You are on page 1of 9

‫ن عجائب سورة الكوثر ‪ ..

‬مزايا ونكات بلغية‬

‫ك ُهوَ‬
‫صلّ لِرَ ّبكَ وَانْحَرْ} (‪{ )2‬إِنّ شَانِ َئ َ‬
‫ك الْ َكوْثَرَ} (‪َ { )1‬ف َ‬
‫قال تعالى‪{ :‬إِنّا أَعْطَيْنَا َ‬
‫الْأَبْ َترُ} (‪.)3‬‬

‫نبدأ بملحظات عابرة تتعلق بتناسبات صوتية وحرفية الهدف منها إشعار القارئ‬
‫أن سورة الكوثر تخفي خلف كلماتها العشر أمورا كثيرة وكثيرة جدا‪:‬‬

‫كلمات السورة استنادا إلى الخط والرسم عشر‪:‬‬

‫صلّ‪ -‬لِرَ ّبكَ‪ -‬وَانْحَرْ‪-‬إِنّ‪ -‬شَانِ َئكَ‪ُ -‬هوَ‪ -‬الْأَبْتَرُ}‬


‫{إِنّا‪ -‬أَعْطَيْنَاكَ‪ -‬الْ َكوْثَرَ‪َ -‬ف َ‬

‫‪ -‬الية الولى نسيج حرفي مكون من حروف عشر‪-‬بدون اعتبار المكرر منها‪:-‬‬

‫ا‪-‬ن‪-‬ع‪-‬ط‪-‬ي‪-‬ك‪-‬ل‪-‬و‪-‬ث‪-‬ر‪.‬‬

‫‪ -‬الية الثانية هي أيضا مبنية من عشر حروف‪-‬بدون اعتبار المكرر دائما‪:-‬‬

‫ف ‪ -‬ص‪-‬ل‪-‬ر‪-‬ب‪-‬ك‪-‬و‪-‬ا‪-‬ن‪-‬ح‪.‬‬

‫‪-‬الية الخيرة –كما قد يتوقع القارئ‪-‬كأختيها أعني العدد نفسه باعتبار نوع‬
‫الحرف ل أفراده‪:‬‬

‫ا‪-‬ن‪-‬ش‪-‬ك‪-‬ه‪-‬و‪-‬ل‪-‬ب‪-‬ت‪-‬ر‪.‬‬

‫ولعل إشارة أخرى تقلل من فرضية الصدفة وهي أن عدد الحروف التي لم تستعمل‬
‫إل مرة واحدة عشرة أيضا وهي‪:‬‬
‫ع‪-‬ط‪-‬ي‪-‬ث‪-‬ف‪-‬ص‪-‬ح‪-‬ش‪-‬ه‪-‬ت‪.‬‬

‫• أن قوله تعالى ‪( :‬إنا أعطيناك الكوثر) دل على عطية كثيرة مسندة إلى معطٍ‬
‫كبير‪ ،‬ومن كان كذلك كانت النعمة عظيمة عنده‪ ،‬وأراد بالكوثر الخير الكثير‪ ،‬ومن‬
‫ذلك الخير الكثير ينال أولده إلى يوم القيامة من أمته‪ ،‬من غير ما وعد به ال‬
‫وأعطاه في الدارين‪ ،‬من مزايا التعظيم‪ ،‬والتقديم‪ ،‬والثواب ما لم يعرفه إل ال‪ ،‬وقيل‬
‫إن الكوثر ما اختص به من النهر الذي ماؤه أحلى من العسل وعلى حافته أواني‬
‫الذهب والفضة كعدد النجوم‪.‬‬

‫• أنه جمع ضمير المتكلم‪ ،‬وهو يشعر بعظم الربوبية فالعطاء يتناسب مع مقام‬
‫الربوبية المشار إليه بضمير التعظيم‪.‬‬

‫• أنه صدر الجملة بحرف التوكيد مجرى القسم‪.‬‬

‫• أنه بنى الفعل على المبتدأ فدل على خصوصية وتحقيق‪.‬‬

‫• أنه أورد الفعل الماضي دللة على أن الكوثر لم يتناول عطاء العاجلة دون عطاء‬
‫الجلة‪ ،‬ودللة على أن التوقع من سيب (عطاء ) الكريم في حكم الواقع‪.‬‬

‫• جاء بالكوثر محذوف الموصوف‪ ،‬لن المثبت ليس فيه ما في المحذوف من فرط‬
‫اليهام والشياع‪ ،‬والتناول على طريق التساع‪ ،‬لذا وردت القوال الكثيرة عن‬
‫العلماء في تفسير الكوثر‪ ،‬فمن قائل نهر ومن قائل التباع ومن قائل الذكر‪..‬‬
‫والكوثر يشمل كل ذلك ويزيد‪ ،‬فهو الخير الكثير الموهوب من الرب العظيم‪.‬‬

‫• اختيار الصفة المؤذنة بالكثرة (على وزن فوعل)‪.‬‬


‫• أتى بهذه الصفحة مصدّرة باللم المعروفة بالستغراق لتكون ما يوصف بها‬
‫شاملة‪ ،‬وفي إعطاء معنى الكثرة كاملة‪.‬‬

‫• وفاء التعقيب في الية الثانية مستفادة من معنى التسبب لمعنيين‪:‬‬

‫ـ جعل النعام الكثير سببا للقيام بشكر المنعم وعبادته‪.‬‬

‫ـ جعله لترك المبالة بقولة العدو‪.‬‬

‫فإن سبب نزول هذه السورة‪ :‬ما روي أن العاص بن وائل قال إن محمد صنبورـ‬
‫والصنبور الذي ل عقب له ـ فشق ذلك على رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫فأنزلت هذه السورة‪.‬‬

‫• قصده بالمر التعريض بذكر العاص وأشباهه ممن كانت عبادته ونحره لغير ال‪.‬‬

‫• أشار بهاتين العبادتين إلى نوعي العبادات ‪ :‬العمال البدنية والصلة قوامها‪،‬‬
‫والمالية ونحر البدن ذروة سنامها‪ ،‬للتنبيه على ما للرسول صلى ال عليه وسلم من‬
‫الختصاص في الصلة التي جعلت فيها قرة عينه‪ ،‬ونحر البل التي كان ل يجارى‬
‫فيه‪ ،‬فقد روي أنه أهدى مائة بدنة فيها جمل في أنفه برة من ذهب‪.‬‬

‫• حذف اللم الخرى لدللة الولى عليها‪ .‬فلم يقل وانحر له أو لربك‪.‬‬

‫• مراعاة حق السجع الذي هو من جملة صفة البديع إذا ساقه قائله مساقا مطبوعا‬
‫بعيدا عن التكلّف‪.‬‬

‫• قوله (لربك) فيه لطيفتان‪ :‬وروده على طريق اللتفات التي هي (أم) في علم‬
‫البلغة‪ .‬وصرف الكلم عن لفظ المضمر إلى لفظ المظهر وفيه إظهار لكبرياء‬
‫شأنه وإثباته لعز سلطانه‪.‬‬
‫• علم بهذا أن من حقوق ال التي تعبّد العباد بها أنه ربهم ومالكهم وعرّض بترك‬
‫التماس العطاء من عبد مربوب ترك عبادة ربه‪.‬‬

‫• وفي الية الثالثة علل المر بالقبال على شأنه وترك الحتفال بشانئيه على سبيل‬
‫ن الموقع‪ ،‬وقد كثرت في التنزيل مواقعه‪.‬‬
‫الستئناف الذي هو حس ُ‬

‫• ويتجه أن نجعلها جملة العتراض مرسلة إرسال الحكمة الخاتمة والعتراض‬


‫كقوله تعالى‪( :‬إن خير من استئجرت القوي المين)[القصص‪ .]26 :‬وعني بالشانئ‬
‫العاص بن وائل‪.‬‬

‫• إنما لم يسمه باسمه ليتناول كل من كان في مثل حاله‪.‬‬

‫• صدّر الجملة بحرف التوكيد الجاري مجرى القسم وعبّر عنه بالسم الذي فيه‬
‫دللة على أنه لم يتوجه بقلبه إلى الصدق‪ ،‬ولم يقصد بلسانه الفصاح عن الحق بل‬
‫نطق بالشنآن الذي هو قرين البغي والحسد‪ ،‬وعين البغضاء‪ ،‬ولذلك وسمه بما ينبئ‬
‫عن الحقد‪.‬‬

‫• جعل الخبر معرفة وهو (البتر) والشانئ كذلك‪ ،‬ليعلم أنه المعروف لدى الناس‬
‫يقال له الصنبور)‪.‬‬

‫• الجمل في سورة الكوثر‪:‬‬

‫لهل اللغة تقسيمات كثيرة لنواع الجملة في اللسان العربي لكن المثير للدهشة أن‬
‫سورة الكوثر الكريمة قادرة على إعطاء مثال عن كل نوع ‪ ،‬وتزداد الدهشة أكثر‬
‫عندما ندخل في الحسبان أن عدد جمل السورة أربعة فقط‪ .‬ولكنها "الكوثر"‪ :‬اسما‬
‫ومسمى‪.‬‬
‫تنقسم الجمل عند أهل اللسان –عند أهل البيان منهم خاصة‪-‬إلى نوعين‪:‬‬

‫جمل خبرية وجمل انشائية‪ .‬وإذا تدبرت سورة الكوثر وجدت فيها النوعين معا‪:‬‬

‫عطَيْنَاكَ الْ َكوْثَرَ‪.‬‬


‫إِنّا أَ ْ‬

‫إِنّ شَانِ َئكَ ُهوَ الْأَبْتَرُ‪.‬‬

‫جملتان خبريتان‪.‬‬

‫صلّ لِرَ ّبكَ‪.‬‬


‫َف َ‬

‫وَانْحَرْ‪.‬‬

‫جملتان إنشائيتان طلبيتان ‪.‬‬

‫تتعاقب الجمل في الكلم العربي وفق نظام الوصل والفصل وقد أفرد علماء‬
‫المعاني هذا النظام بمبحث خاص سموه باب الوصل والفصل واعتبروه أم البلغة‬
‫وقلبها‪ ....‬ويعنينا هنا أن سورة الكوثر قادرة على إعطاء مثالين للمفهومين‪:‬‬

‫صلّ لِرَ ّبكَ‪ ".‬وهذا الوصل‪.‬‬


‫فجملة "انحر" معطوفة بالواو على جارتها " َف َ‬

‫ك ُهوَ الْأَبْتَرُ‪ .‬وهذا الفصل‪.‬‬


‫وهي منقطعة عن الجملة اللحقة إِنّ شَانِ َئ َ‬

‫يقسم أهل النحو الجملة العربية إلى قسمين‪ :‬جمل اسمية وجمل فعلية‪.‬‬

‫وقد اشتملت السورة الكريمة على النوعين كما ل يخفى على أحد ‪ .‬والجمل التي‬
‫ذكرناها عن الخبر والنشاء تمثل باعتبار آخر السمية والفعلية‪.‬‬

‫استطراد ‪-‬قد يكون نافعا‪:-‬‬


‫القسمة ثنائية عند الجمهور فالجمل عندهم إما فعلية وإما اسمية‪ ...‬وقد حاول بعض‬
‫النحاة قديما وحديثا أن يزيد قسما ثالثا ولكن هذه الزيادة لم تكن مقنعة‪:‬‬

‫يقسم أهل اللغة الجملة باعتبار بنيتها إلى قسمين‪ :‬بسيطة ومركبة وقد يعتمدون‬
‫اصطلحا مغايرا‪ -‬قريبا وليس مرادفا‪ -‬فيقولون‪:‬جملة صغيرة وكبيرة‪ .‬قال في‬
‫المغني‪ :‬الكبرى هي السمية التي خبرها جملة نحو" زيد قام أبوه" و"زيد أبوه قائم"‬
‫والصغرى هي المبنية على المبتدأ كالجملة المخبر بها في المثالين‪.‬‬

‫ولك أن تعجب من سورة الكوثر فهي لم تقدم مثال عن كل نوع فقط بل قدمت مثال‬
‫ثالثا لجملة تحتمل النوعين بحسب وجهة النظر‪:‬‬

‫ك الْكَوْثَ َر جملة صغيرة في‬


‫عطَيْنَا َ‬
‫عطَيْنَاكَ الْ َكوْثَرَ‪:‬جملة مركبة أو كبرى ف أَ ْ‬
‫‪ -‬إِنّا أَ ْ‬
‫محل رفع خبر للجملة الصلية‪.‬‬

‫صلّ لِرَ ّبكَ‪.‬جملة تامة صغيرة فيها إسناد واحد‪.‬‬


‫‪َ -‬ف َ‬

‫أما جملة‪ :‬إِنّ شَانِ َئكَ ُهوَ الْأَبْتَرُ‪ .....‬فهي من المرونة بحيث تضعها حيث شئت‪ :‬فلو‬
‫اعتبرت "هو" ضمير فصل و"البتر" خبرا عن الشانئ فالجملة بسيطة ل محالة‪ .‬ولو‬
‫اعتبرت "هو" مبتدأ و"البتر" خبره ومجموعهما خبرا للشانئ فالجملة كبرى‬
‫ضرورة‪ .‬فلله در هذه السورة‪.‬‬

‫• الضمائر في سورة الكوثر‪:‬‬

‫استوعبت سورة الكوثر كل أنواع الضمير في اللغة العربية دون أن تغفل الحوال‬
‫العرابية المختلفة وهذا من العجب العجاب لننا نضع نصب أعيننا دائما أن عدد‬
‫مفرداتها ل تتجاوز عدد أصابع النسان‪ ،‬وتفصيله‪:‬‬
‫‪-1‬الضمائر بارزة ومستترة‪:‬‬

‫فمن بارز الضمائر في السورة ما ظهر في فعل "أعطيناك"‪.‬‬

‫ومن مستترة ما كمن في فعل "صل "أو" انحر"‪.‬‬

‫‪-2‬الضمائر متصلة ومنفصلة‪:‬‬

‫ولك في جملة "أعطيناك" مثال على المتصل من الضمائر‪.‬‬

‫ولك في جملة هو البتر مثال آخر على الضمير المنفصل‪.‬‬

‫‪-3‬الضمائر في إحالتها على عناصر الخطاب تنقسم إلى ضمائر المتكلم والمخاطب‬
‫والغائب‪.‬‬

‫ول تحتاج إلى غير سورة الكوثر للتمثيل‪:‬‬

‫‪-‬فضمير المتكلم حاضر في" أعطينا"‪.‬‬

‫‪-‬وضمير المخاطب في" أعطيناك" و"ربك" و"شانئك" صريحا‪ ،‬و في"صل"‬


‫و"انحر"مقدرا‪.‬‬

‫‪-‬وضمير الغائب في "هو" صريحا وفي شانئ مقدرا‪ ،‬فتأمل هذه التناسبات اللطيفة‪.‬‬

‫‪-4‬باعتبار مقولة العدد‪:‬‬

‫جاء في السورة ضمير المفرد وضمير الجماعة‪ .‬وقد اجتمعا في كلمة "أعطيناك"‪.‬‬

‫‪-5‬الضمائر باعتبار محلها من العراب‪:‬‬

‫جاءت الضمائر في السورة متنوعة بحسب المحل العرابي‪:‬‬


‫‪-‬ضمير في محل رفع‪( :‬أعطيناك) الضمير الول فيها فاعل مرفوع‪.‬‬

‫‪-‬ضمير في محل نصب‪( :‬أعطيناك) الضمير الثاني فيها مفعول به منصوب‪.‬‬

‫‪-‬ضمير في محل جر‪( :‬ربك) الكاف فيها مضاف إليه مجرور‪.‬‬

‫ومن لطائف السورة في هذا السياق أن الكلمات الدالة على الرب عز وجل ثلث‬
‫هي‪:‬‬

‫‪ -‬اسم إن‪.‬‬

‫‪ -‬فاعل أعطى‪.‬‬

‫‪ -‬الرب‪.‬‬

‫وجاءت على التوالي‪:‬‬

‫‪ -‬منصوب‬

‫‪ -‬مرفوع‬

‫‪ -‬مجرور‪.‬‬

‫وعلى نفس الترتيب العرابي جاءت الكلمات التي تدل على الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم‪.‬‬

‫‪" -‬كاف" أعطيناك منصوبة‬

‫‪" -‬صل"الضمير المستتر مرفوع‪.‬‬

‫‪" -‬كاف" ربك مجرور‪.‬‬


‫• الفعال في السورة‪:‬‬

‫لم يأت في السورة من الفعال إل ثلثة‪" :‬أعطى"‪"-‬صلى"‪"-‬نحر"‪.‬‬

‫لكنها على قلتها مثلت من المقولت الصرفية والتركيبية عددا كبيرا‪:‬‬

‫‪ -1‬الفعل الصحيح‪ :‬نحر‬

‫‪ -2‬الفعل المعتل‪ :‬أعطى‪.‬‬

‫‪ -3‬الفعل المضعف‪ :‬صلى‪.‬‬

‫‪ -4‬الفعل المجرد‪ :‬نحر‪.‬‬

‫‪ -5‬الفعل المزيد‪ :‬أعطى‪.‬‬

‫‪ -6‬الفعل اللزم‪ :‬صلى‪.‬‬

‫‪ -7‬الفعل المتعدي إلى مفعول واحد‪ :‬نحر‪.‬‬

‫‪ -8‬الفعل المتعدي إلى أكثر من مفعول‪ :‬أعطى‪.‬‬

‫فلله درها من سورة‪ ....‬وال أسال أن يعفو عما كان من خطأ أو تقصير‪......‬‬
‫وصلى ال على محمد صاحب الحوض والكوثر وعلى آله وصحبه وسلم تسليما‪.‬‬

‫المراجع‪:‬‬

‫مقتطف من بحث "عجائب القرآن في النحو والبيان"‪ -‬عن منتدى أهل الحديث‬

‫كتاب مباحث في إعجاز القرآن ‪ .‬أ‪.‬د‪ .‬مصطفى مُسلم‪ .‬دار القلم‪.‬‬

You might also like