You are on page 1of 1182

‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬

‫أحمد الهاشمي‬

‫جواهر الدب‬
‫في أدبيات وإنشاء لغة العرب‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫نسح وتنسيق مكتبة مشكاة السلمية‬

‫كتاب يبحث في علمين مهمين من علوم اللغة وهما‬


‫علم الدب وعلم النشاء والكتاب على قسمين‪ ،‬قسم‬
‫في النشاء وفيه خمس أبواب" أصول النشاء‬
‫والمراسلت والمناظرات والوصاف والروايات"‬
‫والقسم الثاني في الدب كتب فيه عن تاريخ الدب‬
‫العربي‪ ،‬وأبواب الشعر العربي‬
‫نسح وتنسيق مكتبة مشكاة السلمية‬

‫مقدمة في علم النشاء‬


‫النشاء لغة الشروع واليجاد والوضع تقول أنشأ الغلم‬
‫يمشي إذا شرع في المشي وأنشأ الله العالم أوجدهم‬
‫وأنشأ فلن الحديث وضعه واصطلحا ً علم يعرف به‬
‫كيفية استنباط المعاني وتأليفها مع التعبير عنها بلفظ‬
‫لئق بالمقام وهو مستمد من جميع العلوم‪ .‬وذلك لن‬
‫الكاتب ل يستثنى صنفا ً من الكتابة فيخوض في كل‬
‫المباحث ويتعمد النشاء في كل المعارف البشرية‪.‬‬
‫وينحصر المقصود منه في ثلثة أبواب وخاتمة وملحق‪.‬‬
‫الباب الول في أصول النشاء‬
‫وهي أربعة‪ :‬مؤاده وخواصه وطبقاته ومحاسنه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أما مواده فثلث‪ :‬الولى‪ :‬اللفاظ الفصيحة الصريحة‪,.‬‬
‫الثانية‪ :‬المعاني‪ .‬الثالثة‪ :‬إيراد المعنى الواحد بطرق‬
‫مختلفة ومرجعها إلى الفصاحة وعلمي المعاني والبيان‪.‬‬
‫ل‪ :‬الوضوح‬ ‫وأما خواصه فهي محاسنه السبعة وهي‪ :‬أو ً‬
‫بأن يختار المفردات البينة الدللة على المقصود وأن‬
‫يعدل عن كثرة العوامل في المجلة الواحدة وإن‬
‫يتحاشى عن اللتباس في استعمال الضمائر وأن نسبك‬
‫الجمل سبكا ً جليا ً بدون تعقيد والتباس وأن يتحاشى عن‬
‫كثرة الجمل العتراضية‪.‬‬
‫وثانيًا‪ :‬الصراحة بأن يكون النشاء سالما ً من ضعف‬
‫التأليف وغرابة التعبير بحيث يكون الكلم حرا ً مهذبا ً‬
‫تناسب ألفاظه للمعاني المقصودة كما قيل‪:‬‬
‫ه‬
‫ن معانيه ألفاظ ُ‬
‫تزي ُ‬

‫ت المعاني‬ ‫وألفاظه زائنا ُ‬


‫ويكون الكلم صريحا ً بانتقاء اللفاظ الفصيحة‬
‫والمفردات الحرة الكريمة وكذا بإصابة المعاني وتنقيح‬
‫العبارات مع جودة مقاطع الكلم وحسن صوغه وتأليفه‪.‬‬
‫وكذا بمراعاة الفصل والوصل وهو العلم‬
‫) ‪(1/1‬‬

‫بمواضع العطف والستئناف والهتداء إلى كيفية إيقاع‬


‫حروف العطف في مواقعها‪.‬‬
‫وثالثًا‪ :‬الضبط وهو حذف فضول الكلم وإسقاط‬
‫مشتركات اللفاظ كقول قيس بن الخطيم المتوفي‬

‫‪2‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫سنة ‪612‬م‪.‬‬
‫ة‬
‫ت ل يرعى على ذي قراب ٍ‬
‫أرى المو َ‬

‫دنيا عزيزا ً بمقعد‬


‫ن كان في ال ّ‬
‫وإ ْ‬

‫لعمرك ما اليام إل ّ معارةٌ‬

‫ت من معروفها فتزّود‬
‫فما اسطع َ‬

‫ورابعًا‪ :‬الطبعية بأن يخلو الكلم من التكلف والتصنع‬


‫كما قال في رثاء ابنه أو العتاهية المتوفي سنة ‪211‬ه?‪.‬‬
‫بكيتك يا بني بدمع عيني‬

‫فلم يغن البكاُء عليك شّيا‬

‫ت‬
‫وكانت في حياتك لي عظا ٌ‬
‫وأنت اليوم أوع ُ‬
‫ظ منك حّيا‬

‫وذلك لن من تطبع طبعه نزعته العادة حتى ترده إلى‬


‫طبعه كما أن الماء إذا أسخنته وتركته عاد إلى طبعه‬
‫من البرودة‪ .‬وحينئذ الطبع أملك‪.‬‬
‫وخامسًا‪ :‬السهولة بأن يخلص الكلم من التعسف في‬
‫السبك وأن يختار ما لن منها كما قال في الشواق بهاء‬
‫الدين زهير المتوفي سنة ‪656‬ه?‪.‬‬
‫شوقي إلي َ‬
‫ك شديد ٌ‬

‫‪3‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ت وأزيد ْ‬
‫كما علم َ‬

‫ف تنكُر حّبا‬
‫فكي َ‬

‫بهِ ضميرك يشهد ْ‬


‫وأن تهذب الجمل وأن يأتلف اللفظ مع اللفظ مع‬
‫مراعاة النظير كما قال الشاعر في الوداع‪.‬‬
‫ن ظعنا‬‫ف الله ظاع ٌ‬
‫في كن ِ‬

‫أودع قلبي وداعه حزنا‬

‫ت بعده حسنا‬ ‫ت أبصر ُ‬


‫ن كن ُ‬
‫ت مقلتي محاسنه=إ ْ‬ ‫ل أبصر ْ‬
‫قال بعض البلغاء أحذركم من التقعير والتعمق في‬
‫القول وعليكم بمحاسن اللفاظ والمعاني المستخفة‬
‫المستملحة فإن المعنى المليح إذا كسي لفظا ً حسنا ً‬
‫وأعاره البليغ مخرجا ً سهل ً كان في فلب السامع أحلى‬
‫ولصدره أمل قال البستي‪:‬‬
‫م فقده ُ عفوا ً‬
‫إذا انقاد َ الكل ُ‬

‫إلى ما تشتهيه من المعاني‬


‫ن تأبى‬ ‫ول تكره ْ بيان َ‬
‫كأ ْ‬

‫فل إكراه َ في دين البيان‬

‫وسادسًا‪ :‬التساق بأن تتناسب المعاني كقول المتنبي‬

‫‪4‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫المتوفي سنة ‪346‬ه?‪.‬‬
‫ت حتى قادني الشوقُ نحوه‬
‫ومازل ُ‬

‫ب له ذكُر‬ ‫يسايرني في ك ّ‬
‫ل رك ٍ‬

‫ه‬ ‫وأستكبُر الخباَر قب َ‬


‫ل لقائ ِ‬

‫ما التقينا صغَّر الخبَر الخبُر‬


‫فل ّ‬
‫) ‪(1/2‬‬

‫وسابعًا‪ :‬الجزالة وهي إبراز المعاني الشريفة في‬


‫معارض من اللفاظ النيقة اللطيفة كقول الصابئ‬
‫المتوفي سنة ‪384‬ه?‪.‬‬
‫لك في المحافل منطقٌ يشفي الجوى‬

‫ويسوغُ في أذن الديب سلفه‬

‫خ ٌ‬
‫ل‬ ‫ن لفظ َ‬
‫ك لؤلؤ ٌ متن ّ‬ ‫فكأ ّ‬

‫ه‬
‫وكأّنما آذاننا أصداف ُ‬
‫وأما عيوبه فسبعة الهجنة بأن يكون اللفظ سخيفا ً‬
‫والمعنى مستقبحا ً كقوله‪:‬‬
‫ه بصل ً‬‫ت من ُ‬
‫وإذا أدني َ‬

‫‪5‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ك على ريح البصل‬ ‫ب المس َ‬
‫غل َ‬
‫والوحشية كون الكلم غليظا ً تمجه السماع وتنفر منه‬
‫الطباع كقوله‪:‬‬
‫وما أرضى لمقلتهِ بحلم‬

‫ه ابتشاكا‬
‫هم ُ‬
‫ت تو ّ‬
‫إذا انتبه َ‬
‫والركاكة ضعف التأليف وسخافة العبارة كقول المتنبي‬
‫المتوفي سنة ‪346‬ه?‪.‬‬
‫ن‬
‫ن كان مثلك كان أو هو كائ ٌ‬ ‫إ ْ‬

‫ت حينئذ ٍ من السلم‬
‫فبرئ ُ‬

‫والسهو عبارة عن ضعف البصر بمواقع الكلم المتنبي‬


‫يشبه ممدوحه بالله تعالى )وهو كفر(‪.‬‬
‫م عن إدراكه‬ ‫تتقاصُر الفها ُ‬

‫دني‬
‫ه وال ّ‬
‫ك من ُ‬ ‫مثل الذي الفل ُ‬
‫والسهاب الطالة الزائدة المملة في شرح المادة‬
‫والعدول إلى الحشو كقوله‪:‬‬
‫ة‬
‫س طالع ٌ‬‫شم ُ‬ ‫أعنى فتى لم تذّر ال ّ‬

‫يوما ً من ال ّ‬
‫دهر إل ضّر أو نفعا‬
‫والجفاف اليجاز والختصار المخل كقول الحارث بن‬
‫حلزة المتوفي سنة ‪232‬ه?‪.‬‬
‫ك‬‫ش خيٌر في ظلل الّنو ِ‬‫والعي ُ‬

‫‪6‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫دا‬
‫شك ّ‬
‫من عا َ‬
‫م ّ‬
‫) ‪(1/3‬‬

‫ووحدة السياق التزام أسلوب واحد من التعبير وطريقة‬


‫واحدة من التركيب بحيث تكون للذهان كلل وللقلوب‬
‫مل ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وللكلم عيوب كثيرة منها اللحن ومخالفة القياس‬
‫الصرفي وضعف التأليف والتعقيد والتكرار وتتابع‬
‫الضافات إلى غير ذلك من الشياء التي تكون ثقيلة‬
‫على اللسان مخالفة للذوق والعرب غريبة على السمع‪.‬‬
‫وأما طبقاته ثلث الولى‪ :‬الطبقة السفلى ومرجعها إلى‬
‫النشاء الساذج وهو ما عرا عن رقة المعاني وجزالة‬
‫اللفاظ والتأنق في التعبير فهو بالكلم العادي أشبه‬
‫لسهولة مأخذه وقرب مورده ويستعمل في المحافل‬
‫العمومية ليقرب منال المعاني على جمهور السامعين‬
‫في المقالت والتأليف العلمية لينصرف الذهن إلى أخذ‬
‫المعنى وليس دونه حائل من جهة العبارة وفي‬
‫المكاتبات الهلية والرحلت والسفار والخبار وما شابه‬
‫ذلك )الثانية‪ :‬الطبقة العليا( ومرجعها إلى النشاء‬
‫العالي وهو ما شحن بغرر اللفاظ وتعلق بأهداب‬
‫المجاز ولطائف التخيلت وبدائع التشابيه فيفتن ببراعته‬
‫العقول ويسحر اللباب ويصلح في الترسل بين بلغاء‬
‫الكتاب وفي المجالس الدبية وديباجة بعض التصانيف‬
‫إلى غير ذلك من المواضع التي من شأنها الزجر‬

‫‪7‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وتحريك العواطف والحماسة‪.‬‬
‫)الثالثة‪ :‬الطبقة الوسطى( ومرجعها إلى النشاء النيق‬
‫وهو ما توسط بين النشاء العالي والساذج فيأخذ من‬
‫الول رونقه ومن الثاني جلءه وسلمته ويصلح في‬
‫مراسلت ذوي المراتب وفي الروايات المنمقة‬
‫والوصاف المسهبة وفي خطب المحافل وما أشبه‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وأما محاسنه فهي أساليب وطرائق معلومة وضعت‬
‫لتزيين الكلم وتنميقه لغرض أن يتمكن البليغ من ذهن‬
‫السامع بما يورده من أساليب الكلم المستحسنة‬
‫فيحرك أهواء النفس ويثير كامن حركاتها‪ ،‬ولغرض أن‬
‫يكون قوله أشد اتصال ً بالعقل وأقرب للدراك بتصرفه‬
‫في فنون البلغة‪.‬‬
‫?كيفية الشروع في عمل مواضيع النشاء‬
‫) ‪(1/4‬‬

‫إذا عن لك أو اقترح عليك إنشاء موضوع فأنت منوط‬


‫إذا ً بأمرين التفكر أول ً والكتابة ثانيا ً فإذا أنعمت الفكر‬
‫مليا ً في أجزاء الموضوع بعد استيلء الحساس بها على‬
‫قلبك وقلبتها على جميع الوجه الممكنة فيها تولد في‬
‫خيالك لكل جزء عدة صور تتفاوت في تأديته كتفاوت‬
‫صور المنظوم في الحسن والقبح فبعضها يستميل‬
‫النفوس بتأثيره في الحواس وبعضها يوجب نفورها‬
‫وبعضها بين بين‪ ،‬وإذا تشخصت الصور في الخيال يتخير‬
‫العقل منها ماله المكانة الرفيعة في حسن تأدية‬

‫‪8‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الغرض المناسب للمقام فإن كان المقام للتحريض‬
‫على القتال مثل ً انتخب الصورة المهيجة للحساس‬
‫المشجعة للنفس على اقتحام الخطار وإن كان المقام‬
‫مقام فرح وسرور انتخب نما يشرح الصدور وتقر به‬
‫العيون وتروق به الرواح ويذهب عنها الحزن والتراح‪.‬‬
‫وبعد تشخيص الصور وتخير المناسب منها تعتن أيها‬
‫المنشئ بحسن تأليف وترتيب ما تخيرته بأن تجمع‬
‫الصور المناسبة التي يرتبط بعضها ببعض بدون تكلف‬
‫بحيث يكون المجموع منسجما ً يمضي وحده مع النفس‬
‫دون علج وتعب في فهم الغرض منه وحينئذ يمكنك‬
‫إظهار هذه الصورة المعقولة في صورة محسوسة‬
‫بواسطة القلم‪.‬‬
‫أركان الكتابة‬
‫اعلم أن للكتابة أركانا ً لبد من إيداعها في كل كتاب‬
‫بلغي ذي شأن‪ .‬أولها أن يكون مطلع الكتاب عليه جدة‬
‫ورشاقة فإن الكاتب من أجاد المطلع والمقطع‪ .‬أو‬
‫يكون مبنيا ً على مقصد الكتاب‪ .‬الثاني‪ :‬أن يكون خروج‬
‫الكاتب من معنى إلى معنى برابطة لتكون رقاب‬
‫المعاني آخذة بعضها ببعض ول تكون مقتضبة‪ .‬الثالث‪:‬‬
‫أن تكون ألفاظ الكتاب غير مخلولقة بكثرة الستعمال‪.‬‬
‫) ‪(1/5‬‬

‫ول أريد بذلك أن تكون ألفاظا ً غريبة فإن ذلك عيب‬


‫فاحش بل أريد أن تكون اللفاظ المستعملة مسبوكة‬
‫سبكا ً غريبا ً يظن السامع أنها غير ما في أيدي الناس‬

‫‪9‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وهي مما في أيدي الناس‪ .‬وهناك معترك الفصاحة التي‬
‫تظهر فيسه الخواطر براعتها والقلم شجاعتها‪ .‬وهذا‬
‫الموضع بعيد المنال كثير الشكال يحتاج إلى لطف ذوق‬
‫وشهامة خاطر وليس كل خاطر براق إلى هذه الدرجة‬
‫ل‬ ‫ه ُذو ال َْف ْ‬
‫ض ِ‬ ‫شآُء َوالل ّ ُ‬ ‫ل الل ّهِ ي ُؤ ِْتيهِ َ‬
‫من ي َ َ‬ ‫ك فَ ْ‬
‫ض ُ‬ ‫)ذ َل ِ َ‬
‫م( ]الحديد‪ [21 :‬ومع هذا فل تظن أيها الناظر في‬ ‫ال ْعَ ِ‬
‫ظي ِ‬
‫كتابي أني أردت بهذا القول إهمال جانب المعاني بحيث‬
‫يؤتى باللفظ الموصوف بصفات الحسن والملحة‬
‫وليكون تحته من المعنى ما يماثله ويساويه فإنه إذا‬
‫كان كذلك كان كصورة حسنة بديعة في حسنها إل أن‬
‫صاحبها بليد أبله‪ .‬والمراد أن تكون هذه اللفاظ المشار‬
‫إليها جسما ً لمعنى شريف‪.‬‬
‫على أن تحصيل المعاني الشريفة على الوجه الذي‬
‫أشرت إليه أيسر من تحصيل اللفاظ المشار إليها‪.‬‬
‫ولقد رأيت كثيرا من الجهال الذين هم من السوقة‬
‫أرباب الحرف والصنائع وما منهم إل من يقع له المعنى‬
‫الشريف ويظهر من مخاطره المعنى الدقيق ولكنه‬
‫ليحسن أن يزوج بين لفظين‪.‬‬
‫فالعبارة عن المعاني هي التي تخلب بها العقول‪ .‬وعلى‬
‫هذا فالناس كلهم مشتركون في استخراج المعاني فإنه‬
‫ليمنع الجاهل الذي ليعرف علما من العلوم أن يكون‬
‫ذكيا بالفطرة‪ .‬واستخراج المعاني إنما هو بالذكاء ل‬
‫بتعلم العلم‪.‬‬
‫فإذا استكملت معرفة هذه الركان وأتيت بها في كل‬
‫كتاب بلغي ذي شأن فقد استحققت حينئذ فضيلة‬
‫التقدم ووجب لك أن تسمي نفسك كاتبا‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫)عن المثل السائر باختصار(‬
‫كيفية نظم الكلم‬
‫) ‪(1/6‬‬

‫إذا أردت أن تصنع كلما ً فأخطر معانيه ببالك‪ .‬وتنق له‬


‫كرائم اللفظ واجعلها على ذكر منك ليقرب عليك‬
‫تناولها ول يتعبك تطلبها‪ .‬واعلمه ما دمت في شباب‬
‫نشاطك فإذا غشيك الفتور وتخونك الملل فأمسك‪.‬‬
‫فإن الكثير مع الملل قليل والنفيس مع الضجر‬
‫خسيس‪ .‬والخواطر كالينابيع يسقى منها شيء بعد‬
‫شيء فتجد حاجتك من الري وتنال أربك من المنفعة‬
‫فإذا أكثرت عليها نضب ماؤها وقل عنك وعناؤها‪ .‬واعلم‬
‫أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الطول بالكد‬
‫والمطالبة والمجاهدة والتكلف والمعاودة‪ .‬وإياك‬
‫والتوعر فإن التوعر يسلمك إلى التعقيد والتعقيد هو‬
‫الذي يستهلك معانيك ويشين ألفاظك‪ .‬ومن أراد معنى‬
‫كريما ً فليلتمس له لفظا ً كريما ً فإن من حق المعنى‬
‫الشريف اللفظ الشريف‪ .‬فإذا لم تجد اللفظة واقعة‬
‫موقعها صائرة إلى مستقرها حالة في مركزها متصلة‬
‫بسلكها بل وجدتها قلقة في موضعها نافرة عن مكانها‬
‫فل تكرهها اغتصاب الماكن والنزول في غير أوطانها‬
‫فإنك إن لم تتعاط قريض الشعر المنظوم ولم تتكلف‬
‫اختيار الكلم المنثور لم يعبك بذلك أحد‪ .‬وإن تكلفته‬
‫ولم تكن حاذقا ً مطبوعا ً ول محكما ً لشأنك بصيرا ً عابك‬
‫من أنت أقل عيبا ً منه وزرى عليك من هو دونك‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فإن لم تسمح لك الطبيعة بنظم الكلم في أول وهلة‬
‫وتعصى عليك بعد إجالة الفكرة فل تعجل ودعه سحابة‬
‫يومك ول تضجر وأمهله سواد ليلتك وعاوده عند‬
‫نشاطك فإنك ل تعدم الجابة والمؤاتاة‪ .‬فإن تمنع عليك‬
‫بعد ذلك مع ترويح الخاطر وطول المهال فتحول من‬
‫هذه الصناعة إلى أشهى الصناعات إليك وأخفها عليك‬
‫فإنك لم تشتهها إل وبينكما نسب‪ .‬والشيء ل يحن إل‬
‫إلى ما شاكله‪.‬‬
‫وينبغي أن تعرف أقدار المعاني فتوازن بينها وبين‬
‫أوزان المستمعين وبين أقدار الحالت فتجعل لكل‬
‫طبقة كلما ً ولكل حال مقاما ً حتى تقسم أقدار المعاني‬
‫على أقدار المقامات وأقدار المستمعين‪ .‬على أقدار‬
‫الحالت‪.‬‬
‫)عن كتاب الصناعتين باختصار(‬
‫??الطريق إلى تعلم الكتابة‬
‫) ‪(1/7‬‬

‫إن الطريق إلى تعلم الكتابة على ثلث شعب‪ :‬الولى‬


‫أن يتصفح الكاتب كتابة المتقدمين ويطلع على‬
‫أوضاعهم في استعمال اللفاظ والمعاني ثم يحذو‬
‫حذوهم وهذه أدنى الطبقات عندي‪.‬‬

‫والثانية أن يمزج كتابة المتقدمين بما يستجيده لنفسه‬


‫من زيادة حسنه أما في تحسين ألفاظ أو في تحسين‬
‫معان وهذه هي الطبقة الوسطى وهي أعلى من التي‬

‫‪12‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قبلها‪ .‬والثالثة أن ل يتصفح كتابة المتقدمين ول يطلع‬
‫على شيء منها بل يصرف همه إلى حفظ القرآن‬
‫الكريم وعدة من دواوين فحول الشعراء ممن غلب‬
‫على شعره الجادة في المعاني واللفاظ‪ .‬ثم يأخذ في‬
‫القتباس فيقوم ويقع ويخطئ ويصيب ويضل ويهتدي‬
‫حتى يستقيم على طريقة يفتتحها لنفسه‪ .‬وأخلق بتلك‬
‫الطريق أن تكون مبتدعة غريبة ل شركة لحد من‬
‫المتقدمين فيها‪ .‬وهذه الطريق هي طريق الجتهاد‬
‫وصاحبها يعد إماما ً في فن الكتابة إل أنها مستوعرة جدا ً‬
‫ول يستطيعها إل من رزقه الله لسانا ً هجاما ً وخاطرا ً‬
‫رقامًا‪ .‬ول أريد بهذه الطريق أن يكون الكاتب مرتبطا ً‬
‫في كتابته بما يستخرجه من القرآن الكريم والشعر‬
‫بحيث إنه ل يستثنى كتابا ً إل من ذلك بل أريد أنه إذا‬
‫حفظ القرآن وأكثر من حفظ الشعار ثم نقب عن ذلك‬
‫تنقيب مطلع على معانيه مفتش عن دفائنه وقلبه ظهرا ً‬
‫لبطن عرف حينئذ من أين تؤكل الكتف فيما ينشئه من‬
‫ذات نفسه واستعان بالمحفوظ على الغريزة الطبيعية‪.‬‬
‫)المثل السائر باختصار(‬
‫كيفية تهذيب الكلم وأوقات تأليفه‬
‫) ‪(1/8‬‬

‫تهذيب الكلم عبارة عن ترداد النظر فيه بعد عمله‬


‫نظما ً كان أو نثرا ً وتغيير ما يجب تغييره وحذف ما‬
‫ينبغي حذفه وإصلح ما يتعين إصلحه وتحرير ما يدق‬
‫من معانيه وإطراح ما يتجافى عن مضاجع الرقة من‬

‫‪13‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫غليظ ألفاظه لتشرق شموس التهذيب في سماء بلغته‬
‫وترشف السماع على الطرب رقيق سلفته‪ .‬فإن‬
‫الكلم إذا كان موصوفا ً بالمهذب منعوتا ً بالمنقح علت‬
‫رتبته وإن كانت معانيه غير مبتكرة‪ .‬وكل كلم قيل فيه‪:‬‬
‫لو كان موضع هذه الكلمة غيرها ولو تقدم هذا المتأخر‬
‫وتأخر هذا المتقدم‪ .‬أو لو تمم هذا النقص بكذا ا‪ ,‬تكمل‬
‫هذا الوصف بكذا‪ .‬أو لو حذفت هذه اللفظة أو لو اتضح‬
‫هذا المقصد وسهل هذا المطلب لكان الكلم أحسن‬
‫والمعنى أبين‪ .‬كان ذلك الكلم غير منتظم في نوع‬
‫التهذيب‪.‬‬
‫وكان زهير بن أبي سلمى معروفا ً بالتنقيح والتهذيب‬
‫وله قصائد تعرف بالحوليات‪ .‬قيل‪ :‬إنه كان ينظم‬
‫القصيدة في أربعة أشهر ويهذبها وينقحها في أربعة‬
‫أشهر ويعرضها على علماء قبيلته أربعة أشهر‪ .‬ولهذا‬
‫كان المام عمر بن الخطاب مع جللته في العلم‬
‫وتقدمه في النقد يقدمه على سائر الفحول من طبقته‬
‫وما أحسن ما أشار أبو تمام إلى التهذيب بقوله‪:‬‬
‫دجى‬ ‫ة الفكرِ المهذ ّ ِ‬
‫ب في ال ّ‬ ‫خذها ابن َ‬

‫واللي ُ‬
‫ل أسود ُ رقعةِ الجلباب‬
‫) ‪(1/9‬‬

‫فإنه خص تهذيب الفكر بالدجى لكون الليل تهدأ فيه‬


‫الصوات وتسكن الحركات فيكون الفكر فيه مجتمعا ً‬
‫ومرآة التهذيب فيه صقيلة لخلو الخاطر وصفاء القريحة‬

‫‪14‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لسيما وسط الليل‪.‬‬
‫قال أبو عبادة البحتري‪ :‬كنت في حداثتي أروي الشعر‬
‫وكنت أرجع فيه إلى طبع سليم ولم أكن وقفت له على‬
‫تسهيل مأخذ ووجوه اقتضاب حتى قصدت أبا تمام‬
‫وانقطعت إليه واتكلت في تعريفه عليه‪ .‬فكان أول ما‬
‫قال لي‪ :‬يا أبا عبادة تخير الوقات وأنت قليل الهموم‬
‫صفر من الغموم واعلم أن العادة في الوقات إذا قصد‬
‫النسان تأليف شيء أو حفظه أن يختار وقت السحر‬
‫وذلك أن النفس تكون قد أخذت حظها من الراحة‬
‫وقسطها من النوم وخف عليها ثقل الغذاء‪ .‬واحذر‬
‫المجهول من المعاني وإياك أن تشين شعرك باللفاظ‬
‫الوحشية وناسب بين اللفاظ والمعاني في تأليف‬
‫الكلم وكن كأنك خياط تقدر الثياب على مقادير‬
‫الجسام‪ .‬وإذا عارضك الضجر فأرح نفسك ل تعمل إل‬
‫وأنت فارغ القلب ول تنظم إل بشهوة فإن الشهوة نعم‬
‫المعين على حسن النظم‪ .‬وجملة الحال أن تعتبر‬
‫شعرك بما سلف من أشعار الماضين فما استحسن‬
‫العلماء فاقصده وما استقبحوه فاجتنبه‪.‬‬
‫)عن خزانة الدب وزهر الداب باختصار(‬
‫محاسن النشاء ومعايبه‬
‫) ‪(1/10‬‬

‫إن للنثر محاسن ومعايب يجب على المنشئ أن يفرق‬


‫بينهما محترزا ً من استعمال اللفاظ الغريبة وما يخل‬
‫بفهم المراد ويوجب صعوبته ولبد من أن يجعل اللفاظ‬

‫‪15‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تابعة للمعاني دون العكس‪ .‬لن المعاني إذا تركبت‬
‫على سجيتها طلبت لنفسها ألفاظا ً تليق بها فيحسن‬
‫اللفظ والمعنى جميعًا‪ .‬وأما جعل اللفاظ متكلفة‬
‫والمعاني تابعة لها فهو شأن من لهم شغف بإيراد شيء‬
‫من المحسنات اللفظية فيصرفون العناية إليها ويجعلون‬
‫الكلم كأنه غير مسوق لفادة المعنى‪ .‬فل يبالون بخفاء‬
‫الدللت وركاكة المعنى ومن أعظم ما يليق بمن‬
‫يتعاطى النشاء أن يكتب ما يراد ل ما يريد كما قيل في‬
‫الصاحب والصابئ‪ :‬أن الصابئ يكتب ما يراد والصاحب‬
‫يكتب ما يريد‪.‬‬
‫)عن آداب المنشئ ببعض تصرف(‬
‫فصاحة اللفاظ ومطابقتها للمعاني‬
‫فصاحة اللفاظ تكون بثلثة أوجه‪ :‬الول مجانبة الغريب‬
‫الوحشي حتى ل يمجه سمع ول ينفر منه طبع‪ .‬والثاني‬
‫تنكب اللفظ المبتذل والعدول عن الكلم المسترذل‬
‫حتى ل يستسقطه خاصي ول ينبو عنه فهم عامي كما‬
‫قال الجاحظ في "كتاب البيان"‪ :‬أما أنا فلم أر قوما ً‬
‫أمثل طريقة في البلغة من الكتاب وذلك أنهم قد‬
‫التمسوا من اللفاظ ما لم يكن متوعرا ً وحشيا ً ول‬
‫ساقطا ً عاميًا‪.‬‬
‫والثالث أن يكون بين اللفاظ ومعانيها مناسبة‬
‫ومطابقة‪ .‬أما المطابقة فهي أن تكون اللفاظ‬
‫كالقوالب لمعانيها فل تزيد عليها ول تنقص عنها‪ .‬وأما‬
‫المناسبة فهي أن يكون المعنى يليق ببعض اللفاظ إما‬
‫لعرف مستعمل أو لتفاق مستحسن حتى إذا ذكرت‬
‫تلك المعاني بغير تلك اللفاظ كانت نافرة عنها وإن‬

‫‪16‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كانت أفصح وأوضح لعتياد ما سواها‪.‬‬
‫)أدب الدين والدنيا باختصار(‬
‫حقيقة الفصاحة‬
‫) ‪(1/11‬‬

‫اعلم أن هذا موضوع متعذر على الوالج ومسلك متوعر‬


‫على الناهج‪ .‬ولم تزل العلماء من قديم الوقت وحديثه‬
‫يكثرون القول فيه والبحث عنه‪ .‬ولم أجد من ذلك ما‬
‫يعول عليه إل القليل‪.‬‬
‫وغاية ما يقال في هذا الباب أن الفصاحة هي الظهور‬
‫والبيان في أصل الوضع اللغوي يقال‪ :‬أفصح الصبح إذا‬
‫ظهر‪ .‬ثم إنهم يقفون عند ذلك ل يكشفون عن السر‬
‫فيه‪ .‬وبهذا القول ل تتبين حقيقة الفصاحة لنه يعترض‬
‫عليه بوجوه من العتراضات‪ .‬أحدها أنه إذا لم يكن‬
‫اللفظ ظاهرا ً بينا ً لم يكن فصيحا ً ثم إذا ظهر وتبين صار‬
‫فصيحا ً الوجه الثاني إنه إذا كان اللفظ الفصيح هو‬
‫الظاهر البين فقد صار ذلك بالنسب والضافات إلى‬
‫الشخاص‪ .‬فإن اللفظ قد يكون ظاهرا ً لزيد ول يكون‬
‫ظاهرا ً لعمرو‪ .‬فهو إذا ً فصيح عند هذا وغير فصيح عند‬
‫هذا‪ .‬وليس كذلك بل الفصيح هو فصيح عند الجميع ل‬
‫خلف فيه بحال من الحوال‪ .‬لنه إذا تحقق حد‬
‫الفصاحة وعرف ما هي لم يبق في اللفظ الذي يختص‬
‫به خلف‪ .‬الوجه الثالث أنه إذا جيء بلفظ قبيح ينبو عنه‬
‫السمع وهو مع ذلك ظاهر بين ينبغي أن يكون فصيحًا‪.‬‬
‫وليس كذلك لن الفصاحة وصف حسن للفظ ل وصف‬

‫‪17‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قبح‪.‬‬
‫ولما وقفت على أقوال الناس في هذا الباب ملكتني‬
‫الحيرة فيها ولم يثبت عندي منها ما أعول عليه‪ .‬ولكثرة‬
‫ملبستي هذا الفن ومعاركتي إياه انكشف لي السر فيه‬
‫وسأوضحه في كتابي هذا وأحقق القول فيه فأقول‪ :‬إن‬
‫الكرم الفصيح هو الظاهر البين‪ .‬وأعني بالظاهر البين‬
‫أن تكون ألفاظه مفهومة ل يحتاج في فهمها إلى‬
‫استخراج من كتاب لغة‪ .‬وإنما بهذه الصفة لنها تكون‬
‫مألوفة الستعمال دائرة في الكلم دون غيرها من‬
‫اللفاظ لمكان حسنها‪ .‬وذلك أن أرباب النظم والنثر‬
‫غربلوا اللغة باعتبار ألفاظها وسبروا وقسموا‪ .‬فاختاروا‬
‫الحسن من اللفاظ حتى استعملوه وعلموا القبيح منها‬
‫فلم يستعملوه‪ .‬فحسن الستعمال سبب استعمالها‬
‫دون غيرها‪ .‬واستعمالها دون غيرها سبب ظهورها‬
‫وبيانها‪ .‬فالفصيح إذا ً من اللفاظ هو الحسن‪.‬‬
‫) ‪(1/12‬‬

‫فإن قيل من أي وجه علم أرباب النظم والنثر الحسن‬


‫من اللفاظ حتى استعملوه وعلموا القبيح منها حتى‬
‫نفوه ولم يستعملوه قلت في الجواب‪ :‬إن هذا من‬
‫المور المحسوبة التي شاهدها من نفسها‪ .‬لن اللفاظ‬
‫داخلة في حيز الصوات‪ .‬فالذي يستلذه السمع منها‬
‫ويميل إليه هو الحسن‪ .‬والذي يكرهه وينفر عنه هو‬
‫القبيح‪ .‬أل ترى أنى السمع يستلذ صوت البلبل من‬
‫الطير وصوت الشحرور ويميل إليهما ويكره صوت‬

‫‪18‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الغراب وينفر عنه‪ .‬وكذلك يكره نهيق الحمار ول يجد‬
‫ذلك في صهيل الفرس‪ . .‬واللفاظ جارية هذا المجرى‬
‫فإنه ل خلف في أن لفظة المزنة والديمة حسنة‬
‫يستلذها السمع‪ .‬وإن لفظة البعاق قبيحة يكرهها‬
‫السمع‪ .‬وهذه اللفظات الثلث من صفة المطر وهي‬
‫تدل على معنى واحد‪ .‬ومع هذا فإنك ترى لفظتي‬
‫المرنة والديمة وما جرى مجراهما مألوفتي الستعمال‬
‫وترى لفظ البعاق وما جرى مجراه متروكا ليستعمل‪.‬‬
‫وإن استعمل فإنما يستعمله جاهل بحقيقة الفصاحة أو‬
‫من ذوقه غير ذوق سليم‪ .‬ول جرم أنه ذم وقدح فيه‬
‫ولم يلتفت إليه وإن كان عربيا محضا من الجاهلية‬
‫القدمين‪ .‬فإن حقيقة الشيء إذا علمت وجب الوقوف‬
‫عندها ولم يعرج على ما خرج عنها‪.‬‬
‫)عن ابن الثير باختصار(‬
‫?النسجام‬
‫) ‪(1/13‬‬

‫النسجام لغة جريان الماء وعند أهل البلغة هو أن يأتي‬


‫الناظم أو الناثر بكلم خال من التعقيد اللفظي‬
‫والمعنوي بسيطا مفهوما دقيق اللفاظ جليل المعنى‬
‫لتكلف فيه ول تعسف يتحدر كتحدر الماء المنسجم‬
‫فيكاد لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه أن يسيل رقة‪.‬‬
‫وليكون ذلك إل في من هو مطبوع على سلمة الذوق‬
‫وتوقد الفكرة وبراعة النشاء وحسن الساليب‪ .‬وإن‬
‫فحول هذا الميدان ما أثقلوا كاهل سهولته بنوع من‬

‫‪19‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أنواع البديع اللهم إل أن يأتي عفوا من غير قصد‪ .‬وعلى‬
‫هذا أجمع علماء البديع في حد هذا النوع فإنهم قرروا‬
‫أن يكون بعيدا من التصنع خاليا من النواع البديعية إل‬
‫أن يأتي في ضمن السهولة من غير قصد‪ .‬فإن كان‬
‫النسجام في النثر تكون أغلب فقراته موزونة من غير‬
‫قصد وإن كان في النظم فتكاد البيات أن تسيل رقة‬
‫وعذوبة وربما دجلت في المطرب المرقص‪.‬‬
‫)بديعية العميان بديعية الحموي(‬
‫حل الشعر‬
‫حل البيات الشعرية ينقسم إلى ثلثة أقسام‪ :‬الول‪:‬‬
‫منها وهو أدناه مرتبة أن يأخذ الناثر بيتا من الشعر‬
‫فينثره بلفظه من غير زيادة وهذا عيب فاحش‪ .‬ومثاله‬
‫كمن أخذ عقدا قد أتقن نظمه وأحسن تأليفه فأوهاه‬
‫وبدده وكان يقوم عذره في ذلك إن لو نقله عن كونه‬
‫عقدا إلى صورة أخرى مثله أو أحسن منه‪ .‬وأيضا فإنه‬
‫إذا نثر الشعر بلفظه كان صاحبه مشهور السرقة فيقال‬
‫هذا شعر فلن بعينه لكون ألفاظه باقية لم يتغير منها‬
‫شيء‪ .‬وقد سلك هذا المسلك بعض العراقيين فجاء‬
‫مستهجنا كقوله في بعض أبيات الحماسة‪:‬‬
‫ي كأنما‬
‫ق عل ّ‬
‫وألد ّ ذي حن ٍ‬

‫ل‬
‫في مرج ِ‬ ‫تغلي عداوة ُ صدرهِ‬
‫قصدهُ‬ ‫أزجيته عني فأبصَر‬

‫ل‬
‫وكويته فوقَ الّنواظرِ من ع ِ‬
‫) ‪(1/14‬‬
‫‪20‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فقال في نثر هذين البيتين‪ :‬فكم لقي ألد ذا حنق كأنه‬


‫ينظر إلى الكواكب من عل وتغلي عداوة صدره في‬
‫مرجل فكواه فوق ناظريه وأكبة لفمه ويديه‪ .‬فلم يزد‬
‫هذا الناثر على أن أزال رونق الوزن وطلوة النظم‬
‫لغير‪.‬‬
‫ومن هذا القسم ضرب محمود لعيب فيه وهو أن يكون‬
‫البيت من الشعر قد تضمن شيئا ل يمكن تغيير لفظه‬
‫فحينئذ يعذر ناثره إذا أتى بذلك اللفظ وكذلك المثال‬
‫السائرة فإنه لبد من ذكرها على ما جاءت في الشعر‪.‬‬
‫وأما القسم الثاني‪ :‬وهو وسط بين الول والثالث في‬
‫المرتبة فهو أن ينثر المعنى المنظوم ببعض ألفاظه‬
‫ويعبر عن البعض بألفاظ أخر‪ ..‬هناك تظهر الصنعة في‬
‫المماثلة والمشابهة ومؤاخاة اللفاظ الباقية باللفاظ‬
‫المرتجلة فإنه إذا أخذ لفظا لشاعر مجيد قد نقحه‬
‫وصححه فقرنه بما ليلئمه كان كمن جمع بين لؤلؤة‬
‫وحصاد‪ .‬ولخفاء بما في ذلك من النتصاب للقدح‬
‫والستهداف للطعن‪ .‬والطريق المسلوك إلى هذا‬
‫القسم أن تأخذ بعض بيت من البيات الشعرية هو‬
‫أحسن ما فيه ثم تماثله‪ .‬وسأورد ههنا مثال واحدا ليكون‬
‫قدوة للمتعلم فأقول‪ :‬قد ورد هذا البيت من شعر أبي‬
‫تمام في وصف قصيدة له‪:‬‬
‫ة‬
‫ن حكم ً‬ ‫ذاُء تمل ك ّ‬
‫ل أذ ٍ‬ ‫ح ّ‬

‫ة وتدّر ك ّ‬
‫ل وريدِ‬ ‫وبلغ ً‬
‫) ‪(1/15‬‬

‫‪21‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فقوله‪) :‬تمل كل أذن حكمة( من الكلم الحسن وهو‬


‫أحسن ما في البيت‪ .‬فإذا أردت أن تنثر هذا المعنى فل‬
‫بد م استعمال لفظه بعينه لنه في الغاية القصوى من‬
‫الفصاحة والبلغة‪ .‬فعليك حينئذ أن تؤاخيه بمثله وهذا‬
‫عسر جدا وهو عندي أصعب مثال من نثر الشعر بغير‬
‫لفظه لنه مسلك ضيق لما فيه من التعرض لمماثلة ما‬
‫هو في غاية الحسن والجودة‪ .‬وأما نثر الشعر بغير‬
‫لفظه فذلك يتصرف فيه ناثره على حسب ما يراه‬
‫وليكون مقيدا فيه بمثال يضطر إلى مؤاخاته‪ .‬وقد‬
‫نثرت هذه الكلمات المشار إليها وأتيت بها في جملة‬
‫كتاب فقلت‪ :‬وكلمي قد عرف بين الناس واشتهر وفاق‬
‫مسير الشمس والقمر‪.‬وإذا عرف الكلم صارت‬
‫المعرفة له علقة وأمن من سرقته إذ لو سرق لدلت‬
‫عليه الوسامة‪ .‬ومن خصائص صفاته أن يمل كل أذن‬
‫حكمة ويجعل فصاحة كل لسان عجمة‪ .‬وإذا جرت‬
‫نفثاته في الفهام قالت أهذه بنت فكرة أم بنت كرمة‪.‬‬
‫فانظر كيف فعلت في هذا الموضع فإني لما أخذت تلك‬
‫الكلمات من البيت الشعري التزمت بأن أؤاخيها بما هو‬
‫مثلها أو أحسن منها فجئت بهذا الفصل كنا تراه‪ .‬وكذلك‬
‫ينبغي أن يفعل في ما هذا سبيله‪.‬‬
‫وأما القسم الثالث‪ :‬وهو أعلى من القسمين الولين‬
‫فهو أن يأخذ المعنى فيصاغ بألفاظ غير ألفاظه‪ .‬وثم‬
‫يتبين حذق الصائغ في صياغته ويعلم مقدار تصرفه في‬
‫صناعته فإن استطاع الزيادة على المعنى فتلك الدرجة‬
‫العالية إل أحسن التصرف وأتقن التأليف ليكون أولى‬

‫‪22‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بذلك المعنى من صاحبه الول واعلم أن من أبيات‬
‫الشعر ما يتسع المجال لناثره فيورده بضروب من‬
‫العبارات وذلك عندي شبيه بالمسائل السيالة في‬
‫الحساب التي يجاب عنها بعدة من الجوبة‪ .‬ومن‬
‫البيات ما يضيق فيه المجال حتى يكاد الماهر في هذه‬
‫الصناعة أن يخرج من ذلك اللفظ وإنما يكون هذا لعدم‬
‫النظير فأما ما يتسع المجال في نثره فكقول أبي‬
‫الطيب المتنبي‪:‬‬
‫ه‬
‫ل المشتاق في أشواق ِ‬‫ليعذ ِ‬

‫ه‬ ‫ن حشا َ‬
‫ك في أحشائ ِ‬ ‫حتى يكو َ‬
‫) ‪(1/16‬‬

‫وقد نثرت هذا المعنى فمن ذلك قولي‪ :‬لتعذل المحب‬


‫في ما يهواه حتى تطوي القلب على ما طواه‪ .‬ومن‬
‫ذلك وجه آخر وهو إذا اختلفت العينان في النظر‬
‫فالعذل ضرب من الهذر‪ .‬وأما ما يضيق فيه المجال‬
‫فيعسر على الناثر تبديل ألفاظه فكقول أبي تمام‪:‬‬
‫ت حمرا ً فما أتى‬
‫ب المو ِ‬
‫دى ثيا َ‬
‫تر ّ‬

‫ر‬
‫س خض ِ‬
‫ي من سند ٍ‬ ‫ل إل ّ وه َ‬
‫لها اللي ُ‬
‫قصد أبو تمام المؤاخاة في ذكر لوني الثياب من الحمر‬
‫والخضر وجاء ذلك واقعا على المعنى الذي أراده من‬
‫لون ثياب القتلى وثياب الجنة‪ .‬وهذا البيت ليمكن تبديل‬
‫ألفاظه وهو وأمثاله مما يجب على الناثر أن يحسن‬

‫‪23‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الصنعة في فك نظامه لنه يتصدى لنثره بألفاظه‪ .‬فإن‬
‫كان عنده قوة تصرف وبسطة عبارة فإنه يأتي به حسنا‬
‫رائقا‪ .‬وقد قلت في نثره‪ :‬لم تكسه المنايا نسج شفارها‬
‫حتى كسته الجنة نسج شعارها فبدل أحمر توبه‬
‫بأخضره وكأس حمامه بكأس كوثره‪.‬‬
‫وإذا انتهى بنا الكلم إلى ههنا في التنبيه على نثر‬
‫الشعر وكيفية نثره وذكر ما يسهل منه وما يعسر فلنتبع‬
‫ذلك بقول كلي في هذا الباب فنقول‪ :‬من أحب أن‬
‫يكون كاتبا أو كان عنده طبع مجيب فعليه بحفظ‬
‫الدواوين ذوات العدد وليقنع بالقليل من ذلك‪ .‬ثو يأخذ‬
‫في نثر الشعر من محفوظاته‪ ..‬وطريقه أن يبتدئ‬
‫فيأخذ قصيدا من القصائد فينثره بيتا بيتا على التوالي‪.‬‬
‫وليستنكف في البتداء أن ينثر الشعر بألفاظه أو‬
‫بأكثرها فإنه ليستطيع إل ذلك‪ .‬وإذا مرنت نفسه‬
‫وتدرب خاطره ارتفع عن هذه الدرجة وصار يأخذ‬
‫المعنى ويكسوه عبارة من عنده ثم يرتفع عن ذلك‬
‫فتكسوه ضروبا من العبارات المختلفة‪ .‬وحينئذ يحصل‬
‫لخاطره بمباشرة المعاني لقاح فيستنتج منها معاني‬
‫غير تلك المعاني‪.‬‬
‫وسبيله أن يكثر الدمان ليل نهارا وليزال على ذلك مدة‬
‫طويلة حتى يصير له ملكة‪ .‬فإذا كتب كتابا أو خطب‬
‫خطابا تدفقت المعاني في أثناء كلمه وجاءت ألفاظه‬
‫معسولة وكان عليه حدة تكاد ترقص رقصا وهذا شيء‬
‫ر(‬
‫خِبي ٍ‬ ‫مث ْ ُ‬
‫ل َ‬ ‫خبرته بالتجربة )وَل َ ي ُن َب ّئ ُ َ‬
‫ك ِ‬
‫) ‪(1/17‬‬

‫‪24‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫]فاطر‪.[104:‬‬
‫)عن المثل السائر باختصار(‬
‫التخلص والقتضاب في مواضيع النشاء‬
‫التخلص هو أن يأخذ مؤلف الكلم في معنى من‬
‫المعاني فبينما هو فيه إذ أخذ في معنى آخر غيره‬
‫وجعل الول سببا إليه فيكون بعضه آخذا برقاب بعض‬
‫من غي أن يقطع كلمه ويستأنف كلما آخر بل يكون‬
‫جميع كلمه كأنما أفرغ إفراغا وذلك مما يدل على حذق‬
‫الشاعر وقوة تصرفه من أجل أن تطاق الكلم يضيق‬
‫عليه ويكون متبعا للوزن والقيافة فل تؤاتيه اللفاظ‬
‫على حسب إرادته‪.‬وأما الناثر فإنه مطلق العنان يمضي‬
‫حيث شاء فلذلك يشق التخلص على الشاعر أكثر مما‬
‫يشق على الناثر‪ .‬ومما جاء من التخلصات الحسنة قول‬
‫المتنبي المتوفى سنة ‪ 354‬ه?‪.‬‬
‫ر‬
‫ي إني ل أرى غيَر شاع ٍ‬
‫خليل ّ‬

‫دعوى ومّني القصائد‬


‫م منهم ال ّ‬ ‫فل َ‬
‫ف كثيرةٌ‬ ‫فل تعجبا ً إ ّ‬
‫ن السيو َ‬

‫م واحد‬
‫ف الدولة اليو َ‬
‫ولكن سي َ‬

‫وهذا هو الكلم الخذ بعضه برقاب بعض أل ترى إلى‬


‫الخروج إلى مدح الممدوح في هذه البيات كأنه أفرغ‬
‫في قالب واحد‪ ،‬والقتضاب أن يقطع الشاعر كلمه‬
‫الذي هو فيه ويستأنف كلما آخر غيره من مديح أو‬
‫هجاء أو غير ذلك وليكون للثاني علقة بالول كقول‬

‫‪25‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أبي نواس المتوفى سنة ‪198‬ه? في قصيدته النونية‬
‫التي لم يكمل حسنها بالتخلص من الغزل إلى المديح‬
‫بل اقتضبه اقتضابا فبينما هو يصف الخمر ويقوا‪:‬‬
‫ل‬‫فاسقني كأسا ً على عذ ٍ‬

‫ت مسموعه أذني‬
‫كره ْ‬

‫ة‬ ‫ت الّلو ِ‬
‫ن صافي ٍ‬ ‫من كمي ِ‬

‫ت في بدني‬‫خيرِ ما سلسل َ‬
‫ما استّقرت في فؤاد فتى‬

‫فدرى ما لوعة الحزن‬

‫حتى قال‪:‬‬
‫ك‬ ‫تضح ُ‬
‫ك النيا إلى مل ٍ‬

‫سنن‬
‫م بالثار وال ّ‬
‫قا َ‬

‫ن للناس الندى فندوا‬


‫س ّ‬

‫ن‬ ‫ن البخ َ‬
‫ل لم يك ِ‬ ‫فكأ ّ‬
‫) ‪(1/18‬‬

‫‪26‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وإذا لم يستطع التخلص بأن كان قبيحا ممسوخا‬
‫فالقتضاب أولى منه فينبغي لسالك هذه الطريقة أن‬
‫ينظر إلى ما يصوغه فإن أتاه التخلص حسنا كما ينبغي‬
‫وإل فليدعه وليستكرهه حتى يكون مثل هذا‪.‬‬
‫واعلم أن التخلص غير ممكن في كل الحوال وهو من‬
‫مستصعبات علم البيان فليتدبر الشاعر‪.‬‬
‫)انتهى من المثل السائر بتصرف(‬
‫كيفية افتتاح مواضيع النشاء وختامها‬
‫الفتتاح أن تجعل مطلع الكلم من الشعر أو الرسائل‬
‫دال على المعنى المقصود من ذلك الكلم إن كان فتحا‬
‫ففتحا وإن كان هناء فهناء أو كان عزاء فعزاء وهكذا‪:‬‬
‫وفائدته أن يعرف من مبدأ الكلم ما المراد منه فإذا‬
‫نظم الشاعر قصيدة فإن كان مديحا صرفا ل يختص‬
‫بحادثة من الحوادث فهو مخير أن يفتتحها بغزل وبين‬
‫أن يرتجل المديح ارتجال من أولها كقول القائل‪:‬‬
‫ب كيف تقو ُ‬
‫ل‬ ‫ت اللبا ُ‬
‫إن حار ِ‬

‫في ذا المقام ِ فعذرها مقبو ُ‬


‫ل‬

‫ك مادحي َ‬
‫ك فما لهم‬ ‫ح بفضل َ‬
‫سام ْ‬

‫أبدا ً إلى ما تستحقّ سبي ُ‬


‫ل‬

‫إن كان ليرضيك إل ّ محس ٌ‬


‫ن‬

‫ن لديك قلي ُ‬
‫ل‬ ‫ن إذ ْ‬
‫فالمحسنو َ‬

‫‪27‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/19‬‬

‫وأما إذا كان القصيد في حادثة من الحوادث كفتح‬


‫مقفل أو هزيمة جيش أو غير ذلك فإنه لينبغي أن يبدأ‬
‫فيه بغزل‪ ،‬ومن أدب هذا النوع أن ليذكر الشاعر في‬
‫افتتاح قصيدة المديح ما يتطير منه أو يستقبح‪ :‬لسيما‬
‫إذا كان في التهاني فإنه يكون أشد قبحا‪ :‬وإنما يستعمل‬
‫في الخطوب النازلة والنوائب الحادثة‪ :‬ومتى كان‬
‫الكلم في المديح مفتتحا بشيء من ذلك تطير منه‬
‫سامعه وإنما خصت البتداءات بالختيار لنها أول ما‬
‫يطرق السمع من الكلم فإذا كان البتداء لئقا بالمعنى‬
‫الوارد بعده توفرت الدواعي على استعماله‪ :‬والختام أن‬
‫يكون الكلم مؤذنا بتمامه بحيث يكون واقعا على آخر‬
‫المعنى فل ينتظر السامع سيئا بعده‪ :‬فعلى الشاعر‬
‫والناثر أن يتأنقا فيه غاية التأنق ويجودا فيه ما استطاعا‬
‫لنه آخر ما ينتهي إلى السمع ويتردد صداه في الذن‬
‫ويعلق بحواشي الذكر فهو كمقطع الشراب يكون آخر‬
‫ما يمر بالفم ويعرض على الذوق فيشعر منه بما‬
‫ليشعر من سواه‪ :‬ولذلك يجب أن يكون الختام مميزا‬
‫عن سائر الكلم قبله بنكتة لطيفة أو أسلوب رشيق أو‬
‫معنى بليغ‪ :‬ويختار له من اللفظ الرشيق الحاشية‬
‫الخفيف المحمل على السمع السهل الورود على الطبع‬
‫ويتجافى به عن السهاب والتعقيد والثقل وغير ذلك‪،‬‬
‫وحكم الختام كما سبق أن يكون مؤذنا بتمام الكلم‬
‫بحيث يكون واقعا على آخر المعنى فل ينتظر السامع‬
‫شيئا بعده‪ ،‬وإذا لم يكن المعنى دال بنفسه على الختام‬

‫‪28‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫حسن أن يدل عليه بكلم آخر يذكر على عقب الفراغ‬
‫من سياقة الغراض السابقة‪ ،‬وحكمه أن يكون منتزعا‬
‫مما سبقه فيقفى به تقريرا لشيء من الغراض أو‬
‫إجمال لمفصلها موردا على وجه من وجوه البلغة أو‬
‫الكلم الجامع أو مخرجا مخرج المثل أو الحكمة أو ما‬
‫شاكل ذلك مما تعلقه الخواطر وتقيده الذهان كقول‬
‫المتنبي المتوفى سنة ‪354‬ه‪.‬‬
‫ص َ‬
‫ك في برٍء بتهنئة‬ ‫وما أخ ّ‬

‫ت فك ّ‬
‫ل الناس قد سلموا‬ ‫إذا سلم َ‬
‫) ‪(1/20‬‬

‫وكقول الزمخشري المتوفى سنة ‪528‬ه? في ختام‬


‫إحدى مقالته )إن الطيش في الكلم يترجم عن خفة‬
‫الحلم وما دخل الرفق شيئا إل زانه وما زان المتكلم‬
‫إل الرزانة( وأما في غير ذلك فالكثر فيه أن يضمن‬
‫غرضا آخر من الدعاء أو عرض النفس على خدمة‬
‫المكتوب إليه أو توقع الجواب منه أو غير ذلك مما‬
‫تحتمله مقامات الكلم وتقتضيه دواعي الحال‪:‬وأكثر ما‬
‫يختمونها في النثر بعد الغراض المذكورة بقولهم إن‬
‫شاء الله‪ :‬أو بمن الله وفضله‪ :‬وما أشبه ذلك وكثيرا ما‬
‫يختم الناثر بقوله والسلم‪ :‬أو بل حول ول قوة إل بالله‪:‬‬
‫أو قوله والله المستعان‪ :‬أو بقوله والحمد لله أول وآخرا‬
‫باطنا وظاهرا‪ .‬أو بقوله والله أعلم‪ :‬أو غير ذلك‪ .‬وربما‬
‫ختم بمثل كختام الخوارزمي المتوفى سنة ‪383‬ه‬

‫‪29‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫رسالته بقوله‪ :‬ولقد سلك المير من الكرم طريقا‬
‫يستوحش فيها لقلة سالكها ويتيه في قفارها لدروس‬
‫آثارها وانهدام منازلها أعانه الله على صعوبة الطريق‬
‫وقلة الرفيق وألهمه صبرا يهون عليه احتمال المغارم‬
‫ويقرب عليه مسافة المكارم‪ ،‬فبالصبر تنال العل وعند‬
‫الصباح يحمد القوم السرى‪.‬‬
‫"ومن أمثلته في الشعر قول ابن الوردي المتوفى سنة‬
‫‪749‬ه?"‬
‫ب وصالكم‬ ‫م عليكم ما أح ّ‬
‫سل ٌ‬

‫م‬ ‫ة مجهود ِ المق ّ‬


‫ل سل ٌ‬ ‫وغاي ُ‬

‫تقسيم النشاء إلى فني النظم وانثر‬


‫) ‪(1/21‬‬

‫اعلم أن لسان العرب وكلمهم يدور على فنين‪ .‬فن‬


‫الشعر المنظوم وهو الكلم المقفى الموزون بأوزان‬
‫مخصوصة‪ .‬وفن النثر وهو الكلم غير الموزون فأما‬
‫الشعر فمنه المدح والهجاء والرثاء‪ .‬وأما النثر فمنه ما‬
‫يؤتى به قطعا ويلتزم في كل كلمتين منه قافية واحدة‬
‫ويسمى سجعا وهو ثلث أقسام القسم الول أن يكون‬
‫الفصلن متساويين ل يزيد أحدهما على الخر كقوله‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل فَل َ ت َن ْهَْر(‬
‫سآئ ِ َ‬
‫ما ال ّ‬ ‫ما ال ْي َِتي َ‬
‫م فَل َ ت َْقهَْر }‪ {9‬وَأ ّ‬ ‫تعالى‪) :‬فَأ ّ‬
‫]الضحى‪ [10 ،9 :‬وهو أشرف السجع منزلة للعتدال‬
‫الذي فيه‪ :‬القسم الثاني أن يكون الفصل الثاني أطول‬

‫‪30‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من الول ل طول يخرج به عن العتدال خروجا كثيرا‬
‫فإنه يقبح عند ذلك ويستكره ويعد عيبا فمما جاء من‬
‫ب‬‫من ك َذ ّ َ‬ ‫ساع َةِ وَأ َع ْت َد َْنا ل َِ‬ ‫ل ك َذ ُّبوا ْ ِبال ّ‬ ‫ذلك قوله تعالى‪) :‬ب َ ْ‬
‫مُعوا ْ‬ ‫َ‬
‫س ِ‬ ‫ن ب َِعيد ٍ َ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫من ّ‬ ‫م ّ‬ ‫سِعيرا ً }‪ {11‬إ َِذا َرأت ْهُ ْ‬ ‫ساع َةِ َ‬ ‫ِبال ّ‬
‫ضّيقا ً‬ ‫ل َها تغَيظا ً وزفيرا ً }‪ {12‬وإ ََذآ أ ُ‬
‫كانا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫َ َ‬ ‫ها‬ ‫ْ‬ ‫ن‬‫م‬‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫قو‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ََ ِ‬ ‫َ َ ّ‬
‫ك ث ُُبورًا( ]الفرقان‪ [13 11 :‬فالفصل‬ ‫ن د َع َوْا ْ هَُنال ِ َ‬‫مَقّرِني َ‬
‫ّ‬
‫الول ثمان لفظات والثاني والثالث تسع تسع‪ :‬ويستثنى‬
‫من هذا القسم ما كان من السجع على ثلث فقر فإن‬
‫الفقرتين الوليين تحسبان في عدة واحدة ثو تأتي‬
‫الثالثة فينبغي أن تكون طويلة طول يزيد عليهما وقد‬
‫ضودٍ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫سد ْرٍ ّ‬‫تكون الثلثة متساويات كقوله تعالى‪ِ) :‬في ِ‬
‫دوٍد( ]الواقعة‪ [30 28 :‬القسم‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫ل ّ‬ ‫ضود ٍ وَظ ِ ّ‬ ‫من ُ‬‫وَط َل ٍْح ّ‬
‫الثالث ‪ :‬أن يكون الفصل الخر أقصر من الول وهو‬
‫عيب فاحش وأما النثر فهو ما يؤتى به قطعا من غير‬
‫تقيد بقافية ول غيرها وهو الذي يطلق فيه الكلم إطاقا‬
‫ول يقطع أجزاء بل يرسل إرسال من غير تقييد بقافية‬
‫ول غيرها‪.‬‬
‫)انتهى من المثل السائر باختصار(‬
‫كيفية عمل الشعر‬
‫) ‪(1/22‬‬

‫اعلم أن لعمل الشعر وإحكام صناعته شروطا أولها‬


‫الحفظ من جنسه )أي من جنس شعر العرب( حتى‬
‫تنشأ في النفس ملكة ينسج على منوالها ويتخير‬
‫المحفوظ من الحر النقي الكثير الساليب وهذا‬

‫‪31‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫المحفوظ المختار أقل ما يكفي فيه شعر شاعر من‬
‫فحول السلم مثل ابن أبي ربيعة وكثير وذي الرمة‬
‫وجرير وأبي نواي وأبي تمام والبحتري والشريف‬
‫الرضي وأبي فراس وأكثره شعر "كتاب الغاني" لنه‬
‫جمع شعر أهل الطبقة السلمية كله والمختار من شعر‬
‫الجاهلية‪.‬‬
‫ثم لبد من الخلوة واستجادة المكان المنظوم فيه‬
‫باشتماله على مثل المياه والزهار وكذا استجادة‬
‫المسموع لستنارة القريحة باستجماعها وتنشيطها‬
‫بملذ السرور‪ :‬ثم مع هذا كله فشرطه أن يكون على‬
‫جمام ونشاط فذلك أجمع له وأنشط للقريحة أن تأتي‬
‫بمثل ذلك المنوال الذي في حفظه‪ :‬قالوا وخير الوقات‬
‫لذلك أوقات البكر عند الهبوب من النوم وفراغ المعدة‬
‫ونشاط الفكر‪ :‬ورما يكون من بواعثه العشق والنتشاء‬
‫قالوا فإن استصعب عليه بعد هذا كله فليتركه إلى وقت‬
‫آخر ول يكره نفسه عليه‪ :‬وليكن بناء البيت على القافية‬
‫من أول صوغة ونسجه يضعها ويبني الكلم عليها إلى‬
‫آخره لنه إن غفل عن بناء البيت على القافية صعب‬
‫عليه وضعها في محلها فربما تجيء نافرة قلقة وإذا‬
‫سمح الخاطر بالبيت ولم يناسب الذي عنده فليتركه‬
‫إلى موضعه الليق به فإن كل بيت مستقل بنفسه ولم‬
‫تبق إل المناسبة فليتخير فيها كما يشاء وليراجع شعره‬
‫بعد الخلص منه بالتنقيح والنقد وليضن به على الترك‬
‫إذا لم يبلغ الجادة فإن النسان مفتون بشعره إذ هو‬
‫بنات فكره واختراع قريحته وليستعمل فيه من الكلم‬
‫إل الفصح من التراكيب والخالص من الضرورات‬

‫‪32‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫اللسانية فليهجرها فإنها تنزل بالكلم عن طبقة البلغة‪،‬‬
‫وقد حظر أئمة اللسان على المولد ارتكاب الضرورة إذ‬
‫هو في سعة منها بالعدول عنها إلى الطريقة المثلى من‬
‫الملكة ويجتنب أيضا المعقد من التراكيب جهده بحيث‬
‫تكون ألفاظه على طبق معانيه‬
‫) ‪(1/23‬‬

‫ومعانيه تسابق ألفاظه إلى الفهم ويجتنب أيضا‬


‫الحوشي من اللفاظ والمقصر وكذلك السوقي المبتذل‬
‫فإنه ينزل بالكلم عن طبقة البلغة أيضا فيصير مبتذل‬
‫ويقرب من عدم الفادة وفي هذا القدر كفاية‪.‬‬
‫)عن ابن خلدون باختصار(‬
‫الباب الثاني في فنون النشاء‬
‫فنونه سبعة‪ :‬وهي المكاتبات‪ ،‬والمناظرات‪ ،‬والمثال‪،‬‬
‫والوصاف‪ ،‬والمقامات‪ ،‬والروايات‪ ،‬والتاريخ‪.‬‬
‫الفن الول في المكاتبات والمراسلت‬
‫المكاتبة وتعرف أيضا بالمراسلة هي مخاطبة الغائب‬
‫بلسان القلم وفائدتها أوسع من أن تحصر من حيث أنها‬
‫ترجمان الجنان ونائب الغائب في قضاء أوطاره ورباط‬
‫الوداد مع تباعد البلد‪ ،‬وطريقةالمكاتبة هي طريقة‬
‫المخاطبة البليغة مع مراعاة أحوال الكاتب والمكتوب‬
‫إليه والنسبة بينهما‪ .‬وخواصها خمس‪ :‬السذاجة‪،‬‬
‫والجلء‪ ،‬واليجاز‪ ،‬والملمة‪ ،‬والطلوة‪ .‬فالسذاجة تجعل‬
‫الكلم فطريا سليما من شوائب التكلف منزها عن‬
‫زخرف القول بعيدا عن بهرجة الكلم‪ :‬والهجاء هو‬

‫‪33‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫العدول عن الكلم المغلق والتشابيه المستبعدة‬
‫والتراكيب الملتيسة إلى الكلم المهذب الصريح‪:‬‬
‫واليجاز تنقيح الرسالة من حشو الكلم وتطويل الجمل‬
‫فيبرزها وافية الدللة على المقصود مقتصرة على‬
‫المحسنات القريبة المنال‪ :‬والملءمة تنزل اللفاظ‬
‫والمعاني قدر الكاتب والمكتوب إليه فل تعطي خسيس‬
‫الناس رفيع الكلم ولرفيع الناس خسيس الكلم على‬
‫أنها تجعل الرسالة وتعابيرها مستعذبة الوضاع حسنة‬
‫الرتباط يأخذ بعضها بأزمة بعض‪ .‬والطلوة تكسو الكلم‬
‫رونقا وإشراقا بجودة العبارة وسلمة المعاني وسلسة‬
‫اللفاظ ونجعله بذلك أحسن موقعا عند سامعه‪.‬‬
‫أبواب الرسائل‬
‫تنقسم الرسائل باعتبار موضوعها إلى ثلثة أقسام‬
‫الول الرسائل الهلية والثاني الرسائل المتداولة‬
‫والثالث الرسائل العلمية‪.‬‬
‫الكلم على الرسائل الهلية‬
‫) ‪(1/24‬‬

‫الرسائل الهلية وتعرف برسائل الشواق هي ما دارت‬


‫بين القارب والصدقاء وأسفرت عن مكنون الوداد‬
‫وسائر الفؤاد ول حرج على الكاتب إذا بسط فيها الكلم‬
‫على أحواله وأخفى السؤال في أحوال أصحابه‪ ،‬وتتفرد‬
‫هذه الرسائل بأن يطلق الكاتب فيها العنان للقلم‬
‫ويتجافى عن الكلفة ويعدل عن النقباض‪ :‬وقد قيل‪:‬‬
‫النس يذهب المهابة والنقباض يضيع المودة‪ .‬هذا‪ :‬ولبد‬

‫‪34‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من مراعاة مقتضى الحال والعتصام بركن الفطنة‬
‫أخذا بقول أبي السود الدؤلي‪:‬‬
‫ة مشهورةً‬
‫ن رسال ً‬
‫لترسل ّ‬

‫لتستطيعُ إذا مضت إدراكها‬


‫وإلى هذا الباب ترجع نكاتبات الشواق والتعاريف قبل‬
‫اللقاء والهدايا والستعطاف والعتذار وغير ذلك‪ .‬ولنذكر‬
‫شذرات من أقوال الكتب‪.‬‬
‫الفصل الول في الشوق‬
‫"كتاب أبو منصور الثعالبي المتوفى سنة ‪429‬ه??"‬
‫شوقي إليك رهين قلبي وقرين صدري والزعيم بتعليق‬
‫فكري وتفريق صدري سمير ذكري ونديم فكري زادي‬
‫في سفري‪ .‬وعتادي في حضري ليستقل به وليقوى‬
‫عليه صبري يكاد يكون لزاما ويعد غراما ل يرحل مقيمه‬
‫ول يصرف غريمه استخف نفسي واستفرها وحرك‬
‫جوانحي وهزها شوق أخذ بسمع خاطري وبصره وحال‬
‫بين مورد قلبه ومصدره شوق قد استنفذ جلدي وملك‬
‫خلدي شوق براني بري الخلل ومحقني محق الهلل‬
‫شوق تركني حرضا وأوسعني مضضا أراني الصبر‬
‫حسرة والوجد يمنة ويسرة شوق يزيد على اليام توقدا‬
‫وتأججا وتضرما وتوهجا نار الشوق حشو ضلوعي وماء‬
‫الصبابة ملء جفوني أنا من لواعج الشوق بين غمائم‬
‫لتمطر إل صواعق وسمائم قد قدحت في كبدي من‬
‫الحرقة بهذه الفرقة ما يفوت أيسره حد الشكاية ويجوز‬
‫أضعفه كنه الكناية‪ .‬شوق الروض الماحل إلى الغيث‬

‫‪35‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الهاطل‪.‬‬
‫"وكتب في تشبيه الشوق"‬
‫) ‪(1/25‬‬

‫ما العرابية حنت إلى نجد وأنت من وجد بأشد مني‬


‫كلفا وأتم مني شغفا‪ .‬أنا في شدة الشوق إليك‬
‫كالعطشان كشف له عن ماء عذب ومنع منه بمانع‬
‫صعب شوق له ألقي على الكواكب بعضه لما ساؤت أو‬
‫كلفت الفلك ثقله لما دارت شوق لو فرق على‬
‫القلوب الخالية لشتغلت ولو قسم على الكباد الباردة‬
‫لشتعلت أنا أشتاقك مع كل صباح طالع وضياء شارق‬
‫ونجم طارق‬
‫"وكتب في أثر الفراق"‬
‫وجد يتكرر على كر الجديدين ويستغرق ساعات‬
‫الملوين قد تحملت مع يسير الفرقة عظيم الحريق ومع‬
‫قليل البعد كثير الوجد قد انثنت بجسم ناحل وصرت‬
‫من صبري على مراحل فأرقتني وفرقت جميع صبري‬
‫واستصبحت فريقا من قلبي فرقت به بين عيني‬
‫والرقاد وجنبي والمهاد ما أعول إل على العويل لو كان‬
‫يغني ول استنصر غير الوجدلم كان يجدي يدي‬
‫لتساعدني وحطي ليشبه في الدقة إل بدني لول‬
‫حصانة الجل لخرجت روحي على عجل فارقتني‬
‫فتفرق عني شمل أنس منتظم وتمكن مني برح شوق‬
‫مضطرم فارقتني ففرقت بين الروح والبدن وتركتني‬
‫والنزاع في قرن قد صرت حليف وحشة وإن كنت ثاويا‬

‫‪36‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫في وطن وقرين كربة وإن كنت بين جيرة وسكن‪.‬‬

‫دهُر يدنينا ويدني دياركمو‬


‫عسى ال ّ‬

‫ويجمعُ ما بيني وبينكمو ال ّ‬


‫شمل‬

‫ح الغرام إليكمو‬
‫فأشكو تباري َ‬

‫وحّر جوىً تبلي عظامي وما يبلى‬


‫"وكتب البسطامي المتوفى سنة ‪332‬ه?"‬
‫ب‬‫قلبي بنار الهوى معذ ّ ْ‬

‫شوقا ً إلى حضرة المه ّ‬


‫ذب‬
‫ً‬
‫شوقا إلى ماجد ٍ كريم ٍ‬

‫ب‬
‫يخطُر لي ذكره ُ فأطر ْ‬

‫وبعد فالعبد ينهي من لواقح شوقه ولوافح توقه إلى‬


‫شهود ذاتكم الجميلة ومشاهدة صفاتكم الجليلة لينشق‬
‫عرفكم الفائح وبخور عرفكم الفاتح مد الله سبحانه‬
‫وتعالى ظلكم وأدر وبلكم وظلكم‪.‬‬
‫ب الوعد َ منك وإن تمادى‬
‫أح ّ‬

‫ما‬
‫ل إذا أل ّ‬
‫وأقنعُ بالخيا ِ‬

‫ل‬
‫ح لي بوص ٍ‬
‫عسى اليام تسم ُ‬

‫‪37‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وتأخذ ُ لي من الهجران سلما‬


‫والجناب منذ طوى عنا أبواب ملقاته‪ .‬وزوى منا أطايب‬
‫أوقاته قبض العبد عنان مقاله وخفض لسان حاله‪.‬‬
‫) ‪(1/26‬‬

‫ت وما الشكوى بمثلي عادةٌ‬


‫شكو ُ‬

‫ن عند امتلئها‬
‫ض العي ُ‬‫ولكن تفي ُ‬
‫فجلس الفراق بعظيم حجاجه‪ .‬وأليم عذابه‪ .‬على ذروة‬
‫عرشه‪ .‬وافترس بقوة بطشه‪ .‬وصار للسر جارا‪ .‬وأوقد‬
‫للحرب نارا جهارا‪.‬‬
‫ض أتى في حكمهِ عجبا‬ ‫ً‬
‫طوعا لقا ٍ‬
‫ل والحرم‬‫ك دمي في الح ّ‬ ‫أفتى بسف ِ‬
‫وهذه حانته المفصح عنها مقالته‪:‬‬
‫ت‬
‫ت وتعّقد ْ‬
‫ن الموَر إذا التو ْ‬
‫إ ّ‬

‫جاء القضاُء من الكريم فحّلها‬


‫ل يسرا ً بعد َ عسر عّلها‬
‫فلع ّ‬

‫ن عقد َ العقود َ يحّلها‬ ‫ولع ّ‬


‫لم ْ‬

‫فلعل غروس التمني قد أثمرت‪ .‬وليالي الحظ قد‬


‫أقمرت‪:‬‬

‫‪38‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ت أحّبتي ما كان ذنبي‬
‫سأل ُ‬

‫أجابوني وأحشائي تذوب‬


‫ل الح ّ‬
‫ظ‬ ‫ب قلي َ‬
‫إذا كان المح ّ‬

‫ه إل ّ ذنو ُ‬
‫ب‬ ‫فما حسنات ُ‬

‫فرعى الله أياما لحت فيها أقمار غروزها‪ .‬وفاحت فيها‬


‫أطراز طروزها‪ .‬بهاء سمائها‪ .‬على منار ضيائها‪ .‬من‬
‫ذات جللها‪ .‬وصفات دللها‪ .‬في جنات عواطفها‪ .‬وحنات‬
‫تعاطفها‪.‬‬
‫ب‬‫ت ل أطرقُ رح َ‬
‫فإن كن ُ‬

‫فنائكم فقد أطرقُ باب ثنائكم‬


‫ث=فليس ثنائي عن فناك‬ ‫لئن غّيبتني عن ذراك حواد ٌ‬
‫ب‬
‫بغائ ِ‬
‫"وكتب عبد الحمن محمد بن طاهر المتوفى سنة‬
‫‪431‬ه?"‬
‫كتبت أعزك الله عن ضمير اندمج على سر اعتقادك‬
‫دره‪ .‬وتبلج في أفق ودادك بدره‪ .‬وسال على صفحات‬
‫ثنائك مسكه‪ .‬وصار في راحة سنائك ملكه‪ .‬ولما ظفر‬
‫بفلن حملته من تحيتي زهرا جنيا‪ .‬يوافيك عرفه ذكيا‪.‬‬
‫ويواليك أنسه نجيا‪ .‬ويقضي من حقك فرضا مأتيا‪ .‬على‬
‫أن شخص جللك لي ماثل وبين ضلوعي نازل‪ .‬لتمله‬
‫خاطر‪ .‬وليمسه عرض داثر إن شاء الله عز وجل‪.‬‬
‫"وكتب أبو الفضل بن العميد المتوفى سنة ‪360‬ه?"‬

‫‪39‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قد قرب أيدك الله محلك على تراخيه وتصاقب‬
‫مستقرك على تنائيه لن الشوق يمثلك‪ .‬والذكر يخيلك‪.‬‬
‫فنحن في الظاهر على افتراق‪ .‬وفي الباطن على تلق‪.‬‬
‫وفي النسبة متباينون‪ .‬وفي المعنى متواصلون‪ .‬ولئن‬
‫تفارقت الشباح لقد تعانقت الرواح‪.‬‬
‫"وكتب بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة ‪398‬ه?"‬
‫) ‪(1/27‬‬

‫يعز علي أطال الله بقاء مولي‪ .‬أن ينوب في خدمته‬


‫قلمي عن قدمي ويسعد برؤيته رسولي دون وصولي‪.‬‬
‫ويرد مشرعة النس به كتابي قبل ركابي‪ :‬ولكن ما‬
‫الحيلة والعوائق جمة‪.‬‬
‫)وعلي أن أسعى وليس علي إدراك النجاح( وقد‬
‫حضرت داره وقبلت جداره وما بي حب الحيطان ولكن‬
‫شغفا ً بالقطان‪ .‬ول عشق الجدران ولكن شوقا ً إلى‬
‫السكان‪.‬‬
‫ديار ديار سلمى‬
‫أمّر على ال ّ‬

‫أقب ّ ُ‬
‫ل ذا الجداَر وذا الجدارا‬

‫ديارِ شفعن قلبي‬


‫ب ال ّ‬
‫وما ح ّ‬

‫ن الديارا‬
‫ن سك َ‬‫بم ْ‬
‫نح ّ‬ ‫ولك ْ‬
‫وحين عدت العوادي عنه أمليت ضمير الشوق على‬
‫لسان القلم معتذرا ً إلى مولي على الحقيقة عن تقصير‬

‫‪40‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقع وفتور في الخدمة عرض ولكني أقول‪:‬‬
‫إن يكن تركي لقصدك ذنبا ً‬

‫فكفى أن ل أراك عقابا‬

‫"وكتب أبو محمد عبد الله البطليوسي المتوفي سنة‬


‫‪521‬ه?"‬
‫يا سيدي العلى وعمادي السنى وحسنة الدهر‬
‫الحسنى الذي جل قدره وسار الشمس ذكره ومن‬
‫أطال الله لفضل يعلي مناره وعلم يحيي آثاره‪ :‬نحن‬
‫أعزك الله نتدانى إخلصا ً وإن تناءينا أشخاصا ً ويجمعنا‬
‫الدب وإن فرقنا النسب فالشكال أقارب والداب‬
‫مناسب وليس يضر تنائي الشباح إذا تقاربت الرواح‪.‬‬
‫ي في رأيي وعلمي ومذهبي‬ ‫نسيب َ‬

‫وإن باعدتنا في الصول المناسب‬


‫"وكتب بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة ‪398‬ه?"‬
‫أراني أذكر "مولي" إذا طلعت الشمس أو هبت الريح‬
‫أو نجم أو لمع البرق أو عرض الغيث أو ذكر الليث أو‬
‫ضحك الروض وأنى للشمس محياه وللريح رياه وللنجم‬
‫حله وعله وللبرق سناؤه وسناه وللغيث نداه ونداه‬
‫وفي كل صالحة ذكراه وفي كل حادثة أراه فمتى أنساه‬
‫وأشده شوقاه‪ :‬وعسى الله أن يجمعني وإياه‪.‬‬

‫"وكتب الشيخ ابراهيم اليازجي المتوفي سنة ‪1906‬م"‬


‫) ‪(1/28‬‬
‫‪41‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫مازلت أدافع النفس عما تتقاضاني من شكوى أشواقها‬


‫وفي الشكوى شفاء واستنزال أثر من لدنك تتعلل به‬
‫مسافة البين إلى أن يمن الله باللقاء ومن دون إجابتها‬
‫مشاده قد شغلت الذرع وشواغل قد أفرغ من دونها‬
‫الوسع إلى ان اغلب جيش الوجد على معاقل الصبر‬
‫وزاحم مناكب العدواء حتى ضرب أطنابه وبين الحجاب‬
‫والصدر فاتخذت هذه الرقعة أزجيها إليك وفيها من وقر‬
‫الشوق ما ينوء برسولها ومن رقة الصبابة ما يكاد يطير‬
‫بها‪ :‬أو يخلفها فيصافح العتاب قبل وصولها‪ :‬راجيا ً لها‬
‫أن تتلقى بما عهد في سيدي من الطلقة والبشر وأن‬
‫ل يضن عليها بما عودني من تمهيد العذر ويصلني من‬
‫بعدها بأبنائه الطيبة عائدة عنه بما يكون للناظر قرة‬
‫وللخاطر مسرة‪ :‬إن شاء الله تعالى بمنه وكرمه‪.‬‬
‫?"وكتب أيضًا"‬
‫وافاني كتابك العزيز فأهل ً بأكرم رسول جاء ببينات‬
‫الخلص والوفاء مصدقا ً لما بين يديه من ذمة الوداد‬
‫والخاء‪ .‬يتلو علي من حديث الشوق ما شهد بصحته‬
‫سقمي‪ .‬وهتف مؤذنه في كل مفصل من جسمي‬
‫ويذكرني من عهدك ما طالما أذكرينه البرق إذا لمع‬
‫والبدر إذا طلع والقمري إذا سجع‪ .‬وإنما عداني عنك ما‬
‫أنا فيه من مجاذبة الشواغل ومساورة البلبل‪.‬‬
‫وفي القلب ما في القلب من شجن الهوى‬

‫م‬
‫ت وهو مقي ُ‬
‫دلت الحال ُ‬
‫تب ّ‬

‫‪42‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأنا على ما بي من غل البنان وشغل الجنان مازالت‬
‫أبناؤك عندي ل يخطئني بريدها ول ينقطع عني ورودها‬
‫أهنئ النفس منها بما تتمنى لك من سلمة ل يرث لها‬
‫شعار وإقبال ل يعترضه بإذن إدبار‪.‬‬
‫وقصارى المأمول في كرمك أن تعاملني بما سبق لك‬
‫من جميل الصلة إلى أن يمن الله بالجتماع ويغني‬
‫ز( ]فاطر‪:‬‬ ‫ك ع ََلى الل ّهِ ب ِعَ ِ‬
‫زي ٍ‬ ‫ما ذ َل ِ َ‬
‫بالعيان عن السماع )وَ َ‬
‫‪.[17‬‬

‫"وكتب أبو العباس الغساني المتوفي سنة ‪498‬ه?"‬


‫) ‪(1/29‬‬

‫سر إلى مجلس يكاد يسير شوقا ً إليك‪ .‬ويطير بأجنحة‬


‫من جواه حتى يحل بيم يديك فلله در كما له إن طلعت‬
‫بدرا ً بأعله‪ .‬وجماله إن ظهرت غرة بمحياه‪ .‬فهو أفق‬
‫قد حوى نجوما ً تتشوق إلى طلوع بدرها وقطر قد‬
‫اشتمل على أنهار تتشوق إلى بحرها لنستمد منها إن‬
‫مننت بالحضور وإل فيا خيبة السرور‪.‬‬
‫"وكتب الصاحب بن عباد المتوفي سنة ‪385‬ه?"‬
‫مجلسنا يا سيدي مفتقر إليك معول في شوقه عليك‬
‫ولقد توردت خدود بنفسجة وفتقت فأرة نارنجه‬
‫وانطلقت ألسن الوتار وقامت خطباء الطيار وهبت‬
‫رياح القداح ونفقت سوق النس والفراح وقد أبت‬
‫راحته أن تصفو إل أن تتناولها يمناك وأقسم غناؤه ل‬
‫طيب حتى تعيه أذناك‪ .‬ووجنات أترجه قد احمرت خجل ً‬

‫‪43‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لبطائك‪ .‬وعيون نرجسه قد حدقت تأميل ً للقائك ونحن‬
‫لغيبتك كعقد ذهبت واسطته وشباب قد أخذت جدته‬
‫وإذا غابت شمس السماء عنا فل أن تدنو شمس الرض‬
‫منا‪ .‬فإن رأيت أن تحضر لتتصل الواسطة بالعقد‬
‫ونحصل بك في جنة الخلد‪ :‬فكن إلينا أسرع من السهم‬
‫في ممره والماء إلى مقره لئل يخبث من يومي ما‬
‫طاب ويعود من نومي ما طار‪.‬‬
‫"وكتب أبو بكر الخوارزمي المتوفي سنة ‪383‬ه?"‬
‫) ‪(1/30‬‬

‫كتابي وأنا بما يبلغني من صالح أخبار "السيد" مغتبط‬


‫مسرور وبما يعرفه الزمان وأهله من اعتضادي به‬
‫مصون موفور والله على الولى محمود وعلى الخرى‬
‫مشكور‪ ،‬التطفل وإن كان محظورا ً في غير مواطنه‬
‫فإنه مباح في أماكنه وهو وإن كان في بعض الحوال‬
‫يجمع عارا ً ووزرا ً فإنه في بعضها يجمع فخرا ً ورب فعل‬
‫يصاب به وقته فيكون سنة وهو في غير وقته بدعة وقد‬
‫تطفلت على "السيد" بهذه الحرف أخطب بها مودته‬
‫إليه وأعرض فيها مودتي عليه وأسأله أن يرسم لي في‬
‫لساني وقلبي رسما ً ويختم عليهما ختما ً فقد جعلتها‬
‫باسمه وقصرتهما على حكمه وسأضعهما تحت ختمة‬
‫وبرئت إليه منهما وصرت وكليه فيهما فهما ً على غيره‬
‫حمى ل يقرب‪ ،‬وبحيرة ل تحلب ول تركب‪ ،‬ولما نظرت‬
‫إلى آثار السيد على الحرار ونشرت طراز محاسنه من‬
‫أيدي القاصدين والزوار ورأيت نفسي غفل ً من سمة‬

‫‪44‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مودته وعطل ً من جمال عشرته حميتها من أن يحمي‬
‫عليها ورد مورود ويحسر عنها ظل على الجميع ممدود‪:‬‬
‫وعجبت من‪:‬‬
‫ب‬‫ب خطاني جوده وهو صي ّ ٌ‬
‫سحا ٌ‬

‫م‬
‫ه وهو مفع ٌ‬
‫وبحٌر عداني سيل ُ‬
‫وبدٌر أضاَء الرض شرقا ً ومغربا ً‬

‫ه أسود ُ مظلم‬
‫وموضعُ رجلي من ُ‬

‫"وكتب الشيخ حمزة فتح الله المتوفي سنة ‪1335‬ه?"‬


‫مولي‪ :‬أما الشوق إلى رؤيتك فشديد وسل فؤادك عن‬
‫صديق حميم وود صميم وخله ل يزيدها تعاقب الملوين‬
‫وتألق النيرين إل وثوقا ً في العرى وإحكاما ً في البناء‬
‫ونماء في الغراس وتشييدا ً في الدعائم ول يظنن سيدي‬
‫أن عدم ازديادي ساحته الشريفة واجتلئي طلعته‬
‫المنيفة لتقاعس أو تقصير فإن لي في ذلك معذرة‬
‫اقتضت التأخير والسيد أطال الله بقاءه أجدر من قبل‬
‫معذرة صديقه وأغضى عن ريث استدعته الضرورة‪..‬‬
‫وبعد فرجائي من مقامكم السامي أن ل تكون معذرتي‬
‫هذه عائقا ً لكم عن زيارتي‪ :‬فلكم مننا طوقتمونيها ولكم‬
‫فيها فضل البداءة وعلي دوام الشكران والسلم‪.‬‬
‫"وكتب المرحوم محمد بك دياب المتوفي سنة‬
‫‪1339‬ه?"‬
‫) ‪(1/31‬‬
‫‪45‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫كتابي إليك‪ :‬وقد أطال بي النتظار وشوقي يجل عن‬


‫الكيف والنحصار فشخصك دائم المثول أمام إنساني‬
‫وعن سواك من الخلء ألهاني وأنساني فلله أيام‬
‫قضيناها وليال من الدهر اختلسناها كان السرور فيها‬
‫ضاربا ً خيامه والنس ناشرا ً أعلمه طوي بساطها وكأن‬
‫المر ما كان غير أنها زرعت بفؤادي شجرة الشجان‬
‫لكن عودها حليف أوبتك وتجددها رهين إشارتك فمتى‬
‫يقرب المزار وتنجلي سحب الكدار فاضرب لعودك‬
‫أجل ً فالعود لشك أحمد واكتب بقربك وصل فالوصل‬
‫اضمن للعهد‪ :‬وعهدي من خلقك الوفاء وحسن الولء‬
‫فل تجعل صفقة شوقي إليك خسرا ً بل هبني بعد العسر‬
‫يسرا‪.‬‬
‫"وكتب وفا أفندي محمد المتوفي سنة ‪1319‬ه?"‬
‫أما بعد‪ ،‬سلمي عمليك فهذا كتابي ينبئك عني وعن‬
‫شوقي وعن ودي ول أزيدك علما ً أني ما كتبته من دواة‬
‫ول أجريت عليه فلما ً ولكنها دموع وشوق سالت على‬
‫القرطاس وجرت على حركات الخواطر والنفاس‬
‫وهبت عليه حرارة كبدي بالشواق ووجدي بالفراق‪:‬‬
‫فبينما عي عقيقة حمراء غذ صارت فحمة سوداء‪ :‬أل‬
‫وإن كتابي هو قلبي ولساني أما تراه على رقته ولطف‬
‫عبارته وصدق طويته بين يديك مقبل ً عليك ينشره‬
‫الشوق ويطويه ل يخفى أمرا ً ول يكتم عنك سرا ً وتلك‬
‫صفات لساني وقلبي معك‪ :‬فما الذي أبتغيه بعد وقد‬
‫بعثت إليك بالصغرين وما أنا إل بهذين نعم أرجو بقاك‬
‫ممتعا ً بنعماك لكون على الدوام محل نظرك والسلم‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫"وكتب مؤلف هذا الكتاب"‬
‫كتابي لديك يصف شوقي إليك ول يخفى عليك فمذ‬
‫فارقتني فرقت بين أنسي ونفسي بل بين روحي‬
‫وجسمي ول تعجب إذا كنت أغدو وأروح فالطير يمشي‬
‫من اللم وهو مذبوح وإني أشكو إليك ؟من ألم الوحشة‬
‫غراما ً ل يشعر به إل من ذاق حلو أنسك وعرف مقدار‬
‫نفسك وساهد جمال لطفك وفي صفاتك ترويحا ً لروحي‬
‫وفي كرم خلقك تفريحا ً لنفسي‪.‬‬
‫س أشواقهم‬ ‫إذا وصف النا ُ‬

‫ف‬‫فشوقي لوجهك ل يوص ُ‬


‫فعندي لك من المحبة والشوق والتلهف والتوق ما‬
‫ليصفه الواصفون ول يعبر عن حقيقته العارفون‪.‬‬
‫) ‪(1/32‬‬

‫شوق فوق الذي أشكو إلي َ‬


‫ك وهل‬ ‫ال ّ‬

‫تخفى عليك صباباتي وأشواقي‬

‫فيا شوقي إلى لقياك ووالهفي على جمال محياك قيدن‬


‫أملي عن سواك وبهرت ناظري بنظرة سناك وكسرت‬
‫جيش قراري وتركتني ل أفرق بين ليلي ونهاري‪.‬‬
‫ب‬
‫م وحر ُ‬
‫فؤادي والهوى سل ٌ‬

‫وسلواني أقام على الحياده‬

‫‪47‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ص‬ ‫وشوقي كام ٌ‬
‫ل ما فيهِ نق ٌ‬

‫ت عليهِ أطمعُ في الّزياده‬


‫فلس ُ‬
‫فليت شعري ماذا أصنع في شوق أنا مدفوع إليه من‬
‫صادق حبي بعوامل صادفت مني قلبا ً خاليا ً فتمكنت‬
‫بالتعارف ولم تدع للسلوان سبي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ف الهوى‬‫ت هواهُ قبل أن أعر َ‬ ‫عرف ُ‬
‫ف قلبا ً خاليا ً فتم ّ‬
‫كنا‬ ‫فصاد َ‬

‫إي وربي إن شوقي إليك الظمآن إلى برد الشراب‬


‫وحنيني لك حنين الشيخ إلى زمن الشباب‪ ،‬فما البل‬
‫وقد حنت إلى أعطانها‪ ،‬والغرباء وقد أنت إلى أوطانها‬
‫بأعظم مني حنينا ً ول أكثر أنينًا‪.‬‬
‫ل حتى‬‫ن التفّرق طا ً‬‫ولك ّ‬

‫ق‬
‫ضلوع له حري ٌ‬ ‫توقّد َ في ال ّ‬
‫فكلما تخطر ببالي في أي وقت من الوقات يمثل لي‬
‫التذكر منك محاسن ولطائف تجذبني ميل ً إليك‬
‫وتطربني شغفا ً بك واغتباطا ً بإخائك فل عجب أن كان‬
‫شوقي لرؤيتك عظيما ً لنه كما قيل )كم كرم الرجل‬
‫حنينه إلى أوطانه وشوقه إلى إخوانه(‪.‬‬
‫مد‬
‫صة ال ّ‬
‫ص السيرِ يا ح ّ‬‫يا خل َ‬

‫نف يا زورة على غيرِ وعدِ‬

‫‪48‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ة الو‬
‫ق يا فرح َ‬
‫يا نجاة َ الغري ِ‬

‫ت بعد بعدِ‬
‫بة ياقفلة أت ْ‬

‫ي أّني‬ ‫ض عّني فدت َ‬


‫ك نفس َ‬ ‫ار َ‬

‫ل من ك ّ‬
‫ل عبدِ‬ ‫لك عبد ٌ أذ ّ‬

‫ناشدتك الله أن ترفق بحالي وتعيد وصالي وارع الود‬


‫القديم وأبدل شقاء محبك بالنعيم واغمد سيف ظلمك‬
‫ن ال ْعَهْد َ َ‬ ‫َ‬
‫ؤو ً‬
‫ل(‬ ‫س ُ‬
‫م ْ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫المسلوى )وَأوُْفوا ْ ِبال ْعَهْد ِ إ ِ ّ‬
‫]السراء‪.[34 :‬‬

‫الفصل الثاني في التعارف قبل اللقاء‬


‫"كتب أبو منصور التيسابوري المتوفي سنة ‪429‬ه?"‬
‫) ‪(1/33‬‬

‫نحن في الظاهر على افتراق وفي الباطن على تلق‬


‫نحن نتناجى بالضمائر ونتخاطب بالسرائر إذا حصل‬
‫القرب بالخلص لم يضر البعد بالشخاص أنا أناجيك‬
‫بخواطر قلبي وإن كان قد غاب شخصك عني إن‬
‫أخطأتك يدي بالمكاتبة ناجاك سري بالمواصلة رب‬
‫غائب بشخصه حاضر بخلوص نفسه إن تراخى اللقاء‬
‫فإننا نتلقى على البعاد ونتلفى نظر العين بالفؤاد‪.‬‬
‫"وكتب أيضًا"‬

‫‪49‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أنا أشتاقك كما تشتاق الجنان وإن لم تتقدم لها العينان‬
‫أنا وإن كنت ممن ل يسعد بلقائك فقد اشتمل علي‬
‫النس ببقائك والشوق إلى محاسنك التي سارت‬
‫أخبارها ولحت آثارها لزالت اليام تكشف لي من‬
‫فضلك والخبار تعرض علي من عقلك ما يشوقني إليك‬
‫وإن لم أراك ويزيدني رغبة في ودك وقد سمعت‬
‫خبرك‪.‬‬
‫"وكتب الشيخ حمزة فتح الله المتوفي سنة ‪1335‬ه?"‬
‫) ‪(1/34‬‬

‫كما أن شغف الجنان بالحسن والحسان تكون داعيته‬


‫المشاهدة وتسريح النظار في محيا الكمال ومجلتي‬
‫الجمال فترى العين من تلك الغرة ما يملؤها قرة‬
‫فكذلك السماع يستدعي هذا الشغف فيتأثر الفؤاد بما‬
‫يشنف الذن مما تهديه إليه طرائف الخبار حتى كأن‬
‫حاستي السمع والبصر في ذلك صنوان بل أخوان في‬
‫هيكل هذا الجثمان وقد يعلن السيد أطال الله بقاءه‬
‫وأدام ارتقاءه أن ذلك المر )أي الشغف بالسماع( ليس‬
‫بالحديث العهد ول القريب الجدة بل هو أمر عرف‬
‫قديما ً أن يهدي السماع إلى سويداء القلب لعج الحب‬
‫سعره من النباء عرف شميم فتهيم بمجرد استنشاق‬
‫ذلك الشميم حتى يقول الشاعر العربي )والذن تعشق‬
‫قبل العين أحيانًا( أجل والقدوة في هذا المعنى والس‬
‫لذلك المبني قوله )‪" :‬إني لشم نفس الرحمن من قبل‬
‫اليمن" لما أملته العناية الربانية والملك الروحاني على‬

‫‪50‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قلبه الشريف من نبأ القرني أويس ولم يكن رآه بعد‪.‬‬
‫الوان محاسن السيد الجل لما سارت بها الركبان‬
‫وأثنى عليها كل لسان ما بين أخلق أبهى من الروض‬
‫النضير وأعراق أشهى من عذيب النمير قد احتلت من‬
‫فؤادي ل أقول منزل ً رحيبا ً ول واديا ً خصيبا ً بل منزله‬
‫شماء ودارة علياء وأوجا ً بطوالعها السعيدة يسعد ويلوح‬
‫بها من ذكراه كل حين فرقد فلم أنشب أن قدمت‬
‫كتابي هذا لمولي بين يدي اللقاء عله أن يسمح به‬
‫الزمان وتسفر عنه الليالي واليام ليتاح لي ري الفؤاد‬
‫بما أرويه من حديث زيد الخيل الذي سماه رسول الله‬
‫) زيد الخير وقال له ما وصف لي أحد فرأيته إل وجدته‬
‫دون ما وصف لي سواك وإن فيك خصلتين يحبهما الله‬
‫)الحلم والناة( مقتديا ً بالمام محمود جار الله في‬
‫تقديم هذا الحديث الشريف على ما أنشده إياها‬
‫الشريف بن الشجري أول ما لقيه وكانا قد تحابا‬
‫بالسماع‪.‬‬
‫ة الّركبان تخبرنا‬‫كانت مساءل ُ‬

‫ر‬
‫ب الخب ِ‬
‫عن جابر بن رباِح أطي َ‬

‫حتى اجتمعنا فل والله ما سمعت‬

‫أذني بأحسن مما قد رأى بصري‬


‫) ‪(1/35‬‬

‫‪51‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫"وكتب حفني بك ناصيف المتوفي سنة ‪1337‬ه?"‬
‫يعلم الله ما عندي من الشوق إلى لقاء السيد وإن لم‬
‫يكتحل بإثمد محاسنه النظر والشغف بسماع الحديث‬
‫منه كما سمعته عنه فقد سبقت ذكرى محاسنه إلى‬
‫السمع ووصل خبر لطائفة إلى النفس‪ .‬وما المرء إل‬
‫ذكره ومآثره‪ .‬وحسدت العين عليه الذن وودت لو أنها‬
‫السابقة إلى اجتلء رقائقه وشهود حقائقه‪.‬‬
‫فللعين عشق مثل ما يعشق السمع‪ .‬ل جرم أن ما‬
‫تعارف من الرواح ائتلف وما تناكر منها كما قيل‬
‫اختلف‪ .‬ونحن وإن بعدت بيننا الشقة ولم يسبق لنا‬
‫باللقاء عهد فلحمة الدب تجمعنا ووحدة الوجهة تضمنا‬
‫ولحمة الدب أقوى من لحمة النسب وجامعة الوجهة‬
‫فوق اجتماع الوجوه وقد رأيت أن أزدلف إليك بالمكاتبة‬
‫وأترسل إلى شرف التعرف بالمراسلة حتى إذا لم يبق‬
‫في الصبر على الفتراق مسكة ولبى الجسم دعوة‬
‫الروح فاندفع إلى طلب الجتماع أكون قد مهدت له‬
‫سبيل ً ووطأت له طريقا ً فل تبهرني فرحة اللقيا ول‬
‫يغرني طرب الظفر "فمن فرح النفس ما يقتل ومن‬
‫نشوة الراح ما يزهق الرواح" فإن رأى السيد أن‬
‫يكاتب عبده ويعتقه من رق الفرقة عجل بجواب هذا‬
‫الكتاب ليعلم العبد أن نميقته صادفت قبول ً وأن وسيلته‬
‫اتخذت لي سيده سبيل ً قرب الله زمن اللقا وقصر أمد‬
‫النوى حتى أنشد في الختام‪.‬‬
‫تطابقَ الخبُر في علياك والخبُر‬

‫‪52‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وصد ّقَ السمعَ في أوصاف َ‬
‫ك البصُر‬
‫"وكتب أحمد أفندي سمير المتوفي سنة ‪1329‬ه?"‬
‫) ‪(1/36‬‬

‫يعلم سيدي أن المودة ل تباع ول تشترى وإنما هي‬


‫نتيجة الجتماع والتعارف وقد خلق النسان مضطرا ً‬
‫إليهما لن انتظام العمران عليهما موقوف ولهذا شهد‬
‫العيان بأن المنفرد بأعماله المستبد بآرائه عرضة‬
‫للخطأ مظنة لعدم الثقة‪ :‬بخلف ما إذا كان الشتراك‬
‫في الفكر قاعدة للعمل فل بد أن الصواب يتمحض منه‬
‫لضعف التفرد وقوة الجتماع إذ ل جرم أن المرء كما‬
‫قيل‪" :‬قليل بنفسه كثير بإخوانه" وقد سمعت عن‬
‫السيد وقرأت من آثاره المأثورة ما حببه إلي وشاقتي‬
‫للتعرف به لتشترك في منفعة تبادل الفكار فإني ل‬
‫أكتفي بمجرد السماع ول أقول‪" :‬إن الذن تعشق قبل‬
‫العين" فإنما هي جارحة صغيرة ولكن كلي ميال إليه‬
‫محب لستجلء مرآه عالم إني غذ دخلت إلى مودته من‬
‫باب التلقي ل أجد دهري‪.‬‬
‫ه‬
‫ص كرهن ً‬
‫ل شخ ٍ‬ ‫يقّرب مّني ك ّ‬

‫ن إليه أميل‬
‫ويبعد ُ عّني م ْ‬

‫فإن لم يتيسر أن يراني أو أراه فليسعدني ببضعة‬


‫أسطر تضمن لي رضاه عن هذه المعرفة الترسلية‬
‫لنتراءى بأعين الطروس قبل أعين الرؤوس ونتجاذب‬

‫‪53‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أحاديث المراسلة إن عزت المقابلة وقد وقفت عليه‬
‫خالص ودي واخترته من بين رجال العصر سعيا لكسب‬
‫ن( ]الطور‪:‬‬
‫هي ٌ‬
‫ب َر َ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫س َ‬ ‫رىٍء ب ِ َ‬‫م ِ‬‫لا ْ‬‫المعالي بمعرفته )ك ُ ّ‬
‫ى( ]النجم‪.[39 :‬‬ ‫سعَ َ‬ ‫ما َ‬‫ن إ ِل ّ َ‬
‫سا ِ‬‫لن َ‬ ‫‪) [21‬ل ّي ْ َ‬
‫س لِ ِ‬
‫ل عن قرينه‬ ‫ل وس ْ‬ ‫عن المرء ل تسأ ْ‬

‫ن يقتدي‬ ‫فك ّ‬
‫ل قرين بالمقار ِ‬

‫"وكتب الشيخ أحمد مفتاح المتوفي سنة ‪1329‬ه?"‬


‫) ‪(1/37‬‬

‫لم أكن فيما أكتبه لك إل ساريا ً في ليل التعارف على‬


‫ضياء خللك التي أملها علي لسان المدح الذي شرق‬
‫وغرب الرض صيته وإني وإن لم أكن أسعدت من قبل‬
‫باجتلء طلعتك الزاهرة واجتناء مفاكهتك الغضة فقد‬
‫دلني على الليث زئيره وعلى البحر خريره وعلى العقل‬
‫أثره وعلى السيف إثره ولئن لم تجمعنا لحمة النسب‬
‫فقد جمعتنا حرفة الدب أو لم يضمنا قبل مصيف‬
‫ومرتبع فالطيور على أشكالها تقع وشبه الشيء‬
‫منجذب إليه وأخو الفضائل هو المعول عليه‪ :‬وهذه‬
‫الرقعة وإن وصفت لك بعض ما أنا مطوي عليه من‬
‫التهافت على رؤيتك والميل إلى صداقتك فقلما تنوب‬
‫عن المشابهة أو تقضي حاجات في النفس طالما تردد‬
‫صداها‪ :‬زفي ظني أن سيدي يود ما أوده وعما قليل‬
‫يسفر صبح اللقاء ونتجاذب أهداب المعرفة‪ :‬ورأى من‬

‫‪54‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫سيدي فوق ما توسمته وسمعته ويرى مني ما يرضيه‬
‫والسلم‪.‬‬
‫"وكتب الشيخ طه محمود المتوفي سنة ‪1325‬ه?"‬
‫) ‪(1/38‬‬

‫أيها السيد العزيز الجناب الغزير الداب‪ ،‬قد علمت ول‬


‫أزيدك علما ً زادك الله ول نقصك أن النسان كما اشتق‬
‫اسمه من النس كذلك جبل عليه مسماه وأن المجتمع‬
‫النساني عقد يتحلى به صدر الزمان نظامه التآلف‬
‫وواسطته التعارف‪ :‬فهذان المران هما قطب المدار‬
‫في هذه الدار لهذا العالم من لدن آدم وليس إل بهما‬
‫يحسن الحال وينعم البال وتدر ضروع المنافع وتتفجر‬
‫عيون الفوائد ومن ثم كان أوفر الناس حظا ً من مغنم‬
‫النسانية من يألف ول خير فيمن ل ول ناهيك بخلق‬
‫امتن الله به على عباده إذ قال عز من قائل‪:‬‬
‫ل ل ِت ََعاَرفُوَْا( ]الحجرات‪.[13 :‬‬
‫شُعوبا ً وَقََبآئ ِ َ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫)وَ َ‬
‫ذلك "أيها السيد" هو الذي بعثني أن اكتب إليك أستفتح‬
‫باب مودتك بمفتاح الترسل وأستصبح في سبيل‬
‫صحبتك بمصباح التوسل ل أبالي بما ينسب إلي وينتقم‬
‫علي ممن عسى أن يقول مالك ولهذا الفضول وكيف‬
‫تتطفل على مأدبة أديبة لم تدع إليها وهل هذا منك إل‬
‫أشبه بالتبرج لغير خاطب‪ :‬أيها المنتقد هون عليك ما‬
‫تجد فلو علمت أن ظل الداب شامل ودعوة المودة‬
‫الجفلى ل يذاد عنها وأغل لسرعت معي إلى الوغول‬
‫ولم تر في التودد إلى أهل الفضل من فضول وأي عيب‬

‫‪55‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫على النكرة في التحلي بحلية المعرفة ومصاحبة‬
‫العلم أما سمعت قول القائل‪:‬‬
‫م تعد ّ منهم‬ ‫بصحبت َ‬
‫ك الكرا َ‬

‫مات الّزمان‬‫ن من مل ّ‬‫وتأم ُ‬


‫وكيف أضع نفسي بحيث يقول الول‪:‬‬
‫م ل ترح ْ‬
‫ل لبغيتها‬ ‫دِع المكار َ‬

‫م الكاسي‬
‫واقعد فإنك أنت الطاع ُ‬
‫) ‪(1/39‬‬

‫وشتان ما بين الرجلين رجل يهوى المكارم وبينها‬


‫ويبتغي المناقب وذويها ويقف نفسه على مسألة يعلمها‬
‫وفضيلة يتحلى بها‪.‬‬
‫وآخر يبذل وجهه المصون في ملء الحقائب والبطون‪.‬‬
‫هذا‪ :‬وقد رجوت أن أكون الرجل الول بصحبتك "أيها‬
‫السيد" فكم روى لنا من أحاديث فضائلك للصحاح وتلى‬
‫علينا من آيات شمائلك الحسان ما أشخص إليك‬
‫القلوب قبل قوالبها وأوفد عليك الرواح قبل أشباحها‬
‫وأعجلني أن أكتب إليك بهذا الرقيم ألتمس بالتعرف‬
‫إلى جنابك الكريم ما ألتمس الكليم من صحبة ذي‬
‫الوجه النضر أبي العباس الخضر وإني وإن كنت والحمد‬
‫لله ممن آمنوا بالغيب وليس عندي في صدق هذه‬
‫اليات مرية ول ريب‪ :‬بيد أن للصحبة فضل ً ل ينكر‬
‫وللمؤاخاة مزية ل يتمارى فيها اثنان‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فإذا ورد على السيد كتابي هذا وانشرح صدره "شرح‬
‫الله صدره" إلى إجابة سؤلي وارتاحت نفسه إلى‬
‫اصطناعي كتب إلى عبده بما يكون آية جلية على‬
‫ارتياحه لتحقيق هذه المنية‪.‬‬
‫ج‬
‫حتى أقول لوجه آمالي ابته ْ‬

‫لوّليّنك قبل ً‬
‫ة لترضاها‬

‫"وكتب الستاذ محمود بك أبو النصر"‬


‫لنسان العين وعين النسان‪ :‬المودة "وصل الله بأجفان‬
‫الشواق أهدابها وفتح لنا أبوابها" أمر عزيز المرتقى‬
‫على من يصطفى صديقه ويرعى حقوقه وإني‬
‫اصطفيتك على الناس برسالتي هذه وعهدي بكرم‬
‫سجاياك أن تصافحها براحة القبول وتتخذها فاتحة ود‬
‫طارت إليك رياح فضلك بعدما مثلت آياته لك في‬
‫القلوب معنى ظهرت في مرآه العين صورته‪.‬‬
‫ث‬
‫فإن أبيت ودادي غيَر مكتر ٍ‬

‫ت حّيا ل أرى بدل‬ ‫فعن َ‬


‫ك ما دم ُ‬
‫وحاشاك عن مثل ذلك الباء ونحن وإن لم تحظ‬
‫أشباحنا باللقاء فأرواحنا من قبل جنود وأعيننا شهود‬
‫فإن أنت منحتني ولء خالصا ُ وإخاًء صادقا ً )وإل فهبني‬
‫أمرا ً هالكًا( ول إخالك ترضاه وإن كنت المتطفل على‬
‫مائدة مودتك فلي نفس أديب ل ترى العز زإل في‬
‫الترامي على ذرا الكمال لزلت على مرقى الجلل‬

‫‪57‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والسلم‪.‬‬
‫"وكتب الفاضل السيد محمد الببلوي"‬
‫) ‪(1/40‬‬

‫سيدي إن مكارم الخلق ومعالي الهمم مما تسترق‬


‫القلوب وتسترق العقول وتمتلك الرواح وإن لم تتلق‬
‫الشباح فإني مذ سرى إلي النسيم بأخلقكم الغراء‬
‫وابتسم لي ثغر هذا العصر عن آثاركم الزهراء وتواترت‬
‫الخبار بحبكم للفضل وأهله وارتياحكم للعلم وذويه وأنا‬
‫مشغوف الفؤاد بالتعرف بسيادتكم مشغول البال‬
‫بالتوسل إلى رياض مودتكم ولعلمي أن للصداقة حقوقا ً‬
‫وللمصاحبة شروطا ً ربما صعبت على من حاولها وعزت‬
‫على من أراد الوفاء بها كنت أرى الوحدة أولى‬
‫والنفراد بي أسلم ولكن ما زلت تنمي إلى أحاسن‬
‫شمائلكم المشرفة وتتوارد على مسامعي محاسن‬
‫سيركم المطهرة فينمو الوجد ويزداد الشوق "والذن‬
‫تعشق قبل العين أحيانًا" وما كنت أجد سبيل ً للتعرف‬
‫ول سببا ً للتودد ول متجسر نفسي على المراسلة ابتداء‬
‫إلى أن رأيت سيدي قد اهتم للدب فأعلى منارة ونظر‬
‫للنشاء فرفع مقداره ونصر دولته وأحيا صولته وأعاد‬
‫شبابه وفتح لدباء هذا العصر بابه فعلمت أن الدهر قد‬
‫ساعدني والفرصة قد أمكنتني من مصافحة أملت‬
‫ومصافات ما أردت من اجتناء ثمار سيدي والتعرف به‬
‫والتمسك بأهداب فضائله والتزود من آدابه فإن الدب‬
‫أحسن يستصبح بأنواره وأشرف ما يتسابق لقتطاف‬

‫‪58‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أثماره ويحمد التطفل على موائده ويمدح التنافس في‬
‫التقاط فرائد فوائده فجعلت طلب النتظام في سلك‬
‫أرباب القلم وسيلة لورود عذب وداده ونمير التعرف‬
‫به فإن رأى سيدي أن يعد نفس حر في عداد معارفه‬
‫ويقابل رسالته بما اشتهر من لطائفه حتى يتمتع بالرؤية‬
‫البصار كما تمتعت المسامع بطيب الخبار كنت مديم‬
‫الشكر لفضاله مستمر الثناء على كماله‪.‬‬
‫"وكتب الشيخ عبد الكريم سلمان المتوفي سنة‬
‫‪1336‬ه?"‬
‫) ‪(1/41‬‬

‫أما بعد فهذه أول رسالة أكتبها إلى من لم تكن لي به‬


‫جامعة جسمية ولم تضمني وإياه حفلة تعارف شخصية‬
‫وهي وإن كانت في عرف غيري تعد هجوما ً أو تحس‬
‫فضول ً إل أني أعتقد أنها أوفدت على كريم يكرم‬
‫وفادتها ويتقبل به ما يهديه إليه من زعيم تحية وجليل‬
‫إجلل ويجتلي من خللها إرادة ود ورجاء ولء وبغية‬
‫فضل ورغبة في إخاء فيحلها منه محل القبول ويدرأ‬
‫عنها وصمة الفضول‪ :‬إن لسيدي آثارا ً شاهدناها‬
‫فاستفدناها ومآثر سمعناها فرويناها ول مرية في أن ما‬
‫غاب عنا منها أكثر مما وعينا وأوفى مما سمعنا ونحن‬
‫والله يعلم طلب كمال ومنتجعوا إفضال ورواد وما‬
‫خصب من فيحاء العلوم وقد توسمنا في السيد أطال‬
‫الله بقاه طلبتنا ووجدنا لديه ضالتنا قحثثنا إلى رحابه‬
‫مطية المكاتبة ولنا أمل كبير في نوال المأمول لعله‬

‫‪59‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫يجتح إلى مقابلة المثل بالمثل فيكتب لخيه بعض‬
‫كليمات يعرف منها أنه قبل الخاء ومال إلى مقتضى‬
‫طبعه من الوفاء ول أظن ذلك إل وقد كان في أقرب ما‬
‫يكون من الزمان فإن الرواح ما تعارف منها ائتلف كما‬
‫برهنه الصحاب في معاشرتهم خلفا ً عن سلف‪.‬‬
‫"وكتب مؤلف هذا الكتاب"‬
‫ت‬‫ف لكم كمل ْ‬
‫لقد سمعنا بأوصا ٍ‬

‫فسّرنا ما سمعناه ُ وأحيانا‬

‫من قبل رؤيتكم نلنا محّبتكم‬

‫ل العين أحيانا ً‬‫والذن تعشقُ قب َ‬


‫سيدي ومولي‪ :‬لقد بلغني عنك في وفائك وفضلك ما‬
‫يدعوني لخطب ودك ويرغبني في إخائك ويحببني في‬
‫التوسل إلى معرفة جنابك وإن لم تجمعنا جامعة‬
‫شخصية ولم تضمنا حفلة تعارف ذاتية إل أن أحاديث‬
‫فضائلك الصحاح أوفدت عليك الرواح قبل الشباح‬
‫والولء والخلص قبل الجسام والشخاص ول غرابة‬
‫في ذلك فإن من سنة الله في خلقه أن يؤلف بين‬
‫الرواح وأمثالها وإن لله ملئكة يسوقون الشكال إلى‬
‫أشكالها وشبه الشيء منجذب إليه وأخو الفضائل هو‬
‫المعول عليه‪.‬‬
‫ب لجناد ٌ مجّندةٌ‬‫ن القلو َ‬
‫إ ّ‬

‫ف‬
‫لله في الرض بالهواء تعتر ُ‬

‫‪60‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/42‬‬

‫ف=وما تناكَر منها فهو‬‫ف منها فهو مؤتل ٌ‬


‫فما تعار َ‬
‫ف فلذا اصطفيتك لنفسي واخترتك لمودتي‬ ‫مختل ُ‬
‫وأنسي نتناجى بالضمائر ونتخاطب بالسرائر وإن بعدنا‬
‫في الظاهر فرب غائب بنفسه حاضر بخلوص نفسه‪.‬‬
‫ث‬
‫ت ودادي غيَر مكتر ٍ‬‫ن أبي َ‬
‫فإ ْ‬

‫فعنك ما دمت حيا ً ل أرى بدل‬


‫وحاشاك عن مثل هذا الباء والهجر والجفاء‪.‬‬
‫ل من الّناس مثله‬ ‫ل امرئ شك ٌ‬
‫لك ّ‬

‫ه‬
‫ل امرئ يهوى إلى من يشاكل ُ‬ ‫وك ّ‬
‫ناشدتك الله أن تقبل مني الخاء وتضمن لي الوفاء وأنا‬
‫أرضى بك من الدنيا نصيبا ً وأختارك من العالمين حبيبًا‪.‬‬
‫الفصل الثالث في رسائل الهدايا‬
‫كتب سعيد بن حميد المتوفي سنة ‪105‬ه? يوم النيروز‬
‫إلى بعض أهل السلطان"‬
‫أيها السيد الشريف عشت أطل العمار بزياد من العمر‬
‫موصولة بفرائضها من الشكر ل سينقضي حق نعمة‬
‫حتى يجدد لك الخرى ول يمر بك يوم إل كان مقصرا ً‬
‫عما بعده موفيا ً عما قبله‪ :‬إني تصفحت أحوال التباع‬
‫الذين يجب عليهم الهدايا إلى السادة والتمست التأسي‬
‫بهم في الهداء وإن قصرت بي الحال عن الواجب‬
‫فوجدت أني‪ :‬إن أهديت نفسي فهي ملك لك لحظ‬
‫فيها لغيرك‪ .‬ورميت بطرفي إلى كرائم مالي فوجدتها‬

‫‪61‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫منك فإن كنت أهديت منها شيئا ً فإني لمهد مالك إليك‪.‬‬
‫ونزعت إلى مودتي فوجدتها خالصة لك قديمة غير‬
‫مستحدثة فرأيت إن جعلتها هديتي أني لم أجدد لهذا‬
‫اليوم الجديد برا ً ول لطفا ً ولم أميز منزلة من شكري‬
‫بمنزلة من نعمتك إل كان الشكر مقصرا ً عن الحق‬
‫والنعمة زائدة على ما تبلغه الطاقة فجعلت العتراف‬
‫بالتقصير عن حقك هدية إليك والقرار بالتقصير عما‬
‫يجب لك برا ً أتوسل به إليك وقلت في ذلك‪.‬‬
‫إن أهد مال ً فهو واهب ُ‬
‫ه‬

‫ر‬
‫وهو الحقيقُ عليه بالشك ِ‬
‫ن‬
‫أو أهد شكري فهو مرته ٌ‬

‫ر‬
‫ده ِ‬ ‫بجميل فعل َ‬
‫ك آخَر ال ّ‬

‫ت‬
‫والشمس تستغني إذا طلع ْ‬

‫دهر‬
‫ن تستضيء بسّنة ال ّ‬
‫أ ْ‬

‫"وكتب حنفي بك ناصف المتوفى سنة ‪1337‬ه?"‬


‫) ‪(1/43‬‬

‫الهدية في نظر الصيفاء جليلة وإن كانت في نفسها‬


‫قليلة ومكانتها خطيرة وإن كانت يسيرة وسنة حسنة‬
‫اجتمعت على فضلها اللسنة‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ن‬
‫دهوُر وأمرها مستحس ٌ‬
‫مضت ال ّ‬

‫ت بمديحها اليام‬
‫وتعاقب ْ‬

‫اللهم إل أن لبست جلباب الرياء وولجت أبواب الرتشاء‬


‫ول مراء إن الوداء من ذلك براء‪.‬‬
‫ل يبتغون سوى الوفاِء وما لهم‬

‫صفاِء مرام‬
‫غيُر البقاِء على ال ّ‬
‫وما زالت الهدية شعار الصدقاء وعنون تذكار الولء‬
‫وكم جددت بين الصحاب عهود التحاب‪.‬‬
‫ه‬
‫وتعّهدت وّدا فعاد َ شتيت ُ‬

‫م‬
‫ولشملهِ بعد البداد ِ نظا ُ‬
‫قد وصلتني يد العصا فحبذا الهداء وأهل ً بتلك اليد‬
‫البيضاء وليست هذه أول أياديك علي ول أكبر عارفة‬
‫جاءت من ناديك إلي وقد أمنت بها النوب واعتضدت بها‬
‫على تفريق شمل الكرب‪.‬‬
‫ه‬‫فإذا طغا بحر الهموم ضربت ُ‬

‫بعصايَ فاجتازت به القدام‬


‫تنفلق بها من اليام صخور فتنبجس منها عيون السرور‬
‫وتلقف ما يصنع العداء فتذهب بسحر البغضاء وإذا‬
‫اشتد هجير الوحشة نشرت ظلل أنسها أو عصى‬
‫فرعون الدهر راعته ببأسها‪.‬‬
‫م لنا بها‬
‫فكأّنما أوصى الكلي ُ‬

‫‪63‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫م‬
‫حتى يرى آياته القوا ُ‬

‫وقد فكرت ماذا أقابل به طرفتك وأتلقى به تحفتك إلى‬


‫أن هداني الله أن يد المنعم إنما تقابل بالفواه ليعزز‬
‫القبول بالقبل ويؤدي الرسم باللثم فأرسلت إليك فم‬
‫سجارة وجعلته لهذا المعنى إشارة وقلت‪:‬‬
‫ت يمين َ‬
‫ك بالّندى‬ ‫موليَ كم فاض ْ‬

‫ت غريقَ بحر النعم ِ‬ ‫حتى غدو ُ‬


‫ل راحها‬‫ب أن أقب ّ َ‬
‫والشكُر أوج َ‬

‫ت عن هذا بإهداِء الفم ِ‬


‫فكني ُ‬

‫وقد علمت أن المنظر البهيج يتم بالتدريج فاخترت أن‬


‫يكون مبدؤه كالليل إذا عسعس ومنتهاه كالصبح إذا‬
‫تنفس إيذانا ً بزوال الشرور بالسرور ورمزا ً إلى الخروج‬
‫من الظلمات إلى النور‪.‬‬
‫?"وكتب الستاذ محمود بك أبو النصر"‬
‫يا أّيها المولى الذي‬

‫ه‬
‫مت أياديهِ الجميل ْ‬ ‫ع ّ‬
‫ن يرى‬
‫ةم ْ‬ ‫اقب ْ‬
‫ل هدي ّ َ‬

‫ه‬
‫دنيا قليل ْ‬ ‫في حّق َ‬
‫ك ال ّ‬
‫) ‪(1/44‬‬
‫‪64‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫غرة وجه السعود وقّرة عين الوجود المير الجليل‪ :‬يا‬


‫جليل الفضائل إليك توجه المال ويا جميل الشمائل‬
‫بساحتك تحط الرحال تلك هي الساحة الفيحاء والشيمة‬
‫الحسناء والهمة العلياء واليد البيضاء والعمال التي‬
‫تضرب بها المثال كم من نعم أسديتها ومكارم أوليتها‬
‫وعلوم أحييتها فأنت المصدر والمورد والمقصد‬
‫والموعد‪ :‬إليك أقدم تلك الهدية المرضية وأرفع ذلك‬
‫الكتاب المستطاب مشفعا ً في قبوله كرم سجاياك‬
‫وعظم مزاياك وإني وإن كنت أعلم أن مقامك العلي‬
‫يجل عن أن يرفع إليه مثله فقد عرفناك متواضعا ً في‬
‫علك قريبا ً مع اعتلك‪.‬‬
‫ت تواضعا ً وعلوت مجدا ً‬ ‫دنو َ‬

‫ض وارتفاعُ‬
‫فشأنك انخفا ٌ‬

‫كذاك ال ّ‬
‫شمس يبعد ُ أن تسامى‬

‫ضوُء منها وال ّ‬


‫شعاعُ‬ ‫ويدنو ال ّ‬
‫وحاشاك أن أهدي للقمر نورا ً أو للشمس ضياء أو أبعث‬
‫ببنية القطر إلى ذلك البحر ولكنني أحببت أن يحظى‬
‫بلثم بنانك وينال من كرمك وإحسانك وقد عهدناك تهتز‬
‫للمكارم اهتزاز الصارم وترتاح لسداء الجميل كما‬
‫يرتاح للكرم التنزيل وللشفاء العليل وما هون إل من‬
‫نور فكرك مقتبس فعساه يحظى بالقبول فأبلغ غاية‬
‫المأمول والسلم‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫"وكتب الستاذ عبد الله بك النصاري"‬
‫المولى أدام الله وجوده ممتعا ً بهدايا اليام وتحف‬
‫العوام طالما أوفد من الرفد إلي ووجه من الخيرات‬
‫ما أفعم يدي حتى أصبحت وله الفضل والمنة أجر ذيول‬
‫النعماء على غبراء البأساء واجتلي معارف السراء‬
‫بعوارفه البيضاء التي ليوازيها ثناء وحمد ول يوزازيها‬
‫عطاء ورفد ول يطاولها سماء وبحر ول يغالبها بؤس‬
‫وفقر وإن لي من آلء السيد حفظه الله وأدام عله ما‬
‫اينع وأزهر وأورق وأثمر حدائق قامت لشكره عيدانها‬
‫وسجدت لفضله أغصانها وترنمت طربا ً وتمايلت عجبا ً‬
‫بنفحات هي عرفه وبركات هي عرفه ولي أمل في‬
‫جنابه وأنا سليل نعمته وعهدي بأخلقه وأنا ابن مودته‬
‫أن يمن بقبول ما أهديته وهو من مال نفسه وثمرة‬
‫غرسه )باكورة تفاح( يرفعها إجلل وإعظام وتصحبها‬
‫تحية وسلم‪.‬‬
‫) ‪(1/45‬‬

‫"وكتب الشيخ أحمد مفتاح المتوفي سنة ‪1329‬ه?"‬


‫الهدية غمرك الله بالمعروف تتبسط يد المودة وتدر بها‬
‫أخلف القرب وتغرس بين المتحابين من الئتلف بقدر‬
‫ما تقطع بينهما من شجر الخلف وما أنا فيما أهديه‬
‫إليك إل مستبضع تمرا ً إلى أرض خبير أو كالواهب الماء‬
‫للبحر والضوء للبدر والملك لسليمان والمال لقارون‬
‫والحلم لحنف والذكاء لياس والتفسير لبن عباس وما‬
‫ذاك إل كتاب كما تراه ضرب في الحكام بسهم ووعى‬

‫‪66‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من الحكام ما خلت منه مفعمات السفار وموجزات‬
‫الرسائل )فهو كما قيل( كل الصيد في جوف الفرا‪.‬‬
‫ه‬
‫تزين معانيهِ ألفاظ ُ‬

‫ه زائنات المعاني‬
‫وألفاظ ُ‬
‫على أني وإن تطفلت عليك وسقت لك هذا الكتاب‬
‫مزدلفا ً إلى جانبك الرحب ومقامك السنى فقد أصبت‬
‫كبد الصواب ووضعته حيث يعرفه أهلوه ويتقبله من‬
‫باذله عالموه علما ً بأنك عماد العلوم وأساس الفضائل‬
‫ل تغادر شاردة إل وعيتها ول نادرة إل رويتها وإل‪.‬‬
‫ي قدري وقدركمو‬ ‫لو كان يهدى عل ّ‬

‫دنيا وما فيها‬


‫لكنت أهدي لك ال ّ‬

‫"وكتب مؤلف هذا الكتاب إلى أستاذه الحكيم الشيخ‬


‫محمد عبده"‬
‫سيدي ومولي أطال الله بقاك ورفع في الدارين علك‬
‫الهدية مفتاح باب المودة وعنوان تذكار المحبة يتسابق‬
‫إليها كرام السجايا ويتسارع إلى إحياء شعائرها عشاق‬
‫المزايا حرصا ً على حفظ عهود الوداد والتآلف وإذهابا ً‬
‫لوحشة التقاطع والتحالف‪.‬‬
‫ض‬‫م لبع ٍ‬
‫هدايا الّناس بعضه ْ‬

‫توّلد في قلوبهم الوصال‬

‫وتزرع في القلوب هوى وودا=وتكسوك المهابة والجلل‬

‫‪67‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ولقد وجدتك إماما ً حكيما ً وفيلسوفا ً عليما ً تقدر العمال‬
‫حق قدرها وتضع الشياء في مواضعها سباقا ً إلى نشر‬
‫العلوم والمعارف في المشارق والمغارب‪.‬‬
‫يبقى الّثناء وتنفد الموال‬

‫ولكل دهرٍ دولة ورجال‬

‫ما نا َ‬
‫ل محمدة َ الّرجال وشكرهم‬

‫إل ّ ال ّ‬
‫صبور عليهم المفضال‬
‫) ‪(1/46‬‬

‫فلذا أهديك كتابي )جواهر الدب في بلغة لغة العرب(‬


‫جمع فأوعى من الداب والحكم ما خلت منه مفعمات‬
‫السفار فهو بل شك ول مرا كل الصيد في جوف الفرا‪.‬‬
‫تزين معانيهِ ألفاظه‬

‫وألفاظه زائنات المعاني‬


‫على أني وإن تطفلت عليك ووضعت كتابي هذا بين‬
‫يديك فقد ولجت المور من البواب وأصبت كبد‬
‫الصواب حيث يعرف الفضل من الناس ذووه ويتقبله‬
‫بقبول حسن عالموه‪.‬‬
‫شكرا ً وحمدا ً إن قبلت هدّيتي‬

‫وجعلت لي فضل ً على أقراني‬

‫‪68‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فتنازلك بقبوله يكون القبال عليه جليل ً ويعجز لساني‬
‫عن أن أشكرك جزيل ً والسلم‪.‬‬
‫الفصل الرابع في رسائل الستعطاف والعتذار‬
‫"وكتب أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة ‪429‬ه?"‬
‫الكريم إذا قدر غفر وإذا أوثق أطلق وإذا أسر أعتق قد‬
‫هربت منك إليك واستعنت بعفوك عليك فأذقني حلوة‬
‫رضاك عني كما أذقتني مرارة انتقامك مني‪ :‬الحر‬
‫الكريم الظفر إذا نال أقال واللئيم إذا نال استطال قد‬
‫هابك من استتر ولم يذنب من اعتذر تكلف العتذار بل‬
‫زلة كتكلف الدواء بل علة مولي يوجب الصفح عند‬
‫الزلة كما يلتزم البذل عند الخلة مولي يوليني صفيحة‬
‫صفحة ويؤتيتي العفو من عفوه زللت وقد يزل العالم‬
‫الذي ل أساويه وعثرت وقد يعثر الجواد الذي ل أجاريه‬
‫لتضيقن لعني سعة خلقك ولتكدرن علي صفو ودك‬
‫مالي ذنب يضيق عنه عفوك ول جرم يتجافى تجاوزك‬
‫وصفحك‪ :‬والسلم‪.‬‬
‫"وكتب عبد الله بن معاوية المتوفي سنة ‪158‬ه? إلى‬
‫أبي مسلم"‬
‫) ‪(1/47‬‬

‫من السير في يديه بل ذنب إليه ول خلف عليه )أما‬


‫بعد( فقد أتاك الله حفظ الوصية ومنحك نصيحة الرعية‬
‫وألهمك عدل القضية فإنك مستودع الودائع ومولى‬
‫الصنائع فاحفظ ودائعك بحسن صنائعك فالودائع عارية‬
‫والصنائع مرعية وما النعم عليك وعلينا فيك بمنزور‬

‫‪69‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫نداها ول بمبلوغ مداها فنبه للتفكير قلبك واتق الله ربك‬
‫وأعط من نفسك من هو تحتك ما تحب أن يعطيك من‬
‫هو فوقك من العدل والرأفة والمن من المخافة فقد‬
‫أنعم الله عليك بأن فوض أمرنا إليك فاعرف لنا لين‬
‫شكر المودة واغتفار مس الشدة والرضا بما رضيت‬
‫والقناعة بما هويت فإن علينا من سمك الحديد وثقله‬
‫أذى شديدا ً مع معالجة الغلل وقلة رحمة العمال الذين‬
‫تسهيلهم الغلظة وتيسيرهم الفظاظة وليرادهم علينا‬
‫الغموم وتوجيههم إلينا الهموم زيارتهم الحراسة‬
‫وبشارتهم الياسة فإليك بعد الله نرفع كربة الشكوى‬
‫ونشكو شدة البلوى فمتى تمل إلينا طرفا ً وتولنا منك‬
‫عطفا ً تجد عندنا نصحا ً صريحا ً وودا ً صحيحا ً ليضيع مثلك‬
‫مثله ول ينفي مثلك أهله فارع حرمة من أدركت‬
‫بحرمته واعرف حجة من فلجت بحجته فإن الناس من‬
‫حوضك رواء ونحن منه ظماء يمشون في اليراد ونحن‬
‫نحجل في القياد بعد الخير والسعة والخفض والدعة‬
‫والله المستعان وعليه التكلن‪.‬‬
‫"وكتب بدر الدين محمد بن حبيب الحلبي المتوفي سنة‬
‫‪799‬ه?"‬
‫رفقا ً بمن ملك الوجد قياده وعطفا ً على من أذاب‬
‫الشوق فؤاده متيم أقلقه فرط صدودك ومغرم أغراه‬
‫بحبك قول حسودك وسقيم ل شفاء له دون مزارك‬
‫ومقيم على عهدك ولو طالت مدة نفارك إلى م هذا‬
‫التنائي والنفور وعلم ياذا القد العادل تجور لقد‬
‫تضاعفت السف والسى وتطاول التعلل بعل وعسى‪.‬‬
‫ت إلى زّلة‬ ‫هبني تخ ّ‬
‫طي ُ‬

‫‪70‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ت فيما مضى‬
‫ولم أكن أذنب ُ‬

‫ب لي منك جمي َ‬
‫ل الّرضا‬ ‫ة توج ُ‬
‫س لي من بعدها حرم ٌ‬
‫ألي َ‬
‫) ‪(1/48‬‬

‫ولست ألوذ إل بباب نعمك ول أعتمد في محو الساءة‬


‫إل على حلمك وكرمك وما جل ذنب يضاف إلى صفحك‬
‫ول عظم جرم يسند إلى عفوك ومثلك من يقيل‬
‫العثرات ويتجاوز عن الهفوات‪.‬‬
‫ن أن جبال رضوى=تزول وإن وّدك ل يزول‬ ‫وكنت أظ ّ‬
‫ب‬
‫ن القلوب لها انقل ٌ‬
‫ولك ّ‬

‫ت ابن آدم تستحيل‬ ‫وحال ُ‬


‫طالما آنستني بقربك ودنوت مني مفارقا ً ظباء سر بك‬
‫وأنجزت وعودي وأطلعت نجوم سعودي‪.‬‬
‫ت أدنيت مجلسي‬‫ت إذا ما جئ ُ‬
‫وكن ُ‬

‫ك من ماء البشاشةِ يقطُر‬ ‫ووجه َ‬


‫ت مّرة‬
‫ي بالعين التي كن َ‬
‫فمن ل َ‬

‫دهر تنظر‬
‫ي بها من سالف ال ّ‬
‫إل ّ‬

‫قيدت أملي عن سواك وبهرت ناظري بنظرة سناك‬


‫وكسرت جيش قراري وتركتني ل أفرق بين ليلي‬

‫‪71‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ونهاري‪ ،‬أحوم حول الديار‪ ،‬وأعوم في بحر الفكار‪،‬‬
‫وأتمسك بعطف عطفك‪ ،‬وأتعلق بأذيال مكارمك‬
‫ولطفك أما علمت أن الكريم إذا قدر غفر‪ ،‬وإذا صدرت‬
‫من عبده زلة أسبل عليها رداء العفو وستر‪ ،‬وإن شفيع‬
‫المذنب إقراره ورفض خطيئته عند موله استغفار‪.‬‬
‫ة‬
‫ج ٍ‬
‫ن كان ذا عذرٍ لديك وح ّ‬
‫وم ْ‬

‫عذريَ إقراري بأن ليس لي عذُر‬


‫لهفي على عيش بسلف حديثك سلف وأوقات حلت ثم‬
‫خلت وأورثت التلف وآها ليام بطيب أنك مضت وبروق‬
‫ليال لول قربك ما أومضت‪.‬‬
‫ف في الهوى مقدارها‬
‫ت أعر ُ‬
‫كن ُ‬

‫ت وبالسف المبّرح عوضت‬ ‫رحل ْ‬


‫سبي ُ‬
‫ل إلى إعادة مثلها‬ ‫كيف ال ّ‬

‫ي التي بالبعد ِ قلبي أمرضت‬


‫وه َ‬

‫فجد بالتداني واسمح بنيل الماني وألن قلبك القاسي‬


‫وعد عن التنائي والتناسي وارع الود القديم وابدل‬
‫شقاء محبك بالنعيم ول تعدل عن منهاج المعدلة وسلم‬
‫فقد أخذت حقها المسألة وأغمد سيف حيف صبرته‬
‫ؤو ً‬
‫ل(‬ ‫س ُ‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫كا‬ ‫د‬ ‫ه‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫د‬‫ه‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫ل‬ ‫با‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ُ‬
‫فو‬ ‫و‬‫مسلول ً وأوف )وأ َ‬
‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫ِ ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫]السراء‪.[34 :‬‬
‫"وكتب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفي‬
‫بالبصرة سنة ‪255‬ه?"‬

‫‪72‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/49‬‬

‫ليس عندي أعزك الله سبب ول اقدر على شفيع إل ما‬


‫طبعك الله عليه من الكرم والرحمة والتأميل الذي‬
‫ليكون إل من نتاج حسن الظن وإثبات الفضل بحال‬
‫المأمول وأرجو أن أكون من الشاكرين فتكون خير‬
‫معتب وأكون أفضل شاكر ولعل الله يجعل هذا المر‬
‫سببا ً لهذا النعام وهذا النعام سببا ً للنقطاع إليكم‬
‫والكون تحت أجنحتكم فيكون ل أعظم بركة ول أنمى‬
‫بقية من ذنب أصبحت فيه وبمثلك جعلت فداك عاد‬
‫الذنب وسيلة والسيئة حسنة ومثلك من انقلب به الشر‬
‫خيرا ً والغرم غنما من عاقب لقد أخذ حظه وإنما الجر‬
‫في الخرة وطيب الذكر في الدنيا على قدر الحتمال‬
‫وتجرع المرائر‪ :‬وأرجو أن ل أضيع وأهلك فيما بين‬
‫كرمك وعقلك وما أكثر من يعفو عمن صغر ذنبه وعظم‬
‫حقه وإنما الفضل والثناء العفو عن عظيم الجرم‬
‫ضعيف الحرمة وإن كان العفو العظيم مستطرفا ً من‬
‫غيركم فهو تلد فيكم حتى ربما دعا ذلك كثيرا ً من‬
‫الناس إلى مخالفة أمركم فل أنتم عن ذلك تنكلون ول‬
‫على سالف إحسانكم تندمون ول مثلكم إل كمثل‬
‫عيسى ابن مريم حين كان ل يمر بمل من بني إسرائيل‬
‫إل أسمعوه شرا ً وأسمعهم خيرا ً فقال له شمعون‬
‫الصفا‪ :‬ما رأيت كاليوم كلما أسمعوك شرا ً أسمعتم‬
‫خيرا ً فقال كل امرئ ينفق مما عنده وليس عندكم إل‬
‫الخير ول في أوعيتكم إل الرحمة‪ .‬وكل إناء بالذي فيه‬
‫ينضح‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫"وكتب ابن مكرم إلى بعض الرؤساء"‬
‫نبت بي غرة الحداثة فردتني إليك التجربة وقادتني‬
‫الضرورة ثقة بإسراعك إلي وأن أبطأت عنك وقبولك‬
‫لعذري وإن قصرت عن واجبك وإن كانت ذنوبي سدت‬
‫علي مسالك الصفح عني فراجع في مجدك وسؤددك‬
‫وإني ل أعرف موقفا ً أذل من موقفي لول أن المخاطبة‬
‫فيه لك ول خطة أدنا من خطتي لول أنها في طلب‬
‫رضاك والسلم‪.‬‬
‫"وكتب أبو بكر الخوارزمي المتوفي سنة ‪740‬ه?"‬
‫ق‬
‫لو بغير الماء حلقي شر ٌ‬

‫ن بالماء اعتصاري‬
‫صا ِ‬
‫ت كالغ ّ‬
‫كن ُ‬
‫) ‪(1/50‬‬

‫كيف يقدر أبقى الله السيد على الدوام من ل يهتدي‬


‫إلى أوجه الداء وكيف يداري أعداءه من ليعرف‬
‫الصدقاء من العداء وكيف يعالج علة القرحة العمياء‬
‫أم كيف يسري بل دليل في الظلماء أم كيف يخرج‬
‫الهارب من بين الرض والسماء‪ :‬الكريم غذ قدر غفر‬
‫وإذا أوثق أطلق وإذا اسر أعتق ولقد هربت من السيد‬
‫إليه وتسلحت بعفوه عليه وألقيت ربقة حياتي ومماتي‬
‫بيديه فليذقني حلوة رضاه عني كما أذاقني مرارة‬
‫انتقامه مني ولتلح على حالي غرة عفوه كما لحت‬
‫عليها مواسم غضبه وسطوه وليعلم أن الحر كريم‬
‫الظفر إذا نال أقال وإن اللئيم لئيم الظفر إذا نال‬

‫‪74‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫استطال وليغتنم التجاوز عن عثرات الحرار ولينتهز‬
‫فرص القتدار وليحمد الله الذي أقامه مقام من يرتجى‬
‫ويخشى وركب نصابه في رتبة شاب الزمان ومجدها‬
‫فتي وأخلق العالم وذكرها طري وليعتقد أنه قد هابه‬
‫من استتر ولم يذنب إليه من اعتذر وإن من رد عليه‬
‫عذره فقد أخرج إلى الشجاعة بعد الجبن وأخرج ذنبه‬
‫إلى صحن اليقين من سترة الظن وفق الله السيد لما‬
‫يحفظ عليه قلوب أوليائه وعصمه مما يزيد به في عدد‬
‫جماجم أعدائه‪.‬‬
‫"وكتب بعضهم إلى رئيسه"‬
‫وجدت استصغارك لعظيم ذنبي أعظم بقدر تجاوزك‬
‫عني ولعمري ما جل ذنب يقاس إلى فضلك ول عظم‬
‫جرم يضاف إلى صفحك ويعول فيه على كرم عفوك‬
‫وإن كان قد وسعه حلمك فأصبح جليله عندك محتقرا ً‬
‫وعظيمة لديك مستصغرا ً أنه عندي لفي أقبح صور‬
‫الذنوب وأعلى رتب العيوب غير أنه لول بوادر السفهاء‬
‫لم تعرف فضائل الحلماء ولول ظهور نقص بعض التباع‬
‫لم يبن جمال الرؤساء ولول إلمام الملمين لبطل تطول‬
‫المتطولين بالصفح وغني لرجو أن يمنحك الله السلمة‬
‫بطلبك لها ويقيلك العثرات بإقالتك أهلها وما علمت أني‬
‫وقفت منك على نعمة أتدبرها إل وجدتها تشتمل على‬
‫فائدة فضل تتبعها عائدة عقل‪.‬‬
‫"وكتب فقيد اللغة الشيخ ابراهيم اليازجي المتوفي سنة‬
‫‪"1906‬‬
‫) ‪(1/51‬‬

‫‪75‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بم يعتذر إليك من ليرى لنفسه عذرا ً وكيف يستتر من‬
‫عتبك من ليستطيع لذنبه سترا ً بل كفاني من العتب‬
‫تعنيف نفسي على ما ألقيت عليها من تبعة تقصيري‬
‫وما حلت به من التفريط بينها وبين معاذيري والله يعلم‬
‫ما كان تقصيري شيئا ً أردته ول كان تفريطي أمرا ً‬
‫قصدته ولكنها اليام إن صاحبتها لم تصحب وإن عاتبتها‬
‫لم تعتب فلقد عبرت بي هذه البرهة كلها وأنا بين‬
‫شواغل ل يشغلها عني شاغل وبلبل قد اختلط حابلها‬
‫بالنابل فنازعتها هذه النهزة اليسيرة أجدد فيها التذكرة‬
‫إلى أن يمن الله بصلة الحبل واجتماع الشمل واستنزل‬
‫أحرفا ً من حظك يكتحل بها الناظر ويأنس إليها الخاطر‬
‫متوقعا ً بعد ذلك أن أبقى بين يدي مودتك مذكورا ً وإل‬
‫يكون عجزي لديك شيئا ً منظورا ً وإن تجري بي على‬
‫عادة حلمك إلى أن يجمع الله الشتيتين ويغني العين‬
‫عن الثر بالعين إن شاء الله تعالى والسلم‪.‬‬
‫"وكتب أيضًا"‬
‫) ‪(1/52‬‬

‫وافاني كتابك العزيز والنفس نازعة إلى ما يزيل نفارها‬


‫والقريحة تائقة إلى ما يشحذ غرارها فكان روضة‬
‫باسمة الكمائم فائحة النسائم قد ردت على النفس‬
‫انبساطها وأحيت البادرة فاستأنفت نشاطها فأنا منه ما‬
‫بين وشي يخجل طراز العبقرية وزخرف دونه نضرة‬
‫السابرية تناجيني منه رشاقة ألفاظ تفضح قدود‬
‫الحسان وغضاضة أنفاس يغار منها ورد الجنان ورقة‬

‫‪76‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫خطاب يشف عن ود صفي ولطف خفي وكرم وفي‬
‫عتب أعذب من الماء القراح وأرق من نسمات الصبا‬
‫في الصباح حتى لقد جنب إلى تقصيري وشفع عند‬
‫نفسي في قبول معاذيري على أن ما عندي من الولء‬
‫ل يعتريه معاذ الله وهن وليخلقه تمادي زمن أو ترامي‬
‫وطن ولكن صروف الحداث قد قصرت الجهد جواد‬
‫العزيمة عن القصد والله يعلم أني لو نزلت على حكم‬
‫نوازل الدهر ولم أدافع طلئعها بما بقي من ساقة‬
‫الصبر لما كان في همتي إل كسر اليراع وهجر المحابر‬
‫والرقاع وحسبي من العذر ما أعرفه من حلمك‬
‫المألوف وما ألفته من كرمك المعروف‪.‬‬
‫والله أسأل أن يبقيك لي من الدهر نصيبا ً ويمتعني‬
‫بلقائك قريبا ً بمنه وكرمه‪.‬‬
‫"وكتب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفي‬
‫بالبصرة سنة ‪255‬ه?"‬
‫أما بعد فنعم البديل من الزلة العتذار وبئس العوض‬
‫من التوبة الصرار فأنا ل عوض من إخائك ول خلف من‬
‫حسن رأيك وقد انتقمت مني في زلتي بجفائك فأطلق‬
‫أسير تشوقي إلى لقائك فإنني بمعرفتي بمبلغ حلمك‬
‫وغاية ضمنت لنفسي العفو من زلتها عندك وقد مسني‬
‫من اللم ما لم يشفه غير مواصلتك‪.‬‬
‫"وكتبت زبيدة زوجة الرشيد المتوفاة سنة ‪216‬ه? إلى‬
‫المأمون"‬
‫) ‪(1/53‬‬

‫‪77‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كل ذنب يا أمير المؤمنين وإن عظم صغير في جنب‬
‫عفوك وكل إساءة وإن جلت يسيرة لدى حلمك وذلك‬
‫الذي عودكه الله أطال مدتك وتمم نعمتك وأدام بك‬
‫الخير ودفع عنك الشر والضير‪.‬‬
‫وبعد فهذه رقعة الولهى التي ترجوك في الحياة لنوائب‬
‫الدهر وفي الممات لجميل الذكر فإن رأيت أن ترحم‬
‫ضعفي واستكانتي وقلة حيلتي وأن تصل رحمي‬
‫وتحسب فيما جعلك الله له طالبا ً وفيه راغبًا‪ :‬فافعل‪:‬‬
‫وتذكر من لو كان حيا ً لكان شفيعي إليك‪.‬‬
‫"وكتب إليها المأمون جواب المواساة التي"‬
‫وصلت رقعتك يا أماه أحاطك الله وتولك بالرعاية‬
‫ووقفت عليها وساءني )شهد الله( جميع ما أوضحت‬
‫فيها لكن القدار نافذة والحكام جارية والمور متصرفة‬
‫المخلوقون في قبضتها ليقدرون على دفاعها والجنيا‬
‫كلها إلى شتات وكل حي إلى ممات والغدر والبغي‬
‫حتف النسان والمكر راجع إلى صاحبه‪.‬‬
‫وقد أمرت برد جميع ما أخذ لك ولم تفقدي ممن مضى‬
‫إلى رحمة الله إل وجهه‪ ..‬وأنا بعد ذلك لك علي أكثر‬
‫مما تختارين والسلم‪.‬‬
‫"وكتب بعضهم"‬
‫إني وإن جنيت على نفسي وخرجت عن حد الدب فيما‬
‫يجب على العبد لسيده فإني عبد نعمتك وصنيع‬
‫إحسانك وذنبي وإن عظم وضاق باب التوبة عن قبول‬
‫المعذرة فالعفو عنه بعض حسناتك التي فطرت عليها‬
‫والغضاء عني سر من أسرارك التي تميل إليها فاجعل‬
‫العفو عني قربة إلى مولى الموالي واترك العبد عتيق‬

‫‪78‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مكارم الخلق وإل فضع سيف نقمتك في نحر عبد‬
‫نعمتك وأنت حل من دم أراقه أهله أو آل أمره إلى‬
‫وارث ليسعه إل النزول عن المطالبة به‪ :‬أل وهو مقام‬
‫جللتكم السامي‪.‬‬
‫وحاشاك أن تعدم الصادق في خدمتك بهفوة لم‬
‫يقصدها وذنب أقلع عنه‪.‬‬

‫وعلى كل فالعبد بين يديك وأمره منك وإليك فقد ألقي‬


‫إليك مقاليد الجل فافعل ما تشاء واتق الله عز وجل‪.‬‬
‫"وكتب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفي‬
‫بالبصرة سنة ‪255‬ه?"‬
‫) ‪(1/54‬‬

‫أعاذك الله من سوء الغضب وعصمك من سرف الهوى‬


‫وصرف ما أعارك من القوة إلى حب النصاف ورجح‬
‫في قلبك إيثار الناة‪ :‬فقد خفت أيدك الله أن أكون‬
‫عندك من المنسوبين إلى نزق السفهاء ومجانبة سبل‬
‫الحكماء‪.‬‬
‫وبعد فقد قال عبد الرحمن بن حسان بن ثابت المتوفي‬
‫سنة ‪54‬ه?‪.‬‬
‫ح سالما ً‬
‫ن امرأ أمسى وأصب َ‬‫وإ ّ‬

‫من الّناس إل ما جنى لسعيد ُ‬

‫وقال الخر‪:‬‬

‫‪79‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ة‬
‫م ِ‬
‫ن دعا الناس إلى ذ ّ‬
‫وم ْ‬

‫ل‬
‫موه بالحقّ وبالباط ِ‬
‫ذ ّ‬

‫فإن كنت اجترأت عليك أصلحك الله فلم أجترئ إل لن‬


‫دوام تغافلك عني شبيه بالهمال الذي يورث الغفال‬
‫والعفو المتتابع يؤمن من المكافأة ولذلك قال عيينة بن‬
‫حصن بن حذيفة لعثمان رحمه الله "عمر كان خيرا ً لي‬
‫منك أرهبني فاتقاني وأعطاني فأغناني"فإن كنت ل‬
‫تهب عقابي "أيدك الله" لخدمة فهبه ل ياديك عندي‬
‫فإن النعمة تشفع في النقمة وإل تفعل ذلك لذلك فعد‬
‫إلى حسن العادة وإل فافعل ذلك الحسن الحدوثة وإل‬
‫فات ما أنت أهله من العفو دون ما أنا أهله من‬
‫استحقاق العقوبة فسبحان من جعلك تعفو عن المتعمد‬
‫وتتجافى عن عقاب المصر حتى إذا صرت إلى من‬
‫هفوته ذكر وذنبه ونسيان ومن ل يعرف الشكر إل لك‬
‫والنعام إل منك هجمت عليه بالعقوبة‪ :‬واعلم أيدك الله‬
‫أن شين غضبك علي كزين صفحك عني وأن موت‬
‫ذكرى مع انقطاع سببي منك كحياة ذكرك مع اتصال‬
‫سببي بك واعلم أن لك فطنة عليم وغفلة كريم‬
‫والسلم‪.‬‬
‫الكلم على الرسائل المتداولة‬
‫هذه الرسائل تتفرع إلى ثلثة أقسام باعتبار الغرض‬
‫المقصود‪ :‬فأما أن تقصد بها أمور الكاتب‪ :‬وأما أمور‬
‫المكتوب إليه وأما غرضا ً ثالثًا‪.‬‬
‫فالول يشمل على الرسائل التجارية والطلب والشكر‬

‫‪80‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والعتذار والثاني على رسائل النصح والملمة والخبار‬
‫والتهنئة والتعزية والجوبة والثالث على رسائل الوصاة‬
‫والشفاعات‪.‬‬
‫الفصل الثاني في رسائل الطلب‬
‫"وكتب إلى عبيد الله بن سليمان أبو العيناء المتوفي‬
‫سنة ‪282‬ه?"‬
‫) ‪(1/55‬‬

‫أنا أعزك الله وعيالي زرع من زرعك إن أسقيته راع‬


‫وزكا وإن جفوته ذبل وذوى وقد مسني منك جفاء بعد‬
‫بر وإغفال بعد تعاهد حتى تكلم عدو وشمت حاسد‬
‫ولعبت بي ظنون رجال كنت بهم لعبا ً مخرسًا‪:‬‬
‫لتهّني بعد َ أن أكرمتني‬

‫وشديد ٌ عادة ٌ منتزعه‬

‫"وكتب الوزير الخطير عبد الخالق باشا ثروت"‬


‫إليك يا من قد استأسر النفوس بكرمه واسترق الحرار‬
‫بجميل صنعه وأولى النعم والخيرات وأسدى المعروف‬
‫والمبرات أرفع كتابا ً تبعثه إلى ناديك العالي عوامل‬
‫الحاجة وتزجيه إلى ساحتك دواعي الشدة آمل أن‬
‫يكون تذكرة بأمري والذكرى تنفع المؤمنين وتذكرة‬
‫ن( ]التوبة‪ [120 :‬فقد‬ ‫ني‬
‫ِ‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫م‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ر‬ ‫ج‬ ‫بحالي )الل ّه ل َ يضيع أ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ِ ُ‬ ‫َ‬
‫كان سيدي رفع الله قدره وأعلى مرتبته وعدني ومثله‬
‫من يتمسك من الوفاء بالعروة الوثقى ويقطع حبل‬

‫‪81‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الخلف بسيف الوفاء ويطرز خلعه الوعد بوشي‬
‫العطاء أن يرسل لي من خيراته ويوليني من آلئه‬
‫وحسناته ويضاعف لي من مننه ويزيدني من عطتئه ما‬
‫أشد به أزري على الزمان وأطاول به نوائب الحدثان‬
‫فقد بارزني الدهر بسيوفه ورماني بسهامه وأناخ علي‬
‫بكلكله وقد أطال المد على حاجتي عند سيدي أطال‬
‫الله بقاءه حتى طار غراب شبابها وصاح بجانب ليلها‬
‫فخفت أن تكون هبت عليها ريح النسيان وعصفت بها‬
‫عاصفة الحدثان فكتبت إلى سيدي ومولي تلك الرقعة‬
‫استعجل بها بره وأستدر بها ضرع عطائه علما ً بأن‬
‫التعجيل يكبر العطية وإن كانت صغيرة ويكثرها وإن‬
‫كانت يسيرة فعسى أن يكون قد لح نجم النجاح وهب‬
‫نسيم الفلح فيرسل سيدي إلى سحاب كرمه‬
‫ويمطرني من غياث فضله فترف غصون آمالي بعد‬
‫ذبولها وتضحك وجوه مطالبي بعد عبوسها وأملي في‬
‫ذلك فسيح فإن سيدي من أكرم الناس نسبا ً وأشرفهم‬
‫حسبا ً ومثله جدير بحفظ العهد وإنجاز الوعد‪ :‬فإن رأى‬
‫سيدي أن يخفف ثقل الحاجة عني ويرد ما سلبه الدهر‬
‫مني بقطرة من بحر عطائه ومنة من بعض آلئه ويجبر‬
‫ما كسره الفقر من جناحي ويرد عني النوائب التي‬
‫لتفتأ تتولني عقدت‬
‫) ‪(1/56‬‬

‫لساني على مدحه ووقفت نفسي على شكره فيحرز‬


‫من الله أجرا ً جزيل ً ومني شكرا ً جمي ً‬
‫ل‪ .‬إن شاء الله‬

‫‪82‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بمنه وكرمه‪.‬‬
‫"وكتب الفاضل أحمد بك رأفت"‬
‫السيد الكامل أدام الله علءه وأطال بقاءه وجعله موئل‬
‫الكرم ومسدي النعم قد غمرني بنعمائه وطوقني بآلئه‬
‫حتى قصرت حمدي عليه وأمسكت لساني عن الشكر‬
‫إل إليه وكان من مننه علي وأياديه البيضاء لدي أن‬
‫وعدني أنه يقلدني في أول العام وظيفة عالية ومرتبة‬
‫سامية فاخضل روض المل بعد ذبوله وبزغ كوكبه بعد‬
‫أفوله واتسع نطاقه واستبشر القلب نبيل أمنيته‬
‫والحصول على طلبته واشتد أزري على مقارعة كتائب‬
‫الزمان وقوي جنائي على صد جيوش الحدثان ومازالت‬
‫بي اليام حتى حان أول العام وما تحقق الوعد أو أوفى‬
‫العهد‪ ،‬ومثل السيد من إذا وعد وفى أو تعهد أوفى‪.‬‬
‫ل أنني‬‫أفي دين ذي المعروف يجم ُ‬

‫ي البؤسى ويثقلني العسُر‬


‫تنوُء ب َ‬

‫م حّقها‬
‫ت الذي أعطى المكار َ‬
‫وأن َ‬

‫ب ول البحُر‬‫سحا ُ‬ ‫ولم يحك جدواك ال ّ‬


‫ل فخيُر البّر يحمد ُ عاجل ً‬
‫ج ْ‬
‫فع ّ‬

‫ف فوعد ُ الحّر دين به الحّر‬


‫وأو ِ‬

‫هذا ولكنني رجعت وحكمت العقل فعذرت السيد‬


‫وحملت ذلك على أنه إنما لم يعجل بإنجازه وعده‬

‫‪83‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وإيفاء عهده إل لتقليد عبده وظيفة أسمى ومرتبة أعلى‬
‫عله يستدرك ما فات ويحسن إلى عبده فيما هو آت‪.‬‬

‫"وكتب الفاضل عبد العزيز بك محمد"‬


‫) ‪(1/57‬‬

‫عهدي بالسيد الجليل أدامه الله مصدرا ً للمكارم تستق‬


‫منه صفاتها ومظهرا ً للفضائل تتجلى فيه آياتها سباقا ً‬
‫إلى غايات المجد درا كالمطلب الحمد أريحيا ل يصبو إل‬
‫إلى إسداء المنن جوادا ً ليطمع طرفه في بث عوارفه‬
‫إلى ثمن ما أمه أسير فاقة إل وألفى لديه كهفا ً منيعا ً‬
‫وجاها ً رفيعا ً قصده ذو حاجة إل وصدر عن مورد فضله‬
‫شاديا ً بثنائه معلنا ً بولئه وإن لي إلى السيد حاجة إن لم‬
‫يسعف بقضائها فيا حسرة نفسي وطول شقائها‬
‫وليست هذه بأول مرة استمحت فيها عالي مروءته‬
‫واستمطرت صيب همته فإنه طالما طوقني قلئد نعمه‬
‫وأرسل علي مدرار كرمه فليجر في هذه أيضا ً على‬
‫عادته ويقابلني بما عودني من كرامته‪ :‬ومعاذ الله أن‬
‫اسأله ما ليس في وسعه أن أستقضه شيئا ً يحرص على‬
‫منعه‪ :‬ولكنني‪:‬‬
‫ن بها‬
‫ف أستعي ُ‬
‫ةك ّ‬‫أريد بسط َ‬

‫على قضاء حقوق للعلى قبلي‬


‫ل لي تلك البسطة أن يقلدني سيدي وظيفة‬ ‫والذي يكف ُ‬
‫مناسبة لحالتي حتى تكون لي درعا ً أتقى بها مهانة‬

‫‪84‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الفقر وسيفا ً أكف به عوادي الدهر ومالي والقسام‬
‫عليه في إنالتي هذه البغية بنفيس وقت قضيته في‬
‫خدمة العلم واقتناء أبكاره وطويل عناء تحملته في‬
‫مزاولة الدب واكتشاف أسراره ونفس ارتاضت‬
‫بالفضل وآثرت غصة الفقر على منة البذل ووله من‬
‫سنيات الفضائل وعليات الفواضل وجليات المآثر‬
‫وجليلت المفاخر ما لو أقسم به عليه في إنالة أعز‬
‫المطالب للزمه كرم سجاياه بر ذلك القسم وإجابة‬
‫دواعي الهمم‪ :‬وإنك لفاعل إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫"وكتب فقيد الدب حسن أفندي توفيق المتوفي بلندن‬
‫سنة ‪1322‬ه?"‬
‫) ‪(1/58‬‬

‫كتابي إلى رب النعماء واليد البيضاء وقد أصبحت كما‬


‫قال الحريري خاوي الوفاض بادي النفاض ل أملك بلغة‬
‫ول أجد في جرابي مضغة قد التوى علي أمري وثقل‬
‫من حاجتي ظهري مد الحتياج إلى أطنابه وسربلني‬
‫الفتقار إهابه والدنيا مكدرة بأحداثها وقصورها منمغضة‬
‫بأجداثها نعيمها يضفو ولكن ل يصفو وأنت كما أعلم‬
‫مفرج كريبي ومنقذي من شدتي‪ ،‬بطرفة من طرف‬
‫رفدك ولمحة من لمحات برك فإن استدررت حلوبة‬
‫مالك فقد لذ غيري بجاهك ما يممت غيرك وكيف يقصد‬
‫النهر من جاوز البحر ويحتاج إلى النجم من يسري في‬
‫ضوء البدر فأستهز عطف جودك وأستمطر سحاب‬
‫كرمك كيف وأنت قبلة المعروف‪ :‬وملذ الملهوف إليك‬

‫‪85‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تشد الرحال وبك تناط المال مال أولياؤك منك في‬
‫ظل ممدود وهناء وسعود أفأنت الشمس عمت‬
‫بالشراق أو الغيث وغلى الندفاق‪ :‬لكن‪.‬‬
‫س جدواك يوما ً‬
‫ن قا َ‬
‫م ْ‬

‫ب أخطأ مدحك‬
‫سح ِ‬
‫بال ّ‬

‫ب تعطي وتبكي‬
‫سح ُ‬
‫فال ّ‬

‫وأنت تعطي وتضحك‬


‫نسب الكرم بك عريق وروض المجد أنيق أصل راسخ‬
‫وفرع شامخ تهتز للمكارم اهتزاز الحسام وتثبت أمام‬
‫الشدائد بثغر بسام‪.‬‬
‫ه متهل ّل ً‬
‫تراه إذا ما جئت ُ‬

‫ه‬
‫ت سائل ُ‬
‫كأّنك تعطيه الذي أن َ‬
‫حكمت المال في أموالك واستعبدت الحرار بفعالك‬
‫ينابيع الجود من أناملك تتفجر وربيع السماح بك ضاحك‬
‫ليضجر فل زلت مولي ممتعا ً بشرف سجاياك وشيمك‬
‫مستمدا ً الشكر من غراس نعمك ولزالت النام تنفع‬
‫بتلك الشيم وتجني ثمار ذلك الكرم ودمت للمكارم بدر‬
‫تم ل يناله خسوف وشمس فضل ل يحلقها كسوف‪:‬‬
‫أطال الله لك البقاء كتطول يديك بالعطاء آمين‪.‬‬
‫الفصل الثالث في رسائل الشكر‬
‫"كتب أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة ‪429‬ه?"‬
‫الشكر ترجمان النية ولسان الطوية وشاهد الخلص‬

‫‪86‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وعنوان الختصاص عندي من إنعامه وخاص بره وعامه‬
‫ما يستغرق منه الشكر ويستنفذ قوة شكر السير لمن‬
‫أطلقه والمملوك لمن أعتقه شكر كأنفاس الحباب في‬
‫السحار أو أنفاس الرياض غب المطار‪.‬‬
‫"وكتب الحسن بن وهب المتوفي سنة ‪472‬ه?"‬
‫) ‪(1/59‬‬

‫من شكرك على درجة رفعته إليها أو ثروة أقدرته عليها‬


‫فإن شكري لك على مهجة أحييتها وحشاشة أبقيتها‬
‫ورمق أمسكت به وقمت بين التلف وبينه فلكل نعمة‬
‫من نعم الدنيا حد تنتهي إليه ومدى تقف عنده وغاية‬
‫من الشكر ليسمو إليها الطرف خل هذه النعمة التي‬
‫فاقت الوصف وأطالت الشكر وتجاوزت قدره )وأنت‬
‫من وراء كل غاية رددت عنا كيد العدو وأرغمت أنف‬
‫الحسود( فنحن نلجأ منك إلى ظل ظليل وكنف كريم‬
‫فكيف يشكر الشاكر وأين يبلغ جهد المجتهد‪.‬‬
‫"وكتب المير أبو الفضل الميكالي المتوفي سنة‬
‫‪436‬ه?"‬
‫فأما الشكر الذي أعارني رداءه وقلدني طوقه وسناءه‬
‫فهيهات أن ينتسب إل إلى عادات فضله وأفضاله أو‬
‫يسير إل تحت رايات عرفة ونواله وهو ثوب ليحلى‬
‫بذكره طرازه واسم له حقيقته ولسواه مجازه ولو انه‬
‫حين ملك رقي بأياديه وأعجز وسعي عن حقوق مكارمه‬
‫ومساعيه خلي لي مذهب الشكر وميدانه ولم يجاذبني‬
‫زمامه وعنانه لتعلقت في بلوغ بعض الواجب بعروة‬

‫‪87‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫طمع ونهضت فيه ولو على وهن وطلع ولكنه يأبى إل‬
‫أن يستولي على أمد الفضائل ويتسنم ذرا الغوارب‬
‫منها والكواهل فل يدع في المجد غاية إل سبق إليها‬
‫فارطا وتخلف سواه عنها حسيرا ً ساقطا ً لتكون المعالي‬
‫بأسرها مجموعة في ملكه منظومة في سلكه خالصة‬
‫له من دعوى القسم وشركه‪.‬‬
‫"وكتب أستاذي الحكيم الشيخ محمد عبده إلى حافظ‬
‫بك إبراهيم"‬
‫) ‪(1/60‬‬

‫لو كان بي أن أشكرك لظن بالغت في تحسينه أو‬


‫أحمدك لرأي لك فينا أبدعت في تزيينه لكان لقلمي‬
‫مطمع أن يدنو من الوفاء بما يوجبه حقك ويجري في‬
‫الشكر إلى الغاية كما يطلبه فضلك لكنك لم تقف‬
‫بعرفك عندنا بل عممت به من حولنا وبسطته على‬
‫القريب والبعيد من أبناء لغتنا زفقت إلى أهل اللغة‬
‫العربية عذراء من بنات الحكمة العربية سحرت قومها‬
‫وملكت فيهم يومها ول تزال تنبه منهم خامدا ً وتهز فيهم‬
‫جامدا ً بل ل تنفك تحيي من قلوبهم ما أماتته القسوة‬
‫وتقوم من نفوسهم ما أعوزت فيه السوة حكمة‬
‫أفاضها الله على رجل منهم فهدى إلى التقاطها رجل ً‬
‫منا فجردها من ثوبها الغريب وكساها حلة من نسج‬
‫الديب وجلها للناظر وحلها للطالب بعدما أصلح من‬
‫خلقها وزان من معارفها حتى ظهرت محببة إلى‬
‫القلوب رشيقة إلى مؤانسة البصائر تهش للفهم وتبش‬

‫‪88‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫للطف المذوق وتسابق الفكر إلى موطن العلم فل يكاد‬
‫يلحظها الوهم إل وهي من النفس في مكان اللهام‪.‬‬
‫حاول قوم من قبلك أن يبلغوا من ترجمة العجم‬
‫مبلغك فوقف العجز بأغلبهم عند مبتدأ الطريق ووصل‬
‫منهم فريق إلى ما يحب من مقصده ولكنه لم يعن بأن‬
‫يعيد إلى اللغة العربية ما فقدت من أساليبها ويرد ما‬
‫سلبه المعتدون عليها من متانة التأليف وحسن الصياغة‬
‫وارتفاع البيان فيها إلى أعلى مراتبه‪ :‬أما أنت فقد‬
‫وفيت من ذلك ما ل غاية لمريد بعده ول مطمع لطالب‬
‫أن يبلغ حده‪ ،‬ولو كنت ممن يقول بالتناسخ لذهبت إلى‬
‫أن روح "ابن المقفع" كانت من طيبات الرواح‪،‬‬
‫فظهرت لك اليوم في صورة أبدع ومعنى أنفع ولعلك‬
‫قد سننت بطريقتك في التعريب سنة يعمل عليها من‬
‫يحاوله بعد ظهور كتابك ويحملها الزمان إلى أبناء ما‬
‫يستقبل منه فتكون قد أحسنت إلى البناء كما أجملت‬
‫في الصنع مع الباء وحكمت للغة العربية أن ل يدخلها‬
‫بعد من العجمة ما هو السماء الماكن والشخاص ل‬
‫أسماء المعاني والجناس‪ :‬ومثلي من يعرف قدر‬
‫الحسان إذا عم ويعلي مكان المعروف إذا شمل‬
‫ويتمثل في‬
‫) ‪(1/61‬‬

‫رأيه بقوله‪:‬‬
‫ت الخلد َ فردا ً‬
‫ولو أ'ني حبي ُ‬

‫‪89‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لما أحببت بالخلد ِ انفرادا‬

‫فل هطلت علي ول بأرضي‬

‫س تنتظم البلدا‬
‫ب لي َ‬
‫سحائ ُ‬

‫فما أعجز قلمي عن الشكر لك وما أحقك بأن ترضى‬


‫من الوفاء باللقاء‪.‬‬

‫"وكتب أيضا ً في الشكر مع المودة إلى بعض أصحابه"‬


‫لك في قلوبنا من المودة ما يزكيه سناؤك وفي مناطقنا‬
‫من الحمد ما يوجبه كمالك وفي صدورنا من الجلل ما‬
‫يرفعه بهاؤك وما بيننا من المودة ل تحده منه ول تخلق‬
‫له جده نعيذه من حاجة للتجديد واستدعاء للمزيد فل‬
‫المواصلة تربيه ول المجاهلة توهيه‪ :‬نعم إن ما يحفظ‬
‫لك في النفس هو تجلي فضلك ومثال علئك ونبلك‬
‫وذلك الخالد بخلود الرواح الباقي في تفاني الشباح‪.‬‬
‫وبعد فقد تلقيت منك كتابا ً يبوح بسر المحبة وبنشر‬
‫طي الصداقة فيه تبيان وجدانك مما وجدنا وتأثرك على‬
‫ما فقدنا فكان نبأ عما نعلم وقضاء بما نحكم ولكن‬
‫شكرنا لك فضل المراسلة وأريحية المجاملة والله‬
‫يتولى إيفاءك مثوبة تكافئ وفاءك‪.‬‬
‫"وكتب أيضا ً في الشكر لخر"‬
‫لو كان في الثناء وملزمة الدعاء وحفظ الجميل والقيام‬
‫بالخدمة جهد المستطيع ما يفي بشكر من يفتتح باب‬
‫المحبة ويبدأ بصنائع المعروف لكنت والحمد لله من‬

‫‪90‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أقدر الناس عليه ولكن أني يكون في ذلك وفاء‬
‫والمحبة سر نظام الكوان والحسان قوام عالم‬
‫المكان والقائم على كنه جميعه قيوم السموات‬
‫والرض والمفتتحون لبواب العرف على هذه النسبة‬
‫الجليلة منه فليس لي إل أن ألجأ إلى الله في مكافأة‬
‫فضيلتكم على ما كان منكم أيام القامة بينكم ثم أسلي‬
‫نفسي عن عجزي بما أتخيل أن كرمكم سيروي‪:‬‬
‫سيكفي الكريم إخاُء الكريم‬

‫ويقنع بالود ّ منه توال‬


‫) ‪(1/62‬‬

‫وبعد هذا أرجو عفوكم عن التقصير في المبادرة إلى‬


‫المكتبة لني شغلت بما شغلني عن نفسي ولكن زالت‬
‫العوارض والحمد لله‪ :‬وفاتني لهذا العذر تهنئتكم بالعيد‪:‬‬
‫وإنما للمؤمن في كل يوم بربه عيد فنهنئكم برضاء الله‬
‫عنكم وتقبله صالح العمال منكم‪ :‬وسلمي على نجلكم‬
‫ومن يتمنى إليك‪.‬‬

‫الفصل الرابع في رسائل النصح والمشورة‬


‫"كتب بديع الزمان الهمذاني المتوفى سنة ‪ 398‬ه?"‬
‫ة ناصٍح‬
‫اسمعْ نصيح َ‬

‫جمعَ النصيحة والمقه‬

‫‪91‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إياك واحذْر أن تكون‬

‫ت على ثقة‬
‫ن الثقا ِ‬
‫نم ْ‬

‫صدق الشاعر وأجاد وللثقات خيانة في بعض الوقات‪:‬‬


‫هذه العين تريك السراب شرابا ً وهذه الذن تسمعك‬
‫الخطأ صوابا ً فلست بمعذور إن وثقت بمحذور وهذه‬
‫حالة الواثق بعينه السامع بأذنه وأرى فلنا ً يكثر غشيانك‬
‫وهو الدنيء دخلته الرديء جملته السيء وصلته الخبيث‬
‫كلته وقد قاسمته في زرك وجعلته موضع سرك فأرني‬
‫موضع غلطك فيه حتى أريك موضع تلفيه أفظاهره‬
‫غرك أم باطنه سرك‪.‬‬
‫يا مولي يوردك ثم ل يصدرك ويوقعك ثم ل يعذرك‬
‫فاجتنبه ول تقربه وإن حضر بابك فاكنس جنابك وإن‬
‫مس ثوبك فاغسل ثيابك وأن لصق بجلدك فاسلخ‬
‫إهابك ثم أفتتح الصلة بلغته وإذا استعذت بالله من‬
‫الشيطان فأعنه‪.‬‬
‫"وكتب السكندر المقدوني إلى أستاذه الحكيم‬
‫أرسطو"‬
‫"يستشيره فيما يفعله بأبناء ملوك فارس بعد أن قتل‬
‫آباءهم وتغلب على بلدهم"‬
‫) ‪(1/63‬‬

‫عليك أيها الحكيم منا السلم أما بعد فإن الفلك‬


‫الدائرة والعلل السماوية وإن كانت أسعدتنا بالمور‬

‫‪92‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫التي أصبح الناس لنا بها دائنين فإنا مضطرون إلى‬
‫حكمتك غير جاحدين لفضلك والجتباء لرأيك لما بلونا‬
‫من أجداء ذلك علينا وذقنا من جنى منفعته حتى صار‬
‫ذلك وبنجوعه فينا وترسخه في أذهاننا كالغذاء لنا فما‬
‫ننفك نعول عليه ونستمد منه استمداد الجداول من‬
‫البحار وقد كان مما سبق إلينا من النصر وبلغنا من‬
‫النكاية في العدو ما يعجز القول عن وصفه والشكر‬
‫على النعام به وكان ذلك أنا أرض سورية والجزيرة إلى‬
‫أرض بابل وفارس فلما نزلنا بأهلها لم يكن إل ريثما‬
‫تلقانا نفر منهم يرأس ملكهم هدية وطلبا ً للحظوة عندنا‬
‫فأمرنا بصلب من جاء به وشهرته لسوء بلئه وقلة‬
‫أرعوائه ووفائه ثم أمرنا بجمع من كان هنالك من أولد‬
‫ملوكهم وأحرارهم وذوي الشرف منهم‪ ،‬فرأينا رجال ً‬
‫عظيمة أجسامهم وأحلمهم حاضرة ألبابهم وأذهانهم‬
‫رائعة مناظرهم ومناطقهم دليل ً على أن وراء ذلك ما‬
‫لم يكن معه سبيل إلى غلبتهم لول أن القضاء أدالنا‬
‫منهم وأظهرنا عليهم ولم نر بعيدا ً من الرأي في أمرهم‬
‫أن نستأصل شأفتهم وتجتث أصلهم ونلحقهم بمن‬
‫مضى من أسلفهم لتسكن القلوب بذلك إلى المن من‬
‫جرائرهم وبوائقهم فرأينا أن ل نعجل ببادرة الرأي في‬
‫قتلهم دون الستظهار بمشورتك فيهم؟؟ فارفع إلينا‬
‫رأيك في ما استشرناك فيه بعد صحته عندك وتقليبك‬
‫إياه بجلي نظرك‪.‬‬
‫والسلم على أهل اللم فليكن علينا وعليك‪.‬‬
‫"وكتب أرسطو المتوفى قبل الميلد سنة ‪ 322‬إلى‬
‫السكندر المقدوني"‬

‫‪93‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/64‬‬

‫إن لكل تربة ول محالة قسما ً من كل فضيلة وإن‬


‫لفارس قسمها من النجدة والقوة وإنك إن تقتل‬
‫أشرافهم تخلف الوضعاء منهم على أعقابهم وتورث‬
‫سفلتهم منازل عليتهم وتغلب أدنياءهم على مراتب‬
‫ذوي أخطارهم ولم تبتل الملوك قط ببلء هو أعظم‬
‫عليهم من غلبة السفلة وذل الوجوه وأحذر الحذر كله‬
‫أن تمكن تلك الطبقة من الغلبة فإنهم إن نجم منهم‬
‫ناجم على جندك وأهل بلدك دهمهم ما ل روية فيه ول‬
‫منفعة معه فانصرف على هذا الرأي إلى غيره وأعمد‬
‫إلى من قبلك من العظماء والحرار فوزع بينهم‬
‫مملكتهم وألزم اسم الملك كل من وليته منهم ناحية‬
‫وأعقد التاج على رأسه وإن صغر ملكه فإن المتسمي‬
‫بالملك لزم لسمه والمعقود له التاج ل يخضع لغيره ول‬
‫يلبث ذلك أن يوقع بين كل ملك وصاحبه تدابرا ً وتغالبا ً‬
‫على الملك وتفاخرا ً بالمال والجند حتى ينسوا بذلك‬
‫أضغانهم عليك وتعود بذلك حربهم لك حربا ً بينهم ثم ل‬
‫يزدادون بذلك بصيرة إل أحدثوا هنالك استقامة لك فإن‬
‫دنوت منهم كانوا لك وإن تأيت عنهم تعززوا بك حتى‬
‫يثبت كل منهم على جاره باسمك وفي ذلك شاغل لهم‬
‫عنك وأمان لحداثهم بعدك )وإن كان ل أمان للدهر(‬
‫وقد أديت للملك ما رأيته خطأ وعلي لحقًا‪ :‬والملك‬
‫أبعد روية وأعلى عينا ً في استعان بي عليه‪.‬‬
‫والسلم الذي ل انقضاء له ول انتهاء ول غاية ول فناء‬
‫فليكن على الملك‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫"ومن رسالة للمام علي المتوفى سنة ‪ 40‬ه?"‬
‫دع السراف مقتصدا ً واذكر في اليوم غدا ً وامسك من‬
‫المال بقدر ضرورتك وقدم الفضل ليوم حاجتك أترجو‬
‫أن يعطيك الله أجر المتواضعين وأنت عنده من‬
‫المتكبرين أو تطمع وأنت متمزغ في نعيم تمنعه‬
‫الضعيف والرملة أن يوجب لك ثواب المتصدقين‪.‬‬
‫وإنما المرء مجزيء بما أسلف وقادم على ما قدم‪:‬‬
‫والسلم‪.‬‬
‫"وكتب أيضا ً كرم الله وجهه إلى عبد الله بن عباس‬
‫رضي الله عنهما"‬
‫) ‪(1/65‬‬

‫أما بعد فإن المرء قد يسره درك ما لم يكن ليفوته‬


‫ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه فليكن سرورك بما‬
‫نلت من آخرتك وليكن أسفك على ما فات منها وما‬
‫نلت من دنياك فل تكثر فيه فرحا ً وما فاتك منها فل‬
‫تأسف عليه جزعا ً وليكن همك فيما بعد الموت‪.‬‬
‫"وكتب بطل الوطنية السيد عبد الله النديم المتوفى‬
‫سنة ‪ 1314‬ه?"‬
‫ل حول ول قوة بالله اشتبه المراقب بالله واستبدل‬
‫الحلو بالمر وقدم الرقيق على الحر وبيع الدر بالخزف‬
‫ك‬‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫والخز بالخشف وأظهر كل لئيم كبره )إ ِ ّ‬
‫ة( ]آل عمران‪ [13 :‬سمعا ً سمعا ً فالوشاة إن‬ ‫ل َعِب َْر ً‬
‫م ي َْفعَُلوْا( ]آل‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ب‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫دو‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫حبون َ‬
‫أن‬
‫ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫سمعوا ل يعقلوا )وّي ُ ِ ّ َ‬
‫عمران‪ [188 :‬فكيف تشترون منهم القار في صفة‬

‫‪95‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫العنبر و)قَد بدت ال ْبغْضآُء م َ‬
‫في‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫واه ِهِ ْ‬ ‫ن أفْ َ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ َ َ ِ‬
‫م أ َك ْب َُر( ]آل عمران‪ [118 :‬وكيف تسمع‬ ‫دوُرهُ ْ‬ ‫ص ُ‬ ‫ُ‬
‫ن النَبآِء‬ ‫م َ‬ ‫هم ّ‬ ‫جآَء ُ‬ ‫الحباب لمن نهى منهم وزجر )وَل ََقد ْ َ‬
‫جٌر( ]القمر‪ [4 :‬عجبت لهم وقد دخلوا دارنا‬ ‫مْزد َ َ‬ ‫ما ِفيهِ ُ‬ ‫َ‬
‫سوا ْ‬ ‫َ‬
‫ح ّ‬ ‫مآ أ َ‬ ‫ن( ]يوسف‪) [105 :‬فَل َ ّ‬ ‫ضو َ‬ ‫معْرِ ُ‬ ‫م ع َن َْها ُ‬ ‫)وَهُ ْ‬
‫ن( ]النبياء‪ [12 :‬فقابلوهم‬ ‫ضو‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫ي‬ ‫ها‬ ‫ن‬‫م‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫إ‬ ‫نآ‬ ‫س‬ ‫بأ ْ‬
‫ْ ّ َ َْ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ِ‬‫َ‬
‫دوا ْ‬ ‫م فَ ُ‬ ‫َ‬
‫ى إ َِذآ أث ْ َ‬
‫ش ّ‬ ‫موهُ ْ‬ ‫خنت ُ ُ‬ ‫حت ّ َ‬‫بنبال الطرد في العناق ) َ‬
‫ق( ]محمد‪ [4 :‬أيدخلون بما ل ينفع في بيوت أذن‬ ‫ال ْوََثا َ‬
‫م‬
‫الله أن ترفع سيعلمون مقام الهبوط والعروج )ي َوْ َ‬
‫ج( ]ق‪[42 :‬‬ ‫خُرو ِ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك ي َوْ ُ‬‫حقّ ذ َل ِ َ‬‫ة ِبال ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫صي ْ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫مُعو َ‬ ‫س َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ويقولون إذا لم يجدوا ملذا ً )ي َوَي ْل ََنا قَد ْ ك ُّنا ِفي غ َْفل َةٍ ّ‬
‫ذا( ]النبياء‪ [97 :‬فإنهم عزموا على القامة مدة ولو‬ ‫هَ َ‬
‫أرادوا الخروج لعدوا لهم عدة وأنت يا عزيز العليا‬
‫ت‬‫ن الل ّهِ ِلن َ‬ ‫م َ‬ ‫مة ٍ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ما َر ْ‬ ‫ووحيد الدنيا بيتت لك فعلهم )فَب ِ َ‬
‫م( ]آل عمران‪ [159 :‬ولكنهم طمعوا في عميم‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫ك(‬ ‫حوْل ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ضوا ْ ِ‬ ‫ب ل َن َْف ّ‬ ‫ظ ال َْقل ْ ِ‬ ‫ت فَظ ّا ً غ َِلي َ‬ ‫طولك )وَل َوْ ك ُن ْ َ‬
‫]آل عمران‪ [159 :‬أتراهم يعقلون كلمك أم يفهمون‬
‫) ‪(1/66‬‬

‫ن( ]الحجر‪ [72 :‬لهم‬ ‫مُهو َ‬ ‫سك َْرت ِهِ ْ‬


‫م ي َعْ َ‬ ‫في َ‬ ‫م لَ ِ‬‫ك إ ِن ّهُ ْ‬ ‫مُر َ‬‫)ل َعَ ْ‬
‫ت ع َل َي ْهِ ْ‬
‫م‬ ‫قلوب ل يدرون بها للحسد قرار ل َوِ اط ّل َعْ َ‬
‫م فَِرارًا( ]الكهف‪ [18 :‬وأني قد شيدت لك‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل َوْل ّي ْ َ‬
‫َ‬
‫طاع ُوَا ْ أن ي َظ ْهَُروه ُ وَ َ‬
‫ما‬ ‫س َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫بقلبي حصنا ً صعبا ً )فَ َ‬
‫ه ن َْقبًا( ]الكهف‪ [97 :‬نسيت بالعاذل جميل‬ ‫عوا ْ ل َ ُ‬ ‫ست َ َ‬
‫طا ُ‬ ‫ا ْ‬
‫الصوت وأنكره ما أنسانبه إل الشيطان أن أذكره رميت‬

‫‪96‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أيها العاذل بسيف الغدر في نحرك أجئتنا لتخرجنا من‬
‫أرضنا بسحرك فإن لم ترجع عن السحر وفعله فلنأتينك‬
‫بسحر مثله كيف يسعى العاذل بين النديم وإلفه )وَقَد ْ‬
‫ه( ]الحقاف‪ [21 :‬فيا‬ ‫ف ِ‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَ ِ‬ ‫ِ‬ ‫من ب َي ْ‬ ‫ت الن ّذ ُُر ِ‬ ‫خل َ ِ‬
‫َ‬
‫س ال ْب ِّر َأن‬‫سادتي دعوني من المعجب والمطرب )ل ّي ْ َ‬
‫ب( ]البقرة‪[177 :‬‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ق َوال ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫شر‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م قِب َ َ‬ ‫جوهَك ُ ْ‬ ‫ت ُوَّلوا ْ وُ ُ‬
‫س ال ْب ِّر َأن‬ ‫واجعلوا سيف ثباتكم للعذال مسلول )ل ّي ْ َ‬
‫ب( ]السراء‪[34 :‬‬ ‫مغْرِ ِ‬ ‫ق َوال ْ َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫م قِب َ َ‬ ‫جوهَك ُ ْ‬ ‫ت ُوَّلوا ْ وُ ُ‬
‫فإنهم قالوا كذب النديم أو بطر سيعلمون غدا ً من‬
‫الكذاب الشر وها قد صار أمر الحزبين عندك جليا ً أي‬
‫الفريقين خير مقاما ً وأحسن نديا ً أتظن عهد العذل عند‬
‫غضبك ل ينكث مثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث‬
‫على أنه لكم عدو كبير ففروا إلى الله إني لكم منه‬
‫نذير فإنه جمع لقتالك الولد والحفاد وآخرين مقرنين‬
‫في الصفاد تركوا أمر الله واشتغلوا بما يرضونه‬
‫فأعقبهم نفاقا ً في قلوبهم إلى يوم يلقونه‪ :‬وطني أن‬
‫ى‬ ‫حَرا ٌ َ‬
‫م ع َل َ‬ ‫وصل إليك كتابي أنهم يطرون ويردعون )وَ َ‬
‫هآ أ َ‬ ‫قَرية أ َ‬
‫ن( ]النبياء‪ [95 :‬أيعجبك إذا‬ ‫جُعو َ‬ ‫ْ ِ‬‫ر‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫ُ ْ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫نا‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ه‬ ‫ْ َ ٍ‬
‫ه(‬‫ل الل ّ ِ‬‫سِبي ِ‬ ‫عن َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫مشى هذا الله ثاني عطفه )ل ِي ُ ِ‬
‫]القمان‪ [6 :‬وإنك وإن فرحت بعلم ما يجهلون قد نعلم‬
‫إنه لحزنك الذي يقولون‪ :‬فإن قلت إن اجتماعي بهم‬
‫صد ََقا ُ‬
‫ت‬ ‫ما ال ّ‬ ‫لجل الصدقة أو شيء من هذا القبيل )إ ِن ّ َ‬
‫ن ع َل َي َْها‬ ‫مِلي َ‬ ‫ن َوال َْعا ِ‬ ‫كي ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِل ُْفَقَرآِء َوال ْ َ‬
‫) ‪(1/67‬‬

‫‪97‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ل‬‫سِبي ِ‬ ‫ن وَِفي َ‬ ‫مي َ‬‫ب َوال َْغارِ ِ‬ ‫م وَِفي الّرَقا ِ‬ ‫مؤ َل َّفةِ قُُلوب ُهُ ْ‬ ‫َوال ْ ُ‬
‫ل( ]التوبة‪ [60 :‬على أنه ل تحل الصدقة‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ّ‬
‫اللهِ َواب ْ ِ‬
‫م( ]القلم‪ [11 :‬وطباعهم كما‬ ‫مي ٍَ‬ ‫شآِء ب ِن َ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫مازٍ ّ‬ ‫لذميم )هَ ّ‬
‫من‬‫ت ِ‬ ‫فَرة ٌ فَّر ْ‬ ‫سَتن ِ‬‫م ْ‬ ‫مٌر ّ‬ ‫ح ُ‬‫م ُ‬ ‫تعلم منكرة مستقذرة )ك َأن ّهُ ْ‬
‫ة( ]المدثر‪ [51 50 :‬وقد قال )وفائي( خاطب‬ ‫سوََر ٍ‬ ‫قَ ْ‬
‫ما ي ُد ِْري َ‬
‫ك‬ ‫عزيزك هذه المرة وإن لم يعمل فيك فكرا )وَ َ‬
‫ى( ]عبس‪ [4 3 :‬فقال‬ ‫ر‬ ‫ْ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ع‬‫ف‬‫َ‬ ‫تن‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ر‬ ‫ّ‬ ‫ك‬ ‫ّ‬ ‫ذ‬ ‫ي‬ ‫و‬‫ل َعل ّه يزك ّى أ َ‬
‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َّ َ ْ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫معِ َ‬ ‫سل ْهِ َ‬
‫)لساني( إن الود هو الرسول المأمون )فَأْر ِ‬
‫خا ُ َ‬ ‫ي أَ َ‬
‫ن( ]القصص‪[34 :‬‬ ‫ف أن ي ُك َذ ُّبو ِ‬ ‫صد ّقُِني إ ِن ّ َ‬ ‫رِْدءا ً ي ُ َ‬
‫فقلت سيروا مع المحبة ذات الفتوة )وَل َ‬
‫) ‪(1/68‬‬

‫ة( بالنحل‪[92 :‬‬ ‫من ب َعْد ِ قُوّ ٍ‬ ‫ت غ َْزل ََها ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫كال ِّتي ن ََق َ‬ ‫كوُنوا ْ َ‬ ‫تَ ُ‬
‫وقولوا له عند الغاية قد جئناك بآية ول تهابوا الجيش‬
‫وإن كبر سيهزم الجمع ويولون الدبر ول تظنوا من‬
‫م ِبال ْعُد ْوَةِ الد ّن َْيا وَ ُ‬ ‫َ‬
‫هم‬ ‫ظاهر المر حلول البلوى )إ ِذ ْ أنت ُْ‬
‫ى( ]النفال‪ [42 :‬بل قاتلوهم قتال‬ ‫صوَ َ‬ ‫ِبال ْعُد ْوَةِ ال ُْق ْ‬
‫َ‬
‫ع‬
‫م َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موَا ْ أ ّ‬ ‫ة َواع ْل َ ُ‬ ‫م ِغل ْظ َ ً‬ ‫دوا ْ ِفيك ُ ْ‬ ‫ج ُ‬‫المستشهدين )وَل ِي َ ِ‬
‫ن( ]التوبة‪ [123 :‬وإذا اشتبك القتال فليدب كل‬ ‫قي َ‬
‫مت ّ ِ‬‫ال ْ ُ‬
‫ل‬‫ح ل ََها وَت َوَك ّ ْ‬ ‫سل ْم ِ َفا ْ‬
‫جن َ ْ‬ ‫حوا ْ ِلل ّ‬ ‫جن َ ُ‬
‫منكم على موله )وَِإن َ‬
‫ه( ]النفال‪ [61 :‬فسيروا ودعوا الولد والجنة‬ ‫ع ََلى الل ّ ِ‬
‫ة( ]آل عمران‪:‬‬ ‫جن ّ ٍ‬
‫م وَ َ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫فَرةٍ ّ‬ ‫مغْ ِ‬ ‫ى َ‬ ‫ْ َ‬
‫سارِع ُوَا إ ِل َ‬ ‫)وَ َ‬
‫ة‬‫م ع َي ْل َ ً‬ ‫خْفت ُ ْ‬‫ن ِ‬ ‫‪ [133‬ول تسألوا عن الميرة من أصله )وَإ ِ ْ‬
‫ه( ]التوبة‪ [28 :‬فإن الله‬ ‫من فَ ْ‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ف ي ُغِْنيك ُ ُ‬ ‫سو ْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫قد أثاركم لقتال العذال العائبين )ل ِي َْقط َعَ ط ََرفا ً ّ‬

‫‪98‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫م فََينَقل ُِبوا ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن( ]آل عمران‪:‬‬ ‫خآئ ِِبي َ‬ ‫ن ك ََفُروَا ْ أوْ ي َك ْب ِت َهُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫‪ [127‬واحملوا عليهم فإنهم متى طعنوا في جنوبهم‬
‫ى قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م(‬ ‫رضوا أن يكونوا مع الخوالف )وَط َب َعَ الل ّ ُ َ‬
‫ه ع َل َ‬
‫]التوبة‪ [93 :‬ول تدبروا إذا رأيتموهم قدامكم )ِإن‬
‫م( ]محمد‪ [7 :‬وإن‬ ‫مك ُْ‬ ‫دا‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫تنصروا ْ الل ّه ينصرك ُم ويث َبت أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ ُ ْ ْ َُ ّ ْ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫دآًء‬ ‫ما فِ َ‬ ‫مّنا ب َعْد ُ وَإ ِ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫أخذتم أسرى فقاتلوا أنصارها )فَإ ِ ّ‬
‫ها( ]محمد‪ [4 :‬فإن أطعتم‬ ‫ب أ َوَْزاَر َ‬ ‫حْر ُ‬ ‫ضع َ ا ل ْ َ‬ ‫ى تَ َ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫َ‬
‫وما ً‬
‫ل قَ ْ‬ ‫رفعتم وأصلح الله بالكم )وَِإن ت َت َوَل ّوْا ْ ي َ ْ‬
‫ست َب ْد ِ ْ‬
‫مَثال َ ُ‬ ‫َ‬
‫كم( ]محمد‪ [38 :‬وسأتلوا في‬ ‫كون ُوَا ْ أ ْ‬ ‫م ل َ يَ ُ‬ ‫م ثُ ّ‬‫غ َي َْرك ُ ْ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫خطبتكم عند قدومكم سالمين )فَُقط ِعَ َداب ُِر ال َْقوْم ِ ال ّ ِ‬
‫ن( ]النعام‪.[45 :‬‬ ‫مي َ‬ ‫ب ال َْعال َ ِ‬ ‫مد ُ لل ّهِ َر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫موا ْ َوال ْ َ‬ ‫ظ َل َ ُ‬
‫"وكتب أستاذي المام الحكيم الشيخ محمد عبده‬
‫المتوفى سنة ‪ 1323‬ه?"‬
‫) ‪(1/69‬‬

‫عرض لي ما منعني من قراءة الجرائد نحو أسبوع‬


‫وكنت أسمع فيه بحادثة )ميت غمر( من بعض الفواه‬
‫أظنها من الحوادث المعتاد وقوعها حتى تمكنت من‬
‫مراجعة الجرائد ليلة الخميس الماضي فإذا لهب ذلك‬
‫الحريق يأكل قلبي أكله لجسوم أولئك المساكين سكان‬
‫)ميت غمر( ويصهر من فؤادي ما يصهره من لحومهم‬
‫حتى أرقت تلك الليلة ولم تغمض عيناي إل قليل ً وكيف‬
‫ينام من يبيت يتقلب في نعم الله وله هذا العدد الحم‬
‫من أخوة وأخوات يتقلبون في شدة البأساء فأردت أن‬
‫أبادر بما أستطيع من المعونة وما أستطيعه قليل ً ل‬

‫‪99‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫يغني من الحاجة ول يكشف البلء ثم رأيت أن ادعوا‬
‫جمعا ً من أعيان العاصمة ليشاركوني في أفضل أعمال‬
‫البر في أقرب وقت وكان ذلك يوم السبت فحضر منهم‬
‫سابقون وتأخر آخرون وكتب بعضهم يعتذرون فشكر‬
‫الله سعي من حضر وجزى خيرا ً من اعتذر وغفر لمن‬
‫تأخر‪ ..‬على أنه ليس الحادث بذي الخطب اليسير‬
‫فالمصابون خمسة آلف وبضع مئين منهم الطفال‬
‫الذين فقدوا عائليهم والتجار والصناع الذين هلكت‬
‫آلتهم ورؤوس أموالهم ويتعذر عليهم أن يبتدئوا الحياة‬
‫مرة أخرى إل بمعونة من إخوانهم وإل اصبحوا‬
‫متلصصين أو سائلين والذين فقدوا بيوتهم ول يجدون ما‬
‫يأوون إليه ول مال لهم يقيمون ما يؤويهم من مثل‬
‫بيوتهم المتخربة لهذا رأيت ورأى كل من تفكر في‬
‫المر أن يجمع مبلغ وافر يتمكن به من تخفيف المصاب‬
‫عن جميع أولئك المنكوبين‪.‬‬

‫"وكتب أيضا ً في الغرض المذكور"‬


‫) ‪(1/70‬‬

‫قد بلغكم ول ريب من أخبار الجرائد ما عليه أهل )ميت‬


‫غمر( بعد الحريق الذي أصاب مدينتهم فهم بل قوت ول‬
‫ساتر ول مأوى فليتصور أحدكم أن المر نزل بساحته‬
‫أفما كان يتمنى أن يكون جميع الناس في معونته‬
‫فليطالب الن كل منا نفسه بما يطالب به الناس لو‬
‫نزل به ما نزل بهم ولينفق مما له ما يدفع الله به عنه‬

‫‪100‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مكروه الدهر‪ ..‬فأرجو من همتكم أن تدفعوا شيئا ً من‬
‫مالكم في مساعدة إخوانكم وان تبذلوا ما في وسعكم‬
‫لحث من عندكم على مشاركتكم في هذا العمل‪:‬‬
‫والسلم‪.‬‬
‫الفصل الخامس في رسائل الملمة والعتاب‬
‫"كتب بديع الزمان الهمذاني المتوفى سنة ‪ 398‬ه?"‬
‫ة‬
‫لئن ساءني أن نلتني بمساء ٍ‬

‫ك‬
‫ت ببال ِ‬
‫لقد سرني أني خطر ُ‬
‫) ‪(1/71‬‬

‫المير أطال الله بقاءه في حالي بره وجفائه متفضل‬


‫وفي يومي إدنائه وإبعاده متطول وهنيئا ً له من حمانا ما‬
‫يحله ومن عرانا ما يحله ومن أعراضنا ما يستحله‪:‬‬
‫بلغني انه أدام الله عزه استزاد صنيعه فكنت أظنني‬
‫معجبا ً عليه مساء إليه فإذا أنا في قرارة الذنب ومثارة‬
‫العتب وليت شعري أي محظور في العشرة حضرته أو‬
‫مفروض من الخدمة رفضته أو واجب في الزيارة‬
‫أهملته وهل كنت إل ضيفا ً أهداه منزع شاسع وأداه أمل‬
‫واسع وحداه فضل وإن قل وهداه رأي وإن ضل ثم لم‬
‫يلق إل في آل ميكال رحله ولم يصل إل بهم حبله ولم‬
‫ينظم إل فيهم شعره ولم يقف إل عليهم شكره‪ :‬ثم ما‬
‫بعدت صحبة إل دنت مهانة ول زادت مرمة إل نقصت‬
‫صيانة ول تضاعفت منة إل تراجعت منزلة ولم تزل‬
‫الصفة بنا حتى صار وابل العظام قطرة وعاد قميص‬

‫‪101‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫القيام صدره ودخلت مجلسه وحوله من العداء كتيبه‬
‫فصار ذلك التقريب ازورارا وذلك السلم اختصارا ً‬
‫والهتزاز إيماء والعبارة إشارة وحين عاتبته آمل إعتابه‬
‫وكاتبته أنتظر جوابه وسألته أرجو إيجابه أجاب‬
‫بالسكوت فما ازددت له إل ولء وعليه ثناء ول جرم إني‬
‫اليوم أبيض وجه العهد واضح حجة الود طويل لسان‬
‫القول رفيع حكم العذر وقد حملت فلنا ً من الرسالة ما‬
‫تجافى القلم عنه والمير الرئيس أطال الله بقاءه ينعم‬
‫بالصغاء لما يورده موفقا ً إن شاء الله عز وجل‪.‬‬
‫"وكتب أيضا ً إلى القاسم الكرجي المتوفى سنة ‪440‬‬
‫ه?"‬
‫) ‪(1/72‬‬

‫بالتحمل أحاسب مولي أيده الله على أخلقه ضنا ً بما‬


‫عقدت يدي عليه من الظن به والتقدير في مذهبه‪ :‬لول‬
‫ذلك لقلت في الرض مجال إن ضاقت ظللك وفي‬
‫الناس واصل إن رثت حبالك واأخذه بأفعاله‪ :‬فإن‬
‫أعارني أذنا ً واعية ونفسا ً مراعية وقلبا ً متعظا ً ورجوعا ً‬
‫عن ذهابه ونزوعا ً عن هذا الباب الذي يقرعه ونزول ً عن‬
‫الصعود الذي يفرعه فرشت لمودته خوان صدري‬
‫وعقدت عليه جوامع خصري ومجامع عمري وغن ركب‬
‫من التعالي غير مركبه وذهب من التغالي في غير‬
‫مذهبه أقطعته خطة أخلقه ووليته جانب إعراضه‪.‬‬
‫ر‬
‫ول أذود ُ الطير عن شج ٍ‬

‫‪102‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قد بلوت المّر من ثمره‬
‫فإني وإن كنت في مقتبل السن والعمر قد حلبت‬
‫شطري الدهر وركبت ظهري البر والبحر ولقيت وفدي‬
‫الخير والشر وصافحت يدي النفع والضر وضربت إبطي‬
‫العسر واليسر وبلوت طعمي الحلو والمر ورضعت‬
‫ضرعي العرف والنكر فما تكاد اليام تريني من أفعالها‬
‫غريبا ً وتسمعني من أحوالها عجيبا ً ولقيت الفراد‬
‫وطرحت الحاد فما رأيت أحدا ً إل ملت حافتي سمعه‬
‫وبصره وشغلت حيزي فكره وأثقلت كتفه في الحزن‬
‫وكتفه في الوزن وود لو بادر القرن صحيفتي أو لقي‬
‫صفيحتي فما لي صغرت هذا الصغر في عينه وما الذي‬
‫أزرى بي عنده حتى احتجت وقد قصدته ولزم وقد‬
‫حضرته‪.‬‬
‫أنا أحاشيه أن يجهل قدر الفضل أو يجحد فضل العلم أو‬
‫يمتطي ظهر التيه على أهليه وأسأله أن يختصني من‬
‫بينهم بفضل إعظام إن زلت بي مرة قدم في قصده‬
‫وكأني به وقد غضب لهذه المخاطبة المجحفة والرتبة‬
‫المتحيفة وهو في جنب جفائه يسير فإن أقلع عن عادته‬
‫ونزع عن شيمته في الجفاء فأطال الله بقاء الستاذ‬
‫الفاضل وأدام عزه وتأييده‪.‬‬
‫"وكتب أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى‬
‫بالبصرة سنة ‪ 255‬ه?"‬
‫) ‪(1/73‬‬

‫‪103‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والله يا قليب لول أن كبدي في هواك مقروحة وروحي‬
‫مجروحة لساجلتك هذه القطيعة وماددتك حبل‬
‫المصارمة وأرجو أن الله تعالى يديل صبري من جفائك‬
‫فيردك إلى مودتي وأنف القلى راغم فقد طال العهد‬
‫بالجتماع حتى كدنا نتناكر عند اللتقاء والسلم‪.‬‬
‫"وكتب أبو بكر الخوارزمي المتوفى سنة ‪ 740‬ه?"‬
‫كتابي وقد خرجت من البلد خروج السيف من الجلء‬
‫وبروز البلد من الظلماء وقد فارقتني المحنة وهي‬
‫مفارق ل يشتاق إليه وودعتني وهي مودع ل يبكي عليه‬
‫والحمد لله تعالى على محنة يجليها ونعمة ينيلها‬
‫ويواليها كنت أتوقع أمس كتاب مولي بالتسلية واليوم‬
‫بالتهنية فلم يكاتبني في أيام البرحاء بأنها غمته ول في‬
‫أيام الرخاء بأنها سرته وقد اعتذرت عنه إلى نفسي‬
‫وجادلت عنه قلبي فقلت أما إخلله بالولى فلنه شغله‬
‫الهتمام بها عن الكلم فيها وأما تغافله عن الخرى‬
‫فلنه أحب أن يوفر علي مرتبة السابق إلى البتداء‬
‫ويقتصر بنفسه على محل القتداء لتكون نعم الله‬
‫سبحانه علي موفورة من كل جهة ومحفوفة بي من كل‬
‫رتبة فإن كنت أحسنت العتذار عن سيدي فليعرف لي‬
‫حق الحسان وليكتب إلي بالستحسان وإن كنت أسأت‬
‫فليخبرني بعذره فإنه أعرف مني بسره وليرض مني‬
‫بأني حاربت عنه قلبي واعتذرت عن ذنبه حتى كأنه‬
‫ذنبي وقلت يا نفس اعذري أخاك وخذي منه ما أعطاك‬
‫فمع اليوم والعود أحمد‪.‬‬
‫"وكتب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر‬
‫المتوفى سنة ‪ 80‬ه?"‬

‫‪104‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أما بعد فقد عاقني الشك في أمرك عن عزيمة الرأي‬
‫فيك وذلك أنك ابتدأتني بلطف عن غير حبرة ثم أعقبته‬
‫جفاء من غير ذنب فأطمعتني أولك في إخائك وأيأسني‬
‫آخرك من وفائك فسبحان من لو شاء لكشف بإيضاح‬
‫الرأي في أمرك عن عزيمة الشك فيك فاجتمعنا على‬
‫ائتلف وافترقنا على اختلف والسلم‪.‬‬
‫"وكتب صديقي الوفى زعيم الوطنية الشيخ عبد العزيز‬
‫جاويش"‬
‫) ‪(1/74‬‬

‫سيدي‪ :‬مالي أراك كمن نسي الخليط وتجرد في‬


‫الصحبة عن المحيط والمحيط فإذا ما صادفتك صدفت‬
‫أو أنصفتك ما نصفت أتظن أني قعيدة بيتك أو رهين‬
‫كيتك وذيتك فوحقك إذا آنست من يدي ملل أو من‬
‫قدمي كلل لنجزتها البتات وكلت بنقصها الذات ولو أني‬
‫آنست من الزاد فترة أو من الشراب عسرة لطعمت‬
‫الطوى وأستقيت الجوى فكيف أداعب وتصاعب‬
‫وأحالف وتخالف وأواصل وتفاصل وأجالب وتجانب‬
‫لبئست مطيتك التي اقتدعت وشرعتك التي شرعت‬
‫فوالله لول أن الحب حادث ل يتقي بالتروس ومعنى ل‬
‫يدب إل في النفوس وسهام ل ترمى إل من قسي‬
‫الحواجب ونحو أوله المعية وآخره الجوازم لما افترست‬
‫الظباء الصيد السود ول ملكت الحرار العبيد ولول أني‬
‫كرعت من صابه والتحفت ببردة أوصابه لتعوذت منك‬
‫)بسورة الفلق( ونبذتك نبذ الرداء الخلق ولهان علي أن‬

‫‪105‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أدعك أو أسمعك‪.‬‬
‫تمّرون الدياَر ولن تعوجو‬

‫ي إذا ً حرا ُ‬
‫م‬ ‫كلمكمو عل ّ‬
‫غير أن لي نفسا ً شبت على الحب فلم أفطمها‬
‫وتقادعت على ناره فلم أعصمها حتى بلغ السيل الزبى‬
‫وتبددت النفس أيدي سبا إل حشاشة غفل عنها الوجد‬
‫وبقية رمق ألفيتها من بعد وكلما رأيت منك الشطط‬
‫واعتساف الخطط عمدت إلى أن اثني من رسنها وأذود‬
‫عن عطنها وشخصت إلى المكافحة والمكافأة وأن ل‬
‫أكليك إل مثل ً ول أسقيك إل وشل ول أزيدك إل فشل‪.‬‬
‫ولست أجزيك الجزاء الذي‬

‫على وفاِء الصنع ل يخسه‬


‫وليس يبكي صاحبا ً من إذا‬

‫أهين ل يبكي على نفسه‬

‫على أني بالرغم أصبح في نهار أحلك من ليل وأمسي‬


‫في ليل أشق على النفس من ويل‪.‬‬
‫وليل كموج البحر أرخى سدوله‬

‫ي بأنواع الهموم ليبتلي‬


‫عل ّ‬
‫) ‪(1/75‬‬

‫‪106‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فإن تخلصت من لقائك فإلى الشقاء وإذا لجأت من‬
‫عسفك فإلى العناء وإذا استجرت بفراقك فقد‬
‫استجرت بالنار من الرمضاء وكأنك لم تدر أن دولة‬
‫الحسن سريعة التقويض وأنه لبد من هبوط القمر إلى‬
‫الحضيض ولسوف تبلى بعارض بيد أنه غير ممطر‬
‫وبساعة مقبلك فيها مدبر وستصبح عما قريب قد عفت‬
‫رسومك ولم تجد في سوق الصحبة من يسومك‬
‫والعاقل من ل يختال بنفسه ول يبني على غير أسه‬
‫فإنك ما نضت لؤلؤة مبسمك ول نضرت صورة‬
‫معصمك ول شئت فخلقت كما تشاء ول اتخذت عند‬
‫الله عهدا ً وهذا الوفاء ولكن مثلك من أفرغه الله في‬
‫القالب الذي اختار وجعله مرتع النفوس ومسرح‬
‫البصار وغني أبها العزيز قد تقدمت إليك‪.‬‬
‫ت به الليالي‬
‫ولي أملق قطع ُ‬

‫أراني قد فنيت به وداما‬

‫فل تحرمني من سائغ العفو وسابغه ول تجعلني‬


‫ه(‬ ‫مآِء ل ِي َب ْل ُغَ َفاه ُ وَ َ‬
‫ما هُوَ ب َِبال ِغِ ِ‬ ‫ط ك َّفي ْهِ إ َِلى ال ْ َ‬ ‫)ك ََبا ِ‬
‫س ِ‬
‫]الرعد‪.[14 :‬‬
‫ت من ألم الجوى‬ ‫فأشد ُ ما لقي ُ‬

‫ل‬‫ب الحبيب وما إليه وصو ُ‬‫قر ُ‬


‫س في البيداء يقتلها الظما‬
‫كالعي ِ‬
‫والماُء فوق ظهورها محمو ُ‬
‫ل‬

‫‪107‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/76‬‬

‫فاعمل في يومك لغدك واستجز غيرك ببسط يدك ول‬


‫تأخذني بجرم الجاني المتلبس ول تبتغ مني صحيفة‬
‫المتلمس بيد أني أنشدك الذي بلى العاشق بالمعشوق‬
‫وكلفه في الحب بيض النوق وسهد طرفه بنواعس‬
‫كن‬‫ه ُ‬ ‫شْيئا ً َأن ي َُقو َ‬
‫ل لَ ُ‬ ‫العيون وخول للحسن )إ َِذآ أ ََراد َ َ‬
‫ن( ]يس‪ [82 :‬كما قرن الهوى بالنوى والقلب‬ ‫فَي َ ُ‬
‫كو ُ‬
‫بالجوى وقضى على المحب ونشر العشق فلم يحتجب‬
‫ما الذي أغرى إلى العتكاف وعدم النصاف ألين‬
‫العطاف أم فتور الجفان أم تكسر الكلم أم هيف‬
‫القوام؟ لقد شددت أزرك والله بضعاف واستمنت تلك‬
‫العجاف وهل حدا إلى قطيعتي بك أني خشن الملمس‬
‫رث الملبس ولم أمنح كما منحت نضرة ولم ألبس برقع‬
‫البياض والحمرة فأعلم أنك إن تظرتني بعين الرضا‬
‫ورحمت فؤادا ً يتقلب منك على جمر الغضا فستجدني‬
‫صديقك الذي ل يبطره الوفاء ول يثنيه الجفاء املك لك‬
‫من لسان وأطوع لمرك من بنان‪ :‬أكتب فأين لعبد‬
‫الحميد الكاتب قلمي وأشعر فأين الشعراء إل تحت‬
‫علمي وأبذل فأين حاتم من كرمي وأحلم فأين أحنف‬
‫من حلمي‪.‬‬
‫وحسبك فخرا ً أن يجود بنفسه‬

‫ل في الشكر‬‫ن ليس يأم ُ‬


‫على رغب م ْ‬
‫ومن يحتمل في الحب ما فوق كاهلي‬

‫‪108‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ر‬ ‫فحسبك حلما ً أن يقي َ‬
‫م على الهج ِ‬

‫فإن أصخت إلى الداعية ووعيت كلمات ل تسمع فيها‬


‫لغية فإليك الجزاء وعلي الوفاء وإل فالفرار إلى‬
‫الموت أمٌر يسير والقبر للعشاق قلي ٌ‬
‫ل من كثير‪.‬‬
‫"وكتب المرحوم حفني بك ناصف إلى سماحة السيد‬
‫توفيق البكري"‬
‫كتابي إلى السيد السند ول أجشمه الجواب عنه فذلك‬
‫ما ل انتظره منه وإنما أسأله أن ينشط إلى قراءته‬
‫ويتنزل إلى مطالعته وله الرأي بعد ذلك أن يحاسب‬
‫نفسه أو يزكيها ويحكم عليها أو لها‪.‬‬
‫فقد تنفعُ الذكرى إذا كان هجُر همو‬

‫دلل فأما إن ملل َ فل نفعا ً‬

‫) ‪(1/77‬‬

‫زرت السيد ويعلم الله أن شوقي إلى لقائه كحرصي‬


‫على بقائه وكلفي بشهوده كشغفي بوجوده فقد بعد‬
‫والله عهد هذا التلق وطال أمد الفراق وتصرم الزمان‬
‫وأنا من رؤيته في حرمان فسألت عنه فقيل لي أنه‬
‫خرج لتشييع زائر وهو عما قليل حاضر فانتظرت‬
‫رجوعه وترقبت طلوعه ولم أزل أعد اللحظات‬
‫وأستطيل الوقات حتى بزغت النوار وارتج صحن الدار‬
‫وظهر الستبشار على وجوه الزوار وجاء السيد في‬
‫مركبه وجللة محتده ومنصبه فقمنا لستقباله وهينمنا‬

‫‪109‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بكماله فمر يتعرف وجوه القوم حتى حازاني وكبر على‬
‫عينه أن يراني فغادرني ومن على يساري وأخذ في‬
‫السلم على جاري وجر السلم الكلم وتكرر القعود‬
‫والقيام وأنا في هذه الحال أوهم جاري أني في داري‬
‫وأظهر للناس أن شدة اللفة تسقط الكلفة ومر السيد‬
‫بعد ذلك من أمامي ثلث مرات ومن الغريب أنه لم‬
‫يستدرك ما فات‪.‬‬
‫تمّرون الدياَر ولن تعرجوا‬

‫ن حرام‬ ‫ي إذ ْ‬
‫كلمكمو عل ّ‬
‫وكنت أظن أن مكانتي عند السيد ل تنكر أن عهدي لديه‬
‫ل يحفر فإذا أنا لست في العير ول في النفير وغيري‬
‫عند السيد كثير وذهاب صاحب أو أكثر عليه يسير‪.‬‬
‫ت العليا إليه يمينها‬
‫ومن مد ِ‬

‫فأكبر إنسان لديه صغيُر‬

‫ول أدعي أني أوازي السيد صانه الله في علو حسبه أو‬
‫أدانيه في علمه وأدبه أو أقاربه في مناصبه ورتبه أو‬
‫أكاثره في فضته وذهبه وإنما أقول ينبغي للسيد أن‬
‫يميز بين من يزوره لسماع الغاني والذكار وشهود‬
‫الواني على مائدة الفطار وبين من يزوره للسلم‬
‫وتأييد جامعة السلم وأن يفرق بين من يتردد عليه‬
‫استخلصا ً للخلص ومن يتردد إجابة لدعوة الخلص‬
‫وأن ل يشتبه عليه طلب الفوائد بطلب العوائد وقناص‬
‫الشوارد بنقاء الموالد ورواد الطرف بأرباب الحرف‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ة‬
‫ب حاج ٍ‬
‫ت صاح ُ‬
‫ن لقي َ‬ ‫فما ك ُ‬
‫لم ْ‬

‫ول كل من قابلت سائلك العرفا‬


‫) ‪(1/78‬‬

‫فإن حسن عند السيد أن يغضي عن بعض الجناس فل‬


‫يحسن أن يغضي عن جميع الناس وإل فلماذا يطوف‬
‫على بعض الضيوف ويحييهم بصنوف من المعروف‬
‫ويتخطى الرقاب "لصروف" ويخترق لجله الصفوف‬
‫فإن زعم السيد أنه اعلم بتصريف القلم فليس بأقدم‬
‫هجرة في السلم وإن رأى أنه أقدر مني على إطرائه‬
‫فليس بممكن أن يتخذه من أوليائه‪.‬‬
‫م بحمد الله منزلة‬
‫ول أرو ُ‬

‫غيري أحقُ بها مني إذا راما‬

‫ن نفسي عن المهانة والضعة‬


‫وإنما أصو ُ‬

‫ول اعّرضها للضيق وفي الدنيا سعة‬

‫وأكرم نفسي أنني إن أهنتها‬

‫وحقك لم تكرم على أحد بعدي‬


‫فل يصعر السيد من خده فقد رضيت بما ألزمني من‬
‫بعده ول يغض من عينه فهذا فراقٌ بيني وبينه وليتخذني‬

‫‪111‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫صاحبا ً من بعيد ول يكلمني إلى يوم الوعيد‪.‬‬
‫ه‬
‫ي عن أخيه حيات ُ‬
‫كلنا غن ّ‬

‫ونحن إذا متنا أشد ُ تغانيا‬

‫ومن يعلى السيد السلم على الدوام ومبارك إذا لبس‬


‫جديدا ً وكل عام وهو بخير إذا استقبل عيدا ً ومرحى إذا‬
‫أصاب وشيعته السلمة إذا غاب وقدوما ً مباركا ً إذا آب‬
‫وبالرفاء والبنين إذا أعرس وبالطالع المسعود إذا أنجب‬
‫ورحمه الله إذا عطس ونوم العافية إذا نعس وصح‬
‫نومه إذا استيقظ وهنيئا ً إذا شرب وما شاء الله كان إذا‬
‫ركب ونعم صاحبه إذا انفجر الفجر وسعد مساؤه إذا‬
‫أذن العصر وبخ بخ إذا نثر ول فض فوه إذا شعر وأجاد‬
‫وأفاد إذا خطب وأطرب واغرب إذا كتب وإذا حج البيت‬
‫فحجا ً مبرورا ً وإذا شيع جنازتي فسعيا ً مشكورًا‪:‬‬
‫والسلم‪.‬‬
‫الفصل السادس في رسائل الشكوى‬
‫"كتب المير أبو الفضل الميكالي المتوفى سنة ‪436‬‬
‫ه?"‬
‫) ‪(1/79‬‬

‫إنما أشكو إليك زمانا ً سلب ضعف ما وهب وفجع بأكبر‬


‫مما متع وأوحش فوق ما آنس وعنف في نزع ما البس‬
‫فإنه لم يذقنا حلوة الجتماع حتى جرعنا مرارة الفراق‬
‫ولم يمتعنا بأنس اللتقاء حتى غادرنا رهن التلهف‬

‫‪112‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والشتياق والحمد الله تعالى على كل حال يسوء ويسر‬
‫ويحلو ويمر ول أيأس من روح الله في إباحة صنع يجعل‬
‫ربعه مناخي ويقصر مدة البعاد والتراخي فألحظ‬
‫الزمان بعين راض ويقبل إلي حظي يعد إعراض‬
‫وأستأنف بعزته عيشا ً عذب الموارد والمناهل مأمون‬
‫الفات والغوائل‪.‬‬
‫"وكتب عبد الحميد بن يحيى المقتول سنة ‪ 132‬إلى‬
‫أهله‬
‫وهو مهزم مع مروان" أما بعد‪ ،‬فإن الله تعالى جعل‬
‫الدنيا محفوفة بالكره والسرور فمن ساعده الحظ فيها‬
‫سكن إليها ومن عضته بناتها ذمها ساخطا ً عليها وشكاها‬
‫مستزيدا ً لها وقد كانت أذاقتنا أفاويق اسحليناها ثم‬
‫جمحت بنا نافرة ورمحتنا مولية فملح عذبها وخشن‬
‫لينها فأبعدتنا من الوطان وفرقتنا عن الخوان فالدار‬
‫نازحة والطير بارحة وقد كتبت واليام تزيدنا منكم بعدا ً‬
‫وإليكم وجدا فإن تتم البلية إلى أقصى مدتها يكن آخر‬
‫العهد بكم وبنا وإن يلحقنا ظفر جارح من أظفار من‬
‫يليكم نرجع إليكم بذل السار والذل شر جاز نسأل الله‬
‫الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء أن يهب لنا ولكم‬
‫ألفة جامعة في دار آمنة تجمع سلمة البدان والديان‬
‫فإنه رب العالمين وأرحم الراحمين‪.‬‬

‫"وكتب أستاذي الحكيم الشيخ محمد عبده وهو‬


‫مسجون‬
‫بسبب الحوادث العرابية"‬
‫تقّلدتني الّليالي وهي مدبرةٌ‬

‫‪113‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ف منهزم‬
‫م في ك ّ‬
‫كأنني صار ٌ‬
‫) ‪(1/80‬‬

‫عزيزي )هذه حالتي( اشتد ظلم الفتن حتى تجسم بل‬


‫تحجر فأخذت صخوره من مركز الرض إلى المحيط‬
‫العلى واعترضت ما بين المشرق والمغرب وامتدت‬
‫إلى القطبين فاستحجرت في طبقاتها طباع الناس إذ‬
‫تغلبت طبيعتها على المواد الحيوانية أو النسانية‬
‫ة(‬ ‫جاَرةِ أ َوْ أ َ َ‬
‫شد ّ قَ ْ‬
‫سو َ ً‬ ‫كال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫فأصبحت قلوب الثقلين ) َ‬
‫]البقرة‪ [74 :‬فتبارك الله أقدر الخالقين انتثرت نجوم‬
‫الهدى وتدهورت الشموس والقمار وتغيبت الثوابت‬
‫النيرة وفر كل مضيء منهزما ً من عالم الظلم ودارت‬
‫الفلك دورة العكس ذاهبة بنيراتها إلى عوالم غير‬
‫عالمنا هذا فولى معه آلهة الخير أجمعين وتمحضت‬
‫السلطة للهة الشر فقلبوا الطباع وبدلوا الخلق وغيروا‬
‫خلق الله وكانوا على ذلك قادرين‪.‬‬
‫رأيت نفسي اليوم في مهمة ل يأتي البصر على أطرافه‬
‫في ليلة داجية غطي فيها وجه السماء بغمام سوء‬
‫فتكاثف ركاما ً ركاما ً ل أرى إنسانا ً ول أسمع ناطقا ً ول‬
‫أتوهم مجيبا ً أسمع ذئابا ً تعوي وسباعا ً تزأر وكلبا ً تنبح‬
‫كلها يطلب فريسة واحدة هي ذات الكاتب والتف على‬
‫رجلي تنينان عظيمان وقد خويت بطون الكل وتحكم‬
‫فيها سلطان الجوع ومن كانت هذه حاله فهو ل ريب‬
‫من الهالكين‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تقطع المل وانفصمت عروة الرجاء وانحلت الثقة‬
‫بالولياء وضل العتقاد بالصفياء وبطل القول بإجابة‬
‫الدعاء وانفطر من صدمة الباطل كبد السماء وحقت‬
‫على أهل الرض لعنة الله والملئكة والنبياء وجميع‬
‫العالمين‪.‬‬
‫) ‪(1/81‬‬

‫سقطت الهمم وخربت الذمم وغاض ماء الوفاء‬


‫وطمست معالم الحق وحرقت الشرائع وبدلت القوانين‬
‫ولم يبق إل هوى يتحكم وشهوات تقضى وغيظ يحتدم‬
‫دي ك َي ْد َ‬ ‫وخشونة تنفذ "تملك سنة القدر" و)الل ّ َ‬
‫ه ل َ ي َهْ ِ‬
‫ن( ]يوسف‪.[52 :‬‬ ‫ال ْ َ‬
‫خائ ِِني َ‬
‫ذهب ذوو السلطة في بحور الحوادث الماضية يغوصون‬
‫لطلب أصداف من الشبه ومقذوفات من التهم‬
‫وسواقط من اللمم ليموهوها بمياه السفسطة‬
‫ويغشوها بأغشية من معادن القوة ليبرزوها في معرض‬
‫السطوة ويغشوا بها أعين الناظرين ل يطلبون ذلك‬
‫لغامض يبينونه أو لمستور يكشفونه أو لحق خفي‬
‫فيهرونه أو خرق بدا فيرقعونه أو نظام فاسد فيصلحونه‬
‫كل‪ :‬بل ليثبتوا أنهم في حبس من حبسوا غير مخطئين‪،‬‬
‫وقد وجدوا لذلك أعوانا ً من حلفاء الدناءة وأعداء‬
‫المروءة وفاسدي الخلق وخبثاء العراق رضوا‬
‫لنفسهم قول الزور وافتراء البهتان واختلق الفك وقد‬
‫تقدموا إلى مجلس التحقيق بتقارير محشوة من‬
‫الباطيل ليكونوا بها علينا من الشاهدين‪ ،‬كل ذلك لم‬

‫‪115‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تأخذني فيه دهشة ولم تحل قلبي وحشة بل أنا على‬
‫ل بما يصدر به الحكم‬ ‫أتم أوصافي التي تعلمها غير مبا ٍ‬
‫أو يبرمه القضاء‪ ،‬عالما ً بأن كل ما يسوقه القدر وما‬
‫ساقه من البلء فهو نتيجة ظلم ل شبهة للحق فيه‪ ،‬لن‬
‫الله تعالى يعلم كما أنت تعلم أنني بريء من كل ما‬
‫رموني به‪ ،‬ولو أطلعت عليه لوليت منه رعبا ً وكنت من‬
‫الضاحكين‪.‬‬
‫نعم حنقني الغم وأحمى فؤادي الهم وفارقني النوم‬
‫ليلة كاملة عند ما رأيت اسمك الكريم واسم بقية البناء‬
‫والخوان المساكين تنسب إليهم أعمال لم تكن وأقوال‬
‫لم تصدر عنهم لقصد زجهم في المسجونين‪.‬‬
‫لكن اطمأن قلبي وسمن جأشي عندما رأيت تواريخ‬
‫التقارير متقادمة ومع ذلك لم يصلكم شرر الشر‬
‫فرجوت أن الحكومة لم ترد أن تفتح بابا ً ل يذر الحياء‬
‫ول الميتين‪.‬‬
‫قدم فلن وفلن تقريرين جعل تبعات الحوادث الماضية‬
‫على عنقي ولم يتركا شيئا ً من التخريف إل قاله وذكرا‬
‫أسماءكم في أمور أنتم جميعا ً أبعد الناس عنها‪ ،‬لكن ل‬
‫) ‪(1/82‬‬

‫حرج عليهما فإني لراهما من المجانين‪ ،‬ولم أتعجب من‬


‫هذين الشخصين إذ يعملن مثل هذا الذنب القبيح‬
‫ويرتكبان هذا الجرم‪ ،‬الشنيع ولكن أخذني العجب "كل‬
‫العجب غاية العجب بالغ ما شئت في عجبي"‪ ،‬إذ‬
‫أخبرني المدافع عني بتقرير قدمه فلن الذي أرسلت‬

‫‪116‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إله السلم وأبلغته سروري عندما سمعت باستخدامه‪،‬‬
‫وأنا في هذا السجن رهين‪.‬‬

‫إلى هذا الوقت لم يصلني التقرير ولكن سيصل إلي‬


‫إنما فيما بلغني أنه شهادة بأقبح شيء ل يشهد به إل‬
‫عدو مبين‪ :‬هذا اللئيم الذي كنت أظن أنه يألم للمي‬
‫ويأخذه السف لحالي ويبذل وسعه إن أمكنه في‬
‫المدافعة عني فكم قدمت له نفعا ً ورفعت له ذكرا ً‬
‫وجعلت له منزلة في قلوب الحاكمين‪ :‬كم سمعني‬
‫أقاوم هجاء الجرائد وأوسع محرريها لوما ً وتقريعا ً وأهزأ‬
‫بتلك الحركات الجنونية وكان هو علي في بعض أفكاري‬
‫هذه من اللئمين‪ :‬كان ينسب فلنا ً لسوء القصد اتباعا ً‬
‫لرأي فلن وأعارضه أشد المعارضة‪ ،‬ثم لم أنقض له‬
‫عهدا ً ولم أبخس له ودا وحقيقة كنت مسرورا ً لوجوده‬
‫موظفا ً فما باله أصبح من الناكثين‪ :‬آه ما أطيب هذا‬
‫القلب الذي يملي هذه الحرف‪ ،‬ما أشد حفظه للولء‪،‬‬
‫ما أغيره على حقوق الولياء‪ ،‬ما أثبته على الوفاء‪ ،‬ما‬
‫أرقه على الضعفاء‪ ،‬ما أشد اهتمامه بشؤون الصدقاء‪،‬‬
‫ما أعظم أسفه لمصائب من بينهم وبينه أدنى مودة‪،‬‬
‫وإن كانوا فيها غير صادقين‪ ،‬ما أبعد هذا القلب من‬
‫اليذاء ولو للعداء‪ ،‬ما أشده رعاية للود‪ ،‬ما أشده‬
‫محافظة على العهد ما أعظم حذره من كل ما توبخ‬
‫عليه الذمم الظاهرة‪ ،‬ما أقواه على العمل الحق‪،‬‬
‫والقول الحق‪ ،‬ل يطلب عليه جزاء‪ ،‬وكم اهتم بمصالح‬
‫قوم وكانوا عنها غافلين‪ ،‬هذا القلب الذي يؤلمونه‬
‫بأكاذيبهم هو الذي سر قلوبهم بالترقية وملها فرحا ً‬

‫‪117‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بالتقدم ولطف خواطرهم بحسن المعاملة وشرح‬
‫صدورهم بلطيف المجاملة ودافع عنهم أزمانا ً "خصوصا ً‬
‫هذا اللئيم" أفنشرح الصدور وهم يحرجون ونشفي‬
‫القلوب وهم يؤلمون ونفرحها وهم يحزنون؟ تالله )قَد ْ‬
‫ضّلوا ْ وَ َ‬
‫ما‬ ‫َ‬
‫) ‪(1/83‬‬

‫ن( ]النعام‪ [140 :‬هذا القلب ذاب معظمه‬ ‫دي َ‬ ‫كاُنوا ْ ُ‬


‫مهْت َ ِ‬ ‫َ‬
‫من السف على ما يلم بالهيئة العمومية من مصائب‬
‫هذه التقلبات وما ينشأ عنها من فساد الطباع الذي‬
‫يجعل العموم في قلق مستديم‪ ،‬وما بقي من هذا‬
‫القلب فهو في خوف على من يعرفهم على عهد‬
‫مودته‪ ،‬فإن تسللوا جميعا ً بمثل هذه العمال اصبحوا من‬
‫مودته خالين واتخذوه وقاية لهم من المضرة وجعلوه‬
‫ترسا ً يعرضونه لتلقى سهام النوائب التي يتوهمون‬
‫تفويقها إليهم كما اتخذوه قبل ذلك سهما ً يصيبون به‬
‫أغراضهم فينالون منها حظوظهم فقد أراحوا تلك البقية‬
‫سَرعُ‬ ‫َ‬
‫من الفكر فيهم‪ ،‬والله يتولى حسابهم )وَهُوَ أ ْ‬
‫ن( ]النعام‪ ،[62 :‬آه ما أظن أن تلك البقية‬ ‫سِبي َ‬ ‫حا ِ‬‫ال ْ َ‬
‫تستريح من شاغل الفكر في شؤون الحبة وإن جاروا‬
‫في تصرفهم‪.‬‬
‫إن طبيعة هذا القلب لطبيعة ناعم الخز إذا اتصل بذي‬
‫الود وإن كان خشنا ً فصعب أن ينفصل ولو مزقته‬
‫خشونته‪ ،‬وإن هذا القلب في علقة مع الوداء كالضياء‬
‫مع الحرارة أيما حادث يحدث وأيما كيماوي يدقق ل‬

‫‪118‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ل‪ ،‬وأظنك في العلم بثبوت تلك‬‫يجد للتحليل بينهما سبي ً‬
‫الطبيعة فيه كنت من المتحققين‪.‬‬
‫"وكتب حافظ بك ابراهيم إلى الستاذ المام الحكيم‬
‫الشيخ محمد عبده"‬
‫كتابي إلى سيدي وأنا من وعده بين الجنة والسلسبيل‬
‫ومن تيهي به فوق النثرة والكليل وقد تعجلت السرور‬
‫وتسلقت الحبور وقطعت ما بيني وبين النوائب‪.‬‬
‫ه‬
‫ت أهلي بالذي قد سمعت ُ‬ ‫شر ُ‬‫وب ّ‬

‫فما منحتي إل ّ ليا ٍ‬


‫ل قلئل‬

‫ة‬
‫وقلت لهم للشيخ فينا مشيئ ٌ‬

‫فليس لنا من دهرنا ما نناز ُ‬


‫ل‬
‫وجمعت فيه بين ثقة الزبيدي بالصمصامة والحارث‬
‫بالنعامة فلم أقل ما قال الهذلي لصاحبه حين نسي‬
‫وعده وحجب رفده‪.‬‬
‫"يا دار عاتكة التي أتغزل" بل أناديه نداء الخيذة في‬
‫عمورية شجاع الدولة العباسية وأمد صوتي بذكر‬
‫إحسانه مد المؤذن صوته في آذانه واعتمد عليه في‬
‫البعد والقرب اعتماد الملح على نجمة القطب‪.‬‬
‫وقال أصيحابي وقد هالني الّنوى‬

‫ت قافل‬
‫م أمري متى أن َ‬
‫وهاله ُ‬
‫) ‪(1/84‬‬

‫‪119‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫م فأوبتي‬
‫فقلت إذا شاء الما ُ‬

‫سعادة آه ُ‬
‫ل‬ ‫ب وربعي بال ّ‬
‫قري ٌ‬

‫وهأنا متماسك حتى تنحسر هذه الغمرة وينطوي أجل‬


‫تلك الفترة وينظر لي سيدي نظرة ترفعني من )َذا ِ‬
‫ت‬
‫جِع(]الطارق‪[11 :‬‬ ‫ت الّر ْ‬‫صد ِْع( ]الطارق‪ [12 :‬إلى )َذا ِ‬
‫ال ّ‬
‫وتردني إلى وكري الذي فيه درجت رد الشمس قطرة‬
‫المزن إلى أصلها ورد الوفي المانات إلى أهلها‪.‬‬
‫ب الذي قد رجوته‬ ‫فإن شاَء فالقر ُ‬

‫وإن شاَء فالعّز الذي أنا آم ُ‬


‫ل‬

‫ل‬‫ة لم أزل=بقيد الّنوى حتى تغو َ‬ ‫وإل ّ فإني قا ُ‬


‫ف رؤب َ‬
‫الغوائ ُ‬
‫ل‬
‫فلقد حللت السودان حلول الكليم في التابوت‬
‫والمغاضب في جوف الحوت بين الضيق والشدة‬
‫والوحشة والوحدة‪ :‬ل‪ ،‬بل حلول الوزير في تنور العذاب‬
‫والكافر في موقف الحساب بين نارين نار القيظ ونار‬
‫الغيظ‪.‬‬
‫فناديت باسم الشيخ والقيظ جمرهُ‬

‫ضب والعقل ذاهل‬ ‫يذيب دماغ ال ّ‬


‫ل‬
‫ض ومنه ٍ‬
‫ن رو ٍ‬
‫فصرت كأني بي َ‬

‫صبا فيه وتشدو البلبل‬


‫ب ال ّ‬
‫تد ّ‬

‫‪120‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫واليوم أكتب إليه وقد قعدت همة النجمين وقصرت يد‬


‫الجديدين‪ .‬عن إزالة ما في نفس ذلك الجبار العنيد‬
‫فلقد نما ضب ضغنه علي وبدرت بوادر السوء منه إلي‬
‫فأصبحت كما سر العدو وساء الحميم وآلمي كأنها‬
‫جلود أهل الجحيم كلما نضج منها أديم تجدد أديم‬
‫وأمسيت وملك آمالي إلى الزوال أسرع من أثر‬
‫الشهاب في السماء ودولة صبري إلى الضمحلل أحث‬
‫من حباب الماء فنظرت في وجوه تلك العباد وإني‬
‫لفارس العين والفؤاد فلم تقف فراستي على غير بابك‪.‬‬
‫وإني أهديك سلما ً لو امتزج بالسحاب واختلط منه‬
‫باللعاب لصبحت تتهادى بقطرة الكاسرة وأمست‬
‫تدخر منه الرهبان في الديرة ولغنى ذات الحجاب عن‬
‫الغالية والملب ولبدع إذا جاد السيد بالرد فقد يرى‬
‫وجه المليك في المرآة وخيال القمر في الضاءة وإن‬
‫حال حائل دون أمنية هذا السائل فهو ل يذم يومك ول‬
‫ييأس من غدك فأنت خير ما تكون حين ل تظن نفس‬
‫بنفس خيرًا‪ :‬والسلم‪.‬‬
‫الفصل السابع في رسائل العيادة‬
‫"كتب ابن الرمي المتوفي سنة ‪284‬ه? إلى بعضهم"‬
‫) ‪(1/85‬‬

‫لذن الله في شفائك وتلقى داءك بدوائك ومسح بيد‬


‫العافية عليك ووجه وفد السلمة إليك وجعل علتك‬
‫ماحية لذنوبك مضاعفة لثوابك‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫"وكتب أبو بكر الخوارزمي المتوفي سنة ‪383‬ه?"‬


‫وصل كتابك يا سيدي فسرني نظري إليه ثم غمني‬
‫اطلعي عليه لما تضمنه من ذكر علتك جعل الله أولها‬
‫كفارة وآخرها عافية ول أعدمك على الولى أجرا ً وعلى‬
‫الخرى شكرًا‪ :‬وبودي لو قرب علي متناول عيادتك‬
‫فاحتملت عنك بالتعهد والمساعدة بعض أعباء علتك‬
‫فلقد خصني من هذه العلة قسم كقسمك ومرض قلبي‬
‫فيك لمرض جسمك‪ ..‬وأظن أني لو لقيتك عليل ً‬
‫لنصرفت عنك وأنا أعل منك فإني بحمد الله تعالى جلد‬
‫على أوجاع أعضائي غير جلد على أوجاع أصدقائي‬
‫شفاك الله وعافاك‪.‬‬
‫الفصل الثامن في رسائل التهاني‬
‫"كتب في التهنئة بالولد أبو منصور الثعالبي المتوفي‬
‫سنة ‪429‬ه?"‬
‫أهل ً وسهل ً بعقلية النساء وأم البناء وجالبة الصهار‬
‫والولد الطهار‪.‬‬
‫ن الّنساء كمثل هذي‬ ‫ولو كا َ‬

‫ل‬
‫ت الّنساُء على الّرجا ِ‬
‫ضل ِ‬
‫لف ّ‬
‫ب‬
‫فما التأنيث لسم الشمس عي ٌ‬

‫ل‬
‫ول الّتذكيُر فخٌر للهل ِ‬

‫والله يعرفك البركة في مطلعها والسعادة بموقعها‬


‫فالدنيا مؤنثة والناس يهدمونها والذكور يعبدونها والرض‬

‫‪122‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مؤنثة ومنها خلقت البرية وفيها كثرت الذرية والسماء‬
‫مؤنثة وقد زينت بالكواكب وحليت بالنجوم الثواقب‬
‫والنفس مؤنثة وهي قوام البدان وملك الحيوان‬
‫والحياة مؤنثة ولولها لم تتصرف الجسام ول تحرك‬
‫النام والجنة مؤنثة وبها وعد المقتون وفيها تنعم‬
‫المرسلون فهنيئا ً هنيئا ً ما أوليت وأوزعك الله شكر ما‬
‫أعطيت وأطال بقاءك ما عرف النسل وما بقي البد‪.‬‬
‫"وكتب بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة ‪398‬ه?‬
‫إلى الدواردي يهنيه بمولود"‬
‫) ‪(1/86‬‬

‫حقا ً لقد أنجز القبال وعده ووافق الطالع سعده وإن‬


‫الشأن لفيما بعده وحبذا الصل وفرعه وبورك الغيث‬
‫وصوبه وأينع الروض ونوره وحبذا سماء أطلعت فرقدا ً‬
‫وغابة أبرزت أسدا ً وظهر وافق سندا ً وذكر يبقى أبدا ً‬
‫ومجد يسمى ولدا ً وشرف لحمة وسدى‪.‬‬
‫ن والديه به‬ ‫أنجب ك ّ‬
‫لم ْ‬

‫إذ ْ نجله فنع َ‬


‫م ما نجل‬
‫فألفياه شهاب ذكاء وبدر علء‪.‬‬
‫ن جل‬
‫ووجداه ُ اب ْ‬

‫دعى الجفلى‬
‫ضي ّ‬‫أبي َ‬
‫لمثلهِ أولى فل‬

‫‪123‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إذا الّنديّ احتفل‬

‫"وكتب في التهنئة بالقدوم أبو منصور الثعالبي المتوفي‬


‫سنة ‪429‬ه?"‬
‫أهنيء سيدي ونفسي تطيب بما يسر الله من قدومه‬
‫سالما ً وأشكر الله على ذلك شكرا ً دائما ً جعل الله‬
‫قدومك بالخيرة التامة العامة والكفاية الشاملة الكاملة‪.‬‬

‫غيبة المكارم مقرونة بغيبتك وأوبة النعم موصولة‬


‫بأوبتك‪ :‬فوصل الله قدومك من الكرامة بأضعاف ما‬
‫قرن به مسيرك من السلمة وهناك بإيابك وبلغك غاية‬
‫محابك مازلت بالنية معك مسافرا ً وباتصال الذكر‬
‫والفكر ملقيا ً إلى أن جمع شمل سروري بأوبتك وسكن‬
‫نافر قلبي بعودتك‪.‬‬
‫"وكتب أيضا ً في التهنئة برمضان"‬
‫ساق الله إليك سعادة إهلله وعرفك بركة كماله لقاك‬
‫الله فيه ما ترجوه ورقاك إلى ما تحب في ما تتلوه‬
‫جعل الله ما يطول من هذا الصوم مقرونا ً بأفضل‬
‫القبول مؤذنا ً بدرك البغية ونجح المأمول ول أخلك من‬
‫بر مرفوع ودعاء مسموع قابل الله بالقبول صاميك‬
‫وبعظيم المثوبة تهجدك وقيامك أعاد الله إلى مولي‬
‫أمثاله وتقبل فيه أعماله وأصلح في الدين والدنيا‬
‫أحواله وبلغه منها آماله سعد الله مولي بهذا الشهر‬
‫ووفاه فيه أجزل المثوبة والجر‪.‬‬
‫"وكتب أبو الفرج الببغاء المتوفي سنة ‪398‬ه? تهنئة"‬
‫) ‪(1/87‬‬
‫‪124‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫سيدي‪ :‬أيده الله‪ ،‬أرفع قدرًا‪ .‬وأنبه ذكرا ً وأعظم نبل ً‬


‫وأشهر فضل ً من أن نهنئه بولية وإن جل خطرها وعظم‬
‫قدرها‪ .‬لن الواجب تهنئه العمال بفائض عدله والرعية‬
‫بمحمود فعله والقاليم بآثار رياسته والوليات بسمات‬
‫سياسته فعرفه الله بمن ما توله ورعاه في سائر ما‬
‫استرعاه ول أخله من التوفيق فيما يعانيه والتسديد‬
‫فيما يبرمه ويمضيه‪.‬‬
‫"وكتب رشيد الدين الوطواط المتوفي سنة ‪573‬ه?‬
‫تهنئة بالقدوم من سفر"‬
‫بلغني إياب سيدي زانه الله بصنوف المعالي وصانه من‬
‫صروف الليالي من سفرته الميمونة التي أسفرت عن‬
‫نيل المراد وتسهيل البغية إلى دار أقامته ومستقر‬
‫كرامته لم يؤثر فيه نصب السير وعناؤه وكلل السفر‬
‫وعثاؤه فبلغ سروري بذلك مبلغا ً يضاهي ما كنت بصدده‬
‫من الجزع لغيبته فحمدت الله تعالى على ما يسر له‬
‫من الرجوع إلى مغانيه والطلوع على بلدة جر فيها‬
‫ذيول أمانيه فسألته عظمت هيبته أن يجعل ما أنعم به‬
‫عليه من قرب الدار ودنو المزار موصول ً بطول العمر‬
‫والبقاء مقرونا ً بدوام العز والعلء أنه سميع الدعاء‪.‬‬
‫"كتب المرحوم الشيخ حمزة فتح الله المتوفي سنة‬
‫‪1335‬ه?"‬
‫أي جهابذة الكنانة نبال الجنابة مياه الجانة أبناء تلك‬
‫اللغى صناديد هذه الوغى إليكم يساق الحديث في‬
‫القديم والحديث عن هذا النبأ العظيم والمجد الصميم‬
‫مالي أرى في لغتنا الشريفة "ويعلم أولو النهي آية هي‬

‫‪125‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من اللغات أحق بهذا النبر أن يصرف إليها عند‬
‫الطلق" هبوبا ً غب خمول وترة بعد تحول ونورا ً عقيب‬
‫أفول ونورا ً إثر ذبول وصبا وراء قبول وعدل ً ول حيف‬
‫وقوة ول ضعف وما يشاء المطري في هذا القبيل من‬
‫العطف‪.‬‬
‫آمنت بالقدر المقدور والبعث والنشور كذلك يحيي الله‬
‫الموتى‪.‬‬
‫أليس رجل واحد أسفرت عنه عناية التوفيق فألقت إليه‬
‫المقاليد بلى ولكنه الواحد الذي يقول في مثله صاحب‬
‫بني ميكال‪:‬‬
‫م كواحدٍ‬‫ف منه ُ‬
‫والناس أل ٌ‬

‫وواحد ٌ كاللف إن أمٌر عنا‬


‫) ‪(1/88‬‬

‫إي ورب تلك البنية باريء نسم البرية إنه لرجل البلد‬
‫رجل الحزم والسداد ألم تر جنابه وحنانه وبنانه وبيانه‬
‫عوامل رفع لهذه اللغة لغة الفرقان لغة الوطان ل بل‬
‫أمضى من العوامل حتى ظلت آدابها فرائض وقد كانت‬
‫وما بالعهد من قدم نوافل ومن حليها أجياد اللهجات‬
‫عواطل اللهم إل بقية ثمد قد منيت صحفها الود‬
‫ففقدت الجلد والجلد وبعد أن راج سوق الرطانة‬
‫ونضب ماء البانة وخبت أنوار البلغة وزوت أنوار‬
‫النباعة وكسد البيان وقوض منه البنيان وأصبحت‬
‫العربية لقى ملقاه وبضاعة مزجاه فأي هذا اليراع ل‬

‫‪126‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أقل من نفثات في صوغ كليمات تقدر هذه النعمة‬
‫قدرها ويمنحها شكرها‪.‬‬
‫ويحك هب من سنتك في حلية مقتك وانض حسامك‬
‫واشحذ كهامك وانشل كنانتك وأعمل بنانتك وصغ إن‬
‫استطعت تهانئ غرا بل عقودا ً درا بل أنجما ً زهرا ً‬
‫مشتارا ً منن خليا ذلك الري الشهي الندي الذكي ما‬
‫جرست نحلة الشيح والخزامى وأطايب الثمار وأزاهي‬
‫الزهار تهديهن أولئك المصاقع شكرانا ً لتلك النعم‬
‫تجميعا ًُ لشواردها وتقييدا ً لوابدها كما شبهها رسول الله‬
‫) وهو الصادق المصدوق وإشفاقا ً عليها من الجماح بعد‬
‫ذلك الرتياح‪.‬‬
‫فإليكم بني هذه اللغة كتابي هذا تهنئة بتلك النهضة‬
‫العربية في إبان كما تعلمون وجهه مكفهر وبدنه‬
‫مقشعر وثناء على العناية التوفيقية والعزمة الرباضية‪.‬‬

‫على أن لهذا المولى الوزير سوى ذلك أيادي مبرورة‬


‫ومساعي مشكورة أكسبت الوطن وأهلية نهضات‬
‫وأقالته كثيرا ً من العثرات لكنني آثرت تلكم النهضة‬
‫العربية بتهنئتكم بها‪ ،‬أي بني جلدتي وإخوان حرفتي‬
‫لكونها فيما إخال ل بل فيما أتيقن ويتيقن أولو الحجا‬
‫أعظم النهضات وأيمن ما اجتازه الوطن من العقبات‬
‫ولو كان في نطاق المكان زيادة البيان في هذا الشأن‬
‫لسهبت وأوسعت وأطريت وأظنبت ولو لم يكن في‬
‫تلك النهضة إل أن حياة المة حياة لغتها فحسب لكفاك‬
‫وشفاك وأغناك وكان ذلك قصاراك وحماداك‪.‬‬
‫"وكتب الستاذ محمود بك أو النصر"‬

‫‪127‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/89‬‬

‫إنسان عين الفضائل عزيزي فلن المحترم‪.‬‬


‫نور على نور وشفاء لما في الصدور شفاؤك أيها العزيز‬
‫من ذلك الرمد‪ :‬قد أنجز القبال ما وعد وابتهجت‬
‫النفوس الطروس واهتزت القلم وأعلنت بالسلم‪.‬‬
‫ولح فجُر الّتهاني بالبشائر إذ‬

‫ت ربوع َ الفضل والدب‬ ‫ت فأحي ْ‬‫حي ّ ْ‬


‫وكيف ل وأنت واحد الكتاب وإنسان عين الداب رمدت‬
‫فرمدت وشفيت فاهتزت وربت وقد كان طرفها كلي ً‬
‫ل‬
‫وفؤادها عليل ً واليوم زال العناء وحق الهناء ووافى‬
‫الشفاء فكان بردا ً وسلما ً على القلوب وقميص يوسف‬
‫في أجفان يعقوب‪.‬‬
‫ة‬
‫حةٍ ميمون ٍ‬
‫فلك الهناء بص ّ‬

‫دهور وتدوم‬‫أبدا ً على مّر ال ّ‬


‫وإن الله ما قضى بما قد مضى إل ليعرف سيدي مكانته‬
‫من القلوب ومنزلته من الفضل وهذه حلل العافية قد‬
‫خلعت عليك وثياب السلمة سيقت إليك فوافى‬
‫السرور وعم الحبور والله يبلغك بالصحة والعمال‬
‫منتهى المال والسلم‪.‬‬

‫"وكتب الوزير عبد الله باشا فكري المتوفي سنة‬


‫‪1307‬ه? في تهنئة العيد"‬
‫هذا يوم نشر البشر فيه أعلمه وأضاءت الدنيا وازدانت‬

‫‪128‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الفاق ببهجة هذا العيد السعيد وأخذ الحبة يتهادون‬
‫رسائل البشائر فيما بينهم وكل حزب فرحون بما لديهم‬
‫بما أودع فيهم من روابط المحبة وعوامل التحاد‬
‫السارية في النفوس‪ :‬أما أنا فعيدي وبهجة نفسي‬
‫وسرور فؤادي دوام إقبال الزمان عليك بوجه النصر‬
‫وعود أعياد السرور على جبانك الرفيع فمثلك تشرق‬
‫الدنيا بطلعته وتفرح العياد برؤيته‪.‬‬
‫وأرى الحياة َ لذيذة ً بحياته‬

‫وأرى الوجود َ مشرفا ً بوجود ِ‬


‫ه‬

‫ت من دهري المنى‬
‫لو أنني خير ُ‬

‫ه‬ ‫ت طو َ‬
‫ل بقائه وخلود ِ‬ ‫لختر ُ‬

‫أعاد الله عليك أيها الخ أمثاله وأمثال أمثاله في صفاء‬


‫وهناء‪.‬‬
‫الفصل التاسع في رسائل التعازي‬
‫"كتب أبو منصور الثعالبي المتوفي سنة ‪429‬ه?"‬
‫) ‪(1/90‬‬

‫خبر عز علي مستمعه وأثر في قلبي موقعه خبر تستاء‬


‫له المساميع وترتج منه الضالع خبر يهد الرواسي‬
‫ويفلق الحجر القاسي كادت له القلوب تطير والعقول‬
‫تطيش والنفوس تطيح خبر يشيب ويذيب الحديد قد‬

‫‪129‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كاد من الحزن أن تنقبض اللسن عن هذا النعي الفادح‬
‫وتخرس وتقصر اليدي عن التعزية بهذا الرزء الفادح‬
‫وتيبس‪.‬‬
‫"وكتب أيضا ً في المر بالصبر على المصيبة"‬
‫ماذا نصنع والبلء نازل والموت حكم شامل وإن لم‬
‫نعتصم بحبل الصبر فقد اعترضنا على مالك المر عليك‬
‫بعزيمة الصبر وصريمة الجلد فإنها في الدين حتم وفي‬
‫الرأي حزم واعلم بأن الميت ل ترده نار تلهبها من الهم‬
‫على كبدك ول يرجعه انزعاج تسلطه بالحزن على‬
‫جسدك فخير لك من ذلك أن تفعل ما يفعله الذاكرون‬
‫ن( ]البقرة‪.[156 :‬‬ ‫وتقول‪) :‬إ ِّنا لل ّهِ وَإ ِّنآ إ ِل َي ْهِ َرا ِ‬
‫جعو َ‬
‫"وكتب أبو الفضل بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة‬
‫‪398‬ه?"‬
‫س‬
‫دهر جّر على أنا ٍ‬ ‫إذا ما ال ّ‬

‫ه أنا َ‬
‫خ بآخرينا‬ ‫مصائب ُ‬

‫فقل للشامتين بنا أفيقوا‬

‫سيلقى الشامتون كما لقينا‬

‫أحسن ما في الدهر عمومه بالنوائب وخصوصه‬


‫بالرغائب فهو يدعو الجفلى ذا ساء ويخص بالنعمة إذا‬
‫شاء فليفكر الشامت‪ :‬فإن كان أفلت فله أن يشمت‪:‬‬
‫ولينظر النسان في الدهر وصروفه والموت وصنوفه‬
‫من فاتحة أمره إلى خاتمة عمره هل يجد لنفسه أثرا ً‬

‫‪130‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫في نفسه أم لتدبيره عونا ً على تصويره أم لعمله‬
‫تقديما ً لمله أم لحيله تأخيرا ً لجله كل بل هو العبد لم‬
‫يكن شيئا ً مذكورا ً خلق مقهورا ً فهو يحيا جبرا ً ويهلك‬
‫صبرا ً وليتأمل المرء كيف كان قبل ً فإن كان العدم أصل ً‬
‫والوجود فضل ً فليعلم الموت عد ً‬
‫ل‪...‬‬

‫والموت أطال الله بقاء مولي خطب فقد عظم حتى‬


‫هان وأمر قد خشن حتى لن ولعل هذا السهم قد صار‬
‫آخر ما في كنانتها وأزكى ما في خزانتها ونحن معاشر‬
‫التبغ نتعلم الدب من أقواله والجميل من أفعاله فل‬
‫نحثه على الجميل وهو الصبر ول نرغبه في الجزيل وهو‬
‫الجر فبهما رأيه‪.‬‬
‫"وكتب أيضًا"‬
‫) ‪(1/91‬‬

‫يا سيدي‪ :‬المصاب لعمر الله كبير وأنت بالجزع جدير‬


‫ولكنك بالصبر أجدر والعزاء عن العزة رشد كأنه ألغي‬
‫وقد مات الميت فليحي الحي‪.‬‬
‫"وكتب فقيد اللغة الشيخ ابراهيم اليازجي المتوفي سنة‬
‫‪1906‬م"‬
‫أشباح تروح وتجي وآجال تمسي وتغتدي وأنفاس‬
‫تتقطع من دونها حزنا ً وأسفا ً وعبرات تتفطر وجدا ً ولهفا ً‬
‫وما عمدت القدار إلى استنزاف مدمع ول أرادت اليام‬
‫إيلم موجع إنما هي سنة الخلق كون يليه زوال وعقد‬
‫يسبقه انحلل وأن لكل شيء أجل ً موقوتا ً وإن لكل أجل‬

‫‪131‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫سببا ً مقدورا ً وأن النسان لفي كل ذلك شاهد يسمع‬
‫لهيا ً ويبصر ساهيا ً وليس في يده أن يسترد ماضيا ً ول‬
‫أن يرد آتيا ً ولقد وددت أن أعزيك لول ما يغالبني على‬
‫العزاء من كبد حرى ومقلة شكرى وزفرة تترى ثم‬
‫وددت أن أستبكيك لول أنيب بكيت حتى لم أدع في‬
‫البكاء من واد وأحييت ليالي بالنوح حتى ما بالنجم سهاد‬
‫ثم لم يزدني البكاء على سقم جسدي ولم يزدني النوح‬
‫على صفر يدي إل من كبدي وإن القدار سهام إذا‬
‫انطلقت لم ترد وإن المتطلع إلى الفائت لطويل شقة‬
‫الكمد وإن الخطوب لهي هي إنما تتفاوت عند الجلد‪.‬‬
‫ة‬
‫وإن الحصى عند الجزوع ثقيل ٌ‬

‫صبور خفيف‬‫صفا عند ال ّ‬


‫وضخم ال ّ‬
‫والله المسؤول في إطالة بقائك قرة للعيون وجبرا ً‬
‫لخاطر المحزون بمنه وكرمه‪.‬‬
‫الفصل العاشر في رسائل الجوبة‬
‫"كتب الوزير عبد الله باشا فكري المتوفي سنة‬
‫‪1307‬ه?"‬
‫) ‪(1/92‬‬

‫سيدي سلمك الله وحياك وأسعدك برؤية محياك وزاد‬


‫عزك وعلياك وحرس دينك ودنياك وجمعني على بساط‬
‫المسرة وإياك ول حرمني دوام لقياك ول برح الدهر‬
‫مبتسم الثغر بمحاسن معاليك مباهيا ً أعصار الوائل‬
‫بأيامك ولياليك محليا ً أجياد المفاخر بزواهر لليك‪ :‬ورد‬

‫‪132‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫علي كتابك الكريم مورد إعزاز وتكريم فبل بعض ما‬
‫في الجوانح من الصدى وأنعشني ول انتعاش الزهر‬
‫بمباكرة الندى وجل علي من البلغة روضا ً غضا ً وأدار‬
‫لدي صفوا ً من سلف المحبة محضا ً وهزني هزة‬
‫النشوان شوقا ً وطربا ً واستفزني بمعجز آياته الحسان‬
‫عجبا ً وعجبا ً ونثر علي من محاسن لفظك الحر وكلماتك‬
‫الغر ما يخجل الدراري ويفضح الدر‪.‬‬
‫ة الحسن رونقا ً‬
‫ه بهج ُ‬
‫م كست ُ‬
‫كل ٌ‬

‫ل قدرا ً عن ال ّ‬
‫سحر‬ ‫هو السحر ل بل ج ّ‬
‫"وكتب أيضا ً وهو بالستانة العلية في يوم برد كثير‬
‫المطار"‬
‫) ‪(1/93‬‬

‫كتبت إليك والمطار ساجمة بطلها ووبلها وعساكر البرد‬


‫والبرد هاجمة بخيلها ورجلها والسماء متلفعة بأذيال‬
‫السحاب وكأن الشمس خافت من الطل فتوارت‬
‫الحجاب والجو مسكي الرداء عنبري الرجاء كأنه وعليه‬
‫ثوب الغيم مزرور قد وجل من صوله البرد فلبس فروة‬
‫السمور والغمام على الفق بكلكله وهز من البرق‬
‫بيض مناصله ونشر في الجو طرائق مطارفه وجاد على‬
‫الرض بتليده وطارفه وثقل على كاهل الهواء كالطير‬
‫بل جناحه بالماء وقرب حتى كاد يمسك باليدين ويعتصر‬
‫بالراحتين أو كأنه مرآة مذهبة تبدو وتخفى أو جذوة‬
‫متلهبة توقد وتطفئ والرعد يهدد بزواجر زماجره‬

‫‪133‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫السحائب فيبكيها والطير يتلو سطور الندى في طروس‬
‫الثرى فيمليها ويطرب بأفنان اللحان أفنان البان‬
‫فيعليها ويثنيها ويقرأ على رؤوس الغصان أوراده‬
‫الحسان فيقربها ويرقيها وقوس السماء يرمي بسهام‬
‫وبله جنوب الشقائق فيصميها ويدميها والريح أخلف‬
‫الغمائم فتمر بها وترضع بدرها بنات النبات في حجور‬
‫أراضيها فتربيها وتربيها وترصع بدرها تيجان القضبان‬
‫وتارة تجعله عقودا ً في تراقيها أو دموعا ً في أماكقيها‬
‫وكأن الحر خاف من بنادق البرد ومدافع الرعد ففر إلى‬
‫مصر ونواحيها وأصبح نزيل من فيها لكرم أهليها وكأن‬
‫غيرها بخلت عليه فلم تقبله عندها ضيفا ً أو غلط الناس‬
‫في حساب الفصول فظنوا شتاها صيفًا‪.‬‬
‫"وكتب المرحوم حفني بك ناصف إلى الشيخ علي‬
‫الليثي المتوفي سنة ‪1313‬ه?"‬
‫) ‪(1/94‬‬

‫وصل يا مولي إلى هذا الطرف ما خصصت به العبد‬


‫من الطرف "قفص" من عنب كاللؤلؤ في الصدف‬
‫تتألق عناقيده كأنها من صناعة "النجف" ولعمر الحق‬
‫أنها تحفة من أحلى التحف ل يعثر على مثلها إل بطريق‬
‫"الصدف" فقابلناه لثما ً بالفواه ورشفا ً بالشفاه‬
‫واحتفينا بقدومه كل الحتفاء ولم نفرط في حبه عند‬
‫اللقاء بل حللنا له الحبي وقلنا له أهل ً وسهل ً ومرحبا ً‬
‫وأوسعناه عضا ً ولثما ً وتناولناه تجميشا ً وضما ً وحفظنا‬
‫في صدورنا سره المكنون وطويناه في غضون البطون‬

‫‪134‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فطربت من تعاطيه الرواح ول غرو فهو أصل الراح‬
‫وانتشينا ولم نحمل وزرا ً وثملنا ولم نذق طعما ً مرا ً فهو‬
‫كبيان مهدية سحر ولكنه حلل ولعب إل أنه كمال فإن‬
‫أكسبت الشمول شاربها قوة في الجنان ونفحت ذائقها‬
‫طلقة في اللسان فقد سرت في أجسامنا من حرارته‬
‫شجاعة "ليثيه" ودبت في كلمنا من مذاقته فصاحة‬
‫"علوية" وخلصت إلينا منه فوائد ل يحيط بها العلم‬
‫ونجمت عنه منافع ليس يصحبها إثم‪ ،‬فإن زعم الولون‬
‫أن في الخمر معنى ليس في العنب فقد تغير الحال‬
‫في هذه الهدية وانقلب وانكشف للمتأخرين حقيقة‬
‫المر أن في العنب معنى ليس في الخمر‪.‬‬
‫وكان الحرى بهذا العنب أن يناط بالنحور أو تزين به‬
‫الصدور فما هو إل اللؤلؤ لكنه سلم من سجن البحار‬
‫وما هو إل الدر لكن ليس فيه صغار‪.‬‬
‫ط الد ّّر إل ّ كبارا ً وما‬
‫ت بحرا ً له يا علي=ل يلق ُ‬
‫ن كن َ‬
‫‪.‬وم ْ‬
‫ضره أن ضمه القفص حصة من الحصص فإن كريم‬
‫الطير يودع في القفاص والقلب ليس له من حنايا‬
‫الضلوع خلص فل بدع أن تستقل في حباته حبات‬
‫القلوب ويستملح في جنب حلوته رضاب المحبوب‬
‫وكأن الثريا لما أخذت شكله فغر الهلل فاه لعنقودها‬
‫يريد أكله فهو يطاردها في السماء ويأخذ عليها الطريق‬
‫من الوراء وهي تجري من المام مخافة اللتهام هذا‬
‫لمجرد تشابه في الشكل فكيف بالثريا لو أشبهته حلوة‬
‫وريا ً فلله تلك العناقيد ما اشد تألقها وأصفى ماءها‬
‫وأحسن رونقها من كل عنقود تخاله عمود الصبح‬
‫أحاطت به‬

‫‪135‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/95‬‬

‫الدراري أو غصن البان تعلقت به القماري‪.‬‬


‫فسقى الغيث أرضا ً أنبتته ولثل الدهر عروشا ً حملته‬
‫وأرضا ً عرفتنا بأثمارها حلوة الجنة وأبرزت لنا لمحة‬
‫من محاسنها المستكنة وأنسانا ً عنبها ذكرى دمشق‬
‫مث ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ك ِ‬ ‫وأزمير وأنبانا ً غارسها مصر خير مستقر )وَل َ ي ُن َب ّئ ُ َ‬
‫ر( ]فاطر‪ [14 :‬وعروسا ً كالعروس تتيه في الحلي‬ ‫خِبي ٍ‬
‫َ‬
‫والملبوس تحسدها المجرة في السماء وتود لو تكون‬
‫لها هذه البهجة والرواء لزال مولي يهدي ويهدي‬
‫وصنائعه تعيد في ثنائه وتبدي‬
‫"وأجابه المرحوم الشيخ علي الليثي المتوفي سنة‬
‫‪1313‬ه?"‬
‫وبعد فقد وصل كتاب القاضي الفاضل وأرج الرجاء‬
‫بلطيف فواضله وشريف الفضائل وما كنت أظن أن‬
‫يحصل من زبيبه خماره حتى رأيت الفاضل سبكه في‬
‫قوالب شتى وصاغه وأتى بما أدهش اللب من أساليب‬
‫البلغة فتارة عقدا ً على النحور وتارة في ميادين‬
‫الطلب تطارده البدور وآونة درا ً مكبرا ً ومرة خمرا ً‬
‫عنبرا ً وساعة دوالي "نجفة" وساعة غصنا ً تعلق به‬
‫الهزار وألفه‪.‬‬
‫ش‬ ‫ّ‬
‫ت الظباُء على خرا ِ‬ ‫تكاثر ِ‬

‫ش ما يصيد ُ‬
‫فما يدري خرا ٌ‬
‫عجبا ً لك أيها الفاضل‪ :‬هذا مع اشتغال بالك وإقبالك‬
‫على ما لديك من مراعاة عدلك واعتدالك فكيف لو‬

‫‪136‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تفرغت لهذا المر ولراحة النفس اعتصرت من العنقود‬
‫قدحا ً من خمر وامتطيت طرف اليراع منهجا ً مناهج‬
‫الطرس ودبجت بياض صفحاته بمحاسن حلى النفس‬
‫فلله أنت من بليغ بلغ ما يريد وقلد فرائد آدابه كل جيد‬
‫وأفاد السحر منثورا ً في فواصله وأقام بعوامل أقلمه‬
‫تثقيف عوامله وأوجب علينا الشهادة له بالسبق فأذعنا‬
‫مسلمين والحق أحق‪ :‬هذا ولول أن يقاتل فلن جفا وما‬
‫احتفل بكتاب أخيه ول احتفى وإن كان شيبي يلزمني‬
‫ذلك كما أن شباب )البيك( يسلك به أقوم المسالك‬
‫لترلت عيي وما أشرت ورأيت طي خيرا ً لي مما‬
‫نشرت وجعلت كتاب سيدي في عنقي تميمة ورؤحت‬
‫النفس تيمنا ً بمس آياته الكريمة وقلت كفاني ما أحاط‬
‫بالعنق من قلئده حيث العبد ل يبلغ في الفخامة كمال‬
‫سيده‪.‬‬
‫) ‪(1/96‬‬

‫ح لي ٌ‬
‫ل‬ ‫صب ُ‬
‫ت هذا ال ّ‬
‫وهبني قل ُ‬

‫ضياء‬
‫أيعمي العالمون عن ال ّ‬
‫لزالت برد الترسل بيننا مستمرة ومدد التوصل على‬
‫جناح التقرب مستقرة ول برح الجناب في كل بداية‬
‫يترقى كما يحب من غاية إلى غاية والسلم‪.‬‬
‫الفصل الحادي عشر في رسائل الوصايا والشفاعات‬
‫"من كلم له عليه الصلة والسلم لعمر بن الخطاب‬
‫في غزوة الفرس"‬

‫‪137‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إن هذا المر لم يكن نصره ول خذلنه بكثرة ول قلة‬
‫وهو دين الله الذي أظهره وجنده الذي أعده وأمده‬
‫حتى بلغ وطلع حيثما طلع ونحن على موعود من الله‬
‫والله منجز وعده وناصر جنده‪ :‬ومكان القيم بالمر‬
‫مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه فإذا انقطع‬
‫النظام تفرق الخرز وذهب ثم لم يجتمع بحذافيره أبدًا‪.‬‬
‫والعرب اليوم وإن كانوا قليل ً فهم كثيرون بالسلم‬
‫عزيزون بالجتماع فكن قطبا ً واستدر الرحى بالعرب‬
‫وأصلهم دونك نار الحرب فإنك إن شخصت من هذه‬
‫الرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها‬
‫حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك مما‬
‫بين يديك‪.‬‬
‫إن العاجم إن ينظروا إليك غدا ً يقولوا هذا اصل العرب‬
‫فإذا قطعتموه استرحتم فيكون ذلك أشد لكبلهم عليك‬
‫وطعمهم فيك فأما ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال‬
‫المسلمين فإن الله سبحانه هو أكره لمسيرهم منك‬
‫وهو أقدر على تغيير ما يكره‪ :‬وأما ما ذكرت من‬
‫عددهم فإنا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة وإنما كنا‬
‫نقاتل بالنصر والمعونة‪.‬‬
‫ومن وصية له عليه الصلة والسلم قالها بصفين‬
‫) ‪(1/97‬‬

‫أما بعد فقد جعل الله عليكم حقا ً بولية أمركم ولكم‬
‫علي من الحق مثل الذي لي عليكم فالحق أوسع‬
‫الشياء في التواصف وأضيقها في التناصف ل يجلي‬

‫‪138‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لحد إل جرى عليه ول يجري عليه الجرى له ولو كان‬
‫لحد أن يجر ي له ول يجري عليه لكان ذلك خالصا ً لله‬
‫سبحانه دون خلقه لقدرته على عباده ولعدله في كل ما‬
‫جرت عليه صروف قضائه ولكنه جعل حقه على العباد‬
‫أن يطيعوه وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضل ً‬
‫منه وتوسعا ً بما هو من المزيد أهله ثم جعل سبحانه‬
‫من حقوقه حقوقا ً اقترضها لبعض الناس على بعض‬
‫فجعلها تتكافأ في وجوهها ويجب بعضها بعضا ً ول‬
‫يستوجب بعضها إل ببعض وأعظم ما افترض سبحانه‬
‫من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية وحق الرعية‬
‫على الوالي فريضة فرضها سبحانه لكل على كل‬
‫فجعلها نظاما ً للفتهم وعزا ً لدينهم فليست تصلح‬
‫الرعية إل بصلح الولة ول تصلح الولة إل باستقامة‬
‫الرعية فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه وأدجى الوالي‬
‫إليها حقها عز الحق بينهم وقامت مناهج الدين واعتدلت‬
‫معالم العجل وجرت على أذللها السنن فصلح بذلك‬
‫الزمان وطمع في بقاء الدولة ويئست مطامع العداء‬
‫وإذا غلبت الرعية وإليها وأجحف الوالي برعيته اختلفت‬
‫هنالك الكلمة وظهرت معالم الجور وكثر الدغال في‬
‫الدين وتركت محاج السنن فعمل بالهوى وعطلت‬
‫الحكام وكثر علل النفوس فل يستوحش لعظيم حق‬
‫عطل ول لعظيم باطل فهل فهنالك تذل البرار وتعز‬
‫الشرار وتعظم تبعات الله عند العباد فعليكم بالتناصح‬
‫في ذلك وحسن التعاون عليه فليس أحد وإن اشتد‬
‫على رضاء الله حرصه وطال في العمل اجتهاده لبالغ‬
‫حقيقة ما الله أهله من الطاعة‪ :‬ولكن من واجب حقوق‬

‫‪139‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الله على العباد النصيحة بمبلغ جهدهم والتعاون على‬
‫إقامة الحق بينهم وليس امرؤ وإن عظمت في الحق‬
‫منزلته وتقدمت في الدين فضيلته يفوق أن يعان على‬
‫ما حمله الله من حقه ول امرؤ وإن صغرته النفوس‬
‫واقتحمته العيون بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه‪.‬‬
‫) ‪(1/98‬‬

‫فأجابه عليه السلم رجل من أصحابه بكلم طويل يكثر‬


‫فيه الثناء عليه ويذكر سمعه وطاعته فقال عليه السلم‬
‫إن من حق من عظم جلل الله في نفسه وجل موضعه‬
‫من قلبه أن يصغر عنده لعظم ذلك كل ما سواه وإن‬
‫أحق من كان كذلك لمن عظمت نعمة الله ولطف‬
‫إحسانه إليه فإنه لم تعظم نعمة الله على أحد إل ازداد‬
‫حق الله عليه عظما ً وإن من أسخف حالت الولة عند‬
‫صالح الناس أن يظن بهم حب الفخر ويوضع أمرهم‬
‫على الكبر وقد كرهت أن يكون جال في ظنكم أني‬
‫أحب الطراء واستماع الثناء ولست بحمد الله كذلك‬
‫ولو كنت أحب أن يقال ذلك لتركته انحطاطا ً لله‬
‫سبحانه عن تناول ما هو أحق به من العظمة والكبرياء‪:‬‬
‫وربما استحلى الناس الثناء بعد البلء فل تثنوا علي‬
‫بجميل ثناء لخراجي نفسي إلى الله وإليكم من التقية‬
‫في حقوق لم أفرغ من أدائها وفرائض لبد من إمضائها‬
‫فل تكلموني بما تكلم به الجبابرة ول تتحفظا مني بما‬
‫يتحفظ به عند أهل البادرة ول تخالطوني بالمصانعة ول‬
‫تظنوا بي استثقال ً في حق قيل لي ول التماس إعظام‬

‫‪140‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لنفسي فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن‬
‫يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه فل تكفوا عن‬
‫مقالة بحق أو مشورة بعدل فإني لست في نفسي‬
‫يفوق أن أخطئ ول آمن ذلك من فعلني إل أن يكفي‬
‫الله من نفسي ما هو أملك به مني فإنما أنا وأنتم عبيد‬
‫مملوكون لرب ل رب غيره يملك منا ما ل نملك من‬
‫أنفسنا وأخرجنا مما كنا فيه إلى ما صلحنا عليه فأبدلنا‬
‫بعد الضللة بالهدى وأعطانا البصيرة بعد العمى‪.‬‬
‫ومن وصية له عليه السلم وصى بها جيشا ً بعثه إلى‬
‫العدو‬
‫) ‪(1/99‬‬

‫فإذا نزلتم بعدو أو نزل بكم فليكن معسكركم في قبيل‬


‫الشراف وسفاح الجبال أو أثناء النهيار فيما يكون لكم‬
‫رداء ودونكم مردا ً ولتكن مقالتكم من وجه واحد أو‬
‫اثنين واجعلوا لكم رقباء في صياصي الجبال ومناكب‬
‫الهضاب لئل يأتيكم العدو من مكان مخافة أو أمن‪:‬‬
‫واعلموا أن مقدمة القوم عيونهم وعيون المقدمة‬
‫طلئعهم وإياكم والتفرق فإذا نزلتم فانزلوا جميعا ً وإذا‬
‫ارتحلتم فارتحلوا جميعا ً وإذا غشيكم الليل فاجعلوا‬
‫الرماح كفة ول تذوقوا النوم إل غرارا ً أو مضمضة‪.‬‬
‫?"ومن وصية له عليه السلم كان يكتبها لمن يستعمله‬
‫على الصدقات"‬
‫) ‪(1/100‬‬

‫‪141‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫انطلق على تقوى الله وحده ل شريك له ول تروعن‬
‫مسلما ً ول تجتازن عليه كارها ً ول تأخذن منه أكثر من‬
‫حق الله في ماله فإذا قدمت على الحي فانزل بمائهم‬
‫من غير أن تخالط أبياتهم ثم امض إليهم بالسكينة‬
‫والوقار حتى تقوم بينهم فتسلم عليهم ول تخدج بالتحية‬
‫لهم ثم تقول‪ :‬عباد الله أرسلني إليكم ولي الله وخليفته‬
‫لخذ منكم حق الله في أموالكم فهل الله في أموالكم‬
‫من حق فتأدوه إلى وليه فإن قال قائل ل فل تراجعه‪:‬‬
‫وإن أنعم لك منعم فانطلق معه من غير أن تخفيه‬
‫وتوعده أو تعسفه أو ترهقه فخذ ما أعطاك من ذهب أو‬
‫فضة فإن كان له ماشية أو إبل فل تدخلها إل بإذنه فإن‬
‫أكثرها له فإذا أتيتها فل تدخل عليها متسلط عليه ول‬
‫عنيف به ول نتفرن بهيمة ول تفرعنها ول تسؤن صاحبها‬
‫فيها واصدع المال صدعين ثم خيره فإذا اختار فل‬
‫تعرضن لما اختاره ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره‬
‫فإذا اختار فل تعرضن لما اختاره فل تزال بذلك حتى‬
‫يبقى ما فيه لحق الله في ماله فاقبض حق الله منه‬
‫فإن استقالك فأقله ثم اخلطهما ثم اصنع مثل الذي‬
‫صنعت أول ً حتى تأخذ حق الله في ماله ول تأخذن عودا ً‬
‫ول هرمة ول مكسورة ول مهلوسة ول ذات عوار ول‬
‫تأمنن عليها إل من تثق بدينه رافقا ً بمال المسلمين‬
‫حتى يوصله إلى وليهم فيقسمه بينهم ول توكل بها غل‬
‫ناصحا ً شفيقا ً وأمينا ً حفيظا ً غير معنف ول مجحف ول‬
‫مغلب ول متعب ثم احدر إلينا ما اجتمع عندك نصبره‬
‫حيث أمر الله فإذا أخذها أمينك فأوعز إليه أن ل يحول‬
‫بين ناقة وبين فصليها ول يمصر لبنها فيضر ذلك بولدها‬

‫‪142‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ول يجدنها ركوبا ً وليعدل بين صواحبتها في ذلك وبينها‪:‬‬
‫وليرفه على اللغب وليستأن بالنقب والظالع وليوردها‬
‫ما تمر به من الغدر ول يعدل بها عن نبت الرض إلى‬
‫جواد الطرق وليروحها في الساعات وليمهلها عند‬
‫النطاف والعشاب حتى تأتينا بإذن الله بدنا منقيات غير‬
‫متعبات ول مجهودات لنقسمها على كتاب الله وسنة‬
‫نبيه ) فإن ذلك أعظم‬
‫) ‪(1/101‬‬

‫لجرك وأقرب لرشدك إن شاء الله‪.‬‬

‫وقال عليه السلم وقد سمع رجل ً يذم الدنيا‪ :‬أيها الذام‬
‫للدنيا المغتر بغرورها المخدوع بأبلطيلها ثم تذمها أتغتر‬
‫بالدنيا ثم تذمها أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة‬
‫عليك متى استهوتك أم متى غرتك أبمصارع آبائك من‬
‫البلى أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى كم عللت بكفيك‬
‫وكم مرضت بيديك تبعي لهم الشفاء وتستوصف لهم‬
‫الطباء لم ينفع أحدهم إشفاقك ولم تسعف بطلبتك‬
‫ولم تدفع عنه بقوتك وقد مثلت لك به الدنيا نفسك‬
‫وبمصرعه مصرعك‪ :‬إن الدنيا دار صدق لمن صدقها‪،‬‬
‫ودار عافية لمن فيهم عنها‪ ،‬ودار غنى لمن تزود منها‪،‬‬
‫ودار موعظة لمن اتعظ بها مسجد أحباء الله ومتجر‬
‫أولياء اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا فيها الجنة فمن ذا‬
‫يذمها وقد آذنت بينها ونادت بفراقها ونعت نفسها‬
‫وأهلها فمثلت للهم ببلئها البلء وشوقتهم بسرورها إلى‬

‫‪143‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫السرور راحت بعافية وابتكرت بفجيعة ترغيبا ً وترهيبا ً‬
‫وتخويفا ً وتحذيرا ً فذمها رجال غداة الندامة وحمدها‬
‫آخرون يوم القيامة ذكرتهم الدنيا فتذكروا وحدثتهم‬
‫فصدقوا ووعظتهم فاتعظوا‪.‬‬
‫"عهد المام علي المتوفي سنة ‪ 401‬ه? لمالك بن‬
‫الحارث الشتر النخعي"‬
‫"حين وله مصر جباية خراجها وجهاد عدوها وإصلح‬
‫أهلها وعمارة بلدها"‬
‫) ‪(1/102‬‬

‫اعلم يا مالك أني قد وجهتك إلى بلد قد جرت عليها‬


‫دول قبلك من عدل وجور‪ ،‬وأن الناس ينظرون من‬
‫أمورك في مثلى ما كنت تنظر فيه من أمور الولة‬
‫قبلك‪ ،‬ويقولون فيك كما كنت تقول فيهم وإنما يستدل‬
‫على الصالحين بما يجري الله لهم على ألسنة عباده‬
‫فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح فاملك‬
‫هواك وشح بنفسك عما ل يحل لك فإن الشح بالنفس‬
‫النصاف منها فيما أحبت أو كرهت‪ :‬واشعر قلبك‬
‫الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ول تكونن‬
‫عليهم سبعا ً ضاريا ً تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخ لك‬
‫في الدين وإما نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل‬
‫وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ‬
‫فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى‬
‫أن يعطيك الله من عفوه وصفحه فإنك فوقهم ووالي‬
‫المر عليك فوقك والله فوق من ولك وقد استكفاك‬

‫‪144‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أمرهم وابتلك بهم ول تنصبن نفسك لحرب الله فإنه ل‬
‫يدى لك بنقمته ول غنى بك عن عفوه ورحمته ول‬
‫تندمن على عفو ول تبجحن بعقوبة ول تسرعن إلى‬
‫بادرة وجدت عنها مندوحة ول تقولن إني مؤثر آمر‬
‫فأطاع فإن ذلك إدغال في القلب ومنهكة للدين وتقرب‬
‫من الغير وإذا أحدث لك ما أنت فيه من سلطانك أبهة‬
‫أو مخيلة فانظر إلى عظم ملك الله فوقك وقدرته منك‬
‫على ما ل تقدر عليه من نفسك فإن ذلك يطامن إليك‬
‫من طماحك ويكف عنك من غربك ويفيء إليك بما‬
‫عزب عنك من عقلك وإياك ومساماة الله في عظمته‬
‫والتشبه به في جبروته فإن الله يذل كل جبار ويهين‬
‫كل محتال أنصف الله وأنصف الناس من نفسك ومن‬
‫خاصة اهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك فإنك إن لم‬
‫تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون‬
‫عباده ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان الله حربا ً‬
‫حتى ينزع ويتوب وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة‬
‫الله وتعجيل نقمته من إقامة على ظلم فإن الله سميع‬
‫دعوة المظلومين وهو للظالمين بالمرصاد‪ .‬وليكن أحب‬
‫المور إليك أوسطها في الحق وأعمها في العدل‬
‫وأجمعها لرضاء الرعية فإن سخط‬
‫) ‪(1/103‬‬

‫العامة يجحف برضاء الخاصة وإن سخط الخاصة يغتفر‬


‫مع رضاء العامة وليس أحد من الرعية أثقل على‬
‫الوالي مؤونة في الرخاء وأقل معونة في البلء وأكره‬

‫‪145‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫للنصاف وأسأل باللحاف وأقل شكرا ً عند العطاء‬
‫وأبطأ عذرا ً عند المنع وأخف صبرا ً عند ملمات الدهر‬
‫من أهل الخاصة‪ :‬وإنما عماد الدين وجماع المسلمين‬
‫والعدة للعداء العامة من المة فليكن صفوك لهم‬
‫وميلك معهم‪ :‬وليكن ابعد رعيتك منك وأشنأهم عندك‬
‫أطلبهم لمعايب الناس فإن في الناس عيوبا ً الوالي‬
‫أحق من سترها فل تكشفن عما غاب عنك منها فإنما‬
‫عليك تطهير ما ظهر لك والله يحكم على ما غاب عنك‬
‫فاستر العورة ما استطعت يستر الله منك ما تحب‬
‫سترة من رعيتك‪ :‬أطلق عن الناس عقدة كل حقد‬
‫واقطع عنك سبب كل وتر وتغاب عن كل ما ليصح لك‬
‫ول تعجلن إلى تصديق ساع فإن الساعي غاش وإن‬
‫تشبه بالناصحين‪ :‬ول تدخلن في مشورتك بخيل ً يعدل‬
‫بك عن الفضل ويعدك من الفقر ول جبانا ً يضعفك عن‬
‫المور ول حريصا ً يزين لك الشره بالجور فإن البخل‬
‫والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله‪:‬‬
‫إن شر وزارائك من كان قبلك للشرار وزيرا ً ومن‬
‫شركهم في الثام فل يكونن لك بطانة فإنهم أعوان‬
‫الثمة وإخوان الظلمة وأنت واحد منهم خير الخلف‬
‫ممن له مثل آرائهم ونفاذهم وليس عليه مثل آصارهم‬
‫وأوزارهم ممن ل يعاون ظالما ً على ظلمه ول آثما ً على‬
‫إثمه أولئك أخف عليك مؤونة وأحسن لك معونة وأحنى‬
‫عليك عطفا ً وأقل لغيرك إلفا ً فاتخذ أولئك خاصة‬
‫لخلواتك وحفلتك‪ :‬ثم ليكن عندك أقولهم لك بمر الحق‬
‫وأقلهم مساعدة فيما يكون منك مما كره الله لوليائه‬
‫واقعا ً ذلك من هواك حيث وقع‪ :‬وألصق بأهل الورع‬

‫‪146‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والصدق ثم رضهم على أن ل يطروك ول يبجحوك‬
‫بباطل لم تفعله فإن كثرة الطراء تحدث الزهو وتدني‬
‫من العزة‪ :‬ول يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة‬
‫سواء فإن في ذلك تزهيدا ً لهل الحسان وتدريبا ً لهل‬
‫الساءة على الساءة وألزم كل ً منهم ما ألزم نفسه‪:‬‬
‫واعلم أنه‬
‫) ‪(1/104‬‬

‫ليس شيء بأدعى إلى حسن ظن وال برعيته من‬


‫إحسانه إليهم وتخفيفه للمؤونات عليهم وترك‬
‫استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم فليكن منك في‬
‫ذلك أمر يجمع لك حسن الظن برعيتك فإن حسن‬
‫ل‪ :‬وإن أحق من حسن ظنك‬ ‫الظن يقطع عنك نصبا ً طوي ً‬
‫به لمن حسن بلؤك عنده وإن أحق من ساء ظنك به‬
‫لمن ساء بلؤك عنده ول تنقض سنة صالحة عمل بها‬
‫صدور هذه المة واجتمعت بها اللفة وصلحت عليها‬
‫الرعية ول تحدثن سنة تضر بشيء مما مضي من تلك‬
‫السنن فيكون الجر لمن سنها والوزر عليك بما نقضت‬
‫منها‪ :‬وأكثر مدارسة العلماء ومناقشة الحكماء في‬
‫تثبيت ما صلح عليه أمر بلدك وإقامة ما استقام به‬
‫الناس قبلك‪ :‬واعلم أن الرعية طبقات ل يصلح بعضها‬
‫إل ببعض ول غنى ببعضها عن بعض فمنها جنود الله‬
‫ومنها كتاب العامة والخاصة ومنها قضاة العدل ومنها‬
‫عمال النصاف والرفق ومنها أهل الجزية والخراج من‬
‫أهل الذمة ومسلمة الناس ومنها التجار وأهل الصناعات‬

‫‪147‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة وكل‬
‫قد سمى الله سهمه ووضع على حده فريضة في كتابه‬
‫أو سنة نبيه ) عهدا ً منه عندنا محفوظا ً فالجنود بإذن‬
‫الله حصون الرعية وزين الولة وعز الدين وسبل المن‬
‫وليس تقوم الرعية إل بهم ثم ل قوام للجنود إل بما‬
‫يخرج الله تعالى لهم من الخراج الذي يقوون به في‬
‫جهاد عدوهم ويعتمدون عليه فيما يصلحهم ويكون من‬
‫وراء حاجتهم ثم ل قوام لهذين الصنفين إل بالصنف‬
‫الثالث من القضاة والعمال والكتاب لما يحكمون من‬
‫المقاعد ويجمعون من المنافع ويؤتمنون عليه من‬
‫خواص المور وعوامها ول قوام لهم جميعا ً إل بالتجار‬
‫وذوي الصناعات فيما يجتمعون عليه من مرافقهم‬
‫ويقيمونه من أسواقهم ويكفونهم من الترفق بأيديهم ما‬
‫ل يبلغ رفق غيرهم‪ :‬ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة‬
‫والمسكنة الذين يحق رفدهم ومعونتهم وفي الله لكل‬
‫سعة‪ :‬ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه وليس‬
‫يخرج الوالي من حقيقة ما ألزمه الله من ذلك إل‬
‫بالهتمام‬
‫) ‪(1/105‬‬

‫والستعانة بالله وتوطين نفسه على لزومه الحق‬


‫والصبر عليه فيما خف عليه أو ثقل فول من جنودك‬
‫أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولمامك وأطهرهم‬
‫جيبا ً وأفضلهم حلما ً ممن يبطئ عن الغضب ويستريح‬
‫إلى العذر ويرأف بالضعفاء وينبو على كالقوياء ممن ل‬

‫‪148‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫يثيره العنف ول يقعد به الضعف ثم الصق بذوي‬
‫المروءات والحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق‬
‫الحسنة ثم أهل النجدة والشجاعة والسخاء والسماحة‬
‫فإنهم جماع من الكلم وشعب من العرف‪ :‬ثم تفقد من‬
‫أمورهم ما يتفقده الوالدان من والدهما ول يتفاقمن‬
‫من نفسك شيء قويتهم به ول تحفرن لطفا ً تتعاهدهم‬
‫به وإن قل فإنه داعية إلى بذل النصيحة لك وحسن‬
‫الظن بك ول تدع تفقد لطيف أمورهم اتكال ً على‬
‫جسيمها فإن لليسير من لطفك موضعا ً به وللجسيم‬
‫موقعا ً ل يستغنون عنه‪ :‬وليكن آثر رؤوس جندك عندك‬
‫من واساهم في معونته وأفضل عليهم من جدته بما‬
‫يسعهم ويسع من ورائهم من خلوق أهلهم حتى يكون‬
‫همهم هما ً واحدا ً في جهاد العدو فإن عطفك عليهم‬
‫يعطف قلوبهم عليك‪ :‬وإن أفضل قرة عين الولة‬
‫استقامة العدل في البلد وظهور مودة الرعية وأنه ل‬
‫تظهر مودتهم إل بسلمة صدورهم ول تصح نصيحتههم‬
‫إل بحيطتهم على ولة أمورهم وقلة استثقال دولهم‬
‫وترك استبطاء انقطاع مدتهم‪ ،‬فافسح في آمالهم‬
‫وواصل في حسن الثناء عليهم وتعديل ما أبلى ذوو‬
‫البلء منهم فإن كثرة الذكر لحسن فعالهم تهز الشجاع‬
‫وتحرض الناكل إن شاء الله تعالى‪ :‬ثم أعرف لكل‬
‫امرئ منهم ما أبلى ول تضيفن بل ء امرئ إلى غيره ول‬
‫تقصرن به دون غاية بلئه ول يدعونك شرف امرئ إلى‬
‫أن تعظم من بلئه ما كان صغيرا ً ول ضعة امرئ أن‬
‫تستصغر من بلئه ما كان عظيمًا‪ :‬واردد إلى الله‬
‫ورسوله ما يضلعك من الخطوب ويشتبه عليك من‬

‫‪149‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫المور فقد قال الله سبحانه لقوم أحب إرشادهم )َيا‬
‫ل وَأ ُوِْلي‬ ‫طيُعوا ْ الّر ُ‬
‫سو َ‬ ‫َ‬
‫طيُعوا ْ الل ّ َ‬
‫ه وَأ ِ‬
‫َ‬
‫مُنوا ْ أ ِ‬‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬‫أَ‬
‫م ِفي‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م فَِإن ت ََناَزع ْت ُ ْ‬ ‫مرِ ِ‬ ‫ال ْ‬
‫) ‪(1/106‬‬

‫ل( ]النساء‪ [59 :‬فالرد‬


‫سو ِ‬‫يٍء فَُرّدوه ُ إ َِلى الل ّهِ َوالّر ُ‬ ‫َ‬
‫ش ْ‬
‫إلى الله الخذ بمحكم كتابه والرد إلى الرسول الخذ‬
‫بسنته الجامعة غير المفرقة‪ :‬ثم اختر للحكم بين الناس‬
‫أفضل رعيتك في نفسك ممن ل تضيق به المور ول‬
‫تمحكه الخصوم ول يتمادى في الزلة ول يحصر عن‬
‫الفيء إلى الحق إذا عرفه ول تشرف نفسه على طمع‬
‫ول يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه أوقفهم في الشبهات‬
‫وآخذهم بالحجج وأقلهم تبرما ً بمراجعة الخصم‬
‫وأصبرهم على تكشف المور وصرمهم عند اتضاح‬
‫الحكم ممن ل يزدهيه إطراء ول يستمليه إغراء وأولئك‬
‫قليل‪ :‬ثم أكثر تعاهد قضائه وأفسح له في البذل ما‬
‫يزيح غلته وتقل معه حاجته إلى الناس وأعطه من‬
‫المنزلة لديك مال ً يطمع فيه‬
‫) ‪(1/107‬‬

‫غيره من خاصتك لتأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك‬


‫فانظر في ذلك نظرا ً بليغا ً فإن هذا الدين قد كان أسيرا ً‬
‫في أيدي الشرار يعمل فيها بالهوى وتطلب به الدنيا ثم‬
‫انظر في أمور عمالك فاستعملهم اختبارا ً ول تولهم‬
‫محاباة وأثره فإنهم جماع من شعب الجور والخيانة‬
‫‪150‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات‬
‫الصالحة والقدم في السلم فإنهم أكرم أخلقا ً واصح‬
‫أعراضا ً وأقل في المطامع إشرافا ً وأبلغ في عواقب‬
‫المور نظرًا‪ :‬ثم أسبغ عليهم الرزاق فإن ذلك قوة لهم‬
‫على استصلح أنفسهم وغنى لهم عن تناول ما تحت‬
‫أيديهم وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو خانوا أمانتك‪:‬‬
‫ثم تفقد أعمالهم وابعث العيون من أهل الصدق والوفاء‬
‫عليهم فإن تعاهدك في السر لمورهم حدوة لهم على‬
‫استعمال المانة والرفق بالرعية وتحفظ من العوان‬
‫فإن أحد منهم بسط يده إلى خيانة اجتمعت بها عليه‬
‫عندك أخبار عيونك اكتفيت بذلك شاهدا ً فبسطت عليه‬
‫العقوبة في بدنه وأخذته بما أصاب من عمله ثم نصبته‬
‫بمقام المذلة ووسمته بالخيانة وقلدته عار التهمة وتفقد‬
‫أمر الخراج بما يصلح أهله فإن في صلحه وصلحهم‬
‫صلحا ً لمن سواهم ول صلح لمن سواهم إل بهم لن‬
‫الناس كلهم عيال على الخراج وأهله‪ :‬وليكن نظرك‬
‫عمارة الرض أبلغ من نظرك في استجلب الخراج لن‬
‫ذلك ل يدرك إل بالعمارة ومن طلب الخراج بغير عمارة‬
‫أخرب البلد وأهلك العباد ولم يستقم أمره إل قليل ً فإن‬
‫شكوا ثقل ً أو علة أو انقطاع شرب أو بالة أو إحاطة‬
‫أرض اعتمرها غرق أو أجحف بها عطش خففت عنهم‬
‫بما ترجو أن يصلح به أمرهم‪ :‬ول يثقلن عليك شيء‬
‫خففت به المؤونة عنهم فإنه ذخر يعودون به عليك في‬
‫عمارة بلدك وتزيين وليتك مع استجلبك حسن ثنائهم‬
‫وتبجحك بى استفاضة العدل فيهم معتمدا ً فضل قوتهم‬
‫بما ذخرت عندهم من إجمامك لهم والثقة منهم بما‬

‫‪151‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عودتهم من عدلك عليهم في رفقك بهم فربما حدث‬
‫من المور ما إذا عول فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة‬
‫أنفسهم به‬
‫) ‪(1/108‬‬

‫فإن العمران يحتمل ما حملته وإنما يأتي خراب الرض‬


‫من أعواز أهلها وإنما يعوز أهلها لشراف أو نفس الولة‬
‫على الجمع وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر ثم‬
‫انظر في حال كتابك فول على أمورك خيرهم وأخصص‬
‫رسائلك التي تدخل فيها مكائدك وأسرارك بأجمعهم‬
‫لوجوه صالح الخلق ممن ل تبطره الكرامة فيجترئ بها‬
‫عليك في خلف لك بحضرة مل ول تقصر به الغفلة عن‬
‫إيراد مكاتبات عمالك عليك وإصدار جواباتها على‬
‫الصواب عنك فيما يأخذ لك ويعطى منك ول يضعف‬
‫عقدا ً اعتقده لك ول يعجز عن إطلق ما عقد عليك ول‬
‫يجهل مبلغ قدر نفسه في المور فإن الجاهل بقدر‬
‫نفسه يكون بقدر غيره أجهل‪ :‬ثم ل يكن اختيارك إياهم‬
‫على فراستك واستنامتك وحسن الظن منك فإن‬
‫الرجال يتعرفون لفراسات الولة بتصنعهم وحسن‬
‫خدمتهم وليس وراء ذلك من النصيحة والمانة شيء‬
‫ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك فاعمد لحسنهم‬
‫في العامة أثرا ً وأعرفهم بالمانة وجها ً فإن ذلك دليل‬
‫على نصيحتك لله ولمن وليت أمره واجعل لرأس كل‬
‫من أمورك رأسا ً منهم ل يقهره كبيرها ول يتستت عليه‬
‫صغيرها ومهما كان في كتابك من عيب فتغابيت عنه‬

‫‪152‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ألزمته ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات وأوص بهم‬
‫خيرا ً المقيم منهم والمضطرب بماله والمترفق ببدنه‬
‫فإنهم مواد المنافع وأسباب المرافق وجربها من‬
‫المباعد والمطارح في برك وبحرك وسهلك وجبلك‬
‫وحيث ل يلتئم الناس لمواضعها ول يجترئون عليها‬
‫فإنهم سلم ل تخاف بائقته وصلح ل تخشى غائلته‪:‬‬
‫وتفقد أمورهم بحضرتك وفي حواشي بلدك واعلم مع‬
‫ذلك أن في كثير منهم ضيقا ً فاحشا ً وشحا ً قبيحا ً‬
‫واحتكارا ً للمنافع وتحكما ً في البياعات وذلك باب مضرة‬
‫للعامة وعيب على الولة فامنع من الحتكار فإن رسول‬
‫الله ) منع منه وليكن البيع سمحا ً بموازين عدل واسعار‬
‫ل تجحف بالفريقين من البائع والمبتاع فمن قارف‬
‫حكرة بعد نهيك إياه فنكل به وعاقب في غير إسراف‪:‬‬
‫ثم الله في الطبقة السفلى من الذين ل حيلة‬
‫) ‪(1/109‬‬

‫لهم والمساكين والمحتاجين وأهل البؤسى والزمنى‬


‫فإن في هذه الطبقة قانعا ً ومعترا ً واحفظ الله ما‬
‫استحفظك من حقه فيهم واجعل لهم قسما ً من بيت‬
‫مالك وقسما ً من غلت صوافي السلم في كل بلد فإن‬
‫للقصى منهم مثل الذي للدنى وكل قد استرعيت حقه‬
‫فل يشغلنك عنهم بطر فإنك ل تعذر بتضييعك التافه‬
‫لحكامك الكثير المهم فل تشخص همك عنهم خدك لهم‬
‫وتفقد أمور من ل يصل إليك منهم ممن تقتحمه العيون‬
‫وتحتقره الرجال ففرغ لولئك ثقتك من أهل الخشية‬

‫‪153‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والتواضع فليرفع إليك أمورهم ثم أعمل فيهم بالعذار‬
‫إلى الله سبحانه يوم تلقاه فإن هؤلء من بين الرعية‬
‫أحوج إلى النصاف من غيرهم وكل فاعذر إلى الله في‬
‫تأدية حقه إليه وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن‬
‫ممن ل حيلة له ول ينصب للمسألة نفسه وذلك على‬
‫الولة ثقيل والحق كله ثقيل وقد يخففه الله على أقوام‬
‫طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم ووثقوا بصدق موعود‬
‫الله لهم‪ :‬واجعل لذوي الحاجات منك قسما ً تفرغ لهم‬
‫فيه شخصك وتجلس لهم مجلسا ً عاما ً فتتواضع فيه لله‬
‫الذي خلقك وتقعد عنهم جندك وأعوانك من أحراسك‬
‫وشرطك حتى يكلمك متكلمهم غير متتعتع فإني‬
‫سمعت رسول الله ) يقول في غير موطن‪" :‬لقد‬
‫تقدس أمة ل يؤخذ للضعيف فيها حقه من القوي غير‬
‫متتعتع" ثم احتمل الخرق منهم والعي وسنح عنهم‬
‫الضيق والنف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته‬
‫وبوجب لك ثواب طاعته وأعط هنيئا ً وامنع في إجمال‬
‫وإعذار‪ :‬ثم أمور من أمورك ل بد لك من مباشرتها منها‬
‫إجابة عمالك بما يعيا عنه كتابك ومنها إصدار حاجات‬
‫الناس يوم ورودها عليك مما تحرج به صدور أعوانك‬
‫وامض لكل يوم عمله فإن لكل يوم ما فيه‪ :‬واجعل‬
‫لنفسك فيما بينك وبين الله تعالى أفضل تلك المواقيت‬
‫وأجزل تلك القسام وإن كانت كلها لله إذا صلحت فيها‬
‫النية وسلمت منها الرعية‪ :‬وليكن في خاصة ما تخلص‬
‫لله به دينك إقامة فرائضه التي هي له خاصة فاعط‬
‫فاعط الله من بدنك في ليلك ونهارك ووف ما تقربت‬
‫به إلى‬

‫‪154‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/110‬‬

‫الله سبحانه من ذلك كامل ً غير مثلوم ول منقوص بالغا ً‬


‫من بدنك ما بلغ وإذا قمت في صلتك للناس فل تكونن‬
‫منفرا ً ول مضيعا ً فإن فيل الناس من به العلة ول الحاجة‬
‫وقد سألت رسول الله ) حين وجهني اليمن كيف اصلي‬
‫بهم فقال‪" :‬صل بهم كصلة أضعفهم وكن بالمؤمنين‬
‫رحيمًا" وأنا بعد فل تطولن احتجابك عن رعيتك فإن‬
‫احتجاب الولة عن الرعية شعبة من الضيق وقلة علم‬
‫بالمور والحتجاب منهم يقطع عنهم علم ما احتجبوا‬
‫دونه فيصغر عندهم الكبير ويعظم الصغير ويقبح‬
‫الحسن ويحسن القبيح ويشاب الحق بالباطل وإنما‬
‫الوالي بشر ل يعرف ما توارى عنه الناس به من المور‬
‫وليست على الحق سمات نعرف بها ضروب الصدق‬
‫من الكذب وإنما أنت أحد رجلين إما امرؤ سخت نفسك‬
‫بالبذل في الحق ففيم احتجابك من واجب حق تعطيه‬
‫أو فعل كريم تسجيه أو مبتلى بالمنع‪ :‬فما أسرع كف‬
‫الناس عن مسألتك إذا أيسوا من بذلك مع أن أكثر‬
‫حاجات الناس إليك مما ل مؤونة فيه عليك من شكاة‬
‫مظلمة أو طلب إنصاف في معاملة‪ ،‬ثم إن للوالي‬
‫خاصة وبطانة فيهم استئثار وتطاول وقلة إنصاف في‬
‫معاملة فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الحوال‬
‫ول تقطعن لحد من حاشيتك وخاصتك قطيعة ول‬
‫يطعمن منك في اعتقاد عقدة تضر بمن يليها من الناس‬
‫في شرب أو عمل مشترك يحملون مؤونته على غيرهم‬
‫فيكون مهنأ ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا‬

‫‪155‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والخرة‪ :‬وألزم الحق من لزمه من القريب والبعيد وكن‬
‫في ذلك صابرا ً محتسبا ً واقعا ً ذلك من قرابتك وخاصتك‬
‫حيث وقع وابتغ عاقبته بما يثقل عليك منه فإن مغبة‬
‫ذلك محمودة وإن ظنت الرعية بك حيفا ً فأصحر لهم‬
‫بعذرك وأعدل عنك ظنونهم بأصحارك فإن في ذلك‬
‫رياضة منك لنفسك ورفقا ً برعيتك وإعذارا ً تبلغ به‬
‫حاجتك من تقويم على الحق ول تدفعن صلحا ً دعاك‬
‫ولله فيه رضا فإن في الصلح دعة لجنودك وراحة من‬
‫همومك وأمنا ً لبلدك ولكن الحذر كل الحذر من عدوك‬
‫بعد صلحه فإن العدو ربما قارب ليغتفل فخذ بالحزم‬
‫واتهم في ذلك‬
‫) ‪(1/111‬‬

‫حسن الظن وإن عقدت بينك وبين عدوك عقدة أو‬


‫ألبسته منك ذمة فحط عهدك بالوفاء وارع ذمتك‬
‫بالمانة واجعل نفسك جنة دون ما أعطيت فإنه ليس‬
‫من فرائض الله شيء الناس أشد عليه اجتماعا ً مع‬
‫تفرق أهوائهم وتشتت آرائهم من تعظيم الوفاء بالعهود‬
‫وقد لزم ذلك المشركون فيما بينهم دون المسلمين لما‬
‫استوبلوا من عواقب الغدر فل تغدرون بذمتك ول‬
‫تخيسن بعهدك ول تختلن عدوك فإنه ل يجترئ على الله‬
‫إل جاهل شقي وقد جعل الله عهده وذمته أمنا ً أفضاه‬
‫بين العباد برحمته وحريما ً يسكنون إلى منعته‬
‫ويستفيضون إلى جواره فل إدغال ول مدالسة ول خداع‬
‫فيه ول تعقد عقدا ً تجوز فيه العلل ول تعولن على لحن‬

‫‪156‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قول بعد التأكيد والتوثقة ول يدعونك ضيق أمر لزمك‬
‫فيه كعهد الله إلى طلب انفساخه بغير الحق فإن‬
‫صبرك على ضيق أمر ترجو انفراجه وفضل عاقبته خير‬
‫من غدر تخاف تبعته وأن تحيط بك فيه من الله طلبة‬
‫فل تستقيل فيها دنياك ول آخرتك‪ ،‬إياك والدماء وسفكها‬
‫بغير حلها فإنه ليس شيء أدعى لنقمة ول أعظم لتبعة‬
‫زول أحرى بزوال نعمة وانقطاع مدة من سفك الدماء‬
‫بغير حقها والله سبحانه يتولى الحكم بين العباد فيما‬
‫تسافكوا من الدماء يوم القيامة فل تقوين سلطانك‬
‫بسفك دم حرام فإن ذلك مما يضعفه ويوهنه بل يزيله‬
‫وينقله ول عذر لك عند الله ول عندي في قتل العمد‬
‫لن كفيه قود البلدان وإن ابتليت بخطأ وأفرط عليك‬
‫سوطك أو سيفك أو يدك بعقوبة فإن في الوكزة فما‬
‫فوقها مقتلة فل تطمحن بك نخوة سلطانك عن أن‬
‫تؤدي إلى أولياء المقتول حقهم وإياك والعجاب بنفسك‬
‫والثقة بما يعجبك منها وحب الطراء فإن ذلك من أوثق‬
‫فرص الشيطان في نفسه ليمحق ما يكون من إحسان‬
‫المحسنين‪ .‬وإياك والمن على رعيتك بإحسانك أو التزيد‬
‫فيما كان من فعلك أو أن تعدهم فتتبع موعدك بخلفك‬
‫فإن المن يبطل الحسان والتزيد يذهب بنور الحق‬
‫والخلق يوجب المقت عند الله والناس قال سبحانه‬
‫عند َ الل ّهِ َأن‬
‫مْقتا ً ِ‬
‫وتعالى‪) :‬ك َب َُر َ‬
‫) ‪(1/112‬‬

‫‪157‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ن( ]الصف‪ [3 :‬وإياك والعجلة بالمور‬ ‫ما ل َ ت َْفعَُلو َ‬
‫ت َُقوُلوا ْ َ‬
‫قبل أوانها أو التسقط فيها عند إمكانها أو اللجاجة فيها‬
‫إذا تنكرت أو الوهن عنها إذا استوضحت فضع كل أمر‬
‫موضعه وأوقع كل عمل موقعه‪ ،‬وإياك والستئثار بما‬
‫الناس فيه أسوة والتغابي عما يعنى به مما قد وضح‬
‫للعيون فإنه مأخوذة منك لغيرك وعما قليل تنكشف‬
‫عنك أغطية المور وينتصف منك للمظلوم‪ :‬أملك حمية‬
‫أنفك وسورة حدك وسطوة يدك وغرب لسانك‬
‫واحترس من كل ذلك بكف البادرة وتأخير السطوة‬
‫حتى يسكن غضبك فتملك الختيار وزلن تحكم ذلك من‬
‫نفسك حتى تكثر همومك بذكر المعاد إلى ربك‬
‫والواجب عليك أن تتذكر ما مضى لمن تقدمك من‬
‫حكومة عادلة أو سنة فاضلة أو اثر عن نبينا ) أو فريضة‬
‫في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت مما عملنا به فيها‬
‫وتجتهد لنفسك في اتباع ما عهدت إليك في عهدي هذا‬
‫واستوثقت به من الحجة لنفسي دليلك لكيل يكون لك‬
‫علة عند تسرع نفسك إلى هواها وأنا أسأل الله بسعة‬
‫رحمته وعظيم قدرته على إعطاء كل رغبة أن يوفقني‬
‫وإياك لما فيه رضاه من القامة على العذر الواضح إليه‬
‫وإلى خلقه من حسن الثناء في العباد وجميل الثر في‬
‫البلد وتمام النعمة وتضعيف الكرامة وإن يختم لي ولك‬
‫ن( ]التوبة‪[59 :‬‬‫بالسعادة والشهادة )إ ِّنآ إ َِلى الل ّهِ َراِغُبو َ‬
‫والسلم على رسول الله ) الطيبين الطاهرين‪.‬‬

‫"وكتب أبو بكر الصديق المتوفي ‪ 7‬جمادى الثانية سنة‬


‫‪13‬ه? إلى بعض قواده"‬

‫‪158‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/113‬‬

‫إذا سرت فل تعنف أصحابك في السير ول تغضبهم‬


‫وشاور ذوي الراء منهم واستعمل العدل وباعد عنك‬
‫الجور فإنه ما افلح قوم ظلموا ول نصروا على عدوعم‬
‫من‬ ‫م الد َْباَر وَ َ‬ ‫حفا ً فَل َ ت ُوَّلوهُ ُ‬‫ن ك ََفُروا ْ َز ْ‬ ‫م ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫و )إ َِذا ل َ ِ‬
‫قيت ُ ُ‬
‫حّيزا ً إ ِل َ‬ ‫يول ّهم يومئ ِذ دبره إل ّ متحرفا ً ل ّقتال أ َ‬
‫ى فِئ َ ٍ‬
‫ة‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫م‬‫ُ‬ ‫و‬
‫ِ َ ٍ ْ‬ ‫ُ َ ِ ْ َ ْ َ ٍ َُُ ُ ِ ُ َ َ ّ‬
‫ه( ]النفال‪ [16 15 :‬وإذا نصرتم‬ ‫ن الل ّ ِ‬
‫م َ‬‫ب ّ‬ ‫ض ٍ‬ ‫فََقد ْ َبآَء ب ِغَ َ‬
‫عليهم فل تقتلوا شيخا ً ول امرأة ول طفل ً ول تحرقوا‬
‫زرعا ً ول تقطعوا شجرا ً ول تذبحوا بهيمة إل ما يلزمكم‬
‫للكل ول تغدروا إذا هادنتم ول تنقضوا إذا صالحتم‬
‫وستمرون على أقوام في الصوامع رهبان ترهبوا الله‬
‫فدعوهم وما انفردوا إليه وارتضوه لنفسهم فل تهدموا‬
‫صوامعهم ول تقتلوهم والسلم‪.‬‬

‫"وكتب عمر بن الخطاب المقتول في ‪ 26‬ذي الحجة‬


‫سنة ‪ 23‬ه? إلى بعض قواده"‬
‫أما بعد فإني أوصيك ومن معك من الجناد بتقوى الله‬
‫على كل حال فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو‬
‫وأقوى المكيدة في الحرب وأن تكون أنت ومن معك‬
‫أشد احتراسا ً من المعاصي منكم من عدوكم فإن ذنوب‬
‫الجيش أخوف عليهم من عدوهم ولول ذلك لم تكن لنا‬
‫بهم قوة لن عددنا لتيس كعددهم ول عدتنا كعدتهم فإن‬
‫استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة‬
‫)وإل ننصر عليهم بطاعتنا لم نغلبهم بقوتنا( واعلموا أن‬
‫عليكم في سيركم حفظه من الله يعلمون ما تفعلون‬

‫‪159‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فاستحيوا منهم واسألوا الله العون على أنفسكم كما‬
‫تسألونه النصر على عدوكم‪ ،‬وأقم بمن معك في كل‬
‫جمعة يوما ً وليلة حتى تكون لهم راحة يحيون فيهما‬
‫أنفسهم ويرمون أسلحتهم وأمتعتهم ونح منازلهم عن‬
‫قرى أهل الصلح والذمة فل يدخلها من أصحابك إل من‬
‫تثق به‪ ،‬وليكن منك عند دنوك من أرض العدو أن تكثر‬
‫الطلئع وتبث السرايا بينك وبينهم ثم أذك أحراسك‬
‫على عسكرك وتيقظ من البيات جهدك والله ولي‬
‫أمرك ومن معك وولي النصر لكم على عدوكم‪.‬‬
‫) ‪(1/114‬‬

‫"وكتب أبو الفضل بديع الزمان الهمذاني المتوفي سنة‬


‫‪398‬ه? إلى ابن أخته"‬
‫أنت ولدي ما دمت والعلم شأنك والمدرسة مكانك‬
‫والمحبرة حليفك والدفتر أليفك فإن قصرت ول أخالك‬
‫فغيري خالك‪ ،‬والسلم‪.‬‬
‫"ومن وصية ابن سعيد المغربي المتوفي سنة ‪697‬ه?‬
‫لبنه وقد أراد السفر"‬
‫ن في غربتك‬ ‫أودع َ‬
‫ك الّرحم َ‬

‫مرتقبا ً رجماه ُ في أوبتك‬

‫فل تطل حبل الّنوى إّنني‬

‫والله أشتاق إلى طلعتك‬

‫‪160‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫واختصر الّتوديعَ أخذا ً فما‬

‫لي ناظٌر يقوى على فرقتك‬

‫ب عين ول‬
‫واجعل وصاتي نص َ‬

‫تبرح مدى اليام من فكرتك‬

‫ت‬
‫خلصة العمر التي حّنك ْ‬

‫في ساعةٍ زفّ ْ‬


‫ت إلى فطنتك‬

‫فللّتجاريب أمور إذا‬

‫طالعتها تشحذ َ من غفلتك‬

‫ة‬
‫م عن وعيها ساع ً‬
‫فل تن ْ‬

‫ن إلى يقظتك‬
‫فإّنها عو ٌ‬

‫ه في الّنوى‬ ‫وك ّ‬
‫ل ما كابدت ُ‬

‫ن همتك‬
‫إّياك أن يكسَر م ْ‬

‫فليس يدرى أص ُ‬
‫ل ذي غربة‬

‫‪161‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ف من شيمتك‬
‫وإنما تعر ُ‬

‫وامش الهوينا مظهرا ً عّف ً‬


‫ة‬

‫وابغ رضا العين عن هيئتك‬

‫ح‬
‫ي مستقب ُ‬
‫ث الغ ّ‬
‫وانطق بحي ُ‬

‫ت بحيث الخير في سكتتك‬ ‫واصم ْ‬


‫ت في‬
‫ولج على رزقك من بابه=واقصد ْ له ما عش َ‬
‫بكرتك‬
‫ف كل ّ حّقه ولتكن‬‫وو ّ‬

‫دتك‬
‫تكسر عند الفخر من ح ّ‬

‫وحيثما خّيمت فاقصد إلى‬

‫صحبة من ترجوه في نصرتك‬

‫ة مالها‬
‫وللرزايا وثب ٌ‬
‫إل الذي تذخر من ع َّ‬
‫دتك‬ ‫ُ‬

‫م لي وحدتي‬
‫ول تقل اسل ُ‬

‫‪162‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فقد تقاسي الذل في وحدتك‬

‫كما ً وخذ‬
‫ل مح ّ‬
‫ولتجعل العق َ‬

‫كل ّ بما يظهر في نقدتك‬

‫واعتبر الناس بألفاظهم‬

‫ب أخا ً يرغب في صحبتك‬


‫واصح ْ‬
‫ق مظهرٍ نصحه‬
‫كم من صدي ٍ‬

‫ف على عثرتك‬
‫وفكره ُ وق ْ‬

‫ه‬
‫إّياك أن تقربه إن ُ‬

‫دهر على كربتك‬


‫ن مع ال ّ‬
‫عو ٌ‬

‫ن نموّ النبت قد زاره‬


‫وأ ُ‬

‫م إلى قدرنك‬
‫ب الّندى واس ُ‬
‫غ ّ‬
‫) ‪(1/115‬‬

‫ول تضي ّعْ زمنا ً ممكنًا=تذكاره ُ يذكي لظى حسرتك‬


‫ه جوٌر على مهجتك‬
‫ه= فإن ُ‬
‫ت ل تأت ِ‬
‫شّر مهما استطع َ‬ ‫وال ّ‬
‫يا بني الذي ل ناصح له مثلي ول منصوح لي مثلة قد‬

‫‪163‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قدمت لك في هذا النظم ما إن أخطرته بخاطرك في‬
‫كل أوان رجوت لك حسن العاقبة إن شاء الله تعالى‬
‫وإن أخف منه للحفظ وأعلق بالفكر وأحق بالتقدم قول‬
‫الول‪.‬‬
‫ب‬‫ب إذا ما اغتر ْ‬
‫ن الغري َ‬
‫يزي ُ‬

‫ن حسن الّدب‬
‫ث فمنه ّ‬
‫ثل ٌ‬

‫ه‬
‫وثانية حسن أخلق ِ‬

‫ب الّريب‬
‫ة اجتنا ُ‬
‫وثالث ٌ‬

‫واصغ يا بني إلى البيت الذي هو يتيمة الدهر وسلم‬


‫الكرم والصبر ولو أن الديار نبت بكم لسكنتم الخلق‬
‫والدابا‪.‬‬
‫) ‪(1/116‬‬

‫إذ حسن الخلق أكرم نزيل والدب أرحب منزل ولتكن‬


‫كما قال بعضهم في أديب متغرب وكلن كلما طرأ على‬
‫ملك فكأنه معه ولد وإليه قصد غير مستريب بدهره ول‬
‫منكر شيئا ً من أمره وإذا دعاك قلبك إلى صحبة من‬
‫أخذ بمجامع هواه فاجعل التكلف له سلما ً وهب في‬
‫روض أخلقه هبوب النسيم وحل بطرفه حلول الوسن‬
‫وانزل بقلبه نزول المسرة حتى يتمكن لك وداده‬
‫ويخلص فيك اعتقاده وطهر من الوقوع فيه لسانك‬

‫‪164‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأغلق سمعك ول ترخص في جانبه لحسود لك منه يريد‬
‫إبعادك عنه لمنفعة أو حسود له يغار لتجمله بصحبتك‬
‫ومع هذا فل تغتر بطول صحبته ول تتمهد بدوام رقدته‬
‫فقد ينبهه الزمان ويتغير نته القلب واللسان وإنما‬
‫العاقل من جعل عقله معيارا ً وكان كالمرأة يلقى كل‬
‫وجه بمثاله‪ :‬وفي أمثال العامة من سبقك بيوم فقد‬
‫سبقك بعقل فاحتذ بأمثلة من جرب واستمع إلى ما خلد‬
‫الماضون بعد جهدهم وتعبهم من القوال فإنها خلصة‬
‫عمرهم وزبدة تجاربهم ول تتكل على عقلك فإن النظر‬
‫فيما تعب فيه الناس طول أعمارهم وابتاعوه غاليا ً‬
‫بتجاربهم يربحك ويقع عليك رخيصًا‪ ،‬وإن رأيت من له‬
‫عقل ومروءة وتجربة فاستفد منه ول تضيع قوله ول‬
‫فعله فإن فيما تلقاه تلقيحا ً لعقلك وحثا ً لك واهتداء‬
‫وليس كل ما تسمع من أقوال الشعراء يحسن بك أن‬
‫تتبعه حتى تتدبره فإن كان موافقا ً لعقلك مصلحا ً لحالك‬
‫فراع ذلك عندك وإل فانبذه نبذ النواة فليس لكل أحد‬
‫يبتسم ول كل شخص يكلم ول الجود مما يعم به ول‬
‫حسن الظن وطيب النفس مما يعامل به كل أحد والله‬
‫در القائل‪:‬‬
‫ي ل أوفى البرّية قسطها‬ ‫ومال َ‬

‫ن‬
‫على قدرِ ما يعطي وعقلي ميزا ُ‬
‫) ‪(1/117‬‬

‫‪165‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وإياك أن تعطي من نفسك إل بقدر فل تعامل الدون‬
‫بمعاملة الكفء ول الكفء بمعاملة العلى ول تضيع‬
‫عمرك فيمن يعاملك بالمطامع ويثيبك على مصلحة‬
‫حاضرة عاجلة بغائبة آجلة ول تجف الناس بالجملة‬
‫ولكن يكون ذلك بحيث ل يلحق منه ملل ول ضجر ول‬
‫جفاء فمتى فارقت أحدا ً فعلى حسنى في القول‬
‫والفعل فإنك ل تدري هل أنت راجع إليه فلذلك قال‬
‫الول )ولما مضى سلم بكيت على سلم( وإياك والبيت‬
‫السائر‪.‬‬
‫ت بدارِ قوم ٍ‬
‫ت إذا حلل َ‬
‫وكن َ‬

‫ت عارا‬‫ت بخزيةٍ وترك َ‬‫رحل َ‬


‫واحرص على ما جمع قول القائل ثلثة تبقي لك الود‬
‫في صدر أخيك أن تبدأه بالسلم‪ ،‬وتوسع له في‬
‫المجلس‪ ،‬وتدعوه بأحب السماء إليه واحذر كل ما بينه‬
‫لك القائل‪ :‬كل ما تغرسه تجنيه إل ابن آدم فإذا غرسته‬
‫يقلعك وقول الخر ابن آدم ذئب مع الضعف أسد مع‬
‫القوة‪ ،‬وإياك أن تثبت على صحبة أحد قبل أن تطيل‬
‫اختباره‪ .‬ويحكى أن ابن المقفع خطب من الخليل‬
‫صحبته فجاوبه أن الصحبة رق ول أضع رقي في يديك‬
‫حتى أعرف كيف ملكتك واستمل من عين من تعاشره‬
‫وتفقد في فلتات اللسن وصفحات الوجه ول يحملك‬
‫الحياء على السكوت عما يضرك أن ل تبينه فإن الكلم‬
‫سلح السلم وبالنين يعرف ألم الجرح واجعل لكل أمر‬
‫أخذت فيه غاية يجعلها نهاية لك‪.‬‬
‫دهر ما أتاك به‬ ‫وخذ ْ من ال ّ‬

‫‪166‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫من قّر عينا ً بعيشه نفعه‬

‫غذ الفكار تجلب الهموم وتضاعف الغموم وملزمة‬


‫القطوب عنوان المصائب والخطوب يستريب به‬
‫الصاحب ويشمت العدو والمجانب ول تضر بالوساوس‬
‫إل نفسك لنك تنصر بها الدهر عليك‪ ،‬ولله در القائل‪:‬‬
‫ت للحزان عونا ً‬
‫إذا ما كن َ‬

‫عليك مع الزمان فمن تلوم‬


‫) ‪(1/118‬‬

‫مع انه ل يرد عليك الغائب الحزن ول يرعوي بطول‬


‫عتبك الزمن‪.‬‬
‫ولقد شاهدت بغرظ ناطة شخصا ً قد ألقته الهموم‬
‫وعشقته الغموم ومن صغره إلى كبره ل تراه أبدا ً خليا ً‬
‫من فكرة حتى لقب "بصدر الهم" ومن أعجب ما رأيته‬
‫منه أنه يتنكد في الشدة ول يتعلل بأن يكون بعدها فرج‬
‫ويتنكد في الرخاء خوفا ً من أن ل يدوم‪ .‬وينشد‪" :‬توقع‬
‫زوال ً إذا قيل تم" وينشد "وعند التناهي يقصر‬
‫المتطاول"‪.‬‬
‫وله من الحكايات في هذا الشأن عجائب ومثل هذا‬
‫عمره محسور يمر ضياعًا‪ ،‬ومتى رفعك الزمان إلى‬
‫قوم يذمون من العالم ما تحسنه حسدا ً لك وقصدا ً‬
‫لتصغير قدرك عندك وتزهيدا ً لك فيه فل يحملك ذلك‬

‫‪167‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫على أن تزهد في علمك وتركن إلى العلم الذي مدحوه‬
‫فتكون مثل الغراب الذي أعجبه مشي الحجلة فرام أن‬
‫يتعلمه فصعب عليه ثم أراد أن يرجع إلى مشيه فنسيه‬
‫فبقي مخبل المشي كما قيل‪:‬‬
‫ة‬
‫إن الغراب وكان يمشي مشي ً‬

‫فيما مضى من سالف الجيال‬


‫حسد ّ القطا وأراد َ يمشي مشيها‬

‫ب من العّقال‬
‫فأصابه ضر ٌ‬

‫ل مشيته وأخطأ مشيها=فلذلك كّنوه ُ أبا مرقال ول‬ ‫فأض ّ‬


‫يفسد خاطرك من جعل يذم الزمان وأهله ويقول ما‬
‫بقي في الدنيا كريم ول فاضل ول مكان يرتاح فيه فإن‬
‫الذين تراهم على هذه الصفة أكثر ما يكونون ممن‬
‫صحبه الحرمان واستحقت طلعته للهوان وأبرموا على‬
‫الناس بالسؤال فمقتوهم وعجزوا عن طلب المور من‬
‫وجوهها فاستراحوا إلى الوقوع في الناس وأقاموا‬
‫العذار لنفسهم بقطع أسبابهم ول تزل هذين البيتين‬
‫من فكرك‪.‬‬
‫ت عّزا‬
‫ن إذا ما نل َ‬
‫ل ْ‬

‫فأخو العّز يلين‬

‫فإذا ناب َ‬
‫ك دهٌر‬

‫‪168‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ت تكون‬
‫فكما كن َ‬

‫والمثال تضرب لذب اللب الحكيم وذوا البصر يمشي‬


‫على الصراط المستقيم والفطن يقنع بالقليل ويستدل‬
‫باليسير والله سبحانه خليفتي عليك ل رب سواه‪.‬‬
‫"وصية هارون الرشيد لمعلم ولده المين"‬
‫) ‪(1/119‬‬

‫يا احمر‪ :‬إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه‬


‫وثمرة قلبه فصير يدك عليه مبسوطة وطاعته لك‬
‫واجبة فكن له بحيث وضعك أمير المؤمنين أقرئه‬
‫القرآن وعرفه الخبار وروه الشعار وعلمه السنن‬
‫وبصره بمواقع الكلم وبدئه‪ ،‬وامنعه من الضحك إل في‬
‫أوقاته بتعظيم بني هاشم إذا دخلوا عليم ورفع مجالس‬
‫القواد إذا حضروا مجلسه ول تمرن بك ساعة إل وأنت‬
‫مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه‬
‫ول تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه وقومه‬
‫ما استطعت بالقرب والملينة فإن أباهما فعليك بالشدة‬
‫والغلظة‪.‬‬
‫"ومن وصية ابن شداد لبنه"‬
‫عليك بتقوى الله العظيم وليكن أولى المور شكر الله‬
‫وحسن النية في السر والعلنية فإن الشكور يزداد‬
‫والتقوى خير زاد وكن كما قال الحطيئة‪:‬‬
‫ل‬
‫سعادة َ جمعَ ما ٍ‬
‫ت أرى ال ّ‬
‫ولس ُ‬

‫‪169‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫سعيد ُ‬
‫ي هو ال ّ‬
‫ن الّتق ّ‬
‫ولك ّ‬
‫وتقوى الله خير الّزاد ذخرا ً‬

‫وعند َ الله للتقى مزيد ُ‬

‫ثم قال‪ :‬أي بني ل تزهدن في معروف فإن الدهر ذو‬


‫صروف واليام ذات نوائب على الشاهد والغائب فكم‬
‫من راغب قد كان مرغوبا ً إليه وطالب أصبح مطلوبا ً ما‬
‫لديه‪ :‬واعلم أن الزمان ذو ألوان ومن يصحب الزمان‬
‫يرى الهوان‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬أي بني كن جوادا ً بالمال في موضع الحق‪.‬‬
‫بخيل ً بالسرار عن جميع الخلق فإن أحمد جود المرء‬
‫النفاق في وجه البر وأن أحمد بخل الحر الضن بمكتوم‬
‫السر وكن كما قال قيس بن الخطيم‪:‬‬
‫أجود ُ بمكنون الّتلد وإّنني‬

‫ن‬
‫من سالني لضني ُ‬
‫بسّرك ع ّ‬

‫إذا جاوَز الثنين سّر فإنه‬

‫بنث وتكثير الحديث قمين‬

‫وعندي له يوما ً إذا ما ائتمنتني‬

‫ن بسوداء الفؤاد مكين‬


‫مكا ٌ‬

‫‪170‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/120‬‬

‫ثم قال‪ :‬أي بني وإن غلبت يوما ً على المال فل تدع‬
‫الحيلة على حال فإن الكريم يحتال والدنيء عيال وكن‬
‫أحسن ما تكون في الظاهر حال ً أقل ما تكون في‬
‫الباطن مال ً فإن الكريم من كرمت طبيعته وظهرت عند‬
‫النفاذ نعمته‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬أي بني وإن سمعت كلمة من حاسد فكن كأنك‬
‫لست بالشاهد فإنك إن أمضيتها حيالها رجع العيب على‬
‫من قالها وكان يقال الريب العاقل هو الفطن‬
‫المتغافل‪.‬‬

‫"وصية بعض نساء العرب إلى ابنها وقد أراد السفر"‬


‫قال أبان بن تغلب وكان عابدا ً من عباد أهل البصرة‬
‫شهدت أعرابية وهي توصي ولدا ً لها يريد سفرا ً وهي‬
‫تقول له‪.‬‬
‫أي بني أجلس أمنحك وصيتي وبالله توفيقك فإن‬
‫الوصية أجدى عليك من كثير عقلك‪ .‬فقال أبان فوقفت‬
‫مستمعا ً لكلمها مستحسنا ً لوصيتها فإذا هي تقول‪ .‬أي‬
‫بني إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة وتفرق بين‬
‫المحبين وإياك والتعرض للعيوب فتتخذ غرضا ً وخليق أل‬
‫يثبت الغرض على كثرة السهام‪ .‬وقلما اعتورت السهام‬
‫غرضا ً إل كلمته حتى يهي ما اشتد من قوته‪ .‬وإياك‬
‫والجود بدينك والبخل بمالك‪ .‬وإذا هززت فاهزز كريما ً‬
‫يلن لهزتك ول تهزز اللئيم فإنه صخرة ل ينفجر ماؤها‬
‫ومثل لنفسك مثال ما استحسنت من غيرك فاعمل به‬

‫‪171‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وما استقبحت من غيرك فاجتنبه فإن المرء ل يرى‬
‫عيب نفسه ومن كانت مودته بشره وخالف ذلك منه‬
‫فعله كان صديقه منه على مثل الريح في تصرفها‪،‬‬
‫والغدر أقبح ما تعامل به الناس بينهم ومن جميع الحلم‬
‫والسخاء فقد أجاد الحلة ريطتها وسربالها‪.‬‬
‫الفصل الثاني عشر في رسائل التنصل والتبرؤ‬
‫"كتب أبو الحسن علي بن الرومي المتوفي سنة‬
‫‪284‬ه? إلى القاسم بن عبيد الله"‬
‫) ‪(1/121‬‬

‫ترفع عن ظلمي إن كنت بريئا ً وتفضل بالعفو إن كنت‬


‫مسيئا ً فو الله إني لطلب عفو ذنب لم اجنه وألتمس‬
‫القالة مما ل أعرفه لتزداد تطوال ً وأزداد تذلل ً وأنا أعيذ‬
‫حالي عندك بكرمك من واش يكيدها وأحرسها بوفائك‬
‫زمن باغ يحاول إفسادها وأسأل الله تعالى أن يجعل‬
‫حظي منك بقدرودي لك ومحلي من رجالك بحيث‬
‫استحق منك‪.‬‬
‫"وكتب أبو الوليد بن زيدون المتوفي بأشبيلية سنة‬
‫‪463‬ه?"‬
‫يا مولي وسيدي الذي ودادي له واعتمادي عليه‬
‫واعتدادي به وامتدادي منه ومن أبقاه الله ماضي حد‬
‫العزم وأرى زند المل ثابت عهد النعمة إن سلبتني‬
‫أعزك الله لباس نعمائك وعطلتني من حلى إيناسك‬
‫وأظمأتني إلى برود إسعافك ونفضت بي كف حياطتك‬
‫وغضضت عني طرف حمايتك بعد أن نظر العمى إلى‬

‫‪172‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تأميلي لك وسمع الصم ثنائي عليك وأحس الجماد‬
‫باستحمادي إليك‪.‬‬
‫فل غزو قد يغض الماء شاربه ويقتل الدواء المستشفى‬
‫به ويؤتى الحذر من مأمنه وتكون منية المتمني في‬
‫أمنيته والحين قد يسبق جهد الحريص‪.‬‬
‫? على الفتى‬‫ب قد تمر ُ‬ ‫ك ّ‬
‫ل المصائ ِ‬

‫سادِ‬
‫وتهون غير شماتةِ الح ّ‬

‫وإني لتجلد وأرى للشامتين أني لريب الدهر ل‬


‫أتضعضع فأقول هل أنا إل يد أدماها سوارها وجبين‬
‫عض به إكليله ومشرفي ألصقه بالرض صاقله‬
‫وسمهري عرضه على النار مثقفه وعبد ذهب به سيده‬
‫مذهب الذي يقول‪:‬‬
‫ك حازما ً‬
‫فقسا ليزدجروا ومن ي ُ‬

‫س أحيانا ً على من يرح ُ‬


‫م‬ ‫فليق ُ‬

‫هذا العتب محمود عواقبه وهذه النبوة غمرة ثم تنجلي‬


‫وهذه النكبة سحابة صيف عن قليل تقشع ولن يربيني‬
‫من سيدجي إن أبطأ سبييه أو تأخر غير ضنين غناؤه‬
‫فأبطأ الدلء فيضا ً أملؤها وأثقل السحائب مشيا ً أحفلها‬
‫وأنفع الحيا ما صادف جدبا ً وألذ الشراب ما أصاب غليل ً‬
‫ب( ]الرعد‪ [38 :‬له‬ ‫ومع اليوم غد و )ل ِك ُ ّ َ‬
‫ل ك َِتا ٌ‬
‫ج ٍ‬
‫لأ َ‬
‫الحمد على اهتباتله ول عتب عليه في اغتفاله‪.‬‬
‫ل الذي ساَء واحدا ً‬ ‫فإن يكن الفع ُ‬

‫‪173‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ف‬
‫ن ألو ُ‬
‫ه اللئي سرر َ‬
‫فأفعال ُ‬
‫) ‪(1/122‬‬

‫وأعود فأقول ما هذا الذنب الذي لم يسعه عفوك‬


‫والجهل إلي لم يأت من ورائه حلمك والتطاول الذي لم‬
‫تستغرقه تطولك والتحامل الذي لم يف به احتمالك ول‬
‫أخلو من أن أكون بريئا ً فأين عدلك أو مسيئا ً فأين‬
‫فضلك‪.‬‬
‫ع‬
‫ن فعدلك واس ٌ‬ ‫أل ّ يكن ذب ٌ‬

‫ب ففضلك أوسع‬
‫أو كان لي ذن ٌ‬

‫فهبني مسيئا ً كالذي قلت طالبا ً‬

‫قصاصا ً فأين الخذ يا عّز بالفضل‬


‫حنانيك قد بلغ السيل الزبى ونالني ما حسبي به وكفى‬
‫وما أراني إل لو أمرت بالسجود لدام فأبيت‬
‫واستكبرت‪.‬‬
‫وقال لي نوح اركب معنا فقلت سآوي إلى جبل‬
‫يعصمني من الماء وأمرت ببناء صرح لعلي أطلع إلى‬
‫إله موسى وعكفت على العجل واعتديت في السبت‬
‫وتعاطيت فعقرت وشربت من النهر الذي ابتلى به‬
‫جيوش طالوت وقدت الفيل لبرهة وعاهدت قريشا ً‬
‫على ما في الصحيفة وتأولت في بيعة العقبة‬

‫‪174‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫واستنفرت إلى العير ببدر وانخذلت بثلث الناس يوم‬
‫أحد وتخلفت عن صلة العصر في بني قريظة وجئت‬
‫بالفك على عائشة الصديقية وأنفت عن إمارة أسامة‬
‫وزعمت أن خلفة أبي بكر كانت فلتة ورويت رمحي‬
‫من كتيبة خالد ومزقت الديم الذي باركت يد الله عليه‬
‫وضحيت بأشمط عنوان السجود به وبذلت لقطام‪.‬‬
‫ة‬
‫ف وعبد ٌ وقين ٌ‬
‫ثلثة آل ٍ‬

‫مم ِ‬‫ي بالحسام ِ المس ّ‬


‫ب عل ّ‬
‫وضر ُ‬
‫وكتبت إلى عمر بن سعد أن جعجع بالحسين وتمثلت‬
‫عندما بلغني من وقعة الحرة‪.‬‬
‫ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا‬

‫جزع الخزرج من وقع السل‬


‫ورجمت الكعبة وصلبت العائذ على الثنية لكان فيما‬
‫جرى علي ما يحتمل أن يكون نكال ً ويدعى ولو على‬
‫المجاز عقابا‪.‬‬
‫ئ‬
‫وحسبك من حادث بازمر ٍ‬

‫ترى حاسديهِ له راحمينا‬

‫فكيف ول ذنب إل نميمة أهداها كاشح ونبأ جاء به‬


‫فاسق وهم المهمازون المشاؤون بنميم والواشون‬
‫الذين ل يلبثون أن يصدعوا العصا والغواة الذين ل‬
‫يتركون أديما ً صحيحا ً والسعاة الذين ذكرهم الحنف بن‬

‫‪175‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قيس فقال ما ظنك بقوم الصدق محمود إل منهم‪.‬‬
‫ة‬
‫حلفت فلم أترك لنفسك ريب ً‬
‫) ‪(1/123‬‬

‫ب‬‫س وراَء الله للمرِء مذه ُ‬


‫ولي َ‬
‫والله ما غششتك بعد النصيحة ول انحرفت عنك بعد‬
‫الصاغية إليك ول نصبت لك بعد التشيع فيك ول أزمعت‬
‫يأسا ً منك مع ضمان تكلفت به الثقة عنك وعهد أخذه‬
‫حسن الظن عليك ففيم عبث الجفاء بأذمتي وعاث‬
‫العقوق في مواتى وتمكن الضياع من وسائلي ولم‬
‫ضاقت مذاهبي وأكدت مطالبي وعلم رضيت من‬
‫المركب بالتعليق بل من الغنيمة بالياب وأنى غلبني‬
‫المغلب وفجر على العاجز الضعيف ولطمتني غير ذات‬
‫سوار‪.‬‬
‫ومالك لم تمنع من قبل أن أفترس وتدركني ولما‬
‫أمزق‪.‬‬
‫أم كيف ل تضطرم جوانح الكفاء حسدا ً لي على‬
‫الخصوص بك وتنقطع أنفاس النظراء منافسة لي على‬
‫الكرامة فيك وقد زانني اسم خدمتك وزهاني وسم‬
‫نغمتك وأبليت البلء الجميل في سماطك وقمت المقام‬
‫المحمود على بساطك‪.‬‬
‫ت الموالى فيك غّر قصائد‬ ‫ألس ُ‬

‫م اقتادت مع الليلي أنجما‬


‫هي النج ُ‬
‫ل الروض منه منورا ً‬‫ثناٌء يظ ّ‬

‫‪176‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫حى ويخال الوشى فيه منمنما‬


‫ض ّ‬

‫وهل لبس الصباح إل بردا ً طرزته بفضائلك وتقلدت‬


‫الجوزاء إل عقدا ً فصلته بمآثرك واستملى الربيع إل ثناء‬
‫أملته في محاسنك وبث المسك إل حديثا ً أذعته في‬
‫محامدك )ما يوم حليمة بسر( وإن كنت لم أكسك‬
‫سليبا ً ول حليتك عطل ً ول وسمتك غفل ً بل وجدت آجرا ً‬
‫وجصا ً فبنيت ومكان القول ذا سعة فقلت حاشا لك أن‬
‫أعد من العاملة الناصية وأكون كالذبابة المنصوبة‬
‫تضيء للناس وهي تحترق )فلك المثل العلى( وهو بك‬
‫وبي وفيك أولى ولعمرك ما جهلت أن )صريح الرأي(‬
‫أن أتحول إذا بلغتني الشمس )وبنا بي المنزل( واصفح‬
‫عن المطامع التي تقطع أعناق الرجال فل )استوطئ‬
‫العجز( ول أطمئن إلى الغرور‪ .‬ومن المثال المضروبة‪:‬‬
‫خامري أم عامري‪.‬‬
‫وإني مع المعرفة أن الجلء سباء والنقلة مثلة‪.‬‬
‫ب عن قومه لم يزل يرى‬ ‫ومن يغتر ْ‬

‫مصارعَ مظلوم مجرا مسحبا‬

‫ويدفن منه الصالحات وإن يسيء‬

‫يكن ما أساء النار في راس كبكبا‬


‫) ‪(1/124‬‬

‫‪177‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عارف أن الدب الوطن ل يخشى فراقه والخليط ل‬
‫يتوقع زياله والنسيب ل يخفى والجمال ل يجفى‪.‬‬
‫ثم ما قران السعد بالكواكب أبهى أثرا ً ول أثنى خطرا ً‬
‫من اقتران غنى النفس به وانتظامها نسقا ً معه فغن‬
‫الحائز لهما الضارب بسهم فيهما "وقليل ما هم" أينما‬
‫توجه ورد منهل بر وحط في جناب قبول وضوحك قبل‬
‫إنزال رحلة وأعطى حكم الصبي على أهله‪.‬‬
‫ل له أهل ً وسهل ً ومرحبا‬
‫وقي َ‬

‫ح ومقيل‬
‫ت صال ٌ‬
‫فهذا مبي ٌ‬

‫غير ان الوطن محبوب والمنشأ مألوف واللبيب يحن‬


‫إلى وطنه النجيب إلى عطنه والكريم ل يجفوا أرضا ً بها‬
‫قوابله ول ينسى بلدا ً فيها مراضعه‪ ،‬قال الول‪:‬‬
‫ب بلد َ الله ما بين منعٍج‬
‫أح ّ‬

‫ب سحابها‬‫ي وسلمى أن يصو َ‬ ‫إل ّ‬


‫بلد بها ح ّ‬
‫ل ال ّ‬
‫شباب تمائمي‬

‫س جلدي ترابها‬
‫ضم ّ‬
‫وأّول أر ٍ‬
‫هذا إلى مغالتي بعقد جوارك ومنافستي بلحظة من‬
‫قربك واعتقادي أن الطمع في غيرك طبع والغنى ممن‬
‫سواك عناء والبدل منك أعور والعوض لفاء وكل الصيد‬
‫في جوف الفرا‪.‬‬
‫ت إلى أميري زادني‬‫وإذا نظر ُ‬

‫‪178‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ضّنا بهِ نظري إلى المراء‬

‫وفي كل شجر نار وأستمجد )المرخ والعهفار( فما هذه‬


‫البراءة ممن يتولك والميل عمن ل يميل عنك وهل كان‬
‫هواك فيمن هواه ورضاك فيمن رضاه لك‪.‬‬
‫يا من يعّز علينا أن نفارقهم‬

‫م‬
‫ل شيء بعدكم عد ُ‬ ‫وجداننا ك ّ‬
‫أعيذك ونفسي من أن أشيم خلبا ً وأستمطر جهاما ً‬
‫وأكدم في غير مكدم وأشكو شكوى الجريح إلى‬
‫الغربان والزخم فما أبسست لك إل لتدر ول حركت لك‬
‫الحوار إل لتحن ول نبهتك إل لنام‪.‬‬
‫ول سريت إليك إل لحمد السرى لديك‪.‬‬
‫وإنك إن سنيت عقد أمري تيسر ومتى أعذرت في فك‬
‫أسري لم يتعذر وعلمك محيط بأن المعروف ثمرة‬
‫النعمة والشفاعة زكاة المروءة وفضل الجاه يعوذ به‬
‫صدقه‪.‬‬
‫وإذا امرؤ ٌ أهدى إليك صنيع ً‬
‫ة‬

‫من جاهله فكأّنهامن ماله‬


‫) ‪(1/125‬‬

‫لعلي ألقي العصا بذارك وتستقر بي النوى في ظلك‬


‫وأستأنف التأديب بأدبك والحتمال على مذهبك فل‬

‫‪179‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أوجد للحاسد مجال لحظة ول أدع للقادح مساغ لفظه‪.‬‬
‫والله ميسرك من إطلبي بهذه الطلبة وإشكائي من‬
‫هذه الشكوى بصنيعة تصيب منها مكان المصنع‬
‫وتستودعها أحفظ مستودع حسبما أنت خليق له وأنا‬
‫منك حري به وذلك بيده وهين عليه‪.‬‬
‫?مكاتبات متفرقة‬
‫"كتب الدولة العلية العثمانية إلى إحدى الدول‬
‫الوروبية"‬
‫أيها الوزير الفخم‪ :‬إن لفظة )تقسيم تركيا( إفك ل يفوه‬
‫به عاقل ول يتصوره إنسان تكاد تنفطر له السماء‬
‫دهشة وترتج له الرض وحشة بل تخر دونه الجبال‬
‫وتنفك عنده المال كأن أوروبا تستطيعه ولكنها لم‬
‫تفعله‪ :‬ولن تفعله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ً فقل‪:‬‬
‫مل ْ َ‬
‫ك‬ ‫شآُء وََتنزِع ُ ال ْ ُ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫مل ْ َ‬‫ك ت ُؤ ِْتي ال ْ ُ‬ ‫مل ْ ِ‬ ‫ك ال ْ ُ‬‫مال ِ َ‬‫م َ‬ ‫)الل ّهُ ّ‬
‫خي ُْر‬ ‫ك ال ْ َ‬‫شآُء ب ِي َد ِ َ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫ل َ‬‫شآُء وَت ُذ ِ ّ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫شآُء وَت ُعِّز َ‬ ‫ن تَ َ‬ ‫م ْ‬‫م ّ‬‫ِ‬
‫ديٌر( ]آل عمران‪ [26 :‬تقسم تركيا‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ى كُ ّ‬ ‫إ ِن ّ َ َ‬
‫ك ع َل َ‬
‫كلمة ليست اكبر من أوروبا فقط بل هي أكبر من‬
‫منظومة هذا العالم الشمسي الذي تراه أو تسمع به إن‬
‫كنت ل تراه فل يليق أن يفوه به إل فم القدرة اللهية‬
‫ت( ]الرعد‪َ) [33 :‬والل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫سب َ ْ‬‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ل ن َْف‬ ‫ى كُ ّ‬ ‫َ‬
‫م ع َل َ‬ ‫)َقآئ ِ ٌ‬
‫غال ِب ع َل َى أ َمره ول َكن أ َ‬
‫ن( ]يوسف‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫س ل َ ي َعْل َ ُ‬
‫ِ‬ ‫نا‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ث‬‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ ْ ِ ِ َ ِ ّ‬ ‫َ ٌ‬
‫‪ [21‬تقسيم تركيا ربما يكون ولكن متى يكون؟ يكون‬
‫حينما يتحلى وجه البسيطة بدمائنا الطاهرة الزكية يوم‬
‫ترى الرض لبسة تلك الحلة الرجوانية الثمينة حيث‬
‫تتمشى الدماء على فيروزج الفضاء محاطة كواكب‬
‫الوجود بكتائب جنود العدم المطلق‪ :‬ل أرض لمن تقل‬

‫‪180‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ول سماء لمن تظل ول قائم موجود ول دائم مقصود‪،‬‬
‫هنالك تتحدث شياطين الخيال في أندية المحال بحديث‬
‫ذلك التقسيم المشؤوم ول من سميع ول من مجيب‬
‫فالويل ثم الويل يوم ذلك التقسيم الموهوم والثبور ثم‬
‫الثبور إذا تنزلت السماء بقضاء ذلك الهول المقسوم‪:‬‬
‫إن في‬
‫) ‪(1/126‬‬

‫ذلك لبلغا ً يتفكرون‪.‬‬


‫"وكتب ابن العميد المتوفى سنة ‪360‬ه? في شكر‬
‫صديق له على مراسلته إياه"‬
‫وصل ما وصلتني به جعلني الله فداك من كتابك بل‬
‫نعمتك التامة ومنتك العامة فقرت عيني بوروده‬
‫وشفيت نفسي بوفوده ونشرته فحكى نسيم الرياض‬
‫غب المطر وتنفس النوار في السحر وتأملت مفتتحه‬
‫وما اشتمل عليه من لطائف كلمم وبدائعه حكمك‬
‫فوجدته قد تحمل من فنون البر عنك و ضروب الفضل‬
‫منك جدا ً وهزل ً مل عيني وغمر قلبي وغلب فكري وبهر‬
‫لبي فبقيت ا أدري أسموط در خصصتني بها أم عقود‬
‫جوهر منحتنيها ول أدري أجدك أبلغ وألطف أم هزلك‬
‫أرفع وأظرف وأنا أوكل بتتبع ما انطوى عليه نفسا ً ل‬
‫ترى الحظ إل ما اقتنته منه ول تعد الفضل إل فيما‬
‫أخذته وأمتع بتأمله عينا ً ل تقر إل بمثله مما يصدر عن‬
‫بدك ويرد من عندك وأعطيه نظرا ً ل يمله وطرفا ً ل‬
‫يطردونه‪ ،‬وأجعله مثال ً أرتسمه وأحتذيه وأمتع خلقي‬

‫‪181‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫برونقه وأعذي نفسي ببهجته وأمزج قريحتي برقته‬
‫وأشرح صدري بقراءته ولئن كنت عن تحصيل ما قلته‬
‫عاجزا ً وفي تعديد ما ذكرته متخلفا ً لقد عرفت أن ما‬
‫سمعت به منه السحر الحلل‪.‬‬
‫"وكتب السيد توفيق البكري في سفراه إلى الستانة‬
‫العلية"‬
‫) ‪(1/127‬‬

‫كتابي إلى السيد الجل وأنا أحمد الله إليه وأدعوه أن‬
‫يديم النعمة والسلمة عليه‪ ،‬وبعد‪ :‬فلما اعتزمت عى‬
‫الرحلة هذا العام إلى قبة السلم ودا خلفة السلم‬
‫وفارقت مصر وساكنها وأرباضها ومواطنها ركبت سفينة‬
‫عدولية إلى الثغور الفرنجية فجرت في خضم عجاج‬
‫ملتطم المواج لع دوي من جرجرة الذي أخضر الجلد‬
‫كأنه إفرند تصطخب فيه النينان وتجري لفي جوفه‬
‫الدعاميص‪ ،‬والحيتان إذا ما زحه الصيل وبالعشي خلته‬
‫كسرت‪ ،‬عليه الحلي أو مزج بالرحيق القطربلي وإن‬
‫لحت به نجوم السماء خلته صفائح من فضة بيضاء‬
‫سمرت بمسامير صغار من نشضار وأخذت السفينة‬
‫تشق عبابه وتفلق حبابه بين ريح رخاء أو زعزع هوجاء‬
‫فهي تارة في طريق معبد ورةميث مسرد وطورا ً فو‬
‫حزن وردد أو على صرح ممرد وطان معنا في الفلك‬
‫رهط من العرب والترك فكنا نتوار د معهم جوائب‬
‫الخبار وطرف الحاديث والسمار ما يزري بالمنهل‬
‫العذب واللؤلؤ الرطب إلى أن يميل ميزان وتغرق ذكاء‬

‫‪182‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫في البحار ويمسي الكون من السواد في لبوس حديد‬
‫أو لباس حداد وتبرق ونجوم السماء في أكناف الظلماء‬
‫كأنها سكاك دلص أو فلق رصاص أو عيون جراد أو‬
‫جمر في خلل رماد أو در في بحر أو ثقوب في قبة‬
‫الديجور يلوح منها النور ويبدو الهلل كأنه خنجر من‬
‫ضياء يشق طياليس الظلماء أو قلدة أو دنملج غادة أو‬
‫سنان لواه الضراب أو الليل فيل وهو ناب فنأخذ‬
‫مجلسا ً نسمه الكافور وأرضه عنبر مذور رقمت فيه‬
‫زرابي مثبوتات ومنابذ وحسبانات وأنماط مفروشة‬
‫وأبسط منقوشة‪.‬‬
‫م صانعها‬
‫بسط أجاد َ الرس َ‬

‫ش والشك ُ‬
‫ل‬ ‫وزها عليه النق ُ‬
‫فيكاد يقطف من أزهارها‬

‫ويكاد يسقط فوقها النح ُ‬


‫ل‬
‫) ‪(1/128‬‬

‫وحوله شموع تزهر وأضواء تبهر وقد دارت عليه سقاة‬


‫جماع الثريا بأقداح الحميا وأكواب الفانيذ المروق‬
‫وقوارير الجلب المصفق ثم تجيء قينة في يدها ناي‬
‫كأنه صور إسرافيل يحيي الرفات وينشر الموات حتى‬
‫إذا بدا الضياء كابتسام الشفة اللمياء دخلنا المضجع‬
‫لنهجع وهّلم جرا ً في أيامنا الخرى إلى أن وطئنا أرض‬
‫القوم بعد ثلثة أيام وبعض يوم فلما أضحت مرأى عين‬

‫‪183‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كبرنا تكبر ابن الحسين‪.‬‬
‫ت حول ديارهم لما بدت‬
‫كبر ُ‬

‫منها الشموس وليس فيها المشرق‬


‫) ‪(1/129‬‬

‫وراقنا ما رأينا من عمران وحضارة ورفهينة وشارة‬


‫وزراعة وصناعة وتجارة وضخامة وسلكان بنيان وجواد‬
‫كالودية بين الطواد وكأنما الناس في المدينة احتفلوا‬
‫ليوم الزينة أو هم لكثرة الحركة منهزموا معركة ىفيهم‬
‫غادون ورائحون زرافات ووحدانا ً إناثا ً وذكرانا ً وقد لبثنا‬
‫في تيك البلدان هنيهة من الزمان نتقلب في جنباتها‬
‫ونتنقل في أنحائها وجهاتها إلى أن قدمنا القسطنطينية‬
‫إيوان الخلفة السلمية وعش الدعوة المحمدية فإذا‬
‫النعيم والملك الكبير والجنةوالحرير وإذا بقعة أطيب‬
‫الرضين رقعة وأمرعها نجعة وقد اعتلت منائرها في‬
‫الفضاء وحلقت قصورها بالسماء فلبست أردية الغيوم‬
‫وتقلدت عقود النجوم ولحت مقاصيرها البيضاء في‬
‫أكنافها الخضراء وجرى بينها خليج الماء فكأنها النجوم‬
‫والمجرة والسماء واكتظت نواحيها بالثار وحشدت‬
‫بالجوامع الكبار ناهيك "بأيا صوفية" وما أدراك ما "أيا‬
‫صوفية" هو بنية تعلوها شرافات علية وقبة ضخمة‬
‫جوفاء كأنها قبة السماء وأرض تلك البنية كالماوية من‬
‫مرمر ألق ذي بصيص براق وافيها دعائم كل دعامة‬
‫كالحق واستقامة وبها محاريب وحنايا وأقبية زوايا ومنبر‬

‫‪184‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كأنه أريكة سلطان في الخورنق أو غمدان هذا وقد‬
‫نزلت من كنف أمير المؤمنين وخليقة رب العالمين‬
‫ىفي دار السعادة ومرع الفضل والمجاد ومطلع الجود‬
‫وفل السعود وحظيرة لنع ومشعر الهمم وأقمت ضيفا ً‬
‫تعند السيد السند الهزبري النضد تاج آل محمد السيد‬
‫فلن في عصابة من الصوابة لعيب فيهم غير أنهم‬
‫ينسون الغريب وطنه وحامته وسكنه لهم أعراق عربية‬
‫وأخلق هاشمية وحماس وسماح كالماء والراح ولم أكد‬
‫ألقي العصا وتستقر بين النوى حتى جاءني سلم من‬
‫أمير المؤمنين خلته السلم الذي ذكره في قوله تعالى‪:‬‬
‫ن( ]الحجر‪.[46 :‬‬
‫مِني َ‬
‫سلم ٍ آ ِ‬ ‫خُلو َ‬
‫ها ب ِ َ‬ ‫)اد ْ ُ‬
‫"كتبت السيدة وردة اليازجية إلى السيدة عائشة تيمور‬
‫المتوفاة سنة ‪1300‬ه?"‬
‫) ‪(1/130‬‬

‫سيدتي ومولتي‪ :‬أعرض أنني بينما أنا ألهج بذكر‬


‫ألطافكم السنية أتنسم شذا أنفاسكم العبقرية وأترقب‬
‫لقاء أثر من لدنكم يتعللل به الخاطر ويكتحل بإثمد‬
‫مداد الناظر‪.‬‬
‫وصلتني مكاتبكم فجلت العين أقذاءها وردت إلى‬
‫النفس صفاءها فتناولتها بالقلب ل بالبنان وتصفحت ما‬
‫في طيها من سحر البيان‪ ،‬فقلت‪:‬‬
‫م الفؤاد به‬
‫ب الذي ها َ‬
‫هذا الكتا ُ‬

‫ف كاتبه‬
‫م لفي ك ّ‬
‫يا ليتني قل ٌ‬

‫‪185‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ولعمري إنه كتاب حوى بدائع المنثور والمنظوم وتحلى‬


‫من درر الفصاحة فأخجلت لديه دراي النجوم وقد‬
‫تطفلت على مقالكم العالي بهذا الجواب ناطقا ً‬
‫بتقصيري وضمنته من مدح سجاياكم الغراء وما يشفع‬
‫لدى مكارمكم في قبو معازيري ل زلتم للفضل معهدنا ً‬
‫وذخر ا ً وللدب كنزا ً وفخرًا‪.‬‬
‫?"وكتبت السيدة عائشة تيمور إلى السيدة وردة‬
‫اليازجية المتوفاة سنة ‪1313‬ه?"‬
‫) ‪(1/131‬‬

‫استهل براعة سلم مل الشوق وتقلد الشقق ما نشقت‬


‫ناشقة عف الوداد كفالته ورضيت المجال في صدق‬
‫المقال لنطق بخالص الوفاء مداد حروفه وأقام بأداء‬
‫التحية العاطرة قبل فض ختام مظروفه ولعمري قد‬
‫توجته أزهار الثناء بللئ غراء كللته زواهر الوفاء من‬
‫خالص الوداد إلى حضرة من ل تزال تستروح السماع‬
‫بنسيم أنبائها صباح مساء‪ ،‬وتتشوق الرواح إلى‬
‫استطلع بدر إنسانها الكامل أطرافا ً وآناء‪ ،‬ومما زادني‬
‫ب فيه طفل الشفق تعن‬ ‫شوقا ً إلى شوق حتى لقد ش ّ‬
‫الطوق اجتلئي حديقة "الورد" القدسية ونافجة الدب‬
‫المكية فيالها من حديقة رقمتها أحداق الذهان‬
‫فاقتبست نورا ً وانشقتها مسام الذان فثملت طربا ً‬
‫وسرورا ً ومنذ سرحت في أرجاء تلك اليانعة إنان‬
‫العيون وشرحت بأفكار البصيرة أسرار ذلك الدر‬

‫‪186‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫المصون لم أزل بين طرب أتوشح وأدب أتعجب من‬
‫حسن اختتامه وافتتاحه وجعلت أغازل من نرجس تلك‬
‫الروضة تعيونا ً ملكت مني الحواس وهصرت من غصون‬
‫ألفاتها كل ممشوق أهيف مياس وأتأدب في حضرة‬
‫ف من شوكة سلطانها وأن حياتي بجميل‬ ‫وردها خو ً‬
‫اللتفات ضاحكة عن نفس جماثة وإذا بالياسمين الغض‬
‫قد ألقى نفسه على الثرى ونادى بلسان الفصاح هل‬
‫لهذه النضرة نظيرة يا ترى فأشار المنثور بكفه‬
‫الخضيب أن ل نظير لتك الغادة ونطق الزنبق بلسان‬
‫البيان ل تكتموا الشهادة فعد ذلك صفق الطير بأكف‬
‫الجنحة وبشر وجرى الماء لذاعة نبأ السرور فعثر بذيل‬
‫النسيم وتكسر وتمايل أغصانها المورقة لسماع هذا‬
‫الحديث وأخذت نسماتها العاطرة في السير الحثيث‬
‫إذاعة لتلك البشائر في العشائر ونشرا ً لهذه الفضائل‬
‫التي سارت مسير المثل السائر فقلت بلسان الصادق‬
‫المين بعد تحقق هذا النبأ اليقين هكذا وهكذا تكون‬
‫الحديقة وإل وكذلك كذلك لتكتب الفضائل وتملي‪.‬‬
‫وحدثني يا سعد عنهم فزدتني‬

‫غراما ً فزدني من حديثك يا سعد ُ‬


‫) ‪(1/132‬‬

‫فتحمل عني أيها الصديق تحية إلى ربة هاتيك الحديقة‬


‫واشرح لديها حديث شغفي بفضلها الباهر على الحقيقة‬
‫وأعتذر عن كتابي هذا فقد جاء يمشي على استحياء‬

‫‪187‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وكلما حركة الشوق يبطئه الحياء وكيف وقد حل في‬
‫منيع الفضائل والمقام الذي لم يدع مقال ً لقائل فكأني‬
‫إما أهدي الثمر إلى هجر وأمنح البحر الخضم بالمطر‬
‫أدام الله معالي تلك الحضرة وزادها في كل حال بهجة‬
‫ونضرة ما لح جبين وبلغ غاية الكمال‪.‬‬
‫?"وكتب السيد عبد الله الّندي المتوفى سنة ‪1314‬ه?"‬
‫أستاذي وقدوتي وملذي وعمدتي‪ ،‬ربيت فأحسنت‬
‫وغذيت فأسمنت مؤدبا ً ليثا ولنت فسودت وجدت‬
‫فعودت مهذبا ً غيثا ً وعلمت فأفهمت وأشرت فألهمت‬
‫غرض سهمك وقد نلت ما أملت فيمن تعليه عولت‬
‫حسن فهمك‪.‬‬
‫غلمك الشهيُر بالّنديم‬

‫ن صار في البيان كالّنسيم‬


‫م ْ‬
‫وكيف ل يكون لساني قوس البديع وكلمي السهم‬
‫السريع وأنت باريه وراميه أم كيف ل يكون مقامي‬
‫الحصن المنيع وقدري العزيز الرفيع وأنت معليه وبانيه‬
‫وفوجه جمال العلم أنت غرته وإنسان عين العلم أنت‬
‫قرته وحاليه وجاليه وجبين العقل أنت طرته وكتاب‬
‫الفضل أنت صورته وطاليه وتاليه‪.‬‬
‫ة‬
‫على بابك العالي من الفضل راي ٌ‬

‫ق‬
‫على رأس أرباب المعارف تخف ُ‬

‫ة‬
‫ت من الفضل راي ٌ‬
‫فعلمك جنا ٌ‬

‫‪188‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ق‬
‫ت وغيثك مغد ٌ‬
‫وكلك خبرا ٌ‬

‫أرى غصن من يدعو إلى الفضل نفسه‬

‫من الفضل عريانا ً وغصنك مور ٌ‬


‫ق‬

‫إذا رمت إنشاء فعن صدق فكرة‬

‫تهادى بأبكار وغيرك يسرق‬

‫"وكتب أيضا ً في التوادد"‬


‫) ‪(1/133‬‬

‫بينما أنا راكب لجة بحر الفكر مجد في طلب فريدة بكر‬
‫تارة أغوص ومرة أسبح وآونة أقف وطورا ً أصفح ل يقر‬
‫لي قرارا ول يمكنني الفرار ول يقصر عن طرح شباكي‬
‫ذراع ٌ ول يطوى لسفينتي شراع كلما أدركني الملل‬
‫ي رياح المل حتى دخلت في بحر عجاج‬ ‫هاجت عل ّ‬
‫متلطم المواج فاقتحمت هذا المركب الصعب وتهت‬
‫بين الجزائر والشعب فتعلقت أفكاري بالسواري‬
‫والحبال وبت بليلة نجومها كواحل ل يرى فيها بر ول‬
‫سواحل وقلت اشتداد المر يستدعي ضده ول يأتي‬
‫الفرج إل بعد الشدة‪ ،‬وعينيك ما سل سيفها على مفرق‬
‫ها (‬
‫سا َ‬
‫مْر َ‬
‫ها وَ ُ‬
‫جَرا َ‬ ‫سم ِ الل ّهِ َ‬
‫م ْ‬ ‫مساها حتى سمعت )ب ِ ْ‬
‫]هود‪ [41 :‬فكان من تمام حظي وسعودي أن تركت‬

‫‪189‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ت ع ََلى ال ْ ُ‬
‫جود ِيّ ( ]هود‪[44 :‬‬ ‫ست َوَ ْ‬
‫لجنة اليم )َوا ْ‬
‫وتنصرف خوفي وارتباكي وبادرت بطرح شباكي فإذا‬
‫هي قد ملئت بأصداف الجوهر وعلقت بها شجرة العنبر‬
‫فتفتح الصدف عن در يستخدم القمار وفاح العنبر بما‬
‫أذهب شذى الزهار‪.‬‬
‫وصرت ما بينها كسرى الزمان له‬

‫س تنادمه في مجلس عطر‬


‫شم ٌ‬

‫ونلت أقصى أمان كنت آملها‬

‫النس في خلدي والنور في نظري‬


‫ولما جلوت الطرف بما فيها من الظرف ووقعت ندي‬
‫الموقع الحسن أردت أن أسومها بثمن فإذا هي درة‬
‫يتيمة ل يقدر لها أحد على قيمة فاستهديتها من ربها‬
‫لشغفي بحبها وجعلت القلب لها كنزا ً والفؤاد لها حرزا ً‬
‫أل وهي محة العزيز الحافظ أبدع مرئي وأبلغ لفظ‪.‬‬
‫"وكتب إبراهيم بك المويلحي المتوفى سنة ‪1323‬‬
‫يعزي محمود باشا البارودي"‬
‫أنت فوق أن تعزى عن الحبا‬

‫ب فوق الذي يعزيك عقل‬

‫وبألفاظك اهتدي فإذا عزا‬

‫ك قال الذي له لت قبل‬

‫‪190‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وقتلت الزمان علما ً فما يغ‬

‫رب قول ً ول يجدد فعل‬


‫) ‪(1/134‬‬

‫نعم إن يا "محمود" الخصال و"سامي" الفعال لنت‬


‫الشهم المجرب لصروف الحدثان والعالم الخبير بأحوال‬
‫الزمان قد أعددت لنوازل المقدور نزل ً من الصبر‬
‫المأجور وصرفت ضيف الشجون والهموم إلى قرى‬
‫الفضائل العلوم وأخذت من المصاب العظيم بسيرة‬
‫س يوما ً في الدرس‬ ‫ذاك الفيلسوف الحكيم بين هو جال ٌ‬
‫بين تلميذه إذ جاءه من أخبره بأن ابنه الوحيد مات وهو‬
‫رطب الشباب غض العمر فلم يتوله الفزع ولم يظهر‬
‫عليه الضطراب ولم يبد على وجهه الكدر وما زاد على‬
‫أن استرجع واستمر في قراءة درسه كما كان فلما‬
‫انتهى منه بادر أحد الحاضرين من أصحابه ممن حيرتهم‬
‫الدهشة في أمره ويسأله كيف لم يسله الحزن ثوب‬
‫الثبات برهة مفاجأته بالخبر فقال له‪" :‬لو فاجأتني‬
‫النازلة على غرة مني لجزعت وحزنت ولكني ما وزلت‬
‫أقدر لبني منذ يوم ولدته حلول أجله كل يوم من أيام‬
‫حياته ولمثل هذا اليوم كنت أعده من زمان طويل وكان‬
‫كلما مضى عام من أعوام اعتبرته خلسة اختلسها من‬
‫الدهر حتى مضى على هذه العارية عشرون عاما ً‬
‫فشكري لله اليوم على أن أبقاها في يدي و لهذه المدة‬

‫‪191‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫يوم مقام الحزن عند غير لدى استرداها" وعن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪" :‬إذا مات ولد العبد قال الله‬
‫تعالى للملئكة أقبضتم ولد عبدي فيقولون نعم فيقول‬
‫أقبضتم ثمرة قلبه فيقولون نعم فيقول الله تعالى ماذا‬
‫قال عبدي فيقولون حمدك واسترجع فيقول الله تعالى‬
‫ابنوا لعبدي بيتا ً في الجنة وسموه بيت الحمد" وأنت يا‬
‫محمود صلوات الله عليك ورحمته لقوله تعالى‪:‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ص ّ‬ ‫جوِع وَن َْق ٍ‬ ‫ف َوال ْ ُ‬ ‫خو ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫يٍء ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫)وَل َن َب ْل ُوَن ّك ُ ْ‬
‫ن }‪{155‬‬ ‫ري َ‬ ‫صاب ِ ِ‬ ‫شرِ ال ّ‬ ‫ت وَب َ ّ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫س َوالث ّ َ‬ ‫والنُف ِ‬ ‫ل َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬‫ال َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ال ّذين إَذآ أ َ‬
‫جعو َ‬ ‫َ ِ‬ ‫را‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫نآ‬
‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬‫َ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫نا‬‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫ا‬ ‫لو‬ ‫قا‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫صي‬ ‫ِ‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫هم‬ ‫ْ‬
‫َ ُ‬‫ت‬ ‫َ‬ ‫ب‬‫صا‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬
‫ك‬‫ة وَُأول َئ ِ َ‬‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫من ّرب ّهِ ْ‬ ‫ت ّ‬ ‫وا ٌ‬ ‫صل َ َ‬‫م َ‬ ‫ك ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫}‪ُ {156‬أول َئ ِ َ‬
‫ن( ]البقرة‪ [157 155 :‬أول من يمثل لحكم‬ ‫دو َ‬ ‫مهْت َ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫هُ ُ‬
‫القضاء ويسترجع عنه نزول‬
‫) ‪(1/135‬‬

‫البلء ويعمل بأدب الدين في التجلد والتصبر ويأخذ‬


‫بسيرة الحكماء في التدبر والتبصر‪.‬‬
‫ومن كان ذا نفس كنفسك حرة‬

‫ن وفيها له مس ْ‬
‫ل‬ ‫ففيه لها مغ ٍ‬

‫الكلم على الرسالت العلمية‬


‫الرسالت العلمية هي مقالت في المطالب العلمية أو‬
‫المسائل الدبية وإنما سميت بالرسالت لن أصحابها‬
‫يرسلونها إلى من اقترحها عليهم ويسلك فيها صاحبها‬

‫‪192‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مناهج السترسال والمخاطبات البليغة وقد أفردنا لها‬
‫كتابنا "أسلوب الحكيم في منهم النشاء القويم" فارجع‬
‫إليه إن شئت‪.‬‬
‫الفن الثاني في المناظرات‬
‫للمناظرة ثلثة شروط‪ :‬الول‪ :‬أن يجمع بين خضمين‬
‫متضادين أو متباينين في صفاتهما بحيث تظهر خواصهما‬
‫بالمقابلة كالربيع والخريف والصيف والشتاء‪ ،‬والثاني‪:‬‬
‫أن يأتي كل من الخصمين في نصرته لنفسه وتفنيد‬
‫مزاعم قرنه بأدلة من شأنها أن ترفع من قدره وحط‬
‫من مقام الخصم بحيث ميل بالسامع عنه إليه‪ ،‬والثالث‪:‬‬
‫أن تصاغ المعاني والمراجعات صوغا ً حسنا ً وترتب على‬
‫سياق محكم ليزيد بذلك نشاط السامع وتنمي فيه‬
‫الرغبة في حل المشاكل‪.‬‬
‫ولنذكر لك عليها شذرات من أقوال الكتاب فنقول‪:‬‬
‫"مناظرة العثمان بن المنذر وكسرى وأنوشروان في‬
‫شأن العرب"‬
‫) ‪(1/136‬‬

‫روى بن القطامي عن الكلبي قال‪ :‬قدم النعمان بن‬


‫المنذر على كسرى وعند وفود الروم والهند والصين‬
‫فذكروا من ملوكهم وبلدهم‪ :‬فافتخر النعمان بالعرب‬
‫وفضلهم على جمع المم ل يستثنى فارس ول غيرها‪:‬‬
‫فقال كسرى وأخذته عزة الملك يا نعمان لقد فكرت‬
‫في أمر العرب وغيرهم من الم ونظرت في حالة من‬
‫ي من وفود المم‪ ،‬فوجدت للروم حظا ً في‬‫يقدم عل ّ‬

‫‪193‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫اجتماع ألفتها وعظم سلطانها وكثرة مدائنها ووثيق‬
‫بنيانها وإن لها دينا يبين خللها وحرامها ويرد سفيهها‬
‫ويقيم جاهلها ورأيت الهند نحوا من ذلك في حكمتها‬
‫وطبها وكثرة أنهار بلدها وثمارها وعجيب صناعتها‬
‫وطيب أشجارها ودقيق حسابها وكثرة عددها و وكذلك‬
‫الصين في اجتماعها وكثرة صناعات أيديها وفروسيتها‬
‫وهمتها في آلة الحرب وصناعة الحديد وإن لها ملكا ً‬
‫يجمعها‪ ،‬والترك والخزر على ما بهم من سوء الحال‬
‫في المعاش وقلة الريف والثمار والحصون وما هو‬
‫رأس عمارة الدنيا من المساكن والملبس لهم ملوك‬
‫تضم قواصيهم وتدبر أمرهم‪ ،‬ولم أر للعرب شيئا ً من‬
‫خصال الخير في أمر ودين ول دنيا ل حزم ول قوة‪ :‬ومع‬
‫أن مما يدل على مهانتها وذلها وصغر همتها محلتهم‬
‫التي هم بها مع الوحوش النافرة والطير الحائرة يقتلون‬
‫أولدهم من الفاقة ويأكل بعضهم بعضا ً من الحاجة قد‬
‫خرجوا من مطاعم الدنيا وملبسها ومشربها ولهوها‬
‫ولذاتها‪ ،‬فأفضل طعام ظفر به ناعمهم لحوم البل التي‬
‫يعافها كثير من السباع لثقلها وسوء طعمها وخوف‬
‫دائها‪ ،‬وإن قوى أحدهم ضيفا ً عدها مكرمة وإن أطعم‬
‫أكلة عدها غنيمة تنطق بذلك إشعارهم وتفتخر بذلك‬
‫رجالهم )ما خل هذه التنوخية التي أسس جدي اجتماعها‬
‫وشد مملكتها ومنعها من عدوها فجرى لها ذلك إلى‬
‫يومنا هذا وإن لها مع ذلك آثارا ً ولبوسا ً وقرى وحصونا ً‬
‫وأمورا ً تشبه بعض أمور الناس يعني اليمن( ثم ل أراكم‬
‫تستكبنون على ما بكم من الذلة والقلة والفاقة‬

‫‪194‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والبؤس حتى تفتخروا وتريدوا أن تنزلوا فوق مراتب‬
‫الناس‪ ،‬قال النعمان أصلح الله‬
‫) ‪(1/137‬‬

‫الملك‪ :‬حق لمة الملك منها أن يسمو فضلها ويعظم‬


‫خطبها وتعلوا درجتها إل أن عندي جوابا ً في كل ما‬
‫ينطق به الملك في غير رد عليه ول تكذيب له فإن‬
‫أمنني من غضبه نطقت به‪ :‬قال كسرى‪ :‬قل فأنت‬
‫آمن‪ :‬قال النعمان‪ :‬أما أمتك أيها الملك فليست تنازع‬
‫في الفضل لموضعها الذي هي به من عقولها وأحلمها‬
‫وبسطة محلها وبحبوحة عزها وما أكرمه الله به من‬
‫ولية آبائك ووليتك وأما المم التي ذكرت فأي أمة‬
‫تقرنها بالعرب إل فضلتها‪:‬قال كسرى بماذا‪ :‬قال‬
‫النعمان بعزها ومنعتها وحسن وجوهها وبأسها وسخائها‬
‫وحكمة ألسنتها وشدة عقولها وأنفتها ووفائها‪.‬‬
‫فأما عزها ومنعتها فإنها لم تزل مجاورة لبائك الذين‬
‫دخلوا البلد ووطدوا الملك وقادوا الجند لم يطمع فيهم‬
‫طامع ولم ينلهم نائل حصونهم ظهور خيلهم ومهادهم‬
‫الرض وسقوفهم السماء وجنتهم السيوف وعدتهم‬
‫الصبر‪ ،‬إذا غيرها من لمم إنما عزها الحجارة والطين‬
‫وجزائر البحور‪.‬‬
‫وأما أحسن وجوهها وألوانها فقد يعرف فضلهم في ذلك‬
‫على غيرهم من الهند المنحرفة والصين المنحفة والتك‬
‫المشوهة والروم المقسرة‪.‬‬
‫وأما أنسابها وأحسابها فليست أمة من المم إل وقد‬

‫‪195‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫جهلت آباءها وأصولها وكثيرا ً من أولها حتى أن أحدهم‬
‫ليسأل عمن وراء أبيه دنيا فل ينسبه ول يعرفه‪ ،‬وليس‬
‫أحد من العرب إل ويسمى آباءه أبا فأبا حاطوا بذلك‬
‫أحسابهم وحفظوا به أنسابهم فل يدخل رجل في غير‬
‫قومه ول ينتسب إلى غير نسبه ول يدعي إلى غير أبيه‪.‬‬
‫) ‪(1/138‬‬

‫وأما سخاؤها فإن أذناهم رجل الذي تكون عند البكرة‬


‫والنا عليها بلغة في حموله وشبعه وريه فيطرقه‬
‫الطارق الذي يكتفي بالفلذة ويجتري بالشربة فيعقرها‬
‫وله ويرضى أن يخرج عن دنياه كلها فيما يكسبه حسن‬
‫الحدوثة وطيب الذكر‪.‬‬
‫وأما حكمة ألسنتهم فإن الله تعالى أعطاهم في‬
‫أشعارهم ورونق كلمهم وحسنة وزنه وقوافيه مع‬
‫معرفتهم بالشياء وضربهم للمثال وإبلغهم في‬
‫الصفات وما ليس لشيء من ألسنة الجناس‪ ،‬ثم خيلهم‬
‫أفضل الخيل ونساؤهم أعف النساء ولباسهم أفضل‬
‫اللباس ومعدنهم الذهب والفضة وحجارة جبالهم الجزع‬
‫ومطاياهم التي ل يبلغ على مثلها سفر ول يقطع بمثلها‬
‫بلد قفٌر‪.‬‬
‫وأما دينها وشريعتها لنهم متمسكون به حتى يبلغ‬
‫أحدهم من نسكه بدينه أن لهم أشهرا ً حرما ً وبلجا ً‬
‫محرما ً وبيتا ً محجوجا ً ينسكون فيه مناسكهم ويذبحون‬
‫فيه ذبائحهم فيلقى الرجل قاتل أبيه أو أخيه وه قادر‬
‫على أخذ ثأره وإدراك رغمه منه فيحجزه كرمه ويمنعه‬

‫‪196‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫دينه عن تناوله بالذى‪.‬‬
‫وأما وفاؤها فإن أحدهم يلحظ اللحظة ويومئ اليماء‬
‫فهي ولت )أي عهد( وعقدة ول يحلها إل خروج نفسه‬
‫وإن أحدهم يرفع عودا ً من الرض فيكون رهنا ً بدينه فل‬
‫يغلق رهنه ول تحفز ذمته وإن أحدهم ليبلغه أن رجل ً‬
‫استجار به وعسى أن يكون نائيا ً عن داره فيصاب فل‬
‫يرضى حتى يفنى تلك القبيلة التي أصابته أو تفنى لما‬
‫أحفز من جواره وأنه ليلجأ إليهم المجرم المحدث من‬
‫غير معرفة ول قرابة فتكون أنفسهم دون نفسه‬
‫وأموالهم دون ماله‪.‬‬
‫وأما قولك أيها الملك يئدون أولدهم فإنما يفعله من‬
‫يفعله منهم بالناث أنفة من العار وغيرة من الزواج‪.‬‬
‫وأما قولك إن أفضل طعامهم لحوم البل على ما‬
‫وصفت منها فما تركوا ما دونها إل احتقارا ً ل فعمدوا‬
‫إلى أجلها وأفضلها فكانت مراكبهم وطعامهم مع أنها‬
‫أكثر البهائم شحوما ً وأطيبها لحوما ً وأرقها ألبانا ً وأقلعها‬
‫غائلة وأحلها ومضغة وإنه ل شيء من اللحمان يعالج‬
‫ما يعالج به لحمها إل استبان فضلها‬
‫) ‪(1/139‬‬

‫عليه‪.‬‬
‫وأما تجاربهم وأكل بعضهم بعضا ً وتركهم النقياد لرجل‬
‫يسوسهم ويجمعهم فإنما يفعل ذلك من يفعله من‬
‫المم إذا أنست من نفسها ضعفا ً وتخوفت نهوض‬
‫عدوها بالزحف وإنه إنما يكون في المملكة العظيمة‬

‫‪197‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أهل بيت واحد يعرف فضلهم على سائر غيرهم‬
‫فيقولون إليهم أمورهم وينقادون لهم بأزمتهم‪.‬‬
‫وأما العرب فإن ذلك كثير فيهم حتى لقد حاولوا ن‬
‫يكونوا ملوكا ً أجمعين مع آنفتهم من أداء الخراج‬
‫والوطث )أي الضرب الشديد بالرجل على الرض(‬
‫بالعسف‪.‬‬
‫وأما اليمن التي وصفها الملك فإنما أتى جد الملك إليها‬
‫الذي أتاه عند غلبة الجيش له على ملك وأمرٍ مجتمع‬
‫فأتاه مسلوبا ً طريدا ً مستصرخا ً ولول ما وتر به من يليه‬
‫العرب لمال إلىة مجال واحد من يجيد الطعان ويغضب‬
‫الحرار من غلبة العبيد الشرار‪.‬‬
‫قال فعجب كسرى لما أجابه النعمان به وال إنك لهل‬
‫لموضعك من الرياسة في أهل إقليمك ثم كساه من‬
‫كسوته وسرحه إلى موضعه من الحيرة‪.‬‬
‫فلما قدم النعمان الحيرة وفي نفسه ما فيها مما سمع‬
‫كسرى من تنقص العرب وتهجين أمرهم بعث إلى أكثم‬
‫بن صفي حاجب بن زرارة التيميين وإلى الحارث بن‬
‫ظالم وقيس بن مسعود البكريين وإلى خالد بن جعفر‬
‫وعلقمة بن علثة وعامر بن الطفيل العامريين وإلى‬
‫عمرو بن الشريد لسليمي وعمرو بن معد يكرب‬
‫الزبيدي والحارث بن ظالم المري فلما قدموا عليه في‬
‫الخورنق قال لهم قد عرفتم هذه العاجم وقرب جوار‬
‫العرب منها وقد سمعت من كسرى مقالت تخوفت أن‬
‫يكون لها غوار أو يكون إنما أظهرها لمر أراد أن يتخذ‬
‫العرب خول ً كبعض طماطمته في تأديتهم الخراج إليه‬
‫كما يفعل بملوك المم الذي حوله فاقتص عليهم‬

‫‪198‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مقالت كسرى وما رد عليه‪ :‬فقالوا أيها الملك وفقك‬
‫الله ما أحسن ما رددت وأبلغ ما حججته به فمرنا‬
‫بأمرك وادعنا إلى ما شئت‪.‬‬
‫) ‪(1/140‬‬

‫قال إنما أنا رجل منكم وإنما ملكت وعززت بمكانكم‬


‫ي مما‬ ‫وما يتخوف ومن ناحيتكم ولليس شيء أحب إل ّ‬
‫سدد الله أمركم وأصلح به شأنكم وأدام به عزكم‬
‫والرأي أن تسيرزا بجماعتكم أيها الرهط وتنطلقوا إلى‬
‫كسرى‪ ،‬فإذا دخلتم نطق كل رجل منكم بما حضره‬
‫ليعلم أن العرب تعلى غير ما ظن أو حدثته نفسه ول‬
‫ينطق رجل منكم بما يغضبه فإنه ملك عظيم السلطان‬
‫كثير العوان مترف معجب بنفسه ل تنخزلوا له انخزال‬
‫الخاضع الذليل ولكن أمر بين ذلك تظهر به دماثة‬
‫حلومكم وفضل منزلتكم وعظيم أخطاركم وليكن أول‬
‫من يبدأ منكم بالكلم أكثم بن صيفي ثم تتابعوا على‬
‫المر من منازلكم التي وضعتكم بها فإنما دعاني إلى‬
‫التقدمة إليكم علمي بميل كل رجل منكم إلى التقدم‬
‫قبل صاحبه فل يكون منكم فيجد في آدابكم مطعنا ً فإنه‬
‫ملك مترف وقادر مسلط ثم دعا لهم بما في خزائنه‬
‫من طرائف حلل الملوك كل رجل منهم حلة وعممه‬
‫عمامة وختمه بياقوتة وأمر لكل رجل نهم بخيبة مهرية‬
‫وفرس نجيبة وكتب معهم كتابًا‪.‬‬
‫) ‪(1/141‬‬

‫‪199‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أما بعد فإن الملك ألقى إلى من أمر العرب ما قد علم‬
‫وأجبته بما قد فه مما أحببت أن يكون منه على علم ول‬
‫يتلجلج في نفسه أن أمة من المم التي احتجزت دونه‬
‫بمملكتها وحمت ما يليها بفضل قوتها تبلغها من المور‬
‫التي يتعزز بها ذوو الحزم والقوة والتدبير والمكيدة‪،‬‬
‫ط من العرب لهم فضل في‬ ‫وقد أوفدت أيها الملك ره ً‬
‫أحسابهم وأنسابهم وعقولهم وآدابهم فليسمع الملك‬
‫وليغمض عن جفاء أ‪ ،‬ظهر من منطقهم وليكرمنني‬
‫بإكرامهم وتعجيل سراحهم وقد نسبتهم الملك وليغمض‬
‫عن جفاء أن ظهر من منطقهم وليكرمني بإكرامهم‬
‫وتعجيل سراحهم وقد نسبتهم في أسفل كتابي هذا إلى‬
‫عشائرهم فخرج القوم في أهبتهم حتى وقفوا بباب‬
‫كسرى بالمدائن فدفعوا إليه كتاب النعمان فرآه وأمر‬
‫بإنزالهم إلى أن يجلس لهم مجلسا ً يسمع منهم فلما أن‬
‫كان بعد ذلك بأيام أمر مرازبته وجوه أهل مملكته‬
‫فحضروا وجلسوا على كاسي عن يمينه وشماله ثم دعا‬
‫بع على الولء والمراتب التي وصفهم النعمان بها في‬
‫كتابه وأقام الترجمان ليؤدي إليه كالمهم ثم أذن لهم‬
‫في الكلم‪.‬‬
‫فقام أكثم بن صفي فقال إن أفضل الشياء أعاليها‬
‫وأعلى الرجال ملوكها وأفضل الملوك أعمها نفعا ً وخيُر‬
‫الزمنة أخصبها وأفضل الخطباء أصدقها‪.‬‬
‫الصدق منجاة والكذب مهواة والشر لجاجة والحزم‬
‫مركب صعب والعجز مركب وطيء آفة الرأي الهوى‬
‫والعجز مفتاح الفقر وخير المور الصبر حسن الظن‬
‫ورطة وسوء الظن عصمة‪ ،‬إصلح فساد الرعية خير من‬

‫‪200‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إصلح فسادر الراعي من فسدت بطانته كان كالغاص‬
‫بالماء‪.‬‬
‫شر البلد بلد ل أمير بها‪ ،‬شر الملوك من خافه البريء‬
‫المرء يعجز ل محالة أفضل الولد البررة العوان من‬
‫لم يراء بالنصيحة أحق الجنود بالنصر من حسنت‬
‫سريرته يكفيك من الزاد ما بلغك المحل حسبك من‬
‫شر سماعه الصمت حكم وقليل فاعله البلغة اليجاز‬
‫من شدد نفر ومن تراخى تألف فتعجب كسرى من‬
‫أكثم ثم قال ويحك يا أكثم ما أحكمك وأوثق كلمك لول‬
‫وضعك كلمك في غير موضعه قال أكثم الصدق‬
‫) ‪(1/142‬‬

‫بنبئ عنك ل الوعيد قال كسرى لو لم يكن للعرب‬


‫غيرك لكفى قال أكثم رب قول أنفذ من صول‪.‬‬
‫ثم قام حاجب بن زرارة التيمي وقال‪ :‬ورى زندك‬
‫وعلت يدك وهيب سلطانك‪ ،‬وإن العرب أمة قد غلظت‬
‫أكبادها واستحصدت مرتها ومنعت درتها وهي لك وامقة‬
‫ما تألفتها مسترسلة ما ل ينتها سامعة ما سامحتها وهي‬
‫العلقم مرارة وهي الصاب غضاضة والعسل حلوة‬
‫والماء الزلل سلسة نحن وفودها إليك وألسنتها لديك‬
‫ذمتنا محفوظة وأحسابنا ممنوعة وعشائرها فينا سامعة‬
‫مطيعة إن نؤوب لك حامدين خيرا ً فلك بذلك عموم‬
‫محمدتنا وإن نذم لم نخص بالذم دونها‪ ،‬قال كسرى يا‬
‫حاجب ما أشبه حجر التلل بألوان صخرها قال حاجب‬
‫بل زئير السد بصولتها‪ ،‬قال كسرى وذلك‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/143‬‬

‫ثم قام الحارث البكري فقال‪ :‬دامت لك المملكة‬


‫باستكمال جزيل حظها وعلو سنائها‪ ،‬من طال رشاؤه‬
‫كثر متحه ومن ذهب ماله قل نحه تناقل القاويل يعرف‬
‫اللب وهذا مقام سيوجف بما تنطق به الركب وتعرف‬
‫به كنه حالنا العجم والعرب ونحن جيرانك الدنون‬
‫وأعوانك المعينون خيولنا جمة وجيوشنا فخمة ون‬
‫استنجدتنا فغير ربض وإن استطرفتنا غير جهض وإن‬
‫طلبتنا فغير غمض ول ننثني لذعر ول نتنكر لدهر رماحنا‬
‫طوال وأعمارنا قصار وقال كسرى أنفس عزيزة وأمة‬
‫ضعيفة قال الحارث أيها الملك وأنى يكون لضعيف عزة‬
‫أو لصغير مرة قال كسرى لو قصر عمرك لن تستول‬
‫على لسانك نفسك قال الحارث أيها الملك إن الفارس‬
‫إذا حمل نفسه على الكتيبة مغررا ً بنفسه على الموت‬
‫فهي منية استقبلتها وجنان استدبرها‪ ،‬والعرب تعلم أني‬
‫أبعث الحرب قدما ً وأحبسها وهي تصرف بها حتى إذا‬
‫جاشت نارها وسعرات لظاها وكشفت عن ساقها‬
‫جعلت مقادها رمحي وبرقها سيفي ورعدها زئيري ولم‬
‫أقصر عن خوض خضخاضها حتى انغمس في غمرات‬
‫لججها وأكون فلكا ً لفرساني إلى بحبوحة كبشها‬
‫فاستمطرها دما ً وأترك حماتها جز السباع وكل نسر‬
‫قشعن ثم قال كسرى لمن حضره من العرب أكذلك‬
‫هو قالوا فعاله أنطق من لسانه قال كسرى ما رأيت‬
‫كاليوم وفدا ً أحشد ول شهودا ً أوفد‪.‬‬
‫ثم قام عمرو بن الشريد السلمي فقال‪ :‬أيها الملك نعم‬

‫‪202‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بالك ودام في السرور حالك أن عاقبة الكلم متدبرة‬
‫وأشكال المور معتبرة وفي كثير ثقلة وفي قليل بلغة‬
‫وفي الملوك سورة العز وهذا منطق له ما بعده‪ ،‬شرف‬
‫ت لضيمك ولم نفد‬ ‫فيه شرف وخمل من خمل لم نأ ِ‬
‫لسخطك ولم نتعرض ‪ 1‬لرفدك إن في أموالنا منتقدا ً‬
‫وعلى عزنا معتمدا ً إن أورينا اثقبنا وإن أود دهر بنا‬
‫اعتدلنا إل أنا م هذا لجوارك حافظون ولمن رامك‬
‫كافحون حتى يحمد الصدر ويستطاب الخبر قال كسرى‬
‫ما يقوم قصد منطقك بإفراطك ول مدحك بذمك قال‬
‫عمرو كفى بقليل قصدي هاديا وبأيسر إفراطي مخبرا ً‬
‫ولم يلم من غربت نفسه ما يعلم ورضى من القصد‬
‫بنما بلغ‬
‫) ‪(1/144‬‬

‫قال كسرى ما كل ما يعرف المرء ينطق‪ ،‬اجلس‪.‬‬


‫ثم قام خالد بن جعفر الكلبي فقال‪ :‬أحضر الله الملك‬
‫إسعادا ورشده إرشادا ً إن لكل منطق فرصة ولك حاجة‬
‫غصة وعي المنطق من عي السكوت وعثار القول أنكأ‬
‫من عثار الوعث وما فرصة وما فرصة المنطق عندنا إل‬
‫بما نهوى وغصة المنطق بما ل نهوى غير مستساغة‬
‫وتركي ما أعلم من نفسي ويعلم من سمعي أنني له‬
‫مطيق أحب إلي من تكلفني ما أتخوف ويتخوف مني‬
‫وقد أوفدنا إليك ملكنا النعمان وهو لك من خير العوان‬
‫ونغم حامل المعروف والحسان أنفسنا بالطاعة لك‬
‫باخعة ورقابنا بالنصيحة وأيدينا لك بالوفاء رهينة قال له‬

‫‪203‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كسرى نطقت بعقل وسمرت بفضل وعلوت بنبل‪ .‬ثم‬
‫قام علقمة بن علثة العامري فقال‪ :‬نهجت سبل‬
‫الرشاد وخضعت لك رقاب العباد إن للقاويل مناهج‬
‫وللراء موالج وللعويص مخارج وخير القول اصدقه‬
‫وأفضل الطلب أنجح‪ ،‬وإنا وإن كانت المحبة أحضراتنا‬
‫والوفادة فربتنا فليس من حضرك منا بأفضل من عزب‬
‫عنك بل لو قست كل رجل منهم وعلمت منهم ما علمنا‬
‫لوجدت له في آبائه دنيا أندادا ً وأكفاء كلهم إلى الفضل‬
‫منسب وبالشرف والسودد موصوف وبالرأي الفاضل‬
‫والدب النافذ معروف يحمي حماه ويروي نداماه ويذود‬
‫أعداه ل تخمد ناره ول يحترز منه جاره‪ ،‬أيها الملك‪ ،‬من‬
‫يبل العرب يعرف فضلهم فاصطنع العرب فإنها الجبال‬
‫الرواسي عزا والبحور الزواخر طميا والنجوم الزواهر‬
‫شرفا ً والحصى عددا ً فإن تعرف لهم فضلهم يعزوك‬
‫وإن تستصرخهم ل يخذلوك‪ ،‬قال كسرى وخشي أن‬
‫يأتي منه كلم يحمله على السخط عليه أبلغت‬
‫وأحسنت‪.‬‬
‫) ‪(1/145‬‬

‫ثم قام قيس بن مسعود الشيباني فقال‪ :‬أطاب الله بك‬


‫المراشد وجنبك المصاب ووقاك مكروه الشصائب ما‬
‫أحقنا إذا أتيناك ما ل يحنق صرك ول يزرع لنا حقدا ً في‬
‫قلبك لم تقدم أيها الملك لمساماة ولم ننتسب لمعاداة‬
‫ولكن لتعلن أنت ورعيتك ومن حضرك من وفود المم‬
‫أما في المنطق غير محجمين وفي الناس غير مقرصين‬

‫‪204‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وإن جورينا فغير مسبوقين وإن سومينا فغير مغلوبين‬
‫قال كسرى غير أنكم إذا عاهدتم غير وافين وهو يعرض‬
‫به في تركه الوفاء بضمانه السواد‪ :‬قال قيس أيها‬
‫ف غدر به أو كخافر خفر‬ ‫الملك ما كنت في ذلك إل كوا ٍ‬
‫بذمته قال كسرى ما يكون لضعيف ضمان ول لذليل‬
‫خفارة قال قيس أيها الملك م أنا فيما أخفر من ذمتي‬
‫أحق بإلزامي العار منك فيما قتل من رعيتك وانتهك‬
‫من حرمتك قال كسرى ذلك لن من ائتمن الخانة‬
‫واستنجد الئمة ناله من الخطأ ما نالني وليس كل‬
‫الناس سواء‪ ،‬كيف رأيت حاجب بن زرارة لم يحكم‬
‫قواه فيبرم ويعهد فيوفي ويعد فينجز‪ ،‬قال وما أحقه‬
‫بلك وما رأيته إل لي قال كسرى القوم بزل فأفضلها‬
‫أشدها‪.‬‬
‫ثم قام عامر بن الطفيل العامري فقال‪ :‬كثر فنون‬
‫المنطق وليس القول أعمى من حندس الظلماء وإنما‬
‫الفخر في الفعال والعجز في النجدة‪ :‬والسؤدد مطاوعة‬
‫القدة وما أعلمك بقدرنا وأبصرك بفضلنا وبالحرا إن‬
‫أدلت اليام وثابت الحلم أن تحدث لنا أمور لها أعلم‪،‬‬
‫قال كسرى وما تلك العلم قال مجتمع الحياء من‬
‫ربيعة ومضر على أمر يذكر قال كسرى وما المر الذي‬
‫يذكر قال عامر مالي علم أكثر مما خبرني به خبر قال‬
‫كسرى متى تكاهنت يا ابن الطفيل قال لسن بكاهن‬
‫ولكني بالرمح طاعن قال كسرى فإن أتاك آت من جهة‬
‫عينك العوراء ما أنت صانع قال ما هيبتي في قفاي‬
‫بدون هيبتي في وجهي وما أذهب عيني عيث ولكن‬
‫مطاوعة العبث‪.‬‬

‫‪205‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ثم قامر عمرو بن معد يكرب الزبيدي‪ :‬فقال‪ :‬إنما‬
‫المرء بأصغريه قلبه ولسانه فبلغ المنطق الصواب‬
‫وملك النجدة الرتياد وعفو الرأي خيٌر من استكراه‬
‫الفكرة وتوقيف الخبرة خيٌر من‬
‫) ‪(1/146‬‬

‫اعتساف الحيرة فاحتبذ طاعتنا بلفظ واكتظم بإدراتنا‬


‫وألن كتفك يسلس لك قيادتا فإنا أناس لم يوقس‬
‫صفاتنا قراع ناقير من أراد قضما ً ولكن منعا ً ن كل من‬
‫رام لناهضما‪.‬‬
‫ثم قام الحارث بن ظالم المري فقال‪ :‬إن من آفة‬
‫المنطق الكذب ومن لؤم الخلق الملق ومن خطل‬
‫الرأي خفة الملك المسلط فإن أعلمناك أن مواجهتنا‬
‫لك عن الئتلف وانقيادنا لك عن تصاف ما أنت لقبول‬
‫ذلك منا ول للعتماد عليه بحقيق ولمن الوفاء بالعهود‬
‫وإحكام ولث لعقود والمر بينا وبينك معتدل وما لم‬
‫يأتمن قبلك ميل أو زلل‪ ،‬قال كسرى من أنت قال‬
‫الحارث بن ظالم قال إن في أسماء آبائك لدليل على‬
‫قلة وفائك وأن تكون أولى بالغدر وأقرب من الوزر قال‬
‫الحارث إن في الحق مغضبة والسر التغافل ولن‬
‫يستوجب أحد الحلم إل مع القدرة فلتشبه أفعالك‬
‫مجلسك قال كسرى هذا فتى القوم‪ ،‬ثم قال كسرى قد‬
‫فهمت ما نطقت به أخطاؤكم وتفنن فيه متكلموكم‬
‫ولول أني أعلم أن الدب لم يثقف أودكم ولم بحكم‬
‫أمركم وأنه ليس لكم ملك يجمعكم فتنطقون عنده‬

‫‪206‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫منطق الرعية الخاضعة الباخعة فنطقتم بما استولى‬
‫على ألسنتكم وغلب على طباعكم لم أجز لكم كثيرا ً‬
‫مما تكلمنم به وإني لكره أن أجبه وفودي أو أحنق‬
‫صدورهم والذي أحب من إصلح مدبركم وتألف‬
‫شواذكم والعذار إلى الله فيما يني وبينكم وقد قبلت‬
‫ما كان في منطقكم من صواب وصفحت عما كان في‬
‫من خلل فانصرفوا إلى ملككم فاحسنوا موازرته‬
‫والتزموا طاعته واردعوا سفهاءكم وقيموا أودهم‬
‫وأحسنوا أدبهم فإن في ذلك صلح العامة‪.‬‬
‫روي عن الكلبي أنه قال كان كسرى يحفل بالعرب‬
‫ويستأنس بمشاهدهم ويرغب في سماع محادثاتهم‬
‫ومفاخراتهم ومنافراتهم ولم يدخر وسعا ً إل بذله‬
‫للحصول على ذلك )وممات اتفق له( أن النعمان بن‬
‫المنذر كان بمجلسه يوما ً فقال له هل في العرب من‬
‫قبلية تشرف على قبيلة‪ ،‬قال نعم‪ ،‬قال فبأي شيء قال‬
‫من كانت له ثلث آباء متوالية رؤساء واتصل ذلك بمزية‬
‫فبيته أشرف بيت وليه تنسب القبيلة وه‬
‫) ‪(1/147‬‬

‫تعلو تعلى غيرها‪ ،‬قال أحضر من هذه صفتهم فطلبهم‬


‫النعمان فلو يصبهم إل في الحذيفة بن بدر وآل ذي‬
‫الجدين وآل الشعث بن قيس بن كندة فأحضرهم في‬
‫جملة من عشائرهم‪ ،‬فعقد لهم كسرى مجلسا ً عاما ً‬
‫حضره لحكام والعدول والعيان‪ ،‬ثم قال ليتكلم كل‬
‫منكم بمآثر قومه وليصدق‪.‬‬

‫‪207‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فانتصب حذيفة بن در قائما ً وكان ألسن القوم فقال‪:‬‬
‫قد علمت العرب أن فينا الشرف القدم والفخر‬
‫العظم‪ ،‬لقيل له لم ذاك يا أخا فزارة قال ألسنا‬
‫الدعائم التي ل تنرام والعز الذي ل يضام‪ ،‬فقيل له‬
‫صدقت‪.‬‬
‫ثم قام شاعرهم فقال‪:‬‬
‫ت العّز والعز فيهم ِ‬
‫فزارة ُ بي ُ‬

‫ب بدر نضالها‬
‫فزةارة ُ بدرِ حس ُ‬

‫ب الذي‬
‫لها العزة ُ القعساء والحس ُ‬

‫بناه لبدرٍ في القيم رجالها‬

‫فهيهات قد أعيا القرون التي مضت‬

‫مآثر بدرٍ مجدها وفعالها‬

‫وهل أحد ٌ إن مد ّ يوما ً بكفه‬

‫إلى الشمس في مجرى النجوم ينالها‬


‫فإن يصلحوا يصلح لذاك جميعنا‬

‫وإن يفسدوا يفسد على الناس حالها‬

‫ثم قام الشعث بن قيس فقال‪ :‬لقد علمت العرب أن‬

‫‪208‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫نقاتل عديدها الكثر ونقهر جمعها الكبر وأنا غياث‬
‫اللزبات وبناة المكرمات‪ ،‬فقيل له لم يا أخا كندة‪ ،‬قال‬
‫لنا ورثنا ملك كندة فاستظللنا بأفيائه وتقلدنا منكبه‬
‫العظم وتوسطنا بحبوحه الكرم‪ ،‬ثم قام شاعرهم‬
‫فقال‪:‬‬
‫ت الرجال بيتنا‬
‫ت أبيا َ‬
‫إذا قس َ‬

‫ه فضل ً على من يفاخُر‬ ‫وجدت ل ُ‬


‫فمن قال كل ّ أو أتانا بخط ّ ٍ‬
‫ة‬

‫ينافرنا يوما ً فنحن نخاطُر‬

‫تعالوا فغدوا يعلم الناس أّينا‬

‫له الفضل فيما أورثته الكابر‬

‫ثم قام بسطام لبن قيس فقال‪ :‬قد علمت العرب أّنا‬
‫بناة بيتها الذي ل يزول ومغرس عزها الذي ل يحول‪،‬‬
‫فقيل له ولم يا أخا شيبان‪ ،‬قال لنا أدرهم للثأر‬
‫وأضربهم لملك الجبار وأقوالهم للحق وألدهم للخصم‪.‬‬
‫ثم قام شاعرهم فقال‪:‬‬
‫م أحقّ بفضلها‬
‫لعمري بسطا ٌ‬

‫وأوّ ُ‬
‫ل بينت العّز عّز القبائل‬

‫ت الّلعن عن عّز قومها‬


‫فسائل أبي َ‬

‫‪209‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/148‬‬

‫إذا جد ّ يوم الفخر ك ّ‬


‫ل مناضل‬

‫فيخبرك القوام عنها فإنها‬

‫وقائع جد ّ ل ملعب هازل‬

‫ألسنا أعّز الناس قوما ً وأسرةً‬

‫وأضربهم للكبش يوم التخاذل‬

‫وقائع عّز كلها ربعية‬

‫ب المحافل‬
‫تذل لهم فيها رقا ُ‬

‫إذا ذكرتم ينكر الناس فلها‬

‫وعاذ بها من شرها كل قائل‬

‫وإنا ملوك الناس في ك ّ‬


‫ل بلدة‬

‫إذا نزلت بالناس إحدى النوازل‬


‫ثم قام حاجب بن زرارة التيمي فقال‪ :‬قد علمت العرب‬
‫أن فرع دعامتها وقادة زحفها‪.‬‬
‫فقيل له لم ذلك يا أخا بني تميم‪ .‬قال لّنا أكثر عديدا ً‬

‫‪210‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأنجبهم طريدا ً وليدا وأعطاهم للجزيل وأحملهم‬
‫للثقيل‪.‬‬
‫ثم قام شاعرهم فقال‪:‬‬
‫ف أّننا‬
‫لقد علمت أبناء خند َ‬

‫لنا العّز قدما ً في الخطوب الوائل‬


‫ة‬ ‫وأّنا كرام أه ُ‬
‫ل مجد وثرو ٍ‬

‫وعّز قديم ليس بالمتضائل‬

‫فكم فيهم من سّيد وابن سّيد‬

‫أغر نجيب ذي فعال ونائل‬

‫فسائل أبيت اللعن عنا فإّننا‬

‫دعائم هذا الناس عند الجلئل‬

‫ثم قام قيس بن عاصم السعدي فقال‪ :‬لقد علم هؤلء‬


‫أنا أرفعهم في المكرمات وأثبتهم في النائبات‪ ،‬فقيل له‬
‫لم ذاك يا أخا بني سعد‪ ،‬قال لنا أدركهم للثأر وأمنعهم‬
‫للجار ل نتكل إذا حملنا ول نرام إذا حللنا‪.‬‬
‫ثم قام شاعرهم فقال‪:‬‬
‫س وخندف أّننا‬‫لقد علمت قي ٌ‬

‫وج ّ‬
‫ل تميم والجموع ُ التي ترى‬

‫‪211‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ق‬ ‫ث البأس في ك ّ‬
‫ل مأز ٍ‬ ‫بأّنا ليو ُ‬

‫إذا جّز بالبيض الجماجم والطلى‬

‫ة‬
‫وأنا إذا داٍع دعانا لنجد ٍ‬

‫أجبنا سراعا ً في العلئم من دعا‬

‫فهيهات قد أعيا الجميع فعالهم‬

‫وفاتوا بيوم الفخر مسعاة من سعى‬


‫فقال كسرى حينئذ ٍ ليس منهم إل سيد يصلح لموضعه‪.‬‬
‫وأعظم صلتهم أجمعين وردهم إلى أقوام معظمين‪.‬‬
‫??"مناظرات المهدي لهل بيته ومشاروته لهم في حر‬
‫خراسان"‬
‫) ‪(1/149‬‬

‫هذا ما ترجع فيه المهدي ووزراءه وما دار بينهم من‬


‫تجبير الرأي في حرب خراسان أيان تحاملت عليهم‬
‫العمال وأعنفت فحملتهم الدالة وما تقدم لهم من‬
‫المكانة على أن نكثوا ببعتهم ونقضوا موثقهم وطردوا‬
‫العمال والتووا بما عليهم الخراج وحمل المهدي مات‬
‫يجب من مصلحتهم ويكره من عينهم على أن أقال‬
‫عثرتهم اغتفر زلتهم واحتمل دالتهم تطول ً بالفضل‬

‫‪212‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫واتساعا ً بالعفو وأخذا ً بالحجة ورفا ً بالسياسة ولذلك لم‬
‫يزل مذ حمله الله أعباء الخلفة وقلده أمور الرعية‬
‫رفيقا ً بمدار سلطانه وبصيرا ً بأهل زمانه باسطا ً للمعدلة‬
‫ف رعيته تسكن إلى كنفه وتأنس بعفوه وتثق بحلمه‬
‫فإذا وقعت القضية اللزم والحقوق الواجبة فليس‬
‫عنده هوادة ول إغضاء ول مداهنة أثرة للحق وقياما ً‬
‫بالعدل وأخذا ً بالحزم فدعا أهل خراسان الغترار بحمله‬
‫والثقة بعفوه وأن كسروا الخراج وطردوا العمال‬
‫وسألوا ما ليس لهم من الحق ثم خلطوا احتجاجا ً‬
‫باعتذار وخصومة بإقرار وتنصل باعتلل‪ ،‬فلما انتهى ذلك‬
‫إلى المهدي خرج إلى مجلس خائه وبعث إلى نفر من‬
‫لحمته ووزرائه فأعلمهم الحال واستفهم للرعية ثم أمر‬
‫الموالي بالبتداء وقل للعباس بن محمد "أي عم"‬
‫تعقب قولنا وكن حكما ً بينا وأرسل ولديه موسى‬
‫وهارون فأحضرهما المر وشاركهما في الرأي وأمر‬
‫محمد بن الليث بحظ مراجعتهم وإثبات مقالتهم في‬
‫كتاب‪.‬‬
‫فقال سلم صاحب المظالم‪ :‬أيها المهدي إن في كل‬
‫أمر غاية ولكل قوم صناعة استفرغت رأيهم واستغرقت‬
‫أشغالهم واستنفدت أعمارهم وذهبوا بها وذهبت بهم‬
‫وعرفوا بهم ولهذه المور التي جعلتنا فيها غاية وطلبت‬
‫معونتنا عليها أقوام من أبناء الحرب وساسة المور‬
‫وقادة الجنود وفرسان الهزاهز وإخوان التجارب وأبطال‬
‫الوقائع الذين رشحهم سجالها وفياتهم ظللها وعضتهم‬
‫شدائدها وفرمتهم نواجذها فلو عجمت ما قبلهم‬
‫وكشفت ما عندهم لوحدت نظائر تؤيد أمرك وتجارب‬

‫‪213‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫توافق نظرك وأحاديث تقوي قلبك فأما نحن معاشر‬
‫ن بنا‪ ،‬وكثيٌر‬
‫عمالك وأصحاب دواوينك فحس ٌ‬
‫) ‪(1/150‬‬

‫منا أن نقوم بثقل ما حملتنا من عملك واستودعتنا من‬


‫أمانتك وشغلتنا من إمضاء عدك وإنفاذ حكمك إظهار‬
‫حقك‪.‬‬
‫فأجابه المهدي إن في كل قوم حكمة ولك زمان‬
‫سياسة وفي كل حال تدبيرا ً يبطل ألخر الول ونحن‬
‫أعلم بزماننا وتدبير سلطاننا‪.‬‬
‫قال نعم أيها المهدي أنت متبع الرأي وثيق العقدة قوي‬
‫المنة بليغ الفطنة معصوم النية محضور الروية مؤيد‬
‫البديهة موفق العزيمة معان بالظفر مهدي إلى الخير‪،‬‬
‫إن هممت في عزمك مواقع الظن وإن اجتمعت صدع‬
‫فعلك ملتبس الشك فاعزم يهد الله إلى الصواب قلبك‬
‫وقل ينطق الله بالحق لسانك فإن جنوك جمة وخزائنك‬
‫عامرة ونفسك سخية وأمرك نافذ‪.‬‬
‫فأجابه المهدي أن المشاورة والمناظرة بل رحمة‬
‫ومفتاحا ً بركة ل يهلك عليهما رأي ول يتغيل معها حزم‬
‫فأشيروا برأيكم وقولوا بما بحضوركم فأثنى من ورائكم‬
‫وتوفيق الله من وراء ذلك‪.‬‬
‫) ‪(1/151‬‬

‫قال الربيع‪ :‬أيها المهدي إن تصاريف وجوه الرأي كثيرة‬


‫وإن الشارة ببعض معاريض القول يسيرة ولكن‬
‫‪214‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫خراسان أرض بعيدة المسافة متراخية الشقة متفاوتة‬
‫السبيل فإذا ارتأيت من محكم لتدبير ومبرم التقدير‬
‫ولباب الصول رأيا ً قد أحكمه نظرك وقلبه تدبيرك‬
‫فليس وراءه ومذهب طاعن ول دونه معلق لخصومه‬
‫عائب ثم أجبت البرد به وانطوت الرسل عليه بالحري‬
‫أن ل يصل إليهم محكمه إل وقد حدث منهم ما ينقضه‬
‫فما أيسر أن ترجع إليك الرسل وترد عليك الكتب‬
‫بحقائق أخبارهم وشوارد آثارهم ومصادر أمورهم‬
‫فتحدث رأيا ً غيره وتبتدع تدبيرا ً سواه وقد انفرجت‬
‫الحلق وتحللن العقد واسترخى الحقاب وامتد الزمان‬
‫ثم لعلمك موقع الخرة كمصدر الولى ولكن الرأي لك‬
‫أيها المهدي وفقك الله أن تصرف إجالة النظر وتقليب‬
‫الفكر فبما جمعتنا له واستشرتنا فيه من تدبير لحربهم‬
‫والحيل في أمرهم إلى الطلب لرجل ذي دين فاضل‬
‫وعقل كامل وورع واسع وليس موصوفا ً بهوى في‬
‫سواك ول متهما ً في أثرة عليك ول ظنينا ً على دخلة‬
‫مكروهة ول منسوبا ً إلى بدعة محذورة فيقدح في‬
‫ملكك ويريض المور لغيرك ثم تستند إليه أمورهم‬
‫وتفوض غليه حربهم وتأمره في عهدك ووصيتك إياه‬
‫بلزوم أمرك ما لزمه الحزم وخلف نهيك إذا خالفه‬
‫الرأي عند استحالة المور واشتداد الحوال التي ينقض‬
‫أمر الغائب عنها ويثبت رأي الشاهد لها فإنه إذا فعل‬
‫ذلك فواثب أمرهم من قريب وسقط عنه ما أتي من‬
‫بعيد تمت الحيلة وقويت المكيدة ونفذ العمل وأحد‬
‫النظر إن شاء الله‪.‬‬
‫قال الفضل بن العباس‪ :‬أيها المهدي إن ولي المور‬

‫‪215‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫سائس الحروي ربما حي جنوده وفرق أمواله في غير‬
‫ما ضيق أمر حزبه ل ضغطه حال اضطرته فيقعد عند‬
‫الحاجة إليها وبعد التفرقة لها عديمها منها فاقدا ً لها ول‬
‫يثق ول يصول بعدة ول يفزع إلى ثقة فالرأي لك أيها‬
‫المهدي وفقك الله أن تعفي خزائنك من الجابة إلى ما‬
‫يطلبون والعطاء لما يسألون فيفسد عليك أدبهم‬
‫وتجريء من رعيتك غيرهم ولكن أغرهم بالحيلة‬
‫) ‪(1/152‬‬

‫وقاتلهم بالمكيدة وصارعهم باللين خاتلهم بالرفق‬


‫وأبرق لهم بالقول أرعد نحوهم بالفعل وأبعث البعوث‬
‫وجند الجنود وكتب الكتائب واعقد اللوية وانصب‬
‫الرايات وأظهر إنك موجه إليهم الجيوش مع أخنق‬
‫قوادك عليهم وأسوئهم أثرا ً فيهم ثم ادسس الرسل‬
‫وأثبت الكتب وضع بعضهم على طمع من وعدك وبعضا ً‬
‫على خوف من عيدك وأوقد بذلك وأشباهه نيران‬
‫التحاسد فيهم واغرس أشجار التنافس بينهم حتى تمل‬
‫القلوب نمن الوحشة وتنطوي الصدور على البغضة‬
‫ويدخل كل ً من كل الحذر والهيبة فإن مرام الظفر‬
‫بالعيلة والقتال بالحيلة والمناصبة والكتب والمكايدة‬
‫بالرسل والمقارعة بالكلم اللطيف المدخل في القلوب‬
‫القوي الموقع من النفوس المعقود بالحجج الموصول‬
‫بالحل المبني على اللين الذي يستميل القلوب ويسرق‬
‫العقول والراء ويستميل الهولء ةويستجعي المواتاة‬
‫انفذ من القتال بظبات السيوف وأسنة الرماح كما أن‬

‫‪216‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الوالي الذي يستنزل طاعة رعيته بالحيل ويفرق كلمة‬
‫عدوه بالمكايدة أحكم عمل ً وألطف منظرا ً وأحسن‬
‫سياسة من الذي ل ينال ذلك إل بالقتال ولتلف‬
‫للموال والتغرير والخطار وليعلم المهدي إنه إن وجه‬
‫لقتالهم رجل ً لم ير لقتالهم إل بجنود كثيفة تخرج عن‬
‫حال شديدة وتقدم على أسفار ضيقة وأموال متفرقة‬
‫وقواد غششة إن ائتمنهم استنفدوا ماله وإن‬
‫استنصحهم كانوا عليه ل له‪.‬‬
‫) ‪(1/153‬‬

‫قال المهدي هذا رأي قد أسفر نوره وأبرق ضوءه‬


‫وتمثل صوابه للعيون ومجد حقه في القلوب ولكن‬
‫م( ]يوسف‪ [76:‬ثم نظر ابنه‬ ‫عل ْم ٍ ع َِلي ٌ‬ ‫)وَفَوْقَ ك ُ ّ‬
‫ل ِذي ِ‬
‫علي فال ما تقول قال علي‪ :‬أيها المهدي إن أهل‬
‫خراسان لم يخلعوا عن طاعتك ولم ينصبوا من دونك‬
‫أحدا ً يقدح في تغيير ملكك ويريض المور لفساد دولتك‬
‫ولو فعلوا لكان الخطب أيسر والشأن أصغر والحال‬
‫أدل لن الله مع حقه الذي ل يخذله وعند موعده الذي‬
‫ل يخلفه ولكنهم قوم من رعيتك وطائفة من شيعتك‬
‫الذي جعلك الله عليهم واليا ً وجعل العدل بينك وبينهم‬
‫حاكما ً طلبوا حقا ً وسألوا إنصافا ً فإن أجبت إلى دعوتهم‬
‫ونفست عنهم قبل أن يتلحم منهم حال أو يحدث من‬
‫عندهم فتق أطعت أمر الرب واطفأت ثائرة الحرب‬
‫ووفرت خزائن المال وطرحت تغرير القتال وحمل‬
‫الناس محمل ذلك على طبيعة وسجية حلمك وأشجاع‬

‫‪217‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫خليفتك ومعدلة نظرك فأمنت أن تنسب إلى ضعف‬
‫وأن يكون فيما بقي دربة وإن منعتم ما طلبوا ولم‬
‫تجبهم إلى ما سألوا اعتدلت بك وبهم الحال وساويتهم‬
‫في ميدان الخطاب فما أرب المهدي أن يعمد إلى‬
‫طائفة من رعيته مقرين بمملكته مذعنين بطاعته ل‬
‫يخرجون أنفسهم عن قدرته ول يبرؤنها من عبوديته‬
‫فيملكهم أنافسهم ويخلع نفسه عنهم ويقف على الحيل‬
‫معهم ثم يجازيهم السوء في حد المنازعة ومضمار‬
‫المخاطرة أيريد المهدي وفقه الله الموال فلعمري ل‬
‫ينالها ول يظفرها إل بإنفاق أكثر منها مما يطلب منهم‬
‫وأضعاف ما يدعي قبلهم ولو نالها فحملت إليه أو‬
‫وضعت بخرائطها بين يديه ثم تجافى لهم عنها وطال‬
‫عليهم لها لكان مما إليه ينسب وبه يعرف من الجود‬
‫الذي طبه الله عليه وجعل قرة عينه ونهمة نفسه فيه‬
‫فإن قال المهدي هذا رأيٌ مستقيم سديد في أهل‬
‫الخراج الذين شكوا ظلم عمالنا وتحامل ولتنا فأما‬
‫الجنود الذين نقضوا مواثيق العهود انطقوا لسان‬
‫الرجاف وفتحوا باب المعصية وكسروا قيد الفتنة فقد‬
‫ينبغي لهم أن أجعلهم نكال ً لغيرهم وعظة لسواهم‬
‫فيعلم المهدي أنه‬
‫) ‪(1/154‬‬

‫لو أتى بهم مغلولين في الحديد مقرنين في الصفاد ثم‬


‫اتسع لحقن دمائهم عفوه والقالة عثرتهم صفحة‬
‫واستبقاهم لما هم فيه من حزبه أو من بإزائهم من‬

‫‪218‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عدوه لما كمان بدعا ً من رأيه ول مستنكرا ً من نظره‬
‫لقد علمت العرب أنه أعظم الخلفاء والملوك عفوا ً‬
‫وأشدها وقعا ً وأصدقها أصوله وأنه ل يتعاظمه عفو ول‬
‫يتكادءه صفح وإن عظم الذنب وجل الخطب فالرأي‬
‫للمهدي وفقه الله تعالى أن يحل عقدة الغيظ بالرجاء‬
‫لحسن ثواب الله في العو عنهم وأن يذطر أولى‬
‫حالتهم وضيعة عيالتهم برأيهم وتسعا ً لهم فإنهم إخوان‬
‫دولته وأركان دعوته وأساس حقه الذين بعوزتهم يصول‬
‫وبحجتهم يقول وإنما مثلهم فيما دخلوا من مساخطه‬
‫وتعرضوا له من معاصيه وانطووا فيه عن إجابته ومثله‬
‫في قلة ما غير ذلك من رأيه فيهم أو نقل حاله لهم أو‬
‫تغير من نعمته بهم كمثل رجلين أخوين متناصرين‬
‫ل ولهوٌ حادث فنهض إلى‬ ‫متوازرين أصاب أحدهما خب ٌ‬
‫أخيه بالذى وتحامل عليه بالمكروه فلم يزدد أخوه إل‬
‫رقة ولطفا ً به واحتيال ً لمداواة مرضه ومراجعة حاله‬
‫عطفا ً عليه وبرا ً به ومرحمة له‪.‬‬
‫فقال المهدي أما علي فقد كوى سمت اللبان وفض‬
‫ست ََقّر (‪] ،‬النعام‪:‬‬
‫م ْ‬
‫ل ن َب َإ ٍ ّ‬‫القلوب في أهل خراسان )ل ّك ُ ّ‬
‫‪ [67‬فقال ما ترى يا أبا محمد يعنى موسى ابنه‪.‬‬
‫فقال موسى‪:‬‬
‫) ‪(1/155‬‬

‫أيها المهدي ل تسمكن إلى حلوة ما يجري من القول‬


‫على ألسنتهم وأنت ترى الدماء تسيل من خلل فعلهم‬
‫الحال من القوم ينادي بمضمرة شر وخفية حقد قد‬

‫‪219‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫جعلوا المعاذير عليها سترا ً اتخذوا العلل من دونها حجابا ً‬
‫رجاء أن يدافعوا اليام بالتأخر والمور بالتطويل‬
‫فيكسروا حيل المهدي فيهم ويفنوا جنوده عنهم حتى‬
‫يتلحم أمرهم وتتلحق مادتهم وتستفحل حربهم‬
‫وتستمر المور بهم والمهدي من قولهم في حال غرة‬
‫ولباس آمنة قد فتر لها وأنس بها وسكن غليها ولول ما‬
‫اجتمعت به قلوبهم وبردت عليه جلودهم من المناصبة‬
‫بالقتال والضمار للقراع عن داعية ضلل أو شيطان‬
‫فساد لرهبوا عواقب أخبار الولء وغب سكون المور‬
‫فليشدد المهدي وفقه الله أزره لهم ويكتب كتائبه‬
‫نحوهم وليضع المر على أشج ما يحضره فيهم وليوقن‬
‫أنه ل يعطيهم خطة يريد بها صلحهم إل كانت دربة إلى‬
‫فسادهم وقوة الذين أقرهم وتلك العادة وأجراهم على‬
‫ذلك الرب ولم يبرح في فتق حادث وخلف حاضر ول‬
‫يصلح عليه دين ول ستقيم به دنيا وإن طلب تغييره بعد‬
‫استحكام العادة واستمرار الدربة لم يصل إلى ذلك إل‬
‫بالعقوبة المفرطة والمؤونة الشديدة والرأي للمهدي‬
‫وفقه الله أن ل يقيل عثرتهم ول يقبل معذرتهم حتى‬
‫تطأهم الجيوش وتأخذهم السيول ويستحر بهم القتل‬
‫ويحدق بهم البلء ويطبق عليهم الذل فإن فعل المهدي‬
‫ذلك كان مقطعة لكل عادة سوء فيهم وهزيمة لكل‬
‫بادرة شرفيهم واحتمال المهدي في مؤونة غزوتهم هذه‬
‫تضع عنه غزوات كثيرة ونفقات عظيمة‪.‬‬
‫قال المهدي قد قال القوم فاحكم يا أبا الفضل‪.‬‬
‫فقال العباس بن محمد‪ :‬أيها المهدي أما )الموالي ‪9‬‬
‫فأخذوا بفروع الرأي وسلكوا جنبات الصواب وتعدوا‬

‫‪220‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أمورا ً قصر بنظرهم عنها وأه لم يأت تجاربهم عليها‬
‫وأما )الفضل( فأشار بالموال أن ل تنفق والجنود أن ل‬
‫تفرق وبأن ل يعطي القوم ما طلبوا ول يبذل لهم ما‬
‫سألوا وجاء بأمر بين ذلك استصغارا ً لمرهم واستهانة‬
‫بحربهم وإنما يهيج جسيمات المور‬
‫) ‪(1/156‬‬

‫صغارها وأما )علي( فأشار باللين وإفراط الرفق وإذا‬


‫جرد الوالي لمن غمط أمره وسفه حقه اللين بحتا ً‬
‫والخير محضا ً لم يخلطهما بشدة تعطف القلوب عن‬
‫لينة ول بشر يحسبهم إلى خيره فقد ملكهم الخلع‬
‫لعذرهم ووسع لهم الفرجة لثني أعناقهم فإن أجابوا‬
‫دعوته وقبلوا لينه من غير خوف اضطرهم ول شدة‬
‫فنزوة في رؤوسهم يستدعون بها البلء إلى أنفسهم‬
‫ويستصرخون بها رأي المهدي فيهم وإن لم يقبلوا‬
‫دعوته يسرعوا لجابته باللين المحض والي الصراح‬
‫فذلك ما عليه الظن بهم والرأي فيهم وما قد يشبه أن‬
‫يكون من مثلهم لن الله تعالى خلق الجنة وجعل فيها‬
‫من النعيم المقيم والملك الكبير مال ل يخطر على‬
‫قلب بشر ول تدركه الفكر ول تعلمه نفس ثم دعا‬
‫الناس إليها ورغبهم فيها فلول أنه خلق نارا ً جعلها لم‬
‫رحمة يسوقهم بها إلى الجنة لما أجابوا ول قبلوا وأما‬
‫)موسى( فأشار بأن يعصبوا بشدة ل لين فيها وأن‬
‫يرموا بشر ول خير معه وإذا أضمر الوالي لمن فارق‬
‫طاعته وخالف جماعته الخوف مفادا ً والشر مجردا ً‬

‫‪221‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ليسعهما طمع ول لين بثنيتهم اشتت المور بهم‬
‫وانقطعت الحال منهم إلى أحد أمرين إما أن تدخلهم‬
‫الحمية من الشدة والنفة من الذلة والمتعاض من‬
‫القهر فيدعوهم ذلك إلى التمادي في الخلف‬
‫والستبسال في القتال والستسلم للموت وإما أن‬
‫ينقادوا بالكره ويذعنوا بالقهر على بغضة لزمة وعداوة‬
‫باقية تورث النفاق وتعب الشقاق فإذا أمكنتهم فرصة‬
‫أو ثابت لهم قدرة أو قويت لهم حال عاد أمرهم إلى‬
‫اصعب وأغلظ وأشده مما كان‪.‬‬
‫وقاتل في قول الفضل‪ :‬أيها المهدي أكفى دليل أوضح‬
‫برهان وأبين خبر بأن فد أجمع رأيه وحزم نظره على‬
‫الرشاد ببعثة الجيوش إليهم وتوجيه البعوث نحوم مع‬
‫إعطائهم ما سألوا من الحق وإجابتهم إلى ما سألوه‬
‫من العدل‪.‬‬
‫قال المهدي ذلك رأي‪.‬‬
‫قال هارون ما خلطت الشدة أيها المهدي باللين‬
‫فصارت الشدة أمر فطام لما تكره وعاد اللين أهدى‬
‫قائد إلى ما تحب ولكن أرى غير ذلك‪.‬‬
‫قال المهدي لد قلت‬
‫) ‪(1/157‬‬

‫قول ً بديعا ً وخالفت فيه أهل بيتك جميعا ً والمرء مؤتمن‬


‫بما قال وظنين بما ادعى حتى يأتي بينة عادلة وحجة‬
‫ظاهرة فاخرج عما قلت‪.‬‬
‫أيها المهدي إن الحرب خدع والعاجم قوم مكرة وربما‬

‫‪222‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫اعتدلت الحال بهم واتفقت الهواء منهم فكان باطن ما‬
‫يسرون على ظاهر ما يعلنون وربما اقترفت الحالن‬
‫وخالف القلب اللسان فانطوى القلب على محجوبه‬
‫تبطن واستسر بمدخوله ل تعلن والطبيب الرفيق بطبه‬
‫البصير بأمره العالم بمقدم يده وموضع مسيمه ل‬
‫يتعجل بالدواء حتى يقع على معرفة الداء فالرأي‬
‫للمهدي وفقه الله أن يفر باطن أمرهم فر المسنة‬
‫ويمخض ظاهر حالهم مخض السقاء متابعة الكتابة‬
‫ومظاهرة الرسل وموالة العيون حتى تهتك جب‬
‫عيونهم وتكشف أغطية أمورهم فإن انفرجت الحال‬
‫وأفضت المور به إلى تغيير حال أو داعية ضلل‬
‫اشتملت الهواء عليه وانقاد الرجال إليه وامتدت‬
‫العناق نحو يدين يعتقدونه وأثم يستحلونه عصبهم بشد‬
‫ل لين فيها ورماهم بعقوبة ل عفو معها وإن انفرجت‬
‫العيون واهتصرت الستور ورفعت الحجب والحال فيهم‬
‫مريعة والمور بهم معتدلة في مناصحتهم فالرأي‬
‫للمهدي وفقه الله أن يتسع لهم بما طالبوا ويتجافى‬
‫لهم عما كرهوا ويشعب من أمهم ما صدعوا من فتقهم‬
‫ما قطعوا ويولي عليهم من أحبوا ويداوي بذلك مرض‬
‫قلوبهم وفساد أمورهم فإنما المهدي وأمته وسواد أهله‬
‫مملكته بمنزلة الطبيب الرفيق والوالد الشفيق‬
‫والراعي المجر الذي يختال لمرابض غنمه وضوال‬
‫رعيته حتى يبرئ المريضة من داء علتها ويرد الصحيحة‬
‫إلى انس جماعتها‪ ،‬ثم إن خراسان بخاصة الذين لهم‬
‫دالة محمولة وماتة مقبولة ووسيلة معروفة وحقوق‬
‫واجبة لنهم أيدي دولته وسيوف دعوته وأنصار حقه‬

‫‪223‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأعوان عدله فليس من شأن المهدي الضطعان عليهم‬
‫ول المؤاخذة لهم ول التوغير بهم ول المكافأة بإساءتهم‬
‫لن مبادرة حسم المور ضعيفة قبل أن تقوى ومحاولة‬
‫قطع الصول ضئيلة قبل أن تغلط أحزم في الرأي‬
‫وأصح في التدبير من التأخير لها والهاون بها حتى‬
‫) ‪(1/158‬‬

‫يلتئم قليلها بكثيرها وتجتمع أطرافها إلى جمهورها‪.‬‬


‫قال المهدي ما زال هارون يقع وقع الحيا حتى خرج‬
‫خروج القدح من الماء وانسل انسلل السيف فيما‬
‫ادعى فدعوا ما سبق موسى فيه فإنه هو الرأي وثنى‬
‫بعد هارون ولكن من لعنة الخيل وسياسة الحر وقادة‬
‫الناس إن أمعن بهم اللجاج وأفرطت بهم الدالة‪.‬‬
‫قال صالح‪ :‬لسنا نبلغ أيها المهدي بدوم البحث وطول‬
‫الفكر أدنى فراسة رأيك وبعض لحظات نظرك وليس‬
‫ينقض عنك من بيوتات العرب ورجال العجم ذو دين‬
‫فاضل ورأي كامل وتدبير قوي تقلده حربك وتستودعه‬
‫جندك ممن يحتمل المانة العظيمة ويضطلع بالعباء‬
‫الثقيلة وأنت بحمد الله ميمون النقيبة مبارك العزيمة‬
‫مخبور التجارب محمود العواقب معصوم العزم فليس‬
‫يقع اختيارك وزل يقع نظرك على أحد توليه أمرك‬
‫وتسند إليه ثغرك إل أراك لله ما تحب وجمع لك منه ما‬
‫تريد‪.‬‬
‫قال المهدي إني لرجو ذلك لقديم عادة الله فيه‬
‫وحسن معونته عليه ولكني أحب الموافقة على الرأي‬

‫‪224‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والعتبار للمشاورة فالمر المهم‪.‬‬
‫قال محمد بن الليث‪:‬‬
‫) ‪(1/159‬‬

‫أهل خراسان أيها المهدي قوم ذوو عزة ومنعة‬


‫وشياطين خدعة زروع الحمية فهم نابتة وملبس النفة‬
‫عليهم ظاهرة فالروية عنهم عازية والعجلة عنهم‬
‫حاضرة تسبق سيولهم مطرهم وسيوفهم عذلهم لنهم‬
‫بين صفة ل يعدو مبلغ عقولهم منظر عيونهم وبين‬
‫رؤساء ل يلجمون إل بشدة ول يفطمون إل بالمر وإن‬
‫ولي المهدي عليهم وضيعا ً لم تنقد له العظماء وإن ولي‬
‫أمرهم شريفا ً تحمل عليه الضعفاء وإةن أخر المهدي‬
‫أمرهم ودافع حربهم حتى يصيب لنفسه من حشمه‬
‫ومواليه وأو بني عمه أو بني أبيه ناصحا ً يتفق عليه‬
‫أمرهم وثقة تجتمع له أملؤهم بل أنفة تلزمهم ول حمية‬
‫تدخلهم ول مصيبة تنفرهم تنفست اليان بهم وتراخت‬
‫الحال بأمرهم فدخل بذلك من الفساد الكبير والضياع‬
‫لعظيم ما ل يتلفاه صاحب هذه الصفة وإن جد ول‬
‫يستصلحه وإن جهد إل بعد دهر طويل وشر كبير وليس‬
‫المهدي وفقه الله فاطما ً عاداتهم ول قارعا ً صفاتهم‬
‫ويمثل أحد رجلين ل ثالث لهما ول عدل في ذلك بهما‪:‬‬
‫أحدهما لسان ناطق موصول بمسمعك ويد ممثلة‬
‫لعينك وصخرة ل تزعزع وبهمة ل تثنى وبازل ل يفزعه‬
‫صوت الجلجل نقي العرض نزيه النفس جليل والخطر‬
‫قد اتضعت الدنيا عن قدره وسما نحو الخرة بهمته‬

‫‪225‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فجع الغرض القصى لعينه نصبا والغرض الدنى لقدمه‬
‫موطئا ً فليس يقبل عمل ً ول يتعدى أمل ً وهو رأس‬
‫مواليك وأنصح بني أبيك رجل قد غذي بلطيف كرامتك‬
‫ونبت في ظل دولتك ونشأ على قوائم أدبك فإن قلدته‬
‫أمرهم وحملته ثقلهم وأسندت إليه ثغرهم كان قفل ً‬
‫فتحه أمرك وبابا ً أغلقه نهيك فجعل العدل عليه وعليهم‬
‫أميرا ً والنصاف بينه وبينهم حاكما ً وإذا حكم المنصفة‬
‫وسلك المعدلة فأعطاهم ما لهم وأخذ منهم ما عليهم‬
‫غرس في الذي لك بين صدورهم وأسكن لك في‬
‫السويداء داخل قلوبهم طاعة راسخة العروق باسقة‬
‫الفروع متماثلة فيحول شيء عوامهم متمكنة من قلوب‬
‫من غيضك أو نبعة من أورمتك فتي السن كهل الحلم‬
‫راجح العقل محمود الصرامة مأمون الخلف يجرد فيهم‬
‫سيفه‬
‫) ‪(1/160‬‬

‫ويبسط عليهم خيره بقدر ما يستحقون وعلى حسب ما‬


‫يستوجبون وهو فلن أيها المهدي‪ :‬فسلطة أعزك الله‬
‫عليهم ووجهه بالجيوش إليهم ول تمنعك ضراعة سنة‬
‫وحداثة مولده فإن الحلم والثقة مع الحداثة خير من‬
‫لشك والجهل مه الكهولة وإنما أحداثكم أهل البيت فيما‬
‫طبعكم الله عليه واختصكم به من مكارم الخلق لخذ‬
‫الصيد بل تدريب والعارفة لوجوه النفع بل تأديب فالحلم‬
‫والعلم والعزم والحزم والجود والتؤدة والرفق ثابت في‬
‫صدوركم مزروع في قلوبكم مستحكم لكم متكامل‬

‫‪226‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عندكم بطبائع لزمة وغرائز ثابتة‪ .‬قال معاوية بن عبد‬
‫الله‪ :‬فتاء أهل بيتك المهدي في الحلم على ما ذكر‬
‫وأهل خراسان في حال عز على ما وصف‪ :‬ولكن إن‬
‫ولى المهدي عليهم رجل ً ليس بقديم الذكر في الجنود‬
‫ول نبيه الصوت في لحروب ول بطويل التجربة للمور‬
‫ول بمعروف السياسة للجيوش والهيبة في العداء‬
‫داخل ذلك أمران عظيمان وخطران مهولن أحدهما أن‬
‫العداء يغتمرونها منه ويحتقرونها فيه ويجترئون بها‬
‫عليه في النهوض به والمقارعة له والخلف عليه قبل‬
‫الختبار لمره والتكشف لحاله والعلم بطباعه ولمر‬
‫الخر أن الجنود التي يقود والجيوش التي يسوس إذا‬
‫لم يختبروا منه البأس والنجدة وبم يعرفوه بالصيت‬
‫والهيبة انكسرت شجاعتهم وماتت نجدتهم واستأخرت‬
‫طاعتهم إلى حين اختيارهم ووقوع معرفتهم وبنا وقع‬
‫البوار قبل الختيار‪ ،‬وبباب المهدي وفه الله رجل مهيب‬
‫نبيه حنيك صيت له نسب زاك وصوت عال قد قاد‬
‫الجيوش وساد الحروب وتآلف أهل خراسان واجتمعوا‬
‫عليه بالمقة ووثقوا به كل الثقة فلول وله المهدي‬
‫أمرهم لكفاه شرهم قال المهدي جانبت قصد الرمية‬
‫وأبيت إل عصبية إذا رأى الحدث من أهل بيتنا كرأي‬
‫عشرة حلفاء من غيرنا ولمتن أين تركتم ولي العهد‪.‬‬
‫) ‪(1/161‬‬

‫قالوا‪ :‬لم يمنعنا من ذكره إل كونه شبيه جده ونسيج‬


‫وده ومن الدين وأهله بحي يقصر القول عن أدنى‬

‫‪227‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فضله وكن وجدنا الله عز وجل حجب عن خلقه وستر‬
‫دون عباده علم ما تختلف به اليام ومعرفة ما تجري‬
‫عليه المقادير من حوادث المور و ريب المنون‬
‫المخترمة لخوالي القرون ومواضي الملوك فكرهنا‬
‫شسوعه ن محله الملك ودار السلطان ومقر المامة‬
‫والولية وموضع المدائن والخزائن ومستقر الجنود‬
‫ومعدن الجود ومجمع الموال التي جعلها الله قطبا ً لدار‬
‫الملك ومصيدة لقلوب الناس ومثابة لخوان الطمع‬
‫وثوار الفتن وداعي البدع وفرسان الضلل وأبناء الموت‬
‫لقلوب الناس ومثابة لخوان الطمع وثوار الفتن‬
‫ودواعي البدع وفرسان الضلل وأبناء الموت وقلنا إن‬
‫وجه المهدي ولي عهده فحدث في جيوشه وجنوده ما‬
‫قد حدث بجنود الرسل من قبله لم يستطع المهدي أن‬
‫يعقبهم بغيره إل أن ينهد إليهم بنسفه وهذا خطر عظيم‬
‫وهول شديد إن تنفست اليام بمقامة واستدارت الحال‬
‫بإمامه حتى يقع عوض ل يستغنى عنه أو يحدث أمر لبد‬
‫منه صار ما بعد ما هو أعظم وأجل خطرا ً له تبعا ً وبه‬
‫متص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫قال المهدي‪ :‬الخط ب أيسر مما تذهبون إليه وعلى‬
‫غير ما تصفون المر عليه نحن أهل البيت نجري من‬
‫أساليب القضايا ومواقع المور على سابق من العلم‬
‫ومحتوم من المر قد أنبأت به الكتب ونبأت عليه‬
‫الرسل وولي عهد عقبي بعدي أن يقود إلى خراسان‬
‫البعوث ويتوجه نحوها بالجنود أما الول فإنه يقدم إليهم‬
‫رسله ويعمل فيهم حيله ثم يخرج نشطا ً حنقا ً عليهم‬
‫يريد أن ل يدع أحدا ً من إخوان الفتن ودواعي البدع‬

‫‪228‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وفرسان الضلل إل توطأة بحر القتل والبسه قناع‬
‫القهر وقلده طوق الذل ول أحد من الذين عملوا في‬
‫قص جناح الفتنة وإخماد نار لبدعة ونصرة ولة الحق إل‬
‫أجرى عليهم ديم فضله وداول نهله فإذا خرج مزمعا ً بع‬
‫مجمعا ً عليه لم يسر إل قليل ً حتى تأتيه أن قد عملت‬
‫محيلة وكدحت كتبه ونفذت مكايده فهدأت نافرة‬
‫القلوب وقعت طائرة الهواء واجتمع‬
‫) ‪(1/162‬‬

‫عليه المختلفون بالرضى فيميل نظرا ُ لهم وبرا ً بهم‬


‫وتعطفا ً عليهم إلى عدو قد أخاف سبيلهم وقطع‬
‫طريقهم ومنع حجاجهم بين اله الحرام وسلب تجارهم‬
‫رزق الله الحلل وأما الخر فإنه يوجع إليهم ثم تعتقد له‬
‫الحجة عليهم بإعطاء ما يطلبون وبذل ما يسألون فإذا‬
‫سمحت الفرق بقراباتها له وجنح أهل النواحي بأعناقهم‬
‫نحوه فأضعت إليه الفئدة واجتمعت له الكلمة وقدمت‬
‫عليه الوفود قصد الول ناحية نجعت بطاعتها وأفت‬
‫بأزمتها عليهم بالرمة فاتقى فيهم ناحية وأنزلها ظل‬
‫كرامته ول فرقة قاصية إل دخلت عليها بركته ووصلت‬
‫إليها منفعته فأغنى فقيرها وجبر كسيرها ورفع وضيعها‬
‫وزاد رفيعها ما خل ناحيتي ناحية يغلب عليها الشقاء‬
‫وتستمليهم الهواء فتستخف بدعوته وتبطئ عن إجابته‬
‫وتتثاقل عن حقه فتكون آخر من يبعث وأبطا من يوجه‬
‫فيصطلي عليها موجودة ويبتغي لها علة ل يبث أن يجد‬
‫بحق يلزمهم وأمر يجب عليهم فتستلحمهم الجيوش‬

‫‪229‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وتأكلهم السيوف ويستحر بهم القتل ويحيط بهم السر‬
‫ويفنيهم التتبع حتى يخرب البلد ويوتم الولد وناحية ل‬
‫يبسط لهم أمانا ً ول يقبل لهم عهدا ً ول يجعل لهم ذمة‬
‫لنهم أول من فتح باب الفرقة وتدرع جلباب الفتنة‬
‫وربض في شق العصا ولكنه يقتل أعلمهم ويأسر‬
‫قوادهم ويطلب هربهم في لجج البحار وقلل الجبال‬
‫وحميل الدوية وبطون الرض تقتيل ً وتغليل ً وتنكيل ً حتى‬
‫يدع الديار خرابا ً والنساء أيامى‪ ،‬وهذا أم ل نعرف له‬
‫في كتبنا وقتا ً ول نصحح منه غير ما قلنا تفسيرا ً وأما‬
‫موسى ولي عهدي فهذا أو أن توجه إلى خراسان‬
‫وحلوله بجرجان وما قضي الله له من الشخوص إيها‬
‫والمقام فيها خير للمسلمين مغبة له بإذن الله عاقبة‬
‫من المقام بحيث يغمر في لجج بحورنا ومدافع سيولنا‬
‫ومجاميع أمواجنا فيتصاغر عظيم فضله ويتدأب مشرق‬
‫نوره ويتقلل كثير ما هو كائن منه فمن يصحبه من‬
‫الوزراء ويختار له من الناس‪.‬‬
‫قال محمد بن الليث‪ :‬أيها المهدي إن ولي عهدك أصبح‬
‫لمتك وأهل ملتك علما ً قد‬
‫) ‪(1/163‬‬

‫تثنت نحوه أعناقها ومجت سمته أبصارها وقد كان‬


‫لقرب داره منك ومحل جواره لك عطل الحال غفل‬
‫المر واسع العذر فأما إذا انفرد بنفه وخل بنظره وصار‬
‫إلى تدبيره فإن من شأن العامة أن تتفقد مخارج رأيه‬
‫وتستنصت لمواقع آثاره وتسأل عن حوادث أحواله في‬

‫‪230‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بره ومرحمته وإقساطه ومعدلته وتدبير سياسته‬
‫ووزرائه وأصحابه ثم يكون ما سق إليهم أغلب الشياء‬
‫عليهم وأملك المور بهم وألزمها لقلوبهم وأشدها‬
‫استمالة لرأيه وعطفا ً لهوائهم فل يفتأ المهدي وفقه‬
‫الله ناظرا ً له فيما يقوي عمد مملكته ويسدد أركان‬
‫وليته وتستجمع رضاء أمته هو أزين لحاله وأظهر‬
‫لجماله وأفضل مغبة لمه وأجل موقعا ً في قلوب رعيته‬
‫وأحمد حال ً في نفوس ملته ول أدفع مع ذلك باستجماع‬
‫الهواء له وأبلغ في استعطاف القلوب عليه من مرحمة‬
‫تظهر من فعله ومعدلة تنتشر عن ثر ومحبة للخير‬
‫وأهله وأن يختار المهدي وفقه الله من خيار أهل كل‬
‫مصر أقواما ً تسكن العامة إليهم إذا ذكروا وتأنس‬
‫الرعية بهم إذا وصفوا ثم تسهل لهم عمارة سبل‬
‫الحسان وفتح باب المعروف كما قد كان فتح له وسهل‬
‫عليه‪.‬‬
‫قال امهدي صدقت ونصحت ثم بعث في ابنه موسى‬
‫فقال‪ :‬أي بني قد أصبحت لسمت وجوه العامة نصبا ً‬
‫ولمثنى أعطاف الرعية غاية فحسنتك شاملة وإساءتك‬
‫نائية وأمر ظاهر بتقوى الله وطاعته احتمل سخط‬
‫الناس فيهما ول تطلب رضاهم بخلفهما فإن الله عز‬
‫وجل كفيك من أسخطه عليه إيثارك رضاه وليس‬
‫بكافيك من يسخطه عليك إيثارك رضا من سواه‪ ،‬ثم‬
‫اعلم أن الله تعالى في كل زمان فترة من رسله وبقايا‬
‫من صفوة خلقه وخبايا لنصرة حقه يجدد حيل السلم‬
‫بدعواهم ويشيد أركان الدين بنصرتهم ويتخذ لولياء‬
‫دينه أنصارا ً وعلى إقامة عدله أعوانا ً يسدون الخلل‬

‫‪231‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ويقيمون الميل ويدفعون عن الرض الفساد وأن أهل‬
‫خراسان أصبحوا أيدي دولتنا وسيوف دعوتنا الذين‬
‫نستدفع المكاره بطاعتهم ونستصرف نزول العائم‬
‫بمناصحتهم وندافع ريب الزمان بعزائمهم ونزاحم ركن‬
‫الدهر ببصائرهم‬
‫) ‪(1/164‬‬

‫فهم عناد الرض إذا أرجفت لففها وخوف العداء إذا‬


‫برزت صفحتها وحصون الرعية إذا تضايقت الحال بها‬
‫وأذلت رقاب الجبرين ولم ينفكوا كذلك ما جروا مع ريح‬
‫دولتنا وأقاموا فيظل دعوتنا واعتصموا بحبل طاعتنا‬
‫التي أعز الله بها ذاتهم ورفع بها ضعتهم وجعلهم بها‬
‫أربابا ً في أقطار الرض وملوكا ً على رقاب العالمين بعد‬
‫لباس الذل وقناع الخوف وإطباق البل ومحالفة السى‬
‫وجهد البأس والضر فظاهر عليهم لباس كرامتك‬
‫وأنزلهم في حدائق نعمتك ثم اعرف لهم حق طاعتهم‬
‫ووسيلة دالتهم ووماتة سابقتهم وحرمة مناصحتهم‬
‫بالحسان إليهم والتوسعة عليهم والثابة لمحسنهم‬
‫والقالة لمسيئهم أي بني ثم عليك العامة فاستدع‬
‫رضاها بالعدل عليها واستجلبت مودتها بالنصاف لها‬
‫وتحسن بذلك لربك وتوثق ه عين رعيتك واجعل عمال‬
‫العذر وولة الحجج مقدمة بين عملك ونصفة منك‬
‫لراعيتك وذلك أن تأمر قاضي كل بلد وخيار أهل كل‬
‫مصر أن يختاروا لنفسهم رجل ً توليه أمرهم وتجعل‬
‫العدل حاكما ً بينه وبينهم فإن أحسن حمدت وإن أساء‬

‫‪232‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عذرت هؤلء عمال العذر وولة الحجج فليسقطن‬
‫عليك ما في ذلك إذا انتشر في الفاق وسبق إلى‬
‫السماع من انعقاد ألسنة المرجفين وكبت قلوب‬
‫الحاسدين وإطفاء نيران الحروب وسامة عواقب المور‬
‫ول ينفكن في ظل كرامتك نازل ً وبعرى حبلك متعلقا ً‬
‫رجلن أحدهما كريمة مكن كرائم رجالت العرب وأعلم‬
‫بيوتات الشرف له أد فاضل وحلم راجح ودين صحيح‬
‫والخر له دين غير مغموز وموضع غير مدخول بصير‬
‫بتقليب وتصريف الرأي وأنحاء العرب ووضع الكتب‬
‫عالم بحالت الحروب وتصاريف الخطوب يضع آدابا ً‬
‫نافعة وآثارا ً باقية من محاسنك وتحسين أمرك وتحلية‬
‫ذكرك فتستشيره بحربك وتدخله في أمرك فرجل‬
‫أصبته كذلك فهو يأوي إلى محلتي ويرعى في خضرة‬
‫جناني ول تدع أن تختار لك من فقهاء البلدان وخيار‬
‫المصار أقواما ً يكونون جيرانك وسمارك وأهل‬
‫مشاورتك فيمت تورد أصحاب مناظرتك فيما تصدر‬
‫فسر على بركة الله أصحبك الله من‬
‫) ‪(1/165‬‬

‫عونه وتوفيقه دليل ً يهدي إلى الصواب قلبك وهاديا ً‬


‫ينطق بالخير لسانك‪.‬‬
‫"وفود بكارة الهللية على معاوية"‬
‫استأذنت بكارة الهللية على معاوية بن أبي سفيان‬
‫فأذن لها وهو يومئذ ٍ بالمدينة فدخلت عليه وكانت أسنت‬
‫وعشي وبصرا وضعفت قوتها ترعشبين خادمين لها‬

‫‪233‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فسلمت وجلست فرد عليها معاوية السلم وقال‪ :‬كيف‬
‫أنت يا خالة فقالت بخير يا أمير المؤمنين قال غيرك‬
‫الدهر قالت كذلك هو ذو غير من عاش كبر ومن مات‬
‫قبر فقال عمرو بن العاص هي والله القائلة يا أمير‬
‫المؤمنين‪:‬‬
‫يا زيد دونك فاحتفر من دارنا‬

‫سيفا حساما ً في التراب دفينا‬


‫قد كنت أذخره ليوم كريهة‬

‫فالن أبرزه الزمان مصونا‬

‫قال مروان وهي ولله قائلة يا أمير المؤمنين‪:‬‬


‫أترى ابن هند للخلفة مالكا ً‬

‫هيهات ذاك وإن أراد بعيد ُ‬

‫منّتك نفسك في الخلء ضللة‬

‫أغراك عمرو للشقا وسعيد‬

‫قال سعيد بن العاص وهي والله القائلة‪:‬‬


‫قد كنت أطمع أن أموت ول أرى‬

‫فوق المنابر من أمية خاطبا‬

‫‪234‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فالله أخر مدتي فتطاولت‬

‫حتى رأيت من الزمان عجائبا‬

‫في كل يوم لزال خطيبهم‬

‫بين الجميع لل أحمد عائبا‬

‫ثم سكتوا فقالت يا معاوية كلمك أعشى بصري وقصر‬


‫حجتي أنا والله قائلة ما قالوا خفي عليك مني أكثر‬
‫فضحك وقال ليس يمنعنا ذلك من برك اذكري حاجتك‪:‬‬
‫قالت أما أن فل‪.‬‬
‫"مناظرة السيف والقلم لزين الدين عمر بن الوردي‬
‫المتوفى سنة ‪749‬ه?"‬
‫لما كان السيف والقلم عتي العمل ولقول‪ ،‬وعمدتي‬
‫الدول عدمتهما دولة فل حول‪.‬‬
‫) ‪(1/166‬‬

‫وركني إسناد الملك المعربين عن المخفوض والمرفوع‬


‫ومقدمتي نتيجة الجدل الصادر عنهما المحمول‬
‫والموضوع فكرت أيهما أعظم فخرا ً أو أعلى قدرا ً‬
‫فجلست مجلس الحكم والفتوى ومثلتهما في الفكر‬
‫حاضرين للدعوى وسويت بين الخصمين في الكرام‬
‫سم ِ‬
‫واستنطقت لسان حالهما للكلم‪) ،‬فقال القلم(‪) :‬ب ِ ْ‬
‫ها }‬‫جل ّ َ‬ ‫ها( ]هود‪َ) ،[41 :‬والن َّهارِ إ َِذا َ‬
‫سا َ‬
‫مْر َ‬
‫ها وَ ُ‬
‫جَرا َ‬ ‫الل ّهِ َ‬
‫م ْ‬

‫‪235‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ها( ]الشمس‪ [4 3 :‬أما بعد حمد‬ ‫شا َ‬‫ل إ َِذا ي َغْ َ‬‫‪َ {3‬والل ّي ْ ِ‬
‫الله بارئ القلم ومشرفه بالقسم وجعله أول ما خلق‬
‫وجمل الورق بغصنه كما جمل الغصن بالورق والصلة‬
‫على القائل جفت القلم فإن القلم قصب السباق‬
‫والكاتب بسبعة أقلم من طبقت الكتاب السبع الطباق‬
‫جرى بالقضاء والقدر وناب عن اللسان فيما نهى وأمر‬
‫طالما أربى على البيض والسمر في ضرابها وطعانها‬
‫واتل البعد والصوارم في القرب ملء أجفانها وماذا‬
‫يشبه القلم في طاعة ناسه ومشيه لهم على أم رأسه‪،‬‬
‫َ‬
‫ديد َ‬ ‫)قال السيف(‪ :‬بسم الله الخافض الرافع )وَأنْزل َْنا ال ْ َ‬
‫ح ِ‬
‫مَنافِعُ ( ]الحديد‪ [25 :‬أما بعد حمد الله‬ ‫و‬ ‫د‬ ‫دي‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫س‬ ‫فيه بأ ْ‬
‫ٌ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ َ ٌ‬
‫الذي أنزل آية السيف فعظم بها حرمة الجرح وآمن‬
‫خيفة الحيف والصلة على الذي نفذ بالسيف سطور‬
‫الطروس وخدمته والقلم ماشية على الرؤوس وعلى‬
‫آله وصحبه الذين أرهفت سيوفهم وبنيت بها على كسر‬
‫العداء حروفهم فإن السيف عظيم الدولة شديد‬
‫الصولة محا أسطار البلغة وأساغ ممنوع الساغة من‬
‫اعتمد على غيره في قهر العداء تعب وكيف ل وفي‬
‫حده الحد بين الجد واللعب فإن كلن القلم شاهدا ً‬
‫فالسيف قاضي وإن اقتربت مجادلته بأمر مستقل‬
‫قطعه السيف بفعل ماضي به ظهر الدين وهو العدة‬
‫لقمع المعتدين حملته دون القلم يد نبينا فشرف بذلك‬
‫في المم شرفا ً بينا الجنة تحت ظلله ول سيما حين‬
‫يسل فترى ودق الجم يخرج من خلله زينت بزينة‬
‫الكواكب سماء غمده وصدق لقائل )السيف أصدق إنباًء‬

‫‪236‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من ضده( ل يعبث به الخامل ول يتناوله كالقلم‬
‫بأطراف النامل ما‬
‫) ‪(1/167‬‬

‫هو كاللم المشبه بقوم عروا لبوسهم ثم نكسوا ما قبل‬


‫ق(‬‫مآٍء َدافِ ٍ‬
‫من ّ‬
‫خل ِقَ ِ‬
‫على رؤوسهم فكأن السيف ) ُ‬
‫]الطارق‪ [6 :‬أو كوكب راشق مقدرا ً في السرد فهو‬
‫الجوهر الفرد ل يشترى كالقلم بثمن بخس ول يبلى كما‬
‫يبلى القلم بسواد وطمس كم لقائمه المنتظر من أثر‬
‫في عين أو عين في أثر فهو في جراب القوم قوام‬
‫الحر ولهذا جاء مطبوع الشكل داخل الضرب )قال‬
‫القلم( أمن ينشأ في المخصوص وهو في الخصام غير‬
‫مبين يفاخر وهو القائم عن الشمال وأن الجالس على‬
‫اليمين أنا المخصوص بالرأي وأنت المخصوص بالصدى‬
‫أنا آلة الحياة وأنت آلة الردى ما لنت إل بعد دخول‬
‫السعير وما حددت إل عن ذنب كبير أنت تنفع في العمر‬
‫ساعة وأنا أفني العم في الطاعة أنت للرهب وأنا‬
‫للرعب وإذا كان بصرك حديدا ً فبصري ماء ذهب أين‬
‫تقليدي من اجتهادي‪ ،‬وأين نجاسة دمك من تطهير‬
‫مدادي‪) ،‬قال السيف(‪ :‬أمثلكم يعبر مثلي بالدماء‬
‫فطالما أمرت بعض فراخي وهي السكين‪ :‬فأصبحت‬
‫من النفاثات فيعدك يا مسكين‪ ،‬فأخلت من الحياة‬
‫جثمانك‪ ،‬وشقت أنف وقطعت لسان‪ ،‬ويك إن كنت‬
‫ب مهموم‪ ،‬أو للنشاء فخادم لمخدوم‪ ،‬أو‬ ‫للديوان فحاس ٌ‬
‫للبليغ فساحر مذموم‪ ،‬أو للفقيه فناقص في المعلوم‪ ،‬أو‬

‫‪237‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫للشاعر فسائل محروم‪ ،‬أو للشاهد فخائف مسموم‪ ،‬أو‬
‫للمعلم فللحي القيوم‪ ،‬وأما أنا فلي الوجه الزهر‪،‬‬
‫والحلية والجوهر‪ ،‬والهيبة إذا أشهرن والصعود على‬
‫المنبر‪ ،‬شكلي الحسن علي‪ ،‬ولم ل حملك الحطب‬
‫بدلي‪ ،‬ثم إني مملوك كمالك‪ ،‬فإنك كناسك‪ ،‬أسلك‬
‫الطرائق وأقطع العلئق‪) ،‬قال القلم(‪ :‬وأليف الغدير‬
‫وحليف الهواء‪ ،‬وأما أنت فابن النار والدخان‪ ،‬وباتر‬
‫العمار وخوان الخوان‪ ،‬تفصل ما ل تفصل‪ ،‬وقطع ما‬
‫أمر الله به أن يوصل‪ ،‬ل جرم شمر السيف وصقل‬
‫قفاه‪ ،‬وسقي ماء حميما ً فقطع معاه‪ ،‬يا غرب البين‪ ،‬ويا‬
‫عدة الحين‪ ،‬ويا معتل العين‪ ،‬ويا ذا الوجهين‪ ،‬كم أفنيت‬
‫وأعدمت‪ ..‬وأرملت وأيئمت )قال السيف(‪ :‬يا بن‬
‫الطين‪ ،‬ألست ضامرا ً وأنت بطين‪ ،‬كم جريت بعكس‬
‫وتصرفت في مكس‪ ،‬وزورت‬
‫) ‪(1/168‬‬

‫وحرفت‪ ،‬ونكرت وعرفت‪ ،‬وسطر ت وهجوا ً وشتمًا‪،‬‬


‫وخلدت عارا ً وذمًا‪ ،‬أشر بفرط روعتك‪ ،‬وشدة خيفتك‪،‬‬
‫إذا قستن بياض صحيفتي بسواد صحيفتك‪ ،‬فألن خطابك‬
‫فأنت قصير المدة‪ ،‬وأحسن جوابك فعندي حدة‪ ،‬وأقلل‬
‫من غلظتك وجبهك‪ ،‬واشتغل عن دم في وجهي بمدة‬
‫في وجهك‪ ،‬وإل فأدنى ضربة مني تروم أرومتك‪،‬‬
‫فنستأصل أصلك وتجحتث جرثومتك‪ ،‬فسقيا لمن غاب‬
‫بك عن غابك‪ ،‬ورعيا ً من أهاتب بك لسلخ إهابك‪) ،‬فلما‬
‫رأى القلم( السيف احتد‪ ،‬الن له من خطابه ما اشتد‬

‫‪238‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقال‪ :‬أما ألدب فيؤخذ عني‪ ،‬وأما اللطف فيكةتس‬
‫منس‪ ،‬فإن لنت لنت‪ ،‬وإن أحينت أحينت‪ ،‬نحن اهل‬
‫السمع والطاعة‪ ،‬ولهذا نجمع في الدواء الواحدة منا‬
‫جماعة‪ ،‬وأما أنتم فأهل الحدة والخلف‪ ،‬ولهذا لم‬
‫يجمعوا بين سيفين في غلف‪) ،‬قال السيف(‪ :‬أمرا ً‬
‫ودعوى عفة‪ ،‬لمر ا جدع قصير أنفع لو كنت كما‬
‫زتعمت ذا أدب‪ ،‬لما قابلت رأس الكىاتب بعقدة الذنب‪،‬‬
‫أنا ذو الصيت والصوت‪ ،‬وغرارء لسانا مشرفي يرتجل‬
‫غرائب الموت‪ ،‬أنا من مارج النمار‪ ،‬والقلم من صلصال‬
‫كالفخار‪ ،‬وإذات زعنم القلم أه مثلي أمرت من يدق‬
‫رأسه بنعلي )قال اللم(‪ :‬صف فصاحب السيف بل‬
‫سعادة كأعزل‪) ،‬قال السيف(‪ :‬مه فقلم البيلغ بغير حظ‬
‫معزل‪) ،‬قال القلم(‪ :‬أنا أزكى وأطهر‪) ،‬قال السيف(‪ :‬أنا‬
‫ك ال ْك َوْث ََر(‬ ‫أبهى وأبهر فتل‪) ،‬ذو القلم( لقلمه‪) :‬إ ِّنآ أ َع ْط َي َْنا َ‬
‫حْر(‬ ‫ك َوان ْ َ‬ ‫ل ل َِرب ّ َ‬‫ص ّ‬‫]لكوثر‪ [1:‬فتل‪) :‬صاحب السيف(‪) :‬فَ َ‬
‫ك هُوَ الب ْت َُر(‬ ‫شان ِئ َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫]الكوثر‪ [2:‬فتل) ذو القلم( لقلمه‪) :‬إ ِ ّ‬
‫]الكوثر‪) [3:‬قال( أما وكتابي المسطور‪ ،‬وبيتي‬
‫المعمور‪ ،‬والتوراة والنجيل‪ ،‬والقرآن ذي التنبجيل‪ ،‬إن‬
‫لم تكف عني غربك‪ ،‬وتبعد مني قربك‪ ،‬لكتبنك من‬
‫الصم والبكم‪ ،‬ولسطرن عليك بقلمي بهذا الحكم‪) ،‬قال‬
‫السيف(‪ :‬أما ومتني المتين‪ ،‬وفتحي المبين‪ ،‬ولساني‬
‫الرطبين‪ ،‬ووجهين الصلبين‪ ،‬وإن لم تغب عن بياضي‬
‫بسوادك‪ ،‬لمسحن وجهك بمدادك‪ ،‬ولقد كسبت من‬
‫السد في الغابة‪ ،‬توقيح العين والصلبة‪ ،‬ومع أني ما‬
‫ألوتك نصحًا‪ ،‬أفنضرب عنكم‬
‫) ‪(1/169‬‬
‫‪239‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫الذكر صفحًا‪.‬‬
‫)قال القلم(‪ :‬سلم إلي مع من سلم‪ ،‬إن كنت على فأنا‬
‫أعلم‪ ،‬وإن كنت أحلى فأنا أحلم‪ ،‬وإن كنت أقوى فأنا‬
‫أقوم‪ ،‬أوكنت ألوى فأنا ألوم‪ ،‬أو كنت أطرى فأنا أطرب‪،‬‬
‫أو كنت أغلى فأنا أغلب‪ ،‬أو كنت أعتى فأنا أعتب‪ ،‬أو‬
‫كنت أقضة فأنا أقضب )قال السيف(‪ :‬كيف ل أفضلك‬
‫والمقر الفلني شاد أزري‪) ،‬قال القلم( كيف ل أفضلك‬
‫وهو تعز نصره ولي أمري‪.‬‬
‫)قال الحكم بين السيف والقلم(‪ :‬فلما رأيت الحجتين‬
‫ناهضتين‪ ،‬والبينتين متعارضتين‪ ،‬وعلمت أن لكل واحد‬
‫منهما نسبة صحيحة إلى هذا المقر الكريم‪ ،‬ورواية‬
‫مسندة عن حديثه القديم لطفت الوسيلة ودقت الحيلة‬
‫حتى رددت القلم إلى كنه‪ ،‬وأغمدت السيف فنام ملء‬
‫جفنه‪.‬‬
‫وأخرت بينهما الترجيح‪ ،‬وسكت عما هو عندي الصحيح‪،‬‬
‫إلى أن بحكم المقر لبينهما بعلمه ويسكن سورة‬
‫غضبهما الوافر ولجاجهما المديد ببسط حلمه‪.‬‬
‫?"مناظرة بين صاحب أبي تمام وصاحب البحتري‬
‫للمدي"‬
‫)صاحب أبي تمام(‪ :‬كيف يجوز لقائل أن يقول إن‬
‫البحتري أشعر من أبي تمام وعن أبي تمام أخذ وعلى‬
‫حذوه احتذى ومن معانيه استقى حتى قيل الطائي‬
‫الكبر والطائي الصغر‪.‬‬
‫)صاحب البحتري(‪ :‬أما الصحبة له فما صحبه ول تتلمذ‬
‫له وا روى ذلك أحد عنه ول نقله ول رأي قط أنه محتاج‬

‫‪240‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إليه ودليل ذلك الخبر المستفيض من اجتماعهما‬
‫وتعارفهما عند أبي سعيد محمد بن يوسف الثغري وقد‬
‫دخل عليه البحتري بقصيدته التي أولها‪:‬‬
‫ب من هوى فُأفيقا‬
‫أأفاقَ ص َ‬
‫) ‪(1/170‬‬

‫وأبو تمام حاضر فلما أنشدها علق أبو تمام منها أبياتا ً‬
‫كثيرة فلما فرغ من النشاد أقبل أبو تمام على محمد‬
‫بن يوسف فال أيها المير ما ظننت أن أحدا ً يقدم على‬
‫أن يسرق شعري وينشده بحضرتي حتى اليوم ثم اندفع‬
‫ينشج ما حفظه حتى أتي على أبيات كثيرة من القصيدة‬
‫فبهت البحتري ورأ ى أبو تمام النكار في وجه أبي‬
‫سعيد فحينئذٍ قال له أبو تمام أيها المير والله ما الشعر‬
‫إل له وإنه أحسن فيه الحسان كله وأقبل يقرظه‬
‫ويصف معانيه ويذكر محاسنه ولم يقنع من محمد بن‬
‫يوسف حتى أضعف له الجائزة فمن كان يقول مثل‬
‫هذه القصيدة التي هي من عين شعره وفاخر كلمه‬
‫قبل أن يعرف أبا تمام جدير به أن يستغني عن أن‬
‫يصحبه أو يتتلمذ له أو لغيره من الشعراء على أنني ل‬
‫أنكر استعار بعض معاني أبي تمام لقرب البلدين وكثرة‬
‫ما كان يطرق سمع البحتري من شعره وليس ذلك‬
‫بمقتض أن يكون أبو تمام أستاذ البحتري ول بمانعه أن‬
‫يكون البحتري أشعر من أبي تمام فهذا كثير قد أخذ‬
‫من جميل واستقى من معانيه فما رأينا أحدا ً قال إن‬
‫جميل ً أشعر منه بل هو عند أهل الشعر والرواية أشعر‬

‫‪241‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من جميل )صاحب أبي تمام(‪ :‬أن البحتري نفسه‬
‫يعترف أن أبا تمام منه فقد سئل عنه وعن أبي تمام‬
‫فقال أن جيده خير من جيدي وجيد أبي تمام كثير‪.‬‬
‫)صاحب البحتري(‪ :‬إن كان هذا الخر صحيحا ً فهو‬
‫للبحتري ل عليه لن قوله هذا يدل على أن شعر أبي‬
‫تمام كثير الختلف وشعره شديد الستواء ولمستوى‬
‫الشعر أولى بالتقدمة من المختلف الشعر وقد اجتمعنا‬
‫نحن وأنتم على أن أبا تمام يعلو علوا ً حسنا ً وينحط‬
‫انحطاطا ً قبيحا ً وأن البحتري يعلو بتوسط ول يسقط‬
‫ومن ل يسقط ول يسف أفضل ممن يسقط ويسف‪.‬‬
‫)صاحب أبي تمام(‪ :‬أن أبا تمام انفرد بمذهب اخترعه‬
‫وصار فيه أول ً إماما ً متبوعا ً وشهر به حتى قيل هذا‬
‫مذهب أبي تمام وسلك الناس نهجه واقتفوا أثره وهي‬
‫فضيلة عري عن مثلها البحتري‪.‬‬
‫)صاحب البحتري( ليس المر على ما وصفت وليس أبو‬
‫تمام صاحب هذا‬
‫) ‪(1/171‬‬

‫المذهب ول يأول فيه ول سابق إليه بل سلك فيه سبيل‬


‫مسلم بن الوليد واحتذى حذوه وأفرط في ذلك‬
‫وأسرف حتى زال عن الّنهج المعروف وسنن المألوف‬
‫ن مسلما ً غير مبتدع له ولكنه رأى هذه النواع التي‬
‫بل إ ّ‬
‫وقع عليها اسم البديع متفّرقة في أشعار المتقدمين‬
‫فقصدها وأكثر في شعره منها ولكنه حرص على أن‬
‫يضعها في مواضعها ولم يسلم مع ذلك من الطعن عليه‬

‫‪242‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫حتى قيل إنه أول من أفسد الشعر فجاء أبو تمام على‬
‫ب أن يجعل كل بيت من‬ ‫أثره واستحسن مذهبه وأح ّ‬
‫شعره غير خال من هذه الصناف فسلك طريقا ً وعرا ً‬
‫واستكره اللفاظ والمعاني استكراها ً ففسد شعره‬
‫وذهب طلوته ونشف ماؤه فقط سقط الن احتجاجكم‬
‫ل ما في‬ ‫باختراع أبي تمام لهذا المذهب وسبقه إليه‪ :‬وك ّ‬
‫المسألة أنه استكثر منه وأفرط فكان إفراطه فيه من‬
‫أعظم ذنوبه وأكبر عيوبه‪ .‬أما البحتري فإنه ما فارق‬
‫عمود الشعر وطريقته المعروفة على كثرة ما جاء في‬
‫شعره من الستعارة والتجنيس والمطابقة فكان‬
‫حة المعنى‬ ‫انفراده بحسن العبارة وحلوة اللفظ وص ّ‬
‫والبعد عن التكلف والتعمل سببا ً في إجماع الناس على‬
‫استحسان شعره واستجادته وتداوله ونفاق شعر‬
‫الشاعر دليل على علو مكانته واضطلعه بما يلئم‬
‫الذواق ويلمس القلوب من أساليب الكلم ومناهجه‪.‬‬
‫)صاحب أبي تمام( إنما أعرض عن شعر أبي تمام من‬
‫لم يفهمه لدّقة معانيه وقصور فهمه عنه أما النقاد‬
‫والعلماء فقد فهموه وعرفوا قدره وإذا عرفت هذه‬
‫الطبقة فضيلته لم يضره طعن من طعن بعدها عليه‪.‬‬
‫)صاحب البحتري( ل يستطيع أحد أن ينكر منزلة ابن‬
‫العرابي وأحمد بن يحيى الشيباني ودعبل بن الخزاعي‬
‫من الشعر ومنزلتهم من العلم بكلم العرب وقد علمتم‬
‫مذهبهم في أبي تمام وازدراءهم بشعره حتى قال‬
‫دعبل إن ثلث شعره محال وثلثه مسوق وثلثه صالح‬
‫وقال ما جعل الله أبا تمام من الشعراء‪ :‬بل شعره‬
‫بالخطب والكلم المنثور أشبه منه بالشعر‪ :‬وقال ابن‬

‫‪243‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫العرابي في شعر أبي تمام إن كان شعرا ً فكلم العرب‬
‫باطل وهذا محمد‬
‫) ‪(1/172‬‬

‫بن يزيد المبرد ما علمناه دون له كبير شيء‪.‬‬


‫)صاحب أبي تمام( إن دعبل ً كان يشنأ أبا تمام ويحسده‬
‫على ما هو معروف ومشهور فل يقبل قول شاعر في‬
‫شاعر وإما ابن العرابي فكان شديد التعصب عليه‬
‫لغرابة مذهبه ولنه كان يرد عليه من معانيه ما ل يفهمه‬
‫ول يعلمه فكان إذا سئل عن شيء منها بأنف أن يقول‬
‫ل أدري فيعدل إلى الطعن عليه ول مانع أن يكون جميع‬
‫من تذكرونه على هذا القياس‪.‬‬
‫)صاحب البحتري( ل عيب على ابن العرابي في طعنه‬
‫على شاعر عدل في شعره عن مذاهب العرب إلى‬
‫الستعارات البعيدة المخرجة للكلم إلى الخطأ والحالة‬
‫والعيب في ذلك يلحق أبا تمام إذ عدل عن المحجة إلى‬
‫طريقة يجهلها ابن العرابي وأمثاله من المضطلعين‬
‫بالسليقة العربية‪.‬‬
‫)صاحب أبي تمام( إن العلم في شعر أبي تمام أظهر‬
‫منه في شعر البحتري والشاعر العالم أفضل من‬
‫الشاعر غير العالم‪.‬‬
‫)صاحب البحتري( كان الخليل بن أحمد عالما ً شاعرا ً‬
‫وكان الصمعي شاعرا ً عالما ً وكان الكسائي كذلك وكان‬
‫خلف بن حيان الحمر أشعر العلماء وما بلغ بهم العلم‬
‫طبقة من كان في زمانهم من الشعراء غير العلماء‬

‫‪244‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والتجويد في الشعر ليست علته العلم‪ :‬والشائع‬
‫المشهور أن شعر العلماء دون شعر الشعراء وقد كان‬
‫أبو تمام يعمل على أن يدل في شعره على علمه‬
‫باللغة وكلم العرب‪.‬‬
‫أم البحتري فلم يقصد هذا ول اعتمده ول كان يعده‬
‫فضيلة ول يراه علما ً بل كان يرى أنه شاعر ل بد له أن‬
‫يقرب شعره من فهم سامعه فل يأتي بالغريب إل أن‬
‫يتفق له في اللفظة بعد اللفظة في موضعه من غير‬
‫طلب له ول حرص عليه‪ .‬على أن هذا العلم الذي‬
‫تؤثرون به أبا تمام لم ينفعه فقد كان يلحن في شعره‬
‫لحنا ً يضيق العذر فيه ول يجد المتأول له مخرجا ً منه إل‬
‫بالحيلة والتحمل الشديد‪.‬‬
‫)صاحب أبي تمام( لسنا ننكر أن يكون صاحبنا قد وهم‬
‫في بعض شعره وعدل عن الوجه الوضح في كثير من‬
‫معانيه‪ :‬وغير غريب على فكر نتج من المحاسن ما نتج‬
‫وولد من البدائع ما ولد أن‬
‫) ‪(1/173‬‬

‫يلحقه الكلل في الوقات والزلل في الحيان بل من‬


‫الواجب لمن أحسن إحسانه أن يسامح في سهوه‬
‫ويتجاوز له عن خطائه وما رأينا أحدا ً من شعراء‬
‫الجاهلية سلم من الطعن ول من أخذ الرواة عليه‬
‫الغلط والعيب وكذلك ما أخذته الرواة على المحدثين‬
‫المتأخرين من الغلط والخطأ واللحن أشهر من أن‬
‫يحتاج إلى أن نبرهنه أو ندل عليه وما كان أحد من‬

‫‪245‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أولئك ول هؤلء مجهول الحق ول مجحود الفضل بل‬
‫عفا إحسانهم على إسائتهم وتجويدهم على تقصيرهم‪.‬‬
‫)صاحب البحتري( أما أخذ السهو والغلط على من أخذ‬
‫عليهم من المتقدمين والمتأخرين ففي البيت الواحد‬
‫والبيتين والثلثة أما أبو تمام فل تكاد تخلو له قصيدة‬
‫واحدة من عدة أبيات يكون فيها مفسدا ً أو محيل ً أو‬
‫عادل ً عن السنن أو مستعيرا ً استعارة قبيحة أو مخطئا ً‬
‫للمعنى بطلب الطباق والتجنيس أو مبهما ً يسوء العبارة‬
‫والتعقيد حتى ل يفهم ول يوجد له مخرج‪.‬‬
‫)صاحب أبي تمام( إنكم تنكرون على أبي تمام من‬
‫الفضل ما يعترف به البحتري نفسه فقد رثاه بعد موته‬
‫رثاء اعترف فيه له بالسبق وفضله على شعراء عصره‪.‬‬
‫)صاحب البحتري( لم ل يفعل البحتري ذلك وقد كان هو‬
‫وأبو تمام صديقين متحابين وأخوين متاصفيين يجمعهما‬
‫الطلب والنسب والمكتسب فليس بمنكر ول غريب أن‬
‫يشهد أحدهما لصاحبه بالفضل ويصفه بأحسن ما فيه‬
‫وينحله ما ليس فيه على أن الميت خاصة يعطى في‬
‫تأيينه من التقريظ والوصف وجميل الذكر أضعاف ما‬
‫كان يستحقه‪.‬‬
‫)صاحب أبي تمام( كيفما كان المر ل تستطيعون أن‬
‫تدفعوا ما أجمع عليه الرواة والعلماء أن جيد أبي تمام‬
‫ل يتعلق به جيد أمثاله وإذا كان جيده بهذه المكانة وكان‬
‫من الممكن إغفال رديئته واطراحه كأنه لم يقل فل‬
‫يبقى ريب في أنه أشعر شعراء عصره والبحتري واحد‬
‫منهم‪.‬‬
‫)صاحب البحتري( إنما صار جيد أبي تمام موصوفا ً‬

‫‪246‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ومذكورا ً لندرته ووقوعه في تضاعيف الرديء فيكون له‬
‫رونق وماء عند المقابلة بينه وبين ما يليه‪ :‬وجيد‬
‫البحتري كجيد أبي تمام إل‬
‫) ‪(1/174‬‬

‫أنه يقع في جيد مثله أو متوسط فل يفاجئ النفس منه‬


‫ما يفاجئها من جيد صاحبه‪.‬‬
‫"مناظرة السفينة والوابور للمرحوم السيد عبد الله‬
‫النديم المتوفى سنة ‪1314‬ه"‬
‫شمرت "السفينة" عن الذراع وسحبت طرفها ونشرت‬
‫الشراع واعتدلت ومالت وابتدأت وقالت‪ :‬حمدا ً لمن‬
‫أسبغ على عباده جزيل النعام وسخر لهم من فضله‬
‫السفن والنعام وجعلهما مطيتين لحمل الرزاق‬
‫والثقال وحافظين للذخائر عند السفر والنتقال وامتن‬
‫بهما على عباده وهو عليم بما يصنعون فقال تعالى‪:‬‬
‫ن( ]المؤمنون‪ [22 :‬وصلةً‬ ‫مُلو َ‬
‫ح َ‬ ‫)وَع َل َي َْها وَع ََلى ال ُْفل ْ ِ‬
‫ك تُ ْ‬
‫وسلما ً على من أسفرت أسفاره عن عظيم أخلقه‬
‫فانفتح بتوجهاته الشريفة باب السياحة بعد إغلقه وآله‬
‫وأصحابه الذين تحملوا في الغزوات مشاق البرد والحر‬
‫واقتحموا في نضر دينه عقبات البحر والبر "وبعد" فإن‬
‫المخترعات في الدنيا كثيرة وقد صارت سهلة بعد أن‬
‫كانت خطيرة ولكن من المعلوم لكل عاقل عارف‬
‫بأحوال الوائل ناقل أن شكلي أول غريب ابتدع‬
‫وأحسن عظيم اختراع ما تقدمني سوى الحيوان‬
‫والكواكب وضروريات الزرع وبعض آلت المعاطب‬

‫‪247‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وكان البحر قبلي ظلمة ما طلع له فجر وانشرح لها‬
‫صدر بل غرضا ً ما أصابه سهم ومعنى ما ترقى لهم وهم‬
‫حتى أمر الله نبيه نوحا ً بصنعي وعلمه تركيب ضلوعي‬
‫عند جمعي فبذل في جهده وباشر عملي وحده وكلما‬
‫خُروا ْ‬ ‫س َ‬ ‫ٌ‬
‫مر عليه مل من قومه سخروا منه قال‪ِ) :‬إن ت َ ْ‬
‫ن( ]هود‪ [38 :‬فقال‬ ‫خُرو َ‬ ‫س َ‬
‫ما ت َ ْ‬ ‫م كَ َ‬
‫منك ُ ْ‬‫خُر ِ‬ ‫س َ‬‫مّنا فَإ ِّنا ن َ ْ‬‫ِ‬
‫تعالى‪) :‬واصنع ال ُْفل ْ َ َ‬
‫خاط ِب ِْني ِفي‬ ‫حي َِنا وَل َ ت ُ َ‬
‫ك ب ِأع ْي ُن َِنا وَوَ ْ‬ ‫َ ْ َِ‬
‫ن( ]هود‪ [37 :‬فاستمر حتى‬ ‫مغَْرُقو َ‬ ‫م ّ‬ ‫موَا ْ إ ِن ّهُ ْ‬‫ن ظ َل َ ُ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫أتم عمله وحقق رجاءه وأمله وأنزلني البحر عروسا ً‬
‫وأطاب بي نفوسا ً فتلقاني البحر على رأسه وجريت‬
‫بين روحه وأنفاسه وصار كل غريب حاضر لدي وكلما‬
‫تلطم البحر ضربته بيدي ل ترهبني منه المواج ول‬
‫تردني عنه البراج أحمل الذخائر والرزاق وأجمع‬
‫الحباب والعشاق ومع ذلك‬
‫) ‪(1/175‬‬

‫فإن أصلي معدن الثمر ونزهة الرقاء عند السمر فمن‬


‫له أب كأبي ومن قبلي صنعه نبي فمجدي شامخ ومجد‬
‫غيري متهدم والفضل كل الفضل للمتقدم‪.‬‬
‫فالتهبت أحشاء )الوابور( بفحم الحجر وصعدت أنفاسه‬
‫مشوبة بشرر وزمجر وكفر وصاح وصفر وجرى حتى‬
‫خرج عن "الشريط" وقال السكوت على هذا من‬
‫التفريط ثم كر بعجله وجال وابتدأ ردا ً عليه فقال‪:‬‬
‫الحمد لله خالق كل شيء موجود الذي يشرفني بالذكر‬
‫قبل الوجود حيث امتن على عباده بخلق عليها يحملون‬

‫‪248‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ن( ]النحل‪ [8 :‬ويستأنس‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫خل ُقُ َ‬ ‫ثم قال‪) :‬وَي َ ْ‬
‫ن( ]يس‪[42 :‬‬ ‫ما ي َْرك َُبو َ‬ ‫مث ْل ِهِ َ‬‫من ّ‬ ‫م ّ‬ ‫خل َْقَنا ل َهُ ْ‬
‫لي بقوله‪) :‬وَ َ‬
‫ول يغفل عن ذكري إل الجاهلون والصلة والسلم على‬
‫من تكلم بالمغيبات من غير شك ول التباس المنزل‬
‫س(‬ ‫نا‬ ‫لل‬ ‫ع‬ ‫ف‬‫نا‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫د‬‫دي‬ ‫َ‬
‫ش‬ ‫س‬ ‫عليه )وَأنزل ْنا ال ْحديد فيه بأ ْ‬
‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫ٌ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ َ ِ ِ َ ٌ‬ ‫َ ْ َ‬
‫]الحديد‪ [25 :‬وأصحابه الذين اتخذوا من معدني دروعا ً‬
‫وتيجانا ً وقاتلوا بها حتى أظهروا دينا ً وأرضوا دّيانا ً "وبعد"‬
‫فالوقوف عند حد النفس إنصاف والخروج عنه قبيح‬
‫الوصاف‪ :‬الفخر ل يكون إل عن كبر أو غباوة وهو أول‬
‫داع للحرب والعداوة فكم أثار حربا ً وأضرم نارا ً وكم‬
‫هدم قصرا ً وأباد دارا ً ولكن شر أهر ذا ناب وكوة فتحت‬
‫بها أبواب فإني ما كنت أظن أن السفينة الحقيرة‬
‫المسكينة تخرج من الجراف وهي ترفع في وجهي‬
‫المجداف ولكن قد يلقى النسان ضد أمله والمرء‬
‫مجزي بعمله ومن سل سيف البغي قتل به وأهم‬
‫أمريك الذي أنت به فانتبه فقابل أعداءك بأرداء‬
‫الحجارة وإياك أعني فاسمعي بإجارة فإنك وإن كنت‬
‫أول عمل للخلق وصناعة نبي بوحي الحق إل أنك‬
‫حمالة الحطب قريبة العطب إن هبت عليك نسمات‬
‫هلك من فيك ومات وإن كتبت لك سلمة فل حبا ً ول‬
‫كرامة وإن كسر ضلعك فار عل فيك الماء وفار‪ :‬بم‬
‫تفتخرين وأنت مكتفة بالحبال وخدمتك ينادون بالوبال‬
‫إن سلكت طرق المن ارتجفت القلوب وإن ساعدتك‬
‫الصبا أهلكتك الجنوب تغرقين إن زاد عليك "طرد"‬
‫وتهلكين إن نزل‬
‫) ‪(1/176‬‬
‫‪249‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫عليك "شرد" فإن أبيت السير سحبوك على وجهك وإن‬


‫كلوا تركوك وباتوا على قلبك ما أقبح أصوات الوباش‬
‫حين يصعدون لسحب القماش وما أفظع تلك الضجة‬
‫إذا "شحطت" وسط اللجة كم عقت محبا ً عن حبيبه‬
‫وأحرمت تاجرا ً من نصيبه وكم جعلوك مطية للفساد‬
‫وآلة لهلك العباد فإن كنت ذكرت في الكتاب صراحة‬
‫فقد ذكرت ضمنا ً وإن ظهرت قبلي لفظا ً فقد كنت‬
‫معنى ما تأخر لتاجر عندي سبب ول حرم من صاحبني‬
‫بلوغ أرب طريقك معوج وطريقي مستقيم ل يملني‬
‫صحيح ول يسأمني سقيم فسحبت السفينة "المداري"‬
‫وقالت له "باري باري" كم تعرض وتصرح "وأصفح‬
‫وأصلح" ولكن مهل ً يا أبا لهب فقد خرجت عن الدب‬
‫ولبد ما "أرسي" على بّرك وأحرقك بلهيب جمرك‬
‫حصرت بين "عجل وقضيب" ووقفت في جحيم ولهيب‬
‫ذيت "بالخشب والفحم" وتفكهت "بالزيت والشحم"‬ ‫وتغ ّ‬
‫وتولعت "بالمشاقة والكهنه" وتحليت "بالهباب والدهنة"‬
‫وتمكن الغيظ فيك وانحبس حتى صار فيك "نفس"‬
‫وجئت تقول إني حمالة الحطب وأنت حمال النار‬
‫واللهب وإني قريبة العطب وأنت أبو البليا والكرب إن‬
‫جريت فضحت عرضك وإن وقفت تأكل بعضك وإن‬
‫صدمك شيء هلكت ووقفت وما سلكت وإن كسر‬
‫"ذراعك" وقعت وقليل إن طلعت وإن دخن أنفك تعمى‬
‫صورتك وإن ظمئت يوما ً طقت "ما سورتك" تجري في‬
‫الخلء والقفار وتقول النار ول العار ما أوسخ رجالك‬
‫وأضيق مجالك يا مفرق الحباب ومفزع الركاب غريقي‬

‫‪250‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أرجى من غريقك وبحري أنجا من طريقك كم هرست‬
‫من إنسان وطحنت من حيوان وخلفت راكبا ً وتركته‬
‫حيران وكم جعل رجالك الناس مسخرة إذا لم يجدوا‬
‫معهم "تذكرة" وكم أضعت على تاجر فلوسه إذا فقدت‬
‫منه "بوليسة" أعلى غير "الشريط" تجري فضل ً عن‬
‫لجي وبحري أدخل نفسك في "مخزن الوفر" )وفضك‬
‫من النفخ والصفر( تفتخر على أغصان الطعوم "وأنت‬
‫حديد يا مشوم" ولئن سرت على "عجل" فقلوب أهلك‬
‫في وجل أما علمت أن العجلة من الشيطان وأن‬
‫الباغي جزاؤه النيران شغلت بالكل والتمشي ففاتك‬
‫الرفق والتأني‪.‬‬
‫وبالجملة فإني سابقة هذا‬
‫) ‪(1/177‬‬

‫الميدان ول ينتطح في ذلك عنزان‪.‬‬


‫فتحرك الوابور تحرك ناقد وتنّهد تنهد حاقد وقطع‬
‫)قطره( وأبا )شحنًا( وقال أسمع جعجعة ول أرى طحنا ً‬
‫أبعوض تطن في أذن فيل وصورة تعد في التماثيل‬
‫ولكني أبيت مخاطبتك وعفت وكرهت وجهك المدهون‬
‫"بالزفت" فإن حالك حال الحيران وصباحك صباح‬
‫"القطران" وكيف أفاخر امرأة عقلها في "مؤخرتها"‬
‫وهلكها في تمزيق مئزرها تقاد بحبل طويل وتنقاد‬
‫لدنى "عويل" يديرها )شاغول( وفكرها مشغول تتبع‬
‫هواها في السير ولها جناح كالطير أمية فيها )قارية(‬
‫ويد عاجزة لها )باريه( ثالثة العيزين في ذل )الوتد(‬

‫‪251‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫)وا َ‬
‫د(‬
‫س ٍ‬
‫م َ‬
‫من ّ‬ ‫حب ْ ٌ‬
‫ل ّ‬ ‫ها َ‬
‫جيد ِ َ‬ ‫حط َ ِ‬
‫ب}‪ِ {4‬في ِ‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫مال َ َ‬
‫ح ّ‬
‫ه َ‬
‫مَرأت ُ ُ‬
‫َ ْ‬
‫]المسد‪.[5 4 :‬‬
‫"مناظرة بين الليل والنهار لمحمد أفندي المبارك‬
‫الجزائري"‬
‫) ‪(1/178‬‬

‫لما أسفر النهار عن بياض الغرة قابله الليل بسواد‬


‫الطرة ثم صار الهزل جدا ً واشتد النزاع بينهما جدا ً‬
‫فاستنجد كل منهما أميره وأفشى له سره وضميره وإذا‬
‫بالليل حمل على النهار فصبغ حمرة وردته بصفرة‬
‫البهار وخطر يجر ذيول تيهه وعجبه مرصعا ً تيجان‬
‫ى( ]الليل‪:‬‬ ‫ش َ‬ ‫مفاخره بدرر شهبه‪ .‬ثم قال‪َ) :‬وال ْل ّي ْ ِ‬
‫ل إ َِذا ي َغْ َ‬
‫ى( ]النازعات‪[26 :‬‬ ‫ش َ‬ ‫خ َ‬‫من ي َ ْ‬ ‫ك ل َعِب َْرة ً ل ّ َ‬
‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬
‫‪) [1‬إ ِ ّ‬
‫ففتح باب المناقشة في هذا الفصل وعقد أسباب‬
‫المنافسة بقول الفصل )فإن الحرب أولها كلم( ثم‬
‫تنجلي عن قتيل أو أسير بكلم ولما بلغ الليل غايته بزغ‬
‫الفجر ورفع رايته وقال إذ جال في معترك المنايا )أنا‬
‫ابن جل وطلع الثنايا( فتقدم في ذلك الميدان وجلي‬
‫ى( ]الليل‪ [2 :‬ثم‬ ‫تاليا ً قوله تعالى‪َ) :‬والن َّهارِ إ َِذا ت َ َ ّ‬
‫جل َ‬
‫استوى على عرش السنا والسناء وأطلع شموس‬
‫طلعته في الرض والسماء فأعرب عن غوامض‬
‫الرقائق والحقائق وأغرب في نشر ما انطوى من‬
‫السرار والدقائق وما انحدر من منبره حتى أيد دعوى‬
‫خبره بشاهد مخبره فانتدب إليه "الليل" ومال عليه كل‬
‫الميل وقال أحمد من جعلني خلوة للحباب وجلوة‬

‫‪252‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لعرائس العرفان ونفائس الدباء وخلقني مثوى لراحة‬
‫العباد ومأوى لخاصة النساك والعباد‪ :‬ولله در من قال‬
‫فأجاد‪:‬‬
‫أيها الليل طل بغير جناح‬

‫ليس للعين راحة في الصباح‬

‫كيف ل أبغض الصباح وفيه‬

‫بان عني نور الوجوه الصباح‬


‫أتردد على أرباب المجاهدة بفنون الغرائب وأتودد إلى‬
‫أصحاب المشاهدة بعيون الرغائب تدور في ساحتهم‬
‫بدور الحسن والبهاء وتدار من راحتهم كؤوس النس‬
‫والهناء فتحييهم نغمات السمر وتحييهم نسمات السحر‬
‫فأحيان وصلي بالتهاني مقمرة وأفنان فضلي بالماني‬
‫مثمرة وحسبي كرامة أني للناس خير لباس أقيهم‬
‫بلطف اليناس من كل باس ومن واصل الدلج وهجر‬
‫طيب الكرى قيل له "عند الصباح يحمد القوم السرى"‪.‬‬
‫وما الليل إل للمجد مطيته‬

‫وميدان سبق فاستبق تبلغ المنى‬


‫) ‪(1/179‬‬

‫ففتن بمعاني بيانه البديع وتفنن في أفانين التصريع‬


‫والترصيع ثم أتم خطبته بالتماس المغفرة والعفو‬

‫‪253‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫واستعاذ بالله من دواهي الغفلة ودواعي اللهو فوثب‬
‫إليه )النهار( وصال عليه صولة ملك قهار وصعد على‬
‫منبره ثانيا ً وقد أضحى التيه لعطفه ثانيا ً فأثنى على من‬
‫جلى ظلمة الحجاب وتحلى له باسمه النور وتوجه‬
‫بسورة من الكتاب وزانه بأبهى سراج وهاج فأوضح‬
‫بسناه السبيل والمنهاج ثم صاح أيها الليل هل قصرت‬
‫من إعجابك الذيل ولئن دارت رحى الحرب واستعرت‬
‫نار الطعن والضرب فل سبين مخدراتك وهي عن‬
‫ة(‬
‫سَر ٌ‬
‫خا ِ‬‫ك ِإذا ً ك َّرة ٌ َ‬‫الوجوه حاسرة وأنت تتلو يومئذ )ت ِل ْ َ‬
‫]النازعات‪ [12 :‬فما دعاك إلى حلبة المفاضلة وما‬
‫دهاك حتى عرضت بنفسك للمناضلة وهل دأبك إل‬
‫الخداع والمكر وترقب الفرصة وأنت داخل الوكر أما‬
‫ق( ]الفلق‪ [1:‬وندب‬ ‫حض القرآن على التعوذ )ب َِر ّ ْ َ‬
‫ب الَفل ِ‬
‫ب(‬‫ق إ َِذا وَقَ َ‬ ‫س ٍ‬‫غا ِ‬ ‫شّر َ‬‫من َ‬ ‫خل َقَ }‪ {2‬وَ ِ‬
‫ما َ‬ ‫من َ‬
‫شّر َ‬ ‫) ِ‬
‫]الفلق‪ [3 2 :‬فبربي يستعاذ من شرك ويستعان على‬
‫صنوف صروف غدرك وهب أنك تجمع المحب بالحبيب‬
‫إذا جار عليه الهوى وحار الطبيب فكم يقاسي منك في‬
‫هاجرة الهجر ويئن أنين الثكلى حتى مطلع الفجر‪.‬‬
‫يبيت كما بات السليم مسهدا ً‬

‫وفي قلبه نار يشب وقد‬

‫فيساهر النجوم ويساور الوجوم وقد هاجت لواعج‬


‫غرامه وتحركت سواكن وجده وهيامه‪ :‬فأنشد وزفيره‬
‫يتصعد‪:‬‬
‫أقضي نهاري بالحديث وبالمنى‬

‫‪254‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ويجمعني والهم بالليل جامع‬

‫نهاري نهار الناس حتى إذا بدا‬

‫لي الليل هزتني إليك المضاجع‬


‫على أن العاشق الواله يشكو منك في جميع أحواله‬
‫فكم قطع آناءك بمواصلة أنينه متململ ً من فرط شوقه‬
‫وحنينه فلما أن حظي بالوصال تمثل بقول من قال‪:‬‬
‫الليل إن واصلت كالليل إن هجرت‬

‫أشكو من الطول ما أشكو من القصر‬


‫) ‪(1/180‬‬

‫ولئن افتخرت ببدرك الباهي فإما تباري ببعض أنواري‬


‫وتباهي وهل للبدر عند إشراق الشمس من نور أو‬
‫لطلعة حسنه من خدور البطون ظهور ومن أدعى أنك‬
‫تساويني في الفضل والقدر أو زعم أن الشمس تقتبس‬
‫من مشكاة البدر ومتى استمدت الصول من الفروع‬
‫"وما أغنى الشموس عن الشموع" فبي تنجلي محاسن‬
‫المظاهر الكونية وتتحلى بجواهر العراض اللونية وأنى‬
‫يخفى حسني وجمالي على مشاهد أو يفتقر فضلي‬
‫وكمالي إلى شاهد وعرضي عارٍ عن العار وجميع‬
‫الحسن من ضيائي مستعار‪.‬‬
‫وليس يصح في الذهان شيء‬

‫‪255‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫إذا احتاج النهار إلى دليل‬


‫) ‪(1/181‬‬

‫ة وزادك ذكرى وتبصرة قوله تعالى‪:‬‬ ‫أما كفاك بين ً‬


‫ة( ]السراء‪:‬‬ ‫صَر ً‬
‫مب ْ ِ‬ ‫ة الن َّهارِ ُ‬ ‫جعَل َْنآ آي َ َ‬
‫ل وَ َ‬ ‫ة ال ْل ّي ْ ِ‬‫حوَْنآ آي َ َ‬ ‫م َ‬ ‫)فَ َ‬
‫َ‬
‫وي‬ ‫ست َ ِ‬
‫ل تَ ْ‬‫م هَ ْ‬ ‫صيُر أ ْ‬ ‫ى َوال ْب َ ِ‬ ‫م َ‬ ‫وي الع ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ل يَ ْ‬ ‫‪ [12‬و )هَ ْ‬
‫ت َوالّنوُر( ]الرعد‪ [16 :‬وأين منزل أهل الغفلة‬ ‫ما ُ‬ ‫الظ ّل ُ َ‬
‫من منزل أهل اليقظة والحضور وإن كنت مغنى النس‬
‫والفراح تفعل بعقول الناس فعل الراح فهل حسبت أن‬
‫السكون خير من الحركة وقد أجمع العالم على أن‬
‫"الحركة بركة" فإن لي بكل خطوة حظوة وليس‬
‫لجوادي كبوة ول لصارمي نبوة وإن صرحت بالذين‬
‫يبيتون لربهم سجدا ً وقياما ً معرضا ً بكل غافل له في‬
‫ه(‬‫عن ذ ِك ْرِ الل ّ ِ‬ ‫جاَرة ٌ وَل َ ب َي ْعٌ َ‬ ‫م تِ َ‬ ‫ل ل ّ ت ُل ِْهيهِ ْ‬ ‫جا ٌ‬ ‫كل مجال )رِ َ‬
‫]النور‪ [37 :‬وأين من احتجب بظلمات بعضها فوق‬
‫بعض ممن أضحى ينظر بعين العتبار في ملكوت‬
‫السموات والرض وقد أتحفني الله بالصلة الوسطى‬
‫فأوتر بها صلواتي وشرع فيها السرار لسرار اختصت‬
‫ن ال ّذ ِيَ أ ُن ْزِ َ‬
‫ل‬ ‫ضا َ‬ ‫م َ‬‫شهُْر َر َ‬ ‫بها أهل جلوتي وكفاني شرفا ً ) َ‬
‫ن( ]البقرة‪ [185 :‬فمآثري مأثورة في القديم‬ ‫ِفيهِ ال ُْقْرآ ُ‬
‫والحديث ومفاخري منثورة في الكتاب والحديث‬
‫ومحاسني واضحة لولي البصار وهل تخفى الشمس‬
‫في رائعة النهار فاكفف عن الجدال وأمسك ول تجعل‬
‫يومك مثل أمسك وسالم من ليس لك عليه قدرة فقد‬

‫‪256‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قيل‪) :‬ما هلك امرؤ عرف قدره( أقول قولي هذا‬
‫واستغفر الله من آفة العجب والكبرياء ولما انهار ركن‬
‫النهار ابهاّر )الليل( وتبرقع بالكفهرار فسد ما بين‬
‫الخافقين بسواده وطفق يرمي بسهام جداله في جلده‬
‫وقدم بين نجواه سورة القدر آية على ما حازه من‬
‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي‬ ‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬
‫كمال الرفعة والقدر وثني بقوله تعالى‪ُ ) :‬‬
‫ل( ]السراء‪ [1 :‬فأشار إلى الحبيب حين‬ ‫سَرىَ ب ِعَب ْد ِهِ ل َي ْ ً‬ ‫َ‬
‫أ ْ‬
‫تجلت له قرة عينه ليل ً ثم قال سحقا ً لك أيها النهار فقد‬
‫أسست بنيانك على شفا جرف هارٍ تناضلني ومني كان‬
‫انسلخك وظهورك وتفاضلني وبي أرحت أعوامك‬
‫وشهورك ألم يأن لك أن تخشع للذكر فتعترف‬
‫) ‪(1/182‬‬

‫لي برتبة التقديم في الذكر وكيف تعيرني بلون السواد‬


‫وهل يقبح السواد إل في الفؤاد أم كيف تعيبني بالخداع‬
‫"والحرب خدعة" وليس الشيء في موطنه بغريب ول‬
‫س‬‫بدعة أما تشهد العوالم من هيبتي حيارى )وَت ََرى الّنا َ‬
‫ى( ]الحج‪ [2 :‬فكم أرقت ملوكا ً‬ ‫س َ‬
‫كاَر َ‬ ‫هم ب ِ ُ‬
‫ما ُ‬ ‫س َ‬
‫كاَرىَ وَ َ‬ ‫ُ‬
‫أكاسرة وأرقت دماء أسود ٍ كاسرة وكم أرويت نار‬
‫الوغى تحت العجاج وقد ازورت اللحاظ واغبرت الفجاج‬
‫فأنا البطل الذي ل يصطلى بناره ول يأخذ منه الموتور‬
‫بثأره وافتخارك علي بالصلة الوسطى ليس إنصافا ً‬
‫منك ول قسطا ً وهب أنك انفردت بتلك الصلة الجليلة‬
‫فأين أنت مما أوتيته من الصلت الجزيلة أما كان‬
‫افتراض الصلة في ليلة العروج فما بالك تدعي الرتقاء‬

‫‪257‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إلى هذه البروج‪.‬‬
‫وما أعجبتني قط دعوى عريضة‬

‫ولو قام في تصديقها ألف شاهد‬


‫) ‪(1/183‬‬

‫وأما افتخارك علي بشهر رمضان وما نزل فيه من‬


‫السبع المثاني والقرآن فهل صح لك صيامه إل بي بدأ‬
‫وختاما ً وقد تميزت عليك بفضيلة إحيائه تهجدا ً وقياما ً‬
‫على أني محل النية "ونية المرء خير من عمله" لنها‬
‫بمثابة الروح له وبها يحظى الراجي ببلوغ أمله هذا‬
‫وإني أتكفل للصائم بمد يد الراحة ووافر الجر حتى‬
‫يتبين له الخيط البيض من الخيط السود من الفجر‬
‫وكيف تفتخر بالكتاب المنزه في مزاياه عن المشاركة‬
‫َ‬
‫والله تعالى يقول فيه‪) :‬إ ِّنآ أنَزل َْناه ُ ِفي ل َي ْل َةٍ ّ‬
‫مَباَرك َ ٍ‬
‫ة(‬
‫]الدخان‪ [3 :‬وهل في مطالع سعودك أشرقت بدور‬
‫العيدين أم على جناح جنحك أسرى بنور طلعة الكونين‬
‫ثم عرج به عليه الصلة والسلم إلى منزلة قاب‬
‫قوسين وهل في تجليات أسحارك يقول الرب هل من‬
‫سائل فيناجيه العبد متضرعا ً إليه بقلب خاشع ودمع‬
‫سائل ومما اختصصت به من الفضائل أنه في دولتي‬
‫سيد الوائل والواخر وناهيك بليالي شهر الله رجب‬
‫وكيف ل وفي طالعها السعيد حملت آمنة سيد العجم‬
‫والعرب "فطلع النهار" طلوع السد من غابه وكسر‬
‫جيوش الدجى حين كشر عن نابع وشمر للحرب العوان‬

‫‪258‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫غيرنا كل ول وان ناشرا ً في الفق رايته البيضاء وأسنته‬
‫لمعة بين الخضراء والغبراء وقال والذي كساني حلل‬
‫الملحة وأطلق لساني بالبلغة والفصاحة لمحون‬
‫سطور الدجى من طروس الوجود ولثبتن حسن‬
‫أحوالي في مقامات أهل الشهود فإني معروف بالوفاء‬
‫وصدق الخبر موصوف بالصفاء الذي ل يشوب صفوه‬
‫كدر كيف يباهيني الليل بمكارم الخلق ومحاسن الشيم‬
‫وأنا أتحدث بنعم الله وهو موسوم بكفران النعم ألست‬
‫مظهر الهداية والدللة وهو مظهر الغواية والضللة فكم‬
‫أرشدت من أضله وأعززت من أهانه وأذله وكم‬
‫أظهرت منه عيبا ً كان غبيا ً فابيضت عينه حزنا ً )َوا ْ‬
‫شت َعَ َ‬
‫ل‬
‫شْيبًا( ]مريم‪.[4 :‬‬
‫س َ‬ ‫الرأ ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ومن جهلت نفسه قدره‬

‫رأى غيره منه ما ل يرى‬


‫) ‪(1/184‬‬

‫وكيف يزعم هذا العبد البق أنه لسيده في حلبة‬


‫ق‬
‫ساب ِ ُ‬
‫ل َ‬ ‫الشرف سابق وقد قال الواحد القهار )وَل َ ال ْل ّي ْ ُ‬
‫الن َّهاِر( ]يس‪ [40 :‬إن هو وايم الله إل كافر وبشموس‬
‫أنوار الشهادة غير ظافر لو كان من السعداء لفاز بدار‬
‫النعيم ولول شقاؤه لما شابه سواد طبقات الجحيم‬
‫جوهٌ‬‫ض وُ ُ‬ ‫م ت َب ْي َ ّ‬
‫وماذا يؤمله من الجزاء ويرجوه )ي َوْ َ‬
‫ه( ]آل عمران‪ [106 :‬أما دري أن صحيفته‬ ‫جو ٌ‬
‫سوَد ّ وُ ُ‬
‫وَت َ ْ‬
‫سوداء مظلمة وصحيفتي تفصح عن نفس مؤمنة بالله‬

‫‪259‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مسلمة وأنى يرقى كتابه إلى عليين وهي من ظلمات‬
‫الحجاب في سجين ثم أقبل عيه وأنشد مشيرا ً إليه‪:‬‬
‫يا مشبا في فعله لونه‬

‫لم تعد ما أوجبت القسمة‬

‫خلقك من خلقك مستخرج‬

‫والظلم مشتق من الظلمة‬


‫وقال كيف تدعي فوق حالك وأي فضل لمن منظره‬
‫أسود حالك أما علمت أن الظاهر للباطن عنوان كما أن‬
‫اللسان عن الجنان ترجمان‪ :‬قال أفضل الخلق "ابتغوا‬
‫الخير عند حسان الوجوه" وقال الشاعر‪:‬‬
‫ل تسأل المرء عن خلئقه‬

‫في وجهه شاهد من الخبر‬


‫فأنا مفتاح خزائن الرزاق وبي يستفتح باب الكريم‬
‫الرزاق وكفاني دليل ً على الفضل والكمال "إن الله‬
‫تعالى جميل يحب الجمال" لقد سمعت أقاويلك التي‬
‫قدمها بين يديك وزعمت أنها حجة عليك ول جرم أن‬
‫"لسان الجاهل مفتاح حتفه وكم من باغ قتل بصارم‬
‫بغيه وحيفه أما انسلخي منك فمن أملح الملح لي‬
‫والغرر وهل تحق لصناف الصداف أن تنافس الدرر‬
‫أليست )تلد المة ربتها حرة نجيبة( وقد قالوا )إن‬
‫الليالي حبالى يلدن كل عجيبة( وما تقدمك علي فمن‬
‫العادة تقدم الخدم بين يدي السادة‪:‬‬

‫‪260‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ي محمدا ً‬
‫أو ما ترى أن النب ّ‬

‫ة وهو آخُر مرسل‬ ‫فاقَ البري ّ َ‬


‫على أنه )أو ما خلق الله النور( كما ورد عن جابر في‬
‫خبره المأثور‪.‬‬
‫) ‪(1/185‬‬

‫وأما تحلي صفوتك بتجلي الحق تعالى في السحر‬


‫فليس إل لمن أحيا أحيانك بالمجاهدة والسهر وأما‬
‫زهوك بقصة ظهور سيد ولد آدم الذي هو نتيجة‬
‫مقدمات الكون وزبدة العالم فهل وقع اتفاق الرواة‬
‫على ذلك وأنى لك هذا وصبح طلعته يمحو سوادك‬
‫الحالك وأما خبر السراء فعني روته المة ثم بلغه‬
‫الشاهد للغائب بعد أمة فما لحت أسراره إل بمطالعي‬
‫ول زاحت أستاره إل بطوالعي وما أشرت إليه من بقية‬
‫معانيك التي أضاءت بها في الخافقين نجوم معاليك‬
‫فأنت أين من يوم عرفه الذي عرفه بأبهى الخصائص‬
‫من عرفه وأين أنت من يوم عاشوراء الذي يعظم فيه‬
‫الشكر والصبر على السراء والضراء وناهيك بسمو‬
‫شأن العيدين فما أجلها من موسمين سعيدين وكيف‬
‫تفاخرني بساعة تبدو منك مرة في كل عام ولي في‬
‫كل أسبوع أمد تمتد فيه موائد الجود والنعام فأخبار‬
‫أخياري سارت بها الركبان وماست بنسيم رقتها‬
‫ما‬
‫معاطف البان وقدري فوق ما تصفه اللسن وعندي ) َ‬
‫ن( ]الزخرف‪ [71 :‬فدع عنك‬ ‫س وَت َل َذ ّ الع ْي ُ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫شت َِهيهِ الن ُْف ُ‬

‫‪261‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قول الزور والمين )فقد بين الصبح لذي عينين( ولما‬
‫أفاض النهار في حديث يفضح الزهار أبدع في كنايته‬
‫وتلويحه وأعرب في تعريضه وتصريحه )ابتدر له الليل(‬
‫وأجلب عليه بالرجل والخيل وامتطى جواده الدهم‬
‫واعتم بعمامة سوداء وتلثم فأنسى بفتكاته عنترة بني‬
‫عبس حين أمسى يتعود عمارة بالقتل والرمس ثم نشر‬
‫في الفق ذوائبه السود وعبس وبسر فأسر بسطوته‬
‫ما‬ ‫و‬ ‫ل‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫{‬‫‪16‬‬ ‫}‬ ‫ق‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ش‬ ‫بال‬ ‫م‬ ‫س‬ ‫ْ‬ ‫ق‬‫السود وقال‪) :‬فَل َ أ ُ‬
‫ِ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫ق( ]النشقاق‪[18 16 :‬‬ ‫س َ‬‫مرِ إ َِذا ات ّ َ‬ ‫سقَ }‪َ {17‬وال َْق َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن رومي النهار ولجعلّنه عبرة لذوي العتبار لقد‬ ‫لسبي ّ‬
‫تزيا المملوك بزي الملوك وادعى مقام الوصول إلى‬
‫صاحب السير والسلوك أما كفاه ازدرائي وتحقيري‬
‫حتى حكم بتضليلي وتكفيري كم أسبلت على عوراته‬
‫ذيل ستري وهو ل يبالي بهتك أستاري وكم أودعت‬
‫مكنون سره في خزانة سري وهو يبوح بمصون‬
‫ف له من فاضح أما يكفيه ما فيه من‬ ‫أسراري أ ّ‬
‫) ‪(1/186‬‬

‫المفاضح‪.‬‬
‫ة‬
‫ه من زجاج ٍ‬
‫م بما استودعت ُ‬
‫أن ّ‬

‫ن‬‫يرى الشيُء فيها ظاهرا ً وهو باط ُ‬


‫ج لتقدمه بحديث جابر مع أن ما رواه لكسرى‬ ‫كيف احت ّ‬
‫أعظم جابر فإنه برهن على تقدمي عليه لو أدرك سر‬
‫ما أومأ إليه وعلم جعل السواد على النقص علمة وهو‬

‫‪262‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مشتق من السؤدد لدى كل علمة أما درى أني حزت‬
‫من الكمال الحظ الوفر حتى تحلى ببديع وصفي العنبر‬
‫والمسك الذفر‪.‬‬
‫ت عبدا ً فنفسي حرة ٌ كرما ً‬
‫إن كن ُ‬

‫أو أسود الخلق إني أبيض الخلق‬


‫وهل يزري بالخال سواده البارع أو يغري بالبرص بياضه‬
‫الناصع وفي بياض المشيب عبرة وأي عبرة فكم أجرى‬
‫من الماق أعظم عبرة‪.‬‬
‫له منظٌر في العين أبيض ناصع‬

‫ع‬
‫ولكنه في القلب أسود أسف ُ‬

‫ومن عاب نعت الشباب وفضل وصف الشيب فقد غاب‬


‫عن شهود العيب وعالم الغيب )فما كل بيضاء شحمة‬
‫ول كل حمراء لحمة( ولما أنهى مقاله ومل مقامه شمر‬
‫للرحلة أذياله وقوض خيامه فتهلل وجه الصباح وهلل‬
‫بذكره )َفال ِقُ ال ِ ْ‬
‫صَباِح( ]النعام‪ [96 :‬وازدهاه السرور‬
‫والبتهاج كأنه رب السرير والتاج‪.‬‬
‫ما‬
‫ن الصبح ل ّ‬ ‫فكأ ّ‬

‫ح من تحت الثريا‬ ‫ل َ‬
‫مل ٌ‬
‫ك أقبل في التا‬

‫دى ويحّيا‬
‫ج يف ّ‬
‫) ‪(1/187‬‬
‫‪263‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وبرز إلى المبارزة من بابها إذ كان من فرسانها وأربابها‬


‫فسلب الليل لباسه وأذاقه شدته وبأسه وقال له أيها‬
‫المعجب بنفسه المغرب في نقشه صحيفة زوره بنقسه‬
‫)ما كل سوداء تمرة ول كل صهباء خمرة( ألم تعلم أينا‬
‫أبهى محيا وشتان ما بين الثرى والثريا أين سوادك من‬
‫بياضي وما زهر نجمك إن تلل زهر رياضي وكم أطلعت‬
‫بدورا ً في مواكب السيارة فأضحت تزهو بجمالها على‬
‫الكواكب السيارة وهل لك مثل الغزالة التي انفردت‬
‫في الملحة ل محالة فأنا الذي ضاء صباح الصباحة من‬
‫محياه وضاع عبير العنبر من نشر أنفاسه وطيب رياه‬
‫ولولي ما عرف الحسن والجمال على وجه الرض بدر‬
‫الكمال‪ :‬فوجم )الليل( لبراعة تلك العبارة وبلغة ما لح‬
‫له من الرمز والشارة ثم وثب للمقال كأنما أنشط من‬
‫عقال وقال )رب ملوم ل ذنب له( ومظلوم خبيث الدهر‬
‫أمله فإلى متى يسوءني النهار وحتى ما يسومني عذاب‬
‫النار طالما أعرته أذنا ً صماء وعينا ً عمياء وهو ل ينثني‬
‫عن المقابلة ول يرعوي عن المحاربة والمقاتلة أما تعلم‬
‫أيها المغتر ببياضك أن السواد حلية أهل الزهد والصلح‬
‫وهل يسترق السود إل سود أحداق الملح بيد أن الحر‬
‫ل يبالي بالجمال الظاهر وإنما يباهي بالفعل الجميل‬
‫القلب الطاهر فإن تفاؤت المراتب بحسن تفاؤت‬
‫المناقب‪.‬‬
‫ف له‬‫وما الحسن في وجه الفتى شر ٌ‬

‫إذا لم يكن في فعله والخلئق‬

‫‪264‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ب ساٍع‬ ‫وكم أعددت للنس مقاعد وفي المثال )ر ّ‬


‫لقاعد( فإن ظلي ظليل ونسيمي علي ٌ‬
‫ل بليل تهدأ بي‬
‫النفاس وتسكن العضاء والحواس‪.‬‬
‫)فقام النهار( يعثر في ذيله وقد كفكف واكف سيله فما‬
‫لبث أن تنفس الصباح وأظهر من سناه ما أخفى ضوء‬
‫المصباح ورفرف بجناحه البيض على الدجى فاقتنصه‬
‫من وكره بعدما سكن وسجا‪.‬‬
‫ن الصباح في الفق باٌز‬
‫فكأ ّ‬

‫ب‬
‫والدجى بين مخلبيه غرا ُ‬
‫وقال تبا لك أيها )الليل( فلقد أوتيت من المين أوفر نيل‬
‫أي حديث لك صحيح وضعته وأي حق لك صريح أضعته‪.‬‬
‫عليك بالصدق ولو أنه‬
‫) ‪(1/188‬‬

‫أحرقك الصدقُ بنار الوعيد‬

‫وأبغ رضا الله فأبغى الورى‬

‫من أسخط المولى وأرضى العبد‬


‫نعم لك في السمر خبٌر مرفوع بيد أنه مكروه في‬
‫السنة موضوع قد اشتهرت لكن بأقبح الوصاف وعدلت‬
‫لكن عن سبيل العدل والنصاف تكتم عن المرء ما‬
‫ه( ]الحزاب‪[37 :‬‬
‫دي ِ‬
‫مب ْ ِ‬ ‫ما الل ّ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫س َ‬
‫ك َ‬ ‫في ِفي ن ِْف ِ‬
‫خ ِ‬
‫يرديه )وَت ُ ْ‬

‫‪265‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وفي المثل )الليل أخفى للويل( فما أصعب مراسك‬
‫قبل افترار سهيل وهل يترنم بذكرك إل غافل وأنى يغتر‬
‫بك عاقل ونجمك آفل وكيف تفتخر علي وأنت تفتقر‬
‫إلي ولما سلب النهار بأساليب بيانه العقول "سكت‬
‫الليل" مليا ً ثم أنشأ يقول‪:‬‬
‫ة‬ ‫فعين الرضا عن ك ّ‬
‫ل عيب كليل ً‬

‫كما أن عين السخط تبدي المساويا‬


‫) ‪(1/189‬‬

‫كيف أتصدى للكذب وأتردى باللهو واللعب وأنا المنعوت‬


‫باللطف والظرف والموسوم بالصمت وغض الطرف‬
‫كيف أورث الغرور وأوثر الغفلة على الحضور وأنا‬
‫الداعي إلى ذكر الله وحده والساعي في رد الكثرة‬
‫الوهمية إلى عين الوحدة وأنا الموصوف بالستر الجميل‬
‫والمعروف بشكر المعروف والجميل وهل أحجب البصر‬
‫عن شهود عالم الكثافة إل لكشف لعين البصيرة عن‬
‫عالم اللطافة وبذلك يتحقق العبد بفنائه عن وجوده‬
‫فيمده الرب تعالى بسر بقائه من خزائن جوده ثم قال‪:‬‬
‫)النهار لليل( وقد هجم عليه هجوم السيل أيها المدعي‬
‫مقام الدعوة إلى الله وهو في خال الغفلة عن موله‬
‫له كيف تسنمت ذروة هذا المنبر كأنك تكتب بالمسك‬
‫وتختم بالعنبر لقد أطلت فيما )ل طائل تحته( ول معنى‬
‫فكم ذا )أسمع جعجعة ول أرى طحنًا( فلو كنت ممن‬
‫انتخب غرر الشيم وانتقى لتعظت بقوله تعالى‪) :‬فَل َ‬

‫‪266‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ى( ]النجم‪ [32 :‬فتنبه‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫ُ‬ ‫م هُوَ أ َع ْل َ‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ف‬
‫ُ‬ ‫تزك ّوا ْ َ‬
‫أن‬ ‫َُ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫من غفلتك أيها "الليل" قبل أن تدعو بالثبور والويل وإل‬
‫فرقت طلئع سوادك أي تفريق ومزقت سوابغ ظلمك‬
‫أي تمزيق )فما كل مرة تسلم الجرة( فاسود وجه‬
‫الليل وانقلب )بحشف وسوء كيل( وندم على مناضلة‬
‫النهار ندامة الفرزدق حين فارق النوار )ولما سقط في‬
‫يده( ورزئ في عدة وعدده ترى بالسواد ولبس ثياب‬
‫الحداد ثم لح هلله للعين كمنجل صنع من لجين‪.‬‬
‫ل بدا‬ ‫ن هل ٍ‬ ‫انظْر إلى حس ِ‬

‫يجلو سنا طلعتهِ الحندسا‬

‫ة‬
‫كمنجل قد صيغ من فض ٍ‬

‫يحصد من زهر الدجى نرجسا‬


‫وقال من ينصفني من هذا الجائر وينصت لي فأبثه‬
‫شكوى الواله الحائر فحتام أعاني حد الظبا )وقد بلغ‬
‫السيل الزبى(‪.‬‬
‫ت كالمتمني أن يرى فلقا ً‬‫وكن ُ‬

‫ما أن رآه عمي‬ ‫صباح فل ّ‬


‫من ال ّ‬
‫فانتبه طرف )النهار( وازدهر سراجه أي ازدهار وشرع‬
‫يتلو سورة النور بكامل البتهاج والشمس ترقم آية‬
‫جماله بالذهب الوهاج‪.‬‬
‫ح جنح الليل أن يرى فلقا ً‬‫وقابل الصب ُ‬

‫‪267‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ض في ألواحه السود‬
‫سطوره ُ البي ُ‬
‫) ‪(1/190‬‬

‫ضل َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫في َ‬ ‫ك لَ ِ‬
‫ثم قال أيها "الليل" البهيم )َتالل ّهِ إ ِن ّ َ‬
‫م( ]يوسف‪ [95 :‬كيف تدعي أنك مظلوم وتشتكي‬ ‫ال َْق ِ‬
‫دي ِ‬
‫من جوري وأنت الظلوم وهب أني قاتلتك ظلما ً فأنت‬
‫البادي وهل قابلتك إل بما عدول فاستقل من دعوى‬
‫ق( ]يوسف‪[51 :‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ص ال ْ َ‬‫ح َ‬‫ص َ‬‫ح ْ‬ ‫المجد والفخر فقد ) َ‬
‫ووضح الفجر وإن أبيت سلوك محجتي ولم تتضح لك‬
‫مث ْ ُ‬
‫ل‬ ‫ك ِ‬ ‫أدلة حجتي فهلم إلى حضرة المير )وَل َ ي ُن َب ّئ ُ َ‬
‫ر( ]فاطر‪ [14 :‬فأنكر الليل زعمه التفرد بالفضل‬ ‫خِبي ٍ‬ ‫َ‬
‫وادعاءه وأجاب في عرض أمرهما على المير دعاءه‬
‫وقال "على الخبير سقطت وعند ابن بجدتها حططت"‪.‬‬
‫"وكتب أيضا ً مناظرة بين الرض والسماء"‬
‫جالت السماء في ذلك المضمار وصالت ونوهت برفيع‬
‫مآِء ب ُُروجًا(‬ ‫س َ‬ ‫ل ِفي ال ّ‬ ‫جعَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬‫قدرها وقالت‪) :‬ت ََباَر َ‬
‫]الفرقان‪ [61 :‬ومنح أشرف الخلق إلي مروجا ً وقدمني‬
‫في الذكر في محكم الذكر وشرفني بحسن القسم‬
‫وأتحفني بأوفر القسم وقدسني من النقائض والعيوب‬
‫وأطلعني على الغوامض والغيوب وقد ورد أن الرب‬
‫ينزل إلي كل ليلة فيولي من تعرض لنفحاته بره ونيله‬
‫فيا له من تحفة جليلة ومنحة جزيلة يحق لي أن أجر بها‬
‫ذيول العزة والفتخار وكيف ل والوجود بأسره باسط‬
‫إلي أيدي الذلة والفتقار فلي العزة الباذخ والمجد‬

‫‪268‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الثيل الشامخ لتفردي بالرفعة والسمو وعلو المنزلة‬
‫دون غلو فقالت لها )الرض( ويك لقد أكثرت نزرا ً‬
‫وارتكبت بما فهمت به وزرا ً أما أنه ل يعجب بنفسه‬
‫عاقل ول يأمن مكر ربه إل غافل ومن ادعى ما ليس له‬
‫بقوله أو فعله فهلكه أقرب إليه من شراك نعله وقد‬
‫قيل من سعادة جدك وقوفك عند حدك ومن فعل ما‬
‫شاء لقي ما ساء وما كفاك أن خطرت في ميادين التيه‬
‫والعجاب حتى عرضت لشتمي إن هذا لشيء عجاب‬
‫وهل اختصك الله بالذكر أو أقسم بك دوني في الذكر‬
‫أو آثرك بالتقديم في جميع كلمه القديم حتى ترديت‬
‫بالكبرياء وتعديت طور الحياء‪.‬‬
‫إذا لم تخش عاقبة الليالي‬

‫ولم تستِح فاصنع ما تشاُء‬

‫فل وأبيك ما في العيش خيٌر‬


‫) ‪(1/191‬‬

‫ول الدنيا إذا ذهب الحياُء‬

‫وكيف تزدرين أهلي بالذنوب والمعاصي وأنت تعلمين‬


‫أن الله هو الخذ بالنواصي فقابلتها )السماء( بوجهٍ قد‬
‫ن قد قلبته وقالت لها في الحال أيتها‬
‫قطبته ومج ّ‬
‫القانعة بالمحال ما كنت أحسب أنك تجترئين على‬
‫مبارزة مثلي وتنكرين علي ما ترنمت به من شواهد‬

‫‪269‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مجدي وفضلي وهل خلت أن التحدث بالنعم مما يلم‬
‫عليه مع أنه أمر مندوب إليه ومن أمثال ذوي الفطنة‬
‫والعقل ليس من العدل سرعة العذل ولم جحدت‬
‫ظهور شمس كمالي وهل لك من الفضائل والفواضل‬
‫كما لي ولكن لك عندي عذرا ً جليا ً وإن كنت )ل ََقد ْ ِ‬
‫جئ ْ ِ‬
‫ت‬
‫شْيئا ً فَرِي ًّا( ]مريم‪.[27 :‬‬
‫َ‬
‫ن ضوء الشمس من رمدٍ‬ ‫قد تنكُر العي ُ‬

‫م الماء من سقم‬
‫م طع َ‬
‫وينكُر الف ُ‬

‫ولو رأيت ما فيك من المساوي عيانا ً لما ثنيت إلى حلبة‬


‫المفاخرة عنانا ً فأّنى تفوزين بأشرف القدار وأنت‬
‫موضع الفضلت والقذار وما هذا التطاول والقدام‬
‫ووجهك موطئ النعال والقدام إن هذا إل فعل مكابر‬
‫دعوى عريضة وعجٌز ظاهر وهل يحق للكثيف أن يتغالى‬
‫على اللطيف أم ينبغي للوضيع أن يتعالى على الرفيع‬
‫فقالت لها )الرض( أيتها المعتزة بطوالع أقمارها‬
‫والمغترة بلوامع أنوارها )ما كل بيضاء شحمة ول كل‬
‫ما‬
‫حمراء لحمة( فبم تزعمين أنك أتقى مني وأنقى )وَ َ‬
‫خير وأ َ‬
‫ى( ]الشورى‪ [36 :‬وأنت واقفة لي‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫عند َ الل ّهِ َ ْ ٌ َ‬
‫ِ‬
‫على أقدام الخدمة جارية في قضاء مأربي بحسب‬
‫الحكمة قد كفلك الحق بحمل مؤونتي وكلفك‬
‫بمساعدتي ومعونتي ووكلك بإيقاد سراجي ومصباحي‬
‫ووكلك إلى القيام بشؤوني في ليلي وصباحي وليس‬
‫علوك شاهدا ً لك بالرتبة العلية فضل ً عن أن يوجب لك‬
‫مقام الفضلية )فما كل مرتفع نجد ول كل متعاظم ذو‬

‫‪270‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫شرف ومجد(‪.‬‬
‫ب‬
‫ي من دوني فل عج ٌ‬‫وإن علن َ‬

‫ل‬
‫لي أسوة ٌ بانحطاط الشمس عن زح ِ‬
‫) ‪(1/192‬‬

‫فمن أعظم ما فقت به حسنا ً وجمال ً وكدت بأخمص ّ‬


‫ي‬
‫أطأ الثريا فضل ً وكمال ً تكوين الله مني وجود سيد‬
‫الوجود فأفرغ علي به خلع المكارم والجود فهو بدر‬
‫الكمال وشمس الجمال‪.‬‬
‫ن‬ ‫وأجمل منك لم تَر ق ّ‬
‫ط عي ٌ‬

‫وأكم ُ‬
‫ل منك لم تلد ِ النساء‬

‫ب‬ ‫ت مبرءا ً من ك ّ‬
‫ل عي ِ‬ ‫خلق َ‬

‫كأّنك قد خلقت كما تشاء‬

‫فأكرم به من نبي أسرني به وأرضى كيف ل ولوله ما‬


‫خلق سماء ول أرضا ً وجعلني له مسجدا ً وطهورا ً وأقر‬
‫به عيني بطونا ً وظهورا ً فأبرقت )السماء( وأرعدت‬
‫وأرغت وأزبدت وقالت إن لم تتخط خطة المكابرة‬
‫وتتخلى عن هذه المثابرة لغرقنك في بحار طوفاني أو‬
‫أحرقنك بصواعق نيراني وهل امتطيت السماكين أو‬
‫انتعلت الفرقدين حتى تفتخري علي وتشيري بالذم إلي‬

‫‪271‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وتلك شهادة لي بالكمال وقد صدق من قال‪:‬‬
‫ص‬
‫ك مذمتي من ناق ٍ‬ ‫وإذا أتت َ‬

‫ل‬‫شهادة لي بأني كام ُ‬


‫فهي ال ّ‬
‫أم حسبت أن لك في ذلك حجة فخاطرت بنفسك في‬
‫ركوب هذه اللجة وكنت كالباحث عن حتفه بظلفه‬
‫والجادع مارن أنفه بكفه‪.‬‬
‫ب به‬ ‫لك ّ‬
‫ل داِء دواُء يستط ّ‬

‫إل الحماقة أعيت من يداويها‬


‫) ‪(1/193‬‬

‫أما دعواك أني واقفة لك على أقدام الخدمة فهي مما‬


‫يوجب لي عليك شكر الفضل والنعمة فلو تكفرت أن‬
‫خادم القوم هو السيد والمولى وعرفت الفاضل من‬
‫المفضول أو تدبرت أن اليد العليا خير من اليد السفلى‬
‫لستقلت من هذا الفضول فإن في قيامي بشؤونك‬
‫أوضح أمارة وأما قولك مني سيد الوجود ومن‬
‫اصطفاهم لحضرته الملك الودود فإن كنت تفتخرين‬
‫بأشباحهم الظاهرة فأنا أفتخر بأرواحهم الطاهرة أما‬
‫علمت أنها في ملكوتي تغد وتروح وبواردي بسطي‬
‫وقبضي تشدو وتنوح فأنا أولى بهم وأحرى بالفتخار‬
‫بحزبهم فلما سمعت )الرض من السماء( مقالة تقطر‬
‫من خللها الدماء أطرقت لحمة بارق خاطف أو نغبة‬
‫طائر خائف ثم قّنعت رأسها وصعدت أنفاسها وقال لقد‬

‫‪272‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أكثرت يا هذه من اللغط وما آثرت الصواب على الغلط‬
‫فعلم تهزئين بي وتستخفين بحسبي ونسبي وإلم‬
‫تنقضين عرى أدلتي ول تعامليني بالتي وحتام تقابلينني‬
‫بأنواع التأنيب ولم ل تقفي على حقيقتي بالتنقير‬
‫والتنقيب أحسبت أن الجسم ما خلق إل عبثا ً ول كان‬
‫للنفس النفيسة إل جدثا وفي ميدانه تتسابق الفهوم‬
‫وتدرك عوارف المعارف والعلوم وبه تترقى الرواح في‬
‫مراقي الفلح وكيف ل يكون مقدسا ً من كل غي ومين‬
‫وهو ل يفتر عن تسبيح بارئه طرفة عين وإلى متى أنت‬
‫علي متحاملة وعن آية العدل والحسان متماحلة وأنا‬
‫لك أسمع من خادم وأطوع من خاتم على أن لي من‬
‫الفضائل ما ثبت بأصح البراهين والدلئل أم في بقعة‬
‫من أشراف البقاع على الطلق لضمها أعضاء من تمم‬
‫الله به مكارم الخلق وفي روضة من رياض الجنة كما‬
‫أفصحت عن ذلك ألسنة السنة ومني الكعبة والمشعر‬
‫الحرام والحجر وزمزم والركن والمقام وعلي بيوت‬
‫ل}‬ ‫ه ِفيَها ِبال ْغُد ُوّ َوال َ َ‬
‫صا ِ‬ ‫ح لَ ُ‬
‫سب ّ ُ‬
‫الله تشد إليها الرحال )ي ُ َ‬
‫ل( ]النور‪ [36 :‬وأخرج مني طيبات الرزق‬ ‫جا ٌ‬
‫‪ {36‬رِ َ‬
‫فأكرم بها عبادة وأتم نعمته عليهم فجعل الشكر عليها‬
‫عبادة وناهيك بما اشتملت عليه من الرياض والغياض‬
‫ذات النهار والحياض التي تشفي‬
‫) ‪(1/194‬‬

‫بنسيمها العليل وتنفي ببرد زللها حر الغليل‪.‬‬


‫م ل أهيم على الرياض وطيبها‬ ‫ل َ‬

‫‪273‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ل منها تحت ظ ّ‬
‫ل صافي‬ ‫وأظ ّ‬

‫والّزهُر يضح ُ‬
‫ك لي بثغرِ باسم‬

‫والنهر يلقاني بقلب صافي‬

‫فأسفرت عن بدر طلعتها )السماء( وهي تزهو في برد‬


‫السنا والسناء وقالت تناجي نفسها عندما رق السمر‬
‫حتام أريها السهر وتريني القمر ثم عطفت عليها تقول‬
‫وهي تسطو وتصول أيتها المعتدية لمفاضلتي‬
‫والمتصدية لمناضلتي متى قيس التراب بالعسجد أو‬
‫شبه الحصى بالزبرجد إن افتخرت بشرف هاتيك البقاع‬
‫التي زها بها منك اليفاع والقاع فأين أنت من عرش‬
‫الرحمن الذي تعكف عليه أرواح أهل اليمان وأين أنت‬
‫من البيت المعمور والكرسي الكلل بالنور وكيف‬
‫تفتخرين علي بروضة من رياض الجنة وهي علي‬
‫بأسرها فضل ً من الله ومّنة أم كيف تزعمين أنه كتب‬
‫لك بأوفر الحظوظ وعندي القلم العلى واللوح‬
‫المحفوظ‪ ،‬وأم ازدهاؤك بالحياض والنهار والرياض‬
‫المبتهجة بورود الورد والزهار فليت شعري هل حويت‬
‫تلك المعاني إل بنفحات غيوثي وأمطاري أم أشرقت‬
‫منك هاتيك المغاني إل بلمحات شموسي وأقماري‬
‫فكيف تباهيني بما منحتك إياه وعطرت أرجاءك بأريج‬
‫نشره ورياه ويا عجبا ً منك كلما لح علي شعار الحزن‬
‫خطرت في أبهى حلة من حلل الملحة والحسن وإن‬

‫‪274‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫افترت ثغور بدور أنسي وقّرت ببديع جمالي عين‬
‫شمسي زفرت زفرة القيظ وكدت أن تتميزي من‬
‫الغيظ ما هذا الجفاء يا قليلة الوفاء وهل صفت أوقاتك‬
‫إل بوجودي أو طابت أوقاتك إل بوابل كرمي وجودي‬
‫ولو قطعت عنك لطائف المداد لخلعت ملبس النس‬
‫ولبست ثياب الحداد أو حجبت عنك الشموس والقمار‬
‫لما ميزت بين الليل والنهار فهل كنت بفضلي معترفة‬
‫حيث إنك من بحر فيضي مغترفة فنزعت )الرض( عن‬
‫مقاتلتها وعلمت أنها ل قبل لها بمقاتلتها وحين عجزت‬
‫عن العوم في بحرها واستسلمت تمائمها لسحرها‬
‫بسطت لها بساط العتاب متمثلة بقول ذي اللطف‬
‫والداب‪.‬‬
‫ب فليس ود ّ‬
‫ب العتا ُ‬‫إذا ذه َ‬

‫ب‬
‫ويبقى الود ّ ما بقي العتا ُ‬
‫) ‪(1/195‬‬

‫ثم قالت اعلمي أيتها الموسومة بسلمة الصدر‬


‫الموصوفة بسمو المنزلة وعلو القدر أن الله ما قارن‬
‫اسمي باسمك ول قابل صورة جسمي بجسمك إل‬
‫لمناسبة عظيمة وألفة بيننا قديمة فل تشتمي بنا‬
‫العداء وتسيئي الحباء والوّدأء فإن لك من أعظم‬
‫الرزايا وأشد المحن والبليا‪.‬‬
‫ب قد تمر على الفتى‬ ‫كل المصائ ِ‬

‫‪275‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فتهون غير شماتة العداِء‬

‫أل وإن العبد محل الّنقص والخلل وهل يسوغ لحد ٍ أن‬
‫يبرئ نفسه من الزلل ومن يسلم من القدح ولو كان‬
‫أقوم من القدح‪.‬‬
‫ومن ا الذي ترضى سجاياه كّلها‬

‫كفى المرء فضل ً أن تعد معايبه‬


‫هذا وإن لي مفاخر ل تنكر ومآثر تجل عن أن تحصر‬
‫كما أنك في الفضل أشهر من نار على علم وأجل من‬
‫أن يحصى ثناء عليك لسان القلم فإلى متى ونحن في‬
‫جدال وجلد نتطاعن بأسئلة ألسنة حداد وهل ينبغي أن‬
‫يجر بعضنا على بعض ذيل الكبر والصلف ولكن عفا الله‬
‫عما سلف وهذه لعمري حقيقة أمري فانظري إلي بعين‬
‫الرضا واصفحي بحقك عما مضى ولما سمعت‬
‫)السماء( هذه المقالة التي تجنح إلى طلب السلم‬
‫والقالة قالت لها مآرب ل حفاوة ومشرب قد وجدت له‬
‫حلوة وما ندبت إليه من المودة واللفة فلمر ما جدع‬
‫قصير أنفه ولو لم تلقي إلي القياد لعاينت مني ما دونه‬
‫خرط القتاد ولكن ل حرج عليك ول ضير فإنك اخترت‬
‫الصلح والصلح خير وكيف جعلت العتاب شرطا ً بين‬
‫الحباب أو ما سمعت قول بعض أولي اللباب‪.‬‬
‫إذا كنت في كل المور معاتبا ً‬

‫ه‬
‫صديقك لم تلق الذي ل تعاتب ُ‬

‫‪276‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وإن أنت لم تشرب مرارا ً على القذى‬

‫ه‬
‫ت وأيّ الناس تصفو مشارب ُ‬
‫ظمئ َ‬

‫وهأنا رادة إليك عوائد إحساني وموائد جودي وامتناني‬


‫فقري عيني وطيبي نفسا ً وتيهي ابتهاجا ً وأنسا ً وأبشري‬
‫ببلوغ الوطر وزوال البؤس والخطر فسجدت الرض‬
‫شكرا ً وهامت نشوة وسكرا ً وتهلل وجهها سرورا ً‬
‫وامتلت طربا ً وحبورًا‪.‬‬
‫"مناظرة بين فصول العام لبن حبيب الحلبي المتوفى‬
‫سنة ‪ 401‬ه"‬
‫) ‪(1/196‬‬

‫)قال الربيع( أنا شاب الزمان وروح الحيوان وإنسان‬


‫عين النسان أن حياة النفوس وزينة عروس الغروس‬
‫ونزهة البصار ومنطق الطيار عرف أوقاتي ناسم‬
‫وأيامي أعياد ومواسم فيها يظهر النبات وتنشر الموات‬
‫وترد الودائع وتتحرك الطبائع ويمرح جنيب الجنوب‬
‫ونزح وجيب القلوب وتفيض عيون النهار ويعتدل الليل‬
‫والنهار كم لي عقد منظوم وطراز وشي مرقوم وحلة‬
‫فاخرة وحلية ظاهرة ونجم سعد يدنى راعيه من المل‬
‫وشمس حسن تنشدنا يا بعد ما بين برج الجدي والحمل‬
‫عساكري منصورة وأسلحتي مشهورة فمن سيف غصن‬
‫مجوهر ودرع بنفسج مشهر ومفغر شقيق أحمر وترس‬
‫بهار يبهر وسهم آس يرشق فينشق ورمح سوسن‬

‫‪277‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫سنانه أزرق تحرسها آيات وتكتنفها ألوية ورايات بي‬
‫تحمر من الورد خدوده وتهتز من البان قدوده ويخضر‬
‫عذار الريحان وينتبه من النرجس طرفه الوسنان‬
‫وتخرج لخبايا من الزوايا ويفتر ثغر القحوان قائل ً أنا‬
‫ابن جل وطلع الثنايا‪.‬‬
‫إن هذا الربيع شيٌء عجيب‬

‫يضحك الرض من بكاء السماء‬


‫ب حيثما ذهبنا ودّر‬
‫ذه ٌ‬

‫ضة في الفضاء‬
‫حيث درنا وف ّ‬
‫) ‪(1/197‬‬

‫ل الموافق والصديق الصادق‬ ‫)وقال الصيف( أنا الخ ّ‬


‫والطبيب الحاذق أجتهد في مصلحة الحباب وأرفع‬
‫عنهم كلفة حمل الثياب وأخفف أثقالهم وأوفر أموالهم‬
‫وأكفيهم المؤونة وأجزل لهم المعونة وأغنيهم عن شراء‬
‫الفرا وأحقق عندهم أن كل الصيد في جوف الفرا‬
‫نصرت بالصبا وأتيت الحكمة في زمن الصبابي تتضح‬
‫الجادة وتنضج من الفواكه المادة ويزهو البسر والرطب‬
‫وينصلح مزاج العنب ويقوى قلب اللوز ويلين عطف‬
‫التين والموز وينعقد حب الرمان فيقمع الصفراء‬
‫ويسكن الخفقان وتخصب وجنات التفاح ويذهب عرف‬
‫السفرجل مع هبوب الرياح وتسود عيون الزيتون‬
‫وتخلق تيجان النارنج والليمون مواعدي منقودة‬

‫‪278‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وموائدي ممدودة الخير موجود في مقامي والرزق‬
‫مقسوم في أيامي‪.‬‬
‫الفقير ينصاع بملء مده وصاعه والغني يرتع في ربع‬
‫ملكه وأقطاعه والوحش تأتي زرافات ووحدانا ً والطير‬
‫تغدو خماصا ً وتروح بطانًا‪.‬‬
‫ل على الورى‬ ‫مصيف له ظل ظلي ٌ‬

‫ل أخلطا ً‬
‫ن حل طعما ً وحل َ‬
‫وم ْ‬
‫يعالج أنواع الفواكه مبديا ً‬

‫لصحتها حفظا ً يعجز بقراطا‬


‫) ‪(1/198‬‬

‫)وقال الخريف( أنا سائق الغيوم وكاسر جيش الغموم‬


‫وهازم أحزاب السموم وحادي نجائب السحائب وحاسر‬
‫نقاب المناقب أن أصد الصدى وأجود بالندي وأظهر كل‬
‫معنى جلي وأسمو )بالوسمي والولي( في أيامي‬
‫تقطف الثمار وتصفو النهار من الكدار ويترقرق دمع‬
‫العيون ويتلون ورق الغصون طورا ً يحاكي البقم وتارة‬
‫يشبه الرقم وحينا ً يبدو في حلته الذهبية فيجذب إلى‬
‫خلته القلوب البية وفيها يكفي الناس هم الهوام‬
‫ويتساوى في لذة الماء الخاص والعام وتقدم الطيار‬
‫مطربة بنشيشها رافلة في الملبس المجددة من‬
‫ريشها وتعصر بنت العنقود وتوثق في سجن الدن‬

‫‪279‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بالقيود على أنها ل تجترح إثما ً ولم تعاقب إل عدوانا ً‬
‫وظلما ً بي تطيب الوقات وتحصل اللذات وترق‬
‫النسمات وترمى حصى الجمرات وتسكن حرارة‬
‫القلوب وتكثر أنواع المطعوم والمشروب كم لي من‬
‫شجرة أكلها دائم وحملها النفع المعتدي لزم وورقها‬
‫على الدوام غير زائل وقدود أغصانها تخجل كل رمح‬
‫زابل‪.‬‬
‫إن فصل الخريف وافى إلينا‬

‫يتهادى في حلةٍ كالعروس‬

‫غيره كان للعيون ربيعا ً‬

‫س‬
‫وهو ما بيننا ربيعُ النفو ِ‬
‫) ‪(1/199‬‬

‫ب البضاعة والمقابل‬ ‫)وقال الشتاء( أنا شيخ الجماعة ور ّ‬


‫بالسمع والطاعة أجمع شمل الصحاب وأسدل عليهم‬
‫الحجاب وأتحفهم بالطعام والشراب ومن ليس له بي‬
‫طاقة أغلق من دونه الباب أميل إلى المطيع القادر‬
‫المستطيع المعتضد بالبرود والفرا المتمسك من الدينار‬
‫بأوثق العرى ومن يعش عن ذكري ولم يمتثل أمري‬
‫أرجفته بصوت الرعد وأنجزت له من سيف البرق‬
‫صادق الوعد وسرت إليه بعساكر السحاب ولم أقنع من‬
‫الغنيمة بالياب معروفي معروف ونيل نيلي موصوف‬

‫‪280‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وثمار إحساني دانية القطوف كم لي من )وابل( طويل‬
‫المدى )وجود( وافر الجدى )وقطر( حل مذاقه )وغيث(‬
‫قيد العفاة إطلقه )وديمة( تطرب السمع بصوتها )وحيًا(‬
‫موْت َِها( ]الروم‪ [50 :‬أيامي وجيزة‬
‫ض ب َعْد َ َ‬ ‫حِيي الْر َ‬
‫)وَي ُ ْ‬
‫وأقاتي عزيزة ومجالسي معمورة بذوي السيادة‬
‫مغمورة بالخير والمير والسعادة نقلها يأتي من أنواعه‬
‫بالعجب ومناقلها تسمح بذهب اللهب وراحها تنعش‬
‫الرواح وسقاتها بجفونهم السقيمة تفتن العقول‬
‫الصحاح إن ردتها وجدت مال ً ممدودا ً وإن زرتها شاهدت‬
‫لها بنين شهودًا‪.‬‬
‫"وكتب بعضهم مناظرة بين البر والبحر"‬
‫) ‪(1/200‬‬

‫در أطرقت رياضي‬ ‫در ومعدن ال ُ‬


‫قال )البر( يا صاحب ال ّ‬
‫ومزقت جسوري وأحواضي وأغرقت جثتي ودخلت‬
‫جنتي وتلطمت أمواجك على جنتي وأكلت حزائري‬
‫وجروفي وأهلكت مرعى فصيلي وخروفي وأهزلت‬
‫ثوري وحملي وفرسي وجملي وأجريت سفنك على‬
‫أرض لم تجر عليها ولم تمل طرف غرابها إليها‬
‫وغرست أوتادها على أوتاد الرض وعرست في مواطن‬
‫النفل والفرض وجعلت مجرى مراكبك في مجرى‬
‫مراكبي ومشى حوتك على بطنه في سعد أخبية‬
‫مضاربي وغاص ملحك في ديار فرحي وهاجرت من‬
‫قرى‬‫القرى إلى أم القرى وحملت فلحي أثقاله على ال ِ‬
‫وقد تلقيتك من الجنادل بصدري وحملتك إلى برزخك‬

‫‪281‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫على ظهري وقبلت أمواجك بثغري وخلقت مقياسي‬
‫فرحا ً بقدومك إلى مصري وقد حرت وعدلت وفعلت‬
‫فلعلك تغيض ول يكون ذهابك عن ذهاب بغيض أو‬
‫تفارق هذه الفجاج وتختلط بالبحر العجاج وإن لم تفعل‬
‫شكوناك إلى من أنزلك من السماء وأنعم بك علينا من‬
‫خزائن الماء؟‬
‫إذا لم تكن ترحم بلدا ً ولم تغث‬

‫عبادا ً فمولهم يغيث ويرح ُ‬


‫م‬

‫ة‬
‫ب عظيم ٌ‬
‫ت منهم ذو ٌ‬
‫وإن صدر ْ‬

‫م‬
‫فعفو الذي أجراك يا بحر أعظ ُ‬
‫نمد ّ إليه أيديا ً لم نم ّ‬
‫دها‬

‫إلى غيره والله بالحال أعلم‬

‫قال )البحر( يا بر يا ذا البّر هكذا تخاطب ضيفك وهو‬


‫يخصب شتاءك وصيفك وقد ساقني الله إلى أرضك‬
‫الجزر ومعدن الدر والخزر لبهج زرعها وخيلها وأخرج‬
‫أبها ونخيلها وأكرم ساكنك وأنزل البركة في أماكنك‬
‫وأثبت لك في قلب أهلك أحكام المحبة وأنبت بك لهم‬
‫في كل سنبلة مائة حبة وأحييك حياة طيبة يبتهج بها‬
‫ى( ]البقرة‪:‬‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫موْت َ َ‬ ‫حِيي الل ّ ُ‬ ‫عمرك الجديد ويتلو )ك َذ َل ِ َ‬
‫ك يُ ْ‬
‫‪ [73‬ألسنة العبيد وأطهرك من الوساخ وأحمل إليك‬
‫البليز فأطيبك به من عرق السباخ وأنا هدية الله إلى‬

‫‪282‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مصرك وملك عصرك القائم بنصرك ولول بركاتي عليك‬
‫ومسيري في كل مسرى إليك لكنت واديا ً غير ذي زرع‬
‫وصاديا ً غير ذي ضرع‪.‬‬
‫ت أنا ماُء الحياة فل أذى‬
‫سري ُ‬

‫ن‬ ‫ت الصحب فالما ُ‬


‫ل هي ُ‬ ‫إذا ما حفظ ُ‬
‫) ‪(1/201‬‬

‫فكن خضرا ً يا بر واعلم بأنني‬

‫إلى طينك الظمآن بالري أحسن‬

‫ة=وأحسن أجري بالتي هي‬‫وأسعى إليه من بلد ٍ بعيد ٍ‬


‫ن‬‫أحس ُ‬
‫إذا طاف طوفاني بمقياسك الذي‬

‫ن‬
‫يسّر بإتيان الوفاء ويعل ُ‬

‫فقم وتلّقاه ببسطتك التي‬

‫ن‬
‫ل على الروض بي ُ‬‫لروضها فض ٌ‬
‫ولعمري لقد تلطف )البر( في عتابه وأحسن ودفع‬
‫)البحر( في جوابه بالتي هي أحسن وقد اصطلحا وهما‬
‫بحمد الله أخوان متضافران على عمارة بلده ونشر‬
‫الثروة ونمو الخيرات بين عباده فالله تعالى يخصب‬

‫‪283‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مرعاهما ويحرسهما ويرعاهما‪.‬‬
‫"وكتب بعض الدباء مناظرة بين الهواء والماء"‬
‫الحمد لله الذي رفع فلك الهواء على عنصر التراب‬
‫والماء "أما بعد" فأنا )الهواء( الذي أؤلف بين السحاب‬
‫وأثقل نسيم الحباب وأهب تارة بالرحمة وأخرى‬
‫بالعذاب وأنا الذي سير بي الفلك في البحر كما تسير‬
‫العيس في البطاح وطار بي في الجو كل ذي جناح وأنا‬
‫الذي يضطرب مني الماء اضطراب النابيب في القنا‬
‫إذا صفوت صفا العالم وكان له نضرة وزهوا ً وإذا‬
‫تكدرت انكدرت النجوم وتكدر الجو ل أتلون مثل الماء‬
‫المتلون بلون الناء‪ :‬لولي ما عاش كل ذي نفس‬
‫ولولي ما طاب الجو من بخار الرض الخارج منها بعد‬
‫ما احتبس ولولي ما تكلم أدمي ول صوت حيوان ول‬
‫غرد طائر على غصن بان ولولي ما سمع كتاب ول‬
‫حديث ول عرف طيب المسموع المشموم من الخبيث‪،‬‬
‫فكيف يفاخرني الماء الذي إذا طال مكثه ظهر خبثه‬
‫وعت فوقه الجيف وانحطت عنده الللئ في الصدف‬
‫فقال ) الماء( الحمد لله الذي خلق كل حي )أما بعد(‪:‬‬
‫فأنا أول مخلوق ول فخر وأنا لذة الدنيا والخرة ويوم‬
‫الحشر وأنا الجوهر الشفاف المشبه بالسيف إذا سل‬
‫من الغلف‪ ،‬وقد خلق الله في جميع الجواهر حتى‬
‫الللئ والصداف‪ ،‬أحيي الرض بعد مماتها وأخرج منها‬
‫للعالم جميع أقواتها وأكسو عرائس الرياض أنواع الحلل‬
‫وأنثر عليها للئ الوبل والطلل حتى يضرب بها في‬
‫الحسن المثل كما قيل‪:‬‬
‫إن السماَء إذا لم تبك مقلتها‬

‫‪284‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/202‬‬

‫لم تضحك الرض عن شيء من الزهر‬


‫فكيف ينكر فضلي من دب أو درج وأنا البحر الذي قيل‬
‫عنه في المثال )حدث عن البحر ول حرج( وأما أنت‬
‫أيها الهواء فطالما أهلكت أمما ً بسمومك وزمهريرك ول‬
‫تقوم جنتك بسعيرك‪.‬‬
‫وأما قولك لولي ما عاش إنسان ول بقي على الرض‬
‫حيوان فجوابه "لو شاء الله تعالى لعاش العالم بل هواء‬
‫كما عاش عالم الماء في الماء" وأنشدك الله أما رأيت‬
‫ما حباني الله به من عظيم المنة حيث جعلني نهرا ً من‬
‫أنهار الجنة أنا أرفع الحداث وأطهر الخباث وأجلو‬
‫النظر وأزيل الوضر أما رأيت الناس إذا غبت عنهم‬
‫يتضرعون إلى الله بالصوم والصلة والصدقة والدعاء‬
‫ويسألونه تعالى إرسالي من قبل السماء واعلم أنني ما‬
‫نلت هذا المقام الذي ارتفعت به على أبناء جنسي إل‬
‫بانحطاطي الذي عيرتني به وتواضعي وهضم نفسي‪.‬‬
‫وكثر بينهما النزاع والجدال حتى حكم بينهما أمير وقال‪:‬‬
‫إن كل ً منكما محق فيما أشبهكما في السماء بالفرقدين‬
‫وفي الرض بالعينين إل أن مرآة الحق أرتني فضيلة‬
‫تفضل بها أيها الماء أخاك الهواء وحققت لي بأنكما‬
‫لستما في الفضل سواء وهي )أن الله تعالى خلق آدم‬
‫من الماء( فاعترف لخيك بالفضل والذكاء‪.‬‬
‫"وكتب المقدسي المتوفى سنة ‪875‬ه مناظرة بين‬
‫الجمل والحصان"‬

‫‪285‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/203‬‬

‫قال "الجمل" أن أحمل الثقال وأقطع بها المراحل‬


‫الطوال وأكابد الكلل وأصبر على مر النكال ول‬
‫يعتريني من ذلك ملل وأصول صولة الدلل بل أنقاد‬
‫للطفل الصغير ولو شئت استصعبت على المير الكبير‬
‫فأنا الذلول وللثقال حمول لست بالخائن ول الغلول ول‬
‫الصائل عند الوصول أقطع في الوحول ما يعجز عنه‬
‫الفحول وأصابر الظلماء في الهواجر ول أحول فإذا‬
‫قضيت حق صاحبي وبلغت مآربي القيت حبلي على‬
‫غاربي وذهبت في البوادي اكتسب من الحلل زادي‬
‫فإن سمعت صوت حادي سلمت إليه قيادي وواصلت‬
‫فيه سهادي وطلقت طيب رقادي ومددت إليه عنقي‬
‫لبلوغ مرادي فأنا إن ضللت فالدليل هادي وإن زللت‬
‫أخذ بيدي من إليه انقيادي وإن ظمئت فذكر الحبيب‬
‫زادي وأنا المسخر لكم بإشارة )وتحم ُ َ‬
‫ل أث َْقال َك ُ ْ‬
‫م(‬ ‫ََ ْ ِ‬
‫]النحل‪ [7 :‬فلم أزل بين رحلة ومقام حتى أصل إلى‬
‫ذلك المقام‪.‬‬
‫) ‪(1/204‬‬

‫فقال )الحصان( أنا أحمل على كاهلي فأجتهد به في‬


‫السير وأنطلق به كالطير أهجم هجوم الليل وأقتحم‬
‫اقتحام السيل فإن كان طالبا ً أدرك في طلبه وإن كان‬
‫مطلوبا ً قطعت عنه سببه وجعلت أسباب الردى عنه‬
‫محتجبة فل يدرك مني إل الغبار ول يسمع عني إل‬

‫‪286‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الخبار وإن كان الجمل هو الضابر المجرب فأنا السابق‬
‫المقرب وإن كان هو المقتصد اللحق فأنا المقرب‬
‫السابق فإذا كان يوم اللقاء قدمت أقدام الواله وسبقت‬
‫سبق نباله وذلك متخلف لثقل أحماله وإن أوثق‬
‫سائسي قيدي وأمن قائدي كيدي أوثقت بشكالي لكيل‬
‫أحول على أشكالي وألجمت بلجامي كيل أغفل عن‬
‫ل عن إقدامي فأنا‬ ‫قيامي وأنعلت الحديد أقدامي كيل أك ّ‬
‫الموعود بالنجاة المعدود لنيل الجاه المشدود للسلمة‬
‫المقصود للكرامة قد أجزل النعم عن إنعامه وأمضي‬
‫بالعناية الزلية أحكامه فإن الخير معقود بنواصي الخيل‬
‫إلى يوم القيامة خلقت من الريح وألهمت التسبيح وما‬
‫برح ظهري عزا وبطني كنزا ً وصهوتي حرزا ً فكم‬
‫ركضت في ميدان السباق وما أبديت عجزا ً وكم حززت‬
‫رؤوس أهل النفاق حزا ً وكم أخليت منهم الفاق )هَ ْ‬
‫ل‬
‫كزًا( ]مريم‪.[98 :‬‬ ‫م رِ ْ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬‫م‬ ‫س‬ ‫ت‬ ‫حس منهم من أ َحد أ َ‬
‫ُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫تُ ِ ّ ِ ْ ُ ْ ّ ْ َ ٍ ْ‬
‫و‬
‫"الفن الثالث في المثال"‬
‫) ‪(1/205‬‬

‫المثل عبارة عن تأليف ل حقيقة له في الظاهر وقد‬


‫ضمن باطنه الحكم السافية وهي ثلثة أقسام مفترضة‬
‫ممكنة ومخترعة مستحيلة ومختلطة‪.‬‬
‫فالمثال المفترضة الممكنة هي ما نسب فيها النطق‬
‫والعمل إلى عاقل والمخترعة المستحيلة ما جاءت على‬
‫ألسنة الحيوانات والجمادات فيعزى لها النطق والعمل‬
‫لرشاد النسان‪.‬‬

‫‪287‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والمختلطة ما دار فيها الكلم أو العمل بين الناطق‬
‫وغير الناطق‪.‬‬
‫وشروط المثل أربعة "الول" أن تكون روايته خالية من‬
‫كل تعقيد ليفضي المقصود منه إلى ذهن السامع‬
‫"الثاني" أن ل يكون مسهبا ً ممل ً "الثالث" أن يبهج‬
‫السامع بطلوته ويفكه فكرته بهزل كلمه وابتكار‬
‫معانيه ويضبط عقله في فهم الرواية المختلفة وفض‬
‫مشكلها "الرابع" أن يورد بصورة محتملة وفوائد المثل‬
‫جمة منها نزهة البال وترويح الخاطر ومنها استقصاء‬
‫الحكم‪ .‬وهي قديمة العهد جدا ً ول يعرف اسم أول من‬
‫تكلم بها وكما تكون نثرا ً تكون نظمًا‪ .‬ولنذكر لك من‬
‫المثال ما طاب وراق فنقول‪:‬‬
‫"أمثال القرآن الكريم"‬
‫أمثال القرآن الشريف قسمان ظاهر مصرح به وكامن‬
‫ل ذكر للمثل فيه‪.‬‬
‫) ‪(1/206‬‬

‫أما أمثاله الظاهرة فكقوله تعالى في شأن المنافقين‪:‬‬


‫حوْل َُ‬
‫ه‬ ‫)مث َل ُهم ك َمث َل ال ّذي استوقَد نارا ً فَل َمآ أ َ‬
‫ما َ‬ ‫ْ َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫ضا‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ َ ْ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ْ َ ِ‬
‫ن}‬ ‫صُرو َ‬ ‫ت ل ّ ي ُب ْ ِ‬ ‫ما ٍ‬ ‫م ِفي ظ ُل ُ َ‬ ‫م وَت ََرك َهُ ْ‬‫ه ب ُِنورِه ِ ْ‬‫ب الل ّ ُ‬ ‫ذ َهَ َ‬
‫ب‬ ‫ي‬‫ص‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫‪ {17‬صم بك ْم ع ُمي فَهم ل َ يرجعون }‪ {18‬أ َ‬
‫َ ٍ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َْ ِ ُ َ‬ ‫ْ ٌ ُ ْ‬ ‫ُ ّ ُ ٌ‬
‫م‬ ‫من السمآِء فيه ظ ُل ُمات ورع ْد وبرقٌ يجعُلو َ‬
‫صاب ِعَهُ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َ ٌ ََ ٌ ََْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ّ َ‬ ‫ّ َ‬
‫حي ٌ‬
‫ط‬ ‫م ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ت والل ّ ُ‬ ‫مو ْ ِ‬ ‫حذ ََر ال ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ع‬
‫وا ِ‬ ‫ص َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ي آَذان ِِهم ّ‬ ‫فِ َ‬
‫ف أَ‬ ‫ِ‬
‫ما‬‫م ك ُل َّ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫صا‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫خط َ ُ‬ ‫كاد ُ ال ْب َْرقُ ي َ ْ‬‫ن }‪ {19‬ي َ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫ِباْلكافِ‬
‫موا ْ وَل َوْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شآَء‬ ‫م َقا ُ‬ ‫م ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫شوْا ْ ِفيهِ وَإ َِذآ أظ ْل َ َ‬ ‫م َ‬‫م ّ‬ ‫ضآَء ل َهُ ْ‬ ‫أ َ‬

‫‪288‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫يءٍ‬ ‫ل َ‬ ‫ى كُ ّ‬ ‫ه ع َل َ‬ ‫ن الل ّ‬ ‫الل ّه ل َذ َهَب بسمعِهم وأ َ‬
‫ش ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫إ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ر‬‫صا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ ِ َ ْ ِ ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ديٌر }‪] {20‬البقرة‪ [20 17 :‬وقوله تعالى في شأن‬ ‫قَ ِ‬
‫الذي ينفق أمواله ابتغاء مرضاة الله والذي ُينفقها رياءً‬
‫َ‬
‫ن َوالذ َ َ‬
‫ى‬ ‫م ّ‬ ‫كم ِبال ْ َ‬ ‫صد ََقات ِ ُ‬ ‫مُنوا ْ ل َ ت ُب ْط ُِلوا ْ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫)ي َأي َّها ال ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫ن ِ ّ‬ ‫س وَل َ ي ُؤ ْ ِ‬ ‫ه رَِئآَء الّنا‬ ‫مال َ ُ‬ ‫كال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫باللهِ َوالي َوْم ِ‬ ‫ُ‬ ‫م‬
‫ال َخر فَمث َل ُه ك َمث َل صْفوان عل َيه تراب فَأ َ‬ ‫ِ‬ ‫فقُ َ‬ ‫ذي ي ُن ْ ِ‬
‫ل‬‫ه َواب ِ ٌ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫ب‬ ‫صا‬ ‫ِ ِ َ ُ َ ِ َ َ ٍ َ ْ ِ َُ ٌ‬
‫ه لَ‬ ‫سُبوا ْ َوالل ّ ُ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫يٍء ّ‬ ‫ش ْ‬ ‫ى َ‬ ‫صْلدا ً ل ّ ي َْقد ُِرو َ َ‬
‫ن ع َل َ‬ ‫ه َ‬ ‫فَت ََرك َ ُ‬
‫ن‬
‫فُقو َ‬ ‫ن ي ُن ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫ن }‪ {264‬وَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫ِ‬ ‫كافِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫دي ال َْقوْ َ‬ ‫ي َهْ ِ‬
‫أ َموال َهم ابت َِغآَء مرضات الل ّه وتث ْبيتا ً م َ‬
‫مث َ ِ‬
‫ل‬ ‫م كَ َ‬ ‫سهِ ْ‬ ‫ن أن ُْف ِ‬ ‫ّ ْ‬ ‫ِ ََ ِ‬ ‫َ ْ َ ِ‬ ‫ْ َ ُ ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ن فَِإن ل ّ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ضعَْفي ْ‬ ‫ت أك ُل ََها ِ‬ ‫ل َفآت َ ْ‬ ‫صاب ََها َواب ِ ٌ‬ ‫جن ّةٍ ب َِرب ْوَةٍ أ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫صيٌر }‪ {265‬أي َوَد ّ‬ ‫ن بَ ِ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ل َوالل ّ ُ‬ ‫ل فَط َ ّ‬ ‫صب َْها َواب ِ ٌ‬ ‫يُ ِ‬
‫من‬ ‫خيل وأ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أ َحدك ُم َ‬
‫ري ِ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ب‬ ‫ٍ‬ ‫نا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫ٍ َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫ة‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫ج‬
‫َ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫كو‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫َ ُ ْ‬
‫َ‬
‫ه ال ْك ِب َُر وَل َ ُ‬
‫ه‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫ت وَأ َ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫ل الث ّ َ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫ه ِفيَها ِ‬ ‫حت َِها الن َْهاُر ل َ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ت ك َذ َل ِ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫حت ََرقَ ْ‬ ‫صاٌر ِفيهِ َناٌر َفا ْ‬ ‫صاب ََهآ إ ِع ْ َ‬ ‫ضعََفآُء فَأ َ‬ ‫ة ُ‬ ‫ذ ُّري ّ ٌ‬
‫ه ل َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ي ُب َي ّ ُ‬
‫) ‪(1/207‬‬

‫ن( وقوله تعالى في تمثيل الحق‬ ‫م ت َت ََفك ُّرو َ‬ ‫ت ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ال ََيا ِ‬
‫ها‬‫ة ب َِقد َرِ َ‬ ‫ت أ َوْد ِي َ ٌ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫سا‬ ‫َ‬ ‫ف‬ ‫ً‬ ‫ء‬ ‫مآ‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ء‬ ‫مآ‬ ‫ّ َ‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫ن‬
‫َ‬ ‫م‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬‫والباطل‪) :‬أ َ‬
‫ن ع َل َي ْهِ ِفي الّناِر‬ ‫دو َ‬ ‫ما ُيوقِ ُ‬ ‫م ّ‬‫ل َزَبدا ً ّراِبيا ً وَ ِ‬ ‫سي ْ ُ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫َفا ْ‬
‫حت َ َ‬
‫ق‬ ‫ح‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ب‬ ‫ر‬‫ض‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ذ‬‫َ‬ ‫ك‬ ‫ه‬ ‫ُ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ث‬‫م‬ ‫د‬ ‫ب‬‫ز‬ ‫ع‬ ‫تا‬ ‫م‬ ‫حل ْية أ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ّ ُ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫اب ْت َِغآَء ِ َ ٍ ْ َ‬
‫و‬
‫س‬ ‫نا‬ ‫ال‬ ‫ع‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ين‬ ‫ما‬ ‫ما‬ ‫ل فَأ َما الزبد فَيذ ْهَب جَفآًء وأ َ‬ ‫َوال َْباط ِ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ ّ َ َ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ّ َ ُ َ‬ ‫ّ‬
‫ل( ]الرعد‪:‬‬ ‫مَثا َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ض ك َذ َل ِ َ‬ ‫ِ‬ ‫ث ِفي الْر‬ ‫مك ُ ُ‬ ‫فَي َ ْ‬
‫م ت ََر‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫‪ [17‬وقوله تعالى في تمثيل لحكمة وضدها‪) :‬أ َ‬
‫ْ‬
‫صل َُها‬ ‫َ‬
‫جرةٍ ط َي ّب َةٍ أ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ة كَ َ‬ ‫ة ط َي ّب َ ً‬ ‫م ً‬ ‫مث َل ً ك َل ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ف َ‬ ‫ك َي ْ َ‬

‫‪289‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ن‬ ‫حي‬‫ِ‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫ي أ ُك ُل َ‬ ‫مآِء }‪ {24‬ت ُؤ ْت ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ت وَفَْرع َُها ِفي ال ّ‬ ‫َثاب ِ ٌ‬
‫ٍ‬
‫ن}‬ ‫م ي َت َذ َك ُّرو َ‬ ‫س ل َعَل ّهُ ْ‬ ‫ل ِللّنا ِ‬ ‫مَثا َ‬ ‫ه ال ْ‬ ‫ب الل ّ ُ‬ ‫ضرِ ُ‬ ‫ن َرب َّها وَي َ ْ‬ ‫ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫من فَوْ ِ‬
‫ق‬ ‫ت ِ‬ ‫جت ُث ّ ْ‬ ‫خِبيث َةٍ ا ْ‬ ‫جَرةٍ َ‬ ‫ش َ‬ ‫خِبيث َةٍ ك َ َ‬ ‫مة ٍ َ‬ ‫ل ك َل ِ َ‬ ‫مث ُ‬ ‫‪ {25‬وَ َ‬
‫من قََراٍر( ]إبراهيم‪ [26 24 :‬وقوله جل‬ ‫ما ل ََها ِ‬ ‫ض َ‬ ‫الْر ِ‬
‫شأنه في حال الكفار وما يعبدون من دون الله‪.‬‬
‫ن الل ّهِ‬‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ت َد ْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫مُعوا ْ ل َ ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ل َفا ْ‬ ‫مث َ ٌ‬ ‫ب َ‬ ‫ضرِ َ‬ ‫) ُ‬
‫ب‬‫م الذ َّبا ُ‬ ‫سل ُب ْهُ ُ‬ ‫ه وَِإن ي َ ْ‬ ‫مُعوا ْ ل َ ُ‬ ‫جت َ َ‬ ‫خل ُُقوا ْ ذ َُبابا ً وَل َوِ ا ْ‬ ‫َلن ي َ ْ‬
‫ب( ]الح‪:‬‬ ‫مط ُْلو ُ‬ ‫ب َوال ْ َ‬ ‫طال ِ ُ‬‫ف ال ّ‬ ‫ضعُ َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ذوه ُ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫سَتن ِ‬‫شْيئا ً ل ّ ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ذوا ْ ِ‬ ‫خ ُ‬‫ن ات ّ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫‪ [73‬وقوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫خذ َت بيتا ً وإن أ َ‬ ‫أَ‬
‫ت‬ ‫ن ال ْب ُُيو ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫َِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ت‬‫ا‬ ‫ت‬ ‫ِ‬ ‫بو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫عن‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ل‬
‫َ ِ‬‫َ‬ ‫ث‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫يآ‬‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫و‬
‫ن( ]العنكبوت‪[41 :‬‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْل َ ُ‬ ‫ت ل َوْ َ‬ ‫ت ال َْعنك َُبو ِ‬ ‫ل َب َي ْ ُ‬
‫وقوله تعالى في أن عمل الكافر يذهب هباء تذروه‬
‫الرياح‪.‬‬
‫) ‪(1/208‬‬

‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ل ال ّذين ك ََفروا ْ بربهم أ َ‬ ‫مث َ ُ‬


‫ت ب ِهِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫د‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ش‬ ‫ا‬ ‫ٍ‬ ‫د‬ ‫ما‬ ‫ر‬
‫َ ُ ْ َ َ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫َِ ِّ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ َ‬ ‫) ّ‬
‫ى‬ ‫ما ك َ َ ْ َ‬ ‫ف ل ّ ي َْقد ُِرو َ‬
‫سُبوا ع َل َ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ص ٍ‬ ‫عا ِ‬ ‫ح ِفي ي َوْم ٍ َ‬ ‫الّري ُ‬
‫ن ك ََفُروَا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫يٍء( ]إبراهيم‪ [18 :‬وقوله تعالى‪َ) :‬وال ّ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ى إ َِذا‬ ‫ت‬ ‫ح‬ ‫ً‬ ‫ء‬ ‫مآ‬ ‫ن‬ ‫مآ‬ ‫ّ‬ ‫ظ‬ ‫ال‬ ‫ه‬ ‫ب‬‫س‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ة‬ ‫ع‬ ‫قي‬ ‫ب‬ ‫ب‬ ‫را‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ما‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫أَ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ‬‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ ٍ ِ‬ ‫َ ُ ْ‬
‫ه َوالل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ساب َ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫عند َه ُ فَوَّفاه ُ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫جد َ الل ّ َ‬ ‫شْيئا ً وَوَ َ‬ ‫جد ْه ُ َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫جآَءه ُ ل َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫شاهُ‬ ‫ي ي َغْ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫حرٍ ل ّ ّ‬ ‫ت ِفي ب َ ْ‬ ‫ما ٍ‬ ‫ب }‪ {39‬أوْ ك َظ ُل ُ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ضَها‬ ‫ت ب َعْ ُ‬ ‫ما ٌ‬ ‫ب ظ ُل ُ َ‬ ‫حا ٌ‬ ‫س َ‬‫من فَوْقِهِ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫موْ ٌ‬ ‫من فَوْقِهِ َ‬ ‫ج ّ‬ ‫مو ْ ٌ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ل‬
‫جعَ ِ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫ها وَ َ‬ ‫م ي َك َد ْ ي ََرا َ‬ ‫ج ي َد َه ُ ل َ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫ض إ َِذآ أ ْ‬ ‫فَوْقَ ب َعْ ٍ‬
‫من ُنوٍر( ]النور‪.[40 39 :‬‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه ُنورا ً فَ َ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫وقوله تعالى في أن الدنيا ظل زائل وخيال باطل‪.‬‬

‫‪290‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫َ‬
‫ماءِ‬
‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫مآٍء أن َْزل َْناه ُ ِ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا ك َ َ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ َ‬ ‫ب ل َُهم ّ‬ ‫ضرِ ْ‬ ‫)َوا ْ‬
‫ط به نبات الرض فَأ َ‬
‫ح(‬ ‫شيما ً ت َذ ُْروه ُ الّريا ُ‬ ‫ح هَ ِ‬ ‫صب َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫خت َل َ َ ِ ِ َ َ ُ‬ ‫َفا ْ‬
‫َ‬
‫حَياة ُ الد ّن َْيا‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫موَا ْ أن َّ‬ ‫]الكهف‪ [45 :‬وقوله تعالى‪) :‬اع ْل َ ُ‬
‫ل‬
‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫كاث ٌُر ِفي ال ْ‬ ‫م وَت َ َ‬ ‫خٌر ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫ة وَت ََفا ُ‬ ‫ب وَل َهْوٌ وَِزين َ ٌ‬ ‫ل َعِ ٌ‬
‫ه‬ ‫را‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫ف‬ ‫ج‬ ‫هي‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬ ‫ت‬‫با‬ ‫ن‬ ‫ر‬ ‫فا‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ب‬ ‫ج‬ ‫ْ‬ ‫ع‬ ‫والول َد ك َمث َل غ َيث أ َ‬
‫َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ُ ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ِ َ ِ ْ ٍ‬
‫طامًا( ]الحديد‪ [20 :‬وأما أمثاله‬ ‫ح َ‬ ‫ن ُ‬ ‫كو ُ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫صَفّرا ً ث ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫الكامنة فهي الداب البارعة والحكم الباهرة فمن ذلك‬
‫ة( ]النجم‪:‬‬ ‫شَف ٌ‬ ‫كا ِ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫س ل ََها ِ‬ ‫قوله تعالى‪) :‬ل َي ْ َ‬
‫‪.[58‬‬
‫ن( ]آل عمران‪:‬‬ ‫حّبو َ‬ ‫ما ت ُ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫فُقوا ْ ِ‬ ‫ى ت ُن ْ ِ‬ ‫حت ّ َ‬ ‫)َلن ت ََناُلوا ْ ال ْب ِّر َ‬
‫‪.[92‬‬
‫ق( ]يوسف‪.[51 :‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ص ال ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ص َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫)ال َ َ‬
‫ه( ]يس‪.[78 :‬‬ ‫خل َْق ُ‬ ‫ي َ‬ ‫س َ‬ ‫مث َل ً وَن َ ِ‬ ‫ب ل ََنا َ‬ ‫ضَر َ‬ ‫)وَ َ‬
‫ك( ]الحج‪.[10 :‬‬ ‫دا َ‬ ‫ت يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما قَد ّ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫)ذ َل ِ َ‬
‫ن( ]يوسف‪.[41 :‬‬ ‫ست َْفت َِيا ِ‬ ‫ذي ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫مُر ال ّ ِ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫)قُ ِ‬
‫َ‬
‫ب( ]هود‪.[81 :‬‬ ‫ري ٍ‬ ‫ح ب َِق ِ‬ ‫صب ْ ُ‬‫س ال ّ‬ ‫)أل َي ْ َ‬
‫ن( ]سبأ‪:‬‬ ‫شت َُهو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م وَب َي ْ َ‬ ‫ل ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫)وَ ِ‬
‫) ‪(1/209‬‬

‫‪.[54‬‬
‫كوُر( ]سبأ‪.[13 :‬‬ ‫ش ُ‬ ‫عَباد ِيَ ال ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫ل ّ‬ ‫)وَقَِلي ٌ‬
‫َ‬
‫ه( ]فاطر‪.[43 :‬‬ ‫سّيىُء إ ِل ّ ب ِأهْل ِ ِ‬ ‫مك ُْر ال ّ‬ ‫حيقُ ال ْ َ‬ ‫)وَل َ ي َ ِ‬
‫ه( ]السراء‪.[84 :‬‬ ‫شاك ِل َت ِ ِ‬ ‫ى َ‬ ‫َ‬
‫ل ع َل َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ي َعْ َ‬ ‫ل كُ ّ‬ ‫)قُ ْ‬
‫ى َأن ت ُ ِ‬
‫حّبوا ْ‬ ‫س‬‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ َ َ َ‬ ‫و‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ك‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ر‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫خ‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ َ‬‫ُ‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫يئ‬‫ْ‬ ‫ش‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫هو‬ ‫ُ‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫أن‬‫)ع َسى َ‬
‫َ َ‬
‫م( ]البقرة‪.[216 :‬‬ ‫شّر ل ّك ُ ْ‬ ‫شْيئا ً وَهُوَ َ‬ ‫َ‬

‫‪291‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ة( ]المدثر‪.[38 :‬‬ ‫هين َ ٌ‬ ‫ت َر ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ل ن َْف ٍ‬ ‫)ك ُ ّ‬
‫ست ََقّر( ]النعام‪.[67 :‬‬ ‫م ْ‬ ‫ل ن َب َإ ٍ ّ‬ ‫)ل ّك ُ ّ‬
‫ن( ]الرحمن‪.[60 :‬‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ن إ ِل ّ ال ِ ْ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫جَزآُء ال ِ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫)ه َ ْ‬
‫ة( ]البقرة‪.[249 :‬‬ ‫ت فِئ َةٍ ك َِثيَر ً‬ ‫من فِئ َةٍ قَِليل َةٍ غ َل َب َ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫) َ‬
‫ل( ]يونس‪.[91 :‬‬ ‫ت قَب ْ ُ‬ ‫صي ْ َ‬ ‫ن وَقَد ْ ع َ َ‬ ‫)آل َ َ‬
‫ى( ]الحشر‪.[14 :‬‬ ‫شت ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ميعا ً وَقُُلوب ُهُ ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫سب ُهُ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫)ت َ ْ‬
‫ر( ]فاطر‪.[14 :‬‬ ‫خِبي ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫)وَل َ ي ُن َب ّئ ُ َ‬
‫ن( ]المؤمنون‪] [53 :‬الروم‪:‬‬ ‫حو َ‬ ‫م فَرِ ُ‬ ‫ما ل َد َي ْهِ ْ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫حْز ٍ‬ ‫ل ِ‬ ‫)ك ُ ّ‬
‫‪.[32‬‬
‫م( ]النفال‪.[23 :‬‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫س َ‬ ‫خْيرا ً ل ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِفيهِ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫)وَل َوْ ع َل ِ َ‬
‫غ( ]المائدة‪.[99 :‬‬ ‫ل إ ِل ّ ال ْب َل َ ُ‬ ‫سو ِ‬ ‫ما ع ََلى الّر ُ‬ ‫) َ‬
‫ل( ]التوبة‪.[91 :‬‬ ‫سِبي ٍ‬ ‫من َ‬ ‫ن ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ع ََلى ال ْ ُ‬ ‫) َ‬
‫سعََها( ]البقرة‪.[286 :‬‬ ‫ه ن َْفسا ً إ ِل ّ وُ ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬ ‫)ل َ ي ُك َل ّ ُ‬
‫ب( ]المائدة‪.[100 :‬‬ ‫ث َوالط ّي ّ ُ‬ ‫خِبي ُ‬ ‫وي ال ْ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫)ل ّ ي َ ْ‬
‫ر( ]الروم‪.[41 :‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ساد ُ ِفي ال ْب َّر َوال ْب َ ْ‬ ‫)ظ َهََر ال َْف َ‬
‫ن( ]الصافات‪.[61 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ل ال َْعا ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ذا فَل ْي َعْ َ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ِ‬ ‫مث ْ‬ ‫)ل ِ ِ‬
‫صاِر( ]الحشر‪.[2 :‬‬ ‫ب‬ ‫ال‬ ‫لي‬ ‫و‬ ‫)َفاعتبروا ْ يأ ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ْ‬ ‫َُِْ‬
‫جملة من أمثال العرب والمولدين ما يماثلها من القرآن‬
‫ة(‬ ‫حَيا ٌ‬
‫ص َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫م ِفي ال ْ ِ‬ ‫الكريم القتل أنفى للقتل )وَل َك ُ ْ‬
‫]البقرة‪.[179 :‬‬
‫م ع ُد َْنا( ]السراء‪:‬‬ ‫عدت ّ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫إن عادت العقرب عدنا لها )وَإ ِ ْ‬
‫د( ]النفال‪.[19 :‬‬ ‫‪) [8‬وَِإن ت َُعوُدوا ْ ن َعُ ْ‬
‫ب( ]هود‪.[81 :‬‬ ‫ري‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫ب‬ ‫ح‬ ‫ب‬‫ص‬ ‫ال‬ ‫س‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬‫إن غدا ً لناظره قريب )أ َ‬
‫ِ ِ ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ق(‬
‫ح ّ‬ ‫ص ال ْ َ‬‫ح َ‬ ‫ص َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قد وضح المر لذي عينين )ال َ َ‬
‫]يوسف‪.[51 :‬‬
‫عن ذ ِك ْ ِ‬
‫ر‬ ‫ش َ‬ ‫من ي َعْ ُ‬ ‫أعط أخاك تمرة فإن أبى فجمرة )وَ َ‬

‫‪292‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/210‬‬

‫طانًا( ]الزخرف‪.[36 :‬‬ ‫شي ْ َ‬‫ه َ‬ ‫ض لَ ُ‬‫ن ن َُقي ّ ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫الّر ْ‬


‫ن(‬ ‫ست َْفت َِيا ِ‬ ‫ذي ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫مُر ال ّ ِ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬‫سبق السيف العذل )قُ ِ‬
‫]يوسف‪.[41 :‬‬
‫ما‬‫ن َ‬ ‫م وَب َي ْ َ‬ ‫ل ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫حي َ‬ ‫قد حيل بي العير والنزوان )وَ ِ‬
‫ن( ]سبإ‪.[54 :‬‬ ‫شت َُهو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫سي ّئ َ ِ‬
‫ة‬ ‫ن ال ّ‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫م ب َد ّل َْنا َ‬ ‫عادت غيث على ما أفسد )ث ُ ّ‬
‫ة( العراف‪.[95 :‬‬ ‫سن َ َ‬‫ح َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ست ََقّر( ]النعام‪.[67 :‬‬ ‫م ْ‬ ‫لكل مقام مقال )ل ّك ُ ّ‬
‫ل ن َب َإ ٍ ّ‬
‫حوا ْ ب َِها(‬ ‫ة ي َْفَر ُ‬ ‫سي ّئ َ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫صب ْك ُ ْ‬ ‫مصائب قوم عند قوم فوائد )ت ُ ِ‬
‫]آل عمران‪.[120 :‬‬
‫سّيىُء‬ ‫مك ُْر ال ّ‬ ‫حيقُ ال ْ َ‬ ‫من حفر لخيه بئرا ً وقع فيها )وَل َ ي َ ِ‬
‫َ‬
‫ه( ]فاطر‪.[43 :‬‬ ‫إ ِل ّ ب ِأهْل ِ ِ‬
‫شَيآَء ِإن‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ا‬ ‫لو‬ ‫ُ‬ ‫كل البقل ل تسأل عن المبقلة )ل َ تسأ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫م( ]المائدة‪.[101 :‬‬ ‫سؤ ْك ُ ْ‬‫م تَ ُ‬ ‫ت ُب ْد َ ل َك ُ ْ‬
‫ى(‬ ‫نا ُ َ‬ ‫خي ٌْر ل ّ َ‬ ‫المأمول خير من المأكول )وَل َل َ ِ‬
‫لول َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫خَرة ُ َ‬
‫]الضحى‪.[4 :‬‬
‫م‬‫لو كان في اليوم خير ما سلم على الصياد )وَل َوْ ع َل ِ َ‬
‫م( ]النفال‪.[23 :‬‬ ‫معَهُ ْ‬ ‫س َ‬‫خْيرا ً ل ْ‬ ‫م َ‬‫ه ِفيهِ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ن( ]البقرة‪:‬‬ ‫دي ِ‬ ‫الكلب ل يصيد كارها ً )ل َ إ ِك َْراه َ ِفي ال ّ‬
‫‪.[256‬‬
‫ة(‬‫هين َ ٌ‬ ‫ت َر ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ل ن َْف ٍ‬ ‫كل شاة ستناط برجليها )ك ُ ّ‬
‫]المدثر‪.[38 :‬‬
‫خِبيُثو َ‬
‫ن‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫خِبيِثي َ‬ ‫ت ل ِل ْ َ‬ ‫خِبيَثا ُ‬ ‫عند الخنازير تنفق العذرة )ال ْ َ‬

‫‪293‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ل ِل ْ َ‬
‫خِبيَثا ِ‬
‫ت( ]النور‪.[26 :‬‬
‫"الفن الرابع في الوصاف"‬
‫) ‪(1/211‬‬

‫الوصف عبارة عن بيان المر باستيعاب أحواله وضروب‬


‫نعوته الممثلة له وأصوله ثلثة‪ :‬الول‪ :‬أن يكون الوصف‬
‫حقيقيا ً بالموصوف مفرزا ً له عما سواه‪ .‬الثاني‪ :‬أن‬
‫يكون ذا طلوة ورونق‪ .‬الثالث‪ :‬أن ل يخرج فيه إلى‬
‫حدود المبالغة والسهاب ويكتفي بما كان مناسبا ً للحال‬
‫وأنواعه كثيرة لكنها ترجع إلى قسمينوهما وصف‬
‫الشياء ووصف الشخاص أما الشياء الحرية بالوصف‬
‫فهي كالمكنة والحوادث ومناظر الطبيعة‪.‬‬
‫وأما وصف الشخاص فيكون بوصف الصورة أو الطبع‬
‫أو بوصفها معًا‪.‬‬
‫ولنذكر لك فقرا ً جارية على ألسنة البلغاء في صفات‬
‫شتى ثم نتبعها بمقالت في الوصف نثرا ً ونظمًا‪.‬‬
‫"وصف البلدان"‬
‫بلدة كأنها صورة الخلد منقوشة في عرض الرض‪ ،‬بلدة‬
‫كأن محاسن الدنيا مجموعة فيها ومحصورة في‬
‫بواحيها‪ ،‬بلدة ترابها عنبر وحصباؤها عقيق‪ ،‬وهواؤها‬
‫نسيم وماؤها رحيق‪ ،‬بلدة معشوقة السكنى ورحبة‬
‫المثوى كوكبها يقظان وجوها عريان‪ ،‬يومها غداة وليلها‬
‫سحر‪ ،‬بلدة واسعة الرقعة طيبة البقعة‪ ،‬واسعة البلد‬
‫وسرتها ووجهها وغرتها‪.‬‬
‫"وصف القلع"‬

‫‪294‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قلعة حلقت بالجو تناجي لسماء بأسرارها‪ ،‬قالعة تتوشح‬
‫بالغيوم‪،‬وتجتلي بالنجوم‪ ،‬قلعة متناهية في الحصانة‬
‫ممتنعة عن الطلب والطالب منصوبة على أضيق‬
‫المسالك وأوعر المناصب‪ ،‬لم تزدها اليام إل نبؤ‬
‫أعطاف واستصعاب جوانب وأطراف‪ ،‬قد مل الملوك‬
‫حصارها ففارقوها عن طماح منها وشماس وسئمت‬
‫الجيوش ظلها فغادرتها بعد قنوط ويأس‪ ،‬فهي حمى ل‬
‫يراع ومعقل ل يستطاع‪ ،‬كأن اليام صالحتها على‬
‫العفاء من الحوادث والليالي عاهدتها على التسليم من‬
‫القوارع‪.‬‬
‫"وصف الدور"‬
‫) ‪(1/212‬‬

‫دار قرار توسع العين قرة والنفس مسرة‪ ،‬كأن بانيها‬


‫استسلف الجنة فجعلت له‪ ،‬دار تخجل منها الدور‬
‫وتتقاصر عنها القصور‪ ،‬دار قد اقترن اليمن بينماها‬
‫واليسر بيسراها الجسوم منها في حضر والعون على‬
‫سفر‪ ،‬دار دار بالسعد نجمها وفاز بالحسن سهمها‬
‫يخدمها الدهر ويأويها البدر ويكنفها النصر‪ ،‬هي مرتع‬
‫النواظر ومتنفس الخواطر‪ ،‬أخذت أدوات الجنان‬
‫وضحكت من العبقري الحسان‪.‬‬
‫"وصف الديار الخالية"‬
‫دار لبست البلى وتعطلت من الحلى‪ ،‬صارت من أهلها‬
‫خالية بعدما كانت بهم حالية‪ ،‬قد أنفد البين سكانها‬
‫وأقعد حيطانها‪ ،‬دار شاهد اليأس منها ينطق وحبل‬

‫‪295‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الرجاء فيها يقصر‪ ،‬كأن عمرانها يطوى وخرابها ينشر‬
‫أركانها قيام وقعود وحيطانها ركع وسجود‪.‬‬
‫ت دارهم من بهدهم فتهّللت‬ ‫بك ْ‬

‫م‬
‫دموعي فأيّ الجازعين ألو ُ‬

‫أمستعبرا ً يبكي على اللهو البلى‬

‫أم آخر يبكي شجوه فيهيم‬

‫‪"2‬وصف أيام الربيع" يوم جلبيب غيومه رواق وأردية‬


‫نسيمه رقاق‪ ،‬يوم سماؤه فاختية وأر ضه طاووسية‪،‬‬
‫يوم ممسك السماء معصفر الهواء معنبر الروض‬
‫مصندل الماء‪ ،‬يوم تبسم عنه الربيع وتبرج عنه الروض‬
‫المريع‪ ،‬يوم كأن سماءهمحد وأرضه عروس تتجلى‪ ،‬يوم‬
‫دجنه عاكف وقطره واكف‪.‬‬
‫"وصف الرياض"‬
‫) ‪(1/213‬‬

‫روضة رقت حواشيها وتأنق واشيها‪ ،‬روضة كالعقود‬


‫المنظمة على البرود المنمنمة‪ ،‬روضة قد راضتها كف‬
‫المطر ودبجتها أيدي الندى‪ ،‬رياض كالعرائس في حيلها‬
‫وزخارفها والقيان في وشيها ومطارفها باسطة زرابيها‬
‫وأنماطها ناشرة برودها ورياطها زاهية بحمرائها‬
‫وصفرائها تائهة بعيدانها وغدرانها وكأنما احتفلت لوفد أو‬

‫‪296‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫هي من حبيب على وعد‪ ،‬روضة قد تضوعت بالرج‬
‫الطيب أرجاؤها وتبرجت في ظلل الغمام صحراؤها‬
‫وتنافحت بنوافح المسك أنوارها وتعارضت بغرائب‬
‫النطق أطيارها‪ ،‬بستان أنهاره محفوفة بالزهار‬
‫وأشجاره موقرة بالثمار‪ ،‬أشار كأن الحور أعارتها‬
‫قدودها وكستها برودها وحلتها عقودها‪ ،‬شقائق كتيجان‬
‫العقيق على رؤوس الزنوج كأنما أصداغ المسك على‬
‫الوجنات الموردة كأن الشقيق جام من عقيق أحمر‬
‫ملئت قرارته بمسك أذفر‪ ،‬الرض زمردة والشجار‬
‫وشي والماء سيوف والطيور قيان‪ ،‬قد غردت خطباء‬
‫الطيار على منابر النوار والزهار‪.‬‬
‫"وصف طول الليل والسهر وما يعرض فيه من الهموم‬
‫والكفر"‪.‬‬
‫ليلة قص جناحها وظل صاحبها‪ ،‬ليال ليست لها أسحار‬
‫وظلمات ل يتخللها أنوار‪ ،‬ليل ثابت الطناب بطيء‬
‫الغوراب طامح المواج وافي الذوائب بات بليلة ساورته‬
‫فيها الهموم وسامرته النجوم واكتحل السهاد وافترش‬
‫القتاد اكتحل بماء السهر وتململ على فراش الكفر قد‬
‫أقض مهاده وقلق وساده هموم تفرق بين الجنب‬
‫والمهاد وتجمع بين العين والسهاد‪.‬‬
‫"وصف انتصاف الليل وتناهيه وانتشار النور وأفول‬
‫النجوم"‪.‬‬
‫) ‪(1/214‬‬

‫‪297‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قد اكتهل الظلم قد نصفنا عمر الليل واستغرقنا شبابه‬
‫قد شاب رأس الليل كاد ينم النسيم بالسحر قد‬
‫انكشف غطاء الليل وستر الدجى‪ :‬هرم الليل وشمطت‬
‫ذوائبه‪ ،‬قوضت خيام الليل وخلع الفق ثوب الدجى‬
‫تبسم الفجر ضاحكا ً من شرقه ونصب أعلمه على‬
‫منازل أفقه‪ ،‬اقتنص بازي الضوء غراب الظلم وفض‬
‫كافور النور مكن الغسق مسك الختام طرز قميص‬
‫الليل بغرة الصبح‪ ،‬باح الصبح بسره‪ ،‬خلع الليل ثيابه‬
‫وحدر الصبح نقابة بث الصبح طلئعه تبرقع الليل بغرة‬
‫الصبح أطار منادي الصبح غراب الليل عزلت نوافج‬
‫الليل بجامات الكافور وانهزم جيش الظلم عن عسكر‬
‫النور مالت الجوزاء وانطفأ قنديل الثريا‪.‬‬
‫"وصف طلوع الشمس وغروبها"‬
‫بدا حاجب الشمس ألقت الغزالة لعابها وضربت‬
‫الضحى أطنابها وانتشر جناح الضو في أفق لجو استوى‬
‫شباب النهار على رونق الضحى بلغت الشمس كبد‬
‫السماء قام قائم الهاجرة ورمت الشمس بجمرات‬
‫الشمس اصفرت غللة الشمس وصارت كأنها الدينار‬
‫يلمع في قرار الماء نفضت تبرا ً على الصيل وشدت‬
‫رحلها للرحيل جنحت الشمس إلى مغاربها دلكت دلوح‬
‫واغبر لوح اللوح تصوبت الشمس للمغيب تضيفت‬
‫للغروب فآذن جنبها بالوجوب شاب النهار وأقبل شاب‬
‫الليل استتر وجه الشمس وتوارت بالحجاب كأن المر‬
‫من مطلع الفلق إلى مجمع الغسق‪.‬‬
‫"وصف الرعد والبرق"‬
‫قام خطيب الرعد نبض عرق البرق‪ ،‬سحابة ارتجزت‬

‫‪298‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫رعودها وذهبت ببروقها برودها‪ ،‬نطق لسان الرعد‬
‫وخفق قلب البرق‪ ،‬فالعرد ذو صخب والبرق ذو لهب‪،‬‬
‫ابتسم البرق عن قهقهة الرعد‪ ،‬زأرت أسود الرعد‬
‫ولمعت سيوف البرق رعدت الغمائم وبرقت‪ ،‬وانحلت‬
‫عرى السماء فطبقت هدرت رواعدها وقربت أبعادها‬
‫وصدقت مواعدها‪.‬‬
‫"وصف مقدمات المطر"‬
‫) ‪(1/215‬‬

‫لبست المساء سربالها وسحبت السحائب أذيالها قد‬


‫احتجت السماء في سرادق الغيم‪ ،‬لبس الجو مطرفه‬
‫الدكن باحت الريح بأسرار الندى ضريت خيمة الغمام‪،‬‬
‫ابتل جناح الهواء واغرورقت مقلة السماء هبت شمائل‬
‫الجنائب لتأليف شمل السحائب‪ ،‬تألفت أشتات الغيوم‬
‫وأسبلت الستور على النجوم‪.‬‬
‫"وصف البرد والثلج وأيام الشتاء"‬
‫مد الثلج شتائه وألقى أرواقه وحل نطاقه أناخ بنوازله‬
‫وأرسى بكلكله وكلح بوجهه وكشر عن أنيابه قد عادت‬
‫الجبال شيبا ولبست من الثلوج ملء قشيبا ً شابت‬
‫مفارق البروج بتراكم الثلوج ألم الشيب بها وابيضت‬
‫لممها وبرد يقضقض العضاء وينقض الحشاء برد يجمد‬
‫الريق في الشداق والدمع في الماق يوم كأن الرض‬
‫شابت لهوله يوم فضي الجلباب مسكي النقاب عبوس‬
‫قمطرير كشر عن ناب الزمهرير وفرش الرض‬
‫بالقوارير يوم أرضه كالقوارير اللمعة وهواؤه كالزنابير‬

‫‪299‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫اللسعة‪.‬‬
‫"وصف المطر والماء والسحاب والغدران"‬
‫ماء إذا مسته أيدي النسيم حكى سلسل الفضة غدير‬
‫ترقرقت فيه دموع السحائب وتواترت عليه أنفاس‬
‫الرياح الغرائب انحل عقد السماء وانهل دمع النواء‬
‫انحل سلك القطر در البحر سحابة تحدو من الغيوم‬
‫جمال ً وتمد من المطار حبال ً سحابة ترسل المطار‬
‫أمواجا ً والمواج أفواجا ً سحابة يضحك من بكائها الروض‬
‫وتخضر من سواتها الرض سحابة ل تجف جفونها ول‬
‫يجف أنينها ديمة روت أديم الثرى ونبهت عيون النور‬
‫من الكرى سحابة ركبت أعناق الريح وسحت كأفواه‬
‫الجراح مطر كأفواه القرب‪.‬‬
‫"وصف القيظ وشدة الحر"‬
‫) ‪(1/216‬‬

‫حر يشبه قلب الصب ويذيب دماغ الضب قوي سلطان‬


‫الحر وبسط بساط الجمر أوقدت الشمس نارها وأذكت‬
‫أوارها حر يلفح حر الوجه‪ ،‬هاجرة كأنها من قلوب‬
‫العشاق إذا اشتعلت فيها نار الفراق هاجرة تحكي نار‬
‫المهجر وتذيب قلب الصخر حل يهرب له الحرباء من‬
‫الشمس قد صهرت الهاجرة البدان وركبت الجنادب‬
‫العيدان حر ينضج الجلود ويذيب الجلمود أيام كأيام‬
‫الفرقة امتدادا ً وحر كحر الوجد اشتدادا ً هاجرة كالسعير‬
‫الهاجم يجر أذيال السمائم‪.‬‬
‫"وصف الشيب"‬

‫‪300‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ذوى غصن شبابه بدت في رأسه طلئع المشيب أقمر‬
‫ليل ظهرت غرة القمر وأومض البرقفي ليل الشعر‬
‫رمي فاحم القود بضده واشتعل المبيض في مسودة‬
‫لمع ضوء فرعه وتفرق شمل جمعه عله غبار وقائع‬
‫الدهر‪ ،‬بينما هو راقد في ليل الشباب أيقظه صبح‬
‫المشيب طوى مراحل الشباب وأنفق عمره بغير‬
‫حساب جاوز من الشباب مراحل وورد من الشيب‬
‫مناهل‪ ،‬فل الدهر شبا شبابه ومحا محاسن روائه طار‬
‫غراب شبابه وشاب أترابه استبدل بالدهم البلق‬
‫وبالغراب العقعق استعاض من الغراب بقادمة النسر‬
‫أسفر صبح المشيب علته أهبة الكبر نفض جبة الصبا‬
‫وتولى داعية الحجا الشيب زبدة مخضتها اليام وفضة‬
‫محصتها التجارب سرى في طريق الرشد بمصباح‬
‫الشيب‪ ،‬الشيب خطام المنية الشيب نذير الخرة‪.‬‬
‫"وصف آلت الكتابة"‬
‫الدواة من أنفع الدوات وهي للكتابة عتاد وللخاطر زناد‬
‫غدير ل يرد غير الفهام ول يمتح بغير أرشية القلم‬
‫غدير تفيض ينابيع الحكمة من أقطاره وتنشأ سحب‬
‫البلغة من قراره مداد كسواد العين وسويداء القلب‬
‫وجناح الغراب ولعاب الليل وألوان دهم الخيل‪ ،‬مداد‬
‫ناسب خافية الغراب واستعار لونه من شرخ الشباب‬
‫أقلم جمة المحاسن بعيدة من المطاعن أنابيب ناسبت‬
‫رماح الخط في أجناسها وشاكلت الذهب في ألوانها‬
‫وضاهت الحديد في لمعانها أقلم كأنها الميال استواء‬
‫والجال مضاء بطيئة الخفى قوية القوى‪ ،‬قلم ل ينبو إذا‬

‫‪301‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫نبت الصفاح ول يحجم إذا أحجمت الرماح قلم يسكت‬
‫واقفا ً وينطق ساكتًا‪.‬‬
‫) ‪(1/217‬‬

‫"وصف لخطباء"‬
‫جلوا بكلمهم البصار العليلة وشحذوا بمواعظهم‬
‫الذهان الكليلة ونبهوا القلوب من رقدتها ونقلوها عن‬
‫سوء عادتها فشفوا من داء القسوة وغباوة الغفلة‬
‫وداووا من العي الفاضح ونهجوا لنا الطريق الواضح‬
‫خطيب ل تناله حبسة ول ترتهنه لكنة ول تتمشى في‬
‫خطابه رتة ول تتحيف بيانه عجمة ول تعترض لسانه‬
‫عقدة خطيب جواهر نفثاته صحاح وعرائس أفكاره‬
‫صباح خطيب تزينت بدرر ألفاظه عقود الملح‪ ،‬ل عيب‬
‫فيه إل أن لفظه عطل الياقوت والدر خطيب مصقع‬
‫ينثر لسانه اللؤلؤ المكنون هو الخطيب المصقع الذي‬
‫أشخص بآيات خطبه الزاجرة عيون القوم وأبكاها هو‬
‫الخطيب المصقع الذي تتلعب بالعقول معانيه ويصاغ‬
‫الدر من لفظ فيه هو الخطيب الذي تهتز له المنابر‬
‫وتنقاد إليه كلمات السحر متسابقة آخذا ً بعضها برقاب‬
‫بعض‪.‬‬
‫"وصف العلماء"‬
‫يدر العلوم اللئح وقطرها الغادي والرائح وثبيرها الذي‬
‫ل يزحم ومنيرها الذي ينجلي به ليلها السحم أما فنون‬
‫الدب فهو ابن بجدتها وأخو جملتها و أبو عذرتها ومالك‬
‫أزمتها تستخرج الجواهر من بحوره وتحلى لمعات‬

‫‪302‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الطروس بقلئد سطوره تآلبفه غرر منيرات أضاءت‬
‫في وجوه دعم المشكلت عالم أقلمه نفثات السحر‬
‫تآليفه عقائد أصبح الدهر من خطابها له بدائع مائسات‬
‫العطاف‪ ،‬بحر البيان الزاخر شيخ المعارف وإمامها‬
‫ومن في يديه زمامها لديه تنشد ضوال العراب وتوجد‬
‫شوارد اللغة والعراب مالك أعنة العلوم وناهج طريقها‬
‫والعارف بترصيعها وتنميقها الناظم لعقودها الراقم‬
‫لبرودها المجيد لرهافها العالم بجلئها وزفافها ملك رق‬
‫الكتابة والنشاء وتصرف في فنون البداع كيف شاء‬
‫عالم يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه‬
‫صاحب المصنفات التي دلت على وفرة اطلعه وغزارة‬
‫مادته وحسن بيانه لم يترك معنى مغلفا ً إل فتح صياصيه‬
‫ول مشكل ً إل أوضح مبانيه‪.‬‬
‫"وصف البلغاء"‬
‫) ‪(1/218‬‬

‫فلن يحوك الكلم على حسب المان ويخيط اللفاظ‬


‫على قدود المعاني يجتني من اللفاظ أنوارها ومن‬
‫المعاني ثمارها يعبث بالكلم ويقوده بألين زمام حتى‬
‫كأن اللفاظ تتحاسد في التسابق إلى خواطره‬
‫والمعاني تتغير في النتثال على أنامله‪ ،‬بليغ نسق من‬
‫جواهر كلمه أكاليل در ما لمنظمها سلك‪ ،‬بليغ تفك‬
‫سهام أفكاره الزرد ناظم سلك البلغة وقائد زمام‬
‫البراعة إذا أوجز أعجز وإذا شاء أطال وأطلق من‬
‫البلغة العقال إذا أذكى سراج الفكر أضاء ظلم المر‬

‫‪303‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫يستنبط حقائق القلوب ويستخرج ودائع الغيوب‪.‬‬
‫"وصف الشعراء والمنشئين ومحاسن النظم والنثر"‬
‫مقذف حصى القريض وجماره ومطلع شموسه‬
‫وأقماره ونثره سحر البيان ونظمه قطع الجمان طلعت‬
‫شمس الدب من أفق أشعاره وتفجرت ينابيعها من‬
‫خلل آثاره‪ ،‬شاعر توقدت جمرات أفكاره‪ ،‬وشاعر‬
‫عرائس أفكاره صباح إن نثر بالنجوم في أفلكها أو‬
‫نظم فالجواهر في أسلكها أخذت بمجامع القلوب كلمة‬
‫إذا كتب انتسب ونسق المعجزات نسق حساب وأرى‬
‫البدائع بيض الوجوه كريمة الحساب إن نثر رأيت بحرا ً‬
‫يزخر وإذا نظم أزرى بنظم العقود وأتى بأحسن من‬
‫رقم البرود إذا كتب مل المهارق بيانا ً وأرى السحر عيانا ً‬
‫هو الكاتب الذي تحسد أرقام الطراز سطور قلمه ويود‬
‫التبر لو كان مداد كلمة هو الكاتب لذي تنقاد إلى يراعه‬
‫دقائق المعاني صاغرة بزمام‪ ،‬نثر كمثر الورد ونظم‬
‫كنظم العقد نثر كالسحر أو أدق ونظم كالماء أو أرق‬
‫نثر كما تفتح الزهر ونظم كما تنفس السحر‪ ،‬رسالة‬
‫تضحك عن غرر وزهر وقصيدة تنطوي على حبر ودرر‬
‫كلم كما هب نسيم السحر على صفحات الزهر‪ ،‬كتاب‬
‫مطلعه مطلع أهله العياد وموقعه موقع نيل المراد‪،‬‬
‫كتاب حسبته يطير من يدي لخفته ويلطف عن حسي‬
‫لقلته صحائف تنوب عن الصفائح وقراطيس تزف إلى‬
‫السماع عرائس القرائح صحائف ألبسها الحبر أثوابا ً‬
‫من الحبر ودبجها صوب الفكر ل صوب المطر‪.‬‬
‫"وصف المراء والشراف"‬
‫) ‪(1/219‬‬
‫‪304‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فلن من شرف العنصر لكريم ومعدن الشرف الصميم‬


‫أصل راسخ وفرع شامخ ومجد باذخ قد ركب الله دوحته‬
‫في قرارة المجد وغرس نبعته في منبت الفضل‪ ،‬والمج‬
‫السان أوصافه والشرف نسب أسلفه دوحة رسب‬
‫عرقها وبسق فرعها وطاب عودها واعتدل أوصافه‬
‫والشرف نسب أسلفه دوحة رسب عرقها وبسق‬
‫فرعها وطاب عودها واعتدل عمودها وفيأت ظللها‬
‫وتهدلت ثمارها ولفرعت أغصانها وبرد مقيلها أمير‬
‫جيشيه الهمم دوحة مجده وريفه الظل وريقة أمير ل‬
‫عيب في نداه إل أنه يستعبد كل حر هو غرة الجمال‬
‫وصورة الكمال عقد المناصب به نضيد‪ ،‬أمير عبقت من‬
‫شمائله نسمات الند وقطرت من سلسبيل أوصافه مياه‬
‫المجد جامع ما تفرق من شمل الفضائل ناظم ما انتثر‬
‫من عقد المآثر‪ ،‬أنارت به نجوم المعالي وشموسها‪ ،‬له‬
‫شرف باذخ تعقد بالنجوم ذوائبه‪ ،‬ألقت إليه الرسالة‬
‫مقاليدها وملكته طريفها وتليدها أمير تفرع من دوحة‬
‫سناء وتحدر من سللة أكابر ورقاه أسرة ومنابر مرتضع‬
‫ثدي المجد ومفترش حجر الفضل له صدر تضيق به‬
‫الدهناء وتفزع إليه الدهماء لهفي كل مكرمة غرة إل‬
‫صباح وفي كل فضيلة قادمة الجناح له صورة تستنطق‬
‫الفواه بالتسبيح ويترقرق فيها ماء الكرم وتقرأ فيها‬
‫صفيحة البشر ينابيع الجود تتفجر من أنامله وربيع‬
‫السماك يضحك من فواضله له أخلق خلقن من الفضل‬
‫وشيم تشام منها بوارق المجد أرج الزمان بفضله‪،‬‬
‫وعقم النساء عن التيان بمثله ما له للعفاة مباح وفعاله‬

‫‪305‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫في ظلمة الدهر مصباح‪ ،‬مناقب تشدخ في جبينها غرة‬
‫الصباح وتتهادى أنباءها وفود الرياح سألت عن أخباره‬
‫فكأني حركت المسك فتيقا ً أو صبحت الروض أنيقا ً هو‬
‫رائش نبلهم ونبعة فضلهم وواسطة عقدهم‪ ،‬لههمة عل‬
‫جناحها إلى عنان النجم وامتد صباحها من شرق إلى‬
‫غرب همته أبعد من مناط الفرقد وأعلى من منكب‬
‫الجوزاء موضعه من أهل الفضل موضع الواسطة من‬
‫العقد وليلية التم من الشهر بل ليلة القدر إلى مطلع‬
‫الفجر هطلت علي سحائب عنايته ورفرفت حولي‬
‫أجنحة رعايته قد استظهرت على‬
‫) ‪(1/220‬‬

‫جور اليام بعدله واستترت من دهري بظله قد غرقتني‬


‫نعمه حتى استنفدت شكر لساني ويدي‪ ،‬تتابعت نعمه‬
‫تتابع القطر على القفر وترادفت مننه ترادف اليسر‬
‫إلى ذي الفقر له أياد قد عمت الفاق وطوقت العناق‬
‫أياد قد حسبت عليه الشكر واستعبدت له الحر منن‬
‫توالت توالي القطر واتسعت سعة البر والبحر وأثقلت‬
‫كاهل الحر‪.‬‬
‫"وصف القلم"‬
‫القلم أحد اللسانين وهو المخاطب للغيوب بسرائر‬
‫القلوب على لغات مختلفة من معان معقولة بحروف‬
‫معلولة متباينات الصور مختلفات الجهات لقاحها التفكر‬
‫ونتاجها التدبير تخرس منفردات وتنطق مزدوجات بل‬
‫أصوات مسموعة ول ألسن محدودة ول حركات ظاهرة‬

‫‪306‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫خل فلم حرف باريه قطته ليتعلق المداد به وأرهف‬
‫جانبيه ليرد ما انتشر عنه إليه وشق رأسه ليحتبس‬
‫المداد عليه فهنالك استمد القلم بشقه ونثر في‬
‫القرطاس بخطه حروفا ً أحكمها التفكر وأولى السماع‬
‫بها الكلم الذي سداه العقل وألمحه اللسان ونهسته‬
‫اللهوات وقطعته السنان ولفظته الشفاه ووعته‬
‫السماع عن أنحاء شتى من صفات وأسماء‪ .‬قال‬
‫البحتري‪:‬‬
‫ن بأطراف القوافي كأنه‬
‫طعا ٌ‬

‫طعان بأطراف القنا المتكسر‬


‫"وصف الخط لبي الحسن القيرواني المتوفي سنة‬
‫‪ 488‬ه?"‬
‫سئل بعض الكتاب عن الخط متى يستحق أن يوصف‬
‫بالجودة قال‪ :‬إذا اعتدلت أقسامه وطالت ألفه ولمه‬
‫واستقامت سطوره وضاهى صعوده وحدوره وتفتحت‬
‫عيونه ولم تشتيه راؤه ونونه وأشرق قرطاسه وأظلمت‬
‫أنفاسه ولم تختلف أجناسه وأسرع إلى العيون تصوره‬
‫وإلى العقول تثمره وقدرت فصوله واندمجت أصوله‬
‫وتناسب دقيقه وجليله وخرج من نمط الوراقين وبعد‬
‫عن تصنع المحبرين وأقام لصاحبه مقام النسبة‬
‫والحلية‪.‬‬
‫"وصف الكتاب"‬
‫) ‪(1/221‬‬

‫‪307‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الكتاب نعم النيس في ساعة الوحدة ونعم المعرفة‬
‫في دار الغربة ونعم القرين والدخيل ونعم الزائر‬
‫والنزيل وعاء مليء علما ً وظرفا ً وإناء ملئ مزحا ً وجدا ً‬
‫وحبذا بستان يحمل في خرج وروض يقلب في حجر‬
‫ن( ]إبراهيم‪:‬‬ ‫حي‬
‫ِ‬ ‫ّ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي أ ُك ُل ََ‬
‫ها‬ ‫هل سمعت بشجرة‪) :‬ت ُؤ ْت ِ َ‬
‫ٍ‬
‫‪ [25‬يألوان مختلفة وطعوم متباينة هل سمعت بشجرة‬
‫ل تؤذى وزهر ل يتوى وثمر ل يفنى ومنة لك بجليس‬
‫يفيد الشيء وخلفه والجنس وضده ينطق عن الموتى‬
‫ويترجم عن الحياء إن غضبت لم يغضب وإن عربدت‬
‫لم يصخب أكتم من الرض وأنم من الريح وأهوى من‬
‫الهوى وأخدع من المنى وأمتع من الضحى وأنطق من‬
‫سحبان وائل وأعيا من باقل هل سمعت بمعلم تحل‬
‫بخلل كثيرة وجمع أوصافا ً عديدة عربي وفارسي‬
‫يوناني هندي سندي رومي إن وعظ أسمع وإن ألهى‬
‫امنع وإن أبكى أدمع وإن ضرب أوجع يفيدك ول يستفيد‬
‫منك ويزيدك ول يستزيد منك إن جد فعبرة وإن مزح‬
‫فنزهة قبر السرار ومخزن الودائع قيد العلوم وينبوع‬
‫الحكم ومعدن المكارم ومؤنس ل ينام يفيدك علم‬
‫الولين ويخبرك عن كثير من أخبار المتأخرين هل‬
‫سمعت في الولين أو بلغك أن أحدا ً من السالفين جمع‬
‫هذه الوصاف مع قلة ومؤونته وخفة محمله ل يرزؤك‬
‫شيئا ً من دنياك نعم المدخر والعدة والمشتغل والحرفة‬
‫جليس ل يطريك ورفيق ل يملك يطيعك في الليل‬
‫طاعته في النهار ويطيعك في السفر طاعته في الحضر‬
‫إن أطلت النظر إليه أطال إمتاعك وشحذ طباعك‬
‫وبسط لسانك وجود بيانك وفخم ألفاظك إن الفته خلد‬

‫‪308‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫على اليام ذكرك وإن درسته رفع في الخلق قدرك وإن‬
‫نعته نوه عندهم باسمك يقعد العبيد في مقاعد‬
‫السادات ويجلس السوقة في مجالس الملوك فأكرم‬
‫به من صاحب وأعزز به من موافق‪.‬‬
‫"وصف عاصفة لجلل الدين السيوطي المتوفى سنة‬
‫‪ 911‬ه?"‬
‫) ‪(1/222‬‬

‫أتى عارض في ليل الجمعة التاسعة من جمادى الخرة‬


‫كانت فيه ظلمات متكاثفة وبروق خاطفة ورياح عاصفة‬
‫فقويت أهويتها واشتد هبوبها فتافعت لها أعنة مطلقات‬
‫وارتفعت لها صواعق مصفعات فرجفت لها الجدران‬
‫واصطفق وتلقت على بعدها واعتنقت‪ ،‬وثار بين‬
‫السماء والرض عجاج فقيل لعل هذه على هذه أطبقت‬
‫وتحسب أن جهنم قد سال منها واد وعدا منها عاد وزاد‬
‫عصف الرياح إلى أن انطفأت مصابيح النجوم ومزق‬
‫أديم السماء ومحا ما فوقه من الرقوم ل عاصم من‬
‫الخطف للبصار ول ملجأ من الخطب إل معاقل‬
‫الستغفار وفر الناس نساء ورجال ً ونفروا دورهم خفافا ً‬
‫وثقال ل يستطيعون حيلة ول يهتدون سبيل ً فاعتصموا‬
‫بالمساجد الجامعة وأذعنوا للنازلة بأعناق خاضعة‬
‫ووجوه عانية ونفوس عن الهل والمال سالية ينظرون‬
‫من طرف خفي ويتوقون أي خطب جلي قد انقطعت‬
‫من الحياة علقهم وعميت عن النجاة طرقهم ووقعت‬
‫الفكرة فيما هم عليه قادمون وقاموا إلى صلتهم وودوا‬

‫‪309‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أن لو كانوا من الذين هم عليها دائمون إلى أن أذن الله‬
‫في الركود وأسعف الهاجدين بالهجود وأصبح كل يسلم‬
‫على رفيقه ويهنئه بسلمة طريقه ويرى أنه قد بعث بعد‬
‫النفخة وأفاق بعد الصيحة والصرخة وأن الله قد رد له‬
‫الكرة وأدبه بعد أن كاد يأخذه على غرة ووردت الخبار‬
‫بأن كسرت المراكب في البحار والشجار في القفار‬
‫وأتلف خلق كثير من السفار ومنهم من وفر فلم ينفعه‬
‫الفرار‪.‬‬
‫"وصف العلم لبديه الزمان الهمذاني المتوفي سنة‬
‫‪ 398‬ه?"‬
‫العلم شيء بعيد المرام ل يصاد بالسهام ول يقسم‬
‫بالزلم ول يرى في المنام ول يضبط باللجام ول يكتب‬
‫للثام ول يورث عن الباء والعمام‪.‬‬
‫وزرع ل يزكو إل متى صادف الحزم ثرى طيبا ً ومن‬
‫التوفيق مطرا ً صبيا ً ومن الطبع جوا صافيا ومن الجهد‬
‫روحا دائما ومن الصبر سقيا نافعًا‪.‬‬
‫وغرض ل يصاب إل بافتراش المدر واستناد الحجر ورد‬
‫الضجر وركوب الخطر وإدمان السهر واصطحاب‬
‫السفر وكثرة النظر وإعمال الفكر‪.‬‬
‫"وصف المام العادل"‬
‫) ‪(1/223‬‬

‫كتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه لما ولي‬


‫الخلفة إلى الحسن بن أبي الحسن البصري أن يكتب‬
‫إليه بصفة المام العادل فكتب إليه الحسن‪ :‬اعلم يا‬

‫‪310‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أمير المؤمنين أن الله جعل المام العادل قوام كل‬
‫مائل وقصد كل جائر وصلح كل فاسد وقوة كل ضعيف‬
‫ونصفة كل مظلوم ومفزع كل ملهوف والمام العادل يا‬
‫أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله الرفيق الذي‬
‫يرتاد له أطيب المرعى يذودها عن مراتع المهلكة‬
‫ويحميها من السباع ويكنفها من أذى الحر والقر‪،‬‬
‫والمام العدل يا أمير المؤمنين كالب الحاني على ولده‬
‫يسعى لهم صغارا ً ويعلمهم كبارا ً يكتسب لهم في حياته‬
‫ويدخر لهم بعد مماته‪ ،‬والمام العدل يا أمير المؤمنين‬
‫كالم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها حملته كرها‬
‫ووضعته كرها وربته طفل ً تسهر بسهره وتسكن‬
‫بسكونه ترضعه تارة وتفطمه أخرى وتفرح بعافيته‬
‫وتغتم بشاكيته والمام العدل يا أمير المؤمنين وصي‬
‫اليتامى وخازن المساكين يربي صغيرهم ويمون‬
‫كبيرهم‪ ،‬والمام العدل يا أمير المؤمنين كالقلب بين‬
‫الجوانح تصلح الجوانح بصلحه وتفسد بفساده‪ ،‬والمام‬
‫العدل يا أمير المؤمنين هو القائم بين الله وبين عباده‬
‫يسمع كلم الله ويسمعهم وينظر إلى الله ويريهم‬
‫وينقاد إلى الله ويقودهم فل تكن يا أمير المؤمنين فيما‬
‫ملكك الله كعبد إئتمنه الله سيده واستحفظه ماله‬
‫وعياله فبدد المال وشرد العيال فأفقر أهله وفرق ماله‬
‫واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها‬
‫عن الخبائث والفواحش فكيف إذا أتاها من يليها وأن‬
‫الله أنزل القصاص حياة لعباده فكيف إذا قتلهم من‬
‫يقتص منهم‪ .‬واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده‬
‫وقلة أشياعك عنده وأنصارك عليه فتزود له ولما بعده‬

‫‪311‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من الفرع الكبر واعلم يا أمير المؤمنين أن لك منزل ً‬
‫غير منزلك الذي أنت فيه يطول فيه ثواؤك ويفارقك‬
‫أحباؤك يسلمونك في قعره فريدا ً وحيدا ً فتزود له ما‬
‫ُ‬ ‫ن أَ ِ‬
‫ه‬
‫م ِ‬
‫خيهِ }‪ {34‬وَأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فّر ال ْ َ‬
‫مْرُء ِ‬ ‫م يَ ِ‬
‫يصحبك )ي َوْ َ‬
‫) ‪(1/224‬‬

‫ه( ]عبس‪ [36 34 :‬واذكر يا‬ ‫َ‬


‫ه وَب َِني ِ‬
‫حب َت ِ ُ‬
‫صا ِ‬
‫وَأِبيهِ }‪ {35‬وَ َ‬
‫ما‬
‫ل َ‬‫ص َ‬ ‫ما ِفي ال ُْقُبورِ }‪ {9‬وَ ُ‬
‫ح ّ‬ ‫أمير المؤمنين )إ َِذا ب ُعْث َِر َ‬
‫دوِر( ]العاديات‪ [10 9 :‬فالسرار ظاهرة‪،‬‬ ‫ص ُ‬‫ِفي ال ّ‬
‫َ‬
‫ها( ]الكهف‪:‬‬ ‫صا َ‬ ‫صِغيَرة ً وَل َ ك َِبيَرة ً إ ِل ّ أ ْ‬
‫ح َ‬ ‫ب ل َ ي َُغاد ُِر َ‬ ‫و)ال ْك َِتا ِ‬
‫‪ ،[49‬فالن يا أمير المؤمنين وأنت في مهل قبل حلول‬
‫الجل وانقطاع المل‪ ،‬ل تحكم يا أمير المؤمنين عباد‬
‫الله بحكم الجاهلين ول تسلك بهم سبيل الظالمين ول‬
‫تسلط المستكبرين على المستضعفين فإنهم ل يرقبون‬
‫في مؤمن إل ول ذمة فتبوء بأوزارك وتحمل أثقالك‬
‫وأثقال ً مع أثقالك ول يغرنك الذين يتنعمون بما فيه‬
‫بؤسك ويأكلون الطيبات في دنياهم بإذهاب طيباتك في‬
‫آخرتك‪ ،‬ل تنظر إلى قدرتك اليوم ولكن انظر إلى‬
‫قدرتك غدا ً وأنت مأسور في حبائل الموت وموقوف‬
‫بين يدي الله في مجمع من الملئكة والنبيين‬
‫والمرسلين‪ ،‬وقد عنت الوجوه للحي القيوم إني يا أمير‬
‫المؤمنين وإن لم أبلغ بعظتي ما بلغه أولوا النهي من‬
‫قبلي فلم آلك شفقة ونصحا فانزل كتابي إليك كمداوي‬
‫حبيبه يسقيه الدوية الكريهة لما يرجوا له في ذلك من‬
‫العافية والصحة والسلم عليك يا أمير المؤمنين ورحمة‬

‫‪312‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الله وبركاته‪.‬‬
‫"وصف عمر بن العاص مصر لسيدنا أمير المؤمنين‬
‫عمر بن الخطاب"‬
‫) ‪(1/225‬‬

‫مصر تربة غبراء وشجرة خضراء طولها شهر وعرضها‬


‫عشر يخط وسطها نهر ميمون الغدوات مبارك‬
‫الروحات يجري بالزيادة والنقصان كجري الشمس‬
‫والقمر له أوان تظهر به عيون الرض وينابيعها حتى إذا‬
‫اصطلح عجاجه وتعظمت أمواجه لم يكن وصول أهل‬
‫القرى إلى بعض إل في خفاف القوارب وصغار‬
‫المراكب فإذا تكاملت زيادته نكص على عقبيه كأول ما‬
‫بدأ في شدته وطما في حدته فعند ذلك يخرج القوم‬
‫ليحرثوا بطون أوديته وروابيه فيبذرون الحب ويرجون‬
‫الثمار من الرب حتى إذا أشرق وأشرف سقاه من‬
‫فوقه الندى وغذاه من تحته الثرى فعند ذلك يدور حلبه‬
‫ويغنى ذبابه فبينما هي يا أمير المؤمنين درة بيضاء إذ‬
‫هي عنبرة سوداء فإذا هي زبرجدة خضراء فتبارك الله‬
‫الفعال لما يشاء‪.‬‬

‫"وصف حرب لبي منصور الثعالبي النيسابوري المتوفي‬


‫سنة ‪ 429‬ه?"‬
‫عندما دارت رحى الحرب صمتت اللسنة ونطقت‬
‫السنة وخطبت السيوف على منابر الرقاب وأقدمت‬
‫الرماح على الخطط الصعاب وتلصقت القنا والقنابل‬

‫‪313‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وتعانقت الصوارم والمناصل وبلغت القلوب الحناجر‬
‫وأدركت السيوف المناحر وضاق المجال وتحكمت‬
‫الجال فل ترى إل رؤوسا ً تندر ودماء تهدر وأعضاء‬
‫تتطاير وتتناثر وأجساما ً تتزايل وتتمايل حتى ثملت‬
‫الرماح من الدماء فتعثرت في النحور وتكسرت في‬
‫الصدور فرجموا العداء من جوانبهم وتمكنوا من فض‬
‫مواكبهم‪.‬‬
‫"وصف أبو الفضل الميكالي المتوفى سنة ‪ 436‬ه?‬
‫المطر شعرًا"‬
‫) ‪(1/226‬‬

‫مع مقدمة لعمر بن علي المتطوعي في وصف ذلك‬


‫المطر نثرًا‪.‬‬
‫حكى عمر بن على المتطوعي قال‪ :‬رأى المير السيد‬
‫أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد أدام الله عزه أيام‬
‫مقامه بجوين أن يطالع قرية من قربى ضياعه تدعى‬
‫نجاب على سبيل التنزه والتفرج فكنت في جملة من‬
‫استصحبه إليها من أصحابه واتفق أن وصلنا والسماء‬
‫مصيحة والجو صاف لم يطرز ثوبه بعلم الغمام والفق‬
‫فيروزج لم يعبق به كافور السحاب فوقع الختيار على‬
‫ظل شجرة باسقة الفروع متسعة الوراق والغصون قد‬
‫سترت ما حواليها من الرض طول ً وعرضا ً فنزلنا تحتها‬
‫مستظلين بسماوة أفنانها مستترين من وهج الشمس‬
‫بستارة أغضانها وأخذنا نتجاذب أذيال المذاكرة‬
‫ونتسالب أهداب المناشدة والمحاورة فما شعرنا‬

‫‪314‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بالسماء إل وقد أرعدت وأبرقت وأظلمت بعدما‬
‫أشرقت ثم جادت لمطر كأفواه القرب فأجادت وحكت‬
‫أنامل الجواد بل أوفت عليها وزادت حتى كاد غيثها‬
‫يعود عيثا ً وهم وبلها أن يستحيل ويل ً فصبرنا على أذاها‬
‫وقلنا‪" :‬سحابة صيف عن قليل تقشع" فإذا نحن بها قد‬
‫أمطرتنا بردا ً كالثغور لكنها من ثغور العذاب ل من ثغور‬
‫العذاب فأيقنا بالبلء وسلمنا لسباب القضاء فما فرت‬
‫ساعة من النهار حتى سمعنا خرير النهار ورأينا السيل‬
‫قد بلغ الزبى والماء قد غمر القيعان والربا فبادرنا إلى‬
‫حصن القرية لئذين من السيل بأفنيتها وعائذين من‬
‫القطر بأبنيتها وأثوابنا قد صندل كافورها ماء الوبل‬
‫وغلف طرازها طين الوحل ونحن نحمد الله تعالى على‬
‫سلمة البدان وإن فقدنا بياض الكمام والردان‬
‫ونشكره على سلمة النفس والرواح شكر التاجر على‬
‫بقاء رأس المال إذا فجع بالرباح فبتنا تلك الليلة تحت‬
‫سماء تكف ول تكف وتبكي علينا إلى الصباح بأمع خوام‬
‫وأربع سجام فلما سل سيف الصبح من غمد الظلم‬
‫وصرف بوالي الصحو عامل الغمام رأينا صواب الرأي‬
‫أن نوسع القامة بها رفضا ً ونتخذ الرتحال عنها فرضا ً‬
‫فما زلنا نطوي الصحارى أرضا ً فأرضا ً إلى أن وافينا‬
‫المستقر‬
‫) ‪(1/227‬‬

‫ركضا ً فلما نفضا غبار ذلك المسير الذي جعلنا في ربقة‬


‫السير وأفضينا إلى ساحة التيسير بعدما أصبنا بالمر‬

‫‪315‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫العسير وتذاكرنا ما لقينا من التعب والمشقة في قطع‬
‫ذلك الطريق وطي لك المشقة أخذ المير السيد طال‬
‫الله بقاءه القلم فعلق هذه البيات ارتجا ً‬
‫ل‪:‬‬
‫سحاب‬‫سماء غداة ال ّ‬
‫دهنتا ال ّ‬

‫ث على أفقهِ مسِبل‬


‫بغي ٍ‬

‫ة‬
‫فجاَء برعد له رن ٌ‬

‫ل‬
‫كرنةِ ثكلى ولم تثك ِ‬

‫وثّنى بوبل عدا طورهُ‬

‫فعاد َ وبال ً على الممح ِ‬


‫ل‬

‫ف أصحابنا من أذاهُ‬
‫وأشر َ‬

‫ل‬
‫ل معض ِ‬
‫على خطرٍ هائ ٍ‬

‫فمن لئذ ٍ بفناِء الجداِر‬

‫ل‬
‫وآو إلى نفق مهم ِ‬

‫ق‬
‫ن مستجيرٍ ينادي الغري َ‬
‫وم ْ‬

‫ل‬
‫ن صارخ معو ِ‬ ‫هنا َ‬
‫ك وم ْ‬

‫‪316‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ف‬
‫ت علينا سماُء السقو ِ‬
‫وجاد ْ‬

‫ل‬
‫بدمٍع من الوجد ِ لم يهم ِ‬

‫ن حراما ً لها أن يرى‬


‫كأ ّ‬

‫ل‬
‫م يبل ِ‬
‫ضل ْ‬ ‫ً‬
‫يبيسا من الر ِ‬
‫ة‬
‫ه روع ٌ‬ ‫ل سي ٌ‬
‫لل ُ‬ ‫وأقب َ‬

‫ل‬
‫ن المقب ِ‬
‫فأدبَر كل ع ِ‬

‫ة‬
‫يقلعُ ما شاَء من دوح ٍ‬

‫ل‬
‫وما يلقَ من صخرةٍ يحم ِ‬
‫ن عامرٍ رده ُ غامرا ً‬
‫فم ْ‬

‫ل‬
‫ومن معلم ٍ عاد َ كالمجه ِ‬

‫ه رّبنا‬
‫كفانا بليت ُ‬

‫ل‬
‫ب الشكر للمفض ِ‬
‫فقد وج َ‬

‫فق ْ‬
‫ل للسماء ارعدي وابرقي‬

‫‪317‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ل‬
‫فإنا رجعنا إلى المنز ِ‬

‫"ووصف ابن حبيب الحلبي المتوفى سنة ‪ 779‬ه?‬


‫حديقة"‬
‫لما صدأت مرآة الجنان قصدت لجلئها بعض الجنان‬
‫فدخلت إليها وما كدت أن أقدم عليها فإذا هي جنة‬
‫عالية قطوفها دانية وطلحها منضود وظلها ممدود‬
‫وأعلم أشجارها مرفوعة وفاكهتها كثيرة ل مقطوعة ل‬
‫مقطوعة ول ممنوعة تجوس المياه خلل ديارها وتشرق‬
‫بآفاقها أنوار نوارها نزهة النواظر وشرك الخواطر بها‬
‫أشجار ل يحصى وثمار ل تعد ول تستقصى‪.‬‬
‫"وصف أمير المؤمنين ابن المعتز المتوفى سنة ‪296‬‬
‫ه? البيان"‬
‫) ‪(1/228‬‬

‫البيان ترجمان القلوب وصقيل العقول ومجلي الشبهة‬


‫وموجب الحجة والحاكم عند اختصام الظنون والمفرق‬
‫بين الشك واليقين وخير البيان ما كان مصرحا ً عن‬
‫المعنى ليسرع إلى الفهم تلقيه أو موجزا ً ليخف على‬
‫اللفظ تعاطيه‪.‬‬
‫"ووصف أيضا ً المكارم"‬
‫لن تكسب لعزك الله المحامد وتستوجب الشرف إل‬
‫بالحمل على النفس والحال‪ ،‬والنهوض بحمل الثقال‬
‫وبذل الجاه والمال ولو كانت المكارم تنال بغير مؤونة‬
‫لشترك فيها السفل والحرار وتساهمها الوضعاء من‬

‫‪318‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ذوي الخطار ولكن الله تعالى خص الكرماء الذين‬
‫جعلهم أهلها فخفف عليهم حملها وسوغهم فضلها‬
‫وحظرها على السفلة لصفر أقدارهم عنها وبعد‬
‫طباعهم منها ونفورها عنهم واقشعرارها منهم‪.‬‬

‫"ووصف أيضا ً القرآن الكريم"‬


‫فضل القرآن على سائر الكلم معروف غير مجهول‬
‫وظاهر غير خفي يشهد بذلك عجز المتعاطين ووهن‬
‫المتكلفين وهو المبلغ الذي ل يمل والجديد الذي ل‬
‫يخلق والحق الصادع والنور الساطع والماحي لظلم‬
‫الضلل ولسان الصدق النافي للكذب ومفتاح الخير‬
‫ودليل الجنة‪ :‬إن أوجز كان كافيا ً وإن أكثر كان مذكرا ً‬
‫وإن أمر فناصحا ً وإن حكم فعادل ً وإن أخبر سراج‬
‫تستضيء به القلوب وبحر العلوم وديوان الحكم وجوهر‬
‫الكلم‪.‬‬
‫"ووصف ابن الرومي المتوفى سنة ‪ 282‬ه? جيوشًا"‬
‫وسار فلن في جيوش‪ ،‬عليهم أردية السيوف وأقمصة‬
‫الحديد وكأن رماحهم قرون الوعول وكان أدراعهم زبد‬
‫السيول على خيل تأكل الرض بحوافرها وتمد بالنفع‬
‫سرادقها قد نشرت في وجوهها غرر كأنها صحائف‬
‫الرق وأمسكها تحجيل كأنه أسورة اللجين وقرطت‬
‫عذرا كأنها الشنوف تتلقف العداء أوائلها ولم تنهض‬
‫أواخرها قد صب عليهم وقار الصبر وهبت معهم ريح‬
‫النصر‪.‬‬
‫"ووصف الحسد الجاحظ المتوفى سنة ‪ 255‬ه?"‬
‫) ‪(1/229‬‬
‫‪319‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫الحسد أبقاك الله داء ينهك الجسد علجه عسير‬


‫وصاحبه ضجر وهو باب غامض وما ظهر منه فل يداوى‬
‫وما بطن منه بمداويه في عناء ولذلك قال النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪" :‬دب إليكم داء المم من قبلكم‬
‫الحسد والبغضاء"‪.‬‬
‫الحسد عقيد الكفر وحليف الباطل وضد الحق‪ ،‬منه‬
‫تتولد العداوة وهو سبب كل قطيعة ومفرق كل جماعة‬
‫وقاطع كل رحم من القرباء ومحدث التفرق بين‬
‫القرناء وملقح الشر بين الحلفاء‪.‬‬
‫ووصف أيضا ً أفضل الكلم‪ ،‬وقال‪ :‬أفضل الكلم ما كان‬
‫قليله يغنيك عن كثيره ومعناه ظاهرا ً في لفظه وكان‬
‫الله قد ألبسه من ثياب الجللة وغشاه من نور الحكمة‬
‫على حسب نية صاحبة وتقوى قائله فإذا كان المعنى‬
‫شريفا ً واللفظ بليغا ً صحيح الطبع بعيدا ً من الستكراه‬
‫منزها ً عن الختلل مصونا ً عن التكلف صنع في القلوب‬
‫صنيع الغيث في التربة الكريمة ومتى فصلت الكلمة‬
‫على هذه الشريطة ونفذت من قائلها على هذه الصفة‬
‫كساها الله من التوفيق ومنحها من التأييد ما ل يمتنع‬
‫من تعظيمها به صدور الجبابرة ول يذهل عن فهمها معه‬
‫عقول الجهلة‪.‬‬
‫"وصف الشعراء المحدثين"‬
‫) ‪(1/230‬‬

‫قال ابن دريد سألت أبا حاتم عن أبي نواس إن جد‬


‫أحسن وغن هزل ظرف وإن وصف بالغ يلقي الكلم‬

‫‪320‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫على عواهنه ل يبالي من أين أخذه قلت فبشار بن برد‬
‫قال نظار غواص مطيل مجيد يصف ما لم ير كأنه رآه‬
‫على أن في شعره خلل ً كثيرًا‪ ،‬قلت فمروان بن أبي‬
‫حفصة قال شاعر راض عن نفسه يستحسن كلما جاء‬
‫منه معجب ل يرى أن أحدا ً يتقدمه كثير الصواب كثير‬
‫الخطأ ليس لشعره صنعة‪ ،‬قلت فمسلم بن الوليد قال‬
‫خليج صاف ينزع من بحر كدر كالزند يوري تارة ويصلد‬
‫أخرى‪ ،‬قلت فأبو العتاهية‪ ،‬قال غثاء جم واقتدار سهل‬
‫وشعر كخرز الزجاج وربما أشبه الياقوت والزبرجد‪،‬‬
‫قلت فعباس بن الحنف قال يلقي دلوه في الدلء‬
‫فيغترف الصفو أحيانا ً والحماة أحيانا ً على أن كدره أكثر‬
‫من صفوه‪ ،‬قلت فمسلم الخاسر‪ ،‬قال مقل مداح‬
‫شعره ديباج وعهن يموه الرديء حتى يشبه الجيد‪ ،‬قلت‬
‫فأبو الشيص قال جده كله فيه حلوة وبشاعة كالسدرة‬
‫التي نفضت ففيها المستعذب والمستبشع قلت فعلي‬
‫بن جبلة قال بحاث عن الكلم الفخم والمعنى الرائع ل‬
‫ينال مرتبة القدماء ويجل عن منزلة النظراء‪ ،‬قلت فأبو‬
‫تمام قال سيل كثير الغثاء غزير الغمار جم النطاف فإذا‬
‫صفا فهو السلف بالماء الزلل‪ ،‬قلت فعبد الصمد بن‬
‫المعذل قال خراج ولج يعتسف تارة ويهتدي أخرى‪،‬‬
‫قلت فعلي بن الجهم‪ ،‬قال كلم رصين ومسلك وعر‬
‫عقله أغلب على شعره من طبعه قلت فبكر بن النطاح‬
‫قال تشبه بالعراب فأفرط وتجاوز حد المولدين‬
‫فأسهب فهو الساقط بين القريتين‪.‬‬
‫"ووصف ابن الثير المتوفى سنة ‪ 759‬ه? أبا تمام‬
‫والبحتري والمتنبي"‬

‫‪321‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/231‬‬

‫قال لقد وقفت من الشعر في كل ديوان ومجموع‬


‫وأنفذت شطرا ً من العمر في المحفوظ منه والمسموع‬
‫فألفيته بحرا ً ل يوقف على ساحله وكيف يحصى قول‬
‫لم تحص أسماء قائليه فعند ذلك اقتصرت منه على ما‬
‫تكثر فوائده وتتشعب مقاصده ولم أكن ممن أخذ‬
‫بالتقليد والتسليم في اتباع من قصر نظره على الشعر‬
‫القديم إذ المراد من الشعر إنما هو إيداع المعنى‬
‫الشريف في اللفظ الجزل اللطيف فمتى وجدت ذلك‬
‫فكل مكان خيمت فهو بابل وقد اكتفيت من هذا بشعر‬
‫أبي تمام والبحتري والمتنبي وهؤلء الثلثة هم )لت‬
‫الشعر وعزاه ومناته( الذين ظهرت على أيديهم حسناته‬
‫ومستحسناته وقد حوت أشعارهم غرابة المحدثين‬
‫وفصاحة القدماء وجمعت بين المثال السائرة وحكمة‬
‫الحكماء‪ :‬أما أبو تمام فإنه رب معان وصيقل أذهان وقد‬
‫شهد له بكل معنى مبتكر لم يمش فيه على أثر فهو‬
‫مدافع عن مقام الغراب الذي برز فيه على الضراب‬
‫ولقد مارست من الشعر كل أول وأخير ولم أقل ما‬
‫أقوله إل بعد التنقير فمن حفظ شعر الرجل وكشف‬
‫عن غامضه وراض فكره برائضه أطاعته أعنه الكلم‬
‫وكان قوله في البلغة ما قالت فخذ مني في ذلك قول‬
‫م( ]يوسف‪[76 :‬‬ ‫عل ْم ٍ ع َِلي ٌ‬ ‫حكيم وتعلم )وَفَوْقَ ك ُ ّ‬
‫ل ِذي ِ‬
‫وأما البحتري فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى‬
‫ولقد حاز طرفي الرقة والجزالة على الطلق فبينا‬
‫يكون في شظف نجد إذ يتشبث بريف العرق‪ :‬وسئل‬

‫‪322‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫المتنبي عنه وعن أبي تمام وعن نفسه فقال أنا وأبو‬
‫تمام حكيمان والشاعر البحتري ولعمري أنه أنصف في‬
‫حكمه وأعرب بقوله هذا عن متانة علمه فإن البحتري‬
‫أتى في شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء‬
‫في اللفظ المصوغ من سلسة الماء فأدرك بذلك بعد‬
‫المرام مع قربه إلى الفهام وما أقول إل أنه أتى في‬
‫معانيه بالنوادر الغالية ورقي في ديباجة لفظه إلى‬
‫الدرجة العالية وأما المتنبي فإنه أراد أن يسلك مسلك‬
‫أبي تمام فقصرت عنه خطاه ولم يعطه الشعر من‬
‫قياده ما أعطاه ولكنه حظى في شعره بالحكم والمثال‬
‫واختص‬
‫) ‪(1/232‬‬

‫بالبداع في وصف مواقف القتال وأنا أقول قل ً لست‬


‫فيه متأثما ً ول منه متلثما ً وذاك انه إذا خاض في وصف‬
‫معركة كان لسانه أمضى من أقول قول ً لست فيه‬
‫متأثما ً ول منه متلثما ً وذاك أنه إذا خاض في وصف‬
‫معركة كان لسانه أمضى من نصالها وأشجع من‬
‫أبطالها وقامت أقواله للسامع مقام أفعالها حتى يظن‬
‫أن الفريقين قد تقابل والسلحين قد تواصل فطريقه‬
‫في ذلك تضل بسالكه وتقوم بعذر تاركه ول شك أنه‬
‫كان يشهد الحروب مع سيف الدولة فيصف لسانه ما‬
‫أداه إليه عيانه ومع هذا فإني رأيت الناس عادلين عن‬
‫سنن التوسط فإما مفرط في وصفه وإما مفرط على‬
‫أنه كان إذا انفرد بطريق صار عذره‪ ،‬ولقد صدق في‬

‫‪323‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قوله من أبيات يمدح بها سيف الدولة‪:‬‬
‫ن كريما ً بعد رؤيته‬
‫ل تطلب ّ‬

‫إن الكرام بأسخاهم يدا ً ختموا‬

‫ول تبال بشعر بعد شاعره‬

‫مم‬
‫قد أفسد القول حتى احمد الص ّ‬
‫"ووصف المفضل الضبي المتوفى سنة ‪ 430‬ه? مروره‬
‫ببعض أحياء العرب"‬
‫) ‪(1/233‬‬

‫روى المفضل الضبي قال نزل علينا بنو ثعلبة في بعض‬


‫السنين وكنت مشغوفا ً بسماع أخبار العرب وجمعها‬
‫فأخذت أجول بين خيامهم وأتحسس من أحوالهم وإذا‬
‫أنا بامرأة واقفة في فناء خبائها آخذة بيد غلم قلما‬
‫رأيت مثله في حسنه وجماله وهي تعاتبه بلسان رطب‬
‫وكلم عذب يسترق السمع ويترشفه القلب فكان أكثر‬
‫ما أسمعه منها )بني وأي بني( وهو يبتسم في وجهها‬
‫وقد غلب عليه الحياء والخجل كأنه من ربات الحجال‬
‫فل يحير جوابا ً ول يبدي خطابا ً فاستحسنت ما رأيت‬
‫واستحليت ما سمعت فدنوت فسلمت فرد علي السلم‬
‫ووقفت أنظر إلى المرأة والغلم فقلت لي يا حضري‬
‫ما حاجتك قلت الستكثار ما أسمع والستمتاع بما أرى‬
‫فابتسمت وقالت يا هذا إن شئت سقت إليك ما هو‬

‫‪324‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أحسن مما رأيت فقلت هاتي حفظك الله قالت ولد هذا‬
‫الغلم فكان ثالث أبويه فربي بيننا كأنه شبل وكنت أقيه‬
‫برد الشتاء وحر الهجير حتى إذا ما تمت له خمس‬
‫سنين أسلمته إلى المؤدب فحفظه القرآن فتله وعلمه‬
‫الشعر فرواه ورغب في مفاخر قومه وطلب سنين‬
‫أسلمته إلى المؤدب فحفظه القرآن فتله وعلمه‬
‫الشعر فرواه ورغب في مفاخر قومه وطلب مآثر آبائه‬
‫وأجداده فلما أن اشتد عظمه وكمل خلقه حملته على‬
‫عتاق الخيل فتفرس وتمرس ولبس السلح ومشي‬
‫الخيلء بين بيوتات الحي وأصغي إلى أصوات ذوي‬
‫الحاجات فأخذ في قرى الضيف وإطعام الطعام وأنا‬
‫عليه وجله أحرسه من العيون أن تصيبه ومن اللسن‬
‫أن تعيبه إلى أن نزلنا في بعض اليام منهل ً من المناهل‬
‫بين أحياء العرب فخرج فتيان الحي في طلب ثأر لهم‬
‫وشاء الله تعالى أن أصابت الغلم وعكة شغلته عن‬
‫الخروج حتى إذا أمعن القوم ولم يبق في الحي غيره‬
‫ونحن آمنون وادعون فوربك ما هو إل أن أدبر الليل‬
‫وأقبل الصبح حتى طلعت علينا طلئع العدو وغرر الجياد‬
‫ثوارا ً ل زوارا ً فما كان إل هنيهة حتى أحرزوا الموال‬
‫وهو يسألني ما الخبر وأنا أستره عنه إشفاقا ً عليه وضنا ً‬
‫به حتى إذا علت الصوات وبرزت المخدرات رمى‬
‫دثاره‬
‫) ‪(1/234‬‬

‫‪325‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وثار كما يثور الضرغام إذا أغضب فأمر بإسراج فرسه‬
‫ولبس درع حربه وأخذ رمحه بيده وركب حتى لحق‬
‫حماة القوم وأنا أنظر إليه فطعن أدناهم منه فرمى به‬
‫ولحق أبعدهم فقلته فانصرفت إليه وجوه الفرسان‬
‫فرآه غلما ً صغيرا ً ل مدد وراءه فحملوا عليه فأسرع‬
‫يؤم البيوت حتى إذا خلفهم وراءه وامتدوا في أثره‬
‫عطف عليهم ففرق شملهم وشتت جمعهم وقلل‬
‫كثرتهم ومزقهم كل ممزق ومرق كما يمرق السهم من‬
‫الرمية وناداهم خلوا عن المال فوالله ل رجعت إل به أو‬
‫لهلكن دونه فتداعت إليه القران وتمايلت نحوه‬
‫الفرسان وتميزت له الفتيان وحملوا عليه وقد رفعوا‬
‫إليه السنة ومالوا عليه بالعنة فوثب عليهم وهو يزأر‬
‫كالسد وجعل ل يحمل على ناحية غل حطمها ول كتيبة‬
‫إل هزمها حتى لم يبق من القوم إل من نجا به فرسه‬
‫ففاز بالموال وأقبل بها فكبر القوم عند رؤيته وفرحوا‬
‫فرحا ً عظيما ً بسلمته فوالله ما رأينا قط يوما ً كان‬
‫أسمح صباحا ً وأحسن رواحا ً من ذلك اليوم ولقد سمعته‬
‫ينشد في وجوه فتيات الحي هذه البيات‪:‬‬
‫ن مثله‬
‫ن فعلي هل رأيت ّ‬‫مل َ‬‫تأ ّ‬

‫ب‬
‫ي عن الكر ِ‬
‫إذا حشرجت نفس الكم ّ‬

‫ت عليه الرض حتى كأنه‬


‫وضاق ْ‬

‫ب‬
‫من الخوف مسلوب العزيمة والقل ِ‬

‫‪326‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ط كل ّ حّقه ونصيبه‬
‫ألم أع ِ‬

‫سمهري الّلدن والصارم العضب‬


‫من ال ّ‬

‫أنا ابن أبي هند بن قيس بن خالد‬

‫سيب‬
‫سليل المعالي والمكارم وال ّ‬

‫ف‬
‫ة مره ٌ‬
‫أبي لي أن أعطي الظلم ُ‬

‫ف قوي الظهر والجوف والجنب‬


‫وطر ٌ‬

‫م صحيح لو ضربت بحده‬


‫وعز ٌ‬

‫شماريخ رضوى ل نحططن إلى الّترب‬


‫ي أتقى أن أعيبه‬
‫ض نق ّ‬
‫وعو ٌ‬

‫وبيت شريف في ذرى ثعلب الغلب‬

‫فإن لم أقاتل دونكن واحتمي‬

‫ضرب‬ ‫ن بال ّ‬
‫طعن وال ّ‬ ‫ن وأحميك ّ‬
‫لك ّ‬

‫وأبذل نفسا ً دونك ّ‬


‫ن عزيزةً‬

‫ي لطراف القنا وظبي القضب‬


‫عل ّ‬

‫‪327‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فلم تصدق اللتي مشين إلى أبي‬

‫يهّنئنه بالفارس البطل الّندب‬


‫) ‪(1/235‬‬

‫"وصف نهج البلغة للمام المرحوم الشيخ محمد عبده‬


‫المتوفى ستة ‪ 1322‬ه?"‬
‫أوفى لي حكم القدر بالطلع على كتاب )نهج البلغة(‬
‫صدفة بل تعمل أصبته على تغير حال وتبلبل بال‬
‫وتزاحم أشغال وعطلة من أعمال فحسبته تسلية وحيلة‬
‫للتخلية فتصفحت بعض صفحاته وتأملت جمل ً من‬
‫عباراته من مواضع مختلفات ومواضيع متفرقات‪ ،‬وكان‬
‫يخيل لي في كل مقام أن حروبا ً شبت‪ ،‬وغارات شنت‬
‫وإن للبلغة دولة‪ ،‬وللفصاحة صولة‪ ،‬وإن للوهام عرامة‬
‫وللريب دعارة‪ ،‬وإن جحافل الخطابة وكتائب الذرابة‬
‫في عقود النظام وصفوف النتظام‪ ،‬تنافح بالصفيح‬
‫البلج والقويم الملج وتمتلج المهج بروائع الحجج‪ ،‬وتفل‬
‫دعارة الوساوس‪ ،‬وتصيب مقاتل الخوانس فما أنا إل‬
‫والحق منتصر‪ ،‬والباطل منكسر‪ ،‬ومرج الشك في خمود‬
‫وهرج الريب في ركود‪ ،‬وغن مدبر تلك الدولة‪ ،‬وباسل‬
‫تلك الصولة‪ ،‬هو حامل لوائها الغالب‪ ،‬أمير المؤمنين‬
‫علي بن أبي طالب‪ ،‬بل كنت كلما انتقلت من موضع‬
‫س بتغير المشاهد‪ ،‬وتحول المعاهد‪ ،‬فتارة‬‫إلى موضع أح ّ‬
‫كنت أجدني في عالم يعمره من المعاني أرواح عالية‪،‬‬

‫‪328‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫في حلل من العبارات الزاهية‪ ،‬تطوف على النفوس‬
‫الزاكية‪ ،‬وتدنو من القلوب الصافية‪.‬‬
‫توحى إليها رشادها وتقوم منها منآدها‪ ،‬وتنفر بها عن‬
‫مداحض المزال‪ ،‬إلى جواد الفضل والكمال‪ ،‬وطورا ً‬
‫كانت تتكشف لي الجمل عن وجوده باسرة‪ ،‬وأنياب‬
‫كاشرة وأرواح في أشباح النمور‪ ،،‬ومخالب النسور‪،‬‬
‫وقد تحفزت للوثاب ثم انقضت للختلب‪ ،‬فجبلت‬
‫القلوب عن هواها‪ ،‬وأخذت الخواطر دون مرماها‪،‬‬
‫واغتالت فاسد الهواء‪ ،‬وباطل الراء‪ ،‬وأحيانا ً كنت أشهد‬
‫أن عقل ً نورانيا ً ل يشبه خلقا ً جسدانيًا‪ ،‬فصل عن‬
‫الموكب اللهي‪ ،‬واتصل بالروح النساني‪ ،‬فخلعه عن‬
‫غاشيات الطبيعة وسما به إلى الملكوت العلى ونما به‬
‫إلى مشهد النور الجلي‪،‬وسكن به إلى عمار جانب‬
‫التقديس بعد استخلصه من شوائب التلبيس‪ ،‬وآنات‬
‫كأني أسمع خطيب الحكمة ينادي بأعلياء الكلمة وأولياء‬
‫أمر المة‪ ،‬يعرفهم مواقع الصواب ويبصرهم‬
‫) ‪(1/236‬‬

‫مواضع ارتياب ويحذرهم مزالق الضطراب ويرشدهم‬


‫إلى دقائق السياسة ويهديهم طريق الكياسة‪ ،‬ويرتفع‬
‫بهم إلى منصات الرياسة ويصعدهم شرف التدبير‬
‫ويشرف بهم على حسن المصير‪.‬‬
‫"وصف حفلة لمحمد بك المويلحي"‬
‫لو كان لليالي لسان ينطق بالفخار وجنان يجري بنظم‬
‫الشعار لنشدت ليلة الحفلة )الخديوية( قصيدة تسجل‬

‫‪329‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لها في ديوان العصور والدهور ما لم تبلغه ليلة قبلها‬
‫في تكامل الفرح والسرور ولو كان الدهر يفصح لنا‬
‫يوما ً عن انشراحه وابتهاجه لنبأنا بأنه ادخرها غرة‬
‫لجبينه ودرة لتاجه ل زالت أيام الجناب العالي ولياليه‬
‫مشرقة بالسعد والهناء متألقة تألق البدور في أفق‬
‫السماء‪.‬‬
‫"وصف أيضا ً متحفا ً من مقامة له"‬
‫قال عيسى بن هشام زايلنا الهرام وخليناها تندب من‬
‫شادها وتنعي من بناها وملنا إلى دار التحف ومستودع‬
‫الثار لمشاهدة ما حفظته لنا من صنوف الطرف‬
‫وعيون الخبار وما أخرجته اليام من عالم الخفاء إلى‬
‫عالم الظهور بعد أم كان سرا ً مكتوبا ً في خواطر‬
‫العصور والدهور وما صانته بطون القبور من الفناء‬
‫والدثور وحمته أحشاء الرموس من العفاء والدروس‬
‫وما أخبته أرحام المعابد والهياكل من بقايا الماضين‬
‫وخبايا الوائل وما انكشفت عنه سجوف الحقاب وديعة‬
‫السلف للعقاب من مكنون الدفائن ومكنوز الخزائن‬
‫وعجائب الفن الدقيق وبدائع البدع النيق وغرائب‬
‫الصنع العتيق بليت في أصطحابها بطون اليام والليالي‬
‫وانحنت في احتضانها ظهور العصور الخوالي وانقلبت‬
‫البحار وهادا وأصبحت الوهاد أطوادا ً وغدت الغوار‬
‫أنجادا ً وأضحى العمار خرابا ً والخراب عمارا ً والغمار‬
‫سرابا ً والسراب غمارا ً وتمدينت بواد وتبدت مدائن‬
‫وبادت مواطن وقامت مواطن ومضت دول بعد دول‬
‫وذهبت أول أثر أول وبدت أحوال وحالت وظهرت‬
‫أعمال وزالت وهي كما تركها مصون وضعها محفوظ‬

‫‪330‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫شكلها خبر صادق ولسان ناطق تخبر بالعبر وتحدث‬
‫عمن غبر‪.‬‬
‫ت العيش وهي غوابر‬
‫ت غبرا ُ‬
‫مض ْ‬

‫س‬
‫ب عليها حبائ ُ‬
‫دهر مكتو ٌ‬
‫على ال ّ‬
‫) ‪(1/237‬‬

‫"وصف الفوتغراف للمرحوم مصطفى بك نجيب‬


‫المتوفى سنة ‪ 1320‬ه?"‬
‫مثال القوة الناطقة من غير إرادة سابقة يقتطف‬
‫اللفاظ اقتطافا ً ويختطف الصوت اختطافا ً مطبعة‬
‫الصوات ومرآة الكلمات ينقل الكلم من ناحية إلى‬
‫ناحية نقل كلم عمر رضي الله عنه إلى سارية أشد من‬
‫الصدى في فعله في إعادة الصوت على أصله كأنه‬
‫الحروف عن يد الطابع والوتر عن يد الضارب والقصب‬
‫عن فم القاصب يحفظ الكلم ول يبيده ومتى استعدته‬
‫منه يعيده من غير أن يبقى لفظا ً في صدره أو يكتم‬
‫شيئا ً من أمره كأنما حفظ الوديعة في نفسه طبيعة فلو‬
‫تقدم له الوجود في مرتبة الزمن لما احتجنا في الخبار‬
‫إلى عنعنة ول في الدعاوى إلى بينة بل كان يسمعنا‬
‫كلم السيد المسيح في المهد وصوت عاذر من اللحد‬
‫وكانت الدعاوى إلى بينة بل حكمتهم وانشدوه كلمتهم‬
‫فرأينا به غرائب اليونان وبدائع الرومان وربما سمعنا‬
‫خطب سحبان وشعر سيدنا حسان بذلك اللسان وأصبح‬
‫وجود النسان غير محدود بزمن من الزمان‪ :‬لله دره‬

‫‪331‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من تلميذ يستوعب ما عند المعلم ويستخلصه في‬
‫لحظة معيدا ً لقوله ناقل ً لصوته ولفظه‪:‬‬
‫ة‬
‫ت مكان القول إذ سع ٍ‬ ‫لقد وجد ُ‬

‫ت لسانا ً قائل ً فق ِ‬
‫ل‬ ‫فإن وجد َ‬

‫نديم ليس فيه هفوة النديم وسمير ل ينسب إليه تقصير‬


‫تسكته وتستعيده وتذمه وتستجيده وتنقصه وتستزيده‬
‫وهو في كل هذه الحوال راض بما يقال ل يكل من‬
‫تحديث ول يمل من حديث نمام عليك وينقل لغيرك كما‬
‫ينقل إليك فهو المصور لكل فن المتكلم بكل لغة‬
‫المحدث عن كل إنسان المؤرخ لكل زمان الشاعر‬
‫الناثر المغني العازف ل تعجزه العبارة ول يجهده الداء‬
‫ول يضره اختلف شكل ول تباين أصل بل تعدت شدة‬
‫حفظه البشرية من اللغات إلى حفظ أصوات‬
‫العجماوات إلى حركة اصطحاك الجمادات‪.‬‬
‫"ووصف أيضا ً نظارة ويشكر من أهداها"‬
‫) ‪(1/238‬‬

‫ورد الكتاب المطرز بحلى الكرم المحلى بجميل النعم‬


‫واستملت الهدية فسلمت يد أهدتها وحفظت السجايا‬
‫التي لمحاسن العمال هدتها ودامت رحاب لمثل هذه‬
‫الحسنات فيها مجال وللمحسنات بهاء وجمال وللمال‬
‫محط رحال وللمقاصد كعبة إقبال وطابت نفس تعالى‬
‫الله أن تماثلها نفس عصام فإنها نسخت آية الكر‬

‫‪332‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والقدام بآية الجود والكرام وفعلت في القلوب‬
‫بالعطاء والنوال ما قصرت عنه الرماح وتأملتها فأرتني‬
‫ما ل عين رأت وأظهرت من محاسن المناظر ما‬
‫عن َ‬
‫ك‬ ‫أعمرت وقربت كل منظور بعيد وتلت )فَك َ َ‬
‫شْفَنا َ‬
‫د( ]ق‪ [22 :‬وصفا وقتي‬ ‫دي ٌ‬
‫ح ِ‬ ‫ك ال ْي َوْ َ‬
‫م َ‬ ‫صُر َ‬
‫ك فَب َ َ‬ ‫ِغ َ‬
‫طآَء َ‬
‫بصفاتها فلم أشته شيئا ً إل جمعت بينه وبيني وصح علينا‬
‫قول القائل )رأيت بعينها ورأت بعيني( ثم سرحت‬
‫نظري في الطلل والرسوم حتى نظرت نظرة في‬
‫النجوم فلم تخف عني شجرا ً ول مدرا ً ول نجما ً ول‬
‫قمرًا‪.‬‬
‫يزيدك وجهها حسنا ً‬

‫إذا ما زدته نظرا‬


‫ببهاء يخيل لي أنها صيغت من ضياء فل عيب غير أني‬
‫نظرت بها في سماء فضلك الباهر وأفق شرفك الطاهر‬
‫فلم ينكشف لي بها لجودك آخر‪ :‬ل زال كرمك بعيدا ً‬
‫حده على كل ناظر وباصر وفضل مناهلك غاية تقصدها‬
‫الوائل والواخر‪.‬‬
‫"وصف سان استفانو باسكندرية"‬
‫) ‪(1/239‬‬

‫كتابي والقلم في البنان يسطر ما يمليه الجنان عن‬


‫محاسن ذلك المكان المشهور )بسان استفان( هناك‬
‫ترى البحر كالمرآة تمثلت فيها السماء فكأنما الماء‬
‫سماء والسماء ماء وتخال الشاطئ مرتعا ً للظبيات‬

‫‪333‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫النسات أو سوق جمال تباع فيه القلوب على الغانيات‪.‬‬
‫هناك الشبيبة واللعب والزهو والطرب وقد اعتل الصبا‬
‫وصح الصبا‪ :‬حور وولدان يمرحون بنشاط الشباب‬
‫ويتهادون بنشوة الدلل والعجاب فمن "غادات" روائح‬
‫غاديات قدودهن الرماح الطاعنات ولحاظهن القاتلت‬
‫المحييات ومن "ولدان" يلعبون بالكرة والصولجان‬
‫فالكرة قلب المحب المتيم والصولجان الذي يدفعها‬
‫شوق العاشق المغرم هناك نغمات الوتار تدعو إلى‬
‫اغتنام الوطار تهدي ارتياح إلى الرواح وتبدل الفراح‬
‫من التراح‪.‬‬
‫هناك الكؤوس على قطب الخلعة تدور فهي برشفاتها‬
‫الثغور وبنورها البدور تشرق من الحنان وتغرب في‬
‫أفواه الندمان فيعلو الوجوه الشفق فتبارك المبدع فيما‬
‫خلق‪.‬‬
‫) ‪(1/240‬‬

‫هناك فريق من أهل الهوى حلفاء السى والجوى‬


‫يختلسون النظرات وتحتها سهام صائبات تقصد قلوبهم‬
‫ول راحم ينادون من يحبون فل يجابون ويتذللون لعز‬
‫الجمال على أنهم ل يحابون يتمنون الرضا بعد الهجر‬
‫وحلو اللقا بعد الصبر وفريق آخر قد وافاهم السعد‬
‫فنالوا الماني تعلو وجوههم نضرة النعيم بما نالوه من‬
‫إشارة أو تسليم يتبادلون التحيات بالحواجب ويشفقون‬
‫على القلوب فيضعون اليدي فوق الترائب حتى إذا‬
‫الليل سجا وسترهم رداء من الدجى يتلقون إلى جانب‬

‫‪334‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أليم ويتهامسون والفم قريب من الفم تراهم على‬
‫الرائك جنبا ً بجنب وعنقا ً على كتف مبتعدين عن العيون‬
‫هنا وهنا وقد بلغوا الراب والمنى يجتنون الثمر من‬
‫السمر ويلثمون الراح بالراح ول يزالون في مسرة‬
‫وهناء وأنس وصفاء حتى ينادي منادي الموائد بحي على‬
‫شهي الطعام وهلموا إلى رائق المدام فيجلسون مثنى‬
‫وثلث ورباع محفوفين بيانع الزهار مستضيئين بأزهى‬
‫النوار والغلمان عن يمينهم وشمالهم قائمون بحوائجهم‬
‫وهم في لباسهم كأقمار وفي خفتهم كملح البصار‬
‫فيأكلون ويشربون ويضحكون ويلعبون بين نغمة‬
‫بالحديث الرخيم ونشوة المدام القديم حتى إذا أخذت‬
‫كل حاسة حظها وتلجلجت اللسنة فل تفهم لفظها‬
‫هنالك كسرب الظباء رابح وغاد هذه مائلة وهذا متهاد‬
‫إلى أن يتمشى النوم في الجفون فتذبل العيون‬
‫فينصرفون إلى المنام ويحلمون بلذيذ الحلم بعد أن‬
‫يتعاهدوا على الوبة ويحسنوا الختام بالتوبة‪.‬‬
‫"وصف الشمس"‬
‫) ‪(1/241‬‬

‫الشمس كوكب مضيء بذاته‪ ،‬وهي أعظم الكواكب‬


‫المرئية لنا منظرا ً وأسطعها ضوءًا‪ ،‬وأغزرها حرارة‪،‬‬
‫وأجزلها نفعا ً للرض التي نسنها ولكثير من أخواتها‬
‫سيارات الشمس وبناتها‪.‬‬
‫والشمس كرة متأججة نارًا‪ ،‬حرارتها أشد من حرارة أي‬
‫ساعور أرضي‪ ،‬ويبلغ ثقلها ثلثمائة وزن من ثقل الرض‪،‬‬

‫‪335‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وهي أكبر منها جرما ً بثلثمائة ألف وألف ألف مرة‪.‬‬
‫وتدور الشمس على محورها من الغرب إلى الشرق‬
‫مرة واحدة في نحو خمسة وعشرين يومًا‪ ،‬وتبعد عنا‬
‫بنحو اثنين وتسعين ألف ألف ميل وخمسمائة ألف ميل‪،‬‬
‫وهي مع كل هذا العظم الهائل ل تعد في النجوم‬
‫الكبرى‪ ،‬بل إن أكثر ما نشاهد من النجوم الثابتة‬
‫شموس أكبر من الشمس بألوف اللوف‪ ،‬والشمس‬
‫بسيارتها تابع من توابع أحدها‪.‬‬
‫وسطع الشمس مهب عواصف وزوابع نيرانية شديدة‬
‫تثير في جوها أشوظة هائلة تندلع ألسنتها المتأججة عن‬
‫ل‪ ،‬وقد وصف بعض العلماء لهبا ً ارتفع‬ ‫محيط كرتها أميا ً‬
‫من سطحها لول وهلة نحو أربعين ألف ميل في‬
‫الفضاء‪ ،‬ثم ازداد بريقا ً وتألقًا‪ ،‬ثم ارتفع بعد نصف ساعة‬
‫إلى خمسين وثلثمائة ألف ميل‪ ،‬ثم جعل يضؤل‬
‫ويضعف‪ ،‬فلم تمض ساعتان حتى أضمحل اضمحلل ً غير‬
‫أن ما وصفه هذا العالم ليس إل من قبيل النوادر‪ ،‬ولكن‬
‫ارتفاع اللهب نحو مائة ألف ميل ليس بغير العادي‪،‬‬
‫وكثيرا ً ما تبلغ سرعة اللهب مائة ميل في الثانية‪ ،‬واكثر‬
‫مادة الشمس من عنصر المحذي )اليدرجين( المتقد‬
‫وبرصد الشمس مرارا ً بالمرقب المغشى بالسواد‬
‫شوهد في صفحة قرصها نكت سود وكلف يشوه‬
‫محياها‪ ،‬كأنما هي كرة سوداء الباطن غلفت بسطح‬
‫ساطع من الصعادات يتخلله نقب يظهر تحتها السواد‪،‬‬
‫ول تزال حقيقة هذه البقع موضوع البحث والتعليل عند‬
‫الفلكيين‪ ،‬ومن تنقل هذه النكت عرفت دورتها على‬
‫محورها وللشمس سيارات أو أبناء انفصلت منها منذ‬

‫‪336‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أزمان سحيقة‪ ،‬علم منها إلى الن نحو ثمانية‪ ،‬هي على‬
‫ترتيب القرب منها فالقرب‪ :‬عطارد فالزهرة فالرض‬
‫فالمريخ فالمشتري فزحل فأرانوس فنبتون‪ ،‬ولم تعلم‬
‫كل شؤون هذه‬
‫) ‪(1/242‬‬

‫السيارات حق العلم وإنما ألم العلماء بمعرفة موادها‬


‫وكثافتها وأبعادها‪ ،‬ولكن أمر الحياة فيها لم يزل مبهما ً‬
‫مستغلقا ً اللهم إل في الرض وقمرها‪.‬‬
‫أما مقدار النعم التي سخرها الله لنا بوجود الشمس‬
‫فمما ل يحصيه العد‪ ،‬فهي مبعث حياتنا وحياة الحيوان‬
‫الذي يعيش معنا‪ ،‬ومصدر نورنا ونارنا وحرنا وبردنا‪،‬‬
‫وهي التي تحيل مياه البحار بخارًا‪ ،‬وتقلها في الجو‬
‫غيومًا‪ ،‬وتنزلها على الرض أمطارًا‪ ،‬حيث تجري جداول‬
‫وأنهارًا‪ ،‬فتروي زرعنا‪ ،‬وتنمي غراسنا‪ ،‬وتثير الرياح‪،‬‬
‫وتطلع النواء‪ ،‬وتزجي السفن والبواخر في عباب الماء‪،‬‬
‫وتدفع القطرات الحديدية‪ ،‬وتدير اللت البخاري‪ ،‬وتنير‬
‫المصابيح الدخانية والزيتية‪ ،‬إذ ليس الفحم الحجري‬
‫والزيت الرضي إل حرارة نارها المدخرة منذ قديم‬
‫الدهور لينتفع بها أحياء هذه العصور‪ ،‬وما النهار المبصر‪،‬‬
‫والليل المظلم‪ ،‬إل آتيان من آيات الله المسخرة لنا‬
‫بتسخير هذا المخلوق العجيب‪ :‬ففي النهار نسعى في‬
‫مناكب الرض لبتغاء رزقنا‪ ،‬وتدبير معاشنا‪ ،‬وتنظيم‬
‫شؤون حياتنا‪ ،‬ونسبح بحمد ربنا‪ ،‬ونعتبر بآثار من سبقنا‪،‬‬
‫وفي الليل نسمن لراحة أبداننا‪ ،‬وأستجمام قوانا‬

‫‪337‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫واستيفاء حظنا من النوم الذي به نستديم صحتنا‪،‬‬
‫ونستعيض ما فقدناه بأعمالنا وننظر في ملكوت‬
‫السموات وما خلق الله من شيء في حركات الكواكب‬
‫وانتقالها‪ ،‬وبديع صورها وألوانها‪ ،‬فتعنو وجوهنا‪ ،‬وتتضاءل‬
‫كبرياؤنا‪ ،‬أمام قدرة خالقنا العظيم‪ ،‬فسبحانه من إله‬
‫حكيم‪.‬‬
‫وما الولن التي نراها في نور الزهار وريش الطيار‬
‫ونفائس المصنوعات إل أثر وقوع أضوائها على هذه‬
‫المرئيات وانعكاسها على أبصارنا‪ ،‬فإن نور الشمس‬
‫البيض مؤلف من سبعة ألوان أصلية تنشأ منها كل‬
‫الولن الفرعية‪ ،‬وهي الحمر‪ ،‬والبرتقالي‪ ،‬والصفر‪،‬‬
‫والزرق‪ ،‬والخضر‪ ،‬والنيلجي‪ ،‬والبنفسجي‪ ،‬فمن‬
‫الجسام ما ل يمتص شيئا ً من هذه الولن‪ ،‬بل يعكسها‬
‫كلها على العين‪ ،‬فيبدو أبيض ناصعا ً كزهرة الياسمين‪،‬‬
‫ومنها ما يمتص بعضها ويعكس باقيها‪ ،‬فيتلون‬
‫) ‪(1/243‬‬

‫بلون ما يعكس منها‪ ،‬فإذا أبصرت ورقة الشجر خضراء‬


‫عرفت أنها اختزنت من ضوء الشمس ستة ألوان‪،‬‬
‫وردت إلى عينيك سابعها‪ ،‬وهو الخضر لن فيما أدخرته‬
‫نفعا ً لها‪ ،‬وليس بها إلى ما لفظته افتقارًا‪ ،‬ومنها ما يرد‬
‫لونين أو أكثر‪ ،‬فيبدو لونه مزيجا ً بين هذه الولن‬
‫السبعة‪ ،‬وهذه الولن من عجائب صنع الله في الرض‬
‫لتمييز بعضها من بعض فقد يتماثل الشيئان شك ً‬
‫ل‪،‬‬
‫وحجمًا‪ ،‬وصلبة‪ ،‬ولينًا‪ ،‬وشمأ ثم ل يتباينان إل من حيث‬

‫‪338‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫اللون‪ ،‬فيكون اللون آية تباينهما‪ ،‬وأكثر ما يكون ذلك‬
‫في الزهار‪.‬‬
‫وتنوع الولن هو السر في جمال المرئيات من مشاهد‬
‫الطبيعة وبدائع الصناعة‪ ،‬وإن اعظم المصورين وأمهر‬
‫النقاشين لم يبرز على غيرهم‪ ،‬وبدلوا على ذكائهم‬
‫ونبوغهم إل ببراعتهم في محاكاة ألوان الطبيعة‬
‫المؤتلفة وأشكالها المتجانسة‪ ،‬وإنما يتم ذلك إذا عرفوا‬
‫كيف يمزجون من الصباغ ما يستخدمونه به ألوان النور‬
‫خير استخدام‪ ،‬وينتفعون به أحسن انتفاع‪ ،‬وقد سخر‬
‫علماء الطب تباين اللوان في كشف النقاب عن حقائق‬
‫الجراثيم فإن منها ما ل يتضح للعين في المجهر إل إذا‬
‫ألقي عليه صبغ خاص يؤثر فيه لونا ً فيصبغ به‪.‬‬
‫ولمواج الشمس الضوئية سرعة معلومة تسير بها‪ ،‬فإذا‬
‫انخفضت هذه السرعة عما هي عليه لم تعد العين‬
‫قادرة على رؤيتها‪ ،‬لنها تستحيل إلى مظهر آخر غير‬
‫مظهر الضوء والحرارة‪ ،‬وليس ينكر ما للضوء والحرارة‬
‫معا ً من الثر الحسن في تنقية المساكن مما يقطنها‬
‫من الجراثيم القتالة والعفن المضني‪ ،‬ولذلك قيل‪ :‬إن‬
‫الدار التي تدخلها أشعة الشمس ل يدخلها الطبيب‪.‬‬
‫"وصف القمر"‬
‫) ‪(1/244‬‬

‫القمر أجمل الكواكب صورة وأبينها منظرا ً وأسلها‬


‫رصدًا‪ ،‬وأكبرها في رأي العين بعد الشمس جرمًا‪.‬‬
‫وهو سيار كري أصغر من الرض بنحو تسع وأربعين‬

‫‪339‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مرة‪ ،‬انفصل منها زمن التكوين‪ ،‬وصار تابعا ً لها‪ ،‬طائفا ً‬
‫حولها‪ ،‬مستمدا ً نوره من الشمس مثلها‪ ،‬دائرا ً حول‬
‫الشمس معها‪ ،‬غير أن طواف الرض بقمرها حولها يتم‬
‫في سنة شمسية وطواف القمر حول الرض يتم في‬
‫شهر قمري‪ :‬أي مدة تسع وعشرين ونصف يوم تقريبًا‪،‬‬
‫ومع أنه خاضع لنظام الرض ل يقل بعده عنها عن واحد‬
‫وعشرين ألفا ً ومائتي ألف ميل‪.‬‬
‫) ‪(1/245‬‬

‫والذي يسترعي أنظارنا كما استرعى أنظار من قبلنا‬


‫اختلف إشكاله وتعدد مطالعه‪ ،‬مما جعله مبعث تخيل‬
‫القدماء ومثار تفكر الحكماء ومقصدا ً لعبادة الجهلء!‬
‫فتراه يلوح ليلة أول الشهر أثر غروب الشمس ضئيل ً‬
‫مقوسا ً ل يلبث أن يغرب ويغيب في شفق الشمس‪ ،‬ثم‬
‫يهل في الليلة الثالثة أبين صورة وأبقى زمنا ً لزدياد‬
‫تأخره في الغروب عن الشمس‪ ،‬ول يزال نوره في‬
‫تزايد ومطالعه في تقدم نحو المشرق‪ ،‬حتى يطلع من‬
‫المشرق في الليلة الرابعة عشرة عند غروب الشمس‬
‫ن‬ ‫س‬ ‫ح‬ ‫ك الل ّه أ َ‬
‫بدرا ً كامل ً بهي الطلعة باهر النوار‪) ،‬فَت ََباَر َ‬
‫َ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن( ]المؤمنون‪.[14 :‬‬ ‫قي َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫خال ِ ِ‬
‫ولكن الكمال لله وحده‪ ،‬فإن منتهى الزيادة مبتدأ‬
‫النقص‪ ،‬ففي الليلة الخامسة عشرة يتأخر طلوعه من‬
‫المشرق‪ ،‬وينقص من حافة نوره التي كانت موضع‬
‫هلله الول زيق ل يشعر به إل في الليالي التالية‪ ،‬ول‬
‫تزال مطالعه في تقهقر ونوره في تناقص حتى قرب‬

‫‪340‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫آخر الشهر‪ ،‬فيشرق قبيل الفجر هلل ً ضئيل ً يكاد يكون‬
‫مقلوب الهلل الول‪ ،‬وفي الليلة الخيرة يكون عند‬
‫الصباح في الفق الشرقي مظلما ً ل يرى منه شيء‪،‬‬
‫وهي ليلة المحاق أو السرار‪ ،‬ويظل بعض النهار كذلك‪،‬‬
‫ثم يتولد هلله الجديد‪ ،‬ولكنه ل يظهر إل بعد أن يغيب‬
‫قرص الشمس‪ ،‬فيلوح هلله ثم يختفي كما قدمنا‪.‬‬
‫وعلة ذلك أن نور القمر كنور الرض مستفاد من‬
‫الشمس‪ ،‬وهو ل يقابل الرض إل بوجه واحد ل يتغير‪،‬‬
‫وهذا الوجه بالنسبة إلى حركته مع الرض حول‬
‫الشمس ل يقابل الشمس مقابلة تامة إل في وضع‬
‫واحد ومرة واحدة هي الليلة الرابعة عشرة‪ ،‬فيغشاه‬
‫نورها‪ ،‬ويصير بدرًا‪ ،‬أما بقية الليالي التي قبلها والتي‬
‫بعدها فينحرف قليل ً أو كثيرا ً عنها‪ ،‬حتى يصير كله ظلما ً‬
‫ليلة المحاق‪ ،‬فيطوى خبره‪ ،‬ويكون الوجه الخر الذي ل‬
‫ل‪ ،‬ثم يتولد هلله خلقا ً جديدًا‪.‬‬
‫يرى لنا بدرا ً كام ً‬
‫وكذلك شأن الرض في استمداد نورها أو ما نسميه‬
‫نهارًا‪ ،‬فلو كان في القمر سكان لكانت في رأي أعينهم‬
‫أكبر كوكب في‬
‫) ‪(1/246‬‬

‫السماء‪ ،‬ولشاهدوها أكبر من الجرم الذي نشاهد القمر‬


‫عليه أضعافا ً مضاعفة‪ ،‬لكانت عندهم أروع جمال ً وأبدع‬
‫ل‪ ،‬فبدورانها على نفسها‬‫من قمرهم في نظرنا تشك ً‬
‫يرونها كلها جزءا ً فجزءًا‪ ،‬وتظهر قارتها ومحيطاتها‬
‫واضحة عليها في وقت الصحو ومظلل ً بعضها بالغمام‬

‫‪341‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫في وقت الدجن‪ ،‬وتبدو أهلتها وبدورها ضخمة باهرة‬
‫ولكن ل يراها إل سكان النصف المقابل لنا أو الذين‬
‫يريدون التفرج برؤيتها من أهل النصف الثاني‪.‬‬
‫ولقرب القمر منا وخلو جوه من الهواء سهل رصده‬
‫علينا‪ ،‬فنرى في صفحته عند الشروق ليلة التمام كثيرا ً‬
‫من المحو‪ ،‬يجعل صورته أشبه بوجه إنسان ذي أنف‬
‫وفم وحاجبين وعينين إحداهما مغضية‪ ،‬ول يزال كذلك‪،‬‬
‫حتى يتعدى خط زوال مكان الناظر‪ ،‬فإذا مال إلى‬
‫المغرب انحرفت هذه الصورة حتى يصير عاليها‬
‫سافلها‪ ،‬وليس هذا المحو إل ظلم بطون الودية‬
‫والسهول البعيدة الغور وظلل الجبال والهضاب‬
‫الشاهقة الطول شهوقا ً يكاد يمنع استدارته أما قمم‬
‫الجبال وسطوحها المقابلة للشمس فترى لمعة‬
‫ساطعة فتبين سلسل الجبال طرائق مضيئة وقممها‬
‫نقطا ً لمعة وفوهات جبال ناره الشديدة السعة البعيدة‬
‫الغور التي تعد بعشرات اللوف كأنها حلقات وسطها‬
‫نقط سود‪.‬‬
‫وقد ظن القدماء في علة المحو ظنونا ً بعضها صادف‬
‫الحقيقة وبعضها جانبها حتى ظهر غاليليو واخترع سنة‬
‫‪ 1606‬م مرقبا ً يقرب الشباح ثلثين مسافة فأثبت‬
‫وجود الجبال والودية فيه‪ ،‬وزاد عليه غيره في تحسين‬
‫المراقب المكبرة حتى أصبح القمر يرى كأنه على بعد‬
‫أربعين ميل ً منا‪ ،‬على أن هذا القرب ل يجعلنا نرى‬
‫الشباح الصغيرة التي من نوع الحيوان لنتحقق أللقمر‬
‫سكان كما للرض أو ل‪ ،‬ولكن قد اصبح من المرجح إن‬
‫لم يكن من المحقق أنه خال من الماء ومن السحاب‬

‫‪342‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والضباب الناشئين منه ومن البنات‪ ،‬إذ لو كان به شيء‬
‫منها لتغير شكله من حال إلى حال‪ ،‬ويشك أن له هواء‪،‬‬
‫وإن كان له فلعله ل يزيد على قمم جباله‪ ،‬ول شك أن‬
‫الماء والهواء هما ينبوعا الحياة‬
‫) ‪(1/247‬‬

‫وتجرده منهما وخمود جبال ناره ويبس جرمه يجعل‬


‫برده شديدا ً جدا ً في الليل وحره عظيما ً جدا ً في النهار‪،‬‬
‫على فرط طولهما البالغ فيه خمسة عشر يومًا‪ :‬مما‬
‫يجعل الحياة فيه متعسرة بل مستحيلة‪ ،‬اللهم إل أن‬
‫تكون حياة غير حياتنا‪.‬‬
‫ويرجحون أن القمر كان أزمان سحيقة على طبيعة‬
‫تقرب من طبيعة أمه الرض‪ ،‬فكان آهل ً بالحيوان‬
‫والبنات‪ ،‬إل أن صغر جسمه جعله يسبق الرض في‬
‫اليبس والبرودة‪ ،‬فتقبض وبرد وانتهت دنياه‪ ،‬وأصبح‬
‫كإسفنجة مشعثة ذات شعب ونخاريب تكوينها من‬
‫جنس تكوين الرض‪.‬‬
‫ولقد خلق الله القمر مسخرا ً لهل الرض خاصة‪ ،‬فهو‬
‫بعكسه نور الشمس عليهم هداية لهم في ظلمات البر‬
‫والبحر‪ ،‬ولقد قضى النسان عصورا ً ودهورا ً وليس له‬
‫مصباح في جنح الظلم غيره‪ ،‬ول يزال كذلك لهل البدو‬
‫وقبائل الهمج‪ ،‬وهو باختلف أشكاله تقويم فطري لهم‪،‬‬
‫فبإهلله يعرف أول الشهر‪ ،‬وبالتربيع الول يعرف ربعه‪،‬‬
‫وببذره يعرف نصفه‪ ،‬وبالتربيع الخير يعرف ثلثة‬
‫أرباعه‪ ،‬وبمحاقه تعرف نهايته‪.‬‬

‫‪343‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وإذا مرن النسان على النظر في تقدير ضوئه وأوقات‬
‫مطالعه عرف الشهر يوما ً يوما ً والليل ساعة ساعة‪،‬‬
‫ت‬ ‫قي‬ ‫وا‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ْ‬
‫ل‬ ‫ُ‬ ‫ق‬ ‫ة‬‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ن‬ ‫ُ‬
‫لو‬ ‫قال تعالى‪) :‬يسأ َ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ َ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬
‫ج( ]البقرة‪.[189 :‬‬ ‫س َوال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫وباتحاد جذبه مع جذب الشمس للرض ينشأ المد‬
‫والجزر‪ ،‬وفائدتهما في تسهيل الملحة ل تنكر‪ ،‬فكم من‬
‫موانئ ومرافئ لولهما لسدت برواسب النهار‬
‫والسيول‪.‬‬
‫ولضوء القمر في إنضاج الثمار والبقول أثر أيما أثر‪،‬‬
‫حتى إن بعضها ل ينمو ويزهو لونه إل في لياليه البيض‪.‬‬
‫"الفن الخامس في المقامات"‬
‫) ‪(1/248‬‬

‫المقامة عبارة عن كتابة حسنة التأليف أنيقة التصنيف‬


‫تتضمن نكتة أدبية ومدارها على رواية لطيفة مختلفة‬
‫تسند إلى بعض الرواة ووقائع شتى تعزى إلى أحد‬
‫الدباء والمقصود منها غالبا ً جمع درر اللفاظ وغرر‬
‫البيان وشوارد اللغة ونوادر الكلم من منظوم ومنثور‬
‫فضل ً عن ذكر الفرائد البديعة والرقائق الدبية‬
‫كالرسائل المبتكرة والخطب المحبرة والمواعظ‬
‫المبكية والضاحيك الملهية ولنذكر لك منتخبات من‬
‫مقامات مختلفة فنقول‪.‬‬
‫"قال الحريري المتوفى سنة ‪ 516‬ه? المقامة التاسعة‬
‫السكندرنية"‬
‫) ‪(1/249‬‬

‫‪344‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫أخبر الحارث بن همام قال طحابي مرح الشباب وهوى‬


‫الكتساب إلى أن جبت ما بين فرغانة وغانه أخوض‬
‫الغمار اجني الثمار وأقتحم الخطار لكي أدرك الوطار‬
‫وكنت لقفت من أفواه العلماء وثقفت من وصايا‬
‫الحكماء أنه يلزم الديب الريب إذ دخل البلد الغريب‬
‫أن يستميل قاضية ويستخلص مراضيه ليشد ظهره عند‬
‫الخصام ويأمن في الغربة جور الحكام فاتخذت هذا‬
‫الدب إماما ً وجعلته لمصالحي زماما ً تقوي الجساد‬
‫بالرواح فبينما أنا عند حاكم السكندرية في عشية‬
‫عرية وقد احضر مال الصدقات ليفضه على ذوي‬
‫الفاقات إذ دخل شيخ عفرية تعتله امرأة مصبية فقالت‬
‫أيد الله القاضي وأدام به التراضي أني امرأة من أكرم‬
‫جرثومة وأطهر أرومة وأشرف خؤولة وعمومة ميسمي‬
‫الصون وشيمتي الهون وخلقي نعم العون وبيني وبين‬
‫جارتي بون وكان أبي إذا خطبني بناة المجد وأرباب‬
‫الجد سكتهم وبكتهم وعاف وصلتهم وصلتهم واحتج بأنه‬
‫عاهد الله تعالى بحلفة أن ل يصاهر غير ذي حرفة‬
‫فقيض القدر لنصبي ووصبي أن حضر هذا الخدعه نادي‬
‫أبي فأقسم بين رهطه إنه وفق شرطه وادعى أنه‬
‫طالما نظم فباعها ببدرة فاغتر أبي بزخرفة محاله‬
‫وزوجنيه قبل اختبار حاله فلما استخرجني من كناسي‬
‫ورحلني عن أناسي ونقلني إلى كسره وحصلني تحت‬
‫أسره وجدته قعدة جثمة وألفيته ضجعة نومة وكنت‬
‫صحبته برياش وزي وأثاث وري فما برح يبيعه في‬
‫سوق الهضم ويتلف ثمنه في الخصم والقضم إلى أن‬

‫‪345‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مزق مالي بأسره وأنفق مالي في عسره فلما أنساني‬
‫طعم الراحة وغادر بيتي أنقى من الراحة قلت له يا هذا‬
‫أنه ل مخبأ بعد بوس ول عطر بعد عروس فانهض‬
‫للكتساب بصناعتك واجتني ثمرة براعتك فزعم أن‬
‫صناعته قد رميت بالكساد لما ظهر في الرض من‬
‫الفاسد زلي منه سللة كأنه خللة وكلنا ما ينال معه‬
‫شبعة ول ترقا له من الطوى دمعة وقد قدته إليك‬
‫وأحضرته لديك لتعجم عود دعواه وتحكم بيننا بما أراك‬
‫الله فأقبل القاضي عليه وقال له وعيت قصص عرسك‬
‫فبرهن الن عن نفسك وإل كشفت عن‬
‫) ‪(1/250‬‬

‫لبسك وأمرت بحسبك فأطرق إطراق الفعوان ثم‬


‫شمر للحرب العوان وقال‪:‬‬
‫ب‬‫اسمعْ حديثي فإنه عج ُ‬

‫ب‬
‫يضحك من شرحه وينتح ُ‬

‫أنا امرؤ ٌ ليس في خصائصه‬

‫ب‬
‫ب ول في فخاره وي ُ‬
‫عي ٌ‬

‫ت بها‬
‫ج داري التي ولد ُ‬
‫سرو ُ‬

‫ب‬
‫ن حين أنتس ُ‬
‫والصل غسا ْ‬

‫‪346‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫حُر في العل‬
‫س والتب ّ‬
‫وشغلي الدر ُ‬

‫ب‬
‫م طلبي وحبذا الطل ُ‬

‫ي الكلم الذي‬
‫س مال ّ‬
‫ورأ ُ‬

‫ب‬ ‫ه يصاغ ُ القري ُ‬


‫ض والخط ُ‬ ‫من ُ‬

‫جة البيان فأخ‬


‫ص في ل ّ‬
‫أغو ُ‬

‫ب‬
‫تاُر الللئ منها وانتخ ُ‬

‫وأجتني اليانِع الجني من ال‬

‫ب‬
‫قول وغيري للعود يحتط ُ‬

‫ة فإذا‬
‫ض ً‬ ‫وآخذ ُ الّلف َ‬
‫ظف ّ‬

‫ب‬
‫ه ذه ُ‬
‫ما صغته قيل إن ُ‬
‫ل امتري نشبا ً‬
‫وكنت من قب ُ‬

‫ب‬
‫فالدب المقتني وأحتل ُ‬

‫ويمتطي أخمصي لحرمته‬

‫‪347‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫مراتبا ً ليس فوقها رت ُ‬


‫ب‬

‫وطالما زفت الصلت إلى‬

‫ض كل من يهب‬
‫ربعي فلم أر َ‬

‫ه‬
‫م من يعلقُ الرجاُء ب ِ‬
‫فاليو ْ‬

‫أكسد ُ شيٍء في سوقه الدب‬

‫ض أبنائهِ يصان ول‬


‫ل عر ُ‬

‫ب‬
‫يرقب فيهم إل ول نس ُ‬

‫ف‬
‫كأنهم في عراصهم جي ٌ‬

‫ب‬
‫يبعد من نتنها ويجتن ُ‬

‫فحار لّبي لما منيت به‬

‫من الّليالي وصرفها عج ُ‬


‫ب‬

‫وضاق ذرعي لضيق ذات يدي‬

‫ب‬
‫م والكر ُ‬
‫وساروتني الهمو ُ‬

‫‪348‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫م إلى‬
‫وقدني دهري الملي ُ‬

‫ب‬
‫ه الحس ُ‬
‫سلوك ما يستشين ُ‬

‫فبعت حتى لم يبق لي لبد ُ‬

‫ب‬
‫ت إليهِ أنقل ُ‬
‫ول بتا ٌ‬

‫ت سالفتي‬
‫وادنت حتى أثقل ُ‬

‫ب‬
‫ن من دونهِ العط ُ‬
‫بحمل دي ِ‬

‫ي‬
‫ثم طويت الحشا على سغ ٍ‬

‫خمسا ً فل ّ‬
‫ما أمضني السغب‬

‫لم أَر جهازها عرضا ً‬

‫أجو ُ‬
‫ل في بيعهِ وأضطرب‬

‫ة‬
‫س كاره ٌ‬
‫ت فيهِ والنف ُ‬
‫فجل ُ‬

‫ن عبرى والقلب مكتئب‬


‫والعي ُ‬

‫ت به‬
‫وما تجاوزت إذ عبث ُ‬

‫‪349‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ث الغضب‬
‫حد ّ الّتراضي فيحد ُ‬

‫فإن يكن غاظها توهما‬

‫أن بناني بالّنظم تكتسب‬

‫أو أنني إذ عزمت خطبتها‬

‫زخرفت قولي لينجح الرب‬


‫) ‪(1/251‬‬

‫فوالذي سارت الرفاقُ إلى‬

‫كعبته تستحثها النجب‬

‫ما المكُر بالمحصنات من خلقي‬

‫ول شعاري التمويه والكذب‬

‫ت نيط بها‬
‫ول يدي مذ نشأ ُ‬

‫إل ّ مواضي اليراع والكتب‬

‫بل فكرتي تنظم القلئد ل‬

‫‪350‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫كفي وشعري المنظوم ل السخب‬


‫فهذه الحرفة المشاُر إلى‬

‫ما كنت أحوى بها وأجتلب‬

‫ت لها‬
‫ن لشرحي كما أذن َ‬
‫فأذ ْ‬

‫ب واحكم بما يجب‬


‫ول تراق ْ‬

‫قال‪ :‬فلما احكم ما شاده وأكمل إنشاده عطف القاضي‬


‫إلى الفتاة بعد أن شغف بالبيات وقال أما أنه قد ثبت‬
‫عند جميع الحكام وولة الحكام انقراض جيل الكرام‬
‫وميل اليام إلى اللئام وإني لخال بعلك صدوقا ً في‬
‫الكلم بريا ً من الملم وها هو قد اعترف ذلك بالقرض‬
‫وصرح عن المحض وبين مصداق النظم وتبين انه‬
‫معروق العظم وإعنات المعذر ملمة وحبس المعسر‬
‫مألمة وكتمان الفقر زهادة وانتظار الفرج بالصبر عبادة‬
‫فارجعي إلى خدرك واعذري أبا عذرك ونهنهي من‬
‫غربك وسلمي بقضاء ربك ثم إنه فرض لهما في‬
‫الصدقات حصة وناولهما من دراهمها قبصة وقال لهما‬
‫تعلل بهذه العللة وتنديا بهذه البللة وصبرا على كيد‬
‫الزمان وكده فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من‬
‫عنده فنهضا وللشيخ فرحة المطلق من السار وهزة‬
‫الموسر بعد العسار قال الراوي‪ :‬وكنت عرفت أنه أبو‬
‫زيد ساعة بزغت شمسه ونزعت عرسه وكدت أفصح‬

‫‪351‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عن افتتانه وأثمار أفنانه ثم أشفقت من عثور القاضي‬
‫على بهتانة وتزويق لسانه فل يرى عند عرفانه أن‬
‫يرشحه لحسانه فأحجمت عن القول إحجام المرتاب‬
‫وطويت ذكره كطي السجل للكتاب إل أني قلت ما‬
‫فصل ووصل إلى ما وصل لو أن من ينطلق في أثره‬
‫لتانا بفص خبره وما ينشر من حبره فأتبعه القاضي‬
‫أحد أمنائه وأمره بالتجسس عن أنبائه فما لبث أن رجع‬
‫متدهدها وقهقر مقهقها ً فقال له القاضي مهيم يا أبا‬
‫مريم فقال له لقد عاينت عجبا ً وسمعت ما أنشأ لي‬
‫طربا ً فقال له ماذا رأيت وما الذي وعيت قال لم يزل‬
‫الشيخ مذ خرج‬
‫) ‪(1/252‬‬

‫يصفق بيديه ويخالف بين رجليه ويغرد بملء شدقيه‬


‫ويقول‪:‬‬
‫ت أصلى ببلّيه‬
‫كد ُ‬

‫مرّيه‬
‫من وقاح ش ّ‬
‫سجن لول‬ ‫وأزوُر ال ّ‬

‫حاكم السكندرّية‬

‫فضحك القاضي حتى هوت دنيته وذوت سكينته فلما‬


‫فاء إلى الوقار وعقب الستغراب بالستغفار قال اللهم‬
‫بحرمة عبادك المقربين حرم حبسي على المتأد بين ثم‬

‫‪352‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قال لذلك المين علي به فانطلق مجدا في مطلبه ثم‬
‫عاد بعد ليه مخبرا ً بنأيه فقال له القاضي أما إنه لو‬
‫حضر لكفي الحذر ثم لوليته ما هو به أولى ولريته أن‬
‫الخرة خيٌر له من الولى قال الحارث بن همام فلما‬
‫رأيت صغو القاضي إليه وفوت ثمرة التنبيه عليه‬
‫غشيتني ندامة الفرزدق حين أبان النوار والكسعي لما‬
‫استبان النهار‪.‬‬
‫"المقامة البشرية لبديع الزمان الهمذامي المتوفى سنة‬
‫‪ 398‬ه?"‬
‫حدثنا عيسى بن هشام قال كان بشر بن عوانة العبدي‬
‫صعلوكا ً فأغار على ركب فيهم امرأة جميلة فتزوج بها‬
‫وقال‪ :‬ما رأيت كاليوم فقالت‪:‬‬
‫أعجب بشرا ً حوٌر في عيني‬

‫ض كاللجين‬
‫وساعد ٌ أبي ُ‬

‫ودونه مسرح طرف العين‬

‫ة ترف ُ‬
‫ل في حجلين‬ ‫خمصان ٌ‬

‫ن من يمشي على رجلين‬


‫أحس ُ‬

‫م بشٌر بينهما وبيني‬


‫لو ض ّ‬

‫أدام هجري وأطال بيني‬

‫‪353‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ولو يقيس زينها بزيني‬

‫"لسفر الصبح لذي عينين"‬


‫قال بشٌر ويحك من عنيت فقالت‪ :‬بنت عمك فاطمة‬
‫فقال‪ :‬أهي من الحسن بحيث وصفت قالت‪ :‬وأزيد‬
‫وأكثر فأنشأ يقول‪:‬‬
‫ض‬
‫ت الثنايا البي ِ‬
‫ك يا ذا َ‬
‫ويح ِ‬

‫ما خلتني منك بمستعيض‬

‫وحت بالتعريض‬
‫فالن إذ ل ّ‬

‫وا فاصفري وبيضي‬


‫تج ّ‬
‫خلو ِ‬

‫لضم جفناي على تغميض‬

‫مالم أشل عرضي من الحضيض‬


‫فقالت‪:‬‬
‫حا‬
‫ب في أمرها أل ّ‬
‫كم خاط ٍ‬

‫حا‬
‫مل ّ‬
‫وهي إليك ابنة ع ّ‬
‫) ‪(1/253‬‬

‫ثم أرسل إلى عمه يخطب ابنته ومنعه العم أمنيته فآلى‬
‫أل يرعي على أحد منهم إن لم يزوجه ابنته ثم كثرت‬

‫‪354‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مضراته فيهم واتصلت معراته إليهم فاجتمع رجال الحي‬
‫إلى عمه وقالوا كف عنا مجنونك فقال‪ :‬ل تملبسوني‬
‫عارا ً وأمهلوني حتى أهلكه ببعض الحيل فقالوا‪ :‬أنت‬
‫وذاك ثم قال له عمه إني آليت أن ل أزوج بنتي هذه إل‬
‫ممن يسوق إليها ألف ناقة مهرا ً ول أرضانها إل من نوق‬
‫خزاعة وكان غرض العم أن يسلك بشر الطريق بينه‬
‫ووبين خزاعة فيفترسه السد لن العرب قد كانت‬
‫تحامت عن ذلك الطريق وكان فيه أسد يسمى "داذا"‬
‫وحية تدعى "شجاعًا" يقول فيهما قائلهم‪:‬‬
‫ك من داذ ومن شجاع‬ ‫أفت ُ‬

‫إن ي ُ‬
‫ك داذ ٌ سّيد ال ّ‬
‫سباع‬

‫فإنها سّيدة ُ الفاعي‬

‫ثم إن بشرا ً سلك ذلك الطريق غما نصفه حتى لقي‬


‫السد وقمص مهره فنزل وعقره ثم اخترط سيفه إلى‬
‫السد واعترضه وقطعه ثم كتب بدم السد على قميصه‬
‫إلى ابنة عمه‪:‬‬
‫ن خبت‬
‫ت ببط ِ‬
‫م لو شهد ِ‬
‫أفاط ُ‬

‫وقد لقى الهزبُر أخاك بشرا‬

‫ت ليثا ً زاَر ليثا ً‬


‫إذا ً لرأي ِ‬

‫هزبر ا ً أغلبا لقى هزبرا‬

‫‪355‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ه مهري‬
‫س حين أحجم عن ُ‬
‫تبهن َ‬
‫ت مهرا ً‬
‫ت عقر َ‬
‫ة‪ ،‬فقل ُ‬
‫محاذر ً‬

‫ي ظهَر الرض إني‬ ‫أن ْ‬


‫ل قدم ّ‬

‫ت منك ظهرا‬ ‫ض أثب َ‬


‫ت الر َ‬‫رأي ُ‬
‫ت له وقد أبدى نصال ً‬‫وقل ُ‬

‫ددة ووجها ً مكفهرا‬


‫مح ّ‬

‫ة إحدى يديه‬
‫ف غيل ً‬
‫يكفك ُ‬

‫ي أخرى‬ ‫ويبس ُ‬
‫ط للوثوب عل ّ‬

‫يد ّ‬
‫ل بمخلب وبحد ّ ناب‬

‫ن جمرا‬ ‫وبالّلحظا ِ‬
‫ت تحسبه ّ‬

‫وفي يمنايَ ماضي الحد ّ أبقى‬

‫بمضربه قراع ُ الموت أثرا‬

‫ت ظباة‬
‫ألم يبلغك ما فعل ْ‬

‫‪356‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ت عمرا‬
‫بكاظمةٍ غداة َ لقي ُ‬

‫وقلبي مث ُ‬
‫ل قلبك ليس يخشى‬

‫ف يخاف ذعرا‬
‫ة فكي َ‬
‫مصاول ً‬

‫ت تروم للشبال قوتا ً‬


‫وأن َ‬

‫ب لبنةِ العمام مهرا‬


‫وأطل ُ‬

‫م تسوم مثلي أن يوّلي‬


‫ففي َ‬

‫ويجع َ‬
‫ل في ديك النفس قسرا‬

‫ث غيري‬
‫س يا لي ُ‬
‫نصحتك فالتم ْ‬

‫طعاما ً إن لحمي كان مّرا‬

‫ش نصحي‬
‫ن أن الغ ّ‬
‫فلما ظ ّ‬
‫) ‪(1/254‬‬

‫ت هجرا‬
‫وخالفني كأّني قل ُ‬

‫مشى ومشيت من أسدين راما‬

‫‪357‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مراما ً كان إذ طلباه ُ وعرا‬

‫ت أني‬
‫م فخل ُ‬
‫ت له الحسا َ‬
‫هزز ُ‬
‫ت به لدى ال ّ‬
‫ظلماء فجرا‬ ‫سلل ُ‬

‫ه‬
‫ت له بجائشةٍ أرت ُ‬
‫وجد ُ‬

‫ه غدرا‬
‫ه ما مّنت ُ‬
‫ن كذبت ُ‬
‫بأ ّ‬

‫ت المهن ّد َ من يميني‬
‫وأطلق ُ‬

‫فقد ّ له من الضلع عشرا‬

‫فخّر مجد ّل ً بدم ٍ كأني‬

‫ت به بناًء مشمخّرا‬
‫هدم ُ‬

‫ي أني‬
‫ت له يعز عل ّ‬
‫وقل ُ‬

‫ت مناسبي جلدا ً وفخرا‬


‫قتل ُ‬

‫ت شيئا ً لم يرم ُ‬
‫ه‬ ‫ن رم َ‬
‫ولك ْ‬

‫ث صبرا‬ ‫سوا َ‬
‫ك فلم أطقْ يا لي ُ‬

‫‪358‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ل أن تعّلمني فرارا ً‬
‫تحاو ُ‬

‫ت نكرا‬
‫لعمُر أبيك قد حاول َ‬

‫ت حّرا‬‫ب فم ّ‬
‫ت حّرا=يحاذر أن يعا َ‬ ‫فل تجزع ْ فقد لتقي َ‬
‫فلما بلغت البيات عمه ندم على ما منعه تزويجها‬
‫وخشي أن تغتاله الحية فقام في أثره وبلغه وقد ملكته‬
‫سورة الحية فلما رأى عمه أخذته حمية الجاهلية فجعل‬
‫يده في فم الحية وحكم سيفه فيها فقال‪:‬‬
‫مه‬‫بشٌر إلى المجد بعيد ٌ ه ّ‬

‫ه‬
‫م ُ‬
‫لما رآه بالعراِء ع ّ‬

‫مه‬
‫ه وأ ّ‬
‫ه نفس ُ‬
‫قد ثكلت ُ‬

‫ه‬
‫ة تهم ُ‬
‫ت به جائش ٌ‬
‫جاش ْ‬

‫ن للفل َ يؤ ّ‬
‫مه‬ ‫قام إلى اب ِ‬

‫ه‬
‫م ُ‬
‫فغاب فيه يده ُ وك ّ‬

‫ه‬
‫م ُ‬
‫مي س ّ‬
‫ه نفسي وس ّ‬
‫ونفس ُ‬
‫) ‪(1/255‬‬

‫‪359‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فلما قتل الحية قال عمه إني عرضتك طمعا ً في أمر قد‬
‫ثنى الله عناني فارجع لزوجك لبنتي فل رجع جعل بشر‬
‫فمه فخرا ً حتى طلع أمرد كشق القمر على فرسه‬
‫مدججا ً في سلحه فقال بشر يا عم إني اسمع حس‬
‫صيد وخرج فإذا بغلم على قيد فقال ثكلتك أمك يا بشر‬
‫أن قتلت دودة وبهيمة تمل ما ضغنك فخرا ً أنت في‬
‫أمان إن سلمت عمك فقال بشر من أنت ل أم لك قال‬
‫اليوم السود والموت الحمر فقال بشر‪ :‬ثكلتك من‬
‫سلحتك فقال يا بشر ومن سلحتك وكر كل واحد منهما‬
‫على صاحبه فلم يتمكن بشر منه وأمكن الغلم‬
‫عشرون طعنة في كلية بشر كلما مسه شبا السنان‬
‫حماه عن بدنه إبقاء عليه‪ .‬ثم قال يا بشر كيف ترى‬
‫أليس لو أردت لطعمتك أنياب الرمح ثم ألقى رمحه‬
‫واستل سيفه فضرب بشرا ً عشرين ضربة بعرض‬
‫السيف ولم يتمكن بشر من واحدة ثم قال يا بشر سلم‬
‫عمك واذهب في أمان قال نعم ولكن على شريطة أن‬
‫تقول لي من أنت فقال أنا ابن المرأة التي دلتك على‬
‫ابنة عمك‪ :‬فقال بشر‪:‬‬
‫تلك العصا من هذه العصّيه‬

‫ة إل الحّية‬
‫هل تلد ُ الحي ّ ُ‬

‫وحلف ل ركب حصانا ً ول تزوج حصانا ً ثم زوج ابنة عمه‬


‫لبنه‪.‬‬
‫"الفن السادس في الروايات"‬
‫) ‪(1/256‬‬
‫‪360‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫الرواية عبارة عن ذكر قول أو فعل حدثا ً أو أمكن‬


‫حدوثهما وخواصها أربعة اليضاح واليجاز والمكان‬
‫والتلطف "فاليضاح" يكون بتقديم فرش للحديث‬
‫وتوطئة للخبر يقرب مأخذ الرواية وبمراعاة الترتيب‬
‫الطبيعي في إيراد ظروف الخبر ما لم يكن للراوي‬
‫غرض لتجاوز هذا النظام وبالعدول عن كثرة‬
‫الستطرادات في إنشاء الحديث لن ذلك يصرف العقل‬
‫عن سياق الرواية ويذهب برونقها "واليجاز" حذف‬
‫فضول وحشو الكلم مع انتقاء أخص الظروف وأنسبها‬
‫للغاية ول بأس بالطناب إذا ما دعا إليه مقتضى الحال‬
‫"والمكان" ترشيح الرواية للقبول في ذهن السامع‬
‫"والتلطيف" في الرواية أن يبلغ الكاتب كنه القلوب‬
‫ويأخذ بمجامع اللب بأن ينتقل فيها من حال إلى حال‬
‫لن النفس قد جلبت على محبة التحول وطبعت على‬
‫إيثار التنقل وللرواية ثلثة أجزاء صدرها وعقدتها‬
‫وختامها "فالصدر" التوطئة للواقع بحيث يقف السامع‬
‫على أسماء الشخاص وطباعهم وعلى مكان الواقع‬
‫وسوابق العمل "والعقدة" هي الجزء الذي على محوره‬
‫تدور الرواية وهو المجال الوسع الذي تتقابل الشخاص‬
‫وتشتبك الحوال وتضطرم في النفس لواعج الشوق‬
‫للوقوف على عاقبة المر متنقل من الرجاء إلى الخوف‬
‫ومن الفرح إلى الحزن‪.‬‬
‫"والختام" الجزء الخير من الرواية الذي به تفك الربة‬
‫وتحل رباق الحديث فتنال النفوس بذلك مرامها وتفوز‬
‫بوطرها وسمته أن يكون فجائيا ً مرتبطا ً مع ما قبله‬

‫‪361‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ارتباطا ً محكما ً وافيا ً بالمراد بحيث ترضى به النفوس‬
‫وترتاح إليه القلوب وشواهد الرواية كثيرة ل نطيل‬
‫بذكرها أفرادها الدباء بالتآليف العديدة ولنذكر هنا بعض‬
‫ملح ليستغني عنها المقام‪.‬‬
‫"رواية ليلى الخيلية مع الحجاج"‬
‫) ‪(1/257‬‬

‫قال بعضهم بينما كان الحجاج في مجلس ومعه عنبسة‬


‫بن سعد العاصي غذ دخل الحاجب فقال امرأة بالباب‬
‫فقال له الحجاج أدخلها فلما رآها الحجاج طأطأ رأسه‬
‫حتى ظننت لن ذقنه قد أصاب الرض فجاءت حتى‬
‫قعدت بين يديه فنظرت المرأة قد لسنت حسنة الخلق‬
‫ومعها جاريتان لها وإذا هي ليلى الخيلية فسألها الحجاج‬
‫عن نسبها فانتسبت له فقال لها يا ليلى ما أتى بك‬
‫فقالت أخلف النجوم وقلة الغيوم وكلب البرد وشدة‬
‫الجهد وكنت لنا بعد الله الرفد فقال لها صفي لنا‬
‫الفجاج‪ :‬فقالت الفجاج مغبرة‪ .‬والرض مقشعرة‬
‫والمبرك معتل وذو العيال مختل والهالك للقل والناس‬
‫مسنتون رحمة الله يرجون وأصابتنا سنون مجحفة‬
‫مبلطة لم تدع لنا هبعا ً ول ربعا ً ول عافطة ول نافطة‬
‫أذهبت الموال ومزقت الرجال وأهلكت العيال ثم قالت‬
‫ل‪ :‬قال هاتي فأنشأت تقول‪:‬‬ ‫إني قلت في المير قو ً‬
‫ل سلحك إّنما ال?‬ ‫ج ل يفل ْ‬
‫جا ُ‬
‫أح ّ‬

‫ف الله حيث يراها‬


‫?مَنايا بك ّ‬

‫‪362‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫أحجاج ل تعط العصاة مناهم‬

‫ول الله يعطي للعصاة مناها‬

‫إذا هبط الحجاج أرضا ً مريض ً‬


‫ة‬

‫تتّبع أقصى دائها فشفاها‬

‫داء العضال الذي بها‬


‫شفاها من ال ّ‬

‫م إذا هّز القناة سقاها‬


‫غل ٌ‬

‫ه‬
‫سقاها فرّواها يشرب سجال ِ‬

‫ل حيث مال حشاها‬


‫دماء رجا ٍ‬

‫ة‬
‫إذا سمع الحجاج رّز كتيب ٍ‬

‫أعد ّ لها قبل الّنزول قراها‬

‫ة فارسّية‬
‫أعد ّ لها مصقول ً‬

‫بأيدي رجال يحلبون صراها‬

‫ن مثله‬
‫فما ولد البكاُر والعو ُ‬

‫‪363‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ف تراها‬
‫ببحرٍ ول أرض يج ّ‬
‫) ‪(1/258‬‬

‫قال‪ :‬فلما قالت هذا البيت قال الحجاج قاتلها الله ما‬
‫أصاب صفتي شاعر منذ دخلت العراق غيرها ثم التفت‬
‫إلى عنبسة بن سعيد فقال والله إني لعد للمر عسى‬
‫أن ليكون أبدا ً ثم التفت إليها فقال حسبك قالت غني‬
‫قد قلت أكثر من هذا قال حسبك ويحك حسبك ثم قال‬
‫يا غلم اذهب إلى فلن فقل له اقطع لسانها فذهب بها‬
‫فقال له يقول لك المير اقطع لسانها قال فأمر بإحضار‬
‫الحجام فالتفتت ثكلتك أمك أما سمعت ما قال أنما‬
‫أمرك أن تقطع لساني بالصلة فبعث إليه يستثبته‬
‫فاستشاط الحجاج غضبا ً وهم بقطع لسانه وقال أرددها‬
‫فلما دخلت عليه قالت‪ :‬كاد "وأمانة الله" يقطع مقولي‬
‫ثم أنشأت تقول‪:‬‬
‫جاج أنت الذي ما فوقه أحد ٌ‬
‫ح ّ‬

‫صمد‬
‫ة والمستغفُر ال ّ‬
‫إل الخليف ُ‬

‫ت‬
‫ب إن لقح ْ‬
‫ب الحر ِ‬
‫ت شها ُ‬
‫حجاج أن َ‬

‫دجى يقد ُ‬
‫ت للناس نوٌر في ال ّ‬
‫وأن َ‬

‫ثم أقبل الحجاج على جلسائه فقال‪ :‬أتدرون من هذه‬

‫‪364‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قالوا ل والله أيها المير إنا لم نر قط أفصح لسانا ً ول‬
‫أحسن محاورة ول أملح وجها ً ول أرصن شعرا ً منها‬
‫فقال هذه ليلى الخيلية التي مات توبة الخفاجي من‬
‫حبها ثم التفت إليها فقال أنشدينا يا ليلى بعض ما قال‬
‫فيك توبة قالت نعم أيها المير الذي يقول‪:‬‬
‫ت قبلها‬
‫ن ليلى إذا م ّ‬
‫وهل تبكي َ‬

‫ح‬
‫وقام على قبري الّنساء الّنوائ ُ‬

‫ت ليلى بكيتها‬
‫كما لو اصاب المو ُ‬

‫وجاد لها دمعٌ من العين سافح‬

‫وأغب ُ‬
‫ط من ليلى بما ل أناله‬

‫ل ما ّقرت به العين طائح‬


‫بلى ك ّ‬

‫ولو أن ليلى الخيلية سّلمت‬

‫ي جندل وصفائح‬
‫ي ودون َ‬
‫عل ّ‬

‫لسّلمت تسلي َ‬
‫م البشاشة أوزقا‬

‫دى من جانب القبر صائح‬


‫إليها ص ّ‬
‫) ‪(1/259‬‬

‫‪365‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ثم قال لها سلي يا ليلى تعطي قالت أعط فمثلك‬
‫أعطى فأحسن قال لك عشرون قالت زد فمثلك زاد‬
‫فأجمل قال لك أربعون قالت زد فمثلك زاد فأكمل قال‬
‫لك ثمانون قالت زد فمثلك زاد فتمم قال لك مئة‬
‫واعلمي إنها غنم قالت معاذ الله أيها المير أنت أجود‬
‫جودا ً وأمجد مجدا ً وأورى زندا ً من أن تجعلها غنما ً قال‬
‫فما هي ويحك يا ليلى قالت مائة من البل برعاتها فأمر‬
‫لها بها ثم قال ألك حاجة بعدها حاجة بعدها قالت يدفع‬
‫إلي النابغة الجعدي قال قد فعلت وقد كانت تهجوه‬
‫ويهجوها فبلغ النابغة ذلك فخرج هاربا ً عائذا ً بعبد الملك‬
‫فاتبعته إلى الشام فهرب إلى قتيبة بن مسلم بخراسان‬
‫فاتبعته على البريد بكتاب الحجاج إلى قتيبة بقومس‬
‫ويقال بحلوان‪.‬‬
‫"رواية بنات الشاعر المقتول"‬
‫كان لشاعر عدو فبينما هو سائر ذات يوم في بعض‬
‫الطرق إذا هو يبعدوه فعلم الشاعر أن عدوه قاتله ل‬
‫محاله فقال له يا هذا أنا أعلم أن المنية قد حضرت‬
‫ولكن سألتك الله إذا أنت قتلتني أن امض إلى داري‬
‫وقف بالباب وقل "أل أيها البنتان أن أباكما" فقال سمعا ً‬
‫وطاعة ثم إنه قتله فلما فرغ من قتله أتى إلى داره‬
‫ووقف بالباب وقال‪" :‬أل أيتها البنتان أن أباكما" وكان‬
‫للشاعر ابنتان فلما سمعا قول الرجل "أل أيتها البنتان‬
‫أنا أباكما" أجابتاه بفم واحد "قتيل خذا بالثار ممن‬
‫أتاكما" ثم تعلقتا بالرجل ورفعتاه إلى الحاكم فاستقرره‬
‫فأقر بقتله فقتله‪.‬‬
‫"رواية المتكلمة بالقرآن الكريم"‬

‫‪366‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/260‬‬

‫قال عبد الله بن المبارك خرجت حاجا ً إلى ببت الله‬


‫الحرام وزيارة قبر نبيه عليه الصلة والسلم فبينما أنا‬
‫في بعض الطريق إذ أنا بسواد فتميزت ذاك فإذا هي‬
‫عجوز عليها درع من صوف وخمار من صوف فقلت‬
‫م قَوْل ً‬ ‫سل َ ٌ‬ ‫السلم عليك ورحمة الله وبركاته فقالت‪َ ) :‬‬
‫م( ]يس‪ [58 :‬قال فقلت لها يرحمك الله‬ ‫حي ٍ‬ ‫ب ّر ِ‬ ‫من ّر ّ‬ ‫ّ‬
‫ما‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫ما تصنعين في هذا المكان قالت‪) :‬وَ َ‬
‫هاٍد( ]العراف‪ [186 :‬فعلمت أنها ضالة عن‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫لَ ُ‬
‫ذي‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫الطريق فقلت لها أين تريدين قالت‪ُ ) :‬‬
‫أَ‬
‫جدِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ى ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫حَرام إ ِل َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫جد ِ ال ْ‬ ‫ِ‬ ‫س‬‫ْ‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ن ال ْ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫د‬ ‫ْ‬ ‫ب‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ى‬
‫َ َ‬ ‫ر‬ ‫س‬
‫ْ‬
‫صى( ]السراء‪ [1 :‬فعلمت أنها قد قضت حجها وهي‬ ‫القْ َ‬
‫تريد بيت المقدس فقلت لها أنت منذ كم في هذا‬
‫سوِي ًّا( ]مريم‪ [10 :‬فقلت ما‬ ‫ل َ‬ ‫ث ل ََيا ٍ‬ ‫الموضع قالت‪) :‬ث َل َ َ‬
‫ن(‬ ‫قي ِ‬ ‫س ِ‬ ‫مِني وَي َ ْ‬ ‫أرى معك طعاما ً تأكلين قال‪) :‬هُوَ ي ُط ْعِ ُ‬
‫م‬‫]الشعراء‪ [79 :‬فقلت فبأي شيء تتوضئين قالت‪) :‬فَل َ ْ‬
‫صِعيدا ً ط َّيبًا( ]النساء‪ [43 :‬فقلت لها‬ ‫موا ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫مآًء فَت َي َ ّ‬ ‫دوا ْ َ‬ ‫ج ُ‬ ‫تَ ِ‬
‫موا ْ‬ ‫أن معي طعاما ً فهل لك في الكل قال‪) :‬ث ُ َ‬
‫م أت ِ ّ‬ ‫ّ‬
‫ل( ]البقرة‪ [187 :‬فقلت ليس هذا شهر‬ ‫م إ َِلى اّللي ْ ِ‬ ‫صَيا َ‬ ‫ال ّ‬
‫م(‬ ‫شاك ٌِر ع َِلي ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫خْيرا ً فَإ ِ ّ‬ ‫من ت َط َوّع َ َ‬ ‫رمضان قالت‪) :‬وَ َ‬
‫]البقرة‪ [158 :‬فقلت قد أبيح لنا الفطار في السفر‬
‫م ت َعْل َُ‬ ‫خي ٌْر ل ّك ُْ‬ ‫موا ْ َ‬ ‫قالت‪) :‬و َ‬
‫ن( ]البقرة‪:‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ِإن ك ُن ْت ُْ‬ ‫صو‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫أن‬ ‫َ‬
‫ف ُ‬
‫ظ‬ ‫ما ي َل ْ ِ‬ ‫‪ [184‬فقلت لم ل تكلميني كما أكلمك قالت‪ّ ) :‬‬
‫د( ]ق‪ [18 :‬فقلت قمن أي‬ ‫ب ع َِتي ٌ‬ ‫ل إ ِل ّ ل َد َي ْهِ َرِقي ٌ‬ ‫من قَوْ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ن‬‫م إِ ّ‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫الناس أنت قالت‪) :‬وَل َ ت َْق ُ‬

‫‪367‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ؤو ً‬
‫ل(‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ن ع َن ْ ُ‬
‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ل ُأول َئ ِ َ‬ ‫ؤاد َ ك ُ ّ‬‫صَر َوال ُْف َ‬ ‫معَ َوال ْب َ َ‬
‫س ْ‬
‫ال ّ‬
‫]السراء‪ [36 :‬فقلت قد أخطأت فاجعليني في حل‬
‫ه ل َك ُ ْ‬
‫م(‬ ‫فُر الل ّ ُ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬
‫م ي َغْ ِ‬ ‫ب ع َل َي ْك ُ ُ‬‫ل ل َ ت َث َْري َ‬‫قالت‪َ) :‬قا َ‬
‫]يوسف‪ [92 :‬فقلت فهل لك أن أحملك على ناقتي‬
‫ما‬‫هذه فتدركي القافلة قالت‪) :‬وَ َ‬
‫) ‪(1/261‬‬

‫ه ( ]البقرة‪ [197 :‬قال فأنخت‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬‫خي ْرٍ ي َعْل َ ْ‬‫ن َ‬ ‫ت َْفعَُلوا ْ ِ‬
‫م ْ‬
‫م(‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫صا‬ ‫ب‬‫ل ل ّل ْمؤ ْمِنين يغُضوا ْ من أ َ‬ ‫ناقتي قالت‪) :‬قُ ْ‬
‫ِ‬
‫َ ِ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ْ‬ ‫ُ ِ َ َ ّ‬
‫]النور‪ [30 :‬فغضضت بصري عنها وقلت لها اركبي فلما‬
‫أرادت أن تركب نفرت الناقة فمزقت ثيابها فقالت‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م( ]الشورى‪:‬‬ ‫ديك ُ ْ‬ ‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫صيب َةٍ فَب ِ َ‬ ‫م ِ‬ ‫من ّ‬ ‫م ّ‬ ‫صاب َك ُ ْ‬‫مآ أ َ‬ ‫)وَ َ‬
‫ها‬ ‫‪ [30‬فقلت لها أبصري حتى أعلقها قالت‪) :‬فََفهّ ْ‬
‫مَنا َ‬
‫ن( ]النبياء‪ [79 :‬فعلقت الناقة وقلت لها اركبي‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫ُ‬
‫ما ك ُّنا‬‫ذا وَ َ‬ ‫خَر ل ََنا هَ َ‬ ‫س ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫فلما ركبت قالت‪ُ ) :‬‬
‫ن( ]الزخرف‪:‬‬ ‫منَقل ُِبو َ‬ ‫ى َرب َّنا ل َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن }‪ {13‬وَإ ِّنآ إ ِل َ‬ ‫مْقرِِني َ‬ ‫ه ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫‪ [14 ،13‬قال فأخذت بزمام الناقة وجعلت أسرع‬
‫من‬ ‫ض ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫ك َواغ ْ ُ‬ ‫شي ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫صد ْ ِفي َ‬ ‫وأصيح فقالت‪َ) :‬واقْ ِ‬
‫ك( ]لقمان‪ [19 :‬فجعلت أمشي رويدا ً رويدا ً وأترنم‬ ‫صوْت ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن(‬ ‫ن ال ُْقْرآ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سَر ِ‬ ‫ما ت َي َ ّ‬ ‫بالشعر فقالت‪َ) :‬فاقَْرُءوا ْ َ‬
‫]المزمل‪ [20 :‬فقلت لها لقد أوتيت خيرا ً كثيرا ً قالت‪:‬‬
‫ب( ]البقرة‪ [269 :‬فلما مشيت‬ ‫ِ‬ ‫ما ي َذ ّك ُّر إ ِل ّ أ ُوُْلوا ْ الل َْبا‬ ‫)وَ َ‬
‫مُنوا ْ ل َ‬ ‫ّ‬ ‫بها قليل ً قلت ألك زوج قالت‪) :‬يأ َ‬
‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ها‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ي‬ ‫َ‬
‫م( ]المائدة‪[101 :‬‬ ‫سؤ ْك ُْ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫إن‬ ‫َ‬ ‫ء‬‫يآ‬ ‫ْ‬
‫ش‬ ‫تسأ َُلوا ْ ع َن أ َ‬
‫ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ‬
‫فسكت ولم أكملها حتى أدركت بها القافلة فقلت لها‬

‫‪368‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ة‬
‫ن ِزين َ ُ‬‫ل َوال ْب َُنو َ‬‫ما ُ‬ ‫هذه القافلة فمن لك فيها فقالت‪) :‬ال ْ َ‬
‫حَياةِ الد ّن َْيا( ]الكهف‪ [46 :‬فعلمت أن لها أولدا ً فقلت‬ ‫ال ْ َ‬
‫م‬
‫جم ِ هُ ْ‬ ‫ت وَِبالن ّ ْ‬‫ما ٍ‬ ‫عل َ‬ ‫وما شأنهم في الحج قالت‪) :‬وَ َ‬
‫ن( ]النحل‪ [16 :‬فعلمت أنهم أدلء الركب‬ ‫دو َ‬ ‫ي َهْت َ ُ‬
‫فقصدت بها القباب والعمارات فقلت هذه القباب فمن‬
‫ل( ]النساء‪:‬‬ ‫خِلي ً‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫خذ َ الل ّ ُ‬
‫ه إ ِب َْرا ِ‬ ‫لك فيها قالت‪َ) :‬وات ّ َ‬
‫ى ت َك ِْليمًا( ]النساء‪[164 :‬‬ ‫س َ‬ ‫مو َ‬ ‫ه ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫‪) [125‬وَك َل ّ َ‬
‫ة( ]مريم‪ [12 :‬فناديت با ابراهيم‬ ‫ب ب ُِقوّ ٍ‬ ‫خذ ِ ال ْك َِتا َ‬ ‫ى ُ‬ ‫حي َ َ‬‫)ي َي َ ْ‬
‫يبا موسى يا يحيى فإذا أنا بشبان كأنهم القمار قد‬
‫أقبلوا فلما استقر بهم الجلوس قالت‪:‬‬
‫) ‪(1/262‬‬

‫دين َةِ فَل ْي َن ْظ ُْر أ َي َّهآ‬ ‫م ِ‬‫ى ال ْ َ‬‫َ‬


‫م هَذ ِهِ إ ِل َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ر‬
‫َْ ِ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫م‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ح‬‫َ‬
‫)َفابعُثوا ْ أ َ‬
‫َْ‬
‫ه( ]الكهف‪ [19 :‬فمضى‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أَ‬
‫من ُْ‬ ‫ق‬
‫ْ ِ ِ ٍ ّ‬‫ز‬‫ْ‬ ‫ر‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ك‬‫ِ‬ ‫ت‬ ‫أ‬‫َ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ف‬ ‫ا‬ ‫عام‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ى‬
‫َ‬ ‫ك‬ ‫ز‬
‫ْ‬
‫أحدهم فاشترى طعاما ً فقدموه بين يدي وقالت‪) :‬ك ُُلوا ْ‬
‫م ِفي الّيام ِ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ة( ]الحاقة‪:‬‬ ‫خال ِي َ ِ‬ ‫سل َْفت ُْ‬ ‫مآ أ ْ‬ ‫شَرُبوا ْ هَِنيئ َا ً ب ِ َ‬ ‫َوا ْ‬
‫‪ [24‬فقلت الن طعامكم علي حرام حتى تخبروني‬
‫بأمرها فقالوا هذه أمنا لها منذ أربعين سنة لم تتكلم إل‬
‫بالقرآن مخافة أن تزل فيسخط عليها الرحمن فسبحان‬
‫من‬ ‫ل الل ّهِ ي ُؤ ِْتيهِ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ك فَ ْ‬ ‫القادر على ما يشاء فقلت‪) :‬ذ َل ِ َ‬
‫م( ]الحديد‪.[21 :‬‬ ‫ظي ِ‬ ‫ل ال ْعَ ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ه ُذو ال َْف ْ‬ ‫شآُء َوالل ّ ُ‬ ‫يَ َ‬
‫تم بعون الله سبحانه وتعالى طبع "الجزء الول" من‬
‫كتاب "جواهر الدب" ويليه بمشيئته جل شأنه "الجزء‬
‫الثاني" وأوله الفن السابع في تاريخ أدب اللغة العربية‪.‬‬

‫‪369‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬
‫"الفن السابع في تاريخ أدب اللغة العربية"‬
‫) ‪(1/263‬‬

‫التاريخ‪ :‬هو معرفة أخبار الماضين وأحوالهم من حيث‬


‫معيشتهم‪ ،‬وسياستهم وأدبهم‪ ،‬ولغتهم‪.‬‬
‫والدب‪) :‬كل رياضة محمودة يتخرج بها النسان في‬
‫فضيلة من الفضائل(‪ .‬وهذه الرياضة كما تكون بالفعل‪،‬‬
‫وحسن النظر‪ ،‬والمحاكاة‪ ،‬تكون بالقوال الحكيمة التي‬
‫تضمنتها لغة أي أمة‪.‬‬
‫واللغة‪ :‬ألفاظ يعبر بها كل قوم عن أغراضهم وهي من‬
‫الوضاع البشرية وأدب لغة أي أمة هو ما أودع في‬
‫شعرها ونثرها من نتائج عقول أبنائها وصور أخيلتهم‬
‫وطباعهم‪ :‬مما شأنه أن يهذب النفس‪ ،‬ويثقف العقل‪،‬‬
‫ويقوم اللسان‪.‬‬
‫وتاريخ أدب اللغة‪ :‬هو العلم الباحث عن أحوال اللغة‪:‬‬
‫نثرها ونظمها في عصورها المختلفة‪ ،‬وعما كان لنابغيها‬
‫من التأثير البين فيها‪.‬‬
‫واللغة العربية‪ :‬إحدى اللغات السامية‪ .‬وهي لغة أمة‬
‫العرب القديمة العهد الشائعة الذكر التي كانت تسكن‬
‫الجزيرة المنسوبة إليها في الطرف الغربي من آسيا‪.‬‬
‫وهذه المة‪ :‬منها القدماء‪ ،‬وهم الذين يسكنون تلك‬
‫الجزيرة وينطقون باللغة العربية سليقة وطبعًا‪ ،‬وهم‬
‫ثلث طبقات‪ :‬أولها العرب البائدة وهؤلء لم يصل إلينا‬
‫شيء صحيح من أخبارهم إل ما قصه الله علينا في‬

‫‪370‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وإل ما جاء في الحديث النبوي‪ .‬ومن‬
‫أشهر قبائلهم طسم‪ ،‬وجديس وعاد‪ ،‬وثمود وعمليق‪.‬‬
‫وثانيهما العرب العاربة‪ :‬وهم بنو قحطان الذين اختاروا‬
‫اليمن منازل لهم‪ .‬ومن أمهات قبائلهم كهلن‪ ،‬وحمير‪.‬‬
‫وثالثتها العرب المستعربة‪ :‬وهو بنو اسماعيل الطارئون‬
‫على القحطانين‪ ،‬والممتزجون بهم لغة ونسبًا‪.‬‬
‫والمعرفون بعج بالعدنانيين‪ ،‬ومن أمهات قبائلهم ربيعة‪،‬‬
‫ومضر‪ ،‬وإياد‪ ،‬وأنمار‪.‬‬
‫ومنها المحدثون‪ :‬وهم سلئل هؤلء القوام الممتزجون‬
‫بسلئل غيرهم والمنتشرون بعد السلم في بقاع‬
‫الرض من المحيط الخضر )الطلنطي( إلى ما وراء‬
‫بحر فارس ودجلة‪ ،‬ومن أعالي النهرين إلى ماوراء‬
‫جاوه وسومطرة‪.‬‬
‫"عصور اللغة العربية وآدابها"‬
‫) ‪(1/264‬‬

‫لما كان تاريخ أي أمة وأدبها يرتبط كل الرتباط‬


‫بالحوادث السياسية والدينية والجتماعية التي تقع بين‬
‫ظهراني هذه المة‪ ،‬ناسب تقسيم تاريخ أدب اللغة‬
‫خمسة أعصر‪ :‬الول‪ :‬عصر الجاهلية‪ :‬وينتهي بظهور‬
‫السلم ومدته نحو خمسين ومائة سنة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬عصر صدر السلم‪ ،‬ويشمل بني أمية ويبتدئ‬
‫بظهور السلم وينتهي بقيام دولة بني العباس سنة )‬
‫‪132‬ه?(‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬عصر بني العباس‪ :‬ويبتدئ بقيام دولتهم‪ ،‬وينتهي‬

‫‪371‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بسقوط بغداد في أيدي التتار سنة )‪656‬ه?(‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬عصر الدول التركية‪ :‬ويبتدئ بسقوط بغداد‪،‬‬
‫وينتهي بمبدأ النهضة الخيرة سنة )‪1220‬ه?(‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬عصر النهضة الخيرة‪ :‬ويبتدئ من حكم‬
‫السرة المحمدية العلوية بمصر‪ ،‬ويمتد إلى وقتنا هذا‪.‬‬

‫"العصر الول عصر الجاهلية"‬


‫"حالة اللغة وآدابها في ذلك العصر"‬
‫) ‪(1/265‬‬

‫لغة العرب من أغنى اللغات كلما‪ ،‬وأعرقها قدمًا‪،‬‬


‫وأوسعها لكل ما يقع تحت الحس‪ ،‬أو يجول في‬
‫الخاطر‪ :‬من تحقيق علوم‪ ،‬وسن قوانين وتصوير خيال‪،‬‬
‫وتعيين مرافق‪ :‬وهي على هندمة وضعها‪ ،‬وتناسق‬
‫أجزائها لغة قوم أميين‪ ،‬ول عجب أن بلغت تلك المنزلة‪،‬‬
‫من بسطة الثروة‪ ،‬وسعة المدى إذا كان لها من عوامل‬
‫النمو‪ ،‬ودواعي البقاء والرقي‪ ،‬ما قلما يتهيأ لغيرها وما‬
‫رواه لنا منها أئمة اللغة وجاء به القرآن الكريم‬
‫والحديث النبوي هو نتيجة امتزاج لغات الشعوب التي‬
‫سكنت جزيرة العرب ول شك في أن من أسباب‬
‫امتزاج هذه اللغات ما يأتي‪ 1 :‬هجرة القحطانين إلى‬
‫جزيرة العرب ومخالطتهم فيها العرب البائدة باليمن ثم‬
‫تمزقهم في بقاع الجزيرة كل ممزق بظلمهم وتخرب‬
‫بلدهم بسيل العرم‪ 2 .‬هجرة اسماعيل عليه السلم‬
‫إلى جزيرة العرب واختلطه وبينه بالقحطانين‬

‫‪372‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بالمصاهرة والمجاورة والمحاربة والمتاجرة‪ :‬وأظهر‬
‫مواطن هذا المتزاج مشاعر الحج والسواق التي كانت‬
‫تقيمها العرب في أنحاء بلدها‪ ،‬ومن هذه السواق‬
‫عكاظ ومجنة وذو المجاز‪.‬‬
‫وأهمها سوق عكاظ‪ :‬وكانت تقام من أول ذي العقدة‬
‫إلى اليوم العشرين منه‪ .‬وأقيمت تلك السوق بعد عام‬
‫الفيل بخمس عشرة سنة وبقيت إلى ما بعد السلم‬
‫حتى سنة تسع وعشرين ومائة‪ .‬وكان يجتمع بهذه‬
‫السوق أكثر أشراف العرب للمتاجرة‪ ،‬ومفاداة السرى‬
‫والتحكيم في الخصومات وللمفاخرة بالشعر والخطب‬
‫في الحسب والنسب والكرم والفصاحة والجمال‬
‫والشجاعة وما شاكل ذلك‪ .‬وكان من اشهر المحكمين‬
‫بها في الشعر النابغة الذبياني‪ .‬ومن أشهر خطبائها قس‬
‫بن ساعدة اليادي‪ .‬وقد لهج الشعراء بذكرها في‬
‫شعرهم‪ .‬وحضرها منهم الرجال والنساء‪.‬‬

‫كلم العرب‬
‫) ‪(1/266‬‬

‫الغرض من كلم العرب كغيره البانة عما في النفس‬


‫من الفكار ليكون مدعاة إلى المعاونة والمعاضدة‪.‬‬
‫وذريعة إلى تسهيل أعمال الحياة‪.‬‬
‫ولما كانت هذه الفكار ل تزال متجددة غير متناهية‪.‬‬
‫كانت صور الكلم المبين عنها ل تزال كذلك متجددة‬
‫خاضعة لقوى الختراع والبتداع وأنواع النشاء والتأليف‬

‫‪373‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫على حسب ما يقتضيه المقام فقد تصل صورة الكلم‬
‫إلى الغاية القصوى في البلغة‪ ،‬وقد تنحط صورة‬
‫العبارة إلى الدرك السفل من البانة‪ .‬بحيث لو انحطت‬
‫عن ذلك لكانت عند الدباء بأصوات الحجماوات أشبه‪،‬‬
‫وبين الحالين مراتب‪ ،‬وجل بحث علم الدب وتاريخه‬
‫في التفاوت بين هذه المراتب ورجالها‪.‬‬
‫وكلم العرب بمراتبه‪ :‬العليا والدنيا وما بينهما تعتوره‬
‫كغيره أحوال تتغير بتغير حياة أهله العقلية والمعاشية‬
‫والدينية‪ ،‬وتلك الحوال تتمثل في "أغراض اللغة‪،‬‬
‫ومعانيها‪ ،‬وعباراتها"‪.‬‬
‫أغراض اللغة في الجاهلية‬
‫‪ 1‬كانت اللغة تستعمل في أغراض المعيشة البدوية‪،‬‬
‫ووصف مرافقها من حل وترحال‪ ،‬وانتجاع كل‪.‬‬
‫واستدرار غيث‪ .‬واستنتاج حيوان‪.‬‬
‫‪ 2‬وفي غثارة المنازعات والمشاحنات‪ ،‬وما يتبعها من‬
‫الحض على إدراك الثأر‪ .‬والتفاخر بالنتصار‪ ،‬والتباهي‬
‫بكرم الصل والنجار‪.‬‬
‫‪ 3‬شرح حال المشاهدات والكيفيات والخبار عن‬
‫الوقائع والقصص وغير ذلك‪.‬‬

‫معاني اللغة في الجاهلية‬


‫تجمل معاني اللغة )‪ (1‬في قصر معاني المفردات على‬
‫ما تقتضيه البداوة والفطرة الغضة الخالية من تكلف‬
‫أهل الحضر وتأنقهم )‪ (2‬وفي انحصار أحكامهم في‬
‫)الخبر( ومطالبهم عن )النشاء( إما في التعقل‬
‫المستنبط من الحس والمشاهدة أو الطبيعة أو التجربة‬

‫‪374‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أو الوجدان‪ .‬من غير مبالغة ول إغراق‪ .‬وإما في التخيل‬
‫المنتزعة صوره من المحسوسات بحيث ل تخرج عن‬
‫المكان العقلي والعادي‪.‬‬
‫عبارة اللغة في الجاهلية‬
‫) ‪(1/267‬‬

‫تلخص أحوال العبارة في الجاهلية فيما يأتي‪1 :‬‬


‫استعمال اللفاظ في معانيها الوضعية‪ .‬أو معان مناسبة‬
‫للمعنى الصلي بطريق المجاز الذي قد يصبح بعد قليل‬
‫وضعا ً جديدًا‪.‬‬
‫‪ 2‬كثرة استعمال المترادف‪ ،‬وقلة العجمي المعبر عنه‬
‫بالمعرب‪ ،‬وخلو الكلم العربي من اللحن‪ ،‬وغلبة اليجاز‬
‫عليه كما تراه واضحا ً في شعرهم‪.‬‬
‫‪ 3‬إرسال الساليب الكلمية على حسب ما تقتضيه‬
‫البلغة بدون تكلف‪.‬‬
‫تقسيم كلم العرب‬
‫ينقسم كلم العرب قسمين‪ :‬نثرا ً ونظمًا‪ .‬فالنظم هو‬
‫الموزون المقفى‪ .‬والنثر ما ليس مرتبطا ً بوزن ول‬
‫قافية‪.‬‬
‫النثر المحادثة الخطابة الكتابة‬
‫الصل في الكلم أن يكون منثورًا‪ :‬لبانته مقاصد‬
‫النفس بوجه أوضح وكلفة أقل وهو غما حديث يدور بين‬
‫بعض الناس وبعض في إصلح شؤون المعيشة‪.‬‬
‫واجتلب ضروب المصالح والمنافع وذلك ما يسمى‬
‫)المحادثة( أو "لغة التخاطب"‪ .‬وإما خطاب من فصيح‬

‫‪375‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫نابه الشأن يلقيه على جماعة في أمر ذي بال‪ .‬وهذا ما‬
‫يسمى "الخطابة"‪ .‬وإما كلم نفسي مدلول عليه‬
‫بحروف ونقوش لرادة عدم التلفظ به‪ .‬أو لحفظه‬
‫للخلف‪ .‬أو لبعد الشقة بين المتخاطبين‪ .‬وذلك ما‬
‫يسمى )الكتابة(‪ .‬إذن فأقسام النثر ثلثة‪ .‬محادثة‪.‬‬
‫خطابة‪ .‬وكتابة وكلها إما أن تكون كلما ً خاليا ً من التزام‬
‫التقفيه في أواخر عباراته‪ :‬وذلك ما يسمى "النثر‬
‫المرسل" وإما أن تكون قطعا ً ملتزما ً في آخر كل‬
‫فقرتين منها أو أكثر قافية واحدة‪ .‬وهذا ما يسمى‬
‫"السجع" وهو نوع من الحلية اللفظية إذا جاء عفوا ً ولم‬
‫يتعمد التزامه‪ .‬ولحسن وقعه في السماع‪ .‬وحوكه‬
‫وتأثيره في الطباع كان اكثر ما يستعمل في الخطابة‪.‬‬
‫والمثال‪ .‬والحكم‪ .‬والمفاخرات‪ .‬والمنافرات‪.‬‬
‫المحادثة أو لغة التخاطب‬
‫) ‪(1/268‬‬

‫لغة التخاطب عند عرب الجاهلية بعد أن توحدت لغاتها‬


‫هي اللغة المعربة المستعملة في شعرها وخطبها‬
‫وكتابتها‪ .‬ول فرق بينها في البلغة إل بقدر ما تستدعيه‬
‫حال الخطابة والشعر والكتابة‪ :‬من نبالة الموضوع‬
‫والتأنق في العبارة‪.‬‬
‫وأكثر ما وصل إلينا منها كان شريف المعنى‪ .‬فصيح‬
‫اللفظ‪.‬‬
‫الخطابة‬
‫لما كان جل العرب في جاهليتها قبائل متبدية‪ .‬ليربطها‬

‫‪376‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قانون عام‪ .‬ول تضبطها حكومة منظمة‪ .‬ومن شأن‬
‫المعيشة البدوية شن الغارات لوهى السباب‪.‬‬
‫والمدافعة بالنفس عن الروح والعرض والمال‪.‬‬
‫والمباهاة بقوة العصبية وكرم النجار وشرف الخصال‪.‬‬
‫وللقول في ذلك أثر ل يقل عن الصول‪ :‬كانت الخطابة‬
‫لهم ضرورية‪ .‬وفيهم فطرية‪ .‬وإنما لم تصل إلينا أخبار‬
‫خطبائهم الوائل‪ .‬وشيء من خطبهم كما كان ذلك في‬
‫الشعر‪ .‬لحفلهم قديما ً بالشعر دون الخطابة‪ .‬ولصعوبة‬
‫حفظ النثر‪.‬‬
‫وما عني الرواة بنقل أخبار الخطباء إل عندما حلت‬
‫الخطابة بعد منزلة أسمى من الشعر‪ .‬لبتذاله بتعاطي‬
‫السفهاء والعامة له‪ .‬وتلوثهم بالتكسب به والتعرض‬
‫للحرم‪ .‬فنبه بذلك شأن الخطابة‪ .‬واشتهر بها الشراف‬
‫وكان لكل قبيلة خطيب كما كان لكل قبيلة شاعر‪.‬‬
‫وأكثر ما كانت الخطابة في التحريض على القتال‪.‬‬
‫والتحكيم في الخصومات وإصلح ذات البين‪ .‬وفي‬
‫المفاخرات‪ .‬والمنافرات‪ .‬والوصايا وغير ذلك‪.‬‬
‫وكان من عادة الخطيب في غير خطب الملك‬
‫والتزويج أن يخطب قائما ً أو على نشر ومرتفع من‬
‫الرض أو على ظهر راحلته‪ .‬لبعاد مدى الصوت‪،‬‬
‫والتأثير بشخصه وإظهار ملمح وجهه وحركات جوارحه‬
‫ول غنى له عن لوث وعصب العمامة والعتماد على‬
‫مخصرة أو عصا أو قناة أو قوس وربما أشار بإحداها أو‬
‫بيده‪.‬‬
‫وخطباء العرب كثيرون )من أقدمهم( كعب بن لؤي‬
‫)وكان ذا نفوذ عظيم من قومه حتى أكبروا موته( وذو‬

‫‪377‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الصبع العدواني وهو حرثان بن محرث‪.‬‬
‫)ومن أشهلرهم( قيس بن خارجة بن سنان خطيب‬
‫حرب داحس والغبراء‪ .‬وخويلد بن عمرو الغطفاني‬
‫خطيب يوم الفجار وقس بن ساعدة اليادي خطيب‬
‫) ‪(1/269‬‬

‫عكاظ‪ .‬وأكثم بن صيفي زعيم الخطباء الذين أوفدهم‬


‫النعمان عهلى كسرى‪ :‬وهم أكثم بن صيفي وحاجب بن‬
‫زرارة التميميان والحارث بن عباد وقيس بن مسعود‬
‫البكريان وخالد بن جعفر وعلقمة بن علثة‪ ،‬وعامر بن‬
‫الطفيل العامريون‪ ،‬وعمرو بن الشريد السلمي‪ ،‬وعمرو‬
‫بن معد يكرب الزبيدي‪ ،‬والحارث بن ظالم المري(‪.‬‬
‫قس بن ساعدة اليادي‬
‫هو خطيب العرب قاطبة‪ ،‬وللمضروب به المثل في‬
‫البلغة والحكمة كان يدين بالتوحيد‪ ،‬ويؤمن بالبعث‪،‬‬
‫ويدعو العرب إلى نبذ العكوف على الوثان ويرشدهم‬
‫إلى عبادة الخالق‪ :‬ويقال إنه أول من خطب على‬
‫شرف وأول من قال في خطبه "أما بعد" وأول من اتكأ‬
‫على سيف أو عصا في خطابته‪ ،‬وكان الناس يتحاكمون‬
‫إليه وهو القائل "البينة على من ادعى‪ ،‬واليمين على‬
‫من أنكر"‪ ،‬وسمعه النبي ) قبل البعثة يخطب في عكاظ‬
‫فأثنى عليه وعمر قس طويل ً ومات قبيل البعثة‪ :‬ومن‬
‫خطبه خطبته التي خطبها في سوق عكاظ وهي‪ :‬أيها‬
‫الناس اسمعوا وعوا‪ ،‬من عاش مات‪ ،‬ومن مات فات‪:‬‬
‫وكل ما هو آت آت‪ ،‬ليل داج ونهار ساج وسماء ذات‬

‫‪378‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أبراج‪ ،‬ونجوم تزهر‪ ،‬وبحار تزخر وجبال مرساه‪ ،‬وأرض‬
‫مدحاه وأنهار مجراه‪ ،‬إن في السماء لخبرا وإن في‬
‫الرض لعبرا ما بال الناس يذهبون ول يرجعون أرضوا‬
‫فأقاموا؟ أم تركوا فناموا؟ يقسم قس بالله قسما ً ل‬
‫إثم فيه إن لله دينا ً هو أرضى لكم وأفضل من دينكم‬
‫الذي انتم عليه‪ ،‬إنكم لتأتون من المر منكرًا‪ :‬ويروى أن‬
‫قسما ً أنشأ بعد ذلك يقول‪:‬‬
‫في ال ّ‬
‫ذاهبين الّول?‬

‫?ين من القرون لنا بصائر‬


‫ما رأيت موردًا=للموت ليس لها مصادر‬
‫ل ّ‬
‫ي نحوها‬‫ورأيت قوم َ‬

‫تمضي الكابَر والصاغر‬

‫ي‬
‫ليرجع الماضي إل ّ‬

‫م ول من الباقين غابر‬

‫أيقنت أني ل مح?‬

‫م صائر‬
‫?الة حيث صار القو ُ‬
‫?أكثم بن صيفي‬
‫) ‪(1/270‬‬

‫‪379‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫هو أعرف الخطباء بالنساب وأكثرهم ضرب أمثال‬
‫وإصابة رأي وقوة حجة وقل من جاره من خطباء‬
‫عصره وهو زعيم الخطباء الذين أوفدهم النعمان على‬
‫كسرى ولقد بلغ من إعجابه به أن قال له‪ :‬لو لم يكن‬
‫للعرب غيرك لكفى‪ :‬وقد عمر طويل ً حتى أدرك مبعث‬
‫النبي ) وجمع قومه وحثهم على اليمان به‪ ،‬وفي‬
‫إسلمه روايات‪ ،‬وكان في خطبه قليل المجاز حسن‬
‫اليجاز حلو اللفاظ دقيق المعاني مولعا ً بالمثال "راجع‬
‫خطبته في فن المناظرات"‪.‬‬
‫الكتابة‬
‫) ‪(1/271‬‬

‫يراد بالكتابة عند الدباء صناعة إنشاء الكتب والرسائل‬


‫وإذ كانت الكتابة بهذا المعنى تؤدى بالنقوش المسماة‬
‫بالخط فأول خلقة من سلسلة الخط العربي هي الخط‬
‫المصري القديم ومنه اشتق الخط الفينيقي ومن هذا‬
‫اشتق الرامي والمسند بأنواعه‪ :‬الصفوي والثمودي‬
‫والليحاني شمالي جزيرة العرب والحميري جنوبيها‬
‫ورواة العرب يقولون إنهم أخذوا خطهم الحجازي عن‬
‫أهل الحيرة والنبار‪.‬‬
‫أما الكتابة‪ :‬بمعنى إنشاء الكتب والرسائل فهي لزمة‬
‫لكل أمة متحضرة ذات حكومة منظمة ودواوين‬
‫متعددة‪ :‬وقد كان بعض ذلك موفورا ً في ممالك التبابعة‬
‫جنوبا ً ومأثورا ً عن ممالك المناذرة والغساسنة شما ً‬
‫ل‪،‬‬
‫ولذلك استعمل الخط المسند الحميري عند الولين من‬

‫‪380‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عهد مديدي والنباري الحيري عند الخرين وإنما لم‬
‫يصل إلينا شيء من رسائل تلك المم ول من كتب‬
‫فنونها ودينها غير قليل عثر عليه لتقادم عهد أهلها‬
‫وعدم استكمال البحث بعد في بلدها‪.‬‬
‫ولم يعرفنا التاريخ أيضا ً بأحد من كتاب هذه الصناعة إل‬
‫"بعدي بن ويد العبادي" الذي كان كاتبا ً ومترجما ً عند‬
‫كسرى‪.‬‬
‫أما البدو‪ :‬من سكان أواسط الجزيرة وهم جمهور مضر‬
‫وبعض القحطانيين فكانوا أميين ومن المعقول أنهم لم‬
‫يعرفوا الكتابة النشائية إل بعد عرفوا الخط آخر عصور‬
‫الجاهلية وهو مانقل عنهم فيه‪ :‬أنهم كانوا يكتبون في‬
‫بدء رسائلهم باسمك اللهم ومن فلن إلى فلن وأما‬
‫بعد‪ :‬ولم تقم لهم دولة بالمعنى السابق إل بقيام‬
‫السلم فهو الذي أفشى فيهم الخط والكتابة‪.‬‬
‫ولما كانت علوم كل أمة لها الثر العظيم في تكوين‬
‫فكر الديب وخيال الشاعر وكانت كتابتها قسما ً قائما ً‬
‫بنفسه يسمى كتابة التدوين ناسب شرح ذلك‪.‬‬

‫علوم العرب وفنونها‬


‫) ‪(1/272‬‬

‫العلوم والصناعات لزمة لحضارة المم ومن العرب‬


‫أهل حضارة دلت عليها دولهم العظيمة وقدم تاريخهم‬
‫وآثارهم الخالدة وهم التبابعة فيل اليمن والمناذرة‬
‫والغساسنة في الشمال وإذا ً تكون هندسة إرواء الرض‬

‫‪381‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وعمارة المدن والحساب والطب والبيطرة والزراعة‬
‫ونحوها معروفة في الجنوب والشمال مدونة في الكتب‬
‫وإن لم يحفظ لنا الدهر صورا ً منها‪ :‬أما البدو منهم وإن‬
‫كانوا أميين يمقتون الصناعات فل غنى لهم عن تجربة‬
‫ترشدهم إلى ما ينفعهم ليعرفوا متى تجود السماء وبم‬
‫يتميز القرباء من البعداء فكسبهم ذلك علم النجوم‬
‫والطب الضروري والنساب والخبار ووصف الرض‬
‫والفراسة والعيافة والقيافة والكهانة والعرافة والزجر‬
‫وقرض الشعر‪.‬‬
‫علم النجوم‪ :‬هو معرفة أحوال الكواكب وقد كانوا أبرع‬
‫في هذا العلم منهم في كل علم سواه‪ ،‬تعرفه عامتهم‬
‫قبل خاصتهم للهتداء به من ظلمات البر والبحر‪،‬‬
‫ومعرفة أزمنة الخصب والمحل‪ ،‬وبعض معارفهم فيه‬
‫مستمد من الكلدان لختلطهم بهم ولتفاق اللغتين في‬
‫كثير من أسماء الكواكب والبروج ومن أشهرهم فيه‬
‫)بنو حارثة بن كلب وبنو مرة بن همام الشيباني(‪.‬‬
‫الطب النساني والحيواني )البيطرة( وقد عاناه من‬
‫الغرب كثيرون ومن مشوريهم )الحارث بن كلدة‬
‫الثقفي وابن حذيم التيمي(‪.‬‬
‫النساب‪ :‬علم تتعرف به القرابات التي بين بعض‬
‫القبائل وبعض فتلحق فروعها بأصولها وإنما دعاهم إلى‬
‫العناية به حاجتهم إلى التناصر بالعصبية لكثرة حروبهم‬
‫وتفرق قبائلهم وأنفتهم من أن يكون لغريب عنهم‬
‫سلطان عليهم وحبهم الفتخار بأسلفهم وممن اشتهر‬
‫بمعرفة أنساب العرب )دغفل بن حنظلة الشيباني وزيد‬
‫بن الكيس النمري وابن لسان الحمرة( ولهذا كانوا‬

‫‪382‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫يحفظون‪.‬‬
‫الخبار والتاريخ والقصص‪ :‬هي معرفة أحوال السابقين‬
‫وكانوا يعرفون منها ما كان عليه أسلفهم وبعض‬
‫مجاوريهم من الحوال المأثورة ووقائع أيامهم‬
‫المشهورة كقصة الفيل وحرب البسوس وحرب الفجار‪.‬‬
‫وصف الرض‪ :‬هو معرفة كل بقعة وما يجاورها وكيف‬
‫) ‪(1/273‬‬

‫يهتدي إليها‪.‬‬
‫ومن قرأ شعر العرب في نسيبهم واطلع على وصفهم‬
‫وكيف كانوا يحددون الحقير منها بحدود قلما تحد به‬
‫مملكة عظيمة عرف شدة حذقهم بمعرفة بلدهم‪.‬‬
‫الفراسة‪ :‬هي الستدلل بهيئة النسان وشكله ولونه‬
‫وقوله على أخلقه وفضائله ورزائله وقد نبغ فيها من‬
‫العرب من ليحصى عددهم ولهم في ذلك نوادر شتى‪.‬‬
‫القيافة‪ :‬ضرب من الفراسة وهي الهتداء بآثار القدام‬
‫على أربابها أو الستدلل بهيئة النسان وأعضائه على‬
‫نسبه فقد كانوا يميزون بين أثر الرجل والمرأة والشيخ‬
‫والشاب العمى والبصير والحمق والكيس وإذا نظروا‬
‫عدة أشخاص ألحقوا البن بأبيه والخ والقريب بقريبه‬
‫وعرفوا الجنبي من بينهم وممن اشتهر بالقيامفة )بنو‬
‫مدلج وبنو لهب(‪.‬‬
‫الكهانة والعرافة‪ :‬وهما القضاء بالغيب وربما خصت‬
‫الكهانة بالمور المستقبلة والعرافة بالماضية وطريقهم‬
‫في ذلك الستدلل ببعض الحوادث الخالية على‬

‫‪383‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الحوادث التية لما بينهما من المشابهة الخفية‪ :‬وللعرب‬
‫في الكهان اعتقاد عريض لزعمهم أنهم يعلمون الغيب‬
‫فيرفعون إليهم أمورهم للستشارة ويستفسرهم عن‬
‫الرؤى ويستطبونهم في أمراضهم وممن اشتهر من‬
‫الكهان )شق أتمار وسطيح الذئبي( ومن الكواهن‬
‫)طريفة الخير ولسمى الهمذانية( ومن العرافين‬
‫)عراف نجد‪ :‬البلق السدي‪ ،‬وعراف اليمامة رباح بن‬
‫عجلة(‪.‬‬
‫الزجر‪ :‬وهو الستدلل بأصوات الحيوان وحركاته وسائر‬
‫أحواله على الحوادث بقوة الخيال والسترسال فيه‬
‫ومن أشهر الزجارين‪ :‬بنو لهبر وأبو ذؤيب الهذلي ومرة‬
‫السدي‪.‬‬
‫ومن العرب من لم يعبأ بالزجر وما شاكله كلبيد بن‬
‫ربيعة القائل‪:‬‬
‫لعمرك ما تدري الطوراقُ بالحصى‬

‫ع‬
‫ت الطير ما الله صان ُ‬
‫ول زاجرا ُ‬

‫وكضابئ بن الحارث القائل‪:‬‬


‫ت الطير تدني من الفتى‬‫وما عاجل ُ‬

‫ب‬ ‫نجاحا ً ول عن ريثه ّ‬


‫ن يخي ُ‬

‫ب أمورٍ ل تضيرك ضيرة‬


‫وُر ّ‬

‫ب‬
‫ن وجي ُ‬
‫وللقلب من مخشاته ّ‬

‫‪384‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ول خير فيمن ليو ّ‬


‫طن نفسه‬

‫ب‬
‫على نائبات الدهر حين تنو ُ‬
‫) ‪(1/274‬‬

‫النظم والشعر والشعراء‬


‫النظم عرفه العروضيون بأنه الكلم الموزون المقفى‬
‫قصدا ً ويرادفه الشعر عندهم‪ :‬أما المحققون من الدباء‬
‫فيخصون الشعر بأنه الكلم الفصيح الموزون المقفى‬
‫المعبر غالبا ً عن صور الخيال البديع‪ .‬وإذا كان الخيال‬
‫أغلب مادته أطلق بعض العرب تجوزا ً لفظ الشعر على‬
‫كل كلم تضمن خيال ً ولو لم يكن موزونا ً مقفى‪ ،‬ولجريه‬
‫وفق النظام الممثل في صورة الوزن والتقفية كان‬
‫تأثيره في النفس من قبيل إثارة الوجدان والشعور‬
‫لبسطا ً وقبضا ً وترغيبا ً وترهيبا ً ل من قبيل إقناع الفكر‬
‫بالحجة الدامغة والبرهان العقلي‪ ،‬ولذلك يجمل أثره في‬
‫إثارة العواطف وتصوير أحوال النفس ل في الحقائق‬
‫النظرية‪ ،‬ول ريب أن النفس ترتاع بصور المحسوس‬
‫الباهر وما انتزع منه من الخيال الجلي لخفة مؤونته‬
‫عليها وإراحته لها من المعاناة والكد‪ ،‬فكيف إذا انضم‬
‫إلى ذلك نغم الوزن والقافية الشديد الشبه بتأثير‬
‫اليقاع والتلحين الذي يطرب له الحيوان فضل ً عن‬
‫النسان‪ ،‬والعرب بفطرتهم مطبوعين على الشعر‬
‫لبداوتهم‪ .‬وملمة بيئتهم لتربية الخيال‪ ،‬فالبدوي لحريته‬

‫‪385‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫واستقلله بأمر نفسه يغلب على أحكامه الوجدان‪،‬‬
‫ويسلك إليه من طريق الشعور‪ ،‬ومعيشة البدوي فوق‬
‫أرض نقية التربة وتحت سماء صافية الديم‪ ،‬ساطعة‬
‫الكواكب‪ ،‬ضاحية الشمس‪ ،‬جلت لحسه مناظر الوجود‪،‬‬
‫وعوالم الشهود فكان لخياله من ذلك مادة ليغور‬
‫ماؤها‪ ،‬ول ينضب معينها‪ ،‬فهام بها في كل واد وأفاض‬
‫منها إلى كل مراد‪ ،‬وكان له من لغته وفصاحة لسانه‬
‫أقوى ساعد‪ ،‬وأكبر معاضد‪ .‬ويشعر النسان بطبعه أن‬
‫الشعر متأخر في الوجود عن النثر وإن كانت واسطة‬
‫بين النثر والشعر‪ ،‬فليست إل السجع لما فيه من‬
‫معادلة الفقر‪ ،‬والتزام القافية والميل إى التغني به‬
‫فكان من ذلك المقطعات والراجيز الصغيرة‪ ،‬يحدون‬
‫بها البل‪ ،‬ويعدون بها المكارم ثم لما تمت ملكة الشعر‬
‫فيهم‪ ،‬واتسعت أغراضه أمامهم‪ ،‬نوعوا الوزان وأطالوا‬
‫القوافي‪ ،‬وقصدوا القصيد‪.‬‬
‫وقد خفي علينا‬
‫) ‪(1/275‬‬

‫"كأكثر المم" مبدأ قول الشعر‪ ،‬وأول من قاله‪ .‬أما ما‬


‫نسب من الشعر إلى آدم وإبليس والملئكة والجن‬
‫والعرب البائدة فهو حديث خرافة‪.‬‬
‫والشعر الذي صحت روايته منذ أواسط القرن الثاني‬
‫قبل الهجرة تنتهي أقدم مطولته إلى مهلهل بن ربيعة‬
‫وأقدم مقطعاته إلى نفر لعلهم لم يبعدوا عنه طويل ً‬
‫مثل العنبر بن عمرو بن تميم ودريد بن زيد بن نهد‪،‬‬

‫‪386‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأعصر بن سعد بن قيس عيلن وزهير بن جناب الكلبي‬
‫والفوه الودي وأبو داود اليادي وقد رووا أنه لم يكن‬
‫لوائل العرب من الشعر إل البيات يقولها الرجل في‬
‫حاجته وأن أول من قصد القصائد وذكر الوقائع المهلهل‬
‫بن ربيعة التغلبي في قتل أخيه كليب فهو أول من‬
‫رويت له كلمة تبلغ ثلثين بيتا ً وتبعه الشعراء مثل امرئ‬
‫القيس وعلقمة وعبيد ممن أخرجوا لنا الشعر العربي‬
‫في صورته الحاضرة‪.‬‬
‫هذا مجمل ما يتعلق بحقيقة الشعر ونشأته في الجاهلية‬
‫أما ما يتعلق بمادته وجوهره فإنه يرجع إلى أغراضه‬
‫وفنون ومعانيه وأخيلته وألفاظه وأساليبه وأوزانه‬
‫وقوافيه‪.‬‬
‫?)‪ (1‬أغراضه وفنونه‬
‫) ‪(1/276‬‬

‫نظم العرب الشعر في كل ما أدركته حواسهم وخطر‬


‫على فقلوبهم من فنونه وأغراضه الكثيرة كالنسيب‬
‫ويسمى التشبيب والتغزل ى وطريقته عند الجاهلية‬
‫يكون بذكر النساء ومحاسنهن وشرح أحوالهن وكان له‬
‫عندهم المقام الول من بين أغراض الشعر حتى لو‬
‫انضم إليه غرض آخر قدم النسيب عليه وافتتح به‬
‫القصيد‪ :‬لما فيه من لهم النفس وارتياح الخاطر ولن‬
‫باعثه الفذ هو الحب وهو السر في كل اجتماع إنساني‬
‫والبدو أكثر الناس حبا ً لفراغهم‪.‬‬
‫والفخر‪ :‬هو تمدح المرء بخصال نفسه وقومه والتحدث‬

‫‪387‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بحسن بلئهم ومكارمهم وكرم عنصرهم ووفرة قبيلهم‬
‫ورفعة حسبهم وشهرة شجاعتهم‪.‬‬
‫والمدح‪ :‬وهو الثناء على ذي شان بما يستحسن من‬
‫الخلق النفسية كرجاجة العقل والعفة والعجل‬
‫والشجاعة وإن هذه الصفات عريقة فيه وفي قومه‬
‫وبتعداد محاسنه الخلقية‪ .‬وشاع المدح عندما ابتذل‬
‫الشعر واتخذه الشعراء مهنة ومن أوائل مداحيبهم زهير‬
‫والنابغة والعشى‪.‬‬
‫والرثاء‪ :‬وهو تعداد مناقب الميت وإظهار التفجع‬
‫والتلهف عليه واستعظام المصيبة فيه‪.‬‬
‫والهجاء‪ :‬هو تعداد مثالب المرء وقبيله ونفي المكارم‬
‫والمحاسن عنه‪.‬‬
‫والعتذار‪ :‬هو درء الشاعر التهمة عنه والترفق في‬
‫الحتجاج على براءته منها واستمالة قلب المعتذر إليه‬
‫واستعطافه عليه‪ :‬والنابغة في الجاهلية فارس هذه‬
‫الحلبة‪.‬‬
‫والوصف‪ :‬هو شرح حال الشيء وهيئته على ما هو عليه‬
‫في الواقع لحضاره في ذهن السامع كأنه يراه أو يشعر‬
‫به‪.‬‬
‫والحكمة والمثل‪ :‬فالحكمة قول رائع يتضمن حكما ً‬
‫صحيحا ً مسلمًا‪ .‬والمثل مرآة تريك أحوال المم وقد‬
‫مضت وتقفك على أخلقها وقد انقضت فالمثال ميزان‬
‫يوزن به رقي المم وانحطاطها وسعادتها وشقاؤها‬
‫وأجبها ولغتها‪ .‬وأكثر ما تكون أمثال العرب وحكمها‬
‫موجزة متضمنة حكما ً مقبول ً أو تجربة صحيحة تمليها‬

‫‪388‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عليها طباعها بل تكلف راجع فن المثال السابق‪.‬‬
‫)‪ (2‬معانيه وأخيلته‬
‫) ‪(1/277‬‬

‫قصد الشاعر من شعره البانة عما يخالج نفسه من‬


‫المعاني في أي غرض من الغراض السابقة ونحوها‪.‬‬
‫ومن هذه المعاني ما هو عادي في البدوي والحضري‬
‫والعربي والعجمي كالخبار الصادقة وأوصاف‬
‫المشاهدات وشرح الوجدانات كما يمليها الخاطر بل‬
‫مبالغة ول إغراق‪ .‬ومنها ما هو غريب نادر انتزعه الخيال‬
‫من المرئيات البديعة والشكال المنتظمة وذلك ما‬
‫يسمى بالمعنى المخترع الذي تتفاضل الشعراء بالجادة‬
‫فيه والكثار منه وإذا قسنا الشعر الجاهلي بهذا المعيار‬
‫وجدنا معانيه وأخيلته تمتاز بالمور التالية‪ (1) :‬جلء‬
‫المعاني وظهورها ومطابقتها للحقيقة والواقع‪.‬‬
‫)‪ (2‬قلة البالغة والغلو فيها بما يخرجها عن حد العقل‬
‫ومألوف الطبع‪.‬‬
‫)‪ (3‬قلة المعاني الغريبة المنزع الدقيقة المأخذ‬
‫المتجلية في صور الخيال البديع والتشبيه الطريف‬
‫والستعارة الجميلة والكناية الدقيقة وحسن التعليل‬
‫وغير ذلك‪.‬‬
‫)‪ (4‬قلة تأنقهم في ترتيب المعاني والفكار على‬
‫النظام الذي يقتضيه الذوق فيدخلون معنى في معنى‬
‫وينتقلون من غرض إلى آخر اقتضابا ً بدون تخيل ول‬
‫تلطف‪.‬‬

‫‪389‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫?)‪ (3‬ألفاظه وأساليبه‬
‫ولما كانت العرب أمما بدوية تنظم الشعر بطبعها من‬
‫غير معاناة صناعة ول دراسة علم‪ .‬غلب على شعرها‬
‫صراحة القول وقلة المواربة فيه والبعد عن التكلف‬
‫وصحة النظم والوفاء بحق المعنى أضف إلى ذلك‬
‫المور التية‪ (1) :‬جودة استعمال اللفاظ في معانيها‬
‫الموضوعة لها‪ :‬لحاطة علمهم بلغتهم ومعرفتهم بوجوه‬
‫دللتها‪.‬‬
‫)‪ (2‬غلبة استعمال اللفاظ الجزلة واستعمال اللفاظ‬
‫الغريبة التي هجرت عند المحدثين‪.‬‬
‫)‪ (3‬القصد في استعمال ألفاظ المجاز ومقت استعمال‬
‫العجمي إل ما وقع نادرًا‪.‬‬
‫)‪ (4‬عدم تعمد المحسنات البديعية اللفظية‪ ،‬ومتانة‬
‫السلوب بحسن إيراد المعنى إلى النفس من أقرب‬
‫الطرق إليها وأطرافها لديها وإيثار المجاز أو قلة‬
‫السهاب إل إذا دعت الحال‪.‬‬

‫)‪ (4‬أوزانه وقوافيه‬


‫) ‪(1/278‬‬

‫العرب لم تعرف موازين الشعر بتعلم قوانين صناعية‬


‫وتعرف أصول وضعية وإنما كانت تنظم بطبعها على‬
‫حسب ما يهيئه لها إنشادها وقد هدتهم هذه الفطرة‬
‫إلى أوزان أرجعها الخليل إلى خمسة عشر وزنا ً سماها‬
‫بحورا ً وزاد عليها الخفش بحرا ً وقد اكثروا النظم من‬

‫‪390‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بعضها دون بعض‪.‬‬
‫)راجع كتابنا "ميزان الذهب في بحور شعر العرب"(‬
‫وشعر العرب رجزه وقصيده يبني على قافية واحدة‬
‫كيفما طال القول‪.‬‬
‫الشعراء‬
‫شعراء الجاهلية اكثر من أن يحاط بهم‪ .‬ومن جهل منهم‬
‫اكثر ممن عرف‪ .‬وإنما اشتهر بعضهم دون بعض‪:‬‬
‫لنبوغه‪ ،‬أو كثرة المروي من شعره أو قرب عهده من‬
‫السلم زمن الرواية‪.‬‬
‫وكان للشعراء عند العرب منزلة رفيعة‪ ،‬وحكم نافذ‬
‫وسلطان غالب‪ ،‬إذ كانوا ألسنتهم الناطقة بمكارمهم‬
‫ومفاخرهم‪ ،‬وأسلحتهم التي يذودون بها عن حياض‬
‫شرفهم )وكانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر‬
‫أتت القبائل فهنأتها‪ ،‬وصنعت الطعمة وأتت النساء‬
‫يلعبن بالمزاهر كما يصنعون في العراس‪ ،‬ويتباشر‬
‫الرجال والولدان لنه حماية لعراضهم‪ ،‬وذب عن‬
‫حياظهم وتخليد لمفاخرهم‪ ،‬وإشادة بذكرهم‪ ،‬وكانوا‬
‫ليهنئون إل بغلم يولد‪ ،‬أو شاعر ينبغ‪ .‬أو فرس تنتج(‪.‬‬
‫) ‪(1/279‬‬

‫وكانت طريقة نظم الشعر ارتجاله فتأتيهم ألفاظه‬


‫عفوا‪ ،‬ومعانيه رهوا ً كما وقع للحارث بن حلزة وعمرو‬
‫بن كلثوم‪ .‬أما من اتخذه منهم صناعة يستدرها ويلتمس‬
‫به الجوائز‪ ،‬وينشده في المحافل والمواقف العظام‬
‫فإنه يتعهده بالتهذيب والتنقيح ليجعله رقيق الحاشية‬

‫‪391‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫حسن الديباجة يصح أن يقال فيه أنه المثل العلى‬
‫للشعر الجاهلي‪ ،‬كما ترى ذلك واضحا ً في حوليات زهير‬
‫واعتذاريات النابغة‪.‬‬
‫وقد غبر الناس دهرا ً طويل ً ليقولون الشعر إل في‬
‫الغراض الشريفة ل يمدحون عظيما ً طعما ً في نواله‪،‬‬
‫وليهجون شريفا ً تشفيا ً منه وانتقاما ً حتى نشأت فهم‬
‫فئة امتهنت الشعر وتكسبت به‪ ،‬ومدحت الملوك‬
‫والمراء كالنابغة الذبياني وحسان مع النعمان بن المنذر‬
‫وملوك غسان‪ ،‬وزهير بن أبى سلمى مع هرم بن سنان‬
‫وأمية بن أبي الصلت مع عبد الله بن جدعان‪ :‬أحد‬
‫أجواد قريش والعشى مع الملوك والسوقة‪ ،‬حتى قصد‬
‫به العاجم‪ ،‬وجعله متجرا ً به فتحامى الشعر الشراف‪،‬‬
‫وآثروا عليه الخطابة‪.‬‬
‫طبقات الشعراء‬
‫طبقات الشعراء باعتبار عصورهم أربع‪ 1 :‬طبقة‬
‫الجاهلين‪.‬‬
‫‪ 2‬طبقة المخضرمين )وهم الذين اشتهروا بقول الشعر‬
‫في الجاهلية والسلم(‪.‬‬
‫‪ 3‬طبقة السلميين‪ ،‬وهم الذين نشؤوا في السلم ولم‬
‫تفسد سليقتهم العربية‪ ،‬وهم شعراء بني أمية‪.‬‬
‫‪ 4‬طبقة المولدين‪ ،‬أو المحدثين‪ ،‬وهم الذين نشؤوا زمن‬
‫فساد العربية وامتزاج العرب بالعجم‪ ،‬وذلك من عصر‬
‫الدولة العباسية إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫والشعراء الجاهليون يقسمون باعتبار شهرتهم في‬
‫الشعر للجادة أو للكثرة إلى طبقات كثيرة نذكر منها‬
‫ثلثا‪ 1 :‬الطبقة الولى‪ :‬امرؤ القيس‪ ،‬وزهير‪ ،‬والنابغة‪.‬‬

‫‪392‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫‪ 2‬الطبقة الثانية‪ :‬العشى‪ ،‬ولبيد‪ ،‬وطرفة‪.‬‬
‫‪ 3‬الطبقة الثالثة‪ :‬عنترة‪ ،‬وعروة بن الورد والنمر بن‬
‫تولب‪ ،‬ودريد بن الصمة‪ ،‬والمرقش‪ ،‬الكبر‪.‬‬
‫ومن الدباء من يقدم بعض هؤلء على بعض ويزيدون‬
‫غيرهم عليهم‪.‬‬
‫)‪ (1‬امرؤ القيس‬
‫) ‪(1/280‬‬

‫هو الملك أبو الحارث حندج بن حجر الكندي شاعر‬


‫اليمانية‪.‬‬
‫وآباؤه من أشراف كندة وملوكها‪ ،‬وكانت بنو أسد من‬
‫المضرية خاضعة لملوك كندة وآخر ملك عليهم هو حجر‬
‫أبو امرئ القيس وأمه اخت مهلهل وكليب‪.‬‬
‫نشأ امرؤ القيس بأرض نجد بين رعية أبيه من بني‬
‫أسد‪ ،‬وسلك مسلك المترفين من أولد الملوك يلهو‬
‫ويلعب ويعاقر الخمر ويغازل الحسان فمقته أبوه ولما‬
‫لم ينجح فيه القول طرده عنه وأقصاه‪ ،‬حتى جاء نبأ‬
‫ثوران بني أسد على أبيه وقتلهم له‪ .‬لنه كان يعسف‬
‫في حكمه لهم‪ ،‬فقال )ضيعني صغيرًا‪ ،‬وحملني دمه‬
‫كبيرا ً ل صحو اليوم ول سكر غدًا‪ ،‬اليو مخمر‪ ،‬وغدا ً أمر(‬
‫وأخذ يجمع العدة ويستنجد القبائل في إدراك ثأره‬
‫فنازل بني أسد وقتل فيهم كثيرا ً ثم اشتدت به علة لنه‬
‫كان يعسف في حكمه لهم‪ ،‬فقال )ضيعني صغيرًا‪،‬‬
‫وحملني دمه كبيرا ً ل صحو اليوم ول سكر غدًا‪ ،‬اليو‬
‫مخمر‪ ،‬وغدا ً أمر( وأخذ يجمع العدة ويستنجد القبائل‬

‫‪393‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫في إدراك ثأره فنازل بني أسد وقتل فيهم كثيرا ً ثم‬
‫اشتدت به علة قروح فمات منها ودفن بأنقرة وكان‬
‫ذلك قبل الهجرة بقريب من قرن‪.‬‬
‫شعره‪ :‬يعتبر امرؤ القيس راس فحول شعراء الجاهلية‬
‫والمقدم في الطبقة الولى فهو أول من أجاد القول‬
‫في استيقاف الصحب‪ ،‬وبكاء الديار‪ ،‬وتشبيه النساء‬
‫بالظباء والمها والبيض‪ ،‬وفي وصف الخيل بقيد الوابد‬
‫وترقيق النسيب‪ ،‬وتقريب مآخذ الكلم‪ ،‬وتجويد‬
‫الستعارة‪ ،‬وتنويع التشبيه‪.‬‬
‫وقد يفحش في تشبيه بالنساء وتحدثه عنهن‪ ،‬ويشم من‬
‫شعره رائحة النبل وتلمح فيه شارات السيادة والملك‪:‬‬
‫من ذلك قوله‪:‬‬
‫فظل العذارى يرتمين بلحمها‬

‫وشحم كهداب الدمقس المفتل‬


‫وقوله‪:‬‬
‫وظل طهارة اللحم مابين منضج‬

‫صفيف شواء أو قدير معجل‬

‫ولو أن ماأسعى لدتنى معيشة‬

‫كفاني ولم أطلب قلي ٌ‬


‫ل من المال‬
‫ولكنما اسعاى لمجد مؤثل‬

‫وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي‬

‫‪394‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/281‬‬

‫وشعره وإن اشتمل بشملة البداوة في جفاء العبارة‪،‬‬


‫وخشونة اللفاظ وتجهم المعاني‪ ،‬تراه أحيانا ً يخطر في‬
‫حلل من حسن الديباجة‪ ،‬وبديع المعنى‪ ،‬ودقة النسيب‬
‫ومقاربة الوصف وسهولة المأخذ‪ :‬مما كان منه لخلفه‬
‫أجمل مثال في محاكاته‪.‬‬
‫فمن النوع الول قوله في معلقته‪:‬‬
‫وفرع يغش المتن أسود فاحم‬

‫أثيث كقنو النخلة المتعثكل‬

‫غدائرة مستشزرات إلى العل‬

‫تضل المدارى في مثنى ومرسل‬


‫وكشح لطيف كالجديل مخصر‬

‫وساق كأنبوب السقي المذلل‬

‫وتعطو برخص غير شئن كأنه‬

‫أساريع ظبي أو مسويك إسحل‬

‫ومن الثاني قوله‪:‬‬


‫كأن عيون الوحش حول خبائنا‬

‫‪395‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأرحلنا الجزع الذي لم يثقب‬

‫كأن قلوب ااتلطير رطبا ً ويابسا ً‬

‫لدى وكرها العناب والحشف البالي‬


‫أغرك مني أن حبك قاتلي‬

‫وأنك مهما تأمري القلب يفعل‬

‫ول مرئ القيس المطولت والمقطعات‪ ،‬وأشهر‬


‫مطولته معلقته المضروب بها المثل في الشتها‪،‬‬
‫وأولها‪:‬‬
‫قفانبك من ذكرى حبيب ومنزل‬

‫بسقط اللوى بين الدخول فحومل‬


‫فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها‬

‫لما نسجتها من جنوب وشمأل‬

‫ومنها يصف الليل‪:‬‬


‫وليل كموج البحر أرخى سدوله‬

‫علي بأنواع الهموم وليبتلى‬

‫فقلت له لما تمطى بصلبه‬

‫‪396‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأردف أعجازا ً وناء بكلكل‬

‫أل أيها الليل الطويل أل أنجلي‬

‫بصبح وما الص ‪2‬باح منك بأمثل‬


‫فيالك من ليل كأون نجومه‬

‫بكل مغار الفتل شدت بيذبل‬

‫ومنها يصف فرسه‪:‬‬


‫وقد أغتدي والطير في وكناتها‬

‫بمنجرد قيد الوابد هيكل‬

‫مكر مفر مقبل مدبر معا ً‬

‫كجلمود صخر حطه السيل من عل‬


‫)‪ (2‬النابغة الزبياني‬
‫) ‪(1/282‬‬

‫هو النابغة الذبياني أبو أمامة زياد بن معاوية‪ :‬أحد فحول‬


‫شعراء الجاهلية‪ ،‬وزعيمهم بعكاظ وأحسنهم ديباجة‬
‫لفظ‪ ،‬وجلء معنى‪ ،‬ولطف اعتذار ولقب بالنابغة لنبوغه‬
‫في الشعر فجأة وهو كبير‪ ،‬بعد أن امتنع عليه وهو‬
‫صغير وهو من أشراف ذبيان إل أن تكسبه بالشعر غض‬

‫‪397‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من شرفه‪ ،‬على أنه لم يتكسب بشعره إل في مدح‬
‫ملوك العرب‪ ،‬وكان من أمره في ذلك أنه ااتصل‬
‫بملوك الحيرة ومدحهم وطالت صحبته للنعمان بن‬
‫المنذر ‪ ،‬فأدناه منه إلى وشى به عند النعمان أحد‬
‫بطانته فغضب عليه وهو بقتله‪ .‬فأسر إليه بذلك حاجبه‬
‫عصام‪ ،‬فهرب النابيغة إلى ملوك غسان المنافين‬
‫للمناذرة في ملك العرب‪ ،‬فمدح عمرو بن الحارث‬
‫الصغر وأخاه النعمان‪ ،‬غير أن قديم صحبته للنعمان‬
‫جعله يحن إلى معاودة العيش في ظلله‪ ،‬فتنصل مما‬
‫رمي به‪ .‬واعتذر إليه بقصائد عطفت عليه قلبه‪ ،‬وزعمر‬
‫النابغة طويل ً ومات قبيل البعثة‪ .‬شعره يمتاز برشاقة‬
‫اللفظ ووضوح المعنى‪ ،‬وحسن النظم‪ ،‬وقلة التكلف‪،‬‬
‫حتى عد عند المرفقين من الشعراء جرير أنه أشعر‬
‫شعرا ء الجاهلية‪ ،‬وأغراه تكسبه بالشعر أن يفتن في‬
‫ضروب المدح ومن أبلغ شعره معلقته التي أولها‪:‬‬
‫عوجوا فحيوا لنعم دمنة الدار‬

‫ماذا تحيون من نؤى وأحجار‬

‫أقوى وأقفر من نعم وغيره‬

‫هوج الرياح بها بي الترب موار‬


‫وقفت فيها سراة اليوم أسألها‬

‫عن آل نعم أمونا ً معبر أسفار‬

‫‪398‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فاستعجمت دار نعم ماتكلمنا‬

‫والفدار لو كلمتنا ذات أخبار‬

‫ومن جيد قوله في العتذار‬


‫آثاني )أبيت اللعن( أنك لمتني‬

‫وتلك التي أهتم منها وأنصب‬

‫فبت كأن العائدات فرشتني‬

‫هراسا ً به يعلى فراشي وقشب‬

‫حلفت فلم أترك لنفسك ريبة‬

‫وليس وراء الله للمرء مطلب‬

‫لئن كنت قد بلغت عني جناية‬

‫لمبلغك االواشي أغش وأكذب‬

‫ولكنني كنت امرأ لي جرانب‬

‫من الرض فيه مستراد ومهرب‬


‫كفعلك في قوم أراك اصطنعتهم‬

‫‪399‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فلم ترهم في شكرهم ذلك أذنبوا‬


‫) ‪(1/283‬‬

‫فل تتركني بالوعيد كأنني‬

‫إلى الناس مطلي به القار أجرب‬


‫ألم تر أن الله أعطاك سروة‬

‫ترى كل ملك دونها يتذبذب‬

‫س والملوك كواكب‬
‫وإنك شم ٌ‬

‫إذا طلعت لم يبد منهن كوكب‬

‫ولست بمستبق أخا ل تلمه‬

‫على شعث أي الرجال المهذب‬

‫فإن أك مظلوما فبعد ظلمته‬

‫وإن تك ذا عتبى فمثلك يعتب‬

‫??)‪ (3‬زهير بن أبي سلمى‬


‫هو زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني‪ ،‬ثالث‬

‫‪400‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فحول الطبقة الولى من الجاهلية‪ ،‬وأعفهم قو ً‬
‫ل‪،‬‬
‫وأوجزهم لفظًا‪ ،‬وأغزرهم حكمة‪ ،‬وأكثرهم تهذيبا ً لشعره‬
‫نشأ في غطفان وإن كان نسبة في مزينة‪ ،‬كمن بيت‬
‫جل أهله شعراء‪ :‬رجال ً ونساًء ت واختص زهير بمدح‬
‫هرم بن سنان الذبياني المري وأول ما أعجبه من أمره‬
‫وجب إليه مدحه حسن سعيه هو والحارث بن عوف في‬
‫الصلح بين عبس وذبيان في حرب داحس والغبراء‬
‫بتحملهما دامت القتلى التي بلغت ثلثة آلف بعير‪،‬‬
‫وقال في ذلك قصيدته إحدى المعلقات السبع التي‬
‫أولها‪:‬‬
‫أمن أم أوفى دمنة لم تكلم‬

‫بحومانة الدراج فالمتلثم‬


‫ثم تابع مدحه كما تابع هرم عطاءه حتى حلف أل يمدحه‬
‫زهير إلى أعطاه ول يسأله إل أعطاه ول يسلم عليه إل‬
‫أعطاه عبدا ً أو وليدة أو فرسًا‪ ،‬فاستحيا زهير منه‪ ،‬فكان‬
‫إذا رآه في مل قال‪ :‬أنعموا صباحا ً غير هرم وخيركم‬
‫استثنيت وكان زهير سيدا ً كثير المال حليما ً معروفا ً‬
‫بالورع متدنيا ً مؤمنا ً بالبعث والحساب كما يظهر من‬
‫قوله‪:‬‬
‫فل تكتمن الله مافي نفوسكم‬

‫ليخفى ومهما يكتم الله يعلم‬

‫يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر‬

‫‪401‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ليوم الحساب أو يعجل فينقم‬

‫وعمر زهير ومات قبل البعثة بسنة ومن حكمه في‬


‫معلقته‪:‬‬
‫وأعلم ما في اليوم والمس قبله‬

‫ولكنني عن عام مافي غد عم‬

‫رأيت المنايا خبط عشواء من تصب‬

‫نمته ومن تخطئ يعمر فيهرم‬

‫ومن يجعل المعروف من دون عرضه‬

‫يفره ومن ل يتق الشتم يشتم‬

‫ومن يك ذا فضل فيبخل بفضله‬


‫) ‪(1/284‬‬

‫على قومه يستغن عنه ويذمم‬

‫ومن يوف ل يذمم ومن يهد قلبه‬

‫إلى مطمئن البر ل يتجمجم‬

‫‪402‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ومن هاب أسباب المناياينلنه‬

‫وأن يرق أسباب السماء بسلم‬

‫ومن يجعل المعروف في غير أهله‬

‫يكن حمده ذما عليه ويندم‬

‫ومن لم يذد عن حوضه بسلحه‬

‫يهدم ومن ل يظلم الناس يظلم‬

‫ومهما تكن عند امرئ من خليقة‬

‫وإن خالها تخفى على الناس تعلم‬

‫شعره‪ :‬اتفق أكثر الشعراء على أن زهيرا ً يفضل‬


‫صاحبيه امرأ القيس والنابغة‪.‬‬
‫وكان زهير صاحب روية وتعمل تهذيب لما يقول ول‬
‫سيما مطولته‪ ،‬حتى قيل إنه كان ينظم القصيدة في‬
‫أربعة أشهر‪ ،‬ويهذبها في أربعة أشهر‪ ،‬ويعرضها على‬
‫خواصه في أربعة أشهر فل يظهرها إل بعد حول‪ ،‬ولذلك‬
‫يسمون بعض مطولته الحوليات‪ ،‬ومكا سبق فيه غيره‬
‫قوله يمدح هرمًا‪ :‬قد جعل المبتغون الخير في‬
‫هرم=والسائلون إلى أبوابه طرقا ً‬
‫من يلق يوما ً على علته هرما ً‬

‫‪403‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫يلق السماحة منه والندى خلقا ً‬


‫لو نال حي من الدنيا بمكرمة‬

‫أفق السماء لنالت كفه الفقا‬

‫)‪ (4‬عنترة العبسي‬


‫) ‪(1/285‬‬

‫هو عنتر‪ :‬بن عمرو بن شداد العبسي أحد فرسان‬


‫العرب وأغربتها وأجوادها وشعرائها المشهورين بالفخر‬
‫والحماسة وكانت أمه أمة حبشية تسمى زبيبة‪ ،‬وأبوه‬
‫من سادات بني عبس‪.‬‬
‫وكان من عادات العرب أل تلحق ابن المة بنسبها‪ ،‬بل‬
‫تجعله في عداد العبيد ولذلك كاطن عنترة عند أ]يه‬
‫منوذا ً بين عبدانه‪ ،‬يرعى له إبله وخيله فربأ بنفسه عن‬
‫خصال العبيد‪ ،‬ومارس الفروسية ومهر فيها‪ ،‬فشب‬
‫فارسا ً شجاعا ً هماما ً وكان يكره من أبيه استعباده له‬
‫عدم إلحاقه به‪ ،‬حتى أغار بعض العرب على عبس‬
‫واسةتاقوا إبلهم‪ ،‬ولحقتهم بنو عبس وفيهم عنترة‬
‫لستنقاذ البل‪ ،‬فقال له أبوه‪ :‬كر ياعنترة فقال‪ :‬العبد ل‬
‫يحسن الكر إنما يحسن الحلب والصر‪ ،‬فقال كر وأنت‬
‫حر‪ ،‬فقاتل قتال ً شديديا ً حتى هزم القوم واستنقذ البل‪،‬‬
‫فاستحلقه أبوه‪ .‬ومن ذلك الوقت ظهر اسمه بين‬
‫فرسان العرب وساداتها وطال عمر عنترة حتى ضعف‬

‫‪404‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫جسمه وعجز عن شن الغارات ومات قبيل البعثة‪.‬‬
‫شعره‪ :‬لم يشتهر عنترة أول أمره بشعر غير البيتين‬
‫والثلثة‪ ،‬وإنما غلبت عليه الفروسية مكتفيا ً بها حتى‬
‫عيره يوما ً بعض قومه بسواده وأنه ل يقول الشعر‬
‫فاحتج لسواده بخلقه وشجاعته‪ ،‬واحتج لفصاحته بنظم‬
‫معلقته المشهورة التي كانت تسمى المذهبة أيضا ً‬
‫وأولها‬
‫هل غادر الشعراء من متردم‬

‫أم هل عرفت الدار بعد توهم‬


‫وقد ضمنها خصاله ومكارم قومه‪ .‬وحسن دفاعه عنهم‬
‫ووفرة جوده‪ ،‬معرجا ً فيها على أوصاف أمور شتى‪.‬‬
‫ومن قوله في معلقته‪:‬‬
‫لما رأيت القوم أقبل جمعهم‬

‫يتذامرون كررت غير مذمم‬


‫يدعون عنتر والرماح كأنها‬

‫أشطان بئر في لبان الدهم‬

‫مازلت أرميهم بثغرة نحره‬

‫ولبانه حتى تسربل بالدم‬

‫فازور من وقع القنا بلبانه‬

‫‪405‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وشكا إلي بعبرة وتحمحم‬

‫لو كان يدري ما المحاورة اشتكى‬

‫ولكان لو علم الكلم مكلمي‬

‫ولقد شفى نفسي وأبرأ سقمها‬

‫قيل الفوارس ويك عنتر أقدم‬

‫والخيل تقتحم الخبار عوابسا ً‬

‫) ‪(1/286‬‬

‫من بين شيظمة وأجرد شيظم‬

‫أثني علي بما علمت فإنني‬

‫سمح مخالطتي إذا لم أظلم‬

‫فإذا ظلمت فإن ظلمي باسل‬

‫مر مذاقته كطعم العلقم‬

‫ومن جيد قوله‪:‬‬


‫بكرت تخوفني الحتوف كأنني‬

‫‪406‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫أصبحت عن غرض الحتوف بمعزل‬


‫فأجبتها إن المنية منهل‬

‫لبد أن أسقى بكأس المنهل‬

‫فاقني حياءك ل أبالك واعلمي‬

‫أني امرؤ سأموت إن لم أقتل‬

‫إن المنية لو تمثل مثلت‬

‫مثلي إذا نزلوا بضنك المنزل‬

‫إني امرؤ ن خر عب منصبا‬

‫شطري وأحمي سائري بالمنصل‬

‫وإذا الكتيبة أحجمت وتلحظ‬

‫ل‬ ‫ت خيرا ً من مع ّ‬
‫م مخو ِ‬ ‫ت ألفي ُ‬

‫والخي ُ‬
‫ل تعلم والفوارس أّنني‬

‫فرت جمعهم بضربة فيصل‬

‫‪407‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والخيل ساهمة الوجوه كأنما‬

‫ل‬
‫تسقى فوارسها نقعَ الحنظ ِ‬

‫ت على الطوى وأظله‬


‫ولقد أبي ُ‬

‫م المأكل‬ ‫حتى أنا َ‬


‫ل به كري َ‬

‫)‪ (5‬عمر بن كلثوم‬


‫ه أبو السود عمرو بن كلثوم بن مالك التغلبي‪ ،‬وأمه‬
‫ليلى بنت مهلهل أخي كليب‪ ،‬نشأ عمرو في قبيلة تغلب‬
‫بالجزيرة الفراتية وساد قومه وهو ابن خمس عشرة‬
‫ستة‪ ،‬وقاد الجيوش مظفرا ً وأكثر ما كانت فتن تغلب‬
‫مع أختها بكر بن وائل بسبب حرب البسوس‪ ،‬وكان آخر‬
‫صلح لهم على يد عمر ن هند أحد ملوك الحيرة من آل‬
‫ض مدة حتى حدث بين وجوه القبيلتين‬ ‫المنذر‪ ،‬ولم تم ِ‬
‫مشاحة في مجلس عمرو بن هند قام أثناءها شاعر بكر‬
‫)الحارث بن حلزة اليشكري( وأنشد قصيدته‬
‫المشهورة‪ ،‬وما فرغ منها حتى ظهر لعمرو بن كلثوم أن‬
‫هوى الملك مع بكر‪ ،‬فانصرف ابن كلثوم وفي نفسه ما‬
‫فيها ثم خطر على نفس ابن هند أن يكسر من أنفة‬
‫تغلب بإذلل سيدها وهو عمرو بن كلثوم فدعاه وأمه‬
‫ليلى بنت مهلهل وأغرى هند أم أن تستخدمها في قضاء‬
‫أمر‪ ،‬فصاحت ليلى‪ ،‬فثار به الغضب وقتل ابن هند لفي‬
‫مجلسه‪ ،‬ثم رحل توا إلى بلده بالجزيرة وأنشد معلقته‬
‫التي أولها‪:‬‬

‫‪408‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ك فأصبحينا‬
‫ي بصحن ِ‬
‫أل هب ّ‬

‫ول تبقى خموَر الندرينا‬


‫) ‪(1/287‬‬

‫ومات قبل السلم بنحو نصف قرن‪.‬‬


‫شعر ه‪ :‬لم يشتهر إل بمعلقة الواحدة التي قامت له‬
‫مقام الشعر الوفير‪ :‬لحسن لفظها‪ ،‬وانسجام عبارتها‪،‬‬
‫ل شهرته بالخطابة ل تقل عن شهرته‬ ‫وعلو فخرها ولع ّ‬
‫بالشعر‪ :‬ومن سامي فخره في معلقته‪:‬‬
‫ل من معد ّ‬‫وقد علم القبائ ُ‬

‫إذا قببب بأبطحها بنينا‬

‫بأّنا العاصمون إذا قدرنا‬

‫وإنا المهلكون إذا ابتلينا‬

‫وأّنا المانعون لما أردنا‬

‫وأن النازلون بحيث شينا‬

‫وأّنا التاركون إذا سخطنا‬

‫وأّنا الخذون إذا رضينا‬

‫‪409‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ونشرب إن وردنا الماء صفوا ً‬

‫ويشرب غيرنا كدرا ً وطينا‬

‫إذا ما الملك سام الناس خسفا ً‬

‫أبنيا أن نقر الذ ّ‬


‫ل فينا‬

‫لنا الدنيا ومن أمسى عليها‬

‫ونبطش حين نبطش قادرينا‬

‫بغاة ُ ظالمين وما ظلمنا‬

‫ولكنا سنبدأ ظالمينا‬

‫ملنا البر حتى ضاق عنا‬

‫وكذاك البحر نملؤه سفينا‬

‫إذا بلغ الرضيع لنا فطاما‬

‫تخّر له الجبابُر ساجدينا‬

‫)‪ (6‬طرفة بن العبد‬

‫‪410‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ه ‪8‬و عمرو بن العبد البكري أقصر فحول الجاهلية عمرا ً‬
‫ومال إلى قول الشعر الوقوع ه في أعراض الناس‪،‬‬
‫حتى هجا عمرو بن هند ملك العرب على الحيرة مع أنه‬
‫كان يتطلب معروفه وجوده‪ ،‬فبلغ عمرو بن هند هجاء‬
‫طرفة فأصطغنها عليه‪ ،‬حتى إذا ما جاءه هو وخاله‬
‫المتلمس بتعرضان لفضله أظهر لهما البشاشة وأمر‬
‫لكل منهما بجائزة وكتب لهما كتابين أحالهما على‬
‫عامله بالبحرين ليستوفيا منه وبينما هما في الطريق‬
‫ارتاب المتلمس في صحيفته فعرج على غلم يقرؤها له‬
‫)مضى طرفة( فإذا الصحيفة المر بقتله‪ ،‬فألقى‬
‫الصحيفة وأراد أن يلحق طرفة فلم يدركه وفر إلى‬
‫ملوك غسان وذهب طرفة إلى عام البحرين وقتل هناك‬
‫وعمره نحو ست وعشرين سنة‪.‬‬
‫شعره‪ :‬يجيد طرفة الوصف في شعره مقتصرا ً فيه‬
‫على بيان الحقيقة بعيدا ً عن الغلو والغراق وكذلك كان‬
‫هجاؤه على شدة وقه ومطلع معلقته‪:‬‬
‫لخولة أطل ٌ‬
‫ل ببرقةٍ ثمهدِ‬

‫تلوح كباقي الوشم على ظاهر اليد‬


‫) ‪(1/288‬‬

‫ومنها‪:‬‬
‫ت بني غبراَء ل ينكرونني‬‫رأي ُ‬

‫ول أه ُ‬
‫ل هاذاك الطراف الممدد‬

‫‪411‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫أل أيها ذا اللئمي أخضر الوغى‬

‫وأن أشهد الّلذات هل أنت مخلدي‬


‫فإن كنت ل تستطيع دفعَ منّيتي‬

‫فدعني أبادرها بما ملكت يدي‬

‫إلى أن قال‪:‬‬
‫م ويصطفي‬
‫أرى الموت يعتام الكرا َ‬

‫ة مال الفاحش المتشدد‬


‫عقيل َ‬

‫أرى العيش كنزا ً ناقضا ً كل ليلة‬

‫ص اليام الدهُر ينفدِ‬


‫وما تنق ُ‬

‫لعمرك إن الموت "ما أخطأ الفتى"‬

‫لكا لطول المرخى وثنياه باليد‬

‫متى ما يشأ يوما ً يقده لحتفه‬

‫ومن يك في حبل المنية ينقد‬

‫ومن أبياته السائرة‪:‬‬

‫‪412‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫م ذوي القربى أشد ّ مضاضة‬
‫وظل ُ‬

‫على المرء من وقِع الحسام المهّند‬


‫ت أعداد الّنفوس ول أرى‬ ‫أرى المو َ‬

‫بعيدا ً غدا ً ما أقرب اليو َ‬


‫م من غد‬

‫م ما كنت جاهل ً‬
‫ستبدي لك اليا ُ‬

‫ويأتيك بالخبار من لم تزود ّ‬

‫)‪(7‬أعشى قيس‬
‫) ‪(1/289‬‬

‫هو أبو نصير ميمون العشى بن قيس بن جندل‬


‫القيسي نشأ في بدء أمره رواية لخاله المسيب بن‬
‫علس وقد عمي وطال عمره‪ ،‬حتى كان السلم وعظم‬
‫أمر النبي صلى الله عليه وسلم بين العرب‪ ،‬فأعد ّ له‬
‫قصيدة يمدحه بها‪ ،‬وقصده بالحجاز‪ ،‬فلقيه كفار قريش‬
‫دوه عن وجهه على أ‪ ،‬يأخذ منهم مائة ناقة حمراء‬ ‫وص ّ‬
‫ويرجع إلى بلده‪ :‬لتخوفهم أثر شعره ففعل‪ ،‬ولما قرب‬
‫من اليمامة سقط عن ناقته فدقت عنقه ومات‪ ،‬ودفن‬
‫ببلدته منفوحة باليمامة‪.‬‬
‫شعره‪ :‬يعد العشى رابعا ً لثلثة الفحول‪ :‬امرئ القيس‪،‬‬
‫والنابغة وزهير وإن كان يمتاز عنهم بغزارة شعره‪ ،‬وكثر‬

‫‪413‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ما روي له من الول لجياد وتفننه في كل فن من‬
‫أغراض الشعر واشتهر من بينهم بالمبالغة في وصف‬
‫الخمر‪ ،‬حتى قيل‪ :‬أشعر الناس امرؤ القيس إذا ركب‪،‬‬
‫وزهير إذا رغب‪ ،‬والنابغة إذا رهب والعشى إذا طرب‪،‬‬
‫ولشعره طلوة وروعة‪ ،‬وليست لكثير من شعره غيره‬
‫من القدماء ولقوة طعمه وجلبة شعره وسمي صناجة‬
‫العرب حتى ليخيل إليك إذا أنشدت شعره أن آخره‬
‫ينشد معك‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ويخفض‬‫ولجللة شعره كان يرفع الوضيع خام ً‬
‫الشريف النابه‪ ،‬ومنم الذين رفعن شعر العشى‬
‫المحلق‪ ،‬وقد كان أبا ثمان بنات عوانس‪ :‬رغبت عن‬
‫خطبتهن الرجال لفقرهن فاستضافه على فقره‪،‬‬
‫فمدحه العشى ووه بذكره في عكاظ‪ ،‬فلم يمض عام‬
‫حتى لم تبق جارية منهن إل هي زوج لسيد كريم وكان‬
‫العشى يتطرف في شعره وده بعضهم من أصحاب‬
‫المعلقات‪ ،‬وذكر قصيدته التي يمدح بها السود الكندي‬
‫ومطلعها‪:‬‬
‫ما بكاء الكبير بالطلل‬

‫وسؤالي وما ترد سؤالي‬


‫ومن جيد شعره قصيدته التي أعدها لينشدها بين يدي‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدحه فيها فلم يفز‬
‫بذلك‪ ،‬وأولها‪:‬‬
‫ة أرمدا‬
‫ألم تغمض عيناك ليل َ‬

‫سليم مسّهدا‬
‫ت كما بات ال ّ‬
‫وب ّ‬

‫‪414‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ساء وإّنما‬
‫وما ذاك من عشق الن ّ‬

‫تناسيت قبل اليوم خّلة مهددا‬

‫ولكن أرى الدهر الذي هو خائن‬

‫إذا أصلحت كفاي عاد فأفسدا‬

‫ب وافتقار وثروة‬
‫ب وشي ٌ‬
‫شبا ٌ‬

‫فّلله هذا الدهر كيف ترددا‬


‫) ‪(1/290‬‬

‫وقصيدته في مدح المحّلق أولها‪:‬‬


‫ق‬
‫سهاد المؤر ُ‬‫ت وما هذا ال ّ‬
‫أرق ُ‬

‫ق‬
‫وما بي من سقم ٍ وما بي تعش ُ‬
‫ومنها‪:‬‬
‫ن كثيرة‬
‫لعمري لقد لحت عيو ٌ‬

‫إلى ضوء نار في اليفاع تحّرق‬

‫ب لمقرورين يصطليانهما‬
‫تش ّ‬

‫‪415‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وبات على النار الندي والمحّلق‬

‫م تقاسما‬
‫رضيعي لبان ذدي أ ّ‬

‫بأسحم داج عوض ل نتفّرق‬

‫ترى الجود يجري ظاهرا ً فوق وجهه‬

‫ن الهندواني رونق‬
‫كما زان مت َ‬

‫ف مبيدةٌ‬
‫يداه ُ يدا صدق فك ّ‬

‫ق‬
‫ن بالمال تنف ُ‬
‫وأخرى إذا ما ض ّ‬

‫)‪ (8‬الحارث بن حّلزة‬


‫وهو الحارث بن حّلزة اليشكري البكريّ يتصل نسه إلى‬
‫بكر بن وائل ولم يؤثر عنه غي قطع يسيرة وقصيدته‬
‫المعلقة التي مطلعها‪:‬‬
‫آذنتنا ببينها أسماء‬

‫ب ثاوٍ يم ّ‬
‫ل منه الثواء‬ ‫ر ّ‬
‫وكان أمر هذه المعلقة أن عمرو بن هند أحد ملوك‬
‫الحيرة أصلح بين بكر وتغلب بعد حرب البسوس وخذ‬
‫من كل الفريقين رهائن من أبناهم ليكف بعضهم عن‬
‫بعض‪ ،‬وليقيد منها للمعتدي عليه من المعتدي فحدث‬
‫أن سرح الملك ركبا ً من تغلب في بعض حاجته‪،‬‬

‫‪416‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فزعمت تغلب أن الركب نزلوا على ماء لبكر فأجلوهم‪،‬‬
‫وحملوهم على المفازة فماتوا عطشًا‪ ،‬وتزعم بكر أنهم‬
‫سقوهم وأرشدوهم الطريق فتاهوا وهلكوا وذهب‬
‫الفريقان تدافعان عند عمرو بن هند وكانت ضلعه مع‬
‫تغلب فهاج ذلك الحارث بن حلزة وكان في المجلس‬
‫مستورا ً عن الملك بستارة لما فيه من البرص فارتجل‬
‫قصيدته ارتجال ً يفتخر فيها بقومه وفعالهم وحسن‬
‫بلئهم عند الملك وعظم أيامهم معه فما أتم قصيدته‬
‫حتى انقلب الملك إلى جانب البكريين وقرب الحارث‬
‫من مجلسه‪.‬‬
‫وعمر بن الحارث طويل ً حتى قيل‪ :‬إنه أنشد هذه‬
‫القصيدة وعمره خمس وثلثون ومائة سنة‪.‬‬
‫شعره‪ :‬أكثر الرواة معجبون بارتجال الحارث قصيدته‬
‫على طولها وإحكامها ومن قوله فيها وهو أوجز وصف‬
‫للتأهب للرتحال وأوضحه تصويرا ً للحقيقة‪.‬‬
‫ما‬
‫أجمعوا أمرهم عشاًء فل ّ‬

‫أصبحوا أصبحت لهم ضوضاء‬


‫) ‪(1/291‬‬

‫من منادٍ ومن مجيب ومن تصه_هال خيل خل َ‬


‫ل ذاك‬
‫رغاُء‬
‫)‪ (9‬لبيد بن ربيعة‬
‫هو أبو عقيل لبيد بن ربيعة العامري أحد أشراف‬
‫الشعراء المجيدين وهو من بني عامر بن صعصعة‬

‫‪417‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إحدى بطون هوازن ومضر وأمه عبسية‪ ،‬نشأ لبيد جوادا ً‬
‫شجاعا ً فاتكًا‪ ،‬أما الجود فورثه عن أبيه الملقب بربيعة‬
‫المعترين‪ ،‬وأمى الشجاعة والفتك فهما خصلتا قبليته إذا‬
‫كان عمه ملعب السنة أحد فرسان مضر في الجاهلية‬
‫وكان من قبليته وبين بني عبس أخواله عداوة شديدة‬
‫فاجتمع وفداهما عند النعمان بن المنذر وعلى العبسيين‬
‫الربيع بن زياد وعلى العامريين وملعب السنة وكان‬
‫الربيع مقربا ً عند النعمان يؤاكله وينادمه فأوغر صدره‬
‫على العامريين فلما دخل وفدهم على النعمان أعرض‬
‫عند فشق ذك عليهم‪ ،‬ولبيد يومئذ ٍ صغير يسرح إبلهم‬
‫ويرعاها فسألهم عن خطبهم فاحتقروه لصغره فألح‬
‫حتى أشركوه معهم فوعدهم أنه سينتقم لهم منه غدا ً‬
‫عند النعمان أسوأ انتقام‪ :‬بهجاء يجالسه بعده ول يؤاكله‬
‫فكان ذلك ومقت النعمان الربيع ولم يقبل له عذرا ً‬
‫وأكره العامريين وقضى حوائجهم‪ ،‬فكان هذا أول ما‬
‫اشتهر به لبيد‪ ،‬ثم قال بعد ذلك المقطعات والمطولت‪،‬‬
‫وشهد النابغة له وهو غلم بأنه أشعر هوازن حين سمع‬
‫معلقته التي أولها‪:‬‬
‫ت الدياُر محّلها فمقامها‬
‫عف ِ‬

‫بمّنى تأّبد غولها فرجامها‬


‫ولما ظهر السلم وأقبلت وفود العرب على النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم جاء لبيد في وفد بني عامر وأسلم‬
‫وعاد إلى بلد وحسن إسلمه‪ ،‬وتنسك وحفظ القرآن‬
‫كله وهجر شعر حتى لم يرو له في السلم غير بيت‬
‫واحد هو‪:‬‬

‫‪418‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ما عاتب الحّر الكريم كنفسه‬

‫س الصالح‬
‫والمرء يصلحه الجلي ُ‬
‫) ‪(1/292‬‬

‫وبعد أن فتحت المصار ذهب إلى الكوفة زمن عمر بن‬


‫الخطاب‪ ،‬واختارها دار إقامة‪ ،‬وما زال بالكوفة حتى‬
‫مات في أوائل خلفة معاوية سنة إحدى وأربعين من‬
‫الهجرة‪ ،‬وقد قيل إنه عاش ثلثين ومائة سنة‪.‬‬
‫شعره‪ :‬نبغ فيه وهو غلم وجرى فيه على سنن‬
‫الشراف والفرسان‪.‬‬
‫ومن جيد شعره وقوه في معلقته مفتخرا ً بفعاله وقوله‬
‫وقومه‪:‬‬
‫إنا إذا التقيت المجامع لم يزل‬

‫منا لزاٌز عظيمة جشامها‬

‫ومقسم يعطي العشيرة حقها‬

‫ومغذمٌر لحقوقها هضامها‬

‫فضل ً وذو كرم يعين على الندى‬

‫ب رغائب غّنامها‬
‫ح كسو ٌ‬
‫سم ٌ‬

‫‪419‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من معشر سّنت لهم آباؤهم‬

‫ولكل قوم سّنة وإمامها‬

‫ل يطبعون ول يبور فعالهم‬

‫إذ ل يميل مع الهوى أحلمها‬

‫فاقنع بما قسم الملي ُ‬


‫ك فإنما‬

‫قسم الخلئق بيننا ع ّ‬


‫لمها‬

‫سمت في معشر‬
‫وإذا المانة ق ّ‬

‫سامها‬
‫أوفى بأعظم حظنا ق ّ‬

‫فبنى لنا بيتا ً رفيعا ً سمكه‬

‫فسما إليه كهلها وغلمها‬

‫فهم السعادة إذا العشيرة أفظعت‬

‫وهم فوارسها وهم حكامها‬

‫م‬
‫وهم ربيع للمجاور فيه ُ‬

‫‪420‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والمرملت إذا تطاول عامها‬

‫وهم العشيرة إن يبطئ حاسد‬

‫أو أن يميل مع العدو لئامها‬

‫وقال يرثي أخاه أربد‪:‬‬


‫بلينا وما تبلى النجوم الطوامع‬

‫وتبقى الديار بعدنا والمصانع‬

‫وقد كنت في أكناف جار مضنه‬

‫ففارقني جاٌر بأربد نافع‬

‫فل جزع ٌ إن فرق الدهر بينا‬

‫فكل امرئ يوما ً به الدهر فاجع‬


‫وما الناس إل ّ كالديار وأهلها‬

‫بها يوم خّلوها وراحوا بلقع‬

‫وما المرء إل ّ كالشهاب وضوئه‬

‫يحور رمادا ً بعد إذ هو ساطع‬

‫‪421‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وما المال والهلون إل ّ ودائع‬

‫ولبد ّ يوما ً أن ترد ّ الودائع‬

‫وما الناس إل عاملن‪ :‬فعامل‬

‫يتبر ما يبني وآخر رافع‬

‫ي بالمعيشة قانع‬
‫فمنهم سعيد ُ آخذ بنصيبه=ومنهم شق ّ‬
‫ومنه قوله في النعمان يرثيه‪:‬‬
‫أل تسألن ماذا يحاول‬

‫أنحب فيقضي أم ضال وباطل‬


‫) ‪(1/293‬‬

‫أرى الناس ل يدرون ما قدر أمرهم‬

‫بلى كل ذي لب إلى الله واس ُ‬


‫ل‬

‫أل كل شيء ما خل الله باطل‬

‫وكل نعيم ل محالة زائل‬

‫وكل أناس سوف تدخل بينهم‬

‫‪422‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫دويهية تصفّر منها النامل‬

‫ئ يوما ً سيعلم غيبة‬


‫وكل امر ٍ‬

‫إذا كشفت عند الله الحصائل‬

‫الّرواية _ الّرواة‬
‫قد علمنا مما تقدم أن عامة المروي من كلم العرب‬
‫شعرها ونثرها وأخبارها معزو إلى أهل البدو الميين‪،‬‬
‫ولذلك لم يصل غلينا كتاب يجمع بين دفتيه الكثير منها‪،‬‬
‫وما روي لنا من كلم فصحاء العرب ليس إل النزر‬
‫اليسير بوجوه مختلفة وبالطبع ل يحفظ هذه الوديعة إل ّ‬
‫أهل الحفاظ عليها والعتداد بها وهم الشعراء‬
‫والمتأدبون‪ ،‬فقد كان امرؤ القيس رواية ربي دواد‬
‫اليادي‪ ،‬وزهير رواية أوس ن حجر والعشى رواية‬
‫المسيب بن علس‪.‬‬
‫واشتهر من قريش أربعة بأنهم رواة للشعار وعلماؤهم‬
‫بالنساب وهم مخرمة بن نوفل‪ ،‬وأبو الجهم بن حذيفة‪،‬‬
‫وحويطب بن عبد العزى وعقيل بن أبي طالب‪.‬‬
‫العصر الثاني عصر صدر السلم ويشمل بني أمّية‬
‫"حالة اللغة العربية وآدابها في ذلك العصر"‬
‫) ‪(1/294‬‬

‫كانت العرب أمما ً بدوية ليس لها وسائل العمران‬


‫وأسباب الرخاء ما يحملها على تبحر في علم أو تبصر‬

‫‪423‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫في دين‪ ،‬أو تفنن في تجارة‪ ،‬أو زراعة أو صنعة أو‬
‫سياسة‪ ،‬وعلى وفق ذلك كانت اللغة العربية ل تعدوا‬
‫أغراض المعيشة البدوية إا أن روحا ً من الله تنسم بين‬
‫أرجائها فأيقظها من ردتها‪ ،‬ونبهها لضرورة التعاون على‬
‫الخير في معاشها ولغتها وجماعتها‪ ،‬فظهر ذلك بينا ً في‬
‫السواق التجارية اللغوية الجتماعية‪ ،‬وفي الذعان فيها‬
‫إلى حكومة الشراف من قريش وتميم وغيرهما‪،‬ة مما‬
‫هيأهم لن يجتمعوا تحت لواء واحد ويتفاهموا بلسان‬
‫واحد‪ ،‬فكان ذلك إيذانا ً من الله بإظهار السلم فيهم‪،‬‬
‫وما ألفت نفوسهم هذا النمط ويتفاهموا بلسان واحد‪،‬‬
‫فكان ذلك إيذانا ً من الله بإظهار السلم فيهم‪ ،‬وما‬
‫ألفت نفوسهم هذا النمط الجديد إل ود جاء النبي‬
‫الكريم لما لشعثهم موحدا ً لكلمتهم‪ ،‬مهذبا ً لطباعهم‬
‫مبينا ً طريق الحق‪ ،‬وجادة الصواب‪ ،‬بشريعة عظيمة‪.‬‬
‫) ‪(1/295‬‬

‫فكان من نتيجة ذلك أن أسست لهم جمعة قومية ملية‬


‫وملك كبير‪ ،‬وبالتفاف العرب حول صاحب هذه الدعوة‬
‫وأنصاره‪ ،‬وتفهمهم شرعته وكلمه ثم خضوعهم بعد‬
‫لزعامة قومه وخلفائه وولتهم وفتوحهم تحت ألويتهم‬
‫ممالك الكاسرة والقياصرة وغيرها ومخالطتهم أهلها‬
‫بالجوار والمصاهرة‪.‬‬
‫الول‪ :‬شيوع اللغة القرشية ثم توحد لغات العرب‪،‬‬
‫وتمثلها جميعها في لغة قريش واندماج سائر اللهجات‬
‫العربي فيها‪ ،‬وبعض أسباب هذا يرجع إلى ما قبل بتأثير‬

‫‪424‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫السواق والحج وحكومة قريش وأكثرها يرجع إلى نزول‬
‫القرآن بلغتهم‪ ،‬وظهور ذلك الداعي العظيم منهم‪،‬‬
‫وانتشار دينه وسلطانه على أيديهم‪.‬‬
‫وبحكم الضرورة تكون لغتهم هي اللغة الرسمية بين‬
‫القبائل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬انتشار اللغة العربية في ممالك الفرس والروم‬
‫وغيرهما بالفتوح والمغازي وهجرة قبائل البدو إليها‪،‬‬
‫واستيطانهم‪ ،‬واختلطهم بأهلها‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬اتساع أغراض اللغة منهجا ً دينيًا‪ ،‬واتباعها خطة‬
‫نظامية تقتضيها حال الملك وسكنى الحضر‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬ارتقاء المعاني والتصورات وتغير اللفاظ‬
‫والساليب‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬ظهور اللحن في الكلم بين المستعربين‪ :‬من‬
‫الموالي وأبناء العرب من الفتيات وبعض العرب‬
‫المكثرين من معاشرة العاجم‪.‬‬
‫ولما كان معظم هذه التغيرات يرجع إلى القرآن الكريم‬
‫والحديث النبوي ناسب وصفهما بقليل من مثير مما‬
‫ينبغي أن يقال فيهما‪.‬‬
‫القرآن الكريم وأثره في اللغة‬
‫) ‪(1/296‬‬

‫م‬‫كي‬ ‫ح‬ ‫ن‬ ‫د‬‫من ل ّ‬ ‫ت‬ ‫صل َ‬ ‫ُ‬ ‫ف‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬ ‫ت‬‫يا‬ ‫آ‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫ك‬‫ح‬ ‫القرآن )كتاب أ ُ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َِ ٌ‬
‫ر( ]هود‪ ،[1:‬فيه آيات بينات‪ ،‬ودلئل واضحات‪،‬‬ ‫خِبي ٍ‬
‫َ‬
‫وأخبار صادقة‪ ،‬ومواعظ رائقة‪ ،‬وشرائع راقية‪ ،‬وآدا‬
‫عالية‪ ،‬بعبارات تأخذ اللباب‪.‬‬

‫‪425‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأساليب ليس لحدج من البشر بالغا ً مما بلغ من‬
‫الفصاحة والبلغة أن يأتي بمثلها‪ ،‬أو يفكر في محاكاتها‬
‫فهو آية الله الدائمة‪ ،‬وحجته الخالدة‪) ،‬ل ّ ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬
‫ل‬
‫د(‬‫مي ٍ‬
‫ح ِ‬‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫زي ٌ‬‫فهِ َتن ِ‬ ‫خل ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وَل َ ِ‬
‫من ب َي ْ ِ‬ ‫ِ‬
‫]فصلت‪ ،[42 :‬أنزل الله على رسوله ليبلغه قومنه وهم‬
‫فحول البلغة‪ ،‬وأمراء الكلم‪.‬‬
‫وأباه الضيم‪ ،‬وأربا النفة والحمية فيبهرهم بيانه‪،‬‬
‫وأذهلهم افتتانه فاهتدى به من صح نظره واستحصف‬
‫عقله‪ ،‬ولطف ذوقه‪ ،‬وصد عنه أهل العناد والمكارة‬
‫واللجاج فتحداهم أن يأتوا بمثله فنكصوا ثم بعشر سور‬
‫مثله فعجزوا‪ ،‬ثم بسورة من مثله فانقطعوا فحق‬
‫س‬
‫ت ال ِن ْ ُ‬ ‫معَ ِ‬ ‫جت َ َ‬‫نا ْ‬ ‫ِ‬ ‫عليهم إعجازه قال تعالى‪ُ) :‬قل ل ّئ ِ‬
‫مث ْل ِهِ وَل َْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫وال ْجن عل َى َأن يأ ْ‬
‫و‬ ‫ن بِ ِ‬‫ن ل َ ي َأُتو َ‬ ‫رآ‬
‫ْ ِ‬ ‫ق‬
‫ُ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫ه‬ ‫ل‬‫ِ ِ‬‫ْ‬ ‫ث‬‫م‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫تو‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ّ َ َ‬
‫ض ظ َِهيرًا( ]السراء‪.[88 :‬‬ ‫م ل ِب َعْ ٍ‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫ن ب َعْ ُ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫وللقرآن فضل على اللغة فقد أثر فيها ما لم يؤثره أي‬
‫كتاب سماويا ً كان أو غير سماوي في اللغة التي كان‬
‫ل‪ ،‬وصانها من‬ ‫بها‪ ،‬إذا ضمن لها حياة طيبة وعمرا ً طوي ً‬
‫كل ما يشوه خلقها ويذوي غضارتها فأصبحت وهي‬
‫اللغة الحية الخالدة ومن بين اللغات القديمة التي‬
‫انطمست آثارها‪ ،‬وصارت في عداد اللغات التاريخية‬
‫الثرية وأنه قد أحدث فيها علوما ً جمة وفنونا ً شتى‬
‫لوله لم تخطر على قلب‪ ،‬ولم يخطها قلم منها‪،‬‬
‫والنحو‪ ،‬والصرف‪ ،‬والشتقاق‪ ،‬والمعاني‪ ،‬والبديع‪،‬‬
‫والبيان والدب والرسم‪ ،‬والقراءات‪ ،‬والتفسير‪،‬‬
‫والصول‪ ،‬والتوحيد والفقه‪.‬‬
‫جمع القرآن وكتابته‬

‫‪426‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/297‬‬

‫قد نزل القرآن الكريم على رسول الله صل الله عليه‬


‫وسلم منجما ً تعلى حسب الوقائع ومقتضيات الحوال‬
‫في بضع وعشرين سنة‪ ،‬وكان عليه الصلة والسلم‬
‫يأمر كتابة وحيه بكتابة ما ينزل وتوفي رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم والقرآن كله مكتوب‪ ،‬وفي صدور‬
‫الصحابة محفوظ‪ ،‬وفي مدة المام عثمان كثرت‬
‫الفتوحات وانتشر القراء في المصار فأمر عثمان زيد‬
‫بن ثابت وعد الله بن الزبير وسعيد بن العاص ونعبد‬
‫الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوا تلك الصحف في‬
‫مصحف واحد مرتب السور واقتصر فيه من جميع‬
‫اللغات على لغة قريش لنزوله بلغتهم‪.‬‬
‫الحديث النبوي‬
‫كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فصح الناس‬
‫وأبينهم وأحكمهم‪ ،‬وكانت حياته كلها هداية ونورا ً‬
‫وأفعاله وأقواله جميعها مددا ً يستمد منه الخلق‬
‫سدادهم وإرشادهم في معاشهم ومعادهم ولهذا حرص‬
‫المسلمون على حفظ ذلك الثر العظيم حرصا ً لم‬
‫توفق مثله أمة في حفظ آثار رسولها فجمعوا من كلمه‬
‫ووف أفعاله وأحواله السفار الضخام ووعوا منها في‬
‫صدورهم ما ل يدخل تحت حصر وكلمه صلى الله عليه‬
‫وسلم منزه عن اللغو والباطل وإنما كان في توضيح‬
‫قرآن أو تقرير حكم أو إرشاد إلى خيرا أو تنفير من شر‬
‫أو في حكمة ينتفع الناس بها في دينهم ودنياهم عبارة‬
‫هي في الفصاحة والبلغة واليجاز والبين بالدرجة‬

‫‪427‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الثانية بعد القرآن الكريم ولذلك كان تأثيرها في اللغة‬
‫والدب بالمنزلة التالية لكلم الله تعالى‪.‬‬
‫النثر لغة التخاطب الخطابة الكتابة‬
‫) ‪(1/298‬‬

‫كانت لغة التخاطب في مبدأ السلم بين العرب الخلص‬


‫والموالي النابتين فيهم هي العربية الفصيحة المعرة‬
‫وكانت لغة الموالي الطارئين عليهم تقرب من الفصيحة‬
‫أو تبتعد عنها على حسب طول لبثهم فيهم أو قصر‬
‫مقامهم عندهم ولما فتح المسلمون المصار وكثر‬
‫عندهم سبي العاجم وأسرى الحروب ودخل في‬
‫السلم منهم ألوف اللوف وأصبحوا لهم إخوانا ً‬
‫وشركاء في الدين وتم بينهم التزاوج والتناسل‪ ،‬نشأ‬
‫للعرب ذرية اختلطت عليهم ملكة العربية وكذلك كان‬
‫الشأن في المتعربين من العاجم أما العرب أنفسهم‬
‫عد الفتوح فكانت لغتهم في جزيرتهم مثلما كانت عليه‬
‫في جاهليتهم‪ ،‬أما سكان المصار منهم وأولدهم من‬
‫الحرائر‪ ،‬فالعامة منهم المخالطون للعاجم لم تخل‬
‫لغتهم من لحن أو هجنة‪ ،‬والخاصة منهم تشددوا‬
‫فالمحافظة على سلئقهم وتحاموا التزوج بالعجميات‬
‫وبالغوا في تربية أبنائهم فكانوا يرسلونهم إلى البادية‬
‫ليرتاضوا على الفاصحة‪ ،‬أو يحضون لهم المؤدبين‬
‫والمعلمين كذلك كان يفعل خلفاء بني أمية وأمراؤهم‬
‫اقتداًء بكبيرهم معاوية بن أبي سفيان في تربية ابنه‬
‫يزيد‪ ،‬ومن لحن منهم تعدوا ذلك عليه عارا ً ل يمحى‬

‫‪428‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وسبة ل تزول‪ ،‬ومن هؤلء اللحانين عبيد الله بن زياد‬
‫والوليد بن عبد الملك وخالد القشري مع أن بعضهم‬
‫كان من أبلغ الناس وأبينهم‪.‬‬
‫ومن هنا يعلم السر في تسرع القوم إلى وضع النحو‬
‫وتدوينه والشكل والعجام‪.‬‬
‫الخطابة في هذا العصر والخطباء‬
‫) ‪(1/299‬‬

‫ل كان مبدأ كل انقلب عظيم في أي أمة‪ :‬إما دعوة‬


‫دينية وإما دعوة سياسية‪ ،‬وكانت تلك الدعوة تستدعي‬
‫ألسنة قوالة من أهلها لتأييدها ونشرها وألسنة من‬
‫أعدائها وخصومها لدحاضها والصد عنها‪ ،‬و ذلك ل يكون‬
‫إل بمخاطية الجماعات‪ :‬وكان ظهور السلم من أهم‬
‫الحوادث التي أنشطت اللسن من عقلها وأثارت‬
‫الخطابة من مكمنها فوق ما كانت عليه في جاهليتها‬
‫فكان العمل الكبر لصاحب الدعوة العظمى سيدنا‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم بادئ أمره غير تبليغ‬
‫القرآن واردا ً من طريق الخطابة‪ .‬ولمر ما جعلها‬
‫الشارع سعار كل المور ذوات البال‪ ،‬كان دعاة النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ورسله إلى الملوك وأمراء‬
‫جيوشه وسراياه ثم خلفاءه من بعده عمالهم كلهم‬
‫خطباء مصاقع ولسنا مقاول وأن الشعر صرفهم عن‬
‫اللهو والشعر الذي ل ينهض بأعباء الخطابة ولسيما‬
‫الدينية لشرحها الحقائق وقرعها السماع بالحجج‬
‫العقلية والوجدانية وترغيبها في الثواب وترهيبها من‬

‫‪429‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫العقاب بعبارات تفهمها الخاصة والعامة وكان لهم من‬
‫القرآن أدلته وحجته والقتباس منه مدد أيما مدد‪.‬‬
‫ولما حدثت الفتنة بن المسمين بعد مقتل عثمان‪،‬‬
‫وافترقوا إلى عراقيين بزعامة علي وشاميين بزعامة‬
‫معاوية ولكل منهم دعوة يؤيدها ورغبة يناضل عنها في‬
‫تلك الحرب الشعواء التي لم ينكب السلم بمثلها‪ ،‬ظهر‬
‫من كلتا الطائفتين خطباء ل يحصى عددهم ول يشق‬
‫غبارهم ‪ ،‬وعلى رأس العراقيين شيخ الخطباء علي بن‬
‫أبي طالب وعلى رأس الشاميين معاوية بن أبي سفيان‬
‫ولم يعدم كل طائفة خطباء يؤيدون دعوتها بما أتوا من‬
‫البلغة في الخطابة والفصاحة والبيان‪.‬‬
‫والخطابة وصلت في هذا العصر إلى أرقى ما وصلت‬
‫إليه في اللسان العربي حتى ممن يعد عليهم اللحن‬
‫ولم تسعد العربية بكثرة خطباء ووفرة خطب ومثل ما‬
‫سعدت به في هذا الصدر الول‪.‬‬
‫إذا كان القوم ورؤساؤهم عربا ً خلصا ً يسمعون القول‬
‫فيتبعون أحسنه‪.‬‬
‫ولم يخرج الخطباء عن مألوفهم من اعتجار العمامة‬
‫والشتمال بالرداء‬
‫) ‪(1/300‬‬

‫واختصار المخصرة والخبطة من قيام‪.‬‬


‫وليس في عصور أدب اللغة من عصر أحفل بالخطباء‬
‫من هذا العصر‪ :‬إذا كانت الخطابة فيه سلسة القياد‬
‫على خلفائه وزعمائه‪ :‬لفطرتهم العربية ومحلهم من‬

‫‪430‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الفصاحة والبيان وانطباعهم على أساليب القرآن‬
‫واتساع مداركهم‪.‬‬
‫أبو بكر الصديق رضي الله عنه‬
‫هو أبو بكر عبد الله عتيق بن أبي قحافة عثمان صاحب‬
‫رسول الله وأول الخلفاء الراشدين‪.‬‬
‫ويجتمع نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم في مرة بن كعب‪ ،‬ولد بعد مولد رسول الله‬
‫لسنتين وبضعة أشهر ونشأ من أكرم قريش خلقا ً‬
‫وأرجحهم حلما ً وأشدهم عفة وكان أعلمهم بالنساب‬
‫وأيام العرب ومفاخرها‪ ،‬صحب رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم قبل النبوة وكان أول من آمن به من‬
‫الرجال وصدقه في كل ما جاء به‪ :‬ولذلك سمي‬
‫بالصديق وهاجر معه إلى المدينة وشهد معه أكثر‬
‫الغزوات وما زال ينفق ماله وقوته في معاضدته حتى‬
‫انتقل صلى الله عيه وسلم إلى الرفيق العلى‬
‫واختلفت العرب وارتدت عن السلم فجرد عليهم‬
‫الجيوش حتى قمعهم وما مات إا وجيوشه تهزم جيوش‬
‫الفرس والروم وتسولي على مدائنهم وحصونهم وكانت‬
‫وفاته سنة ‪13‬ه? ومدة خلفته سنتين وثلثة أشهر‬
‫وعشر ليال‪.‬‬
‫وكان فصيحا ً بليغا ً خطيبا ً مفوها ً قوي الحجة شديد‬
‫التأثير يشهد بذلك خطبته يوم السقيفة )وذلك أنه لما‬
‫مات رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفت‬
‫الصحابة فيمن يبايعونه خليفة عليهم‪ :‬فابت النصار إل‬
‫أن يكون الخليفة منهم وأبى المهاجرون من ريش إل‬
‫أن يكون منهم واشتد النزاع حتى كادت تقع الفتنة‬

‫‪431‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فخطبهم خطبة لم يلبث الجمع بعدها أن بايعوه خليفة(‬
‫وهي‪ :‬حمد الله وأثنى عليه ثم قال‪ :‬أيها الناس نحن‬
‫المهاجرون‪ ،‬وأول الناس إسلمًا‪ ،‬وأكرمهم أحسابًا‪،‬‬
‫وأوسطهم دارًا‪ ،‬وأحسنهم وجوهًا‪ ،‬وأكثر الناس ولدة‬
‫في العرب وأمسهم رحما ً برسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬أسلمنا قبلكم وقدمنا في القرآن قال تبارك‬
‫ن‬
‫ري َ‬
‫ج ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَها ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن الوُّلو َ‬
‫ن ِ‬ ‫ساب ُِقو َ‬
‫وتعالى‪َ) :‬وال ّ‬
‫) ‪(1/301‬‬

‫ن( ]التوبة‪ [100 :‬فنح‬‫سا ٍ‬


‫ح َ‬
‫هم ب ِإ ِ ْ‬
‫ن ات ّب َُعو ُ‬ ‫صارِ َوال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫َوالن ْ َ‬
‫المهاجرون وأنتم النصار‪ :‬إخواننا في الدين‪.‬‬
‫وشركاؤنا في الفيء وأنصارنا على العدو آويتم‬
‫وواسيتم جزاكم الله خيرا ً نحن المراء وأنتم الوزراء ل‬
‫تدين العرب إل لهذا الحي من قريش فل تنفسوا على‬
‫إخوانكم المهاجرين ما منحهم الله من فضله‪.‬‬
‫وخطب أيضا ً حين بايع الناس البيعة العامة‪.‬‬
‫حمد الله وأثنى عليه ثم قال‪ :‬أيها الناس إني قد وليت‬
‫عليكم ولست بخيركم فإن رأيتموني على حق‬
‫فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسددوني أطيعوني‬
‫ما أطعت الله فيكم‪ ،‬فإذا عصيته فل طاعة لي عليكم‬
‫أل أتن أقواكم عندي الضعيف حتى آخذ الحق له‬
‫وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ الحق منه أقول قولي‬
‫هذا واستغفر الله لي ولكم‪.‬‬
‫وخطب أيضا ً الناس فقال‪) :‬بعد أن حمد الله وأثنى عليه‬
‫وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم( أوصيكم بتقوى‬

‫‪432‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الله والعتصام بأمر الله الذي شرع لكم وهداكم به‬
‫فإن جوامع هدي السلم بعد كلمة الخلص السمع‬
‫والطاعة لمن وله الله أمركم‪ ،‬فإنه من يطع لله وأولي‬
‫المر بالمعروف والنهي عن المنكر فقد أفلح‪ ،‬وأدى‬
‫الذي عليه من الحق‪ ،‬وإياكم واتباع الهوى‪ ،‬افقد أفلح‬
‫من حفظ من الهوى والطمع والغضب وإياكم والفخر!‬
‫وما فخر من خلق من تراب ثم إلى التراب يعود‪ ،‬ثم‬
‫يأكله الدود‪ ،‬ثم هو اليوم حي وغدا ً ميت؟ فاعلموا يوما ً‬
‫بيوم‪ ،‬وساعة ساعة‪ ،‬وتوقوا دعاء المظلوم‪ ،‬وعدوا‬
‫أنفسكم في الموتى واصبروا‪ ،‬فإن العمل كله بالصبر‪،‬‬
‫واحذروا‪ ،‬والحذر ينفع واعملوا‪ ،‬والعمل يقبل‪ ،‬واحذروا‬
‫ما حذركم اله من عذابه‪ ،‬وسارعوا فيما وعدكم الله من‬
‫رحمته وافهموا وتفهموا‪ ،‬واتقوا‪ ،‬وتوقوا فإن الله قد‬
‫بيتن لكم ما أهلك به من كلن قبلكم‪ ،‬وما نجي به من‬
‫نجى قبلكم‪ ،‬قد بين لكم في كتابه حلله وحرامه‪ ،‬وما‬
‫يجب من العمال‪ ،‬وما يكره‪ ،‬فإني ل ألومكم ونفسي‪،‬‬
‫والله المستعان ول حول ول قوة إل بالله‪ ،‬واعلموا أنكم‬
‫ما أخلصتم لله من قبل أعمالكم فربكم‬
‫) ‪(1/302‬‬

‫أطعتم وحظكم وحفظتم واعتبطتم‪ ،‬وما تطوعتم به‬


‫لدينكم فاجعلوه نوافل بين أيديكم تستوفوا سلفكم‬
‫وتعطوا جرايتكم حيث فقركم وحاجتكم إليها ثم تفكروا‬
‫عباد الله في إخوانكم وصحابتكم الذين مضوا‪ ،‬قد ردوا‬
‫على ما قدموا فأقاموا عليه وحلوا في الشقاء أو‬

‫‪433‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫السعادة فيما بعد الموت‪ ،‬أن الله له شريك وليس بينه‬
‫وبين أحد من خله نسب يعطيه به خيرا ً ول يصرف عنه‬
‫سوءا ً إل بطاعته اتباع أمره فلنه ل خير في خير بعده‬
‫النار ول شر في شر بعده الجنة‪.‬‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه‬
‫) ‪(1/303‬‬

‫هو أمير المؤمنين أبو حفص عمر بن الخطاب القرشي‬


‫ثاني خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأول من‬
‫تسمى من الخلفاء بأمير المؤمنين وأول من أرخ‬
‫بالتاريخ الهجري ومصر المصار ودون الدواوين‪.‬‬
‫ولد رضي الله عنه بعد مولد النبي صلى اله عليه وسلم‬
‫بثلث عشرة سنة وحضر مع رسول الله الغزوات كلها‪،‬‬
‫ثم لما قبض أعان أبا بكر على تولية الخلفة‪ ،‬ولما‬
‫أحسن أبو بكر بالموت‪ ،‬عهد بها غليه‪ ،‬فقام بأعبائها خير‬
‫قيام وأتم جميع ما شرع فيه أبو بكر‪ :‬من فتح ممالك‬
‫كسرى وقيصر‪.‬‬
‫وقتله أبو لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة‪ :‬لنه لم ينصفه‬
‫على زعمه في تخفيض ما يدفعه لسيده من أجره‬
‫عمله‪ ،‬وكان قتله سنة ‪23‬ه? ومدة خلفته عشر سنين‬
‫وستة أشهر وثمانية أيام‪ ،‬وكان رحمه الله من أبين‬
‫الناس منطقًا‪ ،‬وأبلغهم عبارة وأكثرهم صوابا ً وحكمة‬
‫وأرواهم للشعر‪ ،‬وأنقدهم له‪.‬‬
‫ومن خطبه خطبته إذ ولي الخلفة‪.‬‬
‫صعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثم قال‪ :‬يا آيها‬

‫‪434‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الناس‪ ،‬إني داع فأمنوا اللهم إني غليظ فليني لهل‬
‫طاعتك بموافقة الحق‪ ،‬ابتغاء وجهك الدار الخرة‬
‫وارزقني الغلظة والشدة على أعدائك وأهل الدعارة‬
‫والنفاق من غير ظلم مني ول اعتداء عليهم‪ ،‬واتللهم‬
‫إني شحيح فسخني في نوائب المعروف قصدا ً من غير‬
‫سرف ول تبذير ول رياء ول سمعة‪ ،‬واجعلني أبتغي‬
‫بذلك وجهك والدار الخرة‪ ،‬واللهم ارزقني خفض الجناح‬
‫ولين الجانب للمؤمنين‪ ،‬اللهم إني كثير الغفلة والنسيان‬
‫فألهمني ذكرك على كل حال وكذر الموت في كل‬
‫حين‪ ،‬اللهم إني ضعيف عن العمل طاعتك فارزقني‬
‫النشاط فيها‪ ،‬والقوة عليها بالنية الحسنة التي ل تكون‬
‫إل بعزتك وتوفيقك‪ ،‬اللهم ثبتني باليقين والبر والتقوى‬
‫وذكر المقام بين يديك‪ ،‬والحياء منك وارزقني الخشوع‬
‫فيما يرضيك عني‪ ،‬والمحاسبة لنفسي‪ ،‬وإصلح‬
‫الساعات والحذر من الشبهات‪ ،‬واللهم ارزقني التفكير‬
‫والتدبر لما يتلوه لساني من كتابك‪ ،‬والفهم له والمعرفة‬
‫وبمعانيه والنظر في عجائبه والعمل بذلك ما بقيت‪ ،‬إنك‬
‫على‬
‫) ‪(1/304‬‬

‫كل شيء قدير‪.‬‬


‫ومن خطبه في ذم الدنيا‪ :‬إنما الدنيا أمل مخترم وأجل‬
‫منتقض وبلغ إلى دار غيرها‪ ،‬وسير إلى الموت ليس‬
‫فيه تعريج فرحم الله امرأ فكر في أمره‪ ،‬ونصح لنفسه‬
‫وراقب ربه واستقال ذنبه‪ ،‬بئس الجار الغني يأخذك بما‬

‫‪435‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ل يعطيك من نفسه فإن أبيت لم يعذرك‪ ،‬إياكم والبطنة‬
‫فإنها مكسلة عن الصلة ومفسدة للجسم‪ ،‬ومؤدية إلى‬
‫السقم‪ ،‬وعليكم في قوتكم فهو أبعد من السرف‪،‬‬
‫وأصح للبدن وأقوى على العبادة‪ ،‬وإن العبد لن يهلك‬
‫حتى يؤثر شهوته على دينه‪.‬‬
‫عثمان بن عفان رضي الله عنه‬
‫هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان القرشي الموي‪،‬‬
‫ثالث الخلفاء الراشدين وموجد نسخ القرآن المبين‪ ،‬ولد‬
‫في السنة السادسة من مولد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم وآمن في السابقين الولين‪ ،‬وبذل ماله الكثير‬
‫في تأييد السلم ومعونة المجاهدين وهد مغازي رسول‬
‫الله كلها إل بدرا ً وقد كان عمر قبل وفاته عهد إلى ستة‬
‫هو منهم تنتخب المة أحدهم خليفة‪ ،‬فانتبخوا عثمان‬
‫فأكمل مغازي عمر ثم ثار عليه بعض العراب بحجة أنه‬
‫يؤثر أقرباءه بولية القاليم‪ ،‬فحاصروه في داره‬
‫بالمدينة وقتلوه وهو يتلو القرآن الكريم سنة ‪33‬ه?‬
‫ومدة خلفته اثنتا عشرة سنة إل اثني عشر يومًا‪.‬‬
‫وكان رحمه الله من بلغاء الخلفاء وأوجزهم لفظا ً‬
‫وأجزلهم معنى وأسلسلهم عبارة ومن خطبه خطبته‬
‫بعد أن بويع وهي بعد الحمد والثناء‪ :‬أما بعد فإني قد‬
‫حملت وقد قبلت‪ ،‬أل ‪,‬اني متبع ولست بمتدع‪ ،‬أل وأن‬
‫لكم علي بعد كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله‬
‫عليه وسلم ثلثًا‪ :‬اتباع من كان قبلي فيما اجتمعتم عليه‬
‫وسننتم وسن سنة أهل الخير فيما لم تسنوا عن مل‪،‬‬
‫والكف إا فيما استوجبتم‪ ،‬أل وأن الدنيا خضرة وقد‬
‫شهيت إلى الناس ومال إليها منهم فل تركنوا إلى الدنيا‬

‫‪436‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ول تثقوا بها فإنها ليست بثقة واعلموا أنها غير تاركة إل‬
‫من تركها‪.‬‬
‫ومن خطبه أيضا ً وهي آخر خطبة خطبها‪:‬‬
‫) ‪(1/305‬‬

‫أما بعد‪ :‬فإن الله عز وجل إنما أعطاكم الدنيا لتطلبوا‬


‫بها لخرة ولم يعطكموها لتركنوا إليها‪ ،‬الدنيا تفنى‬
‫والخر ة تبقى فل تبطرنكم الفانية ول تشغلنكم عن‬
‫الباقية فآثروا ما يبقى على ما يفنى فإن الدنيا منقطعة‬
‫وأن المصير إلى الله‪ ،‬اتقوا الله عز وجل فإن تقواه‬
‫جنة من بأسه ووسيلة عنده واحذروا من الله الغير‪،‬‬
‫ة الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬‫والزموا جماعتكم ول تصيروا أحزابا ً )َواذ ْك ُُروا ْ ن ِعْ َ‬
‫َ‬ ‫عل َيك ُم إذ ْ ك ُنتم أ َعدآًء فَأ َ‬
‫ه‬
‫مت ِ ِ‬‫م ب ِن ِعْ َ‬
‫حت ُ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬
‫صب َ ْ‬ ‫ن قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ب‬ ‫ف‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ُْ ْ ْ َ‬ ‫َ ْ ْ ِ‬
‫وانًا( ]آل عمران‪.[103 :‬‬ ‫خ َ‬‫إِ ْ‬
‫ي بن بي طالب رضي الله عنه‬ ‫عل ّ‬
‫) ‪(1/306‬‬

‫هو أمير المؤمنين أبو الحسن علي ن أبي طالب‪ ،‬وابن‬


‫عم رسول وزوج ابنته ورابع الخلفاء الراشدين ولد‬
‫رحمه الله بعد مولد النبي باثنتين وثلثين سنة‪ ،‬وهو أول‬
‫من آمن من الصبيان‪ ،‬وكان شجاعا ً ل يشق له غبار‪،‬‬
‫وشهد الغزوات كلها مع النبي إل غزوة تبوك‪ ،‬وأبلى في‬
‫نضرة رسول الله ما لم يبله أحد‪ ،‬ولما قتل عثمان بايعه‬
‫الناس بالحجاز وامتنع من بيعته عاوية وأهل الشام‬
‫شيعة بني أمية غضبا ً منهم لمقتل عثمان وقلة عناية‬
‫‪437‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫علي بالبحث عن معرفة القتلة على حسب اعتقادهم‪،‬‬
‫فحدث من جراء ذلك الفتنة العظمى بين المسلمين‬
‫وافتراقهم إلى طائفتين فتحاربوا مجدة من غير أن‬
‫يستتب المر لعلي أو معاوية حتى قتل أحد الخوارج‬
‫عليا ً غيلة بمسجد الكوفة سنة ‪40‬ه?‪.‬‬
‫وكانت مدة خلفته خمس سنين إل ثلثة أشهر‪.‬‬
‫وكان رحمه الله أفصح الناس بعد رسول الله‪ ،‬وأكثرهم‬
‫علما ً وزهدا ً وشدة في الحق‪ ،‬وهو إمام الخطباء من‬
‫العرب على الطلق بعد رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم وخطبه كثيرة‪ :‬منها خطبته كرم الله وجهه بعد‬
‫التحكيم وهي‪ :‬الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب‬
‫الفادح‪ ،‬والحدث الجلل وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل‬
‫شريك له ليس معه غله غيره‪ ،‬وإن محمدا ً عبده‬
‫ورسوله صلى الله عليه وسلم )أما بعد( فإن معصية‬
‫الناصح الشفيق العالم لمجرب تورث الحيرة وتعقب‬
‫الندامة‪ ،‬وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري‪،‬‬
‫ونخلت لكم مخزون رأيي‪ ،‬ولو كان يطاع لقصير أمر‬
‫ي إباء المخالفين الجفاة والمنابذين العصاة‬
‫فأبيتم عل ّ‬
‫حتى ارتاب الناصح وضن الزند بقدحه‪ ،‬فكنت وإياكم‬
‫كما قال أخو هوزان‪:‬‬
‫أمرتهم أمري بمنعرج الّلوى‬

‫فلم يستبينوا النصح إل ضحى الغد‬


‫) ‪(1/307‬‬

‫‪438‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ومن خطبه له حين خاطبه العباس وأبو سفيان وفي أن‬
‫يبايعا له بالخلفة‪.‬‬
‫أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة‪ ،‬وتعرجوا‬
‫عن طريق المنافرة وضعوا عن تيجان المفاخرة‪ ،‬أفلح‬
‫من نهض بجناح أو استسلم فأراح هذا ماء آجن ولقمة‬
‫يغص بها آكلها‪ ،‬ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها‬
‫كالزارع بغير أرضه فإن أقل يقولوا جزع من الموت‪،‬‬
‫هيهات بعد اللتيا والله لبن أبي طالب آنس بالموت من‬
‫الطفل بثدي أمه‪ ،‬بل اندمجن على مكنون علم لو بحت‬
‫به لضطربتم اضطراب الرشية في الطوي البعيدة‪.‬‬
‫?سحبان أوائل‬
‫هو سحبان بن زفر بن إياد الوائلي‪ ،‬الخطيب المصقع‪،‬‬
‫المضروب به المثل في البلغة والبيان في الجاهلية‬
‫ولما ظهر السلم أسلم وتقلبت به الحوال حتى التحق‬
‫بمعاوية فكان يعده لملمات‪ ،‬ويتوكأ عليه المفاخرة‪.‬‬
‫قدم على معاوية وفد فطل سحبان ليتكلم فقال‪:‬‬
‫أحضروا لي عصا ً قالوا وما تصنع بها وأنت بحضرة أمير‬
‫المؤمنين؟ قال‪ :‬ما كان يصنع بها موسى وهو يخاطب‬
‫ربه فضحك معاوية وأمره بإحضارها ثم خطب من صلة‬
‫الظهر وإلى أن حانت صلة العصر‪ ،‬ما تنحنح ول سعل‬
‫ول توقف ل تلكأ وابتدأ في معنى وخرج منه وقد قي‬
‫منه شيء حتى دهش منه الحاضرون فقال معاوية‪:‬‬
‫أنت أخطب العرب‪ :‬قال سحبان‪ :‬والعجم والجن‬
‫والنس‪.‬‬
‫وكان سحبان إذا خطب يسيل عرقًا‪ ،‬ومات في خلفة‬
‫معاوية سنة ‪54‬ه? ومما يؤثر من خطبه قوله‪ :‬إن الدنيا‬

‫‪439‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫دار بلغ والخرة دار قرار‪ ،‬أيها الناس فخذوا من دار‬
‫ممركم لدار مقركم‪ ،‬ول تهتكوا أستاركم عند من ل‬
‫تخفي عليه أسراركم وأخرجوا من الدنيا قلوبكم قبل‬
‫أن تخرج منها أبدانكم ففيها حييتم ولغيرها ما خلتهم إن‬
‫الرجل إذا هلك قال الناس ما ترك؟ وقال الملئكة ما‬
‫قدم؟ قدموا بعضا ً يكون لكم ول تخلفوا كل ً يكون‬
‫عليكم‪.‬‬
‫?زياد بن أبيه‬
‫) ‪(1/308‬‬

‫هو أحد دهاة العرب وساستها وخطاها وقادتها أمه‬


‫سمية أمة الحارث بن كلدة الثقفي طبيب العرب وقد‬
‫قرنها بعبد له رومي يدعى عبيدا ً فولدت سمية زيادا ً‬
‫علت فراش عبيد هذا )في السنة الولى من الهجرة(‬
‫فنشأ غلما ً فصيحا ً شجاعا ً فما افتتحت العرب الممالك‬
‫والمصار حتى عرف منه ذلك فاستكتبه أبو موسى‬
‫اشعري والي البصرة من قبل عمر‪.‬‬
‫ولما ولي أمير المؤمنين علي الخلفة اضطرب عليه‬
‫فارس فسار إليها زياد بجمع وتمكن بخداعه من إيقاع‬
‫الشقاق بين رؤساء المشاغبين‪ ،‬ومازال يضرب بعضهم‬
‫ببعض حتى سكنت ثورتهم‪ ،‬وبقي يتولى لعلي العمال‬
‫حتى قتل علي فخافه معاوية فأرسل إليه المغير بن‬
‫شعبة يستقدمه فقدم عليه فادعاه أخا ً له واستلحقه‬
‫بنبس أبيه أبي سفيان وصار يسمى زياد بن أبي سفيان‬
‫بدل زياد بن عبيد أو)ابن سمية أو ابن أبيه(‪.‬‬

‫‪440‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ووله معاوية العراقين وهو أول من جمع له بينهما‬
‫فسار في الناس سيرة لم بها الشعث وأقام بها المعوج‬
‫وكبح الفتنة واشتط في العقوبة وأخذ بالظنة وعاقب‬
‫على الشهة حتى شمل خوفه جميع الناس فأمن بعهم‬
‫بعضا ً وكان الشيء يسقط من يد الرجل أو المرأة فل‬
‫يعرض له أحد حتى يأبى صاحبه فيأخذه بل كان ل يغلق‬
‫أحد بابه وكان زياد يقول‪) :‬لو ضاع حبل بيني وبين‬
‫خراسان لعرفت آخذه( وكان مكتوبا ً في مجلس عنوان‬
‫سياسته وهي )الشدة في غير عنف واللين في غير‬
‫ضعف المحسن سيجازى بإحسانه والمسيء يعاقب‬
‫بإساءته( وتوفي بالكوفة في رمضان سنة ‪53‬ه?‪.‬‬
‫ومن خطه البليغة خطبته حين قدم إلى البصرة وهي‪:‬‬
‫أم بعد فإن الجهلء والضللة العمياء والغي والموفى‬
‫بأهله على النار ما فيه سفهاؤكم ويشتمل عليه‬
‫حلماؤكم‪ :‬من المور التي بنيت فيها الصغير ول‬
‫يتحاشى عنها الكبير كأنكم لم تقرؤوا كتاب الله ولم‬
‫تسمعوا ما أعد الله من الثواب الكريم لهل طاعته‬
‫والعذاب الليم لهل معصيته في الزمن السرمدي الذي‬
‫ل يزول إنه ليس منكم إل من طرفت عينه الدنيا‬
‫وسدت مسامعه الشهوات‪ ،‬واختار الفانية على‬
‫) ‪(1/309‬‬

‫الباقية‪ ،‬ول تذكرون أنكم أحدثتم في السلم الحدث‬


‫الذي لم تسبقوا إليه‪ :‬من ترككم الضعيف يقهر‬
‫والضعيفة المسلوبة في النهار تنصر‪ ،‬والعدد غير قليل‪،‬‬

‫‪441‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والجميع غير مفترق‪ ،‬ألم يكن منكم نهاة يمنعون الغواة‬
‫عن دلج الليل وغارة النهار! قربتم القرابة! وباعدتم‬
‫الدين‪ ،‬تعتذرون بغير لعذر‪ ،‬وتغضون على النكر‪ ،‬كل‬
‫امرئ منكم يرد عن سفيهه‪ ،‬صنع من ل يخاف عقابا ً ول‬
‫يرجو معتادًا‪ ،‬فلم يزل بهم ما ترون من قيامكن دونهم‬
‫حتى انتهكوا حرم السلم ثم أطرقوا وراءكم كنوسا ً‬
‫في مكانس الريب‪ ،‬حرام علي الطعام والشراب حتى‬
‫أضع هذه المواخير بالرض هداما ً وإحراقا ً إني رأيت اجر‬
‫هذا المر ل يصلح إل بما صلح به أوله‪ :‬لينفي غير‬
‫ضعيف‪ ،‬وشدة في غير عنف‪ ،‬وأني لقسم بالله لخذن‬
‫الولي بالمولى‪ ،‬والمقيم بالظاعن‪ ،‬والمطبع بالمعاصي‪،‬‬
‫وتى يلقى الرجل أخاه فيقول‪" :‬انج سعد فقد هلك‬
‫سعيد" ا‪ ,‬تستقيم لي بيني وبين قوم إجن فجعلت ذلك‬
‫دبر أذني وتحت قدمي‪ ،‬غني لو علمت ن أحدكم قد‬
‫قتله السل من بغضي لم أكشف له قناعًا‪ ،‬ولن أهتك‬
‫له سرًا‪ ،‬حتى يبدي لي صفيحته‪ ،‬فإذا فعل ذلك لم‬
‫أناظره‪ ،‬فاستأنفوا أموركم وأعينوا على أنفسكم فرب‬
‫مبتئس بقدومنا سيسر‪ ،‬ومسرور بقدومنا سيبئس‪ ،‬أيها‬
‫الناس أنا قد أصبحنا لكم ساسة وعنكم ذادة نسوسكم‬
‫بسلطان الله الذي أعطانا ونذود عنكم بفيء الله الذي‬
‫حولنا‪ ،‬فلنا عليكم السمع والطاعة فيما أحببنا ولكم‬
‫علينا العدل فيما ولينا فاستوجبوا عدلنا وفيئنا‬
‫بمناصحتكم لنا‪.‬‬
‫الحجاج‬
‫هو أبو محمد الحجاج بن يوسف الثقفي أحد جبابرة‬
‫العرب وساستها وموطد ملك بني أمية وأحد البلغاء‬

‫‪442‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والخطاء ولد سنة ‪41‬ه?‪.‬‬
‫وخدم الحجاج بوليته عبد الملك بن مروان‪ ،‬وابنيه‬
‫الوليد وسليمان حتى كان ملكه ما بين الشام والصين‬
‫ومات سنة ‪95‬ه? في عهد سليمان في مدينة واسط‬
‫بالعراق‪.‬‬
‫) ‪(1/310‬‬

‫وكان الحجاج آية في البلغة وفصاحة اللسان وقوة‬


‫الحجة‪ ،‬قال الصمعي أربعة لم يلحنوا في جد ول هزل‪،‬‬
‫الشعبي وعبد الملك بن موان والحجاج بن يوسف وابن‬
‫القرية‪ :‬والحجاج أفصحهم ومن مآثره اهتمامه بوضع‬
‫النقط والشكل للمصحف وغيره ونسخه عدة مصاحف‬
‫من مصاحف عثمان وإرسالها إلى بقية المصار ومن‬
‫خطبه المشهورة خطبته لما قدم أميرا ً على العراق‬
‫فإنه دخل المسجد معتما ً بعمامة قد غطى بها أكثر‬
‫وجهه متقلدا ً سيفه متنكبا ً قوسا ً يؤم المنبر‪ ،‬فقام‬
‫الناس نحوه حتى صعد المنبر فمكث ساعة ل يتكلم‬
‫فقال الناس بعضهم لبعض قبح الله بني أمية حيث‬
‫تستعمل مثل هذا على العراق فلما رأى عيون الناس‬
‫إليه‪ ،‬حسر اللثام عن فيه ونهض ثم قال‪:‬‬
‫أنا ابن جل وط ّ‬
‫لع الثنايا‬

‫متى أضع العمامة تعرفوني‬


‫ثم قال‪ :‬يا أهل الكوفة إني لرى رؤوسا ً قد أينعت وحان‬
‫قطافها وإني لصاحبها وكأني ناظر إلى الدماء بين‬

‫‪443‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫العمائم واللحى‪ ،‬ثم قال‪:‬‬
‫دي زيم‬‫هذا أوان الشد ّ فاشت ّ‬

‫ق حطم‬
‫قد لفها الليل بسوا ٍ‬

‫ليس براعي إبل ول غنم‬

‫ول بجزار علي ظهر وضم‬


‫ي‬
‫قد لّفها الليل بعصلب ّ‬

‫أروع خّراج من الدوي‬

‫مهاجر ليس بأعرابي‬

‫دوا‬
‫قد شمرت عن ساقها فش ّ‬

‫دوا‬
‫ب بكم فج ّ‬
‫دت الحر ُ‬
‫وج ّ‬

‫والقوس فيها وتٌر عرد‬

‫مثل ذراع البكر أو أشد‬

‫لبد ّ مما ليس منه بد ّ‬


‫) ‪(1/311‬‬

‫‪444‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إني والله يا أهل العراق ما يقعقع لي بالشنان ول يغمز‬
‫جانبي كتغماز التين ولقد فررت عن ذكاء وفتشت عن‬
‫تجربة وإن أمير المؤمنين أطال الله بقاءه‪ ،‬نثر كنانته‬
‫بين يديه فعجم عيدانها فوجدني أمرها عودا ً وأصلبها‬
‫مكسرا ً فرماكم ربي لنكم طالما أوضعتم في الفتنة‬
‫واضطجعتم في مراقد الضلل‪ ،‬والله لحزمنكم حزم‬
‫السلمة ولضربنكم ضرب غرائب البل فإنكم لكأهل‬
‫من ك ُ ّ‬ ‫ً‬ ‫كانت آمنة مط ْمئنة يأ ْ‬
‫ل‬ ‫ّ‬ ‫ا‬ ‫َ‬
‫غد‬ ‫ة َ َ ْ ِ َ ًَ ّ َ ِ ّ ً َ َ َ ِ َ َ‬
‫ر‬ ‫ها‬ ‫ُ‬ ‫ق‬‫ز‬‫ْ‬ ‫ر‬ ‫ها‬ ‫تي‬
‫ِ‬ ‫)قَْري َ ً‬
‫جوِع‬‫س ال ْ ُ‬ ‫ت ب ِأن ْعُم ِ الل ّهِ فَأَذاقََها الل ّ ُ‬
‫ه ل َِبا َ‬ ‫ن فَك ََفَر ْ‬ ‫كا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن( ]النحل‪ [112 :‬وإني والله‬ ‫كاُنوا ْ ي َ ْ‬
‫صن َُعو َ‬ ‫ما َ‬ ‫ف بِ َ‬‫خو ْ ِ‬ ‫َوال ْ َ‬
‫ما أقول إل وفيت ول أهم إل أمضيت ول أخلق إل‬
‫فريت‪.‬‬
‫وإن أمير المؤمنين أمرني بإعطائكم أعطياتكم وأن‬
‫أوجهكم لمحاربة عدوكم مع المهلب بن أب صفرة‪،‬‬
‫وأني أقسم بالله ل أجد رجل ً تخلف بعد أخذ عطائه‬
‫بثلثة أيام إل ضربت عنقه‪.‬‬
‫طارق بن زياد‬
‫هو أحد قواد جيوش الوليد بن عبد الملك‪ ،‬كان خطيبا ً‬
‫مصقعا ً مقدامًا‪ ،‬بعيد الهمة يعشق وتصبو نفسه إلى‬
‫الفتوحات‪ ،‬خرج من المغرب سنة ‪92‬ه? باثني عشر‬
‫ألف جندي من مواطنيه يقلهم أسول قوي قد جهز‬
‫لذلك وعبر البحر إلى إسبانيا لفتحها‪ ،‬وفلما علم‬
‫رودريك ملكها بقدوم المسلمين إلى بلده قابلهم‬
‫عدده‪،‬‬ ‫بجيش عظيم هالت طارقا ً كثرة عدده وكمال ُ‬
‫فبادر وأحرق أسطوله ليقطع أمل أصحابه في الروع‬
‫وقال لهم )أيها الناس الخ( فاندفعوا على السبان‬

‫‪445‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫اندفاع اليائس وهزموهم شر هزيمة‪ ،‬ثم والى طارق‬
‫فتوحاته في إسبانيا حتى قبض على رودريك آخر ملوك‬
‫الفيزيغوط بها وقتله سنة ‪94‬ه? وبعد ذلك بسنة‬
‫استقدمه الوليد إلى دمشق إلى أن مات سنة ‪ 101‬وها‬
‫هي خطبته‪.‬‬
‫) ‪(1/312‬‬

‫أيها الناس أين المفر‪ ،‬البحر من ورائكم والعدو من‬


‫أمامكم‪ ،‬وليس لكم والله إل الصدق والصبر‪ ،‬واعلموا‬
‫أنكم في هذه الجزيرة أضيع من اليتام في مأدبة‬
‫اللئام‪ ،‬وقد استقبلكم عدوكم بجيشه‪ ،‬وأسلحته وأقواته‬
‫موفورة‪ ،‬وأنتم ل وزر لكم إل سيوفكم‪ ،‬ول أقوات إل ما‬
‫تستخلصونه من أيدي عدوكم وإن امتدت بكم اليام‬
‫على افتقاركم‪ ،‬ولم تنجزوا لكم أمرا ً ذهب ريحكم‪،‬‬
‫وتعوضت القلوب من رعبها عنكم الجرأة عليكم‪،‬‬
‫فادفعوا عن أنفسكم خذلن هذه العاقبة من أمركم‬
‫بمناجزة هذه الطاغية‪ ،‬فقد ألقت به إليكم مدينته‬
‫الحصينة‪ ،‬وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم‬
‫لنفسكم بالموت وإني أحذركم أمرا ً أنا عنه بنجوة ول‬
‫حملتكم على خطة أرخص متاع فيها النفوس أبدا ً‬
‫بنفسي‪ ،‬واعلموا أنكم إن صبرتكم على الشق قليل ً‬
‫ل‪ ،‬فل ترغبوا بأنفسكم عن‬ ‫استمتعتم بالرفة اللذ طوي ً‬
‫نفسي فما حظكم فيه بأوفر من حظي وقد بلغكم ما‬
‫أنشأت هذه الجزيرة من الخيرات العميمة وقد انتخبكم‬
‫الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من البطال عربانا ً‬

‫‪446‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارا ً وأختانا ً ثقة منه‬
‫بارتياحكم للطعان واستماحكم بمجالدة البطال‬
‫والفرسان ليكون مغنمها خالصة لكم من دونه ومن‬
‫دون المؤمنين سواكم والله تعالى ولي إنجادكم على ما‬
‫يكون لكم ذكرا ً في الدارين وعلموا أني أول مجيب إلى‬
‫ما دعوتكم إليه وأني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي‬
‫على طاغية القوم )لذريق( فقاتله إن شاء الله تعالى‪،‬‬
‫فاحملوا معي فإن هلكت بعده فقد كفيتم أمره ولم‬
‫يعوزكم بل عاقل تسندون أموركم إليه‪ ،‬وإن هلكت قبل‬
‫وصولي إليه فأخلفوني في عزيمتي هذه واحملوا‬
‫بأنفسكم عليه واكتفوا لهم من فتح هذه الجزيرة بقتله‪.‬‬
‫الكتابة خطية وإنشائية الكتابة الخطة كان الخط في‬
‫مبدأ ظهور السلم هو الخط النباري الحيري‪ ،‬المسمى‬
‫بعد انتقاله إلى الحجاز بالحجازي‪ ،‬وزهو أصل النسخ‪،‬‬
‫وكان يكتب به النزر اليسير من العرب عامة وبضعة‬
‫عشر من قريش خاصة‪ ،‬وفلما‬
‫) ‪(1/313‬‬

‫انتصر النبي صلى الله عليه وسلم على قريش في يوم‬


‫بدر وأسر منهم جماعة كان فيهم بعض الكتابة‪ ،‬فقبل‬
‫الفداء من أمييهم وفادى الكاتب منهم بتعليمهم عشرة‬
‫من صبيان المدينة‪ ،‬فانتشرت الكتابة بين المسلمين‬
‫وحض النبي عل تعلمها ومن أشهر كتاب الصحابة زيد‬
‫بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد‬
‫الرحمن بن الحارث بن هشام‪ ،‬ولما فتح المسلمون‬

‫‪447‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫المملك ونزلت جمهرة الكتاب منهم الكوفة عنوا بتجويد‬
‫لخط العربي وهندسة أشكاله حتى صار خط أهل‬
‫الكوفة ممتازا ً بشكله عن الخط الحجازي واستحق أن‬
‫يسمى باسم خاص وهو )الكوفي(‪.‬‬
‫وكان الصحابة وتابعوهم من بني أمية يكتبون بل إعجام‬
‫ول شكل إل قليل ً اعتمادا ً منهم على معرفة المكتوب‬
‫إليهم باللغة واكتفائهم بالرمز القليل في قراءة اللفظ‬
‫فلما فسد اللسان باختلط العرب بالعجم وظهر اللحم‬
‫والتحريف في اللسنة أشفق المسلمون عل تحريف‬
‫كلم الكتاب الكريم فوضع أبو السود الدؤلي علمات‬
‫في المصاحف )بصبغ مخالف( فجعل علمة الفتحة‬
‫نقطة فق الحرف والكسرة أسفله والضمة نقطة من‬
‫الجهة اليسرى وجعل التوين نقطتين‪ ،‬وكان ذلك في‬
‫خلفة معاوية‪.‬‬
‫ووضع نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر بأمر الحجاج نقط‬
‫الحجام بنفس المداد الذي يكتب به الكلم وكان ذلك‬
‫في خلفة عبد الملك بن مروان ثم شاع في الناس‬
‫بعد‪.‬‬
‫?الكتابة النشائية قسمان كتابة رسائل ودواوين وكتابة‬
‫وتدوين وتصنيف‬
‫)‪" (1‬كتابة الرسائل والدواوين"‬
‫) ‪(1/314‬‬

‫كان زعمكاء العرب وفصحاؤهم كلهم كتابا ً ينشئون‬


‫بملكتهم ولو لم خطوا بيمينهم فكان النبي وأصحبه‬

‫‪448‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وخلفاؤه يملون كتبهم على كتابهم بعبارتهم وبعضهم‬
‫يكتبها بيده‪ ،‬ولما اتسعت موارد الخلفة أصبحت في‬
‫حاجة إلى إنشاء الدواوين لضبط ذلك‪ ،‬فكان عمر أول‬
‫من دون الدواوين‪.‬‬
‫وكان كتاب الرسائل لخلفاء وعمالهم إما عربا ً أو موالي‬
‫يجيدون العربية‪ ،‬أما كتاب الخراج ونحوه فكانوا من كل‬
‫إقليم من أهله يكتبون بلغتم‪ ،‬ولما نبغ من العرب من‬
‫يحسن عملهم حولت هذه الدواوين إلى العربية زمن‬
‫عبد الملك بن مروان والوليد ابنه وجرى الخلفاء بني‬
‫أمية في كتابة الرسائل على ما كان عليه المر زمن‬
‫الخلء الراشدين‪.‬‬
‫ثم اتسعت رقعة المملكة وقرت أمور الدولة ازدادت‬
‫العمال وشغل الخلفاء عن أن يولوا الكتابة بأنفسهم أو‬
‫بخاصة عشيرتهم‪ ،‬عهدوا بها إلى كبار كتابهم‪ ،‬وكان كثير‬
‫منهم يعرف اللغة الرومية أو الفارسية أو اليونانية أو‬
‫السريانية وهي لغات أمم ذات حضارة وعلوم ونظام‬
‫ورسوم‪.‬‬
‫ومن هؤلء سالم مولى هشام بن عبد الملك أحد‬
‫الواضعين لنظام الرسائل‪ ،‬وأستاذ عبد الحميد الكاتب‬
‫الذي آلت إليه زعامة الكتابة الخر الدولة الموية‪.‬‬
‫)‪ (2‬مميزات الكتابة النشائية‬
‫وتمتاز الكتابة في هذا العصر بالميزات التية‪(1) :‬‬
‫القتصار في أغراضها على القدر الضروري‪ ،‬والقتصار‬
‫في معناها على اللمام بالحقائق وتوضيحها بل مبالغة‬
‫ول تهويل‪ ،‬واستعمال اللفاظ الفحلة والعبارات الجزلة‪،‬‬
‫والساليب البليغة إذا كان الكاتب والمكتوب إليه عربا ً‬

‫‪449‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فصحاء‪.‬‬
‫)‪ (2‬مراعاة اليجاز غالبا ً إل حيث يستدعي الحال‬
‫السهاب‪ ،‬وبقي المر على ذلك حتى جاء عبد الحميد‬
‫الكاتب آخر الدولة الموية‪ ،‬فأسهب الرسائل وأطال‬
‫التحميدات في أولها‪ ،‬وسلك طريقه من أتى بعده‪.‬‬
‫الكتاب‬
‫كتاب هذا العصر كثيرون‪ ،‬وقد كانت الخلفاء والمراء‬
‫والقواد كلهم كتابا ً بلغاء‪ ،‬ولما صارت الكتابة صناعة‪،‬‬
‫تداولها كثير من العاجم وغيرهم‪ :‬واشتهر من بين‬
‫هؤلء‪.‬‬
‫) ‪(1/315‬‬

‫عبد الحميد بن يحيى الكاتب‬


‫هو عبد الحميد بن يحيى بن سعيد العامري الشامي‬
‫شيخ الكتاب الوائل‪.‬‬
‫كان عبد الحميد في أول أمره معلم صبيان حتى فطن‬
‫له مروان بن محمد أيام توليته أرمينية فكتب له مدة‬
‫وليته حتى إذا بلغه مبايعة أهل الشام له بالخلفة سجد‬
‫مروان له شكرا ً وسجد أصحابه إل عبد الحميد‪ ،‬فقال‬
‫مروان لم ل تسجد؟ فقال ولم أسجد؟ أعلى أن كنت‬
‫معنا فطرت عنا‪ ،‬قال إذا تطير معي قال الن طاب لي‬
‫السجود وسجد‪ ،‬فاتخذه مروان كاتب دولته‪.‬‬
‫لما دهمت مروان جيوش خراسان أنصار الدعوة‬
‫العباسية وتوالت عليه الهزائم كان عبد الحميد يلزمه‬
‫في كل هذه الشدة‪ ،‬فقال له مروان قد احتجت أن‬

‫‪450‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تصير مع عدوي وتظهر الغدر بي‪ ،‬فإن إعجابهم بأدبك‬
‫وحاجتهم إلى كتابك يحوجهم إلى حسن الظن بك‪ ،‬فإن‬
‫استطعت أن تنفعني في حياتي وإل لم تعجز حفظ‬
‫ي‬
‫حرمي بعد وفاتي‪ ،‬فقال له‪ :‬إن الذي أشرت به عل ّ‬
‫أنفع المرين لك وأقبحهما بي‪ ،‬وما عندي إل الصبر حتى‬
‫يفتح الله عليك أو أقتل معك وأنشد‪:‬‬
‫أسّر وفاء ثم أظهر غدرة‬

‫فمن لي بعذرٍ يوسع الناس ظاهره‬


‫وبقي معه حتى قتل مروان سنة ‪ 132‬ه?‪ ،‬وأخذ عبد‬
‫الحميد إلى السفاح فقتله سنة ‪132‬ه?‪.‬‬
‫منزلته في الكتابة‬
‫هو الستاذ الول لهل صناعة كتابة الرسائل وذلك أنه‬
‫أول من مهد سلبها‪ ،‬وميز فصولها‪ ،‬وأطالها في بعض‬
‫الشؤون‪ ،‬وقصرها في بعضها الخر وأطال التحميدات‬
‫في صدرها وجعل لها صورا ً خاصة ببدئها وختمها على‬
‫حسب الغراض التي تكتب فيها‪ ،‬ويقال إنه لما ظهر أبو‬
‫مسلم الخراساني بدعوة بني العباس كتب إليه مروان‬
‫كتابا ً يستجلبه وضمنه ما لو قرئ لدى إلى وقوع‬
‫الخلف والفشل‪ ،‬وقال لمروان‪ :‬قد كتبت كتابا ً متى‬
‫قرأه بطل تدبيره فإن يك ذلك وإل فالهلك‪ ،‬وكان‬
‫الكتاب لكبر حجمه يحمل على جمل‪ ،‬فلما وصل الكتاب‬
‫إلى داهية خراسان أبي مسلم أمر بإحراقه قبل أن‬
‫يقرأه وكتب على جذاذة منه إلى مروان‪:‬‬
‫محا السيف أسطاَر البلغة وانتحى‬
‫) ‪(1/316‬‬
‫‪451‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ث الغاب من ك ّ‬
‫ل جانب‬ ‫عليك ليو ُ‬

‫‪ 3‬التدوين والتصنيف‬
‫انقضى زمن الخلفاء الراشدين ولم يدون فيه كتاب إل‬
‫ما كان من أمر المصحف‪ ،‬وكان مرجع الناس في أمر‬
‫دينهم دنياهم كتاب الله تعالى وسنة رسوله‪ ،‬فإذا اشتبه‬
‫عليهم أمر من أمور الدين رجعوا إلى الخلفاء وفقهاء‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫ثم لما انتشر السلم زمن بني أمية واختلطت العرب‬
‫ففسدت فيهم ملكة اللسان العربي وفشا اللحن‬
‫وأشفقوا على القرآن من التحريف وعلى اللغة من‬
‫الفساد دونوا النحو وكان أول من كتب فيه أبو السود‬
‫الدؤلي وقد تلقى مبادئه عن المام علي‪ ،‬وأخذ عنه‬
‫فتيان البصرة وخصوصا ً الموالي إذ كانوا أحوج الناس‬
‫إلى النحو واشتغل أهل الكوفة به ب أن فشا بالبصرة‬
‫ولم ينقض هذا العصر حتى استغل به طبقتان من‬
‫البصريين وطبقة من الكوفيين‪ ،‬ثم لما حدثت الفتن‬
‫وتعددن المذاهب والنحل وكثرت الفتاوى والرجوع فيها‬
‫إلى رؤساء ومات أكثر الصحابة‪ ،‬خافوا أن يعتمد الناس‬
‫على رؤسائهم ويتركوا سنة رسول الله فأذن أمي‬
‫المؤمنين عمر بن عبد العزيز لبي بكر محمد بن عمرو‬
‫بن حزم في تدوين الحديث‪ ،‬انقضى هذا العصر ولم‬
‫يدون فيه من علوم اللغة والدين غير النحو وبعض‬
‫الحديث وبعض التفسير‪ ،‬وأما العوم الخرى فيروى أن‬
‫خالد بن يزيد بن معاوية حبب إليه مطالعة كتبا لوائل‬

‫‪452‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من اليونان فترجمت له ونبغ فيها ووضع كتبا ً في الطب‬
‫والكيمياء‪ ،‬وأن معاوية استقدم عبيد بن شربة من‬
‫صنعاء فكتب له كتاب "الملوك وأخبار الماضين" وإن‬
‫وهب بن منبه الزهري وموسى بن عقبة كتبا ً في ذلك‬
‫أيضا ً كتبًا‪ ،‬وأن زياد بن أبيه وضع لبنه كتابا ً في مثال‬
‫قبائل العرب‪ ،‬وأن ماسرجويه متطبب البصرة تولي في‬
‫الدولة المروانية ترجمة كتاب أهرون بن أعين من‬
‫السريانية إلى العربية وأن يونس الكاتب بن سليمان‬
‫ألف كتابا ً في الغاني ونسبتها إلى من غنى فيها ولم‬
‫يلغ التصنيف شأوا ً يذكر‪.‬‬
‫الشعر والشعراء في هذا العصر‬
‫) ‪(1/317‬‬

‫جاء النبي الكريم‪ ،‬والشعر ديون العرب‪ ،‬فأتاهم بالمر‬


‫العظيم والحادث الخطير‪ ،‬حامل ً بإحدى يديه القرآن‬
‫يدعو الناس إلى توحيد الله والتمسك بالفضيلة وشاهرا ً‬
‫بالخرى سيف الحق لحماية هذه الدعوة وما كان أشد‬
‫ذهولهم لخطبهما وانزعاجهم من وقعها‪ ،‬فهبوا‬
‫يتحسسون الول ويتمرسون أساليبه ومعانيه‬
‫ويتفرسون ألفاظه ومغازيه‪ ،‬وما بين معاند تلمس‬
‫مطعنا ً فيه‪ ،‬ومؤمن يستبينه ويهديه‪ ،‬وتأهبوا للثاني‪ :‬ما‬
‫بين ضال يناوئه‪ ،‬ومهند يعاضده‪ ،‬فصار لك صارفا ً لهم‬
‫عن التشاغل بالشعر محول ً مجرى أفكار المؤمنين‬
‫منهم عن أكثر فنونه المتحرفة عن سنن الشرف‬
‫والحق‪ ،‬وبغض إليهم تلك الفنون المرذولة إزراء القرآن‬

‫‪453‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ن }‪{224‬‬ ‫م ال َْغاُوو َ‬ ‫شعََرآُء ي َت ّب ِعُهُ ُ‬ ‫على الشعر بقوله‪َ) :‬وال ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ي َُقوُلو َ‬ ‫ن }‪ {225‬وَأن ّهُ ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ل َواد ٍ ي َِهي ُ‬ ‫م ِفي ك ُ ّ‬ ‫م ت ََر أن ّهُ ْ‬‫أل َ ْ‬
‫ت‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬‫مُلوا ْ ال ّ‬ ‫مُنوا ْ وَع َ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ن }‪ {226‬إ ِل ّ ال ّ ِ‬ ‫ما ل َ ي َْفعَُلو َ‬ ‫َ‬
‫سي َعْل َ ْ‬
‫م‬ ‫موا ْ وَ َ‬ ‫ما ظ ُل ِ ُ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫صُروا ْ ِ‬ ‫ه ك َِثيرا ً َوانت َ َ‬ ‫وَذ َك َُروا ْ الل ّ َ‬
‫ن( ]الشعراء‪224 :‬‬ ‫َ‬ ‫ال ّذين ظ َل َموا ْ أ َ‬
‫ب َينَقل ُِبو َ‬ ‫ٍ‬ ‫ل‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫من‬
‫ّ ُ‬ ‫ي‬ ‫ُ َ‬ ‫ِ َ‬
‫‪ [227‬ولهذا لم يكف شعراء المسلمين عن قوله فيما‬
‫يطابق روح القرآن‪.‬‬
‫ولبث الحال على ذلك مدة حياة النبي الكريم‪ ،‬حتى إذا‬
‫ما ثاروا لسكان فتن أهل الردة وفتح الممالك‬
‫والمصار‪ ،‬وأضافوا إلى ما ألفوه من أغراض الشعر‬
‫الكثار من التباهي بالنصر‪ ،‬ووصف المعارك‪ ،‬وأحوال‬
‫الحصار وآلت القتال ولما آل المر إلى بني أمية‬
‫وشغب عليهم كثير من فرق المسلمين أصبح الشعر‬
‫لسانا ً يعبر عن مقاصد كل حزب‪ ،‬حتى أصبح حرفة‬
‫عتيدة‪ ،‬وصناعة جديدة ومورد ثروة وأصبحت دراسته‬
‫ونقده وروايته ودأب العلماء والدباء حتى الخلفاء‬
‫وأولياء عهودهم ويمكن وصف ما كان عليه الشعر في‬
‫هذا العصر من حيث أغراضه ومعانيه وتصوراته وعبارته‬
‫بما يأتي‪:‬‬
‫أغراض الشعر وفنونه‬
‫) ‪(1/318‬‬

‫‪ 1‬نشر عقائد الدين وحكمه ووصاياه والحث على‬


‫اتباعه‪.‬‬
‫وخاص زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه‬

‫‪454‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الراشدين‪.‬‬
‫‪ 2‬التحريض على القتال ووصفه والترغيب في نيل‬
‫الشهادة رفعا ً لكلمة الله‪ ،‬وذلك في أزمان غزوات‬
‫النبي وحصار المدن وفتحها‪.‬‬
‫‪ 3‬الهجاء‪ :‬وكان أول ً في سبيل الدفاع عن السلم بهجو‬
‫مشركي العرب بما ل يخرج عن حد المروءة‪ ،‬وبما‬
‫رضيه النبي حسان شاعره في هجاء قريش وعشيرة‬
‫النبي من بني عبد مناف‪.‬‬
‫وكان يتحرج عنه المسلمون ولو التعريض زمن النبي‬
‫وخلفائه‪ :‬ولذل عاقب عمر أمير المؤمنين الحطيئة‬
‫وهدده بقطه لسانه لنيله من بعض المسلمين‪ :‬ثم صار‬
‫يتساهل في خطبه حتى كان الهجاء غاية براعة الشاعر‬
‫وإن لم يصل في القذاع والفحش إلى الحد الذي وصل‬
‫إلي في العصر التي‪.‬‬
‫‪ 4‬المدح‪ :‬وقلما كان مبدأ السلم فير غير النبي من‬
‫حيث الهتداء بهديه ونشر الحق على يديه‪ ،‬وكان‬
‫خلفاؤه يأنفون مدحهم بما تزهي به نفوسهم تواضعًا‪.‬‬
‫ثم استرسل الشعراء فيه وقبل ذلك منهم الخلفاء إلى‬
‫أن كان المدح من أهم الدعائم التوطيد أركان الدولة‬
‫وتفخيم مقام الخلفاء والولة والرشاد بعظمتهم‪.‬‬
‫معانيه وأخيلته وألفاظه وأساليبه وأوزانه‬
‫لم يخرج شعراء هذا العصر في جملة تصورهم وتخيلهم‬
‫عما ألفوه زمن الجاهلية وإن فاقوهم كثيرا ً في ترتبي‬
‫الفكر وتقريب المعنى إلى الذهان والوجدان بما هذب‬
‫نفوسهم ورقق طباعهم من دراسة كتاب الله وحديث‬
‫رسول الله‪ ،‬وكذلك لم يخرجوا جملة في هيئة تأليف‬

‫‪455‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫اللفظ ونسجه ومتانة أسلوبه عن نظائرهم في‬
‫الجاهلية‪ ،‬وإنما آثروا جزالة اللفظ وفخامته ومؤالفته‬
‫لسابقته ولحقه دون غرابته كما آثروا جودة السلوب‬
‫ومتانته وروعة تأثيره ولسيما أهل النسيب‪ :‬ولم يطرأ‬
‫على أوزان الشعر العربي حدث غير ما عرف عنه في‬
‫الجاهلية وإنما شاع في هذا العصر نظم الراجيز‬
‫والتطويل فيها‪ ،‬واستعمال في جميع أغراض القصيد‪،‬‬
‫حتى في افتتاحها بالنسيب والتخلص منه إلى المدح‬
‫والذم ونحو ذلك‪.‬‬

‫الشعراء‬
‫) ‪(1/319‬‬

‫شعراء ةهذا العصر ممن خلصت عربيتهم واستقامت‬


‫ألسنتهم ولم يمتد إليهم اللحن‪ ،‬ولد زادتهم مدرسة‬
‫القرآن الكريم فصاحة وبلغة وإحكاما ً وإتقانا ً حتى‬
‫فضلهم بعض الرواة على سابقيهم من الجاهلين‪ ،‬ومن‬
‫أشهر شعراء هذا العصر كعب بن زهير‪ ،‬والخنساء‪،‬‬
‫والحطيئة‪ ،‬وحسان ن ثابت‪ ،‬والنابغة الجعدي‪ ،‬وعمر بن‬
‫أبي ربيعة‪ ،‬والخطل‪ ،‬والفرزدق‪ ،‬وجرير‪ ،‬والكميت‪،‬‬
‫وجميل‪ ،‬وكثير‪ ،‬ونصيب والراعي‪ ،‬وذو الرمة‪.‬‬
‫)‪ (1‬كعب بن زهير‬
‫هو كعب بن زهير بن أبي سلمى أحد فحول‬
‫المخضرمين ومادح النبي ولما ظهر السلم ذهب أخوه‬
‫بجير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب‬

‫‪456‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كعب لسلمه وهجاه وهجا رسول الله وأصحابه‪،‬‬
‫فتوعده النبي صلى الله عليه وسلم وأهدر دمه فحذره‬
‫أخوه العاقبة إل أن يجيء إلى النبي مسلما ً تائبًا‪ ،‬فهام‬
‫كعب يترامى على القبائل أن تجيره فلم يجره أحد‪،‬‬
‫فلما ضاقت الرض في وجهه جاء أبا بكر رضي الله‬
‫عنه بالمدينة وتوسل به إلى الرسول فأقبل هو عليه‬
‫وآمن وأنشده قصيدته المشهورة‪:‬‬
‫بانت سعاد ُ فقلبي اليوم متبول‬

‫متيم إثرها لم يفد مكبول‬

‫فخلع عليه النبي بردته فبقيت في أهل بيته حتى باعوها‬


‫لمعاوية بعشرين ألف درهم ثم بيعت للمنصور العباسي‬
‫بأربعين ألفًا‪ ،‬ومات سنة ‪24‬ه?‪.‬‬
‫شعره‪ :‬كان كعب من الشعراء المجيدين المشهورين‬
‫بالسبق وعلو الكعب في الشعر‪ ،‬وكان خلف الحمر‬
‫أحد علماء الشعر يقول‪ :‬لول قصائد لزهير ما فضلته‬
‫على ابنه كعب‪ ،‬وكفاه فضل ً أن الحطيئة مع ذائع شهرته‬
‫رجاه أن ينوه به في شعره فقال‪:‬‬
‫فمن للقوافي شأنها من يحوكها‬

‫إذا ما مضى كعب وفوز جرول‬


‫ومن شعره قوله في قصيدته بانت سعاد‪:‬‬
‫وقاتل كل خليل كنت آمله‬

‫ل ألهيّنك إني عنك مشغول‬

‫‪457‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فقلت خّلوا سبيلي "ل أبالكم"‬

‫فكل ما قدر الرحمن مفعول‬

‫كل ابن أنثى وإن طالت سلمته‬

‫يوما ً على آلة حدباء محمول‬

‫نبئت أن رسول الله أوعدني‬

‫والعفو عند رسول الله مأمول‬

‫مهل ً هداك الذي أعطاك نافلة ال‬


‫) ‪(1/320‬‬

‫قرآن فيها مواعي ٌ‬


‫ظ وتفصيل‬

‫ل تأخذني بأقوال الوشاة ولم‬

‫ي القاويل‬
‫ب وقد كثرت ف ّ‬
‫أذن ْ‬

‫ومن قوله‪:‬‬
‫لو كنت أعجب من شيء لعجبني‬

‫‪458‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ي الفتى وهو مخبوء له القدر‬
‫سع ّ‬
‫يسعى الفتى لمور ليس يدركها‬

‫م منتشر‬
‫والنفس واحدة واله ّ‬

‫فالمرُء ما عاش ممدود له أم ٌ‬


‫ل‬

‫ل ينتهي العمر حتى ينتهي الثر‬

‫ومن قوله أيضًا‪:‬‬


‫إن كنت ل ترهب دمي لما‬

‫تعرف من صفحي عن الجاهل‬


‫فاخش إذ أنا منصت‬

‫فيك لمسوع خنا القائل‬

‫سامع الدم شريك له‬


‫فال ّ‬

‫ومطعم المأكول كالكل‬

‫سوء إلى أهلها‬


‫مقاله ال ّ‬

‫أسرع من منحدر سائل‬

‫مه‬
‫ومن دعا الناس إلى ذ ّ‬

‫‪459‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ذموه بالحقّ وبالباطل‬

‫)‪ (2‬الخنساء‬
‫) ‪(1/321‬‬

‫هي السيدة تماضر الخنساء بنت عمرو بن الشريد‬


‫السلمية‪ ،‬أرقى شواعر العرب‪ ،‬وأحزن من بكى وندب‪.‬‬
‫كان أبوها عمرو‪ ،‬وأخواها معاوية وصخر‪ ،‬وكانت هي‬
‫من أجمل نساء زمانها فخطبها دريد بن الصمة فارس‬
‫جشم‪ ،‬فرغبت عنه‪ ،‬وآثرت التزوج من قومها فتزوجت‬
‫منهم‪ ،‬وكانت تقول المقطعات من الشعر فلما قتل‬
‫شقيقها معاوية ثم أخوها لبيها صخر‪ ،‬جزعت عليهما‬
‫جزعا ً شديدًا‪،‬وبكتهما بكاًء مرًا‪ ،‬وكان أشد وجدها على‬
‫صخر‪ :‬لنه شاطرها هي وزوجها أموالها مرارا ً ولما جاء‬
‫السلم وفدت مع قومها على النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وأسلمت وكان يعجبه شعرها ويستنشدها ويقول‬
‫هيه يا خناس‪ ،‬ويومئ بيده‪.‬‬
‫وما فتئت تبكي صخرا ً قبل السلم وبعده حتى عميت‪،‬‬
‫وبقيت إلى أن شهدت حرب القادسية مع أولدها‬
‫الربعة‪ ،‬فأوصتهم وصيتها المسرة وحضتهم على الصبر‬
‫عند الزحف فقتلوا جميعًا‪ ،‬فقال‪ :‬الحمد الله الذي‬
‫شرفني بقتلهم‪ ،‬ولم تحزن عليهم حزنها على أخويها‪،‬‬
‫وتوفيت سنة ‪24‬ه?‪.‬‬
‫شعرها‪ :‬أغلب علماء الشر على أنه لم تكن امرأة قبل‬

‫‪460‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الخ=نساء ول بعدها أشعر منها‪ ،‬ومن فضل ليلى‬
‫الخيلية عليها لم ينكر أنها ارثى النساء وكان شار يقول‬
‫لم تقل امرأة شعرا ً إل ظهر العف فيه لقيل وكذلك‬
‫الخنساء فقيل تلك التي غلبت الفحول‪ ،‬ولم يكن شأنها‬
‫عند شعراء الجاهلية أقل منه عند شعراء السلم فذلك‬
‫النابغة الذبياني يقول لها وقد أنشدته بسوق عكاظ‬
‫قصيدتها التي مطلعها‪:‬‬
‫وار‬
‫قذى بعينيك أم بالعين ع ّ‬

‫أمة ذّرفت إذ خلت من أهلها الداُر‬


‫لول أن أبا بصير )يعني العشى( أنشدني قبلك لقلت‬
‫أنك اشعر من بالسوق‪ ،‬وسئل جرير من أشعر الناس‬
‫قال أنا لول الخنساء‪ ،‬قيل فبم فضلتك قال بقولها‪:‬‬
‫ب(‬‫إن الزمان )وما يفنى له عج ُ‬

‫أبقى لنا ذنبا ً واستوصل الراس‬


‫إن الجديدين في طول اختلفهما‬

‫ل يفسدان ولكن يفسد الناس‬

‫ومن جيد شعرها ترثي أخاها صخرًا‪:‬‬


‫أعيني جودا ول تجمدا‬

‫أل تبكيان لصخر الّندى‬

‫أل تبكيان الجريء الجميل‬

‫‪461‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/322‬‬

‫سيدا‬
‫أل تبكيان الفتى ال ّ‬

‫رفيع العماد طويل الّنجا‬

‫د ساد عشيرته أمردا‬

‫إذا القوم مدوا بأيديهم‬

‫إلى المجد مد ّ إليه يدا‬

‫فنال الذي فوق أيديهم‬

‫من المجد ثم انتمى مصعدا‬


‫يحمّله القوم ما عالهم‬

‫وإن كان أصغرهم مولدا‬

‫وإذن ذكر المجد ألفيته‬

‫تأّزر بالمجد ثم ارتدى‬

‫ومن قولها ترثيه أيضًا‪:‬‬


‫أل يا صخر إن أبكيت عيني‬

‫‪462‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فقد أضحكتني زمنا ً طويل ً‬

‫ي‬
‫دفعت بك الخطوب وأنت ح ّ‬

‫فمن ذا يدفع الخط الجليل‬

‫إذا قبح البكاء على قتيل‬

‫ت بكاءك الحسن الجميل‬ ‫رأي ُ‬


‫ومن بديع قولها‪:‬‬
‫يذكرني طلوع الشمس صخرا ً‬

‫وأذكره لكل غروب شمس‬

‫فلول كثرة ُ الباكين حولي‬

‫على إخوانهم لقتلت نفسي‬

‫ولكن ل أزال أرى عجول ً‬

‫ونائحة تنوح ليوم نحس‬

‫هما كلتاهما تبكي أخاها‬

‫ب أمس‬
‫عشية رزئه أو غ ّ‬

‫‪463‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وما يبكين مثل أخي ولكن‬

‫ي‬
‫أسلي النفس عنه بالتأس ّ‬

‫فقد وّدعت يوم فراق صخر‬

‫أبي حسان لذاتي وأنسي‬

‫فيا لهفي عليه ولهف أمي‬

‫ضريح وفيه يمسي‬ ‫أيصبح في ال ّ‬


‫?)‪ (3‬الخطيئة‬
‫هو أبو بكر جرول الحطيئة العبسي‪ ،‬نشأ كما قال‬
‫الصمعي جشعا ً سؤول ً ملحفا ً دنيء النفس كثير الشر‬
‫قليل الخير بخيل ً قبيح المنظر رث الهيئة مغموز النسب‬
‫فاسد الدين‪ ،‬وعاش الحطيئة مدة في الجاهلية وجاء‬
‫السلم فأسلم ولم يكن له صحية برسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم‪ ،‬ثم عاش متنقل ً في القبائل يمدح تارة‬
‫ويذم تلك أخرى‪ ،‬وينتسب إلى عس طورا ً وطورا ً إلى‬
‫ذهل ويهجو اليوم من يمدحه بالمس‪ ،‬وكل قبيلة‬
‫تخطب وده وتنقي شر لسانه حتى أن أمير المؤمنين‬
‫عمر بن الخطاب حبس الحطيئة فما زال يستشفع إليه‬
‫الناس وقول الشعر حتى أطلقه وهدده بقطع لسانه إن‬
‫هجا أحدًا‪ ،‬واشترى منه أعراض المسلمين بثلثة آلف‬
‫درهم‪ ،‬وكنه نكث وأوغل في الهجاء بعد موت عمر‪،‬‬
‫وبقي كذلك حتى مات أوائل خلف معاوية‪.‬‬

‫‪464‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/323‬‬

‫شعره‪ :‬لول ما وصم به الحطيئة من خسة النفس‬


‫ودناءة الخلق وجهالة النسب لكان بإجادته في كل‬
‫ضرب من ضروب الشعر شاعر المخضرمين على‬
‫الطلق إل أنه لم يقف ببراعته وفصاحته موقفا ً لله ول‬
‫للشرف‪ ،‬وقلما يوجد في كلم الحطيئة مظنة ضعف أو‬
‫مغمز لغامز من ركاكة لفظ أو غضاضة معنى أو‬
‫اضطراب قافية ومن مدحه الذي ل يلحق فيه غبار‬
‫قوله‪:‬‬
‫يسوسون أحلما ً بعيدا ً أناتها‬

‫وإن غضبوا جاء الحفيظة والجد‬

‫أقلوا عليهم )ل أبا لبيكم(‬

‫من اللوم أو سدوا المكان الذي سدوا‬


‫أولئك قوم إن بنوا أحسنوا البنا‬

‫وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدوا‬

‫وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها‬

‫وإن أنعموا ل كدروها ول كدروا‬

‫مطاعين في الهيجا مكاشيف للدجى‬

‫‪465‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫بنى لهم آباؤهم وبنى الجد‬

‫ويعذلني أبناء سعد عليهم‬

‫وما قلت إل بالذي علمت سعد‬

‫ومن أبياته التي استعطف بها أمير المؤمنين عمر وهو‬


‫في سجينه قوله‪ :‬ط‬
‫ماذا تقول لفراخ بذي مرخ‬

‫زغب الحواصل ل ماٌء ول شجر‬


‫ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة‬

‫فاغفر عليك سلم الله يا عمر‬

‫أنت المين الذي من بعد صاحبه‬

‫ألقي إليك مقاليد النهى البشر‬

‫لم يؤثروك بها إذا قدموك لها‬

‫لكن لنفسهم كانت بك الخير‬

‫)‪ (4‬حسان بن ثابت‬


‫) ‪(1/324‬‬
‫‪466‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫هو أبو الوليد حسان بن ثابت النصاري شاعر رسول‬


‫اله صلى الله عليه وسلم وأشعر شعراء المخضرمين‪.‬‬
‫وهو من بني النجار من أهل المدينة‪ ،‬نشأ في الجاهلية‬
‫ونبه شأنه فيها‪ ،‬ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫إلى المدينة وأسلم النصار‪ ،‬واسلم معهم ودافع عنه‬
‫بلسانه كما دافع عنه قومه النصار بسيوفهم‪.‬‬
‫وعاش حسان بعد رسول الله محببا ً إلى خلفائه مرضيا ً‬
‫عنه وعمره قريبا ً من ‪ 120‬سنة‪ ،‬وبقي أكثر حياته‬
‫متمتعا ً بحواسه وعقله‪ ،‬وحتى وهن جسمه في أواخر‬
‫عمره وكف بصره‪ ،‬ومات في خلفة معاوية سنة ‪54‬ه?‪.‬‬
‫شعره‪ :‬كان حسان شاعر أهل المدر في الجاهلية‬
‫وشاعر اليمانية في السلم ولم يكن في أصحاب‬
‫الرسول الله صلى الله عليه وسلم ول في أعجائه عند‬
‫عودته إلى الله أشعر منه‪ ،‬ولذلك رم مشركي قريش‬
‫من لسانه بالداهية لم يكن قبل بها فأوجعهم وأخرسهم‬
‫من غير فحش ل هجر‪ ،‬ولما أذن له النبي في هجائهم‬
‫قال له كيف تهجوهم وأنا منهم‪ ،‬قال‪ :‬اسلك منهم كما‬
‫تسل الشعرة من العجين‪ ،‬وكان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ينصب له منبرا ً بالمسجد ويسمع هجاءه في‬
‫أعدائه ويقول‪) :‬أجب عني اللهم أيده بروح القدس(‬
‫وكان في شعر حسان زمن الجاهلية شدة وغرابة لفظ‬
‫فلما أسلم وسمع القرآن ووعاه وكثر ارتجاله الشعر‬
‫لن شعره سهل وأسلوبه‪ ،‬ومن شعره في الجاهلية‪:‬‬
‫ولقد تقلدنا العشيرة أمرها‬

‫‪467‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ونسود يوم النائبات ونعتلي‬

‫ويسود سيدنا حجاجح سادة‬

‫ويصيب قائلنا سواء المفصل‬

‫م خطاية‬
‫ونحاول المر المه ّ‬

‫ل أمر معضل‬‫فيهم ونفصل ك ّ‬


‫وتزو أبواب الملوك ركابنا‬

‫ومتى نح ّ‬
‫كم في البرية نعدل‬

‫ومن شعره في السلم يفاخر وفد تميم بقوم رسول‬


‫الله صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫إن الذوائب من فهر وإخوتهم‬

‫قد بينوا سننا للناس تّتبع‬

‫يرضى بها كل من كانت سريرته‬

‫تقوى الله وبالمر الذي شرعوا‬

‫دوهم‬
‫م إذا حاربوا ضّروا ع ّ‬
‫قو ٌ‬

‫أو حاولوا النفع في أشياعهم نفعوا‬

‫‪468‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/325‬‬

‫سجية تلك فيهم غير محدثة‬

‫إن الخلئق )فاعلم( شّرها البدعُ‬

‫ل يرفع الناس ما أوهت أكفهم‬

‫عند الدفاع ول يوهون ما رفعوا‬

‫إن كان في الناس سباقون بعدهم‬

‫ع‬
‫فكل سبق لدنى سبقهم تب ُ‬

‫وعّفة ذكرت في الوحي عّفتهم‬

‫ع‬
‫ل يطمعون ول يزري بهم طم ُ‬

‫دوهم‬
‫ل يفخرون إذا نالوا ع ّ‬

‫وإن أصيبوا فل خوٌر ول جزعُ‬

‫)‪ (5‬النابغة الجعدي‬


‫هو أبو ليلى حسان بن تعبد الله الجعدي العامري أحد‬
‫القدماء المعمرين ولشعراء المخضرمين‪ ،‬ووصاف‬
‫الخيل المشهورين‪.‬‬

‫‪469‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قال الشعر في الجاهلية ثم أجبل دهرًا‪ ،‬ثم نبغ في‬
‫الشعر عند ظهور السلم وبعده‪ :‬ولذلك سمي النابغة‪،‬‬
‫وهو ممن فكر في الجاهلية‪ ،‬وأنكر الخمر وما تفعل‬
‫العقل‪ ،‬وهجر الزلم والوثان‪ ،‬وذكر دين إبراهيم‪ ،‬وصام‬
‫واستغفر‪ ،‬ووفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫وعاش طويل ً في السلم‪ ،‬فأقام زمنا ً مهاجرا ً حتى أيام‬
‫عثمان رضي الله عنه فأحس بضعف في نفسه‪،‬‬
‫فاستأذن عثمان في الرجوع إلى البادية فأذن له‪ ،‬ثم‬
‫كانت خلفة علي شهد معه وقائعه صفين‪ ،‬وظاهره بيده‬
‫ولسانه‪ ،‬ونال من معاوية وبني أمية‪ ،‬ومكان بأصبهان‬
‫مر مائة وثمانين سنة‪.‬‬‫سنة ‪58‬ه? عد أن ع ّ‬
‫شعره‪ :‬كان النابغة الجعدي شاعرا ً مطبوعا ً في‬
‫الجاهلية والسلم‪ ،‬وهو أول من سبق إلى الكناية في‬
‫الشعر عن اسم من يغني إلى غيرها وتبعه الناس بعد‪،‬‬
‫قال‪:‬‬
‫أكنى بغير اسمها وقد علم لل‬

‫ه خفيات ك ّ‬
‫ل مكتتم‬

‫وكان ممن يصون الخيل فل يلحق له في ذلك غبار‪،‬‬


‫حتى ضرب به المثل قال الصمعي‪ :‬ثلثة يصفون الخيل‬
‫فل يقاربهم أحد‪ :‬طفيل الغنوي وأبو داود اليادي‪،‬‬
‫والنابغة الجعدي‪ ،‬وله في الفخر والهجا والمديح والرثاء‬
‫شعر كثير ومن أشرفه قصيدته التي مدح بها الرسول‬
‫الكريم وهي‪:‬‬
‫جرا‬‫ة وته ّ‬
‫خليلي عوجا ساع ً‬

‫‪470‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ونوحا على ما أحدث الدهر أو ذرا‬


‫ول تجزعا إن الحياة ذميمة‬

‫فخّفات لروغعات الحوادث أوقرا‬

‫وإن جاء أمر ل تطيقان معه‬


‫) ‪(1/326‬‬

‫فل تجزعا مما قضى الله واصبرا‬

‫ألم تريا أن الملمة نفعها‬

‫قليل إذا ما الشيء وّلى وأدبر‬

‫تهيج البكاء والندامة ثم ل‬

‫تغير شيئا ً غير ما كان قدرا‬

‫أتيت رسول الله إذا جاء بالهدى‬

‫ويتلو كتابا ً كالمجرة نيرا‬

‫أقيم على التقوى وأرضي بفعلها‬

‫‪471‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وكنت من النار المخوفة‪ ..‬أحذرا‬

‫ومنها في الفخر‪:‬‬
‫ود خيلنا‬
‫وإنا لقوم ما تع ّ‬

‫إذا ما التقيا أن تحيد وتنفرا‬

‫وتنكر يوم الّروع ألوان خيلنا‬

‫من الطعن حتى نحسب الجون أشقرا‬


‫بلغنا السماء مجدنا وجدودنا‬

‫وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا‬

‫ول خير في حلم مجدنا إذا لم تكن له‬

‫بوادر تحمي صفوة أن يكدرا‬

‫ول خير في جهل إذا لم يكن له‬

‫حليم إذا ما أورد المر أصدرا‬

‫ولما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم )بلغنا‬


‫السماء البيت( قال فأين المظهر يا أبا ليلى ثقال الجنة‪،‬‬
‫وقال إن شاء الله‪ ،‬ولما أتم قصيدته قال له الرسول‬
‫أجدت ل يفضض اله فاك فأتت عليه مائة سنة أو‬

‫‪472‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫نحواها وما انفضت من فيه سن‪.‬‬
‫?)‪ (6‬عمر بن أبي ربيعة‬
‫) ‪(1/327‬‬

‫هو أبو الخطاب عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة القرشي‬


‫المخزومي اشعر قريش وأرثق أصحاب الغزل‪ ،‬وأوصف‬
‫الشعراء لحوال النساء‪.‬‬
‫ولد بالمدينة ليلة مات عمر بن الخطاب رضوان الله‬
‫عليه‪ ،‬وكانت أمه نصرانية‪ ،‬وكان أبوه تاجرا ً موسرا ً‬
‫وعامل ً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولخلفا الثلثة‬
‫من بعده فشب في نعيم وترف‪ ،‬وقال الشعر صغيرا ًُ‬
‫وسلك فيه طريق الغزل ووصف أحوال النساء‬
‫وتزاورهن ومداعبة بعضهن لبعض وتعرض للمحصنات‬
‫المتعففات من نساء قومه من غيرهن‪ ،‬فوقعن منه في‬
‫بلء عظيم وصرن يخفن الخروج إلى الحج لنه كان‬
‫يتلقاهن مكن ويترقب خروجهن للطوف والسعي‬
‫ويصفهن وهن محرمات‪ ،‬وحلمت عليه رجالت قريش‬
‫لمكانه نسبه منهم ولترقب توبته وإقلعه‪ ،‬فلما تمادى‬
‫في أمره وشبب ببنات السادات ولخلفاء غضب عمرو‬
‫بن عبد العزيز ونفاه إلى جزيرة أمام المدينة مصوع‪،‬‬
‫ثم رأى أن الكفر عن سيئاته بالتوبة والجهاد فغزا في‬
‫البحر فاحترقت السفينة التي كان فيها واحترق هو أيضا‬
‫سنة ‪93‬ه?‪.‬‬
‫شعره‪ :‬رقيق بلفظ رشيق ومعنى أنيق حتى قال فيه‬
‫جرير هذا والله الذي أرادته الشعراء فأخطأته وقد سلك‬

‫‪473‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الغزل طريقا ً لم يسلكوه‪ :‬ومن قوله المشهور‪:‬‬
‫ليت هندا ً أنجزتنا ما تعد‬

‫وشفت أنفسنا مما تجد‬

‫واستبدت مرة واحدة‬

‫إنما العاجز من ل يستبد‬


‫)‪ (7‬الخطل‬
‫هو أبو مالك غياث الخطل بن غوث التغلبي النصراني‪،‬‬
‫شاعر المويين وأمدح ثلثة شعرائهم المتقدمين‬
‫والمتفرد بوصف الخمر دون السلميين قال الشعر‬
‫وهو صبي وما لبث أن زاحم شاعر تغلب وقتئذ ٍ )كعب‬
‫بن جعيل( وهجاه وظهر عليه ولما طلب يزيد ن معاوية‬
‫قبل أن يلي الخلفة من كعب هجاء النصار لتعرض‬
‫حسان بن ثابت النصاري لخته في شعره أبى عليه‬
‫ذلك كعب‪ ،‬وقال أأهجو قوما ً نصروا رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم وآووه‪ :‬ولكني أدللك على الخطل‬
‫فبعث إليه وأمره بهجائهم فهجاهم بقصيدة منها‪:‬‬
‫سماحة والّندى‬‫ذهبت قريش بال ّ‬

‫واللؤم تخت عمائم النصار‬


‫) ‪(1/328‬‬

‫‪474‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فدعو المكارم لستم من أهلها‬

‫وخذوا مساحيكم بني الّنجار‬


‫وبلغ الشعر كبار النصار فغضبوا وشكوه إلى معاوية‬
‫فوعدهم بقطع لسانه فاستجار بيزيد‪ ،‬فمازال بأبيه حتى‬
‫عفا عنه ولما ول يزيد الخلفة قربه غليه وتابعه في‬
‫ذلك خلفاء بني أمية‪ ،‬وبخاصة عبد الملك إذا كان‬
‫يستعين ه على أعدائه فقربه إليه وأدناه وسمح له‬
‫بالدخول عليه بل إذن وأجزل له العطايا وسماه شاعر‬
‫الخليفة‪.‬‬
‫ولما حدثت المهاجاة بين جرير والفرزدق وحكم فيهما‬
‫أيهما اشعر عرض بتفضيل الفرزدق‪ ،‬فهجا جرير‪ ،‬فرد‬
‫عليه الخطل وكانت الشيخوخة قد بلغت منه فلم يلحق‬
‫جريرًا‪ ،‬وكان الخطل يقيم أزمانا ً بدمشق وأحيانا ً ببلده‬
‫منم أرض الجزيرة ومات سنة ‪95‬ه? وقد نيف على‬
‫السبعين‪.‬‬
‫شعره‪ :‬كان الخطل أحد الشعراء الثلثة السابقين‬
‫سواهم من فحول السلميين وكان مطبوعا ً على‬
‫الشعر بعيدا ً عن التكلف والعمق فيه وامتاز بإجادته‬
‫المديح والبداع في معانيه‪ ،‬قال يمدح بني أمية ويخص‬
‫بشر بن مروان‪:‬‬
‫إن يحلموا عناك فالحلم شيمتهم‬

‫والموت ساعة يحمى منهم الغضب‬


‫كأنهم عند ذاكم ليس بينهم‬

‫‪475‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وبين من حاربوا قربة ول نسب‬

‫كانوا موالي حق يطلبون به‬

‫فأدركوه وما ملوا ول لغبوا‬

‫إن يك للحق أسباب يمد بها‬

‫ففي أكفهم الرسان والسبب‬

‫هم سعوا بابن عفان المام وهم‬

‫بعد الشماس مروها ثمت احتلبوا‬

‫ومنها‪:‬‬
‫ت أبا مروان تسأله‬
‫إذا أتي َ‬

‫وجدته حاضراه الجود ُ والحسب‬

‫ترى إليه رفاقَ الناس سائلة‬

‫ب‬
‫ب على أبوابه عص ُ‬
‫من كل أو ٍ‬
‫يحتضرون سجال من فواضله‬

‫ب‬
‫والخيُر محتضر أبوابه عص ُ‬

‫‪476‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والمطعم الكوم ل ينفك يعقرها‬

‫ب‬
‫إذا تلقى رواق البيت والله ُ‬

‫ة‬
‫كأن حيرانها في كل منزل ٍ‬

‫ب‬
‫قتلى مجردة الوصال تستل ُ‬

‫ومن أفضل شعره قوله‪:‬‬


‫والناس همهم الحياة ول أرى‬

‫طول الحياة يزيد غير خبال‬

‫وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد‬

‫ذخرا ً يكون كصالح العمال‬


‫) ‪(1/329‬‬

‫)‪ (8‬الفرزدق‬
‫هوب أبو فراس همام بن غالب التميمي الدارمي أفخر‬
‫ثلثة الشعراء المويين وأجزل المقدمين في الفخر‬
‫والمدح والهجاء‪.‬‬
‫ولد سنة ‪ 15‬ه ونشأ بالبصرة‪ .‬وأتى بها أبوه يوما ً إلى‬
‫أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه‬
‫فسأله عنه‪ .‬فقال ابني يوشك أن يكون شاعرا ً مجيدًا‪.‬‬

‫‪477‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فقال له أقرئه القرآن فأقرأه وحفظه ثم رحل إلى‬
‫خلفاء بني أمي بالشام ومدحهم ونال جوائزهم‪ ،‬وأخص‬
‫من كان يمدحه منهم عبد الملك بن مروان ثم أولده‬
‫من بعده‪ .‬وكان الفرزدق فوق إقذاعه في الهجو‬
‫وفحشه في السباب وقذف المحصنات يرمى بالفجور‬
‫وقلة التمسك بشعائر الدين ثم تاب في أواخر‬
‫شيخوخته على يد حسن البصري‪ .‬وكان فيه تشّيع‬
‫يستره أيام اختلفه إلى بني أمية ثم كاشف به آخر‬
‫حياته حتى أمام الخليفة هشام عندما رأى الناس تفسح‬
‫طريق الطواف بالكعبة مهابة وإجلل ً لعلي بن الحسين‬
‫فسأله عنه كالمتجاهل لمره‪ ،‬فشق ذلك على الفرزدق‬
‫وأنشد قصيدته الميمية التية يعّرف بعلي وينكر على‬
‫هشام تجاهله‪ ،‬فحبسه هشام ثم أطلقه‪ .‬وعاش‬
‫الفرزدق قريبا ً من مائة سنة ومات بالبصرة سنة ‪110‬‬
‫ه‪.‬‬
‫شعره‪ :‬يمتاز شعر الفرزدق بفخامة عبارته‪ ،‬وجزالة‬
‫لفظه‪ ،‬وكثرة غريبه ومداخلة بعض ألفاظه في بعض‪،‬‬
‫ولذلك يعجب به أهل اللغة والنحو وكان يقال )لول شعر‬
‫الفرزدق لذهب ثلث اللغة( ويعتبر الفرزدق من أفخر‬
‫شعراء العرب وأشدهم ولوعا ً بتعداد مآثر آبائه وأجداده‪.‬‬
‫ومن جيد شعره قوله يمدح علي بن الحسين‪:‬‬
‫ف البطحاء وطأته‬‫هذا الذي تعر ُ‬

‫م‬ ‫ت يعرفه والح ّ‬


‫ل والحر ُ‬ ‫والبي ُ‬

‫هذا ابن خير عباد الله كّلهم‬

‫‪478‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫م‬
‫ي الطاهر العل ُ‬
‫هذا التقي النق ّ‬

‫وليس قولك من هذا بضائره‬

‫م‬
‫ت والعج ُ‬
‫ف من أنكر َ‬
‫ب تعر ُ‬
‫العر ُ‬

‫ش قال قائلها‬
‫إذا رأته قري ٌ‬

‫م‬
‫إلى مكارم هذا ينتهي الكر ُ‬

‫يغضي حياًء ويغضى من مهابته‬

‫فل يكّلم إل حين يبتس ُ‬


‫م‬

‫ق‬
‫ن ريحها عب ٌ‬
‫بكفه خيزرا ٌ‬

‫م‬
‫من كف أروع في عرنينه شم ُ‬
‫) ‪(1/330‬‬

‫يكاد يمسكه عرفان راحته‬

‫م‬
‫ركن الحطيم إذا ما جاء يستل ُ‬

‫دجى عن نور غرته‬


‫ينشقّ ثوب ال ّ‬

‫‪479‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫م‬
‫كالشمس تنجاب عن إشراقها الظل ُ‬
‫ن وبغضهم‬‫من معشر حّبهم دي ٌ‬

‫م‬
‫جى ومعتص ُ‬
‫كفٌر وقربهم من ّ‬

‫إن ع ُد ّ أهل التقى كانوا أئمتهم‬

‫أو قيل من خير أهل الرض قيل هم‬


‫)‪ (9‬جرير‬
‫هو أبو حزرة بن عطية بن الخطفى التميمي اليربوعي‪:‬‬
‫أحد فحول الشعراء السلميين‪ ،‬وبلغاء المداحين‬
‫الهجائين‪ ،‬وأنسب ثلثتهم المفلقين‪ ،‬وهو من بني يربوع‬
‫أحد أحياء تميم‪ ،‬ولد باليمامة سنة ‪ 42‬ه ونشأ بالبادية‬
‫وفيها قال الشعر ونبغ‪ .‬وكان يختلف إلى البصرة في‬
‫طلب الميرة ومدح الكبراء‪ ،‬فرأى الفرزدق وما كسبه‬
‫الشعر من منزلة عند المراء والولة وهو تميمي مثله‬
‫وود لو يسبقه إلى ما ناله‪ ،‬وأغراه قومه به للتنويه‬
‫بشأنهم فوقعت بينهما المهاجاة عشر سنين كان أكثر‬
‫إقامة جرير أثناءها في البادية‪ ،‬وكان الفرزدق مقيما ً‬
‫بالبصرة يمل عليه الدنيا هجاء وسبا‪ .‬فما زال به بنو‬
‫يربوع حتى أقدموه البصرة واتصل بالحجاج ومدحه‬
‫فأكرمه ورفع منزلته عنده‪ ،‬فعظم أمره وشرق شعره‬
‫وغرب حتى بلغ الخليفة عبد الملك فسد الحجاج عليه‪،‬‬
‫فأوفده الحجاج مع ابنه محمد إلى الخليفة بدمشق‬
‫ومات باليمامة سنة ‪110‬ه‪.‬‬

‫‪480‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وكان في جرير على هجائه للناس عفة ودين وحسن‬
‫خلق ورقة طبع‪.‬‬
‫شعره‪ :‬اتفق علماء الدب وأئمة نقد الشعر على أنه لم‬
‫يوجد في الشعراء الذين نشأوا في ملك السلم أبلغ‬
‫من جرير والفرزدق والخطل وإنما اختلفوا في أّيهم‬
‫أشعر ولكل هوى وميل في تقديم صاحبه‪ :‬فمن كان‬
‫هواه في رقة النسيب وجودة الغزل والتشبيه‪ ،‬وجمال‬
‫اللفظ ولين السلوب والتصرف في أغراض شتى‪،‬‬
‫فضل الفرزدق‪ ،‬ومن نظر بعد بلغة اللفظ‪ ،‬وحسن‬
‫الصوغ إلى أجادة المدح والمعان في الهجاء واستهواه‬
‫وصف الخمر واجتماع الندمان عليها‪ ،‬حكم للخطل‪.‬‬
‫وإن له في كل باب من الشعر أبياتا ً سائرة هي الغاية‬
‫التي يضرب بها المثل فيقال أن أغزل شعر قالته‬
‫) ‪(1/331‬‬

‫العرب هو قوله‪:‬‬
‫إن العيون التي في طرفها حور‬

‫قتلننا ثم لم يحيين قتلنا‬

‫يصرعن ذا الّلب حتى ل حراك به‬

‫ن أضعف خلق الله إنسانا‬


‫وه ّ‬

‫وإن أمدح بيت قوله‪:‬‬

‫‪481‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ألستم خير من ركب المطايا‬

‫وأندى العالمين بطون راح‬


‫وإن أفخر بيت قوله‪:‬‬
‫إن غضبت عليك بنو تميم‬

‫حسبت الناس كّلهم غضابا‬


‫وإن أهجى بيت مع التصون عن الفحش قوله‪:‬‬
‫ض الطرف إنك من نمير‬ ‫فغ ّ‬

‫فل كعبا ً بلغت ول كلبا‬

‫وإن أصدق بيت قوله‪:‬‬


‫إني لرجو منك خيرا ً عاجل ً‬

‫ب العاجل‬‫والنفس مولعة بح ّ‬
‫وإن أشد بيت تهكما ً قوله‪ :‬زعم الفرزدق أن سيقتل‬
‫مربعًا=أبشر بطول سلمة يا مربعُ ومن جيد شعره‬
‫قوله من قصيدة يرثي بها امرأته والتي هي ندبت بها‬
‫نوار امرأة الفرزدق‪:‬‬
‫لول الحياُء لهاجني استعبار‬

‫ولزرت قبرك والحبيب يزار‬


‫ولهت قلبي إذا علتني كبرة‬

‫وذوو التمائم من بنيك صغار‬

‫‪482‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ل يلبث القرناء أن يتفرقوا‬

‫ليل ويكّر عليهم ونهار‬

‫صّلى الملئكة الذين تخيروا‬

‫والطيبون عليك والبرار‬

‫ر‬
‫فلقد أراك كسيت أحسن منظ ٍ‬

‫ومع الجمال سكينة ووقاُر‬

‫)‪ (10‬الكميت‬
‫) ‪(1/332‬‬

‫هو الشاعر الخطيب الراوية النسابة أبو المستهل‬


‫الكميت بن زيد السدي الكوفي أشعر شعراء الشيعة‬
‫الهاشمية‪ ،‬ومثير عصبية العدنانية على القحطانية ولد‬
‫سنة ‪60‬ه ونشأ بالكوفة بين قومه بني أسد إحدى قبائل‬
‫العرب الفصحاء من مضر فلقن العربية‪ ،‬وعرف الدب‬
‫والرواية‪ ،‬وعلم أنساب العرب وأيامها ومثالبها بمدارسة‬
‫العلم والخذ عن العراب‪ ،‬وكان له جدتان أدركتا‬
‫الجاهلية تقصان عليه أخبارها وأشعار أهلها‪ ،‬فخرج أعلم‬
‫أهل زمانه في ذلك وأقر له حماد الراوية بالسبق عليه‬

‫‪483‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقال الكميت الشعر وهو صغير وكان ل يذيعه ول‬
‫يتكسب به‪ ،‬ويكتفي بحرفته تعليم صبيان الكوفة‬
‫بالمسجد‪ ،‬ولما حصف شعره وقوي أثره‪ ،‬ول سيما‬
‫قصائده التي أعلن فيها تشيعه لبني هاشم وآل علي‪،‬‬
‫أنشده الفرزدق مستنصحا ً له في أمر إذاعته إذا أعجبه‪،‬‬
‫فأمره بإذاعته فقال قصائده البليغة المطولة المسماة‬
‫"بالهاشميات" التي يقول فيها‪:‬‬
‫ب‬‫ت وما شوقا ً إلى البيض أطر ُ‬
‫طرب ُ‬

‫ول لعبا ً مني وذو الشيب يلع ُ‬


‫ب‬

‫ولم يلهني داٌر ول رسم منزل‬

‫ب‬
‫ض ُ‬
‫ن مخ ّ‬
‫ولم يتطربني بنا ٌ‬

‫ول السانحات البارحات عشية‬

‫أمّر سليم القرن أم مر أعضب‬

‫ولكن إلى أهل الفضائل والّنهى‬

‫وخير بني حواء والخير يطلب‬

‫بني هاشم رهط النبي فإنني‬

‫بهم ولهم أرضى مرارا ً وأغضب‬

‫‪484‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫خفضت لهم مني الجناح مودة‬

‫إلى كنف عطفاه أهل ومرحب‬

‫ة‬
‫وما لي إل آل أحمد شيع ٌ‬

‫وما لي إل مذهب الحقّ مذهب‬

‫بأي كتاب أم بأّية سنة‬

‫يرى حّبهم عارا ً علي ويحسب‬

‫شعره‪ :‬لشعره من التأثير السياسي والمذهبي أثر سيئ‬


‫شتت شملة الوحدة العربية‪.‬‬
‫الرواية والرواة‬
‫) ‪(1/333‬‬

‫ظهر العرب وعمدة العرب في ضبط علومهم وآدابهم‬


‫على الحفظ والرواية‪ :‬فجاءهم من كتاب الله وسنة‬
‫رسوله بالمر الخطير‪ ،‬والعلم الكثير فكانت عنايتهم‬
‫بحفظها في الصدور أكثر من كتابتها في السطور‪ .‬ولما‬
‫اتسع علم المسلمين بما أضيف إليهما من تفسير‬
‫الصحابة والتابعين ومن أقوالهم في الدين تعدد طوائف‬
‫الرواة للقرآن والحديث وفنون الدب‪.‬‬
‫وإذا كان النسان عرضة للنسيان‪ ،‬وأحوال الناس‬

‫‪485‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تختلف في الصدق والكذب تشدد الصحابة والتابعون‬
‫وتابعوهم في تصحيح الرواية وشدة التوثق من صدق‬
‫الرواة تحرجا ً منهم أن يدخل في الدين ما ليس منه‪.‬‬
‫ولما خاف سيدنا عمر بن عبد العزيز أن تموت السنة‬
‫الصحيحة بموت رواتها وبما وضعه الزنادقة والشيعة‬
‫والخوارج ودسوه فيها‪ ،‬أمر العلماء بتدوين الحديث‬
‫وبقي المر في الشعر والدب كما كان في الجاهلية‪:‬‬
‫لكل شاعر راو أو عدة رواة‪ .‬ومن أشهر هؤلء هدبة بن‬
‫خشرم رواية الحطيئة‪ ،‬وجميل رواية هدبة‪ ،‬وكثير رواية‬
‫جميل‪ ،‬وأبو شفقل وعبيد أخو ربيعة بن حنظلة رواية‬
‫الفرزدق‪ ،‬ومربع رواية جرير والفرزدق معًا‪ ،‬ومحمد بن‬
‫سهل راوية الكميت‪ ،‬وصالح بن سليمان راوية ذي‬
‫الرومة وذو الرمة راوية الراعي‪.‬‬
‫وبقي المر كذلك حتى أواخر هذا العصر فاشتعل‬
‫العلماء بالرواية وصار الراوي منهم يروي لمئات من‬
‫الشعراء والشواعر وإن لم يكن هو شاعرا ً وأكثر هؤلء‬
‫العلماء من الرواة أدرك عصر بني العباس فيذكر فيه‪.‬‬
‫ومع تشدد الناس في تصحيح الرواية سنة وأدبا ً حدث‬
‫في الشعر والخطب كثير من التصحيف والتحريف‬
‫والنقص والزيادة ونحو ذلك‪.‬‬
‫العصر الثالث عصر الدولة العباسية من ‪ 656 132‬ه‬
‫"أحوال اللغة العربية وآدابها في ذلك العصر"‬
‫) ‪(1/334‬‬

‫‪486‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كان بنو أمية شديدي التعصب للعرب والعربية‪ ،‬فكان‬
‫كل شيء في دولتهم عربي الصبغة‪ ،‬وكانت جمهرة‬
‫العرب منتشرة في كل مكان امتد إليه سلطانها فلما‬
‫قامت الدولة العباسية بدعوتها‪ ،‬لم تجد لها من العرب‬
‫أنصارا ً وأعوانا ً مثل من وجدت من الفرس وأمم‬
‫العاجم‪ ،‬فاكتسحت بهم دولة بني أمية وأسست دولة‬
‫قوية كان أكثر النفوذ فيها للموالي‪ .‬فاستخدمهم‬
‫الخلفاء والمراء في كل شيء من سقاية الماء إلى‬
‫قيادة الجيوش والوزارة‪ ،‬وابتدأ شأن العرب السياسي‬
‫يتضاءل من ذلك الحين شيئا ً فشيئا ً واختلطوا بالعاجم‬
‫وكان من المجموع شعب ممتزج لغة وعادة وخلقا ً فأثر‬
‫ة وتأليف‬ ‫ذلك في اللغة لفظا ً ومعنى‪ ،‬وشعرا ً ونثرا ً كتاب ً‬
‫ولم يظهر ذلك بالطبع في جميع الممالك بنسبة واحدة‬
‫بل كان في أواسط آسيا أظهر منه في مصر الشام‪.‬‬
‫أما حال ممالك الغرب والندلس صدر في هذا العصر‬
‫فلم يبعد كثيرا ً عما كان عليه في العصر الماضي ثم‬
‫سرت إليها عدوى تقليدها للمشارقة في أكثر المور‪.‬‬
‫ويمكن إرجاع جميع هذه التغيرات إلى ثلثة أمور‬
‫"الول" ما يتعلق بالغراض التي تؤديها اللغة "الثاني"‬
‫ما يتعلق بالمعاني والفكار "الثالث" ما يتعلق باللفاظ‬
‫والساليب‪.‬‬
‫أغراض اللغة‬
‫لما قامت الدولة العباسية وتشّبه الخلفاء بملوك‬
‫الفرس في أكثر أمور السياسة والمعيشة‪ ،‬وحاكتهم‬
‫العامة في ذلك بتقليد أمثالهم من طبقات العاجم‪،‬‬
‫تناولت اللغة في المشرق أغراضا ً لم تعهد فيها من قبل‬

‫‪487‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بنقل علوم تلك المم وآدابها وعاداتها وطرق معيشتها‪.‬‬
‫ثم تناولت هذه الغراض في الغرب بعدئذ ٍ بفرق يسير‬
‫فكان من تلك الغراض ما يأتي‪:‬‬
‫)‪ (1‬تدوين العلوم الشرعية واللسانية والعقلية ولم‬
‫يدون في صدر السلم من ذلك إل نذر يسير‪ ،‬وكذا‬
‫الترجمة من اللغات الجنبية إلى العربية‪.‬‬
‫)‪ (2‬تأدية مقاصد الصناعات المختلفة‪ ،‬وخاصة بعد‬
‫دخول العرب في غمار الصناع وبعد تغرب العاجم‪.‬‬
‫) ‪(1/335‬‬

‫)‪ (3‬تأدية المقاصد التي استدعاها النغماس في الترف‬


‫بلذائد الحضارة التي جرت فيها المم عصر الدولة‬
‫العباسية إلى أمد بعيد‪ ،‬أو اقتضاها نظام الملك والدفاع‬
‫عنه‪ .‬كالمعان في وصف الشياء النفسية مما لم يعرف‬
‫للعرب في صدر السلم أو عرف وكان قليل ً ممقوتا ً‬
‫صاحبه‪ ،‬وكوصف البحر والساطيل الحربية والمعارك‬
‫البحرية‪ .‬وامتاز بأكثر من ذلك المغرب والندلس كما‬
‫امتازت الندلس بالجادة في وصف مناظر الطبيعة‬
‫ومحاسن الوجود لملئمة بيئتها لذلك‪ ،‬وكادت تلحق بها‬
‫في الوصف صقلية وأفريقية إبان ازدهائهما‪.‬‬
‫)‪ (4‬تأدية مقاصد أنواع الخلعة والسخرية مما قل‬
‫نظيره في صدر السلم‪.‬‬
‫)‪ (5‬المحاضرة والمناظرة والبحث والجدل وتدريس‬
‫العلوم‪.‬‬
‫المعاني والفكار‬

‫‪488‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إن ما حدث في مشارق الممالك السلمية ومغاربها‬
‫أثناء العصر العباسي من النقلبات السياسية‬
‫والجتماعية كان له نتيجة ظاهرة في الحركة الفكرية‬
‫للمتكلمين بالعربية ظهر ذلك في عباراتهم وأشعارهم‬
‫بصور مختلفة‪ .‬فمنها‪:‬‬
‫)‪ (1‬ازدياد شيوع المعاني الدقيقة‪ ،‬والتصورات الجميلة‪،‬‬
‫والخيلة البديعة‪.‬‬
‫)‪ (2‬التعويل على القياس والتعليل في الحكام الفردية‪:‬‬
‫بالكثار من الحجج والبراهين العقلية وانتحاء مذاهب‬
‫الفلسفة في الشعر والكتابة والتدريس ول سيما بعد‬
‫عصر الترجمة وأكثر ما كان ذلك بالمشرق وقلما عني‬
‫به أهل المغرب‪.‬‬
‫)‪ (3‬التهويل والغلو في التفخيم المقتبس في المشرق‬
‫من اللغة الفارسية والساري بعضه بالعدوى إلى أهل‬
‫المغرب والندلس‪.‬‬
‫اللفاظ والساليب‬
‫غلب على عبارة اللغة العربية في هذه المدة أمران‬
‫عظيمان‪ :‬السهولة والمحسنات البديعية‪ .‬ويشمل ذلك‬
‫على ما يأتي‪:‬‬
‫) ‪(1/336‬‬

‫)‪ (1‬انتقاء اللفاظ الرشيقة السهلة وقلة الحاجة إلى‬


‫الرتجال‪.‬‬
‫)‪ (2‬ازدياد الميل إلى استعمال ألفاظ القرآن والقتباس‬
‫منه والستشهاد به‪.‬‬

‫‪489‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫)‪ (3‬الكثار من ألفاظ المجاز والتشبيه والتمثيل والكناية‬
‫والمحسنات اللفظية‪.‬‬
‫)‪ (4‬التوسع في إدخال ألقاب التعظيم على أسماء‬
‫الخلفاء والمراء والعظماء‪.‬‬
‫)‪ (5‬تفاقم الخطب في استعمال الكلمات العجمية في‬
‫كثير من الشياء‪.‬‬
‫)‪ (6‬وضع اصطلحات العلوم والفنون والصناعات ودار‬
‫الحكومة وغيرها‪.‬‬
‫)‪ (7‬التأنق في صوغ العبارات وتوثيق الربط بينهما‬
‫والميل إلى استعمال السجع‪.‬‬
‫)‪ (8‬التطرف إلى غاية حدي الطناب واليجاز ولكل‬
‫منهما مقام‪.‬‬
‫)‪ (9‬حدوث لغة تأليفية لتعليم العلوم تقاس بمعيار‬
‫المنطق ل بمعيار البلغة‪ .‬وإذا كانت اللغة إما نثرا ً وإما‬
‫شعرا ً والنثر محادثة‪ ،‬وخطابة‪ ،‬وكتابة‪ ،‬فاحفظ ما يتلى‬
‫عليك‪.‬‬
‫النثر المحادثة أو )لغة التخاطب(‬
‫) ‪(1/337‬‬

‫إن لغة التخاطب بين الخاصة من العرب في أواخر‬


‫العصر الماضي كانت العربية الفصيحة الخالية من‬
‫اللحن إل من آحاد عيروا به‪ ،‬وأن لغة العامة والسوقة‬
‫من العرب المختلطين بالعجم هي العربية المشوبة‬
‫بشيء من اللحن‪ ،‬ولغة المتعربين من العجم تقل عن‬
‫هذه في الفصاحة‪ ،‬وتزيد عليها في اللحن بمراتب‬

‫‪490‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مختلفة‪.‬‬
‫فلما تم امتزاج العرب بالعجم عصر الدولة العباسية‪،‬‬
‫تكونت بين العامة في البلد التي تكثر فيها جمهرة‬
‫العرب لغات تخاطب علمية‪ ،‬إل بين أهل جزيرة العرب‪،‬‬
‫فلم يزل تخاطبهم باللسان العربي الفصيح إلى أواسط‬
‫القرن الرابع‪ .‬وبقيت لغات التخاطب في البلد التي‬
‫تقل فيها جاليتهم هي اللغات الوطنية العجمية‬
‫ممزوجة ببعض اللفاظ العربية التي أدخلها عليها‬
‫السلم‪.‬‬
‫وخاف الخلفاء والخاصة من هول تغلب العامية على‬
‫الفصيحة فيستغلق على المسلمين فهم الكتاب والسنة‬
‫وهما كل الدين‪ ،‬فحرضوا العلماء على تدوين اللغة‬
‫والكثار من العناية بضبط النحو وفنون البلغة‪ ،‬ولكن‬
‫ذلك كله لم يوقف تيار العامية الزاخر‪ ،‬واستمر في‬
‫طغيانه إلى أن غلب في النصف الخير من عصر هذه‬
‫الدولة على جميع لغات التخاطب‪ ،‬حتى لغة الخلفاء‬
‫وعلماء العربية أنفسهم وأصبح لكل بلد عربية لغة‬
‫تخاطب عامية خاصة بها‪ ،‬ولكن لم تصبح العامية لغة‬
‫علم وأدب‪ ،‬كما وأن ذلك لم يكن طويل المد‪.‬‬
‫الخطابة والخطباء‬
‫) ‪(1/338‬‬

‫لما كان قيام الدولة العباسية في المشرق والدريسية‬


‫في المغرب القصى والموية الثانية في الندلس‪ ،‬من‬
‫المور التي ينشأ عنها كثير من النقلبات السياسية‬

‫‪491‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والمذهبية والجتماعية‪ .‬وكان ذلك يستدعي تأليف‬
‫العصابات ودعوة الناس إلى التشيع لصحاب الحزاب‬
‫كانت دواعي الخطابة متوافرة لتوافر أسبابها‪ .‬فكان‬
‫بين قواد هذه الدول ودعاتها وخلفائها ورؤساء وفودها‬
‫خطباء مصاقع‪ ،‬ثم لما فترت هذه الدواعي باستقرار‬
‫الدول‪ .‬واشتد اختلط العرب بالعاجم‪ .‬وتولى كثير من‬
‫الموالي قيادة الجيوش وعمالة الوليات والمواسم‪،‬‬
‫ضعف شأن الخطابة لضعف قدرتهم عليها‪ ،‬فلم يمض‬
‫قرن ونصف من قيام تلك الدول حتى بطل شأن‬
‫الخطابة إل قليل ً في المغرب أيام الحفل وقدوم الوفود‬
‫وبقيت الخطابة قاصرة على خطب الجمعة والعيدين‬
‫والمواسم وخطب الزواج ونحو ذلك‪ .‬وقل فيها الرتجال‬
‫ة‪ ،‬وحل محل الخطابة في المور السياسية‬ ‫أو عدم جمل ً‬
‫نشر المنشورات‪ ،‬وفي المور الدينية مجالس الوعظ‬
‫والتدريس في المساجد والمدارس‪ ،‬واشتهر في صدر‬
‫الدولة العباسية خطباء أشهرهم داود بن علي‪ ،‬وشيب‬
‫بن شيبة‪.‬‬
‫داود بن علي‬
‫) ‪(1/339‬‬

‫هو داود بن علي بن عبد الله بن عباس خطيب بني‬


‫العباس‪ ،‬وأحد مؤسسي دولتهم‪ ،‬نشأ هو وأخوته )وكانوا‬
‫ل( في قرية الحميمة من أعمال‬ ‫اثنين وعشرين رج ً‬
‫مان‪ ،‬وكان الوليد بن عبد الملك أجلى علي بن عبد‬ ‫ع ّ‬
‫الله بن عباس وأهل بيته إليها سنة ‪ 95‬ه غضبا ً عليه‪.‬‬

‫‪492‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وكان داود أحد النابغين من إخوانه‪ ،‬وكان بليغهم‬
‫ولسانهم وأخطبهم في وقته‪ .‬وعاجلته منيته قبل أن‬
‫يستطير سلطانه في الدولة‪ .‬وله أبو العباس عقب‬
‫بيعته بالكوفة ولية الكوفة وسوادها‪ ،‬ثم وله إمارة‬
‫الحج في هذه السنة ووله معها ولية الحجاز واليمن‬
‫واليمامة‪ ،‬فقتل من ظفر به من بني أمية في مكة‬
‫والمدينة سنة ‪132‬ه وهو أول موسم ملكه بنو العباس‬
‫وخطبهم الخطبة التية وهي )شكرا ً شكرًا‪ ،‬إنا والله ما‬
‫خرجنا لنحفر فيكم نهرا ً ول لنبني فيكم قصرا ً أظن عدو‬
‫الله أن لن نقدر عليه إن روخى له من خطامه‪ ،‬حتى‬
‫عثر في فضل زمامه‪ ،‬فالن حيث أخذ القوس باريها‬
‫وعاد القوس إلى النزعة‪ ،‬ورجع الملك في نصابه‪ ،‬في‬
‫أهل بيت النبوة والرحمة‪) ،‬والله قد كنا نتوجع لكم‬
‫ونحن في فرشنا( أمن السود والحمر لكم ذمة الله‪،‬‬
‫لكم ذمة رسول الله ) ‪ ،‬لكم ذمة العباس‪ ،‬ل ورب هذه‬
‫البنية وأومأ بيده إلى الكعبة ل نهيج منكم أحدًا(‪.‬‬
‫شبيب بن شيبة‬
‫هو شبيب بن شيبة بن عبد الله المنقري التميمي‬
‫خطيب البصرة ونشأ بها وامتاز بنبالة نفس وسخاء‬
‫كف‪ .‬وحسن تواضع ونزاهة لسان كما امتاز بخطبه‬
‫القصيرة البليغة القريبة من حد العجاز‪ .‬قال الجاحظ‪:‬‬
‫يقال أنهم لم يروا خطيبا ً كشبيب بن شيبة‪ .‬فما ابتدأ‬
‫بحلوة ورشاقة وسهولة وعذوبة‪ .‬فلم يزل يزداد منها‬
‫حتى صار في كل موقف يبلغ بقليل الكلم ما ل يبلغه‬
‫الخطباء المصاقع بكثيره وقد يطول حتى يقول فيه‬
‫الراجز‪:‬‬

‫‪493‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إن غدت سعد على شبيبها‬

‫على فتاها وعلى خطيبها‬

‫من مطلع الشمس إلى مغيبها‬

‫عجبت من كثرتها وطيبها‬


‫) ‪(1/340‬‬

‫وعرف شبيب أبا جعفر المنصور قبل خلفته ثم اتصل‬


‫به بعدها‪ .‬فجعله في حاشية ولي عهده المهدي‪ .‬وبقي‬
‫كذلك حتى ولي المهدي الخلفة فصار من خيرة سماره‬
‫وجلسائه إلى أن مات في خلفته سنة ‪165‬ه‪.‬‬
‫ومن خطبه القصار ما عزى به المهدي يوم ماتت ابنته‬
‫البانوقة وجزع عليها جزعا ً شديدًا‪" :‬أعطاك الله يا أمير‬
‫المؤمنين على ما رزئت أجرًا‪ .‬وأعقبك صبرا ً ول أجهد‬
‫الله بلءك بنقمه ول نزع منك نعمه‪ ،‬ثواب الله خير لك‬
‫منها ورحمة الله خير لها منك‪ ،‬وأحق ما صبر عليه ما ل‬
‫سبيل إلى رده"‪.‬‬

‫الكتابة خطية وإنشائية‬


‫) ‪(1/341‬‬

‫الخط‪ :‬تنوع في هذا العصر الخط الكوفي إلى أنواع‬


‫أربت على خمسين نوعا ً ومن أشهرها المحرر‬
‫‪494‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والمشجر والمربع والمدور والمتداخل‪ .‬وبقي مستعمل ً‬
‫في المباني والسكة إلى حدود اللف‪ .‬ثم نسي جملة‬
‫وقد جددت منه أنواع في عصرنا أما تاريخ خطنا‬
‫المستعمل الن فحدث في آخر الدولة الموية أن‬
‫استنبط "قطبة المحرر" من الخط الكوفي والحجازي‬
‫خطا ً هو أساس الخط الذي يكتب به الن واخترع القلم‬
‫الجليل الذي يكتب به على المباني ونحوها‪ .‬وقلم‬
‫الطومار )الورقة الكبيرة( وهو أصغر أنواع الجليل‬
‫وحسن عمله غيره من كتاب صدر الدولة العباسية حتى‬
‫ظهر إبراهيم الشخري وأخوه يوسف من كتاب أواخر‬
‫القرن الثاني‪ :‬فولد إبراهيم من الجليل قلم الثلثين وولد‬
‫يوسف من الجليل القلم الرياسي وهو قلم التوقيع‪.‬‬
‫وعن إبراهيم أخذ الحوال المحرر من )صنائع البرامكة(‬
‫واخترع قلم النصف‪ .‬هذه هي أشهر الخطوط وقد تولد‬
‫منها نحو من ‪ 20‬خطا ً يختص كل منها بغرض خاص‪.‬‬
‫واتفقوا على أن طول اللف يعتبر معيارا ً لرتفاع بقية‬
‫الحروف‪ .‬وأن يكون طول اللف مربع مقدار قطعة‬
‫القلم‪.‬‬
‫وعن الحول‪ :‬أخذ منهدس الخط العظم الوزير "أبو‬
‫علي محمد بن مقلة" وأخوه أبو عبد الله الحسن‬
‫المتوفى سنة ‪338‬ه وهما اللذان تم على أيديهما‬
‫هندسة خط النسخ والجليل وفروعه على الشكال التي‬
‫نعرفها الن وأتما العمل الذي بدأ به "قطبة" فهندسا‬
‫الحروف وقدرا مقاييسهما وأبعادهما وضبطاها ضبطا ً‬
‫محكما ً واخترعا له القواعد وعن الوزير ابن مقلة أخذ‬
‫أبو عبد الله محمد بن أسد القارئ المتوفى سنة‬

‫‪495‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫‪410‬ه‪ .‬وعنه أخذ أبو الحسن علي بن هلل البغدادي‬
‫المعروف بابن البواب المتوفى سنة ‪413‬ه وهو الذي‬
‫أكمل قواعد الخط واخترع عدة أقلم وإليه انتهت‬
‫الغاية‪ .‬وكل من جاء بعده فهو تابع لطريقته‪ :‬كأمين‬
‫الدين ياقوت الملكي المتوفى سنة ‪618‬ه كاتب‬
‫السلطان ملكشاه السلجوقي‪ .‬أم الندلسيون والمغاربة‬
‫فلم يعبئوا بهذا الصلح وبقوا يكتبون على طريقة الخط‬
‫الحجازي إلى‬
‫) ‪(1/342‬‬

‫الن بنوع من التعديل‪ .‬واخترع الخليل الشكل‬


‫المستعمل الن بان كتب الضمة واوا ً صغيرة تكتب فوق‬
‫الحرف والفتحة ألفا ً والكسرة ياءً والشدة رأس شين‬
‫والسكون رأس خاء وهمزة القطع رأس عين ثم اختزل‬
‫شكلها وزيد عليها حتى آلت إلى الشكل المعروف الن‪.‬‬
‫وهاك ترجمة الخطاط المتفنن المشهور‪.‬‬
‫ابن مقلة‬
‫هو الوزير أبو علي محمد بن علي بن الحسن بن مقلة‬
‫إمام الخطاطين وأحد كبار الكتاب البارعين‪ ،‬أخذ الخط‬
‫عن الحوال المحرر صنيعه البرامكة وتم على يديه‬
‫ويدي أخيه الحسن نقل الخط من الكوفي إلى الشكل‬
‫المعروف في زماننا‪ .‬وكان ابن مقلة يتولى في أول‬
‫أمره بعض أعمال فارس ويجبي خراجها وتنقلت به‬
‫الحوال إلى استوزره المام المقتدر بالله سنة ‪ 316‬ثم‬
‫كاد له أعداؤه عنده‪ ،‬فقبض عليه سنة ‪318‬ه ونفاه إلى‬

‫‪496‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فارس‪ .‬ثم وزر للراضي فوشى به أعداؤه عنده فقبض‬
‫عليه وعزل ثم أطمعه نحسه أن يكيد لبن رائق أمير‬
‫المراء ببغداد سنة ‪328‬ه ومن قوله في تلك الحوادث‪:‬‬
‫إذا مات بعضك فابك بعضا ً‬

‫فإن البعض من بعض قريب‬


‫وقوله‪:‬‬
‫ما سئمت الحياة لكن توّثق‬

‫ت بأيمانهم فبانت يميني‬

‫بعت ديني لهم بدنياي حتى‬

‫حرموني دنياهمو بعد ديني‬

‫ولقد حطت ما استطعت بجهدي‬

‫حفظ أرواحهم فما حفظوني‬

‫ليس بعد اليمين لذة عيش‬

‫يا حياتي بانت يميني فبيني‬

‫الكتابة النشائية في الرسائل الديوانية والخوانية‬


‫) ‪(1/343‬‬

‫‪497‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كانت كتابة الرسائل في أوائل حكم بني العباس جارية‬
‫على نظام كتابتها في أواخر عهد بني أمية‪ ،‬سالكة‬
‫الطريق التي سلكها عبد الحميد وابن المقفع والقاسم‬
‫بن صبيح وعمارة بن حمزة ونظراؤهم‪ :‬من العناية‬
‫بجمل عبارتها جزلة بليغة متناسقة الوضوع والسلوب‪،‬‬
‫وبقيت كذلك بل زادت حسنا ً وجمال ً ومراعاة لمقتضى‬
‫الحال إلى أوائل القرن الرابع‪ .‬ثم أخذت الصناعات‬
‫اللفظية تغلب عليها تدريجيا ً بتضاؤل ملكة البلغة في‬
‫الكتاب وتقاصر هممهم عن استيفاء أداتها‪ :‬لتغلب‬
‫العاجم من الديلم البويهيين والترك السلجوقيين على‬
‫سلطان الخلفاء في الشرق‪ ،‬وتغلب البربر على شمالي‬
‫أفريقية والندلس في الغرب‪ ،‬فلم يعد في الملوك‬
‫والمراء من يعينهم أمر العربية وبلغتها‪ .‬ومازالت كذلك‬
‫حتى سقطت الدولة العباسية على أيدي العاجم من‬
‫التتار فكان ذلك ابتداء اضمحلل الكتابة واللغة‪.‬‬
‫الكّتاب كان أكثر كتاب المشرق في هذا العصر من‬
‫سلئل فارسية أو سوادية وقد بلغوا بحذقهم سياسة‬
‫الملك ونبوغهم في البلغة أن ارتقوا عند خلفاء‬
‫العباسيين إلى مرتبة الوزارة‪ .‬وأول كاتب منهم ارتقى‬
‫إليها هو أبو سلمة الخلل‪ .‬وأشهر من بلغ نفوذه‬
‫وسلطانه مبلغا ً زاحم فيه الخليفة يحيى بن خالد بن‬
‫برمك وابناه جعفر والفضل‪ ،‬ثم محمد بن الزيات في‬
‫زمن المعتصم والواثق‪ .‬وكان كتاب الندلس والمغرب‬
‫أكثرهم من سلئل عربية‪ .‬ومن أشهر كتاب هذا العصر‬
‫في الشرق ابن المقفع‪ ،‬ويحيى بن خالد بن برمك‪.‬‬
‫وابناه‪ :‬جعفر والفضل‪ ،‬وإسماعيل بن صبيح‪ ،‬وعمرو بن‬

‫‪498‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مسعدة‪ ،‬وأحمد بن يوسف‪ ،‬وابن الزيات‪ .‬والحسن بن‬
‫وهب وعلي بن الفرات‪ ،‬وابن مقلة‪ ،‬وابن العميد‪،‬‬
‫والصاحب بن عباد‪ ،‬وأبو بكر الخوارزمي‪ ،‬والبديع‪،‬‬
‫والصابي‪ ،‬والعماد الكاتب‪ ،‬والقاضي الفاضل‪.‬‬
‫ومن أشهر كتابه في الندلس ابن شهيد‪ ،‬وأبو المطرف‬
‫بن عميرة‪ ،‬ولسان الدين بن الخطيب‪.‬‬
‫ابن المقفع‬
‫) ‪(1/344‬‬

‫هو أبو محمد عبد الله بن المقفع أحد فحول البلغة‬


‫وثاني اثنين مهدا للناس طريق الترسل‪ .‬ورفعا لهم‬
‫معالم صناعة النشاء أولهما "عبد الحميد"‪.‬‬
‫نشأ ابن المقفع بين أحياء العرب‪ .‬فكان أبوه داذويه‬
‫المقفع الفارسي يعمل في جباية الخراج لولة العراق‬
‫من قبل بني أمية‪ ،‬وهو على دين المجوسية وولد له‬
‫ابنه هذا حوالي سنة ‪106‬ه وسماه )روزبة( فنشأ‬
‫بالبصرة‪ .‬وهي يومئذ حلبة العرب ومنتدى البلغاء‬
‫والخطباء والشعراء‪ .‬فكان لكل ذلك )فوق ذكائه‬
‫المفرط تأديب أبيه له( أعظم أثر في تربيته وتهيئته لن‬
‫يصير من أكبر كتاب العربية وعلمائها وأدبائها‬
‫والمترجمين إليها‪ .‬وقد أسلم بمحضر من الناس‬
‫مى )عبد الله( وتكنى بأبي محمد‪ ،‬وكان نادرة في‬ ‫وتس ّ‬
‫الذكاء غاية في جمع علوم اللغة والحكمة وتاريخ‬
‫الفرس متأدبا ً متعففا ً قليل الختلط إل بمن على‬
‫شاكلته كثير الوفاء لصحابه‪.‬‬

‫‪499‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وكان أمة في البلغة ورصانة القول وشرف المعاني‬
‫إلى بيان غرض وسهولة لفظ ورشاقة أسلوب‪ .‬ول‬
‫توصف بلغته بأحسن مما وصف هو البلغة حيث يقول‪:‬‬
‫)البلغة هي التي إذا سمعها الجاهل ظن أنه يحسن‬
‫مثلها(‪.‬‬
‫ومن رسائله أنه عزى بعضهم فقال‪ :‬أما بعد‪ :‬فإن أمر‬
‫الخرة والدنيا بيد الله هو يدبرهما ويقضي فيهما ما‬
‫يشاء ل راد لقضائه ول معقب لحكمه فإن الله خلق‬
‫الخلق بقدرته‪ .‬ثم كتب عليهم الموت بعد الحياة لئل‬
‫يطمع أحد من خلقه في خلد الدنيا ووقت لكل شيء‬
‫ميقات أجل ل يستأخرون عنه ساعة ول يستقدمون‬
‫فليس أحد من خلقه إل وهو مستيقن بالموت ل يرجو‬
‫أن يخلصه من ذلك أحد‪ .‬نسأل الله تعالى خير المنقلب‬
‫وبلغني وفاة فلن فكانت وفاته من المصائب العظام‬
‫التي يحتسب ثوابها من ربنا الذي إليه منقلبنا ومعادنا‬
‫وعليه ثوابنا‪.‬‬
‫فعليك بتقوى الله والصبر وحسن الظن بالله فإنه جعل‬
‫لهل الصبر صلوات منه ورحمة وجعلهم من المهتدين‪.‬‬
‫وقد ترجم كتبا ً عديدة من أشهرها كتاب كليلة ودمنة‬
‫وقيل إن هذا الكتاب من وضع ابن المقفع وهو قول‬
‫مقبول ل‬
‫) ‪(1/345‬‬

‫بأس به‪ :‬وله كتاب الدب الكبير والدب الصغير والدرة‬


‫اليتيمة‪ .‬وقتله والي البصرة سفيان بن معاوية سنة‬

‫‪500‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫‪142‬ه لتهامه بالزندقة والكيد للسلم بترجمة كتب‬
‫الزندقة‪.‬‬
‫إبراهيم الصولي‬
‫هو أبو إسحاق إبراهيم بن العباس بن محمد بن صول‬
‫كاتب العراق وأشعر أصحاب المقطعات‪ .‬نشأ ببغداد‬
‫فتلقى العلم والدب عن أئمة زمانه‪ ،‬واشتغل بالشعر‬
‫في حدثاته‪ ،‬فبرع فيه‪ ،‬وتكسب به‪ .‬ورحل إلى العمال‬
‫والمراء يمدحهم ويستميح جدواهم‪ .‬ثم قصد الفضل بن‬
‫سهل وزير المأمون أيام مقامه معه بخراسان ومدحه‬
‫فوهب له ولي العهد عشرة آلف درهم‪ .‬وجعله الفضل‬
‫كاتبا ً لحد قواده وبقي يتنقل في أعمال النواحي‬
‫والدواوين حتى كان زمن الواثق عامل ً على الهواز‬
‫فتحامل عليه وزيره ابن الزيات فعزله وسجنه بها‪.‬‬
‫فكتب إليه يستعطفه‪ ،‬فلم يزدد بذلك إل جفاء وغلظة‪،‬‬
‫ثم اطلع الواثق على ذلك فأطلقه‪ .‬وتولى ديوان الضياع‬
‫والنفقات في خلفة المتوكل ومات سنة ‪242‬ه ومن‬
‫رسائل تعزية عن لسان المنتصر بالله إلى طاهر بن‬
‫عبد الله مولى أمير المؤمنين "أما بعد" تولى الله‬
‫توفيقك وحياطتك‪ .‬وما يرتضيه منك ويرضاه عنك إن‬
‫أفضل النعم نعمة تلقيت بحق الله فيها من الشكر‬
‫وأوفر حادثة ثوابا ً حادثة أدي حق الله فيها من الرضا‬
‫والتسليم والصبر ومثلك من قدم ما يجب الله عليه في‬
‫نعمة فشكرها وفي مصيبة فأطاعه فيها وقد قضى الله‬
‫سبحانه وتعالى في محمد ابن إسحاق مولى أمير‬
‫المؤمنين "عفا الله عنه" قضاءه السابق والموقع‪ .‬وفي‬
‫ثواب الله ورضا أمير المؤمنين "أدام الله عزه" وتقديم‬

‫‪501‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ما يعدم مثله أهل الحجا والفهم ما اعتاضه معتاض‬
‫وقدمه موفق فليكن الله "عز وجل" وما أطعته به‬
‫وقدمت حقة فيه أولى بك في المور كلها فإنك تتقرب‬
‫إليه في المكروه بطاعته يحسن وليتك في توفيقك‬
‫لشكر نعمه عندك‪.‬‬
‫ابن العميد‬
‫) ‪(1/346‬‬

‫هو الستاذ الرئيس الوزير أبو الفضل محمد بن الحسين‬


‫العميد كاتب المشرق وعماد ملك آل بويه وصدر‬
‫وزراهم‪ :‬نشأ شغوفا ً بمعرفة العلوم العقلية واللسانية‬
‫فبرع في علوم الحكمة والنجوم ونبغ في الدب والكتابة‬
‫حتى قيل فيه‪) .‬بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت بابن‬
‫العميد( ثم رحل عن أبيه إلى آل بويه وتقلد شريف‬
‫العمال في دولتهم إلى أن تولى وزارة ركن الدولة‬
‫سنة ‪ 328‬فساس دولته ووطد أركانها وتشبه بالبرامكة‬
‫ففتح بابه للعلماء والفلسفة والشعراء والدباء وكان‬
‫يشاركهم في كل ما يعملون إل الفقه وما زال في‬
‫وزارته محط الرحال وكعبة المال حتى توفي سنة‬
‫‪360‬ه‪.‬‬
‫ومن رسائله‪ :‬كتابي إليك وأنا بحال لو لم ينغصها‬
‫الشوق إليك ولم يرنق صفوها النزوع نحوك لعددتها من‬
‫الحوال الجميلة‪ ،‬وأعددت حظي منها في النعم الجليلة‪.‬‬
‫فقد جمعت فيها بين سلمة عامة‪ .‬ونعمة تامة‪ .‬وحظيت‬
‫منها في جسمي بصلح وفي سعيي بنجاح‪ ،‬لكن ما بقي‬

‫‪502‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أن يصفو لي عيش مع بعدي عنك ويخلو ذرعي مع‬
‫خلوي منك‪ ،‬ويسوغ لي مطعم ومشرب مع انفرادي‬
‫دونك وكيف أطمع في ذلك وأنت جزء من نفسي‬
‫وناظم لشمل أنسي وقد حرمت رؤيتك وعدمت‬
‫مشاهدتك وهل تسكن نفس متشعبة ذات انقسام‬
‫وينفع أنس بيت بل نظام‪ ،‬وقد قرأت كتابك جعلني الله‬
‫فداك فامتلت سرورا ً بملحظة خطك وتأمل تصرفك‬
‫في لفظك وما أقرظهما فكل خصالك مقرظ عندي‪.‬‬
‫وما أمدحهما فكل أمر ممدوح في ضميري وعقلي‪.‬‬
‫وأرجو أن تكون حقيقة أمرك موافقة لتقديري فيك فإن‬
‫كان كذلك وإل فقد غطى هواك وما ألقي على بصري‪.‬‬
‫الصاحب بن عباد‬
‫) ‪(1/347‬‬

‫هو كافي الكفاة أبو القاسم إسماعيل بن عباد وزير آل‬


‫بويه‪.‬‬
‫ولد سنة ‪326‬ه بطالقان قزوين‪ .‬وتعلم العلم والدب‬
‫من أبيه‪ ،‬ثم اتصل بابن العميد‪ ،‬فلزم صحبته وأخذ عنه‬
‫الدب‪ ،‬وتولى له كتابة خاصته ثم تنقلت به الحوال في‬
‫خدمة ملوك بني بويه‪ ،‬فكان وزيرا ً لمؤيد الدولة ثم‬
‫لخيه فخر الدولة‪ ،‬وله في ملكهما اليد المطلقة والمر‬
‫النافذ حتى مات سنة ‪385‬ه‪ .‬ويعد ابن عباد في الكتابة‬
‫ثاني ابن العميد في حلبته وأبلغ من سلك طريقته‪ ،‬غير‬
‫أنه أولع بالسجع والجناس‪ ،‬ول يعرف بعدهما من بلغ‬
‫بشرف العلم والدب مبلغهما‪ ،‬ول حل من شرف الملك‬

‫‪503‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والسلطان بمهنة الكتابة منزلتهما‪ ،‬ومن رسائله ما كتب‬
‫به إلى بعض السادة وقد أهدى إلى ابن عباد مصحفًا‪.‬‬
‫البر "أدام الله السيد" أنواع‪ ،‬تطول به أبواع‪ ،‬وتقصر‬
‫عنه أبواع فإن لم يكن فيما هو أكرم منصبا ً وأشرف‬
‫منسبا ً فتحفة السيد إذا أهدى ما ل تشاكله النعم ول‬
‫تعادله القيم‪ :‬كتاب الله وبيانه وكلمه وفرقانه ووحيه‬
‫وتنزيله وهداه وسبيله ومعجز رسول الله ) ودليله طبع‬
‫دون معارضة على الشفاه وختم على الخواطر والفواه‬
‫فقصر عنه الثقلن وبقي ما بقي الملوان‪ .‬لئح سراجه‪.‬‬
‫واضح منهاجه‪ .‬منير دليله‪ .‬عميق تأويله يقصم كل‬
‫شيطان مريد ويذل كل جبار عنيد‪ ،‬وفضائل القرآن ل‬
‫تحصى في مطولت السفار فأصف الخط الذي بهر‬
‫الطرف وفاق الوصف وجمع صحة القسام وزاد في‬
‫نخوة القلم بل أصفه بترك الوصف فأخباره آثاره‬
‫وعينه فراره وحقا ً أقول إني ل أحسب أحدا ً ما خل‬
‫الملوك جمع من المصاحف ما جمعت وابتدع في‬
‫استكتابها ما ابتدعت‪ ،‬وإن هذا المصحف لزائد عن‬
‫جميعها زيادة الفرع على الغرة بل زيادة الحج على‬
‫العمرة‪.‬‬
‫أبو بكر الخوارزمي‬
‫) ‪(1/348‬‬

‫هو أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي الكاتب‬


‫الشاعر اللغوي الديب الرحالة ولد بخوارزم سنة ‪323‬ه‬
‫ونشأ بها وكان ضليعا ً في كل فن من فنون العربية‬

‫‪504‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وخاصة الكتابة والشعر‪.‬‬
‫جاب القطار ودخل المصار من الشام إلى أقصى‬
‫خراسان في استفادة العلم والدب وإفادتهما‪ :‬وكان‬
‫كثير الحفظ للشعر غزير المادة من اللغة‪.‬‬
‫وتقلب الخوارزمي في خدمة كثير من الملوك والمراء‬
‫والوزراء حتى ألقى عصا التسيار بمدينة نيسابور وطاب‬
‫عيشه بها إلى أن مني في آخر أيامه بمساجلة بديع‬
‫الزمان الهمذاني ومناظرته ومناضلته وأعانه عليه قوم‬
‫من أعيان البلدة ووجوهها فانخذل الخوارزمي انخذال ً‬
‫شديدا ً وكسف باله ولم يحل عليه الحول حتى مات‬
‫سنة ‪383‬ه‪.‬‬
‫وكان الخوارزمي ممن يجري على طريقة ابن العميد‬
‫في الكتابة متوخيا ً جزالة اللفاظ محتفل ً بصحة المعاني‬
‫مع ميل فيه إلى الغريب‪ ،‬وتقدم له كثير من الرسائل‪.‬‬
‫بديع الزمان الهمذاني‬
‫هو أبو الفضل أحمد بن الحسين الكاتب المترسل‬
‫والشاعر المبدع‪ :‬حافظ عصره‪ .‬نشأ بهمذان ودرس‬
‫العربية والدب ونبغ فيهما وضرب في الرض يتكسب‬
‫بأدبه ثم أقام بنيسابور مدة أملى بها أربعمائة مقامة‬
‫بلفظ رشيق وسجع رقيق‪ ،‬وعلى منوالها نسج‬
‫الحريري‪ .‬ثم شجر بينه وبين الخوارزمي ما كان سببا ً‬
‫في هبوب ريحه وبعد صيته إذ لم يكن في الحسبان أن‬
‫أحدا ً يجترئ على الخوارزمي‪.‬‬
‫وبموت الخوارزمي خل له الجو عند الملوك والمراء‪،‬‬
‫فتجول في حواضرهم‪ ،‬ثم استوطن هراة وصاهر أحد‬
‫أعيانها العلماء‪ ،‬فحسنت حاله‪ ،‬ونعم باله‪ ،‬وبكن المنية‬

‫‪505‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عاجلته وهو في سن الربعين سنة ‪398‬ه وتقدم له‬
‫كثير من الرسائل والمقدمات‪.‬‬
‫ابن زيدون‬
‫) ‪(1/349‬‬

‫هو الكاتب الشاعر ذو الوزارتين أبو الوليد أحمد بن عبد‬


‫الله المشهور بابن زيدون المخزومي الندلسي‪ .‬نشأ‬
‫في مدينة قرطبة وتأدب على كبار أئمتها وقال الشعر‬
‫وأجاده‪ ،‬ولما نبه شأنه بين شعراء قرطبة اتصل بأبي‬
‫وليد بن جهور أحد ملوك الطوائف‪ ،‬فحظي عنده‬
‫ومدحه حتى أصبح لسان دولته الناطق‪ ،‬وحسامها‬
‫المسلول‪ .‬فأفسد أعداؤه ما بينه وبين ابن جهور‪،‬‬
‫فاعتقله ومكث في محسبه مدة استشفع فيها بقصائد‬
‫أبدعها‪ ،‬ورسائل استنفذ فيها جهده‪ ،‬فما ألنت له قلبا ً‬
‫فأعمل الحيلة في فراره من سجنه‪ ،‬وخلص إلى‬
‫المعتضد بن عباد ملك إشبيلية إذ كان أشد ملوك‬
‫الطوائف رغبة فيه وأكثرهم تمسكا ً بالدباء‪ ،‬فألقى إليه‬
‫مقاليد وزارته‪ ،‬وأصبح صاحب أمره ونهيه‪ ،‬ولما مات‬
‫المعتضد وخلفه ابنه المعتمد كان له كما كان أبوه‪.‬‬
‫وأغدق عليه بره ونعمته‪.‬‬
‫ومكث ابن زيدون على هذه الحال حتى مات بإشبيلية‬
‫سنة ‪463‬ه )راجع رسالة الجدية في فن المكاتبات إذا‬
‫شئت(‪.‬‬
‫القاضي الفاضل‬
‫هو أبو علي عبد الرحيم البيساني اللخمي ولد بمدينة‬

‫‪506‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عسقلن سنة ‪ 529‬وتعلم على أبيه وغيره‪ .‬قدم مصر‬
‫وهو شاب أواخر الدولة الفاطمية وتعلم في ديوان ابن‬
‫حديد قاضي السكندرية‪ .‬وظهر فضله فيما كان يرسله‬
‫إلى القاهرة من الرسائل فاستقدم أيام الظافر إليها‪،‬‬
‫وكان من كتاب ديوانه‪ ،‬ولزم خدمة أكابر القضاة‬
‫والكتاب في الديوان‪ ،‬وأخذ عنهم‪ ،‬وحاكاهم بل فاقهم‬
‫فصاحة وبلغة لسعة اطلعه وغزارة مادته وسرعة‬
‫بديهته وصفاء خاطره‪.‬‬
‫) ‪(1/350‬‬

‫ولما سقطت الدولة الفاطمية تولى وزارة صلح الدين‬


‫بن أيوب‪ ،‬وكان يتردد بين مصر والشام في الحروب‬
‫الصليبية‪ ،‬ودبر المملكة أحسن تدبير وبقي في الوزارة‬
‫حتى مات صلح الدين فوزره لبنه العزيز على مصر‪.‬‬
‫ثم وزر من بعده لخيه ومات سنة ‪ 569‬ه ‪.‬‬
‫ومن رسائله القصيرة رسالة كتبها على يد خطيب‬
‫عيذاب إلى صلح الدين يتشفع له في توليه خطابة‬
‫الكرك وهي‪ :‬أدام الله السلطان الملك الناصر وثبته‪،‬‬
‫وتقبل عمله بقبول صالح وأثبته وأخذ عدوه قائل ً أو بيته‪،‬‬
‫وأرغم أنفه بسيفه وكبته‪.‬‬
‫خدمة المملوك هذه واردة على يد خطيب عيذاب‪ .‬ولما‬
‫نبا بن المنزل عنها وقل عليه المرفق منها‪ .‬وسمع هذه‬
‫الفتوحات التي طبق الرض ذكرها‪ .‬ووجب على أهلها‬
‫شكرها‪ ،‬هاجر من هجير عيذاب وملحها‪ .‬ساريا ً في ليلة‬
‫أمل كلها نهار فل يسأل عن صبحها قد رغب في خطابة‬

‫‪507‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الكرك وهو خطيب‪ ،‬وتوسل بالمملوك في هذا‬
‫المتلمس وهو قريب‪ ،‬ونزع من مصر إلى الشام وعن‬
‫عيذاب إلى الكرك وهذا عجيب والفقر سائق عنيف‪،‬‬
‫والمذكور عائل ضعيف ولطف الله بالخلق بوجود مولنا‬
‫لطيف والسلم‪.‬‬
‫التدوين والتصنيف‬
‫كانت الحاجة إلى التدوين قد اشتدت في مبدأ الدولة‬
‫العباسية لتساع ممالك السلم فهب العلماء إلى‬
‫تهذيب ما كتب في الصحف المتفرقة وما حفظوه في‬
‫الصدور ورتبوه وبوبوه وصنفوه كتبًا‪ ،‬وكان من أقوى‬
‫السباب لقبال العلماء على التصنيف حث الخليفة أبي‬
‫جعفر المنصور عليه وحمله الئمة والفقهاء على جمع‬
‫الحديث والفقه ولم يقتصر على معاضدة العلوم‬
‫السلمية بل أوعز إلى العلماء والمترجمين أن ينقلوا‬
‫إلى العربية من الفارسية واليونانية فنون الطب‬
‫والسياسة والحكمة والفلك والتنجيم والداب‪ ،‬وتابعه‬
‫في ذلك أولده وأحفاده حتى زخرت بحور العلم‬
‫واخترعت الفنون وتفرعت المسائل ودونت الكتب في‬
‫كل فن‪.‬‬

‫كتابة التصنيف والتدوين‬


‫) ‪(1/351‬‬

‫وكانت كتابة التصنيف والتدوين في القرن الول وبعض‬


‫الثاني من النهضة عبارة عن سلسلة من الروايات‬

‫‪508‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫المسندة إلى رواتها‪ ،‬وبعضها يروى بلفظ أصحابها غالبًا‪:‬‬
‫كما في الشعر والخطب والرسائل‪ ،‬وبعضها بلفظ‬
‫الراوي كما في أخبار الفتوح والتاريخ والقصص‪ ،‬ثم‬
‫ظهرت بعد ذلك في العلوم الشرعية واللسانية طبقات‬
‫الستنباط والتعليل والتفريع والشرح والختصار وجمع‬
‫الفروع تحت كليات عامة فلم يكن للمؤلفين بد من‬
‫حذف أسانيد الروايات وترك المحافظة على نقلها‬
‫بلفظها إل في الحديث ونحوه‪.‬‬
‫أما كتب العلوم المترجمة فكانت عبارتها هي تفسير‬
‫ألفاظها العجمية بالعربية‪ ،‬ولم تكن ترجمتها جيدة في‬
‫عصر المنصور‪ ،‬ثم صححت ترجمتها في زمن الرشيد‬
‫والمأمون‪ .‬ثم لما أتقن كثير من فلسفة المسلمين هذه‬
‫العلوم كتبوا فيها بعبارتهم‪ ،‬وكانت أول أمرها بليغة‬
‫مفهومة ثم عموها على بعض الفقهاء المفكرين لهم‬
‫والمغرين المراء والسلطين بقتلهم‪ ،‬حتى أصبحت‬
‫عبارة كتب الفلسفة والتوحيد أصعب ما يقرأ باللسان‬
‫العربي‪.‬‬
‫العلوم اللسانية ونشأتها‬
‫) ‪(1/352‬‬

‫العلوم اللسانية هي الدب‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والعروض‪ ،‬والنحو‪،‬‬


‫واللغة‪ ،‬والبلغة‪.‬‬
‫علم الدب‪ :‬كانت كتبه في أول هذا العصر رسائل‬
‫يبحث كل منها في ضرب خاص من ضروبه‪ ،‬كرسائل‬
‫ابن المقفع ورسائل سهل بن هارون في الخلق وكتاب‬

‫‪509‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫النوادر‪ ،‬وكتاب الراجيز‪ ،‬وكتاب الشعر للصمعي‪،‬‬
‫وكتاب الشعر والشعراء لبي عبيدة‪ ،‬وإذا تابعنا من‬
‫يقول إن ابن المقفع هو الذي ابتدع كتاب كليلة ودمنة‬
‫ونحلة الهند والفرس كان هذا الكتاب أول كتاب ظهر‬
‫في الدب العربي الخاص بموضوع واحد‪ :‬وأول كتاب‬
‫ظهر فيه جامع لفنون كثيرة منه كتاب البيان والتبيين‪.‬‬
‫وكتاب الحيوان للجاحظ‪ ،‬واقتفى أثره أحمد بن طيفور‬
‫في كتابه العظيم المنظوم والمنثور في أربعة عشر‬
‫جزءًا‪.‬‬
‫ثم أبو العباس محمد المبرد‪ ،‬في الكامل والروضة‪ ،‬ثم‬
‫أبو حنيفة الدينوري‪ .‬وأبو بكر محمد الصولي‪ .‬وابن قتيبة‬
‫صاحب أدب الكاتب‪ .‬وابن عبد ربه صاحب العقد‬
‫الفريد‪ ،‬وأبو علي القالي صاحب المالي‪ ،‬وأبو الفرج‬
‫الصفهاني صاحب الغاني وغيرهم‪ ،‬ومن أشهر‬
‫المؤلفين في الدب الجاحظ‪ ،‬وأحمد بن عبد ربه‪،‬‬
‫والحريري‪ :‬وهاهي ترجمتهم‪.‬‬
‫الجاحظ‬
‫) ‪(1/353‬‬

‫هو إمام الدب أبو عثمان عمرو بن الجاحظ بن بحر بن‬


‫محبوب الكناني البصري‪ .‬ولد حوالي سنة ‪ 160‬بمدينة‬
‫البصرة‪ .‬ونشأ بها فتناول كل فن ومارس كل علم‬
‫عرف في زمانه مما وضع في السلم أو نقل عن المم‬
‫الوائل فاصبح له مشاركة في علم كل ما يقع عليه‬
‫الحس أو يخطر بالبال فهو راوية متكلم فيلسوف كاتب‬

‫‪510‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مصنف مترسل شاعر مؤرخ عالم بالحيوان والنبات‬
‫والموات‪ ،‬واصف لحوال الناس ووجوه معايشهم‬
‫واضطرابهم وأخلقهم وحيلهم إل أنه غلب عليه أمران‪:‬‬
‫الكلم على طريقة المعتزلة‪ :‬والدب الممزوج‬
‫بالفلسفة والفكاهة‪ :‬وكان غاية في الذكاء ودقة الحس‬
‫وحسن الفراسة‪ :‬وكان سمحا ً جوادا ً كثير المواساة‬
‫لخوانه‪ :‬وكان على دمامة خلقه وتناقض خلقه خفيف‬
‫الروح فكه المجلس غاية في الظرف وطيب الفكاهة‬
‫وحلوة الكلم‪ ،‬وهو على الجملة أحد أفذاذ العالم‬
‫وإحدى حجج اللسان العربي‪ ،‬وأقام الجاحظ أكثر عمره‬
‫بالبصرة يعيش معيشة الدباء والعلماء محسوبا ً لولتها‬
‫وأعيانها محبوا ً منهم بالعطايا والمنح بما يصنفه لهم من‬
‫الكتب المتفقه مع أهوائهم المختلفة‪ ،‬وكان كثير‬
‫النتجاع للخلفاء ببغداد وسر من رأى حتى فلج بالبصرة‬
‫وبقي مفلوجا ً بها مدة إلى أن انتقل إلى بغداد فمات بها‬
‫ودفن بمقبرة الخيزران )أم الرشيد( سنة ‪ 255‬ه‪ ،‬وله‬
‫أكثر من مائتي كتاب‪.‬‬

‫أحمد بن عبد ربه‬


‫) ‪(1/354‬‬

‫هو أديب الندلس وشاعرها أبو عمر أحمد بن محمد به‬


‫عبد ربه القرطبي ولد سنة ‪ 246‬ه ونشأ بمدينة قرطبة‬
‫ودرس علوم العربية فنبغ في جميعها‪ .‬وحفظ منها ما‬
‫لم يحفظه أحد من علماء زمانه وقرأ رسائل المحدثين‬

‫‪511‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من المشارقة وما ترجم من كتب الوائل في أكثر‬
‫العلوم‪ ،‬وأودع زبدة ذلك في كتابه "العقد الفريد" وكان‬
‫يشتغل في حداثته بالشعر ويجري في مضمار اللهو‬
‫والطرب ونظم في ذلك من القصائد والمقطعات‬
‫الرقيقة الجميلة ما جعل المتنبي على صلفه وكبره حين‬
‫سمع شعره يسميه )مليح الندلس( ثم أقلع في كبرته‬
‫عن صبوته وأخلص لله في توبته‪ :‬فاعتد أشعاره التي‬
‫ل‪ :‬وعمل على‬‫قالها في الغزل واللهو عمل ً باط ً‬
‫أعاريضها وقوافيها قصائد في الزهد يعارضها بها‪،‬‬
‫وسماها الممحصات‪ ،‬ونال من خلفاء بني أمية بالندلس‬
‫قبول ً وحل عندهم في المكان السمى‪ ،‬وبقي بقرطبة‬
‫رئيسا ً مسودا ً حتى فلج وعاش كذلك عدة سنين ثم‬
‫مات بها سنة ‪ 328‬ه‪.‬‬
‫الحريري‬
‫هو أبو محمد القاسم بن علي بن محمد بن عثمان‬
‫الحريري البصري الكاتب الشاعر اللغوي النحوي‬
‫صاحب البدائع المأثورة في مقاماته المشهورة التي‬
‫نسجها على منوال مقامات بديع الزمان الهمذاني‬
‫وأنشأ خمسين مقامة أتى فيها على كثير من مواد اللغة‬
‫وفنون الدب وأمثال العرب وحكمها بعبارة مسجعة‬
‫مزينة بأنواع البديع‪ ،‬ول سيما الجناس ترغيبا ً للطلب‬
‫في حفظ اللغة وأدبها وتفكيها ً لهم بمطالعتها وتحل‬
‫وقائعها أبا زيد السروجي وهو أعربي فصيح من سروج‬
‫كان قد قدم البصرة وأعجب به علماؤها‪ ،‬وسمى راويها‬
‫عنها لحارث بن همام )يريد نفسه( وأهداها إلى الوزير‬
‫جمال الدين بن صدفة وزير المسترشد العباسي‪ ،‬وله‬

‫‪512‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫غير المقامات شعر كثير ورسائل بديعة وكتب في النحو‬
‫واللغة منها كتابه‪ :‬درة الغواص في أوهام الخواص‪،‬‬
‫وملحة العراب في النحو‪ ،‬وتوفي بالبصرة سنة ‪515‬‬
‫ه‪.‬‬
‫فن التاريخ‬
‫) ‪(1/355‬‬

‫أول ما وضع في التاريخ باللغة العربية الكتاب الذي‬


‫وضعه عبيد بن شرية لمعاوية وفي صدر الدولة‬
‫العباسية وضع كثير من العلماء كتبا ً في التاريخ بأقسامه‬
‫التي من أشهرها‪ (1) :‬فن السيرة والمغازي‪ :‬وأشهر‬
‫من ألف فيه من الوائل محمد بن إسحاق‪.‬‬
‫)‪ (2‬فن الفتوح‪ :‬وأشهر من ألف فيه منهم الواقدي‬
‫والمدائني وأوب مخنف‪.‬‬
‫)‪ (3‬فن طبقات الرجال‪ :‬وأشهر علمائه ابن سعد كاتب‬
‫الواقدي والبخاري‪.‬‬
‫)‪ (4‬فن النسب‪ :‬وأشهر قدماء علمائه الكلي وابنه‪.‬‬
‫)‪ (5‬فن أخبار العرب وأيامها‪ :‬وأشهر علمائه أبو عبيدة‬
‫والصمعي‪.‬‬
‫)‪ (6‬قصص النبياء‪ :‬وكتب فيه كثيرون‪.‬‬
‫)‪ (7‬تاريخ الملوك‪ :‬ومن أقدم من كتب فيه ابن قتيبة‬
‫والهيثم ابن عدي وابن واضح اليعقوبي‪ ،‬ثم شيخ‬
‫المؤرخين وعمدتهم محمد بن جرير الطبري الجامع‬
‫كتابه هذه الفنون السابقة مرتبا ً على حسب السنين‬
‫الهجرية‪.‬‬

‫‪513‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وحاكاه بعده ابن الثير في تاريخه الكامل‪.‬‬
‫العروض والقافية‬
‫أول من اخترع علم العروض الخليل بن أحمد من غير‬
‫سابقة تعلم على أستاذ أو تدرج في وضع بل ابتدعه‬
‫وحصر فيه أوزان العرب في خمسة عشر بحرا ً وزاد‬
‫عليها تلميذ تلميذه الخفش بحرا ً آخر ثم لم يزد عليها‬
‫أحد شيئا ً يعتد به‪.‬‬
‫أم القافية فقد كان العلماء قبل الخليل يتكلمون فيها‪،‬‬
‫ولكن الخليل هو أول من فصل الكلم فيها وجعلها علما ً‬
‫مدونًا‪.‬‬
‫النحو‬
‫جاءت الدولة العباسية والنحو علم يدرس في المعاهد‬
‫ولكن البصريين سبقوا الكوفيين في الشتغال به كما‬
‫سبقهم الكوفيون في الشتغال بالشعر وعلم الصرف‪.‬‬
‫ومن أكثر الئمة الذين اشتغلوا بالنحو وهذبوه من‬
‫البصريين أبو عمرو بن العلء وتلميذه الخليل وتلميذ‬
‫الخليل سيبويه الواضع لول كتاب جامع في النحو ثم‬
‫بعده الخفش شارح كتابه‪.‬‬
‫ومن الكوفيين معاذ الهراء والرواسي وتلميذهما‬
‫الكسائي وتلميذه الفراء‪.‬‬
‫علم اللغة‬
‫) ‪(1/356‬‬

‫ويسمى متن اللغة‪ ،‬ونعني به معرفة معاني ألفاظهم‬


‫المفردة‪ .‬وأول ما وضع الئمة في رسائل وكتب صغيرة‬

‫‪514‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫في موضوعات خاصة‪ ،‬فلما ظهر الخليل أحصى ألفاظ‬
‫اللغة بطريقة حسابية في كتاب‪ ،‬ورتبه على حروف‬
‫المعجم مقدما ً حروف الحلق ومبتدئا ً منها بالعين ولذلك‬
‫سمى معجمه "كتاب العين" ثم ألف أبو بكر بن دريد‬
‫معجمه العظيم الذي سماه )الجمهرة( مرتبا ً له على‬
‫حروف المعجم بترتيبها المعروف الن‪ .‬وأدرك عصره‬
‫الزهري فألف كتاب )التهذيب( على ترتيب الخليل ثم‬
‫وضع الجوهري في كتابه المسمى ب)الصحاح( على‬
‫ترتيب الجمهرة وابن سيده الندلسي كتابه )المحكم(‬
‫على ترتيب الخليل وابن فارس كتابه )المجمل(‬
‫والصاحب بن عباد كتابه )المحيط( وهذه هي أصول‬
‫كتب اللغة وما بعدها من )"العباب" و"مجمع البحرين"(‬
‫للصاغاني‪ ،‬و"النهاية" لبن الثير و"لسان العرب" لبن‬
‫مكرم‪ ،‬و"المصباح" للفيومي و "القاموس"‬
‫للفيروزابادي‪ ،‬فهو جمع لها أو اختصار منها‪.‬‬

‫علوم البلغة المعاني والبيان والبديع‬


‫أول كتاب دون في علم البيان كتاب )مجاز القرآن(‬
‫لبي عبيدة تلميذ الخليل ثم تبعه العلماء‪ :‬ول يعلم أول‬
‫من ألف في المعاني بالضبط‪ ،‬وإنما أثر فيها كلم عن‬
‫البلغاء وأشهرهم الجاحظ في إعجاز القرآن وغيره‪.‬‬
‫وأول من دون كتبا في علم البديع ابن المعتز وقدامة‬
‫بن جعفر‪ .‬وقبل ذلك كان البديع يستعمل في الشعر‬
‫ل‪ ،‬وبقيت هذه العلوم تتكامل ويزيد فيها العلماء‬ ‫عم ً‬
‫حتى جاء فحل البلغة عبد القاهر الجرجاني فألف في‬
‫المعاني كتابه دلئل العجاز وفي البيان كتابه أسرار‬

‫‪515‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫البلغة وجاء بعده السكاكي فألف كتابه العظيم مفتاح‬
‫العلوم‪.‬‬
‫الخليل بن أحمد‬
‫) ‪(1/357‬‬

‫هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم‬


‫الفراهيدي الزدي البصري مخترع العروض‪ ،‬ومبتكر‬
‫المعجمات‪ ،‬وواضع الشكل العربي المستعمل الن‪.‬‬
‫ولد سنة ‪ 100‬بالبصرة ونشأ بها وأخذ العربية والحديث‬
‫والقراءة عن أئمة زمانه وأكثر الخروج إلى البوادي‪،‬‬
‫وسمع العراب الفصحاء‪ ،‬فنبغ في العربية نبوغا ً لم يكن‬
‫لحد ممن تقدمه أو تأخر عنه‪ ،‬وكان غاية في تصحيح‬
‫القياس واستخراج مسائل النحو وتعليله ولقن ذلك‬
‫تلميذه سيبويه‪.‬‬
‫ومما يشهد له بحدة الفكر وبعد النظر اختراعه‬
‫العروض علما ً كامل ً لم يحتج إلى تهذيب بعد‪ ،‬وابتكاره‬
‫طريقة تدوين المعجمات بتأليف كتاب "العين" وتدوينه‬
‫كتابا ً دقيقا ً في الموسيقى على غير معرفة بلغة أجنبية‬
‫واشتغال بلهو‪ ،‬وزاد في الشطرنج قطعة سماها جمل ً‬
‫لعب بها الناس زمنًا‪ ،‬وبقي الخليل مقيما ً بالبصرة طول‬
‫حياته زاهدا ً متعففا ً مكبا ً على العلم والتعليم حتى مات‬
‫في أوائل خلفه الرشيد سنة ‪ 174‬ه? بصدمة في‬
‫دعامة مسجد ارتج منها دماغه‪.‬‬

‫????سيبويه‬

‫‪516‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫هو أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر‪ :‬إمام البصريين‬
‫وحجة النحويين‪.‬‬
‫ولد بالبيضاء من سللة فارسية ونشأ بالبصرة وكان‬
‫يطلب أول أمره الحديث والفقه فعيبت عليه لحنة لحنها‬
‫في مجلس شيخه فخجل‪ ،‬وطلب النحو ولزم الخليل‬
‫وأخذ عن غيره أيضا ً وكان الخليل يؤثره على أصحابه‪،‬‬
‫فدون جميع ما أخذه عنه ونقله عن غيره في كتابه‬
‫الذي لم يجمع قبله مثله ولول هذا )الكتاب( الذي رواه‬
‫عنه وشرحه تلميذه الخفش ما كان لسيبويه خبر يشهر‬
‫لوفاته كهل ً ولقلة من أخذ عنه هذا الكتاب ولنه ل‬
‫يعرف له كتاب غيره وبحسبك هو‪ ،‬ومات ببلدته البيضاء‬
‫بفارس سنة ‪ 177‬ه?‬
‫الكسائي‬
‫) ‪(1/358‬‬

‫هو أبو الحسن علي بن حمزة‪ :‬أحد القراء السبعة‬


‫وإمام الكوفيين في النحو واللغة‪ :‬نشأ بالكوفة وتعلم‬
‫على الكبر بعد لحنة لحنها أمام جمع من طلبة العلم‬
‫فلزم أئمة الكوفة حتى أنفذ ما عندهم‪ ،‬ثم خرج إلى‬
‫الخليل بالبصرة وجلس في حلقته‪ ،‬وأعجبه علمه‪ .‬فقال‬
‫له‪ :‬من أين علمك هذا قال من بوادي الحجاز ونجد‬
‫وتهامة فخرج إليها‪ ،‬وأنفد خمس عشرة قنينة حبر في‬
‫الكتابة عن العرب سوى ما حفظ عنهم‪ .‬ولما رجع من‬
‫البادية وجه إليه المهدي فخرج إلى بغداد فحظي عنده‬
‫وضمه إلى حاشية ابنه الرشيد‪ ،‬ثم جعله الرشيد مؤدب‬

‫‪517‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ولده المين‪ ،‬فكان يجلسه هو والقاضي محمد بن‬
‫الحسن صاحب أبي حنيفة على كرسيين متميزين‬
‫بحضرته‪ ،‬وما زال على هذه الكرامة حتى خرج الرشيد‬
‫إلى الري وهما في صحبته فماتا في يوم واحد فبكاهما‬
‫وقال دفنت الفقه والعربية بالري وذلك سنة ‪ 189‬ه?‬
‫وقد انتهت إليه إمامة القراءة والعربية بالكوفة وبغداد‪،‬‬
‫وكان يروي الشعر وليس له فيه جيد نظر‪.‬‬

‫العلوم الشرعية‬
‫التفسير‪ :‬لم يدون في كتب جامعة تجمع سور القرآن‬
‫الكريم كلها إل في عصر الدولة العباسية‪ .‬وكان‬
‫التفسير عبارة عن نقل روايات عن النبي ) وأصحابه‬
‫تبين المراد من آياته‪ ،‬وأول طبقة من المفسرين‬
‫أدركت الدولة العباسية أو نشأت في صدرها طبقة‬
‫سفيان بن عيينة ووكيع بن الجراح وشعبة بن الحجاج‬
‫وإسحاق بن راهويه ومقاتل بن وسليمان والفراء‪.‬‬
‫الحديث‬
‫) ‪(1/359‬‬

‫أول كتاب جمع في الحديث الكتاب الذي أمر الخليفة‬


‫الموي عمر بن عبد العزيز بتدوينه ولم يعرف له خبر‬
‫بعد‪ :‬ثم أخذ العلماء يدونون فيه بحض الخليفة أبي‬
‫جعفر وأولده‪ ،‬فدون المام مالك موطأه‪ .‬ولما اشتدت‬
‫رغبة الناس في طلب الحديث وضع كثير من الزنادقة‬
‫واليهود المتظاهرين بالسلم كثيرا ً من الحاديث فتجرد‬

‫‪518‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لها الئمة العلم وبينوا صحيحها من فاسدها كإسحاق‬
‫بن راهويه وتلميذه محمد بن إسماعيل البخاري الذي‬
‫دون كتابه في الحاديث الصحاح فقط‪ ،‬وتبعه تلميذه‬
‫مسلم بن الحجاج‪ ،‬والمام أحمد بن حنبل وأصحاب‬
‫كتب السنة الصحاح وهم‪ :‬الترمذي وأبو داود‪،‬‬
‫والنسائي‪ ،‬وابن ماجة‪ .‬هذه هي أصول الكتب في‬
‫الحديث‬
‫المام البخاري‬
‫هو أبو عبد الله محمد بنم إسماعيل بن إبراهيم بن‬
‫المغيرة‪ ،‬إمام المحدثين وصاحب الجامع الصحيح أجل‬
‫كتب السلم بعد كتاب الله العزيز‪.‬‬
‫ولد ببخارى من سللة فارسية سنة ‪ 194‬ه? ونشأ بها‬
‫يتيما ً فحفظ القرآن وألم بالعربية وهو صبي وحبب إليه‬
‫سماع الحديث فكان أول سماعه من علماء بخارى وهو‬
‫لم يناهز البلوغ حتى حفظ عشرات اللوف من‬
‫الحاديث ودخل من أجله أكثر ممالك المشرق وأخذ‬
‫عنه علماؤها وأئمتها ومنهم أحمد بن حنبل‪ .‬وتفقه على‬
‫مذهب الشافعي واستخرج كتابه "الجامع الصحيح" من‬
‫ستمائة ألف حديث في ست عشرة سنة جمع فيه‬
‫تسعة آلف حديث مكرر بعضها بتكرر وجوهها وقال إني‬
‫جعلته بيني وبين الله فأجمع علماء السنة على أنه لم‬
‫يكن فيها أصح منه ومات سنة ‪ 256‬ه?‪.‬‬
‫علم الفقه‬
‫) ‪(1/360‬‬

‫‪519‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لما كان المروي عن رسول الله وظاهر نص القرآن ل‬
‫يستوعبان كل أحكام الوقائع المختلفة المتجددة بتجدد‬
‫الزمان والمكان كان الجتهاد ضروريا ً في الدين وجاءت‬
‫الدولة العباسية وأهل الحجاز يرجحون جانب الخذ‬
‫بالحديث لكثرة رواته بينهم‪ ،‬وإمامهم في مذهبهم مالك‬
‫بن أنس‪ ،‬وأهل العراق يرجحون جانب الخذ بالقياس‪،‬‬
‫وإمامهم في مذهبهم أبو حنيفة لكثرة ما وضعه‬
‫متزندقة العراق في الحديث ثم لما دخل أهل الحجاز‬
‫العراق وتساوى الفريقان في معرفة الحاديث عملوا‬
‫بهما‪ ،‬ونشأ من ذلك عدة مذاهب أشهرها مذهب أبي‬
‫حنيفة‪ ،‬ومذهب مالك‪ ،‬ومذهب الشافعي‪ ،‬ومذهب أحمد‬
‫بن حنبل‪ ،‬وهذه المذاهب الربعة هي التي ارتضاها‬
‫معظم المة في أمر دينها ودنياها ثم كان لكل مذهب‬
‫أئمة مجتهدون فيه‪:‬‬
‫المام العظم أبو حنيفة النعمان‬
‫هو المام العظم أبو حنيفة النعمان بن ثابت فقيه‬
‫العراق‪ .‬ولد سنة ‪ 80‬ه? من سللة فارسية ونشأ‬
‫بالكوفة بعض الصاحبة وأخذ كل علمه عمن شافه‬
‫الصحابة ونقل عنهم‪ ،‬وكان من أعبد الناس وأكثرهم‬
‫تهجدا ً وقراءة للقرآن الكريم وأكثرهم ورعا ً وتوخيا ً‬
‫للكسب من وجه حل‪ ،‬رضي أن يعيش تاجر خز ورغب‬
‫عن وظائف الملوك والخلفاء‪ ،‬وعرض عليه القضاء من‬
‫قبل أمراء بني أمية ثم المنصور فأبى فسجنه وآذاه‬
‫حتى قيل أنه مات في سجنه وكان يعتذر بأنه ل يأمن‬
‫نفسه أن تزل وقرأ عليه الكوفة وبغداد وتخرج عليه‬
‫منها الئمة من أصحاب كمحمد بن الحسن وأبي يوسف‬

‫‪520‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وزفر‪ ،‬ومات ببغداد سنة ‪ 150‬ه? واستنباط فقهه من‬
‫القرآن والحديث مع استعمال الرأي والقياس‪.‬‬
‫المام مالك‬
‫) ‪(1/361‬‬

‫هو أبو عبد الله مالك بن أنس أمام دار الهجرة وسيد‬
‫فقهاء الحجاز من سللة عربية ولد سنة ‪ 95‬ه? بالمدينة‬
‫المنورة ونشأ بها وأدرك خيار التابعين ومن الفقهاء‬
‫والعباد ورحل إليهم وأخذ عنهم وما زال يدأب في‬
‫التحصيل وجمع السنة حتى صار حجة من حجج الله في‬
‫أرضه وضرب به المثل فقيل‪) :‬ل يفتى ومالك بالمدينة(‬
‫وعرف الخلفاء قدره فأجلوه‪ ،‬حتى أن الرشيد رحل هو‬
‫وأولده إليه بالحجاز ليسمع موطأه فسمعه وأغدق‬
‫عليه‪ .‬وكان مالك أول أمره فقيرا ً فلما كثرت منح‬
‫الخلفاء له حسن حالة فالظهر نعمة الله عليه ووصل‬
‫أهل العلم وأشركهم في ماله ومنهم الشافعي‪.‬‬
‫وأخلقه‪ :‬من الكرم والطلقة والوقار والنبل والتواضع‬
‫والحب لرسول الله عليه الصلة والسلم تجل عن‬
‫الوصف حتى أنه كان ل يركب دابة في المدينة إجلل ً‬
‫لرض ضمت جسد رسول الله وتوفي سنة ‪179‬‬
‫بالمدينة ودفن بالبقيع‪.‬‬
‫المام الشافعي‬
‫هو أبو عبد الله محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان‬
‫بن شافع‪ .‬عالم قريش وفجرها وإمام الشريعة وحبرها‪،‬‬
‫وهو من ولد المطلب بن عبد مناف ولد بمدينة غزة‬

‫‪521‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫سنة ‪ 150‬ه? وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين ونشأ بها‬
‫فقيرا ً تربيه أمه ويواسيه ذوو قرابته من قريش‪ ،‬حفظ‬
‫القرآن وهو ابن تسع سنين وأولع بالنحو والشعر واللغة‬
‫ورحل إلى البادية في تطلبها ولم يناهز سن البلوغ حتى‬
‫حفظ منها شيئا ً كثيرًا‪ ،‬ثم تفقه وحفظ موطأ مالك‬
‫وأفتى وهو ابن خمس عشرة سنة‪ .‬ثم رحل في هذه‬
‫السن إلى مالك وقرا عليه الموطأ من حفظه فقال‬
‫مالك‪ :‬إن يكن أحد يفلح فهذا الغلم‪ .‬وأضافه وخدمه‬
‫بنفسه‪ .‬ثم رجع إلى مكة‪ ،‬وعلم بها العربية والفقه‪،‬‬
‫وصحح عليه الصمعي شعر الهذليين ثم دخل بغداد سنة‬
‫‪ 195‬فاجتمع عليه علماؤها وأخذوا عنه‪ .‬وفي سنة ‪199‬‬
‫أو سنة ‪ 200‬ه? خرج إلى مصر وسكن الفسطاط‬
‫فكانت دار هجرته‪ ،‬وبها أملى مذهبه بجامع عمرو‪،‬‬
‫وتوفي سنة ‪204‬ه?‪.‬‬
‫??المام أحمد بن حنبل‬
‫) ‪(1/362‬‬

‫هو المام الصابر المحتسب أبو عبد الله أحمد بن حنبل‬


‫الشيباني ولد ببغداد من سللة عربية سنة ‪ 164‬فتعلم‬
‫العلم وطلب الحديث وسمع من أئمة وقته حتى حفظ‬
‫مئات اللوف من الحاديث وأختار منها نيفا ً وأربعين‬
‫ألف حديث ضمنها كتابه المسند‪ ،‬واستنبط مذهبه من‬
‫السنة مشوبا ً بشيء من القياس والرأي وظهرت في‬
‫مدته فتنة خلق القرآن‪ ،‬فامتحن بها في مجلس‬
‫المعتصم ليجيبهم إلى القول بخلق القرآن فلم يفعل‪،‬‬

‫‪522‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فضرب حتى أغمي عليه‪ ،‬ثم عوفي واشتغل بالعلم‬
‫والتعليم ببغداد حتى مات سنة ‪ 241‬ه?‪.‬‬
‫علم الكلم‬
‫كان السلف الصالح من الصحابة والتابعين يستدلون‬
‫على عقائدهم بظاهر الكتاب والسنة‪ .‬وما وقع فيهما‬
‫من المتشابه أو أوهم التشبيه المنافي لتنزيه المعبود‬
‫توقفوا فيه خوف أن يحيد بهم فهمهم في التأويل عن‬
‫القصد‪ .‬غير أن ذلك لم يقنع من دخل في السلم فكثر‬
‫جدلهم واضطر العلماء أن يعارضوهم وساعدهم‬
‫الخلفاء وأولهم المهدي الذي حرضهم على تدوين علم‬
‫الكلم "التوحيد" فافترق المرضي عن مذهبهم من‬
‫علماء الكلم فرقتين‪ ،‬فرقة اعتقدت ما يقرب من‬
‫مذهب السلف وسموا الجماعية أو أصحاب الحديث‪،‬‬
‫وفرقة اعتزلها وخالفتها في بعض المسائل وسموا‬
‫المعتزلة أو أصحاب العدل‪ ،‬وجرى رجال الحكومة‬
‫العباسية على هذا المذهب ونصروه‪ ،‬حتى ظهر أبو‬
‫الحسن الشعري فألف مذهبه الكلمي الذي سمي بعد‬
‫بمذهب الشاعرة وغلب على كل مذهب شواء إل بعض‬
‫مذاهب قليلة كمذهب الشيعة "وبقي كثير منها إلى‬
‫الن" ومذاهب الخوارج وبقي منهم إلى عصرنا بقية في‬
‫الجبل الخضر من برقة‪ ،‬وفي جزيرة جربة على ساحل‬
‫تونس وببلد البحرين‪.‬‬
‫أبو الحسن الشعري‬
‫) ‪(1/363‬‬

‫‪523‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫هو أبو الحسن علي بن إسماعيل شيخ طريقة أهل‬
‫السنة والجماعة وإمام المتكلمين ولد بالبصرة سنة‬
‫‪ 260‬ه?‪ ،‬ونشأ علم الكلم عن أبي علي الجبائي شيخ‬
‫المعتزلة وتبعه في العتزال‪ ،‬واحتج له حتى صار لسان‬
‫المعتزلة أكثر من ثلثين عامًا‪ ،‬ثم هداه البحث‪ .‬فرأى‬
‫أن كل الفريقين من هؤلء ومن المعتزلة غال في‬
‫نظره‪ ،‬فتوسط وتغيب عن الناس مدة ألف فيها كتبه‬
‫في نصرة أهل السنة والرد على أكثر عقائد المعتزلة؛‬
‫وكان شافعي المذهب‪ ،‬توفي سنة ‪ 324‬ه? وممن نصر‬
‫مذهبه الفجر الرازي والغزالي وقاربه في مذهبه‬
‫القاضي أبو منصور الماتريدي‪.‬‬
‫المام الغزالي‬
‫هو أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي‬
‫الشافعي حجة السلم ولذ سنة ‪ 450‬ه?? ونشأ‬
‫بطوس وتعلم بها مبادئ العلوم ثم رحل إلى نيسابور‪،‬‬
‫ولزم إمام الحرمين الجويني وهو يومئذ عالم الشافعية‬
‫في الشرق فما زال يتلقى عنه العلم حتى صار من‬
‫أكابر متكلمي الشاعرة وفقهاء الشافعية‪ .‬ولما مات‬
‫الجويني ذهب إلى بغداد ولقي الوزير نظام الملك‬
‫صاحب المدرسة النظامية الشهيرة وناظر بحضرته‬
‫العلماء فظهر عليهم وأقر له فحول العراق بالفضل‬
‫فتولى التدريس بالمدرسة النظامية أربع سنوات‪ ،‬ثم‬
‫حج وذهب إلى الشام يدرس ويسيح لزيارة بعض‬
‫مشاهد أنبيائها ثم دخل مصر وأقام بالسكندرية مدة ثم‬
‫عاد إلى موطنه طوس واشتغل بتأليف الكتب الجليلة‬
‫التي في مقدمتها كتاب "إحياء علوم الدين" ثم لزم‬

‫‪524‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫التدريس بنيسابور ثم عاد إلى موطنه حيث مضى بقية‬
‫عمره بين التدريس ووعظ الصوفية وعمل البر حتى‬
‫مات بطوس سنة ‪ 505‬ه?‪.‬‬

‫نشأة العلوم الكونية المنقولة وترجمتها وأشهر‬


‫المترجمين والمشتغلين بها‬
‫) ‪(1/364‬‬

‫وكانت تسمى علوم الفلسفة والحكمة وتشمل أربعة‬


‫علوم‪ :‬المنطق‪ ،‬والطبيعيات‪ ،‬والرياضيات‪ ،‬والليهات‪،‬‬
‫وتشمل الطبيعيات علم الطبيعة والكيمياء وفن المواليد‬
‫الثلثة والطب والصيدلة والفلحة‪.‬‬
‫وتشمل الرياضيات علم الحساب وعلم الجبر وعلم‬
‫الهندسة وعلم اللت والحيل )الميكانيكا( وعلم الفلك‬
‫الشامل للهيئة والتنجيم‪ ،‬ومن متعلقاته علم الجغرافيا‬
‫الرياضية‪ .‬ويلحق بهذه العلوم علم السياسة وتدبير‬
‫المنزل والمال وعلم الخلق والموسيقى‪ :‬وتشمل‬
‫اللهيات علم ما وراء الطبيعة من الروحانيات‬
‫والمدركات العقلية كالبحث عن صفات الخالق والقوى‬
‫النفسية والجن والملئكة ونحو ذلك‪.‬‬
‫وهذه العلوم فطرية في النسان من حيث أنه متفكر‬
‫متمدين ل تختص بها أمة دون أخرى فكان الشتغال بها‬
‫ضروريا ً لكل أمة أصبحت ذات حضارة ولذلك ترجم‬
‫المسلمون يعضها في عصر بني أمية‪ ،‬واستقدم‬
‫المنصور العباسي كثيرا ً من الطباء والمترجمين‪،‬‬

‫‪525‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فترجموا له كتب اليونان والفرس والهنود في الطب‬
‫والفلك والسياسة‪ ،‬ولما مات المنصور فتر أمر الترجمة‬
‫إلى زمن الرشيد والبرامكة فحثوا العلماء على ترجمة‬
‫الكتب اليونانية وصححوا بعض ما ترجم زمن المنصور‪،‬‬
‫ثم جاء عصر المأمون فزخرت بحور الترجمة الترجمة‪،‬‬
‫وبعث إلى بلد الروم جماعة من المترجمين كابن‬
‫البطريق‪ ،‬وسلم صاحب بيت الحكمة والحجاج بن مطر‬
‫وحنين بن إسحاق فاختاروا كتبا ً حملوها إلى بغداد‬
‫وترجمت وتعلمها الناس وصححوا أغلطها واستدركوا‬
‫عليها ولم يمض قرن من تأسيس الدولة العباسية حتى‬
‫برع المسلمون في هذا العلوم كلها‪ ،‬وظهر منهم من‬
‫الحكماء والفلسفة من كاد يلحق فلسفة اليونان‪ .‬ومن‬
‫هؤلء فيلسوف السلم والعرب أبو يوسف يعقوب بن‬
‫إسحاق بن الصباح الكندي وتلميذه أحمد بن الطيب‬
‫السرخسي وبنو موسى بن شاكر محمد وأحمد‬
‫والحسن أشهر رياضي هذا العصر‪ ،‬وأول المخترعين‬
‫من المسلمين في الحيل والهندسة‪ ،‬ومحمد بن موسى‬
‫الخوارزمي مخترع علم الجبر والمقابلة‪ .‬ومذيع‬
‫الحساب‬
‫) ‪(1/365‬‬

‫الهندي بين العرب‪.‬‬


‫ثم ذهب طور الترجمة والتصحيح‪ .‬وتله طور التأليف‬
‫والتكميل والختراع فأتى فيه بالعجب العجاب أبو نصر‬
‫محمد بن محمد طرخان الفارابي الحكيم الكبير مخترع‬

‫‪526‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫آلة الطرب المسماة بالقانون‪ ،‬والتي استنبط الفرنج‬
‫بمحاكاتها آلة المعزف )البيانو( المتوفى سنة ‪ 339‬ه?‬
‫وأبو بكر محمد بن زكريا الرازي الطبيب الكيميائي‬
‫الشهير المتوفى سنة ‪ 313‬ه? والشيخ الرئيس حكيم‬
‫المشرق أبو علي الحسين بن سينا المتوفى سنة ‪428‬‬
‫ه? وأبو الريحان احمد بن محمد البيروني الفلكي‬
‫الرياضي المقوم المتوفى سنة ‪ 430‬ه?‪.‬‬
‫وكان لدولة الفواطم في مصر اشتغال بهذه العلوم‬
‫فاشتهر في دولتهم في الفلك والرياضيات ابن يونس‪،‬‬
‫وفي الطب ابن رضوان وغيرهما‪ ،‬ولم يعن أهل‬
‫الندلس بهذه العلوم عناية أهل المشرق‪ ،‬وأشهر من‬
‫نبع منهم فيها أبو الوليد القاضي أحمد بن رشد وأبو‬
‫القاسم الزهراوي‪ ،‬ومن كتب هؤلء الئمة وأمثالهم‬
‫اقتبس أهل )أوربا( كثيرا ً من أصول مدينتهم الحاضرة‪.‬‬
‫الشعر والشعراء‬
‫قد كان للشعر عند الخلفاء والوزراء والقواد سوق‬
‫نافقة حتى عند رؤساء العاجم من الديلم والترك‪ ،‬ودام‬
‫كذلك إلى انتهاء الدولة العباسية‪ .‬وبهذه العناية العظيمة‬
‫بل وكثرة قائليه ومنتحليه تفنن الناس وأدخلوا عليه‬
‫فنونا ً لم تعهد فيه واستعملوه في كل غرض حتى التعبد‬
‫به‪ ،‬وتشكل أسلوبه وتنوعت معانيه بما يطابق أغراض‬
‫استعماله‪.‬‬
‫ولم يقصر الشعر على الموالي في صدر الدولة‬
‫العباسية كالكتابة‪ ،‬بل اشتركوا فيه هم وغيرهم من‬
‫أعراب البادية أحيانا ً ومن سلئل العرب بالمصار‬
‫أخرى‪ ،‬غير أن بضعة من فحول صدر الدولة كانوا‬

‫‪527‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫موالي مثل بشار‪ ،‬وأبي نواس‪ ،‬ومسلم‪ ،‬وأبي العتاهية‪،‬‬
‫وابن الرومي‪.‬‬
‫ومن أشهر شعراء المصار من العرب أبو تمام‪،‬‬
‫والبحتري‪ ،‬وابن المعتز‪ ،‬والمتنبي‪ ،‬وأبو فراس‪ ،‬وأبو‬
‫العلء المعري‪ ،‬وابن هانئ الندلسي‪ ،‬والشريف الرضي‪.‬‬

‫)‪ (1‬بشار بن برد‬


‫) ‪(1/366‬‬

‫هو أبو معاذ بشار المرعث بن برد‪ :‬اشعر مخضومي‬


‫الدولتين ورأس الشعراء المحدثين‪ ،‬وممهد طريق‬
‫الختراع والبديع للمتفننين‪ ،‬وأحد البلغاء المكفوفين‪.‬‬
‫وأصله من فرس طخارستان من سبي المهلب بن أبي‬
‫صفرة فنشأ بشار فيهم وأختلف إلى العراب الضاربين‬
‫بالبصرة حتى خرج نابغة زمانه في الفصاحة والشعر‪،‬‬
‫وكان أكمه مجدور الوجه قبيح المنظر‪ ،‬مفرط الطول‪،‬‬
‫ضخم الجثة‪ ،‬متوقد الذكاء‪ ،‬ل يسلم من لسانه خليفة‬
‫ول سوقة‪ ،‬ل يألف ول يؤلف‪.‬‬
‫شعره‪ :‬قد أجمع رواة الشعر ونقدته على أن بشارا ً هو‬
‫رأس المحدثين وأسبقهم إلى معاطاة البديع وطرق‬
‫أبواب المجون والخلعة والغزل والهجاء وأنه أول من‬
‫جمع في شعره بين جزالة العرب ورقة وفتق عن‬
‫المعاني الدقيقة والخيلة اللطيفة حتى عد شعره برزخا ً‬
‫بين الشعر القديم والحديث ومجازا ً يعبر عليه الشعر‬
‫من مرابع البدواة إلى مقاصير الحضارة‪ ،‬ومات سنة‬

‫‪528‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫‪ 167‬ه?‪.‬‬
‫ومن شعره في المشورة والحكم والنصائح‪:‬‬
‫إذا بلغ الرأيُ المشورة َ فاستعن‬

‫برأي نصيٍح أو نصيحةِ حازم‬

‫ة‬ ‫ول تجعل ال ّ‬


‫شورى عليك غضاض ً‬

‫فإن الخوافي قوة ٌ للقوادم‬

‫ف أمسك الغ ّ‬
‫ل أختها‬ ‫وما خيُر ك ّ‬

‫ف لم يؤّيد بقائم‬
‫وما خيُر سي ٍ‬

‫وخ ّ‬
‫ل الهوينى للضعيف ول تكن‬

‫نؤوما ً فإ ّ‬
‫ن الحّر ليس بنائم‬

‫وقوله‪:‬‬
‫ل المور معاتبا ً‬
‫ت في ك ّ‬
‫إذا كن َ‬

‫ه‬
‫صديقك لم تلقَ الذي ل تعاتب ْ‬

‫فعش واحدا ً أو ص ْ‬
‫ل أخاك فإنه‬

‫ه‬
‫ف ذنب مّرة ً ومجانب ْ‬
‫مقار ُ‬

‫‪529‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ب مرارا ً على القذى‬


‫إذا أنت لم تشر ْ‬

‫ت وأي الناس تصفو مشاربه‬


‫ظمئ َ‬

‫وقوله‪:‬‬
‫ي إن الما َ‬
‫ل ليس بنافع‬ ‫خليل ّ‬

‫ق‬
‫خ وصدي ُ‬ ‫إذا لم ين ْ‬
‫ل منه أ ٌ‬

‫ي محلة‬
‫ت إذا ضاقت عل ّ‬
‫وكن ُ‬

‫ق‬
‫ي مضي ُ‬
‫ممت أخرى ما عل ّ‬
‫تي ّ‬

‫وما خاب بين الله والناس عام ٌ‬


‫ل‬

‫له في التقى أو في المحامد سوق‬


‫وما ضاق فض ُ‬
‫ل الله عن متعّفف‬

‫ن أخلقَ الرجال تضيق‬


‫ولك ّ‬

‫)‪ (2‬أبو نواس‬


‫) ‪(1/367‬‬

‫‪530‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫هو أبو علي الحسن بن هانئ‪ ،‬الشاعر المتفنن الجاد‬
‫الماجن‪ ،‬صاحب الصيت الطائر‪ ،‬والشعر السائر‪ ،‬ورأس‬
‫المحدثين بعد بشار‪ ،‬وهو فارسي الصل‪.‬‬
‫ولد بقرية من كورة خوذستان سنة ‪ 146‬ه? ونشأ يتيما ً‬
‫فقدمت به أمه البصرة بعد سنتين من مولده فتعلم‬
‫العربية ورغب في الدب فلم تعبأ أمه بحاله وأسلمته‬
‫إلى عطار بالبصرة‪ ،‬فمكث عنده ل يفتر عن معاناة‬
‫الشعر إلى أن صادفه عند العطار "والبة بن الحباب"‬
‫الشاعر الماجن الكوفي في إحدى قدماته إلى البصرة‬
‫فأعجب كل منهما بالخر‪ ،‬فأخرجه والبة معه إلى‬
‫الكوفة فبقي معه ومع ندمائه من خلعاء الكوفة‪ ،‬وتخرج‬
‫عليهم في الشعر وفاقهم جميعًا‪ ،‬وبلغ خبره الرشيد‬
‫فأذن له في مدحه فمدحه بقصائد طنانة‪ ،‬ثم انقطع إلى‬
‫مدح محمد المين وثبت عنده بعض ما يوجب تعزيره‬
‫فسجنه ولم يلبث بعد خروجه من السجن أن مات‬
‫ببغداد سنة ‪ 198‬ه?‪.‬‬
‫وكان أبو نواس جميل الصورة فكه المحضر‪ ،‬كثير‬
‫الدعابة‪ ،‬حاضر البديهة‪ ،‬متينا ً في اللغة والشعر والدب‪.‬‬
‫شعره‪ :‬أكثر علماء الشعر ونقدته وفحول الشعراء على‬
‫أن أبا نواس أشعر المحدثين بعد بشار وأكثرهم تفننا ً‬
‫وأبدعهم خيال ً مع دقة لفظ وبديع معنى وأنه شاعر‬
‫مطبوع برزفي كل فن من فنون الشعر‪ ،‬وامتاز من كل‬
‫الشعراء بقصائد الخمريات ومقطعاته المجونيات‪ .‬وكان‬
‫شعره لقاح الفساد والقدوة السيئة لنقله الغزل من‬
‫أوصاف المؤنث إلى المذكر‪.‬‬
‫ومن قوله لما حضرته الوفاة‪:‬‬

‫‪531‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ب إن عظمت ذنوبي كثرةً‬
‫يا ر ّ‬

‫م‬
‫ت بأن عفوك أعظ ُ‬
‫فلقد علم ُ‬

‫إن كان ل يرجوك إل ّ محس ٌ‬


‫ن‬

‫فبمن يلوذ ُ ويستجير المجر ُ‬


‫م‬

‫ب كما أمرت تضّرعا‬


‫أدعوك ر ّ‬

‫م؟‬
‫ت يدي فمن ذا يرح ُ‬ ‫فإذا ردد َ‬
‫مالي إليك وسيلة إل ّ الّرجا‬

‫م‬ ‫وجمي ُ‬
‫ل عفوك ثم إني مسل ُ‬

‫)‪ (3‬مسلم بن الوليد‬


‫) ‪(1/368‬‬

‫هو صريع الغواني أبو الوليد مسلم بن الوليد النصاري‪،‬‬


‫أحد الشعراء المفلقين‪ .‬قال الشعر في صباه ولم‬
‫يتجاوز به المراء والرؤساء مكتفيا ً بما يناله من قليل‬
‫العطاء‪ ،‬ثم انقطع إلى يزيد بن مزيد الشيباني قائد‬
‫الرشيد‪ ،‬ثم اتصل بالخليفة هارون الرشيد ومدحه ومدح‬
‫البرامكة وحسن رأيهم فيه ولما أصبح الحل والعقد بيد‬
‫ذي الرياستين‪ :‬الفضل بن سهل وزير المأمون في أول‬

‫‪532‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫خلفته‪ ،‬قربه وأدناه ووله أعمال ً بجرجان‪ ،‬ثم الضياع‬
‫بأصبهان‪ .‬ولما قتل الفضل لزم منزلة ونسك ولم يمدح‬
‫أحدا ً حتى مات بجرجان سنة ‪ 208‬ه?‪.‬‬
‫شعره‪ :‬قد تكلف البديع في شعره واستكثر منه في‬
‫قوله‪ ،‬ومزج كلم البدويين بكلم الحضريين فضمنه‬
‫المعاني اللطيفة وكساه اللفاظ الظريفة‪ .‬فله جزالة‬
‫البدويتين ورقة الحضريين‪.‬‬
‫ومن جيد قوله‪:‬‬
‫ن الجواد ُ بها‬
‫تجود ُ بالّنفس إن ض ّ‬

‫والجود ُ بالنفس أقصى غايةِ الجود‬


‫)‪ (4‬أبو العتاهية هو أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن‬
‫سويد‪ ،‬أطبع أهل زمانه شعرا ً وأكثرهم قول ً وأسهلهم‬
‫لفظا ً وأسرعهم بديهة وارتجال ً وأول من فتح للشعراء‬
‫باب الوعظ والتزهيد في الدنيا والنهي عن الغترار بها‬
‫وأكثر من الحكمة‪.‬‬
‫ولد بالكوفة سنة ‪ 130‬ه? ونسا في عمل أهله وكانوا‬
‫باعة جرار إل أنه ربا بنفسه عن عملهم‪ .‬وقال الشعر‬
‫في صباه وامتزج بلحمه ودمه فذاع صيته وسلك طريق‬
‫خلعاء الكوفة ثم قدم بغداد ومدح المهدي‪ .‬ثم عرضت‬
‫له حال امتنع فيها عن قول الشعر حتى حبسه الرشيد‬
‫لعدم تلبيته ما اقترحه علي من القول فيه ثم أطلقه‬
‫بعد أن أجاب طلبته وعاد إلى قول الشعر على عادته‬
‫فيه‪ ،‬وترك الغزل والهجاء وبقي على ذلك مدة الرشيد‬
‫والمين وأكثر أيام المأمون حتى مات سنة ‪ 211‬ه?‬
‫ببغداد ومن شعره يمدح المهدي‪:‬‬

‫‪533‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ة منقادةً‬
‫أتته الخلف ُ‬

‫إليه تجرُر أذيالها‬

‫فلم تك تصلح إل ّ له‬

‫ك يصلح إل ّ لها‬
‫ولم ي ُ‬

‫ولو رامها أحد ٌ غيره‬

‫ض زلزالها‬
‫ت الر ُ‬ ‫لزلزل ِ‬
‫ت القلو‬
‫ه بنا ُ‬
‫ولو لم تطع ُ‬
‫) ‪(1/369‬‬

‫ب لما قب َ‬
‫ل الله أعمالها‬

‫ضل‬
‫وأن الخليفة من بغ ِ‬

‫ض من قالها‬
‫إليه ليبغ ُ‬

‫وكتب على البديهة في ظهر كتاب‪:‬‬


‫أل إّننا كّلنا بائد ُ‬

‫وأيّ بني آدم ِ خالد ُ‬

‫‪534‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫م‬
‫وبدؤهم كان من ربه ْ‬

‫وك ّ‬
‫ل إلى رّبه عائد ُ‬

‫فيا عجبا ً كيف يعصي الل‬


‫ه أم كيف يجحده الجاحد ُ‬

‫ولله في ك ّ‬
‫ل تحريكة‬

‫وفي ك ّ‬
‫ل تسكينةٍ شاهد ُ‬

‫ة‬ ‫وفي ك ّ‬
‫ل شيٍء له آي ٌ‬

‫ه واحد ُ‬ ‫تد ّ‬
‫ل على أن ُ‬

‫)‪ (5‬أبو تمام‬


‫هو أبو تمام حبيب بن أوس الطائي أسبق ثلثة الشعراء‬
‫الذين سارت بذكرهم الركبان‪ .‬وخلد شعرهم الزمان‪.‬‬
‫ثانيهم البحتري‪ ،‬وثالثهم المتنبيء ولد سنة ‪ 190‬ه?‬
‫بقرية جاسم من أعمال دمشق ونقل صغيرا ً إلى مصر‬
‫فنشأ بها فقيرا ً وكان يسقي الماء بالجرة في جامع‬
‫عمرو‪ .‬وتعلم العربية وحفظ ما ل يحصى من شعر‬
‫العرب ونبغ في قوله‪ ،‬ثم خرج إلى مقر الخلفة فمدح‬
‫المعتصم وحظي عنده ومدح وزيره محمد بن الزيات‬
‫والحسن بن وهب الذي وله بريد المصل فأقام بها إلى‬
‫أن مات سنة ‪ 231‬ه?‪.‬‬

‫‪535‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫شعره‪ :‬يعد أبو تمام رأس الطبقة الثالثة من المحدثين‪،‬‬
‫انتهت إليه معاني المتقدمين والمتأخرين وظهر والدنيا‬
‫قد ملئت بترجمة علوم والوائل وحكمتها فحصف عقله‬
‫ولطف خياله بالطلع عليها‪ .‬وهو الذي مهد طريق‬
‫الحكم والمثال للمتنبي وأبي العلء وغيرهما‪ ،‬ولذلك‬
‫كان يقال إن أبا تمام والمتنبي حكيمان والشاعر‬
‫البحتري‪.‬‬
‫وأجاد أبو تمام في كل فن من فنون الشعر‪ ،‬أما مراثيه‬
‫فلم يعلق بها أحد جاش صدره بشعر‪ ،‬وأشهرها‬
‫القصيدة التي رثي بها محمد بن الطائي ومنها‪:‬‬
‫ب وليفدِح المُر‬ ‫كذا فخلي ّ‬
‫ل الخط ُ‬

‫ن لم يفض ماؤها عذُر‬


‫س لعي ٍ‬
‫فلي َ‬

‫ت الما ُ‬
‫ل بعد محمد‬ ‫توفي ِ‬

‫سفر السفُر‬
‫ل عن ال ّ‬
‫وأصبح في شغ ٍ‬

‫وما كان إل ّ ما َ‬
‫ل من ق ّ‬
‫ل ماله‬

‫وذخرا ً لمن أمس وليس له ذخر‬

‫وما كان يدري مجتدى جود ٍ كفه‬

‫ه خلق العسُر‬ ‫إذا ما استهل ّ ْ‬


‫ت أن ُ‬

‫‪536‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫أل في سبيل الله من ع ّ‬


‫طلت له‬
‫) ‪(1/370‬‬

‫ج سبيل الله وانثغَر الثغُر‬


‫فجا ُ‬

‫فتى كّلما فاضت عيون قبيلة‬

‫دما ً ضحكت عن ُ‬
‫ه الحاديث والذكر‬

‫فتى دهره شطران فيما ينوبه‬

‫ففي بأسه شطر وفي جوده شطر‬

‫فتى مات بين ال ّ‬


‫طعن والضرب ميتة‬

‫ن فاته النصُر‬
‫م النصر إ ْ‬
‫تقوم مقا َ‬

‫ب سيفه‬
‫وما مات حتى مات مضر ُ‬

‫من الضرب واعتّلت عليه القنا ال ّ‬


‫سمر‬
‫ت الموت سهل ً فّرده‬ ‫وقد كان فو ُ‬

‫إليه الحفاظ المّر والخلقُ الوعُر‬

‫‪537‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫س تعاف العاَر حتى كأنما‬
‫ونف ٌ‬

‫هو الكفر يوم الّروع أو دونه الكفر‬

‫ت في مستنقع الموت رجله‬


‫فأثب َ‬

‫وقال لها من تحت أخمصك الحشر‬

‫غدا غدوة والحمد نسج ردائه‬

‫ه الجر‬
‫فلم ينصرف إل وأكفان ُ‬

‫)‪ (6‬البحتري‬
‫) ‪(1/371‬‬

‫هو أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي أشعر الشعراء بعد‬


‫أبي نواس ولد سنة ‪ 206‬ه? بناحية منبج في قبائل طي‬
‫وغيرها من البدو الضاربين في شواطئ الفرات ونشأ‬
‫بينهم فغلبت عليه فصاحة العرب وخرج إلى العراف‬
‫وأقام في خدمة المتوكل والفتح بن خاقان محترما ً‬
‫عندهما إلى قتل في مجلس كان هو حاضرة فرجع إلى‬
‫منبج‪ ،‬وبقي يختلف أحيانا ً إلى رؤساء بغداد وسر من‬
‫رأى حتى مات سنة ‪ 284‬ه?‪ :‬وكان على فضله‬
‫وفصاحته من أبخل خلق الله وأوسخهم ثوبا ً وأكثرهم‬
‫فخرا ً بشعره حتى كان يقول إذا أعجبه شعره أحسنت‬

‫‪538‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والله‪ ،‬ويقول للمستمعين‪ :‬ما لكم ل تقولون أحسنت‪.‬‬
‫والكثير على أنه لم يأت بعد أبي نواس من هو أشعر‬
‫من البحتري‪ ،‬ول بعد البحتري من هو أطبع منه على‬
‫الشعر ول أبدع منه في الخيال الشعري‪.‬‬
‫شعره‪ :‬كله بديع المعنى حسن الديباجة صقيل اللفظ‪،‬‬
‫سلس السلوب كأنه سيل ينحدر إلى السماع مجودا ً‬
‫في كل غرض سوى الهجاء ولذلك اعتبره كثير من أهل‬
‫الدب هو الشاعر الحقيقي واعتبروا أمثال أبي تمام‬
‫والمتنبي والمعري حكماء‪ ،‬ولسهولة شعره ورقته كان‬
‫أكثر الصوات التي يتغنى بها في زمنه من شعره‬
‫المطبوع في ديوان حافل‪ .‬ومن قوله يمدح الخليفة‬
‫المتوكل ويصف موكب خروجه لصلة عيد الفطر‬
‫وخطبته في الناس‪:‬‬
‫ت أفضل صائم‬ ‫ت وأن َ‬
‫بالبّر صم َ‬

‫وبسّنة الله الّرضّية تفطر‬

‫ه‬
‫م بيوم الفطر عيدا إن ُ‬
‫فانع ْ‬

‫يوم أغّر من الزمان مشهُّر‬

‫ت عز الملك فيه بجحفل‬


‫أظهر َ‬

‫ن فيه وينصُر‬
‫دي ُ‬ ‫ب يحا ُ‬
‫ط ال ّ‬ ‫لج ِ‬

‫ت‬ ‫خلنا الجبا َ‬


‫ل تسير فيه وقد غد ْ‬

‫‪539‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫عددا ً يسير بها العديد ُ الكثُر‬

‫دعي‬
‫ست ّ‬ ‫ل تصه ُ‬
‫ل والفوار ُ‬ ‫فالخي ُ‬

‫ة تزهُر‬
‫والبيض تلمع والسن ّ ُ‬

‫ة تميد بثقلها‬
‫ض خاشع ٌ‬
‫والر ُ‬

‫والجوّ معتكُر الجوانب أغبُر‬

‫والشمس طالعة توقّد ُ في الضحى‬

‫طورا ً ويطفئها العجا ُ‬


‫ج الكدُر‬

‫ت بضوء وجهك فانجلى‬


‫حتى طلع َ‬

‫دجى وإنجاب ذاك العثيُر‬


‫ذاك ال ّ‬

‫ع‬
‫ن فيك الناظرون فإصب ٌ‬
‫فافت ّ‬
‫) ‪(1/372‬‬

‫يوما ً إليك بها وعي ٌ‬


‫ن تنظُر‬

‫يجدون رؤيتك التي فازوا بها‬

‫‪540‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫من أنعم ِ الله اّلتي ل تكفُر‬

‫ي فهّللوا‬
‫ذكروا بطلعتك النب ّ‬

‫ت من الصفوف وكّبروا‬ ‫لما طلع َ‬


‫ت إلى المصّلى لبسا ً‬
‫حتى انتهي َ‬

‫نوَر الهدى يبدو علي َ‬


‫ك ويظهُر‬

‫ت مشية خاشع متواضِع‬


‫ومشي َ‬

‫لله ل يزهى ول يتكب ُّر‬

‫فلوَ أن مشتاقا ً تكّلف فوق ما‬

‫في وسعه لسعى إليك المنبُر‬

‫ت من فصل الخطاب بحكمة‬


‫أبدي َ‬

‫تنبي عن الحق المبين وتخبُر‬

‫كرا ً‬
‫ي مذ ّ‬
‫ت في براد النب ّ‬
‫ووقف َ‬

‫بالله تنذر تارة وتب ّ‬


‫شُر‬

‫‪541‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫)‪ (7‬ابن الرومي‬
‫هو أبو الحسن علي بن العباس بن جريج الرومي مولى‬
‫بني العباس الشاعر المكثر المطبوع‪ ،‬صاحب النظم‬
‫العجيب‪ ،‬والتوليد الغريب‪ ،‬والمعاني المخترعة والهاجي‬
‫المقذعة‪.‬‬
‫ولد ببغداد سنة ‪ 221‬ه? ونشأ بها‪ ،‬وأقام كل حياته‪،‬‬
‫وكان كثير التطير جدا ً وكان القاسم بن عبيد الله وزير‬
‫المعتز يخاف هجوه وفلتات لسانه فسلط عليه من دس‬
‫له السم في الدسم إلى أن مات سنة ‪ 283‬ه? ببغداد‬
‫ه? وآثاره في أبواب هذا الكتاب‪.‬‬
‫شعره‪ :‬قاله في كل غرض ول سيما الوصف والهجاء‪،‬‬
‫ونبغ في الشعر نبوغا ً لم يقصر به كثيرا ً عن درجة‬
‫البحتري‪ ،‬وربما فاقه في اختراع المعاني النادرة أو‬
‫توليدها من معاني من سبقه بشكل جديد‪ ،‬ووضعها في‬
‫أحسن قالب‪ ،‬وله ديوان كبير‪.‬‬

‫)‪ (8‬ابن المعتز‬


‫) ‪(1/373‬‬

‫هو أمير المؤمنين أبو العباس عبد الله بن أمير‬


‫المؤمنين محمد المعتز بالله أشعر بني هاشم‪ ،‬وأبرع‬
‫الناس في الوصاف والتشبيهات‪.‬‬
‫ولد سنة ‪ 249‬ه? في بيت الخلفة‪ ،‬وتربى تربية الملوك‬
‫وأخذ عن المبرد وثعلب ومهر في كل علم يعرفه أئمة‬
‫عصره وفلسفة دهره حتى هابه وزراء الدولة وشيخ‬

‫‪542‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كتابها وعملوا على أن ل يقلدوه الخلفة خشية أن يكف‬
‫أيديهم عن الستبداد بالملك‪ ،‬وولوا المقتدر صبيًا‪ ،‬ثم‬
‫حدثت فتن عظيمة فتسرع محمد بن داود بن الجراح‬
‫وجمع العلماء وخلعوا المقتدر‪ ،‬وبايعوا ابن المعتز‬
‫بالخلفة على غير طلب منه‪ .‬فلما رأى غلمان المقتدر‬
‫أن المر سيخرج من أيديهم تآمروا على قتله وخنق من‬
‫ليلته سنة ‪ 296‬ه?‪ ،‬وآثاره متفرقة في هذا الكتاب‪.‬‬
‫)‪ (9‬أبو الطيب المتنبي‬
‫) ‪(1/374‬‬

‫هو أبو الطيب أحمد بن الحسين الجعفي الكندي‬


‫الكوفي المتنبي الشاعر الحكيم‪ ،‬وخاتم ثلثة الشعراء‪،‬‬
‫وآخر من بلغ شعره غاية الرتقاء‪.‬‬
‫وهو من سللة عربية من قبيلة جعفي بن سعد‬
‫العشيرة إحدى قبائل اليمانية‪ .‬ولد بالكوفة سنة ‪303‬‬
‫ه? في محلة كندة ونشأ بها وأولع بتعلم العربية من‬
‫صباه وكان أبوه سقاء فخرج به إلى الشام ورأى أبو‬
‫الطيب أن استتمام علمه باللغة والشعر ل يكون إل‬
‫بالمعيشة في البادية فخرج إلى بادية بني كلب فأقام‬
‫بينهم مدة ينشدهم من شعره وبأخذ عنهم اللغة فعظم‬
‫شأنه بينهم‪ .‬وكانت العراب الضاربون بمشارف الشام‬
‫شديدي الشغف على ولتها فوشى بعضهم إلى لؤلؤ‬
‫أمير حمص من قبل الخشيدية بأن أبا الطيب ادعى‬
‫النبوة في بني كلب وتبعه منهم خلق كثير ويخشى على‬
‫ملك الشام منه‪ .‬فخرج لؤلؤ إلى بني كلب وحاربهم‬

‫‪543‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقبض على المتنبي وسجنه طويل ً ثم استتابه وأطلقه‪.‬‬
‫فخرج من السجن وقد لصق به اسم المتنبي مع كراهته‬
‫له‪ .‬ثم تكسب بالشعر مدة انتهت بلحاقه بسيف الدولة‬
‫بن حمدان فمدحه بما خلد اسمه أبد الدهر‪ .‬وتعلم منه‬
‫الفروسية وحضر معه وقائعه العظيمة مع الروم حتى‬
‫عد من أبطال القتال رجاء أن يكون صاحب دولة‪.‬‬
‫ثم قصد كافورا ً الخشيدي أمير مصر ومدحه ووعده‬
‫كافور أن يقلده أمارة أو ولية‪ ،‬ولكنه لما رأى تغاليه‬
‫في شعره وفخر بنفسه عدل أن يوليه‪ .‬وعاتبه بعضهم‬
‫في ذلك فقال‪ :‬يل قوم‪ ،‬من ادعى النبوة بعد محمد‬
‫) أما يدعي المملكة بعد كافور‪ ،‬فحسبكم فعاتبه أبو‬
‫الطيب واستأذن في الخروج من مصر فأبى‪ .‬فتغفله‬
‫في ليلة عيد النحر وخرج منها يريد الكوفة ومنها قصد‬
‫عضد الدولة بن بويه بفارس مارا ً ببغداد فمدحه ومدح‬
‫وزيره ابن العميد فأجزل صلته وعاد إلى بغداد‪ .‬وخرج‬
‫إلى الكوفة فخرج عليه إعراب بني ضبة وفيهم فاتك‬
‫بن أبي جهل‪ ،‬وكان المتنبي قد هجاه هجاء مقذعا ً‬
‫فقاتلهم قتال ً شديدا ً حتى قتل المتنبي وابنه وغلمه سنة‬
‫‪ 354‬ه???‪.‬‬
‫شعره‪ :‬ل خلف عند أهل الدب في أنه لم ينبغ بعد‬
‫) ‪(1/375‬‬

‫المتنبي في الشعر من بلغ شأوه أو داناه‪ .‬والمعري‬


‫على بعد غوره وفرط ذكائه وتوقد خاطره وشدة تعمقه‬
‫في المعاني والتصورات الفلسفية يعترف بأبي الطيب‬

‫‪544‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ويقدمه على نفسه وغيره‪ .‬ومن قوله‪:‬‬
‫ب الليث بارزةً‬
‫ت نيو َ‬
‫إذا رأي َ‬

‫م‬
‫ث يبتس ُ‬
‫ن أن اللي َ‬
‫فل تظن ّ ّ‬

‫ة‬
‫ت منك صادق َ‬
‫أعيذها نظرا ٍ‬

‫ه ورم‬
‫ب الشحم فيمن شحم ُ‬ ‫أن تحس َ‬
‫ة‬
‫وما انتفاع ُ أخي الدنيا بناظر ٍ‬

‫إذا استوت عنده النوار والظلم‬

‫يا من يعز علينا أن نفارقهم‬

‫م‬ ‫وجداننا ك ّ‬
‫ل شيٍء بعدكم عد ُ‬

‫ن سّركم ما قال حاسدنا‬


‫إن كا َ‬

‫م‬
‫م أل ُ‬
‫فما لجرٍح إذا أرضاك ُ‬

‫م ذاك معرفة‬
‫وبيننا لو رعيت ْ‬

‫م‬
‫ف في أهل الّنهى ذم ُ‬ ‫أن المعار َ‬
‫كم تطلبون لنا عيبا ً فيعجزكم‬

‫م‬
‫ويكره الله ما تأتون والكر ُ‬

‫‪545‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ت عن قوم وقد قدروا‬


‫إذا ترحل َ‬

‫م‬
‫م فالراحلون ه ُ‬
‫أل تفارقه ْ‬

‫ومن قوله‪:‬‬
‫ل يشقى في الّنعيم بعقله‬
‫ذو العق ِ‬

‫م‬
‫وأخو الجهالةِ في الشّقاوة ينع ُ‬

‫ه‬ ‫ل يخدعن َ‬
‫ك من عدوّ دمع ُ‬

‫م‬
‫م شبابك من عدوّ ترح ُ‬
‫وارح ْ‬

‫ف الرفيعُ من الذى‬
‫ل يسلم الشر ُ‬

‫م‬
‫حتى يراقَ على جوانبه الد ّ ُ‬

‫م من شيم ِ النفوس فإن تجد ْ‬


‫والظل ُ‬

‫ذا عّفة فلعّلة ل يظلم‬

‫ومن البلّية عذ ُ‬
‫ل من ل يرعوي‬

‫ب من ل يفهم‬
‫عن غّية وخطا ُ‬

‫‪546‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ومن العداوة ما ينالك نفعة‬

‫صداقة ما يضّر ويؤلم‬


‫ومن ال ّ‬

‫ومن قوله‪:‬‬
‫ب قبل دفنك في الّثرى‬
‫ما كنت أحس ُ‬

‫ب في التراب تموُز‬
‫أن الكواك َ‬

‫ما كنت آم ُ‬
‫ل قبل نعيك أن أرى‬

‫رضوى على أيدي الرجال يسير‬

‫ك حوله‬ ‫خرجوا به ولك ّ‬


‫ل با ٍ‬

‫ك ال ّ‬
‫طور‬ ‫مد ّ‬
‫ت موسى يو َ‬
‫صعقا ُ‬

‫حتى أتوا جدثا ً كأن ضريحه‬

‫في كل قلب موجد ٍ محفور‬

‫ه‬ ‫كف َ‬
‫ل الثناُء له برد ّ حيات ِ‬

‫ما انطوى فكأنه منشور‬


‫ل ّ‬

‫)‪ (10‬ابن هانئ الندلسي‬

‫‪547‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/376‬‬

‫هو أبو القاسم محمد بن هانئ الزدي الندلسي شاعر‬


‫الغرب ومتنبيه والمؤثر فخامة ألفاظه على رقة معانيه‪،‬‬
‫وأحد المفرطين في غلو المدح واستعمال الستعارة‬
‫والتشبيه‪.‬‬
‫ولد بأشبيلية ‪ 326‬ه? ولما نبه شأنه اتصل بعامل‬
‫أشبيلية زمن المستنصر الموي‪ ،‬ومدحه بغرر القصائد‬
‫فأحله منه منزلة سنية وأغدق عليه العطايا فأكب على‬
‫اللهو والطرب والستهتار‪ ،‬واتهم بالزندقة والكفر‬
‫لشتغاله بالفلسفة‪.‬‬
‫ولما شاع ذلك عنه نقمة أهل أشبيلية وأشركوا عاملها‬
‫في التهمة وكادوا يهمون به فأشار عليه بالهجرة متن‬
‫أشبيلية فاختار البحر إلى عدوة المغرب ومدح ولته من‬
‫قبل المعز الفاطمي‪ ،‬ثم نمي خبره إلى المعز فوجه‬
‫في طلبه فوفد عليه بأفريقية ومدحه فاصطفاه واتخذ‬
‫شاعر دولته‪.‬‬
‫ولما فتح جوهر مصر وبنى القاهرة ورحل إليها المعز‬
‫ليتخذها دار ملكه شيعه ابن هانئ‪ ،‬ورجع لخذ عياله‬
‫واللتحاق به‪ ،‬فتجهز وتبعه‪ ،‬فلما وصل إلى برقة مات‬
‫بها سنة ‪ 362‬ه?‪ ،‬وعمره ‪ 36‬سنة‪.‬‬
‫شعره‪ :‬لم ينبغ في شعراء جزيرة الندلس ول بر‬
‫المغرب جميعهما من يفوق ابن هانئ في صناعة الشعر‬
‫أو يساويه فقد كان عندهم في الشهرة والجادة‬
‫وشرف الشعر بمنزلة المتنبي عند المشارقة ويسميه‬
‫كثير من الدباء بمتنبي المغرب‪.‬‬

‫‪548‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ومن قوله في وصف الخيل‪:‬‬
‫ب يوم مغارها‬
‫ل ل الهض ُ‬
‫وصواه ٍ‬

‫ب ول البيد ُ الحزون حزون‬


‫هض ٌ‬

‫ت بساعة سبقها ل أنها‬


‫عرف ْ‬

‫م الّرهان عيون‬
‫ت بها يو َ‬
‫علق ْ‬

‫وأج ّ‬
‫ل علم البرق فيها أنها‬

‫مّرت بجانحتيهِ وهي ظنون‬

‫ومن قوله الموهم الكفر في مطلع قصيدة يمدح بها‬


‫المعز‪:‬‬
‫ت القداُر‬
‫ت ل ما شاء ِ‬
‫ما شئ َ‬

‫فاحكم فأنت الواحد ُ القّهار‬

‫)‪ (11‬أبو العلء المعري‬


‫) ‪(1/377‬‬

‫هو أبو العلء أحمد بن عبد الله بن سليمان المعري‬


‫التنوخي الشاعر الفيلسوف المتفنن‪ :‬وهو عربي النسب‬
‫منى قبيلة تنوخ من بطون قضاعة من بيت علم وقضاء‪.‬‬

‫‪549‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ولد بمعرة النعمان سنة ‪ 363‬ه? وجدر في الثالثة من‬
‫عمره فكف بصره وتعلم على أبيه وغيره من أئمة‬
‫زمانه‪ ،‬وكان يحفظ كل ما يسمعه من مرة‪ :‬وقال‬
‫الشعر وعمره إحدى عشرة سنة‪ ،‬ودخل بغداد‪ ،‬وأقبل‬
‫عليه السيد المرتضى إقبال ً عظيما ً ثم جفاه‪ .‬ولما رجع‬
‫إلى المعرة أقام ولم يبرح منزلة‪ ،‬ونسك وسمى نفسه‬
‫رهن المحبسين‪ :‬محبس العمى ومحبس المنزل وبقي‬
‫فيه مكبا ً على التدريس والتأليف ونظم الشعر مقتنعا ً‬
‫بعشرات من الدنانير في العام يستغلها من عقار له‪،‬‬
‫مجتنبا ً أكل الحيوان وما يخرج منه مدة ‪ 45‬سنة‪ ،‬مكتفيا ً‬
‫بالنبات متعلل ً بأنه فقير وأنه يرحم الحيوان‪ .‬وعاش‬
‫عزبا إلى أن مات سنة ‪ 449‬ه? بالمعرة‪ .‬وأوصى أن‬
‫يكتب على قبره‪:‬‬
‫هذا جناه أبي عل‬

‫ت على أحد‬ ‫يّ وما جني ُ‬


‫شعره‪ :‬وله كثير من الشعر يناقض بعضه في حقيقة‬
‫العالم والشرائع والمعبود وللناس في اعتقاده أقوال‬
‫كثيرة والظاهر أنه كان شاكا ً متحيرا ً وهو أحكم الشعراء‬
‫بعد المتنبي ويفضل عليه في الطبيعيات والجتماعيات‬
‫والخلق والقوانين والفلسفة والشرائع والديان‪ .‬ومن‬
‫مراثيه قوله‪:‬‬
‫غير مجد ٍ في ملتي واعتقادي‬

‫ح باك ول ترّنم شادِ‬


‫نو ُ‬

‫‪550‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ت الّنعي إذا قي?‬
‫ه صو ُ‬
‫وشبي ٌ‬

‫??س بصوت البشير في كل ناد‬


‫ن‬
‫م الحمامة أم غ ّ‬
‫ت تلك ُ‬
‫أبك ْ‬

‫ت على فرع غصنها المياد‬


‫? ْ‬

‫صاح هذي قبرونا تمل الّرح‬

‫ب فأين القبوُر من عهد عاد‬


‫َ‬

‫ن أديم أل‬
‫خّفف الوطء ما أظ ّ‬

‫أرض إل ّ من هذه الجساد‬

‫ح بنا وإن قدم العه‬


‫وقبي ٌ‬

‫ن الباِء والجداد‬
‫د هوا ُ‬

‫ت في الهواء رويدا ً‬
‫سر إن استطع َ‬

‫ل اختيال ً على رفا ِ‬


‫ت العباد‬

‫ب لحد ٍ قد صار لحدا ً مرارا ً‬


‫ر ّ‬

‫م الضداد‬
‫ضاحك من تزاح ُ‬

‫‪551‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن على بقايا وفين‬


‫ودفي ِ‬
‫) ‪(1/378‬‬

‫في طويل الزمان والباد‬

‫سا‬
‫فاسأل الفرقدين عمن أح ّ‬

‫من قبيل وآنسا ً من بلد‬

‫م أقاما على زوال نهار‬


‫ك ْ‬

‫وأنارا لمدلِج في سواد‬

‫ب كلها الحياة ُ فما أع‬


‫تع ٌ‬

‫ب إل ّ من راغ ٍ‬
‫ب في ازياد‬ ‫ج ُ‬

‫ن حزنا ً في ساعة الموت إضعا‬


‫إ ّ‬

‫ف سرورٍ في ساعة الميلد‬


‫ُ‬

‫خلق الناس للبقاِء فضّلت‬

‫ة يحسبونهم للنفادِ‬
‫أم ٌ‬

‫‪552‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫إنما ينقلون من دار أعما‬

‫ل إلى دار شقوةٍ أو رشاد‬


‫ٍ‬

‫ومنها‪:‬‬
‫ن أمُر الله واختلف النا‬
‫با َ‬

‫س فداٍع إلى ضل َ‬
‫ل وهاد‬

‫ة فيه‬
‫والذي حارت البري ُ‬

‫ث من جماد‬
‫حيوان مستحد ٌ‬

‫ب من ليس يغت‬
‫ب اللبي ُ‬
‫فاللبي ُ‬

‫ن مصيره للفساد‬
‫ُر بكو ٍ‬

‫ومن قوله‪:‬‬
‫ة‬ ‫ضحكنا وكان الضح ُ‬
‫ك منا سفاه ً‬

‫وحقّ لس ّ‬
‫كان البسيطة أن يبكوا‬

‫تح ّ‬
‫طمنا اليام حتى كأننا‬

‫ج ولكن ل يعاد لنا سبك‬


‫زجا ٍ‬

‫‪553‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫?)‪ (12‬ابن خفاجة الندلسي‬


‫هو أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله خفاجة شاعر‬
‫شرقي الندلس واشهر وصاف الطبيعة‪ :‬ولد بجزيرة‬
‫شقر من أعمال بلنسية سنة ‪ 450‬فتعلم ونظم الشعر‬
‫وكتب الرسائل الخوانية البليغة‪ ،‬الحوداث الجوية‬
‫ومناظر الطبيعة‪ :‬وله غزل رقيق ومدح بارع ورثاء بليغ‪.‬‬
‫شعره‪ :‬يمتاز بالجزالة وكثرة المعاني وازدحامها في‬
‫اللفظ حتى يحتاج في فهمها إلى التأمل على خلف‬
‫مذهب الندلسيين في ذلك‪ :‬توفي سنة ‪ 533‬ه?‪ :‬ومن‬
‫قوله يصف زهرة‪:‬‬
‫ومائسة تزهى وقد خلع الحيا‬

‫عليها حّلي حمرا ً وأودية خضرا ً‬


‫ة‬
‫ض ً‬
‫مف ّ‬
‫يذوب لها ريقُ الغمائ ُ‬
‫ويجمد ُ في أعطافها ذهبا ً نضرا ً‬

‫وقوله‪:‬‬
‫م‬
‫س لله درك ُ‬
‫يأهل أندل ٍ‬
‫ماٌء وظ ّ‬
‫ل وأنهاٌر وأشجاٌر‬

‫ة الخلد إل ّ في دياركم‬
‫ما جن ُ‬

‫ت أختاُر‬
‫ت هذي كن ُ‬
‫ولو تخّير ُ‬

‫‪554‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن تدخلوا سقرا ً‬
‫ل تخشوا بعد َ ذا أ ْ‬

‫فليس تدخ ُ‬
‫ل بعد الجنة الّناُر‬

‫الرواية والرواة‬
‫) ‪(1/379‬‬

‫جاءت الدولة العباسية وقد اتسع نطاق الرواية واختص‬


‫كل فريق من الناس برواية شيء‪ :‬فلما دونت الكتب‬
‫في عصر الدولة العباسية أفرغ الرواة ما حفظوه فيها‬
‫وأخذ أمر الرواية يضمحل شيئا ً فشيئا ً في أكثر العلوم‬
‫ول شيما الدب ثم اقتصر في الرواية على تصحيح‬
‫النطق والداء‪ :‬ولكل علم رواة مشهورون وقد سبق‬
‫الكلم على رواة العلوم والفنون في تاريخ وضعها‪.‬‬
‫وأما رواة الدب والشعر خاصة فأشهرهم حماد الرواية‬
‫الكوفي‪ ،‬وخلف الحمر البصري‪ ،‬وأبو عمرو الشيباني‬
‫الكوفي‪ ،‬والسكري البغدادي‪.‬‬
‫ومن رواة الدب بجميع فنونه لغة وشعرا ً وأخبارا ً أبو‬
‫عمرو بن العلء وأبو عبيدة معمر بن المثنى‪،‬‬
‫والصمعي‪ ،‬وأبو زيد النصاري‪ ،‬وأبو عبيد القاسم بن‬
‫سلم‪ ،‬ومحمد بن سلم الجمجمي‪ ،‬وغيرهم‪ .‬وهاك‬
‫ترجمة أشهرهم في الرواية‪.‬‬
‫الصمعي‬
‫هو شيخ رواة الدب المام الثبت الحجة الثقة التقي أبو‬

‫‪555‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫سعيد عبد الملك بن قريب بن عبد الملك بن علي‬
‫أصمع الباهلي البصري‪ .‬ولد سنة ‪ 123‬ه? ونشأ‬
‫بالبصرة فأخذ العربية والحديث والقراءة عن أئمة‬
‫البصرة وأخذ عن فصحاء العراب وأكثر الخروج إلى‬
‫البادية وشافه العراب وساكنهم وتعلم من خلف‬
‫الحمر نقد الشعر ومعانيه وكان أحفظ أهل زمانه حتى‬
‫قال مرة إني أحفظ اثني عشر ألف أرجوزة فقال له‬
‫رجل‪ :‬منها البيت والبيتان‪ .‬فقال‪ :‬ومنها المائة‬
‫والمائتان‪ .‬وعمر حتى أدرك زمن المأمون‪ .‬وأراد‬
‫المأمون أن يقدمه إليه فاعتذر بكبر السن‪ .‬ومات سنة‬
‫‪ 216‬ه? وله مؤلفات كثيرة‪.‬‬
‫?العصر الرابع عصر المماليك التركية ‪ 1330 656‬ه?‬
‫حالة اللغة العربية وادابها في ذلك العصر‬
‫) ‪(1/380‬‬

‫لما اكتسح التتار ممالك الدولة العباسية افترقوا إلى‬


‫ممالك متعددة بآسيا وشرقي أوروبا‪ ،‬ولم يلبثوا أكثر‬
‫من نصف قرن حتى أسلموا وشرعوا يخدمون السلم‪:‬‬
‫بتقريب العلماء إليهم وترغيبهم في التأليف‪ ،‬ففاد ذلك‬
‫في إدامة الحركة العلمية في الجملة‪ ،‬وإن لم يفد اللغة‬
‫العربية فائدة تذكر لمكان العجمة منهم‪ ،‬أما علوم‬
‫العرب وأدبها فلم يكن لها مباءة ترجع إليها إل البلد‬
‫العربية كالشام ومصر غير أنه أصبحت اللغة التركية‬
‫العثمانية هي اللغة الرسمية للعمال الديوانية‬
‫والسياسية في جميع الممالك العثمانية‪ ،‬فزاحمت اللغة‬

‫‪556‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫العربية مزاحمة ظهر أثرها بينا ً في تحرير الرسائل‬
‫الديوانية والمعاهدات السياسية‪ ،‬ودخل في اللغة أثناء‬
‫دولتي المماليك والعثمانيين كثير من اللفاظ التركية‬
‫والفارسية‪:‬‬
‫النثر لغة التخاطب‬
‫كادت تحل محل اللغة العامية العربية )في أعالي‬
‫الجزيرة وشرقي العراق( اللغة الفارسية والتركية‬
‫والكردية ممزوجة بشيء من اللفاظ العربية‪.‬‬
‫أما في بقية الجزيرة والعراق ومصر والشام فقد بقيت‬
‫العامية العربية لسان الجميع فيها حتى الملوك‬
‫والسلطين لغلبة العناصر العربية فيها‪ .‬بل دون بها‬
‫بعض العلماء ونظم بها الشعراء ثم أخذت العناية بها‬
‫في النحطاط‪.‬‬
‫الخطابة‬
‫لم تتغير الخطابة هما كانت عليه أواخر الدولة العباسية‬
‫من حيث قصورها على خطب الجمع والعياد وتلوة‬
‫بعض المرسومات والمنشورات وبقيت لغة الخطابة‬
‫العربية وحدها أو مع الترجمة إلى العجمية‪.‬‬
‫الكتابة الكتابة الخطية‬
‫درج الخط في هذا العصر في الطريق التي مهدها ابن‬
‫مقلة وابن البواب وياقوت الملكي وياقوت‬
‫المستعصمي‪ ،‬واستعملت فيه أكثر أنواعه وما زال‬
‫الخط يجري في مضماره حتى قبض على عنانه مكتبو‬
‫الترك العثمانيين فأبدعوا في تحسينه بما جعل جميع‬
‫العالم يعترف لهم بالسبق‪ :‬ومن أشهرهم الشيخ حمد‬
‫الله الماسي إمام الخطاطين العثمانيين‪ ،‬وجلل الدين‪،‬‬

‫‪557‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والحافظ عثمان‪.‬‬
‫الكتابة النشائية كتابة الرسائل‬
‫) ‪(1/381‬‬

‫اتبعت في كتابة الرسائل أثناء هذا العصر طريقة‬


‫القاضي الفاضل التي أساسها المعاني الخيالية والتزام‬
‫السجع والمحسنات البديعة وعضد هذه الطريقة من‬
‫كتاب هذا العصر شهاب الدين محمود الحلبي المتوفى‬
‫سنة ‪ 755‬ه?‪ .‬ومحيي الدين بن عبد الظاهر‪ ،‬وابن‬
‫فضل الله العمري وأولده‪ ،‬وبقيت هذه الطريقة مرعية‬
‫في مصر والشام حتى نهاية دولة المماليك وصدر‬
‫حكومة العثمانيين‪ .‬ولما غلبت اللغة التركية العثمانية‬
‫على كتابة الدواوين وأصبحت رسمية في الحواضر‬
‫والمصار‪ ،‬أخذ شأن الكتابة العربية في الضمحلل‪.‬‬

‫الكتاب‬
‫)‪ (1‬القاضي محيي الدين عبد الظاهر‬
‫) ‪(1/382‬‬

‫هو الكاتب الشاعر عبد الله بن عبد الظاهر الجذامي‬


‫المصري ولد سنة ‪ 620‬ه? ورباه والده‪ ،‬وبرع في كتابة‬
‫الرسائل سالكا ً طريقة القاضي الفاضل وخدم في‬
‫ديوان النشاء مدة الملك الظاهر بيبرس وولديه‪ ،‬وبعض‬
‫أيام المنصور قلوون ويعتبر محيي الدين وابنه محمد‬
‫فتح الدين من واضعي اصطلح النشاء ونظام ديوانه‬
‫‪558‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الذي ظل مرعيا ً في مصر والشام حتى نسخة النظام‬
‫التركي العثماني‪ ،‬وتوفي سنة ‪ 692‬ه? وله تأليف‬
‫ومكاتبات سلطانية كثيرة‪ ،‬وله من رسالة كتبها على‬
‫لسان الملك المنصور قلوون يرد على صاحب اليمن‬
‫في تعزيته على موت ابنه‪" :‬ولنا )والشكر لله( صبر‬
‫جميل‪ ،‬ل نأسف معه على فائت ول نأسى على مفقود‪،‬‬
‫وإذ علم الله )سبحانه( حسن الستنابة إلى قضائه‪،‬‬
‫والستكانة إلى عطائه‪ ،‬عوض كل يوم ما يقول المبشر‬
‫به‪ :‬هذا مولى مولود‪ ،‬وليست البل بأغلظ أكبادا ً ممن‬
‫له قلب ل يبالي بالصدمات كثرت أو قلت‪ ،‬ول بالتباريح‬
‫حقرت أو جلت‪ ،‬ول بالزمات إن هي توالت أو تولت ول‬
‫بالجفون إن ألقت ما فيها من الدموع والهجوع وتخلت‬
‫ويخاف من الدهر من ل حلب أشطره‪ ،‬ويأسف على‬
‫الفائت من ل بات بنبإ الخطوب على أن الفادح بموت‬
‫الولد الملك الصالح )رضي الله عنه( وان كان منكيا ً‬
‫والنافح بشجوه وإن كان مبكيًا‪ .‬والنائح بذلك السف‬
‫وإن لنار السف مذكيًا‪ .‬فإن وراء ذلك من تثبيت الله‬
‫عز وجل ما ينسفه نسفًا‪ ،‬ومن إلهامه الصبر ما يجدد‬
‫لتمزيق القلوب أحق ما به ترفى‪ .‬وبكتاب الله )تعالى(‬
‫وسنة رسوله )صلى الله عليه وسلم( عندنا حسن‬
‫اقتداء يضرب عن كل رثاء صفحًا"‪.‬‬
‫)‪ (2‬شهاب الدين بن فضل الله العمري‬
‫) ‪(1/383‬‬

‫‪559‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫هو الشاعر الكاتب المصنف القاضي أبو العباس شهاب‬
‫الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله العمري سليل عمر‬
‫بن الخطاب‪ ،‬وصاحب كتاب مسالك البصار ولد بمدينة‬
‫دمشق سنة ‪ 700‬وتفقه وتأدب على أبيه وغيره‪ ،‬وكان‬
‫أعلم أهل القطرين بتاريخ الملوك‪ ،‬وطبقات العلماء‪،‬‬
‫والدباء‪ ،‬وعلم وصف الرض‪ ،‬فوق الفقه الذي نال فيه‬
‫مرتبة الفتاء وتوفي سنة ‪ 749‬ه?‪ ،‬ومن إنشائه في‬
‫وصف قط زباد من رسالة طويلة )وقط الزباد الذي ل‬
‫تحكيه السود في صورها‪ :‬ول تسمح غزلن المسك بما‬
‫يخزنه من عرفه الطيب في سررها كم تنقل في بيوت‬
‫طابت موطنًا‪ ،‬ومشى من دار أصحابه فقالوا‪َ) :‬رب َّنا‬
‫جل ل َّنا قِط َّنا( ]ص‪.([16 :‬‬
‫عَ ّ‬
‫ومن فصول رسائله فصل كتبه من رسالة عن لسان‬
‫سلطانه إلى الشام مع طيور صيد جوارح أرسلها إليه‪:‬‬
‫صدرت هذه المكاتبة إلى الجناب العالي بسلم جميل‬
‫الفتتاح‪ ،‬وثناء يطير إليه وكيف ل تطير قادمة بجناح‪،‬‬
‫ونعلمه أن مكاتبته المتقدمة الورود تضمنت التذكار من‬
‫الجوارح بما بقي من رسمه وجرت عادة صدقاتنا‬
‫الشريفة أن تحسب في قسمه وقد جهزنا له الن منها‬
‫ثلثة طيور ل يبعد عليها مطار‪ ،‬ول يوقد للقرى في غير‬
‫حماليقها جذوة نار‪ :‬ول تؤم طيرا ً إل وترش الرض بدمه‬
‫فل يلحق لها وهي طائركم لها من فتك أخذ الطير من‬
‫مأمنه‪ ،‬وسلب ما تحلى به من رياش الريش ثم تزيا‬
‫بأحسنه‪.‬‬
‫)‪ (3‬لسان الدين بن الخطيب‬
‫) ‪(1/384‬‬
‫‪560‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫هو ذو الوزارتين الكاتب الشاعر‪ .‬أبو عبد الله لسان‬


‫الدين محمد بن عبد الله المعروف بابن الخطيب تأدب‬
‫وتفقه واجتمع له من الحكمة والدب ملكة يلذ بها أدباء‬
‫الندلس كتابة وشعرا ً وتصنيفا ً وسياسة ومات سنة‬
‫‪ 776‬ه?‪.‬‬
‫ومن قصار رسائله رسالة في الشوق كتبها إلى ابن‬
‫خلدون وهي بعد الديباجة )أما الشوق فحدث عن البحر‬
‫ول حرج‪ ،‬وأما الصبر فسل به أية درج‪ ،‬بعد أن تجاوز‬
‫اللوى والمنعرج‪ ،‬لكن الشدة تعشق الفرج‪ ،‬والمؤمن‬
‫ينشق من روح الله الرج‪ ،‬وأني بالصبر‪ ،‬على إبر الدبر‪.‬‬
‫بل الضرب الهبر‪ .‬ومطاولة اليوم والشهر حتى حكم‬
‫القهر‪ ،‬وهل للعين أن تسلو سلو المقصر‪ .‬عن إنسانها‬
‫المبصر‪ ،‬أو تذهل ذهول الزاهد‪ .‬عن سرها الرائي‬
‫والمشاهد‪ .‬وفي الجسد مضغة يصلح إذا صلحت فكيف‬
‫حاله إن رحلت عنه ونزحت‪ ،‬وإذا كان الفراق هو‬
‫الحمام الول‪ .‬فعلم المعول‪ ،‬أعيت مراوضة الفراق‬
‫على الراق‪ ،‬وكادت لوعة الشتياق‪ ،‬أن تفضي إلى‬
‫السياق‪.‬‬
‫تركتموني بعد تشييعكم‬

‫أوسعُ أمَر الصبر عصيانا‬


‫أقرع ُ سّني ندما ً تارةً‬

‫ح الدمعَ أحيانا ً‬
‫وأستمي ُ‬

‫‪561‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫التدوين‬
‫ألف علماء هذا العصر تأليف جمة أخلفت على العربية‬
‫بعض ما أباده التتار والصليبيون‪ :‬من الكتب النفسية‪.‬‬
‫ويرجع أكثر الفضل في ذلك إلى علماء مصر والشام‬
‫وجالية الندلس‪ .‬أما أعاجم المشرق وإن ألفوا في‬
‫العلوم السلمية والفلسفية فإن تأثير بيئتهم العجمية‬
‫جعل كتبهم صعبة التناول ضعيفة الثر في تقدم اللسان‬
‫العربي مما ستعرفه من أحوال العلوم ومؤلفيها‪.‬‬
‫الدب‬
‫قد كان لدباء القاهرة من الكتاب السبق في وضع‬
‫الكتب الجامعة التي تبحث في عدة علوم أدبية أو‬
‫ملحقة بها‪ .‬ومن هؤلء‪:‬‬
‫) ‪(1/385‬‬

‫شهاب الدين النويري صاحب "نهاية الرب"‪ ،‬وابن فضل‬


‫الله العمري صاحب مسالك البصار‪ ،‬وشهاب الدين‬
‫القلقشندي صاحب صبح العشى‪ .‬وممن ألف في‬
‫الدب بمناح مختلفة‪ :‬جمال الدين الوطواط صاحب‬
‫الغرر والعرر‪ ،‬وشهاب الدين الحلبي صاحب منازل‬
‫الحباب‪ ،‬وحسن التوسل إلى صناعة الترسل‪ ،‬وشهاب‬
‫الدين أحمد البشيهي صاحب المستطرف‪ ،‬والنواجي‬
‫صاحب حلبة الكميت‪.‬‬

‫بقية العلوم السلمية‬


‫لما أباد التتار بقية العلماء والنحاة في الشرق‪ ،‬كاد أفق‬

‫‪562‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫المشرق والشام ومصر يصفر من النحاة وأهل اللغة‪،‬‬
‫لول أن تداركها الله بدخول التتار في السلم‬
‫ومعاضدتهم هم والدول التي خلفتهم للعلم والعلماء‪،‬‬
‫وبجلء بعض كبار النحاة واللغويين من الندلس والغرب‬
‫قبيل حادث التتار وبعده‪ .‬كابن مالك‪ ،‬والشاطبي‪ ،‬وأبي‬
‫حيان‪ ،‬وابن منظور الفريقي‪ ،‬فجددوا والنحو واللغة‬
‫بمصر والشام‪ ،‬وتخرج عليهم تلميذ أفاضل كانوا‬
‫كواكب العصور المتأخرة‪ ،‬فدونوا العلم وحفظوه لمن‬
‫أتى بعدهم ممن نشؤوا في العصور المظلمة‪.‬‬
‫كتابة التدوين والتصنيف‬
‫أما كتابة التدوين فكانت في المتون ونحوها موجز جدًا‪.‬‬
‫وكانت في الشروح والمطولت مبسوطة‪ :‬ومن أشهر‬
‫المؤلفين في هذا العصر ابن خلكان‪ :‬وابن خلدون‬
‫والسيوطي‪ :‬وابن مكرم‪:‬والفيروز أبادي‪ :‬وعز اليدين بن‬
‫عبد السلم المتوفى سنة ‪ 660‬ه?‪ ،‬وابن حجر‬
‫العسقلني المتوفى سنة ‪ 852‬ه?‪ ،‬وابن هشاالجرجاني‪،‬‬
‫المتوفى سنة ‪ ،816‬والشهاب الخفاجي‪ .‬م النحوي‬
‫المتوفى سنة ‪ 761‬ه?‪ ،‬ولسان الدين بن الخطيب‬
‫المتوفى ‪ 776‬ه?‪ ،‬وسعد الدين التفتازاني المتوفى‬
‫سنة ‪ ،791‬والسيد‬
‫????ابن خلكان‬
‫) ‪(1/386‬‬

‫هو قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن‬


‫إبراهيم بن أبي بكر خلكان الربلي ولد سنة ‪ 608‬ه?‬

‫‪563‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بمدينة أربل وأقام بها إلى سنة ‪ 621‬ه? فرحل إلى‬
‫حلب ومكث بها سنين ثم إلى دمشق وأقام مدة‪ ،‬ثم‬
‫أقام بمصر وتولى القضاء بها وفيها ألف أكثر تاريخه‬
‫العظيم "وفيات العيان" ثم تقلبت ب الحوال بين‬
‫مصر والشام إلى أن مات بدمشق سنة ‪ :681‬وكان‬
‫كاتبا ً بليغًا‪ ،‬وشاعرا ً مجيدًا‪ ،‬حسن المحاضرة‪ ،‬لطيف‬
‫المعاشرة‪ ،‬وساع الطلع‪ ،‬شديد التحري والضبط‬
‫)"وتاريخه" "وفيات العيان" "وأنباء أبناء الزمان"(‬
‫أفضل بأيدي الناس ممن كتب التاريخ لشدة عنايته‬
‫بضبط العلم وأسماء البقاع والبلدان وتحقيق الحوادث‬
‫بحسب المكان‪.‬‬
‫ابن خلدون‬
‫هو حكيم المؤرخين‪ ،‬وعلم المحققين‪ ،‬الفقيه القاضي‬
‫الكاتب الشاعر المصنف عبد الرحمن ابن محمد‬
‫المعروف بابن خلدون ولد بتونس سنة ‪ 732‬ه?‪ ،‬وتلقى‬
‫العلم والدب من أبيه ومن كبار العلماء‪ ،‬وقرأ العلوم‬
‫العقلية والفلسفية على بعض حكماء المغرب‪ ،‬واحترف‬
‫بصناعة الكتابة وهو شاب لم يطر شاربه‪ ،‬ثم وصل بعد‬
‫ذلك إلى ملوك بني الحمر فحظي عندهم حتى حسده‬
‫على ذلك صديقه لسان الدين بن الخطيب فأقلع‬
‫عنها‪،‬وذهب إلى صاخب بجاية بالمغرب الوسط فوزر‬
‫له‪ ،‬وبقي يتردد بين المغرب الوسط والقصى وأفريقية‬
‫والندلس حتى حسن في عينه التخلي عن السياسة‬
‫والنقطاع إلى العلم‪ ،‬فنزل إلى بعض قبائل العرب على‬
‫حدود الصحراء أربعة أعوام ألف فيها تاريخه ومقدمته‬
‫التي لم ينسج أحد من المتقدمين ول المتأخرين على‬

‫‪564‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫منوالها‪ ،‬ثم عزم على الحج فدخل مص زمن سلطانها‬
‫برقوق‪ .‬ثم استقدم أهله وولده من المغرب فغرقت‬
‫بهم السفينة فأقام بمصر حزينًا‪ ،‬وجلس للتدريس‬
‫بالجامع الزهر‪ ،‬وتولى قضاء المالكية سنة ‪ 786‬ه? إلى‬
‫أن مات سنة ‪ 808‬ه?‪.‬‬
‫??جلل الدين السيوطي‬
‫) ‪(1/387‬‬

‫هو عبد الرحمن جلل الدين بن المام كمال الدين‬


‫الخضيري السيوطي العالم المحدث المفسر صاحب‬
‫التصانيف المشهورة‪ :‬واد سنة ‪ 849‬ه? ونشأ يتيما ً‬
‫وحفظ القرآن وعمره دون الثمان‪ ،‬ثم حفظ متون‬
‫الفقه والنحو‪ ،‬وأخذ العلم عن مشايخ وقته وابتدأ في‬
‫التصنيف وسنه ‪ 17‬سنة‪ ،‬ثم لزم الشياخ وطلب العلم‬
‫في بقاع الرض فدخل الشام والحجاز واليمن والهند‬
‫والمغرب والتكرور ونبغ في كثير من العلوم‪ ،‬ورزق‬
‫التبحر في التفسير والحديث والفقه والنحو والمعان‬
‫والبيان والبديع وتولى التدريس والفتاء ولم يكن أشهر‬
‫منه في زمنه‪ .‬ويعد السيوطي من الئمة الذين حفظوا‬
‫العلم للخلف وسهلوا سبيله للمتأخرين‪ ،‬وقد ترك‬
‫للناس أكثر من ثلثمائة مصنف‪ ،‬وتوفي ستة ‪ 911‬ه?‬
‫بالقاهرة‪.‬‬
‫?الشعر‬
‫لما كان أكثر الملوك والمراء في هذا العصر أعاجم‬
‫بالفطرة‪ ،‬كان نيلهم إلى الشعر العربي غير طبيعي‪،‬‬

‫‪565‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ولذلك انقرض الشعر العربي من أواسط آسيا وبقيت‬
‫صبابة منه بالعراق والجزيرة‪ :‬وبقي على كل شيء من‬
‫الرونق في الشام ومصر والندلس والمغرب‪ ،‬غير أنه‬
‫قل التكسب به فيها‪ ،‬فمال أكثر الشعراء إلى انتحال‬
‫الكتابة والدواوين صناعة واستعملوا الشعر في تملق‬
‫الملوك والرؤساء وفي إظهار التفصح والتسلية فهجر‬
‫قوله في الغراض الهامة وعدل به إلى أغراض أخرى‪.‬‬
‫الشعراء‬
‫ظهر في هذا العصر شعراء كثيرون‪ ،‬من أشهرهم‪،‬‬
‫شرف الدين النصاري المتوفى سنة ‪ 662‬ه?‪ ،‬وجمال‬
‫الدين بن نباتة المصري المتوفى سنة ‪ 768‬ه?‪ ،‬وشهاب‬
‫الدين التلغفري المتوفى سنة ‪ 675‬ه?‪ ،‬وأبو بكر بن‬
‫حجة المتوفى سنة ‪ 837‬ه?‪ ،‬وصفي الدين الحلي‬
‫المتوفى سنة ‪ 1111‬ه?‪ ،‬وهاك ترجمة بعضهم‪1 :‬‬
‫البوصيري هو شرف الدين محمد بن سعيد بن حماد‬
‫الصنهاجي البوصيري‪ ،‬صاحب البردة والهمزية‪ ،‬ولد‬
‫بدلص ونشأ ببوصير ثم انتقل إلى القاهرة‪ ،‬وتعلم علوم‬
‫العربية والدب فقال الشعر البليغ في جده وهزله ومن‬
‫أشهر شعره قصيدة البردة الشهير التي أولها‪:‬‬
‫أمن تذك ّرِ جيرا ٍ‬
‫ن بذي سلم ِ‬
‫) ‪(1/388‬‬

‫ت دمعا ً جرى من مقلةٍ بدم‬


‫مزج َ‬

‫ة‬
‫ح من تلقاِء كاظم ٍ‬
‫ت الري ُ‬
‫أم هب ّ ِ‬

‫‪566‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ظلماء من إضم‬‫ض البرقُ في ال ّ‬


‫وأوم َ‬
‫ت اكففاهمتا‬‫فما لعينيك إن قل َ‬

‫ت استفق يهم ِ‬
‫وما لقلبك إن قل َ‬

‫ب منكتم‬
‫ب أن الح ّ‬
‫أيحسب الص ّ‬

‫ما بَين منسجم منه ومضطرم ِ‬

‫ومن حكمها البديعة المشوبة بمحاسن البديع قوله‪:‬‬


‫ب على‬
‫طفل إن تهمله ش ّ‬‫والّنفس كال ّ‬

‫حب الّرضاع وإن تفطمه ينفطم‬

‫ف هواها وحاذْر أن توّليه‬


‫فاصر ْ‬

‫ّ‬
‫إن الهوى ما تولى يصم ِ أو يصم ِ‬

‫ة‬
‫وراعها وهي في العمال سائم ٌ‬

‫وإن هي استحلت المرعى فل تسم ِ‬


‫ة‬
‫ت لذة ً للمرء قاتل ً‬
‫كم حسن ْ‬

‫دسم‬
‫سم في ال ّ‬
‫من حيث لم يدر أن ال ّ‬

‫‪567‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ش الدسائس من جوع ومن شبع‬
‫واخ َ‬

‫ب مخمصةٍ شّر من الّتخم ِ‬


‫فر ّ‬

‫ت‬
‫واستفرغ الدمعَ من عين قد امتل ْ‬

‫ة الّندم ِ‬
‫م حمي َ‬
‫من المحارم ِ والز ْ‬

‫وقصيدته الهمزية في مدحه محمد صلى الله عليه‬


‫وسلم ل تقل عن البردة في فصاحتها‪ ،‬وأولها‪:‬‬
‫كيف ترقى رقيك النبياء‬

‫يا سماء ما طاولتها سماء‬

‫لم يساووك في علك وقد حا‬

‫ل سنا منك دونهم وسناء‬

‫وتوفي البوصيري سنة ‪ 696‬ه? بالسكندرية وقبره بها‬


‫مشهور يزار‪.‬‬
‫??‪ 2‬صفي الدين الحلي‬
‫هو عبد العزيز الملك المنصور بن علي الشهير بابن‬
‫سرايا الطائي الحلي شاعر الجزيرة ولد سنة ‪ 677‬ه?‪،‬‬
‫ونشأ بمدينة الحلة من مدن الفرات فتأدب ونظم‬
‫الشعر وأجاده وأصبح فيه أشهر شعراء عصره‪ ،‬وخدم‬
‫به نجم الدين غازي بن قره أرسلن‪ :‬أحد ملوك الدولة‬

‫‪568‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الرتقية )ديار بكر(‪.‬‬
‫واتصل بعده بابنه الملك الصالح شمس الدين‪ ،‬ثم ذهب‬
‫إلى الحج وعرج منصرفه منه إلى مصر فمدح الملك‬
‫الناصر بن قلوون وتوفي سنة ‪ 750‬ه?‪.‬‬
‫ويعتبر صفي الدين من أئمة البديع المبتدعين في‬
‫أنواعه المغالين في استعماله في شعرهم بل كثير‬
‫تكلف‪ ،‬وهو أول من نظم القصائد النبوية الجامعة لنواع‬
‫البديع المسماة بالبديعيات على مثال بردة البوصيري‪.‬‬
‫ومن وقوله في الدب‪:‬‬
‫) ‪(1/389‬‬

‫ن‬
‫ة الجليس ول تك ْ‬
‫اسمعْ مخاطب َ‬

‫عجل ً بنطقك قبلما تتفهّ ُ‬


‫م‬

‫ط مع أذنيك نطقا ً واحدا ً‬


‫لم تع َ‬

‫م‬
‫ف ما تتكل ُ‬
‫إل لتسمع ضع َ‬

‫?‪ 3‬ابن نباتة المصري‬


‫هو جمال الدين محمد بن محمد المعروف بابن بناتة‪،‬‬
‫أشعر شعراء المصريين زمن المماليك‪ .‬ولد سنة ‪686‬‬
‫ه? ونشأ بالقاهرة‪ ،‬وتلقى العلم والدب وانكب على‬
‫قراءة شعر القاضي الفاضل ورسائله‪ ،‬فرسخت في‬
‫طريقته من الولوع بالتورية والتلميح والطباق‪ ،‬لم يأت‬

‫‪569‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بعده من شعراء مصر والشام من بلغ غايته في لطف‬
‫التصور ورقة اللفظ وانسجام العبارة ومات سنة ‪768‬‬
‫ه? ومن شعره قوله‪:‬‬
‫يا مشتكي الهم دعه وانتظر فرجا ً‬

‫ودار وقتك من حين إلى حين‬

‫ول تعاند إذا أصبحت في كدر‬

‫فإنما أنت من ماء ومن طين‬

‫?‪ 4‬ابن معتوق الموسوي‬


‫هو شهاب الدين بن معتوق الموسوي شاعر العراق في‬
‫عصره وسابق حلبته في رقة شعره‪ .‬ولد سنة ‪1025‬‬
‫ونشأ بالبصرة وبها تعلم وتأدب وقال الشعر وأجاده‪،‬‬
‫وكان في نشأته فقيرا ً فاتصل بالسيد على خان أحد‬
‫أمراء البصرة من قبل لدولة الصفوية اليرانية وكانت‬
‫وقتئذ تملك العراق والبحرين‪ ،‬ومدحه مدحا ً رقيقة‪،‬‬
‫وأكثر شعره مقصور عليه وعلى آل بيته فغمره‬
‫بإحسانه‪ .‬وابن معتوق من كبار شعراء الشيعة فمدح‬
‫عليا ً والشهيدين بما يرج عن حد الشرع والعقل‪ ،‬ومات‬
‫سنة ‪ 1111‬ه?‪ ،‬ويمتاز شعره بالرقة وكثرة المجازات‪.‬‬
‫??"العصر الخامس عصر النهضة الخيرة من ‪1330‬‬
‫إلى الوقت الحاضر"‬
‫) ‪(1/390‬‬

‫‪570‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫حالة اللغة العربية وآدابها في هذا العصر كانت حالة‬
‫البلد العربية في أوائل القرن الثالث عشر غاية ما‬
‫وصلت إليه من الفساد والضمحلل‪ ،‬فلما استولى‬
‫ساكن الجنان محمد علي باشا على مصر رأى بحكمته‬
‫أن يربي من يكون خير واسطة لنقل معارف الوروبيين‬
‫إليها‪ .‬فبعث إلى أوروبا ثلثة بعوث علمية في أزمنة‬
‫مختلفة كونت بعد ثلث طبقات من العلماء‪ ،‬والطباء‪،‬‬
‫والمهندسين‪ ،‬والضباط‪ .‬فنقلوا إلى اللغة العربية‬
‫عشرات الكتب الجليلة في العلوم المختلفة فأحدث‬
‫ذلك في اللغة العربية انقلبا ً عظيمًا‪ ،‬واكتسبت من‬
‫سعة الغراض والمعاني واللفاظ العلمية والساليب‬
‫الجنبية وطرق البرهنة والستنباط وترتيب الفكر ثروة‬
‫طائلة‪ ،‬ورأى العلماء والدباء أنه صارت لهم دولة‬
‫منظمة متحضرة تقبل منهم بقبول حسن كل كما‬
‫يحسنونه من نتيجة كدهم وثمرة أفكارهم فالتفوا حولها‬
‫وصارت للدولة كتاب وشعراء ومنشؤون في جريدتها‬
‫"الوقائع" أول جريدة عربية‪ ،‬واقتدى بمصر أهل الشام‪،‬‬
‫بل ركدت ريها زمن عباس باشا الول وزمن سعيد‬
‫باشا‪ ،‬ثم تنسمت في عصر اسماعيل‪ ،‬وما لبثت أن‬
‫صارت رخاء طيبة فأعاد سيرة في نشر العلم‪ ،‬وظهرت‬
‫ثمرة أعماله في حياته وكادت مصر توشك أن تكون‬
‫قطعة من أوروبا‪.‬‬
‫النثر المحادثة أو لغة التخاطب‬
‫كانت العامية في أوائل هذه العصور غاية في‬
‫النحطاط‪ ،‬ثم لما انتشر التعليم بين طبقات المصريين‬
‫دخل عباراتهم كثير من الفصيح‪ ،‬وانتقل ذلك‬

‫‪571‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لمعاشريهم من الميين وبعض النساء‪ ،‬ومما ساعد على‬
‫ذلك أيضا ً جعل التقاضي باللغة الفصيحة وكثرة الصحف‬
‫والمجلت والروايات‪.‬‬

‫الخطابة‬
‫) ‪(1/391‬‬

‫كان المصريون والسوريون أوائل هذا العصر ل‬


‫يستعملون الخطابة في غير الغراض الدينية‪ ،‬ثم‬
‫اتسعت ائرة الفكار في عصر إسماعيل باشا‪ ،‬وصادف‬
‫ذلك مجيء السيد جمال الدين الفغاني إلى مصر‪،‬‬
‫والتف خوله لفيف من أدباء المصريين والسوريين‪،‬‬
‫فأدخلهم في عداد جمعيته وألف منهم أندية كانوا‬
‫ينتابون الخطابة فيها في المور الدينية السياسية‬
‫والجتماعية‪ ،‬وانتشرت الخطابة بين شبان مصر وفشت‬
‫بعد عصر إسماعيل في زمن توفيق باشا وصاحب‬
‫السمو الخديوي عباس باشا الثاني‪ :‬ومن أشهر‬
‫خطبائهم السيد عبد الله النديم‪ ،‬والشيخ محمد عبده‪،‬‬
‫ومصفى باشا كامل‪ ،‬ومحمد بك فريد‪ ،‬وسعد باشا‬
‫غلول‪ ،‬والشيخ عبد العزيز جاويش وغيرهم‪ ،‬حتى بلغت‬
‫الخطابة في عصرنا هذا مبلغا ً عظيمًا‪.‬‬
‫الكتابة الخطية‬
‫وقف الخط في سبيل تقدمه عند الحد الذي رسمته له‬
‫الطبقة الناشئة والحادي والثاني عشر من خطاطي‬
‫الترك‪ ،‬وكل ما نشأ بعدهم فإنما هو متبع طريقهم‪.‬‬

‫‪572‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأشهرهم عبد الله الزهدي‪ ،‬وهو الذي خط بالقلم‬
‫الجليل جدران المسجد النبوي وجدران سبيل والدة‬
‫عباس باشا بالصليبية بالقاهرة‪ ،‬ومحمد مؤنس أفندي‪،‬‬
‫وتخرج عليه وعلى تلميذه محمد جعفر بك جميع‬
‫خطاطي قطرنا المصري‪.‬‬
‫الكتابة النشائية‬
‫) ‪(1/392‬‬

‫مضى العصر المتقدم وليس لكتابة الدواوين في‬


‫أواخره شيء يذكر لجعل التركية هي اللغة الرسمية‪،‬‬
‫وأقبل العصر الحاضر والحال لم تتغير في المماليك‬
‫العثمانية إل قليل ً وشرعت تتغير في مصر‪ ،‬ثم لما‬
‫أنشئت المدارس النظامية نشأت طبقة من كتاب‬
‫الدواوين رقوا كتابتها‪ .‬وقد هجر السجع الذي أكثر منه‬
‫القدمون إل أن عبد الله باشا الفكري أشهر المصلحين‬
‫للكتابة الديوانية الفصيحة ألم به في كثير من مكاتبته‬
‫الرسمية‪ ،‬كما سبق ذلك في المكاتبات‪.‬‬
‫أما كتابة التأليف والصحف فأخذت تنحو منحى كتابة‬
‫ابن خلدون في "مقدمته"‪ .‬ولما ولت الحكومة الشيخ‬
‫محمد عبده تحرير الوقائع الرسمية والشراف على‬
‫تحرير الجرائد‪ ،‬ترقت كتابتها كثيرا ً ودرجت في سبيل‬
‫التقدم إلى الن‪:‬‬
‫كتابة التدوين‬
‫) ‪(1/393‬‬

‫‪573‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كان أكثر الكتب التي ألفت أو ترجمت في مصر علمية‪،‬‬
‫لشدة احتياجها إليها‪ .‬أما سورية فكانت حالة الدب فيها‬
‫في لنصف الول من العصر الحاضر خيرا ً منها في‬
‫مصر‪ ،‬ولكن مصر نهضت في النصف الثاني واسترجعت‬
‫حياتها الدبية وأدخلت دراسة أدب اللغة في مدارسها‬
‫وألف فيها عدة كتب‪ .‬وانح شأن سورية في العربية فلم‬
‫ينبغ في اللغة من السوريين في السنوات الخيرة من‬
‫يضارع سابقيهم‪ .‬ومن أشهر العلماء الزهريين في هذا‬
‫العصر الشيخ الجبرتي‪ ،‬الشيخ حسن العطار‪ ،‬والشيخ‬
‫العروسي‪ ،‬والشيخ التميمي‪ ،‬والشيخ الباجوري‪ ،‬والشيخ‬
‫عليش‪ ،‬والشيخ البياري‪ ،‬والشيخ السقا‪ ،‬والشيخ‬
‫النبابي‪ ،‬والشيخ محمد الشموني‪ ،‬والشيخ الشربيني‪،‬‬
‫والشيخ سليم البشري‪ ،‬والشيخ محمد البحيري‪ ،‬ووالد‬
‫مؤلف هذا الكتاب وغيرهم‪ :‬ومن غير الزهريين من غير‬
‫النهضة الحديثة رفاعه بك شيخ المترجمين والمؤلفين‬
‫المصريين‪ ،‬والنطاسي الشهير محمد علي باشا‪ ،‬والسيد‬
‫صالح مجدي بك ومحمود باشا الفلكي‪ ،‬وأحمد ندا بك‪،‬‬
‫وعبد الله باشا فكري‪ ،‬وقدري باشا‪ ،‬ودري باشا‪،‬‬
‫والشيخ ناصيف اليازجي‪ ،‬والشيخ إبراهيم اليازجي‪،‬‬
‫وأحمد فارس‪ ،‬والشيخ علي يوسف‪ ،‬وأديب أسحاق‬
‫وغيرهم‪ .‬وهاك ترجمة النهضة الخديثة‪.‬‬
‫‪ 1‬رفاعة بك رافع الطهطاوي‬
‫) ‪(1/394‬‬

‫‪574‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫هو الكاتب الشاعر السيد رفاعة بك الحسيني‬
‫الطهطاوي شيخ الترجمة إمام النهضة الحديثة‪ ،‬ول‬
‫بطهطا من أسرة شريفة‪ ،‬وتأدب وتعلم في الجامع‬
‫الزهر ثم انتخب إماما ً لبعض فرق الجيش‪ ،‬ولم يلبث‬
‫أن اختاره المرحوم محمد علي باشا إماما ً ومعلما ً لول‬
‫بعث علمي أرسل إلى فرنسا سنة ‪ 1241‬ه? فراقته‬
‫علوم أوروبا وعظمتها أكب بنفسه على تعلم اللغة‬
‫الفرنسية‪ ،‬فلما عاد إلى مصر سنة ‪ 1247‬اختار محمد‬
‫علي باشا رئيسا ً للترجمة بمدرسة أبي زعبل‪ ،‬واشترك‬
‫هو وأستاذه الشيخ حسن العطار في إنشاء جريدة‬
‫"الوقائع المصرية" وتحريرها ثم نقل إلى مدرسة‬
‫المدفعية )الطبجية( ثم صار مديرا ً لمدرسة اللسن‬
‫والترجمة‪ ،‬ثم انتخب عضوا بلجنة المدارس وتولى‬
‫"إدارة مجلة روضة المدارس المصرية" وعكف على‬
‫الترجمة والتأليف حتى توفي سنة ‪ 1290‬ه? تاركا ً‬
‫لمصر كتبا ً ورجال ً هم أركان النهضة الحديثة‪ ،‬وآخر ما‬
‫ألفه "نهاية اليجاز في سيرة ساكن الحجاز"‪.‬‬
‫‪ 2‬عبد الله فكري باشا‬
‫) ‪(1/395‬‬

‫هو عبد الله فكري بن محمد بليغ الضابط بن الشيخ‬


‫عبد الله‪ :‬هو أحد أركان النهضة الدبية في الديار‬
‫المصرية‪ .‬ولد سنة ‪ 1250‬ه? وأكب على تعلم علومه‬
‫بالزهر مشتغل ً أيضا ً باللغة التركية واستخدم من أجلها‬
‫مترجما ً للعربية والتركية في عدة مناصب آلت إلى نقله‬

‫‪575‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إلى حاشية سعيد باشا ثم إسماعيل باشا‪ ،‬فعهد إلي‬
‫بتأديب بنية لكرام وغيرهم من أمراء بيت الملكز ثم‬
‫تقلب في جملة مناصب آخرها نظارة المعارف سنة‬
‫‪ 1299‬ه?‪ ،‬وبقي بها حتى زمن الثورة العرابية فسقط‬
‫مع الوزارة‪ ،‬واتهم في الثورة فقبض عليه ثم اتضحت‬
‫برا ءته فأطلق ورد إليه معاشه بعد أن استعطف‬
‫الخديوي توفيقا ً بقصيدة طويلة وتوفي سنة ‪ 1307‬ه?‪،‬‬
‫وكان فكري باشا كاتبا ً بليغا ً سلك في كتابته طريقة‬
‫كتاب القرن الرابع كالبديع الهمذاني والخوارزمي من‬
‫التزام السجع القصير القليل التكلف‪ ،‬ولذل يقول فيه‬
‫المرحوم الشيخ حسين المرصفي مدرس دار العلوم‬
‫)لو تقدم به الزمان‪ ،‬لكان فيه بديعان‪ ،‬ولم ينفرد بهذا‬
‫اللقب علمة همذان(‪.‬‬

‫??‪ 3‬علي مبارك باشا‬


‫هو أبو المعارف المصرية‪ ،‬العالم المؤرخ‪ ،‬المؤلف‬
‫المترجم‪ ،‬المربي العظيم علي بن مبارك بن سليمان‬
‫بن ابراهيم‪ ،‬مصلخ العلم والدارة بالديار المصرية‬
‫ومؤسس دار العلوم‪ ،‬ودار الكتب العربية‪ :‬ولد سنة‬
‫‪ 1239‬ه? وكان والده يرسله إلى معلم قاس يتعلم‬
‫عليه القرآن الكريم فحفظه‪ ،‬وهرب من المعلم لقسوته‬
‫وضربه‪ ،‬وأخذ يتعلم الكتابة على بعض الكتاب حتى عثر‬
‫في بعض خرجاته بتلميذ ذاهبين إلى مدرسة أبي زعبل‬
‫فصحبهم ودخل المدرسة‪.‬‬
‫) ‪(1/396‬‬

‫‪576‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ثم اختير في جملة من تلميذها إلى مدرسة قصر‬
‫العيني وسنه ‪ 12‬سنة ودرس الرياضة فبرع فيها فاختير‬
‫طالبا ً بمدرسة الهندسة فأكمل في خمس سنوات‬
‫درس فن الهندسة وأرسل إلى أوروبا سنة ‪1260‬‬
‫ليتمم دراسته بها‪ ،‬فمكث نحو أربع سنوات درس فيها‬
‫فن الهندسة والحرب‪ ،‬ثم عاد إلى مصر ضابطا ً‬
‫بالجيش‪ ،‬ثم قدم لعباس باشا الول مشروعا ً بنظام‬
‫المدارس المصرية فأعجبه وعهد إليه رياسة ديوانها‬
‫فقام به خير قيام‪ ،‬وألف بعض الكتب الدراسية فكان‬
‫أول من نظم المدارس المصرية‪ ،‬وتزاحمت عليه‬
‫المناصب فكان مديرا ً للسكك الحديدية‪ ،‬وناظرا ً‬
‫للمعارف وللشغال وللوقاف والقناطر الخيرية‪ ،‬فقام‬
‫بذلك جميعا ً خير قيام‪ .‬ومن أعماله العظيمة إنشاء دار‬
‫للكتب وإنشاء مدرس دار العلوم ليوفق بين طلبة العلم‬
‫القديم وطلبة العلم الحديث ويحسن تعليم العربية‪،‬‬
‫فجاءت هذه المدرسة بأحسن ما يطلب منها وتجديد‬
‫مدينة القاهرة وأمهات مدن القطر إلى أن وافته المنية‬
‫سنة ‪ 1311‬ه??‪.‬‬

‫??‪ 4‬الشيخ محمد عبده‬


‫) ‪(1/397‬‬

‫هو المصلح الكبير‪ ،‬والمجتهد الخطير‪ ،‬والكاتب البليغ‪،‬‬


‫والخطيب المصقع‪ ،‬الستاذ المام الحكيم الشيخ محمد‬
‫عبده‪،‬أحد أركان النهضة العربية ومؤسسي الحركة‬

‫‪577‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الفكرية‪ ،‬ولد سنة ‪ 1266‬بإحدى قرى مدرية الغربية‬
‫ونشأ بين أسرته بمحلة نصر من مدرية البحيرة‪ ،‬وترك‬
‫بل تعليم حتى ناهزت سنه العاشرة‪ ،‬ثم رغب بالتعلم‬
‫فحفظ القرآن الكريم‪ ،‬وطلب العلم بالجامع الحمدي‪،‬‬
‫ثم انتقل إلى الزهر ونبغ في علومه‪ .‬ولما قدم مصر‬
‫السيد جمال الدين الفغاني سنة ‪ 1286‬وأعاد إلى‬
‫مصر دراسة الفلسفة وعلوم الحكمة والكلم لزمه‬
‫الشيخ محمد عبده وكان أنبغ تلميذه‪،‬و أحرصهم إلى‬
‫الستفادة منه‪ ،‬ونال درجة العالمية سنة ‪ ،1294‬واختير‬
‫سنة ‪ 1295‬مدرسا ً للدب والتاريخ العربي بدار العلوم‬
‫ومدرسة اللسن‪ ،‬ثم اختير لصلح لغة الوقائع‬
‫المصرية‪ ،‬ثم صار رئيس تحريرها وفي هذه المدة جعله‬
‫رياض باشا مراقبا ً على كتابة الجرائد وتحريرها‪ :‬وحدثت‬
‫عقب ذلك الثورة العرابية ونفي من مصر إلى سورية‬
‫وتولى التدريس بمدارسها‪ ،‬ثم انتقل إلى أوروبا فالتقى‬
‫بالسيد جمال الدين بباريس فأنشأ جريدة العروة‬
‫الوثقى‪ ،‬ثم عفا عنه الخديوي وعاد إلى مصر قاضيا ً‬
‫بالمحاكم الهلية‪ ،‬ثم مفتيا ً للديار المصرية وتولى‬
‫التدريس بالزهر‪ ،‬وما زال كذلك حتى توفي سنة ‪1323‬‬
‫ه?‪.‬‬
‫????‪ 5‬مصطفى باشا كامل‬
‫) ‪(1/398‬‬

‫هو الوطني الكبير‪ .‬مصطفى بن علي أفندي محمد‬


‫المهندس المولود بالقاهرة في ‪ 14‬أغسطس سنة‬

‫‪578‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫‪ .1874‬ولما بلغ السادسة من عمره أدخله والده‬
‫المكاتب الولية‪ ،‬ثم انتقل إلى مدرسة والدة عباس‬
‫باش الول‪ ،‬وفي أثناء وجوده في هذه المدرسة توفي‬
‫والده فانتقل إلى مدرسة القربية فأتم فيها الدراسة‬
‫البتدائية سنة ‪ ،1887‬ثم تحول إلى المدارس الثانوية‬
‫ونال في نهايتها شهادة البكالوريا بتفوق باهر وذكاء نادر‬
‫ألفت إليه نظر المرحوم علي باشا مبارك وزير‬
‫المعارف فاختصه بمرتب شهري يصرف إليه مساعدة‬
‫له‪ ،‬وكان منظورا ً إليه بعين الجلل والحترام من‬
‫إخوانه ومعلميه ورؤسائه لما امتاز به من حسن اللقاء‬
‫وفصاحة اللسان وصراحة القول واستقلل الفكر‬
‫ومناقشته في المسائل العلمية والجتماعية والكل‬
‫يعجبون به ويتوقعون له مستقبل ً مجيدًا‪ .‬ثم دخل‬
‫مدرسة الحقوق الخديوية نهارا ً ومدرسة الحقوق‬
‫الفرنسية ليل ً فكان يتلقى دروسهما حتى نال الكفاية‬
‫منها فذهب إلى طولون بفرنسا وأدى فيها المتحان‬
‫ونال الشهادة النهائية‪ .‬وفي أثناء دراسته للحقوق تنبه‬
‫خاطره للمسائل السياسية وأصبح همه إنقاذ مصر من‬
‫الحتلل‪ .‬وكان يتردد على الجرائد الوطنية ليكتب فيها‬
‫آيات الوطنية‪ .‬وأنشأ المجلة المدرسية‪ ،‬وألف كتاب‬
‫المسألة الشرقية ورواية فتح الندلس وكتابا ً في حياة‬
‫المم والرق عند الرومان‪ .‬كلها ترمي إلى تحبيب‬
‫الستقلل وإحياء الشعور الوطني في أفكار المصريين‪.‬‬
‫واجتمع مصطفى بالمرحوم عبد الله النديم الخطيب‬
‫المفوه والكاتب البليغ ومشعل نار الوطنية من قبل‬
‫فاقتبس مصطفى منه الساليب والتعليمات العظيمة‬

‫‪579‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأضاف إلى معلوماته الماضية‪ .‬ونهض نهضة السد إلى‬
‫فريسته وأذكى أوار الوطنية في عقول الشباب الناهض‬
‫وتطورت مصر الفتاة إلى يومنا هذا في مراقي التقدم‬
‫والنجاح‪ .‬وقد صار صيته في الفاق وأصبح اسمه مرادفا ً‬
‫للشمس في رائعة النهار‪ .‬وحدث عن شجاعته‬
‫وفصاحته وقوة معارضته مما ل يمكن لقلم وصفه‪ .‬وقد‬
‫أنشأ‬
‫) ‪(1/399‬‬

‫جرائد اللواء العرب والفرنسي والنكليزي لهذا الغرض‪.‬‬


‫وتوفي يوم الربعاء ‪ 10‬فبراير سنة ‪ ،1908‬وشيعت‬
‫جنازته باحتفال كبير لم يسبق له مثيل‪ ،‬واشترك فيه‬
‫عشرات اللوف من جميع طبقات القطر المصري‪،‬‬
‫وعم الخزن الشديد على جميع المصريين‪ .‬ورثاه الكتاب‬
‫والشعراء وجميع جرائد العالم‪ .‬وطيرت نعيه الشركات‬
‫البرقية الجنبية في الممالك الوروبية‪ .‬وخطبه الظنانة‬
‫كثيرة ل نطيل بذكرها‪.‬‬
‫‪ 6‬محمد بك فريد‬
‫هو المخلص المين‪ .‬محمد بن أحمد باشا فريد ووالدته‬
‫أميرة من فضليات سيدات الخلفاء العباسيين‪ .‬وكان‬
‫ميلده في ‪ 27‬رمضان سنة ‪ 1284‬ه? وعاش ‪ 52‬سنة‪،‬‬
‫ولما كان عمره ‪ 7‬سنوات أدخله المرحوم والده‬
‫مدرسة خليل آغا فدرس الدروس البتدائية‪ ،‬ثم دخل‬
‫المدرسة الثانوية فجد واجتهد حتى فاق أقرانه وأحرز‬
‫شهادة البكالوريا‪ ،‬ثم انتقل إلى مدرسة الدارة‬

‫‪580‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫واللسن‪ ،‬ومنها دخل مدرسة الحقوق الخديوية حتى‬
‫نال الشهادة النهائية في شهر مايو سنة ‪ 1887‬م‪،‬‬
‫وعقب ذلك عينته الحكومة المصرية بقلم قضايا الدائرة‬
‫السنية الذي لم يلبث فيه إل قليل ً حتى أصبح رئيسه‪.‬‬
‫وقد أنعم عليه سمو الخديوي بالرتبة الثانية‪ ،‬ثم تدرج‬
‫في وظائف القضاء إلى أن صار أحد رؤساء النيابة‬
‫العمومية‪ .‬وفي خلل ذلك كان يكاتب أمهات الصحف‬
‫العربية والفرنجية حتى استقال من خدمة الحكومة في‬
‫‪ 21‬نوفمبر سنة ‪ 1896‬م‪ ،‬واشتغل بالمحاماة وانضم‬
‫بكل قواه إلى الحزب الوطني لتحرير مصر والسودان‪.‬‬
‫ولزم صاحبه الزعيم الكبر المرحوم مصطفى باشا‬
‫كامل‪ .‬وقد ألف كتاب البهجة التوفيقية في تاريخ العائلة‬
‫الخديوية وتاريخ الدولة العثمانية وتاريخ الرومان‪ ،‬وأشنأ‬
‫مجلة الموسوعات وكتب آلف المقالت في المؤيد‬
‫واللواء والصحف الوروبية‪ ،‬والق مئات من الخطب في‬
‫الشرق والغرب‪ .‬وتعرق بكثير من كبار ساسة جميع‬
‫العالم‪.‬‬
‫) ‪(1/400‬‬

‫ولما شعر المرحوم مصطفى باشا كامل بدنو الجل‬


‫جمع الحزب الوطني وأوصاهم بانتخاب فريد بعده‬
‫رئيسا ً فقام برياسته خير قيام وقد ضحى نفسه وأولده‬
‫وأهله وماله ومناصبه حبا ً في الوطن حتى مات غريبا ً‬
‫في برلين يوم الثنين ‪ 15‬يونيه سنة ‪1920‬م‪ .‬وشيعت‬
‫احتفال مهيب في اسكندرية ومصر لم تر العيون مثله‬

‫‪581‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫اشتركت فيه العلماء والمراء والوزراء وجميع العيان‬
‫والوجهاء‪ .‬ورثته الكتاب والشعراء وجرائد ومجلت‬
‫الشرق والغرب فممن رثاه حافظ بك ابراهيم قال من‬
‫قصيدة طويلة‪:‬‬
‫ن فيه من لغد ْ‬
‫من ليوم ٍ نح ُ‬

‫ي السد ّ‬
‫مات ذو العزمةِ والرأ ِ‬

‫أّيها النيل لقد ج ّ‬


‫ل السى‬

‫كن مددا ً لي إذا ال ّ‬


‫دمع نفد ْ‬

‫فلقد وّلى فريد ٌ وانطوى‬

‫سند‬
‫ن مصر وفتاها وال ّ‬
‫رك ُ‬

‫خالد َ الثار ل تخشى البلى‬

‫ليس يبلى من به ذكٌر خلد ْ‬

‫قل لصب النيل إن لقيته‬

‫في جوارِ الدائم الفرد الصمد ْ‬

‫إن مصرا ً ل تني عن قصدها‬

‫‪582‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫م ما تلقى وإن طال المد ْ‬
‫رغ َ‬

‫ة‬ ‫ح واهنا ً ون ْ‬
‫م في غبط ٍ‬ ‫فاستر ْ‬

‫ب حصد ْ‬
‫ب والشع ُ‬
‫ت الح ّ‬
‫قد بذر َ‬
‫?معالي الرئيس المحبوب سعد باشا زغلول‬
‫) ‪(1/401‬‬

‫هو روح مصر الزعيم الكبر‪ .‬سعد ين الشيخ إبراهيم‬


‫زغلول المولود ببلدة إبيانا التابعة لمديرية الغريبة سنة‬
‫‪ 1277‬ه?‪ ،‬قرأ القرآن الكريم ودرس العلوم البتدائية‬
‫في بلده‪ .‬ثم رحل إلى مصر ودرس الزهر الشريف‬
‫وحضر علوم اللغة والدب والنحو والمنطق والتوحيد‬
‫وعلوم التشريع وغيرها على فطاحل العلماء كالشيخ‬
‫المهدي العباسي‪ .‬والشيخ أبو النجا الشرقاوي‪ ،‬والشيخ‬
‫أحمد الرفاعي‪ ،‬والشيخ محمد عبده وخلفهم من كبار‬
‫الئمة‪ .‬ثم تعين محررا ً لجريدة الوقائع المصرية‬
‫الرسمية بالداخلية‪ .‬ثم انتقل معاونا ً بنظارة الداخلية في‬
‫مدة وزارة محمود سامي باشا البارودي‪ .‬ثم تعين مديرا ً‬
‫لقلم قضايا مديرية الجيزة وذلك في مدة اشتداد الثورة‬
‫العرابية‪ .‬ثم استقال واشتغل بالمحاماة وقد انتخبته‬
‫الجمعية عضوا ً في لجنة تنقيح قانون الجنايات‬
‫بالستئناف‪.‬ثم اختاره اللورد كرومر أن يكون وزيرا ً‬
‫لوزارة المعارف‪ ،‬ثم وكيل ً للجمعية التشريعية إلى أن‬
‫تطورت الحالة الوطنية في القطر المصري فانتخبته‬

‫‪583‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫المة وكيل ً عنها في مطالبة انكلترا بالجلء عن مصر‬
‫والسودان إلى يومنا هذا‪.‬‬
‫ومن كلماته المأثورة في الوطنية‪ (1) :‬ل استعباد‪.‬؟ ل‬
‫استعمار‪ .‬ل حماية‪ .‬ل رقابة‪ .‬ل تداخل لحد في شأن‬
‫من شؤوننا‪ .‬هذا ما نريد وهذا ما ل بد أن نحصل عليه‪.‬‬
‫)‪ (2‬أقسم بالوطنية وعزتها لو كنت أعرف أني أقود‬
‫أمة بلهاء تنقاد لكل زعيم بدون تصور ول إدراك كما‬
‫يصفها أعداؤها ما رضيت أن أكون قائدا ً لها‪.‬‬
‫)‪ (3‬إن قوتنا ليست مستمدة من الخارج بل هي في‬
‫نفوسنا فلتكن نفوسنا قوية نصل إلى غايتنا‪.‬‬
‫)‪ (4‬الدارة متى تمكنت من النفوس وأصبحت ميراثا ً‬
‫يتوارثه البناء عن الباء ذللت كل صعب ومحت كل‬
‫عقبة وقهرت كل مانع مهما كان قويا ً ووصلت عاجل ً أو‬
‫آجل ً إلى الغاية المطلوبة‪.‬‬
‫)‪ (5‬ل يمكن أن نعتبر للحكوميين مذهبا ً لن المذهب‬
‫يقتضي مبادئ وقواعد أما هم فقاعدتهم القوة‪ .‬وما‬
‫يعتمد على القوة ل يصح أن يسمى مذهبًا‪.‬‬
‫) ‪(1/402‬‬

‫ومن كلماته المأثورة في الحرية وحدودها‬


‫كل أمر يقف في طريق حريتنا ل يصح أن نقبله مطلقا ً‬
‫مهما كانة مصدره عاليا ً ومهما كان المر به‪.‬‬
‫)‪ (2‬كل تقييد للحرية ل بد أن يكون له مبرر من قواعد‬
‫الحرية نفسها وإل كان ظلمًا‪.‬‬
‫)‪ (3‬الصحافة الحرة تقول في حدود القانون ما تشاء‬

‫‪584‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وتنتقد ما تريد فليبس من الرأي أن نسألها لم تنتقدها‬
‫بل من الواجب أن نسأل أنفسنا لم نفعل ما تنتقدنا‬
‫عليه‪.‬‬
‫)‪ (4‬نحن نحب الحرية ولكنا نحب أكثر منها أن تستعمل‬
‫في موضعها‪.‬‬
‫)‪ (5‬جميل جدا ً أن يقال ل تحجروا على الناس ول‬
‫تقيدوا حريتهم وإنها لنغمة لذيذة يحسن وقعها في‬
‫السماع والقلوب‪ .‬ولكنا ل نريد الحجر على الناس ول‬
‫تقييد حريتهم بل نريد حماية الحق وصيانته من أن يتمتع‬
‫به غير صاحبه من حيث يحرم منه صاحبه‪.‬‬
‫ومن آرائه في التشريع‪ (1) :‬كل شريعة تؤسس على‬
‫فساد الخلق فهي شريعة باطلة‪.‬‬
‫)‪ (2‬ل تصدقوا أن هناك قاعدة يرجع إليها القاضي في‬
‫تقدير العقوبة‪ ،‬أو أن هناك ميزانا ً توزن الجزاءات‪ ،‬وإنما‬
‫هي أمور اجتهادية يلهم بها القاضي إلهامًا‪.‬‬
‫) ‪(1/403‬‬

‫)‪ (3‬الحق فوق القوة والمة فوق الحكومة‪.‬‬


‫)‪ (4‬إننا إذا احترمنا أمرا ً للحكومة نحترمه لنه نافع‬
‫للمة ل لنه صادر من تلك القوة المسيطرة‪.‬‬
‫)‪ (5‬يجب أن ننقاد للقانون وأل نعتبر النقياد إليه مهانة‬
‫ومذلة بل عزا ً وشرفًا‪.‬‬
‫)‪ (6‬إن كانت الحكومة تريد أن نكون في صفها‬
‫مدافعين عنها فما عليها إل أن تتبع الحق والعدل‬
‫وتحترم القانون‪.‬‬

‫‪585‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫)‪ (7‬يعجبني الصدق في القول والخلص في العمل‬
‫وأن تقوم المحبة بين الناس مقام القانون‪.‬‬
‫)‪ (8‬الذي يلزمنا أن تفاخر به هو أعمالنا في الحياة ل‬
‫الشهادات التي في أيدينا‪.‬‬
‫)‪ (9‬أعاهدكم عهدا ً ل أحيد عنه‪ .‬على أن أموت في‬
‫السعي إلى استقللكم فإن فزت فذاك‪ ،‬وإل تركت لكم‬
‫تتميم ما بدأت به‪.‬‬
‫هذا قليل من كثير ل نحيط به جمعا ً خصوصا ً خطبه‬
‫المطولة الممتعة التي تكاد أن تكون في درجة العجاز‬
‫ول غرابة في ذلك‪ ،‬فمعالي الرئيس معروف بالشجاعة‬
‫والصراحة‪ ،‬ويمتلك في يده أعنة اللفاظ يتصرف فيها‬
‫كيف يشار‪ ،‬حتى إنه ليعبر عن أقسى المعاني وأخشنها‬
‫بأرق اللفاظ وأعذبها وأخفها وقعا ً على النفوس‬
‫والسماع خصوصا ً وأنه لقدير على التأثير على نفس‬
‫السامع وامتلكه أزمة الهواء وتلعبه بالعواطف‬
‫والقلوب واقتداره على إسناد كل جزئية من جزئيات‬
‫المسائل الجتماعية أو القانونية أو الخلقية أو‬
‫السياسية إلى قاعدتها العامة التي توضح طريقها‬
‫وتكشف الغامض منها‪.‬‬
‫وبالجملة فمعالي الرئيس متشرع يبحث النظامات‬
‫ويدققها‪ .‬وسياسي يبارز خصمه مبارزة الرجل الذي‬
‫يحسن تقليب الحسام بين يديه‪ ،‬فل كلماته تخرق حجب‬
‫الداب ول تتجاوز حد اللياقة‪ ،‬ولقد كان كلمه ينزل على‬
‫السامعين نزول الندى على أكام الزهر فل يرتفع صوت‬
‫ول تبدو حركة مع طول خطابته نحو ساعتين‪ ،‬نسأله‬
‫سبحانه وتعالى أن يمن على مصر والسودان‬

‫‪586‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بالستقلل التام وأن يمنحها الحرية على يد بطلها‬
‫العظيم وزعيمها الجليل ورئيسها المحبوب "سعد باشا‬
‫زغلول" حفظه الله آمين‪.‬‬
‫‪ 8‬الغازي مصطفى باشا كمال‬
‫) ‪(1/404‬‬

‫أشهر حماة الشرق وداهية أقطاب الساسة البطل‬


‫الغازي مصطفى كمال باشا المولود في سلنيك سنة‬
‫‪ 1298‬ه? ‪ 1880‬م‪ ،‬ولما بلغ السنة السادسة من‬
‫عمره أدخله والده مدرسة تدرس فيها العلوم البتدائية‬
‫على الطراز الحديث‪ .‬وما لبث أن ترك المدرسة على‬
‫أثر وفاة المرحوم والده‪ .‬ثم انتقل إلى قرية مع والدته‬
‫إلى خاله الذي كفله وعهد إليه القيام بحراسة الحقول‬
‫والشتغال بالزراعة مدة ليست بالقصيرة فأوجست‬
‫والدته خفية من ضياع أيامه الدراسية بدون جدوى‪،‬‬
‫وصحت عزيمته على إرساله إلى دار جدته في‬
‫)سلنيك( فسافر أليها ودخل في المدرسة الملكية‬
‫العدادية‪ .‬غير أنه لم يوفق للتعلم بها وذلك لشغفه‬
‫بحب المدرسة الرشدية العسكرية البتدائية رغم إرادة‬
‫والدته التي كانت ل توافقه على اللتحاق بها‪ .‬وما زال‬
‫بها حتى استطاع التأثير عليها وتمكن من التغلب على‬
‫فكرها وأدى المتحان المؤهل لدخول المدرسة‬
‫العسكرية بتفوق باهر وكان أحد التلميذ وأشدهم حبا ً‬
‫في الرياضيات‪ .‬وقد حصل في زمن يسير بجده‬
‫واجتهاده على معلومات جمة في هذا العلم بدرجة‬

‫‪587‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تساوي درجة أستاذه المدعو مصطفى بك القائل له أن‬
‫بين اسمي واسمك اشتباه فيجدر أن أضيف إلى اسمك‬
‫يا ولدي لفظة "كمال" للتمييز بيننا‪.‬‬
‫) ‪(1/405‬‬

‫وقد أتم الدراسة في المدرسة العسكرية البتدائية‬


‫وفاق زملئه في العلوم الرياضية بحيث لم يصادف أية‬
‫صعوبة في المدرسة العدادية العسكرية الثانوية في‬
‫)مناستر( غير أنه كان ضعيفا ً في اللغة الفرنسية‪،‬‬
‫فتحين فرصة العطلة المدرسية ودخل مدرسة الفرير‬
‫وتزود بقسط وافر من اللغة الفرنساوية‪ .‬وفي خلل‬
‫ذلك كان يجتمع بالمرحوم الشاعر التركي المشهور‬
‫)عمر ناجي بك( فارتشف من منهله العذب وتأدب بأدبه‬
‫ودرس عليه آداب اللغة وضرب بسهم فيها حتى صار‬
‫الشعر هو المادة التي تنجذب نفسه إليه وترتاح به رغم‬
‫النصائح التي كانت لقيها عليه بعض معلميه العسكريين‬
‫بقولهم "إذا أردت أن تكون جنديا ً حقيقيا ً فاترك الدب‬
‫وخيال الشعراء" وبعد إتمامه الدراسة في تلك‬
‫المدرسة سافر إلى الستانة سنة ‪ 1319‬ه? والتحق‬
‫بالمدرسة الحربية وكان شغفه العظيم بالرياضيات ول‬
‫يزال حيا ً وناميا ً نمو اشتغاله بعلوم الدب ومزاولة‬
‫الخطابة وأساليبها فتولد من ذلك توقه واسترعاء نظره‬
‫حب الشتغال السياسة وخصوصا ً وقد وقعت في يده‬
‫كتب الوطني العظيم "نامق بك كمال" فطالعها مرارا ً‬
‫ووقف على ما فيها وأدرك مراميها فرسخت في‬

‫‪588‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عقيدته الوطنية وكان ذلك في عهد المرحوم السلطان‬
‫عبد الحميد الداهية العظيم‪ ،‬ومع ذلك تخرج من هذه‬
‫المدرسة برتبة "ملزم ثان"‪ .‬ولما انتقل إلى مدرسة‬
‫أركان الحرب بدأ يتعرف مع بعض إخوانه من الطلبة ما‬
‫يكشف إدارة البلد وسياستها من السوء والفساد‪.‬‬
‫فكان أول ما فكر فيه أن يفهم زملءه البالغ عددهم‬
‫‪ 5000‬طالب موقف البلد الداري والسياسي‪ .‬وقد‬
‫فكروا جميعا ً في تأسيس جريدة تكون لسان حالهم‪.‬‬
‫وقد أخذ على عاتقه تحرير الكثير من مقالتها وأبحاثها‬
‫غي أن "اسماعيل باشا" مفتش المدارس وقف على‬
‫حركتهم وسلط الجواسيس عليهم‪ ،‬ثم وشى بهم إلى‬
‫المرحوم السلطان الغازي عبد الحميد الثاني وقال‬
‫لجللته إن ناظر المدرسة رضا باشا وهو المسؤول عن‬
‫حركة الطلبة وواجب إدانته فاستدعاه جللة السلطان‬
‫فأقنعه‬
‫) ‪(1/406‬‬

‫بعدم وجود حركة سياسية‪ ،‬واستمر مع ورفاقه على‬


‫إصدار جريدتهم حتى آخر سنتي مدرسة أركان الحرب‪.‬‬
‫وبعدها خرج من المدرسة برتبة "يوزباشي" في أركان‬
‫الحرب العامة‪ ،‬واستأجر لنفسه مكانا ً خاصا ً في "بك‬
‫أوغلي" رغبة في استئناف العمل وعقد الجتماعات‬
‫وإصدار القرارات لصالح الوطن‪ ،‬ولكن لم تمض مدة‬
‫وجيزة حتى عرف الجواسيس عمله وألقوا القبض عليه‬
‫واعتقلوه بضعة اشهر ثم أطلق سراحه بواسطة سعي‬

‫‪589‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫رضا باشا ناظره السابق في المدرسة وأصر على‬
‫اشتغاله بالسياسة حتى نفته الحكومة إلى ولية الشام‬
‫للخدمة في الجيش‪ ،‬وقد أسس هناك "جمعية الحرية"‬
‫واتخذ بعض التدابير لتوسيع نطاق هذه الجمعية‪.‬‬
‫فأسس لها فروعا ً في بيروت ويافا والقدس وفي كل‬
‫مدينة حل فيها ونزل بها‪ .‬ولما كان انتشار مبادئ‬
‫الجمعية غير ممكن في تلك المدن عزم على السفر‬
‫إلى "مقدونيا" حيث هناك الرض صالحة لبذر تلك‬
‫المبادئ والعمل على إنمائها وإنباتها حسنا ً وأطلع‬
‫جمعيته على رأيه وعلى ذلك سعى أفرادها وتمكن من‬
‫إصدار إذن يستطيع به السفر في بادئ المر إلى‬
‫"أزمير" وعلى أثر ذلك أرسل رسالة خاصة إلى‬
‫)شكري باشا( المعروف هناك بوطنيته الحارة وطلب‬
‫منه مساعدته‪.‬‬
‫ولما شد الرحال إلى مقدونيا وركب البحر غير وجهته‬
‫إلى مصر ومنها إلى بلد اليونان ثم إلى سلنيك رغبة‬
‫في إخفاء أغراضه عن أعين الجواسيس‪ .‬وقد أسس‬
‫في مدينة سلنيك فرعا ً عاما ً للجمعية‪ ،‬وما كادت‬
‫حكومة الستانة تتلقى تقرير الجواسيس عن أعماله‬
‫وأخذت في البحث عنه حتى سافر على وجه السرعة‬
‫إلى )يافا( وعلى أثر ذلك ظهرت مسألة العقبة‪.‬‬
‫فاستصدرت جمعية الحرية أمرا ً بتعينه على الحدود‬
‫المصرية‪ .‬وما كاد يصل أمر البحث عنه إلى ولية الشام‬
‫حتى كان متوليا ً شؤون وظيفته الجديدة على حدود‬
‫مصر‪.‬‬
‫وقد مكث في سوريا ثلثة أعوام ثم طلب من الحكومة‬

‫‪590‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫نقله إلى مقدونيا فقوبل طلبه بالقبول وعلم بعد وصوله‬
‫إلى سلنيك إن جمعية الحرية غيرت اسمها باسم‬
‫جمعية التحاد والترقي وما وافى‬
‫) ‪(1/407‬‬

‫إعلن الدستور حتى برز إلى ميادين السياسة بفضل‬


‫إعلنه جميع الحرار وقد اقترح على الجمعية انسحاب‬
‫الجيش في ميادينه فقوبل بالرتياح غير أن الجمعية لم‬
‫تتمكن من تنفيذه في ذلك الحين‪.‬‬
‫ولما نشبت الثورة الرجعية في الستانة سنة ‪:1909‬‬
‫أخمدها واستتب المن ثم تعين بمهمة الصلح على‬
‫ولية طرابلس‪ .‬ثم شرعت الحكومة التركية في‬
‫النظمة الجديدة لضباط الجيش وهي تقضي بتنزيل‬
‫درجاتهم ورتبهم‪ ،‬وألحق حسب النظام الجديد برتبة‬
‫ضابط صغير "قول أغاصي" بهيئة أركان حرب في‬
‫فرقة "سلنيك" فأخذ يبذل جهده في تعليم الجيش‬
‫وتدريبه على الصول الحربية الحديثة والنظمة‬
‫الجديدة‪.‬‬
‫وكان كثيرا ً ما يكتب من القتراحات النافعة والنتقادات‬
‫المفيدة لصلح شأن الجيش فكان ذلك من السباب‬
‫الجوهرية التي بعثت بعض القواد القدماء على حقدهم‬
‫عليه وكان جزاؤه تعيينه قائدا ً لللي الثلثين فجاء هذا‬
‫التعيين على عكس غرضهم الساسي إذا أفسح له‬
‫مجال ً واسعا ً للقاء بعض المحاضرات الفنية وشرح‬
‫أساليب الخطط الحربية وتوضيح المواقف الهامة وغير‬

‫‪591‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ذلك مما يحتاج إليه الضباط والقواد‪ .‬ثم بعد ذلك دعته‬
‫حكومة الستانة وعينته ضمن أركان الحرب العامة فيها‬
‫وقام بصحبة المرحوم شوكت باشا بالحركات الحربية‬
‫لخماد الثورة في بلد ألبانيا‪.‬‬
‫وقد ذهب مع جماعة من إخوانه متنكرا ً إلى مصر على‬
‫أثر إعلن الحرب اليطالية سنة ‪ 1911‬وسافر منها إلى‬
‫بنغاري‪ .‬ثم عاد إلى الستامة بعد نشوب الحرب بين‬
‫الترك والبلغار وتع ين رئيسا ً لركان الحرب‪ ،‬ثم عاد إلى‬
‫الستانة وتعين ملحقا ً عسكريا ً في سفارة "صوفيا"‬
‫عاصمة بلغاريا ومكث هناك مدة سنة كاملة‪.‬‬
‫ولما نشبت الحرب العامة سنة ‪ 1914‬تعين قائدا ً‬
‫للفرقة السادسة عشر في )تكفورطاغ(‪ ،‬ثم تعين لفيلق‬
‫ديار بكر وبعدها تولى قيادة الجيوش‪ .‬وعين بعد ذلك‬
‫قائدا ً للقوات الحجازية فتوجه إلى الشام وتفاوض مع‬
‫جمال باشا وأركان حربه وأنور باشا وأركان حربه وبعد‬
‫أخذ ورد أقنع الجميع‬
‫) ‪(1/408‬‬

‫بضرورة الجلء عن الحجاز ثم عاد إلى ديار بكر ومنها‬


‫عاد إلى الستانة وأخذ القيادة على عاتقه وحصل بينه‬
‫وبين كبار القواد اللمانيين مناقشات أدت إلى استقالته‬
‫وسافر من الستانة مع ولي العهد )جللة الخليفة‬
‫العظم الحالي( إلى ألمانيا‪ ،‬وفيها تقابل مع القائدين‬
‫العظيمين )هندنبورج ولوندرف( وبعد ذلك عاد فرأى ما‬
‫حل بالبلد من المصائب فاقترح على الحكومة إسقاط‬

‫‪592‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الوزارة وتشكيل وزارة أخرى حسب برنامج قرره لها‪.‬‬
‫وكان نظره متجها ً نحو نقطتين هامتين‪ (1) :‬التوسل‬
‫بالسباب الناجحة في الحصول على ما تمس الحاجة‬
‫إليه‪.‬‬
‫)‪ (2‬إنشاء قوة قوية للدفاع عن مصالح الوطن‪.‬‬
‫وقد صحت عزيمته على ترك الستانة والتوغل في‬
‫داخلية البلد وبسط موقف البلد المحفوف بالمخاطر‪.‬‬
‫ولجل هذا بذل جهده في العمل على إنقاذ الوطن‬
‫خاصة والشرق عامة‪ .‬وبينما كان مشتغل ً بتهيئة‬
‫السباب لذلك إذ تلقى أمرا ً بتعيينه قائدا ً ومفتشا ً لجيش‬
‫الصاعقة مع ضرورة ذهابه به الناضول فتقبل ذلك‬
‫بالسرور العظيم‪ .‬وقام إلى الناضول وهو حاصل على‬
‫رتبة القائد والمفتش معا ً لذلك الجيش‪ ،‬وكان ذلك من‬
‫أهم العوامل الفعالة للوصول إلى تحقيق إنقاذ الوطن‬
‫)حاجة في نفس يعقوب قضاها( ولما شعرت الحكومة‬
‫بخطئها استدعته في الحال إلى الستانة فرفض‬
‫واستقال وسعى في جمع نواب المة وتأليف المجلس‬
‫الوطني الكبير في الناضول وقد افتتح المجلس‬
‫الوطني يوم ‪ 23‬فبراير سنة ‪ ،1920‬وأخذ في مباشرة‬
‫العمال والقيام بواجب البلد وكان شغله الشاغل‪.‬‬
‫)كيف تمثل إرادة المة أحسن تمثيل( فاهتدى بعد‬
‫أبحاث طويلة أنه ل يتم ذلك إل باجتماع نوابها العظام‪.‬‬
‫وهذا ما دعاه إلى وضع مستقبل المة من حريتها‬
‫واستقللها في يد وزارة كبيرة تمثل البلد‪ ،‬وقد تم له ما‬
‫أراد ففاز بالنصر والسداد وفقه الله إلى ما فيه صلح‬
‫العباد‪.‬‬

‫‪593‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والغازي على جانب عظيم من الفضيلة ومكارم الخلق‬
‫بعيدا ً عن الزهو وحب النفس متواضعا ً محبوبا ً محترما ً‬
‫صريحا ً في قوله‬
‫) ‪(1/409‬‬

‫وعمله‪ .‬فصيحا ً بليغًا‪ .‬من كبار الكتاب ومن فحول‬


‫الشعراء ينادي المعالي ويناجي الحرية والخاء‬
‫والمساواة وقد اجتمع بين يديه إمارة السيف والقلم‪:‬‬
‫وخطبه أشهر من أن تذكر من أقواله‪ :‬في الوطن‪ :‬إن‬
‫وطننا العزيز ليموت ولن يموت‪ .‬وإذا فرضنا المحال‬
‫وسلمنا بموته )ل قدر الله( فكاهل الكرة الرضية لن‬
‫يستطيع حمل تابوته الجسيم‪ .‬نعم يسقط مهمشا ً‬
‫مقطع الوصال مادام فرد منا يتنسم نسيم الحياة‪.‬‬
‫ومن آرائه في تعليم المرأة‪:‬‬
‫تعليم المرأة "أم الوطن" وتثقيف عقلها بالعلوم الدينية‬
‫والمعارف الهلية من أهم ما ترمي إليها نهضتنا العلمية‬
‫الوطنية‪.‬‬
‫ومن وصفه للفلح‪ :‬سيد تركيا بل سيد العالم الحقيقي‬
‫)الفلح( لنه هو العنصر الول في تكوين عناصر المة‬
‫وكيانها‪ .‬والوطن بدونه لشيء بل الوطن هو فيتعين أن‬
‫نعتني به عناية خاصة‪ ،‬وأن نضع قبل كل شيء سعادته‬
‫نصب أعيننا‪.‬‬
‫الشعر‬
‫) ‪(1/410‬‬

‫‪594‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كانت حالة الشعر في النصف الول من هذا العصر‬
‫لتزيد شيئا ً مذكورا ً على ما كنت عليه في العصر‬
‫الماضي‪ ،‬إذ كانت حكومة محمد علي باشا في أول‬
‫أمرها تركية الصبغة‪ ،‬وكان هو أميًا‪ ،‬ولكن الشعر أخذ‬
‫بعد ذلك في الترقي خصوصا ً في عصر اسماعيل باشا‪،‬‬
‫فتقدم خطوات تمثلت في شعر السيد علي أبي النصر‬
‫المتوفي سنة ‪ ،1298‬والشيخ علي الليثي المتوفي سنة‬
‫‪ ،1309‬وعظيم الشعراء البارودي‪.‬‬
‫ولم يزل العلم والعلماء مع ذلك لهم المقام الول في‬
‫مصر حتى كان العصر الحاضر‪ ،‬ونالت مصر بعض‬
‫حاجاتها من العلم وكتبه فهب أهله يتفكهون بالدب‬
‫وكتابته والتأليف فيه ويستمعون الشعر ويحرضون‬
‫المجامع العظيمة لنشاده فأقبل الشعراء على نظمه‬
‫في كل أغراضه القديمة والحديثة ونحوا به نحو الشعر‬
‫الفرنجي من وصف المناظر الطبيعية‪ ،‬وأحوال‬
‫الوجدان والعواطف النفسية ومن وصف القطار‬
‫والكهرباء والمسرة والبرق وغير ذلك‪.‬‬
‫ومما يمتاز به شعر هذا الوقت خلوه من تكلف البديع‬
‫والجناس‪ .‬والرجوع له إلى حالته القديمة الطبيعية حتى‬
‫صار شعر فحوله يشبه شعر أهل القرن الرابع‬
‫والخامس‪.‬‬
‫الشعراء‬
‫شعراء هذا العصر كثيرون وأشهرهم محمود باشا‬
‫سامي البارودي‪ ،‬وأحمد بك شوقي‪ ،‬ومحمد حافظ بك‬
‫ابراهيم‪ ،‬واسماعيل باشات صبري‪،‬ة وخليل بك مطران‬

‫‪595‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫البارودي‬
‫) ‪(1/411‬‬

‫هو رب السيف والقلم أمير الشعراء وشاعر المراء‪،‬‬


‫محمود سامي باشا بن حسن حسني بك البارودي‪ ،‬أحد‬
‫زعماء الثورة العرابية وأشعر الشعراء المتأخرين‬
‫بالديار المصرية‪ :‬ولد سنة ‪1255‬ه? وتأدب وأدخل‬
‫المدرسة الحربية ومازال يترقى حتى وله المرحوم‬
‫الخديوي توفيق باشا نظارتي الحربية والوقاف‪ .‬ثم‬
‫ولي رياسة النظار قبيل الثورة العرابية‪ .‬فلما اضطرمت‬
‫نيران الثورة أرغمه زعماؤها على اصطلء نارها فخب‬
‫فيها ووضع‪ .‬وحكم عليه بعد انقضائها بالنفي إلى جزيرة‬
‫)سيلن( حتى عمي‪ ،‬وشفع فيه فأذن له بالقدوم إلى‬
‫مصر بعد مضي ‪ 17‬سنة من منفاه‪ ،‬وبقي في منزله‬
‫كفيفا ً يشتغل بالدب إلى أن مات سنة ‪1322‬ه?‪ .‬ومن‬
‫قوله‪:‬‬
‫والدهر كالبحر لينف ّ‬
‫ك ذا كدر‬

‫ع‬
‫وإنما صفوه بين الورى لم ُ‬

‫لو كان للمرء فكر في عواقبه‬

‫ما شأن أخلقه حرص ول طمع‬

‫‪596‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وكيف يدرك ما ف الغيب من حدث‬

‫من لم يزل بغرور العيش ينخدع‬

‫دهٌر يغّر وآمال تسّر وأع‬

‫مار تمّر وأيام لها خدع‬

‫يسعى الفتى لمور قد تضّر به‬

‫وليس يعلم ما يأتي وما يدع‬

‫يأيها السادر المزوّر من صلف‬

‫مهل ً فإنك باليام منخدع‬

‫ه‬
‫دع ما يريب وخذ فيما خلقت ل ُ‬

‫لع ّ‬
‫ل قلبك باليمان ينتفع‬

‫ه‬
‫إن الحياة لثوب سوف تخلع ُ‬

‫ث ينخلع‬
‫وكل ثوب إذا مار ّ‬

‫ومن قوله في الحماسة والفخر‪:‬‬


‫أنا مصدُر الكلم ِ البوادي‬

‫‪597‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫بين المحاضر والّنوادي‬

‫س أنا شاعر‬
‫أنا فار ٌ‬

‫في ك ّ‬
‫ل ملحمة ونادي‬

‫فإذا ركبت فإنني‬

‫زيد ُ الفةوارس في الجلد‬


‫ت فغنني‬
‫وإذا نطق ُ‬

‫ن ساعدة اليادي‬
‫سب ُ‬
‫ق ّ‬

‫وقال يصف هرمي الجيزة وأبا الهول‪:‬‬


‫ي مصر‬‫سل الجيزة َ الفيحاء عن هرم ْ‬

‫ن تدري‬ ‫لعل ّ َ‬
‫ك تدري غيب ما لم تك ْ‬

‫دهرِ عنهما‪،‬‬
‫ة ال ّ‬
‫بناءان رّدا صول َ‬

‫دهَر‬
‫ة ال ّ‬
‫ب أن يغلبا صول َ‬
‫ن عج ٍ‬
‫وم ْ‬

‫ب ليشهدا‬
‫أقاما على رغم ِ الخطو ِ‬

‫ر‬
‫لبانيهما بين البرّية بالفخ ِ‬

‫‪598‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/412‬‬

‫ر‬
‫ت وأعص ِ‬
‫م أمم في الدهر باد ْ‬
‫فك ْ‬

‫ر‬
‫ن والفك ِ‬
‫ة العي ِ‬ ‫خل ّ ْ‬
‫ت وهما أعجوب ُ‬

‫ل عليهما‬
‫ح لثارِ العقو ِ‬
‫تلو ُ‬

‫ر‬
‫أساطيُر لتنفك تتلى إلى الحش ِ‬

‫ن سّرها‬
‫ت مكنو َ‬
‫رموٌز لو استطلع َ‬

‫ت مجموع َ الخلئق في سطر‬ ‫لبصر َ‬


‫ن‪،‬‬
‫ن أو هو كائ ٌ‬
‫ن بناٍء كا َ‬‫فما م ْ‬

‫ر‬
‫ل والخب ِ‬
‫م ِ‬
‫يدانيهما عند َ التأ ّ‬

‫ل‪،‬‬ ‫صُر حسنا ً عنهما صر ُ‬


‫ح باب ِ‬ ‫يق ّ‬

‫ر‬
‫ف اليوان بالعجزِ والبه ِ‬
‫ويعتر ُ‬

‫ة‬
‫ن فاضا بدّر ٍ‬
‫كأنهما ثديا ِ‬

‫ة الرض إذ تجري‬‫ل تروي غل ّ َ‬‫من الني ِ‬


‫ض‬
‫ب في زيّ راب ٍ‬ ‫وبينهما بلهي ُ‬

‫‪599‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ن منه إلى الصدر‬
‫ب على الكّفي ِ‬
‫أك ّ‬

‫ق‪،‬‬
‫ق نظرة وام ٍ‬ ‫يقل ّ ُ‬
‫ب نحوَ الشر ِ‬

‫ن له شوقا ً إلى مطلِع الفج ِ‬


‫ر‬ ‫كأ ّ‬

‫ض‬
‫مصانعُ فيها للعلوم ِ غوام ٌ‬

‫ن ابن آدم ذو قدِر‬ ‫تد ّ‬


‫ل على أ ّ‬

‫رسا أصلها‪ ،‬وامتد ّ في الجوّ فرعها‪،‬‬

‫ر‬ ‫ح وكرا ً لل ّ‬
‫سماكين والّنس ِ‬ ‫فأصب َ‬

‫?أحمد شوقي بك‬


‫هو رب القلم محيي دولة الشعر بعد العدم شاعر النيل‬
‫أحمد بن علي شوقي بك المولود سنة ‪1285‬ه??‪.‬‬
‫شعره‪ ،‬ينظم بين أصحابه فيكون معهم وليس معهم‪،‬‬
‫وينظم حين يشاء‪ ،‬وحيث يشاء‪ ،‬ل يجهد فكره وليكده‬
‫في معنى أو في مبنى‪ ،‬فأما المعنى فيجيئه على مرامه‬
‫أو على أبعد من مرامه ولينضب عنده لنه يستخلصه‬
‫من عقل فوار الذكاء ومعارف جامعة إلى أفانين الداب‬
‫في لغات الفرنج والعراب‪ ،‬فلسفة الحقوق وحقائق‬
‫وحقائق التاريخ‪ ،‬وغرائب السير التي يحفظ منها غير‬
‫يسير إلى مشاركات علمية وتنبيهات فنية استفادها من‬
‫مطالعته في صنوف الكتب‪ ،‬واتخذها عن ملحوظاته‬

‫‪600‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ومسموعاته في جولته بين بلد الشرق والغرب‪ .‬وأما‬
‫المبني فله فيه اذواق متعددة مقامات القول‪ :‬ترى فيه‬
‫من نسج البحتري ومن صياغة أبي تمام ومن ثبات‬
‫المتنبي‪ ،‬ومن مفاجآت الشريف‪ ،‬ومن مسلسلت‬
‫مهيار‪.‬‬
‫ومن قوله‪ :‬يصف هيكل أنس الوجود‪:‬‬
‫ن" دارا ً‬
‫أّيها المنتحي "بأسوا َ‬

‫كالثرّيا تريد ُ أن تنقضا‬


‫) ‪(1/413‬‬

‫ع‬ ‫اخلع الّنع َ‬


‫ل واخفض الطرف واخش ْ‬

‫دهرِ غمضا‬ ‫ل تحاو ْ‬


‫ل من آيةِ ال ّ‬

‫م غرقى‬ ‫ف بتل َ‬
‫ك القصور في الي ّ‬ ‫ق ْ‬

‫ممسكا ً بعضها في ال ّ‬
‫ذعرِ بعضا‬

‫ضا ً‬
‫ن في الماِء ب ّ‬
‫كعذارى أخفي َ‬
‫ضا ً‬
‫ت به‪ ،‬وأبدين ب ّ‬
‫سابحا ِ‬

‫ت‬
‫ت على الزوال‪ .‬وكان ْ‬
‫مشرفا ٍ‬

‫‪601‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ت على الكواكب نهضا‬
‫مشرقا ٍ‬

‫ن‪ .‬وشابت‬
‫ب من حولها الزما ُ‬
‫شا َ‬

‫ضا ً‬ ‫ن ما زا َ‬
‫لغ ّ‬ ‫وشباب الفنو ِ‬

‫صا‬
‫ض ال ّ‬
‫ش كأنما نف َ‬
‫ب نق ٍ‬
‫ر ّ‬

‫ه اليدين بالمس نفضا ً‬


‫نعُ من ُ‬
‫ِ‬

‫ن كلمِع الّزيت مّرت‬


‫ودها ٍ‬

‫ضا‬
‫تو ّ‬
‫سراج والّزي ُ‬
‫أعصر بال ّ‬

‫ب ريم ٍ‬
‫وخطوط كأنها هد ُ‬

‫ت صنعة وطول وعرضا‬


‫حسن ْ‬

‫وضحايا تكاد ُ تمشي وترعى‬

‫لو أصابت من قدرة الله نبضا‬

‫ب كالبروِج بنتها‬
‫ومحاري َ‬

‫ن أمضى‬
‫ت من عزمةِ الج ّ‬
‫عزما ٌ‬

‫‪602‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ن زلفى‬
‫شّيدت بعضها الفراعي ُ‬

‫ضى‬
‫ض أجنب يتر ّ‬
‫ولني البع َ‬

‫ت ال?‬
‫ت بفتا ِ‬
‫ومقاصيَر أبدل ْ‬
‫ت قضا ً‬
‫?مسك تربًا‪ .‬وباليواقي ِ‬

‫ة‪ ،‬وقديما ً‬
‫م هد ّ ٌ‬ ‫ح ّ‬
‫ظها اليو َ‬
‫صرفت في الحظوظ رفعا ً وخفضا ً‬
‫ن بالسعد ِ والّنح?‬
‫ت العالمي َ‬
‫سق ِ‬

‫س محضا ً‬
‫ت النح َ‬
‫س إلى أن تعاط ِ‬
‫? ِ‬

‫ن‬ ‫ش العقو َ‬
‫ل وف ّ‬ ‫ة تده ُ‬
‫صنع ٌ‬

‫ه على القوم ِ فرضا‬


‫كان إتقان ُ‬

‫***‬
‫ياقصورا ً نظرتها وهي تقضى‬

‫ع‪ ،‬والحقّ يقضى‬


‫ت الدمو َ‬
‫فسكب ُ‬

‫ب‬
‫أنت طغرا‪ ،‬ومجد ُ مصَر كتا ٌ‬

‫‪603‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ضًا؟‬
‫كف ّ‬
‫م البلى كتاب ِ‬
‫ف سا َ‬
‫كي َ‬

‫وأنا المحتفي بتاريِخ مصر‬

‫ن عرضا‬
‫ن مجد ّ قومهِ صا َ‬
‫من يص ْ‬

‫ب‬
‫ة‪ ،‬ول باد َ شع ٌ‬
‫م ٌ‬
‫لم تمت أ ّ‬

‫أقرضوا ال ّ‬
‫ذكَر والحاديث قرضا‬

‫ل‬
‫ك مزا ٍ‬
‫ب سّر بجانبي ِ‬
‫ر ّ‬

‫ن غمضا‬
‫كان حتى على الفراعي ِ‬

‫دعاء لو كان يجدي‬ ‫ق ْ‬


‫ل لها في ال ّ‬

‫ت أرضا‬
‫ل ل صر ِ‬
‫يا سماَء الجل ِ‬
‫حار فيك المهندسون عقول ً‬

‫م مرضى‬
‫م العل َ‬ ‫وتول ّ ْ‬
‫ت عزائ ُ‬

‫ن مل ْ ٌ‬
‫ك حيالها وفريد ٌ‬ ‫أي َ‬

‫ح فضًا؟‬
‫من نظام ِ النعيم ِ أصب َ‬

‫‪604‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ب تترى‬
‫ن في المواك ِ‬
‫أين فرعو ُ‬
‫) ‪(1/414‬‬

‫ل ركضا?‬
‫ن كالخي ِ‬
‫ض المالكي َ‬
‫يرك ُ‬
‫ك عرضا ً‬
‫ساقَ للفتح في الممال ِ‬

‫وجل للفخارِ في السلم ِ عرضا‬

‫س" تحتها الني ُ‬


‫ل يجري‬ ‫أين "إبزي ُ‬

‫ن وعرضا!‬
‫ت فيهِ شاطئي ِ‬
‫حكم ْ‬

‫ن وملي ٌ‬
‫ك‬ ‫ل ال ّ‬
‫طرف كاه ٌ‬ ‫أسد َ‬

‫س خفضا‬ ‫في ثراها وأرس َ‬


‫ل الرأ َ‬

‫ض المالكون أسرى عليها‬


‫يعر ُ‬

‫ن جرضى‬
‫في قيود الهوان عاني َ‬

‫ت بغير مجير‬
‫ما لها أصبح ْ‬

‫ضا‬
‫دهر ع ّ‬
‫تشتكي من نوائب ال ّ‬

‫‪605‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ر‬
‫هي في السرِ بين صخرٍ وبح ٍ‬

‫سجون فوقَ حضوضى‬ ‫ملكة في ال ّ‬


‫ف ونطع‬
‫س( بين سي ٍ‬‫أين )هورو ُ‬

‫أبهذا في شرعهم كان يقضى!‬

‫ليت شعري! قضى شهيد َ غرام ٍ‬

‫أم رماه ُ الوشاة حقدا ً وبغضا‬

‫ض‬
‫ط فرعون م ّ‬
‫ب ضرب من سو ِ‬
‫ر ّ‬

‫ضا‬
‫سم ّ‬
‫ق بالنف ِ‬
‫دون فعل الفرا ِ‬

‫ن‬
‫ك بسيفهِ وهو قا ٍ‬
‫وهل ٍ‬

‫ف من اّللواح ِ‬
‫ظ ينضى‬ ‫ن سي ٍ‬
‫دو َ‬

‫ث‬
‫قتلوه ُ فهل لذاك حدي ٌ‬

‫ث نثرا ً وقرضا‬
‫أين راوي الحدي ِ‬

‫ة النيل أن يفي‪ ،‬وعجيب‬


‫شيم ُ‬

‫‪606‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أحرجوه ُ فضي ّعَ العهد َ نقضا ً‬

‫م‬
‫ه الماُء فهو صيد ٌ كري ٌ‬
‫حاش ُ‬

‫م يسقط غيضا‬
‫ل يو َ‬
‫ت بالني ِ‬
‫لي َ‬

‫م قلي ٌ‬
‫ل‬ ‫شّيدوا الما َ‬
‫ل‪ ،‬والعلو ُ‬

‫ل والعلم ِ نقضا‬
‫أنقذوه ُ بالما ِ‬

‫محمد حافظ بك ابراهيم‬


‫) ‪(1/415‬‬

‫هو الشاعر الكبير محمد حافظ بن ابراهيم أفندي فهمي‬


‫المولود سنة ‪1288‬ه?‪ .‬يقول الشعر‪ ،‬في كل مكان‬
‫يتفق له فيه أن يخلو بنفسه‪ ،‬ويتعب في قرض قريضه‬
‫تعب النحات الماهر في استخراج مثال جميل من‬
‫حجره‪.‬‬
‫يؤثر الجزالة على الرقة‪ ،‬وله فيها آيات‪ ،‬يطرق‬
‫الموضوع في الغالب من جوهره وربما نظم أكثر‬
‫البيات قبل المطلع شان الصانع القدير الذي يبدأ‬
‫بأصعب ما بين يديه آمنا ً أن تهن عزيمته دون الجادة‬
‫بعد ذلك عالما ً أن الكلم لبد لن يأتيه في أي مقام‬
‫طيعا ً ولو بعد حين‪.‬‬
‫حاضر المحفوظ من أفصح أساليب العرب ينسج على‬

‫‪607‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫منوالها ويتخير نفائس مفرداتها وأعلق حلها‪ .‬له غرام‬
‫باللفظ ليقل عن الغرام بالمعنى‪ .‬وفي أقصى ضميره‬
‫يؤثر البيت المجاد لفظا ً على المجاد معنى‪ .‬فإذا فاته‬
‫البتكار حينا ً في التصوير‪ ،‬أولع بالجتماعيات فقال فيها‬
‫وأجاد ما شاء‪ ،‬فهو على الجملة أحد الثلثة الذين هم‬
‫نجوم الدب العربي في مصر لهذا العصر‪ ،‬ولكل من‬
‫تلك النجوم منزلة وإضاءته وأثره الخالد‪.‬‬
‫أما شعره فشعر البيان وإن من البيان لسحرًا‪ .‬ومن‬
‫شعره الجتماعي‪ ،‬قوله‪:‬‬
‫كم ذا يكابد عاشقٌ ويلقي‬

‫ب مصَر كثيرةِ الع ّ‬


‫شاق‬ ‫في ح ّ‬

‫ك صبابة‬ ‫إني لحم ُ‬


‫ل في هوا ِ‬

‫ق‬
‫يامصُر‪ ،‬قد خرجت عن الطوا ِ‬
‫ة‬
‫ك? متى أراك طليق ً‬
‫لهفي علي ِ‬

‫ق‬
‫ب را ٍ‬
‫ك شع ٌ‬
‫م حما ِ‬
‫يحمي كري َ‬

‫م‬
‫ل‪ ،‬متي ٌ‬
‫ف بمحمود الخل ِ‬
‫كل ٌ‬

‫ق‬
‫ك والنفا ِ‬
‫ل بين يدي ِ‬
‫بالبذ ِ‬

‫ة‬ ‫إني لتطربني الخل ُ‬


‫ل كريم ٌ‬

‫‪608‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ق‬
‫ب بأوبةٍ وتل ِ‬
‫ب الغري ِ‬
‫طر َ‬

‫ويهّزني ذكُر المروءةِ والّندى‬

‫ق‬
‫ل هّزة َ المشتا ِ‬ ‫بين ال ّ‬
‫شمائ ِ‬

‫ة في صفاِء مزاجها‬
‫ما البابلي ّ ُ‬

‫ق‬
‫ب بين تنافس وسبا ِ‬
‫والشر ُ‬

‫س وتختفي‬
‫والشمس تبدو في الكؤو ِ‬

‫ساقي‬
‫والبدُر يشرق من جبين ال ّ‬

‫ر‬
‫ق كريم طاه ٍ‬
‫بألذ من خل ٍ‬

‫ق‬
‫ة الذوا ِ‬
‫ه سلم ُ‬
‫قد مازجت ُ‬

‫ت خليقة محمودة‬
‫فإذا رزق َ‬

‫ق‬
‫م الرزا ِ‬
‫س ُ‬ ‫فقد ِ اصطفا َ‬
‫ك مق ّ‬

‫ه ما ٌ‬
‫ل‪ ،‬وذا‬ ‫س هذا حظ ُ‬
‫فالنا ُ‬
‫) ‪(1/416‬‬

‫‪609‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ق‬
‫م الخل ِ‬
‫م وذاك مكار ُ‬
‫عل ٌ‬
‫دخره ُ محصنا ً‬ ‫والما ُ‬
‫ل إن لم ت ّ‬

‫ق‬
‫بالعلم كان نهاية المل ِ‬

‫ه شمائ ٌ‬
‫ل‬ ‫م إن لم تكتنف ُ‬
‫والعل ُ‬

‫تعليهِ كان مطية الخفاق‬

‫ن العلم ينفعُ وحدهُ‬


‫ل تحسب ّ‬

‫ق‬
‫ه بخل ِ‬
‫وج رب ّ ُ‬
‫مالم يت ّ‬

‫ن لي بتربية النساِء فإّنها‬


‫م ْ‬

‫في الشرق عل ّ ُ‬
‫ة ذلك الخفاق‬

‫ة إذا أعددتها‬
‫الم مدرس ٌ‬

‫أعددت شعبا ً طّيب العرا ِ‬


‫ق‬

‫ض تعّهده ُ الحيا‬
‫الم رو ٌ‬

‫ي‪ ،‬أورقَ إّيما إبراق‬


‫بالر ّ‬

‫‪610‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫م أستاذ ُ الساتذةِ اللى‬
‫ال ّ‬

‫شغلت مآثرهم مدى الفاق‬

‫ل‪ :‬دعوا النساَء سوافرا ً‬


‫أنا ل أقو ُ‬

‫ن في السواق‬
‫بين الرجال يجل َ‬

‫ن‪ ،‬ل من وازٍع‬


‫ن حيث أرد َ‬
‫يدرج َ‬

‫ه‪ ،‬ول من واق‬


‫يحذرن رقبت ُ‬

‫يفعلن أفعال الرجال لواهيا‬

‫عن واجبات نواعس الحداق‬

‫ن كثيرة‬
‫ن شؤونه ّ‬
‫في دوره ّ‬

‫ف والمزراق‬
‫ب السي ِ‬
‫كشؤون ر ّ‬

‫ك ّ‬
‫ل‪ ،‬ول أدعوكم أن تسرفوا‬

‫ب والتضييق والرهاق‬
‫في الحج ِ‬
‫م حلى وجواهرا ً‬
‫ليست نساؤك ُ‬
‫ّ‬

‫‪611‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ق‬
‫ن في الحقا ِ‬ ‫ف الضياع تصا ُ‬‫خو َ‬
‫م أثاثا ً يقتنى‬
‫ليست نساؤك ُ‬

‫دور بين مخادع وطباق‬


‫في ال ّ‬

‫ن في أدوارها‬ ‫تتشك ّ ُ‬
‫ل الزما ُ‬

‫ن على الجمود بواق‬ ‫دو ً‬


‫ل‪ ،‬وه ّ‬

‫سطوا في الحالتين‪ ،‬وأنصفوا‬


‫فتو ّ‬

‫ق‬
‫فالشّر في التقييد والطل ِ‬

‫ة‪ ،‬أّنها‬
‫رّبوا البنات على الفضيل ِ‬

‫ن خير وثاق‬
‫في الموقفين له ّ‬

‫ن بناتكم‬
‫م أن تستبي َ‬
‫وعليك ُ‬

‫نوَر الهدى وعلى الحياِء الباقي‬

‫إسماعيل صبري باشا‬


‫أكثر ما ينظم فلخطرة تخطر على باله من مثل حادثة‬
‫يشهدها أو خبر ذي بال يسمعه أو كتاب يطالعه‪ ،‬ينظم‬
‫المعنى الذي يعرض له في بيتين عادة إلى أربعة إلى‬
‫ستة‪ ،‬وقلما يزيد على هذا القدر إل حيث يقصد قصيدة‪،‬‬

‫‪612‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫شديد النقد لشعره كثير التبديل والتحويل فيه حتى إذا‬
‫استقام على ما يريده ذوقه من رقة اللفظ وفصاحة‬
‫السلوب أهمله ثم نسيه‪ ،‬ومن قوله يصف الهرام‪:‬‬
‫) ‪(1/417‬‬

‫م قومي ول العوان أعواني‬


‫ل القو ُ‬

‫ن‬
‫إذا ونى يوم تحصيل العلى وا ِ‬

‫ن لم يؤيدني فراعنة‬
‫تأ ْ‬
‫ولس ُ‬

‫ن‬
‫ن عالي العرش والشا ِ‬ ‫منكم بفرعو َ‬
‫ت‬‫ت جّبار ذا الوادي إذا سلم ِ‬
‫ولس ُ‬

‫ت أعواني‬
‫ه تلك من غارا ِ‬
‫جبال ُ‬

‫ل إن لم تعلموا عمل ً‬
‫ل تقربوا الّني َ‬

‫ن‬
‫ب لم يخلقْ لكسل ِ‬
‫فماؤه ُ العذ ُ‬

‫ردوا المجّرة كذ ّا ً دون مورد ِ‬


‫ه‬

‫أو فاطلبوا غيره ُ ريا ً لظمآ ِ‬


‫ن‬

‫م‬ ‫وابنوا كما بنت الجيا ُ‬


‫ل قبلك ُ‬

‫‪613‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ل تتركوا بعدكم فخرا ً لنسان‬

‫أمرتكم‪ ،‬فأطيعوا أمَر رّبكم‬

‫ن مستمعا ً عن طاعةٍ ثا ِ‬
‫ن‬ ‫ل يئ ِ‬

‫ه‬
‫ت تسابق ُ‬
‫فالملك أمٌر وطاعا ٌ‬

‫جنبا ً لجنب إلى غايات إحسا ٍ‬


‫ن‬

‫ل تتركوا مستحيل ً في استحالته‬

‫ن‬ ‫حتى يمي َ‬


‫ط لكم عن وجه إمكا ِ‬

‫ة قد هوت من عرش قائلها‬


‫مقال ً‬

‫على مناكب أبطال وشجعان‬

‫ض من ذعرٍ ودان لها‬


‫ت لها الر ُ‬
‫ماد ْ‬

‫ن‬
‫وا ِ‬ ‫ما في المق ّ‬
‫طم من صخر وص ّ‬

‫ن ألقاها على مل ِ‬
‫لو غير فرعو َ‬

‫دت حلم يقظان‬


‫في غير مصرِ لع ّ‬

‫‪614‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن إن نادى جبل ً‬
‫ن فرعو َ‬
‫لك ّ‬

‫ه في قبضةِ الباني‬
‫لّبت حجارت ُ‬

‫ه جماهير تسي ُ‬
‫ل بها‬ ‫وآزرت ُ‬

‫ن‬
‫ح واد بماضي القوم مل ِ‬
‫بطا ُ‬

‫يبنون ما تقف الجيا ُ‬


‫ل حائرة‬

‫ن‬
‫ه بين إعجاب وإذعا ٍ‬
‫أمام ُ‬

‫من كل ما لم يد فكر ول فتحت‬

‫ن‬
‫على نظائره في الكون عينا ِ‬

‫ن إذا طاروا إلى عمل‬


‫ويشبهو َ‬

‫جن ّا ً تطير أمرٍ من سليما ِ‬


‫ن‬

‫بّرا ً بذي المر ل خوفا ً ول طمعا ً‬

‫ن‬
‫ب إتقا ِ‬
‫لكّنهم خلقوا طل َ‬

‫ن متخذا ً‬
‫ي الف ّ‬
‫أهرامهم تلك‪ ،‬ح ّ‬

‫‪615‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫صخورِ بروجا ً فوق كيوا ِ‬


‫ن‬ ‫من ال ّ‬

‫قد مّر دهر عليها‪ ،‬وهي ساخرة‬

‫ن‬
‫بما يضعضعُ من صرٍح وإيوا ِ‬

‫لم يأخذ ِ اّللي ُ‬


‫ل منها والنهاُر سوى‬

‫ن‬ ‫ما يأخذ ُ النم ُ‬


‫ل من أركان تهل ِ‬

‫كأنها والعواد‪ ،‬في جوانبها‬

‫ن‬
‫صرعى بناُء شياطين لشيطا ٍ‬

‫جاءت إليها وفود الرض قاطبة‬


‫) ‪(1/418‬‬

‫تسعى اشتياقا ً إلى ما خل ّد َ الفاني‬

‫فصّغرت كل موجود ضخامتها‬

‫ن‬ ‫ض بنيانها من ك ّ‬
‫ل بنيا ِ‬ ‫وغ ّ‬
‫وعاد َ منكُر فضل القوم معترفا ً‬

‫‪616‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن‬
‫يثني على القوم في سّر وإعل ِ‬

‫تلك الهياكل في المصار شاهدةٌ‬

‫ن‬ ‫ق‪ ،‬أه ُ‬


‫ل إمعا ٍ‬ ‫بأنهم أه ُ‬
‫ل سب ٍ‬

‫ن في حول ومقدرة‬
‫وأن فرعو َ‬

‫ن‬
‫ن في أقدام كفؤا ٍ‬
‫م فرعو َ‬
‫وقو َ‬

‫إذا أقام عليهم شاهدا ً حجٌر‬

‫ن‬
‫ت الخرى ببرها ٍ‬
‫في هيكل قام ْ‬

‫ة‬
‫كأنما هي والقوام خاشع ٌ‬

‫ن‬
‫ف من عالم ٍ ثا ِ‬
‫أمامها صح ُ‬

‫ن في أثنائها صوٌر‬ ‫تستقب ُ‬


‫ل العي َ‬

‫ن‬ ‫فصحة الرمز دارت حو َ‬


‫ل جدرا ِ‬

‫ه‬ ‫ت صوتا ً لكا َ‬


‫نل ُ‬ ‫لو أنها أعطي ْ‬

‫دى يرّوع النس والجان‬


‫ص ّ‬

‫‪617‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫صخر سيرتهم‬
‫جلوا في ال ّ‬
‫أين اللى س ّ‬

‫ن‬ ‫وصّغروا ك ّ‬
‫ل ذي ملك وسلطا ِ‬

‫بادوا‪ ،‬وبادت على آثارهم دو ٌ‬


‫ل‬

‫ن‬
‫ي أخبار وأكفا ِ‬
‫وأدرجوا ط ّ‬

‫خليل بك مطران‬
‫هو شاعر الشعور والخيال‪ ،‬وشاعر بعلبك والهرام‪ ،‬ولد‬
‫سنة ‪ 1871‬ببعلبك وتعلم بها قدم مصر سنة ‪ 1893‬م‬
‫واشتغل بمكاتبة الصحف وانشأ باسمه "المجلة‬
‫المصرية" سنة ‪ 1899‬م وأنشأ أيضا ً )جريدة الجوانب‬
‫المصرية( وله ديوانه المسمى )ديوان الخليل(‪.‬‬
‫شعره‪ :‬مجمع الصور وملعب الخيال‪ ،‬ونفسه كالصحيفة‬
‫الحساسة ينطبع عليها كل ما يمر بها‪ ،‬بل الغصن‬
‫الرطب يميل به كل نسيم بل وجه البحيرة الصافي‬
‫يحركه كل ريح‪ ،‬من قصيدة له يصف ضرب السطول‬
‫اليطالي سواحل الشام ويستنهض الهمم‪:‬‬
‫ك مّني‬ ‫بلدي ل يزا ُ‬
‫ل هوا ِ‬

‫كما كان الهوى قبل الفطام‬

‫ث رمى العادي‬
‫أقّبل منك حي ُ‬

‫‪618‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫رغاما ً طاهرا ً دون الّرغام‬

‫وافدي كل جلمود فتيت‬

‫وهي بقنابل القوم الّلئام‬

‫لحى الله المطامعَ حيث حّلت‬

‫فتلك أشد ّ آفات السلم‬

‫ب المَاء وهو أغّر صاف‬


‫تشو ُ‬

‫سقام‬
‫وتمشي في المشارب بال ّ‬
‫شرق ذعرا ً‬
‫أقول وقد أفاق ال ّ‬

‫من الحال ال ّ‬
‫شبيهة بالمنام‬

‫على صخب المدافع في حماه‬

‫ن طل ّ ً‬
‫ي وهام ِ‬ ‫ورقص الموت بي َ‬
‫) ‪(1/419‬‬

‫أقول بصوته لحماة دار‬

‫‪619‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫رماها من بغاة الغرب رام‬

‫أباة َ الضّيم من عرب وترك‬

‫م آساد َ الموامي‬ ‫نسوَر ال ّ‬


‫ش ّ‬

‫م العصر فرسانا ً ورجل ً‬


‫قرو َ‬

‫نجوم الكّر من خلف اللثام‬

‫بنا مرض الّنعيم فنسمونا‬

‫و ّ‬
‫غى يشفي من الصّفو العقام‬

‫بنا برد المكوث فأدفئونا‬

‫مى الوثب حيث الخطب حام‬ ‫بح ّ‬


‫سماع فشّنفونا‬ ‫بنا عط ُ‬
‫ل ال ّ‬

‫صدام‬
‫بقعقعة الحديد لدى ال ّ‬

‫على هذا الّرجاء ونحن في‬

‫نسيُر موفقين إلى المام‬

‫وقال في نابليون وهو يراقب السماء في آخر أيامه‬

‫‪620‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قالوا لنابليون ذات عشّية‬

‫سماء النجما‬‫إذ كان يرقب في ال ّ‬


‫هل بعد فتح الرض من أمنّية‬

‫سما‬
‫فأجاب انظر كيف أفتتح ال ّ‬

‫أبواب الشعر العربي‬


‫الباب الول في المديح‬
‫"قال أمية بن أبي الصلت المتوفى سنة ‪ 9‬ه? في‬
‫العزة اللهية"‪.‬‬
‫ل َ‬
‫ك الحمد ُ والّنعماء والملك رّبنا‬

‫فل شيء أعلى منك مجدا ً وامجدا ُ‬


‫ن‬
‫سماِء مهيم ٌ‬
‫مليك على عرض ال ّ‬

‫لعّزته تعنوا الوجوه وتسجد ُ‬

‫ف الخلقُ قدره‬
‫فسبحان من ل يعر ُ‬

‫حد ُ‬
‫ن هو فوقَ العرش فرد ٌ مو ّ‬
‫وم ْ‬

‫ق والخلقُ كّلهم‬
‫هو الله باري الخل ِ‬

‫إماٌء له طوعا ً جميعا ً وأعبد ُ‬

‫‪621‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫سموات ال ّ‬
‫شداد وأرضها‬ ‫ملي ُ‬
‫ك ال ّ‬

‫ة تنفد ُ‬
‫م ويبقى والخليق ُ‬
‫يدو ُ‬
‫وقال أيضا ً‬
‫ن وك ّ‬
‫ل أرض‬ ‫ه العالمي َ‬‫إل ُ‬

‫ورب الّراسيات من الجبال‬

‫بناها وابتنى سبعا شدادا ً‬

‫ل‬
‫ن ول رجا ِ‬
‫بل عمد ٍ يرب َ‬

‫واها وزينها بنور‬


‫وس ّ‬

‫ل‬
‫من الشمس المضيئةِ والهل ِ‬

‫ومن شهب تلل في دجاها‬

‫ل‬
‫مراميها أشد ّ من الّنصا ِ‬

‫ت عيونا‬
‫وشقّ الرض فانبجس ْ‬

‫وأنهارا ً من العذب الّزل ِ‬


‫ل‬

‫وبارك في نواحيها وز ّ‬
‫كى‬

‫‪622‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ل‬
‫ث ومعا ٍ‬
‫بها ما كان من حر ٍ‬

‫مر ل بد ّ يوما ً‬ ‫فك ّ‬


‫ل مع ّ‬

‫ل‬
‫وذي دنيا يصيُر إلى زوا ٍ‬

‫ويفني بعد جدته ويبلى‬

‫ل‬
‫دس ذي الجل ِ‬
‫سوى الباقي المق ّ‬
‫) ‪(1/420‬‬

‫وسيقَ المجرمون وهم عراة‬

‫ل‬
‫إلى ذات المقامع والّنكا ِ‬
‫فنادوا ويلنا ويل ً طويل ً‬

‫ل‬ ‫جوا في سلسلها ال ّ‬


‫طوا ِ‬ ‫وع ّ‬

‫فليسوا ميتين فيستريحوا‬

‫م بحّر الّنار صالي‬


‫وكله ُ‬

‫وح ّ‬
‫ل المّتقون بدار صدق‬

‫‪623‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وعيش ناعم تحت ال ّ‬


‫ظلل‬ ‫ٍ‬

‫لهم ما يشتهون وما تممنا‬

‫ل‬
‫من الفراح فيها والكما ِ‬

‫وقال محمود سامي البارودي باشا مادحا ً سيد المة من‬


‫كشف الغمة‬
‫د" خاتم الّرسل اّلذي خضعت‬‫"محم ٌ‬

‫له البرية من عرب ومن عجم‬

‫سميُر وحي ومجنى حكمةٍ وندى‬

‫ف وريّ ظم‬
‫سماحة وقرى عا ٍ‬

‫ي عنه قبل بعثته‬


‫قد ابلغ الوح ُ‬

‫مسامعَ الّرسل قول ً غير منكتم‬

‫فذاك دعوة ُ إبراهيم خالقه‬

‫وسّر ما قاله عيسى من القدم ِ‬

‫جلة‬
‫أكرم به وبآباء مح ّ‬

‫‪624‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫دهم‬ ‫جاءت به غّرة في العصر ال ّ‬


‫دخرا ً‬ ‫قد كان في ملكوت الله م ّ‬

‫ب العلم‬
‫لدعوة كان فيها صاح َ‬

‫نوٌر تنقل في الكوان ساطعة‬

‫تنق َ‬
‫ل البدرِ من صلب إلى رحم‬

‫وقال أحمد بك شوقي مادحا ً أفضل الخلق على الطلق‬


‫من نهج البردة‬
‫د" صفوة الباري وحمته‬‫محم ُ‬

‫ق ومن نسيم‬
‫ة الله من خل ٍ‬
‫وبغي ُ‬

‫ة‬ ‫ض يوم الّرس ُ‬


‫ل سائل ٌ‬ ‫ب الحو ِ‬
‫وصاح ُ‬

‫ن ظمي‬ ‫متى الورود وجبري ُ‬


‫ل المي ُ‬
‫ة‬
‫سناؤه وسناه الشمس طالع ٌ‬

‫ضوءُ في علم‬
‫ك وال ّ‬
‫م في فل ٍ‬
‫فالجر ُ‬

‫م ما نالت أبوته‬
‫قد أخطأ النج ُ‬

‫من سؤدد ٍ باذٍخ في مظهرٍ سنم‬

‫‪625‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫نموا إليه فزادوا في الورى شرفا ً‬

‫ل لفرِع في الفخار نمي‬


‫ب أص ٍ‬
‫ور ّ‬
‫م‬ ‫حواه في سبحات ال ّ‬
‫طهر قبله ُ‬

‫صلب والّرحم‬
‫م ال ّ‬
‫ن قاما مقا َ‬
‫نورا ِ‬

‫لما رآه بحيرا ً قال نعرف ُ‬


‫ه‬

‫سيم ِ‬
‫بما حفظنا من السماء وال ّ‬

‫وقال أبو تمام مادحا ً المعتضد بالله‬


‫دنيا الذي لو بفضله‬ ‫إلى قطب ال ّ‬

‫دنيا كفتهم فضائله‬


‫مدحت بني ال ّ‬
‫من البأس والمعروف والجود والّتقى‬

‫ن شمائله‬ ‫عيا ٌ‬
‫ل عليه رزقه ّ‬

‫هو البحُر من أيّ النواحي أتيته‬


‫) ‪(1/421‬‬

‫ف والجود ُ ساحله‬
‫ه المعرو ُ‬
‫فلجت ُ‬

‫‪626‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تعود بسط الكف حّتى لو أّنه‬

‫ه أنامله‬
‫ض لم تعط ُ‬
‫ثغاها لقب ٍ‬

‫ولو لم يكن في كفه غيُر روحه‬

‫ق الله سائله‬
‫لجاد بها فليت ّ ِ‬
‫وقال فيه أيضا ً‬
‫ب‬
‫السيف اصدقُ إنباٌء من الكت ِ‬

‫في حده الحد ّ بين الجد ّ واّللع ِ‬


‫ب‬

‫ض الصفائح ل سود الصحائف في‬


‫بي ُ‬

‫ب‬ ‫ش ّ‬
‫ك والّري ِ‬ ‫ن جلء‪ ،‬ال ّ‬
‫متونه ّ‬

‫سماء له‬
‫ح أبواب ال ّ‬
‫ح تفت ُ‬
‫فت ٌ‬

‫ب‬
‫ض في أثوابها القش ِ‬
‫وتبرُز الر ُ‬

‫م الليل وهو ضحى‬


‫غادرت فيهم بهي َ‬

‫ح من اّلله ِ‬
‫ب‬ ‫ه وسطها صب ٌ‬
‫يقل ُ‬

‫دجى رغبت‬
‫ب ال ّ‬
‫حتى كأن جلبي َ‬

‫‪627‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ب‬
‫ن الشمس لم تغ ِ‬
‫عن لونها وكأ ّ‬

‫ه معلنا ً بال ّ‬
‫سيف متصلتا‬ ‫أجبت ُ‬

‫سيف لم تجب‬
‫ولو أجبت بغير ال ّ‬

‫ة الله جازى سعيك عن‬


‫خليف َ‬

‫دين والسلم والحسب‬


‫جرثومة ال ّ‬

‫فبين أيامك اللتي نصرت بها‬

‫ب الّنسب‬
‫وبين أيام بدر أقر ُ‬

‫وقال أبو العلء المعري‬


‫إليك تناهي ك ّ‬
‫ل فخرٍ وسؤدد‬

‫ل اّلليالي والنام وجدد‬


‫فأب ِ‬

‫دك كلن المجد ُ ثم حويته‬


‫لج ّ‬

‫ولبنك يبنى منه أشرف مقعدِ‬

‫دهُر كله‬
‫ي ال ّ‬
‫ثلثة أيام ٍ ه َ‬

‫‪628‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫س واليوم ِ والغدِ‬
‫ن غير الم ِ‬ ‫وما ه ّ‬
‫وما البدُر إل واحد ٌ غير أنه‬

‫ب ويأتي بالضّياءِ المجد ّدِ‬


‫يغي ُ‬

‫فل تحسب القمار خلقا ً كثيرة‬

‫فجعلتها من نّير مترددٍ‬

‫ن لحسنى وإن جاد غيره‬


‫وللحس ِ‬

‫مد‬
‫فذلك جود ٌ ليس بالمعت ّ‬

‫وقال أبو الطيب المتنبي مادحا ً سيف الدولة‬


‫ه الرض عن ملك‬ ‫ن ووج ُ‬
‫ضاق الزما ُ‬

‫سهل والجبل‬
‫ملء الزمان وملء ال ّ‬

‫فنحن في جذل والّروم في وجل‬

‫والبّر في شغل والبحُر في خجل‬

‫ت المدائح تستوفي مناقبه‬


‫لي َ‬

‫ب وأهل العصر الول‬


‫فما كلي ٌ‬

‫‪629‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫خذ ما تراه ودع شيئا ً سمعت به‬

‫في طلعة البدرِ ما يغنيك عن زحل‬

‫ة‬
‫ن القول ذا سع ٍ‬
‫وقد وجدت مكا َ‬

‫ت لسانا ً قائل ً فقل‬


‫فإن وجد َ‬

‫إن المام الذي فخُر النام به‬


‫) ‪(1/422‬‬

‫دول‬
‫سيوف بكفي خيرةِ ال ّ‬
‫خيُر ال ّ‬

‫ه‬
‫تمسي الماني صرعى دون مبلغ ِ‬

‫ت ذلك لي‬
‫فما يقول لشيٍء لي َ‬

‫وقال أيضا ً يمدح أبا شجاع‬


‫ل خيل عندك تهديها ول ما ُ‬
‫ل‬

‫فليسعد الّنطق إن لم تسعد الحال‬

‫ة‬
‫واجز الميَر الذي نغماه فاجئ ٌ‬

‫ل ونعمى الّناس أقوا ُ‬


‫ل‬ ‫بغير قو ٍ‬

‫‪630‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن موليه‬
‫فربما جرت الحسا َ‬

‫ي مكسا ُ‬
‫ل‬ ‫جريدة ٌ من عذارى الح ّ‬
‫شكل تمنعني‬‫وإن تكن محكمات ال ّ‬

‫ظهور جري فلي فيهن تصها ُ‬


‫ل‬

‫ت لن الما َ‬
‫ل فرحني‬ ‫وما شكر ُ‬

‫سّيان عنديَ إكثاٌر وإقل ُ‬


‫ل‬

‫لكن رأيت قبيحا ً أن يجاد لما‬

‫وإننا بقضاء الحقّ بخا ُ‬


‫ل‬

‫ض الحزن باكره‬
‫ت رو ِ‬
‫ت منب َ‬
‫فكن ُ‬

‫ث بغيرِ سباخ الرض هطا ُ‬


‫ل‬ ‫غي ٌ‬
‫ث يبّين للّنظار موقعه‬‫غي ٌ‬

‫أن الغيوث بما تأتيه جّها ُ‬


‫ل‬

‫ن‬
‫ل يدرك المجد َ إل سّيدق فط ٌ‬

‫لما يشقٌ على السادات فّعال‬

‫‪631‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ت‬
‫ت يمناه ُ ما وهب ْ‬
‫ث جهل ْ‬
‫ل وار ٌ‬

‫سيف سّئال‬
‫ب بغير ال ّ‬
‫ول كسو ٌ‬

‫ن له قول ً فأفهم‬
‫قال الزما ُ‬

‫أن الّزمان على المساك عذال‬

‫تدري القناةُ إذا اهتزت براحته‬

‫ل وأبطا ُ‬
‫ل‬ ‫ي بها خي ٌ‬ ‫أن ال ّ‬
‫شق ّ‬

‫ة‬
‫ك ودخول الكاف منقص ٌ‬
‫كفات ِ‬

‫ت وما للشمس أمثال‬ ‫كالشمس قل ُ‬


‫ه‬
‫القائد ُ السد َ غدتها براثن ُ‬

‫بمثلها عداه ُ وهي أشبا ُ‬


‫ل‬

‫وقال أيضا ً يمدح سيف الدولة‬


‫ويذكر بناءه قلعة الحدث سنة ‪ 343‬ه?‬
‫على قدر أهل العزم تأتي العزائم‬

‫وتأتي على قدر الكرام المكارم‬

‫‪632‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وتعظم في عين الصغير صغارها‬

‫وتصغر في عين العظيم العظائم‬

‫ه‬
‫م ُ‬
‫دولة الجيش ه ّ‬
‫يكلف سيف ال ّ‬

‫وقد عجزت منه الجيوش الخضارم‬


‫ويطلب عند الناس ما عند نفسه‬

‫دعيه الضراغم‬
‫وذلك ما ل ت ّ‬

‫طير عمرا ً سلح ُ‬


‫ه‬ ‫م ال ّ‬
‫دي أت ّ‬
‫يف ّ‬

‫نسوُر الفل أحداثها والقشاعم‬

‫وما ضّرها خلقٌ بغير مخالب‬

‫ت أسيافه والقوائم‬
‫وقد خلق ْ‬

‫هل الحدث الحمراء تعرف لونها‬

‫وتعلم أيّ الساقيين الغمائم‬


‫) ‪(1/423‬‬

‫‪633‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫سقتها الغمام الغّر قبل نزوله‬

‫فلما دنا منها سقتها الجماجم‬

‫بناها فأعلى والقنا تقرع القنا‬

‫وموج المنايا حولها متلطم‬

‫وكان بها مثل الجنون فأصبحت‬

‫ومن جثث القتلى عليها تمائم‬

‫طريدة اّلليالي ك ّ‬
‫ل شيٍء أخذته‬

‫ن لما يأخذن منك غوارم‬


‫وه ّ‬

‫جى الّروم والّروس هدمها‬


‫وكيف تر ّ‬

‫وذا الطعن آساس لها ودعائم‬

‫?وقال جرير المتوفى سنة ‪ 110‬ه? يمدح عبد الملك‬


‫بن مروان‪:‬‬
‫ت‬
‫م قال ْ‬
‫م حزرة ث ّ‬
‫تعّزت أ ّ‬

‫ت الموردين ذوي لقاِح‬


‫رأي ُ‬

‫‪634‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫س له شريك‬
‫ثقي بالله لي َ‬

‫ن عند ِ الخليفة بالّنجاِح‬


‫وم ْ‬

‫ي ريشي‬
‫ن رددت إل ّ‬
‫سأشكر غ ْ‬

‫م في جناحي‬
‫ت القواد َ‬
‫وأنب ّ‬

‫ب المطايا‬
‫ن رك َ‬
‫م خيَر م ْ‬
‫ألست ْ‬

‫ن بطون راِح‬
‫وأندى العالمي َ‬

‫?وقال أيضا ً يمدح عمر بن عبد العزيز ويستعطفه‬


‫ة‬
‫ن شعثاَء أرمل َ‬
‫م باليمامةِ م ْ‬
‫إك ْ‬

‫ر‬
‫صوت والّنظ ِ‬
‫ن يتيم ضعيف ال ّ‬
‫وم ْ‬

‫ه‬ ‫من يعد ّ َ‬


‫ك تكفي فقد والد ِ‬ ‫م ّ‬

‫ر‬
‫ش لم ينهض ولم يط ِ‬‫كالفرخ في الع ّ‬
‫ه‬
‫نب ِ‬
‫يدعوك دعوة ملهوف كا ّ‬

‫سا ً من الّنس ِ‬
‫ر‬ ‫خبل ً من الج ّ‬
‫ن أو م ّ‬

‫ث اخلفنا‬
‫إّنا لنرجو إذا ما الغي ُ‬

‫‪635‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ر‬
‫ن المط ِ‬
‫ن الخليفةِ ما نرجو م َ‬
‫م َ‬
‫ه قدرا ً‬
‫تل ُ‬
‫ة أو كان ْ‬
‫أنى الخلف َ‬

‫ه موسى على قدر‬


‫كما أتى رب ُ‬

‫ت حاجتها‬ ‫هذي الرام ُ‬


‫ل قد قضي َ‬

‫ر‬ ‫ن لحاجةِ هذا الرمل ال ّ‬


‫ذك ِ‬ ‫فم ْ‬

‫?وقال أيضا ً يمدحه‬


‫ش‬ ‫ل من َ‬
‫ك على قري ٍ‬ ‫يعود ُ الفض ُ‬

‫ب الشدادا‬
‫م الكر َ‬
‫ج عنه ُ‬
‫وتفر ُ‬

‫ت وحشهم برفق‬
‫وقد أمن َ‬

‫س وحشك أن يصادا‬ ‫ويعيي الّنا َ‬


‫وتدعو الله مجتهدا ً ليرضى‬

‫وتذكر في رعيت َ‬
‫ك المعادا‬

‫ن سعدى‬
‫ن مامة واب ُ‬
‫بب ُ‬
‫وما كع ُ‬

‫بأجود منك يا عمُر الجوادا‬

‫‪636‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫?وقال الثعالبي المتوفى سنة ‪ 429‬ه? مادحا ً المير أبا‬
‫الفضل الميكالي‬
‫مة‬
‫تج ّ‬
‫لك في المفاخر معجزا ٌ‬

‫أبدا ً لغيرك في الورى لم تجمع‬

‫ه‬
‫بحران بحٌر في البلغة شاب ُ‬

‫شعر الوليد ِ وحسن لفظ الصعمي‬


‫) ‪(1/424‬‬

‫صابي بزين علوهُ‬ ‫س ُ‬


‫ل ال ّ‬ ‫وتر ّ‬

‫ة ذو المحل الرفع‬
‫خط ابن مقل َ‬

‫سحر أو كالبدر أو‬


‫كالّنور أو كال ّ‬

‫كالوشي في برد ٍ عليه مو ّ‬


‫شع‬

‫شكرا ً فكم من فقرةٍ لك كالغني‬

‫وافي الكريم بعيد َ فقر مدقع‬

‫وإذا تفّتق نوُر شعرك ناضرا ً‬

‫‪637‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫صع ومصّرع‬
‫فالحسن بين مر ّ‬

‫ت أف‬
‫ت فرسان الكلم ورض َ‬
‫أرجل َ‬

‫راس البديع وأنت أمجد مبدِع‬

‫ض الزمان بدائعا ً‬
‫ت في ف ّ‬
‫ونقش َ‬

‫ترزى بآثار الربيع الممرع‬

‫?وقال أبو محمد اليمني المتوفى سنة ‪ 569‬ه?‬


‫يمدح الملك الفائز ووزيره الصالح‬
‫أقسمت بالفائز المعصوم معتقدا ً‬
‫ِ‬

‫فوز الّنجاةِ واجَر البّر في القسم ِ‬

‫ن والدنيا وأهلها‬
‫دي َ‬
‫لقد حمى ال ّ‬

‫ج للغمم‬
‫صالح الفّرا ُ‬
‫وزيره ُ ال ّ‬

‫ه‬ ‫اّللب ُ‬
‫س المجد لم تنسج غلئل ُ‬

‫ف والقلم‬
‫سي ِ‬
‫إل يد ُ الصانعين ال ّ‬

‫ة‬
‫ه العوالي رق مملك ٍ‬
‫قد ملكت ُ‬

‫‪638‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ف الّثريا عّزة ال ّ‬
‫شمم‬ ‫تعيُر أن َ‬

‫م الشان أوهمني‬
‫أرى مقاما عظي َ‬

‫في يقظتي اّنه من جملةِ الحلم‬

‫ت الكواكب تدنو لي فأنظمها‬


‫لي َ‬

‫م كلمي‬
‫ح فما أرضى لك ْ‬ ‫عقود َ مد ِ‬
‫خليفة ووزيٌر فّر عدلهما‬

‫ظل ّ على مفرق السلم والمم‬

‫ص عند َ قيضهما‬
‫زيادة الّنيل نق ٌ‬

‫ديم‬
‫فما عسى يتعاطى هاطل ال ّ‬

‫?وقال حافظ إبراهيم يمدح أستاذنا‬


‫الشيخ محمد عبده ويهنئه‬
‫ع‬ ‫رأيتك والبصار حولك خ ّ‬
‫ش ٌ‬

‫فقلت أبو حفص ببرديك أم علي‬

‫ت من حزني على مجد أمة‬


‫وخفض َ‬

‫ب للخطب يعتلي‬
‫تداركتها والخط ُ‬

‫‪639‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫طلعت بها باليمن من خير مطلع‬

‫ن مقبل‬
‫ح اب ُ‬
‫وكنت لها في الفوز قد ُ‬
‫وجّردت للفتيا حسام عزيمة‬

‫ت الكتاب المنزل‬
‫ديه آيا ُ‬
‫بح ّ‬

‫دين ك ّ‬
‫ل ضللة‬ ‫ت به في ال ّ‬
‫محو َ‬

‫ت غيَر مضّلل‬
‫ت ما أثب ّ‬
‫وأثب َ‬

‫لئن ظفر الفتاُء منك بفاضل‬

‫م منك بأفضل‬
‫لقد ظفر السل ُ‬

‫??الباب الثاني في الفخر والحماسة‬


‫?قال السموءل بن عادياء المتوفى سنة ‪ 62‬قبل‬
‫الهجرة‬
‫) ‪(1/425‬‬

‫س من اّللؤم ِ عرض ُ‬
‫ه‬ ‫م يدن ْ‬
‫إذ المرُء ل ْ‬

‫ل رداء يرتديهِ جمي ٌ‬


‫ل‬ ‫فك ّ‬

‫‪640‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫س ضيمها‬
‫م يحمل على الّنف ِ‬
‫وإن هوَ ل ْ‬

‫ن الثناِء سبي ُ‬
‫ل‬ ‫س إلى حس ِ‬
‫فلي َ‬

‫يعيرنا أنا قلي ٌ‬


‫ل عديدنا‬

‫م قلي ُ‬
‫ل‬ ‫ن الكرا َ‬
‫فقلت لها إ ّ‬

‫ت بقاياه ُ مثلنا‬ ‫وما ق ّ‬


‫ل من كان ْ‬

‫ب نتسامى للعل وكهو ُ‬


‫ل‬ ‫شا ٌ‬

‫وما ضّرنا أنا قلي ٌ‬


‫ل وجارنا‬

‫عزيٌز وجاُر الكثرين ذلي ُ‬


‫ل‬

‫ن نجيره‬
‫هم ْ‬ ‫لنا جب ٌ‬
‫ل يحتل ُ‬

‫ف وهو كلي ُ‬
‫ل‬ ‫منيعٌ يرد ّ ال ّ‬
‫طر َ‬

‫ه‬
‫ت الثرى وسما ب ِ‬
‫ه تح َ‬
‫رسا أصل ُ‬

‫ل طوي ُ‬
‫ل‬ ‫إلى النجم ِ فرع ٌ ل ينا ُ‬

‫هوَ البلقُ الفرد ُ الذي شاع َ ذكره‬

‫‪641‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ه ويطو ُ‬
‫ل‬ ‫ن رام ُ‬
‫يعّز على م ْ‬

‫ة‬ ‫م ل نرى القت َ‬


‫ل سب ّ ٌ‬ ‫وإنا لقو ٌ‬

‫ه عامٌر وسلو ُ‬
‫ل‬ ‫إذا ما رأت ُ‬

‫ت آجالنا لن‬
‫ب المو ِ‬
‫بح ّ‬
‫يقر ُ‬

‫م فتطو ُ‬
‫ل‬ ‫ه آجاله ْ‬
‫وتكرم ُ‬

‫ه‬
‫ف انف ِ‬
‫ت مّنا سي ّد ُ حت َ‬
‫وما ما َ‬

‫ث كان قتي ُ‬
‫ل‬ ‫ول ظ ّ‬
‫ل منا حي ُ‬

‫ل على حد ّ ال ّ‬
‫ظبات نفوسنا‬ ‫تسي ُ‬

‫ت تسي ُ‬
‫ل‬ ‫ت على غيرِ ال ّ‬
‫ظبا ِ‬ ‫وليس ْ‬

‫سرنا‬
‫ص ّ‬
‫صفونا فلم نكدْر وأخل َ‬

‫ت حملنا وفحو ُ‬
‫ل‬ ‫ث أطاب ْ‬
‫إنا ٌ‬

‫علونا إلى خيرِ ال ّ‬


‫ظهور وحظنا‬

‫ن نزول‬
‫لوقت إلى خيرِ البطو ِ‬

‫‪642‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ن ما في نصابنا‬
‫فنحن كماِء المز ِ‬

‫م ول فينا يعد ّ بخي ُ‬


‫ل‬ ‫كها ٌ‬

‫وننكر إن شئنا على الناس قولهم‬

‫ول ينكرون القو َ‬


‫ل حين نقول‬

‫إذا سيد ٌ مّنا خل قام سيد ٌ‬

‫م فعول‬ ‫قوو ٌ‬
‫ل لما قال الكرا ُ‬

‫ق‬
‫ت ناٌر لنا دون طار ٍ‬
‫وما أخمد ْ‬

‫ن نزي ُ‬
‫ل‬ ‫منا في النازلي َ‬
‫ول ذ ّ‬

‫دنا‬
‫وأيامنا مشهورة ٌ في ع ّ‬

‫ة وحجول‬
‫لها غرٌر معلوم ٌ‬

‫ق ومغرب‬ ‫وأسيافنا في ك َ‬
‫ل شر ٍ‬

‫ن فلول‬
‫دارعي َ‬
‫بها من قراِع ال ّ‬

‫ودة ٌ أل تس ّ‬
‫ل نصالها‬ ‫مع ّ‬

‫‪643‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ح قبي ُ‬
‫ل‬ ‫فتغمد حتى يستبا َ‬

‫ت الّناس عّنا وعنهم‬


‫سلي إن جهل ِ‬

‫م وجهو ُ‬
‫ل‬ ‫س سواٌء عال ٌ‬
‫فلي َ‬

‫م‬
‫ب لقومه ُ‬
‫ن قط ٌ‬
‫فإن بنى الد ّّيا ِ‬
‫) ‪(1/426‬‬

‫م وتجو ُ‬
‫ل‬ ‫تدوُر رحاهم حوله ْ‬

‫وقال عنترة العبسي‬


‫لعمرك إن المجد والفخر والعل َ‬

‫وني َ‬
‫ل الماني وارتفاع َ المراتب‬

‫ن يلتقي أبطالها وسراتها‬


‫لم ْ‬

‫ب صبور عند وقع المضارب‬


‫بقل ٍ‬
‫سيف مجدا ً مشيدا ً‬
‫ويبني بحد ّ ال ّ‬

‫على فلك العلياء فوق الكواكب‬

‫ن لم يرو رمحه من دم العدا‬


‫وم ْ‬

‫‪644‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ت سمُر القنا بالقواضب‬


‫إذا اشتبك ْ‬

‫ي في الحرب حّقه‬
‫ويعطي القنا الخط ّ‬

‫سيف عرض المناكب‬


‫ويبري بحد ّ ال ّ‬

‫ش كما عاش الذليل بغصة‬


‫يعي ُ‬

‫وإن مات ل يجري دموع النوادب‬

‫فضائ ُ‬
‫ل عزم ٍ ل تباع لضارع‬

‫وأسراُر حزم ٍ ل تذاع لعائب‬

‫برزت بها دهرا ً على كل حادث‬

‫ول كحل إل من غبار الكتائب‬

‫إذا كذب البرق اللموع ُ لشائم ِ‬

‫فبرقُ حسامي صادقٌ غيُر كاذب‬

‫وقال أيضا ً في الحماسة والفخر‬


‫ت‬‫سكت فغّر أعدائي السكو ُ‬

‫‪645‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ت‬
‫وظنوني لهلي قد نسي ُ‬

‫ت قوم‬
‫م عن سادا ِ‬
‫وكيف أنا ُ‬

‫ت‬
‫ل نعمتهم ربي ُ‬
‫أنا في فض ِ‬

‫وإن دارت بهم خي ُ‬


‫ل العادي‬

‫ت متى دعيت‬
‫ونادوني أجب ُ‬

‫ج المنايا‬
‫بسيف حد ّه ُ مو ُ‬

‫ت‬
‫ف الممي ُ‬
‫ح صدره ُ الحت ُ‬
‫ورم ِ‬
‫ت من الحديد أشد ّ قلبا ً‬
‫خلق ُ‬

‫ت‬
‫وقد بلى الحديد ُ وما بلي ْ‬

‫ت دم العادي‬
‫وإني قد شرب ُ‬

‫ت‬
‫بأقحاف الّرؤوس وما روي ُ‬

‫وفي الحرب العوان ولدت طفل ً‬

‫ت‬
‫ومن لبن المعامع قد سقي ُ‬

‫‪646‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ب‬
‫فما للّرمح في جسمي نصي ٌ‬

‫ت‬
‫سيف في أعضاي قو ُ‬
‫ول لل ّ‬

‫ولي بيت عل فلك الّثرّيا‬

‫تخر لعظم هيبته البيوت‬

‫وقال أيضا ً في الحماسة والفخر يوم المصانع‬


‫ن لك القناعا‬
‫إذا كشف الّزما ُ‬

‫دهر باعا‬
‫ف ال ّ‬
‫ومد ّ إليك صر ُ‬

‫فل تخش المنية والتقيها‬

‫ودافع ما استطعت لها دفاعا‬

‫ول تختر فراشا ً من حريرس‬

‫ك المناز َ‬
‫ل والبقاعا‬ ‫ول تب ِ‬

‫وحولك نسوة يندبن حزنا ً‬

‫ويهتكن البراقعَ واللفاعا‬

‫ب دواك عندي‬ ‫يقول لك ال ّ‬


‫طبي ُ‬

‫‪647‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫س كّفك وال ّ‬
‫ذراعا‬ ‫إذا ما ج ّ‬
‫) ‪(1/427‬‬

‫ب دواء داٍء‬ ‫ولو عرف ال ّ‬


‫طبي ُ‬

‫ت ما قاسى الّنزاعا‬
‫يرد ّ المو َ‬

‫وفي يوم المصانع قد تركنا‬

‫لنا بفعالنا خبرا ً مشاعا‬

‫أقمنا بال ّ‬
‫ذوابل سوقَ حرب‬

‫وصيرنا النفوس لها متاعا‬

‫حصاني كان د ّ‬
‫لل المنايا‬

‫ض غبارها وشرى وباعا‬


‫فخا َ‬
‫وسيفي كان في الهيجا طبيبا ً‬

‫صداعا‬
‫يداوي رأس من يشكو ال ّ‬
‫أنا العبد ُ الذي خّبرت عنه‬

‫وقد عاينتني فدع السماعا‬

‫‪648‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ت رمحي مع جبان‬
‫ولو أرسل ُ‬

‫سباعا‬
‫لكان بهيبتي يلقى ال ّ‬

‫ض خوفا ً من حسامي‬
‫ت الر َ‬
‫مل ُ‬

‫وخصمي لم يجد ْ فيها اّتساعا‬

‫ف بأسي‬
‫ت خو َ‬
‫إذا البطال فّر ْ‬

‫ترى القطار باعا ً أو ذراعا‬

‫وقال أيضا ً في الفخر والحماسة‬


‫ف دهر ل يعادى‬
‫أعادي صر َ‬

‫ة والبعادا‬ ‫وأحتم ُ‬
‫ل القطيع َ‬

‫وأظهُر نصح قوم ضيعوني‬

‫وإن خانت قلوبهم الودادا‬

‫ل بالمنى قلبا ً عليل ً‬


‫أعل ّ ُ‬

‫وبالصبر الجميل وإن تمادى‬

‫‪649‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تعّيرني العدا بسواد جلدي‬

‫سوادا‬
‫ض خصائلي تمحو ال ّ‬
‫وبي ُ‬

‫ب والبطا ُ‬
‫ل حولي‬ ‫وردت الحر َ‬

‫صعادا‬
‫سمَر ال ّ‬
‫تهّز اكّفها ال ّ‬

‫ت بمهجتي بحر المنايا‬


‫وخض ُ‬

‫ونار الحرب تّتقد ُ الصعادا‬

‫ضبا بدم العادي‬


‫وعدت مخ ّ‬

‫ب الّركض قد خضب الجوادا‬‫وكر ُ‬


‫دين ماض‬
‫ف الح ّ‬
‫وسيفي مره ُ‬

‫صحَر الجمادا‬
‫تقد ّ شفاره ُ ال ّ‬
‫ورمحي ما طعنت به طعينا ً‬

‫فعاد بعينه نظَر الّرشادا‬

‫ولول صارمي وسنان رمحي‬

‫لما رفعت بنو عبس عمادا‬

‫‪650‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وقال يتوعد النعمان بن المنذر ملك العرب ويفتخر‬


‫بقومه‬
‫ب‬ ‫ل يحم ُ‬
‫ل الحقد َ من تعلوبه الّرت ُ‬

‫ب‬
‫ول ينال العلى من طبعه الغض ُ‬

‫لله دّر بني عبس لقد نسلوا‬

‫من الكارم ما قد تنس ُ‬


‫ل العرب‬

‫م‬
‫قد كنت فيما مضى أرعى جماله ُ‬

‫م احمي حماهم كّلما نكبوا‬


‫واليو َ‬

‫ب‬
‫لئن يعيبوا سوادي فهو لي نس ٌ‬

‫م الّنزال إذا ما فاتني الّنسب‬


‫يو َ‬
‫) ‪(1/428‬‬

‫ن يدي‬
‫إن كنت تعلم يا نعمان أ ّ‬

‫قصيرة ٌ عنك فاليام تنقلب‬

‫ن الفاعي وإن لنت ملمسها‬


‫إ ّ‬

‫‪651‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫عند التقّلب في أنيابها العطب‬

‫م تعلم يا نعمان أيّ فتى‬


‫اليو َ‬

‫يلقى أخاك الذي قد غّره ُ العصب‬

‫فتى يخوض غبار الحرب مبتسما ً‬

‫وينثني وسنان الّرمح مختضب‬

‫ه‬
‫ه سالت مضارب ُ‬ ‫إن س ّ‬
‫ل صارم ُ‬

‫وأشرق الجوّ وانشقت له الحجب‬

‫والخيل تشهد لي أني أكفكفها‬

‫ن مثل شرار الّنار يلتهب‬ ‫وال ّ‬


‫طع ُ‬

‫ة‬
‫ت العادي يومض معرك ٍ‬
‫إذا التقي ُ‬

‫تركت جمعهم المغرور ينتهب‬

‫طير الّلحو ُ‬
‫م ولل‬ ‫ي الّنفوس ولل ّ‬
‫ل ّ‬

‫م وللخّيالة السلب‬
‫ش العظا ُ‬
‫وح ِ‬

‫‪652‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ل أبعد الله عن عيني غطارفة‬

‫إنسا ً إذا نزلوا جّنا إذا ركبوا‬

‫ب لهم‬
‫ب ولمن ل نيو َ‬
‫أسود ُ غا ٍ‬

‫إل ّ السّنة والهندّية القضب‬

‫مرة‬
‫ت مض ّ‬
‫تعدو بهم أعوجّيا ٌ‬

‫ب‬
‫سراحين في أعناقها القب ُ‬
‫مثل ال ّ‬
‫ما زلت ألقى صدور الخيل مندفقا ً‬

‫ج والّلبب‬
‫سر ُ‬
‫ج ال ّ‬ ‫بال ّ‬
‫طعن حتى يض ّ‬

‫فالعمي لو كان في أجفانهم نظروا‬

‫والخرس لو كان في أفواههم خطبوا‬


‫والنقع يوم طراد الخيل يشهد ُ لي‬

‫ضرب وال ّ‬
‫طعن والقلم والكتب‬ ‫وال ّ‬

‫وقال أيضا ً في إغارته على بني حريقة‬


‫كم سيوفك في رقاب العذ ّ ِ‬
‫ل‬ ‫ح ّ‬

‫‪653‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ل‬ ‫ت بدار ذ ّ‬
‫ل فارح ِ‬ ‫وإذا نزل َ‬

‫ة‬
‫ن نهاك يومض كريه ٍ‬
‫وإذا الجبا ُ‬

‫خوفا ً عليك من ازدحام الجحفل‬

‫فاعص مقالته ول تجفل بها‬

‫واقدم إذا حق اللذقا في الّول‬

‫واختر لنفسك منزل ً تعلو به‬

‫أو مت كريما ً تحت ظ ّ‬


‫ل القسطل‬

‫متي‬
‫ت في عدد العبيد فه ّ‬
‫إن كن ُ‬

‫فوق الّثرّيا وال ّ‬


‫سماك العزل‬

‫ن عبس نسبتي‬
‫أو أنكرت فرسا ُ‬

‫ن رمحي والحسام يقّر لي‬


‫فسنا ُ‬

‫ت العلى‬
‫وبذا بلى ومهّندي نل ُ‬

‫ل بالقرابة والعديد الجزل‬

‫‪654‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ورميت رمحي في العجاج فخاضه‬

‫ح من شفار النصل‬
‫والنار تقد ُ‬

‫جل ً حتى إذا‬


‫ج مح ّ‬
‫خاض العجا َ‬
‫) ‪(1/429‬‬

‫جل‬
‫ة عاد غير مح ّ‬
‫شهد الوقيع َ‬

‫ولقد نكبت بني حريقة نكبة‬

‫ب الخيل‬
‫لما طعنت صميم قل ِ‬

‫وقتلت فارسهم ربيعة عنوةً‬

‫ن مهلهل‬
‫والهيذبان وجابر ب َ‬

‫ل تستقني ماَء الحياة بذّلة‬

‫بل فاسقني بالعّز كأس الحنظل‬

‫ّ‬
‫ماُء الحياة بذلةٍ كجهن ّم ٍ‬

‫ل‬ ‫وجهن ّ ٌٌ‬


‫م بالعّز أطيب منز ِ‬

‫‪655‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وقال هبة الله بن سناء الملك المتوفى سنة ‪ 235‬ه?‬


‫ب الموت أو يرهب الّردى‬‫سوايَ يها ُ‬

‫ش مخّلدا‬
‫وغيريَ يهوى أن يعي َ‬

‫دهر إن سطا‬
‫ولكّنني ل أرهب ال ّ‬

‫م إذا عدا‬
‫ت الزؤا َ‬
‫ول أحذُر المو َ‬

‫دهر كّفي‬
‫ث ال ّ‬
‫ولو مد ّ نحوي حاد ُ‬

‫دثت نفسي أن أمد ّ له يدا‬


‫لح ّ‬

‫توقد ّ عزمي يترك الماَء جمرةً‬

‫سيف مبردا‬ ‫وحلية حلمي تتر ُ‬


‫ك ال ّ‬

‫وفرط احتقاري للنام لنني‬

‫ل عار من حلى سؤددي سدى‬ ‫أرى ك ّ‬


‫ن يراني قاعدا ً‬
‫ويأبى إبائي أ ْ‬

‫ل البرّية مقعدا ً‬
‫وإني أرى ك ّ‬

‫ي الماُء مّنة‬
‫وأظمأ إن أبدى ل َ‬

‫‪656‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ولو كان لي نهُر المجرة موردا‬

‫ولو كان إدراك الهدى بتذّلل‬

‫رأيت الهدى إل أمي َ‬


‫ل إلى الهدى‬

‫وقدما ً بغيري اصبح الدهر أشيبا‬

‫دهر امردا‬
‫وبي وبفضلي اصبح ال ّ‬

‫وإنك عبدي يا زمان وإنني‬

‫على الّرغم مّني أن أرى لك سّيدا‬

‫وما أنا راض أنني واطئ الّثرى‬

‫ة ل ترتضي الفقَ مقعدا ً‬


‫ولي هم ٌ‬

‫جوم مكانتي‬
‫ولو علمت زهو الن ّ‬

‫جدا‬ ‫لخّرت جميعا ً نحو وجه َ‬


‫يس ّ‬

‫أرى الخلق دوني إذ أراني فوقهم‬

‫ذكاًء وعلما ً واعتلًء وسؤددا‬

‫‪657‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وبذل نوالي زاد حتى لقد غدا‬

‫ن البحر مزبدا‬
‫ه ساك ُ‬
‫من الغيظ من ُ‬

‫ن هززته‬
‫ولي يقلم في أنملي إ ْ‬

‫فما ضّرني إل ّ أهّز المهّندا‬

‫س وقع صريره‬ ‫ّ‬


‫إذا صال فوق الطر ِ‬

‫ي له صدى‬ ‫ن صلي َ‬
‫ل المشرف ّ‬ ‫فإ ّ‬

‫"وقال حسان بن ثابت النصاري المتوفى سنة ‪ 54‬ه?"‬


‫ث ما نبا‬
‫لعمرك أبيك الخير يا سع ُ‬

‫ي لساني في الخطوب ول يدي‬


‫عل ّ‬
‫) ‪(1/430‬‬

‫لساني وسيفي صارمان كلهما‬

‫سيف مذودي‬
‫ويبلغُ ما ل يبلغ ال ّ‬

‫ه‬
‫ن أذاك ذا مال كثير أحد ْ ب ِ‬
‫وإ ْ‬

‫‪658‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وإن يعتصر عودي على الجهد يحمد‬
‫فل المال ينسيني حياتي وعّفتي‬

‫دهر يفللن مبردي‬


‫ول واقعات ال ّ‬

‫أكّثر أهلي من عيا ٍ‬


‫ل سواهم‬

‫وأطوي على الماِء القراح المبّرد‬

‫وإني لمعط ما وجدت وقائ ٌ‬


‫ل‬

‫لموقد ناري ليلة الّريح أوقد‬

‫ث مرحبا ً‬ ‫وإني لّقوا ٌ‬


‫ل لدى الب ّ‬

‫وأهل ً إذا ما جاء من غير مرصد‬

‫وإني ليدعوني الّندى فأحيبه‬

‫ض المتوّقد‬
‫وأضرب بيض العار ِ‬

‫وإني لحلوٌ تعتريني مرارةٌ‬

‫ود‬ ‫وإني لتّرا ُ‬


‫ك لما لم أع ّ‬

‫ي على الوجى‬
‫وإني لمزٍج للمط ّ‬

‫‪659‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ش الممّهد‬
‫وإني لتّراك الفرا ِ‬

‫وقال الفرزدق‬
‫لنا العّزة القعساء والعدد الذي‬

‫ف‬
‫عليه إذا عد ّ الحصى يتخل ُ‬

‫ومّنا الذي ل ينطق الّناس عندهُ‬

‫ن المتصرف‬
‫ولكن هو المستأذ ُ‬

‫م قعودا حوله وعيونهم‬


‫تراه ْ‬

‫ف‬
‫مكسرة ٌ أبصارها ما تصر ُ‬

‫ترى الناس إن سرنا يسيرون خلفنا‬

‫وإن نحن أومأنا إلى الّناس وّقفوا‬


‫ول عّز إل ّ عّزنا قاهٌر ل ُ‬
‫ه‬

‫ذلي ُ‬
‫ل فننصف‬ ‫ويسألنا الّنصف ال ّ‬

‫م في ندّينا‬
‫وما قام مّنا قائ ٌ‬

‫فينطق إل ّ باّلتي هي أعر ُ‬


‫ف‬

‫‪660‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وقال وقد نزل في بادية وأوقد نارا ً فرآها ذئب فأتاه‬


‫فأطعمه من زاده وأنشده‬
‫سال وما كان صاحبا ً‬‫وأطلس ع ّ‬

‫دعوت بناري موهنا ً فأتاني‬

‫ت بيني وبينه‬
‫ما أتى قل ُ‬
‫فل ّ‬

‫على ضوِء نارٍ مّرة ً ودخان‬

‫شر ضاحكا ً‬
‫ما تك ّ‬
‫وقلت لهث ل ّ‬

‫م سيفي في يدي بمكان‬


‫وقائ ُ‬

‫ش فإن عاهدتني ل تخونني‬


‫تع َ‬

‫ب يصطحبان‬ ‫ن يا ذئ ُ‬
‫نكن مثل م ْ‬
‫وأنت امرؤ ٌ يا ذئب والغدُر كنتما‬

‫ن كانا أرضعا بلبان‬


‫أخيي ِ‬

‫س القرى‬
‫ت تلتم ُ‬
‫ولوْ غيرنا نبه َ‬

‫رماك بسهم أو شباةِ سنان‬

‫‪661‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقال الشريف الرضي "وقيل لعنترة العبسي"‬
‫لغير العلى مّني القلى والّتجّنب‬
‫) ‪(1/431‬‬

‫ب أرغب‬
‫ولول العلى ما كنت في الح ّ‬
‫إذا الله لم يعذرك فيما ترومه‬

‫فما الّناس إل ّ عاذل أو مؤنب‬

‫ملكت بسيفي فرصة ما استرّقها‬

‫دهر مفتول ال ّ‬
‫ذراعين أغلب‬ ‫من ال ّ‬

‫لئن تك كّفى ما تطاول باعها‬

‫ب مدّرب‬
‫ف قل ٌ‬
‫فلي من وراء الك ّ‬

‫فحسبي أني في العادي مبّغض‬

‫وأني إلى عّز المعالي محّبب‬

‫وللحلم أوقات وللجهل مثلها‬

‫ب‬
‫ن أوقاتي إلى الحلم أقر ُ‬
‫ولك ّ‬

‫‪662‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ي الجاهلون وأعتلي‬ ‫يصو ُ‬
‫ل عل ّ‬

‫ي القائلون وأعرب‬
‫مف ّ‬
‫ويعج ُ‬

‫صة ويزيدهم‬
‫ن احتمالي غ ّ‬
‫يرو َ‬

‫ت اغضب‬
‫لواعج ضغن أنني لس ُ‬

‫واعرض عن كاس الّنديم كأنها‬

‫وميض غمام غائر المزن خّلب‬

‫وقور فل اللحان تأسر عزمتي‬

‫صهباء بي حين أشرب‬


‫ول تمكر ال ّ‬

‫ول أعرف الفحشاء إل بوصفها‬

‫ول انطق العواء والقلب مغضب‬

‫تحلم عن كّر القوارض شيمتي‬

‫م مطنب‬
‫كان معيد المدح بالذ ّ‬

‫لساني حصاة يقرع الجهل بالحجا‬

‫‪663‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إذا نال مّني العاضه المتوثب‬

‫س عزائمي‬
‫ولست براض أن تم ّ‬

‫ت ما يعطي الّزمان ويسلب‬


‫فضال ُ‬

‫ب حباني بحفظها‬
‫ب آدا ٍ‬
‫غرائ ُ‬

‫دهر نعم المؤدب‬


‫ف ال ّ‬
‫زماني وصر ُ‬

‫ترّيشنا اليام ثم تهيضنا‬

‫أل نعم ذا البادي وبئس المعّقب‬

‫نهيتك عن طبع الّلئام فإّنني‬

‫أرى البخ َ‬
‫ل يأتي والمكارم تطلب‬

‫تعّلم فإن الجود في الّناس فطنة‬

‫م بها الحرار والطبع أغلب‬


‫تقو ُ‬

‫"وقال العميد مؤيد الدين الطغرائي المتوفى سنة ‪513‬‬


‫ه?"‬
‫أبى الله أن أسمو بغير فضائلي‬

‫‪664‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ود‬ ‫إذا ما سما بالمال ك ّ‬


‫ل مس ّ‬
‫) ‪(1/432‬‬

‫وإن كرمت قبلي أوائل أسرتي‬

‫فإّني بحمد الله مبدأ سؤددي‬

‫ب إل وقدري فوقه‬
‫وما منص ٌ‬

‫ولو ح ّ‬
‫ط رحلي بين نسر وفرقد‬

‫س الفتى زاد قدره‬


‫إذا شرفت نف ُ‬

‫على كل أسنى منه ذكرا ً وأمجد َ‬

‫ف جوهرا ً‬
‫سيف إن يص ُ‬
‫كذاك حديد ال ّ‬

‫ه وزن عسجد‬
‫ه أضعاف ُ‬
‫فقيمت ُ‬

‫وما المال إل عارة ٌ مستردةٌ‬

‫فهل ّ بفضلي كاثروني ومحتدي‬

‫ة‬
‫إذا لم يكن لي في الولية بسط ٌ‬

‫‪665‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫يطول بها باعي وتسطو بها يدي‬

‫م مطاع ٌ أجيزه‬
‫ول كان لي حك ٌ‬

‫سدي‬
‫م أعدائي وأكبت ح ّ‬
‫فأرغ ُ‬

‫ت في حقّ مجند‬
‫صر ُ‬
‫فاعذر إن ق ّ‬

‫ن أن يعتدني كيد ُ معتد‬


‫وآم ُ‬

‫م‬
‫ولول تكاليف العلى ومغار ٌ‬

‫ثقال وأعقاب الحاديث في غد‬

‫ت نفسي في التخّلي مرادها‬


‫لعطي ُ‬

‫فذاك مرادي مذ نشأت ومقصدي‬

‫وقال الفضل بن العباس عتبة بن أبي لهب‬


‫مهل بني عمنا مهل ً موالينا‬

‫ل تنبشوا بيننا ما كان مدفونا‬

‫ل تطعموا أن تهينونا ونكرمكم‬

‫‪666‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ف الذى عنكم وتؤذونا‬
‫وأن نك ّ‬

‫ت أثلتنا‬ ‫مهل ً بني ع ّ‬


‫منا من نح ِ‬

‫سيروا رويدا ً كما كنتم تسيرونا‬


‫الله يعلم أنا ل نحبكم‬

‫ول نلومكم إن لم تحّبونا‬

‫ة في بغض صاحبه‬ ‫ك ّ‬
‫ل له ني ٌ‬

‫بنعمة الله نقليكم وتقلونا‬

‫وقال محمد بن عبد الله الزدي‬


‫ل أدفع ابن العم يمشي على شفا‬

‫وإن بلغتني من أذاه الجنادعُ‬

‫ولن أواسيه وأنسى ذنوبه‬

‫ع‬ ‫لترجعه يوما ً إل ّ‬


‫ي الّرواج ُ‬

‫ة‬ ‫ب من ذ ّ‬
‫ل وسوِء صنيع ٍ‬ ‫وحس ُ‬

‫مناواة ذي القربى وإن قيل قاطع‬


‫وقال حطان بن المعلى‬

‫‪667‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫دهر على حكمه‬
‫أنزلني ال ّ‬

‫ل إلى خفض‬
‫من شامخ عا ٍ‬

‫وغالني الدهر بوفر الغنى‬


‫) ‪(1/433‬‬

‫فليس لي ما ٌ‬
‫ل سوى عرضي‬

‫دهر ويا رّبما‬


‫ي ال ّ‬
‫أبكان َ‬

‫دهر بما يرضي‬


‫أضحكني ال ّ‬

‫ت كزغب القطا‬
‫لول بنيا ٌ‬

‫ن من بعض إلى بعض‬


‫ردد َ‬

‫ع‬
‫ب واس ٌ‬
‫لكان لي مضطر ٌ‬

‫في الرض ذات ال ّ‬


‫طول والعرض‬
‫وإنما أولدنا بيننا‬

‫أكبادنا تمشي على الرض‬

‫ح على بعضهم‬
‫لو هّبت الري ُ‬

‫‪668‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫لمتنعت عيني من الغمض‬

‫وقال أوس بن حبناء‬


‫إذا المرُء أول َ‬
‫ك الهوان فأوله‬

‫هوانا ً وإن كانت قريبا ً أواصراه‬


‫فإن أنت لم تقدر على أن تهينه‬

‫فذره ُ إلى اليوم الذي أنت قادره‬

‫ب إذا لم تكن لك حيلة‬


‫وقار ْ‬

‫ت انك عاقره‬
‫مم إذا أيقن َ‬
‫وص ّ‬

‫وقال سعد بن ناشب‬


‫تفّندني فيما ترى من شراستي‬

‫وشد ّةِ نفسي أم سعد ٍ وما تدري‬

‫فقلت لها إن الكريم وإن خل‬

‫ليلفى على حال أمّر من الصبر‬

‫وفي الّلين ضعف والشراسة هيب ٌ‬


‫ة‬

‫‪669‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ب يحمل على مركب وعر‬
‫ومن لم يه ْ‬
‫وما بي على من لن لي من فظاظة‬

‫ي على القسر‬ ‫ولكّنني ف ّ‬


‫ظ أب ّ‬

‫وقال إبراهيم بن كنيف النبهاني‬


‫صبر بالحّر أجمل‬
‫ن ال ّ‬
‫تعز فإ ّ‬

‫ول‬
‫وليس على ريب الّزمان مع ّ‬
‫فلو كان يغني أن يرى المرء جازعا ً‬

‫لحادثة أو كان يغني التذلل‬

‫ن الّتعّزي عند َ كل مصيبة‬


‫لكا َ‬

‫ونائبة بالحّر أولى وأجمل‬

‫فكيف وك ّ‬
‫ل ليس يعدوا حمامه‬

‫ئ عما قضى الله مرح ُ‬


‫ل‬ ‫وما لمر ٍ‬

‫دلت‬
‫فإن تكن اليام فينا تب ّ‬

‫ببؤسى ونعمى والحوادث تفع ُ‬


‫ل‬

‫‪670‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ة‬
‫فما لّينت مّنا قناة صليب ً‬

‫ول ذللتنا للتي ليس تجم ُ‬


‫ل‬

‫ولكن رحلناها نفوسنا ً كريم ً‬


‫ة‬

‫م ُ‬
‫ل ما ل يستطاع فتحمل‬ ‫تح ّ‬

‫صبر مّنا نفوسنا‬


‫وقينا بحسن ال ّ‬

‫س هّز ُ‬
‫ل‬ ‫ض والنا ُ‬
‫فصحت لنا العرا ُ‬
‫وقال آخر‬
‫إن يحسدوني فإّني غيُر لئمهم‬

‫ل الفضل قد حسدوا‬ ‫قبلي من الناس أه ُ‬


‫م‬
‫فدام لي ولهم ما بي وما به ُ‬

‫ومات أكثرنا غيظا ً بما يجد ُ‬


‫) ‪(1/434‬‬

‫أنا الذي يجدوني في صدورهم‬

‫ول أرتقي صدرا ً منها ول أرد‬

‫وقال سالم بن وابصة‬

‫‪671‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ت فاعله‬
‫عليك بالقصد ِ فيما أن َ‬

‫إن الّتخل ّقَ يأتي دونه الخل ُ‬


‫ق‬

‫ت به‬
‫وموقف مثل حد ّ السيف قم ُ‬

‫ق‬ ‫أحمي ال ّ‬
‫ذمار وترميني به الحد ُ‬
‫ة‬
‫فما زلقت ول أبديت فاحش ً‬

‫إذ الرجال على أمثالها زلقوا‬

‫وقال تابط شرا‬


‫إذا المُر لم يحت ْ‬
‫ل وقد جد ّ جد ّهُ‬

‫أضاع َ وقاسى أمره ُ وهو مدبُر‬

‫ولكن أخو الحزم الذي ليس نازل ً‬

‫ب أل وهو للقصد مبصُر‬ ‫به الخط ُ‬


‫وقال حبيب بن أوس أبو تمام الطائي‬
‫م‬
‫أنا ابن الذي استرضعَ الجود ُ فيه ُ‬

‫ع‬ ‫وقد ساد فيهم وهو كه ٌ‬


‫ل وياف ُ‬

‫م طواليعٌ جبا ٌ‬
‫ل فوارعٌ‬ ‫نجو ٌ‬

‫‪672‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ع‬ ‫ث هواميعٌ سيو ٌ‬
‫ل دواف ُ‬ ‫غيو ٌ‬

‫م‬
‫ن المكرمات لديه ُ‬
‫مضوا وأ ّ‬

‫ع‬
‫ن شرائ ُ‬
‫لكثرة ما أوصوا به ّ‬

‫دت فلم يكن‬


‫فأيّ يد في المحل م ّ‬

‫ة من جودهم وأصابع‬
‫لها راح ٌ‬

‫هم استودعوا المعروف محفوظ ما لنا‬

‫ت لدينا الودائع‬
‫فضاع وما ضاع ْ‬

‫بها لي ُ‬
‫ل لو عاينت فيض أكفهم‬

‫ت أن الّرزق في الرض واسع‬‫ليقن َ‬


‫ح جودهم‬
‫إذا خفقت بالبذل أروا ُ‬

‫حداها الّندى واستنشقتها المدامع‬

‫ض في الندى‬
‫ح كريح العنبر الغ ّ‬
‫ريا ٌ‬

‫ولكنها يوم الّلقاء زعازع‬

‫ة‬ ‫م ما تنفك في ك ّ‬
‫ل بلد ٍ‬ ‫س ّ‬
‫هي ال ّ‬

‫‪673‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ع‬ ‫تسي ُ‬
‫ل به أرماحهم وهو ناق ُ‬

‫أصارت لهم أرض العدوّ قطائعا ً‬

‫س لحد ّ المرهفات قطائع‬


‫نفو ٌ‬

‫ة‬ ‫بك ّ‬
‫ل فّتى ما شاب من روع وقع ٍ‬

‫ن منه الوقائع‬
‫ولكنه قد شب َ‬

‫إذا ما أغاروا فاحتووا مال معشر‬

‫صنائع‬
‫ه ال ّ‬
‫أغارت عليهم فاحتوت ُ‬

‫فتعطي الذي تعطيهم الخيل والقنا‬

‫أكف الرث المكرمات موانع‬

‫وقال أبو فراس الحمداني‬


‫ووالله ما قصّرت في طلب العلى‬

‫دهر عني غافل‬


‫ولكن كأن ال ّ‬

‫مواعيد آمال متى ما انتجعتها‬

‫‪674‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ن حوافل‬
‫ت وه ّ‬
‫ت بكّيا ٍ‬
‫حلب ُ‬

‫ما أريدهُ‬
‫مع ّ‬
‫تدافعني اليا ُ‬
‫) ‪(1/435‬‬

‫كما دفع الذّين الغريم المماطل‬

‫فمثلي من نال العادي بسيفه‬

‫ويا ربما غالته عنها الغوائل‬

‫وما لي ل تمسي وتصبح في يدي‬

‫ل الّرجال العقائل‬
‫كرام أموا ِ‬
‫م في العداء عنها صوارما ً‬
‫أحك ّ ُ‬

‫أحكمها فيها إذا ضاق نازل‬

‫ي الحمائل عنوةً‬
‫وما زال محم ّ‬

‫سوى ما أقلت في الجفون الحمائل‬


‫ينا ُ‬
‫ل اختياُر الصفح عن كل مذنب‬

‫له عندنا ما ل تنال الوسائل‬

‫‪675‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫لنا عتب المر الذي في صدوره‬

‫تطاو ُ‬
‫ل أعناق العدىَ والكواهل‬

‫أصاغرنا في المكرمات أكابٌر‬

‫وآخرنا في المأثرات أوائل‬

‫ت صول ً لم أجد لي مصاول ً‬


‫إذا صل ُ‬

‫وإن قلت قول ً لم أجد من يقاول‬

‫وقال أيضا ً‬
‫أنا إذا اشتد الّزما‬

‫م‬
‫ب وادله ْ‬
‫ب خط ٌ‬
‫ن ونا َ‬

‫ألفيت حو َ‬
‫ل بيوتنا‬

‫م‬
‫عدد َ الشجاعة والكر ْ‬

‫سيو‬
‫ض ال ّ‬
‫للقا العدا بي ٌ‬

‫ف وللّندى وحمر الّنعم‬‫ِ‬


‫هذا وهذا دأينا‬

‫‪676‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫م‬
‫م ويراقُ د ْ‬
‫يودى د ٌ‬
‫وقال أيضا ً‬
‫ة‬ ‫ل بك ّ‬
‫ل مخوف ٍ‬ ‫وغني لنّزا ٌ‬

‫كثيٌر إلى نّزالها الّنظر ال ّ‬


‫شزُر‬

‫وإني لجّراٌر للكل كتيبة‬

‫ودةٍ أل يحل بها الّنصر‬


‫مع ّ‬

‫ح يطغيني بأثوابه الغنى‬


‫ول را َ‬

‫ول بات يثنيني عن الكرم الفقُر‬

‫ما حاجتي في المال أبغي وفوره‬

‫إذا لم أفْر عرضي فل وفر الوفُر‬

‫ل لدى الوغى‬
‫ت وما صحبي بعز ٍ‬
‫أسر ُ‬

‫ول فرسي مهٌر ول رّبه عمُر‬

‫ئ‬
‫م القضاُء على امر ٍ‬
‫ولكن إذا ح ّ‬

‫‪677‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فليس له بّر يقيه ول بحر‬

‫وقال أصيحابي الفرار أو الّردى‬

‫ت هما أمران أحلهما مّر‬


‫فقل ُ‬

‫ولكّنني أمضي لما ل يعيبني‬

‫وحسبك من أمرين خيرهما السُر‬


‫ومنها‬
‫يمّنون أن خلوا ثيابي وإّنما‬

‫ب من دمائهم حمُر‬
‫علي ثيا ٌ‬

‫ف فيهم دقّ نضله‬


‫وقائم سي ٍ‬

‫ح فيهم حطم الصدر‬


‫وأعقاب رم ِ‬

‫سيذكرني قومي إذ جد ّ جدهم‬

‫وفي الليلة الظلماء يفتقد ُ البدُر‬


‫) ‪(1/436‬‬

‫ت اكتفوا به‬
‫ولو سد ّ غيري ما سدد ُ‬

‫‪678‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫صفر‬
‫وما كان يغني الّتبر ولو نفق ال ّ‬
‫س ل توسط بيننا‬ ‫ونحن أنا ٌ‬

‫لنا الصدُر دون العالمين أو القبر‬

‫أعّز بني الدنيا وأعلى ذوي العل‬

‫وأكرم من فوق الّتراب ول فخر‬

‫وقال أيضا ً‬
‫عيري يغّيره الفعا ُ‬
‫ل الجافي‬

‫ويحو ُ‬
‫ل عن شيم الكريم الوافي‬

‫م‬
‫ل أرتضي وّدا إذا هو لم يد ْ‬

‫عند الجفاء وقّلة النصاف‬

‫ن الغني هو الغني بنفسه‬


‫إ ّ‬

‫ف‬
‫ولو أنه عاري المناكب حا ٍ‬

‫ل ما فوق البسيطة كافيا ً‬


‫ما ك ّ‬

‫ف‬
‫وإذا قنعت فبعض شيء كا ِ‬

‫‪679‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ف لي طمع الحريص فتوتي‬
‫وتعا ُ‬

‫ومروءتي وقناعتي وعفافي‬

‫ومكارمي عدد ُ النجوم ِ ومنزلي‬

‫ل الضياف‬
‫مأوى الكرام ِ ومنز ِ‬
‫وقال أيضا ً‬
‫أتدعو كريما ً ومن يجود بمال ُ‬
‫ه‬

‫م‬
‫ومن جاد َ بالّنفس الّنفيسة أكر ُ‬

‫إذا لم يكن ينجي الفرار من الّردى‬

‫م‬
‫صبر أرجي وأحز ُ‬
‫على حالةٍ فال ّ‬
‫لعمري لقد أعذرت لو أن مسعدا ً‬

‫م‬
‫وأقدمت لو أن الكتائب تقد ُ‬

‫سابقين إلى العل‬


‫وما عابك ابن ال ّ‬

‫دم‬
‫تأخر أقوام ٍ وأنت مق ّ‬

‫وما لك ل تلقى بمهجتك الفنا‬

‫‪680‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫م هم‬
‫ت ن القوم ِ الذين ه ُ‬
‫وأن َ‬

‫وقال أبو الطيب المتنبي‬


‫دهر‬
‫ن من فوارسها ال ّ‬
‫أطاع ُ‬

‫وحيدا ً وما قولي كذا ومعي الصبر‬

‫وأشجعُ مني ك ّ‬
‫ل يوم ٍ سلمتي‬

‫وما ثبتت إل وفي فسها أمر‬

‫تمّرست بالفات وحتى تركتها‬

‫ت أم ذعَر الذعُر‬
‫تقول أمات المو ُ‬

‫م البي كأن لي‬


‫وأقدمت إقدا َ‬

‫سوى مهجتي أو كان لي عندها وتُر‬


‫ذر الّنفس تأخذ وسعها قبل بينها‬

‫فمفترق جاران دارهما العمر‬

‫ن المجد َ زّقا وقينة‬


‫ول تحسب ّ‬

‫سيف والفتكة البكر‬


‫فما المجد إل ال ّ‬

‫‪681‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وتضربت أعناق الملوك وأن ترى‬

‫سود ُ والعسكر المجْر‬


‫لك الهبوات ال ّ‬

‫دنيا دويا ً كأنما‬ ‫وترك ُ‬


‫ك في ال ّ‬

‫تداول سمعَ المرِء أنملة العشر‬

‫إذا الفضل لم يرفعك عن شكر ناقص‬


‫) ‪(1/437‬‬

‫على هبة فالفضل فيمن له الشكر‬

‫ه‬
‫ساعات في جمع مال ِ‬
‫ومن ينفق ال ّ‬

‫مخافة فقرِ فالذي فعل الفقر‬

‫ي‬
‫دين الحل ّ‬
‫ي ال ّ‬
‫وقال صف ّ‬
‫ل الرماح العوالي عن معالينا‬ ‫س ِ‬

‫واستشهد البيض هل خاب الّرجال فينا‬


‫ت‬
‫وسائل العرب والتراك ما فعل ْ‬

‫ض فير عبيد الله أيدينا‬


‫في أ} ِ‬

‫‪682‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لقد سعينا فلم تضعف عزائمنا‬

‫عما تروم ول خابت مساعينا‬

‫ق وقد‬
‫وم وقعة زوراء العرا ِ‬
‫يا ي ْ‬

‫دّنا العادي كما كانوا يدينونا‬

‫ومة‬
‫بضمرِ ما ريطناها مس ّ‬

‫إل لتغزو بها من بات يغزونا‬

‫وفتية إن نقل أصغوا مسامعهم‬

‫لقولنا أو دعوناهم أجابونا‬

‫م إذا استخصموا كانوا فراعنة‬


‫قو ٌ‬

‫يوما ً وإن حكموا كانوا موازينا‬

‫درعوا العقل جلبا ً فإن حميت‬


‫ت ّ‬

‫نار الوغى خلتهم فيها مجانينا‬

‫إذا ادعوا جاءت الدنيا مصدقة‬

‫‪683‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وإن دعوا قالت اليام آمينا‬

‫إن الّزرازير لما قام قائهما‬

‫توهمت أنها صارت شواهينا‬

‫ظنت تأتي الُبزاةِ ال ّ‬


‫شهب عن جزع‬

‫وما درت أنه قد كان تهوينا‬

‫ذّلوا بأسيافنا طول الزمان فمذ‬

‫تحكموا وأظهروا أحقادهم فينا‬

‫لم يغنم مالنا عن نهب أنفسنا‬

‫ن من تقاصينا‬
‫كأنهم في أما ٍ‬

‫أخلوا المساجد من أشياخنا وبغوا‬

‫حتى حملنا فأخلينا الدواوينا‬

‫ثم أثنينا وقد ظلت صوارمنا‬

‫تميس عجبا ً وتهنز القنا لينا‬

‫‪684‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ق‬
‫دماء على أثوابنا عل ٌ‬
‫وال ّ‬

‫ينشره عن عبير المسك يغنينا‬

‫م أبت أخلقنا شرفا ً‬


‫إنا لقو ٌ‬

‫أن نبتدي بالذى من ليس يؤذينا‬

‫ض صنائعنا سود ُ وقائعنا‬


‫بي ٌ‬

‫ض مرابعنا حمُر مواضينا‬


‫خ ٌ‬

‫ل يظهر العجُز منا دون نيل منى‬

‫ولو رأينا المنايا في أمانينا‬

‫وقال أبو العلء المعري‬


‫أل في سبيل المجد ِ ما أنا فاعل‬

‫م ونائ ٌ‬
‫ل‬ ‫م وحز ٌ‬
‫ف وإقدا ُ‬
‫عفا ٌ‬
‫) ‪(1/438‬‬

‫ة‬ ‫أعندي وقد مارست ك ّ‬


‫ل خفي ِ‬

‫ش أو يخّيب سائل‬
‫يصدق وا ٍ‬

‫‪685‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫تعد ّ ذنوبي عند قوم ٍ كثيرةٌ‬

‫ول ذنب لي إل العل والفضائل‬

‫كأن إذا كلت الّزمان أهله‬

‫رجعت وعندي للنام طوائ ُ‬


‫ل‬

‫وقد سار ذكري في البلد فمن لهم‬

‫س ضوءها متكامل‬
‫بإخفاء شم ٍ‬

‫م الليالي بع ما أنا مضمر‬


‫يه ّ‬

‫ويثقل رضوى دون ما أنا حامل‬

‫ه‬
‫ت الخيَر زمان ُ‬
‫وإني إن كن ُ‬

‫ت بما لم تستطعه الوائل‬


‫ل ٍ‬

‫م‬
‫وأغدو ولو أ‪ ،‬الصباح صوار ٌ‬

‫م حجافل‬
‫وأسري ولو أن الظل َ‬

‫وإني جواد ٌ لم يح ّ‬
‫ل لجامه‬

‫‪686‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن أغفلته الصّيافل‬
‫ونصل يما ٍ‬

‫ف له‬
‫فإن كان في لبس الفتى شر ٌ‬

‫سيف إل غمده والحمائل‬


‫فما ال ّ‬

‫ولي منطقٌ لم يرض لي كنه منزلي‬

‫على أّنني بين السماكين ناز ٌ‬


‫ل‬

‫لدي مواطن يشتاقه كل سي ّدٍ‬

‫ويقصر عن إدراكه المتناول‬

‫ل في الناس فاشيا ً‬
‫ولما رأيت الجه َ‬

‫ن أني جاه ٌ‬
‫ل‬ ‫ت حتى ظ ّ‬
‫تجاهل ُ‬

‫ص‬ ‫فوا عجبا ً كم ي ّ‬


‫دعي الفضل ناق ٌ‬

‫ووا أسفاكم يظهر النقص فاضل‬

‫م ال ّ‬
‫طير في وكناتها‬ ‫وكيف تنا ُ‬

‫وقد نصبت للفرقدين الحبائل‬

‫‪687‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫س يومي في أمس تشّرفا ً‬


‫يناف ُ‬

‫ي الصائل‬
‫وتحسد أساري عل ّ‬

‫ه‬
‫وطال اعترافي بالزمان وصرف ِ‬

‫ل‬ ‫ت أبالي من تغو ُ‬


‫ل الغوائ ِ‬ ‫فلس ُ‬

‫فلو بان عنقي ما تأسف منكبي‬

‫ولو مات زندي ما بكته النامل‬

‫إذا وصف ال ّ‬
‫طائي بالبخل مادٌر‬

‫وعّير قسا ً بالفهاهة باق ُ‬


‫ل‬

‫ة‬
‫سهى للشمس أنت ضئيل ٌ‬
‫وقال ال ّ‬

‫صبح لونك حائل‬


‫دجى لل ّ‬
‫وقال ال ّ‬

‫ة‬
‫سماء سفاه ً‬
‫ت الرض ال ّ‬
‫وطاول ِ‬

‫شهب الحصى والجنادل‬ ‫وفاخرت ال ّ‬


‫ة‬
‫فياموت ُزر أن الحياة ذميم ٌ‬

‫‪688‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫دي أن دهرك هازل‬
‫ويا نفس ج ّ‬

‫وقال المرحوم محمود باشا سامي البارودي‬


‫ة‬
‫دنايا وعزم ٌ‬
‫ة تأبى ال ّ‬
‫ولي شيم ٌ‬

‫م الجيش وهو سموُر‬


‫ترد ّ لها َ‬

‫ت فالرض التي نحن فوقها‬


‫إذا سر ُ‬

‫مراد ٌ لمهري والمعاقل دور‬


‫) ‪(1/439‬‬

‫فل عجب إن لم يصرني منزل‬

‫فليس لعقبان الهواء وكور‬

‫همامة نفس ليس ينفي ركابها‬

‫ح على طول المدى وبكور‬


‫روا ٌ‬

‫ودة ٌ أل تكف عنانها‬


‫مع ّ‬

‫عن الحد ّ إل أن تتم أمور‬

‫ن سميعة‬
‫لها من راء الغيب أذ ٌ‬

‫‪689‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن ترى ما ل يراه بصير‬


‫وعي ٌ‬

‫ة‬
‫ن الكرام فراس ً‬
‫وفيت بما ظ ّ‬

‫بأمري ومثلي بالوفاء جدير‬

‫وأصبحت محسود الخلل كأّنني‬

‫س في الّزمان أمير‬
‫على كل نف ٍ‬

‫دهر من غلوائه‬
‫ف ال ّ‬
‫إذا صلت ك ّ‬

‫صت بالقلوب صدور‬


‫وإن قلت غ ّ‬

‫ة‬
‫ملكت مقاليد الكلم وحكم ً‬

‫ب لفخم الضياء منير‬


‫لها كوك ٌ‬

‫ب ال ّ‬
‫شكيمة بالغ‬ ‫وإني امرؤ ٌ صع ُ‬

‫بنفسي شأوا ً ليس فيه نكير‬

‫وقال أيضا ً‬
‫ب‬
‫سواي بتحنان الغاريد يطر ُ‬

‫‪690‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وغيري بالّلذات يلهو ويلعب‬

‫وما أنا ممن تأسر الخمر لّبه‬

‫ويملك سمعيه اليراع ُ المثقّلب‬

‫ت‬
‫م إذا ما ترجح ْ‬
‫ولكن أخو ه ّ‬

‫به سورةٌ نحو العل راح يدأب‬


‫ة‬
‫س أبي ّ ٌ‬
‫م عن عينيه نف ٌ‬
‫نفى النو َ‬

‫ف السنةِ مطلب‬
‫لها بين أطرا ِ‬

‫ة نفس أصغرت زك ّ‬
‫ل مأرب‬ ‫لبان ُ‬

‫فل عزني خا ٌ‬
‫ل ول ضمني أب‬

‫ه‬
‫ومن تكن العلياُء همةِ نفس ِ‬

‫ب‬ ‫فك ّ‬
‫ل الذي يلقاه فيها محب ّ‬

‫وقالت السيدة عائشة هانم التيمورية المتوفاة سنة‬


‫‪1320‬ه?‬
‫ن عّز حجابي‬‫ف أصو ُ‬
‫بيد ِ العفا ِ‬

‫وبعصمتي أسمو على أترابي‬

‫‪691‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ة‬
‫وبفكرةِ وقادةٍ وقريح ٍ‬

‫نقادة قد كلمت زهرة اللباب‬

‫ما عاقني خجلي عن العليا ول‬

‫دل الخمار بلمتي ونقابي‬


‫س ّ‬

‫ي مضمار الّرهان إذا اشتكت‬


‫عن ط ّ‬

‫ب‬
‫ح الّركا ِ‬
‫سباق مطام ٌ‬
‫ب ال ّ‬
‫صع َ‬

‫بل صولتي في راحتي وتفّرسي‬

‫ف حسن ما أسعى لخير مآب‬

‫الباب الثالث في شكوى الزمان والحال‬


‫قال الشنفرى المتوقة سنة ‪510‬م‬
‫?أقيموا بني أمي صدود مطّيكم=فإني إلى قوم سواكم‬
‫لميل‬
‫ت والليل مقمٌر‬
‫مت الحادا ُ‬
‫فقد ح ّ‬

‫وشدت الطيات مطايا وأرحل‬

‫وفي الرض منأى للكريم عن الذى‬

‫‪692‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/440‬‬

‫وفيها لمن خاف القلى متعّزل‬

‫ئ‬
‫لعمرك ما في الرض ضيقٌ على امر ٍ‬

‫سرى راغبا ً أو راهبا ً وهو يعقل‬

‫ولي دونكم أهلون سيد ُ عّلم ٌ‬


‫س‬

‫وأرقط زهلو ٌ‬
‫ل وعرفاُء جيأل‬

‫ع‬
‫هم الهل ل مستودع السّر ذائ ٌ‬

‫ليهم ول الجاني بما جّر يخذل‬

‫ل أبي باس ٌ‬
‫ل غير أنني‬ ‫وك ّ‬

‫إذا عرضت أولى الطرائد أبسل‬

‫دت اليدي إلى الزاد لم أكن‬


‫وإن م ّ‬

‫بأعجلهم إذا أجشع القوم أعجل‬

‫وما ذاك إل بسطة عن تفضل‬

‫‪693‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عليهم وكان الفضل المتفضل‬

‫وإني كفاني فقد من ليس جازيا ً‬

‫بحسني ول في قربه متعلل‬

‫ع‬
‫ب فؤاد مشي ّ ٌ‬
‫ة أصحا ٍ‬
‫ثلث ُ‬

‫وأبيض إصليت وصفراء عط ّ ِ‬


‫ل‬

‫ف من الملس المتون يزينها‬


‫هتو ٌ‬

‫رصائع قد نيطت إليها ومحمل‬

‫سهم حنت كأنها‬ ‫إذا ز َ‬


‫ل عنها ال ّ‬

‫مرزأة ثكلى ترن وتعول‬

‫ولست بمهياف يع ّ‬
‫شى سوامه‬

‫مج ّ‬
‫ذعة سقبانها وهي بّهل‬

‫ول جّبا أكهى مّر بعرسه‬

‫يطالعها في شأنه كيف يفعل‬

‫‪694‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ق هيق كان فؤاده‬
‫ول خر ٍ‬

‫يظ ّ‬
‫ل به المكاء يعلو ويسفل‬

‫ول خالف دارية متعّزل‬

‫يروح ويغدو داهنا ً يتكحل‬

‫ولست بع ّ‬
‫ل شّره دون خيره‬

‫ف إذا ما رعته أهتاج أعزل‬


‫أل ّ‬

‫ولست بمحيار الظلم إذا انتحت‬

‫هدى الهواجل العسف يهماء هوجل‬

‫صوان لقى مناسمي‬


‫إذا المعز ال ّ‬

‫ح ومفلل‬
‫تطاير منه قاد ٌ‬

‫أديم مطال الجوع حتى أميته‬

‫ت فأذهل‬
‫وأضرب عنه الذكر صفح ً‬

‫ف رب الرض كي ل يرى له‬


‫وأست ّ‬

‫‪695‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫على من الطول امرؤ ٌ متطول‬

‫ب‬ ‫ولول اجتناب ال ّ‬


‫ذام لم يلف مشر ٌ‬

‫يعاش به إل لدي ومأكل‬

‫ن نفسا ً حّرة ٌ ل تقيم بي‬


‫ولك ّ‬

‫ول‬
‫على الضيم إل ريثما أتح ّ‬

‫وأطوي على الخمص كما انطوت‬

‫خيوطة ماري تغار وتفتل‬


‫) ‪(1/441‬‬

‫ت الّزهيد كما غدا‬


‫وأغدو على القو ِ‬

‫أز ّ‬
‫ل تهاداه التنائف أطحل‬

‫غدا طاويا ً يعرض الّريح هافيا ً‬

‫يخوت بأذناب ال ّ‬
‫شعاب ويعسل‬

‫مه‬
‫ما لواه القوت من حيث أ ّ‬
‫فل ّ‬

‫‪696‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫حل‬
‫دعا فأجابته نظائر ت ّ‬

‫مهلّلة شيب الوجوه كأنها‬

‫ح بكّفني باسرٍ تتقلقل‬


‫قدا ٌ‬

‫أو الخشرم المبعوث حثحث دبره‬

‫محابيض أرساهن سام معسل‬

‫ة فوه ٌ كان شدوتها‬


‫مهّرت ٌ‬

‫سل‬
‫شقوق العصي كالحاث وب ّ‬

‫جت بالبراج كأنها‬


‫ج وض ّ‬
‫فض ّ‬

‫ح فوق علياء ث ّ‬
‫كل‬ ‫وإّياه نو ٌ‬

‫وأغضي وأغضت وأتسي واتست به‬

‫مراميل عّزاها وعّزته مرمل‬

‫شكل وشكت ثم ارعوي بعد وارعوت‬

‫صبر إن يم ينفع الشكو أجمل‬


‫ولل ّ‬

‫‪697‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ت وكّلها‬
‫وفاَء وفاءت بادرا ٍ‬

‫ما يكاتم مجمل‬


‫ظم ّ‬
‫علىنك ٍ‬

‫وتشرب أسآر القطا الكدر بعد ما‬

‫ت ربا ً أحشاؤها تتصلصل‬


‫سر ْ‬

‫مت وابتدرنا وأسدلت‬


‫هممت وه ّ‬
‫مر مني فار ٌ‬
‫ط متمهل‬ ‫وش ّ‬

‫فوليت عنها وهي تكبو لعقره‬

‫ن وحوصل‬
‫يباشره منها ذقو ٌ‬

‫ن وغاها حجرتيه وحوله‬


‫كأ ّ‬

‫أضاميم من سفر القبائل تّزل‬

‫مها‬
‫توافين من شتى إليه فض ّ‬

‫ة مجفل‬
‫ب من أحاظ ُ‬
‫م رك ٌ‬
‫كما ض ّ‬

‫ه الرض ند افتراشها‬
‫وآلف وج َ‬

‫‪698‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫حل‬
‫بأهدأ تنبيه سناسن ق ّ‬

‫وأعدل منحوضا ً كأ ّ‬
‫ن فصوصه‬

‫ب فهي مّثل‬
‫ب دحاها لع ٌ‬
‫كعا ٌ‬

‫س بال ّ‬
‫شنفرى أم قسطل‬ ‫فإن تبتئ ْ‬

‫لما اغتبطت بالشنفرى قب ُ‬


‫ل أطول‬

‫ت تياسرن لحمه‬
‫طريد جنايا ِ‬

‫م أّول‬
‫عقيرته لّيها ح ّ‬

‫تنام إذا ما نام يقظي عيونها‬

‫حثاثا ً إلى مكروهه تتغلغل‬

‫ف هموم ٍ ما تزال تعوده‬


‫وإل ُ‬

‫عيادا ً حمى الرّبع أو عي أثقل‬

‫إذا وردت أصدرتها ثم إنها‬

‫تؤوب فتأتي من تحيث ومن ع ُ‬


‫ل‬

‫‪699‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ما تراني كابنة الّرمل ضاحيا ً‬


‫فأ ّ‬
‫) ‪(1/442‬‬

‫على رقة أحفى ول أتنعل‬

‫صبر أجتاب بّزه‬


‫فإّنى لمولى ال ّ‬

‫سمع والحزم أفعل‬


‫على مثل قلب ال ّ‬

‫وأعدم أحيانا ً وأغنى وإنما‬

‫ينال الغنى ذو البعدة المتب ّ‬


‫ذل‬

‫فل جزع ٌ من خّلة متكشف‬

‫ح تخت الغنى أتخّيل‬


‫ول مر ٌ‬

‫ول تزدهي الجهال حلمي ول أرى‬

‫سؤول ً بأعقاب القاويل أنمل‬

‫س يصطلي القوس رّبها‬


‫وليلة نح ٍ‬

‫وأقطعه اللتي بها يتنبل‬

‫‪700‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫دعست على غطش وبغش وصحبتي‬

‫سعاٌر وإيزيٌز وواجٌر وأفكل‬

‫فأّيت نسوانا ً وأيتمت ولدةً‬

‫وعدت كما أبدأت والليل أليل‬

‫وأصبح عني لبالغميضاء جالسا ً‬

‫فريقان مسؤول وآخر يسأل‬

‫ل كلبنا‬
‫فقالوا القد هرت بلي ٍ‬

‫س فرعل‬
‫س أم ع ّ‬
‫بع َ‬
‫فقلنا الذئ ٌ‬

‫فلم ي ُ‬
‫ك إل نبأة ٌ ثم هومت‬

‫فقلنا قطاة ريع أو ريعَ أجدل‬

‫ن لبرح طارقا ً‬
‫فإن يك من ج ّ‬

‫وإن يك إنسا ً ماكها النس يفعل‬

‫ويوم ٍ من ال ّ‬
‫شعري يذوب لعابه‬

‫‪701‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫أفاعيه في رمضائه تتململ‬

‫نصبت له وجهي ولكن دونه‬

‫ول ستر إل التحمي المرعبل‬

‫وضاف إذا هّبت له الريح طّيرت‬

‫لبائد عن أعطافه ما ترجل‬

‫دهن والفلي عهده‬


‫س ال ّ‬
‫بعيد ٌ بم ّ‬

‫ف من الغسل محول‬
‫س عا ٍ‬
‫له عب ٌ‬

‫وخرق كظهر الترس قفرٍ قطعته‬

‫بغاملتين ظهره ليس يعمل‬

‫فألحقت أوله بأخراه موفيا ً‬

‫على قنة أقعى مرارا ً وأمثل‬

‫ترود الرواي الضخم حولي كأنها‬

‫عذارى عليهن الملِء الم ّ‬


‫ذيل‬

‫‪702‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ويركدن بالصال حولي كأنني‬

‫من العصم أدفى ينتحي الكبح أعقل‬


‫وقال الطغرائي يواسي معين الملك في نكبته المتوفى‬
‫سنة ‪10‬ه?‬
‫ث‬ ‫فصبرا ً معين الملك إن ع ّ‬
‫ن حاد ٌ‬

‫فعاقبة الصبر الجميل جمي ٌ‬


‫ل‬

‫ألم تر أن الليل بعد ظلمه‬

‫عليه لسفار الصباح دلي ٌ‬


‫ل‬

‫ن الشمس بعد كسوفها‬


‫ألم تَر أ ّ‬

‫لها صفحة تغشى العيون صقيل‬


‫) ‪(1/443‬‬

‫وأن الهلل الّنضو يقمر بعدما‬

‫بدا وهو شخت الجانين ضئيل‬

‫دهر قياده‬
‫فقد يعطف ال ّ‬

‫‪703‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ل أو يب ّ‬
‫ل غليل‬ ‫فيشفى علي ٌ‬

‫ص الجناحين بعد ما‬


‫ويرتاش مقصو ُ‬

‫ش واستطار نسيل‬
‫تساقط ري ٌ‬

‫أسأت إلى اليام حتى وترتها‬

‫فعندك أضعان لها وتبول‬

‫وصارمتها فيما أرادت صورفها‬

‫ولولك كانت تنتحي وتصول‬

‫وما أنت إل السيف يسكن غمده‬

‫ليشقى به يوم النزال قتيل‬

‫ف أسوة‬
‫صديق يوس َ‬
‫أمالك بال ّ‬

‫فتحمل وطء الدهر وهو ثقيل‬

‫س والذكر سائر‬
‫ض منك الحب ُ‬
‫وما غ ّ‬

‫طليقٌ له في الخافقين ذميل‬

‫‪704‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫?وقال محمود باشا سامي البارودي وهو في منفاه‬
‫محا البين ما أبقت عيون المها مني‬

‫ي‬
‫فشبت ويم أقض اللبانة من سن ّ‬

‫عناٌء ويأس واشتياق وغربة‬

‫أل شد ما ألقاه في الدهر من غبن‬

‫ديار فلي بها‬


‫فإن أك فارقت ال ّ‬

‫فؤاد ٌ أضّلته عيون المها عن ّ‬


‫ي‬

‫بعثت به يوم النوى إثر لحظة‬

‫فأوقعه المقدار في شرك الحسن‬

‫فهل من فتى في الدهر يجمع بيننا‬

‫فليس كلنا عن أخيه بمستغني‬

‫ولما وقفهنا للوداع وأسبلت‬

‫مدامعنا فوق الترائب كالمزن‬

‫ت بصبري أن يعود فبزني‬


‫أهب ُ‬

‫‪705‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ت حلمي ن يثوب فلم يغن‬


‫ونادي ُ‬

‫وما هي إل خطرة ٌ ثم أقلعت‬

‫سفن‬
‫ي أجنحة ال ّ‬
‫بنا عن شطوط الح ّ‬

‫فكم من مهجة من زفرة الوجد في لظى‬

‫وكم مقلة عن غزرة الدمع في دجن‬

‫وما كنت جربت النوى قبل هذه‬

‫فلما دهتني كدت أقضي من الحزن‬

‫ولكّنني راجعت حلمي وردني‬

‫إلى الحزم رأيّ ل يحوم على أفن‬

‫ب عواط ٌ‬
‫ل‬ ‫ولول بنّيات وشي ٌ‬

‫لما قرعت نفسي على فائت سّني‬

‫فيا قلب صبرا ً إن جزعت فربما‬

‫جرت سنحا طيُر الحوادث باليمن‬

‫‪706‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فقد تورق الغصان بعد ذنوبها‬

‫ويبدو ضياُء البدر في ظلمة الوهن‬

‫وأيّ حسام لم تصبه كهامة‬


‫) ‪(1/444‬‬

‫ولهذم رمح ل يفل من الطعن‬

‫ومن شاغب اليام لن مريره‬

‫وأسلمه طو ُ‬
‫ل المراس إلى الوهن‬

‫وما المرء في دنياه إلكسالك‬

‫مناهج ل تخلو من السهل والحزن‬

‫فإن تكن الدنيا توّلت بخيرها‬

‫فأهون بدنيا ل تدوم على فن‬

‫إذا عرف المرء القلوب وما انطوت‬

‫عليه من البغضاء عاش على ضعن‬

‫‪707‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫يرى بصري من ل أود لقاءه‬

‫وتسمع أني ما تعاف من المن‬

‫تحملت خوف المن كل زريئة‬

‫وحمل زرايا الدهر أحلى من اللحن‬

‫وعاشرت أخدانا ً فلما بلوتهم‬

‫تمّنيت أن أبقى وحيدا ً بل خدن‬

‫وقال محمد حافظ بك إبراهيم‬


‫دنيا بأيدينا‬
‫لم يبقَ شيٌء من ال ّ‬

‫إل بقية دمع في مآقينا‬

‫كنا قلدة جيد الدهر وانفرطت‬

‫وفي يمن العل كّنا رياحينا‬

‫كانت منازلنا في العّز شامخة‬

‫ل تشرق الشمس إل في مغانينا‬


‫وكان أقصى منى نهر المجرة لو‬

‫‪708‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫من مائه مزجت أقداح ساقينا‬

‫والشهب لو أنها كانت مسخرة‬

‫لرجم من كان يبدو من أغادينا‬

‫فلم نزل وصروف الدهر ترمقنا‬

‫شزرا ً وتخدعنا الدنيا وتلهينا‬

‫ب‬
‫حتى غدونا ول جاه ول نش ٌ‬

‫ول صديقٌ ول خ ٌ‬
‫ل يواسنا‬

‫وقال أيضا ً في شكوى الزمان‬


‫ت إلى أن كدت أنتعل الدما‬
‫سمي ُ‬

‫دما‬
‫وعدت وما أعقبت إل التن ّ‬

‫دنيا موّدع‬
‫م على ال ّ‬
‫سل ٌ‬
‫رأى في ظلم القبر أنسا ً ومغنما ً‬

‫صبر الجميل وبالسى‬


‫تبلغ بال ّ‬

‫‪709‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫زمانا ً وجادته المنى فتأدما‬

‫أضّرت به الول فهام بأختها‬

‫وإن ساءت الخرى فويله منهما‬

‫ح الموت نكباء واطفئي‬


‫فهبى ريا َ‬

‫سراج حياتي قبل أن يتحطما‬

‫فما عصمتني من زماني فضائلي‬


‫) ‪(1/445‬‬

‫ولكن رأيت الموت للحر أعصما‬

‫فيا قلب ل تجزع إذا عضك السى‬

‫فإنك بعد اليوم لن تتألما‬

‫ويا عين قد آن الجمود لمدمعي‬

‫فل سيل دمع تسكبين ول دما‬

‫ويا يد ّ ما كلفتك المبسط مرة‬

‫‪710‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لذي منة أولى الجميل وأنعما‬

‫فلّله ما أحلك في أنمل البلى وإن كنت حلى في‬


‫الطروس وأكرما‬
‫ويا قدمي ما سرت بي لمذلة‬

‫ولم ترتق إل إلى العّز سّلما‬

‫فل تبطئي سيرا ً إلى الموت واعلمي‬

‫ن كريم القوم من مات مكرما‬


‫بأ ّ‬

‫وقال فقيد الدب حنفي بك ناصف‬


‫أتقضى معي إن جان حيني تجاربي‬

‫وما نلتها إل ّ بطول عناء‬

‫وأبذ ُ‬
‫ل جهدي في اكتساب معارف‬

‫ويفنى الذي حصلته بفنائي‬

‫ويحزنني أل أرى لي حيلة‬

‫لعطائها من يستحق عطائي‬

‫إذا وّرث الجهال أبناءهم غّنى‬

‫‪711‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وجاها ً فما أشقى بني الحكماء‬

‫الباب الرابع في الوصف‬


‫قال علي بن محمد القاضي التنوخي المتوفى سنة‬
‫‪343‬ه? واصفا ً مكتوبا ً‬
‫وصحيفة ألفاها‬

‫في النظم كالدّر الّنثير‬

‫ي كأنها الت‬
‫جاءت إل ّ‬

‫وفيق في كل المور‬

‫بأرقّ من شكوى وأحس‬

‫ن من حياةِ في سرور‬

‫لو قابلت أعمى لصب‬

‫ح وهو ذو زطرف بصير‬


‫وكأنها أم ٌ‬
‫ل تحق‬

‫صدور‬
‫ق بعد يأس في ال ّ‬

‫أو كالفقيد إذ أتت‬

‫‪712‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫بقدومه بشرى البشير‬

‫أو كالمنام لساهر‬

‫أو كالغني عند الفقير‬

‫أو كالشفاء لمدنف‬

‫أو كالمان لمستجير‬

‫وكأنما هي من وصا‬

‫ل أو شباب أو نشور‬

‫لف ٌ‬
‫ظ كأسر معاند‬

‫أو مثل إطلق السير‬

‫وكأنه إذ لح من‬

‫فوق المهارق والسطور‬

‫ورد ً الخدود إذا انتقل‬

‫ت به على راح الثغور‬

‫‪713‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫غرٌر غدت وكأنها‬

‫من طلعة ال ّ‬
‫ظبي الغرير‬
‫) ‪(1/446‬‬

‫من كل معنى كالسل‬

‫مة أو كتيسير العسير‬

‫كتبت بحبر كالّنوى‬

‫أو كفر عمي من كفور‬

‫في مثل أيام التوا‬

‫دهور‬
‫صل أو كأعتاب ال ّ‬

‫أهدتها يا خير من‬

‫يختار من كرم وخير‬

‫وقال أيضا ً واصفا ً الخط والكتابة والبلغة‬


‫ط وقرطاس كأن‬ ‫خ ّ‬

‫‪714‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫سوالف وال ّ‬
‫شعور‬ ‫هما ال ّ‬

‫وبدائع تدع ُ القلو‬

‫ب تكاد من طرب تطيُر‬

‫في ك ّ‬
‫ل معنى كالغنى‬

‫ج فقير‬
‫يحويه محتا ٌ‬

‫أو كالفكاك يناله‬

‫من بعد ما يأس أسير‬

‫وكأنها القبال جا‬

‫ء أو الشقاء أو الّنشور‬

‫وكأنها شرخ الشبا‬

‫ب وعيشة الخضل النضير‬


‫وقال البحتري في الموضوع نفسه‬
‫ت أقلمه ثم انتحت‬
‫وإذا دج ْ‬

‫دجى في كتبه‬
‫برقت مصابيح ال ّ‬
‫ب فهمه في بعده‬‫فاللفظ يقر ً‬

‫‪715‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫مّنا ويبعد ُ نيله في قربه‬

‫فكأنهما والسمع معقود ٌ بها‬

‫شخص الحبيب بدا لعين محبه‬

‫وقال الوزير المهلبي المتوفى سنة ‪352‬ه? في‬


‫الموضوع نفسه‬
‫ورد َ الكتاب مبشرا ً‬

‫سروِر‬
‫نفسي بأنواع ال ّ‬

‫وفضضته فوجدته‬

‫ليل ً على صفحات نور‬

‫سوالف والخدو‬
‫مثل ال ّ‬

‫د البيض زينت بالشعور‬


‫أنزلته مّني بمنز‬

‫لة القلوب من الصدور‬


‫الموز‪ ،‬وقال النجم بن إسرائيل يصفه‬
‫ه موزا ً شه ّ‬
‫ي المنظر‪،‬‬ ‫أنعت ُ‬

‫‪716‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مستحكم الّنضج‪ ،‬لذيذ َ المخبَر‬
‫ن تحت جلده المزعفر‬ ‫كأ ّ‬

‫ت زبد‪ ،‬عجنت بسكر‬


‫لفا ِ‬

‫وقال البهاء زهير‬


‫في ريحه‪ ،‬ولونه وطعمه‬

‫ضرب‬
‫كالمسك‪ ،‬أو كالتبرأ وكال ّ‬
‫وافت به أطباقه منضد ّا ً‬

‫كأنه مكاحهل من ذهب‬

‫وقال آخر‬
‫تحكي إذا قشّرته‬

‫أنياب أفيال صغار‬

‫ذو باطن مثل القا‬

‫ح‪ ،‬وظاهر مثل البهار‬


‫الكمثرى‬
‫وكمثراء بستان‬

‫ي الطعم والمنظر‬
‫شه ّ‬

‫‪717‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫له طعم إذا ذيق‬

‫كماء الورد والسكْر‬

‫كأنه في شكله‪ ،‬ولونه‪،‬‬

‫وطعمه‪ :‬قوالب من سكر‬


‫التفاح قال ابن المعتز‬
‫كأنما التفاح لما بدا‬
‫) ‪(1/447‬‬

‫يرفل في أثوابه الحمر‬

‫شهد ٌ بماء الورد‪ ،‬مستودعَ‬

‫في أكر من جامد الخمر‬


‫كأننا حين نحّيا به‬

‫نستنشق الّندمن الجمر‬

‫الخوخ‬
‫كأنما الخوخ على دوحه‬

‫وقد بدا أحمره العْندمي‬

‫‪718‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بناد ٌ من ذهب على دوحه‬

‫قد خضبت أنصافها بالدم‬

‫وخوخة بستان ذكي نسيمها‬

‫من المسك والكافور وقد كسبت نشرا‬


‫ملّبسة ثوبًا‪ ،‬من التبر نصفه‬

‫مصو ٌ‬
‫غ‪ ،‬وباقيه كياقوتة حمرا‬

‫المشمش‬
‫ش جاءنا من أعجب العجب‬
‫ومشم ٍ‬

‫ي من الّلذات ولطر ِ‬
‫ب‬ ‫أشهى إل ّ‬

‫ب الريح ينثره‬
‫كأّنه وهبو ُ‬

‫بنادقٌ خرطت من خالص الذهب‬


‫وكأنما الفلك من طرب به‬

‫نثرت كواكبها على الغصان‬

‫وقال محيي الدين بن عبد الظاهر‬


‫دوح أضحى‬ ‫حبذا مشمش على ال ّ‬

‫‪719‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ذا شعاع يستوقف البصارا‬

‫شجٌر أخضر لنا جعل ال ّ‬


‫ل‬

‫ه "تعالى" منه كما قال نارا‬

‫الرمان‬
‫رمانة صبغ الزمان أديمها‬

‫سمت في ناضر الغصان‬


‫فتب ّ‬

‫فكأنما هي حقة من عجسد‬

‫قد أودعت خرزا ً من المرجان‬

‫كأنها حقة‪ ،‬فإن فتحت‬

‫فصّرة من فصوص ياقوت‬

‫منت‬
‫حقاق كأمثال العقيق تض ّ‬

‫فصوص بلخش‪ ،‬في غشاء حرير‬

‫ض عنه قشره فكأنه‬


‫إذا ف ّ‬

‫فصوص عقيق‪ ،‬في حقاق من الدّر‬

‫‪720‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فدّر‪ ،‬ولكن لم يدنسه عارض‬

‫وماء‪ ،‬ولكن في مخازن من جمر‬

‫النخيل والبلح‬
‫كأن النخيل الباسقات وقد بدت‬

‫لناظرها حسنا ً قبا ُ‬


‫ب زبرجد‬

‫ة لها‬
‫وقد علقت من حولها زين ً‬

‫ت بأمراس عسجد‬ ‫قنادي ُ‬


‫ل ياقو ٍ‬
‫سري الرفاء‬‫وقال ال ّ‬
‫فالنخل من باسق فيه وباسقة‬

‫يضاحك الطلعُ في قنواته الّرطبا‬

‫أضحت شماريخه في النحر مطلعة‬

‫إما ثّريا‪ ،‬وإما معصما خضبا‬

‫تريك في الظل عقيانًا‪ ،‬إن نظرت‬

‫س النهار إليها خلتها لهبا‬


‫شم ُ‬

‫وقال آخر في البلح الخضر‬

‫‪721‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أما ترى النخل قد نثرت بلحا ً‬

‫جاء بشيرا ً بدولة الرطب‬

‫مكاحل من زمرد خرطت‪،‬‬


‫) ‪(1/448‬‬

‫معات الرؤوس بال ّ‬


‫ذهب‬ ‫مق ّ‬

‫وفي البلح الحمر‬


‫دى‬
‫أنظر إلى البسر إذ تب ّ‬

‫ولونه قد حكى ال ّ‬
‫شقيقا‬
‫كأنما خوصه عليه‬

‫زبرجد مثمٌر عقيقا‬

‫البطيخ‬
‫رأيتها في كف ج ّ‬
‫لبها‬

‫حسن‬
‫وقد بدت في غاية ال ُ‬

‫كسّلة خضراء مختومة‬

‫عل الفصوص الحمر في القطن‬

‫‪722‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقال أبو طالب المأموني‬
‫ومبيضة فيها طرائق خضرة‬

‫كما اخضّر مجرى السيل من صيب المزن‬


‫كحقة عاج ضبّبت بزبرجد‬

‫ت قطعه الياقوت في عصب القطن‬


‫حو ْ‬

‫وقال في بطيخة صفراء‬


‫وبطيخة مسكّية عسلية‬

‫لها ثوب ديباج وعرف مدام‬

‫صلت للكل كانت أهّلة‪،‬‬


‫وإذا ف ّ‬

‫وإن لم تفصل فهي بدر تمام‬

‫وقال ابن التعاويذي‬


‫ب صفراء أتتنا‬
‫ر ّ‬

‫وهي في أحسن حّلة‬


‫تعتريها صفرة ً في‬

‫لونها‪ ،‬من غير علة‬

‫حلوة ُ الريق‪ ،‬حلل‬

‫‪723‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫دمها في كل مله‬

‫نصفها بدر‪ ،‬وإن‬

‫قسمهتها فهي أهّله‬

‫وقال آخر‬
‫ق‬
‫أل فانظروا البطيخ وهو مشق ّ‬

‫وفد حاز في التشقيق كل أنيق‬


‫تروه كبّلور في زمرد‬

‫مركبة فيه فصوص عقيق‬

‫العنب قال ابن المعتزر‬


‫كأن عناقيد الكروم وظّلها‬

‫كواكب در‪ ،‬في سماء زبرجد‬


‫وقال السري الرفاء‬
‫والكرم مستبك الفنان‪ ،‬توسعنا‬

‫أجناسه في تساوي شربها عجبا ً‬

‫فكرمة قطرت أغصانها سبجًا‪،‬‬

‫‪724‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وكرمة قطرت أغصانها ذهبا ً‬

‫كأنما الورق المخضر دونهما‬

‫غيران‪ ،‬يكسوهما من سندس حجبا ً‬


‫وقال آخر‬
‫كأنما عنقودها‬

‫ه‬
‫ج‪ ،‬جنوا سرق ْ‬
‫زن ٌ‬

‫فأصبحت رؤوسهم‬

‫على الذرى معّلقة‬


‫قصب السكر‬
‫تحكيه سمر القنا ولكن‬

‫تراه في جسمه طلوه‬


‫ما زدته عذابا ً‬
‫وكل ّ‬

‫زادك من ريقه حلوه‬

‫النبق‬
‫وسدرة كل يوم‬

‫من حسنها في فنون‬

‫‪725‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كأنما النبقْ فيها‬

‫وقد بدا للعيون‬

‫جلج ٌ‬
‫ل من نضار‬

‫قد علقت في الغصون‬


‫الجزر قال ابن المعتز‬
‫أنظر إلى الجزر الذي‬

‫يحكي لنا لهب الحريق‬


‫كمذبة من سندس‬
‫) ‪(1/449‬‬

‫ب من عقيق‬
‫ولها نصا ٌ‬

‫وقال ابن رافع القيرواني‬


‫انظر إلى الجور البديع كأنه‬

‫ب من المرجان‬‫في حسنه قض ُ‬
‫أوراقه كزبرجد في لونها‪،‬‬

‫وقلوبه صيغت من العيقان‬

‫اللوز الخضر قال ظافر الحداد‬

‫‪726‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كأنما قلوبه‬

‫من توأم ومفرد‬

‫جواهر لكنما ال‬

‫أصداف من زبرجد‬
‫التين قال ابن المعتز‬
‫أنعم بتين طاب طعما‪ ،‬واكتسى‬

‫حسنًا‪ ،‬وقارب منظرا ً‬


‫ت من مخبر‬
‫في برد ثلج‪ ،‬في نقابير‪ ،‬وفي‬

‫ريح العبير‪ ،‬وطيب طعم السكر‬

‫يحكي إذا ما صغّ أطباقه‬

‫خيما‪ ،‬ضربن من الحرير الحمر‬

‫الفستق‬
‫والقلب ما بين قشريه يلوح لنا‬

‫كألسن الطير من بين المناقير‬

‫زبرجدة خضراء وسط حريرة‬

‫‪727‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بحقة عاج في غلف أديم‬

‫زبرجدة ملفوفة في حريرة‪،‬‬

‫منة درا مغشى بياقوت‬


‫مض ّ‬

‫النارنج قال ابن المعتز‬


‫وكأنما النارنج في أغصانه‬

‫من خالص الذهب الذي لم يخلط‬


‫كر رماها الصولجان إلى الهوا‬

‫فتعّلقت في جوه لم تسقط‬

‫وأشجار نارنج كأن ثمارها‬

‫حقاق عقيق قد ملئن من الدر‬

‫وقال آخر‬
‫انظر إلى منظر تلهيك بهجته‬

‫بمثله في البرايا يضرب المث ُ‬


‫ل‬

‫نار تلوح على الغصان في شجر‬

‫ل النار تطفا‪ ،‬ول الغصان تشتعل‬

‫‪728‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقال أبو الحسن الصقلي‬
‫إذا مّيلتها الريح مالت كأكرة‬

‫بجت ذهبا ً في صولجان زبرجد‬


‫الليمون قال ابن المعتز‬
‫ة‬
‫يا حبذا ليمون ً‬

‫ث للنفس الطرب‬
‫تحد ُ‬
‫كأنها كافورة‬

‫لها غشاء من ذهب‬

‫القلم‪ :‬قال "ابن المعتز"‪ :‬القلم مجهز لجيوش الكلم‪،‬‬


‫يخدم الرادة‪ ،‬ول يمل استزادة‪ ،‬يسكت واقفًا‪ ،‬وينطلق‬
‫سائرًا‪ ،‬على أرض بياضها مظلم‪ ،‬وسوادها مضيء‪،‬‬
‫وار بستان‪.‬‬ ‫وكأنه يقبل بساط سلطان‪ ،‬أو يفتح ن ّ‬
‫) ‪(1/450‬‬

‫وقال "علي بن عبيد" أصم سمع النحوي‪ ،‬أعيا من‬


‫باقل‪ ،‬وأبلغ من سحبان وائل‪ ،‬يجهل الشاهد‪ ،‬ويخبر‬
‫الغائب‪ ،‬ويجعل الكتب بين الخوان ألسنا ناطقة‪ ،‬وأعينا ً‬
‫لحظة‪ ،‬وربما ضمنها ودائع القلوب ما ل تبوح به اللسن‬
‫عند المشاهدة‪.‬‬
‫ومن كلم "أبي حفص بن برد الندلسي"‪ :‬ما أعجب‬
‫شأن القلم يشرب ظلمة‪ ،‬ويلفظ نورًا! قد يكون قلم‬

‫‪729‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الكاتب أمضى من شباة المحارب القلم سهم ينقذ‬
‫المقاتل‪ ،‬وشفرة تطيح بها المفاصل‪.‬‬
‫وقال "محمود بن أحمد الصبهاني"‬
‫س ينبيك بإطرقه‬
‫أخر ُ‬

‫عن كل ما شئت من المر‬

‫يذري على قرطاسه دمعة‬

‫يبدي بها السّر وما يدري‬

‫كعاشق أخفى هواه وقد‬

‫مت عليه عبرة ٌ تجري‬


‫ن ّ‬

‫تبصره في كل أحواله‬

‫عريان يكسو الناس أو يعري‬


‫يرى أسيرًا‪ ،‬في دواة وقد‬

‫أطلق أقواما ً من السر‬

‫ق‪ ،‬لو لم تبرهِ لم يكن‬


‫أخر ُ‬

‫يرشق أقواما ً وما يبري‬

‫‪730‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كالبحر إذ يجري‪ ،‬وكالليل إذ‬

‫يغشى‪ ،‬وكالصارم إذ يفري‬

‫وقال "أحمد بن عبد ربه"‬


‫يخاطب الغائب البعيد مما‬

‫يخاطب الشاهد الذي حضرا‬


‫ت ضئي ٌ‬
‫ل‪ ،‬لفعله خطر‬ ‫شخ ُ‬

‫أعظم به من ملمة خطرا‬

‫ة صُغرت‬ ‫جف ّ‬
‫كاه ريق ً‬ ‫تم ّ‬

‫وخطبها في القلوب قد كبرا‬


‫س منه ما حذرت‬‫يواقع النف َ‬

‫وربما جنبت به الحذرا‬

‫ف‬
‫ف تزدهي به صح ٌ‬
‫مهفه ٌ‬

‫كأنما خليت به دررا‬

‫و"لبن المعتز" في قلم الوزير "القاسم بن عبيد الله"‬


‫م ما أراه‪ ،‬أم فلك يجر‬
‫قل ٌ‬

‫‪731‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ي بما شاء "قاسم" ويسير؟‬

‫خاشع في يديه يلئم قرطا‬

‫سا كما قّبل البساط شكور‬

‫ولطيف المعنى‪ ،‬جليل‪ ،‬نحيف‪،‬‬

‫وكبير الفعال وهو صغير!‬

‫كم منايا‪ ،‬وكم عطايا‪ ،‬وكم حت‬

‫ف وعيش تضم تلك السطور‬


‫دجا نهارًا‪ ،‬فما أدر‬
‫نقشت بال ّ‬

‫ي أخط فيهن أم تصوير‬

‫وقال "أبو تمام" في قلم "محمد بن عبد الملك الزيات"‬


‫ه‬
‫لك القلم العلى الذي بشبات ِ ِ‬

‫ب من المر الكلى والمفاصل‬


‫تصا ُ‬

‫ب الفاعي القاتلت لعاُبه‬


‫لعا ُ‬
‫) ‪(1/451‬‬

‫‪732‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأري الجنى اشتارته أيد عوامل‬

‫له ريقة ط ّ‬
‫ل‪ ،‬ولكن وقعها‬

‫باثاره في الشرق والغرب وابل‬

‫فصيح إذا استنطقه وهو راكب‪،‬‬

‫وأعجم إن خاطبته وهو راجل‬

‫إذا ما امتطى الخمس الّلطاف وأفرغت‬

‫ب الفكر وهي حوافل‬


‫عليه شعا ٌ‬

‫أطاعته أطراف القنا‪ ،‬وتقوضت‬

‫لنجواه تقويض الخيام الجحافل‬

‫ي وأقبلت‬
‫إذا استغزر الذهن الجل ّ‬

‫أعاليه في القرطاس وهي أسافل‬

‫ت جليل ً شأن ُ‬
‫ه "وهو مرهف‬ ‫رأي َ‬

‫ضنا" وسمينا ً خطب ُ‬


‫ه "وهو ناحل"‬

‫‪733‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقال "ابن الرومي"‬
‫إن يخدم القلم السيف الذي خضعت‬

‫م‬
‫له الرقاب‪ ،‬دانت خوفه الم ُ‬

‫فالموت والموت ل شيء يغالبه‬

‫مازال يتبعُ ما يجري به القلم‬

‫كذا قضى الله للقلم مذ بريت‬

‫أن السيوف لها مذ أرهفت خدم‬

‫وقال "المتنبي"‬
‫م رأسه‬
‫نحيف الشوى يعدو على أ ّ‬

‫ويحفى فيقوى عدوه حين يقطع‬


‫ج ظلما ً في نهار لسانه‬
‫يم ّ‬

‫ويفهم عمن قال ما ليس يسمع‬

‫وقال "ابن نباته السعدي"‪:‬‬


‫يرنو إلى الفكار غير ملحظ‬

‫ويخاطب القرطاس غير محابي‬


‫ويعلم الداب أفهام الورى‬

‫‪734‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وفؤاده صفر من الداب‬

‫وقال "مهيار الديلمي" في وصف الدواة والقلم‪:‬‬


‫م بنين استنبطتهم‪ ،‬فصدرها‬
‫وأ َ‬

‫ن كظيم‬
‫ص بهم عند الحضا َ‬
‫غصي ٌ‬

‫يعقونها بالضغط‪ ،‬وهي عليهم‬

‫ف بدرات الرضاع رؤوم‬


‫عطو ٌ‬

‫يخال الفاعي الرقش ما ضم منهم‬

‫حشاها‪ ،‬وهم فيها أخ وحميم‬

‫فمن ذي لسان مفصح وهو أخرس‪،‬‬

‫ومن بائح بالسّر وهو كتوم‬

‫وقال "أبو الفتح البستي"‬


‫إذا أقسم البطال يوما ً بسيفهم‬

‫م‬
‫وعدوه مما يكسب المجد ولكر ْ‬
‫كفى قلم الكتاب عزا ً ورفعة‬

‫‪735‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مدى الجهر أن الله أقسم بالقلم‬

‫وقال أعرابي من بني الحرث بن كعب يصف الشمس‬


‫ة‪ :‬أما إذا الليل جّنها‬
‫مخبأ ٌ‬

‫فتخفى‪ ،‬وأما بالنهار فتظهر‬

‫إذا انشق عنها ساطع الفجر‪ ،‬وانجلى‬

‫دجا الليل‪ ،‬وانجاب الحجاب المستتر‬


‫) ‪(1/452‬‬

‫وألبس عرض الرض لونا ً كأنه‬

‫ب معصفر‬
‫على الفق الشرقي ثو ٌ‬

‫تحّلت‪ ،‬وفيها حين يبدو شعاعها‬

‫ولم يجل للعين البصيرة منظر‬

‫ن‪ ،‬كدرع الزعفران يشوبه‬


‫بلو ٍ‬

‫شعاع تلل‪ ،‬فهو أبيض أصفر‬

‫ض منها اصفرارها‬
‫إلى أن علت وابي ّ‬

‫‪736‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫سهر‬
‫وجالت كما جال المهيج الم ّ‬

‫وجللت الفاق ضوءا ً ينيرها‬

‫فخّر لها صدر الضحا يتسعر‬

‫ترى الظل يطوى حين يعلو‪ ،‬وتارة‬

‫تراه إا مالت إلى الرض ينشر‬

‫وتدنف حتى ما يكاد شعاعها‬

‫يبين إذا غابت لمن يتبصر‬

‫كما بدأت إذا أشرقت في مغيبها‬

‫مر‬
‫تعود‪ ،‬كما عاد الكبير المع ّ‬

‫فأفنت قرونًا‪ ،‬وهي في ذاك لم تزل‬

‫تموت وتحيا كل يوم وتنشر‬

‫وقال الطغرائي يصف طلوع الشمس‬


‫وغروب البدر‪:‬‬
‫وكأنما الشمس المنرة إذ بدت‬

‫‪737‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫والبدر يجنح للغروب وما غّرب‬


‫ن صاغه‬‫متحاربان‪ :‬لذ مج ّ‬

‫ن من ذهب‬
‫من فضة‪ ،‬ولذا مج ّ‬

‫وقال ابن خفاجه الندلسي يصف غروبها في نهر‬


‫قد وّلت الشمس محتثة‬

‫إلى الغرب ترنو بطرف كخيل‬


‫كأن سناها على نهره‬

‫بقايا نجيع بسيف صقيل‬

‫وقال ابن طاهر الكرخي‪:‬‬


‫أما تر الفق كيف قد ضرب ال‬

‫غيم عليه من مزنة قببا‬

‫ب الشمس من رفافها‬
‫وحاج ُ‬

‫يضرم فيها بوره لهبا‬

‫كأنه فضة مطّرقة‬

‫وست ذهبا‬
‫أطرافها قد تط ّ‬

‫‪738‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقال ابن مكي‬
‫كأن الشمس إذ غربت غريق‬

‫هوى في البحر‪ ،‬أو وافى مغاصا‬


‫فأتبعها الهلل على غروب‬

‫بزورقه‪ ،‬يريد لها خلصا‬

‫وقال عبد العزيز القرطبي‪:‬‬


‫ة‬
‫إني أرى شمس الصيل عليل ً‬

‫ترتاد من نحو المغارب مغربا‬


‫مالت لتحجب شخصها فكأنها‬

‫دت على الدنيا بساطا ً مذهبا‬


‫م ّ‬

‫وقال ابن الرومي‬


‫وقد طفلت شمس الصيل ونفضت‬

‫على الجانب الغربي ورسا ً مذعذعا ً‬

‫ولحظت الّنوار وهي ميضة‬

‫وقد وضعت خدا ً على الرض أضرعا‬


‫كما لحظت عوداه عين مدنف‬
‫) ‪(1/453‬‬
‫‪739‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫توجع من أوصابه ما توجعا‬

‫وقال ابن أفلح من قصيدة‬


‫ة‬
‫والشمس خافضة الجناح مسف ٌ‬

‫في الغرب تنساب انسياب الرقط‬


‫أو كالعروس بدت فأسدل دونها‬

‫جنبات ستر كالجساد مخطط‬

‫وأتى الظلم على الضياء ما أتى‬

‫أج ٌ‬
‫ل على أمل‪ ،‬فلم يتأبط‬

‫وقال معروف الرصافي‬


‫نزلت ةتجر إلى الغروب ذيول ً‬

‫صفراء تشبه عاشقا ً متبول ً‬

‫تهتز بين يد المغيب‪ ،‬كأنها‬

‫ب تململ في الفراش عليل‬


‫ص ٌ‬

‫ضحكت مشارقها بوجهك بكرة‬

‫‪740‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وبكت مغاربها الدماء أصيل‬

‫وغدت بأقصى الفق مثل عرارة‬

‫عطشت فأبدت صفرة وذبول‬

‫غربت فأبقت كالشواظ عقيبها‬

‫شفقا ً بحاشية السماء طويل ً‬

‫ب لونه‬
‫شفق يروع القلب شاح ُ‬

‫مخ بالدما مسلول‬


‫كالسيف ض ّ‬

‫رقت أعليه وأسفله الذي‬

‫في الفق أشبع عصفرا ً محلول ً‬


‫قال ابن المعتز يصف الهلل‬
‫انظر إليه كزو رق من فضة‬

‫قد أثقلته حمولة من عنبر‬

‫وكأن الهلل نصف سوار‬

‫والثريا كف تشير إليه‬

‫‪741‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فخ بوسط السماء ملقى‬

‫ينتظر الصّيد للنجوم‬

‫انظر إلى حسن هلل بدا‬

‫يهتك من أنواره الحندسا‬

‫كمنجل قد صيغ من فضة‬

‫يحصد من زهر الدجا نرجسا‬


‫يتلو الثريا كفاغر شره‬

‫يفتح فاه لكل عنقود‬

‫في ليلة أكل المحاق هللها‬

‫حتى تبدي مثل وقف العاج‬

‫وقال شاعر‬
‫قلت لما هوت لمغربها الشم‬

‫س ولح الهلل للن ّ ّ‬


‫ظار‬

‫أقرض الشرق ضده الغرب ودينا‬

‫‪742‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫را ً فأعطاه الرهن نصف سوار‬

‫وقال ابن طباطبا‬


‫وكأن الهلل لما تبدي‬

‫شطر طوق المرآة ذي التذهيب‬


‫أو كقوس قد أحنيت أو كنؤي‬

‫أو كنون في مهرق مكتوب‬

‫وقال أبو عاصم البصري في الهلل والثريا والزهرة‬


‫رأيت الهلل وقد حّلقت‬

‫م الثريا لبكي تلحقه‬


‫نجو ُ‬

‫فشيهته وهو في إثرها‬

‫وبينهما الزهرة المشرقة‬


‫بقوس لرام‪ :‬رمى طائرا ً‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬

‫فأرسل في إثره بندقه‬

‫وقال في اقتران الثريا بالهلل‬


‫) ‪(1/454‬‬

‫‪743‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فإذا ما تقارنا قلن طوق‬

‫من لجين قد علقت فيه دّره‬


‫وقال إبراهيم بن خفاجة في ذلك أيضا ً‬
‫وابن الغزالة فوق النجم منعطف‬

‫كما تأود عرجون بعنقود‬

‫وقال الطغرائي‬
‫فكأنه وكأنها في جنبه‬

‫عنقودة في زرق في عسجد‬


‫وقال أبو الفضل الميكالي‬
‫كأكرة من فضة مجلوة‬

‫أوفى عليها صولجان من ذهب‬


‫وقال شاعر‬
‫ن الهلل تحت الثريا‬
‫وكأ ّ‬

‫ملك فوق رأسه إكليل‬

‫كأنما النجم صيغ من ورق‬

‫معل ّقٌ من هلل الفق في أذن‬


‫وقال في شرف الدين الحسين‬
‫ن الهلل نزيل السماء‬
‫كأ ّ‬

‫‪744‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وقد قارن الزهرة النيرة‬

‫سواٌر لحسناء من عسجد‬

‫على قفله وضعت جوهره‬


‫وقال لبدر البشتكي في الهلل والنجوم حوله‬
‫ذيالة سمع عوج الريح ضوءها‬

‫ض شرار‬
‫فطار لها بالقرب بع ُ‬
‫وقال علي بن محمد الكاتب‬
‫دق كأنه‬
‫بدا مست ّ‬

‫ب طائر‬
‫على الفق الغربي مخل ُ‬

‫ولح لمسّرى ليلتين كأنما‬

‫تفرق منه الغيم عن إثر حافر‬

‫مر عنه الغيم ذيل ً كأنما‬


‫وش ّ‬

‫شف منه عن جناح محّلق‬


‫تك ّ‬

‫قال‪ :‬والبدر كالملك العلى وأنجمه‬

‫جنوده‪ ،‬ومباني قصره الفلك‬

‫‪745‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وقال ابن المعتز‬


‫وكأن البدر لما‬

‫لح من تحت الثريا‬


‫ملك أقبل في الّتا‬

‫ج يفدي ويحيا‬

‫وقال في البدر مع الشمس‬


‫حتى رأي الشمس تتل‬

‫و البدر في أفق السماء‬

‫فكأنها وكأنه‬

‫قد حان من خمر وماء‬

‫والبدر في أفق السماء كدرهم‬

‫ملقى على ديباجة زرقا‬

‫وقال السلمي‬
‫والبدر في أفق السما‬

‫ء كروضة فيها غدير‬

‫‪746‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقال الشريف العقيلي‬
‫والبدر في كبد السماء كوردة‬

‫بيضاء تضحك في رياض بنفسج‬


‫وقد برز البدر المنير ووجهه‬

‫كجام لجين فيع آثار عنبر‬

‫سوادك من حيث تمسي هل‬

‫ل بدرا ً منيرا ً‬
‫ل ً إلى حيث تكم ُ‬

‫نقاب لنركية أسود ُ‬

‫تنزل منه يسيرا ً يسيرا ً‬

‫وقال سهل بن المرزيان‬


‫شبهت بدر سمائها لما دنت‬
‫) ‪(1/455‬‬

‫منه الثريا في قميص سندسي‬

‫ملكا ً فكأنما هو خوذة من فضة‬

‫قد ركبت في هامة من عنبر‬

‫‪747‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقال أحمد شوقي بك يصف أبا الهول ويناجيه‬
‫أبا الهول طال عليك العصر‬

‫وبلغت في الرض أقصى العمر‬


‫دهر ل الدهر شب‬
‫فيالدة ال ّ‬

‫ب ول أنت جاوزت حد الصغر‬

‫إلم ركوبك متن الّرما‬

‫سحر‬
‫ي الصيل وجوب ال ّ‬
‫ل لط ّ‬

‫تسافر منتقل ً في القرو‬

‫سفر‬
‫ن فأيان تلقى غبار ال ّ‬

‫أبينك عهد ٌ وبين الجبا‬

‫ل تولن في الموعد المنتظر‬

‫ابا الهول ماذا وراء البقا‬

‫ضجر‬
‫ء إذا ما تطاول غير ال ّ‬

‫ن في حرصه‬
‫عجبت للقما َ‬

‫‪748‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫على لبد والّنسور الخر‬

‫وشكوى لبيد لطول الحّيا‬

‫ة ولو لم تطل لتشكى القصر‬

‫صفا‬
‫ولو وجدت فيك يا ابن ال ّ‬

‫مقتدر‬ ‫ة لحقت بصانع َ‬


‫ك ال ُ‬

‫فإن الحياة تفل الحدي‬

‫د إذا لبسته وتبلى الجر‬

‫أبا الهول ما أنت في المعضل‬

‫ت لقد صلت السبل فيك الفكر‬

‫تحيزت البدو ماذا تكو‬

‫ن وضّلت بوادي الظنون الحضر‬

‫فمكنت لهم صورة العنفوا‬

‫ن وكنت مثال الحجي والبصر‬

‫‪749‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وسّرك في حجبه كلما‬

‫أطّلت عليه الظنون استتر‬

‫وما راعهم غير رأس الرجا‬

‫ل على هيكل من ذوات الظفر‬

‫ولو صوروا من نواحي ال ّ‬


‫طبا‬

‫صور‬
‫ع توالوا عليك سباع ال ّ‬

‫ب وجهٍ كصافي الّنمي‬


‫فيا ر ّ‬

‫ر تشابه حامله والّنمر‬

‫أبا الهول ويحك ل يستقل‬

‫ل مع الدهر شيٌء ول يحتقر‬

‫تهزأت دهرا ً بديك ال ّ‬


‫صبا‬

‫ح فنقر عينيك فيما نقر‬

‫اسأل البياض وس ّ‬
‫ل السوا‬

‫‪750‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫د وأوغل منقاره في الحفر‬

‫فعدت كأنك ذو المحبسي‬

‫ب البصر‬
‫ن قطيعَ القيام سلي َ‬

‫كأن الرمال على جانبي‬

‫ك وبين يديك ذنوب البشر‬

‫كأنك فيها لواء القضا‬

‫ء على الرض أو ديدبان القدر‬

‫كأنك صاحب رمل يرى‬


‫) ‪(1/456‬‬

‫خبايا الغيوب خلل السطر‬

‫م الّزما‬
‫أيا الهول أنت ندي ُ‬

‫ن نحي الوان سميٌر العصر‬

‫بسطت ذراعيك من آدم‬

‫‪751‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ووليت وجهك شطر الّزمر‬

‫تطل على عالم يستهل_ ُ‬


‫ل وتوفى على عالم يحتضر‬
‫ن إلى من بدار للوجو‬
‫فعي ٌ‬

‫د وأخرى مشيعة من عبر‬

‫فحدث فقد يهتدى بالحدي‬

‫ث وخبر فد يؤتى بالخبر‬

‫ألم تبل فرعون في عزه‬

‫إلى الشمس وخبر فقد يؤتى بالخبر‬


‫ألم تبل فرعون في عوة‬

‫شمس معتزيا ً والقمر‬


‫إلى ال ّ‬

‫طليل الحضارة في الّولي‬

‫ن رفيع البناء جليل الثر‬

‫يؤسس في الرض للغابري‬

‫ن ويغرس للخرين الثمر‬

‫‪752‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وراعك ما راع من خيل قمب‬

‫يز ترمي سنابكها بالشّرر‬

‫جوارف بالنار تغزو في البل‬

‫ة بالقنا المشتجر‬
‫د وآون ً‬

‫وأبصرت اسكندرا ً في المل‬

‫قشيب العل في الشباب النضر‬

‫تبلج في مصر إكليله‬

‫فلم يعد في الملك عمر الزهر‬

‫وشاهدت قيصر كيف استبد‬

‫د وكيف أذ ّ‬
‫ل بمصَر القصر‬

‫وكيفغ تجبر أعوانه‬

‫حمر‬
‫ق ال ُ‬
‫وساقوا الخلئقَ سو ِ‬

‫وكيف ابتلوا بقليل العدي‬

‫‪753‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫د من الفاتحين كريم الّنفر‬

‫ي الّزجا‬
‫رمى تاج قيصر رم ّ‬

‫ل الجموع وث ّ‬
‫ل السرر‬ ‫ج وف ّ‬

‫فدع كل طاغية للزما‬

‫صعر‬
‫ن فإن الزمان يقيم ال ّ‬

‫ديانات في نظمها‬
‫رأيت ال ّ‬

‫وحين وهي لكها وانتثر‬

‫تشاد البيوت لها كالبرو‬

‫ج إذا أخذ ال ّ‬
‫طرف فيها انحسر‬

‫تلقى أساسا ً وش ّ‬
‫م الجبا‬

‫ل كما تتلقى أصو ُ‬


‫ل ال ّ‬
‫شجر‬

‫)وإيزيس( خلف مقاصيرها‬

‫تخطى الملوك إليها الستر‬

‫‪754‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫سما‬
‫تضيء عل صفحات ال ّ‬

‫ء وتشرق في الرض منها الحجر‬


‫وآبيس في نيره العالمو‬

‫ن وبعض العقائد نير عسر‬

‫تساس به معضلت المو‬

‫ر ويرجى النعيم وتخشى سقر‬

‫ول يشعر القوم إل به‬


‫) ‪(1/457‬‬

‫ولو أخذته المدى ما شعر‬

‫ل أبو المسك عبدا ً له‬


‫يق ّ‬

‫درر‬
‫وإن صاغ أحمد ُ فيه ال ّ‬

‫وآنست )موسى( وتابوته‬

‫ونوُر العصا والوصايا الغرر‬

‫وعيسى يّلم رداء الحيا‬

‫‪755‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ء ومريم تجمع ذي َ‬
‫ل الخفر‬

‫وعمرو يسوق بمصر الصحا‬

‫ب ويزجي الكتاب ويحددوا السور‬

‫فكيف رأيت الهدى والضل‬

‫ل ودنيا الملوك وأخرى عمر‬

‫ونبذ المقوقس عهد الفجو‬

‫ر وأخذ المقوقس عهد الفجر‬

‫ضل‬
‫وتبديله ظلمات ال ّ‬

‫ل يصبح الهداية لما سفر‬

‫وتأليفه القبط والمسلمي‬

‫ن كما ألفت بالولء السر‬

‫أبا الهول لو لم تكن آية‬

‫لكان وفاؤك إحدى العبر‬

‫‪756‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫أطلت على الهرمين الوقو‬

‫ف كثاكلة ل تريم الحفر‬

‫ترجى لبانيهما عودةٌ‬

‫وكيف يعود ُ الّرميم الّنخر‬

‫ديا‬
‫تجوس بعين خلل ال ّ‬

‫ر وترمي بأخرى فضاء النهر‬

‫تروم )بمنفيس( بيض ال ّ‬


‫ظبى‬

‫وسمر القنا والخميس الدثر‬

‫ومهد العلوم الخطير الجل‬

‫ل وعهد الفنون الجليل الخطر‬

‫فل تستبين سوى قرية‬

‫أجد محاسنها ما اندثر‬

‫تكاد لغراقها في الجمو‬

‫‪757‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫د إذا الرض دار بها لم تدر‬

‫فهل من يبلغ عنا الصو‬

‫ل بأن الفروع اقتدت بالسير‬

‫وأّنا خطبنا حسان العلى‬

‫دخر‬
‫وسقنا لها الغالي الم ّ‬

‫وأنا ركينا غمار المو‬

‫ر وأنا نزلنا إلى المؤتمر‬

‫بكل مبين شديد الّلدا‬

‫د وكل أريب بعيد وانتشر‬

‫نطالب بالحق في أمة‬

‫جرى دمها دونه وانتشر‬

‫ولم تفتخر بأساطيلها‬

‫ولكت بدستورها تفتخر‬

‫‪758‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ف‬
‫فلم يبق غيرك من لم يخ ْ‬

‫ولم يبق غيرك من لم يطر‬

‫تحرك أبا الهول هذا الزمان‬

‫ن تحّرك ما فيه حتى الحجر‬

‫وقال أيضا ً يصف مصر قديمها وحديثها‬


‫) ‪(1/458‬‬

‫قفي يا أخت )يوشع( خبرينا‬

‫أحاديث القرون الغابرينا‬

‫وقصي من مصارعهم علينا‬

‫ومن دولتهم ما تعلمين‬

‫فمثلك من روى الخبار طرا ً‬

‫ومن نسب القبائل أجمعينا‬

‫نرى لك في السماء خضيب قرن‬

‫‪759‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ول نحصي على الرض ال ّ‬


‫طعينا‬

‫مشيت على الشباب شواظ نار‬

‫ودرت على المشيب رحى طحونا‬


‫تعينين المواد والمنايا‬

‫وتبنن الحياة وتهدمينا‬

‫فيا لك هرة أكلت بنيها‬

‫وما ولدوا وتنتظر الجنينا‬

‫م المالكين بنى )أمون(‬


‫أأ ّ‬

‫ليهنك أنهم نزعوا )أمونا(‬

‫ولدت له )المآمين( الدواهي‬

‫ولم تلدي له قط )المينا(‬

‫فكانوا الشهب حين الرض لي ٌ‬


‫ل‬

‫وحين الناس جد مضللينا‬

‫‪760‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مشت بمنارهم الدهر بالوادي أقاموا‬

‫على )وادي الملوك( محجبينا‬

‫ب مصفد منهم وكانت‬


‫فر ّ‬

‫تساق له الملوك مصفدينا‬

‫تقيد في التراب بغير قيد‬

‫وح ّ‬
‫ل على جوانبه رهينا‬

‫سحر فيهم‬
‫تعالى الله كان ال ّ‬

‫أليسوا للحجارة منطقينا‬

‫غدوا يبنون ما يبقى وراحوا‬

‫وراء البدات مخلدينا‬

‫إذا عمدوا لمآثرة أعدوا‬

‫لها التقان والخلق المتينا‬

‫وليس الخلد مرتبة تلقى‬

‫‪761‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وتؤخذ من شفاه الجاهلينا‬

‫ولكن منتهى همم كبار‬

‫إذا ذهبت مصادرها بقينا‬

‫وسّر العبقرية حين يسري‬

‫صنائع والفنونا‬
‫فينتظم ال ّ‬

‫وآثار الّرجال إذا تناهت‬

‫إلى التاريخ خير الحاكمينا‬

‫دنيا ثناًء‬
‫وأخذك من فم ال ّ‬

‫وتركك في مسامعها طنينا‬

‫***‬
‫فغالي في بنيك الصّيد غالي‬

‫ب الغلوّ إلى بنيا‬


‫فقد ح ّ‬

‫ب قنعٌ ل خير فيهم‬


‫فشي ٌ‬

‫وبورك في الشباب الطامحينا‬

‫‪762‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فناجيهم بعرش كان صنوا ً‬

‫لعرشك في شبيبته سنينا‬

‫وكان العّز حليته وكانت‬

‫قوائمه الكتائب والسفينا‬

‫تاج من فرائده )ابن سيتي(‬


‫) ‪(1/459‬‬

‫ومن خرزاته )خوفو( )ومينا(‬

‫على خدا ً به صعٌر وجاروا‬

‫على الجراء أو جلدوا القطينا‬


‫فإنا لم نوق النقص حتى‬

‫نطالب بالكمال الولينا‬

‫س‬
‫وما )البستيل( إل بنت أم ٍ‬

‫وكم أكل الحديد بها سجينا‬

‫وربة بيعةٍ عزت وطالت‬

‫‪763‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫بناها الناس أمس مسخرينا‬

‫مشّيدة لشافي العمي )عيسى(‬

‫وكم سمل القسوس بها عيونا‬

‫***‬
‫أخا )الّلوردات( مثلك من تحّلى‬

‫بحلية آله المتطولينا‬

‫لك الصل الذي نبتت عليه‬

‫فروع المجد من )كرنارافونا(‬


‫ل‬
‫ومالك ل يعد وكل ما ٍ‬

‫سيفني أو سيفني المالكينا‬

‫وجدت مذاق كل تليد مجد‬

‫فكيف وجدت مجد َ الكاسبينا‬

‫نشرت صفائحا ً فجزتك )مصٌر(‬

‫صحائف سؤودد ل نطوينا‬

‫‪764‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فإن تك قد فتحت لها كنوزا ً‬

‫لقد فتحت لك الفتح المبينا‬

‫فل )قارون( فوق الرض إل‬

‫تمنى لو رضيت به قرينا‬

‫سبيل الخلد كان عليك سهل ً‬

‫وعادته يكد السالكينا‬

‫رأيت تنكرا ً وسمعت عتبا ً‬

‫فعذرا ً للغضاب المحنقنا‬

‫ث‬
‫أبوتنا وأعظمهم ترا ٌ‬

‫نحاذر أن يؤول لخرينا‬

‫ونأبى أن يحل عليه ضيم‬

‫ويذهب نهبة للناهبنا‬

‫سكت فحام حولك كل ظن‬

‫‪765‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ولو سرحت لم تثر الظنونا‬

‫يقول الناس في سّر وجهر‬

‫وما لك حيلة في المرجفينا‬

‫ي‬
‫أمن سرق الخليفة وهو ح ّ‬

‫ف عن الملوك مكفنينا‬
‫يع ّ‬

‫***‬
‫خليلي اهبطا الوادي ميل‬

‫إلى غرف الشموس الغار بينا‬

‫وسيرا ً في محاجرهم رويدا‬

‫وطوفا بالمضاجع خاشعينا‬

‫وخصا بالعمار وبالتحايا‬

‫رفات المجد من توتنخمينا‬

‫وقبرا ً كاد من حسن وطيب‬

‫‪766‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫يضيء حجارة العلى من )طور سينا(‬
‫وكان نزيله بالملك يدعى‬

‫فصار يلقب الكنز الثمينا‬

‫فثم جللةوٌ قرت ودامت‬

‫على مر القرون الربعين‬

‫جلل الملك أيام وتمضي‬


‫) ‪(1/460‬‬

‫ول يمضي جلل الخالدين‬

‫يجوب البرق باسمك كل سهل‬

‫ويخترق البخار به الحزونا‬

‫وأقسم كنت في )لوزان( شغل ً‬

‫وكنت عجيبة المتفاوضينا‬

‫أتعلم أنهم صلفوا وتاهوا‬

‫وصدوا الباب عنا موصدينا‬

‫‪767‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ولو كنا نجّر هناك سيفا ً‬

‫وجدنا عندهم عطفا ً ولينا ً‬

‫ن( بالمر عنا‬


‫سيقضي )كرز ٌ‬

‫وحاجات )الكنانة( ما قضينا‬

‫تعالى اليوم خبرنا أكانت‬

‫نواك سنات نوم أو سنينا‬

‫وماذا جبت من ظلمات ليل‬

‫بعيد الصبح ينضي المدلجينا‬

‫وهل تبقى النفوس إذا أقامت‬

‫هياكلها وتبلى إن بلينا‬

‫وما تلك القباب وأين كانت‬

‫وكيف أضل حافزها القرونا‬

‫ممردة البناء نخال برجا ً‬

‫‪768‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ببطن الرض محطوطا ً دفينا ً‬

‫تغطى بالثاث فكان قصرا ً‬

‫وبالصور العتاق فكان زونا ً‬

‫حملت العرش في فهل ترجى‬

‫وتأمل دولة في الغابرينا‬

‫هل تلقى المهيمن فوق عرش‬

‫ويلقاه المل مترجلينا‬

‫وما بال الطعام يكاد يقدى‬

‫كما تركته أيدي الصانعينا‬

‫ولم تك أمس تصبر عنه يوما ً‬

‫فكيف صبرت أحقابا ً مئينا ً‬

‫لقد كان الذي حذر الوالي‬

‫وخاف بنو زمانك أن يكونا‬

‫‪769‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ش أخيه حيا ً‬
‫ب المرء نب َ‬
‫يح ّ‬

‫وينبشه ولو في الهالكينا‬

‫سللت من الحفائر قبل يوم‬

‫يس ّ‬
‫ل من التراب الهامدينا‬

‫فإن تك عند بعث فيه شك‬

‫فإن وراءه البعث اليقينا‬

‫ولو لم يعصموك لكان خيرا ً‬

‫كفى بالموت معتصما ً حصينا ً‬

‫يضر أخو الحياة وليس شيٍء‬

‫بضائره إذا صحب المنونا‬

‫***‬
‫زمان الفرد يا )فرعون( وّلى‬

‫ودالت دولة المتجّبرينا‬

‫‪770‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأصبحت الرعاة بكل أرض‬

‫على حكم الّرعية نازلينا‬

‫وقال أيضا ً يصف ملكة النحل من قصيدة‬


‫) ‪(1/461‬‬

‫مملكة مدبّره‬

‫بامرأة مؤمّره‬

‫ص‬
‫تحمل في العمال وال ُ‬

‫سيطرة‬
‫ّناع عبء ال ّ‬

‫فاعجب لعمال يولو‬

‫ن عليهم قيصره‬

‫ة‬
‫تحكمهم راهب ٌ‬

‫ذكارة مغّبرة‬

‫عاقدة ٌ زنارها‬

‫‪771‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عن ساقها مشمرة‬

‫تلثمت بالرجوا‬

‫ن وارتده مئزر‬

‫وارتفعت كأنها‬

‫شرارة مطيّرة‬

‫ج‬
‫ووقعت لم تختل ْ‬

‫مرة‬
‫كأنها مس ّ‬

‫ة‬
‫ة ضعيف ٌ‬
‫مخلوق ٌ‬

‫وره‬
‫من خلق مص ّ‬

‫قف سائل النحل به‬

‫بأي عقل دبره‬

‫حبك قوى الخلق ما‬

‫تغني القوى المفكرة‬

‫‪772‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ويرفع الله بها‬

‫من شاء حتى الحشرة‬

‫أليس في ملكة الن‬

‫حل لقوم تبصره‬

‫ملك بغاه أهله‬

‫بهمة ومجدر‬

‫تقتل أو تنفي الكسا‬

‫لى فيه غير منذره‬

‫تحكم فيه قيصره‬

‫في قومها موقره‬

‫من الرجال وقيو‬

‫د حكمهم محرّره‬

‫الملك للناث في الد ّ‬

‫‪773‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ستور ل للذكره‬

‫أنثى ولكن في جنا‬

‫حيها لباة ٌ مخدره‬

‫ذائدة عن حوضها‬

‫طاردة من كدره‬

‫ما الملك إل في ذرا‬

‫اللوية المنشرة‬

‫إن المور همة‬

‫ليس المور ثرثرة‬

‫مالكة عاملة‬

‫مصلحة معمرة‬

‫وتذهب النحل خفا‬

‫فا ً وتجيء موقرة‬

‫‪774‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫حوالب الشمع من ال‬

‫خمائل المنورة‬

‫جوالب المآذي من‬

‫زهر الرياض النيرة‬

‫مشدودة جيوبها‬

‫عل الجني مزررة‬

‫وكل خرطوم أدا‬

‫ة العسل المقطرة‬

‫وكل أنف قانئ‬

‫فيه من الشهد بره‬

‫حتى إذا جاءت به‬

‫جاست خلل الدوره‬

‫سل‬
‫وغيبته كال ّ‬

‫‪775‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ف في الديان المحضرة‬
‫فهل رأيت النحل عن‬

‫أمانة مقصره‬

‫ة‬
‫ما اقترضت من بقل ٍ‬

‫أو استعارت زهرة‬

‫أدت إلى الناس به‬

‫سكرة بسكرة‬

‫وللشريف الرضي في وصف السماء والرض والليل‬


‫والبرق‬
‫) ‪(1/462‬‬

‫ضضة بالحباب‬‫سمائي مذهبة بالبروق=وأرضي مف ّ‬


‫ة=تطّرز أطرافها بالذهاب ولي ٌ‬
‫ل‬ ‫ض ٌ‬
‫وروضي مطارفه غ ّ‬
‫ب‬
‫ترى الفجر في عطفه=كما شاب بعض جناح الغرا ُ‬
‫ظلم على شمسه=إلى أن يواريها بالحجاب‬ ‫يغار ال ّ‬
‫ت=إذا صدئت من عمود‬ ‫ل أنجمه العاصفا ُ‬‫وتصق ُ‬
‫سحاب‬ ‫ال ّ‬
‫وقال البحتري يصف الغيث‬
‫ذات ارتجاز بحنين الّرعد‬

‫‪776‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫مجرورة اّليل صدوق الوعد‬

‫دمع لغير وجدٍ‬


‫مسفوحة ال ّ‬

‫م كنسيم الوردِ‬
‫لها نسي ٌ‬

‫ورنة مثل زئير السد‬

‫ولمع برق كسيوف الهند‬

‫صبا من نجد‬
‫جاءت بها ريح ال ّ‬

‫فانتثرت مثل انتثار العقدِ‬

‫فراحت الرض بعيش رغد‬

‫من وشي أنوار الّربى في بردٍ‬


‫كأنما غدرانها في الوهد‬

‫يلعبن من حبابها بالنردِ‬

‫ومن قصيدة لصفي الدين الحلي يصف فيها الربيع‬


‫خلع الّربيع علي غصون البان‬

‫حلل ً فواضلها على الكثبا ِ‬


‫ن‬

‫‪777‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ونمت فروع الدوح حتى صافحت‬

‫ن‬
‫كفل الكثيب ذوائب الغصا ِ‬

‫جت هام الغصون وضّرجت‬


‫وتتوّ ّ‬

‫ن‬
‫خد ّ الرياض شقائق النعما ِ‬

‫وتنوعت بسط الرياض فزهرها‬

‫ن‬
‫متباين الشكال واللوا ِ‬

‫ق وأصفر فاقٍع‬
‫من أبيض يق ٍ‬

‫ن‬
‫أو أزرق صاف وأحمر قا ٍ‬

‫والظ ّ‬
‫ل يسرع في الخمائل خطوهُ‬

‫ن‬
‫ن يخطر خطرة النشوا ِ‬
‫والغص ُ‬

‫ص‬
‫وكأنما الغصان سوق رواق ٍ‬

‫ن‬
‫قد قيدت بسلسل الريحا ِ‬

‫والشمس تنظر من خلل فروعها‬

‫‪778‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن‬
‫نحو الحدائق نظرة الغيرا ِ‬
‫والرض تعجب كيف تضح ُ‬
‫ك والحيا‬

‫يبكي بدمٍع دائم الهملن‬

‫حتى إذا افتّرت مباسم زهرها‬

‫وبكى السحاب بمدمع هتان‬

‫ي حّتى إّنه‬
‫طفح السرور عل ّ‬

‫من عظم ما قد سّرني أبكاني‬

‫فاصرف همومك بالّربيع وفصله‬

‫إن الربيع هو الشباب الثاني‬

‫وله من قصيدة في وصف واد‬


‫تعانقت الغصان فيه فأسلبت‬

‫على الّروض أستارا ً من الورق الخض ِ‬


‫ر‬
‫ت‬
‫س منها تخلص ْ‬
‫إذا ما حبال الشم ِ‬

‫إلى روضه ألقت شراكا ً من التبر‬

‫‪779‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/463‬‬

‫ومن قول أبي الفتح كشاجم في وصف الجمر يعلوه‬


‫الرماد‬
‫كأنما الجمر والرماد وقد‬

‫كاد يواري من ناره الّنورا‬


‫ي القطاف أحمر قد‬ ‫ورد جن ّ‬

‫ذّرت عليه الكف كافورا‬

‫ومن قصيدة لبي الفرج عبد الواحد الببغا في وصف‬


‫جيش‬
‫قاد الجياد إلى الجياد عوابسا ً‬

‫شعثا ً ولول بأسه لم تنقد‬

‫سيل أو كالليل أو‬


‫في جحفل كال ّ‬

‫كالقطر صافح موج بحر مزبد‬


‫ضحى فاسترجع‬ ‫رد الظلم على ال ّ‬

‫الظلم من ليل العجاج الربد‬

‫وكأنما نقشت حوافر خيله‬

‫‪780‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ة في جلمدٍ‬
‫للناظرين أهل ً‬

‫وكأن طرف الشمس مطروف وقد‬

‫جعل الغبار له مكان الثمدِ‬

‫ولبي الفرج الغساني في وصف البدر‬


‫والبدر أّول ما بدا متلثما ً‬

‫يبدي الضياء لنا بخد مسفر‬

‫ة‬
‫فكأنما هو خوذة ٌ من فض ٍ‬

‫قد ركبت في هامة من عنبر‬


‫وله من قصيدة في وصف روضة‬
‫مداهن يحملن ط ّ‬
‫ل الندى‬

‫فهاتيك تبٌر وهذي عقيق‬

‫تنظم أوراقها دّرهما‬

‫وتنثر منها التي ل تطيق‬

‫يميل النسيم بأغصانها‬

‫ض مفيق‬
‫فبعض نشاوى وبع ٌ‬

‫‪781‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ويوم ستارته غيمه‬

‫وقد طّرزت رفيفها البروق‬

‫جعلتا البخور دخانا ً له‬

‫ومن شرر الراح فيه حريق‬


‫ة‬
‫ل به الشمس محجوب ً‬‫تظ ّ‬

‫كأن اصطباحك فيه غبوق‬

‫ت رافعات الذيول‬
‫على شجرا ٍ‬

‫لماء الجداول منها شهيق‬

‫ومن قصيدة للحسن بن علي بن وكيع في وصف روض‬


‫أسفر عن بهجته الروض الغر‬

‫دوح لنا عن الزهر‬


‫وابتسم ال ّ‬

‫أبدى لنا فصل الربيع منظرا ً‬

‫بمثله تفتن اللباب البشر‬

‫وشيا ً ولكن حاكه صانعه‬

‫‪782‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ل لبتذال اللبس لكن للّنظر‬

‫عاينه طرف السماء فانثنى‬

‫عشقا ً له يبكي بأجفان المطر‬

‫س فوقها‬
‫فالرض في زي عرو ٍ‬

‫من أدمع القطر نئاٌر من درر‬

‫ي طواه في الثرى صوانه‬


‫وش ٌ‬

‫حتى إذا م ّ‬
‫ل من الطي انتشر‬

‫ومن قصيدة له في وصف الربيع‬


‫انظر إلى زهر الربيع وما جلت‬

‫فيه عليك طرائف النوار‬


‫) ‪(1/464‬‬

‫أبدت لنا المطار يه بدائعا ً‬

‫شهدت بحكمة منزل المطار‬

‫ما شئت للزهار فيه صحرائه‬

‫‪783‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫من درهم بهج ومن دينار‬

‫وجواهر لول تغّير حسنها‬

‫جّلت عن الثمان والخطار‬

‫وله أيضا ً في وصفه‬


‫ألست ترى وشيء الربيع المنمنما‬

‫صع الربعي فيه ونظما‬


‫وما ر ّ‬

‫فقد حكت الرض السماء بنورها‬

‫فلم أدر في التشبيه أيهما السما‬

‫فخضرتها كالجو في حسن لونه‬

‫وأنوارها تحكي لعينيك أنجما‬

‫فمن نرجس لما رأى حسن نقشه‬

‫سما‬
‫ب به فتب ّ‬
‫تداخله عج ٌ‬

‫وأبدى على الورد الجّني تطاول‬

‫‪784‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فأظهر غيظ الورد في خده دما‬

‫وزهر شقيق نازع الورد فضله‬

‫فزاد عليه الورد فضل ً وقدما ً‬

‫ده‬ ‫وظ ّ‬
‫ل لفرط الحزن يلطم خ ّ‬

‫فأظهر فيه اللطم جمرا ً مضرما ً‬


‫ومن سوسن لما رأى الصبغ كله‬

‫سما‬
‫على كل أنوار الرّياض تق ّ‬

‫تجلبب من زرق اليواقيت حّلة‬

‫فأغرب في الملبوس منه وأحكما‬


‫وأنوار منثور تخالف شكلها‬

‫فصار بها شكل الربيع متمما‬

‫جواهر لو قد طال فينا بقاؤه‬

‫رأيت بها كل الملوك مخّتما‬

‫وللقاضي محمد بن النعمان في وصف الهلل‬


‫انظر إلى حسن ذا الهلل وقد‬

‫‪785‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫بدا لست مضين من عمره‬

‫وقد أطافت به كواكبه‬

‫حسنا ً فبينته لمعتبره‬

‫مثل زناد ٍ قد صيغ من ذهب‬

‫يقدح نارا ً وه ّ‬
‫ن من شرره‬

‫ثم تولى يريد مغربه‬

‫في شفق الشمس وهي في أثره‬


‫ً‬
‫فخلته غائصا ببحر دم ٍ‬

‫يقذف بالرائعات من درره‬

‫فلم أزل ليلتي أراجعه‬

‫لحظي وأبكي للوقت من قصره‬


‫دى الصّباح منتبها ً‬
‫حتى تب ّ‬

‫قبل انتباه المخمور من سكره‬

‫ومن قصيدة لسليمان بن حسان الصيبي في وصف‬

‫‪786‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫شمعة‬
‫ومجدولةٍ مثل صدر القنا‬

‫ة تعّرت وباطنها مكتسي‬

‫ح لها‬
‫لها مقلة هي رو ٌ‬

‫وتاج على الرأس كالبرنس‬

‫إذا رنقت لنعاس عرا‬

‫وقطت من الرأس لمن تنعس‬

‫وإن غازلتها الصبا حّركت‬


‫) ‪(1/465‬‬

‫لسانها من الذهب الملس‬

‫وتنتج في وقت تلقيحها‬

‫ضياٌء يجّلي دجي الحندس‬

‫فنحن من النور في أسعد‬

‫وتلك في النار في أنحس‬

‫‪787‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫توّقدها نزهة للعيو‬

‫ن ورؤيتها منية النفسي‬

‫تكيد ال ّ‬
‫ظلم كما كادها‬

‫فتفنى وتفنيه في مجلس‬

‫فيا حامل العود حث الغنا‬

‫ويا حامل الكأس ل تحبس‬

‫ويا صالح أنعم وعش سالما ً‬

‫علي الدهر في عزك القعس‬


‫ولبي حسن العقيلي في وصف الصبح والبرق‬
‫الصبح ينشر فوق مسك الليل كافور الضياء‬
‫والبرق يذهب ما تفضضه الغيوم من السماء‬
‫ت قد أحاط بشرب ماء‬ ‫فاشرب على ديباج نب ٍ‬
‫فالعيش في زمن الربيع رقيق حاشية الرداء‬
‫وله أيضا ً في وصف نارنجة‬
‫ونارنجة بين الّرياض نظرتها‬

‫ب كقامة أغيد‬
‫ن رط ٍ‬
‫على غص ٍ‬
‫إذا ميلتها الريح مالت كأكرة‬

‫‪788‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫بدت ذهبا ً في صولجان زمرد‬

‫ولبن أبي عمرو الطرازي في وصف نار‬


‫ة‬
‫نار جرت في غاب ٍ‬

‫ترمي العلى بالشهب‬


‫كأنها جيش وغى‬

‫فرسانه من ذهب‬

‫??ولعلي بن لؤلؤ الكاتب في وصف الصبح والليل‬


‫ب صبح كطلعة الوصل جلى‬ ‫ر ّ‬

‫ل كطلعة الهجران‬
‫ح لي ٍ‬
‫جن َ‬

‫حّلة البزاة فوّلى اللي‬


‫زار في ُ‬

‫ل عنه في حلة الغربان‬

‫????ولبي العباس الكندي في وصف الندى على البحر‬


‫كأن الندى في البحر بحران مائع‬

‫على مائٍع هذا على ذاك مطبق‬


‫ن سابح مترقرق‬‫فهذا لجي ٌ‬

‫‪789‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وذلك لجبن في السماء معّلق‬

‫إذا أبصرته الشمس بعد احتجابها‬

‫ة أبصرته يتمّزق‬
‫به ساع ٌ‬

‫وللسري بن أحمد الكندي في وصف الفجر من قصيدة‬


‫وركائب يخرجن من غلس الدجى‬

‫مثل السهام مرقن منه مروقا‬

‫والفجر مصقول الرداء كأنه‬

‫جلباب خود ٍ أشربته خلوقا‬

‫وله من أخرى في وصف سحابة‬


‫وبكر إذا جنبتها الجنوب‬

‫حسبت العشار تؤم العشارا‬

‫ترى البرق يبسم سرا ً بها‬

‫إذا انتحب الرعد فيها جهارا‬

‫يعارضها في الهواء الّنس‬


‫) ‪(1/466‬‬
‫‪790‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫يم فينثر في الرض دّرا ً صغارا ً‬


‫فطورا ً يشقّ جيوب الحيا‬

‫وطورا ً يس ّ‬
‫خ الدموع الغزارا‬

‫وله من أخرى‬
‫سك أفق السما‬
‫غيوم تم ّ‬

‫ء وبرقٌ يكتبه بالذهب‬

‫وخضراء ينثر فيها الندى‬

‫فريد ندى ماله من ثقب‬

‫فأوراقها مثل نظم الحلى‬

‫وأنهارها مثل بيض القضب‬


‫حللت بها مع ندامى سلوا‬

‫عن الجد واشتهروا باللعب‬

‫وأغنتهم عن بديع السما‬

‫ع بدائع ما ضمنته الكتب‬

‫‪791‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأحسن شيٍء ربيع الحيا‬

‫أضيف إليه ربيع الدب‬

‫ولبي بكر الخالدي في وصف الجو وإدبار الليل وإقبال‬


‫الفجر‬
‫والجوّ يسحب من عليل هوائه‬

‫ثوبا ً يجود بطله المترقرق‬

‫س ظهره‬
‫حتى رأينا الليل قو ّ‬

‫هرما ً وأثر فيه شيب المفرق‬

‫وكأن ضوء الفجر في باقي الدجى‬

‫ف حله من اللجين المحرق‬


‫سي ٌ‬

‫ولسعيد بن هاشم الخالدي في وصف المطر والصبح‬


‫والليل والبرق‬
‫أما ترى الط ّ‬
‫ل كيف يلمع في‬

‫ب‬
‫عيون نورٍ تدعو إلى الطر ِ‬
‫ن للطل لؤلؤة‬
‫في كل عي ٍ‬

‫ب‬
‫كدمعة في جفون منتح ٍ‬

‫‪792‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫والصبح قد جردت صوارمه‬

‫م منه بالهرب‬
‫والليل قد ه ّ‬

‫سكة‬
‫والجو في حلة مم ّ‬

‫قد كتبته البروق بال ّ‬


‫ذهب‬

‫وللمهلبي الوزير في وصف الربيع‬


‫مخ ومضرٍج‬
‫الورد بين مض ّ‬

‫ل ومتوج‬
‫والزهر بين مكل ٍ‬

‫والثلج تهبط كالنثار فقم بنا‬

‫نلتذ بابنة كرمة لم تمزج‬

‫ق‬
‫طلع الّبهار ولح نور شقائ ٍ‬

‫وبدت سطور الورد تلو بنفسٍج‬

‫ة‬
‫فكأن يومك في غللة فض ٍ‬

‫والنبت من ذهب على فيروزج‬


‫وللقاضي التنوخي أبي القاسم علي في وصف طول‬

‫‪793‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الليل والفجر‬
‫وليلة مشتاق كأن نجومها‬

‫وم‬
‫قد اغتصبت عين الكرى وهي ن ّ‬
‫كأن عيون الساهرين لطولها‬

‫إذا شخصت للنجم الزهر أنجم‬

‫كان سواد الليل والفجر ضاح ٌ‬


‫ك‬

‫يلوح ويخفى أسود ٌ يبتسم‬

‫وله أيضا ً في وصف وحشة الليل والنجوم والسماء‬


‫ل قطعته كصدودٍ‬
‫ب لي ٍ‬
‫ر ّ‬

‫وفراق ما كان فيه وداع‬

‫ش كالثقيل تقذى به العي‬


‫موح ٌ‬
‫) ‪(1/467‬‬

‫ن وتأبى حديثه السماع‬

‫ن النجوم بين دجاه‬


‫وكا ّ‬

‫ن لح بينهن ابتداع‬
‫سن ٌ‬

‫‪794‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وكأن السماء خيمة وشي‬

‫وكأن الجوزاء فيها شراع‬

‫وله أيضا ً في وصف رياض‬


‫ن الثريا‬
‫ض حاكت له ّ‬
‫وريا ٍ‬
‫حلل ً كان غزلها للرعود‬

‫نثر الغيث دّر دمع عليها‬

‫فتحّلت بمثل دّر العقود‬

‫أقحوان معانقٌ لشقيق‬

‫كثغور تعض ورد الخدود‬


‫ن من نرجس تتراءى‬
‫وعيو ٌ‬

‫كعيون موصولة التسهيد‬

‫دى‬
‫وكأن الشقيق حين تب ّ‬

‫ظلمة الصدع في خدود الغيد‬


‫وكأن الندى عليها دموعٌ‬

‫‪795‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫في جفون مفجوعةٍ بفقيد‬

‫وكتب محمد بن عبد الله السلمي إلى صديق له يصف‬


‫التاريخ‬
‫أتنشط للصبوح أبا علي‬

‫على حكم المنى ورضى الصديق‬


‫بنهر للرياح عليه درعٌ‬

‫تذهب بالغروب وبالشروق‬

‫إذا اصفّرت عليه الشمس صّبت‬

‫على أمواجه ماء الخلوق‬

‫ب في الغصان حتى‬
‫وجمٌر ش ّ‬

‫أضاع الماء في وهج الحريق‬

‫ر‬
‫فدهم الخيل في ميدان تب ٍ‬

‫ق‬
‫ت من عقي ِ‬
‫يصاغ لها كرا ٌ‬

‫وكتب إليه في وصف نهر حوله أشجار الجّلنار‬


‫ونهر تمرح المواج فيه‬

‫‪796‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مراح الخيل في رهج الغبار‬

‫إذا اصفرت عليه الشمس خلنا‬

‫نمير الماء يمزج بالُعقاِر‬

‫ض من لجين‬
‫كأن الماء ار ٌ‬

‫مغشاة ٌ صفائح من نضار‬

‫وأشجار محمّلة كؤوسا ً‬

‫تضاحك في احمرارٍ واخضراِر‬


‫وله من قصيدة في وصف الرياض والبرق‬
‫نسب الرياض إلى الغمام شريف‬

‫ومحلها عند النسيم لطيف‬

‫فاشرب وثّقل وزن جامك إنه‬

‫م على قلب الزمان خفيف‬


‫يو ٌ‬

‫سطت‬
‫أو ما ترى طور البروق تو ّ‬

‫أفقا ً كان المز ّ‬


‫ن فيه شفوف‬

‫‪797‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ج‬
‫واليوم من خجل الشقيق مضر ٌ‬

‫خج ٌ‬
‫ل ومن مرض النسيم ضعيف‬

‫س والرياض سطوره‬
‫والرض طر ٌ‬

‫والّزهر شك ٌ‬
‫ل بينها وحروف‬

‫ولحمد صفي الدين بن صالح بن أبي الرجال يصف بها‬


‫روضة صنعاء‬
‫ة قد صبا لها السعد شوقا ً‬
‫روض ٌ‬

‫وصفا ليلها وطاب المقيل‬

‫ج وفيها نسيم‬
‫جوها سجس ٌ‬
‫) ‪(1/468‬‬

‫كل غصن إلى لقاه يميل‬

‫صح سكانها جميعا ً من ال ّ‬


‫دا‬

‫ء وجسم النسيم فيها عليل‬

‫إيه يا ماء نهرها العذاب صلصل‬

‫‪798‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫حّبذا يا زلل منك الصليل‬

‫إيه يا ورقها المرّنة غنى‬

‫فحياة النفوس منك الهديل‬

‫روض صنعاء فقت طبعا ً ووصفا ً‬

‫فكثير الثناء فيك قليل‬

‫نهر دافقٌ وجو فتيق‬

‫زهر فائقٌ وظ ٌ‬
‫ل ظليل‬

‫لست أنسى انتعاش شحرور غصن‬

‫طربا ً والقضيب منه يميل‬

‫وعلى رأس دوحةٍ خاطب الور‬

‫ق ودمع الغصون طل ً يسيل‬

‫ولسان الرعود يهتف بالسح‬

‫ب فكان الخفيف منها الثقيل‬

‫‪799‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫م عن بروق‬
‫وفم السحب باس ٌ‬

‫مستطير شعاعها مستطيل‬

‫ولبن سكرة الهاشمي في وصف روضة‬


‫ورت‬‫أما ترى الروضة قد ن ّ‬

‫وظاهر الروضة قد أعشبا‬


‫كأنما الرض سماٌء لنا‬

‫نقطف منها كوكبا كوكبا‬

‫ومن زهرية لبن راجح الحلي‬


‫نثرت عقودا ً سمائها إل نداء‬

‫بيد النسيم فللثرى إثراء‬

‫وبدت تباشير الربيع كأنما‬

‫نشرت مطارف وشيه صنعاُء‬

‫والرض قد زهيت بحلي نباتها‬

‫والجو حلة سحبه دكناء‬

‫والروض في نشوات سكرته وقد‬

‫‪800‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫طافت عليه الديمة الوطفاء‬

‫وثنى الحيا عطف الغدير فصّفقت‬

‫أطرافه وتغّنت الورقاء‬

‫فكأن أعطاف الغصون منابٌر‬

‫والورق في أوراقها خطباء‬

‫ومن زهرية لبدر الدين الذهبي‬


‫ترّنح عطف البان في الحلل الخضر‬

‫وغّنى بألحان على عوده القمري‬

‫وراقت أزاهير الحدائق بالضحى‬

‫نواظر أحداق بنوارها النضر‬

‫وأشرق خد الورد يبدي نضاره‬

‫وأشرق جيد الغصن في لؤلؤ القطر‬


‫ة‬
‫وبات سقيط الطل في كل روض ٍ‬

‫ينبه في أرجائها ناعس الزهر‬

‫‪801‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ة‬
‫وما ذهبت شمس لصيل عشي ً‬

‫إلى الغرب حتى أذهبت فضة النهر‬


‫وغّنت قيان الطير في كل أيكة‬

‫وقد راق كحل الطل في مقل الغدر‬


‫أقامت لها دوح الراك أرائكا‬

‫وأرخت لها أوراق أستارها الخضر‬


‫) ‪(1/469‬‬

‫وأمسى أصيل اليوم ملقى من الضنى‬

‫على فرش الزهار في آخر العمر‬

‫بكته حماما الراك وشّققت‬

‫عليه الصبا أثواب روضتها النضر‬

‫ضحى‬
‫فكم من نحيب للحمائم بال ّ‬

‫عليه وللنواء من دمعة تجري‬

‫ولعلي بن أحمد الجوهري من قصيدة في وصف الغيث‬

‫‪802‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫زّر الصباح علينا شملة السحب‬

‫دت الريح منها واهي الطنب‬


‫وم ّ‬

‫ص ّ‬
‫ك النسيم فراخ الغيث فانزعجت‬

‫ينفضن أجنحة من عنبر الزغب‬

‫ولبي معمر بن أبي سعيد السماعيلي من قصيدة في‬


‫وصف الثلج‬
‫فرحنا وقد بات السماء مع الثرى‬

‫وغاب أديم الرض عنا فما يرى‬

‫واغ فضة‬
‫كأن غيوم الجو ص ّ‬

‫تواصو برد الحلي عمدا ً إلى الورى‬


‫ولبي العلء السروي في وصف روض‬
‫سمت‬‫مررنا على الروض الذي قد تب ّ‬

‫ذراه وأوداج السحائب تسفك‬

‫فلم نر شيئا ً كان أحسن منظرا ً‬

‫من الروض يجري دمعه وهو يضحك‬


‫وله أيضا ً في وصفه من قصيدة‬

‫‪803‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أما ترى قضب الشجار قد لبست‬

‫أنوارها تتثنى بين ج ّ‬


‫لس‬

‫ة‬
‫منظومة كسموط الدّر لبس ً‬

‫حسنا ً يبيح دم العنقود للحاسي‬

‫وغّردت خطباء الطير ساجعة‬

‫س‬
‫على منابر من ورد ومن آ ٍ‬

‫ولبي الفياض سعد بن أحمد الطبري من قصيدة في‬


‫وصف رياض‬
‫أصبيحة النيروز خير صبيحة‬

‫حّيت بها النواء والنوار‬

‫فبكل شعب روضة معطار‬

‫تفتر عنها ديمة مدرار‬

‫ماست بها الفنان في أسحارها‬

‫نشوى فماست تحتها الشجار‬


‫وتبّرجت أزهارها وتبّلجت‬

‫‪804‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فكأنما أزهارها أبصار‬

‫ولبي قاسم الدينوري في وصف جواد‬


‫ومطّهم طرف العنان معوّدٍ‬

‫خوض المهالك ك ّ‬
‫ل يوم براز‬

‫وإذا تو ّ‬
‫غل في ذرى متمّنع‬

‫صعب بعيد العهد بالمجتاز‬

‫م صخوره‬
‫تركت سنابكه بص ّ‬

‫أثرا ً يلوح كنقش صدر البازي‬


‫وله في وصف سفرجل وتفاح ورمان وأذربون‬
‫بعثت إليك ضحى المهرجا‬

‫ر‬
‫ن بمعشوقة العرف والمنظ ِ‬

‫معطرةٍ صانها في الحجا‬

‫ل مطارف من سندس أخضر‬


‫ضة‬
‫وبيضاء رائقة غ ّ‬
‫) ‪(1/470‬‬

‫‪805‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫منقطة الوجه بالعصفر‬

‫وحق عقيق مله الهجي‬

‫ر من الجوهر الرائق الحمر‬


‫وأقداح تبرٍ حشت قعرها‬

‫يد الشمس بالمسك والعنبر‬

‫فكن ذا قبول لها إنها‬

‫هدايا مق ّ‬
‫ل إلى مكثر‬

‫وعش ما تشاء كما تشتهي‬

‫بعّز يدوم إلى المحشر‬

‫وله في النارنج‬
‫أما ترى شجر النارنج طالعة‬

‫نجومها في غصون لدنة ميل‬

‫ف بها‬
‫كأنها بين أوراق تح ّ‬

‫زهر المصابيح في خضر القناديل‬


‫ولبي الفضل الميكالي في وصف الشقائق‬

‫‪806‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تصوغ لنا كف الربيع حدائقا ً‬

‫كعقد عقيق بين سمط للي‬

‫وفيهن أنوار الشقائق قد حكت‬

‫خدود عذارى نقطت بغوالي‬


‫وله في اقتران الزهرة والهلل‬
‫أما ترى الزهرة قد لحت لنا‬

‫ل لونه يحكي اللهب‬


‫تحت هل ٍ‬

‫ة‬
‫ضة مجلو ٍ‬
‫ككرة من ف ّ‬

‫أوفى عليها صولجان من ذهب‬


‫وله في الفجر‬
‫أهل ً بفجر قد نضا ثوب الدجى‬

‫كالسيف جرد من سواد قراب‬


‫وقال في وصف الثلج الساقط على غصون الشجر‬
‫نثر السحاب على الغصون ذرارة‬

‫أهدت لها نورا ً يروق ونورا ً‬

‫شابت ذوائبها فعدن كأنها‬

‫‪807‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أجفان عين تحمل الكافورا‬

‫وقال في الجليد‬
‫رب جنين من جنى نمير‬

‫مهّتك الستار والضمير‬

‫سللته من رحم الغدير‬

‫كأنه صحائف البّلوِر‬

‫سمت من نور‬
‫أو أكٌر تج ّ‬

‫أو قطع من خالص الكافور‬


‫لو بقيت سلكا ً على ال ّ‬
‫دهور‬

‫لعطلت قلئد الّنحور‬

‫وأخجلت جواهر البخور‬

‫وسميت ضرائر الثغور‬

‫يا حسنه في زمن الحدور‬

‫إذ فيضه مثل حشا المهجور‬


‫يهدي إلى الكباد والصدور‬

‫‪808‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫روحا ً تحاكي نفثة المصدور‬


‫ولبي طاهر بن الهاشمي في وصف روضة‬
‫وروضة زارها الندى فغدت‬

‫م زهر‬
‫لها من الزهر أنج ٌ‬

‫تنشر فيها أيدي الربيع لنا‬

‫ثوبا ً من الوشي حاكه القطر‬


‫كأنما شقّ من شقائقها‬

‫على رباها مطارف خضر‬

‫ق‬
‫دت كأنها حد ٌ‬
‫ثم تب ّ‬

‫أجفانها من دمائها حمر‬


‫) ‪(1/471‬‬

‫ولبي نصر سهل بن المرزبان في وصف البدر‬


‫كم ليلة أحييتها ومؤانسي‬

‫طرف الحديث وطيب حث الكؤس‬


‫شبهت بدر سمائها لما دنت‬

‫‪809‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫منه الثريا في قميص سندسي‬

‫ملكا ً مهيبا ً قاعدا ً في روض ٍ‬


‫ة‬

‫حّياه بعض الزائرين بنرجس‬

‫وللحسن بن أحمد اليروجردي في حوض لبعض‬


‫الرؤساء‬
‫حوض يجود بجوهر متسلسل‬

‫ه‬
‫ساد الجواهر كلها بنفاست ِ‬

‫ل زال عذبا ً جاريا ً ببقاء من‬

‫هو مثله في طبعه وسلسته‬


‫ووصف ابن أنيس سيف عمرو بن معدي كرب فقال‬
‫ديه نوٌر‬
‫أخضر المتين بين ح ّ‬

‫من فرند تحار فيه العيون‬

‫صواعق ناٌر‬
‫أوقدت فيه لل ّ‬

‫ثم ساطت به الزعاف المنون‬


‫فإذا ما سللته بهر الشم‬

‫س ضياًء فلم تكد تسبين‬

‫‪810‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فكأن الفرند والرونق الجا‬

‫ري في صفحتيه ماٌء معين‬

‫وكأن المنون نيطت إليه‬

‫فهو من كل جانبيه منون‬

‫ب‬
‫ما يبالي من انتضاه لحر ٍ‬

‫أشما ٌ‬
‫ل سطت به أم يمين‬

‫وقال ابن عبد ربه في وصف الرمح والسيف‬


‫ن سنانه‬
‫ي كأ ّ‬
‫بكل ردين ّ‬

‫ع‬
‫ب بدا في ظلمة الليل ساط ُ‬
‫شها ٌ‬

‫تقاصرت الجال في طول متنه‬

‫ع‬ ‫وعادت به الما ُ‬


‫ل وهي فجائ ُ‬

‫وساءت ظنون الحرب في حسن ظنه‬

‫ن لحّبات القلوب قوارعُ‬


‫فه ّ‬

‫‪811‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ه‬
‫ب تقضي المنايا لحكم ِ‬
‫وذي شط ٍ‬

‫ع‬
‫ة داف ٌ‬
‫وليس لما تقضي المني ّ ُ‬

‫وقال أيضا ً في وصف الحرب‬


‫ك تهّز به المنايا‬
‫ومعتر ِ‬

‫ذكور الهند في أيدي ذكوٍر‬

‫لوامعُ يبصر العمى سناها‬

‫ف البصير‬
‫ويعمى دونها طر ُ‬

‫ن موت‬
‫وم حولها عقبا ٌ‬
‫يح ّ‬

‫تخطّفت القلوب من الصدور‬


‫ومن قوله في وصف الحرب وأبطالها‬
‫ت تحت ظباتها‬ ‫ف يقي ُ‬
‫ل المو ُ‬ ‫سيو ٌ‬

‫ب‬
‫لها في الكلى طعم وبين الطلى شر ٌ‬
‫ت حمرا ً متونها‬
‫إذا اصطّفت الرايا ُ‬

‫ب‬
‫ذوائبها تهفو فيهفو لها القل ُ‬

‫ولم تنظق البطا ُ‬


‫ل إل بفعلها‬

‫‪812‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ب‬
‫م وأفعالها عر ُ‬
‫فألسنها عج ٌ‬

‫ق وتعانقوا‬
‫إذا ما التقوا في ماز ٍ‬

‫ب‬
‫ن وتعنيفهم ضر ُ‬
‫فلقياهم طع ٌ‬
‫) ‪(1/472‬‬

‫ولبن قلقس في وصف السحاب والبرق والغيث‬


‫سرى وجبين بالط ّ ّ‬
‫ل يرشح‬

‫ح‬ ‫وثوب الغوادي بالبروق مو ّ‬


‫ش ُ‬

‫ة‬
‫ي أبراد النسيم خميل ٌ‬
‫وفي ط ّ‬

‫بأعطافها نوُر المنى يتفتح‬

‫ض‬
‫يضاحك في مثنى المعاطف عار ٌ‬

‫ح‬
‫ة في وجنة الّروض تسف ُ‬
‫مدامع ُ‬

‫ق‬
‫صبا زندبار ٍ‬
‫ف ال ّ‬
‫وتورى به ك ّ‬

‫ح‬
‫شرارته في فحمة الليل تقد ُ‬

‫ومن قصيدة لبي القاسم عبد الصمد بن بابك في‬

‫‪813‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الصاحب يصف له فيها إضرام النار في بعض غياض‬
‫طريقه‬
‫م أّولها‬
‫وليلةٍ بت أشكو اله ّ‬
‫وعدت آخرها أستنجد ال ّ‬
‫طربا‬

‫ة‬
‫في غيضةٍ من غياض الحزن داني ٍ‬

‫مد الظلم على أوراقها طنبا‬

‫حتى إذا النار طاشت في ذوائبها‬

‫عاد الزمّرد من عيدانها ذهبا‬

‫م‬
‫مرقت منها وثغر الصّبح مبتس ٌ‬

‫إلى أغّر يرى المذخور ما وهبا‬

‫يا أعزر الناس أنواء ومحتلبا‬

‫وأشرف الناس أعراقا ً ومنتسبا‬

‫ن‬
‫ت ذا ثقة بالوفر منك وإ ْ‬
‫أصبح ُ‬

‫ن رّبما كذبا‬
‫قال العواذل ظ ّ‬

‫‪814‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فحسن ظّني بك استوفى مدى أملي‬

‫ق لي أربا‬ ‫وحسن رأي َ‬


‫ك لي لم يب ِ‬

‫ومن قصيدة لبي سعيد الرستمي يصف بها دارا ً بناها‬


‫الصاحب بن عباد‬
‫وسامية العلم تلح ُ‬
‫ظ دونها‬ ‫ِ‬
‫سنا النجم في آفاقها متضائل ً‬

‫مز‬
‫نسخت بها إيوان كسرى بن هر ُ‬

‫ح في أرض المدائن عاطل ً‬


‫فأصب َ‬

‫مر حسنها‬
‫فلو لحظت جنات تد ُ‬

‫ن المجادل‬
‫ت كيف تبنى بعده ّ‬
‫در ْ‬

‫تناطح قرن ال ّ‬
‫شمس من شرفاتها‬

‫ن مواثل‬
‫صفوف ظباٍء فوقه ّ‬

‫ولو أصبحت دارا ً لك الرض كّلها‬

‫لضاقت بمن ينتاب دارك آمل ً‬

‫‪815‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأغنى الورى عن منزل من بنت له‬

‫معاليه فوق الشعريين منازل‬

‫ث بالثرى‬
‫ول غرو أن يستحدث اللي َ‬

‫عرينا ً وأن يستطرقَ البحر ساحل‬

‫ولم تعتمد ْ دارا ً سوى حومةِ الوغى‬

‫ول خدما ً إل القنا والقنابل‬

‫والله ما أرضى لك الدهَر خادما ً‬

‫ول البدَر منتابا ً ول البحر نائل ً‬

‫ول الفلك الدوار دارا ً ول الورى‬


‫) ‪(1/473‬‬

‫عبيدا ً ول زهر النجوم ِ قبائل ً‬

‫ن الذي يبينهِ مثل َ‬


‫ك خالد ٌ‬ ‫فإ ّ‬

‫م إلى بلى‬
‫وسائُر مابيني النا ُ‬

‫‪816‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ولخليل مطران بك في وصف روض‬
‫ن لقلبي سلما ً‬
‫ضك ْ‬
‫أيها الرو ُ‬

‫وملذا ً من الشقاِء الملز ْ‬


‫م‬

‫زهٌر ذاب ٌ‬
‫ل كأني أراهُ‬

‫ثمل ً من أنفاسهِ في الكمائ ْ‬


‫م‬

‫ف أقام سياجا ً‬
‫وغديٌر صا ٍ‬

‫دوح قائم‬
‫ه باسقٌ من ال ّ‬
‫حول ُ‬

‫ه‬
‫ض من الطير في ِ‬
‫تتناغى بي ٌ‬

‫ت وتحتها النجم عائم‬


‫سابحا ٌ‬

‫كيفما سرن فالطريق عقود ٌ‬

‫نظمت من محاجرِ ومباسم‬

‫حبذا البدُر مؤنسا ً يتجلى‬

‫م‬
‫ب قاد ُ‬
‫ب بعد َ التغي ِ‬
‫كحبي ٍ‬

‫ه البرايا كأبهى‬
‫حبذا رسم ُ‬

‫‪817‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن في صحيفةِ راسم ٍ‬ ‫ماترى العي ُ‬


‫ه‬
‫ح في ِ‬
‫حبذا الماُء والمصابي ُ‬

‫م‬
‫ن يزينها بخوات ْ‬
‫كبنا ٍ‬

‫ت المكاره ُ عنها‬
‫ة بان ِ‬
‫جن ٌ‬

‫م‬
‫وهي بكٌر من الذى والمحار ْ‬

‫ن‬
‫إنما أهلهل طيوٌر حسا ٌ‬

‫م‬
‫ح قامت تناد ْ‬
‫إن دعاها الصبا ُ‬

‫ج في الماِء حتى‬
‫وضياٌء يمو ُ‬

‫ه متلطم‬
‫لنراه ُ كأن ُ‬

‫ت كوشي‬
‫ج مدبحا ٌ‬
‫ومرو ٌ‬

‫م‬
‫ت صنعه حسان المعاص ْ‬
‫أتقن ْ‬

‫وغصون تهزها نسمات‬

‫كمهود تزهن روائم‬

‫‪818‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقال البحتري واصفا ً صناعة الكتابة والنشاء‬
‫ت في الكتابة حتى‬‫تفنن َ‬

‫عطل الناس فن عبد الحميد‬

‫في نظام من البلغة ماش‬

‫ك امرؤ أنه نظام فريد‬

‫وبديع كأنه الزهر الضا‬

‫حك في رونق الربيع الجديد‬

‫مشرق في جوانب السمع مايخ‬

‫لقه عوده على المستفيد‬

‫ماأعيرت منه بطون القراطي‬

‫س وما حملت ظهور البريد‬

‫حجج تخرس اللد بأل‬

‫فاظ فرادى كالجوهر المعدود‬

‫ومعان لو فصلتها القوافي‬

‫‪819‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫هجنت شعر جرول ولبيد‬

‫حزن مستعمل الكلم اختيارا ً‬

‫وتجنبن ظلمة التعقيد‬

‫وركبن اللفظ القريب فأدرك‬

‫ن به غاية المراد البعيد‬

‫كالعذارى غدون في الحلل البي‬

‫ض إذا رحن في الخطوط السود‬


‫) ‪(1/474‬‬

‫وقال ابن حمد يس الصقلي يصف دارا ً بناها المنصور‬


‫أعمْر بقصر الملك ناديك الذي‬

‫أضحى بمجدك بيته معمورا ً‬

‫قصٌر لو أنك قد كحلت بنوره‬

‫أعمى لعاد إلى المقام بصيرا ً‬

‫‪820‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫واشتق من معنى الجنان نسيمة‬

‫فيكاد يحدث بالعظام نشورا ً‬

‫نسي الصبيح مع الفصيح بذكره‬

‫وسما ففاق خورنقا ً وسديرا ً‬

‫أبصرته فرأيت أبدع منظر‬

‫ثم اثنيت بناظري محسورا ً‬

‫فظننت أني حالم في جنة‬

‫لما رأيت الملك فيه كبيرا ً‬

‫لو أنه باليوان قوبل حسنة‬

‫ماكان شيئا ً عنده مذكورا ً‬

‫أعيت مصانعة على الفرس اللى‬

‫لرفعوا البناء وأحكموا التدبير‬

‫ومضت على الروم الدهور ومابنوا‬

‫‪821‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لملوكهم شبها ً له ونظير‬

‫أذكرتنا الفردوس حين رأيتنا‬

‫غرفا ً رفعت بناءها وقصورا ً‬

‫ومحصب بالدر تحسب أريتنا‬

‫غرفا ً رفعت بناءها وقصورا‬

‫ومحصب بالدر تحسب تربة‬

‫مسكا ً تضوع نشره وعبيرا ً‬

‫ووصف أعرابي تزوج امرأتين ماوقع له منهما فقال‬


‫ت اثنتين لفرط جهلي‬‫تزوج ُ‬

‫بما يشقى به زوج اثنتين‬

‫فقلت أصير بينهما خروفا ً‬

‫أنعم بين أكرم نعجتين‬

‫فصرت كنعجة تضحي وتمسي‬

‫تداول بين أخبث ذئبتين‬

‫‪822‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫رضا هذي يهيج سخط هذي‬

‫فما أعري من إحدى السخطتين‬


‫وألقى في المعيشة كل ضر‬

‫كذاك الضر بين الضرتين‬

‫لهذي ليلة ولتلك أخرى‬

‫عتاب دائم في الليلتين‬

‫فإن أحببت أن تبقى كريما ً‬

‫من الخيرات مملوء اليدين‬

‫فعش عزبا ً فإن لم تستطعه‬

‫فضربا ً في عراض الجحفلين‬

‫وقال أبو تمام حبيب بون أوس الطائي في وصف‬


‫الربيع‬
‫با صاحبي تقصيا نظريكما‬

‫تريا وجوزه الرض كيف تصور‬


‫تريا نهارا ً مشمسا ً قد زانه‬

‫‪823‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫زهر الربا فكأنما هو مقصر‬

‫ش للورى حتى إذا‬


‫دنيا معا ٌ‬

‫حل اتلربيع فإنما تهي منظر‬

‫أضحت تصوغ بطونها لظهورها‬


‫) ‪(1/475‬‬

‫نورا ً تكاد له القلوب تنور‬

‫من كل زاهرة ترقرق بالندى‬

‫فكأنها عين لديك تحذر‬

‫وقال أبو عبادة البحتري يصف قصر المعتز بالله‬


‫ة‬
‫ة وعزيم ً‬
‫ت روي ً‬
‫لما كمل َ‬

‫ت رأيك في ابتناء الكامل‬


‫أعمل َ‬
‫وغدوت من بين الملوك موفقا ً‬

‫منه لبمن حلة ومنازل‬

‫‪824‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ذعر الحمام وقد ترنم فوقه‬

‫من منظر خطر المزلة هائل‬

‫رفعت لمخترق الرياح سموكه‬

‫وزهت عجائب حسنه المتحايل‬

‫ن الزجاج بجوه‬
‫وكأن حيطا َ‬

‫لجج يمجن على جنوب سواحل‬

‫ت الرخام إذا التقى‬


‫وكأن تفوي َ‬

‫تأليفه بالمنظر المتقابل‬

‫حبك المغمام رصفن بين منمر‬

‫ل‬
‫ومسير ومقارب ومشاك ٍ‬

‫لبست من الذهب الصقيل سقوفه‬

‫نورا ً يضيء على الظلم الحافل‬


‫فترى العيون يجلن في ذي رونق‬

‫متلهب العالي أنيق السافل‬

‫‪825‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وكأنما نشرت على بستانه‬

‫سيراء وشي اليمنة المتواصل‬

‫أغنته دجلة إذ تلحق فيضها‬

‫عن صوب منسحب الرباب الهاطل‬


‫وتنفست فيه الصبا فتعطفت‬

‫أشجاره من حول وحواملي‬

‫وقال المتنبي في وصف جواد‬


‫ن المدنفين كمتنه‬
‫ويوم ٍ كلو ِ‬

‫أراقب فيه الشمس أيان تغرب‬

‫وعيني إلى أذني أغر كأنه‬

‫من الليل باق بين عينيه كوكب‬

‫له فضلة من جسمه في إهابه‬

‫تجيء على صدر رحيب وتذهب‬

‫شققت به الظلماء أدنى عنانه‬

‫‪826‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فيطغى وأرخيه مرارا ً فيلعب‬

‫وأصرع أي الوحش قفيته به‬

‫وأنزل عنه مثله حين أركب‬

‫ة‬
‫وما الخيل إل كالصديق قليل ٌ‬

‫وإن كثرت في عين من ل يجرب‬


‫إذا لم تشاهد غير حسن شياتها‬

‫وأعضائها فالحسن عنك مغيب‬

‫وقال صفي الدين الحلي المتوفى سنة ‪750‬ه? في‬


‫وصف الربيع‬
‫ه‬
‫ورد الربيعُ فمرحبا بورود ِ‬

‫وبنور بهجته ونور وروده‬

‫وبحسن منظره وطيب نسيمه‬

‫وأنيق مبسمه ووشى بروده‬

‫فصل إذا افتخر الزمان فإنه‬

‫‪827‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫إنسان مقلته وبيت قصيده‬


‫) ‪(1/476‬‬

‫يغني المزاج عن العلج نسيمة‬

‫باللطف عند هبوبه وركوده‬

‫ياحبذا أزهاره وثماره‬

‫ونبات ناجمة وحب حصيده‬

‫والغصن قد كسي الغلئل بعدما‬

‫أخذت يدا كانون في تجريده‬

‫نال الصبا بعد المشيب وقد جرى‬

‫ماء الشبيبة في منابت عوده‬

‫والو رد في أعلى الغصون كأنه‬

‫ملك تحف يبه سراة جنوده‬

‫ونظر لنرجسه الجني كأنه‬

‫‪828‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫طرف تنبه بعد طول هجوده‬

‫وانظر إلى المنثور في منظومة‬

‫متنوعا ً بفضوله وعقوده‬

‫وقال أيضا ً في وصف حديقة‬


‫وأطلق الطير فيها سجع منطقه‬

‫مابين مختلف منه ومتفق‬

‫والظل يسرق الدوح خطوته‬

‫وللمياه دبيب غير مسترق‬

‫وقد بدا الورد مفترا ً مباسمه‬

‫والنرجس الفض فيها شاخص الحدق‬


‫والسحب تبكي وثغر البرق مبتسم‬

‫والطير تسجع من تيه ومن أنق‬

‫فالطير في طرب والسحب في حرب‬

‫والماء في هرب والغصن في قلق‬

‫‪829‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وقال أحمد شوقي بك في وصف الطبيعة‬


‫تلك الطبيعة قف بنا ياساري‬

‫حتى أريك بديع صنع الباري‬

‫الرض حولك والسماء اهتزتا‬

‫لروائع اليات والثار‬

‫ولقد تمر على الغدير تخاله‬

‫والنبت مرآة زهت بإطار‬

‫حلو التسلسل موجه وخريره‬

‫كأنامل مرت على أوتار‬

‫ينساب في مخضلة مبتلة‬

‫منسوجة من سندس ونضار‬

‫وترى السماء ضحى وفي جنح الدجى‬

‫منشقة عن أنهر وبحار‬

‫‪830‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫في كل ناحية سلكت ومذهب‬

‫جبلن من صخر وماء جار‬

‫وقال محمد حافظ بك إبراهيم يصف المنيل‬


‫نظرت للنيل فاهتزت جوانبه‬

‫وفاض بالخير في صهل ووديان‬

‫يجري على قدر في كل منحدر‬

‫لم يجف أرضا ً ولم يعمد لطغيان‬

‫كأنه ورجال الري تحرسه‬

‫مملك سار في جند وأعوان‬

‫قد كان يشكو ضياعا ً مذ جرى طلقا ً‬

‫حتى أقمت له خزان أسوان‬

‫وقال أيضا ً عن لسان حال اللغة العربية واصفا ً لها‬


‫رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي‬
‫) ‪(1/477‬‬

‫‪831‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وناديت قومي فاحتسبت حياتي‬

‫رموني بعقم في الشباب وليتني‬

‫عقمت فلم أجزع لقول عداتي‬

‫ولدت ولما لم أجد لعرائسي‬

‫رجال ً وأكفاء وأدت بناتي‬

‫وسعت كتاب الله لفظا ً وغاية‬

‫وما ضقت عن آي به وعظات‬

‫فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة‬

‫وتنسيق أسماء لمخترعات‬

‫أنا البحر في أحشائه الدركامن‬

‫فهل سألوا الغوص عن صدفاتي‬


‫فيا ويحكم أبلي وتبلى محاسني‬

‫ومنكم وإن عز الدواء أساتي‬

‫فل تكلوني للزمان فإنني‬

‫‪832‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫أخاف عليكم أن تحين وفاتي‬

‫أرى لرجال الغرب عزا ً ومنعة‬

‫وكمك عز أقوام بعز لغات‬

‫أتوا أهلهم بالمعجزات تفننا‬

‫فيا ليتكم تأتون بالكلمات‬

‫أيطربكم من جانب الغرب ناعب‬

‫ينادي بوأدي في ربيع حياني‬

‫ولو تزجون الطير يوما ً علمت ُ‬


‫م‬

‫بما تحته من عثرة وشتات‬

‫سقى الله في بطن الجزيرة أعظما ً‬

‫يعز عليها أن تلين قناتي‬

‫حفظن ودادي غي البلى وحفظته‬

‫لهن بقلب دائم الحسرات‬

‫‪833‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وفاخرت أهل الغرب والشرق مطرق‬

‫حياًء بتلك العظم النخرات‬

‫أرى كل يوم بالجرائد مزلقا ً‬

‫من القبر يدنيني بغير أناة‬

‫وأسمع للكتاب في مصر ضجة‬

‫فأعلم أن الصائحين نعاتي‬

‫أيهجرني قومي عفا الله عنهم‬

‫إلى لغة لم تتصل برواتي‬

‫سرت لوثة العجام فيها كما سرى‬

‫لعاب الفاعي في مسيل فرات‬

‫فجاءت كثوب ضم سبعين رقعة‬

‫مشكلة اللوان مختلفات‬

‫إلى معشر الكتاب والجمع حافل‬

‫‪834‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫بسطت رجائي بعد بسط شكاتي‬

‫فإما حياة تبعث الميت في البلى‬

‫وتنبت في تلك الرموس رفاتي‬

‫وإما ممات لقيامة بعده‬

‫ممات لنعمري لم يقس بممات‬

‫وقال شاعر العراق معرف الرصافي واصفا ً قطار‬


‫البخار‬
‫وقاطرة ترمي الفضا بدخانها‬

‫وتمل صدر الرض في سيرهم رعبا‬

‫تمشت بنا ليل ً تجر وراءها‬


‫) ‪(1/478‬‬

‫قطارا ً كصف الدوح تسحبه سحبا ً‬

‫فطورا ً كعصف الريح شديدة‬

‫وطورا ً رخاًء كالنسيم إذا هبا‬

‫‪835‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫تساوى لديها السهل والصعب في السرى‬

‫فما استسهلت سهل ً ول استصعبت صعبا ً‬


‫تدك متون الحزن دكا وإنها‬

‫لتنهب سهل الرض في سيرها نهبا‬

‫يمر بها العالي فتعلو تسليا ً‬

‫ويعترض الوادي فتجتازه وثبا‬

‫طوت بالمسير الرض حتى كأنها‬

‫تسابق قرص الشمس أن تدرك الغربا‬

‫هو العلم يعلو بالحياة سعادة‬

‫ويجعلها كالعلم محمودة العقبى‬

‫وقال ابن حمد يس الندلسي في وصف بركة عليها‬


‫أشجار من ذهب وفضة وعلى حافلتها أسود قاذفة‬
‫بالمياه‬
‫وضراغم سكنت عرين رآسة‬

‫تركت خرير الماء فيه زئيرا‬

‫‪836‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فكأنما غشى النضار جسومها‬

‫وأذاب في أفواهها البلورا‬

‫أسد ٌ كأن سكونها متحرك‬

‫في النفس لو وجدث هناك مثير‬


‫وتذكرت فتكاتها فكأنما‬

‫أقعت على أدبارها لتثورا‬

‫وتخالها والشمس تجلو لونها‬

‫نارا ً وألسنها اللواحس نورا ً‬

‫فكأنما سلت سيوف جداول‬

‫ذابت بل نار فعدن غديرا ً‬

‫وكأنما نسج النسيم لمائه‬

‫درعا فقدر سردها تقديرا ً‬

‫***‬
‫وبديعة الثمرات تعبر نحوها‬

‫‪837‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫عيناي بحر عجائب مسحورا ً‬

‫شجرية ذهبية نزعت إلى‬

‫سحر يؤثر في النهى تأثيرا ً‬

‫قد سرجت أغصانها فكأنما‬

‫قبضت بهن من الفضاء طيورا ً‬

‫وكأنما تأبى لوقع طيرها‬

‫أن تستقل بنهضها وتطيرا‬

‫من كل واقعة ترى منقارها‬

‫ماء كسلسال اللجين نميرا‬

‫خرس تعد من الفصاح فإن شدت‬

‫جعلت تفرد بالمياه صغيرا ً‬

‫وكأنما في كل غصن فضة‬

‫لنت فأرسل خيطها مجرورا ً‬

‫‪838‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وتريد في الصهريج موقع قطرها‬

‫فوق الزبرجد لؤلؤا ً منثورا ً‬

‫***‬
‫ضحكت محاسنه إليك كأنما‬

‫جعلت لها زهر النجوم ثغورا ً‬

‫ومصفح البواب تبرا ً نظروا‬


‫) ‪(1/479‬‬

‫بالنقش فوق شكوله تنظيرا ً‬

‫وإذا نظرت إلى غرائب شقفه‬

‫أبصرت روضا ً في السماء نضيرا ً‬


‫وضعت به صناعها أقلمها‬

‫فأرتك كل طريدة تصويرا ً‬

‫ة‬
‫وكأنما الشمس فيه ليق ٌ‬

‫مشقوا بها التزويق والتشجيرا‬

‫‪839‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وكأنما اللزورد فيه نخزم‬

‫بالخط في ورق السماء سطورا ً‬

‫وقال المرحوم محمود باشا سامي البارودي يصف‬


‫حرب سكان جزيرة اقريطش "كريد" حين خرجوا عن‬
‫الطاعة سنة ‪1282‬ه? ويتشوق إلى مصر‬
‫أخذ الكرى بمعاقد الجفان‬

‫وهفا السرى بأعنة الفرسان‬

‫والليل منشور الذوائب ضارب‬

‫فوق المتالع والربى بجران‬

‫لتستبين العين في ظلمائه‬

‫إل اشتغال أسنة المران‬

‫ة‬
‫تسري به مابين لجة فتن ٍ‬

‫تسمو غواربها على الطوفان‬

‫في كل مربأة وكل ثنية‬

‫‪840‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تهدار سامرة وعزف قيان‬

‫نستن عادية ويصهل أجرد‬

‫وتصيح أجراس ويهتف عان‬

‫م أبى الشيطان إل خسرهم‬


‫قو ٌ‬

‫فتسللوا من طاعة السلطان‬

‫ملؤا الفضاء فما يبين لناظر‬

‫غير التماع البيض والخرصان‬


‫فالبدر أكدر والسماء مريضة‬

‫والبحر أشكل والرماح دوان‬

‫والخيل واقفة على أرسانها‬

‫لطراد يوم كريهة ورهان‬

‫وضعوا السلح إلى الصباح وأقبلوا‬

‫يتكلمون بألسن النيران‬

‫حتى إذا ماالصبح أسفر وارتمت‬

‫‪841‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫عيناي بين ربى وبين مجان‬

‫فإذا الجبال أسنة وإذا الوها‬

‫داعنة والماء أحمر قان‬

‫فتوجست فرط الركاب ولم تكن‬

‫لتهاب فامتنعت على الرسان‬

‫فزعت فرجعت الحنين وإنما‬

‫تحنانها شجن من الشجان‬

‫ذكرت م وىاردها بمصر وأين من ماء بمصر منازل‬


‫الرمان‬

‫والنفس لهية وإن هي صادفت‬


‫) ‪(1/480‬‬

‫خلفا ً بأول صاحب ومكان‬

‫فسقي السماك محلة ومقامة‬

‫‪842‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫في مصر كل مرنة مرنان‬

‫حتى تعود الرض بعد ذبولها‬

‫شتى النماء كثيرة اللوان‬

‫بلد ٌ خلعت بها عذار شبيبي‬

‫وطرحت في يمنى الغرام عناني‬

‫فصعيدها أحوى النبات وسرحها‬

‫ألمى الظلل وزهرها متداني‬

‫فارقتها لما هو كائن‬

‫والمرء طوع تقلب الزمان‬

‫حمل الزمان على مالم أجنه‬

‫إن الماثل عرضة الحدثان‬

‫نقموا علي وقد فتكت شجاعتي‬

‫إن الشجاعة حلية الفتيان‬

‫‪843‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فليهنأ الدهر النغيور برحلتي‬

‫عن مصر ولتهدأ صروف زماني‬

‫فلئن رجعت وسوف أرجع واثقا ً‬

‫بالله أعلمت الزمان مكاني‬

‫صادقت بعض القوم حتى خانني‬

‫وحفظت منه مغيبه فرماني‬

‫زعم النصيحة بعد أن بلغت به‬

‫غشا وجازى الحق بالبهتان‬

‫فليجر بعد كما أراد بنفسه‬

‫إن الشقي مطية الشيطان‬

‫وكذا اللئيم إذا أصاب كرامة‬

‫عادى الصديق ومال بالخوان‬

‫كل امرئ يجري على أعرافه‬

‫‪844‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والطبع ليس يحول في الغنسان‬

‫فعلم يلتمس العدو مساءتي‬

‫من بعد ماعرف الخلئق شأني‬

‫أنا لأدل وإنما يزع الفتى‬

‫فقد الرجاء وقلة النإخوان‬

‫فليعلمن أخو الجهالة قصره‬

‫عني وإن سبقت به قدمان‬

‫فلربما رجح الخسيس من الحصى‬


‫) ‪(1/481‬‬

‫بالدر عند تراجح الميزان‬

‫شرف خصصت به وأخطأ حاسدي‬

‫مسعاته فهذي به وقلني‬

‫وقال السيد عبد الله النديم المتوفى سنة ‪1314‬ه?‬


‫يصف قطارا ً بخاريا ً‬

‫‪845‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫نظر الحكيم صفاته فتحيرا‬

‫شكل ً كطود بالبخار مسيرا‬

‫دوما يحن إلى ديار أصوله‬

‫بحديد قلب باللهيب تسعرا‬

‫ويظل يبكي والدموع تزيده‬

‫وجدا ً فيجري في الفضاء تسترا ً‬

‫تلقاكه حال السير أفعى تلتوي‬

‫أو فارس الهيجا أثار العثيرا‬

‫أو أكرة أرسلتها ترمي بها‬

‫غرضا ً فجلت أن ترى حال السرى‬

‫أو سبع غاب قد أحس بصائد‬

‫في غابة فعدا عليه وزمجرا ً‬

‫فكأنه المديرون جاء غريمه‬

‫‪846‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فانسل منه وغاب عن تلك القرى‬

‫أو أكنه شهب هوت من أفقها‬

‫أو قبة المنطاد تنبذ بالعرا‬

‫لعجب للنيران إذ يمشي بها‬

‫فمن اللظى تجري الورى كي تحشرا‬


‫وقال أحمد بك شوقي يصف الجسر الواصل بين ضفتي‬
‫البسفور‬
‫أمير المؤمنين رأيت جسرا ً‬

‫أمر على الصراط ول عليه‬

‫له خشب يجوع السوس فيه‬

‫وتمضي الفار لتأوي إليه‬

‫ول يتكلف المنشار فيه‬

‫سوى مر الفطيم بساعديه‬

‫ويبلى فعل من يمشي عليه‬

‫وقبل النعل يدمي أخمصيه‬

‫‪847‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وكم قد جاهد الحيوان فيه‬

‫وخلف في الهزيمة حافريه‬

‫وأسمج منه في عيني جباة‬

‫تراهم وسطه وبجانبيه‬

‫إذا لقيت واحدهم تصدى‬

‫كعفريت يشير براحتيه‬

‫ويمشي )الصدر( فيه كل يوم‬

‫بموكبه السني وحارسيه‬

‫ولكن ل يمر عليه إل‬

‫كما مرت يداه بعارضيه‬

‫ومن عجب هو الجسر المعلى‬

‫على )البسفور(يجمع شاطئيه‬


‫يفيد حكومة السلطان مال‬

‫‪848‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ويعطيها الغنى من معدنيه‬

‫يجود العالمون عليه هذا‬

‫بعشرته وذاك بعشرتيه‬

‫وغاية أمره أنا سمعنا‬

‫لسان الحال ينشدنا لديه‬

‫)أليس من العجائب أن مثلي‬


‫) ‪(1/482‬‬

‫يرى ماقل ممتنعا ً عليه(‬

‫)وتؤخذ باسمه الدنيا جميعا ً‬

‫وما من ذاك شيء في يديه(‬

‫وقال حفني بك ناصيف المتوفى سنة ‪1919‬م يصف‬


‫حريق عابدين‬
‫وافى يقبل راحتيك العام‬

‫وحنت إليك رؤوسها اليام‬

‫‪849‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والدهر أقسم ليجيء بغير ما‬

‫ترضى وكم يرت له أقسام‬

‫فاقبل معاذير الزمان فطالما‬

‫قبلت معاذير المنيب كرام‬

‫واغفر جنايته على القصر الذي‬

‫لم تحو مصر نظيره والشام‬

‫شبت به النيران فارتاعت لها‬

‫مهج النام وهالها استعظام‬

‫لول الدخان أحاط حول لهيبها‬

‫ماشك فرد أنهما أعلم‬

‫أمٌر به نفذ القضاء وليس في‬

‫ض ول إبرام‬
‫أحكامه نق ٌ‬

‫بل حكمة شاء الله بيانها‬

‫‪850‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لعبادة ليذيع الستسلم‬

‫حتى يروا أن الملوك وإن علوا‬

‫قدرا ً تسير عليهم الحكام‬

‫فإذا اقتدى بهم الرعية أحسنوا‬

‫صبرا ً وخفت عنهم اللم‬

‫عين السماء لعابدين تطلعت‬

‫حسدا ً عليك وللعيون سهام‬

‫وتشوق القصر الكريم لهله‬

‫والشوق في قلب المحب ضرام‬

‫لم يستطع صبرا ً على طول النوى‬

‫والصبر في شرع الغرام حرام‬

‫فتصعدات زفراته وتأججت‬

‫جمراته والصب كيف يلم‬

‫‪851‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لول الدموع من المطافئ ماانقضى‬

‫منه الهيام ولم يبل أوام‬

‫خرقت طباق الجو إل أنها‬

‫برد قصارى آمرها وسلم‬

‫هذا‪ :‬وكم نعمة في نقمة‬

‫طويت فلم تفطن لها الفهام‬

‫وقال يصف ابتهاج المة بالمير‬


‫طاروا سرورا ً من شهود أميرهم‬

‫فكأنهم حول القطار حمام‬

‫يتسابقون إلى اجتلء سموه‬

‫وبهم زفير نحوه وهيام‬

‫لو لم تكن نار القطار لجره‬

‫وجد يجيش بصدرهم وغرام‬

‫في كل رستاق وكل مدينة‬

‫‪852‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫شوقا ً إليك تجمع وزحام‬

‫من كل فج ينسلون فأترعت‬

‫بهم الوهاد وماجت الكام‬

‫والنور أمسى أبحرا ً غرق الدجى‬

‫فيها ومات بلجها الظلم‬

‫فكأن وجه الرض وجه أبلج‬


‫) ‪(1/483‬‬

‫بين الكواكب والغمام لثام‬

‫والناس من كل الجوانب هتف‬

‫عش ياعزيز يحوطك العظام‬

‫وقال حافظ بك إبراهيم يصف خزان أسوان ويمدح‬


‫الحضرة الخديوية‬
‫أخزان مصر أنت أم مصر‬

‫أجل وأسمى في المكانة والقدر‬

‫‪853‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫أعدت لنا مجد القرون التي مضت‬

‫وجددت من عهد الفراعنة الغر‬

‫وهيهات ماأهرام مصر وإن سمت‬

‫بأرفع رأسا ً من حضيضك لو تدري‬

‫وليس سنان بن المشلل خالدا ً‬

‫بانبه من "عباس"عصرك في الذكر‬

‫وماقطرت السحب كالدر تنهمي‬

‫بألطف وقعا ً من عقيقك إذ يجري‬

‫وماأنت خزان المياه وطميها‬

‫وإبليزها بل خازن الدر والتبر‬

‫تدفقت بالخيرات من كل جانب‬

‫وجمعت أقطار المنافع في قطر‬

‫فقل للغوادي وال روائح تنجلي‬

‫‪854‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وفي مصر فلتسمح على قفر‬

‫إذا ماجرت أمواهها دون حاجة‬

‫وفاضت جرت منك المياه على قدر‬


‫ضربت على آثار مصر ولم يكن‬

‫ليطمسها لول جللك من إثر‬

‫أل فلتسد مصر على كل بقعة‬

‫به وليطاول قطرها مسقط القطر‬

‫بناٌء من الدهر استعار بقاءه‬

‫وأقسم أل يسترد من الدهر‬

‫الباب الخامس‬
‫في الستعطاف والمعاتبات والعتذارات قال النابغة‬
‫الذبياني‬
‫يادار مية بالعلياء فالسند‬

‫أفوت وطال عليها سالف البد‬

‫وقفت فيها أصيلل أسائلها‬

‫‪855‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫عيت جوابا ً وما بالربع من أحد‬

‫أل أواري ليا ماأبينها‬

‫والنؤى كالحوض بالمظلومة الجلد‬

‫ردت عليه أقاصيه ولبده‬

‫ضرب الوليدة بالمسحاة في الثأد‬

‫خلت سبيل أتي كان يحبسه‬

‫ورفعته إلى السجفين فالنضد‬

‫أضحت خلء وأضحى أهلها احتملوا‬

‫أخني عليها الذي أخنى علي لبد‬

‫??وقال الغيرة بن حبناء‬


‫خذ من أخيك العفو واغفر ذنوبه‬

‫ولتك في كل المور تعاتبه‬

‫فإنك لن تلقى أخاك مهذبا ً‬

‫‪856‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأي امرئ ينجو من العيب صاحبه‬
‫أخوك الذي ل ينقض الناي عهده‬
‫) ‪(1/484‬‬

‫ول عند صرف الدهر يزور جانبه‬

‫وليس الذي يلقاك في البشر والرضا‬

‫وإن غبت عنه لسعتك عقاربه‬

‫وقال سعيد بن حميد المتوفى سنة ‪888‬ه?‬


‫أقلل عتابك فالبقاء قليل‬

‫والدهر يعدل مرة ويميل‬

‫لم أبك من زمن ذممت صروفه‬

‫إل بكيت عليه حين يزول‬

‫ولكل نائبة ألمت فرجة‬

‫ولكل حال أقبلت تحويل‬

‫والمنتمون إلى الصفاء جماعة‬

‫‪857‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إن حصلوا أفناهم التحصيل‬

‫وأجل أسباب المنية والردى‬

‫يوم سيقطع بيننا ويحول‬

‫فلئن سبقت لتفجعن بصاحب‬

‫حبل الصفاء بحلبه موصول‬

‫لعل أيام البقاء قليلة‬

‫فعلم يكثر عتبنا ويطول‬

‫?وقال شاعر الحجاز المخضرمي معن بن أوس المزني‬


‫المتوفى سنة ‪29‬ه?‬
‫لعمرك ماأدري وإني لوجل‬

‫على أينا تعدو المنية أول‬

‫وإني أخوك الدائم العهد لم أخن‬

‫إن أبزاك خصم أو نبابك منزل‬

‫أحارب من حاربت من ذي عداوة‬

‫‪858‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأحبس مالي إن غرمت فأعقل‬

‫وإني على أشياء منك تريبني‬

‫قديما ً لذو صفح على ذاك مجمل‬

‫ستقطع في الدنيا إذا ماقطعتني‬

‫يمينك فانظر أي كف تبدل‬

‫إذا أنت لم تنصف أخاك وجدته‬

‫على طرف الهجران إن كان يعقل‬

‫ويركب حد السيف من أن تضيمه‬

‫إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل‬


‫وكنت إذا ماصاحب رام ظنتي‬

‫وبدل سواء بالذي كنت أفعل‬

‫قلبت له ظهر المجن فلم أدم‬

‫على ذاك إل ريثما أتحول‬

‫إذا انصرفت نفسي عن الشيء لم تكد‬

‫‪859‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫إليه بوجه آخر الدهر تقبل‬

‫??وقال بهاء الدين زهير معتذرا ً لتأخيره عن لقاء بعض‬


‫أصحابه‬
‫على الطائر الميمون ياخير قادم‬

‫وأهل ً وسهل ً بالعل والمكارم‬

‫قدمت بحمد الله أكرم مقدم‬

‫مدى الدهر يبقى ذكره في المواسم‬


‫قدوما ً به الدنيا أضاءت وأشرقت‬

‫ببشر وجوه أو بضوء مباسم‬

‫فيا حسن ركب جئت فيه مسلما ً‬

‫ويا طيب ماأهدته أيدي الرواسم‬

‫أمولي سامحني فإنك أهله‬


‫) ‪(1/485‬‬

‫وإن لم تسامحني فما أنت ظالمي‬

‫‪860‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ووالله ماحالت عهود مودتي‬

‫وتلك يمين لست فيما بآثم‬

‫مقيم وقلبي في رحالك سائر‬

‫لعلك ترضاه لبعض المواسم‬

‫ولو كنت عنه سائل ً لوجدته‬

‫على بابك الميمون أول قادم‬

‫وإل فسل عنه ركابك في الدجى‬

‫لقد برئت من لثمه للمياسم‬

‫وقال محمد بن زريق البغدادي نادما ً على الفراط في‬


‫طلب الدنيا وكان قصد الندلس في طلب الغنى فلم‬
‫يرجع لبغداد رحمة الله عليه‬
‫لتغذليه فإن العذل يولعه‬

‫قد قلت حقا ً ولكن ليس يسمعه‬

‫جاوزت في لومه حدا ً أضر به‬

‫من حيث قدرت أن اللوم ينفعه‬

‫‪861‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فاستعملي الرفق في تأنيبه بدل ً‬

‫من عنفه فهو مضني القلب موجعه‬

‫قد كان مضطلعا ً بالخطب يحمله‬

‫فضيقت بخطوب البين أضلعه‬

‫يكفيه من لوعة التفنيد أن له‬

‫من النوى كل يوم مايروعه‬

‫ماآب من سفر إل وأزعجه‬

‫رأي إلى سفر بالعزم يجمعه‬

‫كأنما هو من حل ومرتحل‬

‫موكل بفضاء الرض يذرعه‬

‫إذ الزمان أراه في الرحيل غنى‬

‫ولو إلى السند أضحى وهو يزمعه‬

‫تأبى المطامع إل أن تجثمه‬

‫‪862‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫للرزق كدا ً وكم من يودعه‬

‫وما مجاهدة النسان توصله‬

‫رزقا ً ول دعة النسان تقطعه‬

‫والله قسم بين الخلق رزقهم‬

‫لم يخلق اتلله مخلوقا ً يضيعه‬

‫لكنهم ملئوا حرصا ً فلست ترى‬

‫مستربزقا ً وسوى الغايات يقنعه‬

‫والسعي في الرزق والرزاق قد قسمت‬

‫بغي أل إن بغي المرء يصرعه‬

‫والدهر يعطي الفتى ماليس يطلبه‬

‫يوما ً ويمنعه من حيث يطمع ُ‬


‫ه‬

‫استودع الله في بغداد لي قمرا‬

‫ه‬
‫ك الزرار مطلع ُ‬
‫بالكرخ فل ِ‬

‫‪863‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫عني‬
‫ه وبودي لو يود ُ‬
‫ودعت ُ‬

‫صفو الحياة وإني ل أودعه‬

‫وكم تشفع أني ل أفارقه‬

‫وللضرورات حا ٌ‬
‫ل ل تشفعه‬
‫) ‪(1/486‬‬

‫م الرحيل ضحى‬
‫وكم تشبث بي يو َ‬

‫وأدمعي مستهلت وأدمعه‬

‫ب العذُر منخرق‬
‫ب الله ثو ُ‬
‫ل أكذ ُ‬

‫ه‬
‫عني بفرقته لكن أرقع ُ‬

‫أني أوسع عذري في جنايَته‬

‫ه‬
‫بالبين عنه وقلبي ليوسع ُ‬

‫أعطيت ملكا فلم أحسن سياسته‬

‫ه‬
‫كذاك من ليسوس الملك يخلع ُ‬

‫‪864‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ومن إذا لبسا ً ثوب النعيم بل‬

‫ه‬
‫شكر الله فعنه الله ينزع ُ‬

‫ت عن وجهِ خلي بعد فرقته‬


‫اعتض ُ‬

‫كأسا ً أجرع ُ مكنها ما أجرع ُ‬


‫ه‬

‫ت له‬
‫ب البين قل ُ‬
‫ي ذن ُ‬
‫كم قائل ل َ‬

‫ت أدفعه‬
‫الذنب والله ذنبي لس ُ‬

‫هل ّ أقمُتفكان الرشد أجمعه‬

‫ه‬
‫ن الرشد ُ أتبع ُ‬
‫م با َ‬
‫لو أنني يو َ‬

‫إني لقطع أيامي وأنفذها‬

‫بحسرةٍ منه في قلبي تقطعه‬

‫ه‬
‫تل ُ‬
‫بمن إذا جع النوام ب ّ‬

‫ه‬
‫ت أهجع ُ‬
‫ه ليلي لس ُ‬
‫بلوعةٍ من ُ‬

‫ن لجنبي مضجعٌ وكذا‬


‫ل يطمئ ّ‬

‫‪865‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ه‬ ‫ن له مذ ْ بن ُ‬
‫ت مضجع ُ‬ ‫ل يطمئ ُ‬

‫ن الدهر يفجعني‬
‫بأ ّ‬
‫ت أحس ُ‬
‫ماكن ُ‬

‫م تفجعه‬
‫به ول أن أبي اليا ُ‬

‫حتى جرى الدهر فيما بيننا بيدِ‬

‫ه‬
‫عسراَء تمنعني حظي وتمنع ُ‬

‫***‬
‫بالله يامنزل القصف الذي درست‬

‫ه‬
‫ت أربع ُ‬
‫ت مذ غب ُ‬
‫آثاره ُ وعف ُ‬

‫هل الزمان معيد ٌ فيك لذيتنا؟‬

‫ه‬
‫أم الليالي التي أمضته ترجع ُ‬

‫في ذمة الله من اصبحت منزله‬

‫ه‬ ‫ث عل مغدا َ‬
‫ك يمرع ُ‬ ‫وجاد َ غي ٌ‬

‫ه‬
‫ي عهد ٌ ل يضيع ُ‬
‫ن عنده ل َ‬
‫م ْ‬

‫‪866‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ق ل أضيعه‬
‫كما له عهد ُ صد ٍ‬

‫ومن يصدع قلبي ذكُره وإذا‬

‫جرى على قلبه ذكري يصدعه‬

‫لصبرن لدهرٍ ل يمّتعني‬

‫ل يمّنعه‬
‫ي في حا ٍ‬
‫بهِ ول ب َ‬

‫علما ً بأ ّ‬
‫ن اصطباري معقب فرجا‬

‫ت أوسعه‬ ‫وأضيقُ المر إن فكر َ‬


‫ل الّليالي التي أضنت بفرقتنا‬
‫ع ّ‬

‫جسمي ستجمعني يوما ً وتجمعه‬

‫وإن تنل أحدا ً مّنا منّيته‬

‫فما الذي بقضاء الله يصنعه‬

‫وقال حافظ إبراهيم "بين اليقظة والمنام في‬


‫استعطاف الزمان"‬
‫ك مشارقُ الصباِح‬ ‫أشرقْ فدت َ‬

‫وأم ْ‬
‫ط لثامك عن نهار ضاِح‬

‫‪867‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(1/487‬‬

‫ت‬
‫ص ول ون ْ‬
‫م الخل َ‬
‫ت يا يو َ‬
‫بورك َ‬

‫سعود ُ بغدوة ورواِح‬ ‫عن َ‬


‫ك ال ّ‬

‫ن بشرى لنا‬
‫ن يمنا وك ْ‬
‫بالله ك ْ‬

‫ب وفك سراِح‬
‫في رد ّ مغتر ٍ‬

‫م حولك مث ّ ٌ‬
‫ل‬ ‫ت واليا ُ‬
‫أقبل َ‬

‫صّفين تخطُر خطرة ً المّياح‬

‫جل‬
‫ب مح ّ‬
‫ب الغيو ِ‬
‫ت من حج ِ‬
‫وخرج َ‬

‫ف صباِح‬ ‫في ك ّ‬
‫ل لحظ منك أل ُ‬

‫ح في هذا الوجود تناس ٌ‬


‫خ‬ ‫لو ص ّ‬

‫خ الرواِح‬ ‫ت في َ‬
‫ك تناس َ‬ ‫لرأي ُ‬

‫م "اّللبرنت" بعين ِ‬
‫ه‬ ‫ت يو َ‬
‫ولكن َ‬

‫في عزةٍ وجللة وسماح‬

‫‪868‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ه ورواؤهُ‬
‫م يريك جلل ُ‬
‫يو ٌ‬

‫ق الصباِح‬
‫في الحسن قدرة َ فال ِ‬

‫س حّلة عسجدٍ‬
‫خلعت عليهِ الشم ُ‬

‫وحباه آذار أرقً وشاِح‬

‫ه‬
‫الله أثبته لنا في لوح ِ‬

‫أبد إل بيد ِ فما له من ماِح‬

‫حّبيه عّنا يا أزهُر واملئي‬

‫أرجاءه ُ بأريجك الفيا ِّح‬

‫ه عنا يا ربيعُ بك ّ‬
‫ل ما‬ ‫وانفح ُ‬

‫ت من رند ونور أقاِح‬


‫أطلع َ‬

‫ن مؤث ٌ‬
‫ل‬ ‫ل مجد ً في الزما ِ‬
‫للني ِ‬

‫ن" وعهد "فتاِح"‬


‫من عهد "آمو ٍ‬

‫فسل العصور به وسل آثارهُ‬

‫‪869‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫في مصر كم شهدت من السّياِح‬

‫ة‬
‫قد قال عمروٌ في ثراها آي ٌ‬

‫ت على اللواِح‬
‫مأثورة ٌ نقش ْ‬

‫بينا تراه ُ للئا ً وكأنما‬

‫نثرت بتربتهِ عقود ُ ملِح‬

‫وإذا بهِ للناظرين زمرد‬

‫يشفيك أخضره ُ من التراِح‬

‫وإذا بهِ مس ٌ‬
‫ك تشقُ سواده‬

‫ث الف ّ‬
‫لح‬ ‫شقً الديم ِ محار ُ‬

‫قم يا ابن مصَر فأنت حّر واستعد ّ‬

‫مجد َ الجدود ول تعد ْ لمراح‬

‫ه‬
‫ح في الحياة فهذ ِ‬
‫مْر وكاف ْ‬
‫ش ّ‬

‫دنياك داُر تناحرٍ وكفاِح‬

‫‪870‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وانهل مع النّهال من عذب الحيا‬

‫ح مع المتاِح‬
‫فإذا رقا فامت ْ‬

‫ب ل تهن‬
‫وإذا ألح عليك خط ٌ‬

‫واضرب على اللحاح باللحاِح‬

‫وخض الحياة َ وإن تلطم موجها‬

‫ة السباِح‬
‫خوض البحارِ رياض ُ‬

‫ك رائدا ً‬
‫ل خطو َ‬
‫واجعل عيانك قب َ‬

‫ن الغمر كالضحضاِح‬
‫ل تحسب ّ‬
‫ة وتن ّ‬
‫كرت‬ ‫وإذا احتوتك محل ٌ‬

‫ح مع النزاِح‬
‫لك فاعدها وانز ْ‬
‫) ‪(1/488‬‬

‫في البحر ل تثنيك نار بوارج‬

‫ب رماِح‬
‫في البّر ل يلويك غا ُ‬

‫‪871‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وانظر إلى الغربي كيف سمت به‬

‫بين ال ّ‬
‫شعوب طبيعة الكداح‬

‫ب المنى‬
‫والله ما بلغت بنو الغر ِ‬

‫إل ّ بنّيا ٍ‬
‫ت هناك صحاِح‬

‫مد َ ماؤها‬
‫ركبوا البحاَر وقد تج ّ‬

‫والجو بين تناوِح الرواِح‬

‫والبّر مصهوَر الحصى متأججا ً‬

‫يرمي بنزاِع ال ّ‬
‫شوى لواِح‬

‫ة‬
‫يلقى فتبهم الزمان بهم ٍ‬

‫ب وقاِح‬
‫ب ووجهٍ في الخطو ِ‬
‫عج ٍ‬
‫ويشقُ أجواز القفار مغامرا ً‬

‫وعُر الطريق لديهِ كالصحصاِح‬

‫وأين الكنانةِ راكد‬

‫‪872‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫يرنو بعين غير ذات طماِح‬

‫ل يستغل‪ ،‬كما علمت‪ ،‬ذكاءهُ‬

‫ف الّلماِح‬
‫وذكاؤه ُ كالخاط ِ‬

‫ه‬
‫أمسى كماِء الّنهرِ ضاع َ فرات ُ‬

‫في البحرِ بين أجاجهِ المنداِح‬

‫ن ول تنخ‬
‫ض ودع ْ شكوى الزما ِ‬
‫فانه ْ‬

‫في فادح البؤسى مع النواِح‬

‫واربح لمصَر برأس مالك عّزةً‬

‫ة الرباِح‬
‫إن الذكاء حبال ُ‬

‫ة فانسج لها‬
‫وإذا رزقت رياس ً‬

‫بردين من حزم ومن إسجاِج‬

‫واشرب من الماِء القراح منعما ً‬


‫ٍ‬

‫فلكم وردت الماَء غيَر قراِح‬

‫‪873‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الباب السادس‬
‫في التهاني والتهادي والغراء قال أبو الطيب المتنبي‬
‫م‬
‫ت والكر ُ‬
‫ي إذ عوفي َ‬
‫المجد عوف َ‬

‫م‬
‫وزال عنك إلى أعدائك الل ُ‬

‫حتك الغارات وابتهجت‬


‫ت بص ّ‬
‫ح ْ‬
‫ص ّ‬

‫م‬ ‫بها المكارم وانهّلت بها ال ّ‬


‫دي َ‬

‫س نوٌر كان فارقها‬


‫وراجع الشم َ‬

‫كأّنما فقده ُ في جسمها سقم‬

‫ي ملك‬
‫ولح برقك لي من عارض ْ‬

‫م‬ ‫ما يسق ُ‬


‫ط الغيث إل حين يبتس ُ‬

‫حسام وليست مشابهة‬


‫يسمى ال ُ‬

‫ف يشتبه المخدوم والخدم‬


‫وكي َ‬

‫ه‬
‫دنيا بمحتد ِ‬
‫ب في ال ّ‬
‫تفّرد العر ُ‬

‫م‬
‫ب في إحسانه العج ُ‬
‫وشارك العر َ‬
‫ص الله للسلم نصرته‬
‫وأخل َ‬

‫‪874‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وأن تقل ّ َ‬
‫ب في آلئه المم‬

‫ة‬
‫صك في برٍء بتهنئ ِ‬
‫وما أخ ّ‬

‫ت فك ّ‬
‫ل الناس قد سلموا‬ ‫إذا سلم َ‬

‫وقال الصاحب بن عباد‬


‫هذي المكارم والعلياء تفتخُر‬
‫) ‪(1/489‬‬

‫ه غرُر‬
‫بيوم ِ مأثرة ساعات ُ‬

‫دهر واجتمعت‬
‫سم عنه ال ّ‬
‫م تب ّ‬
‫يو ٌ‬

‫سعود وأغضت دونه الغير‬


‫له ال ّ‬

‫ت‬
‫حتى كأنا نرى في كل ملتف ِ‬

‫روضا ً تفت ّ َ‬
‫ح في أثنائه الزهر‬

‫لما تجّلى عن المال مشرق ً‬


‫ة‬

‫قال العلي بك استعلى وأقتدر‬

‫‪875‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وافى على غير ميعاد يبشرنا‬

‫بأن ستتبعه أمثاله الخر‬

‫ت ما جاءت مفاجأةً‬
‫أهنا المسّرا ِ‬

‫وما تناجى بها اللفاظ والفكُر‬

‫لو أن بشرى تلقتها بموردها‬

‫لقبلت نحوها الرواح تبتدر‬

‫وما تعّنف من يسخو بمهجته‬

‫ن يومك هذا وحده عمُر‬


‫فإ ّ‬

‫ب‬
‫فما غدوت وما للعين منقل ٌ‬

‫إل إلى منظر يبهي ويحتبر‬

‫ثنت مهابتك البصار حاسرة‬

‫حتى تبين في ألحاظها خزر‬

‫ضوا وإن نظروا‬


‫إذا تأملتهم غ ّ‬

‫‪876‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫خلل ذاك فأدنى لفته نظروا‬

‫في ملبس ما رأته عين معترض‬

‫فش ّ‬
‫ك في أّنه أخلقك الّزهر‬

‫ألبسته منك نورا ً يستضاء به‬

‫كما أضاء ضواحي مزنه القمر‬

‫وقد تقّلدت عضبا ً أنت مضربه‬

‫وعنك يأخذ ما يأتي وما يذر‬

‫ما زال يزداد من إشراق غّرته‬

‫زهرا ً ويشرق فيهِ التيه والشر‬

‫شمس تحسد طرفا ً أنت راكبه‬


‫وال ّ‬

‫حتى تكاد من الفلك تنحدر‬

‫حتى لقد خلت أن الشمس أزعجها‬

‫شوقا ً وظّلت على عطفيه تنتشر‬

‫‪877‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقال أبو أذينة يغري السود بن المنذر بقتل آل غسان‬
‫وكانوا قتلوا أخا ً له‬
‫ل المرُء ما طلبا‬ ‫ل يوم ينا ُ‬
‫ما ك ّ‬

‫ه المقداُر ما وهبا‬
‫ول يسوغ ُ‬

‫ن غن فرصة عرضت‬
‫م الناس م ْ‬
‫وأحز ُ‬

‫لم يجعل السبب الموصول منقضبا‬

‫ن‬ ‫ف الناس في ك ّ‬
‫ل المواطن م ْ‬ ‫وأنص ُ‬

‫سّقى المعادين بالكاس الذي شربا‬

‫وليس يظلمهم من راح يضربهم‬

‫ن قبلهم ضربا‬
‫ف بهِ م ْ‬
‫بحد ّ سي ٍ‬

‫ة‬
‫والعفو إل عن الكفاِء مكرم ٌ‬

‫من قال غير الذي قد قلته كذبا‬

‫قتلت عمرا ً وتستبقي يزيد َ لقد‬

‫ت رأيا ً يجّر الوي َ‬


‫ل والحربا‬ ‫رأي َ‬

‫‪878‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ل تقطعن ذنب الفعى وترسلها‬


‫) ‪(1/490‬‬

‫إن كنت سهما ً فأتبع رأسها ال ّ‬


‫ذنبا‬

‫سيف فاجعلهم له جزرا ً‬


‫هم جّردوا ال ّ‬

‫وأوقدوا النار فاجعلهم لها حطبا‬

‫ف عنهم يقول الناس كلهم‬


‫إن تع ُ‬

‫ف حلما ً ولمن عفوه رهبا ً‬


‫لم يع ُ‬

‫هم أهّله غ ّ‬
‫سان ومجدهم‬

‫ل فإن حاولوا ملكا فل عجبا‬


‫عا ٍ‬

‫وعّرضوا بفداء واصفين لنا‬

‫خيل ً وابل ّ تروقُ العجم والعربا‬

‫أيحلبون دما ً مّنا ونحلبهم‬

‫رس ً‬
‫ل‪ ،‬لقد شرفونا في الورى حلبا‬

‫‪879‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وقال صفي الدين الحلي يحرض السلطان الملك‬


‫الصالح‬
‫على الحتراز من المفعول ومنافرتهم عند إقبالهم‬
‫ويهنيه بعيد النحر‬
‫ب الخطرا‬‫ن يرك ِ‬
‫ل يمتطي المجد َ م ْ‬

‫ول ينال العل َ من ق ّ‬


‫دم الحذرا‬

‫ومن أراد العل َ عفوا ً بل َ تع ٍ‬


‫ب‬

‫قضى ولم يقض من إدراكها وطرا‬

‫ه‬ ‫ل بد ّ لل ّ‬
‫شهد من نحل يمّنع ُ‬

‫ضررا‬
‫ل ال ّ‬‫ل يجتني الّنفع من لم يحم ِ‬
‫ة‬
‫ل يبلغ السؤال إل بعد مؤلم ٍ‬

‫م المنى إل ّ لمن صبرا‬


‫ول يت ّ‬

‫ن لو مات من ظماٍء‬
‫وأحزم الناس م ْ‬

‫ب الورد َ حتى يعرف الصدرا‬


‫ل يقر ُ‬

‫وأغزُر الناس عقل ً من إذا نظرت‬

‫‪880‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عيناه أمرا ً غدا ً بالغير معتبرا ً‬

‫فقد يقال عثاُر الّرجل إن عثرت‬

‫ول يقال عثار الّرأي إن عثرا‬

‫من دّبر العيش بالراء دام له‬

‫ب معتذرا ً‬
‫صفوا ً وجاء إليه الخط ُ‬

‫ن بالّرأي ما يجري القضاء به‬


‫يهو ُ‬

‫ب القدرا‬
‫من أخطأ الّرأي ل يستذن ُ‬

‫من فاته العّز بالقلم أدركه‬

‫بالبيض يقدح من أطرافها ال ّ‬


‫شررا‬

‫ض قد أجرى الفرند َ به‬ ‫بك ّ‬


‫ل أبي َ‬

‫ه قطرا‬
‫ماء الردى فلو استقطرت ُ‬

‫خاض العجاجة عريانا ً فما انقشعت‬

‫حتى أتى بدم البطال مؤتزرا‬

‫‪881‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫م إل في مواطنه‬
‫ن الحل ُ‬
‫ل يحس ُ‬

‫ول يليق الوفا إل ّ لمن شكرا‬

‫ول ينال العلى إل ّ فتى شرف ْ‬


‫ت‬

‫دهُر ما أمرا‬
‫ه فأطاع ال ّ‬
‫خلل ُ‬

‫ه‬
‫ك المرهوب سطوت ُ‬
‫صالح المل ِ‬
‫كال ّ‬
‫) ‪(1/491‬‬

‫عد قلب الدهر ل نفطرا‬


‫فلو تو ّ‬

‫لما رأى الشّر قد أبدى نواجذه‬

‫والغدَر عن نابه للحرب قد كشرا‬

‫ي إناثا ً عن حقيقتها‬
‫رأى القس ّ‬

‫صارم ال ّ‬
‫ذكرا‬ ‫فعافها واستشاَر ال ّ‬

‫م من قبل الصفاح لها‬


‫فجّرد العز َ‬

‫ملك عن البيض يستغني بما شهرا‬

‫‪882‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ه‬ ‫ُ‬
‫مت ِ‬
‫يكاد يقرأ من عنوان ه ّ‬

‫ب قد سطرا‬ ‫ما في صحائف ظهر الغي ِ‬


‫دى ورّدى‬
‫كالبحر والدهر في يومي ن ّ‬

‫والّلي ِ‬
‫ث والغيث في يومي وغى وقرى‬

‫ما جاد للّناس إل ّ قبل ما سألوه‬

‫ول عفا ق ُ‬
‫ط إل ّ بعد ما قدرا‬

‫لموه في بذله الموال قلت لهم‬

‫ب أل ّ ترس َ‬
‫ل المطرا‬ ‫سح ُ‬
‫هل يقدر ال ّ‬

‫ضا من منابته‬
‫نغ ّ‬
‫إذا غدا الغص ُ‬

‫من شاء فليجن من أفنانهِ الثمرا‬

‫من آل أرتق المشهور ذكرهم‬

‫ه ظهرا‬
‫إذا كان كالمسك إن أخفيت ُ‬

‫ي أطوله‬
‫الحاملين من الخط ّ‬

‫والناقلين من السياف ما قصرا‬

‫‪883‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫لم يرحلوا عن حمى ارض إذا نزلوا‬

‫إل ّ وأبقوا بها من جودهم أثرا‬

‫تبقى صنائعهم في الرض بعدهم‬

‫ث إن سار أبقى بعده الّزهرا‬


‫والغي ُ‬

‫لله دّر سما ال ّ‬


‫شهباء من فلك‬

‫وكّلما غاب نج ٌ‬
‫م أطلعت قمرا‬

‫يا أيها الملك الباني لدولته‬

‫ذكرا ً طوى ذكر أهل الرض وانتشر‬

‫ت فقد صدعت‬
‫كانت عداك لها دس ٌ‬

‫دست فانكسرا‬
‫دك ذاك ال ّ‬
‫حصاة ُ ج ّ‬

‫فأوقعْ إذا غدروا سو َ‬


‫ط العذاب بهم‬

‫دهر إن غدرا‬
‫ف ال ّ‬ ‫يظ ّ‬
‫ل يخشاك صر ُ‬

‫ظّنوا تأّنيك من عجز وما علموا‬

‫‪884‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ي فيهم يعقب ال ّ‬
‫ظفرا‬ ‫أن التأن َ‬

‫أحسنتهم فبغوا جهل ً وما اعترفوا‬

‫بصنعكم ومن جحد النعمى فقد كفرا‬

‫ح به‬
‫واسعد بعيدك ذا الضحى وض ّ‬

‫ب العرش مؤتمرا‬ ‫ل وص ّ‬
‫ل لر ّ‬ ‫وص ْ‬

‫وانحر عداك فبالنعام ما انصلحوا‬

‫إن كان غيرك للنعام قد نحرا‬

‫وقال المرحوم عبد الله باشا فكري يهنئ الخديوي‬


‫توفيق بتوليه مصر‬
‫م يستقبل الما َ‬
‫ل راجيها‬ ‫اليو َ‬
‫) ‪(1/492‬‬

‫ويجلي عن سماء العّز داجيها‬

‫سعيد بها‬
‫وتزدهي مصُر والّنيل ال ّ‬

‫دنيا وما فيها‬


‫دين وال ّ‬
‫والملك وال ّ‬

‫‪885‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫سعود سني‬
‫قد أطلع الله في سعد ال ّ‬

‫ت لياليها‬
‫ض ْ‬
‫بدٌر بللئه ابي ّ‬

‫مة أدنى شأوها قصرت‬


‫ذو ه ّ‬

‫غايات من رام في أمر يدانيها‬

‫ب في‬
‫سحائ ُ‬
‫وراحة لو تحاكيها ال ّ‬

‫دى هطلت تبرا ً غواديها‬


‫فيض الن ّ‬

‫ورأفة بعباد الله كافلة‬

‫ت نفسا ً أمانيها‬
‫بخير ما حدث ْ‬

‫ه‬
‫تربو على وصف مطريه محاسن ُ‬

‫م الفق راعيها‬
‫وهل يعد ّ نجو َ‬

‫توفيق مصر ومولها وموثلها‬

‫داها وفاديها‬
‫وركنها ومف ّ‬

‫وغصنها الّنصر أنمته منابتها‬

‫‪886‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫من دوحة أينعت فيها مجانيها‬

‫خديوها ابن خديويها ابن فارسها‬

‫أميرها البطل ال ّ‬
‫شهم ابن واليها‬

‫م جل عن نور غّرته‬
‫لله يو ٌ‬

‫كال ّ‬
‫شمس مّزق برد الغيم ضاحيها‬

‫يسير في مصر والبشرى تسابقه‬

‫من حيث سار وتسري في نواحيها‬


‫فلتفتخر مصر إعجابا ً بحاضرها‬

‫على محاسن ماضيها وآتيها‬

‫هذا الذي كانت المال ترقبه‬

‫دهرا ً وتعت ّ‬
‫ده أقصى مراميها‬

‫ما زال في قلب مصر من محّبه‬

‫سّر تبوح بهِ نجوى أهاليها‬

‫‪887‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تصبو له وأمانيها تطاوعها‬

‫في حّبه ولياليها تعاصيها‬

‫وترتجيه من الّرحمن سائلة‬

‫حتى استجيب بما ترجوه داعيها‬


‫فالحمد لله شكرنا ً لنعمه‬

‫فالشكر حافظ نعماه وواقيها‬

‫وقال مؤلف هذا الكتاب مهنئا ً صديقه المرحوم الشيخ‬


‫علي يوسف بك‬
‫صاحب جريدة المؤيد سنة ‪ 1320‬ه? بأويته من أوربا‬
‫ي( القدرِ ذو الشرف المؤيد ْ‬
‫)عل ُ‬

‫ف( قد تفّرد ْ‬
‫شديد ُ العزم ِ )يوس ُ‬

‫وحيد الفضل والعلياِء تشهد‬

‫رفيع المجد ِ في عّز وسؤدد‬

‫سجايا‬
‫شريف النفس محمود ُ ال ّ‬

‫عريقُ الصل في المعروف أوحد‬


‫م ما له أبدا ً مثي ٌ‬
‫ل‬ ‫هما ٌ‬

‫‪888‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ب مفرد ْ‬
‫ق في الكتا ِ‬
‫بليغُ النط ِ‬

‫ب العدل مشكور المساعي‬


‫مح ُ‬

‫د(‬
‫م بالسياسةِ بل )مؤي ُ‬
‫علي ٌ‬
‫) ‪(1/493‬‬

‫سام الثنايا‬
‫قويّ البأس ب ّ‬

‫سعيد الجد ّ ذو قدر ممجد ُ‬

‫ك راقيا ً شرف المعالي‬


‫فمن ي ُ‬

‫كمثلك في الورى ل ش ّ‬
‫ك يحمد‬

‫دى‬
‫وكيف وأنت اعظم من تص ّ‬

‫صحافةِ )بالمؤّيد(‬
‫لتأييد ال ّ‬

‫وكيف وأنت أفوق كل رام ٍ‬

‫بسهم للكتابةِ قد تجّرد ْ‬

‫وليس الشمس تخفى عن عيون‬

‫‪889‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن أرمد‬
‫سوى أن كان صاحبه ّ‬

‫ه‬
‫وإن البدَر بالنوار زا ٍ‬

‫ويأبى الله إل أن تؤّيد‬

‫ي(‬
‫فسبحان الذي أسرى )عل ّ‬

‫سين المنضد‬
‫إلى الّتاميز وال ّ‬

‫بك ّ‬
‫ل وقت‬ ‫تهّني َ‬
‫ك المناص َ‬

‫دد‬
‫وتخدمك السعادة ما تج ّ‬

‫فدم يا سّيدي بدرا ً منيرا ً‬

‫وحصنا ً للمعالي قد تشّيد‬

‫ب قصيد شعر‬ ‫وها َ‬


‫ك من المح ّ‬

‫تشيُر إلى وفائي بل وتشهد ْ‬

‫تفاخُر مصُر أهل الشرق فيها‬

‫ي شدا وأنشد‬
‫تقول الهاشم ُ‬

‫‪890‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫?وقال محمد حافظ بك إبراهيم مهنئا ً أبناء وطنه بالعام‬


‫الهجري‬
‫أهل ً بنابتةِ البلد ِ ومرحبا ً‬

‫جدتم العهد الذي قد أخلقا‬

‫ل تيأسوا أن تسترّدوا مجدكم‬

‫م ارتقى‬
‫ب مغلوب هوى ث ّ‬
‫فلر ّ‬

‫ه المال في أفلكها‬
‫دت ل ُ‬
‫م ّ‬

‫خيط الّرجاء إلى العل فتسّلقا‬

‫ة‬ ‫فتجشموا للمجد ك ّ‬


‫ل عظيم ٍ‬

‫ب المرتقى‬
‫إني رأيت المجد َ صع َ‬

‫من رام وص َ‬
‫ل الشمس حاك خيوطها‬

‫سببا ً إلى آماله وتعلقا‬

‫عار على ابن النيل سباق الورى‬

‫ب دهره ُ أن يسبقا‬
‫مهما تغل َ‬

‫‪891‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫أوَ كّلما قالوا تج ّ‬


‫مع شمله‬

‫ب الخلف بجمعنا فتفرقا‬


‫لع َ‬

‫فتدفقوا حججا ً وخوضوا نيلكم‬

‫فلكم أفاض علي ّ‬


‫كم وتدفقا‬

‫ه‬
‫حملوا علينا بالزمان وصرف ِ‬

‫فتأّنقوا في سلبنا وتأنق‬

‫فتعّلموا فالعلم مفتاح العل َ‬

‫لم يبق بابا ً للسعادة مغلقا‬

‫ه كل قواكم‬
‫دوا من ُ‬
‫ثم استم ّ‬

‫ض مّتقى‬ ‫أن القوىّ بك ّ‬


‫ل أر ٍ‬
‫وابنوا حوالي حوضكم من يقظة‬

‫سورا ً وخطوا من حذارٍ خندقا‬


‫) ‪(1/494‬‬

‫‪892‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ددوه فإنهم‬
‫وزنوا الكلم وس ّ‬

‫خبأوا لكم في الهلك وحّلقا‬

‫وامشوا على حذرٍ فغن طريقكم‬

‫ك وحّلقا‬
‫وعٌر أطاف به الهل َ‬

‫نصبوا لكم فيه الفخا َ‬


‫خ وأرصدوا‬

‫ج موبقا‬
‫للسالكين بكل ف ّ‬

‫ت في غشيانه وطروقه‬
‫المو ُ‬

‫ت كل الموت أل ّ يطرقا‬
‫والمو ُ‬

‫ة‬
‫ص الحياة ثمين ٌ‬
‫فتحّينو‪ ،‬فر ُ‬

‫جلوها بالعزائم والّرقى‬


‫وتع ّ‬

‫أو فاخلقوها قادرين فإنما‬

‫ص الحياة خليقة أن تخلقا‬


‫فر ُ‬

‫?الباب السابع في المراثي‬


‫?قال المهلهل التغلبي يرثي أخاه كليبا ً وهو جاهلي‬

‫‪893‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫توفي سنة ‪ 531‬م‬
‫ي الّدكاُر؟‬
‫ج قذاء عين ّ‬
‫أها َ‬

‫هدوءا ً فالدموع لها انهماُر‬

‫وصار الليل مشتمل ً علينا‬

‫ه نهار‬
‫سل ُ‬ ‫ن اللي ّ‬
‫ل لي َ‬ ‫كأ ّ‬

‫ت أراقب الجوزاَء حتى‬


‫وب ّ‬

‫ب من أوائلها انحدار‬
‫تقار َ‬

‫أصّرف مقلتي في إثْر قوم‬

‫تباينت البلد ُ بهم فغاروا‬

‫م مطّلعات‬
‫وأبكي والّنجو ُ‬

‫كأن لم تحوها عّني البحاِر‬

‫على من نعيت وكان حّيا‬

‫لقاد الخي َ‬
‫ل يحجبها الغبار‬

‫دعوتك يا كليب فلم تجبني‬

‫‪894‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وكيف يجيبني البلد القفار؟‬


‫م‬
‫أجبني يا كليب خلك ذ ّ‬

‫ضنينات النفوس لها مزار‬

‫م‬
‫أجبني يا كليب خلك ذ ّ‬

‫لقد فجعت بفارسها نّزار‬

‫سقاك الغيث إنك كنت غيثا ً‬

‫ويسرا ً حين يلتمس اليسار‬

‫م عن رجال‬
‫ت تحل ُ‬
‫وإنك كن َ‬

‫وتعفو عنهم ولك اقتدار‬

‫ن‬
‫م لسا ٌ‬
‫وتمنعُ أن يمسه ُ‬

‫مخافة من يحير ول يجار‬

‫وكنت أعد ّ قربي منك ربحا ً‬

‫ح الّتجار‬
‫دت الّرب َ‬
‫إذا ما ع ّ‬

‫‪895‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فل تبعد فك ّ‬
‫ل سوف يلقى‬

‫شعوبا ً يستدير بها المدار‬

‫يعيش المرء عند بني أبيه‬

‫ويوشك أن يصير بحيث صاروا‬


‫أرى طول الحياة وقد توّلى‬

‫كما قد يسلب الشيء المعار‬

‫كأّني إذ نعى الّناعي كليبا ً‬

‫ي ال ّ‬
‫شرار‬ ‫تطاير بين جنب ّ‬

‫فدرت وقد غشى بصري عليه‬

‫كما دارت بشاربها العقار‬

‫ي أين دفنتموه‬
‫ت الح ّ‬
‫سأل ُ‬
‫) ‪(1/495‬‬

‫ي دار‬
‫فقالوا لي بأقصى الح ّ‬
‫فسرت إليه من بلدي حثيثا ً‬

‫‪896‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وطار الّنوم وامتنع القرار‬

‫ر‬ ‫ث ناقتي عن ظ ّ‬
‫ل قب ٍ‬ ‫وحاد ْ‬

‫ثوى فيهِ المكارم والفخار‬

‫ه‬
‫لدى أوطان أروع لم يشن ُ‬

‫ث له في الناس عار‬
‫ولم يحد ْ‬

‫أتغدو يا كليب معي إذا ما‬

‫جبان القوم أنجاه الفرار‬

‫أتغدو يا كليب معي إذا ما‬

‫حلوق القوم يشحذها ال ّ‬


‫شفار‬

‫أقول لتغلب والعز فيها‬

‫أثيرها لذلكم انتصار‬

‫ضوا لمر‬
‫تتابعَ أخوتي وم ّ‬

‫عليه تتابع القوم الحسار‬

‫‪897‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ي عمري‬
‫خذ ِ العهد الكيد عل ّ‬

‫ديار‬ ‫بتركي ك ّ‬
‫ل ما حوت ال ّ‬

‫ت بخالٍع درعي وسيفي‬


‫ولس ُ‬

‫إلى أن يخلع اللي َ‬


‫ل النهاُر‬

‫وقال صفي الدين الحلي يرثي غريقا ً‬


‫م سماُء‬
‫ح ماء أم أدي ُ‬
‫أصف ُ‬

‫فيهِ تغور كواكب الجوزاِء‬

‫ما كنت أعلم قبل موتك موقنا ً‬

‫أن البدوَر غروبها في الماِء‬

‫جة‬
‫ت بل ّ‬
‫ولقد عجبت وقد هوي َ‬

‫ل بغير حياِء‬
‫فجرى على رس ٍ‬

‫لو لم يشقّ لك العباب وطالما‬

‫ت موسى باليد البيضاء‬


‫أشبه َ‬

‫‪898‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ف العلء عليك من لمس الّثرى‬
‫أن َ‬

‫وحلول باطن حفرة ظلماِء‬

‫وأج ّ‬
‫ل جسمك أن بغّير لطفه‬

‫عفن الّثرى وتكاثف الرجاِء‬

‫فأحّله جدثا ً طهورا ً مشبها ً‬

‫أخلقه في رّقة وصفاء‬

‫م صفاؤه‬
‫ما ذاك أن يض ّ‬

‫نورا ً يض ّ‬
‫ن به على الغبراء‬

‫فالبحر أولى في القياس من الّثري‬

‫بجوار تلك الدّرة الغّراِء‬

‫وقال أيضا ً يرثي الملك ناصر الدين عمر‬


‫م‬‫حسام والقل ُ‬
‫بكى عليك ال ُ‬

‫م‬
‫م فيك والعل ُ‬
‫وانفجع العل ُ‬

‫ض فالعباد ُ بها‬
‫ت الر ُ‬
‫ج ِ‬
‫وض ّ‬

‫‪899‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫م‬
‫لطمة والبلد ُ تلتط ُ‬

‫تظهر أحزانها على ملك‬

‫م‬ ‫ج ّ‬
‫ل ملوك الورى له خد ُ‬

‫ب مقتبل ال‬
‫ض الشبا ُ‬
‫جغ َ‬
‫أبل َ‬

‫م‬
‫ن مجده ُ هر ُ‬
‫عمر ولك ْ‬
‫مح ّ‬
‫كم في الورى وآمله‬

‫م في ماله ويحتكم‬
‫يحك ُ‬

‫يجتمع المجد ُ والثناُء له‬

‫وماله في الوفود يقتسم‬

‫ت جوده النام ول‬


‫قد سئم ْ‬
‫) ‪(1/496‬‬

‫م‬
‫يلقاه من بذله الّندى سأ ُ‬

‫ما عرفت منه ل ول نعم‬

‫‪900‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫م‬
‫ن اللُء والّنع ُ‬
‫بل دونه ّ‬

‫ف وهو مقتحم‬
‫م=والقاتل الل َ‬
‫ب اللف وهو مبتس ٌ‬ ‫ألواه ُ‬
‫مبتسم والكماة ُ عابسة‬

‫س والسيوف تبتسم‬
‫وعاب ٌ‬

‫لم يعلم العالمون ما فقدوا‬

‫منه ول القربون ما عدموا‬

‫ما فقد فرد من النام كمن‬

‫إن مات ماتت لفقده أمم‬

‫يا طالب الجود قد قضي عمُر‬

‫م‬ ‫فك ّ‬
‫ل جود وجوده عد ُ‬

‫س كالعين إن نقدتهم‬
‫فالنا ُ‬

‫م‬
‫ت عند نقدك القي ُ‬
‫تفاوت ْ‬
‫مضى الذي كان للنام أبا ً‬

‫‪901‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مك ّ‬
‫ل النام قد يتموا‬ ‫فاليو َ‬

‫وح ّ‬
‫ل ضاقت بساكنها‬

‫ودون أدنى دياره إرم‬

‫وقال أبو الحسن التهامي يرثي صغيرا ً له‬


‫ويفتخر بفضله ويشكو زمانه وحاسديه‬
‫م المنية في البرية جار‬
‫حك ُ‬

‫دنيا بدار قرار‬


‫ما هذه ال ّ‬

‫بينما يرى النسان فيها مخبرا‬

‫حتى يري خبرا ً من الخبار‬

‫طبعت على كدر وأنت تريدها‬

‫صفوا ً من القذار والكذار‬

‫ومكّلف اليام ِ ضد طباعها‬

‫متطّلب في الماء جذوة نار‬

‫وإذا رجوت المستحي َ‬


‫ل فإنما‬

‫‪902‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تبني الّرجاَء على شفير هار‬

‫ة‬
‫م والمنية يقظ ٌ‬
‫فالعيش نو ٌ‬

‫والمرء بينهما خيا ٌ‬


‫ل سار‬

‫فاقضوا مآربكم عجال إنما‬

‫أعماركم سفٌر من السفار‬

‫وتركضوا حيل ال ّ‬
‫شباب وبادروا‬

‫ن عوار‬
‫أم نسترد فإنه ّ‬

‫ص إن‬
‫دهر يخدع بالمنى ويغ ّ‬
‫فال ّ‬

‫وار‬
‫م ما بنى بب ّ‬
‫هّنا ويهد ُ‬
‫ليس الزمان وغن حرصت مسالما ً‬

‫خلقُ الّزمان عداوة الحرار‬

‫ق‬
‫ت بصارم ٍ ذي رون ٍ‬
‫إني وتر ُ‬

‫ه لطلبةِ الوتار‬
‫أعددت ُ‬

‫‪903‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ت‬
‫والّنفس إن رضيت بذلك أو أوب ْ‬

‫مةِ المقدار‬
‫منقادة ٌ بأز ّ‬

‫ه‬
‫أثنى عليه بأثرهِ ولو أن ُ‬

‫ت بالثار‬ ‫لم يغتب ْ‬


‫ط اثني ُ‬

‫يا كوكبا ً ما كا َ‬
‫ن أقصَر عمرهُ‬

‫وك ّ‬
‫ذاك عمُر كواكب السحار‬

‫وهلل أيام مضى لم يستدر‬

‫بدرا ً ولم يمهل لوق ِ‬


‫ت سرار‬

‫ف عليه قبل أوانه‬ ‫عج َ‬


‫ل الخسو ُ‬
‫) ‪(1/497‬‬

‫فحماه ُ قبل مظن ّةِ البدار‬

‫ه=كالمقلةِ استلت من الشفار‬ ‫واست ّ‬


‫ل من أترابهِ ولدت ِ‬
‫ه‬
‫ن قلبي قبره وكأن ُ‬‫فكأ ّ‬

‫في طي ّهِ سّر من السرار‬

‫‪904‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫مم‬ ‫أن يعتبط صغرا ً فر ّ‬


‫ب مق ّ‬
‫يبدو ضئيل الشخص للن ّ‬
‫ظار‬

‫إن الكواكب في علوّ محّلها‬

‫لترى صغارا ً وهي غير صغار‬

‫ه فإذا مضى‬
‫ولد ُ المعزى بعض ُ‬

‫ض الفتى فالك ّ‬
‫ل في الثار‬ ‫بع ُ‬

‫ل معتذرا ً ل ُ‬
‫ه‬ ‫أبكيه ثم أقو ُ‬

‫وّفقت حين تركت ألم دار‬

‫ه‬
‫ت أعدائي وجاور رب ّ ُ‬
‫جاوز ُ‬

‫شّتان بين جواره وجواري‬

‫أشكو بعاد َ‬
‫ك لي وأنت بموضع‬

‫لول الّردى لسمعت فيه مزاري‬

‫ة‬ ‫وال ّ‬
‫شرق نحو الغرب أقرب شّق ً‬

‫‪905‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫من بعد تلك الخمسة الشبار‬

‫ع‬ ‫هيهات قد علقتك أسباب الّردى واغتا َ‬


‫ل عمرك قاط ُ‬
‫العمار‬
‫ة‬
‫ت لغاي ٍ‬
‫ت كما جري ُ‬
‫ولقد جري َ‬

‫فبلغتها وأبوك في المضمار‬

‫ت فأنت أوّ ُ‬
‫ل منطقي‬ ‫فإذا نطق ُ‬

‫وإذا سكت فأنت في أضماري‬

‫أخفي من البرحاِء نارا ً مثل ما‬

‫يخفى من النار الّزناد الواري‬

‫واخفض الّزفرات وهي صواعد‬

‫ف العبرات وهي جوار‬


‫وأكفك ُ‬

‫ه‬
‫ن طاوعت ُ‬
‫نإ ْ‬
‫ب نارِ الحز ِ‬
‫وشها ُ‬

‫ه متواري‬
‫أورى وإن عاصيت ُ‬

‫ن السى ولربما‬
‫ف نيرا َ‬
‫وأك ّ‬

‫‪906‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ت بشرار‬
‫غلب التصب ُّر فارتم ْ‬

‫ما تحته‬
‫فع ّ‬
‫ب الّرياءِ يش ُ‬
‫ثو ُ‬

‫ت به فإنك عار‬
‫وإذا التحف َ‬

‫قصرت جفوني أن تباعد َ بينها‬

‫ت عيني بل أشفار‬
‫ور ْ‬
‫أم ص ّ‬
‫) ‪(1/498‬‬

‫ن غراره‬
‫جّفت الكرى حتى كا ّ‬

‫عند اغتماص العين وخُز غرار‬

‫ولو استزارت رقدة ٌ لطحا بها‬

‫ما بين أجفاني من الّتيار‬

‫أحيي الّليالي الّتيم وهي تميتني‬

‫ن تبّلج السحار‬
‫ويميته ّ‬

‫صبح تهتك كّفه‬


‫حتى رأيت ال ّ‬

‫‪907‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ضوءِ رفرف خيمة كالقار‬


‫بال ّ‬

‫صبح قد غمَر الّنجوم كأنه‬


‫وال ّ‬

‫وار‬ ‫سي ٌ‬
‫ل طغى فطفا على الن ّ ّ‬

‫ة‬
‫ت تمنعُ خاض دونك فتي ٌ‬
‫لو كن َ‬

‫مّنا بحاَر عوامل وشفار‬

‫ودحوا قويق الرض أرضا ً من دم‬

‫ثم انثنوا فبنوا سماء غبار‬

‫دروع حسبتها=خلجا ً تمد ّ بها أك ّ‬


‫ف بحار‬ ‫م إذا لبسوا ال ّ‬
‫قو ٌ‬
‫لو شّرعوا إيمانهم في طولها=طعنوا بها عوض القنا‬
‫الخ ّ‬
‫طار‬
‫ي وراوحوا‬
‫جنبوا الجياد إلى المط ّ‬

‫سروج هناك وأكوار‬


‫بين ال ّ‬

‫ب دروعهم‬
‫وكأنما ملؤوا عيا َ‬

‫ب قفار‬
‫وغمود أنصلهم سرا َ‬

‫‪908‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وكأنما صنعُ السوابِغ عّزه‬

‫ماُء الحديد فصاغ ماَء قرار‬

‫زردا ً فأحكم كل موصل حلق ٍ‬


‫ة‬

‫بحبابةٍ في موضع المسمار‬

‫فتسربلوا بمتون ماٍء جامدٍ‬

‫ب ماء جار‬
‫وتقّنعوا بحبا ِ‬

‫أسد ٌ ولكن يؤثرون بزادهم‬

‫ن باليثار‬
‫والسد ُ ليس تدي ُ‬

‫يتزّين الّنادي بحسن وجوههم‬

‫كتزّين الهالت بالقمار‬

‫يتع ّ‬
‫طفون على المجاور فيهم‬

‫بالمنفسات تعط ّ َ‬
‫ف الظار‬

‫ن جعل ال ّ‬
‫ظبى أنصاره‬ ‫من ك ّ‬
‫لم ْ‬

‫‪909‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ن واستغنى عن النصار‬
‫وكوم َ‬

‫وإذا هو اعتقل الفتاة حسبتها‬

‫صل ّ تأبط ُ‬
‫ه هزبٌز ضار‬

‫ه لم يعتمد‬
‫والليث إن ثاورت ُ‬

‫إل على النياب والظفار‬

‫دلص من ال ّ‬
‫طعان يريحه‬ ‫زرد ُ ال ّ‬

‫في الجحفل المتضايق الجّرار‬

‫مٍخ‬
‫دماء مض ّ‬
‫ما بين ثوب بال ّ‬

‫زلق ونقع بال ّ‬


‫طرد مثار‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫) ‪(1/499‬‬

‫ن‬ ‫ن في ظ ّ‬
‫ل الهواينا كام ٌ‬ ‫والهو ُ‬

‫وجللة الخطار في الخطار‬

‫تندى أسّرة وجهه ويمينه‬

‫‪910‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫في حالة العسار واليسار‬

‫ويمد ّ نحو المكرمات أنامل ً‬

‫ن مجار‬
‫للّرزق في أثنائه ّ‬
‫ي كاسبا ً أو غالبا ً‬
‫يحوي المعال َ‬

‫أبدا ً يدارى دونها ويداري‬

‫قد لح في ليل ال ّ‬
‫شباب كواكب‬

‫إن أمهلت آلت إلى السفار‬

‫ب الحشاِء شّيب مفرقي‬


‫وتلهّ ُ‬

‫هذا الضياُء شواظ تلك النار‬

‫شاب القذال وك ّ‬
‫ل غصن صائٌر‬

‫فبنانه الحوى إلى الزهار‬

‫دمى‬
‫ض ال ّ‬
‫ب فلم بي ُ‬ ‫وال ّ‬
‫شبه منجذ ٌ‬

‫عن بيض مفرقه ذوات نفار‬

‫‪911‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وتود ّ لو جعلت سواد َ قلوبها‬

‫بع ّ‬
‫ذار‬ ‫وسواد َ أعيتها خضا َ‬

‫ل تنفُر الظبيات عنه فقد رأت‬

‫ت في الطوار‬
‫كيف اختلف الّنب ِ‬

‫شيئان ينقشعان أوّ َ‬


‫ل وهلة‬

‫ل الشباب وخّلة الشرار‬


‫ظ ُ‬

‫ي وحبذا‬
‫ب الوف ُ‬
‫ل حبذا الشي ُ‬

‫ن الغ ّ‬
‫ذار‬ ‫ظ ّ‬
‫ل ال ّ‬
‫شباب الخائ ِ‬

‫ه‬ ‫دنيا ال ّ‬
‫شباب وروق ُ‬ ‫وطري من ال ّ‬

‫فإذا انقضى فقد انقضت أوطاري‬

‫قصرت مسافته وما حسناته‬

‫عندي ول آلؤه بقصار‬

‫ما كّلما ازددنا غنى‬


‫نزداد ه ّ‬

‫‪912‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والفقر ك ّ‬
‫ل الفقر في الكثار‬

‫ف ضائعا ً‬
‫ما زاد فوقَ خل ّ َ‬

‫في حادث أو وارث أو عار‬

‫إني لرحم حاسديّ لحّرما‬

‫ت صدورهم من الوغار‬
‫ضمن ْ‬

‫نظروا صنيع الله بي فعيونهم‬

‫في جّنة وقلوبهم في نار‬

‫ل ذنب لي قد رمت كتم فضائلي‬

‫ه نهار‬
‫ت وج َ‬
‫فكأنما بزقع ُ‬

‫وسترتها بتواضعي فتطّلعت‬

‫أعناقها تعلو على الستار‬

‫م ومجاهل‬
‫ومن الرجال معال ٌ‬

‫ض ودراري‬
‫جوم غوام ٌ‬
‫ومن الن ّ‬

‫‪913‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والناس مشتبهون في إيرادهم‬

‫وتفاضل القوام في الصدار‬

‫عمري لقد أوطأتهم ّ‬


‫طرق العل‬

‫فعموا فلم يقفوا على آثاري‬

‫لو أبصروا بقلوبهم لستبصروا‬

‫وعمى البصائر من عمى البصار‬


‫هل ّ سعوا سعي الكرام فأدركوا‬
‫) ‪(1/500‬‬

‫أو سّلموا لمواقع القدار‬

‫وفشت خيانات الّثقات وغيرهم‬

‫حتى اّتهمنا رؤية البصار‬

‫ولربما اعتضد َ الحليم بجاهل‬

‫ل خير في يمنى بغير يسار‬

‫ولبي البقاء صالح بن شريف الرندي المتوفى سنة‬

‫‪914‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫‪ 798‬ه? يرثي الندلس‬
‫ن‬
‫م نقصا ُ‬ ‫لك ّ‬
‫ل شيٍء إذا ما ت ّ‬

‫فل يغّر بطيب العيش إنسان‬

‫هي المور كما شاهدتها دول‬

‫ه أزمان‬
‫ن ساءت ُ‬
‫ن سّره زم ٌ‬
‫م ْ‬

‫دار ل تبقى على أحد‬


‫وهذه ال ّ‬

‫ل لها شان‬
‫ول يدوم على حا ٍ‬

‫دهر حتما ً كل سابغ ً‬


‫ة‬ ‫يمّزق ال ّ‬

‫ن‬
‫ت مشرفيات وخرصا ُ‬
‫إذ انب ْ‬

‫ف للفناِء ولو‬ ‫وينتضي ك ّ‬


‫ل سي ٍ‬

‫ن والغمد َ غمدان‬
‫كان ابن ذي يز ٍ‬

‫أين الملوك ذووا الّتيجان من يمن‬

‫وأين منهم أكالي ٌ‬


‫ل وتيجان‬

‫داد في إرم ٍ‬
‫وأين ما شاده ش ّ‬

‫‪915‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وأين ما ساسه في الفرس ساسان‬

‫ن من ذهب‬
‫وأين ما حازه قارو ُ‬

‫داد وقحطان‬
‫وأين عاد ٌ وش ّ‬

‫أتى على الك ّ‬


‫ل أمٌر ل مرد ّ له‬

‫م ما كانوا‬
‫حتى قضوا فكأن القو َ‬

‫ك‬
‫ك ومن مل ٍ‬
‫وصار ما كان من مل ٍ‬

‫ن‬
‫كما حكى عن خيال الطيف وسنا ُ‬
‫ن على دارا وقاتله‬
‫داَر الزما ُ‬

‫م كسرى فما آواه إيوان‬


‫وأ ّ‬

‫ب‬
‫صعب لم يسهل له سب ٌ‬
‫كإنما ال ّ‬

‫يوما ً ول ملك ل ّ‬
‫دنيا سليمان‬

‫وعة‬
‫دهر أنواع ٌ من ّ‬
‫فجائعُ ال ّ‬

‫وللّزمان مسّرات وأحزان‬

‫‪916‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ن يسلهلها‬
‫وللحوادث سلو ٌ‬

‫وما لما ح ّ‬
‫ل بالسلم سلون‬

‫دهى الجزيرة أمٌر ل عزاَء له‬

‫هوى له أحد ٌ وانهد ّ ثهلن‬

‫أصابها العين في السلم فارتزأت‬

‫حتى خلت منه أقطار وبلدان‬

‫ة‬
‫ن مرسي ٍ‬
‫ة ما شأ ُ‬
‫فاسأل بلنسي ً‬

‫ة أم أين جّيان‬
‫وأين شاطب ٌ‬

‫ة داُر العلوم فكم‬


‫وأين قرطب ٌ‬

‫من عالم ٍ قد سما فيها له شان‬

‫ص وما تحويه من نزه‬


‫وأين حم ٌ‬

‫ونهرها العذب فياض وملن‬

‫ن أركان البلد فما‬


‫قواعد ك ّ‬

‫‪917‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫عسى البقاُء إذا لم تبقَ أركان‬


‫) ‪(2/1‬‬

‫تبكي الحنيفّية البيضاء من أسف‬

‫كما بكى لفراق اللف هيمان‬

‫على ديار من السلم خالية‬

‫ت ولها بالكفر عمران‬


‫قد أقفر ْ‬

‫حيث المساجد قد صارت كنائس ما‬

‫ن إل ّ نواقي ٌ‬
‫س وصلبان‬ ‫فيه ّ‬

‫حتى المحاريب تبكي وهي جامدة‬

‫حتى المنابر ترثي وهي عيدان‬

‫يا غافل ً وله في ال ّ‬


‫دهر موعظة‬

‫دهُر يقظان‬
‫إن كنت في سّنة فال ّ‬

‫وماشيا ً مرحا ً يلهيه موطن ُ‬


‫ه‬

‫‪918‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ص تغّز المرء أوطان‬


‫أبعد َ حم ٍ‬

‫دمها‬
‫ت ما تق ّ‬
‫تلك المصيبة أنس ْ‬

‫دهر نسيان‬
‫وما لها من طوال ال ّ‬

‫ن عتاقَ الخيل ضامرة‬


‫يا راكبي َ‬

‫سبق عقبان‬
‫كأّنما في مجال ال ّ‬

‫ة‬
‫ف الهند مرهف ٌ‬
‫وحاملين سيو َ‬

‫كأنها في ظلم النقع نيران‬

‫ة‬
‫وراتعين وراَء البحر في دع ٍ‬

‫لهم بأوطانهم عّز وسلطان‬

‫أعندكم نبأ ٌ من أهل أندلس‬

‫فقد سرى بحديث القوم ركبان‬

‫كم يستغيث بنا المستضعفون وهم‬

‫قتلى وأسرى فما يهتّز إنسان‬

‫‪919‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ماذا الّتقاطع في السلم بينكم‬

‫وأنتم يا عباد الله إخوان‬

‫م‬
‫س أبّيات لها هم ٌ‬
‫أل نفو ٌ‬

‫أما على الخير أنصار وأعوان‬

‫يا من لذّلة قوم ٍ بعد عزّوهم‬

‫أحال حالهم جوٌر وطغيان‬

‫بالمس كانوا ملوكا ً في منزلهم‬

‫ن‬
‫م هم في بلد الكفر عبدا ُ‬
‫واليو َ‬

‫فلو تراهم حيارى ل دليل لهم‬

‫عليهم ف ثياب الذ ّ ّ‬


‫ل ألوان‬

‫م‬
‫ولو رأيت بكاهم عند بيعه ُ‬

‫لهال َ‬
‫ك المُر واستهوتك أحزان‬

‫م وطفل حيل بينهما‬


‫بأ ّ‬
‫يا ر ّ‬

‫‪920‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫كما تفرقُ أرواح وأبدان‬

‫وطفلةٍ مثل حسن الشمس إذ طلعت‬

‫كأنما هي ياقوت ومرجان‬

‫يقودها العلج للمكروه مكرهة‬

‫والعين باكية والقلب حيران‬

‫لمثل هذا يذوب القلب من كمد‬

‫إن كان في القلب إسلم وإيمان‬

‫وقال أبو الطيب المتنبي يرثي أبا شجاع فاتكا ً‬


‫مل يردع‬‫الحزن يقلقُ والتج ّ‬

‫ى طيع‬
‫دمعُ بينهما عص ّ‬
‫وال ّ‬

‫يتنازعان دموع عين مسّهد‬


‫) ‪(2/2‬‬

‫هذا يجيء بها وهذا يرجع‬

‫‪921‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫الّنوم بعد أبي شجاع نافر‬

‫ل معي والكواكب طّلع‬


‫واللي ُ‬

‫إني لجبن من فراق أحّبني‬

‫ع‬
‫س نفسي بالحمام فأشج ُ‬
‫وتح ّ‬

‫ب العادي قسوةً‬
‫ويزيدني غض ُ‬

‫م بي عتب الصديق فأجزع‬


‫ويل ّ‬

‫تصفو الحياة ُ لجاهل أو غافل‬

‫ما مضى منها وما يتوقع‬


‫ع ّ‬
‫ولمن يغال ُ‬
‫ط في الحقائق نفسه‬

‫ويسومها طلب المحال فتطمع‬


‫أين الذي الهرمان من بنيانه‬

‫ه ما المصرع‬
‫ه ما يوم ُ‬
‫ما قوم ُ‬

‫ف الثار عن أصحابها‬
‫تتخل ُ‬

‫حينا ً ويدركها الفناُء فتتبع‬

‫‪922‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وقال عبد المجيد بن عبدون الفهري المتوفى سنة ‪520‬‬


‫ه? راثيا ً ملوك‬
‫بني الفطس من قصيدة ممتعة في التاريخ والدب‬
‫دهر يفجعُ بعد العين بالثر‬ ‫ال ّ‬

‫صور‬
‫فما البكاُء على الشباح وال ّ‬
‫ك ل أنها َ‬
‫ك واحدةً‬ ‫ك أنها َ‬
‫أنها َ‬

‫عن نومة بين ناب اّلليث والظفر‬

‫ة‬
‫ب وإن أبدى مسالم ً‬
‫دهر حر ٌ‬
‫فال ّ‬

‫سمر‬ ‫ض والسمر مث ُ‬
‫ل البيض وال ّ‬ ‫فالبي ُ‬
‫ول هوادة ً بين الرأس تأخذه‬

‫صارم الذكر‬
‫ضراب وبين ال ّ‬
‫يد ُ ال ّ‬

‫فل يغّرنك من دنياك نومتها‬

‫سهر‬
‫فما صناعة عينيها سوى ال ّ‬

‫فبالليالي أقال الله عثرتنا‬

‫من الليالي وغالتها يد العير‬

‫‪923‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫في كل حين لها في كل جارحة‬

‫منا جراح وإن زاغت عن الصبر‬

‫تسر بالشيء لكن كي تغّر به‬

‫كاليم ثار إلى الجاني من الزهر‬

‫كم دولة وليت بالنصر خدمتها‬

‫لم تبق منها وسل دنياك عن خير‬

‫?وقال أبو ذؤيب يرثي أولده‬


‫ع‬
‫ج ُ‬
‫ن المنون وريبها تتو ّ‬
‫أم َ‬

‫ن يجزع‬
‫بم ْ‬
‫دهر ليس بمعت ٍ‬
‫وال ّ‬

‫قالت أمامة ما لجسمك شاحبا ً‬

‫ع‬
‫منذ ابتذلت ومثل مالك ينف ُ‬

‫م‬
‫ت بأن أدافع عنه ُ‬
‫ولقد حرص ُ‬

‫ع‬
‫ت ل تدف ُ‬
‫وإذا المنية أقبل ْ‬

‫‪924‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وإذا المنية أنشبت أظفارها‬

‫ع‬ ‫تك ّ‬
‫ل تميمة ل تنف ُ‬ ‫ألفي َ‬

‫م كأن جفونها‬
‫فالعين بعده ُ‬

‫ع‬
‫ك فهي عوٌر تدم ُ‬
‫ت بشو ٍ‬
‫كحل ْ‬

‫م‬
‫وتجلدي لشامتين اربه ُ‬
‫) ‪(2/3‬‬

‫ع‬
‫دهر ل أتضعض ُ‬
‫أني لّريب ال ّ‬

‫حتى كأني للحوادث مروةٌ‬

‫ف المشقر ك ّ‬
‫ل يوم تقرع‬ ‫نص َ‬

‫ل بد ّ من بلف مقيم فانتظر‬

‫أبأرض قومك أن بأخرى المضجع‬


‫ة‬
‫ولقد أرى أن البكاَء سفاه ٌ‬

‫ولسوف يولع بالبكا من يفجع‬

‫ن عليك يوما ً مّرة‬


‫وليأتي ّ‬

‫‪925‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫يبكي عليك معّنفا ً ل تسمع‬

‫ه‬
‫ن بهم فجع الّزمان وريب ُ‬
‫فلئ ْ‬

‫دتي لمفجع‬
‫أني بأهل مو ّ‬

‫والّنفس راغية إذا ر ّ‬


‫غبتها‬

‫ع‬
‫وإذا ترد ّ إلى قليل تقن ْ‬

‫????وقال أبو النباري المتوفى سنة ‪ 328‬ه? يرثي أبا‬


‫طاهر بن بقية وزير عز الدولة لما قتل وصلب وهي من‬
‫أعظم المراثي ولم يسمع بمثلها في مصلوب حتى أن‬
‫عضد الدولة الذي صلبه تمنى لو كان هو المصلوب‬
‫وقيلت فيه‪.‬‬
‫علوّ في الحياةِ وفي الممات‬

‫ت إحدى المعجزات‬
‫لحقٌ أن َ‬
‫ن الّناس حولك حين قاموا‬
‫كأ ّ‬

‫ت‬
‫وفود ُ نداك أيام الصل ِ‬

‫ك قائم فيهم خطيبا ً‬


‫كأن َ‬

‫ة‬
‫صل ِ‬
‫م لل ّ‬
‫م قيا ٌ‬ ‫و ّ‬
‫كله ُ‬

‫‪926‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫مددت يديك نحوهم احتفاًء‬

‫ت‬
‫م بالهبا ِ‬
‫دهما إليه ْ‬
‫كم ّ‬

‫ض عن أن‬
‫ن الر ِ‬
‫ما ضاقَ بط ُ‬
‫ول ّ‬

‫ة‬ ‫م عل َ‬
‫ك من بعد ِ الوفا ِ‬ ‫يض ّ‬

‫أصاروا الجوّ قبرك واستعاضوا‬

‫سافيات‬
‫عن الكفان ثوب ال ّ‬

‫لعظمك في الّنفوس تبيت ترعى‬

‫بحرّاس وحّفاظ ثقاب‬

‫ن ليل ً‬
‫وتوقد ُ حولك الّنيرا ُ‬

‫م الحياة‬
‫ت أّيا َ‬
‫كذلك كن َ‬

‫ن قب ُ‬
‫ل زيد ٌ‬ ‫ركبت مطّية م ْ‬

‫ت‬
‫ن الماضيا ِ‬
‫سني َ‬
‫علها في ال ّ‬

‫س‬
‫ة فيها تا ّ‬ ‫وتل َ‬
‫ك قضي ّ ٌ‬

‫‪927‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ة‬
‫تباعد ُ عنك تعييَر العدا ِ‬

‫ط جذعا ً‬
‫ولم أر قبل جذعك ق ّ‬

‫ن عتاق المكرمات‬ ‫تم ّ‬


‫كن م ْ‬

‫ب فاستثارت‬
‫ت إلى النوائ ِ‬
‫أسأ َ‬

‫ت‬
‫فأنت قتيل ثأر النائبا ِ‬

‫وكنت تجيرنا من صرف دهر‬

‫فعاد مطالبا لك بالّثرات‬

‫ن فيهش‬
‫وصي َّر دهرك الحسا َ‬

‫ت‬
‫ن عظيم ِ السيئا ِ‬
‫إلينا م ْ‬

‫ت لمعشرِ سعدا ً فل ّ‬
‫ما‬ ‫وكن َ‬

‫ت‬
‫ت تفرقوا بالمنحسا ِ‬
‫مضي َ‬

‫ن لك في فؤادي‬ ‫غلي ٌ‬
‫ل باط ٌ‬
‫) ‪(2/4‬‬

‫‪928‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ت‬
‫دموِع الجاريا ِ‬
‫ف بال ّ‬
‫يخّف ُ‬

‫ت على قيام‬
‫ولو أني قدر ُ‬

‫بفرضك والحقوق الواجبات‬

‫ملت الرض من نظم القوافي‬

‫ت‬
‫ت بها خلف النائحا ِ‬
‫ونح ُ‬

‫ولكّني أصب ُّر عنك نفسي‬

‫ة‬
‫ن أعد ّ من الجنا ِ‬
‫ةأ ْ‬
‫مخاف َ‬

‫ة فأقو ُ‬
‫ل تسقى‬ ‫ومالك ترب ٌ‬

‫ب هطل الهاطلت‬
‫لنك نص َ‬

‫ة الّرحمن تترى‬
‫عليك تحي ُ‬

‫ت غواد ٍ رائحات‬
‫برحما ٍ‬

‫وقال بهاء الدين زهير المتوفى سنة ‪ 656‬ه?‬


‫ك هجرتني هجرا ً طويل ً‬
‫أرا َ‬

‫ودتني من قب ُ‬
‫ل ذا كا‬ ‫وما ع ّ‬

‫‪929‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫صبر عّني‬
‫عهدتك ل تطيق ال ّ‬

‫وتعصى في ودادي من نهاكا‬

‫سحايا‬
‫ت تلك ال ّ‬
‫ف تغّير ْ‬
‫فكي َ‬

‫ومن هذا الذي عّني ثناكا‬

‫ت غدرا ً‬
‫فل والله ما حاول َ‬

‫فك ّ‬
‫ل الّناس يغدر ما خلكا‬

‫وما فارقتني طوعا ً ولكن‬

‫دهاك في المنية ما دهاكا‬

‫ب عّني وهو روحي‬


‫فيا من غا َ‬

‫ف أطبق من روحي انفكاكا‬ ‫وكي َ‬


‫ي أدير عيني‬
‫بعّز عل ّ‬

‫ش في مكانك ل أراكا‬
‫أفت ُ‬

‫ت على ودادك في ضميري‬


‫ختم ُ‬

‫‪930‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وليس يزال مختوما ً هناك‬

‫فيا أسفي لجسمك كيف يبلى‬

‫ب بعد َ بهجته سناك‬


‫ويذه ُ‬

‫ت أّني‬
‫يا قبَر الحبيب ودد ُ‬

‫حملت ولو على عيني ثراكا‬

‫سلم عليك مّني‬


‫ول زال ال ّ‬

‫ف على الّنسيم إلى ذراكا‬


‫يز ّ‬

‫?وقال السيدة تماضر الخنساء المتوفاة سنة ‪ 24‬ه?‬


‫واُر‬ ‫ق ّ‬
‫ذى بعينك أم بالعين ع ّ‬

‫دار‬
‫أم أقفرت إذ خلت من أهلها ال ّ‬
‫ن عيني لذاكرة إذا خطرت‬
‫كأ ّ‬

‫دين مدراُر‬ ‫ض يسي ُ‬


‫ل على الخ ّ‬ ‫في ٌ‬

‫س على صخر وحقّ لها‬


‫تبكي خنا ٌ‬

‫دهر ضراُر‬
‫ن ال ّ‬
‫دهر إ ّ‬
‫إذ رابها ال ّ‬

‫‪931‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ل بد ّ من ميتةِ في صرفها عبٌر‬

‫دهر في صرفه حو ٌ‬
‫ل وأطواُر‬ ‫وال ّ‬

‫يا يخُر وّراد ماٍء قد توارده‬

‫أهل الموارد في ورده عاُر‬

‫ن صخرا ً لحامينا وسينا‬


‫وإ ّ‬

‫ن صخرا ً إذا نشتوا لن ّ‬


‫حاُر‬ ‫وغ ّ‬

‫ه‬ ‫ن صخرا ً لتأت ّ‬


‫م الهداة ب ِ‬ ‫وإ ّ‬

‫م في رأسه ناُر‬
‫ه عل ٌ‬
‫كأن ُ‬

‫لم تره ُ جارة ٌ يمشي بساحتها‬


‫) ‪(2/5‬‬

‫ه الجاُر‬
‫لريبة حين يخلى بيت ُ‬

‫ه‬
‫ي لم تنفد شبيبت ُ‬
‫مثل الّردين ّ‬

‫ي البرد ِ أسواُر‬
‫كأّنه تحت ط ّ‬

‫‪932‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ن بفعل الخير معتمد ٌ‬
‫طلقُ اليدي ِ‬

‫دسعية بالخيرات أماُر‬


‫م ال ّ‬
‫ضخ ُ‬

‫ة‬ ‫حما ُ‬
‫ل ألوية هّباط أودي َ‬

‫شّهاد أندية للجيش جراُر‬

‫وقالت أعرابية ترثي ابنها‬


‫أيا ولدي قد زاد قلبي تلّهبها‬

‫ع‬ ‫وقد حرقت مّني ال ّ‬


‫شؤون المدام ُ‬

‫ة‬
‫وقد أضرمت ناُر المصيبةِ شعل ُ‬

‫ع‬
‫وقد حميت مّني الحشا والضال ُ‬
‫وأسأل عنك الّركب هل تخبرونني‬

‫ن المضاجع‬
‫بحالك كيما تستك ّ‬
‫فلم ي ُ‬
‫ك فيهم مخبٌر عنك صادق‬

‫م من قال إّنك راجع‬


‫ول فيه ُ‬

‫درت عيشتي‬
‫فيا ولدي غبت ك ّ‬

‫‪933‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فقلبي مصدوع وطرفي دامع‬

‫م وعقلي ذاهب‬
‫وفكري مسقو ٌ‬

‫ح وداري بل قع‬
‫ودمعي مسفو ٌ‬

‫وقالت ليلى الخيلية المتوفاة سنة ‪ 80‬ه?‬


‫?لعمرك ما بالموت عاٌر على الفتى=إذا لم تصبه في‬
‫الحياة المعابُر‬
‫ش سالما ً‬
‫ي وإن عا َ‬
‫وما أحد ٌ ح ّ‬

‫ه المقابر‬
‫من غيبت ُ‬
‫بأخلد م ّ‬
‫دهر جازعا ً‬
‫ومن كان مما يحدث ال ّ‬

‫فل بد يوما ً يرى وهو صابر‬

‫وليس لذي عيش عن الموت مقصر‬

‫وليس على اليام والدهر غابر‬

‫دهر معتب‬
‫ي مما يحدث ال ّ‬
‫ول الح ّ‬

‫ي ناشُر‬
‫ول الميت أن لم يصبر الح ّ‬
‫وكل شباب أو جديد إلى بّلى‬

‫‪934‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وكل امرئ يوما ً إلى الله صائر‬

‫وقالت عائشة هانم التيمورية المتوفاة سنة ‪ 1300‬ه?‬


‫ل من غرب العيون بحور‬ ‫إن سأ َ‬

‫ن غدوُر‬
‫دهر باغ والزما ُ‬
‫فال ّ‬

‫دما‬ ‫فلك ّ‬
‫ل عين حقّ مدرار ال ّ‬

‫ة وثبوُر‬
‫ب لوع ٌ‬
‫ولكل قل ٍ‬

‫ضحى‬
‫جبت شمس ال ّ‬
‫ستر السنا وتح ّ‬

‫وتغّيبت بعد ال ّ‬
‫شروق بدور‬

‫ومضى الذي أهوى وجّرعني السا‬

‫وغدت بقلبي جذوة وسعير‬

‫ما نوى عهد الّنوى‬


‫يا ليته ل ّ‬
‫وافى العيون من ال ّ‬
‫ظلم نذير‬

‫ناهيك ما فعلت بماء حشاشتي‬

‫ناٌر لها بين الضلوع زفير‬

‫‪935‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ث حزني في الورى لم يلتفت‬


‫لو ب ّ‬

‫س والمصاب كبير‬
‫لمصاب قي ٍ‬
‫) ‪(2/6‬‬

‫طافت بشهر الصوم كاسات الّردى‬

‫دور‬
‫دموع ت ّ‬ ‫سحرا ً وأكوا ُ‬
‫ب ال ّ‬

‫فتناولت منها ابنتي فتغّيرت‬

‫وجنات خد ّ شانها الّتغيير‬

‫فذوت أزاهير الحياة بروضها‬

‫س ونضير‬
‫وانقد ّ منها مائ ٌ‬

‫سقم في صغرٍ وقد‬


‫ب ال ّ‬
‫ت ثيا َ‬
‫لبس ْ‬

‫ت شراب الموت وهو مرير‬


‫ذاق ْ‬

‫حى وب ّ‬
‫شر بالشفا‬ ‫جاء الطبيب ض ّ‬

‫إن الطبيب بطّبه مغرور‬

‫‪936‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ه‬
‫ف التجّرع وهو يزعم أن ُ‬
‫وص َ‬

‫سقام ِ بشير‬
‫بالبرِء من كل ال ّ‬

‫وارحم شبابي إن والدتي غدت‬

‫ثكلى يشير لها الجوى وتشير‬

‫وارأف بعين حّرمت طيب الكرى‬

‫سهاد وفي الجفون فتور‬


‫تشكو ال ّ‬

‫ما رأت يأس الطبيب وعجزه‬


‫ل ّ‬

‫قالت ودمعُ المقلتين غزير‬

‫ب وفاتني‬ ‫ل ال ّ‬
‫طبي ُ‬ ‫أماه قد ك ّ‬

‫م ُ‬
‫ل في الحياة نصير‬ ‫ما أؤ ّ‬
‫م ّ‬

‫لو جاَء عّراف اليمامة يبتغي‬

‫يرئي لرد ّ ال ّ‬
‫طرف وهو حسير‬

‫يا روع روحي حّلها نزع ُ الضّنا‬

‫‪937‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ما قليل ورقها ستطيُر‬


‫ع ّ‬

‫ماه قد عّز اللقاُء وفي غدٍ‬


‫أ ّ‬

‫سترين نعشي كالعروس يسيُر‬

‫وسينتهي المسعى إلى اّللحد الذي‬

‫هو منزلي وله الجموع تصيُر‬

‫قولي لرب اللحد رفقا ً بابنتي‬

‫جاءت عروسا ً ساقها الّتقدير‬

‫وتجّلدي بإزاء لحدي برهة‬

‫ح راعها المقدور‬
‫فتراك رو ٌ‬

‫ة‬
‫أماه قد سلفت لنا أمني ً‬

‫يا حسنها لو ساقها التيسير‬

‫ت‬
‫ت وتخلف ْ‬
‫كانت كأحلم ٍ مض ْ‬

‫مذ ْ بان يوم البين وهو عسير‬

‫‪938‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫عودي إلى ربٍع خل ومآثر‬

‫قد خّلف ْ‬
‫ت عّني لها تأثير‬

‫صوني جهاز العرس تذكارا ً فلي‬

‫قد كان منه إلى الّزفاف سرور‬

‫جرت مصائب فرقتي لك بعد َ ذا‬

‫سواد ونّفذ َ المسطور‬


‫لبس ال ّ‬

‫ة‬
‫دي روض ٌ‬
‫والقبُر صار لغصن ق ّ‬

‫ريحانها عند المزار زهور‬

‫أماه ل تنسي بحقّ بنوتي‬

‫قبري لئل يحزن المقبور‬

‫ورجاء عفو أو تلوة منزل‬

‫فسواك من لي بالحنين يزور‬

‫فلعلما أحظى برحمة خالق‬

‫‪939‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫م بّر بنا وغفور‬


‫هو راح ٌ‬
‫) ‪(2/7‬‬

‫س منطقي‬
‫دمع يحب ُ‬
‫فأجبتها وال ّ‬

‫دهر من بعد الجوار يجور‬


‫وال ّ‬

‫بنتاه يا كبدي ولوعة مهجتي‬

‫قد زال صفوٌ شانه التكدير‬

‫ل توصي ثكلى قد أذاب فؤادها‬

‫ن عليك وحسرة ٌ وزفير‬


‫حز ٌ‬

‫قسما ً بغ ّ‬
‫ض نواظري وتلهفي‬

‫ن وفارقَ نور‬
‫مذ غاب إنسا ٌ‬

‫وبقلتي ثغرا ً تق ّ‬
‫ضي نحبه‬

‫ت طيب شذاه وهو عطير‬


‫فحرم ُ‬

‫دعا‬
‫والله ل أسلو التلوة وال ّ‬

‫‪940‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ما غّردت فوقَ الغصون طيور‬

‫كل ول أنسى زفير توجعي‬

‫والقد ّ منك لدى الثرى مدثور‬

‫إني ألفت الحزن حتى أّنني‬

‫لو غاب عّني ساءني التأخير‬

‫ت ل أرضى الّتباعد برهة‬


‫قد كن ُ‬

‫كيف الّتصّبر والبعاد دهور‬

‫أبكيك حتى نلتقي في جّنة‬

‫برياض خلد زينتها الحور‬

‫إن قيل على "توحيدة" الحسن التي‬

‫قد غاب بدُر جمالها المستور‬

‫قلبي وجفني واللسان وخالقي‬

‫راض وباك شاكٌر وغفور‬

‫‪941‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ت بالّرضوان في خلد الّرضا‬


‫متع ِ‬

‫ما اّزنيت لك غرفة وقصور‬

‫وسمعت قول الحقّ للقوم داخلوا‬

‫سلم فسعيكم مشكور‬


‫دار ال ّ‬

‫هذا الّنعيم به الحبة تلتقي‬

‫ه المبرور‬
‫ش إل عيش ُ‬
‫ل عي َ‬

‫وقالت المرحومة ملك حفني ناصف ترثي عائشة هانم‬


‫تيمور‬
‫أل يا موت ويحك لم تراع‬

‫حقوقا ً للطروس ول اليراع‬

‫ة بكاًء‬
‫ت الكتب بالكي ٌ‬
‫ترك َ‬

‫ب الطفل في عهد الرضاع‬


‫يشي ُ‬

‫ولم تهب الفضائ َ‬


‫ل والمعالي‬

‫سعي في خير المساعي‬


‫وطول ال ّ‬

‫‪942‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ت نثٌر‬
‫ما رم َ‬
‫ولم يمنعك م ّ‬

‫ن ابتداع‬
‫ول شعٌر ول حس ُ‬

‫نراك تجود ُ بالرزاء حتى‬

‫ل من كرم ال ّ‬
‫طباع‬ ‫عددنا البخ َ‬

‫مود=وزد دمع ل ت ُ‬
‫ك في امتناع‬ ‫بلت ُ‬
‫ك في ج ّ‬ ‫ب يا قل ُ‬
‫فذ ْ‬
‫ي وكن جموما ً‬
‫ول تبخل عل ّ‬

‫فكنز العلم أمسى في ضياع‬

‫سنبقى بعد عائشةٍ حيارى‬

‫ب في الفلة َ بغير راع‬


‫كسر ٍ‬

‫لقد فقدت ولم تفقد علها‬

‫س تغيب بل شعاع‬
‫وهل شم ٌ‬

‫هي الد ّّر المصون ببطن أرض‬


‫) ‪(2/8‬‬

‫‪943‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقد كانت كذلك في قناع‬

‫م ومات سمعنا‬
‫هي البحُر الخض ّ‬

‫بأن البحَر يدفن في الّتلع‬

‫ح المعّلى في العوالي‬
‫لها القد ُ‬

‫وفي نشر المعارف طول باع‬


‫فيا شمس المحامد غبت عّنا‬

‫وخلفت البكاَء لكل ناع‬

‫ويا خيَر النساِء بل خوف‬

‫وقدوتنا بل أدنى نزاع‬

‫لقد أحييت ذكر نساء مصر‬

‫ددت العل بعد انق ّ‬


‫طاع‬ ‫وج ّ‬

‫وشدت صروح طهر باذخات‬

‫صنةٍ كتحصين القلع‬


‫مح ّ‬

‫وقال المرحوم حفني بك ناصف راثيا ً عبد الله باشا‬

‫‪944‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فكري‬
‫دعون العلم والدبا‬
‫ليدِع الم ّ‬

‫ب عبد ُ الله واحتجا‬


‫فقد تغي ّ َ‬

‫ولينتسب أدعياء الفضل كيف قضت‬

‫آراؤهم إذا قضى من يحفظ الّنسبا‬

‫م باليّراع ول‬
‫وليفخر اليوم قو ٌ‬

‫ف عليهم فمن يخشونه ذهبا‬


‫خو ٌ‬

‫وليرق من شاء أعواد المّنابر إذا‬

‫مات الذي يتّقيهِ ك ّ‬


‫ل من خطبا‬

‫لو عاش لم يطرق السماع ذكرهم‬

‫في طلعة الشمس من ذا يبصُر ال ّ‬


‫شهبا‬
‫ب‬
‫م من شاء بالنشاِء ل عج ٌ‬
‫فليس ُ‬

‫مضى الذي كان من آياته عجبا‬

‫طود ٌ من الفضل من بعد الّرسوخ هوى‬

‫‪945‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وكوكب بعد أن أبدي الهدى غربا‬

‫أج ْ‬
‫ل فقد مات عبد ُ الله وا أسفا‬

‫ت مصُر من فكري فواحربا‬


‫وأوحش ْ‬

‫ت وبكت‬ ‫فك ّ‬
‫ل نفس لمعناه شك ْ‬

‫ج واضطربا‬ ‫وك ّ‬
‫ل فكرٍ بفكري ما َ‬

‫ه‬
‫قضى الحياة ونصُر الحقّ ديدن ُ‬

‫ل ينثني رهنا ً عنه ول رغبا‬

‫ل كان عيد ٌ رأينا صفوه كدرا ً‬

‫بفقدهِ وانثنت راحاته تعبا‬

‫ه والعلم في جزع‬
‫سارت جنازت ُ‬

‫ه في ضمن من ندبا‬ ‫والفض ُ‬


‫ل يندب ُ‬

‫وقال أحمد بك شوقي يرثي مصطفى باشا كامل‬


‫المتوفى ‪ 1326‬ه?‬
‫ألمشرقان عليك ينتحبان‬

‫‪946‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫داني‬
‫قاصيهما في مأنم وال ّ‬

‫م السلم أجَر مجاهد‬


‫يا خاد َ‬

‫في الله من خلد ومن رضوان‬

‫الله يشهد أن موتك بالحجا‬

‫والجد ّ والقدام والعرفان‬

‫إن كان للخلق ركن قائم‬

‫في هذه الدنيا فأنت الباني‬


‫) ‪(2/9‬‬

‫بالله فّتش عن فؤادك في الثرى‬

‫هل فيه آما ٌ‬


‫ل وفيه أماني‬

‫وجدانك الحي المقيم على المدى‬

‫ي مّيت الوجدان‬
‫بح ّ‬
‫ولر ّ‬

‫س جار في الحياة لغاية‬


‫النا ُ‬

‫‪947‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ومضل ٌ‬
‫ل يجري بغير عنان‬

‫دنيا وليس بهّين‬


‫والخلد في ال ّ‬

‫عليا المراتب لم تتح لجبان‬

‫فلو أن رسل الله قد جبنوا لما‬

‫ماتوا على دين ول إيمان‬

‫ة‬
‫المجد والشرف الّرفيع صحيف ٌ‬

‫جعلت لها الخلق كالعنوان‬

‫ب من طول الحياة بذّله‬


‫وأح ّ‬

‫قصٌر يريك تقاصر القران‬

‫دقات قلب المرء قائلة له‬

‫إن الحياة دقائقٌ وثواني‬

‫فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها‬

‫فال ّ‬
‫ذكر للنسان عمٌر ثاني‬

‫‪948‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫م شؤونها‬
‫دنيا وج ّ‬
‫للمرء في ال ّ‬

‫ما شاء من ربح ومن خسران‬

‫ب متطّلع‬
‫فهي الفضاء لراغ ٍ‬

‫سلوان‬
‫وهي المضيق لمؤثر ال ّ‬

‫الّناس غاد ٍ في الشفاء ورائح‬

‫يشقى له الّرحماء وهو الشجان‬


‫ومنّعم لم يلقَ إل ّ ل ّ‬
‫ذة‬

‫ن من الشجان‬
‫في طّيها شج ٌ‬

‫فاصبر على نعم الحياة وبؤسها‬

‫م الحياة وبؤسها سّيان‬


‫نع ُ‬

‫يا طاهر الغدوات والّروحات وال‬

‫خطرات والسرار والعلن‬

‫م قبلك في المدائن فاتحا ً‬


‫هل قا َ‬

‫غازٍ بغير مهّند وسنان‬

‫‪949‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫يدعو إلى العلم الشريف وعنده‬

‫ن العلوم دعائم العمران‬


‫أ ّ‬

‫لّفوك في علم البلد منكسا ً‬

‫جزع الهل ُ‬
‫ل على فتى الفتيان‬

‫ما احمر من خجل ول من رتبة‬

‫لكّنما يبكي بدمع قاني‬

‫سنا‬
‫سناء وفي ال ّ‬
‫يزجون نعشك في ال ّ‬

‫فكأنما في نعشك القمران‬

‫وكأنه نعش )الحسين بكربل(‬

‫يختال بين ب ّ‬
‫كي وبين حّنان‬

‫مة الله الكريم وبّره‬


‫في ذ ّ‬

‫م من عرف ومن إحسان‬


‫ما ض ّ‬

‫ة‬
‫)ومشى جلل الموت وهو حقيق ٌ‬

‫‪950‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وجللك المصدوق يلتقيان(‬

‫ت لمنظرك الجيوب عقائ ٌ‬


‫ل‬ ‫شق ْ‬

‫دمع الهتون غواني‬


‫وبكتك بال ّ‬

‫والخلق حولك خاشعون كعهدهم‬

‫إذ ينصتون لخطبة وبيان‬


‫) ‪(2/10‬‬

‫يتساءلون بأيّ قلب ترتقي‬

‫بعد المنابر أم بأيّ لسان‬

‫فلو أن أوطانا ً تص ّ‬
‫ور هيكل‬

‫دفنو َ‬
‫ك بين جوانح الوطان‬

‫أو كان يحم ُ‬


‫ل في الجوارح مّيت‬

‫حملو َ‬
‫ك في السماع والجفان‬

‫أو صيغ من غرر الفضائل والعلى‬

‫‪951‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن لبست أحاسن الكفان‬


‫كف َ‬

‫أو كان لل ّ‬
‫ذكر الحكيم بقّية‬

‫ت في القرآن‬
‫لم تأت بعد ُ رثي َ‬

‫ب مصر ويا شهيد غرامها‬


‫يا ص ّ‬

‫هذا ثرى مصرِ فنم بأمان‬

‫اخلع على مصرٍ شبابك عاليا ً‬

‫والبس شباب الحور والولدان‬

‫ل مصرا ً من شبابك ترتدي‬


‫فلع ّ‬

‫مجدا ً تتيه به على البلدان‬

‫فلو أن بالهرمين من عزماته‬

‫بعض المضاء تحّرك الهرمان‬

‫عّلم َ‬
‫ت شّبان المدائن والقرى‬

‫كيف الحياة تكون في الشّبان‬

‫‪952‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ة ريفها وصعيدها‬
‫مصر السيف ُ‬

‫قبٌر أبّر على عظامك حاني‬

‫أقسمت أّنك في الّتراب طهارة‬

‫ب سؤاله الملكان‬
‫ملك يها ُ‬

‫?وقال ابن هانئ الندلس يرثي إبراهيم بن جعفر بن‬


‫علي‬
‫دهر نفيسا ً فاسترد ْ‬
‫ب ال ّ‬
‫وه َ‬

‫رّبما جاد َ بخي ٌ‬


‫ل فحسد‬

‫خاب من يرجو زمانا ً دائما ً‬

‫تعرف الباساُء منه والّنكد‬

‫ن كان سها‬
‫فلقد أذكر م ْ‬

‫ن كان رقد‬
‫ولقد نّبه م ْ‬

‫ن شاَء يقل ما شاءه‬ ‫ق ْ‬


‫ل لم ْ‬

‫ن خصمي في حياتي للد‬


‫إ ّ‬

‫‪953‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ض نصل ً إذا شاء مضى‬
‫منت ٍ‬

‫ش سهما ً إذا شاء قصد ْ‬


‫رائ ٌ‬

‫ن لو عاش سرباله‬
‫تم ْ‬
‫ما َ‬

‫ب الّنور عليه فاتقد‬


‫غل َ‬

‫إنما كان شهابا ً ثاقبا ً‬

‫صعق اّلليل له ثم خمد‬

‫ل رجاٌء في خلود كّلنا‬

‫وارد ُ الماِء الذي كان ورد‬

‫وقال شاعر النيل أحمد بك شوقي راثيا ً‬


‫خلقنا للحياة وللممات‬

‫ومن هذين ك ّ‬
‫ل الحادثات‬

‫ومن يولك يعش ويمت كان لم‬

‫يمّر خياله بالكائنات‬

‫ومهد ُ المرء في أيدي الرواقي‬

‫‪954‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫كنعش المرء بين النائحات‬

‫وما سلم الوليد من اشتكاء‬

‫مر من أداة‬
‫فهل يخلو المع ّ‬

‫هي الدنيا قتا ٌ‬


‫ل نحن فيه‬

‫مقاصد للحسام وللقّناة‬


‫) ‪(2/11‬‬

‫وكل الناس مدفوع إليه‬

‫كما دفع الجبان إلى الّثبات‬

‫نروع ما نرّوع ثم نرمى‬

‫ت‬
‫بسهم من يد المقدورِ آ ٍ‬

‫وقال محمد بك حافظ إبراهيم راثيا ً المام الشيخ محمد‬


‫عبده‬
‫م على السلم بعد محمدٍ‬‫سل ٌ‬

‫ت‬
‫م على أيامه الّنضرا ِ‬
‫سل ٌ‬

‫‪955‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫لقد كنت أخشى عادي الموت قبله‬

‫ت أخشى أن تطول حياتي‬


‫فأصبح ُ‬

‫فوالهفي والقبُر بيني وبينه‬

‫ت‬
‫م النظرا ِ‬
‫على نظرةٍ من تلك ُ‬
‫وفقت عليه حاسَر الرأس خاشعا ً‬

‫ت‬
‫كأّني حيال القبر في عرفا ِ‬

‫ل حكما ً وحكمة‬
‫ت لنا التنزي َ‬
‫أبن َ‬

‫وفّرقت بين النور والظّلمات‬

‫دجى‬
‫دين والعلم وال ّ‬
‫ووفقت بين ال ّ‬

‫فأطلعت نورا ً من ثلث جهات‬

‫ت )لها نوتر ورينان( وقفة‬


‫وقف َ‬

‫ت‬
‫دك فيها الروح بالنفحا ِ‬
‫أم ّ‬

‫ف‬
‫ت مقام الله في كل موق ٍ‬
‫وخف َ‬

‫‪956‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ت‬ ‫فخافك أهل الش ْ‬


‫ك والّنزعا ِ‬

‫وأرصدت للباغي على دين أحمد‬

‫ت‬
‫شباة يراٍع ساحر النفثا ِ‬

‫مشى نعشه يختال عجبا ً بربه‬

‫ويخطر بين اّللمس والقبلت‬

‫جة‬
‫بكى الشرق فارتجت له الرض ر ّ‬

‫ت‬
‫وضاقت عيون الكون بالعبرا ِ‬

‫م عصره‬
‫م السلم عال َ‬
‫بكى عال ُ‬

‫دياجي هادم الشبهات‬


‫سراج ال ّ‬

‫فيا ويح لل ّ‬
‫شورى إذا جد ّ جدذها‬

‫ت‬
‫وطاشت بها الراء مشتجّرا ِ‬

‫ن لها‬
‫ويا ويح للفتيا إذا قيل م ْ‬

‫صدقات‬
‫ويا ويح للخيرات وال ّ‬

‫‪957‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫بكينا على فرد وإن بكاءنا‬

‫على أنفس لله منقطعات‬

‫تعهدها فضل المام وحاطها‬

‫دهر غير مؤآني‬‫بأحسانه وال ّ‬


‫الباب الثامن‬
‫في الحكم والنصائح قال عبيد بن البرص‬
‫كفى زاجرا ً للمرء أّيام دهر ِ‬
‫ه‬

‫ت وتغتدي‬
‫تروح له بالواعظا ِ‬

‫إذا أنت طالبت الرجال نوالهم‬

‫ف ول تطلب بجهد فتنكد‬


‫فع ّ‬

‫عسى سائل ذو حاجة غن منعته‬

‫من اليوم سؤل ً أن يسّرك في غد‬

‫ول تقعدن عن سعي ما قد ورثته‬

‫وما استطعت من خير لنفسك فازدد‬


‫) ‪(2/12‬‬
‫‪958‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫إذا ما رأيت الشّر يبعث أهله‬

‫وقام جناة الشّر بالشّر فاقعد‬

‫وبالعدل فانطلق إن نطقت ول تج‬

‫م فاذممه وذا الحمد فاحمد‬


‫وذا الذ ّ‬

‫عن المرء ل تسأل وسل عن قرينه‬

‫فكل قرين بالمقارن يقتدي‬

‫ول ابتغي ود ّ امرئ ق ّ‬


‫ل خيره‬

‫وما أنا عن وصل الصديق بأحيد‬

‫إذا أنت حملت الخؤون أمانة‬

‫فإنك قد أسندتها شّر مسند‬

‫ول تظهرن ود ّ امرئ قبل خبره‬

‫وبعد بلء المرء فاذمم أو أحمد‬

‫وقال أبو بكر محمد بن الحسين بن دريد الزدي‬

‫‪959‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫المتوفى سنة ‪ 321‬ه?‬
‫ه شيٍء بالمها‬
‫ة أشب َ‬
‫يا ظبي ً‬

‫ترعى الخزامى بين أشجارِ الّنقا‬

‫إما ترى رأسي حاكى لونه‬

‫دجى‬
‫طّرة صبٍح تحت أذيال ال ّ‬

‫ض في مسوده‬
‫واشتعل المبي ّ‬

‫مثل اشتعال الّنار في جزل الغضى‬

‫فكان كالليل البهيم ح ّ‬


‫ل في‬

‫أرجائه ضوء صباٍح فانجلى‬

‫وغاض ماَء شّرتي دهٌر رمى‬

‫خواطر القلب بتبريح الجوى‬

‫ض اّللهو يبسا ً ذاويا‬


‫وآض رو ُ‬

‫ج الثرى‬
‫من بعد ما قد كان مجا َ‬

‫ت جذوةٌ‬
‫م الّنأيُ المش ّ‬
‫وضّر َ‬

‫‪960‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ما تأتلي تسفعُ أثناَء الحشى‬

‫واتخذ الّتمهيد عيني مألفا ً‬

‫ف الكرى‬
‫ما جفا أجفانها طي ُ‬
‫ل ّ‬

‫ه مفتفٌر‬ ‫فك ّ‬
‫ل ما لقيت ُ‬

‫ب ما أسأره شحط الّنوى‬


‫في جن ٍ‬

‫ض ما‬
‫م بع ُ‬
‫صخَر الص ّ‬
‫س ال ّ‬
‫لوْ لب َ‬

‫صفا‬
‫ض أصلد َ ال ّ‬
‫يلقاه قلبي ف ّ‬

‫ب فاعلمن‬
‫ن الرطي ُ‬
‫إذا ذوي الغص ُ‬

‫ن قصاراه نفاد وتوى‬


‫أ ّ‬

‫صه‬ ‫تلب ْ‬
‫ل أجرضتني غ ّ‬ ‫شجي ُ‬

‫عنودها اقت ُ‬
‫ل لي من الشجى‬

‫ن يحم ِ عن عيني البكا تجّلدي‬


‫إ ْ‬

‫فالقلب موقوف على سبل البكا‬

‫‪961‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫لو كانت الحلم ناجتني بما‬

‫ن لصماني الّردى‬
‫ألقاه ُ يقظا َ‬

‫منزلة ما خلتها يرضى بها‬

‫لنفسه ذو أدب ول حجا‬

‫ب خّلب بارقه‬
‫م سحا ٍ‬
‫شي ُ‬

‫ف بين أرتجاء ومّنى‬


‫وموق ٌ‬
‫) ‪(2/13‬‬

‫ل مستوب ٌ‬
‫ل‬ ‫في كل يوم منز ٌ‬

‫ف ماَء مهجتي أو مجتوي‬


‫يشت ُ‬

‫دهر يثنني على‬


‫ما خلت أن ال ّ‬

‫ب الكدى‬
‫ضّراء ل يرضى بها ض ّ‬

‫أرمق العيش على برض فإن‬

‫رمت ارتشافا ً فارمت صع َ‬


‫ب المنتسى‬

‫‪962‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫دهر حول ً كامل ً‬
‫أراجعٌ لي ال ّ‬

‫ود أم ل يزتجي‬
‫إلى الذي ع ّ‬

‫يا دهر إن لم تك عتبى فائتد‬

‫ن إروادك والعتبى سوى‬


‫فإ ّ‬

‫ي طالما أنصبتني‬
‫رفه عل ّ‬

‫ن ملتحى‬
‫ق بعض ماِء غص ِ‬
‫واستب ِ‬

‫ن يا دهر أني ضارعٌ‬


‫ل تحسب ْ‬

‫لنكبةٍ تعرقني عرقَ المدى‬

‫ت من لو هوت الفلك من‬


‫مارس َ‬

‫جوانب الجوّ عليه ما شكا‬

‫ة مصدورٍ إذا‬
‫لكنها نفث ُ‬

‫م من نواحيها غما‬
‫جاش لغا ٌ‬

‫رضيت قسرا ً وعلى القسر رضى‬

‫‪963‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من كان ذا سخط على صرف القضا‬

‫إن الجديدين إذا ما استوليا‬

‫على جديد ٍ أذنياه للبلى‬

‫ع‬
‫ت أدري والّزمان مول ٌ‬
‫ما كن ُ‬

‫ت ملموم ٍ وتنكيث قوي‬


‫بش ّ‬

‫ن القضاء قاذفي في هوّةٍ‬


‫إ ّ‬

‫ل تستب ّ‬
‫ل نفس من فيها هوى‬

‫ت‬
‫ت بعدها غن وأل ْ‬
‫فإن عثر ُ‬

‫نفسي من هاتا فقول ل لعا‬

‫ة‬
‫وإن تكن مدتها موصول ً‬

‫بالحتف سّلط ُ‬
‫ت السى على السا‬

‫ن امرأ القيس جرى إلى مدى‬


‫إ ّ‬

‫ه دون المدى‬
‫فاعتاقه حمام ُ‬

‫‪964‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫س أبي الجبرِ الجوى‬
‫وخامرت نف ُ‬

‫حتى حواه الحتف فيمن قد حوى‬

‫ج القي ُ‬
‫ل ساق نفسه‬ ‫وابن الش ّ‬

‫إلى الّردى حذار إشمات العدى‬

‫ضاح من دون التي‬


‫واحترم الو ّ‬

‫أمّلها سي ُ‬
‫ف الحمام ِ المنتضى‬

‫فقد سما قبلي يزيد ُ طالبا ً‬

‫ي ول ونى‬
‫شأو العل فما وه َ‬

‫فاعترضت دون الذي رام وقد‬

‫م الربى‬
‫جد ّ به الجد ّ الهي ُ‬

‫هل أنا بدع ٌ من عرانين عل َ‬

‫جار عليهم صرف دهر واعتدى‬

‫فإن أنالتني المقاديُر الذي‬

‫‪965‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أكيده لم آل في رأب الثأى‬

‫وقد سما عمرو إلى أوتاره‬


‫) ‪(2/14‬‬

‫فاحت ّ‬
‫ط منها ك ّ‬
‫ل عالي المستمى‬

‫فاستنزل الّرّبا قسرا ً وهي من‬

‫عقاب لوح الجوَ أعلى منتمى‬

‫ه‬
‫ت به همت ُ‬
‫ف استعل ْ‬
‫وسي ٌ‬

‫حتى رمى أبعد شاو المرتمى‬

‫ما ً ناقعا ً‬
‫فجّرع الحبوش س ّ‬

‫دمى‬ ‫واحت ّ‬
‫ل من غمدان محراب ال ّ‬

‫ت نيرانه‬
‫ثم ابن هند باشر ْ‬

‫ت تميما ً بالصل‬
‫يوم أورا ٍ‬

‫ن لي بأس يناجي همتي‬


‫ما اعت ّ‬

‫‪966‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إل تحداه ُ رجاٌء فاكتمى‬

‫ت يرتمى‬
‫ألّية باليعمل ِ‬

‫بها الّنجاء بين أجوزِ الفل‬

‫خوص كأشباح الحنايا ضمّر‬

‫ن جذب البري‬
‫يرعفن بالمشاج م ْ‬

‫ضحى‬
‫دجى وبال ّ‬
‫يرسبن في بحر ال ّ‬

‫يطفون في الل إذا الل طفا‬

‫جى‬
‫ن من حّفا ومن و ّ‬
‫أخفافه ّ‬

‫ب مبيض الحصا‬
‫ة تخض ُ‬
‫مرثوم ٌ‬

‫ب محقوقف‬ ‫يحملن ك ّ‬
‫ل شاح ٍ‬

‫سرى‬
‫من طول تدآب الغدوّ وال ّ‬

‫باّر برى طو ُ‬
‫ل الطوى جثمانه‬

‫فهو كقدِح الّنبع محني القرا‬

‫‪967‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ب العلى‬
‫ينوي التي فضلها ر ّ‬

‫لما دحا تربتها على البنى‬

‫حتى إذا قابلها استعبر ل‬

‫يملك دمع العين من حيث يرى‬

‫مت طاف وانثنى مستلما ً‬


‫ث ّ‬

‫مت جاَء المروتين فسعى‬


‫ت ّ‬

‫ج وثنى عمرةً‬
‫وأوجب الح ّ‬

‫ج ولّبى ودعا‬
‫من بعد ما ع ّ‬

‫مت راح في الملبين إلى‬


‫ث ّ‬

‫جى المأزمان ومنى‬


‫حيث تح ّ‬

‫ثم أتى التعريف يقرو مختبا ً‬

‫مواقفا ً بين الل فالّتقا‬

‫سبع وسبعا ً بعدها‬


‫واستأنف ال ّ‬

‫‪968‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫صوى‬
‫ب وال ّ‬
‫سعى ما بين العقا ِ‬
‫وال ّ‬

‫وراح للّتوديع فيمن راح قد‬

‫أحرز أجرا ً وقلى هجر ّالغا‬

‫بذاك أم بالخيل تعد المرطى‬

‫ب الكلى‬
‫ناشزة ً أكتادها ق ّ‬

‫شعثا ً تعادى كسراحين الغضا‬

‫ميل الحماليق يبارين الش?با‬

‫مري ياسل‬ ‫يحملن ك ّ‬


‫لش ّ‬

‫ض غمر الوغى‬
‫ن خائ ٍ‬
‫شهم الجنا ِ‬

‫ديه إذا‬
‫ب بح ّ‬
‫يغشى صل الحر ِ‬

‫كان لظى الحرب كريه المصطلى‬

‫ف لهث قرنا ً لما‬


‫لو مّثل الحت ُ‬
‫) ‪(2/15‬‬

‫‪969‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ه هيبة ول انثنى‬
‫ه عن ُ‬
‫صدت ُ‬

‫ه مهجه‬
‫ولوْ حمى المقدار عن ُ‬

‫لرامها يستبيح ما حمى‬

‫ت أمرهُ‬
‫تغدو المنايا طائعا ٍ‬

‫ترضى الذي يرضى وتأبى ما أبى‬

‫ب هل‬
‫ن يعر َ‬ ‫بل قسما ً بالش ّ‬
‫مم ْ‬

‫لمقسم ٍ من بعد هذا منتهى‬

‫م الولى إن فخروا قال العل‬


‫ه ُ‬

‫بفي امرئ فاخركم عفرا البرا‬

‫م الولى اجروا ينابيع الّندى‬


‫ه ُ‬

‫ن عرا او اعتفى‬
‫ة لم ْ‬
‫هامي ً‬

‫م اّلذين دوخوا من انتحى‬


‫ه ُ‬

‫ن صعر ومن صغا‬


‫وقوموا م ْ‬

‫‪970‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫م اّلذين جرعوا فما حّلوا‬
‫ه ُ‬

‫ضيم ممراة الحسا‬


‫أفارق ال ّ‬

‫أزال حشو نثرةِ موضونة‬

‫حتى أورى بين أثناِء الحثى‬

‫م في متنه‬
‫ي صار ٌ‬
‫وصاحب ّ‬

‫ب الّنمل يعلو في الّربى‬ ‫مث ُ‬


‫ل مد ّ‬

‫أبيض كالملح إذا انتصيته‬

‫لم يلق شيئا ً حد ّه ُ إل ّ فرى‬

‫ن بين عيره وغّر به‬


‫كأ ّ‬

‫مفتأدا ً تأكل ْ‬
‫ت فيه الجذى‬

‫ن حين تقفو إثرهُ‬


‫يري المنو َ‬

‫في ظلم ِ الكباد ِ سبل ً ل ترى‬

‫إذا هوى في جثةٍ غادرها‬

‫‪971‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من بعدما كانت خسا ً وهي زكا‬

‫ه‬
‫ط نحض ُ‬
‫ف القطار خا ٍ‬
‫ومشر ُ‬

‫حابى القصيرى جرشٍع عرد ُ النسى‬


‫ب ما بين القطاة والمطا‬‫قري ُ‬

‫صل‬
‫بعيد ما بين القذال وال ّ‬

‫سامي الّتليل في دسيع مقعم ٍ‬

‫رحب ّالليان في أمينات العجى‬

‫ة‬
‫ب مكتن ٍ‬
‫ن في حواش ٍ‬
‫ركي َ‬

‫إلى نسور مثل نلفوظ النوى‬

‫يرضخ بالبيد ِ الحصى فإن رقى‬

‫إلى الّربى أورى بها ناَر الحبا‬

‫ة‬
‫يديُر إغليطين في ملموم ٍ‬

‫إلى لموحين بألحاظ اللى‬

‫ب شجرهُ‬ ‫مداخ ُ‬
‫ل الحلقَ رحي ٌ‬

‫‪972‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫صهوةِ ممسود ٌ وأى‬


‫مخلولقُ ال ّ‬
‫ل صك ٌ‬
‫ك يشينه ول فجا‬

‫ن ول شطا‬
‫س واه ٌ‬
‫ول دخي ٌ‬

‫يجري فتكبوا الّريح في غاياته‬

‫سحا‬
‫حسرى تلوذ بجراثيم ال ّ‬

‫ت الرض فوق متنه‬


‫لو اعتسف َ‬

‫ت أن يشكو الوجى‬
‫يجوبها ما خف َ‬
‫) ‪(2/16‬‬

‫ه وهو يرى محتجبا ً‬


‫تظن ُ‬

‫عن العيون إن دأى أو إن ردى‬

‫إذا اجتهدت نظرا ً في إثره‬

‫قلت سنا ً أو مض أو برقٌ خفا‬

‫ما الجوزاٌء في أرساغه‬


‫كأن ّ‬

‫‪973‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫والنجم في جبهته إذا بدا‬

‫هما عتادي الكافيان فقد من‬

‫ه فلينأ عّني من نأى‬


‫أعددت ُ‬

‫حى منصوبة‬
‫فإن سمعت بر ّ‬

‫للحزب فاعلم أّنني قطب الّرحى‬

‫وإن رأيت نار حرب تلتظى‬

‫فاعلم بأني مسعٌر ذاك اللظى‬

‫خيُر النفوس اّلسائل ُ‬


‫ت جهرةً‬

‫ت المرهفات والقنا‬
‫على ظبا ِ‬

‫ن العراق لم أفارقْ أهله‬


‫إ ّ‬

‫دني ول قلى‬
‫نص ّ‬
‫ن شنآ ٍ‬
‫ع ْ‬
‫ول أ ّ‬
‫طبي عيني مذ فارقتهم‬

‫شيٌء يروق العين من هذا الورى‬

‫‪974‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ت الذرا‬
‫ب المنيفا ُ‬ ‫هم ال ّ‬
‫شناخي ُ‬

‫والناس أدحا ٌ‬
‫ل سواهم وهوى‬

‫م البحور زاخٌر ادّبها‬


‫ه ُ‬

‫ب وأضى‬
‫والناس ضخضاح ثعا ٌ‬

‫ت لهم من بعدهم‬
‫ت أبصر ُ‬
‫إن كن ُ‬

‫سفا‬ ‫مثل ً فأغضي ُ‬


‫ت على وخز ال ّ‬

‫ن الذين أوفدا‬
‫حاشا الميري ِ‬

‫ي ظل ّ م ْ‬
‫ن نعيم ٍ قد ضفا‬ ‫عل ّ‬
‫هما اّللذان أثبتا لي أمل ً‬

‫س به على شفا‬
‫قد وقف اليأ ُ‬

‫تلفيا العيش الذي رّنقه‬

‫ف الّزمان فاستساغ َ وصفا‬


‫صر ُ‬

‫وأجريا ماَء الحيا لي رغدا ً‬

‫‪975‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فاهتّز غصني بعدما كان ذوى‬

‫هما اّللذان سموا بناظري‬

‫من بعد إغضائي على لذِع القذى‬

‫هما اّللذان ع ّ‬
‫مرا لي جانيا‬

‫من الّرجاِء كان قدما ً قد ْ عفا‬

‫ت‬ ‫وقّلداني من ّ ُ‬
‫ه لوْ قرن ْ‬

‫بشكر أهل الرض عّني ما وفى‬

‫بالعشر من معشارها وكان كال‬

‫حشوة في آديّ بحرِ قد طمى‬

‫ن ميكال الميَر انتاشني‬


‫ن اب َ‬
‫إ ّ‬

‫ت كالشيء اّللقا‬
‫من بعدما قد كن ُ‬

‫ي أبو العّباس من‬


‫ومد ّ ضبع ّ‬

‫درِع والباِع الوزى‬


‫بعد انقباض ال ّ‬

‫‪976‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ذاك الذي ما زال يسمو للعل‬

‫بفعله حتى عل فوق العل‬


‫) ‪(2/17‬‬

‫لو كان يرّقى أحد ٌ بجوده‬

‫سماء لرتقى‬
‫ومجده إلى ال ّ‬

‫ف‬
‫ما إن أتى بحَر نداه معت ٍ‬

‫على أوارى علم إل ارتوى‬

‫ن‬
‫نفسي الفداُء لميري وم ْ‬

‫تحت السماِء لميريّ الفدا‬

‫ل زال شكري لهما موصل‬

‫ف المنى‬
‫ي أو يعتاقني صر ُ‬
‫لفظ َ‬

‫ت من غير قلى‬
‫إن الولى فارق ُ‬

‫ما زاغ قلبي عنهم وما هفا‬

‫‪977‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن لي عزما ً إذا امتطيت ُ‬


‫ه‬ ‫لك ّ‬

‫ب فآه ُ فانفأى‬
‫لمبهم ِ الخط ِ‬

‫صبا‬
‫م قطريه ال ّ‬
‫ولو أشاُء ض ّ‬

‫ي في ظ ّ‬
‫ل نعيم وغنى‬ ‫عل ّ‬

‫ول عبتني غاذة ٌ وهنانة‬

‫تضني وفي ترشافها برُء الضنى‬

‫ت‬
‫ف لحظها غن نظر ْ‬
‫تفري بسي ِ‬

‫نظرة َ غضبى منك اثناء الحشا‬

‫ض من الورد على الّنس‬


‫دها رو ٌ‬
‫في خ ّ‬

‫ظ منها يجتنى‬
‫رين باللحا ِ‬

‫م لنح ّ‬
‫ط لها‬ ‫ت العص َ‬
‫لو ناج ِ‬

‫طوع َ القياد في شماريخ ال ّ‬


‫ذرا‬

‫ق‬
‫ت في مخلول ِ‬
‫أوْ صابت القان َ‬

‫‪978‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ب المسل َ‬
‫ك وعر المرتقى‬ ‫مستصع ٍ‬

‫ن تسبيحه ودينه‬
‫ألهاه ع ْ‬

‫تأنيسها حتى تراه قد صبا‬

‫ب بها‬
‫صهباء مقطو ٌ‬
‫كأّنما ال ّ‬

‫ماُء جنى ورد ٍ إذا اّللي ُ‬


‫ل عسا‬

‫ف برد ٍ ريقها‬
‫ه راش ُ‬
‫يمتاح ُ‬

‫ظلم منها واّللمى‬


‫بين بياض ال ّ‬

‫سقى العقيق فالحزيز فالمل‬

‫دنا‬
‫إلى الّنحيت فالقرّيات ال ّ‬

‫فالمريد العلى الذي يلقى به‬

‫مصارع السد بألحاظ المها‬

‫ت به‬ ‫لك ّ‬
‫ل مقرم سم ْ‬ ‫مح ّ‬

‫مآثر الباِء في فرع العل‬

‫‪979‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫م إذا اعتزوا‬
‫من الولى جوهره ْ‬

‫ي المصطفى‬
‫ه النب ّ‬
‫ن جوهر من ُ‬
‫م ْ‬

‫دجى‬ ‫صّلى عليه ما ج ّ‬


‫ن ال ّ‬

‫وما جرت في فلك شمس الضحى‬

‫ب جانبا ً‬
‫ن أعارته الجنو ُ‬
‫جو ٌ‬

‫صبا‬
‫ه يد ُ ال ّ‬
‫ت صوب ُ‬
‫منها وواص ْ‬

‫ت‬ ‫نأى يمانيا ً فل ّ‬


‫ما انتشر ُ‬

‫ه وامتد ّ كسراه غطا‬


‫أحضان ُ‬

‫ب‬ ‫فجّلل الفق فك ّ‬


‫ل جان ٍ‬

‫منها كأن من قطره المرن حبا‬


‫) ‪(2/18‬‬

‫ة‬
‫وطّبق الرض فكل بقع ٍ‬

‫ث في هاتا ثوى‬ ‫منها تقو ُ‬


‫ل الغي ُ‬

‫‪980‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ت لها‬
‫ه عن ّ ْ‬
‫إذا خبت بروق ُ‬

‫ب منها ما خبا‬
‫صبا تش ّ‬
‫ح ال ّ‬
‫ري ُ‬

‫ت رعوده ُ حدا بها‬


‫ن ون ْ‬
‫وإ ْ‬

‫ث كما حدا‬
‫ب فحد ْ‬
‫راعي الجنو ِ‬

‫ه‬
‫ن في أحضانهِ وبرك ِ‬
‫كأ ّ‬

‫بركا ً تداعى بي َ‬
‫ن سجر ووحى‬

‫ن سواما ً بهل َ‬
‫لم تر كالمر ِ‬

‫تحتسبهامرعّية وهي سدا‬


‫ت‬
‫ما استوسق ْ‬ ‫تقو ُ‬
‫ل للجراز ل ّ‬

‫بسوقهِ ثقي بريّ وحيا‬

‫فأوسعَ الحداب سيبا ً محسبا ً‬

‫وطّبق البطنان بالماِء الّروى‬

‫ب صوبه‬
‫كأنما البيداُء غي ّ‬

‫‪981‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫م سجا‬
‫بحٌر طما تياره ُ ث ّ‬

‫ذاك الجدا ل زال مخصوصا ً به‬

‫ث وجدا‬
‫قوم هم للرض غي ٌ‬

‫ت إذا ما بهظتني غمرةٌ‬


‫لس ُ‬

‫سي ُ‬
‫ل الّزبى‬ ‫ممن يقول بلغ ال ّ‬

‫ة حتى يرى‬
‫نهنهتها مكظوم ً‬

‫مخضوضعا ً منها الذي كان طغا‬

‫ة‬
‫ول أقول إن عرتني نكب ٌ‬

‫سل‬ ‫ط انقد ّ في البطن ال ّ‬


‫قول القنو ِ‬
‫ب مارسا ً‬
‫ت مّني الخطو ُ‬ ‫قد مارس ْ‬

‫يساوُر الهول إذا الهو ُ‬


‫ل عل‬

‫طمعي شريّ للعدوّ تارة‬

‫والّراح والريُ لمن وّدي ابتغي‬

‫ت سه ٌ‬
‫ل معطفي‬ ‫ن إذا لوين ُ‬
‫لد ٌ‬

‫‪982‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫دا‬
‫ت مرهوب الش ّ‬
‫ألوى إذا خوشن ُ‬

‫ت‬
‫ش طار ْ‬ ‫ّ‬
‫ح الطي ِ‬
‫ي حبوتي=إذا ريا ُ‬
‫م بجنب ْ‬ ‫م الحل ُ‬
‫يعتص ُ‬
‫بالحبا‬
‫س‬
‫ل يطبيني طمعُ مدن ّ ٌ‬

‫إذا استعما َ‬
‫ل طمعٌ أواطبى‬

‫ت بي رتبا ً تجاربي‬
‫وقد عل ْ‬

‫أشفين بي منها على سبا ِ الّنهى‬

‫إن امرؤ ٌ خيف لفراط الذى‬

‫لم يخش مني نزقٌ ول أذى‬

‫من غير ما وهن ولكّني امرؤٌ‬

‫ه ال ّ‬
‫طخا‬ ‫ن عرضا ً لم يدنس ُ‬
‫أصو ُ‬

‫ن عرض المرِء أن يبذ َ‬


‫ل ما‬ ‫وصو ُ‬

‫ما حواه ُ وانتضى‬


‫ن به م ّ‬
‫ض ّ‬

‫والحمد قرن ناجم في زمن‬

‫‪983‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ه زمن فيه بدا‬


‫فهو شبي ُ‬

‫ق‬
‫م رائ ٌ‬
‫والناس كالّنبت فمنه ْ‬

‫ض نضيٌر عوده مّر الجنى‬


‫غ ّ‬

‫ه ما تقتحم العين فإن‬


‫ومن ُ‬

‫ذقت جناه انساغ عذابا ً في اللها‬


‫) ‪(2/19‬‬

‫ه‬
‫ن زيغان َ‬ ‫م الشار ُ‬
‫خم ْ‬ ‫يقو ُ‬

‫ه وانحنى‬
‫ج من ُ‬
‫فيستوي ما انعا َ‬

‫ن زيغه‬
‫هم ْ‬ ‫وال ّ‬
‫شيخ إن قومت ُ‬

‫ف منه ما التوى‬
‫م يقم التثقي ُ‬
‫ل ْ‬

‫كذلك الغصن يسيٌر عطفه‬

‫لدنا ً شديد ٌ غمزه ُ إذا عسا‬

‫ه‬
‫م الناس تحاموا ظلم ُ‬
‫من ظل َ‬

‫‪984‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وعّز عنهم جانباه واحتمى‬

‫ن لن لهم جانبه‬
‫وهم لم ْ‬

‫سفا‬
‫ث ال ّ‬
‫ت أنبا ِ‬
‫م من حّيا ٍ‬
‫أظل ُ‬

‫عبيد ُ ذي المال وإن لم يطمعوا‬

‫ن غمره في جرعه تشفي الصدى‬ ‫م ْ‬


‫ن أملقَ أعداٌء وإن‬
‫وهم لم ْ‬

‫شاركهم فيما أفاد وحوى‬

‫ت أيامي وما الغّر كمن‬


‫عاجم ُ‬

‫دهُر عليهِ واعتدى‬


‫تأزَر ال ّ‬

‫ل يرفعُ اّلل ّ‬
‫ب بل جد ّ ول‬

‫يحط ّ َ‬
‫ك الجهل إذا الجد ّ عل‬

‫دهر لم ينفعه ما‬


‫ه ال ّ‬
‫ن لم يعظ ُ‬
‫م ْ‬
‫ح به الواعظ يوما ً أو غد ّا ً‬
‫را َ‬

‫‪985‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من لم تفده ُ عبرا ً أيام ُ‬
‫ه‬

‫كان العمى أولى به من الهدى‬

‫ن قاس ما لم يره بما يرى‬


‫م ْ‬

‫أراه ُ ما يدنو إليه ما نأى‬

‫ص القياد َ لم يزل‬ ‫ن مل َ‬
‫ك الحر َ‬ ‫م ْ‬

‫ن ماِء من الذ ّ ّ‬
‫ل صرى‬ ‫يكرع ُ م ْ‬

‫ت‬
‫س رن ْ‬
‫ن عارض الطماع باليأ ِ‬
‫م ْ‬

‫ن العّز من حيث رنا‬


‫إليه عي ُ‬

‫ن عطف الّنفس على مكروها‬


‫م ْ‬

‫ث انتوى‬
‫كان الغنى قرينه حي ُ‬

‫من لم يقف عند انتهاء قدره‬

‫تقاصرت عنه فسيحات الخطا‬

‫ن ضيع الحزم جنى لنفسه‬


‫م ْ‬

‫‪986‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ة ألذع من سفع ال ّ‬
‫ذكا‬ ‫ندام ً‬

‫ب عرى أخلقه‬
‫من ناط بالعج ِ‬

‫ت إلى تلك العرى‬


‫نيطت عرى المق ِ‬

‫ن طا َ‬
‫ل فوقَ منتهى بسطته‬ ‫م ْ‬

‫دنى بله القصا‬


‫أعجزه نيل ال ّ‬

‫ه=ملعبء يوما ً آض مجزول‬


‫?من رام ما يعجُز عنه طوق ُ‬
‫المطا‬
‫م كواحد‬
‫ف منه ُ‬
‫والناس أل ٌ‬

‫وواحد ٌ كاللف أن أمرق عنى‬

‫ت‬
‫وللفتى ماله ما قدم ْ‬

‫يداه قبل موتهِ ل ما اقتنى‬

‫ث بعده‬
‫وإنما المرُء حدي ٌ‬

‫فكن حديثا ً حسنا ً لمن وعى‬

‫دهر شطريه فق‬


‫ت ال ّ‬
‫إّني حلب ُ‬
‫) ‪(2/20‬‬
‫‪987‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫أمّر لي حينا ً وأحيانا ً حل‬

‫وفّر عن تجربة نابي فق ْ‬


‫ل‬

‫ب وامتطى‬‫ض الخطو َ‬ ‫ل را َ‬
‫في باز ٍ‬
‫م‬
‫سه ْ‬‫ت خل ً يل ّ‬
‫والناس للمو ِ‬

‫ل ما يبقى على اّلل ّ‬


‫س الخل‬ ‫وق ّ‬

‫ن الّردى‬
‫ن مستيقن أ ّ‬
‫عجبت م ْ‬

‫إذا أتاه ل يداوي بالّرقى‬

‫ة‬
‫وهو من الغفلةِ في أهوي ٍ‬

‫كخابط بين ظلم وعشا‬

‫نحن ول كفران لله كما‬

‫سارب أخلى فارتعى‬


‫قد قيل لل ّ‬

‫ن‬
‫س نبأة ً ريعَ وإ ْ‬
‫إذا أح ّ‬

‫ت عنه تمادى ولها‬


‫تطامن ْ‬

‫‪988‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ث فانزوت‬
‫كثلةٍ ريعت للي ِ‬

‫ن مضى‬
‫حتى إذا غاب اطمأّنت إ ْ‬

‫سير الذي يروعنا‬ ‫نها ُ‬


‫ل لل ّ‬

‫ونرتعي في غفلة إذا انقضى‬

‫ع‬
‫ي مول ٌ‬
‫إن الشقاَء بالشق ّ‬
‫ل يمل ُ‬
‫ك الّرد ّ له إذا أتى‬

‫واّللوم لحّر مقي ٌ‬


‫م رادعٌ‬

‫ه إل ّ العصا‬
‫والعبد ُ ل يردع ُ‬

‫وآفة العقل الهوى فمن عل‬

‫على هواه ُ عقله فقد نجا‬

‫كم من أٍخ مسخوطة أخلقه‬

‫ه الود ّ لخلق مرتضى‬


‫أضفيت ُ‬

‫ت السّيف محمودا ً فل‬


‫إذا بلو َ‬

‫‪989‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫تذممه يوما ً أن تراه قد نبا‬

‫وال ّ‬
‫طرف يجتاز المدى ورّبما‬

‫ن لمعداه ُ عثاٌر فكبا‬


‫ع ّ‬

‫ب الذي‬ ‫ن لك بالمه ّ‬
‫ذب الّند ِ‬ ‫م ْ‬

‫ب إليهِ مختطى‬
‫ل يجد ُ العي ُ‬

‫إذا تصّفحت أمور الناس لم‬

‫تلف امرأ َ حاز الكمال فاكتفى‬

‫عو ّ ْ‬
‫ل على الصّبر الجميل أّنه‬

‫أمنعُ ما لذ به أولوا الحجا‬

‫ل السى‬ ‫وعط ّ ِ‬
‫ف الّنفس على سب ِ‬

‫إذا استفّز القلب تبريح الجوى‬

‫دهر يكبو بالفتى وتارة‬


‫وال ّ‬

‫ن عثرةٍ إذا كبا‬


‫هم ْ‬
‫ينهض ُ‬

‫‪990‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ك كيف هوى‬
‫ن من هال ٍ‬
‫ل تعجب ْ‬

‫بلى فاعجبن من سالم ٍ كيف نجا‬

‫ت أّفل‬
‫ن نجوم المجد ِ أمس ْ‬
‫إ ّ‬

‫ص أضحى قد أزى‬ ‫وظل ّ ُ‬


‫ه القال ُ‬

‫س بهم‬
‫ن أنا ٍ‬
‫إل بقايا م ْ‬

‫ل المكرمات يقتدى‬
‫إلى سبي ِ‬

‫ت أنباءهم‬
‫إذا الحاديث انتض ْ‬

‫سدى‬
‫كانت كنشر الّروض غاداه ُ ال ّ‬
‫) ‪(2/21‬‬

‫سامع في مجلسهم‬
‫ل يسمع ال ّ‬

‫هجرا ً إذا جالسهم ول خنا‬

‫ما أنعم العيشة لو أن الفتى‬

‫ت أسّناء الّرشا‬
‫يقبل منه المو ُ‬

‫‪991‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أو لو تحّلى بالشّباب عمرهُ‬

‫ب هاتيك الحلى‬ ‫لم يستبله ال ّ‬


‫شي ُ‬

‫ع‬
‫هيهات مهما يستعّر مسترج ٌ‬

‫دهر للناس أسى‬


‫وفي خطوب ال ّ‬

‫ف السكرى‬
‫وفتية سامرهم طي ٌ‬

‫فسامروا الّنوم وهم غيد ال ّ‬


‫طلى‬

‫ه‬
‫ق بالموامي برك ُ‬
‫والليل مل ٍ‬

‫والعيس ينبئن أفاحيص القطا‬

‫بحيث ل تهدي لسمع نبأة‬

‫صدى‬ ‫إل ّ نئي ُ‬


‫م البوم أو صوت ال ّ‬

‫سرى حتى إذا‬


‫شايعتهم على ال ّ‬

‫درى‬
‫ل بالحبس ال ّ‬
‫مالت أداة ُ الّرح ِ‬

‫ن الهوينا غّبها‬
‫قلت لهم إ ّ‬

‫‪992‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫دوا نحمدوا غب السرى‬
‫ن فج ّ‬
‫وه ٌ‬

‫وموحش القطار طام ماؤهُ‬

‫مدعثر العضاد ِ مزوم ِ الجبا‬

‫ش على أرجائه‬
‫كأنما الّري ُ‬

‫ل أرهفت لتمتهي‬
‫زرقُ نصا ِ‬

‫ه‬
‫ب يعوي حول ُ‬
‫ه والذئ ُ‬
‫وردت ُ‬
‫م السمع من طول ال ّ‬
‫طوى‬ ‫مسن ّ‬
‫كس ّ‬

‫ه‬
‫م ُ‬
‫م أبيهِ أ ّ‬
‫ومنتٍج أ ّ‬

‫ضوى‬
‫س ال ّ‬
‫هم ّ‬
‫ن جسم ُ‬
‫لم يتخوّ ْ‬

‫ت أخيه فانثنت‬
‫ه بن َ‬
‫أفرشت ُ‬

‫عن ولد يورى به ويشتوى‬

‫ق أرجاؤهُ‬
‫ب مخلول ٍ‬
‫ومرق ٍ‬

‫ك وعرِ المرتقى‬
‫مستصعب المسل ِ‬

‫‪993‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وال ّ‬
‫شخص في الل يرى لناظر‬

‫ترمقه حينا ً وحينا ً ل يرى‬

‫ج ريقها‬ ‫أوفيت وال ّ‬


‫شمس تم ّ‬

‫ض ّ‬
‫ل من تحت الحذاِء محتذى‬ ‫وال ّ‬

‫ه ال ّ‬
‫ذئب إذا‬ ‫ق يؤنس ُ‬
‫وطار ٍ‬

‫تضوّر عشاًء وانضوى‬

‫ف‬
‫ي مأل ٌ‬
‫آوى إلى ناريَ وه َ‬

‫يدعو العفاة َ ضوؤها إلى القرى‬

‫ر‬
‫ف خيال زائ ٍ‬
‫لله ما طي ُ‬

‫تزفّ ُ‬
‫ه للقلب أحلم الّرؤى‬

‫ب أجواز الفل محتقرا ً‬


‫يجو ُ‬

‫هول دجى اّلليل إذا اّلليل انبرى‬

‫ه إن أفصح عن أنبائه‬
‫سائل ُ‬

‫‪994‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫دى الليل أن أّنى اهتدى‬
‫أّنى تس ّ‬

‫س‬
‫أو كان يدري قبلها ما فار ٌ‬

‫وما مواميها القفار والقّرى‬

‫وسائلي بمزعجي في وطني‬

‫ه ول نبا‬
‫ي جناب ُ‬
‫ما ضاق ب َ‬
‫) ‪(2/22‬‬

‫ت القضاُء مال ٌ‬
‫ك أمَر الفتى‬ ‫قل ُ‬

‫من حيث ل يدري ومن حيث درى‬


‫ل تسألني واسأل المقداَر هل‬

‫م منه وزُر ومزدرى‬


‫يعص ُ‬

‫ل بد ّ أن يلقى امرؤ ٌ ما خطه‬

‫ق ووحي‬
‫ذو العرش مما هو ل ٍ‬

‫ل غرو إن لح زمان جائٌر‬

‫فاعترق العظم المم ّ‬


‫خ وانتقى‬

‫‪995‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ل مخصّرا ً وقد‬
‫فقد ترى القاح َ‬

‫تلقى أخا القتارِ يوما ً قد نما‬

‫ن لنا‬ ‫يا هؤلّيا ه ْ‬


‫ل نشدت ّ‬

‫ناقية البرقع عن عيني طل‬

‫صبّيين التي‬
‫ت أم ال ّ‬
‫ما أنصف ْ‬

‫ت أخا الحلم ولما يصطبى‬


‫أصب َ‬

‫استحي بيضا ً بين أفوادك أن‬

‫ض اقتياد المهتدى‬
‫يقتادك البي ُ‬

‫هيهات ما أسفعَ هاتا زل ّ ً‬


‫ة‬

‫أطربا ً بعد َ المشيب وال ّ‬


‫جل‬

‫ت قطريهِ لي‬
‫ب ليل جمع ْ‬
‫يار َ‬

‫ت ثمانين عروسا ً تجتلى‬


‫بن ُ‬

‫لم يملك المُاء عليها أمرها‬

‫‪996‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ضرام المحتضى‬
‫ولم يدنسها ال ّ‬

‫داء وأحيانا ً بها‬


‫حينا ً هي ال ّ‬

‫من دائها إذا يهيج يشتفى‬

‫ما اختارها‬
‫قد صانها الخماُر ل ّ‬

‫ضّنا بها على سواها واختبى‬

‫فهي ترى من طول عهد ٍ أن بدت‬

‫في كاسها العين الناس كل‬

‫ن قرن ال ّ‬
‫شمس في ذرورها‬ ‫كأ ّ‬

‫صحن والكاس اقتدى‬


‫بفعلها في ال ّ‬

‫نازعتها أروع ل تسطو على‬

‫ه إذا انتشى‬
‫نديمهِ شّرت ُ‬

‫م لفظه‬
‫كأن نور الّروض نظ ُ‬

‫مرتجل ً أو منشدا ً أو إن شدا‬

‫‪997‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫من ك ّ‬
‫ل ما نال الفتى قد نلته‬

‫والمرُء يبقى بعده حسن الّثنا‬

‫فإن أمت فقد تناهت ل ّ‬


‫ذتي‬

‫وك ّ‬
‫ل شيء بلغ الحد ّ انتهى‬

‫وغن اعش صاحبت دهري عالما ً‬

‫بما انطوى من صرفهِ وما انتشى‬


‫ي الحجا‬‫حاشا لما أساره ف ّ‬

‫والحلم أن أتبع رواد الخنا‬

‫أو أن أرى لنكبة مختضعا ً‬

‫أو لبتهاج فرحا ً ومزدهى‬

‫وقال المثقب العبدي الجاهلي المتوفى سنة ‪ 587‬م‬


‫من قصيدة‬
‫ن إذا ما ترد‬
‫ل تقول ّ‬

‫م الوعد في شيء )نعم(‬


‫أن تت ّ‬
‫) ‪(2/23‬‬
‫‪998‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫حسن قول )نعم) من بعد )ل(‬

‫وقبيح قول )ل( بعد )نعم(‬

‫ة‬
‫إن )ل( بعد )نعم( فاحش ٌ‬

‫فبل فابدأ إذا خفت الندم‬

‫وإذا قلت نعم فاصبر لها‬

‫ف ذم‬
‫بنجاز الوعد إن الخل َ‬

‫اكرم الجار وراٍع حّقه‬

‫إن عرفان الفتى الحقّ كرم‬

‫س‬ ‫ً‬
‫ل تراني راتعا من مجل ِ‬

‫ضرم‬
‫سبع ال ّ‬
‫في لحوم الناس كال ّ‬
‫إن شّر الناس من يمدحني‬

‫حين يلقاني وإن غبت شتم‬

‫وكلم سيِء قد وقرت‬

‫‪999‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عنه أذناي بي من صمم‬

‫ض الصفح والعراض عن‬


‫ولبع ُ‬

‫ذي الخنا أبقى وإن كان ظلم‬

‫وقال الفوه الودي الجاهي المتوفى سنة ‪ 570‬م‬


‫البيت ل يبتنى إل على عمد‬

‫س أوتاد‬
‫ول عماد إذا لم تر ُ‬

‫مع أوتاد وأعمدة‬


‫فإن تج ّ‬

‫يوما ً فقد بلغوا المر الذي كادوا‬

‫ل يصلح الناس فوضى ل سراة لهم‬

‫ول سراة إذا جّهالهم سادوا‬

‫تهدى المور بأهل الرأي ما صلحت‬

‫فإن توّلت فبالشرار تنقاد‬

‫إذا تولى سراة الناس أمرهم‬

‫نما على ذاك أمر القوم فازدادوا‬

‫‪1000‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫كيف الرشاد إذا ما كنت في بقر‬

‫لهم عن الّرشد أغلل وأقياد‬

‫م جهل ً مقادتهم‬
‫أعطوا غواته ُ‬

‫ي منقاد‬
‫فكلهم في حبال الف ّ‬

‫وقال المام علي كرم الله وجهه‬


‫ظلم شؤمق‬ ‫أما والله ال ّ‬

‫م‬ ‫ول زال المسيُء هو ال ّ‬


‫ظلو ُ‬
‫ديان يوم الدين نمضي‬ ‫إلى ال ّ‬

‫وعند الله تجتمع الخصوم‬

‫ستعلم في الحساب إذا التقينا‬

‫غدا ً عند المليك من الملوم‬

‫س‬ ‫ّ‬
‫ستنقطع اللذاذة ُ عن أنا ٍ‬

‫دنيا وتنقطع الهموم‬


‫من ال ّ‬

‫لمر تصّرمت الليالي‬

‫‪1001‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫لمرٍ ما تحّرمت الّنجوم‬

‫ت‬
‫ض ْ‬
‫سل الّيام عن أمم تق ّ‬

‫ستنبيك المعالم والّرسوم‬

‫دنايا‬
‫تروم الخلد في دار ال ّ‬

‫فكم قد رام غيرك ما تروم‬

‫تنام ولم تنم عنك المنايا‬

‫تنّبه للمنّية يا نؤوم‬

‫ت تفنى‬
‫لهوت عن الفناء وأن َ‬

‫دنيا يدوم‬
‫فما شيٌء من ال ّ‬

‫تموت غدا ً وأنت قرير عين‬


‫) ‪(2/24‬‬

‫من ال ّ‬
‫شهوات في لجج تعوم‬

‫وقال أيضا ً‬

‫‪1002‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عليك بّبر الوالدين كليهما‬

‫وبّر ذوي القربى وبّر الباعد‬

‫ول تصحبن إل ّ تقّيا مهذبا ً‬

‫عفيفا ً ذكيا ً منجزا ً للمواعد‬

‫ت حّرا ً مؤدبا ً‬
‫وقارن إذا قارن َ‬

‫فتى من بني الحرار زين المشاهد‬


‫ف الذى واحفظ لسانك واّتق‬
‫وك ّ‬

‫فديتك في ود ّ الخليل المساعد‬

‫ونافس ببذل المال في طلب العلى‬

‫مة محمود الخلئق ماجد‬


‫به ّ‬

‫وكن واثقا ً بالله في كل حاد ٍ‬


‫ث‬

‫يصن َ‬
‫ك مدى اليام من شّر حاسد‬

‫ج غيره‬
‫وبالله فاستعصم ول تر ُ‬

‫ول ت ُ‬
‫ك في الّنعماِء عنه بجاحد‬

‫‪1003‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ب‬
‫ض عن المكروه طرفك واجتن ْ‬
‫وغ ّ‬

‫أذى الجارِ واستسمك بحبل المحامد‬

‫دنيا بناَء مؤمل‬


‫ن في ال ّ‬
‫ول تبي ِ‬

‫خلودا ً فما ح ّ‬
‫ي عليها بخالد‬

‫وقال أيضا ً‬
‫دم لنفسك في الحياة تزّودا ً‬ ‫ق ّ‬

‫فلقد تفارقها وأنت موّدع‬

‫سفر القريب فإنه‬


‫واهتم لل ّ‬

‫ع‬
‫سفر البعيد وأشن ُ‬
‫ن ال ّ‬
‫أنأى م َ‬

‫واجعل تزوّددك المخافة والّتقى‬

‫فلع ّ‬
‫ل حتفك في مسائك أسرعُ‬

‫واقنع بقوتك فالقناع هو الغنى‬

‫والفقر مقرون بمن ل يقنع‬

‫‪1004‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأحذر مصاحبة اللئام فإنهم‬

‫منعوك صفو ودادهم وتصّنعوا‬

‫م الّرضا‬ ‫أه ُ‬
‫ل الموّدة ما أنلته ُ‬

‫مهم لك منّقع‬
‫وإذا مّنعت فس ّ‬

‫ل تفش سرا ً ما استطعت إلى امرئ‬

‫يفشى إليك سرائرا ً يستودع‬

‫سرٍ غيرك صانعا ً‬


‫فكما تراه ب ّ‬

‫فكذا بسّرك ل محالة يصنع‬

‫ل تبدأن بمنطق في مجلس‬

‫سؤال فإن ذلك يشنع‬


‫قبل ال ّ‬

‫ن بالفتى‬
‫ن كل ظ ّ‬
‫فالصمت يحس ُ‬

‫ه أرقع‬
‫ه خرقٌ سفي ٌ‬
‫ولعل ُ‬

‫ب لفظةِ مازٍح‬
‫ح قر ّ‬
‫ودع المزا َ‬

‫‪1005‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫جلبت إليك بلبل ً ل تدفع‬

‫ه فإنه‬ ‫وحفا َ‬
‫ظ جارٍ ل تضع ُ‬

‫م مضّيع‬
‫ف الجسي َ‬
‫ل يبلغُ الشر َ‬

‫وإذا استقالك ذو الساءةِ عثرةً‬

‫ه إن ثواب ذلك أوسع‬


‫فأقل ُ‬

‫سرائر فاخفها‬
‫وإذا ائتمنت على ال ّ‬
‫) ‪(2/25‬‬

‫واستر عيوب أخيك حين تطّلع‬

‫ن الحوادث إنما‬
‫ل يجَزع ّ‬

‫خرقُ الّرجال عن الحوادث يجزع‬


‫وأطعْ أباك بكل ما أوصى به‬

‫ع‬
‫إن المطيع أباه ل يتضعض ُ‬

‫وقال أيضا ً‬
‫صن الّنفس واحملها على ما يزينها‬

‫‪1006‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ش سالما ً والقول فيك جمي ُ‬
‫ل‬ ‫تع ْ‬
‫س إل تجمل ً‬
‫ول ترّين النا َ‬

‫نبا بك دهٌر أو جفاك خليل‬

‫وإن ضاق رزق اليوم فاصبر إلى غدٍ‬

‫دهر عنك تزول‬


‫عسى نكبات ال ّ‬

‫ه‬ ‫ي الّنفس إن ق ّ‬
‫ل مال ُ‬ ‫يعّز غن ّ‬

‫ي المال وهو ذليل‬


‫ويفنى غن ّ‬

‫ن‬
‫ئ متلو ٍ‬
‫ول خير في وُد ّ امر ٍ‬

‫إذا الّريح مالت مال حيث تميل‬

‫ه‬
‫جواد ٌ إذا استغنيت عن أخذ ِ مال ِ‬

‫وعند احتمال الفقر عنك بخيل‬

‫دهم‬
‫فما أكثر الخوان تع ّ‬

‫ت قليل‬
‫ولكّنهم في النائبا ِ‬

‫‪1007‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وقال عبد الله بن جعفر الطالبي المتوفى سنة ‪ 80‬ه?‬
‫ت في حاجةٍ مرسل ً‬ ‫إذا كن َ‬

‫ل حكيما ً ول توص ِ‬
‫ه‬ ‫فأرس ْ‬

‫ب أمرٍ عليك التوى‬


‫وإن با ُ‬

‫فشاوْر لبيبا ً ول تعص ِ‬


‫ه‬

‫ك يوما ً دنا‬
‫ح من َ‬
‫وإن ناص ٌ‬

‫ه‬
‫ه ول تقص ِ‬
‫فل تنأ عن ُ‬

‫س‬
‫ول تذكر الدهَر في مجل ٍ‬

‫حديثا ً إذا أنت لم تحص ِ‬


‫ه‬

‫ه‬
‫ونص الحديث إلى أهل ِ‬

‫صه‬
‫ة في ن ّ‬
‫فإن المان َ‬

‫ه‬
‫ب لب ُ‬
‫وكم من فتى عاز ٍ‬

‫ه‬
‫ن من شخص ِ‬ ‫ب العي ُ‬‫وقد تعج ُ‬
‫ه أنوكا ً‬
‫وآخَر تحسب ُ‬

‫‪1008‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ه‬ ‫ويأتي َ‬
‫ك بالمرِ من فص ِ‬

‫وقال أبو السود الدؤلي‬


‫حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه‬

‫م‬
‫فالقوم أعداٌء له وخصو ُ‬

‫ب محسدا ً لم يجترم‬
‫وترى اللبي َ‬

‫ه مشتوم‬
‫م الّرجال وعرض ُ‬
‫شت َ‬

‫ة‬
‫ت عليه نعم ٌ‬ ‫وكذا َ‬
‫ك من عظم ْ‬

‫ف عليه صروم‬
‫حساده سي ٌ‬

‫سفيه فإنها‬
‫فاترك مجاراة ال ّ‬

‫ب بعد ذاك وخيم‬


‫م وغ ّ‬
‫ند ٌ‬

‫سفيه كما جرى‬


‫ت مع ال ّ‬
‫فإذا جري َ‬

‫فكل َ كما في جْريه مذموم‬

‫ه‬
‫سفيه ولمت ُ‬
‫ت على ال ّ‬
‫وإذا عتب َ‬

‫في مثل ما تأتي فأنت ظلوم‬

‫‪1009‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ل المعّلم غيره‬
‫أيها الرج ُ‬
‫) ‪(2/26‬‬

‫هل لنفسك كان ذا التعليم‬

‫ضنى‬
‫سقام وذي ال ّ‬
‫دواءَ وذي ال ّ‬
‫ف ال ّ‬
‫تص ُ‬

‫ح به وأنت سقيم‬
‫كيما يص ّ‬

‫ح بالّرشاد عقولنا‬
‫وأراك تصل ُ‬

‫أبدا ً و أنت من الّرشاد عقيم‬

‫ق وتأتي مثله‬
‫ل تنه عن خل ٍ‬

‫عاٌر عليك إذا فعلت عظيم‬

‫ابدأ بنفسك فانهها عن غّيها‬

‫ت عنه فأنت حكيم‬


‫فإذا انته ْ‬

‫ت ويقتدى‬ ‫فهناك يقب ُ‬


‫ل ما وعظ َ‬

‫بالعلم منك وينفع الّتعليم‬

‫‪1010‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫مك ظالما ً‬
‫ن عرض بن ع ّ‬
‫ل تكلم ْ‬

‫ت فعرضك المكلوم‬
‫فإذا فعل َ‬

‫وحريمه أيضا ً حريمك فاحم ِ‬


‫ه‬

‫كيل يباع لديك منه حريم‬

‫ة‬
‫مك كلم ً‬
‫وإذا اقتصصت من ابن ع ّ‬

‫ت كلوم‬
‫ه لك إن علق َ‬
‫فكلوم ُ‬

‫ة‬
‫وإذا طلبت إلى كريم حاج ً‬

‫فلقاؤه يكفيك والّتسليم‬

‫فإذا رآك مسّلما ً ذكر الذي‬

‫كّلمت ُ‬
‫ه فكأنه ملزوم‬

‫مه‬
‫ورأى عواقب حمد ِ ذاك وذ ّ‬

‫للمرء تبقى والعظام رميم‬

‫ت جفاءه‬
‫ج الكريم وإن رأي َ‬
‫فار ُ‬

‫‪1011‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فالعتب منه والكريم كريم‬

‫ت مضطّرا ً وإل فاتخذ ْ‬


‫إن كن َ‬

‫نفقا ً كأنك خائ ٌ‬


‫ف مهزوم‬

‫واتركه واحذر أن تمّر ببابه‬

‫دهرا ً وعرضك إن فعل َ‬


‫ت سليم‬

‫فالناس قد صاروا بهائم كّلهم‬

‫ومن البهائم قائ ٌ‬


‫ل وزعيم‬

‫م ليس يرجى نفعهم‬


‫ي وبك ٌ‬
‫عم ٌ‬

‫وزعيمهم في الّنائبات مليم‬

‫ت إلى لئيم حاجة‬


‫وإذا طلب َ‬

‫ق وأنت مديم‬
‫ح في رف ٍ‬
‫فأل ّ‬

‫ة بيته وفنائه‬
‫والزم قبال َ‬

‫م‬
‫م الغرَيم غري ُ‬
‫بأشد ّ ما لز َ‬

‫‪1012‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫دنيا ورغبة أهلها‬


‫وعجبت لل ّ‬

‫والّرزق فيما بينهم مقسوم‬

‫ب من أرى‬
‫والحمق المرزوقُ أعج ُ‬

‫من أهلها والعاق ُ‬


‫ل المحروم‬

‫ثم انقضى عجبي لعلمي أّنه‬

‫ه معلوم‬
‫ف وقت ُ‬
‫رزقُ موا ٍ‬

‫وقال العباس بن مرداس المتوفى سنة ‪16‬ه?‬


‫ترى الرج َ‬
‫ل الّنحيف فتزدريه‬

‫وفي أثوابه أسد ٌ مزيُر‬

‫ويعجبك ال ّ‬
‫طرير فتبتليه‬

‫فيخلف ظّنك الّرجل الطرير‬


‫) ‪(2/27‬‬

‫م الّرجال لهم بفخر‬


‫فما عظ ُ‬

‫‪1013‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫م وخير‬
‫ولكن فخرهم كر ٌ‬
‫طير أكثرها فراخا ً‬
‫ث ال ّ‬
‫بغا ُ‬

‫ت نزور‬
‫صقر مقل ٌ‬
‫وأم ال ّ‬
‫طير أطولها جسوما ً‬
‫ف ال ّ‬
‫ضعا ُ‬

‫صقور‬
‫ولم تطل البزاة ول ال ّ‬

‫ب‬
‫لقد عظم البعير بغير ل ّ‬

‫فلم يستغن بالعظم البعير‬

‫ه‬
‫ي بكل وج ٍ‬
‫يصّرفه الصب ّ‬

‫ويحسبه على الخسف الجرير‬


‫فإن أك في شراركم قليل ً‬

‫فإني في خياركم كثير‬

‫وقال المام الشافعي رضي الله عنه‬


‫دع الّيام تفعل ما تشاُء‬

‫وطب نفسا ً إذا حكم القضاُء‬

‫‪1014‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ول تجزع لحادثة الليالي‬

‫فما لحوادث الدنيا بقاء‬

‫وكن رجل ً على الهوال جلدا ً‬

‫سخاء‬
‫وشيمتك السماح وال ّ‬

‫سماحة ك ّ‬
‫ل عيب‬ ‫يغ ّ‬
‫طى بال ّ‬

‫سخاء‬ ‫وكم عيب يغ ّ‬


‫طيه ال ّ‬

‫ن يدوم ول سرور‬
‫ول حز ٌ‬

‫س عليك ول رخاء‬
‫ول بأ ٌ‬
‫ول تريَ العادي قط ذل ّ‬

‫فإن شماتة العدا بلء‬

‫سماحة من بخيل‬
‫ج ال ّ‬
‫ول تر ُ‬

‫فما في النار لل ّ‬
‫ظمآن ماء‬

‫ورزقك ليس ينقصه التأّني‬

‫‪1015‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وليس يزيد في الّرزق العناء‬
‫إذا ما كنت ذا قلب قنوع‬

‫ت ومال ُ‬
‫ك الدنيا سواء‬ ‫فأن َ‬

‫ومن نزلت بساحته المنايا‬

‫ض تقيهِ ول سماء‬
‫فل أر ٌ‬

‫وأرض الله واسعة ولكن‬

‫إذا نزل القضا ضاق الفضاء‬


‫ل حين‬‫دع اليام تغدر ك ّ‬

‫ول يغني عن الموت الدواء‬

‫وقال عبدة بن الطيب المتوفى سنة ‪ 39‬ه?‬


‫ت ورابني‬
‫ي إني قد كبر ُ‬
‫أبن ّ‬

‫بصري وّفي لمنظٌر مستمت ُ‬


‫ع‬

‫أوصيكم بتقى الله فإّنه‬

‫يعطي الرغائب من يشاُء ويمنع‬

‫وبّبر والدكم وطاعة أمره‬

‫‪1016‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫إن البّر من البنين الطوعُ‬

‫ن الكبير إذا عصاه ُ أهله‬


‫إ ّ‬

‫ضاقت يداه ُ بأمره ما يصنع‬

‫ضغائن ل تكن من شأنكم‬


‫ودعوا ال ّ‬

‫إن الغضائن للقرابة توضع‬

‫يزجي عقاربه ليبعث بينكم‬

‫حربا ً كما بعث العروقَ الخدع‬

‫إن الذين ترونكم إخوانكم‬

‫يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا‬


‫) ‪(2/28‬‬

‫ت إلى سبيلي فابعثوا‬


‫وإذا مضي ُ‬

‫رجل ً له قلب حديد أصمع‬

‫ن وإنما‬
‫رم َ‬
‫ن الحوادث تخت ِ‬
‫إ ّ‬

‫‪1017‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫عمر الفتى في أهله مستودع‬

‫يسعى ويجمعُ جاهدا ً مستهترا ً‬

‫دا وليس بآكل ما يجمع‬


‫ج ّ‬

‫وقال قيس بن الخطيم المتوفي سنة ‪ 612‬م من‬


‫قصيدة‬
‫وما بعض القامة في ديار‬

‫يهان بها الفتى إل بلُء‬

‫ض خلئق القوام داُء‬


‫وبع ُ‬

‫كداء البطن ليس له دواُء‬

‫يريد ُ المرُء أن يعطي مناهُ‬

‫ويأبى الله إل ما يشاُء‬

‫وكل شديدة نزلت بقوم‬

‫دتها رخاُء‬
‫سيأتي بعد ش ّ‬

‫ول يعطى الحريص غنى لحرص‬

‫‪1018‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وقد يمنى على الجود الّثراء‬

‫ي‬
‫ت غن ّ‬
‫ي النفس ما عمر ْ‬
‫غن ّ‬

‫ت شقاُء‬
‫وفقُر الّنفس ما عمر ْ‬

‫وليس بنافع ذا البخل ما ٌ‬


‫ل‬

‫سخاء‬
‫ول مزر بصاحبه ال ّ‬

‫س شفاًء‬
‫وبعض الدواء ملتم ٌ‬

‫وداُء النوك ليس له إناء‬

‫ج‬
‫وبعض القول ليس له غنا ٌ‬

‫ض الماِء ليس له إناء‬


‫كمح ِ‬

‫ف‬
‫ئ يدنو لخس ٍ‬
‫ولم أرى كامر ٍ‬

‫له في الرض سيٌر واستواء‬

‫يصوغ لك اللسان على هواهُ‬

‫ح أكثر القيل البلء‬


‫ويفض ُ‬

‫‪1019‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫أل من مبلغ الشعراِء عني‬

‫فل ظلم لديّ ول ابتداء‬

‫ظ الكفاء ظلما ً‬
‫ت بغائ ِ‬
‫ولس ُ‬

‫ت اجتراء‬
‫ما ِ‬
‫وعندي للمل ّ‬

‫وقال صالح بن عيد القدوس المتوفى سنة ‪ 855‬ه??‬


‫ق‬
‫المرء يجمعُ والّزمان يفر ُ‬

‫ق‬
‫ويظل يرقع والخطوب تمّز ُ‬

‫لن يعادي عاقل ً خٌير له‬

‫من أن يكون له صديقٌ أحمق‬

‫فاربأ بنفسك أن تصادق أحمقا ً‬

‫صديق مصدق‬‫صديق على ال ّ‬


‫إن ال ّ‬
‫وزن الكلم إذا نطقت فإنما‬

‫يبدي عقول ذي العقول المنطق‬

‫ومن الّرجال إذا استوت أخلقهم‬

‫‪1020‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫من يستشار إذا استشَير فيطرق‬

‫حتى يح ّ‬
‫ل بكل واد ٍ قلبه‬

‫فيرى ويعرف ما يقول فينطق‬

‫ل ألفيّنك ثاويا ً في غرب ٍ‬


‫ة‬

‫إن الغريب بكل سهم يرشق‬

‫ما الّناس إل عاملن فعامل‬

‫قد مات من عطش وآخر يغرق‬


‫) ‪(2/29‬‬

‫والناس في طلب المعاش وإنما‬

‫بالجد ّ يرزق منهم من يرزق‬

‫س حسب عقولهم‬
‫لو يرزقون النا ُ‬

‫دق‬
‫ألفيت أكثر من ترى يتص ّ‬

‫لكنه فضل المليك عليهم‬

‫‪1021‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫هذا عليه موسعُ ومضّيق‬

‫وإذا الجنازة والعروس تلقيا‬

‫ورأيت دمع نوائٍح يترقرق‬

‫سكت الذي تبع العروس مبهتا ً‬

‫ورأيت من تبع الجنازة ينطق‬

‫وإذا امرؤ ٌ لسعته أفعى مرة‬

‫ه حين يجر حبل يفرق‬


‫تركت ُ‬

‫ي الذين إذا يقولوا يكذبوا‬


‫بق َ‬

‫ومضى الذين إذا يقولوا يصدقوا‬


‫وقال أيضا ً‬
‫ب‬‫ك بعد وصلك زين ُ‬‫ت حبال َ‬‫صرم ْ‬

‫ب‬
‫م وتقل ُ‬
‫?هر فيه تصر ّ‬
‫والد ّ‬

‫ه‬ ‫وكذاك وص ُ‬
‫ل الغانيات فإن ُ‬

‫ب‬ ‫آ ٌ‬
‫ل ببلقعةٍ وبرقٌ خل ُ‬

‫‪1022‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫صبا فلقد عداك زمانه‬


‫فدع ال ّ‬

‫ب‬
‫واجهد ْ فعمر مّر منه الطي ُ‬

‫ة‬ ‫ذهب ال ّ‬
‫شباب فما له من عود ٍ‬

‫ه المهرب‬
‫وأتى المشيب فأين من ُ‬

‫صبا‬
‫دع عنك ما قد فات في زمن ال ّ‬
‫واذكْر ذنوب َ‬
‫ك وابكها يا مذنب‬

‫ب فإّنه‬
‫واخش مناقشة الحسا ِ‬

‫ت ويكتب‬
‫ل بد ّ يحصى ما جني َ‬

‫والليل فاعلم والنهار كلهما‬

‫أنفاسنا فيه تعد ّ وتحسب‬

‫ه‬
‫ن نسيت ُ‬
‫ه الملكان حي َ‬
‫لم ينس ُ‬

‫بل أثبتاه وأنت لهٍٍ تلعب‬

‫والّروح فيك وديعة أودعتها‬

‫‪1023‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ب‬ ‫دها بالر ّ‬


‫غم منك وتسل ُ‬ ‫ستر ّ‬

‫وغرور دنياك التي تسعى لها‬

‫دار حقيقتها متاع يذهب‬

‫وجميع ما حصلته وجمعته‬

‫حّقا ً يقينا ً بعد موتك ينهب‬

‫تب ّا ً لدار ل يدوم نعيمها‬

‫ما قليل يخرب‬


‫ومشيدها ع ّ‬

‫ت نصائحا ً أولكها‬
‫فاسمع هدي َ‬

‫بّر نصوح للنام مجّرب‬

‫أهدى النصيحة فاتعظ بمقاله‬

‫ي الّلوذع ّ‬
‫ي الدرب‬ ‫فهو التق ّ‬

‫دهَر الخؤون لنه‬


‫ل تأمن ال ّ‬

‫ما زالت قدما ً للرجال يه ّ‬


‫ذب‬

‫‪1024‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وكذلك اليام في غصاتها‬

‫ض يذ ّ‬
‫ل له العّز النجب‬ ‫مض ٌ‬

‫ة‬
‫ويفوز بالمال الحقيُر مكان ً‬

‫فتراه يرجى ما لديه ويرغب‬

‫ويسّر بالّترحيب عند قدومه‬


‫) ‪(2/30‬‬

‫م عند سلمه ويقّرب‬


‫ويقا ُ‬

‫فاقنعْ ففي بعض القناعة راحة‬

‫ب المذّلة أشعب‬
‫ولقد كسي ثو َ‬

‫د=في الّرزق بل يشقي‬


‫ن فالحرص ليس بزائ ٍ‬ ‫?ل تحرص ّ‬
‫الحريص ويتعب‬
‫ه‬
‫كم عاجزٍ في الناس يأتي رزق ُ‬

‫رغدا ً ويحر ُ‬
‫م كيس ويخّيب‬

‫فعليك تقوى الله فالزمها تفْز‬

‫‪1025‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ي الهيب‬
‫ي هو البه ّ‬
‫إن التق ّ‬

‫ل بطاعته وتن ْ‬
‫ل منه الرضا‬ ‫واعم ْ‬

‫إن المطيع لرّبه لمقّرب‬

‫أد ّ المانة والخيانة فاجتنب‬

‫ب‬
‫ب المكس ُ‬
‫واعدل ول تظلم يطي ُ‬

‫واحذر من المظلوم سهما ً صائبا ً‬

‫واعلم بأن دعاءه ُ ل يحجب‬

‫واخفض جناحك للقارب كّلهم‬

‫ل واسمح لهم إن أذنبوا‬


‫يتذل ٍ‬

‫ت بنكبة فاصبر لها‬


‫وإذا بلي َ‬

‫ت مسلما ً ل ينكب‬
‫من ذا رأي َ‬

‫وإذا أصابك في زمانك شد ّةٌ‬

‫ه الصعب‬
‫ب الكري ُ‬
‫وأصابك الخط ُ‬

‫‪1026‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فادع ُ لرّبك إنه أدنى لمن‬

‫يدعوه لحبل الوريد وأقرب‬

‫دني لنه‬
‫واحذر مؤاخاة ال ّ‬

‫ح الجرب‬
‫يعدي كما يعدي الصحي َ‬

‫واختر صديقك واصطفيه تفاخرا ً‬

‫ب‬
‫ن إلى المقارن ينس ُ‬
‫إن القري َ‬
‫ودع الكذوب ول يكن لك صاحبا ً‬

‫إن الكذوب لبئس خل ّ يصح ُ‬


‫ب‬

‫وذرِ الحقود ُ وإن تقادم عهدهُ‬

‫صدور مغّيب‬
‫ق في ال ّ‬
‫فالحقد ُ با ٍ‬

‫واحفظ لسانك واحترز لفظه‬

‫فالمرُء يسلم باللسان ويعطب‬

‫وزن الكلم إذا نطقت ول تكن‬

‫‪1027‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ثرثارة ً في كل ناد تخطب‬

‫والسّر فاكتمه ول تنطق به‬

‫ب‬
‫فهو السُير لديك إذ ل ينش ُ‬

‫واحرص على حفظ القلوب من الذى‬

‫فرجوعها بعد التنافر يصعب‬

‫إن القلوب إذا تنافر ودها‬

‫ه الزجاجة كسرها ل يشعب‬


‫شب ُ‬
‫واحذر عدّوك إذ تراه باسما ً‬

‫ه إذ يغضب‬
‫ث يبدو ناب ُ‬
‫فاللي ُ‬

‫صديق رأيته متملقا ً‬


‫وإذا ال ّ‬

‫فهو العدوّ وحّقه يتجنب‬

‫ل خير في ود ّ امرئ متمّلق‬

‫حلو الّلسان وقلبه يتّلهب‬

‫‪1028‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(2/31‬‬

‫يعطيك من طرف الّلسان حلوة‬

‫ويروِغ منك كما يروغ الثعلب‬

‫ق‬
‫يلقاك يحلف أنه بك واث ٌ‬

‫وإذا توارى عنك فهو العقرب‬

‫إذا رأيت الّرزق ضاق ببلدة‬

‫وخشيت فيها أن يضيق المكسب‬

‫فارحل فأرض الله واسعة الفضا‬

‫طول ً وعرضا ً شرقها والمغرب‬


‫???????????????وقال أبو الفتح البستني المتوفي‬
‫سنة ‪ 1122‬ه?‬
‫ن‬
‫زيادة المرء في دنياه نقصا ُ‬

‫وربحه غير محض الخير خسران‬

‫ل وجدان ح ّ‬
‫ظ ل ثبات له‬ ‫وك ّ‬

‫فإن معناه في التحقيق فقدان‬

‫‪1029‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫يا عامرا ً لخراب الدهر مجتهدا ً‬

‫ب العمر عمران‬
‫بالله هل لخرا ِ‬

‫ويا حريصا ً على الموال تجمعها‬

‫ت أن سرور المال أحزان‬


‫أنسي َ‬

‫دنيا وزينتها‬
‫دع الفؤاد عن ال ّ‬

‫فصفوها كدر والوصل هجران‬

‫وأرِع سمعك أمثال ً افصلها‬

‫ضل ياقوت ومرجان‬


‫كما يف ّ‬

‫أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم‬

‫ن إحسان‬
‫فطالما استعبد َ النسا َ‬

‫يا خادم الجسم كم تسهى لخدمته‬

‫ما فيه خسران‬


‫أتطلب الّربح م ّ‬

‫أقبل على النفس واستكمل فضائلها‬

‫‪1030‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فأنت بالّنفس ل بالجسم إنسان‬

‫دهر معوانا ً لذي أم ٍ‬


‫ل‬ ‫وكن على ال ّ‬

‫يرجو نداك فإن الحّر عنوان‬

‫واشدد يدك بحبل الله معتصما ً‬

‫ن إن خانتك أركان‬
‫فإنه الرك ُ‬

‫من يتق الله يحمد من عواقبه‬

‫ويكفه شّر من عّزوا ومن هانوا‬

‫من استعان بغير الله في طلب‬

‫ن ناصره عجٌز وخذلن‬


‫فإ ّ‬

‫من كان للخير مّناعا ً فليس له‬

‫ن وأخدان‬
‫على الحقيقة إخوا ٌ‬

‫من جاد بالمال مال الناس قاطبة‬

‫إليه والمال للنسان فّتان‬

‫‪1031‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫من سالم الّناس يسلم من غوائلهم‬

‫وعاش وهو قرير العين جذلن‬

‫من كان للعقل سلطان عليه غدا‬

‫وما على نفسه للحرص سلطان‬

‫ومن مد طرفا ً بفرط الجهل نحو هوى‬

‫أغضى على الحقّ يوما ً وهو خزيان‬

‫من استشار صروف الدهر قام له‬


‫) ‪(2/32‬‬

‫على حقيقة طبع الدهر برهان‬

‫من يزرع الشر يحصد في عواقبه‬

‫ندامة ولحصد الّزرع إّبان‬

‫ومن استنام على الشرار نام وفي‬

‫قميصه منهم ص ّ‬
‫ل وثعبان‬

‫‪1032‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫كن رّيق البشر إن الحّر همته‬

‫صفيحة وعليها البشُر عنوان‬

‫ورافق الّرفق في كل المور فلم‬

‫ه إنسان‬
‫يندم رفيقٌ ولم يذمم ُ‬

‫ق‬ ‫ول يغرنك ح ّ‬


‫ظ جّره خر ٌ‬

‫فالخرقُ هدم ورفق المرِء بنيان‬

‫ن ومقدرة‬
‫أحسن إذا كان إمكا ٌ‬

‫فلن يدوم على الحسان إمكان‬

‫فالروض يزدان بالنوار فاغمه‬

‫والحّر بالعدل والحسان يزدان‬

‫ن حّر وجهك ل تهتك غللته‬


‫ص ْ‬

‫وان‬ ‫فك ّ‬
‫ل حّر لحّر الوجه ص ّ‬

‫دع التكاسل في الخيرات تطلبها‬

‫‪1033‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ت كسلن‬
‫فليس يسعد بالخيرا ِ‬

‫لظ ّ‬
‫ل للمرِء يعرى من نهى وتقى‬

‫وإن أظّلت ُ‬
‫ه أوراق وأفنان‬

‫ن من والته دولته‬
‫والناس أعوا ُ‬

‫ه أعوان‬
‫وهم عليه إذا عادت ُ‬

‫سبحان من غير مال باق ٌ‬


‫ل حصٌر‬

‫وباق ٌ‬
‫ل في ثراء المال سبحان‬

‫ل تودع السّر وشاء بهِ مذل ً‬

‫فما رعى غنما ً في الد ّوّ سرحان‬

‫ب الناس طبعا ً واحدا ً فلهم‬


‫ل تحس ِ‬

‫ن ألوان‬
‫ت تحصيه ّ‬
‫غرائز لس َ‬

‫ما ك ّ‬
‫ل ماٍء كصداٍء لوارده‬

‫نعم ول ك ّ‬
‫ل نبت فهو سعدان‬

‫‪1034‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ه عارفة‬
‫ن بمطل وج َ‬
‫ل تخدش ّ‬

‫فالّبر يخدشه مط ٌ‬
‫ل ولّيان‬

‫ل تستشر غيَر ندب حازم ٍ يقظ‬

‫قد استوى فيه أسراٌر وإعلن‬

‫فللّتدابير فرسان إذا ركضوا‬

‫فيها أبّروا كما للحرب فرسان‬

‫درة‬
‫ت مق ّ‬
‫وللمور مواقي ٌ‬

‫وكل أمرٍ له حد ّ وميزان‬

‫فل تكن عجل ً في المر تطلبه‬

‫فليس يحمد ُ قبل الّنضج بحران‬

‫كفى للعيش ما قد سد ّ من عوٍز‬

‫ن وغنيان‬
‫ففيه للحّر قنيا ٌ‬

‫ض من معيشته‬
‫وذو القناعةِ را ٍ‬

‫‪1035‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ب الحرص إن أثرى فغضبان‬ ‫وصاح ُ‬


‫حسب الفتى عقله خل ّ يعاشرهُ‬
‫) ‪(2/33‬‬

‫ن وخ ّ‬
‫لن‬ ‫إذا تحاماه إخوا ٌ‬

‫ة وتقى‬
‫هما رضيعا لبان حكم ٌ‬

‫وساكنا وطن ما ٌ‬
‫ل وطغيان‬

‫ن فله‬
‫إذا نبا بكريم موط ٌ‬

‫وراءه في بسيط الرض أوطان‬

‫يا ظالما ً فرحا ً بالعز ساعده‬

‫دهر يقظان‬
‫إن كنت في سنةٍ فال ّ‬

‫ه‬
‫ما استمرأ الظلم لو أنصفت آكل ُ‬

‫وهل يلذ ّ مذاق المرء خطبان‬

‫ه‬
‫ي سيرت ُ‬
‫يا أيها العالم المرض ّ‬

‫‪1036‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أبشر فأنت بغير الماء ريان‬

‫ويا أخ الجهل لو أصبحت في لجٍج‬

‫فأنت ما بينها لش ّ‬
‫ك ظمآن‬

‫ن سرورا ً دائما ًُ أبدا ً‬


‫ل تحسب ّ‬

‫من سّره ُ زمن ساءته أزمان‬

‫شباب الوحف منتشيا ً‬


‫يا رافل ً في ال ّ‬

‫من كأسه هل أصاب الّرشد نشوان‬


‫ق خضل‬ ‫ل تغترر بشباب رائ ٍ‬

‫فكم تقدم قبل ال ّ‬


‫شيب شّبان‬

‫ويا أخا ال ّ‬
‫شيب لو ناصحت نفسك لم‬

‫يكن لمثلك في السراف إمعان‬

‫هب ال ّ‬
‫شبيبة ُتبلى صاحبها‬

‫ما غذُر أشيب يستهويه شيطان‬

‫دين يجبرهُ‬
‫ن ال ّ‬ ‫وك ّ‬
‫ل كسرٍ فإ ّ‬

‫‪1037‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫دين جبران‬
‫وما لكسر قناةِ ال ّ‬

‫?وقال ابن أبي بكر المقري المتوفى سنة ‪ 1001‬ه?‬


‫زيادة القول تحكي الّنقص في العمل‬

‫ل‬
‫ومنطق المرِء قد يهديه للّزل ِ‬

‫إن الّلسان صغيٌر جرم ُ‬


‫ه وله‬

‫م كبيٌر كما قد قيل في المثل‬


‫جر ٌ‬

‫ة‬
‫عقل الفتى ليس يغني عن مشاور ٍ‬

‫سيف ل تغني عن البطل‬


‫دة ال ّ‬
‫كح ّ‬

‫ب غرضا ً‬
‫إن المشاور إما صائ ٌ‬

‫ئ غير منسوب إلى الخطل‬ ‫أو مخط ٌ‬


‫ل تحقر الّرأي يأتيك الحقير به‬

‫ب طائر العسل‬ ‫فالنح ُ‬


‫ل وهو ذبا ٌ‬

‫ول يغرنك ود ّ من أخي أمل‬

‫حتى تجربه في غيبة المل‬

‫‪1038‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن لخطب ما به حي ٌ‬
‫ل‬ ‫ل تجزع ّ‬

‫تغنى وإل فل تعجز عن الحيل‬

‫ه‬
‫وقدُر شكر الفتى لله نعمت ُ‬

‫كقدرِ صِبر الفتى للحادث الجلل‬

‫وإن أخوف نهج ما خشيت به‬

‫ذهاب حريةٍ أو مرتضى عمل‬

‫ن بسقطات الرجال ول‬


‫ل تفرح ّ‬

‫دول‬
‫تهزأ بغيرك واحذر صولة ال ّ‬
‫) ‪(2/34‬‬

‫أحقّ شيٍء برد ّ ما تخالفه‬

‫دين فافهم صنعة الجدل‬


‫شهادة ُ ال ّ‬

‫ه‬
‫وقيمة المرِء ما قد كان يحسن ُ‬

‫فاطلب لنفسك ما تعلو به وصل‬

‫‪1039‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن أبدا ً‬ ‫وك ُ‬
‫ل علم جناه ممك ٌ‬

‫إل ّ إذا اعتصم النسا ُ‬


‫ن بالكسل‬

‫ه العدوّ ول‬
‫ه وورث ُ‬
‫والمال صن ُ‬

‫تحتج حياتك للخوان في الكل‬

‫ل الفتى مال يصون به‬


‫فخير ما ِ‬

‫سبل‬ ‫عرضا ً وينفق ُ‬


‫ه في أشرف ال ّ‬

‫ه‬ ‫وأفضل الّبر مال ً م ّ‬


‫ن يتبع ُ‬

‫دمه شيٌء من المطل‬


‫ول تق ّ‬

‫فإنما الجود بذ ٌ‬
‫ل لم تكلف به‬

‫صنعا ً ولم تنتظر فيه جزا رجل‬

‫إن الصنائع أطواق إذا شكرت‬

‫وإن كفرت فأغلل لمنتحل‬

‫وإن عندي الخطا أفضل من‬

‫‪1040‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫إصابةٍ حصلت بالمنع والبخل‬

‫خير من الخير مسديهِ إليك كما‬

‫دخل‬
‫شٌر من الشّر أهل المطل وال ّ‬

‫ظواهُر العتب للخوان أيسر من‬

‫بواطن الحقد ِ في الّتسديد للخلل‬

‫***‬
‫ه ول‬
‫ه تغظ ُ‬
‫ح وسامح ُ‬
‫دِع الجمو َ‬

‫سمح واحذر سقطة العجل‬


‫تصحب سوى ال ّ‬
‫والقَ الحّبة والخوان قطعوا‬

‫حب َ‬
‫ل الوداد بحبل منك متصل‬

‫فأعجُز الناس حٌر ضاع من يده‬

‫صديق ود ّ فلم يردده بالحيل‬

‫من يقظةٍ بالفتى إظهاُر غفلته‬

‫مع التحّفظ من غدرٍ ومن ختل‬

‫‪1041‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وكن مع الخلق ما كانوا لخالقهم‬

‫سفل‬
‫واحذر معاشرة الوغاد وال ّ‬

‫واخش الذى عند إكرام الّلئيم‬

‫تخشى الذى إن أهنت الحّر ذا الّنبل‬

‫واصبر لواحدة تأمن توابعها‬

‫صغرى من الول‬
‫فربما كانت ال ّ‬

‫ول يغّرنك من مرّقى سهولت ُ‬


‫ه‬

‫ت ذرعا ً منه في الن ُّزل‬


‫فربما ضق َ‬

‫ه=فانظر ليهما‬‫ك المرء شهوت ُ‬ ‫*** ??من المروءة تر ُ‬


‫آثرت فاحتمل شّر الورى من بعيب الناس‬
‫دباب يراعي موضعَ العلل‬ ‫مشتغل=مث ُ‬
‫ل ال ّ‬
‫لو كنت كالّرمح في العمال معتدل ً‬

‫س هذا غيُر معتدل‬


‫لقالت النا ُ‬

‫يا ظالما ً جار فيمن ل نصير له‬


‫) ‪(2/35‬‬
‫‪1042‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن ل تغتّر بالمهل‬
‫إل المهيم ُ‬

‫غدا ً تموت ويقضي الله بينكما‬

‫بحكمه الحقّ ل بالّزيغ والميل‬

‫وإن أولى المل بالعفو أقدرهم‬

‫على العقوبة إن يظفر بذي زلل‬

‫وقال تقي الدين أبو بكر بن حجة الحموي المتوفى سنة‬


‫‪ 837‬ه?‬
‫"أرجوزة استخلصها من كتاب الصادح والباغم"‬
‫ش بالرزق والّتقدير‬
‫العي ُ‬

‫وليس بالرأي ول والتدبير‬

‫في الناس من تسعده ُ القدار‬

‫ه إدبار‬
‫ه جميع ُ‬
‫وفعل ُ‬

‫من عرف الله أزال الّتهمة‬

‫وقال ك ّ‬
‫ل فعلهِ للحكمة‬

‫‪1043‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من أنكر القضاَء فهو مشرك‬

‫إن القضاء بالعباد أمل ُ‬


‫ك‬

‫ونحن ل نشرك بالله ول‬

‫نقنط من رحمته إذ نبتلى‬

‫ر‬
‫ح ذك ِ‬
‫عاٌر علينا وقبي ُ‬

‫أن نجعل الكفَر مكان الشكر‬


‫م جاري‬
‫وليس في العاِلم ظل ٌ‬

‫إذ كان ما يجري بأمرِ الباري‬

‫وأسعد ُ العاِلم عند الله‬

‫س بفضل الجاه‬
‫من ساعد النا َ‬

‫ومن أغاث البائس الملهوفا‬

‫ه الله إذا أخفيا‬


‫أغاث ُ‬

‫م يدفع العظيما‬
‫ن العظي َ‬
‫إ ّ‬

‫كما الجسيم يحمل الجسيما‬

‫‪1044‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ن من خلئق الكرام‬
‫فإ ّ‬

‫ة ذي البلء والسقام‬
‫رحم َ‬

‫ن من شرائط العلو‬
‫وإ ّ‬

‫ف في البؤس على العدو‬


‫العط َ‬

‫ن الشفقة‬
‫قد قضت العقول أ ّ‬

‫على الصديق والعدوّ صدقه‬

‫ت واللبيب يعلم‬
‫وقد علم َ‬

‫بالطبع ل يرحم من ل يرحم‬

‫فالمرُء ل يدري متى يمتحن‬

‫فإنه في دهره مرتهن‬

‫م فما ينجو غدا ً‬


‫وإن نجا اليو َ‬

‫ل يأمن الفات إل ذو الّردى‬

‫رر بالخفض والسلمة‬


‫ل تْغت ِ‬

‫‪1045‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فإنما الحياة كالمدامه‬

‫دهر القدر‬
‫س وال ّ‬
‫والعمُر مثل الكأ ِ‬

‫والصفو ل بد ّ له من الكدر‬

‫وك ّ‬
‫ل إنسان فل بد ّ له‬

‫ه‬
‫من صاحب يحمل ما أثقل ُ‬

‫جهد البلء صحبة الضداد‬

‫ي على الفؤاد‬
‫فإنها ك ّ‬

‫أعظم ما يلقى الفتى من جهد‬

‫ضد ّ‬
‫أن يبتلى في جنسهِ بال ّ‬

‫فإنما الّرجال بالخوان‬


‫) ‪(2/36‬‬

‫واليد بالساعد والبنان‬

‫صحبة إل جاهل‬
‫ل يحقر ال ّ‬

‫‪1046‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫أو مارقٌ عن الّرشاد غافل‬

‫ب قريب‬
‫ة يوم نس ٌ‬
‫صحب ُ‬

‫مة يحفظها الّلبيب‬


‫وذ ّ‬

‫صداقة المساعدة‬
‫وموجب ال ّ‬

‫دة المعاضدة‬
‫ومقتضى المو ّ‬

‫ل سّيما في النوب الشدائد‬

‫والمحن العظيمة والوابد‬

‫فالمرُء يحيي أبدا ً أخاه‬

‫وهو إذا ما عد ّ من أعداه‬

‫إن من عاشر قوما ً يوما ً‬

‫ينصرهم ول يخاف لوما‬

‫وإن من حارب من ل يقوى‬

‫لحربه جر إليه البلوى‬

‫‪1047‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فحارب الكفاَء والقرانا‬

‫فالمرء ل يحارب السلطانا‬

‫واقنع إذا حاربت بالسلمة‬

‫واحذر فعال ً ل توجب الّندامة‬

‫فالتاجر الكّيس في التجارة‬

‫من خاف من متجره الخسارة‬

‫يجهد في تحصيل رأس ماله‬

‫ثم يروم اّلربح باحتياله‬

‫وإن رأيت الّنصر قد لح لكا‬

‫فل تقصر واحتْرز أن تهلكا‬

‫واسبق إلى لجود سبق الناقدِ‬

‫فسبقك الخصم من المكايد‬

‫وانتهز الفرصة إن الفرصة‬

‫‪1048‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫صة‬
‫تصير إن لم تنتهزها غ ّ‬

‫كم بطر الغالب يوما ً فترك‬

‫عنه التوّقي واستهان فهلك‬

‫سلم‬
‫ومن أضاع جنده في ال ّ‬

‫لم يحفظوه في لقاء الخصم‬

‫وإن من ل يحف َ‬
‫ظ القلوبا‬

‫يخذل حين يشهد الحروبا‬

‫والجند ل يرعون من أضاعهم‬

‫كل ّ ول يحمون من أجاعهم‬

‫ف الملوك طّرا عقدا‬


‫وأضع ُ‬

‫من غّره السلم فأقصى الجندا‬

‫والحزم والّتدبير روح العزم‬

‫لخيَر في عزم بغير حزم‬

‫‪1049‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫والحزم كلذ الحزم في المطاولة‬

‫صبر ف يسرعة المزاولة‬


‫وال ّ‬

‫وفي الخطوب تظهر الجواهُر‬

‫ب اليام إل ّ الصابر‬
‫ما غل َ‬

‫ن من فرج ولطف‬
‫ل تيأس ْ‬

‫وة تظهُر بعد َ ضعف‬


‫وق ّ‬

‫فرّبما جاءك بعد اليأس‬

‫ح بل كد ّ ول التماس‬
‫رو ٌ‬

‫في لمحة الطرف بكاٌء وضح ْ‬


‫ك‬

‫وناجد باد ٍ ودمع ينسفك‬

‫ينال بالّرفق وبالتأّني‬

‫مالم تن ْ‬
‫ل بالحرص والّتعّني‬
‫) ‪(2/37‬‬

‫‪1050‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ت والتجّلدا‬
‫ن الّثبا َ‬
‫ماأحس َ‬

‫وأقبح الحيرة والّتبّلدا‬

‫ليس الفتى إل الذي إن طرقه‬

‫ب تلّقاه بصبر وثقة‬


‫خط ٌ‬

‫إذا الّرزايا أقبلت ولم تقف‬

‫م أحوا ُ‬
‫ل الّرجال تختلف‬ ‫فث ّ‬

‫تل ّ‬
‫ذة في زمني‬ ‫وكم لقي ُ‬

‫فأصبُر الن لهذي المحن‬

‫ت ليكون إل مّرة‬
‫فالمو ُ‬

‫ت أحلى من حياة مّرة‬


‫والمو ُ‬

‫إني من الموت على يقين‬

‫فأجهد ُ الن لما يقيني‬

‫صبرا ً على أهوالها ول ضجْر‬

‫‪1051‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ورّبما فاز الفتى إذا صبر‬

‫ل يجزع الحّر من المصائب‬

‫كل ّ ول يخضع للّنوائب‬

‫فالحّر للعبِء الّثقيل يحم ُ‬


‫ل‬

‫والصبُر عند الّنائبات يحمل‬

‫لكل شيٍء مد ّة ٌ وتنقضي‬

‫ن رضي‬
‫م إل م ْ‬
‫ما غلب اليا َ‬

‫قد صدق القائ ُ‬


‫ل في الكلم‬

‫ليس الّنهى بعظم العظام‬

‫ل خَير في جسامة الجسام‬

‫بل هو في العقول والفهام‬

‫فالخيل للحرب وللجمال=والبل للحمل وللّترحال‬


‫لتحتقر شيئا ً صغيرا ً يحتقر‬

‫دم البْر‬
‫ما أسالت ال ّ‬
‫فرب ّ‬

‫‪1052‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫لتحرج الخصم ففي إحراجه‬

‫ه‬
‫جميعُ ما تكره من لجاج ِ‬

‫ت بالّلجاج‬
‫لتطلب الفائ َ‬

‫ن إذا كويت ذا إنضاج‬


‫وك ْ‬

‫فعاجز من ترك الموجودا‬

‫ب المفقودا‬
‫ة وطل َ‬
‫طماع ً‬

‫وفّتش المور عن أسرارها‬

‫كم نكتةٍ جاءتك معْ إظهارها‬

‫ر‬
‫ت للجهل قبيح الظاه ِ‬
‫لزم َ‬

‫سرائر‬
‫ت حسن ال ّ‬
‫وما نظر َ‬

‫ليس يضّر البدر في سناه‬

‫ضرير ق ّ‬
‫ط ل يراه‬ ‫ن ال ّ‬
‫أ ّ‬

‫كم حكمةٍ أضحت بها المحافل‬

‫‪1053‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ة وأنت عنها غافل‬


‫نافق ً‬

‫ويغفلون عن خفي الحكمة‬

‫ولو رأوها لزالوا الّتهمة‬

‫ح‬
‫كم حسن ظاهره ُ قبي ُ‬

‫ه مليح‬
‫وسمٍج عنوان ُ‬

‫والحق قد تعلمه ثقي ُ‬


‫ل‬

‫أبوه ُ إل نفٌر قلي ُ‬


‫ل‬

‫فالعاقل الكامل في الّرجال‬

‫ل ينثني لزخرف المقال‬

‫ه مردود ُ‬
‫إن العدوّ قول ُ‬

‫وقّلما يصدق الحسود‬

‫ل تقب ُ‬
‫ل الدعوى بغير شاهد‬
‫) ‪(2/38‬‬

‫‪1054‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لسيما إن كان من معاند‬

‫سقيم‬
‫أيؤخذ البريُء بال ّ‬

‫والّرجل المحسن بالّلئيم‬

‫كذاك من يستنصح العادي‬

‫ش والفساد‬
‫يردونه بالغ ّ‬

‫إن أك ّ‬
‫ل من ترى أذهانا‬

‫ن حسب الساءة الحسانا‬


‫م ْ‬

‫فادفع إساءة العدى بالحسنى‬

‫ول تخ ْ‬
‫ل يسراك مثل اليمنى‬

‫ن مكايد ُ‬
‫وللرجال فاعلم ْ‬

‫وخدع ٌ منكرة ٌ شدائد ُ‬

‫فالّندب ل يخضع لل ّ‬
‫شدائد‬

‫ق ّ‬
‫ط ول يغتاظ بالمكائد‬

‫‪1055‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فرّقع الخرق بلط ٍ‬
‫ف واجتهد‬

‫صدق وكد‬
‫وامك إذا لم ينفع ال ّ‬

‫فهكذا الحازم إذ يكيد ُ‬

‫يبلغ في العداء ما يريد‬

‫وهو بريٌء منهم في الظاهر‬

‫وغيره ُ مختضب الظافر‬

‫م من يصلح أمر نفسه‬


‫والشه ُ‬

‫ولو بقتل ولده وعرسه‬

‫فإن من يقصد قلعُ ضرسه‬

‫لم يعتمد ْ إل ّ صلح نفسه‬

‫ص اللئيم بالندى‬
‫وإن من خ ّ‬

‫وجدته كمن يرّبي أسدا‬

‫وليس في طبِع اللئيم شكر‬

‫‪1056‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫دنيء نصر‬
‫وليس في أصل ال ّ‬

‫ه وكّلفه‬
‫وإن من ألَزم ُ‬

‫ضد ّ الذي في طبعه ما أنصفه‬


‫كذاك من يصطنع الجّهال‬

‫ويؤثرِ الرذال والنذال‬

‫لو أنكم أفاض ُ‬


‫ل أحراُر‬

‫ت بينكم السرار‬
‫ما ظهر ْ‬

‫إن الصول تجذب الفروعا‬

‫س إذا أضيعا‬
‫والعرق دسا ٌ‬

‫ث‬
‫ما طاب فرع ٌ أصله خبي ُ‬

‫ولزكا من مجده ُ حديث‬

‫قد يدركون رتبا ً في ال ّ‬


‫دنيا‬

‫ويبلغون وطرا ً من بقيا‬

‫لكنك ل يبلغون في الكرم‬

‫‪1057‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫مبلغ من كان له فيها قدم‬

‫ه‬
‫ت أطراف ُ‬ ‫وك ّ‬
‫ل من تماثل ْ‬

‫ت أسلفه‬
‫في طيبها وكرم ْ‬

‫كان خليقا بالعلى وبالكرم‬

‫ت في أصله حسن ال ّ‬
‫شيم‬ ‫وبرع ْ‬
‫لول بنو آدم بين العالم ِ‬

‫ما بان للعقول فضل العالم‬

‫فواحد ٌ يعطيك فضل ً وكرم‬

‫فذاك من يكفره ُ فقد ظلم‬

‫وواحد ٌ يعطيك للمصانعة‬

‫أو حاجةٍ له إليك واقعة‬

‫ل‬
‫ن إلى حطام ٍ عاج ِ‬
‫ل تشره ْ‬

‫كم أكلةٍ أودت بنفس الكل‬

‫‪1058‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ي يا فتى من ال ّ‬
‫شره‬ ‫واحذر أخ ّ‬
‫) ‪(2/39‬‬

‫وقس بما رأيته مالم تره‬

‫فليس من عقل الفتى أو كرمه‬

‫إفساد ُ شخص كامل لقرمه‬

‫ي داٌء ماله دواء‬


‫فالبغ ُ‬

‫ك معه بقاء‬
‫ليس لمل ِ‬

‫لتعطْين شيئا ً بغير فائدة‬

‫سجايا الفاسدة‬
‫فإنها من ال ّ‬

‫?????????"وللمام علي الرضا المتوفي سنة ‪77‬ه?"‬


‫واعجبا ً للمرء في ذاته‬

‫يجّر ذيل الّتيه في خطرته‬

‫يزجره الوعظ فل ينتهي‬

‫‪1059‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كأنه الميت في سكرته‬

‫يبارز الله بعصيانه‬

‫جهرا ً ول يخشاه في خلوته‬

‫دة يبتهل‬
‫وإن يقع في ش ّ‬

‫فإن نجا عاد إلى عادته‬

‫أرغب لمولك وكن راشدا ً‬

‫وأعلم بأن العز في خدمته‬

‫واتل كتاب الله تهدى به‬

‫واتبع الشرع على سنته‬

‫لتحرصن فالحرص يزري بالفتى‬

‫ويذهب الرونق من بهجته‬

‫والحظ ل تجلبه حيلة‬

‫ته‬

‫‪1060‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫مافاتك اليوم سيأتي غدا‬

‫مافي الذي قدر من حيلته‬

‫قضاؤه المحتوم في خلقه‬

‫وحكمه النافذ مع قدرته‬

‫والرزق مضمون على واحد‬

‫مفاتح الشياء في قبضته‬

‫قد يرزق العاجز مع عجزه‬

‫ويحرم الكيس مع فطنته‬

‫لتنهر المسكين يوما ً أتى‬

‫فقد نهاك الله عن نهرته‬

‫إن عضك الدهر فكن صابرا‬

‫على الذي نالك من عضته‬

‫أو مسك الضر فل تشتكي‬

‫‪1061‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إل لمن تطمع في رحمته‬

‫لسانك احفظه وصن نطقه‬

‫واحذر على نفسك من عثرته‬


‫فالصمت زين ووقار وقد‬

‫يؤتى على النسان من لفظته‬

‫من أطلق مالقول بل مهلة‬

‫لشك أن يعثر في عجلته‬

‫من لزم الصمتى نجا سالما ً‬

‫ليندم المرء على سكتته‬

‫من أظهر الناس على سره‬

‫يستوجب الكي على مقلته‬

‫من مازح الناس استحفوا به‬

‫وكان مذموما ً على مزحته‬

‫كن عن جميع الناس في معزل‬

‫‪1062‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫قد يسلم المعزول في عزلته‬

‫من جعل الخمر شفاء له‬

‫فل شفاه الله من علته‬

‫من نازع القيال في أمرهم‬

‫بات بعيد الرأس عن جثته‬


‫) ‪(2/40‬‬

‫من لعب الثعبان في كفه‬

‫هيهات أن يسلم من لسعته‬

‫من عاشر الحمق في حاله‬

‫كان هو الحمق في عشرته‬

‫لتصحب النذل فتردى به‬

‫لخير في النذل ولصحبته‬

‫منة اعتراك الشك في جنسه‬

‫‪1063‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وحاله فانظر إلى شيمته‬

‫من غرس الحنظل ل ترتجي‬

‫أن يجتني السكر من غرسته‬

‫من جعل الحق له ناصرا ً‬

‫أيده الله على نصرته‬

‫واقنع بما أعطاك من فضله‬

‫واشكر لموليك على نعمته‬

‫وقال أبو العتاهية المتوفي سنة ‪211‬ه?‬


‫أنلهو وأيامنا تذهب‬

‫ونلعب والموت ليلعب‬

‫عجبت لذي لعب قد لها‬

‫عجبت ومالي ل أعجب‬


‫أيلهو ويلعب من نفسه‬

‫تموت ومنزله يخرب‬

‫‪1064‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫نرى كل ما ساءنا دائما ً‬

‫على كل سرنا يغلب‬

‫‪+‬نرى الليل يطلبنا والنها_ر ولم ندر أيهما أطلب‬


‫أحاط الجديدان جمعا بنا‬

‫فليس لنا عنهما مهرب‬


‫وكل له مدة تنقضي‬

‫وكل له أثر يكتب‬

‫"وقال صلح الدين الصفدي المتوفي سنة ‪764‬ه?‬


‫الجد في الجد والحرمان في الكسل‬

‫فانصب تصب عن قريب غاية المل‬


‫وأصبر على كل مايأتي الزمان به‬

‫صبر الحسام بكف الدارع البطل‬

‫وجانب الحرص والطماع تحظ بما‬

‫ترجو من العز والتأييد في عجل‬

‫ول تكونن على مافات ذا حزن‬

‫‪1065‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ولتظل بما أوتيت ذا جذل‬

‫واستشعر الحلم في كل المور ول‬

‫تسرع ببادرة يوما إلى رجل‬

‫وإن بليت بشخص لخلق له‬

‫فكن كأنك لم تسمع ولم يقل‬

‫ول تمار سقيها في محاورة‬

‫ول حليما لكي تقصى عن الزلل‬

‫وليغرك من يبدي بشاشته‬

‫إليك خدعا فإن السم في العسل‬

‫وإن أردت نجاحا ً في كل آونة‬

‫فاكتم أمورك عن حاف ومنتعل‬

‫إن الفتى من بماضي الحزم متصف‬

‫وماتعود نقص القول والعمل‬

‫‪1066‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ول يقيم بأرض طاب مسكنها‬

‫حتى يقد أديم السهل والجبل‬

‫وليضيع ساعات الزمان فلن‬

‫يعود مافات من أيامه الول‬


‫) ‪(2/41‬‬

‫وليراقب إل من يراقبه‬

‫وليصاحب إل كل ذي نبل‬

‫وليعد عيوبا للورى أبدا ً‬

‫بل يعتني بالذي فيه من الخلل‬

‫ول يظن بعهم سواءا ً ول حسنا‬

‫بل التجارب تهديه على مهل‬

‫وليؤمل آمال بصبح غد‬

‫إل على وجل من وثبة الجل‬

‫‪1067‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ول يصد عن التقوى بصيرته‬

‫لنها للمعالي أوضح السبل‬

‫فمن تكن حلة التقوى ملبسه‬

‫لم يخش في دهره يوما ً من العطل‬

‫من لم تفده صروف الدهر تجربة‬

‫لفيما يحاول فليسكن مع الهمل‬

‫من سالمته الليالي فليثق عجل ً‬

‫منها بحرب عدو جاء بالحيل‬

‫من ضيع الحزم لم يظفر بحاجته‬

‫ومن رمى بسهام العجب لم ينل‬

‫من جاد ساد وأحيا العالمون له‬

‫بديع حمد بمدح الفعل متصل من‬

‫رام نيل العلى بالمال يجمعه‬

‫‪1068‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫من غير حل بلي من جهله وبلي‬

‫من لم يصن نفسه ساءت خليقته‬

‫بكل طبع رديء غير منتقل‬

‫من جالس الوغد والحمقى جنى ندما ً‬

‫لنفسه ورمي بالحادث الجلل‬

‫فخذ مقال خبير قد حوى حكما ً‬

‫إذ صغته بعد طول الخبر في عملي‬

‫"وقال حسام الدين الواعظي المتوفى سنة ‪990‬ه?"‬


‫من ضيع الحزم في أفعاله ندما‬

‫وظل مكتئبا ً والقلب وقد سقما‬


‫مالمرء إل الذي طابت فضائله‬

‫والدين زين يزين العاقل الفهما‬

‫والعلم أنفس شيء أنت ذاخره‬

‫فل تكن جاهل ً تستورث الندما‬

‫‪1069‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫تعلم العلم واجلس في مجالسه‬

‫ماخاب قط لبيب جالس العلماء‬

‫والوالدين فأكرم تنج من ضرر‬

‫ول تكن نكدا ً تستوجب النقما‬

‫ولزم الصمت لت نطق بفاحشة‬

‫وأكرم الجار لتهتك له حرما‬

‫واحذر من المزح كم في المزح من خطر‬

‫كم من صديقين بعد المزح فاختصما‬

‫وصبر النفس وارشدها إذا جهلت‬

‫وإن حضرت طعاما ل تكن نهما ً‬

‫آس اللهيف إذا ماكنت مقتدرا ً‬

‫) ‪(2/42‬‬

‫‪1070‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫على الزمان وكن للخير مقتسما‬

‫وصد نفسك عن لهو وعن مرح‬

‫وإن حضرت مقاما ً كنت فيه سما‬

‫"وقال عمر بن الوردي المتوفي سنة ‪749‬ه? مخاطبا ً‬


‫ولده"‬
‫اعتزل ذكر الغاني والغزل‬

‫وقل الفصل وجانب من هزل‬

‫ودع الذكر ليام الصبا‬

‫فليام الصبا نجم أفل‬

‫واترك الغادةلتحفل بها‬

‫تمس في عز رفيع وتجل‬

‫وافتكر في منتهى حسن الذي‬

‫أنت تهواه تجدأمرا ً جلل‬

‫واهجر الخمرة إن كنت فتى‬

‫‪1071‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كيف يسعى في جنون من عقل‬

‫ولتق الله فتقوى الله ما‬

‫جاورت قلب امرئ إل وصل‬

‫ليس من يقطع طرقا ً بطل ً‬

‫إنما من يتقي الله البطل‬

‫كتب الموت على الخلق فكم‬

‫فل من جيش وأنفى من دول‬

‫أين نمرود وكنعان ومن‬

‫ملك الرض وولى وعزل‬

‫أي من سادوا وشادوا وبنوا‬

‫هلك الكل ولم تغن القلل‬

‫أين أرباب الحجى أهل النهى‬

‫أين أهل العلم والقوم الول‬

‫‪1072‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫سيعيد الله كل منهم‬

‫وسيجزي فاعل ً ماقد فعل‬

‫يابني اسمع وصايا جمعت‬

‫لحكما ً خصت بها خير الملل‬

‫اطلب العلم ولتكسل فما‬

‫أبعد الخير على أهل الكسل‬

‫واحتفل للفقه في الدين ول‬

‫تشتغل عنه بمال وخول‬

‫واهجر النوم وحصله فمن‬

‫يعرف المطلوب ويحقر مابذل‬

‫لتقل قد ذهبت أربابه‬

‫كل من سار على الدرب وصل‬


‫في أزدياد العلم إرغام العدا‬

‫وجمال العلم إصلح العمل‬

‫‪1073‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫جمل المنطق بالنحو فمن‬

‫يحرم العراب بالنطق اختبل‬

‫انظم الشعر ولزم مذهبي‬

‫في اطراح الرفد لتبغ النحل‬

‫فهو عنوان ع لى الفضل وما‬

‫أحسن الشعر إذا لم يبتذل‬

‫أنا لأختار تقبيل يد‬

‫قطعها أجمل من تلك القبل‬

‫ملك كسرى عنه تغني كسرة‬

‫وعن البحر اجتزاء بالوشل‬

‫اطرح الدنيا فمن عاداتها‬

‫تخفض العالي وتعلي من سفل‬

‫عيشة الراغب في تحصيلها‬

‫‪1074‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(2/43‬‬

‫عيشة الجاهل فيها أو أقل‬

‫كم جهول بات فيها مكثرا ً‬

‫وعليه بات منها في علل‬

‫كم شجاع لم ينل فيها المنى‬

‫وجبان نال غايات المل‬

‫فاترك الحيلة فيها واتكل‬

‫إنما الحيلة في ترك الحيل‬

‫لتقل أصلي وفصلي أبدا ً‬

‫إنما أصل الفتى ماقد حصل‬

‫قد يسود المرء من دون أب‬

‫وبحسن السبك قد ينفى الدغل‬

‫إنما الورد من الشوك وما‬

‫‪1075‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ينبت النرجس إل من بصل‬

‫قيمة النسان مايحسنه‬

‫أكثر النسان منه أم أقل‬

‫بين تبذير وبخل رتبة‬

‫وكل هذين إن زاد قتل‬

‫ليس يخلو المرء من ضد ولو‬

‫حاول العزلة في رأس الجبل‬

‫دار جار السوء بالصير وإن‬

‫لم تجد صبرا ً فما أحلى النقل‬

‫جانب السلطان واحذر بطشه‬

‫لتعاند من إذا قال فعل‬

‫ل تل الحكام إن هم سألوا‬

‫رغبة فيك وخالف من عذل‬

‫‪1076‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إن نصف الناس أعداءه لمن‬

‫ولي الحكام هذا إن عدل‬

‫قصر المال في الدنيا تفز‬

‫فدليل العقل تقصير المل‬

‫غب وزر غبا تزد حبا فمن‬

‫أكثر الترداد أقصاه الملل‬

‫ل يضر الفضل إقلل كما‬

‫ليضر الشمس إطباق الطفل‬

‫خذ بنصل السيف واترك غمده‬

‫واعتبر فضل الفتى دون الحلل‬

‫حبك الوطان عجز ظاهر‬

‫فاغترب تلق عن الهل بدل‬

‫فمكث الماء يبقى آسنا‬

‫‪1077‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وسرى البدر به البدر اكتمل‬

‫وقال العميد أبو إسماعيل الطغرائي المتوفى سنة‬


‫‪513‬ه?‬
‫أصالة الرأي صانتي عن الخطل‬

‫ودحلية الفضل زانتني لدى العطل‬

‫مجدي أخير ومجدي أول شرعٌ‬

‫والشمس راد الضحى كالشمس في الطفل‬


‫فيم القامة بالزوراء لسكني‬

‫بها ولناقتي فيها ولجملي‬

‫ناء عن الهل صفر الكف منفرد‬

‫كالسيف عري متناه عن الخلل‬

‫فل صديق إليه مشتكى حزني‬

‫ولأنيس إليه منتهى جذلي‬

‫طال اغترابي حتى حن راحلتي‬


‫) ‪(2/44‬‬

‫‪1078‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ورحلها وقر العسالة الذبل‬

‫وضج من لغب نضوي وعج لما‬

‫ألقى ركابي ولج الركب في عذلي‬

‫أريد بسطة كف أستعين بها‬

‫على قضاء حقوق للعلى قبلي‬

‫والدهر يعكس آمالي ويقنعني‬

‫من الغنيمة بعد الكد بالقفل‬

‫وذي شطاط كصدر الرمح معتقل‬

‫بمثله غير هياب ولوكل‬

‫حلو الفكاهة مر الجد قد مزجت‬

‫بشدة البأس منه رقة الغول‬

‫طردت سرح الكرى عن ورد مقلته‬

‫والليل أغرى سوام النوم بالمقل‬

‫‪1079‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والركب ميل على الكوار من طرب‬

‫صاح وآخر من خمر الكرى ثمل‬

‫فقلت أدعوك للجلي لتنصرني‬

‫وأنت تخذلني في الحادث الجلل‬

‫تنام عني وعين النجم ساهرة‬

‫وتستحيل وصبغ الليل لم يحل‬

‫فهل تعين علي غي هممت به‬

‫والغي يثزجر أحيانا ً عن الفشل‬

‫إني أريد طروق الحي من إضم‬

‫وقد حماه رماة ٌ من بني ثعل‬

‫فسر بنا في ذمام الليل معتسفا ً‬

‫فنفحة الطيب تهدينا إلى الحلل‬

‫فالحب حيث العدا والسد رابضة‬

‫‪1080‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫حول الكناس لها غاب من السل‬

‫نؤم ناشئة بالزع قد سقيت‬

‫نصالها بمياه الغنج والكحل‬

‫قد زاد طيب أحاديث الكرام بها‬

‫ما بالكرائم من جبن ومن بخل‬

‫تبيت نار الهوى منهن في الكبد‬

‫حرى ونار القرى منهم على القلل‬

‫يقتلن أنضاء حب لحراك بهم‬

‫وينحرون كرام الخيل والبل‬

‫يشفى لديغ العوالي في بيوتهم‬

‫بنهلة منم غدير الخمر والعسل‬

‫لعل إلمامه بالجزع ثانية‬

‫يدب منها نسيم البرء في عللي‬

‫‪1081‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لأكره الطعنة النجلء قد شفعت‬

‫برشقة منم نبال العين النجل‬

‫ولأهاب الصفاح البيض تسعدني‬

‫باللمح من خلل الستار والكلل‬

‫ولأخل يغزلن تغازلني‬


‫) ‪(2/45‬‬

‫ولو دهتني أسود الغيل بالغيل‬

‫حب السلمة يثني عزم صاحبه‬

‫عن المعالي ويغري المرء بالكسل‬

‫فإن جنحت إليه فاتخذ نفقا‬

‫في الرض أو سلما في الجو فاعتزل‬

‫ودع غمار العلى للمقدمين على‬

‫ركوبها واقتنع منهن بالبلل‬

‫‪1082‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫يرضى الذليل يخفض العيش مسكنة‬

‫والعز عند رسيم الينق الذلل‬

‫فأدرأ بها في نحور البيد جافلة‬

‫معارضات مثاني اللجم بالجدل‬

‫عن العلى حدثتني وهي صادقة‬

‫فيما تحدث أن العز في النقل‬

‫لو أن في شرف المأوى بلوغ منى‬

‫لم تبرح الشمس يوما ً دارة الحمل‬

‫أهبت بالحظ لو ناديت مستمعا ً‬

‫والحظ عني بالجهال في شغل‬

‫لعله إن بدا فضلى ونقصهم‬

‫لعينه نام عنهم أو تنبه لي‬

‫أعلل النفس بالمال أرقبها‬

‫‪1083‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ماأضيق العيش لول فسحة المل‬

‫لم أرتض العيش واليام مقبلة‬

‫فكيف أرضى وقد ولت على عجل‬

‫غالى بنفسي عرفاني بقيمتها‬

‫فصنتها عن رخيص القدر مبتذل‬

‫وعادة السيف أن يزهى بجوهره‬

‫وليس يعمل إل في يدي بطل‬

‫ماكنت أوثر أن يمتد بي زمني‬

‫حتى أرى دولة الوغاد والسفل‬

‫تقدمتني أناس كان شوطهم‬

‫وراء خطوي لو أمشي على مهل‬

‫هذا جزءا ً امرئ أقرانه درجوا‬

‫من قبله فتمنى فسحة الجل‬

‫‪1084‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فإن علني من دوني فل عجب‬

‫لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل‬

‫فاصبر لها غير محتال ولضجر‬

‫في حادث الدهر مايغنيعن الحيل‬

‫أعدى عدوك أدنى من وثقت به‬

‫فحاذر الناس واصحبهم على دخل‬

‫فإنما رجل الدنيا وواحدها‬

‫من ليعول في الدنيا على رجل‬

‫وحسن ظنك باليام معجزة‬

‫فظن شرا ً وكن منها على وجل‬

‫غاض الوفاء وفاض الغدر وانفرجت‬


‫) ‪(2/46‬‬

‫مسافة الخلف بين القول والعمل‬

‫‪1085‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وشان صدقك عند الناس كذبهم‬

‫وهل يطابق معوج بمعتدل‬

‫وهضم النفس أقبح كل شيء‬

‫على حرله فيها كمال‬

‫ومن لزم القناعة نال عزا ً‬

‫وهل بالذل منقبة تنال‬

‫وقال مؤلف هذا الكتاب معارضا ً لمية الطغرائي‬


‫عليك بالصبر والخلص في العمل‬

‫ولزم الخير في حل ومرتحال‬

‫وجانب الشر وأعلم أن صاحبه‬

‫لبد يجزاه في سهل وفي جبل‬

‫واثبت ثبات الرواسي الشامخات ول‬

‫تركن إلى فشل في ساعة الوهل‬

‫وكن كرضوى لما يعروك من نوب‬

‫‪1086‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ول تكن جازما ً في الحادث الجلل‬

‫واصبر على مضض اليام محتمل ً‬

‫ففيه قرع لباب النجح والمل‬

‫تأن متئدا ً فيما تروم ول‬

‫تعجل وإن خلق النسان من عجل‬

‫لتطلب العز في دار ولدت بها‬

‫فالعز عند رسيم الينق الذلل‬

‫شمر وجد لمر أنت طالبه‬

‫إذ لتنال المعالي قط بالكسل‬

‫واحذر مساوئ أخلق تشان بها‬

‫وأسوء السوء سوء الخلق والبخل‬

‫واخفض جناحك للمولى وجد ونل‬

‫ماأسمج الكبر والمساك بالرجل‬

‫‪1087‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫لتسأل النذل واقصد ماجدا ً حدبا‬

‫في طلعة الشمس مايغنيك عن زجل‬

‫نور بلقياك من تلقى نواظره‬

‫ول تكن كالقذي في العين النجل‬

‫ولتجادل جهول ً ليس يفهم ما‬

‫تقول فالشر كل الشر في الجدل‬

‫ولتكن لنزول الخطب مضطربا ً‬

‫في حادث الدهر مايغني عن الحيل‬

‫الجود أحسن ماأوليت من خلق‬

‫والعفو أنفى لداء الضغن والدخل‬

‫والحلم ملح فساد المر يصلحه‬

‫والبذل خير فعال الماجد البطل‬

‫لتقتحم غمرات البحر مرتكبا ً‬

‫‪1088‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وأنت يكفيك منه مصة الوشل‬

‫ولتعاشر سوى حزم أخا ثقة‬

‫وأربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل‬

‫ل تنخدع لصديق يدعي ملقا‬

‫فحاذر الناس واصحبهم على دخل‬


‫) ‪(2/47‬‬

‫لتأمنن أحدا ً واحذر مكائدهم‬

‫وظن سرا ً وكن منهم على وجل‬

‫ل تغّرنك الدنيا بزهرتها‬

‫فهل سمعت بظل غير منتقل‬

‫إن الغني غني النفس في كرم‬

‫بالطبع لباقتناء الشاء والبل‬

‫إن الصنيعة للنذال تفسدهم‬

‫‪1089‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫كما تضر رياح الورد بالجعل‬

‫مرارة النصح تحل لي مضاضتها‬

‫وربما صحت الجسام بالعلل‬

‫دع التكلف ليجديك منفعة‬

‫ليس التكحل في العينين كالكحل‬

‫أرى الرعاء رعاء الشاء في ترف‬

‫في أخفض العيش بين الخيل والخول‬

‫وسادة العصر قد ألقوا مقالدهم‬

‫إلى الطغاة شرار النماس والسفل‬

‫تحكموا في قضايا الناس واحتكموا‬

‫وحكموا كل ذي جهل أخي خبل‬

‫من كل غر جهول ليرى رشدا ً‬

‫كباقل مثل ً في العي والخطل‬

‫‪1090‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫تعسا لشر زمان ظل طوع يد الل‬

‫ئاميسقيهم عل على نهل‬

‫القبض والبسط في أيدي ذوي شطط‬

‫من كل سكران من خمر الهوى ثمل‬

‫تسطو الكلب على أسد الشرى سفها‬

‫والباز الشهب يخشى صوله الحجل‬

‫والقرد يضحك من نمر على هزؤ‬

‫والكلب يوعد ليث الغيل بالغيل‬

‫نال المرام علوج لخلق لهم‬

‫فوق المؤمل من شب ومكتهل‬

‫أملى لهم دهرهم فاستمهلوا أمدا ً‬

‫مرخى لهم في مروج العيش والطول‬


‫شر العصر زمان يستمد به‬

‫‪1091‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫خب لئيم غدا في الشر كالثمل‬

‫ليعلم الرشد من غي وليس له‬

‫سوى الشرارة في قول وفي جدل‬

‫ناهيك من غمة غماء ماسمعت‬

‫بمثلها أذن في العصر الول‬

‫أشدد بها أزمة‪،‬الله يفرجها‬

‫مااضيق العيش لول فسحة المل‬

‫مالي وللبلدة الحمقاء اسكنها‬

‫مساكنها لذوي خرق أولي حيل‬

‫وليس لي ناقة فيها ولجمل‬

‫وليس لي ثم من ثور ولحمل‬

‫ول يستقيم وفاق لي بمثلهم‬

‫وهل يطابق معوج بمعتدل‬


‫) ‪(2/48‬‬
‫‪1092‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫قد ذقتهم وبلوت الحال عندهم‬

‫فما حصلت على صاب ولعسل‬

‫ليسوا كراما ً ولكن من مكارمهم‬

‫مابالكرائم من جبن ومن بخل‬

‫إني ابتليت باخلق فوصلعهم‬

‫وعد ومطل وارجاء على مذل‬

‫ليفعلون إذا قالوا فقد بعدت‬

‫مسافة الخلف بين القول والعمل‬

‫أضحت مواعيد عرقوب لهم مثل ً‬

‫ومامواعيدهم غل على دخل‬

‫أخلقهم صح إنجازا ً لموعدهم‬

‫إذ كان وعدهم كذبا ً من الخجل‬

‫أشكو الزمان وأهليه وأمقتهم‬

‫‪1093‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫إذ سوء أفعالهم أوفى على القلل‬

‫ساءت سريرتهم حالت طريقتهم‬

‫زاغت بصيرتهم عن أقوم السبل‬

‫م بل عمل حكم بل حكم‬


‫عل ٌ‬

‫ظلم على عجل وعد ٌ على مهل‬

‫الفك والزور والبهتان عندهم‬

‫والسعي في الرض بالفساد والخلل‬

‫الكذب مستحسن والصدق عندهم‬

‫مستهجن من صفات العاجز الوكل‬

‫أهنى الطعام لحوم الناس عندهم‬

‫ألنم فيما لديهم شربة العسل‬

‫نكث العهود سجاياهم ودأبهم‬

‫خلف الوعود وذا من أسوإ الثقل‬

‫‪1094‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫إن السعاية في التضريب أحسن من‬

‫ضرب من الحذق والعرفان في الزجل‬


‫يادهر مالك وال؛رار تقهرهم‬

‫تذل كل كريم الصل مقتبل‬

‫حتى متى يازمان السوء تفعل ما‬

‫تشيب فيه النواصي غير محتمل‬

‫تؤخر الفاعل المرفوع تحفظه‬

‫مقدما لمفاعيل على البدل‬

‫وساقه الجيش قد أضحت مقدمة‬

‫مثل التليل إذا في مؤخر الكفل‬

‫فلست أحفظ في ذي الدهر من أسف‬

‫أطال أيام عمري أو دنا أجلي‬

‫واها ً لقلبي يوم البين إذا ظعنوا‬

‫‪1095‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فالعين في لجج والقلب في شعل‬

‫كيف التصبر من ناري نوى وجوى‬

‫وفي الحشا أنكاء جرح غير مندمل‬

‫فقد فقدت اللى كانت ببهجتهم‬

‫نور النواظر في الحداق والمقل‬

‫لم أكتحل بقرار بعد ما ارتحلوا‬

‫ولابتغيت لهم في الناس من بدل‬


‫) ‪(2/49‬‬

‫لم يبق لي الدهر بعد البين من جلد‬

‫ما استطيع به توديع مرتحل‬

‫ول من الغمض ماأقري الخيال به‬

‫ول من الدمع ماأبكي على طلل‬

‫فلبي على لهب والجسم في نصب‬

‫‪1096‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والروح في وصب واللب في ذهل‬

‫حسبي الغرام حليف والجوى أبدا ً‬

‫منادما وسميٌر غير منفصل‬

‫خذها محبرة غيداء غانية‬

‫أتت على عجل كالقابس العجل‬

‫جاءت من )الهاشمي( ل تبتغي مهرا‬

‫من خاطب لبنات النظم في عطل‬

‫وقال محمد اليمني المقلب بنجم الدين المتوفى سنة‬


‫‪569‬ه?‬
‫ول تحتقر كيد الضعيف فربما‬

‫تموت الفاعي من سموم العقارب‬


‫وقد هد قدما عرش بلقيس هدهد‬

‫وخرب حفر الفأر سد مآرب‬

‫إذا كان رأس المال عمرك فاحترز‬

‫عليه من النفاق في غير واجب‬

‫‪1097‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فبين اختلف الليل والصبح معرك‬

‫يكر علينا جيشه بالعجائب‬

‫وماراعني غدر الشباب لنني‬

‫أنست بهذا الخلق من كل صاحب‬

‫وغدر الفتى في عهده ووفائه‬

‫وغدر المواضي نبو المضارب‬

‫?وقال مهذب الدين المتوفى سنة ‪48‬ه?‬


‫وإذا الكريم رأى الخمول نزيله‬

‫في منزل قالحزم أن يترحل‬

‫كالبدر لما أن تضاءل جد في‬

‫طلب الكمال فحازه متنقل‬

‫سفها لحلمك إن رضيت بمشرب‬

‫رنق ورزق الله قد مل المل‬

‫‪1098‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ساهمت عيسك مر عيشك قاعدا ً‬

‫أفل فليت بهن ناصية الفل‬

‫فارق ترق كالسيف سل فبان في‬

‫متنيه ماأخفى القراب وأخمل‬

‫ل تحسبن ذهاب نفسك ميتة‬

‫ماالموت غل أن تعيش مذلل‬

‫للقفر ل للفقر هبها إنما‬

‫مغناك ماأعناك أمن تتوسل‬

‫ل ترض من دنياك مأدناك من‬

‫دنس وكن طيفا ً جلثم انجلى‬

‫وصل الهجير بهجر قوم كلما‬

‫أمطرتهم شهدا جنوا لك حظل‬

‫أنا من إذا ما الدهر هم بخفضه‬

‫‪1099‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫سامته همته السماك العزل‬

‫وقال الحريري المتوفي سنة ‪516‬ه?‬


‫سامح أخاك إذا خلط‬

‫منه الصابة بالغلط‬

‫وتجاف عن تعنيفه‬
‫) ‪(2/50‬‬

‫إن زاغ يوما ً أو قسط‬

‫واحفظ صنيعك عنده‬

‫شكر الصنيعة أو غمط‬

‫وأطعه إن عاصى وهن‬

‫إن عز وأدن إذا شحط‬

‫واقن الوفاء ولو أخ‬

‫ل بما استرطت وما اشترط‬


‫واعلم بأنك إن طلب‬

‫‪1100‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ت مهذبا رمت الشطط‬

‫من ذا الذي ماساء قط‬

‫ومن له الحسنى فقط‬

‫وقال أيضا ً‬
‫ة من ناصح‬
‫اسمع أخي وصي ً‬

‫ماشاب محض النصح منه بغشه‬


‫ل تعجلن بقضية مبتوتة‬

‫في مدح من لم تبله أو خدشه‬

‫وقف القضية فيه حتى نجتلي‬

‫وصيفه في حالي رضاه وبطشه‬


‫فهناك إن تر ما يشين فواره‬

‫كرما ً وإن مايزين فأفشه‬

‫وأعلم بأن التبر في عق الثرى‬

‫خاف إلى أن يستثار بنبشه‬

‫وفضيلة الدينار يظهر سرها‬

‫‪1101‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫من حكه ل من ملحة نقشه‬


‫ومن الغباوة أن تعظم جاهل‬

‫لصقال ملبسه ورونق رقشه‬


‫أو أن تهين مهذبا ً في نفسه‬

‫لدروس بزته ورثه فرشه‬

‫?الباب التاسع‬
‫?قال مؤيد الدين الصبهاني المعروف بالطفرائي‬
‫المتوفي سنة ‪513‬ه?‬
‫من قاس بالعلم الثراء فإنه‬

‫في حكمه أعمى البصيرة كاذب‬


‫العلم تخدمه بنفسك دائما ً‬

‫والمال يخدم عنك فيه نائب‬

‫والمال يسلب أو يبيد لحادث‬

‫والعلم ليخشى عليه سالب‬

‫والعلم نقش في فؤادك رسخ‬

‫والمال ظل عن فنائك ذاهب‬

‫‪1102‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫هذا على النفاق يغزو فيضه‬

‫أبدا ً وذلك حين تنفق ناضب‬

‫العلم أشرف شيء قاله رجل‬

‫من لم يكن فيه علمك لم يكن رجل‬


‫تعلم العلم واعمل ياأخي به‬

‫فالعلم زين لمن بالعلم قد عمل‬

‫العلم مبلغ قوم ذروة الشرف‬

‫وصاحب العلم محفوظ من التلف‬


‫ياصاحب العلم مهل ً ل تدنسه‬

‫بالموبقات فما للعلم من خلف‬

‫العلم يرفع بيتا ً لعماد له‬

‫والجهل يهدم بيت العز والشرف‬

‫لو كان نور العلم يدرك بالمنى‬

‫ماكان يبقى في البرية جاهل‬

‫‪1103‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أجهد ولتكسل ول تك غافل ً‬

‫فندامة العقبى لمن يتكاسل‬


‫) ‪(2/51‬‬

‫ت لهله‬
‫وفي الجهل قبل الموت مو ٌ‬

‫وأجسادهم دون القبور قبور‬

‫وإن أمرأ لم يحي بالعلم قلبه‬

‫فليس له حتى النشور نشور‬

‫لكل مجد في الروى نفع فاضل‬

‫وليس يفيد العلم منم دون عامل‬

‫يسابق بعض الناس بعضا ً بجدهم‬

‫وماكل كر بالهوى كر باسل‬

‫إذا لم يكن نفع لذي العلم والحجا‬

‫فما هو بين الناس إل كجاهل‬

‫‪1104‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫كذاك إذا لم يكن نفع لذي العلم والحجا‬

‫فما هو بين الناس إل كجاهل‬

‫كذاك إذا لم ينفع المرء غيره‬

‫يعد كشوك بين زهر الخمائل‬

‫ياساعيا ً وطلب المال همته‬

‫غني أراك ضعيف العقل والدين‬

‫عليك بالعلم لتطلب له بدل ً‬

‫واعلم بأنك فيه غير مغبون‬

‫العلم يجدي ويبقى للفتى أبدا ً‬

‫والمال يفنى وإن أجدى إلى ىحين‬


‫هذاك عز وذا ذل لصاحبه‬

‫مازال بىلبعد بين العز والهون‬

‫العلم زين وتشريف لصاحبه‬

‫فاطلب هديت فنونه العلم والدبا‬

‫‪1105‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫كم سيد بطل آباؤه نجب‬

‫كانوا الرؤوس فأمسى بعدهم ذنبا ً‬

‫ومقرف خامل الباء ذي أدب‬

‫نال المعالي بالداب والرتبا‬

‫العلم كنز وذخر ل فناء له‬

‫نعم القرين إذا ما صاحب صحبا‬

‫قد يجمع المال شخص ثم يحرمه‬

‫عما قليل فيلقى الذل والحربا‬

‫وجامع العلم مغبوط به أبدا ً‬

‫ول يحاذر منه الفوت والسلبا‬

‫ياجامع العلم نعم الذخر تجمعه‬

‫ل تعدلن به درا ً ول ذهبا ً‬

‫بالعلم والعقل ل بالمال والذهب=يزداد رفع الفتى قدرا ً‬

‫‪1106‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بل طلب‬
‫فالعلم طوق النهى يزهو به شرفا ً‬

‫والجهل قيد له يبليه باللعب‬

‫كم يرفع العلم أشخاصا ً إلى رتب‬

‫ويخفض الجهل أشرافا ً بل أدب‬

‫العلم كنز فل تفنى ذخائره‬

‫والمرء مازاد علما ً زاد بالرتب‬

‫فالعلم فاطلب يجديك جوهره‬

‫كالقوت للجسم ل تطلب غنى الذهب‬


‫العلم زين فكن للعلم مكتسبا ً‬

‫وكن له طالبا ً ماعشت مقتبسا ً‬

‫) ‪(2/52‬‬

‫اركن إليه وثق بالله واغن به‬

‫وكن حليما ً رزين العقل محترسا ً‬

‫‪1107‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وكن فتى سالكا ً محض التقى ورعا ً‬

‫الدين مغتنما في العلم منغمسا ً‬

‫فمن تخلق بالداب ظل بها‬

‫رئيس قوم إذا مافارق الرؤسا‬

‫الناس من جهة التمثال أكفاء‬

‫أبوهم آدم والم حواء‬

‫فإن يكن لهم في أصلهم شرف‬

‫يفاخرون به فالطين والماء‬

‫مالفخر إل لهل العلم انهموا‬

‫على الهدى لمن استهدى أدلء‬


‫وقدر كل امرئ ماكان يحسنه‬

‫والجاهلون لهل العلم أعداء‬

‫وإن أتيت بجود في ذوي نسب‬

‫فإن نسبتنا جود ٌ وعلياء‬

‫‪1108‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ففز بعلم تعش حيا ً به أبدا ً‬

‫الناس موتى وأهل العلم أحياء‬

‫العلم يغرس كل فضل فاجتهد‬

‫أل يفوتك فضل ذاك المغرس‬

‫واعلم بأن العلم ليس يناله‬

‫من همه في مطعم أو ملبس‬

‫أل أخو العلم الذي يزهو به‬

‫في حالتيه عاريا ً أو مكتسي‬

‫فاجعل لنفسك منه حظا ً وافرا ً‬

‫واهجر له طيب الرقاد وعبس‬

‫فلعل يوما ً إن حضرت بمجلس‬

‫كنت الرئيس وفخر ذاك المجلس‬


‫الباب العاشر‬
‫في العقل‬

‫‪1109‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لول العقول لكان أدنى ضيغم‬

‫أدنى إلى شرف من النسان‬


‫ولربما طعن الفتى أقرانه‬

‫بالرأي قبل تطاعن القران‬

‫ألم تر أن العقل زين لهله ولكن تمام العقل طول‬


‫التجارب‬
‫يقول لك العقل الذي زين الفتى‬

‫إذا لم تكن تقدر عدوك داره‬

‫ول قه بالترحيب والبشر والقرى‬

‫وبادراك له مادمت تحت اقتادره‬

‫وقبل يد الجاني التي لست قادرا ً‬

‫على قطعها وراقب سقوط جداره‬

‫العقل حلة فخر من تسربلها‬

‫كانت له نسبا ً تغني عن النسب‬

‫والعقل أفضل مافي الناس كلهم‬

‫‪1110‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫بالعقل ينجو الفتى من حومة الطلب‬


‫وأفضل قسم الله للمرء عقله‬

‫فليس من الخيرات شيء يقاربه‬

‫يعيش الفتى بالعقل في الناس أنه‬

‫على العقل يجري علمه وتجاربه‬


‫) ‪(2/53‬‬

‫يشين الفتى في الناس قلة عقله‬

‫وإن كرمت أعراقه ومناسبه‬

‫وإذا أكمل الرحمن للمرء عقله‬

‫فقد كملت أخلقه ومآربه‬

‫ماوهب الله ل مرئ هبة‬

‫أشرف من عقله ومن أدبه‬


‫هما حياة الفتى فإن عدما‬

‫فإن فقد الحياة أجمل به‬

‫‪1111‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫يعد رفيع القوم من كان عاقل ً‬

‫وإن لم يكن في قومه بحسيب‬

‫وإن ح ّ‬
‫ل أرضا عاش فيها بعقله‬

‫وما عاقل في بلدة بغريب‬

‫ومن كان ذا مال لم يك عاقل ً‬

‫فذاك حمار حملوه من التبر‬

‫أرى العقل مرآة الطبيعة إذا به‬

‫نرى صور الشياء في عالم الفكر‬


‫ذو العقل في معترك القدار مقتدر‬

‫لكن ذا الجهل مغلوب ومغلول‬

‫وعقل ذي الحزم مرآة المور بها‬

‫يرى الحقائق‪ ،‬والمجهول مهول‬

‫وعقول النام لو تستوي لم‬

‫‪1112‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫يك فرق بين الغبي والنبيه‬

‫محور الرض لو عدا مستقيما ً‬

‫لتساوى النهار والليل فيه‬

‫الباب الحادي عشر في الدب‬


‫قال أبو تمام‬
‫إذا جاريت في خلق دنيئا ً‬

‫فأنت ومن تجاريه سواُء‬

‫رأيت الحر يجتنب المخازي‬

‫ويحميه عن الغدر للوفاء‬

‫وما من شدة إل سيأتي‬

‫لها من بعد شدتها رخاء‬

‫لقد جربت هذا الدهر حتى‬

‫أفادتني التجارب والعناء‬

‫يعيش المرء مااستحيا بخير‬

‫‪1113‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ويبقى العود ما بقي اللحاء‬
‫فل الله مافي العيش خير‬

‫ول الدنيا إذا ذهب الحياء‬

‫إذا لم تخش عاقبة الليالي‬

‫ولم تستح فاصنع ماتشاء‬

‫وقال أيضا ً‬
‫سأصرف وجهي عن بلد إذا بها‬

‫لساني معقول ً وقلبي مقفل ً‬

‫وإن صريح الحزم والرأي لمرئ‬

‫إذا بلغته الشمس أن يتحول‬

‫وقال أبو فراس الحمداني‬


‫ل أشتري بعد التجارب صاحبا ً‬

‫إل وددت بأنني لم أشره‬

‫وتركت حلو العيش لم أحفل به‬

‫لما رأيت اعزه في مره‬

‫‪1114‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫والمرء ليس بغانم في أرضه‬

‫كالصقر ليس بصائد في كره‬


‫وقال أبو العل المعري‬
‫لئن قدرت فل تفعل سوى حسن‬

‫بين النام وجانب كل ماقبحا‬


‫) ‪(2/54‬‬

‫فكم شيوخ غدوا بيضا ً مفارقهم‬

‫يسبحون وباتوا في الخنا سبحا ً‬

‫ن ول نسك‬
‫وليس عندهم دي ٌ‬

‫فل تغرك أيد تحمل السبحا‬

‫لو اعقل الرض ودت أنها صفرت‬

‫مكنهم فلم ير فيها ناظر شبحا‬

‫وقال الطغرائي‬
‫جامل عدوك مااستطعت فإنه‬

‫‪1115‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫بالرفق يطمع في صلح الفاسد‬
‫واحذر حسودك مااستطعت فإنه‬

‫إن نمت عنه فليس عنك براقد‬

‫إن الحسود وإن أراد توددا‬

‫منه أضر من العدو الحاقد‬

‫ولربما رضي العدو إذا رأى‬

‫منك الجميل فصار غير معاند‬

‫ورضا الحسود زوال نعمتك التي‬

‫أوتيتها من طارف أو تالد‬

‫فاصبر على غيظ الحسود فناره‬

‫ترمي حشاه بالعذاب الخالد‬

‫أو ما رأيت النار تأكل نفسها‬

‫حتى تعود إلى الرماد الهامد‬

‫تضغو على المحسود نعمة ربه‬

‫‪1116‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ويذوب من كمد فؤاد الحاسد‬

‫وقال ابن الرومي‬


‫عدوك من صديقك مستفاد‬

‫فل تستكثرون من الصحاب‬

‫فإن الداء أكثر ما تراه‬

‫يحول من الطعام أو الشراب‬


‫إذا انقلب الصديق غدا عدوا‬

‫مبينا ً والمور إلى انقلب‬

‫ولو كان الكثير يطيب كانت‬

‫مصاحبة الكثير من الصواب‬


‫وقال في النفراد والوحدة‬
‫ذقت الطعوم فما التذذت براحة‬

‫من صحبة الخيار والشرار‬

‫أما الصديق فل أحب لقاءه‬

‫حذر القلى وكراهة العوار‬

‫‪1117‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وأرى العدو قذى فأكره قربه‬

‫فهجرت هذا الخلق عن أعذار‬

‫من جود إخوان الزمان سرورهم‬

‫بتفاضيل الحوال والخطار‬

‫لو أن إخوان الصفاء تناصفوا‬

‫لم يفرحوا بتفاصيل العمار‬

‫أأحب قوما ً لم يحبوا ربهم‬

‫إل لفردوس لديه ونار‬

‫وقال المتنبي‬
‫إذا غامرت في شرف مروم‬

‫فل تقنع بما دون النجوم‬

‫فطعم الموت في أمر حقير‬

‫كطعم الموت في أمر عظيم‬


‫يرى الجبناء أن العجز عقل‬

‫‪1118‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وتلك خديعة الطبع اللئيم‬

‫وكل شجاعة في المرء تغني‬

‫ول مثل الشجاعة في الحكيم‬


‫وكم من عائب قول ً صحيحا ً‬

‫) ‪(2/55‬‬

‫وآفته من الفهم السقيم‬

‫وقال بشار بن برد‬


‫خبر إخوانك المشارك في المر‬

‫روأين الشريك في المرأينا‬

‫الذي إن شهدت سرك في الحي‬

‫ى وإن غبت كان أذنا وعينا‬

‫مثل سر الياقوت إن مسه النا‬

‫ر جله البلء فازداد زينا‬

‫أنت في معشر إذا غبت عنهم‬

‫‪1119‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫بدلوا كل مايزينك شينا‬

‫وإذا مالرأوك قالوا جميعا ً‬

‫أنت من أكرم البرايا علينا‬

‫ماأرى للنام ودا صحيحا ً‬

‫عاد كل الوراء زورا ومينا‬

‫وقال أبو العتاهية‬


‫خيرا ٌ أيام الفتى يوم نفع‬

‫واصطناع الخير أبقى ماصنع‬


‫ماينال الخير بالشر ول‬

‫يحصد الزارع إل مازرع‬

‫خذ من الدنيا الذي درت به‬

‫واسل عما بان منها وانقطع‬

‫إنما الدنيا متاع زائل‬

‫فاقتصد فيه وخذ منه ودع‬

‫‪1120‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وارض للناس بما ترضى به‬

‫واتبع الحق فنعم المتبع‬

‫كن ابن من شئت واكتسب أدبا ً‬

‫يغنيك محموده عن النسب‬

‫إن الفتى من يقول هأنذا‬

‫ليس الفتى من بقول كان أبي‬


‫لكل شيء زينة في الورى‬

‫وزينة المرء تمام الدب‬

‫قد يشرف المرء بآدابه‬

‫فينا وإن كان وضيع النسب‬


‫وأنشد أبو عبد الله نفطويه لنفسه‬
‫أراني أنسى ماتعلمت في الكبر‬

‫ولست بناس ماتعلمت في الصغر‬

‫وما العلم إل بالتعلم في الصبا‬

‫‪1121‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وماالحلم إل بالتحلم في الكبر‬

‫ولو فلق القلب المعلم في الصبا‬

‫للفى فيه العلم كالنقش في الحجر‬

‫وماالعلم بعد الشيب غل تعسف‬

‫إذا كل قلب المرء والسمع والبصر‬


‫وما المرء غل اثنان‪ :‬عقل ومنطق‬

‫فمن فاته هذا وهذا فقد دمر‬

‫وما ينشد لخلف الحمر‬


‫خير ماورث الرجال بينهم‬
‫أدب صالح وحسن ثناء‬

‫هو خير من الدنانير والو‬

‫راق في يوم شدة ورخاء‬


‫تلك تفنى والدين والدب الصا_لح ل يفينان حتى اللقاء‬
‫إن تأدبت يابني صغيرا ً‬

‫كنت يوما ً تعد في الكبراء‬

‫وإذا ماأضعت نفسك الفي‬

‫‪1122‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫) ‪(2/56‬‬

‫ت كبيرا ً في زمرة الغوغاء‬

‫ليس عطفي للعود إن كان رطبا ً‬

‫وإذا كان يابسا ً بسواء‬

‫ومن شعر المنصور الفقيه‬


‫أيها الطالب الحريص تعلم‬

‫إن للحق مذهبا ً قد ضللته‬

‫ليس يجدي عليك علمك إن لم‬

‫تك مستعمل ً لما قد علمته‬

‫قد لعمري اغتربت في طلب العل‬

‫م وحاولت جمعه فجمعته‬

‫ولقيت الرجال فيه وازحم‬

‫ت عليه الجميع حتى سمعته‬

‫ثم ضيعت أو نسيت‪ ،‬وماين‬

‫‪1123‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فع علم نسيته أو أضعته‬

‫وسواٌء عليك علمك إن لم‬

‫يجد نفعا ً عليك أم ما جهلته‬

‫كم إلى كم تخادع النفس جهل ً‬

‫ثم تجري خلف ماقد عرفته‬


‫تصف الحق والطريق إليه‬

‫فإذا ماعلمت خالفت سمته‬

‫??وقال محمود سامي باشا البارودي‬


‫بادر الفرصة واحذر فوتها‬

‫فبلوغ العز في نيل الفرص‬

‫واغتنم عمرك إبان الصبا‬

‫فهو إن زاد مع الشيب نقص‬

‫وابتدر مسعاك واعلم أن من‬

‫بادر الصيد مع الفجر قنص‬

‫‪1124‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫واجتنب كل غبي مائق‬

‫فهو كالغير‪ ،‬إذا جد قمص‬

‫إنما الجاهل في العين قذى‬

‫حيثما كان‪،‬وفي الصدر غصص‬


‫واجتز من شئت تعرفه فما‬

‫يعرف الخلق إل من فحص‬

‫إن ذا الحاجة إن لم يغترب‬

‫عن حماه مثل طير في قفص‬

‫وقال أبو اسحاق إبراهيم الغزي‬


‫بمسيره نقص الهلل‪ ،‬وزاد‬

‫فاجعل كراك إذا اعتزمت سهادا‬

‫لول أنصلت البيض من أغمادها‬

‫مشحوذة لم تفضل الغماد‬

‫وفضيلة الحيوان في حركاته‬

‫‪1125‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫لول منافعة لكان جمادا‬

‫مالعمر إل راحل‪ ،‬وأظنه أت‬

‫خذ الشبيبة للمسافة زادا‬

‫ل تخلعن عن اللسان لجامه‬

‫وتوق فرط جماحه المعتادا‬

‫ة‪+‬مثنى وجارحة الكلم فرادى‬‫فالله خص الستماع بآل ٍ‬


‫وقال أبو نصر عبد العزيز بن نباتة السعدي‬
‫حاول جسيمات المور‪ ،‬ول تقل‬
‫) ‪(2/57‬‬

‫إن المحامد والعل أرزاق‬

‫وأرغب بنفسك أن تكون مقصرا ً‬

‫عن غلية فيها الطلب سباق‬

‫ل تشفقن فإن يومك إن أتى ميقاته لم ينفع الشفاق‬


‫وإذا عجزت عن العدو فداره‬

‫‪1126‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأمزج له إن المزاج وفاق‬

‫فالنار بالماء الذي هو ضدها‬

‫تعطي النضاج‪ ،‬وطيعها الحراق‬

‫عود بينك على الداب في الصغر‬

‫كيما تقربهم عيناك في الكبر‬

‫فإنما مثل الداب تجمعها‬

‫في عنفوان الصبا كالنقش في الحجر‬

‫هي الكنوز التي تنمو ذخائرها‬

‫ول يخاف عليها حادث العبر‬

‫إن الديب إذا زلت به قدم‬

‫يهوى على فرش الديباج والسرر‬

‫الناس صنفان ذو علم ومستمع‬

‫واع وسائرهم كاللغو والعكر‬

‫‪1127‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫من لم يكن عقله مؤدبة‬

‫لم يغنه واعظ من النسب‬

‫كم من وضيع الصول في أمم‬

‫قد سودوه بالعقل والدب‬

‫ل تيأسن إذا ماكنت ذا أدب‬

‫على خمولك أن ترقى إلى الفلك‬

‫فبينما الذهب البريز مختلط‬

‫بالترب إذ صار إكليل ً على الملك‬


‫السبع سبع ولو كلت مخالبه‬

‫والكلب كلب ولو بين السباع ربي‬

‫وهكذا الذهب البريز خالطه‬

‫صفر النحاس وكان الفضل للذهب‬

‫ل يعجبنك أثواب على رجل‬

‫دع عنك أثوابه وانظر إلى الدب‬

‫‪1128‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فالعود لو لم تفح منه روائحه‬

‫لم يفرق الناس بين العود والحطب‬

‫وليس يسود المرء إل بنفسه‬

‫وإن عد آباء كراما ً ذوي حسب‬

‫إذا العود لم يثمر ولو كان شعبه‬

‫من المثمرات اعتده الناس من حطب‬


‫قد ينفع الدب الحداث من صغر‬

‫وليس ينفع بعد الشيبة الدب‬

‫إن الغصون إذا قومتها اعتدلت‬

‫ولن تلين إذا قومتها الخشب‬

‫الباب الثاني عشر في الصبر والتأني‬


‫تصبر ففي اللواء قد الصبر‬
‫) ‪(2/58‬‬

‫‪1129‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ولول صروف الدهر لم يعرف الحر‬
‫وإن الذي أبلى هو العون فانتدب‬

‫جميل الرضا يبقى لك الذكر والجر‬

‫وثق بالذي أعطى ولتك جازعا ً‬

‫فليس بحزم أن يروعك الضر‬

‫فل نعم تبقى ول نقم ول‬

‫يدوم كل الحالين عسر ول يسر‬

‫تقلب هذا المر ليس بدائم‬

‫لديه مع اليام حلو ول مر‬

‫اصبر على مضض الدلج في السحر‬

‫وفي الرواح إلى الطاعات في البكر‬

‫إني رأيت وفي اليام تجربة‬

‫للصبر عاقبه محمودة الثر‬

‫وقل من جد في أمر يؤمله‬

‫‪1130‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫واستصحب الصبر إل فاز بالظفر‬

‫إن المور إذا اشتدت مسالكها‬

‫فالصبر يفتح كل ما ارتجا‬

‫ل تيأسن وإن طالت مطالبه‬

‫إذا استعنت بصبر أن ترى فرجا‬


‫عليك بإظهار التجلد للعدى‬

‫ول تظهرن منك الذبول فتحقرا‬


‫أما تنظر الريحان بشمم ناضرا ً‬

‫ويطرح في البيدا إذا ماتغيرا‬

‫صبرا ً على نوب الزما‬

‫ن وإن أبى القلب الجريح‬


‫فلكل شيء آخر‬

‫إما جميل أو قبيح‬

‫الدهر أدبني والصبر رباني‬

‫‪1131‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والقوت أنعني واليأس أغناني‬

‫وحنكتني من اليام تجربة‬

‫حتى نهيت الذي قد كان ينهاني‬


‫إني رأيت الصبر خير معول‬

‫رفي النائبات لمن أراد معول ً‬

‫ورأيت أسباب القناعة أكدت‬

‫بعرى الغنى فجعلتها لي معقل‬


‫فإذا نبابي منزل جاوزته‬

‫وجعلت منه غيره لي منزل ً‬

‫وإذا غل شيء علي تركته‬

‫فيكون أرخض مايكون إذا غل‬


‫إذا ماأتاك الدهر يوما ً بنكبة=فافرغ لها صبرا ً وأوسع لها‬
‫صدرا ً‬
‫فإن تصاريف الزمان عجيبة‬

‫فيوما ً ترى يسرا ً ويوما ً ترى عسرا ً‬


‫على قدر فضل المرء تأتي خطوبه‬

‫‪1132‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ويحمد منه الصبر مما يصيبه‬

‫فمن فيما يتقيه اصطباره‬

‫لقد قل فيما يرتجيه نصيبه‬

‫أصبر قليل ً فبعد العسر تيسير‬

‫وكل وقت له أمر وتدبير‬

‫وللمهيمن في حالتنا نظر‬

‫وفوق تدبيرنا لله تدبير‬


‫) ‪(2/59‬‬

‫اصبر ففي الصبر خيٌر لو علمت به‬

‫لكنت باركت شكرا ً صاحب النعم‬

‫وأعلم بأنك إن لم تصطبر كرما ً‬

‫صبرت قهرا ً على خط بالقلم‬

‫كن حليما ً إذا بليت بغيظ‬

‫‪1133‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وصبورا ً إذا أتتك مصيبة‬
‫فالليالي من الزمان حبالى‬

‫مثقلت يلدان كل عجيبة‬

‫تصبر أيها العبد اللبيب‬

‫لعلك بعد صبرك ماتخيب‬

‫وكل الحادثات إذا تناهت‬

‫يكون وراءها فرج قريب‬


‫أيا صاحبي إن رمت أن لتكسب العل‬

‫وترقى إلى العلياء غير مزاحم‬

‫عليك بحسن الصبر في كل حالة‬

‫فما صابر فيما يروم بنادم‬

‫بنى الله للخيار بيتا ً سماؤه‬

‫هموم وأحزان وحيطانه الضر‬


‫وأدخلهم فيه وأغلق بابه‬

‫وقال لهم مفتاح بابكم الصبر‬

‫‪1134‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫اصبر قليل ً وكن بالله معتصما‬

‫لتعجلن فإن العجز بالعجل‬

‫الصبر مثل اسمه في كل نائبة‬

‫لكن عواقبه أحلى من العسل‬


‫إذا جرحت مساويهم فؤادي‬

‫صبرت على الساءة وانطويت‬


‫وجئت إليهم طلق المحيا‬

‫كأني ل سمعت ول رأيت‬

‫تأن ول تضيق للمر ذرعا ً‬

‫فكم بالنجح يظفر من تأنى‬


‫تأن فالمرء إن تأنى‬

‫أدرك لشك ما تمنى‬

‫الباب الثالث عشر في الصدق‬


‫الصدق عز فل تعدل عن الصد‬

‫واحذر من الكذب المذموم في الخلق‬

‫‪1135‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫عليك بالصدق ولو أنه‬

‫أحرقك الصدق بنار الوعيد‬


‫ماأحسن الصدق في الدنيا لقائله‬

‫وأقبح الكذب عند الله والناس‬

‫الباب الرابع عشر في الكذب‬


‫لي حيلة فيمن ين‬

‫م وليس في الكذب حيلة‬


‫من كان يخلق مايقو‬

‫ل فحيلتي فيه قليلة‬

‫نعم إنما النمام ذو ضرر‬

‫لكنما الكاذب الجاني أشد ضرر‬

‫نعم نعم إنما النام ذو ضرر‬

‫لكنما الكاذب الجاني أشد ضرر‬

‫أخو النميمة إن يسمع ينم ومن‬

‫يكذب يقل ما يشا قول ً بغير أثر‬

‫‪1136‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫لذاك لي حيلة في من ينم وما‬

‫لي حيلة في كذوب ملء فيه شرر‬


‫لي حيلة في من ينم فإنني‬

‫أطوي حديثي دونه وخطابي‬


‫) ‪(2/60‬‬

‫لكنما الكذاب يخلق قوله‬

‫ماحيلتي في المفتري الكذاب‬


‫ل يكذب المرء إل من مهانته‬

‫أو فعله السوء أو من قلة الدب‬

‫لبعض جيفة كلب خير رائحة‬

‫من كذبة المرء في جد وفي لعب‬


‫إياك من كذب الكذوب وإفكه‬

‫فلربما مزوج اليقين بشكه‬

‫ولربما كذب امرؤ بكلمه‬

‫‪1137‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وبصمته وبكائه وبضحكه‬

‫إذا عرف النسان بالكذب لم يزل‬

‫لدى الناس كذابا ً ولو كان صادقا ً‬


‫فإن قال لم تصغ له جلساؤه‬

‫ولم يسمعوا منه ولو كلن ناطقا ً‬

‫الباب الخامس عشر في التواضع‬


‫إن شئت أن تبني بناًء شامخا ً‬

‫س راسخ‬
‫يلزم لذا البنيان أ ّ‬

‫إن البناء هو الكمال وأسه ال‬

‫الصخريّ فهو التضاع الباذخ‬


‫ب العرش علك ترفع‬ ‫تواضع لر ّ‬

‫فما خاب عبد للمهيمن يخضع‬

‫تواضع تكن كالنجم ل لناظر‬

‫على صفحات الماء وهو رفيع‬


‫ول تك كالدخان يعلو بنفسه‬

‫‪1138‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إلى طبقات الجو وهو وضيع‬

‫إذا شئت أن تزداد قدرا ً ورفعة‬

‫فلن وتواضع واترك الكبر والعجبا‬


‫تواضع إذا ما نلت في الناس رفعة‬

‫فإن رفيع القوم من يتواضع‬

‫تواضع إذا ما كان قدرك عاليا ً‬

‫فإن اتضاع المرء من شيم العقل‬


‫الباب السادس عشر في الكرم والكرماء‬
‫ونكرم ضيفنا ما دام فينا‬

‫ونتبعه الكرامة حيث مال‬


‫فتى كملت خيراته غير أنه‬

‫جواد فما يبقى من المال باقيا‬


‫إن الكرام إذا ما أيسروا ذكروا‬

‫من كان يألفهم في المنزل الخشن‬


‫أبى الجود في الدنيا سواك لنه‬

‫تفرع من جود وأنت أبو الجود‬

‫‪1139‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأضدادك الوادي لهم سال واستوت‬

‫سفينة بحر العلم منك على الجودي‬


‫إن الكريم الذي ل مال في يده‬

‫مثل الشجاع الذي في كفه شلل‬

‫والمال مثل الحصى مادام في يدنا‬

‫فليس ينفع إل حين ينتقل‬

‫ل تراني مصافحا ً ك ّ‬
‫ف يحيى‬

‫إن فعلت ضيعت مالي‬

‫لو يمس البخيل راحة يحيى‬

‫لسخت نفسه ببذل النوال‬

‫لو أشبهتك بحار الرض في كرم‬


‫) ‪(2/61‬‬

‫لصبح الدر مطروحا ً على الطرق‬

‫أو أشبه الغيث جودا ً منك منهمل ً‬

‫‪1140‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫لم ينج في الرض مخلوق من الغرق‬


‫من قاس جدواك بالغمام فما‬

‫أنصف في الحكم بين شكلين‬


‫أنت إذا جدت ضاحكا ً أبدا ً‬

‫وهو إذا جاد دامع العين‬

‫ما نوال الغمام وقت ربيع‬

‫كنوال المير وقت سخاء‬

‫فنوال المير بدرة مال‬

‫ونوال الغمام قطرة ماء‬

‫الباب السابع عشر في البخل والبخلء‬


‫يفنى البخيل بجمع المال مدته‬

‫وللحوادث واليام ما يدع‬

‫كدودة القز ما تبنيه يهدمها‬

‫وغيرها بالذي تبنيه ينتفع‬

‫‪1141‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إن هذا الفتى يصون رغيفا ً‬

‫ما إليه من ناظر من سبيل‬

‫في جراب في جوف تابوت موسى‬

‫والمفاتيح عند ميكائيل‬

‫شرابك مختوم وخبزك ل يرى‬

‫ولحمك بين الفرقدين معّلق‬

‫نديمك عطشان وضيفك جائع‬

‫وكلبك نباح وبابك مغلق‬

‫نوالك دونه شوك القتاد‬

‫وخبزك كالثريا في البعاد‬

‫ً‬
‫ولو أبصرت ضيفا في منام ٍ‬

‫لحّرمت الرقاد على العباد‬


‫قد شاب رأسي ورأس الدهر لم يشب‬

‫إن الحريص على الدنيا لفي تعب‬

‫‪1142‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وذي حرص تراه يلم وفرا ً‬

‫حماه‬
‫لوارثه ويدفع عن ِ‬

‫ككلب الصيد يمسك وهو طاو‬

‫فريسته ليأكلها سواه‬

‫حسبي بعلمي إن نفع‬

‫ما الذل إل في الطمع‬

‫من راقب الله نزع‬

‫عن سوء ما كان صنع‬


‫ما طار طير وارتفع‬

‫إل كما طار وقع‬

‫أصبحت أجوع خلق الله كلهم‬

‫وأفزع الناس من خبز إذا وضعا‬


‫خبز البخيل لمكتوب عليه أل‬

‫ل بارك الله في ضيف إذا شبعا‬

‫‪1143‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫إني أح ّ‬
‫ذركم من خبز صاحبنا‬

‫فقد ترون اليوم بحلقي ما صنعا‬

‫ة‬
‫إياك والحرص إن الحرص متعب ٌ‬

‫فإن فعلت فراع القصد في الطلب‬

‫قد يرزق المرء لم تتعب رواحله‬

‫ويحرم المرء ذو السفار والتعب‬

‫فاجزر فؤادك عن حرص وعن نصب‬

‫فما وّقحك يأتي الرزق بالنصب‬

‫إذا كسر الرغيف بكى عليه‬

‫ُبكا الخنساء إذ فجعت بصخر‬


‫) ‪(2/62‬‬

‫ودون رغيفه قلع الثنايا‬

‫وضرب مثل وقعة يوم بدر‬

‫‪1144‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫تغير إذا دخلت عليه حتى‬

‫فطنت فقلت في المقال‬

‫علي اليوم نذر من صيام‬

‫فأشرق وجهه مثل الهلل‬


‫رغيف في الحجاب عليه قفل‬

‫وحراس وأبواب منيعة‬

‫ف رغيفا ً‬
‫رأى في بيته ضي ٌ‬

‫فقال لضيفه هذا وديعة‬

‫ويظهر عيب المرء في الناس بخله‬

‫ويستره عنهم جميعا ً سخاؤه‬

‫رأى الصيف مكتوبا ً على باب داره‬

‫فصحفه ضيفا ً فقام إلى السيف‬

‫فقلنا له خيرا ً فظن بأننا‬

‫‪1145‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫نقول له خبزا ً فمات من الخوف‬
‫"وقال أبو محمد إسحاق الموصلي المتوفى سنة ‪235‬‬
‫ه في ذم البخل"‬
‫وآمرة بالبخل قلت لها أقصري‬

‫فليس إلى ما تأمرين سبيل‬

‫أرى الناس خلن الجود ول أرى‬

‫بخيل ً له في العالمين خليل‬

‫وإني رأيت البخل يزري بأهله‬

‫فأكرمت نفسي أن يقال بخيل‬

‫ومن خير حالت الفتى لو علمته‬

‫إذا نال شيئا ً أن يكون ينيل‬

‫عطائي عطاء المكثرين تجمل ً‬

‫ومالي كما قد تعلمين قليل‬

‫وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى‬

‫ورأي أمير المؤمنين جميل‬

‫‪1146‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫الباب الثامن عشر في وصف الدنيا‬


‫أيا من عاش في الدنيا طويل ً‬

‫وأفنى العمر في قيل وقال‬


‫وأتعب نفسه في ما سيفنى‬

‫وجمع من حرام أو حلل‬

‫هب الدنيا تقاد إليك عفوا ً‬

‫أليس مصير ذاك النتقال‬

‫إن لله عبادا ً فطنا‬

‫طّلقوا الدنيا وعافوا الفتنا‬


‫فكروا فيها فلما علموا‬

‫ي وطنا‬
‫أنها ليست لح ّ‬

‫جة واتخذوا‬
‫جعلوها ل ّ‬

‫صالح العمال فيها سفنا‬


‫عجبت للمرء في دنياه تطعمه‬

‫في العيش والجل المحتوم يقطعه‬

‫‪1147‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫يمسي ويصبح في عشواء يخطبها‬

‫أعمى البصيرة والمال تخدعه‬

‫يغتر بالدهر مسرورا ً بصحبته‬

‫وقد درى أنه للغير يجمعه‬

‫تراه يشفق من تضييع درهمه‬

‫وليس يشفق من دين يضيعه‬

‫وأسوأ الناس تدبيرا ً لعاقبة‬

‫من أنفق العمر في ما ليس ينفعه‬


‫) ‪(2/63‬‬

‫أل إنما الدنيا كأحلم نائم‬

‫وما خير عيش ل يكون بدائم‬

‫تأمل إذا ما نلت بالمر ل ّ‬


‫ذة‬

‫فأفنيتها هل أنت إل كحالم‬

‫‪1148‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فمن غافل عنه وليس بغافل‬

‫ومن نائم عنه وليس بنائم‬

‫ومن يذق الدنيا فإني طعمتها‬

‫وسبق إلينا عذبها وعذابها‬

‫فلم أرها إل غرورا ً وباطل ً‬

‫كما لح في ظهر الفلة سرابها‬

‫وما هي إل جيفة مستحيلة‬

‫عليها كلب همهن اجتذابها‬

‫فإن تجتنبها كنت سلما ً لهله‬

‫وإن تجتذبها نازعتك كلبها‬

‫فدع عنك فضلت المور فإنها‬

‫حرام على نفس التقي ارتكابها‬

‫ومن يحمد الدنيا لشيء يسّره‬

‫‪1149‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فسوف لعمري عن قليل يلومها‬

‫إذا أدبرت كانت على المرء حسرة‬

‫وإن أقبلت كانت كثيرا ً همومها‬

‫هي الدنيا تقول بملء فيها‬

‫حذارِ حذار من بطشي وفتكي‬


‫فل يغرركمو مني ابتسام‬

‫فقولي مضحك والفعل مبكي‬

‫سألت عن الدنيا الدنية قيل لي‬

‫هي الدار فيها الدائرات تدور‬

‫إذا أضحكت أبكت وإن أحسنت أست‬

‫وإن أعدلت يوما ً فسوق تجور‬

‫دنية إنها‬
‫يا خاطب الدنيا ال ّ‬

‫شرك الردى وقرارة الكدار‬


‫دار متى أضحكت في يومها‬

‫‪1150‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أبكت غدا ً تبا ً لها من دار‬

‫الباب التاسع عشر في السر‬


‫ولست بمبد ٍ للرجال سريرتي‬

‫ول أنا عن أسرارهم بسؤول‬

‫ل يكتم السر إل كل ذي ثقة‬

‫والسر عند خيار الناس مكتوم‬

‫ق‬
‫فالسر عندي في بيت له غل ٌ‬

‫ضاعت مفاتيحه والباب مختوم‬


‫صن السر عن كل مستخبر‬

‫وحاذر فما الرأي إل الحذر‬

‫أسيرك سّرك إن صنته‬

‫وأنت أسيٌر له أن ظهر‬

‫كل علم ليس في القرطاس ضاع‬

‫كل سر جاوز الثنين شاع‬

‫‪1151‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إذا لم يكن في الورى صاحب‬

‫وفيه ثلث خصال حميدة‬

‫وفاٌء وسٌر وحفظ الول=فصحبته قط ليست مفيدة‬


‫عليك بكتم السر في كل حالة‬

‫جة‬
‫فقد جاء في الخبار من ألف ح ّ‬
‫إذا دخل اثنان الحديث فسّره‬
‫) ‪(2/64‬‬

‫يشيع وصمت المرء أعظم حكمة‬

‫الباب العشرون في اللسان‬


‫ل يعجبنك من خطيب خطيبة‬

‫حتى يكون مع الكلم أصيل‬

‫إن الكلم لفي الفؤاد وإنما‬

‫جعل اللسان على الفؤاد دليل‬


‫يصاب الفتى من عثرة بلسانه‬

‫وليس يصاب المرء من عثرة الّرجل‬


‫فعثرته في القول تذهب رأسه‬

‫‪1152‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وعثرته بالّرجل تبرأ على مهل‬

‫احفظ لسانك أيها النسان‬

‫ل يلدغنك أنه ثعبان‬

‫كم في المقابر من قتيل لسانه‬

‫كانت تهاب لقاءه الشجعان‬

‫الصمت زين والسكوت سلمة‬

‫فإذا نطقت فل تكن مكثارا ً‬

‫فإذا ندمت على سكوتك مرة‬

‫فلتندمن على الكلم مرارا‬

‫إن القليل من الكلم بأهله‬

‫ن وإن كثيره ممقوت‬


‫حس ٌ‬

‫ما زل ذو صمت وما من مكثر‬

‫أل يز ّ‬
‫ل ما يعاب صموت‬

‫‪1153‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫إن كان ينطق ناطق من فضة‬

‫فالصمت دّر زانه الياقوت‬

‫احفظ لسانك واستعذ من شره‬

‫إن اللسان هو العدو الكاشح‬

‫س‬
‫وزن الكلم إذا نطقت بمجل ٍ‬

‫فإذا استوى هناك حلمك راجح‬

‫والصمت من سعد السعود بمطلع‬

‫تحيا به والنطق سعد ٌ رابح‬

‫عود لسانك قول الخير تنج به‬

‫في زّلة اللفظ أو من زلة القدم‬


‫واحذر لسانك من خل تنادمه‬

‫إن النديم لمشتق من الندم‬

‫الباب الحادي عشر في المعاشرة‬


‫قال المام الشافعي رضي الله عنه‬

‫‪1154‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫إذا المرء ل يرعاك إل تكلفا‬

‫فدعه ول تكثر عليه التأسفا‬

‫ففي الناس أبدا ٌ‬


‫ل وفي الترك راحة‬

‫وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا‬

‫فما كل من تهواه يهواك قلبه‬

‫ول كل من صافيته لك قد صفا‬

‫إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة‬

‫فل خير في ود يجيء تكلفا‬

‫ول خير في خل يخون خليله‬

‫ويلقاه من بعد المودة بالجفا‬

‫وينكر عيشا ً قد تقادم عهده‬

‫ويظهر سرا ً كان بالمس قد خفا‬

‫سلم على الدنيا إذا لم يكن بها‬

‫‪1155‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫صديق صدوق صادق الوعد منصفا‬
‫صاف الكرام فخير من صافيته‬
‫) ‪(2/65‬‬

‫من كان ذا أدب وكان ظريفا‬

‫واحذر مؤاخاة اللئيم فإنه‬

‫يبدي القبيح وينكر المعروفا‬

‫إن الكريم وإن تضعضع حاله‬

‫فالخلق منه ل يزال شريفا‬

‫والناس مثل دراهم قلبتها‬

‫ضة وزيوفا‬
‫فأصبحت منها ف ّ‬

‫وما المرء إل حيث يجعل نفسه‬

‫فأبصر بعين منك أمرا ً فيعتمد‬

‫ولن يصبح النسان إل نظيره‬

‫وإن لم يكونا من قبيل ول بلد‬

‫‪1156‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ي إل أن تصاحب غاويا ً‬
‫وما الغ ّ‬

‫وما الرشد إل أن تصاحب مرتشد‬


‫أخو الفسق ل يغررك منه توّدد‬

‫فكل حبال الفاسقين مهين‬

‫وصاحب إذا ما كنت يوما ً مصاحبا ً‬

‫أخا ثقة بالغيب منك أمين‬

‫اجعل قرينك من رضيت فاعله‬

‫واحذر مقارنة اللئيم الشائن‬

‫كم من قرين شائن لقرينه‬

‫ومهجن منه لكل محاسن‬

‫وعينك إن أبدت إليك مساويا ً‬

‫من الناس قل يا عين للناس أعين‬


‫وعاشر بمعروف وكن متوّددا ً‬

‫ول تلق إل بالتي هي أحسن‬

‫‪1157‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫الباب الثاني والعشرون في القناعة‬


‫وأكل كسيرة في جنب بيتي‬

‫أحب إلي من أكل الرغيف‬

‫ولبس عباءة وتقر عيني‬

‫أحب إلي من لبس الشفوف‬


‫هي القناعة فالزمها تعش ملكا‬

‫لو لم يكن منك إل راحة البدن‬

‫وانظر لمن ملك الدنيا بأجمعها‬

‫هل راح منها بغير القطن والكفن‬


‫قنعت بالقوت من زماني‬

‫وصنت نفسي عن الهوان‬


‫خوفا ً من الناس أن يقولوا‬

‫فضل فلن على فلن‬

‫من كنت عن ماله غنيا ً‬

‫فل أبالي إذا جفاني‬

‫‪1158‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫ومن رآني بعين نقص‬

‫رأيته بالتي رآني‬

‫ومن رآني بعين ثم‬

‫رأيته كامل المعاني‬

‫إذا المرء عوفي في جسمه‬

‫وملكه الله قلبا ً قنوعا‬

‫وألقى المطامع عن نفسه‬

‫فذاك الغني ولو مات جوعا‬


‫النفس تجزع أن تكون فقيرة‬

‫ى يطغيها‬
‫والفقر خير من غن ً‬

‫وغنى النفوس هو الكفاف فإن أبت‬

‫فجميع ما في الرض ل يكفيها‬

‫إن القنوع نفيس النفس راشدها‬

‫‪1159‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وهو الغني الذي يحيا بل نصب‬


‫) ‪(2/66‬‬

‫وذو المطامع مغرور ومفتقر‬

‫ولو حوى ملك سلطان وعلم نبي‬


‫أفادتني القناعة كل عّز‬

‫وهل عز أعز من القناعة‬


‫ولقد طلبت رضا البرية جاهدا ً‬

‫فإذا رضاهم غاية ل تدرك‬

‫وأرى القناعة للفتى كنزا ً له‬

‫والبر أفضل ما به يتمسك‬

‫الباب الثالث والعشرون في الحسد‬


‫تخلق الناس بالدناس واعتمدوا‬

‫من الصفات ألدها والمكر والحسدا‬


‫كرهت منظرهم من سوء مخبرهم‬

‫فقد تعاميت حتى ل أرى أحدا‬

‫‪1160‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫اصبر على كيد الحسو‬

‫د فإن صبرك قاتله‬

‫كالنار تأكل نفسها‬

‫إن لم تجد ما تأكله‬

‫دع الحسود وما يلقاه من كمد‬

‫يكفيك منه لهيب النار في كبده‬


‫إن لمت ذا حسد نفثت كربته‬

‫وإن سكت فقد عذبته بيده‬

‫أيا حاسدا ً لي على نعمتي‬

‫أتدري على من أسأت الدب‬


‫أسأت على الله في حكمه‬

‫لنك لم ترض لي ما وهب‬

‫فأخزاك ربي بأن زادني‬

‫وسد عليك وجوه الطلب‬

‫‪1161‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫إن شئت قتل الحاسدين تعمدا ً‬

‫من غير مادية عليك ول قود‬

‫وبغير سم قاتل وصوارم‬

‫وعقاب رب ليس يغفل عن أحد‬

‫عظيم تجاه عيونهم محسودهم‬

‫فتراهموا موتى النفوس مع الجسد‬


‫ذوب المعادن باللظى لكنما‬

‫ذوب الحسود بحر نيران الحسد‬

‫الباب الرابع والعشرون في الحلم‬


‫إل أن حلم المرء أكرم نسبة‬

‫تسامى بها عند الفخار حليم‬

‫فيا رب خب لي منك حلما ً فإن‬

‫ني أرى الحلم لم يندم عليه كريم‬


‫أحب مكارم الخلق جهدي‬

‫‪1162‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وأكره أن أعيب وأن أعابا‬

‫وأصفح عن سباب الناس حلما ً‬

‫وشر الناس من يهوى السبايا‬

‫ومن هاب الرجال تهيبوه‬

‫ومن حقر الرجال فلن يهابا‬

‫ول خير في حلم إذا لم يكن له‬

‫بوادر تحمي صفوه أن يكدرا‬

‫ول خير في جهل إذا لم يكن له‬

‫حليم إذا ما أورد المر أصدرا‬


‫إذا كنت محتاجا ً إلى الحلم أنني‬

‫إلى الجهل في بعض الحيان أحوج‬


‫م‬
‫ولي فرس للحلم بالحلم ملج ٌ‬
‫) ‪(2/67‬‬

‫ولي فرس للجهل بالجهل مسرج‬

‫‪1163‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فمن شاء تقويمي فإني مقوم‬

‫ومن شاء تعويجي فإني معوج‬

‫وما كنت أرضى الجهل خذنا ً وصاحبا ً‬

‫ولكنني أرضى به حين أحرج‬

‫إذا كنت بين الحلم والجهل ناشئا ً‬

‫وخيرت أنى شئت فالحلم أفضل‬

‫ولكن إذا أنصفت من ليس منصفا ً‬

‫ولم يرض منك الحلم فالجهل أمثل‬


‫وقال المام الشافعي رضي الله عنه‬
‫ة‬
‫وعين الرضا عن كل عيب كليل ٌ‬

‫كما أن عين السخط تبدي المساويا‬


‫ولست بهياب لمن ل يهابني‬

‫ولست أرى للمرء ما ل يرى ليا‬

‫فإن تدن منك مودتي‬

‫وإن تنأ عني تلقني عنك نائيا‬

‫‪1164‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫كلنا غني عن أخيه حياته‬

‫ونحن إذا متنا أشد تغانيا‬

‫الباب الخامس والعشرون في الحماقة‬


‫لكل داٍء دواٌء يستطب به‬

‫إل الحماقة أعيت من يداويها‬

‫ن من اللبيب وإن جفا‬


‫ل تيأس ّ‬

‫واقطع حبالك من حبال الحمق‬


‫مل‬‫فعداوة من عاقل متج ّ‬

‫أولى وأسلم من صداقة أخرق‬

‫الباب السادس والعشرون في الوطن‬


‫قال ابن الرومي‬
‫ولي وطن آليت أل أبيعه‬

‫وأل أرى غيري له الدهر مالكا‬

‫عمرت به شرح الشباب منعما ً‬

‫بصحبة قوم أصبحوا في ظللكا‬

‫‪1165‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫وحبب أوطان الّرجال إليهم‬

‫مآرب قضاها الشباب هنالكا‬

‫إذا ذكروا أوطانهم ذكرتهم‬

‫صبا فيها فحّنوا لذلكا‬


‫عهود ال ّ‬

‫قد ألفته النفس حتى كأنه‬

‫لها جسد ٌ إن بان غودر هالكا‬

‫الباب السابع والعشرون في المال‬


‫إن الدراهم كالمرا‬

‫هم تجبر العظم الكسيرا‬

‫ب‬
‫ن تعلي ٌ‬
‫لو ناله ّ‬

‫في صبحه أضحى أميرا‬


‫ل مالي فل خ ّ‬
‫ل يصاحبني‬ ‫إن ق ّ‬

‫إن زاد مالي فك ّ‬


‫ل الناس خلني‬
‫فكم عدوّ لجل المال صاحبني‬

‫وكم صديق لفقد المال عاداني‬

‫‪1166‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫لعمرك إن المال قد يجعل الفتى‬

‫سريا ً وإن الفقر بالمرء قد يزري‬


‫وما رفع النفس الدنية كالغنى‬

‫ول وضع النفس النفيسة كالفقر‬

‫وإذا ما رأيت صعوبة في مطلب‬


‫) ‪(2/68‬‬

‫دينار‬
‫فاحمل صعوبته على ال ّ‬

‫وابعثه فيما تشتهيه فإنه‬

‫حجٌر يلّين قسوة الحجار‬

‫الناس أتباع من دامع له نعم‬

‫والويل للمرء إن زلت به القدم‬


‫ن ومن قلت دراهمه‬ ‫المال زي ٌ‬

‫حي كمن مات إل أنه صنم‬

‫لما رأيت أخلئي وخالصتي‬

‫‪1167‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫والكل مستتر عني ومحتشم‬

‫أبدو جفاًء وإعراضا ً فقلت لهم‬

‫أذنبت ذنبا ً فقالوا ذنبك العدم‬

‫ة‬
‫سان وخط ابن مقل ٍ‬
‫فصاحة ح ّ‬

‫وحكمة لقمان وزهد ابن أدهم‬

‫إذا اجتمعت في المرء والمرء مفلس‬

‫ونودي عليه ل يباع بدرهم‬

‫إذا كنت في حاجة مرسل‬

‫ف مغرم‬
‫وأنت بها كل ٌ‬

‫فأرسل حكيما ً ول توصه‬

‫درهم‬
‫وذاك الحكيم هو ال ّ‬
‫أظهروا للناس زهدا ً‬

‫وعلى الدينار داروا‬


‫وله صاموا وصّلوا‬

‫‪1168‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وا وزاروا‬
‫وله حج ّ‬

‫لو يرى فوق الثريا‬

‫ولهم ريش لطاروا‬

‫المال يفرقُ بين الم والولد‬

‫ب عند كل يد‬
‫فذاك أدنى نسي ٍ‬

‫عهدي به خادما ً كالعبد نملكه‬

‫فما لعيني تراه سيد البلد‬

‫ما ٌ‬
‫ل يميل إلى المرء من صغر‬

‫ب في الكبد‬
‫ب الح ّ‬
‫وكلما شب ش ّ‬

‫لو يجمع الله ما في الرض قاطبة‬

‫ل حسبي فل تزد‬ ‫عند امرئ لم يق ّ‬


‫ك ٌ‬
‫ل يروح من الدنيا الغرور كما‬

‫دد‬
‫أتى بل عدد منها ول ع ُ ّ‬

‫‪1169‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫لو كان يأخذ شيئا ً قبلنا أحد‬

‫لم يبق شيء لنا من سالف المد‬

‫إذا المرء لم يعتق من المال نفسه‬

‫تمّلكه المال الذي هو مالكه‬

‫ق‬
‫إل إنما مالي الذي أنا منف ٌ‬

‫وليس لي المال الذي أنا تاركه‬

‫من كان يملك درهمين تعّلمت‬

‫شفتاه أنواع الكلم فقال‬

‫دم الخوان فاستعموا له‬


‫وتق ّ‬

‫ورأيته بين الورى مختال‬

‫لول دراهمه التي يزهو بها‬

‫لوجدته في الناس أسوأ حال‬

‫ي إذا تكّلم بالخطا‬


‫إن الغن ّ‬

‫‪1170‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫قالوا صدقت وما نطقت محال‬
‫أما الفقير إذا تكلم صادقا ً‬

‫قالوا كذبت وأبطلوا ما قال‬

‫إن الدراهم في المواطن كّلها‬

‫تكسو الرجال مهابة وجمال‬


‫) ‪(2/69‬‬

‫ة‬
‫فهي اللسان لمن أراد فصاح ً‬

‫وهي السلح لمن أراد قتال‬

‫الباب الثامن والعشرون في السياحة والغربة‬


‫وإذا البلد تغّيرت عن حالها‬

‫فدع المقام وبادر التحويل‬

‫ليس المقام عليك فرضا ً واجبا ً‬

‫في بلدة تدع العزيز ذليل‬

‫تنّقل فل ّ‬
‫ذات الهوى في التنقل‬

‫‪1171‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ف ول تقف عند منهل‬ ‫ورد كل صا ٍ‬
‫ب وفيها مناهل‬
‫ففي الرض أحبا ٌ‬

‫فل تبك من ذكرى حبيب ومنزل‬

‫تغّرب عن الوطان في طلب العل‬

‫وسافر ففي السفار خمس فوائد‬

‫ة‬
‫م واكتساب معيش ٍ‬
‫تفّرج ه ّ‬

‫وعلم وآداب وصحبة ماجد‬

‫وإن قيل في السفار ذ ٌ‬


‫ل ومحنة‬

‫وقطع الفيافي واكتساب الشدائد‬

‫فموت الفتى خير له من حياته‬

‫ش وحاسد‬
‫ن بين وا ٍ‬
‫بدار هوا ٍ‬

‫ارحل بنفسك من أرض تضام بها‬

‫ول تكن لفراق الهل في حرق‬

‫من ذل بين أهاليه ببلدته‬

‫‪1172‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫فالغتراب له من أحسن الخلق‬

‫الكحل نوع من الحجار منطرحا ً‬

‫في أرضه كالثرى ير أي على الطرق‬


‫لما تغّرب نال العّز أجمعه‬

‫وصار يحتمل بين الجفن والحدق‬

‫وقال المام الشافعي‬


‫ما في المقام الذي عقل وذي أدب‬

‫من راحة فدع الوطان واغترب‬

‫سافر تجد عوضا ً ع ّ‬


‫من تصاحبه‬

‫وانصب فإن لذيذ العيش في الّنصب‬


‫إني رأيت وقوف المال يفسده‬

‫إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب‬

‫السد ُ لول فراق الغاب ما قنصت‬

‫والسهم لول فراق القوس لم يصب‬

‫‪1173‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ة‬
‫والشمس لو وقفت في الفلك دائم ً‬

‫لمّلها الناس من عجم ومن عرب‬

‫والبدر لول أفول منه ما نظرت‬

‫ن مرتقب‬
‫إليه في كل حين عي ٌ‬

‫والتبر كالّترب ملقى في أماكنه‬

‫والعود في أرضه نوع ٌ من الحطب‬

‫فإن تغّرب هذا عز مطلبه‬

‫وإن أقام فل يعلو على رتب‬

‫إذا ما ضاق صدرك من بلد‬

‫حل طالبا ً أرضا ً سواها‬


‫تر ّ‬

‫عجبت لمن يقيم بدار ذ ّ‬


‫ل‬

‫وأرض الله واسعة فضاها‬

‫فذاك من الّرجال قليل عقل‬


‫) ‪(2/70‬‬
‫‪1174‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫بليد ليس يعلم ما طحاها‬

‫فنفسك فز بها إن خفت ضيمها‬

‫وخ ّ‬
‫ل الدار تنعي من بناها‬

‫ض‬ ‫ً‬
‫فإنك واجد أرضا بأر ٍ‬
‫ونفسك لم تجد نفسا ً سواها‬

‫ض‬
‫ومن كانت منيته بأر ٍ‬
‫فليس يموت في أرض سواها‬
‫ض حللت بها‬
‫إن قل نفعك في أر ٍ‬
‫سافر لتدرك قصدا ً أم ترى أمل‬

‫فالبيض لو لزمت أغمادها تلفت‬

‫والشمس لو لم تسر ما حلت الحمل‬


‫وقال الحريري في الحث على السفر من مقامة له‬
‫ل تقعدن عن ضّر ومسغبة‬

‫لكي يقال عزيز النفس مصطبر‬

‫‪1175‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ض معطلة‬
‫وانظر بعينيك هل أر ٌ‬

‫من النبات كأرض حّفها الشجر‬

‫فعد عما تشير الغبياء به‬

‫ل لعود ما له ثمر‬
‫فأيّ فض ٍ‬

‫وارحل ركابك عن ربع ظمئت به‬

‫إلى الجناب الذي يهمي به المطر‬


‫وستنزل الريّ من در السحاب فإن‬

‫بلت يداك به فليهنك الظفر‬

‫بلد الله واسعة فضاًء‬

‫ورزق الله في الدنيا فسيح‬

‫فقل للقاعدين على هوان‬

‫ض فسيحوا‬
‫إذا ضاقت بكم أر ٌ‬

‫وإذا رأيت الرزق ضاق ببلدة‬

‫وخشيت فيها أن يضيق المكسب‬

‫‪1176‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫فارحل فأرض الله وسعة الفضا‬

‫طول ً وعرضا ً شرقها والمغرب‬


‫إذا ما كنت في قوم غريبا ً‬

‫فعاملهم بفعل يستطاب‬

‫ول تحزن إذا فاهوا بفحش‬

‫غريب الدار تنبحه الكلب‬


‫وما طلب المعيشة بالتمني‬

‫دلء‬
‫ولكن ألق دلوك في ال ّ‬

‫تجيء بمثلها طورا ً وطورا ً‬

‫تجيء بحمأة وقليل ماء‬

‫ول تقعد على كسل التمني‬

‫تحيل على المقعد والقضاء‬

‫فإن مقادر الرحمن تجري‬

‫بأرزاق الّرجال من السماء‬


‫مقدرة بقبض أو ببسط‬

‫‪1177‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫وعجز المرء أسباب البلء‬

‫الباب التاسع والعشرون في الغدر‬


‫ل أشتكي زمني هذا فأظلمه‬

‫وإنما أشتكي من أهل ذا الزمن‬


‫هم الذئاب التي تحت الثياب فل‬

‫تكن إلى أحد ٍ منهم بمؤتمن‬

‫هدني في الناس معرفتي بهم‬


‫وز ّ‬

‫وطول اختباري صاحبا ً بعد صاحب‬


‫خل ً تسرني‬ ‫فلم ترني اليام ِ‬
‫) ‪(2/71‬‬

‫مباديه إل ساءني في العواقب‬

‫ول قلت أرجوه لدفع ملمة‬

‫دهر إل كان إحدى المصائب‬


‫من ال ّ‬

‫أني بلوت الناس أطلب منهمو‬

‫‪1178‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫أخا ثقة عند اعتراض الشدائد‬

‫فلم أر فيما ساءني غير شامت‬

‫ولم أر فيما سرني غير حاسد‬


‫وقال علي بن الجهم وهو مسجون‬
‫قالوا حبست فقلت ليس بضائري‬

‫حبسي وأي مهند ل يغمد‬

‫أو ما رأيت الليث بألف غيله‬

‫كبرا ً وأوباش السباع ترّدد‬

‫ة‬
‫والشمس لول أّنها محجوب ٌ‬

‫عن ناظريك لما أضاء الفرقد‬

‫سرار فتنجلي‬
‫والبدر يدركه ال ّ‬

‫دد‬
‫أيامه وكأنه متج ّ‬

‫والغيث يحسره الغمام فما يرى‬

‫إل وريقه يراع ويرعد‬

‫‪1179‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫والزاعبية ل يقيم كعوبها‬

‫إل الثقاف وجذوة ٌ تتوقد‬

‫ة‬
‫والحبس ما لم تغشه لدني ٌ‬

‫شنعاء نعم المنزل المتودد‬

‫ة‬
‫بيت يجدد للكريم كرام ً‬

‫ويزار فيه ول يزور ويحمد‬

‫كم من عليل قد تخطاه الردى‬

‫ود‬
‫فنجا ومات طبيبه والع ّ‬

‫الباب الثلثون في الختام بالدعاء‬


‫قال البحتري‬
‫حاطه الله حيث أمسى وأضحى‬

‫وتوله حيث سار وحل‬

‫وقال ابن الرومي‬


‫لزلت نجما ً يهدى‬

‫ضلل ويستدل‬
‫بك في ال ّ‬

‫‪1180‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬
‫ينبوع عزم يستقى‬

‫واب وستمل‬
‫منه الص ّ‬

‫وقال الوزير المهلبي‬


‫أراني الله وجهك كل يوم‬

‫صباحا ً للتي ّ‬
‫من والسرور‬

‫ي بصفحتيه‬
‫وأمتع مقلت ّ‬

‫لقرأ الحسن من تلك السطور‬


‫وقال آخر‬
‫بقيت مدى الدنيا وملكك راس ٌ‬
‫خ‬

‫وطودك ممدود ٌ وبابك عامر‬

‫يود ّ سناك البدر والبدُر زاهٌر‬

‫ويقفو نداك البحر والبحر غامر‬

‫وهّنئت أياما ً توالت سعودها‬

‫كما تتوالى في العقود )الجواهُر(‬


‫) ‪(2/72‬‬

‫‪1181‬‬
‫جواهر الدب‬ ‫شبكة مشكاة السلمية‬
‫أحمد الهاشمي‬

‫‪1182‬‬

You might also like