمر‪:‬‬
‫ويلحفهن هفهافا ثخينا‬ ‫فظل يحفهن بقفقفيه‬
‫يصف ذكر النعام يحضن بيضا بجناحيه ويجعل جناحه لها كاللحاف وهو رقيق مع ثخنه‪ .‬وروى‬
‫النسائي ومسلم عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ليس المسكين الذي ترده‬
‫التمرة والتمرتان واللقمففة واللقمتان إنمففا المسففكين المتعفففف اقرؤوا إن شئتففم "ل يسففألون الناس‬
‫إلحافا"‪.‬‬
‫@واختلف العلماء في معنى قوله "ل يسألون الناس إلحافا" على قولين‪ ،‬فقال قوم منهم الطبري‬
‫والزجاج‪ :‬إن المعنفى ل يسفألون البتفة‪ ،‬وهذا على أنهفم متعففون عفن المسفألة عففة تامفة‪ ،‬وعلى هذا‬
‫جمهور المفسفرين‪ ،‬يكون التعففف صففة ثابتفة لهفم‪ ،‬أي ل يسفألون الناس إلحاحفا ول غيفر إلحاح‪.‬‬
‫وقال قوم‪ :‬إن المراد نفففي اللحاف‪ ،‬أي أنهففم يسففألون غيففر إلحاف‪ ،‬وهذا هففو السففابق للفهففم‪ ،‬أي‬
‫يسفألون غيفر ملحفيفن‪ .‬وففي هذا تنفبيه على سفوء حالة مفن يسفأل الناس إلحاففا‪ .‬روى الئمفة واللففظ‬
‫لمسلم عن معاوية بن أبي سفيان قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل تلحفوا في المسألة‬
‫فوال ل يسفألني أحفد منكفم شيئا فتخرج له مسفألته منفي شيئا وأنفا له كاره فيبارك له فيمفا أعطيتفه)‪.‬‬
‫وففي الموطفأ "عفن زيفد بفن أسفلم عفن عطاء بفن يسفار عفن رجفل مفن بنفي أسفد أنفه قال‪ :‬نزلت أنفا‬
‫وأهلي ببقيع الغرقد فقال لي أهلي‪ :‬اذهب إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فاسأله لنا شيئاً نأكله‪،‬‬
‫وجعلوا يذكرون مففن حاجتهففم‪ ،‬فذهبففت إلى رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم فوجدت عنده رجل‬
‫يسأله ورسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬ل أجد ما أعطيك) فتولى الرجل عنه وهو مغضب‬
‫وهو يقول‪ :‬لعمري إنك لتعطي من شئت! فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬إنه يغضب علي‬
‫أل أجد ما أعطيه من سأل منكم وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا)‪ .‬قال السدي‪ :‬فقلت للقحة لنا‬
‫خيفر مفن أوقيفة ‪ -‬قال مالك‪ :‬والوقيفة أربعون درهمفا ‪ -‬قال‪ :‬فرجعفت ولم أسفأله‪ ،‬فقدم على رسفول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم بعفد ذلك بشعيفر وزبيفب فقسفم لنفا منفه حتفى أغنانفا ال"‪ .‬قال ابفن عبدالبر‪:‬‬
‫هكذا رواه مالك وتابعفه هشام بفن سفعد وغيره‪ ،‬وهفو حديفث صفحيح‪ ،‬وليفس حكفم الصفحابي إذا لم‬
‫يسم كحكم من دونه إذا لم يسم عند العلماء‪ ،‬لرتفاع الجرحة عن جميعهم وثبوت العدالة لهم‪ .‬وهذا‬
‫الحديث يدل على أن السؤال مكروه لمن له أوقية من فضة‪ ،‬فمن سأل وله هذا الحد والعدد والقدر‬
‫من الفضة أو ما يقوم مقامها ويكون عدل منها فهو ملحف‪ ،‬وما علمت أحدا من أهل العلم إل وهو‬
‫يكره السؤال لمن له هذا المقدار من الفضة أو عدلها من الذهب على ظاهر هذا الحديث‪ .‬وما جاءه‬
‫مفن غيفر مسفألة فجائز له أن يأكله إن كان مفن غيفر الزكاة‪ ،‬وهذا ممفا ل أعلم فيفه خلففا‪ ،‬فإن كان‬
‫من الزكاة ففيه خلف يأتي بيانه في آية الصدقات إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قال ابفن عبدالبر‪ :‬مفن أحسفن مفا روي مفن أجوبفة الفقهاء ففي معانفي السفؤال وكراهيتفه ومذهفب‬
‫أهل الورع فيه ما حكاه الثرم عن أحمد بن حنبل وقد سئل عن المسألة متى تحل قال‪ :‬إذا لم يكن‬
‫ما يغذيه ويعشيه على حديث سهل بن الحنظلية‪ .‬قيل لبي عبدال‪ :‬فإن اضطر إلى المسألة؟ قال‪:‬‬
‫هفي مباحفة له إذا اضطفر‪ .‬قيفل له‪ :‬فإن تعففف ؟ قال‪ :‬ذلك خيفر له‪ .‬ثفم قال‪ :‬مفا أظفن أحدا يموت مفن‬
‫الجوع! ال يأتيه برزقه‪ .‬ثم ذكر حديث أبي سعيد الخدري (من استعف أعفه ال)‪ .‬وحديث أبي ذر‬
‫عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال له‪( :‬تعففف)‪ .‬قال أبفو بكفر‪ :‬وسفمعته يسفأل عفن الرجفل ل يجفد‬
‫شيئا أيسأل الناس أم يأكل الميتة؟ فقال‪ :‬أيأكل الميتة وهو يجد من يسأله‪ ،‬هذا شنيع‪ .‬قال‪ :‬وسمعته‬
‫يسفأله هفل يسفأل الرجفل لغيره؟ قال ل‪ ،‬ولكفن يعرض‪ ،‬كمفا قال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم حيفن‬
‫جاءه قوم حفاة عراة مجتابي النمار فقال‪( :‬تصدقوا) ولم يقل أعطوهم‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬قد قال النبي‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم (اشفعوا تؤجروا)‪ .‬وفيفه إطلق السفؤال لغيره‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقال‪( :‬أل رجفل‬
‫يتصدق على هذا)؟ قال أبو بكر‪ :‬قيل له ‪ -‬يعني أحمد بن حنبل ‪ -‬فالرجل يذكر الرجل فيقول‪ :‬إنه‬
‫محتاج؟ فقال‪ :‬هذا تعريفض وليفس بفه بأس‪ ،‬إنمفا المسفألة أن يقول أعطفه‪ .‬ثفم قال‪ :‬ل يعجبنفي أن‬
‫يسأل المرء لنفسه فكيف لغيره؟ والتعريض هنا أحب إلي‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قفد روى أبفو داود والنسفائي وغيرهمفا أن الفراسفي قال لرسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪:‬‬
‫أسأل يا رسول ال؟ قال‪( :‬ل وإن كنت سائل ل بد فاسأل الصالحين)‪ .‬فأباح صلى ال عليه وسلم‬
‫سفؤال أهفل الفضفل والصفلح عنفد الحاجفة إلى ذلك‪ ،‬وإن أوقفع حاجتفه بال فهفو أعلى‪ .‬قال إبراهيفم‬
‫بفن أدهفم‪ :‬سفؤال الحاجات مفن الناس هفي الحجاب بينفك وبيفن ال تعالى‪ ،‬فأنزل حاجتفك بمفن يملك‬
‫الضر والنفع‪ ،‬وليكن مفزعك إلى ال تعالى يكفيك ال ما سواه وتعيش مسرورا‪.‬‬
‫@فإن جاءه شيء من غير سؤال فله أن يقبله ول يرده‪ ،‬إذ هو رزق رزقه ال‪ .‬روى مالك عن‬
‫زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أرسل إلى عمر بن الخطاب‬
‫بعطاء فرده‪ ،‬فقال له رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬لم رددتففه)؟ فقال‪ :‬يففا رسففول ال‪ ،‬أليففس‬
‫أخبرتنففا أن أحدنففا خيففر له أل يأخففذ شيئا؟ فقال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬إنمففا ذاك عففن‬
‫المسفألة فأمفا مفا كان مفن غيفر مسفألة فإنمفا هفو رزق رزقكفه ال)‪ .‬فقال عمفر بفن الخطاب‪ :‬والذي‬
‫نفسي بيده ل أسأل أحدا شيئا ول يأتيني بشيء من غير مسألة إل أخذته‪ .‬وهذا نص‪ .‬وخرج مسلم‬
‫ففي صفحيحه والنسفائي ففي سفننه وغيرهمفا عفن ابفن عمفر قال سفمعت عمفر يقول‪ :‬كان النفبي صفلى‬
‫ال عليفه وسفلم يعطينفي العطاء فأقول‪ :‬أعطفه أفقفر إليفه منفي‪ ،‬حتفى أعطانفي مرة مالً فقلت‪ :‬أعطفه‬
‫أفقفر إليفه منفي‪ ،‬فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬خذه ومفا جاءك مفن هذا المال وأنفت غيفر‬
‫مشرف ول سفائل فخذه ومال فل تتبعفه نفسفك)‪ .‬زاد النسفائي ‪ -‬بعفد قوله (خذه ‪ -‬فتموله أو تصفدق‬
‫بفه)‪ .‬وروى مسفلم مفن حديفث عبدال بفن السفعدي المالكفي عفن عمفر فقال لي رسفول ال صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم‪( :‬إذا أعطيفت شيئا مفن غيفر أن تسفأل فكفل وتصفدق)‪ .‬وهذا يصفحح لك حديفث مالك‬
‫المرسل‪ .‬قال الثرم‪ :‬سمعت أبا عبدال أحمد بن حنبل يسأل عن قول النبي صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫(مفا أتاك مفن غيفر مسفألة ول إشراف) أي الشراف أراد؟ فقال‪ :‬أن تسفتشرفه وتقول‪ :‬لعله يبعفث‬
‫إلي بقلبك‪ .‬قيل له‪ :‬وإن لم يتعرض‪ ،‬قال نعم إنما هو بالقلب‪ .‬قيل له‪ :‬هذا شديد قال‪ :‬وإن كان شديدا‬
‫فهفو هكذا‪ .‬قيفل له‪ :‬فإن كان الرجفل لم يعودنفي أن يرسفل إلي شيئا إل أنفه قفد عرض بقلبفي فقلت‪:‬‬
‫عسفى أن يبعفث إلي‪ .‬قال‪ :‬هذا إشراف‪ ،‬فأمفا إذا جاءك مفن غيفر أن تحتسفبه ول خطفر على قلبفك‬
‫فهذا الن ليففس فيففه إشراف‪ .‬قال أبففو عمففر‪ :‬الشراف فففي اللغففة رفففع الرأس إلى المطموع عنده‬
‫والمطموع فيفه‪ ،‬وأن يهفش النسفان ويتعرض‪ .‬ومفا قاله أحمفد ففي تأويفل الشراف تضييفق وتشديفد‬
‫وهو عندي بعيد‪ ،‬لن ال عز وجل تجاوز لهذه المة عما حدثت به أنفسها ما لم ينطق به لسان أو‬
‫تعمله جارحفة‪ .‬وأمفا مفا اعتقده القلب مفن المعاصففي مففا خل الكفففر فليففس بشيفء حتففى يعمفل له‪،‬‬
‫وخطرات النفس متجاوز عنها بإجماع‪.‬‬
‫@اللحاح في المسألة واللحاف فيها مع الغنى عنها حرام ل يحل‪ .‬قال رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسففلم‪( :‬مففن سففأل الناس أموالهففم تكثراً فإنمففا يسففأل جمرًا فليسففتقل أو ليسففتكثر) رواه أبففو هريرة‬
‫خرجفه مسفلم‪ .‬وعفن ابفن عمفر أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬ل تزال المسفألة بأحدكفم حتفى‬
‫يلقى ال وليس في وجهه مزعة لحم) رواه مسلم أيضا‪.‬‬
‫@السائل إذا كان محتاجا فل بأس أن يكرر المسألة ثلثا إعذارا وإنذارا والفضل تركه‪ .‬فإن كان‬
‫المسففؤول يعلم بذلك وهففو قادر على مففا سففأله وجففب عليففه العطاء‪ ،‬وإن كان جاهل بففه فيعطيففه‬
‫مخافة أن يكون صادقاً في سؤاله فل يفلح في رده‪.‬‬
‫فإن كان محتاجاً إلى ما يقيم به سنة كالتجمل بثوب يلبسه في العيد والجمعة فذكر ابن العربي‪:‬‬
‫سفمعت بجامفع الخليففة ببغداد رجلً يقول‪ :‬هذا أخوكفم يحضفر الجمعفة معكفم وليفس عنده ثياب يقيفم‬
‫بهفا سفنة الجمعفة‪ .‬فلمفا كان ففي الجمعفة الخرى رأيفت عليفه ثيابفا أخفر‪ ،‬فقيفل لي‪ :‬كسفاه إياهفا أبفو‬
‫الطاهر البرسني أخذ الثناء‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 274 :‬الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلنية فلهم أجرهم عند ربهم ول‬
‫خوف عليهم ول هم يحزنون}‬
‫@روي عن ابن عباس وأبي ذر وأبي أمامة وأبي الدرداء وعبدال بن بشر الغافقي والوزاعي‬
‫أنها نزلت ففي علف الخيل المربوطة ففي سبيل ال‪ .‬وذكر ابن سعد في الطبقات قال‪ :‬أخبرت عن‬
‫محمد بن شعيب بن شابور قال‪ :‬أنبأنا سعيد بن سنان عن يزيد بن عبدال بن عريب عن أبيه عن‬
‫جده عريب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سئل عن قوله تعالى‪" :‬الذين ينفقون أموالهم بالليل‬
‫والنهار سرا وعلنية فلهم أجرهم عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون" قال‪( :‬هم أصحاب‬
‫الخيفل)‪ .‬وبهذا السفناد قال‪ :‬قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬المنففق على الخيفل كباسفط يده‬
‫بالصفدقة ل يقبضهفا وأبوالهفا وأرواثهفا عنفد ال يوم القيامفة كذكفي المسفك)‪ .‬وروي عفن ابفن عباس‬
‫أنه قال‪ :‬نزلت في علي بن أبي طالب رضي ال عنه‪ ،‬كانت معه أربعة دراهم فتصدق بدرهم ليلً‬
‫وبدرهفم نهارًا وبدرهفم سفراً وبدرهفم جهراً‪ ،‬ذكره عبدالرزاق قال‪ :‬أخبرنفا عبدالوهاب بفن مجاهفد‬
‫عن أبيه عن ابن عباس‪ .‬ابن جريج‪ :‬نزلت في رجل فعل ذلك‪ ،‬ولم يسم عليا ول غيره‪ .‬وقال قتادة‪.‬‬
‫هذه الية نزلت ففي المنفقين من غير تبذير ول تقتيفر‪ .‬ومعنى "بالليل والنهار" في الليل والنهار‪،‬‬
‫ودخلت الفاء فففي قوله تعالى‪" :‬فلهففم" لن فففي الكلم معنففى الجزاء‪ .‬وقففد تقدم‪ .‬ول يجوز زيففد‬
‫فمنطلق‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 275 :‬الذيفن يأكلون الربا ل يقومون إل كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المفس‬
‫ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل ال البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى‬
‫فله ما سلف وأمره إلى ال ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬الذيفن يأكلون الربفا" (يأكلون) يأخذون‪ ،‬فعفبر عفن الخفذ بالكفل‪ ،‬لن الخفذ إنمفا‬
‫يراد للكل‪ .‬والربا في اللغة الزيادة مطلقا‪ ،‬يقال‪ :‬ربا الشيء يربو إذا زاد‪ ،‬ومنه الحديث‪( :‬فل وال‬
‫ما أخذنا من لقمة إل ربا من تحتها) يعني الطعام الذي دعا فيه النبي صلى ال عليه وسلم بالبركة‪،‬‬
‫خرج الحديفث مسفلم رحمفه ال‪ .‬وقياس كتابتفه بالياء للكسفرة ففي أوله‪ ،‬وقفد كتبوه ففي القرآن بالواو‪.‬‬
‫ثفم إن الشرع قفد تصفرف ففي هذا الطلق فقصفره على بعفض موارده‪ ،‬فمرة أطلقفه على كسفب‬
‫الحرام‪ ،‬كما قال ال تعالى في اليهود‪" :‬وأخذهم الربا وقد نهوا عنه" [النساء‪ .]161 :‬ولم يرد به‬
‫الربا الشرعي الذي حكم بتحريمه علينا وإنما أراد المال الحرام‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬سماعون للكذب‬
‫أكالون للسحت" [المائدة‪ ]42 :‬يعني به المال الحرام من الرشا‪ ،‬وما استحلوه من أموال الميين‬
‫حيث قالوا‪" :‬ليس علينا في الميين سبيل" [آل عمران‪ .]75 :‬وعلى هذا فيدخل فيه النهي عن كل‬
‫مال حرام بأي وجه اكتسب‪ .‬والربا الذي عليه عرف الشرع شيئان‪ :‬تحريم النساء‪ ،‬والتفاضل في‬
‫العقود وفي المطعومات على ما نبينه‪ .‬وغالبه ما كانت العرب تفعله‪ ،‬من قولها للغريم‪ :‬أتقضي أم‬
‫تربي ؟ فكان الغريم يزيد في عدد المال ويصبر الطالب عليه‪ .‬وهذا كله محرم باتفاق المة‪.‬‬
‫أكثفر البيوع الممنوعة إنمفا تجفد منعهفا لمعنفى زيادة إمفا ففي عيفن مال‪ ،‬وإمفا ففي منفعفة لحدهمفا‬
‫مفن تأخيفر ونحوه‪ .‬ومفن البيوع مفا ليفس فيفه معنفى الزيادة‪ ،‬كفبيع الثمرة قبفل بدو صفلحها‪ ،‬وكالبيفع‬
‫ساعة النداء يوم الجمعة‪ ،‬فإن قيل لفاعلها‪ ،‬آكل الربا فتجوز وتشبيه‪.‬‬
‫@روى الئمفة واللففظ لمسفلم عفن أبفي سفعيد الخدري قال‪ :‬قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪:‬‬
‫(الذهفب بالذهفب والفضفة بالفضفة والبر بالبر والشعيفر بالشعيفر والتمفر بالتمفر والملح بالملح ِمثْل‬
‫بِمثفل يدًا بيفد فمفن زاد أو اسفتزاد فقفد أربفى الخفذ والمعطفي فيفه سفواء)‪ .‬وففي حديفث عبادة بفن‬
‫الصفامت‪( :‬فإذا اختلففت هذه الصفناف ففبيعوا كيفف شئتفم إذا كان يدًا بيفد)‪ .‬وروى أبفو داود عفن‬
‫عبادة بن الصامت أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة‬
‫بالفضفة تبرهفا وعينهفا والبر بالبر ُمدْيٌف بمديٍف والشعيفر بالشعيفر مدي بمدي والتمفر بالتمفر مدي‬
‫بمدي والملح بالملح مدي بمدي فمفن زاد أو ازداد فقفد أربفى ول بأس يفبيع الذهفب بالفضفة والفضفة‬
‫أكثرهمفا يداً بيفد وأمفا نسفيئة فل ول بأس بفبيع البر بالشعيفر والشعيفر أكثرهمفا يداً بيفد وأمفا نسفيئة‬
‫فل)‪ .‬وأجمفع العلماء على القول بمقتضفى هذه السفنة وعليهفا جماعفة فقهاء المسفلمين إل ففي البر‬
‫والشعير فإن مالكا جعلهما صنفا واحدا‪ ،‬فل يجوز منهما اثنان بواحد‪ ،‬وهو قول الليث والوزاعي‬
‫ومعظفم علماء المدينفة والشام‪ ،‬وأضاف مالك إليهمفا السفلت‪ .‬وقال الليفث‪ :‬السفلت والدخفن والذرة‬
‫صنف واحد‪ ،‬وقاله ابن وهب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإذا ثبتفت السفنة فل قول معهفا‪ .‬وقال عليفه السفلم‪( :‬فإذا اختلففت هذه الصفناف ففبيعوا‬
‫كيفف شئتفم إذا كان يداً بيفد)‪ .‬وقوله‪( :‬البر بالبر والشعيفر بالشعيفر) دليفل على أنهمفا نوعان مختلفان‬
‫كمخالففة البر للتمفر‪ ،‬ولن صففاتهما مختلففة وأسفماؤهما مختلففة‪ ،‬ول اعتبار بالمنبفت والمحصفد إذا‬
‫لم يعتبره الشرع‪ ،‬بل فصل وبين‪ ،‬وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة والثوري وأصحاب الحديث‪.‬‬
‫@كان معاويفة بفن أبفي سففيان يذهفب إلى أن النهفي والتحريفم إنمفا ورد مفن النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسلم في الدينار المضروب والدرهم المضروب ل في التبر من الذهب والفضة بالمضروب‪ ،‬ول‬
‫ففي المصفوغ بالمضروب‪ .‬وقفد قيفل إن ذلك إنمفا كان منفه ففي المصفوغ خاصفة‪ ،‬حتفى وقفع له مفع‬
‫عبادة مففا خرجففه مسففلم وغيره‪ ،‬قال‪ :‬غزونففا وعلى الناس معاويففة فغنمنففا غنائم كثيرة‪ ،‬فكان ممففا‬
‫غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجل ببيعها في أعطيات الناس فتنازع الناس في ذلك فبلغ عبادة‬
‫بفن الصفامت ذلك فقام فقال‪ :‬إنفي سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ينهفى عفن بيفع الذهفب‬
‫بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إل سواء بسواء‬
‫عينفا بعين مفن زاد أو ازداد فقد أربفى‪ ،‬فرد الناس مفا أخذوا‪ ،‬فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبفا فقال‪ :‬أل‬
‫مفا بال رجال يتحدثون عفن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أحاديفث قفد كنفا نشهده ونصفحبه فلم‬
‫نسفمعها منفه فقام عبادة بفن الصفامت فأعاد القصفة ثفم قال‪ :‬لنحدثفن بمفا سفمعنا مفن رسفول ال صفلى‬
‫ال عليه وسلم وإن كره معاوية ‪ -‬أو قال وإن رغم ‪ -‬ما أبالي إل أصحبه في جنده في ليلة سوداء‪.‬‬
‫قال حماد هذا أو نحوه‪ .‬قال ابففن عبدالبر‪ :‬وقففد روي أن هذه القصففة إنمففا كانففت لبففي الدرداء مففع‬
‫معاويفة‪ .‬ويحتمففل أن يكون وقففع ذلك لهمفا معفه‪ ،‬ولكففن الحديفث ففي العرف محفوظ لعبادة‪ ،‬وهفو‬
‫الصفل الذي عول عليفه العلماء ففي باب [الربفا]‪ .‬ولم يختلفوا أن فعفل معاويفة ففي ذلك غيفر جائز‪،‬‬
‫وغيفر نكيفر أن يكون معاويفة خففي عليفه مفا قفد علمفه أبفو الدرداء وعبادة فإنهمفا جليلن مفن فقهاء‬
‫الصحابة وكبارهم‪ ،‬وقد خفي على أبي بكر وعمر ما وجد عند غيرهم ممن هو دونهم‪ ،‬فمعاوية‬
‫أخرى‪ .‬ويحتمفل أن يكون مذهبفه كمذهفب ابفن عباس‪ ،‬فقفد كان وهفو بحفر ففي العلم ل يرى الدرهفم‬
‫بالدرهميفن بأسفا حتفى صفرفه عفن ذلك أبفو سفعيد‪ .‬وقصفة معاويفة هذه مفع عبادة كانفت ففي وليفة‬
‫عمفر‪ .‬قال قبيصفة بفن ذؤيفب‪ :‬إن عبادة أنكفر شيئا على معاويفة فقال‪ :‬ل أسفاكنك بأرض أنفت بهفا‬
‫ودخفل المدينفة‪ .‬فقال له عمفر‪ :‬مفا أقدمفك ؟ فأخفبره‪ .‬فقال‪ :‬ارجفع إلى مكانفك‪ ،‬فقبفح ال أرضفا لسفت‬
‫فيها ول أمثالك ! وكتب إلى معاوية "ل إمارة لك عليه"‪.‬‬
‫@روى الئمفة واللففظ للدارقطنفي عفن علي رضفي ال عنفه قال قال رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسلم‪( :‬الدينار بالدينار والدرهم بالدرهم ل فضل بينهما من كانت له حاجة بورق فليصرفها بذهب‬
‫وإن كانفت له حاجفة بذهفب فليصفرفها بورق هاء وهاء)‪ .‬قال العلماء فقوله عليفه السفلم‪( :‬الدينار‬
‫بالدينار والدرهففم بالدرهففم ل فضففل بينهمففا) إشارة إلى جنففس الصففل المضروب‪ ،‬بدليففل قوله‪:‬‬
‫(الفضة بالفضة والذهب بالذهب) الحديث‪ .‬والفضة البيضاء والسوداء والذهب الحمر والصفر‬
‫كفل ذلك ل يجوز بيفع بعضفه ببعفض إل مثلً بمثفل سفواء بسفواء على كفل حال‪ ،‬على هذا جماعفة‬
‫أهل العلم على ما بينا‪ .‬واختلفت الرواية عن مالك في الفلوس فألحقها بالدراهم من حيث كانت ثمنا‬
‫للشياء‪ ،‬ومنع من إلحاقها مرة من حيث إنها ليست ثمنا في كل بلد وإنما يختص بها بلد دون بلد‪.‬‬
‫@ل اعتبار بما قد روي عن كثير من أصحاب مالك وبعضهم يرويه عن مالك في التاجر يحفزه‬
‫الخروج وبفه حاجفة إلى دراهفم مضروبفة أو دنانيفر مضروبفة‪ ،‬فيأتفي دار الضرب بفضتفه أو ذهبفه‬
‫فيقول للضراب‪ ،‬خذ فضتي هذه أو ذهبي وخذ قدر عمل يدك وادفع إلي دنانير مضروبة في ذهبي‬
‫أو دراهفم مضروبفة ففي فضتفي هذه لنفي محفوز للخروج وأخاف أن يفوتنفي مفن أخرج معفه‪ ،‬أن‬
‫ذلك جائز للضرورة‪ ،‬وأنه قد عمل به بعض الناس‪ .‬وحكاه ابن العربي في قبسه عن مالك في غير‬
‫التاجر‪ ،‬وإن مالكا خفف في ذلك‪ ،‬فيكون في الصورة قد باع فضته التي زنتها مائة وخمسة دراهم‬
‫أجره بمائة وهذا محففض الربففا‪ .‬والذي أوجففب جواز ذلك أنففه لو قال له‪ :‬اضرب لي هذه وقاطعففه‬
‫على ذلك بأجرة‪ ،‬فلمفا ضربهفا قبضهفا منفه وأعطاه أجرتهفا‪ ،‬فالذي فعفل مالك أول هفو الذي يكون‬
‫آخرا‪ ،‬ومالك إنمفا نظفر إلى المال فركفب عليفه حكفم الحال‪ ،‬وأباه سفائر الفقهاء‪ .‬قال ابفن العربفي‪:‬‬
‫والحجة فيه لمالك بينة‪ .‬قال أبو عمر رحمه ال‪ :‬وهذا هو عين الربا الذي حرمه رسول ال صلى‬
‫ال عليففه وسففلم بقوله‪( :‬مففن زاد أو ازداد فقففد أربففى)‪ .‬وقففد رد ابففن وهففب هذه المسففألة على مالك‬
‫وأنكرها‪ .‬وزعم البهري أن ذلك من باب الرفق لطلب التجارة ولئل يفوت السوق‪ ،‬وليس الربا إل‬
‫على من أراد أن يربي ممن يقصد إلى ذلك ويبتغيه‪ .‬ونسي البهري أصله في قطع الذرائع‪ ،‬وقوله‬
‫فيمن باع ثوبا بنسيئة وهو ل نية له في شرائه ثم يجده في السوق يباع‪ :‬إنه ل يجوز له ابتياعه منه‬
‫بدون مفا باعفه بفه وإن لم يقصففد إلى ذلك ولم يبتغففه‪ ،‬ومثله كثيفر‪ ،‬ولو لم يكفن الربففا إل على مفن‬
‫قصده ما حرم إل على الفقهاء‪ .‬وقد قال عمر‪ :‬ل يتجر في سوقنا إل من فقه وإل أكل الربا‪ .‬وهذا‬
‫بين لمن رزق النصاف وألهم رشده‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقففد بالغ مالك رحمففه ال فففي منففع الزيادة حتففى جعففل المتوهففم كالمتحقففق‪ ،‬فمنففع دينارا‬
‫ودرهمفا بدينار ودرهفم سفدا للذريعفة وحسفما للتوهمات‪ ،‬إذ لول توهفم الزيادة لمفا تبادل‪ .‬وقفد علل‬
‫منفع ذلك بتعذر المماثلة عنفد التوزيفع‪ ،‬فإنفه يلزم منفه ذهفب وفضفة بذهفب‪ .‬وأوضفح مفن هذا منعفه‬
‫التفاضفل المعنوي‪ ،‬وذلك أنفه منفع دينارا مفن الذهفب العالي ودينارا مفن الذهفب الدون ففي مقابلة‬
‫العالي وألففى الدون‪ ،‬وهذا مفن دقيفق نظره رحمفه ال‪ ،‬فدل أن تلك الروايفة عنفه منكرة ول تصفح‪.‬‬
‫وال أعلم‪.‬‬
‫@قال الخطابفي‪ :‬التفبر قطفع الذهفب والفضفة قبفل أن تضرب وتطبفع دراهفم أو دنانيفر‪ ،‬واحدتهفا‬
‫تفبرة‪ .‬والعيفن‪ :‬المضروب مفن الدراهفم أو الدنانيفر‪ .‬وقفد حرم رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم أن‬
‫يباع مثقال ذهب عين بمثقال وشيء من تبر غير مضروب‪ .‬وكذلك حرم التفاوت بين المضروب‬
‫من الفضة وغير المضروب منها‪ ،‬وذلك معنى قوله‪( :‬تبرها وعينها سواء)‪.‬‬
‫@أجمفع العلماء على أن التمفر بالتمفر ول يجوز إل مثل بمثفل‪ .‬واختلفوا ففي بيفع التمرة الواحدة‬
‫بالتمرتين‪ ،‬والحبة الواحدة من القمح بحبتين‪ ،‬فمنعه الشافعي وأحمد وإسحاق والثوري‪ ،‬وهو قياس‬
‫قول مالك وهفو الصفحيح‪ ،‬لن مفا جرى الربفا فيفه بالتفاضفل ففي كثيره دخفل قليله ففي ذلك قياسفا‬
‫ونظرا‪ .‬احتج من أجاز ذلك بأن مستهلك التمرة والتمرتين ل تجب عليه القيمة‪ ،‬قال‪ :‬لنه ل مكيل‬
‫ول موزون فجاز فيه التفاضل‪.‬‬
‫@اعلم رحمك ال أن مسائل هذا الباب كثيرة وفروعه منتشرة‪ ،‬والذي يربط لك ذلك أن تنظر إلى‬
‫مفا اعتفبره كفل واحفد مفن العلماء ففي علة الربفا‪ ،‬فقال أبفو حنيففة‪ :‬علة ذلك كونفه مكيل أو موزونفا‬
‫جنسفا‪ ،‬فكفل مفا يدخله الكيفل أو الوزن عنده مفن جنفس واحفد‪ ،‬فإن بيفع بعضفه ببعفض متفاضل أو‬
‫نسفيئا ل يجوز‪ ،‬فمنفع بيفع التراب بعضفه ببعفض متفاضل‪ ،‬لنفه يدخله الكيفل‪ ،‬وأجاز الخبفز قرصفا‬
‫بقرصين‪ ،‬لنه لم يدخل عنده في الكيل الذي هو أصله‪ ،‬فخرج من الجنس الذي يدخله الربا إلى ما‬
‫عداه‪ .‬وقال الشافعفي‪ :‬العلة كونفه مطعومفا جنسفا‪ .‬هذا قوله ففي الجديفد‪ ،‬فل يجوز عنده بيفع الدقيفق‬
‫بالخبفز ول بيفع الخفبر بالخبفز متفاضل ول نسفيئا‪ ،‬وسفواء أكان الخبفز خميرا أو فطيرا‪ .‬ول يجوز‬
‫عنده بيضفة بفبيضتين‪ ،‬ول رمانفة برمانتيفن‪ ،‬ول بطيخفة ببطيختيفن ل يدا بيفد ول نسفيئة‪ ،‬لن ذلك‬
‫كله طعام مأكول‪ .‬وقال في القديم‪ :‬كونه مكيل أو موزونا‪ .‬واختلفت عبارات أصحابنا المالكية في‬
‫ذلك‪ ،‬وأحسن ما في ذلك كونه مقتاتا مدخرا للعيش غالبا جنسا‪ ،‬كالحنطة والشعير والتمر والملح‬
‫المنصفوص عليهفا‪ ،‬ومفا ففي معناهفا كالرز والذرة والدخفن والسفمسم‪ ،‬والقطانفي كالفول والعدس‬
‫واللوبياء والحمفففففص‪ ،‬وكذلك اللحوم واللبان والخلول والزيوت‪ ،‬والثمار كالعنفففففب والزبيفففففب‬
‫والزيتون‪ ،‬واختلف ففي التيفن‪ ،‬ويلحفق بهفا العسفل والسفكر‪ .‬فهذا كله يدخله الربفا مفن جهفة النسفاء‪.‬‬
‫وجائز فيفه التفاضفل لقوله عليفه السفلم‪( :‬إذا اختلففت هذه الصفناف ففبيعوا كيفف شئتفم إذا كان يداً‬
‫بيفد)‪ .‬ول ربا ففي رطب الفواكه التي ل تبقى كالتفاح والبطيخ والرمان والكمثرى والقثاء والخيار‬
‫والباذنجان وغيفر ذلك مفن الخضراوات‪ .‬قال مالك‪ :‬ل يجوز بيفع البيفض بالبيفض متفاضل‪ ،‬لنفه‬
‫ممفا يدخفر‪ ،‬ويجوز عنده مثل بمثفل‪ .‬وقال محمفد بفن عبدال بفن عبدالحكفم‪ :‬جائز بيضفة بفبيضتين‬
‫وأكثر‪ ،‬لنه مما ل يدخر‪ ،‬وهو قول الوزاعي‪.‬‬
‫@اختلف النحاة ففي لففظ "الربفا" فقال البصفريون‪ :‬هفو مفن ذوات الواو‪ ،‬لنفك تقول ففي تثنيتفه‪:‬‬
‫ِربَوان‪ ،‬قاله سيبويه‪ .‬وقال الكوفيون‪ :‬يكتب بالياء‪ ،‬وتثنيته بالياء‪ ،‬لجل الكسرة التي في أوله‪ .‬قال‬
‫الزجاج‪ :‬مفا رأيفت خطفأ أقبفح من هذا ول أشنفع ل يكفيهفم الخطفأ ففي الخفط حتفى يخطئوا ففي التثنيفة‬
‫وهم يقرؤون‪" :‬وما آتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس" [الروم‪ ]39 :‬قال محمد بن يزيد‪ :‬كتب‬
‫"الربا" في المصحف بالواو فرقا بينه وبين الزنا‪ ،‬وكان الربا أولى منه بالواو‪ ،‬لنه من ربا يربو‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يقومون إل كمفا يقوم الذي يتخبطفه الشيطان مفن المفس" الجملة خفبر البتداء‬
‫وهو "الذين"‪ .‬والمعنى من قبورهم‪ ،‬قاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير وقتادة والربيع والضحاك‬
‫والسفدي وابفن زيفد‪ .‬وقال بعضهفم‪ :‬يجعفل معفه شيطان يخنقفه‪ .‬وقالوا كلهفم‪ :‬يبعفث كالمجنون عقوبفة‬
‫له وتمقيتاً عند جميع أهل المحشفر‪ .‬ويقوي هذا التأويل المجمع عليه أن في قراءة ابن مسعود "ل‬
‫يقومون يوم القيامة إل كما يقوم"‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وأما ألفاظ الية فكانت تحتمل تشبيه حال القائم‬
‫بحرص وجشففع إلى تجارة الدنيففا بقيام المجنون‪ ،‬لن الطمففع والرغبففة تسففتفزه حتففى تضطرب‬
‫أعضاؤه‪ ،‬وهذا كمفا تقول لمسفرع ففي مشيفه يخلط ففي هيئة حركاتفه إمفا مفن فزع أو غيره‪ :‬قفد جفن‬
‫هذا! وقد شبه العشى ناقته في نشاطها بالجنون في قوله‪:‬‬
‫ألم بها من طائف الجن أولق‬ ‫وتصبح عن غب السرى وكأنما‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫لعمرك بي من حب أسماء أولق‬
‫لكففن مففا جاءت بففه قراءة ابففن مسففعود وتظاهرت بففه أقوال المفسففرين يضعففف هذا التأويففل‪.‬‬
‫و"يتخبطفه" يتفعله مفن خبفط يخبفط‪ ،‬كمفا تقول‪ :‬تملكفه وتعبده‪ .‬فجعفل ال هذه العلمفة لكلة الربفا‪،‬‬
‫وذلك أنفه أرباه ففي بطونهفم فأثقلهفم‪ ،‬فهفم إذا خرجوا مفن قبورهفم يقومون ويسفقطون‪ .‬ويقال‪ :‬إنهفم‬
‫يبعثون يوم القيامفة قفد انتفخفت بطونهفم كالحبالى‪ ،‬وكلمفا قاموا سفقطوا والناس يمشون عليهفم‪ .‬وقال‬
‫بعفض العلماء‪ :‬إنمفا ذلك شعار لهفم يعرفون بفه يوم القيامفة ثفم العذاب مفن وراء ذلك‪ ،‬كمفا أن الغال‬
‫يجيففء بمففا غففل يوم القيامففة بشهرة يشهففر بهففا ثففم العذاب مففن وراء ذلك‪ .‬وقال تعالى‪" :‬يأكلون"‬
‫والمراد يكسفبون الربفا ويفعلونفه‪ .‬وإنمفا خفص الكفل بالذكفر لنفه أقوى مقاصفد النسفان ففي المال‪،‬‬
‫ولنفه دال على الجشفع وهفو أشفد الحرص‪ ،‬يقال‪ :‬رجفل جشفع بيفن الجشفع وقوم جشعون‪ ،‬قاله ففي‬
‫المجمل‪ .‬فأقيم هذا البعض من توابع الكسب مقام الكسب كله‪ ،‬فاللباس والسكنى والدخار والنفاق‬
‫على العيال داخل في قوله‪" :‬الذين يأكلون"‪.‬‬
‫@ففي هذه اليفة دليفل على فسفاد إنكار مفن أنكفر الصفرع مفن جهفة الجفن‪ ،‬وزعفم أنفه مفن فعفل‬
‫الطبائع‪ ،‬وأن الشيطان ل يسفلك ففي النسفان ول يكون منفه مفس‪ ،‬وقفد مضفى الرد عليهفم فيمفا تقدم‬
‫من هذا الكتاب‪ .‬وقد روى النسائي عن أبي اليسر قال‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم يدعو‬
‫فيقول‪( :‬اللهم إني أعوذ بك من التردي والهدم والغرق والحريق وأعوذ بك أن يتخبطني الشيطان‬
‫عنفد الموت وأعوذ بفك أن أموت ففي سفبيلك مدبراً وأعوذ بفك أن أموت لديغاً)‪ .‬وروي مفن حديفث‬
‫محمد بن المثنى حدثنا أبو داود حدثنا همام عن قتادة عن أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫كان يقول‪( :‬اللهفم إنفي أعوذ بفك مفن الجنون والجذام والبرص وسفيئ السفقام)‪ .‬والمفس‪ :‬الجنون‪،‬‬
‫يقال‪ :‬مفس الرجفل وألس‪ ،‬فهفو ممسفوس ومألوس إذا كان مجنونفا‪ ،‬وذلك علمفة الربفا ففي الخرة‪.‬‬
‫وروي ففي حديفث السفراء‪( :‬فانطلق بفي جبريفل فمررت برجال كثيفر كفل رجفل منهفم بطنفه مثفل‬
‫البيففت الضخففم متصففدين على سففابلة آل فرعون وآل فرعون يعرضون على النار بكرة وعشيففا‬
‫فيقبلون مثففل البففل المهيومففة يتخبطون الحجارة والشجففر ل يسففمعون ول يعقلون فإذا أحففس بهففم‬
‫أصفحاب تلك البطون قاموا فتميفل بهفم بطونهفم فيصفرعون ثفم يقوم أحدهفم فيميفل بفه بطنفه فيصفرع‬
‫فل يستطيعون براحا حتى يغشاهم آل فرعون فيطؤونهم مقبلين ومدبرين فذلك عذابهم في البرزخ‬
‫بيفن الدنيفا والخرة وآل فرعون يقولون اللهفم ل تقفم السفاعة أبدا‪ ،‬فإن ال تعالى يقول‪" :‬ويوم تقوم‬
‫السفاعة أدخلوا آل فرعون أشفد العذاب" [المؤمفن‪ - ]46 :‬قلت ‪ -‬يفا جبريفل مفن هؤلء؟ قال‪:‬‬
‫(هؤلء الذيفن يأكلون الربفا ل يقومون إل كمفا يقوم الذي يتخبطفه الشيطان مفن المفس)‪ .‬والمفس‬
‫الجنون وكذلك الولق واللس والرود‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلك بأنهم قالوا" معناه عند جميع المتأولين في الكفار‪ ،‬ولهم قيل‪" :‬فله ما سلف"‬
‫ول يقال ذلك لمؤمفن عاص بفل ينقفض بيعفه ويرد فعله وإن كان جاهل‪ ،‬فلذلك قال صفلى ال عليفه‬
‫وسلم‪( :‬من عمل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد)‪ .‬لكن قد يأخذ العصاة في الربا بطرف من وعيد‬
‫هذه الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إنما البيع مثل الربا" أي إنما الزيادة عند حلول الجل آخرا كمثل أصل الثمن في‬
‫أول العقد‪ ،‬وذلك أن العرب كانت ل تعرف ربا إل ذلك‪ ،‬فكانت إذا حل دينها قالت للغريم‪ :‬إما أن‬
‫تقضفي وإمفا أن تربفي‪ ،‬أي تزيفد ففي الديفن‪ .‬فحرم ال سفبحانه ذلك ورد عليهفم قولهفم بقوله الحفق‪:‬‬
‫"وأحل ال البيع وحرم الربا" [البقرة‪ ]275 :‬وأوضح أن الجل إذا حل ولم يكن عنده ما يؤدي‬
‫أنظر إلى الميسرة‪ .‬وهذا الربا هو الذي نسخه النبي صلى ال عليه وسلم بقوله يوم عرفة لما قال‪:‬‬
‫(أل إن كل رباً موضوع وإن أول ربا أضعه ربانا ربا عباس بن عبدالمطلب فإنه موضوع كله)‪.‬‬
‫فبدأ صلى ال عليه وسلم بعمه وأخص الناس به‪ .‬وهذا من سنن العدل للمام أن يفيض العدل على‬
‫نفسه وخاصته فيستفيض حينئذ في الناس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأحل ال البيع" هذا من عموم القرآن‪ ،‬واللف واللم للجنس ل للعهد إذ لم يتقدم‬
‫بيفع مذكور يرجفع إليفه‪ ،‬كمفا قال تعالى‪" :‬والعصفر إن النسفان لففي خسفر" [العصفر ‪ ]2 ،1‬ثفم‬
‫استثنى "إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات" [العصر‪ .]3 :‬وإذا ثبت أن البيع عام فهو مخصص‬
‫حبَلة وغير‬ ‫ل ال َ‬
‫بما ذكرناه من الربا وغير ذلك مما نهي عنه ومنع العقد عليه‪ ،‬كالخمر والميتة وحَب َ‬
‫ذلك ممفا هفو ثابفت ففي السفنة وإجماع المفة النهفي عنفه‪ .‬ونظيره "فاقتلوا المشركيفن" [التوبفة‪]5 :‬‬
‫وسففائر الظواهففر التففي تقتضففي العمومات ويدخلهففا التخصففيص وهذا مذهففب أكثففر الفقهاء‪ .‬وقال‬
‫بعضهفم‪ :‬هفو مفن مجمفل القرآن الذي فسفر بالمحلل مفن البيفع وبالمحرم فل يمكفن أن يسفتعمل ففي‬
‫إحلل البيفع وتحريمفه إل أن يقترن بفه بيان مفن سفنة الرسفول صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬وإن دل على‬
‫إباحة البيوع في الجملة دون التفصيل‪ .‬وهذا فرق ما بين العموم والمجمل‪ .‬فالعموم يدل على إباحة‬
‫البيوع ففي الجملة‪ ،‬والتفصفيل مفا لم يخفص بدليفل‪ .‬والمجمفل ل يدل على إباحتهفا ففي التفصفيل حتفى‬
‫يقترن به بيان‪ .‬والول أصح‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@البيفع ففي اللغفة مصفدر باع كذا بكذا‪ ،‬أي دففع عوضاً وأخفذ معوضاً‪ .‬وهفو يقتضفي بائعفا وهفو‬
‫المالك أو مفن ينزل منزلتفه‪ ،‬ومبتاعفا وهفو الذي يبذل الثمفن‪ ،‬ومبيعفا وهفو المثمون وهفو الذي يبذل‬
‫ففي مقابلتفه الثمفن‪ .‬وعلى هذا فأركان البيفع أربعفة‪ :‬البائع والمبتاع والثمفن والمثمفن‪ .‬ثفم المعاوضفة‬
‫عنففد العرب تختلف بحسففب اختلف مفا يضاف إليفه‪ ،‬فإن كان أحففد المعوضيفن ففي مقابلة الرقبففة‬
‫سفمي بيعاً‪ ،‬وإن كان ففي مقابلة منفعفة رقبفة فإن كانفت منفعفة بضفع سفمي نكاحاً‪ ،‬وإن كانفت منفعفة‬
‫غيرهفا سفمي إجارة‪ ،‬وإن كان عينفا بعيفن فهفو بيفع النقفد وهفو الصفرف‪ ،‬وان كان بديفن مؤجفل فهفو‬
‫السلم‪ ،‬وسيأتي بيانه في آية الدين‪ .‬وقد مضى حكم الصرف‪ ،‬ويأتي حكم الجارة في "القصص"‬
‫وحكم المهر في النكاح في "النساء" كل في موضعه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@البيع قبول وإيجاب يقع باللفظ المستقبل والماضي‪ ،‬فالماضي فيه حقيقة والمستقبل كناية‪ ،‬ويقع‬
‫بالصريح والكناية المفهوم منها نقل الملك‪ .‬فسواء قال‪ :‬بعتك هذه السلعة بعشرة فقال‪ :‬اشتريتها‪ ،‬أو‬
‫قال المشتري‪ :‬اشتريتهففا وقال البائع‪ :‬بعتكهففا‪ ،‬أو قال البائع‪ :‬أنففا أبيعففك بعشرة فقال المشتري‪ :‬أنففا‬
‫أشتري أو قففد اشتريففت‪ ،‬وكذلك لو قال‪ :‬خذهففا بعشرة أو أعطيتكهففا أو دونكهففا أو بورك لك فيهففا‬
‫بعشرة أو سفلمتها إليفك ‪ -‬وهمفا يريدان البيفع ‪ -‬فذلك كله بيفع لزم‪ .‬ولو قال البائع‪ :‬بعتفك بعشرة ثفم‬
‫رجع قبل أن يقبل المشتري فقد قال‪ :‬ليس له أن يرجع حتى يسمع قبول المشتري أو رده‪ ،‬لنه قد‬
‫بذل ذلك مفن نفسفه وأوجبفه عليهفا‪ ،‬وقفد قال ذلك له‪ ،‬لن العقفد لم يتفم عليفه‪ .‬ولو قال البائع‪ :‬كنفت‬
‫لعبفا‪ ،‬فقفد اختلففت الروايفة عنفه‪ ،‬فقال مرة‪ :‬يلزمفه البيفع ول يلتففت إلى قوله‪ .‬وقال مرة‪ :‬ينظفر إلى‬
‫قيمة السلعة‪.‬‬
‫فإن كان الثمفن يشبفه قيمتهفا فالبيفع لزم‪ ،‬وإن كان متفاوتفا كعبفد بدرهفم ودار بدينار‪ ،‬علم أنفه لم‬
‫ل فلم يلزمه‪.‬‬‫يرد به البيع‪ ،‬وإنما كان هاز ً‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وحرم الربفا" اللف واللم هنفا للعهفد‪ ،‬وهفو مفا كانفت العرب تفعله كمفا بيناه‪ ،‬ثفم‬
‫تتناول مفا حرمفه رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ونهفى عنفه مفن البيفع الذي يدخله الربفا ومفا ففي‬
‫معناه من البيوع المنهي عنها‪.‬‬
‫عقد الربا مفسوخ ل يجوز بحال‪ ،‬لما رواه الئمة واللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬جاء‬
‫بلل بتمر برني فقال له رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من أين هذا) ؟ فقال بلل‪ :‬من تمر كان‬
‫عندنا رديء‪ ،‬فبعت منه صاعين بصاع لمطعم النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم عند ذلك‪( :‬أوه عين الربا ل تفعل ولكن إذا أردت أن تشتري التمر فبعه ببيع آخر ثم‬
‫اشتفر بفه) وففي روايفة (هذا الربفا فردوه ثفم بيعوا تمرنفا واشتروا لنفا مفن هذا)‪ .‬قال علماؤنفا‪ :‬فقوله‬
‫(أوه عيفن الربفا) أي هفو الربفا المحرم نفسفه ل مفا يشبهفه‪ .‬وقوله‪( :‬فردوه) يدل على وجوب فسفخ‬
‫صفقة الربا وأنها ل تصح بوجه‪ ،‬وهو قول الجمهور‪ ،‬خلفاً لبي حنيفة حيث يقول‪ :‬إن بيع الربا‬
‫جائز بأصفله مفن حيفث هفو بيفع‪ ،‬ممنوع بوصففه مفن حيفث هفو رباً‪ ،‬فيسفقط الربفا ويصفح البيفع‪ .‬ولو‬
‫كان على ما ذكر لما فسخ النبي صلى ال عليه وسلم هذه الصفقة‪ ،‬ولمره برد الزيادة على الصاع‬
‫ولصحح الصفقة في مقابلة الصاع‪.‬‬
‫كل ما كان من حرام بين ففسخ فعلى المبتاع رد السلعة بعينها‪ .‬فإن تلفت بيده رد القيمة فيما له‬
‫القيمة‪ ،‬وذلك كالعقار والعروض والحيوان‪ ،‬والمثل فيما له مثل من موزون أو مكيل من طعام أو‬
‫عرض‪ .‬قال مالك‪ :‬يرد الحرام البيففن فات أو لم يفففت‪ ،‬ومففا كان ممففا كره الناس رد إل أن يفوت‬
‫فيترك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪ ":‬فمن جاءه موعظة من ربه" قال جعفر بن محمد الصادق رحمهما ال‪ :‬حرم ال‬
‫الربا ليتقارض الناس‪ .‬وعن ابن مسعود عن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬قرض مرتين يعدل‬
‫صففدقة مرة) أخرجفه البزار‪ ،‬وقفد تقدم هذا المعنفى مسففتوفى‪ .‬وقال بعفض الناس‪ :‬حرمفه ال لنفه‬
‫متلفففة للموال مهلكففة للناس‪ .‬وسففقطت علمففة التأنيففث فففي قوله تعالى‪" :‬فمففن جاءه" لن تأنيففث‬
‫"الموعظة" غير حقيقي وهو بمعنى وعظ‪ .‬وقرأ الحسن "فمن جاءته" بإثبات العلمة‪.‬‬
‫هذه اليفة تلتهفا عائشفة لمفا أخفبرت بفعفل زيفد بفن أرقفم‪ .‬روى الدارقطنفي عفن العاليفة بنفت أنففع‬
‫قالت‪ :‬خرجت أنا وأم محبة إلى مكة فدخلنا على عائشة رضي ال عنها فسلمنا عليها‪ ،‬فقالت لنا‪:‬‬
‫ممن أنتن ؟ قلنا من أهل الكوفة‪ ،‬قالت‪ :‬فكأنها أعرضت عنا‪ ،‬فقالت لها أم محبة‪ :‬يا أم المؤمنين !‬
‫كانت لي جارية وإني بعتها من زيد بن أرقم النصاري بثمانمائة درهم إلى عطائه وإنه أراد بيعها‬
‫فابتعتهفا منفه بسفتمائة درهفم نقداً‪ .‬قالت‪ :‬فأقبلت علينفا فقالت‪ :‬بئسفما شريفت ومفا اشتريفت ! فأبلغفي‬
‫زيداً أنه قد أبطل جهاده مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إل أن يتوب‪ .‬فقالت لها‪ :‬أرأيت إن لم‬
‫آخفذ منفه إل رأس مالي ؟ قالت‪" :‬فمفن جاءه موعظفة مفن ربفه فانتهفى فله مفا سفلف"‪ .‬العاليفة هفي‬
‫زوج أبفي إسفحاق الهمدانفي الكوففي السفبيعي أم يونفس بن أبفي إسفحاق‪ .‬وهذا الحديفث أخرجفه مالك‬
‫مفن روايفة ابفن وهفب عنفه ففي بيوع الجال‪ ،‬فان كان منهفا مفا يؤدي إلى الوقوع ففي المحظور منفع‬
‫منفففه وإن كان ظاهره بيعًا جائزاً‪ .‬وخالف مالكًا ففففي هذا الصفففل جمهور الفقهاء وقالوا‪ :‬الحكام‬
‫مبنية على الظاهفر ل على الظنون‪ .‬ودليلنا القول بسد الذرائع‪ ،‬فإن سلم وإل استدللنا على صفحته‪.‬‬
‫وقفد تقدم‪ .‬وهذا الحديفث نفص‪ ،‬ول تقول عائشفة (أبلغفي زيدا أنفه قفد أبطفل جهاده إل أن يتوب) إل‬
‫بتوقيفف‪ ،‬إذ مثله ل يقال بالرأي فإن إبطال العمال ل يتوصفل إلى معرفتهفا إل بالوحفي كمفا تقدم‪.‬‬
‫وففي صفحيح مسفلم عفن النعمان بفن بشيفر قال‪ :‬سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقول‪( :‬إن‬
‫الحلل بيفن والحرام بيفن وبينهمفا أمور مشتبهات ل يعلمهفن كثيفر مفن الناس فمفن اتقفى الشبهات‬
‫استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك‬
‫أن يوقفع فيفه أل وإن لكفل ملك حمفى أل وإن حمفى ال محارمفه)‪ .‬وجفه دللتفه أنفه منفع مفن القدام‬
‫على المتشابهات مخافة الوقوع ففي المحرمات وذلك سفد للذريعة‪ .‬وقال صفلى ال عليه وسلم‪( :‬إن‬
‫من الكبائر شتم الرجل والديه) قالوا‪ :‬وكيف يشتم الرجل والديه؟ قال‪( :‬يسب أبا الرجل فيسب أباه‬
‫ويسفب أمفه فيسفب أمفه)‪ .‬فجعفل التعريفض لسفب الباء كسفب الباء‪ .‬ولعفن صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫اليهود إذا أكلوا ثمن ما نهوا عن أكله‪ .‬وقال أبو بكر في كتابه‪ :‬ل يجمع بين متفرق ول يفرق بين‬
‫مجتمع خشية الصدقة‪ .‬ونهى ابن عباس عن دراهم بدراهم بينهما جريرة‪ .‬واتفق العلماء على منع‬
‫الجمع بين بيع وسلف‪ ،‬وعلى تحريم قليل الخمر وإن كان ل يسكر‪ ،‬وعلى تحريم الخلوة بالجنبية‬
‫وإن كان عنيناً‪ ،‬وعلى تحريففم النظففر إلى وجففه المرأة الشابففة إلى غيففر ذلك ممففا يكثففر ويعلم على‬
‫القطفع والثبات أن الشرع حكفم فيها بالمنفع‪ ،‬لنها ذرائع المحرمات‪ .‬والربفا أحفق ما حميفت مراتعه‬
‫وسففدت طرائقففه‪ ،‬ومففن أباح هذه السففباب فليبففح حفففر البئر ونصففب الحبالت لهلك المسففلمين‬
‫والمسلمات‪ ،‬وذلك ل يقوله أحد‪ .‬وأيضا فقد اتفقنا على منع من باع بالعينة إذا عرف بذلك وكانت‬
‫عادته‪ ،‬وهي في معنى هذا الباب‪ .‬وال الموفق للصواب‪.‬‬
‫@روى أبفو داود عفن ابفن عمفر قال‪ :‬سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقول‪( :‬إذا تبايعتفم‬
‫ل ل ينزعفه عنكفم‬ ‫بالعينفة وأخذتفم أذناب البقفر ورضيتفم بالزرع وتركتفم الجهاد سفلط ال عليكفم ذ ً‬
‫حتفى ترجعوا إلى دينكفم)‪ .‬ففي إسفناده أبفو عبدالرحمفن الخراسفاني‪ .‬ليفس بمشهور‪ .‬وفسفر أبفو عبيفد‬
‫الهروي العينة فقال‪ :‬هي أن يبيع من رجل سلعة بثمن معلوم إلى أجل مسمى‪ ،‬ثم يشتريها منه بأقل‬
‫مففن الثمففن الذي باعهففا بففه‪ .‬قال‪ :‬فإن اشترى بحضرة طالب العينففة سففلعة مففن آخففر بثمففن معلوم‬
‫وقبضها ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمى‪ ،‬ثم باعها المشتري من‬
‫البائع الول بالنقففد بأقففل مففن الثمففن فهذه أيضففا عينففة‪ ،‬وهففي أهون مففن الولى‪ ،‬وهففو جائز عنففد‬
‫بعضهففم‪ .‬وسففميت عينففة لحضور النقففد لصففاحب العينففة‪ ،‬وذلك أن العَيففن هففو المال الحاضففر‬
‫والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضر يصل إليه من فوره‪.‬‬
‫قال علماؤنا‪ :‬فمن باع سلعة بثمن إلى أجل ثم ابتاعها بثمن من جنس الثمن الذي باعها به‪ ،‬فل‬
‫يخلو أن يشتريها منه بنقفد‪ ،‬أو إلى أجفل دون الجفل الذي باعها إليفه‪ ،‬أو إلى أبعفد منفه‪ ،‬بمثفل الثمفن‬
‫أو بأقفل منفه أو بأكثفر‪ ،‬فهذه ثلث مسفائل‪ :‬وأمفا الولى والثانيفة فإن كان بمثفل الثمفن أو أكثفر جاز‪،‬‬
‫ول يجوز بأقل على مقتضى حديث عائشة‪ ،‬لنه أعطى ستمائة ليأخذ ثمانمائة والسلعة لغو‪ ،‬وهذا‬
‫هفو الربفا بعينفه‪ .‬وأمفا الثالثفة إلى أبعفد مفن الجفل‪ ،‬فإن كان اشتراهفا وحدهفا أو زيادة فيجوز بمثفل‬
‫الثمن أو أقل منه‪ ،‬ول يجوز بأكثر‪ ،‬فإن اشترى بعضها فل يجوز على كل حال ل بمثل الثمن ول‬
‫بأقفل ول بأكثفر‪ .‬ومسفائل هذا الباب حصفرها علماؤنفا ففي سفبع وعشريفن مسفألة‪ ،‬ومدارهفا على مفا‬
‫ذكرناه فاعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فله ما سلف" أي من أمر الربا ل تباعة عليه منه في الدنيا ول في الخرة‪ ،‬قاله‬
‫السفدي وغيره‪ .‬وهذا حكفم مفن ال تعالى لمفن أسفلم مفن كفار قريفش وثقيفف ومفن كان يتجفر هنالك‪.‬‬
‫وسلف‪ :‬معناه تقدم في الزمن وانقضى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأمره إلى ال" فيه أربع تأويلت‪ :‬أحدها أن الضمير عائد إلى الربا‪ ،‬بمعنى وأمر‬
‫الربا إلى ال في إمرار تحريمه أو غير ذلك‪ .‬والخر أن يكون الضمير عائداً على "ما سلف" أي‬
‫أمره إلى ال تعالى ففي العففو عنفه وإسفقاط التبعفة فيفه‪ .‬والثالث أن يكون الضميفر عائدا على ذي‬
‫الربفا‪ ،‬بمعنفى أمره إلى ال ففي أن يثبتفه على النتهاء أو يعيده إلى المعصفية ففي الربفا‪ .‬واختار هذا‬
‫القول النحاس‪ ،‬قال‪ :‬وهذا قول حسفففن بيفففن‪ ،‬أي وأمره إلى ال ففففي المسفففتقبل إن شاء ثبتفففه على‬
‫التحريفم وإن شاء أباحفه‪ .‬والرابفع أن يعود الضميفر على المنتهفى‪ ،‬ولكفن بمعنفى التأنيفس له وبسفط‬
‫أمله فففي الخيففر‪ ،‬كمففا تقول‪ :‬وأمره إلى طاعففة وخيففر‪ ،‬وكمففا تقول‪ :‬وأمره فففي نمففو وإقبال إلى ال‬
‫تعالى وإلى طاعته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن عاد" يعني إلى فعل الربا حتى يموت‪ ،‬قاله سفيان‪ .‬وقال غيره‪ :‬من عاد فقال‬
‫إنمفا البيفع مثفل الربفا فقفد كففر‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬إن قدرنفا اليفة ففي كاففر فالخلود خلود تأبيفد حقيقفي‪،‬‬
‫وإن لحظناها في مسلم عاص فهذا خلود مستعار على معنى المبالغة‪ ،‬كما تقول العرب‪ :‬ملك خالد‪،‬‬
‫عبارة عن دوام ما ل يبقى على التأبيد الحقيقي‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 276 :‬يمحق ال الربا ويربي الصدقات وال ل يحب كل كفار أثيم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يمحفق ال الربفا" يعنفي ففي الدنيفا أي يذهفب بركتفه وإن كان كثيراً‪ .‬روى ابفن‬
‫مسعود عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬إن الربا وإن كثر فعاقبته إلى قل)‪ .‬وقيل‪" :‬يمحق‬
‫ال الربفا" يعنفي ففي الخرة‪ .‬وعفن ابفن عباس ففي قوله تعالى‪" :‬يمحفق ال الربفا" قال‪ :‬ل يقبفل منفه‬
‫صدقة ول حجاً ول جهاداً ول صلةً‪ .‬والمحق‪ :‬النقص والذهاب‪ ،‬ومنه محاق القمر وهو انتقاصه‪.‬‬
‫"ويربي الصدقات" أي ينميها في الدنيا بالبركة ويكثر ثوابها بالتضعيف في الخرة‪ .‬وفي صحيح‬
‫مسلم‪( :‬إن صدقة أحدكم لتقع في يد ال فيربيها له كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله حتى يجيء يوم‬
‫القيامففة وإن اللقمففة لعلى قدر أحففد)‪ .‬وقرأ ابففن الزبيففر "يمحففق" بضففم الياء وكسففر الحاء مشددة‬
‫"يربي" بفتح الراء وتشديد الباء‪ ،‬ورويت عن النبي صلى ال عليه وسلم كذلك‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وال ل يحب كل كفار أثيم" ووصف كفار بأثيم مبالغة‪ ،‬من حيث اختلف اللفظان‪.‬‬
‫وقيفل‪ :‬لزالة الشتراك ففي كفار‪ ،‬إذ قفد يقفع على الزارع الذي يسفتر الحفب ففي الرض‪ :‬قاله ابفن‬
‫فورك‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 277 :‬إن الذيفن آمنوا وعملوا الصفالحات وأقاموا الصفلة وآتوا الزكاة لهفم أجرهفم‬
‫عند ربهم ول خوف عليهم ول هم يحزنون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن الذيفن آمنوا وعملوا الصفالحات وأقاموا الصفلة وآتوا الزكاة" تقدم القول فيفه‬
‫وخفص الصفلة والزكاة بالذكفر وقفد تضمنهفا عمفل الصفالحات تشريففا لهمفا وتنبيهفا على قدرهمفا إذ‬
‫هما رأس العمال الصلة في أعمال البدن والزكاة في أعمال المال‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لهفم أجرهفم عند ربهفم ول خوف عليهفم ول هم يحزنون" الخوف هو الذعر ول‬
‫يكون إل ففي المسفتقبل وخاوفنفي فلن فخفتفه أي كنفت أشفد خوففا منفه والتخوف التنقفص ومنفه قوله‬
‫تعالى "أو يأخذهم على تخوف" [النحل‪ ]47 :‬وقرأ الزهري والحسن وعيسى بن عمر وابن أبي‬
‫إسحاق ويعقوب "فل خوف" بفتح الفاء على التبرمة والختيار عند النحويين الرفع والتنوين على‬
‫البتداء لن الثانفي معرففة ل يكون فيفه إل الرففع لن "ل" ل تعمفل ففي معرففة فاختاروا ففي الول‬
‫الرففع أيضفا ليكون الكلم مفن وجفه واحفد ويجوز أن تكون "ل" ففي قوله فل خوف بمعنفى ليفس‬
‫والحزن والحزن ضففد السففرور ول يكون إل على ماض وحزن الرجففل ‪ -‬بالكسففر ‪ -‬فهففو حزن‬
‫وحزين وأحزنه غيره وحزنه أيضا مثل أسلكه وسلكه ومحزون بنى عليه قال اليزيدي حزنه لغة‬
‫قريش وأحزنه لغة تميم وقد قرئ بهما واحتزن وتحزن بمعنى والمعنى في الية فل خوف عليهم‬
‫فيما بين أيديهفم من الخرة ول هم يحزنون على ما فاتهم من الدنيا وقيل ليس فيه دليل على نفي‬
‫أهوال يوم القيامفة وخوفهفا على المطيعيفن لمفا وصففه ال تعالى ورسفوله مفن شدائد القيامفة إل أنفه‬
‫يخففه عن المطيعين وإذا صاروا إلى رحمته فكأنهم لم يخافوا وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 278 :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وذروا ما بقي من الربا" ظاهره أنه أبطل من الربا ما‬
‫لم يكفن مقبوضفا وإن كان معقودا قبفل نزول آيفة التحريفم‪ ،‬ول يتعقفب بالفسفخ مفا كان مقبوضفا‪ .‬وقفد‬
‫قيفل‪ :‬إن اليفة نزلت بسفبب ثقيفف‪ ،‬وكانوا عاهدوا النفبي صفلى ال عليفه وسفلم على أن مالهفم مفن‬
‫الربا على الناس فهو لهم‪ ،‬وما للناس عليهم فهو موضوع عنهم‪ ،‬فلما أن جاءت آجال رباهم بعثوا‬
‫إلى مكة للقتضاء‪ ،‬وكانت الديون لبني عبدة وهم بنو عمرو بن عمير من ثقيف‪ ،‬وكانت على بني‬
‫المغيرة المخزوميين‪ .‬فقال بنو المغيرة‪ :‬ل نعطي شيئا فإن الربا قد رفع ورفعوا أمرهفم إلى عتاب‬
‫بفن أسفيد‪ ،‬فكتفب بفه إلى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬ونزلت اليفة فكتفب بهفا رسفول ال صفلى‬
‫ال عليه وسلم إلى عتاب‪ ،‬فعلمت بها ثقيف فكفت‪ .‬هذا سبب الية على اختصار مجموع ما روى‬
‫ابن إسحاق وابن جريج والسدي وغيرهم‪ .‬والمعنى اجعلوا بينكم وبين عذاب ال وقاية بترككم ما‬
‫بقي لكم من الربا وصفحكم عنه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إن كنتم مؤمنين" شرط محض في ثقيف على بابه لنه كان في أول دخولهم في‬
‫السلم‪ .‬وإذا قدرنا الية فيمن قد تقرر إيمانه فهو شرط مجازي على جهة المبالغة‪ ،‬كما تقول لمن‬
‫تريد إقامة نفسه‪ :‬إن كنت رجلً فافعل كذا‪ .‬وحكى النقاش عن مقاتل بن سليمان أنه قال‪ :‬إن "إ نْ"‬
‫فففي هذه اليففة بمعنففى "إذ"‪ .‬قال ابففن عطيففة‪ :‬وهذا مردود ل يعرف فففي اللغففة‪ .‬وقال ابففن فورك‪:‬‬
‫يحتمفل أن يريفد "يفا أيهفا الذيفن آمنوا" بمفن قبفل محمفد عليفه السفلم مفن النفبياء "ذروا مفا بقفي مفن‬
‫الربفا إن كنتفم مؤمنيفن" بمحمفد صفلى ال عليفه وسفلم إذ ل ينففع الول إل بهذا‪ .‬وهذا مردود بمفا‬
‫روي في سبب الية‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 279 :‬فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من ال ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم ل‬
‫تظلمون ول تظلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب مفن ال ورسفوله" هذا وعيفد إن لم يذروا الربفا‪،‬‬
‫والحرب داعية القتل‪ .‬وروى ابن عباس أنه يقال يوم القيامة لكل الربا‪ :‬خذ سلحك للحرب‪ .‬وقال‬
‫ابن عباس أيضا‪ :‬من كان مقيماً على الربا ل ينزع عنه فحق على إمام المسلمين أن يسفتثيبه‪ ،‬فإن‬
‫نزع وإل ضرب عنقفه‪ .‬وقال قتادة‪ :‬أوعفد ال أهفل الربفا بالقتفل فجعلهفم بهرجاً أينمفا ثقفوا‪ .‬وقيفل‪:‬‬
‫المعنفى إن لم تنتهوا فأنتفم حرب ل ولرسفوله‪ ،‬أي أعداء‪ .‬وقال ابفن خويفز منداد‪ :‬ولو أن أهفل بلد‬
‫اصطلحوا على الربا استحللً كانوا مرتدين‪ ،‬والحكم فيهم كالحكم في أهل الردة‪ ،‬وإن لم يكن ذلك‬
‫ل جاز للمام محاربتهفم‪ ،‬أل ترى أن ال تعالى قفد أذن ففي ذلك فقال‪" :‬فأذنوا بحرب‬ ‫منهفم اسفتحل ً‬
‫من ال ورسوله" [البقرة‪ .]279 :‬وقرأ أبو بكر عن عاصم "فآذنوا" على معنى فأعلموا غيركم‬
‫أنكم على حربهم‪.‬‬
‫@ذكفر ابن بكير قال‪ :‬جاء رجل إلى مالك بن أنس فقال‪ :‬يا أبا عبدال‪ ،‬إني رأيت رجلً سكراناً‬
‫يتعاقفر يريفد أن يأخفذ القمفر‪ ،‬فقلت‪ :‬امرأتفي طالق إن كان يدخفل جوف ابفن آدم أشفر مفن الخمفر‪.‬‬
‫فقال‪ :‬ارجع حتى أنظر في مسألتك‪ .‬فأتاه من الغد فقال له‪ :‬ارجع حتى أنظر في مسألتك فأتاه من‬
‫الغد فقال له‪ :‬امرأتك طالق‪ ،‬إني تصفحت كتاب ال وسنة نبيه فلم أر شيئا أشر من الربا‪ ،‬لن ال‬
‫أذن فيه بالحرب‪.‬‬
‫@دلت هذه اليفة على أن أكفل الربفا والعمفل بفه مفن الكبائر‪ ،‬ول خلف ففي ذلك على مفا نفبينه‪.‬‬
‫وروي عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪( :‬يأتي على الناس زمان ل يبقى أحد إل أكل الربا‬
‫ومفن لم يأكفل الربفا أصفابه غباره) وروى الدارقطنفي عفن عبدال بفن حنظلة غسفيل الملئكفة أن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬لدرهم ربا أشد عند ال تعالى من ست وثلثين زنية في الخطيئة)‬
‫وروي عنه عليه السلم أنه قال‪( :‬الربا تسعة وتسعون بابا أدناها كإتيان الرجل بأمه) يعني الزنا‬
‫بأمفه‪ .‬وقال ابفن مسفعود آكفل الربفا وموكله وكاتبفه وشاهده ملعون على لسفان محمفد صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم‪ .‬وروى البخاري عفن أبفي جحيففة قال‪ :‬نهفى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم عفن ثمفن الدم‬
‫وثمن الكلب وكسب البغي ولعن آكل الربا وموكله والواشمة والمستوشمة والمصور‪ .‬وفي صحيح‬
‫مسلم عن أبي هريرة أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬اجتنبوا السبع الموبقات‪ - ...‬وفيها ‪-‬‬
‫وآكل الربا)‪ .‬وفي مصنف أبي داود عن ابن مسعود قال‪ :‬لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم آكل‬
‫الربا وموكله وكاتبه وشاهده‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم" الية‪ .‬روى أبو داود عن سليمان بن عمرو عن‬
‫أبيفه قال سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقول ففي حجفة الوداع‪( :‬أل إن كفل ربًا مفن ربفا‬
‫الجاهليفة موضوع لكفم رؤوس أموالكفم ل َتظْلِمون ول ُتظْلَمون) وذكفر الحديفث‪ .‬فردهفم تعالى مفع‬
‫التوبفة إلى رؤوس أموالهفم وقال لهفم‪" :‬ل َتظْلِمون" ففي أخفذ الربفا "ول ُتظْلَمون" ففي أن يتمسفك‬
‫بشيفء مفن رؤوس أموالكفم فتذهفب أموالكفم‪ .‬ويحتمفل أن يكون "ل ُتظْلَمون" ففي مطفل‪ ،‬لن مطفل‬
‫الغنففي ظلم‪ ،‬فالمعنففى أنففه يكون القضاء مففع وضففع الربففا‪ ،‬وهكذا سففنة الصففلح‪ ،‬وهذا أشبففه شيففء‬
‫بالصلح‪ .‬أل ترى أن النبي صلى ال عليه وسلم لما أشار إلى كعب بن مالك في َديْن ابن أبي حدرد‬
‫بوضفع الشطفر فقال كعفب‪ :‬نعفم‪ ،‬فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم للخفر‪( :‬قفم فاقضفه)‪ .‬فتلقفى‬
‫العلماء أمره بالقضاء سنة في المصالحات‪ .‬وسيأتي في "النساء" بيان الصلح وما يجوز منه وما‬
‫ل يجوز‪ ،‬إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم" تأكيفد لبطال ما لم يُ ْقبَض منه وأخذ رأس المال‬
‫الذي ل ربا فيه‪ .‬فاستدل بعض العلماء بذلك على أن كل ما طرأ على البيع قبل القبض مما يوجب‬
‫تحريم العقد أبطل العقد‪ ،‬كما إذا اشترى مسلم صيدا ثم أحرم المشتري أو البائع قبل القبض بطل‬
‫البيفع‪ ،‬لنفه طرأ عليفه قبفل القبفض مفا أوجفب تحريفم العقفد‪ ،‬كمفا أبطفل ال تعالى مفا لم يقبفض‪ ،‬لنفه‬
‫طرأ عليه ما أوجفب تحريمفه قبل القبض‪ ،‬ولو كان مقبوضفا لم يؤثفر‪ .‬هذا مذهب أبفي حنيففة‪ ،‬وهو‬
‫قول لصحاب الشافعي‪ .‬ويستدل به على أن هلك المبيع قبل القبض في يد البائع وسقوط القبض‬
‫فيفه يوجفب بطلن العقفد خلففا لبعفض السفلف‪ ،‬ويروى هذا الخلف عفن أحمفد‪ .‬وهذا إنمفا يتمشفى‬
‫على قول مفن يقول‪ :‬إن العقفد ففي الربفا كان ففي الصفل منعقدا‪ ،‬وإنمفا بطفل بالسفلم الطارئ قبفل‬
‫القبفض‪ .‬وأمفا مفن منففع انعقاد الربففا ففي الصففل لم يكففن هذا الكلم صفحيحا‪ ،‬وذلك أن الربفا كان‬
‫محرما في الديان‪ ،‬والذي فعلوه في الجاهلية كان عادة المشركين‪ ،‬وأن ما قبضوه منه كان بمثابة‬
‫أموال وصففلت إليهففم بالغصففب والسففلب فل يتعرض له‪ .‬فعلى هذا ل يصففح السففتشهاد على مففا‬
‫ذكروه مفن المسفائل‪ .‬واشتمال شرائع النفبياء قبلنفا على تحريفم الربفا مشهور مذكور ففي كتاب ال‬
‫تعالى‪ ،‬كما حكي عن اليهود في قوله تعالى "وأخذهم الربا وقد نهوا عنه" [النساء‪ .]161 :‬وذكر‬
‫في قصة شعيب أن قومه أنكروا عليه وقالوا‪:‬‬
‫"أصلتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء" [هود‪ ]87 :‬فعلى هذا ل‬
‫يستقيم الستدلل به‪ .‬نعم‪ ،‬يفهم من هذا أن العقود الواقعة في دار الحرب إذا ظهر عليها المام ل‬
‫يعترض عليها بالفسخ إن كانت معقودة على فساد‪.‬‬
‫@ذهفب بعفض الغلة مفن أرباب الورع إلى أن المال الحلل إذا خالطفه حرام حتفى لم يتميفز ثفم‬
‫أخرج منه مقدار الحرام المختلط به لم يحل ولم يطب لنه يمكن أن يكون الذي أخرج هو الحلل‬
‫والذي بقفي هفو الحرام‪ .‬قال ابفن العربفي‪ :‬وهذا غلو ففي الديفن فإن كفل مفا لم يتميفز فالمقصفود منفه‬
‫ماليتفه ل عينفه‪ ،‬ولو تلف لقام المثفل مقامفه والختلط إتلف لتمييزه كمفا أن الهلك إتلف لعينفه‬
‫والمثل قائم مقام الذاهب وهذا بين حسا بين معنى‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قال علماؤنفا إن سفبيل التوبفة ممفا بيده مفن الموال الحرام إن كانفت مفن ربًا فليردهفا على‬
‫مفن أربفى عليفه‪ ،‬ويطلبفه إن لم يكفن حاضراً‪ ،‬فإن أيفس مفن وجوده فليتصفدق بذلك عنفه‪ .‬وإن أخذه‬
‫بظلم فليفعفل كذلك ففي أمفر مفن ظلمفه‪ .‬فإن التبفس عليفه المفر ولم يدرِ كَمْف الحرام مفن الحلل ممفا‬
‫بيده‪ ،‬فإنه يتحرى قدر ما بيده مما يجب عليه رده‪ ،‬حتى ل يشك أن ما يبقى قد خلص له فيرده من‬
‫ذلك الذي أزال عفن يده إلى مفن عُرف ممفن ظلمفه أو أربفى عليفه‪ .‬فإن أيفس مفن وجوده تصفدق بفه‬
‫عنه‪ .‬فإن أحاطت المظالم بذمته وعلم أنه وجب عليه من ذلك ما ل يطيق أداءه أبداً لكثرته فتوبته‬
‫أن يزيل ما بيده أجمع إما إلى المساكين وإما إلى ما فيه صلح المسلمين‪ ،‬حتى ل يبقى في يده إل‬
‫أقفل مفا يجزئه ففي الصفلة مفن اللباس وهفو مفا يسفتر العورة وهفو مفن سفرته إلى ركبتيفه‪ ،‬وقوت‬
‫يومفه‪ ،‬لنفه الذي يجفب له أن يأخذه مفن مال غيره إذا اضطفر إليفه‪ ،‬وإن كره ذلك مفن يأخذه منفه‪.‬‬
‫وفارق ههنفا المفلس ففي قول أكثفر العلماء لن المفلس لم يصفر إليفه أموال الناس باعتداء بفل هفم‬
‫الذيفن صفيروها إليفه‪ ،‬فيترك له مفا يواريفه ومفا هفو هيئة لباسفه‪ .‬وأبفو عبيفد وغيره يرى أل يترك‬
‫للمفلس من اللباس إل أقل ما يجزئه في الصلة وهو ما يواريه من سرته إلى ركبته‪ ،‬ثم كلما وقع‬
‫بيد هذا شيء أخرجه عن يده ولم يمسك منه إل ما ذكرنا‪ ،‬حتى يعلم هو ومن يعلم حاله أنه أدى ما‬
‫عليه‪.‬‬
‫@هذا الوعيد الذي وعد ال به في الربا من المحاربة‪ ،‬قد ورد عن النبي صلى ال عليه وسلم مثله‬
‫ففي المخابرة‪ .‬وروى أبفو داود قال‪ :‬أخبرنفا يحيفى بفن معيفن قال أخبرنفا ابفن رجاء قال ابفن خيثفم‬
‫حدثنفي عفن أبفي الزبيفر عفن جابر بفن عبدال قال‪ :‬سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يقول‪:‬‬
‫(مفن لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب مفن ال ورسفوله)‪ .‬وهذا دليفل على منفع المخابرة وهفي أخفذ‬
‫الرض بنصفف أو ثلث أو ربفع‪ ،‬ويسفمى المزارعفة‪ .‬وأجمفع أصفحاب مالك كلهفم والشافعفي وأبفو‬
‫حنيفففة وأتباعهففم وداود‪ ،‬على أنففه ل يجوز دفففع الرض على الثلث والربففع‪ ،‬ول على جزء ممففا‬
‫تخرج‪ ،‬لنفه مجهول‪ ،‬إل أن الشافعفي وأصفحابه وأبفا حنيففة قالوا بجواز كراء الرض بالطعام إذا‬
‫كان معلوماً‪ ،‬لقوله عليه السلم‪( :‬فأما شيء معلوم مضمون فل بأس به) خرجه مسلم‪ .‬وإليه ذهب‬
‫محمفد بفن عبدال بفن عبدالحكفم‪ ،‬ومنعفه مالك وأصفحابه‪ ،‬لمفا رواه مسفلم أيضفا عفن راففع بفن خديفج‬
‫قال‪( :‬كنففا نحاقففل بالرض على عهففد رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم‪ ،‬فنكريهففا بالثلث والربففع‬
‫والطعام المسفمى‪ ،‬فجاءنفا ذات يوم رجل من عمومتفي فقال‪ :‬نهانا رسفول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫عفن أمفر كان لنفا نافعاً‪ ،‬وطواعيفة ال ورسفوله أنففع لنفا‪ ،‬نهانفا أن نحاقفل بالرض فنكتريهفا على‬
‫الثلث والربفع والطعام المسفمى‪ ،‬وأمفر رب الرض أن يزرعهفا أو يزارعهفا‪ .‬وكره كراءهفا ومفا‬
‫سففوى ذلك)‪ .‬قالوا‪ :‬فل يجوز كراء الرض بشيففء مففن الطعام مأكول كان أو مشروبففا على حال‪،‬‬
‫لن ذلك فففي معنففى بيففع الطعام بالطعام نسففيئا‪ .‬وكذلك ل يجوز عندهففم كراء الرض بشيففء ممففا‬
‫يخرج منها وإن لم يكن طعاما مأكول ول مشروبا‪ ،‬سوى الخشب والقصب والحطب‪ ،‬لنه عندهم‬
‫ففي معنفى المزابنفة‪ .‬هذا هفو المحفوظ عفن مالك وأصفحابه‪ .‬وقفد ذكفر ابفن سفحنون عفن المغيرة بفن‬
‫عبدالرحمففن المخزومففي المدنففي أنففه قال‪ :‬ل بأس بإكراء الرض بطعام ل يخرج منهففا‪ .‬وروى‬
‫يحيى بن عمر عن المغيرة أن ذلك ل يجوز‪ ،‬كقول سائر أصحاب مالك‪ .‬وذكر ابن حبيب أن ابن‬
‫كنانة كان يقول‪ :‬ل تكرى الرض بشيء إذا أعيد فيها نبت‪ ،‬ول بأس أن تكرى بما سوى ذلك من‬
‫جميفع الشياء ممفا يؤكفل وممفا ل يؤكفل خرج منهفا أو لم يخرج منهفا‪ ،‬وبفه قال يحيفى بفن يحيفى‪،‬‬
‫وقال‪ :‬إنففه مففن قول مالك‪ .‬قال‪ :‬وكان ابففن نافففع يقول‪ :‬ل بأس بأن تكرى الرض بكففل شيففء مففن‬
‫طعام وغيره خرج منهفا أو لم يخرج‪ ،‬مفا عدا الحنطفة وأخواتهفا فإنهفا المحاقلة المنهفي عنهفا‪ .‬وقال‬
‫مالك في الموطأ‪ :‬فأما الذي يعطي أرضه البيضاء بالثلث والربع مما يخرج منها فذلك مما يدخله‬
‫ال َغرَر‪ ،‬لن الزرع يقل مرة ويكثر أخرى‪ ،‬وربما هلك رأسا فيكون صاحب الرض قد ترك كراء‬
‫معلوما‪ ،‬وإنما مثل ذلك مثل رجل استأجر أجيرا لسفر بشيء معلوم‪ ،‬ثم قال الذي استأجر للجير‪:‬‬
‫هل لك أن أعطيك عشر ما أربح في سفري هذا إجارة لك‪ .‬فهذا ل يحل ول ينبغي‪ .‬قال مالك‪ :‬ول‬
‫ينبغي لرجل أن يؤاجر نفسه ول أرضه ول سفينته ول دابته إل بشيء معلوم ل يزول‪ .‬وبه يقول‬
‫الشافعفي وأبفو حنيففة وأصفحابهما‪ .‬وقال أحمفد بفن حنبفل والليفث والثوري والوزاعفي والحسفن بفن‬
‫حففي وأبففو يوسففف ومحمففد‪ :‬ل بأس أن يعطففي الرجففل أرضففه على جزء ممففا تخرجففه نحففو الثلث‬
‫والربفع‪ ،‬وهفو قول ابفن عمفر وطاوس‪ .‬واحتجوا بقصفة خيفبر وأن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫عامفل أهلهفا على شطفر مفا تخرجفه أرضهفم وثمارهفم‪ .‬قال أحمفد‪ :‬حديفث راففع بفن خديفج ففي النهفي‬
‫عفن كراء المزارع مضطرب اللفاظ ول يصفح‪ ،‬والقول بقصفة خيفبر أولى وهفو حديفث صفحيح‪.‬‬
‫وقد أجاز طائفة من التابعين ومن بعدهم أن يعطى الرجل سفينته ودابته‪ ،‬كما يعطى أرضه بجزء‬
‫ممفا يرزقفه ال ففي العلج بهفا‪ .‬وجعلوا أصفلهم ففي ذلك القراض المجمفع عليفه على مفا يأتفي بيانفه‬
‫فففي "المزمففل" إن شاء ال تعالى عنففد قوله تعالى‪" :‬وآخرون يضربون فففي الرض يبتغون مففن‬
‫فضل ال" [المزمل‪ ]20 :‬وقال الشافعي في قول ابن عمر‪ :‬كنا نخابر ول نرى بذلك بأسًا حتى‬
‫أخبرنا رافع بن خديج أن رسول ال صلى ال عليه وسلم نهى عنها‪ ،‬أي كنا نكري الرض ببعض‬
‫ما يخرج منها‪ .‬قال‪ :‬وفي ذلك نسخ لسنة خيبر‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومما يصحح قول الشافعي في النسخ ما رواه الئمة واللفظ للدارقطني عن جابر أن النبي‬
‫صففلى ال عليففه وسففلم نهففى عففن المحاقلة والمزابنففة والمخابرة وعففن الثنيففا إل أن تُعلم‪ .‬صففحيح‪.‬‬
‫وروى أبفو داود عفن زيفد بفن ثابفت قال‪ :‬نهفى رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم عفن المخابرة‪ .‬قلت‪:‬‬
‫وما المخابرة ؟ قال‪ :‬أن تأخذ الرض بنصف أو ثلث أو ربع‪.‬‬
‫@في القراءات‪ .‬قرأ الجمهور "ما بقي" بتحريك الياء‪ ،‬وسكنها الحسن‪ ،‬ومثله قول جرير‪:‬‬
‫ماضي العزيمة ما في حكمه جنف‬ ‫هو الخليفة فارضوا ما رضي لكم‬
‫وقال عمر بن أبي ربيعة‪:‬‬
‫يا أشبه الناس كل الناس بالقمر‬ ‫كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم‬
‫حباً لرؤية من أشبهت في الصور‬ ‫إني لجذل أن أمسي مقابله‬
‫أصله "ما رضي" و"أن أمسي" فأسكنها وهو في الشعر كثير‪ .‬ووجهه أنه شبه الياء باللف فكما‬
‫ل تصل الحركة إلى اللف فكذلك ل تصل هنا إلى الياء‪ .‬ومن هذه اللغة أحب أن أدعوك‪ ،‬وأشتهي‬
‫أن أقضيك‪ ،‬بإسكان الواو والياء‪ .‬وقرأ الحسن "ما بقى" باللف‪ ،‬وهي لغة طيء‪ ،‬يقولون للجارية‪:‬‬
‫جاراة‪ ،‬وللناصية‪ :‬ناصاة‪ ،‬وقال الشاعر‪:‬‬
‫على الرض قيسي يسوق الباعرا‬ ‫لعمرك ل أخشى التصعلك ما بقى‬
‫وقرأ أبو السمال من بين جميع القراء "من الربو" بكسر الراء المشددة وضم الباء وسكون الواو‪.‬‬
‫وقال أبو الفتح عثمان بن جني‪ :‬شذ هذا الحرف من أمرين‪ ،‬أحدهما الخروج من الكسر إلى الضم‪،‬‬
‫والخفر وقوع الواو بعفد الضفم ففي آخفر السفم‪ .‬وقال المهدوي‪ .‬وجههفا أنفه فخفم اللف فانتحفى بهفا‬
‫نحو الواو التي اللف منها‪ ،‬ول ينبغي أن يحمل على غير هذا الوجه‪ ،‬إذ ليس في الكلم اسم آخره‬
‫واو سفاكنة قبلهفا ضمفة‪ .‬وأمال الكسفائي وحمزة "الربفا" لمكان الكسفرة ففي الراء‪ .‬الباقون بالتفخيفم‬
‫لفتحة الباء‪ .‬وقرأ أبو بكر عن عاصم وحمزة "فآذنوا" على معنى فآذنوا غيركم‪ ،‬فحذف المفعول‪.‬‬
‫وقرأ الباقون "فأذنوا" أي كونوا على إذن‪ ،‬من قولك‪ :‬إن على علم‪ ،‬حكاه أبو عبيد عن الصمعي‪.‬‬
‫وحكفى أهفل اللغفة أنفه يقال‪ :‬أذنفت بفه إذنفا‪ ،‬أي علمفت بفه‪ .‬وقال ابفن عباس وغيره مفن المفسفرين‪:‬‬
‫معنفى "فأذنوا" فاسفتيقنوا الحرب مفن ال تعالى‪ ،‬وهفو بمعنفى الذن‪ .‬ورجفح أبفو علي وغيره قراءة‬
‫المففد قال‪ :‬لنهففم إذا أمروا بإعلم غيرهففم ممففن لم ينتففه عففن ذلك علموا هففم ل محالة‪ .‬قال‪ :‬ففففي‬
‫إعلمهم علمهم وليس في علمهم إعلمهم‪ .‬ورجح الطبري قراءة القصر‪ ،‬لنها تختص بهم‪ .‬وإنما‬
‫أمروا على قراءة المفد بإعلم غيرهفم‪ .‬وقرأ جميفع القراء "ل تظلمون" بفتفح التاء "ول تظلمون"‬
‫بضمهفا‪ .‬وروى المفضفل عفن عاصفم "ل تظلمون" "ول تظلمون" بضفم التاء ففي الولى وفتحهفا‬
‫ففي الثانيفة على العكفس‪ .‬وقال أبفو علي‪ :‬تترجفح قراءة الجماعفة بأنهفا تناسفب قوله‪" :‬وإن تبتفم" ففي‬
‫إسناد الفعلين إلى الفاعل‪ ،‬فيجيء "تظلمون" بفتح التاء أشكل بما قبله‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 280 :‬وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن كان ذو عسفرة" لمفا حكفم جفل وعفز لرباب الربفا برؤوس أموالهفم عنفد‬
‫الواجديفن للمال‪ ،‬حكفم ففي ذي العسفرة بالنظرة إلى حال الميسفرة‪ ،‬وذلك أن ثقيففا لمفا طلبوا أموالهفم‬
‫التفي لهفم على بنفي المغيرة شكوا العسفرة ‪ -‬يعنفي بنفي المغيرة ‪ -‬وقالوا‪ :‬ليفس لنفا شيفء‪ ،‬وطلبوا‬
‫الجل إلى وقت ثمارهم‪ ،‬فنزلت هذه الية "وإن كان ذو عسرة"‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬وإن كان ذو عسففرة" مففع قوله "وإن تبتففم فلكففم رؤوس أموالكففم"[البقرة‪]279 :‬‬
‫يدل على ثبوت المطالبفة لصفاحب الديفن على المديفن وجواز أخفذ ماله بغيفر رضاه‪ .‬ويدل على أن‬
‫الغريففم متففى امتنففع مففن أداء الديففن مففع المكان كان ظالماً‪ ،‬فإن ال تعالى يقول‪" :‬فلكففم رؤوس‬
‫أموالكفم" فجعفل له المطالبفة برأس ماله‪ .‬فإذا كان له حفق المطالبفة فعلى مفن عليفه الديفن ل محالة‬
‫وجوب قضائه‪.‬‬
‫@قال المهدوي وقال بعفض العلماء‪ :‬هذه اليفة ناسفخة لمفا كان ففي الجاهليفة مفن بيفع مَنْف أعسفر‪.‬‬
‫وحكى مكي أن النبي صلى ال عليه وسلم أمر به في صدر السلم‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬فإن ثبت فعل‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فهو نسخ وإل فليس بنسخ‪ .‬قال الطحاوي‪ :‬كان الحر يباع في الدين أول‬
‫السلم إذا لم يكن له مال يقضيه عن نفسه حتى نسخ ال ذلك فقال جل وعز‪" :‬وإن كان ذو عسرة‬
‫فنظرة إلى ميسفرة"‪ .‬واحتجوا بحديفث رواه الدارقطنفي مفن حديفث مسفلم بفن خالد الزنجفي أخبرنفا‬
‫زيد بن أسلم عن ابن البيلماني عن سرق قال‪ :‬كان لرجل علي مال ‪ -‬أو قال دين ‪ -‬فذهب بي إلى‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فلم يصفب لي مالً فباعنفي منفه‪ ،‬أو باعنفي له‪ .‬أخرجفه البزار بهذا‬
‫السناد أطول منه‪ .‬ومسلم بن خالد الزنجي وعبدالرحمن بن البيلماني ل يحتج بهما‪ .‬وقال جماعة‬
‫مفن أهفل العلم‪ :‬قوله تعالى‪" :‬فنظرة إلى ميسفرة" عامفة ففي جميفع الناس‪ ،‬فكفل مفن أعسفر أنظفر‪،‬‬
‫وهذا قول أبففي هريرة والحسففن وعامففة الفقهاء‪ .‬قال النحاس‪ :‬وأحسففن مففا قيففل فففي هذه اليففة قول‬
‫عطاء والضحاك والربيفع بفن خيثفم‪ .‬قال‪ :‬هفي لكفل معسفر ينظفر ففي الربفا والديفن كله‪ .‬فهذا قول‬
‫يجمع القوال‪ ،‬لنه يجوز أن تكون ناسخة عامة نزلت في الربا ثم صار حكم غيره كحكمه‪ .‬ولن‬
‫القراءة بالرفففع بمعنىً وإن وقففع ذو عسففرة مففن الناس أجمعيففن‪ .‬ولو كان فففي الربففا خاصففة لكان‬
‫النصب الوجه‪ ،‬بمعنى وإن كان الذي عليه الربا ذا عسرة‪ .‬وقال ابن عباس وشريح‪ :‬ذلك في الربا‬
‫خاصفة‪ ،‬فأمفا الديون وسفائر المعاملت فليفس فيهفا نظرة بفل يؤدي إلى أهلهفا أو يحبفس فيفه حتفى‬
‫يوفيفه‪ ،‬وهفو قول إبراهيفم‪ .‬واحتجوا بقول ال تعالى‪" :‬إن ال يأمركفم أن تؤدوا المانات إلى أهلهفا"‬
‫[النساء‪ ]58 :‬الية‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬فكان هذا القول يترتب إذا لم يكن فقر مدقع‪ ،‬وأما مع العدم‬
‫والفقر الصريح فالحكم هو النظرة ضرورة‪.‬‬
‫@مفن كثرت ديونفه وطلب غرماؤه مالهفم فللحاكفم أن يخلعفه عفن كفل ماله ويترك له مفا كان مفن‬
‫ضرورتفه‪ .‬روى ابفن ناففع عفن مالك أنفه ل يترك له إل مفا يواريفه‪ .‬والمشهور أنفه يترك له كسفوته‬
‫المعتادة ما لم يكن فيها فضل‪ ،‬ول ينزع منه رداؤه إن كان ذلك مزرياً به‪ .‬وفي ترك كسوة زوجته‬
‫وفي بيع كتبه إن كان عالما خلف‪ .‬ول يترك له مسكن ول خادم ول ثوب جمعة ما لم تقل قيمتها‪،‬‬
‫وعنففد هذا يحرم حبسففه‪ .‬والصففل فففي هذا قوله تعالى‪" :‬وإن كان ذو عسففرة فنظرة إلى ميسففرة"‪.‬‬
‫روى الئمة واللفظ لمسلم عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬أصيب رجل في عهد رسول ال صلى ال‬
‫عليفه وسفلم ففي ثمار ابتاعهفا فكثفر دينفه‪ ،‬فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم (تصفدقوا عليفه)‬
‫فتصفدق الناس عليفه فلم يبلغ ذلك وفاء دينفه‪ .‬فقال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم لغرمائه‪( :‬خذوا‬
‫مفا وجدتفم وليفس لكفم إل ذلك)‪ .‬وففي مصفنف أبفى داود‪ :‬فلم يزد رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‬
‫غرماءه على أن خلع لهففم ماله‪ .‬وهذا نففص‪ ،‬فلم يأمففر رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم بحبففس‬
‫الرجفل‪ ،‬وهفو معاذ بفن جبفل كمفا قال شريفح‪ ،‬ول بملزمتفه‪ ،‬خلففا لبفي حنيففة فإنفه قال‪ :‬يلزم‬
‫لمكان أن يظهر له مال‪ ،‬ول يكلف أن يكتسب لما ذكرنا‪ .‬وبال توفيقنا‪.‬‬
‫@ويحبس المفلس في قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم حتى يتبين عدمه‪ .‬ول يحبس عند‬
‫مالك إن لم يتهم أنه غيب ماله ولم يتبين لدده‪ .‬وكذلك ل يحبس إن صح عسره على ما ذكرنا‪.‬‬
‫فإن جمفع مال المفلس ثفم تلف قبفل وصفوله إلى أربابفه وقبفل البيفع‪ ،‬فعلى المفلس ضمانفه‪ ،‬وديفن‬
‫الغرماء ثابت في ذمته‪ .‬فإن باع الحاكم ماله وقبض ثمنه ثم تلف الثمن قبل قبض الغرماء له‪ ،‬كان‬
‫عليهم ضمانه وقد برئ المفلس منه‪ .‬وقال محمد بن عبدالحكم‪ :‬ضمانه من المفلس أبدا حتى يصل‬
‫إلى الغرماء‪.‬‬
‫@العسفرة ضيفق الحال مفن جهفة عدم المال‪ ،‬ومنفه جيفش العسفرة‪ .‬والنظرة التأخيفر‪ .‬والميسفرة‬
‫مصفدر بمعنفى اليسفر‪ .‬وارتففع "ذو" بكان التامفة التفي بمعنفى وجفد وحدث‪ ،‬هذا قول سفيبويه وأبفى‬
‫علي وغيرهما‪ .‬وأنشد سيبويه‪:‬‬
‫إذا كان يوم ذو كواكب أشهب‬ ‫ى لبني ذهل بن شيبان ناقتي‬
‫فد ً‬
‫ويجوز النصفب‪ .‬وففي مصفحف أبفي بفن كعفب "وإن كان ذا عسفرة" على معنفى وإن كان المطلوب‬
‫ذا عسفرة‪ .‬وقرأ العمفش "وإن كان معسفراً فنظرة"‪ .‬قال أبفو عمرو الدانفي عفن أحمفد بفن موسفى‪:‬‬
‫وكذلك في مصحف أبي بن كعب‪ .‬قال النحاس ومكي والنقاش‪ :‬وعلى هذا يختص لفظ الية بأهل‬
‫الربفا‪ ،‬وعلى مفن قرأ "ذو" فهفي عامفة ففي جميفع مفن عليفه ديفن‪ ،‬وقفد تقدم‪ .‬وحكفى المهدوي أن ففي‬
‫مصففحف عثمان "فإن كان ‪ -‬بالفاء ‪ -‬ذو عسففرة"‪ .‬وروى المعتمففر عففن حجاج الوراق قال‪ :‬فففي‬
‫مصفحف عثمان "وإن كان ذا عسفرة" ذكره النحاس‪ .‬وقراءة الجماعفة "نظرة" بكسفر الظاء‪ .‬وقرأ‬
‫مجاهد وأبو رجاء والحسن "فنظرة" بسكون الظاء‪ ،‬وهي لغة تميمية وهم الذين يقولون‪ :‬في َكرْم‬
‫زيفد بمعنفى َكرَم زيفد‪ ،‬ويقولون كبْد ففي كبِد‪ .‬وقرأ ناففع وحده "ميسفرة" بضفم السفين‪ ،‬والجمهور‬
‫بفتحهفا‪ .‬وحكفى النحاس عفن مجاهفد وعطاء "فناظره ‪ -‬على المفر ‪ -‬إلى ميسفر هفي" بضفم السفين‬
‫وكسفر الراء وإثبات الياء ففي الدراج‪ .‬وقرئ "فناظرة" قال أبفو حاتفم ل يجوز فناظرة‪ ،‬إنمفا ذلك‬
‫ففي "النمفل" لنهفا امرأة تكلمفت بهذا لنفسفها‪ ،‬مفن نظرت تنظفر فهفي ناظرة‪ ،‬ومفا ففي "البقرة" فمفن‬
‫التأخيففر‪ ،‬مففن قولك‪ :‬أنظرتففك بالديْفن‪ ،‬أي أخرتففك بففه‪ .‬ومنففه قوله‪" :‬أنظرنففي إلى يوم يبعثون"‬
‫[العراف‪ ]14 :‬وأجاز ذلك أبفو إسفحاق الزجاج وقال‪ :‬هفي مفن أسفماء المصفادر‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬
‫"ليس لوقعتها كاذبة" [الواقعة‪ .]2 :‬وكقوله تعالى‪" :‬تظن أن يفعل بها فاقرة" [القيامة‪ ]25 :‬وكف‬
‫"خائنة العين" [المؤمن‪ ]19 :‬وغيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأن تصفدقوا" ابتداء‪ ،‬وخفبره "خيفر"‪ .‬ندب ال تعالى بهذه اللفاظ إلى الصفدقة‬
‫على المعسفر وجعفل ذلك خيرا مفن إنظاره‪ ،‬قاله السفدي وابفن زيفد والضحاك‪ .‬وقال الطفبري‪ :‬وقال‬
‫آخرون‪ :‬معنفى اليفة وأن تصفدقوا على الغنفي والفقيفر خيفر لكفم‪ .‬والصفحيح الول‪ ،‬وليس ففي الية‬
‫مدخل للغني‪.‬‬
‫روى أبفو جعففر الطحاوي عفن بريدة بفن الخصفيب قال قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪:‬‬
‫(مفن أنظفر معسفرا كان له بكفل يوم صفدقة) ثفم قلت‪ :‬بكفل يوم مثله صفدقة‪ ،‬قال فقال‪( :‬بكفل يوم‬
‫صفدقة مفا لم يحفل الديفن فإذا أنظره بعفد الحفل فله بكفل يوم مثله صفدقة)‪ .‬وروى مسفلم عفن أبفي‬
‫مسفعود قال قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬حوسفب رجفل ممفن كان قبلكفم فلم يوجفد له مفن‬
‫الخيفر شيفء إل أنفه كان يخالط الناس وكان موسفرا فكان يأمفر غلمانفه أن يتجاوزوا عفن المعسفر‬
‫قال‪ :‬قال ال عز وجل نحن أحق بذلك منه تجاوزوا عنه)‪ .‬وروي عن أبي قتادة أنه طلب غريما له‬
‫فتوارى عنفه ثفم وجده فقال‪ :‬إنفي معسفر‪ .‬فقال‪ :‬آل ؟ قال‪ :‬أل‪ .‬قال‪ :‬فإنفي سفمعت رسفول ال صفلى‬
‫ال عليفه وسفلم يقول‪( :‬مفن سفره أن ينجيفه ال مفن كرب يوم القيامفة فلينففس عفن معسفر أو يضفع‬
‫عنفه)‪ ،‬وففي حديفث أبفي اليسفر الطويفل ‪ -‬واسفمه كعفب بفن عمرو ‪ -‬أنفه سفمع رسفول ال صفلى ال‬
‫عليفه وسفلم يقول‪( :‬مفن أنظفر معسفرا أو وضفع عنفه أظله ال ففي ظله)‪ .‬فففي هذه الحاديفث مفن‬
‫الترغيب ما هو منصوص فيها‪ .‬وحديث أبي قتادة يدل على أن رب الدين إذا علم عسرة غريمه أو‬
‫ظنهفا حرمفت عليففه مطالبتففه‪ ،‬وإن لم تثبفت عسففرته عنفد الحاكفم‪ .‬وإنظار المعسففر تأخيره إلى أن‬
‫يوسر‪ .‬والوضع عنه إسقاط الدين عن ذمته‪ .‬وقد جمع المعنيين أبو اليسر لغريمه حيث محا عنه‬
‫الصحيفة وقال له‪ :‬إن وجدت قضاء فاقض وإل فأنت في حل‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 281 :‬واتقوا يوما ترجعون فيه إلى ال ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم ل يظلمون}‬
‫@قيفل‪ :‬إن هذه اليفة نزلت قبفل موت النفبي صفلى ال عليفه وسفلم بتسفع ليال ثفم لم ينزل بعدهفا‬
‫شيفء‪ ،‬قاله ابفن جريفج‪ .‬وقال ابفن جفبير ومقاتفل‪ :‬بسفبع ليال‪ .‬وروي بثلث ليال‪ .‬وروي أنهفا نزلت‬
‫قبل موته بثلث ساعات‪ ،‬وأنه عليه السلم قال‪( :‬اجعلوها بين آية الربا وآية الدين)‪ .‬وحكى مكي‬
‫أن النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬جاءني جبريل فقال اجعلها على رأس مائتين وثمانين آية)‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وحكي عن أبي كعب وابن عباس وقتادة أن آخر ما نزل‪" :‬لقد جاءكم رسول من أنفسكم"‬
‫[التوبة‪ ]128 :‬إلى آخر الية‪ .‬والقول الول أعرف وأكثر وأصح وأشهر‪ .‬ورواه أبو صالح عن‬
‫ابفن عباس قال‪ :‬آخفر مفا نزل مفن القرآن "واتقوا يومفا ترجعون فيفه إلى ال ثفم توففى كفل نففس مفا‬
‫كسبت وهم ل يظلمون" فقال جبريل للنبي صلى ال عليه وسلم (يا محمد ضعها على رأس ثمانين‬
‫ومائتيفن مفن البقرة)‪ .‬ذكره أبفو بكفر النباري ففي "كتاب الرد" له‪ ،‬وهفو قول ابفن عمفر رضفي ال‬
‫عنه أنهفا آخفر مفا نزل‪ ،‬وأنه عليفه السلم عاش بعدها أحدا وعشرين يوما‪ ،‬على مفا يأتفي بيانه ففي‬
‫آخفر سفورة "إذا جاء نصفر ال والفتفح" [النصفر‪ ]1 :‬إن شاء تعالى‪ .‬واليفة وعفظ لجميفع الناس‬
‫وأمر يخص كل إنسان‪ .‬و"يوما" منصوب على المفعول ل على الظرف‪" .‬ترجعون فيه إلى ال"‬
‫من نعته‪ .‬وقرأ أبو عمرو بفتح التاء وكسر الجيم‪ ،‬مثل "إن إلينا إيابهم" [الغاشية‪ ]25 :‬واعتبارا‬
‫بقراءة أبي "يوما تصيرون فيه إلى ال"‪ .‬والباقون بضم التاء وفتح الجيم‪ ،‬مثل "ثم ردوا إلى ال"‬
‫[النعام‪" .]62 :‬ولئن رددت إلى ربي" [الكهف‪ ]36 :‬واعتبارا بقراءة عبدال "يوما تردون فيه‬
‫إلى ال" وقرأ الحسفن "يرجعون" بالياء‪ ،‬على معنفى يرجفع جميفع الناس‪ .‬قال ابفن جنفي‪ :‬كأن ال‬
‫تعالى رففق بالمؤمنيفن على أن يواجههفم بذكفر الرجعفة‪ ،‬إذ هفي ممفا ينفطفر لهفا القلوب فقال لهفم‪:‬‬
‫"واتقوا يومفا" ثفم رجفع ففي ذكفر الرجعفة إلى الغيبفة رفقفا بهفم‪ .‬وجهور العلماء على أن هذا اليوم‬
‫المحذر منه هو يوم القيامة والحساب والتوفية‪ .‬وقال قوم‪ :‬هو يوم الموت‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬والول‬
‫أصفح بحكفم اللفاظ ففي اليفة‪ .‬وففي قوله "إلى ال" مضاف محذوف‪ ،‬تقديره إلى حكفم ال وفصفل‬
‫قضائه‪" .‬وهففم" رد على معنففى "كففل" ل على اللفففظ‪ ،‬إل على قراءة الحسففن "يرجعون" فقوله‬
‫"وهفم" رد على ضميفر الجماعفة ففي "يرجعون"‪ .‬وففي هذه اليفة نفص على أن الثواب والعقاب‬
‫متعلق بكسب العمال‪ ،‬وهو رد على الجبرية‪ ،‬وقد تقدم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 282 :‬يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب‬
‫بالعدل ول يأب كاتفب أن يكتفب كمفا علمفه ال فليكتفب وليملل الذي عليفه الحفق وليتفق ال ربفه ول‬
‫يبخفس منفه شيئا فإن كان الذي عليفه الحفق سففيها أو ضعيففا أو ل يسفتطيع أن يمفل هفو فليملل وليفه‬
‫بالعدل واسفتشهدوا شهيديفن مفن رجالكفم فإن لم يكونفا رجليفن فرجفل وامرأتان ممفن ترضون مفن‬
‫الشهداء أن تضففل إحداهمففا فتذكففر إحداهمففا الخرى ول يأب الشهداء إذا مففا دعوا ول تسففأموا أن‬
‫تكتبوه صفغيرا أو كفبيرا إلى أجله ذلكفم أقسفط عنفد ال وأقوم للشهادة وأدنفى أل ترتابوا إل أن تكون‬
‫تجارة حاضرة تديرونهفا بينكفم فليفس عليكفم جناح أل تكتبوهفا وأشهدوا إذا تبايعتفم ول يضار كاتفب‬
‫ول شهيد وإن تفعلوا فإنه فسوق بكم واتقوا ال ويعلمكم ال وال بكل شيء عليم}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬يفا أيهفا الذيفن آمنوا إذا تداينتفم" اليفة‪ .‬قال سفعيد بفن المسفيب‪ :‬بلغنفي أن أحدث‬
‫القرآن بالعرش آيفة الديفن‪ .‬وقال ابفن عباس‪ :‬هذه اليفة نزلت ففي السفلم خاصفة‪ .‬معناه أن سفلم أهفل‬
‫المدينففة كان سففبب اليففة‪ ،‬ثففم هففي تتناول جميففع المداينات إجماعففا‪ .‬وقال ابففن خويففز منداد‪ :‬إنهففا‬
‫تضمنت ثلثين حكما‪ .‬وقد استدل بها بعض علمائنا على جواز التأجيل في القروض‪ ،‬على ما قال‬
‫مالك‪ ،‬إذ لم يفصل بين القرض وسائر العقود في المداينات‪ .‬وخالف في ذلك الشافعية وقالوا‪ :‬الية‬
‫ليفس فيهفا جواز التأجيفل ففي سفائر الديون‪ ،‬وإنمفا فيهفا المفر بالشهاد إذا كان َديْناً مؤجل‪ ،‬ثفم يعلم‬
‫بدللة أخرى جواز التأجيل في الدين وامتناعه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بدين" تأكيد مثل قوله "ول طائر يطير بجناحيه" [النعام‪" .]38 :‬فسجد الملئكة‬
‫كلهفم أجمعون" [الحجفر‪ .]30 :‬وحقيقة الديفن عبارة عن كفل معاملة كان أحد العوضين فيها نقدا‬
‫والخر في الذمة نسيئة‪ ،‬فإن العين عند العرب ما كان حاضرا‪ ،‬والدين ما كان غائبا‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫وشواء معجل غير دين‬ ‫وعدتنا بدرهمينا طلء‬
‫وقال آخر‪:‬‬
‫إذا لم ترم بي في الحفرتين‬ ‫لترم بي المنايا حيث شاءت‬
‫فذاك الموت نقدا غير دين‬ ‫إذا ما أوقدوا حطبا ونارا‬
‫وقد بين ال تعالى هذا المعنى بقوله الحق "إلى أجل مسمى"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إلى أجل مسمى" قال ابن المنذر‪ :‬دل قول ال "إلى أجل مسمى" على أن السلم‬
‫إلى الجل المجهول غير جائز‪ ،‬ودلت سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم على مثل معنى كتاب‬
‫ال تعالى‪ .‬ثبفت أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قدم المدينفة وهفم يسفتلفون ففي الثمار السفنتين‬
‫والثلث‪ ،‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬من أسلف في تمر فليسلف في كيل معلوم ووزن‬
‫معلوم إلى أجفل معلوم) رواه ابفن عباس‪ .‬أخرجفه البخاري ومسفلم وغيرهمفا‪ .‬وقال ابفن عمفر‪ :‬كان‬
‫حبَلة‪ .‬وحبفل الحبلة‪ :‬أن تنتفج الناقفة ثفم تحمفل التفي‬
‫أهفل الجاهليفة يتبايعون لحفم الجزور إلى حَبَل ال َ‬
‫نتجت‪ .‬فنهاهم رسول ال صلى ال عليه وسلم عن ذلك‪ .‬وأجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم‬
‫على أن السففلم الجائز أن يسففلم الرجففل إلى صففاحبه فففي طعام معلوم موصففوف‪ ،‬مففن طعام أرض‬
‫عامفة ل يخطفئ مثلهفا‪ .‬بكيفل معلوم‪ ،‬إلى أجفل معلوم بدنانيفر أو دراهفم معلومفة‪ ،‬يدففع ممفن مفا أسفلم‬
‫فيه قبل أن يفترقا من مقامهما الذي تبايعا فيه‪ ،‬وسميا المكان الذي يقبض فيه الطعام‪ .‬فإذا فعل ذلك‬
‫وكان جائز المر كان سلما صحيحا ل أعلم أحدا من أهل العلم يبطله‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقال علماؤنفا‪ :‬إن السفلم إلى الحصفاد والجذاذ والنيروز والمهرجان جائز‪ ،‬إذ ذاك يختفص‬
‫بوقت وزمن معلوم‪.‬‬
‫@حدّ علماؤنفا رحمفة ال عليهفم السفلم فقالوا‪ :‬هفو بيفع معلوم ففي الذمفة محصفور بالصففة بعيفن‬
‫حاضرة أو مفا هو ففي حكمهفا إلى أجفل معلوم‪ .‬فتقييده بمعلوم ففي الذمفة يفيفد التحرز من المجهول‪،‬‬
‫ومفن السفلم ففي العيان المعينفة‪ ،‬مثفل الذي كانوا يسفتلفون ففي المدينفة حيفن قدم عليهفم النفبي عليفه‬
‫السفلم فإنهفم كانوا يسفتلفون ففي ثمار نخيفل بأعيانهفا‪ ،‬فنهاهفم عفن ذلك لمفا فيفه مفن الغرر‪ ،‬إذ قفد‬
‫تخلف تلك الشجار فل تثمر شيئا‪.‬‬
‫وقولهم [محصور بالصفة] تحرز عن المعلوم على الجملة دون التفصيل‪ ،‬كما لو أسلم في تمر أو‬
‫ثياب أو حيتان ولم يففبين نوعهففا ول صفففتها المعينففة‪ .‬وقولهففم [بعيففن حاضرة] تحرز مففن الديففن‬
‫بالديفن‪ .‬وقولهفم [أو مفا هفو ففي حكمهفا] تحرز مفن اليوميفن والثلثفة التفي يجوز تأخيفر رأس مال‬
‫السفففلم إليفففه‪ ،‬فإنفففه يجوز تأخيره عندنفففا ذلك القدر‪ ،‬بشرط وبغيفففر شرط لقرب ذلك‪ ،‬ول يجوز‬
‫اشتراطه عليها‪ .‬ولم يجز الشافعي ول الكوفي تأخير رأس مال السلم عن العقد والفتراق‪ ،‬ورأوا‬
‫أنفه كالصفرف‪ .‬ودليلنفا أن البابيفن مختلفان بأخفص أوصفافهما‪ ،‬فإن الصفرف بابفه ضيفق كثرت فيفه‬
‫الشروط بخلف السلم فإن شوائب المعاملت عليه أكثر‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقولهفم إلى أجفل معلوم تحرز مفن السفلم الحال فإنفه ل يجوز على المشهور وسفيأتي‪ .‬ووصفف‬
‫الجل بالمعلوم تحرز من الجل المجهول الذي كانوا في الجاهلية يسلمون إليه‪.‬‬
‫@السفلم والسفلف عبارتان عفن معنفى واحفد وقفد جاءا ففي الحديفث‪ ،‬غيفر أن السفم الخاص بهذا‬
‫الباب [السفّلم] لن السفلف يقال على القرض‪ .‬والسفلم بيفع مفن البيوع الجائزة بالتفاق‪ ،‬مسفتثنى مفن‬
‫نهيفه عليفه السفلم عفن بيفع مفا ليفس عندك‪ .‬وأرخفص ففي السفلم‪ ،‬لن السفلم لمفا كان بيفع معلوم ففي‬
‫الذمفة كان بيفع غائب تدعفو إليفه ضرورة كفل واحفد مفن المتابعيفن‪ ،‬فإن صفاحب رأس المال محتاج‬
‫إلى أن يشتري الثمرة‪ ،‬وصفاحب الثمرة محتاج إلى ثمنهفا قبفل إبانهفا لينفقفه عليهفا‪ ،‬فظهفر أن بيفع‬
‫السفلم مفن المصفالح الحاجيفة‪ ،‬وقفد سفماه الفقهاء بيفع المحاويفج‪ ،‬فإن جاز حال بطلت هذه الحكمفة‬
‫وارتفعت هذه المصلحة‪ ،‬ولم يكن لستثنائه من بيع ما ليس عندك فائدة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@في شروط السلم المتفق عليها والمختلف فيها وهي تسعة‪ :‬ستة في المُسْلَم فيه‪ ،‬وثلثة في رأس‬
‫مال السفلم‪ .‬أمفا السفتة التفي ففي المسفلم فيفه فأن يكون ففي الذمفة‪ ،‬وأن يكون موصفوفا‪ ،‬وأن يكون‬
‫مقدرا‪ ،‬وأن يكون مؤجل‪ ،‬وأن يكون الجففل معلومفا‪ ،‬وأن يكون موجودا عنففد محفل الجفل‪ .‬وأمفا‬
‫الثلثفة التفي ففي رأس مال السفلم فأن يكون معلوم الجنفس‪ ،‬مقدرا‪ ،‬نقدا‪ .‬وهذه الشروط الثلثفة التفي‬
‫ففي رأس المال متففق عليهفا إل النقفد حسفب مفا تقدم‪ .‬قال ابفن العربفي‪ :‬وأمفا الشرط الول وهفو أن‬
‫يكون ففي الذمفة فل إشكال ففي أن المقصفود منفه كونفه ففي الذمفة‪ ،‬لنفه مداينفة‪ ،‬ولول ذلك لم يشرع‬
‫دينفا ول قصفد الناس إليفه ربحفا ورفقفا‪ .‬وعلى ذلك القول اتففق الناس‪ .‬بيفد أن مالكفا قال‪ :‬ل يجوز‬
‫السفلم ففي المعيفن إل بشرطيفن‪ :‬أحدهمفا أن يكون قريفة مأمونفة‪ ،‬والثانفي أن يشرع ففي أخذه كاللبفن‬
‫مفن الشاة والرطفب مفن النخلة‪ ،‬ولم يقفل ذلك أحفد سفواه‪ .‬وهاتان المسفألتان صفحيحتان ففي الدليفل‪،‬‬
‫لن التعييفن امتنفع ففي السفلم مخاففة المزابنفة والغرر‪ ،‬لئل يتعذر عنفد المحفل‪ .‬وإذا كان الموضفع‬
‫مأمونفا ل يتعذر وجود مفا فيفه ففي الغالب جاز ذلك‪ ،‬إذ ل يتيقفن ضمان العواقفب على القطفع ففي‬
‫مسفائل الفقفه‪ ،‬ول بفد مفن احتمال الغرر اليسفير‪ ،‬وذلك كثيفر ففي مسفائل الفروع‪ ،‬تعدادهفا ففي كتفب‬
‫المسفائل‪ .‬وأمفا السفلم ففي اللبفن والرطفب مفع الشروع ففي أخذه فهفي مسفألة مدنيفة اجتمفع عليهفا أهفل‬
‫المدينة‪ ،‬وهي مبنية على قاعدة المصلحة‪ ،‬لن المرء يحتاج إلى أخذ اللبن والرطب مياومة ويشق‬
‫أن يأخفذ كفل يوم ابتداء‪ ،‬لن النقفد قفد ل يحضره ولن السفعر قفد يختلف عليفه‪ ،‬وصفاحب النخفل‬
‫واللبفن محتاج إلى النقفد‪ ،‬لن الذي عنده عروض ل يتصفرف له‪ .‬فلمفا اشتركفا ففي الحاجفة رخفص‬
‫لهمفا ففي هذه المعاملة قياسفا على العرايفا وغيرهفا مفن أصفول الحاجات والمصفالح‪ .‬وأمفا الشرط‬
‫الثاني وهو أن يكون موصوفا فمتفق عليه‪ ،‬وكذلك الشرط الثالث‪ .‬والتقدير يكون من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الكيل‪ ،‬والوزن‪ ،‬والعدد‪ ،‬وذلك ينبني على العرف‪ ،‬وهو إما عرف الناس وإما عرف الشرع‪ .‬وأما‬
‫الشرط الرابع وهو أن يكون مؤجل فاختلف فيه‪ ،‬فقال الشافعي‪ :‬يجوز السلم الحال‪ ،‬ومنعه الكثر‬
‫مفن العلماء‪ .‬قال ابفن العربفي‪ :‬واضطربت المالكية ففي تقديفر الجل حتفى ردوه إلى يوم‪ ،‬حتفى قال‬
‫بعفض علمائنفا‪ :‬السفلم الحال جائز‪ .‬والصفحيح أنفه ل بفد مفن الجفل فيفه‪ ،‬لن المفبيع على ضربيفن‪:‬‬
‫معجفل وهفو العيفن‪ ،‬ومؤجفل‪ .‬فإن كان حال ولم يكفن عنفد المسفلم إليفه فهفو مفن باب‪ :‬بيفع مفا ليفس‬
‫عندك‪ ،‬فل بففد مففن الجففل حتففى يخلص كففل عقففد على صفففته وعلى شروطففه‪ ،‬وتتنزل الحكام‪،‬‬
‫الشرعيفة منازلهفا‪ .‬وتحديده عنفد علمائنفا مدة تختلف السفواق ففي مثلهفا‪ .‬وقول ال تعالى "إلى أجفل‬
‫مسمى" وقوله عليه السلم‪( :‬إلى أجل معلوم) يغني عن قول كل قائل‪.‬‬
‫قلت‪ :‬الذي أجازه علماؤنا من السلم الحال ما تختلف فيه البلدان من السعار‪ ،‬فيجوز السلم فيما‬
‫كان بينفه وبينفه يوم أو يومان أو ثلثفة‪ .‬فأمفا ففي البلد الواحفد فل‪ ،‬لن سفعره واحد‪ ،‬وال أعلم‪ .‬وأما‬
‫الشرط الخامفس وهفو أن يكون الجفل معلومفا فل خلف فيفه بيفن المفة‪ ،‬لوصفف ال تعالى ونفبيه‬
‫الجففل بذلك‪ .‬وانفرد مالك دون الفقهاء بالمصففار بجواز البيففع إلى الجذاذ والحصففاد‪ ،‬لنففه رآه‬
‫معلومفا‪ .‬وقفد مضفى القول ففي هذا عنفد قوله تعالى "يسفألونك عفن الهلة"[البقرة‪ .]189 :‬وأمفا‬
‫الشرط السفادس وهفو أن يكون موجودا عنفد المحفل فل خلف فيفه بيفن المفة أيضفا‪ ،‬فإن انقطفع‬
‫المبيع عند محل الجل بأمر من ال تعالى انفسخ العقد عند كافة العلماء‪.‬‬
‫@ليفس مفن شرط السفلم أن يكون المسفلم إليفه مالكفا للمسفلم فيفه خلففا لبعفض السفلف‪ ،‬لمفا رواه‬
‫البخاري عفن محمفد بفن المجالد قال‪ :‬بعثنفي عبدال بفن شداد وأبفو بردة إلى عبدال بفن أبفي أوففى‬
‫فقال‪ :‬سله هل كان أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم في عهد النبي صلى ال عليه وسلم يسلفون‬
‫في الحنطة ؟ فقال عبدال‪ :‬كنا نسلف نبيط أهل الشام في الحنطة والشعير والزيت في كيل معلوم‬
‫إلى أجففل معلوم‪ .‬قلت‪ :‬إلى مففن كان أصففله عنده ؟ قال‪ :‬مففا كنففا نسففألهم عففن ذلك‪ .‬ثففم بعثانففي إلى‬
‫عبدالرحمفن بفن أبزى فسفألته فقال‪ :‬كان أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم يسفلفون على عهفد‬
‫النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ولم نسفألهم ألهفم حرث أم ل ؟ وشرط أبفو حنيففة وجود المسفلم فيفه مفن‬
‫حين العقد إلى حين الجل‪ ،‬مخافة أن يطلب المسلم فيه فل يوجد فيكون ذلك غررا‪ ،‬وخالفه سائر‬
‫الفقهاء وقالوا‪ :‬المراعفى وجوده عنفد الجفل‪ .‬وشرط الكوفيون والثوري أن يذكفر موضفع القبفض‬
‫فيما له حمل ومؤونة وقالوا‪ :‬السلم فاسد إذا لم يذكر موضع القبض‪ .‬وقال الوزاعي‪ :‬هو مكروه‪.‬‬
‫وعندنفا لو سفكتوا عنفه لم يفسفد العقفد‪ ،‬ويتعيفن موضفع القبفض‪ ،‬وبفه قال أحمفد وإسفحاق وطائففة مفن‬
‫أهفل الحديفث‪ ،‬لحديفث ابفن عباس فإنفه ليفس فيفه ذكفر المكان الذي يقبفض فيفه السفلم‪ ،‬ولو كان مفن‬
‫شروطه لبينه النبي صلى ال عليه وسلم كما بين الكيل والوزن والجل‪ ،‬ومثله ابن أبي أوفى‪.‬‬
‫@روى أبو داود عن سعد ‪ -‬يعني الطائي ‪ -‬عن عطية بن سعد عن أبي سعيد الخدري قال قال‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬مفن أسفلف ففي شيفء فل يصفرفه إلى غيره)‪ .‬قال أبفو محمفد‬
‫عبدالحفق بفن عطيفة‪ :‬هفو العوففي ول يحتفج أحفد بحديثفه‪ ،‬وإن كان الجلة قفد رووا عنفه‪ .‬قال مالك‪:‬‬
‫المفر عندنفا فيمفن أسفلف ففي طعام بسفعر معلوم إلى أجفل مسفمى فحفل الجفل فلم يجفد المبتاع عنفد‬
‫البائع وفاء مما ابتاعه منه فأقاله‪ ،‬إنه ل ينبغي له أن يأخذ منه إل ورقه أو ذهبه أو الثمن الذي دفع‬
‫إليه بعينه‪ ،‬وأنه ل يشتري منه بذلك الثمن شيئا حتى يقبضه منه‪ ،‬وذلك أنه إذا أخذ غير الثمن الذي‬
‫دففع إليفه أو صفرفه ففي سفلعة غيفر الطعام الذي ابتاع منفه فهفو بيفع الطعام قبفل أن يسفتوفى‪ .‬قال‬
‫مالك‪ :‬وقد نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن بيع الطعام قبل أن يستوفى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فاكتبوه" يعني الدين والجل‪ .‬ويقال‪ :‬أمر بالكتابة ولكن المراد الكتابة والشهاد‪،‬‬
‫لن الكتابة بغير شهود ل تكون حجة‪ .‬ويقال‪ :‬أمرنا بالكتابة لكيل ننسى‪ .‬وروى أبو داود الطيالسي‬
‫ففي مسفنده عفن حماد بفن سفلمة عفن علي بفن زيفد عفن يوسفف بفن مهران عفن ابفن عباس قال‪ :‬قال‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي قول ال عفز وجفل "إذا تداينتفم بديفن إلى أجفل مسفمى فاكتبوه"‬
‫إلى آخفر اليفة‪( :‬إن أول مفن جحفد آدم عليفه السفلم إن ال أراه ذريتفه فرأى رجل أزهفر سفاطعا‬
‫نوره فقال يفا رب مفن هذا قال‪ :‬هذا ابنفك داود‪ ،‬قال‪ :‬يفا رب فمفا عمره ؟ قال‪ :‬سفتون سفنة‪ ،‬قال‪ :‬يفا‬
‫رب زده ففي عمره ! فقال‪ :‬ل إل أن تزيده مفن عمرك‪ ،‬قال‪ :‬ومفا عمري ؟ قال‪ :‬ألف سفنة‪ ،‬قال آدم‬
‫فقفد وهبفت له أربعيفن سفنة‪ ،‬قال‪ :‬فكتفب ال عليفه كتابفا وأشهفد عليفه ملئكتفه فلمفا حضرتفه الوفاة‬
‫جاءتفه الملئكة‪ ،‬قال‪ :‬إنه بقفي من عمري أربعون سنة‪ ،‬قالوا‪ :‬إنفك قفد وهبتها لبنك داود‪ ،‬قال‪ :‬مفا‬
‫وهبت لحفد شيئا‪ ،‬فأخرج ال تعالى الكتاب وشهفد عليه ملئكتفه ‪ -‬ففي روايفة‪ :‬وأتفم لداود مائة سفنة‬
‫ولدم عمره ألف سفنة)‪ .‬خرجفه الترمذي أيضفا‪ .‬وففي قوله "فاكتبوه" إشارة ظاهرة إلى أنفه يكتبفه‬
‫بجميع صفته المبينة له المعربة عنه‪ ،‬للختلف المتوهم بين المتعاملين‪ ،‬المعرفة للحاكم ما يحكم‬
‫به عند ارتفاعهما إليه‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@ذهفب بعفض الناس إلى أن كتفب الديون واجفب على أربابهفا‪ ،‬فرض بهذه اليفة‪ ،‬بيعفا كان أو‬
‫قرضفا‪ ،‬لئل يقفع فيفه نسفيان أو جحود‪ ،‬وهفو اختيار الطفبري‪ .‬وقال ابفن جريفج‪ :‬مفن ادّان فليكتفب‪،‬‬
‫ومففن باع فليشهففد‪ .‬وقال الشعففبي‪ :‬كانوا يرون أن قوله "فإن أمففن" [البقرة‪ ]283 :‬ناسففخ لمره‬
‫بالكتب‪ .‬وحكى نحوه ابن جريج‪ ،‬وقاله ابن زيد‪ ،‬وروي عن أبي سعيد الخدري‪ .‬وذهب الربيع إلى‬
‫أن ذلك واجفب بهذه اللفاظ‪ ،‬ثفم خفففه ال تعالى بقوله‪" :‬فإن أمفن بعضكفم بعضفا"‪ .‬وقال الجمهور‪:‬‬
‫المفر بالكتفب ندب إلى حففظ الموال وإزالة الريفب‪ ،‬وإذا كان الغريفم تقيفا فمفا يضره الكتاب‪ ،‬وإن‬
‫كان غيفر ذلك فالكتاب ثقاف ففي دينفه وحاجفة صفاحب الحفق‪ .‬قال بعضهفم‪ :‬إن أشهدت فحزم‪ ،‬وإن‬
‫ائتمنفت فففي حفل وسفعة‪ .‬ابفن عطيفة‪ :‬وهذا هفو القول الصفحيح‪ .‬ول يترتفب نسفخ ففي هذا‪ ،‬لن ال‬
‫تعالى ندب إلى الكتاب فيما للمرء أن يهبه ويتركه بإجماع‪ ،‬فندبه إنما هو على جهة الحيطة للناس‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليكتفب بينكفم كاتفب" قال عطاء وغيره‪ :‬واجفب على الكاتفب أن يكتفب‪ ،‬وقاله‬
‫الشعبي‪ ،‬وذلك إذا لم يوجد كاتب سواه فواجب عليه أن يكتب‪ .‬السدي‪ :‬واجب مع الفراغ‪ .‬وحذفت‬
‫اللم مفن الول وأثبتفت ففي الثانفي‪ ،‬لن الثانفي غائب والول للمخاطفب‪ .‬وقفد ثبتفت ففي المخاطفب‪،‬‬
‫ومنه قوله تعالى‪" :‬فلتفرحوا" بالتاء‪ .‬وتحذف في الغائب‪ ،‬ومنه‪:‬‬
‫إذا ما خفت من شيء تبال‬ ‫محمد تفد نفسك كل نفس‬
‫@قوله تعالى‪" :‬بالعدل" أي بالحق والمعدلة‪ ،‬أي ل يكتب لصاحب الحق أكثر مما قاله ول أقل‪.‬‬
‫وإنمفا قال "بينكفم" ولم يقفل أحدكفم‪ ،‬لنفه لمفا كان الذي له الديفن يتهفم ففي الكتابفة الذي عليفه الديفن‬
‫وكذلك بالعكففس شرع ال سففبحانه كاتبففا غيرهمففا يكتففب بالعدل ل يكون فففي قلبففه ول قلمففه موادة‬
‫لحدهمفا على الخفر‪ .‬وقيفل‪ :‬إن الناس لمفا كانوا يتعاملون حتفى ل يشفذ أحدهفم عفن المعاملة‪ ،‬وكان‬
‫منهم من يكتب ومن ل يكتب‪ ،‬أمر ال سبحانه أن يكتب بينهم كاتب بالعدل‪.‬‬
‫الباء ففي قوله تعالى "بالعدل" متعلقفة بقوله‪" :‬وليكتفب" وليسفت متعلقفة بفف "كاتفب" لنفه كان يلزم‬
‫أل يكتففب وثيقففة إل العدل فففي نفسففه‪ ،‬وقففد يكتبهففا الصففبي والعبففد والمتحوط إذا أقاموا فقههففا‪ .‬أمففا‬
‫المنتصبون لكتبها فل يجوز للولة أن يتركوهم إل عدول مرضيين‪ .‬قال مالك رحمه ال تعالى‪ :‬ل‬
‫يكتفب الوثائق بيفن الناس إل عارف بهفا عدل ففي نفسفه مأمون‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬وليكتفب بينكفم كاتفب‬
‫بالعدل "‪.‬‬
‫قلت‪ :‬فالباء على هذا متعلقفة بفف "كاتفب" أي ليكتفب بينكفم كاتفب عدل‪ ،‬ففف "بالعدل" ففي موضفع‬
‫الصفة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يأب كاتب أن يكتب" نهى ال الكاتب عن الباء‪ ،‬واختلف الناس في وجوب‬
‫الكتابفة على الكاتفب والشهادة على الشاهفد‪ ،‬فقال الطفبري والربيفع‪ :‬واجفب على الكاتفب إذا أمفر أن‬
‫يكتب‪ .‬وقال الحسن‪ :‬ذلك واجب عليه في الموضع الذي ل يقدر على كاتب غيره‪ ،‬فيضر صاحب‬
‫الديفن إن امتنفع‪ ،‬فإن كان كذلك فهفو فريضفة‪ ،‬وإن قدر على كاتفب غيره فهفو ففي سفعة إذا قام بفه‬
‫غيره‪ .‬السفدي‪ :‬واجفب عليفه ففي حال فراغفه‪ ،‬وقفد تقدم‪ .‬وحكفى المهدوي عفن الربيفع والضحاك أن‬
‫قوله "ول يأب" منسوخ بقوله "ول يضار كاتب ول شهيد"‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا يتمشفى على قول مفن رأى أو ظفن أنفه قفد كان وجفب ففي الول على كفل مفن اختاره‬
‫المتبايعان أن يكتففب‪ ،‬وكان ل يجوز له أن يمتنففع حتففى نسففخه قوله تعالى‪" :‬ول يضار كاتففب ول‬
‫شهيد" وهذا بعيد‪ ،‬فإنه لم يثبت وجوب ذلك على كل من أراده المتبايعان كائنا من كان‪ .‬ولو كانت‬
‫الكتابفة واجبفة مفا صفح السفتئجار بهفا‪ ،‬لن الجارة على فعفل الفروض باطلة‪ ،‬ولم يختلف العلماء‬
‫ففي جواز أخفذ الجرة على كتفب الوثيقفة‪ .‬ابفن العربفي‪ :‬والصفحيح أنفه أمفر إرشاد فل يكتفب حتفى‬
‫يأخذه حقه‪ .‬وأبى يأبى شاذ‪ ،‬ولم يجئ إل قلى يقلى وأبى يأبى وغسى يغسى وجبى الخراج يجبى‪،‬‬
‫وقد تقدم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬كما علمه ال فليكتب" الكاف في "كما" متعلقة بقوله "أن يكتب" المعنى كتبا كما‬
‫علمه ال‪ .‬ويحتمل أن تكون متعلقة بما في قوله "ول يأب" من المعنى‪ ،‬أي كما أنعم ال عليه بعلم‬
‫الكتابفة فل يأب هفو وليفضفل كمفا أفضفل ال عليفه‪ .‬ويحتمفل أن يكون الكلم على هذا المعنفى تامفا‬
‫عند قوله "أن يكتب" ثم يكون "كما علمه ال" ابتداء كلم‪ ،‬وتكون الكاف متعلقة بقوله "فليكتب"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليملل الذي عليه الحق" وهو المديون المطلوب يقر على نفسه بلسفانه ليعلم ما‬
‫عليه‪ .‬والملء والملل لغتان‪ ،‬أملّ وأملى‪ ،‬فأمل لغة أهل الحجاز وبني أسد‪ ،‬وتميم تقول‪ :‬أمليت‪.‬‬
‫وجاء القرآن باللغتيفن‪ ،‬قال عفز وجفل‪" :‬فهفي تملى عليفه بكرة وأصفيل" [الفرقان‪ .]5 :‬والصفل‬
‫أمللت‪ ،‬أبدل مفن اللم ياء لنفه أخفف‪ .‬فأمفر ال تعالى الذي عليفه الحفق بالملء‪ ،‬لن الشهادة إنمفا‬
‫تكون بسبب إقراره‪ .‬وأمره تعالى بالتقوى فيما يمل‪ ،‬ونهى عن أن يبخس شيئا من الحق‪ .‬والبخس‬
‫النقص‪ .‬ومن هذا المعنى قوله تعالى‪" :‬ول يحل لهن أن يكتمن ما خلق ال في أرحامهن" [البقرة‪:‬‬
‫‪.]228‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا" قال بعض الناس‪ :‬أي صغيرا‪ .‬وهو‬
‫خطففأ فإن السفففيه قففد يكون كففبيرا على مففا يأتففي بيانففه‪" .‬أو ضعيفففا" أي كففبيرا ل عقففل له‪" .‬أو ل‬
‫يستطيع أن يمل" جعل ال الذي عليه الحق أربعة أصناف‪ :‬مستقل بنفسه يمل‪ ،‬وثلثة أصناف ل‬
‫يملون وتقع نوازلهم في كل زمن‪ ،‬وكون الحق يترتب لهم في جهات سوى المعاملت كالمواريث‬
‫إذا قسمت وغير ذلك‪ ،‬وهم السفيه والضعيف والذي ل يستطيع أن يمل‪ .‬فالسفيه المهلهل الرأي في‬
‫المال الذي ل يحسفن الخفذ لنفسفه ول العطاء منهفا‪ ،‬مشبفه بالثوب السففيه وهفو الخفيفف النسفج‪.‬‬
‫والبذيففء اللسففان يسففمى سفففيها‪ ،‬لنففه ل تكاد تتفففق البذاءة إل فففي جهال الناس وأصففحاب العقول‬
‫الخفيفة‪ .‬والعرب تطلق السفه على ضعف العقل تارة وعلى ضعف البدن أخرى‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ويجهل الدهر مع الحالم‬ ‫نخاف أن تسفه أحلمنا‬
‫وقال ذو الرمة‪:‬‬
‫أعاليها مر الرياح النواسم‬ ‫مشين كما اهتزت رماح تسفهت‬
‫أي اسفتضعفها واسفتلنها فحركهفا‪ .‬وقفد قالوا‪ :‬الضعفف بضفم الضاد ففي البدن وبفتحهفا ففي الرأي‪،‬‬
‫وقيفل‪ :‬همفا لغتان‪ .‬والول أصفح‪ ،‬لمفا روى أبفو داود عفن أنفس بفن مالك أن رجل على عهفد النفبي‬
‫صلى ال عليه وسلم كان يبتاع وفي عقله ضعف فأتى أهله نبي ال صلى ال عليه وسلم فقالوا‪ :‬يا‬
‫نبي ال‪ ،‬احجر على فلن فإنه يبتاع وفي عقله ضعف‪ .‬فدعاه النبي صلى ال عليه وسلم فنهاه عن‬
‫البيع‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول ال‪ ،‬إني ل أصبر عن البيع ساعة‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم (إن‬
‫كنفت غيفر تارك البيفع فقفل هفا وهفا ول خلبفة) وأخرجفه أبفو عيسفى محمفد بفن عيسفى السفلمي‬
‫الترمذي من حديث أنس وقال‪ :‬هو صحيح‪ ،‬وقال‪ :‬إن رجل كان في عقله ضعف‪ ،‬وذكر الحديث‪.‬‬
‫وذكره البخاري في التاريخ وقال فيه‪( :‬إذا بايعت فقل ل خلبة وأنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار‬
‫ثلث ليال)‪ .‬وهذا الرجفل هفو حبان بفن منقفذ بفن عمرو النصفاري والد يحيفى وواسفع ابنفي حبان‪:‬‬
‫وقيفل‪ :‬وهفو منقفذ جفد يحيفى وواسفع شيخفي مالك ووالده حبان‪ ،‬أتفى عليفه مائة وثلثون سفنة‪ ،‬وكان‬
‫شفج ففي بعفض مغازيفه مفع النفبي صفلى ال عليفه وسفلم مأمومفة خبفل منهفا عقله ولسفانه‪ :‬وروى‬
‫الدارقطني قال‪ :‬كان حبان بن منقذ رجل ضعيفا ضرير البصر وكان قفد سفع ففي رأسه مأمومة‪،‬‬
‫فجعل رسول ال صلى ال عليه وسلم له الخيار فيما يشتري ثلثة أيام‪ ،‬وكان قفد ثقل لسانه‪ ،‬فقال‬
‫له رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬بفع وقفل ل خلبفة) فكنفت أسفمعه يقول‪ :‬ل خذابفة ل خذابفة‪.‬‬
‫أخرجه من حديث ابن عمرو‪ .‬الخلبة‪ :‬الخديعة‪ ،‬ومنه قولهم‪" :‬إذا لم تغلب فاخلب"‪.‬‬
‫@اختلف العلماء فيمفن يخدع ففي البيوع لقلة خفبرته وضعفف عقله فهفل يحجفر عليفه أول فقال‬
‫بالحجففر عليففه أحمففد وإسففحاق‪ .‬وقال آخرون‪ :‬ل يحجففر عليففه‪ .‬والقولن فففي المذهففب‪ ،‬والصففحيح‬
‫الول‪ ،‬لهذه اليفة‪ ،‬ولقوله ففي الحديفث‪( :‬يفا نفبي ال احجفر على فلن)‪ .‬وإنمفا ترك الحجفر عليفه‬
‫لقوله‪( :‬يفا نفبي ال إنفي ل أصفبر عفن البيفع)‪ .‬فأباح له البيفع وجعله خاصفا بفه‪ ،‬لن مفن يخدع ففي‬
‫البيوع ينبغي أن يحجر عليه ل سيما إذا كان ذلك لخبل عقله‪ .‬ومما يدل على الخصوصية ما رواه‬
‫محمد بن إسحاق قال‪ :‬حدثني محمد بن يحيى بن حبان قال‪ :‬هو جدي منقذ بن عمرو وكان رجل‬
‫قد أصابته آفة في رأسه فكسرت لسانه ونازعته عقله‪ ،‬وكان ل يدع التجارة ول يزال يغبن‪ ،‬فأتى‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فذكفر ذلك له‪ ،‬فقال‪( :‬إذا بعفت فقفل ل خلبفة ثفم أنفت ففي كفل سفلعة‬
‫تبتاعهففا بالخيار ثلث ليال فإن رضيففت فأمسففك وإن سففخطت فارددهففا على صففاحبها)‪ .‬وقففد كان‬
‫عمّرف عمرا طويل‪ ،‬عاش ثلثين ومائة سنة‪ ،‬وكان ففي زمن عثمان بن عفان رضفي ال عنه حيفن‬
‫فشفا الناس وكثروا‪ ،‬يبتاع البيفع ففي السفوق ويرجفع بفه إلى أهله وقفد غبفن غبنفا قبيحفا‪ ،‬فيلومونفه‬
‫ويقولون له تبتاع ؟ فيقول‪ :‬أنفا بالخيار‪ ،‬إن رضيفت أخذت وإن سفخطت رددت‪ ،‬قفد كان رسفول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم جعلنفي بالخيار ثلثفا‪ .‬فيرد السفلعة على صفاحبها مفن الغفد وبعفد الغفد‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫وال ل أقبلها‪ ،‬قد أخذت سلعتي وأعطيتنفي دراهفم‪ ،‬قال فيقول‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫قفد جعلنفي بالخيار ثلثفا‪ .‬فكان يمفر الرجفل مفن أصفحاب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم فيقول‬
‫للتاجفر‪ :‬ويحفك ! إنفه قفد صفدق‪ ،‬إن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قفد كان جعله بالخيار ثلثفا‪.‬‬
‫أخرجه الدارقطني‪ .‬وذكره أبو عمر في الستيعاب وقال‪ :‬ذكره البخاري في التاريخ عن عياش بن‬
‫الوليد عن عبدالعلى عن ابن إسحاق‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أو ضعيفا" الضعيف هو المدخول العقل الناقص الفطرة العاجز عن الملء‪ ،‬إما‬
‫لعيه أو لخرسه أو جهله بأداء الكلم‪ ،‬وهذا أيضا قد يكون وليه أبا أو وصيا‪ .‬والذي ل يستطيع أن‬
‫يمفل هفو الصفغير‪ ،‬ووليفه وصفيه أو أبوه والغائب عفن موضوع الشهاد‪ ،‬إمفا لمرض أو لغيفر ذلك‬
‫مففن العذر‪ .‬ووليففه وكيله‪ .‬وأمففا الخرس فيسففوغ أن يكون مففن الضعفاء‪ ،‬والولى أنففه ممففن ل‬
‫يستطيع‪ .‬فهذه أصناف تتميز‪ ،‬وسيأتي في "النساء" بيانها والكلم عليها إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فليملل وليه بالعدل" ذهب الطبري إلى أن الضمير في "وليه" عائد على "الحق"‬
‫وأسففند فففي ذلك عففن الربيففع‪ ،‬وعففن ابففن عباس‪ .‬وقيففل‪ :‬هففو عائد على "الذي عليففه الحففق" وهففو‬
‫الصفحيح‪ .‬ومفا روي عفن ابفن عباس ل يصفح‪ .‬وكيفف تشهفد البينفة على شيفء وتدخفل مال ففي ذمفة‬
‫السفيه بإملء الذي له الدين ! هذا شي ليس في الشريعة‪ .‬إل أن يريد قائله‪ :‬إن الذي ل يستطيع أن‬
‫يمفل لمرض أو كفبر سفن لثقفل لسفانه عفن الملء أو لخرس‪ ،‬وإذا كان كذلك فليفس على المريفض‬
‫ومفن ثقفل لسفانه عفن الملء لخرس ولي عنفد أحفد العلماء‪ ،‬مثفل مفا ثبفت على الصفبي والسففيه عنفد‬
‫مفن يحجفر عليفه‪ .‬فإذا كان كذلك فليمفل صفاحب الحفق بالعدل ويسفمع الذي عجفز‪ ،‬فإذا كمفل الملء‬
‫أقر به‪ .‬وهذا معنى لم تعن الية إليه‪ :‬ول يصح هذا إل فيمن ل يستطيع أن يمل لمرض ومن ذكر‬
‫معه‪.‬‬
‫@لمفا قال ال تعالى‪" :‬فليملل الذي عليفه الحفق" دل ذلك على أنفه مؤتمفن فيمفا يورده ويصفدره‪،‬‬
‫فيقتضفي ذلك قبول قول الراهفن مفع يمينفه إذا اختلف هفو والمرتهفن ففي مقدار الديفن والرهفن قائم‪،‬‬
‫فيقول الراهففن رهنففت بخمسففين والمرتهففن يدعففي مائة‪ ،‬فالقول قول الراهففن والرهففن قائم‪ ،‬وهففو‬
‫مذهففب أكثففر الفقهاء‪ :‬سفففيان الثوري والشافعففي وأحمففد وإسففحاق وأصففحاب الرأي‪ ،‬واختاره ابففن‬
‫المنذر قال‪ :‬لن المرتهففن مدع للفضففل‪ ،‬وقال النففبي صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬البينففة على المدعففي‬
‫واليميففن على المدعففى عليففه)‪ .‬وقال مالك‪ :‬القول قول المرتهففن فيمففا بينففه وبيففن قيمففة الرهففن ول‬
‫يصفدق على أكثفر مفن ذلك‪ .‬فكأنفه يرى أن الرهفن ويمينفه شاهفد للمرتهفن‪ ،‬وقوله تعالى‪" :‬فليملل‬
‫الذي عليفه الحق" رد عليه‪ .‬فإن الذي عليه الحق هو الراهن‪ .‬وسفتأتي هذه المسفألة‪ .‬وإن قال قائل‪:‬‬
‫إن ال تعالى جعففل الرهففن بدل عففن الشهادة والكتاب‪ ،‬والشهادة دالة على صففدق المشهود له فيمففا‬
‫بينفه وبيفن قيمفة الرهفن‪ ،‬فإذا بلغ قيمتفه فل وثيقفة ففي الزيادة‪ .‬قيفل له‪ :‬الرهفن ل يدل على أن قيمتفه‬
‫تجب أن تكون مقدار الدين‪ ،‬فإنه ربما رهن الشيء بالقليل والكثير‪ .‬يصدق المرتهن مع اليمين في‬
‫مقدار الديفن إلى أن يسفاوي قيمفة الرهفن‪ .‬وليفس العرف على ذلك فربمفا نقفص الديفن عفن الرهفن‬
‫وهو الغالب‪ ،‬فل حاصل لقولهم هذا‪.‬‬
‫وإذا ثبفت أن المراد الولي ففيفه دليفل على أن إقراره جائز على يتيمفه‪ ،‬لنفه إذا أمله فقفد نففذ‬
‫قوله عليه فيما أمله‪.‬‬
‫وتصفرف السففيه المحجور عليفه دون إذن وليفه فاسفد إجماعفا مفسفوخ أبدا ل يوجفب حكمفا ول‬
‫يؤثففر شيئا‪ .‬فإن تصففرف سفففيه ول حجففر عليفه ففيفه خلف يأتففي بيانفه فففي "النسفاء" إن شاء ال‬
‫تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واسفتشهدوا" السفتشهاد طلب الشهادة‪ .‬واختلف الناس هفل هفي فرض أو ندب‪،‬‬
‫والصحيح أنه ندب على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬شهيديفن" رتفب ال سفبحانه الشهادة بحكمتفه ففي الحقوق الماليفة والبدنيفة والحدود‬
‫وجعل في كل فن شهيدين إل في الزنا‪ ،‬على ما يأتي بيانه في سورة "النساء"‪ .‬وشهيد بناء مبالغة‪،‬‬
‫وفي ذلك دللة على من قد شهد وتكرر ذلك منه‪ ،‬فكأنه إشارة إلى العدالة‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مففن رجالكففم" نففص فففي رفففض الكفار والصففبيان والنسففاء‪ ،‬وأمففا العبيففد فاللفففظ‬
‫يتناولهففم‪ .‬وقال مجاهففد‪ :‬المراد الحرار‪ ،‬واختاره القاضففي أبففو إسففحاق وأطنففب فيففه‪ .‬وقففد اختلف‬
‫العلماء في شهادة العبيد‪ ،‬فقال شريح وعثمان البتي وأحمد وإسحاق وأبو ثور‪ :‬شهادة العبد جائزة‬
‫إذا كان عدل‪ ،‬وغلبوا لفففظ اليففة‪ .‬وقال مالك وأبففو حنيفففة والشافعففي وجمهور العلماء‪ :‬ل تجوز‬
‫شهادة العبفد‪ ،‬وغلبوا نقفص الرق‪ ،‬وأجازهفا الشعفبي والنخعفي ففي الشيفء اليسفير‪ .‬والصفحيح قول‬
‫الجمهور‪ ،‬لن ال تعالى قال‪" :‬يفففا أيهفففا الذيفففن آمنوا إذا تداينتفففم بديفففن" [البقرة‪ ]282 :‬وسفففاق‬
‫الخطاب إلى قوله "مففن رجالكففم" فظاهففر الخطاب يتناول الذيففن يتداينون‪ ،‬والعبيففد ل يملكون ذلك‬
‫دون إذن السففادة‪ .‬فإن قالوا‪ :‬إن خصففوص أول اليففة ل يمنففع التعلق بعموم آخرهففا‪ .‬قيففل لهففم‪ :‬هذا‬
‫يخصه قوله تعالى‪" :‬ول يأب الشهداء إذا ما دعوا" على ما يأتي بيانه‪ .‬وقوله "من رجالكم" دليل‬
‫على أن العمى من أهل الشهادة لكن إذا علم يقينا‪ ،‬مثل ما روي عن ابن عباس قال‪ :‬سئل رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم عن الشهادة فقال‪( :‬ترى هذه الشمس فاشهد على مثلها أو دع)‪ .‬وهذا يدل‬
‫على اشتراط معاينة الشاهد لما يشهد به‪ ،‬ل من يشهد بالستدلل الذي يجوز أن يخطئ‪ .‬نعم يجوز‬
‫له وطفء امرأتفه إذا عرف صفوتها‪ ،‬لن القدام على الوطفء جائز بغلبفة الظفن‪ ،‬فلو زففت إليفه امرأة‬
‫وقيل‪ :‬هذه امرأتك وهو ل يعرفها جاز له وطؤها‪ ،‬ويحل له قبول هدية جاءته بقول الرسول‪ .‬ولو‬
‫خبَر عنه‪،‬‬ ‫أخبره مخبر عن زيد بإقرار أو بيع أو قذف أو غصب لما جاز له إقامة الشهادة على الم ْ‬
‫لن سفبيل الشهادة اليقيفن‪ ،‬وففي غيرهفا يجوز اسفتعمال غالب الظفن‪ ،‬ولذلك قال الشافعفي وابفن أبفي‬
‫ليلى وأبو يوسف‪ :‬إذا علمه قبل العمى جازت الشهادة بعد العمى‪ ،‬ويكون العمى الحائل بينه وبين‬
‫المشهود عليفه كالغيبفة والموت ففي المشهود عليفه‪ .‬فهذا مذهفب هؤلء‪ .‬والذي يمنفع أداء العمفى‬
‫فيمفا تحمفل بصفيرا ل وجفه له‪ ،‬وتصفح شهادتفه بالنسفب الذي يثبفت بالخفبر المسفتفيض‪ ،‬كمفا يخفبر‬
‫عمفا تواتفر حكمفه مفن الرسفول صفلى ال عليفه وسفلم‪ .‬ومفن العلماء مفن قبفل شهادة العمفى فيمفا‬
‫طريقففه الصففوت‪ ،‬لنففه رأى السففتدلل بذلك يترقففى إلى حففد اليقيففن‪ ،‬ورأى أن اشتباه الصففوات‬
‫كاشتباه الصور واللوان‪ .‬وهذا ضعيف يلزم منه جواز العتماد على الصوت للبصير‪.‬‬
‫قلت‪ :‬مذهفففب مالك ففففي شهادة العمفففى على الصفففوت جائزة ففففي الطلق وغيره إذا عرف‬
‫الصفوت‪ .‬قال ابفن قاسفم‪ :‬قلت لمالك‪ :‬فالرجفل يسفمع جاره مفن وراء الحائط ول يراه‪ ،‬يسفمعه يطلق‬
‫امرأتفه فيشهفد عليفه وقفد عرف الصفوت ؟ قال‪ :‬قال مالك‪ :‬شهادتفه جائزة‪ .‬وقال ذلك علي بفن أبفي‬
‫طالب والقاسفم بفن محمفد وشريفح الكندي والشعفبي وعطاء بفن أبفي رباح ويحيفى بفن سفعيد وربيعفة‬
‫وإبراهيم النخعي ومالك والليث‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن لم يكونفا رجليفن فرجفل وامرأتان" المعنفى إن لم يأت الطالب برجليفن فليأت‬
‫برجفل وامرأتيففن‪ ،‬هذا قول الجمهور‪" .‬فرجفل" رفففع بالبتداء‪" ،‬وامرأتان" عطففف عليفه والخففبر‬
‫محذوف‪ .‬أي فرجفل وامرأتان يقومان مقامهمفا‪ .‬ويجوز النصفب ففي غيفر القرآن‪ ،‬أي فاسفتشهدوا‬
‫رجل وامرأتين‪ .‬وحكى سيبويه‪ :‬إن خنجرا فخنجرا‪ .‬وقال قوم‪ :‬بل المعنى فإن لم يكن رجلن‪ ،‬أي‬
‫لم يوجدا فل يجوز اسففتشهاد المرأتيففن إل مففع عدم الرجال‪ .‬قال ابففن عطيففة‪ :‬وهذا ضعيففف‪ ،‬فلفففظ‬
‫الية ل يعطيه‪ ،‬بل الظاهر منه قول الجمهور‪ ،‬أي إن لم يكن المستشهد رجلين‪ ،‬أي إن أغفل ذلك‬
‫صاحب الحق أو قصده لعذر ما فليستشهد رجل وامرأتين‪ .‬فجعل تعالى شهادة المرأتين مع الرجل‬
‫جائزة مفع وجود الرجليفن ففي هذه اليفة‪ ،‬ولم يذكرهفا ففي غيرهفا‪ ،‬فأجيزت ففي الموال خاصفة ففي‬
‫قول الجمهور‪ ،‬بشرط أن يكون معهما رجل‪ .‬وإنما كان ذلك في الموال دون غيرها‪ ،‬لن الموال‬
‫كثر ال أسباب توثيقها لكثرة جهات تحصيلها وعموم البلوى بها وتكررها‪ ،‬فجعل فيها التوثق تارة‬
‫بالكتبففة وتارة بالشهاد وتارة بالرهففن وتارة بالضمان‪ ،‬وأدخففل فففي جميففع ذلك شهادة النسففاء مففع‬
‫الرجال‪ .‬ول يتوهفم عاقفل أن قوله تعالى‪" :‬إذا تداينتفم بديفن" يشتمفل على ديفن المهفر مفع البضفع‪،‬‬
‫وعلى الصلح على دم العمد‪ ،‬فإن تلك الشهادة ليست شهادة على الدين‪ ،‬بل هي شهادة على النكاح‪.‬‬
‫وأجاز العلماء شهادتهفن منفردات فيمفا ل يطلع عليفه غيرهفن للضرورة‪ .‬وعلى مثفل ذلك أجيزت‬
‫شهادة الصبيان في الجراح فيما بينهم للضرورة‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء في شهادة الصبيان في الجراح‪:‬‬
‫فأجازها مالك ما لم يختلفوا ولم يفترقوا‪ .‬ول يجوز أقل من شهادة اثنين منهم على صغير لكبير‬
‫ولكبير على صفغير‪ .‬وممن كان يقضي بشهادة الصبيان فيمفا بينهفم من الجراح عبدال بن الزبيفر‪.‬‬
‫وقال مالك‪ :‬وهفو المفر عندنفا المجتمفع عليفه‪ .‬ولم يجفز الشافعفي وأبفو حنيففة وأصفحابه شهادتهفم‪،‬‬
‫لقوله تعالى‪" :‬من رجالكم" وقوله‪" :‬ممن ترضون" وقوله‪" :‬ذوي عدل منكم" [الطلق‪ ]2 :‬وهذه‬
‫الصفات ليست في الصبي‪.‬‬
‫@لما جعل ال سبحانه شهادة امرأتين بدل شهادة رجل وجب أن يكون حكمهما حكمه‪ ،‬فكما له أن‬
‫يحلف مففع الشاهففد عندنففا‪ ،‬وعنففد الشافعففي كذلك‪ ،‬يجففب أن يحلف مففع شهادة امرأتيففن بمطلق هذه‬
‫العوضيفة‪ .‬وخالف ففي هذا أبفو حنيففة وأصفحابه فلم يروا اليميفن مفع الشاهفد وقالوا‪ :‬إن ال سفبحانه‬
‫قسفم الشهادة وعددهفا‪ ،‬ولم يذكفر الشاهفد واليميفن‪ ،‬فل يجوز القضاء بفه لنفه يكون قسفما زائدا على‬
‫مففا قسففمه ال‪ ،‬وهذه زيادة على النففص‪ ،‬وذلك نسففخ‪ .‬وممففن قال بهذا القول الثوري والوزاعففي‬
‫وعطاء والحكفم بفن عتيبفة وطائففة‪ .‬قال بعضهفم‪ :‬الحكفم باليميفن مفع الشاهفد منسفوخ بالقرآن‪ .‬وزعفم‬
‫عطاء أن أول مفن قضفى بفه عبدالملك بفن مروان‪ ،‬وقال‪ :‬الحكفم‪ :‬القضاء باليميفن والشاهفد بدعفة‪،‬‬
‫وأول من حكم به معاوية‪ .‬وهذا كله غلط وظن ل يغني من الحق شيئا‪ ،‬وليس من نفى وجهل كمن‬
‫أثبفت وعلم وليفس ففي قول ال تعالى‪" :‬واسفتشهدوا شهيديفن مفن رجالكفم" اليفة‪ ،‬مفا يرد بفه قضاء‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ففي اليميفن مفع الشاهفد ول أنفه ل يتوصفل إلى الحقوق ول تسفتحق‬
‫إل بما ذكر فيها ل غير‪ ،‬فإن ذلك يبطل بنكول المطلوب ويمين الطالب‪ ،‬فإن ذلك يستحق به المال‬
‫إجماعا وليس في كتاب ال تعالى‪ ،‬وهذا قاطع في الرد عليهم‪ .‬قال مالك‪ :‬فمن الحجة على من قال‬
‫ذلك القول أن يقال له‪ :‬أرأيففت لو أن رجل ادعففى على رجففل مال أليففس يحلف المطلوب مففا ذلك‬
‫الحفق عليفه ؟ فإن حلف بطفل ذلك الحفق عنفه‪ ،‬وإن نكفل عفن اليميفن حلف صفاحب الحفق‪ ،‬أن حقفه‬
‫لحفق‪ ،‬وثبفت حقفه على صفاحبه‪ .‬فهذا ممفا ل اختلف فيفه عنفد أحفد مفن الناس ول ببلد مفن البلدان‪،‬‬
‫فبأي شيفء أخفذ هذا وففي أي كتاب ال وجده؟ فمفن أقفر فليقفر باليميفن مفع الشاهفد‪ .‬قال علماؤنفا‪ :‬ثفم‬
‫العجفب مفع شهرة الحاديفث وصفحتها بدعوا مفن عمفل بهفا حتفى نقضوا حكمفه واسفتقصروا رأيفه‪،‬‬
‫مفع أنفه قفد عمفل بذلك الخلفاء الربعفة وأبفي بفن كعفب ومعاويفة وشريفح وعمفر بفن عبدالعزيفز ‪-‬‬
‫وكتب به إلى عماله ‪ -‬وإياس بن معاوية وأبو سلمة بن عبدالرحمن وأبو الزناد وربيعة‪ ،‬ولذلك قال‬
‫مالك‪ :‬وإنه ليكفي من ذلك ما مضى من عمل السنة‪ ،‬أترى هؤلء تنقض أحكامهم‪ ،‬ويحكم ببدعتهم‬
‫! هذا إغفال شديد‪ ،‬ونظر غير سديد‪ .‬روى الئمة عن ابن عباس عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أنه قضى باليمين مع الشاهد‪ .‬قال عمرو بن دينار‪ :‬في الموال خاصة‪ ،‬رواه سيف بن سليمان عن‬
‫قيس بن سعد بن دينار عن ابن عباس‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬هذا أصح إسناد لهذا الحديث‪ ،‬وهو حديث ل‬
‫مطعفن لحفد ففي إسفناده‪ ،‬ول خلف بيفن أهفل المعرففة بالحديفث ففي أن رجاله ثقات‪ .‬قال يحيفى‬
‫القطان‪ :‬سفيف بفن سفليمان ثَبْت‪ ،‬مفا رأيفت أحففظ منفه‪ .‬وقال النسفائي‪ :‬هذا إسفناد جيفد‪ ،‬سفيف ثقفة‪،‬‬
‫وقيس ثقة‪ .‬وقد خرج مسلم حديث ابن عباس هذا‪ .‬قال أبو بكر البزار‪ :‬سيف بن سليمان وقيس بن‬
‫سفعد ثقتان‪ ،‬ومفن بعدهمفا يسفتغنى عفن ذكرهمفا لشهرتهمفا ففي الثقفة والعدالة‪ .‬ولم يأت عفن أحفد مفن‬
‫الصفحابة أنفه أنكفر اليميفن مفع الشاهفد‪ ،‬بفل جاء عنهفم القول بفه‪ ،‬وعليفه جمهور أهفل العلم بالمدينفة‪.‬‬
‫واختلف فيه عن عروة بن الزبير وابن شهاب‪ ،‬فقال معمر‪ :‬سألت الزهري عن اليمين مع الشاهد‬
‫فقال‪ :‬هذا شيء أحدثه الناس‪ ،‬لبد من شاهدين‪ .‬وقد روي عنه أنه أول ما ولي القضاء حكم بشاهد‬
‫ويمين‪ ،‬وبه قال مالك وأصحابه والشافعي وأتباعه وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وأبو ثور وداود بن‬
‫علي وجماعفة أهفل الثفر‪ ،‬وهفو الذي ل يجوز عندي خلففه‪ ،‬لتواتفر الثار بفه عفن النفبي صفلى ال‬
‫عليه وسلم وعمل أهل المدينة قرنا بعد قرن‪ .‬وقال مالك‪ :‬يقضى باليمين مع الشاهد في كل البلدان‪،‬‬
‫ولم يحتفج ففي موطئه لمسفألة غيرهفا‪ .‬ولم يختلف عنفه ففي القضاء باليميفن مفع الشاهفد ول عفن أحفد‬
‫من أصحابه بالمدينة ومصر وغيرهما‪ ،‬ول يعرف المالكيون في كل بلد غير ذلك من مذهبهم إل‬
‫عندنفا بالندلس‪ ،‬فإن يحيفى بفن يحيفى زعفم أنفه لم يفر الليفث يفتفي بفه ول يذهفب إليفه‪ .‬وخالف يحيفى‬
‫مالكفا ففي ذلك مفع مخالفتفه السفنة والعمفل بدار الهجرة‪ .‬ثفم اليميفن مفع الشاهفد زيادة حكفم على لسفان‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬كنهيفه عفن نكاح المرأة على عمتهفا وعلى خالتهفا مفع قول ال‬
‫تعالى‪" :‬وأحل لكم ما وراء ذلكم" [النساء‪ .]24 :‬وكنهيه عن أكل لحوم الحمر الهلية‪ ،‬وكل ذي‬
‫ناب من السباع مع قوله‪" :‬قل ل أجد" [النعام‪ .]145 :‬وكالمسح على الخفين‪ ،‬والقرآن إنما ورد‬
‫بغسفل الرجليفن أو مسفحهما‪ ،‬ومثفل هذا كثيفر‪ .‬ولو جاز أن يقال‪ :‬إن القرآن نسفخ حكفم رسفول ال‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم باليميفن مفع الشاهفد‪ ،‬لجاز أن يقال‪ :‬إن القرآن ففي قوله عفز وجفل‪" :‬وأحفل ال‬
‫البيفع وحرم الربفا" [البقرة‪ ]275 :‬وففي قوله‪" :‬إل أن تكون تجارة عفن تراض منكفم" [النسفاء‪:‬‬
‫‪ ]29‬ناسفخ لنهيفه عفن المزابنفة وبيفع الغرر وبيفع مفا لم يخلق‪ ،‬إلى سفائر مفا نهفى عنفه ففي البيوع‪،‬‬
‫وهذا ل يسوغ لحد‪ ،‬لن السنة مبينة للكتاب‪.‬‬
‫فإن قيفل‪ :‬إن مفا ورد مفن الحديفث قضيفة ففي عيفن فل عموم‪ .‬قلنفا‪ :‬بفل ذلك عبارة عفن تقعيفد هذه‬
‫القاعدة‪ ،‬فكأنفه قال‪ :‬أوجفب رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم الحكفم باليميفن مفع الشاهفد‪ .‬وممفا يشهفد‬
‫لهذا التأويفل مفا رواه أبفو داود ففي حديفث ابفن عباس أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قضفى‬
‫بشاهفد ويميفن ففي الحقوق‪ ،‬ومفن جهفة القياس والنظفر أنفا وقفد وجدنفا اليميفن أقوى مفن المرأتيفن‪،‬‬
‫لنهما ل مدخل لهما في اللعان واليمين تدخل في اللعان‪ .‬وإذا صحت السنة فالقول بها يجب‪ ،‬ول‬
‫تحتاج السنة إلى مايتابعها‪ ،‬لن من خالفها محجوج بها‪ .‬وبال التوفيق‪.‬‬
‫@وإذا تقرر وثبفت الحكفم باليميفن مفع الشاهفد‪ ،‬فقال القاضفي أبفو محمفد عبدالوهاب‪ :‬ذلك ففي‬
‫الموال ومفا يتعلق بهفا دون حقوق البدان‪ ،‬للجماع على ذلك مفن كفل قائل باليميفن مفع الشاهفد‪.‬‬
‫قال‪ :‬لن حقوق الموال أخفض من حقوق البدان‪ ،‬بدليل قبول شهادة النساء فيها‪ .‬وقد اختلف قول‬
‫مالك ففي جراح العمفد‪ ،‬هفل يجفب القَوَد فيهفا بالشاهفد واليميفن ؟ فيفه روايتان‪ :‬إحداهمفا أنفه يجفب بفه‬
‫التخييففر بيففن القود والديففة‪ .‬والخرى أنففه ل يجففب بففه شيففء‪ ،‬لنففه مففن حقوق البدان‪ .‬قال‪ :‬وهففو‬
‫الصحيح‪ .‬قال مالك في الموطأ‪ :‬وإنما يكون ذلك في الموال خاصة‪ ،‬وقاله عمرو بن دينار‪ .‬وقال‬
‫المازري‪ :‬يقبفل ففي المال المحفض مفن غيفر خلف‪ ،‬ول يقبفل ففي النكاح والطلق المحضيفن مفن‬
‫غيفر خلف‪ .‬وإن كان مضمون الشهادة مفا ليفس بمال‪ ،‬ولكنفه يؤدي إلى المال‪ ،‬كالشهادة بالوصفية‬
‫والنكاح بعفد الموت‪ ،‬حتفى ل يطلب مفن ثبوتهفا إل المال إلى غيفر ذلك‪ ،‬فففي قبوله اختلف‪ ،‬فمفن‬
‫راعى المال قبله كما يقبله في المال‪ ،‬ومن راعى الحال لم يقبله‪ .‬وقال المهدوي‪ :‬شهادة النساء في‬
‫الحدود غيفر جائزة ففي قول عامفة الفقهاء‪ ،‬وكذلك ففي النكاح والطلق ففي قول أكثفر العلماء‪ ،‬وهفو‬
‫مذهب مالك والشافعي وغيرهما‪ ،‬وإنما يشهدن في الموال‪ .‬وكل ما ل يشهدن فيه فل يشهدن على‬
‫شهادة غيرهففن فيففه‪ ،‬كان معهففن رجففل أو لم يكففن‪ ،‬ول ينقلن شهادة إل مففع رجففل نقلن عففن رجففل‬
‫وامرأة‪ .‬ويقضى باثنتين منهن في كل ما ل يحضره غيرهن كالولدة والستهلل ونحو ذلك‪ .‬هذا‬
‫كله مذهب مالك‪ ،‬وفي بعضه اختلف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ممن ترضون من الشهداء" في موضع رفع على الصفة لرجل وامرأتين‪ .‬قال ابن‬
‫بكيفر وغيره‪ :‬هذه مخاطبفة للحكام‪ .‬ابفن عطيفة‪ :‬وهذا غيفر نبيفل‪ ،‬وإنمفا الخطاب لجميفع الناس‪ ،‬لكفن‬
‫المتلبس بهذه القضية إنما هم الحكام‪ ،‬وهذا كثير في كتاب ال يعم الخطاب فيما يتلبس به البعض‪.‬‬
‫لمفا قال ال تعالى‪" :‬ممفن ترضون مفن الشهداء" دل على أن ففي الشهود مفن ل يرضفي‪ ،‬فيجيفء‬
‫مفن ذلك أن الناس ليسفوا محموليفن على العدالة حتفى تثبفت لهفم‪ ،‬وذلك معنفى زائد على السفلم‪،‬‬
‫وهذا قول الجمهور‪ .‬وقال أبفو حنيففة‪ :‬كفل مسفلم ظاهفر السفلم مفع السفلمة مفن فسفق ظاهفر فهفو‬
‫عدل وإن كان مجهول الحال‪ .‬وقال شريح وعثمان البتي وأبو ثور‪ :‬هم عدول المسلمين وإن كانوا‬
‫عبيدا‪.‬‬
‫قلت فعمموا الحكم‪ ،‬ويلزم منه قبول قبول شهادة البدوي على القروي إذا كان عدل مرضيا وبه‬
‫قال الشافعي ومن وافقه‪ ،‬وهو من رجالنا وأهل ديننا‪ .‬وكونه بدويا ككونه من بلد آخر والعمومات‬
‫ففففي القرآن الدالة على قبول شهادة العدول تسفففوي بيفففن البدوي والقروي‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ممفففن‬
‫ترضون من الشهداء" وقال تعالى‪" :‬وأشهدوا ذوي عدل منكم" فف "منكم" خطاب للمسلمين‪ .‬وهذا‬
‫يقتضففففي قطعففففا أن يكون معنففففى العدالة زائدا على السففففلم ضرورة‪ ،‬لن الصففففة زائدة على‬
‫الموصوف‪ ،‬وكذلك "ممن ترضون" مثله‪ ،‬خلف ما قال أبو حنيفة‪ ،‬ثم ل يعلم كونه مرضيا حتى‬
‫يختبر حاله‪ ،‬فيلزمه أل يكتفي بظاهر السلم‪ .‬وذهب أحمد بن حنبل ومالك في رواية ابن وهب‬
‫عنه إلى رد شهادة البدوي على القروي لحديث أبي هريرة عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‪:‬‬
‫(ل تجوز شهادة بدوي على صاحب قرية)‪ .‬والصحيح جواز شهادته إذا كان عدل مرضيا‪ ،‬على‬
‫مفا يأتفي ففي "النسفاء" و"براءة" إن شاء ال تعالى‪ .‬وليفس ففي حديفث أبفي هريرة فرق بيفن القروي‬
‫في الحضر أو السفر‪ ،‬ومتى كان في السفر فل خلف في قبوله‪.‬‬
‫قال علماؤنففا‪ :‬العدالة هففي العتدال فففي الحوال الدينيففة‪ ،‬وذلك يتففم بأن يكون مجتنبففا للكبائر‬
‫محافظفا على مروءتفه وعلى ترك الصفغائر‪ ،‬ظاهفر المانفة غيفر مغففل‪ .‬وقيفل‪ :‬صففاء السفريرة‬
‫واستقامة السيرة في ظن المعدل‪ ،‬والمعنى متقارب‪.‬‬
‫@لما كانت الشهادة ولية عظيمة ومرتبة منيفة‪ ،‬وهي قبول قول الغير على الغير‪ ،‬شرط تعالى‬
‫فيهفا الرضففا والعدالة‪ .‬فمفن حكفم الشاهفد‪ .‬أن تكون له شمائل ينفرد بهفا وفضائل يتحلى بهفا حتفى‬
‫تكون له مزية على غيره‪ ،‬توجب له تلك المزية رتبة الختصاص بقبول قوله‪ ،‬ويحكم بشغل ذمة‬
‫المطلوب بشهادتففه‪ .‬وهذا أدل دليففل على جواز الجتهاد والسففتدلل بالمارات والعلمات عنففد‬
‫علمائنفا على مفا خففي مفن المعانفي والحكام‪ .‬وسفيأتي لهذا ففي سفورة "يوسفف" زيادة بيان إن شاء‬
‫ال تعالى‪ .‬وفيفه مفا يدل على تفويفض المفر إلى اجتهاد الحكام‪ ،‬فربمفا تفرس ففي الشاهفد غفلة أو‬
‫ريبة فيرد شهادته لذلك‪.‬‬
‫قال أبفو حنيففة‪ :‬يكتففى بظاهفر السفلم ففي الموال دون الحدود‪ .‬وهذه مناقصفة تسفقط كلمفه‬
‫وتفسففد عليففه مرامففه‪ ،‬لننففا نقول‪ :‬حففق مففن الحقوق‪ .‬فل يكتفففى فففي الشهادة عليففه بظاهففر الديففن‬
‫كالحدود‪ ،‬قاله ابن العربي‪.‬‬
‫@وإذ قد شرط ال تعالى الرضا والعدالة في المداينة كما بينا فاشتراطها في النكاح أولى‪ ،‬خلفا‬
‫لبي حنيفة حيث قال‪ :‬إن النكاح ينعقد‪ .‬بشهادة فاسقين‪ .‬فنفى الحتياط المأمور به في الموال عن‬
‫النكاح‪ ،‬وهو أولى لما يتعلق به من الحل والحرمة والحد والنسب‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قول أبفي حنيففة ففي هذا الباب ضعيفف جدا‪ ،‬لشرط ال تعالى الرضفا والعدالة‪ ،‬وليفس يعلم‬
‫كونه مرضيا بمجرد السلم‪ ،‬وإنما يعلم بالنظر في أحواله حسب ما تقدم‪ .‬ول يغتر بظاهر قوله‪:‬‬
‫أنا مسلم‪ .‬فربما انطوى على ما يوجب رد شهادته‪ ،‬مثل قوله تعالى‪" :‬ومن الناس من يعجبك قوله‬
‫ففي الحياة الدنيفا ويشهفد ال على مفا ففي قلبفه" [البقرة‪ ]204:‬إلى قوله‪" :‬وال ل يحفب الفسفاد"‬
‫[البقرة‪ ]205:‬وقال‪" :‬وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم" [المنافقين‪ ]4 :‬الية‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أن تضل إحداهما" قال أبو عبيد‪ :‬معنى تضل تنسى‪ .‬والضلل عن الشهادة إنما‬
‫هفو نسفيان جزء منهفا وذكفر جزء‪ ،‬ويبقفى المرء حيران ببفن ذلك ضال‪ .‬ومفن نسفي الشهادة جملة‬
‫فليفففس يقال‪ :‬ضفففل فيهفففا‪ .‬وقرأ حمزة "إن" بكسفففر الهمزة على معنفففى الجزاء‪ ،‬والفاء ففففي قوله‪:‬‬
‫"فتذكفر" جوابفه‪ ،‬وموضفع الشرط وجوابفه رففع على الصففة للمرأتيفن والرجفل‪ ،‬وارتففع "تذكفر"‬
‫على الستئناف‪ ،‬كما ارتفع قوله‪" :‬ومن عاد فينتقم ال منه" [المائدة‪ ]95 :‬هذا قول سيبويه‪ .‬ومن‬
‫فتفح "أن" فهفي مفعول له والعامفل فيهفا محذوف‪ .‬وانتصفب "فتذكفر" على قراءة الجماعفة عطففا‬
‫على الفعفل المنصفوب بأن‪ .‬قال النحاس‪ :‬ويجوز "تضفل" بفتفح التاء والضاد‪ ،‬ويجوز تضفل بكسفر‬
‫التاء وفتففح الضاد‪ .‬فمففن قال‪" :‬تضففل" جاء بففه على لغففة مففن قال‪ :‬ضَلِلْت تَضَل‪ .‬وعلى هذا تقول‬
‫تِضل فتكسر التاء لتدل على أن الماضي فعلت‪ .‬وقرأ الجحدري وعيسى بن عمر "أن تضل" بضم‬
‫التاء وفتففح الضاد بمعنففى تنسففى‪ ،‬وهكذا حكففى عنهمففا أبففو عمرو الدانففي‪ .‬وحكففى النقاش عففن‬
‫الجحدري ضفم التاء وكسفر الضاد بمعنفى أن تضفل الشهادة‪ .‬تقول‪ :‬أضللت الفرس والبعيفر إذا تلففا‬
‫لك وذهبا فلم تجدهما‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فتذكر" خفف الذال والكاف ابن كثير وأبو عمرو‪ ،‬وعليه فيكون المعنى أن تردها‬
‫ذكرا في الشهادة‪ ،‬لن شهادة المرأة نصف شهادة‪ ،‬فإذا شهدتا صار مجموعهما كشهادة ذكر‪ ،‬قاله‬
‫سففيان بفن عيينفة وأبفو عمرو بفن العلء‪ .‬وفيفه بعفد‪ ،‬إذ ل يحصفل ففي مقابلة الضلل الذي معناه‬
‫النسيان إل الذكر‪ ،‬وهو معنى قراءة الجماعة "فتذكر" بالتشديد‪ ،‬أي تنبهها إذا غفلت ونسيت‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وإليهففا ترجففع قراءة أبففي عمرو‪ ،‬أي إن تنففس إحداهمففا فتذكرهففا الخرى‪ ،‬يقال‪ :‬تذكرت‬
‫الشيء وأذكرته وذكرته بمعنى‪ ،‬قاله في الصحاح‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يأب الشهداء إذا مفا دعوا" قال الحسفن‪ :‬جمعفت هذه اليفة أمريفن‪ ،‬وهمفا أل‬
‫تأبففى إذا دعيففت إلى تحصففيل الشهادة‪ ،‬ول إذا دعيففت إلى أدائهففا‪ ،‬وقاله ابففن عباس‪ .‬وقال قتادة‬
‫والربيع وابن عباس‪ :‬أي لتحملها وإثباتها في الكتاب‪ .‬وقال مجاهد‪ :‬معنى الية إذا دعيت إلى أداء‬
‫شهادة وقفد حصفلت عندك‪ .‬وأسفند النقاش إلى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أنفه فسفر اليفة بهذا‪ ،‬قال‬
‫مجاهفففد‪ :‬فأمفففا إذا دعيفففت لتشهفففد أول فإن شئت فاذهفففب وإن شئت فل‪ ،‬وقاله أبفففو مجلز وعطاء‬
‫وإبراهيفم وابفن جفبير والسفدي وابفن زيفد وغيرهفم‪ .‬وعليفه فل يجفب على الشهود الحضور عنفد‬
‫المتعاقديفن‪ ،‬وإنمفا على المتداينين أن يحضرا عند الشهود‪ ،‬فإذا حضراهفم وسفألهم إثبات شهادتهفم‬
‫فففي الكتاب فهذه الحالة التففي يجوز أن تراد بقوله تعالى‪" :‬ول يأب الشهداء إذا مففا دعوا" لثبات‬
‫الشهادة فإذا ثبتت شهادتهم ثم دعوا لقامتها عند الحاكم فهذا الدعاء هو بحضورهما عند الحاكم‪،‬‬
‫على ما يأتي‪ .‬وقال ابن عطية‪ :‬والية كما قال الحسن جمعت أمرين على جهة الندب‪ ،‬فالمسلمون‬
‫مندوبون إلى معونفة إخوانهفم‪ ،‬فإذا كانفت الفسفحة لكثرة الشهود والمفن مفن تعطيفل الحفق فالمدعفو‬
‫مندوب‪ ،‬وله أن يتخلف لدنفى عذر‪ ،‬وإن تخلف لغيفر عذر فل إثفم عليفه ول ثواب له‪ .‬وإذا كانفت‬
‫الضرورة وخيففف تعطففل الحففق أدنففى خوف قوي الندب وقرب مففن الوجوب‪ ،‬وإذا علم أن الحففق‬
‫يذهفب ويتلف بتأخفر الشاهفد عفن الشهادة فواجفب عليفه القيام بهفا‪ ،‬ل سفيما إن كانفت محصفلة وكان‬
‫الدعاء إلى أدائها‪ ،‬فإن هذا الظرف آكد‪ ،‬لنها قلدة في العنق وأمانة تقتضي الداء‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وقد يستلوح من هذه الية دليل على أن جائزا للمام أن يقيم للناس شهودا ويجعل لهم من‬
‫بيت المال كفايتهم‪ ،‬فل يكون لهم شغل إل تحمل حقوق الناس حفظا لها‪ ،‬وإن لم يكن ذلك ضاعت‬
‫الحقوق وبطلت‪ .‬فيكون المعنفى ول يأب الشهداء إذا أخذوا حقوقهفم أن يجيبوا‪ .‬وال أعلم‪ .‬فإن قيفل‪:‬‬
‫هذه شهادة بالجرة‪ ،‬قلنفا‪ :‬إنمفا هفي شهادة خالصفة مفن قوم اسفتوفوا حقوقهفم مفن بيفت المال‪ ،‬وذلك‬
‫كأرزاق القضاة والولة وجميع المصالح التي تعن للمسلمين وهذا من جملتها‪ .‬وال أعلم‪ .‬وقد قال‬
‫تعالى‪" :‬والعاملين عليها" [التوبة‪ ]60 :‬ففرض لهم‪.‬‬
‫لما قال تعالى‪" :‬ول يأب الشهداء إذا ما دعوا" دل على أن الشاهد هو الذي يمشي إلى الحاكم‪،‬‬
‫وهذا أمر بني عليه الشرع وعمل به في كل زمان وفهمته كل أمة‪ ،‬ومن أمثالهم‪" :‬في بيته يؤتى‬
‫الحكم"‪.‬‬
‫وإذا ثبفت هذا فالعبفد خارج عفن جملة الشهداء‪ ،‬وهفو يخفص عموم قوله‪" :‬مفن رجالكفم" لنفه ل‬
‫يمكنفه أن يجيفب‪ ،‬ول يصفح له أن يأتفي‪ ،‬لنفه ل اسفتقلل له بنفسفه‪ ،‬وإنمفا يتصفرف بإذن غيره‪،‬‬
‫فانحفط عفن منصفب الشهادة كمفا انحفط عفن منزل الوليفة‪ .‬نعفم ! وكمفا انحفط عفن فرض الجمعفة‬
‫والجهاد والحج‪ ،‬على ما يأتي بيانه إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قال علماؤنفا‪ :‬هذا ففي حال الدعاء إلى الشهادة‪ .‬فأمفا مفن كانفت عنده شهادة لرجفل لم يعلمهفا‬
‫مسففتحقها الذي ينتفففع بهففا‪ ،‬فقال قوم‪ :‬أداؤهففا ندب لقوله تعالى‪" :‬ول يأب الشهداء إذا مففا دعوا"‬
‫ففرض ال الداء عنفد الدعاء‪ ،‬فإذا لم يدع كان ندبفا‪ ،‬لقوله عليفه السفلم‪( :‬خيفر الشهداء الذي يأتفي‬
‫بشهادتففه قبففل أن يسففألها) رواه الئمففة‪ .‬والصففحيح أن أداءهففا فرض وان لم يسففألها إذا خاف على‬
‫الحفق ضياعفه أو فوتفه‪ ،‬أو بطلق أو عتفق على مفن أقام على تصفرفه على السففتمتاع بالزوجفة‬
‫واسففتخدام العبففد إلى غيففر ذلك‪ ،‬فيجففب على مففن تحمففل شيئا مففن ذلك أداء تلك الشهادة‪ ،‬ول يقففف‬
‫أداؤها على أن تسأل منه فيضيع الحق‪ ،‬وقد قال تعالى‪" :‬وأقيموا الشهادة ل" [الطلق‪ ]2 :‬وقال‪:‬‬
‫"إل مفن شهفد بالحفق وهفم يعلمون" [الزخرف‪ .]86 :‬وففي الصفحيح عفن النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم‪( :‬انصفر أخاك ظالمفا أو مظلومفا)‪ .‬فقفد تعيفن عليفه نصفره بأداء الشهادة التفي له عنده إحياء‬
‫لحقه الذي أماته النكار‪.‬‬
‫ل إشكال ففي أن مفن وجبفت عليفه شهادة على أحفد الوجفه التفي ذكرناهفا فلم يؤدهفا أنهفا جرحفة‬
‫في الشاهد والشهادة‪ ،‬ول فرق في هذا بين حقوق ال تعالى وحقوق الدميين وهذا قول ابن القاسم‬
‫وغيره‪ .‬وذهب بعضهم إلى أن تلك الشهادة إن كانت بحق من حقوق الدميين كان ذلك جرحة في‬
‫تلك الشهادة نفسففها خاصففة‪ ،‬فل يصففلح له أداؤهففا بعففد ذلك‪ .‬والصففحيح الول‪ ،‬لن الذي يوجففب‬
‫جرحتفه إنمفا هفو فسفقه بامتناعفه مفن القيام بمفا وجفب عليفه مفن غيفر عذر‪ ،‬والفسفق يسفلب أهليفة‬
‫الشهادة مطلقا‪ ،‬وهذا واضح‪.‬‬
‫@ل تعارض بين قوله عليه السلم‪( :‬خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها) وبين قوله‬
‫عليفه السفلم ففي حديفث عمران بفن حصفين‪( :‬إن خيركفم قرنفي ثفم الذيفن يلونهفم ثفم الذيفن يلونهفم ثفم‬
‫الذيفن يلونهفم ‪ -‬ثفم قال عمران‪ :‬فل أدري أقال رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد قرنفه مرتيفن أو‬
‫ثلثففا ‪ -‬ثففم يكون بعدهففم قوم يشهدون ول يسففتشهدون ويخونون ول يؤتمنون وينذرون ول يوفون‬
‫ويظهفر فيهفم السفمن) أخرجهمفا الصفحيحان‪ .‬وهذا الحديفث محمول على ثلثفة أوجفه‪ :‬أحدهفا‪ :‬أن‬
‫يراد به شاهد الزور‪ ،‬فإنه يشهد بما لم يستشهد‪ ،‬أي بما لم يتحمله ول حمله‪ .‬وذكر أبو بكر بن أبي‬
‫شيبة أن عمر بن الخطاب رضي ال عنه خطب بباب الجابية فقال‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم قام فينا كمقامي فيكم‪ .‬ثم قال‪( :‬يا أيها الناس اتقوا ال في أصحابي ثم الذين يلونهم ثم الذين‬
‫يلونهفم ثفم يفشفو الكذب وشهادة الزور)‪ .‬الوجفه الثانفي‪ :‬أن يراد بفه الذي يحمله الشره على تنفيفذ مفا‬
‫يشهفد بفه‪ ،‬فيبادر بالشهادة قبفل أن يسفألها‪ ،‬فهذه شهادة مردودة‪ ،‬فإن ذلك يدل على هوى غالب على‬
‫الشاهد‪ .‬الثالث ما قاله إبراهيم النخعي راوي طرق بعض هذا الحديث‪ :‬كانوا ينهوننا ونحن غلمان‬
‫عن العهد والشهادات‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول تسفأموا أن تكتبوه صفغيرا أو كفبيرا إلى أجله" "تسفأموا" معناه تملوا‪ .‬قال‬
‫الخفش‪ :‬يقال سئمت أسأم سأما وسآمة وسآما وسأْمة وسأَما‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫ثمانين حول ‪ -‬ل أبالك ‪ -‬يسأم‬ ‫سئمت تكاليف الحياة ومن يعش‬
‫"أن تكتبوه" في موضع نصب بالفعل‪" .‬صغيرا أو كبيرا" حالن من الضمير في "تكتبوه" وقدم‬
‫الصغير اهتماما به‪ .‬وهذا النهي عن السآمة إنما جاء لتردد المداينة عندهفم فخيفف عليهم أن يملوا‬
‫الكتب‪ ،‬ويقول أحدهم‪ :‬هذا قليل ل أحتاج إلى كتبه‪ ،‬فأكد تعالى التحضيض في القليل والكثير‪ .‬قال‬
‫علماؤنا‪ :‬إل ما كان من قيراط ونحوه لنزارته وعدم تشوف النفس إليه إقرارا وإنكارا‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ذلكفم أقسفط عنفد ال" معناه أعدل‪ ،‬يعنفي أن يكتفب القليفل والكثيفر ويشهفد عليفه‪.‬‬
‫"وأقوم للشهادة" أي أصح وأحفظ‪" .‬وأدنى" معناه أقرب‪ .‬و"ترتابوا" تشكوا‪.‬‬
‫قوله تعالى‪" :‬وأقوم للشهادة" دليفل على أن الشاهفد إذا رأى الكتاب ولم يذكفر الشهادة ل يؤديهفا‬
‫لما دخل عليه من الريبة فيها‪ ،‬ول يؤدي إل ما يعلم لكنه يقول‪ :‬هذا خطي ول أذكر الن ما كتبت‬
‫فيه‪ .‬قال ابن المنذر‪ :‬أكثر من يحفظ عنه من أهل العلم يمنع أن يشهد الشاهد على خطه إذا لم يذكر‬
‫الشهادة‪ .‬واحتففج مالك على جواز ذلك بقوله تعالى‪" :‬ومففا شهدنففا إل بمففا علمنففا" [يوسففف‪.]81 :‬‬
‫وقال بعففض العلماء‪ :‬لمففا نسففب ال تعالى الكتابففة إلى العدالة وسففعه أن يشهففد على خطففه وإن لم‬
‫يتذكر‪ .‬ذكر ابن المبارك عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه في الرجل يشهد على شهادة فينساها‬
‫قال‪ :‬ل بأس أن يشهد إن وجد علمته في الصك أو خط يده‪ .‬قال ابن المبارك‪ :‬استحسنت هذا جدا‪.‬‬
‫وفيما جاءت به الخبار عن رسول ال صلى ال عليه وسلم أنه حكم في أشياء غير واحدة بالدلئل‬
‫والشواهفد‪ ،‬وعفن الرسفل مفن قبله مفا يدل على صفحة هذا المذهفب‪ .‬وال أعلم‪ .‬وسفيأتي لهذا مزيفد‬
‫بيان في (الحقاف) إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬إل أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم" "أن" في موضع نصب استثناء ليس‬
‫مفن الول‪ .‬قال الخففش أبفو سفعيد‪ :‬أي إل أن تقفع تجارة‪ ،‬فكان بمعنفى وقفع وحدث‪ .‬وقال غيره‪:‬‬
‫"تديرونهفا" الخفبر‪ .‬وقرأ عاصفم وحده "تجارة" على خفبر كان واسفمها مضمفر فيهفا‪" .‬حاضرة"‬
‫نعفففت لتجارة‪ ،‬والتقديفففر إل أن تكون التجارة تجارة‪ ،‬أو إل أن تكون المبايعفففة تجارة‪ ،‬هكذا قدره‬
‫مكفي وأبفو علي الفارسفي‪ ،‬وقفد تقدم نظائره والسفتشهاد عليفه‪ .‬ولمفا علم ال تعالى مشقفة الكتاب‬
‫عليهم نص على ترك ذلك ورفع الجناح فيه في كل مبايعة بنقد‪ ،‬وذلك في الغلب إنما هو في قليل‬
‫كالمطعوم ونحوه ل في كثير كالملك ونحوها‪ .‬وقال السدي والضحاك‪ :‬هذا فيما كان يدا بيد‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬تديرونهففا بينكففم" يقتضففي التقابففض والبينونففة بالمقبوض‪ .‬ولمففا كانففت الرباع‬
‫والرض وكثيفر مفن الحيوان ل يقبفل البينونفة ول يغاب عليفه‪ ،‬حسفن الكتفب فيهفا ولحقفت ففي ذلك‬
‫مبايعفة الديفن‪ ،‬فكان الكتاب توثقفا لمفا عسفى أن يطرأ مفن اختلف الحوال وتغيفر القلوب‪ .‬فأمفا إذا‬
‫تفاصل في المعاملة وتقابضا وبان كل واحد منهما بما ابتاعه من صفاحبه‪ ،‬فيقل في العادة خوف‬
‫التنازع إل بأسفباب غامضفة‪ .‬ونبفه الشرع على هذه المصفالح ففي حالتفي النسفيئة والنقفد ومفا يغاب‬
‫عليففه ومففا ل يغاب‪ ،‬بالكتاب والشهادة والرهففن‪ .‬قال الشافعففي‪ :‬البيوع ثلثففة‪ :‬بيففع بكتاب وشهود‪،‬‬
‫وبيفع برهان‪ ،‬وبيفع بأمانفة‪ ،‬وقرأ هذه اليفة‪ .‬وكان ابفن عمفر إذا باع بنقفد أشهفد‪ ،‬وإذا باع بنسفيئة‬
‫كتب‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وأشهدوا" قال الطبري‪ :‬معناه وأشهدوا على صغير ذلك وكبيره‪ .‬واختلف الناس‬
‫هففل ذلك على الوجوب أو الندب‪ ،‬فقال أبففو موسففى الشعري وابففن عمففر والضحاك وسففعيد بففن‬
‫المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وداود بن علي وابنه أبو بكر‪ .‬هو على الوجوب‪ ،‬ومن أشدهم في‬
‫ذلك عطاء قال‪ :‬أشهفد إذا بعفت وإذا اشتريفت بدرهفم أو نصفف درهفم أو ثلث أو أقفل مفن ذلك‪ ،‬فإن‬
‫ال عفز وجفل يقول‪" :‬وأشهدوا إذا تبايعتفم"‪ .‬وعفن إبراهيفم قال‪ :‬أشهفد إذا بعفت وإذا اشتريفت ولو‬
‫س َتجَ َة بَقَلٍ‪ .‬وممن كان يذهب إلى هذا ويرجحه الطبري‪ ،‬وقال‪ :‬ل يحل لمسلم إذا باع وإذا اشترى‬ ‫دَ ْ‬
‫إل أن يشهد‪ ،‬وإل كان مخالفا كتاب ال عز وجل‪ ،‬وكذا إن كان إلى أجل فعليه أن يكتب ويشهد إن‬
‫وجفد كاتبفا‪ .‬وذهفب الشعفبي والحسفن إلى أن ذلك على الندب والرشاد ل على الحتفم‪ .‬ويحكفى أن‬
‫هذا قول مالك والشافعففي وأصففحاب الرأي‪ .‬وزعففم ابففن العربففي أن هذا قول الكافففة‪ ،‬قال‪ :‬وهففو‬
‫الصفحيح‪ .‬ولم يحفك عفن أحفد ممفن قال بالوجوب إل الضحاك‪ .‬قال وقفد باع النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسلم وكتب‪ .‬قال‪ :‬ونسخة كتابه‪( :‬بسم ال الرحمن الرحيم‪ .‬هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة‬
‫من محمد رسول ال صلى ال عليه وسلم‪ ،‬اشترى منه عبدا ‪ -‬أو أمة ‪ -‬ل داء ول غائلة ول خبثة‬
‫بيفع المسفلم المسفلم)‪ .‬وقفد باع ولم يشهفد‪ ،‬واشترى ورهفن درعفه عنفد يهودي ولم يشهفد‪ .‬ولو كان‬
‫الشهاد أمرا واجبا لوجب مع الرهن لخوف المنازعة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قفد ذكرنفا الوجوب عفن غيفر الضحاك‪ .‬وحديفث العداء هذا أخرجفه الدارقطنفي وأبفو داود‪.‬‬
‫وكان إسفلمه بعفد الفتفح وحنيفن‪ ،‬وهفو القائل‪ :‬قاتلنفا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم يوم حنيفن فلم‬
‫يظهرنا ال ولم ينصرنا‪ ،‬ثم أسلم فحسن إسلمه‪ .‬ذكره أبو عمر‪ ،‬وذكر حديثه هذا‪ ،‬وقال في آخره‪:‬‬
‫قال الصفمعي‪ :‬سفألت سفعيد بفن أبفي عروبفة عفن الغائلة فقال‪ :‬الباق والسفرقة والزنفا‪ ،‬وسفألته عفن‬
‫الخبثة فقال‪ :‬بيع أهل عهد المسلمين‪ .‬وقال المام أبو محمد بن عطية‪ :‬والوجوب في ذلك قلق‪ ،‬أما‬
‫ففي الدقائق فصفعب شاق‪ ،‬وأمفا مفا كثفر فربمفا يقصفد التاجفر السفتئلف بترك الشهاد‪ ،‬وقفد يكون‬
‫عادة ففي بعفض البلد‪ ،‬وقفد يسفتحيي مفن العالم والرجفل الكفبير الموقفر فل يشهفد عليفه‪ ،‬فيدخفل ذلك‬
‫كله في الئتمان ويبقى المر بالشهاد ندبا‪ ،‬لما فيه من المصلحة في الغلب ما لم يقع عذر يمنع‬
‫منه كما ذكرنا‪ .‬وحكى المهدوي والنحاس ومكي عن قوم أنهم قالوا‪" :‬وأشهدوا إذا تبايعتم" منسوخ‬
‫بقوله‪" :‬فإن أمن بعضكم بعضا" [البقرة‪ ]283 :‬وأسنده النحاس عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬وأنه تل‬
‫"يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه" إلى قوله‪" :‬فإن أمن بعضكم بعضا‬
‫فليؤد الذي ائتمن أمانته" [البقرة‪ .]283 :‬قال‪ :‬نسخت هذه الية ما قبلها‪ .‬قال النحاس‪ :‬وهذا قول‬
‫الحسفن والحكفم وعبدالرحمفن بفن زيفد‪ .‬قال الطفبري‪ :‬وهذا ل معنفى له‪ ،‬لن هذا حكفم غيفر الول‪،‬‬
‫وإنمفا هذا حكفم مفن لم يجفد كاتبفا قال ال عفز وجفل‪" :‬وإن كنتفم على سففر ولم تجدوا كاتبفا فرهان‬
‫مقبوضففة فإن أمففن بعضكففم بعضففا ‪ -‬أي فلم يطالبففه برهففن ‪ -‬فليؤد الذي اؤتمففن أمانتففه" [البقرة‪:‬‬
‫‪ .]283‬قال‪ :‬ولو جاز أن يكون هذا ناسفخا للول لجاز أن يكون قوله عفز وجفل‪" :‬وإن كنتفم‬
‫مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط" [النساء‪ ]43 :‬الية ناسخا لقوله عز وجل‪" :‬يا‬
‫أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلة" [المائدة‪ ]5 :‬الية ولجاز أن يكون قوله عز وجل‪" :‬فمن لم‬
‫يجفد فصفيام شهريفن متتابعيفن" [النسفاء‪ ]92 :‬ناسفخا لقوله عفز وجفل‪" :‬فتحريفر رقبفة مؤمنفة"‬
‫[النساء‪ ]92 :‬وقال بعض العلماء‪ :‬إن قوله تعالى‪" :‬فإن أمن بعضكم بعضا" لم يتبين تأخر نزوله‬
‫عن صفدر الية المشتملة على المفر بالشهاد‪ ،‬بل وردا معفا‪ .‬ول يجوز أن يرد الناسخ والمنسفوخ‬
‫معا جميعا في حالة واحدة‪ .‬قال‪ :‬وقد روي عن ابن عباس أنه قال لما قيل له‪ :‬إن آية الدين منسوخة‬
‫قال‪ :‬ل وال إن آيفة الديفن محكمفة ليفس فيهفا نسفخ قال‪ :‬والشهاد إنمفا جعفل للطمأنينفة‪ ،‬وذلك أن ال‬
‫تعالى جعل لتوثيق الدين طرقا‪ ،‬منها الكتاب‪ ،‬ومنها الرهن‪ ،‬ومنها الشهاد‪ .‬ول خلف بين علماء‬
‫المصفار أن الرهفن مشروع بطريفق الندب ل بطريفق الوجوب‪ .‬فيعلم مفن ذلك مثله ففي الشهاد‪.‬‬
‫ومفا زال الناس يتبايعون حضرا وصففرا وبرا وبحرا وسفهل وجبل مفن غيفر إشهاد مفع علم الناس‬
‫بذلك من غير نكير‪ ،‬ولو وجب الشهاد ما تركوا النكير على تاركه‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا كله استدلل حسن‪ ،‬وأحسن منه ما جاء من صريح السنة في ترك الشهاد‪ ،‬وهو ما‬
‫خرجه الدارقطني عن طارق بن عبدال المحاربي قال‪( :‬أقبلنا في ركب من الربذة وجنوب الربذة‪:‬‬
‫حتفى نزلنفا قريبفا مفن المدينفة ومعنفا ظعينفة لنفا‪ .‬فبينفا نحفن قعود إذ أتانفا رجفل عليفه ثوبان أبيضان‬
‫فسفلم فرددنفا عليفه‪ ،‬فقال‪ :‬مفن أيفن أقبفل القوم ؟ فقلنفا‪ :‬مفن الربذة وجنوب الربذة‪ .‬قال‪ :‬ومعنفا جمفل‬
‫أحمفر‪ ،‬فقال‪ :‬تفبيعوني جملكفم هذا؟ فقلنفا نعفم‪ .‬قال بكفم ؟ قلنفا‪ :‬بكذا وكذا صفاعا مفن تمفر‪ .‬قال‪ :‬فمفا‬
‫اسفتوضعنا شيئا وقال‪ :‬قفد أخذتفه‪ ،‬ثفم أخفذ برأس الجمفل حتفى دخفل المدينفة فتوارى عنفا‪ ،‬فتلومنفا‬
‫بيننا وقلنا‪ :‬أعطيتم جملكم من ل تعرفونه! فقالت الظعينة‪ :‬ل تلوموا فقد رأيت وجه رجل ما كان‬
‫ليخفركم‪ .‬ما رأيت وجه رجل أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه‪ .‬فلما كان العشاء أتانا رجل فقال‪:‬‬
‫السلم عليكم‪ ،‬أنا رسول رسول ال صلى ال عليه وسلم إليكم‪ ،‬وإنه أمركم أن تأكلوا من هذا حتى‬
‫تشبعوا‪ ،‬وتكتالوا حتفى تسفتوفوا‪ .‬قال‪ :‬فأكلنفا حتفى شبعنفا‪ ،‬واكتلنفا حتفى اسفتوفينا)‪ .‬وذكفر الحديفث‬
‫الزهري عفن عمارة بفن خزيمفة أن عمفه حدثفه وهفو مفن أصفحاب النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أن‬
‫النفبي صفلى ال عليفه وسفلم ابتاع فرسفا مفن أعرابفي‪ ،‬الحديفث‪ .‬وفيفه‪ :‬فطففق العرابفي يقول‪ :‬هلم‬
‫شاهدا يشهفد أنفي بعتفك ‪ -‬قال خزيمفة بفن ثابفت‪ :‬أنفا أشهفد أنفك قفد بعتفه‪ .‬فأقبفل النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسلم على خزيمة فقال‪( :‬بم تشهد)؟ فقال‪ :‬بتصديقك يا رسول ال‪ .‬قال‪ :‬فجعل رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم شهادة خزيمة بشهادة رجلين‪ .‬أخرجه النسائي وغيره‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ول يضار كاتب ول شهيد" فيه ثلثة أقوال‪:‬‬
‫الول‪ :‬ل يكتفب الكاتفب مفا لم يمفل عليفه‪ ،‬ول يزيفد الشاهفد ففي شهادتفه ول ينقفص منهفا‪ .‬قاله‬
‫الحسن وقتادة وطاوس وابن زيد وغيرهم‪.‬‬
‫الثانفي‪ :‬وروي عفن ابفن عباس ومجاهفد وعطاء أن المعنفى ل يمتنفع الكاتفب أن يكتفب ول الشاهفد‬
‫أن يشهفد‪" .‬ول يضار" على هذيفن القوليفن أصفله يضارر بكسفر الراء‪ ،‬ثفم وقفع الدغام‪ ،‬وفتحفت‬
‫الراء ففي الجزم لخففة الفتحفة‪ .‬قال النحاس‪ :‬ورأيفت أبفا إسفحاق يميفل إلى هذا القول‪ ،‬قال‪ :‬لن بعده‪.‬‬
‫"وإن تفعلوا فإن فسوق بكم" [البقرة‪ ]282 :‬فالولى أن تكون‪ ،‬من شهد بغير الحق أو حرف في‬
‫الكتابفة أن يقال له‪ :‬فاسفق‪ ،‬فهفو أولى بهذا ممفن سفأل شاهدا أن يشهفد وهفو مشغول‪ .‬وقرأ عمفر بفن‬
‫الخطاب وابن عباس وابن أبي إسحاق يضارر بكسر الراء الولى‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬وقال مجاهففد والضحاك وطاوس والسففدي وروي عففن ابففن عباس‪ :‬معنففى اليففة (ول‬
‫يضار كاتفب ول شهيفد) بأن يدعفى الشاهفد إلى الشهادة والكاتفب إلى الكتفب وهمفا مشغولن‪ ،‬فإذا‬
‫اعتذرا بعذرهمففا أخرجهمففا وآذاهمففا‪ ،‬وقال‪ :‬خالفتمففا أمففر ال‪ ،‬ونحفو هذا مفن القول فيضففر بهمففا‪.‬‬
‫وأصل "يضار" على هذا يضارر بفتح الراء‪ ،‬وكذا قرأ ابن مسعود "يضارر" بفتح الراء الولى‪،‬‬
‫فنهفى ال سفبحانه عفن هذا‪ ،‬لنفه لو أطلقفه لكان فيفه شغفل لهمفا عفن أمفر دينهمفا ومعاشهمفا‪ .‬ولففظ‬
‫المضارة‪ ،‬إذ هفو مفن اثنيفن‪ ،‬يقتضفي هذه المعانفي‪ .‬والكاتفب والشهيفد على القوليفن الوليفن رففع‬
‫بفعلهما‪ ،‬وعلى القول الثالث رفع على المفعول الذي لم يسم فاعله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وإن تفعلوا" يعني المضارة‪" .‬فإنه فسوق بكم" أي معصية‪ ،‬عن سفيان الثوري‪.‬‬
‫فالكاتفب والشاهفد يعصفيان بالزيادة أو النقصفان‪ ،‬وذلك مفن الكذب المؤذي ففي الموال والبدان‪،‬‬
‫وفيفه إبطال الحفق‪ .‬وكذلك إذايتهمفا إذا كانفا مشغوليفن معصفية وخروج عفن الصفواب مفن حيفث‬
‫المخالفة لمر ال‪ .‬وقوله "بكم" تقديره فسوق حال بكم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬واتقوا ال ويعلمكفم ال وال بكفل شيفء عليفم" وعفد مفن ال تعالى بأن مفن اتقاه‬
‫علمه‪ ،‬أي يجعل في قلبه نورا يفهم به ما يلقى إليه‪ ،‬وقد يجعل ال في قلبه ابتداء فرقانا‪ ،‬أي فيصل‬
‫يفصل به بين الحق والباطل‪ ،‬ومنه قوله تعالى‪" :‬يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا ال يجعل لكم فرقانا"‬
‫[النفال‪ .]29 :‬وال أعلم‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 283 :‬وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة فإن أمن بعضكم بعضا‬
‫فليؤد الذي اؤتمففن أمانتففه وليتففق ال ربففه ول تكتموا الشهادة ومففن يكتمهففا فإنففه آثففم قلبففه وال بمففا‬
‫تعملون عليم}‬
‫@لما ذكر ال تعالى الندب إلى الشهاد والكتب لمصلحة حفظ الموال والديان‪ ،‬عقب ذلك بذكر‬
‫حال العذار المانعفة مفن الكتفب‪ ،‬وجعفل لهفا الرهفن‪ ،‬ونفص مفن أحوال العذر على السففر الذي هفو‬
‫غالب العذار‪ ،‬ل سيما في ذلك الوقت لكثرة الغزو‪ ،‬ويدخل في ذلك بالمعنى كل عذر‪ .‬فرب وقت‬
‫يتعذر فيففه الكاتففب فففي الحضففر كأوقات أشغال الناس وبالليففل‪ ،‬وأيضففا فالخوف على خراب ذمففة‬
‫الغريم عذر يوجب طلب الرهن‪ .‬وقد رهن النبي صلى ال عليه وسلم درعه عند يهودي طلب منه‬
‫سفلف الشعيفر فقال‪ :‬إنمفا يريفد محمفد أن يذهفب بمالي‪ .‬فقال النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬كذب إنفي‬
‫لمين في الرض أمين في السماء ولو ائتمنني لديت اذهبوا إليه بدرعي) فمات ودرعه مرهونة‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬على ما يأتي بيانه آنفا‪.‬‬
‫@قال جمهور مفن العلماء‪ :‬الرهفن ففي السففر بنفص التنزيفل‪ ،‬وففي الحضفر ثابفت بسفنة الرسفول‬
‫صفلى ال عليفه وسفلم‪ ،‬وهذا صحيح‪ .‬وقد بينفا جوازه ففي الحضفر من اليفة بالمعنفى‪ ،‬إذا قفد تترتب‬
‫العذار في الحضر‪ ،‬ولم يرو عن أحد منعه في الحضر سوى مجاهد والضحاك وداود‪ ،‬متمسكين‬
‫باليففة‪ .‬ول حجففة فيهففا‪ ،‬لن هذا الكلم وإن كان خرج مخرج الشرط فالمراد بففه غالب الحوال‪.‬‬
‫وليس كون الرهن في الية في السفر مما يحظر في غيره‪ .‬وفي الصحيحين وغيرهما عن عائشة‬
‫أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم اشترى مفن يهودي طعامفا إلى أجفل ورهنفه درعفا له مفن حديفد‪.‬‬
‫وأخرجه النسائي من حديث ابن عباس قال‪ :‬توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم ودرعه مرهونة‬
‫عند يهودي بثلثين صاعا من شعير لهله‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ولم تجدوا كاتبا" قرأ الجمهور "كاتبا" بمعنى رجل يكتب‪ .‬وقرأ ابن عباس وأبي‬
‫ومجاهفد والضحاك وعكرمفة وأبفو العاليفة "ولم تجدوا كتابفا"‪ .‬قال أبفو بكفر النباري‪ :‬فسفره مجاهفد‬
‫فقال‪ :‬معناه فإن لم تجدوا مدادا يعني في السفار‪ .‬وروي عن ابن عباس "كتّابا"‪ .‬قال النحاس‪ :‬هذه‬
‫القراءة شاذة والعامفة على خلفهفا‪ .‬وقلمفا يخرج شيفء عفن قراءة العامفة إل وفيفه مطعفن‪ ،‬ونسفق‬
‫الكلم على كاتففب‪ ،‬قال ال عففز وجففل قبففل هذا‪" :‬وليكتففب بينكففم كاتففب بالعدل" وكتاب يقتضففي‬
‫جماعفة‪ .‬قال ابفن عطيفة‪ :‬كتابفا يحسفن مفن حيفث لكفل نازلة كاتفب‪ ،‬فقيفل للجماعفة‪ :‬ولم تجدوا كتابفا‪.‬‬
‫وحكفى المهدوي عفن أبفي العاليفة أنفه قرأ " ُكتُبفا" وهذا جمفع كتاب مفن حيفث النوازل مختلففة‪ .‬وأمفا‬
‫قراءة أبي وابن عباس "كتّابا" فقال النحاس ومكي‪ :‬هو جمع كاتب كقائم وقيام‪ .‬مكي‪ :‬المعنى وإن‬
‫عدمفت الدواة والقلم والصفحيفة‪ .‬ونففي وجود الكاتفب يكون بعدم أي آلة اتففق‪ ،‬ونففي الكاتفب أيضفا‬
‫يقتضي نفي الكتاب‪ ،‬فالقراءتان حسنتان إل من جهة خط المصحف‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فرهان مقبوضة" وقرأ أبو عمرو وابن كثير "فرهن" بضم الراء والهاء‪ ،‬وروي‬
‫عنهما تخفيف الهاء‪ .‬وقال الطبري‪ :‬تأول قوم أن "رهنا" بضم الراء والهاء جمع رهان‪ ،‬فهو جمع‬
‫جمفففع‪ ،‬وحكاه الزجاج عفففن الفراء‪ .‬وقال المهدوي‪" :‬فرهان" ابتداء والخفففبر محذوف‪ .‬والمعنفففى‬
‫فرهان مقبوضفة يكففي مفن ذلك‪ .‬قال النحاس‪ :‬وقرأ عاصفم بفن أبفي النجود "فرهفن" بإسفكان الهاء‪،‬‬
‫ويروى عفن أهفل مكفة‪ .‬والباب ففي هذا "رهان"‪ ،‬كمفا يقال‪ :‬بغفل وبغال‪ ،‬وكبفش وكباش‪ ،‬ورُهُن‬
‫سفبيله أن يكون جمفع رهان‪ ،‬مثفل كتاب وكتفب‪ .‬وقيفل‪ :‬هفو جمفع رهفن‪ ،‬مثفل سفقف وسفقف‪ ،‬وحلق‬
‫وحلق‪ ،‬وفرش وفرش‪ ،‬ونشففر ونشففر‪ ،‬وشبهففه‪" .‬ورهففن" بإسففكان الهاء سففبيله أن تكون الضمففة‬
‫حذففت لثقلهفا‪ .‬وقيفل‪ :‬هفو جمفع رهفن‪ ،‬مثفل سفهم حشفر أي دقيفق‪ ،‬وسفهام حشفر‪ .‬والول أولى‪ ،‬لن‬
‫الول ليفس بنعفت وهذا نعفت‪ .‬وقال أبفو علي الفارسفي‪ :‬وتكسفير "رهفن" على أقفل العدد لم أعلمفه‬
‫جاء‪ ،‬فلو جاء كان قياسه أ ْفعُل ككلب وأكلب‪ ،‬وكأنهم استغنوا بالقليل عن الكثير‪ ،‬كما استغنى ببناء‬
‫الكثيفر عفن بناء القليفل ففي قولهفم‪ :‬ثلثفة شسفوع‪ ،‬وقفد اسفتغنى ببناء القليفل عفن الكثيفر ففي رسفن‬
‫وأرسان‪ ،‬فرهن يجمع على بناءين وهما ُفعُل و ِفعَال‪ .‬الخفش‪َ :‬فعْل على ُفعُل قبيح وهو قليل شاذ‪،‬‬
‫قال‪ :‬وقفد يكون "رهفن" جمعفا للرهان‪ ،‬كأنفه يجمفع رهفن على رهان‪ ،‬ثفم يجمفع رهان على رُهُن‪،‬‬
‫مثل فراش وفرش‪.‬‬
‫@معنى الرّهن‪ :‬احتباس العين وثيقة بالحق ليستوفى الحق من ثمنها أو من ثمن منافعها عند تعذر‬
‫أخذه مفن الغريفم‪ ،‬وهكذا حده العلماء‪ ،‬وهفو ففي كلم العرب بمعنفى الدوام والسفتمرار‪ .‬وقال ابفن‬
‫سيده‪ :‬ورهنه أي أدامه‪ ،‬ومن رهن بمعنى دام قول الشاعر‪:‬‬
‫وقهوة راووقها ساكب‬ ‫الخبز واللحم لهم راهن‬
‫قال الجوهري‪ :‬ورهن الشيء رهنا أي دام‪ .‬وأرهنت له الطعام والشراب أدمته لهم‪ ،‬وهو طعام‬
‫راهن‪ .‬والراهن‪ :‬الثابت‪ ،‬والراهن‪ :‬المهزول من البل والناس‪ ،‬قال‪:‬‬
‫هزل وما مجد الرجال في السمن‬ ‫إما تري جسمي خل قد رهن‬
‫قال ابففن عطيفة‪ :‬ويقال فففي معنففى الرهففن الذي هفو الوثيقففة مفن الرهففن‪ :‬أرهنففت إرهانففا‪ ،‬حكاه‬
‫بعضهفم‪ .‬وقال أبفو علي‪ :‬أرهنفت ففي المغالة‪ ،‬وأمفا ففي القرض والبيفع فرهنفت‪ .‬وقال أبفو زيفد‪:‬‬
‫أرهنت في السلعة إرهانا‪ :‬غاليت بها‪ ،‬وهو في الغلء خاصة‪ .‬قال‪:‬‬
‫عيدية أرهنت فيها الدنانير‬
‫يصفف ناقفة‪ .‬والعيفد بطفن مفن مهرة وإبفل مهرة موصفوفة بالنجابفة‪ .‬وقال الزجاج‪ :‬يقال ففي الرهفن‪:‬‬
‫رهنت وأرهنت‪ ،‬وقاله ابن العرابي والخفش‪ .‬قال عبدال بن همام السلولي‪:‬‬
‫نجوت وأرهنتهم مالكا‬ ‫فلما خشيت أظافيرهم‬
‫قال ثعلب‪ :‬الرواة كلهففم على أرهنتهففم‪ ،‬على أنفه يجوز رهنتففه وأرهنتففه‪ ،‬إل الصففمعي فإنففه رواه‬
‫وأرهنهم‪ ،‬على أنه عطف بفعل مستقبل على فعل ماض‪ ،‬وشبهه بقولهم‪ :‬قمت وأصك وجهه‪ ،‬وهو‬
‫مذهب حسن‪ ،‬لن الواو واو الحال‪ ،‬فجعل أصك حال للفعل الول على معنى قمت صاكا وجهه‪،‬‬
‫أي تركتفه مقيمفا عندهفم‪ ،‬لنفه ل يقال‪ :‬أرهنفت الشيفء‪ ،‬وإنمفا يقال‪ :‬رهنتفه‪ .‬وتقول‪ :‬رهنفت لسفاني‬
‫بكذا‪ ،‬ول يقال فيفه‪ :‬أرهنفت‪ .‬وقال ابفن السفكيت‪ :‬أرهنفت فيهفا بمعنفى أسفلفت‪ .‬والمرتهفن‪ :‬الذي يأخفذ‬
‫الرهففن‪ .‬والشيففء مرهون ورهيففن‪ ،‬والنثففى رهينففة‪ .‬وراهنففت فلنففا على كذا مراهنففة‪ :‬خاطرتففه‪.‬‬
‫وأرهنفت بفه ولدي إرهانفا‪ :‬أخطرتهفم بفه خطرا‪ .‬والرهينفة واحدة الرهائن‪ ،‬كله عفن الجوهري‪ .‬ابفن‬
‫عطيفة‪ :‬ويقال بل خلف ففي البيفع والقرض‪ :‬رهنفت رهنفا‪ ،‬ثفم سفمي بهذا المصفدر الشيفء المدفوع‬
‫تقول‪ :‬رهنت رهنا‪ ،‬كما تقول رهنت ثوبا‪.‬‬
‫@قال أبو علي‪ :‬ولما كان الرهن بمعنى الثبوت‪ ،‬والدوام فمن ثم بطل الرهن عند الفقهاء إذا خرج‬
‫من يد المرتهن إلى الراهن بوجه من الوجوه‪ ،‬لنه فارق ما جعل باختيار المرتهن له‪.‬‬
‫قلت‪ :‬هذا هفو المعتمفد عندنفا ففي أن الرهفن متفى رجفع إلى الراهفن باختيار المرتهفن بطفل الرهفن‪،‬‬
‫وقاله أبو حنيفة‪ ،‬غير أنه قال‪ :‬إن رجع بعارية أو وديعة لم يبطل‪ .‬وقال الشافعي‪ :‬إن رجوعه إلى‬
‫يففد الراهففن مطلقففا ل يبطففل حكففم القبففض المتقدم‪ ،‬ودليلنففا "فرهان مقبوضففة"‪ ،‬فإذا خرج عففن يففد‬
‫القابض لم يصدق ذلك اللفظ عليه لغة‪ ،‬فل يصدق عليه حكما‪ ،‬وهذا واضح‪.‬‬
‫إذا رهنفففه قول ولم يقبضفففه فعل لم يوجفففب ذلك حكمفففا‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬فرهان مقبوضفففة" قال‬
‫الشافعففي‪ :‬لم يجعففل ال الحكففم إل برهففن موصففوف بالقبففض‪ ،‬فإذا عدمففت الصفففة وجففب أن يعدم‬
‫الحكففم‪ ،‬وهذا ظاهففر جدا‪ .‬وقالت المالكيففة‪ :‬يلزم الرهففن بالعقففد ويجففبر الراهففن على دفففع الرهففن‬
‫ليحوزه المرتهن‪ ،‬لقوله تعالى‪" :‬أوفوا بالعقود" [المائدة‪ ]1 :‬وهذا عقد‪ ،‬وقوله "بالعهد" [السراء‪:‬‬
‫‪ ]34‬وهذا عهد‪ .‬وقوله عليه السلم‪( :‬المؤمنون عند شروطهم) وهذا شرط‪ ،‬فالقبض عندنا شرط‬
‫في كمال فائدته‪ .‬وعندهما شرط في لزومه وصحته‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬مقبوضفة" يقتضفي بينونفة المرتهفن بالرهفن‪ .‬وأجمفع الناس على صفحة قبفض‬
‫المرتهفن‪ ،‬وكذلك على قبفض وكيله‪ .‬واختلفوا ففي قبفض عدل يوضفع الرهفن على يديفه‪ ،‬فقال مالك‬
‫وجميفع أصفحابه وجمهور العلماء‪ :‬قبفض العدل قبفض‪ .‬وقال ابفن أبفي ليلى وقتادة والحكفم وعطاء‪:‬‬
‫ليفس بقبفض‪ ،‬ول يكون مقبوضفا إل إذا كان عنفد المرتهفن‪ ،‬ورأوا ذلك تعبدا‪ .‬وقول الجمهور أصفح‬
‫مففن جهففة المعنففى‪ ،‬لنففه إذا صففار عنففد العدل صففار مقبوضففا لغففة وحقيقففة‪ ،‬لن العدل نائب عففن‬
‫صاحب الحق وبمنزلة الوكيل‪ ،‬وهذا ظاهر‪.‬‬
‫ولو وضفففع الرهفففن عفففل يدي عدل فضاع لم يضمفففن المرتهفففن ول الموضوع على يده‪ ،‬لن‬
‫المرتهن لم يكن في يده شيء يضمنه‪ .‬والموضوع على يده أمين والمين غير ضامن‪.‬‬
‫لمفا قال تعالى‪" :‬مقبوضفة" قال علماؤنفا‪ :‬فيفه مفا يقتضفي بظاهره ومطلقفه جواز رهفن المشاع‪.‬‬
‫خلفا لبي حنيفة وأصحابه‪ ،‬ل يجوز عندهم أن يرهنه ثلث دار ول نصفا من عبد ول سيف‪ ،‬ثم‬
‫قالوا‪ :‬إذا كان لرجلين على رجل مال هما فيه شريكان فرهنهما بذلك أرضا فهو جائز إذا قبضاها‪.‬‬
‫قال ابففن المنذر‪ :‬وهذا إجازة رهففن المشاع‪ ،‬لن كففل واحففد منهمففا مرتهففن نصففف دار‪ .‬قال ابففن‬
‫المنذر‪ :‬رهن المشاع جائز كما يجوز بيعه‪.‬‬
‫@ورهن ما في الذمة جائز عند علمائنا‪ ،‬لنه مقبوض خلفا لمن منع ذلك‪ ،‬ومثاله رجلن تعامل‬
‫لحدهما على الخر دين فرهنه دينه الذي عليه‪ .‬قال ابن خويز منداد‪ :‬وكل عرض جاز بيعه جاز‬
‫رهنفه‪ ،‬ولهذه العلة جوزنفا رهفن مفا ففي الذمفة‪ ،‬لن بيعفه جائز‪ ،‬ولنفه مال تقفع الوثيقفة بفه فجاز أن‬
‫يكون رهنفا‪ ،‬قياسفا على سفلعة موجودة‪ .‬وقال مفن منفع ذلك‪ :‬لنفه ل يتحقفق إقباضفه والقبفض شرط‬
‫ففي لزوم الرهفن‪ ،‬لنفه ل بفد أن يسفتوفي الحفق منفه عنفد المحفل‪ ،‬ويكون السفتيفاء مفن ماليتفه ل مفن‬
‫عينه ول يتصور ذلك في الدين‪.‬‬
‫@روى البخاري عن أبي هريرة قال‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪( :‬الظهر يركب بنفقته‬
‫إذا كان مرهونففا ولبففن الدر يشرب بنفقتففه إذا كان مرهونففا وعلى الذي يركففب ويشرب النفقففة)‪.‬‬
‫وأخرجه أبو داود وقال بدل (يشرب) في الموضعين‪( :‬يحلب)‪ .‬قال الخطابي‪ :‬هذا كلم مبهم ليس‬
‫في نفس اللفظ بيان من يركب ويحلب‪ ،‬هل الراهن أو المرتهن أو العدل الموضوع على يده الرهن‬
‫؟‪.‬‬
‫قلت‪ :‬قد جاء ذلك مبينا مفسرا في حديثين‪ ،‬وبسببهما اختلف العلماء في ذلك‪ ،‬فروى الدارقطني‬
‫من حديث أبي هريرة ذكر النبي صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن‬
‫علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته)‪ .‬أخرجه عن أحمد بن علي بن العلء حدثنا زياد‬
‫بفن أيوب حدثنفا هشيفم حدثنفا زكريفا عفن الشعفبي عفن أبفي هريرة‪ .‬وهفو قول أحمفد وإسفحاق‪ :‬أن‬
‫المرتهن ينتففع من الرهفن بالحلب والركوب بقدر النفقة‪ .‬وقال أبو ثور‪ :‬إذا كان الراهفن ينفق عليه‬
‫لم ينتفع بفه المرتهن‪ .‬وان كان الراهن ل ينففق عليه وتركه ففي يد المرتهن فأنفق عليه فله ركوبه‬
‫واستخدام العبد‪ .‬وقاله الوزاعي والليث‪ .‬الحديث الثاني خرجه الدارقطني أيضا‪ ،‬وفي إسناده مقال‬
‫ويأتي بيانه ‪ -‬من حديث إسماعيل بن عياش عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن المقبري عن أبي‬
‫هريرة قال قال رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬ل يغلق الرهفن ولصفاحبه غنمفه وعليفه غرمفه)‪.‬‬
‫وهفو قول الشافعفي والشعفبي وابفن سفيرين‪ .‬وهفو قول مالك وأصفحابه‪ .‬قال الشافعفي‪ :‬منفعفة الرهفن‬
‫للراهفن‪ ،‬ونفقتفه عليفه‪ ،‬والمرتهفن ل ينتففع بشيفء مفن الرهفن خل الحفاظ للوثيقفة‪ .‬قال الخطابفي‪:‬‬
‫وهفو أولى القوال وأصفحها‪ ،‬بدليفل قوله عليفه السفلم‪( :‬ل يغلق الرهفن مفن صفاحبه الذي رهنفه له‬
‫غنمففه وعليففه غرمففه)‪ .‬قال الخطابففي‪ :‬وقوله‪( :‬مففن صففاحبه أي لصففاحبه)‪ .‬والعرب تضففع "مففن"‬
‫موضع اللم‪ ،‬كقولهم‪:‬‬
‫أمن أم أوفى دمنة لم تكلم‬
‫قلت‪ :‬قفد جاء صفريحا (لصفاحبه) فل حاجفة للتأويفل‪ .‬وقال الطحاوي‪ :‬كان ذلك وقفت كون الربفا‬
‫مباحفا‪ ،‬ولم ينفه عفن قرض جفر منفعفة‪ ،‬ول عفن أخفذ الشيفء بالشيفء وإن كانفا غيفر متسفاويين‪ ،‬ثفم‬
‫حرم الربا بعد ذلك‪ .‬وقد أجمعت المة على أن المة المرهونة ل يجوز للراهن أن يطأها‪ ،‬فكذلك‬
‫ل يجوز له خدمتها‪ .‬وقد قال الشعبي‪ :‬ل ينتفع من الرهن بشيء‪ .‬فهذا الشعبي روى الحديث وأفتى‬
‫بخلفه‪ ،‬ول يجوز عنده ذلك إل وهو منسوخ‪ .‬وقال ابن عبدالبر وقد أجمعوا أن لبن الرهن وظهره‬
‫للراهن‪ .‬ول يخلو من أن يكون احتلب المرتهن له بإذن الراهن أو بغير إذنه‪ ،‬فإن كان بغير إذنه‬
‫ففي حديث ابن عمر عن النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬ل يحتلبن أحد ماشية أحد إل بإذنه) ما يرده‬
‫ويقضي بنسخه‪ .‬وإن كان بإذنه ففي الصول المجتمع عليها في تحريم المجهول والغرر وبيع ما‬
‫ليس عندك وبيع ما لم يخلق‪ ،‬ما يرده أيضا‪ ،‬فإن ذلك كان قبل نزول تحريم الربا‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫وقال ابفن خويفز منداد‪ :‬ولو شرط المرتهفن النتفاع بالرهفن فلذلك حالتان‪ :‬إن كان مفن قرض لم‬
‫يجز‪ ،‬وإن كان من بيع أو إجارة جاز‪ ،‬لنه يصير بائعا للسلعة بالثمن المذكور ومنافع الرهن مدة‬
‫معلومة فكأنه بيع وإجارة‪ ،‬وأما في القرض فلنه يصير قرضا جر منفعة‪ ،‬ولن موضوع القرض‬
‫أن يكون قربة‪ ،‬فإذا دخله نفع صار زيادة في الجنس وذلك ربا‪.‬‬
‫@ل يجوز غلق الرهن‪ ،‬وهو أن يشترط المرتهن أنه له بحقه إن لم يأته به عند أجله‪ .‬وكان هذا‬
‫مففن فعفل الجاهليفة فأبطله النفبي صففلى ال عليفه وسففلم بقوله‪( :‬ل يغلق الرهففن) هكذا قيدناه برفففع‬
‫القاف على الخففبر‪ ،‬أي ليففس يغلق الرهففن‪ .‬تقول‪ :‬أغلقففت الباب فهففو مغلق‪ .‬وغلق الرهففن فففي يففد‬
‫مرتهنه إذا لم يفتك‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫ومن يك رهنا للحوادث يغلق‬ ‫أجارتنا من يجتمع يتفرق‬
‫وقال زهير‪:‬‬
‫يوم الوداع فأمسى الرهن قد غلقا‬ ‫وفارقتك برهن ل فكاك له‬
‫@روى الدارقطنفي مفن حديفث سففيان بفن عيينفة عفن زياد بفن سفعد عفن الزهري عفن سفعيد بفن‬
‫المسفيب عفن أبفي هريرة أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬ل يغلق الرهفن له غنمفه وعليفه‬
‫غرمفه)‪ .‬زياد بفن سفعد أحفد الحفاظ الثقات‪ ،‬وهذا إسفناد حسفن‪ .‬وأخرجفه مالك عفن ابفن شهاب عفن‬
‫سعيد بن المسيب مرسل أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‪( :‬ل يغلق الرهن)‪ .‬قال أبو عمر‪:‬‬
‫وهكذا رواه كل من روى الموطأ عن مالك فيما علمت‪ ،‬إل معن بن عيسى فإنه وصله‪ ،‬ومعن ثقة‪،‬‬
‫إل أنفي أخشفى أن يكون الخطفأ فيفه مفن علي بفن عبدالحميفد الغضائري عفن مجاهفد بفن موسفى عفن‬
‫معفن بفن عيسفى‪ .‬وزاد فيفه أبفو عبدال عمروس عفن البهري بإسفناده‪( :‬له غنمفه وعليفه غرمفه)‪.‬‬
‫وهذه اللفظة قد اختلف الرواة في رفعها‪ ،‬فرفعها ابن أبي ذئب ومعمر وغيرهما‪ .‬ورواه ابن وهب‬
‫وقال‪ :‬قال يونس قال ابن شهاب‪ :‬وكان سعيد بن المسيب يقول‪ :‬الرهن ممن رهنه‪ ،‬له غنمه وعليه‬
‫غرمفه‪ ،‬فأخفبر ابفن شهاب أن هذا مفن قول سفعيد ل عفن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم‪ .‬إل أن معمرا‬
‫ذكره عن ابن شهاب مرفوعا‪ ،‬ومعمر أثبت الناس في ابن شهاب‪ .‬وتابعه على رفعه يحيى بن أبي‬
‫أنيسة ويحيى ليس بالقوي‪ .‬وأصل هذا الحديث عند أهل العلم بالنقل مرسل‪ ،‬وإن كان قد وصل من‬
‫جهات كثيرة فإنهم يعللونها‪ .‬وهو مع هذا حديث ل يرفعه أحد منهم وإن اختلفوا في تأويله ومعناه‪.‬‬
‫ورواه الدارقطني أيضا عن إسماعيل بن عياش عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد عن أبي‬
‫هريرة مرفوعا‪ .‬قال أبو عمر‪ :‬لم يسمعه إسماعيل من ابن أبي ذئب وإنما سمعه من عباد بن كثير‬
‫عن ابن أبي ذئب‪ ،‬وعباد عندهم ضعيف ل يحتج به‪ .‬وإسماعيل عندهم أيضا غير مقبول الحديث‬
‫إذا حدث عفن غيففر أهففل بلده‪ ،‬فإذا حدث عفن الشامييففن فحديثفه مسففتقيم‪ ،‬وإذا حدث عفن المدنييففن‬
‫وغيرهم ففي حديثه خطأ كثير واضطراب‪.‬‬
‫@نماء الرهفن داخفل معفه إن كان ل يتميفز كالسفمن‪ ،‬أو كان نسفل كالولدة والنتاج‪ ،‬وففي معناه‬
‫فسفيل النخفل‪ ،‬ومفا عدا ذلك مفن غلة وثمرة ولبفن وصفوف فل يدخفل فيفه إل أن يشترطفه‪ .‬والفرق‬
‫بينهمفا أن الولد تبفع ففي الزكاة للمهات‪ ،‬وليفس كذلك الصفواف واللبان وثمفر الشجار‪ ،‬لنهفا‬
‫ليست تبعا للمهات في الزكاة ول هي في صورها ول في معناها ول تقوم معها‪ ،‬فلها حكم نفسها‬
‫ل حكم الصل خلف الولد والنتاج‪ .‬وال أعلم بصواب ذلك‪.‬‬
‫ورهفن مفن أحاط الديْن بماله جائز مفا لم يفلس‪ ،‬ويكون المرتهفن أحفق بالرهفن مفن الغرماء‪ ،‬قاله‬
‫مالك وجماعففة مففن الناس‪ .‬وروي عففن مالك خلف هذا ‪ -‬وقاله عبدالعزيففز بففن أبففي سففلمة ‪ -‬أن‬
‫الغرماء يدخلون معفه ففي ذلك وليفس بشيفء‪ ،‬لن مفن لم يحجفر عليفه فتصفرفاته صفحيحة ففي كفل‬
‫أحواله من بيع وشراء‪ ،‬والغرماء عاملوه على أنه يبيع ويشتري ويقضي‪ ،‬لم يختلف قول مالك في‬
‫هذا الباب‪ ،‬فكذلك الرهن‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فإن أمفن بعضكفم بعضفا" شرط ربفط بفه وصفية الذي عليفه الحفق بالداء وترك‬
‫المطل‪ .‬يعني إن كان الذي عليه الحق أمينا عند صاحب الحق وثقة فليؤد له ما عليه ائتمن‪ .‬وقوله‬
‫"فليؤد" من الداء مهموز‪ ،‬وهو جواب الشرط ويجوز تخفيف همزه فتقلب الهمزة واوا ول تقلب‬
‫ألفا ول تجعل بين بين‪ ،‬لن اللف ل يكون ما قبلها إل مفتوحا‪ .‬وهو أمر معناها الوجوب‪ ،‬بقرينة‬
‫الجماع على وجوب أداء الديون‪ ،‬وثبوت حكم الحاكم به وجبره الغرماء عليه‪ ،‬وبقرينة الحاديث‬
‫الصحاح في تحريم مال الغير‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬أمانته" المانة مصفدر سمي به الشيء الذي في الذمة‪ ،‬وأضافها إلى الذي عليه‬
‫الدين من حيث لها إليه نسبة‪ ،‬كما قال تعالى‪" :‬ول تؤتوا السفهاء أموالكم" [النساء‪.]5 :‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وليتفق ال ربفه" أي ففي أل يكتفم مفن الحفق شيئا‪ .‬وقوله‪" :‬ول تكتموا الشهادة"‬
‫تفسفير لقوله‪" :‬ول يضارر" بكسفر العيفن‪ .‬نهفى الشاهفد عفن أن يضفر بكتمان الشهادة‪ ،‬وهفو نهفي‬
‫على الوجوب بعدة قرائن منهفا الوعيفد‪ .‬وموضفع النهفي هفو حيفث يخاف الشاهفد ضياع حفق‪ .‬وقال‬
‫ابفن عباس‪ :‬على الشاهفد أن يشهفد حيثمفا اسفتشهد‪ ،‬ويخفبر حيثمفا اسفتخبر‪ ،‬قال‪ :‬ول تقفل أخفبر بهفا‬
‫عنفد الميفر بفل أخفبره بهفا لعله يرجفع ويرعوي‪ .‬وقرأ أبفو عبدالرحمفن "ول يكتموا" بالياء‪ ،‬جعله‬
‫نهيا للغائب‪.‬‬
‫@إذا كان على الحق شهود تعين عليهم أداؤها على الكفاية‪ ،‬فإن أداها اثنان واجتزأ الحاكم بهما‬
‫سفقط الفرض عفن الباقيفن‪ ،‬وإن لم يجتزأ بهفا تعيفن المشفي إليفه حتفى يقفع الثبات‪ .‬وهذا يعلم بدعاء‬
‫صاحبها‪ ،‬فإذا قال له‪ :‬أحي حقي بأداء ما عندك لي من الشهادة تعين ذلك عليه‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ومن يكتمها فإنه آثم قلبه" خص القلب بالذكر إذ الكتم من أفعاله‪ ،‬وإذ هو المضغة‬
‫التي بصلحها يصلح الجسد كله كما قال عليه السلم‪ ،‬فعبر بالبعض عن الجملة‪ ،‬وقد تقدم في أول‬
‫السففورة‪ .‬وقال الكيففا‪ :‬لمففا عزم على أل يؤديهففا وترك أداءهففا باللسففان رجففع المأثففم إلى الوجهيففن‬
‫جميعا‪ .‬فقوله "آثم قلبه" مجاز‪ ،‬وهو آكد من الحقيقة في الدللة على الوعيد‪ ،‬وهو من بديع البيان‬
‫ولطيفف العراب عن المعانفي‪ .‬يقال‪ :‬إثفم القلب سفبب مسفخه‪ ،‬وال تعالى إذا مسفخ قلبفا جعله منافقفا‬
‫وطبفع عليفه‪ ،‬نعوذ بال منفه وقفد تقدم ففي أول السفورة‪ .‬و"قلبفه" رففع بفف "آثفم" و"آثفم" خفبر "إن"‪،‬‬
‫وان شئت رفعت آثما بالبتداء‪ ،‬و"قلبه" فاعل يسد مسد الخبر والجملة خبر إن‪ .‬وإن شئت رفعت‬
‫آثما على أنه خبر البتداء تنوي به التأخير‪ .‬وإن شئت كان "قلبه" بدل من "آثم" بدل البعض من‬
‫الكل‪ .‬وإن شئت كان بدل من المضمر الذي في "آثم"‪.‬‬
‫وهنا ثلث مسائل‪:‬‬
‫الولى‪ :‬اعلم أن الذي أمفر ال تعالى بفه مفن الشهادة والكتابفة لمراعاة صفلح ذات البيفن ونففي‬
‫التنازع المؤدي إلى فسففاد ذات البيففن‪ ،‬لئل يسففول له الشيطان جحود الحففق وتجاوز مففا حففد له‬
‫الشرع‪ ،‬أو ترك القتصففار على المقدار المسففتحق‪ ،‬ولجله حرم الشرع البياعات المجهولة التففي‬
‫اعتيادهفا يؤدي إلى الختلف وفسفاد ذات البيفن وإيقاع التضاغفن والتبايفن‪ .‬فمفن ذلك مفا حرمفه ال‬
‫مففن الميسففر والقمار وشرب الخمففر بقوله تعالى‪" :‬إنمففا يريففد الشيطان أن يوقففع بينكففم العداوة‬
‫والبغضاء ففي الخمفر والميسفر" [المائدة‪ ]91 :‬اليفة‪ .‬فمفن تأدب بأدب ال ففي أوامره وزواجره‬
‫حاز صلح الدنيا والدين‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم" [النساء‪:‬‬
‫‪ ]66‬الية‪.‬‬
‫الثانيفة‪ :‬روى البخاري عفن أبفي هريرة عفن النفي صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬مفن أخفذ أموال‬
‫الناس يريفد أداءهفا أدى ال عنفه ومفن أخذهفا يريفد إتلفهفا أتلففه ال) وروى النسفائي عفن ميمونفة‬
‫زوج النبي صلى ال عليه وسلم أنها استدانت‪ ،‬فقيل‪ :‬يا أم المؤمنين‪ ،‬تستدينين وليس عندك وفاء ؟‬
‫قالت‪ :‬إني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪( :‬من أخذ دينا وهو يريد أن يؤديه أعانه‬
‫ال عليه)‪ .‬وروى الطحاوي وأبو جعفر الطبري والحارث بن أبي أسامة في مسنده عن عقبة بن‬
‫عامفر أن رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم قال‪( :‬ل تخيفوا النففس بعفد أمنهفا) قالوا‪ :‬يفا رسفول ال‪،‬‬
‫وما ذاك؟ قال‪( :‬الدين)‪ .‬وروى البخاري عن أنس عن النبي صلى ال عليه وسلم في دعاء ذكره‪:‬‬
‫(اللهففم أنففي أعوذ بففك مففن الهففم والحزن والعجففز والكسففل والجبففن والبخففل وضلع الديففن وغلبففة‬
‫الرجال)‪ .‬قال العلماء‪ :‬ضلع الديفن هفو الذي ل يجفد دائنفه مفن حيفث يؤديفه‪ .‬وهفو مأخوذ مفن قول‬
‫العرب‪ :‬حمل مضلع أي ثقيل‪ ،‬ودابة مضلع ل تقوى على الحمل‪ ،‬قاله صاحب العين‪ .‬وقال صلى‬
‫ال عليفه وسفلم‪( :‬الدّيْن شيْن الدّيفن)‪ .‬وروي عنفه أنفه قال‪( :‬الديفن هفم بالليفل ومذلة بالنهار)‪ .‬قال‬
‫علماؤنفا‪ :‬وإنمفا كان شينفا ومذلة لمفا فيفه مفن شغفل القلب والبال والهفم اللزم ففي قضائه‪ ،‬والتذلل‬
‫للغريفم عنفد لقائه‪ ،‬وتحمفل منتفه بالتأخيفر إلى حيفن أوانفه‪ .‬وربمفا يعفد مفن نفسفه القضاء فيخلف‪ ،‬أو‬
‫يحدث الغريفم بسفببه فيكذب‪ ،‬أو يحلف له فيحنفث‪ ،‬إلى غيفر ذلك‪ .‬ولهذا كان عليفه السفلم يتعوذ مفن‬
‫المأثفم والمغرم‪ ،‬وهفو الديفن‪ .‬فقيفل له‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬مفا أكثفر مفا تتعوذ مفن المغرم ؟ فقال‪( :‬إن‬
‫الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف)‪ .‬وأيضا فربما قد مات ولم يقض الدين فيرتهن به‪ ،‬كما‬
‫قال عليفه السفلم‪( :‬نسفمة المؤمفن مرتهنفة ففي قفبره بدينفه حتفى يقضفى عنفه)‪ .‬وكفل هذه السفباب‬
‫مشائن في الدين تذهب جماله وتنقص كماله‪ .‬وال اعلم‬
‫الثالثة‪ :‬لما أمر ال تعالى بالكتب والشهاد وأخذ الرهان كان ذلك نصا قاطعا على مراعاة حفظ‬
‫الموال وتنميتهففا‪ ،‬وردا على الجهلة المتصففوفة ورعاعهففا الذيففن ل يرون ذلك‪ ،‬فيخرجون عففن‬
‫جميع أموالهم ول يتركون كفاية لنفسهم وعيالهم‪ ،‬ثم إذا احتاج وافتقر عياله فهو إما أن يتعرض‬
‫لمنن الخوان أو لصدقاتهم‪ ،‬أو أن يأخذ من أرباب الدنيا وظلمتهم‪ ،‬وهذا الفعل مذموم منهي عنه‪.‬‬
‫قال أبو الفرج الجوزي‪ :‬ولست أعجب من المتزهدين الذين فعلوا هذا مع قلة علمهم‪ ،‬إنما أتعجب‬
‫مففن أقوام لهففم علم وعقففل كيففف حثوا على هذا‪ ،‬وأمروا بففه مففع مضادتففه للشرع والعقففل‪ .‬فذكففر‬
‫المحاسبي في هذا كلما كثيرا‪ ،‬وشيده أبو حامد الطوسي ونصره‪ .‬والحارث عندي أعذر من أبي‬
‫حامفد‪ ،‬لن أبفا حامفد كان أفقفه‪ ،‬غيفر أن دخوله ففي التصفوف أوجفب عليفه نصفرة مفا دخفل فيفه‪ .‬قال‬
‫المحاسبي في كلم طويل له‪ :‬ولقد بلغني أنه لما توفي عبدالرحمن بن عوف قال ناس من أصحاب‬
‫رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم إنمفا نخاف على عبدالرحمفن فيمفا ترك‪ .‬فقال كعفب‪ :‬سفبحان ال !‬
‫وما تخافون على عبدالرحمن ؟ كسب طيبا وأنفق طيبا وترك طيبا‪ .‬فبلغ ذلك أبا ذر فخرج مغضبا‬
‫يريد كعبا‪ ،‬فمر بلحي بعير فأخذه بيده‪ ،‬ثم انطلق يطلب كعبا‪ ،‬فقيل لكعب‪ :‬إن أبا ذر يطلبك‪ .‬فخرج‬
‫هاربا حتى دخل على عثمان يستغيث به وأخبره الخبر‪ .‬فأقبل أبو ذر يقص الثر في طلب كعب‬
‫حتى انتهى إلى دار عثمان‪ ،‬فلما دخل قام كعب فجلس خلف عثمان هاربا من أبي ذر‪ ،‬فقال له أبو‬
‫ذر‪ :‬يفا ابفن اليهوديفة‪ ،‬تزعفم أل بأس بمفا تركفه عبدالرحمفن ! لقفد خرج رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم يومفا فقال‪( :‬الكثرون هفم القلون يوم القيامفة إل مفن قال هكذا وهكذا)‪ .‬قال المحاسفبي‪ :‬فهذا‬
‫عبدالرحمفن مفع فضله يوقفف ففي عرصفة يوم القيامفة بسفبب مفا كسفبه مفن حلل‪ ،‬للتعففف وصفنائع‬
‫المعروف فيمنفع السفعي إلى الجنفة مفع الفقراء وصفار يحبفو ففي آثارهفم حبوا‪ ،‬إلى غيفر ذلك مفن‬
‫كلمفه‪ .‬ذكره أبفو حامفد وشيده وقواه بحديفث ثعلبفة‪ ،‬وأنفه أعطفي المال فمنفع الزكاة‪ .‬قال أبفو حامفد‪:‬‬
‫فمفن راقفب أحوال النفبياء والولياء وأقوالهفم لم يشفك ففي أن فقفد المال أفضفل مفن وجوده‪ ،‬وإن‬
‫صرف إلى الخيرات‪ ،‬إذ أقل ما فيه اشتغال الهمة بإصلحه عن ذكر ال‪ .‬فينبغي للمريد أن يخرج‬
‫عن ماله حتى ل يبقى له إل قدر ضرورته‪ ،‬فما بقي له درهم يلتفت إليه قلبه فهو محجوب عن ال‬
‫تعالى‪ .‬قال الجوزي‪ :‬وهذا كله خلف الشرع والعقففل‪ ،‬وسففوء فهففم المراد بالمال‪ ،‬وقففد شرفففه ال‬
‫وعظفم قدره وأمفر بحفظفه‪ ،‬إذ جعله قوامفا للدمفي ومفا جعفل قوامفا للدمفي الشريفف فهفو شريفف‪،‬‬
‫فقال تعالى‪" :‬ول تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل ال لكم قياما" [النساء‪ ]5 :‬ونهى جل وعز أن‬
‫يسلم المال إلى غير رشيد فقال‪" :‬فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم" [النساء‪ .]6 :‬ونهى‬
‫النفبي صفلى ال عليه وسلم عن إضاعة المال‪ ،‬قال لسعد‪( :‬إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن‬
‫تذرهم عالة يتكففون الناس)‪ .‬وقال‪( :‬ما نفعني مال كمال أبي بكر)‪ .‬وقال لعمرو بن العاص‪( :‬نعم‬
‫المال الصالح للرجفل الصفالح)‪ .‬ودعا لنس‪ ،‬وكان في آخر دعائه‪( :‬اللهفم أكثفر ماله وولده وبارك‬
‫له فيفه)‪ .‬وقال كعفب‪ :‬يفا رسفول ال‪ ،‬إن مفن توبتفي أن أنخلع مفن مالي صفدقة إلى ال وإلى رسفوله‪.‬‬
‫فقال‪( :‬أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك)‪ .‬قال الجوزي‪ :‬هذه الحاديث مخرجة في الصحاح‪،‬‬
‫وهففي على خلف مففا تعتقده المتصففوفة مففن أن إكثار المال حجاب وعقوبففة‪ ،‬وأن حبسففه ينافففي‬
‫التوكفل‪ ،‬ول ينكفر أنفه يخاف مفن فتنتفه‪ ،‬وأن خلقفا كثيرا اجتنبوه لخوف ذلك‪ ،‬وأن جمعفه مفن وجهفه‬
‫ليعفز‪ ،‬وأن سفلمة القلب مفن الفتتان بفه تقفل‪ ،‬واشتغال القلب مفع وجوده بذكفر الخفر يندر‪ ،‬فلهذا‬
‫خيف فتنته‪ .‬فأما كسب المال فإن من اقتصر على كسب البلغة من حلها فذلك أمر ل بد منه وأما‬
‫من قصد جمعه والستكثار منه من الحلل نظر في مقصوده‪ ،‬فإن قصد نفس المفاخرة والمباهاة‬
‫فبئس المقصود‪ ،‬وإن قصد إعفاف نفسه وعائلته‪ ،‬وادخر لحوادث زمانه وزمانهم‪ ،‬وقصد التوسعة‬
‫على الخوان وإغناء الفقراء وفعفل المصفالح أثيفب على قصفده‪ ،‬وكان جمعفه بهذه النيفة أفضفل مفن‬
‫كثير من الطاعات‪ .‬وقد كانت نيات خلق كثير من الصحابة في جمع المال سليمة لحسن مقاصدهم‬
‫بجمعه‪ ،‬فحرصوا عليه وسألوا زيادته‪ .‬ولما أقطع النبي صلى ال عليه وسلم الزبير حضر فرسه‬
‫أجرى الفرس حتفى قام ثفم رمفى سفوطه‪ ،‬فقال‪( :‬أعطوه حيفث بلغ سفوطه)‪ .‬وكان سفعد بفن عبادة‬
‫يقول ففي دعائه‪ :‬اللهفم وسفع علي‪ .‬وقال إخوة يوسفف‪" :‬ونزداد كيفل بعيفر"‪ .‬وقال شعيفب لموسفى‪:‬‬
‫"فإن أتممت عشرا فمفن عندك"‪ .‬وإن أيوب لما عوفي نثفر عليه رجل من جراد من ذهفب‪ ،‬فأخذ‬
‫يحثي في ثوبه ويستكثر منه‪ ،‬فقيل له‪ :‬أما شبعت ؟ فقال‪ :‬يا رب فقير يشبع من فضلك ؟‪ .‬وهذا أمر‬
‫مركوز في الطباع‪ .‬وأما كلم المحاسبي فخطأ يدل على الجهل بالعلم‪ ،‬وما ذكره من حديث كعب‬
‫وأبفي ذر فمحال‪ .‬مفن وضفع الجهال وخفيفت عدم صفحته عنفه للحوقفه بالقوم‪ .‬وقفد روي بعفض هذا‬
‫وإن كان طريقه ل يثبت‪ ،‬لن في سنده ابن لهيعة وهو مطعون فيه‪ .‬قال يحيى‪ :‬ل يحتج بحديثه‪.‬‬
‫والصحيح في التاريخ أن أبا ذر توفي سنة خمس وعشرين‪ ،‬وعبدالرحمن بن عوف توفي سنة‬
‫اثنتين وثلثين‪ ،‬فقد عاش بعد أبي ذر سبع سنين‪ .‬ثم لفظ ما ذكروه من حديثهم يدل على أن حديثهم‬
‫موضوع‪ ،‬ثم كيف تقول الصحابة‪ :‬إنا نخاف على عبدالرحمن! أو ليس الجماع منعقدا على إباحة‬
‫جمفع المال مفن حله‪ ،‬فمفا وجفه الخوف مفع الباحفة؟ أو يأذن الشرع ففي شيفء ثفم يعاقفب عليفه؟ هذا‬
‫قلة فهم وفقه‪ .‬ثم أينكر أبو ذر على عبدالرحمن‪ ،‬وعبدالرحمن خير من أبي ذر بما ل يتقارب ؟ ثم‬
‫تعلقفه بعبدالرحمفن وحده دليفل على أنفه لم يسفير سفير الصفحابة؛ فإنفه قفد خلف طلحفة ثلثمائة بهار‬
‫في كل بهار ثلثة قناطير‪ .‬والبهار الحمل‪ .‬وكان مال الزبير خمسين ألفا ومائتي ألف‪ .‬وخلف ابن‬
‫مسفعود تسفعين ألففا‪ .‬وأكثفر الصفحابة كسفبوا الموال وخلفوهفا ولم ينكفر أحفد منهفم على أحفد‪ .‬وأمفا‬
‫قوله‪" :‬إن عبدالرحمفن يحبفو حبوا يوم القيامفة" فهذا دليفل على أنفه مفا عرف الحديفث‪ ،‬وأعوذ بال‬
‫أن يحبو عبدالرحمن في القيامة؛ أفترى من سبق وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة ومن أهل‬
‫بدر والشورى يحبفو ؟ ثفم الحديفث يرويفه عمارة بفن زاذان؛ وقال البخاري‪ :‬ربمفا اضطرب حديثفه‪.‬‬
‫وقال أحمد‪ :‬يروي عن أنس أحاديث مناكير‪ ،‬وقال أبو حاتم الرازي‪ :‬ل يحتج به‪ .‬وقال الدارقطني‪:‬‬
‫ضعيفف‪ .‬وقوله‪" :‬ترك المال الحلل أفضفل مفن جمعفه" ليفس كذلك‪ ،‬ومتفى صفح القصفد فجمعفه‬
‫أفضل بل خلف عند العلماء‪ .‬وكان سعيد بن المسيب يقول‪ :‬ل خير فيمن ل يطلب المال‪ ،‬يقضي‬
‫به دينه ويصون به عرضه؛ فإن مات تركه ميراثا لمن بعده‪ .‬وخلف ابن المسيب أربعمائة دينار‪،‬‬
‫وخلف سففيان الثوري مائتيفن‪ ،‬وكان يقول‪ :‬المال ففي هذا الزمان سفلح‪ .‬ومفا زال السفلف يمدحون‬
‫المال ويجمعونفه للنوائب وإعانفة الفقراء؛ وإنمفا تحاماه قوم منهفم إيثارا للتشاغفل بالعبادات‪ ،‬وجمفع‬
‫الهمفم فقنعوا باليسفير‪ .‬فلو قال هذا القائل‪ :‬إن التقليفل منفه أولى قرب المفر ولكنفه زاحفم بفه مرتبفة‬
‫الثم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬وممفا يدل على حففظ الموال ومراعاتهفا إباحفة القتال دونهفا وعليهفا؛ قال صفلى ال عليفه‬
‫وسلم‪( :‬من قتل دون ماله فهو شهيد)‪ .‬وسيأتي بيانه في "المائدة" إن شاء ال تعالى‪.‬‬
‫*‪*3‬اليفة‪{ 284 :‬ل مفا ففي السفماوات ومفا ففي الرض وإن تبدوا مفا ففي أنفسفكم أو تخفوه‬
‫يحاسبكم به ال فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وال على كل شيء قدير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل مفا ففي السفماوات ومفا ففي الرض" تقدم معناه‪" .‬وإن تبدوا مفا ففي أنفسفكم أو‬
‫تخفوه يحاسفبكم بفه ال" اختلف الناس ففي معنفى قوله تعالى‪" :‬وإن تبدوا مفا ففي أنفسفكم أو تخفوه‬
‫يحاسبكم به ال" على أقوال خمسة‪:‬‬
‫[الول] أنها منسوخة‪ ،‬قاله ابن عباس وابن مسعود وعائشة وأبو هريرة والشعبي وعطاء ومحمد‬
‫بفن سفيرين ومحمفد بفن كعفب وموسفى بفن عفبيدة وجماعفة مفن الصفحابة والتابعيفن‪ ،‬وأنفه بقفي هذا‬
‫التكليفف حول حتفى أنزل ال الفرج بقوله‪" :‬ل يكلف ال نفسفا إل وسفعها" [البقرة‪ .]286 :‬وهفو‬
‫قول ابن مسعود وعائشة وعطاء ومحمد بن سيرين ومحمد بن كعب وغيرهم وفي صحيح مسلم‬
‫عفن ابفن عباس قال‪ :‬لمفا نزلت "وإن تبدوا مففا فففي أنفسففكم أو تخفوه يحاسفبكم بفه ال" قال‪ :‬دخففل‬
‫قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪( :‬قولوا سمعنا وأطعنا‬
‫وسفلمنا) قال‪ :‬فألقفى ال اليمان ففي قلوبهفم فأنزل ال تعالى‪" :‬ل يكلف ال نفسفا إل وسفعها لهفا مفا‬
‫كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطانا قال‪( :‬قد فعلت) ربنا ول تحمل علينا‬
‫إصرا كما حملته على الذين من قبلنا قال‪( :‬قد فعلت) ربنا ول تحملنا ما ل طاقة لنا به واعف عنا‬
‫واغففر لنفا وارحمنفا أنفت مولنفا فانصفرنا على القوم الكافريفن" [البقرة‪ ]286 :‬قال‪( :‬قفد فعلت)‪:‬‬
‫في رواية فلما فعلوا ذلك نسخها ال ثم أنزل تعالى‪" :‬ل يكلف ال نفسا إل وسعها" وسيأتي‪.‬‬
‫الثانفي‪ :‬قال ابفن عباس وعكرمفة والشعفبي ومجاهفد‪ :‬إنهفا محكمفة مخصفوصة‪ ،‬وهفي ففي معنفى‬
‫الشهادة التي نهى عن كتمها‪ ،‬ثم أعلم في هذه الية أن الكاتم لها المخفي ما في نفسه محاسب‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن الية فيما يطرأ على النفوس من الشك واليقين‪ ،‬وقاله مجاهد أيضا‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أنها محكمة عامة غير منسوخة‪ ،‬وال محاسب خلقه على ما عملوا من عمل وعلى ما لم‬
‫يعملوه ممففا ثبففت فففي نفوسففهم وأضمروه ونووه وأرادوه‪ ،‬فيغفففر للمؤمنيففن ويأخففذ بففه أهففل الكفففر‬
‫والنفاق‪ ،‬ذكره الطبري عن قوم‪ ،‬وأدخل عن ابن عباس ما يشبه هذا‪ .‬روي عن علي بن أبي طلحة‬
‫عفن ابفن عباس أنفه قال‪ :‬لم تنسفخ‪ ،‬ولكفن إذا جمفع ال الخلئق يقول‪( :‬إنفي أخفبركم بمفا أكننتفم ففي‬
‫أنفسفكم) فأمفا المؤمنون فيخفبرهم ثفم يغففر لهفم‪ ،‬وأمفا أهفل الشفك والريفب فيخفبرهم بمفا أخفوه مفن‬
‫التكذيفب‪ ،‬فذلك قوله‪" :‬يحاسفبكم بفه ال فيغففر لمفن يشاء ويعذب مفن يشاء" [البقرة‪ ]284 :‬وهفو‬
‫قوله عفز وجفل‪" :‬ولكفن يؤاخذكفم بمفا كسفبت قلوبكفم" [البقرة‪ ]225 :‬مفن الشفك والنفاق‪ .‬وقال‬
‫الضحاك‪ :‬يعلمفه ال يوم القيامفة بمفا كان يسفره ليعلم أنفه لم يخفف عليفه‪ .‬وففي الخفبر‪( :‬إن ال تعالى‬
‫يقول يوم القيامفة هذا يوم تبلى فيفه السفرائر وتخرج الضمائر وأن كتابفي لم يكتبوا إل مفا ظهفر مفن‬
‫أعمالكفم وأنفا المطلع على مفا لم يطلعوا عليفه ولم يخفبروه ول كتبوه فأنفا أخفبركم بذلك وأحاسفبكم‬
‫عليفه فأغففر لمفن أشاء وأعذب مفن أشاء) فيغففر للمؤمنيفن ويعذب الكافريفن‪ ،‬وهذا أصفح مفا ففي‬
‫الباب‪ ،‬يدل عليفه حديفث النجوى على مفا يأتفي بيانفه‪ ،‬ل يقال‪ :‬فقفد ثبفت عفن النفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسففلم (إن ال تجاوز لمتففي عمففا حدثففت بففه أنفسففها مففا لم يتكلموا أو يعملوا بففه)‪ .‬فإنففا نقول‪ :‬ذلك‬
‫محمول على أحكام الدنيا‪ ،‬مثل الطلق والعتاق والبيع التي ل يلزمه حكمها ما لم يتكلم به‪ ،‬والذي‬
‫ذكر في الية فيما يؤاخذ العبد به بينه وبين ال تعالى في الخرة‪ .‬وقال الحسن‪ :‬الية محكمة ليست‬
‫بمنسوخة‪ .‬قال الطبري‪ :‬وقال آخرون نحو هذا المعنى الذي ذكر عن ابن عباس‪ ،‬إل أنهم قالوا‪ :‬إن‬
‫العذاب الذي يكون جزاء لمفا خطفر ففي النفوس وصفحبه الفكفر إنمفا هفو بمصفائب الدنيفا وآلمهفا‬
‫وسائر مكارهها‪ .‬ثم أسند عن عائشة نحو هذا المعنى‪ ،‬وهو [القول الخامس]‪ :‬ورجح الطبري أن‬
‫اليفة محكمفة غيفر منسفوخة‪ :‬قال ابفن عطيفة‪ :‬وهذا هفو الصفواب‪ ،‬وذلك أن قوله تعالى‪" :‬وإن تبدوا‬
‫مففا فففي أنفسففكم أو تخفوه" معناه ممففا هففو فففي وسففعكم وتحففت كسففبكم‪ ،‬وذلك اسففتصحاب المعتقففد‬
‫والفكفر‪ ،‬فلمفا كان اللففظ ممفا يمكفن أن تدخفل فيفه الخواطفر أشففق الصفحابة والنفبي صفلى ال عليفه‬
‫وسفلم‪ ،‬ففبين ال لهفم مفا أراد باليفة الخرى‪ ،‬وخصفصها ونفص على حكمفه أنفه ل يكلف نفسفا إل‬
‫وسعها‪ ،‬والخواطر ليست هي ول دفعها في الوسع‪ ،‬بل هي أمر غالب وليست مما يكتسب‪ ،‬فكان‬
‫ففي هذا البيان فرجهفم وكشفف كربهفم‪ ،‬وباقفي اليفة محكمفة ل نسفخ فيهفا‪ :‬وممفا يدففع أمفر النسفخ أن‬
‫اليفة خفبر والخبار ل يدخلهفا النسفخ‪ ،‬فإن ذهفب ذاهفب إلى تقديفر النسفخ فإنمفا يترتفب له ففي الحكفم‬
‫الذي لحفق الصفحابة حيفن فزعوا مفن اليفة‪ ،‬وذلك أن قول النفبي صفلى ال عليفه وسفلم لهفم‪( :‬قولوا‬
‫سفمعنا وأطعنفا) يجيفء منفه المفر بأن يثبتوا على هذا ويلتزموه وينتظروا لطفف ال ففي الغفران‪.‬‬
‫فإذا قرر هذا الحكففم فصففحيح وقوع النسففخ فيففه‪ ،‬وتشبففه اليففة حينئذ قوله تعالى‪" :‬إن يكففن منكففم‬
‫عشرون صابرون يغلبوا مائتين" [النفال‪ ]65 :‬فهذا لفظه الخبر ولكن معناه التزموا هذا واثبتوا‬
‫عليفه واصفبروا بحسفبه‪ ،‬ثفم نسفخ بعفد ذلك‪ .‬وأجمفع الناس فيمفا علمفت على أن هذه اليفة ففي الجهاد‬
‫منسوخة بصبر المائة للمائتين‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذه الية في "البقرة" أشبه شيء بها‪ .‬وقيل‪ :‬في‬
‫الكلم إضمار وتقييففد‪ ،‬تقديره يحاسففبكم بففه ال إن شاء‪ ،‬وعلى هذا فل نسففخ‪ .‬وقال النحاس‪ :‬ومففن‬
‫أحسفن ما قيل ففي الية وأشبه بالظاهفر قول ابن عباس‪ :‬إنهفا عامة‪ ،‬ثم أدخل حديث ابن عمر في‬
‫النجوى‪ ،‬أخرجفه البخاري ومسفلم وغيرهمفا‪ ،‬واللففظ لمسفلم قال‪ :‬سفمعت رسفول ال صفلى ال عليفه‬
‫وسلم يقول (يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه جل وعز حتى يضع عليه كنفه فيقرره بذنوبه فيقول‬
‫هففل تعرف فيقول أي رب أعرف قال فإنففي قففد سففترتها عليففك فففي الدنيففا وإنففي أغفرهففا لك اليوم‬
‫فيعطففى صففحيفة حسففناته وأمففا الكفار والمنافقون فينادى بهففم على رؤوس الخلئق هؤلء الذيففن‬
‫كذبوا على ال)‪ .‬وقفد قيفل‪ :‬إنهفا نزلت ففي الذيفن يتولون الكافريفن مفن المؤمنيفن‪ ،‬أي وإن تعلنوا مفا‬
‫فففي أنفسففكم أيهففا المؤمنون مففن وليففة الكفار أو تسففروها يحاسففبكم بففه ال‪ ،‬قاله الواقدي ومقاتففل‪.‬‬
‫واستدلوا بقوله تعالى في (آل عمران) "قل إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه ف من ولية الكفار ف‬
‫يعلمه ال" [آل عمران‪ ]29 :‬يدل عليه ما قبله من قوله‪" :‬ل يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من‬
‫دون المؤمنين" [آل عمران‪.]28 :‬‬
‫قلت‪ :‬وهذا فيه بعد‪ ،‬لن سياق الية ل يقتضيه‪ ،‬وإنما ذلك بين في "آل عمران" وال أعلم‪ .‬وقد‬
‫قال سففيان بفن عيينفة‪ :‬بلغنفي أن النفبياء عليهفم السفلم كانوا يأتون قومهفم بهذه اليفة "ل مفا ففي‬
‫السماوات وما في الرض وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به ال"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬فيغففر لمفن يشاء ويعذب مفن يشاء" قرأ ابفن كثيفر وناففع وأبفو عمرو وحمزة‬
‫والكسفائي "فيغففر ويعذب" بالجزم عطفف على الجواب‪ .‬وقرأ ابفن عامفر وعاصفم بالرففع فيهمفا‬
‫على القطففع‪ ،‬أي فهففو يغفففر ويعذب‪ .‬وروي عففن ابففن عباس والعرج وأبففي العاليففة وعاصففم‬
‫الجحدري بالنصب فيهما على إضمار "أن"‪ .‬وحقيقته أنه عطف على المعنى‪ ،‬كما في قوله تعالى‪:‬‬
‫"فيضاعفه له" وقد تقدم‪ .‬والعطف على اللفظ أجود للمشاكلة‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫يتكلم فيجبك بعقل‬ ‫ومتى ما يع منك كلما‬
‫قال النحاس‪ :‬وروي عفن طلحفة بفن مصففرف "يحاسفبكم بفه ال يغففر" بغيفر فاء على البدل‪ .‬ابفن‬
‫عطيفة‪ :‬وبهفا قرأ الجعففي وخلد‪ .‬وروي أنهفا كذلك ففي مصفحف ابفن مسفعود‪ .‬قال ابفن جنفي‪ :‬هفي‬
‫على البدل من "يحاسبكم" وهي تفسير المحاسبة‪ ،‬وهذا كقول الشاعر‪:‬‬
‫تلقوا غدا خيلي على سفوان‬ ‫رويدا بني شيبان بعض وعيدكم‬
‫إذا ما غدت في المأزق المتداني‬ ‫تلقوا جيادا ل تحيد عن الوغى‬
‫فهذا على البدل‪ .‬وكرر الشاعففر الفعففل‪ ،‬لن الفائدة فيمففا يليففه مففن القول‪ .‬قال النحاس‪ :‬وأجود مففن‬
‫الجزم لو كان بل فاء الرفع‪ ،‬يكون في موضع الحال‪ ،‬كما قال الشاعر‪:‬‬
‫تجد خير نار عندها خير موقد‬ ‫متى تأته تعشو إلى ضوء ناره‬
‫*‪*3‬الية‪{ 285 :‬آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بال وملئكته وكتبه‬
‫ورسله ل نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬آمفن الرسفول بمفا أنزل إليفه مفن ربفه" روي عفن الحسفن ومجاهفد والضحاك‪ :‬أن‬
‫هذه اليففة كانففت فففي قصففة المعراج‪ ،‬وهكذا روي فففي بعففض الروايات عففن ابففن عباس‪ ،‬وقال‬
‫بعضهفم‪ :‬جميفع القرآن نزل بفه جبريفل عليفه السفلم على محمفد صفلى ال عليفه وسفلم إل هذه اليفة‬
‫فإن النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬هو الذي سفمع ليلة المعراج‪ ،‬وقال بعضهفم‪ :‬لم يكفن ذلك ففي قصة‬
‫المعراج‪ ،‬لن ليلة المعراج كانففت بمكففة وهذه السففورة كلهففا مدنيففة‪ ،‬فأمففا مففن قال إنهففا كانففت ليلة‬
‫المعراج قال‪ :‬لمفا صفعد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم وبلغ ففي السفماوات ففي مكان مرتففع ومعفه‬
‫جبريل حتى جاوز سدرة المنتهى فقال له جبريل‪ :‬إني لم أجاوز هذا الموضع ولم يؤمر بالمجاوزة‬
‫أحد هذا الموضع غيرك فجاوز النبي صلى ال عليه وسلم حتى بلغ الموضع الذي شاء ال‪ ،‬فأشار‬
‫إليه جبريل بأن سلم على ربك‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪ :‬التحيات ل والصلوات والطيبات‪.‬‬
‫قال ال تعالى‪ :‬السفلم عليفك أيهفا النفبي ورحمفة ال وبركاتفه‪ ،‬فأراد النفبي صفلى ال عليفه وسفلم أن‬
‫يكون لمتففه حففظ فففي السففلم فقال‪ :‬السففلم علينففا وعلى عباد ال الصففالحين‪ ،‬فقال جبريففل وأهففل‬
‫السففماوات كلهففم‪ :‬أشهففد أن ل إله إل ال وأشهففد أن محمدا عبده ورسففوله‪ .‬قال ال تعالى‪" :‬آمففن‬
‫الرسول" على معنى الشكر أي صدق الرسول "بما أنزل إليه من ربه" فأراد النبي صلى ال عليه‬
‫وسففلم أن يشارك أمتففه فففي الكرامففة والفضيلة فقال‪" :‬والمؤمنون كففل آمففن بال وملئكتففه وكتبففه‬
‫ورسله ل نفرق بين أحد من رسله" يعني يقولون آمنا بجميع الرسل ول نكفر بأحد منهم ول نفرق‬
‫بينهفم كمفا فرقفت اليهود والنصفارى‪ ،‬فقال له ربفه كيفف قبولهفم بآي الذي أنزلتهفا ؟ وهفو قوله‪" :‬إن‬
‫تبدوا ما في أنفسكم" فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم (قالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك‬
‫المصففير) يعنفي المرجفع‪ .‬فقال ال تعالى عنفد ذلك‪" :‬ل يكلف ال نفسفا إل وسفعها" يعنفي طاقتهفا‬
‫ويقال‪ :‬إل دون طاقتهفا‪" .‬لهفا مفا كسفبت" مفن الخيفر "وعليهفا مفا اكتسفبت" مفن الشفر‪ ،‬فقال جبريفل‬
‫عند ذلك‪ :‬سل تعطه‪ ،‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم‪" :‬ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا" يعني إن جهلنا‬
‫"أو أخطأنا" يعني إن تعمدنا‪ ،‬ويقال‪ :‬إن عملنا بالنسيان والخطأ‪ .‬فقال له جبريل‪ :‬قد أعطيت ذلك‬
‫قفد رففع عن أمتفك الخطفأ والنسفيان‪ .‬فسفل شيئا آخفر فقال‪" :‬ربنفا ول تحمفل علينفا إصفرا" يعنفي ثقل‬
‫"كمفا حملتفه على الذيفن مفن قبل" وهفو أنفه حرم عليهفم الطيبات بظلمهفم‪ ،‬وكانوا إذا أذنبوا بالليفل‬
‫وجدوا ذلك مكتوبفا على بابهفم‪ ،‬وكانفت الصفلوات عليهفم خمسفين‪ ،‬فخففف ال عفن هذه المفة وحفط‬
‫عنهم بعد ما فرض خمسين صلة‪ .‬ثم قال‪" :‬ربنا ول تحملنا ما ل طاقة لنا به" يقول‪ :‬ل تثقلنا من‬
‫العمفل مفا ل نطيفق فتعذبنفا‪ ،‬ويقال‪ :‬مفا تشفق علينفا‪ ،‬لنهفم لو أمروا بخمسفين صفلة لكانوا يطيقون‬
‫ذلك ولكنفه يشفق عليهفم ول يطيقون الدامفة عليفه "واعفف عنفا" مفن ذلك كله "واغففر لنفا" وتجاوز‬
‫عنا‪ ،‬ويقال‪" :‬واعف عنا" من المسخ "واغفر لنا" من الخسف "وارحمنا" من القذف‪ ،‬لن المم‬
‫الماضية بعضهم أصابهم المسخ وبعضهم أصابهم الخسف وبعضهم القذف ثم قال‪" :‬أنت مولنا"‬
‫يعني ولينا وحافظنا "فانصرنا على القوم الكافرين" فاستجيبت دعوته‪ .‬وروى عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه قال‪( :‬نصرت بالرعب مسيرة شهر) ويقال إن الغزاة‪ :‬إذا خرجوا من ديارهم بالنية‬
‫الخالصفة وضربوا بالطبفل وقفع الرعفب والهيبفة ففي قلوب الكفار مسفيرة شهفر ففي شهفر‪ ،‬علموا‬
‫بخروجهفم أو لم يعلموا‪ ،‬ثفم إن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم لمفا رجفع أوحفى ال هذه اليات‪ ،‬ليعلم‬
‫أمته بذلك‪ .‬ولهذه الية تفسير آخر‪ ،‬قال الزجاج‪ :‬لما ذكر ال تعالى في هذه السورة فرض الصلة‬
‫والزكاة وبيفن أحكام الحفج وحكفم الحيفض والطلق واليلء وأقاصفيص النفبياء وبيفن حكفم الربفا‪،‬‬
‫ذكر تعظيمه سبحانه بقوله سبحانه وتعالى‪" :‬ل ما في السماوات وما في الرض" ثم ذكر تصديق‬
‫نبيه صلى ال عليه وسلم ثم ذكر تصديق المؤمنين بجميع ذلك فقال‪" :‬آمن الرسول بما أنزل إليه‬
‫مفن ربه" أي صدق الرسول بجميفع هذه الشياء التفي جرى ذكرها وكذلك المؤمنون كلهفم صفدقوا‬
‫بال وملئكته وكتبه ورسله‪.‬‬
‫وقيفل سفبب نزولهفا اليفة التفي قبلهفا وهفي‪" :‬ل مفا ففي السفماوات ومفا ففي الرض وإن تبدوا مفا‬
‫ففي أنفسفكم أو تخفوه يحاسفبكم بفه ال فيغففر لمفن يشاء ويعذب مفن يشاء وال على كفل شيفء قديفر"‬
‫[المائدة‪ ]284 :‬فإنه لما أنزل هذا على النبي صلى ال عليه وسلم اشتد ذلك على أصحاب رسول‬
‫ال صفلى ال عليفه وسفلم فأتوا رسفول ال صفلى ال عليفه وسفلم ثفم بركوا على الركفب فقالوا‪ :‬أي‬
‫رسفول ال‪ ،‬كلفنفا مفن العمال مفا نطيفق‪ :‬الصفلة والصفيام والجهاد والصفدقة‪ ،‬وقفد أنزل ال عليفك‬
‫هذه اليففة ول نطيقهففا‪ .‬قال رسففول ال صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬أتريدون أن تقولوا كمففا قال أهففل‬
‫الكتابيفن مفن قبلكفم سفمعنا وعصفينا بفل قولوا سفمعنا وأطعنفا غفرانفك ربنفا وإليفك المصفير) فقالوا‪:‬‬
‫سفمعنا وأطعنفا غفرانفك ربنفا وإليفك المصفير‪ .‬فلمفا اقترأهفا القوم ذلت بهفا ألسفنتهم فأنزل ال ففي‬
‫إثرهفا‪" :‬آمفن الرسفول بمفا أنزل إليفه مفن ربفه والمؤمنون كفل آمفن بال وملئكتفه وكتبفه ورسفله ل‬
‫نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير" [البقرة‪ .]285 :‬فلما‬
‫فعلوا ذلك نسفخها ال‪ ،‬فأنزل ال عفز وجفل‪" :‬ل يكلف ال نفسفا إل وسفعها لهفا مفا كسفبت وعليهفا مفا‬
‫اكتسبت" "ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" قال‪( :‬نعم) "ربنا ول تحمل علينا إصرا كما حملته‬
‫على الذيفن مفن قبلنفا" قال‪( :‬نعفم) "ربنفا ول تحملنفا مفا ل طاقفة لنفا بفه" قال‪( :‬نعفم) "واعفف عنفا‬
‫واغففر لنفا وارحمنفا أنفت مولنفا فانصفرنا على القوم الكافريفن" قال‪( :‬نعفم)‪ .‬أخرجفه مسفلم عن أبفي‬
‫هريرة‪.‬‬
‫قال علماؤنا‪ :‬قوله في الرواية الولى (قد فعلت) وهنا قال‪( :‬نعم) دليل على نقل الحديث بالمعنى‪،‬‬
‫وقفد تقدم‪ .‬ولمفا تقرر المفر على أن قالوا‪ :‬سفمعنا وأطعنفا‪ ،‬مدحهفم ال وأثنفى عليهفم ففي هذه اليفة‪،‬‬
‫ورفع المشقة في أمر الخواطر عنهم‪ ،‬وهذه ثمرة الطاعة والنقطاع إلى ال تعالى‪ ،‬كما جرى لبني‬
‫إسففرائيل ضففد ذلك مففن ذمهففم وتحميلهففم المشقات مففن الذلة والمسففكنة والنجلء إذ قالوا‪ :‬سففمعنا‬
‫وعصفينا‪ ،‬وهذه ثمرة العصفيان والتمرد على ال تعالى‪ ،‬أعاذنفا ال مفن نقمفه بمنفه وكرمفه‪ .‬وففي‬
‫الحديفث أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم قيفل له‪ :‬إن بيفت ثابفت بفن قيفس بفن شماس يزهفر كفل ليلة‬
‫بمصابيح‪ .‬قال‪( :‬فلعله يقرأ سفورة البقرة) فسفئل ثابفت قال‪ :‬قرأت مفن سورة البقرة "آمن الرسفول"‬
‫نزلت حين شق على أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ما توعدهم ال تعالى به من محاسبتهم‪.‬‬
‫على مفا أخفتفه نفوسفهم‪ ،‬فشكوا ذلك إلى النفبي صفلى ال عليفه وسفلم فقال‪( :‬فلعلكفم تقولون سفمعنا‬
‫وعصففينا كمففا قالت بنففو إسففرائيل) قالوا‪ :‬بففل سففمعنا وأطعنففا‪ ،‬فأنزل ال تعالى ثناء عليهففم‪" :‬آمففن‬
‫الرسول بما أنزل إليه من ربه" فقال صلى ال عليه وسلم‪( :‬وحق لهم أن يؤمنوا)‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬آمفن" أي صفدق‪ ،‬وقفد تقدم‪ .‬والذي أنزل هفو القرآن‪ .‬وقرأ ابفن مسفعود "وآمفن‬
‫المؤمنون كل آمن بال" على اللفظ‪ ،‬ويجوز في غير القرآن "آمنوا" على المعنى‪ .‬وقرأ نافع وابن‬
‫كثير وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر "وكتبه" على الجمع‪ .‬وقرؤوا في "التحريم" كتابه‪،‬‬
‫على التوحيفد‪ .‬وقرأ أبفو عمرو هنفا وففي "التحريفم" و"كتبفه" على الجمفع‪ .‬وقرأ حمزة والكسفائي‬
‫"وكتابه" على التوحيد فيهما‪ .‬فمن جمع أراد جمع كتاب‪ ،‬ومن أفرد أراد المصدر الذي يجمع كل‬
‫مكتوب كان نزوله مفن عنفد ال‪ .‬ويجوز ففي قراءة مفن وحفد أن يراد بفه الجمفع يكون الكتاب اسفما‬
‫للجنففس فتسففتوي القراءتان‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬فبعففث ال النففبيين مبشريففن ومنذريففن وأنزل معهففم‬
‫الكتاب" [البقرة‪ .]213 :‬قرأت الجماعففة "ورسففله" بضففم السففين‪ ،‬وكذلك "رسففُلنا ورسففُلكم‬
‫ورسفلك"‪ ،‬إل أبفا عمرو فروي عنفه تخفيفف "رسفْلنا ورسفْلكم"‪ ،‬وروي عنفه ففي "رسفلك" التثقيفل‬
‫والتخفيف‪ .‬قال أبو علي‪ :‬من قرأ "رسلك" بالتثقيل فذلك أصل الكلمة‪ ،‬ومن خفف فكما يخفف في‬
‫الحاد‪ ،‬مثل عنق وطنب‪ .‬وإذا خفف في الحاد فذلك أحرى في الجمع الذي هو أثقل‪ ،‬وقال معناه‬
‫مكففففي‪ .‬وقرأ جمهور الناس "ل نفرق" بالنون‪ ،‬والمعنففففى يقولون ل نفرق‪ ،‬فحذف القول‪ ،‬وحذف‬
‫القول كثيفر‪ ،‬قال ال تعالى‪" :‬والملئكفة يدخلون عليهفم مفن كفل باب‪ .‬سفلم عليكفم" [الرعفد‪:]23 :‬‬
‫أي يقولون سلم عليكم‪ .‬وقال‪" :‬ويتفكرون في خلق السماوات والرض ربنا ما خلقت هذا باطل"‬
‫[آل عمران‪ ]191 :‬أي يقولون ربنا‪ ،‬وما كان مثله‪ .‬وقرأ سعيد بن جبير ويحيى بن يعمر وأبو‬
‫زرعفة بفن عمرو بفن جريفر ويعقوب "ل يفرق" بالياء‪ ،‬وهذا على لففظ كفل‪ .‬قال هارون‪ :‬وهفي ففي‬
‫حرف ابففن مسففعود "ل يفرقون"‪ .‬وقال "بيففن أحففد" على الفراد ولم يقففل آحاد‪ ،‬لن الحففد يتناول‬
‫الواحفد والجميفع‪ ،‬كمفا قال تعالى‪" :‬فمفا منكفم من أحفد عنفه حاجزيفن" [الحاقفة‪ ]47 :‬ففف "حاجزيفن"‬
‫صففة لحفد‪ ،‬لن معناه الجمفع‪ .‬وقال صفلى ال عليفه وسفلم‪( :‬مفا أحلت الغنائم لحفد سفود الرؤوس‬
‫غيركم) وقال رؤبة‪:‬‬
‫ل يرهبون أحدا من دونكا‬ ‫إذا أمور الناس دينت دينكا‬
‫ومعنففى هذه اليففة‪ :‬أن المؤمنيففن ليسففوا كاليهود والنصففارى فففي أنهففم يؤمنون ببعففض ويكفرون‬
‫ببعض‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬وقالوا سمعنا وأطعنا" فيه حذف‪ ،‬أي سمعنا سماع قابلين‪ .‬وقيل‪ :‬سمع بمعنى قبل‪،‬‬
‫كمفا يقال‪ :‬سفمع ال لمفن حمده فل يكون فيفه حذف‪ .‬وعلى الجملة فهذا القول يقتضفي المدح لقائله‪.‬‬
‫والطاعفة قبول المففر‪ .‬وقوله "غفرانففك" مصففدر كالكفران والخسففران‪ ،‬والعامفل فيففه فعفل مقدر‪،‬‬
‫تقديره‪ :‬اغفففر غفرانففك‪ ،‬قاله الزجاج‪ .‬وغيره‪ :‬نطلب أو أسففأل غفرانففك‪" .‬وإليففك المصففير" إقرار‬
‫بالبعفث والوقوف بيفن يدي ال تعالى‪ .‬وروي أن النفبي صفلى ال عليفه وسفلم لمفا نزلت عليفه هذه‬
‫الية قال له جبريل‪( :‬إن ال قد أحل الثناء عليك وعلى أمتك فسل تعطه) فسأل إلى آخر السورة‪.‬‬
‫*‪*3‬الية‪{ 286 :‬ل يكلف ال نفسا إل وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا ل تؤاخذنا‬
‫إن نسينا أو أخطأنا ربنا ول تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ول تحملنا ما ل‬
‫طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولنا فانصرنا على القوم الكافرين}‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ل يكلف ال نفسفا إل وسفعها" التكليفف هفو المفر بمفا يشفق عليفه وتكلففت المفر‬
‫تجشمتففه‪ ،‬حكاه الجوهري‪ .‬والوسففع‪ :‬الطاقففة والجدة‪ .‬وهذا خففبر جزم‪ .‬نففص ال تعالى على أنففه ل‬
‫يكلف العباد مفن وقفت نزول اليفة عبادة مفن أعمال القلب أو الجوارح إل وهفي ففي وسفع المكلف‬
‫وففي مقتضفى إدراكفه وبنيتفه‪ ،‬وبهذا انكشففت الكربفة عفن المسفلمين ففي تأولهفم أمفر الخواطفر‪ .‬وففي‬
‫معنى هذه الية ما حكاه أبو هريرة رضي ال عنه قال‪ :‬ما وددت أن أحدا ولدتني أمه إل جعفر بن‬
‫أبي طالب‪ ،‬فإني تبعته يوما وأنا جائع فلما بلغ منزله لم يجد فيه سوى نحي سمن قد بقي فيه أثارة‬
‫فشقه بين أيدينا‪ ،‬فجعلنا نلعق ما فيه من السمن والرّب وهو يقول‪:‬‬
‫ول تجود يد إل بما تجد‬ ‫ما كلف ال نفسا فوق طاقتها‬
‫@اختلف الناس في جواز تكليف ما ل يطاق في الحكام التي هي في الدنيا‪ ،‬بعد اتفاقهم على أنه‬
‫ليففس واقعففا فففي الشرع‪ ،‬وأن هذه اليففة آذنففت بعدمففه‪ ،‬قال أبففو الحسففن الشعري وجماعففة مففن‬
‫المتكلمين‪ :‬تكليف ما ل يطاق جائز عقل‪ ،‬ول يخرم ذلك شيئا من عقائد الشرع‪ ،‬ويكون ذلك أمارة‬
‫على تعذيفب المكلف وقطعفا بفه‪ ،‬وينظفر إلى هذا تكليفف المصفور أن يعقفد شعيرة‪ .‬واختلف القائلون‬
‫بجوازه هل وقع في رسالة محمد صلى ال عليه وسلم أو ل؟ فقال فرقة‪ :‬وقع في نازلة أبي لهب‪،‬‬
‫لنفه كلففه باليمان بجملة الشريعفة‪ ،‬ومفن جملتهفا أنفه ل يؤمفن‪ ،‬لنفه حكفم عليفه بتفب اليديفن وصفلي‬
‫النار وذلك مؤذن بأنفه ل يؤمفن‪ ،‬فقفد كلففه بأن يؤمفن بأنفه ل يؤمفن‪ .‬وقالت فرقفة‪ :‬لم يقفع قفط‪ .‬وقفد‬
‫حكفى الجماع على ذلك‪ .‬وقوله تعالى‪" :‬سفيصلى نارا" [المسفد‪ ]3 :‬معناه إن وافففى‪ ،‬حكاه ابفن‬
‫عطيفة‪" .‬ويكلف" يتعدى إلى مفعوليفن أحدهمفا محذوف‪ ،‬تقديره عبادة أو شيئا‪ .‬فال سفبحانه بلطففه‬
‫وإنعامه علينا وإن كان قد كلفنا بما يشق ويثقل كثبوت الواحد للعشرة‪ ،‬وهجرة النسان وخروجه‬
‫من وطنه ومفارقة أهله ووطنه وعادته‪ ،‬لكنه لم يكلفنا بالمشقات المثقلة ول بالمور المؤلمة‪ ،‬كما‬
‫كلف من قبلنا بقتل أنفسهم وقرض موضع البول من ثيابهم وجلودهم‪ ،‬بل سهل ورفق ووضع عنا‬
‫الصر والغلل التي وضعها على من كان قبلنا‪ .‬فلله الحمد والمنة‪ ،‬والفضل والنعمة‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬لهفا مفا كسفبت وعليهفا مفا اكتسفبت" يريفد مفن الحسفنات والسفيئات قاله السفدي‪.‬‬
‫وجماعة المفسرين ل خلف بينهم في ذلك‪ ،‬قاله ابن عطية‪ .‬وهو مثل قوله‪" :‬ول تزر وازرة وزر‬
‫أخرى" [النعام‪" ]164 :‬ول تكسفب كفل نففس إل عليهفا" [النعام‪ .]164 :‬والخواطفر ونحوهفا‬
‫ليسفت مفن كسفب النسفان‪ .‬وجاءت العبارة ففي الحسفنات بفف "لهفا" مفن حيفث هفي ممفا يفرح المرء‬
‫بكسفبه ويسفر بهفا‪ ،‬فتضاف إلى ملكفه وجاءت ففي السفيئات بفف "عليهفا" مفن حيفث هفي أثقال وأوزار‬
‫ومتحملت صعبة‪ ،‬وهذا كما تقول‪ :‬لي مال وعلى دين‪ .‬وكرر فعل الكسب فخالف بين التصريف‬
‫حسفنا لنمفط الكلم‪ ،‬كمفا قال‪" :‬فمهفل الكافريفن أمهلهفم رويدا" [الطارق‪ .]17 :‬قال ابفن عطيفة‪:‬‬
‫ويظهفر لي ففي هذا أن الحسفنات هفي ممفا تكتسفب دون تكلف‪ ،‬إذ كاسفبها على جادة أمفر ال تعالى‬
‫ورسم شرعه‪ ،‬والسيئات تكتسب ببناء المبالغة‪ ،‬إذ كاسبها يتكلف في أمرها خرق حجاب نهى ال‬
‫تعالى ويتخطاه إليها‪ ،‬فيحسن في الية مجيء التصريفين إحرازا‪ ،‬لهذا المعنى‪.‬‬
‫@في هذه الية دليل على صحة إطلق أئمتنا على أفعال العباد كسبا واكتسابا‪ ،‬ولذلك لم يطلقوا‬
‫على ذلك ل خلق ول خالق‪ ،‬خلفا لمن أطلق ذلك من مجترئة المبتدعة‪ .‬ومن أطلق من أئمتنا ذلك‬
‫على العبفد‪ ،‬وأنفه فاعفل فبالمجاز المحفض‪ .‬وقال المهدوي وغيره‪ :‬وقيفل معنفى اليفة ل يؤاخفذ أحفد‬
‫بذنب أحد‪ .‬قال ابن عطية‪ :‬وهذا صحيح في نفسه ولكن من غير هذه الية‪.‬‬
‫@قال الكيا الطبري‪ :‬قوله تعالى‪" :‬لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" يستدل به على أن من قتل‬
‫غيره بمثقل أو بخنق أو تغريق فعليه ضمانه قصاصا أو دية‪ ،‬فخلفا لمن جعل ديته على العاقلة‪،‬‬
‫وذلك يخالف الظاهفر‪ ،‬ويدل على أن سفقوط القصفاص عفن الب ل يقتضفي سفقوطه عفن شريكفه‪.‬‬
‫ويدل على وجوب الحففد على العاقلة إذا مكنففت مجنونففا مففن نفسففها‪ .‬وقال القاضففي أبففو بكففر بففن‬
‫العربفي‪" :‬ذكفر علماؤنفا هذه اليفة ففي أن القود واجفب على شريفك الب خلففا لبفي حنيففة‪ ،‬وعلى‬
‫شريفك الخاطفئ خلففا للشافعفي وأبفي حنيففة‪ ،‬لن كفل واحفد منهمفا قفد اكتسفب القتفل‪ .‬وقالوا‪ :‬إن‬
‫اشتراك مفن ل يجب عليه القصفاص مع من يجب عليه القصفاص ل يكون شبهة ففي درء ما يدرأ‬
‫بالشبهة"‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا" المعنى‪ :‬أعف عن إثم ما يقع منا على هذين‬
‫الوجهين أو أحدهما‪ ،‬كقوله عليه السلم‪( :‬رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) أي‬
‫إثفم ذلك‪ .‬وهذا لم يختلف فيفه أن الثفم مرفوع‪ ،‬وإنمفا اختلف فيمفا يتعلق على ذلك مفن الحكام‪ ،‬هفل‬
‫ذلك مرفوع ل يلزم منففه شيفففء أو يلزم أحكام ذلك كله ؟ اختلف فيففه‪ .‬والصفففحيح أن ذلك يختلف‬
‫بحسفب الوقائع‪ ،‬فقسفم ل يسفقط باتفاق كالغرامات والديات والصفلوات المفروضات‪ .‬وقسفم يسفقط‬
‫باتفاق كالقصفاص والنطفق بكلمفة الكففر‪ .‬وقسفم ثالث يختلف فيفه كمفن أكفل ناسفيا ففي رمضان أو‬
‫حنث ساهيا‪ ،‬وما كان مثله مما يقع خطأ ونسيانا‪ ،‬ويعرف ذلك في الفروع‪.‬‬
‫@قوله تعالى‪" :‬ربنفا ول تحمفل علينفا إصفرا" أي ثقل قال مالك والربيفع‪ :‬الصفر المفر الغليفظ‬
‫الصعب‪ .‬وقال سعيد بن جبير‪ :‬الصفر شدة العمل‪ .‬وما غلظ على بني إسرائيل من البول ونحوه‪،‬‬
‫قال الضحاك‪ :‬كانوا يحملون أمورا شدادا‪ ،‬وهذا نحو قول مالك والربيع‪ ،‬ومنه قول النابغة‪:‬‬
‫والحامل الصر عنهم بعدما عرفوا‬ ‫يا مانع الضيم أن يغشى سراتهم‬
‫عطاء‪ :‬الصفر المسفخ قردة وخنازيفر‪ ،‬وقاله ابفن زيفد أيضفا‪ .‬وعنفه أيضفا أنفه الذنفب الذي ليفس فيفه‬
‫توبفة ول كفارة‪ .‬والصفر ففي اللغفة العهفد‪ ،‬ومنفه قوله تعالى‪" :‬وأخذتفم على ذلكفم إصفري"‪[ .‬آل‬
‫عمران‪ ]81 :‬والصر‪ :‬الضيق والذنب والثقل‪ .‬والصار‪ :‬الحبل الذي تربط به الحمال ونحوها‪،‬‬
‫يقال‪ :‬أصفر يأصفر أصفرا حبسفه‪ .‬والصفر ‪ -‬بكسفر الهمزة ‪ -‬مفن ذلك قال الجوهري‪ :‬والموضفع‬
‫مأصفِر ومأصفَر والجمفع مآصفر‪ ،‬والعامفة تقول معاصفر‪ .‬قال ابفن خويفز منداد‪ :‬ويمكفن أن يسفتدل‬
‫بهذا الظاهر في كل عبادة ادعى الخصم تثقيلها‪ ،‬فهو نحو قوله تعالى‪" :‬وما جعل عليكم في الدين‬
‫مففن حرج" [المؤمنون‪ ]78 :‬وكقول النففبي صففلى ال عليففه وسففلم‪( :‬الديففن يسففر فيسففروا ول‬
‫تعسروا)‪ .‬اللهم شق على من شق على أمة محمد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ونحوه قال الكيفا الطفبري قال‪ :‬يحتفج بفه ففي نففي الحرج والضيفق المناففي ظاهره للحنيفيفة‬
‫السمحة‪ ،‬وهذا بين‪.‬‬

You might also like