Professional Documents
Culture Documents
لحن الغروب
لحن الغروب
تحت
اشجار السرو الباسقة الدائمة الخضرار وكأنها حراس تحرس قبور الموات وتغمرها بالظلل الوارفة العطرة
ومقبرة اللتين تقع في بيروت على الشاطئ الجنوبي
فهي في محله الزيتون الهله بالكسان الزاخرة بالملهي والنوادي والمسابح والفنادق والمؤسسات السياحيه والتجارية
والصناعية
ووجود تلك المقبرة الفسيحة الرجاء في منطقه اهله بالسكان يثير دهشة السياح والغرباء استغرابهم
ذلك ان المقابر عادة ل تقام ال في ضواحي المدن والقرى
في اماكن بعيدة عن المنازل والنوادي والملهي والمؤسسات
فالقبورمساكن الموات
ولعل الموات يرتاحون في البتعاد عن ضوضاءالحياء وضجيجهم وعربدتهم ولهوهم ومجونهم
انهم لفي راحة ابديه وفي هنأة وسلمة واطمئنان وهم يرقدون بعيدا عن الحياة
ولو وجوود مقبرة اللتين في قلب العاصمة اللبنانية قصة بعيدة
ذلك انه يوم شيدت مقبرة اللتين قي محله الزيتون لم تكن محلة الزيتون في بيروت
بل هي كانت من ضواحيها
وكان ذلك منذ سنين بعيدة
يومذاك ارادت الطائفةاللتينة ان تقيم مقبرت فسيحو للموات فاختارت بستان زيتون في ضواحي بيروت يطل على
البحر
فابتاعت ذلك البستان وحولته الى مقبرة حديثة
واحاطتها بسور عال من الحجارة البيضاء والقضبان الحديدية
وكان معظم ابناؤ الطائفة اللتينة يومذاك من الوروبين
ولم تلبث ان تحولت تلك الضاحية من بيروت الى منطقة اهله من السكان
واختفت معالم بساتين الزيتون من تلك المحلة
ولم تبق يد العمران من اشجار الزيتون سوى على شجرة واحدة ضخمة كبيرة عجوز ظلت في وقفة التمرد والعصيان
على المناجل والفؤوس مدة طويلة
فاطلق على تلك المنطقة اسم الزيتونة
واصبحت مقبرة اللتين في كبد محلى الزيتون
هناك...
في تلك المحلة...
امام سور مقبرة اللتين في محلة الزيتون وفق الصحافي الشاب سامي مجبور ذات صباح من ايام الربيع الممرع
الريان جاملبيديه قلمه وارواقه :كاميرات اله تصوير وراح يمعن النظر في ذلك السور العالي وفي حجارته التي حول
الزمن بياضها الى اكفهرار وشحوب ويتطلع الى اغصان اشجار السرو الخضراء المتعالية وراء ذلك السور بين المقابر
البيضاء
وسامي مجبور صحافي ناشئ شاب
في السابعة والعشرين من عمره
يعمل في مجله اسبوعية لبنانية واسعة النتشار
وهو يعمل في قسم التحقيقات والريبورتاج في ممجلة المواكب المزدهرة الغراء
وكان سامي مجبور يعمل جاهدا لحتلل مركز مرموق لدى صاحب المجلة وهو صحافي لبناني كبير يتولى رئاسة
تحرير مجلته بنفسه
لذلك فقد كان سامي يختار دائما تحقيقاته المواضيع الغريبة العجيبة المثيرة التي تثير الهتمام القراء وموافقى رئيس
التحرير
ورئيس التحرير كان يقدر موهبة ذلك الشاب الناشئ في عالم الصحافة
ويعمل باهتمام لتسديد خطواطه في طريق الصحافة الشائك الصعب البعيد ويعده لتولي رئاسة تحرير قسم التحقيقات قي
مجلته في المستقبل القريب
وكان سامي مجبور قد ارتأى القيام بتحقيق حول المقابر في لبنان
وعرض على رئيس التحرير رأيه فوافق رئيس التحرير
ودعاه الى التبسط في كتابة ذاك التحقيق
وزوده بالرشاد والنصح
وطلب اليه ان يستمع الى احاديث الحراس تلك المقابر ولديهم بدون شك طرائق وغرائب واسرار عديدة
وفي ذلك الصباح من الربيع تزود الصحافي الناشئ بالعدة القلم والورق والكاميرا
وسار على بركات اللع الى امقبرة اللتين
وهي القرب والسهل
وربما المتع...ايضا
ووصل محلة الزيتون
ووقف امام سور مقبرة اللتين يعرض ذلك السور العالي الجنحة الوطيد الركان
وامسك بقلمه
وبسط ورقه من اوراقه وكتب
" مقبرة التين في محلة الزيتون في بيروت شبيه بقلعة اثريه قديمة ...
وسورها عال متين قد يصعب على القوى المسلحة اقتحامه عجبا لهؤلؤ البشر الذين يقيمون السوار حول المفابر
لماذا يشيد السور حول المقبرة مادام الذين في المقبرة ل يستطيعون الخروج والذين هم خارجها ل يريدون الدخول...؟"
ثم تناول الة التصوير
واخذ يلتقط الصور
فالتقط صورة لمقبرة من بعيد
ثم التقط صورة لشجار السرو الباسقة الخضراء التي تظلل باغصانها الوارفة قبور الموات ...
ثم صور لباب السور العالي ولقضبان الجديد السمراء المنبثقة فوقة...
ثم تقدم ليتقط صورة لباب المقبرة الحديدي الكبير
وانتهى من التقاط الصور الخارجية
وبات عليه ان يقتحم الباب ليدخل ويبدأ بالتقاط الصور الداخلية
ودفع الباب الحديدي ذا القضبان السوداء ففتح
فالباب ليس موصدا بالقفال
وابتسم وهو يكتشف ان الحارس لم يوصد الباب بالقفال المتينه
فهو كما يبدو اشد ذكاء وابعد حكمة من اولئك الذين شيدوا السور ونصبوا القضبان الحديدية
واحكمواا تثبيت ذلك الباب الحديدي المتين
فقد ادرك ذلك الحارس النبيه ان الموات لن يحاولوا الخروج من المقبرة ول احياء يرغبون في اقتحاام ذلك الباب
للدخول ...
خطواط قليلة واصبح سامي مجبور داخل اسوار تلك المفبرة
ورا ح الصحافي الشاب يلتقط الصور بعض القبور الرخامية
منها الفخمة اللمعة التي يتنصب فوقها تمثال او صورة للراحل الكريم الراقد بهناء ةسلن واطمئنان تحت بلطها
الببض
ومنها القبور المتواضعة التي تجثم فوقها صليب من الخشب او الرخام
وعلة كل قبر من تلك القبور الفخمة والمتواضعة بلطة حفر عليها اسم الراحل او الراحلة وتاريخ الولدة والموت
ومضى الصحافي الناشئ في التقاط الصور وفي تدوين بعض الملحظات والسماء في دفتره
وفجأة انتصب امامه رجل عجوز في زهاء السبعين من العمر كلل الشيب راسه ببياضه
وحفرت السنون اخاديدها على جبينه
وسمت اليام خطوطها السوداء وتجاعيدها الواهية على وجنتيه
وساد الصمت العميق بين الصحافي الشاب والرجل العجوز قبل ان يتقدم الرجل من الصحافي متسائل :
من انت .؟وماذا تفعل هنا .؟ ...ومن اذن لك بالدخول الى حرم الموات الراقدين في هذه المقبرة ؟
ولم يجب سامي مجبور على اسئلة الرجل العجوز
بل بادره بسؤال غريب .لم يكن ذلك الرجل ينتظره
قال :وهل يحتاج الدخول الى المقابر الى اذن وتصريح يا سيدي ؟
فاستأنف العجوز السؤال :هل جئت لزيارة قبر صديق او نسيب او حبيب ؟
-ل ..
-لماذا اذا تلتقط صور قبور الموات ؟
ولم يجب الصحافي الشاب العجوز علة سؤاله
بل تناول علبة تبغ من جيبه ليقدم لذلك العجوز لفافة ثم يلقي بلفافة التبغ بين شفتيه ويشعل اللفافتين .
وارتاح ذلك الرجل بعض الرتياح وقد قدم له ذلك الفضولي المقتحم معقل الموات .لفافة فاخرة
ونفث دخان اللفافة في الفضاء ليستأنف طرح السئلة :
لماذا انت هنا ؟
فابتسم سامي مجبور متسائل :بل لماذا انت هنا؟
فاجاب :انا حارس هذه المقبرة منذ دخولك الى هنا وانا اراقبك من غرفتي الصغيرة هناك في الزاوية البعيدة عن القبور
فهل تتفضل بان تقول لي من انت بعد ان علمت من من انا ؟
فاتسعت ابتسامة على شفتي سامي مجبور
وتمتم :انا صحافي جئت الة هنا لقف على بعض خفايا هذه االقبور وتاريخها والتقط صور القبور الفخمة والقبور
المتواضعة
فلمعت الدهشة في عيني حارس وكلمات ذاك الصحافي تقع في الذنين :لماذا يقدم هذا الصحافي على محاولة الوقوف
على تاريخ مقبرة اللتين ...؟ ولماذا يريد التقاظ صور القبور؟
وادرك الشاب الصحافي ما يجول خاطر الحارس من اسئلة
فاوضح انني منصرف الى كتابة تحقيق حول المقابر في لبنان وقد رايت ان ابدا من مقبرة اللتين
فارتسمت ابتسامة واهية صفراء على شفتي الحارس العجوز وقد ادرك حقيقة مهمة هذا الشاب
وهمس بتساؤل ملحاح :انت ستنشر اذن تفاصيل ما ترى وتشاهد وتصور في المقبرة ؟
:-اجل .....
:-وتنشر الصور في صحيفتك؟
:-نعم ..
:-وهل ستلتقط صورة "لمحسوبك" حارس هذه المقبرة ؟
:-نعم
:-متى ؟...
:-الن ......
:-وتنشر صورتي في صحيفتك ؟
:-اجل ...
فاتسعت ابتسامى على شفتي الحارس العجوز
وهمس متسائل :اين ستلتقط صورتي ؟
:-هنا
:-هنا ؟ بين المقابر ؟
ولم يجب الصحافي الشاب الحارس على سؤاله
بل صوب عدسة اله التصوير نحو الرجل العجوز .
والتقتط صورته
فهدر الحارس:هل صورتني ؟
:-اجل ..
وهل ستظهر هذه الصورة في صحيفتك ؟
:-اجل
:-ل ل اريد ان تنشر صورتي هذه التي التقطتها الن في صحيفتك .
:-لماذا ؟
فاستأنف الحارس العجوز الكلم :سارتدي ثوبي الجديد واضع الطربوش على رأسي وعندئذ اسمح لك بالتقاط الصورة
التي ستنشرها في الصحيفة تعال ..تعال معي الى غرفتي
قال الحارس هذا وسار امام الصحافي الشاب بين القبور الى غرفة صغيرة قديمة العهد تقع في اخر المقبرة على بعد
امتار قليلة من المقابر
انها لشبه بقبر حي بين قبور الموات
ودخل الحارس العجوز الى غرفته متمتا انتظر هنا امام الباب دقائق قليلة ريثما ارتدي ثوبي الجيد
ووقف سامي مجبور امام تلك الغرفة ينتظر المر له بالدخول
ولم يطل انتظاره
دقائق وطل الحارس من الباب وقد ارتدى ثوبه "الجديد"
وليس في ذلك الثوب ما يشير الى الجديد ..
فهو ثوب اسود اكل الدهر عليه وشرب ونام واستراح .
ال انه ...نظيف .
وكان الحرس قد رفع طربوشه القاني الحمرار على راسه
وفتل شاربيه ووقف امام الصحابي الشاب قائل :
تفضل ...صور
وصور الصحافي الحارس المتباهي " بثوبه الجديد" وبطربوشه الحمر وبشاربه المفتول
وعنئد بعد ان اطمئن الحارس الى التقاظ الصورة كما اراد دعا الصحافي الى الدحول :تفضل بالدخول الى غرفتي
المتواضعة يا سيدي
ودخل سامي محبور الى غرفة الحارس فاذا به في غرفة صغيرة تحتوي على سرير حديدي صغير وعلى مقعدين
خشبين قديمين ومنضدة ومصباح كهربائي معلق في السقف وطاولة صغيرة عليها ابريق ماء من الفخار وبعض
الطباق الخزفية القديمة
وفي صدر الغرفة قرب الحائط انتصبت خزانة قديمة العهد تضم بين دفتيها ثياب الحارس وبعض حاجاته الخاصة
الخاصة
ودعا الحارس الصحافي الى الجلوس :تفضل بالجلوس يا سيدي ..تفضل سأهيئ لك فنجان قهوة ..
وحاول سمي مجبور العتذار عن تناول القهوة
ال ان حارس رفض العتذاره
واصر على تكريم ضيفه بتقديم القهوة له
وفيما سامي مجبور يجلس على احد المقعدين الخشبين كان الحارس يدخل من باب صغير الى غرفة مظلمة انها المطبخ
فيشعل النور في ذلك المطبخ ويتصرف الى تهيئة القهوة وعلى البابور كاز" كان هديره يترامى الى مسامع سامي
مجبور كهديل المراجل
وفجأة انقطع الهدير
فايقن الصحافي ان القهوة اصبحت جاهزة
واذ بالحارس يطل عليه من الباب الصغير حامل صينية نحاسية صفراء عليها فنجانا قهوة
وقدم للصحافي فنجانا ثم تناول هو فنجانه
وجلس عل المقعد الخشبي قرب الصحافي ليتناول من جيبه علبه تبغ من الصنف الرخيص ويقدم لفافة لضيفه الكريم
واعتذر سامي مجبور عن تناول اللفافة من يد الحارس متمتما :شكرا لك يا سيدي فانا معتاد على نوع خاص من التبغ
قال الصحافي الشاب ذلك وامتدت يده الى جيبه ليخرجها قابضة على علبة تبغ من النوع الفاخر
وقدم لفافة للحارس العجوز
ولم يرفض الحارس تناول اللفافة من يد الشاب
قهي لفافة فاخرة النوع ل يستطيع الوقوع على مثلها كل ان وحين
وهمس الحارس وهو يلقي بالفافة الفاخرة بين شفتيه :شكرا لك سيدي
واشعل الصحافي اللفافتين لفافته ولفافة الحارس
ونفث دخان في الفضاء
وهمس متسائل :هل تستطيع يا سيجي ان تطلعني على تاريخ هذه المقبرة ؟ متى شيدت ؟ ومن شيدها ....؟
فنفث الحارس دخان لفافنه في الفضاء ليجيب :لست ادري متى شيدت هذه المقبرة ول من ذاك الذي شيدها وبنى
اضرحتها وقبورها فأنا هنا منذ ثلثين سنه ويوم وطأت قدماي هذه الغرفة كانت هذه المقبرة كما هي الن
وبدأ الصحافي بتدوين اقوال الحارس العجوز
ومضى في طرح السئلة :لماذا اخترت مهنة الحراسة هذه المقبرة ؟ وكيف ؟ ومتى ؟
فرشف الحارس القهوة ونفث الدخان في الفضاء
ومع دخان اللفافة نفث زفرة عميقة ليتمتم منذ ثلثين عاما كنت اعمل في " ورشة عمار" في هذه المنطقة قرب المقبرة
...انظر هل تشاهد هذه البنايه الشاهفة الصفراء المطله على البحر لقد كنت بين العمال الذين شيدوها
وكانت زوجتي ام مروان قد توفيت منذ امد قريب حزنا على سفر ابننا الى المهجر سعيا وراء لقمة الخبز واصبحت
وحيدا في هذه الحياه ...يومذاك توفي حارس هذه المقبرة ...وكان ذلك الحارس صديقي يستعين بي من حين لخر
على فتح القبور ودفن الموتى فحللت محله في الحراسة ...وكنت مرتاحا لهذه الوظيفة ذلك لن الحراسة افضل من
تعب في نقل الحجارة والعمل في الورشة فالمرتب مضمون اخر الشهر والكراميات وفيرة بعد الدفن وهكذا انتقل عملك
ابو مروان من مهنة عمل في البناءالى مهنة حراسة المقبرة
وتساءل سامي مجبور :ال تشعر بالخوف يا ابا مروان وانت تقضي اللبل والنهار بين هذه القبور الموحشة الكئيبة
فلمعت ابتسامة هازئة على شفتي الحارس العجوز
واجاب :ابدا ...ليس ثمة ما يخيف "فجيرة الموات افضل بكثير من جيرة الحياء فهم رحمهم ال ل يضايقونني ول
يسئون معاملتي ول يرهقونني بمطالبهم وانا مرتاح كل الرتيارح في جوارهم الهادئ المن المريح
فاستانف االصحافي الشاب طرح السئلة :هل لديك ما تتخفني به من حوادث غريبة عجيبة جرت في هذه المقبرة يا ابا
مروان ؟
:-حوادث كثيرة مرت بي ...منها ما يدهش ومنها ما يحزن ومنها ما يضحك
وهمس :كل ما ارجوه من ال عز وجل هو ان يمن علي برؤيه مروان قبل ان اموت
واحترم سامي مجبور شعور ذلك الوالد البائس الحنون
فلم يلح عليه بطلب الحصول على الدفتر الرابض في الصندوق النحاسي القديم
ودون الصحافي الشاب كل ما سمع وصور كل ما شاهد وراى
ختى غرفة الحارس العجوز واثاثها المهترئ النتحضر لم يسلم من عدسة التصوير
وقام مودعا ابا مروان عائدا الى مكتبه في دار المجلة وفي جعبته من الصور والخبار ما يفرح القلب ويسر الفؤاد....
ويوم صدرت المجلة الغراء حاملة بين صفحاتها تحقيق سامي مجبور حول مقابر لبنان كان لذلك التحقيق الغريب
العجيب المثير الطريف صدى اعجاب وتقدير وليس لدى القراء المجلة فحسب بل لدى صاحب المجلة ورئيس تحريرها
واعضاء مجلس ادارتها ايضا
واطمأن سامي مجبور كل الطمئنان وقد لقي تحقيقه التقدير والعجاب
وايقن ان الترقية وزيادة الراتب اصبحا في الجيب
ولم يخطئ سامي في تقديره
فقد نفحه صاحب المجلة بترقية وزيادة في مرتبه وبوعد اكيد صريح في اسناد رئاسة القسم التحقيقات اليه ان هو
استمر في ذلك النشاط الرحيب العميق
*******************************
بعد اسبوع من صدور المجلة التي حملت بين صفحاتها تحقيق والمقابر في لبنان وهو التحقيق في مدافن مقبرة اللتين
في محلة الزيتون كان الصحافي سامي مجبور في مكتبه قي دار المجلة برسم معالم التحقيق الثاني في سلسة تحقيقات
المدافن في لبنان
وقد عزم على ان يكون تحقيقة في مقبرة الشهداء في ضواحي بيروت
في تلك المقبرة حيث يرقد ابطال لبنان الميامين الذين ضحوا بيحاتهم من اجل حياةلبنان وحريته وكرامته واستقلله
وفيما الصحافي الشاب منصرف الى رسم خطوط تحقيقه الجديد دخل عليه الحاجب ليقول في قاعة الستقبال رجل
عجوز ييرغب في مقابلتك يا استاذ سامي ...
وقال الصحافي :اصرفه يا سعيد فليس لي من الوقت الن ما يسمح باستقبال الزائرين
وتمتم الحاجب سعيد انه يلح في طلب مقابلتك الن ويقول انه صديق حميم لك
وتوقف الصحافي الشاب عن الكتابة
ورفع نظره الة الحاجب متسائل :ما اسمه ؟.
قال سعيد اسمه ابو مروان ...
:-ابو مروان ؟...
وتذكر سامي مجبور مقبرة لتين العجوز
فالتفت الى سعيد قائل :دعه يدخل يا سعيد
وخرج الحاجب
ودخل ابو مروان
وكان الحارس العجوز يحمل في يده اليمنى الصندوق النحاسي الصغير
وباليسرى عدد المجلة الذي يحتوي على التحقيق في مقبرة اللتين
وكانت البسمة الهانئة البيضاء تطفو على شفتي ابا مروان وهو يتقدم من صديقه الصحافي الشاب متمتما :جئت
لشكرك على نشر صورتي في مجلتك سيدي انها صورة جميلة ابدو فيها شابا وسيما في ثوبي الجديد وطربوشي
الحمر ..عندما اخبرني صاحب الدكان الذي ابتاع منه حاجتي في محلة الزيتون ان صورتي منشورة في المجلة لم
اصدق غي ان صديقي صاحب الدكان نفحني بالملة فكدت اطير من الفرحة انني ل شكرك كل الشكر على ما ابديت
نحوي من معروف لم اكن لحلم به في حياتي
فدعاه الصحافي الشاب بالجلوس
:-اجلس تفضل يا ابا مروان
وجلس ابا مروان
وقدم الصندوق النحاسي الصغير للصحافي
وتمتم :كنت قد طلبت مني هذا الصندوق فرفضت طلبك وانا اسف لما بدر مني تفضل خذه ياسيدي فهو لك بما فيه
الدفتر ما زال في الداخل وامل ان يكون لك منه فائدة
وشكر سامي مجبور لبي مروان عاطفته الصادقة
وتناول ذلك الصندوق ليضعه في جرح مكتبه
فاستانف ابو مروان الكلم
:-لي عندك طلب يا سيدي
-ما هو يا ابا مروان ؟...
:-اريد منك ان تجوج علي بنسخة من عدد المجلة الذي يختوي على هذا التحقيق لدي الن نسخة هذه هي اريد ان
احتقظ بها لعرضها امام الهل والصدقاء واريد نسخة ثانية لرسلها الى المخروس مروان يوم اقف على عنوانه
ليدرك أي مقام رفيع يتبوأ والده في لبنان
فابتسم الصحافي الشاب
وتمتم كرمت عيناك يا ابا مروان ...
قال سامي محبور هذا وقرع الجرس فاقبل الحاجب سعيد قائل امر استاذ ...؟
قال الستاذ :احضر لي عشر مجلت من العدد الصادر السبوع الماضي
وخرج سعيد الحاجب ليعود بعد قليل حامل المجلت المطلوبة ودفع سامي مجبور بالمجلت العشر الي ابي مروان متمتا
:انها لك يا ابا مروان تستطيع ان توزعها على الهل والصحاب
وحاول الحارس ان ينقد الصحافي ثمن المجلت العشر ال ان الصحافي الشاب رفض ان يتقاضى الثمن
قال اذا تقاضيت منك ثمن هذه المجلت يتحتم علي ان انقدك ثمن الصندوق النحاسي وثمن ما فيه من اوراق
وشكر ابو مروان صديقه الصحافي
ونهض مودعا متمتا كلمات الشكر والتقدير
ولم يعر سامي مجبور الصندوق النحاسي أي اهتمام واغفل عن فتحه
فهو منصرف الى الهتمام باعماله الصحافيه العديد ة
ل سيما وهناك سلسلة التحقيق حول المقابر في لبنان
بعد زهاء شهر فيما يفتح درج مكتبه وقع بصره على ذلك الصندوق الغير
ففتحه
وشاهد الدفتر الصفر الصفحات فتذكر ...
تذكر ابا مروان
ومقبر ة اللتين
وما قاله الحارس المقبرة العجوز مرة واحدة عثرت على صنوق صغير في قبر فناه حسناء لقد خيل الي ان ذلك
الصندوق يحتوي على نقود او على بعض الحلي "...................
وتناول الصحافي الشاب الدفتر من العلبه
وراح يقلب صفحاته بسرعة
كان ذلك الدفتر ما زال على حاله كما شاهده في غرفة الحارس يختوس على قصة فتاه دونتها يد اللغة الفرنسية وبخط
واضح جميل واضح جميل انيق وشيق
وعزم على قراءة كل ما في ذلك الدفتر
وعندما انهى عمله في المجلة حمل الصندوق معه الى منزله هنالك في المنزل سيكون لقراءة ما ذلك الدقتر من خفايا
واسرار
وفي منزله جلس مجبور يقرأ ما في ذلك الدفتر على نور المصباح كهربائي صغير
وكانت الصفحة الولى من الدفتر تحتوي على كلمة واحدة كتبت بحرف كبير
رامونا
الفصل الول
اشعل الصحافي الناشئ سامي مجبور لفافة تبغ
وبدأ بقراءة ما في ذلك الدفتر من كلمات تنطوي على الكثير من اللم والشوق والحب والحنين والعذاب وقرء:
" لقد بدأت حياتي باللم والعذاب والدموع .
وباللم والدموع والعذاب انتهت هذه الحياه
وهنيئا لنسان يغمر قلبه اللم وتعصف به رياح اللم وترويه بمناهل الدموع
ذلك النسان قريب من ال العلي العظيم
في ليلة عاصفة حالكة السواد من ليالي عام 1910ولدتني امي في مدينه نيس الفرنسية القريبة من الجبال اللب
العاتية الشماء
وكانت الولدة صعبة عسيرة
وليس ثمة طبيب يشرف على الولدة
ما هناك سوى قابلة ل تحمل براءة الطب ول تنعم بالمهارة في جراحة التوليد
وما ان رات عيني نور الحياة حتى كانت عينا امي تطبقان على ظلم الموت
لقد ماتت امي اثر ولدتي
وتركتني يتيمة الب في هذه الحياه الملى باليتامي يتامى المهات والباء يتامى الرحمة والشعور والحنان يتامى
التضحية والمحبة والتسامح والغفران
وتعهدت جدتي والدة امي تربيتي
فكانت تعطف علي عطف الم الحنون وتحنو حنوها
وقد رات بي صورة واضحة المعالم عن ابنتها الراحلة بسلم الى عالم الخلود
وكان والدي " سيزار شانتال " يعمل كل ما في وسعه لرضائي وتوفير الراحة والسعادة لي
لقد كنت كل يملك ذلك الوالد الحنون في هذه الحياه
وكنت سعيدة بين جدتي ووالدي
كل ما تصبو اليه الطفلة في مثل عمري الندي متوفر لدي وكانت السعادة وارفة الظلل تلوح لي كما تلوح لكل طفلة
صغيرة في دمية جميلة او في قطعة حلوى شهيى او في ثوب زاهر زاه الوان
ال ان القدار هذه القوة الهائلة العظيمة ارادت ان تحرمني تلك السعادة
ارادت تلك القدار ان تحرمني عطف الب كما حرمتني من عطف الم ...
فنشبت الحرب ...
لقد اندلعت الحرب الضروس الحرب الكونية الولى ... 1914
فهب والدي كما هب الجميع رجال فرنسا لذود عن الوطان
الوطان ؟
متى يعلم البشر ان ل وطن لهم على هذه الرض الفانية ؟.
متى يعلم بنو النسان ان وطنهم ليس هنا علىكوكب الرضي الدائر في رحاب هذا الكون الفسيح الرجاء ...؟
متى يكف البشر عن التطاحن والتناحر والقتال في سبيل الرض التي هي ملك للجميع ..؟
وتركني والدي وانا يومذاك في الرابعة من العمر بعد ان اوصى جدتي بالسهر على راحتي والعتناء بي ...
وجدتي لم تكن بحاجة الة من يوصيها بتوفير الراحة والسعادة لحفيدتها الصغيرة
وحبها لهذه الطفلى الجميلى الصغيرى ل يقل عن حب والدها لها
وودعني والدي وهو يهم بالمسير الى المصير المجهول ...ز
وها انا الن ما زلت اذكر ساعة الوداع الليم عندما حملني والدي بين ذراعيه
وضمني الى صدره بعطف وحنان والدموع تغمر عينيه ...
ثم تركني وهرول مسرعا الى حيث يجود بروحه في سبيل ارض فرنسا
واجهشت بالبكاء وقد توارى والدي عن ناظري
فطيبت جدتي خاطري وكفكفت دموعي
واخذت تواسيني
ال انني لم اكف عن البكاء
واخذت اتمتم " بابا ...بابا ....اريد ان يعود بابا الي "
فهمست جدتي وهي تمسح معة بدأت تتدحرج على وجنتيها المجعدتين :سيعود والدك الينا قريبا يا رامونا فليس ثمة ما
يدعو الى العويل والنحيب
وهمست :تعالي لنجثو ونصلي يا ابتني ليحفظ ال عز وجل والدك الحنون وبعيدة الينا قريبا سالما
وركعت مع جدتي اردد الكلمات الروحيى المقدسة التي تنطق بها والغصات تخنقني والدموع تحرق عيني والخوف
الشديد يعصف بفلبي وروحي
لقد شعرت يومذاك في اعماقي وانا طفلى الصغيرى بانني فقدت هذا الوالد الحنون الى البد
وخيل الي جدتي ان اليام القليلة المقبلة ستتكفل بتضميد جراحي وروحي وتنسيني الغائب البعيد
ال انها كانت على خطا
فلم تكن تلك اليام ال لتزيد في شوقي الىوالدي الحبيب وفي حنيني اليه
وكل يوم كنت اندفع الى جدتي متسائلة متى يعود والدي يا جدتي الحبيبة ...؟
فتضمني الى صدرها المتعب الواهي هامسة سيعود والدك قريبا ان شاء ال ...سيعود يا رامونا ....
ولكن والدي لم يعد
ودخلت الضروس في عامها الثاني
ونفدت الدراهم القليلة التي تركها لنا والدي قبل رحيله
فاصبحنا انا وجدتي مهدتتين بالموت جوعا
غير ان جدتي لم تياس ولم تهن ولم تتوان عن توفير لقمة الخبز لنا
فعمدت الى العمل بالرغم من شيخوختها ومن عيائها
وكانت تقودني بيدي الى العمل في دور بعض الغنياء والوجهاء حيث تغسل الملبس وتقوم ببعض العمال المنزلية
لقاء اجرة زهيدة تكاد ل تكفي لسد الرمق
غير ان الجدى العجوز لم تستطع ان تستمر طويل في العمل
فالسنون السبعون كانت تشدها الى العياء
والشيخوخة القاسية تدفع بها الى الوهن
واصبخت بعد العمل الشاق ليس بطويل عااجزة عن مواصلة العمل
فكانت تقضي معظم اوقاتها في الفراش
وراتني مرغمة على مساعدتها وانا في الثامنة من عمري
فرحت اساعدها في النهوض من السرير واعمل بارشادها ونصحها على اعداد الطعام
وكدنا نشرف على الهلك جوعا ...
فالمورد الضيئل انقطع
والجدة البائسة المريضة لتستطيع العمل
وادركت جدتي ان الجوع لن يرحمنا وان الفاقة ستصل بنا الى الهلك
وكان عليها ان تتدبر المر وان تجد لنا من المال ما يدفع عنا شبح العوز والجوع
وكانت تلك الجدة الحنون تملك حقل صغيرا في سفوح جبال اللب
وكانت تفضل جدتي الموت جوعا على اضاعة ذلك الحقل
لنه ارث انتقل اليها من والدها
وقد حرصت عليه مدى حياتها حرصها على الروح
بيد ان شبح الجوع الرهيب المخيف والمرض الذي يعصف بجسدها النحيل اهابا بها الى التفكير ببيع ذلك الميراث
وحيال حاجتي للقوت وحاجتها للطباء وللدوية رات ان لبد من بيع الحقل
فباعته
باعته بقيمة زهيدة
وكانت الدموع تبلل مقلتيها وهي توقع سند البيع
وتتقاضى الثمن لقد ضاع ميراث الجدود الثمين من ايدي الحفاد
وخيل الى جدتي احنون ان صفقة البيع الحقل العزيز انقذتنا من الفقر والعوز الجوع
ال انها كانت مخطئة
ثمن الحقل لم يكفنا مدة طويلة
فالقيمة ليست بالراجحة واسعار المواد الغذائية في الغلء فاحش
وشعرنا ثانية بالخطر يحدق بنا ويهددنا بكارثة دهياء
فالمرض يعصف بجدتي وهي بحاجة الى الطبيب والدواء
وانا بحاجة الى القوت والثياب
ولح لنا شبح الفقر المدقع الرهيب يقترب منا بسرعة واندفاع
ولم يكن لنا ما ندفع به عنا شبح المخيف
واستسلمنا للقداروقد بتنا على يقين من ان ذلك الحكم سيكون قاسيا ظالما مريرا
انه الحكم بالموت
الحكم علي بالموت جوعا
والحكم علىجدتي بالموت مرضا بعد ان عز عليها الدواء والعلج
الموت وحده ينقذنا من الحياه
والموت والحياة طريقان يلتقيان في رحاب العذاب وبيداء اللم
فمن يخف الموت يطلب الحياه
ومن تعذبه الحياه سيتنجد بالموت
ولكن الموت والحياة يرفضان مطالب النسان ويعصيان اوامره
فل الموت برضخ له
ول الحياة تستجيب اليه
قد يشتاق النسان الى الحياة فيموت ...
ويحيا في حين يطلب الموت
كان زوجها غنيا ثريا شجاعا باسل استشهد في ساحة الوغى دفاعا عن فرنسا تاركا لها ثروة ضخمة وابنة في مثل
عمري اسمها سوزان
وقد وقفت عليها كل حنانها وحبها وحنينها
كانت سوزان كل امل امها كلوديت جوليان في الحياة
ال ان القدر الغاشم حرمها ذلك المل الوارف الريان
فقضت الطفلة سوزان نحبها في حادث اصطدام مروع
وروت لي السيدة كلوديت جوليان قصة مصرع طفلتها الصغيرة والدموع تنسكب من عينيها على وجنتيها المجعدتين
قالت" في صباح ذلك اليوم السود الشئيم اقفت كعادتي في ساعة مبكرة من الصباح وايقظت طفلتي الحبيبة "سوسو"
وكعادتي البستها ثوب المدرسة وقدمت لها طعام الصباح وبعد ان تناولت طعامها حملت حقيبتها المدرسية الصغيرة
وخرجت وما هي دقائق قليلة حتى اقبل " اوتوكار " المدرسة فصعدت "سوسو"الى السيارة الكبيرة وهي تلوح لي
بيدها الصغيرة وكنت على الشرفة ارقب صعودها الى السيارة"...
واستانفت حديثها
قالت :دخلت الى الدار بعد ان اطمأن خاطري على سوزان ...وانصرفت الى العمل المنزلي ...وبعد زهاء ساعتين رن
جرس الهاتف في منزلي ....وعندما رفعت السماعة سمعت صوتا خشنا يخدش اذني متسائل " :السيدة كلوديت
جوليان ؟" قلت نعم ...ماذا تريد ؟قال :هنا المستشفى القلب القدس .الرجاء ان تحضري الن فورا الى المستشفى "
فذعرت وهمست " ماذا جرى ؟ ....ابنتي.؟ ....ارجوك اخبرني هل اصيبت ابنتي بمكروه ؟ "...ولم يجب صاحب
الصوت على سؤالي وانقطع "...
وخنقتها العبرات واستانفت مسح دموعها لتكمل " هرولت مسرعة الى المستشفى القلب القدس ...وكان في
المستشفى ثمة جمهور من الناس معظمهم من النساء وهن يبكين ويذرفن الدموع فتساءلت " ماذا جرى ؟" ...وعلمت
ان سيارة المدرسة اصطدمت بشاحنه كبيرة فتحطمت واصيبت الطالبات بجراح وكسور خطرة عديدة ...ولولت بذعر :
ابننتي ؟ ....ابنتي سوزان جوليان ؟ ...ماذا حل بها "....
وتقدم مني احد الطباء ليمسك بيدي مشجعا هامسا " تشجعي سيدتي فال سيساعدك على الصبر والعزاء واغمي
علي ....عندما افقت علمت ان عشر طالبات اصبن بجراح وكسور ليست خطيرة وان ثلث طالبات قضين نحبهن بينهن
سوسو الصغيرة "
وصمتت السيدة كلودت برهة لتستعيد قواها وتمسح دموعها
ثم تدخل الى غرفتها الصغيرة لتحضر صورة لطفلتها الصريع فتعرضها على هامسة انظري يا رامونا هذه صورة
حبيبتي الصغيرة سوسو يالها من طفلة رائعة فانته جميلة .انها تبتسم وكانها تبتسم للموت ..لوظلت سوسو على قيد
الحياة لكانت الن في عمرك يا رامونا ....
وبالرغم من صغر سني ادركت سبب اهتمام السيدة كلوديت جوليان بي وعطفها الشديد العميق الرحيب علي
فهي تلمس في وجهي صورة طفلتها الراحلة سوزان
وترى في عيني وميض عيني طفلتها الحبيبة
وقد اوضحت لي السيدة كلوديت ذلك بعد مدة قصيرة
فقالت لي وهي تداعب شعري وتحنو علي :انت الن عندي في مقام سوسو يا رامونا انتي ابنتي الن وانا امك لقد
اعدت الى قلبي الجريح بعد البرء و الى روحي الحزين بعض العزاء يا ابنتي
ولم تكتف السيدة كلوديت جوليان باغداق فيض الحب والحنان علي بل هي انصرفت الى تعليمي اصول اللغة الفرنسية
وتدريبي على الكتابة بخط واضح رشيق
وكانت كلوديت ادبية تكتب الدب وتنظم الشعر وتنشر انتاجها الدبي في بعض الصحف والمجلت الفرنسية
وكانت ذات خط جميل يحسدها عليه الخطاطين المعروفين
وكنت لديها التلميذة المجتهدة الشاطرة
فاتقنت الكتابة
وحفظت اصول اللغة الفرنسية في مدة وجيزة
وشعرت في دار تلك السيدة الفاضلة الحنون بالكثير الكثير من الراحة والسعادة والطمئنان .
فهي لدي في مقام الم
وكنت اناديها " يا امي "...
فكانت تطرب وترتاح وتنتشي بكلمة " امي " ...تنطلق من بين شفتي النديتين
وكانت هي ايضا تناديني " يا ابنتي "...
فكنت ارتاح كل الرتياح لتلك الكلمة
واشعر بانني حقا امام ام عطوف حنون
وكانت تحدثني من حين الى اخر عن مستقبلي
فتقول لي :غدا يوم تكبرين يا رامونا وتصبحين في سن الزواج سابحث عن عريس فاضل شهم نبيل وازفك اليه و
ستقيمين مع عريسك الكريم معي هنا في هذه الدار انا سأضمن مستقبلك ولن اتركك وحيدة في مهب رياح القدار
العاتية العاصفة الهوجاء ......
وكنت على صغير سني ارتاح لحديث " امي "عن المستقبل الزاهر الزاهي الجميل
واحلم الحلم الوارف الظليل بالعريس الشهم النبيل
ال ان ذلك الحلم لم يتحقق......
وامي الحنون لم تستطع تحيقيق ما رسمت لي من طريق فسيح رحيب الى المستقبل البهيج
وكنت سعيدة كل السعادة في دار "امي" كلوديت
وكان يلوح لي منها انها هي ايضا تنعم بالسعادة الورفة الظلل قربي
ولم يكن يزرونا احد من القارب والصدقاء ...اللهم ال بعض القارب زوجها الراحل الشهيد
وهم ثلثة :ابن شقيق زوجها الشاب سيمون جوليان وشقيقة سيمون كريستيان وابنشقيقتها اميل
ولم تكن السيدة كلوديت على علقة متينه بهم
بل هي كانت تستقبلهم بفتور وامتعاض
وكان الثلثة ينظرون الي نظرة حقد وبغض وكره وضغينه
وكان ثم بستاني جوزف بيرجيه
وهو رجل في العقد السابع من العمر يقيم في غرفة صغيرة في اخر الحديقة ويهتم باشجار الحديدة وبازهارها
ويقوم ببعض الخدمات لنا
فيشتري ما نحتاج اليه من السوق
ويشرف من حين لخر على تنظيف ما يحيط بالدار
وكان ذلك البستاني مخلصا كل الخلص في عمله
وكان يحترم سيدته ويتفانى في خدمتها
وكان يعطف علي ويحبني ويرعاني ل سيما وهويعلم علم اليقين ما تكن لي السيدة كلوديت من الحب والعطف والحنان
ويدرك أي سعادة حملت الى سيدته بوجودي في دارها
وكنت انا ايضا احب جوزف بيرجيه واناديه " العم ..جوزف"
وكان العم جوزف وحيدا في هذه الحياه فليس ثمه لديه زوجة ول ولد ول قريب
كان جنديا في الجيش الفرنسي
وكان منذ امد بعيد يقيم على خدمة زوج السيدة كلوديت
وكان الضابط الشهيد زوج السيدة يحبه ويعطف عليه
وعندما استشهد الضابط جوليان بكاه الجندي جوزف بيرجيه بدموع قانية الحمرار
وابى ان يتخلى عن خدمة السيدة كلوديت حتى بعد ان تقاعد من الخدمة في الجيش الفرنسي
"في تلك الدار الفسيحة الرجاء كنت اعيش حياة هانئة هادئة سعيدة "
************
" اقمت في دار امي" السيدة كلوديت جوليان ثلث سنوات هي من اجمل ايام عمري واشدها هناء وبهجة وسعادة
ودرجت في الثانية عشرة من العمر وانا مرتاحة كل الرتياح
مرتاحة الى حاضري .....
مرتاحة الى مستقبلي
فالحاضر لدي بهجة وارتياح وهناء
والمستقبل الذي رسمته لي امي كلوديت جوليان ضياء ونور وسناء
اما الماضي المكفهر المدلهم السواد فقد بدأ يتوارى عن مخيلتي
ونسيت او بالحرى تناسيت ذلك الماضي الحزين الكئيب المدلهم السواد
بدأت اانسى ايام الفقر والعوز زالجوع والبرد والتسول والستعطاء
وخيل الي ان ضباب ذلك الماضي وغمامة والمه اندثرت واضمحلت وتوارت الى غير رجعة
طنت اعيش في دار امي كلوديت جوليان في حلم هانئ سعيد جميل اخضر الحنايا وضاح السناء وارف الظلل ..
وفجأة .........
وعلى غفلة...
ومن دون اذن افقت من ذلك الحلم البهيج السعيد لجد نفسي اتخبط في دياجير السواد
وكانت الفاقة من ذلك الحلم الجميل ذات ليلة من الليالي شتاء 1922
كانت تلك الليلة التعسة الحد الفاصل بين سعادتي وشقاءي
يا لها من ليلة مروعة قاسية مخيفى على قلبي الندي الصغير
وانا ما زلت اذكر هول تلك الليلة
ومهما طال بي العمر ومضت السنون فانا لن استطيع ان انسى تلك الليلة المخيفة المفزعة
كان الليل مدلهم السواد
والبرد قارس اللسعات
والمطر يزرع الرض رذاذا
والعواصف العاتية الهوجاء تمزق سكون الليل وهدوءه بعويلها وانينها وهديرها الصاخب المجنون
وكنت جالسة قرب امي" كلوديت امام المدفأة المتقدة السعير ننعم بالدفئ
كانت "امي" تجلس وراء منضدة صغيرة تكتب وتدخن
وكنت انا جالسة قربها اراقب السنه اللهب المتصاعدة المدفأة على وهج حرارة وضياء
وفجأة توفقت "امي" عن الكتابة .
والقت باللفافة من يدها ..
ورفعت يدها الى صدرها تتحسس قلبها
ولم ابه للمر
لقد خيل الي انها متعبة وانها بحاجة الى الراحة
فسألتها :ما بك يا امي ؟...
قالت بعياء :احس بألم شديد في صدري ان انفاسي تضيق علي افتحي النافذة يا رامونا
وبالرغم من جنون العاصفة وانهمار المطر الغزير فقد اسرعت الى النافذه افتحها واشرع دفيتها
وعدت الىامي فاذا بها تلهث بعناء والعرق البارد يتصبب من جبينها
فذعرت ...
واخذت اردد بخوف ووجل :امي !...امي !.امي!ما بك يا امي ؟
ولمست السيدة كلوديت الخوف الشديد في ابنتها
فهمست :لتخافي يا رامونا ...ل تخافي يا ابنتي ...ساكون بخير بعد قليل
ال ان حالها لم تتحسن ولم تكن بخير
فازدادت حالها سوءا
وازدادت انا خوفا
وجلست قربها والخوف الشديد يعصف بي
وسألتها :بماذا استطيع ان ساعدك يا امي الحبيبة ؟
فهمست :اتصلي بالعم جوزف واطلبي اليه ان يحضر حال الى هنا
واسرعت الى الهااتف
واتصلت بالعم جوزف
كان ل يزال مستيقظا في غرفته في اخر الحديقة
فتسأءل ما بك يا رامونا ؟
قلت :ارجو ان تحضر الينا حال يا عم جوزف
فاستأنف التساؤل بوجل :ماذا جرى ؟...
قلت :السيدة كلوديت مصابة بوعكة شديدة الوطء .......ووهنها والمها فوجم
وظهر الخوف الشديد واضحا في عينيه
وامسك بيدها هامسا في اذنها هل ادعو الطبيب يا سيدتي ؟...
فلم تستطع السيدة كلوديت ان تجيب على السؤال
فاللم الشديد يعذبها والوهن يعصف بها العياء يقطع عليها الكلم
ال انها اومأت برأسها مشيره باليجاب
ووثب العم جوزف الى الهاتف لتصل بالدكتور موران
وهو طبيب السيدة كلوديت الخاص وصديق وفي حميم يقيم في دار قريبة من دار السيدة كلوديت
دقائق قليلة ووصل الدكتور موران حامل معه بعض الدوية والعقاقير والمصول والمعدات
ال ان كل الدوية الدكتور موران ومصوله وعقاقيره لم تستطع انقاذ السيدة كلودت
فلفظت انفاسها قبل ان يامر الطبيب بنقلها الى المستشفى
""3
"انقضت ثلثة ايام على وفاة السيدة كلوديت جوليان
وبدأت وطأة الحزن تتضاءل في قلبي وفي قلب العم جوزف
والنتقل العم جوزف من غرفته الصغيرة في اخر الحديقة ليقيم معي في الدار وينصرف الى الهتمام بي وتوفير الراحة
والطمنأنينة والهناء لبنه السيدة كلوديت
وشعرت ببعض الرتياح وانا المس في ذلك الرجل العجوز العطف والحنان
وكان العم جوزف يعللني بمستقبل زاهر زاه و نضير
كان يقول :انت وريثة المرحومة كلوديت جوليان الوحيجة يا رامونا فالسيدة كلوديت وقفت عليك كل ميراثها وقد
اخبرتني قبل وفاتها بايام قليلة انها عازمة على العتراف بانك ابنتها وقالت لي انها ستتبناك رسميا وانها اوصت لك
بكل ما تملك من اموال في المصرف الفرنسي ومن اسهم في بعض الشركات كما انها عازمة على تسجيل هذه الدار
باسمك "...
وقال لي العم جوزف ايضا ":ان السيدة كلوديت اخبرتنه بانها خصته بمبلغ كبير من المال لقاء خدماته لها ولزوجها
الضابط الشهيد وانها لن تسمح بان يخرج من دارها العامرة مدى حياته
وفي اليوم الرابع لرحيل السيدة كلوديت وفيماا اجلس مع العم جوزف في قاعة الطعام نتناول طعام الفطار قال لي":بعد
انقضاء اسبوع على وفاة اسبوع على وفاة سيدتي المرحومة في مطلع السبوع القادم ساشخص الى الدوائر الرسمية
والى المصرف الفرنسي لقوم بمعاملت انتقال الميراث اليك يا ابنتي "
ال ان تلك الماني والحلم تبخرت ...
وانقشعت كما ينقشع الضباب ...
وتوارت كما يتوارى السراب في الصحراء
فبعد يوم واحد على حديث العم جوزف في اليوم الخامس لرحيل السيدة كلوديت وقبل انقضاء السبوع حضر الى دارنا
اقارب "امي" المروحمة الثلث ابنه شقيق وزوجها كريستيان شقيقها سيمون وابن شقيقتها اميل
وكان برفقتهم رجلن علمت فيما بعد ان احدهما محام والثاني كاتب العدل
وجلس الخمسة في القاعة الستقبال يتحدثون ويتهامسون
وعندما جاءهم العم جوزف باقهوة قال له كاتب العدل متسائل انت جوزف بيرجيه اليس كذلك ..؟
فاجاب العم جوزف :اجل...
ثم التفت الي متسائل :وانت رامونا شانتال ؟...
فأجبت :اجل...
وخيل للعم جوزف كما خيل الي ان ذلك الرجل جاء مع اقارب السيدة كلوديت ليبلغني انتقال ميراث "امي" المرحومة
الي
ال انني دهشت كما دهش العم جوزف عندما قال لي وللعم جوزف :يؤسفني ان ابلغكما انكما لن تستطيعا القامة في
هذه الدار بعد اليوم
ووثب العم جوزف الى ذلك الرجل متسائل بدهشة واستغراب :لماذا ياسيدي ؟...
قال كاتب العدل :لن هذه الدار انتقلت مع كل ميراث السيده كلوديت الة ورثتها وهم اهل زوجها واهل شقيقتها
ولم يكتف كاتب العدل بما قال
بل هو فتح ملفا كان يحمله معه وراح يقرأ الوثائق التي تثبت انتقال الميراث الى ابنه شقيق زوج السيدة كلوديت والى
ابن شقيقتها
ووجمت وقد بدأت افهم ما تنطوي عليه تلك الوثائق
وذعر العم جوزف
ولم يلبث ذعره ان تحول الى غضب شديد فانتصب امام كاتب العدل هادرا :هذا تزوير وكذب وخداع الوريثة الوحيدة
للسيدة كلوديت هي هذه الفتاه الصغيرة ابنه ثانية عشرة من العمر لقد تبنتها السيدة كلوديت ووقفت عليها كل ميراثها
فتدخل المحامي محاول تهدئة غضب ا لعم جوزف قال متسائل هل لديكم من الوثائق ما يثبت صحة ما تقول يا
سيدي ؟...
فاجاب العم جوزف بغضب وانفعال :اجل لدينا من الوثائق ما يثبت ما يثبت ادعائي
:-واين هي هذه الوثائق ؟
:-انها في الدرج مكتبة السيدة كلوديت في غرفتها
:-تفضل معي الى غرفة السيدة كلوديت
ودخل الجميع الى الغرفة
ولحقت بهم ...
وكان العم جوزف يعلم كما كنت انا أيضا ان هناك درجا كبيرا في مكتبة السيدة كلوديت فيه كل الوثائق والورقة
والجواهر والسجلت الخاصة
وكانت تحرص على اقفال ذلك الدرج بمتاح خاص وتضع ذلك المفتاح في خزانتها
ثم تقفل الخزانه وتضع مفتاحها تحت وسادتها
واتجه العم جوزف الى سرير السيدة كلوديت وراح يبحث عن مفتاح الخزانه تحت الوسادة فلم يعثر له اثر
فانصرف الى البحث في محفظتها ال انه لم يجده ايضا واخذت اساعده في البحث في محفظتها ال ان محاولتنا باءت
بالفشل
فعمد العم جوزف الى تحطيم قفل الخزانه
وخيل اليه كما خيل الي ايضا ان المعضلة حلت
واننا سنجد مفتاح الدرج
ولكننا كنا على خطأ ...
فالمفتاح لم يكن في الخزانه ...
واعلن العم جوزف للمحامي ولكاتب العدل خشيته من ان تكون ثمة يد امتدت الى الحزانه واستولت على المفتاح
فتساءل المحامي :لقد اعلنت لنا ان الوثائق ولوراق وموجودة في الدرج اليس كذلك ؟...
فاجاب العم جوزف :ولكن مفتاح الدرج في الخزانه
قال المحامي فلنحطم قفل الدرج ونفتحه
وواقف كاتب العدل على راي المحامي ...
وتم فتح الدرج
واستولى الذعر على العم جوزف وقد اتضح له ان الدرج خال خاو وان ليس فيه أي اثر للوراق والوثائق والجواهر
وساد الصمت برهة كان خللها العم جوزف يرتجف حنقا وعضبا
وكنت انا في دهشة وحيرة ووجوم
وقطع المحامي الصمت بعد قليل ليقول يبدو انك كنت مخطئا ايها السيد جوزف فليس ثمة في هذا الدرج من الوثائق ما
يثبت صحة ادعائك ان ورثة السيدة كلوديت جوليان هي ثلثة السيد سيمون جوليان والسيدة كريستان جوليان زوجها
الفرد بوسون والسيد اميل جوفيل وليس رامونا شانتال أي حصة في الميراث
وهدر العم جوزف والغضب يهزه هزا :مجرمون لصوص اوغاد لقد سطو على كل ما في الدرج من وثائق واوراق
وجواهر انا سأقاضيهم وازج بهم في اعماق السجون
وانتابته نوبه من الغضب العاصف الشديد
فاخذ يعربد ويشتم ويلعن ويهدد ويتوعد
ال ان تهديده ووعيده وشتائمه ذهبت ادراج الرياح
فلم يأبه به احد ...
وعندما هدأت ثورة غضب العم جوزف تقدم منه المحامي ليقول برصانه :اسمع ما اقول لك ايها السيد جوزف ان
القانون واضح صريح ول مجال لنقضه وانا اسدي اليك نصيحة ثمينه انها نصحية محام الى صديق كريم وانت لن
تستطيع ان تدعي على الذين يخيل اليك انهم استولوا على الوثائق الوهمية فنحن اشرفنا على فتح الدرج المقفل ولم
تعثر على اللوثائق وما دمت ل تحمل ما يثبت ان السيدة كلوديت اوصت بميراثها لهذه الفتاة الصغيرة فانت ل تستطيع
الوقوف في ساحة القضاء مطالبا للفتاه بالميراث ولن تجد في فرنسا بأ سرها محكمة تنظر الى دعواك وتسمتع الى
شكواك
نصيحيتي اليك ان تأخذ بيد هذه الفتاه الصغيرة وتخرج واياها من هذه الدار ممهدا للورثة استلم الميراث
وادرك العم جوزف ان المحامي مصيب في ما ينصح ويقول دفالقى بجسده الواهي النحيل على مقعد الوثير د واجهش
بالبكاء
وجلست قربه اشاطره سكب الدموع وقد ادركت انني سأغادر تلك الدار على غير رجعة
ويبدو ان دموعي ودموع العم جوزف اثارت شفقة ابنه شقيق زوج امي" الراحلة السيدة كريستيان
فاقتربت منا لتقول لنا :نحن لن نطلب منكما مغادرة هذه الدار الن فورا اتصبحا مشرين في الشوراع سنترك لكما
فرصة البحث عن منزل تأوين اليه امامكما شهر شهر واحد تسطيعان خله ان تبحثا عن مأوى لكما
وساد الصمت الرجاء ...
واخذت اتبادل النظرات الحائرة القلقة مع العم جوزف من دون ان ننبس بحرف
واستأنفت السيدة كريستان الكلم بعد صمت قصير
قالت :انا سأقيم مع اسرتي في هذا الدار غدا مع مطلع الصباح سننتقل الى هنا ولكما ان تتأهبا للرحيل ويخيل الي ان
مدة شهر كافية لتدبير اموركما
ونفذت السيدة كريستان قرارها ...
فما ان بزغ صباح اليوم التالي حتى كانت تحتل تلك الدار مع زوجها واولدها الثلثة
وكما كان ابن شقيقة المرحومة كلوديت يزورها باستمرار ايضا
وتحولت الدار الى خلية من اقارب المرحومة "امي" ومن اصدقائهم
وادرك العم جوزف اننا اصبحنا غرباء عن تلك الدار
وانه بات علينا ان نجلو عنها قبل انقضاء الشهر المحدد لرحيلنا
وكان العم جوزف شديد الحزن دائم التفكير
ينوء تحت عبئ الهموم والعذاب
فالكارثة التي نزلت بي وبه هدت قواه وقضت على كل عافية في جسده الواهي النحيل
وكنت احزن لحزنه وأتألم للمه
ولمس العم جوزف حزني والمي فامسك بيدي ذات صباح ليقول :لتحزني يا ابنتي ول تتألمي ول تنظري الى المستقبل
التي يا رامونا ولن ادعك تتشردين في الشوارع تتشردين في الشوارع بين الثعالب البشريه والفاعي والذئاب سأعمل
أي عمل لوفر لك العيش الكريم يا ابنتي سابحث عن مأوى نأوى اليه ونعيش فيه عيش الكرام الشرفاء
فلم استطع ان انبس بحرف وكلم ذلك الرجل الشفيق الحنون يقع في الذنين
واجهشت بالبكاء
فضمني العم جوزف الى صدره
واخذ بخاطري ويكفكف دموعي ويسكب في اذني كلمات العطف والمحبة والحنان
وبدا العم جوزف البحث عن ماوى لنا
ولم يطل به البحث
فقد وقع على غرفة صغيرة تحت السالم بناية متواضعة في شارع شعبي في ضواحي المدينه
وذات صباح وقبل انقضاء شهر على وفاة السيدة كلوديت غادرت مع العم جوزف تلك الدار التي قضيت فيها اجمل
حياتي
وحملنا معنا حقيبتين :
حقيبة تحتوي على ثيابي وبعض حاجياتي
وحقيبة فيها ثياب العم جوزف وبعض حاجيانه
وكانت الدموع تترقرق في العيون الربع
في عيني وفي عيني العم جوزف ونحن نبتعد عن الدار
وحللنا في الغرفة الضيقة تحت السللم
وكان العم جوزف يحمل مبلغا ضئيل من المال ابتاع منه فراشين لنا وبعض الطباق ومقعدين وطاوله صغيرة وبعض
الواني المطبخية والمنزليه الضروريه
وقال لي :ما زلت احتفظ بمبلغ ضئيل من المال يا ابنتي يكفينا لكثر من شهر وسأجد عمل قبل انقضاء الشهر تقلقي يا
رامونا
وكنت احتفظ بسوار من الذهب وبخاتم من الذهب أيضا وبعقد ثمين
وكانت "امي" الراحلة قد اهدتني تلك الحلي في مناسبة سعيدة
فدفعت بها الى العم جوزفقائلة :خذ هذه الحلي ايها العم جوزف بعها واستعن بها على حالنا السيئة
ال ان العم جوزف ابى ان يستجيب الى طلبي
قال :ل يا ابنتي ل يا رامونا لن ابيع حليك انها هديه من المرحومة "امك" يجب ان تحتفظي بها لتكون ذكرى منها
مدى حياتك
ومضى العم جوزف في البحث عن عمل
كان مستعدا لن يقوم بأي عمل مهما كان معتبا وشاقا ووضعيا ليؤمن لي العيش الكريم
ال انه لم يوفق
فهو رجل عجوز وارباب العمل ل يرغبون في استخدام الطاعنين في السن
فهم يفضلون الشبان القوياء عليهم
وكان العم جوزف يخرج صباح كل يوم من الغرفة ليجول شوارع وارجاء المدينه باحثا في المصانع والمتاجر
والمؤسسات والمحال عن العمل
ويعود بعد الظهر منهك القوى متعب الوصال
وذا يوم بعد الظهر عاد العم جوزف من جولته اليومية والتعب باد على محياه
والقى بجسده المتعب على السرير وهو يلهث بعناء
فأسرعت اليه متسائلة :مابك ايها العم جوزف ؟ ...بماذا استطيع ان اساعدك؟
فهمس :اانني متعب يا رامونا ..ز يبدو انني مصاب بوعكة عابرة سأكون بخير بعد قليل يا ابنتي
لقد خييل اليه ان الوعكة عابرة
ال انه كان على خطأ
فالوعكة تلك لم تكن عابرة بسيطة
كانت ضربة قاضية
وبدا لي انه يتألم وان المه في الصدر ط
فكان يرفع يده المرتجفة من الى اخر ليتحسس صدره ويئن متوجعا
وبدا العرق البارد يتصبب من جبينه وهو يلهث بهاثا متواصل سريعا
فذعرت ...........
واسرعت الجارة مستعينة بها على اسعاف العم جوزف
ولم اكن على صداقة متينه بتلك الجارى
فانا لم انتقل الى جوارها ال منذ ايام قليلة
ولم تسنح لي الفرص لتوطيد علقة الجوار الثابته القوية بها
هذا فضل عن فارق السن البعيد بيني وبينها فانا في الثانية عشرة من العمر
وهي في الخمسين
وكانت جارتي تلك امرأة فقيرة تقيم في غرفة صغيرة مجاورة لغرفتنا تعمل خادمة في حانه قريبة من غرفتها
فهي ارملة مات زوجها منذ امد قريب تاركا لها الفقير والعوز
ووجمت تلك الجارة وهي تشاهدني داخلة الى غرفتها والقلق والخوف يطلن من عيني
وازدادت وجوما وهي تسمع كلمات الستنجاد تنطلق من شفتي
فهمست متسائلة :ما بك يا ابنتي ؟.....
قلت :العم جوزف يعاني الما مبرحة ويخيل الي انه في خطر
فهمست :تعالي معي اليه يا ابنتي
واسرعت تلك الجارة البائسة معي الى غرفتنا
وكان اللم قد اشتد بالعم جوزف
وقد بات عاجزا عن الكلم بوضوح
فتمتمت الجارة :انه في خطر شديد ..يجب ان نستنجد برجال السعاف..
قالت الجارة هذا واسرعت بالخروج من الغرفة وهي تمتم :انتظريني هنا ل تخرجي من الغرفة انا ساشخص
الى مركز السعاف وهو ليس ببعيد واعود بالمسعفين سريعا
ولم يطل غياب الجارة
فقد عادت بعد دقائق قليلة مع ثلثة رجال
انهم رجال السعاف
وحاول السعافيون ساعاف العم جوزف
وسمعت احدهم يهمس في اذن رفيقه :انه يحتضر يجب نقله الى المستشفى قد يستطيع الطبيب انقاذ حياته
وانحنوا على العم جوزف يحملونه على نقالة الى سيارتهم البيضاء
ولح من العم جوزف انه غير راغب في البتعاد عن تلك الغرفة
فهو يريد البقاء قربي
وفيما رجال السعاف يخرجون به رمقني بنظرة حائرة تائهة قلقة فيها كل المعاني العطف والخوف والحنان
فكأنه اراد بتلك النظرة الحنون وداعي الوداع الخير
وطلبت من رجال السعاف ان يسمحوا لي بمرافقة العم جوزف الى المستشفى
فدفعوا بي الى سيارتهم الكبيرة البيضاء هاتفين :اسرعي بالصعود الى السيارة ..اسرعي
واسرعت ...
وصعدت الى السيارة ...
وطارت بنا سيارة و السعاف الى المستشفى
وفي المستشفى حاول الطباء انقاذ حياة ذلك الرجل الشهم النبيل الحنون فأخفقوا
كانت النوبة القلبية صاعقة عاصفة قاتلة
وذعرت والطباء يعلنون لي ان العم جوزف قضى نحبه
واجهشت بالبكاء وقد ادركت انني فقدت عطف وحنان ذلك الرجل الكريم وانني اصبحت وحيدة في هذه الحياة
واثار بكاءي وعويلي ونحيبي اشفاق الطباء
وازدادوا اشفاقا وعطفا علي عندما علموا انني فتاة يتيمة وان ذلك الرجل كان معيلي الوحيد
واتخذوا قرارا بان تتولي ادارة المستشفى دفن العم جوزف وبان يعيدوني الى غرفتي من دون ان يطالبوني
بدفع نفقات الدفن ورسوم المعالجة
وعدت الى الغرفة الصغيرة الباردة الحقيرة لرتمي في فراشي وافرغ كل ما في عيني من عبرات ودموع
وعدت مجددا الى الوحدة الصماء
والى الفراغ المفزع الرهيب
ورأيتني وحيدة حائرة ضائعة في مجاهل الحياة
وانغمست في لجج الذكريات المؤلمة المرهقة الرهيبة
فتذكرت الماضي المخيف وما حفل به ذلك الماضي من العوز والعذاب واللم
وتذكرت وقفتي في شوارع المدينه ممدودة اليد طالبة حسنة من المحسنين وانا طفلة صغيرة جائعة
فذعرت
وخشيت ان اضطر للعودة الى تلك الوقفة المذلة المخجلة
يومذاك يوم كنت امد يدي لكل عابر سبيل لم اكن ادرك هول تلك الوقفة المذله ..
كنت يومذاك طفلة صغير ل افقه معاني الحياة المرة
اما الن وانا ادرج في الثانية عشرة من العمر فلن استطيع ان اعود الى التسول ومد اليد
واستغرقت في التفكير ..
ومضيت في اثارة الذكريات
فتذكرت احبائي الراحلين
وتذكرت ابي وجدتي و"امي" السيدة كلوديت تلك المرأة الفاضلة الحنون التي غمرتني بالفضل والحب
والعطف والحنان
لو ان " امي" كلوديت على قيد الحياة الن لما حل بي ما حل بي ولما نزل بي ما نزل
اوبالحرى لو ان اقاربها المجيرمين لم يسطوا على الميراث لكنت الن بالف خيير مع العم جوزف
لقد كان سبب وفاة العم جوزف سطو اولئك القارب على حقه وحقي في الميراث
وكانت تلك الذكريات المؤلمة المرهقة تعذب قلبي الصغير
وتثير في نفسي الخوف والقلق من المستقبل التي المجهول
وكان علي ان اقنع بنصيبي من الحياه
كان علي ان ارضى بذلك الحظ السئ المشؤووم الذي رافقني منذ الدقيقة الولى من حياتي
كان علي ان ارضى بذلك الحظ السيئ المدلهم السواد لما توفيت والدتي بعد ولدتي
ولما استشهد والدي وانا طفلة صغيرة
ولما توفيت جدتي وانا في الثامنة من عمري
ولما رحلت السيدة كلوديت وانا اشد الحاجة اليها
واخيرا لما استطاع اقارب امي الفاضلة من اخفاء الوثائق التي تثبت حقي في الميراث
ولما تمكنوا من السطو على الميراث وطردي من تلك الدار التي قضيت بها اجمل ايام حياتي واروعها
وابهاها ...
من الناس من يأتي الى هذه الحياة ورفيقه النحس
ويرحل عن هذه الحياة والنحس ل يفارقه
فهو النحس البغيض رفيقا درب طيلة العمر
وقليلون هم البشر الذين يستطيعون التخلص من تلك الرفقة في منتصف الدرب
وانا كان النحس اللعين رفيقي وخليفي وصديقي " الوفي" منذ رأيت النور
اتراه يستمر في رفقتي حتى تطبق عيني انامل الموت ؟...
وبدأت في مجابهة الحياه وصعابها ومشقاتها وعذابها وحدي
من دون سلح ..
وكان على ان اسعى الى الحصول الى لقمة الخبز
ولكن كيف ؟...
لست ادري
وبدأت انفق ما ترك لي العم جوزف من المال
وهو مبلغ ضئيل لم يكفني اكثر من شهر
شهر واحد فقط واصبحت فقيرة معدمة ل املك فرنكا واحدا
وكنت بحاجة الى الطعام
بحاجة الى الرغيف ولم يكن ثمة بد من اللجوء الى الحلي التي اهدتني اياها السيدة كلوديت ...
الى الخاتم والسوار والعقد
وكان العم جوزف قد طلب الي الحتفاظ بتلك الحلي الثمينة ذكرى عزيزة من تلك المراة الفاضلة الحنون
وكنت قد عزمت على العمل بنصيحة العم حوزف
ال انني رأيت نفسي وانا اتضور جوعا مرغمة على بيع الخاتم الذهبي
ولم اكن اعلم اين وكيف سابيع الخاتم الثمين
فلجأت الى جارتي الرملة الفاضلة " مدام كاترين " التي ساعدتني في نقل العم جوزف الى المستشفى وكانت
بعد رحيل العم جوزف تعطف علي وتمدني ببعض الطعام القليل
فهي فقيرة مثلي ..
وعرضت عليها الخاتم الثمين
فدهشت وهي تشاهد الذهب البراق
وهمست بقلق وحيرة متسائلة :من اين لك هذا الخاتم الثمين يا رامونا ؟...
فادركت ما ترمي اليه
فقد خيل اليها انني لصة سارقة
وان يدي امتدت الى محفظة سيدة او الى درج مجوهرات في محل صائغ
ال انني طمأنتها هامسة :ل يا مدام كاترين فانا لست لصة مجرمة هذا الخاتم وصل الي مع عقد وسوار ثمين
ذهبي من سيدة فاضلة كانت لدي في مقام امي
ورويت لها قصتي مع امي الراحلة
وابديت لها رغبتي في بيع ذلك الخاتم لنني بحاجة قصوى الى الرغيف
الفصل الثاني
كان الليل قد اشرف على النتصاف عندما بلغ الصحافي الشاب سامي مجبور عند هذا الحد من قصة رامونا
الفرنيسة الحسناء
وابى سامي مجبور ان يتوقف عن القراءة
فاقصة مشوقة مؤثرة ومؤلمة
واشعل الصحافي الناشئ لفافة راح ينفث دخانها في الفضاء ليتابع القراءة
وقرأ ....
" امسكت جارتي المحسنه كاترين يدي في اليوم الول وسارت بي الى الحانه المنزوية في اخر الشارع الطويل
في مدينه "نيس"
وبكلمات مقتضبة قليلة قدمتني الى صاحبة الحانه
ولم تكن مدام صوفي بحاجة الى من يعرفها بي
فهي تعرفني
وقد ابتاعت مني الحلي منذ ايام بواسطة كاترين نفسها
ومقتني مدام صوفي بنظرة ثاقبة طويلة
وتمتمت لقد وافقت على ان تعملي في حانتي اكراما الى كاترين فانت ل تصلحين للعمل في حانتي ويخيل الي
انك ما زلت صغيرة والعمل عندي مرهق متعب وشاق قد تعجزين عن القيام به
وتدخلت كاترين مدافعة عن قدرتي على العمل
قالت :اؤكد يا سيدتي ان رامونا ستكون قادرة على القيام بالمسؤليات الجسام فهي بالرغم من صغر سنها قوية
مجتهدة نشيطة وانا سـأتولى تدريبها على العمل قبل انصرافي عن الخدمة في هذه الحانه بعد اسبوع
فنفثت مدام صوفي دخان لفافتها في الفضاء لتقول سانظر في شأننها بعد اسبوع فاذا برهنت عن مقدرة ونشاط
كان لها مكان للعمل في هذه الحانه وال فعليها ان تبحث عن لقمة الخبز في غير هذه الحانه
وحاولت ان اشكر صاحبة الحانه على ما ابدت نحوي من عطف ورحابة صدر
ال ان مدام صوفي حالت بيني وبين الكلم مستأنفة كلمها
قالت " اذا قدر لك ان تعملي في حانتي ايتها الصغيرة فعليك ان تقيمي في هذه الحانه ليل نهارا ..ستعملين في
تنظيف الحانه وفي غسيل الطباق والكؤوس والهتمام باعمال المطبخ كافة وقد نحتاج اليك لخدمة الزبائن
وستنامين ههنا في هذه الحانه فلا تخرجين منها ال باذن مني اتوافقين على هذه الشروط؟...
وتولت كاترين الجواب
قالت :لقد اطلعتها ياسيدتي على كل هذه الشروط ...وواقفت وانا اؤكد لك انها ستكون مثال الخادمة المخلصة
الوفيه ...
وبدأت العمل في تلك الحانه
وابديت من النشاط والهمة والمقدرة والطاعة العمياء ما اثار اعجاب مدام صوفي وارتياحها
وبعد اسبوع ووافقت صاحبة الحانه على توظيفي في حانتها الكريمة
وتسلمت العمل من كاترين في تلك الحانه ...
وودعتني مدام كاترين ناثرة في مسمعي النصائح الغالية " كوني امينه مطيعة نشيطة يا رامونا ...وليوفقك ال
يا ابنتي "...
وذهبت مدام كاترين
ومنذ ذلك اليوم لم ار لها وجها
وانتقلت من غرفتي الصغيرة تحت السللم الى غرفى صغيرة ايضا في الحانه الرحبة الواسعة الرجاء
وكان ثمة جدار في الحانه قرب قاعة نوم مدام صوفي
وكان جدار خشبي يفصل بين غرفتي وغرفة مدام صوفي
وفي تلك الحانه الكبيرة غرفة وقاعات عدة...
فهناك قاعة الطعام والشراب الرحبه ابوابها مشرعة امام الزبائن الكرام منذ الصباح حتى منتصف الليل
وهناك قاعة الميسر والمقامرة ....
وهي قاعة واسعة رحبه تفتح ابوابها نهارا وليل حتى ما بعد منتصف الليل
وقاعة نوم السيدة صوفي وهي قاعة مزينه بالريش ولثاث وفيها كل ما تحتاج اليه المراة النيقة الثرية من
وسائل الراحة والتدفئة والتبريد والنارة والنوم
وثمة قاعة للضيوف القارب ولصدقاء
وهم كثيرون
وفي اخر الحانه قاعة رحبه كبيرة فيها بعض المقاعد والطاولت والخزائن والصناديق الحديدة
وتلك القاعة لتفتح ابوابها ال بعد انتصاف الليل
ويجتمع فيها عدد من الرجال القوياء وبعض النساء وتلوح وجوههم علمات ا لقسوة والحزم والعزم
وكان الدخول الى تلك القاعة محرما على الزبائن الكرام
فلها زبائنها المميزون الذين يؤمون الحانه بعد انتصاف الليل
وكان عملي في تلك الحانه الكبيرة متعبا مرهقا شاقا
كان علي ان انهض من النوم في ساعة مبكرة من الصباح لتنظيف غرف الحانه وتكنيسها ونفض الغبار عن
الموائد والمقاعد وغسل الواني والطباق والكؤوس
واستمر في العمل وفي خدمة الزبائن حتى ما بعد منتصف الليل عندما ينقتح باب القاعة السريه ويبدأ الزبائن
تلك القاعة بالوفود الى قاعة ...عندئذ تهتف صاحبة الحانه بي "اذهبي ايتها الشقيه الى غرفتك ونامي"...
ولم يكن لي ال المتثال لوامرها السامية
فصاحبة الحانه مدام صوفي امراة قاسية القلب حازمة صارممة
ليس ثمة في تلك الحانه من يعصي لها امرا
حتى الزبائن كانوا يخافونها ويتقون شرها
وكا ن الخروج من تلك الحانه محرما علي
فالوامر التي اصدرتها مدام صوفي صريحا ل تحتاج الى تفسير " :ل تخرجي من الحانه يا رامونا ...تنطقي
بكلمة مما تسمعين ول تخرجي احدا بما تشاهدين ول تبوهي بسر قد تقفين عليه ..كوني عمياء صماء
بكماء "...
وكنت كما ارادتني مدام صوفي
ل ارى ول اسمع ول اتكلم
هكذا تريديني سيدتي فليكن ماتريد
كل ما اصبو اليه هو الحصول على القوت والمرقد
فل احتاج الى البحث عن ثمن الطعام
ول اضطر الى دفع اجرة الغرفة في اخر كل شهر
اما المرتب فلم اكن لبه له
ولم تكن مدام صوفي تنقدني مرتبا
بل كانت تمسح لي بان احتفظ بما يجود علي الزبائن الكرام من فرنكات قليلة
وكان زبائن الحانه يعطفون علي وهم يروونني فتاة صغيرة انصرف الى خدمتهم وتلبيه طلباتهم
وبالرغم من ان معظم اولئك الرواد من الرجال القوياء القساة القلوب الشرسين فقد كان ثمة بينهم من يجود
علي ببعض الدراهم
وكان من بين اولئك الشاب ادغار فوريه
وكان ادغار صديق صاحبة الحانه الحميم
وله وحده الحق في دخول القاعة الجتماعات السرية عندما يريد
وكثييرا ما كان ادغار يقضي ما تبقى الليل في غرفة مدام صوفي
وكنت اشاهد ادغار من حين الى اخر يحمل حقائب او صناديق ويدخل بها الى قاعة الجتماعات السريه
او هو يحمل الحقائب والصناديق ويخرج بها من تلك القاعة
ال انني كنت اسمع احيانا مناقشات حادة بين المجتمعين
ولكني لم ابه مرة لتلك المناقشات ولم اعرها أي اهتمام
***********************
" ومضت اليام .....
انقضت سنتان على عملي في الحانه مدام صوفي اخرج خللهما من تلك الحانه
وكانت مدام صوفي تحظر علي الخروج من حانتها العامرة
ولم اكن لخالف امر سيدتي امرا
وبدات اشعر بقوة الشباب وبحرارته تجري في عروقي وقد اشرفت على تخطي الرابعة عشر من العمر
واقتربت من مطلع الخامسة عشر ....
وبدأت انظار الشبان الذين يرتادون الحانه تحوم حولي
وكان بعض اولئك الشبان ينثرون في مسمعي كلمات الغزل والعجاب ويرمقونني بنظرات ملتهبة حارة
غيير انني لم اكن اعير نظراتهم وهمساتهم أي اهتمام
وذات ليلة باردة عاصفة سوداء احتشد في الحانه جمع من الرجال المقامرين المدمنين على الخمر انصرفت
كعادتي بخدمة اولئك الرجال
وكان السكر الشديد على بعض الشبان فراحوا يتمادون في اسماعي كلمات العجاب
ومنهم من راح يتغزل بجمالي الفاتن وشباب العاطر الريان
وبالرغم من انني لم ادرك ادراكا تاما ما تنطوي عليه تلك الكلمات ول افقه ما معنى تلك النظرات الملتهبة
الحمراء فقد كنت مرتاحة الى ما اسمع وارى
انها غريزة المرأة التي ترتاح الى استماع المديح ولطراء والمبالغة في وصف شبابها وجمالها ...
وطالت الجلسة الصاخبة الى ما بعد منتصف الليل
وبدأ الرواد الحانه يخرجون وقد اشرفت الساعة على الواحدة بعد منتصف الليل
وبدأت اتأهب للدخول الى غرفتي لستسلم للرقاد
واذا بي افاجأ بشاب تبدو على محلمحه السكر وتفوح منه رائحة الخمر ينتصب امامي ليمسك بيدي ويشدني
الى صدره محاول تقبيلي ....
وذعرت ...
وحاولت جاهدة الفلت من بين يديه القوتين فعجزت
واذا بصديق مدام صوفي ادغار يثب الى ذلك الشاب وينهال عليه باللطم والصفع
ويلقي به بعيدا عني