You are on page 1of 92

‫ـ‪1‬ـ‬

‫الحقوق كافة‬
‫مـحــــفــــوظـة‬
‫لتـحــاد الـكـتـاب‬
‫الــعـرب‬

‫البريد اللكتروني‪:‬‬
‫‪: unecriv@net.sy E-mail‬‬
‫‪aru@net.sy‬‬
‫موقع اتحاد الكّتاب العرب على شبكة النترنت‬
‫‪http://www.awu-dam.org‬‬

‫‪‬‬

‫ـ‪2‬ـ‬
‫د‪ .‬عبد القادر شرشار‬

‫دراسة‬

‫منشورات اتحاد الكتاب العرب‬


‫دمشق ـ ‪2006‬‬

‫ـ‪3‬ـ‬
‫ـ‪4‬ـ‬
‫تقديم‬
‫أضحى البحث في الخطاب الدبــي وصــلته بالنقــد يســتحوذ‬
‫علــى اهتمامــات دارســي اللغــة والدب منــذ منتصــف القــرن‬
‫العشــرين‪ ،‬بفضــل مــا قــدمته الحقــول المعرفيــة الجديــدة‬
‫كاللســانيات والســلوبية والســيميائية مــن مصــطلحات وأدوات‬
‫إجرائية‪ ،‬أسهمت في مقاربة الثر الدبي بعيــدا ً عــن المقــولت‬
‫النقدية التي كانت مستعارة من كل الحقول إل حقل الدب‪.‬‬
‫ولــذلك ألفينــا اليــوم تراجعــا ً بينــا ً عــن القيــم والخصــائص‬
‫الجماليــة الــتي كــان يطلقهــا النقــد العربــي الكلســيكي علــى‬
‫الخطـاب الدبـي مـن منظـور انطبـاعي سـطحي‪ ،‬منـذ عرفـت‬
‫مناهــج الدراســات الغربيــة الحديثــة والمعاصــرة النتشــار فــي‬
‫العالم العربــي عــن طريــق الترجمــات‪ .‬وللوقــوف علــى تطــور‬
‫اتجاهات الخطاب من منظور المناهج النقدية الحديثة‪ ،‬ل بــد أن‬
‫نربط راهن هذا النقد بالخطاب النقدي الكلسيكي الذي لم يلــغ‬
‫صلته بالبلغة العربية القديمة‪ ،‬وما آل إليه بعد تراكم المعــارف‬
‫النقدية والعلمية والثقافية التي تربطه بها صلت التأثير والتأّثر‪،‬‬
‫مهدت لظهور خطاب نقدي جديد‪.‬‬
‫وعلــى الرغــم مــن النتــائج الــتي حققتهــا هــذه الدراســات‪،‬‬
‫والمناهــج‪ ،‬فــي تفســير النصــوص الدبيــة‪ ،‬وتحليلهــا فــي ضــوء‬
‫سياقاتها المختلفة‪ :‬الجتماعية‪ ،‬التاريخية والدينية‪ ،‬فإنها ل تخرج‬
‫عادة على التفسير التعليلي‪ ،‬ومحاولة البحث عن الصول الــتي‬
‫انبثقت عنها النصوص البداعية‪ ،‬دون مقاربة النص ذاته‪ ،‬ولذلك‬
‫عجزت عن تحليل بنيات الثر الدبي ودللته العميقــة‪ ،‬واكتفــت‬
‫في أغلب الحيان بوصف المظهر النصي السطحي‪ ،‬وملبســاته‬
‫التاريخية والسياسية‪.‬‬
‫إن تطور الخطاب النقدي في أوربــا فــي الخمســينيات مــن‬
‫القــرن العشــرين بفضــل المنهــج البنيــوي الــذي اعتمــد علــى‬
‫مقاربات ) كلود ليفي ستروس( في تحليــل النصــوص‪ ،‬انطلقــا‬
‫مــن وجــود أبنيــة عقليــة ل شــعورية عامــة‪ ،‬تشــترك فيهــا كــل‬
‫الثقافات النسانية‪ ،‬على الرغم ممــا بينهــا مــن اختلف وتبــاين‪،‬‬
‫كان بداية في البحث عن تحليل النصــوص الدبيــة‪ .‬وقــد تــأثرت‬
‫عدة حقول معرفية بهذا المنهج العلمي‪ ،‬الذي أحدث ثــورة فــي‬
‫مناهج تحليل الخطاب الدبي وغير الدبي‪ .‬وكان من شأن هــذه‬
‫النظرة النقدية الحداثية‪ ،‬تحويل مادة الدب إلى حقل مســتقل‪،‬‬
‫لـه عناصر واقعه الذاتية؛ كاللغـة والعلمـة والوحـدات الصـغرى‬
‫والكبرى‪ ،‬وبرصد هذه العناصر وتفكيكها‪ ،‬وتحديــد البنيــات الــتي‬
‫تؤلــف النــص وتعييــن الســنن الــتي تقــوم عليهــا فــي علقاتهــا‬
‫وتنظيمها‪ ،‬نكون قد وقفنا على أسباب تراجع الخطــاب النقــدي‬
‫الكلسيكي‪ ،‬لنــه ل يمتلــك آليــات‪ ،‬وأدوات إجرائيــة تمكنــه مــن‬
‫إعادة بنــاء النــص‪ ،‬وتحديــد مكونــاته عــبر تفكيكــه‪ .‬كمــا تــتراجع‬
‫النزعة التفســيرية القائمــة علــى مبــدأ المحــاور والموضــوعات‬
‫التيمية‪ ،‬ذات الطبيعة التلقينية ‪.Didactique‬‬
‫وهكذا ألغى الخطاب النقدي الحديث مــن مجــال اشــتغاله‬
‫كل تشريع مهما كانت طبيعته‪ ،‬ولم يبق إل على التشــريع الــذي‬
‫يقدر عليه النص بوصفه صناعة كلم‪ ،‬ولكن أيضا بوصــفه إنتاجــا‬
‫لخطاب هو خطابه‪.‬‬
‫كما عرف مطلع القرن العشرين ثورة علــى المناهــج الــتي‬
‫ظهرت في الفترات السابقة‪ ،‬وكان من أهمها تلك الــتي ألحــت‬
‫ـ‪5‬ـ‬
‫على دراسة الثر الدبي من الداخل‪ ،‬وركــزت علــى النــص أول‪،‬‬
‫وسبب ذلك هو أن المناهج التي تأسس عليها الخطــاب النقــدي‬
‫الكلسيكي‪ ،‬غدت غيــر مجديــة‪ ،‬ل تجيــب عــن الســئلة الكــثيرة‬
‫التي يطرحها النقاد‪ ،‬فكان ل بد من إعادة النظر فيها في ضــوء‬
‫الكتشافات وتأثير العلوم الحديثة‪ ،‬وخاصة علــم اللغــة العــام أو‬
‫كمـــــــــــــا يطلـــــــــــــق عليـــــــــــــه اللســـــــــــــانيات‬
‫‪.La Linguistigu‬‬
‫وإذا كان النص أثرا للغة وشكل من أشكالها المرتبط ببعض‬
‫استخدامات الكلم‪ ،‬فكيف يتشــكل هــذا النــص لغــة‪ :‬أي صــيغة‬
‫نشاطه‪ ،‬وتنظيمه الــداخلي‪/‬الخــارجي‪ ،‬بنيتــه الخاصــة‪ ،‬وفعــاليته‬
‫في علقاته المتبادلة؟‬
‫يستجيب هذا البحث للهتمامات المتزايدة بتحليل الخطــاب‬
‫الدبي عموما والخطاب السردي بصورة خاصــة‪ .‬وعلــى الرغــم‬
‫من أن الدراسات الكثيرة التي ظهــرت فـي العقــدين الخيريـن‬
‫من القرن الماضــي قــد أعلنــت الخــذ بآليــات القــراءة الغربيــة‬
‫لتحليل الخطاب الدبي‪ ،‬بمناهجهــا وعلماتهــا المســتجدة‪ ،‬إل أن‬
‫الحاطة العميقة بالمناهج وبما فيها من أنساق لســانية وأخــرى‬
‫ثقافية واجتماعية‪ ،‬غالبا ما قاد إلى بعثرة الجهــد المبــذول‪ ،‬إذ ل‬
‫تكفي كـثرة الشـواهد والحـالت علـى رولن بـارت وغريمـاس‬
‫ودي سوســير وبــاختين وبــروب أو علــى الشــكلنية الروســية‬
‫والنقاد الجدد أو على البنيوية الغربية وما بعدها للتيــان بقــراءة‬
‫عميقة للنصــوص الدبيــة‪ .‬فالــذي لبــد منــه كمرحلــة أولــى هــو‬
‫توطين الــذات القــارئة داخــل الجهــاز المعرفــي وآليــاته‪ ،‬لتــأتي‬
‫القراءة متناغمة مع خصوصية النص العربي‪.‬‬
‫ويأتي هذا البحــث مســاهمة متواضــعة فــي التعريــف بــأبرز‬
‫المناهج الحديثة في تحليل الخطاب الدبي‪ ،‬فهـو بالضـافة إلـى‬
‫تتبعه طريقة تفكير الخر ابتــداء مــن الثــورة المنهجيــة الحديثــة‬
‫التي دشنها الشكلنيون الروس‪ ،‬ودو سوســير‪ ،‬مــرورا بالبنيويــة‬
‫والسلوبية وانتهاء بالسيميائية التي تعد بآفاق جديدة في البحث‬
‫والستكشاف‪ ،‬مما يتطلــب البحــث الــدؤوب مســتقبل فــي هــذا‬
‫المجال الخصب‪ ،‬يقدم حصيلة ما توصل إليــه الخطــاب النقــدي‬
‫الغربي‪ ،‬كما أنه يعرض عينــة يتجلــى مــن خللهــا تكريــس هــذه‬
‫المعارف من قبل نقاد عرب معاصرين ينتمون إلــى جيــل ربــط‬
‫صــلته بهــذه المعرفــة النقديــة‪ ،‬ونزعــم أنــه وصــل إلــى إثــارة‬
‫السئلة‪ ،‬ومحاورة الذات والخر معا‪.‬‬
‫وربما ساعد الطار الذي عرضت فيه هذه المادة على فهم‬
‫تطور الحركة النقدية فــي الغـرب‪ ،‬ليتسـنى جنــي الثمـرة الـتي‬
‫توســمتها حيــن أقــدمت علــى تحمــل عبــء هــذه الدراســة‬
‫ومســؤوليتها‪ ،‬وأرجــو أن يجــد فيهــا القــارئ مــبررات نشــرها‬
‫ومسوغات كتابتها‪.‬‬

‫ـ‪6‬ـ‬
‫الفصل الول‪:‬‬

‫الخطاب الدبي وقضايا النص‬


‫من منظور المناهج النقدية‬
‫الحديثة‬

‫أول‪ :‬مفهوم الخطاب‪.‬‬


‫‪ -1‬تأصيل الخطاب في الثقافة العربية‬
‫على الرغم من غنــى العربيــة بــالمفردات الــتي تفــوق فــي‬
‫عددها مفردات بعض اللغــات الخــرى‪ ،‬ترانــا نعــاني أحيانــا مــن‬
‫مشكلة تحديد معاني عدد من المفاهيم والمصطلحات العلميــة‪،‬‬
‫وتحديد الوافد منها‪ ،‬في إطار العلوم النسانية‪.‬‬
‫فاللغة أي لغة كانت‪ ،‬هي أساس التعامــل النســاني‪ ،‬وهــي‬
‫مح‪1‬ـ(ـددة‪ ،‬والمصــطلح‬ ‫وسيلة للتعبير عن أوضاع وحالت وأفكــار‬
‫هو ألف باء العلم‪ ،‬كل علم‪ ،‬وأي علم كــان‪ ) ،‬ومــن هنــا تــأتي‬
‫‪" Voltaire‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫أهمية تحديد مفهوم"خطــاب"عمل بمقولــة "فولــتير‬
‫دث معي‪ ،‬حدد مصطلحاتك‪" .‬‬ ‫الشهيرة‪" :‬قبل أن تتح ّ‬
‫إن مصطلح "خطاب "‪ ،‬اسم مشتق من مــادة )خ‪ .‬ط‪ .‬ب(‪،‬‬
‫وقع اعتماده من طرف الفكر النقدي العربــي الحــديث ليحمــل‬
‫دللـــــــــــة المصـــــــــــطلح النقـــــــــــدي الغربـــــــــــي‬
‫"‪ ،"Discours‬ولدراك مدلولـه في الدراسات العربية القديمــة ل‬
‫بد من الرجوع إلى بعض المعاجم العربية وكتــب اللغــة والفكــر‬
‫والدب باعتبارها المرشحة لذلك‪.‬‬
‫ولعل ما يســاعدنا علــى معرفــة دللــة هــذا المصــطلح فــي‬
‫التراث العربي القديم هو نــص القــرآن و "لســان العــرب"لبــن‬
‫هـ(‪(3،‬باعتبار القرآن هو الكتاب الكــثر تجانســا‬ ‫منظور )ت‪711 .‬‬
‫مع خصـائص اللسـان) العربـي‪ ،‬ولسـان العـرب لبـن منظـور‬
‫يساعدنا بالرجوع بالكلمة إلى أصلها اللغوي على امتــداد زمنــي‬
‫كبير‪ (4) .‬كما أنه يجنبنا مشقة البحث عــن دللــة هــذا المصــطلح‬
‫في تراثنا الضخم‪.‬‬
‫)( يوسف بريك‪ ،‬حول وضع العلوم النسانية ومشكلتها من منظور‬ ‫‪1‬‬
‫)(ابستيمولوجي‪ ،‬مجلة جامعة دمشق‪ ،‬المجلد‪ ،15:‬ع‪ ،1999 ،4/‬ص‪.106 .‬‬
‫إبراهيم إيراش‪ ،‬حول حدود استحضار المقدس في المور الدنيوية‪:‬‬ ‫‪2‬‬
‫ملحظات منهجية‪ ،‬في‪ :‬مجلة المستقبل العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ع‪ ،1994 ،180/‬ص‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( المختار الفخاري‪ ،‬تأصيل الخطاب في الثقافة العربية‪ ،‬مجلة الفكر العربي‬ ‫‪3‬‬
‫المعاصر‪ ،‬ع‪ ،1993 ،101-100/‬ص‪.29 .‬‬
‫)( محمد فؤاد عبد الباقي‪ ،‬المعجم المفهرس للفاظ القرآن الكريم‪ ،‬دار الفكر ‪،‬‬ ‫‪4‬‬
‫بيروت‪ ،1986 ،‬ص‪235 .‬‬
‫نورد فيما يأتي بعض صيغ ورود المادة "خ‪ .‬ط‪ .‬ب" في القرآن الكريم‪،‬‬
‫وبعض اليات التي تضمنتها‪:‬‬
‫م‪ :‬وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما‪ 63 .‬ك‪ .‬الفرقان‪25 .‬‬ ‫ه ْ‬‫خاطَب َ ُ‬‫َ‬
‫تخاطْبني ‪ :‬ول ُتخاطبني في الذين ظلموا‪37 .‬ك‪ .‬هود‪11 .‬‬
‫ك‪ :‬قال فما خطبك يا سامري‪ .95 .‬ك‪ .‬طه‪.20 ،‬‬ ‫خطْب ُ َ‬ ‫َ‬
‫ب ‪ :‬وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب‪ .20 . .‬ك‪ ،‬ص‪38 ،‬‬ ‫خطا َ ِ‬ ‫ال ِ‬
‫خطابا ‪ :‬رب السموات والرض وما بينهما الرحمن ل يملكون منه خطابا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪ ،37‬ك‪ .‬النبأ‪.78 ،‬‬
‫ـ‪7‬ـ‬
‫ترددت مادة"خ‪ .‬ط‪ .‬ب" في القــرآن الكريــم اثنــتي عشــرة‬
‫مّرة موزعة على اثنــتي عشـرة ســورة‪ .‬ويصـعب إحصـاء مـدى‬
‫ـيرة‪ .‬وأحيــل علــى‬ ‫تواتر هذا المصطلح في كتــب الحــديث والسـ‬
‫"المعجم المفهرس للفاظ الحديث النبوي " )‪ (1‬للوقــوف علــى‬
‫اســتعمال هــذا المصــطلح ودللتــه الموظفــة فــي مختلــف‬
‫السياقات‪.‬‬
‫وقد ورد في "اللسان" لبن منظــور فــي مــادة ]خ‪ .‬ط‪ .‬ب[‬
‫أن" الخطاب والمخاطبة‪ :‬مراجعة الكلم‪ ،‬وقــد خــاطبه بــالكلم‬
‫مخاطبة وخطابا‪ .‬وهما يتخاطبان‪ .‬والمخاطبة صيغة مبالغة تفيد‬
‫الشتراك والمشاركة في فعل ذي شأن‪.‬‬
‫ّ‬
‫قال الليث‪ :‬إن الخطبـة مصـدر الخطيـب‪ ،‬ل يجـوز إل علـى‬
‫وجــه واحــد‪ ،‬وهــو أن الخطبــة اســم الكلم الــذي يتكلــم بــه‬
‫صدر‪.‬‬
‫الخطيب‪ ،‬فُيوضع موضع الم ْ‬
‫صـ ُ‬
‫ل‬ ‫َالتهذيب‪ :‬قال بعــض المفســرين فــي قــوله تعــالى‪ :‬وَفَ ْ‬
‫ب؛ قال‪ :‬هو أن يحكم بالبينة أو اليمين‪ ،‬وقيــل‪ :‬معنــاه أن‬ ‫خطا ِ‬
‫ال ِ‬
‫حكــم وضــده‪ ،‬وقيــل‪:‬‬ ‫يفصل بين الحــق والباطــل‪ ،‬ويميــز )بي‪2‬ـ(ـن ال ُ‬
‫ه في القضاء‪" .‬‬ ‫فق ُ‬
‫فصل الخطاب‪ ،‬ال ِ‬
‫ـي‬ ‫ويرى الزمخشري أنه يجــوز أن يــراد بمعنــى الخطــاب فـ‬
‫)‪(3‬‬
‫الية‪" :‬القصد الذي ليس فيه اختصار مخل‪ ،‬ول إشباع ممل"‬
‫ويرتبــط "الخطــاب" بالخطابــة فــي النصــوص التراثيــة‪،‬‬
‫فالخطابة في ميدان النــثر بمنزلـة القصـيد فــي ميــدان الـوزن‪،‬‬
‫م‬‫فهي الطار المثالي الذي تتجلى فيه البلغــة النثريــة‪ ،‬ومــن ث ـ ّ‬
‫فــإن الجــاحظ إذا تكلــم فــي بعــض النصــوص عــن الخطابــة‬
‫والســياق‪ ،‬فهــو يقصــد البلغــة"ولــم يــذكروا بالخطابــة ول بهــذا‬
‫الجنس من البلغة")‪ ،(4‬وليـس هــذا معنـاه أنــه ل يفــرق بينهمــا‪،‬‬
‫ـذا‪(5‬الشــكل ليــس أكــثر‪ ،‬كمــا‬ ‫)‬
‫ولكنه يتصور العلقة بينهما على هـ‬
‫ذهب إلى ذلك محمد الصغير بناني‪.‬‬
‫ولو أردنا التعبير عن هذه العلقة‪ ،‬لكان الشــكل التــي‪ ،‬هــو‬
‫الكاشف عن العلقة التي تجعل البلغة جنسا‪ ،‬والخطابــة نوعــا‪:‬‬ ‫)‪(6‬‬

‫ما )كل بلغة ‪ #‬الخطابة(‪.‬‬ ‫)كل الخطابة = البلغة( أ ّ‬


‫ويرتبط الحديث عن الخطاب بالخطابة التي فصلها أرسطو‬
‫وناتها‪" :‬أمــا اللتــي ينبغــي‬
‫مك ّ‬
‫طاليس عن الشعر‪ ،‬وقد قال عن ُ‬
‫أن يكون القــول فيهــن علــى مجــرى الصــناعة فثلث‪ :‬إحــداهن‬
‫الخبار من أي الشــياء تكــون التصــديقات والثانيــة ذكــر اللتــي‬
‫تستعمل في اللفاظ‪ ،‬والثالثة أنه كيف ينبغي أن ننظم أو ننسق‬
‫أجزاء القول‪ (7) .‬ونستخلص من مقولة أرسطو عناصر الخطابة‬
‫التية‪:‬‬
‫ـ عنصر القناع أو البراهين‪.‬‬
‫)( المعجم المفهرس للفاظ الحديث النبوي‪ ،‬دار العودة‪ ،‬دار سحنون‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫)د‪ .‬ت(‬
‫)( ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬أعاد بناءه على الحرف الول من الكلمة يوسف‬ ‫‪2‬‬
‫خياط ج‪ ، 2/‬دار لسان العرب‪ ،‬بيروت‪ ،1988 ،‬ص‪856 .‬‬
‫)( الزمخشري‪ ،‬الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون القاويل في وجوه التأويل‪،‬‬ ‫‪3‬‬
‫تحقيق وتعليق محمد مرسي عامر‪ ،‬دار المصحف‪ ،‬القاهرة]د‪ .‬ت[‪ ،‬ج‪ ،6-5/‬ص‪.‬‬
‫‪125‬‬
‫)( الجاحظ‪ ،‬البيان والتبيين‪ ،‬تحقيق وشرح عبد السلم محمد هارون‪ ،‬دار‬ ‫‪4‬‬
‫المعارف‪ ،‬ط‪) ،3 .‬د‪ .‬ت(‪ ،‬ج‪ ،3 .‬ص‪.28/1 .‬‬
‫)( محمد الصغير بناني‪ ،‬النظريات اللسانية والبلغية عند الجاحظ من خلل‬ ‫‪5‬‬
‫)(البيان والتبيين‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،1983 ،‬ص‪.227 .‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.227 .‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( أر سطو طاليس‪ ،‬الخطابة‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد الرحمن بدوي‪ ،‬مكتبة النهضة‬ ‫‪7‬‬
‫المصرية‪ ،‬القاهرة‪ ،1983 ،‬ص‪181 .‬‬
‫ـ‪8‬ـ‬
‫ـ السلوب أو التنظيم أو البرهان‪.‬‬
‫ـ ترتيب أجزاء القول‪.‬‬
‫والخطابة عند أرسطو مبنية علــى المبــادئ الكليــة‪ ،‬يعّرفهــا‬
‫ـي نــوع مــن القيــاس‪ ،‬وتقابــل فــي‬ ‫بقوله‪:‬إنها الكلم المقنع‪ ،‬وهـ‬
‫اللغــة اللتينيــة ‪ . (1)"Rhétorique‬فهــي إذا ً ليســت مــن جنــس‬
‫الشتقاق نفسه الذي تخضع لـه اللفظــة فــي العربيــة‪) ،‬خطــب‬
‫خطاب(‪ ،‬حيث نلحظ أن الجذرين مختلفان في اللغــة ال ّ‬
‫لتينيــة‪،‬‬
‫كما يوضحه الشكل التي‪:‬‬
‫)‪.( Discours Rhétorique‬‬
‫وإن كــان الغــرض مــن البلغــة يكــاد يكــون متشــابها فــي‬
‫الثقافتين العربية والغريقية‪ ،‬فهــو فــي البلغـة العربيــة عــرض‬
‫مقنع‪ ،‬ويتفق مع ما ذهــب إليــه أرســطو‪" :‬أنهــا‬ ‫الفكار بأسلوب‬
‫الكلم المقنع"‪ (2) .‬ول يتم التصــديق فــي الخطابــة إل بموافقــة‬
‫المقال للمقام‪ ،‬وهو المبدأ الساسي الذي ركـز عليـه بشـر بـن‬
‫المعتز في رسالته البلغية ؛ أي‪ :‬أن يراعى كيــف المتكلــم فــي‬
‫حال تأديته الخطاب‪ ،‬هل هو فـي خشـوع‪ ،‬أو لطـف أو وجـد‪ ،‬أو‬
‫غيــر ذلــك‪ ،‬ثــم طريــق اســتدراج الســامعين‪ ،‬ول يتــم هــذا إل‬
‫الــتي تتعلــق بطبــائع النــاس‪،‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫بالقاويــل الخلقيــة والنفعاليــة‬
‫ومصالحهم‪ ،‬وعاداتهم وتأثيرهم‪.‬‬
‫‪ -2‬مفهوم الخطاب‪ :‬الطرح النظري‪.‬‬
‫يستمد مفهوم الخطاب قيمته النظرية‪ ،‬وفعاليته الجرائيــة‬
‫من كونه يقف راهنا في مجال النقد الدبي الحديث فــي نقطــة‬
‫تقاطع‪/‬تلقي بين تحليل النصــوص والجــراءات التطبيقيــة الــتي‬
‫تتطلبها عمليات التحليل‪ ،‬والعمال الدبية البداعية بصفة عامة‬
‫ن مفهــوم‬ ‫باعتبارها نظاما مغلقا ل يحيــل إل ّ علــى نفســه‪ .‬بــل إ ّ‬
‫م‪ ،‬من اعتباره مجرد‬ ‫الخطاب )قد( يعود بنا أدراجا إلى ما هو أع ّ‬
‫مفهوم إجرائي في تفكيـك ســنن النصــوص ومرجعياتهــا‪ ،‬وذلـك‬
‫من خلل إعادة النظر في أنساق المعرفة النقدية التي اتخــذت‬
‫من النصوص التراثية سندا لها‪.‬‬
‫وتعود جذور مصطلح الخطاب إلى عنصــري اللغــة والكلم‪،‬‬
‫فاللغة عموما نظام مــن الرمــوز يســتعملها الفــرد للتعــبير عــن‬
‫أغراضــه‪ ،‬والكلم إنجــاز لغــوي فــردي يتــوجه بــه المتكلــم إلــى‬
‫شخص آخر ُيدعى المخاطب‪.‬‬
‫رسـالة لغويــة يبثهــا‬
‫)‪(4‬‬
‫ده‬
‫ومن هنا تولد مصطلح الخطاب‪ ،‬بعـ ّ‬
‫المتكلم إلى المتلقي‪ ،‬فيستقبلها ويفك رموزها‪.‬‬
‫مّيــز دي سوســير بيــن اللغــة )‪ (ueLang‬والكلم)‪،(Parole‬‬
‫حيث اعتبر اللغة جزءا جوهريا من اللســان‪ ،‬وهــي فــي الــوقت‬
‫ذاته نتــاج اجتمــاعي لملكــة اللســان‪ ،‬يتبناهــا المجتمــع لتســهيل‬
‫ممارسة هذه الملكة عند الفراد‪ ،‬فهي مؤسسة اجتماعية )‪Inst‬‬
‫‪ (itution sociale‬حركتها التكرار والثبــات‪ .‬أمــا الكلم فهــو نتــاج‬
‫فرد يصدر عن وعي وإرادة‪ ،‬ويتصف بالختيار‪ ،‬ويتجلى ذلك في‬
‫الحرية التي يمتلكها الفــرد فــي اســتخدامه للنســاق التعبيريــة‪،‬‬
‫مســتعينا فــي إبــراز أفكــاره بآليــات نفســية‪ ،‬وفيزيائيــة‪ ،‬لهــذا‪،‬‬
‫)( جميل صليبا‪ ،‬المعجم الفلسفي باللفاظ العربية والفرنسية والفرنسية‬ ‫‪1‬‬
‫والنكليزية واللتينية‪ ،‬الجزء الول‪ ،‬الشركة العالمية للكتاب‪ ،‬بيروت‪،1994 ،‬‬
‫ص‪531 .‬‬
‫))(( نفسه‪ ،‬ص‪.532 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫جعفر آل ياسين‪ ،‬المنطق السينوي‪ ،‬عرض وتحليل للنظرية المنطقية عند‬ ‫‪3‬‬
‫ابن سينا‪ ،‬منشورات دار الفاق الجديدة‪ ،‬بيروت‪ ،1983 ،‬ص‪134 .‬‬
‫)( ‪Ferdinand De Saussure, Cours de linguistique générale, Enag/Editions,‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪.Alger, 1990,P. 21‬‬
‫ـ‪9‬ـ‬
‫لن(ــه الســلوك‬‫)‪1‬‬
‫فــالكلم يولــد خــارج النظــام‪ ،‬وضــد المؤسســة‬
‫اللفظي اليومي الذي لـه طابع الفوضى والتحرر‪.‬‬
‫ن مفهوم الخطاب اللساني حــديث نســبيا‪ ،‬وتحديــده مــن‬ ‫إ ّ‬
‫المــور المستعصــية‪ ،‬نظــرا للتطــور الــذي حصــل فــي علــم‬
‫اللسانيات‪ ،‬والتحولت السريعة التي عرفتها معظــم النظريــات‬
‫التي تندرج تحته‪ .‬فقد اختلــط مفهــوم الخطــاب والتبــس بغيــره‬
‫من المصطلحات‪ ،‬وبخاصة مصطلح النــص‪ ،‬لنهــا ظلــت تلزمــه‬
‫فــي المعنــى‪ ،‬وترادفــه فــي الســتعمال‪ ،‬كمــا أن تــوظيفه فــي‬
‫البحوث النقدية المعاصرة عرف ارتباكا كبيرا‪ .‬ومن الدلة علــى‬
‫ارتبــاك المصــطلح فــي الســتعمال مــا نــراه عنــد )يمســليف‬
‫ـدله‪ (2) .‬كمـا جعلـه‬ ‫‪ (Hjelmslev‬حيث يعوضــه بــالنص‪ ،‬ويضـعه بـ‬
‫)‪(3‬‬
‫)جيلم غيوم ‪ (G.Guillaume‬مرادفا للسان‪.‬‬
‫أمــا مصــطلح خطــاب "‪ "Discours‬المــأخوذ عــن اللتينيــة "‬
‫‪"Discours Sus‬ومعناه )الركض هنا وهناك(‪ ،‬فليس أصل مباشرا‬
‫لما هو مصطلح عليه بالخطــاب‪ ،‬إل أن الجــذر اللغــوي اللتينــي‬
‫أصبح يحمل معنى الخطــاب أو مــا اشــتق منــه مــن معــان منــذ‬
‫القرن الســابع عشــر‪ ،‬فقــد دل المصــطلح علــى معنــى طريــق‬
‫ـكيل صــيغة‬
‫)‪(4‬‬
‫صدفي‪ ،‬ثم المحادثــة والتواصــل‪ ،‬كمــا دل علــى تشـ‬
‫معنوية سواء أكانت شفهية أم مكتوبة عن فكرة ما‪.‬‬
‫وتحول اللوغو الغريقي )‪ (Logos‬ومــثيله اللتينــي )‪(Oratio‬‬
‫للدللة على معنى "الخطاب البليغ" الذي يشــتمل علــى أجــزاء‬
‫كالفعل والسم والتوابع والوصف والسرد والستهلل والغرض‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫ويلحظ أن استخدام مصطلح خطاب تطور طرديا وبشــكل‬


‫متواز مع تاريخ الفكر النساني والعلمي‪ ،‬ففــي القــرن الســابع‬
‫عشر )الذي ينعت بعصر الشفافية وصفاء اللســان والفكــر فــي‬
‫مؤلف يؤكد هذه الحقيقة وهو كتاب "ر‪.‬‬ ‫العرض والتحليل( ظهر‬
‫الموسوم بـ‪ :‬مقالة الطريقة )‪D‬‬ ‫‪،‬‬ ‫)‪(6‬‬
‫"‬ ‫‪René‬‬ ‫ديكارت ‪Descartes‬‬
‫)‪(7‬‬
‫‪.(«iscours de la méthode. «1637‬‬
‫ولم يكن مفهوم الخطـاب فـي منظـور البلغـة الكلسـيكية‬
‫مجرد وسيلة يعبر بها عن الفكرة‪ ،‬ولكن كان ينظر إليه باعتباره‬
‫كيانــا مســتقل‪ ،‬يحمــل خصائصــه الذاتيــة‪ ،‬ويتجلــى ذلــك فــي‬
‫المرسلة الصادرة من الكاتب نحو المتلقي سواء أكان مشــاهدا‬
‫)الباث‪/‬الكاتب( في كل الحالت‬
‫)‪(8‬‬
‫أم قارئا بحيث يتوخى المرسل‬
‫التأثير في المتلقي )القارئ‪/‬المشاهد(‪.‬‬
‫و"اختفــت الــدللت الــتي كــانت تقــرن‪-‬عــادة‪ -‬بمــادة "‬
‫‪ "Discours‬في بداية القــرن العشــرين‪ ،‬لن اللســانيات الحديثــة‬
‫اقترحت مفهوما مرنا للخطاب‪ ،‬حيــث اعتــبرته ملفوظــا يرتهــن‬
‫‪.Cours de linguistique générale, PP. 21-22 () 1‬‬
‫‪Louis Hjelmslev, Essais linguistiques, Les Editions De Minuits, Paris, () 2‬‬
‫‪1971, P. 43-44‬‬
‫‪ () 3‬منذر عياشي ‪ ،‬مقالت في السلوبية‪ ،‬منشورات اتحاد الكتاب العرب‪،‬‬
‫دمشق‪ ،1990 ،‬ص‪182 .‬‬
‫‪« Encyclopédia Universalis, Microsoft, France, 1995,(CD). « Discours () 4‬‬
‫انظر كذلك‪Dictionnaire historique de la langue française, Dictionnaire Le:‬‬
‫‪.Robert, Paris, 1992,P. 610‬‬
‫‪.(Encyclopédia Universalis, France 1995,Microsoft, (C. D (()) 56‬‬
‫رنيه ديكارت‪ :‬علم من أعلم الفلسفة الحديثة‪ ،‬أحدث فكُره قطيعة بين ما‬
‫كان سائدا في العصور الوسطى‪ ،‬حيث كانت الكنيسة هي العقل المدبر‬
‫والمفكر‪ ،‬وبين ما استحدث في عصر النهضة عندما تحرر الفرد من قيود‬
‫الكنيسة بعدما وعى زيفها وخداعها واستئثارها بالعلم وتحريمه على الناس‪.‬‬
‫توفي عام ‪.1677‬‬
‫‪ () 7‬ر‪ .‬ديكارت‪ ،‬مقالة الطريقة‪ ،‬ترجمة‪ :‬جميل صليبا‪ ،‬موفم للنشر‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫‪.1991‬‬
‫‪(Encyclopédia Universalis, France 1995, Op. Cit. (CD () 8‬‬
‫ـ ‪ 10‬ـ‬
‫من خلله )الباث‪/‬المتكلم( اللغــة بــالكلم بمفهــوم دي سوســير‬
‫للمصــطلح‪ ،‬وبــذلك أصــبح الخطــاب فــي العلــوم النســانية‬
‫النفــس التحليلــي‪ ،‬اللســانيات‪ ،‬الــخ‪( ..‬‬
‫)‪(1‬‬
‫)سوســيولوجيا‪ ،‬علــم‬
‫موضوعا علميا ونقديا‪" .‬‬
‫واقترح اللسانيون منذ دي سوسير مجموعة مــن التعــاريف‬
‫للخطاب‪ ،‬اســتفادت مـن الدراســة التأسيســية الــتي حــدد فيهـا‬
‫أرسطو مفهوم هذا المصــطلح فــي كتـابه فــن الشـعر‪ ،‬غيــر أن‬
‫تراكمها يطرح اليوم صعوبة فـي إحصـائها والربـط بينهـا‪ ،‬نظـرا‬
‫للخلفيات المنهجية‪ ،‬والرؤى النقدية التي ينطلق منها أصحابها‪.‬‬
‫إن الجدل حــول مفهــوم مصــطلح الخطــاب كــان موضــوع‬
‫بحث لدى قدماء النحويين من غير العرب‪ ،‬فهو بالنســبة للهنــود‬
‫ـع الفعــل والســم‬ ‫بداية لجرد بنيوي يتــم مــن خللـه تحديــد موقـ‬
‫)‪(2‬‬
‫والملحقات والستثناءات في حفريات اللغة‪.‬‬
‫وفي عهد الغريق رأى أرسطو أن التعــبير والبيـان يقومـان‬
‫على الجزاء اللغوية التية‪ :‬الحرف ـ المقطع اللفظي ـ ـ روابــط‬
‫النسق ـ الداة ـ الفعل ـ السـم‪ .‬ويعـود الفضـل بعــد ذلـك إلـى‬
‫)دونيــس وتــرا كيــس(‪ DENYS-THRACES‬اللــذين ميــزا بيــن‬
‫الجزاء الثمانية التي أعيد بعثهــا مــن قبــل اليهــود والعــرب فــي‬
‫القــرون الوســطى‪ ،‬حيــث تــم اعتمــاد الجــزاء كلهــا باســتثناء‬
‫عنصرين من ترتيبات أرسطو باعتبارهما يدخلن ضمن مســتوى‬
‫تحليلــي آخــر‪ .‬وحــددت قائمــة الترتيبــات علــى الشــكل التــي‪:‬‬
‫الداة‪ -‬الضمير ـ السم ـ الفعل ـ ـ اســم الفاعــل أو المفعــول ـ ـ‬
‫الظرف ـ حرف الجر ـ السم الموصول‪.‬‬
‫وعرفت هذه الترتيبات وما لحق بها مــن مفــاهيم تغييــرات‬
‫كثيرة‪ ،‬وألحقت بهــا عناصــر فرعيــة متعــددة‪ ،‬تماشــت وحركيــة‬
‫اللغة وتطورها في عهد مدرســة "بــور روايــال ‪ Port‬ـ ـ ‪" Royal‬‬
‫وهو ما تعرض لـه "أرنولد ولنسولو ‪ " Arnold et Lancelot‬فــي‬
‫كتابهمـــا‪ :‬النحـــو العـــام والممنطـــق ‪Grammaire générale‬‬
‫‪ ،(raisoénne te (1660‬وقد أشارا فيه إلى التحول الذي أحدثته‬
‫الدراسات النحوية والبلغية علــى منطــق اللغــة المــوروث منــذ‬
‫أرســطو‪ ،‬فبالنســبة لمفهــوم الفعــل أصــبح ل يقــال بــالمنطق‬
‫الغريقي‪:‬هو كلمة تدل على فكــرة الزمــن‪ ،‬ولكــن ســاد تصــور‬
‫مفاده أن الخطاب الــذي اســتعمل فيــه لفــظ )الفعــل( خطــاب‬
‫رجل ل يقصد الشياء بذاتها‪ ،‬بقدر ما هو في حال الحكم عليهــا‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬

‫وقد كثر الحديث عن علقة اللغة بالمنطق الرسطي خاصة‬


‫بعد صدور كتاب دي سو ســير‪ ،‬وأصــبح العتقــاد أن المنطــق ل‬
‫يمكــن أن يكــون مرجعــا فــي العمليــة اللســانية‪ ،‬كمــا ل يمكــن‬
‫العتماد عليه في توجيه حركــة اللســان وتطــوره‪ ،‬لن النظريــة‬
‫على‪(4‬الحقيقة المطلقة‪ ،‬بينما تعتبر اللغة ظاهرة‬ ‫)‬
‫المنطقية تقوم‬
‫اجتماعية عارضة‪" .‬‬
‫والخطاب بدوره ل يخضــع لمنطــق اليقيــن لكــونه ل ينتهــي‬
‫مبـادئ عمليــة‪ ،‬ول يرتكــز علــى ثـوابت تفضــي إلــى نتــائج‬
‫)‪(5‬‬
‫إلــى‬
‫رياضية‪.‬‬

‫))(( ‪.Dictionnaire historique de la langue française,(1992), Op. Cit. P. 610-611‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪.(Encyclopédia Universalis, 1995, Op. Cit. (CD‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.(Ibid. (C. D‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( محمد الخضراوي‪ ،‬هندسة النص‪ ،‬مجلة كتابات معاصرة‪ ،‬بيروت‪،1998 ،‬‬ ‫‪4‬‬
‫ص‪.71 .‬‬
‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص‪71 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫ـ ‪ 11‬ـ‬
‫ثانيا‪ :‬إشكالية النص والخطاب‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الطرح النظري لمفهوم النص في التراث العربي‪:‬‬
‫ّ‬
‫لم يعرف العرب في تاريخهم ممارســة نصــية تامــة إل مــع‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬وهي أولى مظاهر هذه الممارسة "وتتمثل فــي‬
‫الوقوف على "النص في ذاتيتــه النصــية" بتعــبير بــارت‪ ،‬فذاتيــة‬
‫ـا يقــوم بنفســه‬ ‫النص تجليها قراءة للمكتوب تجعــل النــص كلمـ‬
‫)‪(1‬‬
‫إزاء كلم آخر يظهر عبر إنجاز لغوي مختلف‪" .‬‬
‫وقد أدرك الباقلني هذا المر في القرآن الكريم فقــال‪":‬إذا‬
‫تأملته تبّين بخروجه عن أصناف كلمهم وأساليب خطابهم‪ ،‬إنــه‬
‫خصوصية ترجــع إلــى جملــة‬ ‫خارج عن العادة وأنه معجز؛ وهذه‬
‫)‪(2‬‬
‫ل في جميعه‪".‬‬ ‫القرآن‪ ،‬وتمي ٌّز حاص ٌ‬
‫يظهــر الفــرق بيــن النــص والخطــاب فــي قــول البــاقلني‬
‫واضحا‪ ،‬فقــد لحــظ أن بيــن النــص مكتوبــا والخطــاب ملفوظــا‬
‫وحدة لغوية يقف النجاز فيصل فيها بين الطرفيــن‪ ،‬وهــو إدراك‬
‫رائد للدراســات اللســانية العربيــة تــذكرنا اليــوم بنظريــة‪/‬دي‬
‫سوسير‪ /‬في اللغة والكلم‪ ،‬أو بنظرية‪/‬تشومسكي‪ /‬في الكفايـة‬
‫والداء‪ ،‬فالنص كلم إل ّ أنه يصدر عن ذاتيته النصية التي عملــت‬
‫أيضـا‪،‬‬ ‫على إنجازه وأدائه‪ .‬والكلم الخر غير نصـي‪ ،‬ولكنـه كلم‬
‫)‪(3‬‬
‫إل ّ أنه خطــاب شــفوي عمــل الشــخص علــى إنجــازه وأدائه‪.‬‬
‫ومنــه نســتنتج أن وحــدة اللغــة ل تحــول دون تعدديــة النجــاز‬
‫وصــارت‬ ‫)‪(4‬‬
‫والداء‪ ،‬ولذا صار ينظر إلى النص فــي ذاتيتــه النصــية‪،‬‬
‫ممارسته لغة المكتوب جزءا من ممارسة النص نفسه‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ مفهوم النص في المعجم العربي القديم‪:‬‬
‫سبق أن ذكرنا أن العرب لم يعرفوا في تاريخهم ممارســة‬
‫نصية تامة باستثناء ممارسة النصية مــع القــرآن‪ ،‬ولــذلك ألفينــا‬
‫دللــة مــادة "ن‪ .‬ص‪ .‬ص" بعيــدة عــن الدللــة المســتحدثة فــي‬
‫الدراسات الدبية‪ ،‬فقد ورد في لسان العرب لبــن منظــور فــي‬
‫مادة "نصص" ما يأتي‪:‬‬
‫صــه‬ ‫‪:‬النــص‪:‬رفُعــك الشــيء‪ .‬نــص الحــديث ين ّ‬ ‫ُ‬ ‫" نصــص‬
‫ـن دينــار‪ :‬مــا‬ ‫َ‬ ‫ص‪ .‬وقــال عمــرو بـ‬ ‫نصا‪:‬رفعه‪ .‬وكل ما أظهر فقد ن ُ ّ‬
‫د‪ .‬يقال‪:‬‬ ‫ص للحديث من الّزهري أي أرفع لـه وأسن َ‬ ‫رأيت رجل أن ّ‬
‫صـُته إليــه‪ .‬ونصــت‬ ‫ص ْ‬‫ص الحديث إلى فلن أي رفعه‪ ،‬وكــذلك ن َ َ‬ ‫ن ّ‬
‫دها‪:‬رفعته‪.‬‬ ‫الضبية جي َ‬
‫ب من‬ ‫مي به ضر ٌ‬ ‫وأصل النص أقصى الشيء وغايته‪ ،‬ثم س ّ‬
‫السير سريع‪.‬‬
‫ابن العرابي‪ :‬النــص الســناد إلــى الرئيــس الكــبر‪ ،‬والنــص‬
‫التوقيف‪ ،‬والنص التعيين على شيء ما‪ ،‬ونص كل شيء منتهاه‪،‬‬
‫ص‬‫وفي الحديث عن علي رضي الله عنه‪ ،‬قال‪ :‬إذا بلغ النساء ن َ ّ‬
‫صــَبة أ َْولــى‪ ،‬يريــد بــذلك الدراك والغايــة‪ .‬وقــال‬ ‫ق فالعَ َ‬‫حقــا ِ‬‫ال ِ‬
‫الزهري‪ :‬النص أصــله منتهــى الشــياء ومْبلــغ أقصــاه‪ .‬وقصــص‬
‫ص‬
‫الرجــل غريمــه إذا استقصــى عليــه‪ ،‬ومنــه قــول الفقهــاء ن ـ ّ‬
‫ل ظاهُر لفظهما عليه من الحكــام‪.‬‬ ‫ص السنة أي ما د ّ‬ ‫القرآن ون ّ‬
‫)( منذر عياشي‪ ،‬النص‪ :‬ممارساته وتجلياته ‪ ،‬مجلة الفكر العربي المعاصر‪ ،‬ع‪/‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪ ، 1992 ،97-96‬ص‪53 .‬‬
‫)( الباقلني‪ ،‬أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد‪ ،‬إعجاز القرآن‪ ،‬تحقيق‪ :‬السيد‬ ‫‪2‬‬
‫أحمد صخر‪ ،‬دار المعارف‪) ،‬ب‪ .‬ت(ص‪35 .‬‬
‫))(( منذر عياشي‪ ،‬النص‪ :‬ممارسته وتجلياته‪ ،‬ص‪.53 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪54-53 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫ـ ‪ 12‬ـ‬
‫لسانه إذا حركه‪ ،‬والنصنصة تحرك‬ ‫)‪(1‬‬
‫ص الشيء حركه‪ .‬ونصنص‬ ‫ون ّ‬
‫البعير إذا نهض من الرض‪" .‬‬
‫فنحن ل نكاد نعثر على دللة من الدللت الــتي يعــرف بهــا‬
‫النص في الدراسات النقدية الحديثة في الشاهد الطويل الــذي‬
‫أتينا على ذكره‪ .‬وهو اتجاه في التراث يقف علــى النقيــض مــن‬
‫البنيويــة الــتي تنظــر إلــى النــص علــى أنــه بنيــة مغلقــة‬ ‫تعريف‬
‫ومنتهيــة‪ (2) .‬فالبنيويــة ل تهتــم بــالمفهوم الدبــي قــدر اهتمامهــا‬
‫بالوظيفة الدبية‪ ،‬لن المفهوم متطور عبر العصور‪ ،‬متحول مــن‬
‫ون مجموعــة‬ ‫مجتمع إلى آخر‪ ،‬والنص الدبي هو فــي واقــع التكـ ّ‬
‫نصوص‪.‬‬
‫وعلى الرغم من كثرة استخدام كلمــة "نــص" فــي كتابــات‬
‫السلف الصــولية والفقهيــة‪ ،‬إل ّ أننــا ل نعــثر علــى تعريــف لهــذا‬
‫المصطلح‪ ،‬ويعتبر منذر عياشي "غيبة التعريف" مدعاة للحيــرة‪.‬‬
‫ما التفسيرات المعجمية اللفظية التي قــدمنا نموذجــا منهــا‬ ‫أ ّ‬
‫)‪(3‬‬
‫عند ابن منظور‪ ،‬فإنها تؤكد ما قلناه‪ ،‬وهو أن معنى النــص بقــي‬
‫محصورا في الدللة على الكتاب والسنة‪ ،‬بالضافة إلــى دللت‬
‫أخرى‪ ،‬كـ"نص الشيء‪:‬رفعــه وأظهــره‪ ،‬وإذا كــان حــديثا أســنده‬
‫إلى قائله‪ ،‬ونص الناقة استحثها بشدة‪ ،‬والشيء حّركه‪) ..‬لسـان‬
‫العرب‪:‬ج‪ ،6/‬ص‪.(648 .‬‬
‫‪ 3‬ـ مفهوم النص بين التراث العربي والتراث الغربي‪:‬‬
‫أما حين نعود إلى الصل اللتيني لكلمة"نص" فــي اللغــات‬
‫ي‪ Texte, Text :‬مشــتقتين مــن "‬ ‫الوربيــة‪ ،‬فإننــا نجــد كلمــت ْ‬
‫بمعنى( النسج " ‪ " Tissu‬المشــتقة بــدورها مــن ‪Texere‬‬ ‫)‪4‬‬
‫‪"Textus‬‬
‫بمعنى نسج‪.‬‬
‫وللوصول إلى مقارنة أصل الشتقاقين‪ ،‬لبــد مــن التــذكير‬
‫ثانية بالشتقاق عند العــرب‪ ،‬حيــث وجــدنا فــي "اللســان" لبــن‬
‫النص‪ :‬رفعـك الشـيء‪ ،‬نـص‬ ‫ُ‬ ‫منظور في مادة )ن‪ .‬ص‪ .‬ص(‪ ،‬أن‬
‫ص‪" .‬وقــال‬ ‫الحــديث ينصــه نصــا رفعــه‪ ،‬وكــل مــا أظهــر فقــد نـ ّ‬
‫الزهــري )ت‪ 370 .‬هـــ(‪ :‬النــص أصــله منتهــى الشــياء ومبلــغ‬
‫أقصاه‪ ،‬ومنه قيل‪ :‬نصصت الرجــل إذا استقصــيت مســألته عــن‬
‫الشيء حين تستخرج كل ما عنــده‪ ،‬وكــذلك النــص فــي الســير‬
‫إنما هو أقصى ما تقدر عليه الدابة‪ ..‬وانتص الشيء وانتصب إذا‬
‫استوى واستقام‪)" .‬لسان العرب‪:‬ج‪ ،6/‬ص‪(648 .‬‬
‫فالصل اللتيني يحيل على النسج ويوحي بالجهد والقصــد‪،‬‬
‫ولعله يوحي أيضا بالكتمال والستواء‪" .‬أفليس النسج مجموعة‬
‫من العمليات التي يتم بمقتضاها ضم خيوط السدى إلى خيــوط‬
‫اللحمة لنتحصل على نسيج ما ُيعتبر تتويجا لهذه العمليــات؟ ثــم‬
‫بمعن(ــاه الواســع النشــاء والتنســيق فــي ضــم‬ ‫أل يعنــي النســج‬
‫الشتات والتنضيد؟")‪ 5‬بينما يحيل الصل في اللغة العربية علــى‬
‫الستواء والكمال‪ ،‬وعلى النسيج أيضا‪ ،‬على الرغم مــن أن ابــن‬
‫منظور في مادة )نصص( لم يشر إلى ذلك‪ ،‬ولكن إذا عدنا إلــى‬
‫م‬
‫مادة )ن‪ .‬س‪ .‬ج( نجد ما يحيــل علــى ذلــك"نســج‪ :‬النســج ضـ ّ‬
‫ج المــاَء إذا‬
‫سـ ُ‬‫ح ت َن ْ ِ‬
‫الشيء إلى الشيء‪ ،‬هــذا هــو الصــل‪ ..‬والريـ ُ‬
‫ك‪ .‬ونســجت الريــح‬ ‫حب ُـ ِ‬
‫ت لـــه طــرائق كال ُ‬‫ه فانَتســج ْ‬‫متن َـ ُ‬
‫ت َ‬
‫ضرب َ ْ‬
‫)( ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ .‬قدم له الشيخ عبد الله الَعللي‪ ،‬أعاد بناءه على‬ ‫‪1‬‬
‫الحرف الول من الكلمة‪:‬يوسف خياط‪ ،‬ج‪ ،6/‬دار لسان العرب‪ ،‬بيروت‪،1988 ،‬‬
‫ص‪.648 .‬‬
‫))(( منذر عياشي‪ ،‬النص‪ :‬ممارساته وتجلياته‪ ،‬ص‪55 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫النص‪ :‬ممارساته وتجلياته‪ ،‬ص‪55 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( ‪Dictionnaire Quillet de la langue française ,(Q-Z) Librairie Aristide Quillet,‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪.Paris,1983‬‬
‫)( أحمد الحذيري‪ ،‬من النص إلى الجنس الدبي‪ ،‬الفكر العربي المعاصر‪ ،‬ع‪/‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪ ،1988 ،101-100‬ص‪41 .‬‬
‫ـ ‪ 13‬ـ‬
‫الرب ْوَ إذا تعاورته ريحان طول وعرضا‪.‬‬
‫فقه‪ .‬ونسج الشــاعر الشــعر‪ :‬نظمــه‪،‬‬ ‫ب الّزوَر‪:‬ل ّ‬ ‫ونسج الك ّ‬
‫ذا ُ‬
‫ف‪)" .‬لســان العــرب‪:‬المجلــد‬ ‫ونسج الغيث النبات‪:‬أنماه حتى الت ّ‬
‫السادس‪ ،‬ص‪(624 .‬‬
‫ومقارنة ما ورد في اللغتين العربية واللتينية يــؤدي معنــى‬
‫بلوغ الغاية والكتمال في الصنع‪.‬‬
‫مــن يســتخلص خصــائص النــص بمعنــاه‬ ‫ومــن الدارســين َ‬
‫الحداثي من التفسيرات المعجمية التراثية العربيـة‪ ،‬فهـذا منـذر‬
‫عياشي يعّرف النص استنادا إلــى قراءتــه التراثيــة‪ ،‬ل ســيما مــا‬
‫ورد في تفسير مادة )ن‪ .‬ص‪ .‬ص( ويمزج ذلــك بمــا تحقــق لـــه‬
‫مــن القــراءات الحداثيــة لتعريــف النــص فــي اللغــات الوربيــة‪،‬‬
‫فيقــول‪ ..":‬فــالنص دائم النتــاج لنــه مســتحدث بشــدة‪ ،‬ودائم‬
‫التخلــق لنــه دائمــا فــي شــأن ظهــورا وبيانــا‪ ،‬ومســتمر فــي‬
‫الصيرورة لنه متحرك‪ ،‬وقابل لكــل زمــان ومكــان لن فــاعليته‬
‫متولدة من ذاتيته النصية‪ ،‬وهو إذا كان كذلك‪ ،‬فإن وضع تعريــف‬
‫يلغــي الصــيرورة فيــه‪ ،‬ويعطــل فــي النهايــة‬ ‫لـــه ُيعتــبر تحديــدا ُ‬
‫فاعليته النصية‪] (1)" ..‬التشديد مني[‬
‫إن هذه القراءة على الرغم من الجرأة التي تتمّيز بهــا‪ ،‬إل ّ‬
‫أن محاولــة تحميــل التفســيرات المعجميــة واللغويــة التراثيــة‬
‫دللت غائبة في نصوصها ـ أصل ـ عبر عملية قسرية قــد يــؤدي‬
‫إلى انحراف في قراءة الــتراث‪ ،‬وتـأويله تـأويل قسـريا‪ ،‬ل يفيـد‬
‫الدراسة الحداثية في شيء‪.‬‬
‫ويستخلص من بعــض الدراســات الغربيــة المهتمــة بنظريــة‬
‫النص أن تعريفه غير مستقر‪ ،‬فهذا رولن بارت يرفــض تعريــف‬
‫تودوروف للنص ويعيب عليه تأثره بالبلغة‪ ،‬وينتهي إلــى القــول‬
‫بعد تحليل طويل‪ ":‬نفهــم الن أن نظريــة النــص موضــوعة فــي‬
‫غير مكانهــا المناســب فــي المجــال الحــالي لنظريــة المعرفــة‪،‬‬
‫ولكنها تسـتمد قـوة معناهـا مـن تموضـعها اللمناسـب بالنسـبة‬
‫للعلوم التقليدية للثر الفني‪ ،‬تلك)‪(2‬العلــوم الــتي كــانت ول تــزال‬
‫علوما للشــكل أو للمضــمون‪ " ..‬كمــا توصــل تــودوروف مــن‬
‫جهتــه إلــى القــرار بــأن التعريــف الــوظيفي للدب تعريفــات ل‬
‫والوظيفة النطولوجيــة تعــدم أي وظيفــة أخــرى‬ ‫)‪(3‬‬
‫يمكن حصرها‪،‬‬
‫تتصل بالبناء النصي‪.‬‬
‫إن التمييز بين النص والخطاب في ضــوء المناهــج النقديــة‬
‫الحديثة يطرح إشكال كبيرا‪ ،‬نظرا لتعدد الراء واختلفها‪ ،‬وكــثرة‬
‫التصورات وتضاربها‪ ،‬مما يجعــل البحــث أمــام صــعوبة تأطيرهــا‬
‫وفرزها‪ ،‬وبالتالي تحليلهـا ومناقشـتها‪ .‬فـالنص باعتبـاره النتيجــة‬
‫الفريدة‪(4‬التي‬
‫)‬
‫الوحيدة –ولو كانت مؤقتة ـ للكتابة‪ ،‬يمثل الحقيقة‬
‫تتيح إقامة دراسة علمية ترتبط بتصور إنتاج هذا النص‪" .‬‬
‫‪ 4‬ـ مفهوم النص وقضاياه في الدراسات النقدية الحديثة‪:‬‬
‫إن البحــث عــن تعريــف لمفهــوم النــص وقضــاياه فــي‬
‫الدراسات النقدية الحديثة أمر صــعب نظــرا لتعــدد معــايير هــذا‬
‫التعريف‪ ،‬ومضامينه‪ ،‬وخلفياته المعرفيــة فــي علــم اللســانيات‪،‬‬
‫والسلوبية‪ ،‬وتعدد الشكال والمواقع والغايــات الــتي اشــترطها‬
‫)( منذر عياشي‪ ،‬النص‪ :‬ممارساته و تجلياته‪ ،‬ص‪55 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( رولن بارت‪ ،‬نظرية النص‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد خير البقاعي‪ ،‬مجلة العرب والفكر‬ ‫‪2‬‬
‫العالمي‪ ،‬ع‪ ،1988 ،3/‬ص‪52 .‬‬
‫)( ‪T. Todorov, La notion de la littérature et autres essais, « Points », Editions‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪du Seuil,1987, P. 12‬‬
‫)( ‪G. L. Houdbine, Première approche de la notion du texte, In. Théorie‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪.d'ensemble, Ed. Du Seuil, Paris, 1968,P. 271‬‬
‫ـ ‪ 14‬ـ‬
‫)‪(1‬‬
‫المنظرون‪ ،‬في ما نطلق عليه مصطلحيا "النص"‪.‬‬
‫ولتقريب هذا المفهوم تناولـه الدارسون "من حيث وجوده‬
‫الفيزيائي ومكوناته‪ ،‬ومن حيــث هــو حــدث أو عمــل منجــز فــي‬
‫الزمان والمكان‪ ،‬ومــن حيــث هــو مؤسســة اجتماعيــة حضــارية‬
‫تــؤدي دور العلمــة الدالــة بم)ـ‪2‬ـا( تتســم بــه مــن ســمات النشــاط‬
‫اللغوي الفردي والجماعي‪" .‬‬
‫ومن الصعوبات المنهجية في البحــث عــن مفهــوم للنــص‪:‬‬
‫مــة‪،‬‬ ‫خضوع عملية تحديد ما هو نص وما ليس نصا إلى ثقافة ال ّ‬
‫وصــيغة تصــورها للشــياء‪ ،‬وفــق مــا تمليــه المنظومــة اللغويــة‪.‬‬
‫فالكلم الذي تعتبره ثقافة ما نصــا‪ ،‬قــد ل ُيعتــبر نصــا مــن قبــل‬
‫ثقافة ُأخــرى‪ (3) .‬لــذلك قــال )ميشــال فوكــو ‪ ( M. Focault‬فــي‬
‫مجال التفرقة بيــن النــص واللنــص‪ ":‬إذا كــان الكلم ل يحصــى‬
‫فإن النصوص نادرة"‪ (4) .‬ويتمتع النص بخاصية التنظيــم الفريــد‬
‫الذي يعزله عن "اللنص"‪ ،‬لذلك اعتبر عبد السلم المسدي في‬
‫والحداثــة ‪ (1983‬النــص الدبــي جهــازا ينظمــه‬‫)‪(5‬‬
‫كتــابه‪) :‬النقــد‬
‫تماسك لغوي خاص‪.‬‬
‫ارتبط ظهور المصطلح )نــص ‪ ( TEXTE‬بظهــور عــدد مــن‬
‫المؤسسات في المجتمع البشري عبر تطورها التاريخي‪ ،‬وكــان‬
‫أولها ظهور الكتابة من حيث هي وسيلة لتجاوز ضــعف الــذاكرة‬
‫وفعل الزمن‪ ،‬فاتخذ بذلك الملفوظ حيزا فــي الفضــاء واســتقل‬
‫بوجوده‪ ،‬وهو ما هيأ لـه الستقرار‪( J. L. Houdbine, P. 27) .‬‬
‫وإذا كان النص أثرا للغة وشكل من أشكالها المرتبط ببعض‬
‫استخدامات الكلم‪ ،‬فكيف يتشــكل هــذا النــص لغــة‪ :‬أي صــيغة‬
‫نشاطه‪ ،‬وتنظيمه الــداخلي‪/‬الخــارجي‪ ،‬بنيتــه الخاصــة‪ ،‬وفعــاليته‬
‫في علقاته المتبادلة؟‬
‫تنظر )جوليا كرستيفا ‪ ( risJ. kr téva‬إلى النص علــى أنــه‬
‫اللســان )‪( Langage‬عــن‬ ‫جهاز عبر ـ لساني‪ ،‬يعيــد توزيــع نظــام‬
‫)‪(6‬‬
‫طريق ربطه بالكلم )‪( Parole‬التواصلي‪.‬‬
‫ويبرز هذا الطرح وضع النص إزاء الكلم‪ ،‬فعلقته باللســان‬
‫الذي يقع فيه علقة إعادة توزيع )هدم ـ بنــاء (؛حالــة قــد يتســع‬
‫فيها الكلم عن النـص‪ ،‬فيعجـز الثــاني عـن احتـواء الول داخــل‬
‫حدوده‪ ،‬حيث يكون الكلم ملكــا لكــل متكلــم‪ :‬مســتمعا أو باثــا‪،‬‬
‫متلقيا للغة ما‪ ،‬أو يحيل فيها النص على لغــة أو علــى قاموســها‬
‫اللغوي أو القواعد التي تحكم إنجازه ) قواعد الــتركيب‪ ،‬قواعــد‬
‫الصـرف…الـخ( وتمثــل عمليـة التحكـم فيهــا كمـا هـو معـروف‬
‫سواء‪ ،‬والتي تــترجم هــي‬ ‫)‪(7‬‬
‫القدرة لدى الباث و المتلقي على حد‬
‫نفسها اللفظ‪ ،‬والعبارة حسب الخطاب‪.‬‬
‫ويبدو النص فضاء يتقاطع فيه ـ علــى القــل ـ ـ خطابــان‪ ،‬و‬
‫مســألة الخــر مطروحــة فــي النصــية ذاتهــا‪ ،‬وكــل تصــور لنــص‬
‫حالتها أو أنيتها تصور ل يخلــو‬‫)‪(8‬‬
‫أحادى‪ ،‬تنتجه ذات فردية تعبر عن‬
‫من الخطأ‪ ،‬حسب تصور "هودبين"‪.‬‬

‫)( ‪Ibid. P. 271‬‬ ‫‪1‬‬

‫))(( ‪Ibid. P. 271-272‬‬ ‫‪2‬‬

‫أحمد الحذيري‪ ،‬من النص إلى الجنس الدبي‪ ،‬ص‪42-41 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( ‪Michel FOUCAULT, Les mots et les choses, Editions Gallimard, Paris,‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪1966,P. 307‬‬
‫))(( أحمد الحذيري‪ ،‬من النص إلى الجنس الدبي‪ ،‬ص‪41 .‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪J. KRISTEVA, Recherche pour une sémanalyse, Editions Du Seuil,‬‬
‫‪Paris,1969, P. 52‬‬
‫))(( ‪J. L. Houdbine, OP. CIT. P. 272‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Ibid. P. 272‬‬
‫ـ ‪ 15‬ـ‬
‫ن ما يطرحــه "جــون لــوي هــودبين‪ Houdbine" L.J .‬مــن‬ ‫إ ّ‬
‫قضايا حول النص ل يمثل ثورة على المفاهيم القديمة‪ ،‬ول ينتج‬
‫ن قيمته تبدو في تركيزه علــى خصوصــية‬ ‫خطابا نقديا جديدا‪ ،‬لك ّ‬
‫الكلم الدبــي‪ ،‬والنتاجيــة الدبيــة‪ ،‬الــتي يشــتغل عليهــا النــص‬
‫مقارنـة بإنتــاج الكلم فــي مجــالت غيــر مجــال الدب‪ ،‬كـالكلم‬
‫العادي أو العلمي‪.‬‬
‫ومن أجل إبراز أدبية النص لجأ "جــون لــوي هــودبين" إلــى‬
‫مقارنة النص الدبي بأشـكال أخـرى قياســية‪ ،‬كمجموعـة يحــال‬
‫عليها‪ (1) .‬و هو ما سلكه الشــكلنيون الــروس حيــن تبنــوا منهــج‬
‫التقابل بين اللغة الشعرية و اللغة العادية‪ ،‬وكانت هذه البحــوث‬
‫قاعــدة انطلــق منهــا البــاحثون فــي التمييــز بيــن مــا هــو أدبــي‬
‫شعري‪ ،‬وما هو كلم عادي‪ .‬فلم يؤسس بعض الطلبة بإشــراف‬
‫أكاديمية العلوم حلقة اللسانيات بموسكو إل ّ تطلعـا إلــى إنشـاء‬
‫"علم أدبي" بتطوير اللسانيات والشعرية معا‪ ،‬وهذا الجمع بيــن‬
‫مقاربــة‬ ‫في‪ (2‬القراءة الشــكلنية ال ُ‬‫)‬
‫الحقلين ُيصّرح بالمنهاج المتبع‬
‫بين النص العاديّ والنص الدبي‪.‬‬
‫م إل ّ‬
‫فالنفصال المفهومي والوظيفي بيــن الحقليــن لــم يت ـ ّ‬
‫عند تأسيس "مجموعة دراسة اللغة الشعرية" )‪ (iaz Po‬في ما‬
‫معطــى‬ ‫ذهب إليه شكلوفوسكي بخصوص اعتبار النــص الدبــي ُ‬
‫مستقل بذاته عن مجال القراءة وتاريخ الدب‪.‬‬
‫صــاني" فــي نظريــة الدب‬ ‫ويتواصــل هــذا المفهــوم "الن ّ‬
‫لــــ"توماشفســـكي")‪ ، (3‬وكـــذا عنـــد "رينيـــه ويليـــك وأســـتين‬
‫‪(Texte Monument‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫وارين"حيــث يغــدو مفهــوم )النــص الصــرح‬
‫مواجهة للتاريخانية السائدة في النقد التقليدي‪.‬‬
‫شَغل البحث على وصف الظاهرة النصية لــم يقتصــر‬ ‫"إن م ْ‬
‫بالوقوف عنــد تركيبهــا اللغــوي وعناصــر تنظيمهــا فحســب‪ ،‬بــل‬
‫تضـع النــص فـي إطـار‬ ‫)‪(5‬‬
‫تجاوز ذلك إلى دراسـة شــمولية للدب‪،‬‬
‫ي‪" .‬‬
‫عام ول تفصل بين المطبوع والشفو ّ‬
‫المفهوم عند كرســتيفا فكــرة النــص‪ ،‬باعتبــاره‬ ‫وترتبط بهذا‬
‫"وحدة أيديولوجية ")‪ ، (6‬على أســاس أن البحــث الســيميولوجي‬
‫يلغي التقسيم البلغــي القــديم للجنــاس الدبيــة‪ ،‬ويحــل محلــه‬
‫عمليــات تحديــد أنمــاط النصــوص المختلفــة بــالتعرف علــى‬
‫خصوصــية النظــام الــذي يهيمــن عليهــا‪ ،‬ووصــفها فــي ســياقها‬
‫الثقافي ـ الدبي الذي تنتمي إليه‪.‬‬
‫فالوحدة اليديولوجية هي التقاء النظــام النصــي كممارســة‬
‫سيميولوجية بالقوال و المتتاليات التي يشملها فــي فضــائه‪ ،‬أو‬
‫التي يحيل عليها فضاء النصوص ذاتها‪ ،‬وهذه الوحدة هي وظيفة‬
‫التنــاص الــتي يمكـن قراءتهـا مجسـدة فــي مســتويات مختلفـة‬
‫كل‬ ‫ملئمة لبنية كل نص‪ ،‬وممتدة على مداره‪ ،‬ممــا يجعلهــا ُتش ـ ّ‬
‫)‪(7‬‬
‫سياقه التاريخي والجتماعي‪.‬‬
‫)( انظر‪J. L. Houdbine, Première approche de la notion du texte, In. Théorie:‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪.d'ensemble, P. 271-272‬‬
‫ص الوجود‪ ،‬مجلة الفكر العربي‬ ‫ّ‬ ‫)( مصطفى الكيلني‪ ،‬وجود النص الدبي‪/‬ن‬ ‫‪2‬‬
‫المعاصر‪ ،‬ع‪ ،101-100/‬تموز‪/‬آب‪ ،1988 ،‬ص‪.18 .‬‬
‫)( ‪Théorie de la littérature « textes de formalistes russes »,réunis, présentés et‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪traduits par T. todorov, Préface de R. Jakobson, Collection «Tel quel »,Du‬‬
‫‪.Seuil,1965‬‬
‫)( رينية ويليك أوستن وارين‪ ،‬نظرية الدب‪ ،‬ترجمة‪ :‬محي الدين صبحي‪،‬‬ ‫‪4‬‬
‫مراجعة د‪ .‬حسام الخطيب‪ ،‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ، ،‬ط‪،2 .‬‬
‫بيروت‪ ،1981 ،‬ص‪49-11 .‬‬
‫))(( مصطفى الكيلني‪ ،‬وجود النص الدبي‪/‬نص الوجود‪ ،‬ص‪18 .‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪J. Kristéva, (1969),PP. 52-81‬‬
‫)( صلح فضل‪ ،‬بلغة الخطاب وعلم النص‪ ،‬الشركة المصرية العالمية للنشر‬ ‫‪7‬‬
‫القاهرة‪ ،1996 ،‬ص‪.295 .‬‬
‫ـ ‪ 16‬ـ‬
‫ومــن أجــل ذلــك تنظــر الســيميولوجية للنــص مــن حيــث‬
‫خصوصــيته النتاجيــة ل كمنتــج‪ ،‬ولكــن كــدليل منفتــح ومتعــدد‬
‫الــدللت عكــس المقاربــات التقليديــة الــتي تعتــبر النــص عمل‬
‫مغلقا و معنى محدودا‪.‬‬
‫وتبحث كرستيفا في مقاربتهــا النصــية عــن تعــدد الــدللت‬
‫من خلل ما تســميه بـــ‪" :‬التــدليل ‪ ،"SIGNIFIANCE‬و التــدليل‬
‫يختلف عن الدللة كونه عملية تنفلت من خللهــا "ذات النــص"‪،‬‬
‫من منطــق "النــا" إلــى منطــق آخــر‪ ،‬يتــم فيــه تحــاور المعنــى‬
‫على اعتبار النص نمطا إنتاجيا دال يحتل مكانة هامــة‬ ‫)‪(1‬‬
‫وتحطيمه‪،‬‬
‫في التاريخ‪.‬‬
‫ويدعى العلم الجديــد الــذي يــدرس النــص وفــق المنظــور‬
‫الــذي تتبنــاه كريســتيفا فــي أبحاثهــا ‪'" :‬الســيميائية التحليليــة‬
‫‪ " Sémanalyse‬الذي ينطلق من اللسانيات باعتبــار النــص إنتــاج‬
‫لغة‪ .‬وإن كان هذا العلم ينطلــق مــن اللســانيات فهــو يتجاوزهــا‬
‫لســبب بســيط هــو أن النــص ليــس مظهــرا لســانيا‪ ،‬بمعنــى أن‬
‫دللته المبنية ل تتقدم إلينا في إطار متن لساني‪ ،‬منظــورا إليــه‬
‫كبنية مسطحة‪ ،‬بل هو توليد )‪ (Engendrement‬مسجل في هــذه‬
‫"الظاهرة " اللسانية‪ ،‬وتبعا لذلك يغدو النص الظــاهر" ‪ Phéno‬ـ ـ‬
‫‪ " Texte‬هو النص المســجل عـن طريــق الطبــع‪ ،‬لكنــه ل يصــبح‬
‫قــابل للقــراءة إل إذا صــعدنا عموديــا عــبر التكــوين )‪(Genèse‬؛‬
‫ـانية‪(2‬مــن جهــة‪ ،‬ومــن جهــة ثانيــة تكــوين‬
‫)‬
‫تكــوين مقــولته اللسـ‬
‫طوبولوجيا الفعل الدال‪.‬‬
‫ما تقدم أن كريستيفا اســتلهمت العديــد مــن آراء‬ ‫ويتضح م ّ‬
‫الباحثين الشــرقيين الســوفييت و ل ســيما الشــكلنيين الــروس‬
‫ومن استفاد من منهجهم‪ ،‬كما أن المفــاهيم الــتي أثارتهــا حــول‬
‫نظرية النص عرفت صــدى كــبيرا لــدى البــاحثين الــذين وجهــوا‬
‫جهودهم نحو دراسة علم النص‪.‬‬
‫لقد أدركت جوليا كريستيفا بوضوح أن النص الدبي يخضع‬
‫في تركيبه الظاهر والخفي لقوانين الوجود والعدم‪ ،‬واســتفادت‬
‫في ذلك بما قرأته لكانط وهيغل ومـاركس ولينيــن والوجــوديين‬
‫مة‪ ،‬فحولت النص الدبـي إلـى قضـية كـبرى‪ ،‬ل تنحبـس فـي‬ ‫عا ّ‬
‫وصف الظواهر السلوبية ول تقتصــر علــى اســتخراج الثنائيــات‬
‫وضبط الوحدات والوظائف الفرعيــة‪ ،‬بــل تحــول مشــغل بحثهــا‬
‫البحث فــي مــاهيته دون‬ ‫)‪(3‬‬
‫في بنية النص من موضوع تشكله إلى‬
‫التخلي عن حضوره المادي المحسوس‪.‬‬
‫كما تبلور مفهوم النــص عنــد "ر‪ .‬بـارت ‪" B.Rarthes‬ابتـداء‬
‫من السبعينيات‪ ،‬وقد أخذنا عن صلح فضل بعض خصائص هــذا‬
‫المفهوم‪ ،‬المتجلية في النقاط التية‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ يعــوض"بــارت" العمــل الدبــي المتمثــل فــي شــيء محــدد‬
‫بمقولة النص التي ل تتمتع إل بوجود منهجي‪ ،‬وتشــير إلــى‬
‫إنتاج‪ ،‬وبهذا ل يصبح النــص مجربــا كشــيء يمكــن تمييــزه‬
‫خارجيا‪ ،‬وإنما كإنتاج متقاطع‪ ،‬يخترق عمل أو عــدة أعمــال‬
‫أدبية‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ النــص قــوة متحولــة‪ ،‬تتجــاوز جميــع الجنــاس والمراتــب‬
‫المتعارف عليها‪ ،‬لتصبح واقعا نقيضا يقاوم الحدود وقواعد‬
‫المعقول والمفهوم‪.‬‬

‫)( ‪J. Kristéva, Le texte du roman, approche sémiotique d’une structure‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪.discursive transformationnelle, Mouton, Paris-Lahaye, 1970, P. 18‬‬
‫)( سعيد يقطين‪ ،‬انفتاح النص)النص‪-‬السياق(‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪،‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪ ،1989‬ص‪20 .‬‬
‫)( مصطفى الكيلني‪ ،‬وجود النص الدبي‪ /‬نص الوجود‪ ،‬ص‪20 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫ـ ‪ 17‬ـ‬
‫‪ 3‬ـ يمارس النص التأجيــل الــدائم‪ ،‬واختلف الدللــة‪ ،‬ل يحيــل‬
‫إلى فكرة معصومة بل إلى لعبة متنوعة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ النص مفتوح‪ ،‬ينتجه القارئ في عملية مشـاركة‪ ،‬ل مجـرد‬
‫اســتهلك‪ .‬هــذه المشــاركة ل تتضــمن قطيعــة بيــن البنيــة‬
‫عملية دلليــة واحــدة‪،‬‬‫)‪(1‬‬
‫والقراءة‪ ،‬وإنما تعني اندماجهما في‬
‫فممارسة القراءة إسهام في التأليف‪.‬‬
‫ن النص في منظور رولن بارت "ليــس موضــوعا‪ ،‬ولكنــه‬ ‫إ ّ‬
‫عمــل واســتخدام‪ ،‬وليــس مجموعــة مــن الشــارات المغلفــة‬
‫المحملة بمعنى يجب)‪(2‬العثور عليها‪ ،‬ولكنه حجم من الثــار الــتي‬
‫ف عن النتقال" ولعل هذا مــا جعــل صــلح فضــل يركــز‬ ‫ل تك ّ‬
‫على أهمية المنظور اللغوي فــي مقاربــة مفهــوم النــص‪ ،‬حيــث‬
‫يشير إلى بعض الخصائص الضرورية‪ :‬فالخاصية الولــى لتحديــد‬
‫النص‪ ،‬وهي‪ :‬الكتمال‪ ،‬وليــس الطــول أو الحجــم المعيــن‪ ،‬وقــد‬
‫كان اللغوي"يملســيف ‪ " Hjelmslev‬يقــول‪ :‬إن أبعــاد العلمــة ل‬
‫تمثل منظورا مناسبا لتحديدها‪ ،‬بحيث نجد أن كلمة واحدة مثل‪:‬‬
‫"نار"‪ ،‬يمكن أن تكون علمة في مقابل عمل روائي ضخم مثل‪،‬‬
‫بفضــل( اكتمــاله‬
‫)‪3‬‬
‫فكــل منهمــا يمكــن اعتبــاره "نصــا"‪ ،‬وذلــك‬
‫واستقلله‪ ،‬بغض النظر عن أبعاد مضمونه أو طوله‪.‬‬
‫فــالنص علمــة كــبيرة ذات وجهيــن‪ :‬وجــه الــدال ووجــه‬
‫المدلول‪ ،‬ويتوفر في مصطلح )نص( في العربيــة‪ ،‬وفــي مقــابله‬
‫فــي اللغــات الجنبيــة ‪Texte‬معنــى النســيج‪ ،‬فــالنص نســيج مــن‬
‫الكلمات يــترابط بعضــها ببعــض‪ ،‬هــذه الخيــوط تجمــع عناصــره‬
‫د‪ ،‬هــو مــا نطلــق عليــه‬ ‫والمتباعــدة فــي كــ ّ‬
‫ل واحــ ٍ‬ ‫)‪(4‬‬
‫المختلفــة‬
‫مصطلح"نص"‪.‬‬
‫كمــا يتضــمن مصــطلح "نــص ‪ " Texte‬فــي النقــد الحــديث‬
‫معنى الثر المكتوب في شموليته‪ ،‬وعــبر مســتوياته التنظيميــة‪،‬‬
‫ومفــاهيمه الجتماعيــة‪ ،‬الخياليــة‪ ،‬الذاتيــة والوصــفية‪ .‬ويمثــل‬
‫منظــور المنهــج‬‫)‪(5‬‬
‫مراحل التطور التي عرفتها الكتابة الدبيـة مـن‬
‫اللساني انطلقا من الجملة إلى ما وراء الجملة‪.‬‬
‫وتعتبر بعض البحوث حول الملفــوظ والتلفــظ )‪Enoncé et‬‬
‫‪ énonciation‬النص ملفوظــا متفــردا ومســتمرا‪ ،‬ويــرى أصــحاب‬
‫ذاتـه‪(6‬أن الكتابـة الفنيـة تنظيـم آخـر‬ ‫)‬
‫هـذه البحـوث فـي الـوقت‬
‫مقابل للنتاج اللغوي الشفوي‪.‬‬
‫كما يرى "لوتمان ‪ "Lotman‬فــي نظريتــه حــول النصــوص"‬
‫‪ " Théorie des textes‬أن الوقوف على دللة النص الدبي غير‬
‫ممكنة دون الستناد على دللت النصــوص الثقافيــة المعاصــرة‬
‫إطــار التشــابه والتكامــل‪ ،‬وفــي تقاســمها للموضــوع‬ ‫)‪(7‬‬
‫لهــا فــي‬
‫الجتماعي‪.‬‬
‫والنــص عنــد الــدكتور عبــد الملــك مرتــاض "شــبكة مــن‬
‫المعطيات اللسانية والبنيوية واليديولوجية‪ ،‬تتضــافر فيمــا بينهــا‬
‫ون خطابا‪ ،‬فإذا استوى مارس تأثيرا عجيبا‪ ،‬مــن أجــل إنتــاج‬ ‫لتك ّ‬
‫نصوص أخـرى‪ ،‬فـالنص قـائم علـى التجدديـة بحكـم مقروئيتـه‪،‬‬
‫)( صلح فضل‪ ،‬بلغة الخطاب وعلم النص‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.297 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫))(( ‪R. Barthes, l’aventure Sémiologique, Editions Du Seuil, Paris, 1985,P. 13‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪3‬‬
‫)( ‪L. Hjelmslev, Essais linguistiques, Op. Cit. P. 52-56‬‬
‫صا‪ ،‬المركز الثقافي‬‫في ما يكون به الملفوظ ن ّ‬ ‫الزهر الزناد‪ ،‬نسيج النص‬ ‫‪4‬‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،1993 ،‬ص‪12 .‬‬ ‫‪5‬‬
‫)(‬
‫‪Grand dictionnaire encyclopédique Larousse, T. 10, Librairie Larousse,‬‬
‫)(‪.Paris, 1984,P. 10170‬‬
‫‪. Ibid. P. 10170‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( ‪Ibid. P. 10170‬‬ ‫‪7‬‬

‫ـ ‪ 18‬ـ‬
‫وقائم على التعددية بحكم خصوصية عطــائيته‪ ،‬تبعــا لكــل حالــة‬
‫من حيث هـو‪ ،‬ذو قابليــة‬ ‫يتعرض لها في مجهر القراءة‪ ،‬فالنص‪،‬‬
‫للعطاء المتجدد بتعدد تعرضه للقراءة‪ (1)" .‬ولعل هذا ما تطلــق‬
‫عليه "ج‪ .‬كريستيفا " )إنتاجية النص(‪ ،‬حيث إنه يتخذ مــن اللغــة‬
‫مجال للنشاط‪ ،‬فتراه يتردد إلى ما ل نهاية‪ ،‬محدثا بعدا بين لغــة‬
‫الشــياء‬‫)‪(2‬‬
‫الســتعمال الطبيعيــة وهــي اللغــة المســخرة لتقــديم‬
‫والتفاهم بين الناس‪ ،‬والحجم الشاغر للفعاليات الدالة‪.‬‬
‫إن جوهر الخطاب الدبي في وجوده المبدئي ـ ـ كمــا يــرى‬
‫الدكتور عبـد السـلم المسـدي ــ " متنـاف مـع خصـائص حـوار‬
‫التخاطب بكل قوانينه الدائية‪ ،‬وأبرزه أن الكلم فــي المحــاورة‬
‫ينبثــق ثــم يتبــدى فــي عيــن اللحظـة الــتي يكــون قــد أدى فيهــا‬
‫الكلم‬
‫)‪(3‬‬
‫وظيفتــه البلغيــة‪ ،‬فهــو يتولــد وينقضــي بل مراوحــة‪ ،‬إل‬
‫الدبي فإنه ينبثق ليبقى‪ ،‬ويتكشف ليخــترق حجــاب الزمــن‪" .‬‬
‫ولذلك كان لزاما أن يدخل ضمن عناصر تحديد النص شيء آخر‬
‫غير بنيته التركيبية‪ ،‬فهو وإن كان فــي ذاتــه صــياغة لغويــة فــإنه‬
‫إلى جانب ذلك بنية أدائية‪ ،‬حتى إن قيمته الدبية كثيرا ما تكــون‬
‫فيه وهذه هي البنيــة الفضــائية الــتي‬ ‫)‪(4‬‬
‫رهينة المقام الذي يسلك‬
‫تتوالج مع البنية التركيبية‪.‬‬
‫ـالنص‪ (5‬إذن تركيــب وأداء وتقبــل‪ ،‬أو هــو ملفــوظ وتلفــظ‬ ‫فـ‬
‫واستقبال‪ ) .‬غير أن المر ل ينتهي عند عملية التلقي؛ ذلــك أن‬
‫للمتلقي مع النص حالت متطورة‪ ،‬فللنص شــأن عنــد مباشــرته‬
‫للمرة الولى‪ ،‬ثم لـه شأن آخر عند معاودته‪ ،‬وشــأن ثــالث عنــد‬
‫عند الحديث عنه‪ ،‬وهو فــي كــل مــرة كأنمــا قــد‬ ‫)‪(6‬‬
‫اختزانه‪ ،‬و رابع‬
‫صار نصا جديدا‪.‬‬
‫ويتجاوز النص لدى "موكاروفسكي " رؤيته كوحـدة فكريـة‬
‫ـة فهــو غيــر قابــل للختصــار والخــتزال‪ ،‬ول يمكــن‬ ‫وأيديولوجيـ‬
‫)‪(7‬‬
‫مطابقته‪.‬‬
‫وتأسيسا علــى مــا تقــدم‪ ،‬فــإن النــص الدبــي هــو فعــل أو‬
‫ظاهرة سيميائية تشمل علمة مادية ولغويــة متعــددة المعــاني‪،‬‬
‫ــاوز واحديـــة الدللـــة ‪ Monosémie‬إلـــى تعـــدديتها‬ ‫)‪(8‬‬
‫إيحائيـــة تتجـ‬
‫‪. Polysémie‬‬

‫ثالثا‪ :‬اتجاهات الخطاب الدبي من‬


‫منظور المناهج النقدية الحديثة‪.‬‬
‫أضحى البحث في الخطاب الدبي وصــلته بالنقــد يســتحوذ‬
‫علـــى اهتمامـــات دارســـي اللغـــة والدب منـــذ بدايـــة القــرن‬
‫العشــرين‪ ،‬بفضــل مــا تقــدمه الحقــول المعرفيــة الجديــدة‬
‫كاللسانيات والسلوبية والسيميولوجية من مصــطلحات وأدوات‬
‫إجرائية‪ ،‬تسهم في مقاربـة الثـر الدبـي‪ ،‬بعيــدا عــن المقــولت‬
‫النقدية التي كانت مستعارة من كل الحقول إل حقل الدب‪.‬‬
‫ولذلك ألفينا اليوم تراجعا عـن القيـم والخصـائص الجماليـة‬
‫)( عبد الملك مرتاض‪ ،‬دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة "أين ليلي"‪ ،‬لمحمد‬ ‫‪1‬‬
‫)(العيد آل خليفة‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪) ،‬د‪ .‬ت(ص‪.55 .‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.57 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( عبد السلم المسدي‪ ،‬قضية البنيوية‪ .‬دراسة ونماذج‪ ،‬دار الجنوب للنشر‪،‬‬ ‫‪3‬‬
‫تونس‪1995 ،‬نص‪51 .‬‬
‫))(( المرجع السابق‪ ،‬ص‪52 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص‪52 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص‪52 .‬‬ ‫‪6‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص‪53 .‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص‪53 .‬‬ ‫‪8‬‬

‫ـ ‪ 19‬ـ‬
‫التي كان يطلقها النقد العربي الكلسيكي على الخطاب الدبي‬
‫من منظور انطبـاعي سـطحي‪ ،‬منـذ عرفـت مناهـج الدراسـات‬
‫اللسانية والسلوبية والسيميولوجية النتشار في العالم العربــي‬
‫عن طريق الترجمات‪.‬‬
‫وللوقــوف علــى تطــور اتجاهــات الخطــاب مــن منظــور‬
‫المناهــج النقديــة الحديثــة‪ ،‬ل بــد أن نربــط راهــن هــذا النقــد‬
‫بالخطاب النقدي الكلسيكي الذي لم يلغ صلته بالبلغة العربيــة‬
‫القديمــة‪ ،‬ومــا آل إليــه بعــد تراكــم المعــارف النقديــة والعلميــة‬
‫والثقافية التي تربطه بها صلت التــأثير والتــأّثر‪ ،‬مهــدت لظهــور‬
‫خطاب نقدي جديد‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ اتجاه الخطاب النقدي الكلسيكي وخصائصه‪:‬‬
‫ركزت أكثر مناهج تحليل النصوص الدبية في النصف الول‬
‫من القرن العشرين في الــوطن العربــي عنايتهــا علــى دراســة‬
‫محيط الخطاب وأسبابه الخارجية‪ ،‬وهي لم تقتصر علــى تحليــل‬
‫النصــوص القديمــة فحســب‪ ،‬وإنمــا كــانت تســعى إلــى تحليــل‬
‫النصوص الحديثة بالمنهجية الكلسيكية نفسها‪ ،‬ومــا ذاك إل لن‬
‫الموروث النقدي عبر مراحله المتعاقبــة لــم يــرق إلــى معالجــة‬
‫النص الدبي معالجة كلية‪ ،‬وبقي في معظمه في حدود اللفظــة‬
‫والتراكيب‪ ،‬وطغت عليه النزعة النطباعية‪ ،‬ولجــأ أصــحابه إلــى‬
‫احتذاء نماذج معينة‪ ،‬وأنماط تعبيرية جاهزة‪ ،‬يتخــذونها مقــاييس‬
‫نقدية‪ ،‬قليل ما يرضون بالخروج عنها‪.‬‬
‫ولعل هذا مــا جعــل المــوروث النقــدي حــبيس معــايير لــم‬
‫يستطع التخلــص منهــا إل فــي بدايــة القــرن العشــرين‪ ،‬وكــانت‬
‫نظرته بعيدة عن احتواء النص كامل‪ ،‬لنها )النظرة الكلســيكية(‬
‫لم تكن ترى في الثر الدبي سوى اللفظ أو الجملة أو الشــطر‬
‫أو الفقرة‪ .‬وهو أسلوب النقد العربي القــديم الــذي كــان يصــدر‬
‫أحكاما عامة من خلل معاينة الجزء‪.‬‬
‫وعلــى الرغــم مــن النتــائج الــتي حققتهــا هــذه الدراســات‪،‬‬
‫والمناهــج‪ ،‬فــي تفســير النصــوص الدبيــة‪ ،‬وتحليلهــا فــي ضــوء‬
‫ســياقاتها المختلفــة‪ :‬الجتماعيــة والتاريخيــة والدينيــة‪ ،‬فإنهــا ل‬
‫تخرج عادة على التفسير التعليلي‪ ،‬ومحاولة البحث عن الصول‬
‫التي انبثقت عنها النصوص البداعية‪ ،‬دون مقاربــة النــص ذاتــه‪،‬‬
‫ولذلك عجزت عن تحليل بنيات الثــر الدبــي ودللتــه العميقــة‪،‬‬
‫ـف( المظهــر النصــي الســطحي‪،‬‬ ‫)‪1‬‬
‫واكتفت في أغلب الحيان بوصـ‬
‫وملبساته التاريخية والسياسية‪.‬‬
‫ومما ل شــك فيــه أن صــياغة الثــر الدبــي ل تنفصــل عــن‬
‫عوامل المحيط كلها أو بعضها‪ ،‬وتطــرح الخاصــية الدبيــة بعنــف‬
‫حيــن نعــزل العوامــل الفرديــة فــي تحديــد العمــل الدبــي عــن‬
‫العوامل التي تحــدد إطــاره الخــارجي‪ (2) .‬وهنــا يبــدو عجــز هــذا‬
‫التجاه في مقاربة الخاصية الدبية‪ ،‬وتفكيك عناصــرها الداخليــة‬
‫الدالة على فرادتها‪ ،‬والتي ل تخضع ــ فـي كـل الحـالت ــ إلــى‬
‫الظروف الخارجية المحيطة بالعمل الدبي‪.‬‬
‫وبحثا عن منهــج ملئم ظــل النقــاد الكلســيكيون يتوســلون‬
‫بشتى أنواع الليــات فــي دراســة النــص الدبــي‪ ،‬وينتقلــون مــن‬
‫منهج إلى آخر‪ ،‬وفق مرجعيات معينة‪ ،‬ولكن ـ في أغلب الحيان‬
‫ـــ انطلقــا مــن المناهــج المعياريــة التذوقيــة‪ ،‬نحــو‪ :‬النظريــة‬
‫المدرســية الــتي تقســم الدب العربــي إلــى عصــور‪ ،‬ونظريــة‬
‫الفنون الدبية‪ ،‬ونظرية خصـائص الجنـس‪ ،‬والنظريـة القليميـة‪،‬‬

‫موريس أبو ناضر‪ ،‬اللسنية والنقد الدبي‪ ،‬دار النهار‪ ،‬بيروت‪ ،1989 ،‬ص‪89 .‬‬ ‫‪() 1‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪10 .‬‬ ‫‪() 2‬‬

‫ـ ‪ 20‬ـ‬
‫)‪(1‬‬
‫والنظرية النفسية‪ ،‬والنظرية الجتماعية‪.‬‬
‫كما سعت المناهج الخارجية التي اهتمت بدراسة النصــوص‬
‫الدبية إلى تأسيس نوع مــن العلقــة الســببية أو الحتميــة‪ ،‬بيــن‬
‫الثر الدبي وكاتبه وبيئته‪ ،‬وهي تأمل من)‪(2‬ذلك كله الوصول إلــى‬
‫تحديد العلقة بين الثر الفني ومحيطه‪.‬‬
‫وهكذا عرف النصـف الول مـن القـرن العشـرين نصوصـا‬
‫عاكسة لنتاج الفرد‪ ،‬ومــن ثــم ركــزت‬ ‫نقدية تعتبر الدب صورة‬
‫على سيرة الكاتب ونفسيته‪ (3) .‬كما ظهرت دراســات للنصــوص‬
‫البداعية متأثرة بالعوامل القتصادية‪ ،‬والجتماعيــة والسياســية‪.‬‬
‫بالبتكــارات‬
‫)‪(4‬‬
‫كما حلل بعض النقاد النص الدبي في ضوء علقته‬
‫الجماعية للعقل البشري‪ ،‬كتاريخ الفكار واللهوت‪ ،‬والفنون‪.‬‬
‫ويرجع ظهور المناهج الخارجية في تحليل النصوص الدبية‬
‫إلى العوامل والسباب التية‪:‬‬
‫ـ تأثر النقد في تحليل النصوص الدبية بالعلوم الطبيعية‪.‬‬
‫ـــ ظهــور تاريــخ الدب الحــديث وعلقتــه الوثيقــة بالحركــة‬
‫الرومانســية الــتي لــم تســتطع أن تحطــم الرؤيــة النقديــة‬
‫للكلســيكية إل بالحجــة القائلــة)‪" :(5‬إن الزمنــة المختلفــة‬
‫تتطلب مقاييس نقدية مختلفة‪" .‬‬
‫ـ انهيار النظريات الشعرية القديمة‪ ،‬وما رافق ذلك من تحــول‬
‫في الهتمام بالذوق الفردي للقــارئ‪ ،‬حيــث أصــبح العتقــاد‬
‫الراسخ لــدى معظــم الدارســين أن أســاس الفــن ل يخضــع‬
‫للعقل‪ ،‬ومن ثم فإن الذوق هــو المقيــاس الوحيــد للتقــويم‪،‬‬
‫والنقد‪.‬‬
‫ـ تطور الخطاب النقدي في أوربا في الخمسينيات من القــرن‬
‫العشرين بفضل المنهج البنيوي الذي اعتمد على مقاربات )‬
‫كلود ليفــي ســتروس( فــي تحليــل النصــوص‪ ،‬انطلقــا مــن‬
‫وجــود أبنيــة عقليــة ل شــعورية عامــة‪ ،‬تشــترك فيهــا كــل‬
‫الثقافــات النســانية‪ ،‬علــى الرغــم ممــا بينهــا مــن اختلف‬
‫وتباين‪ ،‬وكانت الوسيلة)‪(6‬الوحيــدة للكشــف عــن هــذه البنيــة‬
‫اللشعورية هي اللغة‪.‬‬
‫وقد تأثرت عدة حقول معرفية بهذا المنهج العلمــي‪ ،‬الــذي‬
‫أحدث ثورة في مناهج تحليل الخطاب الدبي وغير الدبي‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ ـ اتجاهــات الخطــاب النقــدي الحــديث وتطــوره فــي ضــوء‬
‫المناهج الحداثية‪:‬‬
‫تقــف اتجاهــات الخطــاب النقــدي الحــديث "عنــد الــدوال‬
‫الشــكلية الســاس الــتي تلعــب دور المنتــج للنــص الدبــي بيــن‬
‫الختبـارات اللسـانية‪ ،‬والمحـددات السـيميائية‪ ،‬بمـا يـؤدي إلـى‬
‫الدبيــة‪ ،‬ويســاعد علــى اســتخلص هــذه‬ ‫وضع الكتابة في إطــار‬
‫القيمة بالدرجة الولى‪ (7) " .‬كما أنها تنظر إلــى النــص الدبــي ل‬
‫)( شكري فيصل‪ ،‬مناهج الدراسة الدبية في الدب العربي‪ ،‬دار العلم للمليين‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫بيروت‪ ،1978 ،‬ص‪7 .‬‬
‫))(( اللسنية والنقد الدبي‪ ،‬ص‪10 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪11 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( محمد عبد المطلب‪ ،‬البلغة والسلوبية‪ ،‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪،‬‬ ‫‪4‬‬
‫القاهرة‪ ،1985 ،‬ص‪7 .‬‬
‫)( رولن بارت‪ ،‬درس السيميولوجيا‪ ،‬ترجمة‪ :‬عبد السلم بنعبد العالي‪ ،‬تقديم‬ ‫‪5‬‬
‫)(عبد الفتاح كيليطو‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬ط‪ ،2 .‬الدار البيضاء‪1986 ،‬ص‪12 .‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪86 .‬‬ ‫‪6‬‬

‫)( ت‪ .‬تودوروف‪ ،‬رولن بارت‪ ،‬أمبرتو أكسو‪ ،‬مارك أنجينو‪ ،‬في أصول الخطاب‬ ‫‪7‬‬
‫النقدي الجديد‪ ،‬ترجمة وتقديم‪ :‬أحمد المدني‪ ،‬عيون المقالت‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫ط‪ ،1989 ،2 .‬ص‪ 5 .‬من المقدمة‪.‬‬
‫ـ ‪ 21‬ـ‬
‫كرجــع انعكاســي لدبيــة خارجيــة‪ ،‬ولكــن كمجــال يمتلــك دوالــه‬
‫القادرة وحدها على ربط العلقة مع المدلولت‪ ،‬ثم مقدرة هذه‬
‫من أسس لسانية باتت معروفة‪ ،‬علــى توظيــف‬ ‫)‪(1‬‬
‫الخيرة انطلقا‬
‫وصياغة الدوال‪.‬‬
‫ومن شأن هذه النظرة النقدية الحداثية‪ ،‬تحويل مادة الدب‬
‫إلى حقل مستقل‪ ،‬لـه عناصر واقعــه الذاتيــة؛ كاللغــة والعلمــة‬
‫والوحدات الصغرى والكبرى‪ ،‬وبرصــد هــذه العناصــر وتفكيكهــا‪،‬‬
‫وتحديد البنيات التي تؤلف النص وتعيين السنن التي تقوم عليها‬
‫في علقاتهــا وتنظيمهــا‪ ،‬نكــون قــد وقفنــا علــى أســباب تراجــع‬
‫الخطــاب النقــدي الكلســيكي‪ ،‬لنــه ل يمتلــك آليــات‪ ،‬وأدوات‬
‫إجرائيــة تمكنــه مــن إعــادة بنــاء النــص‪ ،‬وتحديــد مكونــاته عــبر‬
‫تفكيكــه‪ .‬كمــا تــتراجع النزعــة التفســيرية القائمــة علــى مبــدأ‬
‫والموضـــوعات التيميـــة‪ ،‬ذات الطبيعـــة التلقينيـــة "‬ ‫)‪(2‬‬
‫المحـــاور‬
‫‪."Didactique‬‬
‫يلغي الخطــاب النقــدي الحــديث مــن مجــال اشــتغاله كــل‬
‫تشريع مهما كانت طبيعته‪ ،‬ول يبقي سوى على التشــريع الــذي‬
‫بوصفه صناعة كلم‪ ،‬ولكن أيضا بوصــفه إنتاجــا‬ ‫)‪(3‬‬
‫يقدر عليه النص‬
‫لخطاب هو خطابه‪.‬‬
‫أ ـ التجاه اللساني في تحليل الخطاب الدبي‪:‬‬
‫عـرف مطلـع القـرن العشـرين ثـورة علـى المناهـج الـتي‬
‫ظهرت في الفترات السابقة‪ ،‬وكان من أهمها تلك الــتي ألحــت‬
‫على دراسة الثر الدبي من الداخل‪ ،‬وركــزت علــى النــص أول‪،‬‬
‫وسبب ذلك هو أن المناهج التي تأسس عليها الخطــاب النقــدي‬
‫الكلسيكي‪ ،‬غدت غيــر مجديــة‪ ،‬ل تجيــب عــن الســئلة الكــثيرة‬
‫التي يطرحها النقاد‪ ،‬فكان ل بد من إعادة النظر فيها في ضــوء‬
‫الكتشافات وتأثير العلوم الحديثة‪ ،‬وخاصة علــم اللغــة العــام أو‬
‫يطلـــــــــــــق عليـــــــــــــه اللســـــــــــــانيات‬
‫)‪(4‬‬
‫كمـــــــــــــا‬
‫‪.La Linguistique‬‬
‫ويوضــح روجــر فــاولر )‪(.FOWLER R‬فــي بحثــه )نظريــة‬
‫اللسانيات ودراسة الدب( أن اللغـة والدب شــهدا نمــو دراســة‬
‫علمية جديدة في القــرن العشــرين‪ ،‬بلغــت مرحلــة مــن النضــج‬
‫النسبي تجلت في علم اللســانيات‪ ،‬والــتي تميــز نموهــا بازديــاد‬
‫مطــرد‪ ،‬فــي عــدد البحــوث المنشــورة‪ ،‬وفــي عــدد الشــخاص‬
‫المهتمين بها‪ ،‬فكان أن تبوأ هــذا الحقــل المعرفــي الجديــد مــن‬
‫الموضوعات مكانته بامتياز بين الدراسات النســانية الراســخة‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫ويكشف البحث اللساني سلســلة الجهــود التجريبيــة علــى‬


‫المستوى العالمي‪ ،‬وفي اللغات الوربيــة الــتي اهتمــت بتحليــل‬
‫الخطاب‪ ،‬فظهرت مدارس لسانية‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫ـ المدرسة السلوكية‪ ،‬ورائدها بلوم فيلد )‪ 1887‬ـ ‪(1949‬‬
‫ـ المدرسة التوزيعية لهاريس‪.‬‬
‫ـ المدرسة التحويلية والتوليدية ورائدها شــو مســكي‪ ،‬وهــو‬
‫عالم لسانيات معاصــر‪ ،‬متعــدد الهتمامــات‪ ،‬أخضــع اللســانيات‬
‫للمنطــق الرياضــي والفلســفي‪ ،‬أحــدثت كتابــاته ثــورة فــي‬
‫))(( المرجع السابق‪ ،‬ص‪5 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص‪6 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪6 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( ‪J. Lyons , Linguistique générale, Tr. François Dubois, Larousse. Paris.‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪1970. P. 39‬‬
‫)( روجر فاولر‪ ،‬نظرية اللسانيات ودراسة الدب ‪ ،‬في‪ :‬مجلة الداب الجنبية‪،‬‬ ‫‪5‬‬
‫العدد‪ ،2:‬بغداد ‪ ،1985‬ص‪83 .‬‬
‫ـ ‪ 22‬ـ‬
‫)‪(1‬‬
‫اللسانيات‪ ،‬وتعرف مدرسته بالمدرسة التحويلية التوليدية‪.‬‬
‫وكانت التوجهات اللسانية في تحليل النصوص الدبيــة مــن‬
‫اهتمامــات الشــكلنيين الــروس )‪ ( Formalistes Russes‬الــذين‬
‫رفضــوا اعتبــار الدب صــورة عاكســة لحيــاة الدبــاء‪ ،‬وتصــويرا‬
‫للبيئات والعصور‪ ،‬وصدى للمقاربات الفلسفية‪ ،‬والدينية‪ .‬ودعــوا‬
‫إلى البحث عن الخصائص التي تجعل من الثر الدبي أدبــا؛ أي‪:‬‬
‫نتيجة تفاعل البنى الحكائيــة‪ ،‬والســلوبية‪ ،‬واليقاعيــة‬ ‫)‪(2‬‬
‫ما يحصل‬
‫في النص‪.‬‬
‫ويثبت تراكم البحوث النقدية اللسانية التأثير الذي مارســه‬
‫المنهج الشكلني في دراسة النص الدبــي مــن الــداخل‪ ،‬بحيــث‬
‫مكن النقد الدبي من النفصال في تحليل الخطاب الدبي عــن‬
‫نظريات علم النفس‪ ،‬وعلــم الجتمــاع‪ ،‬واليــديولوجيات الدينيــة‬
‫والسياسية حتى غدا الخطاب النقدي يتمتع باستقلل ذاتي‪ ،‬لن‬
‫المادة الساسية في بناء الدب هي اللغة‪ ،‬وأما اللسانيات فهي‬
‫الدراسة‪(3‬العلمية لها‪ ،‬ولمظهرها الحسي الذي يتجلـى مـن خلل‬ ‫)‬
‫الكلم‪.‬‬
‫ومثلمـا هـو المـر شـائع فـي مجـالت التـأثير والتـأثر بيـن‬
‫العلــوم والتجاهــات الفكريــة والدبيــة‪ ،‬فقــد اســتفاد الخطــاب‬
‫النقــدي الحــديث مــن الدوات الجرائيــة الــتي وفرتهــا مختلــف‬
‫مباحث وأطروحات اللســانيات علــى صــعيد اللفظــة‪ ،‬والجملــة‪،‬‬
‫وفي فترة حديثة‪ :‬النص‪ ،‬وتجلى ذلك فـي مـا أكـدته الدراسـات‬
‫اللسانية الحديثة من تداخل وترابط بين المســتويات )الصــوتية‪،‬‬
‫والتركيبية‪ ،‬والدللية( والتي سعت إلى الكشف عن وظيفة كــل‬
‫منفردا ومجتمعا مع غيره من المستويات علــى‬ ‫)‪(4‬‬
‫مستوى ودللته‬
‫صعيد النص الدبي‪.‬‬
‫غير أن البحث المتقدم في العلقات الداخليــة الــتي تحكــم‬
‫الثر الدبــي‪ ،‬وتحفــظ تــوازنه وانســجامه‪ ،‬لــم يكــن ليمحــو مــن‬
‫برنامج البحث المشاكل المعقدة‪ ،‬والمتصلة أساسا بالعلقة بين‬
‫الفن الدبي والقطاعات الثقافيــة الخــرى‪ ،‬والواقــع الجتمــاعي‬
‫والنفسي‪.‬‬
‫ول حاجة للتأكيد على أن واحــدا مــن أبــرز رواد الشــكلنية‬
‫الروسية‪ ،‬وهو‪" :‬ر‪ .‬ياكبسون" قد أشار في مقال‪ ،‬عنوانه‪" :‬نحو‬
‫علم للفن الشعري" أن التجاه الجديــد للشــكلنية فــي مقاربــة‬
‫الثر الدبي والبحث عن أدبيته‪ ،‬لم يحل الشكال بعد‪ ،‬فما زالت‬
‫ـن‬
‫)‪(5‬‬
‫نظريــات تحليــل النــص الدبــي تؤكــد ترابــط الدب بغيــره مـ‬
‫القطاعات الخرى الثقافية والجتماعية والفكرية والعقائدية‪.‬‬
‫وفي قــراءة تقويميــة لحصــيلة المدرســة الشــكلنية‪ ،‬يميــل‬
‫ياكبسون إلى العتقاد أن باحثي هذه المدرســة كــثيرا مــا كــانوا‬
‫يخلطون بين الشعارات الطامحة‪ ،‬والساذجة أحيانــا لمبشــريها‪،‬‬
‫والجراءات النقدية الموجهــة نحــو النــص أساســا‪ .‬ولــذلك نــراه‬
‫يحسم هــذا الشــكال عنــدما يتــبين لـــه أن كــل حركــة أدبيــة أو‬
‫اعتم(ــادا علــى العمــل الــذي‬
‫)‪6‬‬
‫علمية إنما تحاسب قبل كل شــيء‬
‫أنتجته‪ ،‬وليس من خلل بلغة بياناتها‪.‬‬
‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص‪92 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( بوريس إيخنباوم‪ ،‬نظرية المنهج الشكلي‪ ،‬في‪:‬نظرية المنهج الشكلي ‪،‬‬ ‫‪2‬‬
‫نصوص الشكلنيين الروس‪ ،‬ترجمة‪ :‬إبراهيم الخطيب‪ ،‬مؤسسة البحاث‬
‫)(العربية‪ ،‬بيروت‪ ،1982 ،‬ص‪3036 .‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪3031 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( سعيد يقطين‪ ،‬تحليل الخطاب الروائي‪ ،‬الزمن السرد التبئير‪ ،‬المركز الثقافي‬ ‫‪4‬‬
‫العربي ‪ ،‬بيروت‪ ،1989 ،‬ص‪1626 .‬‬
‫)( ر‪ .‬ياكبسون‪ ،‬نحو علم للفن الشعري‪ ،‬في‪ :‬نظرية المنهج الشكلي‪ ،‬نصوص‬ ‫‪5‬‬
‫)(الشكلنيين الروس‪ ،‬ص‪2627 .‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪27 .‬‬ ‫‪6‬‬

‫ـ ‪ 23‬ـ‬
‫وإذا كــان الشــكلنيون الــروس قــد فرضــوا منهجهــم فــي‬
‫تحليـل النصــوص الدبيــة ابتــداء مـن النصـف الول مــن القــرن‬
‫العشرين‪ ،‬فإن التفكير في تلك الفترة كان قــد تجــاوز النظريــة‬
‫التي كانت تهتم بقضايا المضمون والمعنى انطلقا من الصــورة‬
‫باعتبارهــا قــوة ملزمــة للدب‪ ،‬وأصــبح مفهــوم الشــكل منــذئذ‬
‫وامــتزج شــيئا فشــيئا بمفهــوم الدب‪ ،‬ومفهــوم‬ ‫)‪(1‬‬
‫يعــرف رواجــا‬
‫الواقعية الدبية‪.‬‬
‫وتأسيسا على ما قدمنا‪ ،‬فإن ما أحدثته اللسانيات وما تفرع‬
‫عنها من مناهج نقدية في تحليــل الخطــاب الدبــي تركــت آثــارا‬
‫واضحة في مسار النقد الدبي واتجاهاته‪.‬‬
‫ويلحظ موريس أبو ناضر أن الفــرق واضـح بيـن الخطـاب‬
‫النقــدي الكلســيكي‪ ،‬والخطــاب النقــدي الحــديث‪ ،‬لن بــؤرة‬
‫آليات وحدة هذا النســق البنيــاني‬‫)‪(2‬‬
‫التفكير آلت إلى التركيز على‬
‫أو ذاك من خلل مواد مختلفة‪.‬‬
‫غيــر أن كــثرة البحــاث ورواج المفــاهيم‪ ،‬وحيــرة المختــص‬
‫والمبتدئ على حد ســواء أمــام هــذا الركــام المعرفــي‪ ،‬شــكلت‬
‫تداخل في المفاهيم والمصطلحات‪ ،‬أشار إلى جانب منهــا رابــح‬
‫بوحوش في مقاله الموســوم بـــ‪" :‬الخطــاب والخطــاب الدبــي‬
‫وثورته اللغوية على ضوء اللسانيات وعلــم النــص"‪ ،‬حيــث حــدد‬
‫النتهاكات التي تحدث فــي التعامــل مــع المصــطلحات الحديثــة‬
‫التي وفرتها علوم اللغة والسلوبيات‪ ،‬والمناهج اللغوية والدبيــة‬
‫المعاصرة‪ ،‬ويبرز ذلك فــي مصــطلحات مركزيــة تــداخلت فيهــا‬
‫المفاهيم‪ ،‬وحادت استخداماتها عن الصواب‪ ،‬منهــا‪ :‬اللســانيات‪،‬‬
‫الســلوبيات‪ ،‬الخطــاب‪ ،‬والنــص‪ .‬فهــو يلحــظ مثل أن مصــطلح‬
‫اللســانيات‪ ،‬وهــو العلــم الصــارم الــذي يــدرس اللغــة دراســة‬
‫ـوى( دراســة اللغــة فــي مســتوياتها‬
‫)‪3‬‬
‫مخبرية‪ ،‬ما هو في الواقع سـ‬
‫النحوية والصرفية والعروضية‪.‬‬
‫وأما مصطلح السلوبية فيوحي استخدامه باصطناع منهجية‬
‫صارمة في دراسة الظاهرة الدبية‪ ،‬وعدم خضوع النص الدبــي‬
‫عموما‪ ،‬والخطاب خصوصا للحكام المعيارية والذوقية‪ ،‬ويهــدف‬
‫إلى دراسة الظاهرة الســلوبية دراســة علميــة‪ ،‬واقتحــام عــالم‬
‫الذوق‪ ،‬وكشف سر ضروب النفعال الــتي يخلقهــا الثــر الدبــي‬
‫ـد( ل يعــدو أن يكــون ســوى بلغــة‪ ،‬أو‬ ‫في متلقيه‪ ..‬غير أن القصـ‬
‫)‪4‬‬
‫دراسة للسلوب الفردي‪.‬‬
‫إن ما قدمه رابــح بوحــوش فــي هــذا الطــرح ظــل حــبيس‬
‫التخمين والتصور‪ ،‬فل نكاد نعثر في تحليله علــى أيــة إشــارة أو‬
‫إحالة أو دراسة انحرفت عن المفاهيم الصحيحة‪ ،‬أو على القـل‬
‫التي يراها هو كذلك‪ ،‬ثم إنه لم يعلــل مسـألة ذكرهــا فــي صــدر‬
‫مقــاله والمتعلقــة بــالخطر الــذي تمثلــه البحــاث الكــثيرة فــي‬
‫الموضوع نتيجــة الــتراكم الكــبير للمفــاهيم‪ ،‬وســوء اســتخدامها‬
‫أحيانا‪ ،‬ونراه اكتفى في هذا الصدد بالشارة إلى الظــاهرة دون‬
‫عنــاء مناقشــتها‪ ،‬ومــا يفــترض أن تكــون فيهــا مــن إيجابيــات أو‬
‫سلبيات‪.‬‬
‫ومما لشك فيه أن كثرة الدراسات‪ ،‬وتعدد المفاهيم يغنــي‬
‫الحقول المعرفية التي تساهم في توســيع دائرة البحــث وتعــدد‬
‫الختصاصات التي يمكن أن تشتق منهــا‪ ،‬وهــذا مــا يلحــظ فــي‬
‫العلوم كلها التي استرعت اهتمــام الدارســين‪ ،‬إذ توســع مجــال‬
‫))(( تودوروف‪ ،‬نظرية المنهج الشكلي‪ ،‬نصوص الشكلنيين الروس‪ ،‬ص‪44 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫موريس أبو ناضر ‪ ،‬اللسنية والنقد الدبي‪ ،‬ص‪13 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( رابح بوحوش‪ ،‬الخطاب والخطاب الدبي وثورته اللغوية على ضوء اللسانيات‬ ‫‪3‬‬
‫وعلم النص‪ /‬مجلة معهد اللغة وآدابها ‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬العدد‪ ،12:‬السنة‪،‬‬
‫‪ ،1997‬ص‪107 .‬‬
‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص‪107 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫ـ ‪ 24‬ـ‬
‫اشتغالها‪ ،‬وعرفت مطردا‪ ،‬ورقيا بارزا‪.‬‬
‫إن مــا يؤكــد صــلة النقــد الدبــي باللســانيات هــو أن النــص‬
‫الدبي في جوهره وحــدة متكاملــة‪ ،‬تتضــافر فيهــا عــدة عناصــر‬
‫صوتية وصرفية ومفرداتية وتركيبية ودللية‪ ،‬وهي الوحدات التي‬
‫تشمل أي نص‪ .‬ومن ثم فإن أي دراسة أدبيــة يفــترض فيهــا أن‬
‫تقف على الجزئيات المكونــة للنــص‪ ،‬والمتدرجــة مــن أصــغرها‬
‫وهي اللفظ إلى أكبرها وهي الخطاب أو النص‪.‬‬
‫ومــا يلحــظ اليــوم هـو أن التوجهــات الحديثــة والمعاصــرة‬
‫لخطاب النقد الدبي أصبحت تســتخدم المنهــج التكــاملي الــذي‬
‫يستعير مجموعة من النظريات المتباينة من العلــوم المختلفــة‪،‬‬
‫ولكن السمة البارزة لتلك التوجهات تبدو لسانية وأسلوبية أكثر‬
‫من غيرهما‪ ،‬وقد تجلى هذا المظهر ابتداء من الخمسينيات مــن‬
‫القرن العشرين في أعمال كثير من الباحثين‪ ،‬مثل دي سوسير‬
‫الذي اعتبر اللغة نظاما من الشارات الــتي تعــبر عــن الفكــار‪،‬‬
‫الدرس( التقليدي للغة الذي كان يــرى فيهــا‬‫)‪1‬‬
‫وقوض بذلك أصول‬
‫وسيلة تعبير عن الشياء‪.‬‬
‫ومن أجل استقراء الظاهرة اللغوية لجــأ دي سوســير إلــى‬
‫اشــتقاق بضــع ثنائيــات‪ ،‬عُــدت مرتكــزات أساســية فــي البحــث‬
‫اللغــة( ‪/‬الكلم‪ ،‬الــتزامن‪/‬التعــاقب‪،‬‬
‫)‪2‬‬
‫اللغــوي الحــديث‪ ،‬وأهمهــا‪:‬‬
‫الدال‪/‬المدلول‪ ،‬وعلقات التتابع‪.‬‬
‫وكان اهتمام دي سوســير فــي معــالجته لمكونــات العمليــة‬
‫الكلمية باللغة دون الكلم‪ ،‬لن الكلم في رأيــه فعــل فــردي ل‬
‫يمثل ســوى بدايــة اللســان)‪(3‬أو الجــزء الفيزيــائي‪ ،‬وهــو مســتوى‬
‫ن أتبــاع دي سوســير أولــوا‬ ‫غيــر أ ّ‬ ‫خارج الواقعة الجتماعيــة‪.‬‬
‫عناية خاصة للكلم باعتباره فعل فرديا‪ ،‬وقد كان ذلك بــدءا ً مــن‬
‫شــارل بــالي‪ ،‬فياكبســون‪ ،‬ثــم تشومســكي إلــى رولن بــارت‬
‫ي‪:‬اللغــة والكلم‬ ‫وغيرهم‪ .‬المر الذي جعل النظرة إلــى مفهــوم ْ‬
‫تتغّير‪ ،‬وطبعت النظرة الجديدة باتجاهات مختلفة‪ ،‬بحيث تحــول‬
‫الثنائي )اللغة ـ الكلم( إلى )الجهاز ــ النــص( عنــد يمســليف‪ ،‬و‬
‫)الطاقة ـ النجاز( عند نوام شومسكي‪ ،‬و )الســنن ـ ـ الرســالة(‬
‫عنــد ياكبســون‪ ،‬و )اللغــة ـــ)‪(4‬الخطــاب( ق‪ .‬غيــوم‪ ،‬و )اللغــة ـــ‬
‫السلوب( عند رولن بارت‪.‬‬
‫ول‬ ‫واتضح فيما بعد أن ما كان هامشيا عند دي سوسير تح ـ ّ‬
‫إلى موضوع رئيسي عنــد المتــأخرين‪ ،‬وأضــحى الكلم )‪(Parole‬‬
‫ة‪ ،‬أو خطابا ً في الدراسات السلوبية‪.‬‬ ‫صا ً أو إنجازًا‪ ،‬أو رسال ً‬
‫ن ّ‬
‫كما طور هاريس المنهــج التــوزيعي مــن خلل البحــث عــن‬
‫العلقات بين الوحدات اللسانية‪ ،‬ونوام شومســكي رائد المنهــج‬
‫التوليدي التحويلي الذي ميز بين الكفاية اللغوية والداء اللغوي‪.‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫ب ـ التجاه السلوبي في تحليل الخطاب الدبي‪:‬‬


‫تهتم السلوبية بدراسة الخطاب الدبي باعتباره بنــاء علــى‬
‫غير مثال مسبق‪ ،‬وهي لــذلك تبحــث فــي كيفيــة تشــكيله حــتى‬
‫يصير خطابا لـه خصوصيته الدبية والجمالية‪ .‬فالخطــاب الدبــي‬
‫مفارق لمألوف القول‪ ،‬ومخالف للعادة‪ ،‬وبخروجه هـذا يكتســب‬
‫أدبيته‪ ،‬ويحقق خصوصيته‪.‬‬
‫))(( ‪.F. De SAUSSURE,Cours de linguistique générale, PP. 2126‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪.Ibid. PP. 179185‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.Ibid. P. 181‬‬ ‫‪3‬‬

‫))(( رابح بوحوش‪ ،‬الخطاب والخطاب الدبي‪ ، . .‬ص‪.160 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫محمد يحي نون‪ ،‬وآخرون‪ ،‬اللسانيات العامة الميسرة‪ ،‬ديوان المطبوعات‬ ‫‪5‬‬
‫الجامعية‪ ،‬الجزائر‪] ،‬د‪ .‬ت [‪ ،‬ص‪86 .‬‬
‫ـ ‪ 25‬ـ‬
‫فاختلف الخطاب الدبي عـن صـنوف "الخطـاب" الخـرى‬
‫يكون بما يركبه فيه صاحبه مــن خصــائص أســلوبية‪ ،‬تفعــل فــي‬
‫المتلقي فعل يقرره الكاتب مسبقا ويحمله عليه‪ ،‬مســتخدما مــا‬
‫تقتضيه الكتابة من وســائل تختلــف عــن مقتضــيات المشــافهة‪،‬‬
‫ولذلك كان ريفاتير يرى أن الخطاب الدبي ل يرقــى إلــى حكــم‬
‫والمعلم الثري المنيــف يشــد‬ ‫)‪(1‬‬
‫الدب إل إذا كان كالطود الشامخ‬
‫انتباهنا شكله‪ ،‬ويسلب لبنا هيكله‪.‬‬
‫كما يعرف "مــانقينو " الخطــاب الدبــي‪ ،‬ويشــير إلــى تعــدد‬
‫دللته‪ :‬فالخطاب عنده مرادف للكلم لــدى دي سوســير‪ ،‬وهــو‬
‫المعنى الجاري في اللسانيات البنيوية‪ ،‬ولــذلك يعتــبره ملفوظــا‬
‫طويل أو متتالية من الجمل تكون مجموعـة منغلقـة يمكـن مـن‬
‫خللها معاينة بنية سلسلة العناصر بواسطة المنهجية التوزيعية‪.‬‬
‫ويقيم في النهاية معارضــة بيــن اللســان والخطــاب ؛ فاللســان‬
‫ينظر إليه ككل منته وثابت العناصــر نســبيا‪ ،‬أمــا الخطــاب فهــو‬
‫مفهوم باعتباره المآل الذي تمارس فيه النتاجيــة‪ ،‬وهــذا المــآل‬
‫هو" الطـابع الســياقي" غيــر المتوقـع الــذي يحــدد قيمــا جديــدة‬
‫لوحدات اللسان‪ ،‬فتعدد دللت وحدة معجمية هو أثــر للخطــاب‬
‫الذي يتحول باستمرار إلى أثر للسان يصبح الخطاب فيه خاصــا‬
‫بالستعمال‪(2‬والمعنى مع زيــادة مقــام الواصــل وخاصــية النتــاج‬
‫)‬
‫والدللية‪.‬‬
‫لقد أحــدث ظهــور الســلوبية فــي حقــل العلــوم النســانية‬
‫واللسانية مشكل قبل أن تتحول ـ السلوبية ـ إلــى منهــج نقــدي‬
‫لمقاربة الثر الدبي‪ ،‬فرضــته التطــورات والكتشــافات العلميــة‬
‫والثقافيــة والدبيــة فــي القــرن العشــرين‪ .‬ذلــك أن مصــطلح‬
‫الســلوبية اســتخدم فــي بدايــة القــرن الماضــي للدللــة علــى‬
‫الحدود الموجــودة بيــن الدب واللسـانيات‪ ،‬وهــو المجــال الــذي‬
‫كــانت تحتلــه البلغــة القديمــة‪ ،‬وبقــي شــاغرا بعــد انحللهــا"‬
‫‪" Effondrement‬ممـا نتــج عنـه طـرح عـدة قضـايا نقديــة‪ ،‬اتجــه‬
‫إلى التشكيك أصل في مدى جدوى هذا الحقل المعرفــي‬ ‫)‪(3‬‬
‫بعضها‬
‫الجديد‪.‬‬
‫إن انشطار الســلوبية بيــن المجــالين‪ :‬الدبــي واللســانيات‪،‬‬
‫فــز الدارســين‬ ‫بقدر ما كان يمثل إشكال عند طرحه‪ ،‬بقدر مــا ح ّ‬
‫على استجلء خفايا هذا الحقــل‪ ،‬وكشــف أســرار النــص الدبــي‬
‫الذي ظل معناه العميق مجهول‪ ،‬لم تستطع المقاربات النقدية‪،‬‬
‫والبحوث البلغية القديمة استكناه جوهره‪ ،‬ومعرفة السر الــذي‬
‫يحكم بناءه اللغوي‪ ،‬وعناصره الدلليـة الخـرى‪ ،‬والوصـول إلـى‬
‫معرفة مــا يميــز كــل أســلوب‪ ،‬والبحــث عمــا يربطــه بالكتابــات‬
‫المعاصرة لـه والسابقة عليـه أو اللحقـة بـه‪ ،‬وهـو المـر الـذي‬
‫دفع ببعض البــاحثين إلــى المطالبــة بضــرورة إلحــاق الســلوبية‬
‫بمختلف توجهاتها وفروعها بأحد المجالين‪ :‬الدب أو اللســانيات‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬

‫غير أن هذا الحل لم يكن يعّبر عن طموح البحث السلوبي‬


‫الذي لقي رواجا كبيرا بفضل ما ألف فيه مــن بحــوث أكاديميــة‪،‬‬
‫قدمت للقراء رصيدا معرفيا كبيرا‪ .‬وظهر بعد شارل بالي اتجاه‬
‫نقدي جديد يــدعو إلــى ضــرورة فصــل الســلوبية عــن المجــال‬
‫واللس(ــانيات لغــرض فســح المجــال لهــا لتحقيــق ذاتهــا‬
‫)‪5‬‬
‫الدبــي‬
‫واستقللها‪.‬‬
‫)( السلوبية في النقد العربي الحديث‪ ،‬ص‪211 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪R. BARTHES , Introduction à l'analyse structurale des récits ,In:‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪.Communication n°8, Paris,1966,P. 612‬‬
‫)( ‪Pierre GUIRAUD et Pierre KUENTZ, La stylistique, lecture, Klincksieck,‬‬ ‫‪3‬‬
‫)(‪Paris, 1970,P. 15‬‬
‫‪.Ibid. P. 13‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( ‪Ibid. PP. 1415‬‬ ‫‪5‬‬

‫ـ ‪ 26‬ـ‬
‫ونظرا لرتباط هذا المنهج بـ"شارل بالي"‪ ،‬فــإنه يستحســن‬
‫أن نعرف ما يصله بأستاذه دي سوسير‪ ،‬في رؤيته للغة‪ ،‬وقضايا‬
‫اللسانيات بصفة عامة‪.‬‬
‫يعتبر "شارل بالي" اللغة نظاما من الرموز التعبيرية تــؤدي‬
‫محتوى فكريا تمتزج فيه العناصر العقليــة والعناصــر العاطفيــة‪،‬‬
‫فتصبح حدثا اجتماعيــا محضــا‪ .‬كمــا أن اللغــة تكشــف فــي كــل‬
‫مظاهرها وجها فكريا ووجهــا وجــدانيا ويتفـاوت الوجهــان كثافــة‬
‫وبحســب وســطه‬ ‫)‪(1‬‬
‫بحســب مــا للمتكلــم مــن اســتعداد فطــري‪،‬‬
‫الجتماعي‪ ،‬والحالة النفسية التي يكون عليها‪.‬‬
‫والملحــظ أن هــذا التعريــف للغــة ل يختلــف كــثيرا عــن‬
‫جاء به دي سوســير حيــث يعتــبر اللغــة منظومــة‬ ‫التعريف الذي‬
‫من العلمات‪ (2) .‬ولعــل هــذا مــن بيــن مــا دفــع إلــى القــول‪ :‬إن‬
‫أسلوبية شارل بالي امتــداد لمجــال اللســانيات الــتي بحثهــا دي‬
‫سوسير في مؤلفه الشهير"‪" Cours de linguistique générale‬‬
‫)دروس في اللسانيات العامة(‪.‬‬
‫ولمــا كــانت اللغــة تعكــس الســمات الفكريــة للمجتمــع‪ ،‬ل‬
‫سيما اللغة اليومية فإن )ش‪ .‬بالي( كان يرى أنــه ل يبحــث عــن‬
‫هذه الفكار في النصوص الدبية القديمة‪ ،‬أو في اللغة العالمــة‪،‬‬
‫"لن الكلم يترجم أفكار النسان ومشاعره‪ ،‬ولكنه يبقى حــديثا‬
‫اجتماعيا‪ ،‬فاللغة ليســت منظومــة مــن العلمــات تحــدد موقــف‬
‫الفرد من المجتمــع فحســب‪ ،‬بــل هــي تحمــل أثــر الجهــد الــذي‬
‫يكابده ليتلءم اجتماعيا وبقية أفراد المجتمع‪ (3)" .‬كما يؤكـد فـي‬
‫مؤلفه‪:‬‬
‫)‪ Traité de Stylistique‬قضايا أســلوبية( أن تعــبير النســان‬
‫يتأرجح في مضمونه بين مدارين‪ :‬مدار العاطفة الذاتيـة‪ ،‬ومـدار‬
‫الحساس الجتماعي‪ ،‬وهما عنصران متصارعان دوما يتوق كــل‬
‫المعبر عنها‪ ،‬فيؤول المر إلــى ضــرب‬ ‫)‪(4‬‬
‫عنصر إلى شحن الفكرة‬
‫من التوازن غير المستقر‪.‬‬
‫وينتهي الباحث ش‪ .‬بالي في آخر حياته إلى تأكيــد ســلطان‬
‫العاطفــة فــي اللغــة وأثرهــا البــارز فــي التــأثير علــى المتلقــي‬
‫وتراجع سلطان العقل إلى المستويات الخلفية‪ ،‬معلل ذلك بــأن‬
‫النســان فــي جــوهره كــائن عــاطفي قبــل كــل شــيء واللغــة‬
‫عن جوهر هذا النســان هــي لغــة التخــاطب بتعــبيراته‬ ‫)‪(5‬‬
‫الكاشفة‬
‫المألوفة‪.‬‬
‫والمتتبع لتعريف السلوب والسلوبية لشارل بــالي يلحــظ‬
‫أنــه يبعــد "الخطــاب الدبــي" مــن مجــال الســلوبية‪ ،‬إذ يعتــبره‬
‫خطابا ناتجا عن وعي وقصدية مــن قبــل المؤلــف‪ ،‬يفضــي إلــى‬
‫اصـــطناع وتحـــوير ل يعـــبران عـــن طبيعـــة اللغـــة وعلقتهـــا‬
‫بمستخدمها‪ ،‬ولذلك كانت لغة التخاطب اليومي هي العينة التي‬
‫التعامل‪(6‬معها لستخلص حقائق موضوعية‪ ،‬بعيدا عن كــل‬ ‫)‬
‫يصلح‬
‫تأمل معقد‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ السلوبية والنقد الدبي من منظور شارل بالي‪:‬‬
‫يعتقد شارل بالي أن علــى الســلوبية أن تشــن حربــا ضــد‬
‫المناهج القديمة في الدراسات النقدية واللغوية‪ ،‬حتى تزيل كل‬
‫)( ‪Charles BALLY , Traité de stylistique française, Klincksieck ,(2 vol) Paris,‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪P. 17‬‬
‫))(( ‪F. De SAUSSURE, Cours de linguistique générale, Op. Cit. P. 2125‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( عبد السلم المسدي‪ ،‬السلوبية والنقد الدبي‪ ،‬ص‪36 .‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫)( ‪C. BALLY, Traité de stylistique française, P. 19‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪Ibid. P. 19‬‬
‫)( ‪C. Bally, Traité de stylistique française, P. 2126‬‬ ‫‪6‬‬

‫ـ ‪ 27‬ـ‬
‫عمل آلي في دراسة الظواهر اللغوية والنصوص الدبية انطلقا‬
‫من التحليل التاريخي‪ ،‬ويؤكــد أن دراســة اللغــة ل تقتصــر علــى‬
‫ملحظة العلقات القائمة بين الرموز اللسانية فقط‪ ،‬وإنما هــي‬
‫يمكـن‬
‫)‪(1‬‬
‫اكتشاف العلقات الجامعة بين التفكير والتعبير‪ ،‬لـذلك ل‬
‫إدراك هذه الروابط إل بالنظر في الفكرة وفي التعبير معا‪.‬‬
‫ويستخلص مما سبق أننا ل نستطيع إبراز ما نفكر فيه أو ما‬
‫نحس به إل بواسطة أدوات تعبيرية يفهمها عنــا الخــرون‪ ،‬وقــد‬
‫تكون الفكار ذاتيــة لكــن الرمــوز المســتعملة فــي أدائهــا تبقــى‬
‫مشتركة بين مجموعة بشرية معينــة‪ (2) .‬لــذلك فــإن الســلوبية‬
‫تــدرس ظــواهر التعــبير‪ ،‬وتأثيرهــا علــى المتلقــي‪ ،‬فكــل فكــرة‬
‫تتجسد كلما؛ إنما تحل فيه من خلل وضع عاطفي‪ ،‬سواء كــان‬
‫من( يبثها‪ ،‬أو من منظور مــن يتلقاهــا‪ ،‬فكلهمــا‬ ‫)‪3‬‬
‫ذلك من منظور‬
‫ينزلها منزل ذاتيا‪.‬‬
‫فالعمل السلوبي في نظر بالي ينبغي أن يركــز علــى تتبــع‬
‫الشحنات العاطفية في الكلم بّثا واستقبال‪ ،‬وعلى هذا الساس‬
‫يكون من الجدى البحث عن الوسائل التعبيريــة الحاملــة لهــذه‬
‫الشحنات الوجدانية ودراسة خصائص أدائها‪.‬‬
‫وتقوم السلوبية كمنهاج في تحليل النص الدبي عنــد بــالي‬
‫على مقاربتين‪:‬‬
‫المقاربة الولى‪:‬مقاربة نفســية تبحــث فــي ظــروف البــث‬
‫النفسية‪ ،‬وظروف الستقبال‪.‬‬
‫أما الثانيــة‪ ،‬فمقاربــة لســانية لغويــة بحتــة‪ ،‬تــدرس الجــانب‬
‫اللغوي للتعبير عن الفكرة)‪(4‬وتلغي كلية الجانب الــذهني‪ ،‬وتبعــده‬
‫من مجال درسها وبحثها‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ السلوبية وتحليل الخطاب الدبي‪:‬‬
‫اســتفادت الدراســات الســلوبية مــن إنجــازات اللســانيين‬
‫ســـواء علـــى مســـتوى المناهـــج أو علـــى مســـتوى الرصـــيد‬
‫المصطلحاتي وتجلى معظم ذلك فــي البحــاث الســلوبية‪ .‬وإذا‬
‫كانت اللسانيات تحدد موضوعها انطلقا مــن الجملــة باعتبارهــا‬
‫أكبر وحدة قابلة للوصف اللساني‪ ،‬وهو الحد الــذي اتفــق حــوله‬
‫أغلب الدارســين فــي اللســانيات‪ ،‬فــإن موضــوع الســلوبية هــو‬
‫الخطاب الدبــي‪ ،‬وإن كــان الخطــاب يتضــمن الجمــل ووحــدات‬
‫أخرى يطالها الدرس السلوبي بالضرورة‪.‬‬
‫لذلك ألفينا بعض السلوبيين يؤكــدون أن النــص مزيــج مــن‬
‫الخطاب والنظام‪ ،‬أو مزيج من الخــاص والعــام‪ ،‬والخطــاب هــو‬
‫الخاص‪ ،‬والنظام اللغوي هــو العــام‪ ،‬والنــص فــي مجملــه يقــوم‬
‫على ركيزتين أساسيتين تكونانه من الداخل‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫أ ـ المعنى الصطلحي ) ‪:( Dénotation‬‬
‫عناصره لغويــة‪ ،‬وأشــكاله الصــغرى لــم يطــرأ عليهــا تغييــر‬
‫دللــي‪ ،‬فهــي مــازالت تحتفــظ بمعناهــا المعجمــي ول تعــترف‬
‫بالتغيرات اللسانية سلبا أو إيجابا‪.‬‬
‫ب ـ المعنى اليحائي ) ‪:(Connotation‬‬
‫عناصــره الشــكلية تحمــل دللت متعــارف عليهــا فــي‬
‫)‪(5‬‬

‫)(‬ ‫‪1‬‬
‫‪Ibid. 1926‬‬
‫عبد السلم المسدي ‪ ،‬السلوبية والنقد الدبي‪ ،‬ص‪37 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪37 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫السلوبية والنقد الدبي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.37 .‬‬ ‫)(‬


‫)(‬
‫‪4‬‬
‫‪5‬‬
‫‪C. KerbratOrecchioni, La connotation, Presses Universitaires de‬‬
‫ـ ‪ 28‬ـ‬
‫مجموعــة لســانية مهنيــة معينــة‪ ،‬ويمكــن أن يطلــق علــى هــذا‬
‫يطلـق علـى المعنـى الول‬ ‫)‪(1‬‬
‫المعنـى "المعنـى المجـازي"‪ ،‬بينمـا‬
‫"المعنى الحقيقي" للشكال اللغوية‪.‬‬
‫وبصفة عامة‪ ،‬فإن النص ينقلب في الخـر إلـى ثنائيـة بيـن‬
‫الشــكل والمضــمون‪ ،‬أو كمــا عــبر عنهــا "يمســليف" )بثنائيــة‬
‫رباعية(‪ ،‬حيث إن كـل تعـبير لــه شـكل وجـوهر‪ ،‬وعلـى العـالم‬
‫اللغوي السلوبي أن يعرف)‪(2‬هذه القضايا حتى تتأتى لـه إمكانيــة‬
‫التحليل العلمي للساليب‪.‬‬
‫وقد أدرك منذر عياشي فضل هذا التجاه في مقاربــة الثــر‬
‫الدبي‪ ،‬فقال‪ " :‬إن الدارس المهتم بالخطاب الدبي ولســانيات‬
‫النص يدرك أن لهذا التجاه فضل في بناء نظام نقدي ومعرفــي‬
‫لم تعرف النسانية مثيل لـــه إل فــي أيامنــا هــذه علــى يــد نقــاد‬
‫أمثــال جاكبســون‪،‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫زاوجــوا بيــن الــدرس اللســاني والدبــي‪،‬‬
‫غريماس‪ ،‬رولن بارث‪ ،‬تودوروف وغيرهم‪" .‬‬
‫ولعل أهمية هذا التجــاه تبــدو أيضــا فــي نظــرة الســلوبية‬
‫للخطاب الدبي‪ ،‬فهي تعتبره إنجازا لغويا يقوم من خلفه نظــام‬
‫حضاري‪ ،‬لن الصلة بينهما هي الشتراك في اللغة‪ ،‬ولذلك كــان‬
‫النقد السلوبي ينظر إلى موضــوعه علــى أنــه فكــر دون إحالــة‬
‫النص على غير ذاته لتحديد معناه‪ ،‬وهذا ما يؤكــده ميشــال آدم‬
‫)‪ (.Adam M‬في قولـه‪ " :‬إن النقد اللغوي الجديد ل يهدف إلى‬
‫الشكل على المعنى‪ ،‬ولكنه يهــدف إلــى اعتبــار المعنــى‬ ‫)‪(4‬‬
‫تفضيل‬
‫شكل‪" .‬‬
‫وتعنى السلوبية بالمتغيرات اللسانية إزاء المعيار البلغي‪،‬‬
‫ولعل هذا ما جعل النقاد يضعون البلغة فــي مواجهــة القواعــد‪،‬‬
‫والقواعد هي اللغة عنــد اللســانيين المحــدثين‪ ،‬يســمها بعضــهم‬
‫بالجمود والماضوية والسلطوية‪ ،‬لنها تفرض ســلطتها وهيمنتهــا‬
‫بموجب النظام اللغوي الذي يســلط علــى المســتخدم‪ ،‬فل يــدع‬
‫لـــه مجــال مــن الحريــة والنعتــاق مــن القواعــد الصــارمة‪ .‬أمــا‬
‫المتغيرات اللسانية‪ ،‬فهي الفوضى والحرية والتمــرد علــى تلــك‬
‫الســلطة وقوانينهــا‪ ،‬وهــذا مــا أكــدته البحــوث اللســانية لــدى‬
‫دراستها لمصطلح "الكلم"‪ (5) .‬أما الخطاب الدبي فهـو العلمـة‬
‫علــى انعــدام الســلطة‪ ،‬لنــه يحمــل فــي طيــاته قــوة النفلت‬
‫من الكلم اليقاعي حتى ولو أراد هــذا الكلم أن يعيــد‬ ‫)‪(6‬‬
‫اللنهائي‬
‫بناء ذاته‪.‬‬
‫كما تركز السلوبية في تحليلها للخطاب علــى النــص بــذاته‬
‫بمعزل عن المؤثرات الخارجية مهما كانت طبيعتهــا‪ ،‬والخطــاب‬
‫بهذا المعنى يصبح اختراقا لعنصري الزمان والمكان‪ ،‬فهو يحمل‬
‫زمانه في ذاته‪ ،‬ويتجلى مكانه فيــه‪ ،‬وهــو مــا يعــبر عنــه إنجــازه‬
‫السلوبي وتشكيله البنيوي الوظيفي‪.‬‬
‫وممــا لشــك فيــه أن التعــرض لمفهــوم الخطــاب فــي‬
‫الدراسات السلوبية سيساعدنا كــثيرا علــى إحصــاء الجــراءات‬
‫التحليلية التي انتهجها أصحاب هذا المنهج في تحليــل النصــوص‬
‫الدبيــة‪ ،‬لن تحديــدهم للمفهــوم هــو الــذي سيكشــف طبيعــة‬
‫التعامل مع الشيء المحدد‪ ،‬ول نعتقد أن عملية التحليــل إجــراء‬
‫مبتــور عــن أيــة خلفيــة نظريــة أو تصــور ســابق‪ ،‬وإل فــإن هــذا‬
‫‪. Lyon,1977,P. 11‬‬
‫))(( نور الدين السد ‪ ،‬السلوبية في النقد الدبي الحديث‪ ،‬ص‪3638 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪3638 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( منذر عياشي‪ ،‬الخطاب الدبي والنقد اللغوي الجديد‪ ،‬جريدة البعث رقم‪:‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪ ،7813‬بتاريخ‪ ،1988 .11 .21:‬دمشق‪ ،‬ص‪5 .‬‬
‫))(( ‪M. ADDAM, Linguistique et discours littéraire, P. U. F. Paris, 1970,P. 44‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( بوحوش‪ ،‬الخطاب والخطاب الدبي ‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪161 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪162 .‬‬ ‫‪6‬‬

‫ـ ‪ 29‬ـ‬
‫المنهج غريب عن صفة العلمية التي تقتضــي أن يكــون التصــور‬
‫سابقا للحكم‪ ،‬كما يقر بذلك المناطقة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ مفهوم الخطاب في الدراسات السلوبية ‪:‬‬
‫يعتبر أنطوان مقدسي أن"الخطــاب الدبــي جملــة علئقيــة‬
‫إحالية مكتفيــة بــذاتها حــتى تكــاد تكــون مغلقــة‪ ،‬ومعنــى كونهــا‬
‫علئقية أنهــا مجموعــة حــدود ل قــوام لكــل منهــا بــذاتها‪ ،‬وهــي‬
‫مكتفية بذاتها‪ ،‬أي أنها –مكانا وزمانا وجودا ومقاييس ـ ل تحتــاج‬
‫إلى غيرها فالروابط التي تقيمها مع غيرها تؤلــف جملــة أخــرى‬
‫وهكذا بل نهاية…فالخطاب الدبي بهذا المنظور ل تنطبق عليــه‬
‫الثنائيات الــتي أربكــت الفكــر الكلســيكي كالــذات والموضــوع‪،‬‬
‫والمضــمون‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫والداخل والخارج‪ ،‬والشرط والمشروط‪ ،‬والصورة‬
‫والروح والمادة‪ ،‬فهو إذن يؤخذ في حضوره‪ ،‬لذاته وبذاته‪" .‬‬
‫ويقــدم عبــد الســلم المســدي فــي كتــابه " الســلوبية‬
‫والسلوب" عدة تعاريف للخطاب الدبي‪ ،‬وهــي ل تكــاد تختلــف‬
‫في جوهرها‪ ،‬فهو يشير ـ مثل ـ في بعضها إلى انقطاع الوظيفة‬
‫المرجعية للخطاب‪ " ،‬لن ما يميز الخطاب الدبي‪ ،‬هــو انقطــاع‬
‫وظيفته المرجعيــة‪ ،‬لنــه ل يرجعنــا إلــى شــيء‪ ،‬ول يبلغنــا أمــرا‬
‫خارجيا‪ ،‬وإنما هو يبلــغ ذاتــه‪ ،‬وذاتــه هــي المرجــع المنقــول فــي‬
‫الوقت نفسه‪ .‬ولما كف الخطاب الدبي‪ ،‬عن أن يقول شيئا عن‬
‫شيء إثباتا أو نفيا‪ ،‬فــإنه غــدا هــو نفســه قــائل ومقــول‪ ،‬وأصــبح‬
‫مقولت الحداثة التي تــدك تبــويب أرســطو‬ ‫)‪(2‬‬
‫الخطاب الدبي من‬
‫للمقولت مطلقا‪" .‬‬
‫وغير بعيد عن هــذا المفهــوم يقــول نــور الــدين الســد ‪":‬إن‬
‫الخطاب الدبي يأخذ استقراره بعد إنجازه لغة‪ ،‬ويأخذ انسجامه‬
‫وفق النظام الذي يضبط كيانه‪ ،‬ويحقق أدبيته بتحقيــق انزيــاحه‪،‬‬
‫ول يؤتى لـه عدوله عن مألوف القول دون صنعة فنية‪ ،‬وهذا ما‬
‫يحقق للخطاب الدبي تأثيره‪ ،‬ويمكنه من إبلغ رسالته الدللية‪،‬‬
‫غير أن دللة الخطاب الدبي ليست دللة عارية‪ ،‬يمكــن القبــض‬
‫عنــاء‪ ،‬بــل الــذي يميــز الخطــاب هــو التلميــح وعــدم‬ ‫)‪(3‬‬
‫عليها دون‬
‫التصريح‪" .‬‬
‫وإذا كان الخطاب عند نور الدين السد يقوم على محورين‪:‬‬
‫محور الستعمال النفعي‪ ،‬ومحور الســتعمال الفنــي‪ .‬فــإنه فــي‬
‫عرف اللسانيين يتجاوز هذا التصنيف الثنائي‪ ،‬حيث أقيم تصنيف‬
‫توليــدي ل يتحــدد عــددا‪ ،‬وإنمــا ينحصــر نوعــا وكيف ـًا‪ ،‬وأضــحى‬
‫الخطاب الدبــي ل يمثــل إل ّ نوعــا مــن الخطابــات والــتي منهــا‪:‬‬
‫الخطــاب الــديني والقضــائي‪ ،‬والشــهاري‪ ،‬ومعنــى هــذا أن كــل‬
‫خطاب يحمل خصوصيات ثابتة تحدد هويته‪.‬‬
‫ويميز الخطاب بما ليس خطابــا فــي عــرف اللغــويين أحــد‬
‫أمرين‪ :‬إما أنــه يشــكل كل موحـدا‪ ،‬وإمـا أنــه مجـرد جمــل غيـر‬
‫مترابطــة‪ .‬وعنــدما اســتعار الســلوبيون هــذا التعريــف نراهــم‬
‫التساق والترابط للتعرف علــى مــا هــو خطــاب‬ ‫)‪(4‬‬
‫اشترطوا صفة‬
‫وما ليس خطابا‪.‬‬
‫وتبدو هذه العلقة في الترسيمة التية‪:‬‬
‫خطاب‬ ‫كل‬ ‫مقطع لغوي)‪(1‬‬
‫خصائص‬
‫مميزة‬ ‫م سا‬

‫)( أنطوان مقدسي‪ ،‬الحداثة والدب ‪ ،‬الموقف الدبي‪ ،‬عدد‪ :‬التاسع‪ ،‬جانفي‬ ‫‪1‬‬
‫النساق‬ ‫‪ ،1975‬دمشق ‪ ،‬ص‪225 .‬‬
‫))(( عبد السلم المسدي‪ ،‬السلوبية والسلوب‪ ،‬ص‪116 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( نور الدين السد‪ ،‬السلوبية في النقد الدبي الحديث‪ ،‬ص‪246 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.249 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫ـ ‪ 30‬ـ‬
‫مقطع لغوي )‪(2‬‬
‫ج‪.‬غ‪.‬م‬
‫لخطاب‬
‫ج‪ .‬غ‪ .‬م= أجزاء غير مترابطة‪.‬‬
‫ويتضــح مــن الترســيمة المعروضــة ـ ـ أعله ـ ـ أن الخطــاب‬
‫الدبي‪ :‬هو ما توافرت فيه خصائص مميــزة؛ كالكليــة والتســاق‬
‫والترابط بين الجزاء المشـكلة لـه‪ ،‬دون اعتبـار شـرط الطـول‬
‫والقصر‪.‬‬
‫وتأسيسا على ما ســبق فــإن الخطــاب ليــس مرهونــا بكــم‬
‫محدد؛ يطول ويقصر بحسب مقتضى الحال‪ ،‬وبحســب المقــام‪،‬‬
‫وكمــا يصــدق أن يكــون جملــة‪ ،‬قــد يكــون كتابــا فــي عــدد مــن‬
‫المجلدات‪ ،‬ولنا في روايــات الغربييـن الكلســيكيين مثـال علـى‬
‫ذلك‪ ،‬فالحرب والســلم وآنــا كاترينــا وســواهما مــن الخطابــات‬
‫وهذا يـدل علـى أن الخطـاب‬ ‫)‪(1‬‬
‫الروائية تقع في عدد من الجزاء‪،‬‬
‫ليس لـه كم محدد تحديدا صارما‪.‬‬
‫وأما الخطاب عند "سعد مصلوح" فهو رســالة موجهــة مــن‬
‫المنشئ إلى المتلقي‪ ،‬تستخدم فيها الشفرة اللغوية المشتركة‬
‫بينهما‪ ،‬ول يقتضــي ذلـك أن يكــون كلهمـا علــى علـم بمجمــوع‬
‫النماط والعلقات الصوتية والصرفية والنحويــة والدلليــة الــتي‬
‫تكون نظام اللغة‪ ،‬أي الشــفرة المشــتركة‪ ،‬وهــذا النظــام يلــبي‬
‫متطلبات عملية التصــال بيــن آراء الجماعــة اللغويــة‪ ،‬وتتشــكل‬
‫ممارســتهم كافــة ألــوان النشــاط الفــردي‬
‫)‪(2‬‬
‫علقــاته مــن خلل‬
‫والجتماعي في حياتهم‪.‬‬
‫ينتقد نور الدين السد هذا التعريف مشــيرا إلــى مــا يطبعــه‬
‫من نقائص من بينها‪ :‬أنــه تعريــف أحــادي‪ ،‬ينظــر إلــى الخطــاب‬
‫كمنتوج لغايات عملية نفعية‪ ،‬تتمحور حول الوظيفــة التواصــلية‪.‬‬
‫ويلحظ أن هناك وظائف أخرى للخطـاب الدبــي تتجـاوز حــدود‬
‫التوصيل‪ ،‬وذلك نظرا لما يميز الخطاب الدبي من نظام خــاص‬
‫به‪ ،‬ومن تمايزه من غيره من الخطابات‪ ،‬كما أن الشتراك فــي‬
‫معرفــة الشــفرة ل تؤهــل عارفهــا اســتجلء كنــه الخطــاب‪ ،‬لن‬
‫عن الفهــم‪ ،‬وإن كــان المتلقــي يعــرف‬ ‫)‪(3‬‬
‫هناك خطابات مستغلقة‬
‫اللغة التي أنشئت فيها‪.‬‬

‫)( عبد الملك مرتاض ‪ ،‬دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة " أين ليلي" لمحمد‬ ‫‪1‬‬
‫)(العيد آل خليفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪16 .‬‬
‫سعد مصلوح‪ ،‬السلوب‪ ،‬ص‪23 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( نور الدين السد‪ ،‬السلوبية في النقد الدبي الحديث‪ ،‬ص‪252 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫ـ ‪ 31‬ـ‬
‫الفصل الثاني‪:‬‬

‫قراءة في التحليل السردي‬


‫للخطاب الروائي‪.‬‬
‫أول‪ :‬أهمية دراسة موضوع السرد‪:‬‬

‫يشكل هذا الفصــل قــراءة فــي التحليــل الســردي للخطــاب‬


‫الدبي‪ ،‬ســنعرض فيــه المفــاهيم "الســردلوجية" الجرائيــة الــتي‬
‫ستستثمر في الفصــول التطبيقيــة‪ ،‬وتكمــن أهميــة هــذا "الجهـاز‬
‫إلينــا فــي تقــديمه تعريفــات واضــحة‬ ‫المصــطلحي" بالنســبة‬
‫ومضبوطة للهيئات السردية)‪ (1‬التي تشكل قوام النص الــروائي؛‬
‫على الرغم من اختلف الدارسـين فـي تحديـد خصـائص الهيئات‬
‫الســردية‪ ،‬وضــبط عــددها‪ ،‬وتصــنيف وظائفهــا‪ ،‬نظــرا لختلف‬
‫الــرؤى‪ ،‬وغمــوض المفــاهيم‪ ،‬وغيــاب المصــطلح المشــترك بيــن‬
‫الباحثين‪ (2) .‬ومن شأن هذا الطرح إزالــة بعــض أشــكال اللبــس‬
‫التي يشيعها ويكرسها النقد الروائي العربي‪ ،‬بيــن هيئات محايثــة‬
‫النص )السارد ـ الشخصية ـ المسرود له…( وأخرى مجاوزة لـــه‬
‫)المؤلـــف‪ ،‬الشـــخص‪ ،‬القـــارئ‪ ،( ..‬بيـــن أيديولوجيـــة الروايـــة‪،‬‬
‫وأيديولوجية الروائي‪.‬‬
‫يعتبر موضوع السرد من أهم إنجازات البحث في العلــوم‬
‫النسانية في القرن العشرين‪ ،‬لمــا يحملــه هــذا المشــروع مــن‬
‫مناهج خاصة‪ ،‬وأدوات إجرائية مكنت ـ في كــثير مــن الحيـان ــ‬
‫مــن دراســة الســرد فــي النصــوص الروائيــة‪ ،‬وفــي الحكايــات‬
‫العجيبــة والســاطير‪ .‬وتشــكل الدراســات المنجــزة فــي هــذا‬
‫الموضوع مســاهمة عميقــة فــي الجــدل الــذي عرفتــه النظريـة‬
‫السردية العامة‪ ،‬في العقود الخيــرة مــن القــرن الماضــي فــي‬
‫البحوث الفرنسية والنجلوسكسونية والروسية والتشيكية‪.‬‬
‫وانصــرفت "الســردية" إلــى الهتمــام بمكونــات الخطــاب‬
‫الســردي‪ ،‬ومظــاهره وأبنيتــه‪ ،‬ومســتوياته الدلليــة‪ ،‬وانتظمــت‬
‫البحوث فــي هــذا الحقــل المعرفــي الجديــد‪ ،‬فــي تيــارين‪ :‬تيــار‬
‫السردية اللسانية‪ ،‬وتيار السردية الدللية‪.‬‬
‫لللللل للللل‪ :‬تجلت السردية اللســانية فــي جهــود ج‪.‬‬
‫جنيــت وتــودوروف‪ ،‬ورولن بــارت‪ ،‬وهــو تيــار ُيعنــى بدراســة‬
‫)( لم يتفق الدارسون في ضبط فروع هيئات البث‪ ،‬فتحدثوا عن السارد الذي‬ ‫‪1‬‬
‫يروي ‪ ،‬ويرى عالم حكايته من منظور إيديولوجي مخصوص‪ ،‬قد يتفق مع‬
‫الكاتب ‪ ،‬وقد يختلف معه‪ ،‬ويعتبر "جيرار حينيت" المنظور أسلوب من أساليب‬
‫التحكم فيما يراد العلم به من معلومات‪ ،‬وهو ينهض من خلل اختيار أو عدم‬
‫اختيار وجهة نظر بعينها‪ ،‬ومعنى ذلك أن المنظور مبناه على من الذي تسود‬
‫وجهة نظره في موضع بعينه من النص‪ ،‬وتوجه الحكاية عندئذ وجهتها‪ .‬وهذا ما‬
‫جعله يدعو إلى التمييز بين من يتكلم ومن يرى أو بعبارة أخرى بين القص‬
‫والتبئير‪ .‬انظر‪Figure III, P. 225229:‬‬
‫)( ترجم "علي عبيد" مصطلح‪ "instance narrative":‬بالمقامات‪ ،‬وقدم تبريرات‬ ‫‪2‬‬
‫يمكن الرجوع إليها في دراسته‪":‬كيف يرى المبصرون ما صوره العمى في‬
‫رسالة الغفران"ضمن العدد‪ 11:‬من المجلة الصادرة عن مؤسسة الملك عبد‬
‫العزيز آل سعود‪ .2000 ،‬ووظف الباحث رشيد بنحدو مصطلح "المحافل‬
‫السردية" ضمن المقال الذي ترجم فيه فصل من كتاب‪:‬جيب لينقلت‪ .‬سيرد‬
‫ذكره لحقا‪ ،‬في هذا الفصل‪ ،‬وترجم كل من الدكتور رشيد بن مالك وعبد‬
‫الحميد بورايو المصطلح بـ"الهيئة"‪ ،‬ونأخذ بهذه الترجمة للمصطلح لنها أكثر‬
‫استعمال في الدراسات اللسانية والسيميائية‪.‬‬
‫ـ ‪ 32‬ـ‬
‫الخطاب السردي في مستويات التركيب‪ ،‬والعلئق الــتي تربــط‬
‫الراوي بالمتن الحكائي‪.‬‬
‫لللللل لللللل‪ :‬ويتعلق المر بالســردية الدلليــة‪ ،‬كمــا‬
‫تجلت في جهود بروب وغريماس‪ ،‬وهو تيار ُيعنى بالبنى العميقة‬
‫تتحكم بمظاهر الخطاب‪ ،‬وصول إلى تحديد قواعد وظائفية‬ ‫)‪(1‬‬
‫التي‬
‫للسرد‪.‬‬
‫وعلــى الرغــم مــن تبــاين الهــداف بيــن التيــارين‪ ،‬إل ّ أنهمــا‬
‫يهدفان إلى إنتاج معرفة تطمح إلى توظيف كشوفاتها للقتراب‬
‫من الخطاب السردي‪ ،‬في مستوياته التركيبية والدللية‪ (2) .‬كما‬
‫كشفت الدراسات أن هناك تيارا يحــاول التوفيــق بيــن التيــارين‬
‫المذكورين‪.‬‬
‫وقد وسعت الدائرة النظرية لهذه البحــاث حيــث أصــبحت‬
‫تشــمل دراســة الهيئات الســردية الخياليــة فــي النــص الدبــي‪،‬‬
‫كــالهيئة المجــردة ‪) :‬المؤلــف والقــارئ المجرديــن(‪ ،‬والهيئات‬
‫الواقعيــة‪ ،‬كـــ‪) :‬المؤلــف والقــارئ الحقيقييــن(‪ ،‬ضــمن نمــوذج‬
‫تواصــلي تــداولي‪ ،‬دون إغفــال أيديولوجيــة النـــص‪ ،‬وســـياقه‬
‫الجتماعي ـ الثقافي‪ ،‬وتلقيه‪.‬‬
‫طرح موضوع السرد في الدبيــات الغربيــة مــن منظــورْين‬ ‫ُ‬
‫اثنْين فرضا نفسهما بشــكل قــوي‪ ،‬وهمــا‪ :‬الســيميائية الســردية‬
‫والسرديات‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬السيميائية السردية‪:‬‬
‫يحــدد الســيميائيون موضــوع بحثهــم بدقــة‪ ،‬ويتمثــل فــي‬
‫"المحتوى"‪ ،‬انطلقا من العلقة السردية وفق رؤيــة )يملســيف‬
‫‪ (Louis Hjelmslev‬للعلمة اللسانية المشكلة من دال )التعبير(‪،‬‬
‫ومدلول )المحتوى(‪ (3) .‬وباختيارهم للمدلول )المحتوى( يلغــون‬
‫وبشكل آلي الدال )التعــبير( مــن دائرة اهتمــامهم‪ ،‬ويؤكــد ذلــك‬
‫المهمة الساســية للســرديات‬ ‫)‪(4‬‬
‫"شميث ‪ " Schmitt‬في قوله‪":‬إن‬
‫هي تحليل المحتوى بصفة عامة‪" .‬‬
‫كما يؤكد "غريماس" في مختلف دراسـاته الفكـرة نفسـها‪،‬‬
‫موضــحا الهــدف الــذي تنشــده الســيميولوجية وهــو المســاك‬
‫بـالمعنى أو الدللـة‪(5)،‬بغـض النظـر عـن المظـاهر الخـرى الـتي‬
‫يتخذها هذا السرد‪.‬‬
‫ويتجلى هذا الختيار المنهجي للســيميولوجيين فــي الــتركيز‬
‫علـــى المحتـــوى مـــن خلل التعريـــف الـــذي تقـــترحه جماعـــة‬
‫"أنـــتروفيون ‪ "Groupe d’entrevernes‬للمصـــطلح‪Narrativité":‬‬
‫السردية" فهـو مظهـر تتـابع الحـالت والتحـولت المسـجل فـي‬
‫الخطاب‪ ،‬والضامن لنتاج المعنى‪ (6) .‬ويذهب "كورتيس ‪Courtes‬‬
‫" المـــذهب نفســـه‪ ،‬فيـــرى أن ارتبـــاط الحكـــي بــــ"الســـردية‬
‫‪ Narrativité‬ارتباط وثيق‪ ،‬ولذلك يحدد السردية في النتقــال مــن‬
‫حالة إلى حالة أخرى‪ ،‬وهذا من شأنه إحداث تحــول مــن وضــعية‬

‫)( عبد الله إبراهيم‪ ،‬من وهم الرؤية إلى وهم المنهج‪ ،‬مجلة الفكر العربي‬ ‫‪1‬‬
‫المعاصر‪ ،‬العدد‪ ،1993 ، 6768 :‬ص‪124 .‬‬
‫)( عبد الله إبراهيم‪ ،‬السردية العربية‪ ،‬بحث في البنية السردية للموروث‬ ‫‪2‬‬
‫)(الحكائي العربي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،1990 ،‬ص‪178 .‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪Louis Hjelmslev, Essais linguistiques, Les Editions De‬‬
‫‪.Minuits,Paris,1971, PP. 3544‬‬
‫)( سعيد يقطين‪ ،‬قال الراوي‪ ،‬البنيات الحكائية في السيرة الشعبية‪ ،‬المركز‬ ‫‪4‬‬
‫الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،1997 ،‬ص‪14 .‬‬
‫))(( ‪J. GREIMAS, Du sens: Essais sémiotiques, Ed. Du Seuil,Paris,1970,P. 158‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Groupe d'entrevernes, Analyse sémiotique des textes, Presses‬‬
‫‪universitaires de Lyon, 1984,P. 14‬‬
‫ـ ‪ 33‬ـ‬
‫)‪(1‬‬
‫أو حالة إلى وضعيات جديدة عن طريق التتابع‪.‬‬
‫وبعد أن حصر السيميولوجيون موضوع بحثهم في السردية‬
‫دافعوا عن مواقفهم‪ ،‬وأبرزوا أهمية الدللت‪ ،‬وحضورها الــدائم‬
‫فــي كــل البنــى الســردية‪ .‬ومــن بيــن المــدافعين عــن هــذا‬
‫التجاه"آن‪ .‬إينو" الــتي تــرى أنــه يمكــن الحــديث عــن الحكائيــة‬
‫عندما يصف نص مــا مــن جهــة أولــى حالــة بدايــة علــى صــورة‬
‫علقة امتلك أو فقدان لموضوع ذي قيمة‪ ،‬ومن جهة ثانيــة فعل‬
‫أو متتالية من الفعــال الــتي تنتــج حالــة جديــدة مخالفــة لحالــة‬
‫البداية‪ (2) .‬كما ترى أيضا "أن علــم الــدللت يتجســد بطريقتــه‬
‫وبرنامجه أكـثر منـه بنتــائجه‪ ،‬لكنــه يــدفع بالبـاحثين إلــى حركـة‬
‫ووعيهـا‪(3‬الجمـاعي لكـي ل تعطـل‬‫)‬
‫دائمة لتوضيح حدود الـدللت‬
‫مستقبل عمليات المعرفة الخرى‪" .‬‬
‫وقــد عــرف مجــال البحــث فــي الســرديات توســعا كــبيرا‪،‬‬
‫وخلفــا لمــا ذكرنــاه مــن آراء حــول اتجاهــات الســيميولوجيين‬
‫وتركيزهم علــى المحتــوى باعتبــاره الماهيــة الــتي تــدور حولهــا‬
‫الدراسـات‪ ،‬ويشـتغل عليهـا تحليـل الخطـاب‪ ،‬يهتـم السـرديون‬
‫بالتعبير ـ حســب المصــطلح الــذي يــوظفه الســيميولوجيون‪ ،‬أو‬
‫الخطاب الذي يستخدم كمقابل للقصة ـ باعتباره الصورة الــتي‬
‫يتجلى أو يتحقق من خللها المحتوى‪ ،‬وبالتــالي يمكــن أن يقــدم‬
‫محتوى واحد ٌ من خلل خطابات متعددة لكــل منهــا خصوصــيته‪.‬‬ ‫) ُ‪(4‬‬

‫فــالخلف بيــن الرؤيــتين واضــح وعميــق‪ ،‬حيــث يعتــبر‬


‫الســردية‬
‫)‪(5‬‬
‫الســرديون الخطــاب عنصــرا جماليــا يصــل المــادة‬
‫بالدبية‪ ،‬في حين تخالف نظرة السيميولوجيون ذلك‪.‬‬
‫ويشير "جيرار جينيت ‪ "G. GENETTE‬إلى الفرق الجوهري‬
‫بيــن الســرديين والســيميولوجيين فــي قــوله‪":‬توجــد الخاصــية‬
‫الساسية في التركيز علــى الصــيغة‪ ،‬وليــس علــى المحتــوى إذ‬
‫لوجود للمحتويات السردية‪ ،‬فهنــاك تسلســل أفعــال أو أحــداث‬
‫قابلة لن تجسد من خلل أية صيغة تمثيليــة‪ (6)" .‬وقــد ســاعدت‬
‫بحوثه على تصنيف مجال السرديات‪ ،‬لنه حصر موضــوعها فــي‬
‫صيغة السرد )الخطاب(‪ ،‬فــي حيــن وســع المشــتغلون بــالحكي‬
‫مجال اهتمامهم بانطلقهم من المحتوى‪ ،‬ولذلك ألفينا غريماس‬
‫يعتبر السردية سابقة على التجلي في خطاب معيــن‪ ،‬ويربطهــا‬
‫ـاني‪ ،‬وهــي‬
‫)‪(7‬‬
‫بمســتوى ســيميولوجي متميــز عــن المســتوى اللسـ‬
‫منطقيا سابقة‪ ،‬كيفما كانت اللغة المختارة لتحققها‪.‬‬
‫وقد تباينت التصورات بشأن تحديد المصـطلحات الموظفـة‬
‫في الدراسات الصادرة هنا وهنـاك‪ ،‬وعلـى الرغـم مـن محاولـة‬
‫الرجوع إلى أصول وجذور المفاهيم لتضييق الهوة بــل وردمهــا‪،‬‬
‫ـتعمال المرتهــن‬ ‫تظل الحدود والفواصل قائمة‪ ،‬إنها حــدود السـ‬
‫بهذا التصور أو ذاك‪ ،‬كمــا يقــول ســعيد يقطيــن‪ (8) .‬وقــد لحــظ‬
‫الدارس "علي عبيد" الخلط نفسه بين مصطلحات‪:‬ســارد وراو‪،‬‬
‫وهو ما دعاه إلــى إعــادة النظــر فــي الدللــة المعجميــة لبعــض‬

‫)( ‪J. COURTES, Analyse sémiotique des discours ,Hachette, Paris,1990, P.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪7072‬‬
‫)( ‪A. HENAULT, Narratologie, sémiotique générale. Les enjeux de la‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪sémiotique, P. U. F. Paris,1983 P. 145‬‬
‫)( آن إينو‪ ،‬مراهنات دراسة الدللت اللغوية‪ ،‬ترجمة‪ :‬أوديت بتيت‪ ،‬وخليل أحمد‪،‬‬ ‫‪3‬‬
‫)(دار السؤال للطباعة والنشر‪ ،‬دمشق‪ ،1980 ،‬ص‪11 .‬‬
‫)( سعيد بقطين‪ ،‬قال الراوي‪ ،‬ص‪16 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪16 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫)()( ‪G. GENETTE, Nouveau discours du récit, Seuil, Paris, 1983,P. 12‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪7‬‬
‫‪A. J. GREIMAS, 1970, p. 158‬‬
‫)( سعيد يقطين‪ ،‬قال الراوي‪ ،‬ص‪16 .‬‬ ‫‪8‬‬

‫ـ ‪ 34‬ـ‬
‫)‪(1‬‬
‫المصطلحات‪.‬‬
‫ولم تبق السرديات حبيسة "الخطاب" بل توسعت لتشــمل‬
‫المادة الحكائية‪ ،‬وقد أكــد ذلــك "ميــك بــال ‪ " Micke Bal‬حيــن‬
‫تحدث عن السرديات في مجال توسيع اختصاصــها‪ ،‬وهــو يعتــبر‬
‫القصــة )‪ ( Fable‬متتاليــة مــن الحــداث المحكيــة‪ ،‬تتــوزع إلــى‬
‫قســمين‪ :‬عناصــر ثابتــة‪ ،‬وأخــرى متحولــة‪ ،‬أو إلــى موضــوعات‬
‫وصــيرورات‪ ،‬فالموضــوعات ل يمكــن فهمهــا فقــط بواســطة‬
‫الفواعــل )الثــابتين( ولكــن مــن خلل المــاكن والشــياء‪ ،‬أمــا‬
‫الصيرورات فهي التغيرات الطارئة داخل مختلف الموضــوعات‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫إن اعتماد السرديين النجازات التي حققت علــى مســتوى‬


‫الخطاب‪ ،‬وعدم إغفال المادة الحكائيــة فــي تصــوراتهم‪ ،‬يفيــدنا‬
‫كخلفيــة نظريــة لتحليــل خطــاب روايــة الصــراع العربــي ـــ‬
‫الصهيوني‪ ،‬حيث ينطلق تصور مشروعنا من بناء المتن الحكائي‬
‫فــي روايــة الصــراع العربــي الصــهيوني للبحــث عــن المظهــر‬
‫المشترك في كل نص مــن روايــات المدونــة‪ ،‬ومــن ثــم نســلك‬
‫طريقا نحو البحث عن خصائص الخطاب الروائي وفق تصــور ل‬
‫يسعى إلى استنساخ النموذج الغربي‪ ،‬وإنما قصاراه أن يستفيد‬
‫من العناصــر الــتي تنيــر لـــه الســبيل‪ ،‬وتســاعده علــى القــراءة‬
‫الواعية للنص الروائي‪ ،‬وتمـده بــالدوات الجرائيــة الــتي تمكنـه‬
‫من محاصــرة موضــوع البحــث وتفكيكــه‪ ،‬وإعــادة تركيبــه وفــق‬
‫المناهج الحديثة‪.‬‬
‫ويقوم البحث ـ الذي نحن بصـدد إنجـازه ــ علـى الفرضـية‬
‫التي أشار إليها "رولن بــارت ‪ "R.BARTHES‬فــي عــام ‪1968‬‬
‫مجلة‪ (Tel quel) :‬بعنوان‪ ":‬نظريــة‬ ‫ضمن المقال الذي أصدرته‬
‫جامعة ‪ ، (3)"Théorie d’ensemble‬إلى جانب "فكــو" و"ديريــدا"‬
‫و"غريمــاس" وهــو أحــد المنظريــن لعلــم الدللــة البنيــوي‬
‫)‪ (4) ( Sémantique structurale‬والذي كان لـه فضل تأســيس‬
‫هذه الفرضية عـام ‪ ،1966‬وأدار عليهـا كـل النظريـة فـي علـم‬
‫السيميولوجية‪ ،‬ثم تمحورت حولها أعمال المدرسة التي سميت‬
‫فيما بعد بـ‪":‬المدرسة السيميائية لباريس ‪Ecole Sémiotique de‬‬
‫‪ ."Paris‬حيث تعتبر هذه الفرضــية المقصــوص أو الحكــي جملــة‬
‫هائلــة؛ والحكــي )‪ (Récit‬وهــو الســم الجناســي )*( )‪Le nom‬‬
‫‪ ( générique‬الــذي تنضــوي تحتــه جميــع الســماء التابعــة لهــذا‬
‫الجنــس مــن قصــة‪ ،‬وروايــة‪ ،‬وأســطورة‪ ،‬وغيرهــا‪ .‬والكلمــة‬
‫الفرنسية ‪ Récit‬مشتقة من اللتينية "‪ "Récitave‬التي تعني قــرأ‬
‫ـن‪(5‬معانيهــا‬
‫)‬
‫بصوت عال‪ ،‬ثم أصبحت تعني ‪ Raconté‬أي قــص‪ ،‬ومـ‬
‫ما ينقل كتابة أو شفاها من أحداث حقيقية أو خيالية‪.‬‬
‫كما تعتبر هذه الفرضية الجملة مقصوصا صغيرا‪ ،‬وبوســعنا‬
‫‪ () 1‬انظر‪ :‬علي عبيد‪ ،‬كيف يرى المبصرون ما صوره العمى في رسالة‬
‫الغفران‪ ،‬مجلة سنوية تصدرها مؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،2000 ،‬ص‪810 .‬‬
‫‪.Micke Bal, Narratologie, Editions Klincksieck, Paris, 1977, P. 10 (()) 23‬‬
‫‪R. BARTHES,M. Faucault, J. Derrida, et autres, Théorie d'ensemble, éd.‬‬
‫‪Du Seuil, Coll. Tel Quel, Paris, 1968‬‬
‫‪A. J. Greimas, Sémantique structurale, recherche de méthode, () 4‬‬
‫‪.Larousse,Paris,1966‬‬
‫* إجناسي‪ Générique :‬أجنس الشياء جعلها تنتمي إلى جنس واحد‪ ،‬فهي‬
‫متجانسة‪ .‬ويقال عن شيء ينتمي إلى جنس‪ ،‬أو يلخص جنسا بكامله‪ ،‬ومثال‬
‫ذلك‪:‬عنوان إجناسي‪ .‬وهو مناقض للفظ جنس الذي يعني‪ :‬النوع من كل شيء‪.‬‬
‫وفي اللسانيات‪:‬يقال عن لفظ ذي معنى عام‪ ،‬يشمل مجموعة طبيعية لشياء‪،‬‬
‫يكون فيها كل عنصر يحمل اسما معينا‪ ،‬كما يستخدم لفظ "الطير" للدللة‬
‫العامة على كل أنواع الطيور‪:‬السقر‪ ،‬الغراب‪ ،‬الحمام‪ ،‬العصفور‪ . .‬الخ‪.‬‬
‫ويستخدم لفظ إجناسي مناقضا للنوعي‪ .‬إجناسي ‪Vs‬نوعي‪ .‬انظر‪Grand:‬‬
‫‪dictionnaire encyclopédique Larousse, Volume. 5,Librairie Larousse, Paris,.‬‬
‫‪.P. 473233‬‬
‫‪.Grand dictionnaire encyclopédique Larousse, volume. 8,,P. 8772 () 5‬‬
‫ـ ‪ 35‬ـ‬
‫أن نجد في المقصوص كل الوظــائف الكــبرى الــتي نراهــا فــي‬
‫الجملـــــــــــــة‪ ،‬حيـــــــــــــث يوجـــــــــــــد ثنائيـــــــــــــان‬
‫)‪ ،(Deux couples‬وأربعة حدود‪ .‬فأما الثنائي الول فهو‪:‬‬
‫موضــوع )‪ (Objet‬يربــط بينهمــا‬ ‫فاعــل )‪( Sujet‬‬
‫التقابــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل‬
‫)‪ Opposition‬على مستوى الرغبة )‪( Désir‬أو التحري )‪.( Quête‬‬
‫ففي كل قصة هناك من يرغب في شــخص أو شــيء أو يبحــث‬
‫عنه‪.‬‬
‫وأمــــا الثنــــائي الثــــاني فهــــو مســــاند )‪( Adjuvant‬‬
‫معــارض )‪ (Opposant‬ينوبــان علــى المســتوى الســردي عــن‬
‫الحوال‪ ،‬وعن الصفات فــي المســتوى النحــوي‪ ،‬ويربــط بينهمــا‬
‫‪ ،(Les épreuves‬لن أحــدهما‬‫)‪(1‬‬
‫التقابل على مستوى الختبــارات )‬
‫يساند الفاعل في بحثه‪ ،‬والخر يعارضه‪.‬‬
‫وتماثــل القصــة‪/‬الخطــاب الجملــة الفعليــة‪ ،‬وتتحقــق هــذه‬
‫المماثلة في ضربين‪:‬تبدو في القصة من وجهة تركيبيــة ‪) :‬فعــل‬
‫حــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــدث(‪،‬‬
‫شخصية(‪ ،‬زمان مكان‪ ،‬وتبدو المماثلة الثانية فــي‬ ‫)فاعل‬
‫كون النتاج الحكائي)‪(2‬تمثيل لرؤية وتصور للعالم كما يتحقق مــن‬
‫خلل تجربة خاصة‪.‬‬
‫ويقتضي البحث المنهجي في بنية العمل السردي الــروائي‬
‫التمييز نظريا بين العمل السردي الروائي من حيث هو حكايــة‪،‬‬
‫وخطاب )‪ .(Discours‬فهو حكاية باعتباره يــثير واقعــة‪ ،‬وبالتــالي‬
‫يفعلون‪(3‬الحداث‪ ،‬ويختلطون بصورهم المروية‬ ‫يفترض أشخاصا‬
‫مــع الحيــاة الواقعيــة‪ ) .‬ولــو اســتعرنا لغــة أرســطو لقلنــا‪:‬إن‬
‫الحكاية هي الفعــل‪ ،‬والفعــل هــو مــا يمارســه أشــخاص بإقامــة‬
‫بينهم ينســجونها‪ ،‬فتنمــو وتتشــابك وتنعقــد وفــق‬ ‫)‪(4‬‬
‫علقات في ما‬
‫منطق خاص بها‪.‬‬
‫وتستوجب الحكاية بواسطة الكتابــة ســاردا يســردها‪ ،‬كمــا‬
‫تستوجب قارئا يقرأ ما يسرده السارد‪ .‬وبذلك ل تصبح مجموعة‬
‫الحداث التي وقعت هي الهم في العمل السردي الروائي‪ ،‬بل‬
‫كيفية الرواية‪:‬كيــف يســرد الســارد الحكايــة؟وهــذا مــا ل يجعــل‬
‫العمل الروائي حكاية وحسب‪ ،‬بــل هــو خطــاب أيضــا‪ ،‬علــى أن‬
‫النظر في العمـل الـروائي مـن حيـث هـو خطـاب أو حكايـة‪ ،‬ل‬
‫يعنــي الفصــل بينهمــا‪ ،‬إنمــا هــو منهــج تقيمــه الدراســة علــى‬
‫المســتوى النظــري‪ ،‬إذ ل وجــود للحكايــة إل فــي خطــاب‪ ،‬ول‬
‫لخطاب سردي إل في حكاية‪.‬‬
‫ولما كــانت الحكائيــة مقولــة كليــة ثابتــة تضــم شــبكة مــن‬
‫المقولت الفرعية كلما توفرت في أي عمل أمكننا وسمه بــأنه‬
‫ينتمي إلى جنس السرد‪ ،‬فكيف تتحقق الحكائيــة‪ ،‬ومــا العناصــر‬
‫الثابتة الدالة عليها؟‬
‫تتحقق الحكائية من خلل تحقق العناصر التيــة فــي النتــاج‬
‫الدبي‪:‬‬
‫فعل أو حدث قابل للحكي‪.‬‬ ‫‪-1‬‬
‫فاعل أو عامل يضطلع بدور ما في الفعل‪.‬‬ ‫‪-2‬‬
‫‪() 1‬‬
‫‪A. J. Greimas, Sémantique Structurale, Op. Cit. P. 180‬‬
‫سعيد يقطين‪ ،‬قال الراوي‪ ،‬ص‪26 .‬‬ ‫‪() 2‬‬

‫)( يمنى العيد‪ ،‬تقنيات السرد الروائي في ضوء المنهج البنيوي‪ ،‬سلسلة دراسات‬ ‫‪3‬‬
‫)(نقدية‪ ،‬الفارابي‪ ،1990 ،‬ص‪27 .‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪27 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫ـ ‪ 36‬ـ‬
‫زمان الفعل‪.‬‬ ‫‪-3‬‬
‫مكانه أو فضاؤه‪.‬‬ ‫‪-4‬‬
‫تتداخل هذه العناصر مجتمعة وتتراكب في مجــرى العمــل‬
‫الحكــائي مشــكلة حكــائيته‪ ،‬أي‪ :‬انتمــاؤه إلــى جنــس الســرد‪.‬‬
‫ويمكننا النظر إلى كــل عنصــر مــن عناصــر الحكائيــة فــي ذاتــه‬
‫باعتباره" بنية كلية" تضم بنيات جزئية في مستوى من التحليل‪،‬‬
‫مستوى آخر عن العلقات التي تربط بيــن‬ ‫)‪(1‬‬
‫ويمكن أن ُيبحث في‬
‫مختلف هذه البنيات‪.‬‬
‫وتبدو هذه البنية التوليدية بسيطة لكنها تطــوي بيــن دفتيهــا‬
‫كل مقصوصات الدنيا كما يقــول رولن بــارت‪" ،‬ومــا أن يتنــاول‬
‫الــدارس تحــولت هــذه البنيــة والطريقــة الــتي تتجلــى فيهــا‬
‫السلســل الســتبدالية )‪ (Les paradigmes‬حــتى تضــاء كونيــة‬
‫المضــامين‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫الشــكال )‪ ،(L’universalité des formes‬وأصــالة‬
‫وتواصلية العمل الدبي‪ ،‬وملبسات الموقف القصصي"‪.‬‬
‫الســردية‬
‫)‪(3‬‬
‫ويقــدم غريمــاس فــي الترســيمة التيــة البنيــة‬
‫السطحية للمقصوص‪ ،‬وهي تختزل فرضية العوامل الستة‪:‬‬
‫المرســل‬ ‫موضوع الرغبة‬ ‫سل‬‫مر ِ‬
‫ال ُ‬
‫إليه‬

‫الفاعـــــــــــــــــل‬ ‫المســـــــــــــــــاندون‬
‫المعارضون‬

‫وتمثل هذه الترسيمة )‪ (Schéma‬البنية السردية الســطحية‬


‫للمقصــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوص‬
‫)‪ ( La structure narrative superficielle‬وهي لتختزل فرضية‬
‫غريماس فحســب‪ ،‬وإنمــا تخــتزل كافــة الفرضــيات والنظريــات‬
‫تحليل( المقصــوص منــذ فلديميــر بــروب ومــن‬ ‫)‪4‬‬
‫التي قامت على‬
‫جاء بعده إلى اليوم‪.‬‬
‫وغالبا مــا اســتعمل هــذا النمــوذج "العـاملي" الــذي عرضــه‬
‫الجيرداس جوليان غريمــاس لول مــرة عــام ‪1966‬فــي تحليــل‬
‫الحكايات‪ ،‬نظرا لهميته في الدراسات الســيميائية‪ ،‬غيــر أن )ر‪.‬‬
‫غودور( يجد فيه بعض الثغرات‪ ،‬والتي تبدو في الظــاهر ثانويــة‪،‬‬
‫ولكنها تشكل في الواقع خطرا على التوازن الذي يمثله‪ ،‬ورغــم‬
‫الساســية لنظريــة‬
‫)‪(5‬‬
‫ذلك فــإن هنــاك وســيلة لســتعادة العناصــر‬
‫العوامل )الفواعل( حسب رأي رومان غودور‪.‬‬
‫نمــوذج ‪ :1966‬قــدم اللســاني )ل‪ .‬تانيــار ‪(.Tesnière L‬‬
‫الطــار العــام للنمــوذج‪" ،‬ولفــت القيــاس الــذي اســتعمله نظـَر‬
‫غريماس؛فالملفوظ فاجعة بسيطة ـ كذا ـ تشتمل علــى دعــوى‬
‫وممثليـــن و ظـــروف‪ ،‬وعنـــدما تنتقـــل الـــدعوى والممثلـــون‬
‫والظروف من مستوى الواقع المسرحي إلى مســتوى التركيبــة‬
‫)( سعيد يقطين‪ ،‬قال الراوي‪ ،‬ص‪1920 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( عبد الكريم حسن ‪ ،‬عبد القادر ربيعة والتشويه من الداخل في ضوء‬ ‫‪2‬‬
‫)(العلماتية البنيوية‪ ،‬مجلة عالم الفكر‪ ،‬ع‪ ،3/‬الكويت‪ ،1992 ،‬ص‪77 .‬‬
‫‪.A. J. Greimas,(1966),P180‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( ‪A. J. Greimas, J. Courtes, Sémiotique : dictionnaire raisonné de la théorie‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪. du langage, Hachette, Paris, 1979, P. 49‬‬
‫)( رومان غودور‪ ،‬تجديد النموذج الفاعلي‪ ،‬تر‪ :‬أحمد السماوي‪ ،‬مجلة دراسات‬ ‫‪5‬‬
‫مغاربية‪ ،‬ع‪ ،8/‬الدار البيضاء‪ ،1998 ،‬ص‪24 .‬‬
‫ـ ‪ 37‬ـ‬
‫)‪(1‬‬
‫البنيوية‪ ،‬تصبح على التوالي الفعل والفواعل والفضلة‪" .‬‬
‫وقد حدد )تانيار( فواعل ثلثة‪ :‬من يقوم بالفعل"أي الفاعــل‬
‫في النحو التقليدي‪ ،‬من يتحمل الفعل أو الموضوع‪ ،‬وأخيرا مــن‬
‫ضـّر بـه الفعـل‪ ،‬وهـو مـن ُيعّبـر عنـه‬
‫يستفيد من الفعل أو من ي ُ‬
‫الث(ــالث")‪ (2‬أمــا الفضــلة فتشــير إلــى الزمــان والمكــان‬
‫)‪3‬‬
‫بالفاعل‬
‫والحال‪.‬‬
‫ولم يأخذ غريماس إل بمفهوم المستفيد وتخلى عن مفهوم‬
‫ـل( ومرســل‬ ‫الضحية‪ ،‬وقد سمى هذا الثنائي مــن العوامــل‪ :‬مرسـ‬
‫إليه‪ ،‬وهما العبارتان اللتان استعارهما من ياكبسون‪. 4) .‬‬
‫سل ـ بالنسبة إلى غريماس ـ ل يبلــغ المرســل‬ ‫غير أن المر ِ‬
‫إليه رسائل بل أي موضوع آخــر‪ .‬وقــد أدخــل غريمــاس جرديــن‬
‫آخريــن للعوامــل‪ :‬جــرد فلديميــر بــروب المتصــور مــن خلل‬
‫شخصــيات الحكايــة الخرافيــة‪ ،‬وجــرد )إ‪ .‬ســوريو ‪E. Sourieau‬‬
‫المتصــور مــن خلل شخصــيات المســرح‪ ،‬والمقارنــة بيــن هــذه‬
‫النماذج تبرز العاملين الجديدين‪:‬المساعد والضديد‪.‬‬
‫جدول مقارني بين جرود العوامل )الفواعل(‬
‫شخصيات المسرح‬ ‫الشخصيات الخرافية‬ ‫النموذج العاملي‬
‫)سوريو(‬ ‫)بروب(‬ ‫)غريماس(‬
‫القــوة الموضــوعاتية‬ ‫البطل‬ ‫الذات‬
‫الموجهة‬
‫الشـــخص المرغـــوب ممثل الخير‪ ،‬والقيمة‬ ‫الموضوع‬
‫الموجهة‪.‬‬ ‫فيه‪.‬‬
‫أبو الشخص المرغوب الحكم‪ ،‬واهب الخير‪.‬‬ ‫سل‬‫المر ِ‬
‫فيه‪ ،‬المنتدب‬
‫المتحصــل المفــترض‬ ‫البطل‬ ‫المرسل إليه‬
‫على القيمة‬
‫المساعد‬ ‫الواهب‪ ،‬المساعد‬ ‫المساعد‬
‫الضديد‬ ‫الخائن‬ ‫الضديد‬
‫ويتجلى من خلل قراءة عناصر نمـوذج ‪ ،1966‬أن التواصـل‬
‫والرغبـــــة همـــــا المحـــــوران اللـــــذان يـــــدور حولهمـــــا‬
‫سل إليه )التواصل(‪ ،‬وذات‪/‬موضوع )الرغبة(‪.‬‬ ‫سل‪/‬مر َ‬ ‫الثنائّيان‪:‬مر ِ‬
‫أما الفاعلن الجديدان فهما يوجدان عــن طريــق صــلتهما برغبــة‬
‫الذات‪ .‬فالمساعد يسهل رغبة الذات‪ ،‬والضديد يحــول دون ذلــك‬
‫)‪.(5‬‬
‫وعلى الرغم من الهزات التي عرفها هذا النمــوذج‪ ،‬والــتي‬
‫تسّببت فيها التطبيقات اللحقة لقواعد المربع السيميائي علــى‬
‫كل من عناصر النموذج‪ ،‬إل ّ أن الضوابط التي خضع لها التحديــد‬
‫النظري الجديــد لنظريــة غريمــاس‪ ،‬أقنعــت بصــواب التعــديلت‬
‫ي‪:‬بروب وسوريو‪.‬‬ ‫التي أجراها على نموذج ْ‬
‫ونحن إذ نهتدي بهذا المنهج في بحثنا‪ ،‬فلنه ذروة ما توصل‬
‫إليه الفكر النقدي في العصر الحديث من دقـة فـي المصـطلح‪،‬‬
‫وامتلك لللة المفهومية القادرة على توظيفه واستثماره‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬هيئات النص السردي ‪:Instance narrative‬‬
‫ُيعتبر كتاب )جيب لنتقلت ‪ ( Jaap Lintvelt‬الموسوم بـ‪:‬‬

‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص‪24 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫))(( المرجع السابق‪ ،‬ص‪24 .‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪3‬‬
‫‪L. Jesnière, Eléments de syntaxe structurale, Klincksieck, Paris, 1959, P.‬‬
‫‪108109‬‬
‫))(( ‪A. J. Greimas,J. Courtes,1979,P. 49‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬
‫‪A. J. Greimas,(1966), P. 180‬‬
‫ـ ‪ 38‬ـ‬
‫» ‪Essai de typologie narrative, Le point de vue : Théorie‬‬
‫‪« (et analyse. (1981‬‬
‫مساهمة متميزة في الجدل الذي عرفته النظرية الســردية‬
‫العامة في البحــوث الوربيــة‪ ،‬حيــث يقــترح فــي كتــابه "نمذجــة‬
‫خاصة تتوخى من جهة بنــاء نمــوذج نظــري مركــب يركــز علــى‬
‫السرد الروائي‪ ،‬وضمنه )السارد والمسرود له( في علئقــه مــع‬
‫م مع)‪(1‬الشخصيات‪ ،‬كمــا يقــدم منهجــا‬ ‫"المحكي" والقصة‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫عمليا لمقاربة النص الروائي‪" .‬‬
‫وينطلـــق )ج‪ .‬لينتقلـــت( مـــن مقولـــة رومـــان ياكبســـون‬
‫للعناص(ــر المكونــة لكــل فعــل‬ ‫"اللسانيات والشعرية" والمحددة‬
‫)‪2‬‬
‫تواصلي‪ ،‬يمّثل لها في الخطاطة التية‪:‬‬
‫سياق‬
‫سل‬ ‫َ‬ ‫مر‬ ‫رسالة‬ ‫مرسل‬
‫إليه‬
‫اتصال‬
‫سنن‬
‫كمــا يعــرض النتقــادات الــتي وجهــت إلــى هــذه المقولــة‪،‬‬
‫ويتعلـق المـر بانتقـاد )كنــتز ‪ (P. Kuentz‬للنمـوذج الياكبسـوني‬
‫حيــث يعتــبر أن المرســل )البــاث( ل يعــدو كــونه تنويعــا للــذات‬
‫المبدعــة أو المؤلــف‪ ،‬بحســب الســتعمال التقليــدي‪ .‬فالعلقــة‬
‫تلــك‬
‫)‪(3‬‬
‫المفترضة هنا تبتدئ من مؤلف وتنتهي إلى قارئ‪ ،‬وليست‬
‫العلقة التي تنشئ عواملها )‪ (Actants‬بواسطة عمل اللغة‪.‬‬
‫أما وجهة نظر )ج‪ .‬م‪ .‬آدام ‪(.Adam J. M‬التي تعيــب علــى‬
‫النموذج التواصلي اعتماده على التصور الديكارتي للذات‪ ،‬فإنها‬
‫تبنــي حيثياتهــا علــى إهمــال ياكبســون للســياق الجتمــاعي ـــ‬
‫الثقافي‪ ،‬وإلغــائه ظــواهر التنــاص‪ ،‬وكــذا إمكانيــة وجــود دللت‬
‫)إيحائية ـ جناســية ـ ـ تصــحيفية‪( ..‬تتعــدى معنــى الرســالة الــتي‬
‫يصفها بالثبات والوضوح‪.‬‬
‫ن اللغة ليست مجــرد أداة تبليــغ موضــوع مــا‪ ،‬يقــترح‬ ‫وبما أ ّ‬
‫)م‪ .‬آدم(تجاوز نمــوذج التواصــل الياكبســوني‪ ،‬ويقــترح تعويضــه‬
‫بالتداولية )‪ (La pragmatique‬والتي تكاد تشمل كافــة الظــواهر‬
‫غيـــر اللســـانية )‪ Extra‬ــــ ‪ (Linguistique‬ابتـــداء مـــن الســـياق‬
‫بالمعطيات‪(4‬الجتماعية ـ الثقافيــة‪ ،‬كمــا ينــص‬
‫)‬
‫المرجعي‪ ،‬وانتهاء‬
‫على ذلك التصور التقليدي‪.‬‬
‫وبتطــبيق هــذا التصــور التــداولي علــى الخطــاب التخييلــي‪،‬‬
‫تتضح الدينامية التي يتسم بها النص السردي عن طريق تفاعل‬
‫هيئات سردية مختلفة تنحصر ضمن مستويات أربعة‪:‬‬
‫المؤلف الواقعي ـ القارئ الواقعي‪.‬‬
‫المؤلف المجرد ـ القارئ المجرد‪.‬‬
‫السارد الخيالي ـ المسرود لـه الخيالي‪.‬‬
‫الممثل )أو الفاعل( ـ العامل )‪ Acteurs‬ـ ‪.(Actants‬‬

‫)( جيب لنتقلت‪ ،‬محافل النص السردي الدبي‪ ،‬ترجمة‪ :‬رشيد بنحدو‪ ،‬مجلة‬ ‫‪1‬‬
‫الفكر العربي المعاصر‪ ،‬تموز آب ‪ ، /1988‬ص‪30 .‬‬
‫)( رومان ياكبسون‪ ،‬قضايا الشعرية‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد الولي ومبارك حنوز‪ ،‬دار‬ ‫‪2‬‬
‫)(توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،1988 ،‬ص‪27 .‬‬
‫قضايا الشعرية‪ ،‬ص‪30 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص‪31 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫ـ ‪ 39‬ـ‬
‫‪ 1‬ـ المؤلف الواقعي ـ القارئ الواقعي‪:‬‬
‫سـل ً ــ‬
‫ِ‬ ‫مر‬ ‫–باعتبـاره‬ ‫ـي‬ ‫ـ‬ ‫يوجه المؤلف الواقعي للعمـل الدب‬
‫رســالة أدبيــة إلــى القــارئ الــواقعي الــذي يعمــل كمرســل‬
‫إليــه‪/‬متلقــي‪ ،‬فــالمؤلف الــواقعي‪ ،‬والقــارئ الــواقعي شخصــان‬
‫الدبــي‪،‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫حقيقيان‪ ،‬وهما ل ينتميان –بهذه الصــفة ـ ـ إلــى العمــل‬
‫حيث يعيشان بمعزل عن النص الدبي‪ ،‬عيشة مستقلة‪.‬‬
‫وإذا كان المؤلف الواقعي يمثل شخصا ثابتــا ومحــددا‪ ،‬فــي‬
‫الفــترة التاريخيــة لبــداعه الدبــي‪ ،‬فــإن قــراءه يتغيــرون عــبر‬
‫التاريخ‪ .‬وتوجد بين المؤلف والقارئ علقة جدلية‪ :‬فعلى القارئ‬
‫أن يمتلــك شــفرة المؤلــف الجماليــة والخلقيــة والجتماعيــة‬
‫واليديولوجية من أجــل فــك رمــوز الرســالة الدبيــة‪ ،‬وهــو غيــر‬
‫ملــزم بالتفــاق معــه فــي تبنــي النظــرة نفســها‪" ،‬لن بإمكــان‬
‫المؤلف‪ ،‬حسب جمالية التلقي )من وجهة نظر الجماعة التابعــة‬
‫لجامعة كونسكانس(أن يغير أفق انتظـار القـارئ‪ ،‬مثلمــا يمكـن‬
‫لهذا الخيــر‪ ،‬بتلقيــه الســتهجاني أو الستحســاني أن يــؤثر فــي‬
‫النتاج الدبي‪ (2)" .‬ولما كان القارئ في بعض وجوهه يمثل أفق‬
‫انتظار الكاتب‪ ،‬فإن المسرود لـه ل يمكن إل أن يكون شخصــية‬
‫النص‪(3‬ـ أفق انتظار السـارد‪ ،‬وصـورة مثلـى‬ ‫)‬
‫خيالية تمثل ـ داخل‬
‫لمن يتوجه إليه بسرده‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ المؤلف المجرد ـ القارئ المجرد‪:‬‬
‫وإذا كان المؤلف الواقعي والقارئ الواقعي يحظيان بوجود‬
‫مجاوز للنص فإن المؤلف المجرد والقارئ المجرد ينتميان إلــى‬
‫العمل الدبـي‪ ،‬لكـن دونمـا أن يكونـا مشخصـين فيـه مباشـرة‪،‬‬
‫مــا‬
‫لنهما ل يعبران عن نفسيهما أبدا بشكل مباشر أو صــريح‪ ،‬م ّ‬
‫تواصــل لغــوي حقيقــي بيــن المؤلــف المجــرد‬ ‫)‪(4‬‬
‫يعطــل إذن أي‬
‫والقارئ المجرد‪.‬‬
‫فالمؤلف المجرد والقارئ المجرد هما صورة أدبية مسقطة‬
‫عن ذات المؤلف الواقعي‪ ،‬أي أناه الثانية‪ ،‬أو أنا الروائية الثانية‪.‬‬
‫فالمؤلف المجرد هو مؤلــف العــالم الــروائي‪ ،‬الــذي ينقلــه إلــى‬
‫المرسل إليه‪/‬المتلقي‪ ،‬أي القارئ المجرد‪ .‬لذلك يمثـل المؤلـف‬
‫المجرد المعنى العميق للعمل الدبي‪ ،‬أي دللته في حين يعمــل‬
‫المثــالي القـادر علــى تحقيــق‬ ‫)‪(5‬‬
‫القارئ المجرد كصــورة للمتلقــي‬
‫المعنى الكلي ضمن قراءة فعلية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ التمييز بين المؤلف المجرد‪ ،‬والسارد والمؤلف الحقيقي‪:‬‬
‫مــن القضــايا "المســكوت" عنهــا فــي الدراســات النقديــة‬
‫العربية عدم التفريق بين الســارد‪/‬المؤلــف الضــمني‪ ،‬والمؤلــف‬
‫الحقيقي‪ ،‬واعتبارهما شيئا واحدا‪ ،‬وتحميل المؤلف وزر الســارد‬
‫علــى اعتبــار الســارد هــو المؤلــف نفســه‪ ،‬وقــد رددت بعــض‬
‫الدراسات العربية قبل السبعينيات مــن القــرن العشــرين هــذه‬
‫المقولة كثيرا‪ ،‬فيما كانت تنسـبه إلـى المؤلـف مـن صـدق فـي‬
‫ل علــى ســلوكات معينــة‪،‬‬ ‫مـ ٍ‬‫حا ُ‬
‫التأليف‪ ،‬وشمولية في الرؤية‪ ،‬وت َ َ‬
‫فــي إطــار مــا كــان يطلــق عليــه فــي النقــد الدبــي‪ ،‬بنظريــة‬
‫"النعكاس"‪ :‬انعكــاس الواقــع الجتمــاعي فــي النــص الــروائي‪،‬‬
‫انعكاس الروح الثقافية في النص الشعري‪ ،‬واقعية الحدث فــي‬
‫النص الدبي…وهلم جرا‪.‬‬
‫))(( رومان ياكبسون‪ ،‬قضايا الشعرية‪ ،‬ص‪31 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع السابق ‪ ،‬ص‪31 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( علي عبيد‪ ،‬كيف يرى المبصرون ما صوره العمى في رسالة الغفران‪ ،‬ص‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪10‬‬
‫))(( علي عبيد‪ ،‬ص‪3132 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪32 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫ـ ‪ 40‬ـ‬
‫ويمكــن للعمليــة الســردية أن تضــطلع بهــا هيئة ســردية‬
‫مجهولة ل تساهم في الحدث الروائي‪ ،‬أو تنهض بها شخصــية ل‬
‫تلعب دورا في العالم المسرود‪ ،‬كشــهرزاد فــي "حكايــات ألــف‬
‫ليلــة وليلــة"‪ ،‬وفــي هــذه الحالــة ُينعــت "الفاعــل الســردي"بـــ‪:‬‬
‫"الشخصية الساردة" في حين تسمى الهيئة السردية المجهولة‬
‫ـف الســارد" مــع تمييــزه عــن المؤلــف كـــ" شــخص‬ ‫)‪(1‬‬
‫بـــ‪ ":‬المؤلـ‬
‫بيوغرافي"‬
‫ويؤكــد )بروســت ‪ (Proust‬علــى الهــوة الــتي تفصــل بيــن‬
‫الكـاتب والنســان اليــومي‪" ،‬مستخلصـا بــأن الكـاتب ثمــرة أنــا‬
‫أخرى غير تلك التي نعبر عنها في عاداتنــا الجتماعيــة ورذائلنــا‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫"‬
‫إن السارد من خلــق الــروائي دون أن يكــونه‪ ،‬علــى اعتبــار‬
‫ـة( تتحــدد بهويتهــا‪ ،‬فــي حيــن أن الســارد‬
‫المؤلف شخصية واقعيـ‬
‫)‪3‬‬
‫كائن خيالي من ورق‪.‬‬
‫وكــثيرا مــا تــوجه البحــاث النقديــة غايتهــا نحــو اكتشــاف‬
‫المشترك بين الراء وطرح القضايا فــي مســرود الســارد الــتي‬
‫تعبر أحيانا عن وجهة نظر‪ ،‬قد يكون للمؤلف نصيب فيهــا؛ كــأن‬
‫تعبر عن رؤيته إلى الواقع‪ ،‬غير أنها مقدمة مــن زاويــة ل تحيلنــا‬
‫على المؤلف مباشرة‪ ،‬بقدر ما ترمي بنا بين يدي السارد‪ .‬وهــو‬
‫ما سنكتشــفه فــي الفصــل التطــبيقي الخــاص بتحليــل"الوقــائع‬
‫الغريبة‪ " ..‬لميل حبيبي حيث يتنكر المؤلف لذاته‪ ،‬فيخلــق مــن‬
‫هذه الذات‪ ،‬ذاتا ثانية تعمل على إمدادنا بالسرد‪ ،‬لكــن ل مجــال‬
‫للمطابقة بين مقول المؤلف والسارد‪.‬‬
‫ويظهر أن جذور هذا النفصال ممتدة فــي التاريــخ الدبــي‪،‬‬
‫يمكن أن ترجع إلــى العصــر الغريقــي‪ ،‬حيــث كــانت الجوقــة ل‬
‫تلعب مجرد الشخصية الخلقية المتأملة بصورة سطحية‪ ،‬وإنما‬
‫كــانت تعتــبر الجــوهر الحقيقــي للنشــاط والحيــاة البطوليــة‬
‫والخلقية نفسها‪.‬‬
‫وقد تحولت الجوقة عبر تطور الظاهرة الدبية إلى شخصية‬
‫ت ُــدعى "النــا الثانيــة للمؤلــف"‪ ،‬حيــث أصــبح الكــاتب )المؤلــف‬
‫الحقيقي( يفوض –في العصر الحديث ـ ساردا يأخذ على عاتقه‬
‫هذه المهمة‪ ،‬ويتوجه إلى مستمع تخييلي يقابله في هذا العــالم‪،‬‬
‫)‪ (4‬والسارد في ذلك يشبه إلى حد بعيــد شخصــية الجوقــة الــتي‬
‫كانت تنوب عـن الشـاعر التراجيـدي أو الملحمـي وتتـوجه إلـى‬
‫مشــاهد محققــة بــذلك مســتوى مــن التواصــل‪ .‬إل ّ أن مـا يميــز‬
‫الســارد فــي الروايــة الحديثــة‪ ،‬هــو أنــه يتخــذ عــدة وضــعيات‪،‬‬
‫ويتقمــص عــدة أدوار‪ ،‬قــد يكــون مجســدا عــبر شخصــية مــن‬
‫شخصيات الرواية‪ ،‬وقــد يكــون شخصــية مختفيــة‪ ،‬ولكنهــا علــى‬
‫)‪(5‬‬
‫العموم شخصية متميزة‪ ،‬ومنفصــلة عــن المؤلــف الحقيقــي‪.‬‬
‫فالروائي باعتباره صانعا للعالم التخييلي‪ ،‬بمــا فيــه الشخصــيات‬
‫والحداث‪ ،‬ل يمكنه الظهور بشــكل مفضــوح فــي النــص‪ ،‬وإنمــا‬
‫يترك هذه المهمة للسارد الذي يعتبر في حقيقة المر بنيــة مــن‬
‫بنيات القص‪ ،‬شأنه في ذلك شأن الزمان والمكان‪ ،‬وهــو صــيغة‬
‫تحدد أسلوب القص‪ .‬ويمكن القول‪ :‬إن التغيير الذي طــرأ علــى‬
‫طبيعــة الجوقــة أدى إلــى ظهــور الســارد )الــراوي(‪ ،‬ويعــد هــذا‬
‫التطور صــيغة فــي المــادة القصصــية أو الدراميــة‪ ،‬وهــو تطــور‬
‫))(( محافل النص السردي‪ ،‬ص‪34 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪.M. Proust, Contre SainteBeuve, Gallimard, (Pléiade), Paris, 1971,P. 225‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ‪R. Barthes, Introduction à l'analyse structurale des récits, In.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪.communications n°8. Ed. Le Point, P. 40‬‬
‫)( سيزا قاسم‪ ،‬بناء الرواية‪ ،‬دراسة فمقارنة في ثلثية نجيب محفوظ‪ ،‬دار‬ ‫‪4‬‬
‫)(التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،1985 ،‬ص‪.179180 .‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪.180 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫ـ ‪ 41‬ـ‬
‫فــي نهايــة‬
‫)‪(1‬‬
‫حــدث علــى بنيــة التوصــيل والتواصــل الــذي أدى‬
‫المطاف إلى اختفاء كل من الجوقة والراوي تدريجيا‪.‬‬
‫ولعــل مــا يســمح لنــا بــالقول بوجــود تشــابه بيــن الجوقــة‬
‫والسارد )الراوي( في الروايـة الحديثـة هــي العلقـة الموجــودة‬
‫بين السارد والشخصية‪ ،‬وقد تنوعت هــذه العلقــة فــبرزت عــبر‬
‫أساليب ثلثة ‪ :‬يتصل بعضها بالبناء الزماني والمكــاني للروايــة‪،‬‬
‫ويتصل بعضها الخر ببنية الشخصية نفسها‪ ،‬وبعضها الخر يتصل‬
‫بالوسيلة التعبيرية‪.‬‬
‫وتأكيــدا لمقولــة اختلف المؤلــف الحقيقــي عــن المؤلــف‬
‫المجرد يحيل )ج‪ .‬لنتقلت( على الدراسة التي أنجزها )لوكــاتش‬
‫‪ ( Lukacs‬عن الواقعية البلزاكية والتي أوضح فيهــا بــأن )بلــزاك‬
‫‪ ( Belzac‬رغم كونه من حيث القتناع السياسي ذا نزعة ملكية‪،‬‬
‫قــد اســتطاع بالــذات أن يفضــح فــي أعمــاله فرنســا الملكيــة‬
‫الحكم‪ (2‬القاســي علــى النظــام القطــاعي‬ ‫القطاعية‪ ،‬وأن يصدر‬
‫بأكثر الشكال قوة وأدبية‪ ) .‬ويعتقد لوكاتش بأن هذا التنــاقض‬
‫عند بلزاك الملكي النزعة‪ ،‬يبلــغ ذروتــه فــي كــون أكــثر أبطــال‬
‫عالمه الروائي‪ ،‬الغنــي بالشخصــيات أصــالة وحقيقــة )ه‪3‬ـ(ـم أولئك‬
‫الذين يناهضون بحزم وجرأة القطاعية والرأسمالية‪.‬‬
‫إن تجسيد هذه التناقضــات الــتي ل حــل لهــا فــي المجتمــع‬
‫البرجوازي‪ ،‬يحول دون تحقيق مطلب"البطل اليجابي"‪ ،‬ويقول‬
‫بلزاك في إحدى مقدماته لبعض أعمـاله الروائيـة "بـأن روايــاته‬
‫كانت فاشلة لو أن شخصياته مثل سيزار بيروتور بييرات ومدام‬
‫جاذبية بالنسبة للقراء من فــوتران مثل‬ ‫مورتسوف لم تكن أكثر‬
‫أو لوسيان دو رينميري")‪ (4‬وهو ما يكشف ثنائية أيديولوجية لدى‬
‫بلزاك‪ ،‬تتجلى في الظاهر فــي امتلك المؤلــف الــواقعي لرؤيــة‬
‫رجعية للعالم‪ ،‬وفي العمق امتلك المؤلف المجــرد ليديولوجيــة‬
‫تقدمية‪.‬‬
‫كما تبدو الهيئات السردية المجردة ذات فائدة منهجية حين‬
‫يتعلق المر بتحليل ظاهرة السخرية واللمعقول في نص أدبي‪،‬‬
‫ففي بعض ملفوظات "الوقائع الغريبة‪ " ..‬لميل حبيبي‪ ،‬يتجلــى‬
‫التفــاوت بيــن أيديولوجيــة المؤلــف الحقيقــي وآراء الشخصــية‬
‫البطلة )سعيد أبي النحس المتشائل(‪ ،‬حيث يبدو سعيد منفصــل‬
‫عن ذاتية المؤلـف الحقيقـي المناضـل‪ ،‬فالمتشـائل ُيعـرب عـن‬
‫الدولة السرائيلية‪ ،‬لن ذلك ُيعتــبر تنفيــذا‬
‫)‪(5‬‬
‫استعداده للتعاون مع‬
‫لوصية والده]الشهيد![‪.‬‬
‫إن هذه السخرية ينبغي أن ُتعزى للمؤلــف الضــمني الــذي‬
‫يعرف جيدا وبالمشاركة السرية للقارئ الضمني أن ذلــك ليــس‬
‫صحيحا‪ ،‬فل يعقــل أبــدا أن يكــون هــذا رأي إميــل حبيــبي الــذي‬
‫أسس "عصبة التحرر الوطني التي كــان لهــا دور أساســي فــي‬
‫ـهيونية‪ ..‬بعــد‬ ‫قيادة حركة الكفاح ضد الستعمار البريطاني والصـ‬
‫قيام دولة إسرائيل‪ ،‬وانهيــار الحلــم القــومي العربــي")‪ . (6‬فمــن‬
‫الواضح أن المؤلف الضمني يستهدف من وراء سخريته أمرين‪:‬‬
‫إدانــة مجتمــع عربــي مصــطنع بكــامله‪ ،‬ومتخــاذل‪ ،‬وضــمان ود‬
‫القارئ وتعاطفه مع البطل )سعيد( المقدم كضحية بــريئة علــى‬
‫الرغم من خيانته وانحرافه‪ .‬وهو نفــس مــا استخلصــه لوكــاتش‬
‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.180 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫))(( جيب لنتقلت‪ ،‬محافل النص السردي الدبي‪ ،‬ترجمة‪ :‬رشيد بنحدو‪ ،‬ص‪32 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫جورج لوكاتش‪ ،‬الرواية‪ ،‬ترجمة‪ :‬مرزاق بقطاش‪ ،‬الشركة الوطنية للنشر‬ ‫‪3‬‬
‫والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪ ،‬ص‪75 .‬‬
‫))(( المرجع السابق‪ ،‬ص‪75 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫إميل حبيبي‪ ،‬الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل‪ ،‬منظمة‬ ‫‪5‬‬
‫التحرير الفلسطينية‪ ،‬دائرة العلم والثقافة‪ ،‬بيروت‪ ،1980 ،‬ص‪64 .‬‬
‫)( كريم مروة‪ ،‬إميل حبيبي‪ ،‬مأساة شعب ووطن في سيرة وأدب وفكر‬ ‫‪6‬‬
‫شخصية فذة‪ ،‬مجلة الطريق‪ ،‬ع‪/‬الثالث‪ ،‬بيروت‪ ،1997 ،‬ص‪133 .‬‬
‫ـ ‪ 42‬ـ‬
‫من دراسته لعمال بلزاك الروائية‪.‬‬
‫ولـذلك يبـدو أن التفريــق بيـن المؤلـف الـواقعي والمؤلــف‬
‫الضمني أساسي‪ ،‬سواء بالنسبة للنظريــة الســردية أو التحليــل‬
‫الجــرائي‪ ،‬لن المماثلــة الليــة بينهمــا تضــاف إلــى التحليــل‬
‫البيوغرافي‪ ،‬الذي يهمل التحليل المحايث للنص السردي كبنيــة‬
‫فنية‪ ،‬ول يقيــم وزنــا للتمييــز بيــن الواقــع الفنــي للعمــل الدبــي‬
‫والواقع الجتماعي ـ الثقافي‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬مفهوم السردية‪:‬‬


‫أ ـ المفهوم العام للمصطلح‪:‬‬
‫ُيعّرف الــدكتور رشــيد بــن مالــك الســردية بقــوله‪ ":‬يطلــق‬
‫مصطلح السردية على تلك الخاصــية الــتي تخــص نموذجــا مــن‬
‫الخطابات‪ ،‬ومن خللها نميز بين الخطابات السردية والخطابات‬
‫غير السردية‪ (1)" .‬وقد لحظ أن إميل بنفنيســت اســتخدم هــذا‬
‫الطرح للتمييــز بيــن الحكايــة التاريخيــة والخطــاب )فــي معنــاه‬
‫الضيق(‪ ،‬معتمدا ً في ذلك علــى مقيــاس مقولــة المتكلــم؛حيــث‬
‫اســتخدام الغــائب الحكايــة‪ ،‬والمتكلــم"النــا" و"النــت"‬‫)‪(2‬‬
‫يميــز‬
‫الخطاب‪.‬‬
‫ل تلفــظ يتصــور‬ ‫ُيدعى خطاب ـ في مفهــوم بنفنيســت –كـ ّ‬
‫متكلما( ومتلقيا‪ ،‬تكون فيه نية الول التأثير على الثــاني بطريقــة‬
‫مــا‪ 3) .‬أمــا الحكايــة )القصــة(‪ ،‬فهــي مــا جــرى فعل )الطــرح‬ ‫ّ‬
‫الموضوعي التاريخي(‪ .‬فإذا كان الخطاب هو الكيفية التي يقدم‬
‫بها السارد الحداث‪ ،‬فــإن تحليــل الحكايــة )القصــة( هــو تحليــل‬
‫ـمون‪ (،‬أمــا تحليــل الخطــاب فهــو تحليــل للشــكل"كيفيــة‬ ‫)‪4‬‬
‫للمضـ‬
‫الداء‪" . .‬‬
‫وقــد أظهــرت الســرديات فــي مقارباتهــا المختلفــة وجــود‬
‫تنظيمات مجردة وعميقة‪ ،‬تحتــوي علــى معنــى ضــمني‪ ،‬منظــم‬
‫لنتـاج هـذا النمـوذج مـن الخطـاب‪ .‬وعملـت السـردية بالتـدرج‬
‫كقاعدة لتنظيم كل خطاب سردي وغير سـردي باعتبـاره يمثـل‬
‫إمكانيتين‪ :‬إما أن يكون الخطاب تسلسل منطقيا بسيطا للجمل‬
‫وبالتالي فــإن المعنــى ل يكــون إل ّ نتيجــة لطــراد يتجــاوز إطــار‬
‫ـون‪(5‬الخطــاب دال‪ ،‬وفعل‬ ‫)‬
‫مــا أن يكـ‬
‫اللســانيات أو الســيميائية‪ .‬وإ ّ‬
‫لغويا واعيا ومحتويا على تنظيمه الخاص‪.‬‬
‫ويعنــي الســرد فعــل الحكــي المنتــج للمحكــي‪ ،‬أو إذا شــئنا‬
‫التعميم‪ ،‬مجموع الوضع الخيالي الذي يندرج فيه‪ ،‬والــذي ينتجــه‬
‫السارد والمسرود له‪ .‬ونقصد بالمحكي النص الســردي الــذي ل‬
‫يتكون فقط من الخطاب السردي الذي ينتجه السارد‪ ،‬بل أيضــا‬
‫مــن الكلم الــذي يلفظــه "الممثلــون"‪ ،‬ويستشــهد بــه الســارد‪.‬‬
‫ي الســارد‬ ‫فــالمحكي إذن يتكــون مــن تتــابع وتنــاوب خطــاب َ ْ‬
‫والممثلين‪ .‬وكما أن المحكي يوفق بين خطاب السارد وخطاب‬
‫الممثلين فإن القصة أيضا تشمل الحداث التي تكــون موضــوع‬
‫خطاب السارد وكــذا الحــداث الــتي يحكيهــا خطـاب الممثليــن‪،‬‬
‫م فهي تتضمن العالم المسرود والعالم المتمثــل بــه فــي‬ ‫ومن ث ّ‬
‫)( رشيد بن مالك ‪ ،‬قاموس مصطلحات التحليل السيميائي‬ ‫‪1‬‬
‫)(للنصوص)عربيإنجليزيفرنسي(‪ ،‬دار الحكمة‪ ،2000 ،‬ص‪121 .‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪121 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( ‪Emile Benveniste, Problèmes de linguistique générale,T. 1, Gallimard,‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪.Paris,P. 241242‬‬
‫)( ‪T. Todorov, Les catégories du récit littéraire, In. « Communications » n°8,‬‬ ‫‪4‬‬
‫)(‪.Du Seuil,Paris,1966,P. 126‬‬
‫قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص‪ ،‬ص‪122 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫ـ ‪ 43‬ـ‬
‫)‪(1‬‬
‫آن واحد‪.‬‬
‫ي= خطاب السارد ‪ +‬خطاب الممثلين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫المحك‬
‫القصة أو الحكاية= العالم المسرود ‪ +‬العالم المتمثل به‪.‬‬
‫وتأسيسا على ما قدمنا؛ فليس السرد ســوى النطلق مــن‬
‫بداية نحو نهاية معينة‪ ،‬وما بين البداية و النهاية يتم فعل القــص‬
‫أو الحكي من جانب الراوي‪.‬‬
‫ويتضــمن الســرد الوقــائع والحــداث فــي تركيبتــه اللغويــة‬
‫وتخضع هذه الوقائع والحداث لنظام معين وتحترمه‪.‬‬
‫والرواية هي سرد للحداث والشخصيات‪ ،‬وعلقــات معينــة‬
‫تحكمهــا مجموعــة مــن الروابــط الســردية‪ ،‬وبالتــالي ل يمكــن‬
‫الدخول إلى عالم الرواية إل انطلقا من الرمــوز الــتي يشــكلها‬
‫الســرد‪ ،‬ويشــترط فــي هــذه الرمــوز أن تكــون خاضــعة لنظــام‬
‫يكشف عن أيديولوجية النص‪ ،‬وكيفية تواصله مع الواقع‪ ،‬فيصبح‬
‫ـارة عــن نظــام مــن التواصــل وليــس مجــرد عــرض‬ ‫الســرد عبـ‬
‫)‪(2‬‬
‫للحداث‪.‬‬
‫ول يستغني أي مقصوص على مرتكزين أساسيين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫لللل‪ :‬أحداث القصــة أو الروايــة‪ ،‬وهــو احتــواء النــص الدبــي‬
‫على قصة تضم أحداثا معينة‪.‬‬
‫للللل‪ :‬الطريقة التي تحكى بهـا تلـك القصـة‪ ،‬وتـدعى هـذه‬
‫الطريقــة ســردا‪ ،‬لن كــل قصــة يمكــن أن تحكــى بطــرق‬
‫يعتمد على السرد في تمييز أنمــاط الحكــي‬ ‫)‪(3‬‬
‫كثيرة‪ ،‬ولذلك‬
‫بشكل أساسي‪.‬‬
‫وإذا كانت الرواية نسيجا متكونا من مضمون ـ ويقصــد بــه‬
‫الحداث ـ ومن شكل يقدم به هذا المضمون‪ ،‬وهو السرد‪ ،‬فــإن‬
‫"كيزر ‪ " W. Kayser‬ل يرى ميزتها في مادتها‪ ،‬ولكنها تكمن في‬
‫هذه الخاصية الساسية المتمثلة في الشكل‪) :‬والشكل هنـا هـو‬
‫المحكية في الروايــة( بمعنــى أن‬ ‫)‪(4‬‬
‫الطريقة التي تقدم بها القصة‬
‫يكون لها بداية ووسط ونهاية‪.‬‬
‫ولئن كان الحكي بالضرورة قصة فإن هذه القصــة تفــترض‬
‫وجــود شــخص يحكــي‪ ،‬وآخــر ُيحكــى لـــه‪ ،‬ول يتــم التواصــل إل‬
‫بوجـــود هـــذين الطرفيـــن‪ ،‬ويـــدعى الطـــرف الول ســـاردا‬
‫» ‪ « Narrateur‬والطــرف الثــاني مســرودا لـــه » ‪،« Narrataire‬‬
‫والســرد » ‪ « Narration‬هــو الكيفيــة الــتي تــروى بهــا أحــداث‬
‫القصة عن طريق قناة يمكن تصورها على الشكل التي‪:‬‬

‫القصـــــــــــــــــــة‬ ‫الســـــــــــــــــــارد‬
‫المسرود له‬

‫ب ـ مفهوم السرد وتحليل الخطاب عند الشكلنيين الروس‪:‬‬


‫حظيت البحاث العلميــة المشــتغلة بالســرد باهتمــام كــبير‪،‬‬

‫))(( ‪.« Encyclopédie Encarta 2000, Microsoft, (CD). « Récit –Discours‬‬ ‫‪1‬‬

‫بسام قطوس‪ ،‬شعرية الخطاب وانفتاح النص السردي في رواية إميل‬ ‫‪2‬‬
‫)(حبيبي‪ ،‬مجلة أبحاث‪ ،‬جامعة اليرموك‪ ،‬الردن‪ ،‬ع‪ ،1996 ،2/‬ص‪200 .‬‬
‫)( حميد لحمداني‪ ،‬بنية النص السردي‪ ،‬ص‪45 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪46 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫ـ ‪ 44‬ـ‬
‫منــذ ظهــور الشــكلنيين الــروس‪ ،‬الــذين وضــعوا أسســا لثــورة‬
‫منهجية جديدة فــي دراســة الدب‪ ،‬واللغــة‪ ،‬وذلــك فــي محاولــة‬
‫لجعل الموضوعات الدبية مادة للنقد الدبي‪ ،‬هــادفين مــن وراء‬
‫ذلــك إلــى خلــق علــم أدبــي مســتقل انطلقــا مــن الخصــائص‬
‫الجوهرية للمادة الدبية‪.‬‬
‫ويؤكــد "بــوريس إيخنبــاوم" )وهــو أحــد أقطــاب الحركــة‬
‫ـري والتــاريخي‬ ‫الشكلنية(أن هدف الشكلنيين كان الوعي النظـ‬
‫بالوقائع التي تخص الفن الدبي بما هو كذلك‪ (1) .‬وقد كان لهم‬
‫أثــر كــبير فــي إرســاء نظريــة أدب تضــع العمــل الدبــي موضــع‬
‫والجتماعية‪ ،‬التي‬ ‫)‪(2‬‬
‫اهتمامها الرئيس‪ ،‬رافضة المقاربات النفسية‬
‫كانت تؤلف جوهر الموروث النقدي من قبل‪.‬‬
‫ومن أهم مزايا هذه الحركة النقدية‪ ،‬تركيزها على العناصر‬
‫النصــية‪ ،‬دون غيرهـا مـن العناصــر الخــرى‪ ،‬إن وجــدت‪ ،‬وعلــى‬
‫العلقــات المتبادلــة بينهــا‪ ،‬وعلــى الوظيفــة الــتي تؤديهــا هــذه‬
‫العناصر في مجمل النص‪ .‬كما ساعدت أعمال الشكلنيين على‬
‫إثراء لغة واصفة لخصوصيات الظاهرة الدبية‪ ،‬وقد تجلــى ذلــك‬
‫في توظيفهم مفـاهيم نقديــة‪ ،‬يهــدفون مـن خللهــا إلــى تحليــل‬
‫الخطاب الدبي‪.‬‬
‫وقد وصل البحث في تحليل الخطاب السردي إلــى مــا هــو‬
‫عليه اليوم بفضل الجهود التي بذلها الشكلنيون ومن سار على‬
‫هـديهم‪ ،‬حيــث كـان التفكيــر منصـبا ل علـى البحـث عـن نظــام‬
‫ـادته الدب‬
‫)‪(3‬‬
‫منهجي جديد‪ ،‬ولكن حول اكتشــاف علــم مســتقل مـ‬
‫باعتباره ظاهرة نوعية تتضمن أحداثا خاصة ومتميزة‪.‬‬
‫ولعــل مــا ميــز الشــكلنيين ليــس الشــكلنية )‪(Formalisme‬‬
‫باعتبارها نظرية جمالية‪ ،‬ول المنهج الــذي يعكــس نظامــا علميــا‬
‫ـتقل بــذاته‪،‬‬ ‫محددا‪ ،‬ولكن الرغبة في استحداث علــم للدب مسـ‬
‫)‪(4‬‬
‫ينبع من الخاصية المتميزة للمادة اللغوية والدبية‪.‬‬
‫ومنذ انتشار أعمال الشكلنيين الروس‪ ،‬وشيوع منطلقــاتهم‬
‫الفكريــة والمنهجيــة‪ ،‬بــدأت المواجهــة والصــراع بيــن النظــم‬
‫والحكام التقليدية فـي التفكيـر‪ ،‬والتجـاه الجديـد الـداعي إلـى‬
‫الموضوعية في تناول النصوص الدبية‪ ،‬والعقلنيــة فــي تحليلهــا‬
‫ومقاربتها‪ ،‬وقبل ذلك كان النقد الدبي ينطلق من مقولة" الفن‬
‫هــو التفكيــر بواســطة الصــور"‪ ،‬والصــورة بهــذا المفهــوم تــوفر‬
‫بالجمال ليس إل واحدا من‬ ‫)‪(5‬‬
‫طاقات فكرية‪ ،‬وانعكاس الحساس‬
‫هذا القتصاد وتوفير الطاقة الفكرية‪.‬‬
‫وكان صاحب هذا التجاه الفني والنقدي اللغوي الثنولوجي‬
‫ألكسندر نوتيبيا )‪ 1835‬ـ ‪ (1891‬الــذي يــرى أن الشــعر تفكيــر‬
‫بواسطة الصور‪ ،‬وأنه ل يوجد فــن‪ ،‬وبصــفة خاصــة شــعر بــدون‬
‫ـوى تجميــع الشــياء‬ ‫صورة‪ ،‬والصورة ليس لها وظيفة أخــرى سـ‬
‫وتفسير المخفي منها بواســطة المعــروف‪ (6) .‬وتتجلــى علقــة‬
‫الصورة بالشيء الذي تفســره فــي مــذهب "بوتيبنيــا"مــن خلل‬
‫مظهرين‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الصورة مستند قار وثابت للموضوعات المتغيرة‪.‬‬
‫)( ت‪ .‬تودوروف‪ ،‬نظرية المنهج الشكلي‪ ،‬نصوص الشكلنيين الروس‪ ،‬ترجمة‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫إبراهيم الخطيب ‪ ،‬مؤسسة البحاث العربية‪ ،‬بيروت‪ ،1982 ،‬ص‪30 .‬‬
‫)( عبد الله إبراهيم وآخرون ‪ ،‬معرفة الخر مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة‪،‬‬ ‫‪2‬‬
‫المركز الثقافي العربي‪ ،‬ص‪9 .‬‬
‫)( بوريس إيخنباوم‪ ،‬النظرية الشكلية‪ ،‬في‪ :‬نظرية المنهج الشكلي‪ ،‬نصوص‬ ‫‪3‬‬
‫)(الشكلنيين الروس‪ ،‬ص‪3132 .‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪VICHKOLOVSKI, L’art comme procédé, In. Théorie de la littérature,‬‬
‫)(‪Textes des formalistes russes, Op. Cit. P. 9‬‬
‫‪.Ibid. P. 76‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( ‪.P. 79 Ibid‬‬ ‫‪6‬‬

‫ـ ‪ 45‬ـ‬
‫‪ 2‬ـ ـ الصــورة أكــثر ســهولة‪ ،‬وإشــراقا‪ ،‬مــن الشــيء الــذي‬
‫تفسره‪ ،‬على اعتبار أن مــن أهــداف الصــورة‪ ،‬مســاعدتنا علــى‬
‫مصداقيتها‪ ،‬وهي‬ ‫)‪(1‬‬
‫فهم دللتها‪ ،‬وبدون هذه الميزة‪ ،‬تفقد الصورة‬
‫بهذا أكثر التصاقا بنا من الشيء الذي تفسره‪.‬‬
‫ويعتقــد الشــكلنيون أن اتجــاه بوتيبنيــا النقــدي تســبب فــي‬
‫تحطيم القيم الجمالية‪ ،‬ولم ينتبه النقاد وفلسـفة الفـن إلـى هـذه‬
‫الظاهرة‪ ،‬إل عندما تـم عـزل الموسـيقى عـن دائرة هـذا الحكـم‪،‬‬
‫حيث اكتشف أن الفنون تتصل مباشــرة بالحســاس ) ‪،(Emotions‬‬
‫وأن هناك حقل فسيحا للبحث‪ ،‬وليس مجرد طريقة تفكيــر فقــط‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫كما اعتقد منظرو تيار الرمزية أن التطــور التــاريخي يكمــن‬


‫في تطور الصورة‪ ،‬غير أن هذه الصــورة تكــاد تكــون مســتقرة‪،‬‬
‫جامدة من عصر إلى عصر‪ ،‬ومن بلد إلى آخر‪ ،‬ومن شاعر إلــى‬
‫آخر ؛إنها تنتقل دون أن يحــدث لهــا أو فيهــا أي تغييــر‪ ،‬أو‬
‫)‪(3‬‬
‫شاعر‬
‫تبديل‪.‬‬
‫وهكذا ل تمثل بعض أعمال المــدارس الشــعرية‪ ،‬فــي زعــم‬
‫الشــكلنيين ســوى تكــديس لصــور متكــررة‪ ،‬واجــترار لمعــارف‬
‫وهمية)‪ ،(4‬ومن أجل ذلــك دعــوا إلــى ضــرورة ميلد علــم جديــد‬
‫للدب‪ .‬يقــول ر‪ .‬ياكبســون‪ " :‬إن موضــوع العلــم الدبــي ليــس‬
‫وإنما هو الدبية‪ ،‬أي ما يجعــل مــن عمــل أدبــي مــا عمل‬ ‫الدب‪،‬‬
‫ولعل ذلك ما دفعه إلى اعتبار النص خطابا تركب في‬ ‫)‪(6‬‬
‫)‪(5‬‬
‫أدبيا‪" .‬‬
‫ذاته ولذاته‪.‬‬
‫شكل البحث في الشعرية مدار اهتمام الشكلنيين الروس‪،‬‬
‫بحيث تركزت أغلب موضوعاتهم النظرية والتطبيقيــة فــي هــذا‬
‫المحور‪ ،‬ومنه استخلصوا التجاه النقدي الذي مكنهم من تحديد‬
‫الدبية‪:‬كخاصــية نوعيــة للدب‪ ،‬غي ّــر مجــرى الدراســات الدبيــة‪،‬‬
‫وأعطاهــا دفعــا جديــدا‪ ،‬كــان مــن أكــبر نتــائجه تحديــد موضــوع‬
‫البحث‪ ،‬وقد تجلى ذلك من خلل بعض الدراسات الــتي حــاولت‬
‫تحليل الخطاب الدبي باعتبــاره نظامــا إشــاريا‪ ،‬فــانطلقت مــن‬
‫دراسة التشكيل‪ ،‬دون أن يكون هذا التشكيل هدفا مــن أهــداف‬
‫التحليل‪ ،‬وأصبح ينظر إلــى تحليــل الجـوانب الشـكلية باعتبارهــا‬
‫ضرورة حتمية يستحيل بدونها الوصــول إلــى الــدللت العميقــة‬
‫للدللــة يهمــل تحليــل الشــكل‬‫)‪(7‬‬
‫في الخطاب الدبي‪ ،‬وأي تحليــل‬
‫ُيعد منقوصا ومشكوكا في نتائجه‪.‬‬
‫كمـــا تصـــدى الشـــكلنيون بجـــرأة لمبـــدأ ثنائيـــة الشـــكل‬
‫والمضمون في الثر الدبي‪ ،‬وهــو مــا كــانت النظريــات النقديــة‬
‫تذهب إليه‪ ،‬وأكدوا أن النــص الدبــي يختلــف عــن غيــره‪ ،‬بــبروز‬
‫شــكله‪ (8) .‬ويشــير إيخنبــاوم إلــى المآخــذ الــتي ســجلت علــى‬
‫الشكلنيين‪ ،‬وأهمها الغموض الذي يلف آراءهم‪ ،‬وتجاهلهم لعلم‬
‫الجمال‪ ،‬وعلــم النفــس‪ ،‬وعلــم الجتمــاع‪ ،‬ويرجــع ذلــك إلــى أن‬
‫دراساتهم انصبت بشكل أساســي علــى تحليــل النــص‪ (9) .‬وقــد‬
‫تأثر إيخنباوم بالكاتب اللماني لودغيــج )‪ 1813‬ــ ‪ (1865‬الــذي‬
‫اهتــم بالــدراما الشكســبيرية‪ ،‬وهــو يؤكــد أن هنالــك شــكلين‬
‫سرديين طبقا لوظيفة الحكــي؛الول هــو عمليــة قــص الحــدث‪،‬‬
‫‪() 1‬‬
‫‪Vichkolovski, L’art comme procédé, Op. Cit. P. 79‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫‪Ibid. P. 7980‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫‪Ibid. P. 80‬‬
‫‪.Roman JAKOBSON, Essais de linguistique générale . P. 30‬‬ ‫‪() 4‬‬
‫)(‬ ‫‪5‬‬
‫‪R. Jakobson, Op. Cit. P. 30‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬
‫‪Ibid. P. 3031‬‬
‫نور الدين السد‪ ،‬السلوبية في النقد العربي الحديث‪ ،‬ص‪203204 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪7‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪204 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪8‬‬

‫نظرية المنهج الشكلي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪79 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪9‬‬

‫ـ ‪ 46‬ـ‬
‫والثــاني الســرد المشــهدي‪ ،‬حيــث تــأتي أهميــة الحــوار بيــن‬
‫ـذا النمــط مــن الســرد متــأثرا‬ ‫الشخصــيات فــي أفعالهــا نحــو هـ‬
‫)‪(1‬‬
‫بالمسرح لعتماده على الحوار‪.‬‬
‫كما يعود الفضل إلى إيخنباوم في اكتشـاف تعـدد الشـكال‬
‫النثرية‪ ،‬بتعدد أنماط الســرد‪ ،‬فهــو الــذي يؤكــد هــذه التطــورات‬
‫والســطورة‪ ،‬ثــم‬ ‫)‪(2‬‬
‫التي حصلت فــي فــن القــص‪ ،‬بــدءا بالخرافــة‬
‫الملحمة‪ ،‬وصول إلى تطورات الرواية الحديثة‪.‬‬
‫وأمــا الروايــة فتطــورت‪ ،‬وابتعــدت عــن أصــولها الحكائيــة‪،‬‬
‫وغدت مزيجــا مــن الحــوارات والوصــاف والتـأملت‪ .‬وقــد ميــز‬
‫إيخنباوم بين القصة والرواية حيث اعتبر الرواية شــكل تلفيقيــا‪،‬‬
‫أما القصة القصيرة فهي شكل أساسي وهي عنده منحدرة من‬
‫التاريخ والشعار‪ ،‬أما الرواية فقــد جــاءت مــن الخرافــة‪ .‬وتبنــى‬
‫القصة على قاعدة تناقض‪ ،‬تهتم بالختصار ول يكــون ذلــك فــي‬
‫الرواية‪ ،‬كما أن هناك تقنية إبطاء الحدث في الرواية‪ ،‬وهو ما ل‬
‫نجده في القصة القصيرة لحتواء الرواية على حبكات متوازية‪،‬‬
‫الرواية انحدارا‪ ،‬وتكون وقوفا عند القمة فــي‬ ‫)‪(3‬‬
‫وتمثل النهاية في‬
‫القصة القصيرة‪.‬‬
‫وابتدأ التحليل الداخلي المحايث للعمال الســردية بصــورة‬
‫جدية مع الشكلنيين‪ ،‬غير أنه توسـع مـع الجهـود الـتي قـام بهـا‬
‫البنائيون والمهتمون بعلم الدللة‪ .‬وقــد فتحــت دراســة الحكايــة‬
‫الخرافية طريقا منهجيا جديدا استفاد منه النقد الــروائي بحيــث‬
‫اعتمدت هــذه الدراســة علــى الوصــف الــدقيق لبنيــات الحكــي‬
‫الداخلية‪ ،‬ومحاولة كشف العلقات التركيبية والمنطقية القائمــة‬
‫بينهــا‪ .‬لــذلك ألفينــا البحــث عــن الوحــدات الساســية الشــغل‬
‫الشاغل للمهتمين بالفن الحكائي‪ ،‬علــى الرغــم مــن أن ميــدان‬
‫الحكي يعتبر من الجــانب النظــري ميــدانا بكــرا‪ ،‬ولعــل هــذا مــا‬
‫يفسر تركيز البحوث على الشكال الولية للحكــي‪ ،‬كالخرافــات‬
‫والحكايات الشعبية‪ (4) .‬بينما ل يــزال البحــث بالنســبة للشــكال‬
‫المعقدة كالرواية يتعــثر‪ ،‬حــتى إن غريمــاس يشــير إلــى الخطــأ‬
‫الذي يقع فيه كثير من النقاد عندما يجعلون النمــوذج الدراســي‬
‫الخرافيــة‪ ،‬وســيلة لتحليــل‬
‫)‪(5‬‬
‫الوصفي الذي وضعه بروب للحكايــة‬
‫الشكال المعقدة من الحكي كالرواية‪.‬‬
‫ج ـ مفهوم السرد وتحليل الخطــاب الدبــي فــي النقــد الغربــي‬
‫الحديث‪:‬‬
‫ينسب بعض البــاحثين ريــادة الدراســات البنيويــة للقصــص‬
‫‪Joseph‬‬
‫)‪(6‬‬
‫لــــ"كتـــاب الخرافـــات" للعـــالم الفرنســـي "بيـــديي‬
‫‪ "BEDIER‬والــذي نشــر فــي نهايــة القــرن التاســع عشــر‪.‬‬
‫وَيعتبر"بيديي" القصة كيانا حيا‪ ،‬وما دام كذلك فهو يخضــع لعــدد‬
‫من الشروط من أجل أن يحافظ على حياته‪ .‬إنه أساسا يتكــون‬
‫بحيث ل يمكــن المســاس بــأي منهــا‬ ‫من مجموعة من العضاء‪،‬‬
‫دون أن يتم القضاء عليها‪" (7) .‬غير أن محاولته توقفت عند هذا‬
‫الحــد‪ ،‬وانصــرف إلــى عقــد مقارنــات بيــن الروايــات القصصــية‬
‫المختلفة في عناصــرها الشــكلية الثابتــة‪ ،‬دون أن يهتــم بتحديــد‬
‫)( عبد الله إبراهيم وآخرون‪ ،‬معرفة الخر‪ ،‬مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫ص‪13 .‬‬
‫))(( المرجع السابق‪ ،‬ص‪13 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪14 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( حميد لحمداني‪ ،‬بنية النص السردي من منظور النقد الدبي‪ ،‬المركز الثقافي‬ ‫‪4‬‬
‫العربي للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،2 .‬بيروت‪ ،1993 ،‬ص‪20 .‬‬
‫)( ‪J. COURTES, Introduction à la sémiotique narrative et discursive, Op.‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪Cit P. 5‬‬
‫)( ‪Claude BREMOND, Logique du récit, Le Seuil, Paris,‬‬ ‫‪6‬‬
‫)(‪(1973(Introduction,P. 4858‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪J. BEDIER, Les fabliaux,6°éd. Honoré Champion,Paris,1964,P. 186‬‬
‫ـ ‪ 47‬ـ‬
‫هذه العناصر‪ ،‬ووصف الكيفية التي تعمل بهــا‪ ،‬وهــو مــا قــام بــه‬
‫فيمــا( بعــد فــي كتــابه مورفولوجيــة الحكايــة‬
‫)‪1‬‬
‫فلديميــر بــروب‬
‫الخرافية الروسية‪" .‬‬
‫وإذا كان الفضل يعود إلى "بيديي" في اكتشاف أن القصــة‬
‫ليســت تجميعــا غيــر مســتقر لموضــوعات غيــر ثابتــة‪ ،‬خاضــعا‬
‫للتأثيرات الجغرافية والتاريخية‪ ،‬كما كان يعتقد معاصروه‪ ،‬وإنما‬
‫هي كــائن حــي ينمــو حــول نــواة ثابتــة‪ ،‬وكــذا تحسســه للطــابع‬
‫العضوي لهذه النواة‪ ،‬والذي يمكن اعتباره إشارة للبناء الكــامن‬
‫خلف أشــكال التعــبير القصصــي كمــا ذهــب إلــى ذلــك الــدكتور‬
‫بورايو‪ (2) .‬فإن بحث بروب الذي تناول جهد ســلفه بالنقــد ســار‬
‫بالتحليل الشكلي للقصص شوطا كــبيرا‪ُ ،‬يعــد البدايــة الحقيقيــة‬
‫لمرحلة جديــدة مــن تاريــخ "علــم القــص"‪ ،‬حيــث وضــع أســس‬
‫ـف عــن وجــود نمــوذج فريــد للبنيــة‬ ‫)‪(3‬‬
‫المنهــج البنيــوي عنــدما كشـ‬
‫الحكائية الخرافية الروسية‪.‬‬
‫قام بروب بانتقاد أعمال ثلثة بــاحثين ســبقوه إلــى دراســة‬
‫الحكاية الشعبية‪ ،‬وهم‪ :‬فسلوفسكي‪ ،‬وبيديي‪ ،‬و فولكوف‪ ،‬حيث‬
‫اعتبر تمييز فسلوفسكي بيـن الموضـوعات والحـوافز‪ ،‬لـم يعــد‬
‫قابل للتطبيق‪ ،‬كما أكد استحال تحديــد جــوهر القصــة أو النــواة‬
‫الثابتة التي يتحدث عنها بيديي‪ ،‬وعدم إمكان عزلها عن العناصر‬
‫المتغيرة‪ .‬أما فولكوف فقد ارتكب ـ حسب رأيــه ـ ـ خطــأ كــبيرا‬
‫عنــدما جعــل مــن الموضــوع وحــدة ثابتــة‪ ،‬ونقطــة انطلق فــي‬
‫دراسة القصة‪ ،‬وذلك لن الموضوع وحدة مركبة‪ ،‬وليــس وحــدة‬
‫وليس ثابتا‪ ،‬ول يمكن اتخــاذه كنقطــة بدايــة‬ ‫)‪(4‬‬
‫بسيطة‪ ،‬وهو متغير‬
‫في دراسة القصة‪.‬‬
‫كما اتخذ عدد من الباحثين الذين اهتموا ببنية القصة منهــج‬
‫بروب كأساس لبحاثهم‪ ،‬وحـاول بعضــهم تطــبيقه علـى قصـص‬
‫جماعــات عرقيــة معينــة‪ ،‬مــع إجــراء بعــض التعــديلت‪ ،‬وتبنــي‬
‫مصطلحات أخرى‪ ،‬مثلمــا فعــل " نــدس"فــي دراســته لقصــص‬
‫هنود أمريكا الشمالية‪ ،‬كما كشف آخرون عن منهج مواز لمنهج‬
‫بــروب‪ ،‬يبحــث فــي بنيــة القصــة‪ ،‬لكنــه ينطلــق مــن منطلقــات‬
‫مختلفة‪ ،‬مثلما فعل "كلود ليفي ســتوس"‪ ،‬بينمــا عمــل آخــرون‬
‫على الستفادة من المنهج الشكلني الــبروبي وتعميــق وتعميــم‬
‫نتائجه من أجل الحصول على نموذج عام يحكــم جميــع أشــكال‬
‫التعبير القصصي مثلما فعل "كلــود بريمــون" وأ‪ .‬ج‪ .‬غريمــاس‪.‬‬
‫بروب في بحثه عن بنيــة‬ ‫)‪(5‬‬
‫أما تودوروف فقد حاول أن يحذو حذو‬
‫القصة‪ ،‬لكن لم يعتمد نموذجه الوظائفي‪.‬‬
‫صــل الــدكتور بورايــو القــول فــي عــرض وتحليــل‬ ‫وقــد ف ّ‬
‫النتقادات التي وجهها هؤلء الدارســون لمنهــج بــروب‪ ،‬وكــذلك‬
‫العام( الــذي‬
‫)‪6‬‬
‫التعديلت التي اقترحوها‪ ،‬ومن ثم استخلص التجاه‬
‫سلكته النظريات التي تجاوزت ميراث فلديمير بروب‪.‬‬
‫ويكاد يجمع الدارسون على أن كــل دراســة تتخــذ الخطــاب‬
‫الســردي موضــوعا لهــا‪ ،‬ل بــد أن تنطلــق مــن تحليــل فلديميــر‬
‫بروب لمورفولوجيــة الحكايــة الخرافيــة الروســية‪ ،‬وتعتــبر هــذه‬
‫الدراسة في نظر هؤلء أساسا لعلم القص أو التحليل الســردي‬
‫للخطاب‪ .‬وقد لحظ الشكلنيون منذ بدأوا يهتمون بـالبحث فـي‬
‫أدبيــة الدب‪ ،‬أنــه إذا كــانت الشــكال والنــواع الشــعرية تقــوم‬
‫)( عبد الحميد بورايو‪ ،‬منطق السرد‪ ،‬دراسات في القصة الجزائرية‪ ،‬ديوان‬ ‫‪1‬‬
‫)(المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪ ،1994 ،‬ص‪18 .‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪18 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫))(( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.19 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( عبد الحميد بورايو‪ ،‬منطق السرد‪ ،‬ص‪19 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( منطق السرد‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.2324 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫المرجع السابق‪.1866 ،‬‬ ‫‪6‬‬

‫ـ ‪ 48‬ـ‬
‫أساسا على اليقاع‪ ،‬فإن السرد يعد أهم مبــدأ أو خاصــية تقــوم‬
‫ـرد‪(1‬فــي منظــورهم نقطــة‬ ‫)‬
‫عليها نظرية النثر‪ ،‬وبذلك أصــبح السـ‬
‫انطلق لتحليل كل أنماط النثر الدبي‪.‬‬
‫وتأسيسا على هذه النتيجة المستخلصة من استقراء بعــض‬
‫بحثهم نحو دراسة العلقــة‬ ‫أنماط النثر الدبي‪ ،‬وجه الشكلنيون‬
‫بين الحكي الدبي والسرد الشفوي‪" (2) .‬وتقوم محاولة بــروب‬
‫علــى فرضــية عمــل‪ ،‬وهــي وجــود )الخرافــة العجيبــة(كمقولــة‬
‫متميزة بين الحكايات الشعبية‪ ،‬أما المكونات المشار إليها فهي‬
‫نوعيــة‪(3،‬تقــوم بهــا شخصــيات‬
‫)‬
‫الوظــائف"‪:‬وهــي أفعــال قــارة‪،‬‬
‫متنوعة‪ ،‬وذات تأثير في تطور الحبكة‪" .‬‬
‫ومن بين النتائج الدالة في تحليل بروب )الذي اعتمــد متنــا‬
‫يتــألف مــن ‪ 100‬خرافــة روســية( هــي أن الرقــم الجمــالي‬
‫للوظائف محدود‪ ،‬إذ تكفي ‪ 31‬وظيفة للحاطة بمجمــوع أفعــال‬
‫الخرافات‪ ،‬فضل على أن تسلسلها متشابه بصورة مطلقة‪ .‬بيــد‬
‫أن هذا ل يعني أن الوظائف كلها متواجدة فــي كــل الخرافــات‪،‬‬
‫ذلك يبقى النظام التسلســلي الــذي تتجلــى فيــه الخريــات‬ ‫)‪(4‬‬
‫ومع‬
‫قارا‪.‬‬
‫ويرتكــز تحليــل بــروب الــوظيفي علــى الملمــح القــارة‬
‫للخرافات‪ ،‬متلفيا الملمح المتنوعة مثـل الشخصـيات‪ ،‬ونعوتهـا‬
‫أو حوافز الفعال‪ ،‬ومع ذلك فقــد جــاء فــي تحليلــه بقائمــة مــن‬
‫أنماط الشخصيات المتكررة يعتمد)‪(5‬على مفهوم مستوى الفعــل‬
‫وتوزع الوظائف بين الشخصيات‪.‬‬
‫وهناك مــن يعتقــد أن مقاربــة فلديميــر بــروب تقــع ضــمن‬
‫إطار المدرسة الشكلنية‪ ،‬لــذلك فــرق "ليفــي ســتروس"‪ :‬بيــن‬
‫الشــكلنية والبنيويــة حيــن قــام بنقــد "مورفولجيــة الخرافــة"‪،‬‬
‫وحسب تحليله‪ ،‬فالشكل يعرف بمقابلته لمحتوى خارج عنه‪ ،‬أما‬
‫ـد‪(6‬أدرج فــي‬‫)‬
‫البنيــة فل محتــوى لهــا‪ ،‬إذ هــي المحتــوى ذاتــه‪ ،‬وقـ‬
‫تنظيم منطقي باعتباره خاصية من خصائص الواقع‪.‬‬
‫كما اهتمت دراسة بروب بتطورات المبنى الحكائي )‪Sujet‬‬
‫(منذ البداية إلى النهاية‪ ،‬مـرورا بالوسـط‪ ،‬وهــو بــذلك لـم يضــع‬
‫نصب عينيه المعنى الغرضي ‪ Thématique‬للمحكي‪ ،‬بــل كــانت‬
‫مقاربته نظمية ‪ ،Syntagmatique‬ومعلوم أن العلقات النظمية‬
‫كما أشار إلى ذلك رولن بارت‪ ،‬ليست كافيــة وحــدها للحاطــة‬
‫لكون الدللة ل توجــد فــي نهايــة المحكــي‪ ،‬وإنمــا‬ ‫)‪(7‬‬
‫بالدللة نظرا‬
‫على امتداده‪.‬‬
‫وتأسيسا علـى مـا سـبق تقـديمه‪ ،‬مـا مـدى صـلحية منهـج‬
‫بروب في تحليل الخطاب الروائي؟ علما بأن غريماس كان قــد‬
‫تصدى "لتحليــل الحكايــة الخرافــة"لـــ‪:‬ف‪ .‬بــروب‪ ،‬انطلقــا مــن‬
‫الملحظات التي صاغها "ليفي ستروس" الذي وجه النتباه إلى‬
‫وجود إسقاطات استبدالية )‪ (Projection paradigmatique‬في‬
‫الوظائف البروبية التي يعتبرها كملفوظــات ســردية تمكــن مــن‬
‫عدد من النتظامــات داخــل التتــابع الــذي يشــكل‬ ‫)‪(8‬‬
‫الوقوف على‬
‫القصة كحكي‪.‬‬
‫)( الطاهر رواينية‪ ،‬قراءة في التحليل السردي للخطاب‪ ،‬مجلة التواصل‪ ،‬العدد‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫)(‪ ،4‬جوان ‪ ،1999‬جامعة عنابة‪ ،‬ص‪.67 .‬‬
‫نظرية المنهج الشكلي‪ ،‬ص‪107 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( فلديمير بروب‪ ،‬مورفولجية الخرافة‪ ،‬ترجمة وتقديم‪:‬إبراهيم الخطيب‪،‬‬ ‫‪3‬‬


‫)(الشركة المغربية للناشرين المتحدين‪ ،‬الدار البيضاء‪) ،1986 ،‬المدخل‪:‬ص‪( 7 .‬‬
‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص‪8 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪8 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫))(( مورفولوجية الخرافة‪ ،‬ص‪9 .‬‬ ‫‪6‬‬

‫المرجع السابق‪ ) ،‬المدخل‪ ،‬ص‪(10 .‬‬ ‫‪7‬‬

‫)( ‪J. Courtes, Introduction à la sémiotique narrative et discursive, Op. Cit. P. 7‬‬ ‫‪8‬‬

‫ـ ‪ 49‬ـ‬
‫وقد لحظ غريماس أن منهــج بــروب المســتند علــى تتــالي‬
‫الوظــائف وفــق آليــة ميكانيكيــة‪ ،‬ل يمكــن أن يصــلح لتحليــل‬
‫ملفوظات حكائية معقدة كالرواية‪ ،‬لذلك اقترح أن تنتظــم هــذه‬
‫الوظائف كثنائيات بحيــث يســتدعي كــل ملفــوظ يــذكر نقيضــه‪،‬‬
‫وتبدو هذه الثنائيات كالتي‪:‬‬

‫عودة‪.‬‬ ‫م‬ ‫رحيل‬


‫القضاء على النقص‪.‬‬ ‫م‬ ‫وجود النقص‬
‫خرق المحظور‪.‬‬ ‫م‬ ‫حرمة المحظور‬

‫وتقوم هذه الوحدات الستبدالية داخل الترســيمة الســياقية‬


‫بدور المنظم للحكاية‪ ،‬غير أن مجرد تتابع الملفوظات الســردية‬
‫ل يمثل معايير كافية للكشف عن نظام الحكاية‪ ،‬كما يلحــظ أن‬
‫جدول الوظائف البروبية ل يدل على وجود وحدات سياقية مــن‬
‫الملفوظــات( الســردية فقــط‪ ،‬ولكنــه يكشــف عــن طبيعتهــا‬
‫)‪1‬‬
‫التكرارية‪.‬‬
‫وقد استثمر غريماس ملحظات ليفي ستروس في دراسته‬
‫لوظائف بروب‪ ،‬واستبدل مقولة"الوظيفة الفضفاضة" بالصــيغة‬
‫التقنية )الملفوظ السردي(‪ ،‬المر الذي سمح لـه بالتعرف على‬
‫وجــود وحــدات ســردية ذات صــبغة اســتبدالية أحيانــا‪ ،‬ونظميــة‬
‫أحيانا أخرى‪ ،‬تتشكل هذه الوحدات انطلقا مــن العلقــات الــتي‬
‫الملفوظــات الســردية فيمــا بينهــا‪ ،‬وتأويــل الحكــي كبنيــة‬
‫)‪(2‬‬
‫تربط‬
‫سردية‪.‬‬
‫كمـا تسـاءل غريمـاس عـن معنـى "التتـابع"‪ ،‬وهـو العنصـر‬
‫السردية‬
‫)‪(3‬‬
‫الساس في تعريف بروب؛هل يعني تتالي الملفوظات‬
‫مــن خلل الحكــي الخطــي للســردية علــى شــكل خطــاب؟‬
‫واقترح فرضيتين للجابة على هذا الطرح‪:‬‬
‫تعتــبر الفرضــية الولــى التتــابع اختصــارا للحــداث المرويــة‬
‫داخل القصة وهو أمر مستبعد‪.‬‬
‫وأمــا الفرضــية الثانيــة فهــي اعتبــار الجهــاز )‪(Dispositif‬‬
‫السياقي للحكاية ذا معنــى‪ ،‬وذا هــدف وقصــدية‪ ،‬يتــوجب علينــا‬
‫إعطاؤها تفسيرا‪ ،‬وهي الفرضية التي يتمسك بها‪ .‬ويلخص ذلــك‬
‫فــي قــوله‪:‬إن قــارئ بــروب يكــون انتبــاهه مشــدودا لتكــرار‬
‫اختبارات ثلثة تحكم اللحظات الحاسمة في الحكاية‪:‬‬
‫الختبار التأهيلي‪.‬‬
‫الختبار الساسي‪.‬‬
‫الختبار التمهيدي‪.‬‬
‫فبعد أن يقبل البطل مهمته يتوجب عليه أن يخضع للختبــار‬
‫ـري‪(4،‬وتربطــه رحلــة‬‫)‬
‫الذي يسمح لـه بالتأهيل للقيام برحلــة التحـ‬
‫التحري بالحداث ليتم العتراف لـه بالبطولة‪.‬‬
‫ويعتبر رولن بارت السرد فعل ل حــدود لــه‪ ،‬يتســع ليشــمل‬
‫ة «فــأنواع‬‫مختلف الخطابات‪ ،‬ســواء أكــانت أدبيــة أم غيــر أدبي ـ ‍‬
‫السرد في العالم ل حصر لها‪ ،‬وهي قبل كــل شــيء تنــوع كــبير‬
‫‪() 1‬‬
‫‪J. Courtes, Préface A. J. Greimas, Op. Cit. P. 8‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫‪Ibid. P. 8‬‬
‫‪(J. Courtes, Préface, A. J. Greimas, P. (527‬‬ ‫‪() 3‬‬

‫‪Ibid. P. 8 .‬‬ ‫‪() 4‬‬

‫ـ ‪ 50‬ـ‬
‫في الجناس‪ ،‬فالسرد يمكن أن تحتمله اللغة المنطوقة‪ :‬شفوية‬
‫كانت أم مكتوبة‪ ،‬والصورة ثابتة كانت أم متحركة‪ ،‬واليمــاء )‪Le‬‬
‫‪ (geste‬مثلما يمكن أن يحتمله خليط منظم من كل هذه المواد‪.‬‬
‫فالســرد حاضــر فــي الســطورة‪ ،‬والحكايــة الخرافيــة‪ ،‬وفــي‬
‫القصوصة والتاريخ والدراما‪ ،‬واللوحة المرسومة‪ ،‬وفي النقــش‬
‫على الزجاج‪ ،‬وفي السينما‪ ،‬والخبر الصحفي‪ ،‬وفي كل المكنــة‬
‫فهو يبدأ مع تاريخ البشرية ذاته‪ ،‬ول يوجد‬ ‫وفي كل المجتمعات‪،‬‬
‫م ل يعير السرد اهتماما كــبيرا‬ ‫أي شعب بدون سرد‪ " .‬ومن ث ّ‬
‫)‪(1‬‬
‫عالمي‪ ،‬عبر ـ تاريخي‪ ،‬إنه موجــود‬ ‫)‪(2‬‬
‫لجودة الدب‪ ،‬أو لرداءته‪ ،‬إنه‬
‫في كل مكان‪ ،‬تماما كالحياة‪.‬‬
‫ويقــف رولن بــارت متســائل أمــام هــذا التنــوع والتســاع‬
‫لظــاهرة الســرد‪ ،‬ولــذلك ألفينــاه يقــدم عــدة تصــورات عــن‬
‫خصوصية عالمية السرد‪ ،‬وشموليته‪ ،‬منهــا‪ :‬أن شــمولية الســرد‬
‫وعموميته تحول دون حصره وتفكيكــه‪ ،‬وبالتــالي الوصــول إلــى‬
‫إمكانية( وصــفه وصــفا‬
‫)‪3‬‬
‫معرفة خصائصه‪ ،‬ولذلك لم يبق لنا سوى‬
‫مبسطا‪ ،‬مثلما يفعل ذلك أحيانا التاريخ الدبي‪.‬‬
‫ومع تطور ونضج الدراسات الســردية‪ ،‬اهتــدى رولن بــارت‬
‫إلى استكشاف نمطين للسرد‪ ،‬تصورهما على الشكل التي‪:‬‬
‫ـ إما أن يكون السرد عن تجميع بسيط ل قيمــة فيــه للحــداث‪،‬‬
‫وفي مثل هذه الحالة ل يمكننا الحديث عن السرد إل بالحتكام‬
‫إلى عبقرية المؤلف أو الحاكي‪ ،‬ومثال ذلك الشكل السطوري‬
‫القائم على مبدأ الصدفة‪.‬‬
‫ـ وإما أن يشترك السرد مــع ســرود أخــرى فــي البنيــة القابلــة‬
‫س(ــردا دون الحالــة علــى‬ ‫)‪4‬‬
‫للتحليل‪ ،‬لنه ل أحد بوســعه أن ينتــج‬
‫نسق ضمني من الوحدات والقواعد‪.‬‬
‫كمــا يشــير رولن بــارت إلــى الجهــود النقديــة واللســانية‬
‫والسلوبية التي تأثرت بنماذج العلوم التجريبية في البحث عــن‬
‫بنية السرد حيث تبنت تطبيق المنهج الســتقرائي‪ ،‬فكــانت تبــدأ‬
‫أدبــي مــا لفــترة مــا‪ ،‬ولمجتمــع مــا‪ ،‬ثــم‬
‫)‪(5‬‬
‫بدراســة ســرود جنــس‬
‫تستخلص نموذجا عاما‪.‬‬
‫وعلى الرغم من إيجابية تطبيق المنهج الســتقرائي‪ ،‬إل ّ أن‬
‫الدراسات التي تبنته لــم تتوصــل إلــى النتــائج المأمولــة‪ ،‬لــذلك‬
‫تطــورا‬‫)‪(6‬‬
‫غيرت توجهها وتبنت المنهج الستنباطي‪ ،‬ومنذئذ عرفت‬
‫هائل‪ ،‬مكنها من التكهن بنتائج لم تكن قد اكتشفت بعد‪.‬‬
‫تصور بارت اعتمادا على ما توصل إليه من نتائج‪ ،‬أن علــى‬
‫التحليل السردي للخطاب أن يحتذي حذو اللسـانيات فـي تبنـي‬
‫المنهج الستنباطي‪ ،‬بدءا من تصــور نمــوذج افتراضــي للوصــف‬
‫) وهو ما ُيدعى نظرية فــي عــرف اللســانيين المريكييــن(‪ ،‬ثــم‬
‫اتجــاه النــواع‬‫)‪(7‬‬
‫النزول شيئا فشيئا انطلقا من هذا النموذج إلــى‬
‫التي تشارك فيه‪ ،‬وتنزاح عنه في الوقت نفسه‪.‬‬
‫د ـ مفهوم السرد عند سعيد يقطين‪:‬‬
‫يعتبر الباحث ســعيد يقطيــن "الســرد" واحــدا مــن القضــايا‬
‫‪ () 1‬رولن بارت‪ ،‬التحليل البنيوي للسرد‪ ،‬ترجمة ‪ :‬بشير الغمري‪ ،‬حسن‬
‫عمراوي‪ ،‬مجلة آفاق‪) ،‬اتحاد كتاب المغرب(‬
‫‪) 2‬ع( ‪ ، 1988/ 9 ،8‬الدار البيضاء‪ ،‬ص‪7 .‬‬
‫‪ () 3‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪7 .‬‬
‫‪ () 4‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪7 .‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪8 .‬‬
‫‪ (()) 56‬رولن بارت‪ ،‬التحليل البنيوي للسرد‪ ،‬ص‪8 .‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪8 .‬‬
‫‪ () 7‬سعيد يقطين‪ ،‬الكلم والخبر‪ ،‬ص‪223 .‬‬
‫ـ ‪ 51‬ـ‬
‫والظــواهر الــتي بــدأت تســتأثر باهتمــام البــاحثين والدارســين‬
‫العرب‪ ،‬ويرى أن العرب مارسوا الســرد والحكــي‪ ،‬شــأنهم فــي‬
‫ذلك شأن المم الخرى‪ ،‬في أي مكان‪ ،‬بأشكال وصور متعددة‪،‬‬
‫بعد بالشــكل الملئم‪ ،‬ولــم‬ ‫)‪(1‬‬
‫لكن السرد كمفهوم جديد‪ ،‬لم يتبلور‬
‫يتم الشروع في استعماله إل مؤخرا‪.‬‬
‫ويقـــارن ظـــاهرة "الـــوعي بالســـرد –كظـــاهرة نقديـــة ــــ‬
‫بـ"التناص" كمفهوم جديد في الدراسة الدبية الحديثة‪ ،‬وهو نتاج‬
‫التطور الحاصل في اللسانيات وفي العلوم الدبية الحديثة‪ ،‬جاء‬
‫هذا المفهوم ليحدد ظاهرة نصية ويبررهــا فــي الــوعي النقــدي‪،‬‬
‫التناص‪ ،‬قديمة قدم النص‪ ،‬كيفمــا كــان جنســه أو‬ ‫)‪(2‬‬
‫لكن ممارسة‬
‫صورة إبداعه‪" .‬‬
‫وغير بعيد عن التصور الذي عرضــه بــارت للســرد‪ ،‬يســتعير‬
‫سعيد يقطين مفهوما للسرد يستخلصه مــن مجمــوع القــراءات‬
‫في الدراسات الغربيــة فيــراه نقل للفعــل القابــل للحكــي‪ ،‬مــن‬
‫الغياب إلــى الحضــور‪ ،‬وجعلــه قــابل للتــداول‪ ،‬ســواء أكــان )ه‪(3‬ــذا‬
‫الفعل واقعيا أم تخييليا‪ ،‬وسواء تم التداول شفاها أو كتابة‪.‬‬
‫ويعتبرهــذا البــاحث الســرديات فرعــا مــن علــم كلــي هــو‬
‫"البيوطيقا"‪ ،‬لكــن خصوصــيتها جعلتهــا تطمــح إلــى الســعي لن‬
‫تكون علما كليا‪ ،‬لن ذلك يمكنها من التفتح على الســرد عامــة‪،‬‬
‫و يتســع مجالهــا ليشــمل الختصاصــات الــتي اهتمــت بالمــادة‬
‫الحكائية‪ ،‬حتى تتجاوز الهتمــام بالخطــاب‪ ،‬لتــدرس النــص مــن‬
‫حيث أنماطه المختلفة‪ ،‬وتفاعلته النصية المتعــددة‪(4)،‬وقــد يــؤول‬
‫بها ذلك إلى النفتاح على مختلف المناهج العلمية‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق يحصر تجلياتها في‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ سرديات القصة‪ :‬تهتم بالبنية الحكائية من زاوية تركيزها‬
‫على ما يحدد حكائيتها‪ ،‬ويميزها مــن العمــال الحكائيــة الخــرى‬
‫المختلفة والتي تنضوي جميعها ضمن جنس السرد‪ ،‬ول يتجســد‬
‫أي عمل حكائي إل إذا توفرت فيه المقولت التية‪:‬‬
‫‪ 2‬ـ الفواعل‪ 3 .‬ـ الزمان والمكان‪.‬‬ ‫‪ 1‬ـ الفعال‪.‬‬
‫فالفعال يقوم بها فواعــل )شخصــيات( فــي زمــان ومكــان‬
‫معينين‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ ســرديات الخطــاب ‪ :‬إذا كــان الهتمــام فــي ســرديات‬
‫القصة منصــبا علــى المــادة الحكائيــة‪ ،‬فــإن ســرديات الخطــاب‬
‫تركز على ما يميز بنية حكائية عــن أخــرى مــن حيــث الطريقــة‬
‫الحكائيــة‪،‬‬
‫)‪(5‬‬
‫التي تقدم بها كل مادة حكائيــة‪ ،‬فقــد تتشــابه المــواد‬
‫لكن شكل تقديمها يختلف باختلف الحكايات وأنواعها‪.‬‬
‫الفرق بين سرديات القصة وسرديات الخطاب في‬ ‫)‪(6‬‬
‫ويتجلى‬
‫الترسيمة التية‪:‬‬

‫الخطاب‬ ‫القصة‬ ‫الشكل‬


‫المقولت‬

‫)( سعيد يقطين‪ ،‬السرد العربي‪ ،‬قضايا وإشكالت‪ ،‬علمات‪ ،‬ج‪ ،29 .‬مجلد‪،8:‬‬ ‫‪1‬‬
‫سبتمبر ‪ ،1998‬ص‪.122 .‬‬
‫))(( السرد العربي‪ ،‬قضايا وإشكالت‪ ،‬ص‪.118 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.122 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪223 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫))(( سعيد يقطين ‪ ،‬الكلم والخبر ‪ ،‬ص‪224 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪225 .‬‬ ‫‪6‬‬

‫ـ ‪ 52‬ـ‬
‫السرد‬ ‫الحدث‬ ‫الفعل‬
‫الراوي‬ ‫الشخصية‬ ‫الفاعل‬

‫إن فعل الشخصية )الحدث( في القصة يقدم في الخطــاب‬


‫من خلل فعل آخر )السـرد( الـذي يضـطلع بــه فاعــل آخـر هـو‬
‫الــراوي‪ ،‬وبــاختلف الفعليــن وفاعليهم)ـ‪1‬ـا( يختلــف زمــان القصــة‬
‫وفضاؤها عن زمان الخطاب وفضائه‪.‬‬
‫وتمكننا قراءة العلقــة بيــن القصــة والخطــاب مــن تحليــل‬
‫المقولت التية‪:‬‬
‫الزمان‪ :‬وفيه يتم التمييز بين زمن القصة وزمن الخطاب‪.‬‬
‫الصــيغة‪ :‬وتتصــل بالفعــال الكلميــة الــتي تضــطلع بهــا‬
‫الشخصــيات والــراوي؛ ذلــك أن الشخصــيات تقــوم بالحــدث‪،‬‬
‫وتتبنى ما يصدر عنها من "كلم"‪ ،‬شأنها في ذلك شأن الــراوي‪،‬‬
‫وإذا كان الهتمــام بالشخصــية فــي القصــة مركــزا عليهــا وهــي‬
‫تفعل‪ ،‬فإن العناية في الخطاب توجه إلــى مــا يصــدر منهــا مــن‬
‫كلم‪ ،‬بحيث يوضع كلمها إزاء فعل الراوي )السرد(‪.‬‬
‫وهكــذا تــبرز لنــا العلقــة بيــن القصــة والخطــاب صــيغتين‬
‫أساسيتين هما‪ :‬العرض‪ ،‬الذي يتم من خلل أقوال الشخصيات‪،‬‬
‫والسرد الذي يتوله الراوي‪ ،‬وقد تضطلع به بعض الشخصــيات‪.‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫‪ 3‬ـ الرؤيــة ‪ :Vision‬وهــو الموقــع الــذي يحتلــه الســارد فــي‬


‫علقاته بالشخصيات‪ ،‬وبعالم القصة بوجه عام‪ ،‬ويعتبر المفهــوم‬
‫الــذي عــوض وجهــة النظــر أو المنظــور فــي الدراســات الــتي‬
‫سبقت السرديات‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ السرديات النصية‪ :‬تهتم بــالنص الســردي باعتبــاره بنيــة‬
‫مجردة أو متحققا من خلل جنس أو نوع ســردي محــدد‪ ،‬وهــي‬
‫ُتعنى به من جهة "نصــيته"بحيــث يســمح لهــا ذلــك بوضــعه فــي‬
‫نطاق البنية النصية الكــبرى للنصــوص‪ ،‬كمــا أنهــا تعــاين الفعــل‬
‫النصــي مــن خلل النتــاج والتلقــي وتربــط كل منهمــا بفاعــل‬
‫المؤلف( و)القــارئ ــ الســامع( وتضــعهما فــي زمــان‬
‫)‪(3‬‬
‫)الكاتب ـ‬
‫وفضاء معينين‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬البنية السردية في تحليل الخطاب الروائي ‪:‬‬
‫مفهوم البنية ‪:‬‬
‫يتحدد مفهوم البنية لغة بــالعودة إلــى مــا أوردتــه المعــاجم‬
‫اللغوية‪ ،‬وهي مفاهيم تصب كلها في مصــب واحــد‪ ،‬يجمعهــا مــا‬
‫قاله الناقد المريكــي )قــراو راســون ‪"(J. G. Ranson‬إن الثــر‬
‫الدبــي يتــألف مــن عنصــرين‪ :‬البنيــة أو الــتركيب‪ ،‬والنســج )‬
‫‪ (Texture‬أو السبك‪ ،‬نعنــي بــالول المعنــى العــام للثــر الدبــي‪،‬‬
‫وهو الرسالة التي ينقلها هذا الثر بحذافيرها إلى القارئ‪ ،‬بحيث‬
‫يمكن التعبير عنها بطرق شتى غبر التعبير المستعمل في الثــر‬
‫الدبي المذكور‪ .‬أما النسج فالمراد به الصدى الصوتي لكلمــات‬
‫والمعاني الــتي‬ ‫الثر وتتبع المحسنات اللفظية والصور المجازية‬
‫توحي إلى العقل بالمدلولت للكلمات المســتعملة‪ (4)" .‬والبنيــة‬
‫المرجع السابق ‪ ،‬ص‪225 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫الكلم والخبر‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪225 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪226 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫مجدي وهبة‪ ،‬كامل مهندس‪ ،‬معجم المصطلحات العربية‪،(19441984) ،‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫ـ ‪ 53‬ـ‬
‫في معجم اللسانيات لبسام بركة‪ ،‬هي‪":‬تركيب ما يقــابله دائمــا‬
‫بالفرنسية )‪ ،( Structure‬ونقول‪:‬بنية عميقة )‪Structure profonde‬‬
‫سطحية )‪Structure‬‬ ‫(‪ ،‬وبنية روائية )‪ ،(Structure narrative‬وبنية‬
‫‪ (1)" .( superficielle ou structure de surface‬ويعني المصطلح‬
‫في معجم )اللســانيات الحديثــة ( "تعــاقب وحــدات لغويــة ذات‬
‫علقات معينة‪ ،‬ومثال ذلك في اللغة العربية‪:‬‬
‫)أ( ـ العبارة السمية‪ ،‬وفيهــا الصــفة تعقــب الســم‪:‬الكتــاب‬
‫البيض‪) ،‬أداة التعريف(ال ‪ +‬اسم‪ +‬ال صفة‪.‬‬
‫ونجد الــتركيب فــي بعــض اللغـات الخـرى مثــل النكليزيـة‬
‫مخالف‪ ،‬حيث تسبق الصفة الســم الموصــوف‪ ،‬كمــا نــرى فــي‬
‫العبارة ‪ The green book:‬الكتاب الخضر‪ ،‬أداة التعريف )‪( The‬‬
‫صفة )‪ ( green‬اسم ) ‪.( book‬‬
‫ص بــتركيب المقطــع‬ ‫فيما يخت ـ ّ‬ ‫)ب( ومن ذلك أيضا ما نجد ُ‬
‫ط‪ :‬صامت ‪ +‬حركة‪.‬‬ ‫النم ُ‬ ‫في اللغة العربية‪ ،‬فقد يكون‬
‫ويمكـــن النظـــر إلـــى البنيـــة اللغويـــة علـــى مســـتويات‬
‫ـة‪ (،‬والمســتوى المورفولــوجي‪،‬‬ ‫)‪2‬‬
‫مختلفــة‪:‬مســتوى تركيــب الجملـ‬
‫والمستوى الفونولوجي‪ ،‬وهكذا‪" .‬‬
‫البنية فــي "قــاموس مصــطلحات التحليــل‬ ‫ويتشكل مفهوم‬
‫السيميائي للنصوص")‪ (3‬من ثلثة عناصر‪:‬‬
‫أ ـ المعنى العام‪:‬‬
‫وفيه يبحث الدكتور رشيد بن مالــك مفهــوم البنيــة انطلقــا‬
‫من اللسانيات البنيوية الــتي نجحــت –مــن وجهــة نظــره ــ فــي‬
‫إعطاء البنية الطابع العلمي‪ ،‬ويعتبر أن ما انتهى إليه )يمسلف (‬
‫في تحديده للمحاور الكبرى للبنية مهم جــدا‪ ،‬فهــو يعتــبر البنيــة‬
‫مــن العلقــات الداخليــة المتكونــة علــى أســاس‬ ‫)‪(4‬‬
‫ككيان مستقل‬
‫"يعتبر التدرج"‬
‫ب ـ البنية البدائية للدللة‪:‬‬
‫يطرح مفهوم "العلئقية "عدة إشكاليات في نظر البــاحث‪،‬‬
‫التي تمكــن مــن‬‫)‪(5‬‬
‫منها التنظيمات البنائية الولية‪ ،‬إذ هي الوحيدة‬
‫فهم صيغ وجود وسير المجموعات الكثر تعقيدا‪.‬‬
‫فإذا كانت البنية نظاما من العلقات‪ ،‬فــإن الدللــة ل يمكــن‬
‫أن تنشأ إل ّ على أساس الفوارق‪ ،‬وما يجعل المعنى ممكنــا هــو‬
‫الدراك الحسي للفوارق‪ ،‬فل يكون هناك"علــو" إل ّ بالتبــاين مــع‬
‫ما هو "أسفل"‪ ،‬ول يكون هناك"كــبير"إل ّ بالمقارنــة مــع مــا هــو‬
‫"صغير"‪.‬‬
‫يقود البحث في ظواهر الدللــة إلــى تعييــن الفــوارق الــتي‬
‫تتحكم فيها‪ ،‬من هذا المنظور يتقدم )ك‪6‬ـ(ـل نــص كفــوارق‪ ،‬كجهــاز‬
‫منظم من حيث النزياحات التباينية‪.‬‬
‫وانطلقا من هذا المفهوم‪ ،‬يخلص الباحث رشــيد بــن مالــك‬
‫مكتبة لبنان‪ ،‬بيروت‪ ،‬ص‪152 .‬‬
‫)( بسام بركة‪ ،‬معجم اللسانيات)فرنسيعربي(‪ ،‬منشورات حروس‪ ،‬طرابلس‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫لبنان‪ ،1985 ،‬ص‪193 .‬‬
‫)( سامي عّياد حنا‪ ،‬وآخرون‪ ،‬معجم اللسانيات الحديثة)إنكليزيعربي(‪ ،‬مكتبة‬ ‫‪2‬‬
‫لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت‪ ،1997 ،‬ص‪.134 .‬‬
‫)( رشيد بن مالك‪ ،‬قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص‪ .‬ص‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪.197‬‬
‫‪ 125‬نفسه‪ ،‬ص‪197 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪ 126‬نفسه‪ ،‬ص‪197 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( نفسه‪ ،‬ص‪198199 .‬‬ ‫‪6‬‬

‫ـ ‪ 54‬ـ‬
‫إلى أن البنية البتدائية خلفية وتقابلية‪ ،‬وهذا يتطلب حضور‪:‬‬
‫عنصرين حاضرين معا‪.‬‬
‫علقة بين العنصرين‪.‬‬
‫بحيث ل توجد عناصر حياديـة‪ ،‬بـدون علقـات‪ ،‬وكـل عنصـر‬
‫متفرد‪ ،‬خال ومفرغ من المعنى‪.‬‬
‫‪ VS‬صغير‬ ‫كبير‬
‫أسود‬ ‫‪VS‬‬ ‫أبيض‬
‫ولقامــة العلقــة بيــن العنصــرين‪ ،‬وجــب معرفــة الســمة‬
‫المشتركة بينهما‪ ،‬أي المحور الدللي الذي تقوم عليــه العلقــة‪،‬‬
‫فــبين"أبيــض" و"أســود" تقــوم العلقــة علــى المحــور الــدللي‬
‫)اللون( الذي يمثل القاسم المشترك بين العنصرين المتقابلين‪،‬‬
‫وقس على ذلك باقي التقابلت‪.‬‬
‫وتتجلــى العلقــة بيــن العنصــرين المتقــابلين‪ ،‬والقاســم‬
‫المشترك بينهما في الترسيمة التية‪:‬‬

‫س= ‪/‬لون‪) /‬المحور الدللي المشترك (‬

‫عكس‬

‫س‪2‬‬ ‫س‪1‬‬
‫)أسود(‬ ‫)عكس(‬ ‫)أبيض(‬

‫ج ـ الشكال البنائية‪ :‬يقســم هــذا العنصــر إلــى خمســة‬


‫محاور‪ ،‬نكتفي بعرض ثلثة منها‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ البنيانات العاملية والممثلية‪ :‬يلحظ البــاحث فــي‬
‫هذا المحور أن مفهوم الشخصية لدى فلديمير بروب‪ ،‬كانت لـه‬
‫انعكاسات على النظرية السيميائية‪ ،‬بحيث إن العامــل "بوصــفه‬
‫وحدة تركيبية في النحو السردي الخاص بالسطح في تموضــعه‬
‫على المسار السردي‪ ،‬يتجّزأ إلى مجموعة من الدوار العاملية‪،‬‬
‫ويجسد الممثل كوحــدة خطابيــة ـ ـ علــى القــل ــ دورا عامليــا‪،‬‬
‫ودورا تيميا")‪ ، (1‬ومنه يستخلص أن الجهاز العاملي مجموعة من‬
‫العوامل يتبناها النحو السردي الذي يتشكل فيه على المســتوى‬
‫الخطابي للنص‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ البنيــات الســردية والخطابيـة‪ :‬ويفــرق فــي هــذا‬
‫المحور بيــن البنيــات الســردية ويقصــد بهــا البنيــات الســيميائية‬
‫العميقة التي تتحكم في توليد المعنى وتشــتمل علــى الشــكال‬
‫العامة لتنظيم الخطاب‪.‬‬
‫أما البنيات الخطابية فهــي تلــك الــتي تتجلــى فــي مســتوى‬
‫أكثر سطحية والتي تنظم انطلقا من هيئة التلفظ‪.‬‬
‫‪ 3‬ـــ البنيــات العميقــة والســطحية‪:‬عــرض صــاحب‬
‫قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص‪ ،‬ص‪.198 .‬‬ ‫‪() 1‬‬

‫ـ ‪ 55‬ـ‬
‫القاموس التمييز الذي أقامه شومســكي بيــن البنيــة الســطحية‬
‫والعميقة في دراســته لمســتويات اللغــة‪ ،‬بحيــث بيــن أن البنيــة‬
‫العميقة ترتبط بالدللة اللغوية‪ ،‬أي أنها تحــدد التفســير الــدللي‬
‫السـطحية‪ (1‬بالصـوات اللغويـة‬
‫)‬
‫للجمل‪ ،‬فـي حيـن ترتبـط البنيـة‬
‫المتتابعة‪ ،‬وتحدد التفسير الصوتي للجمل‪.‬‬
‫استفاد الباحث رشيد بن مالك في تحديــده لمفهــوم البنيــة‬
‫مـــن مـــدارس غربيـــة متعـــددة‪ ،‬كــــ‪ :‬البنيويـــة‪ ،‬والشـــكلنية‪،‬‬
‫والسيميائية‪ ،‬ولذلك جاءت مقاربته للمفهوم شاملة‪ ،‬وهذا خلفا‬
‫لما تتبعناه في المقاربات السابقة‪ ،‬بحيث ركــزت علــى جــوانب‬
‫محددة‪ ،‬لم تتجاوزها‪.‬‬
‫ولم نستطع تلخيص كل ما جاء في تحديد هذا المفهوم في‬
‫ـ قــاموس مصــطلحات التحليــل الســيميائي للنصــوص ـ ـ نظــرا‬
‫لكثافة المادة‪ ،‬وطبيعة الخــتزال فــي نقلهـا مــن مصـادرها مـن‬
‫قبل المؤلف‪ ،‬تماشيا ومتطلبــات "تــأليف القــاموس"‪ ،‬الــتي لــم‬
‫تمكنه من التوسع‪ ،‬وإل ّ لكان موضوع "البنية" بحثا مستقل‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬تحليل الخطاب الدبي عند "دومينيك مانكينو"‪:‬‬
‫ومن بين الدراسات الغربية الــتي خصصــت موضــوع بحثهــا‬
‫فـــي تحليـــل الخطـــاب‪ ،‬الدراســـة المتميـــزة لــــ"مـــانكينو ‪D.‬‬
‫‪ " Maingueneau‬في كتابه الموسوم‪ ،‬بـ‪) :‬مقدمة في مناهج‬
‫تحليل الخطاب ‪Initiation aux méthodes de l’analyse‬‬
‫‪ ( du discours‬والذي تناول فيه أهم اتجاهات تحليل الخطاب‬
‫إلى أواسط السبعينيات‪ .‬ويتميز هــذا المؤلــف بمقدمــة منهجيــة‬
‫بحث فيهــا "مــانكينو" مشــاكل تحليــل الخطــاب‪ ،‬باعتبــاره حقل‬
‫الدللة‪(2‬والتلفــظ‪ ،‬وهمــا‬
‫)‬
‫معرفيا يستعير أدواته من مجالت مثل‪:‬‬
‫من المجالت غير الثابتة في الفكر اللساني‪.‬‬
‫كما يرى الكاتب في مقــدمته )مــن ص‪ 3 .‬إلــى ‪ (18‬أنــه ل‬
‫يمكن الحاطة بمشاكل تحليــل الخطــاب‪ ،‬غيــر أن بعضــها هيــن‬
‫يمكن تجاوزه‪ ،‬وهو البحــث عــن إيجــاد مكــان لتحليــل الخطــاب‬
‫ضمن العلوم النسانية‪ ،‬ولكن الصعوبة تكمــن فــي البحــث عــن‬
‫دام لــم يحــدد‬ ‫وحدة هذا الختصاص داخل النظرية اللسانية‪ ،‬ما‬
‫بعد منهجــه وموضــوعه بالشــكل اللئق والعلمــي)‪ . (3‬ومــن ثمــة‬
‫يتساءل الباحث عن أهميــة البحــث فــي هــذا الحقــل المعرفــي‬
‫الـذي ل يجـد لــه مـن أسـباب السـتقرار مـا يـدعمه‪ ،‬غيـر أنـه‬
‫يستدرك‪ ،‬فيقول‪":‬إن تحليل الخطاب يمتلك خاصية تــؤهله إلــى‬
‫فـــي نقطـــة‬ ‫اجتـــذاب الدارســـين‪ ،‬وهـــي خاصـــية مـــوقعه‬
‫التقاطع‪/‬اللقاء بين اللسانيات والعلوم النسانية‪ (4)" .‬كما يلحــظ‬
‫أن كثيرا من الدارسين يواجهــون موضــوع اللســانيات بواســطة‬
‫تحليــل الخطــاب‪ ،‬وينتــج عــن هــذه الوضــعية تزايــد "الطلــب‬
‫النظري" من قبل العلوم النسانية‪ ،‬ويقابل هذا الطلب العــرض‬
‫الذي ل يفي بالحاجة من قبــل اللســانيين‪ .‬أمــا غيــر اللســانيين‪،‬‬
‫فإنهم يبحثون في حقــل تحليــل الخطــاب عمــا يمــدهم بالتقنيــة‬
‫شــكلية‪ ،‬تصــلح‬ ‫)‪(5‬‬
‫العلميــة الــتي تتيــح لهــم الوصــول إلــى نتــائج‬
‫لتأويلتهم )غير اللسانية ‪ Extra‬ـ ‪.( linguistique‬‬
‫رؤية في تحليل الخطاب الدبي في مؤلف "د‪ .‬مانكينو"‪:‬‬
‫يحدد "مــانكينو" الخطــاب باعتبــاره مفهومــا يعــوض الكلم‬
‫)( نفسه‪ ،‬ص‪(197206) .‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ‪D. Maingueneau, Initiation aux méthode de l'analyse du discours,‬‬ ‫‪2‬‬


‫)(‪( .Classiques Hachette,Paris,1976,(Introduction,P. 3‬‬
‫)( ‪.(Ibid. P. 3 (Introduction‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪4‬‬
‫)( ‪Ibid. P. 3‬‬
‫‪.Ibid. P. 4‬‬ ‫‪5‬‬

‫ـ ‪ 56‬ـ‬
‫عنـد دي سوسـير‪ ،‬ويعـارض اللسـان‪ ،‬ويسـتخلص مـن ذلـك أن‬
‫الجملة ل تدخل فــي إطــار اللســان‪ ،‬ولكنهــا تنتمــي إلــى الكلم‬
‫وال(ـــذكاء )‪Lieu de l'activité et de‬‬ ‫)‪1‬‬
‫مـــوئل الفعاليـــة‬
‫‪.(l’intelligence‬‬
‫كما يكشف عن موقـف كـل مـن هـاريس و بنفنيسـت مـن‬
‫الخطاب‪ ،‬ويتحــدث عــن تعــدد الــدللت مــن خلل إبــراز‪ ،‬كــون‬
‫تحليل الخطاب عكس مجالت لسانية عديــدة‪ ،‬يــذلل موضــوعه‬
‫بصعوبة‪ ،‬منتهيا إلى أن تحليل المحتوى تطور عبر فضاء أهملتــه‬
‫العلوم( النسانية كانت في أمس الحاجــة‬ ‫)‪2‬‬
‫البنيوية اللسانية‪ ،‬لكن‬
‫إليه ل سيما علم الجتماع‪.‬‬
‫ويرى "مانكينو" أن تحليل الخطاب يطمح إلى البحث عــن‬
‫منهــج يقــارب محتــوى النــص عــبر قــراءة موضــوعية‪ ،‬تســتثمر‬
‫نتائجها‪ ،‬وهو ما يتطلب وجود مستند تميز فيه طبيعــة النصــوص‬
‫منــذ البدايــة‪ ،‬للوقــوف علــى الثــابت والمتحــول فيهــا‪ ،‬ويفصــل‬
‫المتشابه منها‪ ،‬ويقارنه بغيره‪ .‬غير أن تحليــل المحتــوى ل يحــل‬
‫إشــكالية بنيويــة النــص‪ ،‬لن الغايــة مــن تحليــل الخطــاب ليــس‬
‫البحــث عــن كيفيــة اشــتغال الخطــاب‪ ،‬بقــدر مــا هــي اســتثمار‬
‫يميــز خصوصــية مضــمون‬ ‫)‪(3‬‬
‫مفاهيم )ميتا ـ لسانية( لستخلص ما‬
‫مدونة عند مقارنتها بمدونات أخرى‪.‬‬
‫ويركز "مانكينو" في هــذه المقدمــة المنهجيــة علــى تحديــد‬
‫ستة تعريفات للخطاب‪ ،‬هي كالتي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ يعتبر الخطاب مرادفا للكلم عند دي سوسير‪ ،‬وهو المعنى‬
‫الجاري في اللسانيات‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الخطاب هو الوحدة اللسانية التي تتعــدى الجملــة لتصــبح‬
‫مرسلة كلية أو ملفوظا‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ يتبنى تعريف هاريس الذي وسع حــدود الوصــف اللســاني‬
‫إلى مــا هــو خــارج الجملــة‪ ،‬وقــد عــرف هــاريس الخطــاب‪،‬‬
‫بقوله‪":‬إنه ملفوظ طويل‪ ،‬أو هو متتالية مــن الجمــل تكــون‬
‫مجموعة منغلقة‪ ،‬يمكن من خللها معاينة بنية سلســلة مــن‬
‫التوزيعية‪ ،‬وبشكل يجعلنـا نظـل‬ ‫العناصر‪ ،‬بواسطة المنهجية‬
‫في مجال لســاني محــض‪ (4)" .‬فقــد طبــق هــاريس تصــوره‬
‫التوزيعي على الخطاب‪ ،‬ولحظ أن ما يحكم تشكل الجزاء‬
‫هــو ظــاهرة التنظيــم والــترابط اللــذْين يكشــفان عــن بنيــة‬
‫النص‪.‬‬
‫ة بيــن الملفــوظ والخطــاب‪،‬‬ ‫ة الفرنســي ُ‬‫‪ 4‬ـــ تمــايز المدرســ ُ‬
‫فالملفوظ ـ بالنسبة إليها ـ متتاليــة مــن الجمــل الموضــوعة‬
‫بين بياضين دللييــن‪) :‬انقطـاعين تواصــليين(‪ ،‬أمـا الخطـاب‬
‫فهــو الملفــوظ المعتــبر مــن وجهــة نظــر حركيــة خطابيــة‪،‬‬
‫مشروط بها‪ .‬وهكذا فالنص من وجهة ت َب َن ْي ُن ِهِ لغويا تجعل منه‬
‫ملفوظا وأن دراسته لسانيا من حيث شروط إنتــاجه تجعــل‬
‫منه خطابا‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ إعادة التذكير بتعريف بنفنيست الســابق‪ .‬غيــر أنــه يشــير‬
‫إلى أخــذ هــذا التعريــف مــن الوجهــة الــتي تعتــبر أن وجــود‬
‫خطاب يقتضي وجود نية تأثير المرسل في المتلقي‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ تعريف أخير‪ ،‬يعــارض بيــن اللســان والخطــاب‪ ،‬فاللســان‬
‫ينظر إليه ككل منته وثابت العناصر نسبيا‪ ،‬أما الخطاب فهو‬
‫‪() 1‬‬
‫‪Ibid. P. 5‬‬ ‫‪() 2‬‬
‫‪Maingueneau, Op. Cit. P. 6‬‬ ‫‪() 3‬‬
‫‪Ibid. P. 9‬‬
‫‪.Ibid. P. 9‬‬ ‫‪() 4‬‬

‫ـ ‪ 57‬ـ‬
‫مفهــوم باعتبــار المــآل الــذي تمــارس فيــه النتاجيــة‪ ،‬وهــو‬
‫ـياقي"‪(1‬غيــر المتوقــع الــذي يحــدد قيمــا جديــدة‬
‫)‬
‫"الطابع السـ‬
‫لوحدات اللسان‪.‬‬
‫وبعـــد اختيـــار البـــاحث للتعريـــف الرابـــع الـــذي يتماشـــى‬
‫ومنطلقاته المنهجية في تحليل الخطاب‪ ،‬يعود إلى تقديم قراءة‬
‫مقارنــــــــة لـــــــــ"ديكــــــــرو ‪" Ducrot‬و" شــــــــارودو ‪P.‬‬
‫‪"Charaudeau‬حيث يلحــظ تباينــا بيــن هــذين الدارســين فــي‬
‫اســتخدام بعــض المفــاهيم‪ ،‬فبينمــا ميــز ديكــرو بيــن المكــون‬
‫اللســاني الــذي يثبــت المعنــى الحرفــي بعيــدا عــن الســياق‬
‫التلفظــي‪ ،‬وبيــن المكــون البلغــي الــذي يــؤول هــذا الملفــوظ‬
‫بإدمــاجه فــي مقــام وســياق تواصــليين‪ ،‬فــإن شــارودو يربــط‬
‫الملفــوظ بالســتعمال و المعنــى‪ ،‬ويصــبح الخطــاب عنــده هــو‬
‫الملفوظ المقترن بخاصية النتاج والدللة‪.‬‬
‫ويبرز هذا التباين بين الدارسين –فــي نظــر مــانكينو ـ ـ فــي‬
‫الترسيمة التي يقترحها "شاردو"‪ ،‬نعرضها فيما يأتي‪:‬‬

‫خطاب‬ ‫وضعية تواصل =‬ ‫ملفوظ ‪+‬‬

‫خصوصية‬ ‫استخدام ـ توافق‬

‫دللة‬ ‫معنى‬

‫فمن خلل الترسيمة يتضح أن معنى الملفوظ محدد خــارج‬


‫كل تلفظ‪ ،‬بينما تكون دللته موصولة بالســياق التواصــلي الــذي‬
‫يحدده الخطاب‪ ،‬وهو موضوع الخلف بين الدارسين‪ ،‬حيث يضع‬
‫في( الموضع الذي يضع فيــه "ديكــرو" الدللــة‪،‬‬ ‫"شاردو" المعنى‬
‫والعكس بالعكس‪. 2) .‬‬
‫ويقدم الكاتب بعد ذلــك تعريفــات للخطــاب عنــد كــل مــن‬
‫‪.(Ibid. Introduction (P. 1112‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫‪.(Maingueneau, Op. Cit. , Introduction, (P. 1213‬‬ ‫‪() 2‬‬

‫ـ ‪ 58‬ـ‬
‫دريــدا وميشــال فوكــو وكريســتيفا‪ ،‬ويلحــظ أنهــا تعريفــات‬
‫فضفاضة‪ ،‬باســتثناء تعريــف كريســتيفا الــتي تبحــث عــن إقامــة‬
‫نظرية للنص‪.‬‬
‫ويتألف الكتــاب –بالضــافة إلــى المقدمــة المنهجيــة ـ ـ مــن‬
‫أربعــة فصــول‪ ،‬يطلــق عليهــا‪ ،‬مقاربــات‪ :‬المقاربــة المعجميــة‪،‬‬
‫والتركيبية‪ ،‬والتلفظية‪ ،‬وأنحاء النص‪.‬‬
‫وقــد عــرف تحليــل الخطــاب بعــد "مــانكينو" بحوثــا أخــرى‬
‫كثيرة‪ ،‬ركزت على مشاكل أخرى غير التي أشار إليها‪ ،‬حيث تم‬
‫التركيز على سيميائية الخطاب السردي‪ ،‬والبحــث عــن الليــات‬
‫اختراق( النص الدبــي وتفكيــك نظــامه للوصــول‬
‫)‪1‬‬
‫التي تمكن من‬
‫إلى دللته العميقة‪.‬‬
‫ويستخلص من كل مــا تقــدم أن تحليــل الخطــاب الســردي‬
‫سبقته محاولت كثيرة‪ ،‬ركزت تارة على التعريفــات المختلفــة‪،‬‬
‫وما صاحبها من اختلف في التصورات النقدية‪ ،‬كشفت قراءتنــا‬
‫ـ في هذا الفصل ـ جانبا منها‪ ،‬وسكت عن جــوانب كــثيرة جــدا‪،‬‬
‫نظرا لثراء المادة وغزارتها في هذا المجال‪ ،‬على أن تدعم هذه‬
‫القراءة بتحليل الخطاب السـردي فـي الدراسـات العربيـة فـي‬
‫الفصل الثالث من هذا البــاب‪ ،‬لمعاينــة مــدى تمثــل بعــض هــذه‬
‫المناهج في المقاربات العربيــة الــتي حــاولت تطــبيق إجــراءات‬
‫تحليل النصوص السردية على الخطاب العربي‪.‬‬

‫‪ () 1‬انظر الدراسات التي ُألفت في موضوع تحليل الخطاب‪ ،‬نذكر بعضا منها في‬
‫هذا المقام‪ ،‬ويتعلق المر بـ‪:‬‬
‫‪Groupe d’Entreverne, Analyses sémiotiques des textes, (1979)et Bernard Pottier,‬‬
‫‪Sémantique générale, (1992), R. Barthes, Introduction à l’analyse des récits :‬‬
‫‪.(In. « Communications »n°8. (1966‬‬
‫ـ ‪ 59‬ـ‬
‫الفصل الثالث‬

‫تحليل الخطاب السردي في‬


‫الدراسات العربية الحديثة‬
‫والمعاصرة‪.‬‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫عرفت الدراسات النقدية في تحليل الخطاب السردي فــي‬
‫الوطن العربي نقلة نوعيــة فــي العقـدين الخيريـن مــن القــرن‬
‫العشرين‪ ،‬حيث تطعمت بمختلف التيارات الفكريــة والفلســفية‬
‫الوافدة من الغرب‪ ،‬وتعاملت معها ـ مدا وجزرا ـ تعامل تفاوتت‬
‫مستوياته بين الدارسين أنفسهم‪.‬‬
‫ومع ما ُأنجز في هذا المجال مــن دراســات‪ ،‬إل ّ أن القليــل‬
‫منها اتخذ المتن السردي موضــوعا لــه‪ ،‬علــى الرغــم مــن تنــوع‬
‫المناهــج النقديــة الموظفــة فــي تلــك الدراســات‪ ،‬كالبنيويــة و‬
‫السلوبية و السيميولوجيا‪.‬‬
‫وما يستنتج من قراءة بعضها هو أن المنجز في هذا الطار‪،‬‬
‫ل يخرج عمــا ألفتــه مثيلتهــا فــي الغــرب‪ .‬ولقــد اســتبعد بعــض‬
‫المهتميــن بهــذا الموضــوع فكــرة التطــابق‪ ،‬لكنهــم لحظــوا أن‬
‫الدراسات العربية‪ ،‬كانت في معظمها اجترارا لما قيــل‪ ،‬أو أنهــا‬
‫تعيد إنتاج مثيلتها الغربية بأساليب مختلفة‪ ،‬يغلـب علــى بعضــها‬
‫طابع البتسار‪ ،‬وتبقى ملمح التأثر بالنقد الغربي بادية فــي كــل‬
‫العمال‪.‬‬
‫ومن أبرز رواد النقد الغربي الذين كان تأثيرهم واضحا فــي‬
‫حركة النقد العربي‪ ،‬بعض أقطاب الحركة الشــكلنية الروســية‪،‬‬
‫ول ســـيما بـــوريس إيخنبـــاوم‪ ،‬فلديميـــر بـــروب‪ ،‬ياكبســـون‪،‬‬
‫تــودوروف‪ ،‬ومــن تــأثر بهــم وطــور المنهــج الشــكلني‪ ،‬كــرولن‬
‫بارت‪ ،‬وجيرار جينيت‪ ،‬وغريمــاس‪ ،‬وكلــود بريمــان‪ ،‬وكريســتيفا‪،‬‬
‫وميشال ريفاتير‪ ،‬وسواهم كثير‪.‬‬
‫ولهذا السبب ألفينا أغلــب الدراســات الــتي اتخــذت المتــن‬
‫السردي العربي موضوعا لها ـ على قّلتهـا ــ تقـوم علـى تصـور‬
‫يكاد يتكرر فــي معظمهــا‪ .‬فهــي تســعى إلــى تحديــد المميــزات‬
‫اللسانية والسلوبية والدللية‪ ،‬وذلك بدراســة وحــدات الخطــاب‬
‫السردي الخارجية المشكلة لعلميتــه‪ ،‬ابتــداء مــن العنــوان إلــى‬
‫آخر فقــرة فيــه‪ ،‬مــرورا بدراســة نســيجه اللغــوي‪ ،‬والســلوبي‪،‬‬
‫وتحديــد البنــى الزمانيــة والمكانيــة فيــه‪ ،‬إلــى جــانب تحديــد‬
‫شخصــياته ووظائفهــا‪ ،‬وطبيعــة حوارهــا ومســتويات الكلم فــي‬
‫م تحديد الرؤية التي يتضمنها الخطاب السردي‪.‬‬ ‫حكيها‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫وهذا ما ينسجم مع ما أشار إليه تودوروف من وجــود شــبه‬
‫اتفــاق كلــي بيــن الدارســين الغربييــن فــي تحليــل الخطــاب‬
‫السردي‪ ،‬إذ يقول‪ ":‬يبــدو أن اتفاقــا عامــا قــد تــم فــي التحليــل‬
‫السردي‪ ،‬للوقــوف علــى ثلثــة مقــاييس هــي‪ :‬الزمــن‪ ،‬الرؤيــة‪،‬‬
‫والطريقة‪ (1)" .‬وهي العناصر نفسها التي س ـُيبنى عليهــا البحــث‬
‫في تحليل الخطاب السردي العربي‪.‬‬
‫نور الدين السد‪ ،‬السلوبية في النقد الدبي الحديث‪ ،‬ص‪256 .‬‬ ‫‪() 1‬‬

‫ـ ‪ 60‬ـ‬
‫اخترنا في هذا الفصل تقديم قراءة لنتاج ثلثة باحثين هــم‪:‬‬
‫حميد لحمداني‪ ،‬عبد الحميد بورايو‪ ،‬ورشيد بن مالك‪ ،‬في تحليل‬
‫الخطاب السردي في الدراسات العربية الحديثة والمعاصرة‪.‬‬
‫وقــد كــان اختيــار هــذه النمــاذج –دون غيرهــا ـ ـ لمــا يجمــع‬
‫أصحابها )وفي بعض الحيان يفرقهم كذلك( حول كيفيــة قــراءة‬
‫المناهج الغربيــة فــي مظاّنهــا‪ ،‬ودون اعتمــاد الوســائط الخــرى‬
‫كالترجمات ـ مثل ـ ‪ ،‬بالضافة إلى المــادة العلميــة الــتي تشــهد‬
‫علــى عمــق التجربــة والتمــرس فــي مجــال تحليــل النصــوص‬
‫السردية لهؤلء النقاد‪ ،‬والموضوعية العلمية التي يتحلون بها‪.‬‬
‫وتشمل قراءة النماذج المختارة العمال التية‪:‬‬
‫ـ بنية النص السردي من منظور النقد الدبــي‪ ،‬للــدكتور حميــد‬
‫لحمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــداني‬
‫)‪.(1993‬‬
‫ـ منطق السرد‪ ،‬دراسات فــي القصــة الجزائريــة‪ ،‬للدكتورعبــد‬
‫الحميــــــــــــــــــــــــــــــــد بورايــــــــــــــــــــــــــــــــو‪.‬‬
‫)‪(1994‬‬
‫ـ بعض العمال المنجزة فــي إطــار تأســيس مشــروع للتحليــل‬
‫السيميائي للنصوص السردية‪ ،‬للدكتور رشيد بن مالك‪.‬‬
‫‪ 1‬ل للللللل لللل للللللل‪:‬‬
‫يحدد حميد لحمداني في مقدمة كتابه "بنية النص الســردي‬
‫مــن منظــور النقــد الدبــي" الهــدف مــن بحثــه‪ ،‬والمتجلــي فــي‬
‫ُبعدْين‪:‬‬
‫البعد الول‪ :‬نقل تجربة نقدية ليس لهــا مثيــل فــي ثقافتنــا‬
‫النقدية العربية‪ ،‬تقوم على اعتمــاد المنهــج البنيــوي الــذي أعــاد‬
‫النظر في طبيعة ممارسة تحليل العمــال الدبيــة اســتنادا إلــى‬
‫ما ُأنجز مــن‬ ‫معطيات علمية‪ ،‬مستلهما مادته)‪(1‬وأدواته الجرائية م ّ‬
‫دراسات لغوية وألسنية حديثة‪.‬‬
‫البعد الثــاني‪ :‬تتبــع المســيرة النقديــة العربيــة‪ ،‬ومــا أحــدثته‬
‫التجارب الحداثية‪ ،‬بعد الميل نحو التحليل الـداخلي فـي دراسـة‬
‫النصوص الســردية‪ ،‬وكيــف أن أغلــب الدراســات الــتي وظفــت‬
‫ـداخل تعكــس‬ ‫المقاربــة البنائيــة اشــتملت علــى مقــدمات‪ ،‬ومـ‬
‫)‪(2‬‬
‫استفادة النقاد من الجهود المبذولة في الغرب‪.‬‬
‫ونظرا لتوزع النظرية البنائية في مواطن نشأتها وتطورهــا‪،‬‬
‫متفرقة تلتقي أساسا عند محاولة علمنــة‬ ‫فهي عبارة عن جهود‬
‫الدراســة النصــية للدب‪ (3) ،‬ولــذلك فــإن التــأثر بهــا يقتضــي‬
‫ونــة لهــا‪ ،‬مــع مراعــاة‬ ‫الرجــوع إلــى المحــاولت المتفرقــة المك ّ‬
‫انتظامها التاريخي‪) .‬بنية النص السردي‪ ،‬ص‪.(3 .‬‬
‫ولعل هذا ما دفع إلى عرض جهود الشكلنيين الروس الـتي‬
‫تعتبر رافــدا لـــه أهميتــه القصــوى فــي تطــور النظريــة النقديــة‬
‫البنائية في السرد‪.‬‬
‫ولم يكن ممكنا الستفادة من المقـولت النقديـة للنصـوص‬
‫السردية كما حددها رولن بارت‪ ،‬وتودوروف‪ ،‬وغريمــاس بــدون‬
‫التعرف على الجهــود الســابقة‪ .‬ولــذلك لــم يقــف البــاحث عنــد‬
‫وصف هذه التجربة النقدية‪ ،‬بل ناقش كثيرا من القضــايا‪ ،‬مبــديا‬
‫رأيه وملحظاته في استقامة بعضها‪ ،‬وتعارض البعض الخر مــع‬
‫)( حميد لحمداني‪ ،‬بنية النص السردي من منظور النقد الدبي‪ ،‬ص‪ 2 .‬من‬ ‫‪1‬‬
‫التقديم‪.‬‬
‫))(( المرجع السابق‪ ،‬ص‪2 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪23 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫ـ ‪ 61‬ـ‬
‫)‪(4‬‬
‫الفرضيات المقدمة من قبل الباحثين أنفسهم‪.‬‬
‫ويعلل حميد لحمداني إسهابه في وصــف النظريــة البنائيــة‬
‫للسرد بمبررات منهجية‪ ،‬إذ تقتضي الضرورة العلميـة ــ حسـب‬
‫رأيه ـ تمّثل هذه النظرية‪ ،‬واستيعابها قبل البحــث عــن تجلياتهــا‬
‫في العمال النقدية العربية‪) .‬ص‪(4 .‬‬
‫ويدخل الموضوع الــذي يشــتغل عليــه البــاحث )بنيــة النــص‬
‫السردي( في مجال "نقد النقد"‪ ،‬وهذا ل يعفيه ـ ـ فــي نظرنــا ـ ـ‬
‫من تحصيل معرفة يفــترض أنهــا تكــون أكــثر مــن معرفــة ناقــد‬
‫البداع‪ .‬إل ّ أن تقديم هذه المعرفة النقديــة عــبر منهــج تركيــبي‪،‬‬
‫وضع حميد لحمداني ضمن الخانة التي كان يعيب على أصحابها‬
‫تبنــي هــذا المنهــج التركيــبي‪ ،‬حيــث كـانت تقــدم تلـك المعرفــة‬
‫مبتورة عن مظاّنهـا‪ ،‬وســياقاتها الثقافيـة‪ ،‬فهـي ل تســتقيم فــي‬
‫صورتها المجّزأة‪ ،‬وقد تحيل على دللت متناقضة مع ما وضعت‬
‫لـه أصل‪.‬‬
‫وعند النتقال إلى دراسة المقاربة البنيوية للنــص الســردي‬
‫العربي )الرواية خاصة(‪ ،‬من خلل ُبعــدْيها‪:‬النظــري والتطــبيقي‪،‬‬
‫اختار الباحث ثلثــة نمــاذج لدراســة الطــرح النظــري فــي هــذه‬
‫الدراسات‪ ،‬ونموذجا واحدا للدراسة التطبيقية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ اللسنية والنقد الدبــي فــي النظريـة والممارسـة‪ ،‬للــدكتور‬
‫موريس أبو ناضر‪.(1979) ،‬‬
‫‪ 2‬ـ نقد الروايــة مــن وجهــة نظــر الدراســات اللغويــة الحديثــة‪،‬‬
‫للدكتورة نبيلة إبراهيم‪.(1980) ،‬‬
‫‪ 3‬ـ القـراءة والتجربــة‪ ،‬حـول التجريــب فـي الخطــاب الـروائي‬
‫بالمغرب‪ ،‬للدكتور سعيد يقطين‪.(1985) ،‬‬
‫‪ 4‬ـ بناء الرواية )دراسة تطبيقية مقارنة لثلثية نجيب محفوظ(‪،‬‬
‫لســـــــــــــــــــــــــــــــــيزا قاســـــــــــــــــــــــــــــــــم‪،‬‬
‫)‪ .(1985‬وهو النموذج الوحيد للدراسة التطبيقية البنائية‪.‬‬
‫ينطلق الباحث من فرضية مؤداهــا أن دراســته ذات طــابع‬
‫وصفي‪ ،‬فهي ل تقف مع البنيوية‪ ،‬ول ضدها‪ ،‬ولكنها تتلمس عــبر‬
‫نظرتهـــا‪ ،‬وممارســـتها‪ ،‬تحديـــد قيمتهـــا المنهجيـــة‪ ،‬وفعاليتهـــا‬
‫الجرائية‪ ) .‬بنية النص السردي‪ ،‬ص‪ 3 .‬ـ ‪ (4‬غير أن الممارســة‬
‫الفعلية كشفت أن الباحث لم يلتزم بالهداف التي حددها‪ ،‬فهــو‬
‫يشير إلى الجوانب الســلبية فــي الدراســات البنيويــة‪ ،‬كإهمالهــا‬
‫م‪ ،‬وهو التقويم الجمالي الذي يتضمن أحكام القيمــة‪.‬‬ ‫لعنصر مه ّ‬
‫)ص ‪ 96‬ـــ ‪ (134‬ويــؤول هــذا التحــول عــن المجــرى البنيــوي‬
‫بالنحرافات التي تعرفها هــذه التحاليــل الــتي ل تلــتزم بطابعهــا‬
‫البنيوي عند الممارسة‪ ،‬وهو النحراف الذي وقع فيه الناقد دون‬
‫وعــي منــه‪ ،‬وقــد يتنــاقض مــع اختيــاره النظــري‪ ،‬حيــث يــتراوح‬
‫موقفه بين التحليل الداخلي للنــص والتحليــل الخــارجي لـــه‪ ،‬إذ‬
‫يؤكد في أكثر من موقف على ضرورة رصد الدللت التاريخيــة‬
‫والجتماعية والنفسية‪ ،‬وتفسيرها‪ ،‬لننا نعثر ـ فــي رأيــه ــ علــى‬
‫منجم ضخم لها في النصوص البداعية‪) .‬ص‪ 121 .‬ـ ‪(141‬‬

‫‪ 2‬ل للللللل للل لللللل لللللل‪:‬‬


‫ُيعد البــاحث عبــد الحميــد بورايــو مــن الــرّواد المؤسســين‬
‫للحركة السيميائية في الجزائر‪" ،‬ظهرت دعوته إلى هــذا التيــار‬
‫في وقت مبكر من خلل الدروس التي كان ُيلقيهــا علــى طلبــة‬
‫معهــد اللغــة العربيــة وآدابهــا بجامعــة تلمســان‪ ،‬فــي بدايــة‬
‫انظر الفصل الخاص بالفضاء الحكائي‪ ،‬ص‪ .‬ص‪(5373) .‬‬ ‫‪() 4‬‬

‫ـ ‪ 62‬ـ‬
‫مل بقطيعـــة‬ ‫مح ّ‬
‫شـــكلت ــــ وقتهـــا ــــ حادثـــا ُ‬‫)‪(1‬‬
‫الثمانينيـــات‪،‬‬
‫إبستيمولوجية‪" .‬‬
‫دة)‪ (2‬منذ‬‫وقد ظهرت ثمار جهود هذا الباحث في دراسات ع ّ‬
‫بداية الثمانينيات‪ ،‬كـ‪ ":‬القصص الشعبي في منطقــة بســكرة" )‬
‫‪ ،(1986‬الــذي تبنــى فيــه المنظــور المورفلــوجي الــبروبي فــي‬
‫تحليل القصص الشــعبي‪ ،‬بالضــافة إلــى تقــديم بعــض المبــادئ‬
‫الولية في النظرية السيميائية‪ .‬ويعتبر الدكتور رشيد بــن مالــك‬
‫ـث مؤسســا للتــوجه الســيميائي فــي الجــزائر والعــالم‬ ‫)‪(3‬‬
‫هذا البحـ‬
‫العربي‪.‬‬
‫مؤلفه "منطق السرد‪ ،‬دراسات فــي القصــة الجزائريــة‬ ‫ّ‬ ‫ما ُ‬
‫أ ّ‬
‫الحديثــة" )‪ ،(1994‬فُيعــد ّ إنجــازا ً مهمــا ً فــي تحليــل الخطــاب‬
‫السردي‪ ،‬لبساطة خطابه النقدي‪ ،‬ووضوح مقاصده‪.‬‬
‫مؤّلف مسار طرق البحــث لــدى عبــد الحميــد‬ ‫ويرسم هذا ال ُ‬
‫بورايو‪ ،‬منذ نهاية السبعينيات‪ ،‬الذي تمّثل في مجموعة مقالت‪،‬‬
‫ومداخلت‪ ،‬ساهم بها صاحبها في حركــة دراســة الدب العربــي‬
‫الحــديث بــالجزائر‪ ،‬يجمــع مــا بينهــا العنايــة بظــاهرة الســرد‬
‫ـث‪(4‬عــن وســائل إجرائيــة تســاعد علــى‬ ‫)‬
‫القصصي‪ ،‬ومحاولة البحـ‬
‫تحليل النصوص السردية‪.‬‬
‫وتكمن أهمية هذا المؤّلف في المادة العلمية الــتي رصــدها‬
‫صــص‬ ‫خ ّ‬
‫الكاتب في "المدخل المنهجــي"‪ ،‬وهــو مبحــث نظــري‪ُ ،‬‬
‫جْزٌء منه للحــديث عــن "البنيــة التركيبيــة للقصــة" مــن منظــور‬ ‫ُ‬
‫المدرسة الشكلنية المتمثل ـ خاصة ـ فــي تجربــة بــروب‪ ،‬ومــا‬
‫مــة‬
‫دمت إضــافات مه ّ‬ ‫سبقها من جهود‪ ،‬وما تلها من دراسات ق ّ‬
‫فــي موضــوع تحليــل النصــوص الســردية‪ ،‬ل غنــى للبــاحث‬
‫المتمرس وغير المتمرس عنها‪.‬‬
‫يتشكل القسم الول من هــذه الدراســة مــن الموضــوعات‬
‫التية‪:‬‬
‫ـ نحو منهج لدراسة النص الدبي‪.‬‬
‫ـ البداع الدبي والتراث‪.‬‬
‫ـ ـ أزمــة تــدريس نصــوص الدب العربــي فــي المؤسســات‬
‫التعليمية‪.‬‬
‫ـ البنية التركيبية للقصة‪.‬‬
‫مـا القسـم الثـاني‪ ،‬فقـد خصصـه لمقاربـات حــول القصـة‬ ‫أ ّ‬
‫القصيرة الجزائرية‪ ،‬بحث فيه‪:‬‬
‫ـ الجساد المحمومة‪ ،‬لسماعيل عموقات‪.‬‬
‫ـ الجنين العملق‪ ،‬لسماعيل عموقات‪.‬‬
‫ـ مجرد لعبة‪ ،‬لحمد منور‪.‬‬
‫‪ () 1‬رشيد بن مالك‪ ،‬البنية السردية في النظرية السيميائية‪ ،‬دار الحكمة‪،‬‬
‫‪2000‬ص‪31 .‬‬
‫‪ () 2‬أهم مؤلفات الدكتور بورايو‪:‬‬
‫ـ القصص الشعبي في منطقة بسكرة‪ ،‬دراسة ميدانية‪ ،‬المؤسسة الوطنية‬
‫للكتاب‪ ،‬الجزائر‪.1986 ،‬‬
‫ـ عيون الجازية‪ ،‬مجموعة قصصية‪ ،‬المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪.1984 ،‬‬
‫ـ الحكايات الخرافية للمغرب العربي‪ ،‬دراسة تحليلية في"معنى المعنى"‬
‫لمجموعة من الحكايات‪ ،‬دار الطليعة ‪ ،‬بيروت‪.1992 ،‬‬
‫‪.Les contes populaires algériens d'expression arabe, OPU, Alger, 1994 -‬‬
‫‪ -‬منطق السرد‪ ،‬دراسات في القصة الجزائرية الحديثة‪ ،‬ديوان المطبوعات‬
‫الجامعية‪.1994 ،‬‬
‫‪ (()) 34‬رشيد بن مالك‪ ،‬البنية السردية في النظرية السيميائية ‪ ،‬ص‪31 .‬‬
‫عبد الحميد بورايو‪ ،‬منطق السرد‪ ،‬صفحة الغلف الخارجي ‪.‬‬
‫ـ ‪ 63‬ـ‬
‫ـ آدم وحواء والتفاحة‪ ،‬لبوعلم كحال‪.‬‬
‫ول يتناسب هذا القسم من حيث الحجم )‪ 69‬ـ ‪ ،(92‬وقيمة‬
‫المادة العلمية مع القسمين الخرين‪ ،‬فهو عبــارة عــن مقــولت‬
‫نقدية نشرت في بعض الجرائد اليومية الوطنيــة‪ ،‬فــي الفــترة )‬
‫‪ 1979‬ـ ‪.(1989‬‬
‫وخصص القسم الثالث لمقاربات حــول الروايــة الجزائريــة‬
‫)باللغة العربية(‪ ،‬بحث فيه القضايا التية‪:‬‬
‫ـ الروح الملحمية في رواية "التفكك" لرشيد بوجدرة‪.‬‬
‫ـ توظيف التراث الشعبي في بناء الرواية الجزائرية‪.‬‬
‫ـ المكان والزمان في الرواية الجزائرية‪:‬مدخل‪.‬‬
‫ـ الجازية والدراويش"لعبد الحميد بــن هدوقــة" والمشــروع‬
‫الروائي‪.‬‬
‫ـ الجازية والدراويش وثنائية المكنة‪.‬‬
‫ـ استعمال الزمن في الجازية والدراويش‪.‬‬
‫ـ حّيز نص رواية"نــوار اللــوز" )لواســيني العــرج( ومفاتيــح‬
‫الولوج للعمل الروائي‪.‬‬
‫ـ نظام المكنة في رواية "نوار اللوز" وقيمته الرمزية‪.‬‬
‫ـــ انبثــاق المعنــى فــي روايــة " رائحــة الكلــب" )لجيللــي‬
‫خلص(‪.‬‬
‫اعتــبر الكــاتب المقــالت المشــكلة للقســم الول مــدخل‬
‫منهجيــا لموضــوعه الساســي‪ ،‬وهــو‪" :‬دراســات فــي القصــة‬
‫الجزائرية الحديثة"‪ ،‬وتبدو موضوعات هذا القسم متنــافرة لول‬
‫وهلة‪ ،‬لكنها تتخذ مــن النــص الســردي موضــوعا لهــا‪ ،‬وقاســمها‬
‫المشترك هو التعريـف بالمناهـج النقديـة فـي تحليـل النصـوص‬
‫السردية‪.‬‬
‫كتبت هذه المقالت في فترات متقطعة‪ ،‬ما بين‪ 1981) :‬ـ ـ‬
‫‪ ،(1991‬وهــي المرحلــة الــتي عرفــت نضــج البــاحث علميــا‪،‬‬
‫وتمرســه فــي مجــال الكتابــة النقديــة‪ ،‬والتــأليف الكــاديمي‪،‬‬
‫والتدريس‪.‬‬
‫يتعــرض المؤلــف فــي العنصــر الول"نحــو منهــج لدراســة‬
‫النص الدبي" إلى مسألة التعامل مع النص الدبي التي طرحها‬
‫الشكلنيون الروس‪ ،‬منذ بداية القرن العشرين‪ ،‬وتمحور حولهــا‬
‫الجدل فــي الثلثينيــات مــن ذلــك القــرن‪ ،‬كمــا كــانت مــن أهــم‬
‫المسائل التي طرحها النقد الجديد بفرنسا‪ ،‬غير أنه لحظ تــأخر‬
‫ظهور هذا الطرح في الدراسات العربية‪) .‬ص‪(2 .‬‬
‫ويلخــص منهــج دراســة النــص الدبــي فــي الجابــة علــى‬
‫السؤالين التيين‪:‬‬
‫"كيـف تتـم مواجهــة النصـوص الدبيـة؟ ومـا هـي الوسـائل‬
‫الكفيلة بمعالجة صائبة لنص أدبي معّين؟" )ص‪(2 .‬‬
‫ويستعين المؤّلف في إجابته على الطرح السابق بمقــولت‬
‫الشــكلنيين الــروس‪ ،‬ومنهجهــم فــي تحليــل النصــوص الدبيــة‪،‬‬
‫ويتعلق المر بتحديد موضــوع الدراســة الدبيــة‪ ،‬والــتركيز علــى‬
‫جانب الدبية فيهــا‪ ،‬ويســتبعد أيــة مقاربــة أخــرى ل تتعامــل مــع‬
‫النص الدبي من الداخل‪ ،‬وهو لذلك يقــول‪":‬إن العلــوم الخــرى‬
‫يمكن أن تفيد‪ ،‬لكنها لــن تفيــدنا علمــا بأشــياء مهمــة بخصــوص‬
‫الموضوع الساسي للدراسة الدبية‪)" .‬ص‪(3 .‬‬
‫ـ ‪ 64‬ـ‬
‫وفي المبحـث الرابـع ‪" :‬البنيـة التركيبيـة للقصـة"‪ ،‬يتعــرض‬
‫الكاتب للحديث عــن الدراســات النقديــة للقصــص‪ ،‬فيلحــظ أن‬
‫الريادة كانت )لجوزيف بيديي ‪ (J. Bédier‬الذي نشــرت أعمــاله‬
‫في نهاية القرن التاسع عشر‪ .‬وقد اعتبر هذا )العالم الفرنســي‬
‫ـ كذا ـ ( أن" للقصة كيانا عضويا حيا‪ ،‬يتم هدمه بمجرد إســقاط‬
‫أحد مكوناته الساسية‪)" .‬ص‪(18 .‬غير أن هــذا الناقــد انصــرف‬
‫إلى مقارنات بين الروايــات القصصــية فــي عناصــرها الشــكلية‬
‫الثابتة‪ ،‬دون أن يهتم بتحديد هذه العناصر‪ ،‬ووصف الكيفية الــتي‬
‫تعمل بها‪ .‬وهو ما قام به )العالم الروسي فلديمير بروب( فيمــا‬
‫بعد في كتابه "مورفلوجيــة الحكايــة الخرافيــة الروســية"‪) .‬ص‪.‬‬
‫‪(18‬‬
‫ّ‬
‫وقد أبرز المؤلف أهمية كتاب "بروب"‪ ،‬من حيث هو قراءة‬
‫نقديــة للجهــود الــتي ســبقته‪ ،‬ويتعلــق المــر بـ ـ فسلوفســكي‪،‬‬
‫وبيديي‪ ،‬وفولكوف(‪ ،‬ومن حيــث هــو مــادة تعرضــت لنتقــادات‪،‬‬
‫لخصـت التجـاه العـام الــذي ســلكته النظريـات الـتي تجـاوزت‬
‫ميـــراث بـــرووب‪ ،‬كأعمـــال آلن دنـــدس‪ ،‬وليفـــي ســـتروس‪،‬‬
‫وغريماس‪ ،‬وتودوروف‪ ،‬وكلود بريموند‪.‬‬
‫وقد كان َتمّثل الكاتب لهذه النظريــات فــي أصــولها دقيقــا‪،‬‬
‫وواضــحا‪ ،‬وأمينــا فــي نقــل الحصــيلة العلميــة المعرفيــة‪ ،‬دون‬
‫تحريف أو تبسير‪.‬‬
‫واستفاد الكاتب في دراساته للقصة الجزائرية الحديثة مــن‬
‫المناهج الغربية في تحليل النصوص السردية‪ ،‬ونظــرا لشــفافية‬
‫طرحه‪ ،‬ووضوح تحليله المتمثلي ْــن فــي تحديــد الموضــوع بدقــة‪،‬‬
‫وحصر الفرضيات التي ينطلق منهـا‪ ،‬والمـآل الـذي يصــبو إليــه‪،‬‬
‫والعلن عن المرجعية التي يتبناها ويعتمدها في إنجــاز بحــوثه‪،‬‬
‫كان من السهل التعامل والتحاور مع أعماله في ضوء المقارنــة‬
‫بين التنظير مــن جــانب والممارســة التحليليــة والتطبيقيــة مــن‬
‫جانب آخر‪ .‬ثم إن اختياره للمنهجين‪ :‬البنائي والسيميائي‪ ،‬جعله‬
‫يميل إلى الدراسة الداخلية للنصوص‪ ،‬مــع أنــه ل ينكــر صــراحة‬
‫وجود ارتباط بين الرواية والمجتمع‪ (1) ،‬بدعوى أن هذا الجــانب‬
‫مــن اختصــاص حقــول معرفيــة أخــرى‪ ،‬كموقــف الشــكلنيين‬
‫مــن‬‫الروس‪ ،‬وبعض النقاد الشاعريين )نسبة إلــى الشــعرية(‪ ،‬م ّ‬
‫تبنوا المنهج البنائي بصورته الحرفية التي ترفض تخطــي البنــى‬
‫الداخلية للنص ذاته‪ .‬ومن بين هؤلء "تودوروف" في كتابه‪" :‬مــا‬
‫‪ "Qu’est ce que le Structuralisme‬عندما تعرض لمفهوم‬ ‫البنيوية‬
‫الشعرية‪ (2) ،‬حيث كان يعتقد أن وحدة العلــم ل تتحــدد بوحــدة‬
‫الموضوع‪ ،‬ذلك أن مادة واحدة يمكن أن تكون موضوعا للبحث‬
‫من طرف علوم مختلفة‪ ،‬وتظل هذه العلوم مــع ذلــك مســتقلة‬
‫بعضها عن بعض‪ ،‬بحيث يستقل كل منهج بنفسه‪ ،‬حتى ل يتحول‬
‫علم الدب إلى حظيرة ُتطبق فيها المفاهيم بطريقة ميكانيكية‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬

‫وتوحي كثرة الحالت‪ ،‬وتنوعها إلى أن اعتماد الباحث على‬


‫أعمال الشكلنيين ومن جاؤوا بعدهم‪ ،‬كليفي ســتروس‪ ،‬ورولن‬
‫بــارت‪ ،‬وتــودوروف‪ ،‬وغريمــاس‪ ،‬وكلــود بريمونــد‪ ،‬وغيرهــم مــن‬
‫النقاد الذين كان لهم حضور علــى الســاحة النقديــة ابتــداء مــن‬
‫النصــف الثــاني مــن القــرن العشــرين‪ ،‬ســببه هــو أن هــؤلء‬
‫الباحثين‪ ،‬تحروا في دراساتهم ونقــودهم الموضــوعية‪ ،‬وابتعــدوا‬
‫عن الحكام المســبقة‪ ،‬بالضــافة إلــى مســتوى النضــج العلمــي‬
‫)( صرح الباحث في مناسبات كثيرة أثناء مناقشة بعض البحوث الكاديمية بهذا‬ ‫‪1‬‬
‫المضمون‪.‬‬
‫)( ‪T. TODOROV, Qu’est ce que le structuralisme, In. Poétique, Ed. Du Seuil,‬‬ ‫‪2‬‬
‫)(‪1973,P. 2223‬‬
‫‪.Ibid. P. 23‬‬ ‫‪3‬‬

‫ـ ‪ 65‬ـ‬
‫الذي وصــلت إليــه هــذه البحــوث فــي إقامــة نظريــات تســندها‬
‫دراسات تطبيقية متنوعة‪ ،‬وجهت البحث الدبــي نحــو المعالجــة‬
‫العمودية‪.‬‬
‫ما الموضــوعات المشــكلة للقســم الثــاني والثــالث‪ ،‬فهــي‬ ‫أ ّ‬
‫عبارة عن دراسات تطبيقية متنوعة للقصة والروايــة الجزائريــة‬
‫مــن خلل مدونــة مختــارة بشــكل دقيــق‪ ،‬راعــى فيهــا البــاحث‬
‫تحقيق النسجام بين المدخل النظري وما طرح فيه من قضــايا‬
‫نقدية‪ ،‬وما نقــل عــن الغــرب مــن مناهــج فــي تحليــل الخطــاب‬
‫الروائي والقصصي بشكل عام‪ .‬وقــد تحقــق لـــه ذلــك‪ ،‬إذ نــراه‬
‫يستثمر قراءاتــه للمنهــج الشــكلني والبنيــوي والســيميائي فــي‬
‫مقاربة النصوص السردية العربية‪ ،‬محققا أهدافا علمية كان من‬
‫نتائجها وضع العمال المدروسة في سياقها الزماني والمكــاني‪،‬‬
‫ومواجهتها بالنقد الدبــي الجمــالي‪ ،‬بعيــدا عــن النظــام العســير‬
‫الذي كان ي ُــواجه النصــوص البداعيــة بالحكــام الجــاهزة‪ ،‬الــتي‬
‫تنصرف ـ غالبا ـ عن النصوص‪ ،‬وتنهال على أصــحابها بحثــا عــن‬
‫أصولهم وفروعهــم‪ ،‬وثقــافتهم‪ ،‬وبيئتهــم الجغرافيــة والسياســية‬
‫والجتماعية‪.‬‬
‫اقترح عبد الحميد بورايو عددا مــن الموضــوعات الجــديرة‬
‫بمقاربة القصة القصيرة والرواية كالبحث في "الروح الملحمية‬
‫في رواية التفكك" لرشيد بوجدرة‪ ،‬و"توظيف الــتراث الشــعبي‬
‫في بنــاء الروايــة"‪ ،‬ودراســة بنيــة المكــان والزمــان فــي روايــة‬
‫الجازية والدراويش "لعبد الحميد بن هدوقة‪ ،‬ونوار اللوز للعرج‬
‫واســيني‪ ،‬وهــي دراســة تصــنيفية وتحليليــة للمكنــة والزمنــة‬
‫الموظفة في النصين الروائيين‪.‬‬
‫وتنطلق مقاربة توظيــف المكــان والزمــان فــي النمــوذجْين‬
‫الروائي ّْيــن المختــارْين مــن َالمفهــوم الــذي يــرى فــي هــذين‬
‫العنصرْين بنيتْين تشــاركان أبنيــة أخــرى فــي تحقيــق إمكانيــات‬
‫الرواية عن طريق خطابها‪) .‬منطق السرد‪ ،‬ص‪(116 .‬‬
‫وقــد فــرق المؤّلــف فــي دراســته بيــن الحّيــز النصــي ‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫والمتمثل في الصورة الشكلية التي تقدم بهــا الروايــة للقــارئ‪،‬‬
‫من حيث ترتيب أقسامها‪ ،‬وما يتعلق بعنوانها‪ ،‬وعناوين فصولها‪،‬‬
‫وبين الحّيز المكاني الذي يشمل الماكن‪ ،‬ســواء منهــا المتخيــل‬
‫أو الفعلي الذي لـه وجود عينــي‪ ،‬ومرجعيــة واقعيــة‪) .‬ص‪(116.‬‬
‫وهــو طــرح جــدير بالهتمــام‪ ،‬لــم تعودنــا الدراســات النقديــة‬
‫الكلسيكية التدقيق فيه‪ ،‬ولكن ُيعزى ذلك للتطــور الــذي عرفــه‬
‫الخطــاب النقــدي الحــديث‪ ،‬والحمولــة المعرفيــة الــتي أصــبح‬
‫يمتلكهـــا ويســـتخدمها فـــي معالجـــاته‪ ،‬والســـاليب الجرائيـــة‬
‫المستحدثة‪ ،‬وهي كلها عناصر إيجابية وظفــت فــي هــذا البحــث‬
‫المتمّيز‪.‬‬
‫ما البنية الزمنيــة فنظــر إليهــا فــي انتظامهــا )علقــة زمــن‬‫أ ّ‬
‫بزمن الحداث من ناحية‪ ،‬وعلقة أزمنة الحداث ببعضــها‬ ‫ُ‬ ‫القص‬
‫من ناحية أخرى(‪ ،‬كما نظر إليها فــي ديمومتهــا‪ ،‬أي فــي علقــة‬
‫امتــداد الفــترة الزمنيــة الــتي تشــغلها الحــداث بامتــداد الحيــز‬
‫النصي‪) .‬ص‪(116 .‬‬
‫وهو ما يعكس بصدق مستوى تمّثل النظريات الغربيــة فــي‬
‫تحليــل النصــوص الســردية‪ ،‬ويتعلــق المــر بأعمــال تــودوروف‪،‬‬
‫وغريمــاس‪ ،‬وجيــرار جينيــت‪ ،‬وكلــود بريمونــد‪ .‬وقــد مك ّــن هــذا‬
‫ث من الوصول إلى نتائج نقديــة حققــت فــي‬ ‫التمثل الجيد الباح َ‬
‫‪ () 1‬الفضاء النصي الذي اشتهر به ميشال بوتور )‪ ،(Michel Butor‬والمتعلق بتتبع‬
‫الفضاء النصي كتقسيم الرواية إلى فصول‪ ،‬وانتشار الكتابة على الصفحات‪،‬‬
‫وهو فضاء عادي يتناسق مع الفضاء الروائي ويستحق بدوره الدراسة‪.‬‬
‫انظر‪:‬ميشال بوتور‪ ،‬بحوث في الرواية الجديدة‪ ،‬ترجمة‪:‬فريد أنطونيوس‪،‬‬
‫منشورات عويدات‪.1971 ،‬‬
‫ـ ‪ 66‬ـ‬
‫مجملها ما كان يهدف إليه‪ ،‬وهــو‪ :‬الكشــف عــن طبيعــة العلقــة‬
‫بين البنية المكانية والزمنية والمضمون اليــديولوجي للروايــات‬
‫والقيم الرمزية التي يحملها هذا المضمون‪.‬‬
‫‪ 3‬ل للللللل لللل لل لللل‪:‬‬
‫ينــدرج مشــروع رشــيد بــن مالــك الســيميائي فــي تحليــل‬
‫النصوص السردية‪ ،‬ضمن علم الدب‪ ،‬وإن كان هو نفسـه‪ ،‬يـرى‬
‫أن الحديث عن علم الدب فــي الوضــع الراهــن للبحــث ســابق‬
‫لوانه لعتبارات ثلثة يحددها فيما يأتي‪:‬‬
‫أولها‪ :‬إن الحديث عن علم الدب يعني أن مسألة العلميــة‬
‫محسومة سلفا‪ ،‬بوجود قوانين علمية للدب‪ ،‬على نحــو مـا هــي‬
‫موجودة في العلوم التجريبية‪ ،‬ويملي هذا –على أهميته ـ بعــض‬
‫التحفظات‪ ،‬ذلك أن علــم الدب فــي الفكــر النقــدي الوروبــي‪،‬‬
‫تقف وراءه تيارات فكرية عرفت تطورات يصعب معهــا تــدقيق‬
‫ما نعنيه بموضوع هذا العلم‪.‬‬
‫ثانيهــا‪ :‬إن موضـــوع علــم الدب‪ ،‬مــن منظـــور رومــان‬
‫ياكبسون‪ ،‬يتجسد في الدبية بوصفها قاعدة تجيز لنا التمييز بين‬
‫الدبــي وغيــر الدبــي‪ ،‬ويظــل الحــديث عــن علــم الدب يــثير‬
‫تســاؤلت تكــون الجابــة عنهــا مشــروطة بالمعاينــة التاريخيــة‬
‫للممارسات النظرية التي أفرزت خطابا نقديا مبنيا علــى رؤيــة‬
‫جديدة للدب‪.‬‬
‫ثالثها‪ :‬بدأت الرؤيــة العلميــة تتبلــور مــع بدايــة الســتينيات‬
‫حيث تشــكلت مرحلــة حاســمة ومتميــزة فــي التنظيــر النقــدي‬
‫بظهور كتاب"علم الدللة البنيــوي" لغريمــاس )لروس ‪،(1966‬‬
‫حسب تعبير "كوكي ‪ "J. L. Coquet‬بحثا حقيقيــا فــي‬ ‫)‪(1‬‬
‫الذي يعد‬
‫السيميائية‪.‬‬
‫فالتحفظ الذي أبداه البــاحث‪ ،‬ل ُيلغــي قيــام مشــروع علــم‬
‫الدب‪ ،‬وإنما يشير فقط إلى أن الحديث عنه سابق لوانه‪ ،‬على‬
‫اعتبار أن الظروف الـتي هّيـأت لقيـام هـذا العلـم فـي الغـرب‪،‬‬
‫وأسست لـه عبر تيارات نقدية متلحقة‪ ،‬ومتقاطعــة أحيانــا‪ ،‬لــم‬
‫يعرف النقد العربي مثيل لها‪ ،‬ول يمكن أن تتكرر علــى المنــوال‬
‫نفسه في الثقافة العربية‪ ،‬بالضافة إلى عوامــل أخــرى كنقــص‬
‫في الستعداد لدى البــاحثين العــرب فــي التعامــل مــع المناهــج‬
‫الحداثية‪ ،‬في غمرة هيمنة المناهج التقليديــة المـــألوفة‪ ،‬وكــثيرا‬
‫ما تحول الخوف من المناهج الجديدة إلــى حركــة رافضــة لكــل‬
‫التيارات الوافدة من الغرب‪ ،‬ولعل هذا مــا دفــع البــاحث رشــيد‬
‫بن مالك إلى إثارة مسألة تأجيل الحديث في علم الدب‪ ،‬لعــدم‬
‫وجود خطاب نقدي علمي بالمواصفات الكاديمية‪ ،‬وذلك نتيجــة‬
‫ما كان يشعر به من إقصاء للتيــار الجديــد‪ ،‬والتشــبث بالمناهــج‬
‫الكلسيكية‪ ،‬لدرجة النصــهار بهــا دون تقــديم أي مــبرر علمــي‪،‬‬
‫م‬
‫ودون عناء البحث لفهم التوجهــات النقديــة الجديــدة‪ ،‬ومــن ث ـ ّ‬
‫ـة‪(2‬الــتي‬
‫)‬
‫رأى أن هناك ما يدعو إلى التفكير فــي الطريقــة العلميـ‬
‫تقنع القارئ العربي‪ ،‬وتدفعه إلى تلقي الرسالة العلمية‪.‬‬
‫ومن العمال المنجزة للباحث رشيد بــن مالــك فــي مجــال‬
‫مناهج تحليل النصوص السردية‪:‬‬
‫ــ البنيــة السـردية فــي النظريـة الســيميائية‪ ،‬دار الحكمـة‪،‬‬
‫الجزائر‪.2000 ،‬‬
‫ـ قــاموس مصــطلحات التحليــل الســيميائي للنصــوص‪ ،‬دار‬
‫)( رشيد بن مالك‪ ،‬قراءة سيميائية في قصة العروس للروائي غسان كنفاني‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫)(مجلة معهد اللغة العربية وآدابها‪ ،‬ع‪ ،12/‬جامعة الجزائر‪ ،1997 ،‬ص‪.374375 .‬‬
‫رشيد بن مالك‪ ،‬قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫)إنجليزيفرنسيعربي(دار الحكمة‪ ،‬الجزائر‪ ،2000 ،‬ص‪10 .‬‬
‫ـ ‪ 67‬ـ‬
‫الحكمة‪ ،‬الجزائر‪.2000 ،‬‬
‫وللباحث عدد من الدراســات الكاديميــة‪ ،‬نشــر بعضــها فــي‬
‫لت الوطنية والدولية‪ ،‬كما نشرت لـه بحوث مترجمــة فــي‬ ‫المج ّ‬
‫مجال السيميائيات‪.‬‬
‫ويهدف الدكتور رشيد بـن مالـك مـن خلل هـذا المشــروع‬
‫العلمي إلى تأسيس منهج فــي قــراءة النظريــات الغربيــة الــتي‬
‫ظلت في العالم العربي تقرأ مجتزأة‪ ،‬تقدم غالبا مفصــولة عــن‬
‫إطارهــا المعرفــي وســياقها الثقــافي‪ ،‬وتــدرجها التكــويني‪ ،‬ممــا‬
‫جعلهــا تخــرج فــي كــثير مــن الحيــان عــن أهــدافها المنشــودة‪،‬‬
‫انجرت عنها تأويلت خاطئة لكثير مـن النظريــات النقديــة الــتي‬
‫ألفنـــا التعامـــل معهـــا‪ ،‬كـــالبحث فـــي البنيويـــة والســـلوبية‬
‫والسيميائية‪ ،‬بحيث كــانت هــذه النظريــات تقــدم مفصــولة عـن‬
‫التيارات التحتية التي كان لهــا عميــق الثــر فــي تأصــيل قواعــد‬
‫البحث العلمي‪ ،‬وتقوية الحس المنهجي في الممارسة النقديــة‪،‬‬
‫المعتمدة فــي التحليــل الســيميائي المعاصــر‬
‫)‪(1‬‬
‫وبناء المصطلحية‬
‫ذي التوجه الغريماسي‪.‬‬
‫وهذا التوجه في البحث من شأنه إبــراز الفــروق الجوهريــة‬
‫ســر للقــارئ العربــي تــبين مســتويات‬ ‫بين كل تيــار‪ ،‬وبالتــالي ُيي ّ‬
‫التحليل السيميائي‪ ،‬وفهم الخلفيــات الحقيقيــة الــتي تقــف وراء‬
‫المهيمنة على عــدد‬
‫)‪(2‬‬
‫المعيقات المنهجية‪ ،‬والتضاربات المفهومية‬
‫غير قليل من البحوث السيميائية العربية الراهنة‪.‬‬
‫ويعتبر رشيد بن مالك مؤلفه "البنية السردية فــي النظريــة‬
‫السيميائية" امتدادا لمشروعه حول السيمايئية من حيث الطار‬
‫المنهجي العام الذي يقوم عليه التدقيق في المفــاهيم النظريــة‬
‫والشتغال بالمصــطلح الســيميائي‪ ،‬وقــد عــزز البــاحث مســعاه‬
‫بتقديم نماذج تطبيقية تعكس الدراسة العمودية للنــص الدبــي‪،‬‬
‫وهو الجانب الغائب فــي الدراســات العربيــة‪ ،‬الــتي تركــز غالبــا‬
‫على الدراسة الفقية‪ ،‬وإن غــامرت فــي الجمــع بيــن التــوجهين‬
‫سقطت في كثير من التناقضات‪.‬‬
‫وتحتــوي الدراســة علــى ثلثــة مبــاحث رئيســية‪ ،‬يتنــاول‬
‫ون السردي والليات التي تحكمه والقواعد‬ ‫المبحث الول "المك ّ‬
‫التي تضبطه‪ ،‬بدءا من التحديد النظري للبرنامج السردي الــذي‬
‫يستند إلى تحليــل مكونــات البنيــة الســردية‪ ،‬وفحــص العلقــات‬
‫الموجودة بين الفاعل والموضوع والتي ترتهن في وجودها إلــى‬
‫تكون في تواليهــا نظامــا‬
‫)‪(3‬‬
‫مجموعة من الحالت والتحويلت التي‬
‫قادرا على كشف بنية المكون السردي‪" .‬‬
‫أما المبحث الثاني فهو ترجمة لنص يعرض فيه "برنار بوتي‬
‫‪ " Bernard Pottier‬بالنقد والتحليل لمسألة تمس إشكالية الثابت‬
‫والمتحول( في البرنامج الســردي انطلقــا مــن فرضــية تطوريــة‬ ‫)‪4‬‬
‫طبيعة‪.‬‬
‫ـ‪:‬ج‪ (.‬ك‪ .‬كــوكي‬‫)‪5‬‬
‫وقد خصص المبحث الثالث لترجمــة نــص لــ‬
‫يشمل السيرة الذاتية والعلمية ل‪:‬أ‪ .‬ج‪ .‬غريماس‪.‬‬
‫ومن جملة القضايا المتصلة بالبنيــة الســردية فــي النظريــة‬
‫السيميائية التي اهتم بها المبحث الول‪:‬‬
‫‪Enoncé conjonctif‬‬ ‫ـ الملفوظ الوصلي‪.‬‬
‫رشيد بن مالك ‪ ،‬البنية السردية في النظرية السيميائية ‪ ،‬ص‪2 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪2 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫البنية السردية في النظرية السيميائية ‪ ،‬ص‪23 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪3 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪3 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫ـ ‪ 68‬ـ‬
‫ـ الملفوظ الفصلي‪Enoncé disjonctif .‬‬
‫‪Enoncé du faire‬‬ ‫ـ ملفوظ الفعل‪.‬‬
‫وعل ّــة وجــود )ملفــوظ الفعــل( هــو التحويــل‪ ،‬ويعمــل علــى‬
‫الوصلت والفصلت التي تقوم بيــن الفاعــل وموضــوع القيمــة‪،‬‬
‫وتشتغل‪(1‬ضمن مسار سردي يبدأ بوضع أولي يفضي إلــى وضــع‬ ‫)‬
‫نهائي‪.‬‬
‫ورغبة في تقريب المفاهيم والتمثيل لها‪ ،‬يصوغ البــاحث مــا‬
‫تحقــق لـــه مــن إنجــاز عــبر رســومات توضــيحية‪ ،‬يتــوخى فيهــا‬
‫البساطة والوضوح المؤسسْين على البناء العلمــي‪ .‬ويعــزز كــل‬
‫ذلك بإحـالت تصـل بموضـوع النظريـة السـيميائية‪ ،‬وتضـع يـده‬
‫على موضوع الخلف القائم بين توجهاتها المختلفة‪ ،‬ومرجعيـات‬
‫كل توجه؛المر الذي يجعل القارئ في حل مــن أمــره إزاء كــل‬
‫توجه‪ ،‬واختيار‪ .‬كما يهّيئ له )للقارئ( أرضــية صــلبة تمكنــه مــن‬
‫اختراق حجب الضوابط التي كثيرا ما كانت تبــدو مغلقــة‪ ،‬نظــرا‬
‫لكثافــة النصــوص الصــلية فــي موضــوع الســيميائية وتراكــم‬
‫مصطلحات هذا العلم‪ ،‬ومبدأ الخــتزال الــذي تلــتزمه فــي كــثير‬
‫مـــن الحيـــان الدراســـات الغربيـــة علـــى اعتبـــار أن القضـــايا‬
‫المطروحــة فصــل فيهــا النقــاش‪ ،‬وأصــبحت أمــرا معروفــا‪ ،‬ل‬
‫يستدعي التفصيل والتفسير‪ .‬من ذلــك مثل‪ ،‬المســألة المتعلقــة‬
‫)بموضوع القيمة(‪ ،‬التي فصل فيها‪ ،‬فلم تعد موضوعا ذا قيمــة‪،‬‬
‫على اعتبار أنهـا محســومة ســلفا‪ ،‬ويكتفــي البـاحثون الغربيــون‬
‫بالحالــة علــى النجــازات)‪(2‬الــتي حققهــا غريمــاس فــي بحثــه‬
‫الموسوم‪ ،‬بـ‪:‬في المعنى‪.‬‬
‫ويعتبر كتاب ‪":‬البنية السردية في النظرية السيميائية " من‬
‫المحاولت النقدية المتميزة في الدراسات الســيميائية العربيــة‬
‫في العالم العربي‪ ،‬سواء من حيث الطرح الذي يقدمه البــاحث‬
‫عبر الفرضيات التي حددها في المقدمة‪ ،‬أو المنهج الذي يقــوم‬
‫عليه البحث بوجه عام أو النتائج المتوصل إليها‪.‬‬
‫فعــن المنهــاج‪ ،‬يلحــظ أن الدراســة جمعــت بيــن النظريــة‪،‬‬
‫والممارســة التطبيقيــة لتحليــل النصــوص الســردية‪ ،‬والترجمــة‬
‫لنصوص في النظرية الســيميائية‪ ،‬وقــد الــتزم البــاحث بتحقيــق‬
‫في إطــار‬ ‫تكامل بين الجزاء الكبرى للدراسة‪ ،‬وتعالقها‪ ،‬وتآلفها‬
‫منهجي عام‪ ،‬ل يشعر القـارئ إزاءه بالنفصـال‪ ،‬بحيـث ُأدمجــت‬
‫كل العناصر في إطار نسيج عــام‪ ،‬يقــوم علــى مقدمــة ضــابطة‬
‫للعمل وعناصر متكاملة‪ .‬فمن خلل تعرضه للبنية السردية فــي‬
‫ي الحالـة )‪ (Etat‬والتحويـل‬ ‫النظرية السيميائية يربط بين مفهوم ْ‬
‫)‪ (Transformation‬اســتنادا إلــى العلقــة الــتي يقيمهــا الفاعــل‬
‫بموضوع القيمة )‪ ،( Objet de valeur‬وبالتركيز على المفهومْين‬
‫يصف البنية السردية في النــص بأنهــا تتقــدم علــى شــكل تتــابع‬
‫المتنوعــة الــتي تــؤطر مختلــف العلقــات‬ ‫)‪(3‬‬
‫للحــالت والتحــويلت‬
‫القائمة بين العوامل‪.‬‬
‫وبهــذا التعامــل مــع المفــاهيم‪ ،‬يتجلــى المنطلــق المنهجــي‬
‫ل‪ ،‬وتــدقيقه‬‫لهذه الدراسة‪ ،‬التي تسعى إلــى ضــبط المفهــوم أوّ ً‬
‫ثانيــا عــن طريــق ربطــه بمظــاّنه الصــلية‪ ،‬والحتفــاظ بلغــة‬
‫المفهوم‪ ،‬كما وردت في الدراسة الم‪ ،‬بالضافة إلى عــرض مــا‬
‫يناسبها ‪/‬يعادلها من ترجمة في لغة الهدف‪.‬‬
‫وسعيا لليضاح‪ ،‬يلجأ الباحث إلى الســتعانة بأمثلــة بســيطة‬
‫‪ () 1‬البنية السردية في النظرية السيميائية‪ ،‬ص‪4 .‬‬
‫‪ () 2‬المرجع السابق‪ ،‬ص‪ .7 .‬حيث يشير المؤلف إلى كتاب غريماس‪:‬‬
‫‪.A. J. Greimas, Du Sens 2,Ed. Du Seuil, Paris, 1983‬‬
‫‪ () 3‬البنية السردية في النظرية السيميائية‪ ،‬ص‪4 .‬‬
‫ـ ‪ 69‬ـ‬
‫يســيرة‪ ،‬تســهل إدراك المفهــوم والتعامــل معــه‪ ،‬مــن ذلــك‬
‫مثل‪":‬تعــبر الحالــة فــي النظريــة الســيميائية عــن الكينونــة‬
‫‪]Etre‬وجدت زيدا ً مريضا[‪ ،‬أو الملــك ‪] Avoir‬يملــك زيــد ثــروة[‪،‬‬
‫العلقة‪/‬الوظيفة]و‪/‬ف[ الــتي تربــط‬ ‫)‪(1‬‬
‫وتستعمل للدللة أيضا على‬
‫الفاعل بالموضوع]ف‪ ،‬م[‪.‬‬
‫وتعتبر هذه الدراسة من البحوث العربية المؤسسة لقراءة‬
‫النظريــات الســيميائية‪ ،‬حيــث تكمــن أهميتهــا فــي مرجعيتهــا‬
‫النظرية التي يسخرها البـاحث للكشـف عـن مختلـف الجـوانب‬
‫والقضايا التي تتأسس عليها النظريات السيميائية السردية عبر‬
‫ماز بها الخطاب العلمــي المبنــي علــى‬ ‫الليات والتجليات التي ي ّ‬
‫المصـــطلحية المتماســـكة والمتجانســـة مـــن حيـــث الحـــدود‬
‫المفهومية‪ ،‬والتي استطاع الباحث نقلها‪ ،‬وتبسيطها على الرغم‬
‫مما تطرحه المصطلحات في البحوث الســيميائية العربيــة مــن‬
‫تداخل‪ .‬لذلك ألفيناه يتصدى لتحديــد مفهــومين أساســيين همــا‪:‬‬
‫مفهوم الموضوع‪ ،‬ومفهوم القيمة التي درجت البحــوث العربيــة‬
‫على اعتبارهما شيئا واحدا‪.‬‬
‫تحديد مفهوم موضوع القيمة‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ‪ 1‬في البحــوث اللســانية‪":‬ل يمكــن إدراك أو فهــم‬
‫النظام السيميائي الخاص بالقيمة في ]في المعنــى )‪[ (1983‬‬
‫ما لم ندرك أصــوله الدلليــة المســتمدة أصــل مــن دروس "ف‪.‬‬
‫دي سوسير" الذي يعود إليه الفضل في إرسـاء مفهــوم القيمــة‬
‫في الدراسات اللسانية‪ ،‬والذي أضفى المشروعية العلمية على‬
‫الدللية‪ ،‬الــتي غالبــا مــا كــانت تقصــى مــن العتبــارات‬
‫)‪(2‬‬
‫البحوث‬
‫اللسانية"‬
‫‪ 1‬ـ ‪2‬القيمة اللسانية في مظهرها المفهومي‪:‬‬
‫تحاول الدراسة التقرب من القيمة اللســانية فــي مظهرهــا‬
‫سوسير‪ ،‬فتعود إلى الحالــة علــى مــا ورد‬ ‫"المفهومي"لدى دي‬
‫فـي مـؤلفه الشـهير)‪ ، (3‬وتخلـص إلـى النتيجـة التيـة‪":‬مـا دمنـا‬
‫نكتفي بالقول بأن الكلمـة قابلـة لــ"التبـديل" بهـذا المفهـوم أو‬
‫ذاك‪ ،‬وأنها تملك هذه الدللة أو تلك‪ ،‬فإن قيمتها ليست محددة‪.‬‬
‫")‪ (4‬وهي إشارة إلى مبدأ المفارقة التي تشكل مفهــوم القيمــة‬
‫على الصعيد الدللي‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ ‪ 3‬القيمة اللسانية في مظهرها المادي‪:‬‬
‫يخلص الباحث بعد عرض مفهــوم القيمــة‪ ،‬فــي الدراســات‬
‫اللســانية إلـى أن هـذه الراء مبنيـة علـى أسـاس التماثــل بيـن‬
‫المفاهيم الخاصــة بالقتصــاد‪ ،‬وتلــك الــتي سـخرها دي سوســير‬
‫لول مرة في سياق التواصــل اللســاني‪ .‬ويشــمل هــذا التماثــل‬
‫الخاصية اللغوية داخل المجتمع حيـث تغـدو نظامـا منتجـا‪:‬فهـي‬
‫تنتج المعنى الذي يعد تشــكل دلليــا تامــا بفضــل الشــفرة الــتي‬
‫ـوعات‬‫)‪(5‬‬
‫يرتهــن إليهــا هــذا التنظيــم‪ ،‬إذ تخلــق الشــكال‪ ،‬والموضـ‬
‫اللسانية المدرجة في مدار التواصل كما يقول بنفنيست‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ في البحوث السيميائية‪:‬‬
‫وعـــن طريـــق البحـــث فـــي التـــدرج التكـــويني للنظريـــة‬
‫السيميائية السردية‪ ،‬يكشف رشــيد بــن مالـك عــن المنطلقـات‬
‫اللســانية الــتي تمثــل الســناد النظــري لغريمــاس فــي تحديــده‬
‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪4 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪1‬‬

‫البنية السردية في النظرية السيميائية‪ ،‬ص‪7 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫‪.F. de Saussure, Cours de linguistique générale. O. C‬‬ ‫)(‬ ‫‪3‬‬

‫البنية السردية في النظرية السيميائية ‪ ،‬ص‪8 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪4‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪8 .‬‬ ‫)(‬ ‫‪5‬‬

‫ـ ‪ 70‬ـ‬
‫لمفهوم الموضوع والقيمة‪ ،‬حيث يشير هذا الخيــر إلــى ظــاهرة‬
‫المزج بيــن المفهــومين لــدى الدارســين الغربييــن‪ ،‬كلمــا جــرى‬
‫الحكايــات الفلكلوريــة‪ ،‬إذ تتمــاهى القيمــة مــع‬
‫)‪(1‬‬
‫الحــديث عــن‬
‫الموضوع المرغوب‪.‬‬
‫وبعد عرض التفسيرات المختلفة للموضوع والقيمة الواردة‬
‫في كتاب "فــي المعنــى" لغريمــاس‪ ،‬تخلــص الدراســة إلــى أن‬
‫الموضوع ل يدرك في اســتقلليته بــل فــي تحديــداته‪ ،‬وأن هــذه‬
‫التحديــدات "ترتســم فــي المظهــر الخلفــي للموضــوع الــذي‬
‫يؤسس قيمته اللسانية‪ ،‬ويعد فــي الــوقت ذاتــه إســنادا مرهونــا‬
‫يلقى في‬
‫)‪(2‬‬
‫بوجود القيم‪ .‬تأسيسا على هذا‪ ،‬فإن التقاط المعنى ل‬
‫طريقه إل القيم التي يرتهن إليها الموضوع في وجوده‪" .‬‬
‫وأما القيمة" فإنها ل تتحقق في تفردها‪ ،‬ول توظــف لــذاتها‪،‬‬
‫بل تستمد وجودها من هذه الرغبــة الدفينــة الــتي تمتلــك كيــان‬
‫الفاعل وتقوده إلى الصراع مــن أجلهــا وتملكهــا‪ .‬مــن هنــا جــاء‬
‫بوصفه حّيزا توظف فيه قيــم تقــترن بالفاعــل‬ ‫)‪(3‬‬
‫تعريف الموضوع‬
‫أو تنفصل عنه‪" .‬‬
‫وتأسيسا على ما قدمنا‪ ،‬يتضح‪ ،‬أن الفاعل وموضوع القيمة‬
‫يعتــبران عنصــرين أساســيين فــي تشــكيل البرنامــج الســردي‪،‬‬
‫يستمد الول وجوده الدللي من العلقة التي يقيمها مع القيمــة‬
‫المستهدفة‪ ،‬أما الموضوع وهو العنصر الثاني في هــذه العلقــة‪،‬‬
‫فل يمثل في واقع المر إل ّ ذريعة‪ ،‬أو حيــزا تســتثمر فيــه القيــم‬
‫المستهدفة‪ ،‬ويفضي إلى توسيط العلقة بيــن الفاعــل ونفســه‪.‬‬ ‫)‪(4‬‬

‫ويندرج اختيار رشيد بن مالك لموضوع القــراءة الســيميائية‬


‫للنصوص السردية ضمن مشروع نقدي‪ ،‬يسعى من خللــه إلــى‬
‫فحص القصة العربية وفق إجراءات التحليل السيميائي‪ ،‬والنظر‬
‫في فعالية هــذه الجــراءات‪ ،‬وإمكانيــة وضــعها كقاعــدة علميــة‪،‬‬
‫تنبني عليها محاورة النصوص‪ ،‬ومساءلتها‪ ،‬وفهمهـا فهمـا يرتكـز‬
‫علــى تحليــل يســتمد ّ مشــروعيته العلميــة مــن تحديــد موضــوع‬
‫الدراسة‪(5،‬وزاوية النظر‪ ،‬وطرح الفرضيات والتحقــق منهــا أثنــاء‬
‫)‬
‫البحث‪.‬‬
‫ويقوم التحليل السيميائي للنصوص السردية –فــي منظــور‬
‫الباحث ـ على الليات التية‪:‬‬
‫ـ اعتبار النص الدبي أساس ومحور الشــتغال‪ ،‬فل يتعــرض‬
‫التحليل السيميائي لصاحب النص البداعي‪ ،‬أو ظــروف إنتــاجه‪،‬‬
‫وإن فعل فمن خلل معطيات النص ذاته‪.‬‬
‫ــ ابتعــاده عــن الحكــام المعياريــة‪ ،‬وانصــرافه عــن اجــترار‬
‫المقولت المســتهلكة‪ ،‬مقتصــرا علــى إبــراز الســمات الخاصــة‬
‫للعمل الدبي الذي يدرسه‪ ،‬وعلى تبيين شــعريته‪ ،‬وقــراءة هــذه‬
‫الشعرية في تمّثلها عبر المستويات المتعددة التي ينهض عليها‪،‬‬
‫والفعالية المتميزة التي يؤديها‪.‬‬
‫وإن كنا ل ننفي وجود العلقــة التضــمينية الخفيــة فــي هــذه‬
‫القراءة التي تجمع الممارسة الفعلية للتحليل الدبي بالمرجعية‬
‫النظريــة الــتي يســتند إليهــا البــاحث‪ ،‬ويســعى إلــى تحقيــق‬
‫فرضياتها‪ ،‬لنه ل مجال لتصور أيّ قراءة مقاربة عذراء أو بــريئة‬
‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص‪8 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫))(( البنية السردية في النظرية السيميائية ‪ ،‬ص‪9 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( المرجع السابق‪ ،‬ص‪6 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪9 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( رشيد بن مالك‪ ،‬قراءة سيميائية في قصة العروس للروائي غسان كنفاني‪،‬‬ ‫‪5‬‬
‫ص‪.374375 .‬‬
‫ـ ‪ 71‬ـ‬
‫)‪(1‬‬
‫من أي شبهة نظرية‪.‬‬
‫ومما ل شــك فيــه أن العلن عــن المصــادر النظريــة الــتي‬
‫توجه عملية التحليل الدبي‪ ،‬هــي شــرط البعــد المنهجــي الــذي‬
‫يكشــف عــن)‪2‬ال(ــوجه الول مــن التفاعــل الجــدلي بيــن النظريــة‬
‫والممارسة‪.‬‬
‫كمــا أن عمليــة التحليــل الدبــي فــي علقاتهــا بالنظريــات‬
‫المختلفــة ليســت انغلقــا وتحجــرا فــي إطــار هــذه النظريــات‬
‫وحــدها‪ ،‬وإنمــا هــي إثــراء وتصــدي لمســائل جديــدة‪ .‬فالتحليــل‬
‫الدبي ليس ممارســة مغلقــة‪ ،‬وإنمــا هــو فــي اســتقرائه للنــص‬
‫الدبي مشروع انفتــاح نصــي علــى مســتلهماته المتنوعــة الــتي‬
‫تشكل في الحقيقة عدته في سْبر الحوار النصي وتتبع متاهــاته‪.‬‬ ‫)‪(3‬‬

‫إن ما يشجع الدارس المهتــم بالنقــد الــروائي علــى قــراءة‬


‫مشروع رشيد بن مالك‪ ،‬وضــوح البعــد المنهجــي المتجلــي فــي‬
‫الكشــف عــن المرجعيــة النظريــة‪ ،‬حيــث يغــدو نموذجــا عربيــا‬
‫لتطبيق المنهج السيميائي في تحليل النصوص الســردية‪ ،‬ومــن‬
‫م ل يجد المشتغل على نصوصه عناء كبيرا في الوقــوف علــى‬ ‫ث ّ‬
‫التفاعل الجدلي بين النظرية والممارسة التطبيقية‪ ،‬فهو يصــرح‬
‫بولئه الكامل للجهود الجنبية في ميدان تحليل البنية الســردية‪،‬‬
‫وهـــو ولء مشـــروع بـــالنظر إلـــى قلـــة الدراســـات النقديـــة‬
‫"للسرديات" في العالم العربي‪ ،‬لذلك نجده يبذل مجهودا كبيرا‬
‫في سـبيل التعريـف بالمنهـج الســيميائي فـي قــراءة النصــوص‬
‫السردية‪ .‬وميزة هذا الباحث أنـه ل يتخـذ مـن النزعـة التركيبيـة‬
‫منهجا له‪ ،‬كما هو الحال لدى أغلب النقاد العرب الــذين حــاولوا‬
‫التوفيق بين استخدام أكــثر مـن منهــج كمحمــد مفتـاح‪ ،‬وسـعيد‬
‫يقطين‪ ،‬حميد لحمداني‪ ،‬وعبد الملك مرتاض‪ ،‬وإن كنــا ل نعيــب‬
‫النزعة التركيبية –لدى هؤلء ـ التي تجد مبرراتها عند كل ناقــد‪،‬‬
‫ومسوغاتها فـي الجمـع بيــن المفـاهيم‪ ،‬كـالتوفيق بيـن مفـاهيم‬
‫بنيويــة وأخــرى أســلوبية أو ســيميائية‪ ،‬كمــا هــو الشــأن لــدى‬
‫"موريس أبو ناضر" وغيــره‪ ،‬إل أن المخيــف فــي كــل هــذا هــي‬
‫النتــائج الــتي تمخضــت عــن هــذه النزعــة‪ ،‬كابتســار النظريــات‬
‫المستفاد منها‪ ،‬وعرضها في الغالب من خلل أبسط مظهرها‪.‬‬
‫ويمكن رصد اتجاهين كبيرين لتحليل النصوص السردية من‬
‫خلل استقراء البحاث في النص الروائي العربي‪:‬‬
‫التجاه الول‪ :‬تغلب عليه الموضوعية‪ ،‬وليــس لـــه مرجعيــة‬
‫منهجية محدودة‪ ،‬وتعني الموضوعية عنــد أصــحاب هــذا التجــاه‬
‫البتعــاد عــن الحكــام التأثريــة الــتي تتنــاول وضــع القــارئ أو‬
‫الدارس أكثر مما تتناول موضوع البحث‪.‬‬
‫وما يميز هذا التجاه هو مرونته التي تساعده علــى التــأقلم‬
‫مــع مختلــف النصــوص‪ ،‬إذ ل ينطلــق مــن تصــورات مســبقة‬
‫متحجــرة‪ ،‬إنمــا يســعى للبحــث عــن مــدلولت هــذه النصــوص‬
‫واستخلص موقف متجدد‪ ،‬وهو في عمله هذا يعتمد علــى عــدة‬
‫مناهج دون التصريح بها‪ ،‬وهــذا لخفــاء منطلقــاته‪ ،‬وأطــر بحثــه‪،‬‬
‫التخفي هذه‪ ،‬والتســتر يســعى إلــى الفــرار مــن‬‫)‪(4‬‬
‫وهو في عملية‬
‫محاسبة تزعجه‪.‬‬
‫ويعتقــد "ســامي ســويدان" أن مــا يؤكــد صــلبة الخلفيــة‬
‫المنهجية والنظرية لصحاب هذا التجاه في التعامل المرن مــع‬
‫)( سامي سويدان‪ ،‬أبحاث في النص الروائي العربي‪ ،‬مؤسسة البحاث العربية‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫بيروت‪ ،1987 ،‬ص‪13 .‬‬
‫))(( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.14 .‬‬ ‫‪2‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪14 .‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( أبحاث في النص الروائي‪ ،‬ص‪15 .‬‬ ‫‪4‬‬

‫ـ ‪ 72‬ـ‬
‫النصوص هو المعرفة العميقــة بخصــائص كــل منهــج‪ ،‬وفعــاليته‪،‬‬
‫بحيث‪(1‬يأتي العمــل التحليلــي ملئمــا لمتطلبــات النــص‬ ‫)‬
‫وحدوده‪،‬‬
‫واستدعاءاته‪.‬‬
‫وهي نتيجة ل تنسحب على كل القراءات التي تنتسب لهــذا‬
‫التجــاه لطابعهــا العمــومي‪ ،‬ومبالغتهــا الكــبيرة فــي تصــنيف‬
‫عمــق إدراك‬ ‫ســعة الطلع‪ ،‬و ُ‬ ‫الدارســين فــي خانــة واحــدة مــن َ‬
‫المناهج الغربية‪ ،‬وهو ما نشكو منه في ثقافتنــا النقديــة العربيــة‬
‫المعاصرة‪.‬‬
‫التجاه الثاني‪ :‬وهو اتجــاه أكــثر موضــوعية‪ ،‬وأكــثر التزامــا‪،‬‬
‫يقوم على بلورة القضايا التي يطرحها على نفســه بمنهــج بــارز‬
‫الطروحات‪ ،‬يسعى في ممارسته النقدية إلى "توطيد إنجــازاته‬
‫في أطر وفي سياق يطمح إلى تكريس مدارس أو تيارات بقدر‬
‫فعالية في التعامل مع النصــوص واســتنطاق‬ ‫)‪(2‬‬
‫ما يظهر عبره من‬
‫جمالياتها ومضامينها‪" .‬‬
‫وما يميز هذا التجاه عــن التجــاه الســابق هــو العلن عــن‬
‫انتمــائه إلــى منهــج بعينــه‪ ،‬والــتزامه عامــة بطرائقــه‪ ،‬وخلفيــاته‬
‫الفلسفية والنقديـة‪ ،‬ومفـاهيمه الساســية‪ ،‬ولعــل هـذا مـا بلغـه‬
‫البــاحث رشــيد بــن مالــك فــي بحثــه عــن تجــاوز المعالجــات‬
‫الكلسيكية للنصوص التي جمدت الفكــر وحصــرته فــي أطــر ل‬
‫تتجاوز الحكام المعيارية‪.‬‬
‫كمــا يعكــس تبنيــه المنهــج "الغريماســي" فــي التحليــل‬
‫السيميائي للبنية السردية‪ ،‬مدى التأثير الذي بلغه الفكر الغربي‬
‫بمناهجه‪ ،‬وطرق بحثه على الحركة النقدية‪ ،‬والبحث الدبي فــي‬
‫البلد العربية في إطار التعامل مع النصوص‪.‬‬
‫وُيتيح تحديد المجال المعرفي من قبل الباحث للقارئ سبل‬
‫العــودة إلــى المصــادر والمراجــع المعتمــدة‪ ،‬كمــا يتيــح إمكانيــة‬
‫ن هنــاك مــن رأى فــي‬ ‫الستمرار في المغامرة والبحــث‪ ،‬غيــر أ ّ‬
‫علل ً بارزة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫هذا المنهج ِ‬
‫ـــ إخضــاعه النــص لرؤيــة مســبقة‪ ،‬تفقــده خصوصــيته‬
‫المتميزة‪ ،‬ليندرج في إطــار مرســوم ســلفا‪ ،‬يســقط منــه مــا ل‬
‫يتفق مع شبكة رؤاه وهواجسه‪ .‬وهو ـ باختصار ــ عمليـة قسـر‪،‬‬
‫البـتر‪(3‬أو التحـوير‪ ،‬تضـخيما أو تقزيمـا‪ ،‬تهـدد‬‫)‬
‫خطـرة‪ ،‬ل تسـتبعد‬
‫التجاه المنهجي العام‪.‬‬
‫ن كــانت‬ ‫ول نخــال هــذه النظــرة‪ ،‬إل ّ موقفــا واصــفا ل َ‬
‫مــ ْ‬
‫منطلقاتهم جزئية‪ ،‬ل تندرج ضمن مشروع نقدي شامل‪ .‬فلــذلك‬
‫ل يمكن أن تنسحب على التوجه الثاني بصورة آلية وميكانيكية‪.‬‬
‫ونظرا للقيمة العلمية التي يتميز بها قــاموس مصــطلحات‬
‫التحليل السيميائي للنصوص‪ ،‬فإننا نخصص لـه القراءة التية‪:‬‬

‫المرجع السابق ‪ ،‬ص‪15 .‬‬ ‫‪() 1‬‬

‫المرجع السابق‪ ،‬ص‪15 .‬‬ ‫‪() 2‬‬

‫أبحاث في النص الروائي العربي‪ ،‬ص‪16 .‬‬ ‫‪() 3‬‬

‫ـ ‪ 73‬ـ‬
‫قراءة لقاموس مصطلحات‬
‫التحليل السيميائي للنصوص‪.‬‬
‫)إنجليزي ـ فرنسي ـ عربي(‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫أول‪ :‬هذا القاموس‪:‬‬
‫هو قبل كل شيء أداة تواصل علمية‪ ،‬بين لغات عريقة في‬
‫أصالتها‪ ،‬وإن اختلفت منابعها‪ ،‬وبواعث تطورها‪ ،‬وطبيعة صــيغها‬
‫المورفولوجيــة والتركيبيــة‪ ،‬والســاليب المتبعــة فــي اســتخراج‬
‫مشتقاتها ومزيداتها‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ أهميته‪:‬‬
‫تبدو أهمية هذا القاموس في وحدة الموضوع الذي يعالجه‪،‬‬
‫فهو يقــدم جــزءا مــن مصــطلحات المــادة الســيميائية بطريقــة‬
‫علمية‪ ،‬يسهل على القارئ العربي فهمهــا‪ ،‬والســتعانة بهــا فــي‬
‫استيعاب ما جاء في البحوث والدراسات اللســانية والســيميائية‬
‫الحديثة والمعاصرة الغربية‪.‬‬
‫ويتضمن من الترسيمات )‪ (Schémas‬والشــكال‪ ،‬مــا يجعلــه‬
‫متميزا‪ ،‬فهو معجم جامع فــي حقلــه‪ ،‬يمثــل حلقــة فــي سلســلة‬
‫المعـــاجم المتخصصـــة عمومـــا‪ ،‬وفـــي معالجـــة الســـيميائيات‬
‫خصوصا‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ الوصف والتعريف ‪:‬‬
‫أ ـــ يتضــمن قــاموس مصــطلحات التحليــل الســيميائي‬
‫للنصوص أكثر من ثمانمئة مــادة‪ ،‬ممتــدة عــبر ‪ 272‬صــفحة مــن‬
‫الحجم )‪16×25‬سم(‪ ،‬وهو على صغر حجمه‪ ،‬يشتمل على مــادة‬
‫خصــبة مــن المصــطلحات العلميــة الشــائعة فــي مجــال التحليــل‬
‫السيميائي للنصوص السردية‪.‬‬
‫يسر المؤلف ما استطاع الشرح والتفسير والتحليل فـي هـذا‬
‫المعجم‪ ،‬وضبط التعريفات‪ ،‬وقدمها بلغة ســهلة وواضــحة‪ ،‬بحيــث‬
‫ابتعد عن الحوشي والغريــب‪ ،‬والرمــوز واللغــاز‪ ،‬لــم يتوســع فــي‬
‫النصوص والشواهد التي تجــد مادتهــا فــي المعجمــات‪ ،‬واســتعان‬
‫بالشكال والترسيمات‪ ،‬وقـد شـكل هـذا العمـل جانبـا مهمـا فـي‬
‫القاموس‪ ،‬أضاف إلى تحليل المصطلحات‪ ،‬وضبط المفاهيم بعــدا‬
‫آخر ما كان ليدرك لول الشكال الهندسية التي أخذت حيزا معتبرا‬
‫من حجم القاموس‪ 27) ،‬ترسيمة(‪.‬‬
‫ونظــرا لقيمــة هــذه الشــكال والترســيمات‪ ،‬والوســائل‬
‫المسخرة لها فــي المعــاجم المعاصــرة يمكــن أن تخصــص لهــا‬
‫قراءة مستقلة تركز على طبيعــة هــذه الترســيمات‪ ،‬وأهــدافها‪،‬‬
‫وتطــور بناهــا‪ ،‬ودللتهــا علــى مســتوى القــاموس‪ ،‬والمشــروع‬
‫العلمي للباحث‪ ،‬لن من بين خصوصية أســلوب الــدكتور رشــيد‬
‫بن مالــك حســن اســتعمال‪ ،‬وتوظيــف الترســيمات التوضــيحية‪،‬‬
‫وهي من الدوات البيداغوجية الفعالة في التواصل العلمي بيــن‬
‫المؤلف والمتلقي‪ ،‬لمــا تحملــه الترســيمة‪/‬الشــكل مــن حمولــة‬
‫معرفية ‪ /‬علمية‪ ،‬قد تعجز التراكمات الوصــفية فــي الكلم عــن‬
‫بلوغها‪.‬‬
‫)( رشيد بن مالك‪ ،‬مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص‪،‬‬ ‫‪1‬‬
‫عربيإنجليزيفرنسي‪ 272 ،‬ص)‪ 16×25‬سم(‪ ،‬تجليد فني‪ ،‬دار الحكمة‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪.2000‬‬
‫ـ ‪ 74‬ـ‬
‫ب ـــ اعتمــد المؤلــف فــي تنظيــم المصــطلحات الــواردة‬
‫بالقاموس على الــترتيب اللفبــائي‪ ،‬وفقــا لللفبائيــة الفرنســية‪،‬‬
‫دون أن يفصل بين كل مجموعة وأخرى من هذه المصــطلحات‬
‫حسب حروف المعجم‪ .‬ويتطلب هذا الترتيب تقليــب الصــفحات‬
‫من اليسار إلى اليمين‪ ،‬وهذا مــا لـم يعتمــده المؤلــف فــي هــذا‬
‫القاموس‪.‬‬
‫ج ـ ذيــل المؤلــف كــل مــادة متعلقــة بشــرح مصــطلح مــن‬
‫المصطلحات بإحالة أو أكثر‪ ،‬ليتسنى للقارئ فهم المصــطلحات‬
‫فهما دقيقا‪ ،‬واللمام بدللتها المختلفة‪ .‬وقد كانت الشارة إلــى‬
‫ذلك بسهم ) (‪ .‬كمــا يلحــظ القــارئ أن الحالــة نوعــان‪ :‬إحالــة‬
‫داخلية مستمدة من مواد القاموس‪ ،‬كــأن يشــار عقــب النتهــاء‬
‫مــن تحليــل وتفســير مــادة )عامــل ‪ ((1)Actant‬إلــى الرجــوع إلــى‬
‫المواد ‪) :‬عملية ـ ملفوظ ـ وظيفة‪ ..‬الخ(‪.‬‬
‫أما النوع الثاني من الحالة‪ ،‬فيمكن أن نطلــق عليــه مجــازا‬
‫الحالــة الخارجيــة‪ ،‬وقــد لجــأ إليــه المؤلــف كــثيرا عــن طريــق‬
‫إشــارات مقتضــبة تمكــن القــارئ مــن العــودة إلــى المصــدر أو‬
‫المرجع لللمام بالجوانب الخرى المتصلة بدللة المصطلح‪ ،‬من‬
‫ذلك مثل ‪) :‬غريماس ‪(1970‬في ص‪ ،32 .‬و )غريمــاس ‪(1973‬‬
‫في ص‪ .23 .‬ومن شأن هذه الطريقة أن تقدم للقارئ والباحث‬
‫المختص الداة الفعالة عبر المرجعية النصية‪ ،‬نظرا لحيويتها في‬
‫قراءة النص الذي يحيل باستمرار‪.‬‬
‫ونظرا لكون الحالة فــي المتــن ل تــثير فضــول القــارئ ول‬
‫تشد اهتمامه‪ ،‬فإن تخصيصها في أطر ملونة من شأنه أن يشــد‬
‫انتباهه‪ .‬وهذه الطريقة مطبقــة فــي معجــم اللســانيات الحديثــة‬
‫أنكليزي ـ عربي لسامي عياد حنــا وآخريــن الصــادر عــن مكتبــة‬
‫لبنان ناشرون ســنة ‪ ،1997‬لكنهــا تتطلــب تقنيــات فنيــة عاليــة‬
‫مكلفة ربما لم تتوفر لدى دار الحكمة بالجزائر‪.‬‬
‫د ـ استخدم المؤلف بعض المصــطلحات بصــورتها الجنبيــة‬
‫نظرا لعدم توفر مصــطلح مقابــل يعــبر عــن مفهومهــا الــدقيق‪،‬‬
‫ومثال ذلك ‪:‬‬
‫‪Sémantème‬‬ ‫سيمانتيم‬
‫‪Sème‬‬ ‫سيم‬
‫‪Sémème‬‬ ‫سيميم‬
‫‪Sémiologie‬‬ ‫سيميولوجيا‬
‫‪Isotopie‬‬ ‫إيزوتوبيا‬
‫هـ ـ الصــياغة اللغويــة والمتــن المــترجم ‪ :‬اعتمــد المؤلــف‬
‫على الترجمـة السـياقية )‪ ،(Traduction dans le contexte‬وهـو‬
‫أســلوب معتمــد لــدى مختلــف المــترجمين والمتعــاملين مــع‬
‫المصطلح‪ ،‬وفيه تهمل الترجمة القائمة على الشــتقاق اللغــوي‬
‫أو ترجمة » ‪» Le mot à mot‬كلمة بكلمة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ الفتتاحيات والملحقات ‪:‬‬
‫تضمن القاموس ‪:‬‬
‫أ ـ افتتاحية للمؤلف أشـار فيهــا إلــى مضــمونه‪ ،‬وإلــى مــن‬
‫يتوجه به إليه‪ ،‬وطبيعة المادة العلمية المعالجة فيه‪ ،‬والمرجعيــة‬
‫المعتمدة‪ (،‬والهداف المتوخاة من تأليفه على المديين‪:‬‬ ‫)‪2‬‬
‫النظرية‬
‫القريب والبعيد‪.‬‬
‫القاموس‪ ،‬ص‪1516 .‬‬ ‫‪() 1‬‬

‫القاموس‪ ،‬ص‪56 .‬‬ ‫‪() 2‬‬

‫ـ ‪ 75‬ـ‬
‫ب ـ كلمة تقديم للدكتور عبد الحميد بورايو ضمنها الحــديث‬
‫عن الحقل المعرفي الذي كان مجال للدراســة‪ ،‬والمنهــج الــذي‬
‫قــام عليــه انتقــاء المصــطلح‪ ،‬والقيمــة العلميــة للقــاموس فــي‬
‫الراهنة لوضعية البحث العلمــي فــي الجــزائر والــوطن‬ ‫)‪(1‬‬
‫المرحلة‬
‫العربي‪.‬‬
‫ج ـ ـ مقدمــة للكــاتب‪ ،‬تحــدث فيهــا عــن تــأليف القــاموس‬
‫والسباب الدافعة إلى ذلك‪ ،‬والغاية العلمية منه‪ ،‬والمنهج المتبع‬
‫في تصميمه‪ (2) .‬كما أنه قيد بداية الشروع فــي البحــث‪ ،‬وهــو ‪:‬‬
‫سنة ‪ 1983‬وتاريخ النتهاء منه‪ ،‬وهو سنة ‪.1997‬‬
‫د ـ ملحقا بقائمة أسماء العلم المعربة‪ ،‬وقد تضمنت هــذه‬
‫القائمة ‪ 62‬علما رتبت ترتيبا ألفبائيا‪.‬‬
‫هـ ـ ثبت بالمصادر والمراجع التي اعتمد عليها المؤلف في‬
‫إنجاز هذا القاموس‪ ،‬والملحظ أنها مصــادر ومراجــع متخصصــة‬
‫في الحقل السيميائي‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الهداف‪:‬‬
‫أ ـ صمم هذا القاموس للطلبة والساتذة المهتمين بدراســة‬
‫السيميائيات‪ ،‬وهو لذلك يفترض معرفة سابقة بعلــم اللســانيات‬
‫والســيميائيات‪ .‬فلقــد كــان لتجربــة البــاحث مــن خلل تــدريس‬
‫المناهج في تحليل الرواية الجزائرية بجامعة تلمسان تأثير كــبير‬
‫على وعيه بالمشاكل التي كان يعــاني منهــا الطلب والبــاحثون‬
‫لفهم الدراسات والمراجــع العلميــة فــي ميــدان الســيمويولجيا‪،‬‬
‫واســتيعابها‪ ،‬وترجــع هــذه المشــكلت أساســا إلــى صــعوبة‬
‫المصــطلحات الســيميائية المتعــددة ل ســيما بعــد النتعــاش‬
‫العلمي‪ ،‬وتزايد الطلب على الدوات الجرائية لتحليل النصــوص‬
‫السردية‪ ،‬على الرغم مــن وجــود اعتبــارات عديــدة تحــول دون‬
‫هذه الرغبة كعدم الوصول إلى صياغة مصطلحية نقدية موحدة‪.‬‬
‫ولقد كان كل ذلك مــن دوافــع تــأليف قــاموس مصــطلحات‬
‫التحليل السيميائي‪ ،‬ليفي بهذا الغرض‪ ،‬ويقدم في الــوقت ذاتــه‬
‫مادة علمية يسهل على القارئ فهمها والستعانة بها في قراءة‬
‫البحوث والدراسات الغربية‪.‬‬
‫ب ـ تأسيا بأخلقيــات البحــث العلمــي‪ ،‬اسـتعرض المؤلـف‬
‫الوضـــع المصـــطلحي فـــي المعـــاجم والدراســـات اللســـانية‬
‫والسيمائية العربية‪ ،‬فكانت النتيجة هي قلة البحوث ذات التوجه‬
‫الغريماســي بالضــافة إلــى اضــطراب كــبير فــي المصــطلحات‬
‫المعتمدة‪ ،‬وفوضى في ترجمة النصوص‪ ،‬يؤطر كل ذلــك غيــاب‬
‫إجماعي يؤسس لخطاب علمي جديــد‪ ،‬جــدير بهــذا الســم فــي‬
‫النقديــة‪،‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ضــوء منــاخ إيبســتيمولوجي يســمح بتطــور النظريــات‬
‫ووجود ما يمكن أن يسندها من إنجازات علمية حداثية‪.‬‬
‫ويمثل هذا الوعي لدى الباحث رشــيد بــن مالــك لحظتــان ‪:‬‬
‫تقوم الولى على رصد لواقع النقد العربي‪ ،‬ومــا آل إليــه نتيجــة‬
‫هـــذه الفوضـــى المصـــطلحية‪ ،‬وغيـــاب إجمـــاع علمـــي حـــول‬
‫المصطلحات‪.‬‬
‫وأما اللحظة الثانية‪ ،‬فتبدأ مباشرة بعد الثمانينيات وتتواصل‬
‫حتى ظهور هــذا القــاموس‪ ،‬وتتميــز هــذه اللحظــة بالرغبــة فــي‬
‫البحث عــن البــديل مــن أجــل إنتــاج قنــوات تبــادل وحــوار بيــن‬
‫الباحثين‪ ،‬يتحول البحـث العلمـي بموجبهـا إلـى تعـبير عـن رؤى‬
‫عالمية ل رؤى فردية للشياء والواقع‪ ،‬يمكن أن توصــف كنظـام‬
‫نفسه‪ ،‬ص‪79 .‬‬ ‫‪() 1‬‬

‫نفسه‪ ،‬ص‪1013 .‬‬ ‫‪() 2‬‬

‫القاموس‪) ،‬مقدمة الكاتب(‪ ،‬ص‪11 .‬‬ ‫‪() 3‬‬

‫ـ ‪ 76‬ـ‬
‫فكري تعززه الفعاليات العلمية في إطار مشروع جماعي‪ ،‬وهــو‬
‫ما ينسجم وأهداف جمعية رابطة الســيميائيين الجزائريــة الــتي‬
‫‪ ،(11998‬والــذي يعــد البــاحث رشــيد مــن بيــن‬
‫)‬
‫تأسســت ســنة‬
‫مؤسسيها النشطين‪.‬‬
‫ج ـ يقدم هذا المؤلف مــادة علميــة خصــبة‪ ،‬فــي غايــة مــن‬
‫الهمية‪ ،‬ذلك أن المصطلحات التي اشتغل عليها الكــاتب تمثــل‬
‫مفاتيح لمقاربة أي نص سردي‪ ،‬فهي بمثابــة الضــوابط العلميــة‬
‫التي يستأنس إليها الباحث في التحليل السيميائي‪.‬‬
‫وممــا لشــك فيــه‪ ،‬أن هــذا المعجــم يمثــل خيــر أداة تفيــد‬
‫الباحث‪ ،‬وتعينــه علــى تجــاوز مشــاكل الترجمــة‪ ،‬وتقيــه فوضــى‬
‫الستعمالت المصطلحية‪.‬‬
‫د ـــ لقــد عودتنــا المؤلفــات الكاديميــة تبنــي الحيــاد إزاء‬
‫القضايا والمفاهيم والمصطلحات التي تطرحها‪ ،‬وهو حياد غالبــا‬
‫ما يخفي اتجاهات نظرية ل يراد للقارئ والمتلقــي أن يكتشــفها‬
‫مباشرة‪ ،‬أما المعجم الــذي نحــن بصــدد تقــديمه فــإنه ل يخفــي‬
‫اتجاهه‪ ،‬بل يقدم في كــل مـادة يعالجهــا مرجعــه‪ ،‬بحيــث يمكــن‬
‫القارئ من مراجعة المادة في مظاّنها‪ ،‬كما يمكّنه من مواصــلة‬
‫المغامرة في البحث‪.‬‬
‫هـ ــ لقـد درج المجمعيــون قـديما وحــديثا علـى أل يقيسـوا‬
‫أعمــالهم بمقــاييس الزمــن‪ ،‬بــل يــرّوون فيهــا مــا وســعهم‪،‬‬
‫ويحكمونهــا مــا اســتطاعوا‪ ،‬وكــان مــن حــظ هــذا القــاموس أن‬
‫توافرت فيه هذه الشروط‪ ،‬فلقد أنجز بعد جهــد شــاق وطويــل‪،‬‬
‫دام عشريتين من الزمن )الثمانينيات والتسعينيات( وكانت هذه‬
‫المدة كفيلة بتنقيح مواده وتشــذيبها‪ ،‬وإثرائهــا فــي ضــوء تجــدد‬
‫المعارف وتطورها‪.‬‬
‫ثالثــا‪ :‬مقارنــة بيــن قــاموس مصــطلحات التحليــل الســيميائي‬
‫للنصــوص ومعجــم اللســانيات الحديثــة ومعجــم المصــطلحات‬
‫الدبية الحديثة والمعاصرة‪:‬‬
‫ـيميائي للنصـوص )‬ ‫بيــن قـاموس مصـطلحات التحليــل السـ‬
‫‪(2000‬ومعجم اللسانيات الحديثة "‪ ، (2) "1997‬أكثر من قاسم‬
‫مشــترك‪ ،‬وأكــبر مــا يجمعهمــا التخصــص فــي حقــل معرفــي‬
‫متقارب‪ ،‬ومنهــج بنــاء المــادة المصــطلحية المترجمــة مــن لغــة‬
‫أجنبية إلى ما يقابلها فــي اللغــة العربيــة‪ ،‬مــع اعتمــاد الشــكال‬
‫والجداول والترسيمات لليضاح‪ .‬وهي من المسائل التي تشغل‬
‫اليوم الباحثين في ميدان ترجمة المصطلح الجنبي في الحقول‬
‫المعرفيـــة المعاصـــرة كاللســـانيات والســـيميائية والســـلوبية‬
‫وغيرها‪.‬‬
‫ومن بين الفروق الجوهرية بين المعجمين ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ صمم معجم اللسانيات الحديثة لكل فئات القراء حتى‬
‫الذين ليست لهم معرفة سابقة بعلم اللسانيات الحديثــة‪ .‬بينمــا‬
‫قـــدم قـــاموس مصـــطلحات التحليـــل الســـيميائي للنصـــوص‬
‫للمشتغلين بالسيميائيات من طلب وباحثين‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ حرص مؤلفو معجــم اللســانيات الحديثــة علــى انتقــاء‬
‫المصــطلحات الــتي تلقــي الضــوء علــى تطــور مفهــوم العلــم‬
‫اللســاني منــذ القــرن التاســع عشــر وأوائل القــرن العشــرين‪،‬‬
‫بالضــافة إلــى المصــطلحات اللزمــة للمهتميــن باللســانيات‬
‫)( نفسه‪) ،‬تقديم الدكتور‪ :‬عبد الحميد بورايو(‪ ،‬ص‪8 .‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سامي عياد حنا‪ ،‬كريم زكي حسام الدين‪ ،‬نجيب جريس‪ ،‬معجم اللسانيات‬ ‫‪2‬‬
‫الحديثة‪ ،‬إنكليزي عربي‪ 184 ،‬ص‪ 25×17) .‬سم(‪ ،‬تجليد فني‪ ،‬مكتبة لبنان‬
‫ناشرون‪ ،‬بيروت‪.1997 ،‬‬
‫ـ ‪ 77‬ـ‬
‫الحديثة والمرتبطة بالمدارس والتجاهات اللسانية‪ ،‬كما شملت‬
‫المصطلحية بعض المفاهيم التي لهــا صــلة بــالبحث عــن علقــة‬
‫اللســانيات بــالعلوم الخــرى‪ ،‬ومعظــم المصــطلحات الــتي لهــا‬
‫علقــة بمســتويات التحليــل اللســاني ‪ :‬الصــوتي‪ ،‬الصــرفي‪،‬‬
‫التركيبي‪ ،‬الدللي والمفاهيم المختلفة بالحقــل اللســاني‪) ..‬ص‪.‬‬
‫‪.(x‬‬
‫فــي حيــن لــم يتقيــد قــاموس المصــطلحات الســيميائية‬
‫بالمصــطلحات المؤسســة للنظريــة الســيميائية الــتي جــاء بهــا‬
‫غريمــاس فــي قاموســه‪ ،‬علــى الرغــم مــن أنهــا تشــكل محــور‬
‫البحث‪) .‬ص‪(5 .‬‬
‫ومــن خلل مقارنــة العمليــن‪ ،‬يبــدو أن العمــل الجمــاعي‬
‫)معجم اللســانيات الحديثــة‪ ( ..‬يبحــث عــن رصــد المصــطلحات‬
‫المؤسسة لهذا العلم‪ ،‬ويتتبع تطورها‪ ،‬وإن كان هذا التــوجه غيـر‬
‫مطــرد فــي كــل مــواد المعجــم‪ ،‬ممــا حــال دون تحديــد المــادة‬
‫العلميــة‪ ،‬وص ـّعب المهمــة علــى اعتبــار أن اللمــام بالمصــطلح‬
‫اللساني بشكل شمولي مطمح صعب المنال‪.‬‬
‫وعلــى العكــس مــن ذلــك‪ ،‬حــدد العمــل الفــردي )قــاموس‬
‫مصــطلحات التحليــل الســيميائي للنصــوص‪ ( ..‬موضــوعه بدقــة‬
‫وهــو‪ :‬البحــث عــن ترجمــة وتحليــل المصــطلحات الســيميائية‬
‫كن البــاحث مــن حصــر مــادته‪،‬‬ ‫الخاصة بتحليل النصوص‪ ،‬مما م ّ‬
‫والتحكم فيها بدقة وموضوعية‪.‬‬
‫كما فضلت أن تشمل هــذه المقارنــة معجــم المصــطلحات‬
‫ـــــــــــــــــــــــــــــــة المعاصــــــــــــــــــــــــــــــــرة‬
‫الدبيـ‬
‫)‪ (1984‬لسعيد علوش)‪ (1‬لعتبارات كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أ ـ اختلف في التوجه المنهجي العـام‪ ،‬فبينمــا اختــار رشــيد‬
‫بــن مالــك مبــدأ التخصــص فــي حقــل الســيميائيات‪ ،‬وتحديــدا‬
‫المصطلحات المتعلقة بالجانب التحليلي للنصوص فــي منظــور‬
‫النظريــة الســيميائية‪ ،‬اتجــه ســعيد علــوش إلــى رصــد كــل‬
‫المصطلحات الدبية المعاصرة‪ ،‬فبين تحديد مجــال البحــث فــي‬
‫جانب من حقل معرفي واحد‪ ،‬والبحث في مدونة تشمل حقــول‬
‫متعددة يصعب اللمام بها‪ ،‬ورصد كل المواد التي تشتغل عليهــا‬
‫اختلف منهجي كبير‪.‬‬
‫ب ـ ـ الفــارق الزمنــي بيــن صــدور المــؤلفين‪ ،‬حيــث صــدر‬
‫قاموس المصطلحات الدبية المعاصرة سنة ‪ ،1984‬بينما صــدر‬
‫قاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصــوص ســنة ‪،2000‬‬
‫وهو هامش زمني كبير فــي عمــر المعــاجم المصــطلحية‪ ،‬الــتي‬
‫تعرف تحديات على مستوى تجدد المصطلحات وتطورها‪.‬‬
‫ج ـ اختلفهما الجــوهري فــي طريقـة نقــل المصـطلح مـن‬
‫اللغــة الصــلية "‪(Langue source" (L. S‬إلــى اللغــة الهــدف "‬
‫‪ ،(Langue cible " (L. C‬فبينما يعتمد سعيد علوش في أكثر من‬
‫موقع على ترجمة المصطلح ترجمة قاموسية دون عناء البحــث‬
‫عن اختلف المفاهيم لهذا المصطلح في ثقافته الدبية الصلية‪،‬‬
‫ودون التفكير في الحالة على المراجع والمصــادر‪ ،‬يلجــأ رشــيد‬
‫بن مالك إلى رصــد المفــاهيم المختلفــة للمصــلح الواحــد حــتى‬
‫يقف القارئ على وضعية المصطلح في ثقــافته الصــلية‪ ،‬ويهيــأ‬
‫لستقباله في الثقافة العربية‪.‬‬
‫وللوقــوف علــى أوجــه الخلف بيــن المــؤلفين أحيــل إلــى‬
‫مداخلــة الــدكتور رشــيد بــن مالــك الــتي ألقيــت فــي الملتقــى‬

‫)( سعيد علوش‪ ،‬معجم المصطلحات الدبية الحديثة والمعاصرة‪ ،‬مطبوعات‬ ‫‪1‬‬
‫المكتبة الجامعية‪ ،‬الدار البيضاء‪.1984 ،‬‬
‫ـ ‪ 78‬ـ‬
‫السادس للترجمة والختلف‪ ،‬جامعة وهران )‪ (1‬والتي عالج فيها‬
‫منهج نقل مصطلح "القيمة " إلى اللغة العربية من قبل سعيد‬
‫علوش والخطاء العلمية التي وقع فيها‪.‬‬
‫ويختص قاموس مصطلحات التحليــل الســيميائي بميزتيــن‪،‬‬
‫هما‪ :‬التجزؤ والدائرية‪ ،‬ومرد الصفة الولى‪ ،‬إلى أنه يخضع إلــى‬
‫ما تخضع إليه سائر المؤلفـات المعجميــة التقليديــة مــن تنظيــم‬
‫المادة وفق الترتيب البجدي‪ ،‬مما يفضي إلــى فصــل المفــاهيم‬
‫المنتظمــة فــي ســياق نظــري واحــد بعضــها عــن بعــض‪ ،‬إل ّ أن‬
‫القارئ يلحظ ـ وهذا ما يفسر صفة الدائرية ـ أن بعــض المــواد‬
‫يحيل على بعض‪ ،‬وبعضها يشــرح بعضــا‪ ،‬ممــا يــوحي بانتظامهــا‬
‫دة من هذا‬ ‫جميعا في نسق فكري متكامل‪ ،‬وإن كانت جوانب ع ّ‬
‫العمل )القاموس( تحتاج فيما يصرح بــه البــاحث نفســه ـ ـ إلــى‬
‫مزيد من الضبط والتــدقيق‪ .‬ولــذلك يأمــل البــاحث فــي تكــوين‬
‫مشـــروع جمـــاعي يطـــور أدوات البحـــث فـــي هـــذا الحقـــل‬
‫المعرفي‪:‬التحليل السيميائي للنصوص السردية‪.‬‬
‫ولننا نريد أن نتعّرف على منجز الحركة النقديــة للنصــوص‬
‫السردية في العالم العربي‪ ،‬من حيث النظرية والتطــبيق‪ ،‬آثرنــا‬
‫تقــديم نمــاذج تمثــل اتجاهــا نقــديا يتخــذ مــن الشــكل الــروائي‬
‫موضوعا له‪ ،‬ومن البنيوية والسيميولجيا منهجــا‪ ،‬وإن كنــا نــدرك‬
‫أن عملنــا ل يمكنــه أن يقــدم صــورة كاملــة عــن النقــد الفنــي‬
‫للنصوص السردية العربية‪ ،‬كما أراده لهــا بعــض النقــاد العــرب‪،‬‬
‫نظرا لعتبارات منهجيــة‪ ،‬إذ ل يمكــن أن يفــي فصــل مــن هــذه‬
‫الدراسة الحركة النقدية العربيــة الــتي يتســع إطارهــا مــن يــوم‬
‫لخر‪ ،‬حقها‪.‬‬
‫ولكن مــا اســتوقفنا‪ ،‬ونحــن بصــدد تحديــد النمــاذج النقديــة‬
‫لتكون موضــوعا للبحــث‪ ،‬الشــكالية الــتي تطرحهــا أغلــب هــذه‬
‫النمــاذج‪ ،‬والمتمثلــة‪ ،‬فــي‪:‬هــل العتمــاد علــى المنهــج البنيــوي‪،‬‬
‫والمنهج السيميولوجي يعتبران تجاوزا للمناهج الخرى‪ ،‬كالمنهج‬
‫التاريخي‪ ،‬والجتماعي‪ ،‬والنفسي؟ وهل هي القطيعــة المطلقــة‬
‫مع المنجز من المعرفة النقدية الســابقة‪ ،‬بحيــث تغــدو القــراءة‬
‫الداخلية للنص مركز الثقل‪ ،‬ونقطة الرتكاز؟أم أن هناك موقفــا‬
‫ثالثا‪ ،‬يدعو إلى استثمار المنهجْين‪:‬البنيــوي والســيميولوجي فــي‬
‫تحليـــل النـــص الدبـــي‪ ،‬دون إغفـــال بعـــده السوســـيولوجي‪،‬‬
‫ـن‬ ‫واليديولوجي‪ ،‬كما دعا إلــى ذلـك جولــدمان فــي دراســته "مـ‬
‫‪، (2)" Pour une sociologie du(3roman‬‬ ‫أجل سوسيولوجية الرواية‬
‫أو تحليل باختين للخطاب الروائي) أو الناقد "بييـر ماشـيري"‪،‬‬
‫ه نحو سوسيولجيا النص الدبــي‪،‬‬ ‫ج ٌ‬‫وهو "من النقاد الذين لهم تو ّ‬
‫الحديث‪4‬ـ(ـة لجــل فهـم‬
‫)‬
‫لقوله بضـرورة السـتفادة مـن اللسـانيات‬
‫النص‪ ،‬وبعد ذلك وضعه في سياقه الجتماعي"‪.‬‬
‫ل نكاد نلمس الوعي بهــذا الشــكال فــي أغلــب التصــورات‬
‫ـدو( البــداع الــروائي‪ ،‬اللهــم إل مــا‬
‫)‪5‬‬
‫النظرية التي ينطلق منها ناقـ‬
‫ورد منها في مجال نقد النقد‪.‬‬

‫‪ () 1‬رشيد بن مالك‪ ،‬إشكالية ترجمة المصطلح في البحوث السيميائية العربية‬


‫الراهنة‪ ،‬محاضرة ألقيت في الملتقى السادس حول "الترجمة والختلف"‪،‬‬
‫بجامعة وهران أيام‪ 15:‬و ‪ 16‬ماي ‪) .2000‬مخطوط(‬
‫‪Lucien Goldmann, Pour une sociologie du roman, Editions, Gallimard, () 2‬‬
‫‪.Paris,1964‬‬
‫‪ () 3‬ميخائيل باختين‪ ،‬الخطاب الروائي‪ ،‬ترجمة محمد برادة‪ ،‬دار الفكر للدراسات‬
‫‪() 4‬والنشر والتوزيع‪ ، ،‬القاهرة‪1987 ،‬‬
‫‪ () 5‬حميد لحمداني‪ ،‬بنية النص السردي من منظور النقد الدبي‪ ،‬ص‪.97 .‬‬
‫انظر في هذا الصدد‪:‬‬
‫بنية النص السردي من منظور النقد الدبي‪ ،‬ص‪ 97 .‬وما بعدها‪ ،‬وكذا البنية‬
‫السردية في النظرية السيميائية‪ ،‬للدكتور رشيد بن مالك‪ .‬ص‪ 2 .‬و ‪.3‬‬
‫ـ ‪ 79‬ـ‬
‫فهرس المصادر والمراجع‬
‫المصادر‬

‫ـ القرآن الكريم‪ ،‬رواية المــام ورش‪ ،‬دار المصـحف‪،‬‬


‫شركة مكتبة ومطبعة عبد الرحمن محمد‪ ،‬القــاهرة‪،‬‬
‫مصر‪.‬‬
‫ـ الباقلني‪ ،‬أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد‪ ،‬إعجاز‬
‫القرآن‪ ،‬تحقيق أحمد صخر‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪) ،‬د‪ .‬ت(‪.‬‬
‫ـ الجاحظ‪ ،‬أبو عثمـان عمـرو بـن بحـر‪ ،‬البيــان والتــبيين‪،‬‬
‫تحقيق وشرح عبد السلم هارون‪ ،‬دار المعارف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪) ،3‬د‪ .‬ت(‪.‬‬
‫ـ الزمخشري‪ ،‬أبو القاسم محمود بن عمر بن محمــد‪،‬‬
‫الكشــاف عــن حقــائق التنزيــل وعيــون القاويــل فــي وجــوه‬
‫التأويل‪ ،‬تحقيق وتعليق‪ :‬محمــد مرســي عــامر‪ ،‬الجــزء‪ ،5:‬دار‬
‫المصحف‪ ،‬القاهرة‪) ،‬د‪ .‬ت(‬
‫ـ الشهرستاني‪ ،‬أبو الفتح محمد بن عبد الكريم‪ ،‬الملل‬
‫والنحــل‪ ،‬تحقيــق‪:‬أميــر علــي مهنــا‪ ،‬وعلــي حســن فــاعو‪ ،‬دار‬
‫المعرفة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1996 ،5 .‬‬
‫المعاجم‬

‫• بركــة‪ ،‬بســام‪ ،‬معجــم اللســانيات )فرنســي ـــ عربــي(‪،‬‬


‫منشورات جروس‪ ،‬طرابلس‪ ،‬لبنان‪.1985 ،‬‬
‫• صـــليبا جميـــل‪ ،‬المعجـــم الفلســـفي باللفـــاظ العربيـــة‬
‫والفرنســية‪ ،‬والفرنســية والنكليزيــة واللتينيــة‪ ،‬الجــزء الول‪،‬‬
‫الشركة العالمية للكتاب‪ ،‬بيروت‪1994 ،‬‬
‫• عبــد البــاقي محمــد فــؤاد‪ ،‬المعجــم المفهــرس للفــاظ‬
‫القرآن الكريم‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بيروت‪.1986 ،‬‬
‫• علــوش ســعيد‪ ،‬معجــم المصــطلحات الدبيــة المعاصــرة‪،‬‬
‫مطبوعات المكتبة الجامعية‪ ،‬الدار البيضاء‪.1984 ،‬‬
‫• عياد حّنا سامي‪ ،‬حسام الــدين زكــي كريــم‪ ،‬جريــس‬
‫نجيب‪ ،‬معجم اللسانيات الحديثـة‪ ،‬إنكليــزي ــ عربــي‪ ،‬مكتبـة‬
‫لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت‪.1997 ،‬‬
‫• ابن مالك رشيد‪ ،‬قاموس مصــطلحات التحليــل الســيميائي‬
‫للنصوص‪ ،‬عربي ـ إنجليزي ـ فرنسي‪ ،‬دار الحكمــة‪ ،‬الجــزائر‪،‬‬
‫‪.2000‬‬
‫• ابــن منظــور‪ ،‬أبــو الفضــل جمــال الــدين محمــد بــن‬
‫مكرم‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬قدم لـه الشيخ العللي عبد الله‪ ،‬أعــاد‬
‫بناءه على الحرف الول من الكلمة‪:‬خياط يوسف‪ ،‬دار لســان‬
‫ـ ‪ 80‬ـ‬
‫العرب‪ ،‬بيروت‪.1988 ،‬‬
‫• ميويك‪ ،‬د‪ .‬سي‪ ،‬موسوعة المصطلح النقــدي‪ ،‬ترجمــة‪:‬عبــد‬
‫الواحد لؤلؤة‪ ،‬دار المأمون‪ ،‬بغداد‪.1985 ،‬‬
‫• وهبــة مجــدي‪ ،‬كامــل مهنــدس‪ ،‬معجــم المصــطلحات‬
‫العربية‪ 1944:‬ـ ‪ ،1984‬مكتبة لبنان ناشرون‪ ،‬بيروت‪.‬‬

‫المراجع العربية‬

‫• إبراهيــم عبــد اللــه‪ ،‬الســردية العربيــة‪ ،‬بحــث فــي البنيــة‬


‫السردية العربية للموروث‪ ،‬المركز الثقافي العربــي‪ ،‬بيــروت‪،‬‬
‫‪.1992‬‬
‫• إبراهيم عبد الله‪ ،‬الغانمي سعيد‪ ،‬عواد علي‪ ،‬معرفة الخر‬
‫مدخل إلى المناهج النقدية الحديثة‪ ،‬المركز الثقافي العربــي‪،‬‬
‫بيروت‪.1992 ،‬‬
‫• إبراهيم السيد‪ ،‬نظرية الرواية دراسة لمناهج النقــد الدبــي‬
‫في معالجة فن القصة‪ ،‬دار قبــاء للطباعــة والنشــر والتوزيــع‪،‬‬
‫القاهرة‪.1998 ،‬‬
‫• أزرويل فاطمة‪ ،‬مفاهيم نقد الرواية بالمغرب‪ ،‬نشر الفتك‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪.1989 ،‬‬
‫• آل يســين جعفــر‪ ،‬المنطــق الســينوي‪ ،‬عــرض وتحليــل‬
‫للنظريــة المنطقيــة عنــد ابــن ســينا‪ ،‬منشــورات دار الفــاق‬
‫الجديدة‪ ،‬بيروت‪.1983 ،‬‬
‫• إينو آن‪ ،‬مراهنات الدللة اللغوية‪ ،‬ترجمة‪:‬أوديت بيتي وخليل‬
‫أحمــد‪ ،‬تقــديم جوليــان كريمــاس وأســعد علــي‪ ،‬دار الســؤال‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪.1980 ،1 .‬‬
‫• باختين ميخائيل‪ ،‬الخطاب الروائي‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمــد بــرادة‪،‬‬
‫دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة ـ بــاريس‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪.1987 ،1‬‬
‫• بارت رولن‪ ،‬درس السيميولوجيا‪ ،‬ترجمة‪ :‬بنعبد العالي عبد‬
‫السلم‪ ،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪.1986 ،2 .‬‬
‫• باشلر غاستون‪ ،‬جماليات المكان‪ ،‬ترجمــة‪ :‬هلســا غــالب‪،‬‬
‫المؤسسة العربية للدراسـات والنشــر والتوزيــع‪ ،‬بيــروت‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪.1987 ،3‬‬
‫• بــــروب فلديميــــر‪ ،‬مورفولوجيــــة الخرافــــة‪ ،‬ترجمــــة‬
‫وتقـــديم‪:‬إبراهيـــم الخطيـــب‪ ،‬الشـــركة العربيـــة للناشـــرين‬
‫المتحدين‪ ،‬الدار البيضاء‪.1986 ،‬‬
‫• بناني محمد الصغير‪ ،‬النظريات اللسانية والبلغية والدبية‬
‫عند الجـاحظ مـن خلل البيـان والتـبيين‪ ،‬ديـوان المطبوعـات‬
‫الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1983 ،‬‬
‫• بوتــور ميشــال‪ ،‬بحــوث فــي الروايــة الجديــدة‪ ،‬ترجمــة‪:‬‬
‫أنطونيوس‪) ،‬سلسلة زدني علما(منشورات عويـدات‪ ،‬بيـروت‬
‫ـ باريس‪.1982 ،‬‬

‫ـ ‪ 81‬ـ‬
‫• بورايو عبد الحميد‪ ،‬منطــق الســرد‪ ،‬دراســات فــي القصــة‬
‫الجزائرية‪ ،‬ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1994 ،‬‬
‫• بورايو عبد الحميد‪ ،‬القصص الشعبي في منطقــة بســكرة‬
‫)دراسة ميدانية(المؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬الجزائر‪.1986 ،‬‬
‫• بياجيه جان‪ ،‬البنيوية‪ ،‬ترجمة‪ :‬عارف منيمنة وبشـير أوبـري‪،‬‬
‫منشورات عويدات‪ ،‬بيروت ـ باريس‪ ،‬ط‪.1980 ،2 .‬‬
‫• تــودوروف‪ ،‬ت‪ ،.‬بــارت رولن‪ ،‬إيكــو أمــبرتو‪ ،‬مــارك‬
‫أنجينو‪ ،‬في أصول الخطاب النقدي الجديــد‪ ،‬ترجمــة‪ :‬المــدني‬
‫أحمد‪ ،‬عيون المقالت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪.1989 ،2 .‬‬
‫• جينيت‪ ،‬جيرار‪ ،‬مدخل لجامع النــص‪ ،‬مــع مقدمــة خــص بهــا‬
‫المؤلف الترجمــة العربيــة‪ ،‬ترجمــة‪:‬عبــد الرحمــان أيــوب‪ ،‬دار‬
‫توبقال للنشر‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط‪.1986 ،2 .‬‬
‫• دي سوسير فردينان‪ ،‬دروس في اللسنية العامة‪ ،‬تعريــب‬
‫صالح القرمادي‪ ،‬محمد الشاوش‪ ،‬محمد عجينة‪ ،‬الدار العربية‬
‫للكتاب‪.1985 ،‬‬
‫• ديكارت‪ ،‬ر‪ ،.‬مقالة الطريقة‪ ،‬ترجمــة‪ :‬صــليبا جميــل‪ ،‬مــوفم‬
‫للنشر‪ ،‬بيروت‪.1991 ،‬‬

‫• ريكاردو جان‪ ،‬قضايا الرواية الحديثة‪ ،‬ترجمها وعلـق عليهـا‪:‬‬


‫الجهيم صــباح‪ ،‬منشــورات وزارة الثقافــة والرشــاد القــومي‪،‬‬
‫دمشق‪.1977 ،‬‬
‫فــوظ‬ ‫مل ُ‬
‫ن به ال َ‬‫• الزناد الزهر‪ ،‬نسيج النص‪ .‬بحث في ما يكو ُ‬
‫صا‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1993 ،1 .‬‬ ‫ن ّ‬
‫• أبو زيــد نصــر حامــد‪ ،‬مفهــوم النــص‪ ،‬دراســة فــي علــوم‬
‫القرآن‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1998 ،4 .‬‬
‫• السد نــور الــدين‪ ،‬الســلوبية فــي النقــد الدبــي الحــديث‪،‬‬
‫أطروحــة دكتــوراه الدولــة‪ ،‬إشــراف الــدكتور محمــد حجــار‪،‬‬
‫جامعة الجزائر‪) .1992 ،‬مخطوط(‬
‫• سليمان نبيل‪ ،‬وعي الذات والعـالم‪ ،‬دراسـات فـي الروايـة‬
‫العربية‪ ،‬دار الحوار‪ ،‬اللذقية‪ ،‬سورية‪.1985 ،‬‬
‫• سويرتي محمــد‪ ،‬النقــد البنيــوي والنــص الــروائي‪ ،‬إفريقيــا‬
‫الشرق‪ ،‬الدار البيضاء‪.1991 ،‬‬
‫• سيزا قاسم‪ ،‬دراسة مقارنة في ثلثية نجيــب محفــوظ‪ ،‬دار‬
‫التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.1985 ،‬‬
‫• شكري فيصل‪ ،‬مناهج الدراسة الدبيــة فــي الدب العربــي‪،‬‬
‫دار العلم للمليين‪ ،‬بيروت‪.1978 ،‬‬
‫• شــولز روبــرت‪ ،‬البنيويــة فــي الدب‪ ،‬ترجمــة‪ :‬حنــا عبــود‪،‬‬
‫منشورات اتحاد الكتاب العرب‪ ،‬دمشق‪.1984 ،‬‬
‫• طاليس أرسطو‪ ،‬الخطابــة‪ ،‬ترجمــة‪ :‬عبــد الرحمــن بــدوي‪،‬‬
‫مكتبة النهضة المصرية‪ ،‬القاهرة‪.1983 ،‬‬
‫• عبد المطلب محمد‪ ،‬البلغــة والســلوبية‪ ،‬الهيئة المصــرية‬
‫العامة للكتاب‪ ،‬القاهرة‪.1985 ،‬‬
‫ـ ‪ 82‬ـ‬
‫• عياشي منذر‪ ،‬مقالت في السلوبية‪ ،‬اتحاد الكتاب العــرب‪،‬‬
‫دمشق‪.1990 ،‬‬
‫• الغذامي محمد عبد الله‪ ،‬الخطيئة والتكفير‪ ،‬النادي الدبي‬
‫والثقافي‪ ،‬جدة‪.1985 ،‬‬
‫• فضل صــلح‪ ،‬بلغــة الخطــاب وعلــم النــص‪ ،‬مكتبــة لبنــان‬
‫ناشــرون‪ ،‬بيــروت‪ ،‬الشــركة المصــرية العالميــة للنشــر ـــ‬
‫لونجمان‪ ،‬مصر‪ ،‬ط‪.1996 ،1 .‬‬

‫• فوســتر‪ ،‬آ‪ .‬م‪ ،.‬أركــان القصــة‪ ،‬ترجمــة‪:‬كمــال عيــاد‪ ،‬دار‬


‫الكرنك للنشر والطبع والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪.1960 ،‬‬
‫• فوكو ميشال‪ ،‬نظــام الخطـاب‪ ،‬ترجمــة‪ :‬ســبيل محمـد‪ ،‬دار‬
‫التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1984 ،1 .‬‬
‫• قاسم سيزا‪ ،‬بناء الرواية‪ ،‬دراسة مقارنة فــي ثلثيــة نجيــب‬
‫محفوظ‪ ،‬دار التنوير للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1985 ،1 .‬‬
‫• القمري بشير‪ ،‬شعرية النص الروائي‪ ،‬شركة البيادر للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬الرباط‪.1991 ،‬‬
‫• كنفاني غسان‪ ،‬أدب المقاومــة فــي فلســطين المحتلــة‪) ،‬‬
‫‪ 1948‬ـ ‪ ،(1966‬سلســلة أعمــال غســان كنفــاني‪ ،‬مؤسســة‬
‫البحاث العربية‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1982 ،3 .‬‬
‫• لحمداني حميــد‪ ،‬بنيــة النــص الســردي مــن منظــور النقــد‬
‫الدبي‪ ،‬المركز الثقــافي العربــي للطباعــة والنشــر والتوزيــع‪،‬‬
‫بيروت‪.1993 ،‬‬
‫• لوكاتش جورج‪ ،‬الرواية‪ ،‬ترجمة‪ :‬بقطاش مرزاق‪ ،‬الشــركة‬
‫الوطنية للنشر والتوزيع‪ ،‬الجزائر‪) ،‬د‪ .‬ت(‪.‬‬
‫• لوبوك بيرس‪ ،‬صنعة الرواية‪ ،‬ترجمة‪ :‬جواد عبد الستار‪ ،‬دار‬
‫الرشيد للنشر‪ ،‬بغداد‪.1981 ،‬‬
‫• ليفـــي ســـتروس‪ ،‬كلـــود‪ ،‬النتروبولوجيــــا البنيويــــة‪،‬‬
‫ترجمة‪:‬مصطفى صــالح‪ ،‬منشــورات وزارة الثقافــة والرشــاد‬
‫القومي‪ ،‬دمشق‪.1977 ،‬‬
‫• بن مالك رشيد‪ ،‬البنية الســردية فــي النظريــة الســيميائية‪،‬‬
‫دار الحكمة‪.2000 ،‬‬
‫• مرتاض عبد الملك‪ ،‬دراسة سيميائية تفكيكية لقصيدة "أين‬
‫ليلي" لمحمد العيد آل خليفة‪ ،‬ديوان المطبوعــات الجامعيــة‪،‬‬
‫الجزائر‪) ،‬د‪ .‬ت(‪.‬‬
‫• مرتاض عبد الملك‪ ،‬في نظرية الرواية بحــث فــي تقنيــات‬
‫السرد‪ ،‬عــالم المعرفــة‪ ،‬يصــدرها المجلــس الــوطني للثقافــة‬
‫والفنون والداب‪ ،‬الكويت‪.1998 ،‬‬
‫• مرتاض عبــد الملــك‪ ،‬تحليــل الخطــاب الســردي‪ ،‬معالجــة‬
‫تفككية سيميائية مركبــة لزقــاق المــدق‪ ،‬ديــوان المطبوعــات‬
‫الجامعية‪ ،‬الجزائر‪.1995 ،‬‬
‫• المسدي عبد السلم‪ ،‬السلوبية والسلوب‪ ،‬الــدار العربيــة‬
‫للكتاب‪.1982 ،‬‬
‫ـ ‪ 83‬ـ‬
‫• المسدي عبد السلم‪ ،‬قضية البنيوية‪ ،‬دراســة ونمــاذج‪ ،‬دار‬
‫الجنوب للنشر‪ ،‬تونس‪.1995 ،‬‬
‫• موريس أبــو ناضــر‪ ،‬اللســنية والنقــد الدبــي‪ ،‬دار النهــار‪،‬‬
‫بيروت‪.1989 ،‬‬
‫• نظريــة التلقــي‪ .‬إشــكالت وتطبيقــات‪ ،‬منشــورات كليــة‬
‫الداب والعلوم النسانية بالرباط‪ ،‬الشركة المغربية للطباعــة‬
‫والنشر‪.1993 ،‬‬
‫• نظريــة المنهـج الشــكلي‪ .‬نصــوص الشــكلنيين الــروس‪،‬‬
‫ترجمــة‪ :‬الخطيــب إبراهيــم‪ ،‬الشــركة المغربيــة للناشــرين‬
‫المتحدين‪ ،‬ومؤسسة البحاث العربية‪ ،‬الربــاط ـ ـ بيــروت‪ ،‬ط‪.‬‬
‫‪.1982 ،1‬‬
‫• هــاليواك مــوريس‪ ،‬المورفولوجيــا الجتماعيــة‪ ،‬ترجمــة‪:‬‬
‫حســين حيــدر‪ ،‬منشــورات عويــدات‪ ،‬ديــوان المطبوعــات‬
‫الجامعية‪ ،‬بيروت‪ ،‬الجزائر‪.1988 ،‬‬
‫• هاوزر أرنولد‪ ،‬الفن والمجتمــع عــبر التاريــخ‪ ،‬الجــزء الول‪،‬‬
‫ترجمة‪ :‬فؤاد زكريـا‪ ،‬المؤسسـة العربيـة للدراسـات والنشـر‪،‬‬
‫بيروت‪ ،‬ط‪.1981 ،2 .‬‬
‫• ياكبسون رومان‪ ،‬قضايا الشــعرية‪ ،‬ترجمــة‪ :‬محمــد الــولي‬
‫ومبــارك حنــوز‪ ،‬دار توبقــال للنشــر‪ ،‬الــدار البيضــاء‪ ،‬ط‪،1 .‬‬
‫‪.1988‬‬
‫• يحي نون محمد وآخــرون‪ ،‬اللســانيات العامــة الميســرة‪،‬‬
‫ديوان المطبوعات الجامعية‪ ،‬الجزائر‪) ،‬د‪ .‬ت(‪.‬‬
‫• يمنــى العيــد‪ ،‬تقنيــات الســرد الــروائي فــي ضــوء المنهــج‬
‫البنوي‪ ،‬سلسلة دراسات نقدية الفارابي‪.1990 ،‬‬
‫• يقطيــن ســعيد‪ ،‬القــراءة والتجربــة حــول التجريــب فــي‬
‫الخطاب الروائي الجديد بالمغرب‪ ،‬دار الثقافة‪ ،‬الدار البيضاء‪،‬‬
‫‪.1985‬‬
‫• يقطين سعيد‪ ،‬تحليل الخطاب الروائي‪ ،‬الزمن ـ ـ الســرد ـ ـ‬
‫التبئير‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪.1989 ،‬‬
‫• يقطين سعيد‪ ،‬انفتــاح النــص‪) ،‬النــص ــ الســياق(‪ ،‬المركــز‬
‫الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪.1989 ،‬‬
‫• يقطين سعيد‪ ،‬قال الراوي‪ ،‬البنيات الحكائيــة فــي الســيرة‬
‫الشعبية‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪ ،‬بيروت‪.1997 ،‬‬
‫• ويليــــك رينيــــه‪ ،‬أوســــتين واريــــن‪ ،‬نظريــــة الدب‪،‬‬
‫ترجمة‪:‬صبحي محي الدين‪ ،‬مراجعة الدكتور حسام الخطيــب‪،‬‬
‫المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.1981 ،2 .‬‬

‫الدوريات‬

‫• ـ إبراهيم عبد الله‪ ،‬مــن وهــم الرؤيــة إلــى وهــم المنهــج‪،‬‬


‫مجلة الفكــر المعاصــر‪ ،‬العــدد المــزدوج ‪ 100:‬ـ ـ ‪ ،101‬ســنة‬
‫‪ ،1993‬مركز النماء القومي‪ ،‬بيروت‪/‬باريس‪.‬‬
‫• بارت رولن‪ ،‬نظرية النــص‪ ،‬ترجمــة‪ :‬محمــد خيــر اليفــاعي‪،‬‬
‫مجلة العرب والفكر العالمي‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬السنة ‪.1988‬‬
‫ـ ‪ 84‬ـ‬
‫• بــارت رولن‪ ،‬التحليــل البنيــوي للســرد‪ ،‬ترجمــة‪ :‬بشــير‬
‫الغمــري وحســن عمــراوي‪ ،‬مجلــة آفــاق‪) ،‬اتحــاد الكتــاب‬
‫المغرب(‪ ،‬العدد المزدوج‪ 8:‬و ‪ ،9‬السنة ‪ ،1988‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫• بريــك يوســف‪ ،‬وضــع العلــوم النســانية ومشــكلتها مــن‬
‫منظور ابستمولوجي‪ ،‬مجلة جامعة دمشق‪ ،‬المجلد‪ ،15:‬العدد‬
‫الرابع‪ ،‬السنة‪ ،1999:‬دمشق‪ ،‬سورية‪.‬‬
‫• بوطيب عبد العالي‪ ،‬مفهوم الرؤية السردية في الخطاب‬
‫الروائي بين الئتلف والختلف‪ ،‬مجلة الفكر المعاصر‪ ،‬العــدد‬
‫المــزدوج‪ 98 :‬ــ ‪ ،99‬الســنة ‪ ،1992‬مركــز النمــاء القــومي‪،‬‬
‫بيروت‪/‬باريس‪.‬‬
‫• جيب لنتقلت‪ ،‬محافل النص السردي الدبي‪ ،‬ترجمة‪:‬رشيد‬
‫بنحدو‪ ،‬مجلة الفكر العربــي المعاصــر‪ ،‬العــدد المــزدوج‪ 54:‬ــ‬
‫‪ 55‬تمـــوز‪/‬آب‪ ،‬الســـنة ‪ ،1988‬مركـــز النمـــاء القـــومي‪،‬‬
‫بيروت‪/‬باريس‪.‬‬
‫• الحداوي الطائع‪ ،‬النص الواصف لبن جزي‪:‬صـي ُّغه الخبريــة‬
‫وأنمـــاطه الخطابيـــة‪ ،‬دراســـات مغاربيـــة‪ ،‬مجلـــة البحـــث‬
‫والبيبلوغرافيــا المغاربيــة‪ ،‬العــدد‪ ،10:‬الســنة ‪ ،1999‬الــدار‬
‫البيضاء‪.‬‬
‫• الخديري أحمد‪ ،‬مــن النــص إلــى الجنــس الدبــي‪ ،‬الفكــر‬
‫العربي المعاصر‪ ،‬العدد المــزدوج‪ 54:‬ـ ـ ‪ ،55‬تمــوز‪/‬آب‪ ،‬ســنة‬
‫‪ ،1988‬مركز النماء القومي‪ ،‬بيروت‪/‬باريس‪.‬‬
‫• الخضراوي محمد‪ ،‬هندسة النص‪ ،‬مجلــة كتابــات معاصــرة‪،‬‬
‫العدد‪ ،18:‬السنة ‪ ،1998‬بيروت‪.‬‬
‫• رومان غــودور‪ ،‬تجديــد النمــوذج الفــاعلي‪ ،‬ترجمــة‪ :‬أحمــد‬
‫السماوي‪ ،‬مجلة دراســات مغاربيــة‪ ،‬العــدد‪ ،8:‬الســنة ‪،1998‬‬
‫الدار البيضاء‪.‬‬
‫• روجــر فــاولر‪ ،‬نظريــة اللســانيات ودراســة الدب‪ ،‬مجلــة‬
‫الداب الجنبية‪ ،‬العدد‪ ،2:‬سنة ‪ ،1985‬بغداد‪.‬‬
‫• رابح بوحوش‪ ،‬الخطاب والخطــاب الدبــي وثــورته اللغويــة‬
‫على ضوء اللسانيات وعلم النص‪ ،‬مجلة معهــد اللغــة العربيــة‬
‫وآدابها‪ ،‬جامعة الجزائر‪ ،‬العدد‪ ،12:‬السنة ‪.1997‬‬
‫• رواينية الطاهر‪ ،‬قــراءة فــي التحليــل الســردي للخطــاب‪،‬‬
‫مجلة التواصل‪ ،‬العدد‪ ،4:‬جوان ‪.1999‬‬
‫• صفدي مطاع‪ ،‬بحثا عن النص الروائي‪ ،‬مجلة الفكر العربي‬
‫المعاصــر‪ ،‬العــدد المــزدوج‪ 48:‬ــ ‪ ،49‬شــباط‪ ،1988 ،‬مركــز‬
‫النماء القومي‪ ،‬بيروت‪/‬باريس‪.‬‬
‫• عبيد علي‪ ،‬كيــف يــرى المبصــرون مــا صــوره العمــى فــي‬
‫رسالة الغفران‪ ،‬مجلة ســنوية تصــدرها مؤسسـة الملــك عبــد‬
‫العزيــز آل ســعود للدراســات الســلمية والعلــوم النســانية‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪.2000 ،‬‬
‫• عقار عبد الحميد‪ ،‬وضع السارد بالمغرب‪ ،‬مجلــة دراســات‬
‫أدبية ولسانية‪ ،‬العدد الول‪ ،‬سنة ‪ ،1985‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫• أبو العــدوس يوســف‪ ،‬الرؤيــة النقديــة للروايــة عنــد عبــد‬
‫المحسن بدر‪ ،‬مجلة البلقاء للبحوث والدراسات‪ ،‬العدد الول‪،‬‬
‫السنة ‪ ،1992‬عمان‪.‬‬
‫ـ ‪ 85‬ـ‬
‫• فاولر روجــر‪ ،‬نظريــة اللســانيات ودراســة الدب‪ ،‬ترجمــة‪:‬‬
‫ســلمان الواســطي‪ ،‬مجلــة الداب الجنبيــة‪ ،‬العــدد‪ ،2:‬ســنة‬
‫‪ ،1985‬بغداد‪.‬‬
‫• فوغالي جمال‪ ،‬شعرية التناص‪ ،‬مجلة المدى‪ ،‬العــدد‪،14:‬‬
‫السنة ‪ ،1996‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫• الفجاري المختار‪ ،‬تأصيل الخطاب فــي الثقافــة العربيــة‪،‬‬
‫مجلة الفكر العربي المعاصــر‪ ،‬العــدد المــزدوج‪ 100:‬ــ ‪،101‬‬
‫تموز‪/‬آب السنة ‪ .1993‬مركز النماء القومي‪ ،‬بيروت‪/‬باريس‪.‬‬
‫• قطوس بسام‪ ،‬شعرية الخطاب وانفتــاح النــص الســردي‬
‫في رواية إميل حبيبي‪ ،‬مجلة أبحاث‪ ،‬العدد‪ ،2:‬الســنة ‪،1996‬‬
‫جامعة اليرموك‪ ،‬الردن‪.‬‬
‫• الكيلن مصطفى‪ ،‬وجود النص‪/‬نص الوجود‪ ،‬مجلــة الفكــر‬
‫العربــي المعاصــر‪ ،‬العــدد المــزدوج‪ 100:‬ـــ ‪ ،101‬تمــوز‪/‬آب‬
‫‪ .1988‬مركز النماء القومي‪ ،‬بيروت‪/‬باريس‪.‬‬
‫• بن مالــك رشــيد‪ ،‬قــراءة ســيميائية فــي قصــة العــروس‬
‫سان كنفاني‪ ،‬مجلــة اللغــة والدب‪ ،‬يصــدرها معهــد‬ ‫للروائي غ ّ‬
‫اللغة العربيــة وآدابهـا‪ ،‬جامعـة الجـزائر‪ ،‬العــدد‪ ،12:‬ديسـمبر‪،‬‬
‫‪ ،1997‬الجزائر‪.‬‬
‫• مــازن الــوعر‪ ،‬اللســاني‪/‬الدبــي‪ ،‬مجلــة الفكــر العربــي‬
‫المعاصر‪ ،‬العــدد المــزدوج‪ 54:‬ــ ‪ ،55‬تمــوز‪/‬آب ســنة ‪،1988‬‬
‫مركز النماء القومي‪ ،‬بيروت‪/‬باريس‪.‬‬
‫• موســى شــمس الــدين‪ ،‬ثلثــة محــاور لدراســة الروايــة‬
‫العربية‪ ،‬مجلة القلم‪ ،‬العدد‪:‬الثامن‪ ،‬سنة ‪ ،1976‬بغداد‪.‬‬
‫• مقدسي أنطوان‪ ،‬الحداثة والدب‪ ،‬مجلة الموقف الدبي‪،‬‬
‫العدد التاسع‪ ،‬جانفي ‪ ،1975‬دمشق‪.‬‬
‫• منذر عياشــي‪ ،‬النــص‪:‬ممارســته وتجليــاته‪ ،‬مجلــة الفكــر‬
‫العربــي المعاصــر‪ ،‬العــدد المــزدوج‪ 96:‬ـ ـ ‪ ،97‬ســنة ‪،1992‬‬
‫مركز النماء القومي‪ ،‬بيروت‪/‬باريس‪.‬‬
‫• منذر عياشــي‪ ،‬الخطــاب الدبــي والنقــد اللغــوي الجديــد‪،‬‬
‫جريدة البعث‪ ،‬رقم‪ ،7813:‬بتاريخ‪ 21:‬ـ ‪ 11‬ـ ‪ ،1988‬دمشق‪.‬‬
‫• يقطين سعيد‪ ،‬السرد العربي‪:‬قضايا وإشكالت‪ ،‬علمات‪ ،‬ج‬
‫‪ ،29‬م‪ ،8 .‬سبتمبر ‪ ،1998‬جدة‪ .‬المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫ـ ‪ 86‬ـ‬
Bibliographie en langue française

:Dictionnaires, Encyclopédies -1
Dictionnaire Quillet de la langue française, (Q-z) Librairie
Aristide Quillet, Paris, 1983.
Dictionnaire historique de la langue française, dictionnaire Le
Robert, Paris, 1992.
Encyclopédie Encarta, 1999, Microsoft, (CD), (Racine-Esther).
Encyclopédie Encarta, 2000, Microsoft, (CD), «récit-discours».
Encyclopédia Universalis, France, Microsoft, 1995, «discours».
Grand dictionnaire encyclopédique Larousse, 10 tomes, Librairie
Larousse, Paris, 1984.
Greimas(A. J) et Courtes (J), Sémiotique, Dictionnaire raisonné
de la Théorie du langage, Hachette Université, 1986.
Grimal (p. ), Dictionnaire de la mythologie grecque et romaine,
P. U. France, Paris, 1951.
La grande Encyclopédie 2000, Microsoft, (CD), «dogmatique».

2- Travaux et études des théories littéraires:


Adam (J. Michel), Linguistique et discours littéraires,
P. U. F, Paris, 1970.

Barthes (Roland), «introduction à l"analyse structurale des


récits »
Communications N°8,Le Seuil, 1966.
Barthes (Roland), Le plaisir du texte, Editions Du Seuil, 1973.
Barthes (Roland), S/Z, Points, Seuil, 1970.
Barthes (Roland), Mythologies, Editions Du Seuil, 1957.
Barthes (Roland), l’aventure sémiologique, Editions Du Seuil,
Paris, 1985.
Barthes (Roland), Dayser (W), Booth (W. C), Hamon (Ph),
Poétique Du récit, Seuil Points, 1977.
Bally (Charles), Traité de stylistique, 2Vol. ,Klincksisck, Paris.

‫ ـ‬87 ‫ـ‬
Bédier (J), Les fabliaux, 6 Editions, Honoré Champion, Paris,
1964.
Bel-Ange (Norbert), Les juifs de Mostaganem, histoire et
perspectives Méditerranéennes, Editions, l’Honmettan, Paris,
1990.
Benveniste (Emile), Problèmes de linguistique générale, T. 1,
Gallimard, Paris, 1976.
Brémond(Claude), Logique du récit, Editions Du Seuil, Paris,
1973.
Chénouf (Aissa), Les juifs d’Algérie, 2000 ans d’existence,
Editions, El Maarifa, Alger, 1999.
Courtes(Joseph), Analyse sémiotique des discours, Hachette,
Paris, 1990. Courtes (J), Introduction à la sémiotique narrative
et discursive,Préface de Greimas (A. J), Hachette, Université,
1976.
De Saussure Ferdinand, Cours de linguistique générale,
Enag/Editions, Alger, 1990.
Doubrousky (Serge), «littérature : Générativité de la phrase», In.
Problèmes de l’analyse textuelle, Didié, 1971.
Foucault (Michel), Les mots et choses, Editions Gallimard,
1966.
Foucault (Michel), Barthes (R), Derrida (Jacques) et autres,
Théorie D’ensemble, Editions Du Seuil, Paris, 1968.
Genette Gérard, Figures III, Coll. Poétique, Aux Editions Du
Seuil, Paris, 1972.
Genette Gérard, Figures II, Essais, Coll. «tel Quel », Aux
Editions Du Seuil, 1969.
Genette (Gérard), Nouveau discours du récit, Editions du Seuil,
Paris,1983.
Girard (R), Mensonge romantique et vérité romanesque, Grasset,
Paris, 1961. Goldmann (Lucien), Pour une sociologie du
roman, Editions Gallimard, Paris, 1964.
Groupe d’entrevernes, Analyse sémiotique des textes, P. U de
Lyon, 1979.
Guiraud (Pierre) et Kuentz (Pierre), La stylistique, Lecture,
Klincksieck, Paris, 1970.
Hamon (Ph), Pour un statut sémiologique du personnage, In.
Poétique Du récit, Ed. Du Seuil. -, 1977.
Hamon (Ph), Le personnel dans le roman, Librairie Droz,
Genève,1983.
Henault (Anne), Narratologie, sémiotique générale. Les enjeux
de la Sémiotique, P. U. F. , 1983.
Hégaz Samir, Littérature et société en Egypte, (De la guerre de
1967 à celle de 1973), ENAL, Alger, 1986.
Hjelmslev (L), Essais linguistiques, Les Editions De Minuits,
Paris,
‫ ـ‬88 ‫ـ‬
1971.
Houdbine (J. L), Première approche de la notion du texte, In.
Théorie D’ensemble, Ed. Du Seuil, 1968.
Homère, l’Iliade, traduction, introduction et notes par Eugène
Lassère, GF-Flammaroin, Paris, 1965.
Jakobson (Roman), Essais de linguistique générale. Les
fondations du Langage. Tr. François Dubois, Larousse, Paris,
1970.
Kerbrat (C), La connotation, P. U. de Lyon, 1977.
Keyser (W), Qui raconte le roman, In. Poétique du récit, Ed.
Points, 1977.
Kristeva (Julia), Recherches pour une sémanalyse, Editions Du
Seuil,1969.
Kristeva (Julia), Le texte du roman. Approche sémiotique d'une
structure discursive transformationnelle, Mouton, Paris-Lahaye,
1976.
Kodmanie-Derwisch Bassma, La diaspora palestinienne, P. U. F.
, 1997.
Lukacs (G), La théorie du roman, Editions Gontier, Paris.
Machery (Pierre), Pour une théorie de la production Littéraire,
Maspero, Paris, 1966.
Maingueneau Dominique, Initiations aux méthodes de l’analyse
du Discours, Hachette Université, Paris, 1976.
Proust (M), Contre Sainte-Beuve, Ed. Gallimard, (Pléiade),
Paris,1971.
Raimond (Michel), Le roman depuis la révolution, Librairie
Armand Colin, 1967.
Riffaterre (M), Essais de stylistique structurale, Présentation et
Traduction de Daniel Delas, Flammarion, 1971.
Rousseaux (André), Le monde classique, Editions Albin Michel,
Paris, 1954.
Tesnière (Lucien), Eléments de syntaxe structurale, Klincksieck,
1966. Todorov, (Tzvetan), La notion de la littérature et autres
essais, "Points", Ed. Du Seuil, 1987.
Todorov (T), Qu'est ce que le structuralisme? , In. Poétique,
Editions Du Seuil, 1973.
Todorov (Tzvetan), Poétique de la prose, choix suivi de
nouvelles Recherches sur le récit, Points/Seuil, 1971.
Todorov (T), Théorie de la littérature, textes des formalistes
russes, réunis, présentés et traduits parT. todorov, Préface de R.
Jakobson, «tel -Quel » Seuil, 1965.
Todorov (T), Les catégories du récit littéraire, In.
"Communications n8», Seuil, 1966.
Voltaire, Candide ou l'Optimisme, In. Romans de Voltaire, Ed.
Gallimard et Librairie générale française, 1961.

‫ ـ‬89 ‫ـ‬
Wardi (Charlotte), Le juif dans le roman français (1933-1948),
Ed. A. G. Nizet, Paris, 1972

:Revues-3

drea Del Lungo, Pour une poétique de l’incipit. ,Poétique, n.


,94
.Avril 1993
Gilbert (G), Orient-Occident, des espaces partagés, In.
Maghreb-Machrek, N123-124, 1989.
Jenny (Laurent), La stratégie de la forme, In. Poétique, N. 27,
1976. Moise (Leyla Personne), l’Intertextualité critique, N.
27,1976.

‫ ـ‬90 ‫ـ‬
‫الفهرس‬

‫د‪ .‬عبد القادر شرشار‪3....................................‬‬


‫منشورات اتحاد الكتاب العرب‪3.............................................‬‬
‫دمشق ـ ‪3................................................................2006‬‬
‫تقديم‪5............................................‬‬
‫الفصل الول‪7.............................................:‬‬
‫الخطاب الدبي وقضايا النص ‪7..............................................‬‬
‫من منظور المناهج النقدية الحديثة‪7........................................‬‬
‫‪7.............................................................‬‬
‫أول‪ :‬مفهوم الخطاب‪7.................................. .‬‬
‫‪ -1‬تأصيل الخطاب في الثقافة العربية ‪7..............‬‬
‫‪ -2‬مفهوم الخطاب‪ :‬الطرح النظري‪9................ .‬‬
‫ثانيا‪ :‬إشكالية النص والخطاب‪12........................................ :‬‬
‫‪ 1‬ـــ الطــرح النظــري لمفهــوم النــص فــي الــتراث‬
‫العربي‪12.........................................................:‬‬
‫‪ 2‬ـ مفهوم النص في المعجم العربي القديم‪12.....:‬‬
‫‪ 3‬ـــ مفهــوم النــص بيــن الــتراث العربــي والــتراث‬
‫الغربي‪13.........................................................:‬‬
‫‪ 4‬ـ مفهوم النص وقضاياه فــي الدراســات النقديــة‬
‫الحديثة‪14.........................................................:‬‬
‫ثالثا‪ :‬اتجاهات الخطاب الدبي من منظور المناهج النقدية الحديثة‪.. .‬‬
‫‪19‬‬
‫‪ 1‬ـ اتجاه الخطاب النقدي الكلسيكي وخصائصه‪20 :‬‬
‫‪ 2‬ـ اتجاهات الخطاب النقـدي الحـديث وتطـوره فـي‬
‫ضوء المناهج الحداثية‪21.......................................:‬‬
‫أ ـ التجاه اللساني في تحليل الخطاب الدبي‪22. .:‬‬
‫ب ـ التجاه السلوبي في تحليل الخطاب الدبي‪...:‬‬
‫‪25‬‬
‫‪ 1‬ــ الســلوبية والنقــد الدبــي مــن منظــور شــارل‬
‫بالي‪27............................................................:‬‬
‫‪ 2‬ـ السلوبية وتحليل الخطاب الدبي‪28..............:‬‬
‫أ ـ المعنى الصطلحي )‪28............. Dénotation ):‬‬
‫ب ـ المعنى اليحائي )‪28............... Connotation):‬‬
‫‪ 3‬ـ مفهوم الخطاب في الدراسات السلوبية ‪30....:‬‬
‫الفصل الثاني‪32..........................................:‬‬
‫قراءة في التحليل السردي للخطاب الروائي‪32....................... .‬‬
‫أول‪ :‬أهمية دراسة موضوع السرد‪32................. :‬‬
‫ثانيا‪ :‬السيميائية السردية‪33...........................:‬‬

‫ـ ‪ 91‬ـ‬
‫ثالثا‪ :‬هيئات النص السردي ‪38....Instance narrative:‬‬
‫‪ 1‬ـ المؤلف الواقعي ـ القارئ الواقعي‪40...........:‬‬
‫‪ 2‬ـ المؤلف المجرد ـ القارئ المجرد‪40...............:‬‬
‫‪ 3‬ـ التمييز بين المؤلف المجــرد‪ ،‬والســارد والمؤلــف‬
‫الحقيقي‪40......................................................:‬‬
‫رابعا‪ :‬مفهوم السردية‪43............................... :‬‬
‫أ ـ المفهوم العام للمصطلح‪43.........................:‬‬
‫ب ـ مفهوم السرد وتحليل الخطاب عند الشكلنيين‬
‫الروس‪44.........................................................:‬‬
‫ج ـ مفهوم السرد وتحليل الخطاب الدبي في النقــد‬
‫الغربي الحديث‪47...............................................:‬‬
‫د ـ مفهوم السرد عند سعيد يقطين‪51................:‬‬
‫خامســـا‪ :‬البنيـــة الســـردية فـــي تحليـــل الخطـــاب‬
‫الروائي ‪53.......................................................:‬‬
‫مفهوم البنية ‪53..........................................:‬‬
‫أ ـ المعنى العام‪54.......................................:‬‬
‫ب ـ البنية البدائية للدللة‪54............................:‬‬
‫سادســا‪ :‬تحليــل الخطــاب الدبــي عنــد "دومينيــك‬
‫مانكينو"‪56.......................................................:‬‬
‫رؤيــة فــي تحليــل الخطــاب الدبــي فــي مؤلــف "د‪.‬‬
‫مانكينو"‪56.......................................................:‬‬
‫الفصل الثالث‪60...........................................‬‬
‫تحليل الخطاب السردي في الدراسات العربية الحديثة والمعاصرة‪.‬‬
‫‪60‬‬
‫تمهيد‪60................................................... :‬‬
‫تحديد مفهوم موضوع القيمة‪70........................:‬‬
‫قراءة لقاموس مصطلحات التحليل السيميائي للنصوص‪) .‬إنجليــزي‬
‫ـ فرنسي ـ عربي(‪74........................................................ .‬‬
‫أول‪ :‬هذا القاموس‪74................................. ():‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الهداف‪76.........................................:‬‬
‫ثالثــا‪ :‬مقارنــة بيــن قــاموس مصــطلحات التحليــل‬
‫السيميائي للنصوص ومعجــم اللســانيات الحديثــة ومعجــم‬
‫المصطلحات الدبية الحديثة والمعاصرة‪77..................:‬‬
‫فهرس المصادر والمراجع‪80.................................................‬‬
‫المصادر‪80..................................................‬‬
‫المعاجم‪80..................................................‬‬
‫المراجع العربية‪81.........................................‬‬
‫الدوريات‪84.................................................‬‬
‫‪87...................Bibliographie en langue française‬‬
‫الفهرس‪91.......................................................................‬‬

‫ـ ‪ 92‬ـ‬

You might also like