You are on page 1of 26

‫وقف الصحافي الشاب سامي مجبور امام سور المقبرة اللتين في بيروت يعرض تلك القبور البيضاء المتناثرة

تحت‬
‫اشجار السرو الباسقة الدائمة الخضرار وكأنها حراس تحرس قبور الموات وتغمرها بالظلل الوارفة العطرة‬
‫ومقبرة اللتين تقع في بيروت على الشاطئ الجنوبي‬
‫فهي في محله الزيتون الهله بالكسان الزاخرة بالملهي والنوادي والمسابح والفنادق والمؤسسات السياحيه والتجارية‬
‫والصناعية‬
‫ووجود تلك المقبرة الفسيحة الرجاء في منطقه اهله بالسكان يثير دهشة السياح والغرباء استغرابهم‬
‫ذلك ان المقابر عادة ل تقام ال في ضواحي المدن والقرى‬
‫في اماكن بعيدة عن المنازل والنوادي والملهي والمؤسسات‬
‫فالقبورمساكن الموات‬
‫ولعل الموات يرتاحون في البتعاد عن ضوضاءالحياء وضجيجهم وعربدتهم ولهوهم ومجونهم‬
‫انهم لفي راحة ابديه وفي هنأة وسلمة واطمئنان وهم يرقدون بعيدا عن الحياة‬
‫ولو وجوود مقبرة اللتين في قلب العاصمة اللبنانية قصة بعيدة‬
‫ذلك انه يوم شيدت مقبرة اللتين قي محله الزيتون لم تكن محلة الزيتون في بيروت‬
‫بل هي كانت من ضواحيها‬
‫وكان ذلك منذ سنين بعيدة‬
‫يومذاك ارادت الطائفةاللتينة ان تقيم مقبرت فسيحو للموات فاختارت بستان زيتون في ضواحي بيروت يطل على‬
‫البحر‬
‫فابتاعت ذلك البستان وحولته الى مقبرة حديثة‬
‫واحاطتها بسور عال من الحجارة البيضاء والقضبان الحديدية‬
‫وكان معظم ابناؤ الطائفة اللتينة يومذاك من الوروبين‬
‫ولم تلبث ان تحولت تلك الضاحية من بيروت الى منطقة اهله من السكان‬
‫واختفت معالم بساتين الزيتون من تلك المحلة‬
‫ولم تبق يد العمران من اشجار الزيتون سوى على شجرة واحدة ضخمة كبيرة عجوز ظلت في وقفة التمرد والعصيان‬
‫على المناجل والفؤوس مدة طويلة‬
‫فاطلق على تلك المنطقة اسم الزيتونة‬
‫واصبحت مقبرة اللتين في كبد محلى الزيتون‬
‫هناك‪...‬‬
‫في تلك المحلة‪...‬‬
‫امام سور مقبرة اللتين في محلة الزيتون وفق الصحافي الشاب سامي مجبور ذات صباح من ايام الربيع الممرع‬
‫الريان جاملبيديه قلمه وارواقه ‪:‬كاميرات اله تصوير وراح يمعن النظر في ذلك السور العالي وفي حجارته التي حول‬
‫الزمن بياضها الى اكفهرار وشحوب ويتطلع الى اغصان اشجار السرو الخضراء المتعالية وراء ذلك السور بين المقابر‬
‫البيضاء‬
‫وسامي مجبور صحافي ناشئ شاب‬
‫في السابعة والعشرين من عمره‬
‫يعمل في مجله اسبوعية لبنانية واسعة النتشار‬
‫وهو يعمل في قسم التحقيقات والريبورتاج في ممجلة المواكب المزدهرة الغراء‬
‫وكان سامي مجبور يعمل جاهدا لحتلل مركز مرموق لدى صاحب المجلة وهو صحافي لبناني كبير يتولى رئاسة‬
‫تحرير مجلته بنفسه‬
‫لذلك فقد كان سامي يختار دائما تحقيقاته المواضيع الغريبة العجيبة المثيرة التي تثير الهتمام القراء وموافقى رئيس‬
‫التحرير‬
‫ورئيس التحرير كان يقدر موهبة ذلك الشاب الناشئ في عالم الصحافة‬
‫ويعمل باهتمام لتسديد خطواطه في طريق الصحافة الشائك الصعب البعيد ويعده لتولي رئاسة تحرير قسم التحقيقات قي‬
‫مجلته في المستقبل القريب‬
‫وكان سامي مجبور قد ارتأى القيام بتحقيق حول المقابر في لبنان‬
‫وعرض على رئيس التحرير رأيه فوافق رئيس التحرير‬
‫ودعاه الى التبسط في كتابة ذاك التحقيق‬
‫وزوده بالرشاد والنصح‬
‫وطلب اليه ان يستمع الى احاديث الحراس تلك المقابر ولديهم بدون شك طرائق وغرائب واسرار عديدة‬
‫وفي ذلك الصباح من الربيع تزود الصحافي الناشئ بالعدة القلم والورق والكاميرا‬
‫وسار على بركات اللع الى امقبرة اللتين‬
‫وهي القرب والسهل‬
‫وربما المتع‪...‬ايضا‬
‫ووصل محلة الزيتون‬
‫ووقف امام سور مقبرة اللتين يعرض ذلك السور العالي الجنحة الوطيد الركان‬
‫وامسك بقلمه‬
‫وبسط ورقه من اوراقه وكتب‬
‫" مقبرة التين في محلة الزيتون في بيروت شبيه بقلعة اثريه قديمة ‪...‬‬
‫وسورها عال متين قد يصعب على القوى المسلحة اقتحامه عجبا لهؤلؤ البشر الذين يقيمون السوار حول المفابر‬
‫لماذا يشيد السور حول المقبرة مادام الذين في المقبرة ل يستطيعون الخروج والذين هم خارجها ل يريدون الدخول‪...‬؟"‬
‫ثم تناول الة التصوير‬
‫واخذ يلتقط الصور‬
‫فالتقط صورة لمقبرة من بعيد‬
‫ثم التقط صورة لشجار السرو الباسقة الخضراء التي تظلل باغصانها الوارفة قبور الموات ‪...‬‬
‫ثم صور لباب السور العالي ولقضبان الجديد السمراء المنبثقة فوقة‪...‬‬
‫ثم تقدم ليتقط صورة لباب المقبرة الحديدي الكبير‬
‫وانتهى من التقاط الصور الخارجية‬
‫وبات عليه ان يقتحم الباب ليدخل ويبدأ بالتقاط الصور الداخلية‬
‫ودفع الباب الحديدي ذا القضبان السوداء ففتح‬
‫فالباب ليس موصدا بالقفال‬
‫وابتسم وهو يكتشف ان الحارس لم يوصد الباب بالقفال المتينه‬
‫فهو كما يبدو اشد ذكاء وابعد حكمة من اولئك الذين شيدوا السور ونصبوا القضبان الحديدية‬
‫واحكمواا تثبيت ذلك الباب الحديدي المتين‬
‫فقد ادرك ذلك الحارس النبيه ان الموات لن يحاولوا الخروج من المقبرة ول احياء يرغبون في اقتحاام ذلك الباب‬
‫للدخول ‪...‬‬
‫خطواط قليلة واصبح سامي مجبور داخل اسوار تلك المفبرة‬
‫ورا ح الصحافي الشاب يلتقط الصور بعض القبور الرخامية‬
‫منها الفخمة اللمعة التي يتنصب فوقها تمثال او صورة للراحل الكريم الراقد بهناء ةسلن واطمئنان تحت بلطها‬
‫الببض‬
‫ومنها القبور المتواضعة التي تجثم فوقها صليب من الخشب او الرخام‬
‫وعلة كل قبر من تلك القبور الفخمة والمتواضعة بلطة حفر عليها اسم الراحل او الراحلة وتاريخ الولدة والموت‬
‫ومضى الصحافي الناشئ في التقاط الصور وفي تدوين بعض الملحظات والسماء في دفتره‬
‫وفجأة انتصب امامه رجل عجوز في زهاء السبعين من العمر كلل الشيب راسه ببياضه‬
‫وحفرت السنون اخاديدها على جبينه‬
‫وسمت اليام خطوطها السوداء وتجاعيدها الواهية على وجنتيه‬
‫وساد الصمت العميق بين الصحافي الشاب والرجل العجوز قبل ان يتقدم الرجل من الصحافي متسائل ‪:‬‬
‫من انت ‪.‬؟وماذا تفعل هنا ‪.‬؟‪ ...‬ومن اذن لك بالدخول الى حرم الموات الراقدين في هذه المقبرة ؟‬
‫ولم يجب سامي مجبور على اسئلة الرجل العجوز‬
‫بل بادره بسؤال غريب ‪ .‬لم يكن ذلك الرجل ينتظره‬
‫قال‪ :‬وهل يحتاج الدخول الى المقابر الى اذن وتصريح يا سيدي ؟‬
‫فاستأنف العجوز السؤال ‪ :‬هل جئت لزيارة قبر صديق او نسيب او حبيب ؟‬
‫‪-‬ل ‪..‬‬
‫‪ -‬لماذا اذا تلتقط صور قبور الموات ؟‬
‫ولم يجب الصحافي الشاب العجوز علة سؤاله‬
‫بل تناول علبة تبغ من جيبه ليقدم لذلك العجوز لفافة ثم يلقي بلفافة التبغ بين شفتيه ويشعل اللفافتين ‪.‬‬
‫وارتاح ذلك الرجل بعض الرتياح وقد قدم له ذلك الفضولي المقتحم معقل الموات ‪ .‬لفافة فاخرة‬
‫ونفث دخان اللفافة في الفضاء ليستأنف طرح السئلة ‪:‬‬
‫لماذا انت هنا ؟‬
‫فابتسم سامي مجبور متسائل ‪ :‬بل لماذا انت هنا؟‬
‫فاجاب ‪ :‬انا حارس هذه المقبرة منذ دخولك الى هنا وانا اراقبك من غرفتي الصغيرة هناك في الزاوية البعيدة عن القبور‬
‫فهل تتفضل بان تقول لي من انت بعد ان علمت من من انا ؟‬
‫فاتسعت ابتسامة على شفتي سامي مجبور‬
‫وتمتم ‪ :‬انا صحافي جئت الة هنا لقف على بعض خفايا هذه االقبور وتاريخها والتقط صور القبور الفخمة والقبور‬
‫المتواضعة‬
‫فلمعت الدهشة في عيني حارس وكلمات ذاك الصحافي تقع في الذنين ‪ :‬لماذا يقدم هذا الصحافي على محاولة الوقوف‬
‫على تاريخ مقبرة اللتين ‪...‬؟ ولماذا يريد التقاظ صور القبور؟‬
‫وادرك الشاب الصحافي ما يجول خاطر الحارس من اسئلة‬
‫فاوضح انني منصرف الى كتابة تحقيق حول المقابر في لبنان وقد رايت ان ابدا من مقبرة اللتين‬
‫فارتسمت ابتسامة واهية صفراء على شفتي الحارس العجوز وقد ادرك حقيقة مهمة هذا الشاب‬
‫وهمس بتساؤل ملحاح ‪ :‬انت ستنشر اذن تفاصيل ما ترى وتشاهد وتصور في المقبرة ؟‬
‫‪ :-‬اجل ‪.....‬‬
‫‪ :-‬وتنشر الصور في صحيفتك؟‬
‫‪ :-‬نعم ‪..‬‬
‫‪ :-‬وهل ستلتقط صورة "لمحسوبك" حارس هذه المقبرة ؟‬
‫‪ :-‬نعم‬
‫‪ :-‬متى ؟‪...‬‬
‫‪ :-‬الن ‪......‬‬
‫‪ :-‬وتنشر صورتي في صحيفتك ؟‬
‫‪ :-‬اجل ‪...‬‬
‫فاتسعت ابتسامى على شفتي الحارس العجوز‬
‫وهمس متسائل ‪ :‬اين ستلتقط صورتي ؟‬
‫‪ :-‬هنا‬
‫‪ :-‬هنا ؟ بين المقابر ؟‬
‫ولم يجب الصحافي الشاب الحارس على سؤاله‬
‫بل صوب عدسة اله التصوير نحو الرجل العجوز ‪.‬‬
‫والتقتط صورته‬
‫فهدر الحارس‪:‬هل صورتني ؟‬
‫‪ :-‬اجل ‪..‬‬
‫وهل ستظهر هذه الصورة في صحيفتك ؟‬
‫‪ :-‬اجل‬
‫‪ :-‬ل ل اريد ان تنشر صورتي هذه التي التقطتها الن في صحيفتك ‪.‬‬
‫‪ :-‬لماذا ؟‬
‫فاستأنف الحارس العجوز الكلم ‪ :‬سارتدي ثوبي الجديد واضع الطربوش على رأسي وعندئذ اسمح لك بالتقاط الصورة‬
‫التي ستنشرها في الصحيفة تعال‪ ..‬تعال معي الى غرفتي‬
‫قال الحارس هذا وسار امام الصحافي الشاب بين القبور الى غرفة صغيرة قديمة العهد تقع في اخر المقبرة على بعد‬
‫امتار قليلة من المقابر‬
‫انها لشبه بقبر حي بين قبور الموات‬
‫ودخل الحارس العجوز الى غرفته متمتا انتظر هنا امام الباب دقائق قليلة ريثما ارتدي ثوبي الجيد‬
‫ووقف سامي مجبور امام تلك الغرفة ينتظر المر له بالدخول‬
‫ولم يطل انتظاره‬
‫دقائق وطل الحارس من الباب وقد ارتدى ثوبه "الجديد"‬
‫وليس في ذلك الثوب ما يشير الى الجديد ‪..‬‬
‫فهو ثوب اسود اكل الدهر عليه وشرب ونام واستراح ‪.‬‬
‫ال انه ‪ ...‬نظيف ‪.‬‬
‫وكان الحرس قد رفع طربوشه القاني الحمرار على راسه‬
‫وفتل شاربيه ووقف امام الصحابي الشاب قائل ‪:‬‬
‫تفضل ‪ ...‬صور‬
‫وصور الصحافي الحارس المتباهي " بثوبه الجديد" وبطربوشه الحمر وبشاربه المفتول‬
‫وعنئد بعد ان اطمئن الحارس الى التقاظ الصورة كما اراد دعا الصحافي الى الدحول ‪ :‬تفضل بالدخول الى غرفتي‬
‫المتواضعة يا سيدي‬
‫ودخل سامي محبور الى غرفة الحارس فاذا به في غرفة صغيرة تحتوي على سرير حديدي صغير وعلى مقعدين‬
‫خشبين قديمين ومنضدة ومصباح كهربائي معلق في السقف وطاولة صغيرة عليها ابريق ماء من الفخار وبعض‬
‫الطباق الخزفية القديمة‬
‫وفي صدر الغرفة قرب الحائط انتصبت خزانة قديمة العهد تضم بين دفتيها ثياب الحارس وبعض حاجاته الخاصة‬
‫الخاصة‬
‫ودعا الحارس الصحافي الى الجلوس ‪ :‬تفضل بالجلوس يا سيدي ‪..‬تفضل سأهيئ لك فنجان قهوة ‪..‬‬
‫وحاول سمي مجبور العتذار عن تناول القهوة‬
‫ال ان حارس رفض العتذاره‬
‫واصر على تكريم ضيفه بتقديم القهوة له‬
‫وفيما سامي مجبور يجلس على احد المقعدين الخشبين كان الحارس يدخل من باب صغير الى غرفة مظلمة انها المطبخ‬
‫فيشعل النور في ذلك المطبخ ويتصرف الى تهيئة القهوة وعلى البابور كاز" كان هديره يترامى الى مسامع سامي‬
‫مجبور كهديل المراجل‬
‫وفجأة انقطع الهدير‬
‫فايقن الصحافي ان القهوة اصبحت جاهزة‬
‫واذ بالحارس يطل عليه من الباب الصغير حامل صينية نحاسية صفراء عليها فنجانا قهوة‬
‫وقدم للصحافي فنجانا ثم تناول هو فنجانه‬
‫وجلس عل المقعد الخشبي قرب الصحافي ليتناول من جيبه علبه تبغ من الصنف الرخيص ويقدم لفافة لضيفه الكريم‬
‫واعتذر سامي مجبور عن تناول اللفافة من يد الحارس متمتما ‪ :‬شكرا لك يا سيدي فانا معتاد على نوع خاص من التبغ‬
‫قال الصحافي الشاب ذلك وامتدت يده الى جيبه ليخرجها قابضة على علبة تبغ من النوع الفاخر‬
‫وقدم لفافة للحارس العجوز‬
‫ولم يرفض الحارس تناول اللفافة من يد الشاب‬
‫قهي لفافة فاخرة النوع ل يستطيع الوقوع على مثلها كل ان وحين‬
‫وهمس الحارس وهو يلقي بالفافة الفاخرة بين شفتيه ‪ :‬شكرا لك سيدي‬
‫واشعل الصحافي اللفافتين لفافته ولفافة الحارس‬
‫ونفث دخان في الفضاء‬
‫وهمس متسائل ‪ :‬هل تستطيع يا سيجي ان تطلعني على تاريخ هذه المقبرة ؟ متى شيدت ؟ ومن شيدها ‪....‬؟‬
‫فنفث الحارس دخان لفافنه في الفضاء ليجيب ‪ :‬لست ادري متى شيدت هذه المقبرة ول من ذاك الذي شيدها وبنى‬
‫اضرحتها وقبورها فأنا هنا منذ ثلثين سنه ويوم وطأت قدماي هذه الغرفة كانت هذه المقبرة كما هي الن‬
‫وبدأ الصحافي بتدوين اقوال الحارس العجوز‬
‫ومضى في طرح السئلة ‪ :‬لماذا اخترت مهنة الحراسة هذه المقبرة ؟ وكيف ؟ ومتى ؟‬
‫فرشف الحارس القهوة ونفث الدخان في الفضاء‬
‫ومع دخان اللفافة نفث زفرة عميقة ليتمتم منذ ثلثين عاما كنت اعمل في " ورشة عمار" في هذه المنطقة قرب المقبرة‬
‫‪ ...‬انظر هل تشاهد هذه البنايه الشاهفة الصفراء المطله على البحر لقد كنت بين العمال الذين شيدوها‬
‫وكانت زوجتي ام مروان قد توفيت منذ امد قريب حزنا على سفر ابننا الى المهجر سعيا وراء لقمة الخبز واصبحت‬
‫وحيدا في هذه الحياه ‪ ...‬يومذاك توفي حارس هذه المقبرة ‪ ...‬وكان ذلك الحارس صديقي يستعين بي من حين لخر‬
‫على فتح القبور ودفن الموتى فحللت محله في الحراسة ‪ ...‬وكنت مرتاحا لهذه الوظيفة ذلك لن الحراسة افضل من‬
‫تعب في نقل الحجارة والعمل في الورشة فالمرتب مضمون اخر الشهر والكراميات وفيرة بعد الدفن وهكذا انتقل عملك‬
‫ابو مروان من مهنة عمل في البناءالى مهنة حراسة المقبرة‬
‫وتساءل سامي مجبور ‪ :‬ال تشعر بالخوف يا ابا مروان وانت تقضي اللبل والنهار بين هذه القبور الموحشة الكئيبة‬
‫فلمعت ابتسامة هازئة على شفتي الحارس العجوز‬
‫واجاب ‪ :‬ابدا ‪ ...‬ليس ثمة ما يخيف "فجيرة الموات افضل بكثير من جيرة الحياء فهم رحمهم ال ل يضايقونني ول‬
‫يسئون معاملتي ول يرهقونني بمطالبهم وانا مرتاح كل الرتيارح في جوارهم الهادئ المن المريح‬
‫فاستانف االصحافي الشاب طرح السئلة ‪ :‬هل لديك ما تتخفني به من حوادث غريبة عجيبة جرت في هذه المقبرة يا ابا‬
‫مروان ؟‬
‫‪ :-‬حوادث كثيرة مرت بي ‪ ...‬منها ما يدهش ومنها ما يحزن ومنها ما يضحك‬

‫‪ :-‬هل لك ان تذكر لي بعضها ؟‬


‫فرشف ابو مروان القهوة‬
‫ونفث دخخاان لفافته ‪...‬‬
‫وتمتم بعد صمت قصير ‪ :‬ذات ليلة من اليالي الربيع الفواح العبير افقا من نومي على وقع خطوات حثيثة خافتة تمزق‬
‫سكون الليل وهدوؤه فنهضت من سريري على خشية وارتياب ورمقت الساعة بنظرة سريعة فاذا بها تشير الى الثانية‬
‫بعد منتصف وارهفت اذني قبل ان اخرج من الغرفة وقد خيل الي انني واهم في ما سمعت وكدت اتاكد من انني واهم‬
‫وقد انقطع وقع الخطى عن الرتفاع وهممت بلعودة الى السرير ال ان ذلك الوقع اسـتأنف الطرفات ‪ ...‬ففتحت باب‬
‫الغرفة وخرجت لفاجأ بشبح اسود يسير بين القبور بخفة ورشاقة وهويناء ‪ .‬وكان القمر يسبح في الفضاء ساكبا نوره‬
‫الفضي على شجرات السرو المنتصبة حول المقابر ليعكس ظلها السود على المقابر البيضاء قيزيد من رهبة المكان‬
‫وخشوع الليل البعيد ‪ .‬وكانت ظلل الشجار تتمايل تحت رفات النسيم العليلي فيخيل للناظر انها شبح سوداء تتراقص‬
‫بين تلك القبور البيضاء وارهفت اذني فاذا بوقع الخطى يتعالى في هدوء واناءة وامعنت النظر لشاهد شبحا اسود يتجه‬
‫نحو قبر متواضع ينزوي في اخر المقبرة بذل وانكسار وكان ذلك الشبح السود بلون الليل البهيم ‪ ,‬يتشح بالسواد من‬
‫قمة رأسه لخمص قدميه ‪.....‬‬

‫ونفث ابو مروان دخان اللفافة في الفضاء‬


‫واستأنف الكلم بعد صمت قصير ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬اكون كاذباا اذا قلت لك انني لم اخف ‪ ...‬للمرة الولى عرف قلبي الخوف يا استاذ ‪ .‬حاولت السير نحو الشبخ ‪ .‬ال‬
‫ان رجلي لم تسعافني في السير فتسمرت في مكاني اراقب الشبح السود السائر نحو القبر‬
‫الوضي عوشاهدت الشبح السود ينطرح فوق بلط الضريح وانقطع وقع الخطى ليرفع العويل والبكاء وقعت في اذني‬
‫همسات خافتة مؤلمة ‪":‬يا حبيبي" ‪ ...‬وكان الصوت ناعما هادئا شجيا ‪ .‬انه صوت امرأة تبكي وتندب وتناجي حبيبها‬
‫الراقد في ذلك القبر البيض الوضيع وعندئذ ‪ ,‬عندئذ فقك استعدت بعض شجاعتي وقد ادركت ان ذلك الشبح السود لم‬
‫يكن سوى فتاة جاءت تزور حبيبها الراحل الى عالم الخلود‬
‫وصمت ابو مروان برهة ليمسح دمعة انحدرت على وجنتيه وهو يتذكر تلك المراة التي كانت تبكي حبيبها الهاجع بين‬
‫الموات في تلك المقبرة الموحشة الهادئة‬
‫واستأنف الحارس العجوز الكلم بعد صمت قصير‬
‫قال‪ :‬وتذكرت ان ذلك القبر الذي تنطرح فوقه تلك المرأة هو قبر شاب كنا قد واريناه الثرى صباح ذلك اليوم‪...‬‬
‫وسرت ‪...‬سرت نحو تلك المرأة فاذا بي امام فتاة رائعة الجمال في مطلع الشباب وعلى ضوء القمر الساطع شاهدت‬
‫وجه تلك الفتاة كان وجهها ناصع البياض يزيد ضوء القمر الساطع بياضا نصوعا ‪ ...‬وكانت الدموع الغزيرة المنسكبة‬
‫على الخدين السيلين ترسم خطوطا وارفة من الحزن والسى والولوع ‪.‬‬
‫وصمت ابو مروان برهة على شدة ووجوم وكأنه يتذكر لوعة تلك الفتاة الحزينة ‪.‬‬
‫كأنه يشاهدها الن امامه من خلل الذكريات الفلة البعيدة‬
‫واستأنف الكلم بعد صمت قصير‬
‫قال‪ :‬ازدت اقترابا منها فلم يلفتها اقترابي انها في عالم غير هذا العالم ‪ ....‬ووضعت يدي على كتفها هامسا‪ " :‬كفى يا‬
‫ابنتي نحيبا ودموعا فالدموع مهما غزرت والتهبت وهمت ل تستطيع ان تعيد الينا الحباب الراحلين ‪"...‬ولم تفاجأ الفتاة‬
‫الحزين بيدي تلمس كتفيها ول ابهت لكلمي فامسكت بيدها اشدها محاول رفعها عن الضريح والبتعاد بها عن اقبر‬
‫حبيبها ومن دون ان تلتفت الي همست ‪ " :‬من انت " ‪ ...‬قلت انا حارس المقبرة ‪ ...‬تعالي معي ‪ ...‬فوقفت واهية‬
‫ملتاعة وسارت وهي تمسح دموعها الغزيرة المنسابة على وجنتيها النضرين بمنديلها الحريري الناصع البيااض‬
‫وسرت بها من دون ان اهمس بحرف ‪ ...‬وخرجت من مقبرة لتستقل سيارتها الخاصة التي كانت متوقفة امام باب‬
‫المقبرة وتطلق لها العنان‬
‫فتسائل الصحافي الشاب وهو يدون دفتره حديث الحارس العجوز ‪:‬الم تعد تلك الفتاة لزيارة حبيبها الراحل مرة‬
‫ثانية ‪....‬‬
‫فاجاب ابو مروان ‪ :‬لقد عادت في اليوم التالي حاملة معها غرسة ورد ودفعت بها الي قائلة ‪ :‬ارجوك سيدي ان تغرس‬
‫هذه الوردة على قبر حبيبي وان توليها عنايتك التامة انها نبتة ورد احمر كان يحب الورد الحمر اريد ان يحنو الورد‬
‫عليه حتى بعد الموت ‪.‬‬
‫قالت الحبيبة الملتاعة هذا ووضعت في يدي ورقة نقدية كبيرة ‪ ...‬ونفذت امرها وغرست النبتة واعتينت بها ومضت‬
‫الفتاة في زيارة حبيبها مرة او مرتين اسبوعيا وكانت كل مرة تنفنجني بمبلغ من المال واستمرت زياراتها زهاء سنه‬
‫وفجأة بعد السنه انقطعت عن الزيارة وعبثا انتظرت عودتها ال انها لم تعد فادركت ان الزمن العاصف القدير تكفل‬
‫بمسح دموعها وباطفاء لهيب اشتياقها الى الغائب الحبيب‬
‫فاستأنف سامي مجبور طرح السئلة على ابي مروان‬
‫قال ‪ :‬وهل تشرفت يا ابا مروان بزيارة اخرى قام بها احد احباء او اقارب او اصدقاء الراقدين على غفوة هانئة في هذه‬
‫المقبرة‬
‫فاستوى ابو مروان في جلسته‬
‫واجاب كثيرون جاؤوا لزيارة الهاعين في غفوة الموت هنا ولكنهم كانوا يقومون بتللك الزيارات في وضح النهار وكنت‬
‫استقبهم بالترحيب وكانوا يجودون علي بالكراميات من مال وثياب وطعام وهدايا عيدة طالبين الي ان اعتني بمدافن‬
‫اموات ‪...‬‬
‫_‪ :‬وفي الليل ؟‪ ...‬الم يقتحم اسوار مدينتك العامرة احد غير تلك العاشقة الولهى ؟‬
‫‪ :-‬بلى ذات ليلة من الليالي شهر كانون الحيديدي الكبير على خشية وحذر ويتوغلن بين المدافن بائتاد وخفة فرحت‬
‫اراقبهما مراقبة شديدة واذ بهما يتنقلن من ضريح الى ضريح تحت وابل من المطر وسرت اليهما ولم ينتبها لي ال وقد‬
‫اصبحت قربهما هاتفا بهما ماذا تفعلن هنا ؟‪...‬‬
‫وذعرا وتراجعا الى الوراء متمتان ببعض اليات المقدسة‬
‫فقد خيل اليهما انني جثة ميت خرجت من القبر لتصرعهما‬
‫وقبضت عليهما واقتدتهما الى هنا الى غرفتي ‪ ...‬وكانا في حال هلع شديد فرحت اهدئ من روعهما وبعد ان علما انني‬
‫لست جثة ميت اطمأنا بعض الطمئنان كانا شابين في مقتبل العمر ‪ ...‬انهما طالبا طب في الحامعة الميركية جاءا‬
‫المقبرة باحثين عن جمجمة يجريان عليها اختبارا طيبا وكشفان من خلل اسرار تركيب عظام جمجمة النسان‬
‫فصرفتهما طالبا اليهما ان ل يعودا الى البحث عن الجماجم في المقابر وامامهما الكتب الدراسية يقعان فيها على كل ما‬
‫يرجوان ويرومان ويطلبان ‪.‬‬
‫ودون الصحافي الشاب كل ما قاله ابو مروان‬
‫واستأنف طرح السئلة على الحارس العجوز‬
‫فهو يريد ان يكون تحقيقه شامل الكثير من الطرائف والخبار والسرار ‪...‬‬
‫قال متسائل ‪:‬الم تقع على اثر قديم او حلية على أي شيء له قيمة مادة في مقبرة الجاثمة بكأبة ووجوم تحت ظلل هذه‬
‫الشجار الباسقة الخضراء ‪.‬‬
‫فتمتم ابو مروان ‪ :‬مرة واحدة عثرت على صندوق صغير في قبر فرنسية حسناء‬
‫_‪ :‬وماذا وجدت في ذلك الصندوق ؟‪...‬‬
‫لقد خيل الي ان ذلك الصندوق يحتوي على نقود او على بعض الحلي الثمينة واملت ان اصل الى ثروة كبيرة تقتني‬
‫الفقر والعوز وال ان املي خاب والحلم الجميل توارى عندما فتحت ذلك الصندوق الصغير لجد دفتر قديما يحتوي على‬
‫سطور قرائتهها ول تمكنت من فك روموزها‬
‫‪ :-‬وماذا فعلت بذلك الدفتر يا ابا مروان ؟‬
‫ولم يجب ابا مروان‬
‫بل نهض وسار بئتاد خطى الى الخزانه القديمة الننتصبة بذل ووهن وانكسار عند احائط‬
‫وفتح الخزاننه واخرج منها صندوقا من النحاس‬
‫وعاد الى جلسته قرب سامي مجبور ليدفع تلك العلبة النحاسية اليه متمتا ‪ :‬هذا هو الصندوق الصغيير الذي وجدته في‬
‫ضريح الفتاة الجنبية الحسناء والدفتر مازال داخل هذا الصندوق‬
‫وتناول الصحافي الناشئ تلك العلبة النحاسية ‪.‬‬
‫ونفض ما علق بها من الغبار‬
‫وفتحها‪...‬‬
‫وتناول ما في داخلها ‪...‬‬
‫كان في داخل ذلك الصندوق الصغير دفتر خولته اليام لون اوراقه البيضاء الى اصفرار‬
‫ال ان تلك اليام لم تستطع ان تمحو احرف الكلمات المدونة في الصفحات الصفراء بخط واضح وانيق جميل ‪.‬‬
‫وراح سامي مجبور يقلب الصفحات ذلك الدتر ليقرأ بعض السطر على سرعة وعجل ‪...‬‬
‫كان ذلك الدفتر يحتوي عل قصة فتاة مدونه باللغة الفرنسية وباسلوب واضح ورشيق ‪.‬‬
‫ولم يكن لدى الصحافيي الشاب متسع من الوقت لقرأة كل ما في الدفتر ‪.‬‬
‫فاعاده للعلبة‬
‫والتفت الى الحارس االعجوز قائل‪ :‬هل تسمح لي با ابا مروان بان احتفظ بهذا الصندوق الضغير ولك مني ما تشاء تمنا‬
‫له ؟‬
‫وطفت ابتسامة خبيثة على شفتي الحارس العجوز ‪.‬‬
‫وتمتم متسائل ‪ :‬تريد ان تحصل على ما في الصندوق الصغير يا استاذ اليس كذلك ؟‬
‫وابتسم سامي مجبور ‪.‬‬
‫واجاب اجل ما يهمني هو الدفتر ل الصندوق لك ان تحتفظ لصندوق يا ابا مروان وتجود علي بالدفتر ‪ ...‬واعاد ابو‬
‫مروان الدفتر الى الصندوق الصغير ‪...‬‬
‫ومن دون ان يهمس ابو مروان باي كلمة حمل الصندوق وعاد الى الخزانه يفتحها ويدس الصندوق فيها بكل رصانه‬
‫وهدوء‬
‫وعاد الى الصحافي الناشئ ليجلس قربه قائل ‪ :‬كان بودي ان استجيب الى طلبك يا استاذ ال انني ارى نيفسي عاجزا‬
‫عن تحقيق امنيتك ‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا يا ابا مروان ‪ .‬وماذا سيفيدك هذا الدفتر وانت تجهل قراءة ما فيه ‪ .‬وهوباللغة الفرنسية ؟‬
‫واستوى ابو مروان في جلسته على المقعد الخشبي العجوز ‪.‬‬
‫وهمس ‪ :‬كل ما في هذه الغرفة ليس لي انه لبني مروان غدا يوم يعود المحروس مروان بالسلمة من الغتراب‬
‫ساسلمه كل ما في هذه الغرفة وسيذكرني بعد ان ارحل هعن هذا العالم الفاني كلما وقعت عيناه على ما اورثته اياه ‪....‬‬
‫واغرورقت عينا الحارس العجوز بالدموع وهو يذكر ابنه المحروس الممعن في النوى والبعاد‬
‫ومسح الدموع المترقرقة في عينيه بكفه ‪.‬‬

‫وهمس ‪ :‬كل ما ارجوه من ال عز وجل هو ان يمن علي برؤيه مروان قبل ان اموت‬
‫واحترم سامي مجبور شعور ذلك الوالد البائس الحنون‬
‫فلم يلح عليه بطلب الحصول على الدفتر الرابض في الصندوق النحاسي القديم‬
‫ودون الصحافي الشاب كل ما سمع وصور كل ما شاهد وراى‬
‫ختى غرفة الحارس العجوز واثاثها المهترئ النتحضر لم يسلم من عدسة التصوير‬
‫وقام مودعا ابا مروان عائدا الى مكتبه في دار المجلة وفي جعبته من الصور والخبار ما يفرح القلب ويسر الفؤاد‪....‬‬
‫ويوم صدرت المجلة الغراء حاملة بين صفحاتها تحقيق سامي مجبور حول مقابر لبنان كان لذلك التحقيق الغريب‬
‫العجيب المثير الطريف صدى اعجاب وتقدير وليس لدى القراء المجلة فحسب بل لدى صاحب المجلة ورئيس تحريرها‬
‫واعضاء مجلس ادارتها ايضا‬
‫واطمأن سامي مجبور كل الطمئنان وقد لقي تحقيقه التقدير والعجاب‬
‫وايقن ان الترقية وزيادة الراتب اصبحا في الجيب‬
‫ولم يخطئ سامي في تقديره‬
‫فقد نفحه صاحب المجلة بترقية وزيادة في مرتبه وبوعد اكيد صريح في اسناد رئاسة القسم التحقيقات اليه ان هو‬
‫استمر في ذلك النشاط الرحيب العميق‬
‫*******************************‬
‫بعد اسبوع من صدور المجلة التي حملت بين صفحاتها تحقيق والمقابر في لبنان وهو التحقيق في مدافن مقبرة اللتين‬
‫في محلة الزيتون كان الصحافي سامي مجبور في مكتبه قي دار المجلة برسم معالم التحقيق الثاني في سلسة تحقيقات‬
‫المدافن في لبنان‬
‫وقد عزم على ان يكون تحقيقة في مقبرة الشهداء في ضواحي بيروت‬
‫في تلك المقبرة حيث يرقد ابطال لبنان الميامين الذين ضحوا بيحاتهم من اجل حياةلبنان وحريته وكرامته واستقلله‬
‫وفيما الصحافي الشاب منصرف الى رسم خطوط تحقيقه الجديد دخل عليه الحاجب ليقول في قاعة الستقبال رجل‬
‫عجوز ييرغب في مقابلتك يا استاذ سامي ‪...‬‬
‫وقال الصحافي ‪ :‬اصرفه يا سعيد فليس لي من الوقت الن ما يسمح باستقبال الزائرين‬
‫وتمتم الحاجب سعيد انه يلح في طلب مقابلتك الن ويقول انه صديق حميم لك‬
‫وتوقف الصحافي الشاب عن الكتابة‬
‫ورفع نظره الة الحاجب متسائل ‪ :‬ما اسمه ؟‪.‬‬
‫قال سعيد اسمه ابو مروان ‪...‬‬
‫‪ :-‬ابو مروان ؟‪...‬‬
‫وتذكر سامي مجبور مقبرة لتين العجوز‬
‫فالتفت الى سعيد قائل ‪ :‬دعه يدخل يا سعيد‬
‫وخرج الحاجب‬
‫ودخل ابو مروان‬
‫وكان الحارس العجوز يحمل في يده اليمنى الصندوق النحاسي الصغير‬
‫وباليسرى عدد المجلة الذي يحتوي على التحقيق في مقبرة اللتين‬
‫وكانت البسمة الهانئة البيضاء تطفو على شفتي ابا مروان وهو يتقدم من صديقه الصحافي الشاب متمتما ‪ :‬جئت‬
‫لشكرك على نشر صورتي في مجلتك سيدي انها صورة جميلة ابدو فيها شابا وسيما في ثوبي الجديد وطربوشي‬
‫الحمر ‪ ..‬عندما اخبرني صاحب الدكان الذي ابتاع منه حاجتي في محلة الزيتون ان صورتي منشورة في المجلة لم‬
‫اصدق غي ان صديقي صاحب الدكان نفحني بالملة فكدت اطير من الفرحة انني ل شكرك كل الشكر على ما ابديت‬
‫نحوي من معروف لم اكن لحلم به في حياتي‬
‫فدعاه الصحافي الشاب بالجلوس‬
‫‪ :-‬اجلس تفضل يا ابا مروان‬
‫وجلس ابا مروان‬
‫وقدم الصندوق النحاسي الصغير للصحافي‬
‫وتمتم ‪ :‬كنت قد طلبت مني هذا الصندوق فرفضت طلبك وانا اسف لما بدر مني تفضل خذه ياسيدي فهو لك بما فيه‬
‫الدفتر ما زال في الداخل وامل ان يكون لك منه فائدة‬
‫وشكر سامي مجبور لبي مروان عاطفته الصادقة‬
‫وتناول ذلك الصندوق ليضعه في جرح مكتبه‬
‫فاستانف ابو مروان الكلم‬
‫‪ :-‬لي عندك طلب يا سيدي‬
‫‪ -‬ما هو يا ابا مروان ؟‪...‬‬
‫‪ :-‬اريد منك ان تجوج علي بنسخة من عدد المجلة الذي يختوي على هذا التحقيق لدي الن نسخة هذه هي اريد ان‬
‫احتقظ بها لعرضها امام الهل والصدقاء واريد نسخة ثانية لرسلها الى المخروس مروان يوم اقف على عنوانه‬
‫ليدرك أي مقام رفيع يتبوأ والده في لبنان‬
‫فابتسم الصحافي الشاب‬
‫وتمتم كرمت عيناك يا ابا مروان ‪...‬‬
‫قال سامي محبور هذا وقرع الجرس فاقبل الحاجب سعيد قائل امر استاذ ‪...‬؟‬
‫قال الستاذ ‪ :‬احضر لي عشر مجلت من العدد الصادر السبوع الماضي‬
‫وخرج سعيد الحاجب ليعود بعد قليل حامل المجلت المطلوبة ودفع سامي مجبور بالمجلت العشر الي ابي مروان متمتا‬
‫‪ :‬انها لك يا ابا مروان تستطيع ان توزعها على الهل والصحاب‬
‫وحاول الحارس ان ينقد الصحافي ثمن المجلت العشر ال ان الصحافي الشاب رفض ان يتقاضى الثمن‬
‫قال اذا تقاضيت منك ثمن هذه المجلت يتحتم علي ان انقدك ثمن الصندوق النحاسي وثمن ما فيه من اوراق‬
‫وشكر ابو مروان صديقه الصحافي‬
‫ونهض مودعا متمتا كلمات الشكر والتقدير‬
‫ولم يعر سامي مجبور الصندوق النحاسي أي اهتمام واغفل عن فتحه‬
‫فهو منصرف الى الهتمام باعماله الصحافيه العديد ة‬
‫ل سيما وهناك سلسلة التحقيق حول المقابر في لبنان‬
‫بعد زهاء شهر فيما يفتح درج مكتبه وقع بصره على ذلك الصندوق الغير‬
‫ففتحه‬
‫وشاهد الدفتر الصفر الصفحات فتذكر ‪...‬‬
‫تذكر ابا مروان‬
‫ومقبر ة اللتين‬
‫وما قاله الحارس المقبرة العجوز مرة واحدة عثرت على صنوق صغير في قبر فناه حسناء لقد خيل الي ان ذلك‬
‫الصندوق يحتوي على نقود او على بعض الحلي ‪"...................‬‬
‫وتناول الصحافي الشاب الدفتر من العلبه‬
‫وراح يقلب صفحاته بسرعة‬
‫كان ذلك الدفتر ما زال على حاله كما شاهده في غرفة الحارس يختوس على قصة فتاه دونتها يد اللغة الفرنسية وبخط‬
‫واضح جميل واضح جميل انيق وشيق‬
‫وعزم على قراءة كل ما في ذلك الدفتر‬
‫وعندما انهى عمله في المجلة حمل الصندوق معه الى منزله هنالك في المنزل سيكون لقراءة ما ذلك الدقتر من خفايا‬
‫واسرار‬
‫وفي منزله جلس مجبور يقرأ ما في ذلك الدفتر على نور المصباح كهربائي صغير‬
‫وكانت الصفحة الولى من الدفتر تحتوي على كلمة واحدة كتبت بحرف كبير‬

‫رامونا‬

‫الفصل الول‬
‫اشعل الصحافي الناشئ سامي مجبور لفافة تبغ‬
‫وبدأ بقراءة ما في ذلك الدفتر من كلمات تنطوي على الكثير من اللم والشوق والحب والحنين والعذاب وقرء‪:‬‬
‫" لقد بدأت حياتي باللم والعذاب والدموع ‪.‬‬
‫وباللم والدموع والعذاب انتهت هذه الحياه‬
‫وهنيئا لنسان يغمر قلبه اللم وتعصف به رياح اللم وترويه بمناهل الدموع‬
‫ذلك النسان قريب من ال العلي العظيم‬
‫في ليلة عاصفة حالكة السواد من ليالي عام ‪ 1910‬ولدتني امي في مدينه نيس الفرنسية القريبة من الجبال اللب‬
‫العاتية الشماء‬
‫وكانت الولدة صعبة عسيرة‬
‫وليس ثمة طبيب يشرف على الولدة‬
‫ما هناك سوى قابلة ل تحمل براءة الطب ول تنعم بالمهارة في جراحة التوليد‬
‫وما ان رات عيني نور الحياة حتى كانت عينا امي تطبقان على ظلم الموت‬
‫لقد ماتت امي اثر ولدتي‬
‫وتركتني يتيمة الب في هذه الحياه الملى باليتامي يتامى المهات والباء يتامى الرحمة والشعور والحنان يتامى‬
‫التضحية والمحبة والتسامح والغفران‬
‫وتعهدت جدتي والدة امي تربيتي‬
‫فكانت تعطف علي عطف الم الحنون وتحنو حنوها‬
‫وقد رات بي صورة واضحة المعالم عن ابنتها الراحلة بسلم الى عالم الخلود‬
‫وكان والدي " سيزار شانتال " يعمل كل ما في وسعه لرضائي وتوفير الراحة والسعادة لي‬
‫لقد كنت كل يملك ذلك الوالد الحنون في هذه الحياه‬
‫وكنت سعيدة بين جدتي ووالدي‬
‫كل ما تصبو اليه الطفلة في مثل عمري الندي متوفر لدي وكانت السعادة وارفة الظلل تلوح لي كما تلوح لكل طفلة‬
‫صغيرة في دمية جميلة او في قطعة حلوى شهيى او في ثوب زاهر زاه الوان‬
‫ال ان القدار هذه القوة الهائلة العظيمة ارادت ان تحرمني تلك السعادة‬
‫ارادت تلك القدار ان تحرمني عطف الب كما حرمتني من عطف الم ‪...‬‬
‫فنشبت الحرب ‪...‬‬
‫لقد اندلعت الحرب الضروس الحرب الكونية الولى ‪... 1914‬‬
‫فهب والدي كما هب الجميع رجال فرنسا لذود عن الوطان‬
‫الوطان ؟‬
‫متى يعلم البشر ان ل وطن لهم على هذه الرض الفانية ؟‪.‬‬
‫متى يعلم بنو النسان ان وطنهم ليس هنا علىكوكب الرضي الدائر في رحاب هذا الكون الفسيح الرجاء ‪...‬؟‬
‫متى يكف البشر عن التطاحن والتناحر والقتال في سبيل الرض التي هي ملك للجميع ‪..‬؟‬
‫وتركني والدي وانا يومذاك في الرابعة من العمر بعد ان اوصى جدتي بالسهر على راحتي والعتناء بي ‪...‬‬
‫وجدتي لم تكن بحاجة الة من يوصيها بتوفير الراحة والسعادة لحفيدتها الصغيرة‬
‫وحبها لهذه الطفلى الجميلى الصغيرى ل يقل عن حب والدها لها‬
‫وودعني والدي وهو يهم بالمسير الى المصير المجهول ‪...‬ز‬
‫وها انا الن ما زلت اذكر ساعة الوداع الليم عندما حملني والدي بين ذراعيه‬
‫وضمني الى صدره بعطف وحنان والدموع تغمر عينيه ‪...‬‬
‫ثم تركني وهرول مسرعا الى حيث يجود بروحه في سبيل ارض فرنسا‬
‫واجهشت بالبكاء وقد توارى والدي عن ناظري‬
‫فطيبت جدتي خاطري وكفكفت دموعي‬
‫واخذت تواسيني‬
‫ال انني لم اكف عن البكاء‬
‫واخذت اتمتم " بابا ‪ ...‬بابا‪ ....‬اريد ان يعود بابا الي "‬
‫فهمست جدتي وهي تمسح معة بدأت تتدحرج على وجنتيها المجعدتين ‪ :‬سيعود والدك الينا قريبا يا رامونا فليس ثمة ما‬
‫يدعو الى العويل والنحيب‬
‫وهمست ‪ :‬تعالي لنجثو ونصلي يا ابتني ليحفظ ال عز وجل والدك الحنون وبعيدة الينا قريبا سالما‬
‫وركعت مع جدتي اردد الكلمات الروحيى المقدسة التي تنطق بها والغصات تخنقني والدموع تحرق عيني والخوف‬
‫الشديد يعصف بفلبي وروحي‬
‫لقد شعرت يومذاك في اعماقي وانا طفلى الصغيرى بانني فقدت هذا الوالد الحنون الى البد‬
‫وخيل الي جدتي ان اليام القليلة المقبلة ستتكفل بتضميد جراحي وروحي وتنسيني الغائب البعيد‬
‫ال انها كانت على خطا‬
‫فلم تكن تلك اليام ال لتزيد في شوقي الىوالدي الحبيب وفي حنيني اليه‬
‫وكل يوم كنت اندفع الى جدتي متسائلة متى يعود والدي يا جدتي الحبيبة ‪...‬؟‬
‫فتضمني الى صدرها المتعب الواهي هامسة سيعود والدك قريبا ان شاء ال ‪...‬سيعود يا رامونا ‪....‬‬
‫ولكن والدي لم يعد‬
‫ودخلت الضروس في عامها الثاني‬
‫ونفدت الدراهم القليلة التي تركها لنا والدي قبل رحيله‬
‫فاصبحنا انا وجدتي مهدتتين بالموت جوعا‬
‫غير ان جدتي لم تياس ولم تهن ولم تتوان عن توفير لقمة الخبز لنا‬
‫فعمدت الى العمل بالرغم من شيخوختها ومن عيائها‬
‫وكانت تقودني بيدي الى العمل في دور بعض الغنياء والوجهاء حيث تغسل الملبس وتقوم ببعض العمال المنزلية‬
‫لقاء اجرة زهيدة تكاد ل تكفي لسد الرمق‬
‫غير ان الجدى العجوز لم تستطع ان تستمر طويل في العمل‬
‫فالسنون السبعون كانت تشدها الى العياء‬
‫والشيخوخة القاسية تدفع بها الى الوهن‬
‫واصبخت بعد العمل الشاق ليس بطويل عااجزة عن مواصلة العمل‬
‫فكانت تقضي معظم اوقاتها في الفراش‬
‫وراتني مرغمة على مساعدتها وانا في الثامنة من عمري‬
‫فرحت اساعدها في النهوض من السرير واعمل بارشادها ونصحها على اعداد الطعام‬
‫وكدنا نشرف على الهلك جوعا ‪...‬‬
‫فالمورد الضيئل انقطع‬
‫والجدة البائسة المريضة لتستطيع العمل‬
‫وادركت جدتي ان الجوع لن يرحمنا وان الفاقة ستصل بنا الى الهلك‬
‫وكان عليها ان تتدبر المر وان تجد لنا من المال ما يدفع عنا شبح العوز والجوع‬
‫وكانت تلك الجدة الحنون تملك حقل صغيرا في سفوح جبال اللب‬
‫وكانت تفضل جدتي الموت جوعا على اضاعة ذلك الحقل‬
‫لنه ارث انتقل اليها من والدها‬
‫وقد حرصت عليه مدى حياتها حرصها على الروح‬
‫بيد ان شبح الجوع الرهيب المخيف والمرض الذي يعصف بجسدها النحيل اهابا بها الى التفكير ببيع ذلك الميراث‬
‫وحيال حاجتي للقوت وحاجتها للطباء وللدوية رات ان لبد من بيع الحقل‬
‫فباعته‬
‫باعته بقيمة زهيدة‬
‫وكانت الدموع تبلل مقلتيها وهي توقع سند البيع‬
‫وتتقاضى الثمن لقد ضاع ميراث الجدود الثمين من ايدي الحفاد‬
‫وخيل الى جدتي احنون ان صفقة البيع الحقل العزيز انقذتنا من الفقر والعوز الجوع‬
‫ال انها كانت مخطئة‬
‫ثمن الحقل لم يكفنا مدة طويلة‬
‫فالقيمة ليست بالراجحة واسعار المواد الغذائية في الغلء فاحش‬
‫وشعرنا ثانية بالخطر يحدق بنا ويهددنا بكارثة دهياء‬
‫فالمرض يعصف بجدتي وهي بحاجة الى الطبيب والدواء‬
‫وانا بحاجة الى القوت والثياب‬
‫ولح لنا شبح الفقر المدقع الرهيب يقترب منا بسرعة واندفاع‬
‫ولم يكن لنا ما ندفع به عنا شبح المخيف‬
‫واستسلمنا للقداروقد بتنا على يقين من ان ذلك الحكم سيكون قاسيا ظالما مريرا‬
‫انه الحكم بالموت‬
‫الحكم علي بالموت جوعا‬
‫والحكم علىجدتي بالموت مرضا بعد ان عز عليها الدواء والعلج‬
‫الموت وحده ينقذنا من الحياه‬
‫والموت والحياة طريقان يلتقيان في رحاب العذاب وبيداء اللم‬
‫فمن يخف الموت يطلب الحياه‬
‫ومن تعذبه الحياه سيتنجد بالموت‬
‫ولكن الموت والحياة يرفضان مطالب النسان ويعصيان اوامره‬
‫فل الموت برضخ له‬
‫ول الحياة تستجيب اليه‬
‫قد يشتاق النسان الى الحياة فيموت ‪...‬‬
‫ويحيا في حين يطلب الموت‬

‫نأتي الى هذه الحياة بدون ارادتنا ونرحل بدون ارادتنا‬


‫هذه ارادة ال الخفية التي لم ول ولن يتوصل النسان الى ادراك كنهها وهو عل هذه الرض‬
‫وبينما كنت انا وجدتي ننتظر الموت جوعا ومرضا اذا بالخبر المفرح السار يعم العالم ‪:‬‬
‫لقد انتهت الحرب الضروس‪...‬‬
‫انتهت تلك الحرب الرهيبة المخيفة بعد اربع سنوات قضاها العالم باسره في يم من الخوف واللم والعذاب‬
‫وشعرنا انا وجدتي ببعض الرتياح بانتهاء الحرب وبزوغ السلم‬
‫ولح لنا المل بالنفراج وميضا ساطعا زاهيا جميل‬
‫فالحرب انتهت ‪...‬‬
‫ووالدي سيعود الينا ‪ ...‬والفقر المدقع المخيف سيتوارى ويبتعد عنا‬
‫وجدتي ستشفى بعد ان يتأمن لها الدواء والعلج‬
‫وغرقنا في نشوة المال الباسمة الخضراء‬
‫واقمنا نرقب تحقيقها في العاجل الوشيك‬
‫ال ان كل تلك المال العذاب لم تتحقق‬
‫فوالدي لم يعد ‪...‬‬
‫لقد حملوا الينا نبأ سقوطه شهيدا في ساحة الوغى‬
‫والجوع ظل بيسط علينا وشاحه القاتم السواد‬
‫وجدتي لم تشف‬
‫بل هي سارت الى القبر بخطواط عاجلة سريعة‬
‫لقد قضت جدتي نحبها متأثرة بنبأ وفاة والدي‬
‫النبأ المؤلم القاصم ساعد المرض عليها‬
‫فلفظت انفاسها بين يدي في ليلة باردة قاسية مدلهمة الظلم‬
‫وذعرت وانا طفلة صغيرة عندما شاهدت جدتي الحنون ساكنه هامدة باردة وعيناها شاخصتان الى البعيد البعيد ‪...‬‬
‫واجشهت بالبكاء‬
‫واستغرقت في النحيب والصراخ والعويل‬
‫فاسرع بعض الجيران " وهم مثلنا فقراء معدمون ‪ ....‬واخذوا يعملون على تهدئة خاطري وتشجيعي على احتمال‬
‫المصاب الليم‬
‫وتولى اولئك الجيران البؤساء امر تشيع جدتي الى المقر الخير‬
‫يا لسخرية القدار‪...‬‬
‫ويا لسخافة عقل النسان‬
‫فهو يخطط ويرسم ويعمل على تنفيذ ما يعد من مشاريع للمستقبل التي المجهول‬
‫وفجاءة تهب الرياح رياح ذلك المستقبل لتذري وتهدم وتقوض كل ما رسم وخطط وبنى من رسوم وخطط ومشاريع‬
‫لقد ماتت جدتي في حين خيل الينا انها باتت في مأمن من الموت‬
‫ولم يدن الموت منها يوم كنا نظن انه قريب قريب منها‬
‫لقد نجت جدتي في زمن الموت زمن الحرب وماتت في زمن السلم زمن الحياة‬
‫واصبحت وحيدة في هذه الحياة‬
‫ل اب‪ ,‬ول ام‪ ,‬ول اخ ‪,‬ول اخت ‪ ..,‬ول جدة‬
‫ورأتني في حاجة الى الرغيف‬
‫وبحثت عن لقمة الخبز فلم اجدها ال في التسول وال ستنجداء وال ستعطاء‬
‫فاندفعت الى الشوارع والطرقات امد يدي الصغيرة النحيلة طالبة الحسان وصول الى لقمة الخبز‬
‫ووفقت في المهنة الجديدة‬
‫فكنت القى من المحسنين العطف والشفاق‬
‫ولعل عمري الندي الصغير كان السبب في اثارة عطف المحسنين واشفاقهم فهم يعطفون على تلك الطفلة البائسة‬
‫الهزيلة الدارجة في زهاء الثامنة من العمر المتحشة بذلك الثوب الرث البالي النتعلة ذلك الحذاء المهترئ المثقوب‬
‫وكان ما اجمع من نقود يوميا يكفي وقد يزيد احيانا عن ابتياع الخبز والجبن واللبن والثمار‬
‫واعود في المساء الى المنزل الصغير فانتاول الطعام‬
‫وانام في ساعة مبكرة لنهض في ساعة مبكرة من الصباح للعمل‬
‫وشعرت ببعض الرتياح وقد امنت شر الفاقة ومرارة الجوع‬
‫ال ان صاحب المنزل الصغير بدا يضايقني وبقطع علي هنأة الحياة‬
‫فهو يطالبني ببدل اليجار وهو بدل باهظ تراكم سنوات الحرب الربع ويهددني بالطرد من المنزل الوضيع ول انه لم‬
‫ينقذ تهديده‬
‫ولعل لم يخل من الرحمة‬
‫فكان يطلب الي ان اجلو عن منزله وانتقل الى منزل احد اقاربي‬
‫وابكي ‪ ...‬واعلن له انني وحيدة ل اهل لي ول اقارب ول اصحاب‬
‫فيلمس قلبه القاسي وميض ضئيل واه من الرحمة‬
‫وينصرف ليعود بعد ايام قليلة ملوحا بالتهديد والوعيد‬
‫وايقنت ان ذلك الرجل سيصل يوما الى تنفيذ تهديده ووعيده‬
‫فانا لن اتمكن من تسديد الكبير الذي يطالب به‬
‫وهو سيلقي بي يوما في الشارع فل اجد مأوى الجأ اليه ول فراشا ارقد فيه‬
‫وكلما فكرت بذلك اليوم الذي ساخرج فيه من ذلك المنزل الصغير بدون ان اتمكن من العودة اليه ارتجف خوفا وارتعد‬
‫هلعا‬
‫ال ان ال سبحانه لم يتخل عني‬
‫فقد انقذني من ذلك الرل المهدد المتوعد من منزله الوضبع بحدث لم اكن اتوقعه ولم يخطر لي في بال‬
‫كان ذلك صباح يوم مشرق وضاح من ايام الربيع‬
‫وكنت جالسة على الرصيف شارع استقراطي رحيب امد يدي لسؤال‬
‫واذا بسيدة في العقد السابع من العمر انيقة المظهر يلوح على محياها النبل ويسطع في عينيها وميض الرحمة والحنان‬
‫تقترب مني لتضع في يدي قطعة نقود‬
‫وابتسمت لي‬
‫وهمست ما هو اسمك يا صغيرتي‬
‫فهمست ويدي تقبض على قطعة النقد ‪ :‬رامونا ‪ ...‬اسمي رامونا ؟‬
‫‪ :-‬واين هم اهلك ؟ اين والدك ؟ واين هي امك ؟‬
‫وادمعت عيني‬
‫وهمست ‪ :‬ليس لي ام ول اب لقد رحل عن هذا العالم فانا ل اعرف امي لقد ماتت يوم ولدتي اما والدي فقد استشهد‬
‫دفاعا عن الوطن ‪.‬‬
‫‪ :-‬اخوك ؟‪ ...‬اختك ‪.‬؟‬
‫‪ :-‬ليس لي اخ اول اخت‬
‫‪ :-‬عمك ؟ وعمتك ؟‪.‬خالك وخالتك؟‬
‫وهمست ‪ :‬انا وحيدة في هذه الحياه يا سيدتي كنت اقيم مع جدتي العجوز في منزل صغير ال ان جدتي ماتت لقد رحلت‬
‫عن هذا العالم الفاني منذ شهور قليلة‬
‫وشاهدت الدموع تتموج في عيني السيدة الوقور وهي تمتم ‪ :‬ياالطفلة البائسة‬
‫وامسكت تلك السيدة بيدي‬
‫وهمست اين تقيمين يا رامونا‬
‫‪ :-‬في منزل صغير على بعد من هذا الشارع‬
‫‪ :-‬تعالي معي‪ ...‬ارشديني الى منزلك‬
‫وسرت معها الى منزلي‬
‫وهالها الفقر المدقع الشديد الذي يخيم ذلك المنزل الوضيع‬
‫وتساءلت تلك السيدة الفاضلة من هم اصحاب هذا المنزل ؟‬
‫قلت انا ل اعرفهم يا سيدتي ‪ ...‬ما هناك سوى رجل قاسي القلب متعجرف يحضر من حين لخر ويهددني بالطرد اذ لم‬
‫انقده اجره المنزل‬
‫وكان الجيران قد اقبلوا مستطلعين وهم يشاهدون سيده انيقة وقور تتحدث الى جارتهم الصغيرة اليتيمة البائسة الفقيرة‬
‫فسألت السيدة الفاضلة احدى الجارات هل تعرفين من هو صاحب هذا المنزل الوضيع ؟‬
‫اجابت ‪ :‬اجل انه ميشال برتان‬
‫‪ :-‬اين يقيم ؟‬
‫‪ :-‬منزله اخر هذا الشارع‬
‫ففتحت السيدة الوقور محفظتها لتخرج منها ورقة نقدية دفعت بها الى الجارة قائلة ارجوك ان ترسلي احد ابناءك الى‬
‫ميشال ليدعوه للحضور الن الى هنا‬
‫فهمست تلك المراة ويدها تقبض على الوقة النقدية انا سأشخص الى ميشال واعود به الى هنا‬
‫وهرولت الجارة مسرعة‬

‫دقائق قليلة ‪ ...‬وعادت برفقة صاحب المنزل‬


‫وتسائل صاحب المنزل وهو يصافح السيدة الفاضلة بماذا تامر سيدتي ؟‬
‫قالت ‪ :‬ما هو المبلغ المترتب على هذه الطفلة بدل لليجار هذا المنزل‬
‫فاخرج ميشال دفترا صغيرا من جيبه وراح يقلب صفحاته ليقول ‪ :‬انه مبلغ ضخم يا سيدتي يبلغ زهاء ثلثة اللف‬
‫فرانك‬
‫ودون أي تردد فتحت السيدة محفظتها واخرجت منها ثلثة اوراق نقدية دفعت بها الى ميشال هامسة‪ :..‬تفضل يا سيدي‬
‫هذه هي اللف الثلثة ارجو ان تحرر لي وصل بالمبلغ‬
‫ودهش ميشال برتان ويده تقبض على المال انها نعمة هبطت عليه من السماء فلم يكن يحلم في تقاضي اجرة منزله من‬
‫تلك الطفلة‬
‫وكان على استعداد لن يتنازل عن ذلك المبلغ لقاء جلء الطلفلةمن المنزل‬
‫وامسكت تلك السيدة بيدي هامسة تعالي معي يا رامونا‬
‫فترددت في الذهاب معها‬
‫وقلت ‪ :‬هناك ثيابي وفراشي وبعض الواني المنزليه يجب ان احملها معي سيدتي‬
‫فابتسمت المراة الفاضلة‬
‫وتمتمت ‪ :‬ل‪ ....‬دعيها ‪ ...‬لن تكوني بحاجة اليها يا رامونا تعالي يا ابنتي تعالي‬
‫وسرت معها‬
‫واقتادتني الى دارها‬
‫كانت تلك الدار دار فخمة انيقة رحبة فسيحة الرجاء تحيط بها حديقة غناء‬
‫تقع في شارع كبير فيه الكثير من النية الفخمة والمحال التجارية والملهي والنوادي والحانات والمطاعم‬
‫وعقدت الدهشة لساني وانا ادخل الى تلك الدار الفخمة المزدانه بالرياش والتحف والثاث الجميل‬
‫وهمست السيدة الوقور وقد لمست الدهشة واضحة في عيني ‪ :‬انت هنا في دارك يا رامونا ستقيمين معي في هذه الدار‬
‫ولن تكوني بعد اليوم بحاجة الى التسكع في الشوراع ومد يدك الصغيرة النحيلة للتسول ولستعطاء‬
‫وازددت ددهشة ووجوما وتلك السيدة تعلن لي انني ساقيم معها في تلك الدار الفخمة‬
‫واجهشت بالبكاء ‪...‬‬
‫لماذا كنت ابكي ‪..‬؟‬
‫لست ادري‪....‬‬
‫"لعل تلك الدموع التي كانت تنسكب على وجتني الصغيرتين كانت دموع الفرح والسعادة والمتنان والعرفان بالجميل "‬
‫"‪"2‬‬

‫لم تكتفي تلك السيدة الفاضلة المحترمة بما قدمته لي من المساعدات‬


‫لم تكتف بتسديد ديوني ودفع ما يترتب علي من بدل ايجار سنوات عديدة في منزلي الصغير الحقير‬
‫ول هي اكتفت بالنتقال بي من بؤرة الفقر والعوز والعذاب‬
‫بل مضت في تقديم المساعدات والخدمات لي‬
‫فاحاطتني بالعطف والحب والحنان‬
‫واغدقت علي النعيم والخير من دون حساب‬
‫فاشترت لي الثياب الثمينه‬
‫وخصصت لي من دارها غرفة خاصة بي‬
‫فتعرفت لول مرة في حياتي الى الرقاد في فراش وثير على سرير انيق‬
‫وللمرة الول في حياتي تعرفت الى الستحمام في حمام رحيب فيه كل الوسائل الراحة والترف‬
‫وتذوقت في تلك الدار الكثير من الطعام الشهي اللذيذ الذي لم اذقه في حياتي‬
‫كانت تلك السيدة الحنون تعاملني معاملة الم لبنتها‬
‫فركنت اليها‬
‫ونعمت بعطفها وبحنانها وبحبها الكبير‬
‫وتعرفت اليها في مدة وجيزة‬
‫لقد عرفت عنها كل شيء‬
‫ووقفت على تفاصيل حياتها ومأسيها‬
‫كانت تلك السيدة الفاضلة ارملة ضابط كبير في الجيش الفرنسي‬

‫كان زوجها غنيا ثريا شجاعا باسل استشهد في ساحة الوغى دفاعا عن فرنسا تاركا لها ثروة ضخمة وابنة في مثل‬
‫عمري اسمها سوزان‬
‫وقد وقفت عليها كل حنانها وحبها وحنينها‬
‫كانت سوزان كل امل امها كلوديت جوليان في الحياة‬
‫ال ان القدر الغاشم حرمها ذلك المل الوارف الريان‬
‫فقضت الطفلة سوزان نحبها في حادث اصطدام مروع‬
‫وروت لي السيدة كلوديت جوليان قصة مصرع طفلتها الصغيرة والدموع تنسكب من عينيها على وجنتيها المجعدتين‬
‫قالت" في صباح ذلك اليوم السود الشئيم اقفت كعادتي في ساعة مبكرة من الصباح وايقظت طفلتي الحبيبة "سوسو"‬
‫وكعادتي البستها ثوب المدرسة وقدمت لها طعام الصباح وبعد ان تناولت طعامها حملت حقيبتها المدرسية الصغيرة‬
‫وخرجت وما هي دقائق قليلة حتى اقبل " اوتوكار " المدرسة فصعدت "سوسو"الى السيارة الكبيرة وهي تلوح لي‬
‫بيدها الصغيرة وكنت على الشرفة ارقب صعودها الى السيارة‪"...‬‬
‫واستانفت حديثها‬
‫قالت ‪ :‬دخلت الى الدار بعد ان اطمأن خاطري على سوزان ‪ ...‬وانصرفت الى العمل المنزلي ‪ ...‬وبعد زهاء ساعتين رن‬
‫جرس الهاتف في منزلي ‪ ....‬وعندما رفعت السماعة سمعت صوتا خشنا يخدش اذني متسائل ‪ " :‬السيدة كلوديت‬
‫جوليان ؟" قلت نعم ‪ ...‬ماذا تريد ؟قال ‪ :‬هنا المستشفى القلب القدس ‪ .‬الرجاء ان تحضري الن فورا الى المستشفى "‬
‫فذعرت وهمست " ماذا جرى ؟‪ ....‬ابنتي‪.‬؟‪ ....‬ارجوك اخبرني هل اصيبت ابنتي بمكروه ؟‪ "...‬ولم يجب صاحب‬
‫الصوت على سؤالي وانقطع ‪"...‬‬
‫وخنقتها العبرات واستانفت مسح دموعها لتكمل " هرولت مسرعة الى المستشفى القلب القدس ‪ ...‬وكان في‬
‫المستشفى ثمة جمهور من الناس معظمهم من النساء وهن يبكين ويذرفن الدموع فتساءلت " ماذا جرى ؟‪" ...‬وعلمت‬
‫ان سيارة المدرسة اصطدمت بشاحنه كبيرة فتحطمت واصيبت الطالبات بجراح وكسور خطرة عديدة ‪ ...‬ولولت بذعر ‪:‬‬
‫ابننتي ؟‪ ....‬ابنتي سوزان جوليان ؟‪ ...‬ماذا حل بها ‪"....‬‬
‫وتقدم مني احد الطباء ليمسك بيدي مشجعا هامسا " تشجعي سيدتي فال سيساعدك على الصبر والعزاء واغمي‬
‫علي ‪ ....‬عندما افقت علمت ان عشر طالبات اصبن بجراح وكسور ليست خطيرة وان ثلث طالبات قضين نحبهن بينهن‬
‫سوسو الصغيرة "‬
‫وصمتت السيدة كلودت برهة لتستعيد قواها وتمسح دموعها‬
‫ثم تدخل الى غرفتها الصغيرة لتحضر صورة لطفلتها الصريع فتعرضها على هامسة انظري يا رامونا هذه صورة‬
‫حبيبتي الصغيرة سوسو يالها من طفلة رائعة فانته جميلة ‪ .‬انها تبتسم وكانها تبتسم للموت ‪ ..‬لوظلت سوسو على قيد‬
‫الحياة لكانت الن في عمرك يا رامونا ‪....‬‬
‫وبالرغم من صغر سني ادركت سبب اهتمام السيدة كلوديت جوليان بي وعطفها الشديد العميق الرحيب علي‬
‫فهي تلمس في وجهي صورة طفلتها الراحلة سوزان‬
‫وترى في عيني وميض عيني طفلتها الحبيبة‬
‫وقد اوضحت لي السيدة كلوديت ذلك بعد مدة قصيرة‬
‫فقالت لي وهي تداعب شعري وتحنو علي ‪ :‬انت الن عندي في مقام سوسو يا رامونا انتي ابنتي الن وانا امك لقد‬
‫اعدت الى قلبي الجريح بعد البرء و الى روحي الحزين بعض العزاء يا ابنتي‬
‫ولم تكتف السيدة كلوديت جوليان باغداق فيض الحب والحنان علي بل هي انصرفت الى تعليمي اصول اللغة الفرنسية‬
‫وتدريبي على الكتابة بخط واضح رشيق‬
‫وكانت كلوديت ادبية تكتب الدب وتنظم الشعر وتنشر انتاجها الدبي في بعض الصحف والمجلت الفرنسية‬
‫وكانت ذات خط جميل يحسدها عليه الخطاطين المعروفين‬
‫وكنت لديها التلميذة المجتهدة الشاطرة‬
‫فاتقنت الكتابة‬
‫وحفظت اصول اللغة الفرنسية في مدة وجيزة‬
‫وشعرت في دار تلك السيدة الفاضلة الحنون بالكثير الكثير من الراحة والسعادة والطمئنان ‪.‬‬
‫فهي لدي في مقام الم‬
‫وكنت اناديها " يا امي ‪"...‬‬
‫فكانت تطرب وترتاح وتنتشي بكلمة " امي " ‪ ...‬تنطلق من بين شفتي النديتين‬
‫وكانت هي ايضا تناديني " يا ابنتي ‪"...‬‬
‫فكنت ارتاح كل الرتياح لتلك الكلمة‬
‫واشعر بانني حقا امام ام عطوف حنون‬
‫وكانت تحدثني من حين الى اخر عن مستقبلي‬
‫فتقول لي ‪ :‬غدا يوم تكبرين يا رامونا وتصبحين في سن الزواج سابحث عن عريس فاضل شهم نبيل وازفك اليه و‬
‫ستقيمين مع عريسك الكريم معي هنا في هذه الدار انا سأضمن مستقبلك ولن اتركك وحيدة في مهب رياح القدار‬
‫العاتية العاصفة الهوجاء ‪......‬‬
‫وكنت على صغير سني ارتاح لحديث " امي "عن المستقبل الزاهر الزاهي الجميل‬
‫واحلم الحلم الوارف الظليل بالعريس الشهم النبيل‬
‫ال ان ذلك الحلم لم يتحقق‪......‬‬
‫وامي الحنون لم تستطع تحيقيق ما رسمت لي من طريق فسيح رحيب الى المستقبل البهيج‬
‫وكنت سعيدة كل السعادة في دار "امي" كلوديت‬
‫وكان يلوح لي منها انها هي ايضا تنعم بالسعادة الورفة الظلل قربي‬
‫ولم يكن يزرونا احد من القارب والصدقاء ‪ ...‬اللهم ال بعض القارب زوجها الراحل الشهيد‬
‫وهم ثلثة ‪ :‬ابن شقيق زوجها الشاب سيمون جوليان وشقيقة سيمون كريستيان وابنشقيقتها اميل‬
‫ولم تكن السيدة كلوديت على علقة متينه بهم‬
‫بل هي كانت تستقبلهم بفتور وامتعاض‬
‫وكان الثلثة ينظرون الي نظرة حقد وبغض وكره وضغينه‬
‫وكان ثم بستاني جوزف بيرجيه‬
‫وهو رجل في العقد السابع من العمر يقيم في غرفة صغيرة في اخر الحديقة ويهتم باشجار الحديدة وبازهارها‬
‫ويقوم ببعض الخدمات لنا‬
‫فيشتري ما نحتاج اليه من السوق‬
‫ويشرف من حين لخر على تنظيف ما يحيط بالدار‬
‫وكان ذلك البستاني مخلصا كل الخلص في عمله‬
‫وكان يحترم سيدته ويتفانى في خدمتها‬
‫وكان يعطف علي ويحبني ويرعاني ل سيما وهويعلم علم اليقين ما تكن لي السيدة كلوديت من الحب والعطف والحنان‬
‫ويدرك أي سعادة حملت الى سيدته بوجودي في دارها‬
‫وكنت انا ايضا احب جوزف بيرجيه واناديه " العم ‪ ..‬جوزف"‬
‫وكان العم جوزف وحيدا في هذه الحياه فليس ثمه لديه زوجة ول ولد ول قريب‬
‫كان جنديا في الجيش الفرنسي‬
‫وكان منذ امد بعيد يقيم على خدمة زوج السيدة كلوديت‬
‫وكان الضابط الشهيد زوج السيدة يحبه ويعطف عليه‬
‫وعندما استشهد الضابط جوليان بكاه الجندي جوزف بيرجيه بدموع قانية الحمرار‬
‫وابى ان يتخلى عن خدمة السيدة كلوديت حتى بعد ان تقاعد من الخدمة في الجيش الفرنسي‬
‫"في تلك الدار الفسيحة الرجاء كنت اعيش حياة هانئة هادئة سعيدة "‬
‫************‬
‫" اقمت في دار امي" السيدة كلوديت جوليان ثلث سنوات هي من اجمل ايام عمري واشدها هناء وبهجة وسعادة‬
‫ودرجت في الثانية عشرة من العمر وانا مرتاحة كل الرتياح‬
‫مرتاحة الى حاضري ‪.....‬‬
‫مرتاحة الى مستقبلي‬
‫فالحاضر لدي بهجة وارتياح وهناء‬
‫والمستقبل الذي رسمته لي امي كلوديت جوليان ضياء ونور وسناء‬
‫اما الماضي المكفهر المدلهم السواد فقد بدأ يتوارى عن مخيلتي‬
‫ونسيت او بالحرى تناسيت ذلك الماضي الحزين الكئيب المدلهم السواد‬
‫بدأت اانسى ايام الفقر والعوز زالجوع والبرد والتسول والستعطاء‬
‫وخيل الي ان ضباب ذلك الماضي وغمامة والمه اندثرت واضمحلت وتوارت الى غير رجعة‬
‫طنت اعيش في دار امي كلوديت جوليان في حلم هانئ سعيد جميل اخضر الحنايا وضاح السناء وارف الظلل ‪..‬‬
‫وفجأة ‪.........‬‬
‫وعلى غفلة‪...‬‬
‫ومن دون اذن افقت من ذلك الحلم البهيج السعيد لجد نفسي اتخبط في دياجير السواد‬
‫وكانت الفاقة من ذلك الحلم الجميل ذات ليلة من الليالي شتاء ‪1922‬‬
‫كانت تلك الليلة التعسة الحد الفاصل بين سعادتي وشقاءي‬
‫يا لها من ليلة مروعة قاسية مخيفى على قلبي الندي الصغير‬
‫وانا ما زلت اذكر هول تلك الليلة‬
‫ومهما طال بي العمر ومضت السنون فانا لن استطيع ان انسى تلك الليلة المخيفة المفزعة‬
‫كان الليل مدلهم السواد‬
‫والبرد قارس اللسعات‬
‫والمطر يزرع الرض رذاذا‬
‫والعواصف العاتية الهوجاء تمزق سكون الليل وهدوءه بعويلها وانينها وهديرها الصاخب المجنون‬
‫وكنت جالسة قرب امي" كلوديت امام المدفأة المتقدة السعير ننعم بالدفئ‬
‫كانت "امي" تجلس وراء منضدة صغيرة تكتب وتدخن‬
‫وكنت انا جالسة قربها اراقب السنه اللهب المتصاعدة المدفأة على وهج حرارة وضياء‬
‫وفجأة توفقت "امي" عن الكتابة ‪.‬‬
‫والقت باللفافة من يدها ‪..‬‬
‫ورفعت يدها الى صدرها تتحسس قلبها‬
‫ولم ابه للمر‬
‫لقد خيل الي انها متعبة وانها بحاجة الى الراحة‬
‫فسألتها ‪ :‬ما بك يا امي ؟‪...‬‬
‫قالت بعياء ‪ :‬احس بألم شديد في صدري ان انفاسي تضيق علي افتحي النافذة يا رامونا‬
‫وبالرغم من جنون العاصفة وانهمار المطر الغزير فقد اسرعت الى النافذه افتحها واشرع دفيتها‬
‫وعدت الىامي فاذا بها تلهث بعناء والعرق البارد يتصبب من جبينها‬
‫فذعرت ‪...‬‬
‫واخذت اردد بخوف ووجل ‪ :‬امي !‪...‬امي‪ !.‬امي!ما بك يا امي ؟‬
‫ولمست السيدة كلوديت الخوف الشديد في ابنتها‬
‫فهمست ‪ :‬لتخافي يا رامونا ‪ ...‬ل تخافي يا ابنتي ‪ ...‬ساكون بخير بعد قليل‬
‫ال ان حالها لم تتحسن ولم تكن بخير‬
‫فازدادت حالها سوءا‬
‫وازدادت انا خوفا‬
‫وجلست قربها والخوف الشديد يعصف بي‬
‫وسألتها ‪ :‬بماذا استطيع ان ساعدك يا امي الحبيبة ؟‬
‫فهمست ‪ :‬اتصلي بالعم جوزف واطلبي اليه ان يحضر حال الى هنا‬
‫واسرعت الى الهااتف‬
‫واتصلت بالعم جوزف‬
‫كان ل يزال مستيقظا في غرفته في اخر الحديقة‬
‫فتسأءل ما بك يا رامونا ؟‬
‫قلت ‪ :‬ارجو ان تحضر الينا حال يا عم جوزف‬
‫فاستأنف التساؤل بوجل ‪ :‬ماذا جرى ؟‪...‬‬
‫قلت ‪ :‬السيدة كلوديت مصابة بوعكة شديدة الوطء ‪ .......‬ووهنها والمها فوجم‬
‫وظهر الخوف الشديد واضحا في عينيه‬
‫وامسك بيدها هامسا في اذنها هل ادعو الطبيب يا سيدتي ؟‪...‬‬
‫فلم تستطع السيدة كلوديت ان تجيب على السؤال‬
‫فاللم الشديد يعذبها والوهن يعصف بها العياء يقطع عليها الكلم‬
‫ال انها اومأت برأسها مشيره باليجاب‬
‫ووثب العم جوزف الى الهاتف لتصل بالدكتور موران‬
‫وهو طبيب السيدة كلوديت الخاص وصديق وفي حميم يقيم في دار قريبة من دار السيدة كلوديت‬
‫دقائق قليلة ووصل الدكتور موران حامل معه بعض الدوية والعقاقير والمصول والمعدات‬
‫ال ان كل الدوية الدكتور موران ومصوله وعقاقيره لم تستطع انقاذ السيدة كلودت‬
‫فلفظت انفاسها قبل ان يامر الطبيب بنقلها الى المستشفى‬

‫فقد كانت امي في حال احتضار قبل وصول الطبيب‬


‫وسمعت الطبيب موران يقول للعم جوزف بعد ان همدت كل حركة في جسد السيدة كلوديت ‪ :‬مسكينه الذبحة القلبية ‪...‬‬
‫التي دهتما كانت صاعقة شديدة الوطئ رحمها ال‬
‫ماتت ‪ ...‬امي ماتت؟‬
‫والقيت بجسدي الصغير النحيل على امي‬
‫على امي ؟‬
‫ل بل انا القيت نفسي على جثة امي ‪.‬‬
‫واجهشت بالكباء‬
‫واخذت اولول وانا اقبل يديها وجبينها ‪ :‬امي ‪ ...‬امي‪...‬امي الحبيبة ! لمن تركتني بعدك يا امي ؟‪...‬‬
‫واشفق الدكتور موران علي فرفعني عن جثة امي هامسا ‪ :‬تشجعي يا صغيرتي ‪ ...‬تشجعي يا ابنتي‬
‫ل انني لم استجب الى نصيحته‬
‫بل افلت من يده ووثبت مجددا للقي بنفسي على جثة تلك السيده الفاضلة الحنون وانا اولول مجهشة بالبكاء ‪ :‬امي ‪.‬‬
‫امي‪ .......‬ل تتركيني امي ل تبعدي عني يا اماما يا حبيبتي‬
‫واستعان الدكتور موران بالعم جوزف‬
‫وابعدني عن جثة امي‬
‫ومدني الطبيب الصديق بالدواء الشافي‬
‫والدواء الشافي كان حقنه من مخدر غرزها في ذراعي‪...‬‬
‫وغبت عن الوعي‬
‫وعندما افقت في اليوم التالي كان لعض الصدقاء السيدة كلوديت واقاربها الثلث يهمون بتشيع الجثمان السيدة كلوديت‬
‫الى المقر الخير‬
‫واستانفت العويل والنحيب والبكاء‬
‫وحاولت مرافقة جثمان امي الى المقر الخير مع المشيعين ال ان اقاربها الثلثة السيدة كلوديت حالوا دون رغبتي‬
‫كما حالو دون رعبة العم جوزف في مرافقة المشيعين الى المقبرة‬
‫واقمت مع العم جوزف في الدار نبكي تلك السيدة الحنوون بدموع غزيرة حمراء "‬

‫"‪"3‬‬
‫"انقضت ثلثة ايام على وفاة السيدة كلوديت جوليان‬
‫وبدأت وطأة الحزن تتضاءل في قلبي وفي قلب العم جوزف‬
‫والنتقل العم جوزف من غرفته الصغيرة في اخر الحديقة ليقيم معي في الدار وينصرف الى الهتمام بي وتوفير الراحة‬
‫والطمنأنينة والهناء لبنه السيدة كلوديت‬
‫وشعرت ببعض الرتياح وانا المس في ذلك الرجل العجوز العطف والحنان‬
‫وكان العم جوزف يعللني بمستقبل زاهر زاه و نضير‬
‫كان يقول ‪ :‬انت وريثة المرحومة كلوديت جوليان الوحيجة يا رامونا فالسيدة كلوديت وقفت عليك كل ميراثها وقد‬
‫اخبرتني قبل وفاتها بايام قليلة انها عازمة على العتراف بانك ابنتها وقالت لي انها ستتبناك رسميا وانها اوصت لك‬
‫بكل ما تملك من اموال في المصرف الفرنسي ومن اسهم في بعض الشركات كما انها عازمة على تسجيل هذه الدار‬
‫باسمك ‪"...‬‬
‫وقال لي العم جوزف ايضا ‪ ":‬ان السيدة كلوديت اخبرتنه بانها خصته بمبلغ كبير من المال لقاء خدماته لها ولزوجها‬
‫الضابط الشهيد وانها لن تسمح بان يخرج من دارها العامرة مدى حياته‬
‫وفي اليوم الرابع لرحيل السيدة كلوديت وفيماا اجلس مع العم جوزف في قاعة الطعام نتناول طعام الفطار قال لي‪":‬بعد‬
‫انقضاء اسبوع على وفاة اسبوع على وفاة سيدتي المرحومة في مطلع السبوع القادم ساشخص الى الدوائر الرسمية‬
‫والى المصرف الفرنسي لقوم بمعاملت انتقال الميراث اليك يا ابنتي "‬
‫ال ان تلك الماني والحلم تبخرت ‪...‬‬
‫وانقشعت كما ينقشع الضباب ‪...‬‬
‫وتوارت كما يتوارى السراب في الصحراء‬
‫فبعد يوم واحد على حديث العم جوزف في اليوم الخامس لرحيل السيدة كلوديت وقبل انقضاء السبوع حضر الى دارنا‬
‫اقارب "امي" المروحمة الثلث ابنه شقيق وزوجها كريستيان شقيقها سيمون وابن شقيقتها اميل‬
‫وكان برفقتهم رجلن علمت فيما بعد ان احدهما محام والثاني كاتب العدل‬
‫وجلس الخمسة في القاعة الستقبال يتحدثون ويتهامسون‬
‫وعندما جاءهم العم جوزف باقهوة قال له كاتب العدل متسائل انت جوزف بيرجيه اليس كذلك ‪..‬؟‬
‫فاجاب العم جوزف ‪ :‬اجل‪...‬‬
‫ثم التفت الي متسائل ‪ :‬وانت رامونا شانتال ؟‪...‬‬
‫فأجبت ‪ :‬اجل‪...‬‬
‫وخيل للعم جوزف كما خيل الي ان ذلك الرجل جاء مع اقارب السيدة كلوديت ليبلغني انتقال ميراث "امي" المرحومة‬
‫الي‬
‫ال انني دهشت كما دهش العم جوزف عندما قال لي وللعم جوزف ‪ :‬يؤسفني ان ابلغكما انكما لن تستطيعا القامة في‬
‫هذه الدار بعد اليوم‬
‫ووثب العم جوزف الى ذلك الرجل متسائل بدهشة واستغراب ‪ :‬لماذا ياسيدي ؟‪...‬‬
‫قال كاتب العدل ‪ :‬لن هذه الدار انتقلت مع كل ميراث السيده كلوديت الة ورثتها وهم اهل زوجها واهل شقيقتها‬
‫ولم يكتف كاتب العدل بما قال‬
‫بل هو فتح ملفا كان يحمله معه وراح يقرأ الوثائق التي تثبت انتقال الميراث الى ابنه شقيق زوج السيدة كلوديت والى‬
‫ابن شقيقتها‬
‫ووجمت وقد بدأت افهم ما تنطوي عليه تلك الوثائق‬
‫وذعر العم جوزف‬
‫ولم يلبث ذعره ان تحول الى غضب شديد فانتصب امام كاتب العدل هادرا ‪ :‬هذا تزوير وكذب وخداع الوريثة الوحيدة‬
‫للسيدة كلوديت هي هذه الفتاه الصغيرة ابنه ثانية عشرة من العمر لقد تبنتها السيدة كلوديت ووقفت عليها كل ميراثها‬
‫فتدخل المحامي محاول تهدئة غضب ا لعم جوزف قال متسائل هل لديكم من الوثائق ما يثبت صحة ما تقول يا‬
‫سيدي ؟‪...‬‬
‫فاجاب العم جوزف بغضب وانفعال ‪ :‬اجل لدينا من الوثائق ما يثبت ما يثبت ادعائي‬
‫‪ :-‬واين هي هذه الوثائق ؟‬
‫‪ :-‬انها في الدرج مكتبة السيدة كلوديت في غرفتها‬
‫‪ :-‬تفضل معي الى غرفة السيدة كلوديت‬
‫ودخل الجميع الى الغرفة‬
‫ولحقت بهم ‪...‬‬
‫وكان العم جوزف يعلم كما كنت انا أيضا ان هناك درجا كبيرا في مكتبة السيدة كلوديت فيه كل الوثائق والورقة‬
‫والجواهر والسجلت الخاصة‬
‫وكانت تحرص على اقفال ذلك الدرج بمتاح خاص وتضع ذلك المفتاح في خزانتها‬
‫ثم تقفل الخزانه وتضع مفتاحها تحت وسادتها‬
‫واتجه العم جوزف الى سرير السيدة كلوديت وراح يبحث عن مفتاح الخزانه تحت الوسادة فلم يعثر له اثر‬
‫فانصرف الى البحث في محفظتها ال انه لم يجده ايضا واخذت اساعده في البحث في محفظتها ال ان محاولتنا باءت‬
‫بالفشل‬
‫فعمد العم جوزف الى تحطيم قفل الخزانه‬
‫وخيل اليه كما خيل الي ايضا ان المعضلة حلت‬
‫واننا سنجد مفتاح الدرج‬
‫ولكننا كنا على خطأ ‪...‬‬
‫فالمفتاح لم يكن في الخزانه ‪...‬‬
‫واعلن العم جوزف للمحامي ولكاتب العدل خشيته من ان تكون ثمة يد امتدت الى الحزانه واستولت على المفتاح‬
‫فتساءل المحامي ‪ :‬لقد اعلنت لنا ان الوثائق ولوراق وموجودة في الدرج اليس كذلك ؟‪...‬‬
‫فاجاب العم جوزف ‪ :‬ولكن مفتاح الدرج في الخزانه‬
‫قال المحامي فلنحطم قفل الدرج ونفتحه‬
‫وواقف كاتب العدل على راي المحامي ‪...‬‬
‫وتم فتح الدرج‬
‫واستولى الذعر على العم جوزف وقد اتضح له ان الدرج خال خاو وان ليس فيه أي اثر للوراق والوثائق والجواهر‬
‫وساد الصمت برهة كان خللها العم جوزف يرتجف حنقا وعضبا‬
‫وكنت انا في دهشة وحيرة ووجوم‬
‫وقطع المحامي الصمت بعد قليل ليقول يبدو انك كنت مخطئا ايها السيد جوزف فليس ثمة في هذا الدرج من الوثائق ما‬
‫يثبت صحة ادعائك ان ورثة السيدة كلوديت جوليان هي ثلثة السيد سيمون جوليان والسيدة كريستان جوليان زوجها‬
‫الفرد بوسون والسيد اميل جوفيل وليس رامونا شانتال أي حصة في الميراث‬
‫وهدر العم جوزف والغضب يهزه هزا ‪ :‬مجرمون لصوص اوغاد لقد سطو على كل ما في الدرج من وثائق واوراق‬
‫وجواهر انا سأقاضيهم وازج بهم في اعماق السجون‬
‫وانتابته نوبه من الغضب العاصف الشديد‬
‫فاخذ يعربد ويشتم ويلعن ويهدد ويتوعد‬
‫ال ان تهديده ووعيده وشتائمه ذهبت ادراج الرياح‬
‫فلم يأبه به احد ‪...‬‬
‫وعندما هدأت ثورة غضب العم جوزف تقدم منه المحامي ليقول برصانه‪ :‬اسمع ما اقول لك ايها السيد جوزف ان‬
‫القانون واضح صريح ول مجال لنقضه وانا اسدي اليك نصيحة ثمينه انها نصحية محام الى صديق كريم وانت لن‬
‫تستطيع ان تدعي على الذين يخيل اليك انهم استولوا على الوثائق الوهمية فنحن اشرفنا على فتح الدرج المقفل ولم‬
‫تعثر على اللوثائق وما دمت ل تحمل ما يثبت ان السيدة كلوديت اوصت بميراثها لهذه الفتاة الصغيرة فانت ل تستطيع‬
‫الوقوف في ساحة القضاء مطالبا للفتاه بالميراث ولن تجد في فرنسا بأ سرها محكمة تنظر الى دعواك وتسمتع الى‬
‫شكواك‬
‫نصيحيتي اليك ان تأخذ بيد هذه الفتاه الصغيرة وتخرج واياها من هذه الدار ممهدا للورثة استلم الميراث‬
‫وادرك العم جوزف ان المحامي مصيب في ما ينصح ويقول دفالقى بجسده الواهي النحيل على مقعد الوثير د واجهش‬
‫بالبكاء‬
‫وجلست قربه اشاطره سكب الدموع وقد ادركت انني سأغادر تلك الدار على غير رجعة‬
‫ويبدو ان دموعي ودموع العم جوزف اثارت شفقة ابنه شقيق زوج امي" الراحلة السيدة كريستيان‬
‫فاقتربت منا لتقول لنا ‪ :‬نحن لن نطلب منكما مغادرة هذه الدار الن فورا اتصبحا مشرين في الشوراع سنترك لكما‬
‫فرصة البحث عن منزل تأوين اليه امامكما شهر شهر واحد تسطيعان خله ان تبحثا عن مأوى لكما‬
‫وساد الصمت الرجاء ‪...‬‬
‫واخذت اتبادل النظرات الحائرة القلقة مع العم جوزف من دون ان ننبس بحرف‬
‫واستأنفت السيدة كريستان الكلم بعد صمت قصير‬
‫قالت ‪ :‬انا سأقيم مع اسرتي في هذا الدار غدا مع مطلع الصباح سننتقل الى هنا ولكما ان تتأهبا للرحيل ويخيل الي ان‬
‫مدة شهر كافية لتدبير اموركما‬
‫ونفذت السيدة كريستان قرارها ‪...‬‬
‫فما ان بزغ صباح اليوم التالي حتى كانت تحتل تلك الدار مع زوجها واولدها الثلثة‬
‫وكما كان ابن شقيقة المرحومة كلوديت يزورها باستمرار ايضا‬
‫وتحولت الدار الى خلية من اقارب المرحومة "امي" ومن اصدقائهم‬
‫وادرك العم جوزف اننا اصبحنا غرباء عن تلك الدار‬
‫وانه بات علينا ان نجلو عنها قبل انقضاء الشهر المحدد لرحيلنا‬
‫وكان العم جوزف شديد الحزن دائم التفكير‬
‫ينوء تحت عبئ الهموم والعذاب‬
‫فالكارثة التي نزلت بي وبه هدت قواه وقضت على كل عافية في جسده الواهي النحيل‬
‫وكنت احزن لحزنه وأتألم للمه‬
‫ولمس العم جوزف حزني والمي فامسك بيدي ذات صباح ليقول ‪ :‬لتحزني يا ابنتي ول تتألمي ول تنظري الى المستقبل‬
‫التي يا رامونا ولن ادعك تتشردين في الشوارع تتشردين في الشوارع بين الثعالب البشريه والفاعي والذئاب سأعمل‬
‫أي عمل لوفر لك العيش الكريم يا ابنتي سابحث عن مأوى نأوى اليه ونعيش فيه عيش الكرام الشرفاء‬
‫فلم استطع ان انبس بحرف وكلم ذلك الرجل الشفيق الحنون يقع في الذنين‬
‫واجهشت بالبكاء‬
‫فضمني العم جوزف الى صدره‬
‫واخذ بخاطري ويكفكف دموعي ويسكب في اذني كلمات العطف والمحبة والحنان‬
‫وبدا العم جوزف البحث عن ماوى لنا‬
‫ولم يطل به البحث‬
‫فقد وقع على غرفة صغيرة تحت السالم بناية متواضعة في شارع شعبي في ضواحي المدينه‬
‫وذات صباح وقبل انقضاء شهر على وفاة السيدة كلوديت غادرت مع العم جوزف تلك الدار التي قضيت فيها اجمل‬
‫حياتي‬
‫وحملنا معنا حقيبتين ‪:‬‬
‫حقيبة تحتوي على ثيابي وبعض حاجياتي‬
‫وحقيبة فيها ثياب العم جوزف وبعض حاجيانه‬
‫وكانت الدموع تترقرق في العيون الربع‬
‫في عيني وفي عيني العم جوزف ونحن نبتعد عن الدار‬
‫وحللنا في الغرفة الضيقة تحت السللم‬
‫وكان العم جوزف يحمل مبلغا ضئيل من المال ابتاع منه فراشين لنا وبعض الطباق ومقعدين وطاوله صغيرة وبعض‬
‫الواني المطبخية والمنزليه الضروريه‬
‫وقال لي‪ :‬ما زلت احتفظ بمبلغ ضئيل من المال يا ابنتي يكفينا لكثر من شهر وسأجد عمل قبل انقضاء الشهر تقلقي يا‬
‫رامونا‬
‫وكنت احتفظ بسوار من الذهب وبخاتم من الذهب أيضا وبعقد ثمين‬
‫وكانت "امي" الراحلة قد اهدتني تلك الحلي في مناسبة سعيدة‬
‫فدفعت بها الى العم جوزفقائلة ‪:‬خذ هذه الحلي ايها العم جوزف بعها واستعن بها على حالنا السيئة‬
‫ال ان العم جوزف ابى ان يستجيب الى طلبي‬
‫قال ‪ :‬ل يا ابنتي ل يا رامونا لن ابيع حليك انها هديه من المرحومة "امك" يجب ان تحتفظي بها لتكون ذكرى منها‬
‫مدى حياتك‬
‫ومضى العم جوزف في البحث عن عمل‬
‫كان مستعدا لن يقوم بأي عمل مهما كان معتبا وشاقا ووضعيا ليؤمن لي العيش الكريم‬
‫ال انه لم يوفق‬
‫فهو رجل عجوز وارباب العمل ل يرغبون في استخدام الطاعنين في السن‬
‫فهم يفضلون الشبان القوياء عليهم‬
‫وكان العم جوزف يخرج صباح كل يوم من الغرفة ليجول شوارع وارجاء المدينه باحثا في المصانع والمتاجر‬
‫والمؤسسات والمحال عن العمل‬
‫ويعود بعد الظهر منهك القوى متعب الوصال‬
‫وذا يوم بعد الظهر عاد العم جوزف من جولته اليومية والتعب باد على محياه‬
‫والقى بجسده المتعب على السرير وهو يلهث بعناء‬
‫فأسرعت اليه متسائلة ‪ :‬مابك ايها العم جوزف ؟ ‪ ...‬بماذا استطيع ان اساعدك؟‬
‫فهمس ‪ :‬اانني متعب يا رامونا ‪..‬ز يبدو انني مصاب بوعكة عابرة سأكون بخير بعد قليل يا ابنتي‬
‫لقد خييل اليه ان الوعكة عابرة‬
‫ال انه كان على خطأ‬
‫فالوعكة تلك لم تكن عابرة بسيطة‬
‫كانت ضربة قاضية‬
‫وبدا لي انه يتألم وان المه في الصدر ط‬
‫فكان يرفع يده المرتجفة من الى اخر ليتحسس صدره ويئن متوجعا‬
‫وبدا العرق البارد يتصبب من جبينه وهو يلهث بهاثا متواصل سريعا‬
‫فذعرت ‪...........‬‬
‫واسرعت الجارة مستعينة بها على اسعاف العم جوزف‬
‫ولم اكن على صداقة متينه بتلك الجارى‬
‫فانا لم انتقل الى جوارها ال منذ ايام قليلة‬
‫ولم تسنح لي الفرص لتوطيد علقة الجوار الثابته القوية بها‬
‫هذا فضل عن فارق السن البعيد بيني وبينها فانا في الثانية عشرة من العمر‬
‫وهي في الخمسين‬
‫وكانت جارتي تلك امرأة فقيرة تقيم في غرفة صغيرة مجاورة لغرفتنا تعمل خادمة في حانه قريبة من غرفتها‬
‫فهي ارملة مات زوجها منذ امد قريب تاركا لها الفقير والعوز‬
‫ووجمت تلك الجارة وهي تشاهدني داخلة الى غرفتها والقلق والخوف يطلن من عيني‬
‫وازدادت وجوما وهي تسمع كلمات الستنجاد تنطلق من شفتي‬
‫فهمست متسائلة ‪ :‬ما بك يا ابنتي ؟‪.....‬‬
‫قلت ‪ :‬العم جوزف يعاني الما مبرحة ويخيل الي انه في خطر‬
‫فهمست ‪ :‬تعالي معي اليه يا ابنتي‬
‫واسرعت تلك الجارة البائسة معي الى غرفتنا‬
‫وكان اللم قد اشتد بالعم جوزف‬
‫وقد بات عاجزا عن الكلم بوضوح‬
‫فتمتمت الجارة ‪ :‬انه في خطر شديد ‪ ..‬يجب ان نستنجد برجال السعاف‪..‬‬
‫قالت الجارة هذا واسرعت بالخروج من الغرفة وهي تمتم ‪ :‬انتظريني هنا ل تخرجي من الغرفة انا ساشخص‬
‫الى مركز السعاف وهو ليس ببعيد واعود بالمسعفين سريعا‬
‫ولم يطل غياب الجارة‬
‫فقد عادت بعد دقائق قليلة مع ثلثة رجال‬
‫انهم رجال السعاف‬
‫وحاول السعافيون ساعاف العم جوزف‬
‫وسمعت احدهم يهمس في اذن رفيقه ‪ :‬انه يحتضر يجب نقله الى المستشفى قد يستطيع الطبيب انقاذ حياته‬
‫وانحنوا على العم جوزف يحملونه على نقالة الى سيارتهم البيضاء‬
‫ولح من العم جوزف انه غير راغب في البتعاد عن تلك الغرفة‬
‫فهو يريد البقاء قربي‬
‫وفيما رجال السعاف يخرجون به رمقني بنظرة حائرة تائهة قلقة فيها كل المعاني العطف والخوف والحنان‬
‫فكأنه اراد بتلك النظرة الحنون وداعي الوداع الخير‬
‫وطلبت من رجال السعاف ان يسمحوا لي بمرافقة العم جوزف الى المستشفى‬
‫فدفعوا بي الى سيارتهم الكبيرة البيضاء هاتفين ‪ :‬اسرعي بالصعود الى السيارة ‪ ..‬اسرعي‬
‫واسرعت ‪...‬‬
‫وصعدت الى السيارة ‪...‬‬
‫وطارت بنا سيارة و السعاف الى المستشفى‬
‫وفي المستشفى حاول الطباء انقاذ حياة ذلك الرجل الشهم النبيل الحنون فأخفقوا‬
‫كانت النوبة القلبية صاعقة عاصفة قاتلة‬
‫وذعرت والطباء يعلنون لي ان العم جوزف قضى نحبه‬
‫واجهشت بالبكاء وقد ادركت انني فقدت عطف وحنان ذلك الرجل الكريم وانني اصبحت وحيدة في هذه الحياة‬
‫واثار بكاءي وعويلي ونحيبي اشفاق الطباء‬
‫وازدادوا اشفاقا وعطفا علي عندما علموا انني فتاة يتيمة وان ذلك الرجل كان معيلي الوحيد‬
‫واتخذوا قرارا بان تتولي ادارة المستشفى دفن العم جوزف وبان يعيدوني الى غرفتي من دون ان يطالبوني‬
‫بدفع نفقات الدفن ورسوم المعالجة‬
‫وعدت الى الغرفة الصغيرة الباردة الحقيرة لرتمي في فراشي وافرغ كل ما في عيني من عبرات ودموع‬
‫وعدت مجددا الى الوحدة الصماء‬
‫والى الفراغ المفزع الرهيب‬
‫ورأيتني وحيدة حائرة ضائعة في مجاهل الحياة‬
‫وانغمست في لجج الذكريات المؤلمة المرهقة الرهيبة‬
‫فتذكرت الماضي المخيف وما حفل به ذلك الماضي من العوز والعذاب واللم‬
‫وتذكرت وقفتي في شوارع المدينه ممدودة اليد طالبة حسنة من المحسنين وانا طفلة صغيرة جائعة‬
‫فذعرت‬
‫وخشيت ان اضطر للعودة الى تلك الوقفة المذلة المخجلة‬
‫يومذاك يوم كنت امد يدي لكل عابر سبيل لم اكن ادرك هول تلك الوقفة المذله ‪..‬‬
‫كنت يومذاك طفلة صغير ل افقه معاني الحياة المرة‬
‫اما الن وانا ادرج في الثانية عشرة من العمر فلن استطيع ان اعود الى التسول ومد اليد‬
‫واستغرقت في التفكير ‪..‬‬
‫ومضيت في اثارة الذكريات‬
‫فتذكرت احبائي الراحلين‬
‫وتذكرت ابي وجدتي و"امي" السيدة كلوديت تلك المرأة الفاضلة الحنون التي غمرتني بالفضل والحب‬
‫والعطف والحنان‬
‫لو ان " امي" كلوديت على قيد الحياة الن لما حل بي ما حل بي ولما نزل بي ما نزل‬
‫اوبالحرى لو ان اقاربها المجيرمين لم يسطوا على الميراث لكنت الن بالف خيير مع العم جوزف‬
‫لقد كان سبب وفاة العم جوزف سطو اولئك القارب على حقه وحقي في الميراث‬
‫وكانت تلك الذكريات المؤلمة المرهقة تعذب قلبي الصغير‬
‫وتثير في نفسي الخوف والقلق من المستقبل التي المجهول‬
‫وكان علي ان اقنع بنصيبي من الحياه‬
‫كان علي ان ارضى بذلك الحظ السئ المشؤووم الذي رافقني منذ الدقيقة الولى من حياتي‬
‫كان علي ان ارضى بذلك الحظ السيئ المدلهم السواد لما توفيت والدتي بعد ولدتي‬
‫ولما استشهد والدي وانا طفلة صغيرة‬
‫ولما توفيت جدتي وانا في الثامنة من عمري‬
‫ولما رحلت السيدة كلوديت وانا اشد الحاجة اليها‬
‫واخيرا لما استطاع اقارب امي الفاضلة من اخفاء الوثائق التي تثبت حقي في الميراث‬
‫ولما تمكنوا من السطو على الميراث وطردي من تلك الدار التي قضيت بها اجمل ايام حياتي واروعها‬
‫وابهاها ‪...‬‬
‫من الناس من يأتي الى هذه الحياة ورفيقه النحس‬
‫ويرحل عن هذه الحياة والنحس ل يفارقه‬
‫فهو النحس البغيض رفيقا درب طيلة العمر‬
‫وقليلون هم البشر الذين يستطيعون التخلص من تلك الرفقة في منتصف الدرب‬
‫وانا كان النحس اللعين رفيقي وخليفي وصديقي " الوفي" منذ رأيت النور‬
‫اتراه يستمر في رفقتي حتى تطبق عيني انامل الموت ؟‪...‬‬
‫وبدأت في مجابهة الحياه وصعابها ومشقاتها وعذابها وحدي‬
‫من دون سلح ‪..‬‬
‫وكان على ان اسعى الى الحصول الى لقمة الخبز‬
‫ولكن كيف ؟‪...‬‬
‫لست ادري‬
‫وبدأت انفق ما ترك لي العم جوزف من المال‬
‫وهو مبلغ ضئيل لم يكفني اكثر من شهر‬
‫شهر واحد فقط واصبحت فقيرة معدمة ل املك فرنكا واحدا‬
‫وكنت بحاجة الى الطعام‬
‫بحاجة الى الرغيف ولم يكن ثمة بد من اللجوء الى الحلي التي اهدتني اياها السيدة كلوديت ‪...‬‬
‫الى الخاتم والسوار والعقد‬
‫وكان العم جوزف قد طلب الي الحتفاظ بتلك الحلي الثمينة ذكرى عزيزة من تلك المراة الفاضلة الحنون‬
‫وكنت قد عزمت على العمل بنصيحة العم حوزف‬
‫ال انني رأيت نفسي وانا اتضور جوعا مرغمة على بيع الخاتم الذهبي‬
‫ولم اكن اعلم اين وكيف سابيع الخاتم الثمين‬
‫فلجأت الى جارتي الرملة الفاضلة " مدام كاترين " التي ساعدتني في نقل العم جوزف الى المستشفى وكانت‬
‫بعد رحيل العم جوزف تعطف علي وتمدني ببعض الطعام القليل‬
‫فهي فقيرة مثلي ‪..‬‬
‫وعرضت عليها الخاتم الثمين‬
‫فدهشت وهي تشاهد الذهب البراق‬
‫وهمست بقلق وحيرة متسائلة ‪ :‬من اين لك هذا الخاتم الثمين يا رامونا ؟‪...‬‬
‫فادركت ما ترمي اليه‬
‫فقد خيل اليها انني لصة سارقة‬
‫وان يدي امتدت الى محفظة سيدة او الى درج مجوهرات في محل صائغ‬
‫ال انني طمأنتها هامسة‪ :‬ل يا مدام كاترين فانا لست لصة مجرمة هذا الخاتم وصل الي مع عقد وسوار ثمين‬
‫ذهبي من سيدة فاضلة كانت لدي في مقام امي‬
‫ورويت لها قصتي مع امي الراحلة‬
‫وابديت لها رغبتي في بيع ذلك الخاتم لنني بحاجة قصوى الى الرغيف‬

‫وحاولت صرفي عن رغبتي في التخلي عن تلك الحلية الثمينه‬


‫ال اني اصررت على رايي‬
‫فل بد من بيع الخاتم لشراء الطعام‬
‫وتساءلت اين وكيف استطيع بيع هذا الخاتم يا جارتي العزيزة ؟‬
‫وانصرفت مدام كاترين الى التفكير‬
‫وساد الصمت برهة بيننا كانت خللها جارتي الرملة تفكر باهتمام‬
‫وبعد تفكير قليل التفت مدام كاترين ألي لتقول ‪:‬‬
‫اسمعي يا رامونا انت تعلمين انني اعمل في الحانه القريبة وصاحبة الحانة امراة مغرمة بالحلي والمجوهرات‬
‫يخيل الي انها ستشتري منك هذا الخاتم ‪ ..‬تعالي معي ‪...‬‬
‫وقادتني الى صاحبة الحانه ‪...‬‬
‫كانت صاحبة الحانه في زهاء الربعين من العمر‬
‫يلوح الجمال القاسي المتمرد على جبينها‬
‫ذات نظرات قاسية صلبة‬
‫ليس فيها شيء من العطف والحنان‬
‫قوية البنية‬
‫فكأنها في بنيتها وقوتها ملكمة حلبة مصارعة‬
‫ومنذ النظرة الولي شعرت بخشية وخوف وقلق وانا اقف امامها‬
‫ولح لي ان مدام " كاترين تخافها ايضا‬
‫وانها ذات سطوة وقدرة وسلطان‬
‫وتقدمت " مدام كاترين من صاحبة الحانه التي كانت تجلس على المقعد وثير وراء طاولة صغيرة تدخن لفافة‬
‫فاخرة‬
‫وتمتمت جارتي الرملة وهي تقترب من صاحبة الحانه صباح الخير يا مدام صوفي‬
‫ونفثت صاحبة الصالة دخان لفافتها في الفضاء‬
‫ونظرت الى مدام كاترين‬
‫ثم حولت نظرها الي لترمقني بنظرة فيها كل معنى الحتقار‬
‫وتمتمت ‪ :‬ما بك يا كاترين ؟ ومن هي هذه الفتاه الصغيرة ؟‪...‬‬
‫فاجابت مدام كاترين ‪ :‬هذه الفتاة الصغييرة يتيمة بائسة تقيم في غرفة قرب منزلي انها جارتي‬
‫فخيل لصاحبة الحانه ان كاترين تريد ان تطلب منها حسنه لي وانها تريد اثارة شفقتها علي‬
‫فقطبت حاجبيها‬
‫وزمت شفتيها‬
‫وتمتمت ‪ :‬نحن هنا لسنا في مؤسسة خيرية فلتذهب جارتك الصغيرة الى دار اليتام او ملجئ الفقراء البؤساء‬
‫ال ان مدام كاترين بددت هواجس صوفي وطمأنتها ‪...‬‬
‫قالت ‪ :‬لم اقد هذه هذه اليتمية الصغيرة اليك يا سيدتي طلبا للحسنه اواستجداء او لتسول بل ‪....‬‬
‫وقطعت صوفي الكلم على كاترين قائلة ‪:‬‬
‫وماذا تريد اذن ؟‪...‬‬
‫فتمتمت الجارة الفاضلة ‪ :‬جارتي الصغيرة هذه تملك خاتما ثمينا وهي تريد بيعه لنها بحاجه الى شراء الخبز‬
‫فالقت صاحبة الحانة بالفافة المحتضرة من يدها‬
‫وتسائلت ‪ :‬اين هو هذا الخاتم ؟‪...‬‬
‫وتناولت مدام كاترين الخاتم من يدي‬
‫ودفعت به الى صاحبة الحانه هامسة ‪ :‬هذا هو الخاتم يا سيدتي‬
‫وامسكت صاحبة الحاننه بالخاتم‬
‫وراحت تتفحصه بدقة واهتمام‬
‫ولح منها اعجبت الخاتم الذهبي الثمين‬
‫وحولت نظرها من الخاتم الي‬
‫ورمقتني بتظرة حاسمة قاسية‬
‫وتمتمت ‪ :‬اقتربي ‪ ...‬اقتربي الى هنا‬
‫واقتربت منها‬
‫فهدرت متسائلة بقسوة وحنق ‪ :‬من اين سرقت هذا الخاتم ايها الشقية ‪.‬؟؟‬
‫فاخافتني نظرتها الجافة القاسية‬
‫ولم استطع النطق‬
‫واخذت ارتجف من الخوف و والهلع‬
‫وتولت مدام كاترين الجواب‬
‫قالت هذه الفتاة ليست لصة كما تتوهمين يا سيدتي فهي لم تسرق هذا الخاتم‬
‫فتسائلت صاحبة الحانة مجددا ‪ :‬ومن اين وصل اليها هذا الخاتم ؟‪.‬‬
‫فمضت كاترين في الجابة على السئلة صاحبة الحانه‬
‫قالت ‪ :‬لقد اهدتها امها بعض الحلي قبل ان ترحل هذه الدنيا وبين تلك الحلي هذا الخاتم وقد رات انها مضطرة‬
‫لبيع هذا الخاتم لشراء ما تحتاج اليه من القوت‬
‫واستأنفت " مدام صوفي" طرح السئلة‬
‫قالت‪ :‬ماهي تلك الحلي التي اهدتها اياها امها قبل ان تموت‬
‫فردت كاترين ‪ :‬انها هذا الخاتم وسوار وعقد وهي حلي من ذهب ولؤلؤ وماس‬
‫وساد صمت في الرجاء الحانة برهة عادت بعدها السيدة صوفي الى الكلم لتقول انا على استعداد لشراء‬
‫الحلي الثلث الخاتم السوار والعقد‬
‫فالتفتت كاترين الي متسائلة بهمس ‪ :‬ماذا يا رامونا ؟ هل ترغبين في بيع العقد والسوار ايضا ؟‬
‫قلت باصرار " ل ‪ ...‬اريد بيع الخاتم فقط لنني بحاجة الى شراء الطعام اما السوار والعقد فانا راغبة في‬
‫الحتفاظ بهما ذكرى غالية من امي " الحبيبة‬
‫وسمعت صاحبة الحانه ما قلت فدفعت بالخاتم الى جارتي الفاضلة متمتمة ‪ :‬انا لن اشتري هذا الخاتم وحده اما‬
‫اشتري الحلي الثلث او ل اشتري شيئا‬
‫واعادت كاترين الخاتم الي قائلة ‪ :‬فلنعد ادراجنا يا رامونا‬
‫وعدنا‬
‫وعزمت على الحتفاظ بالحلي‬
‫فانا لن ابيع هدايا امي الحبيبة لشتري لقمة الخبز‬
‫ال انني لم استطع ان انفذ ما عزمت عليه‬
‫لقد كنت بحاجة قصوى الى الما ل‬
‫ولم يكن ثمة بد من بيع الحلي الثلث للوصول الى المال‬
‫فقد انقضى اسبوع ذقت خلله مرارة الجوع ونمت للي كثيرة من دون عشاء‬
‫هذا فضل انني بحاجة الى حذاء وقد اصبح حذائي باليا والى ثوب وقد اصبح ثوبي ممزقا‬
‫وعدت الى جارتي طالبة اليها العودة معي الى مدام صوفي‬
‫وعدنا ومعنا الحلي الثلث‬
‫واشترت مدام صوفي بالحلي مني بسعر ضئيل زهيد‬
‫ال انه كان كافيا لتأمين طعامي ليام طويلة امتدت الى زهاء شهرين ولشراء الحذاء والثوب‬
‫ومجددا بدأت اشعر بالخوف والقلق وقد بدأت الفرنكات القليلة تنذر بالنضوب‬
‫وشبح الجوع يلوح لي مجددا بين غياهب المستقبل الغامض المجهول‬
‫وادركت انني ساكون مهددة بالموت جوعا وقد اصبحت خالية الوفاض ‪...‬‬
‫ل حلي لدي لبيعها‬
‫ول مورد رزق يدفع عني الفاقة والجوع‬
‫وانصرفت الى التفكير المرير استغرق فيه علىحيرة وقلق واضطراب‬
‫ماذاعلي ان افعل لدفع عني شبح الفاقة والعوز ‪..‬و‪ ..‬والجوع ؟‪...‬‬
‫ل ‪ ..‬ل مستحيل ‪ .‬لن اعود الى التسول والستجداء‬
‫فانا على صغير سني احتفظ باكثير من النفه والكرامة وعزة النفس‬
‫وقد علمتني امي الراحلة السيدة كلوديت الكثير الكثير من الفضائل الغراء‬
‫وفي طليعتها الكرامة والشرف والعتداء‬
‫وانا مازلت اذكر وصيتها لي‪ :‬اذا طلب اليك احد يوما ان تضحي بحياتك او بكرامتك فل تترددي في التضحية‬
‫بحياتك لتصوني كرامتك اما الشرف فهو كل ما تملك الفتاه في هذه الحياة فاذا خسرت الفتاة شرفها خسرت كل‬
‫شيئ‬
‫وعزمت على العمل بنصائح امي الراحلة ‪:‬‬
‫لن اتسول ولن استجدي ولن امد يدأ للسؤال‬
‫سأعمل‬
‫سأعمل أي عمل لصل الى لقمة الخبز‬
‫وبدأت فورا في تنفيذ ما عزمت عليه‬
‫وشخصت الى جارتي الفاضلة اطلب اليها مساعدتي في البحث عن العمل أي عمل‬
‫وتمتمت مدام كاترين بعد تفكير قصير ‪ :‬ارى انه من الصعب الوقوع على عمل لك يا رامونا فانت ما يزيد قليل‬
‫عن الثانية عشرة من العمر لم تبلغي بعد الثالثة عشرة ما زلت صغيرة على العمل‬
‫قلت بتوسل واستعطاف ‪ :‬ارجوك يا مدام كاترين ان تساعديني على ايجاد عمل أي عمل يقني العوز والفاقة‬
‫ويبعد عني شبح الجوع‬
‫قالت ‪ :‬ساحاول ان اجد لك العمل ‪...‬‬
‫قالت كاترين هذا وانصرفت الى التفكير‬
‫وساد صمت برهة بيننا‬
‫ولح لي منها انها تفكر في امر ايجاد عمل لي‬
‫وبعد تفكير قصير استأنفت انا الكلم متسائلة ماذا يا مدام كاترين ايلوح لك ان بالمكان ايجاد عمل لجارتك‬
‫الصغيرة رامونا‪....‬‬
‫فاجابت ‪ :‬اسمعي يا رامونا ‪ ..‬ساطلب من " فيكتور " مساعدتنا قد يستطيع فيكتور مد يد المساعدة لنا‬
‫وفيكتور رجل زهاء الخمسين من العمر أي في عمر مدام كاترين وكانت كاترين تدعي انه نسيبها وكان يتردد‬
‫عليها من حين لخر‬
‫ولم اكن اعلم ان فيكتور اقرب من نسيب واكثر من صديق لمدام كاترين ‪...‬‬
‫فهمست ‪ :‬ايخيل اليك ان السيد فيكتور يستطيع ايجاد عمل لي‬
‫قالت ‪ :‬ارجو ذلك يا رامونا ‪...‬‬
‫ال ان امل مدام كاترين خاب في صديقها‬
‫فقد ابلغتني بعد اسبوع ان نسيبها فيكتور لم يستطع ان يقع على عمل لي لدى اصدقاءه ومعارفه الكثيرين‬
‫ودعتني مدام كاترين الى التذرع بالصبر فل بد من ان يفرجها ال علينا يوما من حيث ل نعلم ول ندري‬
‫وبالرغم من يأسي وخوفي وقلقي فقد عملت بنصيحة مدام كاترين‬
‫وتذرعت بالصبر الجميل املة ان يؤول بي الصبر الى الفرج‬
‫ولم يخب املي هذه المره‬
‫فقد وقعت لي جارتي الخمسينية علىالعمل المنشوج ‪...‬‬
‫وجاءت الي مدام كاترين ذات صباح والفرح يطل من عينيها ولفافة تبغ تتراقص بين شفتيها‬
‫وتمتمت وهي تتدخل الى غرفتي الصغيرة المتواضعة ‪:‬‬
‫البشرى لك يا رامونا ‪ ..‬فانت ستعملين وستحصلين على المال والمأوى معا‬
‫فلمعت الفرحة في عيني وكلمات جارتي تقع في الذنين‬
‫وتساءلت بفرح وابتهاج ‪ :‬اين ساعمل ‪ ..‬ومتى ؟ز‪..‬‬
‫فجلست ‪ ...‬والقت بالفافة المحتضرة من يدها لتقول انا سأتزوج يا رامونا ‪...‬‬
‫فتساءلت في سري ‪ :‬ما هي علقة زواج مدام كاترين وموضوع حصولي على العمل ؟‪...‬‬
‫ال ان مدام كاترين بددت حيرتي‬
‫قالت ‪ :‬انا ساتزوج يا رامونا وسأترك العمل في الحانه وستحلين انت محلي وتتولين العمل في الحانه مدام‬
‫صوفي مكاني‬
‫فازداد الفرح وميضا في عيني‬
‫ووثبت الى مدام كاترين اعانقها هامسة ‪ :‬ومن تراه يكون صاحب الحظ السعيد ؟‪ ...‬من هو العريس يا مدام‬
‫كاترين ؟‪...‬‬
‫قالت انه فيكتور‬
‫واخذت جارتي الخمسينية تبسك قصتها مع فيكتور ومن خللها قصة عملي في حانه مدام صوفي‬
‫قالت هناك علقة عاطفية تربط بيني وبين فيكتور منذ امد بعيد ‪ ..‬انت الن ما زلت صغيرة ل تعرفين مدى قوة‬
‫هذه العلقة التي تربط بين الرجل والمرأة ‪ ..‬وغدا يوم تكبرين ‪ ..‬بعد سنوات قليلة ستكشفين تلك القوة الروحية‬
‫الهائلة التي تشد روحي المراة والرجل الى بعضهما ‪ ...‬هذه القوة المجهوله ربطت بيني وبين فيكتور منذ‬
‫سنوات وقد اتنفقنا على الزواج‬
‫ال ان الظروف المادية والجتماعية حالت دون تنفيذ التفاق اما الن وقد تقاضى فيكتور مبلغا كبير من الشركة‬
‫التي يعمل فيها وتقاعد عن العمل فقد قرر الزواج بي نحن ستنتزوج بعد اسبوع ونسافر الى راس مسقط‬
‫فيكتور الى قريه صغيرة تبعد عن نيس زهاء خمسين كيلو مترا وسنعمل على انشاء مزرعة صغيرة في الرض‬
‫التي يملكها زوجي في تلك القرية ونعيش الزواج السعداء‬
‫واشعلت جارتي الخمسينية اعاشقة لفافة نفثت دخانها في الفضاء لتستأنف حديثها قائلة ‪ :‬وقد ابلغت مدام‬
‫صوفي نبأ عزمي على ترك العمل في حانتها فرفضت اول ال انها وافقت اخيرا على طلبي مشترطه ان تعملي‬
‫في حانتها ليل ونهارا وان تنامي في الحانه ‪ ...‬وكان من الطبيعي ان اوافق على طلبها وفي ذلك افادة ومصلحة‬
‫لك لنك ستتخلصين من دفع اليجار هذه الغرفة ‪ ..‬ل سيما وقد اصبح لصاحب الغرف مبلغ كبير في ذمتك وقد‬
‫تعجزين عن دفع ذلك المبلغ‬
‫ونفثت مدام كاترين دخان لفافتها في الفضاء لتقول ما هو رايك الن يا رامونا في هذه النعمة التي هبطت عليك‬
‫من السماء ‪...‬‬
‫وبالرغم من العرض مغر فقد ترددت في الموافقة عليه ‪...‬‬
‫لماذا؟‪...‬‬
‫لست ادري‬
‫فكان ثمة قوة هائلة مجهولة تعصف بي وتدفعني الى رفض ذلك العرض‬
‫وتذكرت تلك الساعة ما قالته لي امي الراحلة السيدة كلوديت ذات مرة ‪...‬‬
‫قالت امي"‪ :‬هناك روحان ترافقان النسان على هذه الرض منذ ولدته حتى موته هما المل ك الحارس‬
‫و‪..‬ابليس ‪ ..‬الملك الحارس يحرس النسان ويحاول الدفع به الى الخير وابليس يضلل ذلك النسان ويدفع به‬
‫الى الشر ويجد النسان نفسه حائرا بين الخير والشر ول يستطيع النسان الى توجيه ملكه الحارس وان ينجو‬
‫من تضليل ابليس ال بواسطه الصله وعليك يا ابنتي يارامونا ان تواظبي على الصلة كي تستطيعي ان تسلكي‬
‫طريق الخير مع الملك الحارس وان تبتعدي عن المسير في طريق الشر مع الشيطان ‪"...‬‬
‫وبالرغم من ان كلم السيدة كلوديت تردد في خاطري تلك الساعة‬
‫بالرغم من انني شعرت بان ثمة خطرا يهددني في الموافقة على العمل في حانه مدام صوفي فقد رايت نفسي‬
‫مضطرة للمواقفة‬
‫فأنا بحاجة قصوى الى العمل للحصول على لقمة الخبز‬
‫وابديت موافقتي للجارة الحسنة‬
‫قلت‪ :‬ساعمل في حانه مدام صوفي يا مدام كاترين متي سأبدا العمل ؟‪....‬‬
‫قالت " غدا ‪ ..‬غدا ستشخصين معي الى مدام صوفي وستتعلمين معي اسبوعا واحدا ادربك خلله العمل في‬
‫الخانه ستعملين في تنظيف الحانه وفي غسل الطباق وفي خدمة الزبائن وبعد انقضاء السبوع اترك العمل في‬
‫الحانه وتتسلمين " الوظيفة " الجديدة وحدك ‪...‬‬
‫وتم تنفيذ الخطة التي رسمتها مدام كاترين لنقاذي من لفافة والعوز والجوع‬

‫الفصل الثاني‬

‫كان الليل قد اشرف على النتصاف عندما بلغ الصحافي الشاب سامي مجبور عند هذا الحد من قصة رامونا‬
‫الفرنيسة الحسناء‬
‫وابى سامي مجبور ان يتوقف عن القراءة‬
‫فاقصة مشوقة مؤثرة ومؤلمة‬
‫واشعل الصحافي الناشئ لفافة راح ينفث دخانها في الفضاء ليتابع القراءة‬
‫وقرأ ‪....‬‬
‫" امسكت جارتي المحسنه كاترين يدي في اليوم الول وسارت بي الى الحانه المنزوية في اخر الشارع الطويل‬
‫في مدينه "نيس"‬
‫وبكلمات مقتضبة قليلة قدمتني الى صاحبة الحانه‬
‫ولم تكن مدام صوفي بحاجة الى من يعرفها بي‬
‫فهي تعرفني‬
‫وقد ابتاعت مني الحلي منذ ايام بواسطة كاترين نفسها‬
‫ومقتني مدام صوفي بنظرة ثاقبة طويلة‬
‫وتمتمت لقد وافقت على ان تعملي في حانتي اكراما الى كاترين فانت ل تصلحين للعمل في حانتي ويخيل الي‬
‫انك ما زلت صغيرة والعمل عندي مرهق متعب وشاق قد تعجزين عن القيام به‬
‫وتدخلت كاترين مدافعة عن قدرتي على العمل‬
‫قالت ‪ :‬اؤكد يا سيدتي ان رامونا ستكون قادرة على القيام بالمسؤليات الجسام فهي بالرغم من صغر سنها قوية‬
‫مجتهدة نشيطة وانا سـأتولى تدريبها على العمل قبل انصرافي عن الخدمة في هذه الحانه بعد اسبوع‬
‫فنفثت مدام صوفي دخان لفافتها في الفضاء لتقول سانظر في شأننها بعد اسبوع فاذا برهنت عن مقدرة ونشاط‬
‫كان لها مكان للعمل في هذه الحانه وال فعليها ان تبحث عن لقمة الخبز في غير هذه الحانه‬
‫وحاولت ان اشكر صاحبة الحانه على ما ابدت نحوي من عطف ورحابة صدر‬
‫ال ان مدام صوفي حالت بيني وبين الكلم مستأنفة كلمها‬
‫قالت " اذا قدر لك ان تعملي في حانتي ايتها الصغيرة فعليك ان تقيمي في هذه الحانه ليل نهارا ‪..‬ستعملين في‬
‫تنظيف الحانه وفي غسيل الطباق والكؤوس والهتمام باعمال المطبخ كافة وقد نحتاج اليك لخدمة الزبائن‬
‫وستنامين ههنا في هذه الحانه فلا تخرجين منها ال باذن مني اتوافقين على هذه الشروط؟‪...‬‬
‫وتولت كاترين الجواب‬
‫قالت‪ :‬لقد اطلعتها ياسيدتي على كل هذه الشروط ‪ ...‬وواقفت وانا اؤكد لك انها ستكون مثال الخادمة المخلصة‬
‫الوفيه ‪...‬‬
‫وبدأت العمل في تلك الحانه‬
‫وابديت من النشاط والهمة والمقدرة والطاعة العمياء ما اثار اعجاب مدام صوفي وارتياحها‬
‫وبعد اسبوع ووافقت صاحبة الحانه على توظيفي في حانتها الكريمة‬
‫وتسلمت العمل من كاترين في تلك الحانه ‪...‬‬
‫وودعتني مدام كاترين ناثرة في مسمعي النصائح الغالية " كوني امينه مطيعة نشيطة يا رامونا ‪ ...‬وليوفقك ال‬
‫يا ابنتي ‪"...‬‬
‫وذهبت مدام كاترين‬
‫ومنذ ذلك اليوم لم ار لها وجها‬
‫وانتقلت من غرفتي الصغيرة تحت السللم الى غرفى صغيرة ايضا في الحانه الرحبة الواسعة الرجاء‬
‫وكان ثمة جدار في الحانه قرب قاعة نوم مدام صوفي‬
‫وكان جدار خشبي يفصل بين غرفتي وغرفة مدام صوفي‬
‫وفي تلك الحانه الكبيرة غرفة وقاعات عدة‪...‬‬
‫فهناك قاعة الطعام والشراب الرحبه ابوابها مشرعة امام الزبائن الكرام منذ الصباح حتى منتصف الليل‬
‫وهناك قاعة الميسر والمقامرة ‪....‬‬
‫وهي قاعة واسعة رحبه تفتح ابوابها نهارا وليل حتى ما بعد منتصف الليل‬
‫وقاعة نوم السيدة صوفي وهي قاعة مزينه بالريش ولثاث وفيها كل ما تحتاج اليه المراة النيقة الثرية من‬
‫وسائل الراحة والتدفئة والتبريد والنارة والنوم‬
‫وثمة قاعة للضيوف القارب ولصدقاء‬
‫وهم كثيرون‬
‫وفي اخر الحانه قاعة رحبه كبيرة فيها بعض المقاعد والطاولت والخزائن والصناديق الحديدة‬
‫وتلك القاعة لتفتح ابوابها ال بعد انتصاف الليل‬
‫ويجتمع فيها عدد من الرجال القوياء وبعض النساء وتلوح وجوههم علمات ا لقسوة والحزم والعزم‬
‫وكان الدخول الى تلك القاعة محرما على الزبائن الكرام‬
‫فلها زبائنها المميزون الذين يؤمون الحانه بعد انتصاف الليل‬
‫وكان عملي في تلك الحانه الكبيرة متعبا مرهقا شاقا‬
‫كان علي ان انهض من النوم في ساعة مبكرة من الصباح لتنظيف غرف الحانه وتكنيسها ونفض الغبار عن‬
‫الموائد والمقاعد وغسل الواني والطباق والكؤوس‬
‫واستمر في العمل وفي خدمة الزبائن حتى ما بعد منتصف الليل عندما ينقتح باب القاعة السريه ويبدأ الزبائن‬
‫تلك القاعة بالوفود الى قاعة ‪ ...‬عندئذ تهتف صاحبة الحانه بي "اذهبي ايتها الشقيه الى غرفتك ونامي‪"...‬‬
‫ولم يكن لي ال المتثال لوامرها السامية‬
‫فصاحبة الحانه مدام صوفي امراة قاسية القلب حازمة صارممة‬
‫ليس ثمة في تلك الحانه من يعصي لها امرا‬
‫حتى الزبائن كانوا يخافونها ويتقون شرها‬
‫وكا ن الخروج من تلك الحانه محرما علي‬
‫فالوامر التي اصدرتها مدام صوفي صريحا ل تحتاج الى تفسير "‪ :‬ل تخرجي من الحانه يا رامونا ‪ ...‬تنطقي‬
‫بكلمة مما تسمعين ول تخرجي احدا بما تشاهدين ول تبوهي بسر قد تقفين عليه ‪ ..‬كوني عمياء صماء‬
‫بكماء ‪"...‬‬
‫وكنت كما ارادتني مدام صوفي‬
‫ل ارى ول اسمع ول اتكلم‬
‫هكذا تريديني سيدتي فليكن ماتريد‬
‫كل ما اصبو اليه هو الحصول على القوت والمرقد‬
‫فل احتاج الى البحث عن ثمن الطعام‬
‫ول اضطر الى دفع اجرة الغرفة في اخر كل شهر‬
‫اما المرتب فلم اكن لبه له‬
‫ولم تكن مدام صوفي تنقدني مرتبا‬
‫بل كانت تمسح لي بان احتفظ بما يجود علي الزبائن الكرام من فرنكات قليلة‬
‫وكان زبائن الحانه يعطفون علي وهم يروونني فتاة صغيرة انصرف الى خدمتهم وتلبيه طلباتهم‬
‫وبالرغم من ان معظم اولئك الرواد من الرجال القوياء القساة القلوب الشرسين فقد كان ثمة بينهم من يجود‬
‫علي ببعض الدراهم‬
‫وكان من بين اولئك الشاب ادغار فوريه‬
‫وكان ادغار صديق صاحبة الحانه الحميم‬
‫وله وحده الحق في دخول القاعة الجتماعات السرية عندما يريد‬
‫وكثييرا ما كان ادغار يقضي ما تبقى الليل في غرفة مدام صوفي‬
‫وكنت اشاهد ادغار من حين الى اخر يحمل حقائب او صناديق ويدخل بها الى قاعة الجتماعات السريه‬
‫او هو يحمل الحقائب والصناديق ويخرج بها من تلك القاعة‬
‫ال انني كنت اسمع احيانا مناقشات حادة بين المجتمعين‬
‫ولكني لم ابه مرة لتلك المناقشات ولم اعرها أي اهتمام‬
‫***********************‬
‫" ومضت اليام ‪.....‬‬
‫انقضت سنتان على عملي في الحانه مدام صوفي اخرج خللهما من تلك الحانه‬
‫وكانت مدام صوفي تحظر علي الخروج من حانتها العامرة‬
‫ولم اكن لخالف امر سيدتي امرا‬
‫وبدات اشعر بقوة الشباب وبحرارته تجري في عروقي وقد اشرفت على تخطي الرابعة عشر من العمر‬
‫واقتربت من مطلع الخامسة عشر ‪....‬‬
‫وبدأت انظار الشبان الذين يرتادون الحانه تحوم حولي‬
‫وكان بعض اولئك الشبان ينثرون في مسمعي كلمات الغزل والعجاب ويرمقونني بنظرات ملتهبة حارة‬
‫غيير انني لم اكن اعير نظراتهم وهمساتهم أي اهتمام‬
‫وذات ليلة باردة عاصفة سوداء احتشد في الحانه جمع من الرجال المقامرين المدمنين على الخمر انصرفت‬
‫كعادتي بخدمة اولئك الرجال‬
‫وكان السكر الشديد على بعض الشبان فراحوا يتمادون في اسماعي كلمات العجاب‬
‫ومنهم من راح يتغزل بجمالي الفاتن وشباب العاطر الريان‬
‫وبالرغم من انني لم ادرك ادراكا تاما ما تنطوي عليه تلك الكلمات ول افقه ما معنى تلك النظرات الملتهبة‬
‫الحمراء فقد كنت مرتاحة الى ما اسمع وارى‬
‫انها غريزة المرأة التي ترتاح الى استماع المديح ولطراء والمبالغة في وصف شبابها وجمالها ‪...‬‬
‫وطالت الجلسة الصاخبة الى ما بعد منتصف الليل‬
‫وبدأ الرواد الحانه يخرجون وقد اشرفت الساعة على الواحدة بعد منتصف الليل‬
‫وبدأت اتأهب للدخول الى غرفتي لستسلم للرقاد‬
‫واذا بي افاجأ بشاب تبدو على محلمحه السكر وتفوح منه رائحة الخمر ينتصب امامي ليمسك بيدي ويشدني‬
‫الى صدره محاول تقبيلي ‪....‬‬
‫وذعرت ‪...‬‬
‫وحاولت جاهدة الفلت من بين يديه القوتين فعجزت‬
‫واذا بصديق مدام صوفي ادغار يثب الى ذلك الشاب وينهال عليه باللطم والصفع‬
‫ويلقي به بعيدا عني‬

You might also like