You are on page 1of 220

‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.

com‬‬

‫تم تحميل هذا الكتاب‬


‫من مكتبة موقع‬
‫"بّلغوا عّني ولو آية"‬
‫رسالتنا‪ :‬يصل الكثير من الناس بعض الرسائل اللكترونية عن السلم ويقومون‬
‫صصنا هذه‬‫بحذفها أو تجاهلها بحجة أنها طويلة ويثقل عليهم قراءتها‪ .‬لذلك خ ّ‬
‫الصفحة للشتراك في عظة يومية قصيرة أو حديث شريف أو آية تصل إلى بريد‬
‫المشترك بحيث لن يصعب قرائتها والستفادة منها راجيا من المولى عز وجل‬
‫الجر والثواب‪ .‬مثال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪" :‬بلّـغوا عنّـي ولو‬
‫‪".‬آية‬

‫للشتراك في هذه الخدمة الرجاء زيارة موقعنا "بلّـغوا عنّـي ولو آية" في السفل‬
‫‪ :‬وتسجيل البريد اللكتروني‬
‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ :‬أو عن طريق إرسال رسالة ولو فارغة إلى‬


‫‪subscribe@balligho.com‬‬

‫‪.‬ويمكنكم أيضا أن تتصفحوا الرشيف بالحاديث المرسلة مسبقًا‬

‫ن في السلم سنة حسنة‪ ،‬فعمل بها‬ ‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‪" :‬من س ّ‬
‫بعده‪ ،‬كتب له مثل أجر من عمل بها‪ .‬ول ينقص من أجورهم شيء‪ ...‬الحديث‪.‬‬
‫فاحرصوا يرحمكم ال على نشرها فكل من يزور الموقع ويستفيد منه عن طريقك‬
‫تكسب من الجر الكثير وإن قام بدوره بالعمل بها ونشرها أيضا فكلنا نكسب أمثل‬
‫‪.‬أجورهم ول ينقص من الجر شيئا‬

‫والسّنة‬
‫ب َ‬
‫دة إلى الك َِتا ِ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬
‫منهاجنا‪َ :‬‬
‫مة‬ ‫ف ال ُ‬‫سل َ ِ‬ ‫بِ َ‬
‫ّ‬ ‫هم ِ َ‬‫ف ْ‬

‫‪1‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ةة ةةةةة ةةة ةةةةةة ةةةة ةةةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة‬


‫)ةةةة ةةة ةةةةةةةة ةةة ةةةة ةةةةةةة ةةةةةةة ةةة‬
‫ةةةةةةةة(‬

‫الكتاب ‪ :‬موسوعة البحوث والمقالت العلمية‬


‫جمع وإعداد الباحث في القرآن والسنة‬
‫حوالي خمسة آلف وتسعمائة مقال وبحث‬
‫علي بن نايف الشحود‬

‫لو زينت لمرء القيس انزوى خجل‬


‫ولو رآها لبيد الشعر لم يقم‬
‫ميمية لو فتي بوصير أبصرها‬
‫لعوذوه برب الحل والحرم‬
‫سل شعر شوقي أيروي مثل قافيتي‬
‫أو أحمد بن حسين في بني حكم‬
‫ما زار سوق عكاظ مثل طلعتها‬
‫هامت قلوب بها من روعة النغم‬
‫أثني علي منظ أتدري من أبجلة؟‬
‫أما علمت بمن أهديته كلمي‬
‫في أشجع الناس قلبا غير منتقم‬
‫واصدق الخلق طرا غير متهم‬
‫أبهى من البدر في ليل التمام وقل‬
‫أسخى من البحر بل أرسى من العلم‬
‫أصفى من الشمس في نطق وموعظة‬
‫أمضى من السيف في حكم وفي حكم‬
‫أغر تشرق من عينيه ملحمة‬
‫من الضياء لتجلو الظلم والظلم‬
‫في همة عصفت كالدهر واتقدت‬
‫كم مزقت من أبي جهل ومن صنم‬
‫أتي اليتيم أبو اليتام في قدر‬
‫أنهى لمته ما كان من يتم‬
‫محرر العقل باني المجد باعثنا‬
‫من رقدة في دثار الشرك واللمم‬
‫بنور هديك كحلنا محاجرنا‬
‫لما كتبنا حروفنا صغتها بدم‬
‫من نحن قلبك إل نقطة غرقت‬
‫في اليم بل دمعة خرساء في القدم‬
‫أكاد أقتلع الهات من حرقي‬
‫إذا ذكرتك أو أرتاع من ندمي‬
‫لما مدحتك خلت النجم يحملني‬

‫‪2‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وخاطري بالسنا كالجيش محتدم‬


‫شجعت قلبي أن يشدو بقافية‬
‫فيك القريض كوجه الصبح مبتسم‬
‫صه شكسبير من التهريج أسعدنا‬
‫عن كل إلياذة ما جاء في الحكم‬
‫الفرس والروم واليونان إن ذكروا‬
‫فعند ذكراه أسمال علي قزم‬
‫هم نمقوا لوحة للرق هائمة‬
‫وأنت لوحك محفوظ من التهم‬
‫أهديتنا منبر الدنيا وغار حرا‬
‫وليلة القدر والسراء للقمم‬
‫والحوض والكوثر الرقراق جئت به‬
‫أنت المزمل في ثوب الهدى فقم‬
‫الكون يسأل والفلك ذاهلة‬
‫والجن والنس بين اللء والنعم‬
‫والدهر محتلف والجو مبتهج‬
‫والبدر ينشق واليام في حلم‬
‫سرب الشياطين لما جئتنا احترقت‬
‫ونار فارس تخبو منك في ندم‬
‫وصفد الظلم والوثان قد سقطت‬
‫وماء ساوة لما جئت كالحمم‬
‫قحطان عدنان حازوا منك عزتهم‬
‫بك التشرف للتأريخ ل بهم‬
‫عقود نصرك في بدر وفي أحد‬
‫وعدل فيك ل في هيئة المم‬
‫شادوا بعلمك حمراء وقرطبة‬
‫لنهرك العذب هب الجيل وهو ظمي‬
‫ومن عمامتك البيضاء قد لبست‬
‫دمشق تاج سناها غير منثلم‬
‫رداء بغداد من برديك تنسجه‬
‫أيدي رشيد ومأمون ومعتصم‬
‫وسدرة المنتهى أولتك بهجتها‬
‫علي بساط من التبجيل محترم‬
‫دراست جبريل آيات الكتاب فلم‬
‫ينس المعلم أو يسهو ولم يهم‬
‫اقرأ ودفترك اليام خط به‬
‫وثيقة العهد يا من بر في القسم‬
‫قربت للعالم العلوي أنفسنا‬
‫مسكتنا متن حبل غير منصرم‬
‫نصرت بالرعب شهرا ً قبل موقعة‬
‫كأن خصمك قبل الحرب في صمم‬
‫إذا رأوا طفل في الجو أذهلهم‬
‫ظنوك بين بنود الجيش والحشم‬
‫بك استفقنا علي صبح يؤرقه‬

‫‪3‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بلل بالنغمة الحرا علي الطم‬


‫إن كان أحببت بعد الله مثلك في‬
‫بدو وحضر ومن عرب ومن عجم‬
‫فل اشتقي ناظري من منظر حسن‬
‫ول تفوه بالقول السديد فمي‬
‫محمد في فؤاد الغار‬
‫محمد في فؤاد الغر يرتجف‬
‫في كفه الدهر والتأريخ والصحف‬
‫مزمل في رداء الطهر قد صعدت‬
‫أنفاسه في ربوع الكون تأتلف‬
‫من الصفا من سماء البيت جلله‬
‫نور من الله ل صوف ول خصف‬
‫والكفر يا ويحه غضبان من أسف‬
‫لم يبقه الحقد في الدنيا ول السف‬
‫ول حمته سيوف كلها كذب‬
‫في صولة الحق واليمان تنقصف‬
‫أتي الرسول إلينا والربى جثث‬
‫مطورة وعليها يضحك القرف‬
‫والظالم المارد الجبار محترم‬
‫جماجم الجيل في أسيافه نطف‬
‫نجوع نأكل موتانا وسهرتنا‬
‫كأس الضياع وليل أحمر دنف‬
‫جباهنا قبلة تعنو إلي حجر‬
‫وحفنة من لفيف التمر نعتلف‬
‫أعراب ويحكم ماذا يقيمكموا‬
‫قومية ليس في آنافها النف‬
‫علي موائد كسرى كسرت وانقشعت‬
‫تيجان من قتلوا الحرار واعتسفوا‬
‫وحررت من بلل الحق مهجته‬
‫وظل ما نسج الباغون واقترفوا‬
‫وعاد أعظم قد لفت عمامته‬
‫علي الشريعة يحويها ويلتحف‬
‫أنا الجزيرة في عيني عباقرة‬
‫الفجر والفتح والرضوان والشرف‬
‫أنا الجزيرة في أعماقها رقدت‬
‫اشلء أحمد تحوي نورها الغرف‬
‫أنا الجزيرة بيت الله قبلتها‬
‫وفي حمى عرفات دهرنا يقف‬
‫جبريل يروي لنا اليات في حلل‬
‫من القداسات والملك قد دلفوا‬
‫من السموات تهمي كل غادية‬
‫علي ديار بنوها بالهدى شغفوا‬
‫شكان دار العل رواد كعبتها‬
‫حجاب وجه الحيا والحق قد عرفوا‬

‫‪4‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الحثالت طهرنا مرابعها‬


‫هزت مدافعنا الباغين فانصرفوا‬
‫وغسلت أدمع البرار تربتها‬
‫الدر يبقى ويفني الطين والخزف‬
‫الساكبون دماء الحق فما ظمئت‬
‫روح ومن دمنا الموار تغترف‬
‫والساجدون ونجم الليل يشهد ما‬
‫أضاعنا فيه من غنوا ومن عزفوا‬
‫وقاتلت معنا الملك في أحد‬
‫تحت العجاجة ما حادوا وما انكشفوا‬
‫سعد وسلمان والقعقاع قد عبروا‬
‫إياك نعبد من سلسالها رشفوا‬
‫أكفانهم بدماء البذل قد صبغت‬
‫الله أكبر كم في ساحاتها هتفوا‬
‫أملك ربي بماء المزن قد غسلوا‬
‫جثمان حنظلة والروح تختطف‬
‫وكلم الله من أوس شهيدهم‬
‫من غير ترجمة زيحت له السجف‬
‫العرش يهتز من هول ومن حزن‬
‫لسعد إذ سفراء الوحى قد وقفوا‬
‫وسدرة المنهي غريدة بسمت‬
‫لمة الضاد تهمي عندها التحف‬
‫ل اللوح ينسى ول التأريخ يغفل عن‬
‫مسيرة النور تروي مجدها الصفف‬
‫سل المجرة هل نامت علي حلم‬
‫أحلي لها يوم أعلي نجمها السلف‬
‫وسل سهيل مع الزهراء هل نظرت‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أبها من الثلة الخيار يوم صفوا‬


‫كل البرايا علي أصنامها عكفت‬
‫وقومنا عند بيت الله قد عكفوا‬
‫جبلة العدل نيطت في تمائمنا‬
‫إذا تظاهر دجال ومحترف‬
‫وهالة النور شعت بين أضلعنا‬
‫وغيرنا عن سناء النور قد ضعفوا‬
‫ثوب من الهدي والفاروق ينسجه‬
‫فيه صلح ومأمون ومنتصف‬
‫هل أذن الفجر إل في منائرنا‬
‫والشرق والغرب بالطغيان ملتحف‬
‫ذابت عيون وأسماع وأفئدة‬
‫حبا لمن نوره في الغار مكتنف‬
‫اقرأ فأنت أبو التعليم رائده‬

‫‪5‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من بحر علمك كل الجيل يغترف‬


‫أن لم تصغ منك أقلم معارفها‬
‫فالزور ديدنها والظلم والصلف‬
‫تأريخنا أنت أمهرناك أنفسنا‬
‫نمضي علي قبسات منك أو نقف‬
‫علي جماجمنا خص كل ملحمة‬
‫أغلى الرؤوس التي في الله تقتطف‬
‫في كفك الشهم من حبل الهدى طرف‬
‫علي الصراط وفي أرواحنا طرف‬
‫فكن شهيدا علي بيع النفوس فما‬
‫تحوي الضمائر منا فوق ما نصفوا‬
‫سل قلبي‬
‫سل قلبي بأحاديث السمر‬
‫وانثر الخبار في ضوء القمر‬
‫واترك الليل طويل بالمنى‬
‫إن ليل الصب مطموس البصر‬
‫فإذا أغرى بك النجم فقل‬
‫أيها النجم رويدا فاستتر‬
‫أسق بالذكر فؤادا طالما‬
‫فقدت أحشاؤه طعم المطر‬
‫رب سبحانك فارحم مبلسا‬
‫واجم الفكر معمى بالسهر‬
‫يتهادى بذنوب جمة‬
‫تحت بردية ولكن ما كفر‬
‫يستبيح العذر منهوش القوى‬
‫سار في الركب عليل فعثر‬
‫فأعد يا رب في أجفانه‬
‫دمعة الخشية أو نور الفكر‬
‫وارحم اللهم جسما ناحل‬
‫ذابل المهجة في السير فتر‬
‫شوقه يسري ولكن جسمه‬
‫في خيام الحي شلو ينتظر‬
‫من وحي الهجرة‬
‫عد بذكراك علي قلب كسير‬
‫راعه الحزن واضناه المسير‬
‫حزنا من أمة غارقة‬
‫في المالي وهي في أمر نكير‬
‫سامها العداء خسفا فجثت‬
‫تتحامى سطوة الباغي الحقير‬
‫خالفت نهج رسول الله بل‬
‫نسيت سيرته وهو البشير‬
‫في ضمير الكون سجلت الهدى‬
‫وسقيت القلب من وحي نمير‬
‫كلما أبصرك القلب هفا‬

‫‪6‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حولك البيد رغاء وزئير‬


‫قاطع الصحراء وثبا للعل‬
‫دونما أي جواد أو بعير‬
‫هل درت أم القرى ماذا جرى‬
‫لبست بعدك ثوبا من سعير‬
‫وبكي الغار علي فرقاك لو‬
‫اسعفته الرجل اضحي في مسير‬
‫والرمال العفر صارت حلل‬
‫تتلقاك بتصفيق مثير‬
‫والبشارات همت في يثرب‬
‫كهنيء الغيث في اليوم المطير‬
‫والمحبون قليل صبرهم‬
‫قبل لقياك أل اين البشير؟‬
‫فدموع الحب تروي قصصا‬
‫إنما الحب دموع وزفير‬
‫شخصت نحوك أبصار الورى‬
‫طلع البدر فذا الليل منير‬
‫اشرقي يا طيبة الخير علي‬
‫جبهة الدنيا وتيهي بالنذير‬
‫ثم مدي كفك القوي علي‬
‫هامة التأريخ فالله النصير‬
‫واسحقي كسرى ودكي قيصرا‬
‫واكتبي التوحيد في لوح الثير‬
‫مسلم يخاطب الكون‬
‫قف في الحياة ترى الجمال تبسما‬
‫والظل من ثغر الخمائل قد همى‬
‫وشدت مطوقة العروس ورجعت‬
‫وترعرع الفنن الجميل وقد نما‬
‫وسرى النسيم يهز عطف عبيره‬
‫والماء في عطف الجداول تمتما‬
‫وتفتح الزهار واعتنق الندى‬
‫هدر الغدير وكان قبل ملثما‬
‫والنبت قد شق الثرى فعيونه‬
‫فاقت إلي ضوء تألق في السما‬
‫والشمس أرسلت الشعة في الفضا‬
‫بددا وقبلت الجليد فهمهما‬
‫وسرت طيور القاع تنشد في الربا‬
‫بيت القصيد سعادة وترنما‬
‫والنحل قد ترك الخلية مولعا‬
‫برحيق زهر ظل يسكب في اللما‬
‫وفراشة البستان ألقت نفسها‬
‫في سندس فوق البطائح وسما‬
‫وبكى الغمام من الفراق مشامت‬
‫في الرض يضحك ترحة وتلوما‬

‫‪7‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتطاولت شم الجبال ونافرت‬


‫قمم التلل فلم تكن أبدا كما‬
‫والمؤمن اطلع الوجود مسلما‬
‫أهل بمن حاز الجمال مسلما‬
‫فجثت لطلعته الجبال وأذغنت‬
‫إذ كان منها في الحقيقة أعظما‬
‫وقد اشرأبت كل كائنة له‬
‫فكأنه ملك يسير معلما‬
‫ورأي الحياة بنظرة قدسية‬
‫وبها إلي عز المهيمن قد سما‬
‫كشف الحجاب عن الغيوب فأشرقت‬
‫سبل الهداية قبله فتقدما‬
‫عرف الحقيقة واستنار بنورها‬
‫فتراه في عمق التفكر ملهما‬
‫في كل ماثلة تمر بعينه‬
‫عبر تعرفه الله العظما‬
‫حبل الرجاء غدا به متمسكا‬
‫أنعم بحبل قط لن يتصرما‬
‫أتري الجمال بغير منظار التقي‬
‫حسنا ولو ملكت يداك النجما‬
‫أتظن أن النس يسكن برهة‬
‫قلبا ولم يك في الحقيقة مسلما‬
‫ل والذي جمع الخلئق في مني‬
‫وبدا فأعطى من أحل وأحرما‬
‫ما في ربوع الكون أجمل منظر‬
‫من مؤمن للسعد جد ويمما‬
‫إن مت يا جامي الحياة فإنما‬
‫هي نقلة تلقى حياة أوسما‬
‫في ظل رب كنت قد وحدته‬
‫تلقاه في الخرى أبر وأكرما‬
‫بل كيف ترحل والحياة تقودها‬
‫ما للعوالم حول قبرك جثما‬
‫فأسعد فقد ظفرت يداك بصفقة‬
‫واهنا فإنك بعد لن تتندما‬
‫إلي الرفيق العلى‬
‫طلبت الهجر من بعد الوصال‬
‫ومن مثلي بنار البعد صال‬
‫ولكني عن الدنيا عزوف‬
‫رمتني بالسهام وبالنصال‬
‫ومهما فاتني منها قليل‬
‫وعندي ما يوازن بالجبال‬
‫عقيدة شرعة ألقت عصاها‬
‫وحطت رحلها بعد ارتحال‬
‫بها أنسي وتسليني وجاهي‬

‫‪8‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سفينة رحلتي يوم انتقال‬


‫فقل للمؤمن احتقر العادي‬
‫نصرت أخا العقيدة بالجلل‬
‫حياتك من جمالك في جمال‬
‫وروحك رفرفت فوق المعالي‬
‫ضياؤك في الدجي إشراق بدر‬
‫أنار بوجهه سفح الرمال‬
‫ترنم للرحيل بكل لحن‬
‫أذان الفجر من فحوى بلل‬
‫وتحتقر الحطام فأنت أغنى‬
‫بما أحرزت من مال حلل‬
‫وتضحك للمصائب وهي تبكي‬
‫كفعل السيف يضحك في القتال‬
‫إلي الرحمن سافر بعد بعد‬
‫فذو الشوق المبرح ل يبالي‬
‫فكم لك من حبيب في جنان‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ستلقاه وتظفر بالمنال‬


‫فبع دنياك تظفر عن قريب‬
‫تبيعك بالفناء وبالزوال‬
‫تاريخنا أنت‬
‫من أجل عينيك يروى الشعر والزجل‬
‫ناديت فيك الرجال الصيد يا رجل‬
‫عساك ترضى وكل الناس قاطبة‬
‫فدتك هامات من شيكت لها الحلل‬
‫عيب لغيرك أبياتي أرصعها‬
‫وخيبة إن سرت في غيرك السبل‬
‫وبسمة منك تكفيني وواطربي‬
‫فما أبالي أجاد الناس أم بخلوا‬
‫نشيدة أنا في كف الهدى نسجت‬
‫من لحن داود في الحشاء تشتعل‬
‫دم ودمع وأحلم مسهدة‬
‫وأنهر من هيام في الهوى عسل‬
‫ذقت الصبابة في كأس الجوى أجل‬
‫للعاشقين فصاحت مقلتي أجل‬
‫طرحت في عتبات الغار ملحمتي‬
‫والغار يعرف من حلوه وارتحلوا‬
‫غار الهدى وعيون الدهر رانية‬
‫تغازل الفجر طاب الحب والغزل‬
‫غار وفي مقلتيه كل أمنية‬
‫أملودة تتهادى عنده المل‬
‫فالليل فجر وآيات الهدى حلل‬

‫‪9‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والمشرفية عند الغار ترتجل‬


‫واللوح يروي أحاديثنا مرتلة‬
‫والبيد يسجع في أسماعها الخجل‬
‫نعم أنا الغار في أرجائه ولدت‬
‫عقيدتي وشبابي فيه مكتمل‬
‫فيه اليتيم أبو اليتام مرتجف‬
‫والوحي يهتف والملك تبتهل‬
‫اقرأ ولو كنت أميا فمحبرة‬
‫في راحتك مداد النور ينهمل‬
‫اقرأ ودفترك الدنيا وما حملت‬
‫واكتب علي هامة الصحرا أنا المل‬
‫اقرأ وأصحابك للقلم خط بها‬
‫وثيقة النصر يروي متنها الزل‬
‫هجرت في الغار كأس النوم فاغتسلت‬
‫بك الدياجي وقام الليل يرتحل‬
‫وصنت صوت الهدى يسري فراعده‬
‫يزلزل البغي والصنام تقتتل‬
‫والمشرفيات في غار المنى صقلت‬
‫بكف خالد لم يفلل لها نفل‬
‫اسقيتها من سلف النور وانتصبت‬
‫باسم الهدى وعليها الموت منسدل‬
‫جددتها في هوى بدر يلعبها‬
‫عشاقها من كرام فيك قد قتلوا‬
‫تراقصت أنفس الكفار من جزع‬
‫يوم الكريهة والطغيان مبتذل‬
‫أعداؤك القدم شادوا الرض من ذهب‬
‫وفي صحاف من البريز قد أكلوا‬
‫ومت درعك مرهون علي شظف‬
‫من الشعير وأبقي رهنك الجل‬
‫لن فيك حديث اليتم أعذبه‬
‫حتى دعيت ابا اليتام يا بطل‬
‫تأريخنا أنت ل نرضى به بدل‬
‫لو أن تأريخ أمجاد الورى بدل‬
‫ومنك صحوتنا الكبرى متوجة‬
‫في نفحة من عليل المسك تحتفل‬
‫كأن زاكيها أنفاسك ائتلفت‬
‫فالطيب من طيبك المأهول يتصل‬
‫تغدو إلي طيبة المال سافرة‬
‫يغني عن الكحل في أجفانها الكحل‬
‫إلي رياضك قي قبر ثويت به‬
‫فيه الهداية والتاريخ والدول‬
‫الدفاتر المرهونة‬
‫ضاع المداد وملت الكتاب‬
‫وتهاوت الحراس والحجاب‬

‫‪10‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتنكست راياتنا وزحوفنا‬


‫فرت وفوق خصومنا أنصاب‬
‫نحن الشاوش في المجالس كلما‬
‫طرب الندامى هزنا إطراب‬
‫غفرانك اللهم من تقصيرنا‬
‫القول مين والوعود سراب‬
‫غفرانك اللهم صرنا ضحكة‬
‫في العالمين أولو المعالي غابوا‬
‫غفرانك اللهم إما كاتب‬
‫يشري الحروف وشاعر كذاب‬
‫أوتارنا مسلولة وسيوفنا‬
‫قد أغمدت ورماحنا أخشاب‬
‫وأذننا من غير سحر في الربى‬
‫آذاننا قد شاقها زرياب‬
‫ما عاد يبهجني الحديث ول اللمى‬
‫أبدا وصرت بمهجتي أرتاب‬
‫وأشك في الجدران وهي صديقة‬
‫فكأن حائطنا له أنياب‬
‫وصدفت عن نظم القريض معطرا‬
‫للمفلسين فكلهم نهاب‬
‫وحلفت يا جرح الباء لهجرن‬
‫تلك الديار فما لها أصحاب‬
‫ولعبرن بمهتجي متقدما‬
‫فالمجد نهب ما له حجاب‬
‫مجدي متابعتي الرسول وشاهدي‬
‫فيما ادعيت الدمع والهداب‬
‫ودمي تراقص في ملعب نهجه‬
‫فيضا وأجفاني له أحباب‬
‫وأعيش في زمن قديم كله‬
‫سعد وفوق جبينه خطاب‬
‫هي هجرة الرواح في دنيا الهدى‬
‫ما زارها وغد ول هياب‬
‫فاعرف علي بدر الخلود قصيدة‬
‫تسبي القلوب ولونها جذاب‬
‫النهج توحيد وظهر مطيتي‬
‫زهد وزادي سنة وكتاب‬
‫أبدا سماويا ويحدو ناقتي‬
‫صوت اليقين وخيمتي المحراب‬
‫ونشيدتي علوية قد صاغها‬
‫جبريل في جو العل جواب‬
‫بل عالمي مولدي في مكة‬
‫شرفات داري الغرب والبنجاب‬
‫لم يسب قلبي أغيد في طرفة‬
‫لغة الهوى وحديثه ينساب‬

‫‪11‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ونسيت كل مراتع ميادة‬


‫فيها سعاد وزينب ورباب‬
‫وأتيت للتأريخ أدعو طارقا‬
‫ل طارق يدعى ول بواب‬
‫أنا من أنا والناس حولي اصبحوا‬
‫مثل اليتامى ما لهم أثواب‬
‫أنا من أنا ودفاتري مرهونة‬
‫ويراع فكري ثائر مغتاب‬
‫أهوي برأسي وهو أشجع من يدي‬
‫وأحرك الشجان وهي يباب‬
‫ل من حزيران استفدت رجولتي‬
‫ورجال سينا في الملهي ذابوا‬
‫رشفوا بكأس الذل حتى اسكروا‬
‫وشعارهم يوم الوغى أحزاب‬
‫إن الذي قتل الحسين تعاقدوا‬
‫من شاركوا في قتله أو غابوا‬
‫للحاسدين علي المحاسد نعمة‬
‫تركوا جليبيبا ً له جلباب‬
‫السامري يظن موسي واهما‬
‫وهو الكليم وخصمه قصاب‬
‫فعلم تحرق أدمعا قد وضيت‬
‫وتظل تقلق ليلك العصاب‬
‫وكل بها ربا رحيما كلما‬
‫هجع الخلي تفتحت أبواب‬
‫فهناك فتح الله جل جلله‬
‫وهناك فوز العبد والطياب‬
‫وهناك كل رغيبة محبوبة‬
‫ما نالها المراء والحساب‬
‫الوحي مدرستي الكبرى‬
‫أنا الحجاز أنا نجد أنا يمن‬
‫أنا الجنوب بها دمعي وأشجاني‬
‫بالشام أهلي وبغداد الهوى وأنا‬
‫بالرقمتين وبالفسطاط جيراني‬
‫وفي ربى مكة التأريخ ملحمة‬
‫علي ثراها بنبينا العالم الفاني‬
‫دفنت في طيبة روحي ووالهفي‬
‫في روضة المصطفي عمري ورضواني‬
‫النيل مائي ومن عمان تذكرني‬
‫وفي الجزائر آمالي وتطواني‬
‫دمي تصيب في كابول منسكبا‬
‫ودمعتي سفحت في سفح لبنان‬
‫فاينما ذكر أسم الله في بلد‬
‫عددت ذاك الحمى من صلب أوطاني‬

‫‪12‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫والوحي مدرستي الكبرى وغار حرا‬


‫ميلد فجري وتوحيدي وإيماني‬
‫وثيقتي كتبت في اللوح وانهمرت‬
‫آياتها فاسألوا يا قوم قرآني‬
‫جبريل يغدو علي قومي بأجنحة‬
‫من دوحة الطهر في نجواه عرفاني‬
‫بدر أنا وسيوف الله راغفة‬
‫كم حطمت من عنيد مارد جاني‬
‫كتبت تاريخ أيامي مرتلة‬
‫في القادسية للتاريخ شرواني‬
‫وما استعرت تعاليما ملفقة‬
‫من صرح واشنطن أو رأس شيطان‬
‫وما سجدت لغير الله في دعة‬
‫وما دعوت مع معبودنا ثاني‬
‫وما مددت يدي إل لخالقها‬
‫وما نصبت لغير الحق ميزاني‬
‫فقبلت الكعبة الغراء تعشقها‬
‫روحي وأوارها في عمق أجفاني‬
‫وليس لي مطلب غير الذي سجدت‬
‫لوجهه كائنات النس والجان‬
‫ل أجمع المال مالي كل أمنية‬
‫طموحة تصطلي بركان وجداني‬
‫وكل فدم جبان ل يصاحبني‬
‫علي الشجاعة هذا الدين رباني‬
‫ليت المنايا تناجيني لخبرها‬
‫أن المنايا أنا ل لونها القاني‬
‫ليرم بي كل هول في مخالبه‬
‫ما ضرني وعيون الله ترعاني‬
‫ممزق الثوب كاسي العرض ملتهبا‬
‫أنعي المخاطر في الدنيا وتنعاني‬
‫مريض جسم صحيح الروح في خلدي‬
‫حب لحمد من نجواه عرفاني‬
‫بلل صوتي هتاف كله حسن‬
‫آذانه في المعالي نبع آذاني‬
‫وعزم عمار في دنيا فتوته‬
‫أسقي شبابي به من نهره الداني‬
‫عصا الكليم بكفي كي أهش بها‬
‫علي تلميذ فرعون وهامان‬
‫ونار نمرود أطفيها بغادية‬
‫من الخليل فل النيران تصلني‬
‫في حسن يوسف تاريخي وملحمتي‬
‫من صنع خالد ل من صنع ريحاني‬

‫‪13‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫داود ينسج درعي والوغي حمم‬


‫ل يحلع الدرع إل كف أكفاني‬
‫يا جيل يا كل شهم يا اخا ثقة‬
‫يا ابن العقيدة من سعد وسلمان‬
‫يا طارقا يا صلح الدين يا ابن جل‬
‫يا عين جالوت يا يرموك فرقاني‬
‫يا بائعي النفس الشماء في شهب‬
‫في شقحب النصر أو في أرض أفغاني‬
‫يا صوت عكرمة المبوح يقطعه‬
‫قصف العوالي من سمر ومران‬
‫هيا إلي الله بيعوا كل فانية‬
‫فصوت رضوان ناداكم وناداني‬
‫مع الركب إلي الله‬
‫طويل الشوق يبقي في أغتراب‬
‫فقير في الحياة من الصحاب‬
‫ومن يأمنك يا نيا الدواهي‬
‫تدوسين المصاحب في التراب‬
‫وأعجب من مريدك وهو يدري‬
‫بأنك في الورى أم العجاب‬
‫ولول أن لي معني جميل‬
‫لبغت المكث فيها بالذهاب‬
‫ولكني كشفت الحجب عني‬
‫فكان النور من بعد الحجاب‬
‫رأيت الله في ذا الكون ربا‬
‫جميع الكائنات له تحابي‬
‫شواهد أنه فرد جليل‬
‫علي رغم المجادل بالكذاب‬
‫تأمل قدرة الرحمن وأنظر‬
‫سيهديك التأمل للصواب‬
‫ومد الطرف فيشتي النواحي‬
‫سؤالك سوف يرجع بالجواب‬
‫سماء ل عماد لها وأرض‬
‫تسير وفوقها قمم الروابي‬
‫فضاء ل انتهاء له وشمس‬
‫تضيء بحسبه بين السحاب‬
‫وماء من صخور بات يسري‬
‫يتيم في السهول وفي الهضاب‬
‫فشد كيانك الدني برب‬
‫تنال بقربه شرف الجناب‬
‫أترضي أن تكون رهين طين‬
‫شبيها بالرانب والذئاب‬
‫وإل كيف يدعونا المنادي‬
‫هلموا إنه سوق المتاب‬
‫وكيف وحكمة الناموس تجري‬

‫‪14‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وتصدق بالنبوة والكتاب‬


‫ابعد الطور إثر الطور ننسي‬
‫ونترك ل نقابل بالحساب‬
‫فعد للعقل واسأله يقينا‬
‫وحاول عتبه بعد العتاب‬
‫تمر بك السنون وأنت باق‬
‫علي عهد الفتوة والشباب‬
‫وكيف وشمس عمرك في دنو‬
‫وقد مازحت شيبك بالخضاب‬
‫ايافل نجمك الوضاح غبنا‬
‫بليل في متاه العمر خابي‬
‫ويمحى كل كتبت بغير جهد‬
‫ويغمد سيف ذكرك في النصاب‬
‫فقدم ما ترجى النفع منه‬
‫تزود فالرحيل علي اقتراب‬
‫وودع هذه الدنيا زهيدا‬
‫فقد أدمتك من كأس العذاب‬
‫وكيف تقيل والحادي ينادي‬
‫إلي الخرى ورجلك في الركاب‬
‫تفيأ من ظلل الرض حينا‬
‫ول تغتر يوما بالسراب‬
‫وقف فوق القبور فرب ذكرى‬
‫ستحمدها وتؤي بالياب‬
‫وإن أدنت في شك ووهم‬
‫فأنت أقل من قدر الذباب‬
‫فباعد باليقين الشك حتى‬
‫بنسبته ستظفر بانتساب‬
‫ورتل نغمة القرآن تلقي‬
‫يباعدك الثواب عن العقاب‬
‫وتابع مرسل هاد حكيما‬
‫أشعة حكمة من كل باب‬
‫ملوك اليمان‬
‫يا إله الكون قد أسلمت لك‬
‫رب فاغفر زلتي ما أحكمك‬
‫أبتغيها مدحة طهرية‬
‫تبهر البدر بليل محتلك‬
‫راجيا منك إلهي رحمة‬
‫تغسل الذنب وقد أمسيت لك‬
‫ايها المؤمن يا سعد الوجود‬
‫أنت باليمان في الدنيا ملك‬
‫فاخلص النية لله الذي‬
‫من تراب الرض هذي صورك‬
‫وافتكر في الكون وأنظر وسعه‬
‫وتبصر يا أخي هذا الفلك‬

‫‪15‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سترى الدنيا فضاء هائل‬


‫منه آيات عجاب وحبك‬
‫وعمى قلبك ل طب له‬
‫وإذا دمت عليه قتلك‬
‫وعبيد الرض ل حول لهم‬
‫وزوال الملك عنهم في وشك‬
‫أيها المؤمن ل تحفل بمن‬
‫يرفع السوط ومن يلقي الشبك‬
‫فارفع الذل ول ترضى الخضوع‬
‫لرئيس مستبد أو ملك‬
‫أنت كالبركان ل يدري به‬
‫فإذا ثار تلظى واحترك‬
‫دمك الطهري ل تبخل به‬
‫وابذل النفس بساح المعترك‬
‫أو ما تدري بأخبار الشهيد‬
‫فاستمع مني فإني أخبرك‬
‫هو حي لم يمت في قبره‬
‫يا حبيب الله كم عز معك‬
‫فأنزل الجنة واقطف طلعها‬
‫واحتكم في ملكها ما أعجبك‬
‫وهنيئا ومريئا مفعما‬
‫بصفاء الحب قد أهديت لك‬
‫فاسأل التاريخ كم من بطل‬
‫اضرم السيف عليه وفتك‬
‫يا جميل الوجه ما غيره‬
‫فاشتك المولى عسى يقتص لك‬
‫الدمعة الخرساء‬
‫دنياك تزهو ول تدري بما فيها‬
‫إياك إياك ل تأمن عواديها‬
‫تحلو الحياة الجيال فتنعشهم‬
‫ويدرك الموت أجيال فيقنيها‬
‫عارية المال قد ردت لصاحبها‬
‫وأكنف البيت قد عادت لبانيها‬

‫)‪(5 /‬‬

‫والنيق العشر قد هضت أجنتها‬


‫وثلة الورق قد ضمت بواكيها‬
‫ل شيء يبهج عيني حين نظرتها‬
‫ول جميل لنفسي قط يشفيها‬
‫سيان عندي شدو الورق في طرب‬
‫أو الوقوف علي قصر لتبكيها‬
‫أيقنت أني غريب الدار مرتحل‬
‫أنا المسافر آلمي أقاسيها‬

‫‪16‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أعمي عن الحور قد غيبن في حلل‬


‫كأن بي رمدا في العين يؤذيها‬
‫كفى بديني عن الدناس موعظة‬
‫وحسب قلبي من السلم توجيها‬
‫الشيب في القلب إن حل الوقار به‬
‫شيب الفتى هو أن النفس يعصيها‬
‫أني تعاف الخنا صماء خلت بها‬
‫وقدا من الهدى ل زيغ يناجيها‬
‫فإن يخالف فعلي ما أعتقدت به‬
‫فالقلب أفعم للرحمن تأليها‬
‫يا رب نفس كبت مما ألم بها‬
‫فزكها يا كريم أنت هاديها‬
‫أحفاد معاذ ومصعب‬
‫إفرحي كليتي ثم اطربي‬
‫ثم جودي للعل واحتسبي‬
‫قلدي التأريخ عقدا زاهيا‬
‫وامنحي من نورك المرتقب‬
‫أخبري العلم عن أمجادنا‬
‫ببنيك الغر ل بالخطب‬
‫من بلدي يطلب العلم ول‬
‫يطلب العلم من الغرب الغبي‬
‫وبها مهبط وحي الله بل‬
‫أرسل الله بها خير نبي‬
‫قبلة العالم فيها لم تزل‬
‫من زمان ضارب في الحقب‬
‫اطرح باريس واهجر لندنا‬
‫أتريدون الهدى من مذنب‬
‫أتعب الظمآن حقا نفسه‬
‫كيف يرجو ربه من سبب‬
‫أيها الخريج يا رمز الوفا‬
‫يا شعاع المل المرتقب‬
‫سر إلي الله بقلب مفعم‬
‫بالهدى وانفض غبار العجب‬
‫قل هو الرحمن آمنا به‬
‫واتبعنا هاديا من يثرب‬
‫لك عندي صحبة باقية‬
‫ليس نسيان الوفى من أدبي‬
‫وهو بعض الحق إن قمت به‬
‫كلنا خدن الطريق المتعب‬
‫قلتها صادقة اثبتها‬
‫ما القوا في يا أخي تلعب بي‬
‫فاهجر الدنيا ول تحفل بها‬
‫لطوع أو شقي أو غبي‬
‫أنت أغني الناس بالعلم فل‬

‫‪17‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تشتغل عنه ببعض السبب‬


‫أخلص النية واصعد سلما‬
‫للمعالي خالصا للنجب‬
‫إن أردي الناس عندي جافيا‬
‫طلب العلم لجمع النشب‬
‫أنت من نسل معاذ فانتسب‬
‫وأعد شجوا لذكرى مصعب‬
‫وأعد لحن بلل في الورى‬
‫يتوالى عجبا من عجبي‬
‫مسهرا عينيك تمسي واجما‬
‫كم أطار النوم سامي المطلب‬
‫تارة بالوحي تتلو ضارعا‬
‫أو حديث المصطفي المطلب‬
‫وتراه والها بالفقه ل‬
‫يغتني من مطعم أو مشرب‬
‫واللى ناموا عن العليا بقوا‬
‫والمعالي ليس يؤتاها صبى‬
‫هكذا علمني ديني بأن‬
‫ل أري غير المعالي مشربي‬
‫خذ قصور الرض وأملك كنزها‬
‫فكنوزي كلها في الكتب‬
‫ورسول الله دوما قدوتي‬
‫ناصر الحق بأمي وأبي‬
‫سالفي البطال من شاد العل‬
‫في سماء المجد بين القضب‬
‫ل تحدثني عن الدنيا فكم‬
‫أقعدت من ماجد عن مطلب‬
‫خذ التقوى أخانا مركبا‬
‫إن تقوى الله خير المركب‬
‫والشهادات إذا لم تقترن‬
‫بالتقى صارت كخبث المكسب‬
‫فالساطين من الكفار قد‬
‫أقحم العلم بهم في العطب‬
‫ل تبع ذمتك العظمى ولو‬
‫ألبسوك بشتا ذهبي‬
‫واطرح كل غفول آثم‬
‫إن شر الداء داء الجرب‬
‫فيراع العلم في كفك ل‬
‫يعدلنه السيف في كف البي‬
‫حقق الله بكم آمالنا‬
‫يا نجوما سطعت في الحجب‬
‫وسلم الله أهديه لكم‬
‫لبني داري وللمغترب‬
‫البازية‬

‫‪18‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هذه القصيدة قيلت في سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله ورعاه‪.‬‬
‫عام ‪1406‬هـ‪.‬‬
‫قاسمتك الحب من ينبوعه الصافي‬
‫فقمت أنشد أشواقي وألطافي‬
‫ل أبتغي الجر إل من كريم عطا‬
‫فهو الغفور لزلتي وإسرافي‬
‫عفوا لك الله قد أحببت طلعتم‬
‫لنها ذكرتني سير أسلفي‬
‫والمدح يا والدي في غيركم كذب‬
‫لنكم لفؤادي بلسم شافي‬
‫يا دمع حسبك بخل ل تجود لمن‬
‫أجرى الدموع كمثل الوابل السافي‬
‫يا شيخ يكفيك أن الناس قد شغلوا‬
‫بالمغريات وأنت الثابت الوافي‬
‫أغراهم المال والدنيا تجاذبهم‬
‫ما بين منتعل منهم ومن حافي‬
‫مجالس اللغو ذكراهم وروضتهم‬
‫أكل اللحوم كأكل الغطف العافي‬
‫وأنت جالست أهل العلم فانتظمت‬
‫لك المعالي ولم تولع بإرجاف‬
‫بين الصحيحين تغدو في خمائلها‬
‫كما غدا الطل في إشراقه الصافي‬
‫تشفي بفتياك جهل مطبقا وترى‬
‫من دقة الفهم درا غير أصداف‬
‫تهوى الدليل فل رأي ول هذر‬
‫وما اعتمادك قول المذهب الطافي‬
‫فعلمك الوحي ل من علم حضرته‬
‫رأي الرجال ومن كاف وكشاف‬
‫أقبلت في ثوب زهد تاركا ً حلل‬
‫منسوجة لطفيلي وملحاف‬
‫تعيش عيشة أهل الزهد من سلف‬
‫ل ترتضي عيش أوغاد وأجلف‬
‫فأنت فينا غريب الدار مرتحل‬
‫من بعد ما جئت للدنيا بتطواف‬
‫سريا أبي واترك الدنيا لعاشقها‬
‫في ذمة الله فهو الحافظ الكافي‬
‫أراك كالضوء تجري في محاجرنا‬
‫فل تراك عيون الغلف الجافي‬
‫كالشدو تملك أشواقي وتأسرها‬
‫في نغمة الوحي من طه ومن قاف‬
‫ما أنصفتك القوافي وهي عاجزة‬
‫وعذرها انها في عصر إنصاف‬
‫يكفي محياك أن القلب يعمره‬
‫من حبكم والدي أضعاف أضعاف‬

‫‪19‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يفديك من جعل الدنيا رسالته‬


‫من كل أشكاله تفدى بآلف‬
‫تألق وإشراق‬
‫يا نفس هذا نداء الخير ناداك‬
‫فاستوقفيه إذا ما جاء يلقاك‬
‫ما أنت إل حياة في جوانحنا‬
‫ونفقد العيش طرا إن فقدناك‬
‫طيري إلي فنن العلياء والتمسي‬
‫جنات من أوجد الدنيا وسواك‬
‫فأنت إن لم تنالي ضوء طلعته‬
‫فل رأت قبسا في الكون عيناك‬
‫تألقي وألبسي ثوب اليقين فما‬
‫جدوى الحياة إذا فاتته يمناك‬
‫حومي علي دوحة اليمان ثم قفي‬
‫لقد ملكت العل منها فبشراك‬
‫الضيف المحبوب‬
‫مرحبا أهل وسهل بالصيام‬
‫يا حبينا زارنا في كل عام‬
‫قد لقيناك بحب مفعم‬
‫كل حب في سوى المولى حرام‬

‫)‪(6 /‬‬

‫فاقبل اللهم منا صومنا‬


‫ثم زدنا من عطاياك الجسام‬
‫ل تعاقبنا فقد عاقبنا‬
‫قلق أيقظنا جنح الظلم‬
‫تواضع وانكسار‬
‫أيها الصاعد فوق القمم‬
‫أيها التائه بين المم‬
‫قف قليل وتواضع للذي‬
‫أوجد النسان ذا من عدم‬
‫وتفكر أي اصل كنته‬
‫أي حي خارج من رحم‬
‫طاطىء الرأس وسر متئدا‬
‫واحذر الكبر؟ حليف النقم‬
‫رأيت أمريكا‬
‫رأيت أمريكا‪،‬رأيت أرضها وسماءها‪ ،‬وهواءها وماءها ‪ ،‬فإذا هي ليست كأرضنا‬
‫وسمائنا وهوائنا ومائنا‪ ،‬لن تلك ل تحمل اليمان والحب والطموح‪.‬‬
‫ورأيت أمريكا‪ :‬هدير مصانع‪ ،‬وضجة معامل‪ ،‬وحركة إنتاج‪ ،‬لكنه صخب بل‬
‫معنى‪ ،‬وأصوات بل حياة‪ ،‬ليس فيها إيمان وحب وطموح‪.‬‬
‫ورأيت أمريكا‪ :‬عيونا بل إيمان‪ ،‬وآذانا بل دعوة ‪ ،‬وقلوبا بل يقين ‪ ،‬وجثثا بل‬
‫رسالة‪ ،‬لنها لم تعرف اليمان والحب والطموح‪.‬‬
‫ورأيت أمريكا‪ :‬طائرة وسيارة وسخانة وبرادة وحديدا وآلت ‪ ،‬لكنها مسلوبة‬

‫‪20‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الطمأنينة والسكينة‪ ،‬لنها فقدت اليمان والحب والطموح‪.‬‬


‫ورأيت أمريكا ‪ ،‬فإذا الكلب مقدس‪ ،‬والقطة مبجلة‪ ،‬والخنزير محترم‪ ،‬أما‬
‫العالم فكادح لغير مصير‪ ،‬والمهندس ساع لغير هدف‪ ،‬والطبيب يعمل بل‬
‫احتساب وثواب‪ ،‬لنهم ضلوا عن اليمان والحب والطموح‪.‬‬
‫ورأيت أمريكا‪ :‬امرأة مسفوكة الكرامة‪ ،‬وبيتا مهدوم العفة‪ ،‬ومجتمعنا مهزوز‬
‫المبادئ ‪ ،‬لنها ما أجادت اليمان والحب والطموح‪.‬‬
‫ورأيت أمريكا ‪ :‬قطيعا بل راع‪ ،‬وركبا بل قائد‪ ،‬وسفينة بل ربان ‪ ،‬ظلمات‬
‫بعضها فوق بعض‪ ،‬لن أمريكا ما عاشت اليمان والحب والطموح‪.‬‬
‫ما رأيت أمريكا ‪ ،‬فإذا الذي أعجب الناس أغضبني‪ ،‬وإذا الذي أسرهم أحزنني‪،‬‬
‫وإذا الذي أفرحهم غمني‪ ،‬لني ما رأيت اليمان والحب والطموح‪.‬‬
‫ما رأيت اليمان بالله وبالسلم دينا وبمحمد صلي الله عليه وسلم رسول‪.‬‬
‫ما رأيت اليمان بالفضيلة والحسان والعدل والسلم‪.‬‬
‫وما رأيت الحب للهداف الجميلة‪ ،‬والمبادئ الصلية والخلق الجميلة‪.‬‬
‫وما رأيت الحب لمن يستحق الحب‪،‬للبارئ المصور‪ ،‬الخلق الرزاق‪ ،‬ذي القوة‬
‫المتين‪ ،‬وللمصطفي الهادي الرحمة للعالمين‪ ،‬السراج المنير‪ ،‬وللدين الخالد‪،‬‬
‫والرسالة العالمية‪ ،‬والمحجة البيضاء‪.‬‬
‫وما رأيت الطموح لتزكية النفس‪ ،‬وطهارة الباطن‪ ،‬وغسل الجوارح وإنقاذ‬
‫الناس‪.‬‬
‫أرجوزة أمريكا‬
‫يقول عائض هو القرني‬
‫أحمد ربي وهو لي ولي‬
‫مصليا علي رسول الله‬
‫مذكرا بالله كل لهي‬
‫قد جئت من أبها صباحا باكرا‬
‫مشاركا لحفلكم وشاكرا‬
‫وحملتنا في السما طيارة‬
‫تطفح تارة وتهوى تارة‬
‫قائدها أظنه أمريكي‬
‫تراه في هيئته كالديك‬
‫يا سائل الخبار هذه النشرة‬
‫أسمع رعاك الله من يفتيكا‬
‫وهذه أخبار هذي النشرة‬
‫مسافة السير ثلث عشرة‬
‫من الرياض عفشنا ربطنا‬
‫وفي نيويورك ضحي هبطنا‬
‫أنزلنا في سرعة وحطنا‬
‫ثم قصدنا بعدها واشنطنا‬
‫ثم ركبنا بعدها سيارة‬
‫مستقبلين جهة السفارة‬
‫منزلنا في القصر أعني ردسن‬
‫يا كم لقينا من قبيح وحسن‬
‫في بلد أفكاره منكوسه‬
‫تثقله بصائر مطموسه‬
‫يقدسون الكلب والخنزيرا‬

‫‪21‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويبصرون غيرهم حقيرا‬


‫ما عرفوا الله بطرف ساعه‬
‫وما أعدوا لقيام الساعة‬
‫فهم قطيع كشويهات الغنم‬
‫جد وهزل وضياع ونغم‬
‫منهم أخذنا العود والسيجارة‬
‫وما عرفنا نصنع السيارة‬
‫استيقظوا بالجد يوم نمنا‬
‫وبلغوا الفضاء يوم قمنا‬
‫وبعد ذا زرنا مباني الكنجرس‬
‫فلم نجد من أحد إل الحرس‬
‫فيها مليين حوت من الكتب‬
‫في كل فن إنه من العجب‬
‫ومعنا في صحبنا العجلن‬
‫أكرم به مع العل جذلن‬
‫وقد صبحت شيخنا السدحانا‬
‫قد صرت في صحبته فرحانا‬
‫وصالح المنصور من بريده‬
‫يشبه سعدا وأبا عبيده‬
‫وافقت فيهم فالح الصغيرا‬
‫آنسنا جدا وكان خيرا‬
‫ومعنا عبد العزيز الغامدي‬
‫ابن عزيز صاحب المحامد‬
‫والشهم عبد القادر بن طاش‬
‫ذو القلم السيال في انتعاش‬
‫فهو ابونا في مقام الترجمة‬
‫لننا صرنا صخورا معجمة‬
‫ثم هبطنا في مطار دنفرا‬
‫جلودنا في البرد صارت كالفرا‬
‫أيضا وزرنا أهل تكسس في دلس‬
‫عند شباب كالنجوم في الغلس‬
‫بالمنقتن أخت ثراهوت التي‬
‫كانها باقة زهر جنة‬
‫ول كم حفظناها بمعني ويلكم‬
‫بليز أي أبليس قد جاء لكم‬
‫والحمد لله علي السلمة‬
‫جمدا يوافي دائما إنعامه‬
‫ثم صلة الله ما هب الصبا‬
‫علي الرسول الهاشمي المجتبي‬
‫وبيته والل والصحابة‬
‫والعذر إن لم أحسن الصابة‬
‫نور من الغار‬
‫صوت من الغور أم نور من الغار‬
‫أم ومضة الفكر أم تاريخ أسرار‬

‫‪22‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يا عيد عمري ويا فجري ويا أملي‬


‫ويا محبة أعمار وأقطار‬
‫تطوي الدياجير قبل الصبح في ألق‬
‫تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري‬
‫الشمس والبدر في كفيك لو نزلت‬
‫ما أطفأت فيك ضوء النور والنار‬
‫أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة‬
‫يذوب في ساحها مليون جبار‬
‫شيدت فوق المعالي ألف مكرمة‬
‫تيجان مجد علي سعد وعمار‬
‫النصر يرنو في عينيه معجزة‬
‫وأنت ترنو له من بين أستار‬
‫فدولة الكفر حول الغار قد هزمت‬
‫بمعول الفتح ثان اثنين في الغار‬
‫وأم معبد في الصحراء ذاهلة‬
‫يروي الحليب لها ما أبدع الباري‬
‫فجملة منك تبني أمة عبثت‬
‫بها الليالي في عبس وذي قار‬
‫فما لقومي بل وعي قد انتكسوا‬
‫أصغوا لصيحات عربيد وخمار‬
‫شادوا الدنانير هالت مزخرفة‬
‫جماعات ل يساوي ربع دينار‬

‫)‪(7 /‬‬

‫يشيد مسكنه المزعوم من ذهب‬


‫والدين ينهار وفيه شفا هار‬
‫لو بيع في السوق ما حازوا له ثمنا‬
‫ولو روره لكان الغبن للشاري‬
‫أبو ذر في القرن الخامس عشر‬
‫دمعة الزهد فوق خذك خرسا‬
‫ووجيت الفؤاد يحدث جرسا‬
‫أنت من أنت يا محب وماذا‬
‫في حناياك هل تحملت مسا‬
‫ما لهذي الدموع مالك صب‬
‫حالكم مأتم وقد كان عرسا‬
‫شامة الزهد في محياك سارت‬
‫قصة تطمس الحكايات طمسا‬
‫قال‪ :‬أزمعت هجرة بيقينى‬
‫قد مللت المقام وازددت بؤسا‬
‫وأمة الصحراء تروي حديثا‬
‫يتوالى يفيض روحا وأنسا‬
‫تشتكي بعده وتهدي إليه‬
‫زفرات الحنين جنا وأنسا‬

‫‪23‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫هجرت نومها وأسهرها الحب‬


‫فيا جندب تري أين أمسي‬
‫جاءها يقطع الرمال وحيدا‬
‫يركب الليل يصحب الذئب خمسا‬
‫كلما حل قفرة سار منها‬
‫يتوارى يحبس ممشاه حسا‬
‫قال‪ :‬يا أرض يا رمال خذيني‬
‫كفينني إني عشقتك رمسا‬
‫دولتي جعبتي وكنزي يقيني‬
‫فإذا ما وصلت فالكل ينسى‬
‫طاردتني الدنيا فطرت برجلي‬
‫واتخذت البلد رحل وحلسا‬
‫عشت فردا والناس مليون حولي‬
‫وأراها الذئاب غلسا وطلسا‬
‫خولوني هددتهم هددوني‬
‫بالمنايا لطفت حتى أحسا‬
‫أركبوني نزلت أركب عزمي‬
‫أنزلوني ركبت في الحق نفسا‬
‫أطرد الموت مقدما فيولي‬
‫والمنايا اجتاحها وهي نعسا‬
‫قد بكت غربتي الرمال وقالت‪:‬‬
‫يا أبا ذر ل تخف وتأسا‬
‫قلت‪ :‬ل خوف لم أزل في شباب‬
‫من يقيني ما مت حتى أوسا‬
‫أنا عاهدت صاحبي وخليلي‬
‫وتلقنت من أماليه درسا‬
‫لوحوا بالكنوز راموا محال‬
‫وأروني تلك الدنانير ملسا‬
‫ل أريد المتاع قد صنت نفسي‬
‫فدعوا عرضكم فرأسي اقسي‬
‫كلها ل أريد فكوا عناني‬
‫أطلقوني أسير في الرض شمسا‬
‫واتركوني أذوب في كل قلب‬
‫أغرس الحب في حناياه غرسا‬
‫أجتلي كل روضة بدموعي‬
‫وأبث للزهار في الروض همسا‬
‫هذه خيمتي وهذا مكاني‬
‫ونشيدي الرياح لحنا وجرسا‬
‫خفت الصوت في التراب وماتت‬
‫عزمات كالفخر تنبس نبسا‬
‫واختفت سيرة طوتها الليالي‬
‫وتوارت ذؤابة الزهد حبسا‬
‫استرح يا فؤاد يا نفس قري‬
‫واكتبي قصتي بسبعين طرسا‬

‫‪24‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أين ميراثه لينعم فيه‬


‫عاشق المال أين مالك أرسا‬
‫بردة أبلت الليالي سداها‬
‫وتركت العصا وخلفت ترسا‬
‫لنا ألف شاهد‬
‫العيون المراض بعض العذاب‬
‫وسكار الهوى رحيق الرضاب‬
‫والمنايا بين الجفون جوار‬
‫وجفان من الهوى كالجواب‬
‫وقتيل الهوى شهيد الصبابات‬
‫غزير الدما قاني الثياب‬
‫مهج في الغرام تقتل عمدا‬
‫من لحاظ سهماها في صواب‬
‫وقلوب محمومة بسهاد‬
‫طارحت بثها نجوم الياب‬
‫قد رمتها تلك العيون فباتت‬
‫في حمى الخوف من سريع الحساب‬
‫سحب الحق تنطح المجد عزما‬
‫من يقين ل ناطحات السحاب‬
‫كلنا الحق نحن صغناه لحنا‬
‫خطب الفصل يوم فصل الخطاب‬
‫نحن من أوقف الزمان مليا‬
‫وجهه سافر بغير نقاب‬
‫ورهنا أقواسنا عند كسرى‬
‫ورمينا اليوان بالنشاب‬
‫وخصبنا جبينة يوم ذي‬
‫قار بقار فيا له من خضاب‬
‫وزعنا جماجما تتلظى‬
‫بالمنايا هاجت لقطع الرقاب‬
‫يوم بعنا رؤوسنا في حنين‬
‫واشترينا الرضوان في الحزاب‬
‫وأقمنا الصلة في نهر جيحون‬
‫سجودا كالطهر في البنجاب‬
‫عمريون إن حكمنا ذاويات‬
‫بيقين من درة الخطاب‬
‫نهزم الليل بالبكاء سجودا‬
‫ونشق الدجى بأم الكتاب‬
‫قد خرجنا للدهر شعتا وغبرا‬
‫كالقضاء المحتوم في الحقاب‬
‫ولنا ألف شاهد من معان‬
‫ساميات في دولة الصحاب‬
‫وحديث في الغار يسرى عميقا‬
‫كالربيع المياد فوق الهضاب‬
‫أبجديات ديننا يشهد الله‬

‫‪25‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫علو النسان بالداب‬


‫وصهيب تقاه ألبسه العز‬
‫وهانت نفوس ذي النساب‬
‫الجراحات ناطقات بآي‬
‫كدماء الفاروق في المحراب‬
‫أو كسعد في القادسية يملى‬
‫للمحبين ذكريات الشباب‬
‫من علي والزهد في كفه الغالي‬
‫كسيف القضاء في الجلباب‬
‫كالغدير الصافي نجم نمير‬
‫من كلم المعصوم عالي الجناب‬
‫هيه طوبى أبا تراب علوا‬
‫وأنوف تعيبكم في التراب‬
‫يا سميري والي كأس سروري‬
‫ونديماي سنتي وكتابي‬
‫فرسي همة كطارق هبت‬
‫في بحار الفتوح في الصلب‬
‫في القلوب الكبار في كل روض‬
‫ممرع النبت طيب النجاب‬
‫كالثرى كالسناء كالبسمة الحرا‬
‫كومض الصباح كالطياف‬
‫وسوانا على المعزف يلهو‬
‫تشتريه ربابة من رباب‬
‫كيس في الضياع في الخير نحس‬
‫سيفه في الخذلن كأس الشراب‬
‫هارف البهتان ما عاش يقفو‬
‫في المخازي مسيلم الكذاب‬
‫أدعياء الضلل سحار فرعون‬
‫وعندي العصا لحل الصعاب‬
‫بلسان كالعضب يفلق هاما‬
‫وبيان ملعلع كالشهاب‬

‫)‪(8 /‬‬

‫تاريخ الرتباط الغربي بالخليج العربي وأهدافه‬


‫ودور العلماء في مقاومته‬
‫المؤلف ‪ :‬حامد بن عبدالله العلي ‪... ...‬‬
‫‪...‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫تاريخ الرتباط الغربي بالخليج العربي وأهدافه ودور العلماء في مقاومته‬
‫بقلم ‪ :‬حامد بن عبد الله العلي‬
‫)ولتهنوا ول تحزنوا وأنتم العلون إن كنتم مؤمنين ‪ ،‬إن يمسسكم قرح فقد‬
‫مس القوم قرح مثله وتلك اليام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا‬
‫ويتخذ منكم شهداء والله ل يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق‬

‫‪26‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم‬
‫الصابرين ( آل عمران ‪139‬ــ ‪142‬‬
‫) يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ( النساء ‪72‬‬
‫الحمد لله أشهد أن ل إله إل هو وحده لشريك له ‪ ،‬واشهد أن محمدا عبده‬
‫ورسله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ‪ ،‬وبعد ‪:‬‬
‫فهذا مقال خاص لموقع ) السلم اليوم ( الذي يشرف عليه فضيلة الشيخ‬
‫العلمة سلمان بن فهد العودة وفقه الله وجميع الخوة القائمين على‬
‫الموقع ‪.‬‬
‫هدف المقال ‪ :‬إلقاء الضوء على تاريخ الرتباط الغربي بالخليج العربي‬
‫وأهدافه ‪ ،‬وطبيعة المشهد الراهن ‪ ،‬والدور المتوقع من العلماء والحركة‬
‫السلمية في ضوء ذلك كله ‪.‬‬
‫ولنبدأ بنبذة نستذكر فيها التاريخ ‪.‬‬
‫فجوة النسحاب البريطاني من الخليج‬
‫بقيت بريطانيا طيلة ‪ 150‬سنة متواصلة القوة السياسية والعسكرية الحاكمة‬
‫التي تسير شؤون إقليم الخليج ‪ ،‬حتى انسحبت من إقليم الخليج كله عام‬
‫‪1971‬م ‪ ،‬واقترن بذلك ميلد ثلث دول جديدة هي البحرين والمارات‬
‫وقطر ‪ ،‬وحصول عمان على الستقلل ‪ ،‬وهنا برز ما يسمى النظام القليمي‬
‫الخليجي ‪.‬‬
‫غير أن هذا النسحاب البريطاني أدى إلى اهتمام القوتين العظميين بملء‬
‫فراغ القوة الناتج عن الغياب البريطاني ‪ ،‬ولسيما في ظل وجود الثروة‬
‫النفطية التي جعلت النظام الخليجي عرضة للحتواء والختراق ‪ ،‬في وقت‬
‫كانت دوله ما زالت في طور بناء نفسها ‪ ،‬بل لعل بعضها لم يبدأ بعد في‬
‫تأسيس مؤسسات الدولة ‪.‬‬
‫وقد نتج عن ذلك وقوع النظام القليمي الخليجي بين تأثير السيطرة من‬
‫جانب القوى الدولية ‪ ،‬وانكفاء كل دولة على نفسها ساعية لتأسيس كياناتها‬
‫الصغيرة ‪ ،‬وبناء مؤسساتها ‪ ،‬وظهرت مشاكل الحدود والخلفات الداخلية ‪،‬‬
‫مما أضعف قدرتها على بناء أمنها الجماعي ذاتيا ‪ ،‬وأبقى هذا النظام القليمي‬
‫عرضة للتدخل ت الخارجية المستمرة ‪ ،‬إلى اليوم وفي المنظور القريب ‪.‬‬
‫الوليات المتحدة تمل الفراغ بمبدأ نيكسون ‪:‬‬
‫كانت الوليات المتحدة المريكية أول مرشح لمل ء الفراغ إثر النسحاب‬
‫البريطاني من الخليج ‪ ،‬لما بينها وبريطانيا من تحالف استراتيجي ‪ ،‬غير أن‬
‫الوليات المتحدة آثرت أول العمل بمبدأ نيكسون ‪ ،‬الذي أعلن في عام‬
‫‪1969‬م ‪ ،‬وقد أطلقه بعد أن عزمت بريطانيا على النسحاب من الخليج قبل‬
‫أن تنسحب فعليا ‪ ،‬وينطلق هذا المبدأ مما يسمى عملية ) الفتنمة ( أي‬
‫تمكين النظمة الصديقة لتحمل على عاتقها دورا رئيسا في قمع المتمردين ‪،‬‬
‫وتخفيف العبء على الوليات المتحدة المريكية ‪ ،‬كما انسحبت أمريكا من‬
‫الحرب الفيتنامية لتدعم الحلفاء في سايغون وجعل الحرب بين طرفيها‬
‫الفيتناميين في الشمال والجنوب دون تدخل عسكري أمريكي مباشر في‬
‫تلك الحرب ‪.‬‬
‫سياسة عدم التدخل المباشر ‪:‬‬
‫وهكذا استقر الرأي المريكي على عدم الحلول كبديل مباشر لبريطانيا ‪،‬‬
‫وارتكز هذا التوجه الجديد على مبدأ وضعه مساعد وزير الخارجية لشؤون‬
‫الشرق الوسط )جوزيف سيسكو( واستند ذلك الطار إلى بضعة مبادئ‬
‫رئيسية أهمها ‪:‬‬

‫‪27‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪1‬ـ المتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الخرى ‪ ،‬وذلك للتخفيف‬


‫من حساسية الرأي العام المريكي التي فجرتها الحرب الفيتنامية ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تقديم الدعم اللزم للدول الصديقة لتعزيز مجهوداتها في مجالت المن ‪.‬‬
‫أول مواجهة مع الغرب ‪:‬‬
‫غير أنه بعدما عايش هذا النظام الوليد ‪ ،‬أعني النظام القليمي للخليج ‪،‬‬
‫الرتفاع المثير لسعار النفط عام ‪1973‬م ‪ ،‬بعد أن اتخذت الدول العربية‬
‫المصدرة للنفط ‪ ،‬قرارا بحظر النفط عن الدول الغربية التي ساندت ووقفت‬
‫إلى جانب الكيان الصهيوني في حرب أكتوبر ‪73‬م ‪ ،‬ثم اتخذت قرارا آخر بأن‬
‫تخفض الدول العربية المصدرة للنفط إنتاجها بنسبة ‪ 5‬بالمائة شهريا لتضغط‬
‫أمريكا على الكيان الصهيوني ‪ ،‬لجباره على النسحاب من الراضي العربية‬
‫المحتلة ‪.‬‬
‫ثم لما حدثت بعد ذلك عدة قفزات في أسعار النفط ‪ ،‬وأصبحت منظمة‬
‫الدول الدول المصدرة للنفط أوبك هي الفاعل الرئيس في تسعير النفط ‪،‬‬
‫مما أدخلها في صراع مع الشركات النفطية الحتكارية الغربية ‪ ،‬ثم انتقل إلى‬
‫صراع بين الدول المنتجة للنفط والدول الرأسمالية الغربية وعلى رأسها‬
‫أمريكا ‪.‬‬
‫دفع ذلك كله أمريكا إلى النزعاج من هذه التطورات ‪ ،‬والنظر إلى الدول‬
‫النفطية الصديقة في الخليج على أنها من مصادر تهديد مصالحها الحيوية‬
‫النفطية ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تطورات عالمية تدفع اللة العسكرية المريكية إلى الخليج‬


‫ثم جاءت المرحلة التالية التي أعقبت قرارات الحظر النفطي ‪ ،‬وتمثلت في‬
‫التطورات التي أخذت تضغط على صانع القرار المريكي للتخلي ولو جزئيا‬
‫عن الحذر الكثر من اللزم ـ كما وصف ـ بخصوص عدم التورط العسكري‬
‫المريكي المباشر ‪ ،‬وضرورة التحرك لحماية المصالح المريكية النفطية التي‬
‫تواجه تهديدات خطيرة إقليمية ومن التحاد السوفيتي ‪.‬‬
‫فبعد سقوط نظام الشاه ‪ ،‬أصيبت أمريكا بخسائر جسيمة بفقدان نظام‬
‫حليف ‪ ،‬والظهور في صورة عدم القدرة على حماية حلفاءها ‪ ،‬وكان ذلك في‬
‫صالح التحاد السوفيتي الذي كان يأمل أن يؤدي سقوط نظام الشاه إلى‬
‫إصابة أمريكا في مقتل ‪ ،‬بعد ذلك جاء التدخل السوفيتي في أفغانستان ‪،‬‬
‫فضاعف من التخوف المريكي في الخليج ‪.‬‬
‫إضافة إلى توالي تغيرات دولية صبت في مصلحة التحاد السوفيتي من‬
‫باكستان إلى أثيوبيا ‪ ،‬حتى وصل المر إلى قيام نظام اليمن الجنوبي المؤيد‬
‫للتحاد السوفيتي ‪ ،‬وكذلك نظام منغستو هيل مريام في أثيوبيا ‪ ،‬وامتلك‬
‫العراق زمام المبادرة للقيادة العربية والضغط على دول الخليج ضد مصر‬
‫والسياسة المريكية عقب توقيع مصر اتفاقية مع الكيان الصهيوني ‪ ،‬وأيضا‬
‫شهدت العلقات العراقية السوفيتية تطورات إيجابية‪.‬‬
‫ولمواجهة هذه التطورات التي حدثت تباعا ‪ ،‬والتي تعدها الوليات المتحدة‬
‫المريكية أخطارا جسيمة تهدد مصالحها الستراتيجية بشكل مباشر ‪ ،‬بدأت‬
‫الوليات المتحدة المريكية تعدل من سياستها السابقة وأنماط علقاتها‬
‫القليمية وذلك بالعمل على جهتين ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬السعي لعادة امتلك السيطرة على القرار النفطي في السوق‬

‫‪28‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العالمية ‪ ،‬بل لقد تعاملت الوليات المتحدة المريكية مع النفط العربي‬


‫كملكية أمريكية مطلقة ‪ ،‬وقد عبر وليام سايمون وزير الخزانة المريكية‬
‫آنذاك عن ذلك بقوله‬
‫‪ ، Those people do not own oil thy only sit on it‬هؤلء الناس ل يملكون‬
‫النفط إنهم فقط يجلسون عليه ‪ ،‬كتاب )النفط والوحدة العربية ( عبدالفضيل‬
‫ص ‪188‬‬
‫الثانية ‪ :‬التلويح بالتدخل العسكري المباشر لحماية أمن النفط ‪ ،‬ووصل المر‬
‫إلى التهديد باحتلل آبار النفط العربية ‪ ،‬حتى قال الرئيس المريكي ) ليمكن‬
‫السماح لحد بإملء القرارات ‪ ،‬وتقرير مصائر الدول من خلل استخدام‬
‫النفط والتلعب بأسعاره ( كتاب الدور الستراتيجي لمريكا في منطقة‬
‫الخليج حتى منتصف الثمانينات ص ‪ 116‬أحمد عبد الرزاق شكاره‬
‫وقال جيمس شليزنغر وزير الدفاع آنذاك ) إن الدول العربية تواجه مخاطر‬
‫تنام في ضغوط الرأي العام المريكي باستخدام القوة ضدها إذا ما استمرت‬
‫في حظر النفط ( أمن الخليج وتحديات الصراع الدولي ص ‪41‬‬
‫مبدأ كارتر‬
‫وقد أدت هذه التطورات إلى بلورة ما يسمى بمبدأ كارتر الذي ينص على ‪:‬‬
‫) إن أية محاولة تقوم بها أية قوة خارجية للسيطرة على الخليج الفارسي‬
‫ستعتبر عدوانا على المصالح الحيوية للوليات المتحدة المريكية وسوف‬
‫تستخدم كل الوسائل الضرورية للرد عليها بما في ذلك القوة العسكرية (‬
‫قوة النتشار السريع والتدخل العسكري المريكي في الخليج جيفري ريكورد‬
‫ص ‪. 13‬‬
‫والمصالح الحيوية التي تدفع الوليات المتحدة المريكية للتدخل العسكري‬
‫لحمايتها من أي عدوان خارجي حددها وزير الدفاع المريكي هارولد براون‬
‫في خطاب له أمام مجلس العلقات الخارجية بتاريخ ‪6/3/1980‬م ‪ ،‬بأنها‬
‫تشمل ) تأمين الوصول إلى النفط ومقاومة التوسع السوفياتي ‪ ،‬وتدعيم‬
‫الستقرار في المنطقة ‪ ،‬ودفع عملية السلم في الشرق الوسط ‪ ،‬وضمان‬
‫أمل إسرائيل ( الصراع على الخليج العربي ‪ ،‬النعيمي ص ‪71‬‬
‫في عهد بوش ‪ ،‬اوسع انتشار عسكري أمريكي في الخليج ‪:‬‬
‫جاء بوش بعد انتهاء الحرب العراقية اليرانية وبروز العراق قوة إقليمية ذات‬
‫قدرات متطورة ‪ ،‬وتزامن مع انحسار الدور السوفيتي على مستوى دعم‬
‫حركات التحرر في المنطقة ‪ ،‬فوضعت استراتيجية جديدة تبرر التدخل في‬
‫الخليج تقوم على أمرين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ضمان إمدادات النفط ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬مواجهة ما وصف بأية تهديدات إقليمية في المنطقة ‪.‬‬
‫وأرسل بوش رسالة إلى مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في بغداد مايو‬
‫‪1990‬م ‪ ،‬وقد تضمنت تلك الرسالة المعالم التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن الوليات المتحدة المريكية لنزال ملتزمة بالمحافظة على حرية‬
‫الملحة في المياه الدولية بما في ذلك مياه الخليج‬
‫‪2‬ـ الوليات المتحدة تعمل أيضا على تأمين حرية تدفق النفط عبر مضيق‬
‫هرمز وكذلك تأمين استقرار وأمن الدول الصديقة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ إننا نوى الحتفاظ بوجودنا البحري في الخليج في المستقبل المنظور ‪،‬‬
‫وهذا الوجود يلقى المساندة من أصدقائنا في المنطقة‬
‫‪4‬ـ أن وجودنا في الخليج ل يشكل تهديدا لحد ويجب أن ليتنظر أي دولة من‬
‫دول الخليج إلى هذا الوجود على أنه مصدر تهديد وسنشعر بالقلق إذا ما أدى‬

‫‪29‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أي قرار من قرارات قمة بغداد إلى تقليص وجودنا في الخليج أو تقليص‬
‫المساندة التي نتلقاها لهذا الوجود جريدة القبس الكويتية ‪27/5/1990‬م‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وفي عهد بوش استخدمت أمريكا لول مرة القوة العسكرية ‪ ،‬ولكن تحت‬
‫غطاء المم المتحدة ‪ ،‬لحماية مصالحها الستراتيجية في الخليج ‪ ،‬وبذلك‬
‫عززت وجودها العسكري ‪ ،‬وارتبط بمعاهدات أمنية ‪ ،‬وتكثف وانتشر بصورة‬
‫كبيرة لم يسبق لها مثيل ‪ ،‬وقد كان ذلك فرصة تاريخية للوليات المتحدة‬
‫المريكية للتفرد المطلق بالهيمنة على منطقة الخليج والستفراد بها‬
‫واستبعاد القوى العالمية عن التأثير ‪ ،‬وقد كان هذا يشكل هدفا استراتيجيا‬
‫حيويا لسياسة الوليات المتحدة المريكية الخارجية ‪ ،‬ولم تزل تسعى لتحقيقه‬
‫‪ ،‬منذ انسحاب بريطانيا ‪ ،‬غير أنها لم تتوفر لها الفرصة المناسبة ‪ ،‬في ضوء‬
‫الحرب الباردة ‪ ،‬وحقبة الصراع مع التحاد السوفيتي ‪ ،‬كما توفرت دراماتيكيا‬
‫بعد انحسار قوة التحاد السوفيتي ‪ ،‬وقيام النظام العراقي بغزو الكويت‪.‬‬
‫عهد كلنتون والحتواء المزدوج ‪:‬‬
‫في عهد كلنتون ‪ ،‬وضعت إدارة الرئيس كلنتون مجموعة من السياسات‬
‫المتكاملة فيما بينها للحفاظ على مصالح أمريكا الستراتيجية في الخليج كما‬
‫ذكرناها سابقا ‪ ،‬على ضوء فهم حديث لمصادر التهديد الجديدة في الخليج‬
‫وتقوم على مبدأين ‪:‬‬
‫‪1‬ـ إعطاء الولوية لستخدام القوة العسكرية ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الحتواء المزدوج للعراق وإيران ‪.‬‬
‫والهدف المباشر لهذه السياسة كما يوضحه عدد من الستراتيجيين‬
‫المريكيين هو أن للوليات المتحدة مصلحة كبرى في منع ظهور أية قوة‬
‫تحمل نزعة سيطرة إقليمية في أي بقعة من العالم ‪ ،‬ولسيما إذا كانت قوة‬
‫قادرة على تهديد الستقرار العالمي ـ أي خضوعة لزعامة أمريكا ـ عبر‬
‫استخدام القوة ‪.‬‬
‫وكان أول من استخدم هذا المصطلح ) الحتواء المزدوج ( )مارتن إندك (‬
‫عندما كان يعمل مستشارا للمن القومي لشؤون الشرق الدنى في الولية‬
‫الولى للرئيس كلنتون بجانب أنطوني ليك ‪.‬‬
‫وقد اعتبر هذا المبدأ تغير حاسم عن سياسة توازن القوى التي سبق أن‬
‫اعتمدت عليها واشنطن في عقدي السبعينات والثمانينات للحفاظ على‬
‫المصالح المريكية ‪ ،‬وذلك بدعم الدولتين المتصارعتين تباعا ‪ ،‬أي دعم‬
‫أحدهما لموازنة الخرى مثل دعم إيران في عقد السبعينات ‪ ،‬ثم التحول إلى‬
‫دعم الخرى ضد الولى مثل دعم العراق في سنوات الحرب العراقية‬
‫اليرانية ضد إيران ‪.‬‬
‫عهد بوش البن ‪:‬‬
‫مما سبق يتبين أن الرتباط الغربي بالخليج مر بثلث مراحل رئيسة ‪:‬‬
‫المرحلة الولى ‪ :‬الحتلل البريطاني ‪.‬‬
‫المرحلة الثانية ‪ :‬النسحاب البريطاني ‪ ،‬واستبداله بالتدخل المريكي غير‬
‫المباشر‪ ،‬دون أن تحظى أمريكا بالتفرد المطلق بالتأثير على الخليج ‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة ‪ :‬التفرد المريكي وتكثيف وجوده العسكري في الخليج ‪.‬‬
‫وتبين أيضا أن اتجاه هذا الرتباط يتحول باضطراد إلى هيمنة شاملة ‪ ،‬وأن‬
‫أمريكا غير عازمة على النسحاب من المنطقة مطلقا ‪ ،‬بل إلى التطلع نحو‬

‫‪30‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تدخل أكثر في شؤون الخليج الداخلية ‪ ،‬ومما يعزز هذا الستنتاج أن في عهد‬
‫بوش البن ‪ ،‬تبنت الدارة المريكية لول مرة المطالبة بل الضغط لتغيير‬
‫المناهج التعليمية في الخليج ‪ ،‬والرقابة على أموال الجمعيات الخيرية ‪،‬‬
‫وتقوم الدارة المريكية بدور ثقافي مركز للتأثير على المجتمعات الخليجية ‪،‬‬
‫ومن المثلة على ذلك إثارة موضوع حقوق المرأة الخليجية وحقوق النسان ‪،‬‬
‫انطلقا من النظرة الغربية ‪ ،‬وتكرار التلويح بضرورة التغيير نحو الديمقراطية‬
‫الغربية في الخليج ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫وتدعم الوليات المتحدة النخب الخليجية المتحمسة للثقافة الغربية ‪ ،‬وتسعى‬
‫بوسائل متعددة للقيام بنفس الدور الثقافي الذي كانت بريطانيا تقوم به في‬
‫مصر إبان الحتلل البريطاني لمصر ‪.‬‬
‫وقد استغلت تهديد النظام العراقي لدول الخليج بعد حرب الخليج الثانية ‪،‬‬
‫كما تستغل الن ما تطلق عليه )الحرب على الرهاب الدولي ( بعد حوادث‬
‫التفجير في ‪11‬سبتمبر ‪ ،‬لزيادة الستلحاق السياسي بالغرب ‪ ،‬وذلك بهدف‬
‫تحقيق أهداف الوجود المريكي في منطقة الخليج ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ ضمان أمن الكيان الصهيوني ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ السيطرة على حقول البترول ومنع تحويله إلى سلح ضد الغرب ‪.‬‬
‫‪3‬ـ إحداث أكبر قدر من التغريب الثقافي في المجتمعات الخليجية ‪.‬‬
‫وتستعمل في سبيل تحقيق هذه الهداف وسائل متعددة أهمها ‪:‬‬
‫‪1‬ـ إبقاء النظام القليمي الخليجي في حاجة مستمرة إلى الحماية الغربية ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الحيلولة دون نجاح مشاريع الوحدة أو التقارب الخليجية ‪.‬‬
‫‪3‬ـ تكثيف دور المؤثرات العلمية الثقافية الغربية على المجتمعات الخليجية ‪.‬‬
‫‪4‬ـ تشجيع دور النخب الخليجية المتغربة للقيام بدور تحسين الهداف الغربية‬
‫و إلباسها لبوس المصالح المتبادلة ‪ ،‬والنفتاح الثقافي ‪ ،‬والتفاعل الحضاري ‪..‬‬
‫إلخ ‪.‬‬
‫دور العلماء و الحركة السلمية‬
‫وفي ظل هذه الحوال العصيبة التي تمر بها منطقة الخليج ‪ ،‬فالواجب على‬
‫العلماء والدعاة أن يرتبوا أولياتهم وفق المرحلة الراهنة بما يلي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ تشجيع عوامل التعاون بين مختلف فصائل الدعوة السلمية ورموزها‬
‫وتوجيهها نحو التنسيق المستمر ‪ ،‬و تهميش الخلفات الجانبية ‪ ،‬لمواجهة‬
‫الخطر المشترك ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪2‬ـ التركيز على مواجهة الهجمة العلمية الغربية بهجمة مضادة شاملة‬
‫تكشف عوارها وتلقي الضوء على مكامن الخطر فيها ‪.‬‬
‫‪3‬ـ إشاعة مفاهيم العتزاز بالنتماء السلمي ‪ ،‬والتميز الثقافي المتمثل في‬
‫تحكيم الشريعة السلمية في كل شؤون الحياة ‪ ،‬والدفاع عن مفاهيم الولء‬
‫والبراء والجهاد والوحدة السلمية ‪ ،‬ومحاربة المفاهيم الغربية المضادة ‪.‬‬
‫‪4‬ـ العمل على دفع مشاريع التقارب و الوحدة الخليجية باتجاه التنفيذ السريع‬
‫بهدف تحقيق الستقلل التام عن التبعية السياسية للجنبي ‪.‬‬
‫‪5‬ـ مد جسور التفاهم وبناء الثقة مع النظمة الحاكمة لمنع الصدام الداخلي‬
‫الذي من شأنه أن يخدم أهداف الحملة الغربية ‪ ،‬مع المطالبة بتولي النظمة‬
‫بالتعاون مع قيادات الحركة السلمية مسؤولية حماية الهوية والثقافة‬
‫السلمية من محاولت الستلب الحضارية ‪ ،‬وذلك بوضع خطط شاملة‬

‫‪31‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لحماية التعليم السلمي ‪ ،‬والثقافة السلمية من أي تدخل أجنبي ‪ ،‬وزيادة‬


‫مساحتها في المؤسسات الرسمية في دول الخليج ‪.‬‬
‫‪6‬ـ المطالبة برفع الحظر عن حرية الكلمة الناقدة المسؤولة بل وتشجيعها ‪،‬‬
‫وحماية الحقوق العامة ‪ ،‬ومنع الظلم والتعسف في استعمال السلطة‬
‫ولريب أن جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق العلماء وقادة الحركة‬
‫السلمية ورموزها ‪ ،‬تحتم عليهم التحرك السريع ‪ ،‬المنظم والمدروس‬
‫لمقاومة خطط الهيمنة الغربية على الخليج ‪ ،‬والحيلولة دون بلوغها أهدافها ‪.‬‬
‫قال الحق سبحانه ) وجاهدوا في الله حق جهاده ( وقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ) جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ( رواه أحمد‬
‫وأبوداود من حديث أنس رضي الله عنه ‪ ،‬والله أعلم وصلى الله على نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫تاريخ الرتباط الغربي بالخليج العربي وأهدافه ودور العلماء في مقاومته‬


‫بقلم ‪ :‬حامد بن عبد الله العلي‬
‫(ولتهنوا ول تحزنوا وأنتم العلون إن كنتم مؤمنين ‪ ،‬إن يمسسكم قرح فقد‬
‫مس القوم قرح مثله وتلك اليام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا‬
‫ويتخذ منكم شهداء والله ل يحب الظالمين وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق‬
‫الكافرين أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم‬
‫الصابرين ( آل عمران ‪139‬ــ ‪142‬‬
‫( يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعا ( النساء ‪72‬‬
‫الحمد لله أشهد أن ل إله إل هو وحده لشريك له ‪ ،‬واشهد أن محمدا عبده‬
‫ورسله اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين ‪ ،‬وبعد ‪:‬‬
‫فهذا مقال خاص لموقع ) السلم اليوم ( الذي يشرف عليه فضيلة الشيخ‬
‫العلمة سلمان بن فهد العودة وفقه الله وجميع الخوة القائمين على‬
‫الموقع ‪.‬‬
‫هدف المقال ‪ :‬إلقاء الضوء على تاريخ الرتباط الغربي بالخليج العربي‬
‫وأهدافه ‪ ،‬وطبيعة المشهد الراهن ‪ ،‬والدور المتوقع من العلماء والحركة‬
‫السلمية في ضوء ذلك كله ‪.‬‬
‫ولنبدأ بنبذة نستذكر فيها التاريخ ‪.‬‬
‫فجوة النسحاب البريطاني من الخليج‬
‫بقيت بريطانيا طيلة ‪ 150‬سنة متواصلة القوة السياسية والعسكرية الحاكمة‬
‫التي تسير شؤون إقليم الخليج ‪ ،‬حتى انسحبت من إقليم الخليج كله عام‬
‫‪1971‬م ‪ ،‬واقترن بذلك ميلد ثلث دول جديدة هي البحرين والمارات‬
‫وقطر ‪ ،‬وحصول عمان على الستقلل ‪ ،‬وهنا برز ما يسمى النظام القليمي‬
‫الخليجي ‪.‬‬
‫غير أن هذا النسحاب البريطاني أدى إلى اهتمام القوتين العظميين بملء‬
‫فراغ القوة الناتج عن الغياب البريطاني ‪ ،‬ولسيما في ظل وجود الثروة‬
‫النفطية التي جعلت النظام الخليجي عرضة للحتواء والختراق ‪ ،‬في وقت‬
‫كانت دوله ما زالت في طور بناء نفسها ‪ ،‬بل لعل بعضها لم يبدأ بعد في‬
‫تأسيس مؤسسات الدولة ‪.‬‬
‫وقد نتج عن ذلك وقوع النظام القليمي الخليجي بين تأثير السيطرة من‬
‫جانب القوى الدولية ‪ ،‬وانكفاء كل دولة على نفسها ساعية لتأسيس كياناتها‬

‫‪32‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصغيرة ‪ ،‬وبناء مؤسساتها ‪ ،‬وظهرت مشاكل الحدود والخلفات الداخلية ‪،‬‬


‫مما أضعف قدرتها على بناء أمنها الجماعي ذاتيا ‪ ،‬وأبقى هذا النظام القليمي‬
‫عرضة للتدخل ت الخارجية المستمرة ‪ ،‬إلى اليوم وفي المنظور القريب ‪.‬‬
‫الوليات المتحدة تمل الفراغ بمبدأ نيكسون ‪:‬‬
‫كانت الوليات المتحدة المريكية أول مرشح لمل ء الفراغ إثر النسحاب‬
‫البريطاني من الخليج ‪ ،‬لما بينها وبريطانيا من تحالف استراتيجي ‪ ،‬غير أن‬
‫الوليات المتحدة آثرت أول العمل بمبدأ نيكسون ‪ ،‬الذي أعلن في عام‬
‫‪1969‬م ‪ ،‬وقد أطلقه بعد أن عزمت بريطانيا على النسحاب من الخليج قبل‬
‫أن تنسحب فعليا ‪ ،‬وينطلق هذا المبدأ مما يسمى عملية ) الفتنمة ( أي‬
‫تمكين النظمة الصديقة لتحمل على عاتقها دورا رئيسا في قمع المتمردين ‪،‬‬
‫وتخفيف العبء على الوليات المتحدة المريكية ‪ ،‬كما انسحبت أمريكا من‬
‫الحرب الفيتنامية لتدعم الحلفاء في سايغون وجعل الحرب بين طرفيها‬
‫الفيتناميين في الشمال والجنوب دون تدخل عسكري أمريكي مباشر في‬
‫تلك الحرب ‪.‬‬
‫سياسة عدم التدخل المباشر ‪:‬‬
‫وهكذا استقر الرأي المريكي على عدم الحلول كبديل مباشر لبريطانيا ‪،‬‬
‫وارتكز هذا التوجه الجديد على مبدأ وضعه مساعد وزير الخارجية لشؤون‬
‫الشرق الوسط )جوزيف سيسكو( واستند ذلك الطار إلى بضعة مبادئ‬
‫رئيسية أهمها ‪:‬‬
‫‪1‬ـ المتناع عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول الخرى ‪ ،‬وذلك للتخفيف‬
‫من حساسية الرأي العام المريكي التي فجرتها الحرب الفيتنامية ‪.‬‬
‫‪2‬ـ تقديم الدعم اللزم للدول الصديقة لتعزيز مجهوداتها في مجالت المن ‪.‬‬
‫أول مواجهة مع الغرب ‪:‬‬
‫غير أنه بعدما عايش هذا النظام الوليد ‪ ،‬أعني النظام القليمي للخليج ‪،‬‬
‫الرتفاع المثير لسعار النفط عام ‪1973‬م ‪ ،‬بعد أن اتخذت الدول العربية‬
‫المصدرة للنفط ‪ ،‬قرارا بحظر النفط عن الدول الغربية التي ساندت ووقفت‬
‫إلى جانب الكيان الصهيوني في حرب أكتوبر ‪73‬م ‪ ،‬ثم اتخذت قرارا آخر بأن‬
‫تخفض الدول العربية المصدرة للنفط إنتاجها بنسبة ‪ 5‬بالمائة شهريا لتضغط‬
‫أمريكا على الكيان الصهيوني ‪ ،‬لجباره على النسحاب من الراضي العربية‬
‫المحتلة ‪.‬‬
‫ثم لما حدثت بعد ذلك عدة قفزات في أسعار النفط ‪ ،‬وأصبحت منظمة‬
‫الدول الدول المصدرة للنفط أوبك هي الفاعل الرئيس في تسعير النفط ‪،‬‬
‫مما أدخلها في صراع مع الشركات النفطية الحتكارية الغربية ‪ ،‬ثم انتقل إلى‬
‫صراع بين الدول المنتجة للنفط والدول الرأسمالية الغربية وعلى رأسها‬
‫أمريكا ‪.‬‬
‫دفع ذلك كله أمريكا إلى النزعاج من هذه التطورات ‪ ،‬والنظر إلى الدول‬
‫النفطية الصديقة في الخليج على أنها من مصادر تهديد مصالحها الحيوية‬
‫النفطية ‪.‬‬
‫تطورات عالمية تدفع اللة العسكرية المريكية إلى الخليج‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثم جاءت المرحلة التالية التي أعقبت قرارات الحظر النفطي ‪ ،‬وتمثلت في‬
‫التطورات التي أخذت تضغط على صانع القرار المريكي للتخلي ولو جزئيا‬

‫‪33‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن الحذر الكثر من اللزم ـ كما وصف ـ بخصوص عدم التورط العسكري‬
‫المريكي المباشر ‪ ،‬وضرورة التحرك لحماية المصالح المريكية النفطية التي‬
‫تواجه تهديدات خطيرة إقليمية ومن التحاد السوفيتي ‪.‬‬
‫فبعد سقوط نظام الشاه ‪ ،‬أصيبت أمريكا بخسائر جسيمة بفقدان نظام‬
‫حليف ‪ ،‬والظهور في صورة عدم القدرة على حماية حلفاءها ‪ ،‬وكان ذلك في‬
‫صالح التحاد السوفيتي الذي كان يأمل أن يؤدي سقوط نظام الشاه إلى‬
‫إصابة أمريكا في مقتل ‪ ،‬بعد ذلك جاء التدخل السوفيتي في أفغانستان ‪،‬‬
‫فضاعف من التخوف المريكي في الخليج ‪.‬‬
‫إضافة إلى توالي تغيرات دولية صبت في مصلحة التحاد السوفيتي من‬
‫باكستان إلى أثيوبيا ‪ ،‬حتى وصل المر إلى قيام نظام اليمن الجنوبي المؤيد‬
‫للتحاد السوفيتي ‪ ،‬وكذلك نظام منغستو هيل مريام في أثيوبيا ‪ ،‬وامتلك‬
‫العراق زمام المبادرة للقيادة العربية والضغط على دول الخليج ضد مصر‬
‫والسياسة المريكية عقب توقيع مصر اتفاقية مع الكيان الصهيوني ‪ ،‬وأيضا‬
‫شهدت العلقات العراقية السوفيتية تطورات إيجابية‪.‬‬
‫ولمواجهة هذه التطورات التي حدثت تباعا ‪ ،‬والتي تعدها الوليات المتحدة‬
‫المريكية أخطارا جسيمة تهدد مصالحها الستراتيجية بشكل مباشر ‪ ،‬بدأت‬
‫الوليات المتحدة المريكية تعدل من سياستها السابقة وأنماط علقاتها‬
‫القليمية وذلك بالعمل على جهتين ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬السعي لعادة امتلك السيطرة على القرار النفطي في السوق‬
‫العالمية ‪ ،‬بل لقد تعاملت الوليات المتحدة المريكية مع النفط العربي‬
‫كملكية أمريكية مطلقة ‪ ،‬وقد عبر وليام سايمون وزير الخزانة المريكية‬
‫آنذاك عن ذلك بقوله‬
‫‪ ، Those people do not own oil thy only sit on it‬هؤلء الناس ل يملكون‬
‫النفط إنهم فقط يجلسون عليه ‪ ،‬كتاب )النفط والوحدة العربية ( عبدالفضيل‬
‫ص ‪188‬‬
‫الثانية ‪ :‬التلويح بالتدخل العسكري المباشر لحماية أمن النفط ‪ ،‬ووصل المر‬
‫إلى التهديد باحتلل آبار النفط العربية ‪ ،‬حتى قال الرئيس المريكي ) ليمكن‬
‫السماح لحد بإملء القرارات ‪ ،‬وتقرير مصائر الدول من خلل استخدام‬
‫النفط والتلعب بأسعاره ( كتاب الدور الستراتيجي لمريكا في منطقة‬
‫الخليج حتى منتصف الثمانينات ص ‪ 116‬أحمد عبد الرزاق شكاره‬
‫وقال جيمس شليزنغر وزير الدفاع آنذاك ) إن الدول العربية تواجه مخاطر‬
‫تنام في ضغوط الرأي العام المريكي باستخدام القوة ضدها إذا ما استمرت‬
‫في حظر النفط ( أمن الخليج وتحديات الصراع الدولي ص ‪41‬‬
‫مبدأ كارتر‬
‫وقد أدت هذه التطورات إلى بلورة ما يسمى بمبدأ كارتر الذي ينص على ‪:‬‬
‫) إن أية محاولة تقوم بها أية قوة خارجية للسيطرة على الخليج الفارسي‬
‫ستعتبر عدوانا على المصالح الحيوية للوليات المتحدة المريكية وسوف‬
‫تستخدم كل الوسائل الضرورية للرد عليها بما في ذلك القوة العسكرية (‬
‫قوة النتشار السريع والتدخل العسكري المريكي في الخليج جيفري ريكورد‬
‫ص ‪. 13‬‬
‫والمصالح الحيوية التي تدفع الوليات المتحدة المريكية للتدخل العسكري‬
‫لحمايتها من أي عدوان خارجي حددها وزير الدفاع المريكي هارولد براون‬
‫في خطاب له أمام مجلس العلقات الخارجية بتاريخ ‪6/3/1980‬م ‪ ،‬بأنها‬
‫تشمل ) تأمين الوصول إلى النفط ومقاومة التوسع السوفياتي ‪ ،‬وتدعيم‬

‫‪34‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الستقرار في المنطقة ‪ ،‬ودفع عملية السلم في الشرق الوسط ‪ ،‬وضمان‬


‫أمل إسرائيل ( الصراع على الخليج العربي ‪ ،‬النعيمي ص ‪71‬‬
‫في عهد بوش ‪ ،‬اوسع انتشار عسكري أمريكي في الخليج ‪:‬‬
‫جاء بوش بعد انتهاء الحرب العراقية اليرانية وبروز العراق قوة إقليمية ذات‬
‫قدرات متطورة ‪ ،‬وتزامن مع انحسار الدور السوفيتي على مستوى دعم‬
‫حركات التحرر في المنطقة ‪ ،‬فوضعت استراتيجية جديدة تبرر التدخل في‬
‫الخليج تقوم على أمرين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ضمان إمدادات النفط ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬مواجهة ما وصف بأية تهديدات إقليمية في المنطقة ‪.‬‬
‫وأرسل بوش رسالة إلى مؤتمر القمة العربي الذي انعقد في بغداد مايو‬
‫‪1990‬م ‪ ،‬وقد تضمنت تلك الرسالة المعالم التالية ‪:‬‬
‫‪1‬ـ أن الوليات المتحدة المريكية لنزال ملتزمة بالمحافظة على حرية‬
‫الملحة في المياه الدولية بما في ذلك مياه الخليج‬
‫‪2‬ـ الوليات المتحدة تعمل أيضا على تأمين حرية تدفق النفط عبر مضيق‬
‫هرمز وكذلك تأمين استقرار وأمن الدول الصديقة ‪.‬‬
‫‪3‬ـ إننا نوى الحتفاظ بوجودنا البحري في الخليج في المستقبل المنظور ‪،‬‬
‫وهذا الوجود يلقى المساندة من أصدقائنا في المنطقة‬
‫‪4‬ـ أن وجودنا في الخليج ل يشكل تهديدا لحد ويجب أن ليتنظر أي دولة من‬
‫دول الخليج إلى هذا الوجود على أنه مصدر تهديد وسنشعر بالقلق إذا ما أدى‬
‫أي قرار من قرارات قمة بغداد إلى تقليص وجودنا في الخليج أو تقليص‬
‫المساندة التي نتلقاها لهذا الوجود جريدة القبس الكويتية ‪27/5/1990‬م‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وفي عهد بوش استخدمت أمريكا لول مرة القوة العسكرية ‪ ،‬ولكن تحت‬
‫غطاء المم المتحدة ‪ ،‬لحماية مصالحها الستراتيجية في الخليج ‪ ،‬وبذلك‬
‫عززت وجودها العسكري ‪ ،‬وارتبط بمعاهدات أمنية ‪ ،‬وتكثف وانتشر بصورة‬
‫كبيرة لم يسبق لها مثيل ‪ ،‬وقد كان ذلك فرصة تاريخية للوليات المتحدة‬
‫المريكية للتفرد المطلق بالهيمنة على منطقة الخليج والستفراد بها‬
‫واستبعاد القوى العالمية عن التأثير ‪ ،‬وقد كان هذا يشكل هدفا استراتيجيا‬
‫حيويا لسياسة الوليات المتحدة المريكية الخارجية ‪ ،‬ولم تزل تسعى لتحقيقه‬
‫‪ ،‬منذ انسحاب بريطانيا ‪ ،‬غير أنها لم تتوفر لها الفرصة المناسبة ‪ ،‬في ضوء‬
‫الحرب الباردة ‪ ،‬وحقبة الصراع مع التحاد السوفيتي ‪ ،‬كما توفرت دراماتيكيا‬
‫بعد انحسار قوة التحاد السوفيتي ‪ ،‬وقيام النظام العراقي بغزو الكويت‪.‬‬
‫عهد كلنتون والحتواء المزدوج ‪:‬‬
‫في عهد كلنتون ‪ ،‬وضعت إدارة الرئيس كلنتون مجموعة من السياسات‬
‫المتكاملة فيما بينها للحفاظ على مصالح أمريكا الستراتيجية في الخليج كما‬
‫ذكرناها سابقا ‪ ،‬على ضوء فهم حديث لمصادر التهديد الجديدة في الخليج‬
‫وتقوم على مبدأين ‪:‬‬
‫‪1‬ـ إعطاء الولوية لستخدام القوة العسكرية ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الحتواء المزدوج للعراق وإيران ‪.‬‬
‫والهدف المباشر لهذه السياسة كما يوضحه عدد من الستراتيجيين‬
‫المريكيين هو أن للوليات المتحدة مصلحة كبرى في منع ظهور أية قوة‬
‫تحمل نزعة سيطرة إقليمية في أي بقعة من العالم ‪ ،‬ولسيما إذا كانت قوة‬

‫‪35‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قادرة على تهديد الستقرار العالمي ـ أي خضوعة لزعامة أمريكا ـ عبر‬


‫استخدام القوة ‪.‬‬
‫وكان أول من استخدم هذا المصطلح ) الحتواء المزدوج ( )مارتن إندك (‬
‫عندما كان يعمل مستشارا للمن القومي لشؤون الشرق الدنى في الولية‬
‫الولى للرئيس كلنتون بجانب أنطوني ليك ‪.‬‬
‫وقد اعتبر هذا المبدأ تغير حاسم عن سياسة توازن القوى التي سبق أن‬
‫اعتمدت عليها واشنطن في عقدي السبعينات والثمانينات للحفاظ على‬
‫المصالح المريكية ‪ ،‬وذلك بدعم الدولتين المتصارعتين تباعا ‪ ،‬أي دعم‬
‫أحدهما لموازنة الخرى مثل دعم إيران في عقد السبعينات ‪ ،‬ثم التحول إلى‬
‫دعم الخرى ضد الولى مثل دعم العراق في سنوات الحرب العراقية‬
‫اليرانية ضد إيران ‪.‬‬
‫عهد بوش البن ‪:‬‬
‫مما سبق يتبين أن الرتباط الغربي بالخليج مر بثلث مراحل رئيسة ‪:‬‬
‫المرحلة الولى ‪ :‬الحتلل البريطاني ‪.‬‬
‫المرحلة الثانية ‪ :‬النسحاب البريطاني ‪ ،‬واستبداله بالتدخل المريكي غير‬
‫المباشر‪ ،‬دون أن تحظى أمريكا بالتفرد المطلق بالتأثير على الخليج ‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة ‪ :‬التفرد المريكي وتكثيف وجوده العسكري في الخليج ‪.‬‬
‫وتبين أيضا أن اتجاه هذا الرتباط يتحول باضطراد إلى هيمنة شاملة ‪ ،‬وأن‬
‫أمريكا غير عازمة على النسحاب من المنطقة مطلقا ‪ ،‬بل إلى التطلع نحو‬
‫تدخل أكثر في شؤون الخليج الداخلية ‪ ،‬ومما يعزز هذا الستنتاج أن في عهد‬
‫بوش البن ‪ ،‬تبنت الدارة المريكية لول مرة المطالبة بل الضغط لتغيير‬
‫المناهج التعليمية في الخليج ‪ ،‬والرقابة على أموال الجمعيات الخيرية ‪،‬‬
‫وتقوم الدارة المريكية بدور ثقافي مركز للتأثير على المجتمعات الخليجية ‪،‬‬
‫ومن المثلة على ذلك إثارة موضوع حقوق المرأة الخليجية وحقوق النسان ‪،‬‬
‫انطلقا من النظرة الغربية ‪ ،‬وتكرار التلويح بضرورة التغيير نحو الديمقراطية‬
‫الغربية في الخليج ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫وتدعم الوليات المتحدة النخب الخليجية المتحمسة للثقافة الغربية ‪ ،‬وتسعى‬
‫بوسائل متعددة للقيام بنفس الدور الثقافي الذي كانت بريطانيا تقوم به في‬
‫مصر إبان الحتلل البريطاني لمصر ‪.‬‬
‫وقد استغلت تهديد النظام العراقي لدول الخليج بعد حرب الخليج الثانية ‪،‬‬
‫كما تستغل الن ما تطلق عليه )الحرب على الرهاب الدولي ( بعد حوادث‬
‫التفجير في ‪11‬سبتمبر ‪ ،‬لزيادة الستلحاق السياسي بالغرب ‪ ،‬وذلك بهدف‬
‫تحقيق أهداف الوجود المريكي في منطقة الخليج ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ ضمان أمن الكيان الصهيوني ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ السيطرة على حقول البترول ومنع تحويله إلى سلح ضد الغرب ‪.‬‬
‫‪3‬ـ إحداث أكبر قدر من التغريب الثقافي في المجتمعات الخليجية ‪.‬‬
‫وتستعمل في سبيل تحقيق هذه الهداف وسائل متعددة أهمها ‪:‬‬
‫‪1‬ـ إبقاء النظام القليمي الخليجي في حاجة مستمرة إلى الحماية الغربية ‪.‬‬
‫‪2‬ـ الحيلولة دون نجاح مشاريع الوحدة أو التقارب الخليجية ‪.‬‬
‫‪3‬ـ تكثيف دور المؤثرات العلمية الثقافية الغربية على المجتمعات الخليجية ‪.‬‬
‫‪4‬ـ تشجيع دور النخب الخليجية المتغربة للقيام بدور تحسين الهداف الغربية‬
‫و إلباسها لبوس المصالح المتبادلة ‪ ،‬والنفتاح الثقافي ‪ ،‬والتفاعل الحضاري ‪..‬‬
‫إلخ ‪.‬‬
‫دور العلماء و الحركة السلمية‬

‫‪36‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي ظل هذه الحوال العصيبة التي تمر بها منطقة الخليج ‪ ،‬فالواجب على‬
‫العلماء والدعاة أن يرتبوا أولياتهم وفق المرحلة الراهنة بما يلي ‪:‬‬
‫‪1‬ـ تشجيع عوامل التعاون بين مختلف فصائل الدعوة السلمية ورموزها‬
‫وتوجيهها نحو التنسيق المستمر ‪ ،‬و تهميش الخلفات الجانبية ‪ ،‬لمواجهة‬
‫الخطر المشترك ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪2‬ـ التركيز على مواجهة الهجمة العلمية الغربية بهجمة مضادة شاملة‬
‫تكشف عوارها وتلقي الضوء على مكامن الخطر فيها ‪.‬‬
‫‪3‬ـ إشاعة مفاهيم العتزاز بالنتماء السلمي ‪ ،‬والتميز الثقافي المتمثل في‬
‫تحكيم الشريعة السلمية في كل شؤون الحياة ‪ ،‬والدفاع عن مفاهيم الولء‬
‫والبراء والجهاد والوحدة السلمية ‪ ،‬ومحاربة المفاهيم الغربية المضادة ‪.‬‬
‫‪4‬ـ العمل على دفع مشاريع التقارب و الوحدة الخليجية باتجاه التنفيذ السريع‬
‫بهدف تحقيق الستقلل التام عن التبعية السياسية للجنبي ‪.‬‬
‫‪5‬ـ مد جسور التفاهم وبناء الثقة مع النظمة الحاكمة لمنع الصدام الداخلي‬
‫الذي من شأنه أن يخدم أهداف الحملة الغربية ‪ ،‬مع المطالبة بتولي النظمة‬
‫بالتعاون مع قيادات الحركة السلمية مسؤولية حماية الهوية والثقافة‬
‫السلمية من محاولت الستلب الحضارية ‪ ،‬وذلك بوضع خطط شاملة‬
‫لحماية التعليم السلمي ‪ ،‬والثقافة السلمية من أي تدخل أجنبي ‪ ،‬وزيادة‬
‫مساحتها في المؤسسات الرسمية في دول الخليج ‪.‬‬
‫‪6‬ـ المطالبة برفع الحظر عن حرية الكلمة الناقدة المسؤولة بل وتشجيعها ‪،‬‬
‫وحماية الحقوق العامة ‪ ،‬ومنع الظلم والتعسف في استعمال السلطة‬
‫ولريب أن جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق العلماء وقادة الحركة‬
‫السلمية ورموزها ‪ ،‬تحتم عليهم التحرك السريع ‪ ،‬المنظم والمدروس‬
‫لمقاومة خطط الهيمنة الغربية على الخليج ‪ ،‬والحيلولة دون بلوغها أهدافها ‪.‬‬
‫قال الحق سبحانه ) وجاهدوا في الله حق جهاده ( وقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ) جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ( رواه أحمد‬
‫وأبوداود من حديث أنس رضي الله عنه ‪ ،‬والله أعلم وصلى الله على نبينا‬
‫محمد وعلى آله وصحبه وسلم ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫تاريخ السنة‬
‫تعريف السنة و بيان أقسامها‪:‬‬
‫السنة في اللغة‪ :‬هي السيرة المتبعة‪ ,‬و الطريقة المسلوكة‪ ,‬و هي النموذج‬
‫الذي يحتذى و المثال الذي يقتدى‪ .‬و تطلق هذه الكلمة أيضا بمعنى البيان‬
‫حيث يقال سن المر أي بينه‪ ,‬و أيضا بمعنى ابتداء المر‪.‬‬
‫السنة في الصطلح‪ :‬عند المحدثين‪" :‬كل ما أثر عن النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم من قول أو فعل أو تقرير أو سيرة أو صفة خلقية أو خلقية‪ ,‬سواء أكان‬
‫ذلك قبل البعثة أم بعدها"‪.‬‬
‫عند الصوليين‪" :‬ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل‬
‫أو تقرير"‪.‬‬
‫عند الفقهاء‪" :‬ما دل عليه الشرع من غير افتراض و ل و جوب" أو "ما يثاب‬

‫‪37‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فاعله و ل يعاقب تاركه"‪.‬‬


‫عند علماء العقيدة‪ :‬تطلق السنة عند علماء العقيدة على هدي النبي صلى‬
‫الله عليه و سلم في أصول الدين‪ ,‬و ما كان عليه من العلم و العمل و‬
‫الهدى‪ ,‬و ما شرعه أو أقره مقابل البدع و المحدثات في الدين‪ .‬و قد تطلق‬
‫السنة أيضا بمعنى الدين كله‪.‬‬
‫أقسام السنة من حيث الوحي بها‪ :‬تنقسم السنة بهذا العتبار إلى قسمين‬
‫مؤداهما واحد‪ ,‬و هو أن السنة وحي من الله تعالى يجب اتباعها كما يجب‬
‫اتباع القرآن‪ ,‬و القسم الول منها هو‪:‬‬
‫‪ (1‬ما صدر عن النبي بقصد التبليغ عن الله عز و جل و هو نوعان‪:‬‬
‫أ – وحي باللفظ و هو القرآن‬
‫ب – وحي بالمعنى و هو السنة‬
‫‪ (2‬ما صدر عن النبي بغير قصد التبليغ‪ ,‬و هو نوعان أيضا‪:‬‬
‫أ – إما أن يوافقه عليه الوحي فيلحق بالقسم الثاني و يأخذ حكمه و يكون‬
‫بمنزلة الوحي‪.‬‬
‫ب – و إما أن ل يقره عليه الوحي فنعمل بالبديل الموحى به‪.‬‬
‫أما بالنسبة للقسم الول‪ ,‬و هو ما قصد به التبليغ عن الله عز و جل‪ ,‬فهو‬
‫وحي قطعا معصوم عن الخطأ و السهو فيه‪ ,‬سواء أكان وحي باللفظ و هو‬
‫القرآن أو وحي بالمعنى و هي السنة المطهرة‪ .‬و هذا القسم هو معظم‬
‫السنة‪ ,‬و قد نزل به الوحي على النبي صلى الله عليه و سلم كما نزل‬
‫القرآن‪ ,‬إل أن القرآن نزل بلفظ معجز متعبد بتلوته‪ ,‬و أما السنة فهي وحي‬
‫بالمعنى دون اللفظ‪ .‬و نذكر فيما يلي بعضا من الدلة الكثيرة على أن السنة‬
‫وحي كالقرآن الكريم‪:‬‬
‫فمن القرآن الكريم‪:‬‬
‫‪ -‬قال تعالى‪" :‬و ما ينطق عن الهوى إن هو إل وحي يوحى" )النجم‪ ,(4-3 :‬و‬
‫قد نص أهل العلم على أن ذلك يشمل السنة أيضا‪.‬‬
‫‪ -‬و قال‪" :‬إن أتبع إل ما يوحى إلي" )يونس‪ ,(15 :‬أي من القرآن و السنة‪.‬‬
‫‪ -‬و قوله تعالى‪" :‬من يطع الرسول فقد أطاع الله" )النساء‪ ,(80 :‬و ذلك لن‬
‫السنة وحي من الله عز و جل‪.‬‬
‫و من السنة‪:‬‬
‫‪ -‬قوله صلى الله عليه و سلم‪" :‬أل هل عسى رجل يبلغه الحديث عني‪ ,‬و هو‬
‫متكئ على أريكته فيقول بيننا و بينكم كتاب الله‪ ,‬فما وجدناه من حلل‬
‫استحللناه و ما وجدنا فيه حراما حرمناه‪ ,‬و إن ما حرم رسول الله كما حرم‬
‫الله" )سنن الترمذي‪ ,‬كتاب العلم‪ .(5/38 ,‬فقد حذر النبي عليه الصلة و‬
‫السلم من ذلك‪ ,‬و قال أن ما يحرم رسول الله كما يحرم الله‪ ,‬و هذا يدل‬
‫على أن السنة وحي من عند الله‪.‬‬
‫و غيرها الكثير من الحاديث و أقوال العلماء‪.‬‬
‫و بالنسبة للقسم الثاني من السنة‪ ,‬و هو ما صدر عنه صلى الله عليه و سلم‬
‫بغير قصد التبليغ‪ ,‬فيشمل هذا القسم اجتهاده صلى الله عليه و سلم و ما‬
‫صدر عنه ابتداء من غير سابق وحي‪ .‬و كما ذكرنا سابقا‪ ,‬ينقسم هذا القسم‬
‫إلى نوعين‪ .‬إما أن يوافقه عليه الوحي و يقره عليه فيصبح حينئذ بمنزلة‬
‫الوحي و في حكمه من حيث الحجية و العتبار و وجوب العمل به‪ .‬و تعرف‬
‫الموافقة و القرار لهذا النوع من السنة بعدم تعقيب الوحي عليه بالمخالفة و‬
‫عدم النكار عليه و عدم نزول حكم يناقضه‪ .‬و ذلك لنه إذا كان ما صدر‬
‫مخالف لمراد الله عز و جل لما تركه الوحي بل تعقيب‪ .‬و نعلم ذلك لن‬

‫‪38‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الوحي جاء بالتعقيب على ما كان خلف الولى‪ ,‬و نعلمه بيقيننا أنه ل يقر‬
‫على ما ل يرضاه الله‪ ,‬كما قال تعالى‪" :‬و لو تقول علينا بعض القاويل لخذنا‬
‫منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين" )الحاقة‪:‬‬
‫‪ .(48-44‬و أما النوع الثاني‪ ,‬فهو أن ل يقره الوحي و أن ينبه إلى الولى و‬
‫يأمر باتباعه‪ .‬و في هذه الحالة‪ ,‬وجب العمل بالبديل الموحى به‪ .‬وبهذا يتبين‬
‫أن جميع ما صدر عن النبي صلى الله عليه و سلم من السنة بقصد التبليغ‬
‫فهو وحي من عند الله عز و جل‪ ,‬و أن ما صدر عنه عليه الصلة و السلم‬
‫بغير قصد التبليغ و أقره الوحي عليه فإنه بمنزلة الوحي و له حكمه‪ .‬و بهذا‬
‫يتبين أن السنة حجة على العباد يلزمهم العمل بمقتضاها‪.‬‬
‫أقسام السنة من حيث صدورها عن النبي صلى الله عليه و سلم‪:‬‬
‫‪ (1‬السنة القولية‪ :‬و هي كل كلم صدر عن النبي صلى الله عليه و سلم من‬
‫لفظه‪ .‬و تتضمن السنة القولية أيضا الحاديث القدسية‪ ,‬و هي الحاديث التي‬
‫أسندها الرسول عليه الصلة و السلم إلى الله عز و جل‪.‬‬
‫‪ (2‬السنة الفعلية‪ :‬و تشمل كل ما نقل إلينا من أفعال النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم في كل أحواله‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪ (3‬السنة التقريرية‪ :‬و هي أن يحدث أمر أو يقال قول في زمن النبي عليه‬
‫الصلة و السلم في حضرته و مشاهدته أو في غيبته ثم ينقل إليه فيقره‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم إما بالسكوت و عدم النكار أو بالموافقة و‬
‫الستحسان‪.‬‬
‫‪ (4‬السنة الوصفية‪ :‬و هي تشمل نوعان‪ :‬الصفات الخلقية‪ :‬و هي ما جبله الله‬
‫عليه من الخلق الحميدة و ما فطره عليه من الشمائل العالية المجيدة و ما‬
‫حباه به من الشيم النبيلة‪ .‬و أما النوع الثاني فهو الصفات الخلقية‪ :‬و تشمل‬
‫هيأته صلى الله عليه و سلم التي خلقه الله عليها و أوصافه الجسمية‪.‬‬
‫السنة في العهد النبوي‪:‬‬
‫‪ (1‬شخصية الرسول صلى الله عليه و سلم‪ :‬إن النبي صلى الله عليه و سلم‬
‫كان النموذج العلى في التربية و التعليم‪ ,‬و ذلك بأنه عليه الصلة و السلم‬
‫كان يعلم بالرفق و اللين و يبتعد عن الشدة و التعنيف‪ ,‬و كان يعلم بالتيسير‬
‫و التبشير و يتجنب التنفير و التعسير‪ .‬و كان أيضا متجاوبا تجاوبا كامل مع‬
‫دعوته‪ ,‬فقد كان يعيش لدعوته و معها و ل يشغله شاغل غيرها‪ ,‬و كان يقضي‬
‫كل وقته في خدمتها‪ .‬و قد تحمل عليه الصلة و السلم كل أنواع الذى و‬
‫المعاناة بكل صبر و شموخ و عزة‪ .‬و كان صلى الله عليه و سلم يحض على‬
‫طلب العلم‪ ,‬و من ذلك قوله "طلب العلم فريضة على كل مسلم" )أخرجه‬
‫ابن ماجة ‪ 1/80‬ح ‪.(244‬‬
‫و قد بين النبي صلى الله عليه و سلم منزلة المعلمين و المتعلمين‪ ,‬ذلك بأن‬
‫العلم يحيي الله به القلوب و أنه يحرسك و يحميك بإذن الله‪ .‬و قد أوصى‬
‫صلى الله عليه و سلم بطالب العلم خيرا‪ ,‬و أمر بمساعدته على ما هو‬
‫بصدده من الرغبة في التفقه في الدين‪ .‬و أما منهجه صلى الله عليه و سلم‬
‫في نشر سنته‪ ,‬فيمكن أن يلخص في المور التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬اتخاذ مقر للدعوة و التعليم‬
‫ب – التدرج في الدعوة و تبليغ الشرع‬
‫ج – عدم المداومة على التعليم خشية الملل‬

‫‪39‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫د – مخاطبة الناس على قدر عقولهم‬


‫هـ ‪ -‬مخاطبة الناس بلهجاتهم‬
‫و – تكرار الحديث ليتأكد من بلوغه للسامع و فهمه له‬
‫ز – استخدام جواب الحكيم‪ ,‬و ذلك بالجابة على السائل بأكثر من مرمى‬
‫سؤاله لزيادة الفائدة‬
‫ح – توخي منهج التيسير و الرحمة و البعد عن التعسير و الشدة‬
‫ط – الرحمة و التواضع‬
‫ي – الحض على سماع حديثه‬
‫ك – تخصيص دروس للنساء‬
‫‪ (2‬مادة السنة المطهرة‪ :‬بعد أن كان الناس في عهد الرسول صلى الله عليه‬
‫و سلم يعيشون في ظلمة الجاهلية‪ ,‬جاء السلم و السنة المطهرة بما فيهما‬
‫من العدل و الحق و الحسان‪ ,‬فأدرك الناس حقيقة هذه النعمة و قدروها و‬
‫تسابقوا في اللتزام بهذا الدين‪ .‬و كانت مادة السنة المطهرة شاملة لكل‬
‫جوانب الحياة‪ ,‬فأصبحت بديل حقيقيا للصحابة في كل أمور حياتهم‪.‬‬
‫‪ (3‬منهج الصحابة في تلقي السنة‪ :‬نستطيع أن نلخص هذا المنهج في‬
‫العناوين التالية‪:‬‬
‫أ – اعتقاد الصحابة أن السنة هي سبيل النجاة‪.‬‬
‫ب – ملزمة النبي صلى الله عليه و سلم في مجالسه العلمية و سائر‬
‫أحواله‪.‬‬
‫ج – التكافل العلمي بين الصحابة‪.‬‬
‫د – مذاكرة الحديث لتثبيت حفظه‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬الوفود على النبي صلى الله عليه و سلم بغرض التعلم‪.‬‬
‫و – الموازنة بين العلم و العمل‪.‬‬
‫ز – حفظ السنة عن طريق كتابتها‪.‬‬
‫‪ (4‬عوامل انتشار السنة في العهد النبوي‪:‬‬
‫أ – التوفيق اللهي و الرادة الربانية‪.‬‬
‫ب – نشاط النبي صلى الله عليه و سلم في تشر سنته‪.‬‬
‫ج – طبيعة السلم من حيث هو نظام جديد‪ ,‬و بديل كامل لما كان عليه‬
‫الناس في الجاهلية‪.‬‬
‫د – نشاط الصحابة في تشر السنة‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬دور أمهات المؤمنين في نشر السنة‪.‬‬
‫و – رسل النبي صلى الله عليه و سلم و بعوثه و ولته في الفاق‪.‬‬
‫ز – فتح مكة‪.‬‬
‫ح – حجة الوداع‪.‬‬
‫ط – الوفود آخر حياة النبي صلى الله عليه و سلم‪.‬‬
‫السنة في عصر الصحابة و التابعين‪:‬‬
‫لقد كان الصحابة و التابعين متمسكين بالسنة‪ ,‬حيث كانوا المثل العلى في‬
‫حسن القتداء بالنبي صلى الله عليه و سلم‪ ,‬و كان هذا القتداء في السراء و‬
‫الضراء و في السلم و الحرب و في جميع أمور حياتهم‪ .‬و أما بالنسبة للمنهج‬
‫الذي اتبعه الصحابة و التابعين في رواية السنة و حمايتها‪ ,‬فيلخص في المور‬
‫التالية‪:‬‬
‫أ – الحتياط في رواية الحديث حرصا على صيانته‪.‬‬
‫ب – القلل من الرواية حماية للسنة‪.‬‬
‫ج – الكثار من الرواية للمتقن المحتاج إلى علمه‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫د – التثبت في قبول الحديث‪.‬‬


‫هـ ‪ -‬نقد المرويات‪.‬‬
‫و ‪ -‬الحتياط في أداء الحديث بلفظه‪.‬‬
‫ز – و أما بالنسبة للتابعين‪ ,‬فقد اتبعوا منهج الصحابة في محبة السنة و طلبها‬
‫و حمايتها و مذاكرتها‪ ,‬و وضعوا ضوابط لصيانة السنة عندما ظهرت الفتن‪.‬‬
‫منهج الصحابة و التابعين في التعليم‪:‬‬
‫‪ (1‬العناية بالناشئة‪.‬‬
‫‪ (2‬مراعاة أحوال المحدثين‪.‬‬
‫‪ (3‬تحري أهلية السامع‪.‬‬
‫‪ (4‬طلب القرآن أول ثم السنة‪.‬‬
‫‪ (5‬البعد عن الغريب و المنكر من الحديث‪.‬‬
‫‪ (6‬التنويع و الختصار دفعا للملل‪.‬‬
‫‪ (7‬توقير الحديث بالستعداد لمجالسه‪.‬‬
‫‪ (8‬النضباط في حضور مجالس التحديث‪.‬‬
‫‪ (9‬مذاكرة الحديث‪.‬‬
‫انتشار السنة في هذا العصر‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ ,‬كان الصحابة هم قادة جيوش‬
‫الفتح‪ ,‬و كانوا كلما دخلوا بلدا بنوا فيه المساجد‪ ,‬و أقام في ذلك البلد بعضهم‬
‫لتعليم المسلمين و لنشر الدعوة لمن لم يسلم‪ .‬و كان الخلفاء يبعثون‬
‫العلماء إلى جميع البلد لنشر السلم‪ .‬كل هذه العوامل ساهمت في انتشار‬
‫السنة في هذا العصر‪ ,‬و حولت مدن السلم الرئيسية إلى مراكز للعلم‪ ,‬و‬
‫منها المدينة المنورة‪ ,‬و مكة المكرمة‪ ,‬و الكوفة‪ ,‬و البصرة‪ ,‬و الشام‪ ,‬و مصر‪,‬‬
‫و الندلس و غيرها من المدن و البلدان‪.‬‬
‫الرحلة في طلب الحديث‪:‬‬
‫كما ذكرنا سابقا‪ ,‬كان الصحابة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و سلم قد‬
‫انتشروا في مختلف البلد لفتحها و لنشر السلم و للدعوة إلى الله‪ .‬و لذلك‪,‬‬
‫فكان السبيل الوحيد لتحصيل العلم من هؤلء الصحابة‪ ,‬و لجمع الحاديث‬
‫المنتشرة في مختلف البلد هو الرحلة في طلب الحديث‪ .‬و كان الصحابة هم‬
‫أول من سن الرحلة في طلب الحديث‪ ,‬ثم تبعهم في ذلك جيل التابعين‪ ,‬و‬
‫أصبحت بعد ذلك أدبا ملزما للمحدثين على مر العصور‪.‬‬
‫ثمرات الرحلة في طلب الحديث‪:‬‬
‫‪ (1‬تحصيل الحديث‪.‬‬
‫‪ (2‬نشر الحديث و إشاعة روايته‪.‬‬
‫‪ (3‬طلب علو السناد‪.‬‬
‫‪ (4‬تعدد طرق الحديث‪.‬‬
‫‪ (5‬انتشار المصنفات الحديثية في المصار‪.‬‬
‫‪ (6‬البحث عن أحوال رواة الحديث‪.‬‬
‫‪ (7‬معرفة معايير نقد الحديث‪.‬‬
‫‪ (8‬معرفة فقه الحديث‪.‬‬
‫كتابة السنة‪:‬‬
‫لما جاء السلم‪ ,‬اقتضت طبيعة هذه الرسالة الجديدة أن يكثر عدد‬

‫‪41‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتعلمون من بين العرب‪ ,‬و أصبحت المساجد و الكتاتيب أماكن لتعلم‬


‫القراءة و الكتابة‪ .‬و زاد عدد كتاب الرسول صلى الله عليه و سلم على ستين‬
‫رجل‪ .‬و كان هؤلء يكتبون الوحي و الرسائل و العهود و غيرها من الوثائق‪ .‬و‬
‫لذلك‪ ,‬فقد كتب بعض السنة‪ ,‬و هي معاهدات و مراسلت النبي صلى الله‬
‫عليه و سلم بأمره عليه الصلة و السلم‪ ,‬و كتب بعض السنة بجهود فردية‬
‫من الصحابة و هي أحاديث الرسول الخرى‪.‬‬
‫أحاديث النهي عن كتابة السنة‪:‬‬
‫صح في ذلك حديث واحد و هو قوله صلى الله عليه و سلم "ل تكتبوا عني‪ ,‬و‬
‫من كتب عني شيئا غير القرآن فليمحه" و زاد في رواية‪" :‬و حدثوا عني و ل‬
‫حرج‪ ,‬و من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار"‪) .‬صحيح مسلم ‪ ,8/229‬تقييد‬
‫العلم ‪.(32 – 29‬‬
‫أحاديث الذن و المر بكتابة السنة‪:‬‬
‫صحت أحاديث كثيرة في الذن و المر بكتابة السنة‪ ,‬و منها‪:‬‬
‫‪ (1‬قوله صلى الله عليه و سلم في حجة الوداع‪" :‬اكتبوا عني لبي شاه"‬
‫)البخاري من الفتح ‪ 1/279‬ح ‪ .(113‬و كون هذا المر بالكتابة في حجة‬
‫الوداع يؤكد أن آخر المرين كان الذن بالكتابة‪.‬‬
‫‪ (2‬قوله صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن عمرو مشيرا بإصبعه إلى فمه‪:‬‬
‫"اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إل الحق" )أخرجه المام أحمد‬
‫‪ ,2/205‬و أبو داوود ‪ ,3/318‬و الدرامي ‪ ,1/125‬و هو صحيح السناد‪ ,‬و انظر‬
‫تقييد العلم ‪.(82‬‬
‫الجمع بين أحاديث النهي و أحاديث المر و الذن بكتابة السنة‪:‬‬
‫للعلماء في الجمع بين أحاديث المر بكتابة السنة و أحاديث كراهة ذلك أقوال‬
‫كثيرة‪ ,‬منها ما يلي‪:‬‬
‫‪ (1‬أن أحاديث المر بكتابة السنة قد نسخت أحاديث النهي عن كتابتها‪ ,‬و ذلك‬
‫لن النهي كان في أول السلم خشية اختلط الحديث بالقرآن‪.‬‬
‫‪ (2‬أن النهي عن الكتابة كان لمن لم يخش عليه النسيان و كان حفظه قويا‬
‫حتى ل يتكل على الكتابة و يترك الحفظ‪ ,‬و أما من كان حفظه ضعيفا و أمن‬
‫ضبطه للكتابة‪ ,‬فقد أذن له أن يكتب‪.‬‬
‫‪ (3‬أن النهي كان خاصا بكتابة القرآن و الحديث في صحيفة واحدة خشية‬
‫اختلطهما‪.‬‬
‫‪ (4‬أن النهي كان خاصا لوقت نزول القرآن و كتابته‪ ,‬و أما في غير هذا الوقت‬
‫فقد أذن بالكتابة‪.‬‬
‫‪ (5‬أن النهي كان خاصا بمن ل يحسن الكتابة خشية أن يخطأ‪ ,‬و أما الذن‬
‫فكان لمن يتقن الكتابة‪.‬‬
‫‪ (6‬أن النهي عن كتابة الحاديث كان خاصا بكتبة القرآن الذين كلفهم بذلك‬
‫الرسول صلى الله عليه و سلم‪ ,‬و الذن بالكتابة لغيرهم من الناس‪.‬‬
‫و قد استقر المر في هذا الموضوع على إجماع أهل العلم على كتابة السنة‪,‬‬
‫كما نقل ذلك الخطيب البغدادي و الحافظ ابن صلح و غيرهما‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫و من أهم ما كتب من السنة في العهد النبوي هي كتب النبي إلى الملوك و‬


‫الحكام في عصره‪ ,‬و إلى القبائل داعيا إياهم إلى السلم‪ ,‬و إلى الولة و‬
‫القضاة و عمال الزكاة لتوجيههم في عملهم‪ ,‬و جملة من المعاهدات و‬

‫‪42‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المواثيق و التفاقيات‪ ,‬و العقود و غيرها و كانت كل هذه كتبت بأمر الرسول‬
‫صلى الله عليه و سلم‪ .‬و أما ما كتبه الصحابة في عهد النبي بغرض الحفظ‬
‫أو الفادة بها‪ ,‬فمها الصحيفة الصادقة لعبد الله بن عمرو بن العاص و قد‬
‫اشتملت على ألف حديث‪ .‬و منها أيضا كتب سعد بن عبادة‪ ,‬و كتاب معاذ بن‬
‫جبل‪ ,‬و كتاب أبي رافع‪ ,‬و صحيفة علي ابن أبي طالب‪ ,‬و صحيفة جابر بن‬
‫عبد الله النصاري‪ .‬و في كل هذه النماذج من السنة التي كتبت في عهد‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم رد على المستشرقين و أتباعهم في زعمهم أن‬
‫السنة تأخرت كتابتها‪ ,‬خاصة أن كثيرا من هذه المدونات المبكرة محفوظة‬
‫في أمهات كتب السنة‪ ,‬و كتب المغازي و السير و التاريخ‪.‬‬
‫تدوين السنة‪:‬‬
‫لم تكن السنة في عصر الصحابة و كبار التابعين مدونة في كتب مبوبة‪ .‬فكان‬
‫كل ما كتب من السنة قد كتب بجهود فردية من الصحابة و طلبهم‪ ,‬و كان‬
‫كل ذلك منتشرا بين الصحابة و لم يكن مجموعا أو مرتبا‪ .‬و من المعلوم أيضا‬
‫أن الرواية الشفوية و حفظ الصدر كانت هي الطريقة الكثر اعتمادا في‬
‫القرن الول للهجرة‪ .‬و في تلك الفترة لم تكن هناك حاجة للتدوين العام‬
‫للسنة‪ ,‬فقد كان الصحابة متوافرون و كان الحديث محفوظ بإتقان‪ .‬ولما‬
‫خيف على الحديث أن يندرس و يذهب بذهاب حفاظه‪ ,‬ظهرت الحاجة‬
‫لتدوينه‪ .‬و قد مر التدوين الرسمي للسنة بثلثة مراحل و هي‪:‬‬
‫المرحلة الولى‪:‬‬
‫طرحت فكرة التدوين في عهد عمر رضي الله عنه‪ ,‬و لكنه ترك هذه الفكرة‬
‫بعد استخارة دامت شهرا‪ .‬و كان موضوع جمع القرآن قد أخذ الولوية و‬
‫شغل الخلفاء الثلثة حتى تم في عهد عثمان رضي الله عنه‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪:‬‬
‫تمثلت المرحلة الثانية من التدوين الرسمي للسنة فيما قام به أمير مصر عبد‬
‫العزيز بن مروان‪ .‬فقد كتب إلى كثير بن مرة الحضرمي قائل له أن يكتب‬
‫إليه بما سمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحاديثهم‪ ,‬إل‬
‫حديث أبي هريرة لنه كان مكتوبا عنده‪ .‬و كان كثير بن مرة الحضرمي قد‬
‫أدرك سبعين بدريا من الصحابة‪ .‬و حصل هذا التدوين في العقد الثامن بعد‬
‫الهجرة‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪:‬‬
‫أما ثالث مرحلة للتدوين الرسمي‪ ,‬فقد كانت على يد عمر بن عبد العزيز‪,‬‬
‫الخليفة الراشد الخامس‪ .‬و قد امتازت هذه المرحلة بالخصائص التالية‪:‬‬
‫أ – استنفار علماء المة لنشر و تدوين السنة‪ .‬فقد أرسل عمر بن عبد العزيز‬
‫إلى جميع ولته و أمرهم بأن يبعثوا إليه بأحاديث رسول الله لجمعها‪ ,‬و أيضا‬
‫أرسل إلى أهل المدينة و إلى غيرهم بنفس المر‪.‬‬
‫ب – فحص المادة المدونة‪ .‬فقد كلف عمر بن عبد العزيز كبار حفاظ التابعين‬
‫لتدوين السنة‪ ,‬و كان يذكرهم بضرورة التمحيص و التحري و التثبت‪ ,‬و كان‬
‫أيضا يجتمع بهم لمراجعة المادة المدونة و لمناقشتهم فيها للتأكد من‬
‫سلمتها‪.‬‬
‫ج – تشر المادة المدونة في آفاق بلد السلم‪ .‬عندما دونت السنة و فحصت‪,‬‬
‫أمر عمر بن عبد العزيز بنسخها و إرسالها إلى كافة البلد السلمية‪.‬‬
‫و أما بعد التدوين الرسمي للسنة‪ ,‬فقد تتالت جهود العلماء في التدوين و في‬
‫تصنيف و ترتيب السنة‪ ,‬فرتبوا الحاديث على أبواب الفقه و جمعها في كتب‬
‫و بدأ ظهور المصنفات في هذه الفترة‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و لكن رغم كل هذه الحقائق العلمية التي تثبت أن تدوين السنة جاء مبكرا‬
‫قبل نهاية القرن الول من السلم‪ ,‬فإن كثيرا من المستشرقين يحاولون‬
‫التشكيك في هذه الحقائق‪ .‬و من شبهات هؤلء المستشرقين‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن تدوين السنة تأخر إلى القرن الثاني‪ ,‬أو حتى القرن الثالث و يهدفون‬
‫من هذا القول إلى إضعاف الثقة في السنة‪ .‬و بطلن هذا القول واضح من‬
‫الدلة التي ذكرت سابقا من أن السنة كانت تكتب حتى في عهد الرسول‬
‫صلى الله عليه و سلم‪.‬‬
‫ب – التهوين من شأن الحفظ و الرواية الشفوية‪ .‬و لكن الصحيح أن الرواية‬
‫الشفوية المنضبطة أحكم و أدق من الكتابة‪ ,‬فإنه من المعلوم أن الكتابة دون‬
‫الحفظ من حيث القوة‪ ,‬و أننا نتقن ما نحفظه عن ظهر قلب أكثر مما نكتبه‪.‬‬
‫و قد أجمع المحدثون على أن الرواية المأخوذة عن حفظ أقوى درجة من‬
‫الرواية المكتوبة‪ .‬و هذا يتأكد وضوحا بالنسبة للعرب لما اشتهروا به من قوة‬
‫الحافظة‪.‬‬
‫أنواع التصنيف في السنة‪:‬‬
‫‪ (1‬الكتب المصنفة على البواب‪:‬‬
‫في هذه الكتب تجمع الحاديث في الموضوع الواحد تحت عنوان واحد يسمى‬
‫"كتاب"‪ .‬و تحت كل كتاب تقسم الحاديث إلى أبواب‪ ,‬و لهذه البواب عناوين‬
‫تسمى "تراجم البواب"‪ .‬و هذه الطريقة في التصنيف تساعد القارئ على أن‬
‫يجد الحاديث المتعلقة بموضوع ما‪ .‬و للتصنيف على البواب طرق متعددة‪,‬‬
‫أهمها‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫أ‪ -‬الجوامع‪ :‬و هو كتاب الحديث المرتب على أبواب مع شموله جميع‬
‫موضوعات الدين الساسية و هي‪ :‬العقائد‪ ,‬و الحكام‪ ,‬و السير‪ ,‬و الداب‪,‬‬
‫والتفسير‪ ,‬و الفتن‪ ,‬و أشراط الساعة‪ ,‬والمناقب‪ .‬و من أشهر الجوامع‪:‬‬
‫الجامع الصحيح للبخاري‪ ,‬و الجامع الصحيح لمسلم و غيرهما‪ .‬و فيما يلي‬
‫تعريف بصحيحي بخاري و مسلم‪.‬‬
‫صحيح البخاري‪:‬‬
‫عنوان الكتاب‪" :‬الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى‬
‫الله عليه و سلم و سننه و أيامه"‪.‬‬
‫مؤلفه‪ :‬أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري )‪ .(256 – 194‬بدأ حفظ‬
‫الحديث دون سن العاشرة‪ ,‬و رحل في طلبه و هو ابن ستة عشر عاما‪ ,‬و‬
‫تلقى الناس عنه و هو دون الثامنة عشر‪ .‬دخل مكة و المدينة و العراق و‬
‫الشام و مصر‪ ,‬و سمع من أكثر من ألف شيخ‪ ,‬و جمع نحو ستمائة ألف‬
‫حديث‪.‬‬
‫التعريف بالجامع الصحيح‪ :‬هو أول كتاب ألف في الصحيح المجرد‪ .‬لبث في‬
‫تصنيفه ستة عشر عاما‪ .‬و بعد أن انتهى منه عرضه على علماء عصره‬
‫فوافقوه على صحة أحاديثه عدا أربعة أحاديث اختلفت وجهات نظرهم فيها‪ .‬و‬
‫قال المحققون من أهل العلم أن الصواب في ذلك إلى جانب المام البخاري‪,‬‬
‫فكل ما في كتابه صحيح‪ .‬و كان البخاري يشترط في الصحيح على أن يكون‬
‫كل راو في سند الحديث قد عاصر شيخه و ثبت أنه لقيه و لو مرة واحدة‪,‬‬
‫بالضافة إلى العدالة و الضبط و السلمة من الشذوذ و السلمة من العلة‬
‫القادحة‪ .‬و لم يستوعب هذا الكتاب كل الحديث الصحيح‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عدد أحاديثه‪ :‬تعداد محمد فؤاد عبد الباقي كما في الطبعة السلفية‪7563 :‬‬
‫حديثا مسندا بالمكرر‪ ,‬و بغير المكرر ‪ .2607‬أما المعلقات فقد بلغت ‪,1341‬‬
‫كثير منها موصول في موضع آخر من الكتاب‪ ,‬و قد أورد البخاري المعلقات‬
‫لفوائد إضافية‪ ,‬و هي ليست من غرض كتابه‪.‬‬
‫ترتيبه العام‪ :‬يحتوى على ‪ 97‬كتابا‪ ,‬و قد قسم كل كتاب إلى جملة من‬
‫البواب بلغن في مجموعها ‪ ,3405‬و عنون لكل باب بترجمة دقيقة تلئم‬
‫محتواه‪.‬‬
‫ما فيه من تكرار‪ :‬كثيرا ما يكرر البخاري الحديث الواحد في عدة مواضع أو‬
‫يقطعه إلى أجزاء حسب ما يتضمنه الحديث من أحكام في مواضيع مختلفة‪.‬‬
‫خدمة الكتاب‪ :‬أهم شروحه‪ :‬فتح الباري في شرح صحيح البخاري للحافظ ابن‬
‫حجر العسقلني )ت ‪.(852‬‬
‫صحيح مسلم‪:‬‬
‫عنوان الكتاب‪" :‬الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله‬
‫عليه و سلم"‪.‬‬
‫مؤلفه‪ :‬أبو الحسين مسلم بن الحجاج القرشي النيسابوري )‪ .(261-204‬بدأ‬
‫سماع الحديث في الثانية عشر من عمره‪ ,‬و رحل في طلبه في الرابعة‬
‫عشرة‪ .‬سمع بمكة‪ ,‬و المدينة‪ ,‬و خراسان‪ ,‬و الري‪ ,‬و العراق‪ ,‬و الشام‪ ,‬و‬
‫مصر و غيرها‪ ,‬و قد زاد عدد شيوخه على المائتين‪.‬‬
‫التعريف بالجامع الصحيح‪ :‬هو ثاني كتاب ألف في الصحيح المجرد بعد صحيح‬
‫البخاري‪ ,‬و بقي في تأليفه خمس عشرة سنة‪ .‬و بعد أن أكمل تأليفه عرضه‬
‫على أئمة الحديث في عصره‪ ,‬و لم يترك فيه إل الحاديث التي اجتمعت‬
‫كلمتهم على صحتها‪ .‬و قد اشترط مسلم في كتابه أن يكون الحديث متصل‬
‫السناد بنقل ثقة عن ثقة من أوله إلى منتهاه‪ ,‬سالما من الشذوذ و العلة‪ .‬و‬
‫شرط في العنعنة ثبوت المعاصرة مع ثقة الراوي و عدم تدليسه‪ .‬و هو مثل‬
‫البخاري لم يستوعب كل الصحيح في كتابه و ل ادعى ذلك‪.‬‬
‫عدد أحاديثه‪ :‬تعداد محمد فؤاد عبد الباقي‪ 3033 :‬دون المكرر‪.‬‬
‫ترتيبه العام‪ :‬يحتوى على ‪ 54‬كتابا‪ ,‬و لم يضع تراجم للبواب مع أنه رتب‬
‫الحاديث بحسب موضوعاتها‪ ,‬و قد قام بذلك بعض العلماء باجتهادهم‪.‬‬
‫خدمة الكتاب‪ :‬أهم شروحه‪ :‬المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج‬
‫المعروف بشرح صحيح مسلم للمام النووي‪.‬‬
‫ب ‪ -‬السنن‪ :‬و هي الكتب الحديثية المرتبة على البواب الفقهية و ل تشتمل‬
‫إل على الحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه و سلم غالبا‪ .‬و منها‪:‬‬
‫سنن أبي داوود‪ ,‬و سنن الترمذي‪ ,‬و سنن النسائي‪ ,‬و سنن ابن ماجة و‬
‫غيرها‪.‬‬
‫ج – المصنفات‪ :‬هو الكتاب المرتب على البواب الفقهية‪ ,‬مع اشتماله على‬
‫المرفوع و الموقوف على الصحابة و المقطوع عن التابعين من أقوال و‬
‫فتاوى‪ ,‬بل قد يتضمن بعض فتاوى أتباع التابعين أحيانا‪.‬‬
‫د – المستدركات‪ :‬هو الكتاب الذي جمع فيه مؤلفه الحاديث التي استدركها‬
‫على كتاب آخر مما فاته على شرطه‪ ,‬و أشهرها‪ :‬المستدرك على الصحيحين‬
‫لبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري )ت ‪.(405‬‬
‫هـ ‪ -‬المستخرجات‪ :‬هو أن يأتي المستخرج إلى كتاب من كتب الحديث‬
‫فيخرج أحاديثه بأسانيد من غير طريق صاحب الكتاب الصل‪ ,‬فيجتمع معه‬
‫في شيخه أو من فوقه و لو في الصحابي‪.‬‬
‫و – الموطآت‪ :‬هو مثل الصنف و إن اختلفت التسمية‪ ,‬فهو الكتاب المصنف‬

‫‪45‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على البواب الفقهية مع اشتماله على المرفوع و الموقوف المقطوع‪ .‬أهما‪:‬‬


‫موطأ المام مالك )ت ‪.(179‬‬
‫‪ (2‬الكتب المرتبة على أسماء الصحابة‪:‬‬
‫و هي الكتب التي تجمع أحاديث كل صحابي في موضع واحد يحمل اسم ذلك‬
‫الصحابي‪ .‬و هي نوعان‪:‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫أ – المسانيد‪ :‬وهي الكتب التي تذكر فيها الحاديث مرتبة تحت أسماء رواتها‬
‫من الصحابة‪ .‬و يتم ترتيب أسماء الصحابة إما على حروف المعجم‪ ,‬أو‬
‫بحسب السبق إلى السلم‪ ,‬أو بحسب البلدان و نحو ذلك‪ .‬و من أشهرها‬
‫مسند المام أحمد بن حنبل )ت ‪.(241‬‬
‫ب – كتب الطراف‪ :‬تقتصر هذه الكتب على ذكر طرف الحديث الدال عليه‪,‬‬
‫ثم ذكر أسانيده في المصادر التي ترويه بالسناد‪ ,‬فل يلتزم في هذه الكتب‬
‫بذكر كامل متن الحديث‪.‬‬
‫‪ (3‬المعاجم‪:‬‬
‫و هي الكتب التي تذكر فيها الحاديث على ترتيب الصحابة أو الشيوخ أو‬
‫البلدان‪ ,‬و يغلب أن ترتب على حروف المعجم‪.‬‬
‫‪ (4‬الكتب المرتبة على أوائل الحديث‪:‬‬
‫رتبت الحاديث في هذه الكتب على حروف المعجم بحسب أول حرف من‬
‫متن الحديث‪ ,‬و هي بذلك تيسر على الباحث العثور على الحديث فيها إذا تأكد‬
‫من أول لفظه‪.‬‬
‫‪ (5‬المجامع )المصنفات الجامعة(‪:‬‬
‫هي مصنفات يعنى فيها بجمع أحاديث عدة كتب من مصادر الحديث و هي‬
‫نوعان‪:‬‬
‫أ – المجامع المرتبة على البواب‬
‫ب – المجامع المرتبة على أوائل الحديث وفق حروف المعجم‪.‬‬
‫‪ (6‬مصنفات الزوائد‪:‬‬
‫و هي الكتب التي يجمع فيها مؤلفوها ما زاد في بعض الكتب من الحاديث‬
‫عن أحاديث كتب أخرى‪ ,‬دون أيراد الحاديث المشتركة بين المجموعتين‪.‬‬
‫‪ (7‬كتب التخريج‪:‬‬
‫يعنى في هذه الكتب بعزو أحاديث مصنف معين إلى مصادره الصلية من‬
‫كتب السنة مع بيان درجاتها عند الحاجة‪.‬‬
‫‪ (8‬الجزاء الحديثية‪:‬‬
‫و هو الكتيب الذي يشتمل على أحد أمرين‪:‬‬
‫أ – جمع الحاديث المروية عن واحد من الصحابة أو من بعدهم‪.‬‬
‫ب – جمع الحاديث المتعلقة بموضوع واحد على سبيل البسط‪.‬‬
‫‪ (9‬المشيخات‪:‬‬
‫و تسمى أيضا‪ :‬الثبات‪ ,‬و البرامج‪ ,‬و الفهارس‪ ,‬و هي كتب يجمع فيها‬
‫المحدثون أسماء شيوخهم و ما رووه عنهم من الحاديث أو تلقوه عنهم من‬
‫الكتب‪.‬‬
‫‪ (10‬كتب العلل‪:‬‬
‫يعنى فيها بجمع الحاديث التي بها من الفات ما يقدح في قبولها‪ ,‬مع بيان‬
‫عللها بالكلم على متعلقاتها سندا و متنا‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جهود العلماء في مقاومة الوضع‪:‬‬


‫نشأة الوضع‪:‬‬
‫بعد أن كانت السنة صافية نقية في عهد النبي صلى الله عليه و سلم و‬
‫الخلفاء الراشدين‪ ,‬اندس في المة أهل المصالح و الهواء و الزنادقة و‬
‫الحاقدون على السلم‪ .‬و بعد أن تسببوا في الفتنة الكبرى التي انتهت بمقتل‬
‫عثمان رضي الله عنه و ما لحق ذلك من حروب فرقت وحدة المة‪ ,‬ظهرت‬
‫الفرق و التحزبات‪ ,‬و سعى أهل كل فرقة لنصرة آراءهم‪ ,‬فوضعوا الحاديث‬
‫لتأييد آراءهم‪ .‬و بهذا نشأ وضع الحديث‪ ,‬فوضعت الحاديث في فضائل‬
‫الشخاص و البلدان و غيرها‪ .‬و تجب الشارة هنا إلى براءة الصحابة من‬
‫جريمة وضع الحديث‪ ,‬و هذا المر يؤكد بمعرفة أن عدالة الصحابة نزل بها‬
‫الوحي‪.‬‬
‫أسباب الوضع‪:‬‬
‫‪ (1‬الخلفات السياسية و نصرة الفرق والحزاب‪ :‬و كانت فرقة الشيعة أسبق‬
‫الفرق إلى الوضع و أكثرها جرأة عليه‪ .‬و أما الخوارج‪ ,‬فهم أقل الفرق كذبا‬
‫لعتقادهم بكفر مرتكب الكبيرة‪ .‬و من الفرق الخرى التي وضعت الحاديث‬
‫لنصرة أفكارها‪ :‬القدرية‪ ,‬و المرجئة و غيرهم‪.‬‬
‫‪ (2‬الزندقة و معاداة السلم و قصد تشويهه‪ :‬الزنادقة هم الذين يبطنون‬
‫الكفر و يظهرون السلم‪ ,‬و أغلبهم ينتمون إلى أمم انتصر عليها المسلمون‪,‬‬
‫فحقدوا على السلم و حاولوا محاربته من الداخل بوضع الحديث‪.‬‬
‫‪ (3‬التعصب للجنس أو البلد أو المذهب‪ :‬فقد حمل التعصب بعض الجهال و‬
‫العوام إلى أن يضعوا الحاديث في فضل ما ينتمون إليه )سواء أكان ذلك بلدا‬
‫أو مذهبا أو غيره(‪.‬‬
‫‪ (4‬الترغيب في الخير و الترهيب من الشر‪ :‬حمل الجهل الفادح بعض الناس‬
‫أن يضعوا الحاديث لحث الناس على الخير‪ ,‬و زجرهم عن الشر‪ .‬و هذا أشد‬
‫النواع خطرا‪ ,‬لن واضعي هذه الحاديث قد يخدعوا الناس بمظاهرهم‬
‫فيأنسون لقوالهم‪.‬‬
‫‪ (5‬النفاق للحكام و طلب ودهم و صلتهم‪ :‬فقد قام بعض الناس بوضع‬
‫الحاديث لرضاء الحكام‪.‬‬
‫جهود العلماء في مقاومة الوضع‪ :‬بذل العلماء جهودا كبيرة في مقاومة وضع‬
‫الحديث و في كشف الحاديث الموضوعة‪ ,‬و يمكن تلخيص السس التي‬
‫استعملوها في ذلك فيما يلي‪:‬‬
‫‪ (1‬اشتراط السناد‪ .‬كان المحدثون يشترطون ذكر السناد عند الرواية‪ ,‬و ل‬
‫يقبلون أي حديث لم تذكر روايته‪ .‬و لم يكن الصحابة يسألون عن السناد‪,‬‬
‫ولكن عندما وقعت الفتنة أصبحوا يسألون عنه‪.‬‬
‫‪ (2‬استخدام التاريخ لفضح الكاذبين‪ :‬أتقن المحدثون علم تاريخ رواة الحديث‪,‬‬
‫فحددوا بذلك أوقات ولدتهم‪ ,‬و وفاتهم‪ ,‬و البلد التي دخلوها و غير ذلك‪ ,‬و‬
‫استخدموا هذه المعلومات في فضح الواضعين و ضبط أكاذيبهم‪.‬‬
‫‪ (3‬تتبع الكذابين و التحذير منهم‪ :‬و ذلك بفضح الكذابين و العلن بكذبهم‬
‫على رؤؤس الناس‪ ,‬و تحذير الناس من مجالستهم‪.‬‬
‫‪ (4‬بيان أحوال الرواة‪ :‬تتبع المحدثون أحوال الرواة لمعرفة الحافظ من سيء‬
‫الحفظ‪ ,‬و العدل من الكاذب‪ ,‬و دونوا ذلك كله في مصنفات علم الرجال‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪47‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ (5‬تقسيم الحديث إلى مراتب‪ :‬قسم المحدثون الحديث إلى مراتب‪,‬‬


‫فالمتواتر أعلى أنواعه ثم الصحيح ثم الحسن ثم الضعيف ثم الموضوع‪ .‬و‬
‫استخدموا في هذا التقسيم شروط القبول الستة و هي‪ :‬اتصال السند‪ ,‬و‬
‫عدالة الرواة‪ ,‬و ضبط الرواة‪ ,‬و عدم الشذوذ‪ ,‬و عدم العلة القادحة‪ ,‬و وجود‬
‫العاضد عند الحتياج إليه‪.‬‬
‫‪ (6‬التصنيف في الحديث الموضوع‪ :‬خصص المحدثون مؤلفات مستقلة تضم‬
‫الحاديث الموضوعة‪.‬‬
‫‪ (7‬تحديد علمات الحديث الموضوع‪ :‬سيأتي الحديث عنها فيما بعد‪.‬‬
‫علمات الحديث الموضوع‪:‬‬
‫‪ (1‬علمات الوضع في السند‪ :‬يكون الحديث موضوعا إذا كان واحد أو أكثر‬
‫من واحد من الرواة في سنده كذاب‪ .‬و يعرف كذب الراوي أما بإقراره بأنه و‬
‫ضع الحديث‪ ,‬أو بأن يحكم عليه علماء الجرح و التعديل بالكذب‪ ,‬أو بأن يروي‬
‫الراوي عمن لم يثبت أنه لقيه‪.‬‬
‫‪ (2‬علمات الوضع في المتن‪ :‬من أهمها ما يلي‪:‬‬
‫أ – ركاكة لفظه و سماجة أسلوبه‪.‬‬
‫ب – فساد معنى الحديث و مخالفته لبدهيات العقول السليمة‪.‬‬
‫ج – أن يعرف الحفاظ المستوعبون للسنة أن هذا الحديث ليس من أحاديث‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم‪.‬‬
‫د – أن يخالف صريح القرآن‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬أن يخالف صحيح السنة‪.‬‬
‫و – مخالفته لجماع الصحابة‪.‬‬
‫ز – مخالفته للمعلوم من الدين بالضرورة‪.‬‬
‫ح – أن يخالف حقائق التاريخ المعروفة في عصر النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم‪.‬‬
‫ط – الفراط في الوعد و الوعيد لفعال ل تستوجب ذلك‪.‬‬
‫ي – اشتمال الحديث على سخافات و سماجات‪.‬‬
‫المصنفات في الحديث الموضوع‪:‬‬
‫منها المصنفات التالية‪:‬‬
‫‪ (1‬الموضوعات من الحاديث المرفوعات‪ ,‬للحسين بن ابراهيم الجوزقاني‬
‫)ت ‪.(543‬‬
‫‪ (2‬الموضوعات‪ ,‬لبي الفرج عبد الرحمن بي علي ابن الجوزي )ت ‪.(597‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫تاريخ الكتابة العربية وعلقتها بالرسم العثماني‬


‫بقلم ‪ /‬طريق القرآن‬
‫إن الحمد لله ‪ ،‬نحمده ‪ ،‬ونستعينه ‪ ،‬ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ بالله من شرور أنفسنا‬
‫‪ ،‬ومن سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له ومن يضلل فل هادي له ‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ‪،‬‬
‫وصلى الله ‪ ،‬عليه ‪ ،‬وعلى آله ‪ ،‬وصحبه وسلم ‪.‬‬
‫وبعد‬
‫اعلم رحمك الله تعالى أن الله بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمة أميه‬
‫ل تكتب ول تحسب ‪ ،‬ول تعرف عن الخط والكتابة شيئا ‪،‬اللهم إل نزرا ً يسيرا ً‬
‫في جزيرة العرب كلها وبضعة رجال من قريش خاصة ‪ ،‬ونفرا قليل من أهل‬

‫‪48‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المدينة ومجاوريهم من اليهود قد عرفوا الكتابة والخط قبل مبعث النبى ـ‬


‫صلى الله عليه وسلم ـ بقليل ‪ ،‬ولقلة انتشارها في ربوع الجزيرة العربية‬
‫انحصرت في أفراد قلئل من أهلها ‪ ،‬فصح التعبير عن المة العربية بأنها أمة‬
‫أمية ل تقرأ ول تكتب ‪ ،‬وقد جاء السلم وسجل عليها المية بقوله تعالى‪:‬‬
‫ُ‬
‫م‬‫مهُ ُ‬‫م وَي ُعَل ّ ُ‬ ‫م آَيات ِهِ وَي َُز ّ‬
‫كيهِ ْ‬ ‫م ي َت ُْلو عَل َي ْهِ ْ‬ ‫سول ً ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ث ِفي اْل ّ‬
‫مّيي َ‬ ‫ذي ب َعَ َ‬ ‫} هُوَ ال ّ ِ‬
‫ن{… )الجمعة‪(2:‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ل لَ ِ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬‫م ْ‬‫كاُنوا ِ‬ ‫ن َ‬
‫ة وَإ ِ ْ‬
‫م َ‬‫حك ْ َ‬‫ب َوال ْ ِ‬ ‫ال ْك َِتا َ‬
‫والمشهور في دواوين التاريخ أن أول من علم القرشيين الكتابة والخط هو‬
‫حرب بن أمية بن عبد شمس والد أبي سفيان الصحابي الجليل لنه كان رجل‬
‫كثير السفار إلى البلد بالتجارة فتعلم الكتابة والخط على يد أهل تلك البلد‬
‫وعلمها القرشيين ‪.‬‬
‫واعلم رحمك الله أن الخط الذي تعلمه حرب بن أمية وعلمه القرشيين هو‬
‫خبري المسمى بعد انتقاله إلى الحجاز بالحجازي وكان هذا‬ ‫الخط النباري ال ِ‬
‫الخط المتداول على أيدي الكاتبين يكتبون به رسائلهم وأشعارهم وغيرها إلى‬
‫أن جاء السلم فكتبوا به الوحي ثم صحف أبي بكر التي جمع فيها القرآن ثم‬
‫المصاحف العثمانية والتي سيأتي الكلم عنها إن شاء الله تعالى واستمر‬
‫تداول هذا الخط بين الناس يكتبون به مصاحفهم وغيرها إلى أن فتح‬
‫المسلمون الممالك ومصروا المصار ونزلت طائفة من الكتاب الكوفة فعنيت‬
‫بتجويد الخط العربي وتحسينه حتى صار خط أهل الكوفة مميزا ً بشكله عن‬
‫الخط الحجازي فحينئذ سمي بالخط الكوفي وبه كانت تكتب المصاحف‬
‫وغيرها ثم أخذ الخط العربي يسمو ويرتقي على يد هؤلء المهرة الذين كانت‬
‫لهم اليد الطولى في تجويده وتحسينه إلى أن اخترعوا من الخط الكوفي‬
‫والحجازي خطا ً آخر هو مزيج من الخطين السابقين ويعتبر هذا الخط أساس‬
‫الخط الذي يكتب به الن وفي العهد العباسي بدأ الخط العربي يساير سائر‬
‫العلوم نموا ً وتقدما ً من تحويل الكتابة العربية من صورتها الكوفية إلى‬
‫الصورة التي عليها الن وقد اخترعت أشكال كثيرة للخط العربي وفروعا ً‬
‫متعددة وصورا ً شتى لسنا بصدد ذكرها في هذا الموضوع ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تاريخ المصاحف وتدوينها ‪... ... ...‬‬


‫‪... ...‬‬
‫‪... ...‬‬
‫‪28-03-2004‬‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على أشرف الخلق وعلى آله وصحبه أجمعين‬
‫وبعد‬
‫أعلم أرشدك الله أن جمع القرآن وتدوينه مر بثلثة عصور‪:‬‬
‫‪ .1‬الجمع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫وكان عبارة عن كتابة اليات وترتيبها ووضعها في مكانها الخاص من سورتها‬
‫سب والعظام والحجارة والرقاع ونحو‬ ‫ولكن مع بعثرة الكتابة وتفرقها بين العُ ُ‬
‫ذلك حسبما تيسرت لهم أدوات الكتابة‪ ،‬وإن كان التعويل أيامئذ على الحفظ‬
‫والستظهار‪.‬‬
‫‪ .2‬الجمع على عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه‪:‬‬
‫كان عبارة عن نقل القرآن وكتابته في صحف مرتبا ً اليات أيضا مقتصرا فيه‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على ما لم تنسخ تلوته مستوثقا ً له بالتوتر والجماع‪ ،‬وكان الغرض منه‬

‫‪49‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تسجيل القرآن وتقيده بالكتابة مجموعا ً مرتبًا‪ ،‬خشية ذهاب شئ منه بموت‬
‫حفاظه ‪.‬‬ ‫حملته و ُ‬
‫‪ .3‬الجمع على عهد عثمان رضي الله عنه‪:‬‬
‫لما اتسعت الفتوحات زمن عثمان واستبعد العمران وتفرق المسلمون في‬
‫المصار والقطار ونبتت ناشئة جديدة كانت بحاجة لدراسة القرآن وطال عهد‬
‫الناس بالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ والوحي والتنزيل‪ ،‬وكان أهل كل‬
‫إقليم من أقاليم السلم يأخذون بقراءة من اشتهر بينهم من الصحابة‪ ،‬فكان‬
‫بينهم اختلف في حروف الداء ووجوه القراءة‪ ،‬بطريقة فتحت باب الشقاق‬
‫والنزاع في قراءة القرآن‪ ،‬أشبه بما كان بين الصحابة قبل أن يعلموا أن‬
‫القرآن نزل على سبعة أحرف‪ ،‬بل كان هذا الشقاق أشد لبعد هؤلء بالنبوة‬
‫وعدم وجود الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بينهم‪ ،‬يطمئنون إلى حكمه‬
‫ويصدرون جميعا ً عن رأيه‪ ،‬واستفحل الداء وكادت تكون فتنة في الرض‬
‫وفساد كبير‪ ،‬وفي ذلك يروي البخاري في صحيحه بسنده عن ابن شهاب أن‬
‫أنس بن مالك حدثه ) أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان‪ ،‬وكان يغازي‬
‫أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق‪ ،‬فأفزع حذيفة‬
‫اختلفهم في القراءة‪ ،‬فقال حذيفة لعثمان‪ :‬يا أمير المؤمنين أدرك هذه المة‬
‫قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلف اليهود والنصارى! فأرسل عثمان إلى‬
‫حفصة‪ :‬أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف‪ ،‬ثم نرّدها إليك‪،‬‬
‫فأرسلت بها حفصة إلى عثمان‪ ،‬فأمر زيد بن ثابت‪ ،‬وعبد الله بن الزبير‪،‬‬
‫وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام‪ ،‬فنسخوها في‬
‫المصاحف وقال عثمان للرهط القرشيين الثلثة‪ :‬إذا اختلفتم أنتم وزيد بن‬
‫ثابت في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش‪ ،‬فإنما نزل بلسانهم ففعلوا‬
‫حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف‪ ،‬رد ّ عثمان الصحف إلى حفصة‪،‬‬
‫فأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا‪ ،‬وأمر بما سواه من القرآن في كل‬
‫صحيفة أو مصحف أن تحرق ( انتهى‪.‬‬
‫منهاج عثمان في كتابة المصحف‪:‬‬
‫· أن ل يكتبوا في هذه المصاحف إل ما تحققوا أنه قرآن‪ ،‬وعلموا أنه قد‬
‫استقر في العرضة الخيرة‪ ،‬وما أيقنوا صحته عن النبي ـ صلى الله عليه‬
‫وسلم ـ مما لم ينسخ‪ ،‬وتركوا ما سوى ذلك نحو قراءة ‪ ] :‬فامضوا إلى ذكر‬
‫وا{… )الجمعة‪ :‬من الية ‪ (9‬ونحو‪ ] :‬وكان ورائهم‬ ‫سعَ ْ‬‫الله[ بدل كلمة } َفا َ‬
‫ملك يأخد كل سفينة صالحة غصبًا[ بزيادة كلمة ] صالحة[ … ) الكهف‪(79:‬‬
‫إلى غير ذلك ……‬
‫· أن يكتبوا مصاحف متعددة قصد إرسال ما وقع الجماع عليه إلى أقطار بلد‬
‫المسلمين ‪،‬وهي الخرى متعددة‪.‬‬
‫· وأن تكون متفاوتة في الثبات والحذف والبدل وغيرها لنه رضي الله عنه‬
‫قصد اشتمالها على الحرف السبعة‪ ،‬وجعلوها خالية من النقط والشكل‬
‫تحقيقا ً لهذا الحتمال أيضًا‪ ،‬فكانت بعض الكلمات يقرأ رسمها بأكثر من وجه‬
‫ها {من قوله تعالى‪َ } :‬وان ْظ ُْر‬ ‫شُز َ‬‫عند تجردها من النقط والشكل نحو‪ } :‬ن ُن ْ ِ‬
‫ها{…)البقرة‪ :‬من الية ‪ (259‬فإن تجردها من النقط‬ ‫شُز َ‬ ‫ظام ِ ك َي ْ َ‬
‫ف ن ُن ْ ِ‬ ‫إ َِلى ال ْعِ َ‬
‫ها{ بالراء وبالزاي وبه وردة‬ ‫شُز َ‬ ‫والشكل يجعلها ُتقرأ }ننشرها{ و} ن ُن ْ ِ‬
‫َ‬
‫سقٌ ب ِن َب َأ ٍ فت َب َي ُّنوا {‬ ‫َ‬
‫م فا ِ‬ ‫ُ‬
‫جاَءك ْ‬ ‫القراءة‪ ،‬ونحو } فَت َب َي ُّنوا { من قوله تعالى‪ }:‬إ ِ ْ‬
‫ن َ‬
‫… )الحجرات‪ :‬من الية ‪ (6‬فإنها تقرأ أيضا ً } فتثبتوا{ عند خلوها من النقط‬
‫والشكل وهي قراءة أخرى‪.‬‬
‫وها من النقط والشكل‪،‬‬ ‫خل ُّ‬
‫ُ‬ ‫عند‬ ‫قراءة‬ ‫من‬ ‫أكثر‬ ‫على‬ ‫· أما الكلمات التي تدل‬

‫‪50‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مع ورودها بقراءة أخرى أيضا ً فإنهم رسموها في بعض المصاحف برسم يدل‬
‫صى{ بتضعيف من‬ ‫على قراءة‪ ،‬وبعض آخر يدل على القراءة الثانية نحو } و ّ‬
‫م ب َِنيهِ { … )البقرة‪ :‬من الية ‪ } (132‬وأوصى‬ ‫هي ُ‬
‫صى ب َِها إ ِب َْرا ِ‬
‫قوله تعالى‪} :‬وَوَ ّ‬
‫حت َِها‬
‫َ ْ‬ ‫ت‬ ‫}‬ ‫قراءة‬ ‫ونحو‬ ‫صحيحتان‪،‬‬ ‫قراءتان‬ ‫وهما‬ ‫المصاحف‬ ‫{ بالهمز في بعض‬
‫اْل َن َْهاُر{ …)التوبة‪ :‬من الية ‪ (89‬من قوله تعالى‪ } :‬تجري تحتها النهار{‬
‫ن { قبل } اْل َن َْهاُر{ وهما قراءتان أيضا ً ‪.‬‬ ‫م ْ‬
‫بزيادة } ِ‬
‫وخلصة القول أن اللفظ الذي ل تختلف فيه وجوه القراءات‪ ،‬كانوا يرسمونه‬
‫بصورة واحدة ل محالة‪ ،‬أما الذي تختلف فه وجوه القراءات فإنه كان ل يمكن‬
‫رسمه في خط محتمل لتلك الوجوه كلها فأنهم يكتبونه برسم ُيوافق بعض‬
‫الوجوه في مصحف ثم يكتبونه برسم آخر يوافق الوجوه الخرى في مصحف‬
‫أخر‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫· وكانوا يتحاشون أن يكتبوا بالرسمين في مصحف واحد خشية أن يتوهم أن‬


‫اللفظ نزل مكررا ً بالوجهين في قراءة واحدة‪ ،‬بل هما قراءتان نزل اللفظ‬
‫في إحداهما بوجه واحد الثانية بوجه آخر من غير تكرار‪ ،‬وكانوا أيضا ً يتحاشون‬
‫أن يكتبوا هذا اللفظ في مصحف واحد برسمين أحدهما في الصل والخر‬
‫في الحاشية‪ ،‬لئل يتوهم أن الثاني تصحيح للول‪.‬‬
‫والذي دعا الصحابة رضوان الله تعالى عليهم جميعا ً إلى انتهاج هذه الخطة‬
‫في رسم المصاحف وكتابتها أنهم تلقوا القرآن عن رسول الله ـ صلى الله‬
‫عليه وسلم ـ بجميع وجوه قراءاته‪ ،‬وبكافة حروفه التي نزل عليها‪ ،‬وحتى ل‬
‫يقال أنهم أسقطوا شئ من قراءاته‪ ،‬أو منعوا أحدا ً من القراءة بأي حرف‬
‫شاء‪ ،‬على أنها كلها منقولة نقل متواترا ً عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‬
‫حيث يقول عليه السلم ) فأي ذلك قرأتم أصبتم فل ُتماروا( ‪.‬‬
‫وكان منهاجه رضي الله عنه أنه قال لهؤلء القرشيين‪ ) :‬إذا اختلفتم أنتم وزيد‬
‫في شئ من القرآن فاكتبوه بلسان قريش‪ ،‬فإنما نزل بلسانهم ( ففعلوا حتى‬
‫إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة‪ ،‬وأرسل إلى‬
‫كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو‬
‫مصحف أن يحرق غلقا ً لباب الفتنة‪.‬‬
‫وإنما فعل ذلك إل بعد استشار الصحابة‪ ،‬واكتساب موافقتهم‪ ،‬روى أبو بكر‬
‫النباري عن سويد بن غفلة‪ ،‬قال‪ ) :‬سمعت علي بن أبي طالب ري الله عنه‬
‫ق‬
‫حر ُ‬‫يقول ‪ " :‬يا معشر الناس أتقوا الله وإياكم والغلو في عثمان وقولكم ّ‬
‫مصاحف‪ ،‬فوالله ما حرقها إل عن مل ٍ منا أصحاب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم "(‪ ،‬وعن عمر بن سعيد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه‪ ) :‬لو‬
‫كنت الوالي وقت عثمان‪ ،‬لفعلت في المصاحف مثل الذي فعل عثمان (‬
‫رضي الله عن الجميع‪ ،‬وجزاهم أحسن الجزاء على هذا الصنيع‪... ... .‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تاريخ الطماع اليرانّية ‪..‬لم يتغّير شيء!‪...‬‬


‫للشيخ حامد العلي حفظه الله‬
‫عنوان المقال ‪ :‬تاريخ الطماع اليرانية ‪..‬لم يتغير شيء!‬
‫الرابط الصوتي ‪:‬‬

‫‪51‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫نظم البداية والنهاية الجزء الول‬


‫للشيخ حامد العلي بإلقاءه‬
‫‪http://www.h-alali.info/npage/snd_open.php?id=59‬‬
‫تاريخ الطماع اليرانّية ‪..‬لم يتغّير شيء!‬
‫حامد بن عبدالله العلي‬
‫متنا ‪ ،‬منذ عهد النظام الصفوي* في إيران ‪،‬‬ ‫لشيءقد تغّير من جهة تهديد أ ّ‬
‫م‬
‫ن كان الصفيون ث ّ‬ ‫ثم الغاجاري ‪ ،‬ثم البهلوي ‪ ،‬ثم الخميني ‪ ،‬فمنذ أ ْ‬
‫دخرا أيّ إسهام في‬ ‫الغاجاريون ‪ ،‬العدوّْين الّلدودْين للخلفة السلمية ‪ ،‬إذ ْ لم ي ّ‬
‫مؤامرة مع أعداء السلم لسقاطها ‪ ،‬وقد كانت الخلفة السلمية تأتيها أشد ّ‬
‫الطعنات غدرا من هذا العدّو‪ ،‬في أْوج فتوحاتها السلمية في أوربا‪.‬‬
‫منذ ذلك الحين إلى اليوم ‪ ،‬بقيت الروح العدائية التوسعية بحالها ‪ ،‬تتوارد على‬
‫النظم الحاكمة في إيران‬
‫ح أّنه عندما ظهر الخميني قائد الثورة الخمينية ‪ ،‬كان قد أعلن في‬ ‫صحي ٌ‬
‫باريس في نوفمبر ‪1979‬م منهج الثورة التي أسماها )إسلمية( ‪ ،‬وكشف عن‬
‫أهدافها قائل ‪ :‬رفع المظالم‪ ،‬و العودة بالعلقات اليرانية مع الشعوب ‪ ،‬و‬
‫ل المشاكل القائمة بين إيران ‪ ،‬و‬ ‫الدول الخرى ‪ ،‬إلى علقات طبيعّية ‪ ،‬و ح ّ‬
‫الدول الخرى وفق )المفاهيم السلمية(! و في رّده على سؤال حول احتلل‬
‫وات الشاه للجزر العربّية‪ ،‬و عزم الثورة اليرانية على إعادتها لصحابها‪...‬‬ ‫ق ّ‬
‫كد بأن الثورة قامت لتنصر الحقّ ‪ ،‬و لتسحق الباطل ‪،‬و لترفع المظالم التي‬ ‫أ ّ‬
‫ارتكبها الشاه ‪ ،‬كما كان كبار الساسة في بداية الثورة يطلقون على الخليج‬
‫العربي ‪ ،‬بأنه الخليج السلمي !‬
‫ن هذا الكلم المعسول كان يخفي وراءه نوايا‬ ‫غير أّنه قد تبّين بعد ذلك أ ّ‬
‫مة ‪،‬‬ ‫ً‬
‫عدوانّية ‪ ،‬لتقل خطرا عن أيّ عدوّ آخر ُيضمر شرا لهذه ال ّ‬
‫ول إلى جوهر العمل‬ ‫فسرعان ما أطلق الخميني مبدأ تصدير الثورة ‪ ،‬فتح ّ‬
‫السياسي ‪ ،‬والمخابراتي ‪ ،‬والقتصادي ‪ ،‬والديني ‪ ،‬للنظام الحاكم في إيران ‪،‬‬
‫وبدأ بالتأكيد على فارسية الخليج ‪ ،‬في عنصرية مقيتة‪.‬‬
‫ثم لم تلبث الثورة أن كشفت عن أخبث طواياها ‪ ،‬عندما بدأت بالهجوم‬
‫لحتلل العراق ‪ ،‬بعدما أعلن الخميني أن الطريق إلى القدس يمر عبرها ‪ ،‬بل‬
‫بعد تحرير الحرمين ‪ ،‬ومنذ ذلك الحين دأب هذا النظام على نشر الفوضى ‪،‬‬
‫ة للناس‬ ‫وإشاعة الفتنة في الجوار ‪ ،‬وحّتى حَرم ِ الله تعالى الذي جعله مثاب ً‬
‫وأمنا ‪ ،‬لم يسلم من فتنهم ‪ ،‬فلقي المسلمون في مواسم كثيرة أشد ّ العنت‬
‫من أحقادهم ‪ ،‬وصلت إلى إهراق الدماء ‪ ،‬وإرهاب المنين جوار بيت الله‬
‫المع ّ‬
‫ظم ‪.‬‬
‫ولما فشلت جميع مخططاتهم ‪ ،‬وانقلبوا خاسئين ‪ ،‬وجدوا فرصتهم السانحة ـ‬
‫كعادتهم ـ في استغلل الحملة الصهيوصليبة على أفغانستان والعراق ‪ ،‬فكانوا‬
‫فيها أخبث أعوانها ‪ ،‬وإخوان شياطينها‪.‬‬
‫ططين الصليبيّين ‪ ،‬رأْوا أن تحييد إيران أثناء تنفيذ الجزء الّول‬ ‫ن المخ ّ‬ ‫ذلك أ ّ‬
‫من استراتيجية الهيمنة على المنطقة ‪ ،‬عبر إحتلل العراق ‪ ،‬سيحقق أهدافهم‬
‫‪ ،‬دون خسائر كبيرة ‪ ،‬ففتحوا الباب على مصراعيه ‪ ،‬لعائلة الحكيم ‪ ،‬وحزب‬
‫الدعوة بزعامة الجعفري ‪ ،‬وبقية أولئك الذناب المطّبلة وراء الحملة الصليبية‬
‫ول عبدالعزيز الحكيم‬ ‫‪ ،‬كما أنهم استفادوا بذلك تهدئة شيعة العراق ‪ ،‬وتح ّ‬
‫ضل لدى الخارجية المريكية ‪ ،‬والستخبارات‬ ‫نيابة عن أخيه ‪ ،‬إلى الرجل المف ّ‬
‫في واشنطن ‪ ،‬جنبا إلى جنب مع جلل طالباني ‪ ،‬واحمد الجلبي ‪ ،‬وإياد علوي‬
‫‪ ،‬أثناء وضع الخطط لحتلل العراق !‬

‫‪52‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكان لدى هؤلء العلقمة ‪ ،‬تحقيق حلم الخميني بتدمير العراق ‪ ،‬للسيطرة‬
‫ل ماضيه الذي يذ ّ‬
‫كر‬ ‫على مقدراته ‪ ،‬والنتقام منه ‪ ،‬وإزالة ما فيه من ك ّ‬
‫م إلحاقه بالنظام العنصري في طهران ‪ ،‬كان أولى من‬ ‫بعروبته وإسلمه ‪ ،‬ث ّ‬
‫ل حضارة أمتنا ‪ ،‬تاريخها ‪ ،‬ومستقبلها !‬ ‫ك ّ‬
‫َ‬
‫ن الحتلل إنما يركبهم‬ ‫ى الحقد على أبصارهم ‪ ،‬حّتى لم يرْوا أ ّ‬ ‫ول أدري أَفغش َ‬
‫ل شيء ـ بين‬ ‫مطايا ‪ ،‬إلى أن يحين وقت إعادة التوازن ـ ولو بحرب تحرق ك ّ‬
‫القوى القليمية ‪ ،‬التي أشار إلى قرب وقتها ‪ ،‬ملك الردن ‪ ،‬ورئيس مصر ‪،‬‬
‫وغيرهما ‪ ،‬تباعا ‪ ..‬ثم يحيق بهم مكر السوء ‪ ،‬وتدور عليهم دائرته ‪.‬‬
‫صاحب الحقاد أعمى ** ليرى شيئا سواها‬
‫ّ‬
‫ن الوقت سيكون قد فات على ممتطيهم ‪ ،‬بعد أن يتمكنوا من‬ ‫أم أّنهم ظّنوا أ ّ‬
‫سع جنوبا‬ ‫ققوا أحلمهم الشيطانية بالتو ّ‬ ‫العراق ‪ ،‬فيفرضوا المر الواقع ‪ ،‬ويح ّ‬
‫ول إلى نار تحرق حضارتنا ‪ ،‬من‬ ‫وشرقا ‪ ،‬عبر الهلل الشيعي ‪ ،‬ثم يتح ّ‬
‫الشرق ‪ ،‬كما هي نار الغرب الصهيوصليبي ؟!!‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بلى‪ ..‬أدرى ‪ ،‬إنهما معا قد دفعا بالصفويين إلى هذه الورطة ‪،‬وقبل ذلك‬
‫كه ‪ ،‬سّنة الله تعالى التي أقام عليها الكون ‪ ،‬فما من ظالم‬ ‫والحقيقة التي تحر ّ‬
‫ل سيف البغي ُقتل له ‪ ،‬فقد فعلت أذرعة النظام‬ ‫إل سُيبلى بأظلم ‪ ،‬ومن س ّ‬
‫الصفوي في العراق ومعها حزب حسن نصر فرع العراق ‪ ،‬في المسلمين ‪،‬‬
‫كرهم بجرائم المغول فيها ‪ ،‬فضل عن جرائمهم في عرب الحواز ‪ ،‬وسنة‬ ‫ما ذ ّ‬
‫إيران ‪ ،‬التي لتوصف بشاعة من ثلثة عقود ‪.‬‬
‫وهذا كّله ليس غريبا على من يقرأ تاريخ السلم ‪ ،‬ويعرف حقيقة النظام‬
‫الجاثم على مقدرات الشعب اليراني الذي جنى عليه نظام الخميني قبل أن‬
‫يجني على غيره ‪.‬‬
‫غير أن الغريب ‪ ،‬تلك الجهالت التي يطلقها المحسوبون على الحركة‬
‫مة عن حقيقة‬ ‫السلمية من تأييد حزب حسن نصر ‪ ،‬وهم في عماية تا ّ‬
‫طط لتدمير أمتنا ‪ ،‬والعبث بثقافتها ‪،‬‬ ‫إرتباطه بالخطر الصفوي الذي يخ ّ‬
‫واجتيال هوّيتها ‪.‬‬
‫متنا مّرتين ‪،‬‬
‫وأنهم ُيخدعون بعدما رأوا خيانة هذا العدو ل ّ‬
‫ذكرون ؟!‬ ‫هم ي ّ‬‫ل مّرة ُيفتنون ‪ ،‬ثم ليتوبون ‪ ،‬ول ُ‬ ‫أفي ك ّ‬
‫ل بأهله ‪ ،‬فيقلبهم من النقيض إلى‬ ‫كر التاريخ ‪ ،‬وكيف يتلعب الجه ُ‬ ‫وتعالوا نتذ ّ‬
‫النقيض!‬
‫دعي السلم ‪،‬‬ ‫عندما قامت ثورة الخميني وأظهرت شعارات مخادعة ت ّ‬
‫فق لها كثير من‬ ‫وأغلقت سفارة الصهاينة ‪ ،‬وأعلنت الحرب على أميركا ‪ ،‬ص ّ‬
‫المخدوعين بشعاراتها ‪.‬‬
‫ّ‬
‫ل من منظري‬ ‫كر هذه الحادثة ‪ ،‬فقد قلت ذات مرة لفاض ٍ‬ ‫وكم يؤلمني أن أتذ ّ‬
‫حركة إسلمية ‪ ،‬بدا معجبا بثورة الخميني ‪ ،‬لعلكم ستكونون أنتم أّول من‬
‫ي بنظرات الشفقة ‪ ،‬مستصغرا إياي ‪ ،‬فما لبثت تلك‬ ‫يصطلي بنارها ‪ ،‬فألقى إل ّ‬
‫ّ‬
‫النظرات حتى وجدتها في عيني ‪،‬وأمامي ذلك المنظر ‪ ،‬عندما وقف نظام‬
‫الخميني داعما لمجازر حليفه في سوريا وجنازر الدبابات تطحن أهل حماة ‪،‬‬
‫ي‪،‬‬‫وبطون الحوامل ُتبقر فيها ! فكان الرجل مذهول كيف يؤيد نظام إسلم ّ‬
‫نظاما علمانيا بعثيا قمعيا ‪ ،‬إلى هذه الدرجة ؟!‬
‫ثم بعدما صار هذا المسكين ‪ ،‬مؤيدا للنظام البعثي في العراق ‪ ،‬أثناء حربه‬

‫‪53‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مع النظام الصفوي الباطني في طهران ‪ ،‬عاد فانقلب ‪ ،‬فرأيته )يطّبل( مع‬
‫حزب حسن نصر !!‬
‫ولو أّني رأيته اليوم لقلت له ‪ :‬وكيف يكون حزب حسن نصر مواليا لنظام‬
‫علماني بعثي جرائمه لُتحصى ‪ ،‬وفصيل في جيش الثورة الخمينية ‪ ،‬التي‬
‫مة في أفغانستان والعراق ‪ ،‬يلغ معها في دماء المسلمين في بغداد ‪،‬‬ ‫خانت ال ّ‬
‫متنا في لبنان ؟!‬
‫ثم يكون مجاهدا مع أ ّ‬
‫وليت شعري إذا كانت عقول هؤلء الذين ُيطلقون على أنفسهم حركات‬
‫ل من يتبّنى مأساة أهلنا في‬ ‫إسلمية ‪ ،‬لتّتسع أن يفهموا أّنه ليس ك ّ‬
‫ن يعارضوا‬ ‫َ‬
‫فلسطين ‪ ،‬يريد بنا الخير ‪ ،‬فليصمتوا خيرا لهم ‪ ،‬وإل ّ فل معنى ل ْ‬
‫الحزاب العلمانّية القومّية ‪ ،‬والشتراكّية ‪ ،‬والشيوعّية ‪ ،‬التي تبّنت القضية‬
‫دمت لها التضحيات أيضا ‪ ،‬ثم يؤيدوا الثورات الباطنية كالخمينية‬ ‫نفسها ‪ ،‬وق ّ‬
‫متنا ‪ ،‬تلك الثورة التي لم يستطع‬ ‫ذات الرصيد الهائل من الخيانات ضد أ ّ‬
‫ّ‬
‫الصليبّيون أصل أن ينجحوا في تحويل العراق إلى مرتع للصهاينة إل بها!! مع‬
‫ن هؤلء الباطنيين سُيلحقون بالقضية الفلسطينية دمارا هائل ‪ ،‬قد بدؤوه‬ ‫أ ّ‬
‫بالفعل‪.‬‬
‫ّ‬
‫ن هذه الثورة الباطنية لو احتلت فلسطين‬ ‫ه أولئك ‪ ،‬إذا لم يستبصر أ ّ‬ ‫ن فق َ‬‫ثم إ ّ‬
‫‪ ،‬لوجب شرعا تحريرها منهم ‪ ،‬مثلما يجب تحريرها من الصهاينة ‪ ،‬كما حرر‬
‫صلح الدين مصر من الفاطمية ‪ ،‬ولهذا فهم أشد ّ الناس بغضا لصلح الدين ‪،‬‬
‫فلم يشفع له عندهم تحريره للقدس !!‬
‫إذا لم يستبصروا هذه البصيرة ‪ ،‬فإنهم والله أسوء الناس فقها ‪ ،‬بل أعماهم‬
‫بصيرة !‬
‫وبعد ‪:‬‬
‫ن كان‬ ‫ي ‪ ،‬وإ ْ‬ ‫ي ‪،‬والغرب ّ‬
‫متنا ‪ :‬الشرق ّ‬‫ن هذا الصراع بين العدّوين اللدودين ل ّ‬ ‫فإ ّ‬
‫مة السلم ‪،‬‬ ‫ن عاقبته ستكون خيرا ل ّ‬ ‫سيّتسع ويشيع الفوضى إلى حين ‪ ،‬غير أ ّ‬
‫وإّنه لمن الواجب اليوم تبصير المسلمين ‪ ،‬بحقيقة العدّوين ‪ ،‬من غير إنحياز ‪،‬‬
‫ف لجهادنا ‪،‬‬ ‫ن كليهما هد ٌ‬
‫نأ ّ‬
‫ره ‪ ،‬وبيا ّ‬ ‫ول تجاهل لحدهما ‪ ،‬ولتهوين من خط ِ‬
‫ً‬
‫فليذهبا إلى الجحيم سوّيا ‪ ،‬وليبقَ السلم وإن رغمت أنوفهم جميعا ‪.‬‬
‫**********‬
‫* الدولة الصفوية نسبة إلى مؤسسها إسماعيل الصفوي ‪ ،‬ظهر إسماعيل‬
‫الصفوي في مطلع القرن العاشر الهجري‪ ،‬ونجح في إقامة دولة شيعية في‬
‫إيران سنة )‪907‬هـ = ‪1502‬م( وأعلن نفسه ملكا‪ ،‬وأصدر السكة باسمه‪،‬‬
‫وجعل المذهب الشيعي هو المذهب الرسمي ليران بعد أن كانت تتبع‬
‫المذهب السني‪ ،‬وبدأ يتطلع إلى توسيع مساحة دولته‪ ،‬فاستولى على العراق‪،‬‬
‫وأرسل دعاته لنشر المذهب الشيعي في الناضول‪ ،‬مما أثار حفيظة الدولة‬
‫العثمانية المجاورة لها‪ ،‬وبدأت المناوشات العسكرية بينهما في أواخر عهد‬
‫السلطان بايزيد خان‪ ،‬ثم تحولت إلى صدام هائل بين الدولتين في عهد سليم‬
‫الول‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أعلن سليم الول الحرب على الصفويين‪ ،‬وسار بجيوشه من أدرنة متجها إلى‬
‫تبريز في )‪ 22‬من المحرم ‪902‬هـ = ‪ 14‬مارس ‪1514‬م( فتقهقرت الجيوش‬
‫الفارسية أمامه بقصد إنهاك قواه حتى تسنح لها الفرصة للنقضاض عليه‪،‬‬
‫والتقى الجيشان في وادي جالديران في )‪ 2‬من رجب ‪ 920‬هـ = ‪24‬‬

‫‪54‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أغسطس ‪1514‬م( وكانت معركة هائلة حسمت فيها المدفعية العثمانية‬


‫النصر للسلطان سليم الول‪ ،‬وفر الشاه إسماعيل الصفوي‪ ،‬وتمزق جيشه‪،‬‬
‫ودخل السلطان سليم تبريز حاضرة الصفويين‪ ،‬يحمل على رأسه أكاليل‬
‫النصر في الرابع عشر من رجب‪ ،‬وأثمر هذا النصر عن ضم السلطان سليم‬
‫كثيرا من بلد أرمينية الغربية‪ ،‬وما بين النهرين‪ ،‬وتبليس‪ ،‬وديار بكر‪ ،‬والرقة‬
‫والموصل‪ ،‬ثم عاد إلى بلده ‪.‬‬
‫منقول من موقع الشيخ حفظه الله ‪:::‬‬
‫‪http://www.h-alali.info/npage/mqalat_open.php?id=341‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫تاهت الدنمارك ‪..‬بإمكاننا النهوض وتغيير وجه العالم‬


‫معتصم أّبكر محمود*‬
‫فجأة انقطع التيار الكهربي؛ فاستلقيت على سرير في فناء الدار‪ ..‬أخذت‬
‫أحملق في السماء‪ ..‬أسرتني روعتها الساحرة وتغيرت أحاسيسي المهترئة‪..‬‬
‫ي‪ ،‬وإذا بالنجوم تزداد لمعانا ً وعناقا ً كأنها‬ ‫مقلت ّ‬ ‫فإذا بنور القمر يصافح ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ي بشيء‪ ..‬وكلما توغل الليل ازدادت لمعانا وعناقا‪ ..‬إنها‬ ‫سّر إل ّ‬
‫تخاطبني‪ ،‬وت ُ ِ‬
‫لوحة بديعة ل تستطيع البومة أن تغير من ملمحها بصوتها المزعج‪..‬‬
‫وفي ليل واقعنا الراهن ثمة قمر منير‪ ،‬وثمة نجوم تتلل‪ ،‬وثمة شمس احتجبت‬
‫لتشرق في الغد التي‪..‬‬
‫لتنا تعود‪ ..‬باستطاعتنا‬ ‫إن أحلمنا ليست مستحيلة‪ ..‬باستطاعتنا أن نجعل ضا ّ‬
‫أن نغير وجه العالم الشرير إلى وجه آخر يشعّ بالضياء‪ ..‬فعلى من يريد‬
‫التغيير أن يقول‪ :‬سأسعى وأسعى من أجل التغير؛ حتى ولو انقطع أملي في‬
‫العباد فلن ينقطع أملي في رب العباد‪ ،‬وحتى ولو فشلت في استمالة القلوب‬
‫إلى منهج الله فلن أفقد الثقة في مقلب القلوب والبصار‪ ،‬وسأمضي في‬
‫طريقي رغم كيد النائبات‪ ،‬وسأبذل قصارى جهدي حتى يتحقق هذا المر أو‬
‫أهلك دونه‪..‬‬
‫ل يعقل أن تفقد أمة شهيتها في العزة والنصر والخلص والسعادة‪ ،‬وتفقد‬
‫ث الصورة الجميلة للذكريات الموروثة‪ ،‬أو احتمالت‬ ‫ذاكرُتها المقدرة َ على ب ّ‬
‫مستقبلها المشرق‬
‫َ‬
‫مثل هذه المشاعر‪ ،‬والتأكيدات اليجابية لجديرة أن تجد لها في قلوبنا‬
‫منتجعات آمنة‪ ..‬ول بد للمل أن يترسب في أعماق وعينا‪..‬‬
‫ولكن من المؤسف حقا ً أن يبلغ ببعضنا اليأس إلى الحد الذي يعتقدون فيه أن‬
‫استحالة تغّير العالم السلمي من المسّلمات التي ل تنتطح فيها عنزتان‪..‬‬
‫وأن إمكانية التغيير هي الوجه الخر المعجزة‪ ..‬وأن فكرة النهوض أسطورة ل‬
‫حد‬‫تجد لها مرتعا ً إل في أفلم الكرتون‪ ..‬وإن الحديث عن مجتمع إسلمي مو ّ‬
‫‪ -‬تسوده المبادئ السلمية السامية‪ ،‬والقيم النسانية الفاضلة ‪ -‬هو حلم‬
‫يقظة يوتيبياوي ليس إل‪..‬‬
‫والفاجعة الكبرى هي أن هذه المعتقدات المنتنة‪ ،‬السالبة قد اصطبغت في‬
‫مّية‪..‬‬
‫س ّ‬
‫عقولهم بأصباغ دوجماطيقية عالية ال ُ‬
‫ل يعقل أن تفقد أمة شهيتها في العزة والنصر والخلص والسعادة‪ ،‬وتفقد‬
‫ث الصورة الجميلة للذكريات الموروثة‪ ،‬أو احتمالت‬ ‫ذاكرُتها المقدرة َ على ب ّ‬
‫مستقبلها المشرق!!‪ ..‬كل ما تتذكره هو عجزها عن فعل شيء!!‪ ..‬إنها‬
‫ميه بـ )مرض الكتئاب الجمعي(‪..‬‬ ‫ُ‬
‫س ّ‬ ‫أعراض إكلينيكية لما أ َ‬

‫‪55‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إنهم بهذا يضربون بكل سنة كزموزية عرض الحائط‪ ..‬لقد نسوا أن كل‬
‫الحضارات تبدأ من ضعف وتتجه إلى القوة؛ مثل النسان تمامًا‪..‬‬
‫إن أمريكا ‪ -‬التي يقول البعض عنها بل حياء )إنها سيدة العالم( ‪ -‬لم تكن في‬
‫العهد القريب شيئا ً مذكورًا‪ ..‬كانت نطفة من جهل الهنود‪ ،‬ونيرانهم‪..‬‬
‫لننا لم نحس بالخطر حتى الن؟‪ ،‬أم لننا‬ ‫ثمة أسئلة تدور في خاطري‪ ..‬أ َِ‬
‫نستشعره ولكننا سّلمنا بأن الكوارث واقعة ل محالة؛ وأن التحور لمواكبة‬
‫هذه الحقيقة الماثلة ضرورة حتمية؟‪ ..‬لماذا ل نبحث عن طريق يخرجنا من‬
‫هذه المتاهة؟!‪..‬‬
‫إن أعداءنا لن يعطوا هؤلء الغافلين بطاقات تكريمية‪ ،‬ولن يفرقوا في قتلهم‬
‫بين الذي يقضي ليله ساجدا ً لله تعالى وبين الذي ورث الدين عن أبويه‬
‫واتخذه لعبا ً ولهوا ً وهو أهون عليه من ثوبه القديم‬
‫إنني متأكد بدرجة ل تدع احتمال ً للشك أن بعضا ً منا ليس لهم إرادة في‬
‫التغيير!!‪ ..‬وأشك شكا يقارب اليقين في أن لهم مجرد الرغبة في ذلك‪..‬‬
‫وأعرف أن إخوانا ً لنا – هداهم الله – ل يهمهم أمر هذا الدين‪ ..‬ومن تشريف‬
‫الله للدين‪ ،‬ولسنة التغيير قد اختار للقيام بأمرهما الخيار‪..‬‬
‫إن أعداءنا لن يعطوا هؤلء الغافلين بطاقات تكريمية‪ ،‬ولن يفرقوا في قتلهم‬
‫بين الذي يقضي ليله ساجدا ً لله تعالى وبين الذي ورث الدين عن أبويه‬
‫واتخذه لعبا ً ولهوا ً وهو أهون عليه من ثوبه القديم‪ ..‬كم من المستهترين‬
‫بالدين‪ ،‬والمنتسبين للدين ل صلة لهم بالسلم سوى قولهم )إننا مسلمون(‬
‫وهم قد قتلوا في بلد المواجهة‪ ،‬وقد كانوا يعجبون بالعدو‪ ،‬ويقدسون نجومه‬
‫المعتمة‪..‬‬
‫ً‬
‫هنالك الكثير من أنواع القتل في كل القطار السلمية تقريبا غير قتل‬
‫النفس؛ فهنالك قتل الهوية‪ ،‬وقتل الرادة‪ ،‬وقتل الكرامة‪ ،‬وقتل العزة‪ ،‬وقتل‬
‫الستقللية‪ ،‬وقتل المل!!‪ ..‬كل هذا أخطر بكثير من الموت إثر رصاصة‬
‫حاقدة‪.‬‬
‫ومات‬ ‫إن الشعور بوحدة العقيدة‪ ،‬ووحدة الحياة‪ ،‬ووحدة المصير من أهم مق ّ‬
‫مق هذا في نفوسنا‪..‬‬ ‫الجماعة الناجحة؛ وعلينا أن ُنع ّ‬
‫إننا شئنا أو أبينا أمة واحدة تحت سقف الخريطة‪ ،‬والهم أن الخرين يصنفوننا‬
‫كذلك؛ فما الذي يمنعنا أن نكون كتلة حقيقية‪ ،‬وجسدا ً إذا اشتكى منه عضو‬
‫مى؟!‪ ،‬وما لم يحدث هذا فلن نجني من‬ ‫تداعى له سائر الجسد بالسهر والح ّ‬
‫نزاعاتنا الفردية سوى عبثية الفرد‪ ،‬وغثائية الجماعة الزائفة!!‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ون ائتلفا ً بشريا ً ذا تأثير فعال إل حول عقيدة‪ ،‬أو فكرة‬


‫إننا ل نستطيع أن نك ّ‬
‫النهضة‪ ،‬وأن نجعل كلمة الله هي العليا‪ ،‬وكلمة الذين كفروا السفلى‪ ..‬ولماذا‬
‫ل نتفق حول فكرة تؤمن بضرورة خروجنا من هذا التيه الذي دخلنا فيه بعد‬
‫سقوط الخلفة؟!‪..‬‬
‫إنني أسمع صوتا ً يقول‪) :‬نعم‪ ،‬نريد أن نّتحد‪ ،‬ولكن بيننا بعض الختلف(‪..‬‬
‫ولكن ثمة قراءة منطقية للحياة تقول‪) :‬لو لم نختلف أبدا ً لوجب علينا أن‬
‫نختلف؛ لن جوهر النسانية ل ُيرى إل عبر مجهر الختلف(!!‪..‬‬
‫بالطبع ليس المقصود ذلك الختلف السفسطي الذي ل مبرر له؛ ولكن‬
‫المقصود ذلك الذي يصنع فرقا ً في الجهد؛ ليسري في المة تيار الحياة‪..‬‬
‫إننا في هذه المرحلة نحتاج على القل إلى وحدة عاطفية‪ ،‬وستقودنا العاطفة‬

‫‪56‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصادقة إلى فعل مشترك؛ فإن كانت الجماعة متحدة عاطفيا ً فقط؛ وليس‬
‫جا‪ ،‬أو‬
‫معْوَ ّ‬
‫صِلح ُ‬
‫للفرد دور إيجابي في التعبير عن عاطفته بصورة عملية ت ُ ْ‬
‫ضيف إلى بناء فليس لهذه الوحدة معنى!!‪..‬‬
‫تُ ِ‬
‫أخي! إن كنت تعتقد أن الوحدة مهمة لكنها مستحيلة فاعلم أنك حائل‬
‫دونها!!‪ ..‬وإن كنت ل تعتقد أنها ضرورية فليس ثمة فرق بين إعلنك عداوة‬
‫المسلمين وهذا العتقاد!!‪..‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تاهت الدنمارك؛ فمتى سنخرج من تيهنا؟‬


‫معتصم أّبكر محمود*‬
‫إنك لتجد آلف الكلمات التي تعبر بها عن فرحك‪ ،‬ولكن عندما تحزن تعجز‬
‫عن قول عبارة واحدة‪ ،‬فتتراقص حولك كلمات الخرين‪.‬‬
‫وأنا في غرفتي أتمّرغ في حزني‪ ،‬فكأن هؤلء العقلء من الغرب جاءوا‬
‫لعزائي‪ ،‬وكأن )اتيين دينييه( يربت على كتفي‪ ،‬ويقول‪ :‬إن صورة نبينا الجليلة‬
‫التي خّلفها المنقول السلمي تبدو أجل وأسمى إذا قيست بهذه الصور‬
‫المصطنعة الضئيلة التي صبغت في ظلل المكاتب بجهد جهيد‪ ..‬ونرجو أن‬
‫يعرف العلماء ضللهم؛ فيعدلوا عن النيل من هذه الصروح المعجزة التي‬
‫رفعها التاريخ؛ إقرارا ً بفضل أنبياء العرب‪ ،‬وأنبياء بني إسرائيل على النسانية؛‬
‫فإن هذه الصروح أصلب من أن تخدشها تلك المعاول(‪.‬‬
‫وكأني أقول له‪) :‬شكرا ً لك؛ لقد كنت فنانا ً رائعا ً دافعت بريشتك وقلمك عن‬
‫السلم(‪ ..‬وكنت أريد من الناس أن يعرفوا حقيقية الشرار الذين يحاربون‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ويحاربون السلم‪ ،‬وكأن الكونت هنري دي‬
‫كاسترو يقلل من شأنهم‪ ،‬ويمسح دمعة كانت على خدي؛ إذ يقول‪) :‬وكان‬
‫سلحهم الوحيد في التأييد سواقط حججهم أن يشبعوا خصمهم سبا ً وشتما‪ً،‬‬
‫وأن يحرفوا في النقل ما استطاعوا‪ ،‬وكنت أريد أن أقول شيئا ً للغربيين الذين‬
‫يتدثرون بذلك التحدي الحمق؛ فقال الكاتب النجليزي كالرين‪) :‬من العار أن‬
‫يصغي كل إنسان متمدين من أبناء هذا الجيل إلى وهم القائلين إن دين‬
‫السلم كذب‪ ،‬وإن محمدا ً لم يكن على حق‪ ..‬لقد آن الوان أن نحارب هذه‬
‫الدعاءات السخيفة المخجلة؛ فالرسالة التي دعا إليها هذا النبي ظّلت سراجا ً‬
‫منيرا ً أربعة عشر قرنا ً من الزمان لمليين الناس((‪.‬‬
‫كر به‬‫وكل هذا لم يثلج صدري؛ فكنت أريد أن أقول شيئا ً للعالم أجمع‪ ،‬وأذ ّ‬
‫المسلمين؛ فقال اللورد هيدلي نيابة عني‪) :‬محمد المثل الكامل‪ ..‬نحن نعتبر‬
‫أن نبي بلد العرب الكريم ذا أخلق متينة‪ ،‬وشخصية حقيقية وزنت واختيرت‬
‫في كل خطوة من خطا حياته‪ ،‬ولم ير فيها أي نقص‪ ،‬وبما أننا في احتياج إلى‬
‫نموذج كامل يفي بحاجاتنا قي خطوات الحياة فحياة هذا النبي المقدس تفي‬
‫بهذه الحاجة(‪.‬‬
‫ً‬
‫لم تكن الدنمارك تعلم أنها بفعلتها تلك قد أهدت المسلمين حبوبا منشطة‬
‫وم الذي أخذته قبل سنوات‪ ..‬لقد خرجت إلينا بثوب‬ ‫أبطلت مفعول المن ّ‬
‫ً‬
‫يعكس ما بداخلهم جلي ّا؛ فذلك الرسم ربما أبلغ من كل ما كتبه القسيس‬
‫لمانس‪ ،‬وات‪ ،‬بروكلمان‪ ،‬مرجليوت‪ ،‬إسكندر دريون‪ ،‬فلهاوزن وغيرهم من‬
‫وهوا صورة السلم الواضحة المعالم‪.‬‬ ‫الذين ش ّ‬
‫حينما نتطّرق إلى موضوع كهذا يجب أل نتحدث عنه لمجّرد أنه حديث‬
‫الساحة‪ ،‬يجب علينا أن نبعد عن أذهاننا هذه النزعة اللحظوية التي ل تولدّ‬

‫‪57‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫سوى حماسة عظيمة لكنها وقتية ول تفيد في معركة كبرى كهذه‪ ،‬يجب علينا‬
‫غل إلى أعماق أكثر جوهرية‪ ،‬فليست معاناتنا الراهنة سوى تراكمات‬ ‫أن نتو ّ‬
‫لنظراتنا السطحية للمور‪.‬‬
‫ل‪ ،‬كان لنا أن نبحث عن‬ ‫حدث كهذا كان جديرا ً بأن يتوقف كل منا عنده قلي ً‬
‫ماضينا ونعيد شريط الذكريات؛ فنرى الحروب الصليبية‪ ،‬ومحاكم التفتيش‪،‬‬
‫والغزوات الستعمارية‪ ،‬وتوطين اليهود‪ ،‬وآلف الموتى والذين بذلوا دماءهم؛‬
‫وكان لنا أن نتوقف عند حاضرنا‪ ،‬وأنفسنا ودورها في ما يحدث من استعمار‬
‫جديد بدعوى الرهاب‪ ،‬أو تحرير الشعوب‪ ،‬وكان لنا أن نسأل ماذا يريد الغرب‬
‫منا؟ وما هو مستقبل وجودنا؟ إلى أي صحراء ستقودنا القافلة؟‪.‬‬
‫إن هذه الدعاية المجانية للسلم ربما تثير نفوس العقلء من الغرب ليبحثوا‬
‫عن الحقيقة مثلما فعل الفيلسوف رينيه جينو الذي كان إسلمه سببا ً في‬
‫إسلم الكثيرين‪.‬‬
‫لقد كان إسلم حمزة أسد الله نتيجة لسب أبي جهل لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم؛ فقال‪) :‬ل تسبه فأنا على دينه؛ أقول ما يقول(‪ ..‬وكانت الساءة‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم أيضا ً سببا ً في حدوث مشهد بطولي قام به‬
‫صبيان من النصار في غزوة بدر؛ سأل أحدهما عبد الرحمن بن عوف؛ فقال‪:‬‬
‫)يا عم! أرني أبا جهل(؛‪ ،‬فقال له‪) :‬يا ابن أخي! فما تصنع به؟(؛ قال‪) :‬أخبرت‬
‫أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ والذي نفسي بيده لئن رأيته ل‬
‫يفارق سوادي سواده حتى يموت العجل منا(‪ ،‬وقال الخر مثل ما قال‬
‫الول‪ ..‬وقتله‪ ..‬فتعّلمنا منهما كيف يمكن لصبيين أن ُينهيا جبروت رأس‬
‫الكفر‪ ..‬وهذه النماذج قد تتكرر‪ ..‬من الواجب علينا أن نغضب لما حدث‪،‬‬
‫ولكن يجب أن نتصف بالعقلنية‪ ،‬فنبدأ بمعاقبة أنفسنا على التقصير أول ً قبل‬
‫أن نشرع في القيام بردود الفعال‪..‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫من المؤسف جدا ً أن نقصر نصرة النبي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬بشكل عام ‪-‬‬
‫على الهتافات‪ ،‬والمقاطعة بضائع العداء‪ ..‬إن نصرة النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم يدخل فيها أن نحكم فينا شرع الله‪ ،‬وأن يحس كل منا بمسؤوليته تجاه‬
‫الم‪ ..‬إننا نحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لشخصه فقط؛ وإنما‬
‫أيضا ً لمنهجه‪ ،‬ولدينه‪ ،‬وللنور الذي جاء به‪ ..‬إننا نقّلل من شأنه عليه الصلة‬
‫والسلم عندما نعتبره فقط رمزا من الرموز التي يجب أل ّ تمس بسوء‪ ..‬إن‬
‫رمزية الرسول صلى الله عليه وسلم تأتي من صميم الرسالة التي جاء بها‪..‬‬
‫إن نصرة الخ الذي ينطق بالشهادتين نصرة للرسول عليه الصلة والسلم‪،‬‬
‫وإن الهتمام بأمور المسلمين نصرة للنبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬وإن الدفاع‬
‫عن الراضي السلمية نصرة للنبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وعندما ينتصر‬
‫الخير فهو انتصار لنبي الخير والرحمة عليه الصلة والسلم‪.‬‬
‫إن أشياء كثيرة في عالمنا السلمي قد حدثت‪ ،‬وهي كانت تحتاج ما إلى‬
‫وقفات‪ ..‬إن لسان حالنا يقول‪) :‬الن فقط حدث شيء(‪.‬‬
‫إن المسافة بيننا وبين قدوتنا مسافة ما بين القطبين‪ ،‬وحول ماضينا الجميل‬
‫ُنسجت خيوط العنكبوت‪ ،‬وذلك البدر المنير صار يكسوه الغبار‪ ،‬أي عار –‬
‫إخوتي – أي عار؟!‪.‬‬
‫فإذا أردنا أل ّ يسيئ إلينا أحد؛ فيجب أن يكون لنا كيان‪ ،‬ولنبحث عن جذورنا‬
‫حتى يجسد كل فرد منا أحلم أمته في ذاته؛ فإصلح الفرد أولى من مواجهة‬

‫‪58‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخر‪ ،‬كما يجب أن تتلشى هالة الجلل التي نحيط بها الغرب‪) ..‬هل رأى‬
‫الغرب حيارى مثلنا(؛ يتبعونهم في عشق مثل زهرات دّوار الشمس‪،‬‬
‫ويرقصون حول كل ما يصدر عنهم كالفراشات حول النور‪.‬‬
‫داعة‪ ..‬لننظر كيف نخرج من هذا‬ ‫كر في هدوء دون حماسة خ ّ‬ ‫علينا أن نف ّ‬
‫التيه‪ ،‬وكيف يكون التغيير‪ ..‬إننا نريد تغييرا ً يحدث تلقائيا ً ل نتكّبد فيه العناء‪،‬‬
‫ول نفقد فيه قطرة دم‪ ،‬ودون أن نسير بوصة إلى المام‪ ..‬إننا بهذا نجعل من‬
‫النصر أسطورة‪ ،‬ونطلب من حكامنا أن يستعينوا بالتّنين‪ ،‬والغول ليحققوه‬
‫لنا‪ ..‬لنجلس أمام التلفاز‪ ،‬ونشاهد في هدوء انتصارات جيوشنا الباسلة‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تباريح ‪...‬‬
‫شعر‪ :‬داود معل‬
‫أنا أهواك والجداول ‪ii‬توحي‬
‫أيما موقف أناديك ‪ii ...‬كفى‬
‫أينا ينتمي إلى الخلد إنا ‪...‬‬
‫لو تسلقت كل هدب إلى البعد‬
‫عشقتني السفوح قبل ‪ii‬ابتسام‬
‫فوق صدر المسير ‪ii‬التحف‬
‫أنا مثلي الشجاع ‪ ..‬لو حمل السيف‬
‫كيف تبكي خيوطها الشمس‬
‫حزنا ً والغلم شب عن ‪ii‬الطوق‬
‫عجنتنا السنين ‪ii ..‬وانتفض‬
‫إنما الصبر ساعة ويصيح ‪..ii‬‬
‫حسبنا أننا نسير ‪ii ..‬وهذا ‪ ...‬كيف توحي إلى السفين ‪ii‬الريح‬
‫أنا وحدي ‪ ...‬والوهم ل ‪ii‬يستريح‬
‫نطف ‪ ..‬نصف راحة ‪ ..‬وجموح‬
‫ففي القرب ‪ ..‬راحة ‪ii‬وطموح‬
‫الفجر ‪ ..‬والدرب يغتدي ويروح‬
‫الغيم ‪ ..‬مقيم كما يقيم ‪ii‬الجريح‬
‫ونادى ‪ ..‬فقد يكون ‪ii‬الفتوح‬
‫حتى ‪ ..‬أنت تبكين والدموع ‪ii‬تبوح‬
‫وزند ‪ ..‬كما السلح ‪ii‬يلوح‬
‫الدرب ‪ ..‬وغطا سماءنا ‪ii‬التبريح‬
‫الديك ‪ ..‬والفجر بسمة ‪ii‬ووضوح‬
‫جسد بيننا ‪ ..‬وهذا روح‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تبديد الوهام الطنطاوية في البنوك الربوية‬


‫إذا كان الشيخ قد امتد بفتاواه المردودة أخيرا إلى الوضع الدستوري للبلد‬
‫التي يسكنها مسلمون ‪.‬وبارك فيها العلمانية وخذل صحوة المسلمات في‬
‫أوربا وغيرها أو أصابها في مقتل في وقت ينتظرن فيه نصرته بكلمة الحق‬
‫والشرع متناسيا قوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء بسنن أبي داود بسنده‬

‫‪59‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن إسماعيل بن بشير يقول سمعت جابر بن عبد الله وأبا طلحة بن سهل‬
‫النصاري يقولن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ما من امرئ يخذل‬
‫امرأ مسلما في موضع تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إل خذله الله‬
‫في موطن يحب فيه نصرته وما من امرئ ينصر مسلما في موضع ينتقص‬
‫فيه من عرضه وينتهك من حرمته إل نصره الله في موطن يحب نصرته (‬
‫متجاهل أين هو بين هذين‬
‫وإذا كان الشيخ لم يكتف بمواقفه المتخاذلة المتذبذبة من القضية‬
‫الفلسطينية والعراقية وقضايا الشعوب والتحرير والتعليم‬
‫وإذا كان الشيخ بتخليه عن المرأة المسلمة في فرنسا قد أخل إخلل جسيما‬
‫بواجباته القانونية التي تفرضها المادة الثانية من الباب الول من القانون رقم‬
‫‪ 103‬لسنة ‪ 1961‬التي جاء فيها أن ) الزهر هو الهيئة العلمية الكبرى التي‬
‫تقوم على حفظ التراث السلمي ودراسته وتجليته ونشره وتحمل أمانة‬
‫الرسالة السلمية إلى كل الشعوب ( والمادة رقم ‪ 6‬التي تنص على أن شيخ‬
‫الزهر هو الذي يمثل الزهر‬
‫وإذا كان الشيخ بفتواه الجديدة عن حجاب المرأة المسلمة في فرنسا قد‬
‫أضاف إلى أمجاده التاريخية قتلى جددا من بينهم دور الزهر في العالم‬
‫السلمي‬
‫فإن الشيء من معدنه ل يستغرب ‪ ..‬إذ هو إنما يواصل فتاواه التي اص ُ‬
‫طلح‬
‫أخيرا على تسميتها بالليبرالية مما يشي بطابعها التغريبي ‪ ،‬مواصل ما بدأه‬
‫منذ أربعة عشر عاما بضرب القتصاد السلمي في مقتل بفتواه بحل فوائد‬
‫البنوك الموصومة بالربوية وهي المعركة التي نراها من أهم المعارك‬
‫العصرية التي تعني مشكلة الذاتية السلمية في الصميم ‪ ،‬إذ يحاول البعض –‬
‫وعلى رأسهم الشيخ محمد سيد طنطاوي ‪ -‬تهجين فوائد هذه البنوك‬
‫الموصومة بالربوية وإعطاءها عناوين عصرية – بعضها مضحك ‪ -‬من مثل‬
‫كلمات " الفائدة " و " الربح " و " الجائزة " و " العائد " الخ ‪.‬‬
‫يتعرض الستاذ الدكتور حسين حامد لظاهرة التلعب في ألفاظ الربا‬
‫والفائدة والربح إلخ في بحثه المنشور في ‪2002\12\15‬فيقول ‪ ) :‬تنص‬
‫دل بكلمة‬ ‫المادة الرابعة من القانون رقم ‪ 37‬لسنة ‪ 1992‬على أن ُتستب َ‬
‫"الفائدة" أينما وردت في القانون رقم ‪ 163‬لسنة ‪ 1957‬أو القانون رقم‬
‫‪ 120‬لسنة ‪ 1975‬كلمة "العائد"‪ ،‬وهو ل يغير من الحكم الشرعي‪ ،‬وهو حرمة‬
‫كل زيادة عن مبلغ القرض؛ ذلك أن الحكم الشرعي مرتبط بكلمة "النفع"‬
‫حا‬
‫بكل صوره وجميع أشكاله‪ ،‬بصرف النظر عن التسمية التي ُتطلق عليه‪ ،‬رب ً‬
‫دا أو هدية أو منحة أو مكافأة أو جائزة ( يقول الله تعالى ) يا أيها‬ ‫كانت أو عائ ً‬
‫الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ‪ ،‬فان لم تفعلوا‬
‫فأذنوا بحرب من الله ورسوله ‪ ،‬وان تبتم فلكم رءوس أموالكم ‪ ،‬ل تظلمون‬
‫ول تظلمون (‪ 279‬البقرة ‪.‬‬
‫ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن ماجة في سننه بسنده‬
‫‪ ) :‬الربا ثلثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه ( ورواه الحاكم‬
‫وصححه ‪.‬وروى المام مسلم بسنده عن جابر رضي الله عنه قال ‪ ) :‬لعن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه ‪ ،‬وشاهديه ‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬هم سواء ( ‪.‬‬
‫أما الذين يحاولون التخلص من حكم الربا في فوائد البنوك ‪ -‬وقد أصبح‬
‫الشيخ الطنطاوي رمزا لهم وإن لم يكن أولهم ‪ -‬فلهم أوهام يحاولون أن‬
‫يصنعوا منها مخارج ‪ .‬وسوف نتعرض هنا لوهام الشيخ بالتفصيل مشيرين لما‬

‫‪60‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عداها على وجه اليجاز‬


‫ففي الوهم الول ‪ :‬يحاول بعض المروجين لتغريب المجتمع السلمي وخلعه‬
‫من قواعده اقتصاديا ‪ ..‬ادعاء أن الربا المحرم هو ما يكون أضعافا مضاعفة ‪،‬‬
‫فإذا لم يكن كذلك لم يكن محرما ‪.‬‬
‫والحقيقة التي غفل عنها هؤلء ‪ :‬أن الربا في جميع أحواله مضاعفة مستمرة‬
‫سنويا لمقدار ما يسمى الفائدة ‪ ،‬مهما قلت النسبة ‪.‬‬
‫يقول العلمة الستاذ الدكتور محمد عبد الله دراز ‪ ) :‬إن قواعد اللغة تجعل‬
‫كلمة أضعافا الواردة في قوله تعالى " ل تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " حال‬
‫من الربا نفسه ‪ ،‬ولو كان المر كما يزعمون ‪ -‬أي حال من رأس المال ‪ -‬لكان‬
‫القرآن ل يحرم الربا إل ما بلغ ثلثة أمثال رأس المال على القل ( ]‪. [1‬‬
‫ويكفي أن نتذكر الربا الذي أعفيت منه مصر في ديونها العسكرية ‪ ،‬طبقا لما‬
‫ذكره رئيس الجمهورية في تصريح سابق حول حرب الخليج الثانية ‪ :‬إن مصر‬
‫أعفيت من ديونها لمريكا بمبلغ سبعة مليارات ‪ ،‬كانت ستدفعها ثلثة‬
‫وعشرين ‪.‬‬
‫ويقول الشيخ عبد الوهاب خلف في مقالته بمجلة لواء السلم السنة الرابعة‬
‫بالعدد الحادي عشر والثاني عشر ‪ 1370‬هـ ‪ 1951‬م ‪ ) :‬فالتقييد بالضعاف‬
‫المضاعفة ليس للتخصيص والحتراز عما عداه ( ]‪[2‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وقد نص المؤتمر الثاني لمجمع البحوث السلمية بالزهر على أن ) كثير الربا‬
‫وقليله حرام كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى " يا أيها الذين‬
‫آمنوا ل تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة " ( ]‪[3‬‬
‫ومهما يكن فان الرد يؤخذ من صريح قوله تعالى ‪ ) :‬وان تبتم فلكم رءوس‬
‫أموالكم ( وهو يعني رأس المال بغير أية زيادة‬
‫ول يخالف الشيخ طنطاوي في هذه النقطة شيوخنا الجلء كما يفهم من‬
‫تلخيصه لما ذكره المام الرازي في تفسيره للية ) والتقييد بقوله سبحانه‬
‫أضعافا مضاعفة " ليس المقصود منه النهي عن أكل الربا في حال‬
‫المضاعفة خاصة وإباحته في غيرها ‪ ،‬فالربا قليله وكثيره حرام وإنما المقصود‬
‫منه توبيخهم على ما كان متفشيا فيهم ( ]‪. [4‬‬
‫أما الوهم الثاني ففي قولهم ‪:‬‬
‫إن الربا ل يكون إل في الصناف الستة وهي الصناف الواردة في الحديث‬
‫الشريف الذي ورد في الصحيحين بقوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬في رواية‬
‫مسلم بسنده عن عباة بن الصامت ‪ ) :‬الذهب بالذهب والفضة بالفضة والُبر‬
‫بالُبر ‪،‬والشعير بالشعير ‪ ،‬والتمر بالتمر ‪ ،‬والملح بالملح ‪ ،‬مثل بمثل ‪ ،‬سواء‬
‫بسواء ‪ ،‬يدا بيد ‪ ،‬فإذا اختلف هذه الصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد (‬
‫وهنا يحلو للبعض أن يتوهم أن النقد المعاصر ليس فيه ربا على أساس أن‬
‫الربا ل يكون إل في هذه الصناف الستة الواردة في الحديث‪ ،‬ومنها الذهب‬
‫والفضة معتبرا أن الذهب والفضة لم يكن يتم التعامل بهما باعتبار الثمنية‬
‫النقدية المتمثلة فيهما كما هو الحال في النقد ‪ ،‬وإنما كان يتم التعامل بهما‬
‫باعتبارهما سلعة من السلع التي تطرح في السوق تماما كما يطرح القمح‬
‫والشعير والتمر والملح ‪ ،‬وبناء عليه ينحصر الربا في التعامل فيهما كسلعة ول‬
‫يقاس عليهما النقد الحديث من الجنيه والدولر والفرنك وما ماثل ذلك ‪ ،‬فهذا‬
‫النقد ل يجري عليه الربا بأي حال ‪ ،‬لنه لم يرد ذكره في الصناف الستة‬

‫‪61‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المذكورة في الحديث ‪.‬‬


‫ول أظن أن الشيخ يذهب هذا المذهب‬
‫ومن الواضح أن هذا الرأي مبني على تجاهل لحديثه صلى الله عليه وسلم‬
‫) أل إنما الربا في النسيئة ( – في صحيح مسلم ‪ -‬وعلى مكابرة في إنكار‬
‫تعامل العرب في الجاهلية وفي عصر الرسول وفي العصور التالية بالذهب‬
‫والفضة باعتبارهما نقدا أيضا ‪ ،‬بدليل تسميتهما في تلك العصور باسمين من‬
‫أسماء النقد ل من أسماء المثاقيل والموازين ‪ ،‬وهما اسما الدينار والدرهم‬
‫كما هو معروف ومشهور ‪ ،‬تماما كما كان التعامل يجري – إلى وقت قريب ‪-‬‬
‫في الجنيه السترليني ‪ ،‬وهو من الذهب بوزن خاص ‪ .‬يقول المام مالك ‪ :‬نبه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكر الذهب والفضة إلى ما يتخذ ثمنا أي‬
‫تقوم به الشياء في المبادلت ويقول المام الشافعي ‪ :‬نبه رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم بالذهب والفضة إلى النقود والثمان ‪[5].‬‬
‫أما الوهم الثالث فهو حول الصورة التي كان عليها الربا في الجاهلية‬
‫وأصحاب هذا الوهم يتصورون أن الربا المحرم ينحصر فيما يكون على نفس‬
‫الصورة البيئية التي كان عليها في الجاهلية ‪ ،‬وقد يتوهمون ذلك مما ذكره‬
‫الشيخ طنطاوي ‪ ،‬إذ يقول ) يتبين أن ربا الجاهلية يتمثل ‪ -‬مجموعه إن لم‬
‫يكن جميعه – في أن يكون لنسان دين ‪ ،‬فإذا حل موعد السداد وعجز‬
‫المدين عن الوفاء ‪ ،‬قال له الدائن ‪ :‬أزيدك في الجل وتزيدني مبلغا معينا‬
‫على أصل الدين ‪ ،‬ويتفقان على ذلك ‪ ،‬وهكذا يكون الشأن كلما حل السداد‬
‫ولم يستطع قضاء ما عليه من ديون ( ]‪[6‬‬
‫يحلو للبعض أن يتوهم من ذلك أن المراد في الربا المحرم أن يقوم على ما‬
‫جاء في صورته تلك من المفاجأة في طلب الربا عند حلول الجل ‪ ،‬وهذا‬
‫فضل عن كونه لم يكن من لوازم ربا الجاهلية ‪ ،‬فهو غير مقصود وغير معقول‬
‫‪ ،‬إذ يكون معناه ‪ :‬أن الشيء ل يكون محرما إذا تم التفاق عليه مقدما ‪ .‬مع‬
‫أن التحريم ورد للغاء ما هو موضع التفاق ‪ ،‬مثل بقية المحرمات ‪ :‬من الخمر‬
‫والميسر والزنا والشرك الخ‬
‫ومن ناحية أخرى فقد عرفت الجاهلية الزيادة المشروطة في ابتداء القرض‬
‫وتعاملت بها ‪ ،‬وبالتالي فهي مشمولة بالتحريم نصا ‪ ،‬وليس قياسا على‬
‫الزيادة التي تشترط عند حلول الجل ‪ ،‬بجامع الزيادة نظير الجل‬
‫جاء في تفسير الرازي ‪ ) :‬أما ربا النسيئة فهو المر الذي كان مشهورا‬
‫مقارفا في الجاهلية ‪ ،‬وذلك أنهم كانوا يدفعون المال على أن يأخذوا كل‬
‫شهر قدرا معينا ‪ ،‬ويكون رأس المال باقيا ‪ ،‬ثم إذا حل الجل طالبوا المدين‬
‫برأس المال ‪ ،‬فإذا تعذر عليه الداء زادوا عليه في الحق والجل ‪ ،‬فهذا هو‬
‫الربا الذي كانوا يتعاملون به في الجاهلية ( ]‪[7‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫كذلك فإنه ليس من المتصور أن يكون المراد ما كان يلبس ربا الجاهلية من‬
‫مظاهر محلية هي من لوازم المجتمع المي ‪ ،‬كأن يتم العقد بأسلوب كلمي‬
‫ساذج ‪ ،‬أما عند ما يتطور المر إلى أسلوب البنوك الحديثة فإن الحكم يختلف‬
‫‪ ،‬بنفس القدر الذي ل يمكن أن نتصور فيه أن يكون الشرك المحرم هو ما‬
‫كان في صيغة " هبل " فإذا تطور إلى صيغة بوذا اختلف حكمه ‪ ،‬أو أن يكون‬
‫الخمر المحرم هو ما كان في صيغة النبيذ المعتق في الجاهلية فإذا تطور إلى‬
‫الفودكا اختلف حكمه !! أو أن يكون القمار المحرم هو ما كان يجري في‬

‫‪62‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الجاهلية ‪ ،‬فإذا تطور إلى قمار الفنادق العصرية والبيوت الراقية والشراف‬
‫الداري عالي المستوى ولغراض تنموية كالسياحة لم يكن معروفا في‬
‫الجاهلية لم يكن محرما ‪.‬‬
‫إن النظر من خلل هذه الوجهة ليس إل وقوعا في مستنقع مذهب النسبية‬
‫التاريخية الذي يمكنه أن يسوق هذا المنهج إلى جميع ثوابت السلم بما في‬
‫ذلك اللوهية والنبوة والعقيدة والخلق والشريعة جميعا ‪ ،‬وهو ‪ -‬في نهاية‬
‫النفق ‪ -‬يعني الخروج من السلم جملة وتفصيل‬
‫ومن البديهي إذن أن نقول إن الربا المحرم يكون كذلك سواء تم التفاق‬
‫عليه مقدما ‪ ،‬أو ظهر التفاق عليه عند حلول أجل السداد ‪.‬‬
‫وحول هذا يقرر الشيخ طنطاوي ‪ :‬أربع صور محرمة لربا النسيئة ‪:‬‬
‫الصورة الولى ‪ ) :‬الربا الجلي الصريح وهو الذي تتجدد فيه الزيادة على‬
‫المدين بتجدد الجل ‪ ( ،‬ثم يقول ) وهذه الصورة وما يشبهها هي التي يسميها‬
‫الفقهاء ربا النسيئة ‪ ،‬أي التأخير (‬
‫ثم يقول ) وهناك صورة ثانية ل تقل في شناعتها وقبحها عن الصورة السابقة‬
‫وهي أن يطلب إنسان محتاج من آخر مبلغ مائة جنيه فيشترط عليه هذا الخر‬
‫مقدما أن يرد له هذا المبلغ بعد مدة قلت أو كثرت ‪ ،‬بزيادة معينة قد تكون‬
‫عشرة أو عشرين (‬
‫ثم يقول ‪ ) :‬وهناك صورة ثالثة من صور الربا المحرم وتتمثل فيما تفعله‬
‫بعض المؤسسات من بيعها مسكنا من المساكن بعشرة آلف جنيه مثل على‬
‫أن يدفع المشتري ألف جنيه مقدما ويدفع الباقي بفائدة سنوية ‪ ،‬فهذه‬
‫الفائدة من باب الربا ( ]‪[8‬‬
‫ثم يقول ) والصورة الرابعة من صور الربا المحرم تتمثل فيما تفعله الدول‬
‫الغنية مع الدول الفقيرة من إقراضها مبالغ من المال ‪ ،‬تحتاج إليها الدول‬
‫الفقيرة لسد مطالب الحياة الضرورية ثم تفرض الدول الغنية على الفقيرة‬
‫فوائد باهظة ‪ ،‬صارت بسببها هذه الدول الفقيرة عاجزة عن سداد الفوائد‬
‫المركبة فضل عن الديون الصلية ( ]‪[9‬‬
‫وبقيت الصورة الخيرة التي لم يذكرها الشيخ في هذا الموضع من كتابه وهي‬
‫صورة الفوائد البنكية التي سيجري النقاش حولها ‪ ،‬تحت عنوان ‪ :‬الوهم‬
‫الخامس ‪.‬‬
‫الوهم الرابع ‪ :‬حصر الربا في القروض الستهلكية‬
‫يرى الواهمون هنا أن الربا ل يكون إل في القروض الستهلكية للمأكل‬
‫والمشرب وما شابه ذلك ‪ ،‬أما ما يسمى استثمارا فليس محرما ‪ ،‬وفوائد‬
‫البنوك الحديثة إنما تجري في العمليات الستثمارية فخرجت بذلك من‬
‫الربا ‪..‬وإلى هذا تشير الصورة الثانية من صور الشيخ طنطاوي المذكورة آنفا‬
‫وهذا أساس غير صحيح ‪ ،‬بدليل ما جاء في صحيح مسلم ‪ ) :‬لعن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال‪ :‬هم سواء ( إذ‬
‫لو كان الربا الذي يحرمه السلم هو هذا النوع الستهلكي فقط لما وقع الثم‬
‫على المقترض … الذي هو في وضع المعذور المحتاج أو المضطر ‪ .‬ولنصب‬
‫اللعن على المقرض وحده ‪.‬‬
‫وهو غير صحيح أيضا لما هو معروف من أن أول ما ألغاه رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم من الربا حين نزلت آية التحريم هو ربا عمه العباس ‪ ،‬وقد‬
‫كان ربا استثماريا ‪ -‬بلغة العصر‪ -‬إذ كان العباس تاجرا كشأن غيره من التجار‬
‫يجمع من قريش أموال يستثمرها في تجارته بالشام ‪ ،‬ولم يكن يجمع أموال‬
‫لحاجة استهلكية من طعام وشراب ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومن المعروف تاريخيا أن مكة كانت تعيش اقتصاديا على رحلتي الشتاء‬
‫والصيف ‪ ،‬أولهما إلى اليمن وجنوب الجزيرة ‪ ،‬وثانيتهما إلى الشام ‪ ،‬وكان‬
‫يتم تمويل هذه الرحلت عن طريق القروض الموصومة بالربوية‪ :‬أول من‬
‫اليهود الذين كانوا يقيمون بالطائف بعد طردهم من اليمن ‪ ،‬ولم تكن لهم‬
‫صناعة إل القراض بالربا ‪ ،‬وثانيا من أغنياء قريش في مكة ‪ ،‬وقد كان منهم‬
‫بعض من أسلموا كالعباس ‪ ،‬وخالد بن الوليد ‪،‬وعثمان بن عفان ‪ ،‬ومن ذلك‬
‫كانت قافلة أبي سفيان التي كانت سببا في غزوة بدر ‪.‬‬
‫وكان التجار يعتمدون في سداد الربا على الرباح التي تدرها التجارة عليهم ‪.‬‬
‫أي كانوا يقومون ‪ -‬كما يقول الدكتور محمد عبد الله العربي في بحثه أمام‬
‫المؤتمر الثاني لمجمع البحوث السلمية ‪ -‬بنفس الدور الذي تقوم به البنوك‬
‫الن ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫يروي المام الطبري تفسيره في أسباب نزول قوله تعالى ‪ ) :‬يا أيها الذين‬
‫آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا ( أنها نزلت في العباس بن عبد‬
‫المطلب ‪ ،‬ورجل من بني المغيرة ‪ ،‬كانا شريكين في الجاهلية سلفا بالربا إلى‬
‫أناس من ثقيف ‪ ،‬وهم بنو عمرو بن عمير ‪ ،‬فجاء السلم ولهما أموال عظيمة‬
‫في الربا ‪.‬‬
‫وروى أيضا أن بني عمرو بن عمير هؤلء كانوا يعملون بالربا مع بني‬
‫المغيرة ‪ ،‬فجاء السلم ولهم عليهم مال كثير ‪ ،‬فأتاهم بنو عمرو يطلبون‬
‫رباهم ‪ ،‬فأبى بنو المغيرة أن يعطوهم في السلم ‪ ،‬ورفعوا ذلك إلى عتاب‬
‫بن أسيد ‪ ،‬فكتب عتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فنزلت الية ‪.‬‬
‫وروى أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قد صالح ثقيفا على أن ما كان‬
‫لهم من ربا على الناس ‪ ،‬أو ما كان للناس عليهم من ربا فهو موضوع ‪.‬‬
‫وصريح هذه النصوص ‪ -‬كما يقول الدكتور حسن صالح عناني ]‪ -[10‬أن‬
‫العباس وشريكه كانا يقرضان بني عمرو بن عمير من مال الشركة ‪ ،‬وفي‬
‫الوقت ذاته كان بنو عمير يقرضون بني المغيرة ‪ ،‬كما كانت ثقيف تقترض ثم‬
‫تقرض بالربا ‪.‬‬
‫ومعنى ذلك أن هؤلء كانوا يقومون بنفس الدور الذي يقوم به البنك اليوم‬
‫في تحريك رأس المال في التجارة الستثمارية ‪.‬‬
‫وأن إقراض الموال في الجاهلية كان بقصد استثمارها ربويا ‪.‬‬
‫وأن المقرضين كانوا يستغلون القرض ‪ :‬إما في التجارة ‪ -‬مباشرة ‪ -‬للربح‬
‫وسداد الربا ‪ ،‬وإما بإعادة تدويره وإقراضه لخرين بالربا ‪ .‬وهي خبرة‬
‫مستفادة من تجار المال من جيرانهم اليهود‬
‫ونضيف إلى ذلك ‪ :‬أن ما يسمى مشروعا استثماريا ‪ -‬تجارة وصناعة مثل ‪-‬‬
‫فإنه يؤول بالقطع إلى حالة استهلكية يدفع فيها المستهلكون جميع التكاليف‬
‫عندما يشترون إنتاج هذا المشروع ‪ ،‬فيتحملون في ثمن الشراء كل تكاليف‬
‫أقساط الربا ‪ ،‬فالذين يدفعون الفوائد الموصومة بالربوية هم في نهاية المر‬
‫المستهلكون ‪.‬‬
‫إن وصف الربا بأنه إنتاجي أو استهلكي هو مسألة اعتبارية محضة ‪ ،‬فكل ما‬
‫هو إنتاجي من ناحية استهلكي من ناحية أخرى ‪ ،‬والعكس صحيح ‪.‬‬
‫إن الفوائد التي تؤخذ على قرض لمشروع لنتاج حديد التسليح مثل يدفعها‬
‫في نهاية المر ذلك الذي يشتري المنزل أو يستأجر الشقة ‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد أصدر مجمع البحوث السلمية بالزهر منذ الستينات ‪ -‬في المؤتمر‬
‫الثاني ‪ -‬قراره بان الفائدة حرام ‪ ،‬وهي ربا ‪ ،‬سواء فما يسمى مشروعا‬
‫إنتاجيا ‪ ،‬أو استثماريا ‪ ،‬أو استهلكيا ‪ .‬كله سواء ‪.‬ونص القرار ما يأتي )الفائدة‬
‫على أنواع القروض كلها محرم ‪ ،‬لفرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض‬
‫الستهلكي وما يسمى بالقرض النتاجي ‪ ،‬لن نصوص الكتاب والسنة في‬
‫مجموعها قاطعة في تحريم النوعين (‬
‫أما الوهم الخامس وهو الوهم الطنطاوي الكبر ففي القول بأن ما تقوم به‬
‫البنوك هو المضاربة المقررة شرعا‬
‫حيث ذهب الشيخ طنطاوي في فتواه المعروفة والصادرة عنه منذ كان مفتيا‬
‫للديار المصرية إلى أن ما تقوم به البنوك في عملية جمع المدخرات ودفعها‬
‫لصحاب الحاجات والمشروعات هو المضاربة المشروعة ‪ ،‬غاية ما في المر‬
‫أنها عند البنوك محددة الربح سلفا ‪ ،‬بخلف المضاربة المعهودة ‪ ،‬وهذا‬
‫التحديد للربح سلفا ل يغير من الوضع الساسي لكون المضاربة مضاربة ‪،‬‬
‫والخلف حوله مسألة اجتهادية ‪ ،‬لتجر إلى الربا سلبا أو إيجابا ‪ ،‬وهو وضع‬
‫جديد له دواعيه من حيث قطع الخلف بين طرفي المضاربة حول الربح‬
‫وضت ما‬ ‫مستقبل ‪ ،‬ومن حيث إن المؤسسات البنكية ل تخسر وإن خسرت ع ّ‬
‫خسرت‪.‬‬
‫ولكي نبين خطأ هذا الرأي نبدأ أول بإزالة الخلط الذي يقع بين مال القرض‬
‫والوديعة والمضاربة ‪ ،‬وكما يقول الشيخ بإسهاب ‪ ):‬من المتفق عليه بين‬
‫العقلء أن فهم المور فهما سليما يؤدي إلى الحكم الصحيح عليها ( ]‪.[11‬‬
‫وسنبين هنا أن أعمال البنوك التي تقوم فيها بجمع أموال المدخرين وإعطائها‬
‫للطالبين لها حسب شروطها ليست من أعمال المضاربة كما تصور الشيخ ‪،‬‬
‫ولكنها من القروض التي قال فيها بوضوح ‪ ) :‬والقرض إذا جر نفعا يكون من‬
‫باب الربا المحرم إذا اشترط المقرض على المقترض زيادة معينة( ]‪.[12‬‬
‫ومن هنا نقول بشيء من التفصيل ‪ :‬إن المال الذي يقدمه المدخرون للبنك ‪،‬‬
‫أو يقدمه البنك للمستثمرين ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬ل ينطبق عليه وصف الوديعة شرعا لنها ‪ -‬أي الوديعة ‪ -‬لضمان فيها‬
‫على الموَدع لديه إل في حالة التلف عمدا ‪ ،‬وهي أمانة يجب إرجاعها عند‬
‫الطلب بغير زيادة أو نقصان ]‪[13‬ول هكذا البنك ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬وهي ليست من المرابحة – بداهة – تلك التي يقول فيها الشيخ‬
‫طنطاوي ) قد عرفها بعض الفقهاء بأنها بيع بمثل الثمن الول مع زيادة‬
‫ربح ( ‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫ثالثا ‪ :‬وهي ليست من المضاربة التي هي كما يقول الشيخ طنطاوي في‬
‫فتواه ‪ ) :‬المضاربة ‪ :‬معناها بإيجاز أن يقدم إنسان يملك المال ول يحسن‬
‫العمل ‪ ،‬مبلغا من المال إلى إنسان آخر يحسن العمل ول يملك المال ‪ ،‬لكي‬
‫يستثمره له على أن يكون الربح بينهما مناصفة أو اكثر أو اقل( ]‪، [14‬‬
‫فالمضاربة عقد شركة في الربح ‪ ،‬بمال من أحد الجانبين وعمل من الخر ‪.‬‬
‫وفي المضاربة يكون المال المدفوع إلى العامل أمانة في يده ‪ ،‬لنه قبضه‬
‫بأمر مالكه ‪ ،‬ل على وجه البدل كما في البيع ‪ ،‬ول يختص بنفعه كما في‬
‫الجارة ‪ ،‬فكان العامل أمينا ‪ ،‬ووكيل في التصرف ‪ ،‬وبناء عليه ل يضمن التلف‬
‫أو الخسارة إل أن تكون متعمدة ‪ ،‬أو بتعد منه ‪ .‬وذلك موضع الجماع كما‬

‫‪65‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول المام ابن رشد ]‪[15‬‬


‫فإذا شرط رب المال الضمان على العامل ؛ فالمضاربة فاسدة عند مالك‬
‫والشافعي أو هي جائزة والشرط باطل كما هو عند أبي حنيفة وأصحابه ‪،‬‬
‫واتفقوا على أن حكم القراض الفاسد فسخه ورد المال إلى صاحبه ما لم‬
‫يفت بالعمل ]‪.[16‬‬
‫وإذن فالذي يقوم به البنك ليس من باب المضاربة ‪ ،‬كما أنه ليس من باب‬
‫الوديعة ‪ ،‬وإنما هو من باب القرض الذي يرد بزيادة مشروطة وهي ربا باتفاق‬
‫‪ .‬وهو هو القرض الذي عرفه الشيخ طنطاوي بإسهاب ‪ ،‬لغة وشرعا ]‪[17‬‬
‫والقرض إذا جر نفعا يكون من الربا المحرم كما يقول الشيخ طنطاوي نفسه‬
‫]‪[18‬‬
‫حل فوائد البنوك‬‫ونقطة البحث هنا ‪ :‬حول ما وقع فيه الشيخ طنطاوي من ِ‬
‫المعاصرة الموصومة بالربوية ‪ ،‬على أساس عقد المضاربة ‪ ،‬ثم ما يقوم به‬
‫من سحب المناقشة بعد هذا الفتراض إلى البحث حول صحة أو عدم صحة‬
‫تحديد الربح مقدما بنسبة من رأس المال ‪.‬‬
‫والخطأ الكبير الذي وقع فيه الشيخ هو ما أراد لنا أن نتوهمه من أن البنوك‬
‫تقوم بأعمال المضاربة‬
‫إن معاملت البنك في المدخرات التي يجمعها ثم يدفعها للطالبين لها حسب‬
‫شروطه ل تدخل في عقد المضاربة أصل ‪ -‬ل لن الربح محدد سلفا مما يدور‬
‫حوله الجدل ‪ -‬ولكن لن هذا هو واقع أعمال البنك ‪.‬‬
‫البنك ل يقوم بمشروعات استثمارية ‪ -‬سواء بخبرة العمل أو بقوة المال ‪ -‬ول‬
‫يشارك فيها ‪-‬إل بنسبة ضئيلة محكومة بنسبة محددة من نشاطه العام كما‬
‫سنبين بالتفصيل فيما بعد ‪ -‬البنك يتحرك ضمن نطاق القرض ‪ ،‬وهو يتعامل‬
‫في هذه القروض بالزيادة ‪ ،‬له أو عليه ‪ ،‬فهو يتعامل بالربا الصريح ‪ ،‬وهو‬
‫عبارة عن مكتب مراباة ‪ ،‬يتوسط بين المرابي الول ‪ -‬الذي يدفع إليه المال ‪-‬‬
‫وبين صاحب المشروع الستثماري ‪ ،‬ويقوم هو ‪ -‬أي البنك ‪ -‬بدوره بين الثنين‬
‫مرابيا ثانيا ‪.‬‬
‫ولزيادة الشرح لهذه الحقيقة الواقعة نقول ‪:‬‬
‫في أعمال البنك توجد ثلثة أطراف ‪:‬‬
‫المرابي الول ) من يسمونه الموِدع ( وهذا يأخذ فائدة ‪ % 10‬مثل‬
‫المرابي الثاني ‪ -‬وهو البنك ‪ -‬يأخذ فائدة ‪ % 20‬مثل‬
‫والثالث صاحب المشروع ‪ ،‬ذلك الذي يؤسس مصنعا أو مزرعة أو عمارة ‪،‬‬
‫وهذا يدفع مجموع الربوين !!‬
‫فأين هذا من المضاربة ؟ المضاربة مشاركة من جانب بمال ‪ ،‬ومن جانب‬
‫بعمل أو خبرة ‪ ،‬والبنك ل يشارك بأي من المرين ‪.‬‬
‫البنك ليس له سهم ملكية في المشروع الستثماري كما هو شان المضارب‬
‫بالمال ‪ --‬إل نادرا كما سنبين ‪ --‬ونناقش فيما بعد ‪ - -‬فهو ليس شريكا بالمال‬
‫فهو ليس مضاربا بالمال ‪.‬‬
‫والبنك ل يقوم بعمل في المشروع الستثماري ‪ ،‬فهو من ثم ليس مضاربا‬
‫بجانب العمل ‪.‬‬
‫البنك واقف بين الطرفين ‪ :‬ينحصر دوره في أنه يقترض من صاحب المال ‪،‬‬
‫ثم يقرض صاحب العمل ‪ ،‬وهو بالرغم من أنه ل عمل له ول مال يحصل على‬
‫ربح ‪ ،‬بل على ما يكون اسمه شرعا ‪ :‬الربا ‪.‬‬
‫وصاحب المشروع الذي هو الطرف الثالث يخسر ‪ -‬إذا خسر ‪ -‬فتصادر أصوله‬
‫الثابتة ‪ ،‬كما تصادر أمواله الخرى الضامنة والتي تقع تحت طائلة القانون‬

‫‪66‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حامي البنك ‪.‬‬


‫إنه – أي البنك ‪ -‬مضخة مالية ‪ :‬تجمع المال من المقرضين الوائل ‪ ،‬ثم تقوم‬
‫هي بدور المقرض الثاني ‪ ،‬فتضخه إلى المقترضين العاملين في المشروع‬
‫الستثماري ‪.‬‬
‫إن البنك ‪ -‬ل يشارك صاحب المشروع الستثماري ‪ -‬فانفصل عن الستثمار‬
‫أو المضاربة من بداية المر ‪ ،‬فأصبح الحديث عن اجتهاد جديد في تحديد‬
‫الربح أو عدم تحديده من رأس المال ‪ ..‬اجتهادا في غير الموضوع وهروبا من‬
‫المشكلة إلى المام ‪.‬‬
‫البنوك نشاط مالي بحت ‪ ،‬واللة القتصادية الحديثة الضخمة المعقدة تحتاج‬
‫إلى هذا الجهاز في صورته تلك ‪ :‬أن يكون جهازا ماليا بحتا ‪ ،‬ل يقوم‬
‫بمشروعات غالبا ‪ ،‬ول يشترك فيها ‪ ،‬وإن كان يقرض أصحابها ‪wb .‬‬
‫هذا بحكم احتياجات الحركة القتصادية المعاصرة ‪.‬‬
‫هذا بحكم التخصص بين المؤسسات والجهزة ‪ ،‬وهذه حاجة معاصرة أيضا ‪.‬‬
‫البنك أشبه ما يكون بالطلمبة في المزرعة ‪ :‬يجمع المال ثم يضخه ‪،‬كما تجمع‬
‫الطلمبة الماء ثم تضخه ‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫والذين يتوقعون من البنك أن يقوم بمشروعات يشارك فيها يطلبون منه ما‬
‫ليس له ‪ ،‬يطلبون منه ما هو خارج عن طبيعته واختصاصه ‪ ،‬كما لو طلبنا من‬
‫الطلمبة أن تكون محراثا ‪ ،‬أو كما لو طلبنا من مهندس الميكانيكا أن يكون‬
‫مهندسا زراعيا ‪ ،‬أو كما لو طلبنا من الصيدلي أن يكون بقال ‪.‬‬
‫من حق البنك ‪ -‬بل من طبيعته ‪ -‬أن ينزعج ويرفض ‪.‬‬
‫واسألوا هذه البنوك نفسها ‪ : ،‬نعم إنها تسخر منا عندما نلصق بها أنها تقوم‬
‫بالمضاربة ‪ ،‬ولكنها تلوذ بالصمت ‪ -‬في هذه النقطة لكي تحصل على التبرئة‬
‫من تهمة الربا ‪.‬‬
‫لكن اسألوها ‪ :‬هل تقبل أو يمكنها فعل أن تقوم بمشروعات في أكثر من‬
‫النسبة الضئيلة التي يحددها البنك المركزي والتي سنذكرها بعد ؟ ‪ ،‬اسألوها‬
‫هل تقبل أن تكون شركات توظيف أموال كالشريف وما أشبه ؟ الجابة –‬
‫من واقع وظيفتها القتصادية القانونية المتخصصة ‪ : -‬ل ‪ .‬وهي إجابة تكشف‬
‫عن مكنون هذه البنوك ‪ :‬وأنها ل تعدو أن تقوم بدور مقترض من المدخرين‬
‫الذين هم الطرف الول ‪ ،‬وُتقرض أصحاب الحاجات الذين هم الطرف الثالث‬
‫‪ .‬تقوم بوظيفة عمرو بن عمير ‪ :‬مضخة تجمع المال ثم تضخه ‪ .‬إنها لتقبل ول‬
‫يمكن أن تقبل أن تكون محراثا ‪.‬‬
‫ثم اسألوها ثانية ‪ :‬هل تقبل أو يمكنها أن تجعل أموالها التي أقرضتها لصحاب‬
‫المشاريع مملوكة لها ضمن المشروع ؛ بأن تصبح مالكة أو شريكة في ملكية‬
‫المشروع ل تخرج عنه إل ببيع وشراء ؟‬
‫أم هي أموال واجبة الرد في آجال محددة ‪ ،‬لبد من ردها على دفعة واحدة أو‬
‫على أقساط ‪ ،‬وفق العقد الذي بينها وبين صاحب المشروع ‪ ،‬فهي أموال‬
‫قرض ‪ ،‬وليست أموال مشاركة ؟‬
‫الجواب واضح شديد الوضوح ‪ :‬وهو أن ذلك يعني تغييرا له من شركة بنكية ‪،‬‬
‫إلى شركة استثمارية ‪.‬‬
‫إن ذلك يعني بوضوح أيضا أن المركز القانوني لهذه البنوك مع أصحاب‬
‫الموال من ناحية وأصحاب المشروع من ناحية ثانية هو مركز الطرف‬

‫‪67‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المتوسط الذي يقترض ثم يقرض ‪ ،‬المر الذي ل يترك مجال للحاقه بمركز‬
‫المضارب ‪ ،‬وبالتالي يقفل الباب ابتداء أمام الجتهاد في كونها مضاربة‬
‫صحيحة أو فاسدة ‪ ،‬وفيما إذا كان يجوز تصحيحها بوجه من وجوه الجتهاد في‬
‫تصحيح المضاربة ؛‪:‬‬
‫سواء من جهة البحث في جواز تحديد الربح مقدما ‪ ،‬أو عدم تحديده ‪.‬‬
‫أو من جهة اعتبار الزيادة الثابتة على رأس المال من باب أجر المثل الذي‬
‫يجيزه الفقه في المضاربة الفاسدة لتصحيحها ‪ ،‬لن أجر المثل يعطى‬
‫لصاحب العمل نظير عمله ‪ ،‬ل لصاحب المال ‪ ،‬ومن ثم ل يصح قياس البنك‬
‫عليه ‪ ،‬لنه ليس صاحب عمل ‪ ،‬ولكنه صاحب مال ‪ ،‬فإذا أخذ الجر على‬
‫المال فذلك هو الربا بعينه ‪ ،‬ول شأن إذن للمضاربة الصحيحة أو الفاسدة‬
‫بذلك ‪. .‬‬
‫ولبد من التعرض هنا لقول الشيخ طنطاوي وأمثاله أن البنك يقوم‬
‫بمشروعات ‪ ،‬ومن ثم فهو يقوم بدور المضارب ‪ ،‬والرد على ذلك يأتي أول‬
‫بتأكيد دور البنك في القتراض والقراض ‪ ،‬وأنه قد يقرض من يقومون‬
‫بمشروعات ‪ ،‬ولكنه يظل بمنأى عن المشاركة فيها ‪ ،‬وتحمل مسئولية‬
‫المكسب والخسارة ‪.‬‬
‫وقد تقوم البنوك بدراسات جدوى للمشروع ‪ ،‬ولكنها إنما تفعل ذلك‬
‫للطمئنان على مصير قرضها الذي قدمته لصحاب المشروع ل أكثر ول أقل ‪.‬‬
‫نعم ؛ قد تقوم بعض البنوك ببعض المشروعات ‪ ،‬ولكنها ل تفعل ذلك إل في‬
‫نطاق نسبة ضئيلة محدودة من رأس المال المودع لديها خضوعا لنظريتها‬
‫القتصادية التي تقوم عليها ‪.‬‬
‫وكما يقول الستاذ الدكتور حسين حامد في بحثه المنشور على موقع إسلم‬
‫أون لين ‪ ) 2002\12\25‬إن البنوك التجارية والمتخصصة ل تملك استثمار‬
‫الودائع بنفسها استثماًرا مباشًرا؛ بمعنى التجار فيه‪ ،‬بل تملك إقراضه للغير‬
‫بفائدة‪ .‬وذلك بحكم القانون المصري رقم ‪ 163‬لسنة ‪ 1957‬والقوانين‬
‫المعدلة له في المواد ‪ :‬المادة رقم ‪ 26‬والمادة رقم ‪ 38‬من نفس القانون ‪،‬‬
‫والمادة رقم ‪ 39‬من نفس القانون أيضا والمادة رقم ‪ 45‬فهذه النصوص‬
‫تقطع بأنه يحظر على البنوك التجارية وغير التجارية العاملة في مصر‬
‫الستثمار عن طريق التجار بالشراء والبيع بصفة مطلقة‪ ،‬إل إذا كان التملك‬
‫وفاء لدين‪ ،‬وبشرط التصرف في العقار أو المنقول خلل مدة محددة‪ ،‬أو كان‬
‫ما لدارة البنك أو لماكن ترفية موظفيه‪ .‬وحتى في حالة‬ ‫العقار مستخد ً‬
‫المشاركة في تأسيس الشركات وشراء أسهم‪ ،‬يحظر على البنك أن يمس‬
‫قا‪ ،‬بل إن له أن يتصرف في حدود حقوق المساهمين‬ ‫الودائع مطل ً‬
‫فافتراض الفتوى أن البنوك تقوم باستثمار الودائع بالتجار فيها بالبيع والشراء‬
‫بصفة مباشرة‪ ،‬أو حتى شراء أسهم الشركات افتراض غير صحيح‪ ،‬وبناء‬
‫الفتوى عليه باطل‪ .‬وإذا كنا نتكلم عن أمر واقع‪ ..‬فأين هو؟ وأي بنك يقوم‬
‫باستثمار الودائع بنفسه استثماًرا مباشًرا؟ وأين يعمل؟ أيعمل في مصر أم‬
‫في الخارج؟؟ ( اهـ‬
‫وعلى سبيل المثال ‪ :‬نذكر ما نشرته الهرام في ‪ 1988\8\20‬من تعليمات‬
‫البنك المركزي بالقاهرة في تحديد أنشطة البنوك في مصر ‪ ،‬وقد جاءت على‬
‫النحو التالي ‪:‬‬
‫‪ % 60‬من إجمالي الودائع للقراض ‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪68‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ % 25‬رصيدا احتياطيا لدى البنك المركزي للستعانة بها عند الضرورة‬


‫‪ % 15‬لشراء أوراق مالية ومواجهة صرف شيكات للعملء‬
‫ومن هذا يتبين أن ما يسمح به للبنوك للمساهمة في الشركات كمساهمين ل‬
‫يصح أن يزيد على سهم من ثلثة أسهم من الخمسة عشرة في المائة ‪ ،‬التي‬
‫خصصت لغراض ثلثة ‪ :‬هي شراء السهم ‪ ،‬وشراء السندات ) أوراق مالية (‬
‫وسحب العملء ‪ .‬؟ !‬
‫وفتوى الشيخ طنطاوي ل تواجه هذه الحقيقة ولكنها تسوق لنا خبر مشاركة‬
‫البنوك بنسبة كبيرة من السهم في عدد من الشركات ‪ ،‬ووثيقة مشاركتها‬
‫بنسبة كبيرة في بعض المشروعات ) شركة السويس للسمنت ( ]‪[19‬‬
‫كمثال ‪ ،‬ول نزاع في ذلك ‪ ،‬ولكن النزاع هو في الحقيقة التي كان من اللزم‬
‫إعلنها ‪ :‬وهي أن هذه المشاركات مهما بلغت فإنه ل يسمح لها بأن تزيد عن‬
‫النسبة الضئيلة من أعمال البنوك والتي لبد وأن تدور في نطاق القانون‬
‫والسياسة العليا للبنوك التي ل تسمح بالمشاركة في أكثر مما يحدده لها‬
‫البنك المركزي وفقا للحصائية السابقة تقريبا ‪.‬‬
‫وقد سمعت بعض المغالطين ممن يأخذون الفائدة من البنك يقول ‪:‬‬
‫سأفترض أن حصتي من المال الذي أقدمه للبنك قد استثمره البنك في هذا‬
‫الجزء الضئيل الذي يوجهه للمضاربة أو المشاركة ‪ ،‬وفضل عما في هذا القول‬
‫من هزل ل ندري معه من الذي وقع نصيبه في هذا النشاط الذي ل يتعدى‬
‫عشرة في المائة من أموال البنك فيكون ما يأخذه من فائدة حلل ‪ ،‬ومن‬
‫الذي ل تقع حصته فيه فيكون ما يأخذه ربا ‪ ،‬اللهم إل أن نطبق هنا ما يشبه‬
‫قسمة الغرماء فيكون كل من المودعين واقعا في الحلل بنسبة ‪% 10‬‬
‫وواقعا في الحرام بنسبة ‪ .… %90‬فضل عن ذلك كله فهو ل ينقذ البنك من‬
‫وقوعه في الربا المحرم بنسبة تسعين في المائة على القل من مجموع‬
‫أمواله المتداولة في نطاق التعامل بما يسمى الفائدة ‪.‬‬
‫والخطأ الذي وقعت فيه فتوى الشيخ طنطاوي هو في تصوره أن البنك يمكن‬
‫أن يترك وظيفته الصلية ليتحول إلى المضاربة ومن ثم وقع في خطأ آخر‬
‫في فهم ما ذهب إليه الشيخ محمد عبده من جواز تحديد الربح مقدما – فيما‬
‫تستثمره الدولة من أموال المدخرين – سواء في صندوق التوفير الذي انتشر‬
‫التعامل فيه في النصف الول من هذا القرن وما يزال ‪ ،‬أو غيره ‪ -‬لن صورة‬
‫ما تكلم عنه الشيخ محمد عبده يمكن أن يتصور فيها قيام الحكومة التي تضع‬
‫يدها على هذه الموال بدور المضارب في مشروعاتها الستثمارية أو الخدمية‬
‫على السواء ]‪[20‬‬
‫لف من‬ ‫كذلك وقعت الفتوى في خطأ فهم ما ذهب إليه الشيخ عبد الوهاب خ ّ‬
‫جواز تحديد الربح مقدما في الصورة التي تحدث عنها في مقاله بمجلة لواء‬
‫السلم لنه –أي الشيخ عبد الوهاب خلف ‪ -‬إنما كان يتحدث عن حالة‬
‫مضاربة صريحة يقوم فيها أحد الطرفين بتقديم المال ‪ ،‬والخر بتقديم العمل‬
‫المضاربة ‪ :‬أعم من أن تكون مضاربة صحيحة أو فاسدة ‪ ،‬وما تكلم الشيخ‬
‫بصدده من أعمال البنوك في جمعها لموال المدخرين وإعطائها لصحاب‬
‫الحاجات بفوائد ليس من المضاربة في شيء ‪.‬‬
‫ومن ثم يصبح ما ذكره الشيخ من دفاع مستفيض عن صحة تحديد الربح‬
‫مقدما في المضاربة في تسع نقاط من صفحة ‪ 135-127‬من كتابه معاملت‬
‫البنوك وأحكامها الشرعية من باب الجدل المفتعل للتغطية على أصل القضية‬
‫‪ ،‬ومن ثم فهو لغو خارج الموضوع ‪.‬‬
‫ومن هنا جاء توريط مجلس المجمع في تمرير فتوى الشيخ إذ عرض عليه‪-‬‬

‫‪69‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عام ‪ - 2002‬سؤال عن الستثمار ‪ ،‬ثم عمم على أساس أنه عدول عن فتواه‬
‫السابقة عام ‪ ، 1965‬وموافقة على فتوى الشيخ ‪.‬‬
‫أما الوهم السادس ففي القول بأن البنوك ل تخسر ؟‬
‫وهو الوهم الساذج الذي يبني عليه الشيخ طنطاوي تبريره لصحة تحديد الربح‬
‫مقدما في فوائد البنوك بناء على أن البنك لم يحدد الربح مقدما إل بعد‬
‫دراسة مستفيضة ودقيقة لحوال السواق العالمية والمحلية وللوضاع‬
‫القتصادية في المجتمع ولظروف كل معاملة ولنوعها ولمتوسط أرباحها …‬
‫إلخ‬
‫ونظر ا لما هو واضح من أن هذا محض كلم نظري ‪ ،‬فإنه – أي الشيخ ‪-‬‬
‫يحتاط لما يظهر فعل من خسارة تقع بالبنك أو بغيره في هذه العمال‬
‫فيفترض افتراضا نظريا آخر وهو على حد قوله ) إن العمال التجارية‬
‫المتنوعة إن خسر صاحبها في جانب ربح في جانب آخر ‪ ،‬وبذلك تغطي‬
‫الرباح الخسائر وتزيد الرباح على الخسائر في معظم الحيان ( هكذا بدعوة‬
‫منه مفتوحة على التفاؤل !!]‪[21‬‬
‫نقول ردا على ذلك ‪ :‬الصحيح أن المشروعات التي تقرضها البنوك معرضة‬
‫للخسارة ‪ ،‬وهذا هو الساس في نظرية البنك التي تقوم على أن الفائدة التي‬
‫تأخذها البنوك عند القراض ‪ ،‬هي ثمن ما يسمى ) المخاطرة ( ‪.‬‬
‫وإذن فالقول باستبعاد الخسارة في المشروعات التي تقرضها البنوك ابتداء‬
‫قول ل يستقيم مع نظرية الفائدة أصل ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫وفضل عن ذلك فان البنوك معرضة للخسارة بما ل يمكن ‪ -‬ول يصح ‪ -‬تغطيته‬
‫من الفوائد التي تتقاضاها من أصحاب المشروعات الستثمارية ‪ ،‬بدليل أنها‬
‫في هذه الحوال تلجأ إلى تقاضي هذه الخسارة من الصول الثابتة المرهونة‬
‫التي يملكها الطرف الثالث المقترض من البنك القائم بالمشروع‬
‫الستثماري ‪.‬‬
‫فإذا لم تكن هذه كافية تخلص البنك منها ‪ -‬لجوءا إلى سلطة الدولة أو آليات‬
‫السوق ‪ -‬برفع أسعار المنتجات فيتحمل المستهلك عندئذ الخسارة ‪.‬‬
‫فإذا لم تكن هذه كافية تدخلت الدولة بإصدار بنكنوت جديد عن طريق‬
‫التمويل بالعجز‪ ،‬أو ما يسمى التضخم ‪ ،‬أو بتخفيض القيمة الشرائية للعملة‬
‫المحلية ‪ ،‬بما يتحمله جميع المتعاملين بهذه العملة في الداخل أو في‬
‫الخارج ‪.‬‬
‫وفي جميع هذه الحوال ‪ :‬هناك الخسارة ‪ ،‬لكن أساليب القتصاد الربوي‬
‫الحديث تتمكن بآليتها من تحويل هذه الخسارة إلى أضعف الطراف ‪ ،‬وهو‬
‫المستهلك الذي لم يدخل طرفا في هذه العملية في أي دور من أدوارها ‪.‬‬
‫فإذا لم تتمكن هذه الليات من الجراءات السابقة فإن تاريخ انهيار البنوك‬
‫وإفلسها تاريخ شهير ‪ ،‬حافل ‪ ،‬حيث تتحول هذه الخسارة إلى أضعف‬
‫الطراف ‪ :‬مسئولة أو غير مسئولة ‪ ،‬من مالكي البنك والمودعين‬
‫والمستهلكين والثروة القومية والدولة على السواء ‪.‬‬
‫وعلى سبيل المثال نذكر ما نشرته جريدة الخبار المصرية في ‪1988 \8\16‬‬
‫في الصفحة الثالثة ‪ :‬من أن البنك المركزي أصدر تقريرا سريا عن عملء‬
‫البنوك المصرية المتوقفين عن سداد القروض ‪ ،‬وقد بلغت ديون الكبار منهم‬
‫الذين اقترض الواحد منهم أكثر من عشرة مليين جنيه ‪ :‬بلغت ‪ 832‬مليونا‬

‫‪70‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫من الجنيهات ‪ ،‬أما الصغار الذين اقترض الواحد منهم أقل من عشرة مليين‬
‫فقد بلغت مديونيتهم عدة مئات أخرى ‪ ،‬وما نشرته الوفد في ‪ 1991\8\6‬من‬
‫أن البنوك المصرية تدين شركات القطاع العام المتعثرة بثمانية وثلثين مليارا‬
‫من الجنيهات ‪.‬‬
‫وعلى المستوى العالمي فان تاريخ انهيار البنوك تاريخ حافل ‪ ،‬نذكر كمثال‬
‫أخير ما نشرته جريدة الخليج بعددها الصادر في ‪ 1995\8\30‬بعنوان‬
‫) إفلس مصرفين عملقين في اليابان ‪ ،‬والحكومة تعوم أحدهما وتجمد الخر‬
‫‪ ،‬حيث أعلن وزير المالية ما سا يوشي تاكيمورا عن خطة لنقاذ بنك هيوجو‬
‫المحدود الذي كان له حتى ‪ 1995\3\31‬قروض قيمتها ‪ 2.77‬تريليون ين )‬
‫‪ 28.2‬مليار دولر ( وودائع ‪ 2.53‬تريليون ين ) ‪ 25.8‬مليار دولر ( وهو يرضخ‬
‫تحت وطأة ديون متعثرة أدت بوزير المالية إلى إنشاء بنك جديد يتولى أعمال‬
‫هيوجو ويتخلص من ديونه خلل العشر سنوات المقبلة ‪.‬‬
‫ومما يذكر في هذا الصدد ما تناقلته الخبار من أن الحكومة المريكية تقترض‬
‫‪ 41.1‬مليون دولر كل ساعة و مديونيتها وصلت حجما خرافيا يستعصي على‬
‫الحل حيث بلغت فاتورة اقتراضاتها حوالي ‪ 4‬تريليون دولر بكلفة ‪ 200‬مليار‬
‫دولر سنويا كفوائد وأنه من المتوقع أن يصل العجز في الموازنة المالية‬
‫السنوية إلى حدود ‪ 400‬مليار دولر في عام ‪.[22] 1992‬‬
‫ويبقى الشارة إلى انهيار القتصاد الماليزي والندونيسي والكوري والسيوي‬
‫بصفة عامة بعد تقدم كبير وصفت فيه هذه الدول بالنمور السيوية وذلك‬
‫تحت وطأة المضاربات في البورصة وفق مؤامرة ربوية كبرى قام بها‬
‫اليهودي الرأسمالي العالمي المدعو جورج سوروس فقدت فيها عملة ماليزيا‬
‫فجأة في يوليو ‪ % 30 1997‬من قيمتها ]‪.[23‬‬
‫) وقد ورد في بيان لصندوق النقد الدولي صدر في نوفمبر ‪ 1997‬أنه في‬
‫خلل الخمس عشرة سنة الماضية تعرض ما ل يقل عن ثلثة أرباع الدول‬
‫العضاء في صندوق النقد الدولي ‪ -‬أكثر من مائة دولة ‪ -‬لزمات في القطاع‬
‫المصرفي ‪ ،‬فمنذ عام ‪ 1980‬مثل بلغت تكلفة المصاعب المالية بالقطاع‬
‫المصرفي في الدول النامية فقط ‪ 250‬مليار دولر أمريكي ‪ ،‬فبالضافة إلى‬
‫انهيار بنك بيرنجز البريطاني تعرض أحد أكبر البنوك الفرنسية واسمه كريدي‬
‫ليوني لكارثة مالية كلفت مساهميه ما ل يقل عن ‪ 35‬مليار دولر ‪ ،‬وعليه فإن‬
‫طبيعة نشاط المؤسسات المالية يجعلها عرضة لنواع من الزمات تتعلق في‬
‫كثير من الحيان بعنصر الشراف والتنظيم (]‪ ، [24‬وهما عنصران دائمان‬
‫باحتمالتهما اليجابية والسلبية في كل نشاط مصرفي ‪.‬‬
‫وبهذا يتبين أن القول بان البنوك غير معرضة للخسارة وإن تعرضت فإنها‬
‫تملك احتواء الموقف قول غير صحيح على إطلقه ‪ ،‬وفي فشلها في ذلك‬
‫تأتي الكوارث المالية والقتصادية والسياسية الكبرى مما هو معروف ‪ ،‬ونحن‬
‫في غنى عن تسجيله الن ‪.‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫يقول الشيخ طنطاوي ]‪ : [25‬إن البنوك إذا خسرت في عملية تربح في‬
‫أخرى ‪ ،‬فيغطي الربح الخسارة ‪ .‬وهنا نقول ‪ :‬بالرغم من محدودية هذه اللية‬
‫ضمن ظروف محدودة ‪ ،‬فإن على الشيخ أن ينظر في مسألة الخسارة هذه‬
‫إلى الطرف الثالث ؛ الذي هو صاحب المشروع المقترض من البنك الذي‬
‫يخسر مشروعه لبوار السلعة التي ينتجها المصنع ‪ ،‬أو اجتياح آفة لمحصوله‬

‫‪71‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الزراعي ‪ ،‬أو انهيار عمارته ‪ ،‬أو زيادة التكاليف على الدخل ‪ ،‬أو لسباب‬
‫عالمية ‪ ،‬أو لسباب أخرى ‪ ،‬وهو الذي يدفع للبنك فائدة يذهب جزء منها إلى‬
‫خزينة المرابي الول ) المودع ( ويذهب الجزء الثاني إلى خزينة المرابي‬
‫الثاني ) البنك ( ؟! فأي ظلم ؟؟‬
‫ويرى الشيخ طنطاوي ]‪ :[26‬أنه في حالة التضرر من الخسارة ينبغي أن‬
‫يسمح باللجوء إلى القضاء ‪ .‬ونقول ‪ :‬فضل عن أن ذلك يتعارض مع مقتضى‬
‫قانونية أوضاع البنوك ‪ ،‬ول يمكن السماح به ‪ ،‬فان فيه إقرارا بأن العلقة بين‬
‫صاحب المال ‪ ) ،‬المودع والبنك معا ( وصاحب المشروع يجب أن تقوم على‬
‫نسبة من واقع المكسب والخسارة ‪ -‬رفعا للظلم عن كاهل أصحاب‬
‫المشروعات ‪ -‬وليس على تحديد سابق لمبلغ الفائدة ‪ ،‬فإذا كان ذلك كذلك‬
‫… أليس هذا ما يقول به الفقهاء من أن المضاربة يجب أن تقوم على نسبة‬
‫من المكسب والخسارة ‪ ،‬دون تحديد لمبلغ معين من الربح سلفا ؟‬
‫هذا ومن المعروف أن مثل هذه الخسارة والتضرر ل يحدث نادرا ‪ ،‬بحيث‬
‫يغفل أمره في بداية المر ‪ ،‬ثم يرفع أمره إلى القضاء عندما يفاجئ بالحدوث‬
‫‪ ،‬ولكنه هاجس البنك الذي يحتاط له بالرهن ‪ ،‬وفرض المتياز على أصول‬
‫المشروع ‪ .‬والضابير مملوءة بأمثلة تفوق الحصر لصحاب الطرف الثالث ‪-‬‬
‫أصحاب المشروعات ‪ -‬التي انصبت الخسارة على رءوسهم ‪ ،‬وخربت بيوتهم‬
‫أو اصطنعوها وأعلنوا الفلس ؟!‬
‫ويكفي أن نتذكر الن الخسارة التي وقعت على رأس مصر – كدولة ‪ -‬في‬
‫ديونها مرتين في قرن واحد ‪ :‬مرة في أواخر القرن التاسع عشر أدت إلى‬
‫مجيء الجيوش الجنبية ‪ ،‬ومرة في أواخر القرن العشرين أدت إلى مجيء‬
‫صندوق النقد الدولي !‪.‬‬
‫أما الوهم السابع من كبار الوهام الطنطاوية فهو ما ذهب إليه في مناقشة‬
‫القاعدة الفقهية في عدم تحديد الربح مقدما في المضاربة‬
‫وإذا كنا قد كشفنا ما تقدم من الوهام دون الضطرار إلى الدخول في‬
‫موضوع تحديد الربح أو عدم تحديده مقدما فإن موضوع تحديد الربح أو عدم‬
‫تحديده يصبح خارج الموضوع ‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد كان يجب على الشيخ أن يحسن الظن بالفقهاء عندما‬
‫اشترطوا عدم تحديد مبلغ الربح سلفا في المضاربة ‪ ،‬وأنهم عندما أجمعوا‬
‫على ذلك كانوا متوافقين مع العقل والنقل معا ]‪. [27‬‬
‫أما من ناحية العقل فلن الخلل بهذا الشرط يخرج المضاربة من كونها‬
‫مضاربة إلى عقد آخر قائم بذاته ‪ :‬إذ يتحول رب المال من شريك بماله‬
‫للمضارب الشريك بعمله ‪..‬يتحول إلى دائن ذي دين مضمون ‪ -‬وهذا حق له ‪-‬‬
‫وذي ربح مضمون ‪ ،‬وهذا ليس حقا له من الناحية الشرعية لنه هو الربا ‪.‬‬
‫وأما النقل فهو ما جاء في أحاديث المزارعة التي نص فيها رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم على أنه ل يجوز أن يكون نصيب مالك الرض أو العامل فيها‬
‫هو ما يتحدد في بقعة معينة من الرض ‪.‬‬
‫فقد أخرج البخاري بسنده عن رافع بن خديج ) كنا أكثر أهل الرض مزدرعا ‪،‬‬
‫كنا نكري الرض بالناحية – أي بما يخرج من ناحية منها ‪ -‬منها مسمى لسيد‬
‫الرض ‪ ،‬قال فمما يصاب ذلك وتسلم الرض ‪ ،‬ومما – وفي رواية فمهما في‬
‫الموضعين ‪ -‬تصاب الرض ويسلم ذلك ‪ ،‬فنهينا عنه فما الذهب والورق – أي‬
‫الفضة – فلم يكن يومئذ (‬
‫وفي رواية أخرى للبخاري بسنده عن رافع أيضا قال ‪ ) :‬وكان أحدنا يكري‬
‫أرضه فيقول ‪ :‬هذه القطعة – أي ما يخرج منها – لي ‪ ،‬وهذه لك ‪ ،‬فربما‬

‫‪72‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخرجت ذه ‪ ،‬ولم تخرج ذه ‪ ،‬فنهاهم النبي صلى الله عليه عن ذلك (‬


‫ورواه مسلم وأبو داود والنسائي عن رافع أيضا قال ‪ " :‬إنما كان الناس‬
‫يؤجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الماذيانات –‬
‫مسايل المياه – وأقبال الجداول – أوائل المساقي والنهار الصغيرة – وأشياء‬
‫من الزرع ‪ ،‬فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس‬
‫كرى إل هذا فلذلك زجر عنه فأما شيء معلوم مضمون فل باس به (‬
‫ورواه البخاري وأحمد والنسائي عن رافع قال ‪ :‬حدثني عماي أنهما كانا‬
‫يكريان الرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما ينبت على‬
‫الربعاء – جمع ربيع وهو النهر الصغير – وبشيء يستثنيه صاحب الرض فنهى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك‬
‫وروى أحمد عن رافع أن الناس كانوا يكرون المزارع في زمان النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بالماذيانات وما يسقي الربيع وشيء من التبن ‪ ،‬فكره رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم كرى المزارع بهذا ونهى عنه (‬
‫يقول فضيلة المام الكبر الستاذ الدكتور عبد الرحمن تاج شيخ الزهر‬
‫السبق في بحثه حول الموضوع الذي قدمه للمؤتمر السابع لمجمع البحوث‬
‫السلمية بالزهر ‪:‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫) ومن هذا يتبين أن اشتراط جزء معين من الخارج لصاحب الرض في‬
‫المزارعة ل يجوز ‪ ،‬وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عنه ‪ ،‬لما يترتب‬
‫عليه من الظلم بين الشريكين صاحب الرض والعامل فيها لجواز أل تخرج‬
‫الرض غير ما اشترطه الول لنفسه ‪ ،‬فيضيع عمل العامل وجهده ‪ ،‬على حين‬
‫ينتفع الشريك الخر وحده‬
‫‪ ،‬فأما كراء الرض بالذهب أو الفضة أو بشيء غيرهما معلوم ومضمون في‬
‫الذمة فل شيء فيه ‪.‬‬
‫هذا هو ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ورواه أئمة الحديث ‪:‬‬
‫البخاري ومسلم وأحمد وأبو داود والنائي بألفاظ متحدة أو متقاربة ‪ ،‬ول يسع‬
‫الفقهاء من مثل أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد إل أن يتبعوه ويقولوا به‬
‫في المزارعة والمساقاة والمضاربة وسائر الشركات ‪ ،‬فإن اشتراط جزء‬
‫معين من ربح ذلك وثمراته لحد المتعاقدين قد يؤدي إلى المعنى الذي من‬
‫اجله ورد النهي ‪ ،‬فإنه يخل بالمقصود من العقد وهو الشترك في النتائج‬
‫والثمرات (‬
‫إن العلة الجامعة – كما يقول الدكتور محمد صلح محمد الصاوي – بين‬
‫المضاربة وبين المزارعة أن كل منهما شركة بمال من جانب ‪ ،‬وعمل من‬
‫جانب ‪ ،‬والحكمة في اشتراط الشيوع تحقيق العدل بين الطرفين ‪ ،‬لنه إن‬
‫اشترط ربحا معينا كمائة جنيه مثل فقد يقل الربح حتى ل يصل إلى المائة ‪،‬‬
‫وحينئذ تنقطع الشركة ول يكون للعامل أو رب المال أو رب الرض شيء ‪،‬‬
‫بل قد ل يربح المال بالمرة ‪ ،‬والمعاملت المالية قائمة على العدل ‪.‬‬
‫ويقول المام الكبر الشيخ عبد الرحمن تاج ) وإذا كان اشتراط جزء معين‬
‫من الخارج – لصاحب الرض في المزارعة قد حظرته الشريعة ونهى عنه‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم لما فيه من الغبن والظلم بأحد الشريكين‬
‫المتعاقدين على الشتراك في الربح والخسارة فلماذا يرد في وجه الئمة‬
‫الفقهاء قولهم بلزوم خلو العقد من ذلك الشتراط الجائر الظالم ؟ وهم لم‬

‫‪73‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقولوه إل تطبيقا للسنة الصحيحة وعمل بنا تدل عليه نصوصها الصريحة ؟‬
‫وكيف يسوغ من مطلع على نصوص الشريعة ومواردها أن يقول في اشتراط‬
‫ربح محدد لرب المال في المضاربة إنه جائز غير مخالف لكتاب ول سنة وإن‬
‫كان فيه مخالفة لقوال الفقهاء ؟ أو ل يكفي النص على حظر ذلك الشتراط‬
‫ومنعه في المزارعة فيعلم أنه محظور وممنوع في المضاربة والمساقاة‬
‫وغيرهما من فروع الشركات ؟ وهل من حسن الظن بالشريعة العادلة أن‬
‫يقال ‪ :‬إنها تمنع من الظلم والجور في شركة المزارعة وتبيح ذلك في شركة‬
‫القراض ؟‬
‫هذا إلى أن المام مالك بن أنس رحمه الله قد اثبت في الموطأ انعقاد‬
‫الجماع على انه ل يجوز ‪ :‬اشتراط جزء معين غير نسبي لصاحب المال في‬
‫القراض نفسه ‪ ،‬فإنه قال في رجل دفع إلى رجل مال قراضا واشترط عليه‬
‫فيه شيئا من الربح خالصا دون صاحبه ‪ :‬إن ذلك ل يصلح وإن كان درهما‬
‫واحدا إل أن يشترط نصف الربح له ونصفه لصاحبه أو ثلثه أو أقل من ذلك أو‬
‫أكثر ‪ ،‬فإذا سمى شيئا من ذلك قليل أو كثيرا فإن كل شيء سمي من ذلك‬
‫حلل ‪ ،‬وهو قراض المسلمين ‪ .‬قال ‪ : :‬ولكن اشتراط أن له من الربح درهما‬
‫واحدا فما فوقه خالصا له دون صاحبه وما بقي من الربح فهو بيتهما نصفين ‪،‬‬
‫فإن ذلك ل يصلح وليس ذلك على قراض المسلمين ( اهـ‬
‫ويقول المام الكبر الشيخ عبد الرحمن تاج في بحثه في المؤتمر المذكور‬
‫عام ‪ 1972‬في لهجة عتاب على أسلف الشيخ طنطاوي الذين رسموا له‬
‫قبل عقود طريق التطاول على أئمة الفقه والجتهاد ‪ ) :‬ونظن أنه كان ينبغي‬
‫التريث في الحكم ‪ ،‬فل يهجم بغير بينة على الئمة الفقهاء بما يمس مكانتهم‬
‫في البحث والجتهاد حتى على فرض أنه لم يعثر بادئ ذي بدء على تلك‬
‫الحاديث الصحيحة التي قدمناها‬
‫كان يجب قبل هذا الحكم الجريء – والكلم موجه للشيخ طنطاوي من شيخ‬
‫شيوخه من ظهر الغيب ‪ -‬أن تدرس المسائل درسا مستوعبا كما كان يفعل‬
‫أولئك الفقهاء العلم فيبحث في نصوص الشريعة عن كل ما يتصل بهذه‬
‫المسائل ‪ ،‬وما ورد فيها من أمر أو نهي ‪ ،‬وقبول أو رد ‪ ،‬ويفهم ذلك منه فهما‬
‫واحدا ‪ ،‬بجمع اطرافها وتستخلص به النتائج الفقهية الصحيحة ‪ ،‬ثم ل يكون‬
‫على الباحث المستوعب من حرج بعد ذلك إذا هو خط ـأ فقيها من الفقهاء أو‬
‫خطاهم جميعا برمية واحدة ‪ ،‬وهذا فيما نرى هو أول واجب لحربة الرأي‬
‫وحرية البحث والنقد ‪ ،‬وهو أهم أركان الجتهاد لمن يراه أنه أهل‬
‫للجتهاد ( !!!‬
‫نعم كان يجب على الشيخ طنطاوي أن يحسن الخطى على درج الجتهاد ‪،‬‬
‫وكان عليه قبل ذلك أن يحسن الظن بالشريعة والفقهاء جميعا عندما‬
‫اشترطوا عدم تحديد مبلغ الربح سلفا في المضاربة ‪ ،‬وأنهم عندما أجمعوا‬
‫على ذلك كانوا متوافقين مع العقل والنقل معا ]‪. [28‬‬

‫)‪(10 /‬‬

‫ولكن الشيخ انخدع – مع السف ‪ -‬فيما ذهب إليه من صحة تحديد الربح‬
‫مقدما في المضاربة ببعض الراء الشاذة التي ألقيت في المؤتمر السابع‬
‫لمجمع البحوث السلمية) ‪ (1972‬من كون القاعدة الفقهية القائلة بعدم‬
‫تحديدها مجرد اجتهاد فقهي يصح الخروج عليه ‪ ،‬وقلدها ‪ ،‬وروجها باسمه ‪،‬‬
‫واعتبرها إنجازا عصريا مستجيبا فيها لدعوة الحداثة والتغريب ‪ ،‬والليبرالية !!‬

‫‪74‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫غير ملتفت إلى ما جاء في هذا المؤتمر نفسه ببحث فضيلة المام الكبر‬
‫السبق الستاذ الدكتور عبد الرحمن تاج من الرد على هذه الراء والقضاء‬
‫عليها في مهدها ‪ ،‬قبل أن يبعثها الشيخ طنطاوي من أكفانها ‪.‬‬
‫ومن هنا فل يصح إطلق القول بأن شروط المضاربة جميعها شروط اجتهادية‬
‫من وضع الفقهاء ل سند لها من كتاب أو سنة ‪ ،‬كما يزعم الشيخ طنطاوي ‪:‬‬
‫لن اتفاق الفقهاء على هذه الشروط لم يحدث عرضا أو اعتباطا ‪ ،‬بل لنهم‬
‫ل أصحابه بها ‪..‬‬‫رأوا إقراَر الرسول صلى الله عليه وسلم للمضاربة ‪ ،‬وعم َ‬
‫رأوا ذلك القرار وذلك العمل واردا على معاملة خاصة ‪ ،‬من مقوماتها أن‬
‫يكون الربح بين صاحب المال وبين العامل مشاعا ‪ ،‬فاعتبروا ذلك وقيدوا به‬
‫هذه المعاملة ‪ ،‬وبينوا أنه إذا لم يتحقق لم تتحقق ماهية المضاربة التي تعامل‬
‫بها السابقون وأقرها صاحب الشريعة ]‪[29‬‬
‫إن محاولة التخلص من هذا الشرط ‪ -‬شرط عدم تحديد مبلغ الربح في‬
‫المضاربة الصحيحة‪ -‬بدعوى أنه شرط اجتهادي لم يرد به نص في كتاب أو‬
‫سنة هي محاولة مبنية على زعم باطل‬
‫كما أنها ل تتفق مع نص القانون المدني في المادة الخامسة والخمسين التي‬
‫تنص على أنه ) إذا اتفق على أن أحد الشركاء ل يساهم في أرباح الشركة‬
‫وخسائرها كان عقد الشركة باطل ( ‪.‬‬
‫وبعد فإذا كنا قد تعرضنا في هذا المقال لمجموعة من الوهام‬
‫وهم حصر الربا فيما يكون أضعافا مضاعفة‬
‫وهم حصر الربا في الصناف الستة‬
‫وهم حصر الربا في الصورة البيئية في الجاهلية‬
‫وبخصوص الوهام الطنطاوية ‪:‬‬
‫وهم حصر الربا في القروض الستهلكية‬
‫وهم القول بأن البنوك الموصومة بالربا تقوم بعمليات استثمارية‬
‫وهم القول بأن البنوك ل تخسر وإذا خسرت عوضت ما خسرته‬
‫وهم القول بأن اشتراط عدم تحديد الربح مقدما في المضاربة اجتهاد محض‬
‫يمكن تجاوزه‬
‫فقد بقي فيها وهمان رئيسيان ‪:‬‬
‫وهم وجود توكيل من المدخر للبنك بالستثمار ‪ ،‬أو من البنك للمستثمر ‪ ،‬فإذا‬
‫قلنا فأين هو هذا التوكيل ؟ قالوا ‪ :‬يكفي النية ؛ فدخلنا في وهم آخر ‪:‬‬
‫وهم كفاية النية ‪ ،‬كفاية نية التوكيل وإن لم يصرح به الطرفان أو أحدهما ‪.‬‬
‫ومع أنه لم يعد هناك موضوع لرد هذين الوهمين لقيامهما على وهم الستثمار‬
‫وقد أسقطناه ‪ ،‬إل أن فتوى الشيخ تتمادى في سلسلة الوهام ‪ ،‬وتدفع بها‬
‫إلى مجلس المجمع ليصدر فتوى عام ‪ 2002‬التي أوهمت بدورها أنه يساند‬
‫الشيخ وما هو من ذلك في شيء ‪ ،‬غير المشاركة في صنع أوهام يقتات بها‬
‫الجمهور الربا في نهاية المطاف ‪ ،‬ولهذا مقال قادم‬
‫والله أعلم‬
‫]‪ \ [1‬أنظر كتابه ) الربا في نظر القانون السلمي ( ص ‪12‬‬
‫]‪ [2‬أنظر كتابه " معاملت البنوك وأحكامها الشرعية ( ط ‪ 15‬ص ‪98‬‬
‫]‪ [3‬أنظر قرارات المؤتمر في كتاب المؤتمر الصادر عن الزهر لعام ‪\ 1385‬‬
‫‪ 1965‬ص ‪401‬‬
‫]‪ \ [4‬أنظر كتابه " معاملت البنوك وأحكامها الشرعية" ط ‪ 15‬ص ‪79‬‬
‫]‪ [5‬أنظر بحث الشيخ عبد الوهاب خلف المشار إليه في صلب البحث أعله‬
‫]‪ [6‬كتابه المشار إليه سابقا ط ‪ 15‬ص ‪88‬‬

‫‪75‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [7‬أنظر ) مشكلة الستثمار في البنوك السلمية وكيف عالجها السلم (‬


‫للدكتور محمد صلح محمد الصاوي ‪ ،‬رسالة دكتوراة بالزهر نشر دار الوفاء‬
‫ط ‪ 1‬ص ‪535‬‬
‫]‪ [8‬في هذه الصورة يخالف الشيخ طنطاوي بحق أستاذه الشيخ عبد الوهاب‬
‫خلف في تجويزه إياها بتأويلها على أنها من باب بيع السلعة بثمن مؤجل يزيد‬
‫على ثمنها في حالة البيع بثمن حال ‪ ،‬كما جاء في مقالته بمجلة لواء السلم‬
‫السنة الرابعة العدد الحادي عشر والثاني عشر ‪1951 ، 1370‬‬
‫]‪ [9‬كتابه السابق الشارة إليه ص ‪91‬‬
‫]‪ \ [10‬أنظر كتابه ) معجزة السلم في موقفه من الربا (‬
‫]‪ [11‬كتاب معاملت البنوك وأحكامها الشرعية ‪107‬‬
‫]‪ [12‬المصدر السابق ص ‪86‬‬
‫]‪ [13‬أنظر كتاب معاملت البنوك وأحكامها الشرعية للشيخ طنطاوي ط ‪15‬‬
‫ص ‪116‬‬
‫]‪ [14‬المصدر السابق ‪126‬‬
‫]‪ [15‬بداية المجتهد جـ ‪ 2‬صـ ‪236‬‬
‫]‪ \ [16‬المصدر السابق ‪.‬‬
‫]‪ [17‬كتاب معاملت البنوك وأحكامها الشرعية ط ‪ 15‬ص ‪108‬‬
‫]‪ \ [18‬كتابه السابق الشارة إليه ط ‪ 15‬ص ‪86‬‬
‫]‪ [19‬كتاب معاملت البنوك وأحكامها الشرعية ط ‪ 15‬ص ‪125‬‬
‫]‪ [20‬أنظر كتاب الشيخ طنطاوي ص ‪95‬‬
‫]‪ [21‬كتاب المعاملت المصرفية والحكام الشرعية ص ‪131 -130‬‬
‫]‪ \ [22‬الخليج ‪1992\ 1 \ 12‬‬
‫]‪ \ [23‬الخليج ‪1997\ 1\17‬‬
‫]‪ \ [24‬الخليج ‪1998\ 4 \1‬‬
‫]‪ [25‬المعاملت المصرفية والحكام الشرعية ط ‪ 15‬ص ‪131 - 130‬‬
‫]‪ [26‬المصدر السابق ص ‪131‬‬
‫]‪ \ [27‬أنظر بداية المجتهد ‪.‬‬
‫]‪ \ [28‬أنظر بداية المجتهد ‪.‬‬

‫)‪(11 /‬‬

‫]‪ [29‬كتاب مشكلة الستثمار في البنوك السلمية للدكتور محمد صلح‬


‫محمد الصاوي ‪ ،‬رسالة دكتوراه في الزهر ص ‪-541‬‬

‫)‪(12 /‬‬

‫تبرعات الكفار لبناء المساجد!‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪/‬مسائل متفرقة‬
‫التاريخ ‪09/03/1426 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫السلم عليكم‪.‬‬
‫ما حكم أخذ تبرعات من الكفار لصالح مشاريع إسلمية‪ ،‬مثل بناء المساجد أو‬

‫‪76‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دور العلم؟ هل يجوز لنا أخذ المال النقدي أو أي نوع من التبرعات؟ قد بدأنا‬
‫في مشروع ولكن إمكانياتنا محدودة‪ .‬وما مدى تأثير طلب الدعم من أفراد‬
‫من الكفار في المجتمع الكافر على سمعة وكرامة السلم في عيون‬
‫الكفار؟‪.‬‬
‫الجواب‬
‫الحمد لله وحده‪ ،‬والصلة والسلم على رسول الله‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫وعليكم السلم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫بناء المسجد وعمارته نوعان‪ :‬حسية ومعنوية‪ ،‬وهو ما يشمله لفظ العمارة‬
‫في قوله تعالى‪" :‬ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على‬
‫أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون إنما يعمر‬
‫مساجد الله من آمن بالله واليوم الخر وأقام الصلة وآتى الزكاة ولم يخش‬
‫إل الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين"]التوبة‪ ،[18،17:‬فالعمارة‬
‫الحسية والمعنوية في حق المؤمن جارية ومقبولة‪ ،‬وهي في حق الكافر‬
‫جارية ممنوعة غير مقبولة‪ ،‬وأقصد )جارية( أنها قد تقع ول أجر له في‬
‫الثنتين‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪" :‬وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباًء‬
‫منثورًا"]الفرقان‪ ،[23:‬فالكافر قد يعمل أعمال البر والخير والنفع العام‪،‬‬
‫ولكن ل أجر له على فعله‪ ،‬وعمارة المسجد المذكورة في الية فسرت‬
‫بالعبادة الشرعية التي هي العبادة المعنوية‪.‬‬
‫وبعض السلف قصر لفظ )المساجد( في الية على المسجد الحرام خاصة‬
‫لنه قبلة المسلمين‪ ،‬ولذا عبر عنه بالجمع‪ ،‬وعلى كل يجوز لكم قبول‬
‫التبرعات من الكفار لبناء المساجد أو دور العلم ومراكز الدعوة؛ لن هذا من‬
‫الكافر بمثابة الهدية للمسلم‪ ،‬وقبول هدية الكافر جائزة‪ ،‬فقد قبل الرسول –‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ -‬هدية المقوقس النصراني ملك مصر‪ .‬انظر الحاد‬
‫والمثاني )‪ (3124‬والطبراني في الوسط )‪ ،(7305‬وقبل الهدية من ملك‬
‫الروم‪ .‬انظر سنن أبي داود )‪ ،(4047‬وكان إذا قبل الهدية جازى عليها بمثلها‬
‫وأحسن منها انظر صحيح البخاري )‪ ،(2585‬والممنوع أن يكون للكافر ولية‬
‫أي )مسؤولية( في المسجد‪ ،‬كأن يكون ناظرا ً في المسجد أو متصرفا ً في‬
‫أوقافه‪.‬‬
‫أما استئجاره واستخدامه لنحت حجارة المسجد أو البناء والحدادة والنجارة‬
‫ونحو ذلك فجائز شرعا ً ول شيء فيه‪.‬‬
‫وإذا جاز قبول الهدية أو التبرع من الكافر لبناء المسجد وخدماته فل ينظر‬
‫بعد ذلك إلى حساسية شخصية عند بعض الناس‪ ،‬ول ينقص ذلك من كرامة‬
‫المسلم ودينه عند غير المسلمين‪ ،‬بل سترفعه في أعين العقلء؛ لنه ل‬
‫يسعى في طلب التبرع لشخصه‪ ،‬وإنما لمصلحة عامة لدينه‪ ،‬لسيما إذا كان‬
‫المسجد أو المشروع الخيري سيقام في ديار الغربة بين ظهراني الكفار‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تبشير الكفار بالنار‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫فار ( عند مروره بقبر‬ ‫ُ‬
‫ما مدى مشروعّية قول المسلم ) أبشروا بالنار يا ك ّ‬
‫كافر ‪ ،‬أو مقبرة للكافرين ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬

‫‪77‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أقول مستعينا ً بالله تعالى ‪:‬‬


‫ن الّناَر مصيُر الكافرين على تعدد مللهم ‪ ،‬و اختلف‬ ‫م في أ ّ‬ ‫ل يشك مسل ٌ‬
‫خلد فيها ‪ ،‬و الدلة على ذلك من‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ن من مات على غير السلم ُ‬ ‫عقائدهم ‪ ،‬و أ ّ‬
‫حكم معلوم من الدين‬ ‫ُ‬ ‫ال‬ ‫هذا‬ ‫و‬ ‫‪،‬‬ ‫مشهورة‬ ‫ٌ‬ ‫ة‬ ‫كثير‬ ‫الجماع‬ ‫و‬ ‫الكتاب و السّنة‬
‫بالضرورة ‪ ،‬فل داعي للسترسال في تقريره ‪.‬‬
‫ل‬‫ن أِبيهِ َقا َ‬ ‫َ‬
‫سال ِم ٍ عَ ْ‬ ‫و رّبما قصد السائل ما روى ابن ماجة بإسناد صحيح عن َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كا َ‬ ‫ن أِبى َ‬ ‫ل اللهِ إ ِ ّ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َيا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ى صلى الله عليه وسلم فَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ى إ َِلى الن ّب ِ‬ ‫ّ‬ ‫جاَء أعَْراب ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ل فَك َأ َ‬ ‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫‪.‬‬ ‫«‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫فى‬ ‫»‬ ‫‪:‬‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫ي‬‫كان فَأ َ‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ص‬
‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫يَ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن أُبو َ‬
‫ك فَ َ‬ ‫ّ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫َ‬
‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬‫قا َ‬ ‫ل اللهِ فَأي ْ َ‬ ‫سو َ‬ ‫ل َيا َر ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ك فَ َ‬
‫ى ب َعْد ُ وََقا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‪:‬‬ ‫م العَْراب ِ ّ‬ ‫سل َ‬ ‫ل فَأ ْ‬ ‫شْره ُ ِبالّنارِ « ‪َ .‬قا َ‬ ‫قب ْرِ كافِرٍ فَب َ ّ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫مَرْر َ‬ ‫ما َ‬ ‫حي ْث ُ َ‬ ‫» َ‬
‫كافِرٍ إ ِل ّ‬ ‫قب ْرِ َ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫مَرْر ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ً‬
‫ل اللهِ صلى الله عليه وسلم ت ََعبا ‪َ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫فِنى َر ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫قد ْ كل َ‬ ‫لَ َ‬
‫ه ِبالّنارِ ‪.‬‬ ‫شْرت ُ ُ‬ ‫بَ ّ‬
‫و هذا الحديث صحيح في إسناده ‪ ،‬صريح في دللته على القطع بدخول‬
‫فظ بعبارة ) أبشروا بالنار‬ ‫الكافر النار ‪ ،‬و لكن ل يصلح دليل ً على وجوب التل ّ‬
‫فار ( على وجه التحديد كّلما مّر بقبورهم ‪ ،‬و ذلك لما يلي ‪:‬‬ ‫يا ك ّ‬
‫فظ بالبشارة ‪ ،‬فليس المقصود منها القول للكافر‬ ‫إن التبشير ل يستوجب التل ّ‬
‫المّيت أّنه من أهل النار ‪ ،‬بمقدار ما يستفاد من الحديث العتقاد و الحكم‬
‫على الكافر بسوء مآله و العياذ بالله ‪.‬‬
‫ن قوله ) حيُثما ( من ظروف المكان ل الزمان ‪ ،‬و عليه فالمعنى المتبادر‬ ‫إ ّ‬
‫من هذا الحديث هو تبشير الكفار بالنار أينما مّر بهم المسلم ‪ ،‬و ليس كّلما‬
‫مّر بهم ‪ ،‬و هذا َفرقٌ لطيف فليتنّبه إليه ‪.‬‬
‫فظ‬ ‫لم يفهم السلف الصالح رضوان الله عليهم ‪ ،‬من الحديث وجوب التل ّ‬
‫بالصيغة المذكورة في السؤال عند المرور بقبور الكافرين ‪ ،‬و لو كان ذلك‬
‫ي صّلى الله عليه و سلم أو الصحابة و التابعون في خير‬ ‫سّنة لفعله النب ّ‬
‫قرون ‪.‬‬ ‫ال ُ‬
‫ّ‬
‫هذا ما ظهر لي في هذه المسألة ‪ ،‬و ما توفيقي إل بالله عليه توكلت و إليه‬
‫أنيب‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تبصرة بني النسان بفضائح المريكان‬


‫محمد حسن يوسف‬
‫>‪TD/‬‬
‫تناولنا في مقال سابق زيف الدعاءات بهزيمة السلم‪ ،‬لن الله تكفل‬
‫بحفظه‪ .‬وخلصنا إلى أن من الواجب علينا في هذه المرحلة التي يشمر كل‬
‫أعداء السلم أيديهم للقضاء عليه‪ ،‬يجب علينا أن ندرس جيدا تاريخ هؤلء‬
‫العداء‪ ،‬وأهمهم الوليات المتحدة باعتبارها أكبر عدو يواجه السلم في‬
‫المرحلة الراهنة‪ .‬ولكن لماذا نلجأ لمقال مثل هذا؟ بمعنى لماذا نلجأ لمقال‬
‫نحلل فيه فضائح أعمال عدونا؟!! إن هذا النوع من المقالت في غاية‬
‫الهمية‪ ،‬خاصة في وقتنا الراهن‪ ،‬لعدة أسباب‪:‬‬
‫· مواجهة ادعاءات العداء‪:‬‬
‫فمثل صرح رئيس الوزراء ) سلفيو بيرلسكوني ( بعد إعلن إحدى جماعات‬
‫المقاومة العراقية عن إعدام اليطالي ) إزو بالدوني ( بقوله‪ " :‬ما من كلم‬
‫يستطيع وصف هذا العمل اللإنساني‪ ،‬الذي بضربة واحدة محا قرونا من‬

‫‪78‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحضارة‪ ،‬ليعيدنا إلى عصور الهمجية الغابرة "‪ [1].‬وقد تناسى رئيس الوزراء‬
‫اليطالي تاريخ بلده الدموي في ليبيا قبل عشرات السنين فقط وليس‬
‫القرون‪ ،‬حيث كان الرجال ُيقذفون أحياء من الطائرات المحلقة إلى‬
‫الصحراء‪ ،‬بينما تدهس النساء والطفال تحت جنازير المدرعات‪ .‬فأية حضارة‬
‫تلك التي تقوم على هذه العمال؟‬
‫· دحر الهزيمة النفسية من داخلنا‪:‬‬
‫فمن ينظر إلى المكانة التي وصل إليها أعداؤنا‪ ،‬والتي يضيفون عليها الهالت‬
‫الرهيبة من الدعاءات والكاذيب بكونهم وصلوا إليها عن علم ل يمكن أن‬
‫يصل إليه المتخلفون أمثالنا‪ ،‬يشعر بإحباط شديد ويشعر أنه ل يمكنه عمل أي‬
‫شيء للخروج من هذا النفق المظلم الذي دخلناه!! ولكن قراءة ممارساتهم‬
‫ومعرفة تاريخهم تكشف عن زيف هذه الدعاءات وبطلنها‪ ،‬وأن حضارتهم‬
‫التي يدعونها هي مجرد أوهام‪ ،‬بل أنها ليست بحضارة على الطلق‪ ،‬لنها‬
‫تقوم على الباطل ومساوئ الخلق‪ .‬حقيقة تحققت ثورة علمية تقنية رهيبة‬
‫لديهم‪ ،‬ولكن القارئ لتاريخهم‪ ،‬والمقارن في أسباب صعود المم وهبوطها‪،‬‬
‫يدرك على الفور أن هذه الحضارة في طريقها للزوال سريعا‪.‬‬
‫في ظل الجهل بهذا التاريخ‪ ،‬يصبح حق الفريسة في الدفاع عن نفسها حين‬
‫تساق إلى الموت إرهابا‪ ،‬لنها لم تستسلم طواعية لجلديها!! وفي ظل‬
‫الجهل بهذا التاريخ‪ ،‬يصبح من هم ليسوا على نفس نهجك في التفكير‬
‫يصبحون ضدك وأعداء لك‪ .‬ومن هنا تصبح منظمة حماس الفلسطينية هي‬
‫أكثر منظمة في العالم دموية وإرهابا‪ ،‬لنها ترد على ممارسات إسرائيل‬
‫داخل أراضي فلسطين المحتلة‪ .‬ويصبح السلم أخطر الديانات في الكرة‬
‫الرضية لنه يدعو معتنقيه إلى الرد بالمثل على من اعتدى عليهم‪.‬‬
‫· كشف زيف مظاهر الحياة الدنيا‪:‬‬
‫وهذا المر مستفاد من القرآن الكريم‪ .‬فقد أخبرنا تعالى عن قصة قارون‪،‬‬
‫أحد الغنياء في قوم نبي الله موسى عليه السلم‪ .‬فقد أغرته ثروته الباهظة‬
‫بعصيان الله تعالى وعدم الستجابة لنبيه عليه السلم‪ .‬فلما ظهر لقومه ورأوا‬
‫ما هو عليه من ثراء وتقدم‪ ،‬تمنى ضعاف النفوس‪ ،‬الذين ل يدركون حقائق‬
‫المور‪ ،‬أن يكون لهم مثل ما لدى قارون‪ ،‬وأن يحرزوا نفس درجة التقدم‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مهِ ِفي ِزين َت ِهِ َقا َ‬ ‫ج عََلى قَوْ ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫المادي الذي أحرزه‪ .‬قال تعالى‪ [ :‬فَ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ُ‬
‫ظيم ٍ‬ ‫ظ عَ ِ‬ ‫ذو َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ي َقاُرو ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ت ل ََنا ِ‬ ‫دنَيا َيا ل َي ْ َ‬ ‫حَياة َ ال ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫] ] القصص‪ . [ 79 :‬وأما العلماء فقالوا لهم ل تغتروا بهذه الزينة‪ ،‬لنها ليست‬
‫ن ُأوُتوا‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫في مرضاة الله‪ .‬فمآلها قطعا إلى الزوال‪ .‬قال تعالى‪ } :‬وَقا َ‬
‫َ َ َّ‬
‫ن{‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫ها إل ال ّ‬ ‫قا َ‬ ‫حا وَل َ ي ُل ّ‬ ‫صال ِ ً‬
‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَعَ ِ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬‫خي ٌْر ل ِ َ‬ ‫ب الل ّهِ َ‬ ‫وا ُ‬ ‫م ثَ َ‬‫م وَي ْل َك ُ ْ‬ ‫ال ْعِل ْ َ‬
‫] القصص‪ . [ 80 :‬فما كان من الله إل أن خسف به الرض بعد طول إمهاله‬
‫َ‬
‫دارِهِ ا ْلْر َ‬
‫ض‬ ‫فَنا ب ِهِ وَب ِ َ‬ ‫س ْ‬‫خ َ‬ ‫له‪ ،‬واستمراره في طغيانه وتجبره‪ .‬قال تعالى‪ [ :‬فَ َ‬
‫ن‬
‫ري َ‬ ‫ص ِ‬‫من ْت َ ِ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن الل ّهِ وَ َ‬ ‫ن ُدو ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫صُرون َ ُ‬ ‫ن فِئ َةٍ َين ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كا َ‬‫ما َ‬ ‫فَ َ‬
‫] ] القصص‪ . [ 81 :‬فعلم الذين كانوا يتمنون أن يصبحوا مثله حقيقة المر‪،‬‬
‫ح‬ ‫َ‬
‫صب َ َ‬ ‫وحمدوا الله كثيرا على نعمه أن منعهم َ أن يكونوا مثله‪ .‬قال تعالى‪ [ :‬وَأ ْ‬
‫س ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫شاُء ِ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ط الّرْزقَ ل ِ َ‬ ‫ه ي َب ْ ُ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ن وَي ْك َأ ّ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫س يَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫م‬‫ه ب ِا ْل ْ‬ ‫م َ‬
‫كان َ ُ‬ ‫وا َ‬ ‫من ّ ْ‬
‫ن تَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ح ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كافُِرو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫ه ل يُ ْ‬ ‫ف ب َِنا وَي ْك َأن ّ ُ‬ ‫س َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه عَل َي َْنا ل َ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫م ّ‬ ‫ن َ‬ ‫قدُِر ل َوْل َ أ ْ‬ ‫عَبادِهِ وَي َ ْ‬ ‫ِ‬
‫] ] القصص‪. [ 82 :‬‬
‫وسوف أتناول فيما يلي فضائح المريكان من منظورين‪ ،‬الول يشمل‬
‫الرهاب المريكي في التعامل مع البشرية‪ ،‬والثاني‪ :‬يتناول الرهاب النووي‬

‫‪79‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المريكي‪.‬‬
‫الملف الول‪ :‬إرهاب أمريكا مع بني البشر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تبدأ القصة مبكرا‪ ،‬وتحديدا في عام ‪ ،1513‬فقد بدأ المهاجرون الوربيون‬


‫البيض في مطاردة الشعب الهندي الصلي الذي كان يقطن أراضي الوليات‬
‫المتحدة قبل أن يكتشفها الوربيون‪ .‬وأسفرت تلك المطاردات عن تقليص‬
‫عدد السكان الصليين من ‪ 112‬مليون هندي " متوحش " و"همجي " إلى‬
‫ربع مليون فقط حسبما ورد في إحصاء عام ‪[2]!!!!1900‬‬
‫في هذا السياق‪ ،‬فحينما كشف الصحفي المريكي البارز سيمور هيرش في‬
‫محاضرة ألقاها أمام اتحاد الحريات المدنية المريكي عن وجود أشرطة فيديو‬
‫تصور الجنود المريكيين يغتصبون أطفال ذكورا عراقيين كانوا يصرخون فزعا‬
‫وألما‪ ،‬بينما تتعالى ضحكات مغتصبيهم وزملئهم الذين كانوا يستمتعون‬
‫بمشاهدة تلك الفظائع‪ [3]،‬يصبح من الممكن تصور ذلك‪ ،‬وأنه يتم وفق‬
‫منظومة تاريخية لبلد ل يرى سوى الرهاب والستهتار في التعامل مع من‬
‫يعتبرهم أعداء له!!‬
‫وهذا هو المعنى الذي يفصح عنه توماس باورز‪ ،‬في كتاب حروب‬
‫الستخبارات‪ ،‬حيث يقول‪ " :‬التاريخ السري المريكي يقدم دليل شامل على‬
‫أننا نفتقر إلى الصبر‪ ،‬كما أننا نميل إلى العتقاد بأن لكل مشكلة حل‬
‫تكنولوجيا‪ ،‬وأن أي شيء يمكن إنجازه بأداة ملئمة الضخامة‪ ،‬وأن احترامنا‬
‫لفكار البشر هو مجرد أمر وقتي "‪[4].‬‬
‫ونعود للتاريخ‪ ،‬حيث كانت مستعمرة جيمس تاون‪ ،‬وهي أول مستعمرة‬
‫إنجليزية دائمة في شمال أمريكا‪ ،‬قد رسمت الملمح الساسية لهذه‬
‫السياسة في عام ‪ ،1610‬أي بعد أقل من ثلث سنوات من تأسيسها عند‬
‫سمي باسم جللة الملك جيمس‪ .‬فتحت عنوان " حق‬ ‫مصب النهر الذي ُ‬
‫الحرب " أعلنت هذه السياسة ‪ -‬كما نشر بيانها بعد ذلك في لندن عام ‪1622‬‬
‫‪ -‬عن حق النجليزي باعتباره من " الشعب المختار " المتفوق بالوراثة في أن‬
‫يجتاح البلد ويدمر أهلها ‪ ...‬حيثما تحلو لنا مواطنهم الخصبة ‪ ...‬وأراضيهم‬
‫التي سنستوطنها بعد تطهيرها من سكانها‪ .‬إنها مجرد " أضرار هامشية "‬
‫ترافق انتشار الحضارة وطريقة حياتها‪ .‬فتحقيق هذه السياسة التوسعية‬
‫يحتاج بالتأكيد إلي موجات متلحقة من الترحيل القسري والمذابح الجماعية‬
‫وما صار يعرف لحقا بعقيدة " القدر المتجلي " التي تقول بحتمية وقدرية‬
‫التوسع المريكي والزحف مع دوران الشمس حيثما تدور من الشرق إلي‬
‫الغرب‪ ،‬وهي العقيدة التي استعارها هتلر بعد حوالي نصف قرن بكثير من‬
‫التواضع والحذر وسماها " سياسة المجال الحيوي "‪[5].‬‬
‫أل ترى أن هذه هي نفس العقيدة التي يتعامل بها اليهود مع الفلسطينيين في‬
‫الراضي المحتلة؟! إنها العقيدة التي تعطيهم الحق في ذبح الضحية‪ ،‬ثم‬
‫التعجب منها إذا أظهرت ملمح للمقاومة‪ ،‬أو أبدت اعتراضا على طريقة‬
‫الذبح!!!‬
‫وبدءا من وتزل صار قطع رأس الهندي وسلخ فروة رأسه من الرياضات‬
‫المحببة في أمريكا‪ ،‬بل إن كثيرا منهم يتباهى بأن ملبسه وأحذيته مصنوعة‬
‫من جلود الهنود‪ .‬وكانت تنظم رحلت خاصة يدعى إليها علية القوم لمشاهدة‬
‫هذا العمل المثير ) سلخ فروة رأس الهندي (‪ .‬حتى أن الكولونيل جورج‬

‫‪80‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫روجرز كلرك في حفلة أقامها لسلخ فروة رأس ‪ 16‬هندي طلب من‬
‫الجزارين أن يتمهلوا في الداء وأن يعطوا كل تفصيل تشريحي حقه لتستمع‬
‫الحامية بالمشاهدة‪ .‬وما يزال كلرك إلى الن رمزا وطنيا أمريكيا وبطل‬
‫تاريخيا‪ ،‬وما يزال من ملهمي القوات الخاصة في الجيش المريكي‪[6].‬‬
‫ومع تأسيس الجيش المريكي أصبح السلخ والتمثيل بالجثث تقليدا مؤسساتيا‬
‫رسميا‪ .‬فعند استعراض الجنود أمام وليم هاريسون " الرئيس المريكي لحقا‬
‫"‪ ،‬بعد انتصار عام ‪ 1811‬علي الهنود‪ ،‬تم التمثيل ببعض الضحايا‪ .‬ثم جاء دور‬
‫الزعيم تيكومسه‪ .‬وهنا تهافت صيادو التذكارات علي انتهاب ما يستطيعون‬
‫من جلد هذا الزعيم التاريخي أو فروة رأسه‪ .‬ويروي جون سغدن في كتابه‬
‫عن تيكومسه كيف شرط الجنود المنتشون جلد الزعيم من ظهره إلي فخذه‪،‬‬
‫وكيف أن أحدهم قص قطعة من الجلد شرائط رفيعة لربط موسي الحلقة‪،‬‬
‫وكيف اقتتل الخرون علي اقتسام فروة رأسه حتى إن بعضهم لم يحصل‬
‫علي قطعة أكبر من السنت ‪ -‬قطعة نقد معدنية ل يتجاوز قطرها السنتيمتر ‪-‬‬
‫مزينة بخصلة من شعر تيكومسه‪ .‬وعندما أجريت مقابلة مع أحد هؤلء‬
‫المحظوظين في عام ‪ - 1886‬أي بعد ‪ 75‬سنة ‪ -‬تحدث عن تلك المناسبة‬
‫التاريخية بافتخار وهو يحمل بين إصبعيه تذكاره البطولي‪.‬‬
‫وكان الرئيس أندرو جاكسون الذي تزين صورته ورقة العشرين دولرا من‬
‫عشاق التمثيل بالجثث‪ ،‬وكان يأمر بحساب عدد قتله بإحصاء أنوفهم‬
‫المجدوعة أو آذانهم المقطوعة‪ ،‬وقد رعي بنفسه حفل تمثيل بجثث ‪800‬‬
‫هندي يتقدمهم زعيمهم‪ .‬ففي ‪ 27‬آذار ‪ /‬مارس ‪ ،1814‬كما يروي دافيد‬
‫ستانارد‪ ،‬احتفل الرئيس جاكسون بانتصاره علي هنود الكريك وتولي جنوده‬
‫التمثيل بجثث الضحايا من الطفال والنساء والرجال‪ ،‬فقطعوا أنوفهم لحصاء‬
‫عددهم وسلخوا جلودهم لدبغها واستخدامها في صناعة أعنة مجدولة للخيول‪.‬‬
‫]‪[7‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ويعتقد كلوس كنور أن النجليز أكثر القوي الستعمارية الوروبية ممارسة‬


‫وتعمدا للبادة‪ ،‬وأن هدفهم النهائي في العالم الجديد كما في استراليا‬
‫ونيوزيلندة وكثير من المناطق التي يجتاحونها‪ ،‬هو إفراغ الرض من أهلها‬
‫وتملكها ووضع اليد علي ثرواتها‪ .‬خلل هذه المسيرة التي بدأت بايرلندا ولم‬
‫تنته بعد‪ ،‬تحكمت عقدة الختيار والتفوق بسلوكهم وبنادقهم‪ ،‬واستحوذت علي‬
‫أخلقهم وعقولهم‪ ،‬ثم استعمرتهم بنظام متكامل ‪ ...‬انتهي بهم إلي تأليه‬
‫الذات‪ .‬وهذا ما أوهمهم بأنهم يملكون حق تقرير الحياة والموت لكل من‬
‫عداهم‪ ،‬وأنهم أيضا في حل من أي التزام إنساني أو قانوني تجاه الشعوب‬
‫التي يستعمرونها‪ ،‬ل باعتبار أنها أعراق منحطة وحسب‪ ،‬بل لنها في الغالب‬
‫مخلوقات متوحشة ل تنتمي للنوع النساني أيضا‪[8].‬‬
‫لذلك فقد كتب الدكتور أولمان مذكرة بعنوان‪ " :‬الصدمة والرعب " ) ‪shock‬‬
‫‪ُ ( and awe‬وضعت أمام بوش الصغير ونشرتها الصحافة المريكية ) وبينها‬
‫نيويورك تايمز‪ ،‬وواشنطن بوست‪ ،‬ولوس أنجلوس تايمز (‪ ،‬وفيها يقول‬
‫بالنص‪ :‬على الوليات المتحدة أن تستعمل أقوى شحنة من القوة المكثفة‪،‬‬
‫والمركزة‪ ،‬والكاسحة‪ ،‬بحيث تنهار أعصاب أي عدو يقف أمامها‪ ،‬وتخور‬
‫عزيمته قبل أن تنقض عليه الصواعق من أول ثانية في الحرب إلى آخر ثانية‪،‬‬
‫ويتم تقطيع أوصاله‪ ،‬وتكسير عظمه‪ ،‬وتمزيق لحمه‪ ،‬دون فرصة يستوعب‬

‫‪81‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فيها ما يجري له‪[9].‬‬


‫إن حضارة بهذا السجل الجرامي تتوقع منها القيام بأي فعل ل يستند إلى‬
‫الخلق في سبيل إعلء باطلها والتعالي على كل المم التي تعيش بجوارها‪.‬‬
‫وهكذا فيجب عليك عدم التعجب مهما سمعت من ممارسات شاذة مع ضحايا‬
‫الحروب التي تقوم بها الوليات المتحدة‪ .‬ومن هذا القبيل‪ :‬كشف أحد‬
‫السجناء العراقيين الذين ُأطلق سراحهم أن القوات المريكية التي احتجزته‬
‫لشهور طويلة في سجن أبو غريب ) ‪ 40‬كم غرب بغداد ( عذبته في ما‬
‫يسمى " غرفة الديسكو "‪ ،‬وقال‪ " :‬يدخل السجين إلى هذه الغرفة ويطلب‬
‫منه الرقص ‪ 8‬ساعات متواصلة على إيقاعات الغاني الصاخبة‪ ،‬وإذا توقف‬
‫فإنهم يضربونه‪ .‬وأكد السجين العراقي أن كل عمليات الستجواب كانت تتم‬
‫معه بعد إتمام رقصته‪ ،‬مشيرا إلى أن " الموضوع ل يحمل أي فكاهة‪ ،‬فهذه‬
‫الغرفة شكلت أحد أهم أساليب التعامل مع سجناء المقاومة "!!!]‪[10‬‬
‫وفي أسلوب ينم عن همجية لم يعرفها التاريخ من قبل قامت القوات‬
‫المريكية باستخدام النساء والطفال كدروع بشرية لحمايتهم ‪ ...‬فيما كان‬
‫ُيسمع صراخ الطفال واستغاثة النساء من فوق رتل الدبابات‪ ،‬وذلك أثناء "‬
‫حرب الشوارع " بالفلوجة‪[11].‬‬
‫ما هي الحضارة التي يتكلمون عنها إذن؟!! وليت المر يقف عند هذا الحد‪،‬‬
‫بل إن المر يتجاوز ذلك إلى الداخل أيضا‪ .‬فيتناول الصحفي المخضرم من‬
‫وكالة رويترز ) آلن إيلسنر ( موضوع سجون أمريكا غير المعروفة في كتاب‬
‫جديد اسمه " بوابات الظلم "‪ .‬ويرسم الكتاب صورة مروعة عن الوضع الذي‬
‫ل يعرف عنه معظم المريكيين إل القليل القليل‪ .‬الحصائيات التي يقدمها‬
‫) إيلسنر ( مدهشة‪ ،‬فهو يقول‪ :‬إن هناك ‪ 2.2‬مليون شخص موجودون حاليا‬
‫داخل السجون المريكية‪ ،‬مما يجعل الوليات المتحدة تحوي أكبر عدد سجناء‬
‫بالنسبة لعدد السكان في العالم الصناعي‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬هناك ‪702‬‬
‫من السجناء بين كل مائة ألف من سكان أمريكا‪ ،‬ويليها في ذلك روسيا حيث‬
‫يوجد ‪ 628‬سجينا من بين كل مائة ألف مواطن روسي‪ .‬الرقام بالنسبة‬
‫لبريطانيا وفرنسا هي ‪ 138‬و ‪ 90‬بالتوالي‪[12].‬‬
‫هذا يكشف لك عن زيف ادعاءات الديمقراطية والعدالة وغيرها من‬
‫المصطلحات الرنانة التي تستخدمها واشنطن كثيرا في التعامل مع خصومها‪،‬‬
‫والذين ما إن يسمعونها حتى يهرولوا في محاولت إصلح سرعان ما تفشل‬
‫لنها ل تنبع من احتياجاتهم‪ ،‬وبدون أن يشيروا من قريب أو بعيد إلى ما تفعله‬
‫واشنطن نفسها من نقض لهذه المصطلحات التي ترددها!! وتكشف لنا‬
‫تجربة العراق الخيرة‪ ،‬أن واشنطن تستهدف من إزاحة صدام حسين ونظامه‬
‫عن سدة الحكم برغم استجابته لكل متطلبات التركيع والترويض‪ ،‬لكي يكون‬
‫هذا النظام أمثولة تحمل في طياتها رسالة لمن تريد واشنطن أن تبعث لهم‬
‫برسائل محددة داخل المنطقة وخارجها!]‪[13‬‬
‫إن تعامل الوليات المتحدة مع من تعتبره أحد أعدائها لبد أن يمر أول بحملة‬
‫دعائية ضخمة ُيصور فيها العدو المفترض على أنه أحد الوحوش الكاسرة أو‬
‫الهمجية الذي لبد من القضاء عليه حتى ل يعرقل سير الحضارة على الكرة‬
‫الرضية‪ .‬ثم يأتي الدين لخدمة هذه المعركة‪ ،‬فيصور هذا الوحش الكاسر‬
‫الهمجي على أنه أحد الشياطين الماردة أيضا‪ ،‬المر الذي يحتم على الرب‬
‫من الدخول في المعركة بجانب المريكان ضد هذا الوحش‪ .‬وهكذا تصبح‬
‫المعركة على هذا العدو مبررة أخلقيا وعقديا‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫إن الثقافة وأسلوب الحياة المريكية ليس إل القتل والدموية‪ ،‬وهذا ما أكد‬
‫عليه المؤرخ تشارلز بيرد بقوله‪ " :‬منذ أن انتهت الحرب العالمية الثانية‬
‫وتحقق انتصارنا على اليابان ونحن في دوامة العدو الشهري‪ ،‬وتعني أننا في‬
‫كل شهر نواجه عدوا مرعبا يجب علينا أن نضربه قبل أن يقضي علينا "‪[14].‬‬
‫الملف الثاني‪ :‬الرهاب النووي المريكي‪:‬‬
‫الملف الثاني الكثر خطورة في هذا الشأن‪ ،‬هو استخدام الوليات المتحدة‬
‫لكل ترسانتها النووية في حروبها‪ ،‬دون أن يردعها رادع في هذا المجال‪ .‬ففي‬
‫حرب الخليج الثانية‪ ،‬استخدم الحلفاء ‪ 300‬طن متري من اليورانيوم المنضب‬
‫في أسلحتهم‪ ،‬المر الذي أدى إلى كوارث في أوساط العراقيين‪ ،‬وإصابة‬
‫أطفالهم بأمراض سرطانية غير مألوفة‪ .‬وتشير التقديرات إلى أن الوليات‬
‫المتحدة استخدمت كمية أكبر بخمس مرات من اليوارنيوم المنضب‪ ،‬أي‬
‫‪ 1500‬طن متري‪ ،‬في حربها على العراق‪ .‬هذا يعني أن الجيلين العراقيين‬
‫المقبلين سيهلكان تقريبا‪ ،‬وسيكونان فريسة المرض والضعف‪ .‬فما هي فائدة‬
‫الديمقراطية إذا كانت تأتي إلى شعب خسر مئات اللف من أبنائه تحت‬
‫) القصف السجادي ( لحرب ) التحرير ( المريكية‪ ،‬وسيهلك أجياله المقبلة‬
‫بفعل المراض السرطانية؟!]‪[15‬‬
‫ولكن القصة ليست وليدة اليوم‪ ،‬بل تعود إلى سنوات بعيدة من التاريخ‪ .‬فقد‬
‫كان وليم برادفورد حاكم مستعمرة بليموث يري أن نشر الوبئة بين الهنود‬
‫عمل يدخل السرور والبهجة علي قلب الله‪ " ،‬فمما يرضي الله ويفرحه أن‬
‫تزور هؤلء الهنود وأنت تحمل إليهم المراض والموت "‪ .‬هكذا يموت ‪950‬‬
‫من كل ألف منهم‪ ،‬وينتن بعضهم فوق الرض دون أن يجد من يدفنه‪ .‬إن علي‬
‫المؤمنين أن يشكروا الله علي فضله هذا ونعمته‪.‬‬
‫كانت هذه " المعجزات " اللهية صورة عن رغبات المستوطنين وطموحاتهم‪.‬‬
‫فلطالما توحدت القدرة اللهية مع الشعب المختار كما يري كوتون ماذر‪ ،‬أحد‬
‫أبرز أنبياء الستعمار‪ " ،‬فبعد أن ظن هؤلء الشياطين " أن بعدهم عن العالم‬
‫سينقذهم من النتقام‪ ،‬استطاع الله أن يحدد مكانهم ويكتشفه‪ ،‬وأرسل‬
‫قديسيه البطال من إنجلترا‪ ،‬وأرسل معهم بعض الوبئة السماوية القاتلة‬
‫التي طهرت الرض منهم‪ .‬إن الله يفسح مكانا لشعبه في هذه المجاهل إذ هو‬
‫يقتل الهنود بأوبئة من أنواع مدمرة ل يعرف لها البشر مثيل إل ما تحدثت عنه‬
‫التوراة‪[16].‬‬
‫ويستمر السجل الجرامي غير المسبوق‪ .‬ففي عام ‪ 1952‬وجهت الصين‬
‫الشعبية وكوريا الشمالية التهامات إلى الوليات المتحدة بأنها استخدمت‬
‫شكلت لجنة علمية لتقصي‬ ‫الذخائر البيولوجية في أثناء الحرب الكورية‪ .‬و ُ‬
‫الحقائق‪ ،‬حيث كانت الغارات الجوية المريكية على كوريا تسقط قنابل تحوي‬
‫رائحة كريهة تشبه رائحة الجلد المحروق أو القرون المحترقة‪ .‬كما ألقت‬
‫أنواع غير معروفة من الحشرات‪ .‬كما ألقت براغيث ملوثة وفئران الحقول‬
‫المصابة بالطاعون والريش الحامل لجراثيم الجمرة الخبيثة ) النثراكس (‬
‫والمحار الملوث بالبكتريا المسببة لمراض الكوليرا تجاه خزانات المياه‪[17].‬‬
‫وفي الحرب العراقية‪ ،‬بث موقع " مفكرة السلم " على النترنت ونقل عن‬
‫شاهد عيان أن الطائرات المريكية ألقت قنبلة تحتوي على اليورانيوم‬
‫المخصب على أرض مطار بغداد أثناء اقتحام العاصمة العراقية‪ .‬وقد صاحب‬
‫ذلك هطول رذاذ وحمم من نار مصحوبة بارتفاع في درجات الحرارة‪،‬‬

‫‪83‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأضاءت سماء المطار بوميض ل مثيل له‪ ،‬وقد رافقه رائحة تشبه رائحة‬
‫التفاح‪ ،‬وهو أقوى أنواع المواد المشعة والمحرمة دوليا ‪ ...‬فكنا نرى أجساد‬
‫المتطوعين العرب وفدائيي صدام بالعين المجردة وهي تنصهر وتذوب حتى‬
‫العظام‪[18].‬‬
‫يقول " كيم يونغ إيل "‪ " :‬إن أمريكا هي الدولة الوحيدة التي استخدمت‬
‫القنبلة الذرية أثناء الحرب‪ ،‬وهي تتحمل اليوم المسئولية كاملة عن انتشار‬
‫السلحة النووية‪ .‬أما بقية الدول الخرى الساعية للحصول على السلح‬
‫النووي‪ ،‬فهي تحاول فقط حماية نفسها "‪ [19] .‬وهكذا يشهد شاهد من أهلها‬
‫على حقيقة الوضع الراهن!!‬
‫***‬
‫إن كل هذا ليس إل مثال لما يكون عليه الحال إذا تغطرست القوة ولم تجد‬
‫ما يهذبها أو يردعها من الدين‪ .‬وكل ما حدث من قبل‪ ،‬وما يحدث الن ليس‬
‫إل بسبب تخلف المسلمون عن دورهم المنوط بهم أدائه في قيادة البشرية‬
‫على الكرة الرضية‪ .‬فهل يعود المسلمون إلى ربهم‪ ،‬ويتمسكون بتعاليم‬
‫دينهم؟ وهل يعرف المسلمون زيف الحضارة القائمة من حولهم‪ ،‬والتي ل‬
‫تعرف إل الغدر والخيانة؟!! آمل أن يكون ذلك سريعا‪.‬‬
‫‪ 9‬من ربيع الول عام ‪ 1426‬من الهجرة ) الموافق في تقويم النصارى ‪18‬‬
‫من أبريل عام ‪.( 2005‬‬
‫‪----------------------------------‬‬
‫]‪ [1‬مجلة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،205‬رمضان ‪ ،1425‬نقل عن‪ :‬نيوزويك‪ ،‬العدد )‬
‫‪.(221‬‬
‫]‪ [2‬مقتبس بتصرف من‪ :‬أمريكا والكنعانيون الحمر ‪ ...‬سيرة البادة )‪،(1/3‬‬
‫منير العكش‪ ،‬موقع النهى اللكتروني‪.‬‬
‫]‪ [3‬مجلة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،203‬رجب ‪ ،1425‬نقل عن‪ :‬الخليج‪.25/7/2004 ،‬‬
‫]‪ [4‬مجلة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،190‬جمادى الخرة ‪.1424‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫]‪ [5‬أمريكا والكنعانيون الحمر ‪ ...‬سيرة البادة )‪.(1/3‬‬


‫]‪ [6‬خالد يوسف‪ ،‬المبراطورية المريكية‪ :‬التاريخ السود والعقيدة الفاسدة‪.‬‬
‫سلسلة استراتيجيات‪ ،‬العدد الثالث والرابع‪ ،‬يناير – ابريل ‪.2005‬‬
‫]‪ [7‬حق التضحية بالخر‪ :‬أمريكا والبادات الجماعية‪ ،‬منير العكش‪ ،‬دار رياض‬
‫الريس‪ ،‬بيروت‪.2002 ،‬‬
‫]‪ [8‬أمريكا والكنعانيون الحمر ‪ ...‬سيرة البادة )‪.(2/3‬‬
‫]‪ [9‬مجلة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،187‬ربيع الول ‪ ،1424‬نقل عن مجلة "وجهات نظر‬
‫" العدد‪.(51) :‬‬
‫]‪ [10‬مجلة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،199‬ربيع الول ‪.1425‬‬
‫]‪ [11‬مجلة المختار السلمي‪ ،‬العدد )‪ ،(267‬ذو القعدة ‪1425‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [12‬مجلة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،204‬شعبان ‪ ،1425‬نقل عن‪ :‬الوطن السعودية‪،‬‬
‫العدد )‪.(1407‬‬
‫]‪ [13‬مجلة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،187‬ربيع الول ‪.1424‬‬
‫]‪ [14‬مجلة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،200‬ربيع الثاني ‪.1425‬‬
‫]‪ [15‬مجلة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،186‬صفر ‪ ،1424‬نقل عن‪ :‬القدس العربي‪ ،‬العدد‬
‫)‪.(4295‬‬

‫‪84‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫]‪ [16‬أمريكا والكنعانيون الحمر ‪ ...‬سيرة البادة )‪.(1/3‬‬


‫]‪ [17‬طلعت رميح‪ ،‬ثلث قضايا استراتيجية في العدوان المريكي على‬
‫العراق ونتائجه‪ .‬سلسلة استراتيجيات‪ ،‬العدد الثاني‪ ،‬أكتوبر ‪.2004‬‬
‫]‪ [18‬مجلة المختار السلمي‪ ،‬العدد )‪ ،(263‬رجب ‪1425‬هـ‪.‬‬
‫]‪ [19‬مجلة البيان‪ ،‬العدد ‪ ،185‬المحرم ‪ ،1424‬نقل عن‪ :‬مجلة " المجلة "‪،‬‬
‫العدد )‪.(1198‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم‬


‫الكتاب‬
‫تبصير المؤمنين بفقه النصر والتمكين في القرآن الكريم‬
‫المؤلف‬
‫د‪ .‬علي محمد الصلبي‬
‫الناشر‬
‫دار الفجر للتراث‪ -‬القاهرة‬
‫الطبعة‬
‫الطبعة الولى‪1424 :‬هـ ‪2003 -‬م‬
‫الصفحات‬
‫‪584‬‬
‫يتحدث الكاتب في الباب الول عن أنواع التمكين في القرآن الكريم‪،‬‬
‫وينقسم هذا الباب إلى أربعة فصول‪:‬‬
‫الول‪ :‬تبليغ الرسالة وأداء المانة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬هلك الكفار ونجاة المؤمنين أو نصرهم في المعارك‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬المشاركة في الحكم؛ إذ إن تولي أهل اليمان أعباء الحكم لدولة‬
‫غير مؤمنة نوع من أنواع التمكين‪ ،‬وقد أشار القرآن الكريم إلى هذا النوع من‬
‫م(‪.‬‬ ‫في ٌ‬ ‫َْ‬ ‫جعَل ِْني عََلى َ‬ ‫التمكين في قوله تعالى‪َ):‬قا َ‬
‫ظ عَِلي ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫ض إ ِّني َ‬
‫ن الْر ِ‬‫خَزائ ِ ِ‬ ‫لا ْ‬
‫من قادوا‬ ‫]يوسف‪ .[55:‬والرابع‪ :‬إقامة الدولة‪ ،‬وقد تحدث القرآن الكريم ع ّ‬
‫ل‪ ،‬وساسوا شعوبا ً بشرع الله‪ ،‬من أمثال داود وسليمان عليهما الصلة‬ ‫دو ً‬
‫والسلم‪ ،‬والقائد العادل ذي القرنين‪ ،‬ومحمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬وخلفائه‬
‫الراشدين‪.‬‬
‫وفي الباب الثاني الذي ينقسم إلى فصلين‪:‬‬
‫أولها‪ :‬شروط التمكين‪ ،‬والمتمثلة في اليمان بالله والعمل الصالح‪ ،‬وتحقيق‬
‫العبادة‪ ،‬ومحاربة الشرك‪ ،‬معتبرا ً أنه على الجماعة المسلمة‪ ،‬والتي تسعى‬
‫لتحكيم شرع الله تعالى أن تعرف حقيقة الشرك وخطره وأسبابه وأدلة‬
‫بطلنه وأنواعه‪ ،‬وأن تنقي صفها منه بجميع الساليب الشرعية‪ ،‬ول يمكن‬
‫ذر غيره إل إذا عرفه‪ ،‬وعرف خطره‪ ،‬و‬ ‫للنسان أن يحذر من الشرك‪ ،‬وأن يح ّ‬
‫عرف تقوى الله عز وجل‪ ،‬مبينا ً أن للتقوى ثمرات‪ ،‬منها‪ :‬المخرج من كل‬
‫ضيق‪ ،‬والرزق من حيث ل يحتسب العبد‪ ،‬والسهولة واليسر في كل أمر‪،‬‬
‫وتيسير العلم النافع‪ ،‬وإطلق نور البصيرة‪ ،‬ومحبة الله وملئكته والقبول في‬
‫الرض‪.‬‬
‫وفي الفصل الثاني‪ :‬يتحدث الكاتب عن أسباب التمكين‪ ،‬وأول سبب من هذه‬
‫السباب هو‪ :‬سنة الخذ بالسباب وإرشاد القرآن للعداد‪ ،‬مبينا ً أن التوكل‬
‫على الله ل ينافي الخذ بالسباب؛ إذ إن ذلك من صميم تحقيق العبودية لله‪،‬‬

‫‪85‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫خلق له العبيد‪ ،‬وُأرسلت به الرسل‪ ،‬وُأنزلت لجله الكتب‪،‬‬ ‫وهو المر الذي ُ‬
‫موضحا ً أنه على المسلم أن يتقي في باب السباب أمرين‪:‬‬
‫‪ -1‬العتماد عليها‪ ،‬والتوكل عليها‪ ،‬والثقة بها ورجاؤها وخوفها‪.‬‬
‫‪ -2‬ترك ما أمر الله به من السباب‪.‬‬
‫دوا‬ ‫َ‬
‫ع ّ‬‫وفيما يتعلق بإرشاد القرآن للعداد‪ ،‬فقد قال تعالى في كتابه الكريم‪):‬وَأ ِ‬
‫م‬ ‫ن ب ِهِ عَد ُوّ الل ّهِ وَعَد ُوّك ُ ْ‬ ‫ل ت ُْرهُِبو َ‬ ‫خي ْ ِ‬‫ط ال ْ َ‬ ‫ن رَِبا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن قُوّةٍ وَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ست َط َعْت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫يٍء ِفي َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫قوا ِ‬‫ما ت ُن ْفِ ُ‬‫م وَ َ‬‫مهُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه ي َعْل ُ‬ ‫ّ‬
‫م الل ُ‬ ‫مون َهُ ُ‬ ‫َ‬
‫م ل ت َعْل ُ‬ ‫َ‬ ‫ن ُدون ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬‫ري َ‬‫ِ‬ ‫خ‬‫وَآ َ َ‬
‫َ‬
‫ن(‪] .‬النفال‪.[60:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م َل ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫م وَأن ْت ُ ْ‬ ‫ف إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫الل ّهِ ي ُوَ ّ‬
‫ويذكر الكاتب تفسير ابن كثير ‪-‬رضي الله عنه‪ -‬لقول الله تعالى‪" :‬ما‬
‫استطعتم" أي مهما أمكنكم‪ ،‬وهذا التعبير القرآني يشير إلى أقصى حدود‬
‫الطاقة‪ ،‬بحيث ل تقعد العصبة المسلمة عن سبب من أسباب القوة يدخل‬
‫في طاقتها‪.‬‬
‫والسبب الثاني للتمكين يتمثل في السباب المعنوية‪ :‬والذي يشمل إعداد‬
‫الفراد الربانيين‪ ،‬والقيادة الربانية‪ ،‬ومحاربة أسباب الفرقة‪.‬‬
‫أما السبب الثالث فهو السباب المادية‪ ،‬وأول هذه السباب التفرغ والتخصص‬
‫ومراكز البحوث؛ إذ لبد أن تهتم الحركات السلمية على المستوى القطري‬
‫والقليمي والدولي بمبدأ التفرغ لصحاب القدرات المتميزة في المواقع‬
‫المهمة‪ ،‬وخصوصا ً في مجال العلم والفكر والتربية والتكوين والدعوة والعلم‬
‫والسياسة والتخطيط والقتصاد والمال والمن والستخبارات‪ ،‬وكافة مجالت‬
‫الحياة اللزمة لتحكيم شرع الله على كافة أفراد الشعب ومؤسسات الدولة‪.‬‬
‫وثاني هذه السباب التخطيط والدارة‪ :‬مبينا ً أن التخطيط في المفهوم‬
‫القرآني هو الستعداد في الحاضر لما يواجه النسان في عمله أو حياته في‬
‫المستقبل‪ ،‬وعلى هذا فإن الداري المسلم يكون قد عرف التخطيط؛ لن الله‬
‫جه إلى ذلك في آيات كثيرة‪.‬‬ ‫تبارك وتعالى قد و ّ‬
‫ن الد ّن َْيا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬‫صيب َك ِ‬ ‫س نَ ِ‬
‫خَرةَ وَل ت َن ْ َ‬ ‫داَر ال ِ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ما آَتاك الل ُ‬ ‫قال تعالى‪َ) :‬واب ْت َِغ ِفي َ‬
‫ب‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫وأ َحسن ك َ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ض إِ ّ‬‫ساد َ ِفي الْر ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ه إ ِلي ْك وَل ت َب ِْغ ال َ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫َ ْ ِ ْ َ‬
‫ن(‪] .‬القصص‪.[77:‬‬ ‫دي َ‬‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫وثالثها العداد القتصادي‪ :‬فالقوة القتصادية هي عصب الحياة الدنيا وقوامها‪،‬‬
‫والضعيف فيها ُيقهر ول ُيحسب له حساب إل في ظل شرع الله حين يحكم‪،‬‬
‫ولذلك ينبغي ‪-‬كما يقول الكاتب‪ -‬على الحركات السلمية أن تعتمد على‬
‫الذات في موارد ثابتة‪ ،‬وهذا من النفرة التي أمرنا الله ‪-‬عز وجل‪ -‬بإعدادها‬
‫لمواجهة العداء ونشر الدين‪ ،‬مما يوفر للدعوة والدعاة حرية التحرك‪ ،‬واتخاذ‬
‫القرار دون ضغوط ‪.‬‬
‫أما رابعها فهو العداد العلمي‪ :‬ولقد أرشد القرآن المة إلى الخذ بأسلوبي‬
‫بأسلوب العلم في دعوة الخلق‪ ،‬ونهج نهجا ً متميزا ً في إيصال الحقائق إلى‬
‫الناس‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وخامس هذه السباب العداد المني‪ :‬يوضح المؤلف ضرورة أن ينشأ الحس‬
‫كل لجان‬ ‫المني للفراد العاملين منذ دخولهم في العمل الجماعي‪ ،‬وأن ُتش ّ‬
‫ومكاتب‪ ،‬وتتحول مع توسع الحركة إلى مؤسسات‪ ،‬ثم إلى وزارة بعد وصول‬
‫كا َ َ‬
‫حوْل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫دين َةِ وَ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ن ِلهْ َ ِ‬ ‫السلميين إلى الحكم‪ ،‬وقد قال تعالى‪) :‬ما َ‬
‫ل الل ّهِ وََل ي َْرغَُبوا ب ِأن ْ ُ‬ ‫خل ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سهِ ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ف ِ‬ ‫ن نَ ْ‬‫م عَ ْ‬ ‫سهِ ْ‬‫ف ِ‬ ‫سو ِ‬
‫ن َر ُ‬
‫فوا عَ ْ‬ ‫ن ي َت َ َ‬
‫بأ ْ‬‫ن اْلعَْرا ِ‬
‫م َ‬
‫ِ‬

‫‪86‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫بأ َنهم َل يصيبهم ظ َ ٌ‬
‫موْط ًِئا‬‫ن َ‬ ‫ل الل ّهِ وََل ي َط َُئو َ‬‫سِبي ِ‬‫ة ِفي َ‬ ‫ص ٌ‬‫م َ‬‫خ َ‬ ‫ب وََل َ‬
‫م ْ‬ ‫مأ وََل ن َ َ‬
‫ص ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ ِ ُُ ْ‬ ‫ِ ُّ ْ‬
‫ه لَ‬‫ن الل َّ‬
‫ح إِ ّ‬ ‫صال ِ ٌ‬ ‫ٌ‬
‫مل َ‬ ‫م ب ِهِ عَ َ‬ ‫َ‬
‫ب لهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ن عَد ُوّ ن َي ْل إ ِل كت ِ َ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫فاَر وَل ي ََنالو َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ي َِغيظ الك ّ‬
‫ن(‪) .‬التوبة‪.(120:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫سِني َ‬‫ح ِ‬ ‫م ْ‬
‫جَر ال ُ‬‫ضيعُ أ ْ‬ ‫يُ ِ‬
‫وفي الباب الثالث والخير يتحدث الكاتب عن مراحل التمكين وأهدافه‪ ،‬مبينا ً‬
‫أن مراحل التمكين هي‪ :‬مرحلة الدعوة والتعريف بالسلم‪ ،‬واختيار العناصر‬
‫التي تحمل الدعوة‪ ،‬والمغالبة‪ ،‬والتمكين‪ ،‬أما عن أهداف التمكين فتتمثل في‪:‬‬
‫إقامة المجتمع المسلم‪ ،‬والدعوة إلى الله‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫جياد ْ‬
‫ك ظهور ال ِ‬ ‫تبكي علي َ‬
‫" إلى إسماعيل أبو شنب"‬
‫د‪.‬أسامة الحمد‬
‫مة الشهادتين‪ :‬شهادةِ التوحيد‪ ،‬والشهادةِ في سبيل الله ‪ .‬فل عجب ‪،‬‬ ‫" نحن أ ّ‬
‫ّ‬
‫في أن يقتل إسماعيل أبوشنب‪ ،‬وأن ُترفع صحيفته إلى السماء‪ ..‬معطرة‬
‫حمراء " ‪..‬‬
‫ة" ثكلى الفؤاد ْ‬ ‫ت "غّز َ‬ ‫ّ‬
‫ت سريعا أميَر الجهاد ْ وخلف َ‬ ‫ً‬ ‫رحل َ‬
‫ُ‬
‫س" و"فتح"‪،‬ويبكي رجال "الجهاْد"‬ ‫َ‬
‫ت لتبكي عليك "حما ُ‬ ‫رحل َ‬
‫س البلْد‬ ‫ُ‬ ‫‪،‬وقد‬ ‫ن‬
‫ِ ُ‬‫جني‬ ‫وتبكي‬ ‫يافا‬ ‫وتبكيك‬ ‫حيفا‪..‬‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫وتبكي‬
‫جياد ْ‬ ‫وتبكي المنابُر‪ ..‬تبكي المحابُر تبكي عليك ظهوُر ال ِ‬
‫مهاْد!‬ ‫وتبكي حروفي بدمِع المداد ْ ويبكي لدمعي رضيعُ ال ِ‬
‫خلد تبغي الشهادةَ زاد ْ‬ ‫ت إلى ال ُ‬ ‫طر َ‬ ‫ك ِ‬ ‫حنا لن َ‬ ‫ن فرِ ْ‬ ‫ولك ْ‬
‫ب العباد ْ‬‫ير ّ‬ ‫ت لُترض َ‬ ‫ت شهيدا ‪،‬بإذن اللهِ تمو ُ‬ ‫ً‬ ‫قضي َ‬
‫ل الّرماد ْ‬ ‫لك ّ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫عطرا وأصبحت فجرا وجمرا سيشع ُ‬ ‫ً‬ ‫ت ِ‬ ‫فأصبح َ‬
‫ن ُيقال‪ُ :‬ترى هل ُيعاْد؟!‬ ‫ك حوٌر بصدرٍ طهورٍ ولح ٍ‬ ‫تّلقت ْ َ‬
‫ب العباد ْ‬ ‫ة رب ّ َ‬
‫ك ‪،‬ر ّ‬ ‫ب حبيبي ورحم ُ‬ ‫ك‪ُ ،‬قر ُ‬ ‫من ذا َ‬ ‫وأكبُر ِ‬
‫ل بعد ذلك شيٌء ُيراد ْ ؟!‬ ‫من ذا وذاك ‪ ،‬رضاهُ وه ْ‬ ‫وأكبُر ِ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تبينوا‪ ..‬تثبتوا‬
‫أ‪.‬د‪ .‬ناصر بن سليمان العمر‬
‫الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫إن خطورة الشائعات وموضوع الشاعة‪ ،‬وما يحكى من أقوال ليس لها خطام‬
‫أو زمام موضوع طويل‪ ،‬ولكنني أقف ههنا عندها قليل ً منبها ً لسبب رئيس‪،‬‬
‫فقد كثرت الشاعة هذه اليام‪ ،‬بل في الحقيقة كثر الكذب‪ ،‬وبخاصة على‬
‫الدعاة إلى الله ‪-‬جل وعل‪ -‬يكذب علنية على بعض الدعاة‪ ،‬وبغير حياء! و‬
‫ي‪ ،‬وما كنت لتصور أنه كذب‪ ،‬حتى‬ ‫والله قد استمعت إلى بعض الكذب نقل إل ّ‬
‫التقيت بالداعية الذي كذب عليه فعندما حدثته فإذا هو يقسم لي بالله الذي ل‬
‫إله إل هو ما رأى من نقل عنه‪.‬‬
‫خذوا مثال ً ‪-‬وهذا كلم سمعته من سنوات‪ -‬رجل معروف عند قومه بالدعوة‪،‬‬
‫أو هكذا يحسبه بعض الناس يظنون أنه داعية‪ ،‬أو طالب علم‪.‬‬
‫فبدأ يتكلم على داعية آخر‪ ،‬وكان فيما قال‪ :‬لقيته في المكان الفلني‪ ،‬وسمى‬

‫‪87‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المحل‪ ،‬في مدينة معينة‪ ،‬ثم قال لنا ‪-‬أي قال لهم ذلك الداعية الخر‪ : -‬اجلس‬
‫بنا نغتب ساعة‪ ،‬في مقابل اجلس بنا نؤمن ساعة‪.‬‬
‫آلمني هذا الكلم‪ ،‬ثم قدر الله فلقيت هذا الداعية المتكلم فيه‪ ،‬فقلت له‪ :‬هل‬
‫بلغك ما قاله فلن أنك لقيته‪ ،‬وقلت له‪ :‬اجلس بنا نغتب ساعة‪ ،‬قال‪ :‬نعم‬
‫بلغني‪ ،‬وقلت‪ :‬ماذا قلت؟‬
‫قال‪ :‬والله إنني لم أره في حياتي!‬
‫فانظر إلى ذلك الداعية العجيب! لم ير هذا الرجل في حياته‪ ،‬فضل ً عن أن‬
‫يكون تكلم معه‪ ،‬ثم ينسج قصة كاملة!‬
‫وقد ل يكون الرجل تعمد محض الكذب‪ ،‬ولكنها شائعة تنوقلت فصدقها‬
‫فاعتقدها فقام داعيا ً لها منتصرًا‪ ،‬فانظر إلى أي شيء أفضت به؟‬
‫ومنذ سنوات بلغني أن رجل يقول‪ :‬ذهبت إلى الشيخ فلن‪ ،‬وزرته في مدينته‪،‬‬
‫وطرقت عليه الباب‪ ،‬وقال‪ :‬كذا وكذا وكذا‪ .‬فسألنا الشيخ فأقسم بالله إنه لم‬
‫يره!‬
‫وشخص ثالث يتكلم في مجلس عام يقول‪ :‬إنني ذهبت للشيخ فلن فحدثني‬
‫بحديث كذا وكذا‪ ،‬فقال له بعضهم‪ :‬هل ذكر في كتاب؟ قال‪ :‬لعله في كتاب‬
‫كذا‪ ،‬فجئنا بالكتاب الفلني فلم نجده‪ ،‬يقول‪ :‬فقلت له‪ :‬لعله بالكتاب الفلني‪،‬‬
‫يقول‪ :‬فجئنا بالكتاب الفلني فلم نجده‪ ،‬ثم اتضح أنه يكذب‪ ،‬ثم سئل عن هذا‬
‫الشيخ المذكور –وكنت في المجلس حاضرًا‪ : -‬هل فعل ً لقيك فلن؟ وهذه‬
‫الحادثة جرت معك؟ قال‪ :‬والله لم أره‪ ،‬بل عندي ما يثبت بخط يده أنه لم‬
‫يرني إل بعد هذه القصة التي حدث بها!‬
‫مع أنه قال آنفًا‪ :‬قد طلبت العلم على يديه‪ ،‬وجلست عنده ثلثة أشهر‪،‬‬
‫وذهبت إليه‪ ،‬وقلت له‪ :‬كذا وكذا‪ .‬فإذا بالشيخ عنده ما يثبت بخط يده رسالة‬
‫يقول فيها‪ :‬إنني أحبك‪ ..‬أنا أتمنى أن ألتقي معك‪ ..‬وأتمنى أن أزورك‪ ،‬كذب‬
‫صريح يا إخوة‪.‬‬
‫والن يكذب كذبا صريحا على بعض طلب العالم‪ ،‬فانتبهوا يا إخوة لخطورة‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الكذب‪ ،‬وخطورة الشاعة‪ ،‬واعلموا أن التثبت قبل رمي الناس من غير بينة‬
‫واجب‪.‬‬
‫وكم من الشاعات الن نسمعها على بعض العلماء‪ ،‬وعلى بعض الدعاة‪،‬‬
‫أناس يبدوا أنهم تفننوا في هذا المر‪ ،‬وهبوا أنفسهم لهذه القضية؛ لنهم‬
‫يعرفون أنهم إذا أطلقوا كلمة على عالم من كبار العلماء يتناقلها الناس‪،‬‬
‫َ‬
‫جاَءك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ن َ‬ ‫مُنوا إ ِ ْ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫فكونوا على حذر‪ ،‬واستجيبوا لمر الله _تعالى_‪َ" :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن"‬ ‫مي َ‬‫م َنادِ ِ‬ ‫ما فَعَل ْت ُ ْ‬ ‫حوا عََلى َ‬ ‫صب ِ ُ‬‫جَهال َةٍ فَت ُ ْ‬
‫وما ً ب ِ َ‬ ‫صيُبوا قَ ْ‬ ‫ن تُ ِ‬‫سقٌ ب ِن َب َأ ٍ فَت َب َي ُّنوا أ ْ‬ ‫َفا ِ‬
‫]الحجرات‪. [6:‬‬
‫فالله الله ‪-‬أيها الخوة‪ -‬في التثبت‪ ،‬فإن خطورة قبول الكلم على عواهنه‬
‫ن ي ُؤُْذو َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫كبيرة‪ ،‬وأذى المؤمنين بغير ما اكتسبوا جريرة وأي جريرة "َوال ّ ِ‬
‫مِبينًا"‬ ‫مُلوا ب ُهَْتانا ً وَإ ِْثما ً ُ‬‫حت َ َ‬
‫قد ِ ا ْ‬‫سُبوا فَ َ‬ ‫ما اك ْت َ َ‬‫ت ب ِغَي ْرِ َ‬‫مَنا ِ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ن َوال ْ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫]الحزاب‪.[58:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تتمة سورة العلق)‪(4‬‬


‫الجمعة ‪ 1‬شعبان ‪1395‬هـ ‪ 8-‬آب ‪1975‬‬
‫تتمة سورة العلق‬
‫)‪(4‬‬

‫‪88‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلمة محمود م ّ‬
‫شوح‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫أما بعد‪ :‬أيها الخوة المؤمنون‪ .‬فاليوم نقف إن شاء الله تعالى مع أوائل‬
‫الوحي مستنطقين ومستلهمين‪ .‬ولقد أوجزت لكم في الجمعة الماضية ما‬
‫طة الوعرة التي ألزمت بها نفسي؛ فقد ينبغي أن أكرر‬ ‫أرنو إليه من هذه الخ ّ‬
‫بدون ملل أن هذه المة التي تتوزع في شتى أقطار المعمورة أضاعت‬
‫صوابها منذ زمن بعيد وضلت طريقها منذ زمن بعيد‪.‬‬
‫ومن المؤسف أنه بالرغم من الجهود الكبيرة المبذولة من أجل التعرف على‬
‫بدايات الطريق‪ .‬تعرفا ً عقلنيا ً صحيحًا‪ ،‬غير متأثر بالعواطف ول خاضع‬
‫للندفاعات أقول إنه مع السف ما تزال أمتنا في شتى أقطارها بحاجة إلى‬
‫إعادة نظر‪ ،‬ولقد يجب أن يكون معلوما ً أن النسان من حيث هو إنسان يعقل‬
‫ويدرك مطالب بإعادة النظرة هذه في شأنه الخاص وباِلشأن العام لن بحث‬
‫الخطى والتعرف على ما مضى هو وحده الكفيل بإعادة التوازن إلى مسيرة‬
‫المة‪.‬‬
‫ً‬
‫وتعلمون دون ريب أن الله جل وعل اختار محمدا صلى الله عليه وسلم على‬
‫عينه واصطنعه لنفسه واختصه بأعظم رسالة وطوقه بأشرف مهمة‪ ،‬ثم اختار‬
‫له خير الكلم قرآن الله المنزل على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم وكما‬
‫فصلته منذ البداية عناية الصطفاء والختيار فإن ربنا تبارك وتعالى قد اختار‬
‫له من مناهج العمل هذه أقلها كلفة وأيسرها زمنا ً وأعودها فائدة بإذن الله‬
‫القدير‪ ،‬وأحسب أن المة ل يمكن أن تستقيم خطواتها على الطريق السليم‬
‫إل إذا استلهمت تلك الخطى المباركة التي خطاها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ومن أجل سلمة الفحص ولكي يكون الكلم كلما علميا متسما بالرصانة‬
‫والتزان رأينا أن نعود من البداية‪ ،‬ولقد كانت بين أيدينا أحداث السيرة وأن‬
‫أقول لكم كلما ً حول هذه القضية‪ .‬أوثق النصوص التي بين أيدينا سيرة ابن‬
‫هشام وهي تلخيص لمغازي ابن اسحق والمغازي ضاعت في جملة ما ضاع‬
‫من تراث هذه المة‪ .‬وما بقي بين أيدينا من حوادث السيرة يشكل أربعة‬
‫مجلدات هي أوثق النصوص لو جرت غربلتها على طريقة المحدثين‪ ،‬ل نقلة‬
‫الخبار لما بقي بين أيدينا مما يمكن الركون إليه والثقة به إل القليل‪.‬‬
‫ولكنا مع ذلك نملك النص الذي ل أوثق منه ول أصح؛ كتاب الله في حياة‬
‫استمرت على الرض‪ ،‬تحمل أعباء الدعوة وتكاليف الجهاد في سبيل الله ثلثا ً‬
‫وعشرين سنة ل يعقل أن تكون تصرفاتها محصورة بين هذه القدر القليل من‬
‫الخبار التي تحصلت بين أيدينا لكنا على ضوء القرآن نستطيع أن نستبين‬
‫الوقائع ونستطيع أن نتعرف على الحركة التي كانت موجودة في ذلك الحين‬
‫من أجل ذلك طلبت إليكم في السبوع الماضي أن تقرءوا أوائل ما نزل‪:‬‬
‫سورة العلق وسورة القلم وسورة المزمل وسورة المدثر وإنما وقفت عند‬
‫سورة المدثر لغرض لن سورة المدثر تشكل بداية البلغ العام وظهور‬
‫الدعوة بمظهرها المعروف عندنا الن‪ ،‬والله جل وعل يخاطب نبيه صلى الله‬
‫عليه وآله وسلم فيقول‪) :‬يا أيها المدثر قم فأنذر( وقلت لكم إننا نريد أن‬
‫نتعرف من خلل آيات هذه السور على نوعية المهمات والمصاعب الذاتية‬
‫والخارجية التي كلف بها المسلمون من جهة وكلف المجتمع الجاهلي بها من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬وأننا نريد من وراء ذلك أن نقيس حجم رد الفعل الذي حدث في‬
‫المجتمع الجاهلي وأن نتعرف أيضا ً في ضوء القرآن على بواعث رد الفعل‬
‫هذا‪ ..‬فلنبدأ الن‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أول سورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بإجماع يكاد يكون‬
‫تاما ً هي صدر سورة العلق وقد مر معنا في حديث عائشة الذي تلوناه منذ‬
‫عدة جمع قولها‪ :‬إن جبريل جاء النبي صلى الله عليه وسلم بصدر هذه‬
‫السورة‪:‬‬
‫{اقرأ بسم ربك الذي خلق‪ ،‬خلق النسان من علق‪ ،‬اقرأ وربك الكرم الذي‬
‫علم بالقلم علم النسان ما لم يعلم}‪.‬‬
‫صدر السورة إلى هنا يكاد الجماع ينعقد على أنه أول كلم إلهي صافح آذان‬
‫البشرية حين تنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫ثم ذهبت السورة تحكي أمورا ً أخرى‪:‬‬
‫{كل إن النسان ليطغى أن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرأيت الذي‬
‫ينهى عبدا ً إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى ألم يعلم بأن‬
‫الله يرى كل لئن لم ينته لنسفعا ً بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع نادية‬
‫سندع الزبانية كل ل تطعه واسجد واقترب}‪.‬‬
‫آيات قليلة بناؤها واضح ولكنه معجز‪ ،‬القضايا التي أثارتها‪ ،‬المهمات التي‬
‫طرحتها‪ ،‬ما هي‪..‬؟ هل فكرتم بها؟ تعالوا نشترك بالتفكير‪.‬‬
‫افتتاح السورة بقول الله جل اسمه خطابا ً للنبي الكريم عليه السلم )اقرأ(‬
‫مع أن النبي صلى الله عليه وآله أمي ل يقرأ ول يكتب ول يحسب‪ ..‬شيء‬
‫ل؟ وتكليف‬ ‫يلفت النظر ما معنى أن تقول للمي اقرأ؟ ألست تكلفه محا ً‬
‫المحال عبث ل يليق بالعقلء‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ما معنى تكليفك لمي بالقراءة ولو اجتهد مجهوده كله ما أطاق ذلك لكن في‬
‫الخر لطيفة‪ .‬قول الله للنبي اقرأ ل يعني فقط أن النسان يجب أن يقرأ من‬
‫الكتاب لن القراءة ل تتوقف على الكتاب فقط ما معنى القراءة‪ :‬القراءة‬
‫مأخوذة من الفعل قرأ‪ :‬القاف والراء والهمزة في لغة العرب التي نزل بها‬
‫القرآن وخوطبت بها المة هذا البناء هذه الحروف الثلثة تدل على الجمع‬
‫والحتواء نقول قرأ الماء في الحوض إذا اجتمع فمعنى القراءة جمع‬
‫المعلومات كأنك إذا قرأت من كتاب جملة وجملتين وأكثر تختزن وتجمع‬
‫وتحوي هذه المعلومات في ذهنك وحافظتك وذاكرتك عملية الجمع هذه ل‬
‫تتوقف على القدرة على القراءة المعتادة إذ يمكن أن تتحصل بالتلقين‬
‫والجاهل الذي ل يعرف القراءة والكتابة يستطيع أن يستوعب ويستطيع أن‬
‫يحفظ في ذهنه الكلم الذي يقال له أو معظم الكلم الذي يقال له‪ ،‬ماذا‬
‫يعني هذا؟ يعني هذا أن النسان إذا كان ل يحسن أن يقرأ ويكتب فهذا ل‬
‫يعفيه من عملية المتابعة وجمع المعلومات مشافهة‪ ،‬والنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم مع أنه لم يكن يقرأ ولم يكن يكتب ولم يخط بيمينه كتابا ً كما أخبر الله‬
‫في القرآن فقد استطاع بعون الله وعنايته أن يجمع في صدره الشريف‬
‫الوحي المكرم بسماعه وبحروفه والصحابة رضي الله عنهم الذين تل عليهم‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا القرآن كانت غالبيتهم العظمى‬
‫الساحقة ل تقرأ كتابًا‪ ,‬ول تخط بيمينها شيئا ً ومع ذلك كان النبي عليه السلم‬
‫يخبر بالي من كتاب الله فيجمعه الصحابة رضي الله عنهم في صدورهم‬
‫وبذلك كانوا قارئين‪.‬‬
‫)اقرأ باسم ربك الذي خلق(‪.‬‬
‫أية قضية وضعتها بين أيدينا هذه الكلمة قضية الحرص على استجماع‬

‫‪90‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المعلومات احفظوها واعقدوا على أصابعكم واحدة واحدة‪..‬‬


‫ثم قال‪ :‬اقرأ باسم ربك الذي خلق ماذا يعني هذا القول‪ :‬نحن نسمع في‬
‫المحافل وفي المراسيم والقرارات باسم الشعب الفلني باسم المة نحن‬
‫رئيس الجمهورية أو نحن القاضي فلن أو نحن الوزير الفلني نقرر ما هو‬
‫آت‪ .‬فالتقرير ليس باسم شخص معين وإنما هو باسم المة وفقا ً أو اعتبارا ً‬
‫بأن المة هي مصدر السلطات على النحو المفهوم في العصر الحاضر‪.‬‬
‫أريد أن أقول لكم إن هذا الكلم ليس جديدا ً فمنذ دولة المدينة في اليونان‬
‫ومنذ المفكرين الوائل في الفقه السياسي كان هذا المفهوم معروفا ً‬
‫ومقررًا‪ .‬وجاء السلم وهذا المفهوم موجود يعرفه العرب عن طريق‬
‫اتصالتهم بدولة الروم في الشام ويعرف مثله عن طريق اتصالتهم بدولة‬
‫فارس في العراق وما والها ويعرفونه في الحبشة وغيرها من البلد‪ ،‬لكن‬
‫مفهوما ً آخر كان أضيق من هذا سابقا ً كان سائدا ً مفهوم القبيلة ومفهوم‬
‫العشيرة ومفهوم شيخ القبيلة والزعيم كانت فراسته هي المعبرة عن‬
‫القانون والتي يشكل رفضها وخرقها وعدم اليضاح لها جرما ً كبيرا ً قد‬
‫يستوجب في كثير من الحيان النفي والطرد والخلع من القبيلة‪.‬‬
‫ودارسو الخبار والمطلعون على الدب يعرفون أن ظاهرة الخلعاء في قبائل‬
‫العرب ظاهرة معروفة جاء السلم وهي موجودة‪ .‬فقول الله جل وعل اقرأ‬
‫باسم ربك الذي خلق يشكل مفترقا ً للطريق بين السلم وبين كل ركام‬
‫الجاهلية وغثائها الذي كان معروفا ً زمن النبي عليه السلم والذي سيظل‬
‫معروفا ً ما دامت الدنيا دنيا‪ .‬وما دام الناس في شرورهم‪ ..‬هذا الذي نرى‪.‬‬
‫القراءة والعلم‪ ،‬الحركة والنتباه‪ .‬القيام والقعود‪ ،‬أي تصرف من التصرفات ل‬
‫ينبغي أن يكون باسم فرد ول ينبغي أن يكون باسم أمة وإنما ينبغي أن يكون‬
‫باسم الله‪ ،‬الله جل وعل هو المالك وهو المتصرف وهو الخالق وهو الرازق‬
‫فالشتراك معه في المر‪ ،‬في التقرير والتقدير والنهي‪ ،‬محاولة للعتداء على‬
‫سلطان الله جل وعل في كونه‪ ....‬كل ما يفعله النسان ينبغي أن يكون باسم‬
‫الله على وفق مناهج شرعه‪ ،‬وعلى وصف خطى نبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫حقّ لها في أن تأمر وفي أن تنهى‪ .‬وتأتي بقية‬ ‫والفراد والمم والشعوب ل َ‬
‫لهذا بعد قليل‪.‬‬
‫{اقرأ باسم ربك الذي خلق‪ ،‬خلق النسان من علق}‪.‬‬
‫العلق العلقة في كلم العرب نقطة الدم اللزجة المتجمعة‪ ،‬حينما يشير‬
‫القرآن من أوليات الوحي إلى هذه الحقيقة‪ .‬يترك للذهن أن ينسرح فيلحظ‬
‫هذه القطرة من الدم التي وقعت في الرحم كيف نشأت وكيف تطورت‬
‫وكيف تخلقت جنينا ً في البطن ثم كيف خرجت إلى عالم الدنيا طفل ً ل يكاد‬
‫يستقل بنفسه ول يحصل لنفسه على نفع ول يدفع عنها أذى‪ .‬ثم ما زالت‬
‫ف بهذا المخلوق العاجز حتى كان طفل ً يدرج ثم شابا ً ثم كهل ً ثم‬ ‫عناية الله تح ّ‬
‫ي‪ ،‬هذا النسان الذي يتحرك ويأتي بالمعجزات‪ .‬ويقدم‬ ‫شيخا ً إذا هو بشٌر سو ٌ‬
‫المنجزات ويفتح في العلم فتوحا ً تذهل العقول وتأسر اللباب هذه بدايته‬
‫نقطة دم علقة فحين يناديك ربك بالعلم وبالقراءة وأنت ل تعلم ول تقرأ؛ ل‬
‫تغفل أيها النسان عن أن وقوف الشيء‪ ،‬ووقوف المخلوق عند مرحلةٍ واحدة‬
‫ق‪ ،‬وكل شيء إلى اندفاع‬ ‫ل فكل شيء إلى تطور‪ ،‬وكل شيء إلى تر ّ‬ ‫أمٌر محا ٌ‬
‫نحو الحسن ونحو الفضل‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪91‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وكما تخلقت هذه العلقة فكان منها النسان المدرك المحس الفعال المريد‬
‫ل نفسك ول تستهن بها أنت اليوم ل تعلم‬ ‫المفكر المقدر كذلك أنت ل تستق ّ‬
‫لكنك لو حاولت أن تقرأ وأن تجمع علما ً إلى علم وكلما ً إلى كلم وقضية إلى‬
‫قضية فلن يمضي كبير زمن حتى تكون عالما ً مع العالمين فإذا قعدت عاجزا ً‬
‫ل تقرأ ول تتعلم ول تغشى مجالس العلم ول تسأل فحتى متى تكون عالما ً‬
‫ودينك دين العلم؟ متى تكون عالما ً وفي السلم ل مكان لجهلء؟ متى تكون‬
‫عالما ً وأنت اليوم تعيش في عصر ينبذ الجهلء والجاهلين؟ كذلك يجب عليك‬
‫أن تكون‪...‬‬
‫)اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق النسان من علق اقرأ وربك الكرم الذي‬
‫عّلم بالقلم عّلم النسان ما لم يعلم(‪.‬‬
‫ما أطيب الكلم الذي يمكن أن يقال في هذا الموضوع!‪ .‬هذه الداة التي هي‬
‫القلم ل يكلف شراؤها إل مبلغا ً زهيدًا‪ .‬لكن قيمتها الذاتية ل تقدر بثمن‪ ،‬بهذا‬
‫القلم عرفنا أخبار الولين واطلعنا على تجارب الماضي‪ ،‬ونقلت إلينا حقائق‬
‫العلوم وكل ما تنعم به النسانية من تراث حضاري فالفضل فيه يعود إلى‬
‫القلم‪ ،‬الماضون كتبوا وقرأنا وتعلمنا ونحن نكتب ونضيف إلى هذا التراث ما‬
‫م كل هذا الشيء؟ بهذه الداة وأولدنا‬ ‫أعاننا الله عليه وأولدنا يفعلون ذلك‪ ..‬ب َ‬
‫يفعلون ذلك بهذا الذي ل يكاد أحد يلقي إليه بال ً وهو القلم‪.‬‬
‫من الذي علمك أيها النسان أن تكتب بالقلم الله‪ ،‬الله الذي ل إله إل هو علم‬
‫بالقلم علم النسان ما لم يعلم‪.‬‬
‫هذا الكون الذي تعيش فيه أيها النسان أأنت الوحيد فيه أم هذا الكون يعج‬
‫بعوالم ل تقع تحت حصر ول عد‪.‬‬
‫من الذي أخذ لك ضمان أنك وحدك الذي تطيق التعلم وغيرك من الكائنات ل‬
‫يطيق ذلك ما الذي يحول دون قدرة الله أن تخلق في هذا الجماد قدرة على‬
‫الكلم والقراءة والكتابة؟‬
‫ما الذي يحول دون ذلك؟‬
‫ل شيء وإنه محض التفضل من الله اختار هذا النسان فعلمه ما لم يكن‬
‫يعلم‪ ..‬قبل أن يختصه الله بهذا الفضل العظيم كان شيئا ً كسائر الشياء‬
‫ل عليه فضل الله اصطفى بتعليمه ما‬ ‫المبثوثة في كون الله العريض وحين ح ّ‬
‫لم يعلم اسمعوا ماذا تقول مطالع سورة البقرة‪:‬‬
‫)وإذ قال ربك للملئكة إني جاعل في الرض خليفة(‪ .‬ثم )وعلم آدم السماء‬
‫كلها ثم عرضهم على الملئكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلء إن كنتم صادقين‬
‫قالوا سبحانك ل علم لنا إل ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم قال يا آدم‬
‫أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب‬
‫السموات والرض وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون(‪.‬‬
‫الله جل وعل اختص أبانا آدم بهذه الكرامة وسحب الكرامة على أبنائه جميعا ً‬
‫لغاية أرادها الله وهو أعلم بها وهي غاية الخلفة في الرض والقوامة على‬
‫كلمات الله والحراسة لشريعة الله تبارك وتعالى‪.‬‬
‫(علم النسان ما لم يعلم)‪.‬‬
‫كل هذه السورة ترددت فيها ثلث مرات كل وأنت تقرأ السورة تشعر أنك‬
‫حين تقول كل كأنما أنت تقود سيارتك في الطريق وإذا بك فجأة أمام النور‬
‫الحمر‪ .‬فتجد نفسك مضطرا ً إلى الوقوف لنك لو تجاوزت لعرضت نفسك‬
‫لخطر محقق ل تتجاوز كل‪ .‬بعد كل‪ .‬كلم عظيم ينبغي عليك أن تدركه وأن‬
‫تفكر فيه طوي ً‬
‫ل‪:‬‬
‫(كل إن النسان ليطغى أن رآه استغنى)‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فكرتم في هذا؟ ظني أن ل‪.‬‬


‫مفتاح القضية كلها في هاتين الكلمتين‪:‬‬
‫(إن النسان ليطغى أن رآه استغن)‪.‬‬
‫ما الذي يحول بين النسان وبين الهتداء لكلمات الله؟‬
‫ما الذي يحول بين النسان وبين قراءة آيات الله في النفس والفاق‪.‬‬
‫حقيقة واحدة‪ ،‬نظر واحد‪ ،‬نّبهت عليه هذه السورة‪.‬‬
‫(إن النسان ليطغى أن رآه استغن)‪.‬‬
‫ما معنى الطغيان؟‬
‫تقول ملت الكأس ماء فطغى الماء يعني أن الماء تجاوز حافة الكأس‬
‫والنسان حين يتجاوز حده نقول عنه طغى فلن فالطغيان مجاوزة الحد‬
‫المقدور للنسان‪.‬‬
‫ً‬
‫ما أنت أيها النسان؟ أنت عبد لم تكن إلها ولن تكون وما ينبغي لك أن تنازع‬
‫الله رداء اللوهية أنت عبد حين تحاول أن تتعدى طورك وتجاوز مقدارك‪،‬‬
‫فأنت طاغ‪ ،‬الطغيان مجاوزة الحد‪) ،‬كل إن النسان ليطغى( فُيصرف عن‬
‫الحق وُيعرض عن الهدى‪ ،‬ويضرب بكلمات الله عرض الحائط بسبب طغيانه‪،‬‬
‫بسبب نسيانه لنفسه‪ ،‬نسيانه لحقيقة ذاته ما سبب ذلك أيضا ً )أن رآه‬
‫ن هنا تفسر المراد؛ سبب ذلك أن النسان يشعر بأنه قد استغنى‬ ‫استغنى(‪ ،‬أ ْ‬
‫عن أية قوة خارج ذاته فمن أجل ذلك هو يطغى ويتجاوز حده‪ ،‬ومن أجل ذلك‬
‫ينسى حقيقة العبودية التي ينبغي أل ينساها ومن أجل ذلك ينصرف ويعرض‬
‫عن الحق‪ ،‬ما معنى استغناء النسان؟ معناه‪ :‬شعوره بأنه غير محتاج إلى‬
‫غيره تعززه بالولد تعززه بالمال تعززه بالجاه والسلطان تلكم هي الدواء‬
‫نسيان النسان يسبب استغناءه لحقيقة مكانه في هذه الدنيا سبب واضح من‬
‫أسباب النصراف عن الحق‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ولكن النسان حينما يضع نصب عينيه أنه أبدا ً ودائما ً عبد لله جل وعل ليس‬
‫ربا ً ول قريبا ً من الرب فإنه حينئذ يسمع كلمات الله حين تتلى عليه بأذن‬
‫صاغية وقلب متفتح بماذا ينسى هذا النسان‪ .‬بسيطرة هذه العوامل عليه‪.‬‬
‫صاحب الولد يرى أنه عزيز بأولده وراءه جيش لجب من الولد وأولد‬
‫الولد فهو بغير حاجة إلى سند يأتيه من خارج ذاته‪ ،‬والله جل وعل قد شرح‬
‫ذلك ألم تقرأوا ما قال ربكم تبارك وتعالى في سورة مريم‪:‬‬
‫طلعَ الغيب أم اتخذ عند‬ ‫(أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لوتين مال ً وولدا ً أ ّ‬
‫الرحمن عهدا‪ .‬كل‪ .‬سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا ونرث ما يقول‬
‫ويأتينا فردا)‪.‬‬
‫ويلك يا مخلوق‪ ،‬ويلك يا تائه من أنت حتى تستكثر بأولدك وأولد أولدك‬
‫وترى أنك غني عن العزيز الجبار يوم تقف بين يدي المنتقم القاهر لن يكون‬
‫بين يديك ولد ول عبيد )ويأتينا فردًا( كذلك النسان يشعر أنه حين يملك المال‬
‫ف به العناية حتى‬
‫في غنى عن الناس وفي غنى عن رب الناس‪ .‬ألم تح ّ‬
‫وضعت بين يديه المال والنسب محنة واختبارًا‪ .‬وإنما يراه أنه بجهده حصل‬
‫على هذا المال ليس هذا فقط‪ ،‬ولكن شعورا ً خبيثا ً آثما ً مجرما ً يتحكم في‬
‫النسان حين يملك المال والثراء‪ :‬أنا أستطيع أن أشتري اللذات فأمرح ما‬
‫شاء لي المرح‪ ،‬أنا أستطيع أن أشتري العوان والتباع من المعات والتافهين‬
‫فيسيرون من خلفي وتصطفق النعال ورائي أستطيع كذا وأستطيع كذا‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويحك‪ ..‬فالذي يعلمك أن هذا المال سيبقى بين يديك ل شيء ألم تقرأ ما قال‬
‫الله جل وعل في سورة القصص‪:‬‬
‫(إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه‬
‫لتنوء بالعصبة أولي القوة)‪.‬‬
‫المفاتيح ل تحملها إل عصبة أولو قوة‪ ،‬ومع ذلك بعض التافهين من الغنياء‬
‫الذين يملكون نشبا ً قليل ً يظنون أن الدنيا دامت لهم وأنهم يستطيعون أن‬
‫يتخذوا الخرين خول ً وعبيدًا‪ ،‬ل‪:‬‬
‫(إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه‬
‫لتنوء بالعصبة أولي القوة‪ .‬إذ قال له قومه ل تفرح إن الله ل يحب الفرحين‬
‫وابتغ فيما آتاك الله الدار الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا‪ .‬وأحسن كما‬
‫أحسن الله إليك ول تبغ الفساد في الرض إن الله ل يحب المفسدين)؟‬
‫قال اسمعوا ماذا قال المعتز بماله‪:‬‬
‫)إنما أوتيته على علم عندي(‪.‬‬
‫أي بفهمي وبدرايتي وبصبري وخبرتي‪.‬‬
‫)أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر‬
‫منه جمعا ً ول يسأل عن ذنوبهم المجرمون وخرج على قومه في زينته(‪.‬‬
‫لحظوا الفتنة‪.‬‬
‫)قال الذين يريدون الحياة الدنيا‪ .‬يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ‬
‫عظيم(‪.‬‬
‫قال الذين يريدون ثواب الله‪:‬‬
‫ً‬
‫)قال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ول يلقاها‬
‫إل الصابرون فخسفنا به وبداره الرض فلم يكن له من فئة ينصرونه من دون‬
‫الله(‪.‬‬
‫أين المال! أين العوان! أين النسب! أين الغرور! حق الحق وذهب الباطل‪:‬‬
‫)فلم تكن له من فئة ينصرونه من دون الله وما كان من المنتصرين وأصبح‬
‫الذين تمنوا مكانه بالمس يقولون وي كأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من‬
‫ه علينا لخسف بنا وي كأنه ل يفلح الكافرون تلك‬ ‫ن الل ُ‬
‫عباده ويقدر لول أن م ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الدار الخرة نجعلها للذين ل يريدون علوا في الرض ول فسادا والعاقبة‬
‫للمتقين(‪.‬‬
‫السلطان‪.‬‬
‫مالك أيها النسان أنت اليوم في ذمة الحكم وغدا ً إنسان طريد ل تعرف أين‬
‫تأوي‪ ،‬تسير خائفا ً تترقب فعلم الغرور بالسلطان؟ أبين يديك من الله صك‬
‫أنك ل تنزل عن هذا الكرسي؟ لئن لم تنزلك قوى الناس‪ ،‬لتنزلنك قوة الله‬
‫التي ل تغلب ول تغالب‪ ،‬حينما أرسل الله موسى عليه السلم إلى فرعون‬
‫وملئه‪ .‬وكلفه بالرسالة إليهم‪:‬‬
‫ً‬
‫(قال موسى رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون وأخي هارون هو‬
‫أفصح مني لسانا ً فأرسله معي ردءًا) أي معينا ً )يصدقني إني أخاف أن‬
‫يكذبون قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا ً فل يصلون إليكما‬
‫بآياتنا أنتما ومن اتبعكما الغالبون فلما جاءهم موسى بآياتنا قالوا ما هذا إل‬
‫سحر مفترى وما سمعنا بهذا في آبائنا الولين‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقال فرعون – انتبهوا إلى قولة الفراعين دائما وأبدا – وقال فرعون يا أيها‬
‫المل – يعني يا أيها الشراف ‪ -‬ما علمت لكم من إله غيري‪ .‬أترون قولة‬
‫اللهة الجدد؛ جديدة على سمع الدنيا لقد قالها فرعون من قبل‪:‬‬
‫يا أيها المل ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين‬

‫‪94‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فاجعل لي صرحا ً لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لظنه من الكاذبين‪.‬‬
‫واستكبر هو وجنوده في الرض بغير الحق وظنوا أنهم إلينا ل يرجعون‬
‫فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫هذا الغرور هذا الستعلء الذي يأتي من تخويل النسان بعض مظاهر الدنيا‬
‫من مال وأولد وجاه ونسب ونقد‪ .‬هذه الشياء هي التي تصرف النسان عن‬
‫الهدى‪ ،‬هذه الشياء هي التي تضع بين أيدينا مفتاح السرور الذي يسر به‬
‫الناس ولقد قص الله علينا نبأ هذا النسان فقال في سورة النور حينما ذكر‬
‫أنه إذا مس النسان ضر دعا ربه فإذا كشف عنه الضر قال لئن أنجيتنا من‬
‫هذه لنكون من الشاكرين فلما أنجاه الله إذا هم يبغون في الرض بغير الحق‬
‫يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا‪ ،‬هذا الداء الوبيل‬
‫وضعه الله تحت ناظري محمد صلى الله عليه وسلم من بداية الطريق‬
‫ليعرف الرسول الكريم أين مكامن الداء وماذا يجب أن يعمل وكيف ينبغي‬
‫أن يتلقى من نفس الناس إلى حقيقة كرم الله ونعمته السابقة بهذه الرسالة‬
‫‪ ...‬وتعليمه إياهم الوسائل التي تهذبهم وترقيهم وتكشف لهم عن مكامن‬
‫الدواء التي تحول بينهم وبين الصغاء إلى كلمات الله حتى يستدركوا‬
‫أنفسهم ويشعروا دائما ً مقام العبودية‪.‬‬
‫هذا القرآن ل ينتفع به جبار عنيد‪ ،‬هذا القرآن ل ينتفع به من سد الذهب‬
‫والفضة أذنيه‪ .‬وجعل على قلبه غلفا ً سميكًا‪ ،‬هذا القرآن ل ينتفع به‬
‫العشائريون وأشباه العشائريين هذا القرآن دواء نافع للنسان الذي ل يطغى‪،‬‬
‫للنسان الذي يعرف أنه لله عبد فإذا عرف ذلك وعرف مقام اللوهية‪ .‬وأن‬
‫لها وحدها حق المر والنهي أصغى بأذنيه وأصاخ بقلبه وفتح جوارحه جميعا ً‬
‫للفهم عن الله والعمل بمقتضى ما أراد الله تعالى‪.‬‬
‫م على هذه اليات‪ .‬ولقد كنت‬ ‫أريد أن أقف عند هذا الحد لتابع من بعد ُ الكل َ‬
‫وعدتكم من قبل وعدا ً أجدني مضطرا ً إلى الخلف فيه‪ .‬وعدتكم أن أبسط‬
‫المور جدا ً وأن أحاول أن أعطي في كل جمعة قضية واحدة مشروحة‬
‫ومبسطة وعذري أن بين َيديّ كلم الله وأنني خلل تعرفي على قضايا السور‬
‫الربعة ل أملك إل أن أبسط المر أكثر مما وعدتكم به‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫تتمة سورة المزمل‬


‫الحلقة )‪ 13 (13‬من شوال ‪1395‬هـ ‪ 17-‬تشرين الول ‪1975‬م‬
‫شوح‬‫العلمة محمود م ّ‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫أما بعد أيها الخوة المؤمنون فلقد طالت رحلتنا مع أوائل سورة المزمل‪،‬‬
‫وعمدا ً أطلت الشوط فقد ينبغي أن يكون أكثر تدقيقًا‪ ،‬وأعمق تأمل ً ونحن‬
‫بصدد التعرف على الخطوات الولى من مسيرة الدعوة السلمية‪ ،‬ولقد كنت‬
‫قادرا ً على أن أجتاز هذه الرحلة بحديث واحد‪ .‬ولكن قدرت ‪-‬ومن واقع‬
‫التجربة‪ -‬قدرت أن كثيرا ً من الخلل والرتباك في مسيرة الدعوة السلمية‬
‫المعاصرة يرد إلى عدم إتقان الخطوات الولى وإيلئها ما ينبغي لها من عناية‬
‫واهتمام سواء كان ذلك بالكشف عنها أو بوضعها موضع التطبيق‪.‬‬

‫‪95‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كنا في السبوع الفائت نتحدث إليكم عن بعض ما يوحيه قول الله تبارك‬
‫وتعالى خطابا ً لنبيه عليه الصلة والسلم‪:‬‬
‫(إنا سنلقي عليك قول ً ثقيل ً إن ناشئة الليل هي أشد وطئا ً وأقوم قيل ً واذكر‬
‫ل)‪.‬‬ ‫اسم ربك وتبتل إليه تبتيل ً رب المشرق والمغرب ل إله إل هو فاتخذه وكي ً‬
‫وما بالنية أن أزيد على الذي قلت شيئا ً وإنما نمر مع اليات‪.‬‬
‫د؛ خطابا ً لنبيه عليه الصلة والسلم‪:‬‬ ‫يقول الله تعالى ب َعْ ُ‬
‫ً‬
‫(واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميل ً وذرني والمكذبين أولي النعمة‬
‫ومهلهم قليل ً إن لدينا أنكال ً وجحيما ً وطعاما ً ذا غصة وعذابا ً أليما ً يوم ترجف‬
‫الرض والجبال وكانت الجبال كثيبا ً مهيل ً إن أرسلنا إليكم رسول ً شاهدا ً عليكم‬
‫كما أرسلنا إلى فرعون رسول فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا ً وبيل ً‬
‫فكيف تتقون إن كفرتم يوم يجعل الولدان شيبا ً السماء منفطر به كان وعده‬
‫مفعول ً إن هذه تذكر فمن شاء اتخذ إلى ربه سبي ً‬
‫ل)‪.‬‬
‫ذرونا ننظر بما ينبغي من الناة في هؤلء اليات؛ يقول الله تعالى موجها ً‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم إلى الطريقة المثلى التي يجب أن يعامل بها‬
‫المخالفين‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫(واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميل)‪.‬‬
‫والصبر على ما يقول المخالفون واجب لظاهرة يعرفها الخاص والعام؛ وهي‬
‫أنك في كل الحوال ل تستطيع أن تضع قفل ً على أفواه الناس‪ ،‬فالناس إذا‬
‫لم يكن لهم عاصم من التقوى فهم يتكلمون بما شاؤوا بالحق والباطل هذا‬
‫شأن‪ ،‬وشأن آخر يتعلق بالنبي والمؤمنين وبالدعاة عموما ً إن كلم المخالفين‬
‫يجب أن ل يشكل عقبة تحول دون اطراد السير؛ فالصبر عليه هنا واجب إن‬
‫لم يكن واجبا ً في شريعة الخلق فهو واجب وفقا ً لقوانين الحركة والسير‪.‬‬
‫ل على نبيه صلى الله عليه‬ ‫من َْز ِ‬
‫والله جل وعل في مواطن عدة من كتابه ال ُ‬
‫وآله ينبه إلى ما سيكون من تفنيد وتكذيب وأذىً في مواجهة الدعوة يقول‬
‫الله تعالى‪:‬‬
‫ن من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم‬ ‫ن في أموالكم وأنفسكم ولتسمعُ ّ‬ ‫(لتبلوُ ّ‬
‫أذى كثيرا وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم المور)‪.‬‬ ‫ً‬
‫أي إن عزائم الرجال ينبغي أن ل تحول دون مضيها‪ ،‬أَقاويل المخالفين‪،‬‬
‫ُ‬
‫فالمخالف من شأنه أن يتحدث كيف شاء وفي الوقت الذي يشاء دعه‬
‫فالكلم ل يزال يشكل تشميتا ً ويشكل أذى هذا أمر واقع من الممكن أن‬
‫يستمر هذا التشميت وقتا ً طويل ً لنه ليس من شأن بسطاء الناس وعامة‬
‫الناس أن تعرض كل ما تسمع على قضية العقل فهي تأخذ غالبا ً بهذا الذي‬
‫تسمع بقطع النظر عن إمكان معقوليته‪.‬‬
‫وعدم إمكانيتها وبقطع النظر عن نوعية القائل أهو إنسان يوثق بما يقول أو‬
‫هو إنسان ل يبالي بما يقول بل يلقي الكلم على عواهنه وكيفما اتفق من هنا‬
‫ن من قيمة الشائعات ولكن عدم التهوين من هذه القيمة ليس‬ ‫ل يجوز أن ن ُهَوّ َ‬
‫بالتقوقع وليس بإيلء هذا المر أكثر مما يستحق كيف الزيف يتحقق بمجرد‬
‫عرض الحقيقة حينما تعرض الحقيقة عارية من أي لبوس فإن الزيف يبدو‬
‫هناك زيفا ً ل يقوم على ساق صحيحة ول على ساق عرجاء فالواجب إذا ً هذا‬
‫الستمرار والسير أبدا ً مع الصبر على ما يقول المخالفون‪) ،‬واصبر على ما‬
‫يقولون( ثم ليس فقط )واصبر على ما يقولون( دائما ً بل‪) ..‬واهجرهم هجرا ً‬
‫ل( هذه النقطة يجب أن ننتبه لها ماذا تعني‪:‬‬ ‫جمي ً‬
‫الهجر في لغة العرب هو الترك هذا شيء يعرفه الخاص والعام؛ والجميل هو‬
‫النيق المحب‪ ،‬غير المؤذي‪ ،‬النيق المحب غير المؤذي؛ واضح أن الجملة‬

‫‪96‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل( حوت معنيين يكادان في الظاهر أن يتناصرا وأن‬ ‫)واهجرهم هجرا ً جمي ً‬
‫يتدافعا فكيف يكون الترك جميل ً ومحببا ً إلى النفس وغير مؤذ؟ كيف يكون‪..‬‬
‫هنا موضع العجاز في الداء الرباني في الكلم اللهي بهذا اللفظ الوجيز‬
‫أوجز الله جل وعل أرفع نماذج السلوك التي تحقق النسجام والتأثير مع‬
‫المجتمع الذي يعيش فيه النسان‪ ،‬في الوقت الذي تستند فيه قضية الحقيقة‬
‫دون أن تتلوث بأوشاب هذا المجتمع‪ .‬كيف‪ ،‬الغفلة عن هذه المسألة سبب‬
‫أحد أمرين في واقع السلوك السلمي‪:‬‬
‫المر الول‪ :‬هم الذين أخذوا الهجر بمعناه العام والولى والبسيط وعندهم أنه‬
‫لمجرد أن تسلم لله وجهك وتسير معه في الطريق الذي اختطه لك فعليك‬
‫أن تقطع العلئق بينك وبين الخرين ضربة لزب‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫والمر الثاني الذي تبلور في السلوك‪ :‬الغفلة عن كل شيء والندماج المطلق‬


‫في المجتمع وقبوله على ما فيه من خير ومن شر وكل السلوكين خطأ‪،‬‬
‫الهجر الجميل يعني أن ل تلبس من حولك في ما يغضب الله تبارك وتعالى‪،‬‬
‫وأن ل تعين من حولك على ما يغضب الله تبارك وتعالى وأن ل تساعد هذا‬
‫المجتمع في شيء يتنافى مع أهدافك ومع قضايا دعوتك التي تحملها‪ ،‬ولكن‬
‫مع الحفاظ على الرابطة النسانية التي تشد الناس جميعا ً بعضهم إلى بعض‬
‫مسلمهم وكافرهم على سواء لية غاية؟ هل إلى غاية المداراة والمجاملة‬
‫والمصانعة؟ ل‪ ..‬سلوك المسلم أبعد ما يمكن عن هذه الرجرجة الموقوتة‬
‫ولكن لبقاء النافذة الوحيدة التي يمكن أن تنفذ منها إلى قلوب الناس وإلى‬
‫عقول الناس وإلى مشاعر الناس أي البقاء على الوسيلة التي ل غيرها‬
‫والتي يمكن أن تكون في مجتمعك بواسطتها عنصرا ً فعال ً ومؤثرًا‪.‬‬
‫الهجر الجميل هو أن ل تعين غيرك ممن يخالفك في التجاه والمعتقد في‬
‫شيء مما يغضب الله ولكن مع البقاء على علئق المودة وعلئق المحبة‬
‫وعلئق التضامن القائم بين أعضاء المجتمع أن ل تلقى الناس بهذه النفسية‬
‫المظلمة العابسة ول تلقاهم بهذا القلب السود الذي يتنّزى حقدا ً ويأكله هذا‬
‫الحقد من جميع جوانبه بل تتقدم لصلح هذا المجتمع بالقلب المغمور‬
‫بالمودة والمحبة والرغبة في إيصال الخير إلى الناس وتحفظ كل العلئق‬
‫التي يمكن حفظها دون مساس بجوهر رسالتك وأسس عقيدتك أن تكون‬
‫مسلما ً هذا ل يعني بتاتا ً أن تكون سيئ الطبع شرس الخلق هذا شيء وذاك‬
‫شيء آخر وهجرك للمخالفين مع إبدائهم للتسويف المستمر وأخذهم بهذا‬
‫النهج غير الخلقي ل يعني كذلك تقطيع العلئق بينك وبينهم‪.‬‬
‫أرأيتم كيف كان سلوك النبي صلى الله عليه وسلم مع المخالفين؟ جهر‬
‫بالدعوة دون مداورة ودون لجلجة ودون خوف وعلنا ً وتحت وهج الشمس‬
‫وإبقاء على كل العلقات التي يمكن أن تبقى كان يغشى مجالس الناس‪،‬‬
‫وكان يزور الناس‪ ،‬وكان يلقاهم بالبشر‪ ،‬وكان يلقاهم بالمودة‪ ،‬ذات يوم مر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم طائفا ً بالكعبة وهذا في أوليات الدعوة فلما مر‬
‫تغامز القوم وسخروا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسمعوه قارص‬
‫القول فأعرض فطاف فسمع مثل ذلك عددا ً من المرات ثم التفت إليهم‬
‫وقال‪:‬‬
‫"يا معشر قريش تسمعون والله لقد جئتك بالذبح"‬
‫وأشار إلى حلقه فكان أشد الناس عداوة له صلى الله عليه وسلم‪ ،‬يحاول أن‬

‫‪97‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يرفأه بأحسن ما يجد من القول‪ ،‬قاموا إليه يهدئونه ويقولون له‪:‬‬


‫ل"‪.‬‬‫ت جهو ً‬ ‫"يا محمد والله ما كن َ‬
‫كلمة واحدة‪) :‬لقد جئتكم بالذبح( ذلك أقصى ما قاله النبي صلى الله عليه‬
‫ل حياته‬ ‫عرف ك ُ ّ‬ ‫وسلم فكانت غريبة غريبة هذه اللفظة القاسية من إنسان ُ‬
‫بأنه على غاية ما يمكن أن يكون النسان من السماحة والطيب والتهيين‬
‫فالنبي عليه الصلة والسلم عنوان الهاجرين للمجتمع ولكن بالهجر الجميل‬
‫والهجر الجميل هو أن تبدي ما عندك وأن تدعو إلى هذا الشيء الذي أنت‬
‫مكلف بالدعوة إليه دون تحطيم كل علقة بينك وبين الناس‪.‬‬
‫انظر إليها في ضوء القانون الخلقي تجد أن العنف والشراسة وبذاءة القول‬
‫وسوء الطوية شيء يتنافى مع أوليات القانون الخلقي‪ ،‬والنبي عليه الصلة‬
‫والسلم يقول لعائشة رضي الله عنها إثر كلم سمعته من بعض الناس‪..‬‬
‫يقول لها‪:‬‬
‫ً‬
‫"يا عائشة لو كان العنف رجل لكان رجل سوء"‪.‬‬
‫خيَر بين أمرين‪ ،‬وما وقف في مفترق طريقين‬ ‫فالنبي عليه الصلة والسلم ما ُ‬
‫إل اختار أيسرهما وأرفقهما ما لم يكن فيه إثم أو مغضبة لله تبارك وتعالى‬
‫فإن يكن ذلك كان أبعد الناس منه‪.‬‬
‫هذا هو معنى الهجر الجميل أن ل تلبس المبطلين في باطلهم ولكن هذا ل‬
‫يمنع من أن يبقى بينك وبينهم حبل الود موصول ً فلو أنك وضعت المر تحت‬
‫قانون الحركة والسير لوجدت أن العنف والعنفوان يعطلن الحركة ويقضيان‬
‫على السير من أول الطريق فالرجل الذي تلقاه وأنت غاضب وأنت مشمئز‪،‬‬
‫وأنت تحمل له في صدرك الضغينة التي ل تنتهي ل يمكن أن تتفتح لك‬
‫مغاليق قلبه بحال من الحوال‪ ،‬فحين نسمع الله جل عل يوجه نبيه صلى الله‬
‫عليه وسلم هذا التوجيه الحكيم‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫(واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميل)‪.‬‬
‫نلحظ أمرين‪:‬‬
‫نلحظ أن الله جل وعل يقيم نبيه عليه الصلة والسلم والمؤمنين معه على‬
‫القاعدة الخلقية المثلى ويوجههم نحو الطريق التي تضمن انفتاح السماع‬
‫والبصار والعقول والقلوب لهذه الدعوة فهي توجيه حكيم )واصبر على ما‬
‫ل( لكن الكلم هنا في عمومه يبقى ناقصا ً إن‬ ‫يقولون واهجرهم هجرا ً جمي ً‬
‫ذبين أولي‬ ‫نحن حذفنا النظر فيما يأتي من الية الخرى يقول‪) :‬وذرني والمك ّ‬
‫النعمة ومهلهم قلي ً‬
‫ل(‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تصوروا لو تصورنا أن الله تعالى قال‪) :‬وذرني والمكذبين( ماذا يكون المر؟‬
‫نكون قد وقعنا في شيء من الخلف في الكلم‪ ،‬التناقض في القول عدم‬
‫انسجام أجزاء الحقيقة التي نعرضها‪ ..‬هناك؛ قلنا إننا ل نلبس المجتمع‬
‫المبطل الجاهلي في باطله وفي جاهليته ولكننا نحمل للناس من حيث هم‬
‫ناس المودة والمحبة ونرغب في أن نشترك وإياهم في حمل أعباء الدعوة‪،‬‬
‫من أجل أن تبقى قلوبهم معنا‪.‬‬
‫وهنا يقول الله‪) :‬وذرني والمكذبين( لو وقفنا عند هذا الحد المكذبون كما‬
‫تعلمون كانوا عامة قريش بل عامة العرب بل عامة الدنيا فحين يقول الله‬
‫)وذرني والمكذبين( أي اتركني وهؤلء المكذبين أنا أدبر شؤونهم وأنا أنتقم‬
‫منهم وأنا أذيقهم العذاب والنكال فأين ذهب جمال الخلق وأين ذهبت هذه‬

‫‪98‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫العلقة التي ركزنا على ضرورة المحافظة عليها ينحل الشكال حين نلحظ‬
‫القلب الذي جاء في الكلم المكذبون في الكلم كذبوا لنهم أولو النعمة‬
‫وأولو النعمة هم المتنعمون‪.‬‬
‫هنا انسحبوا من ذلك الجو التاريخي البعيد وتعالوا إلى أي جو معاصر وانظروا‬
‫في المجتمع المعاصر وفي كل مجتمع المكذبون أول ً ليسوا بسطاء الناس‬
‫وليسوا حتى أوساطهم وإنما هم القمة في المجتمع هم المنعمون هم‬
‫المترفون هم كبار أصحاب المتيازات التي تهدد الدعوة مراكزهم وامتيازاتهم‬
‫هؤلء دائما ً قلة في المجتمعات‪ ،‬هؤلء ل يمكن أن ينقادوا إلى الحق‪ ،‬ول‬
‫يمكن أن ينصاعوا للحجة إل بعد أن تفلس كل امتيازاتهم وتذهب أدراج‬
‫الرياح‪.‬‬
‫نحن ل نستطيع بالنسبة لمسار الدعوة السلمية وليكن هذا مفهوما ً وواضحا ً‬
‫ل نستطيع وفقا ً لقوانين الدعوة أبدا ً أن نحفظ للجاهلين امتيازاتهم‪ ،‬هذا غير‬
‫معقول فالدعوة السلمية بما هي دعوة عامة وشاملة تنسجم مع كل الحياة‬
‫البشرية لتؤثر فيها وتغيرها ول يمكن أن تبقي على الوضاع على النحو الذي‬
‫هي عليه؛ سوف تنظم المجتمعات البشرية في ضوء قوانينها وفي ضوء‬
‫شرائعها وتوجيهاتها وآدابها‪.‬‬
‫ومن المعقول بل من الحق في مجتمع كهذا أن يكون العالي نازل ً والنازل‬
‫عاليًا‪ ،‬أي أن تغييرا ً جوهريا ً ل بد أن يدخل في المجتمع من جراء تطبيق‬
‫شرائع السلم‪ ،‬هؤلء الناس الذين لهم امتيازات سابقة نشأت في ظل‬
‫مجتمعات جاهلية وأوضاع جاهلية ينبغي أن يكون مقررا ً أن السلم ل يدغدغ‬
‫غرائزهم ول يشتري ولءهم بالحفاظ على امتيازات تصطدم مبدئيا ً وأساسيا ً‬
‫مع قوانين المجتمع المسلم‪.‬‬
‫هؤلء إذا ً سيظلون مكذبين لو جئتهم بالحجج صباح مساء فسوف يردون‬
‫عليك حججك كائنة ما كانت‪ ،‬وصدق الله العظيم‪:‬‬
‫(ولو أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك وما أنت بتابع قبلتهم وما‬
‫ت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم مالك‬ ‫بعضهم بتابع قبلة بعض ولئن اتبع َ‬
‫من الله من ولي ول نصير)‪.‬‬
‫إذا ً فالقلة التي تعيش على مأساة البشرية فقط هي التي يتهددها الله جل‬
‫وعل‪:‬‬
‫(وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قلي ً‬
‫ل)‪.‬‬
‫دع الدعوة تسير بإذن الله جل وعل وانتظر ماذا سيحل بهم‪ ،‬وبالفعل مضت‬
‫الدعوة في طريقها غير آبهة بهرير الكلب التي كانت تنبح من حواليها حتى‬
‫إذا كان يوم بدر ألقي أولو النعمة مجرورين بأرجلهم في القليب‪ ،‬قليب بدر‬
‫ووقعت الواقعة في صف المشركين وتساءل المتسائلون أفلن وفلن يقتلون‬
‫ويلقون في القليب شيء يفوق التصديق‪ ،‬ولكن الله جل وعل حقق لنبيه عليه‬
‫الصلة والسلم موعوده وألقى هؤلء في القليب وفقا ً لمصارعهم التي‬
‫صرعوا عليها بتكذيبهم وبعنادهم وبتأبيهم على دعوة الحق النازلة من عند‬
‫الله تعالى‪.‬‬
‫هذا كان في الدنيا وذلك قانون محفوظ كما تشرق الشمس من المشرق‬
‫لتسقط في المغرب‪ ،‬كذلك فإن الباطل مصيره إلى التدمير لنه في نسيجه‬
‫يحمل جراثيم الفناء والموت‪ ،‬كذلك فالله جل وعل موقع هذا بالمبطلين بل‬
‫ريب‪.‬‬
‫أما في الخرة فالله جل وعل يقول‪:‬‬
‫(إن لدينا أنكال ً وجحيما ً وطعاما ً ذا غصة وعذابا ً أليمًا)‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الخرة النكال جمع نكل وهو ما يربط به النسان قيدا ً أو ما يشبه القيد‪،‬‬
‫والجحيم هي النار الجاحمة الشديدة التلهب والوهج والمحرقة )وطعاما ً ذا‬
‫غصة( الطعام هو عصارة أهل النار‪ ،‬وما يشبه ذلك وذو الغصة هو الذي يعلق‬
‫في أصل الحلق ل يتزحزح ل يخرج فيريح ول يبتلع فيريح‪) ،‬وعذابا ً أليمًا( ذلك‬
‫في الخرة وعد غير مكذوب ينال المجرمين من الله تبارك وتعالى‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫متى يكون ذلك‪ ،‬يقول الله )يوم ترجف الرض والجبال( )وترى الجبال‬
‫تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب( متى ذلك؟ يوم القيامة‪) ،‬يوم ترجف‬
‫ل( هذا يكون يوم ترجف الرض‬ ‫الرض والجبال وكانت الجبال كثيبا ً مهي ً‬
‫ل‪ ،‬انظر إلى هذا الحائط انظر إلى الجبل‬ ‫والجبال وكانت الجبال كثيبا ً مهي ً‬
‫م‪ ،‬انظر إلى الصخر الصم ألست تجده قاسيا ً شديد القساوة بلى ماذا‬ ‫الص ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يكون شأنه يوم القيامة )كثيبا مهيل‪ (...‬هو الصخر الذي فتت حتى أصبح‬
‫كذرات الرمل وأزيل بعضه )أ ُهِْيل( على بعض هذه العلم الشوامخ هذه‬
‫الجبال المنصوبة‪ ،‬إذا جاء وعد ربك جعلها الله تعالى كرمال‪ ،‬كالرمال تتفتت‬
‫وتصبح ككثبان الرمال في ذلك الوقت ينال المكذبين ما ينالهم يقول الله‪:‬‬
‫(إنا أرسلنا إليكم رسول ً شاهدا ً عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسول فعصى‬
‫ل)‪.‬‬ ‫فرعون الرسول فأخذناه أخذا ً وبي ً‬
‫لحظوا أيها الخوة وأنتم تقرؤون القرآن جاء في القرآن من قصص الماضين‬
‫الشيء الكثير قصص النبياء قصص المم التي كذبت النبياء‪ ،‬العبر المستقاة‬
‫والمستفادة من سياق هذه القصص؛ جاء الشيء الكثير لكن الناظر في‬
‫القرآن يلحظ أن قصة موسى وفرعون ترددت في القرآن عددا ً أكبر من‬
‫المرات‪ ،‬ل بد من سبب ومن علة‪ ،‬لماذا يردد الله باستمرار ما حصل من‬
‫فرعون تجاه موسى؟‬
‫لحظوا مواقف فرعون مع موسى تجدوها تتشابه إلى حد بعيد مع مواقف‬
‫المشركين بل زعماء المشركين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إن‬
‫ن على موسى‪:‬‬ ‫فرعون أعرض ونأى بجانبه جاءته الدعوة فَ َ‬
‫م ّ‬
‫ت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت)‪.‬‬ ‫(ألم نّربك فينا وليدا ً ولبث َ‬
‫ن على‬‫م ّ‬
‫ي في بيت فرعون وكذلك ُ‬ ‫ن ُرب ّ َ‬ ‫ة على موسى عليه السلم بأ ْ‬ ‫من ّ ٌ‬
‫ِ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عُي َّر بأنه اليتيم الذي آذته قريش وعيشته‬
‫قريش‪ ،‬وأطعمته قريش‪ ،‬كذلك فرعون يتأبى ويرى أنه خير من موسى‪:‬‬
‫(أم أنا خير أم هذا الذي هو مهين ول يكاد يبين)‪.‬‬
‫كذلك فأبو جهل وأضراب أبي جهل من عتاة قريش ومن صناديد المشركين‬
‫كانوا يرون أنفسهم خيرًا‪ ،‬من محمد صلى الله عليه وسلم بل يصرحون بهذا‬
‫ن يرى أن موسى ل مجال لن يسمع له‬ ‫بل تحرج وبل حياء‪ ،‬وكذلك فِْرعو ُ‬
‫أليس هو‪ ،‬أي فرعون الحاكم والمتصرف‪ ،‬والذي يملك كل الخيرات والذي‬
‫يملك أن يعطي ويمنع وأن يفيد‪:‬‬
‫(يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه النهار تجري من تحتي أفل تبصرون)‪.‬‬
‫كذلك قالت قريش‪ ،‬رأت محمدا ً عليه الصلة والسلم رجل ً فقيرا ً قليل ذات‬
‫اليد وهم هم الذين يملكون الثروة ويجوبون أطراف البلد بالتجارة ويسوقون‬
‫العير إلى كل مكان ومحمد ل يملك من هذا شروى نقير‪.‬‬
‫وكذلك الغيرة ففرعون كان يغار من موسى كيف يختصه الله جل وعل بهذا‬
‫الخير الذي فتح له من الله ويترك فرعون كذلك ما كان يقال لرسول الله‬

‫‪100‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫صلى الله عليه وسلم كانوا يقولون ألم يجد الله رجل ً يرسله غيرك‪:‬‬
‫(وقالوا لول أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون‬
‫رحمه ربك)‬
‫هم كانوا يتصورون أن يتنزل القرآن على زعيم من زعماء مكة أو على زعيم‬
‫من زعماء الطائف‪ ،‬ناسين أن القيمة للمعنى النساني أول ً وللختصاص‬
‫اللهي أول ً وآخرًا‪ ،‬والغيرة ذاتها هي التي دفعت أبا جهل إلى أن يتمسك بهذا‬
‫الموقف العنيد الذي أورده مورد الهلك‪.‬‬
‫ذات يوم جاءه رجل من خلصائه قال له‪ :‬يا أبا الحكم ‪ -‬وكذلك كان اسمه‪،‬‬
‫قبل أن يسميه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا جهل ثم تلبسته هذا‬
‫التسمية إلى آخر الدهر‪ ،‬قال له‪ :‬يا أبا الحكم أل تسمع ما يقول محمد إنه‬
‫والله لقول جميل وطريقة مستقيمة ثم هو ابن عمك عزه عزك وشرفه‬
‫شرفك فلماذا هذه الخصومة؟‬
‫ماذا تتصورون كان جواب الرجل الرعن؟ قال‪:‬‬
‫"إنا تزاحمنا نحن وبني هاشم فأطعموا وأطعمنا وسقوا وسقينا وحملوا‬
‫وحملنا حتى قالوا منا نبي يوحى إليه من السماء فمن أين نأتي بمثل ذلك"‪.‬‬
‫الغيرة إذا ً هي التي كانت تحمل أبا جهل وكثيرا ً من المعاندين من العرب على‬
‫أن يقفوا المواقف السيئة من رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا التشابه‬
‫الملحوظ والذي ل تخطئه عين الدارس للقرآن الكريم بين موقف المشركين‬
‫من محمد صلى الله عليه وسلم وموقف فرعون وقومه من موسى عليه‬
‫السلم هو الذي سوغ أن تردد قصة موسى مع فرعون على أسماع العرب‪.‬‬
‫ماذا كانت عاقبة فرعون بعد كل العناد مع ما هو عليه من العظمة والجبروت‬
‫والملك والثروة‪ ،‬نبذه الله جل وعل في اليم فأغرقه وجعله نكال الخرة‬
‫والولى‪ ،‬كذلك كانت عاقبة أبي جهل نبذه الله تبارك وتعالى في القليب‬
‫قليب بدر وجعله الله جل وعل نكال الخرة والولى هناك قانون واحد في‬
‫مجال الدعوات يتحكم في مسارها في القديم وفي الحديث على سواء إن‬
‫الله جل وعل ل يجامل المكذبين ول يحابيهم ثم هم أول ً وآخرا ً بعض خلق الله‬
‫جل وعل وخلق الله يتفاضلون عنده بالتقوى بالعافية‪ .....‬ثرواتهم أموالهم‬
‫أولدهم ل تغني عنهم شيئًا‪.‬‬
‫(وما أموالكم ول أولدكم بالتي تقربكم عندنا زلفى إل من آمن)‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫فاليمان هو الذي يحدد مجال النجاة فقط أما الذين يصرون على العناد‬
‫ويركبون رؤوسهم في طريق خطأ ومعاندة الحقيقة فمصيرهم في القديم‬
‫وفي زمن النبي عليه الصلة والسلم وإلى أن تقوم الساعة مقرر ومحتوم‬
‫مَر الباطل ل بد أن‬‫سوف يدمرون لكن تحت شرط ينبغي أن ل يغفل لكي يد َ‬
‫تكون جبهة الحق سليمة فإذا كانت جبهة الحق سليمة فمصير الباطل محتوم‪،‬‬
‫أما حين تكون جبهة الحق غائمة الرؤيا مشوشة الهداف سيئة النضباط في‬
‫السلوك‪ ،‬فل يمكن للباطل أن يدمر إل على المدى البعيد وبعد أن يوجد الله‬
‫جل وعل جبهة للحق هي خير وأهدى سبيل ً من هؤلء المتخاذلين الذين‬
‫يدعون ذلك زورا ً وبهتانًا‪.‬‬
‫وإذا ً فالباطل مصيره مقرر وفقا ً لقوانين الله التي ل تتخلف لكن ذلك مرتبط‬
‫بمدى استقامة المؤمنين على الجادة التي وضعهم عليها ربهم تبارك وتعالى‪.‬‬
‫هذا ما يوحيه قول الله‪:‬‬

‫‪101‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إننا أرسلنا إليكم رسول ً كما ‪-‬وهنا أداة المشابهة‪ -‬كما أرسلنا إلى فرعون‬
‫رسول ً ‪-‬فما كان من فرعون‪ -‬فعصى فرعون الرسول ‪-‬وما كان من الله‪-‬‬
‫فأخذناه أخذا ً وبي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫تمت المشابهة وينبغي ول شك أن ذهن العربي في ذلك الزمان وعى معنى‬
‫الكلم وأن فحواه‪ ،‬أنكم يا معاشر قريش‪ ،‬يا معاشر العرب المكذبين لمحمد‬
‫إن بقيتم على ضللكم فسوف تلقون مثل الذي لقي فرعون‪ .‬ثم يخاطبهم‬
‫الله‪:‬‬
‫) فكيف تتقون ( ‪.‬‬
‫ً‬
‫أي كيف تخشون من الله وترعوون إن كفرتكم؟ بماذا كفرتم يوما يجعل‬
‫الولدان شيبًا‪ ،‬كيف يمكن لك أن تتقيه وهنا قضية ذات أهمية بالغة‪ ،‬بالنسبة‬
‫لدعوة السلم‪ ،‬كيف يستقيم سلوك سالك؟ كيف يستقيم السير لسائر؟ إذا‬
‫هو أعرض عن اليمان بمصيره إلى الله تبارك وتعالى‪ ،‬دعوة السلم من‬
‫أولها إلى آخرها‪ ،‬مرتبطة بماذا‪..‬؟ باليقين المستكن في القلب‪ ،‬بأن النسان‬
‫صائر إلى الله سبحانه وتعالى‪ ،‬فمحاسب على ما قدمت يداه‪ ،‬فمجزي على‬
‫الحسان إحسانًا‪ ،‬وعلى السوء سوءًا‪ ،‬اليمان بالرجعة إلى الله هو الذي‬
‫يعصم النسان غالبًا‪ ،‬وفي غالب الحيان من الوقوع في الخطأ‪ ،‬وهؤلء العرب‬
‫كانوا ل يرجون لله وقارًا‪ ،‬ول ينتظرون معادا ً إلى الله فكيف يتقون الله‪ ،‬هذا‬
‫معنى قوله‪:‬‬
‫(فكيف تتقون إن كفرتم يوما ً يجعل الولدان شيبًا‪ ،‬السماء منفطر به‪ ،‬كان‬
‫ل)‪.‬‬‫وعده مفعو ً‬
‫ً‬
‫أي قيام الساعة ووقوفكم جميعا بين يدي الله‪ ،‬إن هذه تذكره‪ ،‬كل هذا الذي‬
‫قصصناه عليكم تذكرة‪ ،‬ما هي وظيفة هذا الكلم‪ ،‬أن يقرع السماع‪ ،‬وأن‬
‫يقرع القلوب‪ ،‬وأن يوقظ النيام‪ ،‬فمن شاء اتخذ إلى ربه سبي ً‬
‫ل‪ ،‬ما عندنا‬
‫سوط إرهاب نسوق الناس به إلى طريق اليمان‪ ،‬نحن ل نفتتح السجون‬
‫والمعتقلت لنضع الناس في السجون والمعتقلت حتى يؤمنوا بالله العزيز‬
‫الحميد‪ ،‬قطعا ً ل‪..‬‬
‫النسانية استوت على ساقها‪ ،‬والنسانية بلغت رشدها‪ ،‬والنسان بما هو‬
‫إنسان ُركب له عقل‪ ،‬وأوتي القدرة على أن يميز بين الخير والشّر‪ ،‬ول يمكن‬
‫أن يقبل في قانون اليمان‪ ،‬إيمان المكره على ما ل يعتقد‪ ،‬تذكرة وحسب‪..‬‬
‫ل‪ ،‬أنت واختيارك‪ ،‬وهديناه النجدين‪ ،‬إن كتب‬ ‫من شاء بعد؛ اتخذ إلى ربه سبي ً‬
‫ل وعل‪،‬‬ ‫الله لك النجاة أخذت في طريق السعادة‪ ،‬وإن كان غير ذلك فالله ج ّ‬
‫س ظهرك بعذاب‪،‬‬ ‫سيجزيك بما تستحق‪ ،‬أما نحن –المسلمين‪-‬فثق أننا ل نم ّ‬
‫ول نقبل منك إيمان تقليد‪ ،‬ول نقبل منك إيمان إكراه؛ وإنما هي الحجة فقط‪،‬‬
‫إن اقتنعت وآمنت بمحض اختيارك وامتلء قلبك فأنت من المؤمنين لك ما‬
‫لهم وعليك ما عليهم‪ ،‬وإن كنت مكرها ً في هذا اليمان‪ ،‬جئتنا فحكمنا بأن‬
‫إيمانك باطل‪ ،‬وأنك بهذا الكراه خارج نطاق جماعة المسلمين‪ ،‬فنحن‪ ،‬هذا‬
‫قانون مقرر بالنسبة لنا‪ ،‬في ظل السلم يتفيأ الناس جميعا ً ظلل الحرية‪ ،‬ما‬
‫عندنا مال نشتري به إيمان الناس‪ ،‬وما عندنا عذاب نمس به الناس‪ .‬إن لم‬
‫يؤمنوا‪ ،‬وما عندنا مطامع‪ ،‬طريقنا مليء بالدماء والدموع‪ .‬ما عندنا درهم ول‬
‫دينار‪ .‬عندنا قلب النسان‪ .‬وعندنا إرادة النسان؛ فمن شاء اتخذ إلى ربه‬
‫ل‪ ،‬وأظن أن كل عاقل حصيف الرأي‪ ،‬يدرك تمامًا‪ ،‬أن هذا غاية التكريم‬ ‫سبي ً‬
‫للنسان بما هو إنسان وأن كل إكراه‪ ،‬أو إغراء‪ ،‬أو تدخل في إرادة النسان‪،‬‬
‫هو امتحان لكرامة هذا النسان‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهنا يقف الشريط –بكل أسف‪ -‬ويصمت الشيخ رحمه الله‪ ،‬ولعله أنهى‬
‫السورة بهذا المعنى البديع‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫تتمة سورة المزمل‬


‫الحلقة )‪ (12‬الجمعة ‪ 6‬شوال ‪ 10 – 1395‬تشرين الول ‪1975‬‬
‫العلمة محمود م ّ‬
‫شوح‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫أما بعد أيها الخوة المؤمنون‪.‬‬
‫فلقد سبق لنا أن نظرنا في مطالع سورة المزمل ثالثة السور التي أنزلت‬
‫على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مطالع الدعوة‪ ،‬وتكلمنا عن هذه‬
‫المطالع جمعتين أو أكثر ل أذكر‪ ،‬وأحسب أننا بحاجة إلى أن نعيد استذكار‬
‫بعضه الحقائق التي تتعلق بأوائل هذه السورة لكي يأخذ الكلم بعض برقاب‬
‫بعض‪ ،‬ولكي تنسجم وتتناغم حلقاته كي يكون الغرض العام من السورة‬
‫الكريمة واضحا ً في أذهاننا جميعًا‪.‬‬
‫إن السورة الكريمة تبدأ بقول الله تبارك وتعالى خطابا ً لرسوله عليه السلم‪:‬‬
‫ل‪ .‬أو زد عليه ورتل‬ ‫ل‪ .‬نصفه أو انقص منه قلي ً‬ ‫(يا أيها المزمل قم الليل إل قلي ً‬
‫القرآن ترتيل)‬
‫ومضى الكلم على هذا بما ل أطمع بزيادة عليه‪ ،‬ثم يقول الله تعالى‪:‬‬
‫(إنا سنلقي عليك قول ً ثقيل)‬
‫ومضى الكلم على هذه الية بالذات بما لم أكن راضيا ً عنه لنني في حينها‬
‫كنت منحرف الصحة سيء المزاج ولكني ل أنتوي بتاتا ً أن أعيد الكلم حول‬
‫ظاهرة ثقل القرآن إل بالشارة التي تهيئ لفهم ما بعد ذلك بل وما قبله‬
‫أيضًا‪.‬‬
‫فهذا القرآن وصف بأنه ثقيل؛ وصف بذلك في اليات‪ ،‬ووصف بذلك في‬
‫الحاديث المشتهرة عن الصحابة الذين نقلوا إلينا كلم نبينا صلى الله عليه‬
‫وسلم وأحواله العامة والخاصة‪ ،‬ومن جملة هذه الحوال ما كان يعتريه عليه‬
‫السلم أثناء نزول الوحي قلنا‪ :‬إن هذا الثقل ظاهرة من ظواهر القرآن‬
‫ونضيف إنها ظاهرة يشعر بها النسان المكلف فقط‪ ،‬وأظن أنني استشهدت‬
‫سابقا ً بقول الله جل وعل‪:‬‬
‫(لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا ً متصدعا ً من خشية الله)‬
‫ثم أعقب الله جل وعل ذلك؛ بأن قال‪:‬‬
‫(وتلك المثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)‬
‫ل عجز الية على ضرورة الستبصار والتفكر بما سبقها‪ ،‬وقلنا إن هذا الذي‬ ‫فد ّ‬
‫ً‬
‫وصف القرآن به ليس مرادا به ظاهر الكلم لننا نرى بالمشاهدة أننا نضع‬
‫القرآن على جبل فل ينصدع ول يتفكك ول يتبعثر‪ ،‬وفي هذا ما يلزم بالقول أن‬
‫ظاهر الكلم غير مراد وأن المراد معنى آخر‪ ،‬ورجعنا معكم في تحليل هذا‬
‫الكلم إلى أصل الخلق‪ ،‬فوجدنا بالمضاهاة وبالمقارنة أن النسان هو‬
‫المخلوق الوحيد من بين خلق الله عز وجل الذي هو مكلف‪ ،‬والذي نتج عن‬
‫تكليفه تمتعه بالرادة وبحرية الختيار‪ ،‬فيصبح معنى الكلم أننا لو فرضنا في‬
‫ت وما أطاقت حمل هذا‬ ‫سا ً وعقل ً وإرادة ثم كلفناها بالقرآن لتفتت ْ‬
‫الجبال ح ّ‬
‫القرآن؛ من الذي أطاقه؟ النسان بما هو مكلف‪ ،‬وبما هو حر‪ ،‬ومريد‬
‫ومختار‪..‬‬

‫‪103‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وهذا يمنحنا الحق في أن نقرر أن النسان أقوى مخلوقات الله عز وجل؛ من‬
‫حيث هو قادر على تحقيق الحرية والرادة والختيار وأنه أضعف مخلوقات‬
‫الله عزوجل حين يعطل عمل هذه المواهب التي أعطاه الله جل وعل إياها‪.‬‬
‫هذا الثقل إذا ً يحس به النسان من المعالجة بين المر اللهي‪ ،‬وبين الرغبة‬
‫والختيار هذا اللم الدائم‪ ،‬القلق الذي يصحب النسان‪ ،‬الثقل الذي يعيش‬
‫معه ما عاش هو الذي أراد القرآن أن يشير إليه بقوله‪:‬‬
‫(إنا سنلقي عليك قول ً ثقيل)‬
‫وضربت لكم مثل ً قلت لكم فكروا بأنكم أخذتم لئحة بمجموعة الواجبات‬
‫والوامر والنواهي التي جاءت في هذا القرآن وحاولتم أن تطبقوها في ذات‬
‫نفوسكم على صعيد العقل والحساس والشعور وفي عقائدكم ومسالك‬
‫تفكيركم وفي السلوك الشخصي الذاتي‪ ،‬وفيما يتعلق بصميم وظائفكم من‬
‫حيث إنكم مسؤولون عن أسركم وعن جيرانكم وعن بلدكم وعن أوطانكم‬
‫وعن النسانية جميعا ً ثم ارجعوا بعد ذلك إلى أنفسكم كم يكلف القيام بأداء‬
‫هذه الواجبات من مشقات ومجهودات كبيرة‪.‬‬
‫فالقرآن إذا ً ثقيل بذاته‪ ،‬ثقيل بواجباته‪ ،‬ثقيل بتكاليفه‪ ،‬ول يقوم لهذا الثقل ول‬
‫يستقل به إل هذا النسان الذي رشحه الله جل وعل للخلفة في الرض‪ ،‬فل‬
‫يحقرن أحد الطاقة التي وهبه الله إياها فإنما هو كائن عظيم وكبير استخلفه‬
‫الله جل وعل على أمانة عظيمة وكبيرة كلما أحس النسان وأيقن بقيمته‬
‫الحقة استطاع أن يهيئ الجواء الصالحة للبلوغ بهذه المانة والرسالة إلى‬
‫قرارها وإلى مبلغها‪ ،‬وإذا حقر نفسه وأزال من إمكانياته‪ ،‬وقلل من قيمته‬
‫قضى على مبرر وجوده باعتباره مسلما ً بل قضى على أخص خصائصه‬
‫النسانية وهي العقل والرادة والحرية‪ .‬فالله جل وعل يقول‪:‬‬
‫(إنا سنلقي عليك قول ً ثقيل)‬
‫ثقل القول كما شرحت لكم الن في إيجاز وباختصار وكما شرحت لكم سابقا ً‬
‫بإسهاب وتفصيل مما لم أكن راضيا ً عنه ومما أرجو الله جل وعل أن يعين‬
‫على بيانه في مناسبة أخرى‪.‬‬
‫نسير الن مع اليات سيرا ً هينا يقول الله جل وعل‪:‬‬
‫ً‬
‫(إن ناشئة الليل هي أشد وطئا ً وأقوم قيل)‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وشرحنا لكم أن ناشئة الليل على القول الذي نختاره هي ساعاته المتجددة‬
‫لنها تنشأ ساعة بعد ساعة‪ ،‬وقوله جل وعل )أشد وطئًا( أي أكثر موافقة‬
‫وملءمة لما يريد النسان أن يفعله في تلك الساعات من طاعة وتقرب‬
‫وزلفى إلى الله جل وعل‪) ،‬وأقوم قيل( يحتمل معنيين الول هو الذي نرجحه‬
‫إن شاء الله )أقوم قيل( أي أن أولى هذه الساعات أدعى إلى أن يكون ذكر‬
‫النسان وقراءة النسان ودعاء النسان وتفكر النسان أصوب وأقوم لفراغ‬
‫الذهن من الشواغل ولسكون الدنيا من حول النسان‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬أن الله جل وعل أقرب إلى أن يتقبل دعاء الداعين وقراءة‬
‫القارئين واستغفار المستغفرين في تلك الساعات الليلية وعليه يحمل ما جاء‬
‫من قول يعقوب لبنيه‪:‬‬
‫(سوف أستغفر لكم ربي)‬
‫أي أنه كان ينتظر إذا حل السحر الثلث الخير من الليل أن يستغفر لبنائه‬
‫الخاطئين لن الله جل وعل قريب من الداعين في تلك الساعات‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ثم يقول الله جل وعل‪:‬‬


‫(إن لك في النهار سبحا ً طويل)ً‬
‫وقلنا إن السبح هو الحركة والضطراب المتصرف في شؤون المعاش أو‬
‫التصرف في واجبات الدعوة ورجحنا هذا من قبل‪ ،‬لن الخطاب خطاب إلى‬
‫النبي‪ ،‬والنبي في تلك الساعات التي تنزل عليها الخطاب لم يكن مشغول ً‬
‫بتجارة ول بزراعة ول بصناعة ول معنيا ً بأي شأن من شؤون الحياة ‪ ،‬فقد‬
‫كفاه الله مؤونته بعد أن تزوج بخديجة رضي الله عنها‪ ،‬واستكفى بمالها بل‬
‫ب بقول الله‬ ‫خاط َ ُ‬
‫أنفق مالها من أجل الدعوة إلى الله تبارك وتعالى‪ ،‬فحين ي ُ َ‬
‫ل( يوحي ذلك إلى الذهن المستبصر المستنير أن‬ ‫)إن لك في النهار سبحا ً طوي ً‬
‫الله قسم أوقات نبيه قسمين‪ :‬قسما ً يسلخه في الليل بالتعبد والقيام الطويل‬
‫بين يدي الرحمن والقراءة والتفكر في آيات الله والتبصر في آلئه وعظمته‬
‫جل وعل‪.‬‬
‫وقسم آخر هو ما يكون في النهار من اتصال بالناس ودعوة لهم إلى الخير‬
‫الذي أنزله الله تعالى إليه ومحاولته صلى الله عليه وسلم أن يقود الناس‬
‫إلى هذا الهدى الذي أنزله الله تعالى إليه ثم يقول الله جل وعل بعد ذلك‪.‬‬
‫(واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيل)‬
‫ذكر اسم الله معروف لكن ما معنى تبتل إليه تبتيل‪.‬‬
‫معنى البتل الباء والتاء واللم في لغة العرب القصد‪ ،‬وأظن أنكم ما زلتم‬
‫تقولون في العامية "قطعة بتلة" يعني شيء مبتول ومقطوع والبتل معناه‬
‫في لغة العرب القطع والمتبتل هو المنقطع‪ ،‬المتبتل إلى الشيء هو المنقطع‬
‫إلى هذا الشيء‪ ،‬سميت مريم عليها السلم بتول ً لنها انقطعت عن الرجال‪،‬‬
‫والمتبتل إلى الله هو المنقطع عن الخلق إلى الخالق والله جل وعل يأمر نبيه‬
‫صلى الله عليه وسلم أن يتبتل إليه أي أن ينقطع إليه‪.‬‬
‫أصبحت لدينا الن جملة حقائق نستطيع الن أن ننظر إليها بتناسق‪:‬‬
‫أول ً نداء من الرحمن إلى رسوله صلى الله عليه وسلم (يا أيها المزمل قم‬
‫الليل إل قلي ً‬
‫ل)‬
‫واحد‪ .‬كان النبي عليه السلم قبل ذلك يأخذ لنفسه حظها من النوم والراحة‬
‫وكان يتدثر بثيابه أو بفراشه التماسا ً للهدوء والراحة‪ ،‬فلما جاءه المر أخرجه‬
‫مما كان فيه‪ .‬قال له )يا أيها المزمل قم الليل( ذكر الليل كله ثم استل منه‬
‫شيئا ً قليل ً هذا القليل خذ حظك فسه من النوم فقط؛ أما بقية الليل معظم‬
‫ه قائما ً خاشعا ً‬ ‫م ُ‬‫الليل أكثر الليل فليس لك؛ وإنما هو لله تبارك وتعالى؛ قُ ْ‬
‫ل‪ ،‬ثم قال له بعد ذلك‪:‬‬ ‫متعبدا ً متبت ً‬
‫(إنا سنلقي عليك قول ً ثقي ً‬
‫ل)‬
‫لماذا طلب القيام إن لم يكن وراء هذا الطلب الجازم والطلب المقلق الثقيل‬
‫وقد مر معنا في الحاديث أن النبي عليه الصلة والسلم كان حينما يتعب‬
‫وينصب تقول له زوجه الوفية خديجة رضي الله عنها‬
‫"أل تنام قليل ً يا رسول الله"‪.‬‬
‫فيقول‪:‬‬
‫"مضى عهد النوم يا خديجة"‪.‬‬
‫ت لنا‬
‫خرجنا من حالة الجاهلية الولى ودعنا حالة التسيب الماضية‪ُ ،‬رسم ْ‬
‫ت لها مفاهيم وضعت أمامنا غايات‪ ،‬يجب أن يتخلى النسان عن‬ ‫حد ّد َ ْ‬
‫أهداف‪ُ ،‬‬
‫الراحة ويجب بعد أن ينصرف النسان عن حياة اللوعي وحياة اللمسؤولية‬
‫ويأخذ نفسه بحياة واعية منظمة مشدودة إلى هدف بعيد مكشوف‪ ،‬وقد مر‬
‫معنا في الحاديث أن النبي عليه السلم ومعه صحبه الكرام رضي الله عنهم‬

‫‪105‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الرعيل الول الذين استجابوا لربهم‪ ،‬وفهموا عنه معنى ما أراد‪ .‬قاموا الليل‪،‬‬
‫قاموه حول ً كامل ً ل يذوقون النوم إل حسو الطائر‪ ،‬قاموه حتى انتفخت‬
‫أقدامهم‪ ،‬وتقرحت أرجلهم‪ .‬قاموه حتى إن أحدهم ليضع الحبل أو يأخذ بيده‬
‫العصا يستعين بها كي ل يسقط من العياء والتعب والجهاد‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫كل ذلك في ذات الله وفي مرضاة الله إن لم يكن هذا لغاية فهو طلب عابث‬
‫والله جل وعل منّزه عن العبث حين يقول له )قم الليل إل قلي ً‬
‫ل( وبطبيعة‬
‫الحال فما كان مطلوبا ً من رسول الله صلوات الله عليه وآله فمطلوب من‬
‫المؤمنين معه أيضا ً لن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيح هو يتحرك‬
‫بالقرآن ولكنه أيضا ً يتحرك بجماعة المؤمنين الذين هم معه فلذلك كانت‬
‫الوجائب والتكاليف والمهمات المطلوبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫مطلوبة من الذين آمنوا مع رسول الله وستظل مطلوبة من الذين يؤمنون‬
‫بالله إلى آخر الزمان‪.‬‬
‫إذا ً هناك وراء هذا الطلب غاية‪ ،‬وراء هذا اليقاظ حكمة ما وراءها‪ .‬قال له‬
‫الله‪:‬‬
‫(إنا سنلقي عليك قول ً ثقيل)ً‬
‫جرب أن تأتي بإنسان يستطيع أن يحمل على ظهره مئة كيلو ضع على ظهره‬
‫مئة كيلو وعشرة سوف يبرك ل يستطيع أن يستقل بذلك ول يقوم بالثقل ول‬
‫يمكن أن تطيقه إل عزائم دربت على تحمله‪ ،‬والنسان كما نعلم يخلق مولودا ً‬
‫صغيرا ً ضعيفا ً ما يزال أبواه يدرجانه ويدربانه على الوقوف وعلى الحركة‬
‫حتى تصلب سيقانه‪ ،‬وحتى يستطيع أن يتحرك ثم يخلق الله فيه داعية‬
‫الحركة فبالحركة الدائبة وبالضطراب إلى أمام وإلى الخلف‪ ،‬وبالتحرك إلى‬
‫شمال وإلى يمين تكتسب عضلته القوة التي تساعده على تحمل ما يريد وما‬
‫يراد منه‪ ،‬فإذا استوى فهو إنسان وسط عادي من أوساط الناس لكن‬
‫العاديين وأوساط الناس ليسوا رجال الدعوات وليسوا رجال الصعاب‪،‬‬
‫وليسوا الذين يخوضون المشقات‪.‬‬
‫حينما ينهض الشاب منكم إلى الجندية يتعرض لتدريبات شاقة يحرم من‬
‫النوم‪ ،‬يطلب إليه أن يركض مسافات طويلة يحمل ما ل يطيقه في الحالة‬
‫العادية أذلك عبث ل‪ ،‬وإنما هو تدريب على الحصول على القوة‪ ،‬وتدريب على‬
‫الطاعة والنضباط والنظام‪.‬‬
‫النسان حينما نريد أن نضعه في وجه غاية كبيرة من العبث أن نقول للناس‬
‫قوموا هذا كلم يلجأ إليه المتاجرون في السياسة والقتصاد والجتماع وفي‬
‫مستقبل المم ومصائر الشعوب يقول للناس قوموا تحركوا يقودونهم من أي‬
‫مكان ل من مكامن القوة‪ ،‬ولكن من مواطن الضعف من الشهوة من‬
‫الغرائز‪ ،‬من الحقاد‪ ،‬من الطماع‪ ،‬من سائر هذه الدوافع التي ل يمكن أن تعد‬
‫عناوين على القوة في الذات النسانية‪ ،‬يقادون من هنا في صعيد الباطل‬
‫ومعسكر الضلل لكن في صعيد الحق المر يختلف أنا حينما أكون في طريق‬
‫الحق أراك وأكرهك لسبب ما ولكني مطالب بالحق الذي أحمله أن أقيم‬
‫معك معدلة‪.‬‬
‫جاء رجل إلى عمر بن الخطاب فقال له‪ :‬والله ل أحبك عمر يقول لذلك‬
‫الرجل‪ :‬ل أحبك‪ .‬لماذا لن هذا الرجل قتل ضرار بن الخطاب أخا عمر رضي‬
‫الله عنه‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ :‬أينقص ذلك من حقي شيئا ً إن لم تحبني؟ أتظلمني‬
‫وتجور علي؟‬
‫قال‪ :‬ل‪.‬‬
‫قال‪ :‬إذا ً ل أبالي إنما يأسى ‪-‬يعني يحزن‪ -‬على الحب النساء أما الرجال فل‬
‫يحزنون على الحب‪ ،‬ل تحب‪.‬‬
‫عمر يكره هذا النسان لنه قتل أخاه ولكن عمر مطالب بالحق الذي يحمله‬
‫والذي طلب إليه أن يقوم عليه وأن ينفذه في الناس‪ ،‬في الصغير والكبير‪،‬‬
‫وفي العدو والصديق‪ ،‬وفي القريب والبعيد‪ ،‬أن يقيم المعدلة في مواجهة ماذا‬
‫في مواجهة دوافعه وفي مواجهة غرائزه وفي مواجهة حوافز النسان العادي‪.‬‬
‫أوساط الناس أحد رجلين إما رجل أرعن يجابهك في هذه الحالة بالصد‬
‫والبعاد وبالعداء‪ ،‬وإما رجل اكتسب شيئا ً من الكياسة وحسن التصرف‬
‫فيبتسم في وجهك ويقول لك ل عليك سأفعل لك كذا وسأقضي لك كذا‪ ،‬ثم‬
‫إذا انصرفت عنه فعل ضد ما وعدك به؛ هؤلء هم الناس العاديون‪ ،‬وهم‬
‫الوساط لكن الرجال المدربون الرجال أرباب الحق طلب الحقيقة ماذا‬
‫يفعلون إنهم يرون رقابة الله‪ ،‬فالله من وراء كل شيء يرونها أول ً ويرونها‬
‫آخرا ً ويعلمون إن أطاعوا حوافزهم ومشوا وراء دوافعهم فاستجابوا وفعلوا‬
‫ضد ما طلبه الشارع الحكيم منهم فقد يمضي يوم ويومان وعام وعامان‬
‫تستر فيها هذه المسألة وتروج هذه البضاعة لكن الله تكفل بفضيحة‬
‫المتمردين‪ .‬لم يخرج فاسق من هذه الدنيا إل وهو مهتوك الستر فضحه الله‬
‫جل وعل في الدنيا ويوم القيامة يفضحه على رؤوس الشهاد‪.‬‬
‫هذا النسان المستقيم المؤمن يعلم هذا حق العلم من أجل ذلك ل تخفى عنه‬
‫ول تغيب مراقبة الله تبارك وتعالى إياه فيقيم ما يريد الله جل وعل منه على‬
‫النحو الذي أراده الله تعالى من الذي يستطيع؟ ذلك الرجل المدرب‪ ،‬كما‬
‫ندرب أنفسنا على الشيء‪ ،‬كما ندرب أنفسنا على الكلم‪ ،‬كما ندرب أنفسنا‬
‫على حمل الثقال‪ ،‬كذلك ندرب أنفسنا على اكتساب عزيمة الصبر‪ ،‬ليس‬
‫موضوع الصبر شيئا ً يشترى من السوق ويوضع في الجيب إنما هو رهق النهار‬
‫وسهر الليل والتعرض للصعوبات ومواجهة الملمات ثم هو قبل ذلك وفي أثناء‬
‫ذلك‪ ،‬وبعد ذلك قمع لكل رغبة تبدر في داخل النفس تحاول أن تقود النسان‬
‫في غير الطريق الذي أراده الله تعالى‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ل( قول يراد منه كما ل يخفى على‬‫إذا ً فقول الله عز وجل )قم الليل إل قلي ً‬
‫اللبيب الفطن تدريب الرسول صلى الله عليه وسلم وتدريب الصحاب معه‬
‫ثم تدريب المؤمنين جميعا ً إلى آخر الدهر على أن يأخذوا بحظهم ونصيبهم‬
‫من هذه السباب التي تعود وتضمن اكتساب عزيمة الصبر‪ ،‬بغير الصبر ل‬
‫شيء يمكن أن ينتج في هذه الحياة‪ ،‬بغير الصبر ل يمكن للفرد أن ينجح‪ ،‬ول‬
‫يمكن للمة أن تنجح‪ ،‬ول يمكن للرسالة أن تسود وقد صبر النبي صلى الله‬
‫ل‪ ،‬وظل يصبر عليها إلى آخر عمره‪ ،‬والله‬‫عليه وسلم صبر على العبادة طوي ً‬
‫جل وعل يخاطبه ويقول‪:‬‬
‫(وأمر أهلك بالصلة واصطبر عليها)‬
‫لحظوا لم يقل وأمر أهلك بالصلة واصطبر عليهم‪ ،‬لكي ل ينصرف الصبر‬
‫ضه على‬ ‫إلى الهل مع نسيان حظ النفس وإنما خصه بأمر الهل بالصلة وح ّ‬
‫أن يصبر على هذه الصلة‪ ،‬لحظوا الدقيقة التي يجب أن ل تغيب عن البال‬

‫‪107‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جه للنبي عليه الصلة والسلم؛ النبي ماذا؟ إنسان يعايش المل‬ ‫المر لمن؟ مو ّ‬
‫العلى ينزل عليه المر من السماء في الصباح والمساء وفي الليل وفي‬
‫النهار هو طبعا ً ذخيرته من اليمان‪ ،‬حصيلته من اليقين أكبر وأكثر وأعلى‬
‫وأعظم من أي إنسان آخر؛ بل نحن نقرأ الحاديث الواردة بالطريق الصحيح‬
‫جدا ً أن الملئكة الذين جاؤوا ليزنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وزنوه‬
‫بعشرة من أمته فرجحهم‪ .‬وزنوه بألف فرجحهم قال أحدهم للخر دعه فلو‬
‫وزن بأمته جميعا ً لرجحهم‪.‬‬
‫النبي عليه الصلة والسلم من حيث حقيقة التقوى والورع والمعرفة بالله‬
‫تبارك اسمه‪ ،‬في حالة ل نستطيع تصورها مع ذلك جاءه الخطاب يقول‪:‬‬
‫)واصطبر عليها( أي اصبر على الصلة فإذا كان محمد سيد الخلق وخاتم‬
‫النبيين والمخاطب من السماء يقال له اصبر على الصلة فما هو مقدار ثقل‬
‫هذه الصلة؟‬
‫إذا أردنا أن نعرف المر حقيقة يجب أن ل نتصور صلتنا نحن الخلئق التي‬
‫تعيش اليوم يجب أن نتصور الصلة التي يدخلها النسان المسلم‪ ،‬فإذا أحرم‬
‫وقال الله أكبر خرج من الدنيا‪ ،‬عروة بن الزبير رضي الله عنه أصابته الكلة‬
‫في رجله‪ ..‬نوع من المرض الذي يسري في العظام‪ ،‬وأجمع الطباء على أنه‬
‫ل فائدة من المعالجة في حال من الحوال وأنه لبد من تدخل مبضع الجراح‪،‬‬
‫ولبد من قطع رجله؛ في ذلك الزمان لم تكن مخدرات ولم تكن مسكنات‬
‫وكان الجراح يعمل على الطبيعة في الجسم الحي مهما كلف ذلك من آلم‪،‬‬
‫قال لهم عروة ل بأس عليكم إذا أنا دخلت في الصلة فشأنكم برجلي؛ فلما‬
‫أحرم وكّبر أخذ الجراحون المناشير ونشروا رجله وهو ل يدري إن كانت رجله‬
‫تقطع‪ ،‬أين كان يعيش هذا المخلوق؟ مع الله تبارك وتعالى لو كان يصلي كما‬
‫نصلي نحن لضج وسمع من في السماوات والرض ضجيجه من اللم‪،‬‬
‫ل‪ ،‬هي هذه الصلة التي تنقل‬ ‫فالصلة التي تراد والتي هي ثقيلة وشاقة فع ً‬
‫المؤمن مع تكبيرة الحرام من كل أشياء الدنيا ومن جميع أحياء الدنيا لتضعه‬
‫مباشرة بين يدي الخالق العليم الحكيم‪.‬‬
‫هذه الصلة ليس فقط في تكبيرة الحرام‪ ،‬وإنما هي استدامة لهذه الحالة‬
‫الواعية والحالة الموصولة بالله إلى آخرها ولهذا نسمع نبينا عليه الصلة‬
‫والسلم يقول‪:‬‬
‫للعبد من صلته ما وعى منها‪.‬‬
‫فما لم يِع من الصلة فليس لهذا العبد بل ربما كان عليه لن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم يخبر ويقول‪:‬‬
‫إن العبد إذا صلى الصلة فأحسن قراءتها وتكبيرها وقيامها وخشوعها عرجت‬
‫إلى الله جل وعل بيضاء مسفرة كما يسفر الصبح تقول‪ :‬حفظك الله كما‬
‫حفظتني‪ ،‬وإذا صلى الصلة فلم يحفظها على هذا الشكل الذي نص عليه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجت إلى السماء سوداء مظلمة تقول‪:‬‬
‫ل فإذا كان يوم‬
‫ضيعك الله كما ضيعتني‪ ،‬ثم تلف في ثوب خلق أي قديم با ٍ‬
‫القيامة ضرب بها وجهه‪.‬‬
‫فالصلة غير المتقنة إذا ً قد تكون بلًء على صاحبها‪ ،‬هذا في الصلة حين‬
‫يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم بالصبر على الصلة يقال له‪ :‬أأمر أهلك‬
‫س أنك مطالب مع‬ ‫بالصلة وينتهي المر ثم يقال له اصطبر عليها أنت ل تن َ‬
‫أمر غيرك بأن تصطبر على الصلة‪ ،‬ل تنس ول يغب عن بالك أن أمرك للغير‬
‫يلغي حظ نفسك من وجوب تحصيل عزيمة الصبر على هذه الصلة‪ ،‬إذا كان‬
‫رسول الله يخاطب بهذا فاسألوا أنفسكم أي صبر يجب أن تكتسبه لكي‬

‫‪108‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تحقق هذه الحالة الرائعة العجيبة التي تتحصل من الصلة ثم سلسلوا المر‬
‫بعد للصيام والزكاة والجهاد والحج والصدق والعفاف وسائر الخلئق العالية‬
‫التي ندب إليها السلم‪.‬‬
‫إذا ً فحين يقول ربنا‪:‬‬
‫(إنا سنلقي عليك قول ً ثقي ً‬
‫ل)‬

‫)‪(4 /‬‬

‫يكون قبل ذلك قد هيأ نبيه والمؤمنين معه لحتمال تكاليف وثقل هذا القول؛‬
‫هيأهم بماذا؟ بالكلم؟ ل‪ ..‬بالشعارات؟ ل‪ ..‬بالتنفج والكذب؟ ل‪ ..‬وإنما بعمل‬
‫حقيقي مباشر؛ هذه النقطة سلوني لماذا أقف عندها؟ أقف عندها تذكرة‬
‫وتبصرة للذين يريدون أن يتذكروا ويتبصروا أول ً هذا بصورة عامة لكني من‬
‫حيث الساس وللمانة أقف عندها لغرض آخر أقف عندها لقرر أن السلم‬
‫ليست هو بالعمال التي يكون لها الضجيج ويحمد عليها النسان بين الناس‬
‫فقد ينبغي أن نعلم أن حمد الناس ربما كان مقتلة للنسان المسلم‪ ،‬وأن هذه‬
‫الدعوة ليس باقتحام المخاطر قبل فحص النوايا والدوافع فقد تكون المخاطر‬
‫بلًء على أصحابها وعلى آخرين وإنما هو بالدرجة الولى اهتمام بالمور‬
‫المباشرة اليومية لم يقل الله جل وعل لنبيه صلى الله عليه وسلم قم‬
‫شعاب التي حولها‬ ‫فاخترط سيفك ثم اجر في طرقات مكة وأزقتها وفي ال ّ‬
‫وأينما وجدت مشركا ً فاقطع رأسه ما قال له‪:‬‬
‫(هذا قال له قم الليل إل قليل)‪.‬‬
‫فقال له‪(:‬إنا سنلقي عليك قول ً ثقي ً‬
‫ل)‪.‬‬
‫وقال له‪( :‬وتبتل إليه تبتيل)‪.‬‬
‫ومن عجب أن هذا يكون في أول الدعوة ول نشم رائحة الدعوة إلى‬
‫المقاومة لماذا؟ لن الذي يقاوم ينبغي أن تتحقق فيه صفتان انتبهوا صفتان‪.‬‬
‫أولى الصفتين‪ :‬قدرة ل تنتهي على الصمود في وجه الصعاب من مغريات‬
‫ومن مرهبات وصعوبات‪.‬‬
‫وثانية الصفتين‪ :‬إسقاط حظ النفس فالنسان الذي يكون جلدا ً صبورا ً شجاعا ً‬
‫ل يعني ذلك إل عند أصحاب النظر السطحي أنه حتما ً سوف يرضي الله‬
‫بجلده وبشجاعته‪ ،‬كلكم أظن أو معظمكم على القل سمع حكاية "ُقزمان‪:‬‬
‫ُقزمان حليف للنصار خرج الناس إلى غزوة أحد وانخذل المنافقون عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وحلت الواقعة وابتلي المسلمون البلء‬
‫الشديد وظهر الشجعان وكان الناس يأتون في الن بعد الن يقولون لرسول‬
‫الله يا رسول الله أل ترى إلى ما فعل قزمان فيقول قزمان من أهل النار‪.‬‬
‫يقولون له يا رسول الله قد قتل فلنا ً وفلنا ً من المشركين فيقول قزمان من‬
‫أهل النار‪ ،‬وهكذا حتى قتل سبعة أو ثمانية من صناديد قريش وأبطالها‬
‫ورؤوسها كل ذلك والنبي عليه الصلة والسلم يقول‪ :‬قزمان من أهل النار‪.‬‬
‫وجرح الرجل فحمل إلى محل يمّرض فيه المرضى وتردد عليه الناس فقالوا‬
‫له هنيئا ً لك الجنة فتربد وجه الرجل وأظلم ولم يطق الصبر على ألم الجراحة‬
‫فأخذ حديدة فقطع بها رواهشه وهي الوردة الموجودة في الرسغ ونزف‬
‫حتى مات‪ .‬ومعلوم أن المنتحر عندنا في السلم من أهل النار فأخبر النبي‬
‫عليه الصلة والسلم فقال قزمان من أهل النار ل إله إل الله أشهد أني‬
‫رسول الله‪.‬‬
‫إذا ً فالقوة والجلد ل يكفي تحصيلهما وإنما ينبغي أن يكون صاحب القوة قادرا ً‬

‫‪109‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على وقف نفسه مع حدود المنهج الذي يقف معه‪ ،‬بماذا يتحصل ذلك بتنفيذ‬
‫أوامر الله‪ ،‬بتنفيذ الشياء المباشرة التي قلت لكم عنها الوجائب اليومية التي‬
‫ل ينتج عنها ضجيج ول تبهر الناظرين والسامعين فيأتيك اليوم الذي تجد‬
‫نفسك فيه تقوم لله‪ ،‬وتقعد لله‪ ،‬وتتكلم لله وتسكت لله وتفعل كل شيء لله‪.‬‬
‫في نظرنا نحن المسلمين ووفقا ً لشريعة السلم ومنهجه في الحركة والعمل‬
‫أن الرواد الذين ينشئون المجتمعات ليسوا هم الرعناء‪ ،‬وليسوا هم‬
‫المندفعين‪ ،‬ولكنهم الذين يأخذون لنفسهم حظها من التربية والتهذيب‬
‫وتحصيل عزيمة الصبر بالقيام الطويل في الليل‪ ،‬بالرتباط المطلق مع الله‪،‬‬
‫بالتفكر الطويل في آلء الله جل وعل‪ ،‬وفي آياته المبثوثة في النفس وفي‬
‫الفاق‪ ،‬بالصلة الموصولة‪ ،‬بالصوم المتصل‪ ،‬بإتقان ما لدى النسان‪ ،‬بتهذيب‬
‫النفس وتطهيرها من شوائب الخلق ورذيل العادات‪ ،‬بكل ذلك يصل النسان‬
‫المسلم إلى المرحلة التي وصل إليها عباد الله المتقون الذين عاشوا مع‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫بعد قطع مرحلة التهذيب والتصفية هذه خرجوا إلى الدنيا يوم خرجوا وهم‬
‫أناس أقوياء فعل ً ومع ذلك في نفس الوقت الذي يحكمون ويسيطرون فيه‬
‫هم أمناء على النسانية الصديق عندهم آمن والعدو عندهم آمن والقريب‬
‫عندهم موفور الكرامة والبعيد عندهم موفور الكرامة ل يتمايز الناس عندهم‬
‫أبدا ً وإنما يتساوون أمامهم بالحقوق وفي الوجائب هذا الشيء هو الذي أراد‬
‫ربنا جل وعل أن يلفت نظر رسوله صلى الله عليه وسلم إليه‬

‫)‪(5 /‬‬

‫تثبيت الله تعالى لعباده المؤمنين‬


‫يقول الله تبارك وتعالى ‪ ) :‬يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة‬
‫الدنيا وفي الخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ( إبراهيم‪. 27/‬‬
‫قال ابن عباس رضي الله عنهما عن قوله تعالى ‪ ) :‬يثبت الله الذين آمنوا ‪...‬‬
‫الية ( هو ل إله إل الله ‪ .‬وروى النسائي عن البراء قال ‪ :‬قال ) يثبت الله‬
‫الذين آمنوا ‪ ...‬الية ( نزلت في عذاب القبر ‪ ،‬يقال ‪ :‬ربي الله وديني دين‬
‫محمد ‪ ،‬فذلك قوله ‪ ) :‬يثبت الله الذين آمنوا ‪ ...‬الية ( ‪.‬‬
‫المعنى الجمالي للية الكريمة ‪ :‬يتصل المعنى الجمالي للية الكريمة بتثبيت‬
‫الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين في الحياة الدنيا وفي الحياة اللخرة ‪،‬‬
‫على الطريق المستقيم ‪ ،‬وعلى عقيدة التوحيد ‪ ،‬كما يتصل هذا المعنى بنفي‬
‫ذلك التثبيت عن الظالمين الكافرين ‪ ،‬بسبب ظلمهم وكفرهم ‪ ،‬وبعدهم عن‬
‫الحق وجريهم وراء شهوات النفس ووساوس الشيطان ‪ ،‬وصدهم عن السبيل‬
‫القويم ‪ ،‬ومعاداتهم لصحاب الصراط المستقيم ‪.‬‬
‫تثبيت الله تعالى لعباده المؤمنين في الدنيا ‪:‬‬
‫التثبيت في الحياة الدنيا له معنيان ‪:‬‬
‫المعنى الول ‪ :‬التثبيت في القبر عند سؤال الملكين ‪ ،‬أخرج ابن أبي شيبة‬
‫عن البراء بن عازب أن قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬إذا‬
‫ُأقعد المؤمن في قبره أتاه آت ثم يشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول‬
‫الله ‪ ،‬فذلك قوله ‪ ) :‬يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا‬
‫وفي الخرة ( ‪ .‬وقد قال القفال وجماعته ‪ :‬في الحياة الدنيا ‪ ،‬أي في القبر ‪،‬‬
‫لن الموتى في الدنيا إلى أن يبعثوا ‪ ،‬وحكاه الماوردي عن البراء قال ‪ :‬المراد‬
‫بالحياة الدنيا المساءلة في القبر ‪ ،‬وبالخرة المساءلة في القيامة ‪ ) .‬الجامع‬

‫‪110‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لحكام القرآن للقرطبي ‪. ( 9/238‬‬


‫والمعنى الثاني ‪ :‬يتصل هذا المعنى بالتثبيت على اليمان والسلم والتقوى‬
‫والستقامة وفعل الخير والصلح والمعروف ‪ ،‬ويتصل كذلك بتوفيق الله تعالى‬
‫لعباده الصالحين وتأييدهم ‪ ،‬ونصرتهم وإعزازهم ‪ ،‬وتقويتهم على القول‬
‫الثابت واليمان الراسخ والعتقاد الجازم والتسليم المطلق لحكام الله تعالى‬
‫وأوامره وتوجيهاته ‪ .‬وقد أورد القرطبي في كتابه ) الجامع لحكام القرآن (‬
‫بأن معنى ) يثبت الله ( يديمهم الله على القول الثابت ‪ ،‬ومنه قول عبد الله‬
‫بن رواحة ‪:‬‬
‫ً‬
‫يثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي ُنصرا‬
‫وهذا المعنى له ما يؤيده ويعضده من نصوص الكتاب العزيز ‪ :‬ومن أمثلة ذلك‬
‫قوله تعالى ‪ ) :‬إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون ( ‪ ،‬وقوله تعالى ‪:‬‬
‫) وكان حقا ً علينا نصر المؤمنين ( وقوله تعالى ‪ ) :‬يرفع الله الذين آمنوا منكم‬
‫والذين أوتوا العلم درجات ( ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ ) :‬الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله أل بذكر الله تطمئن‬
‫القلوب ( ‪.‬‬
‫تثبيت الله تعالى لعباده المؤمنين في الخرة ‪:‬‬
‫عن البراء بن عازب قال ‪ :‬المراد بالحياة الدنيا المساءلة في القبر ‪ ،‬وبالخرة‬
‫المساءلة في القيامة ‪.‬‬
‫فالتثبيت في الدنيا كما ذكرت ذلك قبل قليل هو التثبيت عند سؤال الملكين‬
‫في القبر ‪ ،‬والتثبيت على الحق والتقوى والصلح في حياة المؤمن في دنياه ‪.‬‬
‫أما التثبيت في الخرة فهو تثبيت المؤمن يوم القيامة عندما يسأل عن‬
‫أعماله وأفعاله ‪ ،‬وعن شبابه وعمره ‪ ،‬وعن ماله وممتلكاته ‪ ،‬وعن واجباته‬
‫نحو نفسه ونحو غيره ومحيطه ‪ ،‬وعن مختلف تصرفاته وأحواله وشؤونه التي‬
‫تعلق بها التكليف الشرعي السلمي ‪ ،‬أمرا ً ونهيا ً ‪ ،‬فعل ً وتركا ً ‪ ،‬فالمؤمن يثبت‬
‫ويصمد ‪ -‬بتوفيق الله تعالى ومشيئته ‪ -‬يوم القيامة وفي القبر ‪ ،‬وفي حياة‬
‫البرزخ كلها ‪ ،‬ويبعث الله تعالى فيه الطمأنينة والمن والثبات ‪ ،‬وذلك لما قدم‬
‫في حياته من عمل الصالحات ‪ ،‬ومن ملزمة العتقاد الراسخ الصحيح ‪ ،‬ومن‬
‫فعل للحكام الشرعية الثابتة بالكتاب والسنة ‪ ،‬ومن اقتداء بسيرة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وأخلقه وسننه الصحيحة ‪ ،‬بل زيادة ول ابتداع ‪ ،‬وبل‬
‫تنقيص ول تحريف ‪ ،‬وإنما باتباع منهج السلف الصالح ‪ ،‬وعمل أهل السنة‬
‫والجماعة ‪.‬‬
‫انتفاء الثبات عن الظالمين ‪:‬‬
‫المراد بالظالمين هنا الكفار ‪ ،‬لنهم ظلموا أنفسهم ‪ ،‬وكفروا بآيات الله تعالى‬
‫‪ ،‬وبدلوا القول الثابت واليمان الصحيح بما أملته عليهم عقولهم المنحرفة ‪،‬‬
‫وشهواتهم الفاسدة ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫فالظالمون أو الكافرون ل يثبتون على الطريق الجاد ‪ ،‬ول يطمئنون في الدنيا‬


‫والخرة ‪ ،‬وإنما يدركون العذاب الليم والحسرة والندامة في الخرة وفي‬
‫القبر ‪ ،‬كما يعيشون حياة الشقاوة والحيرة والضطراب في الدنيا ‪ ،‬وذلك‬
‫بسبب غيهم وفسادهم وبعدهم عن طريق الهداية والصلح ‪ .‬أخرج ابن جرير‬
‫وابن أبي حاتم والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما ) أن الكافر إذا‬
‫حضره الموت تنزل عليه الملئكة عليهم السلم يضربون وجهه ودبره ‪ ،‬فإذا‬

‫‪111‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫دخل قبره أقعد فقيل له ‪ :‬من ربك ؟ لم ُيرجع إليهم شيئا ً وأنساه الله تعالى‬
‫ذكر ذلك ‪ ،‬وإذا قيل له من الرسول الذي بعث إليك ؟ لم يهتد له ولم ُيرجع‬
‫إليهم شيئا ً ‪ ،‬فذلك قوله تعالى ‪ ) :‬ويضل الله الظالمين ( ‪.‬‬
‫جميع المور بيد الله تعالى ‪ :‬كل المور والحوال بيد الله تعالى ‪ ) :‬ويفعل‬
‫الله ما يشاء ( ‪ ،‬من عذاب قوم وإضلل قوم ‪ ،‬فالله تبارك وتعالى بيده‬
‫الهداية والضلل ‪ ،‬بيده الخير والشر ‪ ،‬بيده النفع والضر ‪ ،‬بحسب سننه وآياته‬
‫‪ ،‬وبحسب استعداد النفوس وقبولها لكل من فعل الخير والشر ‪.‬‬
‫نسأل الله عز وجل أن يثبتنا على الطريق المستقيم والمنهج القويم في‬
‫عاجل المر وآجله ‪ ،‬في الدنيا والخرة ‪ ،‬إنه ولي ذلك والقادر عليه ‪ ،‬وآخر‬
‫دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ‪.‬‬
‫بقلم نور الدين مختار الخادمي‬
‫مجلة الدعوة العدد ‪ ، 1774‬صفحة ‪.74‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تثوير القرآن‬
‫لبد للقارئ ‪ -‬للوهلة الولى ‪ -‬أن يستغرب بعض الشيء عنوان هذا المقال‪،‬‬
‫بل أحسب فوق هذا‪ ،‬أن يثيره ويشد انتباهه للتعرف على مضمونه‪ ،‬وما‬
‫يحتويه من معان وأفكار‪ ،‬ترتبط بكيفية التعامل مع كتاب الله ‪ -‬عز وجل ‪.-‬‬
‫والحق فإن الحديث عن تثوير القرآن‪ ،‬حديث ليس بالهزل‪ ،‬وإنما هو الفيصل‬
‫والفصل‪ ،‬بل هو الصل‪...‬وإذا كان المر كذلك‪ ،‬فإننا نسعى من خلل هذا‬
‫المقال إلى لفت انتباه من يعنيه المر‪ ،‬للقراءة والتأمل في هذه السطور‪...‬‬
‫دة‬
‫وأبادر فأقول‪ :‬إن مادة ثار يثور ثورة‪ ،‬من حيث اللغة‪ ،‬تفيد الهياج وح ّ‬
‫الغضب؛ تقول‪ :‬ثار الدخان والغبار وغيرهما‪ ،‬يثور ثوًرا وثوراًنا‪ :‬ظهر وسطع‪...‬‬
‫وفي التنزيل قوله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬وأثاروا الرض‪){ ...‬الروم‪ (9 :‬أي قلبوها‬
‫للزراعة والحرث؛ وفي الحديث ‪ -‬كما في الصحيحين ‪ -‬جاءه رجل من أهل‬
‫نجد ثائر الرأس يسأله اليمان؛ أي منتشر شعر الرأس؛ وكل ما استخرجته أو‬
‫ور القرآن‪ :‬بحث عن معانيه وعن‬ ‫ت المر‪ :‬بحثته؛ وث ّ‬
‫ور ُ‬‫هجته‪ ،‬فقد أثرته‪ .‬وث ّ‬
‫علمه ومقاصده‪...‬‬
‫وجاء في الثر عن عبد الله بن مسعود ‪ -‬رضي الله عنه ‪ ،-‬قال‪) :‬من أراد خير‬
‫ور القرآن‪ ،‬فإن فيه خير الولين والخرين(‪ .‬وفي لفظ‪:‬‬ ‫الولين والخرين فليث ّ‬
‫)علم الولين والخرين( رواه الطبراني في "المعجم الكبير" وفي رواية‪) :‬من‬
‫ور القرآن(‪.‬‬ ‫أراد العلم فليث ّ‬
‫قال بعض أهل العلم‪ :‬تثوير القرآن قراءته ومفاتشة العلماء في تفسيره‬
‫ومعانيه‪.‬‬
‫إذا تبين أصل الكلمة ومعناها لغة‪ ،‬وما جاء من آثار فيما نحن بصدد بيانه‪،‬‬
‫ننتقل خطوة أخرى‪ ،‬لنقول‪ :‬إن الثورة التي ‪ -‬نحن المسلمين ‪ -‬بحاجة إليها‬
‫م العمل والتطبيق؛ إنها ثورة‬ ‫اليوم‪ ،‬هي ثورة القراءة والعلم والفهم‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫"تثوير القرآن" وتفعيله بعد أن أصبح مهجوًرا بكثير من أنواع الهجران‪} :‬وقال‬
‫الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوًرا{)الفرقان‪.(30 :‬‬
‫‪ -‬لقد هجرنا القرآن أول ً بهجر قراءتنا له؛ وهذا أبسط أنواع الهجران‪.‬‬
‫‪ -‬ثم هجرناه ثانًيا بهجر التفكر والتفاكر في معانيه ومقاصده ومراميه‪،‬‬
‫فشغلتنا الحروف واللفاظ‪ ،‬عن المعاني والهداف‪.‬‬
‫‪ -‬ثم هجرناه ثالًثا بالشتغال والهتمام بآيات الحكام فحسب‪ ،‬وتركنا ‪ -‬وربما‬

‫‪112‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أعرضنا ‪ -‬عن الشتغال بآيات النفس والفاق‪ ،‬ونحوهما‪.‬‬


‫‪ -‬ثم هجرناه رابًعا بتطويعه لغراض عارضة‪ ،‬وإسقاط معانيه الصلية الواسعة‬
‫الشاملة‪ ،‬على قضايا ظرفية آنية فانية‪.‬‬
‫ص أنواع الهجران هذه‪ ،‬العمل ببعض آيات الكتاب وترك العمل بالبعض‬ ‫خ ُ‬ ‫وي ُل َ ّ‬
‫الخر؛ ول نقول هنا في حق بعض المسلمين الغافلين‪ ،‬ما قاله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬في‬
‫حق اليهود الظالمين‪} :‬أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض{ لن حسن‬
‫عا‪ ،‬لكنه التنبيه والتذكير والنصح‪.‬‬
‫الظن بالمسلمين واجب شر ً‬
‫لقد آن للمسلم المعاصر ‪ -‬وقد بلغ النسان من العلم ما بلغ‪ ،‬وامتلك من‬
‫ور القرآن‪ ،‬ليستخرج منه معانيه‬ ‫أدوات البحث ووسائله ما امتلك ‪ -‬أن يث ّ‬
‫الكلية‪ ،‬وأهدافه السامية‪ ،‬ليضبط بها سير وجهته‪ ،‬ويحدد من خللها وجهة‬
‫مقصده؛ وهذا على مستوى الفرد‪ ،‬والمر على مستوى المة آكد وأوجب‪.‬‬
‫ثم إن المسلمين اليوم‪ ،‬بقدر ما هم بحاجة إلى تثوير القرآن‪ ،‬ليفهموا آيات‬
‫ضا ‪ -‬ل تقل عن الحاجة الولى ‪ -‬إلى تثوير‬ ‫الله المسطورة‪ ،‬فهم بحاجة أي ً‬
‫قا لما هو مسطور‪،‬‬ ‫البصائر‪ ،‬ليروا آيات الله المنشورة‪ ،‬ليكون ذلك تصدي ً‬
‫وتفعيل ً لما هو مقروء؛ وليتحقق فيهم قول الله ‪ -‬سبحانه ‪} :-‬سنريهم آياتنا‬
‫في الفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على‬
‫كل شيء شهيد{ )فصلت‪.(53 :‬‬
‫نسأل الله أن يجعلنا ممن }ألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان‬
‫ما{ )الفتح‪ (26 :‬والحمد لله رب العالمين‪ ،‬وصلى الله‬ ‫الله بكل شيء علي ً‬
‫على من أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله‪ ،‬وكفى بالله‬
‫دا‪.‬‬
‫شهي ً‬
‫‪17/08/2003‬‬
‫‪ http://www.islamweb.net‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تجارة العملت‬
‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬المعاملت‪ /‬الصرف وبيع العملت‪/‬بيع وشراء العملت‬
‫التاريخ ‪12/2/1424 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته‪.‬‬
‫فضيلة الشيخ‪ :‬أنا أتاجر بالعملت عن طريق وسيط لشركه أجنبية‪ ،‬وهذا‬
‫نظام التداول عن طريق الشركة‪ ،‬ومن خلل نظام الوسيط ‪ :‬تفتح حسابا ً‬
‫ل‪ ،‬تدخل بهذا‬ ‫لدى الشركة بحد أدنى تحدده الشركة‪ ،‬فلنقل ‪ 2000‬دولر مث ً‬
‫الحساب السوق وتشتري وتبيع بعقد قيمته مئة ألف دولر‪ ،‬وذلك بتسهيل من‬
‫الشركة‪ ،‬وربما تكون أنت ل تملك سوى ‪ 2000‬دولر أو أقل‪ ،‬ولكن بإقراض‬
‫وتسهيل من الشركة تدخل هذه القيمة الكبيرة مقابل تأمين يكون لديك‬
‫بالحساب لدى الشركة‪ ،‬فالشركة ل تتحمل الخسارة ول تأخذ من الربح‪،‬‬
‫وعندما تنتهي من الصفقة أو العقد ‪ -‬سواء بربح أو خسارة ‪ -‬تنتهي العملية‬
‫وتأخذ الشركة عمولة تداول‪ ،‬والفارق بين سعر البيع والشراء التي تحددها‬
‫جل‬ ‫الشركة كأجور للتداول وفي كل الحالت ‪ -‬سواء البيع أو الشراء ‪ -‬تس ّ‬
‫العملية بحسابك في الحال‪ ،‬بل وترى العقد المفتوح أمامك وهو يأخذ‬

‫‪113‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخسارة أو يعطي الربح‪ ،‬وبدقة من حسابك في الحال وعند إغلق العقد‬


‫كذلك تسجل العملية بحسابك في الحال دون تأخير‪ ،‬علوة على ذلك فهو يتم‬
‫إزالة أي علقة للحساب بالفوائد البنكية ‪ -‬سواء المقبوضة أو المدفوعة ‪-‬‬
‫تدخل الفائدة بالنسبة للتعاملت الخرى‪ :‬فيما لو قام المتداول بتبييت العقد‬
‫إلى اليوم التالي فإنه هنا عليه دفع فائدة القرض‪ ،‬أو يأخذ فائدة القراض‪،‬‬
‫ويتم إما إضافة أو طرح فرق الفائدة من حساب العميل‪ ،‬وهذا مستبعد مع‬
‫الشركة التي أتعامل معها‪ ،‬هذا كلم عام‪ ،‬صحيح أنهم استبعدوا الفوائد‪ ،‬ولكن‬
‫هناك تفاصيل ل تذكر عند سؤال المشايخ عن هذا السوق المجهول‪ :‬الشراء‬
‫والبيع يتمان عن طريق بنك التصفية بمعنى أن الشركة الجنبية تتعامل مع‬
‫بنك تصفية‪ ،‬وتضع به رصيدا ً لحظة الشراء أو البيع‪ ،‬وتتم تصفية الصفقة عن‬
‫طريق البنك‪ ،‬ولكن أنت كمتداول بمجرد ضغطك على زر الشراء أو البيع تتم‬
‫العملية في أقل من ‪ 30‬ثانية ويخصم منك في الحال التأمين‪ ،‬ولك أن تبيع‬
‫ن‪ .‬ولكن الملحظ يا شيخ ‪ -‬حفظك الله ‪ -‬أن التداول‬ ‫حتى لو بعد دقيقه أو ثوا ٍ‬
‫ً‬
‫إلكتروني والسوق يعمل ‪ 24‬ساعة‪ ،‬ولم يحصل مرة أن طلبت بيعا أو شراًء‬
‫صل بايعا ً أو شاريا ً بل بعد ‪ 30‬ثانية تتم العملية‪ ،‬ولما سألت‬‫ويقولون لم نح ّ‬
‫الشركة يقولون إن هذا سوق التعامل اليومي‪ ،‬به أكثر من ترليون من‬
‫الدولرات‪ ،‬وهذه عملت دول‪ ،‬والسوق خليط من المضاربين والبنوك‬
‫صل شاريا ً أو بايعا ً كذلك لو أردت البيع بعد ثوا ٍ‬
‫ن‬ ‫والصرافة‪ ،‬فمستحيل أل تح ّ‬
‫من فتح العقد تجد أن التأمين رجع ووضع في حسابك في اللحظة نفسها‬
‫الربح أو الخسارة‪ ،‬هل في هذه العملية تحقق شرط التقابض كيف شريت‬
‫ن نعم نحن في زمن السرعة وأكثر البورصات اليوم تتم‬ ‫وبعت في ثوا ٍ‬
‫إلكترونيا ً ولكن الله رزقنا العقل فهل يعقل أن تشتري وتذهب الصفقة لبنك‬
‫ن؟ علما‬ ‫التصفية‪ ،‬وتبيع بعد ذلك عن طريق بنك التصفية‪ ،‬وكل هذا في ثوا ٍ‬
‫أنك ل تعلم من الشاري منك أو البائع لك‪ ،‬كل هذه المسألة عن طريق بنك‬
‫التصفية‪ ،‬أفتونا مأجورين؛ لن كل شركات التجارة في العملت بهذا النظام‪،‬‬
‫حتى التي ل تتعامل إلكترونيا ً وتعاملها عن طريق التلكس أو الهاتف تتم‬
‫بالعملية نفسها‪ ،‬وهذا من واقع تجربة ولكم الشكر‪.‬‬
‫الجواب‬
‫ً‬
‫متاجرتك بالعملت كوسيط مع شركة أجنبية‪ ،‬وما ذكرته شرحا في سؤالك‬
‫يتعين عليك أن تتمعن في جوابي لك فأقول‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إقراض الشركة لك مبلغا ً من المال ‪ -‬كبيرا ً أو صغيرا ً ‪ -‬مقابل أن تفتح عندها‬


‫حسابا ً وأن تؤمن عندها ما يضمن لها حقها لو لحقتك خسارة‪ ،‬هذا العمل‬
‫حرام ل يجوز التعامل به بين الطرفين لنه قرض جّر نفعا‪ .‬والقاعدة الشرعية‬
‫"كل قرض جّر نفعا ً فهو ربا" ولو لم يلحق الشركة ربح أو خسارة من العملية‬
‫المنفذة باسمك أو فائدة بنكية )ربا( مدفوعة أو مقبوضة على الحساب‪ .‬وهذا‬
‫الربا هو ربا الفضل‪ ،‬أما إذا قامت الشركة بأخذ فائدة ‪ -‬بطرح أو إضافة إلى‬
‫حساب العميل – مقابل تبييت العقد )تأجيله( إلى اليوم التالي‪ ،‬ليوم التداول‬
‫فهذا العمل حرام ل يجوز فهو ربا النسيئة‪ ،‬وكون هذه الشركة تتعامل مع بنك‬
‫يقوم بالتصفية لعمليات التداول مع العملء والوسطاء ل دخل له في التحريم‬
‫في هذا العقد؛ لن عقدك كوسيط تجاري هو مع الشركة ل مع البنك‪ ،‬ول‬
‫يلزم في البيع أن تعرف عين البائع أو المشتري‪ ،‬إنما يشترط فيها أن يكونا‬

‫‪114‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن أو‬ ‫جائزين للتصرف فقط‪ ،‬وكون عملية البيع أو الشراء تتم بسرعة خلل ثوا ٍ‬
‫دقائق معدودة‪ ،‬ل يؤثر على العقد صحة أو لزوما ً ‪ -‬إذا توفرت أركان البيع‬
‫وشروطه‪ ،‬حيث إن قبض السلعة يختلف حسب العرف والعادة‪ ،‬فإذا كان‬
‫ن‬
‫ٍ‬ ‫بثوا‬ ‫بمجرد ضغطة زر في جهاز النترنت يتحول المبلغ من حسابك أو إليه‬
‫معدودة‪ ،‬فقد تم البيع وتم قبض الثمن أو السلعة )العملة(‪ ،‬ونظرا ً للتطور‬
‫السريع في التقنية اليوم‪ ،‬فمن الطبيعي أن تتطور وسائل البيوع تبعا ً لذلك‪،‬‬
‫والخلصة‪ :‬أن عمل مثل هذه الشركة حرام؛ لشتماله على نوعي الربا‬
‫)الفضل والنسيئة(‪ ،‬ومعاملتك معها فيها ربا الفضل ‪ -‬ل محالة ‪ -‬فعليك‬
‫اجتنابها وإذا أردت المتاجرة في مثل هذا العمل ليكن بمالك الخاص أو خذ‬
‫من غيرك مال ً مشاركة تضارب به‪ ،‬وتتفقان على نسبة الربح بينكما‪ .‬وفقنا‬
‫الله وإياك بما علمنا وأغنانا بحلله عن حرامه‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تجديد الحياة في عشر ذي الحجة‬


‫مواقع أخرى*‬
‫تحتاج حياتنا بين الحين والحين إلى تجديد يعيد لها قوة اليمان‪ ،‬ويحيي فيها‬
‫مي فيها إحساس العبودية لله ‪-‬تعالى‪ ،-‬ويدفع بها نحو ربها‬ ‫نبض العقيدة‪ ،‬وُين ّ‬
‫‪-‬عز وجل‪ -‬وهي نادمة على معصيته‪ ,‬مجتهدة في طاعته‪.‬‬
‫تجديد يعيد إلى القلب رقته‪ ،‬فيخشع ليات القرآن الكريم‪ ،‬ويتدبر في معانيها‪،‬‬
‫وينقاد لحديث رسول الله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪ ،-‬ويهتدي بسّنته‪ .‬تجديد ينتقل‬
‫بالنفس من رتابة الداء في العبادة إلى حضور القلب فيها‪ ،‬والحساس‬
‫بجمالها ومبانيها‪ ،‬ويقف بها عن المعاصي والمحرمات‪ ،‬ويبعث فيها المل‬
‫بسعة الرحمة‪ ،‬وقبول التوبة‪ ،‬وغفران الذنوب ومحو السيئات‪ .‬تجديد يتحول‬
‫بحياتنا لتكون أكثر قربا ً من الله ‪-‬تعالى‪ ،-‬في فكرنا وأعمالنا ومعاملتنا‬
‫وعلقاتنا‪.‬‬
‫وأعظم فرصة لتجديد الحياة‪ ،‬وزيادة اليمان‪ ،‬هي أفضل الزمنة وأشرف‬
‫الوقات‪ ،‬حين يدنو الله ‪-‬تعالى‪ -‬من عباده‪ ،‬ويفتح لهم أبواب المغفرة‪ ،‬ويجزل‬
‫لهم العطاء‪ ،‬ويكون العمل أرجى للقبول‪ ،‬والدعاء أقرب للجابة‪ .‬والنفس‬
‫وقها إلى التغيير‪،‬‬ ‫بحاجة في كثير من الحيان إلى ما يحفز فيها النشاط‪ ،‬ويش ّ‬
‫وهاهي ذي أيام العشر الول من ذي الحجة‪ ،‬وما يتبعها من أيام التشريق‪،‬‬
‫جاءت بما أودع الله ‪-‬تعالى‪ -‬فيها من فضائل‪ ،‬لتوقظ الهمم‪ ،‬وُتنشط النفوس‪،‬‬
‫فليس هناك أيام جمعت من خصائص الفضل‪ ،‬وأسباب السعادة‪ ،‬كهذه اليام‪،‬‬
‫مل كم جمعت من ميزات‪ ،‬وحازت من فضائل‪:‬‬ ‫وتأ ّ‬
‫فهي أيام عظيمة الحرمة لكونها في ذي الحجة‪ ،‬وهو من الشهر الحرم‪ ،‬التي‬
‫ن‬
‫جعل الله ‪-‬تعالى‪ -‬تحريمها من الدين المستقيم‪ ،‬حيث قال ‪-‬سبحانه‪" :-‬إ ِ ّ‬
‫ماَوات‬ ‫خل َقَ ال ّ‬
‫س َ‬ ‫م َ‬‫ب الل ّهِ ي َوْ َ‬
‫شْهرا ً ِفي ك َِتا ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫عند َ الل ّهِ اث َْنا عَ َ‬ ‫شُهورِ ِ‬ ‫عد ّةَ ال ّ‬
‫ِ‬
‫م" ]التوبة ‪ ،[36 :‬وتذكير النفس بذلك‬ ‫ْ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قي ّ ُ‬
‫ن ال َ‬‫دي ُ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫حُر ٌ‬
‫ة ُ‬ ‫من َْها أْرب َعَ ٌ‬‫ض ِ‬‫َوالْر َ‬
‫يكبح جماح شهواتها‪ ،‬ويذكرها بأن الذنب يْعظم كلما كانت حرمة الزمن‬
‫ذر الله ‪-‬تعالى‪ -‬عباده من تعدي الحدود فيها‪ ،‬فقال بعد بيان‬ ‫أعظم‪ ،‬ولهذا ح ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م"‪ ،‬وذكر الرسول ‪-‬عليه الصلة والسلم‪-‬‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ف َ‬‫ن أن ُ‬ ‫موا ِفيهِ ّ‬ ‫حرمتها‪" :‬فَل َ ت َظ ْل ِ ُ‬
‫الناس بذلك في شهر ذي الحجة‪ ،‬فعن ابن عباس ‪-‬رضي الله عنهما‪" :-‬أن‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬خطب الناس يوم النحر فقال‪" :‬يا أيها‬
‫الناس أي يوم هذا"‪ .‬قالوا‪ :‬يوم حرام‪ .‬قال‪" :‬فأي بلد هذا"‪ .‬قالوا‪ :‬بلد حرام‪،‬‬

‫‪115‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫قال‪" :‬فأي شهر هذا"‪ .‬قالوا‪ :‬شهر حرام‪ .‬قال‪" :‬فإن دماءكم وأموالكم‬
‫وأعراضكم عليكم حرام؛ كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا‪ ،‬في شهركم‬
‫هذا"‪ .‬فأعادها مرارًا‪ ،‬ثم رفع رأسه‪ ،‬فقال‪" :‬اللهم هل بلغت‪ ،‬اللهم هل‬
‫بلغت"‪ .‬قال ابن عباس ‪-‬رضي الله عنهما‪ :-‬فوالذي نفسي بيده‪ ،‬إنها لوصيته‬
‫إلى أمته‪" :‬فليبلغ الشاهد الغائب‪ ،‬ل ترجعوا بعدي كفارا ً يضرب بعضكم رقاب‬
‫بعض")‪.(1‬‬
‫وهي أيام عظيمة؛ لنها نالت شرف قيام ركن السلم الخامس في زمانها‪،‬‬
‫حين يأتي الناس أفواجا ً من كل فج عميق‪ ،‬ليبدؤوا فيها مناسكهم وشعائر‬
‫ملت‪ ،‬في ذكريات زمان عميق‪ ،‬لتحكي لنا‬ ‫حجهم‪ ،‬والتي تمضي بنا‪ ،‬لو تأ ّ‬
‫مواقف مهيبة‪ ،‬وعبرا ً عديدة‪ ،‬من تاريخ بيت الله العتيق‪ ،‬سطرها لنا بإيمانهم‬
‫ّ‬
‫وصبرهم إبراهيم وآله ‪-‬عليهم السلم‪ ،-‬فكان انقيادهم لمر الله ‪-‬تعالى‪-‬‬
‫معالم هداية‪ ،‬ومواطن قدوة‪ ،‬في اليمان بالله ‪-‬تعالى‪ -‬وتوحيده‪ ،‬والتوكل‬
‫حدون في حجهم في كل زمان‪.‬‬ ‫عليه وعبادته‪ ،‬يستن بها المو ّ‬
‫وقها للقبال على الله‬ ‫ويا لها من عبرةٍ ُتحيي القلوب‪ ،‬وتشرح الصدور‪ ،‬وتش ّ‬
‫‪-‬عز وجل‪ ،-‬حين ترى خير الناس من النبياء والمرسلين عليهم السلم‪ ،‬يأتون‬
‫الحج وهم يلبون‪ ،‬يجأرون إلى الله ويستغيثون‪ ،‬مع ما في زمنهم من صعوبة‬
‫في السفر‪ ،‬ووعورة في الطريق‪ ،‬قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪" :-‬صلى في‬
‫مسجد الخيف سبعون نبيًا‪ ،‬منهم موسى صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كأني أنظر‬
‫حرم‪ ،‬على بعير من إبل شنوءة مخطوم‬ ‫م ْ‬
‫إليه وعليه عباءتان قطوانيتان وهو ُ‬
‫بخطام ليف‪ ,‬له ضفيرتان")‪ ,(2‬وعن ابن عباس ‪-‬رضي الله عنهما‪ -‬قال‪" :‬كّنا‬
‫مع النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بين مكة والمدينة فمررنا بواد‪ ،‬فقال‪ :‬أي‬
‫واد هذا؟ قالوا‪ :‬وادي الزرق‪ .‬قال‪ :‬كأني أنظر إلى موسى ‪-‬صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ...-‬واضعا ً إصبعه في أذنه له جؤار إلى الله بالتلبية ]الجؤار‪َ :‬رْفع‬
‫سِتغاثة[‪ ،‬ماّرا ً بهذا الوادي‪ .‬قال‪ :‬ثم سرنا حتى أتينا على ثنية‬ ‫صوت وال ْ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫فقال‪ :‬أي ثنية هذه؟ قالوا‪ :‬ثنية هَْرشى أو ِلفت‪ .‬قال‪ :‬كأني أنظر إلى يونس‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬على ناقة حمراء عليه جبة صوف‪ ،‬وخطام ]حبل[‬
‫خلبة ]ليف[‪ ،‬ماّرا ً بهذا الوادي ملبيًا")‪.(3‬‬
‫ناقته ُ‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حازت هذه اليام العشر خير يومين في العام‪ ،‬وهما يوم عرفة ويوم النحر‪،‬‬
‫ففي يوم عرفة يدنو الله ‪-‬عز وجل‪ -‬ثم يباهي ملئكة السماء بأهل الموقف‪،‬‬
‫فما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدا ً من النار من يوم عرفة)‪،(4‬‬
‫وجعل الله ‪-‬تعالى‪ -‬لغير الحجيج فيه نصيبًا‪ ،‬فمنحهم على صومه تكفير الذنوب‬
‫لسنتين‪ ،‬سنة ماضية وسنة قابلة)‪ ،(5‬وهو اليوم الذي أكمل الله ‪-‬تعالى‪ -‬فيه‬
‫م‬‫الدين‪ ،‬فأتم النعمة على المسلمين‪ ،‬ونزل فيه قول الله ‪-‬تعالى‪" :-‬ال ْي َوْ َ‬
‫م ِدينًا"‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سل َ َ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫م ال ِ ْ‬ ‫ضي ُ‬
‫مِتي وََر ِ‬‫م ن ِعْ َ‬‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬‫م ْ‬‫م وَأت ْ َ‬‫م ِدين َك ُ ْ‬ ‫ت ل َك ُ ْ‬
‫مل ْ ُ‬
‫أك ْ َ‬
‫]المائدة ‪.[3 :‬‬
‫وهو يوم الميثاق‪ ،‬فعن ابن عباس ‪-‬رضي الله عنهما‪ ،-‬أن رسول الله ‪-‬صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم ‪-‬عليه السلم‪-‬‬
‫بنعمان يوم عرفة‪ ،‬فخرج من صلبه كل ذرية ذرأها‪ ،‬فنشرها بين يديه‪ ،‬ثم‬
‫م َقاُلوا ْ ب ََلى َ‬ ‫َ‬
‫شهِد َْنا" ]العراف‪ [172 :‬إلى‬ ‫ت ب َِرب ّك ُ ْ‬‫س ُ‬ ‫ل‪ ،‬قال‪" :‬أل َ ْ‬ ‫كلمهم قب ً‬
‫َ‬
‫ن" ]العراف ‪.(6)("[173 :‬‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬‫ما فَعَ َ‬ ‫قوله‪" :‬أفَت ُهْل ِك َُنا ب ِ َ‬
‫شاهِدٍ‬ ‫وهو اليوم المشهود الذي أقسم الله ‪-‬تعالى‪ -‬به في سورة البروج‪" ،‬وَ َ‬

‫‪116‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شُهوٍد" ]البروج‪ ،[3 :‬قال رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪" :-‬اليوم‬ ‫م ْ‬ ‫وَ َ‬
‫الموعود يوم القيامة‪ ،‬واليوم المشهود يوم عرفة‪ ،‬والشاهد يوم الجمعة")‪.(7‬‬
‫وهو خير أوقات الدعاء‪ ،‬لقوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪" :-‬خير الدعاء دعاء يوم‬
‫عرفة‪ ،‬وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي‪ :‬ل إله إل الله وحده ل شريك له‪،‬‬
‫له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير")‪.(8‬‬
‫ويوم النحر من أيام العشر‪ ،‬وهو يوم الحج الكبر‪ ،‬كما قال فريق من العلماء‪،‬‬
‫م‬
‫م الحج الكبر هو يو ُ‬ ‫ب أن يو َ‬ ‫قال ابن القيم ‪-‬رحمه الله تعالى‪" :-‬والصوا ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر"‬ ‫ج ال َك ْب َ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫م ال َ‬ ‫س ي َوْ َ‬‫سول ِهِ إ ِلى الّنا ِ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ّ‬ ‫الّنحر؛ لقوله ‪-‬تعالى‪" :-‬وَأَذا ٌ‬
‫]التوبة ‪ ،[3 :‬وثبت في الصحيحين أن أبا بكر وعليا ً ‪-‬رضي الّله عنهما‪ -‬أذ َّنا‬
‫ة‪ .‬وفي سنن أبي داود بأصح إسناد أن رسول الّله‬ ‫م عََرفَ َ‬ ‫حرِ ل َ َيو َ‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫ك ي َوْ َ‬ ‫ب ِذ َل ِ َ‬
‫م عرفة‬ ‫ر"‪ ...‬ويو ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫م الن ّ ْ‬ ‫ْ‬
‫ج الكب َرِ ي َوْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ْ‬
‫‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬قال‪" :‬يوم ال َ‬
‫ة‪،‬‬ ‫ع‪ ،‬والتوب ُ‬ ‫ف‪ ،‬والتضر ُ‬ ‫ن الوقو ُ‬ ‫دمة ليوم الّنحر بين يديه‪ ،‬فإن فيه يكو ُ‬ ‫مق ّ‬
‫مي‬ ‫س ّ‬ ‫م الّنحر تكون الوفادةُ والزيارة‪ ،‬ولهذا ُ‬ ‫ة‪ ،‬ثم يو َ‬ ‫ل‪ ،‬والستقال ُ‬ ‫والبتها ُ‬
‫ف الزيارة؛ لنهم قد طهروا من ذنوبهم يوم عرفة‪ ،‬ثم أذن لهم‬ ‫طواُفه طوا َ‬
‫ح‬‫ل عليه إلى بيته‪ ،‬ولهذا كان فيه ذب ُ‬ ‫رّبهم يوم الّنحر في زيارته‪ ،‬والدخو ِ‬
‫ُ‬
‫م أفعال الحج‪ .‬وعمل يوم‬ ‫ي الجمار‪ ،‬ومعظ ُ‬ ‫القرابين‪ ،‬وحلقُ الرؤوس‪ ،‬ورم ُ‬
‫عرفة كالطهور والغتسال بين يدي هذا اليوم")‪.(9‬‬
‫وهو يوم التقرب إلى الله ‪-‬تعالى‪ -‬وتوحيده بالنسك العظيم‪ ،‬في أكبر مشهد‬
‫لتوحيد الله ‪-‬تعالى‪ -‬بهذه العبادة‪ ،‬التي ضل فيها كثير من الناس فقدموها‬
‫لغيره ‪-‬سبحانه‪ -‬من الصنام والوثان والقبور‪ ،‬ومن ثم جاء التنبيه على توحيد‬
‫حْر"‬ ‫ك َوان ْ َ‬ ‫ل ل َِرب ّ َ‬ ‫الله ‪-‬تعالى‪ -‬فيها في آيات عديدة‪ ،‬كما في قوله ‪-‬تعالى‪" :-‬فَ َ‬
‫ص ّ‬
‫]الكوثر ‪ ،[2 :‬أي‪ :‬وانحر لربك ذبيحتك له وعلى اسمه وحده‪ ،‬وأمر عز وجل‬
‫بذكر اسم الله ‪-‬تعالى‪ -‬وحده ل شريك له على الهدايا والضاحي‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َ‬
‫من‬ ‫ما َرَزقَُهم ّ‬ ‫ت عََلى َ‬ ‫ما ٍ‬ ‫معُْلو َ‬ ‫م الل ّهِ ِفي أّيام ٍ ّ‬ ‫س َ‬ ‫م وَي َذ ْك ُُروا ا ْ‬ ‫مَنافِعَ ل َهُ ْ‬ ‫دوا َ‬ ‫شهَ ُ‬‫"ل ِي َ ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫م ٍ‬ ‫لأ ّ‬ ‫قيَر" ]الحج ‪" ،[28 :‬وَل ِك ّ‬ ‫ف ِ‬‫س ال َ‬ ‫موا الَبائ ِ َ‬ ‫من َْها وَأطعِ ُ‬ ‫مةِ الن َْعام ِ فَكلوا ِ‬ ‫ب َِهي َ‬
‫هَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫م إ ِل ٌ‬ ‫ُ‬
‫مةِ الن َْعام ِ فَإ ِلهُك ْ‬ ‫من ب َِهي َ‬ ‫ما َرَزقَُهم ّ‬ ‫م اللهِ عَلى َ‬ ‫س َ‬ ‫ُ‬
‫سكا ل ِي َذ ْكُروا ا ْ‬ ‫من َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫موا وَب َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ها لكم ّ‬ ‫جعَلَنا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن" ]الحج ‪َ" ،[34 :‬والب ُد ْ َ‬ ‫خب ِِتي َ‬ ‫م ْ‬‫شرِ ال ُ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫حد ٌ فل ُ‬ ‫َوا ِ‬
‫ف‪] "...‬الحج ‪.[36 :‬‬ ‫وا ّ‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫م اللهِ عَلي َْها َ‬ ‫ّ‬ ‫س َ‬ ‫ُ‬
‫خي ٌْر فاذ ْكُروا ا ْ‬ ‫َ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫شَعائ ِرِ اللهِ لك ْ‬ ‫َ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫م العشر التي أقسم الّله بها في كتابه بقوله‪:‬‬ ‫عشر ذي الحجة "هي اليا ُ‬
‫ر" ]الفجر ‪ ،(10)" [2-1 :‬بل ورد أنها هي العشر التي‬ ‫ش ٍ‬ ‫جرِ )‪ (1‬وَل ََيا ٍ‬
‫ل عَ ْ‬ ‫"َوال ْ َ‬
‫ف ْ‬
‫أتمها الله ‪-‬تعالى‪ -‬لموسى ‪-‬عليه السلم‪ ،-‬والتي جاء ذكرها في قوله ‪-‬تعالى‪:-‬‬
‫ة وََقا َ‬ ‫ن ل َي ْل َ ً‬ ‫َ‬ ‫"وواعَدنا موسى ث َل َِثين ل َيل َ ً َ‬
‫ل‬ ‫ت َرب ّهِ أْرب َِعي َ‬ ‫قا ُ‬ ‫مي َ‬ ‫م ِ‬‫شرٍ فَت َ ّ‬ ‫ها ب ِعَ ْ‬ ‫مَنا َ‬
‫م ْ‬
‫ة وَأت ْ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َْ ُ َ‬
‫ن"‬ ‫دي‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ف‬‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫بي‬ ‫س‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ح‬ ‫ل‬ ‫ص‬‫فِني في قَومي وأ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ل‬ ‫خ‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫رو‬ ‫ها‬ ‫سى ل َ ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ ْ َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫خيهِ‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬
‫]العراف ‪ ،[142 :‬قال في تفسير الجللين‪") :‬وواعدنا" بأِلف ودونها "موسى‬
‫ة" نكّلمه عند انتهائها بأن يصومها‪ ،‬وهي ذو القعدة‪ ،‬فصامها‪ ،‬فلما‬ ‫ثلثين ليل ً‬
‫تمت أنكر خلوف فمه ]رائحة فمه من الصوم[ فاستاك‪ ،‬فأمره الله بعشرة‬
‫أخرى ليكّلمه بخلوف فمه‪ ،‬كما قال ‪-‬تعالى‪" :-‬وأتممناها بعشر" من ذي‬
‫الحجة()‪ ،(11‬وقال ابن كثير‪) :‬وقد اختلف المفسرون في هذه العشر ما‬
‫هي؟ فالكثرون على أن الثلثين هي ذو القعدة والعشر عشر ذي الحجة‪...‬‬
‫فعلى هذا يكون قد كمل الميقات يوم النحر‪ ،‬وحصل فيه التكليم لموسى‬
‫‪-‬عليه السلم‪ ,-‬وفيه أكمل الله الدين لمحمد ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬كما قال‬

‫‪117‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪-‬تعالى‪" :-‬اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم‬
‫السلم دينًا"()‪.(12‬‬
‫ولكثرة ما في هذه اليام وفي غيرها من فضائل‪ ،‬تنوعت أقوال العلماء‪،‬‬
‫واختلفت آراؤهم في الموازنة بينها‪ ،‬أيّ اليام أفضل عند الله‪ :‬أيام عشر ذي‬
‫الحجة لقوله ‪-‬عليه الصلة والسلم‪" :-‬ما من أيام أفضل عند الله من أيام‬
‫عشر ذي الحجة")‪ ،(13‬أم الليالي العشر الخيرة من رمضان؟ يوم عرفة أم‬
‫يوم النحر؟ قال في )تحفة الحوذي(‪" :‬اختلف العلماء في هذه العشر‪،‬‬
‫والعشر الخير من رمضان‪ ،‬فقال بعضهم‪ :‬هذه العشر أفضل لهذا الحديث‪،‬‬
‫وقال بعضهم‪ :‬عشر رمضان أفضل للصوم والقدر‪ ،‬والمختار أن أيام هذه‬
‫العشر أفضل ليوم عرفة وليالي عشر رمضان أفضل لليلة القدر؛ لن يوم‬
‫عرفة أفضل أيام السنة‪ ،‬وليلة القدر أفضل ليالي السنة‪ ،‬ولذا قال‪" :‬ما من‬
‫أيام" ولم يقل من ليال()‪ ،(14‬وفي الختيارات الفقهية لشيخ السلم ابن‬
‫تيمية‪" :‬وعشر ذي الحجة أفضل من غيره لياليه وأيامه‪ ،‬وقد يقال ليالي‬
‫العشر الخير من رمضان أفضل وأيام تلك أفضل‪ .‬قال أبو العباس‪ :‬والول‬
‫أظهر")‪.(15‬‬
‫أما يوم عرفة ويوم النحر‪ ،‬فقد ذهب كثير من العلماء إلى أن يوم النحر‬
‫أفضل أيام السنة على الطلق‪ ،‬حتى من يوم عرفة‪ ،‬قال ابن القيم‪" :‬خير‬
‫م الحج الكبر‪ ،‬كما في السنن عنه ‪-‬صلى‬ ‫م النحر‪ ،‬وهو يو ُ‬ ‫اليام عند الّله يو ُ‬
‫َ‬
‫ل اليام عند الله يوم النحر‪ ،‬ثم يوم القر")‬ ‫الله عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪" :‬أفْ َ‬
‫ض ُ‬
‫ل منه‪ ...‬والصواب القول الول")‪.(17‬‬ ‫م عرفة أفض ُ‬ ‫‪ ,(16‬وقيل‪ :‬يو ُ‬
‫لقد لحت للمحبين في هذه اليام الفاضلة من الله ‪-‬تعالى‪ -‬آية‪ ،‬وأقيمت لهم‬
‫علمة‪ ،‬ليثبت من أراد حقيقة محبته لله ‪-‬عز وجل‪ ،-‬فهذه اليام العشر هي‬
‫أحب أوقات العمل عند الله ‪-‬سبحانه‪ ،-‬والمحب الصادق هو الذي يبحث عن‬
‫أوقات رضا من يحب ليسرع إليه بما يدل على صدق محبته‪ ,‬ويقبل عليه بما‬
‫يرضيه‪ ،‬قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪" :-‬ما العمل الصالح في أيام أفضل من‬
‫هذه العشر"‪ ،‬قالوا‪ :‬ول الجهاد؟ قال‪" :‬ول الجهاد‪ ،‬إل رجل خرج يخاطر بنفسه‬
‫وماله فلم يرجع بشيء")‪ ، (18‬جاء في اختيارات شيخ السلم ابن تيمية‪:‬‬
‫)واستيعاب عشر ذي الحجة بالعبادة ليل ً ونهارا ً أفضل من جهاد لم يذهب فيه‬
‫نفسه وماله‪ ،‬والعبادة في غيره تعدل الجهاد؛ للخبار الصحيحة المشهورة‪،‬‬
‫وقد رواها أحمد وغيره()‪.(19‬‬
‫ومن رحمة الله ‪-‬تعالى‪ -‬بعباده أنه لم يحرم أحدا ً من فضل هذه اليام‪ ،‬فلم‬
‫يقصر ثوابها وأجرها على عبادة معينة واحدة‪ ،‬قد ل يستطيع القيام بها إل‬
‫بعض الناس‪ ،‬بل فضلها وثوابها شامل لكل بر وخير‪ ،‬ما دام مصحوبا ً بنية‬
‫وإخلص‪ ،‬من صلة وقيام وصوم)‪ (20‬وحج وتضحية وذكر‪ ،‬ول سيما التهليل‬
‫والتكبير والتحميد‪ ،‬حتى تبسمك في وجه أخيك‪ ،‬وإماطة الذى عن الطريق‪،‬‬
‫والصلح بين المتخاصمين‪ ،‬والتفريج عن المكروبين‪ ،‬ومساعدة المحتاجين‪،‬‬
‫قال ‪-‬عليه الصلة والسلم‪" :-‬اليمان بضع وسبعون شعبة‪ ،‬أدناها إماطة الذى‬
‫عن الطريق‪ ،‬وأعلها قول‪ :‬ل إله إل الله‪ ،‬والحياء شعبة من اليمان"‪ .‬وجاء‬
‫في رواية لحديث عشر ذي الحجة‪ ،‬لفظ "خير" بدل ً من "العمل الصالح"‪،‬‬
‫ففي رواية القاسم بن أبي أيوب‪" :‬ما من عمل أزكى عند الله ول أعظم أجرا ً‬
‫من خير يعمله في عشر الضحى")‪ .(21‬مما يدل على سعة معنى العمل‬
‫ضل ً فيه جميع‬
‫الصالح‪ ،‬قال أبو شامة‪" :‬ومن الزمان ما جعله الشرع مف ّ‬
‫أعمال البر؛ كعشر ذي الحجة‪ ...‬فمثل ذلك يكون أي عمل من أعمال البر‬
‫حصل فيها كان له الفضل على نظيره في زمن آخر")‪.(22‬‬

‫‪118‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫فأسرع بتوبة صادقة‪ ،‬تراجع فيها ماضيك‪ ،‬وتصلح حاضرك‪ ،‬وتخطط‬


‫ً‬
‫كر نفسك بهذا الفضل العظيم‪ ،‬والجر كبير‪ ،‬ليكون معينا لك‬ ‫لمستقبلك‪ ،‬وذ ّ‬
‫لتنطلق نحو تجديد الحياة‪ ،‬وزيادة اليمان‪ ،‬والقبال على الله ‪-‬تعالى‪ -‬بالعبادة‬
‫والطاعة والعمل‪" ،‬كان سعيد بن جبير ‪-‬رحمه الله‪ -‬إذا دخلت العشر اجتهد‬
‫اجتهادا ً حتى ما يكاد يقدر عليه")‪.(23‬‬
‫______________‬
‫)‪ (1‬صحيح البخاري‪ ،‬رقم ‪.1652‬‬
‫)‪ (2‬رواه الطبراني في الوسط وإسناده حسن‪ .‬صحيح الترغيب والترهيب‪ ,‬ج‬
‫خ َ‬
‫طام‬ ‫مل"‪ِ ،‬‬‫خ ْ‬
‫عباءةٌ بيضاُء قصيرة ال َ‬ ‫ق َ‬
‫طوان ِّية‪َ :‬‬ ‫‪) 1127 ,2‬حسن لغيره(‪ .‬ال َ‬
‫شعر أو ك َّتان‪ .‬انظر‪ :‬النهاية في غريب الحديث‪ ،‬لبن‬ ‫حْبل من ليف أو َ‬ ‫البعير‪َ :‬‬
‫الثير‪) ،‬قطا( ‪) ،‬خطم(‪.‬‬
‫خْلب‪ :‬الّليف‪ ،‬انظر‪ :‬النهاية في‬‫)‪ (3‬صحيح سنن ابن ماجه‪ ،‬رقم ‪ .2891‬ال ُ‬
‫غريب الحديث‪ ،‬لبن الثير‪) ،‬خلب(‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه مسلم‪ ،‬رقم ‪. 1348‬‬
‫)‪ (5‬في الحديث‪" :‬صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة‬
‫التي قبله والتي بعده" صحيح سنن ابن ماجه‪ ،‬رقم ‪.1730‬‬
‫)‪ (6‬رواه أحمد والنسائي وغيرهما‪ ،‬انظر صحيح الجامع‪ ،‬ج ‪ ,1‬رقم ‪,1701‬‬
‫وشرح العقيدة الطحاوية‪.‬‬
‫)‪ (7‬صحيح سنن الترمذي‪ ،‬كتاب تفسير القرآن‪ ،‬باب ومن سورة البروج‪،‬‬
‫)حسن(‪.‬‬
‫)‪ (8‬صحيح سنن الترمذي‪ ،‬كتاب الدعوات‪ ،‬باب في دعاء يوم عرفة‪ .‬قال‬
‫اللباني‪) :‬حسن(‪.‬‬
‫)‪ (9‬زاد المعاد‪ ،‬لبن القيم‪ ،‬ج ‪ ،1‬المقدمة‪.‬‬
‫)‪ (10‬زاد المعاد‪ ،‬لبن القيم‪ ،‬ج ‪ ،1‬المقدمة‪.‬‬
‫)‪ (11‬تفسير الجللين‪ ،‬سورة العراف‪ ،‬آية ‪.142‬‬
‫)‪ (12‬تفسير ابن كثير‪ ،‬سورة العراف‪ ،‬آية ‪.142‬‬
‫)‪ (13‬فتح الباري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب العمل في أيام التشريق‪.‬‬
‫)‪ (14‬تحفة الحوذي شرح سنن الترمذي‪ ،‬أبواب الصوم‪ ،‬باب في العمل في‬
‫أيام العشر‪ ،‬ح ‪.506‬‬
‫)‪ (15‬الخبار العلمية في اختيارات الشيخ تقي الدين ابن تيمية‪ ،‬لبي الحسن‬
‫البعلي‪ ،‬ص ‪.112‬‬
‫)‪ (16‬صحيح سنن أبي داود‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬قال اللباني‪) :‬صحيح(‪ ،‬رقم‬
‫‪.1765‬‬
‫)‪ (17‬زاد المعاد‪ ،‬لبن القيم‪ ،‬ج ‪ ،1‬المقدمة‪ .‬ويوم القر هو يوم الستقرار‬
‫بمنى وهو اليوم الحادي عشر من ذي الحجة‪.‬‬
‫)‪ (18‬رواه البخاري وغيره‪) ) ،‬يخاطر( أي يقصد قهر عدوه ولو أدى ذلك إلى‬
‫قتل نفسه(‪) ...‬فلم يرجع بشيء( أي فيكون أفضل من العامل في أيام‬
‫العشر أو مساويا ً له( انظر فتح الباري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب العمل في أيام‬
‫التشريق‪.‬‬
‫)‪ (19‬الخبار العلمية في اختيارات الشيخ تقي الدين ابن تيمية‪ ،‬لبي الحسن‬
‫البعلي‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫)‪ (20‬الصوم في اليام التسعة الولى من عشر ذي الحجة مستحب‪ ،‬ل سيما‬

‫‪119‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يوم عرفة لخصوص ما ورد فيه‪ ،‬كما قرره كثير من العلماء‪ ،‬قال الحافظ ابن‬
‫حجر في الفتح‪" :‬واسُتدل به ]أي حديث ما من أيام ‪ [...‬على فضل صيام‬
‫عشر ذي الحجة لندراج الصوم في العمل" فتح الباري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب‬
‫العمل أيام التشريق‪.‬‬
‫)‪ (21‬فتح الباري‪ ،‬كتاب العيدين‪ ،‬باب العمل في أيام التشريق‪.‬‬
‫)‪ (22‬الباعث على إنكار البدع والحوادث‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫)‪ (23‬رواه الدارمي‪ ،‬رقم ‪.1774‬‬
‫‪-----------------------‬‬
‫** بقلم محمد سعد الشعيرة نقل عن موقع المسلم‬

‫)‪(4 /‬‬

‫تجديد العلوم السلمّية‪ ..‬تكميل للمسيرة أم تبديل للشريعة؟‬


‫د‪ .‬مسفر بن علي القحطاني ‪2/8/1426‬‬
‫‪06/09/2005‬‬
‫"التجديد" من المصطلحات التي حظيت بالكثير من الهتمام وتسليط الضوء‬
‫لكثر من عدة عقود من الزمن ظهر خللها صراع الجيال نحو إرادة التغيير أو‬
‫إلف القديم‪ ,‬كما اسُتغلت مناهج التجديد في القرن الماضي للخوض بها في‬
‫سساته الدينّية‬
‫معارك الصلح السياسي كأداة لتطوير فكر المجتمع ومؤ ّ‬
‫المسيطرة على الرأي العام في كثير من البلد السلمية من أجل تسييسها‬
‫وتهميشها ضمن مسارات الدولة الحديثة‪ ،‬كما حصل في تركيا بعد أتاتورك‬
‫وانقلبه على الخلفة عام ‪1924‬م‪ ،‬وما حدث في الزهر بعد ثورة يوليو‬
‫‪1953‬م‪ ،‬وما فعله ساطع الحصري في سوريا والعراق إبان توليه وزارة‬
‫ق‬
‫المعارف في العشرينّيات الميلدية‪ ،‬وما يحصل هذه اليام من إغل ٍ‬
‫للمدارس والمعاهد الدينية في كثير من دول المنطقة ولكنه في هذه المرة‬
‫يجري من غير انقلب أو ثورة!‪ ..‬هذا التاريخ الذي ل يزال يحكي صراع‬
‫التجديد وتحدياته وتجاربه وتخيلته بين أدعيائه وأعدائه هو ما نحتاج أن نقف‬
‫معه‪ ،‬ونعيد النظر فيه بشكل جاد ّ ومستمر حول مفاهيم وآليات التجديد‪،‬‬
‫وبخاصة في العلوم الشرعّية‪ ,‬هذه العلوم التي كانت فخر المة ومصدر‬
‫عزتها وحضارتها ل يمكن أن تكون هي ذاتها سبب تخلفها وضعفها كما يتذرع‬
‫منتقدوها‪ ,‬والواقع المعاصر يؤكد أن علوم الشريعة قد أصبحت ملجأ ً للضعفاء‬
‫وموئل ً للكسالى ووصمة تخلف وسمة انتقاص لطلب الشريعة وفقهائها في‬
‫بعض المجتمعات السلمية‪ .‬إن هذه النظرة الدونّية لتلك العلوم ليست دائما ً‬
‫تآمرا ً من العداء ومكائد ضد السلم ‪-‬كما يتصور البعض‪ -‬بل أعتقد أن‬
‫تفريطنا في المحافظة على علومنا‪ ،‬وتنقية تراثنا‪ ،‬وإصلح مناهجنا‪ ،‬ثم إهمال‬
‫تطويرها لمواكبة المستجدات المعاصرة‪ ،‬وإيجاد الحلول لمشكلتنا الفكرية‬
‫والحياتية المختلفة سوف ُيغّيب هذه العلوم عن الحياة المعاصرة‪ ،‬وينمي‬
‫سساتنا وجامعاتنا الشرعّية‬‫الرغبة للحلول المستوردة‪ ،‬وبالتالي تصبح مؤ ّ‬
‫مصنعا ً لنتاج الكتب والمدونات لمجتمعات ماضية ولظروف مختلفة‪.‬‬
‫سة لتفعيل دور تلك العلوم لتفي باحتياجاتنا وتواكب متغيرات‬ ‫إننا في حاجة ما ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قدة‪ ,‬ونقوم فعل ل لفظا بالدور التجديدي لها من غير أن نلغي أو‬ ‫مجتمعنا المع ّ‬
‫دل في سمتها العام وأصولها التي قامت عليها‪.‬‬ ‫نب ّ‬
‫ّ‬
‫فالمعارف البشرية إذا توقفت عن البداع والتجديد تأسنت في عقول‬
‫أصحابها وشاخت أفكار روادها‪ ،‬وأرغمتهم نحو التبعّية والنسياق في ركب‬

‫‪120‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ستها كالنقود التي وّلى زمانها‬ ‫المم المتقدمة‪ ،‬وتصبح علومهم مهما كانت نفا َ‬
‫وذهبت قيمتها‪.‬‬
‫ومن المؤسف أن دعوات التجديد ارتبطت في ذهن البعض بأنموذج خاطئ‬
‫أراد محو الماضي‪ ،‬وإبدال الوحي المعصوم بآراء بشرية تحكمها مصالح آنية‪،‬‬
‫وهم كما قال فيهم الستاذ مصطفى صادق الرافعي‪" :‬إّنهم يريدون أن‬
‫ددوا الدين واللغة والشمس والقمر!!"‪ ,‬فهذا التطرف في دعوى التجديد ل‬ ‫يج ّ‬
‫ينبغي أن يقابله تطّرف في النغلق والتقليد‪ ,‬وأحسب أن أهل العلم‬
‫والبصيرة من حملة العلوم الشرعية على عاتقهم مهمة كبرى تلزمهم‬
‫المبادرة في وضع مناهج ورؤى جديدة في تصنيف وتدريس وتنزيل العلوم‬
‫الشرعية على معاش الناس واحتياج مجتمعاتهم الحالّية والمستقبلّية دون‬
‫الغفلة عن تكوين الطالب والمعلم التكوين الذي يؤهله للتعايش اليجابي مع‬
‫واقعه وتعميق وعيه بمجريات الحداث التي حوله وهذا ما جعل علماءنا‬
‫يزيدون دوما ً من الشروط المؤهلة للمجتهد والناظر في الحكام تبعا ً‬
‫للمتغيرات الحادثة والوقائع المتشابكة مما ألزمهم في عصرنا الحاضر أن‬
‫ينادوا بجماعية الجتهاد سدا ً لنقص التصور للواقع من الحاد‪ ,‬وهذا على سبيل‬
‫المثال و إل فحالت النهوض والتجديد في تاريخ علومنا الشرعية تعد ّ منارات‬
‫عطاء وهداية للجيال اللحقة‪ ،‬أضاءها الشافعي في رسالته والغزالي في‬
‫مصنفاته الفقهية وابن تيمية في فتاواه واختياراته والشاطبي في موافقاته‪،‬‬
‫وغيرهم من رواد التجديد الديني في مسيرتهم الصادقة والمتتابعة كما أخبر‬
‫مةِ عََلى‬ ‫ُ‬
‫ث ل ِهَذِهِ ال ّ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َب ْعَ ُ‬ ‫عنهم النبي ‪-‬صلى الله عليه وسلم‪ -‬بقوله‪" :‬إ ِ ّ‬
‫جد ّد ُ ل ََها ِدين ََها" رواه أبو داود‪.‬‬ ‫س كُ ّ‬ ‫ْ‬
‫ن يُ َ‬
‫م ْ‬ ‫مائ َةِ َ‬
‫سن َةٍ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫َرأ ِ‬
‫ل منها العالم على السلم‪ ،‬وطلب‬ ‫إن العلوم الشرعية هي النافذة التي يط ّ‬
‫هذه العلوم قد وضعوا أنفسهم نماذج حّية تحكي مبادئ وقيم هذا الدين‪،‬‬
‫وبقدر مدخلت المعارف الصحيحة والتربية القويمة لهؤلء الفراد تكون‬
‫المخرجات المتوقعة القادرة على حمل المشروع النهضوي للمة في رهانها‬
‫الحضاري الكبير على البقاء أو الفناء‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تجديد الفكر السلمي‬


‫أ‪.‬د‪ .‬محمد أحمد الصالح )*( ‪29/5/1426‬‬
‫‪06/07/2005‬‬
‫الفكر السلمي محصلة حضارية بنيت على أركان العقيدة السلمية التي‬
‫جعلها الله دينه الخاتم وبعث خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ونريد أن‬
‫نقنع المسلم بأنه يعتنق أكمل الديان وأعدلها‪ ،‬وأن مبادئ هذا الدين وأحكامه‬
‫ومثله ومقاييسه هي المبادئ السليمة الكفيلة بإسعاد الفرد والمجتمع‪ ،‬كما‬
‫نعمل على إقناع غير المسلم بهذا المعنى حتى ل يتصور السلم دعوة عصبية‬
‫أو قاصرة عما يكفل الحياة السعيدة للناس‪ ،‬وأن يعرف أن ما جاء به السلم‬
‫إنما هو برنامج عملي إصلحي للبشرية كافة‪ ،‬قال تعالى‪":‬وما أرسلناك إل‬
‫رحمة للعالمين" ]النبياء‪ ،[107:‬وقال صلى الله عليه وسلم‪":‬إن الله يبعث‬
‫إلى هذه المة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها أمر دينها" وإذا كانت‬
‫العبادات قد استقرت وأصبحت توقيفية ل يدخلها التبديل ول التغيير‪ ،‬فإن‬
‫أمور المعاملت قابلة للتجديد والتطوير‪ ،‬الذي يعتمد على الجتهاد الجماعي‬
‫الذي يقوم على ركنين‪ :‬اعتماد على الصول‪ ،‬واتصال بالعصر‪ ،‬أما العتماد‬

‫‪121‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫على الصل فنحن نعتمد على الشرعية التي تقوم على الثوابت الكبرى‪ ،‬وهي‬
‫حفظ الضروريات الست‪ :‬حفظ الدين‪ ،‬وحفظ النفس‪ ،‬وحفظ النسل‪ ،‬وحفظ‬
‫العرض‪ ،‬وحفظ العقل‪ ،‬وحفظ المال‪ ،‬والمحافظة على قطعيات الشريعة‬
‫وأحكامها‪ ،‬وعلى الفرائض وعلى القيم الخلقية‪.‬‬
‫وشريعة السلم قد اتسعت في كل عصر ومصر عبر آلية الجتهاد والتجديد‪،‬‬
‫ولهذا قال فقهاؤنا‪ :‬إن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحوال‬
‫والعراف‪ ،‬فهذا أبو يوسف ومحمد بن الحسن صاحبي المام أبو حنيفة قد‬
‫خالفوا إمامهم في كم هائل من مسائل الفقه‪ ،‬وقال‪ :‬لو رأى إمامنا ما رأينا‬
‫لغير رأيه بناء على ما طرأ من تغير الزمان والمكان وتطور في مسيرة‬
‫الحياة‪.‬‬
‫وهذا المام محمد بن إدريس الشافعي أثر عنه المذهب القديم لما كان في‬
‫العراق‪ ،‬ولما تحول إلى مصر دون مذهبه الجديد بناء على تغير الحوال‬
‫والعراف‪ ،‬وهذا المام أحمد رضي الله عنهم جميعا ً يؤثر عنه في المسألة‬
‫أكثر من رواية إما من باب التيسير أو العتماد على نص علمه‪.‬‬
‫إذن فأعمال الجتهاد والتجديد ضرورة ملحة لستيعاب قضايا العصر‬
‫ومتطلبات الحياة‪ ،‬من خلل الثبات على مقاصد الشريعة وقواعدها العامة‬
‫ومبادئها الكلية مع المرونة في الوسائل ودقة الفهم وإدراك المصلحة‪.‬‬
‫والتغيير في الحكام يعني‪ :‬تعظيم الصول وتيسير الفروع؛ لن تعظيم‬
‫الصول يندرج تحت قوله تعالى‪":‬بسم الله الرحمن الرحيم*ألم*ذلك الكتاب‬
‫ل ريب فيه هدى للمتقين*الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلة ومما‬
‫رزقناهم ينفقون*والذين يؤمنون بما أنزل إليك وبما أنزل من قبلك وبالخرة‬
‫هم يوقنون*أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون"‪ ،‬وقال عليه‬
‫الصلة والسلم‪":‬بني السلم على خمس إيمان بالله ورسوله والصلوات‬
‫الخمس وصيام رمضان وأداء الزكاة وحج البيت"‪.‬‬
‫وهذا يقتضي أن من يتصدى للفتوى في قضية الحكام أن يكون لديه الهلية‬
‫في العلم والفهم والدراك‪ ،‬قال تعالى‪":‬هل يستوي الذين يعلمون والذين ل‬
‫يعلمون إنما يتذكر أولوا اللباب" ]الزمر‪ ،[9:‬وقال تعالى‪":‬يرفع الله الذين‬
‫آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات"‪ ،‬وقال تعالى‪":‬شهد الله أنه ل إله إل‬
‫هو والملئكة وأولوا العلم قائما ً بالقسط ل إله إل هو العزيز الحكيم" ]آل‬
‫عمران‪.[18:‬‬
‫ولكن ‪-‬ويا للسف‪ -‬نعيش اليوم في عصرنا مع شباب حدثاء السنان سفهاء‬
‫الحلم‪ ،‬لم يأخذوا العلم عن الثقات ول عن مصادر العلم الصيلة‪ ،‬ولم‬
‫يستمعوا لقول الله تعالى‪":‬فاسألوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون"‪ ،‬كما أن‬
‫هؤلء لم يرجعوا إلى الراسخين في العلم‪ ،‬وإنما قرأوا جملة من اليات أو‬
‫جملة من الحاديث ثم نصبوا أنفسهم للفتاء بآراء شاذة ومنحرفة‪ ،‬فأخذوا‬
‫سقونها ويجهلون العلماء ويسفهونهم ويخوضون في‬ ‫فرون المة ويف ّ‬ ‫يك ّ‬
‫أعراضهم‪ ،‬ويسعى هؤلء الشباب في تضليل الناس ووصفهم بالبتداع‪،‬‬
‫ويصدرون من الفتاوى ما يؤدي إلى الفتنة والبلبلة والضطراب‪ ،‬ويخوضون‬
‫في القضايا الكبرى للمة ومصالحها العليا‪ ،‬وهذا من الفتن العظيمة ومن‬
‫الشر المستطير‪ ،‬فيجب على العلماء وأولي المر والرأي أن يتصدوا لهؤلء‬
‫ويبعدونهم عن الساحة؛ ليسلم الناس من هذا الهراء ول يتصدى للفتوى إل‬
‫الراسخون في العلم‪ ،‬ومن وهبهم الله فهما دقيقا ً وفقها ً عميقًا‪ ،‬ولهذا نرى أن‬
‫الصيغة المثلى في علج قضايا المة وحل مشكلتها إنما تتحقق بالجتهاد‬
‫الجماعي الذي يجمع بين فقهاء الشرع وخبراء العصر؛ لن الفقهاء يعلمون‬

‫‪122‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫النصوص ومدلولتها ومقاصدها والخبراء يعرفون الواقع ومآلته وتحدياته‪،‬‬


‫والحكم الشرعي مركب من العلم بالنصوص والعلم بالواقع‪ ،‬فالجتهاد‬
‫الجماعي أقرب إلى السداد وأبعد عن الخلف في مثل هذه القضايا‪.‬‬
‫ونحن نعتز بديننا ونفاخر بتراثنا المستخلص من كتاب ربنا وسنة نبينا محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫وإذا ً فل بد أن نستفيد من الماضي ونعيش الحاضر ونستشرف المستقبل‪،‬‬


‫ونعمل على علج قضايا الناس وحل مشكلتهم‪ ،‬معتمدين على النص‬
‫الشرعي مع الستنارة بالعقل‪ ،‬والنظر في المصالح والعمل على تكثيرها‪،‬‬
‫والقضاء على المفاسد وتقليلها في كل مجالت الحياة‪ ،‬فالمر بالمعروف هو‬
‫س‬
‫ت ِللّنا ِ‬ ‫ج ْ‬ ‫مةٍ أ ُ ْ‬
‫خرِ َ‬
‫ُ‬
‫خي َْر أ ّ‬
‫م َ‬ ‫من الصفات الخيرة في هذه المة‪ ،‬قال تعالى‪":‬ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ْ‬
‫ه" ]آل عمران‪،[110:‬‬ ‫ن ِبالل ّ ِ‬‫مُنو َ‬ ‫من ْك َرِ وَت ُؤْ ِ‬‫ن ال ْ ُ‬‫ِ‬ ‫ن عَ‬ ‫ف وَت َن ْهَوْ َ‬‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫مُرو َ‬ ‫ت َأ ُ‬
‫ْ‬ ‫وقال تعالى‪":‬ول ْتك ُن منك ُ ُ‬
‫ن‬
‫ف وَي َن ْهَوْ َ‬‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫مُرو َ‬ ‫خي ْرِ وَي َأ ُ‬‫ن إ َِلى ال ْ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة ي َد ْ ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫مأ ّ‬ ‫َ َ ْ ِ ْ ْ‬
‫ن" ]آل عمران‪.[104:‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫م ْ‬‫م ال ْ ُ‬
‫ك هُ ُ‬ ‫من ْك َرِ وَُأول َئ ِ َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫عَ ِ‬
‫ولكن ل بد من الحكمة عند المر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬والنظر في‬
‫مجريات المور‪ ،‬وما ينشأ عن هذا المر من تحقيق المصالح ودفع المفاسد‪،‬‬
‫ول بد من الموازنة بين الخير والشر‪ ،‬وما يترتب على هذا التصرف من المآل‬
‫والثار‪ ،‬فليس كل منكر نراه نحمل عليه سيف التغيير والتبديل إل بعد ما‬
‫ننظر إلى ما يترتب عليه من أثر‪ ،‬فإذا كانت المفاسد المترتبة على التغير‬
‫أكثر فل يجوز النكار‪ ،‬وإذا كانت المصالح أكبر وأرجح فل بد من النكار فهذا‬
‫يدركه أهل النظر والوعي وأهل الحكمة وأولو المر الذين يقدرون المفاسد‬
‫ويدركون المصالح‪.‬‬
‫وهذا يتمثل فيما قاله المام سفيان الثوري رحمه الله‪":‬ل بد لمن يأمر‬
‫بالمعروف أو ينهى عن المنكر أن يتحقق فيه ثلث‪ :‬أن يكون عالما ً بما يأمر‬
‫به‪ ،‬عالما ً بما ينهى عنه‪ ،‬عدل ً فيما يأمر به‪ ،‬عدل ً فيما ينهى عنه‪ ،‬رفيقا ً فيما‬
‫يأمر به‪ ،‬رفيقا ً فيما ينهى عنه‪.‬‬
‫وقد أثر عن المام الجليل شيخ السلم ابن تيمية رضي الله عنه‪ ،‬أنه مر مع‬
‫أصحابه على أناس من التتار الذين غزوا بلد الشام وكانوا سكارى‪ ،‬فأراد من‬
‫كان مع المام التغيير عليهم فنهاهم المام؛ لن أمامه مفسدتان‪ :‬مفسدة‬
‫شرب الخمر‪ ،‬وهي منكر‪ ،‬غير أنها جريمة قاصرة‪ ،‬والمفسدة الثانية قتل‬
‫المسلمين وإزهاق أرواحهم وسفك دمائهم‪ ،‬ولهذا قال المام الجليل دعوهم‪،‬‬
‫إنما نهى الله عن الخمر لنها تصد عن ذكر الله وعن الصلة‪ ،‬وهؤلء إنما‬
‫تصدهم الخمر عن قتل المسلمين وإراقة دمائهم‪ ،‬ولزوال الدنيا بأسرها أهون‬
‫على الله من إراقة دم مسلم بغير حق‪.‬‬
‫ولقد أراد النبي صلى الله عليه وسلم بعد فتح مكة أن يعيد بناء الكعبة على‬
‫قواعد إبراهيم الخليل عليه السلم‪ ،‬فقال لعائشة‪":‬لول أن قومك حدثا عهد‬
‫بالكفر لهدمت الكعبة وأعدتها على قواعد إبراهيم عليه السلم‪ ،‬ومما يؤيد‬
‫فقه الموازنات بين التصرف وعدمه ما قاله الله تعالى‪":‬ول تسبوا الذين‬
‫يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا ً بغير علم" ]النعام‪ ،[108:‬فسب‬
‫الصنام أمر مباح ولكن لما كان يؤدي إلى التعرض للذات العلية صار أمرا ً‬
‫ممنوعًا‪.‬‬
‫ونحن أمة نعيش ضمن قرية كونية زالت فيها حواجز الزمان والمكان‪ ،‬وليس‬

‫‪123‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لنا من سبيل أن ننكفي على أنفسنا أو نتوقع على ذاتنا‪ ،‬حيث ل بد من تبادل‬
‫المنافع ورعاية المصالح ومد الجسور مع الخرين والتفاعل اليجابي من غير‬
‫أن تذوب شخصيتنا وخصوصية حضارتنا من غير انطواء‪ ،‬أي أن الحكمة ضالة‬
‫المؤمن يأخذها أنى وجدها وممن جاء بها‪.‬‬
‫والحضارات تتقاسم أقدارا ً من القيم‪ ،‬ولهذا ل بد أن نأخذ بالنافع المفيد من‬
‫اللباب والجوهر‪ ،‬ونعرض عن القشور وما يتنافى مع أخلقنا وقيمنا‪ ،‬فقد‬
‫اتصل المسلمون في صدر السلم وفي القرون الولى بالدول المجاورة‪،‬‬
‫وفتحوا نوافذهم على المم من حولهم‪ ،‬واستقبلوا الكتب وقاموا بالترجمة‬
‫ونشر المسلمون علومهم في شتى المعارف والثقافات حتى وصلوا بهذا عن‬
‫طريق الندلس إلى بلد أوربا كفرنسا وغيرها‪ ،‬ولهذا حدث التفاعل اليجابي‬
‫بين المسلمين وغيرهم من اليونان والروم وفارس‪.‬‬
‫فأمة السلم ‪-‬وهي تعيش في هذا المنتدى البشري الذي نبحث فيه عن‬
‫شراكة إنسانية‪ -‬يتجلى فيها التفاعل وحوار الحضارات والخذ بالجديد المفيد‬
‫الذي يقوم على الخوة النسانية والكرامة الدمية وعلى التبادل العادل‬
‫للمصالح وعلى الحق والعدل‪ ،‬ولقد قال الخليفة الراشد علي –رضي الله‬
‫عنه‪ -‬لواليه على مصر‪":‬الناس صنفان إما أخ لك في السلم وإما نظير لك‬
‫في الخلق أخوك في النسانية يفرط منه الخطأ والزلل وتغلب عليهم العلل‬
‫ويؤتي على أيديهم من العمد والخطأ فأعطهم من عفوك وصفحك مثلما‬
‫تحب أن يعطيك الله من العفو والصفح فإنك فوقهم ووالي المر فوقك والله‬
‫لك"‪.‬‬‫فوق من و ّ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫إذا ً فهذه قاعدة التفاعل الحضاري نرعى المنافع ونتبادل المصالح لتحقيق‬
‫السلم والمن بين الشعوب في ظل موازين ل تختل فيها قيم العدالة أو‬
‫الكيل بمكيالين إنما نلتزم العدل‪ ،‬كما قال تعالى‪":‬وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان‬
‫ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم الله به لعلكم تذكرون" ]النعام‪:‬‬
‫َ‬
‫ط َول‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫داَء ِبال ْ ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ن ل ِل ّهِ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫كوُنوا قَ ّ‬ ‫مُنوا ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ ،[152‬وقال تعالى‪َ":‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وى" ]المائدة‪،[8:‬‬ ‫ق َ‬ ‫ب ِللت ّ ْ‬‫ن قَوْم ٍ عََلى أّل ت َعْدُِلوا اعْدُِلوا هُوَ أقَْر ُ‬ ‫شَنآ ُ‬ ‫م َ‬ ‫من ّك ُ ْ‬
‫جرِ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫جوك ْ‬ ‫خرِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن وَل ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬
‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫قات ِلوك ْ‬ ‫م يُ َ‬ ‫نل ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م الل ُ‬ ‫وقال تعالى‪":‬ل ي َن َْهاك ُ‬
‫من ديارك ُ َ‬
‫ن" ]الممتحنة‪:‬‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫َ‬
‫سطوا إ ِلي ْهِ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫م وَت ُ ْ‬‫ن ت َب َّروهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ِ ْ َِ ِ ْ‬
‫‪.[8‬‬
‫حد المة على مصدر الكتاب الذي هو‬ ‫ونحن نحتاج إلى معرفة الخلف‪ ،‬فالله و ّ‬
‫القرآن الكريم الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه ول من خلفه تنزيل من‬
‫حكيم حميد‪ ،‬ويقوم توحيد المة واجتماع كلمتها على ما صح من سنة‬
‫المصطفى صلى الله عليه وسلم وعلى وحدة القبلة وعلى وحدة المصير‬
‫والجزاء المشترك‪ ،‬ولقد كان من رحمة الله أن يجري الخلف في المة في‬
‫فروع الشريعة‪ ،‬فالقرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين‪ ،‬ونزل على سبعة‬
‫أحرف‪ ،‬تيسيرا ً على الناس ومراعاة للهجاتهم واختلف ألسنتهم واشتمل على‬
‫العام والخاص‪ ،‬وعلى المطلق والمقيد‪ ،‬والمجمل والمفصل‪ ،‬والمبهم‬
‫والمبين‪ ،‬والناسخ والمنسوخ‪ ،‬وفيه الحقيقة والمجاز على أن القرآن لم تنزل‬
‫ذي أ َن َْز َ‬
‫ل‬ ‫آياته كلها محكمة بل فيها المحكم والمتشابه‪ ،‬قال تعالى‪":‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫ت فَأ ّ‬ ‫شاب َِها ٌ‬ ‫مت َ َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ب وَأ ُ َ‬ ‫ِ‬ ‫م ال ْك َِتا‬ ‫نأ ّ‬
‫ك ال ْكتاب منه آيات محك َمات هُ ُ‬
‫ّ‬ ‫َِ َ ِ ْ ُ َ ٌ ُ ْ َ ٌ‬ ‫عَل َي ْ َ‬
‫ْ‬
‫م‬ ‫ما ي َعْل َ ُ‬ ‫فت ْن َةِ َواب ْت َِغاَء ت َأِويل ِهِ وَ َ‬ ‫ه اب ْت َِغاَء ال ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫شاب َ َ‬ ‫ما ت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م َزي ْغٌ فَي َت ّب ُِعو َ‬‫ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬

‫‪124‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬
‫ْ‬
‫ما ي َذ ّك ُّر‬
‫عن ْد ِ َرب َّنا وَ َ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬ ‫مّنا ب ِهِ ك ُ ّ‬
‫ل ِ‬ ‫قوُلو َ‬
‫نآ َ‬ ‫ن ِفي ال ْعِل ْم ِ ي َ ُ‬
‫خو َ‬
‫س ُ‬
‫ه َوالّرا ِ‬‫ه إ ِّل الل ّ ُ‬
‫ت َأِويل َ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ب" ]آل عمران‪.[7:‬‬ ‫إ ِّل أوُلو اْلل َْبا ِ‬
‫فالمتشابهات هي التي تحتمل أكثر من وجه في التفسير‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫الوحدة التي ندعو أمتنا إليها هي وحدة في الصول وحدة في المقاصد‪ ،‬وحدة‬
‫في الكليات‪ ،‬وحدة في المصالح‪ ،‬وإن وقع اختلف في الفروع فهذا ل ينبغي‬
‫أن يؤدي إلى الهجر والقطيعة أو تدابر أو تشاحن إنما ينبغي أن يؤدي إلى‬
‫الرحمة‪.‬‬
‫فل ريب أن في الختلف في الفروع سعة ورحمة‪ ،‬وقد قال بهذا الصدد أحد‬
‫الفقهاء السبعة وهو القاسم بن محمد‪ :‬ما يسرني أن يتفق أصحاب رسول‬
‫الله لنهم لو اتفقوا صار في هذا ضيق وحرج وفي اختلفهم يسر وسعة‬
‫ورحمة‪.‬‬
‫والمام محمد بن إدريس الشافعي تلقى علومه عن المام مالك بن أنس وقد‬
‫اختلف التلميذ مع أستاذه‪ ،‬ولكن الشافعي يحمل الود والجلل والحترام‬
‫والتقدير للمام مالك ويقول‪ :‬ما تحت أديم السماء أعلم من المام مالك ول‬
‫أصح بعد القرآن الكريم من كتاب الموطأ‪ ،‬ويقول‪ :‬إذا ذكر العلماء فالمام‬
‫مالك النجم بينهم‪ ،‬ويقول‪ :‬مالك حجة الله على خلقه‪ ،‬وكان المام مالك‬
‫يرعى تلميذه الشافعي ويقول له‪ :‬يا شافعي أرى أن الله قد ألقى عليك نور‬
‫العلم فل تطفئه بظلمة المعاصي‪ ،‬ولما رحل المام الشافعي إلى بغداد تتلمذ‬
‫على يده المام أحمد بن حنبل وقد جرى خلف بين هذين المامين الجليلين‬
‫في مسائل عدة‪ ،‬ولكن انظروا إلى أدب الخلف الذي نحتاج إليه بين أهل‬
‫العلم‪ ،‬قال المام أحمد لولده عبدالله‪ :‬منذ ثلثين عاما ً وأنا أدعو للمام‬
‫الشافعي فقال البن لبيه‪ :‬لقد سمعتك تدعو للشافعي كثيرا ً فمن هو هذا‬
‫الشافعي؟ فقال‪ :‬يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس‪،‬‬
‫وبالمقابل فإن المام الشافعي لما رحل إلى مصر قال‪ :‬ما تركت في بغداد‬
‫أعلم ول أروع ول أهدى من أحمد بن حنبل‪ :‬ثم قال‪:‬‬
‫قالوا يزورك أحمد وتزروه *** قلت المكارم ل تفارق منزله‬
‫إن زارني فبفضله أو زرته فلفضله *** فالفضل في الحالين له‬
‫والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪(*) .‬‬
‫أستاذ الدراسات العليا وعضو المجلس العلمي بجامعة المام محمد بن سعود‬
‫السلمية‬

‫)‪(3 /‬‬

‫تجربة العمل الجهادي في فلسطين‬


‫د‪ .‬محمد صيام*‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن‬ ‫فا ك َأن ّهُ ْ‬
‫م ب ُن َْيا ٌ‬ ‫ص ّ‬‫سب ِي ْل ِهِ َ‬
‫ن ِفي َ‬
‫قات ِلوْ َ‬
‫ن يُ َ‬
‫ب الذِي ْ َ‬
‫ح ّ‬
‫ه يُ ِ‬
‫ن الل َ‬
‫قال تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ص( ]سورة الصف‪.[4 :‬‬ ‫صو ْ ٌ‬
‫مْر ُ‬
‫َ‬
‫***‬
‫وأخرج المامان‪ ،‬الترمذيّ في سننه في كتاب الفتن‪ ،‬وأحمد في مسنده‪،‬‬
‫مسند العشرة المبشرين بالجنة‪ ،‬كلهما عن ابن عمر‪ ،‬عن عمر رضي الله‬
‫عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬عليكم بالجماعة‪ ،‬وإياكم‬
‫والفرقة‪ ،‬فإن الشيطان مع الواحد‪ ،‬وهو من الثنين أبعد((‪.‬‬
‫***‬
‫وقال الشاعر‪) :‬من أبيات للباحث في هذا الموضوع (‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المقدمة‬
‫إن العمل الجماعي مضمون النجاح بإذن الله‪ ،‬وذلك لتوافر الراء السديدة‪،‬‬
‫وتضافر الجهود المفيدة‪ ،‬في الوقت الذي ل يحظى العمل الفردي بمثل ذلك‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫وكان نور الدين زنكي قد مّهد الطريق لصلح الدين‪ ،‬بتوحيد عدد من الممالك‬
‫السلمية تحت رايته‪ ،‬وإشاعة العدل بين أهلها وتهيئتهم للتخلص من‬
‫الصليبيين‪ ،‬واحتلل بعض القلع التي يتحصنون فيها‪ ،‬كما فعل بقلعة )تل‬
‫حارم( التي "اقتلعها من أيدي الفرنج‪ ،‬وكانت من أحصن القلع‪ ،‬وأمنع‬
‫البقاع")]‪.([22‬‬
‫وفي عين جالوت‪ ،‬وعندما التقى الجمعان‪ ،‬وحمي وطيس المعركة‪ ،‬كانت‬
‫الصيحة المباركة المشهورة التي رفعها قطز ــ سلطان المسلمين‪ ،‬وقائد‬
‫جيشهم ــ وا إسلماه‪ .‬فأرعدت صفوف المسلمين بصواعق الموت‪ ،‬وانقضوا‬
‫على التتار‪ ،‬فلم ينج ناٍج من تلك الحشود‪ ،‬سواء أكان من القادة أو من‬
‫الجنود‪.‬‬
‫ومن هنا كان للغرب مواقفه المعادية للسلم والمسلمين‪ ،‬وحرص ساسته‬
‫على غسل أدمغة أبناء السلم‪ ،‬وتسميمها بثقافة الغرب‪ ،‬حتى ل يظهر من‬
‫جديد قطز أو صلح الدين‪ .‬يقول الرئيس المريكي نيكسون‪" :‬إن المشكلة‬
‫الساسية هي السلم‪ ،‬ولمواجهة هذه المشكلة علينا أن نواصل استقدام‬
‫أبناء المسلمين‪ ،‬ثم نعيد إرسالهم إلى بلدانهم‪ ،‬بعد أن نحقنهم بثقافتنا‬
‫وأفكارنا وطرقنا‪ .‬وعلى الدول الوروبية وروسيا‪ ،‬أن تتحد مع أمريكا لمنع‬
‫قيام حكم السلم")]‪.([23‬‬
‫فإذا كانت هذه هي نوايا الطامعين في هذه المة‪ ،‬وهذه هي مخططات‬
‫أعدائها‪ ،‬فما المطلوب من قادتها وأبنائها ؟! وكيف يستبدلون بالسلم أسلحة‬
‫أخرى‪ ،‬وهو أقوى أسلحتهم وأمضاها؟! إن التاريخ يشهد أن السلم هو‬
‫المحور الساس في كل عمل جهادي يقوم لتحرير أيّ من بلد المسلمين‪،‬‬
‫وعلى الخص فلسطين‪.‬‬
‫***‬
‫المبحث الخامس‬
‫أمثلة تاريخية لتجارب جهادية جرت على أرض فلسطين‬
‫لقد بدأ تسلل اليهود إلى فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر الميلدي‪،‬‬
‫حيث تمكنوا من تأسيس أول مستوطنة لهم في شمالي فلسطين‪ ،‬بسّرية‬
‫تامة‪ ،‬وبهدوء شديد‪ .‬وذلك سنة ‪1886‬م)]‪ .([24‬وكان السلطان عبد الحميد‬
‫رحمه الله هو الذي يقف حاجزا ً في وجه أطماع اليهود بالتدفق إلى فلسطين؛‬
‫ولذلك فقد حاكوا المؤامرات مع الدول الكبرى لسقاط الخلفة‪ ،‬ونجحوا في‬
‫ذلك سنة ‪1924‬م)]‪.([25‬‬
‫ولن العرب والفلسطينيين كانوا يثقون في وعود بريطانيا لم تقم قبل‬
‫الحتلل البريطاني لفلسطين‪ ،‬عمليات جهادية بالمعنى الصحيح‪ ،‬إل ما كانت‬
‫تقوم به الصحف والنوادي الثقافية من نداءات وتحذيرات‪ ،‬للمة العربية‬
‫والدولة العثمانية‪ ،‬من تزايد الخطر بالهجرة اليهودية‪ .‬وحدث أول صدام‬
‫مسلح سنة ‪1886‬م‪ ،‬بين المستوطنين اليهود‪ ،‬وبين الفلحين الفلسطينيين‪،‬‬
‫طرُدوا من أراضيهم التي قامت عليها أوائل المستوطنات)]‪.([26‬‬ ‫الذين ُ‬
‫غير أن مشروع المقاومة بدأ عمليًا‪ ،‬بعد أن بسطت بريطانيا سيطرتها على‬
‫فلسطين‪ .‬ففي أوائل عام ‪1919‬م أنشأ الفلسطينيون جمعية "الفدائية"‪،‬‬
‫وتكونت لها فروع في أكثر المدن الفلسطينية‪ ،‬وكان لها نشاط ملموس‬

‫‪126‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ب الفلسطينيون في انتفاضة‬ ‫سياسيا ً وعسكريًا‪ .‬وفي أبريل ‪1920‬م ه ّ‬


‫عارمة‪ ،‬ضد اليهود والنجليز‪ ،‬وسقط فيها الكثير من القتلى والجرحى‪ ،‬من‬
‫الطراف الثلثة)]‪.([27‬‬
‫ثم كانت انتفاضة يافا في مايو ‪1920‬م‪ ،‬وتبعتها ثورة البراق في أغسطس‬
‫‪1929‬م‪ ،‬ثم ثورة الكف الخضر )‪ 1929‬ــ ‪1930‬م(‪ ،‬ثم انتفاضة أكتوبر‬
‫‪1933‬م‪ ،‬ثم ثورة الشيخ عز الدين القسام في نوفمبر ‪1935‬م‪ ،‬والتي‬
‫استشهد قائدها في بدايتها‪ ،‬واستمرت جماعته "الجهادية" في الثورة‪ ،‬حتى‬
‫هيأت لطول إضراب في التاريخ وهو إضراب الشهر الستة‪ ،‬واستمر‬
‫الفلسطينيون في ثورتهم بين مد ّ وجزر حتى سنة ‪1939‬م)]‪.([28‬‬
‫"وقد اتخذت هذه الثورة طابعا ً إسلميا ً جهاديا ً عامًا‪ ،‬من خلل الدور العظيم‬
‫لجماعة القسام في شمال فلسطين ووسطها‪ ،‬وحركة الجهاد المقدس بقيادة‬
‫عبد القادر الحسيني‪ ،‬في مناطق القدس والخليل‪ ،‬ومن خلل القيادة‬
‫السياسية لمفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني")]‪.([29‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫إن هذه التجارب الجهادية التاريخية على أرض فلسطين‪ ،‬ستظل محفورة في‬
‫الذهان‪ ،‬ومسطورة في القلوب‪ ،‬وإن لم تحظ بالنجاح المطلوب‪ .‬فهي‬
‫تجارب جهادية إسلمية‪ ،‬كما ذكر المؤرخون‪ ،‬وليس أدل على ذلك من أن‬
‫القائمين عليها كانوا من العلماء المجاهدين‪ .‬ول زالت كتائب عز الدين‬
‫القسام ــ الجناح العسكري لحركة المقاومة السلمية )حماس( ــ في‬
‫فلسطين‪ ،‬تتمثل بمقالة الشيخ عز الدين القسام قائد ثورة ‪1935‬م‪ ،‬والذي‬
‫طلب منه البريطانيون الستسلم "فرفض وقال لهم عبارته المشهورة‪ :‬هذا‬
‫جهاد‪ ،‬نصٌر أو استشهاد")]‪.([30‬‬
‫ومن أهم أسباب فشل تلك التجارب الجهادية‪ ،‬وعدم تحقيقها لهدافها‬
‫التحررية والوطنية‪ ،‬تفرق الكلمة‪ ،‬واختلف الراء‪ ،‬في الوقت الذي كانت‬
‫فا متراصا ً من العداء‪ .‬أضف إلى ذلك ما كان يمارس عليها من‬ ‫تواجه فيه ص ّ‬
‫ً‬
‫ضغوط عربية‪ ،‬ليوقفوا ثوراتهم‪ ،‬وسُتجاب مطالبهم‪ ،‬اعتمادا على حسن نوايا‬
‫)الصديقة( بريطانيا‪.‬‬
‫فهل يتكرر هذا الختلف‪ ،‬وهذه الضغوط على المجاهدين في هذه اليام ‍‬
‫؟‬
‫نضرع إلى الله أل ّ يكون ذلك‪.‬‬
‫المبحث السادس‬
‫أمثلة من الواقع الحاضر للتجارب الجهادية التي تجري على أرض فلسطين‬
‫استيقظ الجيل الحالي من أبناء فلسطين ــ وأكثرهم ولد في أثناء الحتلل ــ‬
‫استيقظوا على مأساة بعيدة الغوار‪ ،‬متعددة الجوانب‪ ،‬التي منها‪:‬‬
‫ن دخيل‪ ،‬أطلقوا عليه‬ ‫‪ $‬ضاع أكثر فلسطين منذ سنة ‪1948‬م‪ ،‬وقام عليه كيا ٌ‬
‫اسم )إسرائيل(‪ ،‬وبقيت قطعتان صغيرتان‪ ،‬هما الضفة والقطاع‪ ،‬وهما أيضا ً‬
‫معُّرضتان للضياع‪.‬‬
‫‪ُ$‬أخرج الشعب الفلسطيني من مدنه وقراه ومضاربه ومزارعه بقوة السلح‪،‬‬
‫لتقوم عليه مدن وقرى ومستوطنات للكيان المذكور‪.‬‬
‫حشر حوالي ثلثة مليين ونصف المليون من أبناء الشعب الفلسطيني‪ ،‬في‬ ‫‪ُ $‬‬
‫الضفة والقطاع‪ ،‬في مخيمات للجئين‪ ،‬ل تصلح ــ أكثرها ــ لسكنى البشر)]‬
‫‪.([31‬‬
‫طرد إلى المهاجر والشتات خارج فلسطين‪ ،‬حوالي أربعة مليين أخرى)]‬ ‫‪$‬و ُ‬

‫‪127‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،([32‬ول يقل حال هؤلء سوءا ً عن حال إخوانهم داخل فلسطين‪.‬‬


‫منيت بها الجيوش العربية سنة ‪1948‬م‪،‬‬ ‫‪ $‬يتحدث التاريخ عن هزائم مريرة‪ُ ،‬‬
‫وكانت تسيطر على أكثر الراضي الفلسطينية‪.‬‬
‫‪ $‬وظل كيان الصهاينة ــ فيما تل ذلك من اليام ــ يستغل في بناء قوته‬
‫الثواني والدقائق‪ ،‬كما ظل العلم العربي ُيشغل المة بتزييف الحقائق‪.‬‬
‫‪ $‬فجأة! وإذا الحرب سنة ‪1967‬م تقوم‪ ،‬ويحتل الصهاينة ما كان قد بقي في‬
‫فلسطين من ُتخوم‪ .‬وسقطت مع ذلك بقية القدس الغالية‪ ،‬ومن ضمنها‬
‫المسجد القصى المبارك‪.‬‬
‫‪ $‬مل الحديث عن قضية فلسطين سجلت الجامعة العربية‪ ،‬كما امتلت‬
‫ملفات المم المتحدة‪ ،‬بقرارات لحّلها ولكن مع وقف التنفيذ‪.‬‬
‫‪ $‬انطلقت في الفق مقولت مختصرة‪ ،‬تتحدث عن الصراع مع الصهاينة‪ ،‬وقد‬
‫أغنت هذه المقولت‪ ،‬الفكر العربي‪ ،‬دونما أي عمل إيجابي"مثل مقولة‪ :‬إن‬
‫الصراع العربي الصهيوني صراع وجود‪ ،‬وليس صراع حدود ومثل مقولة‪ :‬ما‬
‫ُأخذ بالقوة‪ ،‬ل ُيسترد ّ بغير القوة")]‪.([33‬‬
‫‪ $‬نفضت الدول العربية يدها من القضية ــ وهي التي كانت السبب في ضياع‬
‫فلسطين ــ وُترك الشعب الفلسطيني يواجه مصيره وحده‪.‬‬
‫ي المحتل‪ ،‬يضّيق الخناق على الفلسطينيين‪ ،‬في الضفة‬ ‫‪ $‬أخذ العدوّ الصهيون ّ‬
‫والقطاع‪ ،‬ويضع في طريق حياتهم‪ ،‬وممارسة معايشهم كل العراقيل‪ ،‬بهدف‬
‫حملهم على الرحيل‪.‬‬
‫***‬
‫استيقظ الجيل على هذه الحقائق الدامية‪ ،‬فقرر أن يخوض الصراع بنفسه‪،‬‬
‫مم على اتخاذ المقاومة طريقا ً للتحرير‪ ،‬غير عابئ باختلل موازين القوى‪،‬‬ ‫وص ّ‬
‫وبالدعم غير المحدود الذي يتلقاه المحتلون من الغرب والشرق‪ .‬ومن هذا‬
‫ث‬
‫المنطلق تشكلت مجموعات كثيرة لمقاومة الحتلل‪ ،‬سنتحدث عن أهم ثل ٍ‬
‫منها‪ ،‬وهي‪ :‬حركة التحرير الوطني الفلسطيني )فتح(‪ ،‬وحركة المقاومة‬
‫السلمية )حماس(‪ ،‬وحركة الجهاد السلمي‪ .‬ونتجاوز عشرات الحركات‬
‫الخرى‪ ،‬التي ليس لها ــ على أرض الواقع ــ وجود ٌ ملموس‪ ،‬أو جهد‬
‫محسوس‪.‬‬
‫ل‪ :‬حركة التحرير الوطني الفلسطيني )فتح(‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫هي تنظيم فلسطيني نشأ في الكويت‪ ،‬في شهر أكتوبر )تشرين الول( من‬
‫عام ‪1957‬م)]‪ ،([34‬وظل التنظيم يعمل سّرا‪ ،‬حتى سنة ‪1965‬م حين أذيع‬
‫أن )ياسر عرفات( هو الناطق العلمي للحركة‪ .‬وكان لفتح جناح عسكري‬
‫)باسم العاصفة(‪ ،‬وقد أعلن عن بدء نشاطه في اليوم الول من شهر يناير‬
‫سنة ‪1965‬م)]‪.([35‬‬
‫ض منها‪،‬‬ ‫وبسبب الجوانب المأساوية للقضية الفلسطينية‪ ،‬والتي سبق ذكر بع ٍ‬
‫فقد تسابق الشباب الفلسطيني في النضمام لحركة )فتح(‪ ،‬حتى أصبحت‬
‫أكبر الفصائل عددا ً في الساحة الفلسطينية‪ .‬خاصة وأنه كان للحركة شرف‬
‫تفجير الثورة الفلسطينية في ليلة الول من يناير ‪1965‬م)]‪.([36‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫أضف إلى ذلك ما تحّلى به البيان الول للحركة‪ ،‬من روح وطنية إسلمية‪ ،‬مما‬
‫كان له وقع عميق وأثر بالغ على شباب فلسطين‪ ،‬ومما جاء في ديباجة‬
‫البيان‪" :‬اّتكال ً منا على الله‪ ،‬وإيمانا ً منا بحق شعبنا في الكفاح لسترداد وطنه‬

‫‪128‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المغتصب‪ ،‬وإيمانا ً منا بواجب الجهاد المقدس‪ ،‬وإيمانا ً منا بموقف العربي‬
‫الثائر من المحيط إلى الخليج‪ ،‬وإيمانا ً منا بمؤازرة شرفاء العالم‪ ،‬فقد تحركت‬
‫أجنحة من قواتنا الضاربة‪.([37]) "..‬‬
‫وقد قدمت حركة )فتح( قوافل كريمة من الشهداء‪ ،‬كان على رأسهم )خليل‬
‫الوزير ــ أبو جهاد( أحد أبرز قادتها ومؤسسيها‪ ،‬كما قدمت الحركة آلفا ً من‬
‫المعتقلين في سجون الحتلل‪ ،‬وفي مقدمتهم مروان البرغوثي ــ أمين سر‬
‫الحركة في الضفة الغربية‪.‬‬
‫وظلت حركة )فتح( تخوض ميادين الجهاد في فلسطين أكثر من خمسة‬
‫وعشرين عامًا‪ ،‬ثم داخلها ما ُيداخل الحركات التي تعمل للمصالح الدنيوية‪،‬‬
‫فحدث فيها انشقاقات‪ ،‬وحدث فيها تراجعات‪ ،‬وحدث فيها تغيير للمسارات‪.‬‬
‫وأخذ قادتها يلهثون وراء سراب الحلول السلمية‪ ،‬ولكنهم لم يجنوا منها سوى‬
‫)سلطة ذاتية( منزوعة الصلحيات‪.‬‬
‫وكما يقول الباحثون‪" :‬استمر تراجع الموقف الفتحاوي من الحلول السلمية‬
‫حتى أصبحت )فتح( طرفا ً في التفاوض مع )إسرائيل(‪ ،‬ثم في قيادة سلطة‬
‫الحكم الذاتي الفلسطيني‪ ،‬حسب اتفاق )أوسلو(‪ ،‬القائم على العتراف‬
‫بشرعية )إسرائيل(‪ ،‬وتولي منظمة التحرير إدارة شئون السكان الفلسطينيين‬
‫المدنية‪ ،‬وحفظ المن الداخلي فيما بينهم‪ ،‬في ظل السيطرة المنية‬
‫والعسكرية والقتصادية السرائيلية الشاملة على الضفة والقطاع")]‪.([38‬‬
‫ولكن الكثيرين من شباب الحركة‪ ،‬ظلوا يحتفظون بروحهم الوطنية‬
‫السلمية‪ ،‬فتداعوا فيما بينهم لتشكيل كتائب مقاتلة هي )كتائب شهداء‬
‫القصى(‪ ،‬وهي تتألف "من مجموعات مسلحة مستقلة‪ ،‬تجند أعضاءها من‬
‫صفوف حركة )فتح(‪ ،‬التي يتزعمها الرئيس الفلسطيني )ياسر عرفات(‪ ،‬وقد‬
‫ولدت كتائب شهداء القصى‪ ،‬مع انطلق النتفاضة الفلسطينية‪ ،‬التي اندلعت‬
‫شرارتها إثر جولة )شارون( في المسجد القصى‪ ،‬يوم الخميس في ‪28‬‬
‫أيلول )سبتمبر( ‪2000‬م‪ ...‬وباتت مجموعات كتائب شهداء القصى‪ ،‬المؤلفة‬
‫من عناصر تعمل في مجموعات متفرقة‪ ،‬في مختلف أنحاء المناطق‬
‫الفلسطينية مصدر قلق كبير‪ ،‬يؤرق مضاجع القادة السرائيليين‪ ،‬ويبث الرعب‬
‫بين جنودهم ومستوطنيهم‪ ،‬في مدن وبلدات وقرى الضفة الغربية وقطاع‬
‫غزة")]‪.([39‬‬
‫***‬
‫ثانيًا‪ :‬حركة المقاومة السلمية )حماس(‪:‬‬
‫لم تكن حركة )حماس( جديدة على الساحة‪ ،‬فهي منبثقة عن التجاه‬
‫السلمي في فلسطين‪ ،‬وهو اتجاهٌ عميق الجذور‪ .‬وقد أبرز هذا التجاه نيته‬
‫العمل المسلح‪ ،‬بالعلن عن ميلد حركة )حماس(‪ ،‬التي تزامن انطلقها مع‬
‫انطلق النتفاضة الولى في ‪8/12/1987‬م‪ ،‬وقد صدر البيان الول للحركة‬
‫في ‪14/12/1987‬م)]‪ ،([40‬ذلك البيان الذي عّبر عن مجمل سياسات‬
‫الحركة وتوجهاتها)]‪.([41‬‬
‫"وقد عمل اتساع النتشار الجماهيري لحركة )حماس(‪ ،‬وامتداد كوادرها في‬
‫كل مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬بالضافة إلى امتلكها لشبكة من‬
‫المؤسسات الفاعلة في أوساط الشعب الفلسطيني عمل على جعلها الحركة‬
‫السلمية البرز والقوى في الرض المحتلة‪.‬‬
‫وأدى قيامها )حركة حماس( بجملة من العمليات العسكرية النوعية ضد‬
‫الحتلل السرائيلي‪ ،‬وإيقاع أعداد كبيرة من القتلى والجرحى في صفوفه‪،‬‬
‫وبخاصة بعد تشكيلها لجناحها العسكري )كتائب عز الدين القسام( عام‬

‫‪129‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪1992‬م‪ ،‬فضل ً عن تقديم )حماس( لقائمة طويلة من الشهداء والجرحى‬


‫والمعتقلين والمبعدين أدى إلى جعل الحركة الكثر استهدافا ً من جانب‬
‫الحتلل السرائيلي")]‪.([42‬‬
‫ولحركة )حماس( أهداف استراتيجية هي‪:‬‬
‫)‪ (1‬تحرير فلسطين ــ كل فلسطين ــ من البحر إلى النهر‪.‬‬
‫)‪ (2‬إقامة الدولة السلمية عليها‪.‬‬
‫كما أن للحركة أهدافا ً مرحلية أهمها‪:‬‬
‫)‪ (1‬تحرير الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬أي الرض التي احتلت سنة ‪1967‬م‪.‬‬
‫)‪ (2‬تفكيك المستوطنات الصهيونية التي أقيمت على أرض الضفة والقطاع‪.‬‬
‫)‪ (3‬الحفاظ على القصى المبارك‪ ،‬والتصدي لمحاولت العتداء عليه أو‬
‫تدنيسه‪.‬‬
‫)‪ (4‬أسلمة المجتمع الفلسطيني‪ ،‬ونشر الخلق الفاضلة والمثل السلمية‪،‬‬
‫والوعي واللتزام السلميين بين أبنائه‪ ،‬باعتبار هذه وتلك أدوات أساسية‬
‫لصمود الشعب وبدء مشروع التحرير‪.‬‬
‫)‪ (5‬الحفاظ على جذوة الجهاد وحب الستشهاد‪ ،‬وخيار الكفاح المسلح في‬
‫وجه مشروع التسوية والتصفية‪.‬‬
‫)‪ (6‬تفعيل العمق العربي والسلمي باتجاه دعم قضية فلسطين‪.‬‬
‫)‪ (7‬محاربة التطبيع مع الكيان الصهيوني‪ ،‬وإيقاف مشروع الختراق‬
‫الصهيوني للمنطقة‪.‬‬
‫)‪ (8‬إنهاك الكيان الصهيوني أمنيا ً واقتصاديًا‪ ،‬وفضح ممارساته التعسفية‪،‬‬
‫وكشف الظلم الذي يحيق بالشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫)‪ (9‬تحقيق وحدة وطنية فلسطينية تجتمع على برنامج المقاومة والتحرير‪.‬‬
‫)‪ (10‬إفراز قيادة جماعية منتخبة للشعب الفلسطيني‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫)‪ (11‬تحييد ما يمكن تحييده من دول العالم‪ ،‬أو كسب تأييدها للشعب‬
‫الفلسطيني وقضيته العادلة)]‪.([43‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد أصدرت )حماس( ميثاقها في ‪18/8/1988‬م‪ ،‬وبدأت عملياتها‬
‫الجهادية في ‪3/2/1989‬م باختطاف أحد الجنود الصهاينة وقتله‪ .‬ثم توالت‬
‫عملياتها بعد ذلك‪.‬‬
‫ف بالحركة‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫تعري‬ ‫فيها‬ ‫ّ‬
‫كزة‪،‬‬ ‫مر‬ ‫مادة‬ ‫وثلثين‬ ‫ت‬ ‫ّ‬ ‫س‬ ‫من‬ ‫)حماس(‬ ‫ويتكون ميثاق‬
‫ن لهدافها‪ ،‬ووسائُلها لتحقيق تلك الهداف‪ ،‬وعلقاتها وصلتها المحلية‬ ‫وبيا ٌ‬
‫والقطرية والدولية‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬ومن أهم تلك المواد‪ ،‬المادة الحادية عشرة‪،‬‬
‫وهذا نصها‪:‬‬
‫" تعتقد حركة المقاومة السلمية )حماس(‪ ،‬أن أرض فلسطين‪ ،‬أرض وقف‬
‫إسلمي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة‪ .‬ل يصح التفريط بها أو بجزء‬
‫ة عربية أو كل الدول‬ ‫منا‪ ،‬أو التنازل عنها أو عن جزء منها‪ .‬ول تملك ذلك دول ٌ‬
‫ك أو رئيس‪ ،‬ول كل الملوك والرؤساء‪ ،‬ول تملك‬ ‫العربية‪ ،‬ول يملك ذلك مل ٌ‬
‫ة أو كل المنظمات‪ ،‬سواء كانت فلسطينية أو عربية‪ ،‬لن فلسطين‬ ‫ذلك منظم ٌ‬
‫ض وقف إسلمي على أجيال المسلمين إلى يوم القيامة‪ ،‬ومن يملك النيابة‬ ‫أر ُ‬
‫الحقة عن الجيال السلمية إلى يوم القيامة؟!"‪.‬‬
‫ة لميثاقها‪ ،‬فقد ظلت منذ أعلنته ملتزمة‬ ‫والحقيقة أن حركة )حماس( وفي ّ ٌ‬
‫ة لقيادتها التاريخية‪،‬‬‫بمواّده‪ ،‬محافظة عليها‪ ،‬غير متجاوزة لها‪ .‬كما ظلت وفي ّ ً‬

‫‪130‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي كان على رأسها الشيخ أحمد ياسين رحمه الله‪ .‬ولم يحصل فيها ما‬
‫حصل في غيرها من تجاوزات أو اختراقات أو انشقاقات‪.‬‬
‫وظلت الحركة كذلك رقما ً صعبا ً في معادلة القضية الفلسطينية‪ ،‬وكما خاض‬
‫جناحها العسكري )كتائب عز الدين القسام( معارك شرسة مع الصهاينة‬
‫ة‬
‫المحتلين‪ ،‬الجنود منهم والمستوطنين‪ ،‬خاض جناحها السياسي معارك ضاري ً‬
‫ذلين والمتخاذلين‪ ،‬ومع فرق التسوية السلمية‪ ،‬وأصحاب‬ ‫ــ كذلك ــ مع المخ ّ‬
‫المبادرات لتصفية القضية‪ ،‬كانوا من الفلسطينيين‪ ،‬أو كانوا من العرب‬
‫الخرين‪.‬‬
‫وقد قام أبناء الحركة البطال‪ ،‬بعشرات العمليات الستشهادية‪ ،‬التي أثخنت‬
‫جراح الصهاينة المحتلين‪ ،‬بإسقاط عشرات المئات من القتلى والجرحى في‬
‫صفوفهم‪ .‬بل لقد تطور الحال بدخول العنصر النسائي في العمليات‬
‫الستشهادية للحركة‪ .‬ودليل ذلك ما قامت به الستشهادية )الحماسية( ريم‬
‫جرت نفسها في مجموعة من جنود الحتلل‪ ،‬فأثخنت‬ ‫صالح الرياشي‪ ،‬حين ف ّ‬
‫فيهم قتل ً وجرحًا‪ ،‬وذلك بتاريخ ‪ 14‬يناير ‪2004‬م‪.‬‬
‫وفيها يقول الباحث‪:‬‬
‫والحقيقة أن كتائب شهداء القصى )حركة فتح(‪ ،‬وسرايا القدس )حركة‬
‫الجهاد السلمي(‪ ،‬كانوا أسبق من ) حماس ( في إدخال العنصر النسائي في‬
‫العمليات الستشهادية‪ ،‬وقدمت الحركتان أكثر من ست فتيات في عمليات‬
‫ضت مضاجعهم‪ .‬وإدخال )حماس( للعنصر‬ ‫استشهادية‪ ،‬أرعبت الصهاينة‪ ،‬وق ّ‬
‫النسائي‪ ،‬يعتبر تطورا ً بارزا ً في سياستها العسكرية‪.‬‬
‫وقد قدمت حماس في هذه المسيرة ــ ول تزال تقدم ــ قوافل كريمة من‬
‫الشهداء البرار‪ ،‬الذين كانوا ضراغم في مواجهة الحتلل‪ ،‬وكانوا أثقل عليه‬
‫من الجبال‪ .‬ومن أبرز هؤلء الشهداء من قادة الجناح العسكري‪ :‬عماد عقل‬
‫)أحد القادة البارزين في كتائب عز الدين القسام( وقد استشهد بتاريخ‬
‫‪24/11/1993‬م‪ ،‬والقائد كمال كحيل‪ ،‬وقد استشهد بتاريخ ‪2/4/1995‬م‪،‬‬
‫والمهندس يحيى عياش )قائد كتائب عز الدين القسام( وقد استشهد بتاريخ‬
‫‪5/1/1996‬م‪ ،‬والمهندس محيي الدين الشريف )قائد كتائب عز الدين‬
‫القسام( وقد استشهد بتاريخ ‪29/2/1998‬م‪ ،‬والقائد محمود أبو هنود‪ ،‬وقد‬
‫استشهد بتاريخ ‪22/11/2001‬م‪ ،‬والقائد مهند الطاهر‪ ،‬وقد استشهد بتاريخ‬
‫‪1/7/2002‬م‪ ،‬والشيخ صلح شحادة )القائد العام لكتائب عز الدين القسام(‪،‬‬
‫وقد استشهد بتاريخ ‪22/7/2002‬م‪ ،‬رحمة الله عليهم أجمعين‪.‬‬
‫ومن أبرز الشهداء من القادة السياسيين‪ :‬الشيخ جمال منصور‪ ،‬وقد استشهد‬
‫بتاريخ ‪21/7/2001‬م‪ ،‬والشيخ جمال سليم وقد استشهد بتاريخ‬
‫‪21/7/2001‬م‪ ،‬والدكتور إبراهيم المقادمة وقد استشهد بتاريخ ‪8/2/2002‬م‪،‬‬
‫والشيخ عبد الله القواسمة وقد استشهد بتاريخ ‪21/6/2002‬م‪ ،‬والمهندس‬
‫إسماعيل أبو شنب وقد استشهد بتاريخ ‪21/8/2002‬م‪ .‬رحمة الله عليهم‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫وجت قوافل الشهداء في حركة )حماس( بالب الروحي‪ ،‬والقائد المؤسس‪،‬‬ ‫وت ُ ّ‬
‫الشيخ أحمد ياسين‪ ،‬وقد استشهد بتاريخ ‪22/3/2004‬م‪ ،‬وتبعه ــ بعد أقل من‬
‫شهر ــ نائبه ورفيق دربه وخليفته‪ ،‬الدكتور عبد العزيز الرنتيسي‪ ،‬وقد‬
‫ً‬
‫وض المسلمين عنهما خيرا)]‬ ‫استشهد بتاريخ ‪17/4/2004‬م‪ ،‬رحمهما الله‪ ،‬وع ّ‬
‫‪.([44‬‬
‫وقد حاول الصهاينة ــ عبر جهاز مخابراتهم ــ اغتيال الستاذ خالد مشعل‬
‫)رئيس المكتب السياسي لحركة )حماس( وذلك بتاريخ ‪25/9/1997‬م‪ ،‬ولكن‬

‫‪131‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المحاولة باءت بالفشل والحمد لله‪ .‬كما حاول الطيران الصهيوني اغتيال عدد‬
‫من القادة السياسيين للحركة‪ ،‬من مثل الستاذ إسماعيل هنية‪ ،‬والدكتور‬
‫جى أولئك‬‫محمود الزهار‪ ،‬ولكن الله رد ّ كيد الصهاينة إلى نحورهم‪ ،‬ون َ ّ‬
‫المجاهدين من شرورهم‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫أما سجون الحتلل فهي تضيق عن اللف من أبناء حركة )حماس( القادة‬
‫منهم والجنود‪ .‬وكلما كان فريق منهم يغادر السجون‪ ،‬في عمليات تبادل‬
‫السرى‪ ،‬أو بعد انتهاء محكومياتهم الظالمة‪ ،‬كان الحتلل يعيد اعتقالهم من‬
‫جديد‪ ،‬لوهى الذرائع وأتفه السباب‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن حركة )حماس(‪ ،‬هي تجربة جهادية إسلمية رفيعة المستوى‪،‬‬
‫ط آمال الشعب الفلسطيني‪ ،‬بل والمة العربية‪ ،‬في الرد ّ على‬ ‫وهي مح ّ‬
‫دا منيعا ً أمام أطماع المعتدين‪ ،‬وبذل‬‫عربدة الصهاينة المحتلين‪ ،‬والوقوف س ّ‬
‫ل وثمين في الدفاع عن القدس والقصى وفلسطين‪.‬‬ ‫كل غا ٍ‬
‫***‬
‫ثالثًا‪ :‬حركة الجهاد السلمي‪:‬‬
‫تعد حركة الجهاد السلمي ــ فلسطين‪ ،‬أهم الحركات الجهادية السلمية ــ‬
‫بعد حركة )حماس( ــ من حيث التأييد الشعبي‪ ،‬والفاعلية العسكرية)]‪،([45‬‬
‫مع أنها كانت السبق في النشأة‪ .‬فقد بدأ تشكيل نواتها الولى على يد‬
‫الدكتور فتحي الشقاقي رحمه الله المين العام الول لها في بداية سنة‬
‫‪1980‬م‪ ،‬وكان الدكتور الشقاقي ل يزال طالبا ً في جامعة الزقازيق بمصر)]‬
‫‪.([46‬‬
‫بينما لم ُيعلن عن ميلد حركة المقاومة السلمية )حماس( إل ّ في منتصف‬
‫شهر ديسمبر سنة ‪1987‬م أي بعد تأسيس حركة الجهاد بعدة سنوات‪،‬‬
‫مارست فيها حركة الجهاد انتشارا ً في الشارع السلمي‪ ،‬وخاصة في أوساط‬
‫الطلب‪ ،‬وفي قطاع غزة بشكل خاص‪.‬‬
‫"وقد برز اسم الحركة في أعقاب العملية الفدائية التي نفذتها مجموعة تابعة‬
‫لها يوم ‪15/10/1986‬م‪ ،‬في ساحة حائط البراق)]‪ .([47‬وواصلت الحركة‬
‫عملياتها الجهادية‪ ،‬كما واصلت سلطات الحتلل اعتقال كوادرها وقياداتها‪،‬‬
‫إلى أن قامت بإبعاد أمينها العام إلى خارج فلسطين سنة ‪1988‬م)]‪.([48‬‬
‫ولكن النقسامات والختلفات في وجهات النظر داخل الحركة‪ ،‬كانت من‬
‫فضت من شعبيتها‪ .‬فهناك في‬ ‫السباب المهمة التي قّللت من فعاليتها‪ ،‬وخ ّ‬
‫الحركة جماعات عدة مثل‪:‬‬
‫)‪ (1‬حركة الجهاد السلمي ــ بيت المقدس‪.‬‬
‫)‪ (2‬وحركة الجهاد السلمي ــ كتائب القصى‪.‬‬
‫)‪ (3‬وسرايا الجهاد السلمي ‪.‬‬
‫بيد أن الجماعة التي تزعمها الدكتور فتحي الشقاقي قبل اغتياله‪ ،‬واختير من‬
‫بعده الدكتور رمضان عبد الله أمينا ً عاما ً لها‪ ،‬هي الفصيل الرئيس والهم في‬
‫حركة الجهاد السلمي)]‪.([49‬‬
‫هذا‪ ،‬ومن أهم العمليات الممّيزة التي قامت بها الحركة‪ ،‬عملية )بيت ليد(‬
‫بتاريخ ‪22/1/1995‬م‪ ،‬فقد هّزت الكيان الصهيوني‪ ،‬وأوقعت في صفوفه‬
‫ة وستين جريحًا)]‪ .([50‬كما شاركت الحركة ــ ول‬ ‫واحدا ً وعشرين قتي ً‬
‫ل‪ ،‬وست ً‬
‫تزال تشارك ــ في فعاليات النتفاضات الشعبية الفلسطينية‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وقد خفتت أصوات المجموعات الخرى في الحركة‪ ،‬وبقي صوت عام باسم‬
‫)حركة الجهاد السلمي(‪ .‬ويعّبر عن نشاطها العسكري اليوم سرايا القدس‪،‬‬
‫التي يشكل وجودها على الساحة‪ ،‬دعما ً لكتائب شهداء القصى )الفتحاوية(‪،‬‬
‫وكتائب عز الدين القسام )الحماسية(‪.‬‬
‫وقد قدمت حركة الجهاد السلمي من الشهداء البرار‪ ،‬كواكب متعددة‪ ،‬كان‬
‫على رأسها أمينها العام الدكتور فتحي الشقاقي‪ ،‬الذي اغتاله جهاز المخابرات‬
‫الصهيوني في مالطا بتاريخ ‪26/10/1995‬م)]‪ .([51‬كما أن للحركة مئات من‬
‫المعتقلين في سجون المحتلين‪.‬‬
‫تلك هي أهم التجارب الجهادية القائمة اليوم على أرض فلسطين‪ ،‬وبالرغم‬
‫ن للمجموعات‬ ‫من اختلل موازين القوى لصالح الحتلل الصهيوني‪ ،‬إل ّ أ ّ‬
‫الجهادية من العمليات الموجعة‪ ،‬في صفوفه وبين جنوده ما يجعلها تجارب‬
‫ناجحة‪ ،‬في الحفاظ على الهوية السلمية للقضية الفلسطينية‪ ،‬واستعصائها‬
‫على الحلول التصفوية‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ومما لشك فيه‪ ،‬أن استمرار نجاح تلك التجارب‪ ،‬يرتبط ارتباطا وثيقا بالتفاق‬
‫بين مجموعاتها‪ ،‬حيث تقوى أواصُرها‪ ،‬وتنجح في المواجهة عناصُرها‪.‬‬
‫***‬
‫المبحث السابع‬
‫حد‬
‫السياسة في فلسطين ُتفّرق‪ ،‬والجهاد يو ّ‬
‫عندما كانت منظمة التحرير الفلسطينية ــ بقيادة حركة فتح ــ تنتهج الكفاح‬
‫المسلح طريقا ً لتحرير فلسطين كان التفاق بين الفلسطينيين أقرب من‬
‫الفتراق‪ ،‬وكانت الخلفات تدور على أمور ليست جوهرية‪ ،‬فالمر الجوهري‬
‫الهم ــ وهو الكفاح المسلح لتحرير فلسطين ــ متفق عليه‪.‬‬
‫وعندما قررت منظمة التحرير بقيادة فتح أيضًا‪ ،‬انتهاج المفاوضات طريقا ً‬
‫للوصول إلى حل سلمي للقضية‪ ،‬برز الفتراق بروزا ً واضحا ً بين تيار التسوية‬
‫وتيار المقاومة‪ ،‬ففريق التسوية يعترف بشرعية الكيان المغتصب وسيطرته‬
‫على القدس وامتلكه لكثر من ‪ % 80‬من أرض فلسطين‪ ،‬بينما فريق‬
‫ل‪ .‬وانقسمت الجماهير الفلسطينية إلى‬ ‫المقاومة يرفض ذلك جملة وتفصي ً‬
‫فريقين متناحرين‪ ،‬وشهدت الساحة صراعا ً إعلميا ً خطيرا ً بين الفريقين‪.‬‬
‫أما المقاومة المسلحة مع العدو المحتل‪ ،‬فكانت ترتق ما انفتق‪ ،‬وترأب ما‬
‫انصدع‪ ،‬وتجمع بين القلوب شيئا ً فشيئًا‪ ،‬حتى أصبحت المجموعات المجاهدة‬
‫قريبة من بعضها البعض‪ ،‬بل إن فتيانها صاروا يقومون بمواجهات مشتركة مع‬
‫الغاصبين‪ ،‬وينفذون عمليات استشهادية مشتركة ضد المحتلين‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫فهل رأيت ألعيب السياسة وهي توغر الصدور وتفسد المور؟! وهل رأيت‬
‫الجهاد وهو يوحد صف المجاهدين‪ ،‬فيجعلهم يدا ً واحدة في مختلف الميادين؟!‬
‫المبحث الثامن‬
‫أمثلة من أرض الواقع على اتفاق أطياف الجهاد في فلسطين‬
‫برز التفاق بين أطياف الجهاد في الونة الخيرة من هذه المسيرة‪ ،‬وكأن‬
‫المجاهدين في الميدان يرفضون سياسات القادة الذين ارتضوا مفاوضات‬
‫الذل والهوان‪ ،‬ومع اندلع انتفاضة القصى في سبتمبر سنة ‪2000‬م‪ ،‬بدأ‬
‫التطبيق العملي لذلك "حيث قامت قيادات فتح الميدانية )أمثال مروان‬
‫البرغوثي( بالمشاركة بالنتفاضة‪ ،‬وقامت بالتنسيق مع )حماس( وغيرها‬

‫‪133‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لتفعيل النتفاضة وتطويرها‪ ،‬كما قامت عناصرها بالعديد من العمليات‬


‫الفدائية‪ ،‬رغم أن الموقف الرسمي لقيادة السلطة )التي هي قيادة فتح(‪،‬‬
‫يرفض هذه العمليات‪ ،‬بل وعادة ما يدينها")]‪.([52‬‬
‫وهناك أدلة كثيرة على اتفاق أطياف الجهاد الفلسطيني في الميدان‪ ،‬أبرزها‬
‫العملية الستشهادية الرائعة التي جرت في مرفأ )أسدود( مساء يوم الحد‬
‫‪14/3/2004‬م وخلفت عشرة من القتلى من الجنود المحتلين‪ ،‬كما خلفت‬
‫عشرين جريحا ً آخرين‪.‬‬
‫بيد أن أهمية تلك العملية‪ ،‬ل تكمن في عدد القتلى والجرحى الصهاينة‪ ،‬ول‬
‫حتى في كونها اختراقا ً بعيد المدى لمن المحتلين‪ ،‬حيث جرت في ثاني‬
‫موانئ الكيان الصهيوني أهمية‪ ،‬وأكثرها اتخاذا ً للحتياطات المنية‪ ،‬ولكن‬
‫أهمية العملية تكمن في أن الفتيين اللذين نفذاها‪ ،‬كان أحدهما من كتائب عز‬
‫الدين القسام )الحماسية(‪ ،‬وكان الخر من كتائب شهداء القصى‬
‫)الفتحاوية(‪.‬‬
‫وهذا يؤكد صدق مقولة الشيخ الشهيد أحمد ياسين ذات يوم‪ ،‬بعد أن رأى‬
‫صدق هؤلء الفتيان‪ ،‬واندفاعهم إلى الميدان‪ ،‬والمشاركة في العمليات‬
‫الستشهادية‪ ،‬غير عابئين بلهاث قادتهم وراء سراب الحلول السلمية قال‬
‫جّرونا للمساومة‪ ،‬فجررناهم للمقاومة"‪.‬‬ ‫الشيخ رحمه الله‪" :‬حاولوا أن ي ُ‬
‫***‬
‫المبحث التاسع‬
‫الرؤى المستقبلية‪ ،‬للتفاق أو الفتراق‪ ،‬بين المجاهدين في فلسطين‬
‫إن مقومات التفاق بين فصائل المقاومة‪ ،‬كثيرة للغاية‪ ،‬مما يبشر باستمرار‬
‫التفاق إلى النهاية‪ ،‬ومن أهمها‪:‬‬
‫ك بين تلك الفصائل‪ ،‬فالحماسيون والجهاديون‬ ‫ل مشتر ٌ‬ ‫م السلم عام ٌ‬ ‫)‪ (1‬التزا ُ‬
‫قاموا على أساس اللتزام السلمي في العتقاد وفي السلوك‪ ،‬وفي تطبيق‬
‫الفرض السادس وهو الجهاد في سبيل الله‪ .‬وكتائب شهداء القصى‪ ،‬هم‬
‫الفتية الذين انسلخوا عن العلمانيين والقوميين في حركتهم‪ ،‬والتزموا‬
‫السلم‪ ،‬وهو الذي يحركهم للجهاد‪.‬‬
‫ض على الجميع‪ ،‬والحتلل عدو‬ ‫)‪ (2‬فلسطين هي أرض الجميع‪ ،‬وتحريرها فر ٌ‬
‫م ل يكون اتفاق‬ ‫الجميع‪ ،‬وطرده من فلسطين مسئولية الجميع‪ .‬فل َ‬
‫المجاهدين‪ ،‬ما دام الهدف هو تحرير فلسطين‪ ،‬وطرد المحتلين؟!‬
‫)‪ (3‬التآمر المحلي والقطري والدولي يستهدف جميع تلك الفصائل‪ ،‬بهدف‬
‫استئصالها‪ ،‬ووقوفها مع بعضها يجعل تلك المهمة مستحيلة‪.‬‬
‫)‪ (4‬التجارب التاريخية ماثلة أمام أعين جميع هذه الفصائل‪ ،‬فعندما كانت‬
‫المة تتفرق كلمتها‪ ،‬كان العدو يفتض بيضتها‪ ،‬وعندما كان الله يأذن لها‬
‫باللتقاء‪ ،‬فيقيض لها أمثال صلح الدين وقطز وغيرهما من العظماء‪ ،‬كانت‬
‫تسترد ّ أرضها المسلوبة‪ ،‬وخيراتها المنهوبة‪ ،‬ومقدساتها المنكوبة‪.‬‬
‫طامعين‪،‬‬‫وأما مقومات الفتراق‪ ،‬فما هي إل ّ ن َْزغ ُ الشياطين‪ ،‬وأطماعُ ال ّ‬
‫نستجير بالله منها أجمعين‪.‬‬
‫المبحث العاشر‬
‫فوف وتوحيد العمل‬ ‫ص ُ‬
‫ص ال ّ‬ ‫خاتمة المطاف بالدعوة إلى ر ّ‬
‫وبعد هذه الجولة في ميدان التجارب الجهادية على أرض فلسطين‪ ،‬وكيف أن‬
‫السلم هو المحرك الساس لها‪ ،‬وكيف أن التفاق في العمل الجهادي هو‬
‫الذي يكتب الله به استمرار النجاح‪ ،‬بعد هذا كله‪ ،‬أجد من واجبي دعوة جميع‬
‫أطياف الجهاد في الوطن السليب‪ ،‬أن يوحدوا كلمتهم‪ ،‬يعز الله رايتهم‪ ،‬وأن‬

‫‪134‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫موا‬ ‫ص ُ‬‫يرصوا صفوفهم‪ ،‬يحقق الله غايتهم‪ ،‬فإنه سبحانه وتعالى يقول‪َ) :‬واعْت َ ِ‬
‫وا( ]سورة آل عمران‪ ،[103 :‬ويقول جل شأنه‬ ‫فّرقُ ْ‬ ‫مْيعا ً وَل َ ت َ َ‬ ‫ج ِ‬
‫ل اللهِ َ‬ ‫حب ْ ِ‬
‫بِ َ‬
‫ص(‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫صو ْ ٌ‬ ‫مْر ُ‬ ‫ن َ‬
‫م ب ُن َْيا ٌ‬‫فا كأن ّهُ ْ‬ ‫ص ّ‬‫سب ِي ْل ِهِ َ‬
‫ن ِفي َ‬
‫قات ِلوْ َ‬
‫ن يُ َ‬ ‫ب الذِي ْ َ‬ ‫ح ّ‬‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫أيضا‪) :‬إ ِ ّ‬
‫]سورة الصف‪.[4 :‬‬
‫ن‬
‫ي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه ابن عمر رضي الله عنهما‪)) :‬إ ّ‬ ‫والنب ّ‬
‫شذ ّ في الّنار((‬ ‫شذ ّ َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ضلَلة‪ ،‬وي َد ُ اللهِ معَ الجماعة‪ ،‬و َ‬ ‫مِتي على َ‬ ‫ه ل يجمعُ أ ّ‬ ‫الل َ‬
‫)]‪ ،([53‬ويقول صلى الله عليه وسلم فيما روى النعمان بن بشير‪)) :‬الجماعة‬
‫ب(()]‪ .([54‬ويقول فيما روى الحارث الشعري‪)) :‬أنا‬ ‫فرقة عذا ٌ‬ ‫رحمة‪ ،‬وال ُ‬
‫ن‪ :‬بالجماعة‪ ،‬وبالسمع‪ ،‬والطاعة‪ ،‬والهجرة‪،‬‬ ‫س‪ ،‬الله أمرني به ّ‬ ‫مُركم بخم ٍ‬ ‫آ ُ‬
‫والجهاد في سبيل الله(()]‪.([55‬‬
‫ل بأن ُيثريها على مّر‬ ‫وقد رأينا أن مقومات التفاق كثيرة‪ ،‬وأن الله كفي ٌ‬
‫ه حريّ بأن يزيل آثارها من الوجود‪.‬‬ ‫العهود‪ ،‬بينما مقومات الفتراق هزيلة‪ ،‬والل ُ‬
‫م الصالحات‪ ،‬اجمع للمجاهدين‬ ‫ب الرض والسماوات‪ ،‬يا من بنعمته تت ّ‬ ‫مر ّ‬ ‫فالله ّ‬
‫ل رايتهم‪ ،‬وحقق غايتهم‪.‬‬ ‫في فلسطين كلمتهم‪ ،‬وأظهر حجتهم‪ ،‬وع ّ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫م واقبل عملنا وارض عنا أجمعين‪ .‬وآخر دعوانا أن الحمد لله رب‬ ‫الله ّ‬
‫العالمين‪.‬‬
‫***‬
‫مصادر هذه الورقة ومراجعها‬
‫)‪ (1‬القرآن الكريم‪.‬‬
‫)‪ (2‬الحديث الشريف‪.‬‬
‫)‪ (3‬البداية والنهاية‪ ،‬لبن كثير‪700) ،‬ــ ‪774‬هـ(‪ ،‬مكتبة المعارف‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪ ،‬الطبعة الخامسة‪1404 ،‬هـ‪1983،‬م‪.‬‬
‫)‪ (4‬التطبيع ومقاومته‪ ،‬تأليف أحمد شرف‪ ،‬منشورات ملتقى الحوار العربي‪،‬‬
‫طرابلس‪ ،‬ليبيا‪1996 ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفسير القرآن العظيم‪ ،‬لبن كثير‪700) ،‬ــ ‪774‬هـ(‪ ،‬دار طيبة للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬بالرياض‪ ،‬الطبعة الثانية‪1420،‬هـ‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (6‬دراسة في الفكر السياسي لحركة المقاومة السلمية )حماس(‪ ،‬تأليف‬
‫عدد من الباحثين‪ ،‬منشورات مركز دراسات الشرق الوسط‪ ،‬عمان‪ ،‬الردن‪،‬‬
‫الطبعة الولى‪1997 ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (7‬فلسطين‪ ..‬التاريخ المصور‪ ،‬للدكتور طارق سويدان‪ ،‬شركة البداع‬
‫الفكري بالكويت‪ ،‬الطبعة الولى‪ ،‬محرم ‪1425‬هـ‪ ،‬مارس ‪2004‬م‪.‬‬
‫)‪ (8‬فلسطين‪ ..‬دراسات منهجية في القضية الفلسطينية‪ ،‬للدكتور محسن‬
‫محمد صالح‪ ،‬مركز العلم العربي بالقاهرة‪ ،‬الطبعة الولى‪1924 ،‬هـ‪،‬‬
‫‪2002‬م‪.‬‬
‫)‪ (9‬مجلة )فلسطين المسلمة(‪ ،‬العدد ‪ ،4‬السنة ‪ ،22‬صفر ‪1425‬هـ‪ ،‬أبريل‬
‫‪2004‬م‪.‬‬
‫)‪ (10‬المدخل إلى القضية الفلسطينية‪ ،‬تأليف عدد من المؤرخين‪ ،‬تحرير‬
‫جواد الحمد‪ ،‬مركز دراسات الشرق الوسط‪ ،‬عمان‪ ،‬الردن‪ ،‬الطبعة‬
‫الخامسة‪1999،‬م‪.‬‬
‫)‪ (11‬معركتنا مع اليهود‪ ،‬بقلم صالح اليافعي‪ ،‬صنعاء‪ ،‬الطبعة الولى‪،‬‬
‫‪1421‬هـ‪2000 ،‬م‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪ (12‬نداء من القصى ومدينة القدس‪ ،‬إعداد لجنة فلسطين الخيرية‪ ،‬بالهيئة‬
‫الخيرية السلمية العالمية‪ ،‬الكويت‪1420 ،‬هـ‪1999 ،‬م‪.‬‬
‫)‪ (13‬وثائق مكتب الحصاء الفلسطيني‪ ،‬بدمشق‪.‬‬
‫****‬
‫***‬
‫**‬
‫*‬
‫)]‪ ([1‬انظر تفسير ابن كثير للية الولى سورة السراء‪ ،‬ج ‪ 5‬ص ‪.5‬‬
‫)]‪ ([2‬فلسطين‪ ..‬التاريخ المصور ص ‪.16‬‬
‫)]‪([3‬المصدر السابق ص ‪ 16‬أيضًا‪.‬‬
‫)]‪([4‬انظر تفسير ابن كثير للية ‪ 21‬من سورة المائدة‪،‬ج ‪ 3‬ص ‪.75‬‬
‫)]‪ ([5‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬وأحمد في مسنده‪ ،‬مسند‬
‫الكوفيين‪.‬‬
‫)]‪ ([6‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬وأحمد في مسنده‪ ،‬مسند‬
‫النصار‪ ،‬واللفظ لمسلم‪.‬‬
‫)]‪ ([7‬أخرجه مسلم في صحيحه‪ ،‬كتاب الحج عن أبي هريرة‪ ،‬وأحمد في‬
‫فاِري‪ ،‬كما أخرجه عدد من أصحاب‬ ‫صَرةَ الغِ َ‬‫مسنده‪ ،‬مسند النصار عن أبي ب َ ْ‬
‫السنن‪ ،‬واللفظ لحمد‪.‬‬
‫)]‪ ([8‬فلسطين‪ ..‬دراسات منهجية‪ ،‬ص ‪61‬ــ ‪.62‬‬
‫)]‪ ([9‬انظر المصدر السابق ص ‪.62‬‬
‫)]‪ ([10‬انظر المصدر السابق ص ‪.66‬‬
‫)]‪ ([11‬انظر المصدر السابق ص ‪67‬ــ ‪.68‬‬
‫)]‪ ([12‬المدخل إلى القضية الفلسطينية‪ ،‬ص ‪.27‬‬
‫)]‪ ([13‬انظر في ذلك‪ :‬فلسطين‪ ..‬التاريخ المصور‪ ،‬ص ‪46‬ــ ‪.47‬‬
‫)]‪ ([14‬البداية والنهاية‪ ،‬لبن كثير‪.12/156 ،‬‬
‫)]‪ ([15‬انظر‪ :‬المصدر السابق ‪ 2/320‬و ‪.323‬‬
‫)]‪ ([16‬انظر‪ :‬المدخل إلى القضية الفلسطينية‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫)]‪ ([17‬انظر البداية والنهاية‪ ،‬لبن كثير‪.13/220 ،‬‬
‫)]‪ ([18‬معركتنا مع اليهود‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫)]‪ ([19‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫)]‪ ([20‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.68‬‬
‫)]‪ ([21‬نداء من القصى‪ ،‬ص ‪.63‬‬
‫)]‪ ([22‬البداية والنهاية‪ ،‬لبن كثير‪.12/234 ،‬‬
‫)]‪ ([23‬معركتنا مع اليهود‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫)]‪ ([24‬فلسطين‪ ،‬دراسات منهجية‪ ،‬ص ‪.268‬‬
‫)]‪ ([25‬المدخل للقضية الفلسطينية‪ ،‬ص ‪162‬ــ ‪.163‬‬
‫)]‪ ([26‬فلسطين‪ ..‬دراسات منهجية‪ ،‬ص ‪ ،268‬وفلسطين‪ ..‬التاريخ المصور‪،‬‬
‫ص ‪.210‬‬
‫)]‪ ([27‬فلسطين‪ ..‬دراسات منهجية‪ ،‬ص ‪.270‬‬
‫)]‪ ([28‬انظر المصدر السابق‪ ،‬ص ‪271‬ــ ‪.284‬‬
‫)]‪ ([29‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.285‬‬
‫)]‪ ([30‬فلسطين‪ ..‬التاريخ المصور‪ ،‬ص ‪.245‬‬
‫)]‪ ([31‬انظر في أعداد الفلسطينيين في الضفة والقطاع‪ :‬فلسطين‪..‬‬
‫دراسات منهجية‪ ،‬ص ‪.119‬‬

‫‪136‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)]‪ ([32‬انظر في أعداد الفلسطينيين في الخارج وتوزيعهم على المهاجر‬


‫والشتات‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.125‬‬
‫)]‪ ([33‬التطبيع ومقاومته‪ ،‬ص ‪.347‬‬
‫)]‪ ([34‬انظر‪ :‬فلسطين‪ ..‬دراسات منهجية‪ ،‬ص ‪ ،383‬ووثائق مكتب الحصاء‬
‫الفلسطيني في دمشق‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫)]‪ ([35‬وثائق مكتب الحصاء الفلسطيني في دمشق‪ ،‬ص ‪.17‬‬
‫)]‪ ([36‬فلسطين‪ ..‬دراسات منهجية‪ ،‬ص ‪.389‬‬
‫)]‪ ([37‬فلسطين‪ ..‬دراسات منهجية‪ ،‬ص ‪.389‬‬
‫)]‪ ([38‬المدخل إلى القضية الفلسطينية‪ ،‬ص ‪.353‬‬
‫)]‪ ([39‬وثائق مكتب الحصاء الفلسطيني بدمشق‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫)]‪ ([40‬المدخل للقضية الفلسطينية‪ ،‬ص ‪.386‬‬
‫)]‪ ([41‬فلسطين‪ ..‬دراسات منهجية‪ ،‬ص ‪.410‬‬
‫)]‪ ([42‬المدخل للقضية الفلسطينية‪ ،‬ص ‪.386‬‬
‫)]‪ ([43‬انظر في أهداف حركة )حماس( كل ً من‪ :‬فلسطين‪ ..‬دراسات‬
‫منهجية‪ ،‬ص ‪412‬ــ ‪ ،413‬ودراسة في الفكر السياسي لحركة )حماس(‪ ،‬ص‬
‫‪ 55‬وما بعدها‪.‬‬
‫)]‪ ([44‬لمعرفة المزيد من القادة الشهداء من حركة )حماس( انظر‪ :‬مجلة‬
‫)فلسطين المسلمة(‪ ،‬العدد الرابع‪ ،‬من السنة الثانية والعشرين‪ ،‬صفر‬
‫‪1425‬هـ‪ ،‬أبريل ‪2004‬م‪ ،‬ص ‪56‬ــ ‪.57‬‬
‫)]‪ ([45‬المدخل للقضية الفلسطينية‪ ،‬ص ‪.398‬‬
‫)]‪ ([46‬فلسطين‪ ..‬دراسات منهجية‪ ،‬ص ‪.421‬‬
‫)]‪ ([47‬المدخل للقضية الفلسطينية‪ ،‬ص ‪.398‬‬
‫)]‪ ([48‬انظر فلسطين‪ ..‬دراسات منهجية‪ ،‬ص ‪.421‬‬
‫)]‪ ([49‬انظر المدخل للقضية الفلسطينية‪ ،‬ص ‪.398‬‬
‫)]‪ ([50‬انظر فلسطين‪ ..‬دراسات منهجية‪ ،‬ص ‪.422‬‬
‫)]‪ ([51‬انظر المصدر السابق‪ ،‬ص ‪.423‬‬
‫)]‪ ([52‬فلسطين‪ ..‬دراسات منهجية‪ ،‬ص ‪.394‬‬
‫)]‪ ([53‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب الفتن‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫)]‪([54‬أخرجه أحمد في مسنده‪ ،‬مسند الكوفيين‪.‬‬


‫)]‪([55‬أخرجه الترمذي في سننه‪ ،‬كتاب المثال‪ ،‬وأحمد في مسنده‪ ،‬مسند‬
‫الشاميين‪ ،‬واللفظ لحمد‪.‬‬
‫* خطيب المسجد القصى المبعد‬

‫)‪(8 /‬‬

‫"تجربة في الخطابة"‬
‫د‪ .‬لطف الله بن عبد العظيم خوجه ‪24/7/1425‬‬
‫‪09/09/2004‬‬
‫مضى على انتظامي في الخطابة أربعة عشر عاما‪ ،‬وهي فترة كافية لتسجيل‬
‫ما لدي من خبرة في هذه التجربة‪.‬‬
‫مهما تعلم المرء ودرس كيفية إعداد الخطبة‪ ،‬فلن يكون مثله مثل من نالها‬

‫‪137‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫عن‪ :‬خبرة‪ ،‬ومكابدة‪ ،‬ومعالجة طويلة‪ .‬وليس المعنى غلق باب الستفادة من‬
‫السابقين‪ ،‬كل‪ ،‬لكن الفائدة ل تكمل‪ ،‬ول تحسن‪ ،‬ول تتعمق إل بالمكابدة‪،‬‬
‫وحسب المستفيد من تجارب الخرين أنه تقدم خطوات‪.‬‬
‫كيف تعد خطبة؟‪.‬‬
‫سؤال مهم لمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬كونه يتعلق بأمر شرعي‪ ،‬فقد أمر الله المؤمنين بإقامة خطبة الجمعة‪،‬‬
‫وأوجبها وفرضها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬كونه يتعلق بعملية لها تأثير كبير في صياغة التوجهات والعقول‪.‬‬
‫ل‪ :‬مشروعية الخطبة‪.‬‬ ‫أو ً‬
‫شرع الله سبحانه وتعالى للمسلمين عيدا كل أسبوع‪ ،‬يجتمعون فيه للصلة‬
‫وسماع الذكر‪ ،‬وهم في أحسن هيئة‪ ،‬متطهرين‪ ،‬متطيبين‪ ،‬خاشعين‪ ،‬كافين‬
‫أيديهم وألسنتهم‪ ،‬سامعين‪ ،‬منصتين‪ ،‬كما جاء المر بذلك في نصوص‬
‫معروفة‪ ،‬فاستماع الخطبة غاية‪ ،‬فإن الصلة يجتمع لها كل يوم خمس مرات‪،‬‬
‫لكن الجمعة امتازت بالخطبة‪ ،‬ومن هنا أمر الشارع وحث على حضور‬
‫الخطبة‪ ،‬ورتب أجور كبيرة على التبكير‪ ،‬فقد روى أبو داود عن بسنده عن‬
‫أوس بن أوس الثقفي قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫)من غسل يوم الجمعة واغتسل‪ ،‬ثم بكر وابتكر‪ ،‬ومشى ولم يركب‪ ،‬ودنا من‬
‫المام فاستمع‪ ،‬ولم يلغ‪ ،‬كان له بكل خطوة عمل سنة‪ ،‬أجر صيامها وقيامها(‬
‫]في الطهارة‪ ،‬باب‪ :‬الغسل يوم الجمعة[‬
‫وحرم من تأخر‪ ،‬فأتى بعد الشروع في الخطبة‪ ،‬من أن يكتب في صحيفة‬
‫المسارعين‪.‬‬
‫فإذا تأملنا حرص الشارع على‪ :‬تهيئة الناس‪ ،‬وإعدادهم لسماع الخطبة‪ .‬أدركنا‬
‫أهمية العناية بأمرها‪ ،‬وإتقانها‪ ،‬وأدائها على أحسن وجه ممكن‪ .‬فقوم جاءوا‬
‫متطهرين‪ ،‬متطيبين‪ ،‬خاشعين‪ ،‬في أدب وإنصات‪ ،‬ل يتحقق مثله في غير هذا‬
‫الموطن‪ ،‬من حقهم أن يحترموا‪ ،‬ويقدروا‪ ،‬ول يتحقق تقديرهم إل بإسماعهم‬
‫المفيد الجيد الحسن من الذكر والعلم‪ .‬فقد أتوا طائعين‪ ،‬ولو شاءوا لكانوا‬
‫من المتأخرين‪ ،‬فليس من المروءة والكرم مقابلتهم بكلم غير مفيد‪ ،‬أو كلم‬
‫ممل‪ ،‬غير مرتب‪ ،‬لم يبذل فيه مجهود‪ ،‬وربما كتب قبل الجمعة بساعة !!‪،..‬‬
‫فما أمر الله تعالى به يجب أن يتقن‪ ،‬فهو من القربات‪ ،‬وإتقان القربات يزيد‬
‫في الحسنات‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أثر الخطبة في تقويم الناس‪.‬‬
‫أستطيع أن أقول وبثقة‪ :‬إن المنابر هي المؤثر الول في توجيه الناس‪.‬‬
‫ربما كان هناك من يرى وسائل العلم أشد أثرا‪ ،‬وأنا أوافقه على ذلك‪ ،‬بقيد‪:‬‬
‫‪ -‬ما إذا كان ما يعرض فيها من جنس ما يطرح في المنابر‪.‬‬
‫نعم حينذاك يكون لوسائل العلم أثرا كأثر المنابر‪ ،‬لكن إذا كان المعروض‬
‫في وسائل العلم فاسد الفكر والخلق‪ ،‬فل‪ ،‬بل الغلبة للمنابر بل ريب‪ ،‬وذلك‪:‬‬
‫أن كل باطل فمصيره إلى الزوال‪ ،‬ول بد‪ ،‬ول يبقى إل الحق‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫‪" -‬فأما الزبد فيذهب جفاء‪ ،‬وأما ما ينفع الناس فيمكث في الرض"‪.‬‬
‫‪" -‬قل إن ربي يقذف بالحق علم الغيوب * قل جاء الحق وما يبديء الباطل‬
‫وما يعيد"‪.‬‬
‫"بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق"‪.‬‬
‫فالمنابر ليس فيها إل الحق واليمان‪ ،‬وهو الباقي‪ ،‬وأما غيرها فما فيها من‬
‫باطل فلن يبقى‪ ،‬ولو اتبعه الناس فإلى حين‪.‬‬
‫أما ترى الناس إذا أرادوا الخير والنجاح والنجاة لنفسهم‪ ،‬في‪ :‬تفريج كربة‪ ،‬أو‬

‫‪138‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جواب سؤال‪ ،‬أو حل مشكلة‪ .‬توجهوا إلى المساجد‪ ،‬وتركوا وسائل العلم‬
‫وما فيها‪ ،‬إذا كان باطل‪ ،‬وراءهم ظهريا؟‪.‬‬
‫فهذا حال الناس‪ ،‬يبحثون عن اللهو واللعب في وسائل العلم‪ ،‬أما الجد‬
‫والنطلقة الصحيحة واليمان‪ ،‬فإنهم إنما يبحثون عنها في بيوت الله تعالى‪،‬‬
‫حيث‪ :‬المحاريب‪ ،‬والمنابر‪ ،‬وكراسي العلم‪ .‬وهذه حقيقة ساطعة يجب أن‬
‫نلتفت إليها لندرك حقيقة‪ :‬أثر المنبر‪ .‬فإنه المؤثر الشد على قلوب الناس‪.‬‬
‫ول أدل على هذه الحقيقة من‪ :‬نجاح هذه المنابر في توعية الناس‪ ،‬واستنقاذ‬
‫قطاع عريض منهم‪ ،‬من فساد كثير من وسائل العلم‪ ،‬حتى باتت مصدر قلق‬
‫لكل من يعادي السلم‪ ،‬ولقد تمنى كبار النصارى أن يكون لهم منبر يجتمع‬
‫الناس إليه كل أسبوع‪ ،‬كما للمسلمين‪.‬‬
‫إن الثر الكبير للمنبر ينبع من‪ :‬كون ما يلقى فيه‪ ،‬ويتلى عليه‪ ،‬إنما هو كلم‬
‫الله تعالى‪ ،‬وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬أو كلم يدور حول ذلك‪.‬‬
‫ومعلوم أن خطاب الشارع يلمس الفطر مباشرة بل واسطة‪ ،‬ومن دون‬
‫حجاب‪ ،‬ويخاطب العقل بحجة واضحة‪ ،‬فإذا كان الكلم يمس الفطر مباشرة‪،‬‬
‫ويحج العقل بأدلته‪ ،‬فل ريب أنه سيكون المؤثر القوى على النفوس‪ ،‬وهذا‬
‫سر تأثير الخطب أكثر من غيرها‪:‬‬
‫‪ -‬إن فيها الصدق‪ ،‬وليس فيها الكذب‪.‬‬
‫‪ -‬فيها المانة‪ ،‬وليس فيها خيانة‪.‬‬
‫‪ -‬فيها حرارة اليمان‪ ،‬وليس برودة الكفر‪.‬‬
‫‪ -‬فيها المحبة‪ ،‬وليس فيها الكراهية‪.‬‬
‫‪ -‬فيها الرشاد إلى الخير‪ ،‬والتحذير والتبصير بحقيقة الشر‪.‬‬
‫‪ -‬فيها الفضيلة‪ ،‬وليس فيها رذيلة‪.‬‬
‫‪ -‬وكل ذلك يخترق الذان‪ ،‬ويصل القلوب‪ ،‬ويخاطب النفوس بحساسية‬
‫وشفافية‪.‬‬
‫***‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ها قد عرفنا طرفا من أهمية الخطبة‪ ،‬من حيث الشرع‪ ،‬ومن حيث أثرها‪ ،‬فإذا‬
‫بان ذلك‪ ،‬فإن السؤال السابق يعود مرة أخرى ليطلب جوابه‪ :‬كيف تعد‬
‫خطبة؟‪.‬‬
‫نعم كيف تعد خطبة؟‪..‬‬
‫طريقة إعداد الخطبة‪.‬‬
‫أول ما يتبادر إلى الذهن عند طرح هذا السؤال‪ :‬الطريقة التقليدية السائدة‬
‫وهي‪:‬‬
‫‪ -‬تحديد الموضوع المراد‪ ،‬ثم حصر أدلته من الكتاب‪ ،‬ثم من السنة‪ ،‬ثم تتبع‬
‫أقوال أهل العلم‪ ،‬ثم ترتيبه على هذا النحو‪ ،‬ثم بيان حقيقته‪ ،‬وصوره‪،‬‬
‫وأهميته‪ ،‬وفوائد المتثال لما جاء فيه‪ ،‬وسلبيات إهماله‪ ،‬مع مقدمة وخاتمة‪.‬‬
‫لو ضربنا مثل بموضوع الربا‪ ،‬فإن الطريقة المتبعة في العداد هي‪ :‬إيراد أدلة‬
‫تحريم الربا من القرآن‪ ،‬ثم من السنة‪ ،‬ثم أقوال أهل العلم‪ ،‬ثم بيان حقيقته‬
‫وصوره‪ ،‬ثم الحكمة من تحريمه‪ ،‬وفائدة اجتنابه‪ ،‬وخطر التعامل به‪.‬‬
‫وهكذا في كل موضوع‪ ..‬قد تختلف بعض النقاط‪ ،‬وقد تزيد وقد تنقص‪ ،‬ويقدم‬
‫هذا ويؤخر هذا‪ ،‬بحسب الموضوع‪ ،‬لكن البنية الساسية في جميعها واحد‪.‬‬
‫ووصف هذه الطريقة أنها تقليدية ل يعني بالضرورة ضعفها أو عدم جدواها‪،‬‬

‫‪139‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كل‪ ،‬فقد تكون مفيدة‪ ،‬وقد ل يتيسر غيرها‪ ،‬وقد تكون في غاية التأثير‪ ،‬وذلك‬
‫بحسب جودة العداد‪ ،‬ودقة العبارة‪ ،‬وحسن العرض‪ ،‬لكن هي على كل حال‪:‬‬
‫طريقة منطقية‪ ،‬تقليدية‪ ،‬وترتيب سائد معروف عند أهل العلم وغيرهم‪ .‬وهي‬
‫أحسن الطرق في استيفاء نقاط الموضوع‪ ،‬وإعطاء كل نقطة حقها من‬
‫الكلم والعرض‪ .‬لكن‪:‬‬
‫هل الخطبة مختصة بهذه الطريقة ضرورة؟‪ ..‬وهل يجب أن يكون ما يطرح‬
‫فيها مستوفى النقاط غير ناقص؟‪.‬‬
‫الجواب‪ :‬يبدو أن ذلك ليس واجبا‪ .‬وليست الخطبة مختصة بتلك الطريقة‪ ،‬بل‬
‫هي طريقة من الطرق‪ ،‬ومن الجائز اتخاذ طرق أخرى غيرها‪ ،‬ما دامت خالية‬
‫من أي محذور شرعي‪ ،‬والعلة في ذلك‪:‬‬
‫أن الخطبة ل يشترط فيها أن تكون درسا علميا‪ ،‬يجب فيه الشرح والتفصيل‬
‫والستيفاء‪ ،‬بل قد تكون موعظة وتذكرة ل يشترط فيها إل صحة الكلمة‪،‬‬
‫وتحريك القلوب‪ ،‬ل يلزم فيها الستيفاء والشرح‪ ،‬كما هو معلوم‪ ،‬فبالكلمة‬
‫الواحدة والجملة والجملتين‪ ،‬قد تتحقق الموعظة ذات الثر البالغ‪ ،‬ويحصل‬
‫المقصود‪ ،‬وهذا مجرب معروف‪ ،‬وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعظ‬
‫في خطبه‪ ،‬كما كان يعلم‪ ،‬في كلمات معدودة‪ ،‬قصيرة ل تتجاوز بضعة دقائق‪،‬‬
‫لكنها مؤثرة‪ ،‬محركة للقلوب‪ ،‬مقومة للسلوك‪ ،‬يلقيها النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بصوت مسموع مرتفع‪ ،‬يشتد‪ ،‬وتحمر عيناه‪ ،‬كأنه منذر جيش‪ ،‬يقول‪:‬‬
‫)صبحكم‪ ،‬ومساكم(‪] .‬مسلم‪ ،‬الجمعة‪ ،‬باب‪ :‬تخفيف الصلة[‬
‫فنحن الن بين نوعين من الخطب‪ :‬الخطب العلمية‪ ،‬والخطب الوعظية‪.‬‬
‫وكلهما مهم‪ ،‬والناس بحاجة إليهما‪ ،‬الخطب العلمية لها طريقتها الموصوفة‬
‫بالتقليدية‪ ،‬كما بينا آنفا‪ ،‬والوعظية ل يشترط فيها ما يشترط في العلمية‪..‬‬
‫وبكل النوعين كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب‪ ،‬وكانت خطبه تمتاز‬
‫بالقصر‪ ،‬والكلمة الجامعة‪ ،‬ولم يكن يحرص على استيفاء نقاط ما يريد الكلم‬
‫فيه‪ ،‬ول اتباع طريقة الشرح والتحليل‪ ،‬بل كلمات معدودة جامعة‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يتبع في خطبه طريقة الستيفاء‬
‫والشرح المفصل‪ ،‬فهذا دليل على عدم اشتراط تلك الطريقة‪ ،‬وهذا هو‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫لكن ههنا سؤال وهو‪:‬‬
‫‪ -‬أليست تلك الخطب التقليدية خلف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫خطبه؟‪.‬‬
‫‪ -‬وأليس من السنة قصر الخطبة‪ ،‬وقد قال عليه الصلة والسلم‪) :‬قصر‬
‫خطبة الرجل‪ ،‬وطول صلته‪ :‬مئنة من فقهه( ]رواه مسلم‪ ،‬في الجمعة‪ ،‬باب‪:‬‬
‫تخفيف الصلة والخطبة[‪ ،‬ومعنى مئنة‪ :‬أي دالة على فقهه؟‪.‬‬
‫فالجواب‪:‬‬
‫ل‪ :‬قصر الخطبة من المستحبات‪ ،‬بمعنى أن التطويل ليس محرما‪ ،‬وقد‬ ‫أو ً‬
‫خطب النبي صلى الله عليه وسلم بسورة ق~‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬المقصود بالخطبة هو الذكر والموعظة والتعليم‪ ،‬فإن حصل ذلك بخطبة‬
‫قصيرة‪ ،‬وبكلمات معدودة‪ ،‬جامعة‪ ،‬يفهمها الناس‪ ،‬فهو الولى والحرى‬
‫والفضل‪ ،‬لموافقة الهدي النبوي‪ ،‬لكن‪:‬‬
‫ماذا لو أن الخطيب ل يملك الفصاحة والبلغة‪ ،‬والقدرة على حصر المعاني‬
‫واختصار ألفاظها؟‪.‬‬
‫وماذا لو أن أذواق الناس وأفهامهم قد فسدت وتعطلت‪ ،‬حتى ما عادوا‬
‫يفهمون إل بالشرح والتبسيط؟‪..‬‬

‫‪140‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يبدو أنه حينئذ ل مناص من الشرح والتفصيل والتبسيط‪ ،‬حيث إن المقصود‬


‫من الخطبة هو حصول الموعظة والعلم‪ ،‬فإن كانت ل تحصل إل بهذه‬
‫الطريقة‪ ،‬فما حيلة المضطر إل ركوبها‪ ،‬وعندئذ ل يبدو أن المطيل في‬
‫خطبته‪ ،‬بالمقارنة بخطب النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬مخالفا للهدي النبوي‪،‬‬
‫وذلك لن الغاية والمقصود ل يتحقق إل بها‪ ،‬وقد كانت الوسيلة في عهد‬
‫النبوة الختصار والقصر‪ ،‬لكون الناس على فهم صحيح‪ ،‬وخطيبهم أوتي‬
‫جوامع الكلم‪ ،‬أما وقد تغير ذلك‪ ،‬فامتنع حصول المقصود من الخطبة إل‬
‫بالشرح والتفصيل‪ ،‬فل أظن من الصواب تخطئة هذه الطريقة‪ ،‬خاصة إذا‬
‫عرفنا أنه صلى الله عليه وسلم كان يخطب بسورة ق~‪ ،‬والخطبة بها فيها‬
‫شيء من الطول‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وتسويغ تطويل الخطبة عن الحد النبوي ل يعني التوسع في ذلك‪ ،‬بل ينبغي‬
‫على الخطيب أن يجتهد في الختصار قدر ما يمكنه‪ ،‬ويتخلص من داء التكرار‬
‫المزعج‪ ،‬والشرح الممل حتى لما هو واضح‪.‬‬
‫ذلك من حيث قصر الخطبة وطولها‪ ،‬أما من حيث طريقتها‪ ،‬فإن الطريقة‬
‫النبوية تقوم على طرح جزء من الموضوع والقضية المراد الحديث عنها‪ ،‬دون‬
‫ص أو استيفاء‪ ،‬وهذا بخلف الطريقة التقليدية القائمة على التقصي‬‫تق ٍ‬
‫والستيفاء‪.‬‬
‫‪ -‬فهل هذه الطريقة كذلك تعد مخالفة للسنة؟‪.‬‬
‫الجواب أن يقال‪ :‬الشارع لم يأمر باتخاذ طريقة معينة في إعداد الخطبة‪ ،‬لم‬
‫يأمر بطريقة الستيفاء‪ ،‬وكذا لم ينه عنه‪ ،‬ولم يأمر بطريقة طرح جزء من‬
‫الموضوع‪ ،‬هو الهم والمناسب للمقام والحال‪ ،‬ولم ينه عنه‪ ،‬بل أمر بإقامة‬
‫الخطبة‪ ،‬وترك تحديد الطريقة‪ ،‬بحسب حال الخطيب‪ ،‬وحال السامعين‪ ،‬وقد‬
‫كانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم قصيرة‪ ،‬ومن ثم لم يكن من‬
‫الممكن بحال استيفاء الموضوع‪ ،‬وقد عرفنا أنه أوتي جوامع الكلم‪،‬‬
‫والسامعون على قدر كبير من الفهم واليمان والعلم‪ ،‬لكن الحال اليوم‬
‫مختلف‪ ،‬الناس في قلة من العلم واليمان‪ ،‬والناس محتاجون إلى معرفة كل‬
‫ما يتعلق بالموضوع المطروح‪ ،‬لجهالتهم بكثير من أساسيات الدين‪ ،‬والمنبر‬
‫كما أنه للوعظ كذلك هو للتعليم‪ ،‬فما الذي يمنع حينئذ من اتخاذ طريقة‬
‫الستيفاء؟‪.‬‬
‫يبدو أنه ل مانع‪ ،‬خاصة وأنه ليس ثمة دليل يمنع من ذلك‪ ،‬غاية المر أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لم يفعله‪ ،‬لظروف الحال في زمانه‪ ،‬حيث السلمة في‬
‫الفهم والعلم واليمان‪ ،‬فكان يكفيهم أن يذكرهم بأهم جزء في الموضوع‬
‫بحسب المقام‪ ،‬لكن الناس اليوم بحاجة إلى طريقة الستيفاء‪ ،‬كي يتعلموا‬
‫ويتفقهوا‪ ،‬وبحاجة كذلك إلى طريقة العرض الجزئي لكيل يملوا‪ ،‬فنحن إذن‬
‫بحاجة إلى الطريقتين‪ :‬طريقة الستيفاء للتعلم‪ ،‬وطريقة العرض الجزئي‬
‫للتذكرة ولفت النتباه‪.‬‬
‫إذن المر واسع‪ ،‬وليس من السنة التضييق في شيء وسعه الله على العباد‪،‬‬
‫ولم يأمر فيه بشيء‪.‬‬
‫***‬
‫قد عرفنا بما سبق أن العداد إما أن يكون بطريقة الستيفاء‪ ،‬وإما بطريقة‬
‫العرض الجزئي‪ ،‬وكل ذلك باعتبار أن الخطبة ذات موضوع واحد‪ ،‬لكن كيف‬

‫‪141‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لو كانت الخطبة أكثر من موضوع؟‪..‬‬


‫ذلك جائز وممكن‪ ،‬ول يمكن فيها توفية كل موضوع حقه‪ ،‬ول نستطيع أن‬
‫نفاضل بين الخطبة ذات الموضوع الواحد وذات الموضوعات المتعددة‪ ،‬فنحن‬
‫نحتاج إلى النوعين جميعا‪ ،‬بحسب الحوال والمقتضيات‪ ،‬فمرة قد يكون هذا‬
‫أفضل‪ ،‬ومرة الخر‪.‬‬
‫***‬
‫هذه الطريقة طريقة العداد‪ :‬الستيفاء‪ ،‬أو العرض جزئي‪ .‬يحسن أن نسميها‬
‫الطريقة العامة‪ ،‬وذلك لنفسح المجال لبيان الطريقة الخاصة للعداد‪ ،‬وهي‬
‫التي تصور شروط وأدوات إعداد الخطبة‪ ،‬كيف تكون؟‪.‬‬
‫وأهم نقطة فيها هو‪:‬‬
‫‪ -‬أن نفهم أن العداد الصحيح الجيد المؤثر المثمر‪ ،‬ل بد له من دافع يدفع‬
‫إليه‪ ،‬ويغري به‪ ،‬ويعين عليه‪ ،‬بدونه تفقد الخطبة أثرها وتأثيرها‪ ،‬وتكون جسدا‬
‫بل روح‪.‬‬
‫هذا الدافع يقوم على فكرة‪ :‬المعاناة‪.‬‬
‫ويفسرها المثل القائل‪" :‬ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة"‪] .‬مجمع‬
‫المثال لحمد الميداني النيسابوري ‪ ،2/200‬المستطرف في كل فن‬
‫مستظرف ‪[69‬‬
‫وأداتها‪ :‬الملحظة‪ ،‬والتأمل بعمق وتحليل‪ ،‬في الخبار والحوادث والحوال‬
‫التي تمر بالخطيب‪ ،‬في كل مكان‪.‬‬
‫وشرح هذه الفكرة ما يلي‪:‬‬
‫إن الغرض من الخطبة هو‪ :‬التأثير في القلوب والعقول‪ ،‬فمقصودها تحريك‬
‫العاطفة وإعمال العقل‪.‬‬
‫والخطيب ل يمكن له أن ينجح في ذلك‪ ،‬ما لم ينفعل قبل بالمر الذي يريد‬
‫الحديث عنه‪ ..‬لذا كان من الواجب عليه أل يخطب إل في أمر يشغل ‪ :‬قلبه‪،‬‬
‫وعقله‪ ،‬ونفسه‪ .‬حتى إنه ليتمثله في كل شيء يمر به‪ ،‬فيكون حديث نفسه‪،‬‬
‫ونطق لسانه‪ ،‬فإذا كان ذلك فقد وضع قدمه على الطريق‪ ،‬وسهل عليه ما‬
‫بعده‪.‬‬
‫قد يكون الخطيب مجيدا في اختيار الموضوع واستيفاء عناصره‪ ،‬لكن قد ل‬
‫يكون لكلمه الثر ما لم يعان موضوعه‪ ،‬ويعيش همومه وأحداثه‪ ،‬حتى ليمتنع‬
‫لجله من التمتع بالمباحات‪ ،‬لشتغال الخاطر والذهن‪.‬‬
‫‪ -‬لم كانت خطب النبي صلى الله عليه وسلم ذات تأثير فريد على القلوب‬
‫والعقل؟‪.‬‬
‫م دائم‬ ‫لنه كان على يقين بما يقول‪ ،‬وعلى قناعة تامة بالدعوة التي عليها‪ ،‬وه ّ‬
‫لتحقيق هدف معين‪.‬‬
‫والنسان إذا كان راسخ اليمان بفكرة وعقيدة ما‪ ،‬فكل ما يصدر منه من‬
‫كلم يشرح فيه فكرته وعقيدته‪ ،‬سيحمل معه سلطانه على القلوب‪ ،‬فيطرق‬
‫أبوابها‪ .‬ل‪ ،‬بل هي مفتحة تدخلها الكلمات بل استئذان‪.‬‬
‫إن كلمات الواثق تزلزل قلوب الغافلين‪..‬‬
‫فليست العبرة بتنميق العبارات‪ ،‬إنما العبرة بالصدق والثقة‪ ،‬وذلك ل يكون إل‬
‫من قلب جرحته الحقائق‪ ،‬حتى تركت أثرها فيه مدى الدهر‪..‬‬
‫إن الجرح الغائر إذا كان في البدن لم يمكن إخفاؤه‪ ،‬فإن قدر على ستره‪ ،‬لم‬
‫يقدر على كتم ألمه‪ ،‬فيبدو في وجهه وفي عينيه‪ ..‬وكذلك القلب إذا جرح لم‬
‫يمكن التكتم على ما فيه‪ ،‬ويستوي في هذا العامي والعالم‪ ،‬فهي ميزة تميز‬
‫بها النسان خاصة‪ ،‬دون النظر إلى موقعه‪ ،‬ومنزلته‪ ،‬وشأنه‪..‬‬

‫‪142‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫ويستوي في أصله المجروح بحقائق الدنيا والمجروح بحقائق الخرة‪ ،‬إنما‬


‫يتميز المجروح بحقائق الخرة بشرف ما جرح به‪ ،‬كالفرق بين من قاتل‬
‫سه القرح‪ ،‬لكن فاز‬ ‫للمغنم‪ ،‬ومن قاتل لتكون كلمة الله هي العليا‪ ،‬فكلهما م ّ‬
‫المخلص لله بالثواب‪ ،‬فلم يذهب ألمه سدى‪ ،‬بخلف المبتغي للدنيا‪ ،‬فل دنيا‬
‫نالها‪ ،‬ول آخرة حصل ثوابها‪ ،‬والخطيب بمنزلة من قاتل لتكون كلمة الله هي‬
‫العليا‪ ،‬وليس بمنزلة من قاتل للمغنم‪ ،‬فهو أولى بالمعاناة‪ ،‬لشرف ما يحمل‪،‬‬
‫ولنه يعلم من الحقائق ما ل يعلمه غيره من عامة الناس‪ ،‬روى الترمذي‬
‫بسنده عن أبي ذر قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪) :‬إني أرى ما‬
‫ل ترون‪ ،‬وأسمع ما ل تسمعون‪ ،‬أطت السماء وحق لها أن تئط‪ ،‬ما فيها‬
‫موضع أربع أصابع‪ ،‬إل وملك واضع جبهته‪ ،‬ساجدا لله‪ ،‬والله لو تعلمون ما‬
‫أعلم‪ ،‬لضحكتم قليل‪ ،‬ولبكيتم كثيرا‪ ،‬وما تلذذتم بالنساء على الفرش‪،‬‬
‫ولخرجتم إلى الصعدات‪ ،‬تجأرون إلى الله‪ ،‬لوددت أني كنت شجرة (‪] .‬في‬
‫الزهد‪ ،‬باب‪ :‬لو تعلمون ما أعلم[‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم يحمل النوع من المعاناة‪ ،‬فقد تركت أثرها‬
‫فيه‪ ،‬فبدت في كلماته‪ ،‬وحركاته‪ ،‬يقول الله تعالى يصف حاله مع المعاناة‬
‫الصلحية‪:‬‬
‫}قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم ل يكذبونك ولكن الظالمين بآيات‬
‫الله يجحدون* ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا حتى أتاهم‬
‫نصرنا ول مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين* وإن كان كبر‬
‫عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الرض أو سلما في السماء‬
‫فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فل تكونن من الجاهلين* إنما‬
‫يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون{‪.‬‬
‫ليست النائحة الثكلى‪ ،‬كالنائحة المستأجرة‪ ،‬وليس الخطيب الثكلن‪،‬‬
‫كالخطيب المستأجر‪..‬‬
‫فمن أراد لكلماته الثر في قلوب الناس‪ ،‬فليكن في كل ما يتكلم به‪:‬‬
‫‪ -‬كالنائحة الثكلى‪..‬‬
‫‪ -‬واليتيم الذي فقد أبويه‪..‬‬
‫‪ -‬والمظلوم المهضوم‪..‬‬
‫‪ -‬والمريض المتألم‪.‬‬
‫كل هؤلء يشكون بمرارة‪ ،‬ويصفون حالهم بحرارة‪ ،‬حتى يغرق السامع معهم‪،‬‬
‫فيعيش مأساتهم بنفسه‪ ،‬ويراها رأي العين‪ ،‬فكذلك يراد من الخطيب أن‬
‫يكون‪ ،‬حتى يعيش الناس كلماته وموضوعاته‪ ،‬كأنهم يرونها رأي العين‪.‬‬
‫***‬
‫‪ -‬قد يقول القائل‪ :‬علمنا أهمية المعاناة لنجاح الخطبة‪ ،‬فكيف نولدها في‬
‫نفوسنا؟‪.‬‬
‫وهذا سؤال مهم‪ ،‬وجوابه‪ :‬مختصر‪ ،‬ومفصل‪:‬‬
‫فأما المختصر فيقال فيه‪ :‬إن الهم والمعاناة في القلب يتولد من اليقين‬
‫بأمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬اليقين بأمر الخرة‪ ،‬من الموت‪ ،‬وما يتبعه من أهوال القيامة‪ ،‬والنعيم‬
‫للمتقين‪ ،‬والجحيم للمجرمين‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬اليقين بأمر الدعوة‪ ،‬بالعمل على استنقاذ الناس من عذاب الخرة‪،‬‬
‫شفقة‪ ،‬ورحمة‪ ،‬وخوفا عليهم‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فإذا تمكنا من القلب حضر الهم‪ ،‬وتحرك القلب‪ ،‬فنطق اللسان‪ ،‬وكتب القلم‪،‬‬
‫وحصل الثر‪.‬‬
‫وأما الجواب المفصل فيقال فيه‪:‬‬
‫ل يخلو النسان من الهموم‪ ،‬والهم همان‪ :‬هم الدنيا‪ ،‬وهم الخرة‪ .‬فمن سلم‬
‫من أحدهما لم يسلم من الخرة‪ ،‬والغافل من كانت همه الدنيا‪ ،‬أما العاقل‬
‫فهو من كانت همه الخرة‪ ،‬فالنسان بين هذين الهمين ول ثالث‪.‬‬
‫فإذا ثبت حصول الهم ولزومه للنسان كان من العقل والحكمة أن يكون‬
‫للخرة‪ ،‬إذ هو المطلوب وصاحبه محمود مثاب‪ ،‬روى المام أحمد وابن ماجة‬
‫بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫)من كانت همه الخرة‪ ،‬جمع الله شمله‪ ،‬وجعل غناه في قلبه‪ ،‬وأتته الدنيا‬
‫وهي راغمة‪ ،‬ومن كانت همه الدنيا‪ ،‬فرق الله عليه أمره‪ ،‬وجعل فقره بين‬
‫عينيه‪ ،‬ولم يأته من الدنيا إل ما كتب الله له(‪.‬‬
‫م الخرة يتولد ويتفرع هم الدعوة والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‬ ‫وعن ه ّ‬
‫وإصلح الناس‪ ،‬إذ من شغلته آخرته بالرغبة في الجنة والرهبة من النار‪،‬‬
‫وتعلم من دينه محبة الخير‪ ،‬وجد ميل إلى وصية الناس ونصحهم‪ ،‬حيث إن‬
‫يقينه بالخرة يشخصه في صورة النذير العريان‪ ،‬وفي صورة منذر الجيش‪،‬‬
‫يقول‪) :‬صبحكم‪ ،‬ومساكم(‪.‬‬
‫وحتما ل بد أن يجد من يهمل وصيته‪ ،‬ومن يعرض عنه‪ ،‬ومن يجادله‪ ،‬ومن‬
‫م في القلب‪ ،‬كاللم‬ ‫يعاديه‪ ،‬بجهل‪ ،‬وهذا حال البشر‪ ،‬لكن عنه يتولد ألم وه ّ‬
‫م يكون في قلب الب من ضلل ولده وغوايته‪ ،‬فإذا صار كذلك‪ ،‬تكبد‬ ‫واله ّ‬
‫القلب المعاناة والحرقة‪ ،‬فحصل الثر‪.‬‬
‫إذن‪ ،‬لمن أراد التأثير في الخرين فعليه‪ :‬أن يحمل هم دينه وآخرته‪ ،‬ويحمل‬
‫كذلك تبعا هم إصلح الناس وإرشادهم‪ ،‬فإذا حصل له ذلك‪ ،‬تفقت له آفاق‬
‫الكلمة‪ ،‬واقتدر على البداع‪ ،‬بل تكلف‪ ،‬فحصل التأثير المطلوب‪.‬‬
‫***‬
‫س الفكرة‪ ،‬ثم ما بعده إنما هي توجيهات يستكمل‬ ‫ذلك هو لب الموضوع‪ ،‬وأ ّ‬
‫بها الموضوع‪ ،‬فمن ذلك‪:‬‬
‫)‪ (1‬دوام القراءة في القرآن‪ ،‬فإنه ينير القلب‪ ،‬ويزكي النفس‪ ،‬ويخرج‬
‫الكلمات تحمل النور والزكاء‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫)‪ (2‬متابعة أحوال المسلمين في العالم‪ ،‬ودوام الطلع على ما يستجد من‬
‫الحوادث والخبار‪ ،‬فهذه العناية لها أثر حسن على إعداد الخطبة‪ ،‬فمن المهم‬
‫أن يكون الخطيب في دائرة الحدث…ومثله معرفته لحوال المجتمع والحي‬
‫الذي يقطن فيه‪ ،‬ومد الصلت بينه وبين السكان‪ ،‬والتعرف على مشكلتهم‪،‬‬
‫فإن هذا التعايش له أثر كبير في حسن إعداد الخطبة‪ ،‬خاصة إذا كانت تتعلق‬
‫بمشكلة تتعلق بالحي‪ ،‬فليس الخبر كالمعاينة‪ ،‬ومن يتغلغل في أوساط‬
‫الناس‪ ،‬فحديثه عنهم ليس كحديث المنعزل‪.‬‬
‫)‪ (3‬القراءة في تراجم الصالحين‪ ،‬من أنبياء وصحابة وتابعين ومن تبعهم‬
‫بإحسان‪ ،‬فإن لها أثر كبير في خشوع النفس ورقة القلب وزيادة اليمان‪،‬‬
‫وهي قوت الفكار والمعاني المؤثرة في القلوب‪.‬‬
‫)‪ (4‬ملك الخطيب أدوات الخطابة‪ ،‬من لغة سليمة‪ ،‬وعلم أصيل‪ ،‬فسلمة‬
‫اللغة وصدق المعلومة أصل في إعداد الخطب‪ ،‬فاللغة السليمة لها جرس في‬

‫‪144‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الذان‪ ،‬والمعلومة الصادقة تستقر في النفوس‪ ،‬وتزرع الثقة في القلوب‪.‬‬


‫)‪ (5‬القراءة في كتب الدب القديمة والحديثة‪ ،‬القديمة مثل‪ :‬عيون الخبار‬
‫وأدب الكاتب لبن قتيبة الدينوري‪ ،‬والبيان والتبيين للجاحظ‪ ،‬والعقد الفريد‬
‫لبن عبد ربه‪ ،‬والغاني لبي الفرج الصفهاني‪ ،‬والمالي لبي علي القالي‪،‬‬
‫ومؤلفات الدباء المعاصرين‪ ،‬كالرافعي والمنفلوطي والطنطاوي‪ ،‬وكذا الدعاة‬
‫البارزين الذين لهم كلمات عميقة المعنى في باب الدعوة مثل‪ :‬الستاذ سيد‬
‫قطب‪ ،‬والستاذ محمد قطب‪ ،‬والشيخ محمد الغزالي‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫)‪ (6‬اجتناب الكتب الصعبة في ألفاظها وأسلوبها‪ ،‬فإن تعابير النسان بنات‬
‫قراءاته‪ ،‬فإذا كانت قراءته في الكتب السهلة في أسلوبها‪ ،‬البليغة في‬
‫عباراتها‪ ،‬كانت تعابيره كذلك‪ ،‬وإذا كانت قراءاته في الكتب الصعبة في‬
‫أسلوبها‪ ،‬الغامضة في عباراتها‪ ،‬كانت تعابيره كذلك‪ ،‬والواجب أن تكون‬
‫الخطبة سهلة العبارة‪ ،‬مفهومة قريبة المعنى‪.‬‬
‫)‪ (7‬أن تكون فكرة الخطبة واضحة كالنهار‪ ،‬وكذا التعبير عنها‪.‬‬
‫)‪ (8‬عرض الخطبة قبل إلقائها على المختصين للتأكد من سلمتها وسهولتها‪.‬‬
‫)‪ (9‬مراعاة التسلسل المنطقي للفكرة المطروحة‪ ،‬وميزانه‪ :‬أن ل تنفذ فكرة‬
‫إلى أخرى إل بوساطة وجسر صحيح‪ ،‬ومن الخطأ القفز من فكرة إلى فكرة‬
‫بدون تلك الوساطة‪ ،‬فإن ذلك مما يغمض الكلم‪ ،‬ويبهم المعنى‪.‬‬
‫)‪ (10‬عدم التكرار في الفكار‪ ،‬فإن كان ول بد فمرتان‪ ،‬وضبط الجمل‬
‫والبحث عن أخصر التعابير‪ ،‬والبعد عن الشرح الممل الطويل‪.‬‬
‫)‪ (11‬الخطبة تتألف من مقدمة وموضوع وخاتمة‪ ،‬وللمقدمة أهمية كبرى‪،‬‬
‫وكذا الخاتمة‪ ،‬إذ هي المفتاح للدخول إلى الموضوع‪ ،‬فإذا أحسن كان‬
‫الموضوع محل عناية الحاضرين واهتمامهم‪ ،‬وهنا نحن بحاجة إلى الثارة‬
‫العلمية‪ ،‬التي تجذب السامع‪ ،‬وطرق الجذب متعددة‪ ،‬مثل البدء بقصة‪ ،‬أو‬
‫سؤال‪ ،‬أو التقاط أهم جملة في الموضوع والبدء به‪ ،‬وربما يكون بآية أو‬
‫حديث أو قول لعالم‪ ،‬كل ذلك بحسب الحوال‪ ،‬وعلى الخطيب أن يحسن‬
‫اختيار مادة البدء‪ ..‬وكذا الخاتمة‪ ،‬فإنها مهمة‪ ،‬ولعله من المناسب أن تكون‬
‫بإعادة ذكر أهم جملة أو فكرة في الموضوع‪ ،‬أو بذكر ملخص شديد لما ورد‬
‫في الخطبة‪ ،‬يستخدم فيها الحكم والمثال أو الجمل عميقة المعنى‪.‬‬
‫***‬
‫وللخطبة بعد كتابتها كتابة أولية عدة مراجعات‪:‬‬
‫‪ -‬فمراجعة أولى‪ :‬ينظر في‪ :‬جملها‪ ،‬وعباراتها‪ ،‬وصياغتها‪ .‬فيعدل ويصلح‬
‫ويحذف إن شاء‪ ،‬فهي لعادة النظر في الصياغة‪ ..‬وهي مراجعة لزمة‪ ،‬لكل‬
‫كاتب‪.‬‬
‫‪ -‬ومراجعة ثانية‪ :‬يكون فيها التصحيح الملئي والنحوي‪ ،‬وينصح الخطيب‬
‫بالتشكيل‪ ،‬كي يجتنب نسيان القاعدة النحوية‪ ،‬ومن ثم اللحن‪.‬‬
‫‪ -‬ومراجعة ثالثة‪ :‬لوضع الفواصل والنقاط‪ ،‬ولمعرفة الوقفات‪ ،‬وعلمات‬
‫الستفهام والتعجب‪ ،‬وهذا العداد مهم في تيسير فهم الخطبة‪ ،‬فاللقاء ل بد‬
‫أن يكون محكوما بهذه القواعد‪ ،‬ليحصل بها الغرض‪ ،‬من‪ :‬فهم الكلم‪،‬‬
‫واستيعابه‪ ،‬وتصوره‪ ،‬ومن الخطأ إلقاء الخطب بدونها‪.‬‬
‫‪ -‬ومراجعة رابعة‪ :‬يعد فيها الخطيب نفسه ويدربها على طريقة اللقاء‪ ،‬يلقي‬
‫الخطبة عدة مرات‪ ،‬والفضل أن يحفظها‪ ،‬ويتدرب على إلقائها مرتجل‪ ،‬ليس‬
‫لنه يلزم أن يلقيها من على المنبر كذلك‪ ،‬كل‪ ،‬بل ليكون مدركا لما يأتي من‬
‫الجمل التي يقرأها‪ ،‬فيفهم ما يقول قبل أن يقول‪ ،‬فذلك أدعى للتفاعل مع‬
‫الخطبة‪.‬‬

‫‪145‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تلك هي طائفة من الوصايا لنتاج خطبة ناجحة‪ ،‬ول أزعم أني أحط‬
‫بالموضوع‪ ،‬ولم يكن ذلك همي‪ ،‬وإنما همي فتح الطريق أمام راغب في‪ :‬تعلم‬
‫كيفية إعداد خطبة ناجحة‪ ..‬والله الموفق‪.‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫تحاكم المسلم على القانون البريطاني‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬العقائد والمذاهب الفكرية‪ /‬نواقض اليمان‪/‬الحكم بغير‬
‫ما أنزل الله‬
‫التاريخ ‪24/09/1425 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫إخوتي الكرام‪ :‬أفيدكم بأنني أعمل في إحدى الشركات‪ ،‬وقد بدأنا التفاوض‬
‫مع إحدى الشركات العالمية الكبرى لتقديم خدمات فنية لنا لمدة سنتين‬
‫تقريبا‪ ،‬وبمبلغ مليون ونصف‪ ،‬وعند المراجعة أصّروا على أن يكون التحاكم‬
‫عند الختلف إلى القانون البريطاني‪ ،‬ووقعت هذه التفاقية‪ ،‬ولقد تم العمل‬
‫بالتفاقية الن‪ ،‬ولكني سمعت أحد المشايخ يقول إن هذا من مبدأ التحاكم‬
‫إلى غير الله‪ ،‬والله لقد أثرت علي كثيًرا‪ ،‬وأنا مهموم لذلك‪ ،‬وأنا الن أريد‬
‫منكم أن تدلوني على حكم ما قمت به‪ ،‬وكيف التعامل مع مثله في‬
‫المستقبل؟ ولكم جزيل الشكر‪.‬‬
‫الجواب‬
‫التحاكم ابتداء إلى القوانين الوضعية الكافرة ل يجوز للمسلم القدام عليه‬
‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬‫بحال‪ ،‬لنه حكم بغير ما أنزل أو رضا به والله يقول‪) :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ما أن َْز َ‬
‫ل‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ْ‬‫ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫نل ْ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن(]المائدة‪ :‬من الية ‪) .[45‬وَ َ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬‫م ال ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَُأول َئ ِ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬‫ما أن َْز َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن(]المائدة‪ :‬من الية ‪) .[44‬وَ َ‬ ‫كافُِرو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَأول َئ ِ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ه فَأول َئ ِ َ‬
‫ن(]المائدة‪ :‬من الية ‪ .[47‬ويقول سبحانه‪َ) :‬فل وََرب ّ َ‬
‫ك‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ما‬‫م ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫حَر ً‬ ‫م َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫دوا ِفي أن ْ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ثُ ّ‬
‫م ل يَ ِ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ْ‬‫ش َ‬‫ما َ‬‫ك ِفي َ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ل ي ُؤْ ِ‬
‫ما(]النساء‪ .[65:‬فالتنازع عند الختلف ل يجوز أن يكون‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ُ‬‫ّ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫ضي ْ َ‬ ‫قَ َ‬
‫إل إلى شرع الله سبحانه‪ ،‬وإذا كنت أبرمت العقد مع الشركة الجنبية جهل ً‬
‫منك بالحكم الشرعي فعليك التوبة من ذلك وعفا الله عما سلف‪ ،‬ول يجوز‬
‫دا‪ ،‬سواء في الشركة التي تعمل بها أو في شركات‬ ‫لك أن تعود إلى مثله أب ً‬
‫أخرى كسابك أو غيرها‪ ،‬ويلزمكم الوفاء بالعقد مدة سريانه لوجود الجهل‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫بالحكم عند العقد وتحقق الضرر لو نقض‪ ،‬يقول الله تعالى‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م إ َِلى‬ ‫َ‬ ‫مُنوا أ َوُْفوا ِبال ْعُ ُ‬
‫م عَهْد َهُ ْ‬ ‫موا إ ِل َي ْهِ ْ‬ ‫قوِد(]المائدة‪ :‬من الية ‪ .[1‬ويقول‪) :‬فَأت ِ ّ‬ ‫آ َ‬
‫ن(]التوبة‪ :‬من الية ‪ .[4‬وقال عمر بن الخطاب‪،‬‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ْ‬
‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫مد ّت ِهِ ْ‬ ‫ُ‬
‫قا )كتاب‬ ‫ط‪ .‬رواه البخاري تعلي ً‬ ‫ق عند َ الشرو ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحقو‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ط‬ ‫مقا‬ ‫َ‬ ‫إن‬ ‫عنه‪:‬‬ ‫الله‬ ‫رضي‬
‫الشروط‪ ،‬باب‪ :‬الشروط في المهر عند عقد النكاح(‪ .‬فالوفاء بالشروط‬
‫والعقود يشمل ما كان بين المسلمين بعضهم مع بعض‪ ،‬أو مع الكفار‪ ،‬ثم إن‬
‫التحاكم إلى القانون البريطاني في هذه المسألة‪ ،‬أمر مظنون وغير مؤكد‪،‬‬
‫حيث من المحتمل أل يقع خلف بين الشركتين‪ ،‬وإذا كان لم يحصل تحاكم‬
‫ل‪ ،‬وهذه جمل مبررات بقاء العقد إلى مدته وعدم نقضه‪ ،‬أما مبدأ التحاكم‬ ‫أص ً‬
‫إلى القانون الوضعي وقبوله والرضا به فقد سبق بيانه‪ .‬والله أعلم‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تحاكم المسلمين إلى المحاكم الوضعية‬


‫المجيب ‪ ...‬أ‪.‬د‪ .‬سعود بن عبدالله الفنيسان‬
‫عميد كلية الشريعة بجامعة المام محمد بن سعود السلمية سابقا ً‬
‫التصنيف ‪ ...‬الفهرسة‪ /‬العقائد والمذاهب الفكرية‪ /‬نواقض اليمان‪/‬الحكم بغير‬
‫ما أنزل الله‬
‫التاريخ ‪05/07/1425 ...‬هـ‬
‫السؤال‬
‫السلم عليكم و رحمة الله و بركاته‪.‬‬
‫أنا إمام مسجد في إحدى البلد الغربية‪ ،‬وقد سألني بعض الخوة عن حكم‬
‫رفع الخصومات إلى محاكم الكفار الطاغوتية‪ ،‬فنقلت الفتوى بجواز ذلك إذ ل‬
‫يمكن استرجاع الحق إل به‪ ،‬مما أدى إلى إثارة الفتنة؛ لن البعض هنا يرى أنه‬
‫ل يجوز ويخرج من الملة على كل حال‪ ،‬أفيدونا جزاكم الله خيرا ً بأدلة و‬
‫تفصيل‪ ،‬وإشارة إلى المراجع والمصادر حتى نطفئ نيران الفتنة‪ .‬والسلم‬
‫عليكم‪.‬‬
‫الجواب‬
‫إذا كانت الخصومة والخلف بين المسلمين في بلد ل تحكم إل بالطاغوت‪،‬‬
‫)الحكم بغير ما أنزل الله(‪ ،‬فل يجوز للمتخاصمين أن يتقدما بقضيتهما ابتداء‬
‫كما بينهما طرفا ً ثالثا ً‬ ‫إلى قضاء ذلك البلد‪ ،‬بل يتعين عليهما أن يتصالحا أو يح ّ‬
‫ذر‬‫مسلما ً يرتضيانه ونحو ذلك‪ ،‬أما إذا كان أحدهما مسلما ً والخر كافرًا‪ ،‬ويتع ّ‬
‫ض غير مسلم فل بأس للمسلم‬ ‫حصول المسلم على حق إل بالرفع إلى قا ٍ‬
‫حينئذ بالترافع إلى القضاء الوضعي‪ ،‬ل من باب الرضاء بقضاء الكفار ول ما‬
‫يحكمون به‪ ،‬وإنما لستخلص الحق لصاحبه‪ ،‬ويدل على جواز ذلك أمور منها‪:‬‬
‫)‪ (1‬وجوب حفظ المال والعرض وسائر الحقوق‪ ،‬والذي دلت عليه نصوص‬
‫القرآن والسنة مما هو معلوم لكل مسلم‪ ،‬والتفريط بهذه الحقوق إثم‪.‬‬
‫)‪ (2‬لما كان المسلمون في العهد المكي مستضعفين كانوا يتعاملون‬
‫ويتحاكمون في حفظ حقوقهم المالية وغيرها وفق العراف والتقاليد العربية‬
‫الجاهلية مما لم ينزل فيه حكم شرعي‪ ،‬ويدل على ذلك نصوص كثيرة من‬
‫خت َي ْن إ ِلّ‬ ‫ُْ‬ ‫َ‬
‫ن ال ْ ِ‬ ‫مُعوا ب َي ْ َ‬ ‫ج َ‬‫ن تَ ْ‬ ‫القرآن الكريم‪ ،‬كالجمع بين الختين قبل التحريم "وَأ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫عظ َ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫جاَءه ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف"]النساء‪ :‬من الية ‪ ،[23‬وفي أكل الربا‪" :‬فَ َ‬ ‫سل َ َ‬ ‫ما قَد ْ َ‬ ‫َ‬
‫ف"]البقرة‪ :‬من الية ‪.[275‬‬ ‫سل َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫َرب ّهِ َفان ْت ََهى فَل ُ‬
‫ول شك أن العلة في جواز ذلك في هذه المسائل ونحوها هو ضعف‬
‫المسلمين وقلتهم أمام الكفار‪ ،‬فالله قادر على أن ينزل أحكامه التفصيلية‬
‫مبكرة في عهد الستضعاف‪ ،‬ولكنه سبحانه لم يفعل ذلك رحمة بعباده‪،‬‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫جعَل َهُ ْ‬
‫م‬ ‫ض وَن َ ْ‬ ‫فوا ِفي الْر ِ‬ ‫ضعِ ُ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن عََلى ال ّ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ن نَ ُ‬ ‫ريد ُ أ ْ‬ ‫َولحكمة يعلمها "وَن ُ ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ض"]القصص‪.[6-5:‬‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫مك َ‬‫ّ‬ ‫ن وَن ُ َ‬ ‫وارِِثي َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫جعَل َهُ ُ‬ ‫ة وَن َ ْ‬ ‫م ً‬‫أئ ِ ّ‬
‫)‪ (3‬إن الحكم بشرع الله تحت ولية الكفار اضطرارا ً جائز شرعا ً لستخلص‬
‫الحق ورفع الظلم عن المظلوم وإنما المحرم عكسه‪ ،‬وهو أن يتحاكم الناس‬
‫إلى الطاغوت وهم يستطيعون أن يتحاكموا إلى شرع الله‪ ،‬فقد قال الله في‬
‫اليهود والنصارى في قوله‪" :‬أ َل َم تر إَلى ال ّذي ُ‬
‫ن‬‫مُنو َ‬ ‫ب ي ُؤْ ِ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫صيبا ً ِ‬ ‫ن أوُتوا ن َ ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ ََ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫سِبي ً‬
‫ل"‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬ ‫دى ِ‬ ‫ؤلِء أهْ َ‬ ‫فُروا هَ ُ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ت وَي َ ُ‬ ‫غو ِ‬ ‫طا ُ‬ ‫ت َوال ّ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫ِبال ْ ِ‬
‫مُنوا‬ ‫]النساء‪ ،[50:‬ويقول عن المنافقين‪" :‬أ َل َم تر إَلى ال ّذين يزعُمو َ‬
‫مآ َ‬ ‫ن أن ّهُ ْ‬ ‫ِ َ َْ ُ َ‬ ‫ْ ََ َ ِ‬
‫ت وَقَد ْ‬ ‫غو ِ‬ ‫ّ‬
‫موا إ ِلى الطا ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫حاك ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ك يُ ِ‬‫ن قَب ْل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫ك وَ َ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما أ ُن ْزِ َ‬ ‫بِ َ‬

‫‪147‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ضلل ً ب َِعيدًا" ]النساء‪.[60:‬‬ ‫طا َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬


‫م َ‬ ‫ضل ّهُ ْ‬‫ن يُ ِ‬‫نأ ْ‬ ‫شي ْ َ ُ‬‫ريد ُ ال ّ‬ ‫ن ي َك ْ ُ‬
‫فُروا ب ِهِ وَي ُ ِ‬ ‫مُروا أ ْ‬
‫أ ِ‬
‫وقد كان فضيلة الشيخ العلمة محمد المين الشنقيطي صاحب )أضواء‬
‫البيان(‪ ،‬يتعامل مع الحاكم الفرنسي في بلده في الحكم في الدماء على‬
‫وفق الشريعة‪ ،‬فقد كان الفرنسي في موريتانيا يحكم بالقصاص في القتل‪،‬‬
‫وبعد محاكمة ومرافعة طويلتين يصدر الحكم‪ ،‬ول ينفذ حتى يقره عالمان من‬
‫علماء البلد‪ ،‬كان الشيخ الشنقيطي – رحمه الله‪ -‬أحدهما‪ ،‬وخلصة القول أن‬
‫ما فعله السائل جائز‪ ،‬ما دام ل يمكن التصالح ول تحكيم مسلم بين الخصمين‬
‫المتنازعين‪ ،‬ول يمكن استرجاع الحق إل بالذهاب إلى المحكمة التي تحكم‬
‫بالقانون الوضعي‪ ،‬فهذا من باب الضطرار والضرورة الشرعية‪ ،‬ول يجوز‬
‫التنازع والختلف بعد بذل السباب الممكنة‪ ،‬ل سيما وأنكم تعيشون بين‬
‫حك ُ ْ‬
‫م"]النفال‪:‬‬ ‫شُلوا وَت َذ ْهَ َ‬
‫ب ِري ُ‬ ‫ف َ‬‫عوا فَت َ ْ‬‫ظهراني الكفار‪ ،‬والله يقول‪َ" :‬ول ت ََناَز ُ‬
‫من الية ‪ .[46‬والله أعلم‪ ،‬وصلى على نبينا محمد‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تحجبت فهددها زوجها بالطلق‬


‫السؤال ‪:‬‬
‫ما نصيحتكم لمرأة تحجبت فهددها زوجها بالطلق و أصبح يخرج من البيت‬
‫كثيرا ً و يقاطعها ؟‬
‫الجواب ‪:‬‬
‫أقول مستعينا ً بالله تعالى ‪ :‬ل شك أن الدنيا دار ابتلء و اختبار ‪ ،‬و العاقبة‬
‫صب َُروا َو‬
‫ن َ‬
‫ذي َ‬‫ها ِإل ال ّ ِ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬
‫قا َ‬ ‫لمن اتقى ‪ ،‬و من سلك سبيل الجنة فليعلم أنه ) َ‬
‫ن سلعة‬ ‫ن ) سلعة الله غالية ‪ ،‬أل إ ّ‬ ‫ظيم ٍ ( ‪ ،‬و ذلك ل ّ‬ ‫ح ّ‬
‫ظ عَ ِ‬ ‫ها ِإل ُذو َ‬ ‫ما ي ُل َ ّ‬
‫قا َ‬ ‫َ‬
‫الله الجّنة ( ‪.‬‬
‫و من أصعب صنوف البتلء التي يتعرض لها العباد في الحياة ؛ ما يلحقهم‬
‫بسبب إقبالهم على ربهم و التزامهم بدينهم ؛ و من هذا القبيل ما ورد في‬
‫السؤال من تعرض المرأة للظلم و الجور و التطاول بالظلم و العدوان عليها‬
‫من قبل من وله الله أمرها ‪ ،‬و جعله أقرب الناس إليها ؛ و هو الزوج ‪ ،‬و في‬
‫هذه الحال ل بد من التأكيد على ثلثة أمور تجب مراعاتها مجتمعة على من‬
‫ابتليت بالصد عن سبيل الله من قبل أقرب الناس إليها ‪:‬‬
‫المر الول ‪ :‬وجوب طاعة الزوج على زوجته ‪ ،‬و مراعاة حقة في القوامة ‪ ،‬و‬
‫حفظ حقوقه من الضياع أو التفريط أو التفويت ‪.‬‬
‫روى أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪ ) :‬إذا صلت المرأة خمسها و صامت‬
‫شهرها و حفظت فرجها و أطاعت زوجها قيل لها ‪ :‬ادخلي من أي أبواب‬
‫الجنة شئت ( ‪ .‬و روى نحوه ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله‬
‫عنه ‪.‬‬
‫و معنى هذا الحديث كما بينه المام المناوي في فيض القدير ‪ ) :‬إذا صلت‬
‫المرأة خمسها ( المكتوبات الخمس ) و صامت شهرها ( رمضان غير أيام‬
‫الحيض إن كان ) و حفظت ( و في رواية أحصنت ) فرجها ( عن الجماع‬
‫المحرم و السحاق ) و أطاعت زوجها ( في غير معصية ) دخلت ( لم يقل‬
‫تدخل إشارة إلى تحقق الدخول ) الجنة ( إن اجتنبت مع ذلك بقية الكبائر أو‬
‫عفي عنها ‪.‬اهـ‪.‬‬ ‫تابت توبة نصوحا ً أو ُ‬
‫المر الثاني ‪ :‬أن حقوق الله أولى بالداء ‪ ،‬و اللتزام بشرعه واجب متعين‬

‫‪148‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مد ٍ صلى الله عليه و سلم‬ ‫على من رضي بالله ربا ً و بالسلم دينا ً ‪ ،‬و بمح ّ‬
‫نبيا ً ‪ ،‬ل يسع أحد الخروج عنه ‪ ،‬و ل التفريط فيه ‪ ،‬و ليس لحدٍ أن يمنعه من‬
‫ذلك ‪ ،‬و من منعه فله حظ من الوعيد الشديد لمن يصدون عن سبيل الله ‪ ،‬و‬
‫مثله كمثل ) الذي ينهى عبدا ً إذا صلى ( ‪.‬‬
‫و من منع عبدا ً من عباد الله من القيام بما افترضه عليه موله ‪ ،‬فالمانع متعدٍ‬
‫ده ‪ ،‬محاد ّ لله و رسوله ‪ ،‬و ل حق له في الطاعة و ل المتابعة فيما أراد من‬ ‫لح ّ‬
‫فعل المحظور أو ترك المأمور ‪ ،‬بل تجب مخالفته ‪ ،‬و يحرم اتباع هواه ‪ ،‬أو‬
‫ن‬
‫ق في معصية الخالق ‪ ،‬و لك ّ‬ ‫ة لمخلو ٍ‬ ‫طاعته فيما أمر به أو أمله ؛ إذ ل طاع َ‬
‫الطاعة في المعروف ‪.‬‬
‫ي‬
‫ن الن ّب ِ ّ‬
‫ي رضي الله عنه أ ّ‬ ‫ن عَل ِ ّ‬ ‫روى الشيخان و أبو داود و النسائي و أحمد ع ْ‬
‫ف(‪.‬‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ْ‬
‫ة ِفي ال َ‬ ‫طاعَ ُ‬‫ما ال ّ‬‫ل ‪ ) :‬إ ِن ّ َ‬‫صلى الله عليه و سلم َقا َ‬
‫ً‬
‫المر الثالث ‪ :‬أن على من أقبل على الله تائبا أن يتيقن من أن طريق الجنة‬
‫لن يكون مفروشا ً بالورود و الرياحين ‪ ،‬بل هو على العكس من ذلك ؛ ملؤه‬
‫حن ‪ ،‬فقد روى الشيخان و أحمد و الترمذي عن أنس‬ ‫م َ‬‫الشدائد و البليا و ال ِ‬
‫بن مالك رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ‪:‬‬
‫فت النار بالشهوات ( ‪ ،‬و في رواية عند البخاري‬ ‫ح ّ‬
‫كاِره ‪ ،‬و ُ‬ ‫م َ‬
‫فت الجنة بال َ‬ ‫ح ّ‬‫) ُ‬
‫كارِهِ ( ‪.‬‬ ‫ة ِبال َْ‬
‫م َ‬ ‫ن‬
‫َ ّ ُ‬‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ج‬‫ح‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫وا‬ ‫ه‬‫ش‬ ‫ّ‬ ‫بال‬ ‫ر‬‫نا‬‫ال‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫ح‬ ‫)‬ ‫ة‬ ‫ر‬‫ي‬ ‫ر‬
‫ُ َ َْ َ‬ ‫ه‬ ‫بي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫عن‬
‫َ َ ِ َ ُ ِ َ ْ‬ ‫ُ ِ َ ْ ّ ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫قال المام النووي في شرح صحيح مسلم ‪ :‬معناه ‪ :‬ل يوصل إلى الجنة إل‬
‫بارتكاب المكاره ‪ .‬و ل يوصل إلى النار إل بالشهوات ‪ ،‬و كذلك هما محجوبتان‬
‫بهما – أي بالمكاره و الشهوات ؛ فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب ‪،‬‬
‫فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره ‪ .‬و هتك حجاب النار بارتكاب الشهوات‬
‫‪.‬اهـ ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫و روى النسائي و الترمذي بإسناد قال عنه ‪ :‬حسن صحيح ‪ ،‬عن أبي هريرة‬
‫ة وَ الّناَر‬ ‫جن ّ َ‬ ‫خل َقَ الله ال ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫عن رسول الّله صلى الّله عليه وسلم قال ‪ ) :‬ل َ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت لهْل َِها ِفيَها ‪،‬‬ ‫ما أعْد َد ْ ُ‬ ‫ل ‪ :‬ان ْظ ُْر إ ِل َي َْها وَ إ َِلى َ‬ ‫قا َ‬ ‫جن ّةِ ‪ ،‬فَ َ‬ ‫ل إ َِلى ال َ‬ ‫جب َْري َ‬ ‫ل ِ‬ ‫س َ‬ ‫أْر َ‬
‫جعَ إ ِل َي ْهِ ‪ ،‬قا َ‬
‫ل‬ ‫ل فََر َ‬ ‫ما أ َعَد ّ الله ل َهْل َِها ِفيَها ‪ ،‬قا َ‬ ‫ها وَ ن َظ ََر إ ِل َي َْها وَ إ َِلى َ‬ ‫جاَء َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جعْ‬‫ل ‪ :‬اْر ِ‬ ‫قا َ‬ ‫كاِره ‪ ،‬فَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِبال َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ح ّ‬‫مَر ب َِها فَ ُ‬ ‫خل ََها ‪ ،‬فَأ َ‬ ‫حد ٌ ِإل د َ َ‬ ‫معُ ب َِها أ َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ل َ يَ ْ‬ ‫عّزت ِ َ‬ ‫فَوَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ي قَد ْ‬ ‫جعَ إ ِل َي َْها فَإ َِذا هِ َ‬ ‫ل فََر َ‬ ‫ت لهْل َِها ِفيَها ‪ ،‬قا َ‬ ‫ما أعْد َد ْ ُ‬ ‫إ ِل َي َْها َفان ْظ ُْر إ ِل َي َْها وَ إ َِلى َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫حد ٌ ‪.‬‬ ‫خل ََها أ َ‬ ‫ن ل َ ي َد ْ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫ف ُ‬‫خ ْ‬ ‫قد ْ ِ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫عّزت ِ َ‬‫ل ‪ :‬وَ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫جعَ إ ِل َي ْهِ ‪ .‬فَ َ‬ ‫كارِهِ ‪ ،‬فََر َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِبال َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ُ‬
‫ي‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ها‬ ‫في‬ ‫ها‬ ‫ل‬ ‫ه‬‫ل‬ ‫ت‬ ‫د‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫إ‬ ‫ر‬ ‫ُ‬ ‫ظ‬ ‫ن‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫ب‬ ‫ه‬‫ْ‬ ‫ذ‬ ‫ا‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬
‫ِ ِ َ‬ ‫َ ْ ُ ِْ َِ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ ِ ْ ْ ِ َْ َ ِ‬ ‫َ ْ ِ‬
‫خل َُها ‪،‬‬ ‫ك ل َ يسمع بها أ َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫حد ٌ فَي َد ْ ُ‬ ‫َ ْ َ ُ َِ َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ز‬
‫َ ِ ّ ِ‬ ‫ع‬ ‫و‬ ‫ل‪:‬‬‫َ‬ ‫قا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫ل‬
‫َ َ َ ِ ْ ِ‬‫إ‬ ‫ع‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪،‬‬ ‫ا‬‫عض‬ ‫ضَها َ ْ‬
‫ب‬ ‫ب ب َعْ ُ‬ ‫ي َْرك َ ُ‬
‫جعَ إ ِل َي َْها ‪ ،‬فَ َ‬ ‫َ‬
‫عّزت ِ َ‬
‫ك‬ ‫ل ‪ :‬وَ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫جعْ إ ِل َي َْها فََر َ‬ ‫ل ‪ :‬اْر َ‬ ‫قا َ‬ ‫ت ‪ ،‬فَ َ‬ ‫وا ِ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ت ِبال ّ‬ ‫ف ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫مَر ب َِها فَ ُ‬ ‫فَأ َ‬
‫خل ََها ( ‪.‬‬ ‫حد ٌ إ ِل ّ د َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫لَ َ‬
‫من َْها أ َ‬ ‫جو َ ِ‬ ‫ن ل َ ي َن ْ ُ‬ ‫تأ ّ‬ ‫شي ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫قد ْ َ‬
‫مقِبل على الله بالتوبة ‪ ،‬و المتقرب إليه بالمستحبات ‪ ،‬أن ما‬ ‫فإذا علم ال ُ‬
‫يعترضه من بلء في سبيله أمر مقدر محتوم ‪ ،‬ل محيص عنه ‪ ،‬و ل ملذ منه ‪،‬‬
‫مات ‪ ،‬و‬ ‫مل ِ ّ‬‫استحلى في سبيله المرارات ‪ ،‬و استعذب الشدائد و المصائب و ال ُ‬
‫ض في غَُرف الجنات ‪.‬‬ ‫مضى على السبيل بثبات ‪ ،‬حتى يلقَ الله و هو عنه را ٍ‬
‫هذا ؛ و بعد التمهيد بما تقدم أقول للخت السائلة ‪ :‬اثبتي على ما وفقك الله‬
‫دي على عقبيك فتكوني‬ ‫و هداك إليه من الخير و الهدى و الرشاد ‪ ،‬و ل ترت ّ‬
‫من الخاسرين ‪ ،‬و التمسي رضا زوجك في رضا الله ‪ ،‬و ل تلتمسي رضا الله‬
‫في رضا زوجك ‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫و اعلمي أنك قد تتعرضين لصنوف البلء من الزوج و القربين و المجتمع ‪،‬‬


‫فاسألي الله الثبات ‪ ،‬و حاولي التودد إلى من أساء إليك ‪ ،‬و خاصة الزوج ‪،‬‬
‫بما أوتيت من قدرة على تلطيف موقفه ‪ ،‬و إقناعه باللتزام بشرائع السلم و‬
‫ن َروِْح‬ ‫َ‬
‫م ْ‬
‫س ِ‬
‫ه ل ي َي ْأ ُ‬
‫ت بخير ‪ ،‬و ) إ ِن ّ ُ‬
‫أحكام الدين ‪ ،‬و ل تيأسي فإن اليأس ل يأ ِ‬
‫م ال َ‬
‫كافُِرون ( ‪.‬‬ ‫الل ّهِ ِإل ال ْ َ‬
‫قو ْ ُ‬
‫فإن وفقت إلى الجمع بين الحسنيين ؛ إرضاء الله تعالى و عدم إسخاط‬
‫الزوج أو استعداء المجتمع ‪ ،‬فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ‪ ،‬و الله ذو‬
‫الفضل العظيم ‪.‬‬
‫و إن عجزت عن التوفيق بين المرين فقدمي مرضاة الله على ما سواها ‪ ،‬و‬
‫إن أوذيت في الله فإن في ذلك – إن صبرت عليه – رفعا ً لدرجاتك ‪ ،‬و تكفيرا ً‬
‫وضه الله خيرا ً‬ ‫لسيئاتك ‪ ،‬و ما عند الله خيٌر و أبقى ‪ ،‬و من ترك شيئا ً لله ع ّ‬
‫منه ‪.‬‬
‫هذا و الله الهادي إلى سواء السبيل ‪ ،‬و بالله التوفيق ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫‪...‬‬
‫تحديات السرة المسلمة‬
‫رئيسي ‪:‬السرة والمجتمع ‪:‬‬
‫يتناول الدرس التحديات المفروضة على السرة المسلمة لتفكيكها حتى ل‬
‫تؤدي دورها كما أمرها الله عزوجل ‪ .‬وهذه التحديات إما أنها من داخل‬
‫السرة أو من خارجها ثم إنها أنواع مختلفة تتطلب معرفة ودراية بها ومن هنا‬
‫كان هذا الدرس شارحا لهذه التحديات ومبينا ً كيفية التغلب عليها والصمود‬
‫في وجهها حتى تؤدي السرة دورها ‪.‬‬
‫مقدمة ‪:‬‬
‫ع‬
‫ض ُ‬ ‫س يَ َ‬ ‫ن إ ِب ِْلي َ‬ ‫م‪ ] :‬إ ِ ّ‬ ‫سل َ‬‫ّ‬ ‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل اللهِ َ‬ ‫ّ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫عرش إبليس ‪َ :‬قا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جيُء‬ ‫ة يَ ِ‬ ‫م فِت ْن َ ً‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ة أعْظ ُ‬ ‫من ْزِل ً‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫م ِ‬ ‫سَراَياه ُ فَأد َْناهُ ْ‬ ‫ث َ‬ ‫ماِء ث ُ ّ‬
‫م ي َب ْعَ ُ‬ ‫ه عََلى ال ْ َ‬ ‫ش ُ‬ ‫عَْر َ‬
‫َ‬ ‫شي ًْئا َقا َ‬ ‫ذا فَي َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫حد ُهُ ْ‬ ‫جيُء أ َ‬ ‫م يَ ِ‬‫ل ثُ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫صن َعْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ذا وَك َ‬ ‫تك َ‬ ‫ل فَعَل ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫م فَي َ ُ‬ ‫حد ُهُ ْ‬ ‫أ َ‬
‫م‬
‫ل ن ِعْ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه وَي َ ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل فَي ُد ِْنيهِ ِ‬ ‫مَرأ َت ِهِ َقا َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ه وَب َي ْ َ‬ ‫ت ب َي ْن َ ُ‬ ‫حّتى فَّرقْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ما ت ََرك ْت ُ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫قو ُ‬ ‫فَي َ ُ‬
‫ت[ رواه مسلم وأحمد ‪ .‬هذا الحديث يدل على أن من أهم أهداف الشيطان‬ ‫َ‬
‫أن ْ َ‬
‫هو تفريق السرة بشكل عام‪ ،‬والسرة المسلمة بشكل خاص ‪.‬‬
‫يوسف عليه السلم يدرك هدف إبليس‪ :‬لقد أدرك يوسف عليه السلم هدف‬
‫الشيطان في تحطيم السرة المسلمة في نهاية المطاف‪ ،‬فقال لبيه بعد أن‬
‫قا وَقَد ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫جعَل ََها َرّبي َ‬ ‫ل قَد ْ َ‬ ‫ن قَب ْ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ُرؤَْيايَ ِ‬ ‫ذا ت َأ ِْوي ُ‬ ‫رفع أبويه على العرش‪ {:‬هَ َ‬
‫َ‬ ‫ن ِبي إ ِذ ْ أ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ن ََزغَ‬ ‫ن ب َعْد ِ أ ْ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْب َد ْوِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫جاَء ب ِك ُ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬‫جِني ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫م]‬ ‫كي ُ‬‫ح ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه هُوَ ال ْعَِلي ُ‬ ‫شاُء إ ِن ّ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ف لِ َ‬ ‫طي ٌ‬ ‫ن َرّبي ل َ ِ‬ ‫خوَِتي إ ِ ّ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫ن ب َي ِْني وَب َي ْ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫‪'} [100‬سورة يوسف'‪.‬‬
‫فيوسف عليه السلم هنا يدرك أن الشيطان هو الذي كان سبًبا في النزاع‬
‫الذي حدث بينه وبين إخوته من إلقائه في الجب‪ ،‬ومن تسبب في غربته في‬
‫بلد بعيد عن بلده‪ ،‬يباع فيه بيع العبيد‪ ،‬ويتهم فيه بتهمة هو برئ منها ويسجن‬
‫ما ‪ ..‬فيوسف في نهاية المطاف يدرك كيف نزغ الشيطان‬ ‫على أثرها ظل ً‬
‫وفرق بينهم‪ ،‬ويحمد ربه على جمع السرة مرة ثانية‪ ،‬أبويه مع إخوته وقد غفر‬
‫لهم ‪.‬‬
‫نتائج التحدي السلبية ‪ :‬أي النتائج لما تعانيه السرة المسلمة من تحديات‬

‫‪150‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الباطل لها‪ ،‬وهي خمسة نتائج رئيسة ‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ تهتك الصلة بين الب والبناء‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ تهتك الصلة بين الم والبناء‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ تهتك الصلة بين الب والم‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ تهتك الصلة بين البناء أنفسهم ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ تهتك الصلة بين البناء والبوين مًعا ‪.‬‬
‫تعريفات لبد منها‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬معنى التحدي‪ :‬هو الشعور بالمكانات البشرية‪ ،‬أو المادية‪ ،‬أو الفكرية‪،‬‬
‫والتي تدفع صاحبها لمنازلة خصمه إما بطريقة مباشرة‪ ،‬أو غير مباشرة؛‬
‫لثبات قوته على خصمه‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬السرة‪ :‬السرة هي التي تتكون من ثلثة عناصر رئيسة هي‪ :‬الب والم‬
‫والبناء ‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬السرة المسلمة‪ :‬فهناك فرق بين السرة المسلمة وغيرها‪ ،‬فالسرة‬
‫المسلمة تحاول بكل ما تستطيع أن تصبغ حياتها بالصبغة السلمية‪ ،‬وأن‬
‫تعيش حياة إسلمية كاملة‪ ،‬خالية من تأثيرات الجاهلية الداخلية والخارجية‪.‬‬
‫تلك السرة التي قررت أن تسلك الطريق الصحيح مهما يعقب هذا القرار‬
‫من نتائج‪ ،‬تواجه تحديات؛ لن الثبات على هذا الطريق لبد له من نتائج أو‬
‫شا بالورد‪ ،‬إنما هو طريق صعب‪،‬‬ ‫عواقب‪ ،‬ذلك لن هذا الطريق ليس مفرو ً‬
‫صّلى‬ ‫دا‪ ،‬كما في قول رسولنا َ‬ ‫ولكن نهايته السعادة الخالدة التي ل تفنى أب ً‬
‫غال ِي ٌ َ‬ ‫َ‬
‫ة' رواه‬ ‫جن ّ ُ‬‫ة الل ّهِ ال ْ َ‬‫سل ْعَ َ‬
‫ن ِ‬ ‫ة أَل إ ِ ّ‬ ‫ة الل ّهِ َ َ‬ ‫سل ْعَ َ‬‫ن ِ‬ ‫م‪ ...':‬أَل إ ِ ّ‬ ‫سل ّ َ‬
‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫الل ّ ُ‬
‫ت الّناُر‬ ‫ف ْ‬ ‫ح ّ‬‫كارِهِ وَ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ة ِبال َ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫ْ‬
‫ت ال َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ح ّ‬
‫م‪ُ ':‬‬ ‫ّ‬
‫سل َ‬ ‫َ‬
‫ه عَلي ْهِ وَ َ‬ ‫ّ‬
‫صلى الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫الترمذي‪ .‬ويقول َ‬
‫ت' رواه مسلم والترمذي والدارمي وأحمد ‪.‬‬ ‫وا ِ‬ ‫ِبال ّ‬
‫شهَ َ‬
‫فمن طلب الجنة فلبد له من التعب في أثناء الطريق إليها‪ ،‬والصبر والثبات‬
‫لكي يستحق نيل هذه السلعة الغالية‪ ،‬أما أولئك الذين ل يملكون الستعداد‬
‫لهذا التعب ول الصبر والثبات عليه‪ ،‬فهؤلء بعيدون كل البعد عن الجنة إل أن‬
‫يشاء الله ‪ .‬وإن أهم هذه التحديات التي تواجهها السرة المسلمة‪:‬‬
‫التحدي الول‪:‬الخلفات الزوجية‪ :‬منشؤها عدة أمور منها‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ عدم إعطاء أي من الثنين حقوق الخر‪ :‬مثال ذلك‪ :‬عدم طاعة المرأة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جد َ‬
‫س ُ‬‫ن يَ ْ‬‫دا أ ْ‬ ‫ح ً‬‫مًرا أ َ‬ ‫تآ ِ‬ ‫م يقول‪ ':‬ل َوْ ك ُن ْ ُ‬ ‫سل ّ َ‬‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬ ‫صّلى الل ّ ُ‬ ‫لزوجها‪ ،‬والرسول َ‬
‫جَها' رواه الترمذي وابن ماجه والدارمي‬ ‫ِل َحد َل َمرت ال ْ َ َ‬
‫مْرأة َ أ ْ َ ْ ُ َ ِ َ ْ ِ‬
‫و‬ ‫ز‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ ٍ َ ْ ُ‬
‫وأحمد ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الكثار من المطالبة بالنفقة بأكثر من حقها‪ :‬فترهق بذلك الزوج‪ ،‬لنها‬
‫تريد أن تكون مثل الخريات‪ ،‬حيث المال والذهب والملبس الكثيرة والتنزه‬
‫المستمر وغيرها من المور‪ ،‬وهذا يشكل إرهاًقا للزوج يجعله ربما يبلغ به‬
‫الغضب فيقول الكلمة المكروهة‪ ،‬والتي تكرهها كل زوجة تريد أن تستر على‬
‫نفسها‪ ،‬وتعيش حياة فاضلة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫حسن العشرة ‪ :‬فكثير من الزواج ل يحسنون العشرة مع زوجاتهم‪،‬‬ ‫‪ 3‬ـ عدم ُ‬


‫يتصرف أحدهم بها كيف يشاء‪ ،‬وهذا مفهوم مغلوط يخالف ما قاله النبي‬
‫م ِل َهِْلي' رواه الترمذي‬ ‫م ِل َهْل ِهِ وَأ ََنا َ‬
‫خي ُْرك ُ ْ‬ ‫خي ُْرك ُ ْ‬ ‫خي ُْرك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫سل ّ َ‬
‫م‪َ ' :‬‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَ َ‬
‫صّلى الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫وابن ماجه‪.‬‬
‫فبين في هذا الحديث أن أفضل الرجال هم أفضلهم لنسائهم‪ ،‬ولكن عندما‬

‫‪151‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫تطلب المرأة من الرجل قضاء الحاجات والتنزه وغيره على حساب طاعة‬
‫ن‬
‫الله‪ ،‬والدعوة لدينه‪ ،‬فتكون امرأة يصفها الله بأنها عدوة بقوله تعالى‪ {:‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫م َ‬
‫م ]‪' } [14‬سورة التغابن' ‪.‬‬ ‫حذ َُروهُ ْ‬ ‫م عَد ُّوا ل َك ُ ْ‬
‫م َفا ْ‬ ‫م وَأوَْلدِك ُ ْ‬
‫جك ُ ْ‬‫ن أْزَوا ِ‬‫ِ ْ‬
‫فعندما تحاول المرأة ثني زوجها عن عظائم المور التي ترضي الله فإنها‬
‫تكون بذلك في صف العداء الذين يطلب الحذر منهم؛ لنها تصده عن‬
‫الوصول إلى الجنة‪ ،‬وتوقف الجر والرضى من الله أن يتنزل على بيتها‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ عدم إدراك كل منهما لدوره‪ :‬فالمرأة ملكة في بيتها‪ ،‬والرجل ملك في‬
‫بيته‪ ،‬وإنما أعطيت المارة للرجل لكي يتم النظام والستقرار‪ ،‬ويخلو الجو‬
‫من الفوضى‪ ،‬والسلم أعطى للرجل هذه المارة ليس تفضيل ً له على‬
‫المرأة‪ ،‬إنما لكي تسير المور‪ ،‬لما يملك الرجل من صفات تؤهله لهذه‬
‫القيادة‪ ،‬فالرجل هو المير وواجب الزوجة الطاعة له‪ ،‬وهناك أحاديث كثيرة‬
‫تدل على أن المرأة إذا أطاعت زوجها وصلت فرضها دخلت من أي أبواب‬
‫ض عنها‬ ‫الجنة شاءت‪ ،‬وأحاديث تدل على أن المرأة إذا مات زوجها وهو را ٍ‬
‫دخلت الجنة‪.‬وكذلك الرجل عندما ل يدرك دور المرأة‪ ،‬يسبب ذلك نشوء‬
‫الخلفات‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ تدخل الطراف الخرى ‪ :‬سواء الوالدان من ناحية الزوج أو الزوجة‪ ،‬أو‬
‫تدخل الصدقاء أو الصديقات‪ ،‬لذلك كان من أكبر المعاصي عند الله أن تذكر‬
‫المرأة أو الرجل ما يحدث بينهما على الفراش‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ عدم وجود منهجية في تربية البناء ‪ :‬ونعني بالمنهجية‪ :‬وضع منهج محدد‬
‫واضح لكل من الزوج والزوجة‪ ،‬يسيران بموجبه في تربية أبنائهما‪ ،‬فيجب أن‬
‫يتم التفاق بين الزوجين قبل أن يأتي الطفال على هذه المنهجية‪ ،‬ومثال‬
‫على ذلك‪ :‬إذا قامت الم بضرب الولد وهرب لبيه ليحتمي به‪ ،‬فيجب في هذه‬
‫حا لدى كل من الطرفين أل يعنف ويخطئ ويلوم الب‬ ‫الحالة أن يكون واض ً‬
‫الم أمام الولد بسبب ضربها له‪ ،‬حتى ولو ضربته بغير حق؛ لن هذا يحدث‬
‫في نفسه انقلًبا للصورة‪ ،‬فيحسب أن أمه على خطأ فما يقوم باحترامها بعد‬
‫ذلك‪ ،‬أو الخوف منها‪ ،‬بل يجب على الب في هذه الحالة أن يقول له بأن‬
‫أمك ما ضربتك إل بسبب الخطأ الفلني؛ وذلك حتى يشعر البن أنه ما ضرب‬
‫ما‪ ،‬بل بسبب خطأ اقترفه‪ ،‬وكذلك العكس إذا ضرب الوالد البن ‪.‬‬ ‫ظل ً‬
‫ما يريانهم‬ ‫ومن المنهجية‪ :‬أن ل ُيرى الطرفان أبناءهما أي خلف بينهما‪ ،‬بل دائ ً‬
‫التفاق والسعادة التراضي‪ ،‬حتى ينشأ البناء نشأة طبيعية خالية من ردود‬
‫الفعل النفسية‪ ،‬والتي تؤثر على نشأة الطفل وربما تتسبب في انحرافه‪.‬‬
‫ما فقط‪ ،‬بل يجب أن يعقبه أحياًنا تنفيذ‬ ‫ومن المنهجية‪ :‬أل يكون التهديد كل ً‬
‫لهذا التهديد‪ ،‬حتى يأخذ البناء تلك التهديدات بجدية‪ ،‬ويمتثلون للعملية‬
‫التربوية المبتغاة إذا ما انحرفوا أو أخطأوا‪.‬‬
‫ما‪ ،‬ول يكون التعنيف هو‬ ‫ومن المنهجية‪ :‬أن ل يكون الضرب هو العلج دائ ً‬
‫ما‪ ،‬إنما يكون ذلك بحسب‬ ‫ما‪ ،‬ول يكون الترغيب هو العلج دائ ً‬ ‫العلج دائ ً‬
‫الموقف‪.‬‬
‫ومن المنهجية‪ :‬وضع الحوافز لزيادة عملية التشجيع‪ ،‬صحيح أننا يجب علينا‬
‫ضا بسبب طفولة عقول‬ ‫كمسلمين أن نعلقهم بالخرة‪ ،‬ولكن يجب علينا أي ً‬
‫البناء‪ ،‬أن نضع بعض الحوافز مثل الهدايا‪ ،‬أو المال‪ ،‬أو الحلويات إذا قاموا‬
‫مثل ً بحفظ كذا من القرآن‪ ،‬أوالحديث‪ ،‬أو الدعية حتى إذا ما ميزوا وبلغوا‪،‬‬
‫أصلنا فيهم قضية الجر الخروي وعملية الخلص‪.‬‬
‫ومن المنهجية‪ :‬أن يكون الوالدان قدوة أمام أبنائهما‪ ،‬فعندما يأمر الب ولده‬
‫بالصلة في المسجد يجب أن يرى ذلك الولد أن أباه يسبق إلى المسجد‬

‫‪152‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ما‪ ،‬وهكذا‬ ‫ما‪ ،‬وعندما يمنعه من الكذب‪،‬على ذلك الب أن يلتزم بالصدق دائ ً‬ ‫دائ ً‬
‫في باقي الوامر يجب أن يكون الوالدان قدوة في كل أمر ونهي‪.‬‬
‫ومن المنهجية‪ :‬أن نعطيهم الحب‪ ،‬فالحب قضية مهمة يجب أن يشعر البناء‬
‫بحب والديهم لهم‪ ،‬فإذا ما فقدوا ذلك الحب؛ فإنهم سيطلبونه في مكان آخر‪،‬‬
‫وقد يكون هذا المكان الخر شاًبا منحرًفا‪ ،‬أو شلة منحرفة‪.‬‬
‫ومن أهم الوسائل التي تغرس المحبة في البناء‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الصغاء إلى شكواهم‪ ،‬حتى‪ ،‬وإظهار الهتمام بمشاكلهم ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اللعب معهم ومداعبتهم ومشاركتهم في ألعابهم ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ التحدث معهم بأسلوب الكبار حتى يتغرس فيهم النبوغ المبكر‪ ،‬والقدوة‬
‫المبكرة لمعرفة الكثير من المور‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الجابة على جميع أسئلتهم‪ ،‬وعدم التهرب من أي منها وذلك بما يناسب‬
‫أعمارهم‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ عدم كبت طاقة اللعب فيهم‪ ،‬وإل فإن ذلك سيكون له ردة فعل في‬
‫ضرب بعضهم البعض‪ ،‬أو تكسير أي شيء في البيت ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ التقبيل والضم والحمل‪ :‬كل ذلك يغرس المحبة فيهم ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ إخبارهم بمشاعر الحب نحوهم ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫ومن المنهجية التربوية‪ :‬تهيئة الجو العلمي‪ ،‬وتحبيب القراءة لهم‪ ،‬وذلك‬
‫بالتالي‪:‬‬
‫أ ـ إدخالهم المكتبة المنزلية إن وجدت‪ ،‬أو زيارة المكتبات السلمية ‪.‬‬
‫ب ـ إعطاء الحرية لهم ليفتحوا من الكتب ما يريدون‪ ،‬وذلك لكسر حاجز‬
‫الرهبة من المجلدات‪ ،‬وباقي الكتب ‪.‬‬
‫جـ ـ شراء مكتبة صغيرة لهم‪ ،‬ووضعها في غرفتهم‪ ،‬وترك حرية تصفيف‬
‫وتصنيف الكتب لهم‪.‬‬
‫د ـ التكليف ببعض القراءات‪ ،‬وإجراء مسابقة في بعض ما يقرءون‪.‬‬
‫ومن المنهجية‪ :‬تعويده على فعل الخيرات‪ ،‬كأن تشرح له ما يحدث‬
‫للمسلمين من ظلم‪ ،‬وتشريد‪ ،‬وقتل في أنحاء الرض‪ ،‬وأن تحبب إليه دفع‬
‫التبرعات لهم في الصناديق الموجودة في المساجد‪ ،‬والمراكز التجارية‬
‫وغيرها‪ ،‬أو تجعله يقود أحد المصابين بالعمى ليدخله إلى المسجد مثل ً ‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ الغيرة الزائدة ‪ :‬فللغيرة حد معين‪ ،‬فإذا ما زاد عن الحد المعقول؛ فإنه‬
‫كا في العلقة الزوجية قد تؤدي إلى الطلق‪ ،‬أو غيره من النتائج‬ ‫يسبب ارتبا ً‬
‫السلبية‪ ،‬والصل أن تثق الزوجة الصالحة في زوجها الصالح‪ ،‬وكذلك العكس‪،‬‬
‫إل أن يرى أحد الطرفين بعينه ما ل يحتمل التأويل‪ ،‬فهذا أمر ل يجوز ‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ الغضب ‪ :‬وهو سمة العصر الحديث‪ ،‬بسبب المادية التي غرقنا بها‪ ،‬وقد‬
‫يصل الغضب ببعض الزواج لتصرف معين من زوجته‪ ،‬إلى ضربها‪ ،‬وهذا أمر‬
‫م ِل َهْل ِهِ وَأ ََنا‬
‫خي ُْرك ُ ْ‬ ‫خي ُْرك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ل يجوز‪ ،‬فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول‪َ ':‬‬
‫م ِل َهِْلي' رواه الترمذي وابن ماجه‪ .‬وليس من الرجولة ضرب النساء‪،‬‬ ‫خي ُْرك ُ ْ‬
‫َ‬
‫فهذا له أسبابه وشروطه وظروفه‪ ،‬والحياة الزوجية عندما يتخللها الضرب‪،‬‬
‫فإنه من الصعب أن تكون حياة ناجحة‪ .‬إن هذا التهور من كل الطرفين يجب‬
‫ضحها السلم‪ ،‬والتي من أبرزها‪ :‬عدم الغضب لغير الله‪،‬‬ ‫أن تحكمه قواعد و ّ‬
‫أما للدنيا فهي أحقر من أن نغضب من أجلها‪ ،‬ونخرب هذه العلقة الزوجية‬
‫لنتيح للشيطان فرصة الفرح لهدم هذه الرابطة ‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ 9‬ـ عدم إدراك طبيعة المرأة‪ :‬معظم الرجال ل يعرف طبيعة المرأة‪ ،‬مما‬
‫يسبب بعض الشكال الذي قد يزيد في بعض الحيان ليشكل عقدة غامضة‬
‫وراء الطلق ‪ .‬ومن بين هذه المور التي ل يعرفها كثير من الرجال‪':‬حالة‬
‫التوحم' وهي حالة نفسية تمر بها الحامل في الشهور الولى من الحمل‪ ،‬إذ‬
‫قد تؤدي بها إلى تصرفات يستغربها الزوج الجديد أشد الستغراب‪ ،‬والتي‬
‫منها على سبيل المثال ‪:‬‬
‫كراهية بعض الروائح‪ ،‬وربما رائحة الزوج نفسه‪ ،‬فتصبح ل تطيق الجلوس‬
‫بقربه‪.‬‬
‫كراهية بعض أنواع الطعام ‪.‬‬
‫اشتهاء بعض أنواع الطعام التي قد تكن غير متوفرة آنذاك ‪.‬‬
‫ومن بين هذه المور التي تصيب المرأة‪ :‬التوتر العصبي‪ ،‬وآلم الظهر‬
‫والصداع أثناء الدورة الشهرية لبعض النساء ‪ .‬ومن بين هذه المور حب‬
‫المرأة للزينة‪ ،‬وترتيب المنزل‪ ،‬هذه بعض طبائع المرأة والتي قد يستغربها‬
‫البعض إلى درجة اتهام زوجاتهم بالدلع‪ ،‬أو الكذب‪ ،‬مما يؤدي إلى توتر العلقة‬
‫‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ إرهاق كل طرف للخر بأكثر مما يستطيع ‪ :‬ما أجمل ما وصف النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم به النساء عندما أطلق عليهن صفة القوارير فقال‬
‫ر'رواه البخاري ومسلم وأحمد ‪ .‬وكما أن للقوارير‬ ‫واِري ِ‬ ‫موصًيا بهن‪':‬اْرفُقْ ِبال ْ َ‬
‫ق َ‬
‫صفة الضعف وسرعة النكسار إذا وقعت‪ ،‬كذلك يريد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم المبالغة بمراعاة ضعفهن‪ ،‬خوًفا عليهن من الكسر‪ ،‬ومع ضعف‬
‫القوارير فإن لها صفة ثانية وهي النعومة والشفافية وكذلك هن النساء‪.‬‬
‫إدراك هذه الصفات للمرأة ضروري للزوج حتى ل يكلفها بأكثر مما تطيق‪،‬‬
‫فيقع في الظلم المنهي عنه‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ عدم التثبت بعد سماع الخبار ‪ :‬أخبار كثيرة يسمعها الزوج أو الزوجة‬
‫تتعلق بأحدهما‪ ،‬فيقوم أحد الطرفين باتخاذ موقف ضد الخر دونما تثبت‪،‬‬
‫وتتغير طبيعته أو طبيعتها معه دون أن يقوم أحد الطرفين بمصارحة الخر‪،‬‬
‫مما يسبب التفكك الذي ل يحمد عقباه‪.‬‬
‫التحدي الثاني‪ :‬التحدي العلمي ‪ :‬من المؤكد أن من أكبر الفتن التي غزت‬
‫كل بيت هي الموجة العلمية‪ ،‬من تليفزيون‪ ،‬وصحيف‪،‬ة وشريط فيديو‪،‬‬
‫ما‬‫وشريط سماع‪ ،‬وما يتصل بها‪ ،‬وكل هذه الوسائل العلمية ليست حرا ً‬
‫بذاتها‪ ،‬فهي أجهزة صالحة للستخدام في الخير أو الشر‪ ،‬وبسبب أن معظم‬
‫من يتحكم بهذه الجهزة هم من أصحاب الهواء‪ ،‬والغراض الخبيثة في تدمير‬
‫أخلق وقيم المجتمع السلمي‪ ،‬وبخاصة السرة المسلمة فإن معظم ما‬
‫يعرض في هذه الوسائل سموم يراد منها تحطيم القيم التي جاء بها السلم‪،‬‬
‫ونشر قيم جاهلية ل تتصل بواقع المة السلمية‪ ،‬بل هي الغثاء الذي يعيش‬
‫فيه المجتمع الغربي‪ ،‬ول شك أن التحدي العلمي والذي يسيطر على الكثير‬
‫من أجهزته أعداء الله في كل مكان‪ ،‬هو من أكبر التحديات إذا لم يكن هو‬
‫الكبر للسرة المسلمة‪ ،‬فالب أو الم كلما أعطيا قيمة من القيم‪ ،‬أو خلق‬
‫من الخلق إل وحطمه ألف معول إعلمي يراه ويحتك به ويسمعه الطفل كل‬
‫يوم من خلل التلفزيون والمذياع والصحف‪ ،‬حتى في البرامج التي تخص‬
‫الطفال فإنها ل تخلو من تحطيم تلك القيم السلمية‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪154‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫فلبد للباء والمهات أن ينتبهوا لهذه التحدي العظيم‪ ،‬ويحاولوا مجابهة هذا‬
‫التحدي بتحد آخر على شكل برامج ترفيهية وثقافية ورياضية‪ ،‬تعوض تلك‬
‫البرامج الهابطة التي يعرضها العلم الجاهلي‪ ،‬وهي مسئولية الحركة‬
‫السلمية بشكل خاص‪ .‬ومسئولية كل أب وأم في السرة السلمية بشكل‬
‫عام‪ ،‬والفضل هو المحاولة الجادة لعزل الطفال عن هذه الجهزة بالحكمة‪،‬‬
‫حتى يكون غياب تلك الجهزة واقًعا يتعود عليه الطفال دون إحداث ردة فعل‬
‫‪.‬‬
‫التحدي الثالث‪ :‬الواقع المعيشي‪ :‬عندما تسير السرة المسلمة بهذه‬
‫الخطوات الثابتة نحو طريق الحق‪ ،‬فإنها تفتن بفتن كثيرة‪ ،‬ومن هذه‬
‫الفتن‪:‬قلة الرزق‪ ،‬أو هو الفقر الذي كان يقول عنه عمر رضي الله عنه‪':‬لو‬
‫كان الفقر رجل ً لقتلته' ‪ .‬وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله منه‪،‬‬
‫ر'رواه أبوداود‬ ‫ق ِ‬‫ف ْ‬‫فرِ َوال ْ َ‬ ‫ن ال ْك ُ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫عوذ ُ ب ِ َ‬ ‫م إ ِّني أ َ ُ‬ ‫ويقرنه بالكفر فيقول‪':‬الل ّهُ ّ‬
‫والنسائي وأحمد ‪ .‬ومع أن الرزق من أول ما يكتب على النسان إل أن أكثر‬
‫ما يجزع عليه النسان هو الفقر ففي حديث ابن مسعود رضي الله عنه يقول‬
‫َ‬ ‫قه في بط ْ ُ‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم‪' :‬إ َ‬
‫ما‬‫ن ي َوْ ً‬ ‫مهِ أْرب َِعي َ‬ ‫نأ ّ‬ ‫َ ِ‬ ‫خل ْ ُ ُ ِ‬ ‫مع ُ َ‬ ‫ج َ‬‫م يُ ْ‬‫حد َك ُ ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫م‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫مثل ذل ِك ث ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ضغَ ً‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ذل ِك ُ‬ ‫ُ‬
‫م ي َكو ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل ذ َل ِك ث ّ‬ ‫مث ْ َ‬‫ة ِ‬ ‫ك عَل َ َ‬
‫ق ً‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫كو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ثُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مل َ ُ‬
‫ه‬
‫مل ِ ِ‬‫جل ِهِ وَعَ َ‬ ‫ب رِْزقِهِ وَأ َ‬ ‫ت ب ِك َت ْ ِ‬ ‫ما ٍ‬ ‫مُر ب ِأْرب َِع ك َل ِ َ‬ ‫ح وَي ُؤْ َ‬ ‫خ ِفيهِ الّرو َ‬ ‫ف ُ‬‫ك فَي َن ْ ُ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ي ُْر َ‬
‫سِعيد ٌ ‪ '...‬رواه البخاري ومسلم وأبوداود والترمذي وابن ماجه‬ ‫َ‬ ‫وَ َ‬
‫ي أوْ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ش ِ‬
‫وأحمد ‪ .‬يجب أن ندرك بأن الرزق مكتوب‪ ،‬فل يقلق أحد من نقص الرزق‬
‫وقلة المعيشة‪ ،‬بل يجب عليه حمد الله‪ ،‬وعدم الشكوى لحد‪ ،‬كما يقول‬
‫المام ابن القيم‪':‬الذي يشكو للخرين فكأنما يشكو الله للمخلوق'‪ .‬وهذا هو‬
‫تقدير الله سبحانه ليرى مدى صبر المسلم على البلء‪ ،‬فإن نجح في الختبار؛‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سأ ْ‬ ‫ب الّنا ُ‬ ‫س َ‬ ‫ح ِ‬ ‫وسع عليه الرزق‪ ،‬ورفعه درجات عالية‪ ،‬قال تعالى‪ {:‬الم]‪[1‬أ َ‬
‫يتر ُ َ‬
‫ن‬
‫م ّ‬ ‫م فَل َي َعْل َ َ‬ ‫ن قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫قد ْ فَت َّنا ال ّ ِ‬ ‫ن]‪[2‬وَل َ َ‬ ‫فت َُنو َ‬ ‫م َل ي ُ ْ‬ ‫مّنا وَهُ ْ‬ ‫قوُلوا َءا َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كوا أ ْ‬ ‫َُْ‬
‫ن]‪' }[3‬سورة العنكبوت' ومن إفرازات هذا‬ ‫ن الكاذِِبي َ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫م ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صد َُقوا وَلي َعْل َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫التحدي المعيشي اضطرار المرأة للعمل خارج المنزل‪ ،‬مما يسبب انعكاسات‬
‫سلبية كبيرة‪ ،‬منها‪ :‬عدم رعاية الطفال رعاية كاملة‪ ،‬مما يؤدي إلى نقص‬
‫عنصر المحبة الذي يحتاجه الطفال من الم والب‪ ،‬وهذا قد يؤدي إلى‬
‫انحراف البناء‪ ،‬وربما أدى العمل في الخارج إلى اختلف الزوجة مع زوجها‬
‫لعدم استطاعها تلبية جميع ما يريده منها لنشغالها‪ ،‬وربما يؤدي ذلك إلى‬
‫انحراف المرأة لحتكاكها بالرجال‪ ،‬وسقوط الكلفة بينها وبينهم بسبب سقوط‬
‫الحياء‪.‬‬
‫التحدي الرابع ‪ :‬عادات المجتمع وأعرافه الجاهلية ‪ :‬كغلء المهور‪ ،‬ومن هذه‬
‫العادات الجاهلية إصرار الوالد في بعض البلد العربية على معرفة تفاصيل ما‬
‫حدث في ليلة الدخلة من ابنه‪ ،‬ومنها دخول الم غرفة الزوجية لرؤية الدم‪،‬‬
‫وغيرها من هذه العادات الجاهلية‪ ،‬والتي بمجموعها تسبب تحدًيا للسرة‬
‫المسلمة‪.‬‬
‫التحدي الخامس‪ :‬التحدي المباشر ‪ :‬الخراج من البلد‪ ،‬السجون‪ ،‬التعذيب‪،‬‬
‫الهانات ‪.‬‬
‫التحدي السادس‪:‬التحدي التعليمي ‪ :‬نظرية داروين وغيرها التي تقدم في‬
‫الجامعات‪ ،‬وتاريخ الثورة الفرنسية‪ ،‬النظريات الفلسفية الكافرة التي ألزم‬
‫بها البناء‪ ،‬وهذه كلها ضغوطات تتحدى السرة المسلمة ‪.‬‬
‫كيف نقف أمام هذا التحدي ؟‬
‫‪ 1‬ـ إدراك هدف الشيطان ‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ 2‬ـ معرفة حقوق الزوج‪.‬‬


‫‪ 3‬ـ عدم السماح بتدخل طرف ثالث‪ ،‬إل إذا كان للصلح والخير‪ ،‬وزيادة‬
‫الرابطة السرية‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ التثبت عند سماع الغير ‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ وجود منهجية في التربية ‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ الغضب لله وليس للدنيا‪ ،‬وللنفس‪ ،‬وللعشيرة‪ ،‬أو غيرها من المور‪.‬‬
‫‪ 7‬ـ السيطرة على التليفزيون وباقي الوسائل العلمية‪.‬‬
‫‪ 8‬ـ الوقوف بحزم أمام عادات المجتمع الجاهلية‪ ،‬وإدخال الفهم العلمي‬
‫المعاكس لهذه العادات‪.‬‬
‫‪ 9‬ـ إعطاء القيم للطفال‪.‬‬
‫‪ 10‬ـ إعطاء الحب والنتباه لهم‪.‬‬
‫‪ 11‬ـ تحقير الفاسقين والفاسقات في نظر أبنائنا‪.‬‬
‫‪ 12‬ـ الكثار من إعطاء صور من قدواتنا في الماضي والحاضر ‪.‬‬
‫‪ 13‬ـ غرس الحياء بين البناء‪.‬‬
‫‪ 14‬ـ منع الصحافة الفاسدة من دخول البيت ‪.‬‬
‫‪ 15‬ـ إشغال البناء بحب القراءة‪ ،‬والبحوث‪ ،‬وأدعية اليوم والليلة‪.‬‬
‫‪ 16‬ـ الصبر على البلء وهو ما أمرنا به في الول والخر‪ ،‬قال تعالى ‪{:‬‬
‫ت‬‫حا ِ‬ ‫مُلوا ال ّ‬
‫صال ِ َ‬ ‫مُنوا وَعَ ِ‬
‫ن َءا َ‬ ‫ر]‪[2‬إ ِّل ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫س ٍ‬
‫خ ْ‬ ‫في ُ‬ ‫ن لَ ِ‬ ‫ن اْل ِن ْ َ‬
‫سا َ‬ ‫ر]‪[1‬إ ِ ّ‬ ‫ص ِ‬‫َوال ْعَ ْ‬
‫ر]‪' }[3‬سورة العصر'‪.‬‬ ‫صب ْ ِ‬‫وا ِبال ّ‬ ‫ص ْ‬‫وا َ‬
‫حقّ وَت َ َ‬ ‫وا ِبال ْ َ‬‫ص ْ‬‫وا َ‬
‫وَت َ َ‬
‫الخاتمة‪:‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫هذه بعض التحديات التي تواجه السرة المسلمة‪ ،‬وهي بذلك أمام أمرين‪ ،‬إما‬
‫الخوف والستسلم لهذه التحديات‪ ،‬ثم الرضوخ لما تفرضه هذه التحديات من‬
‫قيم جديدة على المة‪ ،‬وإما النتفاضة أمام هذه التحديات‪ ،‬ورفض الستسلم‬
‫لها‪ ،‬والعمل على صدها بكل ما أوتيت من طاقة عاملة؛ بنشر النور ودحر‬
‫َ‬
‫م]‪[7‬‬‫مك ُ ْ‬ ‫ت أقْ َ‬
‫دا َ‬ ‫صْرك ُ ْ‬
‫م وَي ُث َب ّ ْ‬ ‫صُروا الل ّ َ‬
‫ه ي َن ْ ُ‬ ‫ن ت َن ْ ُ‬
‫الظلل‪ ،‬والله غالب على أمره‪ {:‬إ ِ ْ‬
‫} 'سورة محمد'‪.‬‬
‫من رسالة‪':‬تحديات السرة المسلمة' للشيخ عبد الحميد البللي‬

‫)‪(5 /‬‬

‫)‪(7‬‬
‫تحديات في وجه المجتمع السلمي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪.‬‬
‫وبعد؛ فمنذ كانت البشرية والفكر الرباني في صراع مع الفكر البشري وعلى‬
‫مدى التاريخ ولما جاء القرآن نسف هذا الفكر كله وصيره ركاما ً وكشف زيفه‬
‫وضلله وفساده ودعا البشرية من جديد إلى التوحيد بوصفه المنطلق الوحيد‬
‫إلى إقامة المجتمع الرباني المثل‪ .‬فهزم السلم العبودية البشرية في‬
‫ً‬
‫حضارات اليونان والفرس والهند والفراعنة وأقام حرية النسان متطلعا إلى‬
‫الخاء البشري وجعل عبوديته لربه وحده دون الخلق جميعا ً ‪ ..‬ثم هزم‬
‫العبودية الوثنية لغير الله وحرر العقل البشري وأطلقه ليجد طريقه إلى‬
‫معرفة سنن الله في الكون‪ ،‬ومن هذه النقطة أنشأ المسلمون المنهج‬

‫‪156‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التجريبي الذي هو قاعدة الحضارة المعاصرة‪.‬‬


‫غير أن محاولت الهدم لم تتوقف وتجددت مرة أخرى وأخذت تصوغ من ذلك‬
‫الركام القديم مذاهب جديدة عرفت في العصور السابقة بأسماء كثيرة منها‬
‫الغنوصية والتناسخ والدهرية وإخوان الصفا والسبئية والحلول والتحاد ووحدة‬
‫الوجود‪ ،‬وظهرت فرق متعددة تحمل لواء هذه الدعوات‪.‬‬
‫ولقد واجه علماء المسلمين البرار هذه المذاهب الهدامة بقوة وحطمت‬
‫أعمال الشافعي وابن حنبل والشعري والغزالي ثم ابن تيمية وابن القيم هذه‬
‫العمال الزائفة التي كان لهما زخرف ولمعان يخطف البصار الساذجة‪.‬‬
‫حتى جاء عصرنا فتجددت هذه الدعوات مرة أخرى عن طريق القوى الثلث‬
‫التي تواجه عالم السلم اليوم‪ :‬الستعمار والصهيونية والماركسية والتي‬
‫تحمل لواءها دعوات‪ :‬التبشير والستشراق والتغريب والغزو الثقافي‪ .‬ومنذ‬
‫جاء الستعمار وهو يعمل على هدم ثلث قيم أساسية‪:‬‬
‫التعليم – الشريعة – اللغة‪.‬‬
‫وهي التحديات الحقيقية التي تواجه مجتمعنا اليوم وما زالت قائمة بالرغم‬
‫من التحرر السياسي والعسكري الذي قضى على النفوذ الستعماري‪ .‬ذلك‬
‫أن الستعمار كان يعد قبل خروجه محاولة لبقائه واستمراره تمثل في هذا‬
‫السلطان الفكري والجتماعي الذي مازال يحول بيننا وبين امتلك إرادتنا‬
‫الحقة‪ .‬ومن هنا فإننا مطالبون أن نواجه هذا المخطط بقوة ليس على‬
‫مستوى المفكرين المسلمين فحسب؛ بل على مستوى كافة المسلمين‪.‬‬
‫ومنطلق هذه المواجهة هي أن نعرف خلفيات ما ُيعرض لنا مما هو مكتوب‬
‫ومذاع ومنشور‪ .‬سواء أكان صحيفة أو كتابًا‪ ،‬أو مسرحية أو فلما ً سينمائيًا‪.‬‬
‫ذلك هو العمل الحقيقي الذي يمكننا من معرفة الصالة من الزيف‪ ،‬والحق‬
‫من الباطل‪ ،‬والخير من الشر‪.‬‬
‫ما‬ ‫ً‬
‫ولذلك فقد أردت أن أطلق اسم "قبل أن تقرأ" عليك أن تكون واعيا ل ِ‬
‫من الذي يقدمه لك‪ ،‬ما مدى سلمته‪ ،‬ما مدى صلته بأمتنا وديننا‬ ‫تقرأ‪َ :‬‬
‫وعقيدتنا‪ ،‬إننا يجب أل نضع ثقتنا إل في الفكر الصيل‪ .‬إن هناك اليوم قوى‬
‫كثيرة تطرح فكرها وتنفث سمومها‪ ،‬وشبابنا في حاجة إلى ضوء كاشف‬
‫يهديه‪ ،‬إنه ينظر فيرى هذه الكتب مكدسة في كل مكان‪ ،‬مترجمة أو مؤلفة‪،‬‬
‫كتابها مسلمون أو عرب أو أجانب فيقرؤها دون أن يلتفت إلى الغاية أو‬ ‫ُ‬
‫الخلفية ويظن أن كل ما يقرأ صحيح أو حق‪ ،‬فيأخذ به‪ ،‬وهذا هو مصدر‬
‫الخطر‪.‬‬
‫لذلك أردت أن ألقي بعض الضواء الكاشفة حتى ل تنخدع بالسماء اللمعة أو‬
‫الكتب النيقة أو العبارات الخلبة‪ ،‬لقد دخل إلى فكرنا زيف كثير‪ ،‬وُفرضت‬
‫مسلمات كثيرة‪ ،‬في حاجة إلى أن نعيد النظر فيها‪.‬‬
‫نحن نعرف الرجال بالحق ول نعرف الحق بالرجال‪ ،‬وهذا الحكم قانون يضئ‬
‫لنا الطريق‪.‬‬
‫إن علينا أن نعرف أن أمتنا تقع في مكان الصدارة من العالم كله‪ ،‬ولذلك‬
‫فهي مطمع الغزاة من قديم‪ ،‬ونحن نعيش الن الغزوة الصهيونية بعد غزوة‬
‫الستعمار الفرنسي النجليزي اليطالي الهولندي‪.‬‬
‫ومن قبل جاءت موجة الحروب الصليبية وحروب الفرنجة‪.‬‬
‫كل هذا يقنعنا بصدق الوصية التي دعانا إليها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حين قال‪" :‬ستفتح عليكم بعدي مصر فاتخذوا منها جندا ً كثيفًا؛ فإنهم‬
‫خير أجناد الرض‪ ،‬وهم في رباط إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫ض إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ما‬ ‫الجهاد‬ ‫"إن‬ ‫وسلم‪:‬‬ ‫وهكذا نرى من عبارة الرسول صلى الله عليه‬

‫‪157‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يوم القيامة" وأن المواجهة لن تتوقف بين أهل السلم وبين خصومه أبدًا‪،‬‬
‫وان علينا أن نكون مرابطين إلى يوم القيامة ندافع عن أرضنا وقيمنا‬
‫وعقيدتنا‪.‬‬
‫ولقد خدعنا الستعمار حين دعانا إلى مناهجه وهجر مناهجنا حين حجب‬
‫الشريعة السلمية والتربية السلمية واللغة العربية‪ ،‬ودعانا إلى مفاهيمه‬
‫منا أمثال طه حسين وغيره‪ ،‬حين قالوا لنا أن أسلوب‬ ‫وخدعنا رجاله ورجال ِ‬
‫الغرب هو السلوب القادر على إعطاء صفة التقدم‪.‬‬
‫وكذبوا؛ فإن الغرب لم يكن ليسيطر على بلدنا ويدعو إلى تغريب فكرنا ثم‬
‫يسمح لنا بأن نصل إلى وسائل التقدم وامتلك الرادة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لقد خدعنا بأسلوب الغرب في الحكم والتربية والجتماع وجرينا وراء التجربة‬
‫الغربية حتى نهايتها التي كانت سقوط فلسطين في يد الصهيونية‪ ،‬ثم جرينا‬
‫وراء التجربة الماركسية حتى كانت نهايتها سقوط القدس في يد الصهيونية‬
‫وتعرية المجتمع العربي تعرية كاملة‪ ،‬حتى تعرف أن الهزيمة والنكبة والنكسة‬
‫التي توالت منذ ‪ 1948‬حتى ‪ 1967‬إنما كان مصدرها التماس أسلوب الغرب‬
‫وحجب أسلوب السلم‪.‬‬
‫ض إل سنوات‬ ‫ِ‬ ‫تم‬ ‫لمن‬ ‫السلم‬ ‫أسلوب‬ ‫والتمسنا‬ ‫القيد‬ ‫وعندما حطمنا هذا‬
‫قليلة حتى كان نصر رمضان المؤزر الباذخ الذي هو علمة على الطريق‬
‫الجديد الذي يجب أن يسلكه المسلمون والعرب‪ :‬طريق الصالة‪ ،‬طريق‬
‫الجهاد والقوة‪ ،‬طريقة الشريعة السلمية والتربية السلمية‪ ،‬طريق )الله‬
‫أكبر(‪ ،‬ذلك السلم الكوني الذي تدرسه الن الكاديميات العسكرية؛ لترى أنه‬
‫كان أشد خطرا ً من القنبلة الذرية والهيدروجينية معًا‪.‬‬
‫لقد اعتدل الطريق بنا وكان حقا ً علينا أن نحطم قيود التغريب والغزو الثقافي‬
‫التي تتكاتف الن؛ محاولة أن تردنا مرة أخرى إلى الحتواء والسيطرة‪.‬‬
‫يجب أن نقف موقف الحذر من كل ما تقليه إلينا هذه المصادر الغربية‬
‫الوافدة‪ ،‬ولقد واجه المسلمون مثل هذه التجربة وانتصروا فيها وعلينا نحن‬
‫أيضا ً أن ننتصر‪ .‬نحن المسلمين‪ ،‬ل يمكن أن تؤكل ول أن تحتوينا المذاهب‪،‬‬
‫إن مذهبنا هو مذهب القرآن الجامع الذي ل يحرف‪ ،‬ليس هو مذهب الفلسفة‬
‫ول العقلنية الخالصة‪ ،‬ول الجبرية الصوفية ول الحدس الوجداني‪ ،‬كل ذلك‬
‫ركام باطل جددته الباطنية والمجوسية والشعوبية‪ ،‬وأعادت صياغته من جديد‬
‫لتضرب به مفهوم التوحيد الخالص‪.‬‬
‫إن أخطر ما يتحدى المثقف المسلم هو النظرة الجزئية‪ ،‬أو الرؤية المحدودة‪،‬‬
‫التي تقف عند حادث من الحداث‪ ،‬أو خبر من الخبار‪ ،‬أو موقف من‬
‫المواقف‪ ،‬فتنظر إليه وتحاول أن تحلله أو تحكم عليه دون أن تبحث عن‬
‫خلفياته أو أبعاده أو أرضيته‪ ،‬ومن هنا تكون تلك النظرة ناقصة‪ ،‬أو جزئية أو‬
‫غائمة‪ ،‬وليس كذلك يفعل الناصحون الذين رباهم القرآن وعلمهم السلم‪،‬‬
‫وإنما تكون النظرة فاحصة ويكون الحكم سليما ً إذا ما استوفى شرائط‬
‫مما سبق في الزمن‪،‬‬ ‫التقدير والبحث عما يتصل بالحدث أو الخبر أو الموقف ِ‬
‫مما جرى وأوشك أن يغيب وراء الفق؛ ذلك لن المور ل تجري منفصلة عن‬ ‫و ِ‬
‫سوابقها ولواحقها‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بتحديات الغزو الفكري والتغريب‪.‬‬
‫أضواء كاشفة لبعاد الغزو الفكري ومخططات التغريب‬
‫وهذه أضواء كاشفة وخيوط عامة لنا جميعًا‪ ،‬ولكننا ننظر إليها مع السف‬

‫‪158‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مفرقة وموزعة‪ ،‬ول نستحضرها عند النظر أو البحث في حادث ما أو خبر ما‬
‫أو موقف ما‪ ،‬ولذلك يفقد المر خطره‪ ،‬ولقد عرف خصومنا فينا هذه النظرة‬
‫الجزئية فباعدوا بين الحداث اعتمادا ً على أننا لن نربطها بعضها ببعض أو‬
‫ننظر إليها نظرة كلية‪ ،‬هذه الجزئيات المبعثرة للنظر السريع هي في حقيقتها‬
‫عناصر كاملة لخطة عامة وخطيرة‪ ،‬فلننظر‪.‬‬
‫ثلث قوى‬
‫ل(‪ :‬هناك ثلث قوى لها أثرها البعيد في أزمة المسلمين‪:‬‬ ‫)أو ً‬
‫"التعليم – الثقافة – الصحافة"‪.‬‬
‫وما تزال مؤسسات التبشير والستشراق تعمل من خللها‪.‬‬
‫وهناك خطة واضحة للغزو الفكري وخطة للتغريب وخطة للشعوبية‪.‬‬
‫وهناك أساليب متعددة لثارة الشبهات حول السلم‪) :‬القرآن – الرسول –‬
‫تاريخ السلم(‪.‬‬
‫وهناك دعوة إلى إخراج المسلمين من "ذاتيتهم" باسم "المعاصرة"‪ .‬ودعوة‬
‫إلى إخراج المسلمين من "قيمهم" باسم "التحرر"‪ .‬فيجب أل تخدعنا السماء‬
‫ل‪ .‬ويجب‬ ‫البراقة فنسلم بكل ما تقول؛ لن في ما تقوله زيفا ً كثيرا ً وحقا ً قلي ً‬
‫أل نخاف عبارات الرجعية والجمود والتخلف؛ فنها كلمات فقدت معناها وهي‬
‫تطلق دائما ً على أهل الصالة والحق‪.‬‬
‫علينا أل تخدعنا السماء البراقة؛ لنها ليست أصيلة‪ ،‬ول نصد عن السماء‬
‫مدعاة لها ليست صحيحة‪.‬‬ ‫الزائفة؛ لن الدعوى ال ُ‬
‫نحن طلب )أصالة( تكون منا بمثابة )الطار الثابت( والحجاب الحاجز نتحرك‬
‫من داخله إلى المعاصرة والتقدم والتحرر‪.‬‬
‫إن قيمنا القرآنية السلمية الربانية هي العمدة الثابتة التي يقوم عليها البناء‪،‬‬
‫ثبات في السس وحركة من فوقه أو من حوله‪ .‬ثبات )القطب( وحركة‬
‫كحركة الرض حول محورها‪.‬‬
‫إن كل المؤامرات قد أثبتت حقيقة واحدة‪ :‬أن السلم هو الهدف الذي تعمل‬
‫القوى الخفية لضربه‪) :‬الصهيونية والليبرالية والماركسية(‪.‬‬
‫الهدف‪ :‬هو أن يظل السلم بعيدا ً عن دائرة العمل والتنفيذ وأل يمتلك‬
‫المسلمون إرادتهم القادرة على النتقال من الدائرة الضيقة التي حبسهم‬
‫فيها الغزو الثقافي والتغريب إلى الدائرة المرنة التي أنشأها لهم السلم‪.‬‬
‫إن هدفنا اليوم هو تحطيم هذه الدائرة الضيقة والتماس دائرتنا ومنهاجنا‬
‫ومصادرنا ومنابعنا الثرة الخالدة‪.‬‬
‫والمل هو أن يعرف المسلمون أنه ليس ثمة طريق آخر‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لقد جربوا‪ :‬مختلف الساليب والسبل والمناهج التي راوحت بينهم وبين الفكر‬
‫الغربي والفكر الماركسي‪ :‬ودخلوا البوتقة وفشلت التجربة وتأكد لهم بعد‬
‫سبعين عاما ً وهم تائهون بين الشرق والغرب‪ ،‬حائرون بين اليدلوجيات‬
‫الوافدة – أنه ل سبيل لهم غير منهجهم الصيل‪ .‬لقد عجزت هذه المذاهب‬
‫والمناهج جميعا ً أن تعطيهم التقدم أو التحرر أو امتلك الرادة وأعطتهم بدل ً‬
‫من ذلك‪ :‬الهزيمة والنكسة والنكبة‪ ،‬وعرضتهم للفناء‪ ،‬ومن ثم تبينوا أنه ليس‬
‫غير السلم "سبيل ونصير ونور"‪.‬‬
‫حقائق‬
‫)ثانيًا( إن بين أيدينا حقائق طازجة يجب أن تكون موضع نظركن وتقديركم‬

‫‪159‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وأنتم بسبيل دراساتكم‪:‬‬


‫أولى هذه الحقائق ما أعلن منذ وقت قصير من "إلغاء" الستشراق‪ .‬فقد‬
‫اجتمع المستشرقون في مؤتمرهم السنوي بعد أكثر من سبعين عاما ً ليعلنوا‬
‫انهم قد ألغوا الستشراق وإن الجتماعات القادمة ستكون تحت اسم "مؤتمر‬
‫العلوم النسانية"‪.‬‬
‫ومعنى هذا في نظر أصحاب اليقظة‪ :‬أن الستشراق يغير جلده‪ ،‬كما سبق أن‬
‫غير التبشير جلده‪ ،‬الهدف واحد والساليب تتغير مع الزمة والظروف‪ ،‬وإذا‬
‫كانت سمعة الستشراق قد ساءت فإن على أهله أن يغيروا أسلوبهم وإن لم‬
‫يغيروا هدفهم‪.‬‬
‫ونحن نذكر الن‪ :‬كيف يتحرك "الستشراق اليهودي" بعد أن تقدم للسيطرة‬
‫خلفا ً أو شريكا ً للستشراق الغربي المسيحي‪ ،‬وتعرف المخططات التي يقوم‬
‫بها في سبيل "احتواء" الفكر السلمي والتاريخ السلمي‪.‬‬
‫ومن ذلك ما نجده من بروز أسماء لمعة خطيرة في مجالته المتعددة‪:‬‬
‫"جولد زيهر" في الشريعة السلمية‪.‬‬
‫"مرجليوث" في التاريخ السلمي‪.‬‬
‫ً‬
‫"برنارد لويس" في مفاهيم المم والقوميات؛ مستهدفا إيجاد صراع بين‬
‫العروبة والسلم‪.‬‬
‫وفي العام الماضي أنعمت )إسرائيل( على "برنار لويس" بلقب الدكتوراه؛‬
‫تحية له عن محاولته لهدم المفاهيم العربية السلمية‪.‬‬
‫وعلينا أن نذكر في هذا المجال أن معظم كراسي الدب العربي والدراسات‬
‫السلمية في أغلب جامعا تالغرب يسيطر عليها مستشرقون يهود‪.‬‬
‫ويتصل بهذا محاولت السيطرة على دوائر المعارف العالمية‪ ،‬وخاصة دائرة‬
‫المعارف السلمية‪ ،‬والسموم التي حملتها مادة "عرب" ومادة "إبراهيم"‬
‫ومادة "إسماعيل"؛ في محاولة لتزييف الروابط الساسية بين سيدنا إبراهيم‬
‫وسيدنا إسماعيل وبين سيدنا إسحق‪ ،‬وفصل إسماعيل عن ميراث إبراهيم‬
‫لجعله كله في نسل إسحاق‪.‬‬
‫وتلك مؤامرة ضخمة في حاجة إلى عناية شديدة‪.‬‬
‫كذلك فإن المر يتصل بمؤامرات تحريف التاريخ السلمي‪ ،‬وفي مقدمتها‬
‫)مؤتمر بلتيمور( الذي عقد عام ‪ 1948‬والذي حضره لفيف منقادة الصهيونية‪،‬‬
‫وفي مقدمتهم بن جوريون؛ لوضع خطة تستهدف تنظيم ومضاعفة عمليات‬
‫تزييف تاريخ العرب وإخراج دراسات جديدة تحمل الشبهات التي تتصل‬
‫بمؤامرة القرامطة والزنج والباطنية‪ ،‬وإعادة طرح أفكارها وتاريخها في أفق‬
‫الفكر السلمي بوصفها حركات تهدف إلى العدالة الجتماعية‪ .‬وقد ظهرت‬
‫مؤلفات كثيرة بعد ذلك المؤتمر تحاول أن تطبق ما استهدفته هذه التوصيات‪.‬‬
‫ويتصل بهذا مؤتمر البهائيين العالمي الذي عقد في القدس المحتلة عام‬
‫‪ 1968‬وما كشف عنه من صلة جذرية بين تاريخ البهائية وبين الحركة‬
‫الصهيونية‪ .‬كل هذا يجب أن نكون على وعي به ونحن نقرأ وندرس ونتابع‪.‬‬
‫دللت خطيرة‬
‫)ثالثًا( يجب أن يكون أمامنا ونحن نطالع تاريخ المسلمين والسلم في العصر‬
‫الحديث عدة حقائق من شأنها أن تشكل قاعدة أساسية للبحث‪:‬‬
‫هذه الحقائق ل توردها كتب التاريخ التي بين أيدينا إل لمامًا‪ ،‬وربما أوردت ما‬
‫يخالفها من شبهات ظلت تتردد حتى أصبحت في منزلة المسلمات‪.‬‬
‫أولى هذه الحقائق ما طرحه )غلدستون( رئيس وزراء بريطانيا على مجلس‬
‫العموم البريطاني عام ‪ 1883‬حين حمل المصحف وقال‪" :‬مادام هذا الكتاب‬

‫‪160‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫باقيا ً في الرض فل أمل لنا في إخضاع المسلمين‪ ،‬بل ونحن على خطر في‬
‫أوطاننا"‪.‬‬
‫وعلينا أن نفهم معنى هذا ومداه‪.‬‬
‫ُيضاف إلى هذا قول اللورد اللنبي حين دخل القدس عام ‪ 1917‬حين قال‪:‬‬
‫"اليوم انتهت الحروب الصليبية"‪.‬‬
‫فإذا ذكرنا أن الحروب الصليبية كانت قد انتهت قبل ثمانمائة عام‪ ،‬عرفنا ماذا‬
‫كان يريد أن يقول اللورد اللنبي متابعة مع خطة لويس التاسع بعد هزيمته‬
‫في "المنصورة" حين دعا في وثيقة رسمية معروفة إلى بدء حرب الكلمة‬
‫على المسلمين بعد فشل حرب السلم‪ ،‬وأن ما أشار إليه اللورد اللنبي إنما‬
‫يعني نجاح هذه الخطة‪ ،‬فهذا قول خطير له أبعاده ومداه ولم يدرس بعد‬
‫الدراسة الكافية‪.‬‬
‫فإذا ذكرنا كيف أن وزير خارجية بريطانيا )بترمان( تقدم عام ‪ 1907‬بوثيقته‬
‫المعروفة التي كانت خلصة خبرة المفكرين والسياسيين من أجل دعم‬
‫وحماية الستعمار الغربي والتي تقول‪:‬‬
‫"لكي يظل الستعمار قادرا ً في السيطرة على المسلمين والحيلولة دون‬
‫توحدهم ونهوضهم‪ ،‬لبد من إقامة حاجز بشري معاد ِ للمسلمين في مكان ما‬
‫بين أفريقيا وآسيا‪ ،‬على أن يكون هذا الحاجز من جنس غريب عنهم‪ .‬ومن‬
‫شأن هذا الحاجز أن يحول دون وحدة المسلمين"‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقد كان الجواب حاضرًا؛ فقد تقدم اليهود وقالوا‪" :‬نحن الحاجز الغريب"‪.‬‬
‫كل هذه الخطوط مجتمعة ترسم صورة وتخلق تحديا ً وتكشف عن خلفيات ل‬
‫توردها كثيرا ً كتب التاريخ التي بين أيدنا أو التي ُتدرس في مدارسنا‪ ،‬ولكن‬
‫هذه التحديات ذات دللت خطيرة‪ ،‬ويجب أن تكون واضحة أمامنا ونحن نقرأ‬
‫وندرس ونستوعب‪ ،‬وهي تعطينا فكرة واضحة وهي‪:‬‬
‫أن هناك تعصبا ً وحقدا ً وخصومة ورغبة في أل يستعيد المسلمون حقهم ول‬
‫يستكملون إرادتهم‪.‬‬
‫مناهج تخريبية‬
‫)رابعًا( يجب أن تكون أمامنا نظرة واضحة لعلقة الفكر السلمي مع الفكر‬
‫الغربي‪:‬‬
‫الفكر الغربي يعمل في محاولة دائبة منذ بدأ الستعمار من أجل "احتواء"‬
‫الفكر السلمي والحيلولة دون سيطرته على المجتمع السلمي‪ ،‬ويبدو ذلك‬
‫في عدة مواقع‪:‬‬
‫‪ -1‬التعليم‪ :‬وهو خاضع للمناهج الغربية وهو الخنجر المسموم الذي طعن به‬
‫المسلمون‪.‬‬
‫‪ -2‬الجهاد‪ :‬جربت المحاولت لتأويله وإقصائه عن حياة المسلمين‪.‬‬
‫‪ -3‬الشريعة السلمية‪ :‬سواء في مجال القانون أو القتصاد‪ ،‬وقفت الحوائل‬
‫دون تحقيقها‪.‬‬
‫ة‬
‫‪ -4‬اللغة العربية‪ :‬جرت المحاولت المتصلة للهجوم عليها وانتقاصها؛ محارب ً‬
‫للقرآن الكريم‪.‬‬
‫ثم جاءت الموجة التالية وتتمثل في الغزو الثقافي والتغريب‪:‬‬
‫‪ -1‬محاولة السيطرة على البلد السلمية بالنظم الديمقراطية والقومية‬
‫والماركسية‪.‬‬

‫‪161‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ -2‬محاولة سيطرة مفاهيم النفس والجتماع والخلق على أسلوب العيش‬


‫السلمي‪.‬‬
‫وقد جاء هذا مرحلة تالية لسيطرة الصهيونية العالمية على الفكر الغربي‬
‫سيطرة كاملة‪ .‬فقد برز زعماء اليهود كمفكرين مسيطرين على جميع‬
‫مجالت الفكر الغربي؛ حيث حولوا المفاهيم التلمودية اليهودية إلى نظريات‬
‫حديثة لها طابع علمي زائف ولكنه براق‪.‬‬
‫وسيطر اليهود الربعة‪ :‬هرتزل وماركس وفرويد ودوركايم‪ ،‬وجاء بعدهم‬
‫سارتر وهو يهودي الم‪.‬‬
‫الهداف‪:‬‬
‫‪ -1‬تحويل الفكر البشري ناحية الطعام والمادة‪.‬‬
‫‪ -2‬تدمير النفس النسانية عن طريق الجنس‪.‬‬
‫‪ -3‬إعلء العنصرية والقوميات والدماء‪.‬‬
‫‪ -4‬تأكيد النشطارية بين الروح والمادة مع إعلء المادة‪.‬‬
‫وبرزت الفرويدية والماركسية ومدرسة العلوم الجتماعية )دور كايم وليفي‬
‫بريل( ومدارس مقارنات الديان وعلم اللغة وعلم النتثروبولوجيا‪ ،‬وكلها علوم‬
‫تستهدف إعلء الفكر التلمودي الوثني المادي الباحي وبعث تراث التلمود‬
‫والغنوصية والفكر البابلي القديم‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمسلمين فقد وقعوا تحت تأثير الحتواء فترة ثم بدأوا‬
‫يستفيقون‪ ،‬ونحن نرجو أن يكون "عصر التبعية" قد انتهى‪ ،‬وبدأ "عصر‬
‫الترشيد"‪ ،‬ويمكن القول بأننا الن في مرحلة الفهم والعلم والوعي بالخطر‬
‫الذي يراد بنا ويجب علينا النتقال بقوة وفورًا‪ :‬إلى مرحلة الرادة والتغيير‪.‬‬
‫كذلك يجب أن تكون نظرتنا إلى الغرب واقعية‪.‬‬
‫العالم الغربي الن يمر بمرحلة "الزمة" وبدور "النهاية"؛ فقد عجزت‬
‫الحضارة عن أن تعطيه سكينة النفس أو طمأنينة القلب بعد أن فصل بين‬
‫الروح والمادة‪ ،‬ومن ثم كانت أبرز مظاهر حياته الن‪:‬‬
‫التمزق والضياع والعبث‪:‬‬
‫فهل المسلمون في حاجة إلى فتات الموائد وحثالت الطباق !‬
‫البروتوكلت‬
‫)خامسًا( إن الخطار التي تواجهنا الن هي بمثابة مؤسسات ظاهرة‬
‫ومنظمات خفية‪ ،‬فل نغفلن أبدا ً عن ذلك‪.‬‬
‫أمامنا‪ :‬الماركسية والستعمار والصهيونية مؤسسات ظاهرة‪ ،‬ولكن هناك‬
‫منظمات خفية‪ ،‬هي الماسونية والروتاري والليونز‪.‬‬
‫وهناك أخطار فكر فرويد وساتر ودور كايم‪ ،‬تبدو واضحة الثر في نفسيات‬
‫الشباب وفي مفاهيمهم‪ .‬وفي مفاهيم المرأة وقضاياها‪ ،‬وكلهما تتمثل في‬
‫أخطر قضيتين‪:‬‬
‫‪ -1‬إيجاد الصراع بين الباء والبناء وتغذية روح الكراهية بينهما‪.‬‬
‫‪ -2‬إثارة الشبهات حول قوامة الرجل على المرأة وخلق روح الكراهية بينهما‪.‬‬
‫وهما قضيتان بالغتا الخطورة‪ ،‬فيجب أن تدرسا بدقة وأن تعرف أبعادهما‬
‫وخلفيات الخطر القائم وراءهما‪ ،‬وهو يتمثل في )بروتوكلت صهيون( وما‬
‫كشفت عنه من هدف الستيلء على العالم وتدميره أخلقيا ً قبل السيطرة‬
‫عليه‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬فهذه خلفيات وأبعاد أرجو أن تكون في تقدير مثقفينا وهم يناقشون‬
‫ويدرسون‪ ،‬وهي تحديات حقيقية؛ فإنها إذا ما استحضرت سوف تعطيهم فهما ً‬
‫أعمق وقدرة أوسع على الحاطة بالزمة وعلى إيجاد الحلو الناجعة‪.‬‬

‫‪162‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقد تبين تماما ً أن التجربة التي قام بها المسلمون والعرب للنظم الغربية‪،‬‬
‫سواء الليبرالية أو الماركسية‪ ،‬قد فشلت تماما ً في تحقيق المطمح السمى‬
‫لمة القرآن‪ ،‬وبذلك أصبح الطريق أمامهم مفتوحا ً نحو خط واحد لم يجربوه‬
‫وهو خطهم الصيل وهو ملذهم الوحيد الذي لن يجدوا دونه محيصا ً الذي‬
‫صاحبهم أربعة عشر قرنا ً وحماهم وأكد وجودهم ودافع عنهم‪ ،‬وسيظل‬
‫يحميهم من عاديات الزمن وأحداث اليام ما استمسكوا به‪.‬‬
‫نقاط هامة‬
‫)سادسًا( في التاريخ السلمي الحديث "نقاط" ما تزال في حاجة إلى توضيح‬
‫وبيان‪:‬‬
‫وأبرزها العلقة بين المسلمين والعرب‪ ،‬وبين الدولة العلمانية والعرب‪ ،‬وبين‬
‫العروبة والسلم في مواجهة دعوات القومية والعنصرية والقليمية وغيرها‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬
‫أما السلطان عبد الحميد فقد رد إليه اعتباره الن بعد أكثر من ستين عاما ً‬
‫كان فيها في نظر المؤرخين مستبدا ً وسلطانا ً أحمر‪ ،‬مع أنه كان من أشرف‬
‫الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم وملكهم في سبيل دفع جائحة الصهيونية‬
‫العالمية عن السيطرة على فلسطين‪ .‬ومذكرات هرتزل تثبت ذلك وتكشف‬
‫عن مدى الدور الذي ظل خافيا ً عن العرب والمسلمين سنوات طويلة وإن‬
‫كانت القضية ما زالت في حاجة إلى نصوص أوفى ووثائق أخرى لتحرير‬
‫تاريخ السلطان تماما ً من كل ما علق به‪.‬‬
‫أما الخلف بين العرب والدولة العثمانية‪ :‬فهو في الحقيقة خلف مع‬
‫التحاديين الذين حكموا من عام ‪ 1909‬إلى عام ‪ ،1918‬وورثوا مصطفى‬
‫كمال نظامهم التلمودي الماسوني الصهيوني‪ ،‬هؤلء هم رجال "التحاد‬
‫والترقي" الذين تشكلوا في أحضان المحافل الماسونية والذين عملوا لخدمة‬
‫الصهيونية العالمية‪ ،‬فأسقطوا عبد الحميد ومهدوا للغاء الخلفة وسلموا‬
‫طرابلس الغرب ليطاليا‪ ،‬وفتحوا الطريق أمام اليهود إلى فلسطين وكانوا‬
‫حاضرين في ضمير اللورد اللنبي عندما قال بعدد سيطرة النجليز على‬
‫القدس‪" :‬الن انتهت الحروب الصليبية"‪.‬‬
‫ثم جاءت المؤرخة اليهودية فقالت‪" :‬إن وصول النجليز إلى القدس عام‬
‫‪ 1917‬كان يعني أنها صبحت في قبضة اليهود‪ ،‬وقد تم ذلك فعل ً عام‬
‫‪."... 1967‬‬
‫فالخلف إنما كان مع التحاديين وليس مع الدولة العثمانية نفسها‪.‬‬
‫ومن هنا يجري الحديث عن القوميات وعن تمزق "وحدة العالم السلمي"‬
‫إلى كيانات بادئة بالطورانية في تركيا ومقابلها القومية العربية ‪..‬‬
‫وما اتصل بعد ذلك بمفاهيم الغرب وبسيطرة النظرية الغربية في القوميات‬
‫على النحو الذي عرف في كثير من الدراسات‪ ،‬وقد فشلت هذه المفاهيم‬
‫تماما ً في ضوء الوحدة السلمية التي تبين أنها الطريق الصحيح والوحد‬
‫وذلك بعد التجربة المريرة وبعد هزيمة ‪.1967‬‬
‫هذه مجموعة من الحقائق ل أعتقد باحثا ً أو مثقفا يستطيع أن يستغني عنها‬
‫ً‬
‫في مواجهة قراءاته ودراساته سواء في تاريخ السلم أو التاريخ الحديث‪.‬‬
‫وفي مواجهة الستعمار والمذاهب السياسية والنظريات العربية بشطريها‪،‬‬
‫ولهذه الضواء الكاشفة والنقاط السريعة تفصيل واسع وأبعاد هامة يجب أن‬
‫تتابع‪ ،‬ومن هذه الخيوط المجمعة الن في كلمة واحدة نستطيع أن نستكشف‬

‫‪163‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الفاق البعيدة ونعرف الخلفيات الظاهرة والخفية ونتابع الحداث والخبار في‬
‫وضوح وفهم‪.‬‬
‫وهذا ما أعددته وأردت أن أقوله لشبابنا المثقف حين ُدعيت للقاء كلمة في‬
‫جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة‪.‬‬
‫أنور الجندي‬

‫)‪(5 /‬‬

‫)‪(7‬‬
‫تحديات في وجه المجتمع السلمي‬
‫الحمد لله والصلة والسلم على رسول الله‪.‬‬
‫وبعد؛ فمنذ كانت البشرية والفكر الرباني في صراع مع الفكر البشري وعلى‬
‫مدى التاريخ ولما جاء القرآن نسف هذا الفكر كله وصيره ركاما ً وكشف زيفه‬
‫وضلله وفساده ودعا البشرية من جديد إلى التوحيد بوصفه المنطلق الوحيد‬
‫إلى إقامة المجتمع الرباني المثل‪ .‬فهزم السلم العبودية البشرية في‬
‫ً‬
‫حضارات اليونان والفرس والهند والفراعنة وأقام حرية النسان متطلعا إلى‬
‫الخاء البشري وجعل عبوديته لربه وحده دون الخلق جميعا ً ‪ ..‬ثم هزم‬
‫العبودية الوثنية لغير الله وحرر العقل البشري وأطلقه ليجد طريقه إلى‬
‫معرفة سنن الله في الكون‪ ،‬ومن هذه النقطة أنشأ المسلمون المنهج‬
‫التجريبي الذي هو قاعدة الحضارة المعاصرة‪.‬‬
‫غير أن محاولت الهدم لم تتوقف وتجددت مرة أخرى وأخذت تصوغ من ذلك‬
‫الركام القديم مذاهب جديدة عرفت في العصور السابقة بأسماء كثيرة منها‬
‫الغنوصية والتناسخ والدهرية وإخوان الصفا والسبئية والحلول والتحاد ووحدة‬
‫الوجود‪ ،‬وظهرت فرق متعددة تحمل لواء هذه الدعوات‪.‬‬
‫ولقد واجه علماء المسلمين البرار هذه المذاهب الهدامة بقوة وحطمت‬
‫أعمال الشافعي وابن حنبل والشعري والغزالي ثم ابن تيمية وابن القيم هذه‬
‫العمال الزائفة التي كان لهما زخرف ولمعان يخطف البصار الساذجة‪.‬‬
‫حتى جاء عصرنا فتجددت هذه الدعوات مرة أخرى عن طريق القوى الثلث‬
‫التي تواجه عالم السلم اليوم‪ :‬الستعمار والصهيونية والماركسية والتي‬
‫تحمل لواءها دعوات‪ :‬التبشير والستشراق والتغريب والغزو الثقافي‪ .‬ومنذ‬
‫جاء الستعمار وهو يعمل على هدم ثلث قيم أساسية‪:‬‬
‫التعليم – الشريعة – اللغة‪.‬‬
‫وهي التحديات الحقيقية التي تواجه مجتمعنا اليوم وما زالت قائمة بالرغم‬
‫من التحرر السياسي والعسكري الذي قضى على النفوذ الستعماري‪ .‬ذلك‬
‫أن الستعمار كان يعد قبل خروجه محاولة لبقائه واستمراره تمثل في هذا‬
‫السلطان الفكري والجتماعي الذي مازال يحول بيننا وبين امتلك إرادتنا‬
‫الحقة‪ .‬ومن هنا فإننا مطالبون أن نواجه هذا المخطط بقوة ليس على‬
‫مستوى المفكرين المسلمين فحسب؛ بل على مستوى كافة المسلمين‪.‬‬
‫ومنطلق هذه المواجهة هي أن نعرف خلفيات ما ُيعرض لنا مما هو مكتوب‬
‫ومذاع ومنشور‪ .‬سواء أكان صحيفة أو كتابًا‪ ،‬أو مسرحية أو فلما ً سينمائيًا‪.‬‬
‫ذلك هو العمل الحقيقي الذي يمكننا من معرفة الصالة من الزيف‪ ،‬والحق‬
‫من الباطل‪ ،‬والخير من الشر‪.‬‬
‫ما‬ ‫ً‬
‫ولذلك فقد أردت أن أطلق اسم "قبل أن تقرأ" عليك أن تكون واعيا ل ِ‬
‫من الذي يقدمه لك‪ ،‬ما مدى سلمته‪ ،‬ما مدى صلته بأمتنا وديننا‬ ‫تقرأ‪َ :‬‬

‫‪164‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وعقيدتنا‪ ،‬إننا يجب أل نضع ثقتنا إل في الفكر الصيل‪ .‬إن هناك اليوم قوى‬
‫كثيرة تطرح فكرها وتنفث سمومها‪ ،‬وشبابنا في حاجة إلى ضوء كاشف‬
‫يهديه‪ ،‬إنه ينظر فيرى هذه الكتب مكدسة في كل مكان‪ ،‬مترجمة أو مؤلفة‪،‬‬
‫كتابها مسلمون أو عرب أو أجانب فيقرؤها دون أن يلتفت إلى الغاية أو‬ ‫ُ‬
‫الخلفية ويظن أن كل ما يقرأ صحيح أو حق‪ ،‬فيأخذ به‪ ،‬وهذا هو مصدر‬
‫الخطر‪.‬‬
‫لذلك أردت أن ألقي بعض الضواء الكاشفة حتى ل تنخدع بالسماء اللمعة أو‬
‫الكتب النيقة أو العبارات الخلبة‪ ،‬لقد دخل إلى فكرنا زيف كثير‪ ،‬وُفرضت‬
‫مسلمات كثيرة‪ ،‬في حاجة إلى أن نعيد النظر فيها‪.‬‬
‫نحن نعرف الرجال بالحق ول نعرف الحق بالرجال‪ ،‬وهذا الحكم قانون يضئ‬
‫لنا الطريق‪.‬‬
‫إن علينا أن نعرف أن أمتنا تقع في مكان الصدارة من العالم كله‪ ،‬ولذلك‬
‫فهي مطمع الغزاة من قديم‪ ،‬ونحن نعيش الن الغزوة الصهيونية بعد غزوة‬
‫الستعمار الفرنسي النجليزي اليطالي الهولندي‪.‬‬
‫ومن قبل جاءت موجة الحروب الصليبية وحروب الفرنجة‪.‬‬
‫كل هذا يقنعنا بصدق الوصية التي دعانا إليها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم حين قال‪" :‬ستفتح عليكم بعدي مصر فاتخذوا منها جندا ً كثيفًا؛ فإنهم‬
‫خير أجناد الرض‪ ،‬وهم في رباط إلى يوم القيامة"‪.‬‬
‫ض إلى‬ ‫وهكذا نرى من عبارة الرسول صلى الله عليه وسلم‪" :‬إن الجهاد ما ٍ‬
‫يوم القيامة" وأن المواجهة لن تتوقف بين أهل السلم وبين خصومه أبدًا‪،‬‬
‫وان علينا أن نكون مرابطين إلى يوم القيامة ندافع عن أرضنا وقيمنا‬
‫وعقيدتنا‪.‬‬
‫ولقد خدعنا الستعمار حين دعانا إلى مناهجه وهجر مناهجنا حين حجب‬
‫الشريعة السلمية والتربية السلمية واللغة العربية‪ ،‬ودعانا إلى مفاهيمه‬
‫منا أمثال طه حسين وغيره‪ ،‬حين قالوا لنا أن أسلوب‬ ‫وخدعنا رجاله ورجال ِ‬
‫الغرب هو السلوب القادر على إعطاء صفة التقدم‪.‬‬
‫وكذبوا؛ فإن الغرب لم يكن ليسيطر على بلدنا ويدعو إلى تغريب فكرنا ثم‬
‫يسمح لنا بأن نصل إلى وسائل التقدم وامتلك الرادة‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫لقد خدعنا بأسلوب الغرب في الحكم والتربية والجتماع وجرينا وراء التجربة‬
‫الغربية حتى نهايتها التي كانت سقوط فلسطين في يد الصهيونية‪ ،‬ثم جرينا‬
‫وراء التجربة الماركسية حتى كانت نهايتها سقوط القدس في يد الصهيونية‬
‫وتعرية المجتمع العربي تعرية كاملة‪ ،‬حتى تعرف أن الهزيمة والنكبة والنكسة‬
‫التي توالت منذ ‪ 1948‬حتى ‪ 1967‬إنما كان مصدرها التماس أسلوب الغرب‬
‫وحجب أسلوب السلم‪.‬‬
‫ض إل سنوات‬ ‫وعندما حطمنا هذا القيد والتمسنا أسلوب السلم لمن تم ِ‬
‫قليلة حتى كان نصر رمضان المؤزر الباذخ الذي هو علمة على الطريق‬
‫الجديد الذي يجب أن يسلكه المسلمون والعرب‪ :‬طريق الصالة‪ ،‬طريق‬
‫الجهاد والقوة‪ ،‬طريقة الشريعة السلمية والتربية السلمية‪ ،‬طريق )الله‬
‫أكبر(‪ ،‬ذلك السلم الكوني الذي تدرسه الن الكاديميات العسكرية؛ لترى أنه‬
‫كان أشد خطرا ً من القنبلة الذرية والهيدروجينية معًا‪.‬‬
‫لقد اعتدل الطريق بنا وكان حقا ً علينا أن نحطم قيود التغريب والغزو الثقافي‬

‫‪165‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التي تتكاتف الن؛ محاولة أن تردنا مرة أخرى إلى الحتواء والسيطرة‪.‬‬
‫يجب أن نقف موقف الحذر من كل ما تقليه إلينا هذه المصادر الغربية‬
‫الوافدة‪ ،‬ولقد واجه المسلمون مثل هذه التجربة وانتصروا فيها وعلينا نحن‬
‫أيضا ً أن ننتصر‪ .‬نحن المسلمين‪ ،‬ل يمكن أن تؤكل ول أن تحتوينا المذاهب‪،‬‬
‫إن مذهبنا هو مذهب القرآن الجامع الذي ل يحرف‪ ،‬ليس هو مذهب الفلسفة‬
‫ول العقلنية الخالصة‪ ،‬ول الجبرية الصوفية ول الحدس الوجداني‪ ،‬كل ذلك‬
‫ركام باطل جددته الباطنية والمجوسية والشعوبية‪ ،‬وأعادت صياغته من جديد‬
‫لتضرب به مفهوم التوحيد الخالص‪.‬‬
‫إن أخطر ما يتحدى المثقف المسلم هو النظرة الجزئية‪ ،‬أو الرؤية المحدودة‪،‬‬
‫التي تقف عند حادث من الحداث‪ ،‬أو خبر من الخبار‪ ،‬أو موقف من‬
‫المواقف‪ ،‬فتنظر إليه وتحاول أن تحلله أو تحكم عليه دون أن تبحث عن‬
‫خلفياته أو أبعاده أو أرضيته‪ ،‬ومن هنا تكون تلك النظرة ناقصة‪ ،‬أو جزئية أو‬
‫غائمة‪ ،‬وليس كذلك يفعل الناصحون الذين رباهم القرآن وعلمهم السلم‪،‬‬
‫وإنما تكون النظرة فاحصة ويكون الحكم سليما ً إذا ما استوفى شرائط‬
‫مما سبق في الزمن‪،‬‬ ‫التقدير والبحث عما يتصل بالحدث أو الخبر أو الموقف ِ‬
‫مما جرى وأوشك أن يغيب وراء الفق؛ ذلك لن المور ل تجري منفصلة عن‬ ‫و ِ‬
‫سوابقها ولواحقها‪ ،‬خاصة فيما يتعلق بتحديات الغزو الفكري والتغريب‪.‬‬
‫أضواء كاشفة لبعاد الغزو الفكري ومخططات التغريب‬
‫وهذه أضواء كاشفة وخيوط عامة لنا جميعًا‪ ،‬ولكننا ننظر إليها مع السف‬
‫مفرقة وموزعة‪ ،‬ول نستحضرها عند النظر أو البحث في حادث ما أو خبر ما‬
‫أو موقف ما‪ ،‬ولذلك يفقد المر خطره‪ ،‬ولقد عرف خصومنا فينا هذه النظرة‬
‫الجزئية فباعدوا بين الحداث اعتمادا ً على أننا لن نربطها بعضها ببعض أو‬
‫ننظر إليها نظرة كلية‪ ،‬هذه الجزئيات المبعثرة للنظر السريع هي في حقيقتها‬
‫عناصر كاملة لخطة عامة وخطيرة‪ ،‬فلننظر‪.‬‬
‫ثلث قوى‬
‫ل(‪ :‬هناك ثلث قوى لها أثرها البعيد في أزمة المسلمين‪:‬‬ ‫)أو ً‬
‫"التعليم – الثقافة – الصحافة"‪.‬‬
‫وما تزال مؤسسات التبشير والستشراق تعمل من خللها‪.‬‬
‫وهناك خطة واضحة للغزو الفكري وخطة للتغريب وخطة للشعوبية‪.‬‬
‫وهناك أساليب متعددة لثارة الشبهات حول السلم‪) :‬القرآن – الرسول –‬
‫تاريخ السلم(‪.‬‬
‫وهناك دعوة إلى إخراج المسلمين من "ذاتيتهم" باسم "المعاصرة"‪ .‬ودعوة‬
‫إلى إخراج المسلمين من "قيمهم" باسم "التحرر"‪ .‬فيجب أل تخدعنا السماء‬
‫ل‪ .‬ويجب‬ ‫البراقة فنسلم بكل ما تقول؛ لن في ما تقوله زيفا ً كثيرا ً وحقا ً قلي ً‬
‫أل نخاف عبارات الرجعية والجمود والتخلف؛ فنها كلمات فقدت معناها وهي‬
‫تطلق دائما ً على أهل الصالة والحق‪.‬‬
‫علينا أل تخدعنا السماء البراقة؛ لنها ليست أصيلة‪ ،‬ول نصد عن السماء‬
‫مدعاة لها ليست صحيحة‪.‬‬ ‫الزائفة؛ لن الدعوى ال ُ‬
‫نحن طلب )أصالة( تكون منا بمثابة )الطار الثابت( والحجاب الحاجز نتحرك‬
‫من داخله إلى المعاصرة والتقدم والتحرر‪.‬‬
‫إن قيمنا القرآنية السلمية الربانية هي العمدة الثابتة التي يقوم عليها البناء‪،‬‬
‫ثبات في السس وحركة من فوقه أو من حوله‪ .‬ثبات )القطب( وحركة‬
‫كحركة الرض حول محورها‪.‬‬
‫إن كل المؤامرات قد أثبتت حقيقة واحدة‪ :‬أن السلم هو الهدف الذي تعمل‬

‫‪166‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القوى الخفية لضربه‪) :‬الصهيونية والليبرالية والماركسية(‪.‬‬


‫الهدف‪ :‬هو أن يظل السلم بعيدا ً عن دائرة العمل والتنفيذ وأل يمتلك‬
‫المسلمون إرادتهم القادرة على النتقال من الدائرة الضيقة التي حبسهم‬
‫فيها الغزو الثقافي والتغريب إلى الدائرة المرنة التي أنشأها لهم السلم‪.‬‬
‫إن هدفنا اليوم هو تحطيم هذه الدائرة الضيقة والتماس دائرتنا ومنهاجنا‬
‫ومصادرنا ومنابعنا الثرة الخالدة‪.‬‬
‫والمل هو أن يعرف المسلمون أنه ليس ثمة طريق آخر‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫لقد جربوا‪ :‬مختلف الساليب والسبل والمناهج التي راوحت بينهم وبين الفكر‬
‫الغربي والفكر الماركسي‪ :‬ودخلوا البوتقة وفشلت التجربة وتأكد لهم بعد‬
‫سبعين عاما ً وهم تائهون بين الشرق والغرب‪ ،‬حائرون بين اليدلوجيات‬
‫الوافدة – أنه ل سبيل لهم غير منهجهم الصيل‪ .‬لقد عجزت هذه المذاهب‬
‫والمناهج جميعا ً أن تعطيهم التقدم أو التحرر أو امتلك الرادة وأعطتهم بدل ً‬
‫من ذلك‪ :‬الهزيمة والنكسة والنكبة‪ ،‬وعرضتهم للفناء‪ ،‬ومن ثم تبينوا أنه ليس‬
‫غير السلم "سبيل ونصير ونور"‪.‬‬
‫حقائق‬
‫)ثانيًا( إن بين أيدينا حقائق طازجة يجب أن تكون موضع نظركن وتقديركم‬
‫وأنتم بسبيل دراساتكم‪:‬‬
‫أولى هذه الحقائق ما أعلن منذ وقت قصير من "إلغاء" الستشراق‪ .‬فقد‬
‫اجتمع المستشرقون في مؤتمرهم السنوي بعد أكثر من سبعين عاما ً ليعلنوا‬
‫انهم قد ألغوا الستشراق وإن الجتماعات القادمة ستكون تحت اسم "مؤتمر‬
‫العلوم النسانية"‪.‬‬
‫ومعنى هذا في نظر أصحاب اليقظة‪ :‬أن الستشراق يغير جلده‪ ،‬كما سبق أن‬
‫غير التبشير جلده‪ ،‬الهدف واحد والساليب تتغير مع الزمة والظروف‪ ،‬وإذا‬
‫كانت سمعة الستشراق قد ساءت فإن على أهله أن يغيروا أسلوبهم وإن لم‬
‫يغيروا هدفهم‪.‬‬
‫ونحن نذكر الن‪ :‬كيف يتحرك "الستشراق اليهودي" بعد أن تقدم للسيطرة‬
‫خلفا ً أو شريكا ً للستشراق الغربي المسيحي‪ ،‬وتعرف المخططات التي يقوم‬
‫بها في سبيل "احتواء" الفكر السلمي والتاريخ السلمي‪.‬‬
‫ومن ذلك ما نجده من بروز أسماء لمعة خطيرة في مجالته المتعددة‪:‬‬
‫"جولد زيهر" في الشريعة السلمية‪.‬‬
‫"مرجليوث" في التاريخ السلمي‪.‬‬
‫"برنارد لويس" في مفاهيم المم والقوميات؛ مستهدفا ً إيجاد صراع بين‬
‫العروبة والسلم‪.‬‬
‫وفي العام الماضي أنعمت )إسرائيل( على "برنار لويس" بلقب الدكتوراه؛‬
‫تحية له عن محاولته لهدم المفاهيم العربية السلمية‪.‬‬
‫وعلينا أن نذكر في هذا المجال أن معظم كراسي الدب العربي والدراسات‬
‫السلمية في أغلب جامعا تالغرب يسيطر عليها مستشرقون يهود‪.‬‬
‫ويتصل بهذا محاولت السيطرة على دوائر المعارف العالمية‪ ،‬وخاصة دائرة‬
‫المعارف السلمية‪ ،‬والسموم التي حملتها مادة "عرب" ومادة "إبراهيم"‬
‫ومادة "إسماعيل"؛ في محاولة لتزييف الروابط الساسية بين سيدنا إبراهيم‬
‫وسيدنا إسماعيل وبين سيدنا إسحق‪ ،‬وفصل إسماعيل عن ميراث إبراهيم‬

‫‪167‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لجعله كله في نسل إسحاق‪.‬‬


‫وتلك مؤامرة ضخمة في حاجة إلى عناية شديدة‪.‬‬
‫كذلك فإن المر يتصل بمؤامرات تحريف التاريخ السلمي‪ ،‬وفي مقدمتها‬
‫)مؤتمر بلتيمور( الذي عقد عام ‪ 1948‬والذي حضره لفيف منقادة الصهيونية‪،‬‬
‫وفي مقدمتهم بن جوريون؛ لوضع خطة تستهدف تنظيم ومضاعفة عمليات‬
‫تزييف تاريخ العرب وإخراج دراسات جديدة تحمل الشبهات التي تتصل‬
‫بمؤامرة القرامطة والزنج والباطنية‪ ،‬وإعادة طرح أفكارها وتاريخها في أفق‬
‫الفكر السلمي بوصفها حركات تهدف إلى العدالة الجتماعية‪ .‬وقد ظهرت‬
‫مؤلفات كثيرة بعد ذلك المؤتمر تحاول أن تطبق ما استهدفته هذه التوصيات‪.‬‬
‫ويتصل بهذا مؤتمر البهائيين العالمي الذي عقد في القدس المحتلة عام‬
‫‪ 1968‬وما كشف عنه من صلة جذرية بين تاريخ البهائية وبين الحركة‬
‫الصهيونية‪ .‬كل هذا يجب أن نكون على وعي به ونحن نقرأ وندرس ونتابع‪.‬‬
‫دللت خطيرة‬
‫)ثالثًا( يجب أن يكون أمامنا ونحن نطالع تاريخ المسلمين والسلم في العصر‬
‫الحديث عدة حقائق من شأنها أن تشكل قاعدة أساسية للبحث‪:‬‬
‫هذه الحقائق ل توردها كتب التاريخ التي بين أيدينا إل لمامًا‪ ،‬وربما أوردت ما‬
‫يخالفها من شبهات ظلت تتردد حتى أصبحت في منزلة المسلمات‪.‬‬
‫أولى هذه الحقائق ما طرحه )غلدستون( رئيس وزراء بريطانيا على مجلس‬
‫العموم البريطاني عام ‪ 1883‬حين حمل المصحف وقال‪" :‬مادام هذا الكتاب‬
‫باقيا ً في الرض فل أمل لنا في إخضاع المسلمين‪ ،‬بل ونحن على خطر في‬
‫أوطاننا"‪.‬‬
‫وعلينا أن نفهم معنى هذا ومداه‪.‬‬
‫ُيضاف إلى هذا قول اللورد اللنبي حين دخل القدس عام ‪ 1917‬حين قال‪:‬‬
‫"اليوم انتهت الحروب الصليبية"‪.‬‬
‫فإذا ذكرنا أن الحروب الصليبية كانت قد انتهت قبل ثمانمائة عام‪ ،‬عرفنا ماذا‬
‫كان يريد أن يقول اللورد اللنبي متابعة مع خطة لويس التاسع بعد هزيمته‬
‫في "المنصورة" حين دعا في وثيقة رسمية معروفة إلى بدء حرب الكلمة‬
‫على المسلمين بعد فشل حرب السلم‪ ،‬وأن ما أشار إليه اللورد اللنبي إنما‬
‫يعني نجاح هذه الخطة‪ ،‬فهذا قول خطير له أبعاده ومداه ولم يدرس بعد‬
‫الدراسة الكافية‪.‬‬
‫فإذا ذكرنا كيف أن وزير خارجية بريطانيا )بترمان( تقدم عام ‪ 1907‬بوثيقته‬
‫المعروفة التي كانت خلصة خبرة المفكرين والسياسيين من أجل دعم‬
‫وحماية الستعمار الغربي والتي تقول‪:‬‬
‫"لكي يظل الستعمار قادرا ً في السيطرة على المسلمين والحيلولة دون‬
‫توحدهم ونهوضهم‪ ،‬لبد من إقامة حاجز بشري معاد ِ للمسلمين في مكان ما‬
‫بين أفريقيا وآسيا‪ ،‬على أن يكون هذا الحاجز من جنس غريب عنهم‪ .‬ومن‬
‫شأن هذا الحاجز أن يحول دون وحدة المسلمين"‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وقد كان الجواب حاضرًا؛ فقد تقدم اليهود وقالوا‪" :‬نحن الحاجز الغريب"‪.‬‬
‫كل هذه الخطوط مجتمعة ترسم صورة وتخلق تحديا ً وتكشف عن خلفيات ل‬
‫توردها كثيرا ً كتب التاريخ التي بين أيدنا أو التي ُتدرس في مدارسنا‪ ،‬ولكن‬
‫هذه التحديات ذات دللت خطيرة‪ ،‬ويجب أن تكون واضحة أمامنا ونحن نقرأ‬

‫‪168‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وندرس ونستوعب‪ ،‬وهي تعطينا فكرة واضحة وهي‪:‬‬


‫أن هناك تعصبا ً وحقدا ً وخصومة ورغبة في أل يستعيد المسلمون حقهم ول‬
‫يستكملون إرادتهم‪.‬‬
‫مناهج تخريبية‬
‫)رابعًا( يجب أن تكون أمامنا نظرة واضحة لعلقة الفكر السلمي مع الفكر‬
‫الغربي‪:‬‬
‫الفكر الغربي يعمل في محاولة دائبة منذ بدأ الستعمار من أجل "احتواء"‬
‫الفكر السلمي والحيلولة دون سيطرته على المجتمع السلمي‪ ،‬ويبدو ذلك‬
‫في عدة مواقع‪:‬‬
‫‪ -1‬التعليم‪ :‬وهو خاضع للمناهج الغربية وهو الخنجر المسموم الذي طعن به‬
‫المسلمون‪.‬‬
‫‪ -2‬الجهاد‪ :‬جربت المحاولت لتأويله وإقصائه عن حياة المسلمين‪.‬‬
‫‪ -3‬الشريعة السلمية‪ :‬سواء في مجال القانون أو القتصاد‪ ،‬وقفت الحوائل‬
‫دون تحقيقها‪.‬‬
‫ة‬
‫‪ -4‬اللغة العربية‪ :‬جرت المحاولت المتصلة للهجوم عليها وانتقاصها؛ محارب ً‬
‫للقرآن الكريم‪.‬‬
‫ثم جاءت الموجة التالية وتتمثل في الغزو الثقافي والتغريب‪:‬‬
‫‪ -1‬محاولة السيطرة على البلد السلمية بالنظم الديمقراطية والقومية‬
‫والماركسية‪.‬‬
‫‪ -2‬محاولة سيطرة مفاهيم النفس والجتماع والخلق على أسلوب العيش‬
‫السلمي‪.‬‬
‫وقد جاء هذا مرحلة تالية لسيطرة الصهيونية العالمية على الفكر الغربي‬
‫سيطرة كاملة‪ .‬فقد برز زعماء اليهود كمفكرين مسيطرين على جميع‬
‫مجالت الفكر الغربي؛ حيث حولوا المفاهيم التلمودية اليهودية إلى نظريات‬
‫حديثة لها طابع علمي زائف ولكنه براق‪.‬‬
‫وسيطر اليهود الربعة‪ :‬هرتزل وماركس وفرويد ودوركايم‪ ،‬وجاء بعدهم‬
‫سارتر وهو يهودي الم‪.‬‬
‫الهداف‪:‬‬
‫‪ -1‬تحويل الفكر البشري ناحية الطعام والمادة‪.‬‬
‫‪ -2‬تدمير النفس النسانية عن طريق الجنس‪.‬‬
‫‪ -3‬إعلء العنصرية والقوميات والدماء‪.‬‬
‫‪ -4‬تأكيد النشطارية بين الروح والمادة مع إعلء المادة‪.‬‬
‫وبرزت الفرويدية والماركسية ومدرسة العلوم الجتماعية )دور كايم وليفي‬
‫بريل( ومدارس مقارنات الديان وعلم اللغة وعلم النتثروبولوجيا‪ ،‬وكلها علوم‬
‫تستهدف إعلء الفكر التلمودي الوثني المادي الباحي وبعث تراث التلمود‬
‫والغنوصية والفكر البابلي القديم‪.‬‬
‫أما بالنسبة للمسلمين فقد وقعوا تحت تأثير الحتواء فترة ثم بدأوا‬
‫يستفيقون‪ ،‬ونحن نرجو أن يكون "عصر التبعية" قد انتهى‪ ،‬وبدأ "عصر‬
‫الترشيد"‪ ،‬ويمكن القول بأننا الن في مرحلة الفهم والعلم والوعي بالخطر‬
‫الذي يراد بنا ويجب علينا النتقال بقوة وفورًا‪ :‬إلى مرحلة الرادة والتغيير‪.‬‬
‫كذلك يجب أن تكون نظرتنا إلى الغرب واقعية‪.‬‬
‫العالم الغربي الن يمر بمرحلة "الزمة" وبدور "النهاية"؛ فقد عجزت‬
‫الحضارة عن أن تعطيه سكينة النفس أو طمأنينة القلب بعد أن فصل بين‬
‫الروح والمادة‪ ،‬ومن ثم كانت أبرز مظاهر حياته الن‪:‬‬

‫‪169‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫التمزق والضياع والعبث‪:‬‬


‫فهل المسلمون في حاجة إلى فتات الموائد وحثالت الطباق !‬
‫البروتوكلت‬
‫)خامسًا( إن الخطار التي تواجهنا الن هي بمثابة مؤسسات ظاهرة‬
‫ومنظمات خفية‪ ،‬فل نغفلن أبدا ً عن ذلك‪.‬‬
‫أمامنا‪ :‬الماركسية والستعمار والصهيونية مؤسسات ظاهرة‪ ،‬ولكن هناك‬
‫منظمات خفية‪ ،‬هي الماسونية والروتاري والليونز‪.‬‬
‫وهناك أخطار فكر فرويد وساتر ودور كايم‪ ،‬تبدو واضحة الثر في نفسيات‬
‫الشباب وفي مفاهيمهم‪ .‬وفي مفاهيم المرأة وقضاياها‪ ،‬وكلهما تتمثل في‬
‫أخطر قضيتين‪:‬‬
‫‪ -1‬إيجاد الصراع بين الباء والبناء وتغذية روح الكراهية بينهما‪.‬‬
‫‪ -2‬إثارة الشبهات حول قوامة الرجل على المرأة وخلق روح الكراهية بينهما‪.‬‬
‫وهما قضيتان بالغتا الخطورة‪ ،‬فيجب أن تدرسا بدقة وأن تعرف أبعادهما‬
‫وخلفيات الخطر القائم وراءهما‪ ،‬وهو يتمثل في )بروتوكلت صهيون( وما‬
‫كشفت عنه من هدف الستيلء على العالم وتدميره أخلقيا ً قبل السيطرة‬
‫عليه‪.‬‬
‫وبعد‪ :‬فهذه خلفيات وأبعاد أرجو أن تكون في تقدير مثقفينا وهم يناقشون‬
‫ويدرسون‪ ،‬وهي تحديات حقيقية؛ فإنها إذا ما استحضرت سوف تعطيهم فهما ً‬
‫أعمق وقدرة أوسع على الحاطة بالزمة وعلى إيجاد الحلو الناجعة‪.‬‬
‫لقد تبين تماما ً أن التجربة التي قام بها المسلمون والعرب للنظم الغربية‪،‬‬
‫سواء الليبرالية أو الماركسية‪ ،‬قد فشلت تماما ً في تحقيق المطمح السمى‬
‫لمة القرآن‪ ،‬وبذلك أصبح الطريق أمامهم مفتوحا ً نحو خط واحد لم يجربوه‬
‫وهو خطهم الصيل وهو ملذهم الوحيد الذي لن يجدوا دونه محيصا ً الذي‬
‫صاحبهم أربعة عشر قرنا ً وحماهم وأكد وجودهم ودافع عنهم‪ ،‬وسيظل‬
‫يحميهم من عاديات الزمن وأحداث اليام ما استمسكوا به‪.‬‬
‫نقاط هامة‬
‫)سادسًا( في التاريخ السلمي الحديث "نقاط" ما تزال في حاجة إلى توضيح‬
‫وبيان‪:‬‬
‫وأبرزها العلقة بين المسلمين والعرب‪ ،‬وبين الدولة العلمانية والعرب‪ ،‬وبين‬
‫العروبة والسلم في مواجهة دعوات القومية والعنصرية والقليمية وغيرها‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬
‫أما السلطان عبد الحميد فقد رد إليه اعتباره الن بعد أكثر من ستين عاما ً‬
‫كان فيها في نظر المؤرخين مستبدا ً وسلطانا ً أحمر‪ ،‬مع أنه كان من أشرف‬
‫الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم وملكهم في سبيل دفع جائحة الصهيونية‬
‫العالمية عن السيطرة على فلسطين‪ .‬ومذكرات هرتزل تثبت ذلك وتكشف‬
‫عن مدى الدور الذي ظل خافيا ً عن العرب والمسلمين سنوات طويلة وإن‬
‫كانت القضية ما زالت في حاجة إلى نصوص أوفى ووثائق أخرى لتحرير‬
‫تاريخ السلطان تماما ً من كل ما علق به‪.‬‬
‫أما الخلف بين العرب والدولة العثمانية‪ :‬فهو في الحقيقة خلف مع‬
‫التحاديين الذين حكموا من عام ‪ 1909‬إلى عام ‪ ،1918‬وورثوا مصطفى‬
‫كمال نظامهم التلمودي الماسوني الصهيوني‪ ،‬هؤلء هم رجال "التحاد‬
‫والترقي" الذين تشكلوا في أحضان المحافل الماسونية والذين عملوا لخدمة‬

‫‪170‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الصهيونية العالمية‪ ،‬فأسقطوا عبد الحميد ومهدوا للغاء الخلفة وسلموا‬


‫طرابلس الغرب ليطاليا‪ ،‬وفتحوا الطريق أمام اليهود إلى فلسطين وكانوا‬
‫حاضرين في ضمير اللورد اللنبي عندما قال بعدد سيطرة النجليز على‬
‫القدس‪" :‬الن انتهت الحروب الصليبية"‪.‬‬
‫ثم جاءت المؤرخة اليهودية فقالت‪" :‬إن وصول النجليز إلى القدس عام‬
‫‪ 1917‬كان يعني أنها صبحت في قبضة اليهود‪ ،‬وقد تم ذلك فعل ً عام‬
‫‪."... 1967‬‬
‫فالخلف إنما كان مع التحاديين وليس مع الدولة العثمانية نفسها‪.‬‬
‫ومن هنا يجري الحديث عن القوميات وعن تمزق "وحدة العالم السلمي"‬
‫إلى كيانات بادئة بالطورانية في تركيا ومقابلها القومية العربية ‪..‬‬
‫وما اتصل بعد ذلك بمفاهيم الغرب وبسيطرة النظرية الغربية في القوميات‬
‫على النحو الذي عرف في كثير من الدراسات‪ ،‬وقد فشلت هذه المفاهيم‬
‫تماما ً في ضوء الوحدة السلمية التي تبين أنها الطريق الصحيح والوحد‬
‫وذلك بعد التجربة المريرة وبعد هزيمة ‪.1967‬‬
‫هذه مجموعة من الحقائق ل أعتقد باحثا ً أو مثقفا يستطيع أن يستغني عنها‬
‫ً‬
‫في مواجهة قراءاته ودراساته سواء في تاريخ السلم أو التاريخ الحديث‪.‬‬
‫وفي مواجهة الستعمار والمذاهب السياسية والنظريات العربية بشطريها‪،‬‬
‫ولهذه الضواء الكاشفة والنقاط السريعة تفصيل واسع وأبعاد هامة يجب أن‬
‫تتابع‪ ،‬ومن هذه الخيوط المجمعة الن في كلمة واحدة نستطيع أن نستكشف‬
‫الفاق البعيدة ونعرف الخلفيات الظاهرة والخفية ونتابع الحداث والخبار في‬
‫وضوح وفهم‪.‬‬
‫وهذا ما أعددته وأردت أن أقوله لشبابنا المثقف حين ُدعيت للقاء كلمة في‬
‫جامعة الملك عبد العزيز بمكة المكرمة‪.‬‬
‫أنور الجندي‬

‫)‪(5 /‬‬

‫تحديث الخطاب الديني‬


‫والخطار المحدقة بذاتية الحضارة السلمية‬
‫إذا كانت العودة إلى ذاتية السلم هي شرط عودته كما بشرنا بذلك رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم فإن الحرب الستباقية الثقافية ضده – وقد أدركت‬
‫بحسها الحضاري صدق هذا الشرط ‪ -‬بادرت من جهتها إلى محاولة تدمير هذه‬
‫الذاتية قبل أن تأتيها فرصة العودة‬
‫وقد بدأت هذه المحاولت منذ أكثر من قرن في تقرير علمانية الدولة واقعا‬
‫وثقافة ‪ ،‬ومن حلقاتها الخيرة تجريم الدعوة إلى تطبيق الشريعة السلمية‬
‫‪،‬أو الجهاد ‪ ،‬وتزوير الفتاوى حول الربا ‪ ،‬وأو ضاع السرة والمرأة ‪ ،‬إلخ ‪، ..‬‬
‫ومن حلقاتها الخطيرة تدمير ذاتية التعليم بالزهر ‪ ،‬ومن آخرها كشف" سوأة‬
‫الختلط " بين الجنسين بجامعته ‪ ،‬وإذا سألت قيل لك نحن ل " يلخبطنا "‬
‫أحد !!‬
‫ومن آخر هذه الحلقات ‪ ،‬ما يسمى " تجديد الخطاب الديني بالمساجد "‬
‫وتفنيدا لهذه الطروحة نعتز ونكتفي هنا بما يقوله الدكتور رفيق حبيب في‬
‫حديث له بمجلة آفاق عربية بتاريخ ‪ 2003\10\1‬ل فض فوه ‪ ) :‬إن التجديد‬
‫عملية ابتكارية‪ ،‬مبنية علي ملحظات تتحسس التغيرات التي طرأت علي‬
‫الحياة ‪ ،‬ومن ثم نشرع في التعامل مع هذه المتغيرات بالتغيير الفكري‬

‫‪171‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫والفقهي والسياسي‪.‬‬
‫ولكن ما هي شروط التجديد? أول ‪ :‬إنها عملية تنتمي للصول‪ ،‬لن التجديد‬
‫أصالة‪ .‬ثانًيا‪ :‬أنها تنبع من احتياجاتك الواقعية‪ ،‬حتى يتسنى لك أن تعالج‬
‫مشكلتك الحقيقية‬
‫أما ما يحدث الن فهو تجديد للخطاب الديني ولكن علي مسطرة العصر‪،‬‬
‫فهناك شروط ومعايير تسمي العصر‪ ،‬والمطلوب أن يكون خطابك الديني‬
‫قا مع هذا العصر‬‫والسياسي متواف ً‬
‫وبالطبع يجب أن ننتبه إلي أن العصر ليس هو الزمن بمعناه العام‪ ،‬إنما هو‬
‫الفكار الغربية‪.‬‬
‫ولذلك صار التجديد في جوهره هو تحقيق تواؤم مع أفكار أخري غريبة علينا‪،‬‬
‫دا‪ ،‬إنما افتراق‪ ،‬لنه عندما يطلب مني أن أجدد خطابي‬ ‫وهذا ليس تجدي ً‬
‫الديني لكي يتوافق مع الديمقراطية‪ ،‬فهذه موافقة علي الديمقراطية أن‬
‫تكون القيمة العلى‬
‫ومعروف أن سبب هذا المر هو شعور المريكان بأن هناك أمًرا خارج‬
‫السيطرة‪ ،‬وأن فكرة الجهاد ضد أمريكا لن تزول بالقضاء علي بن لدن ‪،‬‬
‫وتنظيم القاعدة ‪ ،‬فالفكرة قابلة أن توجد مرة أخري ‪ ،‬وبالتالي اتجهوا إلي‬
‫التحليل الثقافي حيث وجدوا أن قرآننا وإنجيلنا أسباب تؤدي إلي ذلك‪ ،‬لذا‬
‫وجب أن يزالوا‬
‫وهذا أمر وصلوا فيه إلي حد البوح به من شدة الغطرسة والفجور‪.‬‬
‫وهو المر الذي انعكس علي بعض نخبنا المهزومة فصارت تردد‪" :‬يجب أن‬
‫نجدد خطابنا الديني قبل أن نجبر علي تجديده «‪ ،‬بمعني آخر " يجب أن‬
‫ها‪ ..‬فهل هذا يعقل (‬ ‫نستعمر قبل أن نجبر علي الستعمار " وندخل فيه كر ً‬
‫هكذا منطق التجديد الديني " السلمي " المريكاني ‪ :‬يجب أن نضل قبل أن‬
‫نجبر على الضلل ‪ ،‬يجب أن نذل قبل أن نجبر على الذل ‪ ،‬يجب أن نزول‬
‫قبل أن نجبر على الزوال !!!‬
‫ل فض فوك يا دكتور رفيق‬
‫إنهم في زعم التجديد في حلقتهم الخيرة ‪ :‬يواصلون تدمير الذاتية السلمية‬
‫قبل أن تأتيها فرصة العودة إلى قمة العالم‬
‫يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " إن الله زوي لي الرض فرأيت‬
‫مشارقها و مغاربها و إن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها" رواة المام‬
‫مسلم‬
‫نعمم ولكن بالذاتية يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ‪) :‬بدأ السلم‬
‫غريبا ‪ ،‬وسيعود غريبا كما بدأ ‪ ،‬فطوبى للغرباء ( رواه مسلم في صحيحه ‪.‬‬
‫وفي مسند المام أحمد بسنده عن عبد الرحمن بن سنة أنه سمع النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يقول ‪):‬بدأ السلم غريبا ثم يعود غريبا كما بدأ ‪ ،‬فطوبى‬
‫للغرباء ‪ .‬قيل يا رسول الله ‪ :‬ومن الغرباء؟ قال ‪ :‬الذين يصلحون إذا فسد‬
‫الناس (‬
‫صميم المعركة المحتدمة الن هو في الدائرة الولى لصنع ذات النسان‬
‫المسلم ؛ في الفكر والثقافة ؛ في المسجد والجامعة ‪ ،‬في البيت والشارع ‪،‬‬
‫في السرة والدولة ‪ :‬صنع الذات ‪ ،‬تلك الدائرة التي توشك أن تنهار‪.‬‬
‫لقد تهاوت بالفعل دوائر خارجية ‪ ،‬تم صناعتها وتهاويها تاريخيا ‪ ،‬دائرة بعد‬
‫الخرى ‪.‬تهاوت دائرة الدعوة بالجهاد ‪ .‬وتهاوت دائرة الدولة السلمية ‪.‬‬
‫وتهاوت دائرة التشريع ‪.‬وبقي قلب البناء ‪ :‬الدائرة الثقافية الذاتية ‪ .‬يقول‬
‫محمد إقبال ‪:‬‬

‫‪172‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كل من أهمل ذاتيته ‪ .‬فهو أولى الناس طرا بالفنا‬


‫لن يرى في الدهر شخصيته ‪ .‬كل من قلد عيش الغربا‬
‫تلك هي الدائرة التي توشك أن تنهار ‪ ،‬ولكنها توشك بعد ذلك أن تعود‬

‫)‪(1 /‬‬

‫صميم المعركة الدائرة الن ليس في ظواهرها السياسية أو العسكرية ‪،‬‬


‫ولكنه في أعماق مشكلة الذات الثقافية هنا لم يتركنا الله ورسوله حيارى‬
‫أمام الحل المطلوب ‪ .‬وهو حل ثقافي في المقام الول ‪ ،‬وبخاصة بعد أن‬
‫ذابت قلع المقاومة المتقدمة ‪ .‬إنه حل المحافظة على الذات‪ .‬حل المحافظة‬
‫على التميز ‪ .‬حل المحافظة على الخصوصية ‪ .‬حل الغربة ‪ ).‬بدأ السلم غريبا‬
‫وسيعود غريبا كما بدأ ‪ ،‬فطوبى للغرباء ( ‪ .‬ببساطة لكي نكون ))نحن (( ‪.‬‬
‫ولكي نتهيأ لنصر موعود ؛ ليس لغير الذات السلمية ‪ .‬ولكي نقدم للعالم‬
‫شيئا غير ما هو فيه مما بدت عوراته ‪ ،‬وانحلت قوائمه ‪ ،‬وأصبح على شفا‬
‫جرف هار من انهيار مرصود ‪.‬‬
‫ولقد أطلت مشكلة الذاتية منذ وقت مبكر ولقد عني السلم بتأكيد هذه‬
‫الذاتية‬
‫ث ‪َ ،‬قالَ‬ ‫حد ّ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أَبا قَتاد َة َ َ‬ ‫د( أ ّ‬ ‫سوَي ْ ٍ‬ ‫ن ُ‬ ‫حقَ )وَهُوَ اب ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫في صحيح مسلم بسنده عَ ْ‬
‫حد ّث ََنا‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫‪.‬‬ ‫ب‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫َ ْ ٍ ِ ّ َ ِ َ ُ ُْ ْ ُ ْ ٍ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ب‬ ‫نا‬ ‫في‬ ‫و‬ ‫نا‪.‬‬ ‫م‬ ‫ط‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫في‬ ‫صي ْ ٍ ِ‬
‫ن‬ ‫ح َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ن بْ ِ‬ ‫مَرا َ‬ ‫ع ْ‬
‫عن ْد َ ِ‬ ‫‪ ) :‬ك ُّنا ِ‬
‫ه«‬ ‫خي ٌْر ك ُل ّ ُ‬ ‫حَياُء َ‬ ‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‪» :‬ال ْ َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ل‪َ :‬قا َ‬ ‫مئ ٍذ ٍ َقا َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬ ‫مَرا ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ِ‬
‫ض‬ ‫ع‬‫ب‬ ‫في‬ ‫د‬ ‫ج‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫نا‬ ‫إ‬ ‫‪:‬‬ ‫ب‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ن‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫ب‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر«‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ُ‬ ‫ء‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫»ا‬ ‫‪:‬‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫قا‬‫َ‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫قا‬ ‫َ‬
‫َْ ِ‬ ‫ِّ َ ِ ُ ِ‬ ‫ُ ُْ ْ ُ ْ ٍ‬ ‫ُ ٌْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫َ‬ ‫ب أوِ ال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ب‬ ‫ض َ‬ ‫ل ‪ :‬فَغَ ِ‬ ‫ف ‪َ ،‬قا َ‬ ‫ضعْ ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ة وَوََقارا لله ‪ ،‬وَ ِ‬ ‫كين َ ً‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫مةِ أ ّ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ال ْك ُت ُ ِ‬
‫ّ‬ ‫حد ّث ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل اللهِ صلى الله‬ ‫سو ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ك عَ ْ‬ ‫ل ‪ :‬أل َ أَراِني أ َ‬ ‫مّرَتا عَي َْناه ُ ‪ .‬وََقا َ‬ ‫ح َ‬‫حّتى ا ْ‬ ‫ن َ‬ ‫مَرا ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫شي ٌْر ‪.‬‬ ‫عاد َ ب ُ َ‬ ‫ل فَأ َ‬ ‫ث ‪َ .‬قا َ‬ ‫دي َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫مَرا ُ‬ ‫ع ْ‬‫عاد َ ِ‬ ‫ل فَأ َ‬ ‫ض ِفيهِ ؟ َقا َ‬ ‫عليه وسلم وَت َُعارِ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه‪(.‬‬ ‫س بِ ِ‬ ‫ه ل َ ب َأ َ‬ ‫جي ْد ٍ إ ِن ّ ُ‬ ‫مّنا َيا أَبا ن ُ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫ل ِفيهِ ‪ :‬إ ِن ّ ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫ما زِلَنا ن َ ُ‬ ‫ل ‪ :‬فَ َ‬ ‫ن ‪َ .‬قا َ‬ ‫مَرا ُ‬ ‫ع ْ‬
‫ب ِ‬ ‫ض َ‬ ‫فَغَ ِ‬
‫أقول ‪ :‬ولعله اختلط عليه الحياء والخجل ‪ .‬ومع ذلك فمن الحق أن نرصد هنا‬
‫شاهدا مبكرا جدا على بداية ظهور مشكلة الذاتية إذ أخذت تطل برأسها فعند‬
‫الول نجد نقاءها المطلق ‪ ،‬وعند الثاني نجد بداية التحول نحو التفاعل مع‬
‫الخر دون أن تظهر – بعد – جدية هذا التهديد ‪ ،‬وما ذاك إل لن الذاتية هي‬
‫في مرحلتها القصوى من النقاء والصدق واليمان ‪.‬‬
‫ولكي نتعرف على ذاتية الوجود السلمي يجب أن نقرر مبدئيا أن السلم‬
‫نسق عضوي متكامل ‪ .‬والنسق العضوي ل يقبل التفكيك ‪ .‬تماما كما هو‬
‫الحال في أي كيان متكامل ‪ .‬كنظام الذرة ‪ .‬والخلية ‪ ..‬والفلك ‪ .‬والكائنات‬
‫العضوية الحية‬
‫وإذا قبلنا تفكيك نسق ما فإن هذا يعني أننا قبلنا تدميره ‪ :‬للقضاء عليه يقينا ‪،‬‬
‫ولحساب غيره غالبا ‪ .‬النساق ل تفكك ‪ ،‬وإذا فككت دمرت ‪.‬‬
‫وإن بعض المفكرين في الدائرة السلمية ‪ -‬في القرن العشرين بالذات –‬
‫قاموا ومازالوا يقومون بدور تفكيك السلم ‪ ،‬ظنا منهم أنه من الممكن أن‬
‫يعودوا إلى تركيبه بعد ذلك تركيبا عصريا ‪:‬‬
‫فيأخذون منه " إفراد الله بالعبودية " ليروجوا للحرية "الليبرالية "‬
‫الديموقراطية ‪ :‬مع أن إفراد الله بالعبودية جزء من النسق السلمي العام ‪،‬‬
‫والديموقراطية الليبرالية جزء من النسق العلماني العام ؛ فهيهات ‪ .‬ويأخذون‬
‫منه تكريم الله " للنسان " عبدا لله ‪ ،‬ليروجوا لما يسمونه حقوق النسان ‪:‬‬
‫مع أن تكريم الله لعبده النسان جزء من النسق السلمي ‪ ،‬وحقوق النسان‬

‫‪173‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫جزء من النسق العلماني الذي تقوم عليه )عصبة !( المم ‪ .‬ويأخذون منه‬
‫رعاية السلم للفقراء ليروجوا للشتراكية ‪ :‬مع أن رعاية الفقراء جزء من‬
‫النسق السلمي ‪ .‬وإفقار الغنياء جزء من النسق الشيوعي ‪ .‬ويأخذون منه‬
‫شرعية " البيع " و " الربح " ليروجوا للربا ‪ :‬مع أن الربح جزء من النسق‬
‫السلمي في القتصاد ‪ ،‬والربا جزء من النسق العلماني…‪.‬وهكذا …يروجون‬
‫ما يروجون باسم التدرج والكتفاء بالجزء عندما ل يكون الكل ممكنا ‪ ،‬وما‬
‫ذلك من التدرج في شيء ‪ ،‬إذ التدرج أخذ بالجزء ضمن نسق الكل ‪ ،‬أما‬
‫الكتفاء بالجزء ضمن نسق كلي غريب عنه فتبديد للكل والجزء جميعا‬
‫قالوا ‪ :‬تلك الحضارة ) المسيحية اليهودية اللحادية !! ( هي العلم ‪ ،‬والسلم‬
‫دين العلم ‪ .‬وتغافلوا عن وضعية العلم في البناء السلمي ‪ ،‬وهي وضعية‬
‫الداة التنفيذية ‪ ،‬ل الفيلسوف ‪ ،‬ول المشرع ‪ ،‬ول المنظر‪ ،‬ول المقوم !!‬
‫قالوا ‪ :‬هي العقل ‪ ،‬والسلم دين العقل ‪ .‬وتغافلوا عن وضعية العقل في‬
‫السلم ‪ ،‬وهي وضعية المخلوق الساجد لمر الله ‪.‬‬
‫قالوا ‪:‬هي القوة والسلم دين القوة ‪ .‬وتغافلوا عن وضعية القوة في البناء‬
‫السلمي ‪ ،‬وأنها مطلقة في جانب الله ‪ ،‬مقهورة بشرع الله في جانب‬
‫المخلوق ‪.‬‬
‫قالوا هي إعمار هذه الحياة الدنيا ‪ ،‬والسلم كذلك ‪ ،‬وتغافلوا عن الفرق بين‬
‫وضعيتين ‪ :‬الدنيا من أجل الدنيا في هذه الحضارة ‪ ،‬والدنيا من أجل الخرة‬
‫في الحضارة السلمية ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫قالوا ‪ :‬هي الرفاهية والغنى والجمال والمتعة ‪ ،‬والسلم دين الغنى والزينة‬
‫والجمال وهو ل يحرم المتعة ‪ ،‬وتناسوا الفرق بين المتعة كهدف للوجود‬
‫النساني ‪ ،‬والمتعة الحلل كترويح من أجل معاودة العمل والكفاح في سبيل‬
‫الله ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬هي الحرية ‪ ،‬والسلم يقررها لكل إنسان منذ يولد ‪ ،‬وتناسوا الفرق‬
‫بين نداء الحرية المتمردة على كل القيم ‪ ،‬وبين نداء العبودية لله التي تحقق‬
‫الحرية بغير نداء ‪.‬‬
‫وهكذا …‬
‫صنعوا ملمح القربى والتشابه مع الحضارة الغربيه ليمحقوا تميز السلم ‪،‬‬
‫وليمحقوا ذاتيته ‪ ،‬ولتظل القبلة الحضارية هناك ‪ .‬صنعوا للحضارة السلمية‬
‫ملمح القرب والتشابه ‪ ،‬وأعلنوها بغير خصوصية لتنزلق في مزالق التبعية ‪.‬‬
‫طمسوا ملمح الخصوصية ‪ ،‬فأفقدوا المة شرط النصر من الله الذي إنما‬
‫يأتي لمن ينصرون الله ‪ ..‬طمسوا ملمح الغربة ‪ ،‬فأفقدوا المة شرط عودتها‬
‫إلى السلم ‪ ،‬أو شرط عودة السلم إليها " … ويعود غريبا كما بدأ " حديث‬
‫صحيح‬
‫أسقطوا الخصوصية ‪ ،‬فأسقطوا الملمح ‪ ،‬فأسقطوا الشخصية وأهدروا‬
‫الذاتية ‪.‬‬
‫لمصلحة من ؟؟ "المعاصرة "كما يقولون !! وأولى بهم أن يسموا ذلك‬
‫"اعتصارا " ‪ .‬لمصلحة التجديد " كما يقولون ‪ ،‬وأولى بهم أن يسموه التبديد ‪.‬‬
‫إن الذي يقوم به هؤلء المفكرون السماسرة ‪ ،‬أو السماسرة المفكرون ‪ :‬لن‬
‫يعود على السلم بالمعاصرة ؛ وإنما يعود عليه بالتفكيك ومن ثم التبديد ‪ .‬إن‬
‫للسلم شخصيته الحضارية ‪ .‬والشخصية كائن عضوي يؤخذ ككل ‪ .‬أو على‬

‫‪174‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫القل تجري المحاولة في هذا الخذ على هذا الساس ‪.‬‬


‫التفكيك قد ل يضر بالمادة أو الجماد ‪ .‬قطعة الحجر عندما تقسم إلى عشرة‬
‫قطع فإن كل قطعة منها تظل منتسبة بالفعل إلى " الحجر" ول تصبح شيئا‬
‫آخر ‪ .‬أما الشخصية ‪ -‬ككائن عضوي ‪ -‬فإنها إذا فككت ل تصبح هي هي ‪.‬‬
‫وكذلك ل تصبح هي هي إذا أعيد تركيبها وفقا لمنظومة أخرى ‪.‬‬
‫إن فقدان الخصوصية الشخصية ليس بعثا ولكنه اقتبار ‪.‬‬
‫ل يبعث السلم وهو أشلء مختلطة بالمسيحية ‪ ،‬أو باليهودية ‪ ،‬بالشتراكية أو‬
‫بالشيوعية ‪ ،‬بالرأسمالية أو الربوية ‪ ،‬بالديموقراطية أو الليبرالية ‪،‬‬
‫بالدكتاتورية أو الوتوقراطية أو الثيوقراطية ‪ ،‬بالتقدمية أو التطورية أو‬
‫الرجعية ‪ ،‬بالوسطية أو الثورية ‪ ،‬بالراديكالية أو الصولية ‪ ،‬بالعقلنية أو‬
‫العلمانية أوالعلموية ‪ ،‬بالقومية أو البعثية أو الماركسية ‪ ،‬بالعصرنة أو‬
‫النسانية أو الحداثة ‪ ،‬أو عالم القرية الواحدة المحكومة بمجلس المن ‪.‬‬
‫لقد ذهب ‪ -‬أو يجب أن يذهب ‪ -‬إلى مزبلة المكتبات ‪ -‬قول بعضهم ‪ ) :‬علينا‬
‫أن نسير سيرة الوربيين ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادا ‪ ،‬ولنكون لهم‬
‫شركاء في الحضارة ‪ :‬خيرها وحلوها ومرها ‪،‬وما يحب منها وما يكره ‪ ،‬وما‬
‫يحمد منها وما يعاب ( ‪.‬‬
‫لقد ذهبت ـ أو يجب أن تذهب ـ إلى مزبلة الحاضر القريب بليين الكلمات‬
‫التى كتبها التباعيون للحضارة ) المسيحية اليهودية اللحادية ( يروجون بها‬
‫لها ‪ ،‬ليجعلوها هي القبلة ‪ ،‬ويسجدون عندها ‪ :‬بزعم أنها هي العصر ‪ ،‬وأنها‬
‫هي العلم ‪.‬‬
‫ولقد كذبوا ‪ ،‬فهذه الحضارة ليست هي العصر ‪ ،‬وإنما هي المستبد بالعصر ‪،‬‬
‫وهذه نزعة إلى استعمار الزمان ‪ ،‬بعد استعمار المكان ‪ ،‬نزعة إلى استعمار‬
‫التاريخ بعد استعمار الجغرافيا ‪.‬‬
‫أما العصر الحقيقي فهو عصر الله الذي أقسم به } والعصر إن النسان لفي‬
‫خسر ‪ ،‬إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر ‪{ .‬‬
‫وهذه الحضارة ليست هي العلم ‪ ،‬وإنما هي المحتكر للعلم ‪ ،‬باسم القوة ‪.‬‬
‫العلم والعلم التجريبي نفسه منهج بشرى قديم ‪ – .‬وللسلم فيه دور رائد‬
‫أصيل ‪ . -‬وهو مع ذلك ليس روح هذه الحضارة ‪ ،‬ول روح عصر هذه الحضارة‪.‬‬
‫روح هذه الحضارة ‪ ،‬وروح عصر هذه الحضارة نعثر عليه في الدنيوية أو‬
‫العلمانية ‪ .‬نعثر عليه في الصراعية أو التطورية ‪ .‬نعثر عليه في الصولية‬
‫المسيحية والصولية اليهودية ‪ .‬نعثر عليه في التخليط بين هذا كله مع‬
‫اللحادية ‪ .‬نعثر عليه في مسحة السفسطة اليونانية القديمة ‪ ،‬التي حاصرها‬
‫الفكر السلمي في سجن " العندية " ثم انبعثت على يد الفلسفة المعاصرة‬
‫في مذاهب " التطورية " و " النسبية " و " التاريخية " ‪..‬‬
‫ليست تلك إذن هي حضارة " العصر" أو حضارة " العلم " ‪ .‬ذلكم تزييف‬
‫لهذه الحضارة يراد به بعد ذلك تزييف للسلم ‪ ،‬فل يعود السلم بذاته ‪ ،‬أو‬
‫بشخصيته ‪ .‬فل يعود السلم غريبا ً ‪ .‬ول يعود السلم إسلما ً ‪ .‬ول يعود‬
‫السلم ‪.‬‬
‫ول تظهر ذاتية السلم بالتفكيك ‪.‬إنما تظهر بإدراك خصوصيته التركيبية ‪.‬‬
‫وهي تظهر في النظر إلى قضاياه الساسية مقارنة بنظرة الغرب إليها ‪:‬‬
‫ففي العلقة بالله نجد المحور في السلم هو إسلم الوجه لله ‪ ،‬وفي الغرب‬
‫العصري نجد أرقى شكل من أشكال النفاق الفكري ‪ :‬إذ يعلن الحياد إزاء‬
‫المسألة‪! .‬‬

‫‪175‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وفي العلقة بالزمن نجد المحور في السلم هو الخروية ‪ .‬وفي الغرب نجد‬
‫المحور هو الدنيوية ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫وفي العلقة بالخر نجد المحور في السلم هو التعدد وصول إلى التدافع‬
‫ومن ثم التوازن ‪ ،‬وفي الغرب نجد المحور هو الصراع وصول إلى البادة ‪.‬‬
‫وفي العلقة بالبيئة نجد المحور في السلم هو في الستفادة بها مسخرة من‬
‫الله مكفولة بشريعته ‪ .‬وفي الغرب نجد المحور هو المغالبة حتى وهم‬
‫السيطرة ‪.‬‬
‫وفي العمل من أجل الترقي نجد المحور في السلم هو الجهاد في سبيل‬
‫الله ‪ ،‬بينما نجد المحور في الغرب هو دعوى جبرية التقدم ‪.‬‬
‫وفي قضية الحقوق نجد المحور في السلم يدور حول حقوق الله المنعم‬
‫بحقوق النسان ‪ ،‬بينما نجد المحور في الغرب هو حقوق النسان المنتهبة‬
‫بأيدي قوانين البقاء ‪.‬‬
‫وفي قضية الضعفاء نجد المحور في السلم هو النصرة من الله بواسطة‬
‫الضعفاء } ‪ ...‬فإنما تنصرون بضعفائكم ‪ { .‬بينما نجد المحور في الغرب هو‬
‫النصرة على الضعفاء بواسطة السوبرمان ‪.‬‬
‫وفي قضية الحرية نجد المحور في السلم هو " إفراد العبودبة لله ‪ ،‬بينما‬
‫نجد المحور في الغرب متسقا مع تاريخهم فيما أبدعوه من " الديموقراطية "‬
‫و " الليبرالية " ‪.‬‬
‫وفي قضية التشريع نجد المفارقة التي ل تستبين إل بالتسليم لله ـ الذي هو‬
‫أساس السلم ـ هذا التسليم الذي ل يكون إل بتطبيق الشريعة تطبيقا ً كامل ً‬
‫قد يعذر فيه تقصير المستضعفين ‪ ،‬ول يعذر فيه إنكار الجاحدين ‪ .‬الشريعة ‪:‬‬
‫أهدافا ً ‪ ،‬وأحكاما ً ‪ ،‬عامة ‪ ،‬وجزئية ‪ .‬بشرط فهم الواقع من ناحية وفقه الحكم‬
‫الشرعي من ناحية وفهم كيفية تنزيل الحكم عليه من ناحية ثالثة ‪ ،‬وإن يكن‬
‫مع النزول على أحكام الواقع في التدرج والنتقال والتيسير ‪ .‬مع الخذ‬
‫بوسائل التنفيذ الحديثة المتجددة ‪.‬‬
‫وقد يتعالم بعضهم فيقول ‪ :‬إن الوسائل الحديثة تجر معها قيما خاصة بها ‪.‬‬
‫ونقول ‪ :‬نعم ‪ ،‬لكن في التشريع السلمي العلج لذلك ‪ .‬إذ نأخذ من هذه‬
‫الوسائل تحت قواعد التشريع السلمي ‪ :‬الضرر يزال ـ ارتكاب أخف‬
‫الضررين ـ سد الذرائع ـ رد المفاسد مقدم على جلب المصالح بعد حساب‬
‫الموازنة بينهما ‪ ..‬إلخ ‪ .‬وهنا ينبغي أن نأخذ في الحسبان استبعاد ما جرته ول‬
‫تزال تجره " التكنولوجيا الحديثة " في بعض جوانبها التدميرية أو اللأخلقية ‪،‬‬
‫ليس من أجل تطهير النموذج الحضاري السلمي في مشروعه الجديد ‪،‬‬
‫فحسب ‪ ،‬ولكن من أجل محاولة إنقاذ النسانية من جوانب التدمير التي‬
‫تحملها التكنولوجيا الغربية المحمولة بقيم وحشية تجعلها جديرة بأن تسمى‬
‫بدائية أو رجعية أو منفلتة ‪.‬‬
‫نعم لقد درج الفكر " السمساري " ـ في المجال السلمي ـ المعاصر على‬
‫اصطياد جهات التشابه بين السلم وبين غيره من الديان والمذاهب‬
‫والنظمة ‪ ،‬وجرى التركيز على ذلك ‪ ،‬حتى كدنا نرى كل دين أو مذهب أو‬
‫نظام ـ قائما ً بذاته هناك ‪ ،‬يعلن تفرده وكينونته وشخصانيته ماعدا السلم ‪.‬‬
‫فككنا السلم ‪ .‬قلنا ‪ :‬في الفلسفة اليونانية " العقل " وفي السلم " العقل‬
‫" ‪ ،‬ثم أخذنا بالفلسفة اليونانية ‪ .‬في الفلسفة المعاصرة " العلم " وفي‬

‫‪176‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫السلم " العلم " ثم أخذنا بالعلموية ‪ .‬في الفلسفة " النيتشوية " " القوة ‪،‬‬
‫وفي السلم " القوة " ‪ ،‬ثم أخذنا بالنيتشوية ‪ .‬في النظام العلماني " الدنيوية‬
‫" وفي السلم " الدنيوية " ثم أخذنا بالعلمانية ‪ .‬في النزعة الحضارية "‬
‫المتعة " وفي السلم " المتعة " ثم أخذنا بالمتعوية ‪ .‬في اليهودية " التوحيد‬
‫" وفي السلم " التوحيد " وفتحنا الباب لليهودية ‪ .‬في المسيحية " المحبة "‬
‫وفي السلم " المحبة والرحمة " وفتحنا الباب للتنصير ‪.‬في الصوفية الهندية‬
‫" النرفانا " وفي السلم " ابن عربي " وفتحنا الباب للنرفانا ‪ .......‬وهكذا ‪.‬‬
‫صار السلم مزقا وأشلء ‪...‬وفي ركام المزق والشلء تضيع الشخصية كما‬
‫يضيع الوجود ‪ .‬إذا كان " س " من الناس له أنف ففي كل واحد من الناس‬
‫أنف ‪ .‬وإذا كان له " أمعاء " فلكل حيوان أمعاء ‪...‬أين " س " إذن ؟ من هو "‬
‫س " ؟ مزقناه ‪ .‬قتلناه ‪ .‬إذن فنحن أمام جريمة‪.‬‬
‫وأسلوب ثان في محاولت محو الذاتية ‪ :‬الذي اتبعه المستشرقون وأذيالهم‬
‫منذ وقت غير قصير ‪ ،‬وتابعناهم فيه إلى حد كبير ‪ .‬وهو أن تمزق حقائق‬
‫السلم وتوزع على أكياس " جانبية " يسهل التخلي عنها ‪ :‬فهذا كيس عنوانه‬
‫" الصوفية " توضع فيه " المحبة " ‪ .‬وهذا كيس عنوانه “ السلفية " يوضع فيه‬
‫" التباع " ‪ .‬وهذا كيس اسمه " المعتزلة " يوضع فيه " التنزيه " ‪ .‬وهذا كيس‬
‫اسمه " المعاصرة " يوضع فيه " العقل أو العلم " ‪ .‬وهذا كيس اسمه "‬
‫الصولية " يوضع فيه " اللتزام " وهذا كيس اسمه الوسطية يوضع فيه "‬
‫التيسير " وهذا كيس اسمه " المعاصرة " يوضع فيه " العقل " ‪ ،‬وهذا كيس‬
‫اسمه " الحداثة " يوضع فيه " العلم "‪ .‬فإذا بما هو " السلم " أصبح الغريب‬
‫المجهول بين القرباء " المعروفين "‬
‫فإذا بما هو " السلم " أصبح " لشيء " ‪ ،‬وعندئذ تتصدى العلمانية لملئه‬
‫فتصبح العلمانية إسلما ً أو السلم علمانية ‪.‬ذلكم هو أسلوب التوزيع المقيت‬
‫لميراث السلم !!‬

‫)‪(4 /‬‬

‫أما السلوب الثالث فهو ما رسمته المنطقية الوضعية أو المذهب التحليلي‬


‫من منهج دقيق في التعامل مع السلم ‪ ،‬وهو أن تؤخذ العناوين من تراث‬
‫الحضارة السلمية وتفرغ من مضمونها السلمي ‪ ،‬وتحقن بمضامين جديدة‬
‫واقعية ؛ وكما يقول الدكتور زكي نجيب محمود أستاذ الوضعية المنطقية ) أن‬
‫نمل الصور المفرغة لتلك المبادئ بمضمونات جديدة ( ؛ وعلى هذا الساس‬
‫يعاد تفسير مفاهيم السلم وعقائده ‪ ،‬فيكون " الله " جل جلله ماذا؟ صفات‬
‫‪ ،‬وتكون الصفات ماذا؟ " العلم" مثل ً ؛ وهات " العلم " أفرغه من مضمونه‬
‫القديم وامله بالمضمون الحديث ‪ ،‬فيصبح هو " العلم التجريبي "‪ ..‬و " يا دار‬
‫ما دخلك شر " ‪ .‬وهكذا …‪.‬وتحول القضية برمتها إلى باطنية عصرية ‪ ،‬أو إلى‬
‫وجهة نظر لغوية !!! أنظر كتابه " تجديد الفكر العربي " ومقالته العريضة‬
‫بالهرام ‪ .‬والمدهش أن بعض المفكرين السلميين اعتبروا ذلك ردة منه إلى‬
‫السلم ‪،‬‬
‫ً‬
‫هذه هي أساليب العصر الثلثة ‪:‬التفكيك بحثا عن التشابه ‪ ،‬والتوزيع من أجل‬
‫التمزيق ‪ .‬والتفريغ من أجل التزييف ‪ .‬هذه هي أساليب العصر في تدمير‬
‫الحضارة الذاتية السلمية‬
‫ولقد أسرف هؤلء إسرافا كبيرا في محو الذاتية السلمية حتى أسلمونا‬
‫أخيرا ليد المريكان يتدخلون في تعديل مناهجنا التعليمية والدينية وما‬

‫‪177‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يسمونه أخيرا تجديد الخطاب الديني ‪ ...‬وهكذا ترتكب الجريمة الكبرى !‬


‫والمسلم في " مستقر " الذاتية " ليس أمامه إل أن يرفض هذه الساليب‬
‫جميعا ً ويلزم بيته الذي هو ‪ " :‬السلم " ‪ .‬السلم هو " ما يميزه " ‪ .‬وهو فيما‬
‫يميزه ليس تلك الشطائر أو المزق أو " العرائس " التي تقدم من هذا‬
‫الجانب أو ذاك ‪.‬‬
‫المسلم يرفض النسياق إلى تناول السلم من خلل رؤية يونانية ‪ ،‬أو لتينية ‪،‬‬
‫أو ماركسية أو براجماتية ‪ ،‬أو تاريخانية أو فردية ‪ ،‬أو حزبية ‪..‬‬
‫المسلم يرفض النسياق إلى تناول " عرائس " في مسرح كاذب مغشوش‬
‫تقدم إليه بعناوين من تراث قديم ‪..‬‬
‫المسلم يرفض النسياق إلى مسارب التيه بتسمية ما هو من السلم بأسماء‬
‫الفرق والمذاهب ‪..‬‬
‫ً‬
‫السلم هو كلمة " السلم " لفظا ومعنى ‪ .‬وما يميزه هو معنى كلمته ‪" .‬‬
‫إسلم الوجه لله " وسيطرة الخرة على تصرفاته تحقيقا ً لهذا " السلم " ‪.‬‬
‫إن البقاء على الذاتية إنما يكون بإبراز نقاط المفارقة والختلف ‪ :‬تلك بديهية‬
‫ل يمكن أن تكون محل خلف وإن غابت عنا طويل ً ‪.‬‬
‫ففي الحضارة الغربية سيطرة الدنيوية ‪ ،‬أما في الذاتية السلمية فسيطرة‬
‫الخروية ‪.‬‬
‫في الحضارة الغربية التسليم " للنسان " أما في الذاتية السلمية فالتسليم‬
‫" لله " ‪.‬‬
‫ذلكم جوهر الذاتية الذي في ضوئه يعاد النظر في كل ما يبدو من مظاهر‬
‫التشابه بين السلم وبين الحضارة الغربية ‪ ،‬فإذا لكل شيء من هذا التشابه‬
‫معنى مختلف ‪.‬‬
‫ول يعنى هذا رفض الحضارة الغربية جملة ‪ ،‬إذ مع كون ذلك انعزال ً قاتل ً‬
‫وانتحارا ً جماعيا ً ‪ ،‬فإن فيه افتئاتا على الله ‪ :‬لنه ل تخلو هذه الحضارة من‬
‫خير فيكون نكران هذا الخير نكرانا ً لنعم الله ‪ ،‬وحرمانا ً من فضله ‪.‬‬
‫وإذا كان لبد من النتقاء واختيار ما يصلح فإن السؤال يظل قائما ً ‪ :‬ما‬
‫مقياس ذلك ‪ ،‬ما مقياس ما يصلح وما ل يصلح ؟ " لنا " ؟‬
‫في أحسن القوال ذهب بعض الكاتبين إلى " أخذ التكنولوجيا " كما هي ‪،‬‬
‫وانتقاء بعض القيم النافعة ‪.‬‬
‫وهو رأى يحتاج إلى مراجعة وتمحيص ‪ .‬إذ لبد من مقياس ‪.‬‬
‫والمقياس هو في قلعة الذاتية السلمية القائمة على التسليم لله ‪ ،‬والسيادة‬
‫للخرة واستعمال العلم العملي ‪.‬‬
‫عندئذ لبد من أن نعلن رفض استيراد ما يأتي من تلك الحضارة في باب‬
‫القيم ‪ ،‬والهداف ‪ ،‬والحكام التشريعية العليا لنها جميعا ً جاءت تحت‬
‫"سيطرة الدنيوية ‪.‬‬
‫ثم نعلن الخذ بما عندهم من " الوسائل " التي يمكن أن نستعملها لقيمنا‬
‫وأهدافنا وشريعتنا أو بعبارة أشمل وأدق لتأكيد ذاتنا ‪.‬‬
‫حتى التكنولوجيا لبد فيها من المراجعة‪ .‬على أن يتم ذلك على أسس من‬
‫أصول شريعتنا‬
‫في تحقيق "المصلحة " من المنظور السلمي " وسد الذريعة " من المنظور‬
‫السلمي " وارتكاب أخف الضررين " من المنظور السلمي " أيضا ً ‪.‬‬
‫وماعدا ذلك فمصيره الفشل المؤكد ‪.‬ذلك أن ضمائر ذواتنا ممغنطة بما ل‬
‫يتفق مع أقطاب هذه الحضارة الغربية ‪.‬‬
‫إن المغناطيس الذي صنعت به الذاتية السلمية تكون أقطابه من ‪ :‬جبريل ‪،‬‬

‫‪178‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ومحمد ‪ ،‬والقرآن ‪..‬فكيف ينجح في داخله مغناطيس معاد ‪ :‬تكونت أقطابه‬


‫من وليم جيمس ‪ ،‬وجون ديوي والقديس بولس ‪ ،‬و كارل ماركس ؟!‬

‫)‪(5 /‬‬

‫كيف ينجح مجال مغناطيسي كهذا معاد لمغناطيس عقيدة "الملك" الذي هو‬
‫بيد الله ‪ ،‬ومغناطيس "الملكوت" الذي هو بيد الله كذلك ؟} تبارك الذي بيده‬
‫الملك وهو على كل شيء قدير { تبارك ‪ }. 1‬فسبحان الذي بيده ملكوت كل‬
‫شيء وإليه ترجعون { ‪ 83‬يونس ‪.‬يقول تعالى } أرأيت الذي يكذب بالدين‬
‫فذلك الذي يدع اليتيم ‪ ،‬ول يحض على طعام المسكين{ … تلك هي صفات‬
‫الحضارة المسيحية اليهودية اللحادية المعاصرة ‪ " :‬يدع اليتيم " ‪ ..‬نعم‬
‫"موضوعيا " في غير احتفالت الشاشة التليفزيونية ‪ ،‬والدعايات النفاقية ‪.‬‬
‫وانظر في ذلك دع النسل ؛ وطرده من عرشه فوق صدر المومة المقهورة‬
‫بدعوى التحرير ‪ ،‬وبيعه أشلء في أسواق اللذة ‪ ،‬أوالطب الحديث بدعاوى‬
‫المتعة أو العلم ‪ " .‬ول يحض على طعام المسكين " ‪ ،‬في غير الحتفالت‬
‫الدعائية ‪ ،‬وإجراءات التخلص من الستحقاقات الضرائبية ‪ .‬وانظر في ذلك ‪:‬‬
‫شراهة الرأسمالية الوحشية ‪ ،‬وصناعة المجاعات في العالم الثالث ‪،‬‬
‫وتفسيرها الذي ل يتم بغير النهب الستعماري القتصادي ‪ .‬ثم تلتفت اليات‬
‫إلينا ) فويل للمصلين ( نحن !! لماذا ؟ لننا ل نعمل بما يتفق مع هذه‬
‫الصلة ‪ ،‬وهو أن نهجر " ثقافيا " هؤلء الذين يكذبون بالدين ‪) .‬وإذا رأيت‬
‫الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره‪ ،‬وإما‬
‫ينسينك الشيطان فل تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ( ‪ 68‬النعام ‪ .‬أن‬
‫نزيحهم من ثقافتنا ‪ .‬تقتضي صلتنا منا أن نجعل قبلتنا هي القبلة السلمية ‪.‬‬
‫ل أن نجعل قبلتنا هناك في الغرب ‪ ،‬وإل كنا نصلي غير مصلين ‪ .‬وإل كنا‬
‫مسلمين غير مسلمين ‪ .‬وإل كنا مرائين ‪).‬الذين هم يراءون ( ) ويمنعون‬
‫الماعون (‪ ،‬يمنعون العون عن الخرين ‪،‬ولكنهم يمنعون عن أنفسهم العون‬
‫من الله ‪ .‬يمنعون عن أنفسهم العون الذي من شأنه أن تمدهم به الصلة لو‬
‫أنهم يصلون ‪ :‬أي لو أنهم يصلون غير مرائين ‪ ،‬لو انهم يصلون إلى قبلتهم ‪،‬‬
‫وليس إلى قبلة الحضارة المسيحية اليهودية اللحادية ‪.‬‬
‫فيا أيها البشر ‪ :‬ادخلوا مساكنكم ‪ }.‬قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم‬
‫ل يحطمنكم سليمان وجنوده وهم ل يشعرون { ‪.‬‬
‫ملك الله … ونحن ! ملك سليمان والنمل ! في قوانين ملك الله أين الصراط‬
‫المستقيم ؟ في قوانين ملك سليمان أين المان ؟‬
‫ادخلوا مساكنكم ‪.‬تلكم هي الذاتية السلمية ‪ :‬وكل طرح عدا ذلك فإنما‬
‫يحسب في عمليات التزييف القائمة على قدم وساق ‪.‬‬
‫ول يتوهمن واهم أننا ونحن نتحدث عن ذاتية النسق السلمي نعنى حصيلة‬
‫التراث التي تكونت عبر القرون ‪ .‬كل ‪ .‬فما هكذا يكون موقف السلم من‬
‫تراث أمة وشعب ‪ ،‬وهو أصل ً صاحب الموقف الفاحص الناقد الرافض لمنطق‬
‫" إنا وجدنا آباءنا على أمة ‪ ".‬ولكن الذاتية السلمية تعنى ما هو إسلم خالص‬
‫‪ ،‬نطق به " الوحي "‪ :‬قرآنا ‪ ،‬وسنة وتراثا بمقدار اقترابه من القرآن والسنة ‪:‬‬
‫إن هذه الذاتية تتلخص في ‪:‬‬
‫)‪ (1‬اليمان بجناحيه ‪:‬السلمية ‪ :‬إسلم الذات وخضوعها لله ‪.‬الخروية ‪ :‬ربط‬
‫مصالح الدنيا بمصالح الخرة ‪.‬‬
‫)‪ : (2-3‬العلمعملية ‪ :‬ربط العلم بالعمل " اللهم إني أعوذ بك من علم ل ينفع‬

‫‪179‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫" والله أعلم‬


‫أد ‪ :‬يحيى هاشم حسن فرغل‬
‫‪yehia_hashem@ hotmail .com‬‬
‫المقالة الثانية‬
‫تدهور‬
‫" مستوى الطاقة الحيوية للمسلمين "‬
‫المعاصرين‬
‫أد ‪ :‬يحيى هاشم حسن فرغل‬
‫‪yehia_hashem@ hotmail .com‬‬
‫من اشد الخطار المحدقة بذاتية الحضارة السلمية ‪ :‬تدهور " مستوى‬
‫الطاقة الحيوية للمسلمين " المعاصرين ‪ ،‬هذا التدهور الذي أصاب فيما‬
‫أصاب عصب " الرادة " فيهم ‪ ،‬وشل فيما شل عضلة " الفعل" ‪ ،‬عندهم ‪،‬‬
‫ورشحهم فيما رشح لمقبرة الزوال ‪ ،‬ومن ثم انقلب بهم الحال من مسلمين‬
‫إلى مستسلمين ‪ ،‬من مسلمين لله إلى مستسلمين لخلق الله‬
‫بخ بخ للمستسلمين من مسلمي اليوم ‪:‬‬
‫من هم بالنسبة إلى هذا المأزق الحضاري ؟‬
‫نتساءل عن المجموع ل عن الجميع ‪ ،‬المجموع الذي إن رجح اليأس منه ‪،‬‬
‫فإنه ل ينبغي أن يطمس باب المل عن الجميع ‪ ،‬إنه ل ييأس من روح الله إل‬
‫القوم الكافرون‬
‫المجموع الذي أنذره الله بقوله تعالى " واتقوا فتنة ل تصيبن الذين ظلموا‬
‫منكم خاصة " والذي أنذره الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله كما جاء في‬
‫ي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ن عن النب ّ‬ ‫ن ال َْيما ِ‬‫ةب ِ‬ ‫ف َ‬‫حذ َي ْ َ‬ ‫جامع الترمذي" بسنده عن ُ‬
‫ْ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫شك ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من ْكرِ أو لُيو ِ‬
‫ن ال ُ‬ ‫َ‬ ‫سي ب ِي َدِهِ ل َت َأ ُ‬ ‫قال‪َ» :‬وال ّ ِ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ف وَلت َن ْهَوُ ّ‬‫معُْرو ِ‬ ‫ن بال َ‬ ‫مُر ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذي ن َ ْ‬
‫َ‬
‫م« ‪.‬‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬
‫جي ُ‬‫ست َ ِ‬‫ه َفل ي َ ْ‬‫عون َ ُ‬‫م ت َد ْ ُ‬‫ه ثُ َ‬ ‫من ْ ُ‬‫قابا ً ِ‬ ‫ع َ‬‫م ِ‬ ‫ث عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫ن ي َب ْعَ َ‬
‫الله أ ْ‬

‫)‪(6 /‬‬

‫وبما جاء فيما رواه المام أحمد بمسنده عن عائشة قالت‪ :‬دخل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم فعرفت في وجهه أن قد حضره شيء‪ -‬يعني من‬
‫الوحي ‪ ، -‬فتوضأ ثم خرج فلم يكلم أحدًا‪ ،‬فدنوت من الحجرات فسمعته‬
‫ن‬‫ف َوان ُْهوا عَ ِ‬ ‫مُروا بالمعرو ِ‬ ‫ل‪ُ :‬‬ ‫ل ـ يقو ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫ن الله ـ عَّز وَ َ‬ ‫سإ ّ‬ ‫ُ‬ ‫يقول‪» :‬يا أ َّيها الّنا‬
‫َ‬ ‫المنك َر من قَبل أ َن تدعوني فل أ ُجيبك ُم‪ ،‬وت َ‬
‫صُروني‬ ‫ست َن ْ ِ‬
‫م وَت َ ْ‬ ‫سأُلوني فل أعْ ِ‬
‫طيك ُ ْ‬ ‫ِ ُ ْ ََ ْ‬ ‫ُ ْ ِ ِ ْ ْ ِ ْ َ ْ ُ‬
‫َ‬
‫م«‪.‬وروى ابن ماجة مثله بسننه بسنده عن عائشة ‪.‬‬ ‫صُرك ُ ْ‬‫فل أن ْ ُ‬
‫ي صلى‬ ‫ميَرةَ ال ْك ِن ْدِيّ عن الّنب ّ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫سب ِ‬
‫ْ‬
‫وما رواه أبو داود بسننه بسنده عن العُْر ِ‬
‫ها‬‫شهِد َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫ة في الْرض َ‬
‫كا َ‬ ‫ِ‬ ‫طيئ َ ُ‬‫خ ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫مل َ ِ‬‫ل‪» :‬إَذا عُ ِ‬ ‫الله عليه وسلم قا َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬‫ضي ََها َ‬
‫ب عَن َْها فََر ِ‬ ‫غا َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ب عَن َْها‪ ،‬وَ َ‬‫غا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن كَ َ‬‫كا َ‬‫ها‪َ -‬‬ ‫مّرةً أن ْك ََر َ‬ ‫ل َ‬‫فك َرِهََها‪ -،‬وقا َ‬
‫ها«‪.‬‬ ‫شهِد َ َ‬‫ن َ‬ ‫كَ َ‬
‫م ْ‬
‫هذا المجموع ‪ :‬هل بنى لحضارة الله بيتا ؟ أو جاهد أو قاوم في حضارة‬
‫العصر بيت الشيطان ؟ أو أنكر باليد أو أنكر بالكلمة أو أنكر باللسان ؟‬
‫هذا المجموع ‪ :‬أليس يدو رما بين مروج أو مستفيد أو ساكت ؟ وأغلبهم‬
‫عاجزون ؟‬
‫فليكن ! لكن ‪ :‬هؤلء العاجزون ما حكمهم ‪ :‬؟‬
‫ما الحكم في قوم – هم مسلمو اليوم ‪ -‬كلما وجه إليهم أمر للتنفيذ مصمصوا‬
‫شفاههم قائلين ‪ :‬عفوا ً نحن غير قادرين ؟ أليس من قوانين الله ــ منطقيا ً ــ‬

‫‪180‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أن يتم الستغناء عنهم ؟‬


‫ما الحكم في قوم كلما واجههم تكليف إلهي مصمصوا شفاههم قائلين ‪ :‬نحن‬
‫غير قادرين ؟‬
‫عوا إلى التخلص من الربا قالوا ‪ :‬إن كان حراما ً فنحن غير قادرين ؟ إذا‬ ‫إذا د ُ ُ‬
‫عوا إلى‬ ‫عوا إلى الجهاد قالوا ‪ :‬إن كان واجبا ً فنحن غير قادرين ‪ .‬إذا د ُ ُ‬ ‫دُ ُ‬
‫عوا إلى الخوة السلمية ‪:‬‬ ‫الوحدة قالوا ‪ :‬خير ‪ ،‬لكن نحن غير قادرين ؟ إذا د ُ ُ‬
‫عوا إلى تصحيح في سياسة‬ ‫قالوا ‪ :‬جميل ‪ ،‬ولكن نحن غير قادرين ؟ وإذا د ُ ُ‬
‫التعليم يربط فيه بين العلم والعمل واليمان قالوا ‪ :‬تحيرنا بين النظريات‬
‫والبرامج ‪ ،‬وما نحن بقادرين ‪ .‬وإذا قيل لهم ‪ :‬صححوا علقتكم بالدنيا‬
‫واجعلوها في أيديكم ل في قلوبكم قالوا ‪ :‬تلك صوفية ‪ ،‬وما نحن بقادرين ‪.‬‬
‫وإذا قيل لهم ‪ :‬احرصوا على الحرية ‪ ،‬واسلكوا إليها من باب العبودية لله‬
‫عوا إلى شئ من‬ ‫وحده ‪ ..‬قالوا ‪ :‬تلك مثل عليا وما نحن بقادرين ‪ .‬وإذا د ُ ُ‬
‫القتصاد يبتعدون فيه عن السراف والتبذير وتمويل رأسمالية العدو ‪ ،‬قالوا‬
‫عوا إلى قلب المعادلة السائدة بينهم بين‬ ‫عادات ‪ ،‬وما نحن بقادرين ‪ .‬وإذا د ُ ُ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫اللهو والجد ‪ ،‬خذوا أنفسكم بالجد ‪ ،‬واجعلوا اللهو هامشا محدودا قالوا ‪ :‬تلكم‬
‫دعوة إلى الكآبة وما نحن بقادرين ‪.‬‬
‫عوا إلى تحرى الحل في مأكلهم ومشربهم والبعد عن الحرام‬ ‫وإذا د ُ ُ‬
‫والمشتبهات ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وكيف نعيش ؟ نحن غير قادرين ‪.‬‬
‫عوا إلى المر بالمعروف والنهى عن المنكر قالوا ‪ :‬وما شأننا ؟ نحن‬ ‫وإذا د ُ ُ‬
‫غير قادرين ؟‬
‫عوا إلى الخذ على يد الظالم قالوا ‪ :‬صعب ‪ ،‬ونحن غير قادرين ‪ .‬وإذا‬ ‫وإذا د ُ ُ‬
‫عوا إلى مخاصمة الفسق في الفن وفي العلم ‪ ..‬قالوا ‪ :‬إزاى؟ نحن غير‬ ‫دُ ُ‬
‫عوا إلى إلزام نسائهم بالحجاب ‪ ،‬قلبوا شفاههم ‪ ،‬وقالوا ‪:‬‬ ‫قادرين ‪ .‬وإذا د ُ ُ‬
‫عوا إلى تربية أولدهم على طاعة الله ‪ ..‬قالوا نحاول‬ ‫نحن غير قادرين ‪ .‬وإذا د ُ ُ‬
‫عوا إلى العفة وما يوصل إليها من الكف عن‬ ‫‪ ،‬ولكن نحن غير قادرين ‪ .‬وإذا د ُ ُ‬
‫إثارة الشهوات ‪ ،‬نظروا بجانب من عيونهم إلى نظريات في علم النفس ‪،‬‬
‫وعلم الجمال ‪ ،‬وقالوا‪ :‬نحن غير قادرين ‪ .‬وإذا ُدعي علماؤهم إلى الجهر‬
‫بكلمة الحق ‪ ،‬قالوا ‪ :‬نحن غير قادرين‪.‬وإذا ُدعي حكامهم إلى عدم موالة‬
‫عوا إلى التكافل‬ ‫الكافرين ‪ ..‬قالوا ‪ :‬حسنا ً ‪ ،‬ولكنا غير قادرين ‪ .‬وإذا د ُ ُ‬
‫المعيشي مع الذين يموتون جوعا ً باللف ‪ ،‬قالوا ‪ :‬نحن غير قادرين ‪ .‬وإذا‬
‫عوا إلى التضامن مع المستضعفين من إخوانهم الذين يذبحون باللف ‪،‬‬ ‫دُ ُ‬
‫قالوا ‪ :‬نحن غير قادرين ‪.‬‬
‫بماذا شهد هؤلء على أنفسهم ؟‬
‫ً‬
‫هل ينطبق عليهم رفع التكليف في قوله تعالى ‪ } ..‬ل يكلف الله نفسا إل‬
‫وسعها ‪ 286 {.‬البقرة ‪.‬‬
‫أليس معنى الية ابتداء أن الله ل يكلف إل بالوسع ؟ فهم ماداموا قد كلفوا‬
‫فمعنى هذا أنه في وسعهم ؟ وعلى هذا الساس يكون قولهم نحن غير‬
‫قادرين محض كذب وتهرب ؟ !‬
‫وهل ينطبق عليهم رفع التكليف إذا كانوا هم أنفسهم مساهمين بدرجة أو‬
‫بأخرى في صنع الخطأ أو الخطيئة ؟ أو مستفيدين بدرجة أو بأخرى ــ‬
‫باستمرار هذا الخطأ أو الخطيئة ؟ أليست الغلبية اليوم دائرة بين هذا‬
‫وذاك ‪ ..‬بين صانع ‪ ،‬أو مستفيد ؟‬
‫قد يقال ‪ :‬المشكلة ترجع إلى تضارب الفكار ‪ ،‬واختلطها ‪ ،‬وعلى سبيل‬
‫المثال‪:‬‬

‫‪181‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫يقول بعضنا ‪ :‬العلمانية ‪ ،‬كلها شر ‪ ،‬ولكن آخرين يرفعون إمكانية التضامن‬


‫معها ‪ ،‬والتصالح مع بعض فصائلها ‪ .‬هكذا فإن الرؤية قد أصيبت بالختلط ‪.‬‬
‫حسنا ً ‪ ،‬فمتى يكشف الحق ؟ هنا ‪ :‬لبد من البتلء ‪.‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫قد يقال ‪ :‬المشكلة ترجع إلى اختلط في البشر ‪ ،‬حيث ل يظهر فيهم مؤمن‬
‫خالص ‪ ،‬من منافق خالص ‪ ،‬من كافر خالص ‪ .‬ويقول بعض هؤلء ‪ :‬تحتاج‬
‫الحركة السلمية إلى فصل هذه الفصائل ‪ ،‬وإل وقعت الحركة في شر النتائج‬
‫‪ ،‬شر الفشل ‪ .‬حسنا ً ‪ :‬فمتى ينفصل هؤلء من هؤلء ؟ هنا ‪ :‬لبد من عذاب‬
‫ينزل للتمييز ‪ ،‬فالمؤمن ينجلى كما ينجلى الذهب في النار ‪ ،‬وغيره يتساقط‬
‫كما يتساقط التراب ‪ ،‬أو كما يتساقط الغبار ‪ .‬هنا لبد من سريان قانون‬
‫التمييز ‪ } .‬ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث‬
‫من الطيب { ‪ 179‬آل عمران ‪ }.‬ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل‬
‫الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا ً فيجعله في جهنم ‪ ،‬أولئك هم‬
‫الخاسرون ‪ 37 { .‬النفال ‪ }.‬والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذى خبث‬
‫ل يخرج إل نكدًا‪ ،‬كذلك نصرف اليات لقوم يشكرون ‪ 58 { .‬العراف‬
‫قد يقال ‪ :‬التمييز موجود ‪ ،‬فنحن نعرف الطريق ‪ ،‬ونعرف من هم أربابه ‪،‬‬
‫ولكنا غير قادرين ‪ .‬غير قادرين على فعل شئ ‪ .‬والله ل يكلف نفسا ً إل‬
‫وسعها ‪ .‬فعندئذ يقال ‪ :‬وإذا كنتم قد خرجتم من إطار المكلفين فما معنى‬
‫وجودكم ؟ إنكم بذلك قدمتم شهادة الزالة ‪ .‬هنا ‪ :‬لبد من عذاب ينزل ــ ل‬
‫لمحض البتلء ‪ ،‬ول لمحض التمييز ولكن لغرض المحق ‪ ،‬والزالة كما تمت‬
‫إزالة أقوام من قبل ‪.‬‬
‫منطقيا ً ‪ :‬ماذا ينتظر لقوم كلما واجههم تكليف إلهي مصمصوا شفاههم‬
‫قائلين ‪ :‬ل حول ول قوة إل بالله ‪ ،‬نحن غير قادرين ؟؟ وهم قد أخرجوا إلى‬
‫الوجود أصل ً من أجل القيام بهذه التكاليف ؟ أليس المعقول أن ينتظروا‬
‫الزالة ؟ أما حسابهم يوم القيامة فشئ آخر ‪ .‬أليست الزالة هي الحل الوحيد‬
‫في شأنهم ؟ ليأتي قوم غيرهم ‪ } .‬وإن تتولوا يستبدل قوما ً غيركم ثم ل‬
‫يكونوا أمثالكم {‪ 38‬محمد‬
‫إن هؤلء ــ نحن المجموع ــ أكثر الجناس على وجه هذه الرض ترشيحا ً‬
‫للزالة ‪ ،‬لعدة أمور‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬لننا إنما خرجنا على ظهرها وارتفع ذكرنا فيها لمهمة خاصة هي القيام‬
‫برسالة السلم ‪.‬‬
‫ون عن المنكر‬ ‫ُ‬
‫} كنتم خير أمة أخرجت للناس ‪ ..‬تأمرون بالمعروف وتنه ٌ‬
‫وتؤمنون بالله {‪ 110‬آل عمران فعندما نتخلى عن هذه الرسالة ــ ونحن نكاد‬
‫نفعل ــ يزول سبب وجودنا ‪ ،‬ونذهب شراذم بددا ‪ ،‬في طرائق قددا ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬لننا لو بقينا وانتصرنا على أعدائنا بنصر الله لكان في ذلك نصر للزيف‬
‫الذي نحن فيه ‪ ،‬وإعلء لشأنه ‪ ،‬وهذا ل يمكن أن يدور بخاطرنا ‪ ،‬لنه ل يجوز‬
‫في حق كماله تعالى ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬لننا بخلف أعدائنا ‪ ،‬ل نحن عملنا من أجل الدنيا كما يعملون ‪ ،‬فننال‬
‫وعد الله كما ينالون } من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم‬
‫فيها وهم فيها ل يبخسون { ‪ 15‬هود‪.‬‬
‫ول نحن عملنا من أجل الخرة ‪ ،‬كما عمل بناة المة السلمية ‪ ،‬فننال وعد‬
‫الله كما نالوا } وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم‬

‫‪182‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫في الرض كما استخلف الذين من قبلهم ‪ ،‬وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى‬
‫لهم ‪ ،‬وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا‪ ،‬يعبدونني ل يشركون بى شيئا ً ‪{ .‬‬
‫‪55‬النور ‪.‬‬
‫إننا أولى الناس بالزالة لول ‪...‬‬
‫لول أمل في قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه ابن حبان في صحيحه‬
‫بسنده عن عمار بن ياسر قال قال رسول الله ) مثل امتى مثل المطر ل‬
‫يدرى أوله خير أو آخره ( تمثل فيما نشهده من إقبال على بيوت الله‬
‫ولول ضمان من وعد الله لبقية تبقى أو تعود ‪ :‬مع السلم تعود ‪ ،‬مع السلم‬
‫الذي سيعود غريبا كما بدأ ‪.‬‬
‫ولول ضمان في رواية لمسلم في صحيحه بسنده عن عبد الرحمن بن يزيد‬
‫بن جابر أن عمير بن هانئ حدثه قال سمعت معاوية على المنبر يقول‬
‫سمعت رسول الله يقول ) ل تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله ل يضرهم‬
‫من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على الناس (‬
‫و في رواية لمسلم بسنده عن ثوبان قال قال رسول الله ‪ " : r‬إني سألت‬
‫ربي لمتي أل يهلكها بسنة عامة – أي كارثة عامة ‪ ..-‬وأل يسلط عليهم عدوا ً‬
‫من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم – أي جماعتهم ‪ -‬وإن ربى قال ‪ :‬يا محمد‬
‫إني إذا قضيت قضاء فإنه ل يرد ‪ ،‬وإني أعطيتك لمتك ‪ :‬أل أهلكهم بسنة‬
‫عامة ‪ ،‬وأل أسلط عليهم عدوا ً من سوى أنفسهم ‪ ،‬يستبيح بيضتهم ‪ ،‬ولو‬
‫اجتمع عليهم من بين أقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ً ‪ ،‬ويسبى بعضهم‬
‫بعضا ً ‪( .‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫وهذا هو الذي حدث في " بيضتنا " ‪ :‬على مستوى التاريخ ‪ ،‬وعلى مستوى‬
‫الحاضر‪ ، ،‬في دخول الصليبين القدس قديما ‪ ،‬في دخول الصليصهيونية‬
‫القدس حديثا ‪ ،‬في ضرب قادة المقاومة كأنما على رأس كل فدائي خائن‬
‫يدل عليه ‪ ،‬في أفغانستان جاء كارازاي ‪ ،‬في سقوط بغداد أمام هولكو‬
‫التتري جاء نور الدين الطوسي ‪ ، ،‬ثم في سقوطها أمام هولكو المريكي جاء‬
‫ما يسمونه " مجلس الحكم "‪ ،‬ومجلس الحكم العراقي هذا هو الذي يفتح‬
‫مصراعي البوابة العراقية التي كانت منيعة‪ ..‬ليدخل منها الصهاينة‪ ..‬ليس‬
‫فقط للتجارة‪ ..‬بل لشراء أراضي النفط في المنطقة الخاضعة للكراد‪ ..‬كما‬
‫بينت تركيا‪ ..‬التي حذرت من ذلك وسمته احتلل ثانيا‪ ..‬رغم تحالفها مع‬
‫الصهاينة‪ ..‬ولكنها لم تتخذ إل المواقف الدبلوماسية التي لم توقف العمليات‬
‫المستمرة لشراء اراضي النفط في شمال العراق‪ ..‬كما نشر في يديعوت‬
‫احرونوت وصحيفة أشكام التركية وغيرهما من الصحف‪ ) .‬أنظر مقال الستاذ‬
‫علي حتر بعنوان من النيل إلى الفرات في جريدة الشعب اللكترونية في‬
‫‪2003\11\21‬‬
‫في فلسطين ‪ :‬حصل اليهود قبل سقوطها عام ‪ 1938‬على ‪ 2‬مليون دونم‬
‫بغير قتال ‪ ،‬بعضها بالشراء من عرب ‪ ،‬قليل منهم فلسطينيون ‪ ،‬كما جاء‬
‫بمقال الدكتور خالد الخالدي رئيس قسم التاريخ والثار بالجامعة السلمية‬
‫بغزة ‪ ،‬في مقاله بجريدة الشعب اللكترونية في ‪ ، 2003\11\21‬إذ يقول "‬
‫يتبين مما سبق أن الـ ‪ %8.8‬من مساحة فلسطين أو الـ ‪ 2‬مليون دونم التي‬
‫وقعت في أيدي اليهود حتى سنة ‪1948‬م‪ ،‬لم يحصل عليها اليهود عن طريق‬
‫شرائها من فلسطينيين كما يتصور حتى الكثير من مثقفينا‪ ،‬بل وصل معظمها‬

‫‪183‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫إلى اليهود عن طريق الولة التراك الماسونيين والمنح والهدايا من الحكومة‬


‫ن ‪ 300.000‬دونما ً فقط‬ ‫البريطانية‪ ،‬والشراء من عائلت سورية ولبنانية‪ ،‬وأ ّ‬
‫اشتريت من فلسطينيين خلل ثلثين عاما ً من السياسات القتصادية الظالمة‬
‫ن ‪ُ) 1/8‬ثمن( الراضي التي حازها‬ ‫والضغوط والمحاولت والغراءات‪ ،‬أي أ ّ‬
‫اليهود حتى سنة ‪1948‬م‪ ،‬كان مصدرها فلسطينيون‪ ،‬وقد رأينا كيف باعت‬
‫عائلة لبنانية واحدة ‪ 400.000‬دونما ً في لحظة واحدة ‪ ،‬وهو أكبر مما باعه‬
‫ن هؤلء قلة شاذة عوقبوا بالنبذ والقتل‪(.‬‬ ‫فلسطينيون خلل ثلثين عامًا‪ .‬وأ ّ‬
‫بعضنا يهلك بعضا ‪ ،‬وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وللبعض‬
‫المغلوب شهادة قد ل تكون مع النصر في الدنيا ‪.‬‬
‫إن الحضارة الغربية في أيلولتها للسقوط – وفقا لما كتبنا سابقا ‪ -‬سوف تأخذ‬
‫معها المستسلمين من مسلمي اليوم ‪ ،‬إنه سقوط حضارة تأخذ معها كل‬
‫الذين هم على مائدتها يتغذون ‪ ،‬والذين هم على فتاتها يتقاتلون ‪ ،‬أو هم‬
‫بأذيالها يتعلقون ‪ ،‬أو بمفاسدها يتفننون ‪ ،‬أو عن قبحها هم يسكتون ‪ ،‬فانظر‬
‫بربك في أي فئة نحن المسلمين اليوم لئذون ‪ ،‬إنها " فتنة ل تصيبن الذين‬
‫ظلموا " وحدهم ‪ -‬صدق الله العظيم ‪ -‬وانظر بربك هل أنت مع القطيع‬
‫المجموع المسوق لحتفه ‪ ،‬أم أنت من بين الجميع تقبض بيدك على جمرة‬
‫الدين لتظل منارة المل مشعة على حافة الفق‬

‫)‪(9 /‬‬

‫سة الصفوّية‬ ‫مة المرحومة المهدّية ‪ ،‬من خطر الجيوب المند ّ‬ ‫تحذير ال ّ‬
‫حامد بن عبدالله العلي‬
‫ل أصدق وصف لما أفضت إليه ساحة الصراع الصفوي الصهيوصليبي ‪ ،‬في‬ ‫لع ّ‬
‫ن الطرفين تورطا في مأزق ‪ ،‬سيؤّدي إلى مزيد من‬ ‫المسرح اللبناني ‪ ،‬أ ّ‬
‫ل مخزونها ‪.‬‬ ‫سع إقليميا ‪ ،‬وتصطدم بك ّ‬ ‫الفوضى ‪ ،‬ولن تنجلي المعركة حتى تتو ّ‬
‫ض لمحالة إلى حيث يكيد الله به‬ ‫ن تكوينها القدري اللهي ما ٍ‬ ‫ول ريب في أ ّ‬
‫مة من النجرار بسذاجة إلى‬ ‫منا فيه ‪ ،‬حماية ال ّ‬‫للسلم وأهله ‪ ،‬إّنما الذي يه ّ‬
‫المشروع الصفوي ‪ ،‬بما يحمله من خطر بالغ على العقيدة ‪ ،‬وشأنها أعظم ‪.‬‬
‫ودعنا نضع الحداث في سياقها التاريخي ‪ ،‬إلى واقعنا ‪ ،‬ثم ُنلقي الضوء على‬
‫الواجب الشرعي ‪.‬‬
‫أول ‪ :‬تسلسل الخلفّية التاريخّية إلى الساعة الراهنة ‪:‬‬
‫عام ‪1399‬هـ ‪ 1979 ،‬ميلدي ‪ :‬اندلع الثورة الصفوية بعودة الخميني على‬
‫الخطوط الجوّية الفرنسية من باريس إلى طهران ‪ ،‬ونجاح الثورة في‬
‫السيطرة على الدولة بعد سقوط نظام الشاه ‪.‬‬
‫وضع نظرّية تصدير الثورة موضع التنفيذ‪ ،‬بدءا ً من دول الجوار ‪ ،‬متبنّية هدف‬
‫إسقاط النظم الحاكمة في الدول العربية ‪ ،‬وإقامة نظم أخرى موالية ‪ ،‬تأخذ‬
‫بتوجيهات الثورة الصفوية ‪.‬‬
‫هلع دول الجوار وهي ترى أمريكا ‪ ،‬حليفة الشاه حامي المن في الخليج ‪،‬‬
‫تقف عاجزة غير قادرة على إنقاذ من كان يحمي مصالحها في الخليج ‪ ،‬ولكن‬
‫للسف ليعتبرون ‪ ،‬وعن غفلتهم ل يصحون ‪ ،‬نسوا الله فأنساهم أنفسهم !‬
‫اغتنام التحاد السوفيتي الفرصة ‪ ،‬في هذا التوقيت لحتلل أفغانستان ‪،‬‬
‫مقتربا من الحقول النفطّية العملقة في الخليج ‪.‬‬
‫توقيع الرئيس المصري السادات اتفاقيه السلم مع الصهاينة ‪ ،‬ممّزقا الصف‬
‫ل مشاريع‬ ‫مؤِذنا ببدء انهيار ك ّ‬ ‫ل مخاوف الصهاينة منه ‪ ،‬و ُ‬ ‫العربي ‪ ،‬ومنهيا ك ّ‬

‫‪184‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الخلص القومية التي كانت أوهاما أصل !‬


‫ّ‬
‫إزاحة صدام حسين للرئيس العراقي أحمد حسن البكر ‪ ،‬متطلعا إلى زعامة‬
‫العرب ‪ ،‬راميا بطموحه إلى السيطرة على دول الخليج ‪ ،‬فالوطن العربي‬
‫بأسره ‪.‬‬
‫‪1980‬م ‪ ،‬الهجوم الصفوي لحتلل العراق واندلع حرب الخليج الولى‪.‬‬
‫ون‬‫كل مجلس التعاون الخليجي بهدف تكوين قوة إقليمية ‪ ،‬ليك ّ‬ ‫‪1981‬ـ تش ّ‬
‫النظام القليمي الخليجي من ثلث قوى رئيسة ‪ :‬العراق ‪ ،‬إيران ‪ ،‬مجلس‬
‫التعاون الخليجي ‪.‬‬
‫نهاية الطماع الصفوية في احتلل العراق ‪ ،‬والتوسع لبتلع الخليج ‪ ،‬بالفشل‬
‫إثر حرب استمرت ‪ 8‬سنوات ‪.‬‬
‫هزيمة التحاد السوفيتي في أفغانستان على يد المجاهدين ‪ ،‬فميلد قاعدة‬
‫الجهاد العالمي‪.‬‬
‫فشل مجلس التعاون الخليجي على جميع الصعدة ‪ ،‬وخروجه من معادلة‬
‫النظام القليمي للقوى ‪ ،‬وتحوله إلى مناسبات احتفالية ‪ ،‬واستعراض سياسي‬
‫باهت ‪.‬‬
‫ّ‬
‫احتلل النظام العراقي البعثي للكويت ‪ ،‬موفرا فرصة تاريخية لواشنطن ‪،‬‬
‫لتوسيع قواعدها العسكرية في الخليج واحتلله ‪.‬‬
‫الهزائم الثلث ‪ :‬هزيمة النظام العراقي ‪ ،‬والتحاد السوفيتي ‪ ،‬والنظام‬
‫الصفوي ‪ ،‬وّفرت للغرب الصليبي فرصة تحويل الجزيرة العربية إلى مقر‬
‫دائم لجيوشهم ‪ ،‬لحتلل منابع النفط ‪،‬وحماية الكيان الصهيوني ‪ ،‬وفرض‬
‫ثقافته‪.‬‬
‫تهاوي الشعارات النهضوية اللدينية في البلد العربية ‪ ،‬وتجريد النظمة‬
‫العربية من أي رسالة حضارية ‪ ،‬ودخولها في مرحلة العفن السياسي ‪،‬‬
‫والفساد المالي والداري ‪ ،‬وتنامي السخط لدى الشعوب العربية ‪.‬‬
‫انتشار الخطاب السلمي في الشعوب السلمية ‪ ،‬وترّبعه على عرش‬
‫التوجيه الفكري والتعبوي‪.‬‬
‫ول النظام الصفوي إلى الهتمام ببناء الحزاب الثورّية السرّية داخل البلد‬ ‫تح ّ‬
‫العربية ‪ ،‬وتوسيع قدراتها ‪ ،‬وتحويلها إلى بؤر مؤامرات تخطط لتنفيذ‬
‫سعي ‪ ،‬مستغل ّ خلوّ المنطقة من مشاريع التغّيير‬ ‫المخطط الصفوي التو ّ‬
‫النهضوّية ‪ ،‬ومتلّبسا زورا بالخطاب السلمي‬
‫الهجوم التاريخي السطوري لمجاهدي القاعدة في الحادي عشر من أيلول‬
‫على نيويورك وواشنطن ‪ ،‬مخّلفا دمارا ماديا ‪ ،‬ومعنويا ‪ ،‬هائل هو الكبر في‬
‫تاريخ أمريكا ‪.‬‬
‫فقدان مركز قيادة الغرب الصليبي أمريكا لتوازنه بسبب هذا الهجوم ‪،‬‬
‫متزامنا مع تربعّ الحمق المطاع بوش على سدة الحكم ‪ ،‬وحوله عصابة من‬
‫الصليبين المتصهينين‪.‬‬
‫اتخاذ إدارة بوش القرار الشد حمقا في تاريخ أمريكا باحتلل العراق ‪،‬‬
‫استغلل الصفويين هذا القرار لحتلل وسط العراق وجنوبه ‪ ،‬بغية تكوين‬
‫مها إلى إيران ‪ ،‬في أكبر مشروع‬ ‫نموذج دولة للثورة الخمينّية فيه ‪ ،‬وض ّ‬
‫توسعي فارسي منذ عهد كسرى ‪ ،‬في تحالف خيانة هش مع الصليبيين‪.‬‬
‫سعه ‪ ،‬وانتشاره ‪ ،‬وتحقيقه قفزة‬ ‫تنامي التيار الجهادي السلمي العالمي ‪ ،‬وتو ّ‬
‫نوعّية ‪ ،‬وفرضه نفسه على معادلة الصراع في المشهد العالمي ‪ ،‬وعودته‬
‫على مستوى السيطرة الفعلية في وزيرستان وأجزاء من أفغانستان ‪،‬‬

‫‪185‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫وصعوده في الصومال ‪ ،‬وانتشاره على نطاق واسع على مستوى الفكر ‪،‬‬
‫والتجنيد في العراق ‪ ،‬وغيرها من البلد العربية والسلمية ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تسريع الصفويين برنامجهم النووي‪ ،‬بغية الوصول إلى مستوى الدولة‬


‫النووية ‪ ،‬لجبار القوى الكبرى على القبول بمشاركتها مكاسب الهيمنة في‬
‫المنطقة ‪.‬‬
‫جه الغرب الصليبي إلى إعادة التوازن القليمي ‪ ،‬بعد نهاية زواج المتعة مع‬ ‫تو ّ‬
‫الصفويين ـ التحالف الهش ـ ومواصلة الضغط على إيران ‪ ،‬لمنعها من‬
‫الوصول إلى السلح النووي ‪ ،‬والسراع بخطط تغيير نظام الحكم فيها وفي‬
‫سوريا ‪.‬‬
‫تفجير النظام الصفوي لقّبة سامراء لتوفير الذريعة للسراع في خطط تهجير‬
‫السنة وإبادتهم لتشّييع بغداد والجنوب ‪ ،‬وتمهيدها لتكون ساحة معركة مع‬
‫المريكيين ‪.‬‬
‫استغلل النظام الصفوي للقضية الفلسطينية لحشد التأييد السلمي في‬
‫صراع الهيمنة مع الغرب ‪ ،‬واستكمال لسعيه في تكوين الهلل الصفوي ‪.‬‬
‫تحريك النظام الصفوي لجيبه في جنوب لبنان ـ حزب حسن نصر ـ في هذا‬
‫الطار ولتعزيز موقع حزبه في لبنان ‪ ،‬لعملية عسكرية صغيرة ‪ ،‬تحت شعار‬
‫المقاومة السلمية ‪ ،‬متوّقعا أن يبقى في دائرة دعائية محدودة ‪ ،‬تخدم‬
‫ددة مع الصهاينة‪.‬‬ ‫سياسته المرحلية فحسب ‪ ،‬في ضمن قواعد اللعبة المح ّ‬
‫حدوث رد ّ فعل دراماتيكي مفاجئ في الحداث ‪ ،‬كان التحالف الصهيوصليبي‬
‫ده مسبقا ‪ ،‬لسقاط أو أضعاف ورقة الجيب الصفوي اللبناني ‪ ،‬من اليد‬ ‫قد أع ّ‬
‫اليرانية في معادلة الصراع ‪.‬‬
‫فانتهى إلى قرار )مجلس التآمر الدولي( ‪ ،‬الذي يلزم لبنان بحماية حدود‬
‫الصهاينة ‪ ،‬ومنع استغلل إيران لها عبر حزب حسن نصر في صراعها مع‬
‫الغرب ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬المتوقع ‪:‬‬
‫استمرار الصراع بين المشروعين الصفوي ‪ ،‬والصهيوصليبي ‪ ،‬وإفضاء ذلك‬
‫إلى مواجهات أخرى تأخذ عدة أشكال ‪ ،‬حتى تنتهي بالصدام المباشر ‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الموقف من الحداث ‪:‬‬
‫ي‬
‫ّ‬ ‫بأ‬ ‫‪،‬‬ ‫لبنان‬ ‫في‬ ‫الصفوي‬ ‫الجيب‬ ‫مأزق‬ ‫من‬ ‫للخروج‬ ‫المحور الصفوي يكافح‬
‫مكسب سياسي ‪ ،‬بعد فشل خ ّ‬
‫طته ‪.‬‬
‫على مستوى النظمة العربية ـ كالعادة ـ مواقف مخزية ‪ ،‬ونقاط جديدة إلى‬
‫ة ‪ ،‬أو متفرجين يكتفون بمراقبة‬‫رصيد العار ‪ ،‬ومطايا للمشاريع الجنبي ّ‬
‫شعوبهم لتبقى في حظيرة الذل!‬
‫على مستوى مشروع الجهاد ‪ :‬استمرار راية الجهاد على بصيرة ‪ ،‬لعلء كلمة‬
‫مة على النهضة ‪ ،‬ورد العدوان الصهوصليبي ‪ ،‬ل‬ ‫الله تعالى ‪ ،‬وتحريض ال ّ‬
‫يضّرهم من خذلهم ‪ ،‬ول من خالفهم ‪.‬‬
‫كرين السلميين ‪:‬‬ ‫وعلى مستوى المف ّ‬
‫كرون في العالم السلمي إلى ثلثة أقسام ‪:‬‬ ‫انقسم المف ّ‬
‫ة فرق بين التشّيع من حيث هو فكر وعقيدة ‪،‬‬ ‫م َ‬
‫نث ّ‬‫أحدها ‪ :‬قسم يقّرون أ ّ‬
‫مة ‪ ،‬وخطر عليها ‪ ،‬ولكّنهم‬ ‫وبين المشروع الصفوي فهو مناقض لمشروع ال ّ‬
‫ن الولوّية للصراع مع العدوّ الصهيوصليبي ‪ ،‬ولهذا فليس هذا وقت‬ ‫يظنون أ ّ‬

‫‪186‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حشد التحريض ضد المشروع الصفوي ‪ ،‬فبقاؤه قويا في معادلة الصراع ‪،‬‬


‫خيٌر للسلم !‬
‫وهؤلء قد يكون لرؤيتهم وجه ‪ ،‬لو كان للعالم السلمي رقم مؤثر وقويّ في‬
‫معادلة الصراع ‪ ،‬بحيث يمكنه الستفادة من تجاذب الهيمنة بين المشروعين‬
‫العدّوين ‪ ،‬وعقد صفقات أو تحالفات ‪ ،‬تجمع بين مصلحة المسلمين ‪ ،‬ودرء‬
‫الخطر عنهم ‪ ،‬وحماية السلم من خطرهما ‪ ،‬على المستوين ‪ :‬الثقافي ‪،‬‬
‫والسياسي ‪.‬‬
‫أما في حالة الضعف على المستويين الثقافي ‪ ،‬والسياسي ‪ ،‬والفراغ الهائل‬
‫ب من الغفلة ‪ ،‬فهو يقدم‬ ‫جه ‪ ،‬ضر ٌ‬ ‫على الصعيد النهضوي ‪ ،‬فإن هذا التو ّ‬
‫خدمات مجانية لمشروع معاد يتربص بشعوب إسلمّية مكشوفة ‪ ،‬وهذا يعني‬
‫مة بما‬‫السماح بأن يمل المشروع الصفوي المعادي ‪ ،‬الفراغ الذي في ال ّ‬
‫يقودها إلى مهلكها ‪ ،‬بسبب التقاعس عن كشف حقيقته ‪ ،‬وتوضيح أهدافه ‪،‬‬
‫مة من مخططه ‪.‬‬ ‫وحماية ال ّ‬
‫مة ‪ ،‬ورصيد لها‬ ‫والثاني ‪ :‬قسم يرون المشروع الصفوي في ضمن مشروع ال ّ‬
‫ن غالب هؤلء كان‬ ‫مة ‪ ،‬والعجيب أ ّ‬‫ن نصره واجب ‪ ،‬وانتصاره انتصار لل ّ‬ ‫‪ ،‬وأ ّ‬
‫صوتهم خافتا ‪ ،‬إن لم يكن معدوما ‪ ،‬عندما احتاج المشروع الجهادي السّني‬
‫إلى دعم وتأييد !!‬
‫كل جهُلهم ‪ ،‬أو إمكا ُ‬
‫ن‬ ‫مة ‪ ،‬ويش ّ‬ ‫وهذا القسم في غاية الخطورة على ال ّ‬
‫استغللهم ‪ ،‬جسرا لهذا المشروع الخطر على أمتنا ‪ ،‬وهم وقود رخيص الثمن‬
‫‪ ،‬أو مجاني ‪ ،‬للمشروع الصفوي ‪ ،‬يحرقه في طريقه إلى الوصول إلى أهدافه‬
‫مة ‪ ،‬والقضاء على دينها ‪ ،‬وإعمال‬ ‫الخبيثة ‪ ،‬التي لن تنتهي دون مسخ تراث ال ّ‬
‫السيف في رقاب أبناءها ‪.‬‬
‫ولهذا فالواجب الشرعي متعّين ‪ ،‬للرد على هؤلء ‪ ،‬والحذر والتحذير منهم‬
‫‪،‬والخذ على أيديهم ‪ ،‬فإّنهم يعبثون بمصير المة ‪ ،‬ويعّرضون قوام هوّيتها‬
‫للخطر ‪ ،‬وشعوبها لتسّلط أشد ّ العداء خطورة ‪.‬‬
‫ن المسخ الثقافي الذي يحمله مشروع النظام الصفوي‬ ‫وإن كانوا يجهلون أ ّ‬
‫في إيران ‪ ،‬أبعد ما يكون حّتى عن التشّيع ‪ ،‬إلى دين باطني ‪ ،‬يحمل بين‬
‫طّياته ‪ ،‬أصناف الزندقة ‪ ،‬فضل عن أّنه يجمع بدع الجهمية ‪ ،‬والقدرية ‪،‬‬
‫فرون كل‬ ‫والمرجئة ‪ ،‬والخوارج أيضا من جهة الغلوّ في التكفير ‪ ،‬حتى يك ّ‬
‫ل العالم السلمي السني ‪،‬ممزوجا ذلك كّله بتعصب‬ ‫منكر للمامة ‪ ،‬وهم ك ّ‬
‫بغيض ‪ ،‬وأحقاد شعوبّية مقيته ‪ ،‬وطغيان سياسي ‪ ،‬وإفلس حضاري ‪ ،‬وقد‬
‫لقي الشعب اليراني النبيل نفسه ‪ ،‬ويلت هذا النظام قبل غيره ‪.‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫وأن هذا المشروع الخبيث ‪ ،‬لو تسّلط على رقاب المسلمين ‪ ،‬فربما‬
‫فس ـ‬ ‫مون على أّيام الحتلل الصليبي في القرن الماضي ! كما تتن ّ‬ ‫سيترح ّ‬
‫ن أسيرهم بيد الحتلل الصليبي‬ ‫موا أ ّ‬
‫صعداء إن عل ُ‬‫ة ال ُ‬
‫مثل ـ السر العراقي ّ‬
‫على بشاعته ‪ ،‬وليس عند فيلق الغدر ) بدر ( !!‬
‫ي السؤال ‪ ،‬فإن أصّروا بعد ذلك على‬ ‫ن كانوا يجهلون ذلك كّله ‪ ،‬فشفاء الع ّ‬ ‫إ ْ‬
‫عرف‬ ‫الوقوف مع مشروع النظام الصفوي ‪ ،‬فهم أهل النفاق الذين قد ُ‬
‫شحوا باللقاب الشرعّية !‬ ‫مة ‪ ،‬وإن تزّينوا بالعمائم ‪ ،‬وتو ّ‬ ‫خطُرهم على ال ّ‬
‫والثالث ‪ :‬قسم عرفوا حقيقة هذا المشروع الصفوي ‪ ،‬وتبّين لهم خبثه ‪،‬‬
‫ن المشروع الصفوي ل يقل خطورة عن‬ ‫وعظيم خطره ‪ ،‬فهم يرون أ ّ‬

‫‪187‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن مواجهته واجب‬ ‫المشروع الصهيوصليبي ‪ ،‬بل قد يكون أشد خطرا ً ‪ ،‬وأ ّ‬


‫ض على من يتوّلى أمر الفكر ‪ ،‬وتبصير‬ ‫شرعي ‪ ،‬وفضح مخططاته فر ٌ‬
‫ّ‬
‫متنا من الجهاد الذي ل يجوز التخلي عنه ‪،‬‬ ‫المسلمين بأبعاد مؤامرته على أ ّ‬
‫وهو ثغر تاركه من أشد ّ الناس جرما في المسلمين ‪.‬‬
‫سك به من يبتغي الهدى ‪ ،‬ويجب على حملة‬ ‫فهذا هو الحقّ الذي يجب أن يتم ّ‬
‫دموا على ثقة من أمرهم ‪ ،‬وليهولّنهم صياح‬ ‫هذه الشعلة الهادية ‪ ،‬أن يتق ّ‬
‫المخدوعين بسحر العلم ‪ ،‬المبهورين بقرع الطبول الصفوية الفارغة ‪.‬‬
‫ففي الخلص من النظام الصفوي الجاثم على مقدرات الشعب اليراني ‪،‬‬
‫مة مما هو من‬ ‫ج على ذلك الشعب ‪ ،‬وشعوب المنطقة ‪ ،‬وحماية لتراث ال ّ‬ ‫فر ٌ‬
‫أعظم الخطار ‪.‬‬
‫ضرب‬ ‫ل شيء بمشيئته وتقديره ـ قادمة قد ُ‬ ‫والفتنة الصفوّية ـ و الله أعلم وك ّ‬
‫سل ‪ ،‬وقرن ثورتهم سيطل ‪،‬‬ ‫لها الجل‪ ،‬وسيفهم على المسلمين يستعد لي ُ َ‬
‫جه وشيكا إلينا ‪.‬‬ ‫وستظهر بوادر ذلك عاجل علينا ‪ ،‬وسهامهم سُتو ّ‬
‫سين من الجيوب الصفوّية المترّبصة‬ ‫فنهيب بأهل السلم أن يكشفوا المند ّ‬
‫بالمسلمين شرا ً في بلد السلم ‪،‬‬
‫وأن ل ينخدعوا بشعاراتهم الزائفة ‪ ،‬ول يلتفُتوا للمخدوعين بها ‪.‬‬
‫دوا لوْأد فتنتهم ‪ ،‬ورّدهم عن‬ ‫وأن يأخذوا حذرهم ‪ ،‬وأسلحتهم ‪ ،‬ويستع ّ‬
‫مخططهم خائبين ‪ ،‬وحماية المسلمين من طغيانهم ‪ ،‬والسلم من إفكهم‪،‬‬
‫وكفرهم ‪ ،‬وضللهم ‪.‬‬
‫ن الله تعالى قال ) يا أيها الذين آمنوا‬ ‫وأن يكونوا مع المجاهدين الصادقين ‪ ،‬فإ ّ‬
‫اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ( وهم الذين يجاهدون لعلء كلمة الله تعالى ‪،‬‬
‫أما المنافقون الذين يظهرون السلم ‪،‬ويبطنون الكيد به وبأهله ‪ ،‬فهم الذين‬
‫قال الله تعالى عنهم ) هم العدوّ فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ( ‪.‬‬
‫وقد أمرنا الله تعالى بجهادهم ‪ ،‬مستعينين بالله تعالى‪ ،‬وعليه متوكلين ‪،‬‬
‫حسبنا الله ونعم الوكيل ‪ ،‬حسبنا الله على جميع أعداءه من الصهاينة ‪،‬‬
‫والصليبين ‪ ،‬والرافضة المنافقين ‪ ،‬والله نعم المولى ‪ ،‬ونعم النصير‪.‬‬
‫لفضيلة الشيخ المجاهد حامد بن عبدالله العلي حفظه الله‬
‫المصدر‬
‫‪http://www.h-alali.net/npage/mqalat_open.php?id=346‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫تحذير الجالية من المنكرات السارية )‪(1‬‬


‫الخطبة الولى‬
‫إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ‪ ،‬و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ‪،‬‬
‫و من سيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له ‪ ،‬و من يضلل فل هادي له ‪،‬‬
‫و أشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬و أشهد أن محمدا ً عبده و‬
‫رسوله ‪.‬‬
‫ن إل و أنتم مسلمون {‬ ‫} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و ل تموت ّ‬
‫] آل عمران ‪. [ 102 :‬‬
‫} يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و‬
‫ث منهما رجال ً كثيرا ً و نساء ‪ ،‬و اتقوا الله الذي تساءلون به و الرحام إن‬‫ب ّ‬
‫ً‬
‫الله كان عليكم رقيبا { ] النساء ‪. [ 1 :‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫} يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قول سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر‬

‫‪188‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لكم ذنوبكم ‪ -‬و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزا ً عظيما ً { { ] الحزاب ‪:‬‬
‫‪. [ 70،71‬‬
‫مة السلم ‪:‬‬ ‫ما بعد فيا أ ّ‬ ‫أ ّ‬
‫كره ٌ لنا ‪ ،‬لما جاء من‬ ‫ي المشركين و هو ُ‬ ‫ْ‬ ‫ظهران‬ ‫بين‬ ‫نعيش‬ ‫أن‬ ‫علينا‬ ‫كتب‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫التحذير منه ‪ ،‬و النكيرِ على من أِلفه ‪ ،‬فقد روى أبو داود و الترمذي بإسناد‬
‫ن رسول الله صلى الله‬ ‫ن عَب ْد ِ الل ّهِ الَبجلي رضي الله عنه أ ّ‬ ‫ريرِ ب ْ ِ‬‫ج ِ‬‫صحيح عن َ‬
‫ن«‪.‬‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن كُ ّ‬ ‫َ‬ ‫عليه و سّلم َقا َ‬
‫كي َ‬
‫شرِ ِ‬ ‫ن أظهُرِ ال ُ‬ ‫م ب َي ْ َ‬‫قي ُ‬
‫سل ِم ٍ ي ُ ِ‬‫م ْ‬‫ل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ‪ » :‬أَنا بريء ِ‬
‫ما « ‪.‬‬ ‫ل ‪ » :‬ل َ ت ََراَءى َناَراهُ َ‬ ‫م ؟ َقا َ‬ ‫ل الل ّهِ ل ِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫َقاُلوا ‪َ :‬يا َر ُ‬
‫مة رسول الله ‪ ،‬كيف يكون في الحياة حاُله ‪ ،‬و‬ ‫و ما ظّنكم بمن برئت منه ذ ّ‬
‫إلم َيصير في الخرة مآله ‪.‬‬
‫ف من الردى‬ ‫م الَعبد َ الضعي َ‬ ‫ص ُ‬ ‫مدٍ *** ما َيع ِ‬ ‫ي مح ّ‬ ‫ي هد ِ‬ ‫َما لم يكن في الهد ِ‬
‫غيَر ترّددا‬ ‫حر *** بين الردى و الران َ‬ ‫س و لم ي َ ُ‬ ‫ه أهواء النفو ِ‬ ‫أْرَدت ُ‬
‫عدا‬‫ك إن َ‬ ‫ن هل ٍ‬ ‫تم ْ‬ ‫م أُيفل ِ ُ‬‫ما ظّنكم بالَعبد ِ منه تبّرأت *** ِذم ٌ‬
‫فكم من اخوةٍ لنا ضاعوا في غربتهم ‪ ،‬و أضاعوا ما ائتمنوا عليه من الهلين و‬
‫البنين ‪ ،‬فعاشوا غرباَء قد ماتت الغيرة في نفوسهم ‪ ،‬و تبّلدت تجاه المنكرات‬
‫أحاسيسهم ‪ ،‬فترى الواحد منهم كالكافر في ظاهره ‪ ،‬و قد خبا نور اليمان‬
‫غرسا ً ‪.‬‬ ‫في باطنه ‪ ،‬فلم يرفع به رأسا ً ‪ ،‬و لم َيغرس له َ‬
‫قع في حبائل‬ ‫ل أقدامنا ‪ ،‬و ننحرف عن الجاّدة في مسيرنا ‪ ،‬فَن َ َ‬ ‫فلنحذر أن تز ّ‬
‫سنها في أعيننا‬ ‫ف استشرفها ‪ ،‬فح ّ‬ ‫الشيطان و ما أكَثرها ‪ ،‬و نصيَر إلى سفاس َ‬
‫ملها ‪.‬‬ ‫وج ّ‬
‫ً‬
‫ن الشيطان يعطي العبد تسعا و تسعين ليوقعه في‬ ‫قال بعض السلف ‪ ) :‬إ ّ‬
‫واحدةٍ ( ‪ ،‬فإذا وقع فيها نال عقابه ‪ ،‬و لقي هلكه ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ه‬‫ه لَ ُ‬ ‫سوّل َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ل ِفي َ‬ ‫خ َ‬ ‫فر فَإ َِذا د َ َ‬ ‫ل للنسان ال ْك ُ ْ‬ ‫سو ّ ُ‬ ‫طان إ ِذ ْ ي ُ َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫مثله ك َ َ‬ ‫و كان َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ض‬‫ن ( ‪ .‬وَ قَد ْ ذ َكَر ب َعْ ُ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫خاف الله َر ّ‬ ‫ل ‪ ) :‬إ ِّني أ َ‬ ‫ل وَ َقا َ‬ ‫ص َ‬ ‫ه وَ ت َن َ ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت َب َّرأ ِ‬
‫الرواة من قصص بني إسرائيل ما يصلح مثال ً لما نحن بصدده فروى ا ِْبن‬
‫ي الّله عَن ْ ُ‬
‫ه‬ ‫ض َ‬ ‫مْعت عَل ِّيا َر ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ل‪َ :‬‬ ‫رير في تفسيره عن عَْبد الّله ْبن ن َِهيك َقا َ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫طان أ َراده فَأ َعْياه فَعمد إَلى ا ِمرأةَ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫ْ َ‬ ‫َ ُ َ َ َ ِ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫شي ْ‬ ‫سَنة وَ إ ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫سّتي َ‬ ‫ن َراهًِبا ت َعَب ّد َ ِ‬ ‫قول ‪ :‬إ ِ ّ‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫جاُءوا ب َِها‬ ‫داِويَها قال ‪ :‬ف َ‬ ‫َ‬ ‫س في ُ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ذا ال َ‬ ‫م ب ِهَ َ‬ ‫قال لخوَت َِها ‪ :‬عَلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫جن َّها وَ لَها أخوة ف َ‬ ‫فَأ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫مل َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ها فَ َ‬ ‫ه فَأَتا َ‬ ‫جب َت ْ ُ‬ ‫ها إ ِذ ْ أعْ َ‬ ‫عْند َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ما هُوَ ي َوْ ً‬ ‫عْنده فَب َي ْن َ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ها ‪ ،‬وَ َ‬ ‫داَوا َ‬ ‫إ ِل َي ْهِ فَ َ‬
‫َ‬ ‫شي ْ َ‬
‫حبك ‪ ،‬و إ ِّنك‬ ‫صا ِ‬ ‫ب ‪ :‬أَنا َ‬ ‫طان ِللّراهِ ِ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫قا َ‬ ‫جاَء إخوتها ‪ ،‬فَ َ‬ ‫قت َل ََها فَ َ‬ ‫مد َ إ ِل َي َْها فَ َ‬ ‫فَعَ َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دة‬ ‫ج َ‬ ‫س ْ‬ ‫جد ْ ِلي َ‬ ‫س ُ‬ ‫ت ِبك َفا ْ‬ ‫صن َعْ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫جك ِ‬ ‫ذا ِبك فَأط ِعِْني أن ْ ِ‬ ‫صن َْعت هَ َ‬ ‫أعْي َْيتِني ‪ ،‬أَنا َ‬
‫ن(‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫خاف الّله َر ّ‬ ‫مْنك إ ِّني أ َ َ‬ ‫ريء ِ‬ ‫ل ‪ ) :‬إ ِّني ب َ ِ‬ ‫ه ‪َ ،‬قا َ‬ ‫جد َ ل َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ما َ‬ ‫جد َ ‪ ،‬فَل َ ّ‬ ‫س َ‬ ‫فَ َ‬
‫ل إ ِّني‬ ‫فَر َقا َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫َ‬
‫فْر فَل ّ‬ ‫ُ‬
‫ل للنسان اك ْ ُ‬ ‫شي ْطان إ ِذ ْ َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫وله تعالى ‪ ) :‬ك َ َ‬ ‫ك قَ ْ‬ ‫فَذ َل ِ َ‬
‫ن عَْبد الله ْبن‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ريرٍ أ ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن ( ‪ .‬وَ روى ا ِْبن َ‬ ‫مي َ‬ ‫ب الَعال ِ‬ ‫خاف الله َر ّ‬ ‫مْنك إ ِّني أ َ‬ ‫ريء ِ‬ ‫بَ ِ‬
‫ن لَها‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫عى الغََنم وَكا َ‬ ‫مَرأة ت َْر َ‬ ‫ت اِ ْ‬ ‫سُعود رضي الله عنه قال ِفي هَذِهِ الية ‪ :‬كان َ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫جَر‬ ‫هب فَ َ‬ ‫ل فَن ََز َ‬ ‫هب َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ف َ‬ ‫ل الّرا ِ‬ ‫مَعة َرا ِ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫و‬ ‫ص‬ ‫لى‬ ‫إ‬
‫ِ ِ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫بال‬‫ِ ِ‬ ‫وي‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ت‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫إخوة‬ ‫عة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ب‬ ‫ر‬
‫أْ‬
‫َ‬
‫مع‬ ‫س َ‬ ‫دق ي ُ ْ‬ ‫ص ّ‬ ‫م َ‬ ‫جل ُ‬ ‫م ا ِد ْفِن َْها فَإ ِّنك َر ُ‬ ‫ه ا ُقْت ُل َْها ث ُ ّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫طان فَ َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ت فَأَتاهُ ال ّ‬ ‫مل َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ب َِها فَ َ‬
‫َ‬ ‫مَنام فَ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل فَأَتى ال ّ‬ ‫َ‬ ‫م د َفَن ََها َقا َ‬ ‫َ‬ ‫ولك فَ َ‬
‫ن‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ل لهُ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫شي ْطان إخوتها ِفي ال َ‬
‫ُ‬
‫قت َلَها ث ُ ّ‬ ‫قَ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫مكان‬ ‫م د َفَن ََها ِفي َ‬ ‫حب َلَها قَت َلَها ث ُ ّ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫م فَل ّ‬ ‫خت ِك ْ‬ ‫جَر ب ِأ ْ‬ ‫مَعة فَ َ‬ ‫صو ْ َ‬ ‫حب ال ّ‬ ‫صا ِ‬ ‫هب َ‬ ‫الّرا ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫حوا قا َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫كَ َ‬
‫ما أد ِْري‬ ‫حة ُرؤَْيا َ‬ ‫قد ْ َرأْيت الَبارِ َ‬ ‫م وَالله ل َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫جل ِ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫صب َ ُ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ذا فل ّ‬ ‫ذا وَك َ‬
‫ل الخر وأناَ‬ ‫صَها عَل َي َْنا َقا َ‬ ‫م أت ُْرك ؟ َقاُلوا ل ب َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ‬ ‫قا َ‬ ‫صَها فَ َ‬ ‫ق ّ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ل قُ ّ‬ ‫مأ ْ‬ ‫صَها عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫أقُ ّ‬

‫‪189‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ذا‬‫ما هَ َ‬ ‫ك َقاُلوا فَوَ َالل ّهِ َ‬ ‫قد ْ َرأ َْيت ذ َل ِ َ‬ ‫ل الخر وَأ ََنا وََالّله ل َ َ‬ ‫قا َ‬ ‫ك فَ َ‬ ‫قد ْ َرأ َْيت ذ َل ِ َ‬ ‫وََالّله ل َ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫هب فَأت َوْه ُ فَأن َْزُلوه ُ ث ُ ّ‬ ‫ك الّرا ِ‬ ‫م عََلى ذ َل ِ َ‬ ‫مِلكه ْ‬ ‫ست َعْد َْوا َ‬ ‫قوا َفا ْ‬ ‫ل َفان ْط َل َ ُ‬ ‫يٍء َقا َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ِإل ل ِ َ‬
‫ه‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ا ِن ْط َل َ ُ‬
‫من ْ ُ‬ ‫جيك ِ‬ ‫ن ي ُن ْ ِ‬‫ذي أوْقعُْتك ِفي هَذا وَل ْ‬ ‫قال إ ِّني أَنا ال ِ‬ ‫ه الشي ْطان ف َ‬ ‫قي َ ُ‬
‫قوا ب ِهِ فل ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما‬‫ه فَل َ ّ‬ ‫جد َ ل َ ُ‬ ‫س َ‬ ‫ل فَ َ‬ ‫ما أوْقَعُْتك ِفيهِ َقا َ‬ ‫م ّ‬‫جيك ِ‬ ‫دة وَأن ْ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫دة َوا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫س ْ‬ ‫جد ْ ِلي َ‬ ‫س ُ‬ ‫ري َفا ْ‬ ‫َغَي ْ ِ‬
‫ل‪.‬‬ ‫خذ َ ف َ ُ‬
‫قت ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ه وَأ ِ‬ ‫َ‬
‫من ْ ُ‬ ‫م ت َب َّرأ ِ‬ ‫مِلكه ْ‬ ‫وا ب ِهِ َ‬ ‫أت َ ْ‬
‫إّنها حبائل إبليس ‪ ،‬و تلبيسات الخسيس ‪ ،‬فالحذارِ الحذار ‪ ،‬و إل فالّنار و العار‬
‫و الشنار و الدمار ‪.‬‬
‫و من تلبيس إبليس على العباد تزيين الباطل لهم ‪ ،‬و تقريب الذرائع‬
‫حَيل ‪ ،‬و يقعدوا عن‬ ‫سعوا في الرخص ‪ ،‬فيصيروا إلى ال ِ‬ ‫ليوقعهم ‪ ،‬حتى يتو ّ‬
‫مل ‪.‬‬ ‫النوافل ‪ ،‬فيصيروا إلى ترك ما وجب من الع َ‬
‫ل ليس لها‬ ‫و إذا اجتمعت على المرء غربة الدين و غربة الدار ‪ ،‬صار إلى حا ٍ‬
‫من دون الله كاشفة ‪ ،‬ما لم ُيقّيض له من ُيمسك بيده ‪ ،‬أو يأخذ عن النار‬
‫جزه ‪ ،‬فيقف بالنصيحة إلى جانبه ‪ ،‬يأمره بالمعروف و ينهاه عن المنكر ‪،‬‬ ‫ح َ‬ ‫ب ُ‬
‫صَبر ‪.‬‬ ‫يعينه إن اّدكر ‪ ،‬و يواسيه إن َ‬
‫ة ‪ ،‬حب ّا في الخير للغير ‪ ،‬فقد روى‬ ‫ً‬ ‫و من هذا الباب تأتي موعظتنا الساع َ‬
‫ى صلى الله عليه وسلم‬ ‫الستة و أحمد عَ َ‬
‫ن الن ّب ِ ّ‬ ‫س رضي الله عنه ‪ ،‬أ ّ‬ ‫ن أن َ ٍ‬ ‫ْ‬
‫ل ‪ )) :‬ل يؤمن أحدكم حتى يحب لخيه ما يحب لنفسه (( ‪ ،‬و دعوةً إلى‬ ‫َقا َ‬
‫المر بالمعروف و النهي عن المنكر ‪ ،‬رجاء أن نكون من المصلحين ‪ ،‬كي ل‬
‫ُْ‬ ‫ك ال ْ ُ‬ ‫ك ل ِي ُهْل ِ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫ما َ‬
‫قَرى ب ِظلم ٍ‬ ‫كا َ‬ ‫منا الله بعذاب من عنده ‪ ،‬قال تعالى‪ :‬وَ َ‬ ‫يع ّ‬
‫َ‬
‫حون ]هود‪. [117:‬‬ ‫صل ِ ُ‬‫م ْ‬ ‫وَأهْل َُها ُ‬
‫ن‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ال ْي َ َ‬ ‫ة بْ ِ‬ ‫ف َ‬‫حذ َي ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫و روى أحمد و أبو داود و الترمذي ‪ ،‬و اللفظ له عَ ْ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫ن ِبال َ‬ ‫مُر ّ‬ ‫سى ب ِي َدِهِ لت َأ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذى ن َ ْ‬ ‫ل ‪َ » :‬وال ّ ِ‬ ‫ى صلى الله عليه وسلم أّنه َقا َ‬ ‫الن ّب ِ ّ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه فَل َ‬ ‫عون َ ُ‬ ‫م ت َد ْ ُ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫قابا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ث عَلي ْك ْ‬ ‫ن ي َب ْعَ َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ن الل ُ‬ ‫شك ّ‬‫َ‬ ‫من ْكرِ أوْ لُيو ِ‬ ‫َ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫ن عَ ِ‬ ‫وَل َت َن ْهَوُ ّ‬
‫َ‬
‫ن‪.‬‬ ‫س ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫ث َ‬ ‫دي ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫ذا َ‬ ‫سى هَ َ‬ ‫عي َ‬ ‫ل أُبو ِ‬ ‫م « ‪َ .‬قا َ‬ ‫ب ل َك ُ ْ‬ ‫جا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫يُ ْ‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فمن أمر بالمعروف و نهى عن المنكر فقد أدى ما أمره الله به في هذا الباب‬
‫ن إليه و من أصّر على ما‬ ‫‪ ،‬و وجب عليه بّر من استجاب لدعوته و الحسا ُ‬
‫ما أقيم عليه من الحجج البّينات ‪ ،‬و جب‬ ‫وقع فيه من المنكرات ‪ ،‬و أعرض ع ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سُعود ٍ قال ‪:‬‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ّ‬
‫ن عَب ْدِ اللهِ ب ْ ِ‬ ‫ره ‪ ،‬لما رواه أبو داود بإسناد صحيح عَ ْ‬
‫َ‬ ‫زجُره بهج ِ‬
‫ص عََلى ب َِنى‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫خ‬ ‫د‬
‫َ َ َ‬ ‫ما‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫و‬
‫ِ ّ ّ‬‫أ‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫»‬ ‫‪:‬‬ ‫وسلم‬ ‫عليه‬ ‫الله‬ ‫صلى‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫ل َر ُ‬ ‫َقا َ‬
‫صن َعُ فَإ ِن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ذا ات ّقّ الل ّهِ وَ د َع ْ َ‬ ‫ل ‪َ :‬يا هَ َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ل فَي َ ُ‬ ‫ج َ‬‫قى الّر ُ‬ ‫ل ي َل ْ َ‬ ‫ج ُ‬‫ن الّر ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ل َ‬ ‫سَراِئي َ‬ ‫إِ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه وَقَِعيد َهُ‬ ‫ريب َ ُ‬‫ش ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫كيل َ ُ‬‫نأ ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ه ذ َل ِ َ‬
‫من َعُ ُ‬ ‫ن ال ْغَد ِ فَل َ ي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫قاه ُ ِ‬ ‫م ي َل ْ َ‬ ‫ك ثُ ّ‬ ‫ل لَ َ‬‫ح ّ‬‫ل َ يَ ِ‬
‫ض«‪.‬‬ ‫م ب ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهِ ْ‬‫ب ب َعْ ِ‬ ‫ه قُُلو َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ك َ‬ ‫ما فَعَُلوا ذ َل ِ َ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ّ‬
‫ب المال من غير حله ‪،‬‬ ‫مقامنا هذا طل ُ‬ ‫ما شاع بين المسلمين في زماننا و ُ‬ ‫وم ّ‬
‫و من ذلك الحصول عليه بوسائل غير مشروعة ‪ ،‬قائمةٍ على التحايل و‬
‫فار ‪ ،‬و امتهان النفس أمامهم‬ ‫التطاول تارة ً ‪ ،‬و على التذّلل و النكسار للك ّ‬
‫تارة أخرى ‪ ،‬فضل ً عن مباشرة العمل المحّرم ‪ ،‬و منه العمال التابعة‬
‫للكنائس ‪ ،‬و إن بدا أّنها أعمال بّر و إنسانّية ‪ ،‬و كذا العمل في المطاعم و‬
‫وقها ‪ ،‬فهل ضاقت الرزاق‬ ‫دم المحّرمات و تس ّ‬ ‫المقاهي و النوادي ‪ ،‬التي تق ّ‬
‫على المسلم حتى يمتهن نفسه ‪ ،‬و يعمل نادل يقدم الخمرة للسكارى ‪ ،‬أو‬ ‫ً‬
‫دم للنزلء لحوم المي ْت َةِ و الكلب و الخنازير ‪ ،‬طلبا ً‬ ‫ُيعّلب أو يطهو أو يق ّ‬
‫ن الله إذا حّرم شيئا ً‬ ‫ل اكتسابها أصل ً ‪ ،‬فإ ّ‬ ‫دريهمات ل بركة فيها ‪ ،‬و ل يح ّ‬ ‫ل ُ‬

‫‪190‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ي‪،‬و‬ ‫حّرمه ثمنه و العانة عليه ‪ ،‬و من ذلك تحريم ثمن الكلب ‪ ،‬و مهر البغ ّ‬
‫حلوان الكاهن ‪ ،‬الثابت في سنن أبي داود و النسائي و مسند أحمد بإسنادٍ‬
‫صحيح ‪.‬‬
‫ن عشرةٍ بسبب الخمرة ‪ ،‬فقد روى الترمذي و ابن ماجة و‬ ‫ُ‬ ‫لع‬ ‫ذلك‬ ‫و مثل‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه وسلم‬ ‫َ‬
‫سو ُ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ل ‪ » :‬ل َعَ َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫مال ِ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫س بْ ِ‬ ‫ن أن َ ِ‬ ‫أحمد عن عَ ْ‬
‫ة إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫مول َ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ْ‬ ‫مل ََها َوال ْ َ‬ ‫حا ِ‬ ‫شارِب ََها وَ َ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫صَر َ‬ ‫معْت َ ِ‬ ‫ها وَ ُ‬ ‫صَر َ‬ ‫عا ِ‬ ‫شَرةً ‪َ :‬‬ ‫مرِ عَ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫ِفي ال ْ َ‬
‫ه«‪.‬‬ ‫َ‬
‫شت ََراةَ ل ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫شت َرِىَ لَها َوال ُ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫من َِها َوال ُ‬ ‫ل ثَ َ‬ ‫ساقِي ََها وََبائ ِعََها َوآك ِ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ما ابتليت به القلّية السلمّية في ديار الغرب ‪ ،‬الوقوع في الربا بصورة أو‬ ‫وم ّ‬
‫ً‬
‫أخرى ‪ ،‬و أبواب الربا كأبواب الشرك ‪ ،‬بضعٌ و سبعون بابا ‪ ،‬كما صح بذلك‬
‫الخبر ‪ ،‬الذي رواه الحافظ المنذري في ) الترغيب و الترهيب ( ‪.‬‬
‫فليحذر المتعاملون مع المصارف الربوّية من الوقوع تحت طائلة حرب ل‬
‫هوادة فيها ‪ ،‬أعلنها الله تعالى عليهم ما لم يبادروا بالتوبة ‪ ،‬فقد قال سبحانه ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن )‪(278‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫كنُتم ّ‬ ‫ن الّرَبا ِإن ُ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ب َ ِ‬ ‫ه وَذ َُروا ْ َ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫مُنوا ْ ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫) َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫م‬‫وال ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سأ ْ‬ ‫ؤو ُ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫م فَل َك ُ ْ‬ ‫سول ِهِ وَِإن ت ُب ْت ُ ْ‬ ‫ن الل ّهِ وََر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ب ّ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫فعَُلوا ْ فَأذ َُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫فَِإن ل ّ ْ‬
‫َ‬
‫سَرةٍ وَأن‬ ‫مي ْ َ‬ ‫سَرةٍ فَن َظ َِرة ٌ إ َِلى َ‬ ‫ن ُذو عُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ن )‪ (279‬وَِإن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ن وَل َ ت ُظ ْل َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ل َ ت َظ ْل ِ ُ‬
‫ن ( ] البقرة [ ‪.‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َعْل َ ُ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫م ِإن ُ‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُ ْ‬ ‫صد ُّقوا ْ َ‬ ‫تَ َ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ر‬ ‫ح‬ ‫ب‬ ‫نوا‬ ‫َ‬ ‫ذ‬ ‫ْ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫باس‬ ‫ع‬ ‫بن‬ ‫ا‬ ‫قول‬ ‫اليتين‬ ‫هاتين‬ ‫تفسير‬ ‫في‬ ‫كثير‬ ‫ابن‬ ‫روى‬
‫ْ‬ ‫ُ ِ َ ْ ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫زع‬‫َْ ِ‬ ‫ن‬‫ي‬ ‫ل‬ ‫با‬
‫ّ َ‬ ‫ر‬ ‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ما‬
‫َ ُ ِ ً‬ ‫قي‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫كا‬‫َ‬ ‫ن‬‫سوله ‪ ،‬و َقوَله ‪ :‬فَ َ ْ‬
‫م‬ ‫ن الّله وََر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫قُنوا ب ِ َ‬ ‫ست َي ْ ِ‬ ‫اِ ْ‬
‫َ‬
‫ب عُُنقه ‪َ ،‬و‬ ‫ضَر َ‬ ‫ن ن ََزع َ وَِإل َ‬ ‫ه فَإ ِ ْ‬ ‫ست َِتيب ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫مام ال ْ ُ‬ ‫قا عََلى إ ِ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫عَن ْ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ؤلِء‬ ‫ن هَ ُ‬ ‫ما َقال ‪ :‬وَ َالّله إ ِ ّ‬ ‫ن أن ّهُ َ‬ ‫ري َ‬ ‫سي ِ‬ ‫سن َواْبن ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫حاِتم عَ ْ‬ ‫روى ابن أِبي َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن عَلى‬ ‫كا َ‬ ‫سوله وَ لوْ َ‬ ‫ن الله وَ َر ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ِ‬ ‫حْر ٍ‬ ‫م قَد ْ أذُِنوا ب ِ َ‬ ‫صَيارَِفة لك ََلة الّرَبا وَ إ ِن ّهُ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ل قََتاَدة ‪:‬‬ ‫سلح ‪ .‬وَ َقا َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ضعَ ِفيهِ ْ‬ ‫ن َتاُبوا وَ ِإل وَ َ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫ست ََتاب َهُ ْ‬ ‫عاِدل ل ْ‬ ‫مام َ‬ ‫الّناس إ ِ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ه َفل‬ ‫حلل وَ أطاب َ ُ‬ ‫سعَ ال َ‬ ‫ن الله قَد ْ أوْ َ‬ ‫ن الّرَبا فَإ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫خالطة هَذِهِ الب ُُيوع ِ‬ ‫م َ‬ ‫م وَ ُ‬ ‫إ ِّياك ُ ْ‬
‫ة‪.‬‬ ‫صي َت ِهِ َفاقَ ٌ‬ ‫معْ ِ‬ ‫م إ َِلى َ‬ ‫جئ ْن َك ُ ْ‬ ‫ت ُل ْ ِ‬
‫ت شائبةٍ ربوي ّةٍ ‪،‬‬ ‫ل التعاملت المصرفّية المعاصرة ذا ُ‬ ‫ما ل ريب فيه أن ج ّ‬ ‫وم ّ‬
‫ما لم تكن من الربا المحض ‪ ،‬باستثناء تعاملت المصارف السلمّية التي ل‬
‫وجود لها في هذه الديار ‪.‬‬
‫و من المعاملت المحّرمة في هذا الباب إيداع الموال في المصارف و‬
‫القتراض منها من غير ضرورة ‪ ،‬أو تجاوز الضرورات إلى الكمالّيات ‪،‬‬
‫ة‬
‫ٍ‬ ‫بزياد‬ ‫كالتوسع في شراء المساكن و المراكب و الثاث ‪ ،‬و تسديد قيمتها‬
‫ربوّية عليها ‪ ،‬فليحذر الذين توّرطوا في شيء من ذلك ‪ ،‬و ليتقوا الله ‪ ،‬فل‬
‫ي َط َْعموا حراما ً ‪ ،‬أو ُيطعموه من يعولون من الهلين و البنين ‪.‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫جها‬
‫ن تنازله عن الزيادة الربوّية لصالح المصرف أو إخرا َ‬ ‫و ل يظن أحد ٌ منهم أ ّ‬
‫في وجه من وجوه البر و الصلة بدون توبةٍ ‪ ،‬يخرجه من المحظور ‪ ،‬و يبيح له‬
‫ن التعامل بالربا أو المساعدة عليه أو‬ ‫متابعة تعامله مع ذلك المصرف ‪ ،‬ل ّ‬
‫ن‬
‫المساهمة فيه سواٌء في الحرمة ‪ ،‬فقد روى مسلم و الترمذي و أحمد عَ ْ‬
‫ل الل ّهِ صلى الله عليه‬
‫سو ُ‬‫ن َر ُ‬‫جاِبر بن عبد الله رضي الله عنه ‪َ ،‬قال ‪ :‬ل َعَ َ‬ ‫َ‬
‫واٌء ( ‪ ،‬فتوبوا إلى‬
‫س َ‬
‫م َ‬
‫ل ‪ ) :‬هُ ْ‬‫شاهِد َي ْهِ وََقا َ‬
‫ه وَ َ‬ ‫َ‬
‫ه وَكات ِب َ ُ‬ ‫َ‬
‫موك ِل ُ‬ ‫ل الّرَبا وَ ُ‬ ‫وسلم آك ِ َ‬
‫ّ‬
‫الله جميعا أّيها المؤمنون لعلكم ُتفلحون ‪.‬‬ ‫ً‬
‫ه وََلدا‬ ‫م إذا أطَعمت َ ُ‬ ‫ن الحرا َ‬‫إ ّ‬
‫َ‬
‫ب الصغيُر على استمرائ ِهِ و غدا‬ ‫ش ّ‬

‫‪191‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ش مجتِهدا‬ ‫َيسَعى ل ُِيحرَِزه ما عا َ‬


‫ما سواه ُ غدا‬ ‫رضا ً ع ّ‬ ‫معت َ ِ‬‫ح ُ‬ ‫و ُيشي ُ‬
‫ما يوقع في سخط الله‬ ‫فاتقوا الله ياعباد الله ‪ ،‬و طّهروا أنفسكم و أموالكم م ّ‬
‫حقة ‪ ،‬و أن المعاصي لسباب السعادة‬ ‫مم ِ‬ ‫ن الحرام للبركة ُ‬ ‫‪ ،‬و اعلموا أ ّ‬
‫مسحقة ‪ ،‬و الندامة بمقترفها لحقة ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫مل ‪ ،‬و عصمنا من الضللة و الزلل‬ ‫َ‬ ‫الع‬ ‫و‬ ‫القول‬ ‫ي‬
‫َ ْ‬ ‫ر‬ ‫لخي‬ ‫ياكم‬ ‫ّ‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫الله‬ ‫فقني‬ ‫ّ‬ ‫و‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مد و آله و صحبه أجمعين‬ ‫و صلى الله و سلم و بارك على نبّّيه مح ّ‬
‫الخطبة الثانية‬
‫ة السلم !‬ ‫م َ‬ ‫أ ّ‬
‫ما يوقع في سخط الله ‪ ،‬و اعلموا‬ ‫اتقوا الله ‪ ،‬و طّهروا أنفسكم و أموالكم م ّ‬
‫ن‬
‫مسحقة ‪ ،‬و أ ّ‬ ‫حقة ‪ ،‬و أن المعاصي لسباب السعادة ُ‬ ‫مم ِ‬ ‫ن الحرام للبركة ُ‬ ‫أ ّ‬
‫الندامة بمقترفها لحقة ‪.‬‬
‫قِبه ‪ ،‬فيفسد أبناؤه ‪ ،‬و ُيحرم‬ ‫مبين ‪ ،‬أن ُيصاب المرء في عَ ِ‬ ‫خسران ال ُ‬ ‫و من ال ُ‬
‫دعائهم بعد وفاته ‪ ،‬و ما القامة بين ظهراَني الكافرين إل مظّنة‬ ‫النتفاع ب ُ‬
‫خلقي ّا بعد أن فّرط في‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫صر أبناؤه ‪ ،‬أو انحرفوا ُ‬ ‫ب مسلم تن ّ‬ ‫لذلك ‪ ،‬فكم من أ ٍ‬
‫فق إل بعد وقوع الفأس في الرأس ‪ ،‬حين لم ي َُعد يقوى على‬ ‫شبابه ‪ ،‬و لم ي ُ ِ‬
‫التدارك بعد التهالك ‪.‬‬
‫حكم الجهاض ‪ ،‬بعد أن تحّرك بين أحشاء‬ ‫ل في ُ‬ ‫ماذا أقول و قد استفتاني رج ٌ‬
‫ت الربعةِ عشَر خريفا ً جنين من أب كاثوليكي ‪.‬‬ ‫ابنته ذا ِ‬
‫ن السبب ‪ ،‬و هو تفريط الب في زمن الشباب ‪،‬‬ ‫ل بيا َ‬ ‫أأفتيه فيما سأل ‪ ،‬و أغف ُ‬
‫ج بهم في مدارس‬ ‫م ‪ ،‬و ل تربية البناء ‪ ،‬و ز ّ‬ ‫حيث لم ُيحسن اختيار ال ّ‬
‫سُهم في مستنقع آسن بالمنكرات ‪ ،‬ينهلون من منابع النحلل‬ ‫م َ‬ ‫النصارى ‪ ،‬و غَ َ‬
‫‪ ،‬و يجارون الكفرة في الزي و الخلق ‪.‬‬
‫حظرت‬‫َ‬ ‫َ‬
‫و ماذا أقول لمن فّرت ابنته القاصر مع عشيقها إلى بلدٍ مجاور ‪ ،‬و َ‬
‫ج به خلف‬ ‫ط عليه القتراب من منزلها ‪ ،‬و إل غُّلت يداه بالقيود ‪ ،‬و ُز ّ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ال ُ‬
‫قضبان الحديد ‪.‬‬
‫ي أحوال‬ ‫ً‬ ‫ّ‬
‫ماذا أقول ‪ ،‬و ما ذا أقول ‪ ،‬و قلبي يتفطر ألما حينما ُتعرض عل ّ‬
‫شت في كثيرٍ منها مظاهر الخذلن و الذوبان‬ ‫المسلمين ‪ ،‬و قد ترّدت ‪ ،‬و تف ّ‬
‫ً‬
‫حَرما ‪.‬‬ ‫في مجتمٍع ل يعرف قَِيما ً ‪ ،‬و ل يرعى ُ‬
‫م‬
‫ب َيحت َدِ ُ‬ ‫خط ُ‬ ‫ل و ال َ‬ ‫م *** و الدمعٌ منهم ٌ‬ ‫ي الل ُ‬ ‫ماذا أقول و قد أودى ب َ‬
‫خل ُقٌ يراهُ أو قِي َ ُ‬
‫م‬ ‫ه *** فبات ل ُ‬ ‫أبكي على الجيل قد تاهت مواكب ُ ُ‬
‫م‬‫حَر ُ‬‫ت به ال ُ‬ ‫معَتقدا ً صين َ ْ‬ ‫َ‬
‫مت ِّبعا ً *** لم َيرع َ ُ‬ ‫مسا ً للغرب ُ‬ ‫منغَ ِ‬ ‫ش ُ‬ ‫في الطي ِ‬
‫و من المراض السارية في جسد الجاليات المسلمة خارج ديار السلم – يا‬
‫ف التأّثر بما يجري للمسلمين في أنحاء العالم من مصائب و‬ ‫عباد الله ‪ -‬ضع ُ‬
‫ن‬
‫دم التفاعل مع قضاياهم ‪ ،‬أو مشاركتهم آلمهم و آمالهم ‪ ،‬مع أ ّ‬ ‫نكبات ‪ ،‬و ع َ‬
‫الهتمام بأمر المسلمين من واجباتهم على التعيين ‪.‬‬
‫و من المؤسف المؤلم أن ُيدافع العالم عن حفنة من اليهود ‪ ،‬و يدافع مليار‬
‫ي عن بقرة تنحر في كشمير ‪ ،‬بينما يغفو العالم ‪ ،‬و نغفوا معه عندما‬ ‫وثن ّ‬
‫دساتهم ‪.‬‬ ‫حُرماتهم و مق ّ‬ ‫تمتهن كرامة المسلمين ‪ ،‬و ُتدّنس ُ‬
‫ُ‬
‫مي‬ ‫مست في أُذني أ ّ‬ ‫قد هَ َ‬
‫ب المستعرة‬ ‫من الحر ِ‬ ‫في َز َ‬
‫قرة‬ ‫ن بساحتنا ب َ َ‬ ‫لو أ ّ‬
‫خَزتها يوما إبرة‬ ‫ً‬ ‫قد وَ َ‬
‫أو ن ََزفت من َدمها َقطرة‬

‫‪192‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل شعرة‬ ‫أو فقدت من َذي ٍ‬


‫ت الهندوس جميعا ً‬ ‫لرأي َ‬
‫يأتون إليها بالُنصرة‬
‫ن بساحتنا ِنف ٌ‬
‫ط‬ ‫لو أ ّ‬
‫جم فحم ٍ أو د ُّرة‬ ‫من َ‬ ‫أو ِ‬
‫ي و الداني‬ ‫ت القاص َ‬ ‫لرأي َ‬
‫ُيطفون النار المستعرة‬
‫ن هنا نجمة داوود‬ ‫لو أ ّ‬
‫قادٍ و يهود‬ ‫ةح ّ‬ ‫أو حفن ُ‬
‫ت العالم يا َولدي‬ ‫َ‬ ‫لرأي َ‬
‫يتفانى في نصر الِتلمود‬
‫سفا ً‬ ‫َ‬
‫ما السلم فوا أ َ‬ ‫أ ّ‬
‫ي على حين الغُّرة‬ ‫قد ُرم َ‬
‫صُره‬ ‫إذ ليس له من ين ُ‬
‫أو َيرفعُ في الدنيا أمره‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫أل و صّلوا و سّلموا على نبيكم المين ‪ ،‬فقد أمرتم بذلك في الذكر الحكيم ‪،‬‬
‫ن الله و ملئكته يصّلون على النبي يا أّيها الذين آمنوا‬
‫ب العالمين ‪ ) :‬إ ّ‬ ‫فقال ر ّ‬
‫صّلوا عليه و سّلموا تسليما ( و على آله و صحبه أجمعين ‪.‬‬
‫==========‬
‫)‪ )(1‬خطبة الدكتور أحمد بن عبد الكريم نجيب في مسجد َدبِلن بإيرلندا في‬
‫شر من نيسان‬ ‫السابع من صفر الخير عام ‪ 1423‬للهجرة ‪ ،‬الموافق للتاسع عَ َ‬
‫‪ 20 02‬للميلد (‬
‫كتبه‬
‫د ‪ .‬أحمد عبد الكريم نجيب‬
‫‪Dr.Ahmad Najeeb‬‬
‫‪alhaisam@msn.com‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫تحذير المسلمين ممن يشتمون رب العالمين‬


‫د‪.‬وسيم فتح الله‬
‫>‪TD/‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ ":‬قال‬
‫ذبني بن آدم ولم يكن له ذلك‪ ،‬وشتمني ولم يكن له ذلك‪ ،‬فأما تكذيبه‬ ‫الله‪" :‬ك ّ‬
‫ي من إعادته‪،‬‬ ‫إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني‪ ،‬وليس أول الخلق بأهون عل ّ‬
‫وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولدًا‪ ،‬وأنا الحد الصمد‪ ،‬لم ألد ولم أولد‪ ،‬ولم‬
‫يكن لي كفؤا ً أحد"]صحيح البخاري[‪.‬‬
‫وقال الله تعالى ‪ ":‬لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم"]سورة‬
‫المائدة ‪ ،[72 -‬وقال تعالى‪ ":‬لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلثة"]سورة‬
‫المائدة ‪ ،[73 -‬وقال الله تعالى‪ ":‬وقالوا اتخذ الرحمن ولدًا‪ .‬لقد جئتم شيئا ً‬
‫عوا‬‫إد ًّا‪ .‬تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الرض وتخر الجبال هد ًّا‪ .‬أن د َ َ‬
‫للرحمن ولدًا‪ .‬وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدًا‪ .‬إن كل من في السماوات‬
‫والرض إل آتي الرحمن عبدًا"]سورة مريم‪.[93-88 -‬‬
‫وقال الله تعالى‪ ":‬وقد نّزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله ُيكفر‬

‫‪193‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫بها وُيستهزأ بها فل تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذا ً‬
‫مثلهم إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعًا"]سورة النساء ‪-‬‬
‫‪ ،[140‬وقال تعالى‪":‬وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى‬
‫ما ُينسيّنك الشيطان فل تقعد بعد الذكرى مع‬ ‫يخوضوا في حديث غيره وإ َ‬
‫القوم الظالمين"]سورة النعام ‪ ،[68 -‬وقال الله تعالى في وصف عباد‬
‫الرحمن‪ ":‬والذين ل يشهدون الزور وإذا مَروا باللغو مَروا كرامًا"]سورة‬
‫الفرقان ‪ ،[72 -‬قال المام الطبري رحمه الله في تفسير الية‪ ":‬فأولى‬
‫القوال بالصواب في تأويله أن يقال‪ :‬والذين ل يشهدون شيئا ً من الباطل؛ ل‬
‫شركًا‪ ،‬ول غناء‪ ،‬ول كذبًا‪ ،‬ول غيره‪ ،‬وكل ما لزمه اسم الزور"]تفسير الطبري‪-‬‬ ‫ِ‬
‫‪ ،[19/49‬قلت‪ :‬وأي شرك أعظم من نسبة الولد لله تعالى‪ ،‬وأي غناء أفجر‬
‫من معازف وترانيم تمجد اللهة المخترعة‪ ،‬وأي كذب أسوأ ممن كذب على‬
‫الله تعالى كما تقدم في قوله تعالى في الحديث القدسي ‪ ":‬كذبني ابن‬
‫آدم"؟‬
‫إن إقامة العياد والحتفالت التي تدور على مناسبة شركية‪ ،‬هو إقرار على‬
‫هذا المناسبة واعتراف بها‪ ،‬وإن المشاركة في مثل هذه الحتفالت بتهنئة أو‬
‫حضور أو هدية أو طعام أو شراب يعتبر من شهود الزور والكذب‪ ،‬ولو أن‬
‫أحدنا دعاه شاتم أبيه أو شاتم أخيه أو شاتم أهله وعشيرته لما أجاب دعوته‬
‫ولنفر منها أشد ما بكون النفور‪ ،‬أفيكون حظ الله تعالى منا أقل من حظ‬
‫أنفسنا لدينا! إن ما يسمى "عيد الكريسماس" احتفال بمولد من يزعمون أنه‬
‫ابن الله وأنه الله‪ ،‬تعالى الله عما يقولون علوا ً كبيرًا‪ ،‬ثم ل يغرنك أنهم‬
‫يقدمون الحتفال يوما ً أو يؤخرونه يوما ً استدراجا ً للمسلم وتأليفا ً لقلبه حتى ل‬
‫يتحرج من حضور مشهد الكذب على الله ومشهد شتم الله عز وجل‪.‬‬
‫ول يخدعنك أيها الغيور على توحيد الله عز وجل دعاوى المغرضين أن هذه‬
‫التهنئة هي نوع من التعايش والتسامح‪ ،‬فإن التعايش والتسامح ل يستلزم‬
‫حضور زورهم وكذبهم‪ ،‬وليس في ترك حضور مناسبة دينية لغير المسلمين‬
‫أي عدوان عليهم‪ ،‬بل العدوان هو على حق الله تعالى في صيانة جناب‬
‫التوحيد وطمس معالم الشرك في العلن‪ ،‬فاحفظ الله يحفظك‪ ،‬واعلم أن‬
‫تمسكك بالتوحيد وهجرانك للباطل هو أفضل ما تقدمه لهؤلء إن كنت حريصا ً‬
‫على نفعهم والحسان إليهم إحسانا ً عامًا‪ ،‬فإن كلمة التوحيد أغلى ما نملك‬
‫وأغلى ما نهدي وأغلى ما نغار عليه‪.‬‬
‫محبكم في الله ‪ /‬د‪.‬وسيم فتح الله‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تحرير الرض أم تحرير النسان؟‬


‫تناول الدرس النسان باعتباره حجر الساس في قضية التحرير فالساس هو‬
‫تحرير النسان من العبودية لغير الله وهي أنواع عديدة فصلها وذكر مايدل‬
‫عليها من القرآن والسنة ‪.‬‬
‫يجب أن نعلم أن حجر الساس هو النسان‪ ،‬فإذا وجد النسان الصادق‪،‬‬
‫المؤمن؛ فهذا يعني أننا سرنا في خطوات صحيحة لتحرير الرض‪ ،‬إذا ً لبد أن‬
‫نتكلم عن تحرير النسان قبل أن نتكلم عن تحرير الرض‪ ،‬أما عن تحرير‬
‫الرض‪ ،‬فالرض لله يورثها من يشاء من عباده‪.‬وموسى عليه الصلة والسلم‬
‫يقول لقومه عندما قالوا له‪:‬‬
‫ن ي ُهْل ِكَ‬‫ل عَسى ربك ُم أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫جئت ََنا قا‬ ‫ْ‬ ‫{َقاُلوا ُأوذينا من قَب َ‬
‫َ ّ ْ ْ‬ ‫َ‬ ‫ما ِ‬
‫ن ب َعْد ِ َ‬
‫م ْ‬
‫ن ت َأت ِي ََنا وَ ِ‬
‫لأ ْ‬‫ِ َ ِ ْ ْ ِ‬

‫‪194‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن]‪]} [129‬سورة‬ ‫مُلو َ‬ ‫ف ت َعْ َ‬ ‫ض فَي َن ْظ َُر ك َي ْ َ‬‫ِ‬ ‫م ِفي اْل َْر‬ ‫فك ُ ْ‬ ‫خل ِ َ‬
‫ست َ ْ‬‫م وَي َ ْ‬ ‫عَد ُوّك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض ي َرِث َُها‬‫ن اْلْر َ‬ ‫ن ب َعْدِ الذ ّك ْرِ أ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ْ ك َت َب َْنا ِفي الّزُبورِ ِ‬ ‫العراف[ وقال تعالى{وَل َ َ‬
‫ن]‪] }[105‬سورة النبياء[ فالرض لله يورثها من يشاء من‬ ‫حو َ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫عَبادِيَ ال ّ‬ ‫ِ‬
‫عباده‪ ،‬ويجب أن تخضع لحكم السلم‪ ،‬فالنظام الدولي الممكن الصحيح الذي‬
‫يقبل به السلم هو النظام التالي‪:‬‬
‫الوحدة النسانية‪ :‬باعتبار الناس كلهم من آدم‪ ،‬وآدم من تراب ولفضل لبيض‬
‫على أسود‪ ،‬ول لعربي على عجمي إل بالتقوى‪ ..‬ل يميز جنس عن جنس‪ ،‬ول‬
‫لون عن لون‪.‬‬
‫الوحدة اليمانية‪ :‬وهي وحدة الختيار‪ ،‬فالنسان ل يختار اللون‪ ،‬أو العرق‪،‬‬
‫وإنما يختار الدين فالوحدة اليمانية هي أساس الوحدة العالمية‪ ،‬وعلى هذا‬
‫الساس يقوم النظام الدولي الوحيد الذي يعترف به السلم‪ ،‬وهذا النظام‬
‫في الوقت نفسه هو النظام العادل‪.‬‬
‫والهدف الكبر هو تحرير النسان من العبودية لغير الله تعالى‪ ،‬وهذا النسان‬
‫ما‬
‫يمكن أن يصنع الفتوح‪ ،‬ويصنع القتصاد والسياسة‪ ،‬يقول الله تعالى‪ {:‬وَ َ‬
‫ن]‪]} [56‬سورة الذاريات[ وهناك أوثان كثيرة‬ ‫دو ِ‬ ‫س إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬‫ن َواْل ِن ْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬
‫َ‬
‫تخضع النسان للطاغوت‪ ،‬الذي أصبح يملك اليوم كل شيء عكس ما كان‬
‫بالمس‪ ،‬مثًل‪ :‬إذا قارنت بين الحياة اليوم والحياة بالمس؛ لوجدت أن الحياة‬
‫في القرون السابقة كان يسيطر الطغاة على جانب واحد فقط‪ ،‬ففرعون‪-‬‬
‫مثل ً ‪ -‬يسيطر على المال والقوة‪ ،‬ولكن بعد ذلك قد يكون للناس فرص كثيرة‬
‫جدا ً أن يتصرفوا فيها بخاصة أنفسهم‪ ،‬ولكن في هذا العصر لم تعد القضية‬
‫السيطرة على المال‪ ،‬أو القوة فحسب‪ ،‬بل أصبحت كما يقول بعض الكتاب‪:‬‬
‫هيمنة من شهادة الميلد الى شهادة الوفاة‪ ،‬كل شئون الحياة أصبحت‬
‫محكومة مضبوطة‪.‬‬
‫أما إذا كان الحكم صالحا فهنا حدث ول حرج‪ ،‬فإن كل هذه الشياء ستوظف‬ ‫ً‬
‫لصالح النسان‪ :‬تصحيح عقله‪ ،‬وقلبه‪ ،‬ومشاعره‪ ..‬تمكينه من العبودية لله‬
‫وحده ‪ .‬وهو بالمقابل إذا كان فاسدا ً فإن هذه الشياء كلها تتحول الى وسائل؛‬
‫لتعظيم فلن وغير ذلك‪ ،‬فمثل‪:‬‬
‫ً‬
‫العلم‪ :‬يسخر لتحرير النسان إذا كان صالحا‪ ،‬أما إذا كان فاسدا‪ ،‬فيقتصر‬ ‫ً‬
‫على تمجيد الحاكم‪ ،‬والثناء عليه‪ ،‬ويتستر على أخطائه‪.‬‬
‫القتصاد‪ :‬فإنهم يأخذون الموال بحجة أنها ملك الدولة‪ ،‬ولكنها تنصب في‬
‫جيبه‪ ،‬أو جيب ابنه؛ فتضيع مصانع الدولة‪ ،‬ومزارعها‪ ،‬وأراضيها‬
‫المن‪ :‬إنما وضع لحفظ ممتلكات الناس‪ ،‬وحقوقهم‪ ،‬ولكن بحكم الطغاة‬
‫يتحول إلى التمهيد للسلطان في الرض‪.‬‬
‫أنواع العبودية‪:‬‬
‫ي‬
‫حَيا َ‬ ‫م ْ‬ ‫كي وَ َ‬ ‫س ِ‬ ‫صلِتي وَن ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫العبودية لله ‪ :‬وهي تستغرق كل الحياة‪ {:‬قُ ْ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن]‬
‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ال ُ‬ ‫ت وَأَنا أوّ ُ‬ ‫مْر ُ‬‫كأ ِ‬ ‫ه وَب ِذ َل ِ َ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ري َ‬‫ش ِ‬‫ن]‪َ[162‬ل َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ماِتي ل ِل ّهِ َر ّ‬ ‫م َ‬ ‫وَ َ‬
‫‪“ }[163‬سورة النعام” فالصلة والنسك‪ ،‬والحياة والممات لله تعالى فى‬
‫حس المسلم‪ ..‬المر كله لله؛ فالسلم دين يهيمن على كل حياة المة‪ ،‬وكل‬
‫حياة الفرد ‪.‬‬
‫العبودية للطاغوت ‪ :‬ومقابل العبودية لله هناك منهج الطاغوت الذي يجعل‬
‫العبودية ل تقتنع باليسير بل تستغرق كل حياته‪ ،‬حتى النصاب والتماثيل في‬
‫الشوارع؛ فالطاغوت ل يعف عن شيء‪ ،‬وهناك أمثلة منها ‪:‬‬
‫ت َ ي َوْم ٍ‬ ‫َ‬
‫أن سارة لما جاءت مع إبراهيم عليه السلم‪ ،‬ودخل مصر ] ب َي َْنا هُوَ ذا َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫مَر ٌ ِ ْ‬
‫م‬ ‫ة‬ ‫أ‬ ‫ها ْ‬ ‫معَ ُ‬ ‫جًل َ‬ ‫ها هَُنا َر ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قي َ‬‫جَباب َِرةِ فَ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫م ْ‬ ‫جّبارٍ ِ‬ ‫ساَرةُ إ ِذ ْ أَتى عََلى َ‬ ‫وَ َ‬

‫‪195‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫س‪ [...‬ومع أنه عنده الكثير من الجميلت‪ ،‬وهذه امرأة واحدة‪،‬‬ ‫ن الّنا‬ ‫س‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح َ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫ب ي َت ََناوَل َُها ب ِي َدِ ِ‬
‫ه‬ ‫ت عَل َي ْهِ ذ َهَ َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ما د َ َ‬ ‫ل إ ِل َي َْها فَل َ ّ‬‫س َ‬ ‫ولكن أحب أن يستأثر بها]‪...‬فَأْر َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م ت ََناوَل ََها الّثان ِي َ َ‬
‫ة‬ ‫ه فَأط ْل ِقَ ث ُ ّ‬ ‫ت الل ّ َ‬ ‫ك فَد َعَ ْ‬ ‫ضّر ِ‬ ‫ه ِلي وََل أ ُ‬ ‫عي الل ّ َ‬ ‫ل اد ْ ِ‬‫قا َ‬ ‫خذ َ ف َ َ‬‫فَأ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مث ْل ََها أ َوْ أ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ض‬‫عا ب َعْ َ‬ ‫ت فَأط ْل ِقَ فَد َ َ‬ ‫ك فَد َعَ ْ‬ ‫ضّر ِ‬ ‫ه ِلي وََل أ ُ‬ ‫عي الل ّ َ‬ ‫قا َ‬
‫ل اد ْ ِ‬ ‫شد ّ ف َ َ‬ ‫خذ َ ِ‬ ‫فَأ ِ‬
‫شي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن ‪[...‬رواه البخاري‬ ‫طا ٍ‬ ‫موِني ب ِ َ‬ ‫ما أت َي ْت ُ ُ‬
‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫سا ٍ‬ ‫م ت َأُتوِني ب ِإ ِن ْ َ‬ ‫م لَ ْ‬‫ل إ ِن ّك ُ ْ‬
‫قا َ‬ ‫جب َت ِهِ فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫َ‬
‫ومسلم وأبوداود وأحمد ‪ .‬فهو لم يعف عنها مع كثرة نسائه‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫عبودية النسان لنفسه ‪ :‬وقد أشار الله في القرآن إلى مواضيع عبودية‬
‫َ َ‬
‫ه‪] }[23]...‬سورة الجاثية[‬ ‫وا ُ‬ ‫ه هَ َ‬ ‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬‫ت َ‬ ‫النسان لنفسه‪ {:‬أفََرأي ْ َ‬
‫فعبودية النسان لنفسه تأخذ أشكال ً عدة‪ ،‬فمنها‪:‬‬
‫خي ٌْر‬ ‫َ‬
‫تعظيم النفس‪ :‬الكبر والغرور الذي تمكن في إبليس نفسه‪ ،‬فقال‪ {:‬أَنا َ‬
‫ن]‪] }[12‬سورة العراف[ أبى واستكبر‪،‬‬ ‫طي ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫قت َ ُ‬‫خل َ ْ‬‫ن َنارٍ وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قت َِني ِ‬ ‫ه َ‬‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫وتعاظم في عين نفسه ‪ .‬وعبودية النسان لنفسه وصلت إلى حد ادعاء‬
‫م اْل َعَْلى]‪] }[24‬سورة النازعات[‪.‬‬ ‫َ‬
‫اللوهية‪ ،‬حيث قال فرعون‪ {:‬أَنا َرب ّك ُ ُ‬
‫عبوديته لشهوة‪:‬كشهوة الجسد‪ ،‬والركض وراء المرأة‪ ،‬وعبودية النسان‬
‫لشهوة تجعله رقيقا ً لها‪.‬‬
‫عبوديته للجاه‪ ،‬والسلطة‪ ،‬والمنصب‪ :‬بأن يفقد النسان كرامته في سبيل‬
‫الوصول إلى ذلك‪،‬و يجاهد للمحافظة على ما وصل إليه عن طريق التذلل‪،‬‬
‫والمجاملة التي ل تنتهي‪.‬‬
‫ة‬
‫ص ِ‬‫مي َ‬ ‫خ ِ‬ ‫فةِ وَعَب ْد ُ ال ْ َ‬
‫طي َ‬ ‫ديَنارِ وَعَب ْد ُ الد ّْرهَم ِ وَعَب ْد ُ ال ْ َ‬
‫ق ِ‬ ‫س عَب ْد ُ ال ّ‬ ‫عبوديته للمال‪ ] :‬ت َعِ َ‬
‫ً‬
‫‪[...‬رواه البخاري وابن ماجه ‪ .‬وهل رأيت أكثر سهرا من عبد المال؟! فما‬
‫الذي أخضع أعناق الرجال إل عبوديتهم للمال؟! وقد نسوا قول الله تعالى‪{:‬‬
‫ن]‪]} [58‬سورة الذاريات[ ‪.‬‬ ‫مِتي ُ‬ ‫قوّةِ ال ْ َ‬ ‫ه هُوَ الّرّزاقُ ُذو ال ْ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫إِ ّ‬
‫العبودية للعادة والوضع الراهن ‪ :‬وهذه من أكبر العبوديات التي ووجهت بها‬
‫دعوة السلم‪ ،‬وإن كثيرا ً من الناس ليحافظ على عاداته أكثر من حفظهم‬
‫لدينهم!‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫العبودية للرض والوطن ‪ :‬فيجعلون الوطن قسيما لله تعالى‪ ،‬وأحيانا يجعلونه‬
‫قسيما ً للدين‪ ،‬وهكذا يقاتلون من أجل الوطن ‪ .‬والتربية عندهم هي إعداد‬
‫المواطن‪.‬‬
‫ومن العبودية أيضا ً ضيق النظرة ‪ :‬فل يرى النسان إل ماحوله‪ ،‬ول يحس‬
‫بحاجة الخرين‪ ،‬ويتصور أن الدنيا كلها من حوله‪ ،‬ول يدرك حاجة المسلمين‬
‫من حوله‪.‬‬
‫َ‬
‫ة‪]...‬‬ ‫حَيا ٍ‬ ‫س عََلى َ‬ ‫ص الّنا ِ‬ ‫حَر َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫جد َن ّهُ ْ‬‫عبودية النسان للحياة ‪ :‬قال تعالى‪ {:‬وَل َت َ ِ‬
‫‪] }[96‬سورة البقرة[ أ َيّ حياة‪ ،‬وإن كانت حياة الذل‪ ،‬والهوان‪ .‬وإنما يريدون‬
‫الحياة بأي ثمن؛ لنهم أصبحوا عبيدا ً لها‪.‬‬
‫إذا ً لبد من تحرير النسان من العبودية لغير الله تعالى؛ بحيث يكون عبدا ً لله‬
‫تعالى‪ ،‬فالمسلم إذا بدأ الصلة قال‪ ':‬الله أكبر ' كل شيء يسقط‪ ،‬فيبقى الله‬
‫ل]‪] }[9‬سورة الرعد[ ثم تقول بعد ذلك‪ ':‬وجهت‬ ‫مت ََعا ِ‬ ‫وحده وهو{ال ْك َِبيُر ال ْ ُ‬
‫وجهي للذي فطر السموات والرض حنيفا ً وما أنا من المشركين‪ ،‬إن صلتي‪،‬‬
‫ونسكي‪ ،‬ومحياي‪ ،‬ومماتي لله رب العالمين‪ ،‬وبذلك أمرت‪ ،‬وأنا أول‬
‫المسلمين' وبذلك أقررت أنك التزمت بالمنهج الذي يجعل العبودية لله وحده‪،‬‬
‫وتركع لله‪ ،‬وتسبحه‪ ،‬ثم تسجد لله‪ ،‬وتجلس لله‪ ،‬وتدعو الله‪ ،‬وتذكر الله‪ ..‬وإن‬

‫‪196‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الحياة ل تقاس بعدد السنوات إنما تقاس بالنجازات‪ ،‬فكم إنسان كان عمره‬
‫‪ 40‬سنة‪ ،‬أو ‪ 30‬سنة‪ ،‬ومع ذلك خّلد الله تعالى ذكره في الدنيا‪ ،‬وعظم أجره‬
‫في الخرة‪ .‬وكم من الناس يعيش الن وعمره ‪ 70‬سنة‪ ،‬ول يكترث به أحد؛‬
‫لنهم عاشوا لنفسهم فقط‪ ،‬فلنتحرر من العبودية لغير الله‪ ،‬ولنتحرر من‬
‫المخاوف والوهام ‪ ..‬وأسأل الله تعالى أن يرزقنا‪ ،‬وإياكم العبودية له وحده‪،‬‬
‫وأن يخرج من قلوبنا العبودية لغيره‪ ،‬والحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة‬
‫والسلم على خاتم النبياء والمرسلين‪.‬‬
‫من محاضرة‪ :‬تحرير الرض أم تحرير النسان؟ للشيخ‪/‬سلمان العودة‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تحرير النسان وتأسيس الوعي العلمي‬


‫بقلم ‪/‬عمر مناصرية‬
‫سورة الكهف من السور المكية التي يتفاعل معها المسلمون بشدة ‪ ،‬فهم‬
‫يقرأونها كل أسبوع مرة ‪ ،‬وفي الحديث الشريف أن من قرأها مرة كل‬
‫أسبوع كانت له نورا طوال ذلك السبوع ‪ ،‬وعندما نتأملها سرعان ما ندرك أن‬
‫أهم ما تتميز به ‪ ،‬هي القصص ‪ :‬قصة أصحاب الكهف ‪ ،‬ومثل الرجلين‬
‫والجنتين ‪ ،‬وقصة موسى مع العبد الصالح التي لم تذكر إل في هذه السورة ‪،‬‬
‫وقصة ذو القرنين التي لم تذكر أيضا إل في هذه السورة ‪ .‬غير أن ما يلفت‬
‫النتباه إليها ‪ ،‬هو أنها تتناول موضوعا واحدا ‪ ،‬وهو تحرير النسان من رضوخه‬
‫لسلطان الشياء والظواهر والقيم التي يقع سجينا لها ‪ ،‬فتذهب بأعماله كلها ‪،‬‬
‫ول يلقى منها غير العذاب والنار‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫ففي قصة أصحاب الكهف ‪.‬نجد أن تجربتهم كلها قامت على هدف واحد ‪ ،‬هو‬
‫تحريرهم من الزمن ‪ ،‬وتخليصهم من السر الذي يمثله على النسان ‪ ،‬حتى‬
‫إذا تحرروا رأوا الحقيقة التي كافحوا لجلها كاملة ‪ ،‬وهي وجود عالم غيبي ‪،‬‬
‫فيه الجزاء والعذاب والنار والحساب ‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫ففي قصة أصحاب الكهف )من الية ‪ 9‬إلى الية ‪. ( 26‬نجد أن تجربتهم كلها‬
‫قامت على هدف واحد ‪ ،‬هو تحريرهم من الزمن ‪ ،‬وتخليصهم من السر الذي‬
‫يمثله على النسان ‪ ،‬حتى إذا تحرروا منه رأوا الحقيقة التي كافحوا لجلها قد‬
‫انتصرت ‪ ،‬كما أصبحوا هم أنفسهم دليل عليها ‪ ،‬حيث بعثوا ثانية بعد فترة‬
‫زمنية طويلة ‪ ،‬ل يمكن للنسان وفق مفاهيم الزمن الدنيوي أن يقاومها‪،‬‬
‫وبالتالي فإن هناك زمنا آخر‪ ،‬فيه الجزاء والعذاب والنار والحساب ‪ ،‬وهي‬
‫نفس المفاهيم التي كانت تثار حولها التساؤلت في مجتمع ذلك الزمان ‪،‬‬
‫فالحقيقة إذن ل تموت ‪ ،‬سواء من جهة انتصارها عبر الزمن ‪ ،‬أو من حيث‬
‫موضوعها الذي قامت للتأكيد عليه ‪ ،‬وهو هنا وجود زمن أخروي غيبي في‬
‫مقابل الزمن الدنيوي‪ ،‬يؤول إليه النسان ‪ ،‬وتؤول إليه كل أعماله ‪ ،‬والزمن‬
‫فقط هو الذي يمنع النسان من رؤية ذلك ‪ ،‬فيركن إلى ما حوله من الشياء‬
‫والشهوات والدنيا‪ ،‬ول يستطيع النفاذ إلى ما وراءها من حكمة ومن حقائق‬
‫أخرى تقلب حياته كلها ‪.‬‬
‫إن بطء الزمن الدنيوي بالنسبة للنسان يجعل من إمكان التحرر منه أمرا‬
‫عسيرا وصعبا ‪ ،‬إل إذا استطاع النسان على هدى من الله أن يدرك هذه‬
‫الحقيقة ويؤمن بها ‪ ،‬ليس بصورة تقريرية ‪ ،‬ولكن بصورة يرتقي بها عن‬

‫‪197‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫الزمن نفسه ‪ ،‬فتتحول أفعاله نتيجة ذلك إلى الغاية الحقيقية منها‪.‬لذلك بعد‬
‫هذه التجربة مباشرة ‪ ،‬تذكر اليات العالم الخروي المستقبلي والجزاء الذي‬
‫يكون فيه من حساب و من جنة أو نار ‪ ،‬كزمن حقيقي يجب على النسان أن‬
‫تكون أفعاله كلها وحياته مستندة إليه ‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫ثم ثم في نفس السياق يضرب الله مثل آخر عن الرضوخ النساني ‪ ،‬في مثل‬
‫الرجلين الذين كان لحدهما جنتين ‪ ،‬من الية ‪ 32‬إلى ‪ ، 44‬فالجنتين تمثلن‬
‫عمل دنيويا صرفا ‪ ،‬يسجن صاحبه ‪ ،‬ويضعه في أسره ‪ ،‬فيكف عن رؤية‬
‫الحقيقة التي يريها له صاحبه ‪ ،‬فتصبح الجنتان تغطيان عينيه وتعميانها عن‬
‫إدراك الحقيقة قراءة في سورة الكهف ‪:‬تحرير النسان وتجاوز العقل‬
‫اللعلمي‬
‫________________________________________‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ثم في نفس السياق يضرب الله مثل آخر عن الرضوخ النساني ‪ ،‬في مثل‬
‫الرجلين الذين كان لحدهما جنتين ‪ ،‬من الية ‪ 32‬إلى ‪ ، 44‬فالجنتين تمثلن‬
‫عمل دنيويا صرفا ‪ ،‬يسجن صاحبه ‪ ،‬ويضعه في أسره ‪ ،‬فيكف عن رؤية‬
‫الحقيقة التي يريها له مرارا صاحبه ‪ ،‬فتصبح الجنتان تغطيان عينيه وتعميانها‬
‫عن إدراك الحقيقة ‪ } :‬وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لجدن‬
‫خيرا منها منقلبا ‪ {36‬فالمكان هنا هو الذي أسره ‪ ،‬ببهرجه وزينته وثمره ‪،‬‬
‫فلم يعد يؤمن بالحقيقة ‪ ،‬لن كل جهده انصرف إليه ‪ ،‬فلما هلكت ‪ }:‬وأحيط‬
‫بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول‬
‫يا ليتني لم أشرك بربي أحدا ‪ {.. 42‬فانهار ذلك العمل كله ‪ ،‬وأصبح حطاما‪،‬‬
‫ل فائدة منه ‪ .‬ويخلص القرآن إلى نفس النتيجة ‪ ،‬ويعتبرها قانونا ‪ ،‬إذ يقول‬
‫بعد ذلك ‪} :‬واضرب لهم مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط‬
‫به نبات الرض فأصبح هشيما تذروه الرياح وكان الله على كل شيء مقتدرا‬
‫‪ { 45‬وهذا المثل كثيرا ما يضربه الله في القرآن عن الحياة بصورة عامة‪ ،‬أو‬
‫العمل الذي ل يقوم على قاعدة اليمان ‪ ،‬وهنا يضربه مثل للحياة ‪ ،‬لتوضيح‬
‫النتيجة التي سيؤول إليها العمل النساني الذي ل يقوم على قاعدة التحرر ‪،‬‬
‫إذ يصور الله الدنيا في شكل فاقد لقيمته ‪) ،‬هشيما تذروه الرياح (‪ ،‬بعد أن‬
‫كان سجنا للنفوس ‪ ،‬يمارس عليها سلطته ‪ ،‬ولهذا تمضي اليات بعد هذا‬
‫المثل مؤكدة على أهمية تجاوز السجن الدنيوي ‪ ،‬وما فيه من شهوات‬
‫وملذات ‪.‬إلى العالم الخر الذي يمثل مستقر كل العمال وهذا من الية ‪46‬‬
‫التي تقول ‪ } :‬المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند‬
‫ربك ثوابا وخير أمل { إلى الية ‪ } 59‬وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا‬
‫لمهلكهم موعدا{ ‪ .‬ذاكرة الساعة والحساب والملئكة وخلق السماء‬
‫والرض ‪ ،‬ثم تذكر الصلف النساني وتعنته الذي يمنعه من اليمان ‪ ،‬متمثل‬
‫في الجدل ‪ } :‬ولقد صرفنا في هذا القرآن من كل مثل وكان النسان أكثر‬
‫شيء جدل ‪. { 54‬‬
‫ثم تنتقل اليات للحديث عن قصة موسى مع العبد الصالح ‪ ،‬الذي آتاه الله‬
‫علما ورحمة ‪ ،‬فتذكر في نفس السياق ‪ ،‬ضرورة أن يتحرر النسان من‬
‫سلطان الرؤية الذاتية للفعال والتصرفات التي تقوم أمامه أيضا كسجن‬
‫يأسره ‪ ،‬فل يرى الحكمة والغاية منها ‪،‬من الية ‪ }: 60‬وإذ قال موسى لفتاه‬

‫‪198‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا { إلى الية ‪ ، 82‬والقصة‬
‫معروفة ومشهورة ‪ .‬حيث نجد موسى يتفاعل مع تلك الحوادث بانفعال واضح‬
‫‪ ،‬للتدليل على أن هذه الذاتية تمنع النسان من رؤية الحكمة ‪ ،‬وبالتالي‪ ،‬فهي‬
‫مسجونة بنظرتها الجزئية الظرفية التي ل تستطيع الدراك الكلي للفعال‬
‫والحوادث التي تجري في حياة النسان ‪ .‬فكما أن رجل الجنتين وقوم‬
‫أصحاب الكهف‪ ،‬لم يستطيعوا أن يتحرروا ليروا ما خلف أوضاعهم من حقائق‬
‫غيبية‪ ،‬وهو مثل عن النسان بشكل عام ‪ ،‬لم يستطع موسى أن يتحرر من‬
‫سلطان نفسه لينفذ إلى ما وراء الفعل اللهي من غايات وحكمة حاضرة ‪،‬‬
‫فجاءت الستجابات جميعا على نحو واحد ‪ ،‬وهو الخطأ المستمر والفشل‬
‫الذريع في إدراك الحكمة من وراء الفعال والشياء والوجود بصفة عامة‪.‬‬
‫فالخطاب في هذه القصص والمثال‪ ،‬يتجه إلى الحديث عن القدرة النسانية‬
‫في تجاوز حالت السر التي تجد نفسها موضوعة فيها لسباب كثيرة ‪ ،‬سواء‬
‫نتيجة الزمن ‪ ،‬مثلما يقول الله تعالى في آيات أخرى كثيرة ‪} :‬فطال عليهم‬
‫المد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون {‪ .‬أو نتيجة ثمرات الفعال‬
‫النسانية وعائداتها الدنيوية‪ ،‬التي تكرس منطق الرضوخ والركون إلى ما‬
‫تجده أمامها ‪ ،‬فتقنع بها ‪ ،‬ول تلتفت إلى الحقيقة التي تستتر وراء ذلك ‪ ،‬أو‬
‫نتيجة الرغبة النسانية العارمة ‪ ،‬في تفسير الحوادث وفق أهوائها وما تراه‬
‫حاضرا ‪ ،‬وليس وفق ما سيتحقق مستقبل ‪ ،‬أي الذاتية ‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫وهنا تأكيد على أن إدراك هذه الحقيقة المهمة في حياة النسان ‪ ،‬أي التحرر‬
‫من الزمن ‪ ،‬وفي نفس الوقت التحرر من الذاتية التي تفرضها النفس‬
‫بنمطيتها الجاهزة ‪ ،‬يؤسس للوعي العلمي ‪ ،‬ويقود الفعل النساني في‬
‫اتجاهاته الصحيحة نحو التمكين ‪.‬‬
‫________________________________________‬

‫)‪(2 /‬‬

‫فالسورة تتحدث عن هذه السجون ‪ ،‬وضرورة التحرر منها ‪ ،‬لتعطي للفعل‬


‫النساني كامل أبعاده وشروطه التي يستطيع على أساسها أن يكون فعل‬
‫صحيحا وذا جزاء أخروي ودنيوي معتبر ‪ ،‬ولهذا تبرز السورة تحقق ذلك في‬
‫قصة ذي القرنين ‪ ،‬الذي ينجح فعل في تأسيس تلك الحرية وذلك الوعي ‪،‬‬
‫عبر اتخاذه السباب المنطقية في حركته كلها ‪ ،‬وينجح فيما فشل فيه رجل‬
‫الجنتين ‪،‬من الية ‪ 83‬إلى الية ‪ ، 97‬فرغم أنه كان ذا ملك ممتد من المغرب‬
‫إلى المشرق‪ ،‬إل أنه كان مؤمنا ‪ ،‬فلم يسجنه ملكه‪ ،‬وكانت قدرته التقنية‬
‫والعقلية هي طريقه إلى ذلك ‪ ،‬حيث استطاع أن يبني الردم ‪ .‬قال‪ } :‬ما‬
‫مكني فيه ربي خير ‪ ،‬فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما ‪ { 95‬فهو قد‬
‫تمكن بالفعل بطريقة تفكيره ومنهجيته من الحصول على نتيجة أفعاله ‪ .‬لذا‬
‫يستطيع أن يجد للمشكلت حل ‪ ،‬ويتصرف فيها على النحو الذي يريده ‪،‬‬
‫ولذلك ‪ ،‬مكنه الله في الرض ‪ ،‬وخاطبه قائل ‪... } :‬قلنا يا ذا القرنين إما أن‬
‫تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا ‪ .{ 86‬فيجيب بما يدل على إدراكه لحقيقة‬
‫الزمن الدنيوي ‪ ،‬وأن هناك مآل للعمال يوم القيامة‪ .‬قال ‪} :‬أما من ظلم‬
‫فسوف نعذبه ‪ ،‬ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ‪ 87‬وأما من آمن وعمل‬
‫صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ‪. { 88‬وعندما يصل‬
‫إلى القوم الذين طلبوا منه بناء سد ‪ ،‬يفعل تلك العقلية السببية ‪ ،‬ويبحث عن‬

‫‪199‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫حل علمي للمشكلة ‪ ،‬ويجده ويطبقه ‪ ،‬ويكون حل نهائيا لها ‪.‬‬


‫وهنا تأكيد على أن إدراك هذه الحقيقة المهمة في حياة النسان ‪ ،‬أي التحرر‬
‫من الزمن ‪ ،‬وفي نفس الوقت التحرر من الذاتية التي تفرضها النفس‬
‫بنمطيتها الجاهزة ‪ ،‬يؤسس للوعي العلمي ‪ ،‬ويقود الفعل النساني في‬
‫اتجاهاته الصحيحة نحو التمكين ‪.‬‬
‫ولتوضيح هذا ل بد من عقد مقارنة بين أصحاب الكهف وموسى وذو القرنين ‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫وفي نفس الوقت كان ذو القرنين متحررا من ذاتيته إذ أوتي مفهوم السبب‬
‫والرتباط بين العلقات و النتائج ‪ ،‬ولهذا تمكن من بناء الردم بصورة تقنية‬
‫صرفة ‪ ،‬مازجا بين المعادن ‪ ،‬ومشكل منها حل للمشكلة ‪ ،‬والبناء والمزج‬
‫تعبير عن إدراك الرتباط بين الشياء وعلقتها ببعضها‬
‫________________________________________‬
‫فأصحاب الكهف كانوا آية عن التحرر من الزمن الدنيوي ‪ ،‬لذلك دخلوا في‬
‫تجربة ضد الزمن ‪ ،‬وأن النسان سيبعث ثانية ‪ ،‬وأن هناك ساعة وحسابا ‪:‬‬
‫} وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة آتية ل ريب فيها‬
‫إذ يتنازعون بينهم أمرهم ‪ ،‬فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم ‪ ،‬قال‬
‫الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا ‪ . { 21‬أما موسى في تجربته‬
‫‪ ،‬فإنه كان يمتلك القدرة على التحرر من الزمن إذ كان نبيا ‪ ،‬غير أن وقوعه‬
‫في ربقة النتيجة النية للفعل ‪،‬أي تفسيره الذاتي للفعال وفق قيمه ‪ ،‬ونفاذ‬
‫صبره بسبب عدم مقدرته على الحاطة خبرا بالفعل أو الظاهرة } قال‬
‫وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا ‪، { 68‬حرمه من إدراك الحكمة والغاية‬
‫من الفعل‪ ،‬والقصة كلها تدور حول التحرر من معايير الحاضر وقيمه ‪ ،‬رغم‬
‫أنها قد تبدو قيما صحيحة في كثير من الحيان ‪ ،‬بهدف رؤية المستقبل‬
‫والتفاعل معه ‪ ،‬فلو أن موسى صبر كما أوصاه العبد الصالح ‪ ،‬لتمكن من‬
‫تجاوز الرؤية الراهنة للفعل ‪ ،‬ومن ثم تجاوزه والستمرار في التجربة‬
‫لتأسيس الوعي بالمستقبل ‪ ،‬وهذا بعكس ذو القرنين الذي امتلك الخاصيتين‬
‫والحريتين معا ‪ ،‬فقد كان متحررا من الزمن الدنيوي ‪ ،‬عبر إيمانه ‪ ،‬وذلك ما‬
‫تشهد عليه الية عندما قال جوابا عن استخلف الله له } أما من ظلم‬
‫فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا ‪ ،‬وأما من آمن وعمل صالحا‬
‫فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا { وفي نفس الوقت كان‬
‫متحررا من ذاتيته إذ أوتي مفهوم السبب والرتباط بين العلقات و النتائج ‪،‬‬
‫ولهذا تمكن من بناء الردم بصورة تقنية صرفة ‪ ،‬مازجا بين المعادن ‪ ،‬ومشكل‬
‫منها حل للمشكلة ‪ ،‬والبناء والمزج تعبير عن إدراك الرتباط بين الشياء‬
‫وعلقتها ببعضها ‪ ،‬لنجاز شيء ذي قيمة ‪ ،‬فهو لم يكن يمتلك الشيء ‪ ،‬لنه‬
‫وجده هناك لدى القوم ‪ ،‬ولكنهم لم يكونوا بقادرين على استخدامه إذ كانوا ل‬
‫يفقهون قول ‪ .‬ولكنه كان يمتلك العقلية التي تستطيع الربط والستنتاج ‪ ،‬لما‬
‫رأى السدين فأدرك أن السد ليس حل ‪ ،‬ولكن الردم هو الحل ‪.‬‬
‫وهنا يمكن أن نخلص إلى ثلث أنماط من التجارب ‪ ،‬هي ‪:‬‬
‫‪ - 1‬تجربة أصحاب الكهف التي تأسست لتحرر النسان من عامل الزمن ‪،‬‬
‫ولتربطه بمآله الخروي ‪ ،‬ليستقيم العمل النساني في صورته الشاملة ‪ ،‬وهو‬
‫ما نجده أيضا في مثل الرجلين ‪ ،‬والتجربة فيه تتجه للحديث عن الزمن الخر‬
‫الحقيقي ‪ ،‬فالحياة النسانية ‪ ،‬يجب أن تتأسس كلها على هذه الحرية ‪،‬‬
‫والمشكلة تكمن في صعوبة إدراك هذه الحقيقة ‪ ،‬لن الزمن يتحول إلى‬
‫سجن حقيقي ‪ ،‬مالم يأت الغيب بآياته ‪ ،‬يدلل عليها ويوضحها ‪.‬‬

‫‪200‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫‪ -2‬تجربة موسى التي تأسست لتحرر الفعل النساني من أسره النفسي‬


‫الذاتي‪ ،‬الذي يمنعه من رؤية الحكمة في الفعل المستقبلي ‪.‬بتسلط الفعل‬
‫الحاضر باتجاهاته وقيمه ومعاييره على النفس ‪،‬نظرا لعتيادها عليها وألفتها‬
‫لها ‪ ،‬حيث تصبح سلطة صارمة ‪ ،‬تقف في وجه التمكن من الرؤية المستقبلية‬
‫الصحيحة‪ ،‬فموسى كان يريد أن يحاكم أفعال العبد الصالح وفق قيمه‬
‫ومعاييره التي تنشأ عليها ‪ ،‬إل أن تلك القيم في هذه الحالة وقفت حاجزا‬
‫أمام موسى لدراك الحكمة من وراء ذلك ‪.‬‬
‫‪ -3‬تجربة ذو القرنين ‪ ،‬التي تأسست لتحرير النسان من السر الطبيعي ‪،‬‬
‫عبر تحقيق الربط بين السباب والظواهر وكشف العلئق الموجودة بينها ‪،‬‬
‫للتغلب عليها وتوظيفها ‪ ،‬متجهة إلى الجزاء الدنيوي ‪ ،‬وإلى النجاح والفوز‬
‫والتمكين ‪ ،‬وهو ما يعني التأثير النساني والفعل المبدع والحرية وإتباع‬
‫السباب ‪.‬والمشكلة التي تعترض هذا الفهم ‪ ،‬تكمن في صعوبة فهم العلقات‬
‫بين الظواهر ‪ ،‬أي تخلف العقل العلمي‪ ،‬كما حدث للقوام الذين ل يفقهون‬
‫قول ‪ ،‬رغم أن كل المتطلبات لبناء الردم كانت متوفرة لديهم ‪ ،‬حتى جاء ذو‬
‫القرنين الذي امتلك عقلية الربط والسببية ‪ ،‬فقام بتصنيع الردم ‪.‬‬
‫وهنا نجد أن القصص تتحدث عن ثلث أنواع من الحرية ‪ ،‬يجب أن يحوزها‬
‫الفعل النساني ‪ ،‬حتى يأتي مستقيما ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫‪ -‬الحرية الزمنية التي تتيح رؤية الزمن الخروي ‪ ،‬والتي بدونها يرضخ الفعل‬
‫النساني للخرافات كما في تعدد اللهة ‪ ،‬أو للشهوات كما لدى رجل الجنتين‪.‬‬
‫‪ -‬الحرية النفسية التي تتيح رؤية الحكمة المستقبلية في الفعل الحاضر‪،‬‬
‫وبدونها يرضخ الفعل النساني إلى النتائج غير المنطقية التي يحدثها فعله ‪ ،‬أو‬
‫من الممكن أن تأتي عليها الفعال بصورة ل يريدها هو ‪ ،‬رغم أن في ذلك‬
‫تحقق للرحمة ‪.‬‬
‫‪ -‬الحرية الطبيعية التي تتيح الستفادة من الطبيعة واستثمارها ‪ ،‬عبر إدراك‬
‫القوانين المتنفذة فيها ‪ ،‬والعلقات التي تكون بينها ‪ ،‬وبدونها يرضخ الفعل‬
‫النساني للطبيعة والخرافة‪ ،‬ويكون في أسرهما ‪ ،‬غير قادر على التغلب‬
‫عليهما ‪ ،‬رغم أن كل شيء متوفر لتحقيق غاية التمكين ‪.‬‬
‫إن كل حرية تؤسس للحرية التي بعدها ‪ ،‬فالتحرر من الزمن يقود مباشرة‬
‫للتحرر من النفس ومن رؤيتها الضيقة للشياء ‪ ،‬والتحرر من النفس هو الذي‬
‫يمكن من التحرر الطبيعي ‪ ،‬وبدون التحرر الول ‪ ،‬ل يستطيع النسان أن‬
‫ينجز أي تحرر آخر ‪ ،‬وما حدث للغرب هو نكوص من التحرر الول ‪ ،‬حيث‬
‫بالوصول إلى التحرر العلمي ‪ ،‬تم النقلب على كل ما أنجز من تحرر آخر ‪،‬‬
‫نفسي ‪ ،‬وزمني ‪ ،‬فأصبح متحررا طبيعيا ‪ ،‬غير أنه واقع في أسر الزمن ‪ ،‬فلم‬
‫يعد يرى ما وراء الحياة والزمن الدنيوي من حكمة وغاية ‪،‬ولهذا يسعى جاهدا‬
‫لتأسيس الحرية الولى ‪ ،‬بالستعاضة عنها بالفلسفات التي يبدعها ‪ ،‬والتي ل‬
‫تستند إلى التحرر من الزمن ‪ ،‬ولكن إلى مقولت تحاول أن تأخذ مكانه‬
‫وتصادره‪ ،‬وعندما يعجز عن ذلك ‪ ،‬يكف عن البحث عنه ‪ ،‬ويعود إلى الطبيعة‬
‫يمارس عليها عنفه ‪.‬‬
‫فالقصص كلها ذات هدف واحد ‪،‬وهي تريد التأسيس للحرية النسانية ‪،‬‬
‫وتختتم بآيات عن الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا ‪ ،‬بحسبانهم أنهم‬
‫يحسنون صنعا ‪ ،‬وبكفرهم بآيات الله ولقائه ‪ ،‬فلم يستطيعوا تجاوز الزمن‬
‫الدنيوي ‪ ،‬ول أسرهم النفسي باعتقاد الحسنى في أعمالهم ‪ ،‬فلذلك ل وزن‬

‫‪201‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لهم في الخرة ‪ } :‬قل هل ننبئكم بالخسرين أعمال الذين ظل سعيهم في‬


‫الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ‪ . 104‬أولئك الذين كفروا‬
‫بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فل نقيم لهم وزنا ‪ { 105‬وكذلك ‪ } :‬قل‬
‫إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد ‪ ،‬فمن كان يرجو لقاء ربه ‪،‬‬
‫فليعمل عمل صالحا ول يشرك بعبادة ربه أحدا ‪. { 110‬‬
‫هذه محاولة لقراءة سورة من القرآن وإعطائها وحدة ‪ ،‬فإن أصبت فمن‬
‫الله ‪ ،‬وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫تحريف الكلم عن مواضعه سبب العذاب والهوان‬


‫خلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا ً‬ ‫يقول مولنا الحق‪} :‬وإذ قلنا اد ُ‬
‫حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد المحسنين‬ ‫ب سجدا ً وقولوا ِ‬ ‫وادخلوا البا َ‬
‫فبدل الذين ظلموا قول ً غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا ً‬
‫قون{‪.‬‬ ‫من السماء بما كانوا يفس ُ‬
‫صة بني إسرائيل ونكولهم عن الجهاد وعدم‬ ‫ة تحكي ق ّ‬ ‫هذه آيات عظيم ٌ‬
‫دموا من بلد مصر في صحبة موسى ‪ -‬عليه‬ ‫َ‬
‫ض المقدسة لما ق ِ‬ ‫دخولهم الر َ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الصلة والسلم ‪ ،(1)-‬ذما لهم‪ ،‬وتبكيتا لصنائعهم‪.‬‬
‫‪...‬وكان هذا المُر منهم بعد خروجهم التيه بعد أربعين سنة مع يوشع ابن نون‬
‫ست لهم‬ ‫ح َ‬ ‫‪ -‬عليه الصلة والسلم ‪ ،-‬وفتحها الله عليهم عشية جمعة‪ ،‬وقد ُ‬
‫م الفتح‪.‬‬ ‫الشمس)‪ (2‬يومئذ حتى ت ّ‬
‫ولما فتحوها ُأمروا أن يدخلوا الباب )باب البلد( سجدا ً )أي‪ :‬ركعًا(‪ .‬ولكن‬
‫اليهود كعادتهم ل يطيعون أمرًا‪ ،‬ول يلتزمون عهدًا‪ ،‬فدخلوا زحفا ً على‬
‫أدبارهم‪ ،‬وقيل لهم‪ :‬قولوا‪ :‬حطة )أي‪ :‬احطط عنا خطايانا فقد أقررنا بذنبنا‪،‬‬
‫ولكنهم بدلوا ما قيل لهم أقبح تبديل سخرية منهم واستهزاءا ً وعلوّا ً‬
‫واستكبارًا‪.‬‬
‫دلوا القول‬ ‫دلوا الفعل بدخولهم زحفا ً على أدبارهم‪ ،‬وب ّ‬ ‫دلوا الفعل والقول؛ ب ّ‬ ‫فب ّ‬
‫حّبة في شعرة‪ ،‬أو حنطة في شعيرة‪.‬‬ ‫بقولهم‪َ :‬‬
‫ل لهم{‪.‬‬ ‫ً‬
‫دل الذين ظلموا قول غير الذي قي َ‬ ‫فذلك قول الله ‪ -‬تعالى ‪} :-‬فب ّ‬
‫دل ما أمر به فقد‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫فوصفهم الله بالظلم؛ بسبب تبديل ما أمروا به‪ ،‬وكل من ب ّ‬
‫ن المخالفة عن أمر الله وأمر رسوله سبب اللعنة والعذاب‪.‬‬ ‫ظلم نفسه‪ ،‬ل ّ‬
‫س وطرده من رحمته لما رفض السجود لدم‬ ‫َ‬ ‫إبلي‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫الل‬ ‫لعن‬ ‫أرأيت كيف‬
‫م‬
‫وفسق عن أمر رّبه؟! قال ‪ -‬تعالى ‪} :-‬وإذ قلنا للملئكة اسجدوا لد َ‬
‫ن علي َ‬
‫ك‬ ‫ن الكافرين{‪ ،‬وقال‪} :‬وإ ّ‬ ‫م َ‬
‫ن ِ‬ ‫سجدوا إل ّ إبليس أبى واسَتكَبر وكا َ‬ ‫فَ َ‬
‫دين{‪.‬‬ ‫َلعنتي إلى يوم ال ّ‬
‫واليهود إخوان القردة والخنازير قوم بهت‪ ،‬تاريخهم أسود‪ ،‬بل أظلم من الليل‬
‫مدون مخالفة ربهم ومعبودهم‪ ،‬كيف ل وهم قتلة النبياء }فريق‬ ‫البهيم‪ ،‬يتع ّ‬
‫ً‬
‫كذبوا وفريق كذبتم وفريقا تقتلون{؟!‬
‫والذي حكاه الله عنهم من التبديل غاية ما يكون من المخالفة والمعاندة؛‬
‫لذلك أنزل الله بهم بأسه‪ ،‬وسلط عليهم جنده يسومونهم سوء العذاب إلى‬
‫يوم القيامة }فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا ً من السماء بما كانوا يفسقون{‪.‬‬
‫فهؤلِء يهود من أعرق الناس نسبًا‪ ،‬أبناء أنبياء خلفا ً عن سلف‪ ،‬ولكنهم لما‬
‫دموا وأخروا‪ :‬أخّرهم الله‪ ،‬وضرب عليهم الذّلة‬ ‫دلوا وحّرفوا وغّيروا وق ّ‬ ‫ب ّ‬
‫والمسكنة‪ ،‬ومسخ طائفة منهم قردة وخنازير‪ ،‬فالله ليس بينه وبين أحد من‬

‫‪202‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن إل ّ بالتقوى‪.‬‬ ‫خلقه نسب أو واسطة‪ ،‬والتفاضل ل يكو ُ‬


‫وأمة السلم إذا اتبعت سنن اليهود في التحريف والتبديل أصابها ما أصابهم‪،‬‬
‫حطة بحنطة‪ ،‬فزادوا النون‪ ،‬وبعض أفراد هذه المة‬ ‫دلوا ِ‬‫فاليهود بالمس ب ّ‬
‫دلوا " استوى " بـ "‬ ‫ّ‬ ‫ب‬ ‫ما‬ ‫ضمن‬ ‫من‬ ‫دلوا‬‫ّ‬ ‫ب‬ ‫الشيطان‬ ‫خطوات‬ ‫ممن اتبعوا‬
‫استولى " فأيّ فرق بين نون اليهود ولم الجهمية وإخوانهم؟!‬
‫ولله در ابن القيم حيث يقول‪:‬‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫ة ** َفأَبوا وقالوا‪ِ :‬‬ ‫مَر اليهود ُ بأن يقولوا‪ :‬حط ّ ٌ‬ ‫ُ‬
‫ة‪ ،‬ل َِهوا ِ‬ ‫حنط ٌ‬ ‫أ ِ‬
‫ن‬
‫ف للنقصا ِ‬ ‫حر َ‬ ‫ي قيل له‪ :‬استوى ** فأبى وزاد َ ال َ‬ ‫وكذلك الجهم ّ‬
‫ن‬
‫ش زائدتا ِ‬ ‫ب العر ِ‬ ‫ير ّ‬ ‫ي هما ** في َوح ِ‬ ‫نون اليهود ول جهم ّ‬
‫ب أن تسمع بعض الدعاة يقول‪ :‬إذا قال أحدنا‪ :‬استوى‪ ،‬أو‪:‬‬ ‫ن تعجب فعج ُ‬ ‫وإ ْ‬
‫استولى ل فرق! ول يترتب على هذا القول زيادة إيمان أو نقصان!!‬
‫دل الذين ظلموا قول ً غير الذي قيل‬ ‫ت شعري أفل يتدبرون قول الله‪} :‬فب ّ‬ ‫لي َ‬
‫لهم{؟!‬
‫ً‬
‫ل هذا التبديل والتحريف مقصورا على مثل هذا الصنيع‪ ،‬بل إنه في‬ ‫س مث ُ‬‫ولي َ‬
‫ددة‪ ،‬ل ُيستطاع ُ حصرها‪ ،‬ول ُيقدر‬ ‫ن متع ّ‬ ‫صورٍ شّتى‪ ،‬وألوا ٍ‬ ‫مة اليوم على ُ‬ ‫ال ُ َّ‬
‫سرِدها!!‬
‫على َ‬
‫ن تحريف الكلم عن مواضعه وتبديل حقائق كلمات الله ظلم وفسق وعذاب‬ ‫إ ّ‬
‫ه‪.‬‬‫ق‪ ،‬عياذا ً بالل ِ‬ ‫مرو ِ‬ ‫كفر وال ُ‬ ‫وهوان‪ ،‬وقد ُيؤدي بأصحابه إلى ال ُ‬
‫فاللهم سّلم سّلم‪.‬‬
‫ن واقع أمتنا السلمية لكب َُر شاهد على ذلك‪ ،‬ولذلك قال رسول الله ‪-‬‬ ‫َ‬ ‫وإ ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ " :-‬إذا تبايعتم بالعينة‪ ،‬وأخذتم أذناب البقر‪ ،‬ورضيتم‬
‫ل‪ ،‬ل ينزعه حتى‬ ‫بالزرع‪ ،‬وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سّلط الله عليكم ذ ُ ّ‬
‫ترجعوا إلى دينكم "‪.‬‬
‫________________‬
‫)‪ (1‬انظر " تفسير القرآن العظيم " )‪ (98 / 1‬للحافظ ابن كثير ‪ -‬رحمه الله‬
‫‪.-‬‬
‫)‪ (2‬انظر " سلسلة الحاديث الصحيحة " )رقم ‪ (202‬لشيخنا ناصر السنة‬
‫المام محمد ناصر الدين اللباني‪.‬‬
‫‪ http://www.m-alnaser.com‬المصدر‪:‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫تحريم النفس المعصومة‬


‫ل‪ :‬تعريف وبيان‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫‪ -1‬معنى النفس‪:‬‬
‫فوس لها معان‪:‬‬ ‫س وجمعها الن ّ ُ‬ ‫قال الخليل بن أحمد رحمه الله‪" :‬الّنف ُ‬
‫س‪ ،‬حتى آدم عليه‬ ‫ف ٌ‬ ‫ن نَ ْ‬‫س‪ :‬الروح الذي به حياة الجسد‪ ،‬وكل إنسا ٍ‬ ‫ف ُ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫س‪ ،‬أي‪:‬‬‫ف ٌ‬‫ل له ن َ ْ‬‫س‪ ,‬ورج ٌ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ل شيٍء بعينه ن َ ْ‬ ‫السلم‪ ،‬الذكر والنثى سواء‪ ,‬وك ّ‬
‫سخاء"‪.‬‬
‫جلدة و َ‬‫خُلق و َ‬ ‫ُ‬
‫ويشيع استعمال هذه اللفظة في جملة من المصطلحات منها‪:‬‬
‫س‪ :‬العقل الذي يكون التمييز به‪.‬‬ ‫ف ُ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫س‪ :‬الذات‪.‬‬ ‫ف ُ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫سه‪ ،‬إذا مات )واللفظ بهذا الطلق مؤنثة(‪.‬‬ ‫س‪ :‬الروح‪ ،‬ومنه‪ :‬خرجت نف ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫فسا )واللفظ بهذا الطلق‬ ‫ً‬ ‫س‪ :‬شخص النسان‪ ،‬ومنه‪ :‬أسرُته أحد عشر ن َ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫الن ّ ْ‬

‫‪203‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫مذكر(‪.‬‬
‫س‪ :‬نفس المر‪ ،‬ذات الشيء وعينه‪.‬‬ ‫ف ُ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫دم السائل‪.‬‬ ‫س‪ :‬النفس السائلة‪ :‬ال ّ‬ ‫ف ُ‬ ‫الن ّ ْ‬
‫‪ -2‬معنى العصمة‪:‬‬
‫العصمة لغة‪:‬‬
‫ل على‬ ‫قال ابن فارس رحمه الله‪" :‬العين والصاد والميم أصل واحد صحيح يد ّ‬
‫ك ومنع وملزمة‪ ,‬والمعنى في ذلك كّله معًنى واحد‪ ,‬من ذلك العصمة‪:‬‬ ‫إمسا ٍ‬
‫أن يعصم الله تعالى عبده من سوٍء يقع فيه"‪.‬‬
‫وقال ابن منظور رحمه الله‪" :‬العصمة في كلم العرب‪ :‬المنع‪ .‬وعصمة الله‬
‫صمًا‪ :‬منعه ووقاه"‪.‬‬
‫مه عَ ْ‬‫ص ُ‬
‫مه ي َعْ ِ‬
‫ص َ‬‫عبده‪ :‬أن يعصمه مما ُيوبقه‪ .‬عَ َ‬
‫العصمة اصطلحًا‪:‬‬
‫صمة‪ :‬ملكة اجتناب المعاصي مع التمكين منها‪,‬‬ ‫قال الجرجاني رحمه الله‪" :‬العِ ْ‬
‫ة‪ :‬هي التي يثبت بها للنسان قيمة بحيث من هتكها فعليه‬ ‫م ُ‬‫قو ّ َ‬‫م َ‬
‫والعصمة ال ُ‬
‫ً‬
‫القصاص أو الدية‪ ,‬والعصمة المؤّثمة‪ :‬هي التي ُيجعل من هتكها آثما"‪.‬‬
‫‪ -3‬المقصود بالنفس المعصومة‪:‬‬
‫عنيت الشريعة السلمية بحفظها‬ ‫المقصود بالنفس المعصومة النفس التي ُ‬
‫بسبب السلم أو الجزية أو العهد أو المان‪.‬‬
‫وأما غير ذلك من النفس كنفس المحارب‪ ,‬أو من وجبت عليه عقوبة شرعية‬
‫من قصاص أو رجم أو تعزير فليست من النفس المعصومة‪.‬‬
‫العين‪ ،‬مادة‪ :‬نفس‪.‬‬
‫انظر‪ :‬معجم لغة الفقهاء )ص ‪ ،(484‬التعريفات )ص ‪ ،(312‬القاموس الفقهي‬
‫)ص ‪.(357‬‬
‫مقاييس اللغة‪ ،‬مادة‪ :‬عصم‪.‬‬
‫لسان العرب‪ ،‬مادة‪ :‬عصم‪ ،‬وينظر‪ :‬القاموس المحيط‪ ،‬مادة‪ :‬عصم‪.‬‬
‫التعريفات )ص ‪ ،(195‬ينظر‪ :‬التوقيف على مهمات التعاريف )ص ‪،(516‬‬
‫معجم لغة الفقهاء )ص ‪.(314‬‬
‫انظر‪ :‬روضة الطالبين )‪.(9/148‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الرحمة في السلم‪:‬‬
‫كانت البشرية قبل بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم في ضللة عمياء‬
‫وجاهلية جهلء‪ ،‬ل تعرف معروفا ول تنكر منكرا‪ ،‬أحسُنهم حال من كان على‬
‫دل‪ ،‬التبس فيه الحقّ بالباطل‪ ،‬واختلط فيه الصدق بالكذب‪،‬‬ ‫ف مب ّ‬ ‫دين محّر ٍ‬
‫مدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين‬ ‫فبعث الله سبحانه نبّيه ومصطفاه مح ّ‬
‫الحقّ ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون‪ ،‬وكانت الرحمة المطلقة‬
‫ما‬
‫مة هي المقصد من بعثته صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى‪} :‬وَ َ‬ ‫العا ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن{ ]النبياء‪ ،[7:‬فحصر سبحانه وتعالى المقصد من‬ ‫مي َ‬
‫ة للَعال ِ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬‫ك إ ِل ّ َر ْ‬
‫سلَنا َ‬ ‫أْر َ‬
‫بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في تحقيق الرحمة للعالمين‪ ،‬والعالمون‬
‫س هذه الرحمة وقطبها هو الفرقان بين الحق‬ ‫جميع الخلق‪ .‬ولقد كان أ ّ‬
‫والباطل وبين الضللة والهدى‪.‬‬
‫فهو صلى الله عليه وسلم الرحمة المهداة‪ ،‬عن أبي موسى الشعري رضي‬
‫الله عنه قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه أسماء‬
‫في والحاشر ونبي التوبة ونبي الرحمة((‪.‬‬ ‫فقال‪)) :‬أنا محمد وأحمد والمق ّ‬
‫وقد كان صلى الله عليه وسلم رحمة للناس في أحلك الظروف وأقساها‬
‫دها‪ ،‬عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬ ‫وأش ّ‬
‫هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟ قال‪)) :‬لقد لقيت من قومك ما‬

‫‪204‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫لقيت‪ ،‬وكان أشد ّ ما لقيت منهم يوم العقبة‪ ،‬إذ عرضت نفسي على ابن عبد‬
‫ياليل بن عبد كلل‪ ،‬فلم يجبني إلى ما أردت‪ ،‬فانطلقت وأنا مهموم على‬
‫وجهي‪ ،‬فلم أستفق إل وأنا بقرن الثعالب‪ ،‬فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد‬
‫أظلتني‪ ،‬فنظرت فإذا فيها جبريل‪ ،‬فناداني فقال‪ :‬إن الله قد سمع قول قومك‬
‫لك وما رّدوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم‪ ،‬فناداني‬
‫ملك الجبال فسلم علي ثم قال‪ :‬يا محمد‪ ،‬فقال‪ :‬ذلك فيما شئت‪ ،‬إن شئت‬
‫أن أطبق عليهم الخشبين((‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم‪)) :‬بل أرجو‬
‫أن يخرج الله من أصلبهم من يعبد الله وحده ل يشرك به شيئا((‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫بل كان أيضا رحمة للبهائم‪ ،‬فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬كنا مع‬
‫مرة‬‫ح ّ‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر‪ ،‬فانطلق لحاجته‪ ،‬فرأينا ُ‬
‫مرة فجعلت ُتفّرش‪ ،‬فجاء النبي‬ ‫معها فرخان‪ ،‬فأخذنا فرخيها‪ ،‬فجاءت الح ّ‬
‫صلى الله عليه وسلم فقال‪)) :‬من فجع هذه بولدها؟ ُرّدوا ولدها إليها((‪ ،‬ورأى‬
‫قرية نمل قد حرقناها فقال‪)) :‬من حرق هذه؟(( قلنا‪ :‬نحن‪ ،‬قال‪)) :‬إنه ل‬
‫ينبغي أن يعذب بالنار إل رب النار((‪ ،‬وعن عبد الله بن جعفر أن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم دخل حائطا لرجل من النصار فإذا جمل‪ ،‬فلما رأى‬
‫ن وذرفت عيناه‪ ،‬فأتاه النبي صلى الله عليه‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم ح ّ‬
‫ب هذا الجمل؟ لمن هذا‬ ‫وسلم فمسح ِذفراه فسكت‪ ،‬فقال‪)) :‬من ر ّ‬
‫الجمل؟(( فجاء فتى من النصار فقال‪ :‬لي يا رسول الله‪ ،‬فقال‪)) :‬أفل تتقي‬
‫ي أنك تجيعه‬‫الله في هذه البهيمة التي مّلكك الله إياها؟! فإنه شكا إل ّ‬
‫وتدئبه((‪.‬‬
‫كما كان صلى الله عليه وسلم رحمة حتى للجمادات‪ ،‬فعن ابن عمر رضي‬
‫الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع‪ ،‬فلما اتخذ‬
‫ن الجذع حتى أتاه فالتزمه فسكن‪.‬‬ ‫النبي صلى الله عليه وسلم المنبر ح ّ‬
‫قيل‪ :‬هو بمعنى العاقب‪ ،‬أي‪ :‬الذي ليس بعده نبي‪ .‬وقيل‪ :‬هو الذي يقتفي أي‪:‬‬
‫يتبع النبياء الذين قبله‪ .‬انظر‪ :‬شرح صحيح مسلم للنووي )‪.(15/106‬‬
‫أخرجه مسلم في الفضائل )‪.(2355‬‬
‫أخرجه البخاري في بدء الخلق )‪ (3231‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم في الجهاد )‬
‫‪.(1795‬‬
‫مرة بضم الحاء وتشديد الميم وقد تخفف‪ :‬طائر صغير كالعصفور‪ .‬انظر‪:‬‬ ‫ح ّ‬
‫ال ُ‬
‫النهاية في غريب الحديث لبن الثير )‪.(1/439‬‬
‫تفّرش أي‪ :‬ترفرف بجناحيها وتقُرب من الرض‪ .‬انظر‪ :‬النهاية في غريب‬
‫الحديث لبن الثير )‪.(3/430‬‬
‫أخرجه البخاري في الدب المفرد )‪ ،(382‬وأبو داود في الجهاد )‪،(2675‬‬
‫وصححه الحاكم )‪ ،(4/239‬ووافقه الذهبي‪ ،‬وصححه اللباني في صحيح‬
‫الترغيب )‪ .(2268‬وأخرجه أحمد )‪ (1/404‬من طريق عبد الرحمن بن عبد‬
‫الله بن مسعود مرس ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ِذفرى البعير أصل أذنه‪ ،‬ومثناه ذفريان‪ .‬انظر‪ :‬النهاية في غريب الحديث لبن‬
‫الثير )‪.(2/161‬‬
‫ُتدِئبه بضم التاء‪ ،‬ودال مهملة ساكنة‪ ،‬بعدها همزة مكسورة وباء موحدة‪ ،‬أي‪:‬‬
‫تتعبه بكثرة العمل‪ .‬قاله المنذري في الترغيب والترهيب )‪.(3/146‬‬
‫أخرجه أحمد )‪ ،(1/204‬وأبو داود في الجهاد )‪ ،(2549‬وصححه الحاكم )‬

‫‪205‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫‪ ،(2/109‬ووافقه الذهبي‪ ،‬وصححه الضياء في المختارة )‪ ،(9/158‬وهو مخرج‬


‫في السلسلة الصحيحة )‪.(20‬‬
‫أخرجه البخاري في المناقب )‪ ،(3583‬والترمذي في الجمعة )‪ (505‬واللفظ‬
‫له‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬مقصد حفظ النفس‪:‬‬
‫ن كّله رحمة وخير وسعادة لمن‬ ‫بدي ٍ‬ ‫أرسل الله نبيه صلى الله عليه وسلم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ة ّ‬ ‫عظ ٌ‬ ‫مو ْ ِ‬‫م ّ‬ ‫جاءت ْك ُ ْ‬
‫س قَد ْ َ‬‫سك به‪ ،‬قال الله تعالى‪} :‬ياأي َّها الّنا ُ‬ ‫اعتنقه وتم ّ‬
‫هّ‬
‫ل الل ِ‬
‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬‫ل بِ َ‬ ‫ن * قُ ْ‬‫مِني َ‬‫مؤ ْ ِ‬ ‫ْ‬
‫ة لل ُ‬‫ّ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬‫دى وََر ْ‬‫دورِ وَهُ ً‬‫ص ُ‬‫ما ِفى ال ّ‬ ‫فاء ل ِ َ‬ ‫ش َ‬
‫م وَ ِ‬ ‫ّرب ّك ُ ْ‬
‫ّ‬
‫ن{ ]يونس‪ ،[58 ،57:‬وتتجلى‬ ‫مُعو َ‬ ‫ج َ‬‫ما ي َ ْ‬
‫م ّ‬
‫خي ٌْر ّ‬ ‫ْ‬
‫حوا هُوَ َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ْ‬
‫ك فَلي َ ْ‬‫مت ِهِ فَب ِذ َل ِ َ‬
‫ح َ‬‫وَب َِر ْ‬
‫رحمة السلم في مقاصده العظيمة وقواعده الجليلة وُنظمه الفريدة وأخلقه‬
‫النبيلة‪ ،‬فهو رحمة في السلم والحرب‪ ،‬ورحمة في الشدة والرخاء‪ ،‬ورحمة‬
‫في الوسع والضيق‪ ،‬ورحمة في الثابة والعقوبة‪ ،‬ورحمة في الحكم والتنفيذ‪،‬‬
‫ورحمة في كل الحوال‪.‬‬
‫ولتحقيق هذه الرحمة جاء السلم بحفظ الضروريات الخمس التي ل بد منها‬
‫في قيام مصالح الدين والدنيا‪ ،‬بحيث إذا فقدت لم تجر مصالح الدنيا على‬
‫استقامة‪ ،‬بل على فساد وتهارج واضطراب وفوت حياة‪ ،‬وفي الخرى فوت‬
‫النجاة والنعيم والرجوع بالخسران المبين‪.‬‬
‫وهذه الضروريات الخمس هي الدين والنفس والعقل والعرض والمال‪،‬‬
‫عنيت الشريعة‬ ‫وأعظمها بعد مقصد حفظ الدين مقصد ُ حفظ النفس‪ ،‬فقد ُ‬
‫قق لها المصالح‬ ‫السلمية بالنفس عناية فائقة‪ ،‬فشرعت من الحكام ما يح ّ‬
‫ويدرأ عنها المفاسد‪ ،‬وذلك مبالغة في حفظها وصيانتها ودرء العتداء عليها‪.‬‬
‫والمقصود بالنفس التي عنيت الشريعة بحفظها النفس المعصومة بالسلم‬
‫أو الجزية أو العهد أو المان‪ ،‬وأما غير ذلك كنفس المحارب فليست مما‬
‫عنيت الشريعة بحفظه‪ ،‬لكون عدائه للسلم ومحاربته له أعظم في ميزان‬
‫الشريعة من إزهاق نفسه‪ ،‬بل وقد تكون النفس معصومة بالسلم أو الجزية‬
‫أو العهد أو المان ومع ذلك يجيز الشرع للحاكم إزهاقها بالقصاص أو الرجم‬
‫أو التعزير‪ ،‬ول يقال‪ :‬هذا مناف لمقصد حفظ النفس؛ لكون مصلحة حفظها‬
‫خذ بأعظم المصلحتين‪.‬‬ ‫والحالة هذه عورضت بمصلحة أعظم‪ ،‬فأ ِ‬
‫وقد وضعت الشريعة السلمية تدابير عديدة كفيلة بإذن الله بحفظ النفس‬
‫دت الطرقَ المفضية إلى إزهاقها أو إتلفها أو‬ ‫من التلف والتعدي عليها‪ ,‬بل س ّ‬
‫العتداء عليها‪ ,‬وذلك‬
‫بسد ّ الذرائع المؤّدية إلى القتل‪.‬‬
‫ما جاءت به الشريعة لتحقيق هذا المقصد‪:‬‬ ‫فم ّ‬
‫‪ -1‬تحريم النتحار والوعيد الشديد لمن قتل نفسه‪:‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫جأ بها في بطنه في نار جهنم‬ ‫))من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتو ّ‬
‫ساه في نار جهنم‬ ‫ما فقتل نفسه فهو يتح ّ‬ ‫خالدا مخّلدا فيها أبدا‪ ,‬ومن شرب ُ‬
‫س ّ‬
‫خالدا مخّلدا فيها أبدا‪ ,‬ومن ترّدى من جبل فقتل نفسه فهو يترّدى في نار‬
‫جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا((‪.‬‬
‫قال السندي‪))" :‬تردى(( أي‪ :‬سقط‪)) ،‬يتردى(( أي‪ :‬من جبال النار إلى‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫مًنا‬ ‫قت ُ ْ‬
‫ل ُ‬ ‫من ي ّ ْ‬
‫أوديتها‪)) ،‬خالدا مخلدا(( ظاهره يوافق قوله تعالى‪} :‬وَ َ‬

‫‪206‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫س القاتل أيضا‪ ,‬لكن قال الترمذي‪ :‬قد جاءت‬ ‫دا{ الية لعموم المؤمن نف َ‬ ‫م ً‬‫مت َعَ ّ‬
‫ُ‬
‫الرواية بل ذكر خالدا مخلدا أبدا‪ ,‬وهي أصح؛ لما ثبت من خروج أهل التوحيد‬ ‫ّ‬
‫ل ذلك‪ ,‬أو على أنه‬ ‫ح فهو محمول على من يستح ّ‬ ‫من النار‪ ,‬قلت‪ :‬إن ص ّ‬
‫يستحقّ ذلك الجزاء‪ ,‬وقيل‪ :‬هو محمول على المتداد وطول المكث‪ ,‬كما‬
‫ذكروا في الية والله تعالى أعلم‪)) .‬ومن تحسى(( آخره ألف‪ ,‬أي‪ :‬شرب‬
‫مها وقيل‪ :‬مثّلثة السين‪ :‬دواء قاتل يطرح في‬ ‫م بفتح السين وض ّ‬ ‫وتجّرع‪ ,‬والس ّ‬
‫م‬
‫طعام أو ماء‪ ,‬فينبغي أن يحمل ))تحسى(( على معنى أدخل في باطنه ليع ّ‬
‫الكل والشرب جميعا‪)) ,‬يجأ(( بهمزة في آخره‪ ,‬مضارع‪ :‬وجأته بالسكين إذا‬
‫ضربته بها"‪.‬‬
‫‪ -2‬النهي عن القتال في الفتنة‪:‬‬
‫عن الحنف بن قيس قال‪ :‬خرجت وأنا أريد هذا الرجل‪ ,‬فلقيني أبو بكرة‬
‫م رسول الله صلى الله‬ ‫نع ّ‬ ‫فقال‪ :‬أين تريد يا أحنف؟ قال‪ :‬قلت‪ :‬أريد نصر اب َ‬
‫جع‪ ,‬فإني سمعت رسول‬ ‫عليه وسلم ـ يعني علّيا ـ قال‪ :‬فقال لي‪ :‬يا أحنف‪ ,‬ار ِ‬
‫الله صلى الله عليه وسلم يقول‪)) :‬إذا تواجه المسلمان بسيفيهما فالقاتل‬
‫والمقتول في النار((‪ ،‬قال‪ :‬فقلت أو قيل‪ :‬يا رسول الله‪ ,‬هذا القاتل فما بال‬
‫المقتول؟ قال‪)) :‬إنه قد أراد قتل صاحبه((‪.‬‬
‫ل واحد وجه صاحبه‪ ,‬أي‪ :‬ذاته‬ ‫قال النووي‪" :‬معنى ))تواجها((‪ :‬ضرب ك ّ‬
‫ما كون القاتل والمقتول من أهل النار فمحمول على من ل تأويل‬ ‫وجملته‪ ,‬وأ ّ‬
‫له‪ ,‬ويكون قتالهما عصبية ونحوها‪ ,‬ثم كونه في النار معناه‪ :‬مستحقّ لها‪ ,‬وقد‬
‫يجازى بذلك‪ ,‬وقد يعفو الله تعالى عنه‪ ,‬هذا مذهب أهل الحق"‪.‬‬
‫‪ -3‬النهي عن الشارة بالسلح ونحوه من حديدة وغيرها‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫))من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملئكة تلعنه حتى يدعه‪ ,‬وإن كان أخاه‬
‫لبيه وأمه((‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬فيه تأكيد حرمة المسلم‪ ,‬والنهي الشديد عن ترويعه وتخويفه‬
‫والتعرض له بما قد يؤذيه‪ ,‬وقوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬وإن كان أخاه لبيه‬
‫وأمه(( مبالغة في إيضاح عموم النهي في كل أحد‪ ,‬سواء من يّتهم فيه ومن‬
‫ل يّتهم‪ ,‬وسواء كان هذا هزل ولعبا أم ل؛ لن ترويع المسلم حرام بكل حال؛‬
‫ولنه قد يسبقه السلح كما صّرح به في الرواية الخرى‪ ,‬ولعن الملئكة له‬
‫ل على أنه حرام"‪.‬‬ ‫يد ّ‬
‫ب والشتم المفضي للعداوة ثم التقاتل‪:‬‬ ‫‪ -4‬النهي عن الس ّ‬
‫شي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى‪} :‬وَُقل ل ّعَِباِدى ي َ ُ ُ ْ ّ‬
‫ن‬‫م إِ ّ‬‫ن َينَزغ ُ ب َي ْن َهُ ْ‬
‫طا َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن إِ ّ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬‫ىأ ْ‬ ‫قولوا الِتى هِ َ‬
‫مِبيًنا{ ]السراء ‪.[53‬‬ ‫ن عَد ُّوا ّ‬ ‫سا ِ‬
‫ن ل ِل ِن ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا َ‬‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫قال الطبري‪" :‬يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم‪ :‬وقل ـ يا‬
‫محمد ـ لعبادي يقل بعضهم لبعض التي هي أحسن؛ من المحاورة والمخاطبة‪,‬‬
‫م{ يقول‪ :‬إن الشيطان يسوء محاورة بعضهم‬ ‫ن َينَزغ ُ ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫طا َ‬‫شي ْ َ‬‫ن ال ّ‬ ‫وقوله‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫ن كا َ‬ ‫َ‬
‫شي ْطا َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م{ يقول‪ :‬يفسد بينهم‪ ,‬يهيج بينهم الشر‪} ،‬إ ِ ّ‬ ‫بعضا }َينَزغُ ب َي ْن َهُ ْ‬
‫مِبيًنا{ يقول‪ :‬إن الشيطان كان لدم وذريته عدّوا قد أبان لهم‬ ‫ن عَد ُّوا ّ‬ ‫سا ِ‬ ‫ل ِل ِن ْ َ‬
‫عداوته بما أظهر لدم من الحسد وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة"‪.‬‬
‫عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬سباب المسلم فسوق وقتاله كفر((‪.‬‬
‫سباب(( بكسر السين والتخفيف ))المسلم(( أي‪ :‬سّبه‬ ‫قال المناوي‪ِ ))" :‬‬
‫وشتمه‪ ,‬يعني التكّلم في عرضه بما يعيبه‪)) ,‬فسوق(( أي‪ :‬خروج عن طاعة‬
‫ب‬‫الله ورسوله‪ ,‬ولفظه يقتضي كونه من اثنين‪ ,‬قال النووي‪ :‬فيحرم س ّ‬

‫‪207‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫المسلم بغير سبب شرعي‪ ,‬وقتاله أي‪ :‬محاربته لجل السلم كفر حقيقة‪ ,‬أو‬
‫ذكره للتهديد وتعظيم الوعيد‪ ,‬أو المراد الكفر اللغوي وهو الجحد‪ ,‬أو هضم‬
‫أخوة اليمان"‪.‬‬
‫انظر‪ :‬روضة الطالبين )‪.(9/148‬‬
‫أخرجه البخاري في الطب‪ ,‬باب‪ :‬شرب السم والدواء )‪ ,(5333‬ومسلم في‬
‫اليمان )‪ (158‬واللفظ له‪.‬‬
‫حاشية السندي )‪ (4/67‬باختصار‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في اليمان‪ ,‬باب‪} :‬وإن طائفتان من المؤمنين{ )‪,(30‬‬
‫ومسلم في الفتن وأشراط الساعة )‪ (5139‬واللفظ له‪.‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(18/11‬‬
‫أخرجه مسلم في اليمان )‪.(158‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(16/170‬‬
‫جامع البيان )‪ (15/102‬باختصار‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في اليمان‪ ,‬باب‪ :‬خوف المؤمن من أن يحبط عمله )‪,(46‬‬
‫ومسلم في اليمان )‪. (97‬‬
‫فيض القدير )‪ (4/84‬باختصار‪.‬‬
‫رابًعا‪ :‬عظم جرم قتل النفس بغير حق‪:‬‬

‫)‪(3 /‬‬

‫جاءت نصوص الكتاب والسنة بتحريم العتداء على النفس وعد ّ ذلك من كبائر‬
‫الذنوب؛ إذ ليس بعد الشراك بالله ذنب أعظم من قتل النفس المعصومة‪.‬‬
‫ل النفس بالعقاب العظيم في الدنيا والعذاب‬ ‫عد الله سبحانه قات َ‬ ‫وقد تو ّ‬
‫الشديد في الخرة‪.‬‬
‫شْيئا ً‬ ‫شرِكوا ب ِهِ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫م أل ّ ت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ل ت ََعالوْا أت ْ ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫‪ -1‬قال الله تعالى‪} :‬قُ ْ‬
‫م عَلي ْك ْ‬ ‫م َرب ّك ْ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬
‫قَرُبوا ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫سانا ً وَل َ ت َ ْ‬ ‫ْ‬
‫م وَل ت َ ْ‬ ‫م وَإ ِّياهُ ْ‬ ‫ن ن َْرُزقُك ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ق نّ ْ‬ ‫مل ٍ‬ ‫نإ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ّ‬ ‫قت ُلوا أوْلد َك ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫وَِبالوال ِد َي ْ ِ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ه إ ِل ّ ِبال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫س ال ِّتى َ‬ ‫ف َ‬ ‫قت ُُلوا ْ الن ّ ْ‬ ‫ن وَل َ ت َ ْ‬ ‫ما ب َط َ َ‬ ‫من َْها وَ َ‬ ‫ما ظ َهََر ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ح َ‬ ‫فوا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن{ ]النعام‪.[151:‬‬ ‫قُلو َ‬ ‫م ت َعْ ِ‬ ‫م ب ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫صاك ُ ْ‬ ‫م وَ ّ‬ ‫ذال ِك ُ ْ‬
‫ل المؤمن والمعاهد إل بالحق‪ ،‬إل بما يبيح‬ ‫قال البغوي‪" :‬حّرم الله تعالى قت َ‬
‫قتله من ردة أو قصاص أو زنا يوجب الرجم"‪.‬‬
‫ي عن قتل النفس المحّرمة مؤمنة كانت أو‬ ‫وقال القرطبي‪" :‬وهذه الية نه ٌ‬
‫معاهدة إل بالحق الذي يوجب قتلها"‪.‬‬
‫ل‬‫من قُت ِ َ‬ ‫حق ّ و َ َ‬ ‫ه إ ِل ّ ِبال َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫س ال ِّتى َ‬ ‫ف َ‬ ‫قت ُُلوا ْ الن ّ ْ‬ ‫‪ -2‬وقال تعالى‪} :‬وَل َ ت َ ْ‬
‫صوًرا{‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ل إ ِن ّ ُ‬ ‫قت ْ ِ‬ ‫رف ّفى ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫طانا ً فَل َ ي ُ ْ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫جعَل َْنا ل ِوَل ِي ّهِ ُ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ما فَ َ‬ ‫مظ ُْلو ً‬ ‫َ‬
‫]السراء‪.[33:‬‬
‫س ال ِّتى‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫خَر وَل َ ي َ ْ‬ ‫معَ الل ّهِ الها ءا َ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ل َ ي َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ -3‬وقال تعالى‪َ} :‬وال ّ ِ‬
‫ه ال ْعَ َ‬ ‫َ‬
‫ب‬
‫ذا ُ‬ ‫ف لَ ُ‬ ‫ضاعَ ْ‬ ‫ك ي َل ْقَ أَثاما ً ‪ P‬ي ُ َ‬ ‫ل ذال ِ َ‬ ‫فعَ ْ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫حقّ وَل َ ي َْزُنو َ‬ ‫ه إ ِل ّ ِبال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫َ‬
‫مَهانا{ ]الفرقان‪.[69 ،68:‬‬ ‫ً‬ ‫خلد ْ ِفيهِ ُ‬ ‫ُ‬ ‫مةِ وَي َ ْ‬ ‫قيا َ‬ ‫م ال ِ‬‫ْ‬ ‫ي َوْ َ‬
‫فسا ً‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫من قَت َ َ‬ ‫َ‬ ‫سراءي َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ل ذال ِ َ‬ ‫َ‬
‫ه َ‬ ‫ل أن ّ ُ‬ ‫ك كت َب َْنا عَلى ب َِنى إ ِ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ -4‬وقال تعالى‪ِ } :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ها فَكأن ّ َ‬ ‫حَيا َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ميعا وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫ما قَت َ َ‬ ‫ض فَكأن ّ َ‬ ‫سادٍ ِفى الْر ِ‬ ‫س أوْ فَ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ب ِغَي ْرِ ن َ ْ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫م ب َعْد َ ذال ِك ِفى‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ن كِثيرا ّ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫سلَنا ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاءت ْهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ميعا وَل َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س َ‬ ‫حَيا الّنا َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن { ]المائدة ‪.[32‬‬ ‫سرُِفو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض لَ ُ‬ ‫الْر ِ‬
‫قال الطبري رحمه الله بعد أن حكى الخلف في تفسير الية‪" :‬وأولى هذه‬
‫القوال عندي بالصواب قول من قال‪ :‬تأويل ذلك أنه من قتل نفسا مؤمنة‬

‫‪208‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل قصاصا‪ ,‬أو بغير فساد في‬ ‫ود بها والقت َ‬ ‫قت الق َ‬ ‫بغير نفس قتل َْتها فاستح ّ‬
‫الرض بحرب الله ورسوله وحرب المؤمنين فيها‪ ,‬فكأنما قتل الناس جميعا‬
‫منا ً‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫قت ُ ْ‬
‫من ي َ ْ‬ ‫ل ثناؤه‪ ,‬كما أوعده َرّبه بقوله‪} :‬وَ َ‬ ‫فيما استوجب من الله ج ّ‬
‫ذابا ً‬ ‫َ‬
‫ه عَ َ‬ ‫ه وَأعَد ّ ل َ ُ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَل َعَن َ ُ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫خاِلدا ً ِفيَها وَغَ ِ‬ ‫م َ‬‫جهَن ّ ُ‬ ‫مدا ً فَ َ‬
‫جَزاؤُه ُ َ‬ ‫مت َعَ ّ‬ ‫ّ‬
‫ميًعا{ فأولى التأويلت‬ ‫ج‬ ‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫يا‬ ‫ح‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ما‬ ‫ن‬‫َ‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ها‬ ‫يا‬ ‫ح‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬‫}‬ ‫قوله‪:‬‬ ‫وأما‬ ‫ا{‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ظيم‬ ‫ع‬
‫ّ َ َ ِ‬ ‫ّ َ ْ َ‬ ‫َ َ ْ ْ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ن حّرم الله عز ذكره قتله على نفسه فلم‬ ‫َ ْ‬ ‫م‬ ‫قتل‬ ‫رم‬ ‫ح‬
‫َ ْ ّ‬‫ن‬ ‫م‬ ‫قال‪:‬‬ ‫من‬ ‫قول‬ ‫به‬
‫دم على قتله فقد حيي الناس منه بسلمتهم منه‪ ,‬وذلك إحياؤه إياها‪ ,‬وذلك‬ ‫يتق ّ‬
‫ي‬‫نظير خبر الله عز ذكره عمن حاج إبراهيم في رّبه‪ ,‬إذ قال له إبراهيم‪َ} :‬رب ّ َ‬
‫ت{ فكان معنى الكافر في قوله‪) :‬أنا‬ ‫ُ‬ ‫ال ّذي يحيى ويميت َقا َ َ ُ‬
‫مي ُ‬ ‫حِيى وَأ ِ‬ ‫ل أَنا أ ْ‬ ‫َُ ِ ُ‬ ‫ِ ُ ْ ِ‬
‫ت على قتله‪ ,‬وفي قوله‪) :‬وأميت( قتله من قتله‪,‬‬ ‫أحيي( أنا أترك من قدر ُ‬
‫ها{ من سِلم الناس من قتله إياهم‬ ‫حَيا َ‬ ‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫فكذلك ينعقد الحياء في قوله‪} :‬وَ َ‬
‫إل فيما أذن الله في قتله منهم فكأنما أحيا الناس جميعا"‪.‬‬
‫‪ -5‬وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫))أكبر الكبائر الشراك بالله وقتل النفس وعقوق الوالدين وقول الزور((‪.‬‬
‫‪ -6‬وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما((‪.‬‬
‫قال ابن حجر‪" :‬قوله‪)) :‬من ِدينه(( كذا للكثر بكسر المهملة من الدين‪ ،‬وفي‬
‫رواية الكشميهني‪)) :‬من َذنبه((‪ .‬فمفهوم الول‪ :‬أن يضيق عليه دينه‪ ،‬ففيه‬
‫عد به الكافر‪ .‬ومفهوم الثاني‪:‬‬ ‫إشعار بالوعيد على قتل المؤمن متعمدا ً بما يتو ّ‬
‫أنه يصير في ضيق بسبب ذنبه‪ ،‬ففيه إشارة إلى استبعاد العفو عنه‬
‫لستمراره في الضيق المذكور‪ .‬وقال ابن العربي‪ :‬الفسحة في الدين سعة‬
‫العمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لنها ل تفي بوزره‪ ،‬والفسحة في‬
‫الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول"‪.‬‬
‫‪ -7‬وعن عبد الله بن مسعود‪ :‬قال‪ :‬قال النبي صلى الله عليه وسلم‪)) :‬أّول‬
‫ما يقضى بين الناس في الدماء((‪.‬‬
‫قال النووي‪" :‬فيه تغليظ أمر الدماء‪ ,‬وأنها أّول ما يقضى فيه بين الناس يوم‬
‫فا للحديث‬ ‫القيامة‪ ,‬وهذا لعظم أمرها وكثير خطرها‪ ,‬وليس هذا الحديث مخال ً‬
‫ن هذا الحديث‬ ‫المشهور في السنن‪)) :‬أول ما يحاسب به العبد صلته(( ل ّ‬
‫الثاني فيما بين العبد وبين الله تعالى‪ ,‬وأما حديث الباب فهو فيما بين العباد‪,‬‬
‫والله أعلم بالصواب"‪.‬‬

‫)‪(4 /‬‬

‫م‪,‬‬
‫دم‪ ,‬فإن البداءة إنما تكون باله ّ‬ ‫وقال ابن حجر‪" :‬وفي الحديث عظم أمر ال ّ‬
‫والذنب يعظم بحسب عظم المفسدة وتفويت المصلحة‪ ,‬وإعدام البنية‬
‫النسانية غاية في ذلك"‪.‬‬
‫‪ -8‬وعن ابن عباس رضي الله عنهما‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫))يجيء المقتول بالقاتل يوم القيامة‪ ,‬ناصيته ورأسه بيده‪ ,‬وأوداجه تشخب‬
‫ب‪ ,‬هذا قتلني‪ ,‬حتى يدنيه من العرش((‪.‬‬ ‫دما‪ ,‬يقول‪ :‬يا ر ّ‬
‫قال المباركفوري‪" :‬قوله‪)) :‬يجيء المقتول بالقاتل(( الباء للتعدية‪ ,‬أي‪:‬‬
‫دم رأس القاتل‪)) ,‬ورأسه(( أي‪:‬‬ ‫يحضره ويأتي به‪)) ,‬ناصيته(( أي‪ :‬شعر مق ّ‬
‫بقيته بيده‪ ,‬أي‪ :‬بيد المقتول‪)) ,‬وأوداجه(( هي ما أحاط بالعنق من العروق‬
‫التي يقطعها الذابح واحدها وَدج بالتحريك‪)) ,‬تشخب(( بضم الخاء المعجمة‬
‫وبفتحها أي‪ :‬تسيل دما‪)) ,‬يقول‪ :‬يا رب‪ ،‬قتلني هذا(( أي‪ :‬ويكّرره‪)) ,‬حتى‬

‫‪209‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل من العرش‪ ,‬وكأنه‬ ‫ل القات َ‬ ‫يدنيه من العرش(( من الدناء‪ ,‬أي‪ :‬يقرب المقتو ُ‬


‫كناية عن استقصاء المقتول في طلب ثأره‪ ,‬وعن المبالغة في إرضاء الله إياه‬
‫بعدله"‪.‬‬
‫‪ -9‬وعن أبي سعيد رضي الله عنه‪ ،‬عن نبي الله صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫ل جبار‪ ,‬وبمن‬ ‫كلت اليوم بثلثة‪ :‬بك ّ‬ ‫قال‪)) :‬يخرج عنق من النار يتكلم يقول‪ :‬و ّ‬
‫جعل مع الله إلها آخر‪ ,‬وبمن قتل نفسا بغير نفس‪ ,‬فينطوي عليهم فيقذفهم‬
‫في غمرات جهنم((‪.‬‬
‫‪ -10‬وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال‪) :‬إن من ورطات المور‬
‫ك الدم الحرام بغير حّله(‪.‬‬ ‫سه فيها سف َ‬ ‫التي ل مخرج لمن أوقع نف َ‬
‫قال ابن حجر‪" :‬قوله‪) :‬إن من ورطات( جمع ورطة بسكون الراء وهي‬
‫الهلك‪ ،‬يقال‪ :‬وقع فلن في ورطة أي‪ :‬في شيء ل ينجو منه‪ ،‬وقد فسرها في‬
‫الخبر بقوله‪) :‬التي ل مخرج لمن أوقع نفسه فيها(‪) ،‬سفك الدم( أي‪ :‬إراقته‪،‬‬
‫والمراد به القتل بأيّ صفة كان‪ ،‬لكن لما كان الصل إراقة الدم عّبر به"‪.‬‬
‫‪ -11‬وعن إبراهيم النخعي قال‪" :‬من مات من أهل السلم ولم يصب دما ً‬
‫ج له"‪.‬‬ ‫فار ُ‬
‫معالم التنزيل )‪.(3/203‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(7/133‬‬
‫جامع البيان )‪ (6/202‬باختصار‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في الديات )‪ (6871‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم في اليمان )‪.(88‬‬
‫أخرجه البخاري في الديات )‪.(6862‬‬
‫فتح الباري )‪.(12/195‬‬
‫أخرجه البخاري في الديات‪ ,‬باب قوله تعالى‪)) :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا(( )‬
‫‪ ,(6357‬ومسلم في القسامة والمحاربين )‪.(3178‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(11/167‬‬
‫فتح الباري )‪.(11/397‬‬
‫أخرجه المام أحمد )‪ ,(2551‬والنسائي في تحريم الدم‪ ,‬باب‪ :‬تعظيم الدم )‬
‫‪ ,(3934‬والترمذي في تفسير القرآن‪ ,‬باب‪ :‬ومن سورة النساء )‪(2955‬‬
‫وحسنه‪ ,‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة )‪.(2697‬‬
‫تحفة الحوذي )‪ (8/305‬باختصار‪.‬‬
‫أخرجه المام أحمد )‪ (11372‬واللفظ له‪ ,‬وابن أبي شيبة )‪ ,(7/51‬والطبراني‬
‫في الوسط )‪ ,(4/203‬وحسنه اللباني في السلسلة الصحيحة )‪.(2699‬‬
‫أخرجه البخاري في الديات )‪.(6863‬‬
‫فتح الباري )‪.(12/196‬‬
‫ً‬
‫أخرجه عبد الرزاق في مصنفه‪ ،‬باب‪ :‬من قتل نفسه ومن قتل نفسا )‬
‫‪.(10/462‬‬
‫خامسا‪ :‬حرمة دم المسلم‪:‬‬
‫ً‬
‫خاِلدا ِفيَها‬ ‫م َ‬ ‫جهَن ّ ُ‬‫جَزاؤُه ُ َ‬ ‫ً‬
‫مدا فَ َ‬ ‫مت َعَ ّ‬ ‫ً‬
‫منا ّ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ل ُ‬ ‫قت ُ ْ‬‫من ي َ ْ‬ ‫‪ -1‬قال الله تعالى‪} :‬وَ َ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ظيما{ ]النساء‪.[93:‬‬ ‫ذابا عَ ِ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ه وَأعَد ّ ل ُ‬ ‫ه عَل َي ْهِ وَل َعَن َ ُ‬
‫ب الل ّ ُ‬ ‫وَغَ ِ‬
‫ض َ‬
‫قال ابن كثير‪" :‬هذا تهديد شديد ووعيد أكيد لمن تعاطى هذا الذنب العظيم‬
‫الذي هو مقرون بالشرك بالله تعالى في غير ما آية في كتاب الله‪ ...‬واليات‬
‫والحاديث في تحريم القتل كثيرة جدًا"‪.‬‬
‫ل ذال ِ َ‬
‫ك‬ ‫فعَ ْ‬ ‫من ي َ ْ‬ ‫حيما ً وَ َ‬ ‫م َر ِ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف َ‬ ‫قت ُُلوا ْ َأن ُ‬‫‪ -2‬وقال تعالى‪} :‬وَل َ ت َ ْ‬
‫سيرًا{ ]النساء‪-29:‬‬ ‫ك عََلى الل ّهِ ي َ ِ‬ ‫ن ذال ِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫صِليهِ َنارا ً وَ َ‬ ‫ف نُ ْ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫دوانا ً وَظ ُْلما ً فَ َ‬ ‫عُ ْ‬
‫‪.[30‬‬

‫‪210‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫)‪(5 /‬‬

‫م{ ول يقتل بعضكم‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫قت ُُلوا ْ َأن ُ‬


‫ف َ‬ ‫قال الطبري‪" :‬يعني بقوله جل ثناؤه‪} :‬وَل َ ت َ ْ‬
‫بعضا وأنتم أهل مّلة واحدة ودعوة واحدة ودين واحد‪ ,‬فجعل جل ثناؤه أهل‬
‫السلم كلهم بعضهم من بعض‪ ,‬وجعل القاتل منهم قتيل في قتله إياه منهم‬
‫بمنزلة قتله نفسه‪ ,‬إذ كان القاتل والمقتول أهل يد ٍ واحدة على من خالف‬
‫حيمًا{ فإنه يعني أن الله‬ ‫م َر ِ‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬
‫كا َ‬ ‫مل َّتهما‪ ,‬وأما قوله جل ثناؤه‪} :‬إ ِ ّ‬
‫ف بعضكم عن قتل‬ ‫تبارك وتعالى لم يزل رحيما بخلقه‪ ,‬ومن رحمته بكم ك ّ‬
‫بعض أيها المؤمنون‪ ,‬بتحريم دماء بعضكم على بعض إل بحقها‪ ,‬وحظر أكل‬
‫مال بعضكم على بعض بالباطل إل عن تجارة يملك بها عليه برضاه وطيب‬
‫نفسه‪ ,‬لول ذلك هلكتم وأهلك بعضكم بعضا قتل وسلبا وغصبا‪ ,‬وأما قوله‪:‬‬
‫دوانًا{ فإنه يعني به تجاوزا لما أباح الله له إلى ما حرمه عليه‪} ,‬وَظ ُْلمًا{‬ ‫}ع ُ ْ‬
‫يعني فعل منه ذلك بغير ما أذن الله به وركوبا منه ما قد نهاه الله عنه‪,‬‬
‫صِليهِ َنارًا{ يقول‪ :‬فسوف نورده نارا يصلى بها فيحترق‬ ‫ف نُ ْ‬‫سو ْ َ‬‫وقوله‪} :‬فَ َ‬
‫سيرا{ يعني‪ :‬وكان إصلء فاعل ذلك النار‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ك عَلى اللهِ ي َ ِ‬ ‫ن ذال ِ َ‬ ‫فيها‪} ,‬وَ َ‬
‫كا َ‬
‫وإحراقه بها على الله سهل يسيرا؛ لنه ل يقدر على المتناع على ربه مما‬
‫أراد به من سوء‪ ,‬وإنما يصعب الوفاء بالوعيد لمن توعده على من كان إذا‬
‫ده‬‫ع ِ‬
‫مو ِ‬ ‫عد من المتناع منه‪ ,‬فأما من كان في قبضة ُ‬ ‫حاول الوفاء به قدر المتو ّ‬
‫فيسيٌر عليه إمضاء حكمه فيه والوفاء له‪ ,‬عسير عليه أمر أراده به"‪.‬‬
‫‪ -3‬وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله‬
‫ل دم امرئ مسلم يشهد أن ل إله إل الله وأني رسول‬ ‫عليه وسلم‪)) :‬ل يح ّ‬
‫الله إل بإحدى ثلث‪ :‬النفس بالنفس‪ ،‬والثيب الزاني‪ ،‬والمارق من الدين‬
‫التارك للجماعة((‪.‬‬
‫‪ -4‬وقال صلى الله عليه وسلم في أكبر اجتماع للناس في عصره‪)) :‬أل إن‬
‫الله حّرم عليكم دماءكم وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في‬
‫شهركم هذا‪ ،‬أل هل بلغت؟(( قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪)) :‬اللهم اشهد ـ ثلثا ـ ويلكم‬
‫انظروا ل ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض((‪.‬‬
‫قال القاضي عياض‪" :‬قوله‪)) :‬فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم‬
‫ل هذا تأكيد لحرمة‬ ‫كحرمة يومكم هذا‪ ،‬في بلدكم هذا‪ ،‬في شهركم هذا(( ك ّ‬
‫الدماء والموال والعراض‪ ،‬وتحريم لمظالم العباد‪ ،‬كتأكيد حرمة يوم النحر‬
‫من شهر الحج في حرم مكة"‪.‬‬
‫وقال النووي‪" :‬قوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬إن دماءكم وأموالكم حرام‬
‫عليكم كرحمة يومكم هذا في شهركم هذا(( معناه‪ :‬متأكدة التحريم شديدته"‪.‬‬
‫‪ -5‬وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله عليه‬
‫ل ذنب عسى الله أن يغفره إل من مات مشركا‪ ،‬أو مؤمن‬ ‫وسلم يقول‪)) :‬ك ّ‬
‫قتل مؤمنا متعمدا‪ .‬من قتل مؤمنا فاعتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ول‬
‫معِنقا صالحا ما لم يصب دما حراما‪ ،‬فإذا أصاب دما‬ ‫عدل‪ .‬ل يزال المؤمن ُ‬
‫حراما بّلح((‪ .‬قال خالد بن دهقان وهو من رواة الحديث‪ :‬سألت يحيى بن‬
‫يحيى الغساني عن قوله‪)) :‬اعتبط بقتله(( قال‪ :‬الذين يقاتلون في الفتنة‪،‬‬
‫فيقتل أحدهم فيرى أنه على هدى ل يستغفر الله يعني من ذلك‪.‬‬
‫‪ -6‬وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪)) :‬لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق((‪.‬‬
‫قال الطيبي‪" :‬الدنيا عبارة عن الدار القربى التي هي معبر الدار الخرى‪،‬‬
‫وهي مزرعة لها‪ ،‬وما خلقت السموات والرض إل لتكون مسارح أنظار‬

‫‪211‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ن ِفى‬ ‫فك ُّرو َ‬


‫المتبصرين ومعتبرات المطيعين‪ ،‬وإليه الشارة بقوله تعالى‪} :‬وَي َت َ َ‬
‫ل{ ]آل عمران‪ [191:‬أي‪ :‬بغير‬ ‫هذا َباط ِ ً‬‫ت َ‬‫ق َ‬‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬‫ض َرب َّنا َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬
‫ماوا ِ‬
‫س َ‬‫ق ال ّ‬ ‫َ ْ‬
‫خل ِ‬
‫حكمة‪ ،‬بل خلقَتها لن َتجعلها مساكن للمكلفين‪ ،‬وأدلة لهم على معرفتك‪،‬‬
‫خلقت الدنيا لجله فقد حاول زوال الدنيا"‪.‬‬ ‫فمن حاول قتل من ُ‬
‫‪ -7‬وعن المقداد بن عمرو الكندي أنه قال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إن لقيت كافرا ً‬
‫فاقتتلنا فضرب يدي بالسيف فقطعها ثم لذ بشجرة وقال‪ :‬أسلمت لله أأقتله‬
‫بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬ل تقتله((‪ ،‬قال‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬فإنه طرح إحدى يديّ ثم قال ذلك بعدما قطعها أأقتله؟ قال‪:‬‬
‫))ل‪ ،‬فإن قتلَته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله‪ ،‬وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته‬
‫التي قال((‪.‬‬
‫دين قبل أن يسلم‪ ,‬فإذا‬ ‫دم بحكم ال ّ‬ ‫ن الكافر مباح ال ّ‬ ‫ي‪" :‬معناه أ ّ‬ ‫قال الخ ّ‬
‫طاب ّ‬
‫حا‬
‫دم كالمسلم‪ ,‬فإن قتله المسلم بعد ذلك صار دمه مبا ً‬ ‫أسلم صار مصان ال ّ‬
‫دين‪ ,‬وليس المراد إلحاقه في الكفر كما تقوله‬ ‫بحقّ القصاص كالكافر بحقّ ال ّ‬
‫الخوارج من تكفير المسلم بالكبيرة"‪.‬‬
‫‪ -8‬وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما‪ ،‬عن رسول الله‬
‫ن أهل السماء وأهل الرض اشتركوا في دم‬ ‫صلى الله عليه وسلم قال‪)) :‬لو أ ّ‬
‫مؤمن لكبهم الله في النار((‪.‬‬
‫وقال ابن العربي‪" :‬ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حقّ والوعيد في ذلك‪،‬‬
‫فكيف بقتل الدمي؟! فكيف بالمسلم؟! فكيف بالتقي الصالح؟!"‪.‬‬

‫)‪(6 /‬‬

‫‪ -9‬وعن عبد الله بن عمرو قال‪ :‬رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫م‬
‫مك وأعظ َ‬ ‫ب ريحك‪ ,‬ما أعظ َ‬ ‫يطوف بالكعبة ويقول‪)) :‬ما أطيبك وأطي َ‬
‫حرمتك‪ ,‬والذي نفس محمد بيده‪ ,‬لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك‪:‬‬
‫ماله ودمه‪ ,‬وأن نظن به إل خيرا((‪.‬‬
‫ن به سوى الخير‬ ‫قال السندي‪" :‬أي‪ :‬حرمة مال المؤمن ودمه وحرمة الظ ّ‬
‫أعظم حرمة منك"‪.‬‬
‫‪ -10‬وعن معاوية رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫))كل ذنب عسى الله أن يغفره إل الرجل يقتل المؤمن متعمدا أو الرجل‬
‫يموت كافرا((‪.‬‬
‫ل ذنب‬‫ن المراد ك ّ‬ ‫ّ‬ ‫وكأ‬ ‫رجل‪,‬‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ذنب‬ ‫أي‪:‬‬ ‫رجل((‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫))إل‬ ‫"قوله‪:‬‬ ‫قال السندي‪:‬‬
‫ترجى مغفرته ابتداء إل قتل المؤمن‪ ,‬فإّنه ل يغفر بل سبق عقوبة‪ ,‬وإل الكفر‪,‬‬
‫فإّنه ل يغفر أصل‪ ,‬ولو حمل على القتل مستحل ّ ل يبقى المقابلة بينه وبين‬
‫ذنب كمن ل‬ ‫م ل بد ّ من حمله على ما إذا لم يتب‪ ,‬وإل فالّتائب من ال ّ‬ ‫الكفر‪ ,‬ث ّ‬
‫ذنب له‪ ,‬كيف وقد يدخل القاتل والمقتول الجّنة مًعا‪ ,‬كما إذا قتله وهو كافر‬
‫ل هذا بعد ذكره على وجه الّتغليظ‪ ،‬والله تعالى أعلم"‪.‬‬ ‫م آمن وقتل‪ ,‬ولع ّ‬‫ث ّ‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(550-1/548‬‬
‫جامع البيان )‪ (36-5/30‬باختصار‪.‬‬
‫أخرجه البخاري في الديات )‪ ،(6878‬ومسلم في القسامة )‪.(1676‬‬
‫أخرجه البخاري في المغازي )‪ (4403‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم في اليمان )‪(66‬‬
‫من حديث ابن عمر رضي الله عنهما‪ ،‬وجاء عن غيره من الصحابة‪.‬‬
‫إكمال المعلم بفوائد مسلم )‪.(5/483‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(8/182‬‬

‫‪212‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫معِنقا من العََنق في السير‪ ،‬والمراد خفيف الظهر سريع السير‪ .‬انظر‪ :‬غريب‬ ‫ُ‬
‫الحديث للخطابي )‪ ،(1/204‬وغريب الحديث لبن الجوزي )‪.(2/131‬‬
‫بّلح الرجل إذا انقطع من العياء فلم يقدر أن يتحّرك‪ ،‬يريد به وقوعه في‬
‫الهلك بإصابة الدم الحرام‪ ،‬وقد تخفف اللم‪ .‬قاله ابن الثير في النهاية في‬
‫غريب الحديث )‪.(1/151‬‬
‫أخرجه أبو داود في الفتن )‪ ،(4270‬وصححه اللباني في صحيح السنن )‬
‫‪ ،(3590‬والسلسلة الصحيحة )‪ ،(511‬وصحيح الترغيب )‪.(2450‬‬
‫أخرجه ابن ماجه في الديات )‪ (2619‬وصححه اللباني في صحيح السنن )‬
‫‪.(2121‬‬
‫انظر‪ :‬تحفة الحوذي )‪.(654-4/652‬‬
‫أخرجه البخاري في الديات )‪.(6865‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري )‪.(12/189‬‬
‫أخرجه الترمذي في الديات‪ ،‬باب‪ :‬الحكم في الدماء )‪ ،(1398‬وصححه‬
‫اللباني في صحيح سنن الترمذي )‪.(1128‬‬
‫فتح الباري )‪.(13/196‬‬
‫أخرجه ابن ماجه في الفتن‪ ,‬باب‪ :‬حرمة دم المؤمن )‪ ,(3922‬والترمذي في‬
‫البر والصلة‪ ،‬باب‪ :‬تعظيم المؤمن )‪ (1955‬موقوفا ً على ابن عمر‪ ،‬وصححه‬
‫اللباني لغيره في صحيح الترغيب )‪.(2441‬‬
‫شرح سنن ابن ماجه )‪.(1/282‬‬
‫أخرجه المام أحمد )‪ ,(16302‬والنسائي في تحريم الدم )‪ ,(3919‬وأخرجه‬
‫أبوداود من حديث أبي الدرداء في الفتن والملحم‪ ,‬باب‪ :‬تعظيم قتل المؤمن‬
‫)‪ ,(3724‬وصححه اللباني في السلسلة الصحيحة )‪.(511‬‬
‫حاشية السندي على سنن النسائي )‪.(7/81‬‬
‫ي والمعاهد‪:‬‬ ‫سادسا‪ :‬حرمة دم الذم ّ‬
‫ل نصيبه من العلم حرمة دم المعاهد‪ ،‬ولذا جاءت‬ ‫قد يخفى على كثير ممن ق ّ‬
‫ل من له عهد مع‬ ‫الشريعة السلمية بالتحذير الشديد من قتل المعاهد‪ ,‬وهو ك ّ‬
‫المسلمين بعقد جزية أو هدنة من حاكم أو أمان من مسلم‪ ،‬إل أن ينقض‬
‫العهد فيكون حلل الدم‪.‬‬
‫‪ -1‬عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪)) :‬من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة‪ ،‬وإن ريحها توجد من مسيرة‬
‫أربعين عاما((‪.‬‬
‫‪ -2‬وعن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪)) :‬من قتل رجل من أهل الذمة لم يجد ريح الجنة‪ ,‬وإن‬
‫ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاما((‪.‬‬
‫ت أقوم على رأس المختار بن أبي عبيد الك ّ‬
‫ذاب‬ ‫داد قال‪ :‬كن ُ‬ ‫وعن رفاعة بن ش ّ‬
‫ل سيفي فأضرب به‬ ‫ت ـ والله ـ أن أس ّ‬ ‫ت كذَبه همم ُ‬ ‫ما تبّين ُ‬‫وة‪ ،‬فل ّ‬
‫دعي النب ّ‬ ‫م ّ‬
‫دثنا به عمرو ابن‬ ‫ت حديًثا ح ّ‬ ‫قه‪ ،‬فأمشي بين رأسه وجسده‪ ،‬حّتى ذكر ُ‬ ‫عن َ‬
‫ي صلى الله عليه وسلم يقول‪)) :‬من‬ ‫مق رضي الله عنه قال‪ :‬سمعت النب ّ‬ ‫الح ِ‬
‫ي لواَء الغدر يوم القيامة((‪ ،‬وفي لفظ‪)) :‬من‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫من َرجل على نفسه فقتله أعط َ‬ ‫أ ّ‬
‫مه فقتله فأنا منه بريء وإن كان المقتول كافًرا((‪ ،‬وفي‬ ‫ل على د ِ‬ ‫منه رج ٌ‬ ‫ائت َ‬
‫مة الله‬‫رئت من القاتل ذ ّ‬ ‫من رجل على دمه فقتله فقد ب ِ‬ ‫ً‬ ‫لفظ‪)) :‬أّيما رجل أ ّ‬
‫وإن كان المقتول كافًرا((‪.‬‬
‫انظر‪ :‬فتح الباري )‪.(12/259‬‬
‫أخرجه البخاري في الجزية )‪.(3166‬‬

‫‪213‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫أخرجه المام أحمد )‪ ,(17378‬والنسائي في القسامة‪ ,‬باب‪ :‬تعظيم قتل‬


‫المعاهد )‪ (4668‬واللفظ له‪ ,‬وصححه اللباني في صحيح الترغيب )‪.(2453‬‬
‫هو رفاعة بن شداد بن عبد الله القتباني أبو عاصم الكوفي‪ ،‬من كبار التابعين‪،‬‬
‫وّثقه النسائي‪ ،‬وذكره ابن حبان في الثقات‪ ،‬قتل سنة ‪66‬هـ‪ ،‬قيل‪ :‬قتله‬
‫المختار بن أبي عبيد‪ .‬انظر‪ :‬تهذيب التهذيب )‪.(3/251‬‬

‫)‪(7 /‬‬

‫المختار بن أبي عبيد بن مسعود الثقفي‪ ،‬يكنى‪ :‬أبا إسحاق‪ ،‬ولم يكن بالمختار‪،‬‬
‫جّلة الصحابة‪ .‬ولد المختار عام الهجرة‪ ،‬وليست له صحبة ول‬ ‫كان أبوه من ِ‬
‫رؤية‪ ،‬وأخباره غير مرضية‪ ،‬يقال‪ :‬إنه كان في أول أمره خارجيا ثم صار زيديا‬
‫ثم صار رافضيا‪ .‬انظر‪ :‬الصابة لبن حجر )‪.(351-6/349‬‬
‫هو عمرو بن الحمق بن كاهل بن حبيب الخزاعي الكعبي‪ ،‬هاجر بعد الحديبية‪،‬‬
‫دم مصر‪ ،‬شهد مع علي حروبه‪ ،‬وقتل بالحّرة‬ ‫سكن الشام ثم الكوفة ثم ق ِ‬
‫سنة ‪63‬هـ‪ ،‬وقيل‪ :‬سنة ‪ 50‬هـ‪ ،‬وقيل‪ :‬سنة ‪ 51‬هـ‪ .‬انظر‪ :‬الصابة في تمييز‬
‫الصحابة )‪ ،(532 ،2/532‬وتهذيب التهذيب )‪.(8/21‬‬
‫أخرجه أحمد )‪ ،(436 ،224 ،5/223‬والنسائي في الكبرى )‪ ،(5/225‬وابن‬
‫ماجه في الديات )‪ ،(2688‬وابن أبي عاصم في الحاد والمثاني )‪،(2345‬‬
‫والبزار )‪ ،(2306‬والطحاوي في شرح المشكل )‪ ،(1/77‬وقال البوصيري في‬
‫الزوائد )‪" :(3/136‬إسناده صحيح‪ ،‬رجاله ثقات"‪ ،‬وهو مخرج في السلسلة‬
‫الصحيحة )‪.(440‬‬
‫أخرجه أحمد )‪ ،(437 ،5/224‬والبزار )‪ ،(2308‬وابن قانع في معجم الصحابة‬
‫)‪ ،(2/202‬والطبراني في الوسط )‪ ،(7781 ،6655 ،4252‬وأبو نعيم في‬
‫الحلية )‪ ،(9/24‬والقضاعي في مسنده )‪ ،(164‬قال العقيلي في الضعفاء )‬
‫‪" :(2/215‬أسانيده صالحة"‪ ،‬وقال الهيثمي في المجمع )‪" :(6/285‬رواه‬
‫الطبراني بأسانيد كثيرة‪ ،‬وأحدها رجاله ثقات"‪ ،‬وهو في صحيح الجامع )‬
‫‪.(6103‬‬
‫مصنف عبد الرزاق )‪.(9679‬‬
‫سابًعا‪ :‬تحريم الغدر والخيانة‪:‬‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫وانا أِثيما{ ]النساء‪.[107:‬‬ ‫خ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬
‫ب َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫‪ -1‬قال الله تعالى‪} :‬إ ِ ّ‬
‫قال الطبري رحمه الله‪" :‬يقول‪ :‬إن الله ل يحب من كان من صفته خيانة‬
‫الناس في أموالهم‪ ،‬وركوب الثم في ذلك وغيره مما حرمه الله عليه"‪.‬‬
‫وقال القرطبي‪" :‬روي أنها نزلت بسبب المؤمنين لما كثروا بمكة وآذاهم‬
‫الكفار وهاجر من هاجر إلى أرض الحبشة‪ ،‬أراد بعض مؤمني مكة أن يقتل‬
‫من أمكنه من الكفار ويغتال ويغدر ويحتال‪ ،‬فنزلت هذه الية إلى قوله‪:‬‬
‫ح نهي عن الخيانة والغدر‪.‬‬ ‫فوٍر{‪ ،‬فوعد فيها سبحانه بالمدافعة‪ ،‬ونهى أفص َ‬ ‫}ك َ ُ‬
‫وقد مضى في النفال التشديد في الغدر‪ ،‬وأنه ينصب للغادر لواء عند استه‬
‫بقدر غدرته يقال‪ :‬هذه غدرة فلن"‪.‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ً‬
‫ؤول{ ]السراء‪.[34:‬‬ ‫س ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ن العَهْد َ كا َ‬ ‫‪ -2‬وقال تعالى‪} :‬وَأوُْفوا ِبال ْعَهْد ِ إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫د{ أي‪ :‬الذي تعاهدون عليه‬ ‫قال ابن كثير رحمه الله‪" :‬قوله‪} :‬وَأوُْفوا ِبال ْعَهْ ِ‬
‫الناس‪ ،‬والعقود التي تعاملونهم بها؛ فإن العهد والعقد كل منهما يسأل صاحبه‬
‫ل{ أي‪ :‬عنه"‪.‬‬ ‫ؤو ً‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ال ْعَهْد َ َ‬
‫كا َ‬ ‫عنه‪} ،‬إ ِ ّ‬
‫خائ ِِنين{ ]يوسف‪.[52:‬‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫دي كي ْد َ ال َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ه ل ي َهْ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫‪ -3‬وقال تعالى‪} :‬وَأ ّ‬
‫قال القرطبي رحمه الله‪" :‬معناه أن الله ل يهدي الخائنين بكيدهم"‪.‬‬

‫‪214‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ل خائن ل بد ّ أن تعود خيانته ومكره على‬ ‫نك ّ‬ ‫وقال ابن سعدي رحمه الله‪" :‬فإ ّ‬
‫نفسه‪ ،‬ول بد ّ أن يتبين أمره"‪.‬‬
‫‪ -4‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم يقول‪)) :‬اللهم إني أعوذ بك من الجوع؛ فإنه بئس الضجيع‪ ،‬وأعوذ بك‬
‫من الخيانة؛ فإنها بئست البطانة((‪.‬‬
‫قال المناوي رحمه الله‪))" :‬فإنها بئست الِبطانة(( بالكسر‪ ،‬أي‪ :‬بئس الشيء‬
‫الذي يستبطنه من أمره ويجعله بطانة‪ .‬قال في المغرب‪ :‬بطانة الرجل أهله‬
‫وخاصته مستعار من بطانة الثوب‪ .‬وقال القاضي‪ :‬البطانة أصلها في الثوب‬
‫فاستعيرت لما يستبطن الرجل من أمره ويجعله بطانة حاله‪ .‬والخيانة تكون‬
‫في المال والنفس والعداد والكيل والوزن والزرع‪ ،‬وغير ذلك"‪.‬‬
‫‪ -5‬وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال‪)) :‬أربع من كن فيه كان منافقا خالصا‪ ،‬ومن كانت فيه خصلة منهن كانت‬
‫فيه خصلة من النفاق حتى يدعها‪ ،‬إذا اؤتمن خان‪ ،‬وإذا حدث كذب‪ ،‬وإذا عاهد‬
‫غدر‪ ،‬وإذا خاصم فجر((‪.‬‬
‫قال النووي رحمه الله‪" :‬الصحيح المختار أن معناه أن هذه الخصال خصال‬
‫نفاق‪ ،‬وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال‪ ،‬ومتخّلق بأخلقهم؛ فإن‬
‫النفاق هو إظهار ما يبطن خلفه‪ ،‬وهذا المعنى موجود في صاحب هذه‬
‫الخصال‪ ،‬ويكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من‬
‫الناس‪ ،‬ل أنه منافق في السلم فيظهره وهو يبطن الكفر‪ ،‬ولم يرد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك‬
‫السفل من النار"‪.‬‬
‫‪ -6‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫))قال الله‪ :‬ثلثة أنا خصمهم يوم القيامة‪ ،‬رجل أعطى بي ثم غدر‪ ،‬ورجل باع‬
‫حّرا فأكل ثمنه‪ ،‬ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعط أجره((‪.‬‬
‫م الغادر‪ ،‬وكل من شرط شرطا ثم نقضه فقد‬ ‫قال ابن تيمية رحمه الله‪" :‬فذ ّ‬
‫غدر"‪.‬‬
‫‪ -7‬وعن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال‪ :‬كان رسول الله صلى الله‬
‫مر أميرا على جيش أو سرّية أوصاه في خاصته بتقوى الله‬ ‫عليه وسلم إذا أ ّ‬
‫ومن معه من المسلمين خيرا‪ ،‬ثم قال‪)) :‬اغزوا باسم الله في سبيل الله‪،‬‬
‫قاتلوا من كفر بالله‪ ،‬اغزوا‪ ،‬ول تغّلوا ول تغدروا ول تمثلوا ول تقتلوا وليدا‪.((...‬‬

‫)‪(8 /‬‬

‫قال النووي رحمه الله‪" :‬وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها‪،‬‬
‫وهي‪ :‬تحريم الغدر‪ ،‬وتحريم الغلول‪."...‬‬
‫‪ -8‬وعن ابن عمر رضي الله عنهما‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ل غادر لواء‪ ,‬فقيل‪ :‬هذه‬‫))إذا جمع الله الولين والخرين يوم القيامة يرفع لك ّ‬
‫غدرة فلن بن فلن((‪.‬‬
‫‪ -9‬وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫ل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره‪ ،‬أل ول غادر أعظم‬ ‫وسلم‪)) :‬لك ّ‬
‫غدرا من أمير عامة((‪.‬‬
‫قال النووي رحمه الله‪ " :‬معنى‪)) :‬لكل غادر لواء(( أي‪ :‬علمة يشَهر بها في‬
‫الناس؛ لن موضوع اللواء الشهرة‪ .‬وفي هذه الحاديث بيان غلظ تحريم‬
‫دى ضرره إلى خلق‬ ‫ن غدره يتع ّ‬‫الغدر‪ ،‬ل سيما من صاحب الولية العامة؛ ل ّ‬

‫‪215‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كثيرين‪ .‬وقيل‪ :‬لنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء"‪.‬‬
‫وقال ابن حجر رحمه الله‪" :‬أي‪ :‬علمة غدرته‪ ،‬والمراد بذلك شهرته وأن‬
‫يفتضح بذلك على رؤوس الشهاد‪ ،‬وفيه تعظيم الغدر سواء كان من قبل‬
‫المر أو المأمور"‪.‬‬
‫‪ -10‬وعن علي رضي الله عنه قال‪ :‬ما عندنا شيء إل كتاب الله وهذه‬
‫الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيها‪)) :‬ذمة المسلمين واحدة‪،‬‬
‫فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملئكة والناس أجمعين‪ ،‬ل يقبل منه‬
‫ف ول عدل((‪.‬‬ ‫صر ٌ‬
‫مة المسلمين‬ ‫قال النووي رحمه الله‪" :‬قوله صلى الله عليه وسلم‪)) :‬وذ ّ‬
‫واحدة يسعى بها أدناهم(( المراد بالذمة هنا المان‪ .‬معناه‪ :‬أن أمان‬
‫منه به أحد المسلمين حُرم على غيره‬ ‫المسلمين للكافر صحيح‪ ،‬فإذا أ ّ‬
‫التعّرض له ما دام في أمان المسلم‪ ،‬وللمان شروط معروفة‪ ...‬وقوله صلى‬
‫ن‬
‫ما فعليه لعنة الله(( معناه‪ :‬من نقض أما َ‬ ‫الله عليه وسلم‪)) :‬فمن أخفر مسل ً‬
‫ت الرجل إذا‬ ‫منه مسلم‪ ،‬قال أهل اللغة‪ :‬يقال‪ :‬أخفر ُ‬ ‫مسلم فتعّرض لكافر أ ّ‬
‫منته"‪.‬‬ ‫ت عهده‪ ،‬وخفرته إذا أ ّ‬ ‫نقض ُ‬
‫مة المسلمين واحدة(( أي‪ :‬أمانهم‬ ‫وقال ابن حجر رحمه الله‪ " :‬قوله‪)) :‬ذ ّ‬
‫من الكافَر واحد ٌ منهم حُرم على غيره التعّرض له‪ ...‬وقوله‪:‬‬ ‫صحيح‪ ،‬فإذا أ ّ‬
‫مة المسلمين سواء‬ ‫))يسعى بها(( أي‪ :‬يتولها ويذهب ويجيء‪ ،‬والمعنى‪ :‬أن ذ ّ‬
‫من أحد من المسلمين كافرا‬ ‫صدرت من واحد أو أكثر‪ ،‬شريف أو وضيع‪ ،‬فإذا أ ّ‬
‫ة لم يكن لحد نقضه‪ ،‬فيستوي في ذلك الرجل والمرأة والحّر‬ ‫م ً‬
‫وأعطاه ذ ّ‬
‫والعبد؛ لن المسلمين كنفس واحدة‪ ...‬وقوله‪)) :‬فمن أخفر(( بالخاء المعجمة‬
‫منته‪ ،‬وأخفرته نقضت عهده"‪.‬‬ ‫والفاء أي‪ :‬نقض العهد‪ ،‬يقال‪ :‬خفرته بغير ألف أ ّ‬
‫قال ابن تيمية رحمه الله‪" :‬جاء الكتاب والسنة بالمر بالوفاء بالعهود‬
‫والشروط والمواثيق والعقود‪ ،‬وبأداء المانة ورعاية ذلك‪ ،‬و النهي عن الغدر‬
‫ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك"‪.‬‬
‫‪ -11‬وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪)) :‬أد ّ المانة إلى من ائتمنك‪ ،‬ول تخن من خانك((‪.‬‬
‫قال المناوي‪" :‬أي‪ :‬ل تعامله بمعاملته‪ ,‬ول تقابل خيانته بخيانتك فتكون مثله‪,‬‬
‫دي فيه‪ ,‬أو المراد إذا‬ ‫قه إذ ل تع ّ‬ ‫وليس منها ما يأخذه من مال من جحده ح ّ‬
‫خانك صاحبك فل تقابله بجزاء خيانته وإن كان حسنا‪ ,‬بل قابله بالحسن الذي‬
‫هو العفو‪ ,‬وادفع بالتي هي أحسن"‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين‪،،‬‬
‫جامع البيان في تأويل القرآن )‪.(5/270‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(12/67‬‬
‫تفسير القرآن العظيم )‪.(3/40‬‬
‫الجامع لحكام القرآن )‪.(9/209‬‬
‫تيسير الكريم الرحمن )ص ‪.(400‬‬
‫أخرجه أبو داود في الصلة‪ ،‬باب‪ :‬في الستعاذة )‪ ،(1547‬والنسائي في‬
‫الستعاذة‪ ،‬باب‪ :‬الستعاذة من الجوع )‪ ،(5468‬وابن ماجه في الطعمة‪ ،‬باب‪:‬‬
‫الستعاذة من الجوع )‪ ،(3354‬وصححه اللباني في صحيح سنن أبي داود )‬
‫‪.(1368‬‬
‫فيض القدير )‪.(2/124‬‬
‫أخرجه البخاري في اليمان‪ ،‬باب‪ :‬علمة النفاق )‪ ،(34‬ومسلم في اليمان )‬
‫‪ ،(58‬بنحوه‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫شرح صحيح مسلم )‪.(2/47‬‬


‫أخرجه البخاري في البيوع‪ ،‬باب‪ :‬إثم من باع حر )‪.(2227‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(29/145‬‬
‫أخرجه مسلم في الجهاد والسير )‪.(1731‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(12/37‬‬
‫أخرجه البخاري في الدب‪ ،‬باب‪ :‬ما يدعى الناس بآبائهم )‪ ،(6177‬ومسلم‬
‫في الجهاد والسير )‪ (1735‬واللفظ له‪.‬‬
‫أخرجه مسلم في الجهاد والسير )‪.(1738‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪ (44-12/43‬بتصرف يسير‪.‬‬
‫فتح الباري )‪.(13/71‬‬
‫أخرجه البخاري في الحج‪ ،‬باب‪ :‬حرم المدينة )‪ (1870‬واللفظ له‪ ،‬ومسلم في‬
‫الحج )‪.(1370‬‬
‫شرح صحيح مسلم )‪.(145-9/144‬‬
‫فتح الباري )‪.(4/86‬‬
‫مجموع الفتاوى )‪.(146-29/145‬‬
‫أخرجه أبو داود في البيوع )‪ ،(3535‬والترمذي في البيوع )‪ ،(1264‬وصححه‬
‫اللباني في السلسلة الصحيحة )‪.(423‬‬
‫فيض القدير )‪.(1/223‬‬

‫)‪(9 /‬‬

‫تحريم التبرج والسفور‬


‫القسم ‪ :‬إملءات < مقالت‬
‫مسائل متفرقة < أحكام‬
‫الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على خير خلقه أجمعين نبينا محمد‬
‫وعلى آله وأصحابه ومن اتبع سنته واهتدى بهديه إلى يوم الدين ‪ .‬أما بعد ‪:‬‬
‫فإن أعظم نعمة أنعم الله بها على عباده هي نعمة السلم ‪ ،‬والهداية لتباع‬
‫شريعة خير النام ‪ ،‬وذلك لما تضمنته هذه الشريعة من الخير والسعادة في‬
‫الدنيا والفوز والفلح والنجاة يوم القيامة لمن تمسك بها وسار على نهجها‬
‫القويم ‪.‬‬
‫ولقد جاء السلم بالمحافظة على كرامة المرأة وصيانتها ‪ ،‬ووضعها في‬
‫المقام اللئق بها وحث على إبعادها عما يشينها أو يخدش كرامتها ‪ ،‬لذلك‬
‫حرم عليها الخلوة بالجنبي ونهاها عن السفر بدون محرم ‪ ،‬ونهاها عن التبرج‬
‫الذي ذم الله به الجاهلية لكونه من أسباب الفتنة بالنساء وظهور الفواحش ‪،‬‬
‫لوَلى{]‪[1‬‬ ‫جاهِل ِي ّةِ ا ْ ُ‬ ‫ج ال ْ َ‬‫ن ت َب َّر َ‬‫ج َ‬‫ن َول ت َب َّر ْ‬‫ن ِفي ب ُُيوت ِك ُ ّ‬ ‫كما قال عز وجل ‪} :‬وَقَْر َ‬
‫والتبرج إظهار المحاسن والمفاتن ‪ ،‬ونهاها عن الختلط بالرجال الجانب عنها‬
‫‪ ،‬والخضوع بالقول عند مخاطبتهم حسما لسباب الفتنة والطمع في فعل‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ساِء إ ِ ِ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫حد ٍ ِ‬ ‫ن ك َأ َ‬ ‫ي لَ ْ‬
‫ست ُ ّ‬ ‫ساَء الن ّب ِ ّ‬‫الفاحشة كما في قوله سبحانه ‪َ} :‬يا ن ِ َ‬
‫معُْروًفا{]‬ ‫ً‬
‫ن قَوْل َ‬ ‫ْ‬
‫ض وَقُل َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ْ‬
‫ذي ِفي قَلب ِهِ َ‬ ‫معَ ال ّ ِ‬‫ل فَي َط ْ َ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬
‫قو ْ ِ‬ ‫ضعْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن َفل ت َ ْ‬‫قي ْت ُ ّ‬
‫ات ّ َ‬
‫‪ [2‬والمرض هنا هو مرض الشهوة ‪.‬‬
‫كما أمرها بالحشمة في لباسها وفرض عليها الحجاب لما في ذلك من‬
‫جكَ‬ ‫َ‬ ‫ي قُ ْ‬ ‫َ‬
‫ل ِلْزَوا ِ‬ ‫الصيانة لهن ‪ ،‬وطهارة قلوب الجميع فقال تعالى ‪َ} :‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ك ون ِساِء ال ْمؤْمِنين يدِنين عَل َيهن من جلبيبهن ذ َل ِ َ َ‬
‫ن َفل‬ ‫ن ي ُعَْرفْ َ‬ ‫ك أد َْنى أ ْ‬ ‫ِْ ّ ِ ْ َ ِ ِِ ّ‬ ‫ُ ِ َ ُ ْ َ‬ ‫وَب ََنات ِ َ َ َ‬
‫َ‬
‫عا‬‫مَتا ً‬ ‫ن َ‬ ‫موهُ ّ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬‫ما{]‪ [3‬وقال سبحانه ‪} :‬وَإ َِذا َ‬ ‫حي ً‬‫فوًرا َر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫ن وَ َ‬
‫كا َ‬ ‫ي ُؤْذ َي ْ َ‬

‫‪217‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫م أ َط ْهَُر ل ِ ُ‬ ‫َفا َ‬
‫ن{]‪ [4‬الية ‪.‬‬ ‫م وَقُُلوب ِهِ ّ‬
‫قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ب ذ َل ِك ُ ْ‬
‫جا ٍ‬
‫ح َ‬
‫ن وََراِء ِ‬
‫م ْ‬ ‫سأُلوهُ ّ‬
‫ن ِ‬ ‫ْ‬
‫وقد امتثلن رضي الله عنهن لمر الله ورسوله فبادرن إلى الحجاب والتستر‬
‫عن الرجال الجانب ‪ ،‬فقد روى أبو داود بسند حسن عن أم سلمة رضي الله‬
‫عنها قالت ‪ ) :‬لما نزلت هذه الية خرج نساء النصار كأن على رءوسهن‬
‫الغربان من الكسية وعليهن أكسية سود يلبسنها ( ‪ ،‬وروى المام أحمد وأبو‬
‫داود وابن ماجة عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت ‪ ) :‬كان‬
‫الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا‬
‫حاذونا سدلت إحدانا جلبابها على وجهها من رأسها فإذا جاوزونا كشفناه ( ‪.‬‬
‫وأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها هي أكمل النساء دينا وعلما وخلقا‬
‫وأدبا ‪ ،‬قال في حقها المصطفى صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬فضل عائشة على‬
‫النساء كفضل الثريد على سائر الطعام (( والثريد هو ‪ :‬اللحم والخبز ‪ .‬وقد‬
‫ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر بإخراج النساء إلى مصلى العيد‬
‫قلن يا رسول الله ‪ :‬إحدانا ل يكون لها جلباب فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ )) :‬لتلبسها أختها من جلبابها (( رواه البخاري ومسلم ‪ ،‬فيؤخذ من هذا‬
‫الحديث أن المعتاد عند نساء الصحابة أن ل تخرج المرأة إل بجلباب فلم يأذن‬
‫لهن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخروج بغير جلباب درءا للفتنة‬
‫وحماية لهن من أسباب الفساد ‪ ،‬وتطهيرا لقلوب الجميع ‪ ،‬مع أنهن يعشن‬
‫في خير القرون ورجاله ونساؤه من أهل اليمان من أبعد الناس عن التهم‬
‫والريب ‪ ،‬وقد ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت ‪)) :‬كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الفجر فيشهد معه نساء من‬
‫المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من‬
‫الغلس(( ‪ ،‬فدل هذا الحديث على أن الحجاب والتستر كان من عادة نساء‬
‫الصحابة الذين هم خير القرون وأكرمها على الله عز وجل وأعلها أخلقا‬
‫وآدابا وأكملها إيمانا وأصلحها عمل ‪ ،‬فهم القدوة الصالحة في سلوكهم‬
‫وأعمالهم لغيرهم ممن يأتي بعدهم ‪.‬‬
‫إذا علم هذا تبين أن ما يفعله بعض نساء هذا الزمان من التبرج بالزينة‬
‫والتساهل في أمر الحجاب وإبراز محاسنهن للجانب وخروجهن للسواق‬
‫متجملت متعطرات أمر مخالف للدلة الشرعية ولما عليه السلف الصالح ‪،‬‬
‫وأنه منكر يجب على ولة المر من المراء والعلماء ورجال الحسبة تغييره‬
‫وعدم إقراره كل على حسب طاقته ومقدرته وما يملكه من الوسائل‬
‫والسباب التي تؤدي إلى منع هذا المنكر ‪ ،‬وحمل النساء على التحجب‬
‫والتستر ‪ ،‬وأن يلبسن لباس الحشمة والوقار ‪ ،‬وأن ل يزاحمن الرجال في‬
‫السواق ‪.‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫ومن المور المنكرة التي استحدثها الناس في هذا الزمان وضع منصة‬
‫للعروس بين النساء يجلس إليها زوجها بحضرة النساء السافرات المتبرجات‬
‫وربما حضر معه غيره من أقاربه أو أقاربها من الرجال ‪ ،‬ول يخفى على ذوي‬
‫الفطر السليمة والغيرة الدينية ما في هذا العمل من الفساد الكبير وتمكن‬
‫الرجال الجانب من مشاهدة النساء الفاتنات المتبرجات ‪ ،‬وما يترتب على‬
‫ذلك من العواقب الوخيمة ‪ ،‬فالواجب منع ذلك والقضاء عليه حسما لسباب‬
‫الفتنة وصيانة للمجتمعات النسائية مما يخالف الشرع المطهر ‪.‬‬
‫وإني أنصح جميع إخواني المسلمين في هذه البلد وغيرها بأن يتقوا الله‬

‫‪218‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫ويلتزموا شرعه في كل شيء وأن يحذروا كل ما حرم الله عليهم وأن يبتعدوا‬
‫عن أسباب الشر والفساد في العراس وغيرها التماسا لرضا الله سبحانه‬
‫وتعالى وتجنبا لسباب سخطه وعقابه ‪.‬‬
‫وأسأل الله الكريم أن يمن علينا وعلى جميع المسلمين باتباع كتابه الكريم ‪،‬‬
‫والتمسك بهدي نبيه صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأن يعصمنا من مضلت الفتن‬
‫واتباع شهوات النفوس ‪ ،‬وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه والباطل باطل‬
‫ويرزقنا اجتنابه ‪ ،‬إنه خير مسئول ‪ .‬وصلى الله وسلم وبارك على عبده‬
‫ورسوله نبينا محمد وآله وصحبه ‪.‬‬
‫________________________________________‬
‫]‪ - [1‬سورة الحزاب الية ‪.33‬‬
‫]‪ - [2‬سورة الحزاب الية ‪.32‬‬
‫]‪ -[3‬سورة الحزاب الية ‪.59‬‬
‫]‪ -[4‬سورة الحزاب الية ‪.53‬‬

‫)‪(2 /‬‬

‫تحريم العينة وجواز التورق بل قيد ول شرط‬


‫سليمان بن ناصر العلوان ‪26/3/1424‬‬
‫‪27/05/2003‬‬
‫كتب هذا البحث جوابا ً على سؤال ورد لفضيلة الشيخ سليمان بن ناصر‬
‫العلوان حول صورة التورق والعينة ‪ ،‬وحكمهما‪ ،‬ويسر الموقع أن ينشر البحث‬
‫الذي خص فضيلة الشيخ سليمان العلوان الموقع به‪.‬‬
‫العينة ‪ :‬في اللغة السلف ‪0‬‬
‫وصورتها في الشرع ‪ :‬أن يبيع من رجل سلعة بحوزته بثمن معلوم إلى أجل‬
‫مسمى ثم يشتريها منه بأقل من الثمن الذي باعه به ‪ ،‬ومن ذلك أن يبيع‬
‫سلعة بنقد ثم يشتريها منه بأكثر منها نسيئة ‪0‬‬
‫وهي محرمة في قول أكثر العلماء ‪ ،‬وهي وسيلة إلى الربا ‪ ،‬وموصلة إليه ‪،‬‬
‫خلفا ً للشافعي وأبي يوسف رحمها الله تعالى حيث أجازاها ‪0‬‬
‫قال النووي في روضة الطالبين )‪ (3/416‬فصل ‪ :‬ليس من المناهي بيع العينة‬
‫بكسر العين المهملة وبعد الياء نون ‪ ،‬وهو أن يبيع غيره شيئا ً بثمن مؤجل‬
‫ويسلمه إليه ثم يشتريه قبل قبض الثمن بأقل من ذلك الثمن نقدا ً ‪0‬‬
‫وكذا يجوز أن يبيع بثمن نقدا ً ويشتري بأكثر منه إلى أجل ‪ ،‬سواء قبض الثمن‬
‫الول أم ل ‪ .‬وسواء صارت العينة عادة له غالبة في البلد أم ل ‪ .‬هذا هو‬
‫الصحيح المعروف في كتب الصحاب ‪ ،‬وأفتى الستاذ أبو إسحق‬
‫السفراييني ‪ ،‬والشيخ أبو محمد بأنه إذا صار عادة له صار البيع الثاني‬
‫كالمشروط في الول فيبطلن جميعا ً ‪0‬‬
‫ونقل أيضا ً في المجموع )‪ (9/261‬عن الرافعي قوله ‪ -‬بعد كلم له سبق ‪-‬‬
‫لن العتبار عندنا بظاهر العقود ‪ ،‬ل بما ينويه العاقدان ‪ ،‬ولهذا يصح بيع العينة‬
‫‪ ،‬ونكاح من قصد التحليل ونظائره ‪0‬‬
‫وجاء في حاشية ابن عابدين )‪ (5/273‬وعن أبي يوسف العينة جائزة مأجور‬
‫من عمل بها ‪ ،‬كذا في مختار الفتاوى الهندية ‪0 ( ..‬‬
‫ن فعلها ‪ ،‬وذلك لوجوه ‪:‬‬ ‫م ْ‬
‫والصواب منع ذلك ‪ ،‬وتأثيم َ‬
‫‪ -1‬أن النبي صلى الله عليه وسلم )نهى عن بيعتين في بيعة( أخرجه المام‬
‫أحمد )‪ (2/432‬والشافعي )‪ (532‬والنسائي )‪ (7/295‬والترمذي )‪(1231‬‬

‫‪219‬‬
‫مكتبيييييييية موقييييييييع بّلغييييييييوا عّنييييييييي ولييييييييو آييييييييية‬ ‫‪http://www.balligho.com‬‬

‫كلهم من طريق محمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص ‪ ،‬عن أبي سلمة ‪ ،‬عن‬
‫أبي هريرة رضي الله عنه ‪0‬‬
‫وقال الترمذي حديث حسن صحيح ‪0‬‬
‫والعينة هي المقصودة في هذا الخبر ‪0‬‬
‫‪ -2‬أن الوسيلة إلى الربا حرام ‪ ،‬ول يختلف العلماء في تحريم الربا ‪ ،‬والعينة‬
‫وسيلة إليه ‪ ،‬وحين سئل ابن عباس عن حريرة بيعت إلى أجل ‪ ،‬ثم اشتريت‬
‫بأقل ‪ .‬فقال ‪ :‬دراهم بدراهم ‪ ،‬دخلت بينهما حريرة ‪ .‬رواه سعيد وغيره ‪ ،‬وجاء‬
‫نحوه عند عبد الرزاق في مصنفه ‪ .‬وسئل أنس عن العينة ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن الله ل‬
‫دع هذا مما حرم الله ‪ ،‬ورسوله ‪ .‬عزاه ابن القيم لمطين في كتاب البيوع‬ ‫خ َ‬
‫يُ ْ‬
‫‪0‬‬
‫‪ -3‬ما جاء عند المام أحمد في مسنده ‪ ،‬من طريق العمش ‪ ،‬عن عطاء بن‬
‫أبي رباح ‪ ،‬عن ابن عمر رضي الله عنهما قال ‪ :‬سمعت رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم يقول‪) :‬إذا ضن الناس بالدينار والدرهم ‪ ،‬وتبايعوا بالعينة ‪ ،‬واتبعوا‬
‫أذناب البقر ‪ ،‬وتركوا الجهاد في سبيل الله ‪ ،‬أنزل الله بهم بلء ‪ ،‬فل يرفعه‬
‫عنهم حتى يراجعوا دينهم( ‪0‬‬
‫وهذا خبر ضعيف ‪ ،‬وقد جاء من غير وجه ‪ ،‬ول يصح ‪ ،‬وذهب شيخ السلم ‪،‬‬
‫وابن القيم ‪ ،‬إلى تقويته بمجموع طرقه ‪0‬‬
‫‪ -4‬ما رواه علي بن الجعد في مسنده )‪ (80‬ومن طريقه البيهقي في سننه )‬
‫‪ (5/330‬عن شعبة عن أبي إسحاق قال دخلت امرأتي على عائشة ‪ ،‬وأم ولد‬
‫لزيد بن أرقم ‪ ،‬فقالت لها أم ولد زيد ‪ :‬إني بعت من زيد عبدا ً بثمانمائة نسيئة‬
‫واشتريته منه بستمائة نقدا ً ‪ ،‬فقالت عائشة رضي الله عنها )أبلغي زيدا ً أن‬
‫قد أبطلت جهادك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إل أن تتوب بئسما‬
‫شريت وبئس ما اشتريت( ‪0‬‬
‫قال البيهقي رحمه الله تعالى ‪ :‬كذا جاء به شعبة عن طريق الرسال ‪0‬‬
‫وهذا الخبر ‪ :‬ط ُِعن فيه بعلتين ‪:‬‬
‫‪ -1‬جهالة العالية ‪ ،‬وقد رد حديثها الشافعي في الم ‪ ،‬والدارقطني ‪ ،‬وابن‬
‫حزم في المحلى ‪0‬‬
‫وُرد هذا ‪ ،‬بأن العالية معروفة ‪ ،‬فقد دخلت على عائشة ‪ ،‬وسمعت منها ‪0‬‬
‫قال ابن الجوزي في التحقيق – العالية ‪ -‬جليلة القدر ‪ ،‬معروفة ‪0‬‬
‫وقال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق )‪ (2/558‬هذا إسناد جيد ‪ ،‬وإن كان‬
‫الشافعي قد قال ‪ :‬إنا ل نثبت مثله على عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬وكذلك قول‬
‫الدارقطني في العالية إنها مجهولة ل يحتج بها ‪ ،‬فيه نظر ‪ .‬وقد خالفه غيره (‬
‫‪0‬‬
‫‪ -2‬وعلة أخرى ‪ ،‬الختلف فيه ‪ ،‬فقد رواه الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫امرأة أبي السفر ‪ :‬أنها باعت من زيد بن أرقم ‪.‬‬
‫ورواه عبد الرزاق ‪ ،‬عن الثوري ‪ ،‬عن أبي إسحاق ‪ ،‬عن امرأته قالت ‪:‬‬
‫سمعت امرأة أبي السفر تقول ‪ :‬سألت عائشة ‪0‬‬
‫تابعه عبد الله بن الوليد ‪ ،‬عن الثوري ‪0‬‬

‫)‪(1 /‬‬

‫‪220‬‬

You might also like