Professional Documents
Culture Documents
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 2
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 3 جملة املدونة:
االفتتاحية
كلمة التحرير)5(......................................................................................................................
املسائل امللقبّة يف غري الفرائض دراسة فقهيّة مقارنة (مع مناذج منتقاة يف خطوةٍ إلحياء منط التّلقيب يف
فقه النّوازل املعاصرة ) )205(................................................................................................................. .
د .مجال عزّون
من األحكام العامة لإلحسان)244(............................................................................. ............................
د.عطية خمتار عطية حسني
منهج احلديث النبوي الشريف يف الكشف عن السنن اإلهلية)284(......................................................
د .رشيد كُهُوس
هلدَايَةِ))400(................................
خرِيجِ مَا ا ْسَت ْغرَبَهُ الزَّي َلعِيُّ فِي (نَصْبِ الرَّايَةِ ألحَادِيثِ ا ِ
العِنـَــــــايَةُ ِبتَ ْ
د.أمحد علي عبد احلميد حافظ
التمييز بني املرأة والرجل يف األحكام الشرعية :مراجعات تأصيلية ملفهوم األنوثة يف اإلسالم)436(..
دة.خدجية متعزوسيت -د .شوقي األزهر
حرية االعتقاد وأثرها يف التعددية الدينية يف اإلسالم)476(....................................................................
أ.جالل الدين معيوف
من كنوز التراث
مسألة يف الفرق بني حقيقيت اإلجارة واجلعل للشيخ عبد القادر الراشدي القسطنطيين :تقديم
وحتقيق)302(.................................................................................................................................... ........
د .أمحد بن عبد السالم مغراوي
الوصية املشملة على مناسك احلج والعمرة لإلمام حممد بن حممد بن أمحد بن ناصر الدرعي
(ت5085هـ) :تقديم وحتقيق)353(...................................................................................... .......... :
أ.رشيد اجلاري
قراءات وإضاءات
التعريف بكتاب املنهاج يف بيان مناسك احلاج ومؤلفه )348(............................................................. ....
أ .يونس بقيان
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 5 جملة املدونة:
خالق الخلق باسط الرزق فالق الاصباح ذي الجالل والاكرام، ِ الحمد هلل
والصالة والسالم على سيدنا وحبيبنا محمد بدر التمام ،ونور الظالم ،ومفتاح دار
السالم ،والشفيع في جميع ألانام ،وعلى آله وأصحابه البررة الكرام.
وبعد؛ فنحمد هللا تعالى أن يسر لنا إصدار العدد 51من مجلة املدونة التابعة
ملجمع الفهه سإلسالم بالنند .وقد خصص ملف هذا العدد لبعض املصطلحات
الفهنية املعاصرة (فهه النوازل ،فهه ألاولويات ،فهه ألاقليات-فهه املهجر ،فهه
الاختالف)؛ تعريفا بها ،وبيانا ألهميتها ،ورصدا لبعض ما ألف فيها ...كما اشتمل العدد
على بحوث ودراسات أخرى في ألاصول والفهه والحديث والفكر سإلسالم وغير ذلك،
فضال عن رسالتين محههتين في الفهه
سإلسالم .
وقد تزامن صدور هذا العدد والهدس
الشريف ما زال يرزح تحت نيران املحتل
الصنيون ،بعد الهرار ألاحمق الذي صدر
عن ترمب ...
نسأل هللا تعالى أن يحفظ بيت
املهدس وأكناف بيت املهدس وأهل بيت
املهدس ،وأن يعيدها إلى حضن سإلسالم
وعزته ورفعته وثغوره.
والحمد هلل رب العاملين.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 6
7 م1058 يناير/هـ5341 ربيع اآلخر،51 العدد،السنة الرابعة :جملة املدونة
Search Summary
مقدمة
بعد:
احلمد هلل رب العاملني ,والصالة والسالم على سيدنا حممد ,وعلى آله وصحبه أمجعني ,أما ُ
فإن مسألة حترير املفاهيم ,مسألة متجددة بتجدد الطوارئ واملؤثرات الواقعية ,ويف نفس الوقت هي عملية
مهمة جداً؛ لبيان األفراد اليت تدخل يف حيز هذا املفهوم أو ذاك ,ولتحديد وجهة املفهوم وضبطه ,وقولبته ,وهذا
مما يستدعي أن تراجع تلك املفاهيم ,وإعادة النظر يف حتريرها وتقوميها.
ومن املعلوم أن الواقع تعددت فيه املفاهيم اليت يفرزها ,ومن هذه املفاهيم مفهوم فقه األقليات ,وإذا تعلق
األمر باحلكم الشرعي ,فإنه سيحتاج إىل قدر كبري من التفحص؛ ألنه سيعمل على حتديد اجتاه الفقه ,والتفحص
يف ذلك يطمئن بأن يسري الفقه األقلِّي باالجتاه الصحيح ,وتوجيه احلكم الشرعي وهو يتجنب االنزالق يف اجتاه
غري اجتاه الشريعة ومقاصدها.
وقت تتزايد فيه ظاهرة اهلجرة بشكل كبري جداً ,ومل تكن هلا وجهة واحدة ,ومل تنقطع, وتأيت هذه القراءة يف ٍ
ويف غالبها هجرة قسرية وليست طوعية ,وهجرة من أجل العيش ,وسد رمق اجلوع ,وهجرة من أجل اخلالص.
ومنها اتساع رقعة العامل وتداخل املسلمني وغري املسلمني يف البلد الواحد واملوطن الواحد ,وامتزاج ذلك
بشكل كبري ومتزايد؛ يقتضي قراءة املصطلح مع اعتبار املتغريات العاملية وتأثريها على اجملتمع املسلم وتأثر اجملتمع
بذلك.
إضافة إىل استنطاق املقاصد الشرعية ومراعاهتا يف املستجدات والنوازل العصرية.
ومنها هذا شرعت يف هذا البحث لبيان املصطلح وحتريره -ما استطعت -حسب األصول الشرعية
واملقتضيات الواقعية.
واخرتت املنهج التحليلي االستنباطي ,ووفق ذلك جاءت خطت البحث على النحو اآليت:
املقدمة:
املبحث األول :تعريف املصطلح باعتباره مركبا ,وفيه مطلبان:
املطلب األول :تعريف الفقه لغة واصطالحا.
املطلب الثاين :تعريف األقلية لغة واصطالحا.
املبحث الثاين :تعريف املصطلح باعتباره علما ,وفيه مطلبان:
املطلب األول :التعريفات املعاصرة للمصطلح ومناقشتها.
املطلب الثاين التعريف املختار.
مث اخلامتة:
قل باعه وكثر غلطه ,بذلت فيه ما استطعت من جهد فإن كان فيه من خري فمن ويف اخلتام هذا جهد من َّ
اهلل ,فهو صاحب املن والفضل ,وإن كان غري ذلك فمين وأسأل اهلل العفو واملغفرة عن ذلك.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 9 جملة املدونة:
المبحث األول
تعريف المصطلح باعتباره مركبا
تمهيد:
الشك أن مصطلح فقه األقليات مل يكن معروفاً لدى الفقهاء السابقني ,بل تشكل هذا املصطلح بعد
ازدياد ظاهرة اهلجرة للمسلمني إىل بالد غري اسالمية ,لدواعي وأسباب لسنا بصدد عرضها.
ويف هذا يقول الشيخ بن بيه( :إن هذا املصطلح مصطلح حديث مل يكن معروفاً يف املاضي ,وقد نشأ يف
القرن املاضي ,وتأكد يف مطلع القرن اخلامس عشر اهلجري مع قيام اهليئات اإلسالمية املهتمة بأوضاع اجلاليات
املسلمة واجملتمعات املسلمة يف بالد الغرب ,ويف مقدمة هذه اهليئات رابطة العامل اإلسالمي ,وبعدها منظمة املؤمتر
اإلسالمي)(.)1
ومن مث (هي مصطلحات حديثةُ ٍ
عهد بالتداول بين المهتمين بهذا الشأن ،وال يزال الحو ُار فيه قائماً
في سبيل االنتهاء فيها إلى مفاهيم بينة)()2؛ ألن مصطلح األقلية الزال مل يتبني مفهومه الدقيق ,ومن هي الفئة,
أو اجملموعة ,أو اجملتمع الذي يطلق عليه أقلية ,وال يطلق على غريه باالعتبار الشرعي.
وكما أننا إذا أردنا تأصيالً شرعياً أصولياً هلذا الفقه ,وبيان ضوابط منهجية تسري عليها حياة الناس
املوصوفني باألقلية ,فإن كل ذلك يتوقف على بيان املفهوم مبعناه الدقيق.
( )1صناعة الفتوى وفقه األقليات ,تأليف :الشيخ عبد اهلل بن بيه (.)82
( )2فقه األقليات حتديد املفاهيم ,عبد اجمليد النجار http:www> islamonte.not.نقالً عن فقه األقليات يف ضوء املقاصد
الشرعية –التجربة املاليزية ,-أ.د حممود زهدي عبد اجمليد (.)1
()3ينظر :تاج اللغة وصحاح العربية .)39/7( ,ومعجم مقاييس اللغة )448 / 4( ,واحملكم واحمليط األعظم .)194 / 8( ,ولسان العرب,
(.)588 / 19واملصباح املنري يف غريب الشرح الكبري للرافعي.)473 / 8( ,
()4اإلهباج يف شرح املنهاج على منهاج الوصول إىل علم األصول للبيضاوي .)82 / 1( ,والتمهيد يف ختريج الفروع على األصول/ 1( ,
.)55والتعريفات)812 / 1( ,وينظر :احلدود األنيقة والتعريفات الدقيقة.)27 / 1( ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 11
(وقيل الفقه :هو اإلصابة والوقوف على املعىن اخلفي الذي يتعلق به احلكم ,وهو علم مستنبط بالرأي
واالجتهاد ,وحيتاج فيه إىل النظر والتأمل)(.)1
وهذا املعىن الثاين أمشل وأصلح ملا حنن بصدده ملا يتعلق بإدراك األمور اخلفية املتعلقة باألحكام الشرعية ,وهو
مما حيتاج إىل فكر ونظر وتأمل ,وعندما نصطلح (فقه األقليات) ال يعين فقط املعىن األول بل ما هو أوسع وأمشل
من خالل تتبع وتفكر ,والتفتيش عن اخلفايا واملشكالت؛ لتحرير النظر يف املعضالت.
ويقول الشيخ القرضاوي( :ويراد باألقليات :كل جمموعة بشرية يف كل قطر من األقطار ,تتميز عن أكثرية
أهله يف الدين أو املذهب أو العرق أو اللغة أو حنو ذلك من األساسيات اليت تتمايز هبا اجلماعات البشرية بعضها
عن بعض)(.)1
ومما يالحظ على هذه التعاريف االصطالحية جيد أهنا تقتبس معناها األساس من املعىن اللغوي وتنحدر معه
بقوة ,مع أن الواقع قد يغاير بعض الشيء.
ومن هذا جند أن املعىن االصطالحي ال خيرج عن املعىن اللغوي ,أصالة وهو (القلة من حيث العدد) مع
التميز يف العرق أو الدين ,أو اللون ,إال أن إضافة فقرة (تملك السلطان أو معظمه) .يف تعريف منظمة املؤمتر
كبري .إال أنه يبقى تساءل مهم ماذا لو كانت األقلية هي من (تملك
اإلسالمي ,له وجه من االعتبار الشرعي ٌ
السلطان أو معظمه) -كما هو نص التعريف -ماذا تسمى؟ هل تبقى أقلية اعتباراً للعدد أو أكثرية اعتباراً
لتملك السلطان أو الحكم؟.
قبل اجلواب انتقل إىل بيان املصطلح املركب؛ لتوقف اجلواب على ذلك يف هذا البحث.
المبحث الثاني
تعريف المصطلح باعتباره علما
( )1يف فقه األقليات املسلمة ,د .يوسف القرضاوي (دار الشروق – القاهرة) (س 8551م) (.)15
( )2املصدر نفسه (.)82
()3اخلالصة يف فقه األقليات ( .)41 /1وهذ التعريف املذكور عن اخلضريي ذكره بعد اجابته عن بعض املسائل يف فقه األقليات يف حوار معه,
كما بني ذلك صاحب كتاب .اخلالصة يف فقه األقليات (.)41 /1
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 12
( )1فقه األقليات تأصيل وتوجيه ,الدكتور حممد أمحد لوح ( )8مقال منشور عاألنرتنيت بصيغة (.)PDF
( )2فقه األقليات يف ضوء املقاصد الشرعية –التجربة املاليزية ,-أ.د حممود زهدي عبد اجمليد ( .)8ينظر :من فقه األقليات ,خالد حممد عبد
القادر ,تقدمي عمر عبيد حسنة ( .)12والكالم لالستاذ عمر عبيد حسنة.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 13 جملة املدونة:
وأما النقطة الثانية :اليت فيها شبه اتفاق ,بأن هذا الفقه يشمل من هم (يعيشون خارج ديار المسلمين).
َّ
وحقيقة هذه املفردات أُخذت من املدونات الفقهية املؤسسة لتقسيم الدار إىل دارين :دار اإلسالم ,ودار
احلرب أو دار الكفر ,وبالتايل يعتب املعىن الثاين هو دار األقلية ,وبدأ البعض من املهتمني بالفقه األقلِّي املعاصر
كبري جداً ,من حيث تشكيل فكرة تقسيم يسحب أحكام تلك الدار إىل فقه األقليات اليوم ,مع أن الفارق ٌ
صلح لزمن قد ال يصلح لزمن آخر ,وزمن الدار ,ومن حيث الواقع الذي نتج فيه التقسيم وواقع اليوم؛ ألن ما َ
القوة ليس كزمن االستضعاف.
ومن هذه الفتاوى اليت سحبت أحكام دار احلرب إىل واقع اليوم فتوى الشيخ عبداهلل بن بيه يف شأن شراء
بيوت السكىن بقرض ربوي ,ومت ختريج الفتوى على عدة خمرجات ,منها :قول احلنفية جبواز التعامل بالربا يف دار
()1
لست بصدد بيان خطأ الفتوى أو صواهبا -ومن كان مثلي ال يقوى على ذلك -بقدر احلرب .ويف هذا املقال ُ
ما هو التعويل على مسألة (استحضار أحكام تلك الدار في الخطاب الفقهي المعاصر لفقه األقليات
المسلمة) ,مع وجود الفوارق الكبرية بني الواقعني.
كما أن مما تستدعي مالحظته ,بأن هناك أعداداً كبرية ممن يعيشون يف بعض ديار املسلمني هم أشد ضعفاً
ممن يعيشون يف ديار غري املسلمني ,بل رمبا على العكس يف بعض األحوال ,فاملسلمون الذين يعيشون يف بعض
ديار املسلمني ال يستطيعون أن يقيموا كثرياً من األحكام اليت يستطيع املسلم أن يقوم هبا خارج بعض ديار
املسلمني .وهو أحد األسباب اليت أدت إىل اهلجرة ,وهو أن املسلم الذي يعيش يف بلده اإلسالمي ,قد ال
يستطيع أن يقيم شعائر دينه كاملة يف بلده ,وله احلرية يف البالد غري اإلسالمية.
فإن (هذا الفقه القيم وإن كانت نشأته األوىل نابعة من ظروف اجلاليات اإلسالمية الذين يعيشون من أجل
اللقمة يف البالد غري اإلسالمية وخصوصاً يف أوربا وأمريكا ,إال أن املقاصد الشرعية اليت تدور حوهلا األحكام
املقررة يف هذا الفقه توجد كذلك يف اجملتمعات اإلسالمية ذات األكثرية العددية ,مع قلة يف النفوذ السياسي
واالجتماعي واالقتصادي)(.)2
وعلى بيان ما تقدم ,ومن أجل أن يتحدد املفهوم بشكل أدق ,ممكن أن نتعامل مع مصطلح األقلية مبا تفرزه
من معاين تلتصق باألقلية ,أو تكون مالزمة هلا غري منفكة عنها ,ومن هذه املعاين معىن (االستضعاف) -إضافة
إىل معىن العدد القليل -وهو من املعاين اليت تالحق مصطلح األقلية ,فتجريد مصطلح األقلية عن هذا املعىن قد
يؤدي إىل تعثر املفهوم االصطالحي.
ألن (من لوازم األقلية أهنا تكون عادة ضعيفة أمام األكثرية .فالكثرة تنيبء عن القوة ,والقلة تنيبء عن
الضعف)( .)3والسؤال املهم هنا هو= كيف إذا كانت األكثرية مستضعفة؟!
( )1يُنظر :الفرق بني الضرورة واحلاجة تطبيقاً على بعض أحوال األقليات املسلمة ,تأليف :الشيخ عبد اهلل بن بيه (.)125-157
( )2فقه األقليات يف ضوء املقاصد الشرعية –التجربة املاليزية ,-أ.د حممود زهدي عبد اجمليد (.)15
( )3يف فقه األقليات املسلمة ()15
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 14
ويمكن أن يقال :إن المعنى اللغوي الحسي (لألقلية) هم (األقل عدداً) لكن المعنى المعنوي هم
(األضعف من اآلخر).
وألنه قد يكون االستضعاف مع األكثرية العددية إذا أردنا توسيع املعىن لألقلية ,وخاصة حنن يف هذا
البحث لنحدد مفهوماً لفقه األقليات ,ولتتسع دائرة املفهوم اليت تنطبق عليه.
وكذلك فإن إضافة الفقه لألقليات يكون اعتبار الضعف أقوى تأثرياً يف احلكم الشرعي من اعتبار العدد.
وعادة ما يلحق االحكام الشرعية جانب القوة والضعف ,وليس للعدد اعتبار كبري يف احلكم الشرعي بقدر ما هو
متعلق جبانب القوة والضعف.
وأخب القرآن أن التغيري الذي تشهده األمم وتتطلع عليه ليس من قبيل العدد ,بل من قبيل القوة واالقتدار,
()1
ومن ذلك ﭧ ﭨ ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ
إذا ال اعتبار للكثرة وإمنا االعتبار يف االقتدار والقوة والعمل ,والتطبيق الكامل لإلسالم ,ويف هذا بني الدكتور
عمر عبيد حسنة :أن هذه القضية هي يف حقيقتها قضية نسبية ختتلف فيها معايري النظر واحلكم والتقومي
األمر ال ميكن أن حيكمه عدد الرؤوس ,الكم املهمل ,أو ما ميكن أن يسمى (الكل والنتائج..وابتداءً نرى أن َ
املعطل) الذي ال يأيت خبري أينما توجهه ,مبقدار ما حيكمه الكيف والنوعية والفاعلية ,أو ما أطلق عليه القرآن
الكرمي (اإلنسان العدل).
كما أنه مما يؤكد ذلك أن معيار الغلبة ليست الكثرة ﭽ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ
ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﭼ( )1بل قد تكون سلبية ﭽ ﮥ ﮦﮧ ﮨ ﮩ ﮪ
()2
ﮫ ﮬﮭﮮﭼ
فإذاً اعتبار القوة والتمكني وثبات القيم ﭽ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ
ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﭼ ( )3وهبذا يكون الضعف
واالستضعاف أفضل باالعتبار من العدد(.)4
وسيكون املفهوم شامالً للفئات اليت ال تستطيع إقامة شعائر دينها ومعتقداهتا؛ لضعفها وتشتتها .وإن كانت
أكثرية (فكم من أكثرية القيمة هلا والنفوذ وال قرار .وكم من أقلية متتلك إدارة األمور والتشريع هلا .فالقضية قضية
واقع ,أو حالة حضارية أو ثقافية ميكن أن تلحق باألكثرية أو باألقلية ,حتتاج إىل فقه ونظر واجتهاد ,وليست
قضية حمصورة بفقه األقلية بالشكل املطلق)(.)5
المطلب الثاني :التعريف المختار
وبناء على ما تقرر فاملراد أن يكون مصطلح فقه األقليات ليس االعتبار فيه للعدد بل األصل االعتبار للقوة
والضعف ,والعدد تبع ,ونعين بفقه األقليات في االصطالح( :معرفة األحكام الشرعية التي تتنزل على واقع
قل عددهم أم كثر).
األقليات المسلمة المستضعفة حاالً ومآالً ،في أي مكان ،سواء َّ
تحليل التعريف:
سيتم حتليل التعريف حبسب مفرداته املهمة اليت ذُكرت آنفاً ,وبيان ذلك على شكل نقاط:
.5مفردة (المستضعفة):
واختيار مفردة (املستضعفة) يف التعريف؛ ألنه عندما نصطلح (فقه األقليات) يعين بيان احلكم الشرعي
واحلكم الشرعي يتأثر باالستضعاف أكثر مما يتأثر بالعدد؛ وخلصوصية هذا املعىن يف اجلانب الفقهي ,والعدد قد
يكون ال عالقة له من حيث اجياد احلكم املناسب.
فتأثر األحكام بالقوة والضعف ,أكثر من العدد ,ولكن ميكن أن يقال :إن أكثر ما يصحب أو غالباً ما
يكون من جانبه الضعف هم القلة ال الكثرة .وهلذا جاء هذا املصطلح .ولكنه مع ضرورة مالحظة األقلية من
حيث الكيف.
وهبذه املفردة (املستضعفة) قد يكون املفهوم جامعاً مانعاً ,جامعاً ألفراده املستضعفة يف ديار اإلسالم وغريه,
ومانعاً من دخول األفراد األقلية العددية النافذة حبكم وضعها السياسي واالجتماعي واالقتصادي.
واملراد أن يكون فقه األقليات فقهاً يتجه باجتاه متكني وتكوين قوة للمسلم ,أما املعىن املوجود يف فقه
االقليات يعمل على تكريس احلكم الشرعي باجتاه األقل عدداً ,واألبعد دياراً ,وسيعمل بفعل الزمن أن تبقى تلك
األقلية يف مكاهنا وهي تعمل بفقه الضرورة واحلاجة ,أو الفقه االستثنائي بشكل عام .وكذلك تبين تصوراهتا بأهنا
بعيدة كل البعد عن ديار املسلمني من حيث اجلغرافيا.
يف حني أن تلك األقلِّية قد يكون هلا شيء من القوة واالعتبار ,وإقامة الشعائر يف البلد الذي يقيمون فيه,
قد يكون أكثر من البلد األصل.
واخلالصة :فإن فقه األقليات يُعد أحد أفراد فقه االستضعاف وال خيرج عنه ,والرتكيز على مفردة
االستضعاف يف املفهوم أوىل من العدد فقهاً وواقعاً.
.2مفردتا (حاالً ومآالً):
ًأما إضافة مفرديت (حاالً و مآالً) إىل املفهوم؛ فمعىن (حاالً) فقه الواقع ,و(مآال) فقه املآل .ألن (فقه
(احلال) بواو العطف يف ِ
(املآل)؛ ألنه بدون فقه املآالت َ ألصقت الواقع) البد أن يستصحب (فقه المآل) و
ُ
مهم.
سيعمل فقه الواقع على تركم املشكالت املستقبلية اليت قد يصعب حلُها مستقبالً .وذلك يف فقه األقليات ٌ
واملالحظ على توجه فقه األقليات ,هبذا النوع من (فقه الواقع) وهو يعمل على حتقيق املناط اخلاص ما
أن قراءة الواقع مهمة يف كل عملية اجتهادية ,وتزداد أمهيتها يف فقه األقليات املسلمة استطاع ,والشك َّ
وضَروِرية تقدر بقدرها ,ويتعامل مها حبسب خصوص األفراد املستضعفة؛ ألنه بصدد بيان وتنزيل أحكام استثنائية َ
أحياناً ,وخبصوص اجملموع املستضعف أحياناً ,من غري تعميم.
فكل حيتاج إىل قراءة مستأنفة مستصحباً الواقع؛ لتصحيح بيان احلكم وتطبيقه .ووفقه يالحظ طبيعة ٌ
األنظمة وفروقاهتا ,فقضية األقليات ومشاكلها نسبية من أقلية إىل أخرى ومل تكن على مستوى واحد من احلرية
واألحكام وإظهار الشعائر ,وكذلك اختالفها من حيث أهنم أصل يف هذه البالد أم أهنم مهاجرون من دول
أخرى.
وذلك مهم لكنه حيتاج استصحاب الفقه املآيل لتصحيح سريها مبا يضمن عدم االنزالق هبذه األقلية بوحل
العوملة أو تشويه الفكر واالعتقاد ,أو االندماج السليب يف اجملتمع املختلف بأعرافه وعاداته وديانته.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 17 جملة املدونة:
فينبغي هلذا الفقه أن يستشرف املستقبل وهو يعاجل الواقع .فاألصول اليت ينبين عليها فقه األقليات املسلمة
أصول استثنائية كالضرورة واحلاجة وهو مقرر حلالة استثنائية وليست حلالة دائمة ,فالفقه البد أن يسري باجتاه خيرجه
من االستثناء إىل البقاء والدوام ,ألنه من غري ذلك قد تؤول تلك االجتهادات إىل ضياع الفقه اإلسالمي والشريعة
اإلسالمية ,باعتبار أن ما ُشِّرع لالستثناء قد يصبح للتأبيد واألمر غري هذا.
ويتأتى ذلك من خالل (الفقه المآلي) الذي يسري بفقه الواقع إىل القوة والتمكني.
إن الفقهي املآيل ال يقل أمهية عن الفقه اآلين بل مها بنفس االعتبار أو املآل أزيد؛ ألنه الفقه الذي يضع
خططاً اسرتاتيجية مستقبلية عالجية ,حتُفظ من خالها الفتوى اآلنية واملآلية يف نفس الوقت.
والشك أن االحندار الشديد الذي تشهده اجملتمعات هو بسبب عدم وضع املؤسسات الفاعلة خططاً
مستقبلية ومن هذه املؤسسات املؤسسة الدينية (مؤسسة الفتوى) ,والشك هي من أهم املؤسسات اليت هلا
التفاعل من قبل اجملتمع املسلم.
وفقه االستضعاف أو األقليات الشك مما حيتاج إىل هذا الفقه املستقبلي الذي يتبصر مآل هذه الفئة
املستضعفة وما هي اآلليات اليت تسعي إىل إخراجها إىل أن تكون قوة فاعلة تسيطر على اآلخر بدل أن تكون
مسيطراً عليها ,وكيفية إجياد متيز للهوية اإلسالمية لألقليات املسلمة ,والفقه الذي ال يعتب املآل له اخلطر الكبري
الذي ينسف السابق والالحق ويؤدي إىل ضياع ,بدل من انصياع وانقياد.
وهبذا تكون حاجة اجملتمعات اإلسالمية أقلية كانت أو أكثرية ,قوية أو مستضعفة إىل فقه املآالت حاجة
ملحة؛ لتصحح سريها من خالل قراءة املستقبل وما حيمل من تداعيات وعواقب ,وتقليل هذه العواقب
والتداعيات من خالل هذا الفقه ,وليس هذا بدعاً من القول وإمنا هو منهج الشريعة ،ﭧ ﭨ ﭽ ﮬ ﮭ
ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﭼ( .)1ووجه الداللة هو لَ َّما كان الفعل يف أصله
حمموداً مقصوداًَّ ,إال أنَّه مبآله مذموم ,هنى اهلل تعاىل عن األصل احملمود؛ لتغليب اعتبار أصل املآل املذموم( .فمنع
اهلل تعاىل يف كتابه أحداً أ ْن يفعل فعالً جائزاً يُؤدي إىل حمظور)(.)2
أن رسولوترك النيب ( )بناء البيت على قواعد إبراهيم ( :)ما روي (عن عائشة -رضي اهلل عنها َّ
اهلل ( )قال هلا( :أمل تَ َر ْي َّ
أن قومك لَ َّما بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم) .فقلت :يا رسول اهلل أال تردها
على قواعد إبراهيم قال( :لوال حدثان قومك بالكفر لفعلت)(( .)3ألن مصلحة االجتماع واالئتالف ,مقدمة على
مصلحة البناء على قواعد إبراهيم)( .)4ومقصد رد البيت احلرام وبنائه على قواعد إبراهيم ( )مقصد معتب؛
لكنَّه مع عظمة املقصد وجاللة الفعل ,مآله يفضي إىل نزع القداسة للبيت من قلوب الناس؛ حلداثتهم بالكفر,
األمري حني أراد أ ْن يَُرَّد البيت على قواعد إبراهيم فقال له :ال تفعل لئَّال يتالعب الناس
مالك َ (ومبقتضى هذا أفىت ٌ
ببيت اهلل)(.)1
(إين ال أزعم َّأهنا حرام,
ومنع سيدنا عمر ( )الزواج من الكتابيات :وذلك عندما كتب إىل حذيفةَّ :
منهن)(.)2
لكين أخاف أ ْن تعاطوا املومسات َّ و َّ
أن ذلك قد يؤدي إىل مفسدة اجتماعية مع إقراره فمنع سيدنا عمر ( )الزواج من الكتابيات عندما رأى َّ
أنه حالل يف أصله؛ لكن لفساد مآله منع .وفتوى سيدنا عمر -رضي اهلل عنه -قد يكون هلا اعتبار يف فقه
االقليات املسلمة اليوم اليت اخنرطت يف جمتمعات أهل الكتاب بشكل كبري ,ويف ظل اهلجمة الكبرية على اإلسالم
واملسلمني ,ما قد يؤدي إىل اإلفراط يف التزاوج ,وقد يؤدي إىل نفس املآالت اليت منع سيدنا عمر -رضي اهلل عنه
-الزواج بسببها.
فيكون هلذا الفقه األمهية القصوى يف فقه األقليات املسلمة؛ لرسم اخلطط التشريعية املستقبلية لألقلية
املستضعفة وبيان مستقبلها بالوجه الذي حيقق مقاصد الشريعة اإلسالمية.
وال يفوتين أن أنبه أن األستاذ عبد اجمليد النجار قد كتب يف هذا حبثاً قيماً قدمه للمجلس األوريب لإلفتاء
بعنوان (مآالت األفعال وأثرها يف فقه األقليات) وهو حبث مهم جداً يف هذا الباب.
.9فقرة (في أي مكان):
يشكل اشكاليةً
ُ و َّأما فقرة (يف أي مكان) يف املفهوم ,على اعتبار أن تقسيم الفقهاء دار اإلسالم إىل دارين,
واقعيةً تطبيقاً وحتقيقاً .وخروجاً مما اختلف فيه العلماء املعاصرون بني مؤيد ,وغري مؤيد هلذا التقسيم.
وجتنباً للتعارض يف داخل املفهوم؛ ألن إضافة عنصر (االستضعاف) إىل املفهوم قد يتعارض مع حتديد املكان
أو الدار ,فاالستضعاف يشعر بعدم اخلصوصية بدار بعينها.
وكما (أن اخلطاب التكليفي واألحكام الفقهية املنوط إنفاذها باألمة كأفراد ,غري اخلطاب واألحكام الفقهية
املنوط إنفاذها بالدولة ,كمؤسسة ذات سلطان؛ لذلك فاألقليات املسلمة يف بالد غري املسلمني ,تعتب من األمة
املسلمة ,مبا ميكن أن نطلق عليه اجلغرافيا الثقافية ,وليس من الدولة املسلمة ,أو من دار اإلسالم ,حال وجود
الدولة املسلمة فيما ميكن أن نسميه اجلغرافيا السياسية)(( .)3فهو فقه نوعي يراعي ارتباط احلكم الشرعي بظروف
مجاعة ما يف مكان حمدد؛ نظراً لظروفها اخلاصة ,يصلح هلا ما ال يصلح لغريها)(.)4
.4فقرة (قلَّ عددهم أو كثر):
(قل عددهم أو كثر) تغليباً ملعىن االستضعاف على معىن العدد يف املفهوم؛ لالعتبار الفقهي يف
وكذلك فقرة َّ
املعىن األول (االستضعاف) دون الثاين (العدد) .وكذلك تقليالً للمعىن السياسي لألقلية العددية .وتقول االستاذة
فلة زردومي( :أثناء االستقصاء عن األقليات املسلمة خاصة يف بعض املناطق تبز اشكالية حتديد األقلية املسلمة,
هل هي أقلية أو أكثرية؛ إضافة إىل صعوبة حتديد عددها)( )1كما أنه (ال يستطيع أح ٌد أن يصف بعضهم
باألقليات إذ نسبتهم أحياناً يف بعض األقاليم أكثر من %55كما هو احلال يف مجهورية ألبانيا اليت يتجاوز
املسلمون بسنبة , )2(%75إضافة إىل مجهورية البوسنة واهلرسك)(.)3
مع عدم اإللغاء للمعىن اللغوي لألقلية فهي غالباً ما تكون مستضعفة.
ويف اخلتام :إن إضافة الفقه لألقليات أو لالستضعاف ,ال تعىن إنشاء فقه خارج الفقه اإلسالمي وأدلته
املعروفة ,ومرجعيته الكتاب والسنة ,وما ينبين عليهما من األدلة كاإلمجاع والقياس واالستحسان واملصاحل املرسلة
وسد الذرائع والعرف واالستصحاب إىل آخر قائمة األدلة اليت اعتمدها األئمة ,وإمنا تعىن أن هذه الفئة هلا أحكام
خاصة هبا؛ نظراً لظروف الضرورات واحلاجيات كما تقول فقه السفر أو فقه النساء(.)4
وعليه ال يكون فقه األقليات خارج أطار الفقه اإلسالمي بل هو جزء من الفقه اإلسالمي العام.
متعذر ,لكن هي
ٌ اصطلحت عليه هبذا التعريف ,فإن ضبط احلدودُ لست أدعي صحة ما وهبذا انتهي و ُ
حماولة لتحرير املفهوم والتنبيه على بعض املفردات اليت هلا احلضور الضروري يف تشكيل املفهوم .واهلل أعلم.
واحلمد هلل رب العاملني.
( )1فقه السياسة الشرعية لألقليات املسلمة ,وهي رسالة ماجستري يف الفقه وأصوله مقدمة إىل كلية العلوم اإلجتماعية والعلوم اإلسالمية قسم
الشريعة ,يف جامعة العقيد احلاج خلضر -باتنة يف اجلزائر ,إعداد الطالبة ,فلة زردومي ,باشراف الدكتور احل بوشيش .)158( .منشور
عاألنرتنيت بصيغة (.)PDF
Cla world fact book,web site: http:www.odci.gov lcia )2(2نقالً عن فقه السياسة الشرعية لألقليات املسلمة,
وهي رسالة ماجستري يف الفقه وأص وله مقدمة إىل كلية العلوم اإلجتماعية والعلوم اإلسالمية قسم الشريعة ,يف جامعة العقيد احلاج خلضر-باتنة
يف اجلزائر ,إعداد الطالبة ,فلة زردومي ,باشراف الدكتور احل بوشيش .)157( .منشور عاألنرتنيت بصيغة (.)PDF
( )3فقه السياسة الشرعية لألقليات املسلمة ,وهي رسالة م اجستري يف الفقه وأصوله مقدمة إىل كلية العلوم اإلجتماعية والعلوم اإلسالمية قسم
الشريعة ,يف جامعة العقيد احلاج خلضر -باتنة يف اجلزائر ,إعداد الطالبة ,فلة زدومي ,باشراف الدكتور احل بوشيش .)157( .منشور
عاألنرتنيت بصيغة (.)PDF
( )4يُنظر :صناعة الفتوى وفقه األقليات (.)95
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 21
خاتمة:
احلمدهلل وكفى ,والصالة والسالم على نبيه املصطفى ,وعلى آله وصحبه ومن لآلثار اقتفى ,وبعد:
فهذه جولة مع مفهوم (فقه األقليات) وقفت على أهم أشكاليات املفهوم وتصوره وتطبيقه ,وأخلص ذلك
بنقاط ,وهي كاآليت:
.1أن إضافة الفقه لألقليات أو لالستضعاف ,ال تعىن إنشاء فقه خارج الفقه اإلسالمي.
.8أن مصطلح فقه األقليات مل يكن معروفاً لدى الفقهاء السابقني ,بل مصطلح معاصر فرضته الظروف
العاملية.
مشكل؛ ألن الواقع خيالف ذلك يف بعض آحاد الصور, ٌ .9أن إلصاق معىن األقلية اعتباراً للمعىن العددي
فال يصح التعويل على العدد يف بيان املفهوم.
.4جعل املعيار العددي العتبار األقلية ال ينطبق على مجيع أفراده.
.5أن املعىن اللغوي احلسي (لألقلية) هم (األقل عدداً) لكن املعىن املعنوي هم (األضعف من اآلخر).
.2فقه األقليات يف االصطالح( :معرفة األحكام الشرعية اليت تتنزل على واقع األقليات املسلمة املستضعفة
قل عددهم أم كثر). حاالً ومآالً ,يف أي مكان ,سواء َّ
The correct jurisprudence of the difference is a scientific and academic necessity. It
is an entrance that paves the way for a moral and ethical charter in order to build the
coalition and overcome the state of conflict and confrontation that afflicts our
contemporary reality. However, this jurisprudence can not be achieved except by
looking at its linguistic and legal meanings. And the need to manage and manage it, in
order to achieve its purposes and interests.
مقدمة:
االختالف املقصود فقهه ,واملراد فهمه على حقيقته ,هو ذلك االختالف الصادر عن فقهاء ومفكري
اإلسالم ,يف إطار قراءهتم لنصوص الوحي ,فهذه االختالفات ناجتة عن تفاعل العقل مع الوحي ,يف إطار ما
يسمح به منهج كل مدرسة فقهية ,فهي اختالفات يف حدود اجلزئيات ,وال خترج عن دائرة الظنيات ,اليت تتفاوت
فيها األفهام واالجتهادات ,فهي اختالفات يف الرأي لبناء الرأي ,وهذا النوع من االختالف هو الذي قال فيه
اإلمام الشاطيب" :فاختالفهم يف الفروع كاتفاقهم فيها واحلمد هلل".1
فإن االختالف يف حد ذاته ليس مذموما ,بل املذموم هو ما يفضي إليه –إذا مل يتم تدبريه -من نزاع وفرقة
السماو ِ
ات ِ ِِ
,..ولو كان مذموما ما جعله اهلل تعاىل سنة من سننه ,وآية من آياته قال تعاىلَ ﴿ :وم ْن آيَاته َخْل ُق َّ َ َ
ني﴾(الروم" ,)88:فاختالف املسلمني يف ٍ ِ ِِ ِ
ف أَلْ ِسنَتِ ُك ْم َوأَلْ َوانِ ُك ْم إِ َّن ِيف َذل َ
اختِ َال ُ َو ْاأل َْر ِ
ك َآليَات للْ َعالم َ ض َو ْ
أجناسهم ولغاهتم ال يعين تفرقهم ,وإمنا يعين تنوع صورهم وأشكاهلم ,وكذلك األمر بالنسبة الختالف أفهامهم
ومداركهم وما نشأ عنه من اختالفهم يف األحكام واآلراء الفقهية ,فإن ذلك –أيضا -ال يعين تفرقهم ,وإمنا يعين
تعدد آرائهم ,وسعة آفاق الفكر عندهم".2
-1االعتصام ,الشاطيب ,ضبطه وصححه :األستاذ أمحد عبد الشايف ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,لبنان ,ط1452( ,1/ه1322/م),
.934/8
-2نظرية التقعيد الفقهي وأثرها يف اختالف الفقهاء ,حممد الروكي ,مطبعة النجاح اجلديدة ,الدار البيضاء ,ط1334( ,1/م) ,ص.131 :
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 23 جملة املدونة:
وباجلملة ,فإن االختالف الفقهي ال يدل إال على التباين والتغاير يف األحكام الفقهية االجتهادية ,وهو يف
األصل اختالف سائغ ومشروع ,وال يوصف بالذم أو القبح ,..أو غري ذلك من األوصاف ,إال إذا علق به شيء
من املعاين –التقليد أو التعصب أو اهلوى -..اليت على أساسها يكون ذمه أو تقبيحه.
وللوقوف على فقه االختالف بشكل أوضح ,نعرض يف هذه الدراسة :ملفهوم االختالف(املبحث األول),
وملشروعية االختالف الفقهي ,والتأصيل له من خالل املرجعية األصلية للشريعة اإلسالمية(املبحث الثاين) ,وأسبابه
املوضوعية اليت اقتضته(املبحث الثالث) ,وآفاته ومزالقه اليت أخفت حقيقته ,وشوهت صورته ,وضيعت
مقاصده(املبحث الرابع) ,والتأكيد يف األخري على ضرورة تدبريه وإدارته حبكمة(املبحث اخلامس).
أهمية الدراسة:
-وتتجلى هذه األمهية يف كون الدراسة مرتبطة مبوضوع االختالف وفقهه ,وهو موضوع قدمي ,لكنه متجدد
الرتباطه الوثيق باإلنسان ,فهو موضوع حي ,له أمهيته العلمية واألكادميية ,وله أمهيته العملية على مستوى الواقع
االجتماعي كذلك.
-هلذه الدراسة أمهية كبى يف العصر احلاضر ,بسبب ما يعيشه اجملتمع اإلنساين ,بل ما تعيشه األمة
اإلسالمية ,من نزاعات وصراعات ..اجتماعية وسياسية ,..فإن بين اإلنسان وبين اإلسالم ,يف حاجة إىل فهم
حقيقة االختالف ,وآليات تدبريه وإدارته حبكمة.
أسباب اختيار الدراسة:
-احلاجة إىل جتلية فقه االختالف يف إطار تعدد املناهج الفقهية ,من حيث املفهوم ,والتأصيل الشرعي,
واألسباب ,واآلفات واملزالق ,والتدبري.
-ضرورة الوقوف على معامل فقه االختالف ,وذلك من أجل االستفادة منه يف السياق العلمي الفقهي,
واإلنساين عموما.
إشكال الدراسة:
يقوم إشكال هذه الدراسة على االضطراب احلاصل يف فهم حقيقة االختالف وماهيته ,على املستوى النظري,
ألن أزمة الفهم لقضية االختالف ,تنتج سلوكات وممارسات عملية متطرفة يف العالقة مع اآلخر ,فيكون تصحيح
الفهم ,واالستيعاب احلقيقي هلذه القضية ,مدخال أساسيا إلصالح العالقة مع اآلخر داخليا وخارجيا.
الدراسات السابقة:
الدراسات املرتبطة باالختالف الفقهي وموضوعاته ,كثرية ومتنوعة ,فهي يف عمومها عاجلت االختالف يف
جانبه الفقهي واألصويل يف الرتاث اإلسالمي ,..مثل الكتابات اليت عنيت بتعريف االختالف وأنواعه :احملمود
واملذموم والسائغ ,وناقشت "حديث االفرتاق" ,و"حديث االختالف رمحة" ,..وتعرضت لتاريخ اخلالف :يف
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 24
العهد النبوي وعهد الصحابة ,..وخالف املذاهب الفقهية ,وآدابه وحلول إشكاالته العلمية ,1وأسبابه ,2أو
ضوابط اجلدل واملناظرة .3..
لكن هذه الدراسات السابقة –احملال عليها -مل تتناول املوضوع بالشكل الذي تناوله به الباحث يف هذه
الدراسة.
سلك الباحث طرحا علميا خمالفا للدراسات السابقة ,وذلك باعتماد أسلوب االختصار ,وعدم اإلطناب ,يف
الوقوف على فقه االختالف ,فكانت هذه الدراسة عبارة عن "مقدمة يف فقه االختالف" ,أو "مدخل لفقه
االختالف.",
المنهج العام للدراسة:
املنهج الوصفي التحليلي :ويقوم هذا املنهج على تقدمي املادة العلمية كما هي ,فهو يصف املادة العلمية كما
أو كيفا ,أو مها معا ,بطريقة منهجية ,مث حتليلها وتفسريها وتصنيفها ,واستخالص النتائج منها ,وقد استفاد
الباحث من هذا املنهج يف تقدمي املادة العلمية ,كما هي يف واقع األمر ,وحتليل وتفكيك معطياهتا ,مبا يتفق وخطة
الدراسة.
-1ينظر :اخلالف يف الشريعة اإلسالمية ,عبد الكرمي زيدان ,مؤسسة الرسالة ,بريوت ,ط1452( ,8/ه1322/م) .أدب االختالف يف
مسائل العلم والدين ,حممد عوامة ,دار البشائر اإلسالمية ,بريوت ,لبنان ,ط1412( ,8/ه1337/م) .أدب االختالف يف اإلسالم ,طه
جابر العلواين ,سلسلة قضايا الفكر اإلسالمي( ,) 8املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ,هريندن ,فريجينيا ,الواليات املتحدة األمريكية,
(1419ه 1338/م) .اخلالف الفقهي :دراسة يف املفهوم واألسباب واآلداب ,أمحد البوشيخي ,كتاب احملجة( ,)8آنفو-برانت ,فاس,
(1484ه8559/م) .خالف األمة يف العبادات ومذهب أهل الس نة واجلماعة ,ابن تيمية ,تقدمي وتعليق :عثمان مجعة ضمريية ,دار
الفاروق ,ط1415( ,1/ه1335/م).
-2ينظر بتفصيل ما ذكره العلماء الذين اهتموا بأسباب االختالف ,ومنهم على سبيل التمثيل ال احلصر :اإلنصاف يف التنبيه على املعاين
واألسباب اليت أوجبت االختالف بني املسلمني يف آرائهم ,البطليوسي)581ه ) ,حتقيق :حممد رضوان الداية ,دار الفكر ,دمشق ,سورية,
ط1457( ,9/ه1327/م) ,وجعلها مثانية .رفع املالم عن األئمة األعالم ,ابن تيمية(ت782:ه) ,الرئاسة العامة إلدارة البحوث العلمية
واإلفتاء والدعوة واإلرشاد ,اململكة العربية السعودية ,الرياض 1419( ,ه) ,حصرها يف عشرة ,بعد أن أرجع األعذار اليت يعذر هبا األئمة إىل
ثالثة .اإلنصاف يف بيان أسباب االختالف ,ويل اهلل الدهلوي(ت1172:ه ) ,راجعه وعلق عليه :عبد الفتاح أبو غدة ,دار النفائس ,بريوت,
ط1452( ,9/ه1322/م) .أسباب اختالف الفقهاء ,علي اخلفيف ,دار الفكر العريب ,القاهرة ,ط1412( ,8/ه1332/م) .أثر
االختالف يف القواعد األصولية يف اختالف الفقهاء ,مصطفى سعيد اخلن ,مؤسسة الرسالة ,بريوت ,ط1458( ,9/ه1328/م) .أسباب
اختالف الفقهاء ,عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي ,مؤسسة الرسالة ,بريوت ,ط1491( ,9/ه8515/م) .. .وغريها من املؤلفات اليت أفردت
يف هذا الفن ,أو اليت تعرضت له يف مقدمات الكتب ومنها :بداية اجملتهد وهناية املقتصد ,ابن رشد احلفيد(ت535:ه) ,شرح وحتقيق وختريج:
عبد اهلل العبادي ,دار السالم ,مصر ,ط1412( ,1/ه 1335/م) .جاء يف مقدمة الكتاب" :أما أسباب االختالف باجلنس فستة" .أو يف
باب من أبواب كتبها ومنها :حبث الشاطيب يف املوافقات يف كتاب االجتهاد "املسألة احلادية عشرة :يف بيان أسباب اخلالف الواقع بني محلة
الشريعة" .املوافقات يف أصول الشريعة ,الشاطيب.159/4 ,
-3ضوابط املعرفة وأصول االستدالل واملناظرة ,حبنكة امليداين ,دار القلم ,دمشق ,ط1414( ,4/ه1339/م) .اجلدل واملناظرة :أصول
وضوابط ,حمماد رفيع ,دار ابن حزم ,بريوت ,لبنان ,ط1495( ,1/ه8553/م) .آداب البحث واملناظرة ,حممد األمني
الشنقيطي(ت1939:ه) ,حتقيق :سعود العريفي ,دار عامل الفوائد ,جممع الفقه اإلسالمي جبدة ,ط1482( ,1/ه).
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 25 جملة املدونة:
المبحث األول
مفهوم االختالف
حناول يف هذا املبحث الوقوف على معاين االختالف اللغوية ,واالصطالحية ,واإلشارة إىل بعض املفاهيم
القريبة منه.
المطلب األول :االختالف في اللغة:
ف) اخلاء "(خلَ َ جذر كلمة "االختالف" -اليت هي مصدر من فعل اختلف( -خ ل ف) ,قال ابن فارسَ :
شيء يقوم مقامهُ ,والثاين خالف ٍ
قدام ,والثالث التَّغيُّ ُر".1 والالم والفاء أصول ثالثة :أحدها أن جييء شيء بعد ٍ
َ ٌ
ف فال ٌن فالنًا قعدت ِخ َ شيء يقوم مقامهُ :يقال: ومن األول :أن جييء شيء بعد ٍ
وخلَ َ
الف فالن ,أي بعدهَُ , ُ َ ٌ
ِ
اخلُ ْف ِين ِيف قَ ْومي﴾(األعراف )148:طلب منه أن خيلفه ِ ِ ِ ِ
وسى ألَخيه َه ُارو َن ْ ال ُم َ ﴿وقَ َ
إذا كان خليفتَه قال تعاىلَ :
ويقوم مقامه فيهم ,ومسيت اخلالفة خالفة ألن الثاين جييءُ بعد األول قائما مقامه ,واخلِْل َفةُ :اختالف الليل
ِ
يذهب هذا ف من هذاَ , َّه َار ِخْل َفةً﴾(الفرقان ,)28:أَي هذا َخلَ ٌ
والنهار .قال تعاىلَ ﴿ :وُه َو الَّذي َج َع َل اللَّْي َل َوالن َ
وجييءُ هذا.2
َّام .يقال :هذا خلفي ,وهذا قُدَّامي ,فيقال :اختلفت الرجل ف ,وهو غري قَد ٍ ومن الثاين :خالف ٍ
قدامَ :خْل ٌ
ُ
أخذته من خلفه ,واختلفه جعله خلفه ,ويقال أيضا :أخلف الرجل ,جعله خلفه ,أي رده إىل خلفه ,أي وراءه أو
ول اللَّ ِه﴾(التوبة )21:أي خمالفني ,ومثله قوله تعاىل: ف رس ِ ِ ِِ ِ
ِح الْ ُم َخلَّ ُفو َن مبَْق َعده ْم خ َال َ َ ُوراء ظهره .قال تعاىل﴿ :فَر َ
ِ َّ ِ
ف نقيض قُدَّام قال ين ُخلِّ ُفوا﴾(التوبة .. ,)112:واخللف ضد قدام ,قال ابن ِس َ
يد ْهَ :خْل ٌ ﴿و َعلَى الث ََّالثَة الذ ََ
ني أَيْدي ِه ْم َوَما َخْل َف ُه ْم﴾(البقرة .. )855:واخللف :الظهر .
3 ِ
تعاىل﴿ :يَ ْعلَ ُم َما بَ ْ َ
-1معجم مقاييس اللغة ,ابن فارس(ت935:ه ) ,حتقيق :عبد السالم هارون ,دار الفكر ,بدون طبعة1933( ,ه 1373/م) ,مادة:
(خلف).815/8 ,
-2ينظر :كتاب العني ,اخلليل بن أمحد الفراهيدي البصري(ت175:ه ) حتقيق :مهدي املخزومي ,إبراهيم السامرائي ,دار ومكتبة اهلالل,
بدون طبعة ,وال تاريخ .823/4 ,معجم مقاييس اللغة ,ابن فارس ,مادة( :خلف) .815/8 ,لسان العرب ,ابن منظور(ت711:ه ) ,دار
صادر ,بريوت ,ط1414(,9/ه ) ,مادة( :خلف) .22-29/3 ,بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز ,الفريوز
آبادي(ت217:ه ) ,حتقيق :حممد علي النجار ,وزارة األوقاف ,اجمللس األعلى للشؤون اإلسالمية ,جلنة إحياء الرتاث اإلسالمي ,القاهرة,
ط1412( ,9/ه1332/م) .528/8 ,الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ,اجلوهري الفارايب (ت939:ه ) حتقيق :أمحد عبد الغفور عطار,
دار العلم للماليني ,بريوت ط1457( ,4/ه 1327/م) ,مادة( :خلف).1957/4 ,
-3ينظر :معجم مقاييس اللغة ,ابن فارس ,مادة( :خلف) .818/8 ,خمتار الصحاح ,الرازي(ت222:ه ) ,حتقيق :يوسف الشيخ حممد,
املكتبة العصرية ,الدار النموذجية ,بريوت ,صيدا ,ط1485( ,5/ه 1333/م) ,مادة( :خ ل ف) ,ص .35:لسان العرب ,ابن منظور,
مادة( :خلف) .28/3 ,املفردات يف غريب القرآن ,الراغب األصفهاين(ت558:ه ) ,حتقيق :صفوان عدنان الداودي ,دار القلم ,الدار
الشامية ,دمشق ,بريوت ,ط1412( ,1/ه ) ,مادة( :خلف) ,ص.839:
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 26
وف فَ ِمف .وهو قوله صلى اهلل عليه وآله وسلمَ « :خلُلُ ُ َخلَ َ
ف فُوهُ ,إذا تَغَيَّ َر ,وأ ْومن الثالث :التَّغيُّ ُر :قوهلم َخلَ َ
َخلَ ُفوا اللَّهَ َما ِ
ك» ..ومنه اخلالف يف الوعد قال تعاىل﴿ :مبَا أ ْ
ِ ِ 1
يح الْم ْسب ِعْن َد اللَّ ِه ِم ْن ِر ِ َّ ِ ِ
الصائم أَطْيَ ُ
تغري ,مبعىن تغايرمها وعدم اتفاقهما يف اخللق.2 وع ُدوه﴾(التوبة .)77:وخلَف الرجل عن خلُ ِق ِ
أبيهَّ : ُ ُ َ َ ََ ُ
ومن هذه املعاين اللغوية جلذر (خ ل ف) يف اللغة ,تدل على أن االختالف يف أصل اللغة ,فيه عملية جتاوز
ف الناس يف كذا ,والناس ِخْل َفةٌ, "اختَ لَ َ
وتنحي لوضع سابق حنو وضع جديد يقوم مقام األول ,يقول ابن فارس ْ
قام الذي حنَّاه" ,3وتدل كذلك على نفسهُ ُم َ
قيم َ
أي ُخمتلفو َن .. ,ألن كل واحد منهم ينحي قول صاحبه ,ويُ ُ
التغاير يف الصفات ,واهليئات ,واألخالق وعدم االتفاق فيها.
ضد اتفق .وكل ما مل يتساو ,فقد ختالف ومما يؤكد هذا التوجه اللغوي :ورد يف كتب اللغة كذلك "اختلف"ُّ :
وخالَِفةٌ أَي
ف َ
ِ
ورجل َخال ٌ
ضادةُ ٌ ,..ف :املخالفة واخلالف امل ّ واختلف ,وختالف األمران واختلفا :مل يتفقا .واخلَِال ُ
ُ ِ
القوم ِخْل َفةٌ ,أي خمتلفون ,4..وختالف القوم واختلفوا :ذهب كل واحد إىل خالف ما كثري اخلالف ,و ُ ف ُ ُخيال ُ
ذهب إليه اآلخر ,فاخلالف ضد الوفاق.5
وباجلملة يتبني أن االختالف يف اللغة يأخذ معاين" :التعاقب" ,و"التغاير" ,و"التباين" ,و"التضاد" ,و"عدم
التساوي" ,و"عدم االتفاق" ,..وذهاب كل من املختلفني إىل خالف ما ذهب إليه اآلخر ,والتجاوز للوضع
القائم وتنحيه إىل وضع آخر يقوم مقامه ,6وكأن كل واحد من املختلفني –فرد أو قوم أو مجاعة -..ينحي قول
صاحبه ويقيم قوله ..مقام الذي حناه.
المطلب الثاني :االختالف في االصطالح:
يقول الراغب األصفهاين" :االختالف واملخالفة :أن يأخذ كل واحد طريقا غري طريق اآلخر يف حاله أو قوله,
كل خمتلفني ض ّدين ,وملا كان االختالف بني النّاس يف كل ض ّدين خمتلفان ,وليس ّ الض ّد ,أل ّن ّ
أعم من ّ واخلالف ّ
ّ
اب ِم ْن بَْينِ ِه ْم﴾(مرمي)97: َحَز ُ
ف ْاأل ْ
اختَ لَ َ
القول قد يقتضي التّنازع استعري ذلك للمنازعة واجملادلة ,قال تعاىل﴿ :فَ ْ
﴿ع َّم يَتَ َساءَلُو َن َع ِن النَّبَِإ ِ ﴿وَال ي زالُو َن خمُْتَلِ ِفني﴾(هود﴿ )112:واختِ َال ُ ِ ِ
ف أَلْسنَت ُك ْم َوأَلْ َوان ُك ْم﴾(الرومَ ,)88: َ ْ َ َ ََ
-1صحيح البخاري ,حتقيق :حممد زهري بن ناصر الناصر ,دار طوق النجاة ,ط1488( ,1/ه ) ,كتاب الصوم ,باب فضل الصوم ,رقم:
.84/9 ,1234
-2ينظر :معجم مقاييس اللغة ,ابن فارس ,مادة( :خلف) .818/8 ,املفردات يف غريب القرآن ,الراغب ,مادة( :خلف) ,ص.835:
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ,اجلوهري الفارايب ,مادة( :خلف).1955/4 ,
-3معجم مقاييس اللغة ,ابن فارس ,مادة( :خلف).819/8 ,
-4ينظر :لسان العرب ,ابن منظور ,مادة( :خلف) .31-28/3 ,القاموس احمليط ,الفريوز آبادى(ت217:ه ) حتقيق :مكتب حتقيق الرتاث
قسوسي ,مؤسسة الرسالة ,بريوت ,لبنان ,ط1482( ,2/ه 8555/م) ,ص .252:كتاب العني, يف مؤسسة الرسالة ,إشراف :حممد نعيم العر ُ
اخلليل بن أمحد الفراهيدي البصري .823/4 ,الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ,اجلوهري الفارايب ,مادة( :خلف).1955/4 ,
-5واملصباح املنري يف غريب الشرح الكبري ,أمحد بن علي الفيومي(ت775 :ه ) ,املكتبة العلمية ,بريوت ,بدون طبعة ,وال تاريخ.172/1 ,
-6سواء كان ذلك يف الرأي ,أو احلال ,أو الصور ,أو األوضاع ,أواهليئات ,..وسواء تعلق األمر بالفرد أو اجلماعة.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 27 جملة املدونة:
ف﴾(الذاريات﴿ ,)2:خمُْتَلِ ًفا الْع ِظي ِم الَّ ِذي ُهم فِ ِيه خمُْتَلِ ُفو َن﴾(النبأ﴿ ,)9-8-1:إِنَّ ُكم لَِفي قَوٍل خمُْتَلِ ٍ
ْ ْ ْ َ
1 ِ ِ ِ َّ
ات﴾(آل عمران. "..)155: اختَ لَ ُفوا م ْن بَ ْعد َما َجاءَ ُه ُم الْبَ يِّ نَ ُ
ين تَ َفَّرقُوا َو ْ أَلْ َوانُهُ﴾(النحلَ ,)19:
﴿وَال تَ ُكونُوا َكالذ َ
ويفهم من تعريف الراغب أربعة معاين:
كل واحد طريقا غري طريق األول :عدم التفريق بني اخلالف واالختالف ,بل معنامها واحد وهو" :أن يأخذ ّ
اآلخر يف حاله أو قوله".
كل ِ
كل ض ّدين خمتلفان ,وليس ّ الض ّد ,أل ّن ّ أعم من ّ الثاين :االختالف واخلالف معا أعم من الضد" ,واخل َالف ّ
خمتلفني ض ّدين".
الثالث :االختالف ال حيمل معىن املنازعة واملشاقة ,2املفضية إىل الصدام والصراع ,وإمنا الذي حيول االختالف
إىل منازعة :واقع الناس ,ونفوسهم اليت ال حتتمل االختالف ,وال تتسع لقبول املخالف" ,وملا كان االختالف بني
ّ
النّاس يف القول قد يقتضي التّنازع استعري ذلك للمنازعة واجملادلة" فجاء القرآن الكرمي كما يقول حممد عوامة يف
بعض آياته على هذا املعىن احلاصل الناتج.3
كل واحد طريقا غري الرابع :أن االختالف واخلالف مغايرة ,وتباين ,وعدم اتفاق يف احلال أو القول "أن يأخذ ّ
طريق اآلخر يف حاله أو قوله".
ويوافق السمني احلليب الراغب األصفهاين ,يف أن االختالف مغايرة ومباينة وعدم اتفاق بني املختلفني ,حيث
يتخذ كل واحد منهما طريقا غري طريق من خيالفه ,يقول السمني احلليب" :واملخالفة :أن يأخذ كل واحد طريقا
ُخالَِف ُك ْم إِ َىل َما أَنْ َها ُك ْم َعْنهُ﴾(هود.4".. )22: غري طريق اآلخر يف حاله أو فعله قال تعاىلَ ﴿ :وَما أُ ِر ُ
يد أَ ْن أ َ
ويوافقهما كذلك الفريوز آبادى ,5يف أن "اخلالف واالختالف" هو عدم االتفاق والتباين والتغاير يف احلال أو
القول أو الفعل ,وهو موافق كذلك للغة يف بعض استعماالت جذر (خ ل ف) –كما تقدم.-
وقد استعملت كلمة "اختلف" يف القرآن الكرمي يف معان متعددة ومتنوعة:6
-1املفردات يف غريب القرآن ,الراغب ,مادة( :خلف) ,ص .834 :وينظر :بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز ,الفريوز آبادي,
.529-528/8
-2وتفسري (الشقاق) على أربعة وجوه :األول :الضالل ..والثاين :االختالف ..والثالث :العداوة ..والرابع :احلجاج .التصاريف تفسري
القرآن مما اشتبهت أمساؤه وتصرفت معانيه حي بن سالم(ت855:ه) ,قدمت له وحققته :هند شليب ,مؤسسة آل البيت امللكية للفكر
اإلسالمي ,األردن ,عمان ,بدون طبعة1483(,ه8552/م) ,ص .817:وينظر :اآليات اليت ردت فيها لفظة "الشقاق" يف :ومعجم
األعالم واملوضوعات يف القرآن الكرمي ,عبد الصبور مرزوق ,دار الشروق ,القاهرة ,ط1415( ,1/ه1335/م) ,ص.733 :
-3ينظر :أدب االختالف يف مسائل العلم والدين ,حممد عوامة ,دار البشائر اإلسالمية ,بريوت ,لبنان ,ط1412( ,8/ه1337/م) ,ص.2:
-4عمدة احلفاظ يف تفسري أشرف األلفاظ ,معجم لغوي أللفاظ القرآن الكرمي ,السمني احلليب(752ه) ,حتقيق :حممد باسل عيون السود,
دار الكتب العلمية ,بريوت ,لبنان ,ط1417( 1/ه1332/م) ,مادة( :خ ل ف) .589/1 ,وينظر :بصائر ذوي التمييز يف لطائف
الكتاب العزيز ,الفريوز آبادى.529-528/8 ,
-5ينظر :بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز ,الفريوز آبادى.528/8 ,
-6ينظر تتبع صيغ مادة( :خ ل ف) يف القرآن الكرمي واستعماالهتا املختلفة يف :املعجم املوسوعي أللفاظ القرآن الكرمي وقراءاته ,عمر أمحد
خمتار ,مبساعدة فريق عمل ,مؤسسة سطور املعرفة ,ط1489( ,1/ه8558/م)( ,خ ل ف) ,ص .529-175:ومعجم ألفاظ القرآن
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 28
اع ْد ُْمت َال ْختَ لَ ْفتُ ْم ِيف الْ ِم َيع ِاد﴾(األنفال ,.. )48:واختلف فيه ﴿ولَْو تَ َو َ
معىن التفرق وعدم االتفاق :قال تعاىلَ :
ف فِ ِيه﴾(فصلت ,.. )45:وخيتلفون :يذهب كل مل يتفق بشأنه قال تعاىل﴿ :ولََق ْد آتَي نا موسى الْ ِكتاب فَ ِ
اختُل ََ َ ْ َْ ُ َ َ
ِ ِ ِ
ني َهلُُم الذي خيَْتَل ُفو َن فيه﴾(النحل ,)93:وخمتلفون: ِ َّ ِ
منهم إىل خالف ما يذهب إليه اآلخر قال تعاىل﴿ :ليُبَ ِّ َ
ِِ
ك﴾(هود..)113-112: ني إَِّال َم ْن َرِح َم َربُّ َ
﴿وَال يََزالُو َن خمُْتَلف َ خيالف بعضهم بعضا قال تعاىلَ :
اختِ َالفًا َكثِ ًريا﴾(النساء ,)28:وقال تعاىل: ِِ ِ ِ ِِ
﴿ولَْو َكا َن م ْن عْند َغ ِْري اللَّه لََو َج ُدوا فيه ْ معىن التناقض :قال تعاىلَ :
ف﴾(الذاريات )2:متضارب مضطرب متناقض .. ﴿إِنَّ ُكم لَِفي قَوٍل خمُْتَلِ ٍ
ْ ْ
ِ ِ ِ
َّها ِر﴾(املؤمنون ,)25:وقال تعاىل: ف اللَّْي ِل َوالن َ اخت َال ُ يت َولَهُ ْ ﴿وُه َو الَّذي ُْحييِي َوُمي ُ معىن التعاقب :قال تعاىلَ :
ُويل ْاألَلْب ِ ات ِأل ِ ف اللَّي ِل والنَّها ِر َآلَي ٍ ض واختِ َال ِ ﴿إِ َّن ِيف خْل ِق َّ ِ
اب﴾(آل عمران )135:أي َ َ ْ َ َ الس َم َاوات َو ْاأل َْر ِ َ ْ َ
تعاقبهما..
ف أَلْ ِسنَتِ ُك ْماختِ َال ُ
ض َو ْات َو ْاأل َْر ِالسماو ِ
﴿وم ْن آيَاته َخْل ُق َّ َ َ
ِِ ِ
معىن التفاوت والتنوع :قال تعاىلَ :
ف أَلْ َوانُهُ﴾(النحل )23:متنوع ,وقال تعاىل: ِ ِ ِ ِ
اب خمُْتَل ٌ َوأَلْ َوان ُك ْم﴾(الروم ,)88:وقال تعاىل﴿ :خيَُْر ُج م ْن بُطُوهنَا َشَر ٌ
﴿ع َّم يَتَ َساءَلُو َن َع ِن النَّبَِإ الْ َع ِظي ِم الَّ ِذي ُه ْم فِ ِيه خمُْتَلِ ُفو َن﴾(النبأ.. )9-8-1: َ
وعلى هذا ميكن القول بأن "االختالف" يراد به مطلق املغايرة يف القول أو الرأي أو احلالة أو اهليئة أو
املوقف ,..1مبعىن االختالف العام ,الذي يشمل األفكار واآلراء واملذاهب واملواقف ..
وعب القرآن الكرمي ب"االختالف" يف سياقات متعددة –كما سيأيت ,-يف اختالف الظواهر الكونية ,ويف
اختالف الناس عموما ,..ومل مييز بينها وبني كلمة "خالف" ,حيث يعب القرآن بالكلمتني بدون متييز يف املعىن.
على خالف ما ذهب إليه الشيخ عطية حممد سامل ,والذي جعل "استعمال "خالف" يكون يف حالة العصيان
الواقع عن قصد كمن خيالف األوامر" ,و"استعمال "اختلف" يكون يف حالة املغايرة يف الفهم الواقع يف تفاوت
وجهات النظر" ,مستندا يف ذلك إىل بعض السياقات القرآنية.2
فاختَ لَ َ﴿وَما ْ لكن ما ذهب إليه الشيخ غري مطرد يف القرآن كله ,ومما ينقض ما ذهب إليه الشيخ قوله تعاىلَ :
ات بَ ْغيًا بَْي نَ ُه ْم﴾(البقرة ,)819 :فهذا استعمال للفظة "اختلف", ِ ِ ِ ِ َِّ َّ ِ
ين أُوتُوهُ م ْن بَ ْعد َما َجاءَتْ ُه ُم الْبَ يِّ نَ ُفيه إال الذ َ
"يف حالة العصيان الواقع عن قصد ,كمن خيالف األوامر" ,ومل يعب القرآن بلفظة "خالف".
وعليه فإن التفريق بني "االختالف" و"اخلالف" ,وعدم التفريق بينهما ,جمرد اصطالح ,وال مشاحة يف
االصطالح ,والذي عليه العلماء من األصوليني والفقهاء يف مؤلفاهتم ,عدم التفريق بينهما ,فإهنم يستعملون
الكرمي ,وضع :جممع اللغة العربية ,اإلدارة العامة للمعجمات وإحياء الرتاث ,مجهورية مصر العربية ,القاهرة1453( ,ه1323/م) ,مادة( :خ
ل ف) ,ص . 927 :واملعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكرمي ,حممد فؤاد عبد الباقي ,دار احلديث ,القاهرة ,دار الكتب املصرية1924( ,ه),
مادة( :خ ل ف) ,ص .892:ومعجم األعالم واملوضوعات يف القرآن الكرمي ,عبد الصبور مرزوق ,ص.534:
-1ينظر :أدب االختالف يف اإلسالم ,طه جابر العلواين ,سلسلة قضايا الفكر اإلسالمي( ,)8املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ,هريندن,
فريجينيا ,الواليات املتحدة األمريكية1419( ,ه1338/م) ,ص. 88 :
-2ينظر :موقف األمة من اختالف األئمة ,عطية حممد سامل ,دار اجلوهرة ,املدينة املنورة ,ط ,)1482( ,1/ص.15:
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 29 جملة املدونة:
أحدمها مكان اآلخر ,بل تكاد جتد ذلك يف موضع واحد ,ويف مسألة واحدة ,بل يف سطر واحد ,حيث يعب
بالفظتني يف سياق واحد مبعىن واحد ,1يقول اإلمام الشاطيب يف تعبريه عن معىن "االختالف" ب"اخلالف" يقول:
"وإمنا يعد يف اخلالف :األقوال الصادرة عن أدلة معتبة يف الشريعة ,كانت مما يقوى أو يضعف .2"..
وقد يأخذ اخلالف واالختالف معىن اجلدل يقول اجلرجاين" :اخلالف :منازعة جتري بني املتعارضني لتحقيق
حق أو إلبطال باطل" ,3ويقول طه جابر العلواين" :إذا اشتد اعتداد أحد املخالفني أو كليهما مبا هو عليه من ٍّ
قول أو رأي أو موقف ,وحاول الدفاع عنه ,وإقناع اآلخرين به ,أو محلهم عليه ,مسيت تلك احملاولة باجلدل".4
ويقول الفراهي يف معىن "التنازع"" :قد تب ّدل معناه ,ويف الصحيح التنازع هو التداول والتجاذب عموما ..يف
ِ ِ ِ
َسُّروا
يم﴾(الطور﴿ )89:فَتَ نَ َاز ُعوا أ َْمَرُه ْم بَْي نَ ُه ْم َوأ َ القرآن ﴿يَتَ نَ َاز ُعو َن ف َيها َكأْ ًسا َال لَ ْغ ٌو ف َيها َوَال تَأْث ٌ
ب فِ َيها إِ ْذ يَتَ نَ َاز ُعو َن بَْي نَ ُه ْم
اعةَ َال َريْ َ
الس َ
َن َّ ك أ َْعثَ ْرنَا َعلَْي ِه ْم لِيَ ْعلَ ُموا أ َّ
َن َو ْع َد اللَّ ِه َح ٌّق َوأ َّ ِ
﴿وَك َذل َ
َّج َوى﴾(طهَ )28: الن ْ
َّخ َذ َّن َعلَْي ِه ْم ال الَّ ِذين َغلَبوا علَى أَم ِرِهم لَنَت ِ أ َْمَرُه ْم فَ َقالُوا ابْنُوا َعلَْي ِه ْم بُْن يَانًا َربُّ ُه ْم أ َْعلَ ُم هبِِ ْم قَ َ
ْ ْ َ ُ َ
َم ْس ِج ًدا﴾(الكهف.")81:
وعلق احملقق على عبارة" :تب ّدل معناه" يعين أن معىن "اخلالف" و"التخاصم" غلب على معىن "التداول"
و"التجاذب" .فزعم أبو حيان ..أن "التنازع يقتضي االختالف" .مث دخلت الكلمة يف الفارسية واألردية ,بعدما
جتردت عن أصلها ,فصارت حمصورة يف معىن "اخلالف" و"اخلصام" .فأخطأ بعض املفسرين واملرتمجني ملعاين القرآن
الكرمي ,وجعلوا "التنازع" مبعىن "التخاصم" يف املوضع الذي هو فيه مبعىن "التداول" ال غري .ومن أسلوب القرآن
الكرمي أن "التنازع" إذا أريد به "التجاذب" و"التداول" ,تع ّدى إىل مفعوله بنفسه ,وكان مذكوراً ,كما يف اآليات
اجلر (يف) كما يف قوله اليت استشهد هبا املؤلف .أما إذا كان مبعىن "اخلصام" و"االختالف" فيتعدى إليه حبرف ّ
صْيتُ ْم ِم ْن بَ ْع ِد َما أ ََرا ُك ْم َما ُِحتبُّو َن﴾(آل عمران﴿ ,)158 :فَِإ ْن ِ
﴿ح َّىت إِذَا فَشْلتُ ْم َوتَنَ َاز ْعتُ ْم ِيف ْاأل َْم ِر َو َع َ تعاىل َ
﴿ولَْو أ ََرا َك ُه ْم َكثِ ًريا لََف ِشْلتُ ْم َولَتَ نَ َاز ْعتُ ْم ِيف تَنَ َاز ْعتُم ِيف َشي ٍء فَرُّدوه إِ َىل اللَّ ِه و َّ ِ
الر ُسول﴾(النساءَ ,)53: َ ْ ُ ُ ْ
ِ
﴿وأَط ُيعوا ِ ِ ِ
ْاأل َْم ِر﴾(األنفال﴿ ,)49:فَ َال يُنَاز ُعن َ
َّك يف ْاأل َْمر﴾(احلج ,)27:أو حبذف املفعول به كما يف قوله تعاىلَ :
5
اللَّهَ َوَر ُسولَهُ َوَال تَنَ َاز ُعوا فَتَ ْف َشلُوا﴾.
وخنتم بتعريف جامع ملعىن االختالف يف اصطالح الفقهاء ألمحد البوشيخي يقول فيه االختالف" :تغاير
أحكام الفقهاء واجملتهدين يف مسائل الفروع سواء كان ذلك على وجه التقابل ,كأن يقول بعضهم يف حكم مسألة
-1ينظر :الرسالة ,الشافعي(ت854:ه) حتقيق :أمحد حممد شاكر ,مكتبة احلليب ,مصر ,ط1952( ,1/ه1345/م) ,ص.525/9:
-2املوافقات يف أصول الشريعة ,الشاطيب.184/4 ,
-3كتاب التعريفات ,اجلرجاين(ت 212:ه ) ,حتقيق :مجاعة من العلماء بإشراف الناشر ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,لبنان ,ط,1/
(1459ه 1329/م) ,ص.151 :
-4أدب االختالف يف اإلسالم ,طه جابر العلواين ,ص.88 :
-5ينظر :مفردات القرآن نظرات جديدة يف تفسري ألفاظ قرآنية ,عبد احلميد الفراهي ,حتقيق وشرح :حممد أمجل اإلصالحي ,دار الغرب
اإلسالمي ,بريوت ,ط8558( ,1/م) ,ص.125:
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 31
ما باجلواز ,ويقول البعض اآلخر فيها باملنع .أو كان على وجه دون ذلك ,كأن يقول أحدهم حكم هذه املسألة
الوجوب ,ويقول غريه حكمها الندب أو اإلباحة".1
المبحث الثاني
مشروعية االختالف
وردت أدلة شرعية من القرآن والسنة متعددة ومتنوعة يف سياقاهتا وأساليبها ,تقضي جبواز اختالف االجتهاد.
ِ ِ ٍ
ك َخْي ٌر ول إِ ْن ُكْنتُ ْم تُ ْؤِمنُو َن بِاللَّ ِه َوالْيَ ْوم ْاآل ِخ ِر ذَل َالرس ِ ِ ِ ِ
قال تعاىل﴿ :فَإ ْن تَنَ َاز ْعتُ ْم ِيف َش ْيء فَ ُرُّدوهُ إ َىل اللَّه َو َّ ُ
َح َس ُن تَأْ ِو ًيال﴾(النساء )53:والتنازع هو االختالف ,فاآلية تدعوا املؤمنني إىل رد ما اختلفوا فيه إىل اهلل والرسول َوأ ْ
صلى اهلل عليه وسلم ,يف هذه اآلية حث لألمة اإلسالمية على التمسك باملرجعية العاصمة من االختالف,
املوحدة للفكر واملنهج ,املوجهة لالختالف حنو اجلامع املؤلف يقول اإلمام الشاطيب أن الشارع .." :ملا علم أن
هذا النوع من االختالف واقع ,أتى فيه بأصل يرجع إليه وهو قوله تعاىل﴿ :فَِإ ْن تَنَ َاز ْعتُ ْم ِيف َش ْي ٍء فَ ُرُّدوهُ إِ َىل اللَّ ِه
ول﴾(النساء.2")53: الرس ِ
َو َّ ُ
ِِ ِ ِِ ِ ث إِ ْذ نَ َف َش ِ ِ احلر ِ ِ ِ
ين
ت فيه َغنَ ُم الْ َق ْوم َوُكنَّا حلُكْمه ْم َشاهد َ ْ ود َو ُسلَْي َما َن إ ْذ َْحي ُك َمان ِيف َْْ ﴿وَد ُاو َ
وقال تعاىلَ :
ِِ اجلِبَ َ فَ َف َّهمنَاها سلَيما َن وُك اال آتَي نَا حك ِ
ني﴾(األنبياء-72: ال يُ َسبِّ ْح َن َوالطَّْي َر َوُكنَّا فَاعل َ ود ْْما َوعْل ًما َو َس َّخْرنَا َم َع َد ُاو َ
ْ ُ ً ْ َ ُ َْ َ
) 73ومضمون القصة :أن نزاعا وقع حول غنم قوم رعت حرثا لقوم آخرين ,فرجعوا إىل سيدنا داوود عليه السالم
ليحكم بينهم ,فاجتهد بتقدير ما تلف من احلرث ويعوض عنه أصحابه مبا يعادله من أغنام اآلخرين ,وحكم
سيدنا سليمان باجتهاد خمالف يف املسألة ,وهو أن تدفع الغنم ألصحاب احلرث يستفيدون من ألباهنا وأصوافها,
ويدفع احلرث ألصحاب الغنم يصلحونه ,مث يسرتد كل حقه إليه ,فرتجع الغنم إىل أصحاهبا ,واحلرث إىل أصحابه.
ْما ا
﴿وُكال آتَْي نَا ُحك ً هذان اجتهادان خمتلفان يف مسألة واحدة ,أقر اهلل كال منهما على اجتهاده بقولهَ :
َو ِعْل ًما﴾ قال ابن تيمية" :فاختص سليمان بالفهم ,وأثىن عليهما باحلكم والعلم" ,3ويقول ابن عاشور" :يف قصة
داوود وسليمان تنبيه على أصل االجتهاد ..وهذه اآليةُ أصل يف اختالف االجتهاد".1
-1اخلالف الفقهي :دراسة يف املفهوم واألسباب واآلداب ,أمحد البوشيخي ,كتاب احملجة( ,)8آنفو-برانت ,فاس1484( ,ه8559/م),
ص . 2:أما يف اصطالح املتكلمني" :واالختالف عند بعض املتكلمني :هو كون املوجودين غري متماثلني وغري متضادين" .املعجم الفلسفي,
مجيل صليبا ,دار الكتاب اللبناين ,بريوت1328( ,م1458/ه).47/1 ,
-2االعتصام ,الشاطيب(ت735:ه ) ,ضبطه وصححه :أمحد عبد الشايف ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,لبنان ,ط1452( ,1/ه1322/م),
.939/8
-3رفع املالم عن األئمة األعالم ,ابن تيمية(ت782:ه) ,الرئاسة العامة إلدارة البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة واإلرشاد ,اململكة العربية
السعودية ,الرياض1419( ,ه) ,ص .92:ومثاله اختالفهما املذكور يف احلديث عن أيب هريرة رضي اهلل عنه ,أن رسول اهلل صلى اهلل عليه
ابنامهَا ,جاء الذئب فذهب بابن إحدامها ,فقالت لصاحبتها :إمنا ذهب بابنك ,وقالت األخرى :إمنا ذهب وسلم قال« :كانت امرأتان معهما ُ
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 31 جملة املدونة:
بابنك ,فتحاكمتا إىل داود عليه السالم فقضى به للكبى ,فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السالم فأخبتاه ,فقال :ائتوين بالسكني
أشقه بينهما ,فقالت الصغرى :ال تفعل يرمحك اهلل هو ابنها فقضى به للصغرى» .صحيح البخاري ,حتحقيق :حممد زهري بن ناصر الناصر,
دار طوق النجاة ,ط1488( ,1/ه ) ,كتاب الفرائض ,باب إذا ادعت املرأة ابنا ,رقم.2723 :
-1التحرير والتنوير ,ابن عاشور(ت1939:ه) ,الدار التونسية ,بدون طبعة1324( ,م).112/17 ,
وب راكِبًا وإميَاءً ,رقم.15/8 ,342: -2صحيح البخاري ,كتاب اجلمعة ,باب صالة الطّالِ ِ
ب واملطْلُ ِ
َ
-3بنظر :فتح الباري شرح صحيح البخاري ,ابن حجر العسقالين الشافعي ,دار املعرفة ,بريوت1973( ,ه) ,رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه:
حممد فؤاد عبد الباقي ,قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه :حمب الدين اخلطيب ,عليه تعليقات العالمة :عبد العزيز بن عبد اهلل بن باز,
.415-453/7فتح الباري شرح صحيح البخاري ,ابن رجب احلنبلي (ت735 :ه ) ,حتقيق :حممود بن شعبان بن عبد املقصود ,وآخرون,
مكتبة الغرباء األثرية -املدينة النبوية .ط1417( ,1/ه1332/م).415-453/2 ,
-4اإلحكام يف أصول األحكام ,اآلمدي(ت291 :ه ) ,حتقيق :عبد الرزاق عفيفي ,املكتب اإلسالمي ,بريوت ,دمشق ,لبنان.128/4 ,
-5املستدرك على الصحيحني ,احلاكم(ت455:ه ) ,حتقيق :مصطفى عبد القادر عطا ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط,1/
(1411ه1335/م) ,كتاب الطهارة ,وأما حديث عائشة ,رقم.822/1 ,298:
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 32
واملتأمل للدرس األصويل ,جيد أن االختالف املعتب واملشروع ,هو االختالف الذي له مدرك شرعي ,من نص
أو قياس ,..فالدليل الشرعي هو الذي يعطي للمجتهد احلق يف االختالف ,وجيعل اختالفه مشروعا ,ويكون
اختالفه حممودا ال مذموما ,يف حني اعتبوا االختالف املذموم ,والغري املشروع ,هو املستند إىل "شبهة الدليل".
ومتييزهم بني "الدليل" و"شبهة الدليل" ,دليل على متييزهم بني االختالف املشروع وغريه ,يقول الشافعي يف
رسالته األصولية" :االختالف من وجهني أحدمها حمرم وال أقول ذلك يف اآلخر" ,1وبني الشاطيب أن "من اخلالف
ما ال يعتد به يف اخلالف" ,2أي أن اخلالف ليس كله مشروعا معتبا ,بل هناك من اخلالف ما ال يعتد به.
كما أن االختالف املذموم هو :االختالف يف القواعد الكلية اجلامعة ,3واالختالف الواقع من اجلهلة ,الغري
املتبحرين يف علم الشريعة يقول الشاطيب" :االختالف يف بعض القواعد الكلية ال يقع يف العاديات اجلارية بني
املتبحرين يف علم الشريعة ,اخلائضني يف جلتها العظمى ,العاملني مبواردها ومصادرها .والدليل على ذلك اتفاق
العصر األول ,وعامة العصر الثاين على ذلك".4
واشتهر على ألسنة علماء األصول يف الداللة على مشروعية اختالف االجتهاد قوهلم" :النصوص متناهية
والوقائع غري متناهية ,وما ال يتناهى ال يضبطه ما يتناهى" ,5ويف هذه القاعدة دعوة قوية لالجتهاد واالختالف
يف القضايا الظنية احملتملة ألكثر من رأي.
بل قالوا بعدم االعتداد بقول من ال يقول بالقياس واالجتهاد بالرأي وهم "الظاهرية" ,جاء يف البهان" :قال
القاضي ال يعتد خبالف هؤالء وال ينخرق اإلمجاع خبروجهم عنه وليسوا معدودين من علماء الشريعة" ,6وهو رد
قوي من إمام احلرمني على من ال يعتب مقاصد النصوص ,وعلل األحكام ,وعلى منكري القياس وهو باب من
أبواب االجتهاد.
ويقول الشاطيب بعد ذكر بعض اآلثار الدالة على أن االختالف رمحة" :1ومعىن هذا أهنم فتحوا للناس باب
االجتهاد وجواز االختالف فيه ,ألهنم لو مل يفتحوه لكان اجملتهدون يف ضيق .. ,فوسع اهلل على األمة بوجود
اخلالف الفروعي فيهم .. ,فاختالفهم يف الفروع كاتفاقهم فيها واحلمد هلل".2
المبحث الثالث
أسباب االختالف
اعرتاف أهل الصناعة األصولية بشرعية االختالف ,يقوم على اقتناعهم بأن لالختالف أسباب تقتضيه,
ويصعب اإلحاطة مبجموع أسباب االختالف الفقهي يف هذه الورقة ,لكثرهتا وتنوعها من جهة ,وألن السياق
العلمي املرتبط هبذه الورقة ال يستدعيه من جهة ثانية ,كما أن العلماء اختلفوا يف حصرها من جهة ثالثة ,إال أنه
بعد االستقراء ميكن أن نستنتج :أن لالختالف الفقهي أسبابا متعددة ومتنوعة منها :ما يرجع للدليل ,ومنها ما
يرجع للمجتهد ,ومنها ما يرجع للتنزيل على الواقع.3
المطلب األول :أسباب ترجع إلى الدليل:
مبعىن أن االختالف كانت له أسباب موضوعية ,أملتها طبيعة الدليل الذي يستدل به اجملتهد على مذهبه
االجتهادي ,أو رأيه يف األحكام اجلزئية التفصيلية ,وهذا الدليل قد يكون نقليا أو عقليا.
واملقصود بالنقلي :االحتمال الوارد يف معظم النصوص الشرعية ,سواء من جهة الثبوت ,أو من جهة الداللة,
أو من جهتهما معا ,يقول ابن القيم خبصوص داللة النصوص واختالف اجملتهدين فيها" :داللة النصوص نوعان:
حقيقة وإضافية ,فاحلقيقة تابعة لقصد املتكلم وإرادته ,وهذه الداللة ال ختتلف ,واإلضافية تابعة لفهم السامع
-1من العلماء من ألف يف الفروع هبذا العن وان ,مثل" :رمحة األمة يف اختالف األئمة" ,ابن عبد الرمحن الدمشقي العثماين الشافعي(القرن
الثامن اهلجري) ,شرحه ووضع هوامشه :إبراهيم أمني حممد ,املكتبة التوفيقية ,بدون طبعة ,بدون تاريخ .وينظر ما ذكره عبد الكرمي زيدان يف
إثبات عدم صحة حديث "االختالف رمحة" ,وعلى فرض صحة االحتجاج به ,فإنه حيمل على اختالف اجملتهدين فيما يسوغ فيه االجتهاد.
اخلالف يف الشريعة اإلسالمية ,عبد الكرمي زيدان ,مؤسسة الرسالة ,بريوت ,ط1452( ,8/ه1322/م) ,ص.89:
-2االعتصام ,الشاطيب.935/8 ,
-3ينظر املؤلفات اليت اهتمت بأسباب االختالف ,ومنها على سبيل التمثيل ال احلصر :اإلنصاف يف التنبيه على املعاين واألسباب اليت
أوجبت االختالف بني املسلمني يف آرائهم ,البطليوسي ,وجعلها مثانية .رفع املالم عن األئمة األعالم ,ابن تيمية ,حصرها يف عشرة ,بعد أن
أرجع األعذار اليت يعذر هبا األئمة إىل ثالثة .اإلنصاف يف بيان أسباب االختالف ,ويل اهلل الدهلوي .أسباب اختالف الفقهاء ,علي
اخلفيف .أثر االختالف يف القواعد األصولية يف اختالف الفقهاء ,مصطفى سعيد اخلن .أسباب اختالف الفقهاء ,عبد اهلل بن عبد احملسن
الرتكي ,..وغريها من املؤلفات اليت أفردت يف هذا الفن ,أو اليت تعرضت له يف مقدمات الكتب ومنها :بداية اجملتهد وهناية املقتصد ,ابن رشد
احلفيد ,جاء يف مقدمة الكتاب" :أما أسباب االختالف باجلنس فستة" .أو يف باب من أبواب كتبها ومنها :حبث الشاطيب يف املوافقات يف
كتاب االجتهاد "املسألة احلادية عشرة :يف بيان أسباب اخلالف الواقع بني محلة الشريعة" .املوافقات يف أصول الشريعة ,الشاطيب.159/4 ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 34
وإدراكه وجودة فكره وقرحيته وصفاء ذهنه ومعرفته باأللفاظ ومراتبها وهذه الداللة ختتلف اختالفا متباينا حبسب
تباين السامعني يف ذلك".1
ويقول ابن تيمية تعليقا على قصة بين قريظة يف احلديث السايق" :فاألولون متسكوا بعموم اخلطاب ,فجعلوا
صورة الفوات داخلة يف العموم ,واآلخرون كان معهم من الدليل ,ما يوجب خروج هذه الصورة عن العموم ,فإن
املقصود :املبادرة إىل الذين حاصرهم النيب صلى اهلل عليه وسلم .وهي مسألة اختلف فيها الفقهاء اختالفا
مشهورا :هل خيص العموم بالقياس؟ ومع هذا فإن الذين صلوا يف الطريق كانوا أصوب فعال".2
واملقصود بالعقلي :اختالفهم يف مستويات األخذ ببعض أصول االستنباط ,مثل :القياس ,واملصلحة املرسلة,
واالستحسان ,..وغريها من األدلة العقلية اليت اختلف الفقهاء يف األخذ هبا ,يقول الغزايل والنفوس ختتلف يف
إدراك املصاحل حبسب ما يوافق طبعها "واستحسان املصاحل كاستحسان الصور ,فمن وافق طبعه صورة مال إليها
وعب عنها باحلسن .3"..
ويقول الشهرستاين يف سياق كالمه على االختالف بني مدرسة أهل الرأي-العقل ,-وأهل احلديث-النقل:
"وبني الفريقني اختالفات كثرية يف الفروع ,وهلم فيها تصانيف ,وعليها مناظرات وقد بلغت النهاية يف مناهج
الظنون ,حىت كأهنم أشرفوا على القطع واليقني ,وليس يلزم من ذلك تكفري وال تضليل ,بل كل جمتهد
مصيب.4"..
المطلب الثاني :أسباب ترجع إلى المجتهد:
واملقصود هبا اختالف مدارك اجملتهدين وأفهامهم ,وتقديراهتم ,وعلومهم ,وجتارهبم ,واتساع اطالعهم على
النصوص الشرعية والفكرية ,القدمية واحلديثة ,وما توصل إليه العلم احلديث من مناهج ومعارف ونظريات يف
خمتلف اجملاالت ,الثقافية والفنية والسياسية واالقتصادية واالجتماعية ..يقول البطليوسي" :الناس يتفاضلون يف
-1إعالم املوقعني عن رب العاملني ,حممد بن أيب بكر ابن قيم اجلوزية(,ت751:ه) ,دراسة وحتقيق :طه عبد الرؤوف سعد ,مكتبة الكليات
األزهرية ,مصر ,القاهرة1922( ,ه 1322/م) بدون عدد الطبعة .955/1,وللمزيد ينظر ما ذكره الغزايل يف داللة األلفاظ على املعاين
وتقسيماهتا ,التقسيم األول :أن داللة اللفظ على املعىن تكون :إما مطابقة أو تضمنا ,أو لزوما .والتقسيم الثاين :أن األلفاظ حبسب خصوص
املعىن ومشوله تنقسم إىل ما يدل على عني واحدة ويسميه :معينا...وإىل ما يدل على أشياء كثرية تتفق يف معىن واحد ,ويسميه مطلقا.والتقسيم
الثالث :أن األلفاظ املتعددة باالضافة إىل املسميات املتعددة على أربعة منازل ,مرتادفة ,ومتباينة ,ومتواطئة ,ومشرتكة .املستصفى من علم
األصول ,أبو حامد حممد بن حممد الغزايل الطوسي ,دراسة وحتقيق :حممد سليمان األشقر ,مؤسسة الرسالة ,بريوت ,لبنان,
ط1417(1/ه1337/م).72-74/1 ,
-2رفع املالم عن االئمة االعالم ,ابن تيمية أيب العباس تقي الدين أمحد بن عبد احلليم احلراين الدمشقي(ت782:ه) ,الرئاسة العامة إلدارة
البحوث العلمية واالفتاء والدعوة واالرشاد ,اململكة العربية السعودية-الرياض1419(,ه) ,ص.93:
-3املستصفى من علم األصول ,أبو حامد حممد بن حممد الغزايل الطوسي ,دراسة وحتقيق :حممد سليمان األشقر ,مؤسسة الرسالة ,بريوت,
لبنان ,ط1417(1/ه1337/م).499-498/8 ,
-4امللل والنحل لإلمام أيب الفتح حممد بن عبد الكرمي الشهرستاين(542ه) ,صححه وعلق عليه :األستاذ أمحد فهمي حممد ,دار الكتب
العلمية ,بريوت ,لبنان ,ط1419( ,8/ه1338/م).881/1 ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 35 جملة املدونة:
قرائحهم وأفهامهم كما يتفاضلون يف صورهم ووألواهنم وغري ذلك من أمورهم وأحواهلم" ,1ويقول الشاطيب.." :
واألنظار ختتلف باختالف القرائح والتبحر يف علم الشريعة ,فلكل مأخذ جيري عليه ,وطريق يسلكه ,2"..ويقول
ابن تيمية" :وإمنا يتفاضل العلماء من الصحابة ومن بعدهم ,بكثرة العلم أو جودته".3
المطلب الثالث :أسباب ترجع إلى التنزيل:
واملقصود هبا تنزيل األحكام على الوقائع والنوازل املستجدة ,حيث خيتلف احلكم من نازلة إىل أخرى ,فهي
أسباب ترجع إىل طبيعة الواقع ,أي الواقعة أو احلادثة اليت يراد تنزيل احلكم عليها ,وهو باب االجتهاد التنزيلي,
فإن احلكم خيتلف يف تنزيله من نازلة إىل أخرى ولو يف نفس التعيني يقول الشاطيب يف كتاب االجتهاد" :فلكل
معني خصوصية ليست يف غريه ولو يف نفس التعيني .4"..
فاحلكم خيتلف من شخص آلخر عند التنزيل ,ألن األحكام تتعلق باألفعال ال باألعيان ,يقول الغزايل:
"احلكم خطاب ال يتعلق باألعيان ,بل بأفعال املكلفني ,5"..وفائدة هذا التعلق بأفعال املكلفني ,هو أن احلكم
خيتلف باختالف احلالة اليت عليها املكلف ,فيباح للمكلف امليتة يف حالة االضطرار ال يف حالة االختيار "لذلك
خيتلف احلكم باختالف الناس يف النازلة الواحدة".6
المبحث الرابع
آفات ومزالق االختالف
لالختالف آفات ومزالق حجبت حقيقته ,وميكننا إرجاع هذه اآلفات إىل ما ميكن أن نصطلح عليه
ب"مظاهر االعوجاج يف االستدالل" ومنها :التقليد والتعصب ..للمذهب الفقهي ,واتباع الرجال ..وغريها من
اآلفات ,واملراد هو أن الفقه اإلسالمي –على يد بعض الفقهاء -عرف يف فرتة من فرتاته ,اخلروج عن املنهج
-1اإلنصاف يف التنبيه على املعاين واألسباب اليت أوجبت االختالف بني املسلمني يف آرائهم ,ابن السيد البطليوسي)581ه ) ,أبو حممد
عبد اهلل بن حممد ,حتقيق :الدكتور حممد رضوان الداية ,دار الفكر ,دمشق -سورية ,ط1457( ,9/ه ,)1327/ص.125:
-2املوافقات يف أصول الشريعة ,إبراهيم بن موسى بن حممد اللخمي الغرناطي الشهري بالشاطيب (ت735 :ه ) ,شرحه وخرج أحاديثه :عبد
اهلل دراز ,وضع ترامجه :حممد عبد اهلل دراز ,خرج آياته وفهرس موضوعاته :عبد السالم عبد الشايف حممد ,دار الكتب العلمية ,بريوت-لبنان,
ط1411( ,1/ه1331/م).75/9 ,
-3رفع املالم عن االئمة االعالم ,ابن تيمية أيب العباس تقي الدين أمحد بن عبد احلليم احلراين الدمشقي(ت782:ه) ,الرئاسة العامة إلدارة
البحوث العلمية واالفتاء والدعوة واالرشاد ,اململكة العربية السعودية-الرياض1419(,ه) ,ص.15:
-4املوافقات يف أصول الشريعة ,الشاطيب.23/8 ,
-5املستصفى من علم األصول ,أبو حامد حممد بن حممد الغزايل الطوسي ,دراسة وحتقيق :حممد سليمان األشقر ,مؤسسة الرسالة ,بريوت,
لبنان ,ط1417(1/ه1337/م).412/8 ,
-6املوافقات يف أصول الشريعة ,الشاطيب.159/1 ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 36
السليم يف االستدالل ,حيث ساد التقليد ,والتعصب للرجال ,وللمدرسة الفقهية ,عوض اعتماد الدليل واحلجة,
وكان أتباع كل مذهب يستفرغون وسعهم يف االنتصار ملذهبهم ,وإبطال ما عداه من املذاهب األخرى ,حىت أدى
ذلك إىل وضع احلديث واالفرتاء على الرسول صلى اهلل عليه وسلم ,حىت أن مالك رمحه اهلل كان "يسمي العراق
(دار الضرب) أي تضرب فيها األحاديث ,وخترج إىل الناس ,كما تضرب الدراهم وخترج للتعامل".1
أنكر اإلمام الشاطيب على املالكية باألندلس ,تقليدهم للمذهب املالكي ,وتعصبهم له ,وإنكارهم لغريه من
حتكيم
ُ صمموا على مذهب مالك ,حبيث أنكروا ما عداه ,وهذا املذاهب األخرى يقول" :وكان هؤالء املقلِّدةُ قد َّ
الغلو يف حمبة املذهب ,وعني اإلنصاف ترى أن اجلميع أئمة فضالء" ,2وإنكاره هذا ,ليس الرجال على احلق ,و ُّ
إنكارا على اتباع املذهب ,بل هو إنكار على التعصب إلمام املذهب ,وتقليده أصاب أم أخطأ ,وهو إعراض عن
الدليل واعتماد على الرجال ,حىت بالغ األمر كما يقول حمماد رفيع إىل أن "حتول الغرض من اجلدل واملناظرة من
جمرد الوصول إىل املعرفة الصحيحة ..إىل جمرد نصرة مذهب على آخر".3
فلو مل يكن اإلمام الشاطيب إماما جمتهدا حبق ,ملا صدرت منه هذه العبارة" :وعني اإلنصاف ترى أن اجلميع
أئمة فضالء" ,فهو اعرتاف باحلق يف االختالف ,ألنه كلما زاد الرسوخ يف العلم ,زاد معه االعرتاف باملخالف
وإنصافه.
ومن مظاهر االعوجاج يف االستدالل الذي "جيب أن يتأمل وحيرتز منه"" ,4التعصب للمذهب وإنكار
املخالف والطعن يف مذهبه" ,وقد نبه الشاطيب رمحه اهلل على آفات ذلك ومنها" :رد املخالف باملثل انتصارا
ملذهبه" ,و"حصول التدابر والتقاطع بني أرباب املذاهب" ,و"أن الطعن والتقبيح يف سياق الرد يؤدي إىل التغايل
واالحنراف يف املذهب" ..
افل بقوم ممن
ويقول رمحه اهلل يف نفس السياق أن هذا وقع ممن يشار إليهم بالعلم" :ورمبا انتهت الغَ ْفلةُ أو التَّغَ ُ
وسودوا
وعمروا بذلك دواوينهمَّ , تصرحيًا أو تعريضا دأهبمَّ ,جيح بالتَّنقيص ْ
الرت َ صريوا َّ
يشار إليهم يف أهل العلم أن َّ
النوع ترمجة من تراجم الكتب املصنفة يف أصول الفقه أو كالرتمجَة".5 اطيسهم؛ حىت صار هذا ُبه قر َ
بلغ واقع االعوجاج يف االستدالل والتعصب وإنكار املخالف ,إىل أن جعلوا التنقيص يف املخالف من آليات
الرتجيح ,بل صار ذلك –حسب اإلمام الشاطيب -من دوافع التأليف يف علم األصول ,وكل ذلك منشأه التقليد,
واحملاكاة لألقوال واملذاهب ,من غري اجتهاد وال إبداع ,وكل ذلك أدى إىل ضمور ثقافة احلق يف االختالف.
-1السنة ومكانتها يف التشريع اإلسالمي ,مصطفى السباعي ,دار الوراق ,بدون طبعة ,بدون تاريخ ,ص.32:
-2االعتصام ,الشاطيب.557/8 ,
-3معامل الدرس اجلديل عند علماء الغرب االسالمي أبو الوليد الباجي أمنوذجا ,حممد بن حممد رفيع ,عامل الكتب احلديث ,إربد-االردن,
ط1491( ,1/ه8515/م).85 ,
-4ومتام النص لتمام الفائدة " :وذلك أن كثريا من الناس جتاوزوا الرتجيح بالوجوه اخلالصة إىل الرتجيح ببعض الطعن على املذاهب املرجوحة
عندهم ,أو على أهلها القائلني هبا ,مع أهنم يُثْبِتُو َن مذاهبهم ويعتدون هبا ويراعوهنا ,ويفتون بصحة االستناد إليهم يف الفتوى ,وهو غري الئق
مبناصب املرجحني ,وأكثر ما وقع ذلك يف الرتجيح بني املذاهب األربعة وما يليها من مذهب داود وحنوه" .املوافقات ,الشاطيب.139/4 ,
-5نفسه.132/4 ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 37 جملة املدونة:
فقد كان اإلمام اجملدد -الشاطيب رمحه اهلل تعاىل -متبعا للدليل والبهان يف كل ما يقرره ,مبتعدا عن االعوجاج
يف االستدالل ,فقد استنكر رمحه اهلل تعاىل االعتماد على الرجال يف الفتوى ,من غري حتر للدليل الشرعي ,1وأن
الرجال ليسوا سوى وسائل للحكم الشرعي املطلوب ,واالعتقاد فيهم خالف ذلك :ضالل ,2واعتب ترك الدليل,
وعدم االهتداء به يف طلب أحكام الشارع "انسالخ من الدين".3
المبحث الخامس
تدبير االختالف
إن القول بأن االختالف الفقهي رمحة وتوسعة على اخللق ,ال يعين ترك اخلالف على ما هو عليه ,وعدم
البحث عن آليات تدبريه وإدارته ,وال يعين كذلك عدم حتري احلق ,أو البحث عن اجلوامع واملشرتكات املنهجية
ِ ِ ٍ
كول إِ ْن ُكْنتُ ْم تُ ْؤِمنُو َن بِاللَّ ِه َوالْيَ ْوم ْاآل ِخ ِر ذَل َ
الرس ِ ِ ِ ِ
واملعرفية ..قال تعاىل﴿ :فَإ ْن تَنَ َاز ْعتُ ْم ِيف َش ْيء فَ ُرُّدوهُ إ َىل اللَّه َو َّ ُ
ع إِ َىل َسبِ ِيل
َح َس ُن تَأْ ِو ًيال﴾(النساء ,)53:فهي دعوة إىل االنضباط إىل املرجعية اجلامعة ,وقال تعاىلْ ﴿ :اد ُ َخْي ٌر َوأ ْ
احلَ َسنَ ِة َو َج ِاد ْهلُ ْم بِالَِّيت ِه َي أَ ْح َس ُن ﴾(النحل ,)185:فهي دعوة إىل املنهج الذي جيب ْم ِة َوالْ َم ْو ِعظَِة ْ ك بِ ِْ
احلك َ َربِّ َ
اتباعه يف حتري احلق والصواب ,والوقوف على مراد الشارع.
وقد حرص الفقهاء رمحهم اهلل –يف اجلملة -على مراعاة مقاصد القرآن الكرمي ,والسنة النبوية الداعية إىل تدبري
االختالف ,والبحث عن اجلوامع واملشرتكات ,ومتيز الفقهاء برحابة الصدر ,والقدرة على االنفتاح على حميطهم,
على اختالف انتماءات أفراده الفكرية ,واستعدادهم للتعايش ,وتدبري االختالف ,بالتقليل منه ,وتضييق دائرته ما
أمكن ,ويتضح ذلك ,من خالل أقواهلم وقصصهم والروايات املروية عنهم ,يف احرتام املخالف ,وتقديره ,وإجالله,
واالعرتاف به ,وشرعية االختالف عموما ,وكالمهم يف قاعدة "شرع من قبلنا شرع لنا "..دليل ذلك.4
رفض مالك فرض مذهبه وموطئه على مجيع األمة حلسم مادة االختالف ,من طرف اخلليفة العباسي ,روى
احلجوي الثعاليب القصة ,وذكر أن اإلمام مالك رفض هذا الفرض ,وعلله بقوله" :فإن الصحابة تفرقوا يف اآلفاق,
ورووا أحاديث غري أحاديث أهل احلجاز اليت اعتمدهتا ,وأخذ الناس بذلك ,فاتركهم على ما هم عليه" .وعلق
احلجوي على القصة بقوله" :فانظر اتساع مالك ,ترك للناس حريتهم ,ومل جيعل للسياسة دخال يف كتابه ,فأقبلوا
عليه باختيارهم".1
ومن الرواي ات الواردة يف تقدير مالك رمحه اهلل للمخالف يف الرأي ,يروي القاضي عياض يف "ترتيب املدارك":
قال الليث بن سعد" :لقيت مالكا باملدينة فقلت له :إين أراك متسح العرق عن جبينك .قال عرقت مع أيب
حنيفة .إنه لفقيه يا مصري".2
يقول القرضاوي يف تعليقه على رسالة الليث بن سعد لإلمام مالك" :3وإن من املؤسف اليوم ,أن جند من بني
املشتغلني بالدعوة إىل اإلسالم ,من يشهر سيف الذم والتجريح لكل من خيالفه ,متهما إياه بقلة الدين ,أو بالتباع
اهلوى ,أو باالبتداع واالحنراف ,أو بالنفاق ,ورمبا بالكفر .4"..ويقول احلجوي الثعاليب عن هذه الرسالة عند ترمجة
الليث بن سعد هي" :حماورة علمية ,وهو أحسن مثال ألفكار كبار هذا العصر وأدهبم ,واحرتام بعضهم ألفكار
بعض".5
ومن أجل ذلك يلزم البحث عن آليات تدبري االختالف ,وتوظيفها يف تدبري االختالف الفقهي واإلنساين
عموما ,وليس القصد من تدبري االختالف ,رفعه هنائيا ,ألن ذلك على خالف إرادة الشارع ,اليت خلق عليها
اخللق ,بل املراد إدارته حبكمة ,وتضييق دائرته ما أمكن ,ليسود الوفاق ,وجتتمع الكلمة.
خاتمة:
تدل كلمة "اختلف" على "معىن التفرق وعدم االتفاق ,وأخذ كل واحد من املختلفني طريقا خمالفا لآلخر
,"..وتدل على "معىن التفاوت والتنوع والتباين ,"..وغريها من املعاين الدالة على االختالف اإلنساين ,والتباين
والتغاير يف اآلراء واألفكار واملذاهب ..
واالختالف مشيئة إهلية ,دلت عليها اآليات التشريعية ,واآليات التكوينية ,وأكد على هذه احلقيقة علماء
الصناعة األصولية ,وغريهم من مفكري اإلسالم ,بل اعرتفوا به حقيقة واقعية ,وكتب اخلالف واجلدل ,وكتب امللل
والنحل واملقاالت ..أكب دليل على ذلك.
كما نبه العلماء على األسباب اليت أوجبت هذا االختالف ,وبينوا ما كان منها علميا موضوعيا ,وما كان
منها مرفوضا مذموما ,وعلى العموم ميكن حصر أسباب االختالف يف ثالث جمموعات :أسباب ترجع للدليل,
وأسباب ترجع للمجتهد ,وأسباب ترجع للتنزيل على الواقع.
وحذر علماء اإلسالم من آفات ومزالق االختالف ,اليت تتسبب يف الفرقة املنهي عنها ,من قبيل االعوجاج يف
االستدالل ,واتباع امليوالت النفسية ,اليت تؤثر على العقل ,وتفقده النظر الصحيح ,ومعرفة احلقائق على ما هي
عليه.
ومن متام فقه االختالف ,تدبريه حبكمة ,لتتحقق مقاصده وفق إرادة اهلل تعاىل ,فإذا كان اهلل تعاىل هو من
خلق اخللق خمتلفني يف عقوهلم ومداركهم وتقديراهتم ,وأمرهم باالجتهاد والنظر يف نصوص الوحي الظنية احملتملة
ألكثر من معىن ,كما أمرهم بتدبر آياته الكونية إلدراك وجوده ووحدانيته ,فقد أمرهم كذلك بالوحدة واالئتالف,
وتدبري اختالفاهتم على أرضية املشرتك.
التوصيات:
يوصي الباحث باآليت:
-تكثيف الدورات التكوينية املرتبطة ب"ثقافة االختالف" ,على مستوى املؤسسات التعليمية واجلامعية.
-االنفتاح على فكر اآلخر ,وتشجيع الدراسات النقدية واملقارنة للمدارس الفكرية.
-دعم املراكز العلمية املهتمة بقضايا االختالف وتدبريه ,لتتمكن من تعزيز ثقافة االختالف يف اجملتمع.
-اإلحكام يف أصول األحكام ,اآلمدي(ت291 :ه ) ,حتقيق :عبد الرزاق عفيفي ,املكتب اإلسالمي ,بريوت,
دمشق ,لبنان.
-االعتصام ,الشاطيب(ت735:ه ) ,ضبطه وصححه :أمحد عبد الشايف ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,لبنان,
ط1452( ,1/ه1322/م).
-البهان يف أصول الفقه ,اجلويين(ت472:ه ) حتقيق :صالح بن حممد بن عويضة ,دار الكتب العلمية ,بريوت,
لبنان ,ط1412( ,1/ه 1337/م).
-التحرير والتنوير ,ابن عاشور(ت1939:ه) ,الدار التونسية ,بدون طبعة1324( ,م).
-التصاريف تفسري القرآن مما اشتبهت أمساؤه وتصرفت معانيه حي بن سالم(ت855:ه) ,قدمت له وحققته:
هند شليب ,مؤسسة آل البيت امللكية للفكر اإلسالمي ,األردن ,عمان ,بدون طبعة1483(,ه8552/م).
-اخلالف الفقهي :دراسة يف املفهوم واألسباب واآلداب ,أمحد البوشيخي ,كتاب احملجة( ,)8آنفو-برانت,
فاس1484( ,ه8559/م).
-اخلالف يف الشريعة اإلسالمية ,عبد الكرمي زيدان ,مؤسسة الرسالة ,بريوت ,ط1452( ,8/ه1322/م).
-الرسالة ,الشافعي(ت854:ه) حتقيق :أمحد حممد شاكر ,مكتبة احلليب ,مصر ,ط1952( ,1/ه1345/م).
-السنة ومكانتها يف التشريع اإلسالمي ,مصطفى السباعي ,دار الوراق ,بدون طبعة ,بدون تاريخ.
-الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ,اجلوهري الفارايب(ت939:ه ) حتقيق :أمحد عبد الغفور عطار ,دار العلم
للماليني ,بريوت ط1457( ,4/ه 1327/م).
-الصحوة اإلسالمية بني االختالف املشروع والتفرق املذموم ,القرضاوي.
-الفروق (أنوار البوق يف أنواء الفروق) ,أبو العباس شهاب الدين القرايف(ت224 :ه ) ,عامل الكتب ,بدون
طبعة بدون تاريخ.
-الفكر السامي يف تاريخ الفقه اإلسالمي ,احلجوي الثعاليب الفاسي(ت1972:ه ) ,دار الكتب العلمية,
بريوت ,ط1412( ,1/ه 1335/م).
-القاموس احمليط ,الفريوز آبادى(ت217:ه ) حتقيق :مكتب حتقيق الرتاث يف مؤسسة الرسالة ,إشراف :حممد
العرقسوسي ,مؤسسة الرسالة ,بريوت ,لبنان ,ط1482( ,2/ه 8555/م). ُ نعيم
-املستدرك على الصحيحني ,احلاكم(ت455:ه ) ,حتقيق :مصطفى عبد القادر عطا ,دار الكتب العلمية,
بريوت ,ط1411( ,1/ه1335/م).
-املستصفى من علم األصول ,أبو حامد حممد بن حممد الغزايل الطوسي ,دراسة وحتقيق :حممد سليمان األشقر,
مؤسسة الرسالة ,بريوت ,لبنان ,ط1417(1/ه1337/م).
-املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري ,أمحد بن علي الفيومي(ت775 :ه ) ,املكتبة العلمية ,بريوت ,بدون
طبعة ,وال تاريخ.
-املعجم الفلسفي ,مجيل صليبا ,دار الكتاب اللبناين ,بريوت1328( ,م1458/ه).
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 41 جملة املدونة:
-املعجم املفهرس أللفاظ القرآن الكرمي ,حممد فؤاد عبد الباقي ,دار احلديث ,القاهرة ,دار الكتب املصرية,
(1924ه).
-املعجم املوسوعي أللفاظ القرآن الكرمي وقراءاته ,عمر أمحد خمتار ,مبساعدة فريق عمل ,مؤسسة سطور املعرفة,
ط1489( ,1/ه8558/م).
-املفردات يف غريب القرآن ,الراغب األصفهاين(ت558:ه ) ,حتقيق :صفوان عدنان الداودي ,دار القلم ,الدار
الشامية ,دمشق ,بريوت ,ط1412( ,1/ه ).
-املوافقات يف أصول الشريعة ,الشاطيب(ت735 :ه ) ,شرحه وخرج أحاديثه :عبد اهلل دراز ,وضع ترامجه :حممد
عبد اهلل دراز ,خرج آياته وفهرس موضوعاته :عبد السالم عبد الشايف حممد ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,لبنان,
ط1411( ,1/ه1331/م).
-إيضاح املسالك إىل قواعد االمام مالك ,ابن حي الونشريسي ,حتقيق :أمحد بوطاهر اخلطايب ,طبع بإشراف اللجنة
املشرتكة لنشر الرتاث اإلسالمي ,بني حكومة اململكة املغربية ,وحكومة دولة اإلمارات العربية املتحدة ,الرباط,
(1455ه1325/م).
-بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز ,الفريوز آبادي(ت217:ه ) ,حتقيق :حممد علي النجار ,وزارة األوقاف,
اجمللس األعلى للشؤون اإلسالمية ,جلنة إحياء الرتاث اإلسالمي ,القاهرة ,ط1412( ,9/ه1332/م).
-تاريخ ابن معني (رواية الدوري) ,أبو زكريا حي بن معني البغدادي(ت899:ه ) ,حتقيق :أمحد حممد نور سيف ,مركز
البحث العلمي وإحياء الرتاث اإلسالمي ,مكة املكرمة ,ط1933( ,1/ه1373/م) - .املعرفة والتاريخ ,يعقوب بن
سفيان(ت877:ه ) ,حتقيق :أكرم ضياء العمري ,مؤسسة الرسالة ,بريوت ,ط1451( ,8/ه 1321/م).
-ترتيب املدارك وتقريب املسالك ,القاضي عياض(ت544 :ه ) حتقيق :ابن تاويت الطنجي ,مطبعة فضالة,
احملمدية ,املغرب ,ط1325( ,1/م).
-خصائص املذهب املالكي ,حممد التاويل ,مطبعة أنفو -برانت ,الليدو فاس ,بدون طبعة ,وال تاريخ ,إال أن
رقم االيداع يشري إىل سنة (8514م).
-رفع املالم عن األئمة األعالم ,ابن تيمية(ت782:ه) ,الرئاسة العامة إلدارة البحوث العلمية واإلفتاء والدعوة
واإلرشاد ,اململكة العربية السعودية ,الرياض1419( ,ه).
-صحيح البخاري ,حتقيق :حممد زهري بن ناصر الناصر ,دار طوق النجاة ,ط1488( ,1/ه ).
-عمدة احلفاظ يف تفسري أشرف األلفاظ ,معجم لغوي أللفاظ القرآن الكرمي ,السمني احلليب(752ه) ,حتقيق:
حممد باسل عيون السود ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,لبنان ,ط1417( 1/ه1332/م).
-فتح الباري شرح صحيح البخاري ,ابن حجر العسقالين الشافعي ,رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه :حممد فؤاد عبد
الباقي ,قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه :حمب الدين اخلطيب ,عليه تعليقات العالمة :عبد العزيز بن
عبد اهلل بن باز ,دار املعرفة ,بريوت1973( ,ه).
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 42
-فتح الباري شرح صحيح البخاري ,ابن رجب احلنبلي(ت735 :ه ) ,حتقيق :حممود بن شعبان بن عبد
املقصود ,وآخرون ,مكتبة الغرباء األثرية ,املدينة النبوية .ط1417( ,1/ه1332/م).
-قواطع األدلة يف األصول ,السمعاين(ت 423:ه ) ,دراسة وحتقيق :حممد حسن حممد حسن إمساعيل الشافعي,
دار الكتب العلمية ,بريوت ,لبنان ,ط1412( ,1/ه 1333/م).
-كتاب التعريفات ,اجلرجاين(ت212:ه ) ,حتقيق :مجاعة من العلماء بإشراف الناشر ,دار الكتب العلمية,
بريوت ,لبنان ,ط1459( ,1/ه 1329/م).
-كتاب العني ,اخلليل بن أمحد الفراهيدي البصري(ت175:ه ) حتقيق :مهدي املخزومي ,إبراهيم السامرائي ,دار
ومكتبة اهلالل ,بدون طبعة ,وال تاريخ.
-لسان العرب ,ابن منظور(ت711:ه ) ,دار صادر ,بريوت ,ط1414( ,9/ه ).
-خمتار الصحاح ,الرازي(ت222:ه ) ,حتقيق :يوسف الشيخ حممد ,املكتبة العصرية ,الدار النموذجية ,بريوت,
صيدا ,ط1485( ,5/ه 1333/م).
-معامل الدرس اجلديل عند علماء الغرب اإلسالمي أبو الوليد الباجي أمنوذجا ,حممد بن حممد رفيع ,عامل الكتب
احلديث ,إربد-االردن ,ط1491( ,1/ه8515/م).
-معجم األعالم واملوضوعات يف القرآن الكرمي ,عبد الصبور مرزوق ,دار الشروق ,القاهرة ,ط,1/
(1415ه1335/م).
-معجم ألفاظ القرآن الكرمي ,وضع :جممع اللغة العربية ,اإلدارة العامة للمعجمات وإحياء الرتاث ,مجهورية مصر
العربية ,القاهرة1453( ,ه1323/م) ,مادة( :خ ل ف).
-معجم مقاييس اللغة ,ابن فارس(ت935:ه ) ,حتقيق :عبد السالم هارون ,دار الفكر ,بدون طبعة,
(1933ه 1373/م).
-مفردات القرآن نظرات جديدة يف تفسري ألفاظ قرآنية ,عبد احلميد الفراهي ,حتقيق وشرح :حممد أمجل
اإلصالحي ,دار الغرب اإلسالمي ,بريوت ,ط8558( ,1/م).
-موقف األمة من اختالف األئمة ,عطية حممد سامل ,دار اجلوهرة ,املدينة املنورة ,ط.)1482( ,1/
-نظرية التقعيد الفقهي وأثرها يف اختالف الفقهاء ,حممد الروكي ,مطبعة النجاح اجلديدة ,الدار البيضاء ,ط,1/
(1334م).
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 43 جملة املدونة:
مقدمة :
من املظاهر الشاهدة على مرونة الشريعة اإلسالمية وصالحيتها لكل زمان ومكان ,جند النوازل الفقهية اليت
يزخر هبا تاريخ الفقه اإلسالمي عموماً ,وتاريخ فقه الغرب اإلسالمي خصوصاً ,من خالل ما خلفه علماء أجالء
خدموا فقه النوازل وأثروه باستنباطاهتم واجتهاداهتم ,وما صنفوا يف ذلك من املصنفات احلسان على مر العصور
واألزمان.
وعند تتبع مفهوم النوازل يف هذه املصنفات والدواوين الفقهية بداية من كتابات املتقدمني ,ومروراً بتصانيف
الفقهاء املتأخرين ,وانتهاءً بتعاريف الفقهاء املعاصرين ,يالحظ تطور يف املفهوم؛ زيادة على وجود جمموعة من
املصطلحات ذات الصلة ب "النوازل" والقريبة منها ,واليت سيعمل البحث على تعريفها.
إشكالية البحث :
ميكن صياغة إشكالية البحث من خالل التساؤل التايل:
إىل أي حد حصل تطور يف مفهوم النوازل بني تناوله من قبل الفقهاء املتقدمني ,مروراً بالفقهاء املتأخرين,
وانتهاء بالفقهاء املعاصرين؟
أهداف البحث :
سعياً لإلجابة عن اإلشكالية املطروحة ,يروم البحث حتقيق األهداف التالية:
-حتديد مفهوم النوازل عند الفقهاء املتقدمني وعند الفقهاء املتأخرين وعند املعاصرين.
-حماولة صياغة تعريف جامع مانع للنوازل.
اقتضت طبيعة البحث االعتماد على منهجني حبثيني رئيسني على األقل ,مها:
املنهج االستقرائي :وذلك بتتبع استعمال لفظ النوازل يف جمموعة من مصادر الرتاث الفقهي ,وكذا يف
املراجع املعاصرة.
املنهج الوصفي التحليلي :من خالل حتليل تعاريف الفقهاء للنوازل ومناقشتها.
المبحث األول
يقال :نزلت هبم نازلة ,ونائبة ,وحادثة مث آبدة ,وداهية ,وباقعة ( ).
3
وجاء يف لسان العرب :النازلة :الشديدة تنزل بالقوم ,ومجعها نوازل ( ).
4
يضيق هلا الفىت ...ذَ ْرعاً وعن َد اللّ ِه منها املخر ُج ٍ
ول رب نازل ة ُ
ت أظنُّها ال تفر ُج( ). ت وكْن ُت حلقا ُهتا ...فُ ِر َج ْ
استحكم ْ ضاقت فلما
6
َ ْ
( )7
وقال املتنيب :
هون الصب عندي كل ناز ٍلة و ّلني العزم حد املركب اخلش ن( ). قد ّ
8
( )1الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ,إمساعيل بن محاد اجلوهري (939ه ) ,حتقيق أمحد عبد الغفور عطار ,دار العلم للماليني -بريوت/
لبنان ,الطبعة الرابعة1457 :ه 1327 /م .مادة "ن.ز.ل".)195/7( ,
( )2معجم مقاييس اللغة ,أبو احلسني أمحد بن فارس (935ه ) ,حتقيق عبد السالم حممد هارون ,دار الفكر -بريوت /لبنان ,الطبعة:
1933ه 1373 /م ,مادة "ن.ز.ل".)417/5( ,
( )3فقه اللغة وسر العربية ,أبو منصور الثعاليب (483ه ) ,حتقيق فائز حممد ,دار الكتاب العريب ,الطبعة األوىل1419 :ه ( ,ص.)872 :
( )4لسان العرب ,مجال الدين ابن منظور (711ه ) ,دار صادر -بريوت ,الطبعة الثالثة1414 :ه .مادة "ن.ز.ل".)252-253/11( ,
( ) 5هو أبو عبد اهلل حممد بن إدريس الشافعي ,اإلمام البعيد الصيت ,اجلليل القدر ,املتفق على جاللته وفضله وعلمه ,شهرته يف أقطار
األرض تغين عن التعريف به .مولده بغزة سنة 155ه ,ووفاته مبصر سنة 854ه .
ترمجته يف :الثقات البن حبان (954ه ) ,سري أعالم النبالء ( ,)5/15الديباج املذهب (ص ,)982 :األعالم (.)82/2
( )6ديوان اإلمام الشافعي ,حممد بن إدريس الشافعي (854ه ) ,حتقيق حممد عبد الرحيم ,دار الفكر -بريوت /لبنان ,الطبعة1485 :ه /
8555م( ,ص.)179 :
( ) 7هو أبو الطيب أمحد بن حسني اجلعفي الكويف األديب ,الشهري باملتنيب .شاعر الزمان ,وأحد مفاخر األدب العريب ,بلغ الذروة يف النظم,
وأرىب على املتقدمني ,وسار ديوانه يف اآلفاق .ولد بالكوفة سنة 959ه ,وتويف سنة 954ه .
ترمجته يف :تاريخ بغداد ( ,)124/5تاريخ اإلسالم َوَوفيات املشاهري َواألعالم ( ,)25/2سري أعالم النبالء ( ,)133/12لسان امليزان
( ,)445/1األعالم (.)115/1
( )8اإلبانة عن سرقات املتنيب لفظا ومعىن ,حممد بن أمحد العميدي (499ه ) ,حتقيق إبراهيم الدسوقي البساطي ,دار املعارف -القاهرة/
مصر ,الطبعة األوىل1321 :م( ,ص.)23 :
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 46
وذكر صاحب ترتيب القاموس احمليط أن النزول هو احللول ,يقال نزهلم ,فيتعدى بنفسه ونزل هبم عليهم,
ينزل نزوال ومنزال ,مبعىن حل( ).
1
وجاء يف املعجم الوسيط :النازلة :املصيبة الشديدة وجتمع على نازالت ,ونوازل ( ).
2
وعرفت النازلة يف معجم لغة الفقهاء ,بأهنا :املصيبة ليست بفعل فاعل ,وهي احلادثة اليت حتتاج حلكم
شرعي(.)3
يالحظ أن تعريفات أمهات املعاجم ,وكتب اللغة ,تتفق على أن النازلة هي املصيبة الشديدة من شدائد
الدهر تنزل بالناس(.)4
المطلب الثاني :المفهوم االصطالحي للنوازل عند الفقهاء المتقدمين والمتأخرين
بالرغم من ورود مصطلح "نوازل" عند الكثري من أهل العلم المتقدمين ,إال أنين مل أقف يف كتاباهتم بعد
تقليبها واستقصاء ما توفر منها على تعريف جامع مانع يصلح أن يكون ح ّداً ,ولعل السبب يف ذلك راجع إىل
وضوح معناه عند مستعمليه ,وانصرافهم إىل اجلوانب التطبيقية العملية ,باحثني عن حل املسائل ومعاجلة املشاكل
النازلة بالناس ,بدل االنشغال بوضع احلد ملصطلح النوازل ,وحبث اجلانب النظري فيه والتأصيل له ,زيادة على
استخدامهم ملصطلحات أخرى مشهورة ترادفه يف املعىن كالفتاوى واملسائل واألجوبة وغريها.
تناول الفقهاء األوائل مصطلح "النوازل" بمعناه اللغوي ,أي مبعىن املصيبة الشديدة اليت حتل بالناس ,كما
هو شأن اإلمام الشافعي الذي قال" :وال قنوت يف شيء من الصلوات إال الصبح ,إال أن تنزل نازلة ,فيقنت يف
الصلوات كلهن إن شاء اإلمام"( .)5وقال يف موضع آخر عند حديثه على جواز مهادنة الكفار" :لإلمام إذا نزلت
باملسلمني نازلة -وأرجوا أن ال ينزهلا اهلل عز وجل هبم إن شاء اهلل تعاىل -مهادنة يكون النظر هلم فيها"(.)6
( ) 1ترتيب القاموس احمليط على طريق املصباح املنري وأساس البالغة ,الطاهر أمحد الزاوي (1452ه ) ,دار الفكر -بريوت /لبنان ,الطبعة
الثالثة( ,بد.ت).)952/4( ,
( )2املعجم الوسيط ,إبراهيم مصطفى-أمحد الزيات-حامد عبد القادر-حممد النجار ,حتقيق جممع اللغة العربية-القاهرة /مصر ,دار الدعوة-
إسطنبول /تركيا ,الطبعة الثالثة1332 :م ,مادة "ن.ز.ل".)315/8( ,
( ) 3معجم لغة الفقهاء ,حممد رواس قلعجي وحامد صادق قنييب ,دار النفائس -بريوت /لبنان ,الطبعة الثانية1452 :ه 1322 /م,
(ص.)471:
( )4ينظر كذلك - :هتذيب اللغة ,أبو منصور حممد بن أمحد األزهري (975ه ) ,حتقيق عبد احلليم النجار ,الدار املصرية للتأليف والرتمجة,
بد.ت ,مادة "ن.ز.ل".)924/4( ,
-خمتار الصحاح ,حممد بن أيب بكر الرازي (222ه ) ,حتقيق حممود خاطر ,مكتبة لبنان ناشرون– بريوت /لبنان ,طبعة1415 :ه /
1335م ,مادة "ن.ز.ل"( ,ص.)222 :
– املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري للرافعي ,أمحد بن حممد بن علي الفيومي (775ه ) ,املكتبة العلمية -بريوت /لبنان ,بد.ت .مادة
"ن.ز.ل".)823/8( ,
( )5األم ,حممد بن إدريس الشافعي (854ه ) ,دار املعرفة -بريوت /لبنان1415 ,ه 1335 /م.)892/1( ,
( )6األم للشافعي.)855/4( ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 47 جملة املدونة:
وبنفس املعىن ,يقول ابن قدامة( ) )...(" :وقنوت عمر _ حيتمل أنه كان يف أوقات النوازل ,فإن أكثر
1
الروايات عنه أنه مل يكن يقنت ,وروى ذلك عنه مجاعة ,فدل على أن قنوته كان يف وقت ناز ٍلة"(.)2
وكذلك ذكر اإلمام النووي( ) باباً يف شرحه على صحيح مسلم ,قال يف ترمجته" :باب استحباب القنوت يف
3
وقحط ٍ
ووباء ٍ مجيع الصلوات إذا نزلت باملسلمني نازلة والعياذ باهلل"( ,)4مث أشار إىل أنواع من النوازل "كعد ٍو
وعطش وضرٍر ظاهر يف املسلمني وحنو ذلك"(.)5
ٍ
وقال ابن تيمية( ) عند ذكره ملسألة قنوت النوازل ,بعدما أشار إىل األقوال الواردة فيها ,وحجة كل فريق ,ما
6
( ) 1هو موفق الدين ,أبو حممد عبد اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة املقدسي الدمشقي ,من أكابر فقهاء احلنابلة ,ولد يف إحدى قرى نابلس
بفلسطني سنة 545ه ,وتعلم يف دمشق ,وهبا كانت وفاته سنة 285ه .
ترمجته يف :تاريخ اإلسالم َوَوفيات املشاهري َواألعالم ( ,)251/19األعالم (.)27/4
( )2املغين ,ابن قدامة املقدسي (285ه ) ,حتقيق عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي وعبد الفتاح حممد احللو ,دار عامل الكتب-الرياض/
السعودية ,الطبعة الثالثة1417 :ه 1337 /م.)522/8( ,
الزاهد .مولده سنة 291ه بقرية نوا اليت ينسب إليها (من قرى افعي ّ
الش ّ
( )3هو أبو زكريا النووي حي بن شرف احلوراين ,احلافظ الفقيه ّ
حوران ,بسوريا) ,وهبا كانت وفاته سنة 272ه .
ترمجته يف :تاريخ اإلسالم َوَوفيات املشاهري َواألعالم ( ,)984/15األعالم (.)143/2
( ) 4املنهاج شرح صحيح مسلم بن احلجاج ,أبو زكريا حي بن شرف النووي (272ه ) ,دار إحياء الرتاث العريب -بريوت ,الطبعة الثانية:
1938ه .)172/5( ,
( )5املصدر السابق (.)172/5
( )6هو أبو العباس أمحد بن عبد احلليم احلراين الدمشقي احلنبلي ,تقي الدين ابن تيمية ,شيخ االسالم .ولد يف حران سنة 221ه ,وحتول به
أبوه إىل دمشق فنبغ واشتهر ,ومات معتقال بقلعة دمشق سنة 782ه .
ترمجته يف :العب يف خب من غب ( ,)992/1األعالم (.)144/1
( )7جمموع الفتاوى ,أمحد بن عبد احلليم بن تيمية (782ه ) ,حتقيق عبد الرمحن بن حممد بن قاسم ,جممع امللك فهد لطباعة املصحف
الشريف-املدينة املنورة ,الطبعة األوىل1412 :ه 1335 /م.)152/89( ,
( ) 8هو اإلمام الفقيه اجملتهد احلافظ القاضي ,أبو عمر يوسف بن حممد بن عبد الب النمري األندلسي .له عدة تصانيف مهمة تعدت حدود
الشهرةُ ,ولِد سنة 922ه ,وتويف سنة 429ه .
ترمجته يف :الصلة ( ,)379/9سري أعالم النبالء ( ,)159/12العب يف خب من غب (.)992/1
( ) 9االستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء األمصار وعلماء األقطار فيما تضمنه املوطأ من معاين الرأي واآلثار ,ابن عبد الب القرطيب (429ه ),
حتقيق سامل حممد عطا وحممد علي معوض ,دار الكتب العلمية-بريوت /لبنان ,الطبعة األوىل1481 :ه 8555 /م.)521/2( ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 48
على أن اإلمام واحلاكم إذا نزلت به نازلة ال أصل هلا يف الكتاب وال يف السنة ,كان عليه أن جيمع العلماء وذوي
الرأي ويشاورهم ,فإن مل يأت واحد منهم بدليل كتاب وال سنة غري اجتهاده ,كان عليه امليل إىل األصلح واألخذ
مبا يراه ,...وفيه دليل على إثبات املناظرة واجملادلة عند اخلالف يف النوازل واألحكام"(.)1
ويف جامع بيان العلم وفضله ,قال عند حديثه عن اختالف الفقهاء يف القياس" :منهم من ال يرى القول
بذلك إال عند نزول النازلة"(.)2
وكثرياً ما استخدم اإلمام الشافعي لفظ "النوازل" مبفهومه االصطالحي الفقهي يف كتاباته ,من ذلك قوله يف
"األم"" :جعل اهلل احلق يف كتابه مث سنة نبيه ‘ فليس تنزل بأحد نازلة إال والكتاب يدل عليها نصا أو مجلة"(.)3
وقال حني حديثه عن قياس الشبه" :وذلك أن تنزل نازلة حتتمل أن تقاس ,فيوجد هلا يف األصلني شبه"(.)4
وقال يف "الرسالة" " :فليست تنزل بأحد من أهل دين اهلل نازلة إال ويف كتاب اهلل الدليل على سبيل اهلدى
فيها"(.)5
وتعبري الشافعي األخري يدل على أن هذا املصطلح يطلق على كل مسألة أو واقعة ,سواء كانت قدمية أو
جديدة ,وسواء وجد فيها نص أو مل يوجد ,وذلك ألنه عب به مرة عن املسألة احملكوم فيها ,ومرة أخرى عن
املسألة اجلديدة اليت ال نص فيها ويراد استنباط حكمها.
وجند البن حزم الظاهري( )6استعماالً هلذا املصطلح ,كقوله يف كتابه "اإلحكام يف أصول األحكام"" :إمنا
يسأل املسلم من سأل من العلماء عن نازلة تنزل به ليخبه حبكم اهلل تعاىل وحكم حممد صلى اهلل عليه وسلم يف
ذلك ,وما جيب يف دين اإلسالم يف تلك املسألة"(.)7
ويف نفس املعىن يقول يف "احمللى"" :كل سائل يف األرض عن نازلة يف دينه ,فإمنا يسأل عما حكم اهلل تعاىل
به يف هذه النازلة"(.)8
( ) 1التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد ,ابن عبد الب القرطيب (429ه ) ,حتقيق مصطفى بن أمحد العلوي وحممد عبد الكبري البكري,
وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية-الرباط ,الطبعة األوىل1927 :ه .)922/2( ,
( )2جامع بيان العلم وفضله ,ابن عبد الب القرطيب (429ه ) ,حتقيق أيب األشبال الزهريي ,دار ابن اجلوزي-السعودية ,الطبعة األوىل:
1414ه 1334 /م.)252/8( ,
( )3األم.)919/7( ,
( )4املصدر السابق.)912/7( ,
( )5الرسالة ,حممد بن إدريس الشافعي (854ه ) ,حتقيق أمحد شاكر ,مكتبة احلليب -القاهرة ,الطبعة األوىل1952 :ه 1345 /م,
(.)15/1
( ) 6هو أبو حممد علي بن أمحد بن سعيد بن حزم الظاهري ,عامل األندلس يف عصره ,وأحد أئمة االسالم .ولد بقرطبة سنة 924ه ,وكانت
له وألبيه من قبله رياسة الوزارة ,فزهد هبا وانصرف إىل العلم والتأليف .تويف سنة 452ه .
ترمجته يف :وفيات األعيان ( ,)937/1سري أعالم النبالء ( ,)124/12نفح الطيب ( ,)77/8األعالم (.)854/4
( )7اإلحكام يف أصول األحكام ,علي بن حزم الظاهري (452ه ) ,حتقيق أمحد حممد شاكر ,دار اآلفاق اجلديدة-بريوت /لبنان ,بد.ت,
(.)158/2
( )8احمللى ,علي بن حزم الظاهري (452ه ) ,حتقيق أمحد شاكر ,إدارة الطباعة املنريية-القاهرة /مصر ,الطبعة األوىل1943 :ه .)27/1( ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 49 جملة املدونة:
ويف حديثه عن إبطال القياس ,يقول" :والنصوص قد استوعبت كل ما اختلف الناس فيه ,وكل نازلة تنزل إىل
يوم القيامة بامسها"(.)1
خدم لفظ "النوازل" مبعناه الفقهي كذلك عند متأخري احلنابلة ,كقول ابن القيم( )2عند حديثه عن واست ِ
ُ
القياس" :وقد كان أصحاب رسول اهلل ‘ جيتهدون يف النوازل ,ويقيسون بعض األحكام على بعض ,ويعتبون
النظري بنظريه"( ).
3
ويف حديثه عن مشروعية تقليد العامي للعامل ,قال" :وقد علم اهلل سبحانه أن احلوادث والنوازل كل وقت
نازلة باخللق ,فهل فرض على كل منهم فرض عني أن يأخذ حكم نازلته من األدلة الشرعية بشروطها
ولوازمها؟.) ("...
4
وأول من وقفت يف كتاباته -من الفقهاء املتأخرين -على تعريف مباشر وصريح للمصطلح ,حبيث يصلح أن
()5
عرف النوازل بأهنا“ :مسائل سئل
يكون ح ّداً للفظ "النوازل" ,هو إمام احلنفية يف عصره ابن عابدين ,الذي ّ
نصاَ ,فأفتوا فيها خترجياً” ( ).
عنها املشايخ اجملتهدون يف املذهب ,ومل جيدوا فيها ّ
6
()8 ()7
التعريف املذكور وإن كان املقصود به فتاوى أيب حنيفة وتالمذته الكبار كأيب يوسف وحممد بن احلسن ,
إال أنه مالئم حلقيقة النازلة ,ويبدو أن كل من حاول تعريف املصطلح بعده استفاد من هذا التعريف بوجه ما.
عموماً فأقوال الفقهاء املتقدمني واملتأخرين ,وتوظيفهم ملصطلح "النوازل" يؤكد وضوح معناه لديهم ,حىت وإن
مل يصرحوا حبده ,ويالحظ التأثري الواضح للمعىن اللغوي على مفهوم "النوازل" ,حيث إن النازلة حتمل يف كالمهم
معىن ال شدة سواء على من نزلت به ,وحىت على من استفيت فيها ,ملا تتضمنه من صعوبة يف البحث عن احلل
والتعرف على احلكم الشرعي ,ومما يشعر بذلك تساؤل ابن حزم الذي قرن فيه بني النازلة الفقهية واإلعياء الذي
يصيب العامل من جرائها ,حني قال" :فكيف يفعل العامل إذا سئل عن مسألة فأعيته ,أو نزلت به نازلة
فأعيته؟"( ,)1وتكمن الصعوبة أيضاً ملا فيها من مسؤولية أمام اهلل عز وجل ,فكان الفقهاء والصلحاء منذ عهد
الصحابة -رضوان اهلل عليهم -يتجنبون الفتوى ويتورعون عنها ,خشية على أنفسهم من اخلطأ ,وخشية على
غريهم من سوء الفهم.
المطلب الثالث :المفهوم االصطالحي للنوازل عند الفقهاء المعاصرين
أما عند الباحثني املعاصرين فنعثر على كثري من التعاريف الصرحية ,إال أهنا غري متفقة ,فنجد منهم من جيعل
مصطلح النوازل مرادفاً للفتوى( ,)2فيجمعون بينهما مع عموم وخصوص ,كما قال عمر اجليدي" :وينبغي التنبيه
إىل أن الفتاوى والنوازل واملسائل واألجوبة أمساء ملسمى واحد ,غري أن النوازل ختتص باحلدوث والوقوع ,فهي
أضبط يف التعبري من الفتوى ,اليت تشمل سؤال الناس عن األحكام الشرعية ,سواء حدثت أم مل حتدث ,مبعىن أن
املسائل عبارة عن تفريعات وفروض ,يف حني أن النوازل تقتصر على النوازل احلادثة"()3؛ وكذلك ربط الشيخ عبد
اهلل بن بية النوازل بالوقوع ,بقوله" :وأطلقت النازلة على الفتوى الفقهية ,ويبدو يل أهنا إمنا تطلق عليها إذا كانت
جواباً على قضية واقعة ,وليس على قضية مفرتضة يطرحها الطلبة على الفقيه القتناص الفائدة"(.)4
املالحظ أن اختالف التعريفني السابقني ميكن إرجاعه أساساً إىل كون عمر اجليدي يُعرف املفهوم من منطلق
أنه أسئلة للمستفتني ,فيما عبد اهلل بن بيه يعرفه من منظور أنه أجوبة للمفتني بالدرجة األوىل.
وجند من حاول التدقيق والتفصيل أكثر يف التعريف ,كما هو حال بكر أبو زيد الذي عرف النوازل بأهنا
الوقائع واملسائل املستجدة ,واحلوادث املشهورة بلسان العصر باسم :النظريات والظواهر( .)5وأضاف مسفر
القحطاين قيداً آخر إىل تعريف النوازل ,زيادة على الوقوع واجلدة ,هو عدم وجود النص ,فخلص إىل أن النوازل
هي "الوقائع اجلديدة اليت مل يسبق فيها نص أو اجتهاد"( .)6وجند مثل هذه اإلشارة عند ابن عبد الب يف "جامع
بيان العلم وفضله" حني جعل فيه باباً بعنوان" :اجتهاد الرأي على األصول عند ع ْدم النصوص يف حني نزول
النازلة"( ,)7وقبله قال ابن بطال يف شرحه على البخاري" :ألهل العلم االجتهاد يف النوازل يف دينهم فيما ال نص
( ) 1شرح صحيح البخاري (شرح ابن بطال) ,أبو احلسن علي بن بطال القرطيب (443ه ) ,حتقيق ياسر بن إبراهيم ,مكتبة الرشد-الرياض/
السعودية ,الطبعة الثانية1489 :ه 8559 /م.)922/5( ,
( )2فقه النوازل -دراسة تأصيلية تطبيقية ,حممد بن حسني اجليزاين ,دار ابن اجلوزي-الدمام /السعودية ,الطبعة الثانية1482 :ه 8552 /م,
(ص.)88:
( )3فقه النوازل -دراسة تأصيلية تطبيقية( ,ص.)89 :
( )4املرجع السابق( ,ص.)84 :
( ) 5ينظر مثال :النوازل يف احلج ,علي بن ناصر الشلعان ,دار التوحيد للنشر-الرياض /السعودية ,الطبعة األوىل1491 :ه 8515 /م( ,ص:
.)84
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 52
خالل توضيح الباحث هلذا القيد ,تبني بأنه نفس املعىن الذي استهل به عبارة التعريف "ما استدعى حكماً
شرعياً"( ,)1ومن مثّ فهو زيادة يف املبىن وتكرار يف املعىن .وإن كان اإلحلاح متعلقاً بعامل الزمن ,ويفيد االستعجال
يف طلب احلكم -مل يشر الباحث إىل هذا املعىن ,-فليست كل النوازل مستعجلة وتتطلب حكما فقهياً آنيا ,بل
أن أغلبها تتطلب وقتاً للمشاورة بني الفقهاء ودراستها بشكل مستفيض للوصول إىل حكم مالئم هلا.
وعرف وهبة الزحيلي النوازل ,بقوله :هي “املسائل أو املستج ّدات الطّارئة على اجملتمع بسبب توسع ّ
األعمال ,وتعقد املعامالت ,واليت ال يوجد نص تشريعي مباشر ,أو اجتهاد فقهي سابق ينطبق عليها ,وصورها
متعددة ومتجددة ,وخمتلفة بني البلدان أو األقاليم ,الختالف العادات واألعراف احمللية”(.)2
تعريف الزحيلي وإن كان قد حاول تفادي بعض املالحظات السابق ذكرها ,إال أنه مل يلتزم بأحد مقومات
التعريف اجليد ,وهو الرتكيز يف املباين مع العمق يف املعاين ,فجاء تعريفه طويالً ,واستعمل فيه عدة ألفاظ مرتادفة أو
متقاربة املعىن بدون طائل ,وهي" :األعمال" مع "املعامالت" ,و"متعددة" مع "خمتلفة"" ,البلدان" مع "األقاليم",
و"العادات" مع "األعراف".
المطلب الرابع :التعريف المختار للنوازل
مهما يكن من اختالف يف التحديد املصطلحي للنوازل ,فاالتفاق حاصل يف كوهنا جتسد اجلانب العملي
الواقعي للفقه اإلسالمي ,بابتعاد مسائلها عن االفرتاضات النظرية اليت طاملا شعبت الفقه وعقدته ,فهي متثل
األحداث احلية اليت عاشها الناس" ,وتبعد يف الغالب عن اجلانب النظري احملض يف الفقه ,وهي يف جلها تطبيق
للفقه على وقائع احلياة ,و تصور ألواهنا من حياة املستفتني ومعامالهتم وعاداهتم وظروف عيشهم"( .)3ومن مث
كانت هلا صبغة احمللية املتأثرة بظروفها الوقتية ,وهي بذلك تدعو اجملتهدين من الفقهاء إىل إعمال النظر ,وتقليب
الفكر ,الستنباط األحكام الشرعية املناسبة ,عن طريق استقراء النصوص الفقهية النظرية ,واستنطاقها ,الستخراج
احلكم املناسب( .)4وهذا اجلانب هو مقصد الفقه ومرماه ,إذ من "التحريف ملسرية الفقه ,ومن اخلروج عن منهجه,
أن يصري ضربا من الرياضة العقلية االحتمالية ,أو يصري تفريعا آلراء جتريدية ال صلة هلا بالواقع"(.)5
بناءً على ما سلف ميكن أن خنلص إىل شرطني أساسيني ملفهوم النوازل ,شرط متعلق بالسؤال واملستفيت ,هو:
"الوقوع" ,وشرط متعلق باجلواب واملفيت هو" :استدعاء النظر الفقهي" ,وهذان الشرطان ينطبقان على املسائل اليت
تتضمنها مدونات النوازل الفقهية بالغرب اإلسالمي -عكس أغلب التعاريف السابقة ,-فيكون التعريف األسلم,
واألقرب إىل املقصود -واهلل تعاىل أعلم -بالصيغة التالية:
"النوازل هي الوقائع المتعلقة بأفعال العباد ،والمستلزمة للنظر الفقهي".
لفظ "الوقائع" ،يُدخل كل ما يقع للناس من قضايا ومسائل يف ِّ
أي باب من أبواب الفقه ,سواء كانت يف
العبادات أو املعامالت أو األقضية ,وغريها من القضايا االجتماعية أو االقتصادية أو السياسية ,وخيرج املسائل
الفقهية النظرية ,واالفرتاضات املقدَّرة غري احلادثة ,أو البعيدة الوقوع.
وعبارة "المتعلقة بأفعال العباد" ,تدخل كل ما حيدث للناس ,سواء كانوا مكلفني أو غري مكلفني ,وسواء
كانوا عباداً هلل اختياراً أو اضطراراً -املسلمون أوغريهم ,-وخترج ما عدا ذلك من ظواهر ونوازل طبيعية ,كالزالزل
والباكني وحنوها.
وعبارة "المستلزمة للنظر الفقهي" ,تدخل القضايا الفقهية اليت حتتاج إىل بيان قول الشارع فيها ,واملفتقرة
إىل استفراغ الوسع ,وبذل غاية اجلهد يف استنباط حكمها ,وإدراك مأخذها ,وخترج املسائل الفقهية اليت استقر
الرأي فيها ومت االتفاق على حكمها ,وكذا احلوادث اليومية العادية للناس ,حىت وإن كانت واقعة ,واليت ال تتطلب
اجتهاداً فقهياً معيناً ,كالوقائع املتعلقة مبا هو معلوم من الدين بالضرورة ,واملسائل الفقهية اليت ال يسع املسلم
جهلها.
المبحث الثاني
األلفاظ ذات الصلة بالنوازل
حبد خاص ,وجود
أشرنا سلفاً إىل أنه من أسباب إمهال الفقهاء املتقدمني وضع تعريف مميز للنوازل وإفراده ٍّ
مرادفات للفظ النوازل ,وإن املتأمل يف كتب علماء الشريعة جيد أهنم قد يعبون عن النوازل بأمساء ومصطلحات
مقاربة أو مطابقة هلا ,ال تقل شأناً عنها يف التداول والشيوع ,ومن أشهرها ما يأيت:
المطلب األول :الفتاو
أصلها فتوى وفتيا ,واملفيت هو اجمليب يف األمور الشرعية والنوازل الفرعية( ,)1فهي أعم من النوازل اليت
تستدعي احلدوث والوقوع ,ويعتب مصطلح "الفتوى" هو الغالب منذ القرون األوىل إىل حد اآلن لدى أكثرية
املدارس الفقهية اإلسالمية.
ولعل االصطالح املعاصر اليوم مييز بني الفتاوى والنوازل ,فالفتاوى هي إخبار باحلكم الشرعي ,وقد يكون
هذا اتباعاً لبعض العلماء ,وقد يكون تقليداً ,كما أنه قد يكون اجتهاداً.
( )1جامع ا لعلوم يف اصطالحات الفنون ,القاضي عبد النيب بن عبد الرسول (ق18.ه ) ,دار الكتب العلمية -بريوت /لبنان ,الطبعة األوىل:
1481ه 8555 /م.)18/9( ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 54
أما اإلفتاء يف النوازل فال يكون إال عن اجتهاد ,فمفيت النوازل يُطلب فيه امتالك أدوات االجتهاد ,واألخذ
أزمته.
بأسباب االستنباط و َّ
وعليه فإن اإلفتاء يف النوازل أخص من اإلفتاء يف غريها ,ويشرتط يف فقهاء النوازل ما ال يشرتط يف فقهاء
الفتوى(.)1
ومن املصنفات اليت أخذت هذه التسمية بالغرب اإلسالمي :فتاوى ابن أيب زيد القريواين (483ه ) ,وفتاوى
البُزيل (835ه ) ...
ابن رشد (110ه ) ,وفتاوى الشاطيب (010ه ) ,وفتاوى ُ
المطلب الثاني :األجوبة أو الجوابات
ومفردها إجابة أو جواب ,ويقصد هبا أجوبة املفيت عن األسئلة اليت قدمت إليه ليفيت فيها يف أمر مشكل,
وقد شاع استخدام هذا اللفظ يف مؤلفات الفقهاء ,والكتب الفقهية مليئة بصيغة " :سئل" " ...فأجاب".
ومن املؤلفات املعنونة ب ”األجوبة” :األجوبة حملمد بن سحنون (113ه ) ,واألجوبة أليب احلسن علي بن
ُ
حممد القابسي (304ه ) ,األجوبة البن ورد (130ه ) ,األجوبة البن عظوم التونسي (5001ه ) ,أجوبة
التسويل (5118ه ) ....
المطلب الثالث :المسائل أو األسئلة
ومفردمها مسألة أو سؤال ,والسؤال هو استدعاء معرفة ,أو ما يؤدي إىل املعرفة( ,)2ويستعملها املتقدمون يف
الداللة على الفروع الفقهية اليت تتطلب بياناً حلكم الشرع ,وال تطلق على النوازل مبعناها اخلاص املتقدم ,إال إذا
دل الدليل عليها ,لكوهنا أعم من النوازل ,فهي تصدق على املسائل القدمية واجلديدة والواقعة وغري الواقعة(.)3
وكثرياً ما جند يف كتب النوازل مسألة كذا ,أو سئل الفقيه عن كذا … ,من املصنفات هبذا االسم :مسائل
ابن رشد اجلد (110ه ) ,مسائل عمر بن قداح (043ه ) ,أسئلة أمحد بن قاسم اجلذامي الفاسي (008ه ),
األسئلة حملمد بن إبراهيم بن عباد (011ه ).
المطلب الرابع :األحكام
مؤس َسة على الفقه اإلسالمي ,ومن
وهي غالبًا ما تتعلق بأبواب األقضية ,وتأيت نتيجة الجتهادات قضائية َ
ذلك" :منتخب األحكام" أليب زمنني (399ه ) ,وهو من أوائل ما صنف يف هذا اللون من الفقه املالكي ,وكتاب
"األحكام" للقاضي أبو املطرف الشعيب (310ه ) ,و"مذاهب احلكام يف نوازل األحكام" للقاضي
( )1فقه النوازل لألقليات املسلمة تأصيال وتطبيقاً ,حممد يسري إبراهيم ,دار الكتب املصرية -القاهرة /مصر ,الطبعة الثانية1499 :ه /
8518م.)45/1( ,
( )2املفردات يف غريب القرآن ,الراغب األصفهاين (558ه ) ,حتقيق صفوان عدنان الداودي ,دار القلم-دمشق /سوريا ,الدار الشامية-
بريوت /لبنان ,الطبعة األوىل1418 :ه ( ,ص.)497:
( )3نوازل الزكاة ,عبد اهلل بن منصور الغفيلي ,دار امليمان -الرياض ,الطبعة األوىل1483 :ه 8552 /م( ,ص.)99:
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 55 جملة املدونة:
عياض (133ه )" ,معني احلكام على القضايا واألحكام" أليب إسحاق إبراهيم بن حسن بن عبد الرفيع
(044ه ) ,و"جامع مسائل األحكام ملا نزل من القضايا باملفتني واحلكام" للبزيل (835ه ).
عند مقارنة حمتويات الكتب املوسومة بالعناوين السابقة ,جند أن املضمون واحد ,مما يعين أن هذه املسميات
تتقارب إىل درجة التطابق ,بل كثرياً ما تتعدد األمساء للمؤلَّف الواحد ,فيقال نوازل فالن ,أو فتاوى فالن ,أو
أجوبة فالن ,أو مسائل فالن...
ومنثل لذلك بكتاب ابن رشد اجلد( ,)1الذي مل جيمعه يف حياته ,ومل يفرد له عنواناً حمدداً ,ومجعه بعده تلميذه
ابن الوزان( ,)2فاختلفت التعبريات عن كتاب ابن رشد ,وتعددت عناوينه ,وقد وقفت يف كتب الفقه ومصنفات
الرتاجم على األلقاب التالية:
" -نوازل ابن رشد" :مسي بذلك من قبل احلطاب الرعيين (113ه ) يف مواهب اجلليل( ,)3وحممد بن
يوسف املواق (810ه ) يف التاج واإلكليل( ,)4والعدوي (5551ه ) يف حاشيته على شرح اخلرشي ملختصر
خليل( ,)5والدسوقي (5140ه ) يف حاشيته على الشرح الكبري( ,)6وأبو العباس الصاوي (5135ه ) يف حاشيته
على الشرح الصغري( ,)7وأبو احلسن التسويل يف البهجة يف شرح التحفة( ,)8وحممد عليش (5111ه ) يف منح
اجلليل شرح خمتصر خليل(.)9
" -مسائل ابن رشد" :عب عنه هبذا االسم ابن سلمون (135ه ) يف العقد املنظم للحكام( ,)10وكذلك ابن
( )1هو اإلمام العالمة ,شيخ املالكية ,قاضي اجلماعة بقرطبة ,أبو الوليد حممد بن أمحد بن رشد القرطيب .اشتهر بابن رشد اجلد متييزاً له عن
ابن رشد احلفيدُ ,ولِد سنة 455ه مبدينة قرطبة ,وهبا تويف سنة 585ه .ترمجته يف :الغنية (ص ,)54:الصلة ( ,)293/9تاريخ قضاة
األندلس (ص ,)32 :الفكر السامي ( ,)54/4األعالم (.)912/5
( ) 2هو أبو احلسن حممد بن عبد الرمحن ,املعروف بابن الوزان ,من أهل قرطبة ,فقيه حمدث ,تويف بقرطبة سنة 549ه ,وقد قارب السبعني
من عمره .ترمجته يف :بغية امللتمس (ص ,)151:معجم أصحاب القاضي الصديف (ص.)155:
( )3مواهب اجلليل يف شرح خمتصر خليل ,احلطاب الرعيين (354ه ) ,حتقيق زكريا عمريات ,دار الكتب العلمية-بريوت /لبنان ,الطبعة
األوىل1412 :ه 1335 /م.)23/1( ,
( )4التاج واإلكليل ملختصر خليل ,حممد بن يوسف املواق (237ه ) ,دار الكتب العلمية -بريوت /لبنان ,الطبعة األوىل1412 :ه /
1334م.)112/9( ,
( )5حاشية العدوي على شرح اخلرشي ملختصر خليل ,علي العدوي (1123ه ) ,دار الفكر-بريوت.)33/1( ,
( )6حاشية الدسوقي على الشرح الكبري ,حممد الدسوقي (1895ه ) ,دار الفكر للطباعة-بريوت /لبنان.)489/1( ,
( )7بلغة السالك ألقرب املسالك ,أبو العباس الصاوي (1841ه ) ,دار املعارف ,بد.ت.)452/8( ,
( ) 8البهجة يف شرح التحفة ,أبو احلسن علي بن عبد السالم التسويل (1852ه ) ,حتقيق حممد عبد القادر شاهني ,دار الكتب العلمية-
بريوت /لبنان ,الطبعة األوىل 1412 :ه 1332 /م.)992/8( ,
( )9منح اجلليل شرح خمتصر خليل ,حممد بن أمحد عليش (1833ه ) ,دار الفكر-بريوت /لبنان ,طبعة1453 :ه 1323 /م.)429/9( ,
( ) 10العقد املنظم للحكام فيما جيري بني أيديهم من العقود واألحكام ,عبد اهلل بن سلمون الغرناطي (541ه ) ,املطبعة البهية -القاهرة,
طبعة1958 :ه .)84/8( ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 56
بشكوال (108ه ) يف الصلة( ,)1وتابعه على ذلك أبو احلسن النباهي (014ه ) يف تاريخ قضاة األندلس(,)2
وكذلك خري الدين الزركلي (5413ه ) يف األعالم( .)3وطبع حديثا هبذا العنوان "مسائل أيب الوليد بن رشد
اجلد" ,بتحقيق الدكتور حممد احلبيب التجكاين(.)4
" -أسئلة ابن رشد" :ممن ذكره بذلك الشيخ خليل اجلندي (031ه ) يف كتابه التوضيح( ,)5واحلطاب الرعيين يف
مواهب اجلليل( ,)6وشهاب الدين النفراوي (5513ه ) يف الفواكه الدواين على رسالة ابن أيب زيد القريواين(.)7
" -أجوبة ابن رشد" ,مسي بذلك من قبل احلطاب الرعيين يف مواهب اجلليل( ,)8وحممد بن يوسف املواق يف التاج
واإلكليل( ,)9واخلرشي يف شرح املختصر( ,)10والدسوقي يف حاشيته على الشرح الكبري( ,)11وأبو العباس الصاوي
يف حاشيته على الشرح الصغري( ,)12وأبو احلسن التسويل يف البهجة يف شرح التحفة( ,)13وحممد عليش يف منح
اجلليل شرح خمتصر خليل( ,)14واستخدم ابن خري اإلشبيلي (101ه ) تعبري "جوابات ابن رشد" يف فهرسته(.)15
" -فتاو ابن رشد" ,اشتهر الكتاب كذلك هبذا االسم ,وممن ذكره احلطاب الرعيين يف مواهب اجلليل(,)16
وكذلك ابن فرحون (011ه ) يف التبصرة( .)17وطبع هبذا العنوان بتحقيق الدكتور املختار بن الطاهر التليلي(.)18
( )1الصلة ,خلف بن بشكوال (572ه ) ,حتقيق إبراهيم األبياري ,دار الكتاب املصري -القاهرة /دار الكتاب اللبناين-بريوت ,الطبعة
األوىل1415 :ه 1323 /م.)245/9( ,
( ) 2تاريخ قضاة األندلس (املرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا) ,أبو احلسن علي النباهي (739ه ) ,حتقيق جلنة إحياء الرتاث العريب,
دار اآلفاق اجلديدة-بريوت /لبنان ,الطبعة اخلامسة1459 :ه 1329 /م( ,ص.)33.
( )3األعالم ,خري الدين الزركلي (1932ه ) ,دار العلم للماليني-بريوت ,طبعة اخلامسة عشر8558 :م.)917/5( ,
حممد احلبيب التجكاين ,دار اآلفاق اجلديدة -املغرب ,الطبعة الثانية1414 :ه 1339 /م.
( )4مسائل أيب الوليد بن رشد اجلد (585ه ) ,حتقيق ّ
( ) 5التوضيح يف شرح املختصر الفرعي البن احلاجب ,خليل بن إسحاق (772ه ) ,أمحد بن عبد الكرمي جنيب ,مركز جنيبويه للمخطوطات
وخدمة الرتاث-القاهرة /مصر ,الطبعة األوىل1483 :ه 8552 /م.)5/1( ,
( )6مواهب اجلليل يف شرح خمتصر خليل (.)852/8
( )7الفواكه الدواين ,شهاب الدين النفراوي (1182ه ) ,دار الفكر-بريوت1415 ,ه 1335 /م.)92/1( ,
( )8مواهب اجلليل يف شرح خمتصر خليل (.)447/1
( )9التاج واإلكليل ملختصر خليل (.)472/8
( )10شرح اخلرشي على خليل ,حممد بن عبد اهلل اخلرشي (1151ه ) ,دار الفكر للطباعة-بريوت /لبنان.)887/8( ,
( )11حاشية الدسوقي على الشرح الكبري (.)554/1
( )12بلغة السالك ألقرب املسالك (حاشية الصاوي) (.)275/1
( )13البهجة يف شرح التحفة (.)441/1
( )14منح اجلليل شرح خمتصر خليل (.)943/2
( )15فهرست اإلشبيلي (575ه ) ,دار اآلفاق اجلديدة-بريوت /لبنان ,طبعة 1933 :8ه 1373 /م( ,ص.)849:
( )16مواهب اجلليل يف شرح خمتصر خليل.)58/2( ,
( )17تبصرة احلكام يف أصول األقضية ومناهج األحكام ,ابن فرحون (733ه ) ,مكتبة الكليات األزهرية-القاهرة /مصر ,الطبعة األوىل:
1452ه 1322 /م.)825/1( ,
( )18فتاوى ابن رشد (585ه ) ,حتقيق املختار التليلي ,دار الغرب اإلسالمي-بريوت ,الطبعة األوىل1457 :ه .
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 57 جملة املدونة:
من خالل هذا السرد لألمساء اليت أطلقت على "نوازل ابن رشد" والذي أخذناه منوذجاً لكتب النوازل
املتعددة العناوين ,نالحظ استخدام أكثر من اسم للمؤلَّف املقصود حىت عند نفس الفقيه يف نفس الكتاب ,كما
هو احلال عند بعض الفقهاء الذين سبق ذكرهم ,كاحلطاب الرعيين الذي مساه يف نفس الكتاب -مواهب اجلليل-
بأربعة أمساء كما سبقت اإلشارة إىل ذلك ,وهي" :نوازل ابن رشد" ,و"أسئلة ابن رشد" ,و"أجوبة ابن رشد",
و"فتاوى ابن رشد".
وكما هو الشأن يف اختالف بعض التعاريف االصطالحية للنوازل من حيث اعتبارها أسئلة للمستفيت أو
أجوبة للمفيت ,كذلك اختالف املسميات جاء نتيجة لتغليب النظر إىل أحد االعتبارين ,فالذي غلّب طابع
السؤال رجح تسمية "النوازل" و"املسائل" و"السؤاالت" ,والذي غلب طابع اجلواب ونظر بدرجة أوىل إىل املفيت,
رجح تسمية "الفتاوى" و"األجوبة" و"اجلوابات" .أما الذي اعتب النوازل صادرة عن القاضي ,فسماها "األحكام".
ومما جتدر اإلشارة إليه ,أنه مت يف هذا املبحث االقتصار فقط على األلفاظ ذات الصلة بالنوازل املستعملة عند
فقهاء الغرب اإلسالمي ,وجند عند فقهاء املشرق اإلسالمي مصطلحات أخرى تعب عن نفس املفهوم,
كالواقعات اليت يطلقها فقهاء احلنفية على الفتاوى واملسائل اليت استنبطها اجملتهدون املتأخرون يف املذهب ومل
جيدوا فيها شيئاً عند أيب حنيفة وأصحابه ,وكذلك مصطلح الحوادث الشائع خاصة عند األصوليني(.)1
( )1ينظر - :الفصول يف األصول ,أمحد بن علي اجلصاص (975ه ) ,حتقيق عجيل جاسم النشمي ,وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية-
الكويت ,الطبعة الثانية1414 :ه 1334 /م.)973/4( ,
-أصول السرخسي ,أبو بكر حممد بن أمحد السرخسي (435ه ) ,حتقيق أبو الوفاء األفغاين ,دار الكتاب العلمية-بريوت /لبنان ,الطبعة
األوىل1414 :ه1339 /م.)892/1( ,
-احملصول يف علم أصول الفقه ,فخر الدين الرازي (252ه ) ,حتقيق طه جابر العلواين ,مؤسسة الرسالة-بريوت /لبنان ,الطبعة الثالثة:
1412ه1337 /م.)29/5( ,
-إرشاد الفحول إىل حتقيق احلق من علم األصول ,حممد بن علي الشوكاين (1855ه ) ,حتقيق أمحد عزو عناية ,دار الكتاب العريب ,الطبعة
األوىل1413 :ه 1333 /م.)113/1( ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 58
منه ,فأصبح اإلفتاء يف النوازل أخص من اإلفتاء يف غريها ,ويشرتط يف فقهاء النوازل ما ال يشرتط يف فقهاء
الفتوى.
ويف وقتنا احلاضر كثرياً ما يُعب الفقهاء عن مفهوم "النوازل" يف كتاباهتم ب "القضايا املستجدة" ,أو ب "القضايا
املعاصرة" .وعموماً فإن تعدد وجتدد هذه املسميات (النوازل ,الفتاوى ,القضايا املستجدة )...معب عن تطور
املصطلحات واملفاهيم الفقهية ,ودليل على احلركية والنشاط املستمرين للشريعة اإلسالمية ,مسايرة بذلك جمريات
الزمان واملكان ,ومواكبة لتبدل األحوال وجتدد األحداث ,ورعاية ملختلف املتغريات واملصاحل ضمن أصول الشريعة
اإلمجالية ,وقواعدها الكلية ,ومقاصدها العامة.
المصادر والمراجع :
.5اإلبانة عن سرقات املتنيب لفظا ومعىن ,حممد بن أمحد العميدي (344ه ) ,حتقيق إبراهيم الدسوقي البساطي ,دار
املعارف -القاهرة /مصر ,الطبعة األوىل5135 :م.
.8اإلحكام يف أصول األحكام ,علي بن حزم الظاهري (313ه ) ,حتقيق أمحد حممد شاكر ,دار اآلفاق اجلديدة-
بريوت /لبنان( ,بد.ت).
.4إرشاد الفحول إىل حتقيق احلق من علم األصول ,حممد بن علي الشوكاين (5110ه ) ,حتقيق أمحد عزو عناية ,دار
الكتاب العريب ,الطبعة األوىل5351 :ه 5111 /م.
.4االستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء األمصار وعلماء األقطار فيما تضمنه املوطأ من معاين الرأي واآلثار ,ابن عبد الب
القرطيب (334ه ) ,حتقيق سامل حممد عطا وحممد علي معوض ,دار الكتب العلمية-بريوت /لبنان ,الطبعة األوىل:
5315ه 1000 /م.
.1اصطالح املذهب عند املالكية ,حممد ابراهيم علي ,دار البحوث للدراسات اإلسالمية وإحياء الرتاث-ديب ,الطبعة
الثانية5314 :ه 1001 /م.
.3أصول السرخسي ,أبو بكر حممد بن أمحد السرخسي (310ه ) ,حتقيق أبو الوفاء األفغاين ,دار الكتاب العلمية-
بريوت /لبنان ,الطبعة األوىل5353 :ه5114 /م.
.0إعالم املوقعني عن رب العاملني ,ابن القيم اجلوزية (015ه ) ,حتقيق عصام الدين الصبابطي ,دار احلديث-القاهرة/
مصر ,طبعة5310 :ه 1003 /م.
.8األعالم ,خري الدين الزركلي (5413ه ) ,دار العلم للماليني-بريوت /لبنان ,الطبعة اخلامسة عشر1001 :م.
.3األم ,حممد بن إدريس الشافعي (103ه ) ,دار املعرفة -بريوت /لبنان5350 ,ه 5110 /م.
.50بلغة السالك ألقرب املسالك (حاشية الصاوي على الشرح الصغري للدردير) ,أبو العباس الصاوي (5135ه ) ,دار
املعارف( ,بد.ت).
.55البهجة يف شرح التحفة ,أبو احلسن علي بن عبد السالم التسويل (5118ه ) ,حتقيق حممد عبد القادر شاهني ,دار
الكتب العلمية-بريوت /لبنان ,الطبعة األوىل 5358 :ه 5118 /م.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 59 جملة املدونة:
.51التاج واإلكليل ملختصر خليل ,حممد بن يوسف املواق (810ه ) ,دار الكتب العلمية -بريوت /لبنان ,الطبعة
األوىل5353 :ه 5113 /م.
.54تاريخ قضاة األندلس (املرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا) ,أبو احلسن علي النباهي (014ه ) ,حتقيق جلنة
إحياء الرتاث العريب ,دار اآلفاق اجلديدة-بريوت /لبنان ,الطبعة اخلامسة5304 :ه 5184 /م.
.53تبصرة احلكام يف أصول األقضية ومناهج األحكام ,ابن فرحون (011ه ) ,مكتبة الكليات األزهرية-القاهرة /مصر,
الطبعة األوىل5303 :ه 5183 /م.
.51ترتيب القاموس احمليط على طريق املصباح املنري وأساس البالغة ,الطاهر أمحد الزاوي (5303ه ) ,دار الفكر-
بريوت /لبنان ,الطبعة الثالثة( ,بد.ت).
.12التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد ,ابن عبد الب القرطيب (334ه ) ,حتقيق مصطفى بن أمحد العلوي وحممد
عبد الكبري البكري ,وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية-الرباط ,الطبعة األوىل5480 :ه .
.50هتذيب اللغة ,أبو منصور حممد بن أمحد األزهري (400ه ) ,حتقيق عبد احلليم النجار ,الدار املصرية للتأليف
والرتمجة( ,بد.ت).
.58التوضيح يف شرح املختصر الفرعي البن احلاجب ,خليل بن إسحاق (003ه ) ,أمحد بن عبد الكرمي جنيب ,مركز
جنيبويه للمخطوطات وخدمة الرتاث-القاهرة /مصر ,الطبعة األوىل5311 :ه 1008 /م.
.51جامع بيان العلم وفضله ,ابن عبد الب القرطيب (334ه ) ,حتقيق أيب األشبال الزهريي ,دار ابن اجلوزي-السعودية,
الطبعة األوىل 5353 :ه 5113 /م.
.10حاشية الدسوقي على الشرح الكبري ,حممد بن عرفة الدسوقي (5140ه ) ,دار الفكر للطباعة-بريوت ( ,بد.ت).
.15حاشية العدوي على شرح اخلرشي ملختصر خليل ,علي بن أمحد العدوي (5581ه ) ,دار الفكر-بريوت /لبنان,
(بد.ت).
.11جامع العلوم يف اصطالحات الفنون ,القاضي عبد النيب بن عبد الرسول (ق51.ه ) ,دار الكتب العلمية -بريوت/
لبنان ,الطبعة األوىل5315 :ه 1000 /م.
.14ديوان اإلمام الشافعي ,حممد بن إدريس الشافعي (103ه ) ,حتقيق حممد عبد الرحيم ,دار الفكر -بريوت /لبنان,
الطبعة5310 :ه 1000 /م.
.13رد احملتار على الدر املختار ,حممد بن عابدين الدمشقي (5111ه ) ,دار الفكر-بريوت /لبنان ,الطبعة الثانية:
5351ه 5111 /م.
.11الرسالة ,حممد بن إدريس الشافعي (103ه ) ,حتقيق أمحد شاكر ,مكتبة احلليب -القاهرة /مصر ,الطبعة األوىل:
5418ه 5130 /م.
.13سبل االستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي يف التطبيقات املعاصرة ,وهبة الزحيلي (5343ه ) ,دار
املكتيب -دمشق /سوريا ,الطبعة األوىل5315 :ه 1005 /م.
.10شخصية الفقه املالكي :فهم عميق للكتاب والسنة ومحاية للعقيدة ,مصطفى بنحمزة ,مكتبة الطالب-وجدة ,الطبعة
األوىل5311 :ه 1003 /م.
.18شرح اخلرشي على خليل ,حممد بن عبد اهلل اخلرشي (5505ه ) ,دار الفكر للطباعة-بريوت /لبنان( ,بد.ت).
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 61
.11شرح صحيح البخاري (شرح ابن بطال) ,أبو احلسن علي بن بطال القرطيب (331ه ) ,حتقيق ياسر بن إبراهيم,
مكتبة الرشد-الرياض /السعودية ,الطبعة الثانية5314 :ه 1004 /م.
.40الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ,إمساعيل بن محاد اجلوهري (414ه ) ,حتقيق أمحد عبد الغفور عطار ,دار العلم
للماليني -بريوت /لبنان ,الطبعة الرابعة5300 :ه 5180 /م.
.45الصلة ,خلف بن بشكوال (108ه ) ,حتقيق إبراهيم األبياري ,دار الكتاب املصري -القاهرة /دار الكتاب اللبناين-
بريوت ,الطبعة األوىل5350 :ه 5181 /م.
.41صناعة الفتوى وفقه األقليات ,عبد اهلل بن بيه ,الرابطة احملمدية للعلماء-الرباط ,ط5344: 5ه 1051 /م.
.44العقد املنظم للحكام فيما جيري بني أيديهم من العقود واألحكام ,عبد اهلل بن سلمون الغرناطي (135ه ) ,املطبعة
البهية -القاهرة /مصر ,طبعة5401 :ه .
.43فتاوى ابن رشد (110ه ) ,حتقيق املختار التليلي ,دار الغرب اإلسالمي-بريوت /لبنان ,الطبعة األوىل5300 :ه .
.41الفصول يف األصول ,أمحد بن علي اجلصاص (400ه ) ,حتقيق عجيل جاسم النشمي ,وزارة األوقاف والشؤون
اإلسالمية-الكويت ,الطبعة الثانية5353 :ه 5113 /م.
.43فقه اللغة وسر العربية ,أبو منصور الثعاليب (311ه ) ,حتقيق فائز حممد ,دار الكتاب العريب ,ط5354 :5ه .
.40فقه النوازل -دراسة تأصيلية تطبيقية ,حممد بن حسني اجليزاين ,دار ابن اجلوزي-الدمام /السعودية ,الطبعة الثانية:
5313ه 1003 /م.
.48فقه النوازل عند املالكية تارخياً ومنهجاً ,مصطفى الصمدي ,مكتبة الرشد-الرياض /السعودية ,الطبعة الثانية:
5343ه 1054 /م.
.41فقه النوازل لألقليات املسلمة تأصيال وتطبيقاً ,حممد يسري إبراهيم ,دار الكتب املصرية -القاهرة /مصر ,الطبعة
الثانية5344 :ه 1051 /م.
.30فقه النوازل ,بكر أبو زيد (5311ه ) ,مؤسسة الرسالة-بريوت /لبنان ,الطبعة األوىل 5353 :ه 5113 /م.
.35فهرست اإلشبيلي (101ه ) ,دار اآلفاق اجلديدة-بريوت /لبنان ,طبعة 5411 :1ه 5101 /م.
.31الفواكه الدواين على رسالة ابن أيب زيد القريواين ,شهاب الدين النفراوي (5513ه ) ,دار الفكر-بريوت /لبنان,
5351ه 5111 /م.
.34لسان العرب ,مجال الدين ابن منظور (055ه ) ,دار صادر -بريوت ,الطبعة الثالثة5353 :ه .
.44جمموع الفتاوى ,أمحد بن عبد احلليم بن تيمية (018ه ) ,حتقيق عبد الرمحن بن حممد بن قاسم ,جممع امللك فهد
لطباعة املصحف الشريف-املدينة املنورة ,الطبعة األوىل5353 :ه 5111 /م.
.31حماضرات يف تاريخ املذهب املالكي يف الغرب اإلسالمي ,عمر اجليدي ,منشورات عكاظ ,مطبعة النجاح اجلديدة-
الدار البيضاء5300 ,ه 5180 /م.
.33احملصول يف علم أصول الفقه ,فخر الدين الرازي (303ه ) ,حتقيق طه جابر العلواين ,مؤسسة الرسالة-بريوت/
لبنان ,الطبعة الثالثة5358 :ه5110 /م.
.47احمللى ,علي بن حزم الظاهري (313ه ) ,حتقيق أمحد شاكر ,إدارة الطباعة املنريية-القاهرة /مصر ,الطبعة األوىل:
5431ه .
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 61 جملة املدونة:
.42خمتار الصحاح ,حممد بن أيب بكر الرازي (333ه ) ,حتقيق حممود خاطر ,مكتبة لبنان ناشرون– بريوت /لبنان,
طبعة5351 :ه 5111 /م.
.31مذاهب احلكام يف نوازل األحكام ,القاضي عياض (133ه ) ,حتقيق حممد بن شريفة ,دار الغرب اإلسالمي-
تونس ,الطبعة الثالثة1055 :م.
حممد احلبيب التجكاين ,دار اآلفاق اجلديدة -املغرب ,الطبعة .10مسائل أيب الوليد بن رشد اجلد (110ه ) ,حتقيق ّ
الثانية5353 :ه 5114 /م.
.15املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري للرافعي ,أمحد بن حممد بن علي الفيومي (000ه ) ,املكتبة العلمية -بريوت/
لبنان( ,بد.ت).
.11املعجم الوسيط ,إبراهيم مصطفى-أمحد الزيات-حامد عبد القادر-حممد النجار ,حتقيق جممع اللغة العربية-القاهرة/
مصر ,دار الدعوة -إسطنبول /تركيا ,الطبعة الثالثة5118 :م.
.14معجم لغة الفقهاء ,حممد رواس قلعجي وحامد صادق قنييب ,دار النفائس -بريوت /لبنان ,الطبعة الثانية:
5308ه 5188 /م.
.13معجم مقاييس اللغة ,أبو احلسني أمحد بن فارس (935ه ) ,حتقيق عبد السالم حممد هارون ,دار الفكر -بريوت/
لبنان ,الطبعة1933 :ه 1373 /م.
.11املغين ,ابن قدامة املقدسي (310ه ) ,حتقيق عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي وعبد الفتاح حممد احللو ,دار عامل
الكتب-الرياض /السعودية ,الطبعة الثالثة5350 :ه 5110 /م.
.13املفردات يف غريب القرآن ,الراغب األصفهاين (101ه ) ,حتقيق صفوان عدنان الداودي ,دار القلم-دمشق/
سوريا ,الدار الشامية-بريوت /لبنان ,الطبعة األوىل5351 :ه .
.10منح اجلليل شرح خمتصر خليل ,حممد بن أمحد عليش (5111ه ) ,دار الفكر-بريوت /لبنان ,طبعة5301 :ه /
5181م.
.18املنهاج شرح صحيح مسلم بن احلجاج ,أبو زكريا حي بن شرف النووي (303ه ) ,دار إحياء الرتاث العريب-
بريوت ,الطبعة الثانية5411 :ه .
.11منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية املعاصرة ,مسفر بن علي القحطاين ,دار األندلس اخلضراء-جدة /السعودية,
دار ابن حزم-بريوت /لبنان ,الطبعة الثانية5345 :ه 1050 /م.
.30مواهب اجلليل يف شرح خمتصر خليل ,احلطاب الرعيين (113ه ) ,حتقيق زكريا عمريات ,دار الكتب العلمية-
بريوت /لبنان ,الطبعة األوىل5353 :ه 5111 /م.
.35نوازل الزكاة ,عبد اهلل بن منصور الغفيلي ,دار امليمان -الرياض /السعودية ,ط5311 :5ه 1008 /م.
.31النوازل يف احلج ,علي بن ناصر الشلعان ,دار التوحيد للنشر-الرياض /السعودية ,الطبعة األوىل5345 :ه /
1050م.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 62
مقدمة:
احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على سيد املرسلني املبعوث رمحة للعاملني حبيبنا ونبينا حممد األمني,
وعلى آله وصحبه أمجعني ,ومن تبعهم بإحسان إىل يوم الدين .وبعد؛
فيسعى هذا البحث إىل دراسة فقه األولوية ومقاربته مقاربة مقاصدية تبني ماهيته وحقيقته وموقعه من الفقه
اإلسالمي العام ,وذلك بتأصيله وضبط مفهومه ,والكشف عن أدلة اعتباره من خالل الكتاب والسنة ,مث بيان
حدود عالقته بأنواع أخرى من الفقه.
أهمية البحث:
تكمن أمهية هذا البحث يف أمرين أساسيني:
-على املستوى النظري :حياول البحث استكمال اجلهود اليت بذلت منذ أزيد من عقدين يف التأصيل لفقه
األولويات وبيان مكانته يف الفقه اإلسالمي.
-على املستوى التطبيقي :تتمثل أمهيته يف تبصري الناس هبذا الفقه الذي أمهلته األمة يف معظم حمطات
تارخيها الطويل فأصاهبا خلل يف ميزان األولويات حىت قدمت ما حقه التأخري وأخرت ما حقه التقدمي فتأخرت
بذلك عن اللحاق بالركب احلضاري هذا التأخر الذي يتجلى اليوم يف كل مناحي احلياة .كما تظهر أمهية هذه
الدراسة من خالل كشفها عن العالقة الوطيدة املوجودة بني فقه األولويات وأنواع أخرى من الفقه الذي ميكن
تسميته ب "الفقه اخلاص" ,والذي تندرج كل أنواعه وفروعه ضمن الفقه اإلسالمي العام أو "الفقه األكب".
أسباب اختيار الموضول:
قبل أزيد من عقد من الزمن ُسكنت هباجس "فقه األولويات" ,األمر الذي جعلين أتأمل أحوال أمتنا وأتأمل
بسبب ما آلت إليه األوضاع من التقهقر والتخلف على مستويات عدة :ثقافيا ,واجتماعيا ,وسياسيا,
واقتصاديا...إخل .وهذا التأمل والتأمل مها اللذان حفزاين على طرح أسئلة مستفزة عن ماهية وأسباب هذا اخللل
الذي أصاب عقل األمة وجسدها وفصل حاضرها الباهت -وقد يفصل مستقبلها الغامض -عن ماضيها
املشرق! فأدركت فيما بعد أن القضية قضية أولويات ,فعندما اختل ميزان األولويات لدى األمة اختلت مجيع
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 63 جملة املدونة:
املوازين وأصبحت تتخبط خبط عشواء ,تقدم النفل على الفرض يف عباداهتا ,وتقدم املهم على األهم يف
معامالهتا ,فتعلقت مهتها بظواهر النصوص حىت أغفلت مقاصدها ,مث اعتنت باملظهر على حساب اجلوهر ,فقصر
اهتمامها على القشور دون أن تتحلى جبرأة تقدمي إجابة شافية للسؤال الذي طرح يف حلظة تارخيية حرجة وبقي
معلقا إىل اآلن" :ملاذا تأخرنا حنن وتقدم غرينا؟؟".
فأردت من خالل هذه الدراسة أن أبني شيئا من رحابة الفقه اإلسالمي وعبقرية فقهائنا األعالم الذين انتبهوا
إىل قضية األولويات يف كتبهم منذ قرون ونبّهوا إىل ضرورة األخذ هبا ,بل جعلوها منهجا حيدد اهتماماهتم
واجتهاداهتم ,ويوجه آراءهم وفتاويهم ,وينظم عباداهتم ومعامالهتم .وقد ساعدهم يف ذلك معرفتهم مبقاصد
الشريعة ,وفقه املوازنات ,ومراعاهتم للمآالت ,باإلضافة إىل معرفتهم العميقة بواقعهم وانشغاالت أمتهم.
الدراسات السابقة:
يف حدود اطالعي فإن أول من أفرد فقه األولويات ببحث من املعاصرين هو الدكتور يوسف القرضاوي يف
كتابه "أولويات احلركة اإلسالمية يف املرحلة القادمة" ,ومساه ب "فقه مراتب األعمال" ,قبل أن يتبعه بكتابه القيم "يف
فقه األولويات – دراسة جديدة يف ضوء الكتاب والسنة" ,مث توالت بعده بعض الدراسات اليت تعد على أصابع
اليد ,وجلها رسائل جامعية طبعت فيما بعد رجاء تعميم الفائدة .نذكر منها:
-فقه األولويات – دراسة يف الضوابط ,للدكتور حممد وكيلي ,طبعه املعهد العاملي للفكر اإلسالمي عام
1337م.
-فقه األولويات وتطبيقاته يف السياسة الشرعية ,للدكتور حممد مهام عبد الرحيم ملحم ,أطروحة ناقشها
الباحث يف اجلامعة األردنية عام 8555م مث طبعت بعد ذلك متفرقة.
-فقه األولويات يف ظالل مقاصد الشريعة اإلسالمية ,للدكتور عبد السالم عيادة علي الكربويل ,طبعته
دار طيبة بسوريا عام 8552م.
ولكين مل أقف على دراسة مستقلة اهتمت مبوضوع فقه األولويات وعالقته بأنواع أخرى من الفقه ,لذلك
أحببت اإلسهام هبذه الدراسة املتواضعة عسى أن أؤجر عليها وينتفع هبا غريي.
المنهج المعتمد:
استخدمت منهج الوصف والتحليل واملقارنة باعتباره املنهج األنسب لطبيعة هذا البحث ,واستعنت خبطة
تتأسس على متهيد ومبحثني ,التمهيد حياول مقاربة قضية فقه األولويات وهويته واهتمام الدعاة والعلماء به يف
العقود األخرية ,واملبحث األول يتناول تأصيل فقه األولويات وأدلة اعتباره ,أما املبحث الثاين فيستعرض عالقة فقه
األولويات بأنواع أخرى من الفقه (فقه املقاصد ,فقه املوازنات ,فقه املآالت ,فقه الواقع) ,وكنت أرجو احلديث عن
عالقة فقه األولويات بأنواع أخرى من الفقه ,لكن التزاما مبنهجية البحث من جهة ,وضوابط النشر من جهة
أخرى اكتفيت هبذا ,على أمل أن أوفق لذلك يف دراسة أخرى حبول اهلل.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 64
تمهيد:
لقد ذهب معظم الباحثني الذين سبقوين إىل االشتغال ببحث فقه األولويات إىل أن هذا الفقه مل يكن
متداوال عند األقدمني هبذا املفهوم ,وإمنا ظهر يف كتب بعض الدعاة والعلماء املعاصرين وعلى ألسنتهم .لكن هذا
ال يعين أن املعاصرين أتوا مبا مل يأت به من سبقهم من علمائنا األفذاذ يف هذا الباب ,وإمنا املقصود هو عدم
إفرادهم هلذا املصطلح بتعريف معني ,ألن هذا الفقه كان منهجهم يف احلياة ,ظهر يف عباداهتم ومعامالهتم ومل
حيتاجوا إىل تعريفه وبسط مفهومه ,كما احتجنا حنن إىل ذلك يف عصرنا هذا.
وقد يكون سبب االهتمام هبذا الفقه يف العقود األخرية من قبل بعض العلماء والدعاة راجع باألساس إىل
االختالل الكبري الواقع يف ميزان أولويات األمة .وقد أشار إىل شيء من هذا الدكتور يوسف القرضاوي يف كتابه "
يف فقه األولويات ,دراسة جديدة يف ضوء القرآن والسنة" حني قال :من نظر إىل حياتنا يف جوانبها املختلفة -
خمتال
مادية كانت أو معنوية ,فكرية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو غريها -وجد ميزان األولويات فيها ّ
كل االختالل.1
واحلق أن هذا االختالل ليس حديثا -وإن تبدى يف صور شىت وبشكل كبري يف عصرنا هذا أكثر من أي
وقت مضى -فقد سجل التاريخ اإلسالمي جمموعة من األحداث اليت ظهر فيها هذا االختالل بصور بشعة,
أسأَلكم عن الصغرية ويكفي أن أذكر يف هذا التمهيد ما روي عن ابن عمر أنه كان يقول ألهل العراق :ما ْ
وأجرأكم على الكبرية ,تقتلون احلسني ابن بنت رسول اهلل وتسألون عن دم البعوضة .ويف لفظ :يَ ْقتُ ُل أح ُدكم من
الناس ما لو كان يل َع َد ُدهم ُسبُحات لرأيت أنه إسراف ,وإنَّا كنَّا نسري مع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ,فنزلنا
حيل ملسلم تَف ِز ُ
يع رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ,فقال :ال ُّ فنام رجل من القوم ,فَ َفَّز َعهُ رجل ,فَ َس ِم َع ذلك ُ من ِزالًَ ,
ع ُم ْسلِ ًما ".3 ِ ِ ِ
م ْسلم .وورد احلديث بلفظَ " :ال َحي ُّل ل ُم ْسل ٍم أَ ْن يَُرِّو َ
2 ِ
لكن على الرغم من هذا كلّه فإن مصطلح فقه األولويات مل يكن متداوال عند األقدمني بل هو مصطلح
أصل له بعض املفكرين والباحثني املعاصرين كما سنرى. جديد راج يف السياق التداويل املعاصر و ّ
يقول حممد الوكيلي :مل يكن هذا املصطلح مبفهومه اجلديد متداوال عند األقدمني .ال عند اللغويني وال عند
علماء الشريعة .فهو مصطلح جديد .مل يرد يف املعاجم اللغوية القدمية .وإمنا ورد يف بعض املعاجم اللغوية احلديثة,
مثل احمليط للمعلم بطرس البستاين واملعجم العريب األساسي .ومل يستعمله أحد من علماء الشريعة القدامى .وإمنا
الذي استعملوه وبكثرة هو اسم التفضيل "أ َْوَىل" .ويوردونه عادة لإلرشاد إىل العمل مبا هو أجدر أن يعمل به.
كل وقت مبا هو أَوىل وأنفع هلا يف كقول ابن القيم يف كتابه "الفوائد" "أنفع الربح يف الدنيا أن تشغل نفسك ّ
معادها ."4وقول الشاطيب يف االعتصام "التزام بعض املندوبات مما ال خيل مبا هو أَوىل ال حرج فيه" .وقد كثر التنبيه
-1يف فقه األولويات ,دراسة جديدة يف ضوء القرآن والسنة ,يوسف القرضاوي ,ص14:
-2جامع األصول يف أحاديث الرسول ,ابن األثري ,ج ,15 :ص71 :
-3سنن أيب داود ,ج ,8 :ص( ,292 :ح .)4959:السنن الكبى للبيهقي ,ج 15:ص843 :
-4الفوائد ,ابن قيم اجلوزية ,ص91:
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 65 جملة املدونة:
بعضهم
إىل ما هو أوىل بالعمل والطاعة عندما برزت ظاهرة اضطراب النسب يف األحكام الشرعية وانشغل ُ
بالنوافل على حساب الفرائض واملهم على حساب األهم.1
ويقول حممد مهام عبد الرحيم ملحم :فقه األولويات مصطلح جديد ظهر على ألسنة بعض العلماء
والدعاة املعاصرين ,ومل جند بعد البحث والتدقيق والتنقيب العميق استخداما هلذا املصطلح عند األقدمني مبفهومه
املعاصر ,وإن كانت مضامني هذا الفقه أو العلم مبثوثة يف كتبهم ,وفيما نقل من تراثهم العريق ,واحلقيقة أن
حدوث هذا املصطلح أو هذا النوع من الفقه أو العلم ال يعين سبق املعاصرين للسابقني من اجلهابذة العلماء
األفذاذ ,فلقد سبقونا إليه كما سبقونا إىل غريه ,بل إين أجزم أن هذا الفقه كان مركوزا يف فطرهم وطبائعهم,
يعملون على وفقه اعتيادا دون تكلف ,فال جتد إيالة من إياالت الراشدين منهم واملصلحني إال وهي مبنية على
قواعد فقه األولويات ,وموزونة يف ميزانه.2
ولكن الذي ينبغي أن يفهم من الكالم السابق؛ أن املقصود باحلديث عن كون هذا املصطلح مل يكن
متداوال عند األقدمني؛ هو املركب اإلضايف "فقه األولويات" ,وليس مصطلح األولوية اجملرد ,حىت ال يتساءل سائل
باستغراب :كيف ميكن أن يكون هذا املصطلح "األولوية" جديدا وهو من صميم علم املقاصد ,بل من لبه
وجوهره ,وكيف غاب عن علماء الشريعة القدامى استعماله؟!!
فبالعودة إىل كتب الفقه واألصول ال نكاد منر مبؤلَّف إال وجند مصطلح "أوىل" أو "أولوية" مبثوثا بني
ثناياه .ومن ذلك ما ذكره شيخ املقاصد اإلمام الشاطيب –رمحه اهلل – يف املوافقات حتت فصل عنونه ب ( :األولوية
تعني سببه بغلبة
الرتخص ,إذا ّ
الر َخص) ,وذكر مصطلح "األولوية" يف قوله" :وينبين عليه أ ّن األولوية يف ترك ّ يف ترك ُّ
الرتخص ْأوىل يف بعض املواضع؛ وقد يستويان ,وأما إذا مل يكن مثّ غلبة ظن؛ فال إشكال ظن أو قطع؛ وقد يكون ّ
الرتخص".3
يف منع ّ
ومن ذلك قوهلم" :ال أولوية بدون ترجيح" ,4ومنها قوهلم" :ال أولوية مع التساوي" ,5ومنها قول األحناف:
" عدالة القاضي حسب القول املختار شرط أولوية وليس شرط صحة ومع هذا فالالئق عدم تولية الفاسق".6
وقد استعملوا مصطلح األولوية على الداللة على األرجحية أي ترجيح أمر على أمر .كما استعملوه كذلك
للداللة على الرتتيب املسنون ال الالزم أو الواجب .واستعملوا مصطلح خالف األوىل للداللة على املكروه أو ما
هو دون الكراهة .واستعمل األصوليون مصطلح قياس األولوي أو قياس األوىل ,وهو ما يكون ثبوت احلكم فيه يف
الفرع أوىل منه يف األصل.
فهذه أهم االستعماالت اليت استعمل فيها مصطلح األولوية وإن كان هنالك استخدام شائع لكلمة أوىل
للداللة على التفضيل والتقدمي ,وال أجد حاجة للتمثيل على ذلك لشهرة هذا االستخدام ,وكثرته لغة وشرعا.1
وهذا الذي أتينا على ذكره هنا يتعلق باستعماالت مصطلح أولوية ,وأولوي ,واألوىل ,أما مصطلح
األولويات فقد اعرتف الدكتور ملحم الذي سبقين إىل البحث يف فقه األولويات بأنه مل جيد له ورودا إال يف موضع
واحد وهو يف حاشية العطار يف معرض احلديث عن العلم ,فقد عقب العطار على كالم اجلالل احمللي عندما
حتدث عن العلم ,فقد قال اجلالل احمللي" :والعلم أي القسم املسمى بالعلم من حيث تصوره حبقيقته ضروري ,أي
حيصل مبجرد التفات النفس إليه من غري نظر واكتساب؛ ألنه علم كل أحد حىت من ال يتأتى منه النظر كالبُله
والصبيان بأنه عامل ضروري" ,2فعقب الشارح على قوله" :مبجرد التفات النفس إليه" فقال" :يعين بعد تصور
الطرفني ,وهذا هو املسمى من الضروريات باألولويات" ,3والذي أراه أن الشيخ العطار إمنا قصد باألولويات هنا
4
ووِيل...
األوليات اليت ترجع يف أصلها إىل األول وليس األولويات اليت يرتد أصلها إىل أوىل َ
ّ
وألن كل مصطلح أو فن جديد ال خيلو من إثارة نقاش معني ,فإن "فقه األولويات" بدوره أثار نوعا من
النقاش عن طبيعته وهويته ,ويف بداية اشتغايل على هذا البحث تساءلت :أهو فقه أم علم؟
ومل أتعجب حني ألفيت الدكتور طه جابر العلواين قد عنون تقدميه لكتاب حممد الوكيلي "فقه األولويات
دراسة يف الضوابط" هبذا السؤال" :أعلم أولويات أم فقه أولويات"؟؟!! ,وتذكرت النقاش الذي جرى بني علمائنا
وهم يتساءلون عن "مقاصد الشريعة" هل علم أم فقه ,فسماه بعضهم "فقه املقاصد" ومساه البعض "علم املقاصد"
ومساه البعض اآلخر "علم فقه مقاصد الشريعة" ...وهكذا.
فهذا احلديث عن "فقه األولويات" ,ال أستبعد أن يقودنا فيما بعد إىل املناداة باستقالله عن "املقاصد"
كما دعا من قبل بعض علمائنا باستقالل املقاصد نفسها عن أصول الفقه.
ويف حماولة لإلجابة عن سؤاله السالف الذكر عن ماهية أو حقيقة "فقه األولويات" يقول طه جابر
معريف واحد ,أو ختصص واحد ,بل البد من مقاربته العلواين :إن إدراك األولويات مل يعد ممكنا من خالل مدخل ّ
من مداخل عديدة وختصصات خمتلفة ,بل والنظر إليه على أنه علم له أصوله وقواعده وجوانبه العديدة ,ومن
الغنب هلذا العلم أن حيصر يف دائرة علم ما أو حيشر يف ثنايا مباحث حىت لو كان ذلك العلم هو (الفقه).5
لكن ليس من اليسري أن حنكم اآلن بأنه علم قائم األركان مستقل بذاته ,فهو ال يزال "فنّا فتيا" بالنظر إىل
أن الدراسات اليت تناولته كلها ال خترج عن نطاق التنظري والتأسيس له ,باستخراج بعض مبادئه وضوابطه وقواعده
وأدلة اعتباره من بطون كتب أصول الفقه وعلم املقاصد ,بل وحىت التعريفات اليت حاولت ضبطه كمصطلح مل
تتجاوز أصابع اليد الواحدة ,لذلك فكالم الدكتور العلواين ينبغي أن يفهم على أنه دعوة إىل ما ينبغي أن يكون
يطور ليصبح علما مستقال عليه هذا العلم (علم األولويات) يف املستقبل ,وهو بذلك على حق ,بل وجيب أن ّ
يدرس إىل جانب العلوم اإلسالمية ,بل العلوم اإلنسانية ,وال أستبعد أن نقرأ يف املستقبل القريب كتبا بعنوان:
"أولويات علم السياسة" ,أو "أولويات علم االجتماع" أو "أولويات االقتصاد" أو "أولويات الثقافة" ...إخل.
فيستحق بذلك أن يكون "مادة أساسية" تدرس يف املؤسسات واجلامعات إىل جانب خمتلف
التخصصات ,بل وينبغي أن تكون دليال للخباء الذين يضعون ما يسمى ب "املخطط االسرتاتيجي" ملختلف
املؤسسات.
وإذا كنا نتحدث عن عالقة "فقه األولويات" اليوم بأنواع أخرى من الفقه يف إطار العلوم الشرعية ,ويف
دائرة علم املقاصد بشكل خاص فإنه من غري املستبعد أن نتحدث يف املستقبل القريب عن عالقة "علم
األولويات" بعلوم إنسانية واجتماعية أخرى مثل "علم املستقبليات" ,وعلم "التخطيط االسرتاتيجي" وغريها.
ال أنكر أنين كنت أميل إىل اعتباره علما مستقال وليس فقها منذ الوهلة األوىل اليت فكرت فيها يف
االشتغال هبذا املوضوع ,لكن خشيت أن أكون متسرعا يف ذلك ,وقد خطرت على ذهين جمموعة من األسئلة,
وكان سبب اخلشية ما اعرتفت به قبل قليل من كون هذا الفن مل يستقل بذاته بعد ومل تتحدد مالمح هويته إىل
اآلن ومل يستو على سوقه على الرغم مما كتب حوله.
يقول الدكتور ملحم :وإن كنت أميل كل امليل العتبار موضوع األولويات علما مستقال مثله مثل علم
األصول وعلم الفقه ,وغريها من العلوم ,وذلك ألن األولويات أوسع من ذلك ,فاألولويات ميكن تصورها يف
النظم العامة للحياة ,ويف حتديد اآلليات والطرق كذلك ,بل ويف بناء التصورات والنظريات ,وميكن تصورها يف
الفروع واألصول.1
وكنت أعتقد أنين الوحيد الذي شغله هذا السؤال (سؤال هوية األولويات) ,لكن ملا وقفت على كالم طه
جابر العلواين ,مث بعدها على هذا الكالم للدكتور ملحم أدركت أن معظم من اشتغل هبذا املوضوع أصابه طائف
من هاجس حتديد هوية األولويات وتصنيفها ضمن اخلانة اليت تستحقها.
ولذا -كما أكد ملحم -فإن موضوع األولويات علم ,شأنه شأن أي علم آخر ,يأخذ من غريه ,فمن
الفقه يستقي ,ومن األصول يرتوي ,ويف املقاصد ينشأ ويرتعرع ,وإىل اإلميان والدين يأزر وينزوي ,وبه من كل
طرف من الفنون ومن كل علم من العلوم حظ ونصيب ,فهذا الذي أراه ,وإن كنت اصطلحت عليه فقها يف
عنوان الرسالة ,فهو على اعتبار الفقه األكب ,الفقه بالدين والعلم بالدين كما كان يف أول اإلسالم وصدره ,مث
إنين مل أجرؤ على إطالق اصطالح علم األولويات؛ ألن هذا العلم مل تكتمل حلقاته وفصوله وأبوابه بعد ,وألنه
ما زال وليدا ,فالبد أن يشب ويتأهل ,حىت ينفصل ويستقل.2
وإذا كان الدكتور العلواين يفضل أن يسمي هذا "الفن" ب "العلم" بدل "الفقه" فإنه يقصد ما ينبغي أن
يكون عليه يف املستقبل ,وهذا ما يفهم من قوله :وهذا العلم (علم األولويات) يُفرتض أن يتعامل مع القضايا
املختلفة على مستويات عديدة ,فيتعامل به على مستوى األفراد وعلى مستوى األسر واجلماعات والشعوب
واألمم ,فإذا استطعنا أن ندخل يف ثقافة الفرد فن (إدراك األولويات) بالنسبة له ومنهجيّة حتديدها فذلك قد يعود
على الفرد بانتظام حياته ما دام حيّا ,وتعامل هذا العلم مع املستوى الفردي ال جيعل منه أمراً هيناً ميكن ألي أحد
ممارسته ,فإن من الصعب حتديد أولويات الفرد من غري مالحظة جمموعة كبرية من القضايا والشؤون املختلفة
تتناول بالتحليل والتعليل صحة الفرد وعمره التقديري وماله وأسرته وسكنه ومنط معيشته وزمانه ومكانه وبيئته
وسائر شؤونه وشجونه املتعلقة مباضيه وحباضره ومبستقبله ,مث يوازن بعد ذلك بني طموحاته وآماله وتوقعاته
وجوانب الضغط عليه أو التيسري له لكي يستطاع _ بعد ذلك _ رسم خارطة ألولوياته فيقدم ما حقه التقدمي
من شؤونه ويؤخر ما حقه التأخري ,ذلك ألن طموحات اإلنسان وتطلّعاته تتجاوز يف الغالب أوقاته ووسائله
وأدواته ,كما تتجاوز قدراته اآلنيّة سواء يف إطار عدم توافر الشروط أو يف دائرة وجود املوانع.
فإذا جتاوزنا الفرد إىل النظر يف حتديد (أولويات أسرة) باعتبارها الوحدة الصغرى يف بناء اجملتمع -يضيف
العلواين -فإن املتطلبات اليت حنتاج إىل مالحظتها لتحديد أولويات األسرة ستكون أكب بكثري من متطلبات
حتديد أولويات الفرد ,وتظل الدائرة تتسع من وحدة ألخرى فتكون بالنسبة للمؤسسة أوسع منها بالنسبة ملؤسسة
أصغر حىت نأيت إىل دائرة أولويات األمة بوصفها أمة .وهنا البد من تضافر اجلهود كلها واستخدام مبدأ الشورى
بأوسع معانيه ,والقيام بالدراسات املكثّفة لسائر اجلوانب الفاعلة واملؤثرة يف حياة األمة :السياسية منها والثقافية
واالقتصادية واالجتماعية ,واستعمال سائر العلوم اإلنسانية االجتماعية أو رصيد اخلبات والتجارب اإلنسانية
للوصول إىل حتديد مناسب ألولويات األمة يف مرحلة زمنية حمددة ,ولذلك فإن من التبسيط هلذا األمر اختزاله
وحصره يف الدائرة الفقهية الضيّقة ,أو أية دائرة أحادية البعد.1
وبقي أن أؤكد هنا أن هذا النوع من الفقه ليس بوسع أي أحد أن يشتغل به ويفهمه على حقيقته,
فالناس يفهمون الدين حبسب إدراكهم ومستوياهتم العلمية واملعرفية ,ويلتزمون مببادئه وتعاليمه حبسب قوة إمياهنم
ودرجة رسوخ عقيدهتم ,لذلك ختتلف أمناط التدين ومظاهره من فرد إىل آخر ومن مجاعة إىل أخرى باختالف
الفهم والبيئة وغري ذلك من املميزات واخلصوصيات ,هلذا ففقه األولويات وظيفة خاصة العلماء هبذا الدين ألنه
حقيقة الدين كما وصفه ابن تيمية رمحه اهلل حني قال" :فتفطن حلقيقة الدين ,وانظر ما اشتملت عليه األفعال
من املصاحل الشرعية واملفاسد ,حبيث تعرف ما ينبغي من مراتب املعروف ومراتب املنكر ,حىت تقدم أمهها عند
املزامحة ,فإن هذا حقيقة العمل مبا جاءت به الرسل ,فإن التمييز بني جنس املعروف وجنس املنكر ,وجنس
الدليل وغري الدليل يتيسر كثرياً .فأما مراتب املنكر ومراتب الدليل ,حبيث تقدم عند التزاحم أعرف املعروفني
فتدعو إليه ,وتنكر أنكر املنكرين :وترجح أقوى الدليلني ,فإنه هو خاصة العلماء هبذا الدين."2
ويطلق الفقه يف اصطالح العلماء على العلم باألحكام الشرعية العملية .1وقال صاحب "املعتمد"ُ :ه َو مجلَة
َح َكام َشْر ِعيَّة .2ويف "البهان" :العلم بأحكام التكليف .3وعند ابن قدامة هو :العلم بأحكام األفعال من الْ ُعلُوم بِأ ْ
الشرعية ,كاحلل واحلرمة ,والصحة والفساد وحنوها.4
وقيل الفقه اصطالحا هو :العلم باألحكام من الكتاب والسنة واإلمجاع والقياس َو َسائِِر ْاأل َِدلَِّة الْ َم ْعُروفَِة
ُخَرِويَِّة.5 ِ اىل واجتِناب نَو ِاه ِيه الْمح ِّ ِ ِ ِ ِ وفَائِ َدتُه :امتِثَ ُ ِ ِ َّ ِ
ص َالن ل ْل َف َوائد الدُّنْيَ ِويَّة َو ْاأل ْ َُ ال أ ََوامر الله تَ َع َ َ ْ َ ُ َ َ ُ ْ
ِ ِِ 6 ِ وقِيلِ ْ :
َح َك ِام الشَّْر ِعيَّ ِة الْ َفْر ِعيَّ ِة َع ْن أَدلَّتِ َها التَّ ْفصيليَّة" .
اد ْاأل ْ
"اعت َق ُ َ َ
7
وقال الزركشي " :معرفة أحكام احلوادث نصا واستنباطا على مذهب من املذاهب ".
والتعريف االصطالحي املشهور عند العلماء للفقه هو تعريف اإلمام الشافعي رمحه اهلل" :العلم باألحكام
الشرعية العملية املكتسب من أدلتها التفصيلية" .8وهذا أخص.
والصواب تعريف الفقه بأنه نفس األحكام الشرعية وليس العلم هبا فحسب؛ ألن األحكام الثابتة يف نفسها
تسمى فقها سواء وجد من يعلمها أو مل يوجد.9
لذلك أختار تعريف الزرقا الذي يعرف الفقه بأنه :جمموعة األحكام العملية املشروعة يف اإلسالم.10
فاملعىن األخري هو الشائع يف عرف الفقهاء ,وهو الذي يتبادر إىل الذهن ,فكلما مسعت لفظة الفقه تبادر إىل
الذهن :األحكام الشرعية ألفعال املكلفني :من حل وحرمة وكراهة وغريها.
وهذا املعىن هو املراد يف حنو قولك" :درست الفقه اإلسالمي."11
وهذا التعريف املختار يفهم من خالل ما يأيت:
قوله يف التعريف "األحكام" مجع حكم ,وهو :ما يصدر عن الشارع من أوامر ونظم عملية تروم تنظيم
حياة املكلفني وعالقاهتم وأعماهلم املختلفة.
وأما قوله "العملية" فهو :قيد خيرج به األحكام الشرعية غري العملية ,مثل أحكام علم أصول الفقه كحجية
اإلمجاع وغريها .واألحكام االعتقادية اليت هتتم مبسائل أصول اإلميان وفروعه ألهنا تنتمي إىل علم آخر وهو علم
التوحيد أو العقيدة ,واألحكام الوجدانية اليت تدرس يف علم األخالق أو التصوف كحرمة الرياء والعجب والكب.
قوله املشروعة يف اإلسالم :يعين املستفادة من الشرع .وتعلم مشروعيتها بطريق النص الصريح يف القرآن ,أو
بيان الرسول صلى اهلل عليه وسلم وسنته ,أو بطريق إمجاع املسلمني ,أو باستنباط الفقهاء اجملتهدين من دالئل
نصوص القرآن ,والسنة النبوية ,وقواعد الشريعة ومقاصدها.1
ثانيا :تعريف األولويات
أ -لغة:
ورد يف جممل اللغة البن فارس" :فالن أوىل بكذا ,أي :أحرى به وأجدر .فأما قوهلم يف الشتم :أوىل له؛
ِ
َحَرى بِه َوأ ْ ِ 2
الُ :ه َو ْاأل َْوَىل َج َد ُرَ .ويُ َق ُ َي أ ْ فيفيد :هتدد ووعيد .وقيل :أوىل :حتسر على ما فات" َ .وفَُال ٌن أ َْوَىل ب َك َذا أ ْ
َوِيف الْ َمْرأَةِ ِه َي (الْ ُولْيَا). 3
وقد يرد (أوىل) مبعىن أقرب ,ومن ذلك قول ابن منظور تعليقا على البيت الشعري لْل َفا ِرِس ُّي:
َن َخازا َْحتتَها َوقَ َّزا ... ,وفُُرشاً َْحم ُش َّوًة إَِوَّزا كأ َّ
وص َها ,واألَول بقوله" :إِما أَن ي ُكو َن أَراد َْحم ُش َّوًة ِريش إِوٍّز ,وإِما أَن ي ُكو َن أَراد ا ِإلوَّز بأَعياهنا و َمجاعةَ ُشخ ِ
َ ََ ُ َ َ َ َ َ
أَولى ."4مبعىن أقرب إىل الصحة.
الالِم َو ْاأل ََوِايل ِمثْ ُل ْاأل َْعلَ ْو َنَح ُّق بِِه وُه ْم ْاأل َْولَْو َن بَِفْت ِح َّ
َ َي أ َ
ِ
"وفَُال ٌن أ َْوَىل ب َك َذا أ ْ وجاء يف املصباح املنريَ :
ِ ِ مجع ْ ِ ِ ِ ِ َع ِايل َوفَُالنَةُ ِه َي الْ ُولْيَا َوُه َّن الْ ُوَىل ِمثْ ُل الْ ُف ْ
يل
ت ب ْاألَلف َوالتَّاء فَق َ ض ُل َوالْ ُكْب َرى َوالْ ُك َِب َوُرَّمبَا ُ َضلَى َوالْ ُف َ َو ْاأل َ
ات"5.. ِ
الْ َوليَّ ُ
والنسبة إىل األوىل :أولوي ,6واملصدر الصناعي من أوىل أولوية ,7واألولويات مجع أولوية.8
ب -اصطالحا:
كثر الكالم عن "األولويات" ,والعمل ب "األوىل" ,واألخذ مبا هو "أولوي" ,وتردد مصطلح (األولويات) على
ألسنة الكثري من الدعاة املعاصرين ,واملفكرين املسلمني ,وورد يف الكتب واملقاالت اليت تنظر للعمل اإلسالمي,
وتؤسس للصحوة اإلسالمية ,وقد أشار إىل هذا األمر الدكتور الوكيلي حني أكد بأنه "يندر أن جتد كتابا أو مقاال
ينظر للعمل اإلسالمي أو يقومه دون أن يذكر هذا املصطلح" .1لكن -يف حدود اطالعي -ال أحد منهم
توقف عند تعريف األولويات اصطالحا ,بل يوردونه يف سياقات معينة دون إفراده بتعريف خاص.
ويعتب الدكتور القرضاوي أكثر العلماء املعاصرين حديثا عن أمهية فقه األولويات يف ترشيد العمل اإلسالمي,
وقد ألف كتابا يف هذا الباب عنونه ب " :أولويات احلركة اإلسالمية يف املرحلة القادمة" ,كما أفرد هذا الفقه بالبحث
يف كتاب كامل بعنوان" :يف فقه األولويات -دراسة جديدة يف ضوء الكتاب والسنة" ,وحتدث عن أمهيته يف
بعض كتبه .مث تواتر احلديث بعد ذلك عن األولويات فصنفت كتب ورسائل جامعية حاولت أن تؤصل هلذا الفقه
وتبز أمهيته.
وأول من حاول تعريف األولويات اصطالحا هو حممد الوكيلي يف كتابه "فقه األولويات -دراسة يف
الضوابط" ,بقوله" :األولويات هي األعمال الشرعية اليت هلا حق التقدمي على غريها عند االمتثال أو عند
اإلجناز."2
3
أقر بعد
مث استدرك بعد ذلك بقوله" :أو يقال :األولويات هي األسبقيات الشرعية املراد إجنازها " .لكنه ّ
ذلك بأن هذا التعريف ال فرق بينه وبني التعريف اللغوي بقوله" :وهذا املعىن االصطالحي ال فرق بينه وبني املعىن
اللغوي ,إال أنه أخص منه .إذ املعىن االصطالحي ينحصر يف أحقية حكم شرعي بالتقدمي واإلجناز على حكم
آخر ,بينما األحقية اللغوية عامة .وهذا ما يعهد عادة بني املعىن اللغوي واملعىن االصطالحي .إذ يكون األول عاما
بينما يكون الثاين حامال لداللة خاصة."4
واملالحظ أن هذا التعريف خاص باستعمال مصطلح "األولويات" يف جمال الدعوة ,وقد أقر بذلك الوكيلي
نفسه قبل أن يورد هذا التعريف.
وبشكل عام أستطيع أن أقول :إن األولويات هي األعمال واألشياء اجلديرة بالتقدمي.
ثالثا :تعريف فقه األولويات
حبسب اطالعي فإن الدكتور يوسف القرضاوي أول من عرف هذا الفقه بقوله ":وأما فقه األوليات فنعين به
وضع كل شيء يف مرتبته .فال يؤخر ما حقه التقدمي أو يقدم ما حقه التأخري وال يصغر األمر الكبري وال يكب
األمر الصغري".5
وعرفه يف كتابه فقه األولويات -دراسة يف ضوء الكتاب والسنة بقوله هو :وضع كل شيء يف مرتبته بالعدل,
القيَم واألعمال ,مث يُقدِّم األ َْوىل فاأل َْوىل ,بناءً على معايري شرعية صحيحة يهدي إليها نور الوحي, من األحكام و ِ
ور َعلَى نُوٍر ﴾ (النور.)95 : 1
ونور العقل ﴿ :نُ ٌ
وقد أضاف الشيخ القرضاوي بعد هذا التعريف تفصيال يروم به املزيد من اإليضاح ورفع اللبس بقوله :فال
يقدم غري املهم على املهم ,وال املهم على األهم ,وال املرجوح على الراجح ,وال املفضول على الفاضل ,أو
هون اخلطري ,بل يوضع كل كب الصغري ,وال يُ ِّ ؤخر ما حقه التأخري ,وال يُ ِّ األفضل .بل يقدم ما حقه التقدمي ,ويُ ِّ
ض َع الْ ِم َيزا َنالس َماءَ َرفَ َع َها َوَو َ شيء يف موضعه بالقسطاس املستقيم ,بال طغيان وال إخسار ,كما قال تعاىلَ ﴿ :و َّ
يموا الْ َوْز َن بِالْ ِق ْس ِط َوَال ُختْ ِسُروا الْ ِم َيزا َن﴾( .الرمحن .)3 – 7 :وأساس هذا :أن القيم ِ ِ ِ ِ
أَال تَطْغَ ْوا يف الْم َيزان َوأَق ُ
َّ
واألحكام واألعمال والتكاليف متفاوتة يف نظر الشرع تفاوتًا بليغًا ,وليست كلها يف رتبة واحدة ,فمنها الكبري
ومنها الصغري ,ومنها األصلي ومنها الفرعي ,ومنها األركان ومنها املكمالت ,ومنها ما موضعه يف الصلب ,وما
موضعه يف اهلامش ,وفيها األعلى واألدىن والفاضل واملفضول .وهذا واضح من النصوص نفسها ,كما يف قول اهلل
اه َد ِيف َسبِ ِيل اللَّ ِه َال ِ ِ ِ اج َو ِع َم َارَة الْ َم ْس ِج ِد ْ َج َعْلتُ ْم ِس َقايَةَ ْ
احلََرِام َك َم ْن َآم َن بِاللَّه َوالْيَ ْوم ْاآلخ ِر َو َج َ احلَ ِّ تعاىل ﴿ :أ َ
اه ُدوا ِيف َسبِي ِل اللَّ ِه بِأ َْم َواهلِِ ْم َوأَنْ ُف ِس ِه ْم
اجُروا َو َج َين َآمنُوا َوَه َ
يست وو َن ِعْند اللَّ ِه واللَّه َال ي ه ِدي الْ َقوم الظَّالِ ِم َّ ِ
ني ,الذ َ َ َْ َ ُ َْ َ َ َُْ
ضع ك ُه ُم الْ َفائُزو َن ﴾ ( .التوبة .)85 - 13 :وقول الرسول الكرمي ( :اإلميان بِ ْ
2 ِ ِ ِ ِ
أ َْعظَ ُم َد َر َجةً عْن َد اللَّه َوأُولَئ َ
شعبة :أعالها "ال إله إال اهلل" ,وأدناها :إماطة األذى عن الطريق).3 وسبعون ْ
وعرفه الدكتور حممد الوكيلي بقوله :فقه األولويات هو :العلم باألحكام الشرعية اليت هلا حق التقدمي على
غريها بناء على العلم مبراتبها وبالواقع الذي يتطلبها.4
وقد عرفه حممد مهام عبد الرحيم ملحم بقوله :العلم مبراتب األعمال ودرجات أحقياهتا يف تقدمي بعضها على
بعض املستنبط من األدلة ومعقوهلا ومقاصدها.5
عرفه العثماين بأنه" :العلم بفاضل األعمال ومفضوهلا ,وأرجحها ومرجوحها" ,وقد شرح التعريف وقد ّ
املقتضب بقوله " :فإن كانت األعمال طاعة علم أيّها أحب إىل اهلل وأكثرها أجراً وثواباً ,وإن كانت معصية علم
أيّها أبغض إىل اهلل وأكثرها وزراً وعقوبة ,وإن كانت األعمال وسيلة إىل أهداف معينة (املقاصد الشرعية مثالً)
علم أيّها أقدر على حتقيق هذه األهداف ,وأيّها أوىل بذلك ,وإن كان اإلنسان أمام بدائل متعددة من خري أو
شر ,علم خري اخلريين وشر الشرين ,وإذا جهل املسلم أي األعمال أفضل وأوىل الشك أن ينفق وقته وجهده
وماله يف أجر أقل ويفوت ما هو أجل وأعظم ,وأنه اختلطت لديه مراتب األعمال واختل لديه توازهنا قد يصل إىل
عكس مقصود الشرع؛ فيأمث من حيث يريد أن يغنم ,أو إىل عكس مقصوده يف الواقع؛ فيفسد من حيث يريد أن
يصلح ".1
لكن املالحظ أن العثماين أمساه فقه مراتب األعمال وليس فقه األولويات ,ويف نظري فإن فقه مراتب
األعمال أخص من فقه األولويات ,ألن فقه األولويات أعم وأمشل لكونه يهتم مبراتب األمور واألشياء والقضايا
كلها ,وليس األعمال فقط.
ويالحظ أن كل التعريفات املذكورة أعاله هي لعلماء ومفكرين معاصرين ,أما القدماء فلم يهتموا بوضع
تعريف معني لفق ه األولويات ,ألنه مل تدعهم حاجة يف زماهنم إىل تأصيل هذا النوع من الفقه وتعريفه ,ولكن هذا
ال يعين أن فقه األولويات مل يكن مبثوثا يف كتبهم ,وإمنا كان منهج تفكريهم وتعامالهتم .وميكن أن يساق هنا
املبر الذي ذكره الريسوين عن عدم حرص اإلمام الشاطيب وغريه من القدماء على تعريف فقه مقاصد الشريعة
حني قال " :أما شيخ املقاصد ,أبو إسحاق الشاطيب ,فإنه مل حيرص على إعطاء حد وتعريف للمقاصد الشرعية,
وضوحا مبا ال مزيد عليه بقراءة كتابه املخصص للمقاصد من "املوافقات" ولعل
ً اضحا ,ويزداد
ولعله اعتب األمر و ً
ما زهده يف تعريف املقاصد كونه كتب كتابه للعلماء ,بل للراسخني يف علوم الشريعة .وقد نبّه على ذلك صراحة
بقوله" :ال يسمح للناظر يف الكتاب أن ينظر فيه نظر مفيد أو مستفيد ,حىت يكون ريان من علم الشريعة أصوهلا
وفروعها ,منقوهلا ومعقوهلا ,غري خملد إىل التقليد والتعصب للمذهب".2
ومن كان هذا شأنه ,فليس حباجة إىل إعطائه تعريفا ملعىن مقاصد الشريعة ,خاصة وأن املصطلح مستعمل
ورائج قبل الشاطيب بقرون .وكذلك مل أجد تعري ًفا فيما اطلعت عليه عند األصوليني وغريهم من العلماء الذين
تعرضوا لذكر املقاصد قدميًا".3
وإذا كان هذا شأن فقه مقاصد الشريعة ,فال غرابة يف غياب تعريف لفقه األولويات -الذي هو مثرة فقه
املقاصد -يف كتب األقدمني.
وأما التعريف الذي أراه لفقه األولويات فهو :العلم حبقائق األشياء ومقاصد األمور ومراتب األعمال ,وتقدمي
األهم منها على املهم عند التزاحم أو التعارض.
المطلب الثاني :أدلة اعتبار فقه األولويات
فقه األولويات يستمد قوته من ذاته وقد ال حيتاج إىل ما يثبت حجيته وشرعيته ويدل على اعتباره ,غري أن
املنهجية العلمية تقتضي إبراز هذه الشرعية ليستنري البحث بنور الكتاب ,ويستضيء هبدي السنة.
وبناء على هذا ,سأخصص هذا احليز الستعراض جمموعة من اآليات اليت تبني بعض األولويات القرآنية أو
االختيار األولوي يف التوجيه القرآين ,وأحاول أن أربط كل أولوية بسياقها أو مبوضوعها مبينا وجه الداللة ,ومراعيا
-1فقه مراتب األعمال ,سعد الدين العثماين ,جملة البيان ,العدد ( ,37رمضان 1412 -ه ) ,ص8 :
-2املوافقات ,اإلمام الشاطيب ,ص39 :
-3نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب ,أمحد الريسوين ,ص5 :
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 75 جملة املدونة:
يف ذلك ترتيب سور القرآن الكرمي ما استطعت إىل ذلك سبيال .مث سأعرج بعدها على ذكر بعض األحاديث اليت
تبني مراعاته صلى اهلل عليه وسلم لألولويات.
ومقرر
وسيتبني لنا من خالل تأصي ل األولوي ات على ضوء الكتاب والسنة أن مراعاة األولويات أمر واضح ّ ّ
يف ديننا واألدلة على ضرورة اعتبارها كثرية.
منزله سبحانه وتعاىل عن العبث ,إذ ال يتصور أن يصدر وقبل ذلك البد من التنبيه إىل أن القرآن الكرمي ّنزهه ّ
وتنزه -إال ما هو كامل يف بنائه وأركانه ,جليل يف ِحكمه وأحكامه ,مجيل يف تعاليمه من اهلل احلكيم -تق ّدس ّ
وتوجيهاته ,ويف ذلك تنزيه وتأييد لسنة مستقبِله ومبلِّغه الذي ال ينطق عن اهلوى صلى اهلل عليه وسلم ,كما أن
"املتأمل يف آيات القرآن الكرمي جيد أهنا مل تأت بأوامر مطلقة جمردة عن اعتبار الزمان واملكان واألشخاص ,فجميع
األوامر والتوجيهات كانت تأيت مع إشارات واضحة إىل اعتبار ظروف التطبيق ,وتقرير البديل الذي يتناسب مع
حال املكلّف ,وهذا االعتبار لظروف تطبيق األوامر الشرعية هو ما يسمى مبراعاة األولويات ,وهو منهج سار عليه
القرآن الكرمي يف معاجلة قضايا تقدمي األوىل ,األهم فاملهم ومثاله ّبني يف احملافظ ة على الضروريات مث االنت قال إىل
حتقيق احلاجيات فالتحسينيات".1
أوال :أدلة اعتباره من القرآن الكريم
اخلِن ِزي ِر َوَما أ ُِه َّل بِِه لِغَ ِْري اللَّ ِه فَ َم ْن ْ
اضطَُّر َغْي َر .1يقول سبحانه وتعاىل﴿ :إَِّمنَا َحَّرَم َعلَْي ُك ْم الْ َمْيتَةَ َوالد َ
َّم َو َحلْ َم ْ
ور َرِحيم﴾( .البقرة)179: ٍ ِ ِِ
بَ ٍاغ َوَال َعاد فَ َال إ ْمثَ َعلَْيه إ َّن اللَّهَ َغ ُف ٌ
يف اآلية داللة على أن من أضطر إىل أكل شيء من احملظورات املذكورة بدون رغبة أو رضاً منه ,وبغري بغي
أو إسراف يف األكل؛ فال شيء عليه إن تناول ما يسد خممصته وينقذه من املوت ,ألن احملافظة على النفس
حمافظة على مقصد ضروري من الكليات اخلمس اليت جاءت الشريعة حلفظها ,لذلك فاحملافظة على احلياة أوىل
من اجتناب تناول هذه احملظورات الذي يؤدي إىل موت حمقق .وقد استنبط فقهاؤنا من هذه اآلية ومن اآلية
اضطُ ِرْرُمت إلَْيه"(.األنعام )113:القاعدة الفقهية املعروفة" :الضرورات تبيح احملظورات" ,وهذه الكرمية" :إالَّ َما ْ
القاعدة فرع من قاعدة كلية هي" :الضرر يزال".
صا ٍر ,إِ ْن تُْب ُدوا .8يقول تعاىل﴿ :وما أَنْ َف ْقتُم ِمن نَ َف َق ٍة أَو نَ َذرُمت ِمن نَ ْذ ٍر فَِإ َّن اللَّه ي علَمه وما لِلظَّالِ ِم ِ
ني م ْن أَنْ َ َ َ َْ ُ ُ ََ ْ ْْ ْ ْ ْ ََ
وها الْ ُف َقَراءَ فَ ُه َو َخْي ٌر لَ ُك ْم َويُ َكفُِّر َعْن ُك ْم ِم ْن َسيِّئَاتِ ُك ْم َواللَّهُ ِمبَا تَ ْع َملُو َن َّ ِ ِ ِ ِ
الص َدقَات فَنع َّما ه َي َوإِ ْن ُختْ ُف َ
وها َوتُ ْؤتُ َ
َخبِ ٌري﴾( .البقرة.)871-875 :
وجه الداللة يف هذه اآلية أن صدقة السر أوىل وأفضل من صدقة اجلهر ,ملا يتحقق فيها من اإلخالص,
واالبتعاد عن الرياء ,وعدم إحراج املستحق هلذه الصدقة.
-1تأصيل األولويات وكيفية حتديدها ,عالء الدين حسني رحال وهنيل علي صاحل ,اجمللة األردنية يف الدراسات اإلسالمية ,اجمللد الثاين ,ع:
8
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 76
أفضل من ُ التطوع؛ ألن اإلخفاء فيها ص َدقَة ُّ املفسرين إىل أن هذه اآلية يف َ رطيب" :ذهب مجهور ِّ قال ال ُق ُّ
1
الرياء عنها ,وليس كذلك الواجبات ". تطوعها؛ النتفاء ِّ اإلظهار ,وكذلك سائر العبادات ,اإلخفاءُ أفضل يف ُّ
ت نِيَّتُه ,وأ َِم َن من ِّ ِ
الرياء ,وأما َمن وح ُسنَ ْ ت حالتُهَ , الص َدقة -ل َمن قَ ِويَ ْ رطيب" :وهذا -أي :إبداء َّ قال ال ُق ُّ
أفضل."2فالسُّر له ُ الرتْ بَة؛ ِّ ف عن هذه ُّ ض ُع َ َ
الرياء ,إالَّ أن الص َدقة أفضل من إظهارها؛ ألنَّه أَبْ َع ُد عن ِّ ابن كث ٍري" :ويف اآلية داللةٌ على أن إسرار َّ قال ُ
يرتتَّب على اإلظهار مصلحةٌ راجحةٌ ,من اقتداء الناس به؛ فيكون أفضل من هذه احلَْيثِيَّة. "3
الص َدقَِة
آن َكالْ ُم ِسِّر بِ َّ الص َدقَِة ,والْم ِسُّر بِالْ ُقر ِ ِ ِ وقال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلمِ ِ ِ ْ " :
ْ اجلَاهُر بالْ ُقْرآن َكا ْجلَاه ِر ب َّ َ ُ
ض ُل ِم َن الَّ ِذي آن أَفْ ََن الَّ ِذي ي ِسُّر بِِقراءةِ الْ ُقر ِ
ََ ْ ُ يث :أ َّ احل ِد ِ
يبَ ,وَم ْع َىن َه َذا َْ يث َح َس ٌن َغ ِر ٌ يسىَ :ه َذا َح ِد ٌ ِ
ال أَبُو ع َ " ,قَ َ
4
ص َدقَِة الْ َع َالنِيَ ِةَ ,وإَِّمنَا َم ْع َىن َه َذا ِعْن َد أ َْه ِل الْعِْل ِم ِ ِ السِّر أَفْ ِ آنِ ,أل ََّجيهر بِِقراءةِ الْ ُقر ِ
ض ُل عْن َد أ َْه ِل الْعْل ِم م ْن َ ص َدقَةَ ِّ َ َن َ ْ َُ َ َ ْ
اف َعلَْي ِه ِم ْن َع َالنيَته .
ِ ِ ِ5 َن الَّ ِذي ي ِسُّر الْعملَ ,ال ُخيَ ُ ِ ب ِأل َّالر ُجل ِمن الْ ُع ْج ِ ِ
ب َما ُخيَ ُ اف َعلَْيه الْ ُع ْج ُ ُ ََ َ ل َك ْي يَأْ َم َن َّ ُ َ
فاألصل أن اإلسرار أفضل هلذه اآلية ,وملا ثبت يف الصحيحني عن أيب هريرة ,قال :قال رسول اهلل صلى اهلل
الَ " :سْب َعةٌ يُ ِظلُّ ُه ُم اللَّهُ ِيف ِظلِّ ِه يَ ْوَم َال ِظ َّل إَِّال ِظلُّهُ, َّيب صلى اهلل عليه وسلم قَ َ عليه وسلمَ :ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَةَ ,ع ِن النِ ِّ
اجتَ َم َعا َعلَْي ِه َوتَ َفَّرقَا ِ ِ ِِ ِ ِ ِ اإل َم ُام الْ َع ِاد ُلَ ,و َش ٌّ
اب نَ َشأَ ِيف عبَ َادة َربِّهَ ,وَر ُج ٌل قَ ْلبُهُ ُم َعلَّ ٌق ِيف الْ َم َساجدَ ,وَر ُج َالن َحتَابَّا ِيف اللَّه ْ ِْ
َخ َفى َح َّىت َال تَ ْعلَ َم ِمشَالُهُ َما َّق أ ْ صد َاف اللَّهََ ,وَر ُج ٌل تَ َ َخ ُ ال :إِ ِّين أ َب َو َمجَ ٍال ,فَ َق َصٍ علَي ِه ,ورجل طَلَبْته امرأَةٌ َذات مْن ِ
َ ْ ََ ُ ٌ َ ُ ْ َ ُ َ
ِ ِ ِ
تُْنف ُق َميينُهَُ ,وَر ُج ٌل ذَ َكَر اللَّهَ َخاليًا فَ َف َ
6
ت َعْي نَاهُ ". اض ْ
إذن؛ فاألصل يف اإلنفاق هو اإلخفاء ,أما اإلظهار فهو استثناء ينضبط مبجموعة من الضوابط:
أوهلا :النية احلسنة.
ثانيها :األمن من الرياء.
ثالثها :حتفيز الناس وحثهم على االنفاق بالقدوة.
ِِ .9يقول سبحانه وتعاىل﴿ :وإِ ْن ُكنتُم مرضى أَو علَى س َف ٍر أَو جاء أ ِ ِ
ِّساءَ َح ٌد مْن ُك ْم م ْن الْغَائط أ َْو َال َم ْستُ ْم الن َ ْ َْ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َ
ِ ِ ِ ِ
صعِ ً ِ
ورا﴾( .النساء.)49: يدا طَيِّبًا فَ ْام َس ُحوا ب ُو ُجوه ُك ْم َوأَيْدي ُك ْم إ َّن اللَّهَ َكا َن َع ُف اوا َغ ُف ً فَلَ ْم َجت ُدوا َماءً فَتَ يَ َّم ُموا َ
أخرج ابن أيب حامت عن جماهد قوله :نزلت هذه اآلية يف رجل من األنصار كان مريضاً ,ومل يستطع أن يقوم
فيتوضأ ,ومل يكن له خادم يناوله .وأخرج ابن جرير عن إبراهيم النّخعي ,قال :نال أصحاب النيب جراحة ,ففشت
فيهم ,مث ابتلوا باجلنابة فشكوا للنيب فنزلت "وإن كنتم مرضى…" 1فاملقارنة حاصلة بني طهارة أصيلة :الوضوء,
وطهارة بديلة :التيمم ,وتقرير البديل جيب أن يناسب حال املكلف ,واعتبار ظروف التطبيق ,فإذا كان الوضوء
يرتتب عليه املشقة واحلرج واملرض (مفسدة) ,والتيمم بديل مناسب لرفع هذه األمور (مصلحة) ,فالنتيجة هي
أولوية التيمم يف هذه الظروف ,هذه هي املنهجية اليت تعلمنا إياها اآلية الكرمية.2
ش َما ظَ َهَر ِمْن َها َوَما بَطَ َن َو ْ
اإلمثَ َوالْبَ ْغ َي بِغَ ِْري الْ َح ِّق َوأَن ِ
يب الْ َف َواح َ َّ
.4يقول جل وعال﴿ :قُ ْل إمنَا َحَّرَم َرَِّ
تُ ْش ِرُكوا بِاللَّ ِه َما َملْ يُنَ ِّزْل بِِه ُسْلطَاناً َوأَن تَ ُقولُوا َعلَى اللَّ ِه َما ال تَ ْعلَ ُمو َن﴾( .األعراف.)99 :
هذا الرتتيب ليس اعتباطيا ,ألن ألفاظ القرآن الكرمي كلها مرتبة ترتيبا حكيما حبيث إذا استبدل لفظ بلفظ
فسيحدث إخالل باملعىن ,وهذا يستحيل يف حق كالم اهلل تعاىل املبني ,لذلك فإن الرتتيب يف هذه اآلية ترتيب
أولوي بدأ بأسهل الفواحش وانتهى بأشدها.
وقد نبّه على هذا األمر ابن القيم -رمحه اهلل -يف تعليقه عن هذه اآلية الكرمية بقوله " :فرتب احملرمات أربع
مراتب ,وبدأ بأسهلها وهو الفواحش ,مث ثىن مبا هو أشد حترميا منه وهو اإلمث والظلم ,مث ثلث مبا هو أعظم حترميا
منهما وهو الشرك به سبحانه ,مث ربع مبا هو أشد حترميا من ذلك كله وهو القول عليه بال علم ,وهذا يعم القول
عليه سبحانه بال علم يف أمسائه وصفاته وأفعاله ويف دينه وشرعه".3
ِ ِ ِ اج َو ِع َم َارَة الْ َم ْس ِج ِد ْ َج َعْلتُ ْم ِس َقايَةَ ْ
احلََرِام َك َم ْن َآم َن بِاللَّه َوالْيَ ْوم ْاآلخ ِر َو َج َ
اه َد ِيف احلَ ِّ .5يقول تعاىل﴿ :أ َ
ِِ ِ ِ ِ ِ
ني﴾( .التوبة)13: َسبِ ِيل اللَّه َال يَ ْستَ ُوو َن عْن َد اللَّه َواللَّهُ َال يَ ْهدي الْ َق ْوَم الظَّالم َ
هذه اآلية تدل على أن العمل املقرتن باإلميان هو األفضل واألحسن وهو الذي تعطى له األولوية أبدا,
فمهما فعل املشرك من خري إال أنه يبقى معلقا وقاصرا عن بلوغ ما يقوم به املؤمن باهلل واليوم اآلخر اجملاهد يف
سبيل اهلل بنفسه ومباله وولده ووقته وقوله وفعله.
ثانيا :أدلة اعتباره من السنة النبوية
ال خيفى على أحد أن السنة النبوية بينت جمموعة من األولويات وبينت أفضلية بعض األشخاص على
بعض ,وأمهية بعض األوقات واألزمنة واألمكنة على بعض ,وأفضلية بعض األقوال واألعمال على بعض ,كما بني
النيب عليه الصالة والسالم يف توجيهاته للصحابة بعض املعايري اليت تبني األعمال املذمومة وتكشف عن تباينها
وتفاوت درجتها من حيث حكمها حراما أو مكروها ,ومن حيث مرتبتها كبرية أو صغرية أو شبهة ,وهذا ما سنراه
من خالل استعراض بعض األحاديث يف هذا املقام.
وقبل ذلك وجب التأكيد على أن السرية النبوية حتتل مكانا بارزا يف ثقافة املسلم ,ألهنا من األولويات اليت
ينبغي له معرفتها لفهم املراحل اليت مرت هبا الدعوة اإلسالمية ,فضال عن اإلملام بطبيعة الظروف واالرهاصات اليت
سبقتها وعوامل نشأهتا ,وإسهام هذه األمور جمتمعة يف تكوين شخصية النيب صلى اهلل عليه وآله وسلّم من مولده
إىل أن التحق بالرفيق األعلى واكتساب هذه الشخصية صفة القداسة واالحرتام املطلق عند املسلمني. 1
واملتأمل يف سرية النيب صلى اهلل عليه وسلم يلمس فقه التدرج ومراعاة األولويات جليا حيث ركز يف بداية
أمره على الدعوة إىل التوحيد وكان يتوجه إىل قومه بقوله" :أيها الناس قولوا :ال إله إال اهلل تفلحوا" , 2قبل أن
يدعوهم إىل تطبيق أحكام الشريعة ,مراعيًا بذلك األولويات ,والبدء باألهم فاملهم.
وإن املتدبر يف تصرفاته يدرك كيف فُطر املعصوم صلى اهلل عليه وسلم على النطق باحلق ,والرتكيز على معايل
األمور وأولويات الدعوة .فجعل التوحيد قبل الصالة ,لعلمه عليه الصالة والسالم أن ال صالة لغري املسلم املوحد,
ولتقدميه الصالة على الزكاة ليبني أن هذه األركان ال تقبل إال جمتمعة ,لكن مبراعاة ترتيبها وأولوياهتا.
وسوف أسوق هنا جمموعة من األحاديث اليت تبني مدى مراعاته صلى اهلل عليه وسلم لألولويات من خالل
سريته العطرة.
ث ُم َعاذًا َر ِض َي اللَّهُ َعْنهُ إِ َىل الْيَ َم ِن, َّيب صلى اهلل عليه وسلم بَ َع َ اس َر ِضي اللَّهُ َعْن ُه َما " ,أ َّ
َن النِ َّ َ
َ .1ع ِن ابْ ِن َعبَّ ٍ
ِ ك فَأ َْعلِ ْم ُه ْم أ َّ ول اللَّ ِه ,فَإِ ْن هم أَطَ ِ ِ الْ :اد ُع ُه ْم إِ َىل َش َه َادةِ أَ ْن َال إِلَهَ إَِّال اللَّهَُ ,وأ ِّ
ضَن اللَّهَ قَد افْ تَ َر َ اعوا ل َذل َ ُْ ُ َين َر ُس ُ فَ َق َ
ص َدقَةً ِيف أ َْم َواهلِِ ْم ك فَأ َْعلِ ْم ُه ْم أ َّ ات ِيف ُكل ي وٍم ولَي لَ ٍة ,فَِإ ْن هم أَطَ ِ ِ علَي ِهم مخَْس صلَو ٍ
ض َعلَْي ِه ْم َ َن اللَّهَ افْ تَ َر َ اعوا ل َذل َ
ُْ ُ ِّ َ ْ َ ْ َْ ْ َ َ َ
تُ ْؤ َخ ُذ ِم ْن أَ ْغنِيَائِ ِه ْم َوتَُرُّد َعلَى فُ َقَرائِ ِه ْم ."3ورواه غري واحد ببعض االضافات ,من ذلك ما أخرجه اإلمام مسلم
اكك ,فَِإيَّ َ ال ملعاذ" :فَِإ ْن هم أَطَ ِ ِ اس ,وفيه زيادة أ َّ يف صحيحه َع ِن ابْ ِن َعبَّ ٍ
اعوا ل َذل َ ُْ ُ َن النيب صلى اهلل عليه وسلم قَ َ
وَكرائِم أَمواهلِِم ,وات َِّق د ْعوةَ الْمظْلُ ِوم ,فَِإنَّه لَيس ب ي نَ ها وب ِ ِ
اب ."4 ني اللَّه ح َج ٌ ُ ْ َ َْ َ َ َ ْ َ َ َ َ َْ ْ َ َ َ َ
هذا احلديث يبني أن فقه األولويات من أهم ما ينبغي أن يُعلمه املريب ألتباعه ,ليكونوا على بينة من أمرهم
إذا وجدوا أنفسهم أمام غري املسلمني يعرضون عليهم دينهم فماذا يقدمون وماذا يؤخرون؟ وإذا ألفوا أنفسهم أمام
مصلحتني متعارضتني إن أتوا بواحدة فاتتهم األخرى ,فأيهما يُقدم وأيهما يؤخر؟ وهو حديث ال ميكن ملن يزاول
الدعوة إىل اهلل بشكل عام ,وخارج بالد اإلسالم بشكل خاص ,أن مير عليه مرور الكرام -بأي حال من
األحوال -دون أن يتوقف عنده مليا ليتأمل هذا الرتتيب الذي ينتقل فيه النيب صلى اهلل عليه وسلم من أمر إىل
أمر مبينا أن األولوية للشهادتني مث الصالة مث الزكاة مراعيا صلى اهلل عليه وسلم ترتيب أركان اإلسالم حسب
أمهيتها ومكانتها.
-1تطور كتابة السرية النبوية ,عمار عبودي حممد حسني نصار ,ص18 :
- 2صحيح ابن خزمية ,ج ,1 :ص ,53 :رقم احلديث125 :
-3صحيح البخاري ,ج ,1 :ص ,939 :رقم احلديث1911 :
-4صحيح مسلم ,ج ,1:ص ,83:رقم احلديث95 :
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 79 جملة املدونة:
وإال فإن املؤمن الذي يرجو لقاء ربه ينبغي أن يعمل الصاحلات يف كل األوقات واملواسم وليس يف عشر ذي
احلجة فقط ,وأما ترغيب النيب صلى اهلل عليه وسلم يأيت حتفيزا منه من أجل اإلكثار من الصاحلات طمعا يف
مرة يف السنة واغتنام الفرصة ملضاعفة احلسنات ,كتحفيزه عليه تتكرر إال ّ التعرض لنفحات هذه األيام اليت ال ّ
الصالة والسالم لنا إلحياء العشر األواخر من رمضان.
ب أ َْعظَ ُم ِعْن َد الذنْ ِ
َي َّ َّيب صلى اهلل عليه وسلم أ ُّ ت النِ َّالَ :سأَلْ ُ يلَ ,ع ْن َعْب ِد اللَّ ِه ,قَ َ ِ ِ
َ .4ع ْن َع ْمرو بْ ِن ُشَر ْحب َ
الَ " :وأَ ْن تَ ْقتُ َل َولَ َد َك َختَ ُ
اف َي؟ قَ َ تُ :مثَّ أ ُّ ك " ,قُ ْلت :إِ َّن َذلِ َ ِ ِ
ال " :أَ ْن َْجت َع َل للَّ ِه نِداا َوُه َو َخلَ َق َ اللَّ ِه؟ قَ َ
يم ,قُ ْل ُك لَ َعظ ٌ ُ
ول اللَّ ِه صلى ال " :أَ ْن تَُزِاينَ َحلِيلَةَ َجا ِرَك " .ويف مسند احلميديُ " :مثَّ تَال َر ُس ُ
1
َي؟ قَ َتُ :مثَّ أ ُّ ك " ,قُ ْل ُ أَ ْن يَطْ َع َم َم َع َ
س الَِّيت َحَّرَم اللَّهُ إِال بِ ْ ِ اهلل عليه وسلمِ َّ :
احلَ ِّق َوال يَ ْزنُو َن َوَم ْن ين ال يَ ْد ُعو َن َم َع اللَّه إِ َهلًا َ
آخَر َوال يَ ْقتُلُو َن النَّ ْف َ "والذ َ َ
2
ك يَْل َق أَثَ ًاما" (الفرقان.)22 : ِ
يَ ْف َع ْل ذَل َ
وهذا احلديث يبني لنا بأن الرتتيب األولوي يف السنة هو نفسه الرتتيب األولوي يف القرآن الكرمي ,فرتتيبه
صلى اهلل عليه وسلم الشرك قبل القتل والزنا ,مث القتل قبل الزنا ,وهو يعدد أوصاف عباد الرمحن ,هو نفس ما
ذكره النيب صلى اهلل عليه وسلم بنفس الرتتيب وهو جييب الصحايب اجلليل عبد اهلل بن مسعود رضي اهلل عنه.
وقد يقال تعددت األمساء والذنب واحد ,أو تعددت الذنوب واجلرم واحد ,لكن عقوبة كل ذنب خمتلفة عن
غريها ,لذلك فمن يفهم حقيقة األشياء وميزاهنا يف الشرع يدرك أن الذنوب تنقسم إىل كبائر وصغائر ,وكل قسم
منها يرتب حبسب درجة ضرره ,وأخطر أنواع الذنوب هو الذنب الذي جيرئ مقرتفه على اهلل وخيرجه من امللّة ,كما
أشار إىل ذلك احلديث " أن جتعل هلل ندا وهو خلقك" ,وقد وصف لقمان احلكيم الشرك بالظلم العظيم يف
ِ ِ ِِ ِ ِ ِِ وصيته البنهَ ":وإِ ْذ قَ َ
يم"( .لقمان .)19:مث ين َال تُ ْش ِرْك باللَّه إ َّن الشِّْرَك لَظُْل ٌم َعظ ٌ
ال لُْق َما ُن البْنه َوُه َو يَعظُهُ يَا بُ ََّ
بعد هذا الظلم العظيم تأيت الذنوب اليت يضر هبا املذنب اآلخرين قبل أن يضر هبا نفسه ,وهي الذنوب اليت
تتسبب يف إفساد اجملتمع وإهالك احلرث والنسل ,فال خيفى على الباحث املتبصر أن ترتيب هذه الذنوب ليس
عشوائيا أو عبثيا وإمنا حبسب خطورته وضرره ,فقتل النفس أعظم من الزنا ,وحىت الزنا حبليلة اجلار أعظم ذنبا من
الزنا بالبغايا ,ألن الزنا ببغي قد ال يتسبب يف ضرر اجتماعي كبري بنفس الدرجة اليت قد يسببها الزنا حبليلة اجلار.
وهذان الذنبان (القتل) و (الزنا) على الرغم من فداحتهما وخطورهتما إال أهنما أقل ضررا من الظلم العظيم
(الشرك) .فاحلديث فيه بيان لبعض مراتب الكبائر وأن بعضها أكب وأفظع من بعض ,فاألوىل بالدرء أو
االجتناب هو ما ورد أوال هبذا الرتتيب الذي ورد يف احلديث ,ألن األول يضر بكلية الدين ,والثاين يضر بكلية
النفس والثالث يضر بكلية العرض.
ويعرفها الشاطيب بقوله " :تكاليف الشريعة ترجع إىل حفظ مقاصدها يف اخللق ,وهذه املقاصد ال تعدو
ثالثة أقسام :أحدها :أن تكون ضرورية ,والثاين :أن تكون حاجية ,والثالث :أن تكون حتسينية" .1ويقول أيضا:
"أن الشارع قد قصد بالتشريع إقامة املصاحل األخروية والدنيوية".2
لكن املالحظ من هذه النصوص أن علماءنا القدامى مل يقصد بذلك اإلتيان بتعريف معني للمقاصد ,وإمنا
جاء كالمهم هذا عن املقاصد تبعا أثناء حديثهم عن مسالك العلة وغريها من املباحث األصولية ,ألهنم مل يكونوا
خيصصون مباحث للمقاصد إىل أن أتى الشاطيب فأفرده يف قسم من "املوافقات".
أما من املعاصرين فأول من أتى بتعريف أخص من التعريفات السابقة هو الطاهر ابن عاشور ,فقد عرف
املقاصد بأهنا" :املعاين واحلكم امللحوظة للشارع يف مجيع أحوال التشريع ومعظمها ,حبيث ال خيتص مالحظتها
بالكون يف نوع خاص من أحكام الشريعة ,فيدخل يف هذا أوصاف الشريعة وغايتها العامة واملعاين اليت ال خيلو
معان من احلكم ليست ملحوظة يف سائر أنواع األحكام ولكنها التشريع من مالحظتها ,ويدخل يف هذا أيضا ٍ
ملحوظة يف أنواع كثرية منها".3
وعرفها بعد ذلك عالل الفاسي بقوله " :املراد مبقاصد الشريعة :الغاية منها واألسرار اليت وضعها الشارع عند
كل حكم من أحكامها".4
ويقول الريسوين " :هي الغايات اليت وضعت الشريعة ألجل حتقيقها ملصلحة العباد".5
وأكتفي بذكر هذه التعريفات اليت أفلحت يف اإلتيان حبد جامع مانع للمصطلح ,خصوصا تعريف الريسوين
املختصر الذي ركز فيه على جوهر حكمة املقاصد املتمثلة يف حتقيق مصاحل العباد دون الدخول يف أنواع املصاحل
وأقسامها.
فاملستخلص من تعريفات العلماء ملقاصد الشريعة أهنا :األسرار والغايات اليت وضعت الشريعة لتحقيقها
ملصلحة العباد يف العاجل واآلجل.
ثانيا :عالقة فقه األولويات بفقه المقاصد
يرتبط فقه األولويات بفقه مقاصد الشريعة ارتباطا وثيقا ,فغاية علم مقاصد الشريعة إمنا هي الوصول إىل
األولويات ,وفقه األولويات ميثل بشكل عام مثرة علم مقاصد الشريعة.
لكن عالقة فقه األولويات بفقه املقاصد ليست عالقة الفرع باألصل فحسب ,وإمنا هي عالقة الدم بالقلب,
فعلم املقاصد هو قلب الشريعة وفقه األولويات هو الدم الذي يضخه هذا القلب يف جسد الشريعة بالقدر الذي
حيتاجه ويستوعبه كل عضو من هذا اجلسد.
وهنا ميكن استحضار قول الشاطيب رمحه اهلل" :املقاصد أرواح األعمال ."1وهذه الكلمة – كما يقول
الدكتور أمحد الريسوين -ال ينحصر مداها يف مقاصد املكلفني ومقاصد أعماهلم ,بل يشمل سائر اجملاالت؛ فروح
القرآن مقاصده ,وروح السنة مقاصدها ,وأرواح األحكام الشرعية مقاصدها ,وروح التدين تكمن يف مقاصده ويف
حتقيقها ما أمكن.2
يقول مهام :هذه العالقة -يقصد العالقة بني فقه املقاصد و فقه األولويات -أشبه ما تكون بعالقة أصول
الفقه بالفقه بل هي عالقة أشد ارتباطا و أوثق عرى فإذا كان للفقه َغناء عن أصول الفقه يف بعض األحوال فليس
لفقه األولويات َغناء عن مقاصد الشريعة بأي حال من األحوال ,فال ميكن درك األولويات إال بالرجوع إىل
املق اصد الشرعية ,فهي الطريق الرئيس من طرق الوصول إىل األولويات ,ومن رام درك األولويات دوهنا فدونه درك
الغماد ,وخرط القتاد.3
فعالقة األولويات بفقه املقاصد أقوى آصرة من عالقة املقاصد نفسها بأصول الفقه ,وفقه األولويات -يف
نظري -لب املقاصد وروحه .ولعل هذا ما محل الدكتور مهام على وصف هذه العالقة بقوله :إن فقه األولويات
يعد الثمرة الرئيسية لعلم املقاصد ,فمن خالل النظر يف منظومة علم املقاصد ,جيد الناظر أن املقاصد ترتتب على
مراتب ثالث رئيسية ,وهي :الضروريات واحلاجيات والتحسينيات ,وهذه املراتب الرئيسة الثالث تتوزع على كليات
مخس ,وهذه الكليات ترتتب فيما بينها على درجات ,بناء على األمهية واملرتبة ,فهذه النظرة السريعة كفيلة بأن
تظهر أن املقصود من علم املقاصد :إمنا هو الوصول إىل األولويات ,وبالتايل فإن فقه األولويات يعد حبد ذاته
االستثمار األمثل لعلم املقاصد ,فمن خالله تظهر مثرة علم املقاصد ,وتتحقق غايته ,وتتحصل نتيجته.4
لذلك ال غىن للمشتغل بفقه األولويات عن علم املقاصد ,وال غىن للمشتغل بعلم املقاصد عن النظر يف
األولويات اليت تبني له ترتيب الضروريات واحلاجيات والتحسينيات ,وجتلي له التعامل مع املصاحل واملفاسد
املتعارضة وغريها.
المطلب الثاني :عالقة فقه األولويات بفقه الموازنات
أوال :تعريف فقه الموازنات
أ -لغة:
املوازنة يف اللغة هي املعادلة واملقابلة واحملاذاة ,يقال :وازنه مبعىن عادله وقابله ,وحاذاه .5ومجعها موازنات.
ب -اصطالحا:
ويف االصطالح املوازنة هي :ترجيح خري اخلريين وشر الشرين وحتصيل أعظم املصلحتني بتفويت أدنامها,
ودفع أعظم املفسدتني باحتمال أدنامها.1
أو هي :املقابلة بني الضر والنفع هبدف اكتشاف الراجح منها.2
هذا التعريف ذكره الدكتور حممد مهام عبد الرحيم ملحم للموازنات واستخرجه من خالل تفسري اإلمام ابن
العريب لقوله تعاىل ﴿ :إن الذين جاءوا باإلفك عصبة منكم ال حتسبوه شرا لكم بل هو خري لكم﴾( .النور,)11:
فقد قال ابن العريب " :حقيقة اخلري ما زاد نفعه على ضره ,وحقيقة الشر :ما زاد ضره على نفعه ,وإن خريا ال شر
فيه هو اجلنة ,وإن شرا ال خري فيه هو جهنم ,فنبه اهلل تعاىل عائشة ومن ماثلها ممن ناله هم من هذا احلديث أنه
ما أصاهبم منه شر ,بل هو خري ,على ما وضع اهلل الشر واخلري عليه يف هذه الدنيا من املقابلة بني الضر والنفع,
ورجحان النفع يف جانب اخلري ,ورجحان الضر يف جانب الشر" .3وهذا التعريف الذي ذكره ابن العريب يعد أدق
تعريف من تعريفات العلماء هلذا املصطلح الستخدامه لفظ املقابلة بدل الرتجيح ,وهذا يوافق التعريف اللغوي
ألصل املوازنة ,مث إن الرتجيح نفسه هو مثرة املوازنة وليس عينها.4
لكن املوازنة ال تعين فقط املقابلة بني الضر والنفع هبدف اكتشاف الراجح منها فحسب ,وإمنا تعين كذلك
املقابلة بني املضار حىت يعلم أيها أعظم مفسدة فيؤخر ,واملقابلة بني املنافع ليعلم أيها أكب مصلحة فيقدم.
ثانيا :عالقة فقه األولويات بفقه الموازنات
يقول اإلمام الشاطيب" :فاملصاحل واملفاسد الراجعة إىل الدنيا إمنا تُفهم على مقتضى ما َغلب ,فإذا كان
الغالب جهة املصلحة ,فهي املصلحة املفهومة ُعرفا ,وإذا غلبت اجلهة األخرى فهي املفسدة املفهومة عرفا ,ولذلك
الفعل ذو الوجهني منسوبا على اجلهة الراجحة ,فإن رجحت جهة املصلحة؛ فمطلوب ,ويقال فيه :إنه كان ُ
مصلحة ,وإذا غلبت جهة املفسدة فمهروب عنه ,ويقال فيه :إنه مفسدة وإذا اجتمع فيه األمران على تسا ٍو؛ فال
يقال فيه إنه مصلحة أو مفسدة ,على ما جرت به العادات يف مثله ,فإن خرج عن مقتضى العادات فله نسبة
أخرى وقسمة غري هذه القسمة."5
ويضيف أيضا" :فاملصلحة إذا كانت هي الغالبة عند مناظرهتا مع املفسدة يف حكم االعتياد؛ فهي املقصودة
شرعا ,ولتحصيلها وقع الطلب على العباد ,ليجري قانوهنا على أقوم طريق وأهدى سبيل ,وليكون حصوهلا أمت
وأقرب وأوىل بنيل املقصود ,على مقتضى العادات اجلارية يف الدنيا ,فإن تبعها مفسدةٌ أو مش ّقةٌ فليست مبقصودة
يف شرعية ذلك الفعل وطلبه.
ويقول الدكتور يوسف القرضاوي" :املصاحل املقررة شرعا متفاوتة فيما بينها؛ فاملصاحل الضرورية مقدمة على
احلاجية والتحسينية ,واملصاحل احلاجية مقدمة على التحسينية ,واملصاحل املتعلقة مبصاحل األمة وحاجاهتا أوىل
بالرعاية من املصاحل املتعلقة باألفراد عند التعارض ,وهنا جند أن فقه املوازنات يلتقي بفقه األولويات."1
وخالصة الكالم يف عالقة فقه املوازنات بفقه األولويات :إن نتيجة مراعاة األولويات يف املصاحل تؤدي إىل
تقدمي خري اخلريين ,ونتيجة مراعاة األولويات يف املصاحل واملفاسد تؤدي إىل تقدمي املصلحة على املفسدة .ونتيجة
مراعاة األولويات يف املفاسد تنتهي بتقدمي أخف الضررين .والتقدمي أو التأخري -نتيجة النظر األولوي -ال ميكن
أن يتم إال باملوازنة بني اخلري والشر ,أو بني خري اخلريين وشر الشرين.
المطلب الثالث :عالقة فقه األولويات بفقه المآالت
من أنواع الفقه اليت هلا عالقة وثيقة كذلك بفقه األولويات فقه املآالت .فما حقيقة املآالت؟
أوال :تعريف فقه المآالت
أ -لغة:
األول :الرجوع .آلاملآل يف اللغة هو املصري أو الرجوع ,نقول آل إىل كذا أي صار إليه .يقول ابن منظورْ :
2
ص َام َوال
الشيء يؤول أوال ومآال :رجع .وأول إليه الشيء :رجعه .وألت عن الشيء :ارتددت .ويف احلديث ":ال َ
ال َج ِر ٌيرَ :وال َ
آل يَ ْع ِين َوال َر َج َع.4 ال إِ ْس َح ُ
3
اق :قَ َ ص َام األَبَ َد " ,قَ َ
آل َم ْن َ
َ
ب -اصطالحا:
عرفه الدكتور عمر جدية بقوله" :اعتبار ما يصري إليه الفعل أثناء تنزيل األحكام الشرعية على حماهلا ,سواء
أكان ذلك خريا أم شرا ,وسواء أكان بقصد الفاعل أم بغري قصده."5
وعرفه الدكتور فريد األنصاري بأنه" :أصل كلي يقتضي اعتباره تنزيل احلكم على الفعل مبا يناسب عاقبته
املتوقعة استقباال."6
ثانيا :عالقة فقه األولويات بفقه المآالت
اعتبار املآالت اليت تؤول إليها األفعال واألقوال من املقاصد املهمة اليت ينبغي مراعاهتا؛ ألن ذلك أمرا
مطلوبا شرعا ,بل من العبث أن يُتحدث يف الشرع ويتم إصدار األحكام دون مراعاة املآالت.
وهذا ليس ادعاء ,وإمنا حقيقة قرآنية تتجلى لكل من نظر يف القرآن نظر املتدبر الذي يستغور آيات الكتاب
املسطور ويستنطق مكنونتها ,كما أن املتأمل يف سنة نبينا صلى اهلل عليه وسلم تستوقفه أحداث مهمة تبني املنهج
النبوي يف مراعاة املآل ,فمن القرآن والسنة تستقى حجية اعتبار املآل.
يقول اهلل تعاىل﴿ :وال تَسبُّوا الَّ ِذين ي ْدعو َن ِمن د ِ
ون اهللِ فَيَ ُسبُّوا اهللَ َع ْد ًوا بِغَ ِْري ِعْل ٍم﴾ (األنعام ,)152 :فلما ََ ُ ْ ُ َ ُ
كان سب الذين يدعون من دون اهلل يؤدي إىل مفسدة خطرية هي سب اهلل تعاىل ,هنى اهلل سبحانه عن ذلك
مراعاة للمآل الذي سيئول إليه ,على الرغم من ضالل املشركني وما هم عليه من باطل.
ويف حديث جابر بن عبد اهلل رضي اهلل عنهما أن خالفا وقع يف إحدى الغزوات بني رجل من املهاجرين
وآخر من األنصار فسمع بذلك عبد اهلل بن أيب فأراد أن يستغله ليحدث فتنة بني املسلمني فقال :أما واهلل لئن
رجعنا إىل املدينة ليخرجن األعز منها األذل .فبلغ عمر رضي اهلل عنه وأراد ضرب عنق هذا املنافق .فقال له النيب
حممدا يقتل أصحابه".1 صلى اهلل عليه وسلم" :دعه ,ال يتحدث الناس أن ً
وروي أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قاهلا يف موقف قسمة غنائم حنني ,حني قال له رجل :يا حممد ,اعدل!
فقال صلى اهلل عليه وسلم :ويلك! ومن يعدل إذا مل أكن أعدل ,لقد خبت وخسرت إن مل أكن أعدل .فقال
عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه :دعين يا رسول اهلل فأقتل هذا املنافق .فقال :معاذ اهلل أن يتحدث الناس أين أقتل
أصحايب.2
كما ثبت أنه صلى اهلل عليه وسلم قاهلا يف موقف آخر ,فعن حذيفة بن اليمان قال :إين آلخذ بزمام ناقة
رجال متلثمني قال :هؤالء املنافقون
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أقوده وعمار يسوق به ,إذ استقبلنا اثنا عشر ً
حممدا
إىل يوم القيامة .قلنا :يا رسول اهلل ,أال تبعث إىل كل رجل منهم فتقتله؟ فقال :أكره أن يتحدث الناس أن ً
يقتل أصحابه.3
قال ابن عبد الب" :وسئل مالك رمحه اهلل عن الزندقة فقال :ما كان عليه املنافقون على عهد رسول اهلل صلى
فلم يُقتل الزنديق ورسول اهلل
اهلل عليه وسلم من إظهار اإلميان وكتمان الكفر هو الزندقة عندنا اليوم .قيل ملالكَ :
صلى اهلل عليه وسلم مل يقتل املنافقني وقد عرفهم؟ فقال :إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم لو قتله بعلمه فيهم
وهم يظهرون اإلميان لكان ذريعة إىل أن يقول الناس يقتلهم للضغائن أو ملا شاء ذلك فيتمنع الناس من الدخول
يف اإلسالم."4
ويقول ابن عاشور":إّمنا كان النيب ممس ًكا عن قتلهم َس ًدا لذريعة دخول الشك يف األمان على الداخلني يف
العامة والغائبني عن املدينة ال يَْبلغون
ألن ّ حممدا يقتل أصحابه) َّ اإلسالم كما قال ُلعمر (ال يتحدث الناس أن ً
يشوهوا األعمال النافعة مبا فيها منبعلمهم إىل معرفة حقائق األمور اجلارية باملدينة ,فيستطيع دعاة الفتنة أن ّ
صورة بشيعة عند من ال يعلم احلقيقة ,فلما كثر الداخلون يف اإلسالم واشتهر من أمان املسلمني ما ال شك معه
يف وفاء املسلمني ,وشاع من أمر املنافقني وخيانتهم ما تسامعْته القبائل وحتققه املسلم والكافر ,متحضت املصلحة
يف استئصال شأفتهم ,وانتفت ذريعة تطرق الشك يف أمان املسلمني."1
وجه الداللة يف هذا احلديث أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم التفت إىل مآل الفعل الذي أعرب عنه
"باخلشية" أو "اخلوف" وتعارض عنده أمران:
األول :يفضي إىل مصلحة بتخليص الصف املسلم وتطهريه من املنافقني ,الذين يظهرون الوالء لإلسالم
ويبطنون العداء له.
الثاين :يفضي إىل مفسدة يف املآل من حيث توهني صف املسلمني عن طريق بث اإلشاعات واألراجيف,
وفتح املنافذ لدعاة التشكيك لفتنة الناس عن دينهم وتنفري الناس من الدخول يف اإلسالم.
فأقام رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حكمه باالمتناع عن قتل املشركني من خالل املوازنة بني كفيت املصلحة
املرجوة واملفسدة املرفوضة ,فوجد أن مفسدة املآل أغلب من مصلحته فامتنع عن قتلهم التفاتا منه إىل املآل
الغالب ,وتركا ملصلحة األصل املرجوحة.2
تت :قَالَ ْ
ِ
ك ِيف الْ َك ْعبَة ,قُ ْل ُ ك َكثِ ًريا ,فَ َما َحدَّثَْت َ
ت َعائِ َشةُ تُ ِسُّر إِلَْي َ
الزبَ ِْريَ :كانَ ْ
ال ِيل ابْ ُن ُّ
ال :قَ َ َع ْن ْاألَ ْس َوِد ,قَ َ
ت
ضُ الزبَ ِْري :بِ ُك ْف ٍر لَنَ َق ْ
ال ابْ ُن ُّ
يث َع ْه ُد ُه ْم ,قَ َ ك َح ِد ٌ َّيب صلى اهلل عليه وسلم " :يا َعائِ َشةُ ,لَوَال قَوم ِ
ْ ُْ َ ال النِ ُِّيل :قَ َ
اب خيَُْر ُجو َن ".3 َّاس َوبَ ٌ ت َهلَا بَابَ ْ ِ
اب يَ ْد ُخ ُل الن ُ
ني ,بَ ٌ الْ َك ْعبَةَ ,فَ َج َعْل ُ
فهذا احلديث دليل آخر على النظر النبوي ومراعاته ملآل األفعال والتصرفات ,وقد علل ذلك عليه الصالة
والسالم بأن القوم حديثو عهد بشرك قد ال يستوعبون خطوة اإلقدام على هدم الكعبة فيتسببون يف خلق فنت
ومشاكل للدعوة اإلسالمية الفتية حينها يف مكة.
ويف شرحه على مسلم قال اإلمام النووي" :يف هذا احلديث دليل لقواعد من األحكام منها :إذا تعارضت
املصاحل أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر اجلمع بني فعل املصلحة وترك املفسدة بدئ باألهم ؛ ألن النيب
صلى اهلل عليه وسلم أخب أن نقض الكعبة وردها إىل ما كانت عليه من قواعد إبراهيم صلى اهلل عليه وسلم
مصلحة ,ولكن تعارضه مفسدة أعظم منه ,وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريبا ,وذلك ملا كانوا يعتقدونه من
فضل الكعبة ,فريون تغيريها عظيما ,فرتكها صلى اهلل عليه وسلم .ومنها فكر ويل األمر يف مصاحل رعيته ,
واجتنابه ما خياف منه تولد ضرر عليهم يف دين أو دنيا إال األمور الشرعية كأخذ الزكاة وإقامة احلدود وحنو ذلك"4
.
-1التحرير والتنوير ,حممد الطاهر ابن عاشور ,ج ,15 :ص827 :
-2قواعد املقاصد عند اإلمام الشاطيب -عرضا ودراسة وحتليال ,عبد الرمحن إبراهيم الكيالين ,ص922 :
-3صحيح البخاري ,ج ,1 :ص( ,94 :ح)185 :
-4شرح النووي على مسلم ,حييي بن شرف أبو زكريا النووي ,ج ,9 :ص454 :
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 91
ومن ذلك حديث أنس بن مالك رضي اهلل عنه عن األعرايب الذي بال يف املسجد فقال أصحاب رسول اهلل
حىت بال ,مثَّ صلى اهلل عليه وسلم َ :م ْه َم ْه ؟ قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم " :الَ تُ ْزِرُموهُ َ ,د ُعوهُ" .فرتكوه َّ
إن هذه ال مساجد الَ تصلُح لِ ٍ
شيء ِم ْن َه َذا البَ ْوِل َوال ال َق َذ ِر َْ ُ إن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم دعاه فقال له َ َ َّ " : َّ
رآن أو كما قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم .قال :فأمر الصالةِ ,وقراءةِ ال ُق ِ
ََ ,إنَّ َّما ِه َي لِ ِذ ْك ِر اهللِ َعَّز َو َج َّل ,و َّ
رجالً من القوم ,فجاء بدلو من ماء فشنَّه عليه "1لفظ مسلم.
فلما فرغ قال : َّيب صلى اهلل عليه وسلم جالس ,فصلَّى َّ ايب املسجد والن ُّ ويف رواية أيب هريرة قال " :دخل أعر ُّ
ت َو ِاس ًعا َّيب صلى اهلل عليه وسلم فقال " :لََق ْد َحتَ َّجْر َ أحدا ,فالتفت إليه الن ُّ وحمم ًدا ,وال ترحم معنا ً هم ارمحين َّ اللَّ َّ
َّيب صلى اهلل عليه وسلم " :أ َْه ِري ُقوا َعلَْي ِه َس ْجالً ِم ْن
,فلم يلبث أن بال يف املسجد فأسرع إليه النَّاس ,فقال الن ُّ
َّ ِ
ين َوَملْ تُْب َعثُوا ُم َع ِّس ِر َ
ين." 2 َماء" مثَّ قال " :إمنا بُعثْتُ ْم ُميَ ْسر َ
ووجه الداللة يف هذا احلديث :أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم هناهم عن قطع بول األعرايب خشية أن
تتلوث ثيابه ويصيبه أذى البول ,رغم أن إكماله لبوله ينجس املسجد .3كذلك فإن زرمه وزجره قد يؤدي إىل
تنفريه من اإلسالم ,وملاّ يستقر اإلميان يف قلبه بعد.4
وذهب النووي إىل أن احلديث فيه الرفق باجلاهل وتعليمه ما يلزمه من غري تعنيف وال إيذاء إذا مل يأت
باملخالفة استخفافا أو عنادا وفيه دفع أعظم الضررين باحتمال أخفهما لقوله صلى اهلل عليه وسلم دعوه قال
العلماء كان قوله صلى اهلل عليه وسلم دعوه ملصلحتني إحدامها أنه لو قطع عليه بوله تضرر وأصل التنجيس قد
حصل فكان احتمال زيادته أوىل من إيقاع الضرر به والثانية أن التنجيس قد حصل يف جزء يسري من املسجد فلو
أقاموه يف أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثرية من املسجد.5
فاألولوية اقتضت يف هذا املوقف بناء على مراعاة املآل دفع أكب املفسدتني بارتكاب أخف الضررين وهي
الرفق باألعرايب وتركه مث تطهري النجاسة بإهراق املاء على موضع البول .وباإلضافة إىل ما ذكره اإلمام النوي من
أضرار حمتملة جعلت النيب صلى اهلل عليه وسلم يلجأ إىل الضرر األخف درءا للضرر األكب ,فإن احلديث فيه
إعجاز علمي ,خصوصا وأن العلم احلديث يثبت أن قطع البول بشكل مفاجئ وال إرادي حتت طائل التهديد أو
تأثري فعل قاهر يتسبب يف أمراض على مستوى اجلهاز البويل ,وقد يؤدي إىل االحتباس البويل ,وهذا األمر له
مضاعفات صحية مثل:
-اإلصابة بعدوى القناة البولية لتهيئة ظروف مالئمة لنمو البكترييا .
-متدد عضالت املثانة وفقدان قدرهتا على االنقباض .
-اإلصابة باالضطرابات الكلوية املزمنة .1
وعن أنس بن مالك أن نيب اهلل صلى اهلل عليه وسلم ومعاذ بن جبل رديفه على الرحل قال " :يا معاذ قال
لبيك رسول اهلل وسعديك (قاهلا ثالثا) قال ما من عبد يشهد أن ال إله إال اهلل وأن حممدا عبده ورسوله إال حرمه
اهلل على النار قال يا رسول اهلل أفال أخب هبا الناس فيستبشروا قال إذا يتكلوا."2
فقد خشي النيب صلى اهلل عليه وسلم أن يرتتب على هذا االستبشار اتكال الناس واملماطلة يف العمل,
وعدم اجتهادهم يف العبادة وفعل اخلريات ,وهذا مآل مل يرضه النيب عليه الصالة والسالم ألمته.
هذه بعض األدلة اليت تفيد ضرورة اعتبار مآالت األفعال من خالل إعمال املوازنة بني املصاحل واملفاسد
والنظر يف األولويات اليت ينبغي أن تقدم عند التعارض.
وقد أشار اإلمام الشاطيب إىل أمهية النظر يف املآالت واعتبارها ,حني قال" :النظر يف مآالت األفعال ُم ْعتَبَ ٌر
فعل من األفعال الصادرةِ ود َشْر ًعا ,سواءٌ كانت األفعال موافقةً أو خمالَِفةً ,وذلك أ ّن اجملتهد ال حيكم على ٍ صٌ َم ْق ُ
ٍ
ملصلحة فيه مشروعا عن املكلفني باإلقدام أو باإلحجام إالّ بعد نَظَ ِرهِ إىل ما يؤول إليه ذلك الفعل ,فقد يكون
ً
ب ,أو ملفسدةٍ تُ ْد َرأُ.3"..
تُ ْستَ ْجلَ ُ
إال أن احلديث عن هذه املشروعية ال يتم إال بالنظر وإعمال العقل ,فقد يسيء املرء من حيث يريد أن
حيسن ,وقد يؤدي فعله إىل مفسدة من حيث يريد أن يصلح إما بقصد أو غري قصد منه ,وكل ذلك بسبب سوء
التقدير حلجم املصاحل واملفاسد ,أو لعدم فهمه حلقيقة ما تؤول إليه األفعال ,فهذا جمال يصعب على غري
املتخصص اخلوض فيه دون أن يسقط يف الزلل .لذلك استدرك اإلمام الشاطيب على حديثه السابق بقوله " :ولكن
لكن له مآالً مشروع ملفسدةٍ تنشأ عنه ,أو مصلحة تندفع به ,و َّ ٍ غري ِ
له مآالً على خالف ما قُص َد فيه ,وقد يكون َ
على خالف ذلك ,فإذا أُطْلِ َق القول يف األول باملشروعية ,فرمبا أدى استجالب املصلحة فيه إىل مفسدة تساوي
مانعا من إطالق القول باملشروعية ,وكذلك إذا أُطْلِق القول يف الثاين بعدم املصلحة أو تزيد عليها ,فيكون هذا ً
يصح إطالق القول بعدم املشروعية ,وهو املشروعية ,رمبا أدى استدفاع املفسدة إىل مفسدةٍ تساوي أو تزيد ,فال ُّ
ب ,جا ٍر على مقاصد الشريعة".4 ود الغِ ِّ ب الْ َم ْوِرد ,إال أنه َع ْذ ُ
ب املذاقَْ ,حم ُم ُ ص ْع ُ
جمال للمجتهد َ
ٌ
-1أنظر موقع "الطيب" ,على الرابط التايل ,https://www.altibbi.com :متت زيارته بتاريخ 82 :شتنب 8517
-2شرح النووي على مسلم ,ج ,1 :ص134 :
-3املوافقات ,الشاطيب ,ج ,5 :ص445 :
-4نفسه ,الصفحة نفسها
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 92
ال خيتلف مسلمان يف أن أحكام الشريعة جاءت لتحقيق مصاحل العباد الدنيوية أو مصاحلهم األخروية ,أو
مصاحلهم الدنيوية واألخروية معاً ,لكن الناظر يف هذه األحكام قد حيدث له شيء من الرتدد يف احلسم أو القطع
يف بعض التكاليف الشرعية ,بسبب ما قد يتنازعها من أصل ترك الفعل وما يؤول إليه من حتقيق مصلحة أو
مصاحل ,أو من أصل إتيانه مع ما يؤول إليه من مفسدة أو مفاسد ,فعند هذا الرتدد يظهر الفقيه احلقيقي من
امل ّدعي ,ألن اعتبار مآالت األحكام وما يرتتب عليها من املصاحل واملفاسد أمر ليس هيّنا وال يستطيع أن ينظر فيه
نظرا معتبا إال من كان عارفا بواقع املكلفني وأحواهلم وظروفهم ومستجداهتم ,وراسخا يف العلم ,ويف هذا اإلطار
ب ,جا ٍرود الغِ ِّ ب الْ َم ْوِرد ,إال أنه َع ْذ ُ
ب املذاقَْ ,حم ُم ُ ص ْع ُ
جمال للمجتهد َيفهم قول اإلمام الشاطيب السابق " :وهو ٌ
على مقاصد الشريعة ".
وهذا ما ّقرره ابن القيم -رمحه اهلل – حني قال يف إعالم املوقعني" :القول املفضي إىل املفسدة قسمان:
أحدمها :أن يكون وضعه لإلفضاء إليها ,كشرب املسكر املفضي إىل مفسدة السكر ,وكالقذف املفضي إىل
مفسدة الفرية ,والزنا املفضي إىل اختالط املياه ,وفساد الفراش وحنو ذلك ,فهذه أفعال وأقوال وضعت مفضية هلذه
املفاسد ,وليس هلا ظاهر غريها .والثاين :أن تكون موضوعةً لإلفضاء إىل أمر جائز أو مستحب ,فيُتخذ وسيلة إىل
احملرم ,إما بقصد أو بغري قصد منه.
قاصدا به احلنث ,وحنو قاصدا به الربا ,أو خيالع ً قاصدا به التحليل ,أو يعقد البيع ً فاألول :كمن يعقد النكاح ً
يسب أرباب املشركني بني أظهرهم ,أو يصلي تطوعا بغري سبب يف أوقات النهي ,أو ُّ ذلك .والثاين :كمن يصلي ً
بني يدي القب هلل وحنو ذلك.
مث هذا القسم من الذرائع نوعان:
أحدمها :أن تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته ,والثاين :أن تكون مفسدته راجحة على مصلحته.
فهاهنا أربعة أقسام:
األول :وسيلة موضوعة لإلفضاء إىل املفسدة ,الثاين :وسيلة موضوعة للمباح قُصد هبا التوسل إىل املفسدة,
الثالث :وسيلة موضوعة للمباح ,مل يُقصد هبا التوسل إىل املفسدة ,لكنها مفضية إليها غالبًا ,ومفسدهتا أرجح من
مصلحتها ,الرابع :وسيلة موضوعة للمباح ,وقد تفضي إىل املفسدة ,ومصلحتها أرجح من مفسدهتا"1.
ويندرج حتت فقه املآل بعض القواعد اليت ختدم هذا الباب منها:2
-1درء املفاسد أوىل من جلب املصاحل أو املنافع.
-8عند تعارض مصلحتني يعمل بأعالمها وإن فات أدنامها.
-9إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضررا بارتكاب أخفهما.
وإذا كان فقه األولويات يعلمنا تقدمي الفاضل على املفضول ,فإن فقه املآل يعلمنا أن الفاضل ليس مقدما
أبدا وإمنا هناك حاالت استثنائية حتتم علينا تقدمي املفضول حتقيقا للمصلحة الراجحة ,وأفضل مثال أسوقه هنا هو
ف أَنَّهُ إِ َذا َع ُسَر َع ْق ُد ما ذكره إمام احلرمني يف "غياث األمم" من جواز تقدمي إمامة املفضول حني قالَ " :ال ِخ َال َ
ُويل الْبأْ ِس والنَّج َدةِ ول ,و َذلِ ِ ِ ِِ اإلمام ِة لِْل َف ِ
َّاسَ ,وَمْي ِل أ ِ َ َ ْ ص ْغ ِو الن ِ كلَ ضِ َ َ ني تَ ْقدميَ الْ َم ْف ُ
صلَ َحةُ الْ ُم ْسلم َ ت َم ْ ضْ اض ِلَ ,واقْ تَ َ ِْ َ َ
ت ت ْاألَجنَاد ب َددا ,فَِإذَا َكانَ ِ ت الْ ِمحن ,وَمل َِجن ْد ع َددا ,وتَ َفَّرقَ ِ ت الْ ِفنت ,وثَار ِ اض ِل َال ْشرأَبَّ ِ إِلَي ِه ,ولَو فُِرض تَ ْق ِدمي الْ َف ِ
ْ َُ ً َ ً َ َُ َْ َُ َ َ َ ُ ْ َْ َ
اإلم ِام استِص َالح ْاأل َُّمةِ, ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ص ب ِْ َ ْ ْ ُ
ض م ْن نَ ْ ِ ِّم َال َحمَالَةَ ؛ إِذ الْغََر ُ
ضول ,قُد َ اإليَالَة تَ ْقتَضي تَ ْقدميَ الْ َم ْف ُ ضى ِْ اجةُ ِيف ُم ْقتَ َ احلَ َ
ْ
ِِ اض ِل اختِباطُها وفَسادها ,وِيف تَ ْق ِد ِمي الْم ْفض ِ ِ فَِإذَا َكا َن ِيف تَ ْق ِد ِمي الْ َف ِ
ص َال ُح ني إِيثَ ُار َما فيه َ ول ْارتبَاطُ َها َو َس َد ُاد َها ,تَ َع َّ َ َ ُ ْ َ َ َ َ َُ َ
ف أَنَّه لَو قُد ِ ِ اق أَه ِل ْ ِ ِ ِْ ِ
ض ُلالزَم ِن َم ْن ُه َو أَفْ َ اعةَُ ,ونَ َشأَ ِيف َّ ت لَهُ الطَّ َ َّس َق ْ
ِّم فَاض ٌلَ ,وات َ احلَقي َقةَ ,وَال خ َال َ ُ ْ َ اخلَلي َقة بِاتِّ َف ِ ْ
اإل َم َام ِة لِ ْأل ََّوِل بِالْ َقطْ ِع َو َّ
الرفْ ِع".1 ِمْنهُ ,فَ َال يُْتبَ ُع َع ْق ُد ِْ
فالغرض واملقصد األساس إذن هو صالح األمة ووحدهتا فإذا حتقق هذا األمر مع عقد اإلمامة للمفضول
وانتفى مع الفاضل فجاز أنذاك حتقيقا ملصلحة املسلمني ودرءا للمفاسد والفنت أن يقدم املفضول على الفاضل.
وهذا األمر يف احلقيقة استثناء ,وإال فاألصل هو تقدمي الفاضل وخضوع املسلمني له بالطاعة ومد يد العون.
يكون لدى اإلنسان نظرة مستقبلية حتجمه عن إتيان فعل وبناء على ما سبق يتبني لنا أن اعتبار املآل ّ
مفسدته أكب من مصلحته ,كما يتجلى لنا أن حتديد األولويات وترتيبها ترتيبا شرعيا متبصرا ال يتم إال بالنظر يف
املآالت ,لذلك فإن عالقة "فقه األولويات" ب "فقه املآالت" عالقة وطيدة جدا ,وال ميكن للمشتغل بفقه
األولويات أن يرسم أهدافه بوضوح ,وحيدد مساره أو مسريه بتبصر ,ويبلغ مقاصده السامية على بصرية ,دون
االستضاءة مبراعاة املآل ,فهو الذي يساعده على استشراف املستقبل ويضمن له جناح خطته وحتقيق الثمار املرجوة
من عمله.
المطلب الرابع :عالقة فقه األولويات بفقه الواقع
أوال :تعريف فقه الواقع
أ -لغة:
من َوقع يَقع َوقعا ووقوعا أي :سقط .يقالَ :وقع ِيف يَده سقط ِيف يَده .2قال ابن منظور :وقع القول واحلكم
الس ُق ِ
وط.4 وعُّ :الوقُ ِ ِِ 3
الوقْ َعةُ :املََّرةُ من ُ
ابن األثريَ :
وقال ُ
إذا وجبَ .
والوقوع :ثبوت الشيء وسقوطه .والواقعة ال تقال إال يف الشدة واملكروه ,وأكثر ما جاء يف القرآن من لفظ
وقع جاء يف العذاب والشدائد.5
وقيل :املوضع الذي يقع عليه الشيء ,واجلمع فيه مواقع.6
ب -اصطالحا:
عرفه ابن القيم بقوله" :هو فهم الواقع والفقه فيه ,واستنباط علم حقيقة ما وقع ,بالقرائن واألمارات
والعالمات حىت حييط به علما".1
وعرفه عبد اجمليد النجار بأنه " :األفعال اإلنسانية اليت يراد تنزيل األحكام عليها وتوجيهها حبسبها".2
ويقول القرضاوي هو " :الفقه املبين على دراسة الواقع املعيشي ,دراسة دقيقة مستوعبة لكل جوانب املوضوع
معتمدة على أصلح املعلومات ,وأدق البيانات واإلحصاءات".3
ثانيا :عالقة فقه األولويات بفقه الواقع
قد يبدو من الوهلة األوىل أنه ليس هناك عالقة بني "فقه األولويات" و "فقه الواقع" ,لكن املتأمل يف هذا
اخللل الكبري الذي أصاب ميزان األمة على عدة مستويات ال ميكن إال أن خيرج خبالصة مفادها :إن هذا اخللل
الكبري الذي نشاهده يف واقعنا راجع باألساس إىل غياب فقه الواقع الذي من شأنه أن جييب عن الكثري من
األسئلة امللحة ويعاجل إشكاليات عدة مطروحة بقوة يف واقعنا ,منها :ما الذي ينقص األمة اآلن؟ وكيف ميكن
تدارك النقائص واخلروج من املتاهات اليت أدخلت فيها األمة عب تارخيها؟ وماذا يتوجب علينا فعله يف هذا الزمان؟
ومن أين سنبدأ ,وما الذي ينبغي أن يقدم...؟ وهذا كله ال ينضبط إال مبراعاة ضوابط فقه األولويات.
إن كثرياً من ذوي األلباب شغلتهم أمور ثانوية عن األمور األساسية اليت من شأهنا أن تقدم قيمة مضافة يف
شىت ميادين املعرفة والعلوم اإلنسانية فرتاهم مثال منكبني على حتقيق كتب تراثية ح ّققت وطبعت من قبل ,أو
االشتغال مبوضوعات متجاوزة ال تنفع األمة يف حاضرها وال يف مستقبلها!!
لذلك ينبغي أن ينصب تركيزنا على ما يعود على األمة بالنفع – يف مجيع اجملاالت وخاصة جمال البحث
واإلنتاج العلمي -بدل تضييع األوقات وتشتيت اجلهود يف ما ال طائل من ورائه.
يقول عبد الكرمي بكار " :إن بعض املختصني يفين عمره يف حفظ مسائل وقراءة أبواب ال حيتاج إليها الواقع
املسلم يف شيء ,ولو أنه التفت إىل واقعه ,مث أعمل النظر فيما حيتاج إليه ذلك الواقع ,من فقه ,وفهم ,وتفجري
للنصوص ,وقراءة للتاريخ ,الستطاع عمل الكثري هلذه األمة.
ومن هنا يرى بعض املفكرين أنه ال ميكن تنمية فقه األولويات ,وفقه املوازنات يف وضع حضاري شديد
التعقيد ,إال إذا امتلك املختصون رؤية شاملة ,وعرفوا مواضع أقدامهم ,من خالل معرفة الواقع املعاش والواقع
التارخيي ,ومن خالل االنفتاح على األنشطة احلياتية املختلفة".4
إن الفقيه احلقيقي هو الذي يكون ملما بأسرار واقعه ,عارفا خببايا جمتمعه ,مدركا ألمراضه وعلله .مثله يف
ذلك كمثل الطبيب الذي خيضع املريض لتشخيص دقيق يكشف من خالله سبب مرضه ونوعه ,قبل أن يكتب له
وصفة طبية أو يفكر يف عالجه باستئصال الورم الذي نتج عنه املرض ,ألن الشروع يف العمل إن مل يسبقه
تشخيص وإعمال للنظر فقد يتسبب يف إحلاق الضرر باملريض أو قتله بدال من عالجه وإنقاذه .لذلك فدراسة
الواقع حتتّم على الفقيه املتبصر أن يعمل قواعد فقه األولويات وضوابطه قبل إصدار األحكام املتعلقة بسائر النوازل
واملستجدات اليت تطرأ يف بيئته وواقعه.
وقد كان أبو حنيفة شديد اإلدراك لواقعه وملا يعرتض الناس يف حياهتم من مسائل ونوازل ,حىت قيل عنه" :
كان أبو حنيفة يناظر أصحابه يف املقاييس فينتصفون منه ويعارضونه ,حىت إذا قال استحسن مل يلحقه أحد
منهم ,لكثرة ما يورد يف االستحسان من مسائل فيذعنون مجيعا ويسلمون له".1
ويعلق أبو زهرة على هذا األمر بقوله " :وما ذاك إال إلدراكه لدقيق املسائل ,وصلتها بالناس ومعامالهتم
وأغراضهم ,فإن استحسن فإمنا يأخذ مادته من دراسته ألحواهلم مع دراسات أصول الشرع الشريف ومصادره".2
واحلق أن هذا هو منهج جل األئمة األعالم الذين ارتبطوا بواقعهم ارتباطا وثيقا فنسجوا أحكامهم وفتواهم بناء
على معرفتهم مبعامالت الناس وأغراضهم وأعرافهم.
ومن طرائف تعليالت ابن تيمية اليت تبني فقهه لواقعه وترتيب أولوياته بناء على املصلحة واملفسدة قوله" :
مررت أنا وبعض أصحايب يف زمن التتار بقوم منهم يشربون اخلمر ,فأنكر عليهم من كان معي ,فأنكرت عليه
وقلت له :إمنا حرم اهلل اخلمر ألهنا تصد عن ذكر اهلل وعن الصالة وهؤالء يصدهم اخلمر عن قتل النفوس ,وسيب
الذرية ,وأخذ األموال فدعهم ".3
ويف تعليقه على قول اإلمام ابن تيمية يقول الدكتور يوسف القرضاوي " :وهذا هو الفرق بني الفقيه احلريف أو
ما مسيته فقيه األوراق وبني فقيه احلياة أو فقيه امليدان واملعركة .األول أنكر املنكر الذي رآه دون اعتبار للمقصد
والدافع ,والثاين نظر إىل الواقع يف ضوء املقاصد ,فقال ما قال".4
وسأكتفي هنا مبثالني على فقه الواقع من هدي النيب صلى اهلل عليه وسلم:
ال :أَقْ بل رجل بِنَ ِ ِ ِ
ني َوقَ ْد َجنَ َح اللَّْي ُل ,فَ َوافَ َق ُم َعاذًا اض َح ْ ِ
ي ,قَ َ َ َ َ ُ ٌ - 1روي عن َجابَِر بْ َن َعْبد اللَّه ْاألَنْ َ
صا ِر َّ
ال ِمْنهُ ,فَأَتَى َن ُم َعا ًذا نَ َ ِّس ِاء ,فَانْطَلَ َق َّ
الر ُج ُل َوبَلَغَهُ أ َّ اض َحهُ وأَقْ بَل إِ َىل ُم َع ٍاذ فَ َقرأَ بِس ِ ِ
ورة الْبَ َقَرة أ َْو الن َ
َ َُ َ َ
يصلِّي ,فَتَ رَك نَ ِ
َ َُ
ت أ َْو أَفَاتِ ٌن
َّيب صلى اهلل عليه وسلم " :يَا ُم َعاذُ ,أَفَتَّا ٌن أَنْ َ ال النِ ُّ َّيب صلى اهلل عليه وسلم فَ َش َكا إِلَْي ِه ُم َعاذًا ,فَ َق َالنِ َّ
-1أبو حنيفة :حياته وعصره وفقهه وآراؤه الفقهية ,حممد أبو زهرة ,ص75 :
-2نفسه ,ص75 :
-3إعالم املوقعني عن رب العاملني ,ابن القيم اجلوزية (ت 751 :ه ) ,اعتىن به :أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ,دار ابن اجلوزي
للنشر والتوزيع ,اململكة العربية السعودية ,ط 1489( 1 :ه ) ,ج ,4 :ص945 :
-4فقه الدعوة مالمح وآفاق ,عمر عبيد حسنة ,وقفية الشيخ علي بن عبد اهلل آل ثاين للمعلومات والدراسات (قطر) ,ط,)1452( 1 :
ص122 :
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 96
ثََال َ ِ
ِ
صلِّي َوَراءَ َك الْ َكبريُ اها َواللَّْي ِل إِذَا يَ ْغ َشى فَِإنَّهُ يُ َ ض َح َ س َو ُ َّم ِك َوالش ْ اس َم َربِّ َ ت بِ َسبِّ ِح ْ ث مَرا ٍر ,فَلَ ْوَال َ
صلَّْي َ
اج ِة ".1 احلَ َ
يف َوذُو ْ ِ
َوالضَّع ُ
ِ
يف َوذُو صلِّي َوَراءَ َك الْ َكبِ ُري َوالضَّع ُ والشاهد يف هذا احلديث قول النيب عليه الصالة والسالم " :فَِإنَّهُ يُ َ
يأمهم ,حىت يراعي ظروفهم احل ِ
اجة" .وهو بذلك ينبّه معاذا رضي اهلل عنه إىل استحضار أصناف الناس الذين ّ َْ َ
وأحواهلم وحاجاهتم فال يطيل صالته فيفتنهم .وهذا احلديث يبني ضرورة فقه اإلمام لواقعه مع فقهه لدينه .ومن
ال :إِ ِّينول اللَّ ِه صلى اهلل عليه وسلم فَ َق َ ال" :جاء رجل إِ َىل رس ِ صا ِر ِّ ٍ
ي ,أنه قَ َ َ َ َ ُ ٌ َ ُ ذلك أيضا ما روي عن أَِيب َم ْسعُود األَنْ َ
ب ِيف َم ْو ِعظٍَة ِ ٍ ِ ِ َخر عن ص َالةِ ُّ ِ
َّيب صلى اهلل عليه وسلم َغض َ ت النِ َّ يل بِنَا ,فَ َما َرأَيْ ُ
َج ِل فَُالن ,ممَّا يُط ُ الصْب ِح م ْن أ ْ َألَتَأ َّ ُ َ ْ َ
وجْز ,فَِإ َّن ِم ْن َوَرائِِهال :يا أَيُّها النَّاس ,إِ َّن ِمْن ُكم من ِّف ِرين ,فَأَيُّ ُكم أ ََّم النَّاس فَ ْلي ِ ٍِ ط ,أ َ ِ ِ قَ ُّ
َ ُ ْ ْ َُ َ ُ ب يَ ْوَمئذ ,فَ َق َ َ َ َش َّد ممَّا َغض َ
اج ِة " .2والنيب صلى اهلل عليه وسلم هو القدوة يف هذا – ويف كل شيء -حيث كان احلَ َ
يفَ ,و َذا ْ ِ
الْ َكبِ َريَ ,والضَّع َ
ول اللَّ ِه صلى اهلل عليه س ب ِن مالِ ٍ
ال َر ُس ُ ال :قَ َ ك ,قَ َ فع ْن أَنَ ِ ْ َ خيفف الصالة بسبب بكاء الصيب حىت ال تفنت ّأمهَ .
ِّف ِم ْن ِشدَّةِ َو ْج ِد أ ُِّم ِه بِِه ".3 ُخف ُ يب ,فَأ َالصِ ِّ
َمسَ ُع بُ َكاءَ َّ يد إِطَالَتَ َها ,فَأ ْ وسلم " :إِ ِّين َأل َْد ُخ ُل َّ
الص َال َة ,أُ ِر ُ
ض ِرب ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َ - 8ع ْن َعائِ َشةَ " ,أ َّ
ان َن أَبَا بَ ْك ٍر َرض َي اللَّهُ َعْنهُ َد َخ َل َعلَْي َها َوعْن َد َها َجا ِريَتَان ِيف أَيَّام م َىن تُ َدفِّ َفان َوتَ ْ َ
ال: َّيب صلى اهلل عليه وسلم َع ْن َو ْج ِه ِه ,فَ َق َ ف النِ ُّ
والنَِّيب صلى اهلل عليه وسلم متَ غَ ٍّ ِ
ش بِثَ ْوبِه ,فَانْتَ َهَرُمهَا أَبُو بَ ْك ٍر فَ َك َش َ ُ َ ُّ
ِ ِ ٍ
يب صلى اهلل عليه وسلم يَ ْستُ ُرِين ت النَِّ َّ ت َعائ َشةَُ :رأَيْ ُ ك ْاألَيَّ ُام أَيَّ ُام م ًىنَ ,وقَالَ ْ َد ْع ُه َما يَا أَبَا بَ ْك ٍر ,فَِإن ََّها أَيَّ ُام ِعيد َوتِْل َ
َّيب صلى اهلل عليه وسلمَ :د ْع ُه ْم أ َْمنًا بَِين ال النِ ُّ احلَبَ َش ِة َوُه ْم يَْل َعبُو َن ِيف الْ َم ْس ِج ِد فَ َز َجَرُه ْم ُع َمُر ,فَ َق َ َوأَنَا أَنْظُُر إِ َىل ْ
أ َْرفِ َدةَ يَ ْع ِين ِم َن ْاأل َْم ِن ".4
يتبني لنا حرص أيب بكر الصديق وعمر ابن اخلطاب رضي اهلل عنهما على االلتزام باآلداب يف هذا احلديث ّ
واألخالق ,لكن توجيه النيب الكرمي صلى اهلل عليه وسلم يدعومها إىل الرتيث وعدم تضييق ما وسعه اهلل على
عياله .ففي احلالة األوىل يريد النيب صلى اهلل عليه وسلم أن يبني أليب بكر الصديق رضي اهلل عنه أنه جيوز للنساء
/الفتيات ما ال جيوز لغريهن يف أيام العيد ,كما يبني عليه الصالة والسالم يف احلالة الثانية لعمر ابن اخلطاب
رضي اهلل عنه أنه جيوز للحبشة أن حيتفلوا بلعبهم ويعبوا عن فرحهم بطريقتهم وهم ضيوف بني يدي النيب حىت
حيسوا باألمن .وهذا كله من فقه الواقع الذي كان يرشد إليه صلى اهلل عليه وسلم صحابته الكرام.
ملما بواقعه وعارفا خببايا حميطه ,وقد تشبع صحابة
فهذان املثاالن يبينان لنا كيف كان عليه الصالة والسالم ّ
النيب الكرمي صلى اهلل عليه وسلم هبذه التوجيهات اليت تبني واقعية رسول اهلل عليه الصالة والسالم ورمحته فصاروا
رضي اهلل عنهم على هنجه وهديه .واألمثلة على ذلك كثرية لكن يكفي أن أذكر يف هذا املقام قضية توقيف العمل
حبد السرقة يف خالفة سيدنا عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه حيث أوقفه يف عام اجملاعة ,لكون شروط إقامة احلد
مل تتوفر حىت يقيمه؛ وذلك ألن السرقة يف تلك الظروف الواقعة قد حتدث مظنة اجلوع ,وإذا مل يسرق الضعيف ما
يسد به رمقه هلك موتا .لذلك قال الفاروق رضي اهلل عنه حلاطب بن أيب بلتعة الذي سرق بعض غلمانه ناقة
لرجل مزين :إين أراك جتيعهم .واكتفى بذلك ,وأوقف القطع الذي كان قد أمر كثري بن أيب الصلت بتنفيذه قبل أن
يلتمس هلم عذرا ,وأمر للمزين بثمن ناقته مضاعفا .1وقال رضي اهلل عنه " :ال تُ ْقطَ ُع اليد يف َع ْذق 2وال َع َام
سنَة".3
بناء على ما سبق أقول :إن فقه الواقع هو الذي يساعد اإلنسان على معرفة األولويات اليت حيتاجها الناس
يف بيئة معينة ,ويستحيل أن حيدد املرء أولوياته يف مكان معني دون معرفة ذلك الواقع وخيبه بأعرافه وتقاليده
وقوانينه و طبائع الناس الذين يعيشون فيه وأفكارهم ,وحاجياهتم.
لذلك فإن حتديد األولويات وترتيبها ال ميكن أن يتم إال بعد معرفة مسبقة بالواقع ,فإن لكل واقع أولوياته
كما أنه لكل أولويات واقعها الذي تتنزل فيه بناء على متطلباته وظروفه وحاجيات من يعيش فيه .ومن هنا تتجلى
العالقة الوطيدة ل "فقه األولويات" ب "فقه الواقع" .
خاتمة:
على سبيل اخلتام ميكن لنا التأكيد عل أمهية فقه األولويات يف حياة الفرد املسلم واجلماعة املسلمة يف هذا
تشعبت فيه األمور واالهتمامات وأصبح من الصعب التمييز بني املهم واألهم ,حىت صار الفرد يقدم العصر الذي ّ
املصلحة اخلاصة على املصلحة العامة ,بل ويبيع آخرته بعرض من الدنيا قليل ,لذلك كان ال بد من التذكري هنا
بأمهية فقه األولويات وعالقته بأنواع أخرى من الفقه.
وبعد كل ما ذُكر ميكن أن خنلص إىل اخلالصات والنتائج التالية:
- 1فقه األولويات له أمهية كبرية يف كل مناحي حياة األمة الدينية والثقافية واالجتماعية والسياسية
وتفرقت فيه
واالقتصادية ..وهذا الفقه بإمكانه تنظيم حياة املسلمني يف هذا العصر الذي اختلت فيه كل املوازين ّ
السبل ,ملا له من دور رئيس يف احلفاظ على مقاصد الشريعة املتمثلة يف الضروريات اخلمس.
- 8املوازنة بني املصاحل بعضها وبعض من جهة ,أو بني املفاسد بعضها وبعض من جهة ثانية ,أو بني
املصاحل واملفاسد عند التعارض من جهة ثالثة ,ال ميكن أن يتم إال مبراعاة األولويات ,ففقه األولويات هو الذي
يسمح لنا بتقدمي أعظم املصلحتني بعد الرتجيح بينهما ,و درء أكب املفسدتني بعد معرفة درجة ضررمها ,ودرء
املفاسد قبل جلب املصاحل عند تعارضها.
-1القصة رواها االمام مالك يف املوطأ يف كتاب األقضية .ينظر :املنتقى شرح املوطأ ,أبو الوليد سليمان بن خلف القرطيب الباجي األندلسي
(ت474 :ه ) ,مطبعة السعادة – مصر ,ط 1998 ( 1:ه ) ,ج ,2 :ص24 :
2
الع ْذ ُق :النخلة ,وعام سنة :اجملاعة .إعالم املوقعني ,ابن قيم اجلوزية ,ج 4:ص955:
َ -
-3املرجع السابق ,الصفحة نفسها
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 98
- 9حتديد األولويات وضبط ترتيبها حسب أمهيتها وأحقيتها يتحقق مبجموعة من األمور ,أمهها:
يكون لدى اإلنسان نظرة مستقبلية تساعده على التمييز بني املصاحل
-النظر يف املآالت؛ ألن اعتبار املآل ّ
احلقيقية واملفاسد احلقيقية وهتديه إىل القيام باألعمال اليت تؤول إىل الصالح واخلري.
-معرفة الواقع؛ معرفة دقيقة تسمح بفهم ما يطبعه من أعراف وتقاليد وقوانني ,والوقوف على حاجيات
الناس الذين يتعايشون فيه وطبائعهم وخصوصياهتم وأفكارهم..
- 4أنواع الفقه اليت حتدثنا عنها هنا (األولويات ,املقاصد ,املوازنات ,املآالت ,الواقع) وغريها ,تندرج كلها
ضمن الفقه اإلسالمي العام الذي حافظ على مرونته وحيويته وجتدده وصاحليته لكل زمان ومكان طوال هذه
القرون بفضل رحابته و واقعيته ومشوليته..
أما توصيات البحث فيمكن إمجاهلا يف اآليت:
- 1ضرورة االهتمام بفقه األولويات ,وتدريسه لطلبة العلم منذ مراحل مبكرة حىت يتشبعوا مببادئه
وضوابطه وقواعده ,فينشأوا نشأة سليمة ويعيشوا حياة منظمة.
- 8ضرورة معرفة املسلمني ألولوياهتم يف عالقتهم برهبم ,مث عالقاهتم خبلقه ,وترتيب هذه األولويات
حبسب أمهيتها ,وذلك بتوجيه علماء األمة الناس توجيها مقاصديا سليما ,وإرشادهم من أجل بناء عقول راقية
تنمي أفكارها وترسم خططها وفق ضوابط فقه األولويات.
- 9دعوة الباحثني إىل االهتمام بفقه /علم األولويات واالشتغال عليه تأصيال وتنزيال على جماالت
ختصصاهتم ليس يف جمال العلوم اإلسالمية فحسب ,بل يف جمال العلوم اإلنسانية واالجتماعية أيضا.
- 4الكشف عن عالقة فقه األولويات بأنواع أخرى من الفقه اإلسالمي الذي يزخر مبجموعة من القواعد
اليت من شأهنا إثراء حياة األمة مبا يكشف الغمة.
واهلل من وراء القصد وهو يهدي السبيل واحلمد هلل رب العاملني.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 99 جملة املدونة:
.11البهان يف أصول الفقه ,عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد اجلويين ,أبو املعايل ,ركن الدين,
امللقب بإمام احلرمني (املتوىف472 :ه ) ,حتقيق :صالح بن حممد بن عويضة ,دار الكتب العلمية بريوت – لبنان,
ط 1412( 1:ه 1337 -م).
.18البستاين بطرس ,حميط احمليط ,مكتبة لبنان – بريوت.)1327( ,
.19بني املفكر واملختص ,عبد الكرمي بكار ,مقالة منشورة مبجلة البيان ,تصدر عن املنتدى اإلسالمي,
(رمضان 1411ه /مارس 1331م) ع.97:
الرزاق احلسيين ,أبو الفيض ,املل ّقب مبرتضى,
حممد بن عبد ّ
.14تاج العروس من جواهر القاموس ,حم ّمد بن ّ
الزبيدي( ,ت1855 :ه ) ,حتقيق :جمموعة من احملققني ,دار اهلداية.
َّ
الرزاق احلسيين ,أبو الفيض ,املل ّقب مبرتضى,
حممد بن عبد ّ
حممد بن ّ
.15تاج العروس من جواهر القاموسّ ,
الزبيدي (املتوىف1855 :ه ) ,حتقيق :جمموعة من احملققني ,الناشر :دار اهلداية.
َّ
.12تأصيل األولويات وكيفية حتديدها ,عالء الدين حسني رحال وهنيل علي صاحل ,اجمللة األردنية يف
الدراسات اإلسالمية ,اجمللد الثاين ,العدد(1487 ,)8ه8552/م.
.17تأصيل فقه األولويات وتطبيقاته يف جمال حفظ الدين يف السياسة الشرعية ,حممد مهام عبد الرحيم
ملحم ,مركز البيان للبحوث والدراسات ,ط1492 :ه .
.12تأصيل فقه األولويات ,دراسة مقاصدية حتليلية ,حممد مهام عبد الرحيم ملحم ,دار العلوم ,ط- 1:
.8557
.13التحرير والتنوير ,حممد الطاهر ابن عاشور ,الدار التونسية للنشر – تونس ,ط 1324 :ه .
.85تطور كتابة السرية النبوية ,عمار عبودى حممد حسني نصار ,الثقافية العامة – بغداد ,ط1412( 1:
ه ).
.81تفسري القرآن العظيم ,تفسري القرآن العظيم ,أبو الفداء إمساعيل بن عمر بن كثري القرشي البصري مث
الدمشقي (ت774 :ه ) ,حتقيق :حممد حسني مشس الدين ,دار الكتب العلمية ,منشورات حممد علي بيضون –
بريوت ,ط 1413 ( 1 :ه ).
.88التمهيد – شرح خمتصر األصول من علم األصول ,أبو املنذر حممود بن حممد املنياوي ,املكتبة الشاملة –
مصر ,ط1498( 1 :ه – 8511م).
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 111 جملة املدونة:
.89التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد ,أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الب بن عاصم
النمري القرطيب (ت429 :ه ) ,حتقيق :مصطفى بن أمحد العلوي -حممد عبد الكبري البكري ,وزارة األوقاف
والشؤون اإلسالمية – املغرب 1927 ,ه .
.84التوقيف على مهمات التعاريف ,زين الدين حممد املدعو بعبد الرؤوف بن تاج العارفني بن علي بن زين
العابدين احلدادي مث املناوي القاهري (ت1591 :ه ) ,عامل الكتب -القاهرة ,ط1415( ,1:ه 1335-م).
.85جامع األصول يف أحاديث الرسول ,جمد الدين أبو السعادات املبارك بن حممد بن حممد بن حممد ابن
عبد الكرمي الشيباين اجلزري ابن األثري (ت 252 :ه ) ,حتقيق :عبد القادر األرنؤوط ,مكتبة احللواين -مطبعة
املالح -مكتبة دار البيان ,ط .1 :
.82جامع الرتمذي ,حممد بن عيسى الرتمذي (ت852:ه ) ,حتقيق :أمحد حممد شاكر وآخرون ,دار إحياء
الرتاث العريب (بريوت) ,ط( ,1:د.ت).
.87اجلامع ألحكام القرآن ,أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن أيب بكر بن فرح األنصاري اخلزرجي مشس الدين
القرطيب (ت271 :ه ) ,حتقيق :أمحد البدوين وإبراهيم أطفيش ,دار الكتب املصرية -القاهرة ,ط1924( ,8:ه
1324 -م).
.82اجلامع ألحكام القرآن ,مشس الدين القرطيب (ت271 :ه ) ,حتقيق :أمحد البدوين وإبراهيم أطفيش ,دار
الكتب املصرية – القاهرة ,ط1924( ,8 :ه 1324 -م).
.83حاشية العطار ,حسن بن حممد بن حممود العطار الشافعي (ت1855 :ه ) ,دار الكتب العلمية,
(د.ط د.ت).
.95خالفة اإلنسان بني الوحي والعقل ,عبد اجمليد النجار ,املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ,ط,8 :
(1419ه 1339-م).
.91درر احلكام شرح جملة األحكام ,علي حيدر ,تعريب فهمي احلسيين ,دار عامل الكتب.)8559( ,
.98روضة الناظر وجنة املناظر يف أصول الفقه على مذهب اإلمام أمحد بن حنبل ,أبو حممد موفق الدين عبد
اهلل بن أمحد بن حممد بن قدامة املقدسي مث الدمشقي احلنبلي ,الشهري بابن قدامة املقدسي (املتوىف285 :ه ),
مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع ,ط1489( ,8:ه 8558-م).
.99سنن أيب داود ,أبو داود السجستاين (ت875:ه ) ,حتقيق :حممد حميي الدين عبد احلميد ,دار الفكر
سوريا ,ط( 1 :د.ت) .
.94السنن الكبى للبيهقي (ت ,)452:حتقيق :حممد عبد القادر عطا ,مكتبة دار الباز – مكة ,ط.1 :
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 112
.95شرح التلويح على التوضيح ,التفتازاين ,مكتبة صبيح مبصر( ,د .ط ,د .ت).
.92شرح النووي على مسلم ,حييي بن شرف أبو زكريا النووي ,دار اخلري ,ط1412( :ه 1332 /م).
.97شرح خمتصر الروضة ,سليمان بن عبد القوي بن الكرمي جنم الدين الطويف (ت 712 :ه ) ,حتقيق :عبد
اهلل بن عبد احملسن الرتكي ,مؤسسة الرسالة,ط 1457( , 1:ه 1327 /م).
.92صحيح ابن حبان ,أبو حامت بن حبان (ت954:ه ) ,حتقيق :شعيب األرنؤوط ,مؤسسة الرسالة –
بريوت ,ط( ,8 :د.ت).
.93صحيح ابن خزمية ,ابن خزمية (ت911:ه ) ,حتقيق :حممد مصطفى األعظمي ,املكتب اإلسالمي
بريوت ,ط( 1 :د.ت).
.45صحيح البخاري , ,حممد بن إمساعيل البخاري (ت852:ه ) ,حتقيق :مصطفى ديب البغا ,دار ابن
كثري ,اليمامة( ,بريوت) ,ط( 9:د.ت).
.41صحيح مسلم ,مسلم بن احلجاج (ت821:ه ) ,حتقيق :حممد فؤاد عبد الباقي ,دار إحياء الرتاث
العريب بريوت ,ط(1:د.ت).
.48العقد الفريد ,شهاب الدين أمحد ابن عبد ربه األندلسي (982ه ) ,دار الكتب العلمية بريوت ,ط1 :
(1454ه ).
.49غياث األمم يف التياث الظلم ,عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف بن حممد اجلويين ,أبو املعايل( ,ت:
472ه ) ,حتقيق :عبد العظيم الديب ,مكتبة إمام احلرمني ,ط1451 (,8 :ه ).
.44فتح الوهاب بشرح منهج الطالب ,زكريا بن حممد بن أمحد بن زكريا األنصاري ,زين الدين أبو حي
السنيكي (املتوىف382 :ه ) ,دار الفكر للطباعة والنشر ,ط1414( :ه 1334/م).
الز َحْيلِ ّي ,دار الفكر ,ط.4:
اإلسالمي وأدلَّتُهَُ ,وْهبَة ُّ
ُّ
ِ
.45الف ْقهُ
.42فقه األولويات -دراسة يف الضوابط ,حممد الوكيلي ,املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ,ط.)1337( 1 :
.47فقه االولويات دراسة يف ضوء الكتاب والسنة ,يوسف القرضاوي ,مكتبة وهبة ,القاهرة ,ط,8:
(.)1332
.42فقه الدعوة مالمح وآفاق ,عمر عبيد حسنة ,وقفية الشيخ علي بن عبد اهلل آل ثاين للمعلومات
والدراسات (قطر) ,ط.)1452( 1 :
.43فقه املوازنات بني النظرية والتطبيق ,ناجي ابراهيم السويد دار الكتب العلمية – بريوت ,ط,1 :
(1489ه 8558 -م).
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 113 جملة املدونة:
.55فقه مراتب األعمال ,سعد الدين العثماين ,جملة البيان ,العدد ( ,37رمضان 1412 -ه ).
.51الفوائد ,ابن قيم اجلوزية ,دار الكتب العلمية – بريوت ,ط 1939( 8:ه 1379 -م).
.58يف فقه األولويات ,دراسة جديدة يف ضوء القرآن والسنة ,يوسف القرضاوي ,مكتبة وهبة
(ط1332/8:م).
.59القاموس احمليط ,جمد الدين الفريوز آبدي ,دار الكتب العلمية بريوت ,ط.)1335( 1:
.54قواعد األحكام يف مصاحل األنام ,أبو حممد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم السلمي ,دار الكتب
العلمية – بريوت.
.55القواعد الفقهية املنظومة وشرحها ,عبد الرمحن بن ناصر السعدي ,وزارة األوقاف بالكويت ,ط1:
(.)8557
.52قواعد املقاصد عند اإلمام الشاطيب -عرضا ودراسة وحتليال ,عبد الرمحن إبراهيم الكيالين ,املعهد العاملي
للفكر اإلسالمي ,دار الفكر دمشق ,ط.)8555 -1481( 1 :
.57لسان العرب ,حممد بن مكرم بن على ,أبو الفضل ,مجال الدين ابن منظور األنصاري الرويفعي اإلفريقي
(ت711 :ه ) ,دار صادر – بريوت ,ط 1414( 9 :ه ).
.52جممل اللغة ,أمحد بن فارس بن زكرياء القزويين الرازي( ,ت935 :ه ) ,دراسة وحتقيق :زهري عبد احملسن
سلطان ,مؤسسة الرسالة – بريوت ,ط 1452(, 8 :ه 1322 -م).
.53جمموع الفتاوى ,أبو العباس أمحد عبد احلليم ابن تيمية احلراين ,جممع امللك فهد ,ط ( .)1335وطبعة
مكتبة بن تيمية بتحقيق :عبد الرمحن حممد قاسم العاصمي النجدي.
.25احملصول ,أبو عبد اهلل حممد بن عمر بن احلسن بن احلسني التيمي الرازي امللقب بفخر الدين الرازي
(املتوىف252 :ه ) ,دراسة وحتقيق :طه جابر فياض العلواين ,مؤسسة الرسالة,ط 1412( 9:ه 1337 -م).
.21خمتار الصحاح ,زين الدين أبو عبد اهلل حممد بن أيب بكر الرازي (ت222 :ه ) ,حتقيق :يوسف الشيخ
حممد ,املكتبة العصرية -الدار النموذجية ,بريوت – صيدا ,ط1485( ,5:ه 1333 /م).
.28املستدرك على الصحيحني ,احلاكم النيسابوري (455ه ) ,دار الكتب العلمية بريوت ,ط( 1:د.ت).
.29مسند إسحاق بن راهويه ,إسحاق بن راهويه (ت892:ه ) ,حتقيق :عبد الغفور عبد احلق حسني بر
البلوشي ,مكتبة اإلميان – املدينة املنورة ,ط.1 :
.24مسند احلميدي ,عبد اهلل بن الزبري احلميدي (ت ,)813 :حتقيق :حبيب الرمحن األعظمي وحسني
سليم أسد ,دار عامل الكتب بريوت ,ط( 1:د.ت).
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 114
.25املصباح املنري ,أمحد بن حممد بن علي الفيومي مث احلموي ,أبو العباس (ت :حنو 775ه) ,املكتبة
العلمية – بريوت.
.22املصطلح األصويل عند الشاطيب ,فريد األنصاري ,معهد الدراسات املصطلحية واملعهد العاملي لفكر
اإلسالمي ,ط1484( 1 :ه 8554-م).
صري املعتزيل (املتوىف492 :ه ) ,حتقيق:
.27املعتمد يف أصول الفقه ,حممد بن علي الطيب أبو احلسني البَ ْ
خليل امليس ,دار الكتب العلمية – بريوت ,ط1459 :ه.
.22املعجم الوسيط ,جممع اللغة العربية بالقاهرة( ,إبراهيم مصطفى /أمحد الزيات /حامد عبد القادر /
حممد النجار) ,دار الدعوة.
.23معجم مقاييس اللغة ,أمحد بن فارس بن زكرياء القزويين الرازي ,أبو احلسني (ت935 :ه ) ,حتقيق :عبد
السالم حممد هارون ,دار الفكر1933 ( ,ه 1373 -م).
.75مقاصد الشريعة اإلسالمية ومكارمها ,عالل الفاسي ,مكتبة الوحدة العربية ,الدار البيضاء (د.ت).
.71مقاصد الشريعة اإلسالمية ,حممد الطاهر ابن عاشور ,دار سحنون (تونس) و دار السالم ,ط( ,4 :
1495ه .)8553 -
.78مقاصد املقاصد ,أمحد الريسوين ,الشبكة العربية لألحباث والنشر ,ط.)8514( 8:
.79املنتقى شرح املوطأ ,أبو الوليد سليمان بن خلف القرطيب الباجي األندلسي (ت474 :ه ) ,مطبعة
السعادة – مصر ,ط 1998 ( 1:ه ).
.74املنثور يف القواعد ,أبو عبد اهلل حممد الزركشي ,حتقيق :تيسري احملمود ,نشر مؤسسة الفليج ,ط1:
(.)1328
.75املوافقات :االمام الشاطيب ,حتقيق :مشهور بن حسن آل سلمان ,دار ابن عفان ,ط1417 ( ,1 :ه /
1337م) .وطبعة مؤسسة الرسالة ناشرون ,بتحقيق حممد مرايب ,ط .)8519( 1:وطبعة دار املعرفة ,بريوت
بتحقيق :عبد اهلل دراز.
.72نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب ,أمحد الريسوين ,املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ,دار األمان الرباط,
ط1495( 9 :ه 8553/م).
الشافعي( ,املتوىف:
ّ .77هناية السول شرح منهاج الوصول ,عبد الرحيم بن احلسن بن علي اإلسنوي
778ه ) ,دار الكتب العلمية -بريوت-لبنان ,ط1485( 1:ه 1333 -م).
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 115 جملة املدونة:
مقدمة:
إن الشريعة اإلسالمية بأصوهلا وفروعها؛ ما جاءت إال جللب مصاحل العباد ودرء املفاسد عنهم .فعلّة تشريع
شرع مهما يكن عليه ذلك املقصد من درجة الظهور كل حكم شرعي هي حتقيق مقصده الذي من أجله ّ ّ
واخلفاء ,مث إن أفعال املكلف قد تتطابق وعلة التشريع ,وقد ختالفها ,وإىل هذا أشار الدكتور حممد كمال يف قوله:
"إن أفعال املكلفني قد تتطابق مع مقصود الشرع فتجري على سنن أحكامه اجلزئية ,وحيكمها خطابه التفصيلي.
وقد ال تتطابق مع مقصود الشرع ,بل هي تناقض مقاصده وتتباعد املسافة بينها وبني غاياته وأهدافه".1
فأي فعل إنساين يقع يف دنيا الناس جمردا عن نتائجه ,منفصال عما يفضي إليه من مصاحل ومفاسد فإنه
يفضي إىل نتائج مناقضة ملقاصد الشارع.
وهنا تكمن أمهية موضوع "اعتبار املآالت" إذ أنه من القواعد التشريعية املهمة ,اليت هتدف إىل "حتقيق موافقة
األفعال يف الظاهر والباطن ,واحلال واملآل ,للمقاصد والغايات اليت قصدها الشارع ,وإىل استجالب املصاحل ورفع
املشاق عن املكلفني ,والوقاية من مناقضة املقاصد اليت رعاها الشارع عند تطبيق األحكام وذلك بالعمل على
التوافق بني مقاصد التشريع وبني التطبيق".2
فبهذا يكون على اجملتهد كما بني ذلك الدكتور أمحد الريسوين-3حني جيتهد وحيكم ويفيت -أن يقدر مآالت
األفعال اليت هي حمل حكمه وإفتائه ,وأن يقدر عواقب حكمه وفتواه ,وأال يعتب أن مهمته تنحصر يف "إعطاء
احلكم الشرعي" .بل مهمته أن حيكم يف الفعل وهو يستحضر مآله أو مآالته ,وأن يصدر احلكم وهو ناظر إىل
أثره أو آثاره .فإذا مل يفعل ,فهو إما قاصر عن درجة االجتهاد أو مقصر فيها.
1مآالت األفعال يف املصطلح املقاصدي ,حممد كمال الدين إمام ,مؤسسة الفرقان للرتاث اإلسالمي ,مركز دراسات مقاصد الشريعة
اإلسالمية ,ط511051م ,ص.51
2اعتبارا مآالت األفعال وأثرها الفقهي ,وليد بن علي احلسني ,دار التدمرية-الرياض ,ط1001 ,1م.3/5 ,
3نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب ,أمحد الريسوين ,الدار العاملية للكتاب اإلسالمي ,ط 5111 ,1م ,ص .414
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 116
وتزداد أمهية هذا األصل بالنسبة للمفيت الناظر يف أحكام املسلمني ببالد املهجر ,إذ أن مقامهم بدار غري
دار اإلسالم جيعلهم يقعون يف كثري من املسائل اليت حتتاج مراعات املآالت وإال وقع املسلمون هناك يف احلرج
الكبري .ومن هنا كان التفكري يف إبراز أمهية اعتبار مآالت األفعال يف تنزيل األحكام بديار املهجر.
.1إشكاالت البحث:
ميكن تلخيص أهم إشكاالت البحث يف مسألتني اثنتني:
التنزيل احلريف لألحكام فيما يتعلق بالنوازل املستجدة بديار املهجر ,من غري فقه أو دراية بالواقع ,وال اعتبار
للمآالت ,مما جيعل املسلمني يقعون يف املشقة واحلرج.
التساهل يف استصدار كثري من األحكام حتت ذريعة اعتبار املآل ,مما جيعل فعل املكلف خمالفا للمقاصد
والغايات اليت قصدها الشارع.
يعد كتاب املوافقات لإلمام الشاطيب ,اللبنة األوىل يف التأصيل ألصل اعتبار املآل ,واملنطلق األساس جلل
البحوث اليت أجنزت يف املوضوع ,واليت عمد أصحاهبا إما إىل الدراسة النظرية هلذا األصل تارة ,وإما إىل املزج بني
التنظري والتطبيق تارة أخرى .إال أن جانب التطبيق مل حيظ بالعناية الالزمة اليت تناسب أمهية اعتبار املآل .ومن بني
البحوث املتميزة نذكر:
"نظرية التعسف يف استعمال احلق" و"النظريات الفقهية" للدكتور فتحي الدريين.
"مآالت األفعال وأثرها يف تغيري األحكام" ,للدكتور حسني بن سامل الذهب.
"أصل اعتبار املآل بني النظرية والتطبيق" ,للدكتور عمر جدية ,الذي زاوج فيه بني دراسة مفهوم
أصل اعتبار املآل وقواعده ,وبني التطبيق على بعض األحكام الطبية املعاصرة ,وبعض القضايا االجتماعية
والسياسية.
الدراسة الدقيقة واملهمة للدكتور عبد الرمحن بن معمر السنوسي ,يف كتابه "اعتبار املآالت ومراعاة
نتائج التصرفات".
"اعتبار مآالت األفعال وأثرها الفقهي" ,للدكتور وليد بن علي احلسني واليت تقع يف جملدين.
"مبدأ اعتبار املآل يف البحث الفقهي" للدكتور يوسف بن عبد اهلل محيتو .واليت عمد فيها بعد
الدراسة النظرية ألصل اعتبار املآل إىل الدراسة التطبيقية يف فتاوى املعامالت يف االجتهاد املالكي.
واملالحظ يف ما وقفت عليه يف هذه الدراسات وغريها ,غياب اجلانب التطبيقي هلذا األصل يف أحكام
األقليات املسلمة بديار املهجر ,وهذا ما دفعين إجناز هذه الدراسة املختصرة.
.5خطة البحث:
قسمت هذه الدراسة إىل قسمني اثنني وخامتة.
أما القسم األول :فضمنته ثالثة مباحث نظرية ألصل اعتبار املآل ,تناولت يف املبحث األول التعريف
بعناصر العنوان (املآل –املهجر) يف اللغة واالصطالح ,أما املبحث الثاين فخصصته ملشروعية هذا األصل من
القرآن الكرمي وسنة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ,وفقه الصحابة مث األدلة العقلية .أما املبحث الثالث؛ فبينت
فيه أمهية اعتبار املآل يف عملية تنزيل احلكم ,مث عالقة هذا األصل بفقه األقليات املسلمة.
القسم الثاين :خصصته للدراسة التطبيقية ,حيث عمدت إىل إبراز أمهية أصل اعتبار املآل يف فقه األقليات
املسلمة ,واخرتت لذلك الدراسة التطبيقية حلكم إعطاء الزكاة للمراكز اإلسالمية بديار املهجر ,تناولت خالهلا
أدلة اجملزين وأدلة املانعني ,مث رجحت القول بناء على اعتبار املآل يف املسألة.
اخلامتة :ختمت فيها البحث مبجموعة من النتائج والتوصيات.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 118
وخالصة القول؛ أن املآل يف اللغة هو املرجع ,والعاقبة ,واملصري ,سواء كان ذلك إىل ما ابتدأ به األمر ,أو إىل
ما انتهى إليه .وهو ما خلصه الدكتور حممد كمال بقوله" :ولعل السلك الناظم بينها َك ْوُهنا تعب عما يصري إليه
األمر بني البداية والنهاية؛ البداية باعتبارها حركة معلومة ,والنهاية باعتبارها نتيجة مرتقبة".1
الفرل الثاني :المآل اصطالحا.
ال تكاد تظفر عن املدلول االصطالحي للمآل يف كتب القدامى .وقد عزا ذلك بعض املتأخرين إىل مسألتني
اثنتني:
المسألة األولى :ذكر البعض أن السبب راجع إىل قرب التعريف االصطالحي من مدلوله اللفظي حال
الرتكيب مع غريه. 2
المسألة الثانية :كون املعىن االصطالحي ملفهوم املآل ميكن استنتاجه من املعىن اللغوي.
فإذا كان املفهوم اللغوي للمآل يفيد العاقبة ,فإن املراد باملآل اصطالحا" :رجوع الفعل إىل حال ينتهي إليها
من صالح أو فساد" ,3أو بطريقة أقل تعقيدا" :اآلثار املرتتبة على الشيء".4
الفرل الثالث :اعتبار المآل لقبا.
يكاد جيمع الباحثون املعاصرون يف أصل املآل ,أنه مل يتم تعريف املصطلح عند األصوليني ,باستثناء الشاطيب
الذي ذكره وفصل فيه .ويرجعون ذلك إىل سببني اثنني أمجلهما الدكتور وليد بن علي احلسني يف قوله:
*السبب األول" :أن مآالت األفعال قاعدة مقاصدية ,ومل يذكر األصوليون قواعد املقاصد يف كتب أصول
الفقه عدا اإلشارات اليسرية".5
*السبب الثاني" :أن األصوليني ذكروا القواعد األصولية املبنية على النظر يف مآالت األفعال ,وهي متثل
اجلانب التطبيقي للقاعدة ,فكان اشتغاهلم بتقرير هذه القواعد التشريعية ,كاملصاحل ,وسد الذرائع وفتحها ,ومراعاة
اخلالف واالستحسان وغريها ,دون النظر إىل القاعدة الكلية اليت جتمع هذه القواعد برابط واحد ,ولذلك مل حيظ
مصطلح املآالت بعناية األصوليني بذكره وبيانه".6
وميكن اعتبار حتليلهم صحيحا باعتبار واحد فقط ,وهو مدارسة املصطلح شكال بلفظ مآالت األفعال,
فالشاطيب فعال هو أول من استعمل املصطلح هبذا اللفظ .أما إذا ما تناولنا مصطلح املآل من ناحية املضمون
واملعىن فيكون قوهلم جمانبا للصواب ,وهذا ما أكده بعض الباحثني املعاصرين ومنهم الدكتور عمر جدية ,1وكذا
الدكتور حممد كمال الدين إمام.2
ومما يدل على ذلك؛ أن لفظ املآل باعتباره مصطلحا أصوليا ,تواترت كتب املذاهب على استخدامه منذ
القرن الثاين اهلجري .ففي كتب األحناف؛ جند حضورا ملصطلح اعتبار املآل ,ومن ذلك ما ورد عند السرخسي
(ت 435ه ) يف مبسوطه ,أو أصوله ,فمثال يقول" :ينعقد العقد موجبا حكمه يف حمل يقبله وهو العبد وال ينعقد
موجبا للحكم يف حمل ال يقبله وهو اخلمر حىت ال ميلك اخلمر وإن قبضه حبكم العقد خبالف البيع بامليتة والدم
فإنه ال مالية يف امليتة والدم باعتبار احلال وال باعتبار املآل" ,3ويقول " :واالستيفاء تسليم الرهن إىل املرهتن
استحفاظا له يف احلال ,وقضاء لدينه باعتبار املآل" ,4بل إنه يصوغ قاعدة تقول(( :يعتب يف اجلنايات مآهلا)).5
ومثل ذلك ,جنده عند المالكية؛ إذ يعلق ابن رشد (ت 535ه ) يف بداية اجملتهد وهناية املقتصد على
اختالف الفقهاء يف بيع الربوي الرطب جبنسه من اليابس مع التماثل قائال" :وسبب اخلالف معارضة ظاهر
حديث عبادة وغريه له ,واختالفهم يف تصحيحه ,وذلك أن حديث عبادة اشرتط اجلواز املماثلة واملساواة ,وهذا
يقتضي بظاهره حال العقد ال حال املآل".6
وكذلك املثل عند الشافعية ،فقد صاغ الشافعي نفسه يف كتاب "األم" قاعدة يف املآل(( :ما كان ذريعة إىل
منع ما أحل اهلل مل حيل ,وكذلك ما كان ذريعة إىل ما حرم اهلل تعاىل)) ,7مث استمر األمر على ذلك عند املتأخرين
من أعالم الشافعية كفخر الدين الرازي (ت 252ه ) ,حيث قال يف احملصول" :فإذا هنانا اهلل عن بعض
االنتفاعات علمنا أنه سبحانه وتعاىل إمنا منعها لعلمه باستلزامها للمضار إما يف احلال وإما يف املآل".8
ومل يكن احلنابلة يف هذا الباب نشوزا؛ بل كانوا يراعون املآل أيضا؛ وهذا ما يلحظه كل قارئ للرتاث الفقهي
البن قدامة ,وابن تيمية يف الفتاوى ,وابن القيم يف إعالم املوقعني ..ومن ذلك ما يقوله ابن قدامة (ت285 :ه )
وهو يعرض للمصاحل املرسلة وأقسامها بقوله" :أحدها ما يقع يف مرتبة احلاجات ,كتسليط املوىل على تزويج
الصغرية :فذلك ال ضرورة إليه لكنه حمتاج إليه لتحصيل الكفء خيفة الفوات ,استقباال للصالح املنتظر يف
املآل".9
1أصل اعتبار املآل بني النظرية والتطبيق ,عمر جدية ,دار ابن حزم ,ط1050 ,5م ,ص 13وما بعدها.
2مآالت األفعال يف املصطلح املقاصدي ,ص 53وما بعدها.
3أصول السرخسي ,دار املعرفة – بريوت.15/5 ,
4املبسوط للسرخسي ,دار املعرفة – بريوت ,ط 5114م.11/15 ,
5نفسه.538/13 ,
6بداية اجملتهد وهناية املقتصد ,ابن رشد احلفيد ,دار احلديث – القاهرة ,ط 1003م.518/4 ,
7األم للشافعي ,دار املعرفة – بريوت ,ط 5110م.15/3 ,
8احملصول ,فخر الدين الرازي ,دراسة وحتقيق طه جابر العلواين ,مؤسسة الرسالة ,ط5110 ,4م.501/3 ,
9روضة الناظر وجنة املناظر يف أصول الفقه على مذهب اإلمام أمحد بن حنبل ,ابن قدامة املقدسي ,مؤسسة الريّان للطباعة والنشر والتوزيع,
ط 1001 ,1م.301/5 ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 111 جملة املدونة:
خالصة القول :أنه وبالرغم من عدم وجود تعريف اصطالحي دقيق ألصل "اعتبار املآل" عند املتقدمني من
الفقهاء واألصوليني ,إال أهنم كانوا يعملون مبضمونه ومعناه ضمن اجتهاداهتم ,بل أهنم وظفوه ضمن قواعد وأصول
حتمل عناوين أخرى من مثل :سد الذرائع ,واالستحسان ,واحليل ,وغريها من القواعد الفقهية ,فكلّها تندرج من
حيث املعىن يف مدلول مآالت األفعال على وجه العموم .حىت جاء اإلمام الشاطيب رمحه اهلل" ,الذي يعود إليه
الفضل يف إنضاج املفهوم ,وحترير مباحثه ,واعتماده قاعدة أصولية تقوم على كون الشرائع إمنا جاءت ملصلحة
اإلنسان ,ويف ضوء هذه املصاحل يعرف مكان النص يف التطبيق العملي حيث ال يتنزل حكم النص بعيدا عن مآل
الفعل ,ويف هذا السياق أصبح اعتبار املآل أصال" .1وبالرغم من هذا كله لن جند عند الشاطيب حدا جامعا مانعا
ملفهوم اعتبار املآل ,ولذلك فإن املعاصرين من الباحثني حاولوا وضع حد وتعريف شامل هلذا األصل انطالقا مما
أصله الشاطيب ,فتعددت تعاريفهم العتبار املآل ومن مجلتها:
تعريف فريد األنصاري رمحه اهلل " :املآل أصل كلي يقتضي اعتباره تنزيل احلكم على الفعل مبا يناسب
عاقبته املتوقعة استقباال".2
تعريف فتحي الدريني" :وأصل النظر يف املآل ,إمنا يعين أن يعمل اجملتهد وهو بسبيل تطبيق القواعد
واألقيسة النظرية يف مواجهة الواقع بظروفه ,أو أن يعمل املكلف فيما هو بسبيله من ممارسة حق أو إباحة ,على
حتقيق املواءمة بني ما يقتضيه الواقع ومقتضيات مقاصد التشريع ,حبيث ال تقع املناقضة بينهما من حيث القصد
أو املآل" .3مبعىن أن نتائج التطبيق عند اجملتهد ,ومآل ممارسة احلقوق واإلباحات عند املكلف ,إمنا هو جتسيد ملا
رسم هلا شرعا من غايات ,باعتبار أن تلك الغايات مقاصد أو مصاحل قصد الشارع أن تتحقق عن طريق تشريعه,
وبالتايل وجب تفادي التسبب يف املآل املمنوع ,أو مناقضة مقصد الشارع يف املصلحة والعدل ,ولو كان التسبب
4
يف أصل تشريعه ممنوعا.
تعريف عبد الرحمن السنوسي" :حتقيق مناط احلكم بالنظر يف االقتضاء التبعي الذي يكون عليه عند تنزيله
من حيث حصول مقصده ,والبناء على ما يستدعيه ذلك االقتضاء".5
وقد استفاض املعاصرون يف تعريف اعتبار املآل ,وبتدقيق النظر فيها جندها أهنا ألفاظها ومعانيها تتحد,
لتفيد تنزيل األحكام مبا يوافق مقاصد الشريعة ,ونذكر من تلك التعاريف:
تعريف حسين الذهب" :أن يتحرى اجملتهد أفعال املكلفني حبيث ال حيكم عليها باملشروعية أو عدمها –
بغض النظر عن حكمها األصلي -حىت ينظر إىل ما يرتتب عليها من نتائج واقعة أو متوقعة ,يكون احلكم
الشرعي التطبيقي على وفقها من حيث املضادة أو املوافقة ملقاصد التشريع اإلسالمي" .وعرفه أيضا" :تكييف
الفعل باملشروعية أو عدمها يف ضوء نتيجته املرتتبة عليه وفق سنن التشريع".1
تعريف محمد عثمان شبير" :التثبت من إحلاق احلكم الشرعي بالواقعة النازلة ال يفضي إىل عواقب
وتداعيات مستقبلية تناقض مقاصد الشارع املغياة من التشريع".2
تعريف بشير جحيش " :فإن التحقيق يف مآالت التطبيق يراد به :التحقق والتثبت مما يسفر عنه تنزيل
احلكم الشرعي على األفعال من نتائج مصلحية أو ضررية تسهم يف تكييف احلكم املراد سياسة الواقع به". 3
4
تعريف وليد بن علي الحسين" :االعتداد مبا تفضي إليه األحكام عند تطبيقها مبا يوافق مقاصد التشريع"
ويبقى تعريف الدكتور فريد األنصاري رمحه اهلل من أدق التعاريف العتبار املآل ,إذ يشري يف تعريفه إىل كون
املآل "أصال كليا" ,أي أنه دليل حاكم بإطالق .فهو ينتظم جمموعة من القواعد االستداللية 5اليت تشكل
مبجموعها كليته .وكون (اعتباره يقتضي احلكم على الفعل مبا يناسب عاقبته املتوقعة استقباال) ,أي أن اجملتهد
يكيف الفتوى مبقتضاه ,على وفق ما قد يصري إليه –غالبا -حال الفعل بعد وقوعه .فهو ضرب من االستبصار
الرامي إىل تصور مستقبل الفعل ,الذي يغلب على الظن أنه سيصري إليه ,بناء على اعتبار حال الزمان وأهله.
المطلب الثاني :تعريف ال َام ْه َجر.
الم ْه َج ُر لغة.
الفرل األولَ :
امل ْه َجُر لغة اسم مفعول لفعل هجر.
َ
وأصل الفعل [هجر] يف اللغة يفيد معان عدة ,من بينها:
أ .الترك واالغفال ،وضده الوصل.
وه ِجَر
التقاطعُ .
ُ هاجُر: ِ ِ
قال اجلوهري" :اهلَ ْجُر :ضد الوصل .وقد َه َجَرهُ َه ْجراً وه ْجراناً .واالسم اهل ْجَرةُ ...والتَ ُ
أي تُ ِرَك" .6ومنه كما قال صاحب اللسان" :حديث أيب الدرداء ,رضي اهلل عنه" :وال يسمعون القرآن إال
8
هجرا"7؛ يريد الرتك له واإلعراض عنه .يقال :هجرت الشيء هجرا إذا تركته وأغفلته"
1مآالت األفعال وأثرها يف تغيري األحكام ,حسني الذهب ,أصلها رسالة ماسرت من اجلامعة األردنية ,حتت إشراف الدكتور فتحي الدريين,
ص.51
2التكييف الفقهي للوقائع املستجدة وتطبيقاته الفقهية ,حممد عثمان شبري ,دار القلم دمشق ,ط1053 ,1م ,ص.501
3يف االجتهاد التنزيلي ,بشري بن مولود جحيش ,كتاب األمة ,العدد ,14مارس 1004م ,ص .501
4اعتبار مآالت األفعال وأثرها الفقهي.40/5 ,
5بينها الدكتور فريد األنصاري يف كتابه املصطلح األصويل عند الشاطيب ,وهي قاعدة سد الذرائع ,وقاعدة احليل ,وقاعدة االستحسان,
وقاعدة مراعاة اخلالف.
6الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ,اجلوهري الفارايب ,مادة (ه,ج,ر)110/1 ,
7أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ,كتاب الزهد ,باب كالم أيب الدرداء رضي اهلل عنه ,حديث رقم ,43301والبيهقي يف شعب اإلميان,
باب التوكل على اهلل عز وجل والتسليم ألمره تعاىل يف كل شيء ,حديث رقم .5515واحلديث من قول ايب الدرداء
8لسان العرب ,ابن منظور ,مادة (ه,ج,ر)113-115/1 ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 113 جملة املدونة:
1الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ,اجلوهري الفارايب ,مادة (ه,ج,ر)110/1 ,
2الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ,اجلوهري الفارايب ,مادة (ه,ج,ر)110/1 ,
3لسان العرب ,ابن منظور ,مادة (ه,ج,ر)113-115/1 ,
4القاموس احمليط ,الفريوزأبادي ,مادة (ه ,ج,ر)
5التحرير والتنوير ,الطاهر بن عاشور ,الدار التونسية للنشر – تونس ,ط5183 ,5م.518-510/53 ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 114
فلما اشتد العذاب والتنكيل والتضييق من املشركني للمؤمنني األولني ,أمرهم الرسول الكرمي صلى اهلل عليه وسلم
ين َآمنُوا َّ
إن إىل اخلروج من أرضهم وديارهم طلباً لألمن يف الدِّين والنفس .ويؤكد هذا قوله تعاىل{ :يا ِعب ِاد َّ ِ
ي الذ ََ َ َ
ون} [العنكبوت ,]35 :قال الطاهر بن عاشور" :وهذا أمر باهلجرة من دار الكفر.. اعب ُد ِ ِ ِ
اي فَ ْ ُ
أ َْرضي َواس َعةٌ فَإيَّ َ
وقوله :إن أرضي واسعة تذكري بأن يف األرض بالدا يستطيع املسلم أن يقطنها آمنا".1
''الم ْه َج َر'' يف الزمن احلاضر ,ليفيد معىن عكسيا للمعىن األول,
ومع تطور الوقائع واألحداث ,تطور مصطلح َ
فبعد تطور اجملتمعات الغربية اقتصاديا ,وما صاحبه من ختلف للمجتمعات اإلسالمية يف هذا املنحى؛ بدأ
املسلمون يهاجرون من بالد اإلسالم إىل البالد غري اإلسالمية لتحسني وضعيتهم املادية ,حىت وجدوا أنفسهم
أقلية مسلمة يف بالد غري إسالمية ,حيكمهم دين غري دين اإلسالم ,وأصبح لفظ ''امل ْه َجَر'' إذا أطلق أفاد :البالد
َ
غري اإلسالمية اليت يهاجر إليها املسلم ,ويستقر هبا ,وجيد إلقامة دينه فيها حرجا ومشقة.
التقوى ,وإىل هذا أشار صاحب التحرير والتنوير بقوله" :لعلكم تتقون :تعليل لألمر باعبدوا فلذلك فصلت ,أي
أمرتكم بعبادته لرجاء منكم أن تتقوا". 1
ومثل هذه األدلة يف القرآن الكرمي كثرية ال يسع جمال البحث لذكرها.
المسلك الثاني :طلب الفعل ثم منع عينه إذا آل إلى مفسدة جلية.
اع .فَِإ ْن ِخ ْفتُ ْم أََّال تَ ْع ِدلُوا ومثال ذلك قوله تعاىل " :فَانكِحوا ما طَاب لَ ُكم ِّمن الن ِ
ث َوُربَ َِّساء َمثْ َ َٰىن َوثَُال َ
َ َ َ ُ َ
ِ ِ
ك أ َْد ََٰىن أََّال تَ ُعولُوا" [النساء .]5:لقد شرع اهلل للرجل تعدد النساء ملا فيه من ت أَْميَانُ ُك ْمَٰ .ذَل َ
فَ َواح َدةً أ َْو َما َملَ َك ْ
مصاحل عدة ,مجعها الطاهر بن عاشور يف قوله" :فقد شرع اهلل تع ّدد النساء للقادر العادل لِمصاحل مجّة :منها أ ّن
هن أكثر يف ذلك وسيلة إىل تكثري عدد األمة بازدياد املواليد فيها ,ومنها أ ّن ذلك يعني على كفالة النساء الالئي ّ
كل ّأمة أل ّن األنوثة يف املواليد أكثر من الذكورة ,وأل ّن الرجال يعرض هلم من أسباب اهلالك يف من الرجال يف ّ
فطرهن اهلل عليه ,ومنها أ ّن ّ احلروب والشدائد ما ال يعرض للنساء ,وأل ّن النساء أطول أعماراً من الرجال غالباً ,مبا
جير إليه من الفساد يف األخالق واألنساب ونظام العائالت ,فناسب حرمت الزنا وضيّقت يف حترميه ملّا ّ الشريعة قد ّ
توسع على الناس يف تع ّدد النساء ملن كان من الرجال ميّاالً للتع ّدد جمبوالً عليه ,ومنها قصد االبتعاد عن أن ّ
الطالق إالّ لضرورة" . 2إذن فاألصل يف فعل التعدد اجلواز.
إال أن هذا الفعل عينه ,قد ينصرف إىل المنع يف حالة إذا ما آل إىل عدم العدل بني الزوجات ,ويف هذه
احلالة على املكلف االقتصار على زوجة واحدة ,ويف هذا توقي للمفسدة قبل وقوعها.
المسلك الثالث :منع الفعل المباح لما يؤول إليه من محظور.
سبُّوا اهللَ َع ْدواً بِغَْي ِر ِعل ٍْم" [األنعام: ِ ِ ِ
الذين يَ ْدعُو َن م ْن دون اهلل فَايَ ُ
سبُّوا َ
ومثال ذلك؛ قوله تعاىل" :والَ تَ ُ
.]011
فاألصل أن سب آهلة املشركني محية هلل ,وإهانة لألصنام ,وتوهني لشأهنا ,وهو أمر مباح بل هو عبادة,
ولكن الشارع احلكيم منعه ,لكونه يؤول إىل أمر حمظور ,ومفسدة عظيمة وهي سبهم هلل جل جالله ,وهذا ما بينه
احلافظ ابن كثري رمحه اهلل يف تفسريه" :يقول -تع اىل -ناهي اً لرس وله صلى اهلل عليه وسلم وامل ؤمنني عن سب آهلة
املشركني ,وإن كان فيه مصلحة ,إالّ أنه يرتتب علي ه مف سدة أعظ م من ها ,وهي مقابلة املشركني بِسب إله املؤمنني,
وهو اهلل ال إله إالّ هو".3
المسلك الرابع :منع الفعل ثم طلبه بعينه إذا آل إلى مصلحة.
ْخن ِزي ِر َوَما أ ُِه َّل بِ ِه لِغَْي ِر اللَّ ِه .فَ َم ِن
ومثاله؛ قول احلق سبحانه" :إِنَّما ح َّرم َعلَي ُكم الْميتَةَ والدَّم ولَحم ال ِ
َ َ َ ْ ُ َْ َ َ َ ْ َ
يم" [البقرة.]075 : اد فَ َال إِثْم علَي ِه .إِ َّن اللَّه غَ ُف ِ
ضطَُّر غَيار ب ٍاغ وَال َع ٍ
ور َّرح ٌ
َ ٌ َ َْ َْ َ َ اْ
1التحرير والتنوير ,الطاهر بن عاشور ,الدار التونسية للنشر -تونس ,ط 5183ه .418/5 ,
2التحرير والتنوير.113/3 ,
3تفسري ابن كثري ,حتقيق حممد حسني مشس الدين ,دار الكتب العلمية -بريوت ,ط5351 ,5ه .181/4 ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 116
فاألصل يف اآلية الكرمية أن اهلل عز وجل حرم على املسلم أكل امليتة ,والدم ,وحلم اخلنزير ,وما ذبح لغري
اهلل .فإن وجد هذا املسلم بأن اإلتيان هبذا الفعل املمنوع -وهو عدم األكل من هذه احملرمات -سيؤول إىل
هالكه ,وذلك بأن ال جيد يف حلظة جوع وعطش شديدين غري ذلك؛ فإن اهلل الرؤوف الرحيم رخص له هلذه
الضرورة اإلتيان بالفعل املمنوع ملا حيققه يف تلك اللحظة من مصلحة أرجح من املفسدة األصلية له.
المطلب الثاني :األدلة من السن النبوية.
ال غرو أن جند السنة النبوية الشريفة هي أيضا ,ومن خالل استقراء أحاديثها؛ تشرع ألصل اعتبار املآل,
باعتبارها مكملة للقرآن الكرمي وشارحة لتشريعاته ومضامينه؛ إذ تفسر مبهمه ,وتفصل جممله ,وتقيد مطلقه,
وتشرح أحكامه ,...وال غرو أيضا أن تسلك يف ذلك مسالك خمتلفة ال ختتلف كثريا عن مسالك القرآن الكرمي يف
اعتباره للمآل ,وأذكر منها على سبيل البيان أمثلة نص فيها النيب صلى اهلل عليه وسلم عن مآالت األفعال صراحة
وليس إضمارا:
المسلك األول :طلب الفعل لما يؤول إليه من مصلحة.
اع البَاءَ َة فَ ْليَتَ َزَّو ْج ,فَِإنَّهُ أَ َغ ُّ
ض ومثاله :قول رسول اهلل صلَّى اهلل َعلَْي ِه وسلَّم« :يا م ْع َشر الشَّب ِ
ابَ ,م ِن ْ
استَطَ َ ََ َ َ َ َ َ ُ َ
ِ ِ ص ُن لِْل َفْرِجَ ,وَم ْن َملْ يَ ْستَط ْع فَ َعلَْيه ب َّ
ِ ِ ِ ِ
الص ْوم فَإنَّهُ لَهُ ِو َجاءٌ» ص ِر َوأ ْ
1
َح َ لْلبَ َ
اج,
فاحلديث النبوي الشريف يؤكد على أن النيب صلى اهلل عليه وسلم قد طلب من الشباب املستطيع الزو َ
مبينا ما يؤول إليه هذا الفعل من مصاحل غض البصر ,وحتصني الفرج ,وأمر صلى اهلل عليه وسلم من مل يستطع
من الشباب الزواج بالصوم ,ملا يؤول إليه من حفظ الفرج وختفيف حدة الشهوة .ومن مث فرسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم قد طلب الفعل معتبا ما يؤول إليه ذاك الفعل من مصاحل بينة للمكلف.
المسلك الثاني :طلب الفعل المحظور إذا آل إلى مصلحة:
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّ َم ,فَ َق َ ِ ِ ِ ومثالهَ :ع ْن الْ ُمغِ َريةِ بْ ِن ُش ْعبَةَ ,قَ َ
ال النِ ُّ
َّيب ت ْامَرأَةً َعلَى َع ْهد َر ُسول اللَّه َ الَ :خطَْب ُ
ِ
ال« :فَانْظُْر إِلَْي َها ,فَِإنَّهُ أ ْ
َج َد ُر أَ ْن يُ ْؤَد َم بَْي نَ ُك َما».2 تَ :ال ,قَ َ ت إِلَْي َها؟» قُ ْل ُصلَّى اهللُ َعلَْيه َو َسلَّ َم« :أَنَظَْر َ
َ
األصل يف نظر الرجل للمرأة األجنبية عنه :احلرمة ,ملا فيه من دواعي الفتنة والوقوع يف احلرام؛ إال أن النيب
صلى اهلل عليه وسلم رخص يف هذا الفعل يف حال اخلطبة والرغبة يف الزواج ,ملا يؤول إليه هذا األمر من حصول
األلفة واإلعجاب املتبادل بني الطرفني ,الذي من شأنه أن تدوم معه احلياة الزوجية" .فإذا تزوج الرجل امرأة مل
يسبق له رؤيتها ,ومل يسبق هلا هي أيضا ان رأته؛ فتحصل من جراء ذلك نفرة بينهما ,بأن ال يعجب أحدمها
باآلخر ,وال يتحقق له اإلعفاف املقصود من الزواج .وحسما ألسباب الطالق وذرائع الفرقة أن تعاجل هذه
1أخرجه البخاري ,كتاب النكاح ,باب من مل يستطع الباءة فليصم ,حديث رقم .1033ومسلم يف صحيحه ,كتاب النكاح ,باب
استحباب النكاح ملن تاقت نفسه إليه ,ووجد مؤنه ,واشتغال من عجز عن املؤن بالصوم ,حديث رقم .5300
2أخرجه النسائي يف السنن الكبى ,كتاب النكاح ,باب إباحة النظر إىل املرأة قبل تزوجيها ,حديث رقم .1418
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 117 جملة املدونة:
العالقة الناشئة :غلب الشارع مقاصد املآل على املفسدة املوجودة يف احلال بإباحة النظر إىل األجنبية إذا تأكدت
الرغبة يف نكاحها".1
المسلك الثالث :العدول عن فعل صحيح لما يؤول إليه من مفسدة:
ومثاله :حديث عائشة – رضي اهلل عنها -أن النيب -صلى اهلل عليه وسلم -قال هلا " :لوال أن قومك
حديث عهد جباهلية ,ألمرت بالبيت فهدم ,فأدخلت فيه ما أخرج منه ,وألزقته باألرض ,وجعلت له بابني ,بابا
شرقيا ,وبابا غربيا ,فبلغت به أساس إبراهيم".2
األصل أن بناء البيت العتيق على أسس إبراهيم – عليه السالم -مصلحة شرعية ,وقد تركها النيب – صلى
اهلل عليه وسلم -ملا قد يرتتب عليها من مفسدة عظيمة متوقعة ,وهي نفور الناس عن اإلسالم ,أو ردهتم بسبب
ذلك الفعل ,ألن اإلميان مل يرتسخ يف قلوهبم بعد ,ويف ذلك دليل على اعتبار أصل النظر إىل مآالت األفعال.
تضمين الصنال:
ِ فقد قام علي بن أيب طالب رضي اهلل عنه بتضمني الصناع ,وكان يقولَ " :ال ي ِ
ك".1َّاس إَِّال َذل َ
صل ُح الن َ
ُْ
وذلك التفاتا منه إىل أصل النظر إىل املآل؛ وقد بني ذلك القاضي عبد الوهاب البغدادي بقوله" :وألن يف ذلك
مصلحة ونظر للصناع وأرباب السلع ,ويف تركه ذريعة إىل إتالف األموال وذلك أن بالناس ضرورة إىل الصناع إذ
ليس كل أحد حيسن أن خييط ثوبه أو يقصره أو يطرزه ,فلو قبلنا قوهلم :يف اإلتالف مع علمهم بضرورة الناس
إليهم لتسرعوا إىل ادعائه وألُجبوا على الناس وللحق أرباب السلع أشد ضرر ,فكان احلظ للجميع دفعها على
التضمني ,وألنه قبض العني لنفع نفسه من غري استحقاق لألجر بعقد متقدم فلم يقبل قوله يف تلفها كاملقرتض
2
واملستعري".
قتل الجماعة بالواحد:
ني
س َوالْ َع ْ َ ((وَكتَْب نَا َعلَْي ِه ْم فِ َيها أ َّ
َن النَّ ْفس بِالنَّ ْف ِ ِ ِ
من األحكام املقررة يف ص َفة القصاص شرعا ,قوله تعاىلَ :
َ
اص)) [املائدة.]13 : اجلر ِ َنف َو ْاألُذُ َن بِ ْاألُذُ ِن َو ِّ
الس َّن بِ ِّ َنف بِ ْاأل ِ بِالْ َع ْ ِ
ص ٌ وح ق َ الس ِّن َو ُُْ َ ني َو ْاأل َ
"لكن إذا قتل اجلماعة الواحد؛ هل نُعطِّل القصاص؟ متسكا بانتفاء التماثل ,واحتجاجا بعدم تعيني القاتل
يف شخص بعينه ,فرارا من القصاص الذي يستوجبه القاتل إذا كان فردا واحدا بعين ه؟
َكالَّ! ال نعطِّل القصاص ,بل نستصحب قاعدة "اعتبار املآالت" ونصري يف احلُكم والفتوى – إن أعيتنا
ألمري املؤمنني عمر رضي اهلل عنه كمها ,تأسيا باالجتهاد املقاصدي واملصلَحي ِ وح ِ األدلة – إىل مقاصد الشريعة ِ
َ
اخلَطَّ ِ
اب قَتَ َل نَ َفًرا ,مخَْ َسةً أ َْو َسْب َعةً بَِر ُج ٍل َن عُ َمَر بْ َن ْ ب ,أ َّ.ودليل ِصحة هذا االعتبار ,ما رواه َسعِيد بْ ِن الْمسيِّ ِ
َُ
3 ال عمر« :لَو متََ َاألَ علَي ِه أ َْهل صْن عاء لََقتَ ْلتُهم َِ
مج ًيعا» ِ ٍ ٍِ
َْ ُ َ َ َ ُْ َواحد قَتَ لُوهُ قَْت َل غيلَة َوقَ َ ُ َ ُ ْ
ويؤكد اعتبار املآل يف املسألة ,قول ابن رشد احلفيد يف بداية اجملتهد وهناية املقتصد " :فعمدة من قتل
بالواحد اجلماعة النظر إىل املصلحة ,فإنه مفهوم أن القتل إمنا شرع لنفي القتل كما نبه عليه الكتاب يف قوله
تعاىل{ :ولكم يف القصاص حياة يا أويل األلباب} [البقرة .]071 :وإذا كان ذلك كذلك ,فلو مل تقتل اجلماعة
4
بالواحد لتذرع الناس إىل القتل بأن يتعمدوا قتل الواحد باجلماعة".
هذا ,وإن كثريا من األدلة -ال يسع جمال البحث لذكرها ,-تثبت عمل الصحابة والتابعني وعلماء األمة
بأصل النظر إىل مآالت األفعال.
1رواه ابن أيب شيبة يف مصنفه ,كتاب البيوع واألقضية ,باب يف القصار والصباغ وغريه ,حديث رقم .15015والبيهقي يف السنن الكبى,
كتاب اإلجارة ,باب ما جاء يف تضمني األجراء ,حديث رقم .55333
2املعونة على مذهب عامل املدينة ,عبد الوهاب البغدادي املالكي ,حتقيق عبد احلق محيش ,املكتبة التجارية ,مصطفى أمحد الباز -مكة
املكرمة.5555/5 ,
3أخرجه مالك يف املوطأ ,كتاب العقول ,باب ما جاء يف الغيلة والسحر ,حديث رقم .54وصححه األلباين يف إرواء الغليل ,املكتب
اإلسالمي – بريوت ,ط5181 ,1م.111/0 ,
4بداية اجملتهد وهناية املقتصد ,ابن رشد احلفيد ,دار احلديث – القاهرة ,ط 1003م.581/3 ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 119 جملة املدونة:
1احملصول ,فخر الدين الرازي ,دراسة وحتقيق طه جابر العلواين ,مؤسسة الرسالة ,ط5110 ,4م.503-504/1 ,
2أصل اعتبار املآل بني النظرية والتطبيق ,ص .515
3املوفقات.501-508/1 ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 121
المبحث الثالث :أهمية اعتبار المآل في تنزيل األحكام وعالقته بفقه األقليات المسلمة.
المطلب األول :أهمية اعتبار مآالت األفعال في تنزيل األحكام.
إن اعتبار مآالت األفعال ,يعتب ركيزة أساسية يف تعامل اجملتهد مع النوازل والقضايا املستجدة ,حيث أثبت
البحث الفقهي الدقيق ,كما يشري إىل ذلك الدكتور حممد كمال أن "مآالت األفعال :هي منهج يف التعامل مع
النوازل والقضايا العلمية يف كل املذاهب الفقهية اإلسالمية ,واعتبار املآل :هو اإلطار املوضوعي الضامن لسالمة
عمل اجملتهد يف أحكام الشرع ,ومن مث تنزيلها على أفعال املكلفني ,والتثبت من حتقيق مقاصد الشريعة وحتقيق
مناطات األحكام".1
فلما كان أساس الشريعة اإلسالمية االهتمام مبصاحل الناس وجلبها ,والدعوة إىل مراعاهتا يف شؤون حياهتم؛
كان لزاما أن تكون هذه الشريعة موضوعة للتكليف مبقتضاها ,وبذلك كان خضوع مجيع املكلفني إىل أحكامها
أمرا جيسد ملمح العدل ,فهي احلاكمة على مجيع أفعال املكلفني" .فكل فعل صادر من املكلف؛ ال بد أن تعطيه
الشريعة حكمه من الوجوب أو االستحباب أو احلرمة أو الكراهة أو اإلباحة ,أو الصحة أو الفساد ,ألن مهمتها
إخراج املكلف من داعي اهلوى إىل التقيد بأحكام اهلل تعاىل" .2وإىل هذا أشار الشاطيب يف املوافقات وكذا يف
االعتصام أن" :املقصد الشرعي من وضع الشريعة إخراج املكلف عن داعية هواه ,حىت يكون عبدا هلل اختيارا,
كما هو عبد هلل اضطرارا".3
ومن هنا تتضح جليا أمهية قاعدة اعتبار مآالت األفعال ,تلك اليت يقدر احلكم الشرعي فيها على أي فعل
من أفعال الناس باعتبار ما يؤول إليه عند التطبيق ,من حتقيق املصلحة اليت وضع من أجلها احلكم العام املتعلّق
جبنسه أو عدم حتقيقها .فإذا تبني عدم حتقيقه املصلحة خلصوصية من اخلصوصيات ,استثين ذلك الفعل من احلكم
الشرعي املوضوع له يف األصل ,وعدل به إىل حكم آخر يتح ّقق به املقصد الشرعي.
فاعتبار املآالت هو االعتداد مبا تفضي إليه األحكام عند تطبيقها مبا يوافق مقاصد التشريع من حتقيق
ملصلحة لإلنسان .فاجملتهد حني جيتهد وحيكم ويفيت ,عليه أن يقدر مآالت األفعال اليت هي حمل حكمه وإفتائه,
وأالّ يعتب أن مهمته تنحصر يف "إعطاء احلكم الشرعي" فقط .بل مهمته أن حيكم يف الفعل وهو يستحضر مآله,
أو مآالته ,وأن يصدر احلكم وهو ناظر إىل أثره أو آثاره ,فإذا مل يفعل ,فهو :إما قاصر عن درجة االجتهاد ,أو
مقصر فيها .ذلك أن األحكام وكما أشار إىل ذلك الدكتور عبد اجمليد النجار" :وإن كانت يف الغالب األعم
تؤول عند تطبيقها على واقع األفعال إىل حتقيق املصلحة املبتغاة منها ,فإهنا يف بعض األحيان ,ويف بعض األعيان
قد ال تؤدي إىل تلك املصلحة املبتغاة ,بل قد تؤدي إىل نقيضها من املفسدة؛ وذلك خلصوصية تطرأ على ذات
تلك األعيان أو على ظرفها ,خترج هبا عن عموم خصائص جنسها اليت قُدر على أساسها احلكم ,فإذا تطبيق
احلكم عليها يؤول إىل املفسدة من حيث أُريد به حتقيق املصلحة" .1وهذا؛ ما سبق إىل تأصيله وبيانه اإلمام
الشاطيب بقوله" :النظر يف مآالت األفعال معتب مقصود شرعا ,كانت األفعال موافقة أو خمالفة؛ وذلك أ ّن اجملتهد
ال حيكم على فعل من األفعال الصادرة عن املكلّفني باإلقدام أو باإلحجام إالّ بعد نظره إىل ما يؤول إليه ذلك
الفعل [ ,فقد يكون ] مشروعا ملصلحة فيه تستجلب ,أو ملفسدة تدرأ ,ولكن له مآل على خالف ما قُصد فيه,
وقد يكون غري مشروع ملفسدة تنشأ عنه أو مصلحة تندفع به ,ولكن له مآل على خالف ذلك ,فإذا أُطلق القول
يف األول باملشروعية فرمبا أدى استجالب املصلحة فيه إىل مفسدة تساوي املصلحة أو تزيد عليها ,فيكون هذا
مانعا من إطالق القول باملشروعية ,وكذلك إذا أُطلق القول يف الثاين بعدم املشروعية رمبا أدى استدفاع املفسدة إىل
مفسدة تساوي أو تزيد ,فال يصح إطالق القول بعدم املشروعية ,وهو جمال للمجتهد صعب املورد ,إالّ أنه عذب
املذاق ,حممود الغب ,جار على مقاصد الشريعة" .2
إن فقه املآالت يعتب لبنة أساسية يف االجتهاد التشريعي ,وهو من األصول املنهجية اليت ال غىن للمجتهد
عنها ,فهو نظر اجتهادي جيمع بني الواقع واملتوقع أثناء تنزيل األحكام الشرعية ,والسبب يف ذلك كما يشري
الدكتور سعد الدين العثماين" :هو أنه ال يستدعي فقط معرفة باحلكم الشرعي ومقاصده ,ولكن أيضا العلم
بالواقع وتعقيداته واملتوقع فيه عند تطبيق احلكم الشرعي...إنه نقل للحكم من التنظري إىل التطبيق العملي ,ومن
3
صفة التجريد إىل صفة الواقعية ,ولذلك ميكن أن يكون جزءا من فقه تنزيل األحكام"
ونظرا ألمهية هذا األصل الكبرية ,فإن اإلمام الشاطيب رمحه اهلل ,جعله أصال عاما من أصول النظر الشرعي,
وأدرج ضمنه مجلة من القواعد اليت كانت عند غريه تعتب من األصول القائمة بذاهتا .ومن تلك القواعد اليت
أدرجتها ضمن أصل املآالت" :قاعدة سد الذرائع ,باعتبار أ ّن الفعل يف ذاته قد يكون مشروعا ,ولكنه يكون
ذريعة باملآل إىل ممنوع ,فيمنع هو أيضا اعتبارا لذلك املآل .ومنها قاعدة احليل اليت يؤول فيها على سبيل التحيل
فعل ظاهر اجلواز لتشريعه يف األصل حتقيق مصلحة إىل مآل تتح ّقق فيه مفسدة .ومنها قاعدة مراعاة اخلالف,
باعتبار أ ّن الفعل إذا كان حكمه الشرعي املنع بالدليل الراجح واجلواز بالدليل املرجوح ,فإنه قبل وقوعه بالفعل
جيرى عليه حكم املنع ,ولكن حينما يقع بالفعل فإنه جيرى عليه حكم اجلواز الذي هو مرجوح؛ وذلك بالنظر إىل
أنه لو أُجري عليه حكم املنع آلل به إىل مفاسد تفوق إجراء حكم اجلواز .ومنها قاعدة االستحسان ,وذلك أ ّن
طرد القياس بصفة مطلقة قد يؤول يف بعض األفعال خلصوصية فيها إىل مفسدة تساوي أو تفوق املصلحة اليت
يقتضيها القياس ,فيعدل بذلك الفعل عن احلكم الذي يقتضيه ذلك القياس إىل حكم آخر يتفادى يف الفعل
املخصوص األيلولة إىل املفسدة". 4
1نفسه ص .4
2املوافقات.500/1 ,
3فقه املآالت :مفهومه وقواعده ,سعد الدين العثماين ,دار الكلمة للنشر والتوزيع -القاهرة ,ط1050 ,5م ,ص.30
4مآالت األفعال وأثرها يف فقه األقليات ,ص .1-3
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 122
إن احلاجة اليوم إىل العناية مبنهج تنزيل األحكام الشرعية أضحت ملحة أكثر من أي وقت مضى ,ذلك أن
الواقع يتطور بنسق سريع تاركا الفقه اإلسالمي يعيش فراغات كبرية ال ميكن أن جتد هلا حلوال يف آراء القدامى وال
تستوعبها املدونة الفقهيّة املوروثة على أمهيتها.
إن األزمة اليت تعاين منها األمة اإلسالمية ,ليست أزمة نقص يف قواعدها ,أو عدم قدرة علمائها على
تفعيل األدوات املعرفية ,بل األمر يتعدى ذلك بكثري ,فاألدوات املعرفية اليت تعني على مواكبة كل املستجدات قد
نضجت بنمو الواقع وتفاعلت معه .
وأما قدرة العلماء على تفعيل أدوات الدرس األصويل فواضحة من خالل مؤلفاهتم واستنباطاهتم ,وكذلك من
خالل حماولة إجياد حلول للوقائع املستجدة من خالل توظيف األدوات املعرفية يف الدرس األصويل.
ويف هذا اإلطار يعزو القرضاوي السبب الرئيس الذي تعاين منه األمة اليوم إىل أزمة املنهجية؛ اليت يتعامل هبا
يف تنزيل األحكام املستنبطة على الواقع ,فال تزال أمتنا تعاين من هذه املناهج املتطرفة 3اليت تعتمد النص دون
1اختلف الباحثون يف تقدير عدد األقليات املسلمة يف العامل ,منهم من يقدر أعداد هذه األقليات ب 110مليون ,ومنهم من يوصلها إىل
نصف مليار مسلم( .انظر فقه النوازل لألقليات املسلمة تأصيال وتطبيقا ,حممد يسري إبراهيم ,دار اليسر ,القاهرة ,ط 1055 -1م,
.)11/5
2يف فقه األقليات املسلمة ,حياة املسلمني وسط اجملتمعات األخرى ,يوسف القرضاوي ,دار الشروق ,ط 1000 ,4م ,ص.44 _14 :
3يسمي القرضاوي أصحاب هذا االجتاه ب باملدرسة الظاهرية يف فقه املقاصد .ويسميهم الريسوين باالجتاه اللفظي يف تفسري النصوص.
دراسة يف فقه مقاصد الشريعة ,ص .41 :الفكر املقاصدي :قواعده وفوائده ,ص.501 :
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 123 جملة املدونة:
حماولة السب يف مقصوده والغوص يف أعماقه لتحديد العلل الواضحة املنضبطة .وهنا تكمن أمهية العلم باملقاصد
واعتبار املآالت يف النوازل.
لقد كانت قاعدة اعتبار مآالت األفعال ,وكما بني الدكتور عبد اجمليد النجار" :مناط اجتهاد واسع ودقيق
من قبل فحول األئمة والفقهاء ,وكانت هلا تطبيقات كثرية يف الفقه اإلسالمي ,أفضت إىل إثراء أحكامه وتوسيع
آفاقه .وبتع ّقد احلياة اإلنسانية الفردية واجلماعية ,وتشابكها ,وتوسعها يكون هلذه القاعدة اجملال األوسع
لالجتهاد ,وتكون احلاجة إليها أوكد؛ ذلك أل ّن وجوه احلياة كلّما مالت إىل البساطة اشتد التماثل بني أفرادها,
فتتناقص خصوصياهتا املفرقة بينها ,وعلى العكس من ذلك كلّما مالت إىل التعقيد اشتد االختالف لتكاثر
اخلصوصيات املفرقة مما يفضي إىل اختالف املآالت ,فيكون لالستثناء املبين على تلك اخلصوصيات وما تفضي
إليه من اختالف املآالت جماال واسعا يف النظر الفقهي" .1وتزداد احلاجة املاسة إىل العمل هبذا األصل ,يف بالد
املهجر ,اليت ميثل فيها املسلمون أقلية ,حيث تزداد أوضاعهم تعقيدا يف جمتمع غري مسلم" ,إذ هي أوضاع اجتمع
فيها التعقيد والتشابك يف احلياة املعاصرة بصفة عامة ,مع التعقيد والتشابك واملضاعفات الناجتة عن وضع
ظل حكم غري املسلمني كأقلّية يف جمتمع غري إسالمي ,وحتت سلطان قانون غري القانون اإلسالمي ,وحتت ّ
إسالمي .إ ّن هذه األوضاع من شأهنا أن تكسب أحواال كثرية من أحوال املسلمني خصوصيات ذاتية وموضوعية
تؤول هبا لو طبقت عليها األحكام الشرعية العامة إىل مآالت ختالف مقاصد تلك األحكام ,فيكون إذن لقاعدة
مآالت األفعال دور اجتهادي مهم يف فقه األقلّيات املسلمة ,بل لعلّها تكون من أهم القواعد األصولية اليت ينبغي
حتكيمها يف ذلك الفقه".2
فاعتبار املآالت على هذا األساس ,يعتب من القواعد اهلامة اليت ينبغي مراعاهتا عند تنزيل أي حكم لألقليات
املسلمة يف بالد املهجر ,وإن كان األصل هو أن املسلم ينبغي أن خيضع ملنهج اهلل ,لكن هذه املالبسات وغريها
جتعل من دور اجملتهد كما يبني ذلك الدكتور أمحد الريسوين ,3حني جيتهد وحيكم ويفيت ,أن يقدر مآالت األفعال
اليت هي حمل حكمه وإفتائه ,وأن يقدر عواقب حكمه وفتواه ,وأال يعتب أن مهمته تنحصر يف "إعطاء احلكم
الشرعي" .بل مهمته أن حيكم يف الفعل وهو يستحضر مآله أو مآالته ,وأن يصدر احلكم وهو ناظر إىل أثره أو
آثاره .فإذا مل يفعل ,فهو إما قاصر عن درجة االجتهاد أو مقصر فيها .وإال وقع املسلمون هناك يف حرج ,ما
جاءت الشريعة اإلسالمية إال لدرئه عنهم.
1مآالت األفعال وأثرها يف فقه األقليات املسلمة ,عبد اجمليد النجار ,حبث مقدم للدورة التاسعة للمجلس األورويب لإلفتاء والبحوث,
يوليوز ,1001ص .1
2نفسه ,ص.1
3نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب ,أمحد الريسوين ,الدار العاملية للكتاب اإلسالمي ,ط 5111 ,1م ,ص .414
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 124
المبحث الرابع :اعتبار المآل في مسألة بناء المراكز اإلسالمية من الزكاة بديار المهجر.
املطلب األول :صورة املسألة.
حتتاج املراكز اإلسالمية لكثري من األموال لشراء مقراهتا ,والبناء عليها ,وكذلك التشييد والصيانة ,مث إلدارة
أمورها مبا خيدم رسالتها ,وقد ال تكفي أموال التبعات مع حاجة املسلمني الشديدة لبناء مراكز إسالمية أو شرائها
أو تأجريها ,فهل جيوز استخدام أموال الزكاة يف بناء املراكز اإلسالمية يف بالد الغرب؟
املطلب الثاين :حكم املسألة.
اختلف العلماء يف هذه املسألة بني جميز ومانع ,ولكل اجتاه أدلته اليت يستدل هبا:
الفرل األول :المجيزون لصرف أموال الزكاة في بناء المراكز اإلسالمية وغيرها من أمور الدعوة.
.1جملس اجملمع الفقهي اإلسالمي يف دورته التاسعة املنعقدة مببىن رابطة العامل اإلسالمي يف مكة املكرمة ,يف
رجب 1457ه يف قراره اخلامس والسابع ,حيث جاء فيه أن مصرف ((يف سبيل اهلل)) يتسع ,ويشمل الدعوة
إىل اهلل وما يعني عليها .وبالتايل جيوز صرف التبعات يف غري ما مجعت له ,على أنشطة دعوية ومؤسسات
اجتماعية تقوم مبهمة الذود عن اإلسالم ونشر كلمته (واملراكز اإلسالمية خري من يقوم هبذا الدور).1
.8بيت الزكاة ,2رأت جلنة الفتوى بأن مصرف يف سبيل اهلل يراد به اجلهاد مبعناه الواسع ,إذ ال يقتصر على
النشاط العسكري وحده ,بل يدخل حتته متويل مراكز الدعوة لإلسالم اليت يقوم عليها رجال صادقون يف البالد
3
غري اإلسالمية هبدف نشر اإلسالم ,وينطبق هذا على كل مسجد يقام يف بلد غري إسالمي.
.9الشيخ حممد رشيد رضا رأى أن مصرف يف سبيل اهلل يراد به كل عمل صاحل من املصاحل العامة يتقرب به
4
إىل اهلل تعاىل.
.4يرى الشيخ حممد شلتوت أن املقصود بكلمة يف سبيل اهلل :املصاحل العامة اليت هي أساس الدين
والدولة ..ويدخل يف هذه اجلهة اإلعداد لدعاة إسالميني يظهرون مجال الدين ومساحته ,ويدفعون بشبه األعداء
1قرارات اجملمع الفقهي اإلسالمي ,القرار اخلامس ,االستفادة بأموال الزكاة لبناء املدارس واملستشفيات يف البالد األوربية وتأسيس صندوق
للزكاة فيها ,ص 513وما بعدها .والقرار السابع ,صرف سهم اجملاهدين من الزكاة يف تنفيذ مشاريعهم الصحية والرتبوية واإلعالمية ,ص101
وما بعدها.
2هيئة حكومية مستقلة بالكويت.
3أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات والنذور والكفارات ,بيت الزكاة بالكويت ,مكتب الشؤون الشرعية ,اإلصدار الثامن1001 ,م ,ص
.548-540
4فتاوى اإلمام حممد رشيد رضا ,جون طبعة ودون سنة ,ص ,5148وانظر ص .5151
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 125 جملة املدونة:
إىل صدورهم ,كما يدخل فيه العمل على حتفيظ كتاب القرآن يف مجعياته وأفراده ,وإنشاء املساجد يف احلياء اليت
1
ال يوجد فيها املساجد الكافية.
.5ويرى الشيخ جاد احلق علي جاد احلق أن مصرف يف سبيل اهلل يتسع لصرف الزكوات إىل مجيع وجوه
2
اخلري من تكفني املوتى وبناء احلصون وعمارة املساجد.
.2الشيخ خالد سيف اهلل الرمحاين ,األمني العام جملمع الفقه اإلسالمي باهلند ,يرى جبواز صرف الزكاة يف
األعمال الدعوية غري اإلدارية ولكن ليس من منطلق مصرف يف سبيل اهلل ألنه اعتبه ينص على اجلهاد الفعلي ومل
3
يصغ أنه جهاد بالقلم واللسان ,إمنا رأى إدخاله يف مصرف املؤلفة قلوهبم ,وقد أفاض الشرح يف املسألة.
الفرل الثاني :أهم أدلة اتجاه المجيزين.
.1دخول مجيع وجوه اخلري يف مصرف ((يف سبيل اهلل)) ,الوارد يف قوله تعاىل (( :إمنا الصدقات للفقراء
واملساكني والعاملني عليها واملؤلفة قلوهبم ويف الرقاب والغارمني ويف سبيل اهلل وابن السبيل)) [التوبة]85:
قال فخر الدين الرازي " :أن ظاهر اللفظ يف قوله :ويف سبيل اهلل ال يوجب القصر على كل الغزاة ,فلهذا
املعىن نقل القفال يف «تفسريه» عن بعض الفقهاء أهنم أجازوا صرف الصدقات إىل مجيع وجوه اخلري من تكفني
املوتى وبناء احلصون وعمارة املساجد ,ألن قوله :ويف سبيل اهلل عام يف الكل".4
.8اجلهاد يف اإلسالم ال يقتصر على السيف فقط ,بل يشمل اجلهاد بالدعوة وتبليغ الرسالة ,والصب على
مشاقها .فقد قال اهلل تعاىل خماطبا رسوله صلى اهلل عليه وسلم" :فال تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا
كبريا"[الفرقان .]58 :قال الطبي يف تفسري اآلية" :جاهدهم هبذا القرآن جهادا كبريا ,حىت ينقادوا لإلقرار مبا فيه
من فرائض اهلل ,ويدينوا به ويذعنوا للعمل جبميعه طوعا وكرها" .5وإىل نفس املعىن أشار الشوكاين بقوله" :
وجاهدهم به جهادا كبريا راجع إىل القرآن ,أي :جاهدهم بالقرآن ,واتل عليهم ما فيه من القوارع ,والزواجر
واألوامر ,والنواهي .وقيل :الضمري يرجع إىل اإلسالم ,وقيل :بالسيف ,واألول أوىل .وهذه السورة مكية ,واألمر
بالقتال إمنا كان بعد اهلجرة" .6مبعىن أن هناك إشارة إىل اجلهاد بالدعوة وعدم الركون عن قول احلق.
1الفتاوى ,حممد شلتوت ,دار الشروق -القاهرة ,ط1003 ,58م ,ص .504-501
2الفتاوى اإلسالمية ,جاد احلق علي جاد احلق ,دار الفاروق للنشر والتوزيع-القاهرة ,ط1001 ,5م501.5151/4 ,
3قضايا فقهية يف األقليات املسلمة ,خالد سيف اهلل الرمحاين ,مؤسسة إيفا للطبع والنشر-اهلند ,ص.83-01
4مفاتيح الغيب ,فخر الدين الرازي ,دار إحياء الرتاث العريب – بريوت ,ط5310 ,4ه .80/53 ,
5جامع البيان عن تأويل آي القرآن ,الطبي ,حتقيق عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي ,دار هجر للطباعة والنشر والتوزيع واإلعالن ,ط,5
1005م.300/50 ,
6فتح القدير للشوكاين ,دار ابن كثري ,دار الكلم الطيب -بريوت ,ط5353 ,5ه .13/3 ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 126
وجاء يف احلديث الشريف" :جاهدوا املشركني بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم" .1قال صاحب مرقاة املفاتيح
شرح مشكاة املصابيح " :وقوله( :بأموالكم) :أي :بالتجهيز (وأنفسكم) :أي :باملباشرة (وألسنتكم) :أي:
2
بدعوهتم إىل اهلل تعاىل"
وملا كانت املساجد واملراكز اإلسالمية واملدارس يف بالد الكفر ,تعتب اليوم من لوازم الدعوة ,وأدوات اجلهاد
يف سبيل اهلل ,أجاز العلماء اإلنفاق عليها من مال الزكاة.
.1هيئة كبار العلماء باململكة العربية السعودية ,يف دورهتا اخلامسة ,املنعقدة مبدينة الطائف ,شعبان 1934
ه ,حيث رأت باألغلبية أن املقصود بقوله تعاىل(ويف سبيل اهلل) :الغزاة املتطوعون بغزوهم ,وما يلزم هلا من
االستعداد ,وإذا مل يوجدوا صرفت يف بقية أصناف الزكاة ,وال جيوز صرفها يف شيء من املرافق العامة ,إال إذا مل
3
يوجد هلا مستحق من الفقراء واملساكني ,وبقية األصناف املنصوص عليهم يف اآلية الكرمية.
.8يرى الشيخ حممد إبراهيم مفيت الديار السعودية أن مصرف (يف سبيل اهلل) ال يتسع للمساجد واجلهات
اخلريية األخرى حيث جاء يف فتواه" :إن صرف الزكاة للمساجد واألعمال اخلريية مما ال ينطوي حتت األصناف
4
الثمانية اليت ذكرها اهلل تعاىل ,وحصر صرف الزكاة فيها ال جيوز.
الفرل الرابع :أهم أدلة اتجاه المانعين:
أ .قول اهلل تبارك وتعاىل ,مبينا األصناف الثمانية اليت تعطى هلم الزكاة دون غريهم(( :إمنا الصدقات للفقراء
واملساكني والعاملني عليها واملؤلفة قلوهبم ويف الرقاب والغارمني ويف سبيل اهلل وابن السبيل)) [التوبة ,]85:وذكروا
1أخرجه ابو داود يف سننه ,أول كتاب اجلهاد ,باب يف نسخ نفري العامة باخلاصة ,حديث رقم .1103واإلمام أمحد يف مسنده ,مسند
املكثرين من الصحابة ,مسند أنس بن مالك ,رقم .51133والنسائي يف السنن الكبى ,كتاب اجلهاد ,باب وجوب اجلهاد ,رقم .3181
وقال األلباين :إسناده صحيح على شرط مسلم ,وكذلك قال احلاكم ,ورافقه الذهيب ,وصححه ابن حبان( .انظر :صحيح أيب داود – األم,
األلباين ,مؤسسة غراس للنشر والتوزيع ,الكويت ,ط1001 ,5م.)131/0,
2مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح ,أبو احلسن نور الدين املال اهلروي القاري ,دار الفكر ,بريوت – لبنان ,ط1001 ,5م.1301/3 ,
3أحباث هيئة كبار العلماء باململكة العربية السعودية ,األمانة العامة هليئة كبار العلماء ,طبع ونشر الرئاسة العامة للبحوث العلمية واإلفتاء-
الرياض ,ط1054 ,1م.531-10/5 ,
4فتاوى ورسائل مساحة الشيخ حممد بن إبراهيم ,مجع وترتيب وحتقيق حممد بن عبد الرمحن بن قاسم ,مطبعة احلكومة مبكة املكرمة ,ط,5
5411ه .541/3 ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 127 جملة املدونة:
أن ((يف سبيل اهلل)) إذا أطلق يف عرف الشرع ,فهو يف الغالب واقع على اجلهاد حىت كأنه مقصور عليه ,وبه قال
أغلب املفسرين لقوله تعاىل ((ويف سبيل اهلل)) ,ومنهم:
* الطبي يف جامع البيان " :وأما قوله( :ويف سبيل اهلل) ,فإنه يعين :ويف النفقة يف نصرة دين اهلل وطريقه
وشريعته اليت شرعها لعباده ,بقتال أعدائه ,وذلك هو غزو الكفار.
وبالذي قلنا يف ذلك قال أهل التأويل .حدثين يونس قال ,أخبنا ابن وهب قال ,قال ابن زيد يف قوله( :ويف
سبيل اهلل) ,قال :الغازي يف سبيل اهلل".1
* وابن العريب يف أحكام القرآن" :قوله تعاىل {ويف سبيل اهلل} [التوبة :]25 :قال مالك :سبل اهلل كثرية,
ولكين ال أعلم خالفا يف أن املراد بسبيل اهلل هاهنا الغزو من مجلة سبيل اهلل ,إال ما يؤثر عن أمحد وإسحاق فإهنما
قاال :إنه احلج.
والذي يصح عندي من قوهلما أن احلج من مجلة السبل مع الغزو؛ ألنه طريق بر ,فأعطي منه باسم السبيل,
وهذا حيل عقد الباب ,وخيرم قانون الشريعة ,وينثر سلك النظر ,وما جاء قط بإعطاء الزكاة يف احلج أثر".2
* القرطيب يف اجلامع ألحكام القرآن " :قوله تعاىل( :ويف سبيل اهلل) وهم الغزاة وموضع الرباط ,يعطون ما
ينفقون يف غزوهم كانوا أغنياء أو فقراء .وهذا قول أكثر العلماء ,وهو حتصيل مذهب مالك رمحه اهلل".3
ب .وذكروا إمجاع الفقهاء املتقدمني من املذاهب األربعة ,فالسرخسي من احلنفية يقول" :هم فقراء
الغزاة".4وبه قال ابن رشد املالكي " :وأما قوله :ويف سبيل اهلل إنه الغازي يف سبيل اهلل ,فهو صحيح ال اختالف
فيه ,وإمنا خيتلف هل يعطى منها الغين يف الغزو؟" ,5وقبله صاحب املعونة من املالكية بقوله" :ويف سبيل اهلل الغزو
7
واجلهاد يدفع من الصدقة إىل اجملاهدين ما ينفقونه يف غزوهم أغنياء كانوا أو فقراء" .6وأقر ذلك أغلب الشافعية
1جامع البيان يف تأويل القرآن ,الطبي ,حتقيق أمحد حممد شاكر ,مؤسسة الرسالة ,ط1000 ,5م.451/53 ,
2أحكام القرآن ,ابن العريب ,حتقيق حممد عبد القادر عطا ,دار الكتب العلمية ,بريوت – لبنان ,ط1004 ,4م.144/1 ,
3اجلامع ألحكام القرآن ,القرطيب ,حتقيق أمحد البدوين وإبراهيم أطفيش ,دار الكتب املصرية – القاهرة ,ط5133 ,1م.518/8 ,
4املبسوط ,السرخسي ,دار املعرفة-بريوت ,دون طبعة5114 ,م.50/4 ,
5البيان والتحصيل البن رشد اجلد ,حتقيق حممد حجي ,دار الغرب اإلسالمي ,بريوت – لبنان ,ط5118 ,1م.153/58 ,
احلق ,املكتبة التجارية ,مصطفى أمحد الباز -مكة املكرمة ,د
املعونة على مذهب عامل املدينة ,القاضي عبد الوهاب ,حتقيق محيش عبد ّ
6
ط.334/5 ,
7انظر احلاوي الكبري يف فقه مذهب اإلمام الشافعي ,املاوردي ,حتقيق حممد معوض وعادل أمحد عبد املوجود ,دار الكتب العلمية ,بريوت –
لبنان ,ط5111 ,5م.154/8 ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 128
ين إَِّال ِخلَ ْم َس ٍة :لِغَا ٍز ِيف َسبِ ِيل اللَّ ِه ,أَْو ج .وأكدوا قوهلم بقوله صلى اهلل عليه وسلمَ " :ال َِحتلُّ َّ ِ
الص َدقَةُ لغَِ ٍّ
ِّق َعلَى الْ ِمس ِك ِ ِ ِ ِِ ِ ِ ٍ ِ ِ ِ
ني ,فَأ َْه َد َاها ْ صد َ ني فَتُ ُ ل َعام ٍل َعلَْي َها ,أ َْو لغَا ِرم ,أ َْو لَر ُج ٍل ا ْشتَ َر َاها ِمبَاله ,أ َْو لَر ُج ٍل َكا َن لَهُ َجا ٌر م ْسك ٌ
ين " , 1واعتبوه حديثا صرحيا مفسرا لقوله تعاىل ((ويف سبيل اهلل)) ,وقالوا بوجوب محله عليه. الْ ِمس ِك ِ
ني لْلغَِ ِّ
ْ ُ
املطلب الثالث :الرتجيح بني القولني.
فكال االجتاهني ,يتفقان على أن اهلل سبحانه وتعاىل حدد مصارف الزكاة الثمانية يف قوله تعاىل(( :إَِّمنَا
ني َوِيف َسبِ ِيل اللَّ ِه َوابْ ِن ِ ني َعلَْي َها َوالْ ُم َؤلََّف ِة قُلُوبُ ُه ْم َوِيف ِّ
الرقَ ِ
اب َوالْغَا ِرم َ
ِِ ات لِْل ُف َقر ِاء والْمساكِ ِ
ني َوالْ َعامل َ الص َدقَ ُ
َّ
َ َ ََ
السبِ ِيل)) . 2إال أهنم اختلفوا يف مصرف "يف سبيل اهلل" ,بني قاصر له على الغزاة املتطوعني .وبني موسع ملعناه َّ
حىت يشمل املصاحل العامة اليت ينتفع هبا املسلمون كافة ,ومن ذلك "املراكز اإلسالمية".
والرتجيح يف املسألة يقتضي اعتبار املآل يف تنزيل احلكم على واقع املسلمني بديار املهجر:
وبالرجوع إىل واقع املسلمني بديار املهجر؛ جند أن هذه املراكز اإلسالمية حتتاج لكثري من األموال لشراء
مقراهتا ,أو بنائها ,وكذا صيانتها وإدارة أمورها مبا خيدم رسالتها .وقد ال تكفي أموال التبعات نظرا لغالء البقع
األرضية بتلك الديار.
مث إن حاجة املسلمني هلذه املراكز ملحة هناك ,فهي حتقق مقصدا عاما من مقاصد الشريعة اإلسالمية
"مقصد حفظ الدين" .فتضمن هلم أماكن إلقامة صلواهتم ,وتعليم أبنائهم اللغة العربية اليت هي لغة القرآن,
وحتفيظهم كتاب اهلل تعاىل ,وربطهم هبويتهم اإلسالمية .كما أهنا جمال خصب لدعوة غري املسلمني إىل دين اهلل.
كل هذا وغريه؛ ال شك أنه يف سبيل اهلل ,ويف سبيل نشر رسالته خاصة إذا علمنا بأن احلرب املفروضة على
املسلمني اليوم هي حرب فكرية سخر هلا أعداؤنا كل طاقاهتم خاصة ما يتعلق باجلانب اإلعالمي الذي أثر ال
حمالة سلبا على فكر املسلمني وأبنائهم وخاصة بديار املهجر .وعدم وجود هذه املراكز ,سيفوت كل هذه املصاحل
على املسلمني ,وسيجعلهم يف مشقة شديدة جتعلهم يبتعدون عن دينهم ,ورمبا جيد أبناء املسلمني يف املراكز
األخرى التنصريية بديال .فاعتبارا للمآالت يكون لزاما السماح هلؤالء املسلمني ببناء هذه املنشئات من أموال
الزكاة .واهلل تعاىل أعلم.
1أخرجه أبو داود يف سننه ,كتاب الزكاة ,باب من جيوز له أخذ الصدقة وهو غين ,حديث رقم ,5341وصححه األلباين يف إرواء الغليل
يف ختريج أحاديث منار السبيل ,املكتب اإلسالمي – بريوت ,ط5181 ,1م .400/4 ,وأخرجه احلاكم يف مستدركه ,كتاب الزكاة ,رقم
,5380وقال صحيح على شرط الشيخني.
2التوبة.10:
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 129 جملة املدونة:
خاتمة.
بعد هذه الوقفات السريعة يف ثنايا هذا البحث ,يتضح للقارئ ,أمهية أصل اعتبار املآل ,وأمهيته يف تنزيل
األحكام وخاصة تلك املتعلقة باجلالية املسلمة املقيمة بديار املهجر .ومن خالل هذه الورقات ميكن الوصول إىل
النتائج والتوصيات التالية:
اعتبار املآل أصل معتب يف الشرع ,يستطيع اجملتهد بواسطته اإلجابة على النوازل املستجدة ,مما ال يدع
شكا يف صالحية الشريعة لكل زمان ومكان.
اعتبار املآل جتسيد لواقعية الشريعة يف عالقتها بأحوال املكلفني.
اعتبار املآل من آليات االجتهاد التنزيلي اليت حيتاجها اجملتهد ,ذلك أن مرحلة تنزيل احلكم على النازلة,
تعتب من آخر مراحل عملية االجتهاد وأمهها ,وتقوم على حتويل احلكم الشرعي الذي وقع متثله يف مرحليت التصور
واالستدالل إىل منط عملي ينظم احلياة البشرية يف الواقع ووفق مقصود الشرع ومراده.
تزداد أمهية اعتبار املآل بديار املهجر ,حيث جيد املسلمون أنفسهم -يف تلك البالد غري اإلسالمية-
أمام نوازل مستجدة ,لو أفىت فيها الفقيه غري ناظر ملآالت الفعل ,وقع املسلمون هناك يف مشقة وحرج ما جاءت
الشريعة إال لدرئه عنهم.
الئحة المصادر والمراجع:
القرآن الكرمي
أحباث هيئة كبار العلماء باململكة العربية السعودية ,األمانة العامة هليئة كبار العلماء ,طبع ونشر الرئاسة العامة
للبحوث العلمية واإلفتاء-الرياض ,ط8519 ,5م
أحكام القرآن ,ابن العريب ,حتقيق حممد عبد القادر عطا ,دار الكتب العلمية ,بريوت – لبنان ,ط8559 ,9م
أحكام وفتاوى الزكاة والصدقات والنذور والكفارات ,بيت الزكاة بالكويت ,مكتب الشؤون الشرعية ,اإلصدار
الثامن8553 ,م.
إرواء الغليل يف ختريج أحاديث منار السبيل ,األلباين ,املكتب اإلسالمي – بريوت ,ط1325 ,8م.
أساس البالغة ,الزخمشري ,حتقيق حممد باسل عيون السود ,دار الكتب العلمية ,بريوت – لبنان ,ط1332 ,1م.
أصل اعتبار املآل بني النظرية والتطبيق ,عمر جدية ,دار ابن حزم ,ط8515 ,1م.
أصول السرخسي ,دار املعرفة – بريوت.
اعتبار املآالت ومراعاة نتائج التصرفات ,عبد الرمحن معمر السنوسي ,دار ابن اجلوزي ,ط1484 ,1ه .
اعتبارا مآالت األفعال وأثرها الفقهي ,وليد بن علي احلسني ,دار التدمرية-الرياض ,ط8553 ,8م
االعتصام ,الشاطيب ,حتقيق سليم بن عيد اهلاليل ,دار ابن عفان ,السعودية ,ط1338 ,1م.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 131
يف االجتهاد التنزيلي ,بشري بن مولود جحيش ,كتاب األمة ,العدد ,39مارس 8559م.
يف فقه األقليات املسلمة ,يوسف القرضاوي ,دار الشروق ,ط 8557 ,9م.
القاموس احمليط ,الفريوزآبادى ,حتقيق مكتب حتقيق الرتاث يف مؤسسة الرسالة ,مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر
والتوزيع ,بريوت – لبنان ,ط8555 ,2م.
قضايا فقهية يف األقليات املسلمة ,خالد سيف اهلل الرمحاين ,مؤسسة إيفا للطبع والنشر-اهلند,
الكتاب املصنف يف األحاديث واآلثار ,أبو بكر بن أيب شيبة ,حتقيق كمال يوسف احلوت ,مكتبة الرشد -الرياض,
ط1453 ,1ه .
لسان العرب ,ابن منظور ,دار صادر – بريوت ,ط1414 ,9ه .
مآالت األفعال يف املصطلح املقاصدي ,حممد كمال الدين إمام ,مؤسسة الفرقان للرتاث اإلسالمي ,مركز دراسات
مقاصد الشريعة اإلسالمية ,ط1,8518م.
مآالت األفعال وأثرها يف تغيري األحكام ,حسني الذهب ,أصلها رسالة ماسرت من اجلامعة األردنية ,حتت إشراف
الدكتور فتحي الدريين.
مآالت األفعال وأثرها يف فقه األقليات املسلمة ,عبد اجمليد النجار ,حبث مقدم للدورة التاسعة للمجلس األورويب
لإلفتاء والبحوث ,يوليو.8558
املبسوط ,السرخسي ,دار املعرفة-بريوت ,دون طبعة1339 ,م
احملصول ,فخر الدين الرازي ,دراسة وحتقيق طه جابر العلواين ,مؤسسة الرسالة ,ط1337 ,9م
مرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح ,أبو احلسن نور الدين املال اهلروي القاري ,دار الفكر ,بريوت – لبنان ,ط,1
8558م
املصباح املنري للفيومي ,املكتبة العلمية – بريوت ,بدون طبعة.
املصطلح األصويل عند الشاطيب ,فريد األنصاري ,معهد الدراسات املصطلحية ,ط8554 ,1م.
معجم مقاييس اللغة ,أمحد بن فارس ,حتقيق عبد السالم حممد هارون ,دار الفكر1373 ,م.
املعونة على مذهب عامل املدينة ,عبد الوهاب البغدادي املالكي ,حتقيق عبد احلق محيش ,املكتبة التجارية,
مصطفى أمحد الباز -مكة املكرمة ,بدون طبعة.
مفاتيح الغيب ,فخر الدين الرازي ,دار إحياء الرتاث العريب – بريوت ,ط1485 ,9ه
املفردات يف غريب القرآن ,الراغب األصفهاىن ,حتقيق صفوان عدنان الداودي ,دار القلم ,الدار الشامية -دمشق
بريوت ,ط1418 ,1ه .
املوافقات ,الشاطيب ,حتقيق مشهور بن حسن آل سلمان ,دار ابن عفان ,ط1337 ,1م.
موطأ اإلمام مالك ,حتقيق حممد فؤاد عبد الباقي ,دار إحياء الرتاث العريب -لبنان1325 ,م.
نظرية التعسف يف استعمال احلق يف الفقه اإلسالمي ,فتحي الدريين ,مؤسسة الرسالة -بريوت ,ط1322 ,4م
نظرية املقاصد عند اإلمام الشاطيب ,أمحد الريسوين ,الدار العاملية للكتاب اإلسالمي ,ط 1338 ,8م,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 132
مقدم اة:
اج ا ,ال ينض ب ماؤه ا؛ وه ً
اجا ّومنهاجا ,وجعل الس نة تبيانُا ل ه فأض حت س ر ُ
ً احلمد هلل الذي أنزل القرآن شرعة
ملحا أُ ً
جاجا. بلسما,كالرتياق ال ًاجا ,سائغ املذاق ً ثج ً
إ ْذ غدا منهم ًرا ّ
فاستجلت معامل األحكام ,واستبان احلالل واحلرام ,وأثبتت صالحيتها لكل زمان ومكان ,واس تيعاهبا حاج ات ْ
ك ل عص ر ومتطلب ات خمتل ف األق وام ..ف ال جت د حادث ة إال وللش ريعة فيه ا حك م ,وال تن زل نازل ة إال وأله ل العل م
والفقه فيها رأي وفهم(.)1
والص الة والس الم عل ى خ رية خل ق اهلل يف أرض ه ومسائ ه ,حمم د ب ن عب د اهلل ,س يّد أنبيائ ه ,وعل ى آل ه وأص حابه
وأصفيائه ,وكل من سار على هنجهم واقتفى غرزهم وورث علم النبوة من أوليائه .أما بعد؛
فمن سنن اهلل يف كونه ودالئله على خلقه تعاقب الوقائع واألحوال ,وتقلب األح داث واأله وال ,وبع ث األئم ة
أوتادا لألمة كاجلب ال ,لالجته اد يف تفس ري النص وص والنظ ر فيه ا ,وجن ِي مثرهت ا ,وجعله ا س هلة املن ال ,والاجملددين ً
يكون ذلك إال لذي الرأي احلصيف ,املدرك لعلم الشرع الشريف.
هذا وإن العبد حباجة ماسة وملحة إىل معرفة أحكام نوازل عصره فيما يتكرر عليه يف حياته؛ سواء يف العبادات
أو املعامالت ,ل ئال يق ع فيم ا ح رم اهلل ,إذ احلي اة أمان ة سنس أل عنه ا ي وم القيام ة ,وال س بيل للف الح يف ال دارين إال
بالعم ل ب الوحيني -قرآن ا وس نة -فهم ا ط وق النج اة ومهي ع النم و واالرتق اء يف مجي ع املي ادين ال يت تكتن ف حي اة
اإلنسان .وملا كان األمر كذلك انبى يف كل زمان أعالم فحول وطنوا أعمارهم وجه ودهم لبي ان األحك ام الش رعية
املناس بة لك ل نازل ة ,ف ذللوا الص عاب ,وأخ ذوا بي د األم ة إىل ب ر األم ان ,وبرهن وا عل ى ص الحية الش ريعة اإلس المية
لكل زمان ومكان...
ولذا رمت من خالل ذا البحث الوقوف على فقه النوازل تعريفا وأمهية ,مع ذكر مناذج من نوازل املعيار
املعرب ,لإلمام الونشريسي (ت314ه ) املندرجة يف باب واحد ,ودراستها أصوليا وعمرانيا وتارخييا ,مث تذييل
ذلك ببحث ببليوجرايف استفرغت فيه جهدي الستقصاء كتب النوازل املغربية املؤلفة يف احلقبة املمتدة من القرن
اخلامس إىل القرن اخلامس عشر هجري ,واعتمدت يف عرض قضايا البحث ومسائله -أصالة -على املنهج
الوصفي التحليلي.
وه اادفي م اان ه ااذه الدراس ااة :بي ان أمهي ة ه ذا الفق ه اجللي ل يف خمتل ف جم االت حي اة اإلنس ان ,وإب راز م دى
استص حاب العلم اء الن وازليني لألدل ة األص ولية والفقهي ة عن د مع اجلتهم للقض ايا املس تجدة املعروض ة عل يهم ,وك ذا
التعريف بالكتب النوازلية املغربية وبأعالمها األجالء.
وأما عن الدراسات السابقة في الموضول ،فأذكر من أهمها ما يلي:
-أمهية كتب الفق ه يف الدراس ات التارخيي ة :كت اب املعي ار للونشريس ي منوذج ا ,زاه ي حمم د .مق ال مبجل ة
احلوار املتوسطي العدد 2مارس 8515م.
-أمهي ة الن وازل يف الدراس ات الفقهي ة واالجتماعي ة والتارخيي ة ,إمساعي ل اخلطي ب ,مق ال منش ور مبجل ة دع وة
احلق -العدد 912رمضان /1412يناير-فباير.
-سبل االستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي يف التطبيقات املعاصرة ,وهبة الزحيلي.
-فق ه الن وازل –دراس ة تطبيقي ة تأص يلية ,-حملم د ب ن حس ن اجلي زاين ,نش ر :دار اب ن اجل وزي ,الس عودية,
الطبعة الثانية 1487ه 8552/م.
( )1
-فق ه الن وازل عن د علم اء الق رويني وأث ره يف احلرك ة االجتهادي ة -أمين ة مزيغ ة سلس لة ن دوات وم ؤمترات
جهود علماء القرويني يف خدم ة امل ذهب امل الكي :األص الة واالمت داد -الرابط ة احملمدي ة للعلم اء -مرك ز دراس ب ن
إمساعيل -ط1495 1ه.8514 -
-فق ه الن وازل يف س وس قض ايا وأع الم منش ورات كلي ة الش ريعة بأك ادير ,حلس ن العب ادي ,مطبع ة النج اح
اجلديدة -الدار البيضاء ,الطبعة األوىل 1485ه .
-فق ه الن وازل – قض ايا فقهي ة معاص رة,-لبك ر ب ن عب د اهلل أب و زي د : ,مؤسس ة الرس الة ,الطبع ة األوىل
1412ه 1332 /م
-فقه النوازل يف املذهب املالكي مداخلة ألقاها األستاذ حممد التمسماين خالل الندوة العلمي ة ال يت عق دهتا
وحدة التكوين والبحث يف الدراسات الشرعية واملنهجية يف العلوم.
-فق ه الن وازل ل دى علم اء املغ رب :احلق ائق -اخلص ائص -اآلث ار ,حمم د التمس ماين مق ال ض من جمل ة
اإلبصار العدد األول ,ربيع األول 1494ه /فباير 8519م
-امل دخل إىل فق ه الن وازل ,عب د الناص ر أيب البص ل ,وه و حب ث منش ور ض من كت اب حب وث يف دراس ات
فقهية يف قضايا فقهية معاصرة.
-النص النوازيل للغرب اإلسالمي أداة لتجديد البحث يف تاريخ احلضارة اإلسالمية ,فاطمة بلهواري مق ال
مبجلة عصور جامعة وهران اجلزائر العدد 17جوان -ديسمب 8511م.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 134
-الن وازل الفقهي ة وإش كالية امل نهج " حن و توظي ف أمث ل لل نص تارخي ا وفقه ا " ,مص طفى الص مدي ,مق ال
مبجلة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية بنمسيك جامعة احلسن الثاين الدار البيضاء.
هذا ,وقد اعتمدت يف البحث اخلطة املنهجية التالية:
فبعد املقدمة ,تناولت املوضوع يف أربعة مباحث وخامتة.
ففي املقدمة :ذكرت اخلطة املتبعة يف البحث.
وأم ا املبح ث األول :فخصص ته للتعري ف بفق ه الن وازل بتعري ف جزأي ه وتعريف ه باعتب اره علم ا ولقب ا ,مث ذك ر
املصطلحات املرادفة للنوازل عند االستعمال وذلك يف أربعة مطالب.
فاملطلب األول :بينت فيه حقيقة الفقه لغة واصطالحا.
واملطلب الثاين :عرفت فيه النوازل لغة واصطالحا.
واملطلب الثالث :أفردته لتعريف فقه النوازل باعتباره لقبا.
بينما املطلب الرابع واألخري :عرضت فيه جمموعة من املصطلحات املرادفة للنوازل.
مث انتقلت إىل املبحث الثاين فقصرته على أمهية كتب النوازل من خالل أربعة مطالب:
حتدثت يف املطلب األول :عن أمهية كتب النوازل فقهيا,
ويف املطلب الثاين :عن أمهيتها تدينيا,
ويف املطلب الثالث :عن أمهيتها تارخييا,
ويف املطلب الرابع :عن أمهيتها اجتماعيا,كما ذكرت أمهيتها اقتصاديا وأمنيا و ثقافيا...
ألدل ف إىل املبح ث الثال ث وتناول ت في ه دراس ة تطبيقي ة ألرب ع ن وازل فقهي ة -م ن كت اب املعي ار ,لإلم ام
الونشريسي -مندرج ة ض من ب اب البي وع ,فج اء ذل ك يف أربع ة مطال ب ,أف ردت لك ل نازل ة مطلبً ا اس تهللته بس رد
النازلة مث ببيان أصول اإلفتاء املعتمدة فيها ,وختمته بذكر أهم الفوائد العمرانية والتارخيية املتصلة هبا.
وتل وت ه ذا مببح ث راب ع جعل ت س يماءه :ببليوجرافي ة كت ب الن وازل املغربي ة ,وتناولت ه يف مطلب ني ,خصص ت
األول :لسرد ه ذه الكت ب مرتب ة ترتيبً ا زمانيً ا ,يف ح ني قم ت يف املطل ب الث اين بق راءة وص فية هل ذه الببليوجرافي ة م ن
خ الل رس م بي اين واص ف لنس ب الت أليف كث رة أو قل ة؛ باعتب ار ك ل ق رن م ن الق رون امل ذكورة يف الثّب ت م ع تذييل ه
خبالصة واستنتاج.
مث ختمت بخاتمة ضمنتها أهم النتائج واخلالصات املتوصل إليها.
خالصا صوابًا لوجهه ال ااكريم ،وأن ينفاع باه كاتباه
ً األمااة بهذا العمل ،وأن ياكتبه
أسأل اهلل العظيم أن يَنفع ّ
وقارئه وناشره ،وكل من ساهم فيه من قريب أو بعيد بقليل أو كثير.
كثيرا.
تسليما ً
ً وصلى اهلل على سيدنا محمد وآله وصحبه ..وسلّم
رب العالمين.
والحمد هلل ّ
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 135 جملة املدونة:
المبحث األول
التعريف بفقه النوازل
قبل الدخول يف أي علم وسب أغواره وبيان أصوله وفروعه فال بد من حتديد حده وحقيقت ه ,وم ن مث ف أول م ا
أستفتح به هذا البحث بي ان حقيق ة فق ه الن وازل لغ ة واص طالحا مقتفي ا يف ذل ك خط ا أه ل الف ن واالص طالح عن د
تع ريفهم مل ا رك ب م ن ج زأين م ن املص طلحات العلمي ة حي ث ج رت ع ادهتم عل ى تعري ف املرك ب ب الوقوف عل ى
أجزائه مث تعريفه ككل باعتباره لقبا ,وبناء عليه فسأكشف لثام فقه النوازل عب اخلطوات اآلتية:
تعريف الفقه لغة واصطالحا,
تعريف النوازل لغة واصطالحا,
تعريف فقه النوازل باعتباره لقبا.
المطلب األول :تعريف الفقه لغة واصطالحا:
أوال :الفقه لغة:
يح ,يَ ُد ُّل َعلَ ى إِ ْد َر ِاك اح ٌد ِ
اف وا ْهل اء أَص ل و ِ
صح ٌَ يقول ابن فارس (ت935ه )يف معجم ه :الْ َف اءُ َوالْ َق ُ َ َ ُ ْ ٌ َ
َّي ِء َوالْعْل ِم به.
ِ ِ ِ ()1
الش ْ
فمادة الفقه من حيث اللغةُ تدور على الفهم واإلدراك والعل م وه ي مع ان متقارب ة ال دالالت ومتح دة املرام ي
والغايات.
ثانيا :الفقه اصطالحا:
وأم ا ع ن حقيق ة الفق ه اص طالحا فق د تقارب ت في ه عب ارات أه ل الف ن وأق واهلم وه ذه بع ض تعريف اهتم أس وقها
على سبيل التمثيل ال احلصر:
يق ول اإلم ام تق ي ال دين أب و احلس ن عل ي ب ن عب د الك ايف الس بكي (ت752ه ) يف بي ان ح ده ه و" :العل م
()3
باألحكام الشرعية العملية املكتسب( )2من أدلتها التفصيلية"
وذك ر اإلم ام ع الء ال دين امل رداوي (ت225ه ) ع دة تعريف ات للفق ه قارن ا ذل ك بإب داء م ا ع َّن ل ه م ن
مالحظ ات وإش كاالت ويف ذل ك يق ول (" :):إن ه نف س األحك ام الش رعية الفرعي ة-وأعق ب بقول ه -وه و أظه ر ,
وه و ال ذي اخت اره اب ن مفل ح ,واب ن قاض ي اجلب ل ,والعس قالين ,ومج ع كث ري"( , )4مث ف رق ب ني الفق ه ال ذي ه و
( - )1معجم مقاييس اللغة البن فارس ,مادة :فقه ,)448 /4( ,ويراجع يف بيان معىن الفقه كذلك :لسان العرب ,مادة فقه,)9455 /5( ,
و القاموس احمليط ,الفريوز آبادي ,مادة :فقه( ,ص.)1855 :
( -)2ملحوظة :يذكر الب عض لفظ "املكتسبة" بدل "املكتسب" وهو لفظ مرجوح؛ ألن املكتسب صفة للعلم ال األحكام على التحقيق.
( -)3اإلهباج يف شرح املنهاج ( ,)82/1وهو عني ما قاله الزركشي يف البحر احمليط ( ,)15/1واإلسنوي يف التمهيد يف ختريج الفروع على
األصول( ,ص.)55:
( -)4التحبري شرح التحرير يف أصول الفقه ,لعالء الدين املرداوي احلنبلي.)129 /1( ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 136
نف س األحك ام والعل م ال ذي يتوص ل ب ه إليه ا فق ال" :إذ العل م أو املعرف ة بالفق ه غ ري الفق ه ,ف ال يك ون داخ الً يف
()1
ماهيته ,وما ليس داخالً يف املاهية ال يكون جنسا يف حده"
بينم ا عرف ه العالم ة حمم د ب ن عل ي الش وكاين (ت1855ه ) بقول ه" :العل م باألحك ام الش رعية ,ع ن أدلت ه
()2
التفصيلية باالستدالل".
وعلي ه فاملش هور عن د عام ة الفقه اء يف ح د الفق ه ومعن اه ه و التعري ف القائ ل بأن ه العل م باألحك ام الش رعية
العملية املكتسب من أدلتها التفصيلية.
هذا ومل يكن الفقه مقتصرا عند القدامى على األحكام العملية فقط ,بل كان شامال لألحكام العلمي ة أيض ا؛
إذ جن د اإلم ام أب ا حنيف ة (ت155ه ) قس مه إىل فق ه أك ب وه و م ا يتعل ق بالعقي دة ,وفق ه أص غر ويش مل ك ال م ن
العادات والعبادات واملعامالت.
فبعد ه ذا التعري ف املقتض ب للفق ه أنتق ل إىل اجل زء الث اين م ن املص طلح أال وه و الن وازل ألب رز دالالت ه اللغوي ة
واالصطالحية.
المطلب الثاني :تعريف النوازل لغة واصطالحا:
أوال :النوازل لغة:
()3
عرف اجلوهري (ت939ه ) النوازل بقوله" :النازلة :الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالناس"
ثانيا :النوازل اصطالحا:
لق د تع ددت دالالت الن وازل واختلف ت ح ىت ص ارت م ن االص طالحات اخلاص ة بك ل م ذهب فم ثال تُطل ق
الن وازل يف اص طالح احلنفي ة خاص ة عل ى" :الفت اوى والواقع ات" ,وه ي مس ائل اس تنبطها اجملته دون املت أخرون لَ ّم ا
ُسئلوا عن ذلك ,ومل جيدوا فيها رواية عن أهل املذهب املتق دمني ,وه م أص حاب أيب يوس ف (ت128ه ) ,وحمم د
()4
بن احلسن (ت123ه ) ,وأصحاب أصحاهبما ,وهلم جرا".
يق ول اإلم ام اب ن عاب دين (ت1858ه ) الن وازل ه ي " :الواقع ات ,وه ي مس ائل اس تنبطها اجملته دون
(.)5
املتأخرون ملا سئلوا عن ذلك ,ومل جيدوا فيها رواية عن أهل املذهب املتق ّدمني"
بينما يف اصطالح املالكية خصوصاً يف بالد األندلس واملغرب العريب فتطلق على" :القضايا والوقائع اليت
يفصل فيها القضاة طبقاً للفقه اإلسالمي ,والنوازل هبذا االصطالح تأيت مبعىن األقضية ,وهي نوازل األحكام من
()1
املعامالت املالية واإلرث وحنو ذلك مما يتعلق باحلقوق ,وتقع فيه خصومة ونزاع".
( -)1فقه النوازل –دراسة تطبيقية تأصيلية ,-حملمد بن حسن اجليزاين.)81/1( ,
( -)2اجلامع ألحكام القرآن ,للقرطيب.)998/2( ,
( -)3الرسالة( ,ص ,)83 :وانظر عبارة قريبة منها يف األم (.)832/7
( -)4التمهيد ملا يف املوطإ من املعاين واألسانيد.)922/2( ,
( -)5جامع بيان العلم وفضله.)185/8( ,
( -)6انظر :األم ,)855/1( ,وجمموع الفتاوى ,)155/81( ,وشرح فتح القدير ,)495/1( ,وحاشية ابن عابدين.)11/8( ,
( -)7األم.)855/1( ,
( -)8معلمة الفقه املالكي ,لعبد العزيز بن عبد اهلل( ,ص.)12
( -)9فقه النوازل ,لبكر أيب زيد.)3/1( ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 138
وصورها متعددة ,ومتجددة ,وخمتلفة بني البلدان أو األقاليم ؛ الختالف العادات واألعراف احمللية"(.)1
وقال عنها عبد الناصر أبو البصل :إن كلمة النوازل تطلق بوجه عام على املسائل والوقائع اليت تستدعي
حكماً شرعياً ,والنوازل هبذا املعىن تشمل مجيع احلوادث اليت حتتاج لفتوى تبينها سواء أكانت هذه احلوادث
()2
متكررة أم نادرة احلدوث ,وسواء أكانت قدمية أم مستجدة.
وورد يف معجم لغة الفقهاء أن النازلة هي" :املصيبة ليست بفعل فاعل ,وهي احلادثة اليت حتتاج حلكم
()3
شرعي".
فمن خالل هذه التعريفات واحلدود يتبني أن النوازل تشرتك يف أمور متيزها عن غريها وهي:
الوقول :أي احللول واحلصول ال االفرتاض.
الجدة :وهي اليت مل يسبق وقوعها ,ومل يرد فيها نص أو اجتهاد مسبق.
()4
الشدة :أن تكون ملحة من جهة النظر الشرعي
نبني املصطلح (فقه النوازل)؛ باعتباره لقبًا ,وهو ما تناولته يف املطلب
وبعد استجالء املعىن اللغوي للنوازلّ ,
الثالث.
المطلب الثالث :تعريف فقه النوازل باعتباره لقبا:
مل أقف –حسب علمي -على تعريف علمي لفقه النوازل باعتباره لقبا عند العلماء األوائل خبالف األواخر
الذين تنوعت ألفاظهم ومبانيهم دون مقاصدهم ومعانيهم ,وممن عرفه من يأيت:
حممد التمسماين حيث قال عنه :أجوبة شرعية على ما ينزل بالناس من وقائع ومسائل يطلب حكم الشرع
فيها"( , )5وقال عنه كذلك " :فقه النوازل هو نظر الفقيه النوازيل يف النازلة ومباشرته هلا مباشرة متكنه من تنزيل
()6
احلكم عليها"
وحلسن العبادي بقوله :هي تلك احلوادث والوقائع اليومية اليت تنزل بالناس وحتتاج إىل حكم فيتجهون
( -)1سبل االستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي يف التطبيقات املعاصرة ,د :وهبة الزحيلي( ,ص.)3 :
( -)2املدخل إىل فقه النوازل ,عبد الناصر أبو البصل ,حبث منشور ضمن كتاب حبوث يف دراسات فقهية يف قضايا فقهية معاصرة,
(.)258/8
( -)3معجم لغة الفقهاء ,حملمد رواس قلعة جي ,و حامد صادق قنييب.)75/8( ,
( -)4انظر فقه النوازل –دراسة تطبيقية تأصيلية ,-حملمد اجليزاين.)88/1( ,
( -)5فقه النوازل لدى علماء املغرب :احلقائق -اخلصائص -اآلثار ,وهو مقال حممد التمسماين( ,جملة اإلبصار العدد األول ,ربيع األول
1494ه /
فباير 8519م).
( -)6فقه النوازل يف املذهب ا ملالكي ,وهي مداخلة ألقاها األستاذ حممد التمسماين خالل الندوة العلمية اليت عقدهتا وحدة التكوين والبحث
يف الدراسات
الشرعية واملنهجية يف العلوم اإلسالمية بالغرب اإلسالمي ,بكلية اآلداب ابن طفيل – القنيطرة 14 ,مارس 8551م.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 139 جملة املدونة:
()1
للبحث عن احللول املناسبة هلا"
وكذا نسيم حسبالوي فقال " :هو تلك التساؤالت اليت أجاب وجييب عنها الفقيه عب ما يس مى بالفت اوى,
ه ذه التس اؤالت املنبعث ة م ن الن اس مبختل ف مش ارهبم ومس توياهتم س واء كان ت مش افهة أو بواس طة أو ع ب
الكتابة"(.)2
بعدما سقت هذه التعريفات هلؤالء األعالم ,يظهر لنا أن فقه النوازل هو:
((العل م ال ذي يع ىن بالبح ث والتنقي ب ع ن احلل ول و األجوب ة الش رعية املالئم ة للمس تجدات واحل وادث ال يت
تنزل بالناس واليت مل يرد فيها نص أو سبق اجتهاد)).
املطلب الرابع :املصطلحات املرادفة للنوازل:
لقد وردت عدة مصطلحات للداللة على النوازل ومن أمهها:
-1األجوبة :ومفردها إجابة ,وقد شاع استخدام هذا اللفظ يف مؤلفات الفقهاء ,وكان مستم ّداً من
َّال إِذَا َد َع ِ ِ الكتاب والسنة ,كقوله تعاىل ﴿ :وإِذَا سأَلَ َ ِ ِ
ان يب َد ْع َوةَ الد ِ ك عبَادي َعنِّي فَِإنِّي قَ ِر ٌ
يب أُج ُ َ َ
فَالْيَ ْستَ ِجيبُواْ لِي َولْيُا ْؤِمنُواْ بِي لَ َعلَّ ُه ْم يَا ْر ُش ُدو َن﴾ البقرة ,آية ( )122الكتب الفقهية مليئة بصيغة :سئل فأجاب
()3
,وبعضها ُمعنون ب "األجوبة"
-8الحوادث :ومفردها حادثة ,واحلدث من أحداث الدهر :شبه النازلة( ,)4وقال الشيخ حممد البكيت:
()5
"احلوادث هي النوازل اليت يستفىت فيها"
- 9المسائل أو األسئلة :ومفردمها مسألة أو سؤال ,وهو مطلوب يف الشرع إلزالة اجلهل ,وبيان
()6
العلم.
-4الوقائع أو الواقعات :ومفردها واقعة ,وهي النّازلة من صروف الدهر( ,)7وقال ابن عابدين :الفتاوى
()8
أو الواقعات :وهي مسائل استنبطها اجملتهدون املتأخرون ملا سئلوا عن ذلك.
( -)1فقه النوازل يف سوس قضايا وأعالم منشورات كلية الشريعة بأكادير ,للحسن العبادي ,مطبعة النجاح اجلديدة -الدار البيضاء ,الطبعة
األوىل 1485ه ,
(ص.)59 :
( -)2التاريخ وفقه النوازل بالغرب اإلسالمي :من البداية إىل عصر الونشريسي ,وهو مقال منشور مبجلة احلكمة العدد ,18السنة الرابعة
8518م( ,ص.)885:
( -)3فقه النوازل يف سوس ,احلسن العبادي ( ,ص.)55 :
( -)4لسان العرب ,مادة :حدث.) 737 /8( ,
( -)5قواعد الفقه :حممد البكيت.)823/1( ,
( -)6ومن الكتب اليت عنونت هبذا املصطلح" :املسألة اإلمليسية يف األنكحة اإلغريسية" ,أليب سامل اجلُاليل ,و "ثالمثائة سؤال وجواب",
حملمد بن حممد
الدوكايل الفاسي.
( -)7لسان العرب ,مادة :وقع.)4235 /2( ,
( -)8رد احملتار على الدر املختار البن عابدين.)23 /1( ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 141
-5الفتاوي( :)1ومفردها فتوى ,وقد تكرر لفظ الفتوى جبميع صيغها يف القرآن الكرمي.)2( .
()3
-2المستج ّدات :و يغلب استخدامه يف النوازل املعاصرة.
()4
-7األحكام :وهي غالبا ما تتعلق بأبواب األقضية واملعامالت املستجدة.
-2القضايا :يذكر هذا املصطلح يف بعض القضايا املعاصرة ,ولل ّداللة على ما يعرض على احملاكم من
()5
نوازل قضائية.
-3العمليات :وهو مصطلح ال يستخدم كثرياً والذي انفرد به أهل املغرب مثل العمل الفاسي الذي نظمه
()6
عبد الرمحن الفاسي ت1532 .ه
تنوعت املصطلحات اليت يعب هبا عن النوازل "إال أهنا –أي النوازل -ختتص باحلدوث والوقوع ,فهي أضبط يف
التعبري من الفتوى اليت تشمل سؤال الناس عن األحكام الشرعية ,سواء حدثت أم مل حتدث ...وهكذا جند هذه
األمساء ترتدد يف كتب الفقه والنوازل مبختلف الصيغ ,واملسمى واحد فرتاهم يقولون :مسائل فالن ,وأجوبة فالن,
وفتاوى فالن ,والكل شيء واحد ال خيرج عن سؤال السائل وجواب املفيت"(. )7
()1
تنبيها للقارئ الكرمي ,فإننا اعتمدنا يف البحث مصطلح "ال فت اوي"؛ وهو مجع فُتيَا ,وهذا التعبري بالفتاوي (بالياء يف آخره) وال ُفتْيا ,هو
ً -
العريب ,واملعاجم اللغوية؛ ألن األصل يف الم ها الياء.
شيوعا يف اللسان ّ
األفصح لغة ,واألظهر ً
كثريا على ألسنة الناس اليوم؛ فهو خالف األصل واألفصح ,غري أن ٍ
وأما قوهلم" :فت اوى" وفت وى (باأللف املقصورة يف آخره) ,كما هو جار ً
بعضهم أجازه للتخفيف!
المبحث الثاني
أهمية كتب النوازل في التراث اإلسالم ّاي
تعد النوازل لونا جديدا من املسائل مل يسبق حدوثها ,كما يهدف فقهه ا إىل اإلجاب ة ع ن أس ئلة يطرحه ا
الناس وح ل ملش كالت تتعل ق حبي اهتم اليومي ة إذ ال خيل و ه و اآلخ ر م ن طع م فري د يقب ل علي ه الن اس ويتلهف ون
إلي ه ملعرف ة احلل ول املناس بة ملش كالهتم,ومن مث ف إن لكت ب الن وازل أمهي ة عظيم ة يف جوان ب متع ددة كاجلان ب
الديين والفقهي والتارخيي واالجتماعي واالقتصادي( )1وغريها.
فما هي مظاهر وجتليات هذه األمهية؟ وهل هناك أدلة وبراهني عليها؟
املطلب األول :األمهية الفقهية لكتب النوازل:
تش تمل كت ب الن وازل عل ى أحك ام فقهي ة غزي رة يف خمتل ف اجمل االت احلياتي ة ,تع ود عل ى الفقي ه املف يت اجملته د
الناظر يف الوقائع املستجدة بالنفع والفائدة وميكن إمجال هذه األمهية الفقهية فيما يأيت:
-معرفة اجتاه وموقف صاحب الفتوى من النازلة ,واالطالع على أصوله اليت اعتم د عليه ا يف اجته اده وفت واه
وه و الس بيل األمث ل للنه وض باألم ة اإلس المية والطري ق األق وم حلس ن تطبي ق األحك ام عل ى الواق ع ,كم ا أن ه يغ ين
الفقي ه بعل م م ن س لفه م ن العلم اء ,فيجعل ه أكث ر إتقان ا ملهم ة اإلفت اء الس تفادته بفت اوى م ن س بقه إذا كان ت
متطابقة مع النازلة املعروضة عليه أو أن يسلك منهجهم يف دراس ة ن وازل عص رهم عل ى نازل ة عص ره ح ىت يص ل إىل
استنباط احلكم الشرعي املناسب هلا ..يقول األستاذ حممد التمسماين :إذا أردنا أن نسهم يف إحياء تراثنا ال ب د لن ا
( - )1يذكر حممد بن شريفة أن عددا من املستشرقني تنبهوا إىل أن املؤلفات الفقهية يف الفروع مثل :النوازل ,والفتاوى ,والشروط ,والرسوم
العدلية,
واحلوليات احلبسية ,تنطوي على أمهية تارخيية ,واجتماعية واقتصادية ,وعدوها يف مجلة الوثائق التارخيية ,واعتبوها من املصادر اإلخبارية.
من أًداء احلياة اليومية
يناير .1328 السنة التاسعة يف سبتة املرابطية -جملة« املناهل» عدد .88
وهو ما أكده حممد املختار ولد السعد بقوله" :يعود الفضل يف لفت االنتباه إىل الفتاوى والنوازل كمصادر للتاريخ االقتصادي واالجتماعي
العريب بوجه عام
واملغريب بوجه خاص يف الفرتة املعاصرة إىل جمموعة من علماء اإلسالميات الغربيني املهتمني برتاث املنطقة الثقايف واملشتغلني بتارخيها يف
أبعاده االجتماعية
والسياسية والفكرية" الفتاوى والتاريخ :دراسة ملظاهر احلياة االقتصادية واالجتماعية يف موريتانيا من خالل فقه النوازل حممد املختار ولد
السعد دار الغرب
اإلسالمي ص ,18 :الطبعة األوىل .8555
وإىل هذا تشري الباحثة فاطمة بلهواري بقوهلا..."" :ويرجع الفضل للمدرسة االستشراقية يف التنبيه إىل قيمتها املصدرية وإمكانية استغالهلا
وتوظيفها ضمن
البحث التارخيي احلضاري .النص النوازيل للغرب اإلسالمي أداة لتجديد البحث يف تاريخ احلضارة اإلسالمية ,لفاطمة بلهواري( ,ص)29 :
جملة عصور جامعة
وهران اجلزائر العدد 17جوان /ديسمب .8511
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 142
أن نق رأ ت راث أس الفنا و علمائن ا رمحه م اهلل تع اىل ,لنس تفيد من ه يف معاجل ة الن وازل و القض ايا املس تجدة يف عص رنا
احلاضر )1(.وإذا أمعنا النظر يف أصول اإلفتاء عند املالكية رأيناهم يعتمدون على أصل التخريج أو اإلجراء وحقيقت ه
ختريج الفروع على الفروع ,فقد استدل أبو العباس الونشريسي بأصل " القياس عل ى الن وازل " وه و أص ل اعتم ده
مت أخرو الفقه اء واملفت ون يف امل ذهب امل الكي ,وس نجد أن أب ا العب اس الونشريس ي مل يش َّذ ع ن ه ذا امل نهج ,فق د
أجاب عن النوازل املعروضة عليه ,واعتمد يف تعليقه على النوازل اليت أجاب عليها غ ريه معتم دا يف ه ذا وذاك عل ى
()2
نوازل سابقة تتفق مع النازلة املعروضة يف العلة واحلكم .وذلك يف مواضع مشهودة من موسوعته املعيار املعرب
-اإلس هام يف وض ع األص ول والض وابط االجتهادي ة ومعرف ة م دى ج دواها وقابليته ا للتطبي ق عل ى الواق ع مم ا
يس هل عل ى الفقي ه الن وازيل عمل ه يف اس تنباط األحك ام الش رعية لوق ائع عص ره.وهذا م ا تش ري إلي ه أمين ة مزيغ ة :لق د
أسهمت كثرة التأليف يف فقه النوازل يف خلق هنضة اجتهادية خاص ة بع د أن أواله ا العلم اء والفقه اء قس طا كب ريا,
وحظا وافرا من العناية والتمحيص ,والدراسة والتحقيق ,فعمل وا عل ى إمع ان النظ ر فيه ا ,وب ذلوا جمه ودا يف اس تجالء
حكم ما يرد عليهم ويعرض هلم من الفتاوى واألحكام ,ويطرأ هلم من الن وازل والقض ايا املس تجدة م ع ت وايل األي ام,
وتطور احلياة يف خمتلف مناحيها وجوانبها املتعددة ,اليت تعتب النوازل والفتاوى صورة هلا ,ومرآة ص افية تعك س واق ع
احلياة االجتماعية للناس ,وتقتضي التعمق يف البحث والنظر ,للتعرف على احلكم الشرعي واالهتداء إلي ه يف النازل ة
املعروضة)3(.وتقول كذلك( :إن) "نظ ر الفقي ه الن وازيل يف الوق ائع يع ب ع ن ارتب اط الفق ه باحلي اة اليومي ة ال يت تقتض ي
من ه االجته اد يف إجي اد أحك ام مل ا يط رأ م ن القض ايا والن وازل ,وجعله ا مالئم ة ل روح الش ريعة ,فعرف ت تل ك الف رتة
نض جا وإب داعا ,فك ان االجت اه الن وازيل ممتزج ا بأص ول االجته اد واالس تنباط ,مم ا أك د أن االجته اد ض رورة ملح ة,
()4
وبابه مفتوح ما دامت احلوادث وجدت النوازل.
-الوقوف على دقائق املسائل الفقهية مم ا ال جن د ل ه أث را أو ذك را يف كت ب الفق ه ,يق ول إمساعي ل اخلطي ب :إن
االس تفادة الفقهي ة تظ ل يف مقدم ة م ا جيني ه ال دارس ,ذل ك أنن ا جن د يف كت ب «الفت اوى» و«الن وازل» م ن دق ائق
املسائل ما ال جنده يف كتب الفقه األخرى ,وذلك نظرا الرتباط تلك املس ائل بوق ائع احلي اة وباملش كالت املس تجدة
)5(.
( - )1فقه النوازل يف الغرب اإلسالمي :حوار أجراه حممد بن إدريس العلمي مع الباحث حممد التمسماين :على هامش الندوة اليت نظمتها
شعبة الدراسات اإلسالمية ووحدة الدراسات املنهجية الشرعية يف الغرب اإلسالمي بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية جامعة ابن طفيل بالقنيطرة
يف موضوع " :فقه النوازل يف الغرب اإلسالمي ,تارخيا ومنهجا " يوم األربعاء 14مارس 8551م .انظر موقع:
http://articles.islamweb.net/Media/index.php?page=article&lang=A&id=2630
( - )2األصول اليت استند إليها أبو العباس الونشريسي يف فتاوى املعيار املعرب .دة :عفيفة خرويب ص .437 :ندوة املدرسة املالكية اجلزائرية
من تنظيم وزارة الشؤون الدينية واألوقاف اجلزائر 12-15-14أفريل 8553م.
( - )3فقه النوازل عند علماء القرويني وأثره يف احلركة االجتهادية -أمينة مزيغة( ,ص.)955 :
( – )4املصدر السابق( ,ص.)952 :
( - )5أمهية النوازل يف الدراسات الفقهية واالجتماعية والتارخيية ,إلمساعيل اخلطيب جملة دعوة احلق -العدد 912رمضان .1412
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 143 جملة املدونة:
-التعاارف علااى الفقااه التطبيقااي العملااي؛ إذ ال س بيل ل ذلك إال ع ن طري ق االط الع ودراس ة ه ذه الكت ب
النوازلية اليت دجمت الفقه النظري بالتنزيل العملي على واقع الن اس املع اش وه ذا ه و الثم رة املرج وة والفائ دة املنش ودة
من التنظري والتأصيل للفقه ,تقول الباحثة زهور أربوحُ " :ع َّد فقه النوازل نقال لنص وص الفق ه النظ ري م ن األمه ات
الفقهي ة إىل مواق ع العم ل هب ا تطبيق ا وتنفي ذا يف احمل اكم واألس واق ويف احلِس بة ويف البي وت واألح وال الشخص ية ويف
الطرقات ,وإخراجا للفقه من فروضه النظري ة إىل بُع ده ال واقعي االجتم اعي ,)1(.وت ذكر الباحث ة فاطم ة بله واري "أن
فق ه الن وازل يعك س قض ايا ذات ط ابع نظ ري وتطبيق ي وخباص ة ذل ك املتعل ق باملع امالت ففائدت ه مج ة ال ُحتص ى
()2
كالتعرف واالستفادة من الفقه التطبيقي".
ُّ
البهنة على مدى صالحية الشريعة اإلسالمية واألحكام الفقهي ة لك ل زم ان ومك ان وملختل ف األح وال واألوض اع,
م ع الت دليل عل ى أفض لية ه ذه األحك ام عل ى الق وانني الغربي ة واألحك ام الوض عية ,فاجملتمع ات اإلس المية ال يت
حكمت الشريعة اإلسالمية يف خمتلف جوانب حياهت ا نعم ت حبي اة متمي زة واس تقرار نفس ي ومل تعوزه ا أحك ام ه ذه
الشريعة الربانية عن إجياد احللول املالئمة ملستجدات حياهتا كيفما كانت ويف هذا دليل عملي ملم وس عل ى مشولي ة
الشريعة اإلسالمية لغىن أحكامها وتنوع أصوهلا خمتلف األوضاع واجملاالت سياسية كانت أو اقتصادية أو اجتماعي ة
أوغريها ,يقول مصطفى الصمدي " ملا كان ت أجوب ة الفقي ه جميب ة عل ى أس ئلة املس تفتني ,فإنن ا وج دنا أنفس نا أم ام
وت رية متس ارعة م ن األس ئلة واألجوب ة يُراد منه ا اختب ار قُدرة الفقي ه عل ى مالحق ة التط ورات ومواكب ة املس تجدَّات,
وهي بالتبع ِمرآة صادقة جملتمع يتحرك يف الزم ان ,وتتن وع أقض يته بتن وع احل ال والس ؤال ,وم ن هن ا اتس مت بالواقعي ة
والتجدد ,وكانت األجوبة فيها مراعية للسياق احمللي واالجتماعي"(.)3
احتواؤه ا عل ى فت اوي ل بعض العلم اء ال ذين فق دت كت بهم وض اعت ,يق ول اإلم ام الونشريس ي يف مقدم ة
كتاب ه العي ار املع رب" :مجع ت في ه م ن أجوب ة مت أخريهم العص ريني ومتق دميهم مم ا يعس ر الوق وف عل ى أكث ره يف
أماكنه ,واس تخراجه م ن مكامن ه ,لتب دده وتفريق ه ,وانبه ام حمل ه وطريق ه ,رغب ة يف عم وم النف ع ب ه ,ومض اعفة األج ر
بسببه"( )4فال مناص إذن من الرجوع هلذه الكتب للحفاظ على تراثنا األص يل ,وال ش رف وال ع زة لألم ة اإلس المية
إال باألوبة إىل تارخيها العريق وجمدها العتيق.
هذا ويلخص لنا مصطفى الصمدي ما هلذه الكتب من فوائد فقهية وذلك عند حديثه عن الثمار املعرفية
اجملنية من مشروع "معجم أعالم فقه النوازل" بقوله:
" -1معرفة تتبع حركة هذا الفن وتدرجه يف الزمن ,ومن َمثَّ بيان أثر الواقع يف الفقه.
( - )1أوضاع املرأة بالغرب اإلسالمي من خالل نوازل املعيار للونشريسي -دراسة فقهية اجتماعية ,-لزهور أربوح( ,ص ,)12 :دار األمان,
الرباط ,ط1494 ,1 :ه 8519 /م.
( -)2النص النوازيل للغرب اإلسالمي أداة لتجديد البحث يف تاريخ احلضارة اإلسالمية ,لفاطمة بلهواري( ,ص.)24:
( - )3النوازل الفقهية وإشكالية املنهج " حنو توظيف أمثل للنص تارخيا وفقها " مصطفى الصمدي( ,ص ,)155 :مقال مبجلة كلية اآلداب
والعلوم اإلنسانية
بنمسيك جامعة احلسن الثاين الدار البيضاء .بصمات .8515 / 52
( - )4املعيار املعرب.)1/1( ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 144
-8معرف ة تط ور االجته اد الفقه ي زمان ا ومكان ا ,ومعرف ة درج ات املفت ني :اجملته د ,واملقلِّ د ,واملس تد ِرك,
و ِ
املختصر.
-9إبراز حدود تأثري الواقع يف الفتوى.
-4الوقوف على حلق العلم واإلفتاء.
-5تتبع شيوخ اإلفتاء وتالمذهتم.
-2ض بط أمه ات مص ادر اإلفت اء ,وم دونات الن وازل ,وطريق ة ت داوهلا ,واالس تفادة منه ا ش رحا وتعقيب ا
واختصارا ,وما شابه ذلك...
-7الوق وف عل ى تط ور من اهج الفت وى بتط ور األح وال واألزم ات والبيئ ات ,وه ل مث ة جتدي د يف املن اهج
واألدلة والرؤى.
-2تنبيه الدارسني والباحثني إىل أعالم مغمورين...
كشف م ا تزخ ر ب ه املكتب ة املغاربي ة م ن نف ائس ال ذخائر يف ه ذا الب اب ,وبي ان املخط وط م ن املطب وع م ن
املفقود".)1(.
وال يفوتين يف هناية هذا املطلب أن أنبه على أن القول باحتواء الكتب النوازلية على فوائد فقهي ة أو بتعب ري
آخ ر :بأمهي ة كت ب الن وازل بالنس بة للفقي ه يف العص ر ال راهن ل يس ب األمر املزم ع علي ه ,فهن اك م ن ي رى أن ه ذه
الكت ب ال أمهي ة هل ا فقهي ة أو ال حتت وي عل ى كب ري فائ دة بالنس بة للفقي ه ,وعلل وا ذل ك بق وهلم :إن الظ روف
احلياتية قد تغريت واملعامالت مبختلف أنواعها قد تطورت ,وبالتايل فال يصح القياس مع هذه الف وارق ع الوة
عل ى أن ه ميك ن الوص ول إىل احلك م الش رعي لك ل نازل ة مس تجدة بتطبي ق القواع د واألص ول املق ررة يف كت ب
األص ول والفق ه م ن غ ري االس تعانة هب ذه الكت ب؛ غ ري أن م ا أثبتن اه قب ُل ي دل جب الء عل ى م ا هل ذه الكت ب م ن
أمهية فقهية؛ إذ ال يكفي معرفة القواعد واألصول الشرعية جمردة دون الدراي ة بكيفي ة تنزيله ا عل ى الواق ع وكت ب
الن وازل مبثاب ة مي دان عمل ي نكتس ب من ه حس ن ال ربط ب ني التنظ ري والتطبي ق ,وه ذا ش بيه بعم ل الرياض ي
والفيزي ائي ,ووج ه الش به يظه ر يف ك ون القواع د الرياض ية أو الفيزيائي ة ال ميك ن فهمه ا بش كل واض ح جل ّي إال
بتطبيقها على متارين وأنشطة متثيلية.
المطلب الثاني :األهمية التّديّانية لكتب النوازل:
يراد باألمهية التدينية ما كانت عليه اجملتمعات اإلسالمية من تدين يف خمتلف جوانب حياهتا ,وكذا مدى
اهتمامهم بالشعائر الدينية ,وال شك أن كتب النوازل تعكس صورة اجملتمع التدينية اليت ارتبطت به يقول يف ذلك
الباحث حممد زاهي:
( - )1النوازل الفقهية وإشكالية املنهج " حنو توظيف أمثل للنص تارخيا وفقها " ,مصطفى الصمدي( ,ص.)128-121 :
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 145 جملة املدونة:
"نستخلص من خالل النصوص العديدة اليت ذكرها الونشريسي يف املعيار مدى اهتمام اجملتمع يف املغرب
اإلسالمي واألندلس باملساجد ومدى أمهيتها يف حياهتم الدينية ,فهو يعطينا فكرة صحيحة عن حالة املساجد وما
كانت حتتوي عليه من الداخل ,حيث يذكر الونشريسي أنه مت االهتمام بتزيني املساجد وإمدادها باملاء للوضوء
وطالء جدراهنا وفرشها بالسجاد واحلصر ,وتوفري زيت للوقود...
ومثة حقيقة أخرى ذكرها الونشريسي عن مدى اهتمام سكان املغرب اإلسالمي لتسهيل فريضة احلج إىل
البقاع املقدسة ,عن طريق إنشاء اسرتاحات للحجاج.)1(...
أيضا:
ويف هذا السياق تقول أمينة مزيغة ً
"إن معايشة الفقيه لكل املستجدات ,جعلته يفيت يف نوازل دقيقة وآنية متس جوانب خمتلفة من حياة
أفراد اجملتمع ,وهذا دليل على حرص الناس على معرفة احلالل واحلرام ,والوقوف عند حدود الشرع ,وعدم التجرؤ
عليها" (.)2
إذن ,ال ينك ر م ن ل ه مس كة عق ل أن الن وازل حتم ل يف عباراهت ا وإش اراهتا م ا يفي د يف إب راز مقي اس تديّ ن
اجملتمعات اإلسالمية يف العصور السابقة.
المطلب الثالث :األهمية التاريخية لكتب النوازل:
تعتب كتب النوازل الفقهية من املصادر األساسية للكتابة التارخيية وتبني ذلك من اآلمور اآلتية:
-متد هذه الكتب الباحث يف اجملال التارخيي مبادة تضن هبا كتب التاريخ ,فهذه الكتب تتجه أساسا
للح ديث ع ن طبق ة خاص ة ,بينم ا تزودن ا «كت ب الن وازل» مب ادة نستش ف م ن خالهل ا األوض اع االجتماعي ة
واالقتصادية ملختلف الطبقات )3(.ومن أمثلة على هذا ما جاء على لسان الباحث إمساعيل اخلطيب بقوله " :فمن
الطرائف اليت استفدناها من خالل من «مسائل اب ن ل ب» ت وفر غرناط ة عل ى تعاوني ات لأللب ان وتعاوني ات ملنتج ي
زي ت الزيت ون ,واملالح ظ أن أص حاب ه ذه التعاوني ات ه م ص غار الفالح ني.كم ا اس تطعنا التع رف عل ى األوض اع
()4
االجتماعية للطبقات الفقرية ,وتردي األحوال االقتصادية يف غرناطة ,وما نتج عن ذلك من أزمات خانقة.
-إن كت ب الن وازل غني ة مب ادة إنس انية دمس ة هتُ ُّم ال دارس للت اريخ احلض اري ,باعتباره ا الوص ف الص حيح
()5
والكامل للمجتمع أثناء ممارسته حلياته اليومية العقائدية واالقتصادية وحىت السياسية".
( - )1أمهية كتب الفقه يف الدراسات التارخيية :كتاب املعيار للونشريسي منوذجا ,زاهي حممد ,ص 24 -29 :جملة احلوار املتوسطي العدد 2
مارس 8515م.
( - )2فقه النوازل عند علماء القرويني وأثره يف احلركة االجتهادية -أمينة مزيغة( ,ص.)838 :
( - )3أمهية النوازل يف الدراسات الفقهية واالجتماعية والتارخيية ,إلمساعيل اخلطيب جملة دعوة احلق -العدد 912رمضان .1412
( - )4املقال السابق.
( - )5انظر مقا ل" :التاريخ املغريب ومشكل املصادر منوذج :النوازل الفقهية" حملمد مزين ص ,157-152 :جملة كلية اآلداب والعلوم
اإلنسانية بفاس عدد,8 :
1452ه 1325 /م.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 146
ولقد"اس تدعى األم ر م ع تط ور حق ول املعرف ة التارخيي ة ,ويف غي اب وث ائق بديل ة جل وء الب احثني إىل أدوات
مصدرية جديدة وبديلة حيويها ال رتاث اإلس المي ال تنتم ي م ن ناحي ة تص نيف العل وم إىل احلق ل الت ارخيي ,غ ري
أهنا تتضمن نصوص ا تارخيي ة ووث ائق هام ة تع ز يف احلولي ات التارخيي ة الكالس يكية ,وتغط ي فض اءات اجتماعي ة
()1
واقتصادية ,ويراد هبا على وجه الدقة كتب النوازل".
ومما يدل كذلك عل ى أمهيته ا كوهن ا" حتظ ى باهتم ام متزاي د ل دى الب احثني احمل دثني؛ ألهن ا متث ل ش كال م ن
أش كال اخلط اب الرتاث ي ,وه و يعك س نزع ة علمي ة ومس ة واقعي ة بعي دة ع ن أي ص بغة إيديولوجي ة أو سياس ية,
()2
فخطابه يتسم باحملايدة مما يعطيه مصداقية قد تفوق قيمة النص التارخيي,
بيد أن كتب النوازل مل تسلم من االنتقادات من بعض املؤرخني والب احثني املهتم ني بالش أن الت ارخيي ويف
ذلك يقول الباحث حمم د م زين ":م ن العي وب ال يت تؤخ ذ عل ى الن وازل م ن ط رف بع ض امل ؤرخني أهن ا ال تعت ب
التسلس ل الكرونول وجي( ,)3وأهن ا ن ادرا م ا تش ري إىل خ ب سياس ي ص حيح ,وأن جله ا ال خيض ع ملنط ق زم ين
دم ربطه ا
تتعم د ع َ
ملموس من أول قراءة ,حبيث إهنا ال تقصد أحداثا حمدودة يف الزمان بل تريد إبراز حاالت َّ
()4
بزمن أو شخص بعينه".
المطلب الرابع :األهمية االجتماعية لكتب النوازل:
ن تلمس م ن الن وازل الع ادات االجتماعي ة الس ائدة واملنتش رة يف اجملتم ع اإلس المي ال يت تعلق ت ب ه الفت وى ومم ا
ي بهن عل ى ذل ك م ا قررت ه الباحث ة فاطم ة ال بهالوي حي ث نص ت عل ى أن كت ب الن وازل رفع ت -م ن الناحي ة
االجتماعي ة -احلج ب ع ن جمتم ع الغ رب اإلس المي وذل ك ب التعريف برتكيبت ه املتنوع ة ,وبطبقات ه املتج ّذرة ,وطوائف ه
املختلف ة .وق د رص دت طبيع ة العالق ات األس رية ,ورمس ت عادات ه وتقالي ده وأعراف ه"...)5(.مب ا ت وفره م ن معلوم ات
تتعلق بتفاعل خمتل ف مكونات ه وفعاليات ه ,حي ث تش كل انعكاس ا ص ادقا لوق ائع الن اس اجلاري ة ومش كالهتم الناش ئة,
وأقض يتهم الطارئ ة ,حبس ب املقتض يات النابع ة م ن الظ روف املختلف ة حبك م خصوص ية اجملتمع ات يف الزم ان
()6
واملكان".
( - )1النص النوازيل للغرب اإلسالمي أداة لتجديد البحث يف تاريخ احلضارة اإلسالمية ,لفاطمة بلهواري( ,ص.)29 :
( – )2املصدر السابق( ,ص.)24:
( - )3يراد بالتسلسل الكرونولوجي :حتديد األحداث حسب التسلسل الزمين هلا.
( - )4التاريخ املغريب ومشكل املصادر منوذج :النوازل الفقهية ,مقال حملمد مزين( ,ص ,)157-152 :جملة كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية
بفاس عدد,8 :
1452ه 1325 /م.
( -)5النص النوازيل للغرب اإلسالمي أداة لتجديد البحث يف تاريخ احلضارة اإلسالمية ,فاطمة بلهواري( ,ص.)38 :
( -)6املرجع السابق( ,ص.)34 :
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 147 جملة املدونة:
ومن األمثلة على هذه األمهية ما ذك ره لن ا الونشريس ي يف املعي ار م ن م دى تف نن اجملتم ع يف املغ رب اإلس المي
واألن دلس يف مس اعدة احملت اجني والفق راء ,وم دى اهتم امهم بالتض امن االجتم اعي م ن خ الل املؤسس ات اخلريي ة
()1
اإلسالمي واألندلس.
ّ الوقفية اليت كانت منتشرة يف مجيع القرى واملدن باملغرب
هذا ,وللنوازل أمهية كبرية يف جوانب أخرى وجماالت ش ىت؛ فف ي اجمل ال االقتص ادي أس همت كت ب الن وازل مب ا
تتض منه م ن عق ود متنوع ة ونص وص مثين ة يف بي ان األنش طة االقتص ادية واألل وان التجاري ة املتعلق ة باجملتمع ات
المي ,حي ث أف ادت قض ايا املزارع ة,
اإلسالمية من ذلك ترميمها جلوانب هامة م ن النش اط الفالح ّي للغ رب اإلس ّ
واملغارس ة ,واملس اقاة ,يف إماط ة اللث ام ع ن مظ اهر تنظ يم الب وادي يف الغ رب اإلس المي م ن خمتل ف األوض اع
()2
والعالقات".
وهلا أمهية يف اجملال الصحي ,ومما يدل على ذلك قول محمد زاهي" :يتضح لنا من خالل النصوص العديدة
اليت ذكرها الونشريسي عن مدى التطور الذي عرفت ه ب الد املغ رب اإلس المي واألن دلس يف اجمل ال الص حي ,خاص ة
منه ا األن دلس ,وعل ى س بيل املث ال :اخل دمات الص حية ال يت تق دمها املراك ز الطبي ة املوج ودة بقرطب ة -عاص مة
األن دلس -م ن ع الج وعملي ات وأدوي ة وطع ام كان ت جمان ا ,بفض ل األوق اف ال يت ك ان املس لمون يرص دوهنا هل ذه
األغراض اإلنسانية( ,)...كما يؤكد لنا الونشريسي حقيق ة تارخيي ة ع ن م دى التق دم ال ذي عرف ه املغ رب اإلس المي
()3
واألندلس يف اجملال الصحي ,حيث انتشرت املستشفيات اخلاصة ببعض األمراض".
ويف اجملال األمين والعسكري حيث ذكر الونشريسي عدة حق ائق تارخيي ة ع ن دور اجملتم ع اإلس المي يف تلبي ة
حاجات اجملتم ع األمني ة خاص ة يف األن دلس ,وهك ذا ميك ن م ن خ الل النص وص الكث رية ال يت أورده ا اس تنباط ع دة
حق ائق ع ن اخلط ة األمني ة ال يت اس تخدمها املس لمون باألن دلس م ن أج ل ال دفاع عنه ا ,لص د اهلجوم ات ال يت ك ان
يقوم هبا اإلسبان يف حرهبم ضد املسلمني من أجل طردهم من األندلس.
ويؤك د لن ا الونشريسااي م دى أمهي ة األوق اف كم ورد م ايل للنفق ات الض رورية يف جم ال ال دفاع ع ن الع امل
اإلسالمي ,خاصة يف فرتة حروب االسرتداد اإلسباين يف مناطق الثغور الشمالية ,فك ان الزم ا الوق ف عل ى الثغ ور
()4
واحلصون.
كم ا تطلعن ا كت ب الن وازل عل ى املس توى الثق ايف والعلم ي الس ائد يف اجملتم ع وم ن األمثل ة عل ى ذل ك م ا ذك ره
الونشريسي يف المعيار من مدى اهتمام السالطني واألمراء باملغرب اإلسالمي واألندلس ودورهم الكب ري الكب ري يف
بن اء امل دارس والوق ف عليه ا ,وم دى اهتم امهم وتش جيعهم للعلم اء ,م ن خ الل اإلنف اق ال وقفي عل يهم ,وم دى
( - )1أمهية كتب الفقه يف الدراسات التارخيية :كتاب املعيار للونشريسي منوذجا ,لزاهي حممد( ,ص.)24 :
( - )2انظر النص النوازيل للغرب اإلسالمي أداة لتجديد البحث يف تاريخ احلضارة اإلسالمية ,لفاطمة بلهواري( ,ص,)35 :
( - )3أمهية كتب الفقه يف الدراسات التارخيية :كتاب املعيار للونشريسي منوذجا ,لزاهي حممد( ,ص ,)25 :جملة احلوار املتوسطي ,العدد2 :
مارس
8515م.
( - )4املرجع السابق( ,ص.)27 :
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 148
الرعاي ة ال يت ش اهدها طلب ة العل م يف املغ رب اإلس المي واألن دلس حي ث ك ان يق دم هل م املس كن وامل نح الدراس ية,
فكان للطلبة الوافدين على املدارس أوقاف خمصصة لسكناهم وأخرى لإلنفاق عل يهم ورع ايتهم ,إض افة إىل خدم ة
()1
التعليم من طرف أشهر وأمهر العلماء واملدرسني.
فلذا ,ال ميكن أن نتغاضى عن أمهية كتب الن وازل يف مي ادين عدي دة وجم االت متنوع ة ,ف َقم ن بن ا أن هن تم هب ا
ونصرف مهمنا إليها لنمتح منها ومن معينها ما نستفيده يف حياتنا ونستلهم من فرائدها ما نَبَ ُّز به غرينا.
المبحث الثالث:
نماذج تطبيقية لبعض النوازل الفقهية من خالل المعيار للونشريسي
يزخ ر كت اب المعيااار المعاارب لإلم ام الونشريسااي ب زخم هائ ل وض خم م ن الن وازل يف خمتل ف األب واب الفقهي ة
والعقدي ة جتع ل عق ل احلص يف يَلَ هُ مندهش ا ويش رئب منش دها لغناه ا وثرائه ا بال درر النفيس ة والفرائ د الثمين ة يف
جماالت عديدة تارخيية كانت أو عمرانية أو فقهية أو غريها.
ووقفت على أربع نوازل مندرجة يف باب البيوع مبزا من خالهلا تلكم القواع د واألص ول املعتم دة يف أجوبته ا,
وك ذا م ا احت وت علي ه م ن فوائ د عمراني ة وتارخيي ة ,وق د انتقيته ا م ن ه ذا الس فر العظ يم لإلم ام أيب العب اس
الونشريسي
المطلب األول :ناازل ااة (فتو ) ابن لُاب الاغارنااط اي(:)2
النازلة" :وقد سئل ابن لب عن ثوب امليت بالوباء؟
فأجاب :توهم كونه عيباً يف السلعة يف باب البيوع ,إن كان قد اشتهر وأثر كراهية يف النفوس ,حبيث
إذا ذكره البائع ,كان ذكره عائداً عليه بنقص يف الثمن أو بزهد يف السلعة فيظهر أنه عيب؛ ألن العيوب يف السلعة
حبسب ما عند الناس ,ال حبسب حكم الشرع"(.)3
أوال :األصول والقواعد المعتمدة في الفتو :
لق د اعتم د اإلم ام اب ن ل ب يف تأص يله للفت وى وجواب ه ع ن املس تفيت عل ى قواع د أص ولية وفقهي ة مهم ة مرتبط ة
بالعرف والعادة وهي:
( - )1أمهية كتب الفقه يف الدراسات التارخيية :كتاب املعيار للونشريسي منوذجا ,لزاهي حممد( ,ص.)22 :
( - )2هو فرج بن قاسم بن أمحد بن لب ,أبو سعيد التغليب الغرناطي :حنوي ,من الفقهاء العلماء ,انتهت إليه رياسة الفتوى يف األندلس ,ويل
اخلطابة جبامع
غرناطة .من مؤلفاته" :الباء املوحدة" ,و "األجوبة الثمانية" ,و "أرجوزة يف األلغاز النحوية" وغريها .تويف ( ):سنة 728ه .انظر ترمجته يف
األعالم,
للزركلي.)145 /5( ,
( - )3املعيار املعرب.)95/2( ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 149 جملة املدونة:
()3
"املعروف عرفا كاملشروط ش رطا"( , )1و "الع ادة حمكم ة"( ,)2وك ذا "رد املعي ب عل ى مقتض ى الع ادة والع رف"
حيث جعل خيار الرد منوطا بالعيب املؤثر يف املبيع باعتبار عادة الناس وعرفهم؛ لقول ه " :ألن العي وب يف الس لعة
حبسب ما عند الناس " ,ويظهر كذلك يف قوله" :حبيث إذا ذكره البائع ,كان ذكره عائ داً علي ه ب نقص يف ال ثمن أو
بزهد يف السلعة" أنه مل جيعل كل عيب مؤثر يف البيع حبيث يكون سببا لفسخه ,وإمنا خص العيب املوجب للفسخ
بالعيب املزهد يف السلعة أو املنقص من قيمتها.
ثانيا :الفوائد العمرانية والتاريخية المستنبطة من الفتو :
يظه ر م ن س ؤال النازل ة أن ب الد األن دلس يف زم ن اب ن ل ب الغرن اطي -أي الق رن الث امن اهلج ري -ش هدت
اضطرابا صحيا يتمثل يف ظهور الوباء الفتاك الذي يس مى بالط اعون األس ود اجل ارف ,حي ث حص د أرواح العدي د
من الناس والعلم اء كاإلم ام امل ؤرخ اب ن ج ابر ال وادي آش ي األندلس ي (ت )743وغ ريه ,ونلح ظ ك ذلك أن أهله ا
عرفوا تدهورا اقتصاديا ويتجلى ذلك يف جلوئهم إىل بيع مالب س املي ت واالس تفادة م ن مثنه ا ,ب ل وص ل هب م األم ر
إىل االس تفتاء ع ن حك م بي ع مالب س املوب وء ال ذي لق ي حتف ه بس بب الط اعون ,وه ذا دلي ل عل ى انتش ار الفق ر
العْي لَ ِة املذقعة التأثر بذا الوباء العضال.
واملسغبة آنذاك ,ولعل من أهم أسباب هذه َ
المطلب الثاني :نازلاة المازري(:)4
النازلة" :وسئل املازري ممن اشرتى داراً مث أراد القيام بعيب فيها ,ويف اإلشهاد أنه أحاط بالدار معرفة وقدراً
وعلماً ,وادعى خفاء العيب عليه ,فهل له قيام أم ال؟
فأجاب :إذا قام بعيوب فله الرد هبا إن كانت كثرية ,أو قيمتها إن كانت يسرية والقول قوله يف عدم العلم
هبا إذا أمكن ,ولو شهدت بينة بأهنا ال ختفى عليه وقت البيع إىل اآلن ,فال كالم له ,وال يلزمه ميني عند مالك أنه
ما رآها إذا كان مما خيفى عنه إال أن يدعي البائع أنه أراه إياه,وال حجة لقول املوثق :إنه أحاط به إذ ذلك يف
تلفيقهم ,والعادة تقتضي عدم قصده يف اإلشهاد "(.)5
أوال :األصول والقواعد املعتمدة يف الفتوى:
بىن اإلمام املازري يف تأصيله للفتوى وجوابه عن املستفيت على قواعد فقهية وأصولية متنوعة وهي:
" القول قول املشرتي عند التنازع يف عيوب املبيع"( ,)1وحمل الشاهد قوله" :والقول قوله –أي املشرتي-
يف عدم العلم هبا إذا أمكن"
وقاعدة" :القول قول املشرتي يف عيوب املبيع إال إذا أقيمت البينة على خالف ادعائه"( ,)2والشاهد
على ذلك قوله" :والقول قوله يف عدم العلم هبا إذا أمكن ,ولو شهدت بينة بأهنا ال ختفى عليه وقت البيع إىل
اآلن ,فال كالم له ,وال يلزمه ميني عند مالك أنه ما رآها إذا كان مما خيفى عنه".
وقاعدة "العادة حمكمة" ,لقوله " :والعادة تقتضي عدم قصده يف اإلشهاد"
ثانيا :الفوائد العمرانية املستخلصة من الفتوى:
نلمس من ه ذه النازل ة أن نظ ام بي ع ال دور والعق ارات م ن أه م املع امالت املالي ة ال يت تش كل ن واة للمع امالت
التجارية وموروثا حضاريا يف اجلانب التجاري ,ألجل ذلك كان هذا النظام مقننا وحماطا بسياج م ن الدق ة واحلماي ة
فقد تبني من فتوى اإلمام املازري أن عقود بيع الدور خاضعة لنظام اإلشهاد والتوثيق من طرف من تنصبهم الدولة
هلذه املهمة ,ومما نس تفيده أيض ا م ن النازل ة أن نظ ام احلك م الرمس ي أله ل املغ رب األقص ى يف عه د الدول ة املرابطي ة
هو نظام يستمد مرجعيته من األحكام الشرعية ال القوانني الوضعية.
المطلب الثالث :نازلة ابن الف ّخاار(:)3
النازلة" :وسئل –ابن الفخار -عن حناط –بائع الحنطة أي القمح -بال الرجل ثالثة أربال دقيق ونقده
الثمن –أعطاه الثمن في الحال نقدا -وقبض الدقيق،أتى به إلى منزله ووزنه فنقصه ثالثة أرطال.
فأجاب :القول قول املبتاع مع ميينه؛ ألنه ادعى العرف ,ألن العرف يف احلناطني أن ينقصوا الناس يف
()4
الوزن
( – )1انظر شرح املنهج املنتخب إىل قواعد املذهب ,للمنجور.)423 /8( ,
( – )2انظر املرجع السابق.)423 /8( ,
( - )3هو الشيخ اإلمام احلافظ البارع اجملود أبو عبد اهلل حممد بن إبراهيم بن خلف ,األندلسي ,املالقي ,ابن الفخار ولد سنة إحدى عشرة
ومخسمائة .مسع
شريح بن حممد الرعيين ,وأبا جعفر البطروجي ,والقاضي أبا بكر بن العريب ,وأبا مروان بن مسرة ,وحممد بن حممد بن عبد الرمحن
القرشي ,وطبقتهم .
كان صدرا يف احلُفَّاظ ,مقدما ,معروفا بسرد املتون واألسانيد ,مع معرفة بالرجال وحفظ للغريب .وكان موصوفا بالورع والفضل ,مسلما
له يف جاللة
القدر ,ومتانة العدالة ,طلب إىل حضرة السلطان مبراكش ليسمع عليه هبا ,فتويف هناك يف شعبان سنة تسعني ومخسمائة .انظر التكملة
لكتاب الصلة ,البن
األبار البلنسي ,)23 /8( ,وسري أعالم النبالء.)848 -841 /81( ,
( - )4املعيار املعرب.)888/2( ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 151 جملة املدونة:
( – )1أخرجه البيهقى يف سننه الكبى ,)858/15( ,رقم .81799 :وقال عنه النووي" :حديث حسن رواه البيهقي وغريه هكذا ,وبعضه
يف الصحيحني" األربعون النووية( ,ص .)33 :واحلديث ميثل قاعدة فقهية .انظر شرح القواعد الفقهية ,للزرقا( ,ص.)923 :
( -)2انظر صبح األعشى يف صناعة اإلنشاء.)114/5( ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 152
( - )1هو حممد بن أمحد بن رشد املالكي :قاضي اجلماعة بقرطبة ,وصاحب الصالة باملسجد اجلامع هبا؛ يكىن :أبا الوليد .وكان فقيها ,عاملا
حافظ للفقه,
مقدما فيه على مجيع أهل عصره ,عارفا بالفتوى على مذهب مالك وأصحابه ,بصريا بأقواهلم واتفاقهم واختالفهم ,نافذا يف علم الفرائض
واألصول ,من
أهل الرياسة يف العلم والباعة والفهم مع الدين والفضل والوقار واحللم والسمت احلسن ,واهلدى الصاحل .ومن تواليفه كتاب املقدمات
ألوائل كتب املدونة.
وكتاب البيان والتحصيل ملا يف املستخرجة من التوجيه والتعليل؛ واختصار املبسوطة؛ واختصار مشكل اآلثار للطحاوي إىل غري ذلك من
تواليفه .تويف – رمحه
اهلل -سنة 585ه .انظر الصلة يف تاريخ أئمة األندلس ,البن باشكوال( ,ص.)542 :
( - )2املعيار املعرب.)858 /2( ,
( - )3انظر معىن القاعدة ومتعلقاهتا يف شرح تنقيح الفصول ,للقرايف( ,ص ,)442 :وتقريب الوصول ,البن جزي( ,ص ,)138 :والبحر
احمليط يف أصول الفقه ,للزركشي.)928 /4( ,
( – )4سورة املائدة ,اآلية.8 :
( – )5انظر شرح املنهج املنتخب ,للمنجور.)115 /1( ,
( - )6انظر شرح تنقيح الفصول ,للقرايف( ,ص ,)442 :وتقريب الوصول ,البن جزي( ,ص ,)138 :والبحر احمليط يف أصول الفقه,
للزركشي.)925 /2( ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 153 جملة املدونة:
المبحث الرابع
ببليوجرافية كتب النوازل المغربية
المطلب األول :جرد بأهم الكتب النوازلية المغربية حسب سنوات وفاة أصحابها:
6 (ت 511ه ) «اإلعالم بالمحاضر واألحكام وما يتصل بذلك مما ينزل 4
عند القضاة والحكام» ,وهي نوازل القاضي أيب حممد عبد اهلل
بن أمحد بن دبوس الزنايت اليفرين , ,تقع يف أربعة أسفار يوجد
منها سفران يف خزانة القرويني ,,كما يف طرة املخطوط.
6 (ت544ه ) «مذاهب الحكام في نوازل األحكام» ,للقاضي عياض بن 3
موسى اليحصيب السبيت ,وقد مجعها ابنه أبو عبد اهلل حممد بن
ضمنَها القاضي
عياض (ت575ه ) ,وأصله جذاذات وبطائق َّ
عياض جمموعة من النوازل له ولغريه ,حتقيق حممد بن شريفة: ,
دار الغرب اإلسالمي ,الطبعة :الثانية 1328م.
6 (ت 559ه ) «اِعتماد الحكام في مسائل األحكام وتبيين شرائع اإلسالم 5
من حالل وحرام» ,مما عين جبمعه وترتيبه على توايل مدونة
سحنون ,للشيخ الفقيه أيب علي حسن بن زكون ,وتوجد منه
األجزاء 15 ,3 ,2 , 7يف جملد ضخم باخلزانة العامة بالرباط
419ق.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 155 جملة املدونة:
7 (ت 285ه ) «اإلنجاد في أبواب الجهاد وتفصيل فرائضه وسننه وذكر 6
جمل من آدابه ولواحق أحكامه» ,البن مناصف نزيل
مراكش ,حتقيق قاسم الوازاين ,دار الغرب بريوت ,الطبعة
األوىل8559 :م.
8 (ت713ه ) «فتاوي أو نوازل الزرويلي» ,لعلي بن حممد بن عبد احلق, 7
بالصغري الزرويلي ,الفقيه املالكي احملصل,
أيب احلسن ,ويعرف ُّ
أحد األقطاب الذين دارت عليهم الفتيا أيام حياته ,طبعت
حجريا بفاس سنة (1913ه ) ,و توجد منها نسخة باخلزانة
امللكية حتت رقم ,422 :وأخرى باخلزانة الناصرية.
9 )ت 243ه ( «أجوبة العبدوسي» ,من تأليف أيب حممد عبد اهلل بن حممد 8
بن موسى العبدوسي ,دراسة وتوثيق األستاذ هشام احملمدي,
منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية,
1492ه 8515/م.
9 (ت278ه ) «أجوبة ال َقوري»,حملمد بن قاسم بن حممد بن أمحد اللَّخمي 9
نسباً ,املكناسي داراً ومسكناً ومولداً ,األندلسي سلفاً ,ال َق ْوري
شهرًة ولقباً ,الفاسي وفا ًة ,واشتهر بال َق ْوري ,خمطوط اخلزانة
احلسنية بالرباط ,حتت رقم.15847 :
10 )ت314ه ( «المعيار المعرب ،والجامع المغرب ،عن فتاوي أهل 11
إفريقية واألندلس والمغرب» ,لإلمام العالمة الفقيه النوازيل
أيب العباس الونشريسي,طبع املعيار ألول مرة يف املطبعة احلجرية
بفاس سنة (1914ه 1237/م) يف اثين عشر جزءا ,بعناية
مجاعة من العلماء على رأسهم ابن العباس البوعزاوي الفاسي
(ت 1997ه 1312/م) ,مث أعادت وزارة األوقاف املغربية نشره
عام (1451ه 1321/م) بعناية مجاعة من الفقهاء حتت
إشراف حممد حجي .جعلته ضمن كتب النوازل املغربية؛ ألنه
ضم مجال من الفتاوى والنوازل اليت حدثت بقطر املغرب
ص ٌح عنه بالعنوان.
األقصى ,وذلك ُم ْف َ
10 (ت314ه ) «أجوبة ابن داود التاملي الرسموكي» ,حلسني بن داود بن 52
بلقاسم بن احلاج حممد بن حي ,التفتيين ,املعروف
بالرمسوكي,خمطوط خبزانة اإلمام علي بتارودانت ,رقم :ك 29
( جمموع ) ,نسخة كاملة.
10 «مجالس القضاة والحكام والتنبيه واإلعالم فيما أفتاه 54
(ت317ه ) المفتون وحكم به القضاة من األوهام» ,للقاضي أيب عبد
اهلل حممد بن عبد اهلل املكناسي ,حتقيق نعيم عبد العزيز سامل
بن طالب الكثريي ,نشر مركز مجعة املاجد للثقافة والرتاث ديب
اإلمارات املتحدة ط1489:ه 8558/م.
10 (ت313ه ) «اإلشارات الحسان المرفوعة إلى حبر فاس وتلمسان» ( 53
أبو العباس الونشريسي) ,لإلمام أيب عبد اهلل حممد بن امحد بن
غازي املكناسي مطبوعة ضمن أزهار الرياض يف أخبار عياض,
لشهاب الدين أمحد بن حممد ,أيب العباس املقري
(ت1541ه ) ,ضبط وحقق وعلق على األجزاء :9 8
مصطفى السقا ,وإبراهيم اإلبياري ,وعبد العظيم شليب ,اجلزء
الرابع :سعيد أمحد أعراب ,حممد بن تاويت ,اجلزء اخلامس:
سعيد أمحد أعراب ,عبد السالم اهلراس ,القاهرة ,مطبعة جلنة
التأليف والرتمجة والنشر املشرتكة بني اململكة املغربية واإلمارات
العربية املتحدة ,املعهد اخلليفي لألحباث املغربية بيت املغرب,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 157 جملة املدونة:
1325م.
10 (ت313ه ) «المسائل الحسان المرفوعة إلى حبر فاس وتلمسان», 55
البن غازي املكناسي حممد بن علي العثماين ,خمطوط باخلزانة
العامة بتطوان ,حتت رقم592 :م.
10 (ت323ه ) «نوازل عمرو المفتي» ,أمحد بن زكرياء البعقيلي السوسي. 57
15 (ت338ه ) «مقنع المحتاج في آداب األزواج» ,أليب العباس أمحد بن 20
احلسن بن عرضون ,نشر :دار ابن حزم ومركز اإلمام الثعاليب
للدراسات ونشر الرتاث ,دراسة وحتقيق عبد السالم الزياين,
الطبعة األوىل1495ه 8515 -م.
11 ت( «أجوبة القاضي سيدي سعيد بن علي الهوزالي الفقهية», 25
)1551ه دراسة وحتقيق:ذ عبد الواحد لعروصي ,منشورات وزارة األوقاف
والشؤون اإلسالمية ,اململكة املغربية1492 :ه 8515م.
11 ت( «أجوبة ابن سعيد بن عبد المنعم» ,لعبد اهلل بن سعيد بن 22
)1518ه عبد املنعم الداودي املناين ,املعروف بابن عبد املنعم ,وهي
أجوبة على جمموعة من املسائل اليت سئل عنها منها :الشركاء
يف املزارعة ,وقضاء الفوائت يف العبادات ,و التصدق و اآلداب
يف املسجد ,و غريها .خمطوط خبزانة اإلمام علي بتارودانت ,
رقم :ك ( 29جمموع ) ,هبا أثار رطوبة مل تؤثر على النص.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 158
11 (ت1525ه ) «أجوبة سيدي محمد بن ناصر الدرعي» ,املعروفة ب: 43
«األجوبة الناصرية في بعض مسائل البادية» ,أليب عبد اهلل
حممد بن حممد بن أمحد بن ناصر الدين الدرعي ,مجعها حممد
بن أيب القاسم الصنهاجي ,نشر دار ابن حزم يف طبعته األوىل
سنة1499( :ه 8518/م) ,باعتناء أيب الفضل أمحد بن
علي الدمياطي.
11 )ت1531ه ( «األجوبة الصغر » ,للشيخ عبد القادر بن علي بن يوسف 45
الفاسي ,طُبع الكتاب بتحقيق حممد علي بن أمحد
اإلبراهيمي ,ضمن منشورات وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية
املغربية ,عن دار أيب رقراق للطباعة والنشر ,الطبعة األوىل:
1482ه 8557/م.
«أجوبة فقهية» ،أليب حممد عبد القادر بن علي بن أيب 46
احملاسن يوسف الفاسي ,خمطوطة أوهلا :سئل شيخنا وقدوتنا
وإمامنا العامل العالمة احلب البحر الدارك إخل ,...يف جمموع من
ص ,932/952 :مسطرهتا 88مقياسها ,855/155خبط (ت1531ه )
11 مغريب جيد ,وهي أجوبة يف عشر مسائل ,سئل عنها كل
واحدة مبفردها وهي توجد ضمن أجوبته الكبى املطبوعة بفاس
على احلجر 1913ه ,وتوجد باخلزانة العامة بالرباط حتت
رقم 8132/9454 :د.
18 (ت1158ه ) «أجوبة العالمة أبي سعيد الحسن بن مسعود اليوسي», 47
خمطوط مبكتبة جامعة امللك سعود ,قسم املخطوطات ,حتت
رقم 5285 :ف .511237
18 (ت1159ه ) «نوازل محمد بن الحسن المجاصي» ,لقاضي فاس حممد 48
بن احلسن اجملاصي ت .عام 1159ه ,دراسة وحتقيق:
هشام الكراس(,رسالة دكتوراه) إشراف أمحد احمرزي علوي,
نوقشت جبامعة القاضي عياض ,كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية
مراكش ,بتاريخ 82من ذي احلجة 1495املوافق 84
أكتوبر .8514
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 161 جملة املدونة:
12 «النوازل» ,أليب احلسن علي بن عيسى العلمي ,طبع الكتاب (ت1187ه ) 41
بتحقيق اجمللس العلمي بفاس ضمن منشورات وزراة األوقاف
والشؤون اإلسالمية اململكة املغربية ,يف ثالثة أجزاء ,صدر اجلزء
األول سنة 1459ه 1329 /م ,واجلزء الثاين سنة 1452ه /
1322م ,واجلزء الثالث سنة 1453ه 1323 /م.
18 (ت1187ه ) «أجوبة الهشتوكي» ,أليب العباس أمحد بن حممد , 30
اهلشتوكي ,توجد من املخطوطة نسختان باخلزانة العثمانية ,
بسوس :األوىل :خبط مغريب متوسط مقروء باألسود واألمحر ,
يف 83صفحة ,ضمن جمموع ,قياس , 12 × 85 :
نسخها حممد بن أمحد بن عبد اهلل املنصوري . . .مث الوجاين
يف 88رمضان 1122ه ,و الثانية :خبط دقيق مقروء ,يف
15ورقات ,بدون غالف ,نُسخت يف 11ربيع األول
بالسوس ,خبط
1884ه ,و خمطوط باخلزانة احملجوبية ُ ,
واضح ,ضمن جمموع رقم , 828 :يف 15صفحات .
18 ردلّه» ,أليب عبد اهلل حممد العريب بن أمحد بُْرُدلَّة( ,ت1199ه )
«أجوبة ابن بُ ُ 35
مجعها تلميذه أمحد بن حممد اخلياط بن إبراهيم الدكايل
الفاسي ,طبعت على احلجر بفاس سنة (1944ه ).
18 (ت1199ه ) «نوازل المنبهي» حملمد بن علي املنبهي العالمة املفيت الناقد 32
من أئمة مراكش .مجعها تلميذه علي بن بلقاسم بن أمحد
البوسعيدي ,نسخة .اخلزانة امللكية بالرباط ,رقم.4555 :
18 (ت1192ه ) «نوازل المسناوي» ,أليب عبد اهلل حممد بن أمحد بن حممد 34
املسناوي الدالئي ,مطبوعة على احلجر بفاس ىف سفر متوسط,
مجعها تلميذه حممد بن اخلياط الدكايل يف سفر طبع على
احلجر بفاس ( 1945ه 1382 -م).
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 162
12 (ت1158ه ) «أجوبة أبي العباس السماللي» ,ألمحد بن حممد بن َحممد 33
الس ْماليل ,مجعها
(فتحا) بن سعيد بن عبد اهلل أبو العباس َّ
تلميذه أمحد بن إبراهيم بن حممد بن عبد اهلل بن يعقوب
السماليل (ت 1122ه ) ,طبعت على احلجر بفاس يف جزأين
من 255صفحة .وحقق جزءاً منها الباحث حممد املدين
السافري ,وذلك من بداية الكتاب إىل هناية مسائل الوكالة,
وهي عبارة عن رسالة دكتوراه ,نوقشت يف8518/54/17 :
برحاب كلية الشريعة أكادير ,واجلزء اآلخر الباحث :احملفوظ
كريهم وذلك" :من الشفعة إىل هناية آخر الكتاب" وهي رسالة
دكتوراه نوقشت يف 8518/4/12برحاب كلية الشريعة
أكادير ,كالمها بإشراف حممد مجيل مبارك.
12 (ت1152ه ) «أجوبة أحمد بن المبارك السجلماسي» ,مجع وتقدمي 35
ودراسة الطالب الباحث :عثمان رحو ,إشراف :عبد اهلل
الرتغي( ,رسالة دكتوراه) ,جامعة عبد املالك السعدي تطوان,
نوقشت يف.)8551/57/19( :
18 (ت1152ه ) «تقييد في النفقة على العالِم على من تكون ،وهذا إذا لم 36
ينلها من بيت المال ولم يقم بها جماعة المسلمين تصرف
له الزكاة ،مع نصوص ومراجعات في الموضول» ,ألمحد بن
مبارك السجلماسي اللمطي ,وأوله احلمد هلل قال شيخنا الفقيه
العامل العالمة البحر الفهامة أبو العباس سيدي أمحد بن مبارك
السجلماسي اللمطي إخل ,...يف جمموع من ورقة /115ب
112أ ,مسطرته ,87مقياسه ,145 /135خبط مغريب
واضح منقول من خط عبد الرمحن الزالل .خمطوط باخلزانة
العامة بالرباط حتت رقم 1749 /9455 :د.
18 «جواب في أحكام الطاعون» ,ألمحد بن مبارك السجلماسي (ت1152ه ) 37
اللمطي ,أوله :احلمد هلل سئل الشيخ األمام العالمة الصاحل
إخل ممن حل بالدهم ونزل هبم إخل ...يف جمموع من ورقة /43
ب /51ب ,مسطرته 89مقياسه ,175/885خبط مغريب
جيد حملى باأللوان ,باخلزانة حتت رقم 1254/9452 :د.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 163 جملة املدونة:
18 «نوازل الدليمي» ,حملمد بن حممد بن عبد اهلل ال ْدليمي أصال( ,ت1122ه ) 38
الدرعي وطناً ,املصدر :خمطوطات مركز الدراسات واألحباث
وإحياء الرتاث (جمموعة أيب مدين اليزيد) .تعليق عام :تقع هذه
املخطوطة يف جملد واحد حيمل رقم ( 8من الورقة /8ب إىل
الورقة / 45أ ) ,وهي نسخة تامة ,وحمالة باللونني األمحر
واألخضر ,هبا تعقيبات ,وطرر كثرية ذات فوائد كبرية.
12 (ت1123ه ) «أجوبة الويداني» ,تقدمي وحتقيق الطالب الباحث :املدين 31
اهلرموش ,إشراف :عز الدين جولييد( ,رسالة دكتوراه) ,كلية
الشريعة بآيت ملول -أكادير ,نوقشت يف:
(8514/15/17م) .وصدر عن دار ابن حزم قي طبعته
األوىل ,سنة 1492ه 8515م ,حتقيق أيب الفضل الدمياطي
أمحد بن علي.
19 (ت1853ه ) «أجوبة التاودي ابن سودة» ,أليب عبد اهلل حممد ُ
التاودي بن 55
الطالب بن حممد بن علي بن ُسودة بضم السني وفتحها
مري القرشي النجار ,الغرناطي األصل ,مث الفاسي املنشأ
الُ ِّ
والدار ,طبعت على احلجر بفاس أوال ,مث دراسة وحتقيق من
إعداد الطالبة الباحثة :فدوى شاكري ,إشراف :السعيد
بوركبة(,رسالة ماجستري) ,دار احلديث احلسنية ,نوقشت يف:
(.)8555/58/15
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 164
19 (ت1814ه ) «أجوبة محمد بن عبد السالم الفاسي» ,إعداد الطالبة 52
الباحثة :سعاد رحائم ,إشراف :التهامي الراجي( ,رسالة
ماجستري) ,جامعة حممد اخلامس ,نوقشت يف:
(.)1334/54/88
19 «ثالثمائة سؤال وجواب» ,حملمد بن حممد الدوكايل الفاسي ( ,ت1841ه ) 54
خ .املسجد األعظم بتازة ,رقم.482 :
19 «النوازل» ,للمكي بن عبد اهلل بناين مفيت الرباط ,أوهلا احلمد (ت1855ه ) 53
هلل الذي بنعمته تتم الصاحلات وبذكره تنزل البكات وهتب
النفحات .ورقاهتا ,51مسطرهتا ,93مقياسها ,885/975
خبط مغريب جيد وبآخرها فهرس النوازل ,اخلزانة العامة
بالرباط1258/9412 :د.
19 (ت1852ه ) علي
علي بن عبد السالم بن ُّّسولي»,أليب احلسن ّ «أجوبة الت ُ 55
ُّسويل ,السباري ,امللقَّب ب «مديدش» ,طبع الكتاب طبعة
الت ُ
حجرية بفاس دون تاريخ ,مث أعيد نشره على أوفر نسخه
املخطوطة بتحقيق عبد اللطيف أمحد الشيخ حممد صاحل ,دار
الغرب اإلسالمي ,بريوت ,الطبعة األوىل 1332م.
13 (ت1873ه ) «األجوبة الروضية عن مسائل مرضية» ,أليب حفص عمر 56
عبد العزيز الكرسيفي ,مطبوع ضمن كتاب األعمال الفقهية,
طُبع الكتاب جبمع وحتقيق عمر أفَا ,ضمن منشورات وزارة
األوقاف والشؤون اإلسالمية املغربية ,الطبعة
األوىل1487:ه 8552/م.
14 (ت1958ه ) «أجوبة الشيخ سيدي محمد بن المدني جنون 57
المستاري»,أليب عبد اهلل احلاج حممد بن احلاج املدين بن علي
َجنُّون ,ال َم ْستَا ِري أصال ,الفاسي مولدا وقراراً املطبوعة طبعة
حجرية.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 165 جملة املدونة:
14 (ت1948ه ) «نوازل سيدي المهدي الوزاني الكبر » المعروفة ب: 58
«المعيار الجديد الجامع المعرب عن فتاو المتأخرين من
علماء المغرب» ,أليب عيسى حممد املهدي بن حممد بن
حممد بن خضر بن قاسم العمراين الوزاين الفاسي الوزاين,
حتقيق :عمر بن عباد ,نشر وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية
املغرب الطبعة :األوىل 1417ه 1332/م.
14 (ت1948ه ) «النوازل الصغر » ,املسماة« :المنح السامية في النوازل 51
الفقهية» ,للفقيه النوازيل العالمة حممد املهدي بن حممد بن
حممد بن خضر بن قاسم العمراين الوزاين الفاسي ,طبع الكتاب
طبعة حجرية ,وأعادت طبعه وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية
باململكة املغربية سنة 1418ه 1338/م ,يف أربعة أجزاء.
14 (ت1925ه ) «األجوبة المرضية عن النوازل الوقتية» ,أليب الشتاء الغازي 60
احلسيين الشهري بالصنهاجي ,دراسة وحتقيق الطالب الباحث:
عبد السالم امجيلي ,إشراف :عبد اهلل معصر( ,رسالة
دكتوراه) ,كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية سايس بفاس ,نوقشت
يف8515/59/13( :م).
14 (ت1979ه ) «نتائج اإلحكام في النوازل واألحكام» ,أليب العباس أمحد 62
بن حممد الرهوين التطواين (ثالثة أجزاء) ,نشره احلسن بن عبد
الوهاب( ,مطبعة األحرار بتطوان سنة.)1341 :
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 166
14 «الجواهر الثمينة في تصبير أوالد مدينة» ,أليب العباس أمحد (ت1979ه ) 64
بن حممد الرهوين التطواين ,خمطوطة أوهلا اعلم حفظك اهلل أن
حمصل مسألة أوالد مدينة مع أوالد الصور ذو العدلني ,شهدا
باهلبة واحلوز ,وبيئة أوالد الصور ذو اللفيفية شهدت بأن مدينة
يتصرف يف الغرستني ويعتبمها ...ما يعلمونه رفع اعتماره
وتصرفه عنها إىل أن تويف .يف جمموع من ص 1 :إىل ,153
مسطرهتا مقياسها ,195/885خبط املؤلف مغريب متوسط.
اخلزانة الوطنية حتت رقم8125/9483 :د.
14 ت( بالصالة إيماء في طَ ُاموبِيل» ,أليب العباس «تحفة النبيل ّ 63
)1974ه أمحد بن علي بن إبراهيم ال َك ْش ِطي التَّنَاين .طبع الكتاب أوالً
سنة 1415ه 1334 /م مبطبعة النجاح اجلديدة بالدار
البيضاء ,تقدمي موالي البشري أ َْع ُمون ,مث طبع بتحقيق عبد اهلل
بنطاهر ونشره يف جملة املذهب املالكي ,ع( 19 :خريف
1498ه 8511 /م)(,ص.)143 195:
14 (ت1929ه ) «المجموعة الفقهية في الفتاوي السوسية» ,مجع وترتيب 65
العالّمة الفقيه املختار السوسي ,وهو رضا اهلل حممد املختار بن
علي بن أمحد اإللغي السوسي ,الكتاب أعده عبد اهلل
الدرقاوي ,وقدم له العالمة حممد املنوين ,وهو من منشورات
كلية الشريعة بأكادير ,ضمن سلسلة كتب تراثية( ,)1مطبعة
النجاح اجلديدة – الدار البيضاء ,الطبعة األوىل1412 :ه
1335م ,ص(,831:دون الفهرس).
15 ولد 1934 «األجوبة الرشيدية في حل النوازل الفقهية والمعامالت 66
المعاصرة» ,للفقيه رشيد بن الفقيه حممد الشريف العلمي,
ولد سنة 1394م ,وقد طبعت األجوبة باملغرب عام
8554م.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 167 جملة املدونة:
القرن الخامس
%3 %3
%1 %2 القرن السادي
%10 %9 %3 القرن السابع
%9 القرن الثامن1
استناتاااج:
يتبني من خالل هذه االستبانة أن نسبة تأليف كتب النوازل تفاوتت من قرن آلخر غري أهنا عرفت ارتفاعا
ملحوظا وكبريا خالل القرن احلادي عشر الذي احتل أكب نسبة مئوية ,ويليه القرن الثاين عشر ,مث العاشر ,وهو
ما جيعلنا حنكم على أن عصر الدولة السعدية والعلوية يف بلد املغرب شهد ازدهارا معرفيا وحركة علمية بارزة وطفرة
نوعية مهمة يف مضمار الكتابة والتأليف يف هذا اجملال.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 168
خاتمة:
أهام مااا توصاالت إلياه ماان خااالل هاذا البحااث ،أجملااه فاي نقاااط تشاامل ماا خلصاات إليااه مان نتااائج فااي
الموضول وبيانها في اآلتي:
تتميز النازلة بثالثة أمور وهي:
الوقول :أي :احللول واحلصول ال االفرتاض. -1
الجدة :وهي اليت مل يسبق وقوعها ,ومل يرد فيها نص ,أو اجتهاد مسبق. -8
الشرعي.
ّ الشدة :أن تكون ُم ّ
لح ة من جهة النظر -4
-فق ه الن وازل باعتب اره لقبً ا يع ين(( :العلاام الااذي يعنااى بالبحااث والتنقيااب عاان الحلااول و األجوبااة
الشرعية المالئمة للمستجدات والحوادث التي تنزل بالناس والتي يرد فيها نص أو سبق اجتهاد)).
-هناك مصطلحات عديدة تطلق على النوازل منها :األجوبة والمستجدات والمسائل والفتاوي.
-تكتس ب كت ب الن وازل أمهي ة كب رية يف جم االت خمتلف ة ,كاجمل ال الفقه ي ,والت ديّين ,والت أرخيي,
واالجتماعي ,واالقتصادي ,وغريها.
-استند الفقهاء عند اإلجابة عن النوازل املعروضة عليهم وبيان حكمها إىل قواعد وضوابط فقهية وأدلة
أصولية ,كالعرف وسد الذرائع والحكم بالقرائن وغالب الظن.
-حضي فقه النوازل بأمهية كبرية عند الفقهاء املغاربة إال أن نسبة الت أليف يف ه ذا الف ن تفاوت ت يف ب الد
املغرب األقصى خالل الفرتة املمتدة من القرن اخلامس إىل القرن اخلامس عشر.
إرشاد الفحول إيل حتقيق احلق من علم األصول ,حملمد بن علي بن حممد الشوكاين (ت1855 .ه ) ,حتقيق
الشيخ أمحد عزو عناية ,دمشق -كفر بطنا ,قدم له :الشيخ خليل امليس ,ويل الدين صاحل فرفور ,دار الكتاب
العريب ,الطبعة األوىل 1413ه 1333 -م.
األصول اليت استند إليها أبو العباس الونشريسي يف فتاوى املعيار املعرب .عفيفة خرويب ندوة املدرسة املالكية
اجلزائرية من تنظيم وزارة الشؤون الدينية واألوقاف -اجلزائر 12-15-14 ,أفريل 8553م.
األعالم ,خلري الدين بن حممود بن حممد بن علي بن فارس ,الزركلي الدمشقي (ت 1932ه ) ,نشر :دار
العلم للماليني ,الطبعة :اخلامسة عشر -أيار /مايو 8558م.
األم ,حملمد بن إدريس الشافعي ,دار املعرفة -1939 ,بريوت.
أمهية النوازل يف الدراسات الفقهية واالجتماعية والتارخيية ,إلمساعيل اخلطيب ,جملة دعوة احلق -العدد 912
رمضان .1412
أمهية كتب الفقه يف الدراسات التارخيية :كتاب املعيار للونشريسي منوذجا ,زاهي حممد .مقال مبجلة احلوار
املتوسطي العدد 2مارس 8515م.
أوضاع املرأة بالغرب اإلسالمي من خالل نوازل املعيار للونشريسي دراسة فقهية اجتماعية زهور أربوح,
دار األمان الرباط ط1494 ,1 .ه 8519 -م.
البحر احمليط يف أصول الفقه ,لبدر الدين حممد بن هبادر بن عبد اهلل الزركشي (ت734ه ) ,حتقيق ضبط
نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه :د .حممد حممد تامر ,دار الكتب العلمية1481 ,ه 8555 -م ,بريوت.
الرزاق احلسيين أبو الفيض املل ّقب مبرتضى
حممد بن عبد ّ حملمد بن ّ تاج العروس من جواهر القاموسّ ,
الزبيدي ,حتقيق جمموعة من احملققني ,دار اهلداية.
َّ
التاريخ املغريب ومشكل املصادر منوذج النوازل الفقهية حممد مزين مقال مبجلة كلية اآلداب والعلوم
اإلنسانية بفاس عدد 1452 8ه 1325م
التاريخ وفقه النوازل بالغرب اإلسالمي :من البداية إىل عصر الونشريسي ,مقال ضمن جملة احلكمة العدد
,18السنة الرابعة 8518م.
التحبري شرح التحرير يف أصول الفقه ,لعالء الدين أيب احلسن علي بن سليمان املرداوي احلنبلي(ت 225
ه ) ,حتقيق د .عبد الرمحن اجلبين ,د .عوض القرين ,د .أمحد السراح ,مكتبة الرشد1481 ,ه 8555 -م,
الرياض.
تقريب الوصول إيل علم األصول ,أليب القاسم حممد بن أمحد بن حممد بن عبد اهلل ,ابن جزي الكليب
الغرناطي (ت 741ه ) ,حتقيق :حممد حسن حممد حسن إمساعيل ,نشر :دار الكتب العلمية ,بريوت -لبنان,
الطبعة :األوىل 1484 ,ه 8559 -م.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 171
التكملة لكتاب الصلة ,البن األبار ,حممد بن عبد اهلل بن أيب بكر القضاعي البلنسي (ت 252ه ) ,حتقيق
عبد السالم اهلراس ,نشر دار الفكر للطباعة – لبنان1415 ,ه 1335 -م
التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد ,أليب عمر يوسف بن عبد اهلل بن عبد الب النمري ,حتقيق
مصطفى بن أمحد العلوي ,حممد عبد الكبري البكري : ,وزارة عموم األوقاف والشؤون اإلسالمية -املغرب ,
1927ه
اجلامع ألحكام القرآن ,أليب عبد اهلل حممد بن أمحد بن أيب بكر بن فرح األنصاري اخلزرجي مشس الدين
القرطيب (ت271 :.ه ),حققه أمحد البدوين وإبراهيم أطفيش : ,دار الكتب املصرية – القاهرة ,الطبعة الثانية,
1924ه 1324 -م.
الديباج املذهب يف معرفة أعيان علماء املذهب ,إلبراهيم بن علي بن حممد ,ابن فرحون ,برهان الدين
اليعمري (ت733ه ) ,حتقيق وتعليق :حممد األمحدي أبو النور ,نشر :دار الرتاث ,القاهرة.
رد احملتار على الدر املختار ,ابن عابدين ,حممد أمني بن عمر بن عبد العزيز عابدين الدمشقي احلنفي
(ت1858 :.ه ) : ,دار الفكر-بريوت ,الطبعة الثانية1418 ,ه 1338 -م.
الرسالة ,أليب عبد اهلل حممد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن عبد املطلب بن عبد مناف
املطليب القرشي املكي (ت854 :.ه ) ,حققه أمحد شاكر : ,مكتبه احلليب ,مصر ,الطبعة األوىل,
1952ه 1345/م.
سبل االستفادة من النوازل والفتاوى والعمل الفقهي يف التطبيقات املعاصرة ,د .وهبة الزحيلي ,نشر دار
املكتيب -دمشق -سوريا ,الطبعة األوىل 1481ه 8551 /م.
السنن الكبى ,أليب بكر أمحد بن احلسني بن علي البيهقي ,نشر :جملس دائرة املعارف النظامية الكائنة يف
اهلند ببلدة حيدر آباد ,الطبعة :الطبعة :األوىل 1944ه .
سري أعالم النبالء ,لشمس الدين أيب عبد اهلل حممد بن أمحد بن عثمان بن قَ ْامياز الذهيب (ت 742ه ),
حتقيق جمموعة من احملققني بإشراف الشيخ شعيب األرناؤوط ,نشر :مؤسسة الرسالة ,ط .الثالثة1455 ,ه -
1325م.
شرح القواعد الفقهية ,ألمحد بن الشيخ حممد الزرقا (ت 1957ه ) ,صححه وعلق عليه :مصطفى أمحد
الزرقا ,نشر :دار القلم -دمشق /سوريا ,الطبعة :الثانية1453 ,ه 1323 -م.
شرح املنهج املنتخب إىل قواعد املذهب ,للمنجور أمحد بن علي املنجور (ت 335ه ) ,دراسة وحتقيق:
حممد الشيخ حممد األمني ,أصل الكتاب :أطروحة دكتوراة (اجلامعة اإلسالمية باملدينة املنورة ,شعبة الفقه),
بإشراف :محد بن محاد بن عبد العزيز احلماد ,نشر :دار عبد اهلل الشنقيطي.
شرح تنقيح الفصول ,أليب العباس شهاب الدين أمحد بن إدريس بن عبد الرمحن املالكي الشهري بالقرايف (ت
224ه ,حتقيق :طه عبد الرؤوف سعد ,نشر :شركة الطباعة الفنية املتحدة ,الطبعة :األوىل1939 ,ه -
1379م.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 171 جملة املدونة:
شرح فتح القدير ,لكمال الدين حممد بن عبد الواحد السيواسي (ت221ه ) ,دار الفكر ,بريوت
صبح األعشى يف صناعة اإلنشاء ,ألمحد بن علي القلقشندي ,.نشر :دار الكتب العلمية -بريوت ,الطبعة
األوىل1327 :م.
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية ,أبو نصر إمساعيل بن محاد اجلوهري الفارايب (ت 939ه ) ,حتقيق أمحد
عبد الغفور عطار : ,دار العلم للماليني – بريوت ,الطبعة الرابعة 1457ه 1327 -م.
الصلة يف تاريخ أئمة األندلس ,أليب القاسم خلف بن عبد امللك بن بشكوال (ت 572ه ) ,اعتىن به :
عزت العطار احلسيين ,نشر مكتبة اخلاجني ,الطبعة :الثانية 1974 ,ه 1355 -م.
فقه النوازل – قضايا فقهية معاصرة ,-لبكر بن عبد اهلل أبو زيد ,مؤسسة الرسالة ,الطبعة األوىل 1412ه /
1332م
فقه النوازل -دراسة تطبيقية تأصيلية ,-حملمد بن حسن اجليزاين ,دار ابن اجلوزي ,ط .الثانية
1487ه 8552/م.
فقه النوازل عند علماء القرويني وأثره يف احلركة االجتهادية -أمينة مزيغة سلسلة ندوات ومؤمترات ()1
جهود علماء القرويني يف خدمة املذهب املالكي :األصالة واالمتداد -الرابطة احملمدية للعلماء -مركز دراس بن
إمساعيل -ط1495 .1ه.8514 -
فقه النوازل يف الغرب اإلسالمي :حوار أجراه حممد بن إدريس العلمي مع الباحث حممد التمسماين :على
هامش الندوة اليت نظمتها شعبة الدراسات اإلسالمية ووحدة الدراسات املنهجية الشرعية يف الغرب اإلسالمي
بكلية اآلداب والعلوم اإلنسانية جامعة ابن طفيل بالقنيطرة يف موضوع " :فقه النوازل في الغرب اإلسالمي،
تاريخا ومنهجا " يوم األربعاء 14مارس 8551م.
فقه النوازل يف سوس قضايا وأعالم ,حلسن العبادي ,مطبعة النجاح اجلديدة -الدار البيضاء ,ط .األوىل
1485ه .
فقه النوازل لدى علماء املغرب :احلقائق -اخلصائص -اآلثار ,حممد التمسماين ,جملة اإلبصار ,العدد األول,
ربيع األول 1494ه /فباير 8519م.
القاموس احمليط ,جملد الدين أيب طاهر حممد بن يعقوب الفريوزآبادى (ت217 :.ه ) ,حتقيق مكتب حتقيق
العرقسوسي : ,مؤسسة الرسالة للطباعة والنشر والتوزيع ,بريوت –
ُ الرتاث يف مؤسسة الرسالة ,بإشراف حممد نعيم
لبنان ,الطبعة الثامنة 1482 ,ه 8555 -م
قواعد الفقه ,حممد عميم اإلحسان اجملددي البكيت : ,الصدف ببلشرز -كراتشي.1322 – 1457 ,
لسان العرب ,البن منظور ,حتقيق عبد اهلل علي الكبري و حممد أمحد حسب اهلل و هاشم حممد الشاذيل,
دار النشر :دار املعارف -القاهرة.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 172
جمموع الفتاوى ,لتقي الدين أيب العباس أمحد بن عبد احلليم بن تيمية احلراين (ت782 .ه ) ,حققه أنور
الباز -عامر اجلزار ,دار الوفاء ,الطبعة الثالثة 1482 ,ه 8555 -م.
املصباح املنري ,ألمحد بن حممد بن علي الفيومي املقري ,دراسة و حتقيق يوسف الشيخ حممد ,االشر :املكتبة
العصرية .دون بيانات.
معجم لغة الفقهاء ,حممد رواس قلعه جي ,حامد صادق قنييب ,نشر :دار النفائس ,الطبعة األوىل1455 ,
ه 1325 -م ,الطبعة الثانية 1452 :ه 1322 -م.
معجم مقاييس اللغة ,ألمحد بن فارس بن زكرياء القزويين الرازي ,أبو احلسني (ت 935ه ) ,حققه عبد
السالم حممد هارون : ,دار الفكر1933 ,ه 1373 -م.
معلمة الفقه املالكي ,لعبد العزيز بنعبد اهلل ,دار الغرب اإلسالم.1329 – 1459 ,
املعيار املعرب واجلامع املغرب عن فتاوى أهل إفريقية واألندلس واملغرب لإلمام أيب العباس أمحد بن حي
الونشريسي ,حتقيق :حممد حجي ,نشر :وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية للمملكة املغربية -ودار الغرب
اإلسالمي ,سنة النشر1451 :ه 1321 /م.
النص النوازيل للغرب اإلسالمي أداة لتجديد البحث يف تاريخ احلضارة اإلسالمية ,فاطمة بلهواري مقال
مبجلة عصور جامعة وهران اجلزائر العدد 17جوان /ديسمب 8511م.
النوازل الفقهية وإشكالية املنهج " حنو توظيف أمثل للنص تارخيا وفقها" مصطفى الصمدي ,جملة كلية
اآلداب والعلوم اإلنسانية بنمسيك -جامعة احلسن الثاين الدار البيضاء – احملمدية (بصمات) ,العدد السادس,
8515م.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 173 جملة املدونة:
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 174
للمشاعر املقدسة
دراسة فقهية استقرائية مقارنة
مقدمة
احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني ,أما بعد:
ِ
ت لَ ُك ْم دينَ ُك ْم َوأَْمتَ ْم ُ
ت َعلَْي ُك ْم فإن من نعم اهلل علينا أن أكمل لنا الدين ,فقال سبحانه{ :الْيَ ْوَم أَ ْك َمْل ُ
اإل ْس َال َم ِدينًا} [املائدة ,]9 :وأرسل إلينا خامت األنبياء واملرسلني رمحة للعاملني ,وإن املتأمل يف يت لَ ُكم ِْ ِ ِ
ن ْع َم ِيت َوَرض ُ ُ
النصوص الشرعية جيد أهنا تقرر مبدأ الرمحة والتيسري ورفع احلرج على املكلفني يف عباداهتم وسائر أحواهلم ,وما زال
العلماء يفرعون املسائل الفقهية املتعلقة مبناسك احلج ويدرسوهنا وجيتهدون يف إصدار األحكام الشرعية مبا يتوافق
مع الكتاب والسنة ومقاصد الشريعة الكلية ,ومبا حيقق املصلحة للحجاج حىت يؤدوا مناسكهم على أكمل وجه
وأمت صورة.
ومن باب اقتفاء أثر العلماء يف حتقيق قضايا احلج ونوازله املعاصرة جاء هذا البحث ليعاجل قضية مهمة من
قضاياه تتعلق بأحكام أداء شعائر احلج املختلفة يف اجملال اجلوي هلواء املشاعر املقدسة ,وعنونت له ب (الضوابط
الشرعية ألداء مناسك احلج يف اجملال اجلوي للمشاعر املقدسة – دراسة فقهية استقرائية مقارنة).
أهمية البحث:
تظهر أهمية الموضول من خالل ما يلي:
-أن املوضوع يتعلق بشعرية عظيمة ,ومناسك جليلة لركن من أركان اإلسالم اخلمسة.
-أن فيه بيان التساع مفهوم مشول الشريعة ألحكام النوازل واملستجدات؛ من خالل إظهار هذا البحث
للتخرجيات الدقيقة اليت يذكرها الفقهاء واليت ميكن قياس كثري من القضايا املعاصرة عليها.
-أن يف تقدمي هذه الضوابط ألداء املناسك يف اجملال اجلوي (هواء املشاعر) املستندة إىل النصوص الشرعية
يعتب مستند شرعي لكثري من النوازل املعاصرة ,أو اليت ستستجد مستقبال وهلا أثر عظيم يف ضبط مفهوم التوسعة
على املسلمني يف أداء مناسكهم وختفيفا للمشقة احلاصلة عليهم.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 175 جملة املدونة:
أهداف البحث:
تهدف الدراسة إلى تحقيق ما يلي:
-التعرف على احلكم الشرعي ألداء مناسك احلج يف هواء املشاعر املقدسة.
-الوصول إىل الضوابط الشرعية ألداء مناسك احلج يف اجملال اجلوي لقرارها ,لتكون مبثابة النظرية أو
القاعدة العامة اليت حتكم كل ما قد يستجد من مسائل تتعلق مبوضوع البحث.
-تقدمي دراسة وحبث علمي ُحمكم ومؤصل يف هذه املسألة يثري املكتبة العلمية الفقهية ,ويفاد منه
الباحثون والدارسون ,مبا مت فيه من استقراء لألقوال واألدلة والتخرجيات يف املسألة .
مشكلة البحث:
مشكلة البحث تدور حول اإلجابة على السؤال :ما حكم أداء مناسك احلج يف اجملال اجلوي هلواء
املشاعر املقدسة؟ والوصول إىل وضع ضوابط شرعية لذلك ,وإجياد نظرية وقاعدة عامة يف القضايا املتشاهبة
مستقبال.
أسئلة البحث:
يجيب هذا البحث على األسئلة التالية:
-ما املقصود باجملال اجلوي وهواء املشاعر املقدسة؟.
-ما هي املناسك اليت تُؤدى يف هواء املشاعر املقدسة ,وما أبرز هذه املسائل؟.
-ما حكم أداء مناسك احلج يف هواء املشاعر؟.
-ما الضوابط الشرعية والنظرية العامة اليت تصلح أن حتكم املسائل املتعلقة بأداء مناسك احلج يف اجملال
اجلوي للمشاعر؟.
فرضية البحث:
سيكون لدى الباحث عدد من االحتماالت حلل مشكلة البحث ,إما القول بعدم جواز أداء مناسك احلج
يف هواء املشاعر ,مما يرتتب على هذا القول عدد من اآلثار يتأكد على الباحث إظهارها .وإما القول باجلواز.
ويلزم الباحث يف كل االحتماالت االستدالل لكل قول ,بالنظر إىل التطبيقات املتشاهبة للوصول للنظرية والضوابط
الشرعية هلذه املسألة.
الدراسات السابقة:
مبراجعة الباحث املظان العلمية املعنية بالدراسات الفقهية املتخصصة وقف الباحث على بعض الفتاوى
والقرارات الفقهية من بعض املؤسسات الشرعية املعتمدة وبعض املقاالت واملنشورات اليت تشري إىل بعض اجلزئيات
التطبيقية ملوضوع هذا البحث ,منها:
-أحباث هيئة كبار العلماء يف اململكة العربية السعودية فيما خيص مسألة حكم السعي فوق سقف
املسعى.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 176
ومل يتم التطرق يف هذه البحث ملسألة أداء املناسك يف اجملال اجلوي لقرارها ,لكن مت االستفادة من توجيه
القول باملنع وأدلته ,مبا يتوافق مع موضوع هذا البحث.
-رسالة دكتوراه بعنوان( :الزحام يف املناسك األسباب واحللول) ,من إعداد :خالد بن حممد السياري,
مقدمة لقسم الفقه املقارن يف املعهد العايل للقضاء عام1491-1491 :ه .
وقد بذل الباحث وسعه يف بيان احللول لبعض املسائل املتعلقة بالزحام ,بذكر بعض البدائل ,واستعرض
بعض املسائل اليت تتعلق بأداء املناسك يف اجملال اجلوي ومجع بعض ما قيل فيها من أدلة ,إال أن هذا البحث يفرق
عنه بأن مت استقراء املسألة من مجيع جوانبها كأصل يرجع إليه يف موضوع البحث.
-أحكام اجملال اجلوي واجملال الفضائي ,للباحث :عطية حممد طاهر عسول ,وهي رسالة دكتوراه من كلية
الشريعة ,قسم الفقه ,جبامعة أم القرى ,وقد حتدث الباحث فيها عن الوقوف والطواف والسعي يف اهلواء ,ومل يتم
استيفاء األدلة ومناقشتها ,وال التطرق ملوضوع هذا البحث (الضوابط الشرعية).
-األحكام املتعلقة بالطريان وآثاره ,فايز بن عبد الكرمي الفايز ,رسالة دكتوراه ,يف قسم الفقه ,جبامعة اإلمام
حممد بن سعود اإلسالمية ,وقد ذكر الباحث ما يتعلق بالعبادات :مسألة اإلحرام يف الطائرة ,ومل يتم اإلشارة إىل
موضوع البحث وال التطرق لبقية املناسك اليت تؤدى يف اجملال اجلوي للمشاعر بشيء من التفصيل والتأصيل كما
يف هذا البحث.
إضافة إىل ما سبق ميكن إمجال ما أضافه هذا البحث عن هذه البحوث وغريها مبا يلي:
-التأصيل الفقهي باستقراء األقوال يف هذه املسألة ومجعها وذكر أدلة كل قول ,وذكر القواعد والتخرجيات
الفقهية العديدة على املسألة ,األمر الذي مل جيد الباحث حبثا أفرد احلديث عنها.
-خلو هذه الدراسات وغريها من النص على الضوابط الشرعية ألداء مناسك احلج يف اجملال اجلوي
ؤصال لذكر هذه الضوابط ,وجعلها كنظرية عامة ميكن أن تُقاس عليها النوازل للمشاعر ,حيث جاء هذا البحث م ِ
ُ
املعاصرة يف املستقبل.
منهج البحث:
املنهج املتبع يف إعداد هذا البحث هو :املنهج االستقرائي (التحليلي) الذي يعتمد على جتميع التطبيقات
املتشاهبة من املسائل املتعلقة مبوضوع البحث ,ومجع األقوال فيها وأدلتها ,حتت موضوع حبثنا ,ودراستها الدراسة
الفقهية املقارنة بني أقوال املذاهب األربعة وما قاله الفقهاء فيها ,وحتليلها ,مث وضع قاعدة عامة حتكمها ,وحتكم
مثيالهتا من املسائل اليت قد تستجد مستقبال.
حدود البحث الموضوعية:
تُركز الدراسة على تأصيل مسألة حكم أداء مناسك احلج يف اجملال اجلوي للمشاعر املقدسة وهو الذي يُطلق
عليه الفقهاء (هواء املشاعر) ,باستقراء األقوال ,واألدلة ,ومناقشتها ,وبيان القول الراجح ,مث وضع الضوابط
الشرعية ألدائها يف هواء قرارها .فالبحث ال يتحدث عن مسألة بعينها ,وإمنا يُؤصل لكل مسائل احلج اليت ميكن
أن تُؤدى يف اجملال اجلوي لقرارها.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 177 جملة املدونة:
خطة البحث:
ارتأيت تقسيم البحث إىل ثالثة مباحث ,جاءت على النحو التالية:
المبحث األول :في التعريف بمفردات عنوان البحث.
ويشتمل على ثالثة مطالب:
املطلب األول :تعريف الضوابط الشرعية.
املطلب الثاين :تعريف اجملال اجلوي للمشاعر.
املطلب الثالث :مناسك احلج اليت ميكن أن تُؤدى يف اجملال اجلوي للمشاعر.
المبحث الثاني :حكم أداء المناسك في المجال الجوي للمشاعر.
المبحث الثالث :ضوابط أداء المناسك في المجال الجوي للمشاعر.
مث أهني ت البح ث خبامت ة ذك رت فيه ا أه م النت ائج والتوص يات ,وس ٍرد أله م املص ادر واملراج ع .ويف خت ام ه ذه
املقدمة أسأل اهلل أن يرزقنا العلم الن افع والعم ل الص احل ,وأن يعف و عن ا الزل ل والتقص ري ,وأن جيع ل ه ذا البح ث م ن
العلم الذي ينتفع به ,وصلى اهلل وسلم على نبينا حممد وعلى آله وصحبه أمجعني.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 178
المبحث األول
في التعريف بمفردات عنوان البحث
واشتمل على ثالثة مطالب:
المطلب األول
تعريف الضوابط الشرعية
(الضْبط) وهو لزوم الشيء وحبسه ,وهو عبارة عن احلزم ,ويُطلق على إمتام الشيء
الضابط يف اللغة :مأخوذ من َّ
وإتقانه ,ومنه قوهلم :الضبط ضبط صدر أو ضبط كتاب؛ أي :احلفظ واإلتقان للحديث ,إما أن يكون باحلفظ يف
الصدر أو باحلفظ يف الكتاب( .)1ومن معاين الضبط :لزوم شيء ال يفارقه يف كل شيء(.)2
الضابط في االصطالح:
تعددت تعريفات العلماء للضابط بناء على تفريقهم بني الضابط والقاعدة ,فمنهم من ال يفرق بني الضابط و
القاعدة وجيعلهما مبعىن واحد ,ومنهم من يفرق بينهما فيجعل القاعدة اليت جتمع فروعا يف أبواب شىت ,والضابط
جيمع فروعا من باب واحد( .)3ومن يفرق بينهما يسلك مسلكني :مسلك ضيق وله تعريف خاص به ,ومسلك
واسع له وله تعريف خاص به:
المسلك األول :يعرف الضابط بأنه :ما اختص بباب وقصد به نظم صور متشاهبة(.)4
المسلك الثاني :وهو من يتوسع يف مفهوم الضابط ,ويعرفون الضابط بأنه" :كل ما حيصر جزئيات أمر
معني"(.)5
وعليه :يُقصد بالضابط الشرعي أو الفقهي يف هذا البحث :كل ما أعان على احلصر والضبط جلزئيات (مسائل)
أداء مناسك احلج يف اهلواء واجملال اجلوي لقرار املنسك نفسه ,والذي من خالله ميكن تطبيقه على أي جزئية
(مسألة معاصرة) تظهر يف املستقبل يف أداء املناسك يف اجملال اجلوي للمشاعر.
المطلب الثاني :تعريف المجال الجوي للمشاعر
أصل هذا املصطلح مستعار من جمال الطريان ,ويُقصد به املساحة من الفضاء اجلوى اخلاصة بدولة ما(,)6
فاجملال هو :املنطقة ,واجلوي ,نسبة إىل َج ّو ,وهو الفضاء ,ويكون املعىن :منطقة الفراغ اجلوي(.)7
( )1لسان العرب ,البن منظور ,مادة (ضبط) ,)430/0( ,التعريفات للجرجاين ,ص (.)501
( )2هتذيب اللغة ,لألزهري ,مادة (ضبط).)441/55( ,
( )3األشباه والنظائر ,للسيوطي ,)0/5( ,األشباه والنظائر ,البن جنيم ,ص (.)533
( )4األشباه والنظائر ,البن جنيم ,ص( ,)511الكليات ,للكفوي ,ص (.)018
( )5القواعد الفقهية ,الباحسني ,ص (.)33
( )6ينظر :موقع املوسوعة احلرة ,ويكيبيديا ,مصطلح (جمال جوي).
( )7ينظر :معجم اللغة العربية املعاصرة ,أمحد خمتار.)313 /5( ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 179 جملة املدونة:
ويُ ِعب عنه الفقهاء يف كتبهم قدميا ب (اهلواء) ,واهلواء اسم ,وهو ما بني السماء واألرض ,وهو اجلو ,واجلمع
أهوية ,ومسي اهلواء هبذا خللوه ,وكل خال يقال له هواء( ,)1ومنه قوله تعاىل{ :مه ِطعِني م ْقنِعِي رء ِ
وس ِه ْم َال يَْرتَ ُّدُُ ُْ َ ُ
إِلَْي ِه ْم طَْرفُ ُه ْم َوأَفْئِ َدتُ ُه ْم َه َواءٌ} [إبراهيم , ]49 :أيَ :خا ِويَةٌ َخ ِربَةٌ ُمتَ َخِّرقَةٌ( .)2واهلواءُ ممدود :ما بني السماء
األه ِويةُ .وكل ٍ
خال هواءٌ(.)3 واألرض ,واجلمع ْ َ
والمشعر :مأخوذ من َش َعَر ,والشعار :العالمة يف احلرب وغريه ,واإلشعار :اإلعالم ,والشعار العالمة .قال
األزهري رمحه اهلل :وال أدري مشاعر احلج إال من هذا؛ ألهنا عالمات له(.)4
وشعار احلج :مناسكه وعالمته ,وآثاره وأعماله ,مجع شعرية .وكل ما جعل علما لطاعة اهلل سبحانه؛
كالوقوف بعرفة والطواف ,والسعي ,والرمي ,والذبح وغري ذلك(.)5
وعلى هذا يكون املعىن اإلمجايل لقولنا( :اجملال اجلوي للمشاعر) :املنطقة اخلالية املمدودة ما بني مكان أداء
النسك (املشعر) إىل السماء.
المطلب الثالث :مناسك الحج التي يمكن أن تُؤد في المجال الجوي للمشاعر
المناسك لغة:
مجع منسك ,وهو من النسك ,ويراد به :العبادة والطاعة ,وكل ما تُق ِرب به إىل اهلل تعاىل يُطلق عليه نسكا,
واملنسك هو املتعبد ,واملناسك هي العبادة والتقرب إىل اهلل(.)6
والمناسك في االصطالح:
()7
فسر ذلك الشيخ غلب إطالق املناسك يف االصطالح الشرعي على مجيع أعمال احلج ,لكثرة أنواعها ,كما َّ
ابن سعدي رمحه اهلل عند تفسريه لقوله تعاىل{ :وأَ ِرنَا منَ ِ
اس َكنَا} [البقرة , ]182 :قال" :حيتمل أن يكون املراد َ َ
باملناسك :أعمال احلج كلها ,كما يدل عليه السياق واملقام ,وحيتمل أن يكون املراد ما هو أعم من ذلك وهو
الدين كله ,والعبادات كلها ,كما يدل عليه عموم اللفظ؛ ألن النسك :التعبد ,ولكن غلب على متعبدات احلج,
تغليبا عرفيا"(.)8
وقد جرت الفتوى يف زماننا على القول جبواز أداء عدد من مناسك احلج يف اجملال اجلوي لقرارها ,مع اختالف
العلماء يف بعضها جوازا ومنعا ,وهي املعنية يف هذا البحث بذكر األقوال يف املسألة وأدلتها ,والوصول يف الضوابط
الشرعية ألدائها يف اجملال اجلوي ,وسنذكر فيما يلي استقراءًا لبعض منها وصورها :
.5المبيت في أبراج منى السكنية ذات األدوار المتعددة:
وهذه املسألة متفرعة من مسألة( :حكم البناء يف مشعر مىن) ,الذي اتفق العلماء قدميا على منعه؛ حلديث
مىن مناخ من سبق" مبىن؟ قال" :الً ,عائشة رضي اهلل عنهما :قالت :قلنا يا رسول اهلل ,أال نبين لك بيتًا يظلك ً
( ,)1وقد أجاز عدد من العلماء املعاصرين البناء يف مىن ,وأقيمت املشاريع الكبرية لذلك ,وكتبت البحوث
والدراسات يف ذلك( ,)2وظهرت بناء على ذلك مسألة املبيت يف أدوار هذه األبراج السكنية العالية ,وهذه املسألة
تدخل حتت موضوع حبثنا واليت ميكن أن يُعنون هلا ب (املبيت يف هواء مشعر مىن أو يف اجملال اجلوي هلا).
.2الوقوف في المجال الجوي لمشعر عرفة
وحيصل ذلك بأن يكون الواقف على الطائرة ,فيمر بالطائرة يف الوقت الشرعي للوقوف ,حيث ذهب بعض
مر بقرارها ,ومنع من ذلك آخرون
مر هبوائها كمن َّ
العلماء إىل القول جبوازه قياسا على الوقوف راكبا ,ومن َّ
واشرتطوا مباشرة األرض(.)3
.4ميقات القادم للحج أو العمرة عن طريق الجو بالطائرة
مر باجملال اجلوي للميقات ,وجاء فقد ذهب كثري من العلماء املعاصرين إىل أن القادم بالطائرة له أن ُحي ِرم إذا َّ
أن" :املواقيت املكانية اليت حددهتا السنة النبوية جيب نص على َّذلك يف قرار جممع الفقه اإلسالمي الدويل حيث َّ
اإلحرام منها ملريد احلج أو العمرة ,للمار عليها أو للمحاذي هلا أرضا أو جوا أو حبرا لعموم األمر باإلحرام منها
يف األحاديث النبوية الشريفة"(.)4
.3رمي الجمرات من األدوار العلوية أو من على الطائرة:
مىن مناخ من سبق ,)885( ,)151/4( ,وابن ماج ه يف س ننه ,يف كت اب ( )1أخرجه الرتمذي ,يف سننه ,يف أبواب احلج ,باب ما جاء أن ً
املناس ك ,ب اب الن زول مب ًىن ,)5000/1( ,رق م ( ,)4003واإلم ام أمح د يف مس نده ,)305/31( ,رق م ( ,)11058واب ن خزمي ه يف
ص حيحه ,يف كت اب املناس ك ,ب اب النه ي ع ن احتص ار املن ازل مب ًىن إن ثب ت اخل ب ,)183/3( ,رق م ( ,)1815واحل اكم يف املس تدرك عل ى
الص حيحني ,)5053( ,)348/5( ,والبيهق ي يف الس نن الك بى ,يف كت اب احل ج ,ب اب الن زول مب ىن ,)1301( ,)113/1( ,وحس نه
األلب اين كم ا يف ص حيح اجل امع الص غري وزيادت ه ,)5511/1( ,رق م ( ,)3310واحل ديث تكل م العلم اء ع ن طرق ه وس نده كث ريا فم نهم م ن
ضعف سنده ,وهذا ما جعل من يقول جبواز البناء يف مشعر مىن.
( )2ينظ ر :البح ث احمل ك م (البن اء يف مش عر م ىن) ,لل دكتور حمم د ب ن س ليمان املنيع ي ,املنش ور يف جمل ة البح وث الفقهي ة املعاص رة ,الع دد
( ,)11لسنة 5344ه ,وقد توصل حفظه اهلل إىل القول جبواز البناء يف مشعر مىن.
( )3بلغة السالك ألقرب املسالك.)44/1( ,
( )4ق رار جمل س جمم ع الفق ه اإلس المي يف دورة انعق اد م ؤمتره الثال ث بعم ان -اململك ة األردني ة اهلامشي ة م ن 54 -8ص فر 5300ه 55 /
إىل 53أكتوبر 5183م ,ينظر :جملة جممع الفقه اإلسالمي ,العدد الثالث.)5340/4( ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 181 جملة املدونة:
من فضل اهلل على املسلمني بناء هذه األدوار العديدة على اجلمرات ,للقضاء على مشكلة التدافع والزحام,
والرمي يف األدوار العلوية أو إذا أحتيج للرمي من على الطائرة يف الدور العلوي األخري يصدق على ذلك كله أنه
أداءٌ هلذا النسك يف اجملال اجلوي ,وقد صدر قرار هيئة كبار العلماء جبواز رمي اجلمرات من هذه األدوار مىت ما
وقعت اجلمار يف حمل الرمي(.)1
.5الطواف بالطائرة:
وهي أيضا من املسائل املعاصرة اليت ميكن أن حتصل ,فكيف يكون ذلك؟ وما حكم هذا الفعل فوق هواء
الصحن أو امتداده؟ وهذه املسألة مل يتحدث عنها الكثري ومل يصدر يف شأهنا قرار من أحد اجملامع أو فتوى أو
أحباث مطولة فيها –فيما وقفت عليه ,-لذا سيكون ذكرنا خلالف أداء املناسك يف اجملال اجلوي للمشاعر املقدسة
وضوابط ذلك ينطبق على هذه املسألة(.)2
.6الطواف والسعي في األدوار العليا والسطح:
واخلالف يف هذه املسألة ظهر مع بداية االنتهاء من بناء األدوار يف احلرم ,وقد ذهب أغلب العلماء املعاصرين
نص على جواز ذلك عدد من الفقهاء رمحهم اهلل إىل القول جبواز الطواف والسعي يف الدور الثاين والسطح ,وقد َّ
من ذلك على سبيل املثال ما قاله املاوردي رمحه اهلل" :لو طاف على سطح املسجد احلرام أجزأه"(.)3
وقال الشيخ ابن عثيمني رمحه اهلل " :فعلى هذا يكون حمل الطواف وحمل السعي ثالثة :األرض ,والسطح الذي
فوقها ,والسطح األعلى ,ولو بنوا سطحاً رابعا فال حرج ,ولو بنوا خامساً فال حرج"( ,)4ومنع من ذلك بعض
العلماء املعاصرين ,وتوقف آخرون(.)5
المبحث الثاني
حكم أداء المناسك في المجال الجوي للمشاعر المقدسة
مل أقف على من حبث هذه املسألة ,وإمنا هي استنباطات من خالل ما يذكره العلماء يف كتبهم ,ومن خالل
ما صدر من أحباث وقرارات وفتاوى يف بعض املسائل املعاصرة اليت تتعلق بالتمدد الرأسي ألداء بعض أنساك احلج
ختفيفا ملشكلة الزحام ,أو من خالل ما ذكره بعض الباحثني يف بعض تلك القضايا املعاصرة ,وبناء على ذلك فإن
اخلالف يف هذه املسألة حيتمل قولني:
القول األول :اجلواز ,وهو مذهب اجلمهور ,من احلنفية( ,)1واملالكية( ,)2والشافعية( ,)3واحلنابلة( ,)4واستدلوا
مبا يلي:
( )1املبسوط للسرخسي ,)80/1( ,بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع ,للكاساين (.)131 /3
( )2حاشية الدسوقي ,)111/5( ,مواهب اجلليل ,للحطاب.)103 /3( ,
( )3مغين احملتاج ,للشربيين ,)008/5( ,حاشية الشرواين على حتفة احملتاج.)501/3( ,
( )4اإلنصاف ,للمرداوي ,)554/1( ,كشاف القناع ,للبهويت.)508/5( ,
( )5اجلامع ألحكام القرآن = تفسري القرطيب (.)81 /53
( )6ينظر :قرار هيئة كبار العلماء بشأن حكم السعي فوق املسعى ,جملة البحوث اإلسالمية )588/5( ,بتصرف.
( )7أخرجه البخاري ,يف صحيحه ,يف كتاب احلج ,باب فضل احلرم ,)530/1( ,رقم( ,)5180ومسلم يف صحيحه ,يف كتاب احلج ,باب
حترمي مكة وصيدها وخالها وشجرها ولقطتها ,إال ملنشد على الدوام ,)183/1( ,رقم (.)5414
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 183 جملة املدونة:
اهلواء ,وقد أضاف كل الصيد إليه ,فيكون ما يف اهلواء صيد من احلرم ,وتتبع صيد قراره وهو صيد الب؛ فهو
مندرج ضمن عموم األماكن.
.8عن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال" :طاف النيب يف حجة الوداع على بعري ,يستلم الركن
مبحجن( .)2(")1وعن جابر قال " :رأيت النيب يرمي على راحلته يوم النحر ,ويقول" :لتأخذوا مناسككم,
فإين ال أدري لعلي ال أحج بعد حجيت هذه"(.)3
وجه الداللة :يستدل أن أداء النسك يف اجملال اجلوي يشبه أداء الطواف راكبا والرمي على الراحلة ,فكل
منها نسك أُدي من غري مباشر مؤدية لألرض اليت أداه عليها(.)4
ونوقش :بأن أداء النسك راكبا يف الطواف والسعي والرمي ,خيتلف عن أداء النسك يف اجملال اجلوي,
فاألول مستقر يف نفسه على جرم يف هواء املشعر ,أشبه الواقف يف األرض ,خبالف الثاين فهو غري مستقر على
األرض(.)5
وجياب :بالتسليم بوجود الفرق غري أنه فرق غري مؤثر يف تغري احلكم ,ومن ادعى ذلك فعليه بالدليل(.)6
.9عن سعيد بن زيد ,قال :مسعت رسول اهلل يقول" :من ظلم من األرض شيئا طوقه من سبع
أرضني"(.)7
وجه الداللة :أن قوله" طوقه من سبع أرضني" فيه دليل على أن من ملك أرضا ملك أسفلها إىل
منتهاها ,فدل على أن حكم أعلى األرض وأسفلها تابع حلكمها يف التملك واالختصاص وحنومها ,وعلى ذلك
ميكن أن يقال :أن حكم هواء املشاعر املقدسة حكم قرارها.
الدليل الثالث :آثار عن الصحابة رضي اهلل عنهم
ورد عن بعض الصحابة رضي اهلل عنهم ما يدل على أهنم جعلوا حكم اجملال اجلوي واهلواء والعلو حكم
أسفله وقراره ,منها:
.1ورد عن عمر بن اخلطاب أنه رمى مجرة العقبة من فوقها( .)8أي من جماهلا اجلوي.
الرأس واحلجن االعوجاج واملعىن أنّه ي ومئ بعص اه إىل ال ّركن ح ّىت يص يبه.
()1بكسر امليم وسكون املهملة وفتح اجليم بعدها نون هو عصا حمنيّة ّ
ينظر :فتح الباري ,البن حجر.)304/4( ,
( )2أخرجه البخاري ,يف صحيحه ,يف كتاب احلج ,باب جواز الطواف على بعري وغريه ,واستالم احلجر مبحج ن وحن وه للراك ب,)515/1( ,
رقم ( ,)5300ومسلم يف صحيحه ,يف كتاب احلج.)5101( ,)113/1( , ,
( )3أخرج ه مس لم ,يف ص حيحه ,يف كت اب احل ج ,ب اب اس تحباب رم ي مج رة العقب ة ي وم النح ر راكب ا ,وبي ان قول ه « لتأخ ذوا مناس ككم»,
(.)5110( ,)134/1
( )4ينظر يف أحباث هيئة كبار العلماء ,)41/5( ,بتصرف.
( )5ينظر :حتفة احملتاج يف شرح املنهاج ,البن حجر )501/3( ,بتصرف.
( )6الزحام يف املناسك ,األسباب واحللول ,للسياري ,ص ( )514بتصرف.
( )7أخرجه البخاري ,يف صحيحه ,يف كتاب املظامل والغضب ,باب إمث من ظلم شيئا من األرض ,)540/4( ,رقم (.)1311
( )8أخرجه ابن أيب شيبة يف مصنفه ,)511/4( ,رقم (.)54351
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 184
.8عن صاحل موىل التوأمة قال" :صليت مع أيب هريرة فوق املسجد بصالة اإلمام وهو أسفل"(.)1
.9وورد عن أيب هريرة قوله" :ظهر املسجد كقعره"(.)2
الدليل الرابع :اإلجمال
نقل غري واحد من أهل العلم أن حكم اهلواء حكم أسفله ,ومن الذي نقلوا اإلمجاع على ذلك :ابن العريب
رمحه اهلل حيث قال" :وال خالف يف أن العلو له إىل السماء"(.)3
قال السرخسي رمحه اهلل" :وباالتفاق من صلى على أيب قُبيس جازت صالته ,وليس بني يديه شيء من بناء
الكعبة ,فدل أنه ال معتب للبناء"( .)4وهكذا كل عبادة ومنها مناسك احلج اليت تؤدى يف هوائها.
الدليل الخامس :القياس
-اتفق الفقهاء رمحهم اهلل على جواز استقبال ما فوق الكعبة من هواء يف الصالة؛ كاستقبال بنائها,
ويقاس على الطواف كل مناسك احلج اليت تؤدى يف هواء املشاعر ,جبامع أن كال منهما عبادة(.)5
-القياس على رمي اجلمرة من أعالها ,فقد نقل إمجاع الفقهاء رمحهم اهلل على إجزائه؛ كما فعل ذلك عمر
بن اخلطاب .قال ابن عبد الب رمحه اهلل" :وقد أمجعوا أنه إن رماها من فوق الوادي أو أسفله أو ما فوقه أو
أمامه فقد جزى عنه"(.)6
-القياس على الرمي من أدوار اجلمرات ,وعامة أهل العلم املعاصرين على إجزاء الرمي منه(.)7
الدليل السادس :المصلحة
أن هذه الشريعة املطهرة مبنية على جلب املصاحل ,ودفع املفاسد ,واألدلة الدالة على هذا األصل من الكتاب
والسنة كثرية جدا( ,)8وصدر عن هيئة كبار العلماء فيما خيص البناء على مشعر مىن ما نصه" :بالنسبة إىل البناء
يف مىن فال خيفى أن مىن مشعر من املشاعر املقدسة ,وأهنا مناخ من سبق ,وأن أهل العلم رمحهم اهلل قد منعوا
البناء فيها؛ لكون ذلك يفضي إىل التضييق على عباد اهلل حجاج بيته الشريف .ونظراً إىل أن سفوح جباهلا غري
صاحلة يف الغالب لسكىن احلجاج فيها أيام مىن ,وأنه ميكن أن تستغل هذه السفوح بطريقة حتقق املصلحة العامة,
وال تتعارض مع العلة يف منع البناء يف مىن ,فإن اجمللس يقرر باألكثرية :جواز البناء على أعمدة يف سفوح اجلبال
املطلة على مىن على وجه يضمن املصلحة للحجاج ,وال يعود عليهم بالضرر ,ويكون هذا البناء مرفقاً عاماً ,وما
حتته ملن سبق إليه من احلجاج كبقية أراضي مىن ,على أن يكون اإلشراف على هذا البناء للدولة" .وجاء يف آخر
هذا القرار ذكر" :أن أي مقرتحات حتقق النفع واملصاحل ,وتدفع املضار حتال إىل املختصني للدراسة ,وتقرير ما
حيقق املصلحة"(.)1
مما يؤكد على اعتبار املصلحة يف أداء مناسك احلج ,وال شك أن أداء املناسك يف اجملال اجلوي للمشاعر
حيقق مصلحة احلجاج عموما يف تأديتهم ملناسكهم بكل يسر وسهولة ,وفيه دفع ملفسدة حصول التدافع بينهم,
ودفع لوقوع بعضهم يف ترك ركن أو واجب من أركان وواجبات احلج.
الدليل السابع :التخريج على بعض القواعد والفرول الفقهية وكالم العلماء المعاصرين
أوال :التخريج على القواعد الفقهية
ذكر العلماء رمحهم اهلل بعض من القواعد اليت ميكن أن خترج مسألة أداء مناسك احلج يف اجملال اجلوي
عليها ,منها:
()2
أوال :قاعدة( :الهواء تابع للقرار)
وهذه القاعدة وردت يف ألفاظ الفقهاء كثريا ,وعللوا هبا أحكاما عديدة ,يف كثري من أبواب الفقه ,كالعبادات
والبيوع ,والصلح ,والوقف ,وغريها ,وهلا تطبيقات على النوازل الفقهية ,ومن هذه التطبيقات الفقهية املعاصرة,
ختريج مسألة أداء بعض أنساك احلج يف اجملال اجلوي" ,فهي املعتمد الشرعي للتوسعة احلالية يف احلرم املكي ومرمى
اجلمرات"( ,)3ومن املعلوم أن حكم أعلى األرض وأسفلها تابع حلكمها يف التملك واالختصاص وحنومها(.)4
()5
ثانيا :قاعدة( :التابع تابع)
وهذه قاعدة فقهية ذكرها العلماء للداللة على أن ما كان تابعاً لغريه يف الوجود ال ينفرد باحلكم ,بل يدخل
يف احلكم مع متبوعه(.)6
واملراد بالتابع هنا :ما ال يوجد مستقال بنفسه ,بل وجوده تابع لوجود غريه ,فهذا ال ينفك حكمه عن حكم
متبوعه(.)7
( )1أحباث هيئة كبار العلماء اجمللد الثالث ,ص ( ,)303قرار رقم ( )41وتاريخ 5411/1/53ه .
( )2مل أجد هذه القاعدة يف كتب القواعد الفقهية املعروفة واملشهورة ,كاألشباه والنظائر البن جن يم ,والس يوطي ,أو املنث ور يف القواع د الفقهي ة,
للزركش ي وال يف غريه ا ,وال يف املص ادر املعاص رة ,ك الوجيز للبورن و أو غ ريه ,وإمن ا ي ذكرها الفقه اء كتعلي ل لألحك ام الش رعية ال يت خيرج ون عليه ا
العديد من الفروع الفقهية كما سيأيت ذكره.
( )3ينظر :قاعدة :اهلواء تابع للقرار ,تأصيال وتطبيقا ,وليد الودعاين ,ص (.)8
( )4أحباث هيئة كبار العلماء.)10/5( ,
( )5ينظر :األشباه والنظائر ,للسيوطي ,ص ( ,)550األشباه والنظائر البن جنيم ,ص (.)510
( )6الوجيز يف إيضاح قواعد الفقة الكلية ,للبورنو ,ص (.)445
( )7املرجع السابق ,نفس الصفحة.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 186
ويندرج حتت هذه القاعدة ,قاعدة( :التابع ال يفرد باحلكم) ,وهي تفيد أن ما مل يوجد مستقالً بنفسه بل
وجوده تبع لوجود غريه -واجملال اجلوي للمشاعر وهوائها ال يوجد بنفسه مستقال ,بل وجوده متعلق بقراره-
فحكمه حينئذ ال ينفك عن حكم قراره(.)1
ثانيا :التخريج على الفرول الفقهية
ما زال العلماء رمحهم اهلل يفرعون املسائل الفقهية يف خمتلف أبواب الفقه الدالة على أن حكم هواء الشيء
يأخذ حكم قراره ,خاصة فيما يتعلق مبلك الشيء ,واليت ميكن قياس مسألتنا عليها ,ومن هذه الفروع يف كتب
املذاهب الفقهية األربعة ما يلي:
المذهب الحنفي: -5
أ .قال الكاساين رمحه اهلل" :وأليب حنيفة -رمحه اهلل -أن إشراع اجلناح وامليزاب إىل طريق العامة تصرف
يف حقهم؛ ألن هواء البقعة يف حكم البقعة والبقعة حقهم فكذا هواؤها فكان االنتفاع بذلك تصرفا يف حق الغري
وقد مر أن التصرف يف حق الغري بغري إذنه حرام"(.)2
ب.وقوهلم" :سطح املسجد له حكمه إىل عنان السماء".
ج .وقوهلم :وباالتفاق من صلى على أيب قبيس جازت صالته ,وليس بني يديه شيء من بناء الكعبة ,فدل
أنه ال معتب للبناء"(.)3
المذهب المالكي: -2
أ .قال احلطَّاب رمحه اهلل" :قال علماؤنا :من ملك أرضا أو بناء ملك هواءها إىل أعلى ما ميكن"(.)4
ب .وقوهلم" :ال جيوز للجنب الطريان فوق املسجد"(.)5
ج .وقال القرايف رمحه اهلل" :قاعدة حكم األهوية حكم ما حتتها ,فهواء الوقف وقف ,وهواء الطلق طلق,
وهواء املوات موات ,وهواء اململوك مملوك"(.)6
د .وقال املقري رمحه اهلل" :كل هواء فحكمه حكم ما حتته ,وهو ملن هو له ,والثرى ملن له الصعيد"(.)7
المذهب الشافعي: -4
أ .قال الشربيين رمحه اهلل يف مسألة الطواف" :ويصح على سطح املسجد وإن كان سقف املسجد أعلى من
البيت ,كالصالة على جبل أيب قبيس مع ارتفاع عن البيت ,وهذا هو املعتمد"(.)8
مر يف هواء املسعى ,فقياس جعلهم هواء املسجد :مسجدا؛ صحة سعيه"(.)1 ب .قوهلم :ولو مشى أو ّ
ج .قول بعضهم يف صحة الوقوف بعرفة على أغصان الشجر ,والطريان فيها" :لو قيل بالصحة يف الصورتني؛
تنزيال هلوائه منزلة أرضه مل يبعد"(.)2
د .وقوهلم" :لو صلى على لوح يف هواء املسجد بصالة اإلمام يف املسجد جاز"(.)3
ه .جاء يف حاشية الشرواين على حتفة احملتاج(" :فرع) :شجرة أصلها بعرفة ,خرجت أغصاهنا لغريها ,هل
يصح الوقوف على األغصان ما يصح االعتكاف على أغصان شجرة خرجت من املسجد الذي أصلها فيه؟ ....
وعليه فيفرق بني من طار يف اهلواء حيث مل يصح وقوفه ,وبني من وقف على األغصان الداخلية يف احلرج ,فيصح
بأنه مستقر يف نفسه على جرم يف هواء عرفة فأشبه الواقف يف أرضه.)4( "...
و .وجاء فيها أيضا" :لو بىن على مجيع موضع الرمي منارة عالية هلا سطح ,فهل جيزيء الرمي فوقها أو
ال؟...وظاهر أنه لو هبط املرمى إىل ختوم األرض أو عال إىل السماء ورمى فيه أجزأه نظري الطواف ,وأنه لو بىن
عليه دكة ,أو منارة عالية ,أو سطح ,أو فُرشت فيه أو بعضه أحجار وثبتت ,أو أُلقيت على أرضه وسرتته بال
إثبات كفى الرمي عليها"(.)5
المذهب الحنبلي: -3
أ .قال املرداوي رمحه اهلل يف الطواف يف اهلواء وهو نسك من أنساك احلج" :لو طاف على سطح املسجد
احلرام أجزأه"( ,)6وبنحو هذا قال ابن مفلح رمحه اهلل(.)7
ب .وقال البهويت رمحه اهلل" :هواء املسجد كقراره"(.)8
ج .قال ابن قدامة رمحه اهلل " :إذا حصلت أغصان شجرته يف هواء ملك غريه ,أو هواء جدار له فيه شركة,
أو على نفس اجلدار ,لزم مالك الشجرة إزالة تلك األغصان ,إما بردها إىل ناحية أخرى ,وإما بالقطع؛ ألن اهلواء
ملك لصاحب القرار ,فوجب إزالة ما يشغله من ملك غريه كالقرار"(.)9
ثالثا :التخريج على بعض ما ذكره العلماء المعاصرين:
وردت بعض التخرجيات يف كالم املعاصرين ,فمن ذلك:
أ .قول الشيخ حممد ابن إبراهيم رمحه اهلل" :تسهيال للسعي بن الصفا واملروة على العجزة :ميكن عمل خط
متر عليه عربات من داخل الصفا ,ومعلقة يف جدرانه –يعين يف اهلواء -تذهب من طريق وتعود من الطريق
الثاين"(.)1
ب .وقال الشيخ حممد بن عثيمني رمحه اهلل" :فعلى هذا يكون حمل الطواف وحمل السعي ثالث :األرض,
والسطح الذي فوقها ,والسطح األعلى ,ولو بنوا رابعا فال حرج ,ولو بنوا خامسا فال حرج؛ ألن اهلواء تابع
للقرار"(.)2
ج .قول الشيخ عبد اهلل البسام رمحه اهلل مستدال جلواز اإلحرام من اجلو" :العلماء قالوا :إن اهلواء تابع للقرار,
وحىت قالوا لو وقف بعرفة جوا صح حجه ,واآلن األعراف الدولية أن األجواء ال تنتهك تابعة للقرار ,تابعة لقرارها
...واهلواء تابع للقرار"(.)3
د .وجاء يف قرار جممع الفقه اإلسالمي الدويل" :املواقيت املكانية اليت حددهتا السنة النبوية جيب اإلحرام
منها ملريد احلج أو العمرة للمار عليها أو للمحاذي هلا أرضا ,أو جوا ,أو حبرا ,لعموم األمر باإلحرام يف
األحاديث النبوية الشريفة"(.)4
الدليل السابع :من المعقول
أوال :وهو أن حقيقة مكان أداء النسك هو الفضاء الشامل ملا فوق هذا املكان ,ولذا أمجع العلماء على
صحة الصالة فوق جبل أيب قبيس -كما سبق -وأن من كان مبكة ففرضه استقبال القبلة عني الكعبة ,فدل
ذلك كله على أن املقصود هو مكان أداء املشعر ,وإن عال كأبراج مىن أو كان فضاء كهواء عرفة وأعلى اجلمرات.
فدل على أن املقصود مكان أداء النسك وإن عال(.)5
ونوقش :بأن هناك فرق بني الصالة وبني مناسك احلج ,فإن يف الصالة املقصود اجلهة ,بينما يف مناسك
احلج املقصود مكان األداء(.)6
وأجيب :بأن هذا التفريق تفريق من غري دليل ,واألصل أن الصالة واحلج عبادة واحدة من باب واحد,
فالطواف مثال كالصالة وكذا بقية مناسك احلج هي عبادات ال يصح التفريق إال بدليل يدل على خالف ذلك,
وال دليل(.)7
ثانيا :أن أداء النسك يف هواء مكانه ال خيرج عن كون أدائه يف نفس املكان ,من ذلك جاء يف قرار هيئة
كبار العلماء عن السعي يف هوائه وسقفه قوهلم "السعي فوق سقف املسعى ال خيرج عن مسمى السعي بني الصفا
واملروة"( ,)1ويقاس على ذلك بقية مناسك احلج ,فإن أداءها يف هوائها ال خيرج عن مسماها.
القول الثاني :املنع ,وبه قال بعض الشافعية( ,)2حيث قالوا" :لو سعى طائرا ,أو طاف طائرا؛ فإنه ال يُعتد
هبما"( ,)3ومما يُستدل به هلذا القول ما يلي:
الدليل األول :عن جابر قال :رأيت النيب يرمي على راحلته يوم النحر ,ويقول" :لتأخذوا
مناسككم ,فإين ال أدري لعلي ال أحج بعد حجيت هذه"( ,)4ويف رواية " :خذوا عين مناسككم لعلي ال أراكم بعد
عامي هذا"(.)5
وجه الداللة :يدل على أن أفعال النيب يف احلج بيان إلمجال آيات احلج ,فال جيوز العدول عن شيء
منها لبدل آخر إال لدليل جيب الرجوع إليه من كتاب أو سنة (.)6
ويُناقش :بأن العدول عن أداء مناسك احلج يف قرارها إىل جماهلا اجلوي إمنا هو ألدلة دلت على جواز ذلك,
ولضرورة اقتضت أداءها على هذه الصفة.
الدليل الثاني :أن من شروط أغلب مناسك احلج؛ كالطواف ,والسعي ,والوقوف ,بعرفة ,واملبيت مبىن,
وغريها ,الكينونة يف حمل أداء النسك ,وهذا غري متحقق عند أدائه يف اجملال اجلوي؛ وبالتايل فإن هذا يُعد اخالال
بأحد أركان النسك ,وهو اخالل بالصفة الشرعية اليت جاءت هبا الشريعة(.)7
ويناقش :بأن من املتقرر أن اهلواء تابع لقرار مكان أداء العبادة ,واملعول عليه أن تقع العبادة يف املكان
الشرعي الذي جاءت به النصوص الشرعية.
الدليل الثالث :أن األمكنة احملدودة شرعا لنوع من أنواع العبادة ليست حمال للقياس؛ ألن املناسك مرهونة
بأمكنتها وأزمنتها ,وال جيوز التحكم يف مكان أو زمان غري الزمان واملكان احملدودين من قبل الشارع ,ومعلوم أن
النيب قد بني األمكنة اليت أنيطت هبا النسك( .)1وهبذا يتبني أن أداء النسك يف اهلواء ليس له مستند من الشرع
وأنه خارج مكان األداء الشرعي(.)2
ويُناقش :بأن هذه القاعدة ليست على إطالقها ,وأداء املناسك يف هوائها وجماهلا اجلوي ليس حتكما يف
()3
مكان النسك وال تغيريا له ,بل األحكام الشرعية تؤيد أن اهلواء تابع للقرار فيأخذ حكمه
الدليل الرابع :من العلماء املعاصرين( )4من ذهب إىل أن املشاعر املقدسة إذا مت تعيينها من قبل الشارع فإنه
ال يدخل شيء آخر البتة يف ذلك لتعني املسمى بعلمه الشخصي دون غريه ,كائنا ما كان ,سواء كان الفراغ
الكائن فوق املسمى املشخص بعلمه أو غري ذلك من األماكن األخرى؛ ألن فعل النيب الوارد لبيان إمجال نص
من القرآن العظيم له حكم ذلك النص القرآين الذي ورد لبيان إمجاله .فإن دلت آية من القرآن العظيم على
وجوب حكم من األحكام وأوضح النيب املراد منها بفعله -فإن ذلك الفعل يكون واجبا بعينه وجوب املعىن
الذي دلت عليه اآلية ,فال جيوز العدول عنه لبدل آخر .
ويُناقش :بأنه قد ورد ما يدل على دخول ما مل يُعني يف ذلك التعيني إذا كان تبعا له كما ذكر يف أدلة القول
األول.
الترجيح:
يظهر واهلل أعلم قوة أدلة القول األول ,حيث استدلوا بأدلة من الكتاب والسنة واإلمجاع والقياس واملصلحة
والعقل وذكروا التخرجيات على القواعد والفروع ,مبا يؤيد القول باجلواز ,وأما القول الثاين فإن أدلتهم عبارة عن
تعليالت مت مناقشتها.
والقول باجلواز مقيد ببعض الضوابط الشرعية اليت ال بد أن تراعى عند أداء النسك يف هواء ااملشاعر ,وهي
ما سيتم ذكره يف املبحث التايل إن شاء اهلل.
المبحث الثالث
ضوابط أداء المناسك في المجال الجوي للمشاعر المقدسة
إذا تبني القول جبواز أداء مناسك احلج يف اجملال اجلوي للمشاعر املقدسة ,فإن هذا القول يقيد ويضبط
بالضوابط الشرعية التالية:
الضابط األول :وجود العذر المبيح ألداء النسك في المجال الجوي للمشاعر
األصل يف أداء املناسك يف هواء املشاعر يكون مع قيام الواجب على احلاج يف أداء النسك على الصفة
املنصوص عليها ,فإن قام باحلاج عذر شرعي أداها على غري صفتها بقدر املستطاع ,وهذا على ما قرره الفقهاء
رمحه اهلل يف مسألة الطواف أو السعي راكبا لعذر:
قال ابن قدامة رمحه اهلل :ال نعلم خالفا يف صحة طواف الراكب إذا كان له عذر . . .إىل أن قال :فصل:
فأما الطواف راكبا أو حمموال لغري عذر فمفهوم كالم اخلرقي أنه ال جيزئ ,وهذا هو إحدى الروايات عن أمحد ؛
ألن النيب قال" :الطواف بالبيت صالة"()1؛ وألهنا عبادة تتعلق بالبيت فلم جيز فعلها راكبا لغري عذر
كالصالة ,والثانية :جيزئه وجيبه بدم ,وهو قول مالك ,وبه قال أبو حنيفة إال أنه قال :يعيد ما كان مبكة املكرمة,
فإن رجع جبه بدم؛ ألنه ترك صفة واجبة من واجبات احلج فأشبه ما لو وقف بعرفة هنارا ودفع قبل غروب
الشمس ,والثالثة :جيزئه وال شيء عليه .اختارها أبو بكر وهي مذهب الشافعي وابن املنذر؛ ألن النيب أمر
بالطواف مطلقا فكيفما أتى به أجزأه وال جيوز تقييد املطلق إال بدليل مث قال :فصل فأما السعي راكبا فيجزئه
لعذر ولغري عذر؛ ألن املعىن الذي منع الطواف راكبا غري موجود فيه"(.)2
فإذا قام باحلاج العذر الشرعي برتك النسك يف املكان احملدد وبالصفة الشرعية فله حينها أداءها بالصفة اليت
يستطيعها ,كأن يؤديها على هواء قرارها.
وننبه يف هذا الضابط على أنه ال يلزم احلاج البحث عن بديل يؤدي فيه نسكه؛ كأدائها يف اجملال اجلوي أو
غريه ,فإن املعهود يف الشريعة أن من عجز عن اإلتيان بأمر واجب شرعا سقط عنه التكليف ,يدل لذلك قوله
ِ
استَطَ ْعتُ ْم } [التغابن ,]12 :وقوله " :إِذَا أ ََمْرتُ ُك ْم بِأ َْم ٍر فَأْتُوا مْنهُ َما ْ
استَطَ ْعتُ ْم"( ,)3ومن تعاىل{ :فَاتَّ ُقوا اللَّهَ َما ْ
عجز عن القيام بأداء النسك بالصورة الشرعية زمانا أو مكانا فقد عجز عن قيام الواجب فيسقط عنه .وال يظهر
لزوم البدل ,وذلك لتخفيف الشارع له؛ ألن الصفة الشرعية ألدائها جاءت مقيدة مبن استطاع القيام هبا بصفتها,
( )1أخرج ه النس ائي ,يف الس نن الك بى ,يف كت اب املناس ك ,إِباح ةُ الْ َك َالِم ِيف الطَّ و ِ
اف ,)4145( ,)541/3( ,وال دارمي ,يف س ننه ,يف َ ََ
اف ,)5881( ,)5531/1( ,والط باين يف املعج م الكب ري ,)50111( ,)43/55( ,واحل اكم يف كت اب املناس ك ,ب اب الْ َك َالِم ِيف الطَّ و ِ
َ َ ُ
املستدرك على الصحيحني ,)340/5( ,رقم ( ,)5383وصححه األلباين ,يف صحيح اجلامع الصغري وزيادته.)4113( ,)044/1( ,
( )2املغين ,البن قدامة.)418 /4( ,
( )3أخرج ه البخ اري يف ص حيحه يف كت اب االعتص ام بالكت اب والس نة ,ب اب االقت داء بس نن رس ول اهلل ,)13/1( ,رق م (,)0188
ومسلم يف صحيحه ,يف كتاب احلج ,باب فرض احلج مرة يف العمر ,)101/1( ,رقم ( .)5440
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 192
أما من مل يستطع فيسقط عنه اإللزام هبا للعجز ,أو يقال يف بعض األنساك كما يف املبيت مبىن أن جيب نقصه
بدم.
وإن فعل وجاء بالبدل بأن قام بالنسك يف اجملال اجلوي (اهلواء) للمشعر فقد أدى نسكه وأجزأه ,ملا ذُكر من
نصوص وأدلة تدل على ذلك.
الضابط الثاني :وجود الحاجة والمصلحة الظاهرة من أداء النسك في المجال الجوي
وهذا الضابط امتداد ملا ذكر يف الضابط السابق ,وهو وجود العذر الذي أدى باحلاج إىل أن يؤدي نسكه يف
اجملال اجلوي ,فحصلت احلاجة وقامت املصلحة بأن يؤدي هؤالء احلجاج النسك هبذه الطريقة ,من ذلك:
.1التدافع الشديد الذي كان حيصل عند اجلمرات والذي ينتج عنه عدد من الوفيات يف السنوات املاضية,
فهذه حاجة ,تستدعي الرمي يف اجملال اجلوي ,فكان حكمها حكم قرارها يف جواز الرمي منها.
.8عدم وجود أماكن للمبيت مبىن إال يف األبراج السكنية العالية ,فيبيت فيها بناء على ماقررنا من جواز
أداء مناسك احلج يف اجملال اجلوي ,ومنها املبيت هبواء مىن.
.9الذين حيتاجون إىل إجراءات أمنية خاصة؛ كرؤساء الدول واألمراء والدبلوماسيني وضيوف الدولة ,فلهم
أداء النسك كالطواف والرمي وغريمها يف اجملال اجلوي ,ويقاس هذا على اتفاق الفقهاء على صحة طواف الراكب
لعذر ,قال ابن قدامة رمحه اهلل" :ال نعلم بني أهل العلم خالفا يف صحة طواف الراكب إذا كان له عذر"(.)1
الضابط الثالث :بقاء اسم( )2المشعر على المجال الجوي أثناء تأدية النسك
حبيث يبقى اسم أصل املشعر وقراره على اهلواء وعلى اجملال اجلوي وشامال له ما بقي احلاج يؤدي نسكه,
فإن كان وقوفا يقف فوق قرار عرفه ,وإن كان مبيتا مبىن بات فيما يصدق عليه قرار مىن سواء كان أبراج عالية أو
حنوها ,وإن كان رميا كذلك فوق اجلمرات ,وإن كان طوافًا ففي هواء الصحن ...إخل.
وإىل هذا الضابط أشار شيخ اإلسالم ابن تيمية رمحه اهلل بقوله" :قال كثري من أصحابنا :منهم القاضي
وأكثر أصحابه اآلمدي وابن عقيل وغريهم :ال فرق يف احلمام واحلُش( )3وأعطان اإلبل بني سفلها وعلوها؛ ألن
االسم يتناول اجلميع ,واحلكم معلق باإلسم"( ,)4فالشاهد من قوله( :احلكم معلق باإلسم).
وقرار هيئة كبار العلماء باململكة حول جواز السعي فوق سقف املسعى عند احلاجة اشرتطوا استيعاب ما
بني الصفا واملروة ,وأن ال خيرج عن مسامتة املسعى عرضا( .)5مما يؤكد على لزوم توافر هذا الضابط عند أداء
مناسك احلج يف اجملال اجلوي للمشاعر املقدسة.
( )1ينظر :قاعدة اهلواء تابع للقرار ,د .وليد الودعان ,ص ( )82بتصرف.
( )2أخرجه األئمة الثالثة :اإلمام مالك يف املوطأ ,يف كتاب القضاء ,باب القض اء يف املرف ق ( ,)745/8رق م ( ,)1483واإلم ام الش افعي يف
مسنده ,باب ما جاء يف املظامل ( ,)884/1كالمها من طريق عمرو بن حي املازين عن أبيه ,وأخرجه اإلم ام أمح د يف مس نده ( ,)919/9رق م
( ,) 8227م ن ح ديث اب ن عب اس رض ي اهلل عنهم ا ,وأخرج ه ك ذلك اب ن ماج ه يف س ننه ,يف كت اب األحك ام ,ب اب م ن ب ىن يف حق ه م ا يض ر
جباره ( ,)724/8رقم ( ,)8945من حديث عبادة بن الصامت ,والبيهقي يف السنن الكبى ,يف كت اب الص لح ,ب اب ال ض رر وال ض رار
( ,)23/2رقم ( ,)11122وصححه األلباين ,يف خمتصر إرواء الغليل ( ,)178/1رقم (.)232
( )3املفهم ملا أشكل من تلخيص كتاب مسلم ,للقرطيب.)595/4( ,
( )4إدرار الشروق ,ابن الشاط ()17/4
( )5ينظر شرح عمدة الفقه ,البن تيمية (.)474/8
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 194
النسك يف اجملال اجلوي بعد انقضاء زمن النسك أو قبله ,كأن يرمي يف اجملال اجلوي قبل الزوال عند من مينع الرمي
قبل الزوال ,أو يبيت يف أبراج مىن ليلة العاشر ,وال بعد انقضاء زمانه؛ كأن يقف يف اجملال اجلوي لعرفة بعد انتهاء
وقته.
ونظري ما ذكرنا ما أشار إليه ابن تيمية رمحه اهلل عند حديثه عن النهي عن الصالة يف السكن املبين فوق
املقبة حيث قال" :وألن الصالة يف علو هذا املكان بالنسبة للميت كالصالة يف أسفله؛ وألن ِحكمة النهي عن
الصالة عند القب هو ما فيه من التشبه بعبادة األوثان والتعظيم املفضي إىل اختاذ القبور أوثانا ,وهذه احلكمة
موجودة بالصالة يف قرار األبنية وعلوها سواء قصد املصلي ذلك أو تشبه مبن يقصد ذلك ,وخيف أن يكون ذلك
ذريعة إىل ذلك"( .)1ووجه الشاهد من كالمه جعله حكم العبادة يف القرار كحكمها يف اجملال اجلوي سواء يف احلل
أو التحرمي(.)2
الضابط السابع :تحقق شرط النسك عند أدائه في مجاله الجوي
مثال ذلك :اتفق الفقهاء أن من شروط رمي اجلمرات :أن يقصد الرامي الرمي بفعله؛ ويقصد املرمى ,وأن
تقع اجلمار يف جمتمع احلصى ,وبأي صفة جاز ,ما دام أنه يصدق عليه عرفا حتقق الرمي ,ووقوعه يف املرمى عرفا.
وال شك أن ذلك كله متحقق يف من رمى يف الطوابق العليا ,أو من على الطائرة؛ ألن الفقهاء رمحهم اهلل مل
يشرتطوا االستقرار يف األرض(.)3
وما ذكره الفقهاء من أن على املتعجل يف أيام التشريق اخلروج من مىن قبل مغيب مشس الثاين عشر ,وعليه
ال يصح أن يتواجد احلاج املتعجل يف األبراج السكنية يف مشعر مىن بعد مغيب مشس ذلك اليوم ,وإال لزمه البقاء
إىل اليوم الثالث عشر(.)4
خاتمة
وبعد:
فإين أمحد اهلل أن يسر يل ,وأعانين ,على ما توخيت من اإلبانة ,يف حبث موضوع( :الضوابط الشرعية
ألداء مناسك الحج في المجال الجوي للمشاعر المقدسة – دراسة فقهية استقرائية مقارنة) ,وقد تبني لنا
من خالل هذا البحث النتائج التالية:
-يُقصد بالضابط الشرعي أو الفقهي يف هذا البحث :كل ما أعان على احلصر والضبط جلزئيات أداء
مناسك احلج يف اهلواء واجملال اجلوي لقرار املنسك نفسه ,والذي من خالله ميكن تطبيقه على أي جزئية تظهر يف
املستقبل يف أداء املناسك يف اجملال اجلوي للمشاعر.
-يقصد باجملال اجلوي :منطقة الفراغ اجلوي بني السماء واألرض ,ويطلق عليه الفقهاء( :اهلواء),
-من املناسك اليت تؤدى يف اجملال اجلوي :املبيت يف أبراج مىن السكنية ذات األدوار املتعددة ,الوقوف يف
هواء عرفة ,ميقات القادم للحج أو العمرة عن طريق اجلو بالطائرة ,رمي اجلمرات من األدوار العلوية أو من على
الطائرة ,الطواف بالطائرة ,الطواف والسعي يف األدوار العليا والسطح.
-من خالل استقراء كالم العلماء يف بعض املسائل يف أبواب الفقه املختلفة املتعلقة بأحكام هواء القرار,
توجه اخلالف يف املسألة إىل قولني ,مت استقراء أدلة كل قول ,وتوجيهها ومناقشة القول املرجوح ,وترجح القول
باجلواز ,بقيود وضوابط.
-الضوابط اليت تراعى عند أداء مناسك احلج يف اجملال اجلوي تتمثل يف ضابط الوقت واحلالة اليت يتم فيها
أداء النسك ,ومدى احلاجة واملصلحة الظاهرة من أداء النسك على هذه الصفة ,واشرتاط بقاء اسم املشعر يف
اجملال اجلوي أثناء تأدية النسك ,وانتفاء الضرر احلاصل عند أدائه ,وأال يصرح احلاج بأداء النسك يف غري اجملال
اجلوي بنذر وحنوه ,مع استمرارية حكم أداء النسك يف قراره وعدم زواله ,ومراعاة حتقق الشروط الواجب توفرها
ألداء النسك يف قراره ويف جماله اجلوي.
ويوصي الباحث بتهيئة املشاعر املقدسة ألداء املناسك يف جماهلا اجلوي ,مبا حيقق مصلحة ذوي االحتياجات
اخلاصة ,والذين حيتاجون إىل إجراءات أمنية خاصة؛ كرؤساء الدول واألمراء والدبلوماسيني وضيوف الدولة ,وحىت
الذي يتمكنون من أداء نسكهم يف قراره ,وأن يكون ذلك بطرق ووسائل تضمن عدم اإلضرار باحلجاج.
وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ،والحمد هلل رب العالمين.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 196
القرآن الكرمي
.1أحباث هيئة كبار العلماء اجمللد الثالث.
.8إدرار الشروق على أنواء الفروق ,لقاس م اب ن الش اط امل الكي ,مطب وع م ن الف روق لش هاب ال دين الق رايف,
حتقيق :خليل عمران ,دار الكتب العلمية ,لبنان ,بريوت ,الطبعة األوىل8553 ,م.
.9إرواء الغلي ل يف خت ريج أحادي ث من ار الس بيل ,حملم د ناص ر ال دين األلب اين ,الناش ر :املكت ب اإلس المي
ببريوت ,الطبعة الثانية1455 ,ه 1325 -م.
.4االس تذكار ,أليب عم ر يوس ف ب ن عب د اهلل ب ن عب د ال ب النم ري ,حتقي ق :س امل حمم د عط ا ,حمم د عل ي
معوض ,الناشر :دار الكتب العلمية ,بريوت ,الطبعة األوىل 1481 ,ه 8555 -م.
.5األش باه والنظ ائر الب ن جن يم ,زي ن ال دين إب راهيم ب ن حمم د ,الناش ر :دار الكت ب العلمي ة ,لبن ان ,ب ريوت,
الطبعة األوىل1455 ,ه .
.2األشباه والنظائر للسيوطي ,ج الل ال دين عب د ال رمحن ب ن أيب بك ر الش افعي ,الناش ر دار الكت ب العلمي ة,
لبنان ,بريوت ,الطبعة األوىل1933 ,ه .
.7إعالم املوقعني عن رب العاملني ,حممد بن أيب ابن قيم اجلوزية ,حتقيق :حممد عبد السالم إبراهيم ,الناشر:
دار الكتب العلمية ,يريوت ,الطبعة األوىل1411 ,ه 1331 -م.
.2اإلنص اف يف معرف ة ال راجح م ن اخل الف عل ى م ذهب اإلم ام أمح د ب ن حنب ل ,أليب احلس ني عل ي ب ن
س ليمان امل رداوي ,حتقي ق :حمم د حام د الفق ي ,الناش ر :دار إحي اء ال رتاث الع ريب ,لبن ان ,ب ريوت ,الطبع ة األوىل,
1322م.
.3ب دائع الص نائع يف ترتي ب الش رائع ,ع الء ال دين ,أب و بك ر ب ن مس عود الكاس اين احلنف ي ,الناش ر :دار
الكتب العلمية ,الطبعة الثانية1452 ,ه 1322 -م
.15بلغ ة الس الك ألق رب املس الك إىل م ذهب اإلم ام مال ك ,ألمح د ب ن حمم د الص اوي ,دار املعرف ة ,ب ريوت,
ب.ط ,ب.ت.
.11البناء يف مشعر مىن ,للدكتور حممد بن سليمان املنيعي ,املنشور يف جملة البحوث الفقهي ة املعاص رة ,الع دد
( ,)35لسنة 1499ه .
.18البناية شرح اهلداية ,أليب حممد حممود بن أمحد العيىن ,الناشر :دار الكتب العلمية ,بريوت ,لبنان ,الطبعة
األوىل 1485 ,ه 8555 -م .
.19تاريخ املدينة,عمر بن شبة النمريي البصري ,حتقيق :فهيم حمم د ش لتوت ,طب ع عل ى نفق ة :الس يد حبي ب
حممود أمحد – جدة 1933 ,ه.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 197 جملة املدونة:
.14حتفة احملتاج يف شرح املنهاج ,أمحد بن حممد بن علي بن حج ر اهليتم ي ,الناش ر :املكتب ة التجاري ة الك بى
مبصر لصاحبها مصطفى حممد ,الطبعة :ب.ط 1957 ,ه 1329 -م .
.15هت ذيب اللغ ة ,حمم د ب ن أمح د ب ن األزه ري ,حتقي ق :حمم د ع وض مرع ب ,الناش ر :دار إحي اء ال رتاث
العريب ,بريوت ,الطبعة األوىل8551 ,م.
.12تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان ,عبد الرمحن بن ناصر السعدي ,حتقي ق :عب د ال رمحن ب ن مع ال
اللوحيق ,الناشر :مؤسسة الرسالة ,الطبعة األوىل 1485ه 8555-م.
.17اجل امع املس ند الص حيح املختص ر م ن أم ور رس ول اهلل ص لى اهلل علي ه وس لم وس ننه وأيام ه = ص حيح
البخاري ,حممد بن إمساعيل أبو عبداهلل البخاري اجلعفي ,حتقي ق :حمم د زه ري ب ن ناص ر الناص ر ,الناش ر :دار ط وق
النجاة (مصورة عن السلطانية بإضافة ترقيم ترقيم حممد فؤاد عبد الباقي) ,الطبعة األوىل1488 ,ه .
.12ج امع بي ان العل م وفض له ,أليب عم ر يوس ف ب ن عب د اهلل ب ن عب د ال ب ,حتقي ق :أيب األش بال ال زهريي,
الناشر :دار ابن اجلوزي ,اململكة العربية السعودية ,الطبعة :األوىل 1414 ,ه 1334 -م.
.13اجلامع ألحكام القرآن = تفسري القرطيب ,أليب عبد اهلل حممد بن أمحد بن الق رطيب ,حتقي ق :أمح د ال بدوين
وإبراهيم أطفيش ,الناشر :دار الكتب املصرية ,القاهرة ,الطبعة الثانية1924 ,ه 1324 -م.
.85حاش ية اب ن حج ر عل ى اإليض اح يف مناس ك احل ج ,لش رف ال دين حي ب ن زكري ا الن ووي ,دار احل ديث,
لبنان ,بريوت ,توزيع املكتبة السلفية املدينة املنورة ,الطبعة األوىل ,ب.ت.
.81حاش ية البجريم ي عل ى اخلطي ب ,س ليمان البجريم ي ,دار الكت ب العلمي ة ,ب ريوت ,الطبع ة األوىل,
1417ه .
.88حاشية الدسوقي على الشرح الكبري ,حممد عرفة الدسوقي ,دار الفكر ,لبنان ,الطبعة األوىل ,ب.ت.
.89حاش ية الش رواين حتف ة احملت اج بش رح املنه اج ,لعب د احلمي د الش رواين ,حتقي ق :جمموع ة م ن العلم اء ,املكتب ة
الكبى ,مصر ,ب.ت.
.84حاشيتا قليويب وعمرية على شرح جالل الدين احملل ي للمنه اج ,األوىل :لش هاب ال دين أمح د ب ن أمح د ب ن
س المة القلي ويب ,والثاني ة :لش هاب ال دين أمح د البلس ي ,امللق ب بعم رية ,دار الفك ر ,لبن ان ,الطبع ة األوىل,
1413ه .
.85الذخرية لشهاب الدين أمحد ب ن إدري س الق رايف ,حتقي ق :د.حمم د حج ي ,الناش ر :دار الع رب اإلس المي,
الطبعة األوىل ,عام1334م.
.82الزح ام يف املناس ك ,األس باب واحلل ول دراس ة فقهي ة مقارن ة ,خال د الس ياري ,رس الة دكت وراة م ن املعه د
العايل للقضاء ,جبامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية ,قسم الفقه املقارن1498-1491 ,ه .
.87سنن ابن ماجه ,حملمد ب ن يزي د أيب عب د اهلل الق زويين ,حتقي ق :حمم د ف ؤاد عب د الب اقي ,الناش ر :دار الفك ر
ببريوت ,بدون تاريخ ,ومع الكتاب :تعليق حممد فؤاد عبد الباقي ,الطبعة الثالثة ,عام 1457ه 1327 ,م.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 198
.82سنن الرتم ذي = اجل امع الص حيح ,أليب عيس ى حمم د ب ن عيس ى الرتم ذي الس لمي ,حتقي ق :أمح د حمم د
شاكر وآخرون ,لناشر :دار إحياء الرتاث العريب ,بريوت ,الطبعة الثانية ,عام 1335م.
.83السنن الكبى ,أمحد ب ن احلس ني البيهق ي ,حتقي ق :حمم د عب د الق ادر عط ا ,الناش ر :دار الكت ب العلمي ة,
بريوت – لبنات ,الطبعة :الثالثة 1484 ,ه 8559 -م.
.95شرح عمدة الفقه ,قسم احلج ,أمحد بن عبد احلليم بن تيمية ,حتقيق :د .ص احل ب ن حمم د احلس ن ,مكتب ة
احلرمني ,الطبعة األوىل1453 ,ه .
.91الص حاح ت اج اللغ ة وص حاح العربي ة ,إلمساعي ل ب ن مح اد اجل وهري ,الناش ر دار العل م للمالي ني بب ريوت,
الطبعة الثانية1933 ,ه 1373 ,م.
.98ص حيح اب ن خزمي ة ,حمم د ب ن إس حاق ب ن خزمي ة أب و بك ر الس لمي النيس ابوري ,حتقي ق :حمم د مص طفى
األعظمي ,الناشر :املكتب اإلسالمي ,بريوت ,الطبعة الثانية,عام 1935ه 1375 -م.
.99صحيح اجلامع الصغري وزياداته ,أليب عبد الرمحن حممد ناصر الدين األلباين ,الناشر :املكتب اإلسالمي,
ب.ط ,ب.ت.
.94صحيح مسلم بن احلجاج أيب احلسني القشريي النيسابوري ,حتقي ق :حمم د ف ؤاد عب د الب اقي ,الناش ر :دار
إحياء الرتاث العريب ,بريوت ,الطبعة الثانية ,عام 1332م.
.95عمدة القاري شرح صحيح البخاري ,لبدر الدين العيين احلنفي ,الناشر :دار إحياء الرتاث العريب ,بريوت
.92فتاوى ورسائل الشيخ حممد بن إبراهيم آل الشيخ ,مجع وحتقيق :حممد عبد الرمحن بن قاس م ,تص وير ع ن
مطبعة احلكومة األوىل1933 ,ه .
.97الف روع وتص حيح الف روع ,أليب عب د اهلل حمم د ب ن مفل ح املقدس ي ,حتقي ق :أب و الزه راء ح ازم القاض ي,
الناشر :دار الكتب العلمية ,بريوت ,الطبعة األوىل ,عام 1412ه .
.92قرار جملس جممع الفقه اإلسالمي يف دورة انعقاد مؤمتره الثالث بعمان -اململكة األردنية اهلامشي ة م ن -2
19صفر 1457ه 11 /إىل 12أكتوبر 1322م.
.93قرار هيئة كبار العلماء ,رقم ( ) 81وتاريخ1939/11/18ه ,املنشور يف جملة البحوث اإلسالمية.
.45القواع د الفقهي ة ,يعق وب الباحس ني ,مكتب ة الرش د ,الري اض ,ش ركة الري اض للتوزي ع ,الطبع ة األوىل,
1412ه .
.41كتاب التعريفات ,علي بن حممد بن عل ي ,حتقي ق :ض بطه وص ححه مجاع ة م ن العلم اء بإش راف الناش ر,
الناشر :دار الكتب العلمية بريوت ,لبنان ,الطبعة األوىل1459 ,ه 1329-م.
.48كشاف القناع عن منت اإلقناع ,ملنصور بن يونس بن إدري س البه ويت ,حتقي ق :ه الل مص يلحي مص طفى
هالل ,الناشر :دار الفكر ,لبنان ,بريوت ,الطبعة األوىل ,عام 1458ه .
.49الكلي ات الفقهي ة ,عب د اهلل حمم د املق ري التلمس اين ,حتقي ق حمم د ب ن اهل ادي أب و األجف ان ,ال دار العربي ة
للكتب ,الطبعة األوىل1337 ,م.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 199 جملة املدونة:
.44الكلي ات معج م يف املص طلحات والف روق اللغوي ة ,أي وب ب ن موس ى احلس يين القرمي ي الكف وي ,حتقي ق:
عدنان درويش ,حممد املصري ,الناشر :مؤسسة الرسالة ,بريوت ,ب.ت.
.45لس ان الع رب ,حملم د ب ن مك رم ب ن منظ ور األفريق ي املص ري املش هور ب ابن منظ ور ,الناش ر :دار ص ادر,
بريوت ,الطبعة الثانية ,عام 1455م.
.42املبسوط ,لشمس الدين حممد بن أيب سهل السرخسي ,الناشر :دار املعرفة ,لبنان ,بريوت,الطبع ة األوىل,
1481ه 8555م.
.47جملة جممع الفقه اإلسالمي ,العدد الثالث.
.42اجملم وع ش رح امله ذب أليب زكري ا حمي ي ال دين ب ن ش رف الن ووي ,الناش ر :دار الفك ر ,بب ريوت ,الطبع ة
الثالثة1337 ,م.
.43جمموع فتاوى ورسائل الش يخ حمم د ب ن ص احل العثيم ني ,مج ع وترتي ب :فه د ب ن ناص ر الس ليمان ,الناش ر:
دار الثريا للنشر ,الطبعة األوىل1413 ,ه 1332 -م.
.55خمتص ر إرواء الغلي ل يف خت ريج أحادي ث من ار الس بيل ,حملم د ناص ر ال دين األلب اين ,الناش ر :املكت ب
اإلسالمي ,ببريوت ,الطبعة الثانية1455 ,ه 1325-م.
.51املس تدرك عل ى الص حيحني ,حملم د ب ن عب د اهلل احل اكم النيس ابوري ,حتقي ق :مص طفى عب د الق ادر عط ا,
الناشر :دار الكتب العلمية ,بريوت ,الطبعة األوىل ,عام 1411ه 1335 -م.
.58املس ند ,لإلم ام أيب أب و عب د اهلل أمح د ب ن حمم د ب ن حنب ل ,حتقي ق :ش عيب األرن ؤوط ,ع ادل مرش د,
وآخ رون ,إش راف :د عب د اهلل ب ن عب د احملس ن الرتك ي ,الناش ر :مؤسس ة الرس الة ,الطبع ة األوىل 1481 ,ه -
8551م.
.59املسند ,لإلمام أيب عبد اهلل حممد بن إدريس بن العباس الشافعي ,الناشر :دار الكتب العلمي ة ,ب ريوت –
لبنان ,ص ححت ه ذه النس خة :عل ى النس خة املطبوع ة يف مطبع ة ب والق األمريي ة والنس خة املطبوع ة يف ب الد اهلن د,
1455ه .
.54املصنف يف األحاديث واآلثار ,أليب بكر عبد اهلل بن حممد ب ن أيب ش يبة الك ويف ,حتقي ق :كم ال يوس ف,
الناشر :املكتب اإلسالمي ,بريوت1935 ,ه 1375 -م.
.55معجم اللغة العربية املعاصرة ,د أمحد خمتار ,مبساعدة فريق عمل ,الناشر :عامل الكتب ,الطبعة :األوىل,
1483ه 8552 -م.
.52معج م لغ ة الفقه اء ,حملم د روا س قلعج ي ,وحام د ص ادق قني يب ,دار النف ائس للطب ع والنش ر والتوزي ع,
بريوت لبنان ,الطبعة الثانية1452 ,ه 1322 -م.
.57معجم مقاييس اللغة ,أمحد بن فارس ,حتقيق :عب د الس الم حمم د ه ارون ,الناش ر :دار الفك ر1933 ,ه
1373 -م.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 211
.52مغ ين احملت اج إىل معرف ة مع اين ألف اظ املنه اج ,حملم د اخلطي ب الش ربيين ,دار النش ر :دار الفك ر ,ب ريوت,
الطبعة الثانية1335 ,م.
.53املغ ين ,أليب حمم د موف ق ال دين عب د اهلل ب ن أمح د ب ن قدام ة املقدس ي ,الناش ر :مكتب ة الق اهرة ,الطبع ة:
ب.ط1922 ,ه 1322 -م
.25املفه م مل ا أش كل م ن تلخ يص كت اب مس لم ,أليب العب اس أمح د الق رطيب ,حتقي ق :دي ب مس تو ,وآخ رون,
دار ابن كثري ,دار الكلم الطيب ,بريوت ,دمشق ,الطبعة األوىل1417 ,ه .
.21املنث ور يف القواع د الفقهي ة ,أليب عب د اهلل ب در ال دين الزركش ي ,الناش ر :وزارة األوق اف الكويتي ة ,الطبع ة
الثانية1455,ه 1325 -م.
.28م نح اجللي ل ش رح عل ى خمتص ر س يد خلي ل ,حملم د عل يش ,الناش ر :دار الفك ر ,ب ريوت ,الطبع ة األوىل,
1453ه 1323 -م.
.29مواه ب اجللي ل لش رح خمتص ر خلي ل ,أليب عب د اهلل ,حمم د ب ن عب د ال رمحن املغ ريب ,الناش ر :دار الفك ر,
لبنان ,بريوت ,الطبعة الثانية1932 ,م.
.24املوط أ ,لإلم ام مال ك ب ن أن س األص بحي ,حتقي ق :حمم د مص طفى األعظم ي ,الناش ر :مؤسس ة زاي د ب ن
سلطان آل هنيان ,الطبعة األوىل1485 ,ه 8554 -م.
.25موقع املوسوعة احلرة ,ويكيبيديا.
.22هناي ة احملت اج إىل ش رح املنه اج ,لش مس ال دين حمم د ب ن أيب العب اس أمح د ب ن مح زة اب ن ش هاب ال دين
الرملي ,الشهري بالشافعي الصغري ,الناشر :دار الفكر للطباعة ,بريوت1454 ,ه 1324 -م.
.27اهلواء تابع للقرار ,تأصيال وتطبيقا ,للدكتور :وليد الودعان ,حبث حمك م منش ور يف جمل ة العل وم الش رعية,
التابعة جلامعة القصيم .
.22ال وجيز يف إيض اح قواع د الفق ة الكلي ة ,د .حمم د ص دقي آل بورن و ,الناش ر :مؤسس ة الرس الة ,ب ريوت –
لبنان ,الطبعة :الرابعة 1412 ,ه 1332 -م.
211 م1058 يناير/هـ5341 ربيع اآلخر،51 العدد،السنة الرابعة :جملة املدونة
:مق ّدمة
حىت ميّزوها عن غريها بألقاب لطيفة تشري
ّ ,عدد من مسائل الفقه باهتمام زائد من فقهاء املذاهب
ٌ حظي
)1(
أو لغري, أو متييزا هلا عن غريها, أو اسم من أضفى عليها ذاك اللّقب, أو تلمح إىل سبب تلقيبها,إىل معناها
,الغراوين
ّ و, ّأم األرامل: واشتهر منها, وكان نصيب علم الفرائض من هذه املسائل امللقبّة وافرا,ذلك من أسباب
وهذه املسائل املرياثيّة امللقبّة, وغريها, و ّأم ال َفُّروخ,املشركة
ّ و, وال ّديناريّة, واحلماريّة, واملنبيّة, والباهلة,والعمريّتني
)1 (
شك أ ّن املراد بتلقيب املسائل الفقهيّة
ّ وال, وقد جيعل علما من غري نبز فال يكون حراما,ذكر أهل اللّغة أ ّن اللّقب النَّبَ ُز بالتّسمية فيحرم
.113/1 وانظر املصباح املنري,هو إعطاء أوصاف حم ّددة تكون علما عليها متييزا هلا عن غريها أو لغري ذلك من أسباب
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 212
السياميني ,وغريمها من مسائل ,ومقصود البحث توسيع نطاق هذا التّلقيب وفق ضوابط ومعامل.
ّ
حممد بن أمحد العبّاد وفّقه اهلل يف جملّة الفرقان الكويتيّة ومسها
وقفت على مقاالت مفيدة نشرها ّ
( ) وبعد فراغي من حترير فقرات البحث ُ
3
باجلمل النّديّة من ألقاب املسائل الفقهيّة ,وطريقته فيها أن يذكر املسألة باختصار مبيّنا مكان ذكرها يف أبواب الفقه ,لكن أوعزها توثيق أكثر
يتطرق ملوضوع توظيف هذه املسائل املل ّقبة لل ّدعوة إىل تلقيب معاصر لنوازل الفقه
ملن ل ّقب تلك املسائل من الفقهاء من جهة ,كما أنّه مل ّ
املعاصر ,وهو ما يرمي إليه حبثنا هذا.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 213 جملة املدونة:
أهداف البحث:
ميكن القول أ ّن أهم هدفني يرمي إليهما هذا البحث مها:
األول :إثبات أ ّن كثريا من مسالك الفقهاء األقدمني يف دراساهتم ملسائل الفقه قد تكون منارا يهتدي به ّ
فقهاء العصر يف جتديد عدد من املصطلحات واألساليب.
كل املستج ّدات ,ويوفّر حلوال شرعيّة ملا نزل بالنّاس من نوازل
الثّاين :إثبات أ ّن الفقه اإلسالمي يتجاوب مع ّ
مسميات وألقاب تساعد على الشرعيّة ,ويضفي على عدد من هذه النّوازل ّ هم يف غاية احلاجة إىل إدراك حلوهلا ّ
تصورها بصورة سلسلة.
وتقرب ّفهم معضالت هذه املسائل ّ
السابقة:
ال ّدراسات ّ
حمررة حت ّقق فكرة املوضوع األساسيّة اليت تتمحور حول إحياء هذا النّمط من تلقيب املسائل مل أر دراسة ّ
املعاصرة وفق ضوابط حم ّددة مستلهمة من صنيع الفقهاء األقدمني فيما ل ّقبوه من مسائل كانت يف عصرهم نوازل,
حممد بن أمحد العبّاد وفّقه اهلل يف جملّة الفرقان الكويتيّة ومسها
وقفت على مقاالت مفيدة نشرها األستاذ ّ
أين ُ غري ّ
باجلمل النّديّة من ألقاب املسائل الفقهيّة ,وطريقته فيها أن يذكر املسألة باختصار مبيّنا مكان ذكرها يف أبواب
يتطرق ملوضوع توظيف الفقه ,لكن أوعزها توثيق أكثر ملن ل ّقب تلك املسائل من الفقهاء من جهة ,كما أنّه مل ّ
هذه املسائل املل ّقبة لل ّدعوة إىل تلقيب معاصر لنوازل الفقه املعاصر ,وهو ما يرمي إليه حبثنا هذا ,وبه تكمن
املتوخاة.
اإلضافة العلميّة ّ
منهج البحث
اقتضت طبيعة البحث أ ّن أسلك منهجا ارتكز على اختيار عدد من املسائل الفقهيّة اليت ل ّقبها الفقهاء يف
غري قسم الفرائض ,ودراستها دراسة فقهيّة مقارنة ,ملتمسا بعمق األسباب اليت محلتهم على تلقيب هذه املسائل,
خاصة عليها ,مبيّنا األسباب اليت
ومنطلقا من ذلك إىل اختيار عدد من املسائل الفقهيّة املعاصرة ,وإضفاء ألقاب ّ
محلتين أيضا على االقتناع بإضفاء هذه األلقاب.
خطّة البحث:
اقتضت طبيعةُ البحث أن تكون خطّته منحصرة يف مق ّدمة ومبحثني وخامتة.
املق ّدمة :وفيها تلخيص لفكرة البحث ,وبيان أمهيّة موضوعه ,وإشكاالته ,وأسباب اختياره ,وأهدافه,
السابقة عليه ,ومنهجه ,وخطّته.
وال ّدراسات ّ
األول :عرض مناذج من املسائل الفقهيّة املل ّقبة قدميا عند الفقهاء.
املبحث ّ
املبحث الثّاين :ضوابط التّلقيب الفقهي املعاصر.
ألهم نتائج البحث.
خامتة :وفيها رصد ّ
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 214
األول
المبحث ّ
عرض نماذج من المسائل الفقهيّة المل ّقبة قديما عند الفقهاء
2ا َم ْسأَلَةُ تَاغَ َّد َم ِعي:
وهي مسألة طرقها فقهاء احلنفيّة يف كتاب األَْميان وومسوا اليمني فيها بيمني ال َف ْور ,ومثّلوا هلا مبثالني:
األول :إذا قال رجل آلخر :تعال تَغَ َّد َمعِي فقال املدعو :واهلل ال أتغ ّدى ,انصرف الغداءُ يف جوابه إىل ّ
الغداء املدعو إليه حتديدا ,فلو أجابه لغداء آخر يف منزله معه أو عاد املدعو إىل بيته يف نفس اليوم وتغ ّدى مع
أهله مل حينث هذا املدعو(.)1
ِ
حر ,انصرف الغداءُ يف جوابه إىل الغداء الثّاني :إذا قال له :تعال تَغَ َّد َمعي فقال املدعو :إن تغ ّد ُ
يت فعبدي ٌّ
املدعو إليه حتديدا ,فلو أجابه لغداء آخر بعد هذا الغداء الذي مل حيضره مل حينث هذا املدعو ومل جيب عليه عتق
الزوج :إن ٍ
عبده ,ومثل هذه املسألة يف العتق قول املرأة لزوجها :تغتسل يف هذه ال ّدار اللّيلةَ من جنابة؟ فقال ّ
()2
األمر هبذا االغتسال املذكور يف سؤال زوجته ,فلو جامعها يف ليلة أخرى مثّ اختص ُ
ّ حر,
اغتسلت فعبدي ٌّ
ُ
اغتسل يف نفس ال ّدار مل حينث ومل جيب عليه عتق عبده.
السؤال والطّلب هو نفسه احمل ّدد يف اجلواب ,وهو ووجه عدم حصول احلنث عند احلنفيّة أ ّن األمر احمل ّدد يف ّ
معاد يف اجلواب )) ,وقدالسؤال ٌ كما يبدو بداهةً ينصرف إليه مباشرةً ,ولذا ّقرر أصحاب القواعد الفقهيّة أ ّن (( ّ
السؤال كاملعاد يف اجلواب ألنّه بناءٌ عليه ))(.)3
رخسي يف مسألة األميان هذه (( :ما ذكر يف ّ الس ُّ قال ّ
فإن اعرتض معرتض وقال :قول املدعو يف جوابه (( :واهلل ال أتغ ّدى )) أشبه بقوله (( :واهلل ال أتغ ّدى
كل غداء يفعله اجمليب ,وعليه يتح ّقق احلنث وجيب عليه أثره. تعم َّ
غداءً)) وهذه نكرة يف سياق النّفي ّ
ختصص هذا وأجيب عن هذا االعرتاض بأنّه على التّسليم بوجود العموم يف اجلواب فإ ّن داللة حال املتكلّم ّ
العموم فكأنّه قال له :واهلل ال أتغ ّدى الغداء الذي دعوتين إليه.
الكالم كت بداللة حال املتكلِّم؛ أل ّن من املعلوم أنّه أخرج ()4
َ قال عالء ال ّدين البخاري (( :هذه احلقيقة تُر ْ
كالم
خمرج اجلواب لكالم ال ّداعي ,وأنّه قد دعاه إىل تغدِّي الغداء الذي بني يديه ال إىل غريه فيقيّد به ,وإذا تقيّد ُ
اب به أيضا ألنّه بناءٌ عليه ,وصار كأنّه قال :واهلل ال أتغ ّدى الغداءَ الذي دعوتين إليه ))(.)5ال ّداعي به يقيّد اجلو ُ
الشاشي ص .433
( ) انظر أصول ّ
1
السرخسي .101/5
( ) انظر أصول ّ
2
واحلنابلة إناطة األمر بالنّ يّة فلو نوى جبوابه االمتناع عن هذا الغداء املدعو إليه حتديدا كان له ما نوى ومل حينث مبا سواه؛ أل ّن العاقل ال يقصد
أن ال يتغ ّدى أبدا ,وإن مل ينو شيئا أثناء اجلواب رجع إىل سبب اليمني وما هيّجها ,انظر أسهل املدارك 14/1للكشناوي ,وهناية احملتاج
للرملي ,واملغين 134/54البن قدامة.
ّ 335/3
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 216
وحممد بن احلسن.
الصاحبان أبو يوسف ّ
( ) أي ّ
1
للسرخسي.
( ) املبسوط ّ
2
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 217 جملة املدونة:
سقطت عنه اجلزية سواء أسلم يف أثناء احلول أو بعده ,ولو اجتمعت عليه جزية سنني مثّ أسلم
ْ (( من أسلم
افعي وأصحابه فإنّه قال :إن أسلم الش ّ سقطت كلُّها ,هذا قول فقهاء املدينة وفقهاء ّ
الرأي وفقهاء احلديث ,إالّ ّ ْ
استحق املطالبة به يف حال الكفر فلم تسقط باإلسالم ()1
بعد احلول مل تسقط ؛ ألنّه َديْ ٌن استح ّقه صاحبه و ّ
كاخلراج وسائر ال ّديون ,وله فيما إذا أسلم يف أثناء احلول قوالن أحدمها :أ ّهنا تسقط ,والثّاين :أ ّهنا تؤخذ
تدل سنّة رسول اللّه وسنّة خلفائه ,وذلك من الصحيح الّذي ال ينبغي القول بغريه سقوطها ,وعليه ّ
بقسطه ,و ّ
حىت يسلموا يتألّفهم حماسن اإلسالم وترغيب الك ّفار فيه ,وإذا كان رسول اللّه يعطي الك ّفار على اإلسالم ّ
بذلك ,فكيف ين ّفر عن ال ّدخول يف اإلسالم من أجل دينار ,فأين هذا من ترك األموال لل ّدخول يف
اإلسالم؟))(.)2
ذمة املكلَّف من أداء مال كان جيب عليه أداؤه حال كفره واستمتاعه يالحظ أ ّن املسألة تتّصل مبوضوع براءة ّ
ذمته ال تبأ يف حالة السائد عند الفقهاء ,بينما يف رأي آخر ّ الرأي ّ
باألمان حتت ظالل ال ّدولة اإلسالميّة ,وهو ّ
الذميّون الذين
زمنيّة حم ّددة وهو انقضاء عام كامل عليه دون دفع وبعدها حصل اإلسالم ,ويكون حينئذ ما يدفعه ّ
العامة تعود آثاره بعد
شك أ ّن آثار هذا املال اجملتمع يف اخلزينة ّ أسلموا موردا من موارد خزينة ال ّدولة اإلسالميّة ,وال ّ
لكل من يعيش يف كنف ال ّدولة مسلمني أصليّني أو مسلمني حديثي عهد بإسالم. ذلك إجيابا ّ
الالّفت يف األمر أخريا أ ّن املسألةَ مذكورةٌ يف كتب املذاهب الفقهيّة األربعة غري أ ّن احلنفيّة انفردوا بتلقيبها ب :
وتقصدا
(( مسألة املوانيذ )) ,وذاك يعين أ ّن التّلقيب قضيّة اجتهاديّة يلجأ إليها بعض الفقهاء ضبطا للمسائلّ ,
أعجمي.
ٍّ معربةً عن استعماللعل سبب ندرة دوران الكلمة يف سائر كتب الفقه كوهنا ّ للتّوضيح والبيان ,و ّ
ب )) ,قاله يف كتابه (( املغرب يف ترتيب ٍ
املطرزيَ (( :مواني ُذ اجلزية :بقاياها ,مجع مانيذ ,وهو ُم َعَّر ٌ
قال ّ
()3
املطرزي بشرح غريب األلفاظ اليت ترد يف كتب
فقهي عين فيه ّ
لغوي ّ
املعرب )) ,وأفاد حم ّققاه أنّه (( معجم ّ
()4
الفقه الحنفي )) .
3ا مسألة لَب ِن الفحل()5
َ َْ
كل ٍ
ولد لتلك املرأة إخوته .و ّأما الرضاعة بإمجاع العلماء ,ويكون ُّ
الرجال ,مثال ذلك املرأة ترضع الطّفل فيكون ابنا هلا من ّ
الرضاع من قبل ّ
حترمي ّ
الرضيع وأخواته,
الرجل إخوة ّ
الرضيع ويصري ولداً له ,وأوالد ّ
الرجل املنسوب ذلك اللّنب إليه فمذهب اجلمهور ثبوت حرمة ا ّلرضاع بينه وبني ّ
ّ
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 218
الرجل
الرضاع بني ّ
بعضهم فقالوا :ال تثبت حرمة ّ
الرجل .وخالف ُ
الرضيع أوالد ّ
عماته ,ويكون أوالد ّ
الرضيع وأخواته ّ الرجل أعمام ّوتكون إخوة ّ
الرضيع ,فهذا هو املقصود مبسألتنا هذه امللقبّة بلنب الفحل ,وانظر التّمهيد ,141/8واملغين ,110/1وفتح الباري .510/1
وّ
( )1النّحل :اآلية . 33
( )2انظرها يف مشكل إعراب القرآن ,314 315/5وأحكام القرآن 5515/4البن العريب.
( )3مشكل إعراب القرآن . 314/5
( )4اجلامع ألحكام القرآن . 513/50
( )5انظر فتح الباري . 515/1
األم ,530/1
املدونة ,181/1واإلشراف ,804/1و ّ
حاوي ص ,115 110و ّ
حممد بن احلسن ص ,513وخمتصر الطّ ّ
( ) انظر موطّأ ّ
6
بنت
حتل له ُ
الصغري بلبنه ,فال ّ حيرم فتنتشر احلرمةُ ملن ارتضع ّ
قال ابن حجر (( :يف احلديث أ ّن لنب الفحل ِّ
زوج املرأة اليت أرضعته من غريها مثالً ))(.)1
يعول على ما خالفه ))(.)2حمل النّزاع فال ّ
قاطع يف ّنص ٌ وقال ابن قدامة (( :هذا ّ
احتجوا مبا يلي: وخالف بعض السلف يف هذا ورأوا أن لنب الفحل ال ()3
حيرم ,و ّ ّ ّ ّ
َ َّ ُ
َ َّ َ َٰ ُ ُ ُ َٰ ٓ َ ۡ َ ُ ۡ ()4
0قوله تعاىل :ﱡوأمهتكم ٱل يِت أۡرضعنكم ﱠ ،ومل يذكر ّ
العمة وال بنت زوج املرأة كما ذكرمها
يف النّسب.
عما عداه وال سيّما وقد جاءت األحاديث يدل على نفي احلكم ّ بالذ ْكر ال ّ الشيء ِّ وأجيبوا بأ ّن ختصيص ّ
حمرٌم(.)5 الصحيحة ال ّدالّة على أ ّن لنب الفحل ِّ
ّ
الرجل؟
الرجل وإّمنا ينفصل من املرأة فكيف تنتشر احلرمةُ إىل ّ 2أ ّن اللّنب ال ينفصل من ّ
واجلواب من أربعة وجوه:
النص فال يلتفت إليه. قياس يف مقابلة ّ األول :أنّه ٌّ
الرضاع منهما كاجل ّد ملا كان سبب الولد الرجل واملرأة معا ,فوجب أن يكون ّ الثّاين :أ ّن سبب اللّنب هو ماءُ ّ
ّ
أوجب حترمي ولد الولد به لتعلّقه بولده.
نصيب(.)6
ٌ يدر اللّنب فللفحل فيه الثّالث :أ ّن الوطء ّ
بالرضاع كاألمومة(.)7
الرابع :أنّه حترمي يثبت بالنّسب فوجب أن يثبت مثلُه ّ ّ
نص قاطع للنّزاع.
لقوة حديث عائشة يف الباب وهو ّ الراجح ّ واحلاصل أ ّن مذهب اجلمهور هو ّ
عما سواها ))(. )8 السنّة مستغىن هبا ّ قال ابن املنذر (( :و ّ
قال ابن القيّم :
احلق الذي ال جيوز أن يقال بغريه, حيرم والتّحرميُ ينتشر منه كما ينتشر من املرأة ,وهذا هو ّ
(( لنب الفحل ِّ
أحق أن تتّبع ويرتك ما خالفها ألجلها, الصحابة ومن بعدهم ,فسنّةُ رسول اهلل ُّ
وإن خالف فيه من خالف من ّ
السنن خلالف من خالفها لِ َع َدِم بلوغها له أو لتأويلها أو
وال ترتك هي ألجل قول أحد كائنا من كان .ولو تُركت ّ
باعه,
باعه إىل قول من ال جيب اتّ ُ وقول من جيب اتّ ُ
احلجة إىل غريهاُ ,
غري ذلك ُلرتكت سنن كثرية ج ّدا ,وتركت ّ
وقول املعصوم إىل قول غري املعصوم ))(.)1
الشريعة اإلسالميّة حبفظها وصيانتها ,ووضعت واملسألة ذات خطر عظيم لصلتها باألنساب اليت جاءت ّ
فقهي ضعيف مآله جواز نكاح حيرم كما يف رأي ّ األحكام اليت حتول دون اختالطها ,والقول بأ ّن لنب الفحل ال ّ
الشريعة
ني نكاح احملارم اليت قفلت ّالرجل البنت اليت أرضعتها زوجتُه ,ونكاح الولد من أرضعتها ُّأمه ,وهذا هو َع ْ ُ ّ
بابه ,إذ نكاح البنات واألخوات صريح حكمه التّحرميي يف القرآن العظيم.
وعامة
عامة العلماء ّ قال الكاساين (( :و ّأما احلرمة يف جانب زوج املرضعة الّيت نزل هلا منه لنب فثبتت عند ّ
الصحابة رضي اللّه عنهم ,وروي عن رافع بن خديج رضي اللّه عنه أنّه قال :ال تثبت وهو قول سعيد بن املسيّب ّ
()2
يسي ومالك ,وهي المسألة المل ّقبة عند الفقهاء بلبن الفحل أنّه هل ّ
حيرم أو ال؟ وعطاء بن يسار وبشر املر ّ
الرضاع وكذا على أبنائه الّذين من غري وتفسري حترمي لنب الفحل أ ّن املرضعة حترم على زوج املرضعة؛ أل ّهنا بنته من ّ
الرضاعة وكذا على أبناء أبنائه وأبناء بناته من غري املرضعة؛ أل ّهنم أبناء إخوة املرضعة؛ أل ّهنم إخوهتا ألب من ّ
الرضاعة ))(.)3
املرضعة وأخواهتا ألب من ّ
يالحظ أخريا أ ّن املسألة تتّصل باألبضاع واألصل فيها التّحرمي كما ّقرره الفقهاء ,وال يكفي قول ضعيف تبنّاه
بعض الفقهاء أن خيرم به هذا األصل اجلليل ,واملسلم شخص فحل ال يتّخذ مسألة لبنه وسيلةً ينتهك هبا حرمة
الشريعة قد فتحت مسلمة ,ويكون سببا لتع ّدي حدود اهلل من جهة ,وانتشار األمراض الفتّاكة من جهة أخرى ,و ّ
كن
الشرعي على مصراعيه ,وأجازت التّع ّدد ,فله يف هذا الباب مندوحة عن نكاح ذوات احملارم ولو ّ باب النّكاح ّ
خاص عند الفقهاء ومسوه ب (( :مسألة لنب ّ الرضاع ,فال جرم إذًا أن حظيت هذه املسألة بلقب حمارم بسبب ّ
صرح بالتّلقيب سوى فقهاء احلنفيّة وفيهم مرونة الفحل )) ,وكتب الفقه طافحة بذكرها وشرحها ,لكن مل أر من ّ
الرجلالسابعة :و ّأما هل يصري ّ
يف تلقيب املسائل أكثر من غريهم نعم قال ابن رشد من املالكيّة (( :املسألة ّ
حيرم من اآلباء واألبناء الذين من
حيرم بينهما ومن قبلهما ما ِّ حىت ِّضع ّ للمْر َ
الذي له اللّنب أعين زوج املرأة أبا ُ
مالك رمحه اهلل ومجيع أصحابه ,وال اختالف فيه بني أحد من فقهاء األمصار )).
للسمرقندي .141/1
الشرائع 4/3للكاساين ,وانظر حتفة الفقهاء ّ
الصنائع يف ترتيب ّ
( ) بدائع ّ
3
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 211 جملة املدونة:
يسمونها لبن الفحل ))( ,)1وفيه إشارة واضحة إىل ختصيص يف التّسمية ,لكنّه مل يفصح النّسب وهي التي ّ
بالتّلقيب كما هو شأن األحناف.
ارونِيَّة:
اله ُ
4ا المسألة َ
الشريعة بابني شرعيّني لقضاء املسلم شهوته اجلنسيّة: فتحت ّ
األول :النّكاح بشروط معلومة. ّ
والثّاين :ملك اليمني بعد االستباء.
يقسمهن على اجملاهدين,
ّ سيب من نسائهم جاز لإلمام أن فإذا انقضت املعركة ض ّد الك ّفار وكان هناك ٌ
حىت يتح ّقق من براءة رمحها من ماء زوجها الكافر ,وذلك بانقضاء حيل ملن أعطاه اإلمام أمةً أن يطأها ّولكن ال ّ
حيضة واحدةٍ بعد دخول هذه األمة يف ملك املسلمّ ,أما األمة احلامل فبوضع محلها ,واحلكمة من هذا التّشريع ٍ
الصغرية اليت
صيانة األنساب أالّ ختتلط ,والعجب أ ّن األمر سيّان مع األمة اليت مل يدخل هبا زوجها الكافر ,واألمة ّ
كل هؤالء ()2
مل حتض بعد ,واألمة البكر ,والكبرية اليائسة من احليض ,واألمة اليت كانت يف ملك امرأة مسلمةّ ,
السيب يف اجلهاد ,وذلك زيادةبالشراء أو اهلبة أو ّ
هن االستباء إذا انتقلن إىل ملك مسلم جديد ,سواء ّ جيب يف ح ّق ّ
أرحامهن بقايا ماء رجل سابق ولو يف صور نادرة(.)3
ّ الشريعة حذرا أن يكون يف احتياط من ّ
الشاقّة ,فضال عن
ميتهن بالبغاء واألشغال ّ
إ ّن تشريع سيب اإلماء وسيلة راقية حلفظ النّساء أيّام احلروب أن ّ
كتهن الك ّفار يف قتال املسلمني يف حالة ما إذا رأى إمام املسلمني املصلحة يف جناهتن من القتل بسبب مشار ّ ّ
من اهلل عليها من ترك حياة الكفروهن حمظوظات غاية احلظوة مبا ّ يعهن على من شارك يف املعركةّ , اسرتقاقهن وتوز ّ
ّ
إحداهن حتت ملك رجل مسلم صاحل ,يصوهنا ويعوهلا ,وجتد عنده ّ والفساد مع أزواج ك ّفار مشركني ,وانضواء
الرفيعة اليت يتحلّى هبا املسلمون ,وقد شهد الفرصة املناسبة للتّعّرف على اإلسالم عن قرب ,ومعاينة األخالق ّ
الزهد
الصالح و ّ
إسالمهن ,وأجننب أوالدا صاروا رموزا يف العلم و ّ
ّ التّاريخ اإلسالمي صورا كثرية ج ّدا من إماء حسن
والتّقى.
يعكر صفو شك ِّ
أي ّ واحلاصل أ ّن نظام االستباء وسيلة شرعيّة غايتها صيانة األنساب من جهة ,وإبعاد ِّ
الشيطان يف قلبه أ ّن هذا املولود ليس
بذريّة ,فلو مل يستبئها لقذف ّ حياة املسلم مع أمته يف حالة ما إذا رزق منها ّ
األول الكافر ,فتتنغّص احلياة ,وتتك ّدر النّفوس ,وحيدث خلل وشرخ يف نظام األسرة, ولده ,بل هو ولد زوجها ّ
يؤدي إىل قطعها.
كل سبب ّ يقوي أواصر األسرة ,ونفي ّ كل سبب ّ الشريعة جاءت بتشريع ّ و ّ
ابن القيّم ,انظر التّلقني ,411/5وروضة الطّالبني ,304/3وجمموع الفتاوى ,00/40وزاد املعاد .050/1
األم ,433/0وامله ّذب
املدونة ,111/1والفواكه ال ّدواين ,35/1و ّ
الصنائع ,111/1و ّللشيباين ,وبدائع ّ ( ) انظر األصل ّ 133/1
3
,540/4ومسائل اإلمام أمحد رواية ابنه عبد اهلل رقم ,5413 :واملغين .381/50
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 212
استبشعت أن يغلّب املسلم شهوته فيأيت أمته دون أن يتح ّقق من براءة رمحها من ماء رجل كافر,
ْ الشريعة
إ ّن ّ
كما إذا أتاها وهي حامل ,ومحلها عالمة واضحة للغاية أنّه من ماء رجل سابق ,فكيف يضيف ماءه اجلديد
وخيلطه مع ماء سابق اقرتب أن يعطي مثرته ,وقد روى أبو ال ّدرداء رضي اهلل عنه عن النّيب (( :أنّه أتى بامرأةٍ
ّ
مهمت يلم هبا؟ فقالوا :نعم ,فقال رسول اهلل :لقد ِ
ُ ُجم ٍّح على باب فسطاط ,فقال رسول اهلل :لعلّه يريد أن ّ
الرسول الكرمي أ ّهنا حامل, ٍ ()1
أن ألعنه لعنا يدخل معه قبه , )) ...فهذه أمة حديثة عهد بسيب الحظ ّ
يوجه عليه
فهم أن ّ واستفسر عن شأهنا فأخبوه أ ّن مالكها يأتيها وهي حامل من غريه ومل يستبئها بوضع محلهاّ ,
لعنة شديدة تدخل معه قبه ,وهذا مؤذن خبطورة هتك تشريع استباء اإلماء ,وقد قال احلافظ البيهقي بعد إيراده
للحديث :
(( فيه داللة على وجوب االستباء بعد ال َق َسم ,وامل ِج ُّح :احلامل امل ْقرب ))( ,)2أي اليت اقرتب وضع
ُ ُ
محلها.
حىت تضع ,وال غري ذات يب على هذا احلكم الواضح بقوله يف سبايا أوطاس (( :ال توطأ حامل ّ وأ ّكد النّ ّ
حىت حتيض حيضةً ))(.)3 محل ّ
قال ابن عبد الب (( :ال خالف بني العلماء قدميا وال حديثا أنّه ال جيوز ٍ
ألحد أن يطأ امرأ ًة حامال من غريه ّ
حىت يعلم براء َة رمحها من ماء غريه ))(.)4 مبلك ميني وال نكاح وال غري حامل ّ
انتقلت إىل ملك مسلم ,ح ّىت لو كان زوجها الكافر قد واحلاصل أ ّن وجوب االستباء عام شامل لكل ٍ
أمة
ْ ّ ّ
الشافعيّة أنّه ال جمال لالستباء.
طلّقها قبل أن يدخل هبا ,ويف وجه عند ّ
الشراء قبل ال ّدخول ال استباءَ
املزوجة إذا طلّقت بعد ّ
الرفعة (( :ووجه حكاه القاضي حسني يف أ ّن ّ قال ابن ِّ
عليها ...وهذه المسألة هي المل ّقبة بالهارونيّة اليت أجاب فيها أبو يوسف مبثل هذا الوجه ))(.)5
السنن ,383/4رقم ,1510 :واحلاكم يف املستدرك ,151/1رقم ,1010 :وغريمها من طرق عن عمرو بن ( ) أخرجه أبو داود يف ّ
3
الوداك ,عن أيب سعيد اخلدري به مرفوعا ,قال احلاكم (( :هذا حديث صحيح على شرط
عون ,أخبنا شريك ,عن قيس بن وهب ,عن أيب ّ
حسنه احلافظ ابن حجر يف التّلخيص
مسلم ومل خيرجاه )) ,وتع ّقب بأ ّن شريكا ّإمنا أخرج له مسلم مقرونا وفيه ضعف لسوء حفظه ,واحلديث ّ
احلبري 404/5وذلك فيما يبدو لشواهده كما قاله األلباين يف إرواء الغليل .100/5
( )4االستذكار .313/1
( )5االستذكار .313/1
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 213 جملة املدونة:
قد جيري على ألسنة بعض األزواج صيغ طالق غريبة تورث إشكاال فقهيّا حيتار بسببه الفقهاء يف حتديد
الزوجة يف عصمة ()1
الق هبا وتنفصل حينئذ عرى األسرة ,أو ال يتح ّقق وتبقى ّ الفتوى املعتبة هل يتح ّقق الطّ ُ
الزوج خماطبا زوجته(( :
الصيغ الغريبة قول ّ
زوجها ويفتحان صفحة جديدة مشرقة مع أسرهتما وذريّاهتما ,من هذه ّ
طالق ثالثا )) لكان األمر جليّا, ِ ِ ِ ِ
طالق )) أو (( أنت ٌ طالق قبله ثالثا )) ,ولو قال (( :أنت ٌ مىت طلّقتك فأنت ٌ ّ
الزوجيّة من عدمه ,فهو يقولالرابطة ّ
الربط الغريب جتاه بقاء ّ لكنّه ع ّقده فربط طالقا بطالق ,وأورث إشكاال هبذا ّ
ٍ
سابقة قبل هذا ٍ
طلقات ثالث
أوقعت َ لزوجته بلسان احلال :مىت أوقعت ِ
عليك طلقةً واحد ًة فهذا يعين أنّين
ُ ُ
السنّة يف إيقاع ٍ
الطّلقة اجلديدة ,فيكون جمموعُ ما أوقعه عليها أربع طلقات ,وهذا عبث وخمالفة صرحية ملسلك ّ
الصحيح.
الشرعي ّ
الطّالق ّ
الصيغة الغريبة وخرجوا بثالثة آراء جتاهها:
إ ّن فقهاءنا األعالم فحصوا هذه ّ
مؤدى اجلملةاألول :أ ّن هذا لغو من الكالم ومصري اجلملة بش ّقيها إىل إبطال الطّالق ,وذلك أل ّن ّ الرأي ّ ّ
طالق قبله ثالثا )) وقوع ثالث ِ ٍ ٍ ِ
ومؤدى اجلملة الثّانية (( :فأنت ٌ األوىل (( :مىت طلّقتك )) وقوع طلقة واحدةّ ,
الرابعة ليست بشيء معتب يف نظام ٍ
الرابعة ,والطّلقة ّ
طلقات ,ويكون اجملموع أربع طلقات ,والطّلقة األوىل هي ّ
التغت التغى ما ربط هبا ,إذ هي باطل من القول وما بين الشرعي فتكون ملغا ًة ولغوا من الكالم ,وإذا ْ الطّالق ّ
الرأي حيلة ذكيّة فيها خمرج ملشكلة الطّالق الزوجيّة قائما ,وكأ ّن هذا ّ
على باطل فهو باطل ,وعلى هذا يبقى رابط ّ
طالق قبله ثالثا )) ,فهما ِ ِ
بسب ما فيها من َد ْور على مجلتيها فقوله (( :مىت طلّقتك )) منوط بقوله (( :فأنت ٌ
املتسرع يف إيقاع الطّالق يتّخذ هذه اجلملة
الزوج ِّ مجلتان دائرتان على نفسيهما مآهلما استحالة وقوع الطّالق ,و ّ
الضرورة حني تتع ّذر احلياة
الشريعة يف حالة ّحىت يس ّد باب الطّالق ,والطّالق خمرج وضعته ّ الزواج ّ خمرجا له بعد ّ
الشارع يف
الزوجني جحيما ال يطاق ,وسدُّه مبثل هذه احليلة يتناىف مع مقاصد ّ الزوجيّة ,ويكون بقاء االرتباط بني ّ ّ
سد باب ِ
السَرْجييَّة يف ِّ
ويذم فاعلُها احليلة ُّ
سنِّه ,وهلذا قال اإلمام النّووي (( :من احليل اليت فيها شبهةٌ ّ
الزوجيّة قال ()2
الرابطة ّ
حل الفسخ واإلبطال هلذه ّ الطّالق)) ,وإذا انس ّد باب الطّالق هبذه املسلك مل يبق إالّ ّ
يق للمفارقة إالّ الفسخ ,وهذه املسألة يقال هلاالغمراوي (( :وقيل :ال شيء عليه وينس ّد عليه باب الطّالق فال طر َ
السَرْجييّة نسبة البن ُسَريْج ))(.)3
ُّ
الشافعي صاحب إ ّن رائد هذا القول هو الفقيه اجلليل أبو العبّاس أمحد بن عمر بن ُسَريْج البغدادي ّ
املتوىف عام 952ه وكان يل ّقب بالباز األشهب ,وهو مشهور بكتابيه اجلليلني :األقسام املصنّفات القيّمة و ّ
الشرائع ,والفقهاء حني ذكروا هذه املسألة أحالوها إليه ,ووضعوا هلا لقبا مرتبطا واخلصال ,والودائع يف منصوص ّ
بامسه.
حىت إ ّن فقيها جليال كالغزايل أفرد هلا تصنيفني خمتلفني كما سيأيت.
() ّ
1
السرجيي ).
( ) األنساب ّ ( 01/0
4
رجحه شيخ اإلسالم املنجز ,وال يقع من املعلَّق شيء ,وهو قول عند ّ
الشافعيّة ّ الرأي الثّالث :يقع الطّالق َّ
ّ
خاصةً(.)2
برمتها رسالةً ّ ابن تيميّة الذي أفرد للمسألة ّ
قتك ِ
فأنت طالق قبله ثالثا فطلّقها وقع املنَ َّجُز قال رمحه اهلل (( :احلاصل أنّه لو قال الرجل المرأته :إن طلّ ِ
ُ ّ
املنجز ألنّه زائ ٌد على عددالراجح وال يقع معه املعلَّق؛ ألنّه لو وقع املعلَّق وهو الطّالق الثّالث مل يقع َّعلى ّ
املنجز مل يقع املعلَّق ))(.)3
الطّالق ,وإذا مل يقع َّ
وقد كان هلذه املسألة أثر يف الوسط الفقهي الحقا وجتلّى ذلك يف أمور منها:
1جت ّدد إثارة املسألة من حني آلخر وظهور أعالم تبنّوا الفتوى هبا منفردين عن فقهاء عصرهم منهم
الشافعي املشهور بابن اخلَ ِّل ت حممد البغدادي ّحممد بن املبارك بن ّ
صاحب كتاب (( توجيه التّنبيه )) أبو احلسن ّ
الشافعيّة ببغداد ,تف ّقه
األئمة ّ
السمعاين (( :كان أحد ّ حىت قال ابن ّ 558ه ,وهو ذو مكانة مرموقة يف الفقه ّ
تفرد في الشاشي ,وبرع يف العلم ,وكان حسن الكالم يف املسائل اخلالفيّة ,مصيبا يف فتاويه ...وهو الذي ّ على ّ
()4 ُّ ِ
السائد ال يقدم عليه إالّ فرد يف اإلفتاء برأي هو خالف ّ الساعة ببغداد )) ,ومثل هذا التّ ّ بالس َريْجيَّة ّ الفتو
أفذاذ من الفقهاء هلم يف الفقه قدم راسخة.
حجة اإلسالم أبو خصيصا هلذه املسألة ,وأشهر من كتب فيها ّ 8إثراء املكتبة الفقهيّة مبصنّفات مفردة ّ
حامد الغزايل ت 555ه ,وقد صنّف فيها كتابني اختار يف أحدمها عدم وقوع الطّالق كما هو قول ابن ُسَريْج ,مثّ
الرأي وصار إىل القول بوقوعه كما هو مذهب مجهور الفقهاء ,ومسّى كتابَه األخري (( :غاية الغَ ْور تراجع عن هذا ّ
يف دراية الد َّْور ))(.)5
قال النّووي (( :للغزايل تصنيفان يف املسألة ُمطََّول يف تصحيح الد َّْور ,وخمتصر يف إبطاله مسّاه الغَ ْور يف الد َّْور
عما سبق منه ,ويشبه أن تكون الفتوى به أوىل ))(.)6 رجع فيه عن تصحيحه ,واعتذر فيه ّ
لألول لدليل على ايل وهو من هو إمامة يف الفقه أن يفرد هلا تصنيفني ثانيهما ناقض ّ جعلت الغز َّ
ْ إ ّن مسألةً
خاص بل وأن تفرد هلا ّ عمقها وعظيم ما أحدثته من جدل بني أوساط الفقهاء ,فكانت حريّةً أن تفرد بلقب
خاصة.
مصنّفات ّ
9تساهل بعض الفقهاء يف إجازة تقليد من ارتضى رأي ابن سريج يف عدم وقوع الطّالق رغم أنّه كان ال
السَرِْجييَّة
مصحح ال ّدور يف ُّ يصححه فقد نقل ابن حجر اهليتمي عن البلقيين أنّه قال (( جبواز تقليد ّ يرتضيه وال ّ
بصحته ))(.)1ومقلّده ال يأمث ,وإن كنت ال أفيت ّ
القائل ب ِ
ُ 4اعتبار كثري من الفقهاء أ ّن قول ابن سريج زلّة فقيه ال جمال لتقليده فيها قال اهليتمي (( :نُس َ
القول به زلّةُ عامل ,وزالّت العلماء ال يجوز تقلي ُدهم فيها ))(.)2
بالد َّْور إىل خمالفة اإلمجاع وإىل أ ّن َ
الختاهم مثل هذه املسألة 5تباين وجهة نظر الفقهاء يف تعليم العو ّام هلذه املسألة فمنهم من مل حيبّذه تفاديا ّ
خاصة وهم الشرع ,ومنهم من مل ير مانعا من تعلّمهم هلا ّ املؤدية إىل إبطال أحكام ّ وسيلة الستعمال احليل ّ
مبجرد اهلوى.
مستندون فيما فعلوه مع أزواجهم على رأي فقيه جليل وهو أوىل من أن يفعلوه ّ
الروياين :ومع اختيارنا له ال وجه لتعليمه للعو ّام .وقال غريه :الوجه تعليمه هلم؛ أل ّن قال اهليثمي (( :قال ّ
أئمة أوىل من احلرام االنفكاك عنه ,فكوهنم على قول عامل بل ّ ُ الطّالق صار يف ألسنتهم كالطَّْبع ال ميكن
الصرف))(.)3 ّ
الرأي حىت بلغ هبم األمر التشكيك يف ثبوت هذا ّ 2ش ّدة تأثّر بعض الفقهاء من القول بعدم وقوع الطّالق ّ
عن ابن سريج ,ومتنّوا أن متحى هذه املسألة من دواوين الفقه.
ابن ُسَريْج برىء ممّا ينسب إليه فيها ))(.)4
وددت لو حميت هذه املسألة ,و ُُ الصبّاغ(( :
قال ابن ّ
خاص وارتبطت بأمساء بعض ّ اشتهرت وحظيت بتلقيبْ يدل على أ ّن بعض املسائل الفقهيّة وإن وهذا ّ
بالرجوع إىل كتب أولئك الفقهاء أنفسهم, خلوها من مش ّكك يف ثبوهتا ,ممّا يعين زيادة التّوثّق ّ
الفقهاء فال يعين َّ
الضوابط اليت تُقرتح فيما يُرمى إليه من أو متحيص أسانيد النّاقلني عنهم مثل تلك اآلراء الفقهيّة ,وهذا أحد ّ
صحة القول املنسوب إىل فقيه معاصر مشهور تلقيب عدد من النّوازل الفقهيّة املعاصرة وهو التّثبّت التّ ّام من ّ
ليقرتح له تلقيب مناسب.
ِ
آليت أو ظاهرت منك أو ُ ُ السَرِْجييَّة كأن يقول ّ
الزوج لزوجته (( :إن 7توليد مسائل فقهيّة هلا شبه باملسألة ُّ
ٍ ()5
مسألة ب
صحته اخلالف )) ؛ فَ ُر َّ طالق قبله ثالثا ,مثّ وجد املَُعلَّ ُق به ففي ّ
فسخت بعيبك فأنت ٌ ُ العنت أو
ُ
فقهي هلا يف ضوء تلك املسألة ٍ
ملقبّة كانت حافزا لبعض الفقهاء لطرح مثل هذه الفروع املشاهبة وحماولة إجياد خمرج ٍّ
خلو هذه املولَّدات من حتيّل يف نظر احمل ّققني كما يف كالم النّووي وغريه ,أل ّن املسألة املشهورة ,مع مالحظة عدم ّ
ت حيلةً أخرى يف الظِّهار وحنوه ,وقد قال العالّمة ابن القيِّم ناقدا السَرِْجييَّة )) يف نظرهم حيلةٌ يف الطّالق َولَّ َد ْ
(( ُّ
العتق بالكلّيّة ,وهي مشت ّقةٌ من
الق و َ الشرعيّة (( :ومنها احليل اليت تبطل الظِّ َ
هار واإليالءَ والطّ َ مسلك احليل ّ
ظهار وال ِ ِ ِ
طالق قبله ثالثا ,فال ميكنه بعد ذلك ٌ آليت منك فأنت ٌ تظاهرت منك أو ُ ُ السَرْجييّة كقوله :إن
احليلة ُّ
حر قبل البيع ,وقد فأنت ٌّ
بعتك َ حر قبل اإلعتاق ,وكذلك لو قال :إن َ فأنت ٌّ
أعتقتك َ
َ إيالءٌ ,وكذلك يقول :إن
تق ّدم بطال ُن هذه احليل كلِّها ))(.)1
السَرِْجييَّة )) فإنّه يالحظ كثرة
2بروز منط مشابه للتّلقيب يف مسألتنا هذه فالفقهاء وإن ل ّقبوها ب ُّ (( :
تردادهم لعبارة (( :مسألة الد َّْور )) ,بل ما أفردوه من كتب حوهلا ربطوه بلفظ (( ال ّدور )) كما فعل الغزايل يف
السَرْجييّة ))( ,)2وغريمها من املصنِّفني,
(( غاية الغَ ْور يف دراية الد َّْور )) ,واهليتمي يف رسالته (( الد َّْور يف املسألة ُّ
ويف هذا تلميح إىل مراعاة املوضوع يف التّسمية ,ومراعاة القائل يف التّلقيب ,وهو أحد األسباب اليت ّاختذها
الفقهاء مطيّةً لتلقيب ما ل ّقبوه من مسائل الفقه ,من هنا ال نرى مانعا أن يكون للنّازلة الفقهيّة أكثر من لقب ,أو
سيبني يف مبحث ضوابط التّلقيب املعاصر. خاص باعتبار موضوعها ,ولقب حم ّدد باعتبار سببه كما ّ يتجاذهبا اسم ّ
جمرد مناذج منتقاة من املسائل الفقهيّة املل ّقبة عند الفقهاء األقدمني ,وال واحلاصل أ ّن ما سبق من مسائل هو ّ
يتّسع جمال اجمللّة الستيعاب مجيع ما ل ّقبه الفقهاء ,وحسبنا أنّنا نستلهم ممّا ل ّقبوه قدميا إضاءات نستفيد منها حديثا
من أجل إحياء هذا النّمط من التّلقيب من جهة ,وضبط عدد من النّوازل الفقهيّة املعاصرة من جهة أخرى.
المبحث الثّاني
ضوابط التّلقيب الفقهي المعاصر
الضوابط اآلتية:
وجه إىل تلقيب ما حيتاج إىل تلقيبه من نوازل فقهيّة معاصرة وفق ّ
يقرتح البحث التّ ّ
األول :أن تكون لغة التّلقيب بلسان العرب
ضابط ّ
ال ّ
جريا على عادة فقهائنا يف تلقيب ما ل ّقبوه من مسائل باللّغة العربيّة ,وال يقدح يف هذا أن تكون النّازلة
الرأي الفقهي فيما نزل الفقهيّة حصلت يف غري دار اإلسالم ,واحتاج املسلمون القاطنون هناك ضرورًة إىل حتديد ّ
خاصة وكثري منهم يتح ّدثون اللّغة العربيّة ,وإن احتاج من ال حيسنها إىل
عريب ّ
فتوضح هلم النّازلة خبطاب ّ
هبمّ ,
الرتمجة ,أو تك ّفلت اجلهة املصدرةاملختصون يف املراكز اإلسالميّة يف ديار الغرب ّ
ّ توىل
ترمجة مضمون الفتوى ّ
للفتوى بكتابتها بلغة عربيّة ملحق بعدها ترمجة حسب اللّغة املتداولة يف مكان حدوث النّازلة ,ويتح ّقق هبذا
املسلك مصلحة تأصيل لغة القرآن يف نفوس املغرتبني ,وتأ ّكد فهم مضمون الفتوى .واملقصود أ ّن تلقيب نوازل
الرتمجة هذا التلقيب زيادةً يف اإلفهام.
عريب ,وال حرج فيما أحسب أن تتناول ّ
املسائل الواقعة يصاغ بلسان ّ
ضابط الثّاني :االنتقاء في التّلقيب
ال ّ
ينصب ذلك على مسائل حظيت بشهرة بني أوساط
ّ خاص بل
ّ كل مسألة نازلة يفرد هلا تلقيب فليس ّ
النّاس ,لعموم بلوى ,أو ش ّدة حاجة ,أو كثرة تداول.
الصياغة واجتناب التّطويل
ضابط الثّالث :اإليجاز في ّ ال ّ
وحتريهم اإلجياز يف ذلك ,بعبارات توخيهم االختصار فيما ل ّقبوه من مسائلّ ,
جريا على مسلك الفقهاء يف ّ
تؤدي املعىن بوضوح. جزلة ِّ
واملالحظ يف مسلكهم التّلقييب أ ّهنم غالبا ما يصدِّرون املل ّقبات بكلمة (( مسألة )) متبوعة ّإما:
1ا ِبف ْع ِل أ َْم ٍر متبول بفعل آخر ال عاطف بينهما ،أو متبول بجار ومجرور ،أو ِبف ْعلَ ْي أ َْم ٍر متعاطفين بواو
األول:
ثانيهما أثر عن ّ
ك ,أو مسألة تَغَ َّد َمعِي املتق ّدمة ,وحنومها من مسائل مل ّقبة على هذه حنو قول الفقهاء :مسألة أَسلِ ْفين أ ِ
ُسل ْف َ
ْ ْ
السبيل فيما يل ّقبه الفقهاء املعاصرون من نوازل جديدة ,حيث الصيغة الفعليّة ,وبناء عليه يقرتح البحث سلوك هذا ّّ
الصيغةُ مرّكبةً من فعل أمر يليه ما يكمله ,وال مانع أن تكون من فعلي أمر بينهما واو عطف وثانيهما هو تكون ّ
األول ,ومن أمثلة ما يقرتحه البحث من تلقيب ملسائل معاصرة ما يلي: أثر عن ّ
ب: أ /مسألة َم ِّد ْد وا ْك َ
س ْ
الشريعةَ
وهي صيغة تلقيبيّة مقرتحة يشار هبا إىل ظاهرة منتشرة يف كثري من احملاكم اليت ال تتّخذ ُد َوُهلا ّ
السِّري الذي يبمه احملامون والقضاة ,أوالرتافع بني اخلصوم بسبب االتّفاق ّ
منهجا وهي تطويل أمد التّقاضي و ّ
مرة ,وهو مسلك خاطئ تأباه كل ّ
يضطر املتخاصمون إىل دفعها َّّ احملامون فيما بينهم ,طمعا يف األموال اليت
مبر ,وسبب مباشر لزيادة العداوة والبغضاء الشريعة إذ هو أكل ألموال النّاس بالباطل ,واستنزاف للجيوب بال ّ ّ
خاصة لكبار
والكراهيّة بني املتخاصمني ,ووسيلة لتسلّل األمراض النّفسيّة إىل صدورهم ,ممّا يسبّب إرهاقا واضحا ّ
الس ّن والنّساء وأضراهبم ممّن تزيدهم احملاكم رهقا ,مع ما يصحب ذلك من نفقات التّن ّقل ,وإمهال للواجبات ّ
الشريعة من نظامها القضائي الذي يسعى إىل حتقيق العدل ,وإنصاف املظلوم, مضاد ملا هتدف إليه ّ
األسريّة ,وهذا ّ
ب )) تشري بوضوح إىل صنيع ّ
خفي تبمه األطراف املشار إليها وهو متديد س ْوهذه اجلملة (( مسألة َم ِّد ْد وا ْك َ
املهمة :ما حكم
الرتافع ,طمعا يف كسب متج ّدد لألموال ,وهنا نطرح هذه التّساؤالت ّ وتطويل أمد التّقاضي و ّ
الشرع يف هذه االتّفاقات الباطنة غري املعلنة اليت يبمها حمامو املتخاصمني لتطويل أمد التّقاضي ,وما حكم األموال ّ
تضطر فيها احملاكم إىل هذا التّطويل ,وما احلكم فيما لو
ّ اليت يأخذوهنا من األطراف ,وهل هناك حاالت مقبولة
السّريّة املبمة بني هيئة ال ّدعوى وهيئة ال ّدفاع ,وهل يسوغ شرعا أن يقرتح
الصاحل تلك االتّفاقيّات ّ اكتشف القاضي ّ
املتخاصمون من تلقاء أنفسهم على احملامني والقضاة دفع أموال إضافيّة من أجل اجتناب تطويل أمد التّقاضي
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 221
ِ
ب )) ،مع ما الصيغة املختصرة (( مسألة َم ِّد ْد وا ْك َ
س ْ كل هذه املسائل وسواها تنتظم حتت هذا ّ
الرتافع املره َق ْنيّ ,
وّ
املختصون.
ّ يقررها بعد الفحص وال ّدراسة فقهاء العصر يصحبها من حلول شرعيّة ّ
ب /مسألة أ َْوبِ ْ
ىء و َدا ِو:
متخصصة يف بيع األدوية
ّ وهي صيغة تلقيبيّة يشار هبا إىل ظاهرة غريبة فتّاكة ينوء هبا عصابات إجرام دوليّة
كل
السليمة ,حيث يبذلون األسباب والوسائل لصناعة األمراض و ّ الغراء والفطر ّ
الشريعة ّ وتسويقها بطرق تأباها ّ
ذاك طبعا بقدر من اهلل ّإما زرعا هلا يف احملاصيل النّباتيّة ,أو نشرا يف اجملاري املائيّة ,أو حقنا يف األجساد البشريّة,
متعمد هدفه
الضرر باإلنسان ,فضال عن ضرر ّ حترم إحداث ّ الشريعة اليت ّ
أو سوى ذلك من طرق خبيثة تتناىف مع ّ
تسويق أدوية تعاجل هذه األضرار املستحدثة ,فكان يف صنيع هذه العصابات اإلجراميّة خمالفتان شرعيّتان:
عما حياك هبم من ضرر. املتعمد إىل جمتمعات أفرادها غافلون ّ
األوىل :إيصال األذى ّ
الثّانية :أكل ألموال النّاس بالباطل.
كل هذا يتناىف
فاألذى على هذا مضاعف من جهة زرع األمراض يف األبدان ,وسلب األموال من اجليوب ,و ّ
صحة
الصدق واألمانة ,ومراعاة مصلحة املرضى ,وبذل األسباب اليت حتافظ على ّ مع مهنة الطّب اليت قوامها ّ
أبداهنم ونفوسهم ,وعدم إرهاقهم بطلب األموال اخلارجة عن قدرهتم املاليّة ,وهنا أيضا يطرح البحث األسئلة
الشرع يف نشر األمراض يف أوساط البشر ,وما حكم األموال اليت تستفاد من بيع األدوية هلم ,وما اآلتية :ما حكم ّ
مقدار املسؤوليّة اجلنائيّة يف حالة ما إذا ّأدى زرع املرض يف اجلسد إىل موت صاحبه ,ومن يتك ّفل بدفع ديته ,وما
ب النّزيه ,وغري ذلك من تساؤالت السبل القانونيّة الواجب سلوكها لفضح هذا املسلك الغريب عن علم الطّ ّ ّ
ىء و َدا ِو )) ,وهي من شطرين ّأوهلما الصيغة املقرتحة (( :مسألة أ َْوبِ ْ
شرعيّة وقانونيّة تنطوي حتت هذه ّ
((أ َْوِىب ْء)) الذي يشار به إىل أفعال خبيثة يقوم هبا يف اخلفاء أهل جشع وطمع مهّهم نشر األوبئة على مستويات
الشطر الثّاين (( َداو )) الذي يلمح إىل صنيع آخر قوامه صناعة أدوية ولقاحات خمتلفة بني أوساط البشر ,و ّ
عاملي واسع لعالج أمراض تسبّب هبا القوم أنفسهم ,فهم زارعون للمرض باطنا ,معاجلون له ظاهرا, على نطاق ّ
وهذا من أعجب شيء يكون.
الصيغ التّلقيبيّة ملسائل عديدة
األول يقرتح البحث هذه ّ وعلى هذا النّمط من عطف فعلني ثانيهما أثر عن ّ
الشرع ومن مجلة ذلك:
جرى العمل هبا على خالف مقتضى ّ
َصلِ ْح:
ب وأ ْ
ج /مسألة َخ ِّر ْ
املختصني بإصالح
ّ ويشار هبا إىل صنيع ضعاف الدِّين من أصحاب املهن التّصليحيّة كأهل (( امليكانيكا ))
الصدق يف احلكم على القطع حمل اخللل ,و ّ املراكب املختلفة ,واألصل أ ّهنم أمناء فيما يسلّم إليهم لفحصه وحتديد ّ
لكن ضعفاء ال ّدين منهم يستغلّون جهل أصحاهبا وثقتهم هبم, األصليّة املرفقة مع املراكب سالمةً أو فساداّ ,
ويسلبوهنم بعض القطع األصليّة غالية الثّمن ويضعون بدهلا أخرى مقلّد ًة زهيد ًة ,وهذه خيانة من مستأمن توجب
السرقة على اعتبار أ ّن
حد ّ صنيعه ,وقد يصل األمر إىل ِّ ويل األمر َ
الشرعيّة يف حالة ما إذا اكتشف ُّ اإلمث والعقوبة ّ
بلغت نصابا ,وال يقال :إ ّن املركبة خرجت من حرزها األصلي وهو مستودع ِ
املركبةَ حْرٌز ملا حوت من قطع ,وقد ْ
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 221 جملة املدونة:
صاحبها ,فإ ّهنا وإن خرجت منه فقد دخلت يف مستودع آخر هو حرز ملراكب النّاس يقوم على حفظه أصحابه
جترؤوا على صنيع آخر
السالكني درب اجلشع والطّمع وأكل أموال النّاس بالباطل ّ املهنيّون ,على أ ّن هؤالء اخلائنني ّ
الصاحل من قطع املراكب التّشغيليّة أو األعمدة القويّة احملافظة على توازهنا ,أو
أمر حيث إ ّهنم يعمدون إىل ّ أدهى و ّ
سوى ذلك ممّا خيفى على األنظار ظاهرا ,فيحدثون فيه خلال ,كثقب واسع يف احلديد ,أو كسر شديد يف األربطة,
كل ذلك إحداث ضرر يف شيء سليم يف األصل ,يومهون احملركات ,و ّ
أو قطع بليغ يف األسالك ,أو شرخ بارز يف ّ
النّاس أنّه حدث واملراكب يف حوزهتم ,واهلل يعلم أ ّهنم الذين أحدثوه وهي يف حمالّهتم التّصليحيّة ,يبتغون بذلك
أجرة عالية إلصالحه ,وصنيعهم حمض أكل للمال احلرام ,موجب للعقوبة يف ال ّدنيا واآلخرة ,وهذا األمر شاع يف
الصيغة التّلقيبيّة (( مسألة
كثري من ال ّدول ,فكان حريّا لينتبه إىل ما فيه وتدرك أحكام خوافيه أن تفرد له هذه ّ
الشرع يف صنيع هؤالء املهنيّني ,وما حكم ما أخذوه َصلِ ْح )) ,ولنا أن نطرح هذه التّساؤالت :ما حكم ّ ب وأ َْخ ِّر ْ
املتضرر بقطع أصليّة نظري القطع
ّ الضرر فيه ,وهل جيب عليهم تعويض من أموال إلصالح ما تسبّبوا بإحداث ّ
األصليّة اليت أفسدوها ,وما هي احللول املقرتحة للقضاء على هذا النّمط من الفساد ,وما حكم ما يفعله البعض
حجة أمام القضاء يف حالة ما إذا باشروا هذه األفعال ,وهل يسوغخفي ألفعال أصحاب املهن لتكون ّ من تصوير ّ
التّنازل من أصحاب املراكب عن ح ّقهم يف رفع دعاوى قضائيّة ض ّدهم على أن يصلحوا ما أفسدوا باجملّان ,وغري
ذلك من قضايا جديرة بالبحث واالهتمام.
د /مسألة أَ ْش ِع ْل َوبِ ْع:
ويشار هبا إىل صنيع بعض املنظّمات اإلجراميّة اليت تسعى يف اخلفاء جاهدةً إىل إحداث النّزاع ال ّدائم بني
ال ّدول املتجاورة من أجل تسويق (( ترسانة )) األسلحة القدمية القابعة يف خمازن ال ّدول الكبى ,مومهةً طريف
الصراع أ ّهنا معهم ا يف أزمتهما ,وهي كاذبة يف دعواها إذ قصدها األعظم تأجيج نريان احلرب ,وبيع أكب عدد ّ
كل ذلك خيانة أي سالح قدمي ,و ّ ممكن من تلك األسلحة ,وإطالة أمد النّزاع ,من أجل ضمان التّخلّص من ِّ
حق ,واستنزاف خلزائن أموال حمرمة ,وفساد عريض يف األرض ,وتسبّب يف قتل النّاس بغري وجه ّ ومكر ,وصفقة بيع ّ
الربويّة من أجل توفري ما يعرض عليها من أسلحة عجزت تضطر يف آخر أمرها إىل االستدانة ّال ّدول املتناطحة اليت ّ
خزائنها عن توفري مبالغها ,وغري ذلك من مساوىء ظاهرة وباطنة ,جديرة أن جيمعها هذا التّلقيب املقرتح ((
مسألة أَ ْشعِ ْل َوبِ ْع )) الذي يلفت األنظار إىل هذه القضايا اخلطرية ,وما ينطوي حتتها من مسائل عظمى يتناوهلا
الشريعة املعاصرون بالبحث وال ّدراسة. علماء ّ
و /مسألة أَ ْغ ِد ْق ُ
وخ ْذ:
الصدقة ويغدقون على
يدعمون املساجد بأموال ّ
ويشار هبا إىل صنيع عدد من األغنياء يف بعض ال ّدول الذين ّ
ملبات ,طمعا يف ِمنَح األراضي اليت تق ّدمها بعض ال ّدول إىل تلك اللّجان اليت تتعاطف مباشرةً مع أولئك
جلاهنا ا ّ
الصدقة وباطنه حيلة ِ
وختصهم من تلك األراضي بنصيب وافر ,فصنيعهم يف اإلحسان ظاهره ّ احملسنني املغدقنيّ ,
للكسب باستغالل عمل صاحل.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 222
ب )):
س ْ
ي (( /مسألة بَا ِّر ْر وا ْك َ
حبجة البحث عن وسيلة عيش ,وجلوء كصنيع عدد من املسلمني الذين استوطنوا ديار الك ّفار بغري ضرورة ّ
مبرين مسلكهم بأنّه سعي للكسب يف مكان مل بعضهم إىل العمل يف املقاهي واملطاعم اليت تبيع اخلمر واخلنزيرّ ,
جيدوا سواه ,ولو سبت شأهنم لعلمت أ ّهنم وجدوا يف دوهلم اإلسالميّة أعماال تس ّد رمقهم ,لكنّهم يطمحون إىل
خاصة معالسريع ,وال يقنعون يف دوهلم بثمن زهيد ولو كان كسبا حالال ,وهذا األمر شائع يف ديار الغرب ّ الغىن ّ
الشباب الذين ولدوا هناك من أسر يف األصل مسلمة ,لكنّهم تأثّروا بعادات الغرب القائمة على اجليل اجلديد من ّ
وحب ال ّذات ,ممّا حيتّم على فقهاء العصر البحث العميق يف هذه القضايا النّازلة االحنالل والفساد ,واألنانيّة ّ
بأجيال كاملة تعيش يف تلك ال ّديار أو آخرين يسعون جاهدين لالنتقال من ديار اإلسالم إىل ديار الكفر.
8ا أو متبوعة بكلمة هي مضاف إليه:
وهذا كثري يف كتب الفقهاء حنو قوهلم :مسألة اهلدم ,ومسألة النّصوص ,ومسألة العفونة ,ومسألة اجلوع,
الرياء ,ومسألة العنقود,
الزبية ,ومسألة ّ
السعاية ,ومسألة الطّائر ,ومسألة اإلمناء ,ومسألة ال ّدهشة ,ومسألة ّ
ومسألة ّ
ضلِّلَة ,وحنوها من مسائل ,وبناء على هذا يقرتح البحث استعمال هذا النّمط من التّلقيب يف عدد من ومسألة امل َ
ُ
النّوازل الفقهيّة ,ومن أمثلة ذلك:
أ ا مسألة التَّواريخ:
الصحيح يسلكه عدد من أهل اجلشع جتاه بضاعات جتاريّة الشرعي ّ وهو تلقيب يلمح إىل صنيع منابذ للبيع ّ
السموملتسرب اخللل والفساد و ّ انتهت تواريخ صالحياهتا ممّا يعين املنع من استعماهلا أكال أو شربا أو طبخاّ ,
خاصة إذا كانت من النّوع الذي متزج معه مواد حافظة ,وهذه هلا أمد حم ّدد يف عرف املنتجني, والعفونة يف تركيبتها ّ
صحة األبدان ,والذي يضبط القضيّة تواريخ حم ّددة بدقّة يُْلَزُم املنتجون
فإذا انتهى امتنع استعماهلا خلطورهتا على ّ
بتثبيتها على ظواهر البضائع وفيها بيان لتاريخ اإلنتاج وآخر لتاريخ االنتهاء ,ومن يهمل هذا األمر تصدر يف ح ّقه
كل بلد ,وهو مسلك نبيل صارم حي ّقق مصاحل عقوبات حت ّددها اجلهة املسؤولة وعادة ما تكون وزارة التّجارة يف ّ
لكن اجلشع وهو داء خبيث للرعيّة من جهة حفظ أبداهنم ,وللتّ ّجار من جهة حفظ مسعتهم يف األسواقّ , ظاهرة ّ
غش املستهلكني ,وذلك بإزالة التّاريخ القدمي الذي يشهد بوضوح ماح للبكة حيمل بعض ضعاف النّفوس على ّ
خاصة تارخيا جديدا يوهم النّاظر الصالحية ومنع االستعمال ,ويضعون بدله بواسطة آالت الكرتونيّة ّ على هناية ّ
الشريعة وتوجب حترمه ّجتاري ّ
غش ّ بالص ّحة ,وهذا املسلك ّ
يضر ّ أي فساد ّ أ ّن البضاعة صاحلة لالستعمال آمنة من ّ
احملل وتشميعه ليكون القوانني التّجاريّة جتاه فاعله عقوبات تعزيريّة حي ّددها النّظام ,وقد يصل األمر إىل إغالق ّ
للصالحيّة
تسول له نفسه استعمال هذه احليلة املاكرة بتغيري التّواريخ إيهاما ّلكل تاجر ّ صاحبه أو مستأجره عبًة ّ
الغش
الضرر إىل النّاس أو احليوانات بواسطة ّ الصنيع يف إيصال ّ
الصاحلون ,ونظرا خلطورة هذا ّوهو أمر ال يفعله ّ
متكررة ,كان إضفاء هذا اللّقب والتّدليس ,ولرصد اجلهات املسؤولة يف وزارات التّجارة شرقا وغربا حلاالت كثرية ّ
(( مسألة التّواريخ )) على هذا الفعل له وجاهةّ ,
خاصة أ ّن األقدمني مل تتح هلم هذه الوسيلة االلكرتونيّة
الصالحيّة ليطمئن املستهلك على سالمة العصريّة اليت تصدر بسرعة وإتقان تواريخ جديدة على البضائع املنتهية ّ
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 223 جملة املدونة:
غش يف التّجارة عن طريق أساليب معروفة يف كتب الفقه ,كلنب خملوط مباء طلبا ما يشرتي ,نعم مل خيل عصر من ّ
الضرع إيهاما لكوهنا حلوبا ,أو تنفيش شاة بصوف ليظنّها املشرتي ذات حلم ,أو إخفاء لربح زائد ,أو بقرة حم ّفلة ّ
الغشّ ,أما جتديد التّواريخ يف بآالت متقنة فهو أمر
السالمة ,وحنو ذلك من أنواع ّ عيب معتب يف سلعة ظاهرها ّ
توخيا لزيادة الوعي لدى خاص ّ السابقون ,وهو جدير يف نظر الباحث أن حتظى مسائله بتلقيب ّ جديد مل يعرفه ّ
الغش اجملدِّدين تارخيا إذا علموا أ ّن فقهاء العصر اجملدِّدين فقها ومسوا صنيعهم
املستهلكني ,وأمال يف توبة أهل ّ
املاكر بلقب يلتصق هبم أبد ال ّدهر ,ويكون حديث التّ ّجار يف جمالسهم ,وانظر إىل فقهائنا األقدمني حني تناولوا
مرت عليهم م ّدة زمنيّة تع ّذر عليهم ال ّدفع
مسألة اجلزية اليت يدفعها أهل ال ّذ ّمة ما داموا على صفة الكفرّ ,أما إن ّ
ذمتهم تبأ من دفع ما كان جيب عليهم دفعه حالة الكفر ,تشجيعا لظروف ماليّة صعبة ,مثّ دخلوا يف اإلسالم فإ ّن ّ
توجه بعض الشريعة حبفظها ّ احلق ,ولتعلّق املسألة حبقوق أموال النّاس اليت جاءت ّ
هلم على الثّبات على ال ّدين ّ
خاص عليها ومسوه ب (( :مسألة الموانيذ )) كما تق ّدم لنا ,واألمر سيّان هنا مع ((
ّ الفقهاء إىل إضفاء لقب
صحة األبدان ,وكالمها أعين األموال واألبدان من أعظم ما مسألة التّواريخ )) اليت هلا صلة وطيدة حبفظ ّ
يؤدي إىل اإلخالل به.
كل سبب ّ الغراء حبفظه واالهتمام به وحتقيق وسائل حفظه ,ودفع ّ الشريعة ّ جاءت ّ
ب ا مسألة ال ِه َرَرة:
اكب النّاس مأوى ,وتلج الشتاء حيث تتّخذ اهلِررةُ (( ِ
ط )) مر َ القطَ ُ ََ متكررة أيّام ّ
تلقيب يلمح إىل ظاهرة ّ وهو ٌ
السفلية ,وتركن إليها مطمئنّةً ملا جتده من دفء لطيف وحرارة مناسبة يقياهنا برد احملركات )) من اجلهة ّ دهاليز (( ّ
كل
الشريعة جاءت برمحة ّ مصرعها يف مثل هذه الظّروف القاسية ,و َّ لقيت هذه احليوانات األليفة
السموم ,وكثريا ما ْ ّ
خاصة يف فرتة
ّ حي من اآلدميّني العقالء واحليوانات البهيمة ,واملقصود أ ّن كثريا من أصحاب املراكب ال ينتبهون ٍّ
ذت مراكبهم بيوتا ,فتُفاجأ تلك احليوانات بصوت الصباح فيُ َشغِّلُوهنا وال علم لديهم بأ ّن اهلررةَ أسفل منهم قد ّاخت ْ
ّ
ويتكرر املشهد دائما,
جراء املراوحّ ,احملرك املزجمر ودورانه املفزع ,وترتبك للغاية ,وكثريا ما تقطّع إربا وتلقى حتفها ّ ّ
ويتذمر من كلفة تركيبويتجاذب النّاس أطراف احلديث فيه ,ويشكو بعضهم من انكسار (( املروحة ))ّ ,
الصنيع
جديدة ,ولذا كان على أصحاب املراكب االنتباه أيّام البد فال يشغِّلوهنا قبل إخراج تلك اهلررة ,ويف هذا ّ
فوائد منها:
/1تفادي قتل حيوان برىء هو من الطّّوافني على بين آدم.
/8احلفاظ على املال وعدم تضييعه.
/9احلصول على األجر والثواب برمحة احليوان.
وهي مسألة دورية متكررة أيام البد فكان مناسبا استحداث لقب يزيد الناس تنبيها إىل قيمة هذه املسألة.
9ا أو متبوعة بمضاف ومضاف إليه:
الضمار ,ومسألة لنب ال َف ْحل املتق ّدمة ,ومسألة تأجري األرحام,
حنو قول الفقهاء األقدمني :مسألة مال ّ
ومسألة أفعال التّالني ,ومسألة ُخمَ َّم َسة كتاب ال ّدعوى ,وحنوها من مسائل ,وبناء على هذا يقرتح البحث استعمال
هذا النّمط من التّلقيب يف عدد من املستج ّدات املعاصرة ,ومن أمثلة ذلك ما يلي:
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 224
ويشار هبا إىل البليّة العظمى اليت أزهقت األرواح ,وأتلفت النّفوس ,وهي قطع عدد من سائقي املراكب
ختول له
إشارات املرور احلمراء بسرعة جنونيّة فيصادف أحدهم مركبة اطمأ ّن صاحبها إىل اإلشارة اخلضراء اليت ّ
الشديد إىل
يؤدي االصطدام ّاملضي يف سبيله ,فيفاجأ بقاطع اإلشارة احلمراء مقبال عليه بسرعة هائلة ,وغالبا ما ّ
ّ
الضرر بالغري ,وكالمها
كل هذا من إلقاء األيدي إىل التّهلكة ,وإيقاع ّ خلقي ,و ّ
تشوه ّ
وفاة فوريّة ,أو شلل عام ,أو ّ
للسائقني ,وتدفع عنهم املفاسد واألضرار ,وطاعته يف
أقر قوانني مرور حت ّقق املصاحل ّ
وويل األمر قد ّ
الشرعّ ,حمرم يف ّ
ّ
وهتور النّفوس محال أصحاهبا على اإلمهال وارتكاب احملظور ,بل مل تردعهم ذلك واجبة ,لكن ضعف العقول ّ
أصروا إصرارا على قطع اإلشارات احلمراء اليت حصدت وما زالت بالسجن أو املال أو غريمها ,و ّ
العقوبات التّعزيريّة ّ
عددا وفريا من األرواح ,فكان جديرا أن تل ّقب هذه البلوى اخلطرية ب (( املسألة احلمراويّة )) جريا على سنن
الصحيحة ألبناء اجملتمع كي يدركوا خطورة
مهمات املسائل ,وزيادة يف نشر التّوعية ّ الفقهاء األقدمني يف تلقيب ّ
الشباب منهم وهم يف مقتبلخاصة ّحبق مهول هدم قضى على عدد كبري من النّاس ّ هذا التّجاوز الذي يع ّد ّ
مشوه اخللقة ,وهي أمور
أعمارهم ,وأدخل احلزن إىل آبائهم و ّأمهاهتم وذويهم بوفاته باحلادث أو بقائه مشلوال أو ّ
كل عاقل عن ارتكاب هذه اجلرمية النّكراء.
كفيلة أن تردع ّ
ب ا المسألة الثّلجيّة:
خاصة تديرها شركات ويشار هبا إىل وصايا عدد من أغنياء الك ّفار بعد موهتم بتثليج أجسادهم يف ثالّجات ّ
ويصرحون يف وصاياهم بعدم دفنهم على جاري العادة ,طمعا وذلك من ضالهلم يف أن يصل البشر ()1
رحبيّة ّ ,
كل هذا من حبّهم لل ّدنيا وكراهيتهم للموت ,ويف يوما ما إىل تقنيّة طبيّة تعاد هبا األرواح إىل أجساد املوتى ,و ّ
ََۡ ُّ َ ُ َ َ َ َٰ َ َ َٰ َ َ َّ َ َ ۡ َ ُ َّ َ
القرآن الكرمي:ﱡ َو ََلَ
ۡشك هوا يَ َود أ َح ُده ۡم ل ۡو ُي َع َّم ُر ألف اس لَع حيوة ومين ٱَّليين أ ج َدن ُه ۡم أ ۡح َر َص ٱنلَّ يي
ُ َ َ
حهيۦ م َين ۡٱل َع َذاب أن ُي َع َّم َر َۗ َو َّ ُ ُ
ّي ۢ ب ي َما َي ۡع َملون ﱠ( ،)2والذي ال ريب فيه أ ّن ٱلل بَ يص ُ
ي
ۡ َ
َسنة َو َما ه َو ب ي ُم َزح يز ي
اإلنسان إذا مات على وجه يقيين فقد قامت قيامته ,وهو يف قبه ّإما يف نعيم مقيم أو عذاب أليم ,ولن جيد سبيال
يتم اتّباعها لتجميد جثث املرضى كاآليت :عند اقرتاب موعد الوفاة ترسل
الصحيفة اخلطوات اليت ّ رّمبا ميكن شفاؤهم يف املستقبل! وتشرح ّ
الشركة "فريق االستعداد" ,هبدف التّحضري لعمليّة النقل ,والبقاء إىل جانب سرير املريض إىل حني وفاته .تبدأ بعدها عمليّة احلفظ عند إعالن
ّ
يتم نقله من سريره إىل سرير من اجلليد ,ويغطّى بالثّلج املمزوج باملاء ,نقال عن صحيفة الوطن الكويتيّة بتاريخ
وفاة املريض رمسيّا ,حيث ّ
جل
بالروح اليت هي من أمر اهلل ّ
شك أ ّن هذا من آثار الكفر الذي يغيّب عن أصحابه حقيقة املوت و ّأهنا منوطة ّ9102/01/92م ,وال ّ
جالله.
( )2البقرة :اآلية .13
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 226
نتائج البحث:
بعد هذه اجلولة مع مناذج من املسائل الفقهيّة املل ّقبة يف غري الفرائض عند فقهائنا األقدمني ,وما حلقها من
الضوابط هلذه املسائل امللقبّات ميكن القولتيسر من ذكر ّ خاصة ,مع ما ّمسائل جديدة اقرتح هلا البحث ألقابا ّ
تتلخص فيما يلي:أهم نتائج البحث ّ
أ ّن ّ
وإما لشهرة
0اهتم الفقهاء بتلقيب عدد وفري من املسائل الفقهيّة ّإما لشهرة املسألة وكثرة دوراهنا بينهمّ ,
من نسبت إليه تلك املسألة ,ومقصودهم بالتّلقيب ضبط املسائل ,وزيادة التّوضيح والبيان.
2جمال التّلقيب مفتوح ملا استج ّد من النّوازل الفقهيّة وال حرج يف سلوك هذا الباب اقتداء مبن سبق من
الفقهاء ,وزيادة يف ضبط وتوضيح تلك املستج ّدات.
الصياغة مع التزام اللّغة العربيّة.
5يراعى يف تلقيب املسائل اإلجياز مع التّنويع يف ّ
1املسائل املل ّقبة قدميا منها ما هو مشرتك بني املذاهب األربعة ومنها مسائل انفرد هبا أحدها ,ولوحظ أ ّن
فقهاء األحناف عندهم مرونة يف تلقيب املسائل أكثر من غريهم.
3حيبّذ أن يكون التّلقيب صادرا عن أحد اجملامع الفقهيّة املعاصرة وال حرج أن ينفرد فقيه بتلقيب ما يراه
مناسبا من نوازل املسائل املعاصرة.
بالضرورة أن
5تلقيب املسألة هو علم على قضيّة فقهيّة معيّنة يتناوهلا الفقهاء بالفحص وال ّدراسة وليس ّ
يكون التّلقيب إشارة إىل ترجيح قول على آخر.
7قد تكون املسألة املل ّقبة شاملة لع ّدة فروع وقد تشمل فرعا واحدا حم ّددا.
صحة ما نسب إليه ,وكذا إن نسبت الضروري التّثبّت التّ ّام يف ّ
2إن نسب التّلقيب إىل فقيه معاصر فمن ّ
كل
خاص محل معاصريه يف حياته أو بعد وفاته على إعطاء لقب هلا منوط بامسه؛ و ّ املسألة إليه وكان له فيها رأي ّ
ذا تفاديا أن يعزى قول لغري قائله ,أو يناط تلقيب بغري صاحبه.
اشتهرت عنه للغاية ,وتداوهلا أهل مذهبه يف ْ 1مثّة مسائل فقهيّة قدمية أناط الفقهاء تلقيبها بفقيه
بالشهرة
تصانيفهم بصورة واضحة ,رغم أنّه سبقه إىل القول هبا من هو أقدم منه ,وهذا يعين أ ّهنم أناطوا التّلقيب ّ
ال األسبقيّة ,وهو ما يدعو إليه البحث أن يناط تلقيب املسألة مبن اشتهرت عنه ال مبن سبقه دون أن تشتهر عنه.
خاص ()1
ختتص بلقب واحد ,أو يتجاذهبا اسم ّ 01ال مانع أن يكون للنّازلة الفقهيّة أكثر من لقب ,أو ّ
باعتبار موضوعها ,ولقب حم ّدد باعتبار سببه.
00ما من مسألة فقهيّة مل ّقبة إالّ كان وراءها سبب وجيه محل الفقهاء على التّلقيب ,فليست القضيّة إذا
الشأن فيما يدعو إليه البحث من تلقيب عدد من املسائل املعاصرة أن يكون ذلك بناء على اعتباطيّة ,وهكذا ّ
سبب وجيه معتب.
02إناطة لقب مسألة بعلم عالمة تقدير له على جهده يف إثارة املسألة وحبثها.
شرعي هلا يف ضوء تلكٍّ مسألة ملقبّ ٍة كانت حافزا للفقهاء لطرح فروع مشاهبة وحماولة إجياد خمرج
ٍ ب 05ر ّ
املسألة املل ّقبة املشهورة.
حل عيون الفحل 01الحظ البحث أ ّن مثّة مسائل فقهيّة مل ّقبة أفردها بعض الفقهاء بالتّصنيف مثل (( ّ
حملمد بن إبراهيم احلليب ت 170ه ؛ ولذا يوصي أن ترصد هذه املسائل امللّقبات املفردة حل مسألة الكحل )) ّ يف ّ
خاصة.
بتصنيفات ّ
شهدات أو ذات بأم التّ ّ
03املسائل الفقهيّة املل ّقبة منها ما له صلة بالعبادات مثل املسألة املل ّقبة ّ
األعم ,وتق ّدمت لنا أمثلته ,والفقه اإلسالمي املعاصر ()2
اجلناحني ,ومنها ما له صلة باملعامالت وهو األغلب ّ
احلج ,فالعربات الكهربائيّة على سبيل املثال حت ّققيعرف عددا من النّوازل الفقهيّة هلا صلة ببعض العبادات مثل ِّ
الصفا واملروة ,وفق
السعي بني ّ السمنة املفرطة وأمثاهلم أثناء ّالس ّن وأهل ّ
مصلحة واضحة للمرضى والطّاعنني يف ّ
السرخسي ت 429ه ,دار املعرفة, حممد بن أمحد بن أيب سهل ّ السرخسي ,مشس األئمة أبو بكر ّ 01أصول ّ
الطّبعة األوىل دون تاريخ ,بريوت.
الشاشي 944ه ,دار الكتاب العريب, حممد بن إسحاق ّ الشاشي ,نظام ال ّدين أبو علي أمحد بن ّ 11أصول ّ
الطّبعة األوىل بدون تاريخ ,بريوت.
الشهري بابن قيّم
الزرعي ال ّدمشقي ّ حممد بن أيب بكر بن أيّوب ّ
رب العاملني ,أبو عبد اهلل ّ 18إعالم املوقّعني عن ّ
السالم إبراهيم ,دار الكتب العلمية ,الطّبعة األوىل1411 ,ه ,بريوت. حممد عبد ّ اجلوزية 751ه ,حتقيقّ :
الرمحن املعلّمي اليماين,
السمعاين 528ه ,حتقيق :عبد ّ حممد بن منصور ّ 19األنساب ,أبو سعد عبد الكرمي بن ّ
مصورة عن طبعة دائرة العارف العثمانيّة باهلند ,الطّبعة الثّانية1455 ,ه .
ّ
الشرائع ,أبو بكر بن مسعود بن أمحد الكاساين احلنفي 527ه ,دار الكتب الصنائع يف ترتيب ّ 14بدائع ّ
العلميّة ,الطّبعة الثّانية1452 ,ه ,بريوت.
حممد بن علي ابن حجر اهليتمي 374ه ,املكتبة التّجارية 15حتفة احملتاج يف شرح املنهاج ,أبو العبّاس أمحد بن ّ
الكبى1957 ,ه ,مصر.
حممد ابن حجر العسقالين علي بن ّ الرافعي الكبري ,أبو الفضل أمحد بن ّ 12التّلخيص احلبري يف ختريج أحاديث ّ
مؤسسة قرطبة ,الطّبعة األوىل1412 ,ه ,مصر. 258ه ,حتقيق :أبو عاصم حسن بن عبّاس بن قطبّ ,
القرطيب
ّ الب النّمري
07التّمهيد ملا يف املوطّأ من املعاين واألسانيد ,أبو عمر يوسف بن عبد اهلل بن عبد ّ
الشؤون اإلسالمية ,الطّبعة األوىل ,املغرب.
155ه ,حتقيق :سعيد أمحد أعراب وغريه ,وزارة األوقاف و ّ
الشافعي 854ه ,دار املعرفة1415 ,ه ,بريوت. حممد بن إدريس بن العبّاس ّ األم ,أبو عبد اهلل ّ
ّ 12
الشهري بابن رشد احلفيد 535ه , حممد القرطيب ّحممد بن أمحد بن ّ 13بداية اجملتهد وهناية املقتصد ,أبو الوليد ّ
دار احلديث ,بدون طبعة1485 ,ه ,القاهرة.
حممد بن أمحد بن أمحد القرطيب الشرح والتّوجيه والتعليل يف مسائل املستخرجة ,أبو الوليد ّ 85البيان والتّحصيل و ّ
حجي ,دار الغرب اإلسالمي ,الطّبعة الثّانية0111 ,ه , حممد ّ الشهري بابن رشد اجل ّد 321ه ,حتقيق :دّ . ّ
بريوت.
السمرقندي حنو 545ه ,دار الكتب العلميّة ,الطّبعة حممد بن أمحد بن أيب أمحد ّ 20حتفة الفقهاء ,أبو بكر ّ
الثّانية1414 ,ه ,بريوت.
88التّوضيح يف شرح املختصر الفرعي البن احلاجب ,ضياء ال ّدين خليل بن إسحاق بن موسى اجلندي املالكي
الرتاث ,الطّبعة األوىل,
املصري 772ه ,حتقيق :د .أمحد بن عبد الكرمي جنيب ,مركز جنيبويه للمخطوطات وخدمة ّ
1483ه ,دبلن.
الباري البن حجرّ حممد بن إبراهيم البخاري 235ه ,طبعة مع فتح الصحيح ,أبو عبد اهلل ّ 25اجلامع ّ
حممد فؤاد
حمب ال ّدين اخلطيب ,رقّم كتبه وأبوابه وأحاديثه ّ
السلفية ,ح ّققهّ : للرتاث ,واملكتبة ّ الريّان ّ
العسقالين ,دار ّ
عبد الباقي ,وطبعة بتحقيق :د .مصطفى ديب البغا ,نشرهتا دار ابن كثري ,ط الثّالثة 0117 ,ه ,بريوت.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 231
الشافعيّني ,أبو الفداء إمساعيل بن عمر بن كثري ال ّدمشقي 774ه ,حتقيق :د أمحد عمر هاشم ود 57طبقات ّ
حممد عزب ,مكتبة الثّقافة ال ّدينية ,الطّبعة األوىل0105 ,ه ,القاهرة. حممد زينهم ّ
الشهرزوري 249ه , الصالح ّ الرمحن بن موسى ابن ّ الشافعيّة ,أبو عمرو عثمان بن عبد ّ 51طبقات الفقهاء ّ
حتقيق :حميي ال ّدين علي جنيب ,دار البشائر اإلسالميّة ,الطّبعة األوىل1338 ,م ,بريوت.
51فتح الباري بشرح صحيح البخاري ,أبو الفضل أمحد بن علي بن حجر العسقالين 132ه ,دار املعرفة,
حممد فؤاد عبد الباقي ,الطّبعة األوىل0571 ,ه ,بريوت. حمب ال ّدين اخلطيب ,رقّم كتبه وأبوابه وأحاديثهّ : ح ّققهّ :
11فهرس املكتبة األزهريّة ,ق ّدم له أبو الوفا املراغي ,بدون طبعة وال تاريخ ,القاهرة.
10الفواكه ال ّدواين على رسالة ابن أيب زيد القريواين ,شهاب ال ّدين أمحد بن غامن (أو غنيم) بن سامل ابن مهنا
النّفراوي األزهري املالكي 1182ه ,دار الفكر1415 ,ه ,بريوت.
حممد البخاري احلنفي 795ه , 12كشف األسرار شرح أصول البزدوي ,عالء ال ّدين عبد العزيز بن أمحد بن ّ
دار الكتاب اإلسالمي ,بدون طبعة وبدون تاريخ.
49كشف الظّنون عن أسامي الكتب والفنون ,مصطفى بن عبد اهلل كاتب جليب القسطنطيين املشهور باسم
مصورة عن مكتبة املثىن ,الطّبعة األوىل,حاجي خليفة أو احلاج خليفة 1527ه ,دار إحياء الرتاث العريب ّ
1341ه ,بغداد.
احلراين 782ه ,
44جمموع الفتاوى ,أبو العبّاس أمحد بن عبد احلليم ابن تيمية ّ
الشريف ,الطّبعة األوىل1412 ,ه , جممع امللك فهد لطباعة املصحف ّ حممد بن قاسمّ , الرمحن بن ّ حتقيق :عبد ّ
املنورة.
املدينة ّ
اجلصاص 571ه ,دراسة وحتقيق :د. علي ّ 13خمتصر اختالف العلماء للطّحاوي ,اختصار أيب بكر أمحد بن ّ
عبد اهلل نذير أمحد ,دار البشائر اإلسالمية ,الطّبعة األوىل0105 ,ه ,بريوت.
حممد بن سالمة الطّحاوي 520ه ,حتقيق :أيب الوفاء األفغاين, 15خمتصر الطّحاوي ,أبو جعفر أمحد بن ّ
مطبعة دار الكتاب العريب0571 ,ه ,القاهرة.
السالم بن سعيد بن حبيب التنوخي القريواين املالكي املل ّقب بسحنون 17املدونة الكبى ,أبو سعيد عبد ّ
211ه ,دار الفكر للطّباعة والنّشر والتّوزيع ,الطّبعة األوىل0100 ,ه ,بريوت.
الشيباين 841ه , حممد بن حنبل ّ 11مسائل اإلمام أمحد بن حنبل رواية ابنه عبد اهلل ,أبو عبد اهلل أمحد بن ّ
الشاويش ,املكتب اإلسالمي ,الطّبعة األوىل1451 ,ه ,بريوت. زهري ّ
حممد احلاكم النّيسابوري 455ه ,حتقيق: حممد بن عبد اهلل بن ّالصحيحني ,أبو عبد اهلل ّ 11املستدرك على ّ
مصطفى عبد القادر عطا ,دار الكتب العلميّة ,الطّبعة األوىل1411 ,ه ,بريوت.
حممد بن خمتار القيسي القريواين األندلسيحممد م ّكي بن أيب طالب َمحّوش بن ّ 55مشكل إعراب القرآن ,أبو ّ
مؤسسة الرسالة ,الطّبعة الثّانية1455 ,ه ,بريوت.القرطيب املالكي 497ه ,حتقيق :د .حامت صاحل الضامنّ ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 232
حممد بن علي الفيّومي حنو 775ه ,املكتبة الشرح الكبري ,أبو العبّاس أمحد بن ّ 51املصباح املنري يف غريب ّ
العلمية ,دون طبعة أو تاريخ.
السنن واآلثار ,أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي البيهقي 452ه ,حتقيق :عبد املعطي أمني قلعجي, 58معرفة ّ
دار الوعي باالشرتاك مع دور أخرى ,الطّبعة األوىل1418 ,ه ,دمشق.
السيد بن على املطَِّرِزى 215ه ,حتقيق :حممود فاخوري 59املغرب يف ترتيب املعرب ,أبو الفتح ناصر بن عبد ّ
ُ
وعبد احلميد خمتار ,مكتبة أسامة بن زيد ,ط األوىل1933 ,ه ,حلب.
حممد عبد اهلل بن أمحد بن قدامة املقدسي 521ه ,حتقيق :د .عبد اهلل بن عبد احملسن الرتكي, 54املغين ,أبو ّ
ود .عبد الفتاح احللو ,دار هجر للطّباعة ,الطّبعة األوىل0115 ,ه ,القاهرة.
الشافعي 377ه ,الشربيين ّ
حممد بن أمحد اخلطيب ّ 33مغين احملتاج إىل معرفة معاين ألفاظ املنهاج ,مشس ال ّدين ّ
دار الكتب العلميّة ,الطّبعة األوىل0103 ,ه ,بريوت.
مري النّووي 272ه ,حتقيق :عوض 35منهاج الطالبني وعمدة املفتني يف الفقه ,أبو زكريّا حي بن شرف بن ّ
قاسم أمحد عوض ,دار الفكر ,الطّبعة األوىل0123 ,ه ,بريوت.
الشريازي 175ه ,دار الكتب الشافعي ,أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن يوسف ّ 37امله ّذب يف فقه اإلمام ّ
العلميّة ,بريوت.
صححه 31املوطأ ,أبو عبد اهلل مالك بن أنس بن مالك األصبحي املدين 071ه ,رواية حي بن حي الليثيّ ,
عواد معروف, بشار ّ
حممد فؤاد عبد الباقي ,دار إحياء الكتب العربيّة .وطبعة بتحقيق :دّ . وخرج أحاديثهّ :ورقّمه ّ
اإلسالمي ,ط الثّانية 0107 ,ه ,بريوت.
ّ دار الغرب
31املوطأ ,أبو عبد اهلل مالك بن أنس بن مالك األصبحي املدين 071ه ,رواية :حممد بن احلسن الشيباين
الوهاب عبد اللّطيف ,املكتبة العلميّة ,بدون طبعة وال تاريخ ,بريوت.
011ه ,تعليق وحتقيق :عبد ّ
الشافعي 1554ه ,دار الفكر, الرملي ّ
حممد بن أمحد بن محزة ّ 51هناية احملتاج إىل شرح املنهاج ,مشس ال ّدين ّ
طبعة أخرية1454 ,ه ,بريوت.
21هناية املطلب يف دراية املذهب ,أبو املعايل عبد امللك بن عبد اهلل بن يوسف اجلويين امللقب بإمام احلرمني
472ه ,حتقيق :د .عبد العظيم حممود ال ّديب ,دار املنهاج,
الطّبعة األوىل1482 ,ه ,ج ّدة.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 233 جملة املدونة:
مقدمة
حممد وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إىل يوم الدين ,أما
احلمد هلل رب العاملني ,والصالة والسالم على نبينا ّ
بعد :
أيضا على
حث ً اإلسالم على اإلحسان يف األفعال واألقوال واألحوال ,وليس هذا فحسب ,بل َّ ُ حث
فقد َّ
أبعد ما تكون عنظن أهنا ُ بعض الناس أن لإلحسان ليس فيها مكا ٌن ,بل رمبا َّ ظن ُ اضع رمبا َّ
اإلحسان يف مو َ
يبني أن لإلحسان مكانةً كبريةً ودرجةً عاليةً يف اإلسالم,
اإلحسان ,أال وهي إزهاق األنفس وذبح احليوان ,وهذا ّ
باب
ولو قلت إن اإلسالم دين اإلحسان مل يكن يف ذلك مبالغة ,بل هي احلقيقة الواضحة اجللية ,فال يكاد خيلو ٌ
افر ,كالعقيدة واألخالق والسلوك والرتبية والفقه جبميع فروعه نصيب و ٌ
ٌ من أبواب اإلسالم إال ولإلحسان فيه
منتشرا يف كتب العقيدة والسلوك والرتبية والتفسري واحلديث والعباداتً الكالم عن اإلحسان
َ وأبوابه؛ وهلذا جتد
واملعامالت والقضاء وأبواب الفقه األخرى ,وهذا حيتاج إىل مجعه ونظمه وترتيبه وتوضيح معامله وبيان فقهه ,وهذا
حيتاج إىل حبث طويل قد يتطلب عدة رسائل جامعية جادة ,ولكن اخلطوة األوىل يف ذلك هي بيا ُن كثري من
األحكام العامة لإلحسان ,وهذا ما حياول الباحث أن يتناوله يف هذا البحث.
مشكلة البحث :
يبني الفروق بينه وبني األلفاظيرتجح لديه ,مث ّ
يعاجل هذا البحث تعريف اإلحسان عند أهل العلم وخيتار ما ّ
ذات الصلة ,وبيان الفرق بني العدل واإلحسان ,كما يعاجل حكم اإلحسان واملكافأة عليه ومبا تكون به مكافأة
يدا من الضوء على القاعدة الفقهية احملسن ,والدعاء الذي يقال للمحسن املسلم واملسحن غري املسلم ,ويُلقي مز ً
يل] {التوبة ,}31:وذ ْكر بعض الفروع الفقهية اليت اُستدِّل ين ِم ْن َسبِ ٍِِ
الم ْحسن َ
نصها اآلية الكرمية َ [ :ما َعلَى ُ
اليت ُّ
عليها هبذه اآلية وموقف املخالفني من هذا االستدالل ,إن وجد ,والرتجيح بينهما إن ظهر يل وجهُ الرتجيح.
أهداف البحث :
-1ذكر أقوال أهل العلم يف تعريف اإلحسان ,وبيان التعريف املختار.
-8ذكر الفروق بني اإلحسان واأللفاظ ذات الصلة القريبة من معناه.
-9ذكر أقوال الصحابة والتابعني يف تفسري العدل واإلحسان ,وبيان القول الراجح يف ذلك.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 234
.1التعيني يف شرح األربعني ,ص ,143ونقله ابن امللقن (254ه) يف املعني على تفهم األربعني ,ص .894
.2تيسري الكرمي الرمحن = تفسري السعدي ,ص .57
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 235 جملة املدونة:
-1اإلحسان العام يف مصر :حممود حممود نصار ,رسالة تق ّدم هبا لنيل درجة العاملية "الدكتوراة" من كلية
احلقوق جبامعة القاهرة ,العام 1925ه = 1341م ,وكان املشرف على الرسالة ,فضيلة الشيخ عبد الوهاب
خالف (1975ه) .وقد طبعتها جلنةُ التأليف والرتمجة والنشر بالقاهرة يف العام نفسه .وهي تنتاول اإلحسان
العام كالزكاة والصدقات والوقف وحنوذلك يف مصر خالل هذه الفرتة مع مقرتحات لتنظيم مرافق اإلحسان العام
وتطويره.
-8اإلحسان اإللزامي يف اإلسالم وتطبيقاته يف املغرب :حممد احلبيب التجكاين ,أستاذ بكلية أصول الدين
بتطوان ,رسالة تق ّدم هبا لنيل درجة العاملية "الدكتوراة" يف العلوم اإلسالمية من دار احلديث احلسنية باملغرب ,وقد
طبعتها وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ,باململكة املغربية1415 ,ه=1335م.
وهاتان الرسالتان تعاجلان الفروع الفقهية املندرجة حتت اإلحسان كالنفقات والصدقات والزكاة والكفارات
وحقوق الضيف واجلريان وحنو ذلك مع اختالف يف نطاق الدراسة حسب عنوان كل رسالة ,وهذه الفروع تُدرس
يف أبواهبا الفقهية املعروفة ,كما ال تتعرض الدراستان لألحكام العامة لإلحسان إال فيما ندر وال تذكر األقوال
وا ألدلة ومناقشتها والرتجيح فيما بينها فيما يتعلق بتلك األحكام العامة لإلحسان .وهذا ما عاجله الباحث يف حبثه
هذا.
اإل ْح َسا َن َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء» :دراسة حديثية نفسية :أ .د .فاحل بن حممد بن فاحل
ب ِْ ِ َّ
-9حديث «إ َّن اللهَ َكتَ َ
الصغري ,أستاذ السنة وعلومها جبامعة اإلمام حممد بن سعود اإلسالمية بالرياض ,دار ابن األثري1487 ,ه.
والبحث يتناول هذا احلديث درايةً وروايةً وذكر معامل اإلحسان مع اهلل سبحانه وتعاىل واإلحسان مع اخللق
واحليوان واجلمادات ,وأثر اإلحسان على الفرد واجملتمع .وال يتعرض إىل ذكر األحكام الفقهية العامة املتعلقة
باإلحسان.
وقد جاءت خطة البحث يف مبحثني على النحو اآليت :
املبحث األول :تعريف اإلحسان وبيان الفروق بينه واأللفاظ ذات الصلة والعالقة بني العدل واإلحسان :
وفيه ثالثة مطالب :
املطلب األول :تعريف اإلحسان.
املطلب الثاين :األلفاظ ذات الصلة باإلحسان.
املطلب الثالث :العالقة بني العدل واإلحسان.
املبجث الثاين :من األحكام العامة لإلحسان :وفيه ستة مطالب :
املطلب األول :حكم اإلحسان.
املطلب الثاين :اإلحسان الواجب واإلحسان املندوب.
املطلب الثالث :حكم مكافأة احملسن على إحسانه.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 236
المبحث األول
تعريف اإلحسان وبيان الفروق بينه واأللفاظ ذات الصلة والعالقة بين العدل واإلحسان
وفيه ثالثة مطالب :
التمهيد :تعريف اإلحسان :
حيسن ُحسنًا فهو َح َس ٌن
اإلحسان مصدر للفعل الرباعي أحسن ,وأصله الفعل الثالثي َح ُسن و َح َسن ُ
سر من نعمة تنال اإلنسا َن
كل ما يُ ُّ
ومضاده القبح .واحلسنة ُّ : مبهج مرغوب فيه,
كل ٍ ني .واحلسن ُّ : وحاسن ِ
ُ وحس ٌ
ٌ َ
حسن ,أي صار حسنًا أو دخل يف شيء ٌ أحس َن :فعل ما هو
يف نفسه وبدنه وأحواله ,ومضادها السيئة .و َ
حسن .واإلحسان ضد اإلساءة.
اجلر كان مبعىن اإلنعام
اجلر عما إذا تع ّدى بنفسه :فإذا تع ّدى حبرف ّ
وخيتلف معىن أحسن إذا تع ّدى حبرف ّ
على الغري ,أي أوصلت إليه ما ينتفع به .يقال :أحسنت إليه وبه وله .أما إذا تع ّدى بنفسه كان مبعىن اإلجادة
واإلتقان والتحسني.
وحسن .واحلسىن تأنيث األحسن ,يقال االسم األحسن واألمساء حسن َ أفعل التفضيل من ُ األحسن ُ
ُ و
احلسىن.1
.1هتذيب اللغة :األزهري (975ه) ,125-129/4 ,واملفردات يف غريب القرآن :الراغب األصفهاين(558ه) ,ص ,897-895
واملفهم ملا أشكل من كتاب تلخيص مسلم :أبو العباس القرطيب احملدث (252ه) ,149-148/1 ,واجلامع ألحكام القرآن = تفسري
القرطيب :أبو عبد اهلل القرطيب (271ه) ,122/15 ,ولسان العرب :ابن منظور(711ه) ,117-114/19 ,والقاموس احمليط :
الفريوزآبادي (217ه) ,ص ,1123والكليات :أبو البقاء الكفوي (1534ه) ,ص .59
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 237 جملة املدونة:
وقد عرف اجلرجاين (212ه) اإلحسان يف اللغة بأنه فعل ما ينبغي أن يفعل من اخلري .1لكن يالحظ أن
دخول غريه معه كاملعروف مثال .2واألوىل أن يكون تعريف اإلحسان يف اللغة بأنه
هذا التعريف لإلحسان ال مينع َ
:فعل احلسن واألحسن .3أو اإلتيان بالعمل حسنًا.4
أما تعريف اإلحسان يف الشرع فقد اختلفت عبارات العلماء يف ذلك :
-1تعريفه مبا ورد عن النيب صلى اهلل عليه وسلم,بأنه ,ملا سأله جبيل عن اإلحسان ,قال صلى اهلل عليه
عرفه به اجلرجاين 5 ِ ِ وسلم « :ا ِإل ْح َسا ُن أَ ْن تَ ْعبُ َد اللَّهَ َكأَن َ
َّك تَ َراهُ ,فَإ ْن َملْ تَ ُك ْن تَ َراهُ فَإنَّهُ يََر َاك» .وهذا ما ّ
(212ه) ,6والشوكاين (1855ه) ,7وقال الشيخ حممد األمني الشنقيطي (1939ه) " :هو احلق الذي ال
ينبغي العدول عنه".8
لكن يناقش اختيار هذا التعريف لإلحسان بأن النيب صلى اهلل عليه وسلم مل يُرد تعريف اإلحسان يف الشرع,
وإمنا ذكر صلى اهلل عليه وسلم اإلحسان باملعىن األخص ,9وهو إتقان العبادة ومراعاة حقوق اهلل تعاىل ومراقبته
واستحضار عظمته وجالله حالة الشروع فيها وحالة االستمرار فيها .10أو أراد صلى اهلل عليه وسلم باإلحسان
السر والعلن.11
اإلخالص ومراقبة اهلل يف ّ
حتري احلسىن يف اإلميان واإلسالم .وهذا تعريف الراغب األصفهاين (558ه) ,12وتابعه -8اإلحسان ِّ :
عليه السيوطي (311ه).13
وهذا التعريف يناقش مبا نوقش به التعريف السابق من أنه تعريف لإلحسان باملعىن األخص أو بأحد نوعي
اإلحسان.
-9اإلحسان :هو فعل الطاعة على أعلى الوجوه .وهذا تعريف برهان الدين البقاعي (225ه).1
ويناقش هذا التعريف بأنه اقتصر على املأمورات واملنهيات يف الشرع؛ ألن الطاعة هي فعل املأمور به
واالنتهاء عن املنهي عنه ,واملعصية خبالفها.2
شرعا واحلسن عرفًا .وهذا تعريف احلسني بن حممد الالعي املعروف باملغريب من
-4اإلحسان :فعل احلسن ً
علماء اليمن (1113ه) ,3واألمري الصنعاين (1128ه) .4وقريب من هذا التعريف تعريف اإلحسان بأنه :لزوم
النفس لكل مستحس ٍن من األقوال واألفعال.5
أعم.
أمشل و ُّ
وهذا التعريف هو التعريف املختار لتعريف اإلحسان؛ ألنه ّ
المطلب الثاني :األلفاظ ذات الصلة باإلحسان :
من األلفاظ ذات الصلة باإلحسان ما يأيت :
-1اإلنعام :هو إعطاء النعمة للغري .فهو إحسا ٌن إىل الغري وال يكون امل َنعم عليه إال إنسانًا ,ال إىل حيوان.
ُ
أعم من اإلنعام ,فاإلحسان يكون إىل النفس وإىل الغري ويكون إىل الناطق والبهيم.6 وعلى ذلك فاإلحسان ُّ
7
أعم من الفضل؛ ألنه قد يكون بال
-8الفضل :هو اإلحسان بال سبب يوجبه .وعلى ذلك فاإلحسان ُّ
سبب يوجبه وقد يكون بسبب مثل اجملازاة على اإلحسان؛ فإنه إحسان ,كما يف قوله تعاىل َ [ :ه ْل َج َزاءُ
ا ِإل ْح ِ ِ
{الرمحن.}25: سان إ َّال ا ِإل ْح َ
سا ُن] َّ َ
-9املعروف :اسم جامع لكل ما عرف من طاعة اهلل والتقرب إليه واإلحسان إىل الناس وكل ما ندب إليه
8
أعم من اإلحسان.
ع من احملسنات وهنى عنه من املقبّحات .وعلى ذلك فاملعروف ُّ
الشر ُ
.1نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور .959/4 ,وينظر :مشارق األنوار على صحاح اآلثار ,818/1ومطالع األنوار على صحاح
اآلثار :ابن قُ ْرقُول (523ه).958/8 ,
.2ينظر :فتح الباري :ابن حجر ,118/19 ,واحلدود األنيقة والتعريفات الدقيقة :زكريا األنصاري (382ه) ,ص ,77والتوقيف على
مهمات التعاريف ص ,895و ,883والكليات ,ص .529
.3البدر التمام شرح بلوغ املرام.973-972/3 ,
.4سبل السالم شرح بلوغ املرام .587/8 ,وينظر :التعيني يف شرح األربعني ,ص ,142واملعني على تفهم األربعني ,ص .883
.5حقائق التفسري = تفسري السلمي :أبو عبد الرمحن السلمي (418ه).978/1 ,
.6الفروق يف اللغة :أبو هالل العسكري (935ه) ,ص ,139واملفردات يف غريب القرآن ,ص ,892و ,215والتوقيف على مهمات
التعاريف ,ص ,25والكليات ,ص ,59و ,318ودستور العلماء ,192/1و.82/9
.7الفروق يف اللغة ,ص ,134واملفردات يف غريب القرآن ,ص ,921والتعريفات ,ص ,127والتوقيف ,ص ,821والكليات ,ص ,275و .229
.8النهاية يف غريب احلديث واألثر ,812/9 ,وينظر :التعريفات ,ص ,881والتوقيف على مهمات التعاريف ,ص ,915والكليات ,ص
.254
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 239 جملة املدونة:
1
الب على اإلحسان ,فمن
فالب أعم من اإلحسان .وقد يطلق ِّ
جامع لكل خري .وعلى ذلك ُّ
-4البِّ ُّر :اسم ٌ
الب :االتساع يف اإلحسان والزيادة فيه.2 تعاريف ِّ
ماال ,فالصلة هي العطية واجلائزة ,أو هو البّ على جهة -5الصلة :وصلت اإلنسا َن أ ِ
َصلُهُ :بََررتُه وأعطيتُه ً ُ
3
أعم من الصلة.
التعويض ,كالصدقة واهلبة واهلدية ,وعلى ذلك فاإلحسان ّ
الضر.4
خريا ,فالنفع :ما يتوصل به إىل اخلري ,وضده ّ
-2النفع :نفع فال ٌن فالنًا :إذا أفاده وأوصل إليه ً
وقد فرق أبو هالل العسكري (935ه) بني اإلحسان والنفع :أن النفع قد يكون من غري ٍ
قصد ,أماً اإلحسان ّ
نفعا ,وال يقال أحسن يف
فال يكون إال مع القصد ,فالعدو قد ينفع عدوه مبا فعله وهو قد أراد به ضارا فوقع ً
ذلك .5وعلى ذلك فالنفع أعم من اإلحسان من هذه اجلهة.
المطلب الثالث :العالقة بين العدل واإلحسان :
العدل :األمر املتوسط بني اإلفراط والتفريط أو القصد يف األمور ,وهو خالف اجلور؛ ولذلك يطلق العدل
على اإلنصاف واحلكم باحلق واملساواة واالستقامة واالعتدال.6
ان َوإِيتَ ِاء ِذي ال ُق ْربَى
وقد جاء األمر بالعدل واإلحسان يف قوله تعاىل [ :إِ َّن اهلل يأْمر بِالع ْد ِل وا ِإلحس ِ
َ َ ُُ َ َ ْ َ
الم ْن َك ِر َوالبَاغْ ِي يَ ِعظُ ُك ْم لَ َعلَّ ُك ْم تَ َذ َّك ُرو َن] {النحل .}35:وحيسن قبل أن أتكلم عن ويا ْناهى ع ِن ال َفح َ ِ
شاء َو ُ ْ ََ َ َ
ومن بعدهم من التابعني وتابعي التابعني يف تفسري العالقة بني العدل واإلحسان أن أذكر ما ورد عن الصحابة َ
العدل واإلحسان :
-1ما ورد عن عبد اهلل بن عباس (22ه) ,رضي اهلل عنهما ,يف ذلك :
أ .ورد عن ابن عباس ,رضي اهلل عنهما ,أنه قال :العدل شهادة أن ال إله إال اهلل ,واإلحسان أداء
الفرائض .7وذكر املاتريدي (999ه) عن قتادة بن دعامة السدوسي(117ه) أنه قال :العدل هو التوحيد
واإلحسان هو أداء الفرائض.1
.1الزاهر يف غريب ألفاظ الشافعي :األزهري (975ه) ,ص ,181واملطلع على ألفاظ املقنع :البعلي (753ه) ,ص ,882و ,957واملصباح املنري :
الفيومي (775ه) ,ص ,49والكليات ,ص .891
.2هتذيب اللغة ,192/15 ,وحترير ألفاظ التنبيه ,النووي (272ه) ,ص ,143والكليات ,ص .891
.3مشارق األنوار ,822/8 ,والنهاية يف غريب احلديث ,139/5 ,ولسان العرب ,782/11 ,والتوقيف ,ص ,425ومعجم لغة الفقهاء ,ص ,872
واملعجم الوسيط.1597/8 ,
.4املفردات ,ص ,213واملصباح املنري ,ص ,212والتوقيف ,ص ,982واملعجم الوسيط.348/8 ,
.5الفروق يف اللغة ,ص .134-139
.6هتذيب اللغة,185/8 ,واملفردات ,ص ,892و ,553ومشارق األنوار ,23/8 ,ولباب التأويل يف معاين التنزيل = تفسري اخلازن (741ه),
,35/9واملصباح املنري ,ص ,932والتعريفات ,ص ,147والتوقيف ,ص ,892-897وتاج العروس ,445-449/83 ,وأضواء البيان :حممد األمني
الشنقيطي (1939ه).497/8 ,
.7أخرجه ابن جرير الطبي يف جامع البيان = تفسري الطبي ,995/14 ,والطباين يف الدعاء ,1529 ,والبيهقي يف األمساء والصفات,
, 852من طريق معاوية بن صاحل عن علي بن أيب طلحة عن ابن عباس به .وذكره السيوطي (311ه) يف الدر املنثور 158/3 ,فعزاه إىل
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 241
ب .ويف رواية أخرى عنه :أن العدل خلع األنداد ,واإلحسان أن تعبد اهلل كأنك تراه.2
ت.ويف رواية أخرى عنه رضي اهلل عنه ,أن العدل التوحيد واإلحسان اإلخالص فيه.3
والتوحيد وخلع األنداد يف معىن شهادة أن ال إله إال اهلل.4
ث .ويف رواية رابعة عنه رضي اهلل عنه ,أن العدل هو احلق ,واإلحسان هو العفو.5
وقال مقاتل بن حيان البلخي (155ه) :العدل التوحيد واإلحسان العفو عن الناس.6
-8ورد عن على بن أيب طالب رضي اهلل عنه ,أنه قال :العدل اإلنصاف واإلحسان التفضل.7
وقد ورد تفسري العدل :الفرائض ,واإلحسان :النافلة ,دون عزو ٍ
ألحد.8
-9وقال سفيان بن عيينة (132ه) :العدل :استواء السريرة والعالنية يف العمل هلل ,واإلحسان أن تكون
السريرة أحسن من العالنية.9
توجيه ما ورد عن ابن عباس في تفسير العدل واإلحسان :
ورد عن ابن عباس يف تفسري العدل بأنه شهادة أن ال إله إال اهلل أو التو حيد أو خلع األنداد ,وكلها مبعىن
واحد ,1وتوجيه ذلك أن العدل يف اللغة هو اإلنصاف ,وأعظم اإلنصاف االعرتاف للمنعِم بنعمته ,وذلك بتوحيده
سبحانه وتنزيهه عن الشريك والنظري والن ّد ,2أو أن ذلك هو عني اإلنصاف والقسط.3
عباس ,رضي اهلل عنهما ,مل يقصد تفسري العدل وإمنا قصد ذكر أفضله وأعاله وأوجبه. وعلى ذلك فإن ابن ٍ
وذهب الطبي (915ه) إىل أن تفسري ابن عباس لإلحسان بأنه أداء الفرائض ,بأنه الصب هلل على طاعته
فيما أمر وهنى يف الشدة والرخاء واملكره واملنشط ,فمن أطاع اهلل وهو صابر على ذلك فقد أحسن يف عبادته.4
لكن ابن عطية األندلسي (548ه) ذهب إىل أن ما ورد عن ابن عباس يف تفسري اإلحسان ,فيه نظر
اإل ْس َال ُم أَ ْن تَ ْش َه َد أَ ْن َال إِلَهَ إَِّال اللَّهُ
استدل جبواب النيب صلى اهلل عليه وسلم عن سؤال جبيل عن اإلسالم ِْ « : و ّ
ت إِ ْن الص َال َةَ ,وتُ ْؤِيت َّ ِ ول اللَّ ِه َّ ِ َّ َّ َ , َوأ َّ
ضا َنَ ,وَحتُ َّج الْبَ ْي َ وم َرَم َ صَ الزَكا َةَ ,وتَ ُ َ يم َّ
صلى اللهُ َعلَْيه َو َسل َمَ ,وتُق َ َن ُحمَ َّم ًدا َر ُس ُ
ت إِلَْي ِه َسبِ ًيال» ,وجوابه صلى اهلل عليه وسلم عن اإلحسان ,قال صلى اهلل عليه وسلم « :ا ِإل ْح َسا ُن أَ ْن استَطَ ْع َْ
فسر اإلسالم بأداء الفرائض, 5 ِ ِ تَ ْعبُ َد اللَّهَ َكأَن َ
َّك تَ َراهُ ,فَإ ْن َملْ تَ ُك ْن تَ َراهُ فَإنَّهُ يََر َاك» ,فالنيب صلى اهلل عليه وسلم ّ
وهذا هو العدل ,وتفسريه صلى اهلل عليه وسلم لإلحسان يستفاد منه أن اإلحسان هو التكميالت واملندوب إليه,
مكملة بسننها ومن مث يذهب ابن عطية األندلسي إىل أن ابن عباس ,رضي اهلل عنهما ,أراد أداء الفرائض َّ
وآداهبا.6
وما ذهب إليه ابن عطية األندلسي صحيح؛ فقد ورد عن ابن عباس ,رضي اهلل عنهما ,يف تفسري اإلحسان,
روايتان أخريان :أحدمها :اإلحسان أن تعبد كأنك تراه ,واألخرى :اإلحسان اإلخالص يف التوحيد .وهذا يراد
به فعل الطاعة على وجهها األكمل ,فمن أدى فرائض اهلل على الوجه األكمل فقد أحسن .7ومن استحضر
حقيقة اإلحسان "أتى بالعبادة على الوجه األكمل من اإلتيان بأركاهنا وشروطها ومندوباهتا".8
وقد ذهب مجهور املفسرين يف تفسري هذه اآلية إىل أن العدل هو الواجب واإلحسان هو املندوب .1وقد
اختلفت مسالكهم يف ترجيح تفسري العدل بالواجب واإلحسان باملندوب ,وذلك على النحو التايل :
-1تفسري اآلية الكرمية باحلديث الشريف الذي ّبني فيه النيب صلى اهلل عليه وسلم مراتب الدين :اإلسالم
فسر النيب صلى اهلل عليه وسلم اإلسالم بذكر الواجبات ,وفسر اإلحسان «أَ ْن تَ ْعبُ َد اللَّهَ
واإلميان واإلحسان :فقد ّ
َّك تَ َراهُ ,فَِإ ْن َملْ تَ ُك ْن تَ َراهُ فَِإنَّهُ يََر َاك» .وهذا التفسري يقتضي أن اإلحسان هو التكميالت واملندوب إليه .وهذا
َكأَن َ
مسلك ابن عطية األندلسي (548ه) .2وقد ذكرت ذلك قبل ٍ
قليل.
-8أن العطف يوجب املغايرة يف املعىن ,فاهلل سبحانه وتعاىل أمر يف اآلية بالعدل واإلحسان وعطف
اإلحسان على العدل ,فاقتضى أن خيتلف تفسري العدل عن تفسري اإلحسان ,فالعدل عبارة عن األمر املتوسط
أمر واجب الرعاية يف مجيع األشياء .أما اإلحسان فهو املبالغة يف أداء الطاعات
بني طريف اإلفراط والتفريط ,وذلك ٌ
حبسب الكمية وحبسب الكيفية ,والدليل قول النيب صلى اهلل عليه وسلم « :ا ِإل ْح َسا ُن أَ ْن تَ ْعبُ َد اللَّهَ َكأَن َ
َّك تَ َراهُ,
فَِإ ْن َملْ تَ ُك ْن تَ َراهُ فَِإنَّهُ يََر َاك» ,ومسي هذا املعىن باإلحسان؛ ألنه باملبالغة يف الطاعة حيسن املسلم إىل نفسه ويوصل
اخلري والفعل احلسن إىل نفسه .وهذا مسلك الفخر الرازي (252ه).3
-9أن هذا هو معىن العدل واإلحسان يف اللغة ,فالعدل يف اللغة هو التوسط بني طريف اإلفراط والتفريط,
وهذا واجب ,أما اإلحسان فمعناه اللغوي يرشد إىل أنه التفضل مبا مل جيب كصدقة التطوع ,وفعل ما يثاب عليه
العبد مما مل يوجبه اهللُ تعاىل يف العبادات وغريها .وهذا مسلك الشوكاين (1855ه) .4وقريب من هذا قول
الراغب األصفهاين (558ه) " :العدل هو أن يُعطي ما عليه ويأخذ ما له ,واإلحسان أن يعطي أكثر ما عليه
ويأخذ أقل مما هو له ,فاإلحسان زائد على العدل؛ فتحري العدل واجب ,وحتري اإلحسان ندب وتطوع" .5وقال
.1ينظر :أحكام القرآن :أبو بكر اجلصاص (975ه) ,11/5 ,واملفردات يف غريب القرآن ,ص ,897-895و ,985والكشاف عن
حقائق التنزيل :الزخمشري (592ه) ,وحاشية الطييب (749ه) عليه :فتوح الغيب يف الكشف عن قناع الريب ,121-125/3 ,واحملرر
الوجيز ,412/9 ,وتفسري الرازي ,28-21/85 ,وتفسري القرطيب ,122-125/15 ,والبحر احمليط ,519/5 ,وتفسري ابن كثري
,535/5وفتح القدير ,823/9 ,وحماسن التأويل = تفسري القامسي (1998ه) ,458/2 ,وتفسري السعدي ,ص ,477والتحرير
والتنوير :ابن عاشور (1939ه).854/14 ,
.2احملرر الوجيز ,412/9 ,وينظر :تفسري القرطيب ,125/15 ,والبحر احمليط.522/2 ,
.3تفسري الرازي.821-853/85 ,
.4فتح القدير ,823/9 ,وينظر :فتح البيان يف مقاصد القرآن.958/7 ,
.5املفردات ,ص , 897-892وينظر :بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز :الفريوزآبادي (217ه) ,425/8 ,والكليات ,ص
.245
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 243 جملة املدونة:
المبحث الثاني
من األحكام العامة لإلحسان
وفيه ستة مطالب :
المطلب األول :حكم اإلحسان :
اختلف أهل العلم يف حكم اإلحسان على قولني :
القول األول :أن من اإلحسان ما هو واجب و منه ما هو مندوب .وهذا قول مجهور أهل العلم :فهذا
قول ابن العريب (549ه) ,3وابن تيمية (782ه) ,4وابن القيم (751ه) ,5والشاطيب (735ه) ,6وابن رجب
احلنبلي (735ه) ,7وابن حجر اهليتمي (374ه) ,8واملناوي (1591ه) ,9وحممد رشيد رضا (1954ه),10
والشيخ عبد الرمحن السعدي (1972ه) ,11والشيخ عطية بن حممد سامل (1485ه) ,12وابن عثيمني
(1481ه) ,13والشيخ عبد اهلل البسام (1489ه).14
أدلتهم :
.1املفردات ,ص ,558وينظر :بصائر ذوي التمييز ,83/4 ,وفتح الباري البن حجر.425/15 ,
.2الكشاف مع حاشية الطييب عليه ,121/3 ,وينظر :مدارك التنزيل = تفسري النفسي (715ه) 883/8 ,ط دار الكلم الطيب ,والبحر
احمليط 522/2 ,ط دار الفكر ,ونظم الدرر.959/4 ,
.3أحكام القرآن.455/1 ,
.4اجلواب الصحيح ملن ب ّدل دين املسيح ,81/2 ,وجامع املسائل( 95-94/1 ,اجملموعة السادسة).
.5بدائع الفوائد.17/9 ,
.6املوافقات.932/9 ,
.7جامع العلوم واحلكم.928-921/1 ,
.8الفتح املبني بشرح األربعني ,ص .941-945
.9فيض القدير شرح اجلامع الصغري.845/8 ,
.10تفسري املنار.948/9 ,
.11هبجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار يف شرح جوامع األخبار ,ص 148ط الرشد.
موقع الشبكة اإلسالمية 2/41 ,ترقيم الشاملة.
.12شرح األربعني النووية ,دروس صوتية قام بتفريغها ُ
.13فتح ذي اجلالل واإلكرام بشرح بلوغ املرام.25/2 ,
.14توضيح األحكام من بلوغ املرام.29/7 ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 244
َح ِسنُوا اإلحسا َن علَى ُكل شي ٍء ,فَِإذَا قَت لْتم فَأ ِ ِ
َحسنُوا الْقْت لَةَ َوإِذَا ذَ َْحبتُ ْم فَأ ْ
َ ُْ ْ ِّ َ ْ ب ِْ ْ َ َ ِ َّ
-1قال النيب « :إ َّن اللهَ َكتَ َ
ِ ِ
يحتَهُ».1 َح ُد ُك ْم َش ْفَرتَهُ فَ ْل ُِري ْح َذب َ َّ
الذبْ َحَ ,ولْيُح َّد أ َ
ب ِْ ِ َّ
اإل ْح َسا َن» ,يدل على أن اإلحسان منه الواجب وجه الداللة :قوله صلى اهلل عليه وسلم « :إ َّن اللهَ َكتَ َ
واملندوب ,بطريقني :
األول :أن لفظ كتب يقتضي الوجوب عند أكثر الفقهاء واألصوليني .2وقد ورد استعمال لفظ الكتابة يف
ين كِتَابًا َم ْوقُوتًا] ِِ القرآن والسنة ,فيما هو واجب ,كما يف قوله تعال [ :إِ َّن َّ
الم ْؤمن َت َعلَى ُ الص َالةَ َكانَ ْ
ام] {البقرة ,}129:وكما يف قول الرسول صلى اهلل عليه ِ
الصيَ ُ
ب َعلَْي ُك ُم ِّ {النساء ,}159:وقوله سبحانه ُ [ :كت َ
ب َعلَْي ُك ْم» .3فهذا احلديث ي ّدل على وجوب اإلحسان يف كل ِ
يت أَ ْن يُكْتَ َ
وسلم عن قيام رمضان َ « :ح َّىت َخش ُ
شيء من األعمال ,لكن إحسان كل شيء حبسبه ,فاإلحسان يف اإلتيان بالواجبات الظاهرة والباطنة اإلتيان هبا
على وجه كمال واجباهتا ,فهذا القدر من اإلحسان فيها واجب ,والقدر الزائد على الواجب إحسان ليس
بواجب .وهذا مسلك ابن رجب (735ه).4
الطريق الثاين :أن املراد بكتب هنا مطلق الطلب؛ ألنه أعم فائدة ,فيشمل اإلحسان الواجب واإلحسان
املندوب .وهذا مسلك ابن حجر اهليتمي (374ه) ,5واملناوي (1591ه).6
لكن قد يناقش هذا االستدالل مبا يأيت :
كأ .أن كتب يف احلديث ليس مبعىن فرض أو أوجب ,بل معناه :أثبته ومجعه ,كما يف قوله تعاىل [ :أُولَئِ َ
ب فِي قُالُوبِ ِه ُم 7
يما َن] {اجملادلة , }88:قال الشوكاين (1855ه) " :ومعىن [ َكتَ َ
ِ َكتَ ِ
ب في قُالُوب ِه ُم ا ِإل َ
َ
ا ِإل َ
8
يما َن] :خلقه ,وقيل :أثبته .وقيل :جعله .وقيل :مجعه .واملعاين متقاربة" .
لكن قد جياب عن هذا االعرتاض بأن كتب إذا تعلق باألحكام التكليفية ,كان األظهر أن املراد به الوجوب
والفرض ,وقد جاء يف هذا احلديث األمر بإحسان القتل والذبح ,وهذا حكم تكليفي ,فكان املراد بالكتابة يف
احلديث الطلب فيشمل الواجب واملندوب.
ب .االعرتاض الثاين على االستدالل باحلديث على أن األصل يف اإلحسان الوجوب ,هو أن املقصود
باإلحسان يف احلديث ,اإلحكام واإلكمال والتحسني يف األعمال املشروعة ,فحق من شرع يف شيء منها أن يأيت
به على غاية كماله ,وحيافظ على آدابه املصححة واملكلّمة ,وإذا فعل ذلك قبل عمله وكثر ثوابه.1
لكن جياب عن هذا االعرتاض أن لفظ اإلحسان يف لفظ احلديث لفظ عام ,فيشمل اإلحسان الواجب
واملندوب ومحله على اإلكمال والتحسني يف األعمال املشروعة ,حيتاج إىل قرينة ,وال قرينة.
هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن النيب صلى اهلل عليه وسلم أمر بإحسان القتل والذبح بعد أن ذكر أن
اهلل كتب اإلحسان على كل شيء ,ومن العلماء من استدل هبذا على وجوب اإلحسان يف إزهاق النفوس ,قال
ابن تيمية (782ه) " :يف هذا دليل على أن اإلحسان واجب على كل حال حىت يف إزهاق النفوس ناطقها
وهبيمها ,فعليه أن حيسن القتلة لآلدميني والذحبة للبهائم" .2بل إن ابن حزم (452ه) حكى اإلمجاع على وجوب
اإلحسان يف الذبيحة .3فكيف يكون أحد فروع اإلحسان واجبًا واإلحسان نفسه مندوبا؟ قال ابن رجب " :هذا
احلديث يدل على وجوب اإلحسان يف كل شيء من األعمال ,لكن إحسان كل شيء حبسبه".4
-8الدليل الثاين على أن اإلحسان منه واجب ومندوب :أن اهلل سبحانه وتعاىل أمر باإلحسان كما يف قوله
الع ْد ِل
تعاىل [ :وأحسنوا إن اهلل يحب المحسنين] {البقرة ,}135:وقوله سبحانه [:إِ َّن اهللَ يَأ ُْم ُر بِ َ
ان] {النحل.}35: وا ِإلحس ِ
َ َْ
وجه الداللة :أن اهلل سبحانه وتعاىل أمر باإلحسان ,واألمر أمر إجياب وأمر استحباب ,فيكون اإلحسان
منه واجب ومنه مستحب .5قال ابن عثيمني (1481ه) [" :وأحسنوا] فعل أمر واإلحسان قد يكون واجبا وقد
يكون مستحبا مندوبا إليه ,فما كان يتوقف أداء الواجب عليه فهو واجب ,وما كان زائدا على ذلك فهو
مستحب ,وبناء على نقول [وأحسنوا] فعل أمر مستعمل يف الواجب واملستحب".6
لكن قد يعرتض على االستدالل بقوله تعاىل [ :إِ َّن اهلل يأْمر بِالع ْد ِل وا ِإلحس ِ
ان] على أن اإلحسان منه َ َ ُُ َ َ ْ َ
واجب ومندوب ,قد يُعرتض بأن داللة االقرتان ليست حبجة عند مجهور العلماء7؛ فال يلزم من اقرتان اإلحسان
.1املفهم ,845/5 ,وينظر :املعني على تفهم األربعني ,ص ,891والسراج املنري ,ص .972
.2االختيارات الفقهية ,ص ,213وجامع املسائل 94/1 ,اجملموعة السادسة ,والفتاوى الكبى ,555/5 ,واملستدرك على جمموع الفتاوى,
,192/5وينظر :اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف :املرداوي (225ه).454/15 ,
.3مراتب اإلمجاع ,ص ,154وينظر :جامع العلوم واحلكم.928/1 ,
.4جامع العلوم واحلكم .921/1 ,وقال الشاطيب يف املوافقات " : 932/9وإحسان الذبح إمنا هو مندوب ال واجب ,وقد يكون الذبح من
اجعا إىل تتميم األركان والشروط".
باب الواجب إذا كان هذا اإلحسان ر ً
.5ينظر :اجلواب الصحيح ملن بدل دين املسيح ,81/2 ,وجمموع الفتاوى ,7/2 ,وجامع الرسائل 92/1 ,اجملموعة السادسة .وينظر :
جامع العلوم واحلكم.921/1 ,
.6جمموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ حممد بن صاحل العثيمني (1481ه).125/2 ,
.7ينظر :املستصفى ,141/8 ,وبدائع الفوائد ,335-323/4 ,واألشباه والنظائر :تاج الدين السبكي (771ه) ,139/8 ,والبحر
احمليط يف أصول الفقه :الزركشي (734ه) ,937/4 ,وشرح الكوكب املنري :ابن النجار (378ه) ,821-853/9 ,وإرشاد الفحول إىل
حتقيق احلق من علم األصول :الشوكاين (1855ه).137/8 ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 246
بالعدل وهو واجب ,أن يُستدَّل بذلك على أن اإلحسان واجب .بل إن العدل واجب واإلحسان مندوب ,1كما
ذهب إىل ذلك مجهور املفسرين كما ذكرته قبل ذلك.
لكن قد جياب عن هذا االعرتاض :أنّا نسلم هبذا إذا قُرن األمر باإلحسان بالعدل ,أما إذا جاء األمر باإلحسان
وحده فإن هذا يشمل الواجب واملندوب ,وقد جاء األمر باإلحسان وحده يف القرآن الكرمي واحلديث الشريف.2
-9الدليل الثالث على أن اإلحسان منه الواجب واملندوب :حديث املسيء صالته ,وفيه أن النيب صلى اهلل
ُح ِس ُن َغْي َرهُ فَ َعلِّ ْم ِىن. ك بِ ْ ِ ِ
احلَ ِّق َما أ ْ ال َ :والَّذى بَ َعثَ َ ص ِّل» ثَالَثًا .فَ َق َ ص ِّل فَِإن َ
َّك َملْ تُ َ عليه وسلم قال له ْ « :ارج ْع فَ َ
آنُ ,مثَّ ْارَك ْع َح َّىت تَطْ َمئِ َّن َراكِ ًعاُ ,مثَّ ْارفَ ْع َح َّىت
ك ِمن الْ ُقر ِ ال « :إِ َذا قُمت إِ َىل َّ ِ
الصالَة فَ َكبِّ ْرُ ,مثَّ اقْ َرأْ َما تَيَ َّسَر َم َع َ َ ْ ْ َ فَ َق َ
ِ ِ ِ ِ ِ
ك ُكلِّ َها».3 صالَتِ َك ِىف َ اس ُج ْد َح َّىت تَطْ َمئِ َّن َساج ًداُ ,مثَّ ْارفَ ْع َح َّىت تَطْ َمئِ َّن َجال ًساَ ,وافْ َع ْل َذل َتَ ْعتَد َل قَائ ًماُ ,مثَّ ْ
وجه الداللة :أن الرجل أساء يف صالته واإلساءة ضد اإلحسان ,فقال له النيب صلى اهلل عليه وسلم :
ِ
فدل على وجوب اإلحسان إذا تعلق ص ِّل» ,فكان عدم إحسان الرجل يف صالته ,أبطلها؛ ّ ص ِّل فَِإن َ
َّك َملْ تُ َ « ْارج ْع فَ َ
بواجبات الصالة ,وما زاد على ذلك فهو إحسان التطوع.4
لكن يناقش بأن سياق احلديث يوضح أن معىن قول الرجل :ما أحسن غريه ,أي ما أعلم غري هذا ,فالرجل
ُخ ِط ُئ" .5فعلّمه رسول اهلل يب َوأ ْ
ِ َِّ ِ
جاهل بواجبات الصالة ,ويف رواية أخرى " :فَأَِرين َو َعلِّ ْم ِين ,فَإمنَا أَنَا بَ َشٌر أُص ُ
صلى اهلل عليه وسلم واجبات الصالة ,6فاالستدالل باحلديث على وجوب اإلحسان ,فيه نظر؛ ألن املقام مقام
تعليم واجبابت الصالة ,قال ابن رجب (735ه) " :فيه دليل على من أساء يف الصالة فإنه يؤمر بإحسان
جاهل؛ فيعلَّم ما جهله".7 ٌ جممال ,حىت يتبني أنه صالته ً
القول الثاني :إن اإلحسان مندوب .وهذا قول أيب حامد الغزايل (555ه) ,8وابن رشد اجل ّد (585ه),9
وأيب العباس أمحد بن عمر القرطيب احمل ّدث (252ه) ,10والقرايف (224ه) ,11وحممد الطاهر بن عاشور
(1939ه) 12من املالكية.
.1ينظر :روضة الناظر وجنة املناظر :ابن قدامة (285ه) ,182/1 ,والتوضيح لشرح اجلامع الصحيح ,454/18 ,و ,522/85و ,452/82وفتح
الباري البن حجر ,425/15 ,واملهذب يف علم أصول الفقه املقارن :د .عبد الكرمي بن علي النملة.893/1 ,
.2ينظر :تفسري الفاحتة والبقرة :ابن عثيمني (1481ه).123-122/9 ,
.3أخرجه البخاري ,757و ,2851و ,2858و ,2227ومسلم 937من حديث أيب هريرة رضي اهلل عنه.
.4ينظر :شرح األربعني النووية :عطية بن حممد سامل (1485ه) 2/41 ,ترقيم الشاملة.
.5أخرجه الرتمذي ,958وابن خزمية 545من حديث رفاعة بن رافع رضي اهلل عنه .وقال الرتمذي :حديث حسن.
. 6ينظر :إحكام اإلحكام شرح عمدة األحكام :ابن دقيق العيد (758ه) ,857/1 ,والعدة شرح العمدة يف أحاديث األحكام :ابن العطار
(784ه) ,437/1 ,ونيل األوطار .952/8
.7فتح الباري البن رجب 57/5 ,ط ابن اجلوزي.
.8إحياء علوم الدين.72/8 ,
.9املقدمات املمهدات ,177/9 ,وينظر :شرح التلقني :املازري (592ه).855/8 ,
.10املفهم ,148/1 ,و.845/5
.11الذخرية.853-852/2 ,
.12التحرير والتنوير.855/14 ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 247 جملة املدونة:
ان] {النحل ,}35:وقوله صلى اهلل عليه وسلم « :إِ َّن األدلة :قوله تعاىل [ :إِ َّن اهلل يأْمر بِالع ْد ِل وا ِإلحس ِ
َ َ ُُ َ َ ْ َ
ِ َح ِسنُوا َّ اإلحسا َن علَى ُكل شي ٍء ,فَِإ َذا قَت ْلتم فَأ ِ ِ
َح ُد ُك ْم َش ْفَرتَهُ الذبْ َحَ ,ولْيُح َّد أ َ َحسنُوا الْقْت لَةَ َوإِ َذا َذ َْحبتُ ْم فَأ ْ
َ ُْ ْ ِّ َ ْ ب ِْ ْ َ َ اللهَ َكتَ َ
َّ
َّك تَ َراهُ ,فَِإ ْن َملْ تَ ُك ْن ِ
يحتَهُ» ,وقول صلى اهلل عليه وسلم عن اإلحسان « :ا ِإل ْح َسا ُن أَ ْن تَ ْعبُ َد اللَّهَ َكأَن َ فَ ْل ُِري ْح ذَب َ
تَ َراهُ فَِإنَّهُ يََر َاك».
وجه الداللة :أن اإلحسان جاء يف هذه النصوص الشرعية مبا يدل على أنه مندوب وليس واجبًا ,ففي اآلية
الكرمية اإلحسان زائد عن العدل ,وهذا مندوب ,وهو يدخل يف مجيع األقوال واألفعال ,ومع سائر األصناف إال
حرم اإلحسان حبكم الشرع .1أما يف احلديثني الشريفني فإن اإلحسان فيهما مبعىن اإلتقان واإلحكام والتحسني ما ّ
والتكميل ,وهذا مندوب ليس بواجب .2كما أن إحسان الذبح إمنا هو مندوب ال واجب.3
لكن يناقش هذا االستدالل مبا يأيت :أنه إذا جاء األمر باإلحسان مقرتنا بالعدل ,كان اإلحسان مندوبًا,
استقالال فإن يدل على وجوب اإلحسان إذا تعلق بفعل واجب وإال كان مندوبًا.4 ً أما إذا جاء األمر به
وأما عن االستدالل باحلديث الشريف على أن اإلحسان مندوب ,فيمكن أن يناقش أيضا بأن لفظ الكتابة
إذا تعلق بالفعل التكليفي كان أظهر يف الوجوب ,وأما القول بإن إحسان الذبح مندوب ,يعارضه ما حكاه ابن
حزم من اإلمجاع على وجوب إحسان الذبح ,وقد مت ذكر ذلك ساب ًقا.
َّك تَ َراهُ ,فَِإ ْن َملْ تَ ُك ْن تَ َر ُاه
كما أن االستدالل بقول النيب صلى اهلل عليه وسلم « :ا ِإل ْح َسا ُن أَ ْن تَ ْعبُ َد اللَّهَ َكأَن َ
فَِإنَّهُ يََر َاك» ,على أن اإلحسان مندوب ,ألنه يدل على أعلى مراتب الدين ,وهذا ليس بواجب ,فإن هذا ال
ينقض االستدالل بأن اإلحسان منه واجب ومندوب؛ وذلك مبجموع األدلة.
كدا .وهذا قول شرف الدين الطييب (749ه) ,5ونور الدين
القول الثالث :إن اإلحسان مندوب ندبًا مؤ ً
السندي :حممد بن عبد اهلادي (1192ه) الفقيه احلنفي.6
َح ِسنُوا ٍ
اإل ْح َسا َن َعلَى ُك ِّل َش ْيء ,فَِإذَا قَتَ ْلتُ ْم فَأ ْ
ب ِْ ِ َّ
الدليل :قول النيب صلى اهلل عليه وسلم « :إ َّن اللهَ َكتَ َ
ِ ِ َح ِسنُوا َّ ِ
َح ُد ُك ْم َش ْفَرتَهُ فَ ْل ُِري ْح َذب َ
يحتَهُ». الذبْ َحَ ,ولْيُح َّد أ َ الْقْت لَةَ َوإِ َذا َذ َْحبتُ ْم فَأ ْ
اإل ْح َسا َن َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء» :أي أوجب عليكم ب ِْ ِ َّ
وجه الداللة :قوله صلى اهلل عليه وسلم « :إ َّن اللهَ َكتَ َ
كل شيء ,واملراد باإلجياب الندب املؤكد .وهذا قول السندي .7أو أن كتب أي :أوجب وفرض اإلحسان يف ِّ
وضمن اإلحسان معىن التفضل وع ّداه بعلى ,واملراد بالتفضل إراحة الذبيحةمبالغة؛ ألن اإلحسان هنا مستحبّ ,
1
بتحديد الشفرة وتعجيل إمرارها وغريه ....وهذا قول الطييب .
لكن يناقش أن محل كتب يف احلديث على الندب املؤكد ,خالف الظاهر ,وحيتاج محله على هذا إىل قرينة,
وال قرينة ,والقول إن القرينة هي أن اإلحسان مستحب ,فال نسلم هبذا؛ ألن اإلحسان منه الواجب واملندوب,
استدالال بأدلة منها هذا احلديث وأخرى قد مضى ذكرها.
ً
والقول :إن تضمني اإلحسان معىن التفضل خالف الظاهر ,والقول كذلك :إن اإلحسان يف الذبح
وإزهاق النفس مستحب ,ال يسلم به ,فإن هناك من ذهب إىل وجوب ذلك ,بل حكى ابن حزم اإلمجاع على
مر ذكر ذلك قريبًا.
ذلك .وقد ّ
القول الراجح :
الذي يرتجح لدى الباحث أن اإلحسان منه الواجب ومنه املندوب ,وذلك أخ ًذا جبميع األدلة يف ذلك,
واالعرتاضات على هذه األدلة قد أجيب عليها أو أهنا اعرتاضات ال تقدح يف االستدالل هبا ,خبالف أدلة القولني
اآلخرين فإن االعرتاضات على االستدالل هبا ,ظاهرة ,هذا إذا جاء األمر باإلحسان استقالال ,أما إذا قرن بالعدل
فإن العدل هو الواجب واإلحسان هو املندوب .واهلل أعلم.
.1شرح املشكاة للطييب ,8257/3 ,وينظر :مرقاة املفاتيح ,8243/2 ,وحتفة األحوذي.225/4 ,
.2جامع العلوم واحلكم.928-921/1 ,
.3الفتح املبني بشرح األربعني ,ص .941-945
.4هبجة قلوب األبرار ,ص .148
.5توضيح األحكام.29/7 ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 249 جملة املدونة:
-4ما كان يتوقف عليه أداء الواجب فهو واجب ,وما كان زائدا على ذلك فهو مستحب .وهذا قول
الشيخ عطية بن حممد سامل (1485ه) ,1وابن عثيمني (1481ه).2
-5ما كان من األركان والشروط فهو واجب ,وما كان من اآلداب فهو مندوب .وهذا قول الشاطيب
(735ه).3
-2إن أريد باإلحسان األمر اخلارجي الضروري فهو واجب ,وإن أريد ما زاد عليه فمندوب .وهذا قول ابن
عرفة (259ه).4
أعم وأمشل,
وهذه التحديدات لإلحسان الواجب واملندوب متقاربة يف املعىن ,لكن حتديد ابن حجر اهليتمي ّ
لو أضيف إليه أركانه ,لتصري العبارة :مستوفيا ألركانه وشروطه .وعلى هذا فإن هذه التحديدات كلها تبني أن
اإلحسان الواجب واملندوب ال يعرف إال بدليل آخر يبني الواجب واملندوب واحلرام واملكروه ,ومن مث كان معرفة
أعم
حكم اإلحسان يف الفعل مرتتبة على معرفة حكمه التكليفي .يقول ابن عرفة (259ه) " :اإلحسان لفظ ُّ
فينتج املناط فيه ,أنه إن أريد به األمر اخلارجي الضروري فهو واجب وإن أريد ما زاد عليه فمندوب" .5ويقول
الشاطيب ( 735ه) " :ليس اإلحسان منه مأمورا به أمرا جازما يف كل شيء وال غري جازم يف كل شيء ,بل
ينقسم حبسب املناطات :أال ترى أن إحسان العبادات بتمام أركاهنا من باب الواجب ,وإحساهنا بتمام آداهبا من
باب املندوب؟.....وذلك راجع إىل نظر اجملتهد تارة وإىل نظر املكلف ,وإن كان مقلدا ,تارة أخرى ,حبسب
ظهور املعىن وخفائه".6
المطلب الثالث :حكم مكافأة المحسن على إحسانه :
املكافأة :هي مقابلة اإلحسان مبثله أو بزيادة .7واجلزاء :املكافأة باإلحسان واإلساءة .وقد اختلف أهل
8
العلم يف حكم مكافأة احملسن على إحسانه ,وذلك على قولني :
القول األول :وجوب مكافأة احملسن على إحسانه .وهذا قول وهب بن منبه (114ه) ,1وابن تيمية
(782ه) ,2واحلسني بن حممد الالعي من فقهاء اليمن (1113ه) ,3والصنعاين (1128ه) ,4وابن عثيمني
(1481ه).5
األدلة :
وهَ ,وَم ْن ِ ِ
استَ َعا َذ بِاللَّه فَأَعي ُذ ُ
ول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َ « :م ِن ْ
ال رس ُ ِ
ال :قَ َ َ ُ َ -1ع ْن َعْب ِد اهللِ بْ ِن ُع َمَر ,قَ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
صنَ َع إِلَْي ُك ْم َم ْعُروفًا فَ َكافئُوهُ ,فَِإ ْن َملْ َجت ُدوا َما تُ َكافئُونَهُ ,فَ ْاد ُعوا لَهُ
َسأ ََل باللَّه فَأ َْعطُوهَُ ,وَم ْن َد َعا ُك ْم فَأَجيبُوهَُ ,وَم ْن َ
َح َّىت تَ َرْوا أَنَّ ُك ْم قَ ْد َكافَأْمتُُوهُ».6
صنَ َع إِلَْي ُك ْم َم ْعُروفًا» :معناه من أحسن إليكم إحسانا وجه الداللة :قوله صلى اهلل عليه وسلم َ « :وَم ْن َ
«فَ َكافِئُوهُ» ,أي فأحسنوا إليه مثلما أحسن إليكم« ,فَِإ ْن َملْ َِجت ُدوا َما تُ َكافِئُونَهُ ,فَ ْاد ُعوا لَهُ َح َّىت تَ َرْوا أَنَّ ُك ْم قَ ْد
َكافَأْمتُُوهُ» ,أي فبالغوا يف الدعاء جهدكم حىت حتصل املثلية .7وقوله صلى اهلل عليه وسلم «فَ َكافِئُوهُ» أمر واألمر
للوجوب إال لصارف ,والظاهر أنه ال صارف.8
لكن قد يناقش هذا بأن الصارف لألمر عن الوجوب ,أن اإلحسان يف هذا احلديث هو ما كان مندوبًا,
احملسن إليه ال يرغب يف إيقاع هذا اإلحسان له ,فلو أوجبنا عليه مكافأة احملسن متطوع ومتبعٌ ,ورمبا كان َ ٌ واحملسن
على إحسانه ,لرمبا وقع يف حرج وضيق ,والشرع جاء برفع احلرج والضيق عن املكلفني ,فكان األنسب يف هذا أن
تكون مكافأة احملسن على إحسانه مندوبا إليها.
-8قول تعاىل َ [ :هل َج َزاء ا ِإل ْح ِ ِ
{الرمحن .}25:فمقابلة احلسنة مبثلها عدل واجب.9 سان إ َّال ا ِإل ْح َ
سا ُن] َّ َ ْ ُ
لكن يناقش هذا بأن األظهر يف اآلية هو احلث على جمازاة اإلحسان مبثله ,لكن داللة اآلية على وجوب ذلك بعيدة
وليست بظاهرة.
ُّوها إِ َّن اهللَ َكا َن َعلَى ُك ِّل َش ْي ٍء َح ِسيبًا] -9قوله تعاىل [ :وإِذَا حيِّيتم بِت ِحيَّ ٍة فَحيُّوا بِأَح ِ
س َن م ْنا َها أ َْو ُرد َ
َْ َ َ ُ ُْ َ
{النساء.}22:
.1أخرج ابن أيب الدنيا يف مكارم األخالق رقم ,925والطبي يف هتذيب اآلثار رقم ,182وأبو نعيم يف حلية األولياء ,52/4والبيهقي
يف شعب اإلميان رقم , 2782من طريق بكار بن وهب قال :مسعت وهب بن منبه :ترك املكافأة من التطفيف ,قال اهلل عز وجل َ [ :ويْ ٌل
ِ ِ
ين] {املطَّففني .}1:وينظر الفروع البن مفلح (729ه).لل ُْمطَِّفف َ
.2جمموع الفتاوى ,588-581/83ويتظر :خمتصر الفتاوى املصرية ,ص ,421وقال ابن مفلح (729ه) يف الفروع : 452/7وكذا
رد الرافضي أن من العدل الواجب مكافأة من له ي ٌد أو نعمة ليجزيه هبا.
اختار شيخنا يف ّ
.3البدر التمام شرح بلوغ املرام.887/15 ,
.4سبل السالم 245/8 ,ط دار احلديث ,والتنوير شرح اجلامع الصغري.89/15 ,
.5فتح ذي اجلالل واإلكرام بشرح بلوغ املرام.951/2 ,
.6أخرجه أمحد ,22/8و ,187رقم ,5925و ,2152وأبو داود ,1278و ,5153والنسائي .28/5وإسناده صحيح ,قاله النووي
يف رياض الصاحلني ,ص .425
.7املفاتيح شرح املصابيح :املظهري (787ه) ,558/8 ,وشرح املشكاة للطييب ,1522/5 ,وفيض القدير ,55/2 ,والسراج املنري,
.828/4
.8البدر التمام ,887/15 ,وسبل السالم ,245/8 ,والتنوير شرح اجلامع الصغري ,89/15 ,وفتح ذي اجلالل واإلكرام,951/2 ,
وذخرية العقىب يف شرح اجملتىب = شرح سنن النسائي :حممد بن علي بن آدم األثيويب.25/89 ,
.9جمموع الفتاوي.581/83 ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 251 جملة املدونة:
أيضا يف السالم ويف كل إحسان واملكافأة عليه.1 وجه الداللة :أن اآلية ليست يف السالم فقط ,بل هي ً
كل شيء :من أحسن إليك كما قال سفيان بن عيينة (132ه) " :ترون هذا يف السالم وحده؟ هذا يف ّ
فادع له أو أث ِن عليه عند أخوانه" ,2وقد جاء األمر برد اإلحسان مبثله يف اآلية, فأحسن إليه وكافئه ,فإن مل جتد ُ
واألمر للوجوب.
ولكن يناقش هذا االستدالل مبا يأيت :
ك بِ ِه اهللُ]
وك َحيَّا ْو َك بِ َما لَ ْم يُ َحيِّ َ
-1الصحيح أن التحية يف اآلية هي السالم؛ لقوله تعاىل َ [ :وإِذَا َجاءُ َ
{اجملادلة ,}2:قال أبو عبد اهلل القرطيب (271ه) " :وعلى هذا مجاعةُ املفسرين" ,مث قال " :أمجع العلماء على
ُّوها].3 أن االبتداء بالسالم سنة مرغب فيها ,رده فريضة؛ لقوله تعاىل [ :فَحيُّوا بِأَح ِ
س َن م ْنا َها أ َْو ُرد َ
َْ َ
-8سلمنا أن األمر يف اآلية عام يف مكافأة اإلحسان ,لكن ال نسلم بأن حيمل األمر على الوجوب,
فاألظهر محله على الندب ,وذلك باعتبار أن أصل ابتداء اإلحسان إذا مل يتعلق بالواجبات مندوب ,والقياس على
رد السالم قياس مع الفارق؛ ألن رد السالم واجب باإلمجاع خبالف املكافأة على اإلحسان.
القول الثاني :أن املكافأة على اإلحسان سنة .وهذا مذهب احلنفية ,4والشافعية ,5واحلنابلة ,6وإليه ذهب
كاتبو املوسوعة الفقهية الكويتية ,ومل يذكروا غريه.7
.1ينظر :فيض القدير ,84/2 ,ودليل الفاحلني لطرق رياض الصاحلني :ابن عالن ( 1557ه).541/2 ,
.2أخرجه ابن أيب حامت يف تفسريه 1581/9رقم ,5782وعزاه له السيوطي يف الدر املنثور.525/4 ,
كالم ابن العريب (549ه) يف أحكام القرآن .427-429/1 ,وينظر :زاد املسري.441/1 , .3تفسري القرطيب ,832/5 ,وأصل كالمه ُ
ابن عبد الب (429ه) يف االستذكار ,195 /87 ,ويف التمهيد, أما اإلمجاع على أن االبتداء بالسالم سنة ورده واجب ,فقد حكاه ُ
عياض (544ه) يف إكمال املعلم, ٌ القاضي
ُّ الب,
,838/5وابن العريب يف املسالك يف شرح موطأ مالك .515/7 ,ونقله عن ابن عبد ّ
,45/7وأبو العباس القرطيب (252ه) يف املفهم ,429/5 ,والنووي (272ه) يف شرح صحيح مسلم ,145/14 ,وابن حجر يف فتح
الباري .4/11وينظر :جمموع الفتاوى البن تيمية ,411/87 ,واآلداب الشرعية :ابن مفلح املقدسي (729ه).952/1 ,
.4املبسوط :السرخسي (429ه) ,12/11 ,وبدائع الصنائع :الكاساين (527ه) ,182/2 ,وحاشية رد املختار على الدر احملتار :ابن
عابدين (1858ه).481/2 ,
أيضا ,892/7 ,واألذكار له كذلك ,ص -429 .5اجملموع شرح املهذب :النووي (272ه) ,249/4 ,وروضة الطالبني وعمدة املفتني له ً
,422و ,215والنجم الوهاج يف شرح املنهاج :الدمريي (252ه) ,955/3 ,ومغين احملتاج :اخلطيب الشربيين (377ه),812/4 ,
والفتوحات الربانية على األذكار النواوية :ابن عالن (1557ه) ,885/2 ,و.829-828 /7
.6نيل املآرب بشرح دليل الطالب :عبد القادر بن عمر بن أيب تغلب الشيباين (1195ه) ,95/8 ,وكشف املخدرات والرياض املزهرات
لشرح أخصر املختصرات :البعلي :عبد الرمحن بن عبد اهلل اخللويت (1138ه) ,581/8 ,ومطالب أويل النهى يف شرح غاية املنتهى :
الرحيباين (1849ه) ,925/4 ,ومنار السبيل يف شرح الدليل :ابن ضويان (1959ه) ,85/8 ,ط املكتب اإلسالمي .وينظر الفروع,
452-455/7املطبوع مع اإلنصاف ,وشرح منتهى اإلرادات= دقائق أويل النهى لشرح املنتهى :منصور بن يونس البهويت (1551ه),
.495/8
.7املوسوعة الفقهية الكويتية.827/85 ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 252
.1األذكار للنووي ,ص ,425و ,215واجملموع شرح املهذب ,249/4 ,وروضة الطالبني ,892/7 ,والنجم الوهاج يف شرح املنهاج,
,955/3والفتوحات الربانية على األذكار النواوية ,885/2 ,و.829-828/7
.2أخرجه الرتمذي ,8595والنسائي يف الكبى ,3397والبزار يف مسنده ,8251وابن حبان يف صحيحه ,9419وقال الرتمذي :هذا
حديث حسن جيد غريب.
.3البدر التمام شرح بلوغ املرام .422/3 ,وينظر :املفاتيح يف شرح املصابيح :املظهري (787ه) ,559/8 ,و ,557/9وشرح مصابيح
السنة :ابن ملك الكرماين (254ه) ,438/8 ,ومرقاة املفاتيح شرح مشكاة املصابيح :مال علي القاري (1514ه).1955/4 ,
.4السراج املنري ,49/1 ,والبدر التمام.422-425/3 ,
.5ينظر :التحبري إليضاح معاين التيسري :الصنعاين (1128ه).543/8 ,
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 253 جملة املدونة:
القول الثاني :السنة أن يكافئ احملسن على إحسانه أو يدعو له .أي التخيري بني املكافأة أو الدعاء
للمحسن .وهذا قول احلنابلة.1
األدلة :
احبِ ِه َ :جَز َاك اللَّهُ َخْي ًرا ,فَ َق ْد أَبْلَ َغ ِيف ال لِص ِ صنِ َع إِلَْي ِه َم ْعُر ٌ
وف فَ َق َ َ -1قول النيب صلى اهلل عليه وسلم َ « :م ْن ُ
الثَّنَ ِاء».
ِ
ول اهلل صلى اهلل عليه وسلم َ « :م ْن أ ُْعط َي َعطَاءً
ال رس ُ ِ
ال :قَ َ َ ُ َ -8ع ْن َجابِ ِر بْ ِن َعْب ِد اهللِ ,رضي اهلل عنهما ,قَ َ
فَ َو َج َد فَ ْليَ ْج ِز بِِه ,فَِإ ْن َملْ َِجي ْد فَ ْليُثْ ِن بِِه ,فَ َم ْن أَثْ َىن بِِه فَ َق ْد َش َكَرهَُ ,وَم ْن َكتَ َمهُ فَ َق ْد َك َفَرهُ» .2قال الرتمذي " :ومعىن
قوله « :ومن كتم فقد كفر» يقول :قد كفر تلك النعمة".3
اجُرو َن ال :لَ َّما قَ ِدم النَِّىب صلى اهلل عليه وسلم الْم ِدينةَ أَتَاه الْمه ِ س بن مالك ,رضي اهلل عنه ,قَ َ -9و َع ْن أَنَ ٍ
َ َ ُ َُ َ ُّ
ني أَظْ ُه ِرِه ْم ,لََق ْد ول اللَّ ِه ,ما رأَي نا قَوما أَب َذ َل ِمن َكثِ ٍري والَ أَحسن مو ِ ِ ِ ٍ
اسا ًة م ْن قَل ٍيل م ْن قَ ْوم نََزلْنَا بَ ْ َ َ ْ َ َ َُ َ ْ َ َ َْ ْ ً ْ فَ َقالُوا :يَا َر ُس َ
َّىب صلى اهلل عليه وسلم « :الََ ,ما َج ِر ُكلِّ ِه .فَ َق َ
ال النِ ُّ
ِ
َك َف ْونَا الْ ُم ْؤنَةَ َوأَ ْشَرُكونَا ِىف الْ َم ْهنَِإ َح َّىت خ ْفنَا أَ ْن يَ ْذ َهبُوا بِاأل ْ
س تُثْ نُو َن َعلَْي ِه ْم بِِهَ ,وتَ ْد ُعو َن اللَّهَ َهلُ ْم؟» قَالُوا َ ي
َْلَأ « بلفظ الكبى يف النسائي اهو ور . ِ 4
َد َع ْوُمتُ اللَّهَ َهلُ ْم َوأَثْنَ ْيتُ ْم َعلَْيه ْم»
ال « :فَ َذ َاك بِ َذ َاك».5 :بَلَى .قَ َ
َعي ُذوهَُ ,وَم ْن َسأ ََل بِاللَّ ِه فَأ َْعطُوهَُ ,وَم ْن َد َعا ُك ْم -4قول النيب صلى اهلل عليه وسلم « :م ِن استَ عا َذ بِاللَّ ِه فَأ ِ
َ ْ َ
صنَ َع إِلَْي ُك ْم َم ْعُروفًا فَ َكافِئُوهُ ,فَِإ ْن َملْ َِجت ُدوا َما تُ َكافئُونَهُ ,فَ ْاد ُعوا لَهُ َح َّىت تَ َرْوا أَنَّ ُك ْم قَ ْد َكافَأْمتُُوهُ».
ِ
فَأَجيبُوهَُ ,وَم ْن َ
ِ
وجه الداللة :أن هذه األحاديث قد ورد فيها الندب إىل مكافأة احملسن ,وبعضها ورد فيها الدعاء للمحسن
فقط ,وبعضها ورد فيها األمر مبكافأة احملسن ,فإن مل جيد أثىن عليه ودعا له ,فكان اجلمع بني هذه األحاديث
محلها على التخيري بني املكافأة على اإلحسان أو الدعاء للمحسن.
لكن يناقش هذا االستدالل بأن األظهر هو محل املطلق على املقيد ,فما جاء مطل ًقا من األحاديث بذكر
الدعاء للمحسن فقط ,يقيد مبا جاء من أنه ينتقل إىل الدعاء عند العجز عن مكافأة احملسن على إحسانه ,كقوله
.1نيل املآرب ,95/8 ,وكشف املخدرات ,581/8 ,ومطالب أوىل النهى ,925/4 ,ومنار السبيل .85/8 ,وينظر :الفروع-455/7 ,
,452وشرح منتهى اإلرادات.495/8 ,
.2أخرجه ابو داود ,4219والتزمذي ,8594والبخاري يف األدب املفرد ,815وأبو يعلى ,8197والبيهقي يف السنن الكبى
,828/2ويف اآلداب ,132وصححه األلباين يف السلسلة الصحيحة .217
.3سنن الرتمذي .447/9
.4أخرجه أمحد ,854 ,855/9وأبو داود ,4218والرتمذي ,8427والبخاري يف األدب املفرد ,817وحممد بن إبراهيم الكالباذي
يف حبر الفوائد املشهور مبعاين األخبار ,998واحلاكم يف املستدرك ,29/8والبيهقي يف السنن الكبى .129/2وصححه احلاكم ووافقه
فمطول كما هو مذكور يف املنت,
خمتصر أما عند الرتمذي ّ
ٌ الذهيب ,وصححه الضياء يف املختارة .1391مالحظة :احلديث عند األغلب
وهذا لفظه.
.5أخرجه النسائي يف الكبى 3392ط الرسالة.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 254
صنَ َع إِلَْي ُك ْم َم ْعُروفًا فَ َكافِئُوهُ ,فَِإ ْن َملْ َِجت ُدوا َما تُ َكافِئُونَهُ ,فَ ْاد ُعوا لَهُ َح َّىت تَ َرْوا أَنَّ ُك ْم قَ ْد
صلى اهلل عليه وسلم َ « :وَم ْن َ
1
َكافَأْمتُُوهُ» .وهلذا قال ابن مفلح (729ه) من احلنابلة " :ويتوجه إن مل جيد دعا له ,كما رواه أمحد وغريه" .
القول الثالث :السنةُ املكافأةُ على اإلحسان فإن مل جيد أو عجز دعا للمحسن .وهذا قول احلنفية,2
توجيها عند احلنابلة ,3واختاره موسى احلجاوي (322ه) من احلنابلة يف اإلقناع,4 ً وذكره ابن مفلح (729ه)
وقول احلليمي :احلسني بن احلسن (459ه) من الشافعية ,5وقول الالعي املغريب (1113ه) ,6والصنعاين
(1128ه) ,7والشيخ عبد اهلل البسام (1489ه).8
أدلة هذا القول هي أدلة القول الثاين .
وجه االستدالل هبا :قوله صلى اهلل عليه وسلم َ « :م ْن أ ُْع ِط َي َعطَاءً فَ َو َج َد فَ ْليَ ْج ِز بِِه ,فَِإ ْن َملْ َِجي ْد فَ ْليُثْ ِن بِِه,
أوال ,وال ينتقل إىل القول فَ َم ْن أَثْ َىن بِِه فَ َق ْد َش َكَرهَُ ,وَم ْن َكتَ َمهُ فَ َق ْد َك َفَرهُ» ,يدل على أن املكافأة تكون بالفعل ً
بالثناء والدعاء إال عند العجز عن املكافأة ,أي :إذا كان اإلحسان فعال كانت املكافأة إحسانا مكان إحسان,
فإذا مل تتيسر املكافأة قام الذكر والثناء والبشر مكانه ,وإذا كان الذكر والثناء جزاء ,فالدعاء الصاحل إىل ذلك
(احملسن) أقرب وبه أحق.9
القول الرابع :أن اجلمع بني املكافأة والدعاء أفضل من االقتصار على الدعاء .وهذا قول العِزيزي
(1575ه) ,10ومال إليه املناوي (1595ه) وذهب إىل أن اجلمع بينهما أكمل.11
ال لِص ِ
احبِ ِه َ :جَز َاك اللَّهُ َخْي ًرا ,فَ َق ْد صنِ َع إِلَْي ِه َم ْعُر ٌ
وف فَ َق َ َ الدليل :قول النيب صلى اهلل عليه وسلم َ « :م ْن ُ
أَبْلَ َغ ِيف الثَّنَ ِاء».
وجه الداللة :قوله صلى اهلل عليه وسلم « :فَ َق ْد أَبْلَ َغ ِيف الثَّنَ ِاء» ,يقتضي أن الدعاء مكافأة للمحسن على
إحسانه ,فإذا ضم إليه مكافأة بالفعل كان أفضل من االقتصار على الدعاء والذكر فقط ,أو كان ذلك أكمل.1
املهدى له إذا
.1الفروع ,455/7 ,وقال أمحد بن عبد اهلل البعلي (1123ه) يف الروض الندي شرح كايف املبتدي ,ص " : 959ويكافئ َ
توجيها يف الفروع".
َوجد أو يدعو له إذا مل جيد .ذكر معناه ً
.2حاشية رد احملتار على الدر املختار . 481/2 ,وينظر :حبر الفوائد املشهور مبعاين األخبار :الكالباذي :حممد بن إبراهيم (925ه) ,ص
.122-127
.3الفروع ,455/7وينظر :شرح منتهي اإلرادات ,495/8 ,والروض الندي شرح كايف املبتدي ,ص .959
.4اإلقناع يف فقه اإلمام أمحد بن حنبل ,45/9 ,وينظر :كشاف القناع عن منت اإلقناع :البهويت (1551ه).988-981/4 ,
.5املنهاج يف شعب اإلميان.552/8 ,
.6البدر التمام ,422/3 ,و.883/15
.7التحبري إليضاح معاين التيسري ,543/8 ,وسبل السالم ,557-552/8 ,والتنوير شرح اجلامع الصغري ,829/5 ,و .832 ,89/15
.8توضيح اإلحكام ,983/9 ,و .951/7
.9ينظر :املنهاج يف شعب اإلميان ,552/8 ,والبدر التمام ,422/3 ,و ,883/15والتحبري إليضاح معاين التيسري ,543/8 ,وسبل
السالم ,557-552/8 ,والتنوير شرح اجلامع الصغري.832 ,89/15 ,
.10السراج املنري.952/4 ,
أيضا ,892/1 ,و.283/8 .11فيض القدير ,415/1 ,و ,178/2والتيسري بشرح اجلامع الصغري للمناوي ً
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 255 جملة املدونة:
لكن يناقش هذا االستدالل بأنه قد ورد يف أحاديث أخرى قد سبق ذكرها ,أن االكتفاء بالدعاء إمنا يكون
عند العجز عن مكافأة مبثل ما فُعل معه من اإلحسان .2فدل ذلك على أن مكافأة احملسن على الرتتيب وليس
على اجلمع.
القول الخامس :أن املكافأة ختتلف باختالف األشخاص .وهذا قول ابن عثيمني (1481ه) ,فمن الناس
من ال َحيسن مكافأته برد اإلحسان مبثله ,كامللوك واألمراء واألغنياء واألثرياء وحنوهم ,فهؤالء تكون مكافأهتم
بالدعاء والثناء ,وأما غريهم فتكون مكافأهتم برد اإلحسان مبثله فإن عجز عن ذلك كانت مكافأهتم بالدعاء
والثناء عليهم.3
األدلة :جمموع األحاديث اليت وردت يف مكافأة احملسن وقد سبق ذكرها ,واليت تدل على أن مكافأة احملسن
تكون مبثل إحسانه أو حنوه ,وعند العجز يكون الدعاء والثناء هو املكافأة.
وجه االستدالل :قوله صلى اهلل عليه وسلم « :فكافئوه» ,تدل على املساواة يف اإلحسان؛ ألن معىن
املكافأة املساواة ,ومكافأة امللك أو األمري أو الشريف الوجيه أو الثري وحنوهم مبثل إحساهنم ال تتحقق فيها
قصورا يف حقهم ,وأنه ال يليق هبم أن يرد إحساهنم مبثله؛ فانتفت املساواة يف املساواة؛ ألهنم يرون يف ذلك ً
مكافأهتم ,فكان الدعاء والثناء عليهم مكافأهتم.4
احملسن إليهم بقوله صلى اهلل عليه وسلم « :فكافئوه» ,وهذا
لكن يناقش هذا أن اخلطاب النبوي متوجه إىل َ
راجع إىل قدرهتم واستطاعتهم ال إىل ما يناسب الفاعلني لإلحسان ,وال يكلف اهلل نفسا إال وسعها ,فإن مل
عوضا عن املكافأة بالفعل.
يستطع ذلك كان الدعاء والثناء ً
القول الراجح :
احملسن
الذي يرتجح لدى للباحث أن مكافأة احملسن تكون برد مثل إحسانه أو زيادة عليه أو ما يستطيع َ
إليه ,فإن عجز عن ذلك دعا له وأثىن عليه ,ومن أفضل الدعاء له أن يقول له :جزاك اهلل خريا5؛ وذلك لقوة أدلة
مر ذكرها.
ذلك القول ,أما األقوال األخرى فأدلتها تَ ُرد عليها مناقشات واعرتاضات قوية .وقد ّ
المطلب الخامس :قول جزاك اهلل خيرا لغير المسلم :
اختلف أهل العلم يف القول لغري املسلم إذا أحسن :جزاك اهلل خريا ,على قولني :
القول األول :أنه ال يقال لغري املسلم إذا أحسن :جزاك اهلل خريا ,وإمنا يدعو له بتكثري املال والولد
والصحة والعافية .وهذا قول املناوي (1595ه) ,1والشيخ عبد اهلل بن عبد الرمحن اجلبين (1495ه) ,2ومذهبه
أنه ال جيوز الدعاء للكافر ,وإذا عمال نافعا وحنو ذلك فيقال له شكرا أو أشكرك.
األدلة :
َخ ِيه َجَز َاك
الرجل ِأل ِ ول اللَّ ِه صلى اهلل عليه وسلم« :إِ َذا قَ َ
ال َّ ُ ُ ال َر ُس ُ َ -1ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة ,رضي اهلل عنه قَ َ
ال :قَ َ
اللَّهُ َخْي ًرا فَ َق ْد أَبْلَ َغ ِيف الثَنَ ِاء».3
وجه الداللة :قوله صلى اهلل عليه وسلم « :ألخيه» أي أخيه يف اإلسالم ,فخرج به غري املسلم ,فال يقال
له جزاك اهلل خريا؛ ألن هذا خمتص باملسلم.4
لكن يناقش هذا بأن احلديث ضعيف فال حيتج به ,فيظل األمر على العموم الوارد يف احلديث الصحيح :
احبِ ِه َ :جَز َاك اللَّهُ َخْي ًرا ,فَ َق ْد أَبْلَ َغ ِيف الثَّنَ ِاء» ,وعلى فرض صحته فإن هذا القيد
ال لِص ِ
وف فَ َق َ َ صنِ َع إِلَْي ِه َم ْعُر ٌ« َم ْن ُ
بعضا.
خرج خمرج الغالب فال حجة فيه؛ ألن األغلب األعم أن تكون معاملة املسلمني فيما بينهم بعضهم ً
ال :استس َقى النَِّيب صلى اهلل عليه وسلم فَس َقاه ي ه ِ ٍِ -8عن أَنَ ِ
ال النِ ُّ
َّيب ي ,فَ َق َود ٌّ َ ُ َُ ُّ س بْ ِن َمالك رضي اهلل عنه قَ َ ْ َ ْ
ات.5
ب َح َّىت َم َك اهلل» .فَ َما َرأَى الشَّْي َ
صلى اهلل عليه وسلم َ « :مجَّلَ َ
يدع لليهودي الذي سقاه جبزاك اهلل خريا ,وإمنا دعا له وجه الداللة :أن النيب صلى اهلل عليه وسلم مل ُ
بالصحة والعافية؛ فدل على أن الدعاء جبزاك اهلل خريا ,خمتص باملسلم.
لكن يناقش بأن احلديث ضعيف فال حيتج به ,وعلى فرض صحته فإنه ال يدل على النهي عن قول جزاك
يأت دليل صحيح صريح بالنهي عن ذلك ,وهذا غري موجود. اهلل خريا لغري املسلم ,فيظل على اإلباحة ما مل ِ
-9قول عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه " :لَو ي علَم أَح ُد ُكم ما لَه ِيف قَولِِه ِأل ِ
َخ ِيهَ :جَز َاك اللَّهُ َخْي ًراَ ,ألَ ْكثَ َر ْ َْ ُ َ ْ َ ُ ْ
ض".1ض ُك ْم لِبَ ْع ٍ ِ
مْن َها بَ ْع ُ
َخ ِيه َ :جَز َاك اللَّهُ َخْي ًرا ,"...يدل على أن هذا القول وجه الداللة :قوله "لَو ي علَم أَح ُد ُكم ما لَه ِيف قَولِِه ِأل ِ
ْ َْ ُ َ ْ َ ُ ْ
يكون ألخيه يف اإلسالم ,أما غري املسلم فال يقال له ذلك.
مرسال ,وعلى فرض صحته فإنه ال يستفاد منه النهي عن قول جزاك لكن يناقش بأن األثر ضعيف؛ لكونه ً
اهلل خريا ,لغري املسلم.
-4أن الدعاء للكافر باخلري ال جيوز؛ ألنه ليس أهال له .وهذا قول الشيخ ابن جبين.2
لكن يناقش أن املنهي عنه هو الدعاء له باملغفرة وما أشبهها ,وما عدا ذلك فلم يرد النهي عنه ,قال النووي
(272ه) حتت عنوان :باب ما يقول املسلم للذمي إذا فعل به معروفًا ,قال " :ال جيوز أن يدعى له باملغفرة وما
أشبهها مما ال يقال للكفار ,لكن جيوز أن يدعى له باهلداية وصحة البدن والعافية وشبه ذلك" .3واهلداية من اخلري
الذي يساق لغري املسلم بل هو أفضل اخلري الذي يناله غري املسلم ,وعلى ذلك جيوز القول له :جزاك اهلل خريا,
ولو نوى بذلك أن يهديه إىل اإلسالم ,لكان هذا أوىل إن مل يكن مندوبًا.
القول الثاني :أنه جيوز أن يقال لغري املسلم إذا أحسن :جزاك اهلل خريا .وهذا قول ابن عثيمني
(1481ه) ,وقول القائمني على موقع الشبكة اإلسالمية.4
األدلة :
ال لِص ِ
احبِ ِه َ :جَز َاك اللَّهُ َخْي ًرا ,فَ َق ْد أَبْلَ َغ ِيف صنِ َع إِلَْي ِه َم ْعُر ٌ
وف فَ َق َ َ -1قول النيب صلى اهلل عليه وسلم َ « :م ْن ُ
الثَّنَ ِاء».
ِ ِ ِ
صنَ َع إِلَْي ُك ْم َم ْعُروفًا فَ َكافئُوهُ ,فَِإ ْن َملْ َجت ُدوا َما تُ َكافئُونَهُ ,فَ ْاد ُعوا لَهُ
-8قول النيب صلى اهلل عليه وسلم َ « :وَم ْن َ
َح َّىت تَ َرْوا أَنَّ ُك ْم قَ ْد َكافَأْمتُُوهُ».
ول اهللِ صلى اهلل عليه وسلم َ « :م ْن أَتَى إِلَْي ُك ْم ال َر ُس ُ ال :قَ َ احلَ َك ِم بْ ِن ُع َم ٍْري رضي اهلل عنه ,قَ َ َ -9ع ِن ْ
َم ْعُروفًا فَ َكافِئُوهُ ,فَِإ ْن َملْ َِجت ُدوا فَ ْاد ُعوا لَهُ».1
صنَ َع إِلَْي ُك ْم َم ْعُروفًا,» ... وفَ « ,»...وَم ْن َ صنِ َع إِلَْي ِه َم ْعُر ٌ
وجه الداللة :لفظ العموم يف األحاديث َ « :م ْن ُ
و« َم ْن أَتَى إِلَْي ُك ْم َم ْعُروفًا فَ َكافِئُوهُ ,»...يدخل فيه املسلم وغري املسلم ,فيشمل مجيع من فعل معروفا مسلما كان
أو غري مسلم ,ومن مث جيوز أن يقال لغري املسلم إذا أحسن :جزاك اهلل خريا.
القول الراجح :
ما يرتجح لدى الباحث جواز قول جزاك اهلل خريا ,لغري املسلم إذا أحسن ,وذلك لقوة أدلته وخلوها من
االعرتاضات واملناقشات ,وضعف أدلة القول اآلخر ووجود املناقشات واالعرتاضات عليها .واهلل أعلم.
المطلب السادس :القاعدة الفقهية :ما على المحسنين من سبيل :
ين َال َّ ِ نص هذه القاعدة الفقهية جزء من اآلية الكرمية [لَيس علَى الض ِ
ضى َوَال َعلَى الذ َ
الم ْر َ
ُّع َفاء َوَال َعلَى َ
َ ْ َ َ ُّ
يل واهلل غَ ُف ِ هلل ورسولِ ِه ما علَى المح ِسنِ ِ ِ
يم]
ور َرح ٌ ٌ ين م ْن َسبِ ٍ َ ُ ُْ َ ص ُحوا ِ َ َ ُ َ َ ج إِذَا نَ َ
ِ
يَج ُدو َن َما يُا ْنف ُقو َن َح َر ٌ
{التوبة ,}31:وقد نزلت يف أصحاب األعذار الذين ختلفوا عن اجلهاد مع النيب صلى اهلل عليه وسلم يف غزوة
تبوك (3ه) ,تنفي عنهم اإلمث إذا كانوا صادقني يف أعذارهم وأحسنوا يف خالفة اجملاهدين يف أهليهم وأوطاهنم ومل
ينشروا األخبار الكاذبة واملثبطة ,وإذا كان هذا سبب نزوهلا إال أهنا عامة يف كل حمسن؛ ألن العبة بعموم اللفظ ال
خبصوص السبب.2
واحملسن من فعل احلَ َسن :وهو ما مل ينه عنه الشرع ,والقبيح ما هنى عنه .3أو احملسنون هم الذين أطاعوا اهلل
ورسوله يف أقواهلم وأفعاهلم.4
"والسبيل أصله الطريق ,ويطلق على وسائل وأسباب املؤاخذة باللوم والعقاب؛ ألن تلك الوسائل تشبه
الطريق الذي يصل منه طالب احلق إىل مكان احملقوق".5
.1أخرجه الطباين يف املعجم الكبري 812/9رقم .9123قال اهليثمي يف جممع الزوائد : 128-121/2فيه حي بن يعلى األسلمي ,وهو
فيصح به احلديث.
ضعيف أ .ه .وله شاهد من حديث ابن عمر ,رضي اهلل عنهما ,وهو احلديث السابقُّ ,
.2ينظر :تفسري الطبي ,288/11 ,وأحكام القرآن :اجلصاص (975ه) ,958/4 ,وأحكام القرآن :ابن العريب,473-477/8 ,
و ,24/4وتفسري الرازي ,183-182/12 ,وتفسري ابن كثري ,132/4 ,وتفسري القامسي (1998ه) ,447/5 ,وتفسري املنار :حممد
رشيد رضا (1954ه) ,557/15 ,والتحرير والتنوير.834/15 ,
.3أحكام القرآن :ابن العريب ,473/8,وينظر :تفسري املنار ,557/15,والتحرير والتنوير.834/15 ,
.4البحر احمليط.429/5 ,
.5التحرير والتنوير ,834/15 ,و.2-5/11
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 259 جملة املدونة:
ونفي السبيل عن احملسنني يعين نفي اللوم واحلرج والتعتيب والعتاب واإلمث والعقاب عنهم .1أي أن احملسن
2
وجود
ال يكون للشرع منه مطالبة ال يف حق اهلل وال يف حق اخللق .ومما يؤكد عموم نفي السبيل عن احملسنني ُ
"من" الزائدة يف اآلية ,أي :ما على احملسنني سبي ٌل.3
واآلية الكرمية قاعدة فقهية ,وذلك ملا يأيت :
-1عموم داللتها ,قال اجلصاص (975ه) " :هذا عموم يف أن كل من كان حمسنا يف شيء ,فال سبيل
4
ممهد يف الشريعة
عليه فيه ,وحيتج به يف مسائل مما قد اختلف فيه" .وقال ابن العريب (549ه) " :هذا عموم ِّ
كل حمسن" .5ومن شروط القاعدة الفقهية العموم.6 أصل يف رفع العقاب والعتاب عن ِّ ٌ
-8كثرة الفروع يف أبواب الفقه املختلفة اليت تندرج حتت هذه اآلية الكرمية ,وهذا يتفق مع تعريف القاعدة
الفقهية ,فقد عرفها تاج الدين السبكي (771ه) بأهنا " :األمر الكلي الذي ينطبق عليه جزئيات كثرية يفهم
أحكامها منها".7
-9أن هذه اآلية الكرمية يستدل هبا على فروع كثرية يف أبواب الفقه املختلفة ,وهذا من وظائف القاعدة
صا من كتاب اهلل أو سنة الرسول صلى اهلل عليه وسلم أو مأخوذة من تلك النصوص استنباطًا الفقهية إذا كانت ن ا
8
ومن خالف يف االستدل هبذه القاعدة الكلية ,مل خيالف لكوهنا غري حجة أو باالستقراء جملموع تلك النصوص َ .
عنده ,وإمنا خالف لكونه ترجح لديه العمل بنص آخر أو دليل خمصص أو قاعدة فقهية أخرى أو حنو ذلك ,كما
يتضح عند عرض بعض الفروع الفقهية اليت تندرج حتت هذه القاعدة.
-4أن هذه اآلية الكرمية تندرج حتتها قواعد فقهية ,منها :
.1ينظر :تفسري الطبي ,288/11 ,والتفسري البسيط للواحدي ,534/15,والوسيط له ,512/8 ,واحملرر الوجيز ,75/9 ,وزاد املسري
,832/1و ,822/8ورموز الكنوز يف تفسري الكتاب العزيز :الرسعين احلنبلي (221ه) ,ص ,284وإرشاد العقل السليم إىل مزايا
الكتاب الكرمي = تفسري أيب السعود (328ه) ,38/4 ,وزهرة التفاسري :حممد أبو زهرة (1934ه).8418/7 ,
.2لطائف اإلشارات = تفسري القشريي (425ه).59/8 ,
.3ينظر :الدر املصون يف علوم الكتاب املكنون :السمني احلليب (752ه) ,37/2 ,واللباب يف علوم الكتاب :ابن عادل احلنبلي
(775ه) ,والتحرير والتنوير .835-834/15
.4أحكام القرآن,958/4 ,حتقيق القمحاوي.
.5أحكام القرآن ,473/8حتقيق البجاوي ,وينظر :تفسري السعدي ص.947 ,
.6املفصل يف القواعد الفقهية :د .بعقوب بن عبد الوهاب الباحسني ,ص .24-28
.7األشباه والنظائر :تاج الدين عبد الوهاب السبكي (771ه) , 11/1 ,وينظر املزيد عن تعريف القاعدة الفقهية :املدخل الفقهي العام :
مصطفى أمحد الزرقا (1485ه) ,347/8 ,والوجيز يف إيضاح قواعد الفقه الكلية :د .حممد صدقي البورنو ,ص ,12-19واملفصل يف
القواعد الفقهية ,ص .92-17
.8ينظر :املفصل يف القواعد الفقهية ,ص ,153-159والوجيز يف إيضاح قواعد الفقه الكلية ,ص ,49-92واملمتع يف القواعد الفقهية :
د.مسلم بن حممد الدوسري ,ص .25-21
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 261
أ .اجلواز الشرعي ينايف الضمان ,1ومعناها :أن اإلنسان ال يؤاخذ بفعل ما ميلك أن يفعله شرعا ,فإذن
ضرر لآلخرين .2ومن فروعها :أنه لو الشارع مينع املؤاخذة ويدفع الضمان إذا وقع بسبب الفعل املأذون فيهٌ ,
امتنع امللتقط عن تسليم اللقطة لصاحبها حىت يأخذ النفقة اليت أنفقها بإذن القاضي عليها ,فهلكت يف يده مل
يضمنها وال تسقط نفقته هبالكها؛ ألن امتناعه جائز.3
ب .ومنها القاعدة الفقهية :األصل براءة الذمة .4وأول من تكلم ,فيما أعلم ,أن هذه اآلية الكرمية تدل
ين ِم ْنِِ
الم ْحسن َ
الفخر الرازي (252ه) يف تفسريه ,فقال " :قوله تعاىل َ [ :ما َعلَى ُ
بعمومها على هذه القاعدةُ ,
يل] يقتضي نفي مجيع املسلمني ,5فهذا بعمومه يقتضي أن األصل يف حال كل مسلم براءة الذمة وعدم َسبِ ٍ
توجه مطالبة الغري عليه يف نفسه وماله ,فيدل على أن األصل يف نفسه حرمة القتل إال لدليل منفصل .واألصل يف
ماله حرمة األخذ إال لدليل منفصل ,وأال يتوجه عليه شيء من التكاليف إال لدليل منفصل ,فتصري هذه اآلية هبذا
خاص يدل على وجوب حكم ٌّ نص
الطريق أصال معتبا يف الشريعة يف تقرير أن األصل براءة الذمة ,فإن ورد ٌّ
خاص يف واقعة خاصة قضينا بذلك النص اخلاص تقدميًا للخاص على العام ,وإال فهذا النص ٌّ
كاف يف تقرير
الباءة األصلية" .6وتابع الرازي على ذلك مجع من املفسرين.7
ت.قاعدة :األمني يصدَّق بيمينه يف براءة ذمته : 8فيقبل قول الوكيل واملستودع والوصي و ِ
املتلقط وأشباههم َ
يف الرد والتلف مع عدم التفريط أو التعدي؛ ألهنم حمسنون؛ وذلك ألهنم قبضوا األمانة ملصلحة مالكها حبفظها
تعد منه وال تفريط.1
له؛ وليس عليه ضمان إذا تلفت بدون ٍّ
.1جملة األحكام العدلية ,املادة ,31ودرر احلكام يف شرح جملة األحكام :على حيدر (1959ه) 39-38/1 ,ط دار اجليل ,وشرح
القواعد الفقهية :أمحد الزرقا (1957ه) ,ص 445وما بعدها ,واملدخل الفقهي العام ,1598/8 ,الفقرة ,242واملمتع يف القواعد
الفقهية ,ص .922-925
.2الوجيز يف إيضاح قواعد الفقه الكلية ,ص ,928وموسوعة القواعد الفقهية :حممد صدقي آل البورنو الغزي ,52/8 ,وينظر :املدخل
الفقهي العام ,1598/8 ,الفقرة ,242واملفصل يف القواعد الفقهية ,ص .525
.3املدخل الفقهي العام 1598/8 ,الفقرة .242وينظر :املمتع يف القواعد الفقهية ,ص ,927واملفصل يف القواعد الفقهية ,ص -521
.528
.4األشباه والنظائر :السيوطي (311ه) ,ص ,25-73واألشباه والنظائر :ابن جنيم (375ه) ,وشرحه غمز عيون البصائر :احلموي
(1532ه) ,854-859/1 ,ودرر احلكام ,82-85/1 ,وشرح القواعد الفقهية ,ص .115-155
كالم الرازي وإن مل يذكره بامسه .ويغلب على ظين أنه حتريف, .5هكذا يف املطبوع ,وكذلك يف اللباب يف علوم الكتاب ,178/15وقد نقل َ
والصواب :السبيل ,ويؤكد هذا أنه يف البحر احمليط أليب حيان األندلسي : 429/5النتفاء مجيع السبيل أ.ه .واهلل أعلم.
.6تفسري الرازي.188-181/12 ,
.7ومن هؤالء :اخلازن (741ه) يف تفسريه ,195/9وأبو حيان األندلسي (745ه) ,يف البحر احمليط ,429/5وابن عادل (775ه)
يف اللباب يف علوم الكتاب ,178/15واخلطيب الشربيين (377ه) يف السراج املنري ,248-241/1و وهبة الزحيلي (1492ه) يف
التفسري املنري .955/15
.8جملة األحكام العدلية املادة ,1774وشرحها درر احلكام .554-551/4وينظر :أصول الكرخي (945ه) ,ص ,915وأصول
البزدوي (428ه) ,ص ,923واجلمع والفرق :أبو حممد اجلويين (492ه) ,524/8 ,و ,253و ,878/9وتقرير القواعد وحترير الفوائد
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 261 جملة املدونة:
وقد جعل الشيخ ابن عثيمني (1481ه) هذه اآلية الكرمية قاعدة فقهية.2
من الفرول الفقهية المندرجة تحت هذه القاعدة :
سوف أذكر ثالثة فروع فقهية تندرج حتت هذه القاعدة وأذكر من استدل هبا على تلك الفروع وأبني وجه
ورده على االستدالل هبذه القاعدة ,وقد أرجح إن بدا يل وجه
االستدالل ,وأذكر كذلك القول املخالف يف الفرع َّ
الرتجيح يف هذه اجلزئية فقط دون التعرض ألدلة الفريقني األخرى ومناقشتها؛ ألن هذا خيرج عن موضوع البحث,
فضال عن أنه يطوله مبا ال عالقة له به.
أ .من شرع يف النفل فله قطعه وال جيب عليه قضاؤه ,ألنه حمسن ومتبع ,وال لزوم على املتبع وال لوم
عليه ,خبالف حج التطوع أو عمرة التطوع فإنه يلزمه إمتامهما إذا أفسدمها وجيب عليه قضاؤمها .وهذا عمر بن
اخلطاب (89ه) وعلى بن أيب طالب (45ه) وعبد اهلل بن مسعود (98ه) وعبد اهلل بن عمر بن اخلطاب
(79ه) وعبد اهلل بن عباس (22ه) وجابر بن عبد اهلل (72ه) رضي اهلل عنهم ,وسفيان الثوري (121ه)
وإسحاق بن راهويه (892ه) .3ومذهب الشافعية ,4واحلنابلة.5
وذهب أبو بكر ( 19ه) وابن عباس ( 22ه) ,6وإبراهيم النخعي (32ه) واحلسن البصري (115ه)
ومكحول (118ه) وداود الظاهري (875ه) وإمساعيل بن علية (139ه) إىل وجوب القضاء .7واحلنفية
يوجبون القضاء مطل ًقا سواء أكان إفساد النفل بعذر أم بدون عذر.8
وفرق املالكية 1وأبو ثور (845ه) 2بني إفساد النفل بعذ ٍر فال جيب القضاء ,وبني إفساده بال عذ ٍر فيجب
القضاء.
=قواعد ابن رجب (735ه) ,988-915/1 ,وموسوعة القواعد الفقهية ,47/8وشرح منظومة القواعد واألصول البن عثيمني ,ص
.138-123
.1ينظر :شرح الزركشي (778ه) على خمتصر اخلرقي ,572/4 ,وشرح منظومة القواعد واألصول :ابن عثيمني ,ص 138-123ترقيم
الشاملة ,وتفسري القامسي ,472/5 ,وتلقيح األفهام العلية بشرح القواعد الفقهية :وليد بن راشد السعيدان ,32-34/1 ,وشرح القواعد
السعدية :عبد احملسن الزامل ,ص .193-192
أيضا ,ص ,152و.135 .2ملخص القواعد الفقهية ,ص 3ترقيم الشاملة ,وينظر :شرح منظومة القواعد واألصول له ً
.3ينظر :مصنف ابن أيب شيبة (895ه) ,125-128/2 ,واجملموع شرح املهذب ,938/2 ,واملغين :ابن قدامة.121-153/9 ,
.4احلاوي الكبري :املاوردي (455ه) , 475-422/9 ,واالصطالم يف اخلالف بني اإلمامني الشافعي وأبو حنيفة :أبو املظفر السمعاين
(423ه) ,853-137/8 ,واجملموع شرح املهذب ,938/2 ,ومغين احملتاج إىل معرفة ألفاظ املنهاج.122/8 ,
.5املغين ,128-153/9والفروع 114/5املطبوع مع تصحيح الفروع ,وشرح الزركشي ,281-217/8 ,وكشاف القناع عن منت
اإلقناع.944-948/8 ,
ابن أيب شيبة (895ه) يف املصنف .121/2 .6روى عن ابن عباس قضاء من أفطر يف صوم التطوعُ ,
.7ينظر :مصنف ابن أيب شيبة ,121-125/2 ,واملغين ,121-153/9والبناية شرح اهلداية :بدر الدين العيين (255ه)-27/4 ,
.22
.8اهلداية يف شرح بداية املبتدي :املرغيناين (539ه) ,22/1 ,وتبيني احلقائق شرح كنز الدقائق :الزيلعي (749ه),993-997/1 ,
والعناية شرح اهلداية :البابريت (722ه) ,452-455/1 ,والبناية شرح اهلداية ,22-27/4 ,وشرح فتح القدير :ابن اهلمام (221ه),
.929-925/8
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 262
وناقش احلنفية استدالل الشافعية باآلية بأنه ال سبيل على املتطوع قبل الشروع يف النفل ,وعلى هذا حتمل
اآلية ,أما إذا شرع فإنه يكون عليه سبيل ولوم؛ ألنه أبطل عبادة ألزم نفسها هبا وعزم على إمتامها ,فوجب عليه أن
يويف مبا ألزم نفسه به من عبادة تطوع هبا وعقد على إمتامها.3
لكن يناقش رد احلنفية بأنه قبل الشروع يف النفل ال يوصف املسلم بأنه حمسن فيما يتعلق هبذا النفل ,ولكن
يصدق عليه أنه حمسن عند شروعه وأثنائه؛ ولذا يصدق عليه نفي السبيل والقضاء إذا خرج من النفل ,فكان
االستدالل باآلية حجة قوية ملن ال يوجب قضاء النفل عند اخلروج منه .واهلل أعلم.
4
ب .إمامة األلثغ ,واللثغة حبسة يف اللسان حىت تصري الراء الما أو غينا أو ياء أو السني ثاء وحنو ذلك .
وتصح إمامة األلثغ ملثله وملن ليس مثله عند عطاء بن أيب رباح (114ه) وقتادة بن دعامة السدوسي
(112ه) ,5وبعض كبار فقهاء احلنفية ,6والصحيح من مذهب املالكية ,7وقول عند الشافعية ,8وقول عند
احلنابلة ,9واختيار أيب ثور (845ه) ,10واملزين (824ه) ,11وابن املنذر (913ه) ,12وابن حزم (452ه),1
وابن عثيمني (1481ه).2
أيضا-442/1 ,
.1شرح الرسالة :عبد الوهاب البغدادي املالكي (488ه) ,127-122/1 ,واإلشراف على نكت مسائل اخلالف له ً
,443والذخرية ,583-582/8 ,والتوضيح يف شرح املختصر الفرعي البن احلاجب :خليل بن إسحاق (772ه),489-485/8 ,
والفواكه الدواين على رسالة ابن أيب زيد القريواين :أمحد النفراوي (1182ه) ,957/1 ,و.974
.2اجملموع ,934/2والبناية شرح اهلداية .22/4
.3ينظر :العناية شرح اهلداية ,455/1 ,وينظر كذلك :تفسري آيات األحكام :حممد على السايس ,ص ,38و .234
.4الزاهر يف غريب ألفاظ الشافعي :األزهري (975ه) ,ص ,75والصحاح :اجلوهري (939ه) ,1985/4 ,ولسان العرب,442/2 ,
واملصباح املنري ,ص ,442والقاموس احمليط ,ص ,727وحاشية ابن عابدين ,528/1 ,وشرح خمتصر خليل :اخلرشي (1151ه),
,98/8والبيان يف مذهب اإلمام الشافعي :العمراين (552ه) ,457/8 ,واإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف.455/4 ,
أيضا,
.5األوسط يف السنن واإلمجاع واالختالف :ابن املنذر (913ه) ,153-152/4 ,واإلشراف على مذاهب العلماء :له ً
,199-198/8واجملموع.827/4 ,
.6حاشية ابن عابدين ,528/1 ,وينظر :احمليط البهاين :ابن مازة (212ه) ,918-911/1 ,و ,411والبحر الرائق شرح كنز الدقائق
:ابن جنيم (375ه).923/1 ,
.7التوضيح يف شرح خمتصر ابن احلاجب ,425/1 ,و ,424-429والتاج واإلكليل ملختصر خليل :املواق (237ه) ,114/8 ,وشرح
خمتصر خليل للخرشي ,85/8 ,و ,98وحاشية الدسوقي (1895ه) على الشرح الكبري ,983/1 ,وحاشية الصاوي (1481ه) على
الشرح الصغري = بلغة السالك ألقرب املسالك.497/1 ,
.8اجملموع ,827/4وفتح العزيز بشرح الوجيز = الشرح الكبري :الرافعي (289ه) ,912/4 ,وروضة الطالبني وعمدة املفتني,943/1 ,
والنجم الوهاج يف شرح املنهاج.955/8 ,ومزيد النعمة جلمع أقوال األئمة :حسني حممد احمللي الشافعي (1175ه) ,ص .192
.9اإلنصاف ,935/4و.455
.10حبر املذهب :الروياين (558ه) ,829/8 ,واجملموع .827/4
املاوردي يف احلاوي
ُّ قول املزينِّ,
.11خمتصر املزين :إمساعيل بن حي (824ه) 112/2 ,املطبوع ملح ًقا باألم للشافعي ط دار املعرفة ,ونقل َ
حسني (428ه) يف التعليقة على خمتصر املزين .1598/8وينظر :حبر املذهب ٌ القاضي
ُّ الكبري ,995/8وهو شرح ملختصر املزين ,و
,829/8واجملموع .827/4
أيضا ,119/1وينظر :حبر املذهب ,829/8واجملموع .827/4 .12األوسط ,153-152/4واإلقناع البن املنذر ً
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 263 جملة املدونة:
ومن حجتهم يف تصحيح ائتمام السامل باأللثغ وحنوه ,أنه ال يكلف األلثغ إال مبا يقدر عليه وهذه هي
سا إَِّال قدرته وقد عجز عن تصحيح نطقه أو ضاق الوقت عن ذلك ,واهلل تعاىل يقول َ [ :ال يُ َكلِّ ُ
ف اهللُ نَا ْف ً
ُو ْس َع َها] {البقرة ,}822:فهو مل يقصر فيما أمر به ,ومن أدى صالته كما أمر فهو حمسن ,و[ َما َعلَى
ين ِم ْن َسبِ ٍ
يل] {التوبة.3}31: ِِ
الم ْحسن َ
ُ
وذهب إىل عدم صحة ائتمام السامل باأللثغ وحنوه ,احلنفية على الصحيح من املذهب ,4وقول عند
املالكية ,5والشافعية على الصحيح من املذهب ,6واحلنابلة على الصحيح من املذهب ,7واختيار شيخ اإلسالم
ابن تيمية (782ه).8
وقد يناقش مذهب اجمليزين بصحة إمامة األلثغ مطلقا بأنه يفرق بني حالتني :األوىل :إمامته ملن هو مثله,
عندئذ حمسن؛ ألن هذا ما يستطيعه ويقدر عليه ,وقد صارت اللثغة وحنوها لغة له وطريقة نطق وخلقة يف ٍ فهو
كالمه ال ينفك عنها ,9فال لوم وال عتاب عليه إن فعل ذلك.
واحلالة الثانية :إمامة األلثغ للسامل القارئ فإنه قد يتوجه له اللوم ويكون عليه سبيل؛ ألنه يستطيع أن
يقدم من هو أفضل منه يف اإلمامة ,ورمبا هلذا امللحظ فإن بعض من أجاز إمامة األلثغ كرهها مع وجود مرضي
غريه .وهذا قول ابن رشد اجلد (585ه) .10وقال ابن املنذر (913ه) " :وتقدمي القارئ أحب إيل" .11وقال
ابن عثيمني (1481ه) " :ولكن مع هذا ينبغي أن خيتار من يصلى باجلماعة إنسان ليس فيه عيب احتياطا
وخروجا من اخلالف".12
.1احمللي .194/9
.2الشرح املمتع ,843-845/4وفتاوى نور على الدرب البن عثيمني 8/2 ,ترقيم الشاملة.
.3ينظر :خمتصر املزين ,112/2واحمللي ,194/9واجملموع .827/4
.4احمليط البهاين ,984-981/8 ,و ,411وشرح فتح القدير ,989/1 ,والبحر الرائق ,923/1 ,والفتاوى اهلندية ,22/1 ,والدر
املختار وحاشية ابن عابدين عليه.528-521/1 ,
.5روضة املستبني يف شرح كتاب التلقني :ابن بزيزة (279ه) ,927-922/1 ,وينظر :التبصرة :اللخمي (472ه),984-989/1 ,
والتوضيح يف شرح خمتصر ابن احلاجب.424-429/1 ,
.6اجملموع ,827/4وأسىن املطالب يف شرح روض الطالبني :زكريا األنصاري (382ه) ,817/1 ,ومغىن احملتاج :اخلطيب الشربيين
(377ه) ,421/1 ,وهناية احملتاج :الرملي (1554ه).123/8 ,
.7املغين ,145-144/8واملبدع ,71/8واإلنصاف ,455 ,932/4وشرح منتهى اإلرادات ,872/1 ,وكشاف القناع.421/1 ,
.8جمموع الفتاوى .955/89
.9ينظر :احمليط البهاين ,415/1 ,والتبصرة.984-989/1 ,
ابن عرفة يف املختصر الفقهي ,985/1واملواق
.10البيان والتحصيل والشرح والتوجيه ملسائل املستخرجة ,455-443/1 ,ونقله عنه ُ
(237ه) يف التاج واإلكليل ,455/8والدسوقي (1895ه) ,يف حاشيته على الشرح الكبري ,999/1 ,وينظر :مواهب اجلليل :احلطاب
(354ه).155/8 ,
.11اإلقناع .155/8
.12فتاوى نور الدرب 8/2ترقيم الشاملة.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 264
ت .ضمان الطبيب احلاذق إذا عاجل املريض بغري إذنه أو إذن وليه ,وذلك ملصلحة املريض ,فنتج عن ذلك
عندئذ على قولني :فذهب ابن حزم (452ه) ,1وابن القيم ٍ ضرر حلق باملريض :اختلف يف تضمني الطبيب
(751ه) 2إىل عدم تضمينه؛ ألنه حمسن ,وما على احملسنني من سبيل.3
مجهور الفقهاء من احلنفية ,4واملالكية ,5والشافعية ,6واحلنابلة ,7وهو قرار جممع الفقه ُ واختار تضمينه
اإلسالمي التابع ملنظمة التعاون اإلسالمي ,القرار رقم 148يف دورته اخلامسة عشرة املنعقدة مبسقط عام
1485ه=8554م.8
وقد يناقش عدم تضمني الطبيب لكونه حمسنًا ,يناقش بأن عدم اإلذن جيعل الطبيب متعديا وهذا يتناىف مع
اإلحسان ,ومن مث يضمن ما ترتب على فعله.9
لكن يناقش هذا بأن العدوان وعدمه متعلق بفعل الطبيب يف العالج واملداواة ,وال أثر لإلذن وعدمه يف
التعدي وعدمه.10
كما يناقش القول بإحسان الطبيب يف هذه احلالة ,بأن اإلحسان يتناىف مع التعدي على حقوق الغري بغري
إذنه ولو كان على سبيل املساعدة والنصرة ,واإلحسان إمنا يكون عند انتفاء التعدي باإلذن.11
يل] {التوبة ,}31:عامة ,قال الشيخ السعدي ين ِم ْن َسبِ ٍ ِِ
الم ْحسن َ
لكن يناقش بأن اآلية الكرمية َ [ :ما َعلَى ُ
(1972ه) " :ويستدل هبذه اآلية على قاعدة وهي أن من أحسن إىل غريه يف نفسه أو يف ماله وحنو ذلك ,مث
ترتب على إحسانه نقص أو تلف ,أنه غري ضامن؛ ألنه حمسن وال سبيل على احملسنني" .12كما يناقش بأن
قواعد الشرع قد استقرت على أن اإلذن العريف كاللفظي ,13ولو ترتب على ذلك نقص فإنه ال يضمن ,كمن رأى
.1احمللي .23-22/11
مفلح يف املبدع يف شرح املقنع ,447/4ط دار الكتب العلمية ,وتابعه البهويتُّ
ابن ٍ .2زاد املعاد يف هدي خري املعاد ,195/4وعزاه له ُ
كشاف القناع .95/4قال ابن مفلح :واختار يف اهلدي ال يضمن؛ ألنه حمسن.
(1551ه) يف ّ
.3وينظر :الفقه امليسر.14 /18 ,
.4ينظر :املبسوط 154/15 ,ط دار املعرفة ,ولسان احلكام يف معرفة األحكام :ابن الشحنة (228ه) ,ص ,825ودرر احلكام,
,85/1والدر املختار وحاشية ابن عابدين عليه.23/2 ,
.5شرح خمتصر خليل :الزرقاين (1533ه) ,854/2 ,وشرح خمتصر خليل :اخلرشي ,111/2 ,والشرح الكبري :الدردير (1851ه)
وحاشية الدسوقي (1895ه) عليه .995/4
.6األم :الشافعي (854ه) 25/2 ,ط دار املعرفة ,وحتفة احملتاج :ابن حجر اهليتمي (374ه) ,453/2 ,و ,137/3ومغين احملتاج
,592/5وهناية احملتاج .95/2
.7املغين ,919/5واملبدع ,447/4وكشاف القناع .95/4
.8قرارات وتوصيات جممع الفقه اإلسالمي التابع ملنظمة التعاون اإلسالمي ,ص .829
.9ينظر :املغين ,919/5وزاد املعاد .195/4
.10ينظر :زاد املعاد .195/4
.11اخلبة الطبية وأثرها يف اإلثبات :مساعد بن عبد الرمحن القحطاين ,ص .947
.12تفسري السعدي ,ص .947
.13مدارج السالكني .938/1 ,وينظر :أعالم املوقعني 419-418/8 ,ط دار اجليل.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 265 جملة املدونة:
مبال أخيه املسلم تلفا فأصلحه حبسب اإلمكان كأن مأجورا وإن نقصت قيمته؛ فناقص خري من تالف .1وهو
ين ِم ْن َسبِ ٍ
يل].2 ِِ
الم ْحسن َ
مأذون له يف ذلك عرفا فلم يضمنه؛ ألنه حمسن ,و[ َما َعلَى ُ
ورمبا كان وجود جلنة طبيبة من األطباء املختصني املهرة ,يتولون النظر يف مثل هذه احلاالت اليت تعرض
للطبيب؛ لتقرر التدخل الفوري أو االنتظار حسبما تقتضيه مصلحة املريض ودرجة خطورة مرضه ,رمبا كان وجود
مثل هذه اللجنة من األمور املرغوبة ,إن مل يكن من األمور الواجبة ,لرتفع عن كاهل الطبيب عبء اختاذ القرار
مبفرده فيما يتعلق بذلك.3
النتائج :أما عن النتائج يف هذا البحث ,فأذكر ما يأيت :
-1تعريف اإلحسان هو ما حسن يف الشرع ويف العرف.
-8العدل واجب أما اإلحسان فمنه الواجب ومنه املندوب.
-9إذا اقرتن األمر بالعدل واإلحسان تعلق العدل بالواجب وتعلق اإلحسان باملندوب ,أما إذا جاء األمر
باإلحسان مبفرده تعلق بالواجب واملندوب ,فما تعلق بالواجبات والشروط واألركان كان واجبا وإال كان مندوبا.
-4الراجح أن مكافأة احملسن مندوبة وليست واجبة.
-5مكافأة احملسن تكون برد مثل إحسانه أو حنوه فإن عجز عن ذلك دعا له وأثىن عليه.
-2ال بأس بقول جزاك اهلل خريا ,لغري املسلم إذا أحسن.
يل] {التوبة .}31:قاعدة فقهية يندرج حتتها كثري من الفروع ين ِم ْن َسبِ ٍِِ
الم ْحسن َ
-7اآلية الكرمية [ َما َعلَى ُ
الفقهية.
التوصيات :أما عن توصيات البحث فمنها :
-1القيام مبزيد من الدراسات عن تفاصيل اإلحسان يف الفروع الفقهية يف األبواب املختلفة ,وبيان أثر
اإلحسان يف اختالف الفقهاء.
-8العناية بدراسة مقصد اإلحسان يف الشرع وأثره يف اختالف الفقهاء.
-9حماولة مجع القواعد الفقهية املتعلقة باإلحسان ودراستها دراسة تأصيلية تطبيقية.
-4دراسة القيام بكتابة موسوعة اإلحسان يف اإلسالم دراسة موسعة موثقة جتمع كل ما كتب عن اإلحسان
يف كتب العقيدة والتفسري واحلديث واألخالق واآلداب والسلوك وحنوها ,مع ترتيبها وحسن تصنيفها وبيان الراجح
عند اختالف األقوال كلما أمكن ذلك.
المراجع والمصادر
القرآن الكرمي.
( )1اآلداب :البيهقي :أمحد بن احلسني (452ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط1452 ,1ه=1322م.
( )8إحتاف اخلرية بزوائد املسانيد العشرة :البوصريي :أمحد بن أيب بكر (245ه) ,حتقيق :دار املشكاة للبحث
العلمي ,دار الوطن للنشر ,الرياض ,ط1485 ,1ه=1333م.
( )9اإلتقان يف علوم القرآن :السيوطي :عبد الرمحن بن أيب بكر (311ه) ,حتقيق :حممد أبو الفضل إبراهيم ,اهليئة
املصرية العامة للكتاب ,القاهرة ,ط1934ه= 1374م.
( )4إحكام اإلحكام شرح عمدة األحكام :ابن دقيق العيد :حممد بن علي بن وهب (758ه ) ,مؤسسة الرسالة,
بريوت ,ط1482 ,1ه =8555م.
( )5أحكام اجلراحة الطبية واآلثار املرتتبة عليها :حممد بن حممد املختار الشنقيطي ,مكتبة الصحابة ,جدة ,ط,8
1415ه=1334م.
( )2أحكام القرآن :ابن العريب :حممد بن عبد اهلل املعافري (549ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط,9
1484ه=8559م.
( )7أحكام القرآن :أبو بكر اجلصاص :أمحد بن علي (975ه ) ,حتقيق :حممد صادق القمحاوي ,دار إحياء
الرتاث العريب ,بريوت ,ط1455ه .
( )2إحياء علوم الدين :الغزايل :حممد بن حممد (555ه) ,دار املعرفة ,بريوت ,دون بيانات أخرى.
( )3االختيارات الفقهية من فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية :البعلي :علي بن حممد بن عباس (259ه) ,دار املعرفة,
بريوت ,ط1937ه=1372م.
( )15اآلداب الشرعية واملنح املرعية :ابن مفلح :إبراهيم بن حممد(224ه) ,حتقيق :شعيب األرنؤوط وعمر القيام,
مؤسسة الرسالة ,بريوت ,ط1413 ,9ه = 1333م.
( )11األدب املفرد :البخاري :حممد بن إمساعيل (852ه) ,حتقيق :حممد فؤاد عبد الباقي ,دار البشائر اإلسالمية,
بريوت ,ط1453 ,8ه=1323م.
( )18األذكار :النووي :حي بن شرف (272ه) ,حتقيق :عبد القادر األرنؤوط ,دار الفكر للطباعة والنشر ,بريوت,
ط1414ه=1334م.
( )19إرشاد العقل السليم إىل مزايا الكتاب الكرمي = تفسري أيب السعود :حممد بن حممد بن مصطفى (328ه) ,دار
إحياء الرتاث العريب ,بريوت ,دون بيانات أخرى.
( )14إرشاد الفحول إىل حتقيق احلق من علم األصول :الشوكاين :حممد بن علي (1855ه) ,حتقيق :أمحد عزو
عناية ,دار الكتاب العريب ,ط1413 ,1ه=1333م.
( )15األساس يف التفسري :سعيد حوى (1453ه) ,دار السالم ,القاهرة ,ط1484 ,2ه.
( )12االستذكار اجلامع ملذاهب فقهاء األمصار وعلماء األقطار :ابن عبد الب :يوسف بن عبد اهلل (429ه) ,حتقيق
:عبد املعطي أمني قلعجي ,دار قتيبة ,دمشق ,ط1414 ,1ه=1339م.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 267 جملة املدونة:
( )17األمساء والصفات :البيهقي :أمحد بن احلسني (452ه) ,حتقيق :عبد اهلل بن حممد احلاشدي ,مكتبة السوادي,
جدة ,ط1419 ,1ه= 1339م.
( )12أسىن املطالب يف شرح روض الطالب :زكريا األنصاري :زكريا بن حممد (382ه) ,دار الكتاب اإلسالمي ,دون
بيانات أخرى.
( )13األشباه والنظائر على مذهب أيب حنيفة النعمان :ابن جنيم :زين الدين بن إبراهيم بن حممد (375ه) ,املطبوع
مع شرحه :غمز عيون البصائر.
( )85ا ألشباه والنظائر يف قواعد وفروع فقه الشافعية :السيوطي :جالل الدين عبد الرمحن بن أيب بكر (311ه),
حتقيق :عبد الكرمي الفضيلي ,املكتبة العصرية ,بريوت ,ط1481 ,1ه=8551م.
( )81األشباه والنظائر :تاج الدين عبد الوهاب السبكي (771ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط,1
1411ه=1331م.
( )88اإلشراف على مذاهب العلماء :ابن املنذر :حممد بن إبراهيم (913ه) ,حتقيق :صغري أمحد األنصاري ,مكتبة
مكة الثقافية ,رأس اخليمة ,اإلمارات العربية املتحدة ,ط1485 ,1م= 8554م.
( )89اإلشراف على نكت مسائل اخلالف :القاضي عبد الوهاب بن علي بن نصر (488ه) ,حتقيق :احلبيب بن
طاهر ,دار ابن حزم ,ط1485 ,1ه=1333م.
( )84االصطالم يف اخلالف بني اإلمامني الشافعي وأيب حنيفة :أبو املظفر السمعاين :منصور بن حممد (423ه),
حتقيق :د .نايف بن نافع العمري ,دار املنار للطبع والنشر والتوزيع ,ط1418 ,1ه=1338م.
( )85أصول البزدوي :علي بن حممد (428ه) ,مطبعة جاويد برس ,كراتشي ,دون بيانات أخرى.
( )82أصول الكرخي :عبيد اهلل بن احلسني (945ه) ,مطبعة جاويد برس ,كراتشي ,دون بيانات أخرى.
( )87أضواء البيان يف إيضاح القرآن بالقرآن :حممد األمني بن حممد املختار الشنقيطي (1939ه) ,دار الفكر للطباعة
والنشر والتوزيع ,بريوت1415 ,ه=1335م.
( )82أعالم املوقعني عن رب العاملني :ابن القيم :حممد بن أيب بكر (751ه) ,دار اجليل ,بريوت1379 ,ه.
( )83اإلقناع :ابن املنذر :حممد بن إبراهيم (913ه) ,حتقيق :د .عبد اهلل بن عبد العزيز اجلبين ,ط1452 ,1ه,
دون بيانات أخرى.
( )95اإلقناع يف فقه اإلمام أمحد بن حنبل :احلجاوي :موسى بن أمحد (322ه) ,حتقيق :عبد اللطيف السبكي ,دار
املعرفة ,بريوت ,دون بيانات أخرى.
( )91إكمال املعلم شرح صحيح مسلم :القاضي عياض بن موسى (544ه) ,حتقيق :د .حي إمساعيل ,دار الوفاء,
مصر ,ط.1
( )98األم :الشافعي :حممد بن إدريس (854ه) ,دار املعرفة ,بريوت ,ط1939 ,8ه.
( )99اإلنصاف يف معرفة الراجح من اخلالف :املرداوي :علي بن سليمان (225ه) ,املطبوع مع املقنع والشرح
الكبري ,حتقيق :د .عبد اهلل الرتكي ,ود .عبد الفتاح احللو ,دار هجر ,للنشر والتوزيع ,القاهرة ,ط,1
1415ه=1335م.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 268
( )94األوسط يف السنن واإلمجاع واالختالف :ابن املنذر :حممد بن إبراهيم (913ه) ,حتقيق :صغري أمحد بن حممد
حنيف ,دار طيبة ,الرياض ,ط1455 ,1ه= 1325م.
( )95البحر الرائق شرح كنز الدقائق :ابن جنيم :زين الدين بن إبراهيم (375ه) ,دار املعرفة ,بريوت.
( )92حبر الفوائد املشهور مبعاين األخبار :الكالباذي :حممد بن إبراهيم بن يعقوب البخاري (924ه) ,حتقيق :حممد
حسن إمساعيل ,وأمحد فريد املزيدي ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط1485 ,1ه=1333م.
( )97البحر احمليط :أبو حيان األندلسي :حممد بن يوسف بن على (745ه) ,دار الفكر ,بريوت ,دون بيانات
أخرى.
( )92البحر احمليط يف أصول الفقه :الزركشي :حممد بن هبادر (734ه) ,حتقيق :د.حممد حممد تامر ,دار الكتب
العلمية ,بريوت1481 ,ه=8555م.
( )93حبر املذهب :الروياين :عبد الواحد بن إمساعيل (558ه) ,حتقيق :طارق فتحي السيد ,دار الكتب العلمية,
ط8553 ,1م.
( )45بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع :الكاساين :أبو بكر بن مسعود (527ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط,8
1452ه=1322م.
( )41بدائع الفوائد :ابن القيم :حممد بن أيب بكر (751ه ) ,مكتبة نزار مصطفى الباز ,مكة املكرمة ,ط,1
1412ه =1332م.
( )48البدر التمام شرح بلوغ املرام :احلسني الالعي املغريب (1113ه) ,حتقيق :علي بن عبد اهلل الزين ,دار هجر,
مصر ,ط1414 ,1ه=1334م وما بعدها.
( )49بصائر ذوي التمييز يف لطائف الكتاب العزيز :الفريوزآبادي (217ه) ,حتقيق :حممد علي النجار ,اجمللس
األعلى للشؤون اإلسالمية ,مصر ,طبع على مدار سنوات عدة.
( )44بغية الباحث عن زوائد مسند احلارث (828ه) :اهليثمي :علي بن أيب بكر (257ه) ,حتقيق :د .حسني
أمحد صاحل الباكري ,مركز خدمة السنة والسرية النبوية ,املدينة النبوية ,ط1411 ,1ه=1338م.
( )45بلغة السالك ألقرب املسالك إىل مذهب اإلمام مالك = حاشية الصاوي على الشرح الصغري :الصاوي :أمحد
بن حممد (1841ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط 1415ه=1335م.
( )42البناية شرح اهلداية :العيين :حممود بن أمحد (255ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط,1
1485ه=8555م.
( )47هبجة قلوب األبرار وقرة عيون األخيار يف شرح جوامع األخبار :عبد الرمحن السعدي (1972ه) ,حتقيق :عبد
الكرمي بن رمسي آل الدريين ,دار الرشد للنشر والتوزيع ,الرياض ,ط1488 ,1ه=8558م.
( )42البيان يف مذهب اإلمام الشافعي :العمراين :حي بن أيب اخلري (552ه) ,حتقيق :قاسم حممد النوري ,دار
املنهاج ,جدة ,ط1481 ,1ه=8555م.
( )43البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل يف مسائل املستخرجة :ابن رشد اجلد :حممد بن أمحد (585ه),
حتقيق :د.حممد حجي ,دار الغرب اإلسالمي ,بريوت ,ط1452 ,8ه=1322م.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 269 جملة املدونة:
( )55تاج العروس من جواهر القاموس :الزبيدي :حممد بن حممد بن عبد الرزاق (1855ه) ,حتقيق :جمموعة من
احملققني ,دار اهلداية ,دون بيان أخرى.
( )51التاج واإلكليل ملختصر خليل :املواق :حممد بن يوسف (237ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط,1
1412ه=1334م.
عواد معروف ,دار الغرب اإلسالمي,( )58تاريخ بغداد :اخلطيب البغدادي :أمحد بن علي (429ه) ,حتقيق د.بشار ّ
بريوت ,ط1488 ,1ه=8558م.
( )59تاريخ دمشق :ابن عساكر :علي بن احلسني (571ه) ,حتقيق :عمرو بن غرامة العمروي ,دار الفكر للطباعة
والنشر والتوزيع1415 ,ه=1335م.
( )54تأويالت أهل السنة = تفسري املاتريدي :حممد بن حممد (999ه) ,حتقيق :جمدي باسلوم ,دار الكتب العلمية,
بريوت ,ط1482 ,1ه=8555م.
( )55التبصرة :اللخمي :علي بن حممد (472ه) ,حتقيق :د .أمحد عبد الكرمي جنيب ,وزارة األوقاف والشؤون
اإلسالمية ,قطر ,ط1498 ,1ه=8511م.
( )52تبيني احلقائق شرح كنز الدقائق :الزيلعي :عثمان بن علي (749ه) ,املطبعة األمريية ,بوالق ,القاهرة ,ط
صورهتا دار الكتاب اإلسالمي.1919ه ,وقد ّ
( )57التحبري إليضاح معاين التيسري :الصنعاين :حممد بن إمساعيل (1128ه) ,حتقيق :حممد صبحي حالق ,مكتبة
الرشد ,الرياض ,ط1499 ,1ه=8518م.
( )52حترير ألفاظ التنبيه :النووي :حي بن شرف (272ه) ,حتقيق :عبد الغين الدقر ,دار القلم ,دمشق ,ط,1
1452ه.
( )53التحرير والتنوير :حممد الطاهر بن عاشور (1339ه) ,مؤسسة التاريخ العريب ,بريوت ,ط,1
1485ه=8555م.
( )25حتفة األحوذي بشرح جامع الرتمذي :املباركفوري :حممد بن عبد الرمحن بن عبد الرحيم (1959ه) ,حتقيق :
عبد الوهاب بن عبد اللطيف ,ط املكتبة السلفية ,املدينةاملنورة ,ط1929 ,8ه=1329م.
( )21حتفة التحصيل يف ذكر رواة املراسيل :ابن العراقي :أمحد بن عبد الرحيم (282ه) ,حتقيق :عبد اهلل نوارة,
مكتبة الرشد ,الرياض ,دون بيانات أخرى.
( )28حتفة احملتاج يف شرح املنهاج :ابن حجر اهليتمي :أمحد بن حممد (374ه) ,املكتبة التجارية الكبى ,مصر,
1957ه=1392م.
( )29التعريفات :اجلرجاين :علي بن حممد (212ه) ,حتقيق :إبراهيم اإلبياري ,دار الكتاب العريب ,بريوت ,ط,1
1455ه.
ي (428ه) ,مكتبة نزار مصطفى الباز ,مكة ِ
حسني بن حممد بن املَْرَوُّرْوذ ّ
ٌ القاضي
ُّ ( )24التعليقة على خمتصر املزين :
املكرمة ,دون بيانات أخرى.
( )25التعيني يف شرح األربعني :الطويف :سليمان بن عبد القوي (712ه) ,حتقيق :أمحد حاج حممد عثمان ,مؤسسة
الريان ,بريوت ,ط1413 ,1ه=1332م.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 271
( )22تفسري ابن أيب حامت :عبد الرمحن بن حممد بن إدريس (987ه) ,حتقيق :أسعد حممد الطيب ,مكتبة نزار
مصطفى الباز ,مكة املكرمة ,ط1413 ,9ه.
( )27تفسري ابن عرفة :حممد بن حممد بن عرفة (259ه) ,حتقيق :جالل األسيوطي ,دارالكتب العلمية ,بريوت,
ط8552 ,1م.
( )22التفسري البسيط :الواحدي :علي بن أمحد (422ه) ,عمادة البحث العلمي ,جامعة اإلمام حممد بن سعود
اإلسالمية ,ط1495 ,1ه.
( )23تفسري السمعاين :منصور بن حممد (423ه) ,حتقيق :ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس ,دار الوطن ,الرياض,
ط1412 ,1ه=1337م.
( )75تفسري الفاحتة والبقرة :حممد بن صاحل بن عثيمني (1481ه) ,دار ابن اجلوزي ,اململكة العربية السعودية ,ط,1
1489ه.
( )71تفسري القرآن العظيم :ابن كثري :إمساعيل بن عمر (774ه) ,حتقيق :سامي بن حممد سالمة ,دار طيبة للنشر
والتوزيع ,ط1485 ,8ه=1333م.
( )78تفسري املنار :حممد رشيد رضا (1954ه) ,اهليئة املصرية العامة للكتاب ,مصر1378 ,م.
( )79التفسري املنري يف العقيدة والشريعة واملنهج :وهبة الزحيلي (1492ه) ,دار الفكر املعاصر ,دمشق ,ط,8
1412ه.
( )74تفسري آيات األحكام :حممد على السايس ,املكتبة العصرية للطباعة والنشر ,ط 8558م ,دون بيانات أخرى.
( )75تقريب التهذيب :ابن حجر :أمحد بن علي (258ه) ,حتقيق :حممد عوامة ,دار الرشيد ,سوريا ,ط,1
1452ه=1322م.
( )72التقريب واإلرشاد :أبو بكر الباقالين :حممد بن الطيب (459ه),حتقيق :د .عبد احلميد بن علي أبو زنيد,
مؤسسة الرسالة ,ط1412 ,8ه=1332م.
( )77تقرير القواعد وحترير الفوائد = قواعد ابن رجب :عبد الرمحن بن أمحد بن رجب (735ه) ,حتقيق :أيب عبيدة
مشهور بن حسن آل سلمان ,دار ابن عفان ,ط1413 ,1ه.
( )72تلقيح األفهام العلية بشرح القواعد الفقهية :وليد بن راشد السعيدان ,راجعه وعلق عليه :سلمان بن فهد العودة,
اعتىن به :سامل بن ناصر القريين .املكتبة الشاملة.
( )73التمهيد ملا يف املوطأ من املعاين واألسانيد :ابن عبد الب :يوسف بن عبد اهلل (429ه) ,حتقيق :مصطفى بن
أمحد العلوي ,و حممد عبد الكبري ,وزارة عموم األوقاف والشؤون اإلسالمية ,املغرب1927 ,ه.
( )25التنوير شرح اجلامع الصغري :الصنعاين :حممد بن إمساعيل (1128ه) ,حتقيق :د .حممد إسحاق حممد إبراهيم,
مكتبة الرياض ,ط1498 ,1ه=8511م.
( )21هتذيب اآلثار :الطبي :حممد بن جرير (915ه) ,حتقيق :حممود حممد شاكر ,مطبعة املدين ,القاهرة ,دون
بيانات أخرى.
( )28هتذيب التهذيب :ابن حجر :أمحد بن علي (258ه) ,مطبعة دائرة املعارف النظامية ,اهلند ,ط1982 ,1ه.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 271 جملة املدونة:
( )29هتذيب الكمال يف أمساء الرجال :املزي :يوسف بن عبد الرمحن (748ه) ,حتقيق :د .بشار عواد معروف,
مؤسسة الرسالة ,بريوت ,ط1455 ,1ه=1325م.
( )24هتذيب اللغة :األزهري :حممد بن أمحد (975ه) ,حتقيق :حممد عوض مرعب ,دار إحياء الرتاث العريب,
بريوت ,ط8551 ,1م.
( )25توضيح األحكام من بلوغ املرام :الشيخ عبد اهلل بن عبد الرمحن البسام ,جنة األفكار ,دون بيانات أخرى.
( )22التوضيح يف شرح املختصر الفرعي البن احلاجب :خليل بن إسحاق اجلندي (772ه) ,حتقيق د .أمحد بن عبد
الكرمي جنيب ,مركز جنيبويه للمخطوطات وخدمة الرتاث ,ط1483 ,1ه=8552م.
( )27التوضيح لشرح اجلامع الصحيح :ابن امللقن :عمر بن علي (254ه) ,حتقيق :دار الفالح للبحث العلمي
وحتقيق الرتاث ,دار النوادر ,دمشق ,ط1483 ,1ه=8552م.
( )22التوقيف على مهمات التعاريف :املناوي :حممد عبد الرؤوف (1591ه) ,عامل الكتب ,القاهرة ,ط,1
1415ه=1335م.
( )23تيسري الكرمي الرمحن يف تفسري كالم املنان = تفسري السعدي :عبد الرمحن بن ناصر بن عبد اهلل (1972ه),
حتقيق :عبد الرمحن بن معال اللوحيق ,مؤسسة الرسالة ,بريوت ,ط1485 ,1ه=8555م.
( )35التيسري بشرح اجلامع الصغري :املناوي :حممد عبد الرءوف (1591ه) ,مكتبة اإلمام الشافعي ,الرياض ,ط,9
1452ه=1322م.
( )31اجلامع :ابن وهب :عبد اهلل بن وهب (137ه) ,حتقيق :د .مصطفى حسن أبو اخلري ,دار ابن اجلوزي,
الرياض ,ط1412 ,1ه=1335م.
( )38جامع البيان عن تأويل آي القرآن = تفسري الطبي :حممد بن جرير(915ه) ,حتقيق :د.عبد اهلل بن عبد احملسن
الرتكي باالشرتاك مع مركز البحوث بدار هجر ,دار هجر ,مصر ,ط1488 ,1ه.
( )39جامع العلوم واحلكم يف شرح مخسني حديثًا من جوامع الكلم :ابن رجب :عبد الرمحن بن أمحد (735ه),
حتقيق :شعيب األرناؤوط وإبراهيم باجس ,مؤسسة الرسالة ,بريوت ,ط1488 ,7ه=8551م.
( )34جامع املسائل :ابن تيمية :أمحد بن عبد احلليم (782ه) ,حتقيق :حممد عزيز مشس ,إشراف :بكر بن عبد اهلل
أبو زيد ,دار عامل الفوائد للنشر والتوزيع ,ط1488 ,1ه.
( )35اجلامع ألحكام القرآن = تفسري القرطيب :أبو عبد اهلل القرطيب :حممد بن إبراهيم (271ه) ,حتقيق :أمحد
البدوين وإبراهيم أطفيش ,دار الكتب املصرية ,القاهرة ,ط1924 ,8ه=1324م.
( )32اجلمع والفرق :أبو حممد اجلويين :عبد اهلل بن يوسف (492ه) ,حتقيق :عبد الرمحن بن سالمة املزيين ,دار
اجليل ,بريوت ,ط1484 ,1ه= 8554م.
( )37اجلواب الصحيح ملن ب ّدل دين املسيح :ابن تيمية :أمحد بن عبد احلليم (782ه) ,حتقيق :علي بن حسن ,و
عبد العزيز بن إبراهيم ,ومحدان بن حممد ,دار العاصمة ,الرياض ,ط1413 ,8ه=1333م.
( )32حاشية الدسوقي على الشرح الكبري :حممد بن عرفة الدسوقي (1895ه) ,مطبوع مع الشرح الكبري.
( )33حاشية السندي على سنن ابن ماجه :نور الدين السندي :حممد بن عبد اهلادي (1192ه) ,دار اجليل,
بريوت ,بدون بيانات أخرى.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 272
( )155حاشية السندي على سنن النسائي :مكتب املطبوعات اإلسالمية ,حلب ,ط1452 ,8ه=1322م.
( )151احلاوي الكبري :املاوردي :حممد بن حبيب (455ه) ,حتقيق :حممود مطرجي ,دار الفكر ,بريوت,
1414ه=1334م.
( )158احلدود األنيقة والتعريفات الدقيقة :زكريا بن حممد األنصاري (382ه) ,حتقيق :د .مازن املبارك ,دار الفكر
املعاصر ,بريوت ,ط1411 ,1ه.
( )159حقائق التفسري = تفسري السلمي :أبو عبد الرمحن حممد بن احلسني السلمي (418ه) ,حتقيق :سيد عمران,
دار الكتب العلمية ,بريوت1481 ,ه=8551م.
( )154حلية األولياء وطبقات األصفياء :أبو نعيم :أمحد بن عبد اهلل األصبهاين (495ه) ,مطبعة السعادة ,مصر,
1934ه=1374م.
( )155اخلبة الطبية وأثرها يف اإلثبات دراسة فقهية تأصيلية تطبيقية :مساعد بن عبد الرمحن القحطاين ,دار كنوز
أشبيليا ,الرياض ,ط1492 ,1ه.
( )152الدر املختار شرح تنوير األبصار :احلصكفي :حممد بن علي (1522ه) ,املطبوع مع رد احملتار على الدر
املختار= حاشية ابن عابدين.
( )157الدر املصون يف علوم الكتاب املكنون :السمني احلليب :أمحد بن يوسف (752ه) ,حتقيق :د .أمحد حممد
اخلراط ,دار القلم ,دمشق ,دون بيانات أخرى.
( )152الدر املنثور يف التفسري باملأثور :السيوطي :عبد الرمحن بن أيب بكر(311ه) ,حتقيق مركز هجر ,دار هجر,
مصر ,ط1484 ,1ه=8559م.
( )153درر احلكام يف شرح جملة األحكام :على حيدر (1959ه) ,تعريب :احملامي فهمي احلسيين ,دار اجليل ,ط,1
1411ه=1331م.
( )115الدعاء :الطباين :سليمان بن أمحد (925ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط1418 ,1ه.
( )111دقائق أويل النهى لشرح املنتهى = شرح منتهى اإلرادات :منصور بن يونس البهويت (1551ه) ,عامل الكتب,
ط1414 ,1ه=1339م.
( )118دليل الفاحلني لطرق رياض الصاحلني :ابن عالن :حممد علي بن حممد (1557ه) ,دار املعرفة ,بريوت ,ط,4
1485ه=8554م.
( )119ذخرية العقىب يف شرح اجملتىب = شرح سنن النسائي :حممد بن علي بن آدم األثيويب ,دار املعراج الدولية للنشر,
ط ,1طبع اجلزء األول 1412ه= 1332م.
( )114الذخرية :القرايف :أمحد بن إدريس (224ه) ,حتقيق :د .حممد حجي ,دار الغرب اإلسالمي ,بريوت ,ط
1334م.
( )115الذريعة إىل مكارم الشريعة :الراغب األصفهاين :احلسن بن حممد بن املفضل (558ه) ,حتقيق ودراسة :د.أبو
اليزيد العجمي ,دار السالم ,مصر ,ط1482 ,1ه=8557م. .
( )112رد احملتار على الدر املختار = حاشية ابن عابدين :حممد أمني الشهري بابن عابدين (1858ه) ,دار الفكر,
بريوت ,ط1481ه=8555م.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 273 جملة املدونة:
الرسعين احلنبلي :عبد الرزاق بن رزق اهلل (221ه) ,حتقيق د .عبد امللك
( )117رموز الكنوز يف تفسري الكتاب العزيز ْ :
بن عبد اهلل بن دهيش ,مكتبة األسدي ,مكة املكرمة ,ط1483 ,1ه=8552م.
( )112روح املعاين يف تفسري القرآن العظيم والسبع املثاين :اآللوسي :حممود بن عبد اهلل (1875ه) ,دار الكتب
العلمية ,بريوت ,ط1415 ,1ه.
( )113الروض الندي شرح كايف املبتدي :البعلي :أمحد بن عبد اهلل (1123ه) ,أشرف على طبعه :عبد الرمحن حسن
حممود ,املؤسسة السعيدية ,الرياض ,دون بيانات أخرى.
( )185روضة الطالبني وعمدة املفتني :النووي :حي بن شرف (272ه) ,املكتب اإلسالمي ,بريوت ,ط,8
1455ه=1325م.
( )181روضة املستبني يف شرح كتاب التلقني :ابن بزيزة :عبد العزيز بن إبراهيم (279ه) ,حتقيق :عبد اللطيف زكاغ,
دار ابن حزم ,ط1491 ,1ه= 8515م.
( )188روضة الناظر وجنة املناظر :ابن قدامة :أمحد بن حممد (285ه) ,حتقيق :د .عبد الكرمي بن علي بن حممد
النملة ,مكتبة الرشد ,الرياض ,ط1495 ,3ه=8553م.
( )189رياض الصاحلني :النووي :حي بن شرف (272ه) ,مؤسسة الرسالة ,بريوت ,ط1413 ,9ه=1332م.
( )184زاد املسري يف علم التفسري :ابن اجلوزي :عبد الرمحن بن علي (537ه) ,املكتب اإلسالمي ,بريوت ,ط,9
1454ه.
( )185زاد املعاد يف هذي خري العباد :ابن القيم :حممد بن أيب بكر (751ه) ,حتقيق :عبد القادر األرناؤوط ,وشعيب
األرناؤوط ,مؤسسة الرسالة ,بريوت ,ط1415 ,87ه=1334م.
( )182الزاهر يف غريب ألفاظ الشافعي :األزهري :حممد بن أمحد (975ه) ,حتقيق :مسعد عبد الرمحن السعدين ,دار
الفالح ,دون بيانات أخرى.
( )187زهرة التفاسري :حممد أبو زهرة (1934ه) ,دار الفكر العريب ,القاهرة ,دون بيانات أخرى.
( )182سبل السالم شرح بلوغ املرام :الصنعاين :حممد بن إمساعيل األمري (1128ه) ,دار احلديث ,دون بيانات
أخرى.
( )183السراج املنري شرح اجلامع الصغري :العزيزي :علي بن أمحد (1575ه) ,املطبعة اخلريية1954 ,ه.
( )195السراج املنري يف اإلعانة على معرفة بعض معاين كالم ربنا احلكيم اخلبري :اخلطيب الشربيين :حممد بن أمحد
(377ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,دون بيانات أخرى.
( )191سلسلة الصحيحة الصحيحة :األلباين :حممد ناصر الدين (1485ه) ,املكتب اإلسالمي ,بريوت,
1939ه=1378م ,وما بعدها.
( )198سنن أيب داود :سليمان بن أشعث السجستاين (875ه) ,حتقيق :عزت عبيد الدعاس وعادل السيد ,دار
احلديث ,محص ,ط1939 ,1ه=1379م.
( )199سنن الرتمذي :حممد بن عيسى بن سورة 873(5ه) ,حتقيق :د.بشار عواد معروف ,دار الغرب اإلسالمي,
بريوت ,ط1332 ,8م.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 274
( )194السنن الكبى :البيهقي :أمحد بن احلسني (452ه) ,مطبعة جملس دائرة املعارف العثمانية ,حيدر آباد الدكن,
اهلند ,ط1958 ,1ه.
( )195السنن الكبى :النسائي :أمحد بن شعيب (959ه) ,حتقيق :حسن عبد املنعم شليب ,مؤسسة الرسالة,
بريوت ,ط1481 ,1ه=8551م.
( )192سنن النسائي :أمحد بن شعيب (959ه) ,عناية عبد الفتاح أبو غدة ,مكتب املطبوعات اإلسالمية ,حلب,
ط1452 ,8ه=1322م.
موقع الشبكة اإلسالمية,( )197شرح األربعني النووية :عطية بن حممد سامل (1485ه) ,دروس صوتية قام بتفريغها ُ
ترقيم الشاملة.
( )192شرح التلقني :املازري :حممد بن علي (592ه) ,حتقيق :حممد املختار السالمي ,دار الغرب اإلسالمي ,ط,1
8552م.
( )193شرح الرسالة :عبد الوهاب بن علي بن نصر البغدادي املالكي (488ه) ,اعتىن به :أبو الفضل الدمياطي أمحد
بن علي ,دار ابن حزم ,ط1482 ,1ه=8557م.
( )145شرح الزركشي على خمتصر اخلرقي :حممد بن عبد اهلل الزركشي (778ه) ,حتقيق :عبد اهلل بن عبد الرمحن بن عبد
اهلل اجلبين ,دون بيانات أخرى.
( )141شرح القواعد السعدية :عبد احملسن الزامل ,اعتىن هبا وخرج أحاديثها :عبد الرمحن سليمان العبيد ,وأمين بن
سعود العنقري ,دار أطلس اخلضراء ,الرياض ,ط1488 ,1ه=8551م.
( )148شرح القواعد الفقهية :الشيخ أمحد حممد الزرقا (1392ه) ,دار القلم ,دمشق ,ط1499 ,15ه=8518م.
( )149الشرح الكبري على خمتصر سيدي خليل :الدرير :أمحد بن حممد (1851ه) ,دار إحياء الكتب العربية ,عيسي
احلليب ,مصر ,بدون بيانات أخرى.
( )144شرح الكوكب املنري :ابن النجار :حممد بن أمحد بن عبد العزيز (378ه) ,حتقيق :د .حممد الزحيلي ,ود .نزيه
محاد ,مكتبة العبيكان ,الرياض ,ط1412 ,4ه=1337م.
( )145الشرح املمتع على زاد املستقنع :حممد بن صاحل العثيمني (1481ه) ,دار ابن اجلوزي ,الدمام ,السعودية ,ط,1
1488ه1482-ه.
( )142شرح رياض الصاحلني :حممد بن صاحل العثيمني (1481ه) ,دار الوطن للنشر ,الرياض ,ط1482ه.
( )147شرح صحيح مسلم :النووي :حي بن شرف (272ه) ,دار إحياء الرتاث العريب ,بريوت ,ط1938 ,8ه.
( )142شرح فتح القدير :كمال الدين ابن اهلمام :حممد بن عبد الواحد (221ه) ,دار الفكر ,بريوت ,دون بيانات
أخرى.
( )143شرح خمتصر خليل :اخلرشي :حممد بن عبد اهلل (1151ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,دون بيانات أخرى.
( )155شرح خمتصر خليل :الزرقاين :عبد الباقي بن يوسف (1533ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط,1
1488ه=8558م.
( )151شرح مصابيح السنة :ابن امللك :حممد بن عز الدين (254ه) ,حتقيق جلنة خمتصة من احملققني ,إدارة الثقافة
اإلسالمية ,ط1499 ,1ه=8518م.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 275 جملة املدونة:
( )158شرح منظومة القواعد واألصول :ابن عثيمني (1481ه) ,املكتبة الشاملة.
( )159شعب اإلميان :البيهقي :أمحد بن احلسني(452ه) ,حتقيق :د.عبد العلي عبد احلميد حامد ,مكتبة الرشد
بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي اهلند ,ط1489 ,1ه=8559م .
( )154الصحاح يف اللغة :اجلوهري :إمساعيل بن محاد (939ه) ,حتقيق :أمحد عبد الغفور عطار ,ط,8
1458ه=1328م.
( )155صحيح ابن حبان = اإلحسان يف تقريب صحيح ابن حبان :عالء الدين علي بن بلبان الفارسي (793ه),
حتقيق :شعيب األرنؤوط ,مؤسسة الرسالة ,ط1452 ,1ه=1322م.
( )152صحيح ابن خزمية :حممد بن إسحاق بن خزمية (911ه) ,حتقيق :د .حممد مصطفى األعظمي ,ط,8
1451ه=1321م.
( )157صحيح البخاري :حممد بن إمساعيل البخاري (852ه) ,املبطعة السلفية ,ط ,8وهو مطبوع مع شرحه فتح
الباري البن حجر.
( )152صحيح مسلم :مسلم بن احلجاج (821ه) ,بعناية حممد فؤاد عبد الباقي ,دار إحياء الكتب العربية ,مصر,
بدون بيانات أخرى.
( )153ا لطرق احلكمية يف السياسة الشرعية :ابن القيم :حممد بن ايب بكر (751ه) ,حتقيق :د .حممد مجيل غازي,
مطبعة املدين ,القاهرة ,دون بيانات أخرى.
( )125العجاب يف بيان األسباب :ابن حجر :أمحد بن علي (258ه) ,حتقيق :عبد احلكيم حممد األنيس ,دار
اجلوزي ,بدون بيانات أخرى.
( )121العدة يف شرح العمدة يف أحاديث األحكام :ابن العطار :علي بن إبراهيم (784ه) ,وقف على طبعه :نظام
حممد صاحل اليعقويب ,دار البشائر اإلسالمية ,بريوت ,ط1487 ,1ه=8552م.
( )128العذب النمري من جمالس الشنقيطي يف التفسري :حممد األمني الشنقيطي (1938ه) ,حتقيق :خالد بن عثمان
السبت ,دار عامل الفوائد ,مكة املكرمة ,ط1482 ,8ه.
( )129عمدة القاري شرح صحيح البخاري :العيين :حممود بن أمحد (255ه) ,دار الفكر ,دون بيانات أخرى.
( )124عمل اليوم والليلة :ابن السين :أمحد بن حممد (924ه) ,حتقيق :كوثر البين ,دار القبلة للثقافة اإلسالمية,
جدة ,دون بيانات أخرى.
( )125العناية شرح اهلداية :البابريت :حممد بن حممد بن حممود (722ه) ,دار الفكر ,بدون بيانات أخرى.
( )122غمز عيون البصائر يف شرح األشباه والنظائر :احلموي :أمحد بن حممد مكي (1532ه) ,دار الكتب العلمية,
ط1455 ,1ه=1325م.
( )127فتاوى الشبكة اإلسالمية ,ترقيم املكتبة الشاملةhttp://www.islamweb.net .
( )122فتاوى الشيخ ابن جبين ,ترقيم املكتبة الشاملة.
( )123الفتاوى الكبى :ابن تيمية :أمحد بن عبد احلليم (782ه) ,دار الكتب العلمية ,ط1452 ,1ه= 1327م.
( )175الفتاوى اهلندية :مجاعة من علماء اهلند ,دار إحياء الرتاث العريب ,بريوت ,ط1452 ,4ه=1322م ,وهي
مصورة عن الطبعة األمريية الثانية1915 ,ه.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 276
( )123الكاشف عن حقائق السنن = شرح الطييب على مشكاة املصابيح :الطييب :احلسني بن عبد اهلل (749ه),
حتقيق :د.عبد احلميد هنداوي ,مكتبة نزار مصطفى الباز ,مكة املكرمة ,ط1417 ,1ه=1337م.
( )135الكامل يف ضعفاء الرجال :ابن عدي (925ه) ,دار الكتب العلمية ,ط1337 ,1م.
( )131كشاف القناع عن منت اإلقناع :البهويت :منصور بن يونس (1551ه ) ,دار الكتب العلمية ,بدون بيانات
أخرى.
( )138الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون األقاويل يف وجوه التأويل :الزخمشري :حممود بن عمر (592ه) ,إشراف :
د .حممد عبد الرحيم سلطان العلماء ,جائزة ديب الدولية للقرآن الكرمي ,ط1494 ,1ه= 8519م.
( )139كشف األسرار شرح أصول البزدوي :عالء الدين البخاري :عبد العزيز بن أمحد (795ه) ,دار الكتاب
اإلسالمي ,بدون بيانات أخرى.
( )134كشف املخدرات والرياض املزهرات لشرح أخصر املختصرات :البعلي :عبد الرمحن بن عبد اهلل اخللويت
(1138ه) ,اعتىن به :حممد بن ناصر العجمي ,دار البشائر اإلسالمية ,بريوت ,ط1489 ,1ه=8558م.
الثعليب :أمحد بن حممد (487ه) ,دار إحياء الرتاث العريب ,بريوت ,ط,1 ُّ ( )135الكشف والبيان يف تفسري القرآن :
1488ه= 8558م.
( )132الكليات :أبو البقاء الكفوي :أيوب بن موسى (1534ه) ,حتقيق عدنان درويش ,و حممد املصري ,مؤسسة
الرسالة ,بريوت1413 ,ه=1332م.
( )137كنز العمال يف سنن األقوال واألفعال :املتقي اهلندي :علي بن حسام (375ه) ,حتقيق :بكري حياين و
صفوة السقا ,مؤسسة الرسالة ,ط1451 ,5ه=1321م.
( )132لباب التأويل يف معاين التنزيل = تفسري اخلازن :علي بن حممد (741ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط,1
1415ه.
( )133اللباب يف علوم الكتاب :ابن عادل احلنبلي :عمر بن علي (775ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط,1
1413ه= 1332م.
( )855لسان احلكام يف معرفة األحكام :ابن الشحنة :أمحد بن حممد (228ه) ,البايب احلليب ,القاهرة ,ط,8
1939ه = 1379م.
( )851لسان العرب :ابن منظور :حممد بن مكرم (711ه) ,دار صادر ,بريوت ,ط1414 ,9ه.
( )858لسان امليزان :ابن حجر :أمحد بن علي (258ه) ,حتقيق :عبد الفتاح أبو غدة ,دار البشائر اإلسالمية ,ط,1
8558م.
( )859لطائف اإلشارات = تفسري القشريي :عبد الكرمي بن هوازن (425ه) ,حتقيق :إبراهيم البسيوين ,اهليئة املصرية
العامة للكتاب ,القاهرة ,ط ,9دون بيانات أخرى.
( )854املبدع شرح املقنع :ابن مفلح :إبراهيم بن حممد بن عبد اهلل (224ه) ,دار عامل الكتب ,الرياض,
ط1489ه=8559م ,وط دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط1412 ,1ه= 1337م..
( )855املبسوط :السرخسي :حممد بن أمحد بن سهل (429ه) ,دار الفكر ,بريوت ,ط1481 ,1ه=8555م.
( )852جملة األحكام العدلية :جمموعة من علماء الدولة العثمانية ,مطبوعة مع شرحها درر احلكام.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 278
( )857جممع الزوائد ومنبع الفوائد :اهليثمي :علي بن سليمان (257ه) ,دار الكتاب العريب ,بريوت ,ط,9
1458ه=1328م.
( )852جمموع الفتاوى :ابن تيمية :أمحد بن عبد احلليم (782ه) ,مجع وترتيب :عبد الرمحن بن حممد النجدي وابنه
حممد ,تصوير الطبعة األوىل1932 ,ه.
( )853اجملموع شرح املهذب :النووي :حي بن شرف (272ه) ,حتقيق :حممد جنيب املطيعي ,مكتبة اإلرشاد ,جدة,
دون بيانات أخرى.
( )815جمموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ حممد بن صاحل العثيمني (1481ه) ,مجع وترتيب :فهد بن ناصر بن
إبراهيم السليمان ,دار الوطن ,دار الثريا ,الرياض ,الطبعة األخرية1419 ,ه.
( )811حماسن التأويل = تفسري القامسي :حممد مجال الدين القامسي(1998ه) ,حتقيق :حممد باسل عيون السود ,دار
الكتب العلمية ,بريوت ,ط1412 ,1ه.
( )818احملرر الوجيز يف تفسري الكتاب العزيز :ابن عطية األندلسي :عبد احلق بن غالب (548ه) ,حتقيق :عبد
السالم عبد الشايف حممد ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط1488 ,1ه.
( )819احمللى :ابن حزم :علي بن أمحد بن سعيد (452ه) ,دار الفكر ,بريوت ,بدون بيانات أخرى.
( )814احمليط البهاين يف الفقه النعماين :برهان الدين حممود بن أمحد بن عبد العزيز بن عمر بن مازة (212ه) ,حتقيق:
عبد الكرمي سامي اجلندي ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط1484 ,1ه=8554م.
( )815احمليط يف اللغة :إمساعيل بن عباد (925ه) ,حتقيق :حممد حسن آل ياسني ,عامل الكتب ,بريوت ,ط,1
1414ه=1334م.
( )812املختارة = األحاديث املختارة :ضياء الدين املقدسي :حممد بن عبد الواحد احلنبلي (249ه) ,حتقيق :عبد
امللك بن عبد اهلل دهيش ,ط1415 ,1ه=1335م ,دون بيانات أخرى.
( )817خمتصر الفتاوى املصرية البن تيمية :بدر الدين البعلي :حممد بن علي (772ه) ,حتقيق :عبد اجمليد سليم و
حممد حامد الفقي ,مطبعة السنة احملمدية ,تصوير دار الكتب العلمية.
ابن عرفة :حممد بن حممد (259ه) ,حتقيق :د .حافظ عبد الرمحن حممد خري ,مؤسسة ( )812املختصر الفقهي ُ :
خلف أمحد اخلبتور لألعمال اخلريية ,ط1495 ,1ه= 8514م.
( )813خمتصر املزين :إمساعيل بن حي بن إمساعيل املزين (824ه) ,دار املعرفة ,بريوت ,ط1415ه=1335م ,وهو
مطبوع يف آخر كتاب األم للشافعي.
( )885مدارج السالكني بني منازل إياك نعبد وإياك نستعني :ابن القيم :حممد بن أيب بكر (751ه) ,حتقيق :حممد
املعتصم باهلل البغدادي ,دار الكتاب العريب ,بريوت ,ط1412 ,9ه=1332م.
( )881مدارك التنزيل وحقائق التأويل = تفسري النفسي :عبد اهلل بن أمحد (715ه) ,حتقيق :يوسف علي بديوي ,ط
دار الكلم الطيب ,بريوت ,ط1413 ,1ه = 1332م.
( )888املدخل الفقهي العام :مصطفى أمحد الزرقاء (1485ه) ,دار الفكر ,مصورة عن الطبعة العاشرة,
1927ه=1322م.
( )889مراتب اإلمجاع :ابن حزم :علي بن أمحد (452ه) ,دار الكتب العلمية ,دون بيانات أخرى.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 279 جملة املدونة:
( )884مرقاة املصابيح شرح مشكاة املصابيح :املال علي القاري (1514ه) ,دار الفكر ,بريوت ,ط,1
1488ه=8558م.
( )885مزيد النعمة جلمع أقوال األئمة :حسني حممد احمللي الشافعي (1175ه) ,حتقيق :د .عبد الكرمي بن صنيتان
العمري ,دون بيانات أخرى.
( )882املسالك يف شرح موطأ مالك :ابن العريب :حممد بن عبد اهلل (549ه) ,علق عليه :حممد بن احلسني
السليماين ,دار الغرب اإلسالمي ,بريوت ,ط1482 ,1ه=8557م. السليماين وعائشة بنت احلسني ُّ
ُّ
( )887املستدرك :احلاكم :حممد بن عبد اهلل (455ه) ,دار املعرفة ,بريوت ,بدون تاريخ.
( )882املستدرك على جمموع فتاوى شيخ اإلسالم :حممد بن عبد الرمحن بن قاسم (1481ه) ,ط1412 ,1ه.
( )883املستصفى يف علم أصول الفقه :الغزايل :حممد بن حممد (555ه) ,حتقيق :حممد سليمان األشقر ,مؤسسة
الرسالة ,بريوت ,ط1417 ,1ه=1337م.
( )895املسند :أمحد بن حنبل (841ه) ,املكتب اإلسالمي ,بريوت ,ط1923 ,1ه=1323م ,وطبعة الرسالة
املخرجة :حتقيق وختريج :شعيب األرنؤوط وآخرين ,مؤسسة الرسالة ,ط1419 ,1ه=1339م.
( )891املسند :احلميدي :عبد اهلل بن الزبري (813ه) ,حتقيق :حبيب الرمحن األعظمي ,عامل الكتب ,بريوت ,بدون
تاريخ.
( )898مسند أيب يعلى :أمحد بن علي بن املثىن (957ه) ,حتقيق :حسني سليم أسد ,دار املأمون للرتاث ,دمشق,
ط1454 ,1ه=1324م.
( )899مسند البزار :أمحد بن عمرو بن عبد اخلالق (838ه) ,حتقيق :د.حمفوظ الرمجن زين الدين ,مؤسسة علوم
القرآن ,بريوت ,ط1453 ,1ه=1322م.
( )894مشارق األنوار على صحاح اآلثار :القاضي عياض بن موسى اليحصيب (544ه) ,املكتبة العتيقة ودار الرتاث,
دون بيانات أخرى.
( )895املصباح املنري يف شرح غريب الشرح الكبري :الفيومي :أمحد بن حممد (775ه) ,دار الكتب العلمية ,ط,1
1414ه=1334م ,وطبعة مكتبة لبنان ,بريوت ,بدون بيانات أخرى.
( )892املصنف :عبد الرزاق بن مهام الصنعاين (811ه) ,حتقيق :حبيب الرمحن األعظمي ,املكتب اإلسالمي ,بريوت,
ط1938 ,1ه=1378م.
( )897املصنف يف األحاديث واآلثار :ابن أيب شيبة :عبد اهلل بن حممد (895ه) ,حتقيق :حممد عوامة ,دار القبلة,
وطبعة مكتبة الرشد ,الرياض ,ط1453 ,1ه.
( )892مطالب أويل النهي يف شرح غاية املنتهى :مصطفى بن سعد بن عبده السيوطي الرحيباين احلنبلي (1849ه),
املكتب اإلسالمي ,بريوت ,ط1415 ,8ه=1334م.
( )893مطالع األنوار على صحاح اآلثار :ابن قُ ْرقُول :إبراهيم بن يوسف (523ه) ,حتقيق :دار الفالح للبحث
العلمي وحتقيق الرتاث ,وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ,قطر ,ط1499 ,1ه= 8158م.
( )845املطلع على ألفاظ املقنع :البعلي :حممد بن أيب الفتح (753ه) ,حتقيق :حممود األرناؤوط وياسني حممود
اخلطيب ,مكتبة السوادي ,ط1489 ,1ه=8559م.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 281
( )841معامل التنزيل :تفسري البغوي :احلسني بن مسعود (515ه) ,حتقيق :حممد عبد اهلل النمر ,وعثمان مجعة
ضمريية ,وسليمان مسلم احلرش ,دار طيبة للنشر والتوزيع ,ط1417 ,4ه=1337م.
( )848معامل السنن :اخلطايب :محد بن حممد بن إبراهيم (922ه) ,املطبعة العلمية ,حلب ,ط,1
1951ه=1398م.
( )849املعجم الصغري :الطباين :سليمان بن أمحد (925ه) ,حتقيق :حممد شكور حممود احلاج أمرير ,املكتب
اإلسالمي ,بريوت ,ط1455 ,1ه = 1325م.
( )844املعجم الكبري :الطباين :حتقيق :محدي عبد اجمليد السلفي ,وزارة األوقاف بالعراق ,ط1932 ,1ه=1327م
وما بعدها.
( )845املعجم الوسيط :جممع اللغة العربية بالقاهرة ,دار الدعوة ,إستانبول ,تركيا ,دون بيانات أخرى.
( )842معجم لغة الفقهاء :د .حممد رواس قلعجي ,دار النفائس ,ط1452 ,8ه = 1322م.
( )847معجم مقاليد العلوم يف احلدود والرسوم :جالل الدين السيوطي ( 311ه) ,حتقيق :د .حممد إبراهيم عبادة,
مكتبة اآلداب ,القاهرة ,ط1484 ,1ه= 8554م.
( )842معرفة السنن واآلثار :البيهقي :أمحد بن احلسني (452ه) ,حتقيق :سيد كسروي حسن ,دار الكتب العلمية,
بريوت ,بدون بيانات أخرى.
( )843املعني على تفهم األربعني :ابن امللقن :عمر بن علي (254ه) ,حتقيق :د .دغش بن شبيب العجمي ,مكتبة
أهل األثر ,الكويت ,ط1499 ,1ه= 8518م.
( )855مغين احملتاج إىل معرفة ألفاظ املنهاج :اخلطيب الشربيين :حممد بن أمحد (377ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت,
ط1415 ,1ه=1334م.
( )851املغين على خمتصر اخلرقي :ابن قدامة :عبد اهلل بن امحد بن حممد (285ه) ,دار الفكر ,بريوت ,ط,1
1455ه ,و ط مكتبة القاهرة1922 ,ه=1322م.
( )858مفاتيح الغيب = تفسري الرازي :حممد بن عمر (252ه) ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط1481 ,1ه.
( )859املفاتيح يف شرح املصابيح :املظهري :احلسني بن حممود (787ه) ,حتقيق :جلنة خمتصة من احملققني ,دار
النوادر ,ط1499 ,1ه=8518م.
( )854املفردات يف غريب القرآن :الراغب األصفهاين :احلسن بن حممد بن املفضل (558ه) ,حتقيق :صفوان عدنان
داودي ,دار العلم ,والدار الشامية ,دمشق ,بريوت1418 ,ه.
( )855املفصل يف القواعد الفقهية :د .يعقوب بن عبد الوهاب الباحسني ,دار التدمرية ,الرياض ,ط,9
1499ه=8518م.
( )852املفهم ملا أشكل من تلخيص كتاب مسلم :أبو العباس القرطيب :أمحد بن عمر بن إبراهيم (252ه) ,حتقيق:
حم الدين مستو وآخرين ,دار الكلم الطيب ,دمشق ,ط1417 ,1ه= 1332م.
( )857املقدمات املمهدات :ابن رشد اجلد :حممد بن أمحد (585ه) ,حتقيق :د .حممد حجي ,دار الغرب
اإلسالمي ,بريوت ,ط1412 ,1ه=1322م.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 281 جملة املدونة:
( )852مكارم األخالق :اخلرائطي :حممد بن جعفر (978ه) ,حتقيق :د .عبد اهلل بن جباش احلمريي ,مكتبة الرشد,
8552م.
( )853ملخص القواعد الفقهية :ابن عثيمني (1481ه) ,ترقيم الشاملة,
( )825املمتع يف القواعد الفقهية :د.مسلم بن حممد بن ماجد الدوسري ,دار زدين للطباعة والنشر ,الرياض ,ط,1
1482ه=8557م.
( )821منار السبيل يف شرح الدليل :ابن ضويان :إبراهيم بن حممد (1959ه) ,حتقيق :زهري الشاويش ,املكتب
اإلسالمي ,ط1453 ,7ه = 1323م.
( )828املنتخب من مسند عبد بن محيد (843ه) ,حتقيق :صبحي السامرائي ,و حممود الصعيدي ,مكتبة السنة,
القاهرة ,ط1452 ,1ه = 1322م.
( )829املنهاج يف شعب اإلميان :احلليمي :احلسني بن احلسن بن حممد (459ه) ,دار الفكر ,بريوت1933 ,ه.
( )824املهذب يف علم أصول الفقه املقارن :د .عبد الكرمي بن علي النملة ,مكتبة السنة ,الرياض ,ط1485 ,1ه
=1333م.
( )825املوافقات :الشاطيب :إبراهيم بن موسى بن حممد (735ه) ,حتقيق :أيب عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان,
دار ابن عفان ,ط1417 ,1ه=1337م.
( )822مواهب اجلليل يف شرح خمتصر خليل :احلطاب :حممد بن حممد بن عبد الرمحن (354ه) ,دار الفكر ,ط,9
1418ه=1338م.
( )827املوسوعة الفقهية :وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية ,الكويت ,ط ,1صدر اجلزء األول 1455ه=1325م,
45جزءًا.
( )822موسوعة القواعد الفقهية :حممد صدقي آل البورنو الغزي ,مؤسسة الرسالة ,بريوت ,ط1484 ,1ه =
8559م.
( )823موقع الشبكة اإلسالمية islamweb.net.
( )875موقع الشيخ ابن جبين.
( )871ميزان األصول يف نتائج العقول :عالء الدين السمرقندي ,حتقيق :د .حممد زكي عبد البّ ,مطابع الدوحة
احلديثة ,قطر ,ط1454 ,1ه = 1324م.
( )878ميزان االعتدال يف نقد الرجال :الذهيب :حممد بن أمحد (742ه) ,حتقيق :علي حممد البجاوي ,دار املعرفة,
بريوت ,ط1928 ,1ه=1329م.
( )879الناسخ واملنسوخ :أبو جعفر النحاس :أمحد بن حممد (992ه) ,حتقيق :د .حممد عبد السالم حممد ,مكتبة
الفالح ,الكويت ,ط1452 ,1ه.
( )874النجم الوهاج يف شرح املنهاج :الدمريي :حممد بن موسى بن عيسى (252ه) ,حتقيق جلنة علمية ,دار املنهاج,
جدة ,ط1485 ,1ه=8554م.
( )875نظم الدرر يف تناسب اآليات والسور :البقاعي :إبراهيم بن عمر (225ه) ,دار الكتاب اإلسالمي ,القاهرة,
بدون بيانات أخرى.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 282
( )872هناية احملتاج إىل شرح املنهاج :شهاب الدين الرملي :حممد بن أيب العباس أمحد بن محزة (1554ه) ,دار الفكر,
بريوت ,الطبعة األخرية1454 ,ه=1324م.
( )877النهاية يف غريب احلديث واألثر :ابن األثري :املبارك بن حممد (252ه) ,حتقيق :طاهر أمحد الزاوي وحممود
حممد الطناحي ,املكتبة العلمية ,بريوت1933 ,ه=1373م.
( )872نيل األوطار شرح منتقى األخبار :الشوكاين :حممد بن علي (1855ه) ,دار احلديث ,مصر .ط,1
1419ه=1339م.
( )873نيل املآرب بشرح دليل الطالب :عبد القادر بن عمر بن أيب تغلب الشيباين (1195ه) ,حتقيق :د .حممد بن
سليمان األشقر ,مكتبة الفالح ,الكويت ,ط1459 ,1ه = 1329م.
( )825اهلداية إىل بلوغ النهاية :مكي بن أيب طالب (497ه) ,كلية الشريعة والدراسات اإلسالمية ,جامعة الشارقة,
ط1483 ,1ه = 8552م.
( )821اهلداية يف شرح بداية املبتدي :املرغيناين :علي بن أيب بكر (539ه) ,حتقيق :طالل يوسف ,دار إحياء الرتاث
العريب ,بريوت ,دون بيانات أخرى.
( )828الوجيز يف القواعد الفقهية :د.حممد صدقي البورنو ,الرسالة العاملية ,دمشق ,ط1488 ,5ه=8558م.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 283 جملة املدونة:
مقدمة:
الحمد هلل الواحد القهار ,العزيز الغفار ,مقدر األقدار ,مصرف األمور ,مكور الليل على النهار,
تذكرة ألويل القلوب واألبصار ,وتبصرة لذوي األلباب واالعتبار .والصالة والسالم على سيدنا وحبيبنا
وموالنا حممد سيد األبرار وزين املرسلني األخيار وأكرم من أظلم عليه الليل وأشرق النهار ,وعلى آله
الطيبني األطهار وصحابته املقربيت األخيار.
أمابعد؛
فإن السنن اإلهلية هي القوانني اليت حتكم احلياة الكونية واحلياة اإلنسانية ,وهي برهان على قدرة اهلل
تعاىل وإرادته وحكمته ,متضي بال استثناء ,وجتري قوانينها على كافة املخلوقات ...لذلك توقف صالح
اجملتمعات البشرية وفالحها وهنوضها وسقوطها على مدى اهتدائها هبدايات السنن ,وامتثاهلا بأحكامها,
وعملها مبقتضياهتا ,والسري يف طريقها املستقيم الذي ال اعوجاج فيه وال التواء.
وملا كانت هذه السنن اإلهلية هبذا القدر األعلى ,واحملل األسىن ,واألمنوذج األمثل لصياغة احلياة وبناء
الشخصية املسلمة ,والعمران اإلنساين ,أوالها سيدنا رسول اهلل عناية فائقة ,واهتم هبا اهتماما بالغا,
امتثاال هلذه السنن ,كما كان يرشد أصحابه إِىل سنن اهلل يف وكانت كل أقواله وأفعاله تطبي ًقا و ً
من سبقهم باإلميان من أتباع األنبياء واملرسلني ,ليحذوا حذوهم ويقتفوا آثارهم ,وحيذرهم من السري على
سنن املكذبني والظاملني واملنكرين ليبتعدوا عنها وجيتنبوها ,ويبني أسباب مرض األمم السابقة وهالكها
وحلول عقاب اهلل فيها ,ويرشدهم إىل ما فيه خريهم وصالحهم يف الدنيا واآلخرة إذا ساروا على سكة
السنن اإلهلية.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 284
وهكذا فباستقراء نصوص احلديث النبوي الشريف جند أن السنن اإلهلية حتتل مساحة واسعة فيها ,وقد
كان منهج النيب يف بياهنا؛ إما مصرحا بذكرها ,وإما شارحا أسباهبا ونتائجها ,وإما ضاربا األمثال
والتشبيهات للكشف عنها ,وإما مذكرا بقصص السابقني وما آل إليه أمرهم سلبا أو إجيابا وفق أخذهم
بالسنن أو تنكبهم عنها ,وإما يف سياق تقرير األحكام والتشريعات ,أو أثناء احلديث عن فنت آخر
الزمان...
أسئلة البحث:
-ما هي جتليات العناية النبوية بالفقه السنين؟
-كيف قرر احلديث النبوي الشريف السنن اإلهلية وحث على لزوم غرزها؟
-هل جاء السنن اإلهلية يف احلديث النبوي الشريف بأسلوب واحد أم تعددت أساليبها وصيغها
وسياقاهتا؟
أهداف البحث:
-إبراز عناية احلديث النبوي الشريف بالسنن اإلهلية.
-بيان أساليب احلديث النبوي الشريف يف الكشف عن السنن اإلهلية.
-الكشف عن عالقة السنن اإلهلية باحلديث النبوي.
خطة البحث:
حتقيقا لألهداف السابقة جاء هذا البحث يف سبعة فروع وهي:
الفرع األول :بيان السنن اإلهلية عن طريق قصص السابقني.
الفرع الثاين :عرض السنن اإلهلية من خالل األمثال النبوية.
الفرع الثالث :بيان السنن اإلهلية من خالل األحاديث اليت ورد فيها ربط األسباب مبسبباهتا.
الفرع الرابع :الكشف عن السنن اإلهلية أثناء احلديث عن فنت آخر الزمان.
الفرع اخلامس :بيان السنن اإلهلية من خالل ما يرتتب على أفعال البشر السيئة من نتائج.
الفرع السادس :تقرير السنن اإلهلية عن طريق التوكيد يف سياق القسم.
الفرع السابع :عرض السنن اإلهلية يف سياق مجلة الشرط واجلزاء.
منهج البحث:
يعتمد هذا البحث املنهج االستقرائي التحليلي؛ وذلك باستقراء األحاديث النبوية الشريف املتعلقة
بالسنن اإلهلية ,من أجل الوقوف على األسلوب النبوي يف الداللة على السنن اإلهلية ,مع حتليل تلك
النصوص احلديثية لبيان سننيتها.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 285 جملة املدونة:
ِ الس ِفينَةُ فَغَ ِرقُوا ,وجاء ميَْ ِشي إِ َىل الْملِ ِ َت هبِِ ُم َّ ِِ ِ ِ بِِه ,فَ َق َ
ك: ال لَهُ الْ َمل ُك ,فَ َق َ َ ََ َ ت ,فَانْ َك َفأ ْالله َّم ا ْكفني ِه ْم مبَا شْئ َ الُ :
الَ :وَما آم ُرَك بِِه ,قَ َ ك :إِنَّك لَس ِ ِِ ال لِْلملِ ِ ِِ
ت ب َقاتلي َح َّىت تَ ْف َع َل َما ُ َ ْ َ الَ :ك َفانيه ُم اهللُ ,فَ َق َ َ ك؟ قَ َ َص َحابُ ََما فَ َع َل أ ْ
الس ْه َم ِيف ِ ِ ِ الَ :جتمع النَّاس ِيف ِ ٍ ِ ٍ
ض ِع َّ صلُبُِين َعلَى ج ْذ ٍعُ ,مثَّ ُخ ْذ َس ْه ًما م ْن كنَانَِيتُ ,مثَّ َ صعيد َواحدَ ,وتَ ْ َ ُه َو؟ قَ َ ْ َ ُ َ
ب الْغ َالِمُ ,مثَّ ارِم ِين ,فَِإنَّك إِذَا فَع ْلت ذَلِك قَت ْلت ِين ,فَجمع النَّاس ِيف صعِ ٍ
يد َكبِ ِد الْ َقو ِسُ ,مثَّ قُل :بِاس ِم ِ
َ َََ َ َ َ َ ََ َ ْ اهلل َر ِّ ُ ْ ْ ْ
باس ِم اهللَِ ,ر ِّ ال :بِ ْ الس ْه َم ِيف َكْب ِد الْ َق ْو ِسُ ,مثَّ قَ َ
ض َع َّ ِ ِ ِِ
َخ َذ َس ْه ًما م ْن كنَانَتهُ ,مثَّ َو َ
ِ
صلَبَهُ َعلَى ج ْذ ٍعُ ,مثَّ أ َ َواحدَ ,و َ
ٍِ
َّاسَ :آمنَّا
ات ,فَ َقا َل الن ُ الس ْه ِم فَ َم َ ص ْد ِغ ِه ِيف َم ْو ِض ِع َّ ض َع يَ َدهُ ِيف ُ
السهم ِيف ِ ِ
ص ْدغه ,فَ َو َ الْغُ َالمُ ,مثَّ َرَماهُ فَ َوقَ َع َّ ْ ُ ُ
ِ
ت َْحت َذ ُر؟ قَ ْد َواهللِ نََزَل ب الْغ َالِم ,فَأُِيت الْملِ ِ
ت َما ُكْن َ يل لَهُ :أ ََرأَيْ َ
ك فَق َ َ َ ُ ب الْغُ َالِمَ ,آمنَّا بَِر ِّ ُ ب الْغُ َالِمَ ,آمنَّا بَِر ِّ بَِر ِّ
الَ :م ْن َملْ يَ ْرِج ْع ِّريا َنَ ,وقَ َ
َضَرَم الن َ
َّت َوأ ْ ك ,فَ ُخد ْ ود ِيف أَفْ َواهِ ِّ
الس َك ِ بِك ح َذرَك ,قَ ْد آمن النَّاس ,فَأَمر بِ ْاألُخ ُد ِ
َ َ ُ ََ ْ َ َ ُ
ِ ِ ِ ِ ِ َع ْن ِدينِ ِه فَأ ْ
ت أَ ْن تَ َق َع ف َيها, اع َس ْ صِ ٌّ
يب َهلَا فَتَ َق َ يل لَهُ :اقْ تَح ْم ,فَ َف َعلُوا َح َّىت َجاءَت ْامَرأَةٌ َوَم َع َها َ َمحُوهُ ف َيها ,أ َْو ق َ
احلَ ِّق»(.)1
َّك َعلَى ْ ال َهلا الْغُ َالم :يا أ َُّم ْه اصِ ِبي فَِإن ِ
ْ ُ َ فَ َق َ َ
وهذا احلديث النبوي الشريف يكشف عن سنة إهلية مطردة ,أال وهي سنة االبتالء عامة وابتالء
املؤمنني باحملنة على أيدي الكافرين خاصة ,وما يتعرض له أهل احلق من أنواع التعذيب واالضطهاد واحملن
واآلالم يف كل زمان ومكان.
َّيب َ وُه َو ُمتَ َو ِّس ٌد بُْرَدةًَ ,وُه َو ِيف ِظ ِّل ال َك ْعبَ ِة َوقَ ْد لَ ِقينَا ِم َن ت النِ َّ وعن خباب قال :أَتَْي ُ
ال« :لََق ْد َكا َن َم ْن قَا ْبالَ ُك ْم ول اللَّ ِه ,أَالَ تَ ْدعُو اللَّهَ؟ فَ َق َع َد َوُه َو ُْحم َمٌّر َو ْج ُههُ ,فَ َق َت :يَا َر ُس َ امل ْش ِركِ ِ
ني ش َّدةً ,فَ ُق ْل ُ
ُ َ
ك َع ْن ِدينِ ِهَ ،ويُ َ ص ِرفُهُ ذَلِ َ صٍ ِ ِِ ِ اط ِ ِ ش ِط بِ ِم َ
وض ُع بَ ،ما يَ ْ الحديدَ ،ما ُدو َن عظَامه م ْن لَ ْح ٍم أ َْو َع َ َ شُ لَيُ ْم َ
ك َع ْن ِدينِ ِهَ ،ولَيُتِ َّم َّن اللَّهُ َه َذا األ َْم َر َحتَّى يَ ِس َير ص ِرفُهُ ذَلِ َ ار َعلَى َم ْف ِر ِق َرأْ ِس ِه ،فَايُ َ
ش ُّق بِاثْانَا ْي ِن َما يَ ْ شُ
ِ
الم ْن َ
ب َعلَى غَنَ ِم ِه»(.)2 اف إَِّال اللَّ َه»َ ,ز َاد بَيَا ٌنَ « :و ِّ اء إِلَى َح ْ الراكِ ِ
الذئْ َ تَ ،ما يَ َخ ُ ض َرَم ْو َ ص ْنا َع َ
ب م ْن َ َّ ُ
هكذا ينبه النيب أصحابه - ملا اشتد هبم االبتالء واحملنة -على سنة اهلل يف ابتالء املؤمنني
املستميتني يف الصب على دين احلق والثبات على طريق اهلدى ,وخيبهم مبا القاه املؤمنون من األمم السابقة
من ابتالء شديد ليفتنوا عن دينه ويصدوا عنه ,فصبوا حتمال واحتسابا ,حىت ميكن اهلل لدينه ,وينشر نوره
يف ربوع األرض كلها.
ِ ِ ِ ِ ٍ ِ ِ
الصْب ِح َم َع
صالََة ُّ ت َ ص ُار بُِق ُدوم أَِيب عُبَ ْي َد َة ,فَ َوافَ ْ قَد َم أَبُو عُبَ ْي َد َة مبَال م َن البَ ْحَريْ ِن ,فَ َسم َعت األَنْ َ
ف ,فَتَ عَّرضوا لَه ,فَتَب َّسم رس ُ ِ ِ ِِ
ال« :أَظُنُّ ُك ْم قَ ْد
آه ْم َوقَ َ ني َر ُول اللَّه ح َ صَر َ َ ُ ُ َ َ َ ُ صلَّى هب ُم ال َف ْجَر انْ َ النِ ِّ
َّيب ,فَلَ َّما َ
ِ ول اللَّ ِه ,قَ َ َن أَبا عباي َد َة قَ ْد جاء بِ َ ٍ
س ُّرُك ْم،
ال« :فَأَبْش ُروا َوأ َِّملُوا َما يَ ُ ش ْيء؟» ,قَالُوا :أ َ
َج ْل يَا َر ُس َ َ َ َس ِم ْعتُ ْم أ َّ َ َُ ْ
( )1صحيح مسلم ,كتاب الفنت وأشراط الساعة ,باب قصة أصحاب األخدود والساحر والراهب والغالم ,ح.9555
ني ِمب َّكةَ ,ح.9293ِ ِ ِ
َص َحابُهُ م َن املُ ْش ِرك َ
()2
اب َما لَق َي النِ ُّ
َّيب َ وأ ْ صحيح البخاري ,كتاب مناقب األنصار ,بَ ُ
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 287 جملة املدونة:
ب ,ح .8322صحيح مسلم ,كتاب الزهد والرقائق, ( )1صحيح البخاري ,كتاب اجلزية ,باب اجلِْزي ِة واملو َاد َع ِة مع أ َْه ِل احلر ِ
َْ َ ُ َ َ َُ َ َ
ح.8321
( )2أسباب هالك األمم وسنة اهلل يف القوم اجملرمني ,عبد اهلل التليدي ,ص.24
( )3إعالم املوقعني عن رب العاملني ,ابن قيم اجلوزية.129-128/1 ,
( )4صحيح البخاري ,كتاب الشركة ,باب هل يقرع يف القسمة واالستهام فيه ,ح.8921
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 288
الفرل الثالث :بيان السنن اإللهية من خالل األحاديث التي ورد فيها ربط األسباب بمسبباتها
إن ربط األسباب مبسبباهتا والنتائج مبقدماهتا ,قانون عام وشامل لكل ما يف الكون ,ولكل ما حيصل
لإلنسان يف املعاش واملعاد" ,فليس يف الدنيا واآلخرة شيء إال بسبب واهلل خالق األسباب واملسببات"(.)1
يقول اإلمام ابن قيم اجلوزية –رمحه اهلل-" :-إن اهلل سبحانه وتعاىل -ربط األسباب مبسبباهتا شرعا
وقدرا ,وجعل األسباب حمل حكمته يف أمره الديين والشرعي وأمره الكوين القدري ,وحمل ملكه وتصرفه؛
فإنكار األسباب والقوى والطبائع جحد للضروريات ,وقدح يف العقول والفطر ,ومكابرة للحس ,وجحد
للشرع واجلزاء ,فقد جعل سبحانه مصاحل العباد يف معاشهم ومعادهم ,والثواب والعقاب واحلدود
والكفارات واألوامر والنواهي واحلل واحلرمة ,كل ذلك مرتبطا باألسباب قائما هبا ,بل العبد نفسه وصفاته
وأفعاله سبب ملا يصدر عنه ,بل املوجودات كلها أسباب ومسببات ,والشرع كله أسباب ومسببات,
واملقادير أسباب ومسببات ,والقدر جار عليها متصرف فيها؛ فاألسباب حمل الشرع والقدر"(.)2
والسنة النبوية مملوءة من إثبات األسباب ومسبباهتا ,وهي طريقة من الطرائق اليت تبني هبا السنن
ال« :يَا ول اهلل فَ َق َ اإلهلية ,ومن أمثلة ما رواه َعْب ُد اللَّ ِه بْ ُن ُع َمَر –رضي اهلل عنهما ,-قوله :أَقْ بَ َل َعلَْي نَا َر ُس ُ
ط، شةُ فِي قَا ْوٍم قَ ُّ اح َاج ِرين َخمس إِذَا اباتلِيتم بِ ِه َّن ،وأَعوذُ بِاللَّ ِه أَ ْن تُ ْد ِرُكوه َّن :لَم تَظْه ِر الْ َف ِ ِ
ُ ْ َ َ ُ ُْ ُ ْ ش َر ال ُْم َه َ ْ ٌ َم ْع َ
ض ْواَ ،ولَ ْم ين َم َ ت فِي أ ِ َّ ِ
َس َالف ِه ُم الذ َ ْ ض ْ ال الَّتِي لَ ْم تَ ُك ْن َم َ شا فِي ِه ُم الطَّاعُو ُنَ ،و ْاأل َْو َج ُ َحتَّى ياُ ْعلِنُوا بِ َها ،إَِّال فَ َ
الس ْلطَ ِ ينَ ،و ِش َّدةِ ال َْمؤونَِةَ ،و َج ْوِر ُّ ُخ ُذوا بِ ِّ ِ ال وال ِْميزا َن ،إَِّال أ ِ
ان َعلَْي ِه ْمَ ،ولَ ْم يَ ْمنَاعُوا السن َ صوا ال ِْم ْكيَ َ َ َ يَا ْنا ُق ُ
ضوا َع ْه َد اللَّ ِهَ ،و َع ْه َد الس َم ِاءَ ،ولَ ْوَال الْبَا َهائِ ُم لَ ْم يُ ْمطَ ُرواَ ،ولَ ْم يَا ْنا ُق ُ
َزَكا َة أ َْم َوالِ ِه ْم ،إَِّال ُمنِعُوا الْ َقط َْر ِم َن َّ
ض َما فِي أَيْ ِدي ِه ْمَ ،وَما لَ ْم تَ ْح ُك ْم أَئِ َّمتُا ُه ْم َخ ُذوا بَا ْع َ ط اللَّهُ َعلَْي ِه ْم َع ُد ًّوا ِم ْن غَْي ِرِه ْم ،فَأ َ َر ُسولِ ِه ،إَِّال َسلَّ َ
ِ بِ ِكتَ ِ ِ
اب اللَّهَ ،ويَاتَ َخيَّا ُروا م َّما أَنْا َز َل اللَّهُ ،إَِّال َج َع َل اللَّهُ بَأ َ
ْس ُه ْم بَا ْيانَا ُه ْم»(.)3
فهذه مخس خصال كل واحدة منها توجب نوعا أو أكثر من العذاب .فظهور الفاحشة يوجب األوبئة
واألمراض العامة واألوجاع اليت مل تكن معروفة كالكولريا والسل والسكتة القلبية واملعي الزائدة والفتق
والسرطان ,ومرض فقدان املناعة ...وبالتايل كثرة املوت وغري ذلك من املصائب اليت ابتلينا هبا .والبخس يف
الكيل وامليزان يتسبب عنه اجلدب والقحط وارتفاع األسعار وظهور الغالء يف األغذية وغريها ,وتسلط
احلكام على الناس باجلور والظلم وهضم حقوقهم .ومنع الزكاة ينشأ عنه تأخر األمطار أو حبسها عنا هنائيا
ولوال وجود احليوانات العجماء بيننا ملا مطرنا .ونقض عهود اهلل وعهود رسوله اليت كلفنا هبا وأمرنا
بالوفاء وااللتزام هبا يلزم منه جلب األعداء إلينا وتسلطهم علينا واحتالهلم بالدنا واستعبادهم لنا وألبنائنا
واستثمارهم ما عندنا من منتوجات بالدنا وأخذهم ما لدينا من ثروة وأموال مع إفسادهم جمتمعنا وديننا
وأخالقنا وقيمنا...
أما اإلعراض عن إقامة حدود اهلل تعاىل فشأنه أعظم وأعظم ,وحاله أدهى وأمر ,وفتنته أمشل وأعم,
ذلك بأنه يوجب تشتت مشل األمة وتفردها وتشرذمها ,وجلب الفنت املتنوعة بينها ,وتسلط بعضهم على
بعض جبميع أنواع التسلطات من خصام ونزاع ديين وسياسي ,إىل مهامجات ومقاتالت ,إىل انتهاك
األعراض واحملرمات إىل غري ذلك(.)1
ال أ َُّمتِي ول اهللِ يَ ُق ُ
ولَ « :ال تَا َز ُ ت َر ُس َ ِ
تَ :مس ْع ُ َ ع ْن َمْي ُمونَةَ –رضي اهلل عنها َزْو ِج النِ ِّ
َّيب ,قَالَ ْ
الزنَا ،فَاي ِ الزنَا ،فَِإذَا فَ َ ِ
ش فِي ِه ْم َولَ ُد ِّ
ك أَ ْن يَاعُ َّم ُه ُم اهللُ َع َّز َو َج َّل
وش ُ شا في ِه ْم َولَ ُد ِّ ُ بِ َخ ْي ٍر َما لَ ْم يَا ْف ُ
اب»(.)2 بِ ِع َق ٍ
"هذا احلديث الشريف يدل داللة واضحة على أن ظهور أوالد الزنا والبغاء من موجبات العذاب
واهلالك ,والعياذ باهلل .وحنن اليوم نعيش يف عصر قد احنرفت فيه كل أنظمة احلياة,ال من ناحية واحدة
فحسب بل من مجيع نواحيها الدينية والدنيوية واالجتماعية والفردية .وكل جيل طبعا إذا فسد جمتمعه
واحنطت أخالقه ظهر فيه أوالد الزنا وعم فيه الفجور وانتشر فيه أوالد البغاء ,وهذا ما نلمسه يف عصرنا
احلاضر .فأوالد الزنا قد كثروا وعموا ...وال شك أن مثل هذا يدل على احنالل عظيم من الدين وشر كبري
عام يف األمة ,فباحلري أن يكون من موجبات اهلالك والعذاب"(.)3
ول اللَّ ِه أ َْع ِقلُ َها َوأَتَ َوَّك ُل ,أ َْو أُطْلِ ُق َها َوأَتَ َوَّك ُل؟ قَ َ
ال: ال َر ُج ٌل :يَا َر ُس َ
ول :قَ َ عن أَنَس بن مالِ ٍ
ك ,يَ ُق ُ ْ َ
«ا ْع ِقل َْها َوتَا َوَّك ْل»(.)4
إن ه إرش اد م ن الن يب هل ذا األع رايب أن التوك ل عل ى اهلل تع اىل ال يع ارض اخت اذ األس باب ,وأن التوك ل
احلقيقي هو يف عقل الناقة وربطها ,وفيه بيان وإثبات لسنة األسباب.
الفرل الرابع :الكشف عن السنن اإللهية أثناء الحديث عن فتن آخر الزمان
م ن طرائ ق الس نة النبوي ة يف الكش ف ع ن الس نن اإلهلي ة عرض ها يف س ياق أحادي ث ف نت آخ ر الزم ان,
ومن أمثلة ذلك:
ِ ال رس ُ ِ
شا ِرقَا َها َوَمغَا ِربَا َها،
ت َم َ ض ،فَا َرأَيْ ُ ول اهلل « :إِ َّن اهللَ َزَو لي ْاأل َْر َ ال :قَ َ َ ُ َ ع ْن ثَ ْوبَا َن ,قَ َ
ْت َربِّي ِأل َُّمتِي ضَ ،وإِنِّي َسأَل ُ يت الْ َك ْنا َزيْ ِن ْاأل ْ
َح َم َر َو ْاألَبْايَ َ ي لِي ِم ْنا َهاَ ،وأُ ْع ِط ُ ِ ِ
َوإ َّن أ َُّمتي َسيَْبالُ ُغ ُم ْل ُك َها َما ُز ِو َ
ضتَا ُه ْمَ ،وإِ َّن َربِّي ِ ِ ِ ِ سلِّ َ أَ ْن َال يا ْهلِ َكها بِ ٍ ٍ
ط َعلَْي ِه ْم َع ُد ًّوا م ْن س َو أَنْا ُفس ِه ْم ،فَايَ ْستَب َ
يح بَا ْي َ سنَة َع َّامةَ ،وأَ ْن َال يُ َ ُ َ َ
سنَ ٍة َع َّام ٍة، ِ ِ ك ِأل َُّمتِ َ اء فَِإنَّهُ َال ياُ َردَُّ ،وإِنِّي أَ ْعطَْيتُ َ ال :يَا ُم َح َّم ُد إِنِّي إِ َذا قَ َ
ك أَ ْن َال أ ُْهل َك ُه ْم ب َ ضً ت قَ َ ض ْي ُ قَ َ
اجتَ َم َع َعلَْي ِه ْم َم ْن بِأَقْطَا ِرَها -أ َْو ِ ِ ِ ِ ُسلِّ َ
ضتَا ُه ْمَ ،ولَ ِو ْ يح بَا ْي َ ط َعلَْي ِه ْم َع ُد ًّوا م ْن س َو أَنْا ُفس ِه ْم ،يَ ْستَب ُ َوأَ ْن َال أ َ
ضا»(.)1 ض ُه ْم بَا ْع ً ضاَ ،ويَ ْسبِي بَا ْع ُ ض ُه ْم ياُ ْهلِ ُ
ك بَا ْع ً ال َم ْن بَا ْي َن أَقْطَا ِرَهاَ -حتَّى يَ ُكو َن بَا ْع ُ قَ َ
وهذه سنة من سنن اهلل تعاىل يف اخلذالن ,فما ذهب شيء من ملك املسلمني إىل أيدي األجانب إال
خبذالن بعضهم لبعض ومساعدهتم لألعداء على أنفسهم ,وتناحرهم وتنازعهم ومتزق قلوهبم...
واألدهى من ذلك واألمر ما يثريه أعداء اإلسالم بني املسلمني من فنت هائجة ,شغلتهم عن قضيتهم
الكبى واألساس قضية اإلسالم ودعوة اإلسالم؛ فانشغلوا عنها بالتنافس على الدنيا وطلب زخرفها
ابتعادهم عن
فاستحر القتل هبم ,واستهانوا بدمائهم ,وزاد ُ
َّ وزينتها ...بعد أن ضاع امليزان من بني أيديهم,
دين اهلل ,وزاد ابتالء اهلل وعقابه ,وسنة اهلل ماضية ال تتغري وال تتخلف.
اعى ْاألَ َكلَةُ
اعى َعلَْي ُك ْم َك َما تَ َد َ ك ْاأل َُم ُم أَ ْن تَ َد َ وش ُول اللَّ ِه « :ي ِ ال َر ُس ُ ال :قَ َ َ ع ْن ثَ ْوبَا َن ,قَ َ
ُ
ال« :بَ ْل أَنْاتُ ْم يَا ْوَمئِ ٍذ َكثِ ٌيرَ ،ولَ ِكنَّ ُك ْم غُثَاءٌ َكغُثَ ِاء َّ
الس ْي ِل، ال قَائِ ٌلَ :وِم ْن قِلَّ ٍة َْحن ُن يَ ْوَمئِ ٍذ؟ قَ َ
ص َعتِ َها» ,فَ َق َ إِلَى قَ ْ
ص ُدوِر َع ُد ِّوُك ُم ال َْم َهابَةَ ِم ْن ُك ْمَ ،ولَيَا ْق ِذفَ َّن اللَّهُ فِي قُالُوبِ ُك ُم ال َْو ْه َن» ,فَ َق َ
ال قَائِ ٌل :يَا ِ
َولَيَا ْنا َز َع َّن اللَّهُ م ْن ُ
ت»(.)2 الدنْايا ،وَكر ِاهيةُ الْمو ِ ول اللَّ ِهَ ,وَما الْ َوْه ُن؟ قَ َ
ب ُّ َ َ َ َ َ ْ الُ « :ح ُّ َر ُس َ
"فهذه صفة املسلمني اليوم ,فهم مع كثرهتم ليس هلم من اإلميان الصحيح والدين املتني ما يؤهلهم
لالنتصار الكامل على عدوهم الصهيوين والصلييب والشيوعي"( ,)3بل صاروا بني األمم الكافرة كالقصعة
بني األكلة.
تداعت عليهم األمم من كل جانب ,وسيطروا عليهم ,وفقدوا سيادة العامل ,وانتقلت هذه السيادة إىل
الفرجنة (أوربا وأمريكا ودول الشرق) ,وما ظلمهم اهلل ,ولكنها سنته يف النهوض والسقوط واالحنطاط
واالزدهار اليت ال حتايب أحدا وال تتخلف عن موعدها.
ويف هذا احلديث النبوي الشريف تقرير لسنّة اهلل يف األسباب ومسبّباهتا ,فإ ّن من أخذ بأسباب الوهن
((حب الدنيا وكراهية املوت)) ,حصدته سنّة اهلل تعاىل وأوكله اهلل إىل الدنيا ,وبُلِ َي بالوهن
ّ والضعف:
والضعف.
ض ,ح.8223 ( )1صحيح مسلم ,كتاب الفنت وأشراط الساعة ,باب ه َال ِك ه ِذهِ ْاأل َُّم ِة ب ع ِ
ض ِه ْم بِبَ ْع ٍ َْ َ ُ َ َ
( )2سنن أيب داود ,كتاب املالحم ,باب يف تداعي األمم على اإلسالم ,ح .4837قال األلباين :صحيح.
( )3أسباب هالك األمم ,ص.42
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 292
أهم أسباب تسليط الك ّفار على املسلمني ,ونفاذ سنة اهلل
وفيه حتذير من الذنوب واملعاصي ,وأ ّهنا من ّ
يف الذنوب واملعاصي.
الفرل الخامس :بيان السنن من خالل ما يترتب على أفعال البشر السيئة من نتائج
ومن األحاديث النبوية املتعلقة هبذا ما يلي:
ات يَا ْو َم ال ِْقيَ َام ِة،
ْم ظُلُ َم ٌ ُّ
الظل َ ول اهللِ « :إِ َّن ال َر ُس ُ
ال :قَ َ َ ع ِن ابْ ِن ُع َمَر –رضي اهلل عنهما ,-قَ َ
استَ َحلُّوا ِ ك َم ْن َكا َن قَا ْبالَ ُك ْمَ ،ح َملَ ُه ْم َعلَى أَ ْن الش َّح ،فَِإ َّن ُّ
َواتَّا ُقوا ُّ
اء ُه ْم َو ْ َس َف ُكوا د َم َ الش َّح أ َْهلَ َ
َم َحا ِرَم ُه ْم»(.)1
وكان الظامل يف ظلمات يوم القيامة ألنه يكون فاقد النور الذي يسعى بني أيدي املؤمنني وبأمياهنم,
فظلمه يف الدنيا أكسبه يف اآلخرة ظلمة أو ظلمات حسب إقالله منه أو إكثاره ,واآلخرة ليست إال
مظاهر للجزاء على الفعل الدنيوي إن نورا فنور وإن ظلمة فظلمة.
أما الشح فهو احلرص الشديد الذي حيمل صاحبه على أن يأخذ األشياء من غري ِحلِّها ومينعها
ومنَع ,وأن ال يقنع اإلنسان مبا أحل اهلل له من مال أو
حقوقها ,وحقيقته أن تتشوف النفس إىل ما حرم اهلل َ
فرح أو غريمها من املطاعم واملشارب واملالبس اليت أباحها لنا بل يتعدى ذلك إىل ما حرم اهلل تعاىل .فالذي
يقتصر على ما أبيح له فهو املؤمن الصاحل ,والذي يتعدى ذلك إىل ما منع منه فهو الشحيح املذموم,
والشح وصف ساقط ينايف اإلميان.
وداللة احلديث واضحة حيث إن هذه احلالة هي اليت أهلكت من كان قبلنا محلتهم على سفك
دمائهم واستحالل حمارمهم ومقاطعة أرحامهم وكثرة فجورهم .وهذه سلسلة من الباليا وجراثيم الفساد فأي
خري سيبق ى بعد هذه الدواهي؟ فال شك أن األمة اليت تتصف هباتني الصفتني الساقطتني املظلمتني –
الظلم والشح -سيكون عاقبتها اهلالك ومآهلا اخلراب ,سنة اهلل ولن جتد لسنة اهلل تبديال وال حتويال وال
تغيريا .وما أصيب به األقدمون من األمم قد ابتلينا به فهلكنا كما هلكوا ,فكم من دم أريق يف سبيل الشح
وكم من فرج أبيح ألجله وكم من رحم هجرت من جرائه وكم من حمرم استبيح يف احلصول عليه واالستئثار
به وال يزال األمر يستفحل ويعظم ,وهذا نبينا صلوات اهلل وسالمه عليه ينصحنا وحيذرنا من هذا اجلرثوم
اخلراب ويأمرنا باتقائه والتحفظ منه وحماربته خوفا من أن يقضي على جمتمعنا جزاء وفاقا(.)2
( )1صحيح مسلم ,كتاب الب والصلة واآلداب ,باب حترمي الظلم ,ح.8573
( )2أسباب هالك األمم ,ص.27-22
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 293 جملة املدونة:
اإل َم َارةَِ ،وإِناَّ َها َستَ ُكو ُن َح ْس َرةً، ول« :إِنَّ ُك ْم َستَ ْح ِر ُ
صو َن َعلَى ِْ َ ع ْن أَِيب ُهَريْ َرَة ,أَنَّهُ َ كا َن يَ ُق ُ
اط َمةُ»(.)1 ت الْ َف ِضعةُ ،وبِْئس ِ ِ ِ ِ ِ ِ
َونَ َد َامةً يَا ْو َم الْقيَ َامة ،فَن ْع َمت ال ُْم ْر َ َ َ
وه ذا تقرير نبوي ألسباب احلسرة والندامة ,فحب اإلمارة وهي حب للدنيا ,وإن استحالها املرء
فعواقبها وخيمة يف الدنيا واآلخرة؛ ألهنا تؤدي إىل االقتتال عليها ,وضياع أمر املسلمني وثغورهم بسببها,
وما وقع يف تاريخ املسلمني من القتل بني اإلخوة واألبناء واآلباء ...خلري دليل على نتائج التنازع الكارثية
عليها.
اإلمارة مسؤولية ضخمة وأمانة عظيمة؛ جعلها الشارع حلفظ الدين وحراسة الدنيا وحتقيق مصاحل العباد
يف املعاش واملعاد ,ال لتكون سبب اهلزائم وسفك الدماء وشراء الضمائر وخراب الدين والدنيا.
الفرل السادس :تقرير السنن اإللهية عن طريق التوكيد في سياق القسم
إن من بني أساليب السنة النبوية يف عرض السنن اإلهلية بياهنا عن طريق التوكيد يف سياق القسم ,ومن
أمثلة ذلك ما يلي:
اعا بِ ِذ َر ٍالَ ،حتَّى عن أَِيب سعِ ٍ
ال« :لَتَتَّبِعُ َّن َسنَ َن َم ْن قَا ْبالَ ُك ْم ِش ْبا ًرا بِ ِش ْب ٍرَ ،و ِذ َر ً
َّيب قَ َ يد أ َّ
َن النِ َّ َ َْ
()2 ضب لَسلَ ْكتُموهُ» ,قُ ْلنَا يا رس َ ِ
ال« :فَ َم ْن» . َّص َارى قَ َ ودَ ,والن َ ول اللَّه :اليَ ُه َ َ َُ لَ ْو َسلَ ُكوا ُج ْح َر َ َ ُ
"لتتبعن سنَن من قبل ُك ْم اتبَاعا بشب ملتبس بشب وذراع ملتبس بِ ِذ َراعَ ,وَه َذا كِنَايَة َعن شدَّة الْ ُم َواف َقة
صيص :جبحر الضَّب ,لشدَّة ضيقه ورداءتهَ ,وَم َع َهلم ِيف املخالفات واملعاصيَ ,ال ِيف الْك ْفر ...ووجه التَّخ ِ
ْ َ ُ
الرِديء لوافقوهم" . ِ
َذلك فَِإن َُّهم القتفائهم آثَارهم واتباعهم طرائقهم لَو دخلُوا ِيف مثل َه َذا ّ
()3
الضيق َّ
إنه أسلوب السنة النبوية يف التنبيه إىل أمهية السنن االجتماعية وتأثريها على اجملتمع اإلسالمي ,وهنا
يأيت أسلوهبا يف سياق التوكيد بالقسم (لتتبعن) لتحذير املسلمني من اتباع السنن التارخيية لألمم املنحرفة
السابقة والسيما اليهود والنصارى؛ ألن ذلك االتباع األعمى ال ينجم عنه إال الضيق والضنك والفساد,
والواقع املعاصر من أسطع الباهني على صحة ذلك.
ال« :والَّ ِذي نَا ْف ِسي بِي ِدهِ لَتأْمر َّن بِالمعر ِ
وف َولَتَا ْنا َه ُو َّن ِ
َ َ ُُ َ ُْ َّيب قَ َ َ َ -ع ْن ُح َذيْ َفةَ بْ ِن اليَ َمان َ ,ع ِن النِ ِّ
اب لَ ُك ْم»(.)4 ِ ِ َع ِن الم ْن َك ِر أَو لَي ِ
وش َك َّن اللَّهُ أَ ْن يَا ْبا َع َ
ث َعلَْي ُك ْم ع َقابًا م ْنهُ ثُ َّم تَ ْدعُونَهُ فَ َال يُ ْستَ َج ُ ْ ُ ُ
( )1سنن النسائي ,كتاب القضاء ,باب احلرص على اإلمارة ,ح .5237مسند أمحد بن حنبل .145/12 ,قال شاكر:
إسناده صحيح.
يل ,ح .9832صحيح مسلم ,كتاب العلم ,باب اتباع ِ ِ ِ ِ ()2
اب َما ذُكَر َع ْن بَين إ ْسَرائ َ
صحيح البخاري ,كتاب بدء اخللق ,بَ ُ
سنن اليهود ,ح.8223
( )3عمدة القاري شرح صحيح البخاري ,أبو حممد حممود الغيتايب العيين.44-49/12 ,
( )4سنن الرتمذي ,أبواب الفنت ,باب ما جاء يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر ,ح .8123قال أبو عيسى :حديث
حسن.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 294
فأنت ترى أن النيب جعل من العاقبة اخلطرية اليت تبتلى هبا األمة يف أعقاب السكوت عن املنكر,
قانونا مستمرا أي سنة إهلية نافذة دائما.
ص َّ َّ ِ
ِ ِ
ين ظَلَ ُموا
ينب الذ َ ولقد أشار البيان اإلهلي إىل هذه السنة يف قول اهلل عز وجلَ ﴿ :واتَّ ُقوا فْت نَةً َال تُ َ
يد الْعِ َق ِ ِ ِمْن ُك ْم َخ َّ
اب ((﴾)85األنفال) ,وإمنا سبب تلك الفتنة السكوت على َن اللَّ َه َشد ُ
اص ًة َو ْاعلَ ُموا أ َّ
املنكر ,كما ذكر مجهور املفسرين.
إذن فنحن من هذه اآليات وهذين احلديثني ,أمام سنة ربانية ماضية يف عباده ,وهي أن أي جمتمع
يشيع فيه املنكر ,مع السكوت عليه ,يصبح عرضة للفنت وأنواع البالء واملصائب ,تصيب ذلك اجملتمع كله.
أما املقيمون على املنكر فيه ,فالرتكاهبم املنكر وعدم إقالعهم عنه .وأما البقية ممن مل يشرتكوا معهم يف
ارتكاهبم ,فلسكوهتم على املنكر الذي يرونه أو يعلمونه(.)1
فالسكوت عن املعاصي مع فشوها واإلعالن هبا من موجبات العقاب واهلالك ,ألن السكوت عليها
يُغري أصحاهبا بالتمادي فيها واستفحال أمرها وانتشارها بكثرة .وذلك قد يُعدي إىل كل طبقات اجملتمع
اإلسالمي ,فيصبح الناس كلهم منحلني من األخالق الكرمية واآلداب اإلسالمية السامية...
ولذلك؛ فإن األخذ على أيدي اجملرمني واملتهتكني والظاملني واملفسدين واإلنكار عليهم من أسباب
النجاة والصالح وانتشار الفضيلة واألخالق الكرمية ,وإمهال ذلك واإلعراض عنه يوجب العذاب ويسد يف
وجوه املسلمني عدم استجابة دعواهتم وهذا من أكب املصائب(.)2
الفرل السابع :عرض السنن اإللهية في سياق جملة الشرط والجزاء
يتجلى عرض السنة النبوية للسنن اإلهلية يف سياق اجلملة الشرطية ,ومقدمات السلوك البشري
ونتائجه ,أو ترتب اجلزاء اإلهلي على الفعل البشري أو امتناعه بسبب ذلك الفعل يف األحاديث اآلتية:
قوم يعمل فيهم بالمعاصي ،ثم ي ِ
قد ُرو َن رسول اهلل يقول« :ما ِمن ٍ عن ُه َشيم :وإين مسعت َ
َ َُُ
يعم ُه ُم اهلل منه بعقاب»(.)3
ك أن َّ على أن يغيِّروا ثم ال يغيَّروا إال ِ
يوش ُ ُ ُ
إهنا سنة من سنن اهلل يف تغيري النعم يف اجملتمعات إذا تقاعست عن مهمتها يف اإلصالح والتغيري
وركنت إىل املفسدين ومل تض رب على أيديهم ,ومل تغري املنكر مع القدرة على تغيريه بأحد الوسائل الشرعية,
فهو مداهنة مذمومة ,تستوجب العقوبة.
قال اإلمام النووي –رمحه اهلل" :-واعلم أن هذا الباب -أعين باب األمر باملعروف والنهي عن املنكر-
قد ضيع أكثره من أزمان متطاولة ,ومل يبق منه يف هذه األزمان إال رسوم قليلة جدا ,وهو باب عظيم به
( )1من سنن اهلل يف عباده ,حممد سعيد رمضان البوطي ,ص.111
( )2انظر :أسباب هالك األمم ,ص.73-72
( )3سنن أيب داود ,كتاب املالحم ,باب األمر والنهي ,ح ,4992قال األرنؤوط :حديث صحيح.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 295 جملة املدونة:
قوام األمر ومالكه ,وإذا كثر اخلبث عم العقاب الصاحل والطاحل ,وإذا مل يأخذوا على يد الظامل أوشك أن
يعمهم اهلل تعاىل بعقابه ,فليحذر الذين خيالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ,فينبغي
لطالب اآلخرة والساعي يف حتصيل رضا اهلل عز وجل أن يعتين هبذا الباب؛ فإن نفعه عظيم ال سيما وقد
ذهب معظمه وخيلص نيته وال يهادن من ينكر عليه الرتفاع مرتبته"(.)1
ولذلك فإن من األسباب اليت حتل العذاب العاجل يف األمم فشو املنكرات وشيوعها ,وذلك عندما
تقصر األمة يف القيام بواجبها يف األمر باملعروف والنهي عن املنكر.
قال العالمة القاري –رمحه اهلل" :-إذا كان الذين ال يعملون املعاصي أكثر من الذين يعملوهنا فلم
مينعوهم عنها عمهم العذاب .وقال العزيزي :ألن من مل يعمل إذا كانوا أكثر ممن يعمل كانوا قادرين على
رضا به"(.)2
تغيري املنكر غالبًا ,فرتكهم له ً
()3
اب الظالم أن تقول
عن عبد اهلل بن عمر :مسعت رسول اهلل يقول« :إذا رأيتم أُمتي تَا َه ُ
ِّل منهم»(.)4
له :إنك أنت ظالم ،فقد تُا ُود َ
واملعىن يف هذا" :أهنم إذا خافوا على أنفسهم من هذا القول فرتكوه كانوا مما هو أشد منه ,وأعظم من
القول ,والعمل أخوف ,وكانوا إىل أن يدعوا جهاد املشركني خوفا على أنفسهم ,وأمواهلم أقرب ,وإذا صاروا
كذلك فقد تودع منهم ,واستوى وجودهم وعدمهم"(.)5
إن احلديث النبوي الشريف يقرر سنة من سنن اهلل تعاىل االجتماعية؛ فحني يتعطل اإلحساس
باملسؤولية اجلماعية ,ويقع التسليم باملنكر ,فحينئذ تكون األمة يف طريقها إىل تغيري نعم اهلل هبا ,وحلول
نقمه وعقابه مبنازهلا؛ ألن سنة اهلل تعاىل ال حتايب أحدا ,وال تتعطل يف أي حال.
اب الْبَا َق ِر، ول« :إِذَا تَابَايَا ْعتُ ْم بِال ِْعينَ ِةَ ،وأ َ
َخ ْذتُ ْم أَ ْذنَ َ ول اللَّ ِه يَ ُق ُ
ت َر ُس َ ع ِن اب ِن عمر ,قَ َ ِ
الَ :مس ْع ُ َ ْ ُ ََ
ط اللَّهُ َعلَْي ُك ْم ذًُّال َال يَا ْن ِز ُعهُ َحتَّى تَا ْرِجعُوا إِلَى ِدينِ ُك ْم» .
()6
ادَ ،سلَّ َ الزر ِل ،وتَارْكتُم ال ِ
ْج َه َ ِ ِ
َوَرضيتُ ْم ب َّ ْ َ َ ُ
واحلديث يبني ثالثة أسباب من أسباب العقاب اإلهلي:
األول :املعاملة بالغش واخلديعة واخليانة وأنواع اخلالبة واملكر واحليل .فقد عب عن كل ذلك بنوع
واحد منها وهي العينة ألهنا من أقبح أنواع احليل واخلديعة ,ونبه هبا على كل ما ينايف النصيحة والعطفة
بالرأفة ومعاملة املسلمني باجلميل وما يعود عليهم بالنفع الكامل .وقد أصبح املسلمون اليوم من أغرق
الناس يف االتصاف هبذه الرذائل الساقطة.
ا لثاين :اتباع أذناب البقر واملراد بذلك لزوم احلراثة واستثمار األرض والتشاغل هبا عن الدين ومشاعره
ومهماته والتوغل يف االكتساب واالنقطاع إىل مجع الدنيا وحطامها .وعُب باتباع أذناب البقر ألن املخاطبني
وقته كانوا أهل زراعة وحراثة وفالحة ,وإال فكل أنواع االكتساب داخلة يف ذلك إذا ُشغل هبا املسلمون
عن مهمات دينهم الفردية واالجتماعية.
الثالث :ترك اجلهاد أي قتال أعداء الدين الذين استباحوا ثغور املسلمني ,وانتهكوا حرماهتم ,واعتدوا
على دينهم ومحاهم وأنفسهم وأمواهلم(.)1
الج َس ِد ُم ْ
ضغَةً :إِذَا ِ
ول« :أَالَ َوإِ َّن في َ ول اللَّ ِه يَ ُق ُ
ت َر ُس َ عن النُّعمان بن ب ِش ٍري ,ي ُق ُ ِ
ولَ :مس ْع ُ َ َ َْ
()2 ِ ُّ ُّ ِ
ْب» . س ُد ُكلهُ ،أَالَ َوه َي ال َقل ُ
الج َ
س َد َ ت فَ َ س َد ْ
س ُد ُكلهَُ ،وإذَا فَ َ
الج َ
صلَ َح َ
ت َ
صلَ َح ْ
َ
إن هذا احلديث النبوي الشريف يشري إىل جوهر قضية تربوية سلوكية ,أال وهي سنة اهلل يف القلوب.
فالسنن اإلهلية مرتبطة ارتباطا وثيقا بفقه القلوب .فصالح اإلنسان بصالح قلبه ,وصالح القلب أساس
صالح اجملتمع ,وفساده فساد لإلنسان واجملتمع.
قال سلطان العلماء العز بن عبد السالم –رمحه اهلل" :-مبدأ التكاليف كلها وحملها أو مصدرها
القلوب ,وأول واجب جيب -بعد النظر -معرفة اهلل ومعرفة صفاته ,وهي شرط يف مجيع عباداته وطاعاته,
والطاعات كلها مشروعة إلصالح القلوب واألجساد ,ولنفع العباد يف اآلجل واملعاد إما بالتسبب وإما
باملباشرة .وصالح األجساد موقوف على صالح القلوب ,وفساد األجساد موقوف على فساد القلوب.
ولذلك قال النيب « :أال وإن يف اجلسد مضغة إذا صلحت صلح اجلسد كله ,وإذا فسدت فسد
اجلسد كله أال وهي القلب» ,أي إذا صلحت باملعارف وحماسن األحوال واألعمال صلح اجلسد كله
بالطاعة واإلذعان ,وإذا فسدت باجلهاالت ومساوئ األحوال واألعمال فسد اجلسد كله بالفسوق
والعصيان.
وطاعة األبدان باألقوال واألعمال نافعة جبلبها ملصاحل الدارين أو إحدامها ,وبدرئها ملفاسد الدارين أو
إحدامها .واألحوال ناشئة عن املعارف؛ واملقصود :ناشئة عن املعارف واألحوال؛ واألعمال واألقوال ناشئان
عن القصود الناشئة عن املعارف واألحوال ,وأحكام اهلل كلها مصاحل لعباده ,فطوىب ملن قبل نصح ربه,
وتاب عن ذنبه"(.)3
ويقول اإلمام ابن قيم اجلوزية –رمحه اهلل" :-وملا كان القلب هلذه األعضاء كامللك املتصرف يف اجلنود,
الذي تصدر كلها عن أمره ,ويستعملها فيما شاء ,فكلها حتت عبوديته وقهره ,وتكتسب منه االستقامة والزيغ,
وتتبعه فيما يعقده من العزم أو حيله ,قال النيب « :أال وإن يف اجلسد مضغة إذا صلحت صلح اجلسد كله».
فهو ملكها ,وهى املنفذة ملا يأمرها به ,القابلة ملا كان يأتيها من هديته ,وال يستقيم هلا شيء من أعماهلا حىت
تصدر عن قصده ونيته .وهو املسؤول عنها كلها «ألن كل راع مسؤول عن رعيته»( )1كان االهتمام بتصحيحه
وتسديده أوىل ما اعتمد عليه السالكون .والنظر يف أمراضه وعالجها أهم ما تنسك به الناسكون.
وملا علم عدو اهلل إبليس أن املدار على القلب واالعتماد عليه ,أجلب عليه بالوساوس ,وأقبل بوجوه
الشهوات عليه ,وزين له من األقوال واألعمال ما يصده عن الطريق ,وأمده من أسباب الغي مبا يقطعه عن
أسباب التوفيق ,ونصب له من املصايد واحلبائل ما إن سلم من الوقوع فيها مل يسلم من أن حيصل له هبا
التعويق ,فال جناة من مصائده ومكائده إال بدوام االستعانة باهلل تعاىل ,والتعريض ألسباب مرضاته ,والتجاء
القلب إليه ,وإقباله عليه يف حركاته وسكناته ,والتحقق بذل العبودية الذي هو أوىل ما تلبس به اإلنسان
ك َعلَْي ِه ْم ُس ْلطَا ٌن﴾ [احلجر .]48 :فهذه اإلضافة هي ِ ِ ِ
س لَ َ
ليحصل له الدخول يف ضمان ﴿إ ّن عبَادي لَْي َ
القاطعة بني العبد وبني الشياطني .وحصوهلا يسبب حتقيق مقام العبودية لرب العاملني .وإشعار القلب
إخالص العمل ودوام اليقني ,فإذا أشرب القلب العبودية واإلخالص صار عند اهلل من املقربني ,ومشله
ِ ِ ِ
ني﴾ [احلجر.)2("]45 : استثناء ﴿إِالّ عبَ َاد َك مْن ُه ُم الْ ُم ْخلَص َ
خاتمة البحث:
هكذا اعتىن احلديث النبوي الشريف بالسنن اإلهلية عناية كبرية ,ويتجلى ذلك يف فأساليبه املتنوعة يف
عرضها :إما بعرضها من خالل قصص الغابرين ,وإما بالتنبيه عليها باألمثال النبوية ,أو احلديث عنها يف
سياق ترتب املسببات على أسباهبا ,أو يف سياق ما يرتتب على أفعال البشر السيئة من نتائج ,أو التوكيد
يف سياق القسم ,أو يف سياق اجلملة الشرطية ,أو من خالل ما تضمنته أحاديث فنت آخر الزمان من بيان
لسنن اهلل تعاىل الثابتة واملطردة .وأ غري ذلك.
هذه أهم أساليب احلديث النبوي الشريف يف عرض السنن اإلهلية ,وقفنا عليها من خالل استقرائنا
لنماذج من نصوصه ,وتدبرنا أللفاظها.
واحلمد اهلل رب العاملني يف البدء واخلتام.
ول َع ْن َر ِعيَّتِ ِه »...انظر احلديث بطوله يف :صحيح البخاري ,كتاب اجلمعة,
قال النيب ُ « :كلُّ ُك ْم َر ٍاعَ ,وُكلُّ ُك ْم َم ْسئُ ٌ
()1
باب اجلمعة يف القرى واملدن ,ح .259صحيح مسلم ,كتاب اإلمارة ,باب فضيلة اإلمام العادل ,وعقوبة اجلائر ,واحلث
على الرفق بالرعية ,والنهي عن إدخال املشقة عليهم ,ح.1283
( )2إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان.2-5/1 ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 298
- .5أسباب هالك األمم وسنة اهلل يف القوم اجملرمني واملنحرفني ,أبو الفتوح عبد اهلل التليدي ,دار البشائر
اإلسالمية ,بريوت-لبنان ,ط1412 :8ه 1332/م.
- .2إعالم املوقعني عن رب العاملني ,حممد بن أيب بكر بن أيوب ابن قيم اجلوزية( ,ت751 :ه ),
حتقيق :حممد عبد السالم إبراهيم ,دار الكتب العلمية ,بريوت ,ط1411 :1ه 1331/م.
- .4إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ,ابن قيم اجلوزية ,حتقيق :حممد حامد الفقي ,مكتبة املعارف,
الرياض.
- .3السنن اإلهلية يف احلياة اإلنسانية وأثر اإلميان هبا يف العقيدة والسلوك ,شريف الشيخ صاحل أمحد
اخلطيب ,مكتبة الرشد لنشر والتوزيع-الرياض ,الدار العثمانيةَ -ع َّمان ,ط1485 :1ه 8554/م.
- .5سنن الرتمذي ,أبو عيسى حممد بن عيسى بن َس ْورة بن موسى بن الضحاك الرتمذي( ,ت:
873ه ) ,حتقيق وتعليق :أمحد حممد شاكر ,وحممد فؤاد عبد الباقي ,وإبراهيم عطوة عوض ,شركة مكتبة
ومطبعة مصطفى البايب احلليب ,مصر ,ط 1935 :8ه 1375/م.
- .6سنن أيب داود ,أبو داود سليمان بن األشعث بن إسحاق بن بشري بن شداد بن عمرو األزدي
الس ِجستاين (املتوىف875 :ه ) ,حتقيق :شعيب األرنؤوط وحم َّمد ِ
كامل قره بللي ,دار الرسالة العاملية ,ط:1 َ َ ِّ ْ
1495ه 8553/م.
- .7سنن ابن ماجه ,أبو عبد اهلل حممد بن يزيد (ماجة) القزويين ,وماجة اسم أبيه يزيد (ت879 :ه ),
حتقيق :حممد فؤاد عبد الباقي ,دار إحياء الكتب العربية-فيصل عيسى البايب احلليب.
- .8سنن النسائي ,أبو عبد الرمحن أمحد بن شعيب بن علي اخلراساين النسائي (ت959 :ه ) ,حتقيق:
عبد الفتاح أبو غدة ,مكتب املطبوعات اإلسالمية ,حلب ,ط1452 :8ه 1322/م.
- .1شعب اإلميان ,أبو بكر أمحد بن احلسني بن علي بن موسى اخلُ ْسَرْوِجردي اخلراساين البيهقي (ت:
452ه ) ,حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه :عبد العلي عبد احلميد حامد ,أشرف على حتقيقه وختريج
أحاديثه :خمتار أمحد الندوي ,مكتبة الرشد-الرياض ,الدار السلفية بومباي باهلند ,ط:1
1489ه8559/م.
- .50شفاء العليل يف مسائل القضاء والقدر واحلكمة والتعليل ,أبو عبد اهلل حممد بن أيب بكر أيوب
الزرعي ,دار املعرفة ,بريوت ,لبنان1932 ,ه 1372/م.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 299 جملة املدونة:
- .55صحيح البخاري (اجلامع املسند الصحيح املختصر من أمور رسول اهلل وسننه وأيامه) ,أبو عبد
اهلل حممد بن إمساعيل البخاري اجلعفي (ت852 :ه ) ,حتقيق :حممد زهري بن ناصر الناصر ,دار طوق
النجاة ,ط1488 :1ه .
– .52صحيح مسلم ( املسند الصحيح املختصر بنقل العدل عن العدل إىل رسول اهلل ,)أبو احلسن
مسلم بن احلجاج القشريي النيسابوري (ت821 :ه ) ,حتقيق :حممد فؤاد عبد الباقي ,دار إحياء الرتاث
العريب ,بريوت.
- .54عمدة القاري شرح صحيح البخاري ,أبو حممد حممود بن أمحد بن موسى بن أمحد بن حسني
الغيتايب احلنفي بدر الدين العيين (ت255 :ه ) ,دار إحياء الرتاث العريب-بريوت.
- .53عون املعبود شرح سنن أيب داود ,ومعه حاشية ابن القيم :هتذيب سنن أيب داود وإيضاح علله
ومشكالته ,أبو عبد الرمحن شرف احلق حممد أشرف بن أمري بن علي بن حيدر الصديقي العظيم آبادي
(ت1983 :ه ) ,دار الكتب العلمية – بريوت ,ط1415 :8ه .
- .55فتح الباري شرح صحيح البخاري ,أمحد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالين الشافعي (ت:
258ه ) ,رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه :حممد فؤاد عبد الباقي ,قام بإخراجه وصححه وأشرف على طبعه:
حمب الدين اخلطيب ,عليه تعليقات :عبد العزيز بن عبد اهلل بن باز ,دار املعرفة -بريوت1973 ,ه .
- .56قواعد األحكام يف مصاحل األنام ,أبو حممد عز الدين عبد العزيز بن عبد السالم بن أيب القاسم بن
احلسن السلمي الدمشقي ,امللقب بسلطان العلماء (ت225 :ه ) ,راجعه وعلق عليه :طه عبد الرؤوف
سعد ,مكتبة الكليات األزهرية ,القاهرة1414 ,ه 1331/م.
- .57جمموع الفتاوى ,ابن تيمية ,حتقيق :عبد الرمحن بن حممد بن قاسم ,جممع امللك فهد لطباعة
املصحف الشريف ,املدينة النبوية ,اململكة العربية السعودية1412 ,ه 1335/م.
- .58مسند اإلمام أمحد بن حنبل ,أبو عبد اهلل أمحد بن حممد بن حنبل بن هالل بن أسد الشيباين (ت:
841ه ) ,حتقيق :أمحد حممد شاكر ,دار احلديث – القاهرة ,ط1412 :1ه 1335/م.
– .51من سنن اهلل يف عباده ,حممد سعيد رمضان البوطي ,دار الفكر ,دمشق ,ط.8511 :1
- .20املنهاج شرح صحيح مسلم بن احلجاج ,أبو زكريا حميي الدين حي بن شرف النووي (ت:
272ه ) ,دار إحياء الرتاث العريب ,بريوت ,ط1938 :8ه .
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 311
مقدمة
احلمد هلل والصالة والسالم على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه ومن واله,,,,وبعد
خرج أحاديث طالعت كتاب نصب الراية لإلمام الزيلعي)1(,وظهر يل أمهيته ,وأنَّه أمجع ٍ
كتاب َّ ُ فلما
َّ
َ
األحكام ,إالَّ أنَّه وقَع فيه ُ
بعض األحاديث اليت قال فيها الزيلعي:غريب جداً ,أو غريب ,اصطالحاً منه على
عت هذه األحاديث فبلغت خرجها ,أواختصرها ,فتَتبَّ ُ عدم وقوفه عليها ,وكذا مل ُخيرجها غريه,ممن شرح اهلداية ,أو َّ
مجعها وخترجيها
أيت من متام ال َفائدة َستة وثالثين حديثاً وأثراً ,أشار املتَّعقبون إىل ختريج بعضها ,و َترُكوا ُجلَّها ,فر ُ
حال أسانيدها. االشارة إىل ِ
و َ
أهمية البحث وأسباب اختياره
يمةَ كتاب"الهداية في شرح بداية المبتدي"للمرغيناين(ت539:ه) وكونه من أهم مصادرِ ِ
ال يُنكُر فقيهٌ ق َ
العلماء ,فمنهم من شرحه ,ومنهم من ُعين بتخريج أحاديثه ,كاإلمام مجال الفقه احلنفي ,وقد َحظي باهتمام ُ
الزيلعي يف كتابه نصب الراية ,وقد َح ِظي هذا التَّخريج مبا َح ِظي به أصلُهُ من االهتمام ,فتعقبه ,واختصره, الدين َّ
واستدرك عليه غري واحد من األئمة ,ورغم ذلك وقع فيه مجلةٌ من األحاديث واآلثار مل ُخيرجيها الزيلعي ,أو ممن
ضييق الثَّغرة ,والتَّتميم هلذا املصدر ُ اع ِد ِّ
اجلد باذالً ما يف الوسع يف َمجعها وخترجيها ,قَصداً لتَ ِ تعقبه؛ لذا مشَّرت عن س ِ
َ َّ
امل ِهم يف بابه ,ومجعاً الستدراكات املستدركني عليه ,فكان اختيار البحث.
الدراسات السابقة
()1هو اإلمام الفاضل واحملدث املفيد مجال الدين أبو حممد عبد اهلل بن يوسف بن يونس ابن حممد احلنفي الزيلعي أحد كبار حفاظ احلديث
يف القرن الثامن اهلجري وأهم مصنفاته ":اإلسعاف بأحاديث الكشاف " و " نصب الراية ألحاديث اهلداية ",ترمجته يف :الدرر الكامنة / 1
, 838
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 311 جملة املدونة:
مل أقف على دراسات حديثة ملوضوع البحث ,ولكن هناك بعض احملاوالت للتَّعقب واالستدراك على نصب
الراية قام هبا بعض ُشَّراح اهلِ َداية أو خمرجيها كابن اهلمام يف فتح القدير()1والبدر العيين يف البناية()2والبابريت يف
العناية ()3وابن أيب العز يف التنبيه على مشكالت الهداية ()4أوممَن اختصر نصب الراية كاحلافظ ابن حجر
يفالدراية()5أو استدرك عليه كالقاسم بن قطلوبغا يف منية األلمعي()6إالَّ َّأهنا كانت غري كافية ,مما دفعين إىل
استكمال هذه احملاوالت ,وتتميم"نصب الراية".
خطة البحث
وخامتة.
حث إىل ُمقدمة ومبحثَني َ
قسمت البَ َ
َّ
السابقة ,و ُخطَّتَهُ ,وَمْن َه َجهُ.
الدراسات َّ فأما المقدمةُ :
فبينت فيها أمهيةَ البحث ,و ِّ
وأما المبحث األول :التَّعريف بكتايب"الهداية"و"نصب الراية"وهو يف مطلبني:
األولى:التعريف بالكتاب. المطلب األول:التعريف بكتاب الهداية لإلمام املرغيناين وهو يف نقطتني.
ِ
الثانية :قيمةُ الكتاب من خالل عنَاية ُ
العلماء به.
المطلب الثاني :التَّعريف بكتاب نصب الراية ألحاديث الهداية لإلمام الزيلعي وحملة إىل ترتيبه ,ومنهجه
وأهم
الثانية:حملة إىل ترتيبه ومنهجه وأهم مميزاته. مميزاته وهو يف نقطتني .األولى:التعريف بالكتاب.
وأما المبحث الثاني:األحاديث اليت استغرهبا الزيلعي يف كتابه"نصب الراية" وجاء يف سبعة مطالب هي:
المطلب األول :األحاديث اليت استغرهبا الزيلعي يف(العبادات).
المطلب الثاني :األحاديث اليت استغرهبا الزيلعي يف كتايب النِّكاح ,والطَّالق.
المطلب الثالث :األحاديث اليت استغرهبا الزيلعي يف كتايب احلدودَّ ,
السري.
المطلب الرابع :األحاديث اليت استغرهبا الزيلعي يف (املعامالت).
المطلب الخامس :األحاديث اليت استغرهبا الزيلعي يف كتايب َّ
الذبائح ,والكراهية.
( )1فتح القدير .لكمال الدين حممد بن عبد الواحد السيواسي املعروف بابن اهلمام (املتوىف221 :ه ) .الناشر :دار الفكر.الطبعة.
( )2البناية شرح اهلداية أليب حممد حممود بن أمحد بن موسى بن أمحد بن حسني الغيتاىب احلنفى بدر الدين العيىن (ت255 :ه ).
()3العناية شرح اهلداية حمل مد بن حممد بن حممود ,أكمل الدين أبو عبد اهلل ابن الشيخ مشس الدين ابن الشيخ مجال الدين الرومي البابريت (ت
722ه )
علي ابن أيب العز احلنفي (ت 738 :ه )حتقيق عبد احلكيم بن حممد شاكر وآخر نشر :مكتبة ()4التنبيه على مشكالت اهلداية لصدر الدين ّ
الرشد ناشرون -السعودية .األوىل 1484 ,ه 8559 -م
()5الدراية يف ختريج أحاديث اهلداية.أليب الفضل أمحد بن علي بن حجر العسقالين (ت 258ه ).حتقيق السيد هاشم اليماين نشر:دار
املعرفة – بريوت
( )6قاسم بن قطلوبغا بن عبد اهلل احلنفي ت 273/ه ترمجته يف :الضوء الالمع ألهل القرن التاسع .للحافظ السخاوي ت 358 /ه .
, 124 /2البدر الطالع مبحاسن من بعد القرن السابع 45 / 8لإلمام الشوكاين حممد بن علي ت 1855 /ه ط /مطبعة السعادة مصر
طبعه /اجمللس العلمي بداهبيل سورت اهلند األوىل سنة 1957ه 1392م
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 312
المطلب السادس :األحاديث اليت استغرهبا الزيلعي يف كتايب إحياء املوات ,واألشربة.
المطلب السابع :األحاديث اليت استغرهبا الزيلعي يف (اجلنايات).
يسر االست َفادة منه.
أهم التَّوصيات ,وال َف َهارس العلمية اليت تُ ِّ الخاتمةُ :
وبينت فيها نتائج البحث ,و َّ
منهج البحث
اتبعت في كتابة البحث الخطوات التَّالية:
ُ
عت ما قال فيه الزيلعي(:غريب جداً) أو (غريب) مما مل جيده بلفظه ,أو بلفظ مقارب ,أو مبعناه, تَتَبَّ ُ
أومل جيد له شاهداً ,أو مل يعلق عليه ,فقمت جبمعها.
األحاديث حسب وقوعها يف األصل[نصب الراية] وبينت موضعها فيه باهلامش. رت ِ
َّبت تلك َ ُ
لكل حديث ,أو أثر حبسب عنوان الكتاب الذي وقع حتته يف األصل.وضعت عنواناً ِّ
ُ
وضعت احلديث أو األثر الَّذي استغربه الزيلعي داخل مستطيل باللفظ الذي ذكره فأقول:قال الزيلعي
ُ
مث أذكره ,وأذكر تصرحيه باستغرابه.
كالم من تَع َقبه من الشَّارحني أو املستدركِني أو املختَصريِن للهداية.
الزيلعي َ
عقب ِ
كالم َّ ذكرت َ ُ
العلماء أو احملققني يف احلكم عليه فإ ْن
كل حديث مبا يُبني َحالهُ ,من خالل كالم من تقدم من ُ أعقبت َّ
ُ
الرواة ,ما مل يكن احلديث يف الصحيحني أو أحدمها. رت إىل َحال ُّأش ُ
مل أجد َذلك َ
األحاديث واآلثار اليت مل أقِف عليها أو ال أصل هلا ,ذكرهتا ,وذكرت عقبها كالم العلماء؛ رجاءَ أن
يقف عليها
سع والطَّاقة.
الو َ
بذلت يف ذلك ُ
غريي ممن يقرأها ,بعد أن ُ
الص َحابة ,أو
خرجته عنه ,وإال َخَّرجته عن َغريه من َّ
وجدت احلديث أو األثر بلفظه عن راويه األعلى َّ
ُ إذا
التَّابعني ,أو َخَّرجته مبعناه.
بعض الرموز ,فأشري للكتاب داخل املصدر ب (ك) وللباب ب (ب) واحلديث ب (ح) وللرتمجة ب استعملت َ
ُ
(ت).
يث أو ال َقول د ِ وضع ِ
احلد ِ ِ ٍ ٍ
اخ َل مصدره. َ ملصدرِه ,وكل قول لقائلةُ ,حم ِّد َداً َم َ
حديث َ كل
عزوت َّ
ُ
ُ
بينت األلفاظ الغريبة أو املشكلة داخل النُّصوص أو النُّقول .
صدَّرت كل قول يل بكلمة (قلت) [هكذا] بارزة حىت تفرتق عن أقول غريي.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 313 جملة املدونة:
المبحث األول
التعريف بكتابي«الهداية»و«نصب الراية»
المطلب األول وهو يف مطلبني :
التعريف بكتاب"الهداية" لإلمام المرغيناني()1وقيمته من خالل عناية العلماء به.
أوالً :التعريف بكتاب"الهداية":
صنَّف املرغيناين كتاباً َمسَّاهُ(بداية المبتدئ)مجع فيه كتايب(الجامع الصغير)حملمد بن احلسن الشيباين و(متن
ال ُق ُدوري) ()2يف فقه احلنفية ,وز َاد عليهما مسائل عند الضرورة ,مث َشَر َحهُ يف كتاب مسَّاه(كفاية المنتهي في شرح
()3
على الوعد يف مبدأبداية المبتد ) مث اختصره يف كتاب مساهُ(الهداية) يقول صاحب اهلداية :وقد جرى َّ
الوعد يسوغُ بعضفشرعت فيه ,و ُ
ُ (بداية المبتد ) أن أشرحها بتوفيق اهلل تعاىل شرحاً أرمسه ب (كفاية المنتهي):
ألجلِ ِه الكتاب,
يت أن يُهجر ْ
املساَغ ,وحني أكاد أتَّكئ عنه اتِّكاء الفراغ ,تبينت فيه نُبذاً من اإلطنَابِ ,
وخش َُ َ ُ
ِ
ومتون
الروايةُ , العنا َن والعنَاية إىل شرٍح آخر موسوم ب (الهداية) ُ
أمجع فيه بتوفيق اهلل تعاىل بني عيون ِّ رفت َفص َُ
نسحب عليها
ُ مل على أُصول يَ
اإلسهاب ,مع أنَّه يشتَ ُ
عرضاً عن هذا النَّوع من َ
الدراية ,تَاركاً الزوائد يف كل باب ُم َ
ِّ
فصول أ.ه
بول من ثانياً:قيمةُ كتاب(الهداية)من خالل عناية العلماء بهَ :حظي كتاب(الهداية) باهتمام بَالغ ,ونَ َ
ال ال َق َ
اصة ,والع َّامة من أصحاب املذهب احلنفي ,و ِ
املذاهب األخرى ,ويتَجلَّى هذا ال َقبول واالهتِ َمام يف ُمالزمة بعض اخلَ َّ
َ
رف بعضهم ب (قارئ الهداية) كاحلافظ سراج الدين الكناين( )4وغريه. يسهُ طُوال حياته حىت ُع َ
العلماء قراءتَهُ ,وتَ ْدر َ
بعض ُهم إىل ِحفظها كمحمد بن احلسن احلليب( ,)5وكاحلافظ مجال الدين انصرف ُ
َ وأبعد من هذا :أنه
الزرندي(.)6
وحو ٍ
اش, ومن مظاهر االهتمام والقبول ما صنِّف حول(الهداية)من مصن ٍ
وشروح ,وخترجياتَ , َّفاتُ , ُ ُ ُ
()7 وخمتَ ٍ
صرات ,فقد ذكر صاحب(كشف الظنون) له أكثر من ستني شرحاًَ ,
إضافةً إىل ما عليه من احلواشي َ
()1اإلمام برهان الدين أبو احلسن علي بن أيب بكر بن عبد اجلليل الصديقي ,الفرغاين ,املرغيناين ,احلنفي ت 539/ه ومن مصنفاته :
بداية املبتدى" و"اهلداية لشرح البداية" ,و"كفاية املنتهى يف شرح بداية املبتدى" و"معجم الشيوخ" وغري ذلك.ترمجته يف :السري ت -112 /
898 /8
()2القدوري :بضم القاف والدال املهملة والراء بعد الواو هذه النسبة إىل القدور أ .ه األنساب ( )425 / 4اللباب ()13 / 9
( )3اهلداية . 11 /1
()4كاحلافظ :سراج الدين عمر بن على الكناين ت 283 /ه .وترمجته يف :إنباء الغمر , 973 /9الضوء الالمع 153 /2
()5قال القرشي يف ترمجة :حممد بن احلسن احلليب حفظ اهلداية يف صغره ,وعرضه على مجاعة .اجلواهر املضية ت. 47 /8-158 /
الس َخاوي يف ترمجتة :سعيد بن حممد األنصاري الزرندي احلنفي :حفظ اهلداية :أ.ه .الضوء الالمع ت.144 /8 355 / ()6قال احلافظ َّ
()7كشف الظنون ()8588 /8
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 314
والتَّحقيقات.قال الشيخ البنوري(: )1مل ُخيدم كتاب يف الفقه من املذاهب األربعة مثل كتاب(الهداية)ومل يُتَّفق على
ِ ِِ ِ شرح كتَ ٍ
نني مثل ما اتَّفقوا على كتاب(الهداية)ونَ َ
اهيك هبذا اب يف الفقه م َن ال ُفقهاء واحملدثني ,واحلُفاظ املتق َ
وم إياه بالقبول,
اإلقبَال العظيم ,وتَلَقَّي ال َق ُ
ساجل أو تُباَرى ؟أ.ه
وشَرفاً أمثال هؤالء األعيان من شارحيه ,وخمرجيه ,فهل هذه املزية تُ َ ضالً َ فكفي لكتابه فَ ْ
المطلب الثاني
التعريف بكتاب"نصب الراية"ولمحةٌ إلى ترتيبه ،ومنهجه ،وأهم ميزاته.
أوالً :التَّعريف بكتاب "نصب الراية".
أن َ ِ سبقت اإلشارة إىل َّ
كل حكم من الكتاب والسنَّة كتاب(الهدايَة)مجع فيه مؤلفه األحكام الفقهيةَ ,
ودليل ِّ
العلماء به تَدريساً وحفظاً ,وكذلك ما اخلاص ِة و َّ ِ ِ واإلمجاع وغريها ,وظهرت قيمته من خالل ِ
العامة ,وعناية ُ َّ قبول ُ
الشروح واحلَواشي والتَّخرجيات ,وكان من أهم هذه التَّخرجيات كتاب(نصب الراية ألحاديثصنِّف حوله من ُّ ُ
خرج فيه الزيلعي األحاديث واآلثار الواردة يف كتاب(الهداية).
الهداية) َّ
مجع قَدراً كبرياً جداً من أحاديث األحكام ,مع بيان خمرجيها
ين بالفوائدَ ,ونصب الراية كتاب زاخر بالعلم َغ ٌ
وجرح رواهتا وتعديلهم ,وبيان ِعللها ودخائلها ,وصحيحها وسقيمها ,مع ِ
بتوس ٍع ,وذكر أسانيد قسم كبري منهاَ ,
اإلنصاف واالعتدال؛ وهلذا كان له مزايا جعلته يف طليعة كتب التخريج ,والدَّارس له املتتبع ملزاياه يقف على الكثري
منها ,ومن املمكن إرجاع هذه املزايا إىل أمرين :األمر األول :كونُهُ كتاب ختريج ورواية .األمر الثاين :كونه كتاب
تعليل ودراية()2أ.ه
ثانياً :لمحة إلى ترتيبه ومنهجه وأهم مميزاته :جاء تريبه على النحو التايل:
الزيلعي خترجيه لألحاديث على تَرتيب أصله[الهداية].
رتَّب احلافظ َّ
استعمل َّ
الرتقيم اللفظي يف عد األحاديث بادئاً َعدَّه مع بداية كل كتاب أو باب ,ملحقاً الفصل بالباب
يف الرتقيم.
احلديث دليالً لغري احلنفية عنون هلا بقوله"أحاديث
ُ اآلثار املوقوفة يبدأ يف خترجيَها بكلمة "قوله"وإذا كان
الخصوم".
ينقل احلديث الذي يريد خترجيه من(الهداية) بلفظه أو قريباً منه ,مث يبدأ يف خترجيه بكلمة (قلت) مث
ُ
يعزوه ملن َخَّر َجهُ
وري ,نزيل القاهرة ,وعضو اجمللس العلمي اهلند ,واملدرس باجلامعة اإلسالمية داهبيل
( )1هو حممد يوسف بن السيد حممد مزمل شاه البَنُ ِّ
سورت اهلند قام بالتقدمة .باختصار
( )2دراسة حديثية مقارنة ص 178 /باختصار .
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 315 جملة املدونة:
يَ ْذكر يف َكث ٍري من األحيَان أدلة املذاهب الثالثة األخرى غري املذهب احلنفي ,وجعل هلا عنواناً خاصاً يف
الدراية
الرواية ,و ِّ كتابه يذكرها حتته وهو قوله:أحاديث الخصوم فيذكر أحاديثهم وأدلتهم ,مع التَّتبع ,والتَّ ُّ
وس ِع يف ِّ
كما هو شأنه يف ختريج أدلة مذهبه ,وغريه مما يذكره املرغيناين أ.ه وهلذا الكتاب مزايا عديدة غري ما تقدَّم.
المبحث الثاني
تخريج األحاديث التي استغربها الزيلعي في"نصب الراية"
المطلب األول وهو يف سبعة مطالب:
األحاديث التي استغربها الزيلعي في أبواب(العبادات)
كتاب الطهارات
بعض
ُ اعا .وقال يف البناية)3(:ليس هذا موجود يف ال ُكتب املتعلِّقة بنفس األحاديث واألخبار ,وقال َمسَ ً
أجل عن الكذب .قلت :هذا يَسلم إذا ألن َمنصبه َّ الشراح:الظاهر أنَّه ِمسع من َّ
الصحايب ,وهو مسع من النَّيب َّ ُّ
ثبت النقل عنه ,وقال األكمل :الظاهر أنَّه ٌ
منقول عن النيب قلت :هذا أيضاً إمنا يصح إذا ثبت عنه أوالً ,ومل
يثبت ,فكيف يقال :الظاهر أنه منقول؟ قلت :وقفت عليه مرفوعاً ,وموقوفاً من قول سفيانرمحه اهلل مبثله.
= فأما المرفول فأخرجه يعقوب الفسوي()4والخطيب البغدادي من طريقه()5قال يعقوب قال«:أَبُو َد ُاوَد
ال إِ ْس َح ُ ٍ ٍ امسُهُ ُسلَْي َما ُن بْ ُن َع ْم ٍرو ,قَ َد ِر ٌَّّخعِ ُّي ْ
ب ُجمَا ِوبَهُ .قَ َ يَ ,ر ُج ُل ُسوءَ ,ك َّذاب َكا َن يُ َك ِّذ ُ
()6
اق[بن راهوية] :أَتَ ْي نَاهُ الن َ
ال :اللَّهُ أَ ْكبَ ُر َح َّدثَِين حي بن سعيد ني ِم َن الطُّ ْه ِر؟ فَ َق َضتَ ْ ِ
احلَْي َ
ني ْض َوأَ ْكثَ ِرهِ َوَما بَ ْ َ ف ِيف أَقَ ِّل ْ
احلَْي ِ يش تَ ْع ِر ُ فَ ُقْلنَا لَهُ :إِ ْ
يَ و َج ْع َف ِر بْ ِن ُحمَ َّم ٍد َع ْن أَبِ ِيه َع ْن اخلُ ْد ِر ِّ
يد ْعن سعيد بن املسيب ع ِن النَِّيب وحدَّثَنا أَبو طُوالَةَ عن أَِيب سعِ ٍ
َ ََ َ ُ َ َْ ِّ َ
ْح ْي َ ِ ُّ ِ
ش َر
سةَ َع َ ضتَا ْي ِن م َن الط ْه ِر َخ ْم َ ض ثََالثَةٌ َوأَ ْكثَا ُرهُ َع ْش ٌرَ ،وأَقَ ُّل َما بَا ْي َن ال َ ْح ْي ِ ال :أَقَلُّ ال َ َّيب قَ َ َجدِّه َع ِن النِ ِّ
َّخعِ ُّي وهو كذاب( .)7وأورده :ابن يَا ْوًماَ .وَكا َن هو وأبو البخرتي يضعون احلديث .قلت :فيه أَبُو َد ُاوَد الن َ
اجلوزي()8واأللباين()9وقال :قد رواه بعض املرتوكني عنه عن يزيد بن جابر عن مكحول عن أيب قال البيهقي يف
()10
ضعفها يف(اخلالفيات).وسئل شيخ اإلسالم َ بينت
سننه :وقد روي يف أقل احليض وأكثره أحاديث ضعاف ,قد ُ
ابن تيمية عن هذا احلديث فأجاب بقوله :باطل ,بل هو كذب موضوع باتفاق علماء احلديث .وقال
()11
أقل احليض وأكثره ما يَصلُح للتمسك به ,بل مجيع الوارد يف ذلك إما موضوع ,أو الشوكاين :مل يأت يف تقدير ِّ
ضعيف مبرة .قلت وهذا أعدل وأوجز ما يقال كخالصة هلذا التَّحقيق.أ ه
أخرجه الدرامي()12قال:أخبنا حممد بن يوسف قال:قال رمحه اهلل = وأما الموقوف فمن قول سفيان
سفيان«:الطهر خمس عشرة» قلت :رواته ثقات .وأورده:ابن املنذر يف األوسط()1قال :قال سفيان :وزعم أبو
ثور أهنم ال خيتلفون فيما
( )1ابن املنذر يف األوسط ك /احليض ذكر حد أقل الطهر . 151 / 9
( )2نصب الراية ك /الطهارات ب /احليض احلديث الثامن . 854 / 1
( )3الدراية ك /الطهارة ب /احليض ح . 23 / 1 77 /
ِ ٍ ِ ()4هو أَ ْن تَ ُش ّد فَرجها ِِخبرقٍَة ع ِر ٍ
وسطها ,فَتَ ْمنَ ُع بِ َذل َ
ك َسْيل الدَّم أ.ه طرفَ ْيها ِيف َش ْيء تَ ُش ّده َعلَى َ
يضة بَ ْع َد أَ ْن َحتْتَشي قُطْنا ,وتُوث َق َ
ْ ََ ْ َ َ َُ
النهاية()814 /1
()5أخرجه احلاكم يف املستدرك .ك /معرفة الصحابة ب/ومن نساء قريش الاليت...ح 28/ 4- 2224/ومل يعلق عليه وكذا الذهيب
()6اجملموع ( )595 /8املؤلف :أبو زكريا حميي الدين حي بن شرف النووي (املتوىف272 :ه ) الناشر :دار الفكر
()7البناية ()275 /1
()8أخرجه البخاري ك /الوضوء بَ /غ ْس ِل الدَِّم حَ )55 /1( - 882/ع ْن َعائِ َشةَ رضي اهلل عنهما .
( )9السنن الكبى ك /احليض ب /املستحاضة تغسل عنها أثر الدم وتغتسل وتستثفر ....ح. 947 / 1 1587 /
()10تقريب التهذيب ح( -9427 /ص)914 :
()11تقريب التهذيب ت( -9538/ص)981 :
()12يف صحيحه( اإلحسان )يف كتاب الطهارة باب احليض واالستحاضة ح . 123 / 4 -1955 /قال احملقق إسناده صحيح
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 319 جملة املدونة:
أخبنا حممد بن أمحد بن النضر يف عقب خب أيب محزة قال حدثنا حممد بن علي بن احلسن بن شقيق قال
رسول اهلل مسعت أيب يقول حدثنا أبو عوانة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي اهلل عنها قالتُ «:سئل ُ
صالة». وضأ عن َد ُك َّل َ َيام َها ثم تَاغْتَ ِسل غُ ْسال واحداً ثُم تتَ َ الصالة أ َ تدل َّستحاضة فقالُ «: َ الم
عن ُ
يب َع ْن ُعْرَوةَ َع ْن َعائِ َشةَ ش َع ْن َحبِ ٍ ِ ِ
قال:حدَّثَنَا َعل ُّي بْ ُن َهاش ٍم َحدَّثَنَا ْاأل َْع َم ُ
()1
َ وأخرجه أحمد في مسنده
تت :أَتَ ْقَالَ ْ
ك ،ثُ َّم ا ْغتَ ِسلِي، ضِ
َ َ الَ «:د ِعي َّ
الص َالةَ أَيَّام ح ْي ِ ت فَ َق َضُ ت :إِ ِّين ْ
استَ َح ْ َّيب فَ َقالَ ْش النِ َّت أَِيب ُحبَ ْي ٍ ِ
فَاط َمةُ بِْن ُ
صي ِر». وتَاوضَّئِي ِع ْن َد ُك ِّل ص َالةٍ ،وإِ ْن قَطَر َعلَى الْح ِ
َ َ َ َ ََ
()2
=وحديث أم حبيبة أخرجه محمد بن الحسن في اآلثار قال حممد:أخبنا أيوب بن عتبة قاضي
اليمامة عن حي بن أيب كثري عن أيب سلمة بن عبد الرمحن بن عوف ,أن أم حبيبة بنت أيب سفيان رضي اهلل
وضأ لِ ُك ِّل
ام أقْا َرائِ َها ثُ َّم تَاتَ َ
ت أَيَ َ
ض ْ عنهما سألت رسول اهلل عن املستحاضة ,فقال«:تَاغْتَ ِس ُل غُ ْسالً إِذَا َم َ
صلِّي» قلت:وفيه أيوب ابن عتبة اليمامي أبو حي القاضي وهو ضعيف()3وبقية رواته ثقات. ص َالة وتُ ََ
()4
= وحديث سودة بنت زمعة رضي اهلل عنها أخرجه الطبراني في األوسط قال:حدثنا مورع بن عبد اهلل نا
احلسن بن عيسى نا حفص بن غياث عن العالء بن املسيب عن احلكم بن عتيبة عن جعفر عن سودة بنت زمعة
ِ ِ
أقرائِ َها الَّتِي َكانَت تَ ْجلس ف َ
يها ثُ َّم ام َ الصالة أَيَ َ
ل َّاضة تَ َد ُ
المستَ َح َ
رضي اهلل عنها قالت :قال رسول اهلل ُ «
ص َالة» وقال:مل يرو هذا احلديث عن احلسن إال العالء بن املسيب وال عن تَغتسل غُسالً ِ
واح َداً ثُ َّم تَات َ ِ
وضأ ل ُك ِّل ََ َ ُ ْ
العالء إال حفص بن غياث تفرد به احلسن بن عيسى.قلت:قال اهليثمي :فِ ِيه َج ْع َفٌر َع ْن َس ْوَد َةَ ,وَملْ أ َْع ِرفْهُ.أ.ه
)5 (
احلديث غريب جدا .وقال ابن أيب العز)1(:مل يذكر يف كتب احلديث واملعروف من قوله «:إن اهلل وتر يحب
()1أخرجه أمحد يف مسنده ح )179 /45( - 84145 /وقال احملقق :حديث صحيح رجاله ثقات
()2اآلثار باب غسل املستحاضة حديث .) 27 / 1 ( -43
()3تقريب التهذيب ت( -213/ص)112 :
ِ
()4املعجم األوسط ح)73/ 3 (-3124/وقال اهليثمي يف اجملمع ح)َ821 /1(- 1549 /ف ِيه َج ْع َفٌر َع ْن َس ْوَد َةَ ,وَملْ أ َْع ِرفْهُ.أ.ه
()5جممع الزوائد ح)821 /1( - 1549 /
الرابِ ُع َوالث ََّالثُو َن)922 /1( -
يث َّ ِ
()6نصب الراية ك /الصالة ب /صفة الصالة -ا ْحلَد ُ
()7الدراية ك /الصالة ب /صفة الصالة – ومن اآلثار يف ذلك -ح)147 /1( - 172/
()8فتح القدير ك /الصالة ب /صفة الصالة ()957 /1
()9البناية شرح اهلداية ()843 /8
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 311
()4
فيدخل إيتار التسبيح يف عمومه .قلت :مل أقف عليه هبذا الوتر»أخرجه أبو داود)2(,والرتمذي)3(,والنسائي
اللفظ ,وما أشار إليه ابن
الَ ..«:وإِ َّن اهللَ ِوتْا ٌر ،يُ ِح ُّ
ب الْ ِوتْا َر»
()5
أيب العز ففي الصحيحني َع ْن أَِيب ُهَريْ َرة َ ع ِن النِ ِّ
َّيب قَ َ
كتاب الصالة
قال الزيلعي)6(:قال«:من ترك األربع قبل الظهر ،لم تنله شفاعتي»قلت:غريب جداً.
()8 ()7
يتعرضوا
الشراح ذكروا هذا ومل ُ العجب من ُّ قال يف الدراية :مل أجده .وقال يف البناية :هذا ليس له أصل ,و ُ
إىل بيان َحاله وسكتوا عنه .وقال األكمل:وهذا وعيد عظيم ,وداللته على وكادة األربع أقوى من األول قلت :نعم
يكون أقوى من األول ,إذا صح عن النيب والذي مل يثبت كيف يكون أقوى من احلديث الذي أخرجه
البخاري ومسلم وغريمها ,وروى أبو داود()9والرتمذي()10والنسائي()11وابن ماجه()12عن أم حبيبة زوجة النيب
ظ َعلَى أَربع رَكع ٍ
ات قَا ْب َل الظُّ ْهر َوأَربَع بَا ْع َد َها َح ُرم َعلَى النَّار»وروى أبو داود أيضا قال رسول اهلل «من َحافَ َ
َْ َ َ
الس َماء»()13وقال ابن
أبواب َّ
ُ يهن تَسلِيم تُفتح لَ ُه َّن بع قبل الظُّهر لَيس فِ َّ قال«:أر ٌعن أيب أيوب عن النيب ِ
()14
السنن يف فضل األربع قبل الظهر أحاديث ,وهذا اللفظ الذي ذكره املصنف مل يذكره أهل أهل ُّ
صرح ُ
َّ أيب العز:
احلديث .ويف ثبوته نظر؛ فإنه ثبت عنه أنه يشفع ألهل الكبائر من أمته؛ فكيف ال ينال شفاعته من ترك سنة
غايتها أن تكون مؤكدة يثاب على فعلها ثوابًا جز ًيال ,ولكنه ال يعاقب على تركها! .قلت:أورده
الشوكاني(,)1ولفظه«:من لم يالزم على أربع قبل الظهر لم يَانَل شفاعتي»قال النووي :ال أصل له .وابن
احلَافِظ ابْن حجر)فَ َق َ
ال َال أصل لَهُ,والفتين()3واملال علي القاري()4وقال العجلوين)5(:نقل وقال(:سئِ َل َعنهُ ْ
()2
ُ عراق
السيوطي يف آخر املوضوعات عن احلافظ ابن حجر ,قوله.
كتاب الزكاة
قال يف الدراية)8(:قوله:قال عمر :فإن أعياكم فالعشر مل أجده .وقال العيين)9(:هذا غريب مل يدر .وقال
ابن أيب
العز)10(:ال يُعرف هذا عن عمر يف شيء من كتب احلديث املعروفة .قلت:مل أقف عليه.
كتاب الصيام
ش ُّ ِ ِ اليوم الَّ ِذي يُ َ
ضا َن إال تَطَّ َ
()11
وعا»قلت :غريب جداَ. ك فيه أنَّهُ من َ
رم َ قال الزيلعي :قال «:ال يُصام ُ
قال يف الدراية ()12مل أجده هبذا اللفظ,قلت:ومعناه خيرج من احلديثني املاضي()13واآليت( .)1قال ابن
اهلمام()2مل يُعرف قيل:وال أصل له .قال ابن أيب العز)3(:قال السروجي وغريه:هذا احلديث ال أصل له .وقال ابن
( )1الفوائد اجملموعة ك /الصالة ب /التطوع النوع احلادي عشر صالة اإلشراق والرواتب والوتر .ح. 52 / 1 184 /
( )2تنزيه الشريعة ح. )187 /8( - )152( /
()3تذكرة املوضوعات (ص. )42 :
()4األسرار املرفوعة ح( - 585 /ص. )952 :
( )5كشف اخلفاء ح)998 /8( -8254/
( )6نصب الراية ك /الزكاة ب /فيمن مير على العاشر . 973 / 8
اشُر َما يَأْ ُخ ُذو َن ِم ْن ُجتَّا ِرنَا يُ ْؤ َخ ُذ ِمْنهُ الْعُ ْشُر.أ.ه البناية (/9
ال بِأَ ْن َمل ي علَم الْع ِ
ْ َْ ْ َ :وقَ ْولُهُ (فَِإ ْن أ َْعيَا ُك ْم فَالْ ُع ْشُر) يُ ْع َىن إ َذا ا ْشتَبَهَ ا ْحلَ ُ
( )7قال العيين َ
)937
( )8الدراية ك /الزكاة ب /فمني مير على العاشر. 821 / 1
()9البناية ( )937 /9العناية شرح اهلداية ()882 /8
()10التنبيه على مشكالت اهلداية (. )251 /8
( )11نصب الراية ك /الصيام أوله -احلديث اخلامس . 445 / 8 -
( )12الدراية ك /الصوم ح. 872 / 1 929 /
( ) 13قال احلافظ الزيلعي :احلديث الرابع :روى ابن اجلوزي من طريق اإلمام أيب بكر أمحد بن علي بن ثابت اخلطيب البغدادي بسنده عن
يعلى بن األشدق عن عبد اهلل بن جراد ,قال:أصبحنا يوم الثالثني صياما ,وكان الشهر قد أغمي علينا ,فأتينا النيب , فأصبناه مفطراً,
صمنَا اليوم ,فقال " أفطروا " ,إال أن يكون رجال يصوم هذا اليوم فليتم صومه ,ألن أفطر يوما من رمضان يتمارى فيه , فقلنا :يا نيب اهلل ُ
أحب إيل من أن أصوم يوما من شعبان ليس منه" يعين من رمضان قال اخلطيب :ففي هذا احلديث كفاية عما سواه ,وشنع ابن اجلوزي على
اخلطيب يف روايته هلذا احلديث تشنيعا كثريا ,وقال :إنه حديث موضوع على ابن جراد ,ال أصل له ,وال ذكره أحد من األئمة الذين ترخصوا يف
ذكر األحاديث الضعيفة ,وإمنا هو نسخة يعلى بن األشدق عن ابن جراد ,وهو نسخة موضوعة ,قال أبو زرعة :يعلى بن األشدق ليس
بشيء ,وقال ابن عدي :يعلى بن األشدق عن عمه عبد اهلل بن جراد أحاديثه منكرة ,وهو وعمه غري معروفني ,وقال البخاري رمحه اهلل :ال
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 312
ك فِ ِيه)مرفوعاً .قال املخرجون:ال يعرف ,وال أصل له. ش ُّ ام اليَوم الَّ ِذي يُ َ صُ
()4
قطلوبغا ...:ووقع يف اهلداية (ال يُ َ
قلت:بل له أصل,وهو ما روى اإلمام أبو حنيفة عن عبد امللك بن عمري عن قزعة عن أيب سعيد اخلدري
ِ
ك فِ ِيه ِم ْن َرم َ صيَ ِام اليَّوم الَّ ِذي يُ َ
أن رسول اهلل «نَا َهى َعن ِ
()5
ضا َن» ش ُّ ْ
فأما المرفول فعن أبي هريرة أخرجه البزار في = قلت:ويشهد لمعناه أيضاً ما جاء مرفوعاً وموقوفاًَّ ،
مسنده( )6قال َح َّدثَنا ُحمَ َّم ُد بْ ُن الْ ُمثَ َّىن ,قَالَ :حدَّثنا صفوان بن عيسى َحدَّثنا َعبد اهلل بن َسعِيد َعن َجدِّه َعن أيب
الفطر وأيام التَّشريق ويَوم الذي السنة يوم األضحى ويوم ِ
َ أيام ِم ْن َّ صيام ِ
ستة ٍ ِ
َّيب «نَا َهى عن َ َّ ِ
ُهَريرة أَن الن ّ
ِ ِِ ِ ِ ِ ()7 ش ُّ ِ ِ
رمضان»قال احلافظ ابن حجر رواه الْبَ َّز ُار م ْن طَ ِر ِيق َعْبد اللَّه بْ ِن َسعيد الْ َم ْق ُِب ِّي َع ْن َجدِّه َعْنهُ ك فيه من َ يُ َ
يف.أه ضعِ ٌ ِ
َو َعْب ُد اللَّه َ
()8
قلت:قال يف التقريب:مرتوك.
وس ُّي ثنا َعْب ُد اهللِ بْ ُن أ ْ اعيل الْب َّزاز الطُّ ِ ِ
َمحَ َد بْ ِن إِ ْمسَ َ َ ُ ص ٍر ُحمَ َّم ُد بْ ُن أ ْ
9
َمحَ َد والبيهقي في الكبر ( )قال:أ ْ
َخبَ َرنَا أَبُو نَ ْ
ي َع ْن أَِيب َعبَّ ٍاد َع ْن أَبِ ِيه َع ْن أَِيب الصائِ ُغ ثنا َرْو ُح بْ ُن ُعبَ َادةَ ثنا الث َّْوِر ُّ يل َّ ِ ِ ب ِن مْن ٍ ُّ ِ
صور الطوس ُّي ثنا ُحمَ َّم ُد بْ ُن إ ْمسَاع َ ْ َ ُ
ِ ِ ٍ
ض َحىَ ،والْفطْ ِرَ ،وأَيَّ ِام التَّ ْش ِر ِيق ثََالثَة أَيَّ ٍام بَا ْع َد ضا َن بِيَا ْومَ ،و ْاألَ ْ َن النَّبِ َّي نَا َهى َع ِن ِّ
الصيَ ِام قَا ْب َل َرَم َ ُهريْرَة«:أ َّ
ََ
ي ,وقال يف معرفة السنن(:)10وه َذا ِممَّا ي ْن َف ِرد بِهِ ٍ ِ ِ ٍ ِ
َ ُ ََ ي َغْي ُر قَ ِو ٍَّّح ِر»وقال:أَبُو َعبَّاد ُه َو َعْب ُد اهلل بْ ُن َسعيد الْ َم ْق ُِب ُّ يَا ْوم الن ْ
يكتب حديثه ,وقال ابن حبان :ال حتل الرواية عنه ,انتهى .ووافقه صاحب "التنقيح" على مجيع ذلك ,وأقره عليه ,واهلل أعلم بالصواب.
نصب الراية ك /الصوم ب /أوله 445 / 8قلت :واحلديث :أخرجه ابن عبد اهلادي يف تنقيح التحقيق ك /الصيام احلديث السابع -
غيم أو قَتَ ٌر ليلة الثَّالثني ح . 137 / 9 1753 /تنقيح التحقيق يف أحاديث التعليق .لشمس مسألة ( : )954إذا حال دون مطلع اهلالل ٌ
الدين حممد بن أمحد بن عبد اهلادي احلنبلي (ت 744ه .حتقيق /سامي بن حممد بن جاد اهلل وعبد العزيز بن ناصر اخلباين دار
النشر/أضواء السلف–الرياض .األوىل 1482 ,ه 8557 -م
( ) 1قال احلافظ الزيلعي :احلديث السادس :قال عليه السالم" :ال تقدموا رمضان بصوم يوم وال يومني" .قلت :رواه األئمة الستة يف
"كتبهم" من حديث أيب هريرة , قال :قال رسول اهلل " : ال تقدموا رمضان بصوم يوم وال يومني ,إال رجل كان يصوم صوما فيصومه"
.أ .ه نصب الراية ك /الصوم أوله . 445 / 8قلت :احلديث :أخرجه :البخاري ك /الصوم ب /ال يتقدم رمضان بصوم يوم وال
يومني ح , 423 / 2 1721 /و مسلم ك /الصوم ب /ال تقدموا رمضان بصوم يوم أو يومني ح , 952 / 5 1218 /وأصحاب
السنن عن أيب هريرة .
( )2فتح القدير ك /الصوم ب /يف رؤية اهلالل احلديث األول . 832 / 4
()3التنبيه على مشكالت اهلداية ()233 /8
()4يف ختريج أحاديث أصول البزدوي كنز الوصول إىل معرفة األصول ( خمطوط ) وهبامشه " ختريج العالمة قاسم بن قطلوبغا احلنفي ص/
54
( )5مل أقف عليه فيما اعتمدت عليه من املصادر عن أىب سعيد اخلدري .
س ب ِن مالِ ٍ
ك -ح)195 /15( -2445 / ) (6البزار يف مسنده ُ -م ْسنَ ُد أَِيب محََْزةَ أَنَ ِ ْ َ
)(7التلخيص احلبري ح. )494 /8( - 237/
) (8ترمجته يف :تقريب التهذيب ت( -9952/ص )952 :واجملروحني , 3 / 8 :هتذيب التهذيب ت)897 /5( - 418/
ني ...ح)951 /4( - 7359 / صوِم يَوٍم أ َْو يَوَم ْ ِ استِ ْقب ِال َش ْه ِر رم َ ِ
َّه ِي َع ِن ْ َ
ْ ضا َن ب َ ْ ْ ََ )(9السنن الكبى للبيهقي ك /الصيام ب /الن ْ
)(10معرفة السنن واآلثار ح)893 /2( - 2538/
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 313 جملة املدونة:
يوعاَ ,والْ َواقِ ِد ُّ يَ ,ع ْن أَِيب ُهَريْ َرةََ مْرفُ ً يد الْ َم ْق ُِب ِّي بِِإسن ٍاد لَه ,عن سعِ ٍ ِِ ِِ
أَبُو َعبَّادَ ,وُه َو َغْي ُر ُْحمتَ ٌّج بهَ ,وَرَواهُ الْ َواقد ُّ ْ َ ُ َ ْ َ
ٍ
يف.أ.ه ضعِ ٌ َ
ضعِيف .وقال يف التقريب يف ترمجة الواقدي:مرتوك وبنحوه قال اهليثمي يف ):وإِ ْسنَاده َ
1
قال يف الدراية( َ
اجملمع(.)2
ي ثنا َد ُاوُد بْ ُن َخالِ ِد بْ ِن اخلَلِ ِيل ثنا الْ َواقِ ِد َُّمحَ ُد بْ ُن ْ ي ثنا أ ْ والدارقطني( )قال َحدَّثَنَا ُحمَ َّم ُد بْ ُن َع ْم ِرو بْ ِن الْبَ ْخ َِرت ِّ
3
اثَ ,ع ْن ُجمَالِ ٍدَ ,ع ْن ويف ,ثنا محَْزةُ بن ُحم َّم ٍد الْ َكاتِب ,ثنا نُعيم بن َمحَّ ٍاد ,ثنا ح ْفص بن ِغي ٍ
َ ُ ُْ َ َْ ُ ْ ُ ُ َ ُْ َ الص ِ ُّ
الر ْمحَ ِن ُّ
َّ
ان عن ِ ِ
ضا َن» قلت:وفيه ك فِ ِيه ِم ْن َرَم َ ص ْوم الْيَا ْوم الَّ ِذي يُ َ
ش ُّ ِ ِ ِ َع ِام ٍر«أ َّ
َن ُع َم َرَ ،و َعليًّا َرض َي اهللُ َع ْنا ُه َما َكانَا يَا ْنا َهيَ َ ْ َ
جمالد وهو ضعيف.
ابن فنجوية الدينوري قال()1حدَّثَنَا أَِيب حدَّثَنَا ُحم َّم ُد بن نَص ِر ب ِن مكْرٍم حدَّثَنَا َحي بن ُحم َّم ِد ب ِن ص ِ
اع ٍد َْ ْ ُ َ ْ َ َ ُْ ْ ْ ُ َ َ َ َ
ِ ِ ِ
اق َح َّدثَِين َر ُج ٌل م ْن أ َْه ِل الْ َمدينَة َع ْن ِأيب ُهَريْ َرةَ يم الد َّْوَرقِ ُّي َحدَّثَنَا ُه َشْي ٌم َع ْن أَِيب إِ ْس َح َ ِ
وب بْ ُن إبْ َراه َ
َحدَّثَنَا يَ ْع ُق ُ
ِ ِ ِ ِ
ك ش ُّ َّح ِرَ ،ويَا ْوم ال ِْفطْ ِرَ ،والْيَا ْوم الَّ ِذي يُ َ اهلل َ عن ِ ِ ِ
صيَ ِام ستَّة أَيَّ ٍام :التَّ ْش ِر ِيق الثَّالثَةَ ،ويَا ْوم الن ْ ْ
ول ِ رس ُال«:نَا َهى ُ قَ َ
فِ ِيه ِم ْن َرَم َ
()2
أن فيه جهالة الراوي عن ايب هريرة . ضان» .قلت:رواته ثقات إال َّ
= وورد بمعناه عن أبي حنيفة ومالك أورده :حممد بن احلسن الشيباين يف اجلامع الصغري()3من قول أيب
ضا َن إِالَّ شك فِ ِيه أنَّهٌ ِم ْن َرَم َ صام اليَوم الَّ ِذي يُ ُ حنيفة رمحه اهلل .قال:عن يعقوب عن أيب حنيفة قال«:ال يُ ُ
تَطَُّو َعا»
ام الْيَا ْو ُم
صَ
ِ
ك«أَنَّهُ َس ِم َع بعض أ َْه َل الْعل ِْم يَا ْنا َه ْو َن أَ ْن يُ َ :حدَّثَنَا َمالِ ٌ
ال َ ب [أحد رواة الموطأ] قَ َ ص َع ٍقال أَبُو ُم ْ
ٍ ك فِ ِيه أنه ِمن َش ْعبا َن ،إِ َذا نُ ِو ِ ِ الَّ ِذي يُ َ
ص َامهُ َعلَى غَ ْي ِر ُرْؤيَة ،ثُ َّم َجاءَ َن َعلَى َم ْن َ ضا َنَ ،ويَا َرْو َن أ َّام َرَم َ ي بِه صيَ َ َ ْ َ ش ُّ
()4
ْسا» ِ ِِ َن َعلَْي ِه قَ َضا َن ،أ َّ ت أَنَّهُ ِم ْن َرَم َ
اءهَُ ،والَ يَا َرْو َن في صيَامه تَطَُّو ًعا بَأ ً ضَ الثَّبَ ُ
كتاب الحج
فعن عائشة أخرجه البخاري ومسلم()1قال البخاري:حدثنا أمحد بن عيسى حدثنا ابن وهب قال:أخبين
عمرو بن احلارث عن حممد بن عبد الرمحن بن نوفل القرشي ,أنه سأل عروة بن الزبري فقال :قد حج النيب
اف بِ ِ ين قَ ِد َم أنَّه تَا َو َّ ِِ ِ ٍ
البيت ،ثُ َّم لَ ْم تَ ُك ْن ضأَ ،ثُ َّم طَ َ فأخبتين عائشة رضي اهلل عنها«:أنَّه أ ََّول َشيء بَدأَ به ح َ
ُع ْمرة» مث حج أبو بكر فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ,مث مل تكن عمرة مث عمر مثل ذلك مث
حج عثمان فرأيته أول شيء بدأ به الطواف بالبيت مث مل تكن عمرة مث معاوية وعبد اهلل بن عمر مث
حججت مع أيب الزبري بن العوام فكان أول شيء بدأ به الطواف بالبيت ,مث مل تكن عمرة مث رأيت املهاجرين
واألنصار يفعلون ذلك ,مث مل تكن عمرة ,مث آخر من رأيت فعل ذلك ابن عمر مث مل ينقضها عمرة ,وهذا
ابن عمر عندهم فال يسألونه,وال أحد ممن مضى ,ما كانوا يبدئون بشيء حىت يضعوا أقدامهم من الطواف
بالبيت,مث ال حيلون وقد رأيت أمي وخاليت حني تقدمان,ال تبتدئان بشيء أول من البيت ,تطوفان به,مث إهنما ال
حتالن»
= وأما الموقوف فعن عمر أخرجه ابن أبي شيبة)2(:قال:حدثنا ابن فضيل عن زكريا بن أيب زائدة عن
ص ِّل ف بِالبا ْي ِ
ت َس ْبا َعا ،ثُ َّم يُ َ اجاً فَالْيَطُ ْ َ عامر أنَّه مسع وهب بن األجدع ,أنَّه مسع عمر قال«:إذا قَ ِد َم َّ
الر ُج ُل َح َ
الم َق ِام َرْك َعتَيِ ِن» قلت:رواته ثقات غري حممد بن فضيل الضيب :صدوق عارف رمي بالتشيع()3وفيه زكريا بن ِ
ع ْن َد َ
)4(.
أيب زائدة قال عنه ابن حجر:ثقة ,وكان يُدلس ومساعه من أيب إسحاق بأخرة
والفاكهي في أخبار مكة()5قال:حدثنا حممد بن أيب عمر قال:ثنا سفيان عن زكريا بن أيب زائدة عن الشعيب
ِ
عن وهب بن األجدع قال«:كان عمر بن الخطاب يُعلِّم النَّاس في ُقول إذَا قَد َم َ
أح ُد ُكم َحاجاً أو ُمعتمراً
الم َق ِام َركعتَي ِن»....مطوالً .قلت:فيه حممد بن حي العدين:صدوق صنَّف ف بِالب ِ
لف َيص ِّل َخ َ
يت َسبعاً ولُ َفَليطُ ْ َ
()6
املسند وكان الزم ابن عيينة لكن قال أبو حامت :كانت فيه غفلة وفيه زكريا بن أيب زائدة وسبق بيان حاله.
والبيهقي في الكبر ()1قال:أخبنا أبو زكريا بن أىب إسحاق املزكى أخبنا أبو عبد اهلل حممد بن يعقوب
حدثنا حممد بن عبد الوهاب أخبنا جعفر بن عون أخبنا زكريا بن أىب زائدة عن عامر عن وهب بن األجدع أنه
ِ
بالبيت َس َبعاً اجاً فليطُف مسع عمر بن اخلطاب مبكة وهو خيطب الناس قال«:إذا قَ ِدم َّ ِ
الرجل من ُكم َح َ َ
كعتَين »...مطوال .قلت:وفيه زكريا بن أيب زائدة أيضاً.
الم َقام َر َ
صل عند َ
وليُ ِّ
كتاب الحج
ِِ
قال الحافظ الزيلعي :روي أنَّه «لما َخ َر َج واستَا َو َعلَى نَاقَته أَذَّ َن ُ
الم َؤذِّن بين يديه» قلت:غريب ()2
جدا.
لما فَا َرغَ ِم ْن ُخطبَتِ ِه أَذَّ َن» .وقال ()3
قال يف الدراية :مل أجده صرحياً ,ومعناه يؤخذ من حديث جابر «أنَّه َّ
أن األذان واإلقامة كانا بعد اخلطبة؛ فالصحيح ابن أيب العز)4(:هذا ال أصل له ,وإمنا يف حديث جابر الصحيح َّ
الرواية اليت نقلها املصنف عن أيب يوسف ملوافقة احلديث الصحيح .قلت:قال صاحب اهلداية)5(:ويف ظاهر
املذهب ,إذا صعد اإلمام املنب فجلس أذن املؤذنون كما يف اجلمعة وعن أيب يوسف رمحه اهلل أنَّه يُؤذن قبل خروج
ألن النيب « لَ َّما َخ َر َج واستَوي َعلَى ناقَتِ ِه أذَّن
اإلمام ,وعنه أنه يؤذن بعد اخلطبة ,والصحيح ما ذكرنا َّ
المؤذنون بين يديه»ويقيم املؤذن بعد الفراغ من اخلطبة ألنه أوان الشروع يف الصالة فأشبه اجلمعة أ.ه ويالحظ
أن :صاحب اهلداية استدل باحلديث على ظاهر مذهب األحناف يف قوهلم:إذا صعد اإلمام املنب يَوم عرفة أذن َّ
املؤذن بني يديه,قبل اخلطبة كما هو يف اجلمعة.
وحديث جابر الذي أشار إليه الحافظ ابن حجر في صحيح مسلم()6قال:حدثنا أبو بكر بن أيب
شيبة وإسحق بن إبراهيم مجيعا عن حامت قال أبو بكر :حدثنا حامت بن إمساعيل املدين عن جعفر بن حممد عن
رسول اهلل از ُ :فأج َ
أبيه قال :دخلنا على جابر بن عبد اهلل ..فقلت أخبين عن حجة رسول اهلل ....فقال َ
ص َواء فَا ُرِحلت الشمس أ ََم َر بِال َق ْ
ت َّ ت لَهُ بِنَ ِم َرة فَانَا َز َل بِ َها َحتَّى إِذَا َزاغَ ْض ِربَ ْ
َ حتَّى أَتَى َع َرفَة فَا َو َج َد ال ُقبَّة قَ ْد ُ
ال:اللَّ ُهم ا ْش َهد اللَّ ُهم ا ْش َهد
اء ُكم وأ َْموال ُكم َح َرام...إِىل أ ْن قَ َ لَهُ فَأتَى بطْن الو ِادي فَ َخطَب النَّاس وقَ َّ ِ
ال:إن د َم َ َ َ َ َ َ
ِ
ول اهللب َر ُس ُ ينه َما َشيئاً ثُ َّم َرك َ
ص ِّل بَ ُ
ص َر َولَ ْم يُ َ صلَّى َ
الع ْ ام فَ َ هر ثُ َّم أَقَ َ ام فَ َ َّ ُّ
صلى الظ َ الث َم َّرات ،ثُم أذَّن ثُم أقَ َ ثَ َ
)7(«قلت:مل أقف عليه.
( )1السنن الكبى للبيهقي ك /احلج ب /اخلروج من الصفا إىل املروة ح. 34 / 5 3218 /
( )2نصب الراية ك /احلج ب /اإلحرام -احلديث السادس والثالثون . 25 / 9 -
( )3الدراية ك /احلج ب /اإلحرام ح. 13 / 8 894 /
()4التنبيه على مشكالت اهلداية ()1582 /9
( )5اهلداية فصل بعد " فصل فيما يوجبه على نفسه " . 149 / 1
( )6صحيح مسلم ك /احلج ب /حجة النيب ح . 845 / 2 8197 /باختصار .
جيد أنَّه ليس فيه ما يؤيد ظاهر مذهب احلنفية وهو األذان بعد صعود اإلمام املنب كما يف اجلمعةَّ ,
وإمنا ()7والذي يتأمل حديث جابر ُ
فيه أن األذان واإلقامة بعد اخلطبة .واهلل أعلم .قال البابريت :العناية ك /احلج ب /اإلحرام )452 / 9( -قال املصنف [ صاحب اهلداية ]
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 317 جملة املدونة:
كتاب الحج
قال الزيلعي)1(:قال املصنف رمحه اهلل :وأول وقته-يعين طواف الزيارة-بعد طلوع الفجر من النحر ,وأفضل هذه
()2
األيام أوهلا ,كما يف التضحية ,ويف احلديث :أفضلها أولها ,قلت :غريب جداً.
وع ِيف ِمثْلِ ِه ِم ْن ك َع ْن ُع َمَر َو َعلِ ٍّي َوابْ ِن َعبَّ ٍ
اس َ م ْوقُوفًا َعلَْي ِه ْمَ ,وُه َو َكالْ َمْرفُ ِ ِ ()3
قال الزيلعي :يُْرَوى َذل َ
الْ َم َق ِادي ِر .وقال يف
()5 ()4
الدراية :مل أجد هذا احلديث .وقال قَا ْوله َرَوى َعن عمر َوعلي َوابْن َعبَّاس أَهنم قَالُوا أَيَّام الن ْ
َّحر ثََالثَة
فضلها أَوهلَا
أ َ
أما عمر فَلم أرهَ ,وأما َعلّي فَذكره َمالك ِيف الْ ُم َوطَِّإ َعنهُ بالغا َوأما ابْن َعبَّاس فَلم أ َِجدهُ لَ ِكن
ضحى ياوم ِ ِ
َّحر».
ان بعد يَا ْوم الن ْ ِيف الْ ُم َوطَِّإ َعن نَافع َعن ابْن عمر أَنه َكا َن يَ ُقول« ْاألَ ْ َ َ ْ َ
قال العيين)6(:قال الزيلعي يف"تخريج أحاديث الهداية":هذا غريب جدا-يعين-عن هؤالء األصحاب
الثالثة ,وليس كذلك .وقال ابن اهلمام)7(:وأما حديث«أفضلها أولها»فاهلل سبحانه وتعاىل أعلم به أ.ه
قلت:جاء األثر َع ْن َعلِي وابن عمر وابن عباس فأما أثر علي بلفظه أخرجه الطحاوي في
وسى الْ َعْب ِس ُّي ِ
:حدَّثَنَا ُعبَ ْي ُد اهلل بْ ُن ُم َ
ال َويف ,قَ َ اق بْ ِن َس ْه ٍل الْ ُك ِ ُّيل بْ ُن إِ ْس َح َ ِ ِ
قال:حدَّثَنَا إ ْمسَاع ُ
َ
()8
أحكام القرآن:
الْ «:األَيَّ ُ
ام ب قَ َ ,ع ْن َعلِ ِّي بْ ِن أَِيب طَالِ ٍش َ َخبَ َرنَا ابْ ُن أَِيب لَْي لَى َع ِن الْ ِمْن َه ِال بْ ِن َع ْم ٍرو َع ْن ِزِّر بْ ِن ُحبَ ْي ٍ
ال :أ ْ قَ َ
تَ ،وأَفْ َ
ضلُ َها أ ََّولُهَ» ان بَا ْع َدهُ ،ا ْذبَ ْح فِي أَيِّا َها ِش ْئ َ
َّح ِر وياوم ِ
ات يَا ْوُم الن ْ َ َ ْ َ
وم ُ ال َْم ْعلُ َ
( والصحيح ما ذكرنا ) يعين ظاهر الرواية ( ألن النيب ملا خرج واستوي على ناقته أذَّن املؤذنُون بني يديه ) ووجه ِّ
الصحة أن رواية جابر
تقتضي األذان بعد خطبة ,وهذه الرواية تقتضيه قبلها فتعارضتا فصرنا إىل ما بعدمها من احلجة وهو القياس على اجلمعة .أ .ه
( )1نصب الراية ك /احلج ب /اإلحرام احلديث السابع والستون . 29 / 9
()2قلت :قال صاحب اهلداية ]142 / 1[:وأول وقته [ أي طواف اإلفاضة ] بعد طلوع الفجر من يوم النحر ألن ما قبله من الليل وقت
الوقوف بعرفة والطواف مرتب عليه وأفضل هذه األيام أوهلا كما يف التضحية ويف احلديث أفضلها أوهلا .أ .ه ويالحظ أن ":صاحب
أن أفضل األيام يف (طواف اإلفاضة) وليس (طواف الزيارة ) هو اليوم األول من أيام النحر ,وليس كما قال اهلداية" استدل هبذا احلديث على َّ
اإلمام الزيلعي .
()3تبيني احلقائق (. )5 /2
( )4الدراية ك /احلج ب /اإلحرام ح. 87 / 8 422 /
( )5الدراية ك /األضحية – أوله -ح. 87 / - 382 /
()6البناية (. )82 /18
( )7فتح القدير ك /احلج ب /اإلحرام . 882 / 5
()8أحكام القرآن ح. . )851 /8( - 1528/
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 318
ال َحدَّثَنَا َعْب ُد اللَّ ِه بن حممد بن عثمن قال حدثنا سعيد بن يم بْ ُن َشاكِ ٍر قَ َ ِ ِ ()1
وابن عبد البر
قال:حدَّثَنَا إبْ َراه ُ
َ
ال َحدَّثَنَا ابْ ُن أَِيب لَْي لَى َع ْن أَِيب
وسى قَ َ ِ
ال َحدَّثَنَا ُعبَ ْي ُد اللَّه بْ ُن ُم َ صالِ ٍح قَ َ ِ ِ
َمحَ ُد بْ ُن َعْبد اللَّه بْ ِن َ ال َحدَّثَنَا أ ْ عثمن قَ َ
الْ ِمْن َه ِال َع ْن ِزٍّر َع ْن
ت َوأَفْ َ
ضلُ َها أ ََّولُ َها». ان بَا ْع َدهُ ا ْذبَ ْح فِي أَيِّا َها ِش ْئ َ
َّح ِر وياوم ِ
ات يَا ْوُم الن ْ َ َ ْ َ
ود ُ ال« ْاألَيَّ ُ
ام ال َْم ْع ُد َ َعلِ ٍّي قَ َ
وابن حزم()2قال:روينا من طريق ابن أيب ليلى عن املنهال بن عمرو ,عن زر عن علي قال«:النحر ثالثة
أيام أفضلها أولها»قلت :ويف اسانيدها حممد بن عبد الرمحن بن أيب ليلى األنصاري صدوق سيء احلفظ
جدا()3وقد ضعفه غري واحد من األئمة .وفيه املنهال بن عمرو صدوق رمبا وهم()4وبقية رواته ثقات.
والكرخي()5في مختصره)6(:قال :حدثنا أبو بكر حممد بن اجلنيد قال:حدثنا أبو خيثمة قال :حدثنا هشيم
قال :أخبنا ابن أيب ليلى عن املنهال بن عمرو عن زر بن حبيش وعباد بن عبد اهلل األسدي عن علي :أنه
كان يقول«:أيام النحر ثالثة أيام أولهن أفضلهن»وعن ابن عباس وعن ابن عمر مثله قال«:النحر ثالثة
أيام أولها أفضلها»قلت :فيه عباد بْن َعْبد اللَّه األسدي وهو ضعيف)7(.وفيه ابن أيب ليلى ,واملنهال بن عمرو
أيضاً.
(علِي ،وابن ُع َم َر وابن عباس فأثر علي وابن عمر فأخرجه ابن = وجاء األثر بمعناه َع ْن َ
حزم()8قال:وروينا من طريق إمساعيل بن إسحاق نا علي ابن عبد اهلل ,نا عبيد اهلل بن موسى عن ابن أيب ليلى عن
زر ,ونافع,قال زر:عن علي بن أيب طالب وقال نافع:عن ابن عمر ,مث اتفق علي ,وابن عمر ,قاال
مجيعا«:األيام المعدودات يوم النحر
ويومان بعده ،اذبح في أيها شئت ،وأفضلها أولها» قلت:وفيه ابن أيب ليلى.
ال: =وأما أثر ابن عباس فأخرجه الطحاوي في أحكام القرآن قال:حدَّثَنَا إِب ر ِاهيم بن مرُز ٍ
وق ,قَ َ َْ ُ ْ ُ َ ْ َ
ب بْ ُن
َحدَّثَنَا َوْه ُ
ِ ِ
()1التمهيد ( )137 /89وقال َ :ومثْلُهُ َال يَ ُكو ُن َرأَيًا فَ َد َّل أَنَّهُ تَ ْوق ٌ
يف َواللَّهُ أ َْعلَ ُم.
( )2احمللى ك /األضاحي ب /األضاحي مسألة , 977 / 7 . 328وقال بعد هذا األثر بعدة أسطر :وعن علي من طريق ابن أيب
ليلى وهو سيئ احلفظ ,عن املنهال وهو متكلم فيه أ .ه
()3ترمجته يف :هتذيب التهذيب ( , )958 /3هتذيب الكمال ( , )288 /85تقريب التهذيب ت( -2521 /ص)439 :
()4تقريب التهذيب ت( -2312 /ص)547 :
()5إلمام أيب احلسني :عبد اهلل بن احلسني بن دالل ابن دهلم الكرخي .ت ,945وكتابه املختصر يف فروع احلنفية .أ.ه كشف الظنون (/8
)1294
َّح ِر} ) (. )142 /81
األض َحى يَ ْوَم الن ْ
الْ : {م ْن قَ َ ( )6مل أقف على الكتاب مطبوعاً وهو يف عمدة القاري ك /العدة بَ /
()7عباد بْن َعْبد اللَّه األسدي ..ترمجته يف :التقريب ت( -9192/ص )835 :هتذيب التهذيب ح)32 /5( - 125/
( )8احمللى ك /احلج ب /احلج مسألة . ) 875 / 7 (- 314
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 319 جملة املدونة:
ات} ْاآليَِة ح. )855 /8( - 1571/ اىل{ :واذْ ُكروا اهلل ِيف أَيَّ ٍام مع ُدود ٍ ()1أحكام القرآن ك /احلج واملناسك ب /تَأْ ِو ِِ
َْ َ يل قَ ْوله تَ َع َ َ ُ َ ُ
()2تقريب التهذيب ت( -7597/ص)555 :
( )3نصب الراية ك /احلج ب /القران -احلديث األول . 33 / 9 -
العمرة قِراناً ( بالكسر ) .لسان العرب قرن . 991 / 19 ِ
( )4القرا ُن :هو اجلمع بني احلج والعمرة ,وقَ َر َن بني احلج و ْ
( )5الدراية ك /احلج ب /وجوه اإلحرام ح. 99 / 8 427 /
اإل ْحَرام ح)94 /8( - 422 / ()6الدراية ك /احلج بُ /و ُجوه ِْ
()7البناية ()828 /4
( )8فتح القدير ك /احلج ب /القران . 839 / 5
()9التنبيه على مشكالت اهلداية ()1575 /9
()10نصب الراية ك /احلج ب /الْ ِقَر ِان ()152 /9
َّمتُّ ِع َوا ِإلقْ َر ِان َوا ِإلفْ َر ِاد ح )148 /8( - 1524/ومسلم ك /احلج بَ /ج َوا ِز الْ ُع ْمَرةِ..ح-)1845(/ ( )11أخرجه البخاري ك /احلج ب/الت َ
()353 /8
( )12نصب الراية ك /احلج ب /اجلنايات . 182 / 9 .
( )13الدراية ك /احلج ب /اجلنايات يف اإلحرام . 41 / 8
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 321
الزيَ َارة جنبا إِ َع َادة أَو بَ َدنَة .ومل أقف عليه عن أبن عباس أو غريه.
طواف ِّ
كتاب الحج
صي ٌد وفِ ِيه َّ
الشاةُ» قلت:غريب جداً. َّبع َ
()3
قال الزيلعي :قال«:الض ُ
صي ٌد،وفِ ِيه َشاة» قلت:أخرجه أصحاب السنن قال الزيلعي(:)4احلديث العاشر:قال النيب َّ «:
الضبع َ
األربعة()5عن عبد اهلل بن عبيد بن عمري عن عبد الرمحن بن أيب محاد عن جابر بن عبد اهلل قال:سألت رسول اهلل
عن الضبع أصيد هي؟ قال«:نعم ،ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم»انتهى .بلفظ أيب داود,وليس عند
الباقني,ويجعل فيه كبش.وقال يف الدراية)6(:حديث الضبع صيد وفيه الشاة أصحاب السنن ,وابن
()8 ()7
أصي ٌد ُه َو
ول اهلل َ ع ْن الضَّب ِع َ
رس َ
ْت ُ
حب ان واحلاكم من طريق عبد الرمحن بن أيب عمار عن جابر َ سأل ُ
المح ِرُم ويف رواية الدارقطين()9واحلاكم()10من طريق عطاء عن جابر ِِ
صادهٌ ْ
بش إذا َويجع ُل فيه َك ٌ
ال:نَعم َ؟ قَ َ
كل»
مسن ويُؤ ُ
كبش ٌ
رفعه«الضبع صيد فإذا أصابه المحرم ففيه ٌ
كتاب الحج
()3 ()2
السبع على احملرم فقتله ال شيء عليه صال َّ جدا .قلت :قال صاحب اهلداية :وإذا َ وقال العيين :هذا غريب ً
وقال زفر
شاً وقَال إِنَّا
الصائل ,ولنا ما روي عن عمر أنَّه قَاتَ َل َس َبعاً وأَه َد َك ْب َ
رمحه اهلل :جيب اجلزاء اعتباراً باجلَ َم ِل َّ
ابتَ َدأناهُ».
السبع)(:ضبعاً)وبدل (الكبش) (شا ًة).أخرجه ابن أبي وقد جاء بمعناه عن على ،وذكر بدل( َّ
شيبة()4قال:حدثنا ابن
منري ,عن حجاج ,عن ابن أيب جنيح ,عن جماهد ,عن علي «فِي َّ
الضب ِع إِذَا َع َدا َعلَى ُ
الم ْح ِرم فَلي ْقتُالُهُ ،فإ ْن
قَاتَالَه ِم ْن قَا ْبل أَ ْن يَا ْع ُدو َعلَْي ِه فَا َعلَ ِيه َشاة ُم ِسنَّة»قلت:رواته ثقات غري حجاج بن أرطاة النخعي()5قال احلافظ ابن
حجر:أحد الفقهاء صدوق كثري اخلطأ والتدليس ,وقال الذهيب:أحد األعالم على لني فيه يف حديثه وفيه عبد اهلل
بن أيب جنيح()6قال احلافظ ابن حجر:ثقة رمي بالقدر ورمبا دلس ,وقال الذهيب:ثقة .وأورده:حممد بن احلسن
الضبع ال يعدو وإمنا جعلوا فيما يعدو فهي اشد عدوا وأخبث من الذئب وإمنا الشيباين()7وأما قول أهل املدينةَّ :
إن َّ
دأت بِ َها ولذلك
يؤخذ يف هذا مبا جاء عن عمر بن اخلطاب انه قتل ضبعا وأمر بكبش فذبح ,وقال:أنَا ابتَ ُ
نقول ما ابتدأته من السباع ومل يعد عليك فعليك فيه الفداء وما ابتدأك فقتلته فال شيء عليك فيه وهذا قياس قول
()8
عمر الذي روي عنه.أه
المطلب الثاني
األحاديث التي استغربها الزيلعي في كتابي النِّكاح والطَّالق
كتاب النكاح
بياض يف الكتاب وتنبيه من احملقق إىل َّ
أن هناك بياض قال الزيلعي)9(:قال «النكاح إلى العصبات»()10قلت[....
باألصل ]
قال يف الدراية)1(:مل أجده .قال ابن اهلمام(:)2روي عن علي مرفوعا()3وموقوفا,وذكره سبط ابن اجلوزي
بلفظ اإلنكاح .وقال العيين)4(:ذكر هذا احلديث مشس األئمة السرخسي,وسبط بن اجلوزي ,ومل خيرجه أحد من
اجلماعة,وال يثبت ,مع أن األئمة األربعة اتفقوا على العمل به يف حق البالغة ,وقال السروجي:روي عن علي
موقوفا ومرفوعا« :اإلنكاح إلى العصبات» ويروى«:النكاح إلى العصبات»ونقل ذلك ابن أيب العز()5وأورده
()6
السرخسي يف املبسوط
سح ُنوُي ن
ْ ع
َ ,ب:حدَّثَنَا ابْن وْه ٍ َ نَ ا م ي
ْ ل
َ س
ُ ن ب
ْ حي
ْ َ ال
َ ق
َ قال: ()7
قلت:يشهد لمعناه ويؤكده ما رواه البخاري
َ َ ُ َ ُ َ
َمحَ ُد
َو َحدَّثَنَا أ ْ
َّيب الزب ِري ,أ َّ ِ
َن َعائ َشةََ ,زْو َج النِ ِّ َخبَ َرِين ُعْرَوةُ بْ ُن َُّ ْ ال:أ ْ بْن صالِ ٍح حدَّثَنَا َعْنبسةُ ,حدَّثَنَا يونُس َع ِن ابْ ِن ِشه ٍ
اب قَ َ َ ََ َ ُ ُ ُ َ َ
َخبَ َرتْهُ :أ َّ
َن أْ
الر ُج ِل َولِيَّتَهُ أَ ِو
الر ُج ُل إِ َىل َّ
ب ََّّاس اليَ ْوَم :خيَْطُ ُ اح الن ِ اهلِيَّ ِة َكا َن علَى أَرب ع ِة أ َْحن ٍاء:فَنِ َك ِ ِ
اح مْن َها ن َك ُ ٌ َ َْ َ َ
النِّ َكاح ِيف اجل ِ
َ َ
ص ِدقُ َها ابْنَتَهُ ,فَيُ ْ
ُمثَّ يَْن ِك ُح َها..احلديث.قلت:فَ َج َعلت ِخطبة املرأة وإنكاحها إىل أبيها.
َّاق َع ْن ُعبَ ْي ِد اللَّ ِه بْ ِن ُع َمَر َع ْن نَافِ ٍع قَ َ
ِ ()8
الَ «:ولَّى ُع َم ُر ابْانَتَهُ
()10 ()9
الرز
=ويشهد لمعناه ما أخرجه َع ْب ُد َّ
اها َع ْب َد اللَّ ِه فَا َزَّو َج» َخ َ
ت أَ ت أَ ْن تُا َزِّو َج ْام َرأَةً أ ََم َر ْ صةُ إِذَا أ ََر َ
اد ْ ت َح ْف َ اح ُه َّن ،فَ َكانَ ْ ِِ ِ
صةَ َمالَهُ َوبَانَاته ن َك َ َح ْف َ
قلت:فكانت حفصة رضي اهلل عنها تأمر أخاها بتزويج بنات عمر وهو من العصبات.
أن الفرج إىل = ويشهد لمعناه ما أخرجه عبد الرزاق()11موقوف على الثوري.قال :قال الثوري :قال مسعنا َّ
العصبة واألموال إىل األوصياء عن بعض من يرضى به .قلت :وال ختفى جهالة من مسع منه الثوري وسفيان ثقة
حافظ(.)1
المطلب الثالث
األحاديث التي استغربها الزيلعي في ُكتُ ِ
ب الحدود والسير
كتاب الحدود
( ) 1سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري الكويف قال احلافظ ابن حجر يف التقريب :ثقة حافظ فقيه عابد إمام حجةت 821.ه التقريب 1
934 /
( )2نصب الراية ك /النكاح ب /نكاح أهل الشرك . 819 / 9 .
( )3الدراية ك /النكاح ب /القسم .بعد ح. 22 / 8 555 /
()4يف ختريج أحاديث أصول البزدوي خمطوط " كنز الوصول إىل معرفة األصول " وهبامشه ختريج العالمة قاسم بن قطلوبغا ص. 839 /
( )5نصب الراية ك /الطالق ب /إيقاع الطالق -احلديث السادس . 882 / 9 -
( )6الدراية ك /الطالق باب( /فصل) ح. 71 / 8 523/
( )7فتح القدير ك /الطالق ب/إيقاع الطالق . 92 / 2
( )8الكامل يف ضعفاء الرجال ت -1949/علي بْن أيب علي القرشي (. )919 /2
( )9األسرار املرفوعة فصل ح. 828 / 1 929 /
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 324
،و َعليَ ِه ِ ِ ِّساء:إِنَّا َها َزْو َجتُ َ امرأتِِه،وقَالَ ْ قال الزيلعي)1(:قوله«:ومن ُزفَّ ْ ِ ِ
ك ،فَا َوطئَا َها َ،ال َح َّد َعلَْيه َ ت الن َ ت إليه غَْيا َر َ َْ
ك َعلِي .قلت :غريب جداً. ِ
ضى بِ َذل َ
الم ْهر»قَ َ
َ
قال يف الدراية)2(:مل أجده عنه.قال ابن قطلوبغا يف تعليقه على الدراية()3رواه عبد الرزاق .قلت:أخرجه عبد
كن لَه
أن َر ُجالً َّ الرزاق( )4قال:عن إسرائيل عن مساك عن صاحل بن أيب سليمان عن علي بن أيب طالب َّ
استَ َح َّل ِم ْن فَا ْرِج َها،
الصدا ُق بِ َما ْ
ال علي :لَ َها َّ ت ِ
إليه أُ ْختُا َها فَا َق َ اه َّن َر ُجالً ،فَا ُزفَّ ْ
إح َد ُ َخمس بانَ ٍ
ات فَا َزَّو َج ْ ُ َ
الحد .قلت:فيه مساك بن اها ُمتَا َع ِّم َدا فَا َعلَْي ِه ُّ ِ وعلَى أبِيها ص َدا ُق ه ِذهِ لزو ِجهاِ َ ،
زفها إليه وإ ْن َكا َن أتَ َ وع ْليه أ ْن يَ َ َ َْ َ َ َ َ
()5
حرب الذهلي صدوق وروايته عن عكرمة خاصة مضطربة وقد تغري بأخرة فكان رمبا تلقن[يلقن] وفيه صاحل بْن
أَِيب ُسلَْي َمان ,ذكره البخاري يف الكبري وابن أيب حامت يف اجلرح والتعديل وابن حبان ومل يذكروا فيه جرح وال تعديل
وقال ابن شاهني:ثقة()6وبقية رواته ثقات.
كتاب السير
ِ نيمة في َدا ِر َ ِ قال الزيلعي)7(:روي أنه «نَهى عن بي ِع الغَ ِ
ِّف
صن ُ استَ َد َّل بِه الْ ُم َ
.و ْ الحرب» قلت:غريب جداً َ َ
ِ ِ ِ ال ِ:أل َّ احلر ِ ِ
وز
ك َال َجتُ ُ َن الْبَ ْي َع ِيف َم ْع َىن الْق ْس َمة ,فَ َك َما َال َجيُ ُ
وز الْبَ ْي ُع َك َذل َ ب ,قَ َ َعلَى َمْن ِع َج َوا ِز قَ ْس ِم الْغَنَائ ِم ِيف َدا ِر َْْ
الْ ِق ْس َمةُ.
يب ِجداا .قلت:جاء مبعناه()10وهو أقرب إىل استدالل صاحب قال يف الدراية :مل أجده .وقال ابن اهلمامَ :غ ِر ٌ
()9 ()8
( )1نصب الراية ك /احلدود ب /الوطء الذي يوجب احلد أ احلديث الثاين . 993 / 9
( )2الدراية ك /احلدود ب /الوطء الذي يوجب احلد ح. 158 / 8 222 /
( )3تعليقات " العالمة قاسم بن قطلوبغا " على اجلزء الثاين من " الدراية " للحافظ ابن حجر ص 28 /بنهاية " منية األملعي .
( )4مصنف عبد الرزاق ك /النكاح ب /الرجل يتزوج املرأة وترسل إليه بغريها .ح. 858 / 2 15715/
()5تقريب التهذيب ت( -8284/ص)855 :
( )6ترمجته يف :التاريخ الكبري ت )821 /4( - 8218/الثقات ت )975 /4( - 9489/اجلرح والتعديل ت. )455 /4( -1774/
( )7نصب الراية ك /السري ب /الغنائم وقسمتها -احلديث اخلامس . 452 / 9 -
( )8الدراية ك /السري ب /الغنائم وقسمتها ح. 185 / 8 719 /
()9فتح القدير ()425 /5
ِ ِ ِ
( )10قال العيين َ :والْبيع ِيف معىن الْق ْس َمة ,فَ َك َما َال جيوز البيع َك َذلك َال جتوز الْق ْس َمة.أ.ه عمدة القاري ()911 /14
( )11مصنف ابن أيب شيبة كتاب املغازي بَ /غ ْزَوةُ َخْيبَ َر ح)935 /7( - 92238/
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 325 جملة املدونة:
ِ ِ ِ ٍ
ُس َامةَ َع ْن ُعبَ ْيد اللَّه بْ ِن عُ َمَر َ
()1
َّيب ,ع ْن نَاف ٍع َع ِن ابْ ِن ُع َمَر َع ِن النِ ِّ ,وأَبُو أ َ وابن أبي شيبة قال:ابْ ُن ُمنَْري َ
سس َم لِ ْل َف َر ِ
أَنَّهُ«:قَ َ
اج ِل َس ْه ًما» قلت :رواته ثقات. لر ِ َس ْه َم ْي ِن َولِ َّ
ت الْ َم ْو ِصلِ ُّي
احلسن بن الْ ُكمي ِ
ال َحدَّثَنَا َْ َ ُ ْ ُ َ ْ الجصاص في أحكام القرآن:قال َو َحدَّثَنَا َعْب ُد الْبَاقِي بْ ُن قَانِ ٍع قَ َ
ولَن َر ُس َ يف بْن َس ٍِ
امل َع ْن ُعبَ ْي ُد اللَّه بْ ُن ُع َمَر َع ْن نَافِ ٍع َع ْن ابْ ِن ُع َمَر أ َّ ِ قال حدثنا صبح بْ ُن ِدينَا ٍر قَ َ
ال َحدَّثَنَا َعف ُ ُ
اج ِل َس ْه ًما»( )2قلت:فيه صبح بن دينار ذكره العقيلي يف س َس ْه َم ْي ِن َولِ َّ
لر ِ َس َه َم يَا ْوَم بَ ْد ٍر لِ ْل َفا ِر ِاللَّه « أ ْ
الضعفاء()3وذكر له حديثاً خالف فيه الثقات .قال الشيخ األلباين)4(:غري معروف ,وقد أورده العقيلي يف الضعفاء
من أجل حديث خالف فيه الثقات؛ مما يدل على أنه مل حيفظ .وفيه عفيف بن سامل البجلي صدوق()5وفيه
احلسني بن ال ُك َميت()6قال الدارقطين:ال بأس به.وقال اخلطيب:كان ثقة.
ُس َامةَ َوابْ ُن صوٍر نا أَبُو بَ ْك ِر بْ ُن أَِيب َشْيبَةَ نا أَبُو أ َ َمحَ ُد بْ ُن َمْن ُ ي نا أ ْ قال:ح َّدثَنَا أَبُو بَ ْك ٍر الن َّْي َسابُوِر ُّ
َ والدارقطني:
اج ِللر ِ س َس ْه َم ْي ِن َولِ َّ ول اللَّ ِه َ «ج َع َل لِ ْل َفا ِر ِ َن َر ُس َ ُمنٍَْري قَ َاال:نا ُعبَ ْي ُد اللَّ ِه َع ْن نَافِ ٍعَ ,ع ِن ابْ ِن ُع َمَر أ َّ
َس ْه ًما»()7قلت:فيه أمحد ابن منصور املروزي:صدوق()8وبقية رواته ثقات.
صوٍر نا نُ َعْي ُم بْ ُن َمحَّ ٍاد نا ابْ ُن الْ ُمبَ َار ِك َع ْن ُعبَ ْي ِد اللَّ ِه بْ ِن ُع َمَر َمحَ ُد بْ ُن َمْن ُ ي نا أ ْ وقالَ :حدَّثَنَا أَبُو بَ ْك ٍر الن َّْي َسابُوِر ُّ
َمحَ ُدَ :ك َذا لَْف ُظ ال أ ْ اج ِل َس ْه ًما» .قَ َ س َس ْه َم ْي ِنَ ،ولِ َّ
لر ِ َس َه َم لِ ْل َفا ِر ِ َّيب «أَنَّهُ أ ْ َع ْن نَاف ٍعَ ,ع ِن ابْ ِن ُع َمَر َ ع ِن النِ ِّ
ِ
ت الن ِ
َّاس. َن ابن الْمبار ِك ِمن أَثْب ِ ِ ِ
:ولَ َع َّل الْ َوْه َم م ْن نُ َعْي ٍم ,أل َّ ْ َ ُ َ َ ْ َ يَ ال الن َّْي َسابُوِر ُّ َّاس ُخيَالُِفونَهُ .قَ َ ِ ٍ
نُ َعْيم َع ِن ابْ ِن الْ ُمبَ َارك َوالن ُ
قلت:رواته ثقات.
,ع ْن نَافِ ٍع, ِ
َخبَ َرِين َعْب ُد اللَّه بْ ُن ُع َمَر َ ب ,أ ْ ي نا يُونُس بْن َعْب ِد ْاأل َْعلَى,نا ابْن وْه ٍ
َُ ُ ُ وقالَ :حدَّثَنَا أَبُو بَ ْك ٍر الن َّْي َسابُوِر ُّ
َع ِن ابْ ِن ُع َمَر
اج ِل َس ْه ًما» .وقال:تَابَ َعهُ ابْ ُن أَِيب َم ْرَميَ, س َس ْه َم ْي ِن َ ،ولِ َّ
لر ِ ْخ ْي ِل لِ ْل َفا ِر ِ ول اللَّ ِه َ «كا َن يُ ْس ِه ُم لِل َ َن َر ُس َ أ َّ
َّك ِيف الْ َفا ِر ِس َوالْ َفَر ِس.قال ابن القيسراين ي بِالش ِّ يب َع ِن الْ ُع َم ِر ِّ ,وَرَواهُ ال َق ْعنَِ ُّ
يَ َو َخالِ ُد بْ ُن َعْب ِد َّ
الر ْمحَ ِنَ ,ع ِن الْ ُع َم ِر ِّ
()1
يث ُمْن َكٌر.أ.ه وبنحوه قال يف«معرفة التذكرة» يف"التذكرة"(:)9عبد اللَّ ِه ضعِيف)10(,و ْ ِ
احلَد ُ َ ٌ َ َْ ُ
ِِ ِ ِ
()1ابن أيب شيبة يف مصنفه ك /الرد على أيب حنيفة َ -م ْسأَلَةُ س َهام الْ ُم َجاهد َ
ين – ح)872 /7( - 92553/
()2أحكام القرآن ()845 /4
()3الضعفاء الكبري ت)817 /8( - 752/
()4سلسلة األحاديث الضعيفة ()942 /2
()5تقريب التهذيب ت( -4287/ص)934 :
()6إرشاد القاصي (ص)822 :
()7أخرجه الدارقطين ك /السري – أوله – ح)123 -122 /5(- - 4124 , 4128, 4121 , 4125/
()8تقريب التهذيب ت( -118 /ص)25 :
()9تذكرة احلفاظ البن القيسراين ح( - 139 /ص. )35 :
()10تقريب التهذيب ت( -9423/ص)914 :
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 327 جملة املدونة:
وم بَدر»قال ابن أيب العز)1(:وأماحديث ابن عباسأن النيب «أعطى الفارس س ْهمي ِن َّ ِ
وللراج ِل َس ْه َماً يَ َ َ َ
سهما»فهو حديث ضعيف. سهمين والراجل ً
(ِ )2
وب بْ ِن ُجمَ ِّم ِع ي أخرجه ابن حزم :قال:م ْن طَ ِر ِيق ُجمَ ِّم ِع بْ ِن يَ ْع ُق َ صا ِر ِّ
= وحديث ُم َج ِّم ِع بْ ِن َجا ِريَةَ ْاألَنْ َ
ي َ -وَكا َن صا ِر ِّ ِ
يد َع ْن َع ِّمه ُجمَ ِّم ِع بْ ِن َجا ِريَةَ ْاألَنْ َ ي َع ْن أَبِ ِيه َع ْن َع ِّم ِه َعْب ِد َّ
الر ْمحَ ِن بْ ِن يَِز َ صا ِر ِّ
يد بْن َجا ِريَةَ ْاألَنْ َ بْ ِن يَِز َ
ك. ِ
ول َوأَبُوهُ َك َذل َ اج ِل َس ْه ًما» ُ
.جمَ ِّم ٌع َْجم ُه ٌ الر ِ
س َس ْه َم ْي ِنَ ،و َّ ول اللَّ ِه أَ ْعطَى لِ ْل َفا ِر ِ َن َر ُس َ َح َد الْ ُقَّر ِاء«أ َّ
أَ
اج ِل لر ِ س َس ْه َم ْي ِنَ ،ولِ َّ ول اللَّ ِه َ ج َع َل لِ ْل َفا ِر ِ َن َر ُس ََوِم ْن طَ ِر ِيق َعْب ِد اللَّ ِه بْ ِن ُع َمَر َع ْن نَافِ ٍع َع ْن ابْ ِن ُع َمَر «أ َّ
َس ْه ًما»
ف. وقال:عْب ُد اللَّ ِه بْن ُعمر الَّ ِذي ي رِوي َعن نَافِ ٍع ِيف َغاي ِة الض َّْع ِ َ
َ ْ َْ ُ ََ
()3
قال:حدثنَاَ = وأما الموقوف فجاء عن أبي موسى وغيره أخرجه الطحاوي في تهذيب اآلثار:
شهابَ ,عن أَبِيهَ ,عن أيب :حدثنَا حبيب بن َ ال َ :حدثنَا بشر بن الْمفضل ,قَ َ ال َ الصْن َع ِاينّ ,قَ َ
ُحمَ َّمد بن عبد ْاأل َْعلَى َّ
وسى«:أَنه َكا َن يَ ْج َعل للفارس َس ْه َم ْي ِن ،وللراجل َس ْهما».قلت:رواته ثقات إىل أيب موسى . ُم َ
= وجاء الحديث مرسالً عن مكحول وعمر بن عبد العزيز رحمهما اهلل رفعاه أخرجه عبد الرزاقَ )4(:ع ْن
،وإِ ْن َكا َن َم َعهُ
ِ ولَ «:ال َس ْه َم ِم َن ال َ
ْخ ْي ِل إَِّال ل َف َر َس ْي ِن َ َّيب يَ ُق ُ ْح ًوال يَْرفَ ُعهُ إِ َىل النِ ِّ
ِ ِ ِ
َشْي ٍخ ,م ْن أ َْه ِل الشَّام ,أَنَّهُ َمس َع َمك ُ
س إِذَا َد َخ َل ْف فَا َر ٍ
أَل ُ
اج ِل َس ْه ٌم».قلت:وفيه جهالة س َس ْه َم ْي ِنَ ،ولِ َّ
لر ِ س َم النَّبِ ُّي يَا ْوَم بَ ْد ٍر لِ ْل َفا ِر ِ ال«:قَ َض ال َْع ُد ِّو» قَ َبِ َها أ َْر َ
الشيخ واالرسال.
ُس َامةُ بْ ُن َزيْ ٍدَ ,ع ْن ال نا َعْب ُد الْ َع ِزي ِز بْ ُن ُحمَ َّم ٍد ,قَ َ
ال:نا أ َ قال:حدَّثَنَا َسعِي ٌد قَ َ
َ
()5
وسعيد بن منصور في سننه:
اج ِل َس ْه ًما» ،ولِ َّ
لر ِ َن النَِّيب «فَارض لِ ْل َفا ِر ِ ِ
س م ْنا ُه ْم َس ْه َم ْي ِن َ َ َ ول أ َّ َّ مكْح ٍ
َ ُ
ول أ َّ ٍ
ال:نا أُسامةُ بن َزيدَ ,عن مكْح ٍ ٍ
ال:نا َعْب ُد الْ َع ِزي ِز بْ ُن ُحمَ َّمد ,قَ َ :قال:حدَّثَنَا َسعِي ٌد قَ َ
) 6 (
َن النِ َّ
َّيب ْ َ ُ َ َ ُْ ْ َ وقال
اج ِل َس ْه ًما» قلت:فيه عبد العزيز بن حممد الدراوردي صدوق كان س ِم ْنا ُه ْم َس ْه َم ْي ِنَ ،ولِ َّ
لر ِ ض لِ ْل َفا ِر ِ«فَا َر َ
حيدث من كتب غريه فيخطىء قال النسائي:حديثه عن عبيد اهلل العمري منكر( )7وأسامة بن زيد الليثي موالهم
()8
أبو زيد املدين صدوق يهم
َخبَ َرِين الن ُّْع َما ُن َع ْن صفَّى َحدَّثَنَا ُحمَ َّم ُد بْن ُش َعْي ٍ
ب ,أ ْ قال:حدَّثَنَا ُحمَ َّم ُد بْ ُن ُم َ
َ
()1
وأبو داود في المراسيل:
ُ
ِّس ِاء ِ ِ ِ ْخ ْي ِل س ْهم ْي ِن ،ولِ َّ ِ
لراج ِل َس ْه ًماَ ،ول ْل ِولْ َدان َس ْه ًماَ ،وللن َ
ِ
ول اللَّه يَا ْوَم َخ ْيبَا َر ،لل َ َ َ َ
ال«:أَسهم رس ُ ِ مك ٍ
ْحول,قَ َ ْ َ َ َ ُ
َ ُ
()2
َس ْه ًما» قلت:فيه حممد بن مصفى القرشي صدوق له أوهام وكان يدلس والنعمان بن املنذر صدوق رمي
()4
بالقدر(,)3وحممد بن شعيب الدمشقي صدوق.
:حدَّثَنَا َمالِ ٌ ص َع ٍ ()5
ك ال َ
ب ,قَ َ = وحديث عمر بن عبد العزيز أخرجه مالك في الموطأ :قال:أخبنَا أَبُو ُم ْ
اج ِل
لر ُان َولِ َّس س ْهم ِ
ار ِ َ َ
ِ َن ُع َمَر بْ َن َعْب ِد الْ َع ِزي ِز َكا َن يَ ُق ُ
ول :بلغين أن رسول اهلل قال«:ل ْل َف َ بن أنس ,أَنَّهُ بَلَغَنِه أ َّ
َس ْه ٌم»قلت:فيه انقطاع بني مالك بن أنس وعمر بن عبد العزيز ,االرسال.
المطلب الرابع
األحاديث التي استغربها الزيلعي في(المعامالت)
كتاب الشركة
المالي ِن»قلت :غريب جدا ,ويوجد يف ِ ()6
والوضيعةُ َعلى قَدر َ
بح على َما َش َرطَاَ ،
الر ُ
قال الزيلعي :قال ِّ «
بعض كتب األصحاب من قول علي.
قال يف الدراية)7(:مل أجده.
()8
جدا وليس له أصل ,ويوجد يف بعض كتب األصحاب من قول علي .قال وقال يف البناية :هذا غريب ً
ابن اهلمام)9(:ومل يعرف يف كتب احلديث,وبعض املشايخ ينسبه إىل علي .وقال ابن أيب العز-)10(:بعد أن ذكر
هذ احلديث وحديث آخر:-هذان احلديثان منكران ال أصل هلما.قلت:مل أقف عليه.
كتاب الوقف
وعه فِي َس ِ
بيل اهلل ،ويرو أكراعه ,قلت :غريب جداً. س ُد ُر َ
()11
قال الزيلعي :قوله :وطلحة َ حبَ َ
أن طلحة حبس دروعه ,ويف قال يف الدراية)1(:مل أجده .وقال ابن اهلمام)2(:وأما ما ذكر املصنف من َّ
()3
جدا ليس له أصل(.ويروى وأكراعه)والرواية غري
رواية أدرعه وأعتده فلم يعرف .وقال يف البناية :هذا غريب ً
صحيحة من وجهني :أحدهما :أهنا مل تنقل عن أمحد َرِمحَهُ اللَّهُ من الرواة الثقات ,واآلخر:من جهة اللفظ؛ ألن
اعا عليه وزن فعال ,ومل يسمع مجعه على أفعال .قال ابن أيب العز(:)4الذي يف الصحيحني وغريمها من حديث كر ً
س أَ ْد ُر َعهُ واعتَّدهُ فِي َسبِيِل اهلل»()5مث قال:وليس ِ
وأما َخالد فَإِّنَ ُكم تَظل ُمو َن َخال ًدا ،قَ ْد ْ
احتَبَ َ أيب هريرة َّ «
لطلحة ذكر يف كتب احلديث ,ولعل املصنف اشتبهَ عليه حديث أيب طلحة األنصاري ولكن أبو طلحة إمنا وقف
أرضا له يقال هلا بريحاء()6وحديثه يف الصحيحني()7وغريمها,ومل يقف منقوالً.أ.ه ً
كتاب البيول
قال الزيلعي)8(:روي عن ابن عمر «أنه أجاز الخيار إلى شهرين» قلت:غريب جداً.
بف ِيف َشي ٍء ِم ْن ُكتُ ِ
ُ ر ع
ْ ي
ُ ال
َ ف
َ اب قال ابن اهلمام)9(:وأ ََّما ما استَ َدلُّوا ِمن ح ِد ِ
يث ابْ ِن ُعمر الْم ْذ ُكوِر ِيف الْ ِكتَ ِ
ْ َ َ َ ْ
ْ َ َ َ َ
يث َو ْاآلثَا ِر .وقال العيين :هذا غريب جداً ,والعجب من األكمل أنَّه قال:وهلما حديث ابن عمرَّ «
أن ()10 احل ِد ِ
َْ
از
أج َ
النَّبي َ
ار إِلَى َش ْه َري ِن»ونفس إسناده إىل ابن عمر مل يصح ,فكيف يرفع إىل النيب وقال األترازي:وقد ِ
الخيَ َ
روى أصحابنا
يف شروح اجلامع الصغري:أن ابن عمر شرط اخليار شهرين ,كذا ذكر فخر اإلسالم .وقال العتايب(َّ :)11
إن
وج َع َل
ل َجاريَة َعبد اهلل بن عمر باع بشرط اخليار شهراً ,وقال يف"المختلف"روي عن ابن عمر« أنَّه باَ َ
الخيَا ِر َشهراً» وكل هذا مل يثبت )1(.قلت)2(:فمما جاء بمعناه عن عمر أخرجه ابن حزم)3(:قال: للمشتَري ِ
ِِِ ُرِّوينَا ِم ْن طَ ِر ِيق َمحَّ ِاد بْ ِن َسلَ َمةَ َع ْن ُمحَْي ٍد قَ َ
ت لَهُ أ َْوَال ًدا فَ َجاءَ ال َر ُج ٌل َجا ِريَةً ألَبيه فَاتَ َ
س َّر َاها ال ُْم ْشتَ ِري فَا َولَ َد ْ ال«:بَ َ
ل لَهُ الَ :د ْ ل لِي َولَ ِدي؟ فَا َق َ ال ال ُْم ْشتَ ِريَ :د ْ َّها َوَولَ َد َها إلَْي ِه ،فَا َق َ
اب فَا َرد َ ْخطَّ ِ اص َمهُ إلَى ُع َم َر بْ ِن ال َ أَبُوهُ فَ َخ َ
أن اجلارية ولدت أوالداً ففيه اخليار أن عمر أبقى حق اخليار لألب فيما باعه ابنه رغم َّ َولَ َدهُ» .قلت:يالحظ َّ
()4
صرح بالقول وفيه جهالة أعواماً وفيه محيد الطويل :ثقة مدلس وعابه زائدة لدخوله يف شيء من أمر األمراء,وقد َّ
الرجل وأبيه وبقية رواته ثقات.
صوٍر نَا ُه َشْي ٌم قَ َ ِِ ِ
َّ ِ وقال ابن حزم َك َما ُرِّوينَا م ْن طَ ِر ِيق َسعيد بْ ِن َمْن ُ
()5
َن َر ُج ًال احلَ َس ِن أ َّ
يل َع ْن ْ ال أَنَا ُمحَْي ٌد الطو ُ
باع جا ِريةً ِألَبِ ِيه وأَبوه َغائِب ,فَلَ َّما قَ ِدم أَىب أَ ْن ُِجييز ب يع ابنِ ِه وقَ ْد ولَ َد ِ
ص ُموا َإىل ُع َمَر بْ ِن ت م ْن الْ ُم ْش َِرتي فَ ْ
اختَ َ َ َْ َ ْ َ َ ْ َ َ َُُ ٌ ََ َ َ
ِ ص فَلَ ِزَمهُ؟ فَ َق َاخلََال ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ اخلَطَّ ِ
ال أَبُو الْبَائ ِعُ :مْرهُ فَ ْليُ َخ ِّل ي أَ ْن يَأْ ُخ َذ بَْي َعهُ ب ْ ضى ل َّلر ُج ِل جبَاريَته َوأ ََمَر الْ ُم ْش َرت َ اب ؟ فَ َق َ ْ
ت فَ َخ ِّل َع ْن ابْنِ ِه.قلت:وفيه هشيم السلمي()6ثقة ثبت كثري التدليس واإلرسال اخلفي.وقد :وأَنْ َ
ال ُع َمُر ََع ْن ابِْين؟ فَ َق َ
صرح باإلخبار وفيه ما يف سابقه
رواه البيهقي في الكبر ()7قال:أخبنا أبو حازم العبدوي احلافظ()8أخبنا أبو الفضل ابن مخريويه()9حدثنا
أمحد بن جندة( )10حدثنا سعيد بن منصور حدثنا هشيم حدثنا محيد الطويل عن احلسن:أن رجال باع جارية ألبيه
وأبوه غائب فلما قدم َأىب أبُوهُ أن جييز بيعه وقد ولدت من املشرتى فاختصموا إىل عمر بن اخلطاب :فقضى
للرجل جباريته وأمر املشرتى أن يأخذ بيعه باخلالص فلزمه فقال أبو البائع:مره فليخل عن ابين .فقال له عمر
()1قلت :قال صاحب اهلداية (فصل ومن باع دارا دخل بناؤها يف البيع وإن مل يسمه : 87/9 ..خيار الشرط جائز يف البيع للبائع واملشرتي
..وال جيوز أكثر منها [ أي الثالثة أيام ] عند أيب حنيفة وهو قول زفر والشافعي رضي اهلل عنهما وقاال :جيوز إذا مسى مدة معلومة
الغنب وقد متس احلاجة إىل األكثر فصار حلديث ابن عمر أنه أجاز اخليار إىل شهرين َّ ِ
الرتوي ليندفع ُ يار إمنا ُشرع للحاجة إىل َّ وألن اخل َ
كالتأجيل يف الثمن.أه
الشافعي من جواز خيار الشرط ألكثر من ثالثة أيام ,وقد جاءت اآلثار الدَّالة على ()2فصاحب اهلداية استدل باألثر على ما قاله ُزفَر و َّ
عمل السلف مبعناه وإثبات اخليار أكثر من ثالثة أيام ,أكتفي مبا روي عن عمر وعلي .
السيِّ ِد أ َْو بِغَ ِْري إ ْذنِِه] ()123 /3
[م ْسأَلَةٌ تَ َزَّو َج ممَْلُوَكةً لِغَ ِْريهِ بِِإ ْذ ِن َّ
( )3احمللى باآلثار ك /النكاح بَ /
( )4تقريب التهذيب ت( -1544/ص)121 :
( )5احمللى املوضع السابق .
()6تقريب التهذيب ت( -7918/ص)574 :
ب ا ْجلَا ِريَِة ح)122 /2( - 11547 / اع َها ُمثَّ َجاءَ َر ُّ ب َجا ِريَةً فَبَ َ صَ ()7السنن الكبى للبيهقي ك /العارية بَ /م ْن َغ َ
العبْ َدوي ,األعرج ,النيسابوري.قال اخلليلي يف «اإلرشاد»ُ :حمَدِّث ابن ُحمَدِّث ,رأيته بنيسابور ,وكان ()8عمر بن أمحد بن حممد أبو حازم َ
عارفاً حافظاً ذا تصانيف يف هذا الشأن ,وكان حيضر جملس اإلمالء للحاكم أيب عبد اهلل متقرباً منه .ترمجته يف :الثقات البن قطلوبغا
ت)823 /7(- 2172/
( )9أبو الفضل حممد بن عبد اهلل بن حممد بن مخريويه بن سيّار اهلروي ,حم ّدث هراة .توىف 978ه ترمجته يف سري أعالم النبالء (/12
)911
اسطي ,ومجاعة .وعنه :أبو إسحاق وي.رحل ومسع :سعيد بن منصور ,وسعيد بن سليمان الو ّ الع ْريان أبو الفضل اهلََر ّ ()10أمحد بن َْجندة بن ُ
َّلي .وكان ثقة ُم َع َّمًرا.ترمجته يف :سري أعالم النبالء ت. )571 /19( - 834 / البزار ,وأبو حممد املَُزينّ املُغَف ّ
ّ
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 332
()1األصل ( )824 /3أليب عبد اهلل حممد بن احلسن بن فرقد الشيباين (املتوىف 123 :ه )
( )2احمللى املوضع السابق .
للزوج رغم والدهتا للَّذي ابتاعها وال خيفى أن ذلك يتطلب أكثر من الشهرين . ()3قلت :فقضى علي باجلارية َّ
اب الْعِينَةُ َوَما يُ ْشبِ ُه َها) ( )975 /2أليب عمر يوسف بن عبد الب بن عاصم النمري (ت 429ه ) ()4االستذكار ك /البيوع ب(/بَ ُ
( )5نصب الراية ك /الصرف أوله احلديث الثاين . 52 / 4
وب الْمهلِ ِ
ك لَ ِكنَّهُ ُمبَالَغَةٌ ِيف تَ ْر ِك ِاالفِْ َرت ِاق بِ ْاألَبْ َد ِان قَ ْب َل ِ ِ ِ ()6قال جنم الدين النسفي :قَولُه وإِ ْن وثَ ِ
ب َم َعهُ) َملْ يُطْل ْق لَهُ َحقي َقةَ الْ ُوثُ ِ ُ ْ
ب م ْن َسطْ ٍح فَث َُْْ َ َ
ض أ.ه املبسوط ( )4 /14طلبة الطلبة يف االصطالحات الفقهية ض ,.وقال السرخسي :هذا لِلتَّحُّرِز عن م َفارقَِة أَح ِد ِمها ص ِ
احبَهُ قَ ْبل الْ َقْب ِ الْ َقْب ِ
َ َ َْ ُ َ َ َ َ
(ص )114 :املؤلف :عمر بن حممد جنم الدين النسفي (ت597/ه ) نشر املطبعة العامرة ,مكتبة املثىن ببغداد النشر1911 :ه
( )7الدراية ك /الصرف أوله بعد ح. 129 / 8 252 /
()8العناية ()197 /7
()9التنبيه على مشكالت اهلداية ()445 /4
( )10كتاب اآلثار ب /يف البيوع والسلف ح. 125 , 124 / 1 297 /ليعقوب بن إبراهيم األنصاري أبو يوسف ت 128 /ه
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 333 جملة املدونة:
( )1مرزوق أبو بكري بالتصغري التيمي الكويف املؤذن سكن الري [ثقة] أ.ه التقريب ت( -2557/ص)585 :
()2اإليثار ت( - 822/ص ,)132 :وتعجيل املنفعة ت)482 /8( - 1847/
()3األصل ()521 /8
()4اإليثار ت( - 822/ص ,)132 :وتعجيل املنفعة ت )482 /8( - 1847/باختصار
( )5نصب الراية كتاب املأذون -حديث واحد. 122 / 4 -
( )6اللفظ يف "نصب الراية "الزارع مأجور" وعليه اعتمد احلافظ يف "الدراية" واملوجود يف " اهلداية ". 4 /4قال عليه : الزارع يتاجر ربه
"أ .ه
( )7الدراية ك /املأذون بعد ح. 855 / 8 449 /
()8البناية ()192 /11
()9التنبيه على مشكالت اهلداية ()252 /5
ض ِل الْغَْر ِس..ح-1559/
الزْرِع َوالغَْر ِس..ح)159 /9(- 8985/ومسلم ك /املساقاة ب /فَ ْض ِل َّ
()10أخرجه البخاري ك /املزارعة ب /فَ ْ
()1123 /9
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 334
األضحية
قال الزيلعي)6(:قوله«:روي أن أبا بكر ،وعمر كانا ال يضحيان إذا كانا مسافرين»قلت:غريب.
قال يف الدراية)7(:مل أجده ,بل صح عنهما أهنما كانا ال يضحيان مطلقا أحيانا خشية أن يظن وجوهبما )8( .قال
العيين)9(:هذا مل يثبت عنهما هبذه العبارة ,وال ذكره أهل احلديث ,وإمنا الذي ذكره عن أيب شرحية الغفاري
أنه قال :أدركت أو رأيت أبا بكر وعمر ال يضحيان .وقد ذكرناه فيما مضى وهذا أعم من اإلقامة
والسفر .وقال ابن أيب العز)10(:مل أر ذلك يف شيء من كتب احلديث ,وإمنا املنقول عن أيب بكر وعمر أهنما
كانا ال يريان وجوب األضحية
وحضرا كما تقدم وهو من مجلة ما استدل به من قال بعدم وجوهبا .قلت :مل أقف عليه.
ً سفرا
مطل ًقا ً
األضحية
( )1نصب الراية ك /الذبائح فصل فيما حيل أكله وما ال حيل . 851 / 4
السَرطاَن:حيوان معروف ويسمى عقرب املاء ,وكنيته أبو حبر ,وهو من خلق املاء ويعيش يف الب أيضاً ,وهو جيد املشي سريع العدو ,ذو
(َّ )2
فكني وخماليب وأظفار حداد,كثري األسنان,وله مثاين أرجل ,وهو ميشي على جانب واحد ,ويستنشق املاء واهلواء معاً...أ.ه حياة احليوان
.85 -13/8
( )3الدراية ك /الذبائح بعد ح. 818 / 8 312 /
()4البناية ()252 /11
()5التنبيه على مشكالت اهلداية ()742 /5
( )6نصب الراية ك /األضحية بعد احلديث الرابع . 811 / 4
( )7الدراية ك /األضحية بعد ح. 815 / 8 389 /
( ) 8يريد ما أخرجه :الطحاوي يف شرح معاين اآلثار ك /الصيد والذبائح واألضاحي ب /من حنر يوم النحر ..ح174 / 4- 5743 /
.والبيهقي يف الكبى ك /الضحايا ب /األضحية سنة ..ح. 825 / 3 13557 /
()9البناية ()81 /18
()10التنبيه على مشكالت اهلداية ()723 /5
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 335 جملة املدونة:
قال الزيلعي)1(:قوله:روي عن عمر وعلي وابن عباس أهنم قالوا«أيام النحر ثالثة أفضلها أولها»قلت:غريب
()2
جدا.
قال يف الدراية)3(:قوله :روى عن عمر وعلي وابن عباس أهنم قالوا«:أيام النحر ثالثة أفضلها أولها»أما
عمر فلم أره ,وأما علي فذكره مالك يف املوطأ عنه بالغا وأما ابن عباس فلم أجده لكن يف املوطأ عن نافع
عن ابن عمر أنه كان يقول«:األضحى يومان بعد يوم النحر»قلت)4(:يالحظ َّ
أن صاحب اهلداية استدل هبذه
اآلثار على مذهب احلنفية بقوهلم:إن أيام التضحية ثالثة أيام ,يوم النحر ,ويومان بعده.
= وقد أخرج هذه اآلثار عن هؤالء الصحابة وغيرهم ابن حزم في كتابه المحلى فأثر عمر أخرجه
ابن حزم )5(:قال:ومن طريق ابن أيب شيبة نا جرير عن منصور,عن جماهد ,عن مالك بن ماعز,أو ماعز بن مالك
حر فِي َه ِذهِ الثَّالثَة األَيَّام»قلت:رواته ثقات.
الثقفي:أن أباه مسع عمر يقول«:إنَّ َما النَّ ُ
= وأثر على أخرجه ابن حزم()6قال:روينا من طريق ابن أيب ليلى,عن املنهال بن عمرو,عن زر,عن علي
أفضلُ َها أَ َّولها»قلت:ويف اسناده حممد بن عبد الرمحن بن أيب ليلى:صدوق سيء
قال«:النَّحر ثَالثَة أَيَّام َ
احلفظ
جدا()7وقد ضعفه غري واحد من األئمة .وفيه املنهال بن عمرو صدوق رمبا وهم()8وبقية رواته ثقات.
والبيهقي في الكبر ()9قال:وأخبنا أبو أمحد عبد اهلل بن حممد بن احلسن املهرجاىن(.)10أخبنا أبو بكر
حممد بن جعفر
املزكي()1حدثنا حممد بن إبراهيم العبدي()2حدثنا ابن بكري قال وحدثنا مالك أنَّه بلغه أن على بن أىب طالب
كان يقول«:األضحى يومان بعد يوم األضحى» .قلت:فيه حي بكري:ثقة يف الليث وتكلموا يف مساعه من
مالك)3(.وبقية رواته ثقات.
= وأثر ابن عباس أخرجه البخاري في التاريخ الكبير()4قال:قال أبو عوانة عن أيب محزة عمران عن
ناجية عن ابن عباس «األضحى ثالثة أيام» .قلت:لعله حرب بن ناجية-كما يأيت يف رواية ابن حزم-
وعمران بن أيب عطاء األسدي صدوق له أوهام)5(.وحرب بن ناجية ذكره ابن حبان يف الثقات,والبخاري يف
التاريخ الكبري,وابن أيب حامت يف اجلرح والتعديل,وابن قطلوبغا يف الثقات ,ومل يذكروا فيه جرح أو تعديل()6وبقية
رواته ثقات.
وابن حزم()7قال:ومن طريق ابن أيب شيبة نا هشيم ,عن أيب محزة ,عن حرب ابن ناجية ,عن ابن عباس
قال :أيام النحر ثالثة أيام .قلت:اسناده كسابقه .ومن طريق :وكيع ,عن ابن أيب ليلى ,عن املنهال ,عن سعيد
بن جبري ,عن ابن عباس«النحر ثالثة أيام»ا قلت:ويف اسناده ابن أيب ليلى األنصاري صدوق سيء احلفظ
جدا()8وقد ضعفه غري واحد من األئمة.وفيه املنهال بن عمرو صدوق رمبا وهم()9وبقية رواته ثقات.
= وأثر ابن عمر أخرجه مالك في الموطأ()10قال:وحدثين حي عن مالك عن نافع أن عبد اهلل بن
ِ ضحى يوم ِ
ان بَا ْع َد يَوم األَ ْ
ض َحى» قلت:رواته ثقات. عمر :قال «األ ْ َ َ َ
وابن حزم قال :ومن طريق ابن أيب شيبة,عن إمساعيل بن عياش ,عن عبيد اهلل بن عمر,عن نافع ,عن ابن
ويومان بعده»(.)11قلت :وفيه إمساعيل بن عياش بن سليم العنسي صدوق
األضحى يوم النَّحر َ
َ عمر قال«:
يف روايته عن
()13
أهل بلده خملط يف غريهم()12وعبيد اهلل بن عمر مدين وهو ثقة ثبت.
وم
حت يَ َ
ومن طريق:وكيع,عن عبد اهلل بن نافع,عن أبيه ,عن ابن عمر قال«:ما ذَبَ َ
()1
النَّحر،والثاني،والثَالث فَ ِهي َّ
الض َحايَا».قلت:عبد اهلل ابن نافع موىل ابن عمر املدين ضعيف.
والبيهقي في الكبر ()2قال:قال:وأخبنا أبو أمحد عبد اهلل بن حممد بن احلسن املهرجاىن()3أخبنا أبو بكر
حممد بن
جعفر املزكي حدثنا حممد بن إبراهيم العبدي حدثنا ابن بكري حدثنا مالك عن نافع َّ
أن عبد اهلل بن عمر
رضي اهلل
ِ ضحى يوم ِ
ان بَا ْع َد يَوم األَ ْ
ض َحى» قلت:رواته ثقات. عنهما كان يقول«:األ ْ َ َ َ
= وأثر أبى هريرة ،وأنس أخرجه ابن حزم()4قال:ومن طريق ابن أيب شيبة نا زيد بن احلباب()5عن
ض َحى ثَالثة أيَّام» قلت:فيه زيد ابن احلُباب أبو
معاوية بن صاحل حدثين أبو مرمي مسعت أبا هريرة يقول«:األ ْ
العكْلي وهو صدوق خيط ء يف حديث الثوري ,وفيه معاوية ابن صاحل احلضرمي:صدوق له أوهام()6ومن
احلسني ُ
طريق وكيع ,عن شعبة ,عن قتادة ,عن أنس قال«:األضحى يوم النحر ويومان بعده» وبه يقول أبو حنيفة,
ومالك)7(.قلت:رواته ثقات.
كتاب الكراهية
َّختُّ ِم ِيف الْ ُو ْسطَى َوالَِّيت تَلِ َيها ح , )1253 /9(- 8572 /واملثاثر :شيء كانت
َّه ِي َع ِن الت َ ()1أخرجه مسلم ك /اللباس والزينة بِ /يف الن ْ
الرحل كالقطائف من األرجوان أ.ه . تصنعه النساء لبعولتهن على َّ
( )2السلسة الضعيفة ح 83 / 8 558 /حملمد ناصر الدين األلباين الناشر /مكتبة املعارف – الرياض 1418.ه 1338م
( )3نصب الراية ك /الكراهية فصل يف الوطء والنظر واللمس -احلديث اخلامس عشر . 845 / 4 -هذا احلديث مل خيرجه الزيلعي .
( )4الدراية ك /الكراهية بعد ح. 885 / 8 343 /
()5البناية ()198 /18
()6التنبيه على مشكالت اهلداية ()729 /5
أن الزيلعي قال فيه " غريب " فقط ألنه مل يعلق عليه ومل خيرجه بلفظه أو( )7نصب الراية املوضع السابق .قلت :ذكرت هذا احلديث رغم َّ
مبعناه .
( )8الدراية املوضع السابق .
()9البناية ()199 /18
ِّس ِاء ح)155 /7( - 19595/ ِِ ِ ِ
اب َما َجاءَ يف الْ َق َواعد م َن الن َ ()10السنن الكبى للبيهقي ك /النكاح ب /بَ ُ
()11التنبيه على مشكالت اهلداية ()729 /5
ضائِ ِل أ ُِّم أَْميَ َن َر ِض َي اهللُ َعنْ َها ح)1357 /4( )8454(/ ِ
()12أخرجه مسلم ك /فضائل الصحابة ب /م ْن فَ َ
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 339 جملة املدونة:
جدا.
قال يف الدراية)6(:مل أجده .قال يف البناية)7(:هذا مل يثبت عن ابن عمر أصال ال بسند صحيح وال بسند ضعيف.
قال ابن ايب العز-بعد أن ذكر هذا األثر وأثر آخر:)8(-كال األثرين ال أعرف من ذكرمها .قلت:مل أقف عليه.
المطلب السادس
األحاديث التي استغربها الزيلعي في إحياء الموات ،واألشربة
إحياء الموات
قال الزيلعي)9(:عن عمر أنه قال«:لو تُركتُم لَبِعتُم أَوال َد ُكم» قلت :غريب.
( )1نصب الراية املوضع السابق .قلت :ذكرت هذا احلديث رغم َّ
أن الزيلعي قال فيه " غريب " فقط ألنه مل يعلق عليه ومل خيرجه بلفظه أو
مبعناه .
( )2الدراية املوضع السابق .
()3البناية ()199 /18
()4التنبيه على مشكالت اهلداية ()729 /5
( )5نصب الراية ك /الكراهية فصل يف الوطء والنظر واللمس احلديث احلادي والعشرون . 842 / 4
( )6الدراية ك /الكراهية بعد ح. 883 / 8 354 /
()7البناية ()158 /18
()8التنبيه على مشكالت اهلداية ()722 /5
( )9نصب الراية ك /إحياء املوات بعد احلديث اخلامس 834 / 4قلت :ذكرت هذا احلديث ألن الزيلعي مل يعلق عليه ومل خيرجه بلفظه
أو مبعناه
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 341
قال احلافظ يف الدراية)1(:مل أجده .قال يف البناية(:)2فإن قلت:ما حال هذا األثر؟ .قلت:مل أقف عليه يف الكتب
املشهورة يف كتب احلديث,وإمنا ذكره أصحابنا يف كتبهم ومل أدر من أين أخذوه؟ قال ابن أيب العز)3(:مل أر هذا من
كالم عمر وال غريه من الصحابة .قلت :أخرجه محمد بن الحسن في"األصل" وموقوف على شريح
قال:عن أيب يوسف قال :حدثنا اجملالد عن عامر عن شريح أن رجالً ولدت له أمته أو امرأته ,فهنأه القوم به ,وأقر
به ,مث نفاه بعد ذلك .فشهد القوم عليه بالتهنئة واإلقرار,وألزمه شريح الولد .وقال«:لو تُركتم لبعتم
أوالدكم»()4قلت:وفيه جمالد بن سعيد الكويف ليس بالقوي وقد تغري يف آخر عمره()5وبقية رواته ثقات.
كتاب األشربة
َّيئ ِم ْنهُ»قلت :غريب. قال الزيلعي :وروي عن ابن عمرُ « ح ْرَمةُ نَِقي ِع َّ
الز ِ
بيب ،وهو الن ِ ()6
المطلب السابع
األحاديث التي استغربها الزيلعي في (الجنايات)
كتاب المعاقل
()3
امرأةٌ»قلت:غريب. عقل مع ِ ِ ِ ()2 ()1
بي ،وال َ
ص ٌّ
العاقلَة َ
قال الزيلعي :قوله« :ال يُ ُ َ َ َ
قال يف الدراية)4(:مل أجده .وقال العيين)5(:مل يثبت ,ومل يذكره أهل النقل.وقال ابن أيب العز)6(:ال يعرف هذا
عن عمر قلت :أخرجه محمد بن الحسن في المبسوط()7قال أخبنا حممد بن عمر األسلمي قال أخبنا
عمر بن عثمان ابن سليمان بن أيب حثمة عن عبد اهلل بن السائب بن يزيد عن أبيه قال :مسعت عمر بن اخلطاب
صبِ ٌي وال ْام َرأةُ» قلت:وفيه حممد بن عمر الواقدي وهو مرتوك مع سعة علمه يقول«:ال يعقل مع ِ ِ
العاقلَة َ
ُ ُ ََ َ
()8
ومل أقف على متابع له
()9
حممد ,حدَّثنا بن َّبن أيب شيبةَ ,حدَّثنا يونُس ُ وجاء معناه مرفوعاً فيما أخرجه أبو داود قال:حدَّثنا عثما ُن ُ
عبد الو ِ
احد ُ
عبد اهلل :أن امرأتني من ُهذيل قَتَ لَت إحدامها ياد,حدَّثنا ُجمالِ ٌد ,حدَّثين الشعيب عن جاب ِر ب ِن ِ ابن ز ٍ
ُّ ُ
وبرأ زوجها رسول اهلل ِ ديةَ املقتو ِلة على عاقِلَ ِة القاتِلَ ِةَّ , فجعل ُ زوج وولَد,قال: ٍ ِ
َ كل واحدة منهما ٌ األُخرى ,ول ِّ
لزوجها وولدها» رسول اهلل «:ال ميراثُها ِ وو َلدها ,قال:فقال عاقلةُ املقتولَِة:مرياثُها لنا؟ فقال ُ
َ
ِّس ِاء
َ نال ى ل
َ ع
َ س
َ ي
ْ ل
َ َّه
ُ نَأ ا:َندَ ن
ْ ك:األَمر ِ
ع ُ ْ ٌ ال مالِ
َ َ ق
َ
()10
وجاء معناه موقوفاً على مالك رواه أبو مصعب الزهري
الصب ي ِ
ان َع ْق ٌل َو ِّ ْ َ
احلُلُ َم ِم َن ِّ
الر َج ِال. ات َِّ ِ ِ ِ ِ ِ ِِِ ِ ِ ِ
ب الْ َع ْق ُل َعلَى َم ْن بَلَ َغ ْ,وإمنَا َجي ُ ب َعلَْيه ْم أَ ْن يَ ْعقلُوهُ َم َع الْ َعاقلَة ف َ
يما تَ ْعقلُهُ الْ َعاقلَةُ م َن الدِّيَ َ َجي ُ
خاتمة
نتائج البحث وأهم التوصيات
لت إليها ومن أمهها: أوالً :نتائج البحث :تَ َع َّد َدت النَّتائج اليت َّ
توص ُ
ب الهداية حيث ذكر صاحب كشف الظنون له ما يزيد على الستني شرحاً ,ووصل األمر ِ عنَاية العلماء بِ ِكتَا ِ
َ َُ
إىل حفظها ,وقراءهتا حىت وصف بعضهم بقارئ اهلداية.
بيان أمهية كتاب"نصب الراية"وكونه أهم كتاب مجع ختريج أحاديث األحكام ُعموماً وأدلَّة علماء احلنفية
خاصة.
ب نصب الراية كتعقبات ابن اهلمام,واحلافظ ابن حجر,والقاسم ابن قطلوبغا احلنفي. مهية التَّعقبات على كِتَا ِ أَ ِ
ضُرورَة ِدراسة أسانيد أحاديث األحكام حيث يتم بناء كثري من األحكام علي بعضها مع ضعفها ,أو ال أصل َ
هلا.
ِ ِ
الوقوف على ترمجة رجاهلا أو احلكم عليها. املخَّرجة من خالل
األسانيد َ الوقوف َعلى َحال َ
ثانياً :أهم التوصيات :أوصي الباحثني وطالب العلم واملؤسسات العلمية بأمور منها:
ضرورةَ العِنَايَِة بِتَ ْن ِقيَ ِة ُكتُ ِ
الرتاث من األحاديث املوضوعة والضعيفة وبيان درجتها ,خاصة احاديث األحكام. ب ُّ َ َُ
ِ ِ ِ ِ ضر ِ
املشَّرفَة.
السنة النَّبوية َ الو َسائ ِل احلَديثَة (كاملوسوعات املبجمة) وتَفعيلها يف خ َ
دمة ُّ ورَة است ْخ َدام َ َُ ً
كتاب"نصب الراية"عند طباعته وال خيفى ما يف ذلك من متام الفائدة. اق مجيع االستِدراكات على ِ ضرورةَ إِحل ِ
َ َ َ َُ
االستذكار.ليوسف بن عبد الب بن عاصم النمري(ت429:ه )حتقيق:سامل حممد عطا,وآخر الناشر:دار الكتب
العلمية–بريوت-األول8555–1481-م
األصل للشيباني أليب عبد اهلل حممد بن احلسن الشيباين(ت 123:ه )حتقيق:دَّ .
حممد بوينوكالن الناشر:دار ابن
حزم-بريوت–لبنان-األوىل 1499-ه 8518-م
إيثار اإلنصاف في آثار الخالف.أليب الفرج عبد الرمحن بن علي بن حممد اجلوزي(ت537:ه )الناشر:دار
السالم–القاهرة-األوىل1452-ه حتقيق ناصر العلي الناصر اخلليفي
البناية شرح الهداية.أليب حممد حممود بن أمحد بدر الدين العيىن(ت255:ه )الناشر:دار الكتب العلمية–
بريوت-لبنان-األوىل1485-ه 8555-م
تاريخ مدينة دمشق.أليب القاسم علي بن احلسن ابن عساكر(ت571:ه ) احملقق :عمرو بن غرامة العمروي-
الناشر:دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع-النشر1415:ه 1335-م
تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق .لعثمان بن علي بن حمجن فخر الدين الزيلعي احلنفي(ت749:
ه )الناشر:املطبعة الكبى األمريية–بوالق-القاهرة-األوىل1919-ه
تذكرة الحفاظ.أليب الفضل حممد بن طاهر املقدسي الشيباين ابن القيسراين(ت557:ه ) حتقيق:محدي عبد
اجمليد السلفي الناشر:دار الصميعي للنشر والتوزيع-الرياض-األوىل1415-ه 1334-م
تذكرة الموضوعات.حملمد طاهر بن اهلندي ال َفت َِّين(ت322:ه )الناشر:إدارة الطباعة املنريية-األوىل1949-ه
The issue of equality between women and men is a central requirement in feminist
thought and human rights in general. Hence, the problematic of differentiation
between women and men in some rulings of Shari’a has been raised. Some took it as
evidence that discrimination against women is rooted in the teachings of Islam, while
others tried to strip Islam of some of these rulings which are not in line with the
modern sensitivity, still others tried to legitimate them. This study helps to explore the
logic underlying the distinction between women and men in some Islamic rulings, with
the aim of introducing some important insights to addressing this issue. This study
considered that difference between women and men, whether it is due to what is
known in Islamic studies as the divine universal will (natural differences) or the divine
reveled will (differences in specific Islamic rulings), are of existential significance,
worthy of consideration in determining the concept of femininity and masculinity in
the Islamic perception, provided that they are studied on the basis of a solid approach
that prevents the projection of historic or modern cultural assumptions on the Islamic
founding texts as much as possible.
مقدمة:
إن االزدراء ب املرأة واحل ط م ن ش أهنا ,تص ورا وممارس ة ,حقيق ة تارخيي ة وواقعي ة مل تس لم منه ا حض ارة م ن
احلضارات .فإذا كان دفن عرب اجلاهلية البنات حيات من األمثلة الصارخة على ذلك ,فإن املرأة مل ت تخلص متام ا
مم ا حلقه ا م ن ظل م بس بب أنوثته ا يف س ائر اجملتمع ات املعاص رة .وم ن األمثل ة البش عة املعاص رة م ا تق وم ب ه بع ض
الطوائ ف اهلندي ة م ن ح رق امل رأة املت وىف عنه ا زوجه ا حي ة .وإن كان ت ه ذه املمارس ات الش نيعة أمثل ة كاريكاتوري ة
ن ادرة الوق وع يف الواق ع املعاص ر ,إال أن املمارس ات اجملحف ة ب املرأة مل تنق رض ,ب ل ال ت زال بع ض اجملتمع ات األبوي ة
تتض ايق م ن والدة البن ات باعتباره ا عبئ ا عل ى اجملتم ع .1أم ا يف اجملتمع ات ال يت ت دعي حت رر امل رأة ,فق د تط ورت
املمارس ات امليزوجيني ة (املعادي ة للم رأة) فيه ا إث ر التط ور ال ذي أفرزت ه احلداث ة ,فاخت ذت أش كاال جدي دة أخف ى أث را
وأق ل وقع ا عل ى النف وس م ن املمارس ات األبوي ة القدمي ة ) .(Archaïqueإن اجملتمع ات القدمي ة مل تك ن لتتح رج
من اجملاهرة بالتمييز ضد امل رأة وظلمه ا ,ومل تك ن امل رأة لتس ائل النظ ام ال ذكوري الس ائد ,ب ل إن جت ذره الت ارخيي ك ان
حيول دون مالحظته والتشكيك فيه وحت ّديه .إال أن حركة احلداثة قد قلبت املفاهيم وزعزعت التصورات وطعنت يف
املسلمات ,مبا يف ذلك تلك املتعلقة باملرأة وحقيقتها الوجودية وعالقتها بالرجل ومكانتها االجتماعية.
ومن هنا ظهرت حركات نسوية يف أواخر القرن التاسع عشر متكونة من عدة تيارات 2حتاول فهم أسباب
ذلك الظلم الذي عانت وما زالت تعاين منه املرأة ,وناضلت من أجل حقوق املرأة ومكانتها يف اجملتمع .كما
ظهرت يف القرن العشرين حركات نسوية إسالمية متيزت عن غريها من حيث االستناد إىل املرجعية الدينية
اإلسالمية .وكان من بني ما نادت إليه هذه األخرية اعادة النظر يف نصوص الوحي وجتاوز ما اعتبته قراءات
واجتهادات متعسفة وجمحفة حبق املرأة .3ومل حتظ هذه احلركات النسوية اإلسالمية بالقبول من قبل احلركات
النسوية السائدة بسبب ما مت الرتويج له من أن اإلسالم ال ينصف املرأة مبا أنه دين ذكوري متأصل على نصوص
تعزز ظلم الرجل للمرأة وسيطرته عليها وتفضله يف احلقوق والواجبات .وذلك يف حني أن التمييز بني اجلنسني
أصبح قضية حساسة للغاية يف الفكر الغريب احلديث ,وخاصة بعد تضخم تأثري احلركات النسوية اليت أصبح
بعضها ينكر كل فرق بني الرجل واملرأة ,سواء أكان فرقا أنطولوجيا أم فرقا حقوقيا .وقد تأثرت بعض هذه احلركات
1لقد منت يف اهلند سوق مثمرة للغاية متمثلة يف انتشار الفحص عن جنس اجلنني عب املوجات فوق الصوتية من أجل احملافظة عليه إن كان
ذكرا أو اجهاضه (بطريقة غري قانونية) إن كان أنثى ,وقد ارتفعت حاالت االجهاض يف اهلند إىل ستة ماليني حالة سنويا ,تعود مثانني يف املائة
منها إىل اجهاض اجلنني لكونه أنثى .راجع:
( (En ligne) :لعنة أن تولد األنثى) La Malédiction de naître fille
http://www.lemonde.fr/culture/article/2013/10/11/la-malediction-de-naitre-fille_3490030_3246.html
1انقسمت احلركات النسوية الغربية إىل مدارس عديدة وفق خلفياهتا اإليديولوجية لعل أغلبها يعود إىل ثالثة تيارات رئيسية :النسوية
اإلصالحية الليبالية ,والنسوية املاركسية والنسوية الراديكالية ,راجع:
BRODEUR, Violette et all., Le mouvement des femmes au Québec, Etude des groupes
montréalais et nationaux, Montréal, Centre de formation populaire, 1982, p. 8.
3راجع:
ALI, Zahra, Féminismes Islamiques, Paris, La Fabrique, 2012, p 23-24.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 348
بالفلسفة الوجودية ,وباخلصوص مبا بلورته الفيلسوفة الوجودية الفرنسية سيمون ديبوفوار .(Simone de
) Beauvoirفإذا كان مفاد الفلسفة الوجودية أن الوجود يسبق املاهية ,فإهنا رتبت على ذلك "أن األنثى ال
تولد أنثى بل تصري كذلك" .1فهذه النظرية ترى أن اإلنسان وإن كان يولد ذكرا أو أنثى من الناحية البيولوجية,
فإن اجملتمع هو الذي حيدد طبيعة السلوك األنثوي أو الذكوري وماهيتهما .فالذكورة واألنوثة تركيبتان اجتماعيتان
تتشكالن بالتنشئة .ومن هنا جاء متييزهم بني اجلنس ) (Sexeواجلندر ) ,(Genreفاألول أمر فطري بيولوجي
حمض ال أثر له على ماهية الكائن ,والثاين أمر مكتسب وهو احملدد ملعىن الذكورة واألنوثة .وهذا مما أدى إىل
هتميش الفروق البيولوجية بني اجلنسني يف حتديد مفهوم األنوثة واعتبارها ذريعة لسيطرة الرجل وإلغاء املساواة يف
احلقوق والواجبات .ومن مث أصبحت وظيفة املرأة البيولوجية تعتب من مكبالت املرأة اليت حتول بينها وبني ازدهارها
2
ومشاركتها االجتماعية ,وبالتايل من أسباب دونيتها عن الرجل كما ذهبت إليه بعض االجتاهات النسوية .
وقد أصبحت أي حماولة لصياغة تصور إسالمي لألنوثة والذكورة من األمور الشائكة بسبب ما امتزج بتعاليم
اإلسالم من تصورات واجتهادات تارخيية امتزاجا يكاد يعجز الناظر عن فك االشتباك ,فضال عما بات ميارسه
ثقل اإليديولوجيات احلداثية السائدة من ضغط على االطروحات اليت قد ال تدفع يف اجتاه تطلعاهتا .وإن من أهم
جتليات تلك التصورات التارخيية؛ مظهر تفخيم الفروق بني املرأة والرجل ,مما آل إىل إقصاء املرأة عن الشؤون
االجتماعية والنظر إليها نظرة دونية بل التشكيك يف إنسانيتها أحيانا .وعلى مستوى الفكر الديين؛ فإن املسلمات
والتصورات التارخيية عن املرأة قد جتلت يف تضخيم الفروق بينها وبني الرجل يف التكاليف واألحكام الشرعية,
فضال عن إسقاط تلك التصورات على النصوص الدينية عند تفسريها .فعند النظر يف الرتاث الفقهي والتفسريي
تظهر حقيقة ال ختطئها العني يف غالب االجتهادات املتعلقة باملرأة ,وهي انبناء كثري من هذه االجتهادات على
مسلمات يُنطلق منها يف التعاطي مع النصوص وتأسيس األحكام دون وزهنا مبيزان العلم ,بل دون الشعور باحلاجة
إىل مراجعتها أصال .وقد باتت احلاجة ملحة اليوم ,أكثر من أي وقت مضى ,على مراجعة الرتاث الفقهي
والفكري اإلسالمي مراجعة نقدية لتخليصه مما حلق به من لواحق تارخيية وإلعادة بنائه مبا يقرتب من املراد اإلهلي
من اخلطاب العاملي الذي جاءت به رسالة الوحي .وإن متكن الفكر اإلسالمي احلديث من جتاوز بعض
االجتهادات الفقهية التارخيية املتعلقة باملرأة ,فإنه مل يرق إىل مستوى املعاجلة التأصيلية القادرة على تفكيك
االشتباك ,ومل يتمكن من جتاوز كثري من تلك االجتهادات حيث ال تزال طاغية على الفقه اإلسالمي.
1
DE BEAUVOIR, Simone, Le deuxième sexe, Tome 1. Paris, Gallimard, coll. « Follio », 1986, p 285 et
286.
2وهو ما يظهر مثال يف ما اصطلحت عليه بعض احلركات النسوية الراديكالية مبفهوم "عبودية األمومة" ) 1(Maternité esclavageراجع:
FOUQUET, Catherine, Clio, histoire, femmes et sociétés, Guerres civiles Issue 5, revue
publiée avec le concours du centre National du livre et du laboratoire Sociétés
Occidentales (département d’histoire) Presses Universitaires du Mirail, 1997, p 225.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 349 جملة املدونة:
ومن املداخل املهمة ملراجعة الرتاث الفقهي املتعلق بقضايا املرأة؛ النظر يف العلل اليت اعتمدت يف التفريق بني
املرأة والرجل يف األحكام .ذلك بأن الشريعة ميزت بني الرجل واملرأة يف بعض األحكام متييزا عائدا إىل علة األنوثة
والذكورة .إال أن هذه العلة غالبا ما تفتقر إىل تنقيح للتمييز بني أوصافها املناسبة (مناسبة مؤثرة أو مالئمة أو حىت
مرسلة) ,وبني أوصافها الطردية بل املوهومة مما ال مدخل له يف التمييز ,وحنسب أن كثريا مما اعتمد للتمييز بني
اجلنيسني من هذا القبيل.
وال تكمن أمهية هذا النظر يف األحكام املميزة بني املرأة والرجل يف تنقيح األحكام الفقهية مما حلق هبا من
اجتهادات مبنية على مسلمات تارخيية فحسب ,بل ذلك النظر ذو أمهية يف بلورة نظرة إسالمية للذكورة واألنوثة
حيث إن النظر يف التمييز املبين على وصف األنوثة والذكورة مما يساعد على تصور مفهوم الذكورة واألنوثة من
منظور إسالمي .ذلك بأن الشريعة مل تشرع حكما إال ومن ورائه غرض يراد حتقيقه ,فال شك أن التمييز يف
األحكام الشرعية ,إذا ثبت ,ذو مدلول وجودي جدير باالعتبار يف حتديد املفاهيم .وهو ما ينطبق بدرجة أكب
على ما وراء ما قررته اإلرادة اإلهلية التكوينية من أوصاف مميزة بني اجلنسني من داللة .فإذا أمكن القول بأن من
1
املقاصد النوعية اليت جاءت الشريعة تسعى إىل حفظها؛ مقصد حفظ ذكورة الذكر وأنوثة األنثى ,وجب الكشف
عن حقيقة الذكورة واألنوثة من خالل اإلرادة اإلهلية التكوينية والتشريعية معا .هذا مما سيساعد على ختليص
األحكام مما حلق هبا من تصورات عن الذكورة واألنوثة وسعت دائرة الفروق يف األحكام واملهمات ,ويساعد على
الكشف عن املقاصد املتعلقة حبفظ الذكورة واألنوثة وعلى التصدي لبعض االجتاهات احلداثية الساعية إىل طمس
حقيقيت الذكورة واألنوثة بدعوة أهنما تركيب تارخيي اجتماعي حبت ,فضال عما ذكرنا من صياغة التصور
اإلسالمي للذكورة واألنوثة.
وهبذا تتبلور األسئلة الرئيسة اليت جيب اإلجابة عنها ملعاجلة اإلشكال املطروح ,وهي من قبيل :ما هي علل
األحكام الشرعية اليت ميزت بني املرأة والرجل؟ وما هي املقتضيات املنهجية اليت جيب مراعاهتا يف التعاطي مع تلك
األحكام؟ وما دور هذه األحكام يف بلورة تصور إسالمي لألنوثة والذكورة ,وما يتفرع عنهما من مفاهيم كاألمومة
واألبوة؟ إىل غري ذلك من التساؤالت العديدة.
وتأيت هذه الدراسة بعنوان" :التمييز بني املرأة والرجل يف األحكام الشرعية ,مراجعات تأصيلية ملفهوم األنوثة
يف اإلسالم" حماولة لإلسهام يف استكشاف املنطق الكامن وراء التمييز بني املرأة والرجل يف بعض األحكام
التكليفية .قاصدة إىل طرق بعض املداخل املهمة ملعاجلة االشكاالت املطروحة من خالل النظر يف بعض األسس
اليت بنيت عليها األحكام الشرعية املميزة بني اجلنسني ,وما يتبلور من خالهلا من تصور إسالمي لألنوثة ,وما
يقتضيه من مراجعة للفكر الديين املتعلق بقضية املرأة.
1من النصوص الشرعية اليت تشري إىل ذلك قول رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم" :لعن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم املتشبهني من الرجال
بالنساء ,واملتشبهات من النساء بالرجال" .أخرجه البخاري يف صحيحه برقم .5225
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 351
من املقرر أن أحكام الشريعة قد سوت بني البشر يف احلقوق والواجبات بغض النظر عن اختالفاهتم اجلس دية
أو العرقي ة أو غريه ا ,إال أهن ا ق د مي زت بي نهم يف بع ض األم ور .وق د اعت ب بع ض املس لمني وكث ري م ن غ ري املس لمني
متيي ز الش ريعة ب ني امل رأة والرج ل يف بع ض األحك ام التكليفي ة دل يال عل ى هيمن ة الرج ل عل ى امل رأة أو عل ى تفض يل
الرجل على املرأة يف اإلسالم .ورأى آخرون أن متييز اإلسالم بني املرأة والرجل يف بعض األحك ام م ن وس ائل إحي اء
ما عانته املرأة من احتقار وظلم خالل قرون طويل ة ,ف إذا هب م يتهم ون ال دين اإلس المي بأن ه دي ن مي زوجيين ذك وري
حيتقر املرأة وجيحف يف حقها وال يرفعها إىل مقام الرجل.
ولق د رفع ت املس اواة من ذ الث ورة الفرنس ية (1723م) ش عارا ,وق رر ض من املب ادئ احلقوقي ة العاملي ة ب أن الن اس
يولدون ويظلون أحراراً متساوين يف احلق وق .فأص بح مفه وم املس اواة م ن املب ادئ الك بى يف الغ رب وأص بح مقياس ا
للعدل بني الناس ,خصوصا بني الرجال والنساء.
وعند جمرد النظر يف قول عمر ب ن اخلط اب رض ي اهلل عن ه" :واهلل إن كن ا يف اجلاهلي ة م ا نع د للنس اء أم را ح ىت
1
أنزل اهلل ف يهن م ا أن زل وقس م هل ن م ا قس م" يتب ني أن اإلس الم ق د ج اء م ن بدايت ه خبط ة حتريري ة لتغي ري وض ع امل رأة
وإخراجها من الظلم الذي كانت تعيشه .فإذا كان األمر كذلك فكيف ميكن أن يتضمن هذا الدين متييزا من ش أنه
دنوه ا الق دمي؟ ولتن اول ه ذا الس ؤال جي ب أوال حتدي د مفه وم املس اواة يف اإلس الم وض وابطه ,مم اأن يرج ع هب ا إىل ّ
سيساعدنا يف فهم التمييز بني اجلنسني يف بعض األحكام.
.5مبدأ المساواة في اإلسالم
2
إن املساواة بني الناس مبدأ أصيل يف الشريعة اإلسالمية ,فهي األصل يف خل ق البش ر حي ث أهن م خلق وا م ن
عنصر واحد متساوين يف أصل البشرية ,يقول تعاىل :يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة،
وجعل منها زوجها وبث منها رجاال كثيرا ونساء[ النساء .]1/8 :وق د ب ني اهلل تع اىل عل ة ه ذه املس اواة بقول ه:
بعض ااكم م اان بع ااض[ آل عم ران .]135 :ف ال ف رق يف البش رية ,وال رفع ة ألح د اجلنس ني عل ى اآلخ ر إال
3
ب التقوى والعم ل الص احل املرتت ب عليه ا .وج اء ه ذا املع ىن متك ررا يف مواض ع خمتلف ة يف الق رآن ,كقول ه تع اىل :يااا
أيهااا الناااس إن كنااتم فااي ريااب ماان البعااث فإنااا خلقناااكم ماان تاراب ثاام ماان نطفااة ثاام ماان علقااة ثاام ماان مضااغة
مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في األرحام ما نشاء إلى أجل مسمى[ احلج .]5 :وقد أكد القرآن ه ذه
الوحدة بني البشر ملا كانوا يفتخرون باأللقاب واأللوان واألموال واألنس اب وال ذكورة .كم ا كان ت التفرق ة ب ني البش ر
يف اجملتمع ات القدمي ة تس تند إىل الق وة والض عف ,واحلري ة وال رق ,وكان ت طبق ة احلك ام والرؤس اء ورج ال ال دين م ن
الطبق ات املرتفع ة .ومل يكت ف اإلس الم بالتس وية ب ني البش ر يف أص ل اخللق ة ,ب ل س واهم ك ذلك يف أص ل الكرام ة
والتك رمي الرب اين ,وه و مم ا متي ز ب ه اإلنس ان ع ن س ائر املخلوق ات ,كم ا ج اء يف قول ه تع اىل :ولقاد كرمنااا بنااي آدم
وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير مما خلقنا تفضيال[ اإلسراء.]75 :
ومل يفرق اإلسالم بني الناس يف التكاليف اخللُقية والدينية واالجتماعية األساسية ,وهو ما يشري إليه قوله
تعاىل :والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصالة
ويؤتون الزكاة ويطيعون اهلل ورسوله أولئك سيرحمهم اهلل إن اهلل عزيز حكيم[ التوبة .]71 :كما ال أثر
للتفاوت بني الناس يف األنساب واألجناس والذكورة واألنوثة يف اجلزاء الدنيوي واألخروي :فاستجاب لهم ربهم
أني ال أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض[ آل عمران.]135 :
ومل مييز اإلسالم بني الناس يف الغاية اليت خلقوا من أجلها وهي اخلالفة يف األرض القائمة على العبادة ,قال
تعاىل وإذ قال ربك للمالئكة إني جاعل في األرض خليفة[ البقرة .]95 :وقال عز من قائل وما خلقت
الجن واإلنس إال ليعبدون[ الذاريات .]56 :وقد كان ما جاء به اإلسالم من مساواة بني البشر سبب تدين
كثري من الناس هبذا الدين ,فكان هذا املبدأ من مصادر قوة املسلمني األوائل ,وقد قرر بعض املستشرقني "أن هذه
التقاليد تشمل مبادئ املساواة بني األرواح اإلنسانية أمام اهلل وتقرر أواصر األخوة العامة بني مجيع املؤمنني بغري
1
نظر إىل العنصر أو اللون" .
فهك ذا أبط ل اإلس الم ك ل الف روق ال يت كان ت تف رق الن اس وتُتخ ذ ذرائ ع لرتفّع بعض هم عل ى بع ض ,وس ّواهم
أم ام احلق وق والواجب ات .فاملس اواة ب ني الن اس املرتتب ة عل ى وح دة البش ر يف أص ل خلق ه ومكون ات بش ريته وغايت ه
الوجودية ,تقتضي أن يتمتع مجي ع الن اس جبمي ع احلق وق األخالقي ة واإلنس انية ,فه ي ال رابط ال ذي ي ربط ب ني الن اس.
والتفاض ل بي نهم ال يك ون إال عل ى أس اس التق وى ,لقول ه تع اىل يااا أيهااا الناااس إنااا خلقناااكم ماان ذكاار وأنثااى
وجعلن اااكم شا ااعوبا وقبائ اال لتعا ااارفوا إن أك اارمكم عنا ااد اهلل أتق اااكم[ احلج رات .]19 :ف ال م دخل للمكان ة
االجتماعي ة أو للع رق أو لل ذكورة أو األنوث ة أو غ ري ذل ك م ن الف روق يف تفض يل اإلنس ان عل ى غ ريه إال التق وى.
وتفضيل الناس على بعضهم على أساس التقوى مما ال سبيل إلي ه لإلنس ان ,حي ث ع دم قدرت ه عل ى االط الع عل ى
م ا يف القل وب ,فه و ال يك ون إال هلل .وهب ذا املعي ار ك ان الن اس متس اوين يف فرص ة الرتق ي واالرتف اع عن د اهلل تع اىل,
وهو وحده الذي ميلك تصنيفهم والتمييز بينهم على ذلك األساس.
1العقاد ,عباس حممود ,ما يقال عن اإلسالم ,القاهرة ,دار العروبة ,القاهرة ,بدون تاريخ ,ص .171
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 352
التفاوت بني األفراد راجع إىل عوامل خمتلف ة ,بعض ها مكتس بة وبعض ها وراثي ة وبعض ها تربوي ة وبيئي ة وبض عها خلقي ة
1
طبيعي ة .فش اءت احلكم ة اإلهلي ة إجي اد التن وع والتع دد ب ني ب ين البش ر س نة م ن س نن اهلل يف كون ه .فالتف اوت ب ني
البش ر يف ك ل ذل ك راج ع إىل احلكم ة اإلهلي ة ,ومنه ا حكم ة االب تالء كم ا يف قول ه تع اىل :ورفااع بعضااكم فااوق
بعض درجات ليبلوكم[ األنعام .]125 :وقوله تعاىل :نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعناا
بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا[ الزخرف.]98 :
فالتفاوت بني الناس اختبار على التعاون والتماسك والتضامن وبذل ما تفضل به اهلل عل ى اإلنس ان يف س بيل
أخي ه اإلنس ان احملت اج إلي ه .فالض عيف يف حاج ة إىل ق وة الق وي والص غري إىل رش د الكب ري والفق ري إىل غ ىن الغ ين,
وهكذا يدرك االنسان أمهية وجود اآلخر من خالل ما فضل اهلل به بعض الناس على بعض .وهك ذا ميك ن التم اس
احلكم ة اإلهلي ة م ن وراء التميي ز ب ني األف راد يف اخللق ة وامله ارات واملمتلك ات ,حي ث إهن ا عوام ل أساس ية يف بن اء
اجملتمع ات واحلض ارات ويف رق ي ن وع البش ر عموم ا .ول و ك ان الن اس متم اثلني عل ى س بيل التط ابق الت ام ,مل ا وج د
اإلنسان حاج ة يف إنش اء اجملتم ع اإلنس اين واالنتس اب إلي ه ,والكتف ى ك ل واح د بنفس ه ,مم ا ي ؤول إىل فس اد البش ر
وجمتمعه ,وهو ما يشري إليه قوله تعاىل :ولو بسط اهلل الرزق لعباده لبغوا في األرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء
إنااه بعباااده خبياار بصااير[ الش ورى .]17 :ورزق اهلل املقص ود يف اآلي ة ق د يك ون رزق ا مادي ا أو رزق ا معنوي ا ,ول و
بسطه للجميع دون فرق بني الناس لبغوا يف األرض ولفسد اجملتمع اإلنساين بتالشي ال روابط ب ني البش ر مب ا يس تغين
كل فرد منه عن غريه وعن الكيان االجتماعي.
وإذا ك ان األف راد يتف اوتون حبس ب اس تعداداهتم الطبيعي ة ,ف إهنم يتف اوتون ك ذلك مب ا اكتس بوه م ن خ الل أم ور
عارضة ترجع إىل ظ روفهم االجتماعي ة وجت ارهبم وت ربيتهم .وه ذه العوام ل ق د تكس بهم أوص افا خت رجهم ع ن أح واهلم
األصلية أو الطبيعية ,إخراج املرض املريض من الصحة إىل السقم .وهذه العوامل اليت م ن ش أهنا أن متي ز ب ني األف راد
قد تكون مؤقتة وقد تكون دائمة.
فاإلنسان متسا ٍو مع أخي ه اإلنس ان يف أص ل إنس انيته ,لك ن م ا يتمي ز ب ه ك ل ف رد ع ن غ ريه ,س واء ك ان ذل ك
التميز طبيعيا أو مكتسبا ,جيعله غري متساو مع غريه يف كثري من اجلوانب .وإذا كانت الشريعة أكدت على املساواة
بني الناس يف أصل البشرية وبالتايل يف أصل التكليف أمام اهلل تعاىل ,كما مر بيانه ,فما موقف الشريعة من الفروق
اليت متيز الناس يف كثري من احلقائق اخللقية واحلياتية؟
إذا كان اشرتاك الناس يف أصل بشريتهم جيعلهم متساوين أمام أصل التكليف بدون أن يؤثر يف ذلك مؤثر
التمييز ,فإن ما مييز بعضهم عن بعض يف بعض اجلوانب مينع أن يكون التساوي بينهم على إطالقه .ألن التساوي
يكون بني شيئني متطابقني أو متماثلني جتمعهما كثري من الصفات املشرتكة ,كما قد يكون بني املختلفني ,يقول
ابن بري" :الفرق بني املماثلة واملساواة أن املساواة تكون بني املختلفني يف اجلنس واملتفقني ألن التساوي هو
التكافؤ يف املقدار ال يزيد وال ينقص وأما املماثلة فال تكون إال يف املتفقني ,تقول حنوه كنحوه وفقهه كفقهه ولونه
1العقاد ,عباس حممود ,الفلسفة القرآنية ,القاهرة ,دار النهضة ,بدون تاريخ ,ص .45-44
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 353 جملة املدونة:
كلونه فإذا قيل هو مثله على اإلطالق فمعناه أنه يسد مسده وإذا قيل هو مثله يف كذا فهو مساو له يف جهة دون
جهة والعرب تقول هو ُمثَْي ُل هذا وهم أ َُمْيثا ُهلم يريدون أن املشبَّه به حقري كما أن هذا حقري واملِثل الشِّْبه يقال ِمثْل
1
وشبَه مبعىن واحد" .فال يكون كل ما مييز أو يفرق بني األفراد سببا ملنع التساوي بينهم يف التكليف, ومثَل ِ
وشْبه َ َ
وإمنا تعتب هذه الفروق حني تصبح مؤثرة فيه ,فتكون عارضا من عوارض املساواة.
يقول اإلمام ابن عاشور هبذا الصدد" :وموانع املساواة هي العوارض اليت إذا حتققت تقتضي إلغاء حكم
2
املساواة؛ لظهور مصلحة راجحة يف ذلك اإللغاء ,أو لظهور مفسدة عند إجراء املساواة. ".
ومثال ذلك التفاوت يف القدرة اجلسدية بني األفراد ,فإن هذا الفارق ال مينع املساواة بينهم يف كل األحوال.
أما يف األحوال اليت يكون فيها تأثري للقوة اجلسدية ,فقد يكون فيها ذلك الوصف مانعا للمساواة بني األشخاص.
ألن التساوي بني األشخاص مع وجود هذا الفارق املؤثر يف تلك احلالة قد يشتمل على ظلم أو ضرر بالضعيف.
فالعدل يقتضي عدم إجراء التساوي بينهما بسبب هذا الفرق املؤثر يف هذه احلالة .وهذه هي القاعدة اليت تسري
يف سائر األحكام اليت متيز بني األفراد يف الشرعية اإلسالمية .فعند تتبع األحكام الشرعية يتبني أن الشارع يعتب
الفوارق يف احلاالت اليت يكون هلا فيها تأثري يف التكليف ,حيث أن عدم اعتبارها قد يفضي إىل مفسدة الظلم أو
املشقة أو الضرر أو غريها.
3
فالتساوي مثال بني فالفقري والغين يف حق احلرية ُشرع للحفاظ على إنسانية اإلنسان ,وال مدخل لوصف
الغىن أو الفقر فيه .فالعدل أن ال يفرق بينهما يف هذا احلق ما داما مشرتكني يف اإلنسانية املوجبة حلفظ احلرية,
ولذا مل جند للشريعة اعتبارا لألوصاف الفارقة بني الناس عند تقرير ذلك احلق .أما يف الزكاة والصدقة والديون
وغ ريها من املعامالت ,فإن لوصف الفقر والغىن اعتبارا يف الشريعة من حيث تأثريمها على كثري من أحكامها ,ومن
مث مل تساو الشريعة بينهما فيها ,ألن هذا الفارق جيعل أحد الطرفني غري متكافئ مع اآلخر يف هذه األمور,
فيكون التعامل بينهما بالتساوي ظلما .يقول العقاد" :ميزان العدل الصحيح هو التسوية بني حقوق املرء وواجباته.
فليس من العدل أن تسوي بني اثنني خمتلفني يف احلقوق والواجبات .ذلك هو الظلم بعينه .بل هو شر من الظلم
4
أيا كانت العاقبة اليت يؤدي إليها ,ألنه هو وضع الشيء يف غري موضعه .وهو اخلطر واالختالل. ".
وإذا ك ان املقص ود م ن وراء مب دأ املس اواة يف اإلس الم ه و حتقي ق الع دل ,ك ان م ن ال الزم أن ت دور مع ه وج ودا
وعدما ,وليس العكس ,ألن العدل هو الغرض ,وقد يتحقق باملساواة وقد يتحقق بالعدول عنها .وهنا يظهر الف رق
بني املساواة والعدل ,فالتساوي املطلق بني األشخاص يقتضي تسويتهم دون اعتبار األوصاف الفارقة بي نهم مم ا ق د
ي ؤول إىل الظل م واإلض رار ببعض هم .أم ا الع دل فه و اعتب ار الف وارق امل ؤثرة ال يت ق د توج د ب ني األف راد وإعط اء ك ل
1ابن منظور ,حممد أبو الفضل ,لسان العرب ,بريوت ,دار صادر ,ط 1414 ,9ه ,ج ,11ص .215
2ابن عاشور ,حممد الطاهر ,مقاصد الشريعة اإلسالمية ,ص .32
3راجع :النجار ,عبد اجمليد ,مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة ,بريوت ,دار الغرب اإلسالمي ,ط 8552 ,1م ,ص .154
4العقاد ,عباس حممود ,الفلسفة القرآنية ,ص .48
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 354
ش خص م ا يناس به ويس تحقه .واعتب ار ه ذه الف وارق "موان ع للمس اواة يك ون يف الغ رض ال ذي م ن حقه ا أن متن ع
1
املس اواة في ه ال مطلق ا . ".وم ن هن ا ميك ن تقري ر أن م ن مقاص د التميي ز وع دم إج راء التس اوي ب ني األف راد ,يف
األحكام الشرعية املشتملة على متييز ,حتقيق العدل ,باعتبار ما يتصفون ب ه م ن اخلص ائص امل ؤثرة يف بع ض احلق وق
والواجبات .وميكن كذلك اعتبار التمييز يف األحكام من مسالك الكشف عن مقاصد الش ريعة ,حي ث كلم ا وج د
التمييز دل على مصلحة يراد حتقيقها من ورائه أو مفسدة يراد درؤها.
ب .ضوابط مراعاة عوارض المساواة في األحكام
2
إذا كان الناس متساوين يف أصل اخللقة و"احتاد الدين" كما تبني مما سبق ,فال غرو أن يتساووا أمام خطاب
3
التش ريع ب دون أن ي ؤثر يف ذل ك م ؤثر .واألص ل فيم ا ج اءت ب ه الش ريعة أن ه مش روع لس ائر األم ة ح ىت ي دل دلي ل
4
عل ى اخلص وص .فاملس اواة ه ي األص ل يف التش ريع ,وال أث ر للف وارق أم ام أص ل التكلي ف .ف إن الف وارق أوص اف
طردي ة ,ف ال اعتب ار هل ا يف أص ل التس اوي .فاعتب ار الف وارق أم ر ط ارئ ,وع دم اعتباره ا واج راء املس اواة يف احلق وق
والواجب ات ه و األص ل م ا مل يتأك د تأثريه ا .وه و م ا بين ه اإلم ام اب ن عاش ور بقول ه" :فاملس اواة يف التش ريع أص ل ال
يتخل ف إال عن د وج ود م انع ,ف ال حيت اج إثب ات التس اوي يف التش ريع ب ني األف راد أو األص ناف إىل البح ث ع ن
5
موجب املساواة بل يكتفى بعدم وجود مانع من اعتبار التساوي. ".
فامللحوظ أن املساواة مبدأ من املبادئ العام ة للش ريعة ,إال أن مب ادئ الش ريعة العام ة ال تط رد اط رادا آلي ا ,ب ل
قد تزامحها مبادئ أخرى حني تعلقها خبصائص األشخاص ومشخصات الوقائع اليت يراد تطبيقها عليها .فإذا تعلق
التساوي بأفراد ذوي صفات خيرجون هبا عن مماثلة غريهم ,نظر يف تلك الصفات ,فإذا اقتضت أن يزاحم التساوي
مبدأ آخر ,كمبدأ العدل أو رفع احلرج والضرر أو غريه ,وج ب إلغ اء التس اوي ألن إج راءه يف ه ذه احلال ة ق د ي ؤدي
إىل مفس دة أك ب م ن مفس دة ختلف ه ل و وج دت .أم ا إذا كان ت تل ك الص فات غ ري م ؤثرة يف التس اوي حبي ث ال
تقتض ي مزامحت ه م ن قب ل مب دأ آخ ر وج ب احلك م بالتس اوي كم ا بين اه .فم ن هن ا ك ان منش أ التميي ز يف احلق وق
6
والواجبات بني األفراد هو املوانع املؤثرة يف التساوي .
فح ني يص بح الن اس غ ري متك افئني أم ام التكلي ف تلغ ي الش ريعة التس اوي م ن أج ل حتقي ق مص لحة أو دف ع
مفس دة .والف روق ال يت تلغ ي احلك م بالتس اوي ب ني األف راد ه ي الع وارض ال يت أش ار إليه ا اب ن عاش ور حي ث ق ال:
"موان ع املس اواة ه ي الع وارض ال يت إذا حتقق ت تقتض ي إلغ اء حك م املس اواة لظه ور مفس دة عن د إج راء املس اواة.
وأعين بالعوارض اعتبارات تلوح يف أحوال معروضات املساواة فيصري إجراء املساواة يف أحوال تل ك املعروض ات غ ري
عائ دة بالص الح يف باب ه ويك ون الص الح يف ض د ذل ك ,أو يك ون إج راء املس اواة عن دها ,أي عن د تل ك الع وارض
فاسدا راجحا أو خالصا [ ]...وليست تسميتها بالعوارض مراد منه أهنا أمور عارضة مؤقتة ألن ه ذه الع وارض ق د
تك ون دائم ة أو غالب ة احلص ول ,وإمن ا تس ميتها ب العوارض م ن حي ث إهن ا تبط ل أص ال منظ ورا إلي ه يف الش ريعة نظ را
أول ,فجعل ت ألج ل ذل ك أم ورا عارض ة إذا كان ت مبطل ة أص ال أص يال ألنن ا بين ا أن املس اواة ه ي األص ل يف
1
التشريع" .
وق د بين ا أن بع ض األوص اف املميِّ زة ق د تك ون مانع ة م ن املس اواة يف بع ض احل االت ,وق د ال يك ون هل ا أي
تأثري على األحكام يف حاالت أخ رى ,ف ال يقتض ي وجوده ا إلغ اء التس اوي بص فة آلي ة ,ألن اعتباره ا ال يك ون إال
2
يف الغ رض ال ذي م ن حق ه أن مين ع املس اواة .ف ال يقتض ي التف اوت يف االس تعدادات الطبيعي ة م ثال متيي زا يف ك ل
األحكام وال يك ون معت با يف مجي ع التك اليف ,ومعرف ة م دى ت أثري الف رق يف احلك م ت أيت م ن أدل ة الش رع .وق د مج ع
اب ن عاش ور ع وارض املس اواة يف أقس ام أربع ة" :جبلي ة ,وش رعية ,واجتماعي ة ,وسياس ية ,وكله ا ق د تك ون دائم ة أو
3
مؤقتة طويلة أو قصرية. ".
4
وخالص ة الق ول إن الش ريعة ق د س وت ب ني الن اس يف احلق وق والواجب ات وراع ت تف اوهتم الطبيع ي وتغ ري
ظروفهم ملالئمة حاهلم ومقتضى مصاحلهم الفردية واجلماعية .فإذا ج اءت الش ريعة مراعي ة أوض اع الن اس وحاج اهتم
وق دراهتم يف األحك ام م ن أج ل حتقي ق الص الح هل م ,ك ان م ن املس تحيل أن يتس اوى مج يعهم إزاء مجي ع األحك ام
التفصيلية مع ما بينهم من تفاوت يف بعض اخلصائص الطبيعي ة واملوض وعية .فوج ب إلغ اء املس اواة يف األحك ام إذا
كان الفرق مؤثرا على احلكم .وهذا ينطبق على الفروق اليت حتدث التفاوت بني املرأة والرجل .فمن هذه الفروق ما
هو عارض مؤثر على املساواة يف بعض األحكام اجلزئية ,ومنه ا م ا ال م دخل ل ه يف ذل ك .فلفه م وج ه التميي ز ب ني
املرأة والرجل يف بعض األحكام وجب فهم ما بينهما من فروق ,ومن أعظ م ه ذه الف روق ت أثريا عل ى التميي ز بينهم ا
يف األحكام؛ الفروق البيولوجية.
اإلنس ان ع ن املخلوق ات األخ رى ارتف اع درجت ه ,كم ا ج اء يف قول ه تع اىل ولق ااد كرمن ااا بن ااي آدم[ اإلس راء:
.]111فامتاز اإلنسان جبوانب فطرية معينة جعلته أهال لتلك الرفعة ,فخص بطبيعة مل ُخيص هبا أي خملوق آخر,
حيث إنه مجع بني عنصرين أساسيني؛ املادة األرضية والروح السماوية .وهبذا العلو لش أن اإلنس ان اس تطاع أن ين زع
1
إىل معرفة اهلل والتطلع إىل الفضائل واملثل العليا ,حىت صار أهال لالستخالف يف األرض .
وهذا الرتكيب الذي امتاز به نوع اإلنسان مل ُخيل بسنة من سنن الكون ,ومنها سنة الزوجية ,املذكورة يف قوله
تعاىل ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون[ الذريات .]43 :فاقتضت اإلرادة اإلهلية أن يتوقف وجود
ك ل املخلوق ات الكوني ة يف مع رض كثرهت ا وتغايره ا ع ن الت زاوج ب ني ال زوجني ,ومل يس تثن م ن ذل ك الك ائن البش ري.
2
فقد شاءت حكمة اهلل أن خلق اإلنسان م ن ذك ر وأنث ى ومل خيلق ه م ن خلي ة واح دة تنقس م كم ا تنقس م البكرتي ا ,
فقال تعاىل :يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم مان نفاس واحادة وخلاق منهاا زوجهاا وباث منهماا رجااال
كثيارا ونسااء[ النس اء .]1 :فك ال اجلنس ني يش رتكان يف عملي ة اس تمرار الن وع البش ري .وق د خ ص اهلل ك ال م ن
3
اجلنس ني خبص ائص خلقي ة (بيولوجي ة) ختتل ف ع ن اآلخ ر الخ تالف أدوارمه ا يف عملي ة التناس ل وحف ظ النس ل .
فالرج ل حيم ل احلي وان املن وي وامل رأة ت وفر البويض ة ,وه ي الوع اء ال ذي يتك ون في ه البش ر وتتح ول في ه النطف ة إىل
إنسان .وهذا االختالف بني اجلنسني املتعلق بأدوارها يف استمرارية النوع البشري راجع إىل اختالفهما األساسي يف
4
تك وين اجله از التناس لي ,وه و أكث ر تعقي دا عن د امل رأة .ف املرأة يف تكوينه ا مؤهل ة الس تقبال اجلن ني ,فك ان موض ع
5
ال رحم يف وس ط حوض ها ليك ون حممي ا م ن ك ل أذى ,وه و مم ا يش ري إلي ه قول ه تع اىل ثام جعلنااه نطفاة فاي قارار
6
مكين[ املؤمن ون .]19 :ق ال الس مرقندي يف تفس ريه "يع ين يف مك ان حري ز حص ني" .وج اء يف تفس ري اب ن كث ري
7
"يعين الرحم معد لذلك مهيأ ل ه" .و"إذا تأملن ا الص ورة التش رحيية هل ذه املنطق ة يتب ني لن ا م دى ص دق ه ذه احلقيق ة
8
من خالل ملحوظات عدة" .
1راجع :النجار ,عبد اجمليد ,خالفة اإلنسان بني الوحي والعقل ,هريند-فريجينيا ,املعهد العاملي للفكر اإلسالمي ,ط 8555 ,9م ,ص .57
2راجع :البار ,حممد علي ,خلق اإلنسان بني الطب والقرآن ,جدة ,الدار السعودية للنشر والتوزيع ,ط 4,1459ه1329/م ,ص .84
3ال شك أن االختالف والتفاوت بني الرجل واملرأة هلما فوائد أخرى غري حفظ النسل ,إال أن حفظ النسل واستمرار احلياة البشرية من أبرزها.
4فكل من اجلنسني لديه أعضاء تناسلية خاصة به ,وهذه األعضاء ال جتتمع ,يف نوع البشر ,يف فرد واحد ,كما أهنا ال جتتمع يف أي فرد يف
نوع آخر من املخلوقات.
5
األغر ,كرمي جنيب ,إعجاز القرآن فيما ختفيه األرحام ,بريوت ,دار
راجع :البار ,حممد علي ,خلق اإلنسان بني الطب والقرآن ,ص ,41و ّ
املعرفة ,ط 1485 ,1ه8555/م ,ص .177
6السمرقندي ,نصر بن حممد ,حبر العلوم ,بريوت ,دار الكتب العلمية ,بدون تاريخ ,ج 8ص .475
7ابن كثري ,أبو الفداء إمساعيل بن عمر ,تفسري القرآن العظيم ,الرياض ,دار طيبة ,ط 1485 ,8ه 1333/م ,ج ,5ص .422
8األغر ,كرمي جنيب ,إعجاز القرآن يف ما ختفيه األرحام ,ص .175
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 357 جملة املدونة:
فه ذا ال رحم ال ذي يهي ئ امل رأة الس تقبال نطف ة اإلنس ان" ,ال يقابل ه يف الرج ل س وى أث ر من دثر يف ش كوة
1
البوس تاتا" .وال رحم يف الق رآن حيت وي عل ى مع ىن آخ ر وه و ص لة القراب ة العائ دة إلي ه ,وه ي الوش ائج والص الت
الناجتة عن سنة الت زاوج .فاآلب اء واألبن اء م ع جمموع ة م ن األق ارب يطل ق عل يهم لف ظ "األرح ام" ,كم ا ج اء يف قول ه
تع اىل واتقااوا اهلل الااذي تساااءلون بااه واألرحااام[ النس اء .]1 :وكم ا ج اء أيض ا يف ق ول اهلل تع اىل يف احل ديث
2
القدسي" :أنا الرمحن وهي الرحم ,شققت هل ا امس ا م ن امس ي ,م ن وص لها وص لته ,وم ن قطعه ا بتت ه" .وه ذا يش ري
إىل أمهية هذا العضو ومكانته بني سائر األعضاء ,إذ اشتق اهلل امسه من امسه وعلقه بعرشه.
ذلك بأن هذا العضو يف جسم املرأة تنشأ فيه نطف ة اإلنس ان وتنم و ,وه و حيميه ا ويغ ذيها خ الل ف رتة احلم ل
3
إىل أن خيرج إىل الدنيا .ويستمر االتصال البيولوجي بني املرأة والطفل بعد جميئه إىل احلياة ,فهي مهيئ ة يف تكوينه ا
اجلسدي لتغذية املولود ,مما يسمح بامتداد التم ازج ال ذي تع ّود علي ه الص يب يف حميط ه األول .وه ذا مم ا يفس ر تف وق
4
عدد أجزاء اجلهاز التناسلي عند املرأة بالنسبة إىل الرجل .
واالختالف بني اجلنسني الراجع إىل دور كل منهما يف اس تمرار ن وع اإلنس ان وحفظ ه ,ال يتوق ف عن د مرحل ة
احلمل والوالدة ,بل إن املرأة من حلظة بلوغها متر بعدة تغ ريات جس دية ومراح ل م ن الطه ر واحل يض ,وتس تمر ه ذه
السلس ة ح ىت تص ل امل رأة إىل آخ ر مرحل ة الي أس .فتع يش امل رأة خ الل ف رتة طويل ة م ن حياهت ا انقالب ات فس يولوجية
تفضي إىل انقالبات نفسية تتجسد أحيانا يف صور من التشنج .فاملرأة قبل أن تصبح أ ُّما متر مبراح ل ش اقة ال هت ون
على كياهنا .فمصريها البيولوجي يناديها طيلة حياهت ا إىل أداء ه ذه الوظيف ة ,وه ذا مم ا يب ني الف رق ب ني امل رأة والرج ل
5
ال َذيْن مل ينجبا ,حيث تبقى غريزة األمومة لدى املرأة حية يف أغلب عمرها وإن مل تنجب ,خالفا للرجل.
فل ئن ك ان الطف ل ه و نت اج اجلنس ني نظ را إىل دور ك ل منهم ا يف تكوين ه ,ف إن اخ تالف دور امل رأة ع ن دور
الرج ل يف عملي ة التناس ل ترتت ب عن ه تغ ريات فس يولوجية ونفس ية ل دى امل رأة دون الرج ل ,س واء قب ل مرحل ة تك وين
نطفة اإلنسان أو أثنائها أو بعدها .فشاءت احلكمة اإلهلية أن يكون جسد املرأة سببا يف اس تمرارية الن وع البش ري,
ولذا ربطه باجلنني من خالل عالقة بيولوجية عميقة ,تلمس املرأة صداها وإن مل يظهر طفال يف الوجود.
وهك ذا يتب ني أن امل رأة متكيف ة بش كل كب ري مبص ريها البيول وجي ال ذي ل ه أث ر كب ري ال ميك ن إغفال ه عن د حماول ة
تصور وفهم حقيقة وخصوصية ه ذا الك ائن .وه و م ا وق ع إمهال ه م ن قب ل رائ دة احلرك ات النس وية "مس ون دبوف وار"؛
فإهن ا أرادت أن تتص ور ازده ار ه ذا الك ائن جم ردا ع ن مص ريه البيول وجي وبالت ايل ع ن األموم ة .وق د ظ ل ذل ك ش أن
الفكر النسوي عموما ,مما جعل بعض النس ويات املعاص رات يش تكني م ن هتم يش قض ية األموم ة يف دارس ات امل رأة
1البار ,حممد علي ,خلق اإلنسان بني الطب والقرآن ,ص .41
2أخرجه أمحد يف مسنده برقم ,15423وأبو داود يف سننه برقم .1234
3البار ,حممد علي ,خلق اإلنسان بني الطب والقرآن ,ص .92
4
PHILIBERT ADELON, Nicolas, Physiologie de l’homme, A Paris, chez compère, jeune libraire éditeur,
1823, p 26, Tome 1.
93عبد الناصر ,مرفت ,مهوم املرأة ,القاهرة ,مكتب مدبويل ,بدون تاريخ ,ص .159
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 358
1
ويف اجله ود التنظريي ة للحرك ات النس وية الس ائدة ,داع ني إىل تأس يس فك ر نس وي متمح ور ح ول قض ية األموم ة .
وم ن التي ارات النس وية م ن اجت ه خطاب ه إىل دع وى أن االخ تالف البيول وجي ب ني اجلنس ني ال ت أثري ل ه يف اخ تالف
حقيقة الرجل واملرأة ومفهوم األنوثة والذكورة ,وأنه اخ تالف هيكل ي ال عالق ة ل ه ب اختالف حقائقهم ا احلياتي ة ,ب ل
إن م ا يالح ظ م ن اخ تالف ب ني امل رأة والرج ل يف حقيقتهم ا النفس ية والس لوكية م ا ه و إال نتيج ة عوام ل اجتماعي ة
2
وتارخيي ة .وهك ذا ح ني نتأم ل موق ف احلرك ات النس وية م ن الف روق البيولوجي ة ب ني امل رأة والرج ل جن د أن كث ريا منه ا
حتاول حتديد مفهوم األنوثة مع إغفال أثر ذلك الفرق أو هتميشه .ويبدو أن أهم أسباب هذه الظاهرة ما حلق امل رأة
3
زمنا طويال يف معظم احلضارات من ظل م بس بب خلقته ا ,ح ىت مسي ت ب "اجلنس الض عيف" ,دون اعتب ار مل ا خللق ة
املرأة من قوة غري القوة اجلسدية الظ اهرة ,ومل ا هل ا م ن ش أن عظ يم يف محاي ة ن وع اإلنس ان .وإذا ظل ت امل رأة مظلوم ة
وغريبة بسبب ما تقتضيه أنوثتها يف معظم احلضارات واألديان ,فما موقف اإلس الم م ن تل ك احلقيق ة اخللقي ة ل دى
املرأة؟ وكيف تعامل معها عند تشريعه األحكام؟
ب .االختالف البيولوجي والتمييز في بعض األحكام
لق د تق رر يف م ا س بق أن املس اواة ه ي األص ل يف التش ريع ,نظ را إىل ترت ب التش ريع عل ى الفط رة اإلنس انية
وحقيق ة اإلنس ان الوجودي ة ,فج اءت الش ريعة للن اس كاف ة ,وس وت م ن ي وم نزوهل ا ب ني امل رأة و الرج ل يف أص ل
التكليف .فاملرأة مكلف ة كالرج ل ,وال أث ر لل ذكورة واألنوث ة يف الغاي ة ال يت خل ق اإلنس ان م ن أج ل أدائه ا يف األرض
وال يف كرامتهما وقيمتها وال يف استحقاق الثواب أو العقاب الدنيوي واألخروي .فال فرق بني اجلنسني يف تكاليف
4
العقيدة وفضائل األخالق واآلداب ومطالب الروح ,فخوطبت املرأة يف هذه األمور كما خوطب الرج ل .وم ن هن ا
5
"صرح علماء األمة بأن خطاب القرآن بصيغة التذكري يشمل النساء" .
"وال حتتاج العبارات من الكتاب والسنة يف إجراء أحكام الشريعة على النساء إىل تغري اخلطاب من تذكري إىل
6
تأنيث وال عكس ذل ك" ,ألن القاع دة كم ا س بق أن ك ال اجلنس ني يتس اويان إزاء مجي ع احلق وق والواجب ات م ا مل
1راجع:
O’REILLY, Andrea, Matricentric Feminism: Theory, Activism, Practice, Demeter Press, 2016.
2راجع كتاب:
HERITIER, Françoise, (dir), Homme et femme : la construction de la différence, Paris,
Le Pommier et Universcience éditions, 2010.
3يقول فرويد يف كتابه "أطروحات ثالثة عن اجلنس" ,ص " :42نطلق اسم الذكر على كل ما هو قوي ونشيط واسم األنثى على كل ما هو
ضعيف وغري نشيط".
FREUD, Sigmund, Trois Essais sur la théorie de la Sexualité, Gallimard, coll. « Folio essais », 1989.
4راجع :العقاد ,عباس حممود ,الفلسفة القرآنية ,ص ,53وراجع :رؤوف عزت ,هبة ,والسعداوي ,نوال ,املرأة والدين واألخالق ,بريوت ,دار
الفكر املعاصر ,ط 8555 ,1م ,ص .124-129
5ابن عاشر ,حممد الطاهر ,مقاصد الشريعة اإلسالمية ,ص .32
6نفس املرجع والصفحة.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 359 جملة املدونة:
يوجد مانع للتساوي .وأصل التساوي بني املرأة والرجل هو اشرتاكهما يف وصف اإلنسانية ,أما ذكورهتم ا وأنوثتهم ا
فهم ا غ ري معت بين يف أص ل التس اوي .فك ان جم رد اش رتاكهما يف وص ف اإلنس انية كافي ا إلج راء التس اوي بينهم ا.
وح ني ج اءت الش ريعة حافظ ة حلق وق امل رأة والرج ل الروحي ة واملادي ة ,ك ان ذل ك احلف ظ مبني ا عل ى أص ل اإلنس انية,
فهو املعتب يف إجراء التساوي كما بينا.
ويف املقاب ل ,مل تغف ل الش ريعة ع ن التك وين ال ذي خل ق علي ه ك ل م ن اجلنس ني ومتي ز ب ه ع ن اآلخ ر ,ألن
العوارض اجلبلية قد تكون من العوامل املوجبة للتميز يف األحكام بني األفراد ,كما سبق بيانه.
واملتأم ل يف األحك ام املمي زة ب ني اجلنس ني جي د التميي ز فيه ا راجع ا باخلص وص إىل أه م الف روق بينهم ا وه ي
الفروق البيولوجية ,أي اخلِلقية .وقد سبقت االشارة إىل أن االختالف يف الوظيفة التناسلية بني املرأة والرجل يسبب
أهم الفروق اخللقية بني اجلنسني ,فكان بالتايل أهم مصادر التمييز بينهما يف األحكام .واملميزات اليت جتع ل ال ذكر
كس ب ك ل واح د منهم ا خص ائص وأوص افا م ن ش أهنا أن تك ون ع وارض م ؤثرة يف التس اوي ذك را واألنث ى أنث ى تُ ِ
بينهما يف بعض األحكام.
وإذا ك ان التميي ز ب ني الرج ل وامل رأة يف بع ض األحك ام مس تندا إىل وظائفهم ا املختلف ة يف عملي ة التناس ل مم ا
جعلهما خمتلفني يف بعض اجلوانب اخلِلقية ,فما هو أثر ومآل هذا االختالف اخلِلقي على تصور ومفهوم األنوثة يف
اإلسالم؟
النساء بقوله تع اىل :يا أيهاا النااس اتقاوا ربكام الاذي خلقكام مان نفاس واحادة[ النس اء .]1 :فك ان أول م ا
اعتبه القرآن هو أصل اإلنسانية ,بل يف اآلية تصريح على أن النفس اليت خلق منه ا ك ل م ن ال ذكر واألنث ى واح دة
1
يف حقيقته ا ,ف ال ف رق ب ني ال ذكر واألنث ى يف أص ل اخللق ة ,ب ل ميك ن أن يفه م م ن ذل ك أن ال روح اإلنس انية ال
جنس هلا ,فال تتصف بذكورة وال بأنوثة ,بل الذكورة واألنوثة الحقة لتك احلقيق ة األص لية ,ول ذلك ق ال تع اىل بع د
ذلك :وخلق منها زوجها .ويف آية أخرى :خلقكام مان نفاس واحادة ثام جعال منهاا زوجهاا[ الزم ر.]2 :
فك ان االعتب ار األول ه و لألص ل ,مث ي أيت االلتف ات إىل م ا حل ق ذل ك األص ل م ن لواح ق .فمقتض ى تس اوي امل رأة
والرجل يف أصل خلقتهما ,بل مقتضى ال جنسية ذلك األص ل كم ا تب ني ,ه و تس اويهما أم ام احلق وق والواجب ات,
وه و م ا يش ري إلي ه قول ه تع اىل :للرجااال نصايب ممااا اكتساابوا وللنسااء نصاايب مماا اكتساابن[ النس اء,]98 :
أي" :للرج ال نص يب مم ا اكتس بوا م ن الث واب عل ى الطاع ة والعق اب عل ى املعص ية وللنس اء نص يب م ن ذل ك مث ل
ذلك".2
أما التكوين املختلف الذي حلق ذلك األصل املشرتك – أي الروح – ونشأ من خالله جنس ان خمتلف ان ,فإن ه
ول و أدى إىل التميي ز يف بع ض األحك ام ,ف ال يغ ري ش يئا م ن أص ل اإلنس انية ال يت يتص ف هب ا ك ل منهم ا .ول ذلك
جاءت النصوص الش رعية يف جممله ا ختاط ب اإلنس ان بغ ض النظ ر ع ن جنس ه .فأس اس اخلط اب الش رعي وج وهره
ه و توجي ه الن اس ,أف رادا ومجاع ات ,ذك ورا ك انوا أو إناث ا ,إىل الس عي والك دح م ن أج ل الرج وع إىل إنس انيتهم
واحلفاظ عليه ا .فاألص ل يف اخلط اب الش رعي العم وم واملس اواة م ا مل ي دل دلي ل عل ى التخص يص أو التميي ز .لك ن
ينبغ ي حتري ر األحك ام ال يت مي زت ب ني امل رأة والرج ل واالعتن اء هب ا ,مل ا يرتت ب عليه ا م ن أث ر يف حياهتم ا ,م ن حي ث
تص رحيها أو إميائه ا إىل اخ تالف يف بع ض تفاص يل الوظيف ة ,ألن وج ود التميي ز والتخص يص يف األحك ام ال يك ون
إال من أجل حتقيق مصلحة أو درء مفسدة يف سبيل أداء املهمة اليت خلق من أجلها اإلنسان.
فتصور األنوثة يف اإلسالم ال ميكن أن يكون يف معزل ع ن اعتب ار أص ل إنس انية امل رأة كم ا ال ميك ن أن يتج رد
ع ن تكوينه ا البيول وجي ال ذي يؤهله ا حلم ل احلي اة وس ائر م ا يرتت ب علي ه .ب ل ينبغ ي أن يك ون ذل ك املفه وم مبني ا
عل ى ه ذين البع دين مم ا م ن ش أنه أن يض من احلف اظ عل ى إنس انية وأنوث ة األنث ى .فاإلنس ان ك ائن يتج اوز اجل نس
3
املتعل ق بالب دن ال ذي ال ميث ل حقيقت ه وج وهره ب ل ه و "آل ة ال روح ومركب ه" كم ا يق ول اب ن الق يم .وه ذه اآلل ة وه ذا
املركب أمر عارض وفاين يتعلق حبقيقة وعامل ف انيني ومهم ة مؤقت ة .لك ن جي ب مراع اة مت ازج ال روح ,ال يت ه ي ج وهر
اإلنسان ,م ع ه ذه احلقيق ة الفاني ة وتفاعله ا معه ا مم ا يش كل حقيق ة ال ذكورة واألنوث ة ,ألن أداء اإلنس ان مهمت ه يف
1وال يقاول أن األصل هو الرجل الذي خلقت منه املرأة بعد ذلك ,فال يثبت يف ذلك دليل من القرآن أو السنة ,ومل يثبت دليل واحد صريح
صحيح على خلق حواء من آدم أو من ضلعه ,كما جاء يف كثري من تفاسري هذه اآلية وغريها من اآليات.
2الطبي ,حممد بن جرير أبو جعفر ,جامع البيان يف تأويل القرآن ,بريوت ,مؤسسة الرسالة ,ط 1485 ,1ه8555/م ,ج ,2ص .825
3ابن قيم اجلوزية ,حممد مشس الدين ,روضة احملبني ونزهة املشتاقني ,بريوت ,دار الكتب العلمية1459 ,ه1329/م ,ص .72
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 361 جملة املدونة:
الدنيا متوقف على ذلك .وما خلق اإلنسان على خلقته اليت خل ق عليه ا وآلت ه ال يت أعطيه ا ,وم ا ج اءت األحك ام
الشرعية مبا فيها من متييز بني اجلنسني إال لتمكني اإلنسان من أداء هذه املهمة املؤقتة.
1راجع على سبيل املثال ما قاله ابن العريب يف أحكام القرآن" :املعىن إين جعلت القوامية على املرأة للرجل ألجل تفضيلي له عليها ,وذلك
لثالثة أشياء :األ ول :كمال العقل والتمييز .الثاين :كمال الدين والطاعة يف اجلهاد واألمر باملعروف والنهي عن املنكر على العموم ,وغري ذلك
[ ]...الثالث :بذله املال من الصداق والنفقة ,وقد نص اهلل عليها هاهنا ".ابن العريب ,القاضي أبو بكر ,أحكام القرآن ,بريوت ,دار الكتب
العلمية ,ط 1484 ,9ه 8559/م ,ج 1ص .891وإىل مثل هذا ,أي تفضيل اهلل املرأة على الرجل ,ذهب مجاهري العلماء.
2الرازي ,فخر الدين ,التفسري الكبري ,بريوت ,دار إحياء الرتاث العريب ,ط 1485 ,9ه ,ج ,85ص .31
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 362
ومن االجتهادات اليت ترتبت عن تلك النظرة الدونية للمرأة ,ادعاؤهم أن املرأة خلقت من الرجل ,وقد
سبقت اإلشارة إىل انعدام الدليل من القرآن والسنة على خلق املرأة من الرجل ,ومع ذلك ,فإنه انتشر بني
املسلمني أن حواء خلقت من ضلع آدم .واستخلص كثري منهم هذا الفهم من قول النيب " :استوصوا بِ ِ
النساء,
فإن املرأة خلقت من ضلع ,وإن أعوج شيء يف الضلع أعاله ,فإن ذهبت تقيمه كسرته ,وإن تركته مل يزل أعوج,
1
فاستوصوا بالنساء" .
يقول اإلمام حممد رشد رضا يف هذه املسألة" :فليس يف القرآن نص فيها وال يلزمنا محل قوله تعاىل :وخلق
منها زوجها[ النساء ]1 :على ذلك ألجل مطابقة سفر التكوين ,فإن القصة مل ترد يف القرآن كما وردت يف
التوراة اليت يف أيدي أهل الكتاب حكاية تارخيية [ ]...فإن قلت :إن النيب قال يف حديث أيب هريرة يف
الصحيحني يف تعليل التوصية بالنساء "فإن املرأة خلقت من ضلع" قلنا :إنه على حد قوله تعاىل :خلق اإلنسان
من عجل[ األنبياء ] 97 :كما قالوا يف شرحه ".مث نقل عن شيخه اإلمام حممد عبده قوله" :وأما قوله تعاىل يف
سورة النساء :يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها[ النساء ,]1 :ويف
سورة األعراف :هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها[ األعراف ]123 :فقد
قال غري واحد من املفسرين :إن املعىن من جنسها كما قال يف سورة الروم :ومن آياته أن خلق لكم من
أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة[ الروم .]81:فإن املعىن هناك على أنه خلق أزواجا
2
من جنسها ,وال يصح أن يراد أنه خلق كل زوجة من بدن زوجها كما هو ظاهر" .
4 3
وم نهم م ن ادع ى أن امل رأة ش ر كله ا اس تدالال ب بعض األحادي ث املوض وعة ,وأن الش ر فط رة مطبوع ة فيه ا .
ول يس يف نص وص ال وحي م ا يؤي د ذل ك ,كي ف ذل ك وق د اهلل تع اىل لقااد خلقنااا اإلنسااان فااي أحساان تقااويم
[الت ني .]4:واملتأم ل يف الك ون جي د أن اخل ري أص ل في ه وم ا يب دو لن ا م ن ش ر م ا ه و إال نس يب وال خيل و م ن خ ري,
وذلك ما يشري إليه قوله تعاىل :بيدك الخير إنك على كال شايء قادير[ آل عم ران ,]82 :وقول ه " والش ر
ل يس إلي ك" .5ف اهلل تع اىل مل خيل ق ش را يف ذات ه ,ف ال يص ح أن يُوص ف أص ل الش يء بالش ر ,وخاص ة ح ني تعل ق
األمر مبن وضع يف أعلى مراتب اخللق وسخر له ما يف السماوات واألرض .فطبيعة اإلنس ان ,أي الفط رة ال يت خل ق
عليها اجلنسان ,ال ميكن أن تكون طبيعة سلبية.
وإذا كان لفظ اإلنسان يطلق على اجلنسني ,فال سبيل إىل القول بدنو أو قصور فطرة املرأة عن فطرة الرجل,
بل طبيعتهما األصلية واحدة وهي سليمة يف ذاهتا .أما ما يُلحق وصف الشر باإلنسان فهو ما قد يكتسبه من
عمل من جراء ما يتعرض إليه من ابتالء دنيوي ,فهذا هو ما يشكل العوائق املدلسة لطبيعته السليمة ,قال تعاىل:
ونفس وما سواها ،فألهمها فجورها وتقواها ،قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها[ الشمس.]3/7 :
قال ابن كثري"" :ونفس وما سواها" أي خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القومية" .1أما الفجور والدس؛ فليس
فطريان بل احنراف عن الفطرة ودفن وصد هلا ,وأما التقوى والتزكية فليسا موازيني للفطرة أو خمتلفني عنها بل مها
حفاظ وتنمية وتنقية هلا.2
فاملرأة كالرجل قد تطمس فطرهتا األصلية السليمة ,اليت تشرتك فيه ا م ع الرج ل ,مب ا تكتس به م ن احن راف .ف ال
ف رق ب ني فط رة امل رأة وفط رة الرج ل م ن حي ث أن كلتيهم ا قابل ة للرق ي يف اخل ري والطم س بالش ر .فماهي ة الك ائن
البشري ,رجال كان أو امرأة ,ماهية س ليمة ,ح ىت ك ان م ن أغ راض ال وحي الن داء إىل الرج وع إليه ا ومتك ني اإلنس ان
من ذلك ,مما جعل اإلسالم يوصف بدين الفطرة.
وإذا كان االختالف بني املرأة والرجل ال يدل على قبح أو دونية املرأة ,فإنه ال يدل أيضا على تفض يل الرج ل
مبا متيز به عن املرأة .ومع هذا جند أن كثريا ممن تناول طبيع ة اجلنس ني م ن العلم اء ذه ب ه ذا امل ذهب ,أي تفض يل
الرجل على املرأة مبا متيز به عنها.
ومن أبرز ما متسكوا به يف التدليل على ذلك ,دعواهم أن اهلل نص عل ى تفض يل الرج ال عل ى النس اء يف قول ه
تعاىل :بما فضل اهلل بعضاهم علاى بعاض[ النس اء .]94 :وقول ه تع اىل :وللرجاال علايهن درجاة[ البق رة:
.]882وق د ذهب ت األغلبي ة الس احقة م ن املفس رين ق دميا وح ديثا إىل أن الفض ل يف اآلي ة ي دل عل ى فض ل الرج ل
3
على املرأة يف ذاته ,ولذا استحق بعض احلقوق كالنبوة والقوامة ,اخل .فذهب املفسرون إىل أن اآلية تفيد أن اهلل قد
1ابن كثري ,أبو الفداء إمساعيل بن عمر ,تفسري القرآن العظيم ,ج ,2ص .933
2راجع :شيخ إدريس ,جعفر ,التصور اإلسالمي لإلنسان أساس لفلسفة اإلسالم الرتبوية ,جملة املسلم املعاصر ,العدد ( ,18أيلول/سبتمب
,)1377ص .79
3قال ابن كثري" :وقوله" :وللرجال عليهن درجة" أي يف الفضيلة يف اخلَلق واخلُلق واملنزلة وطاعة األمر واإلنفاق والقيام باملصاحل والفضل يف
الدنيا واآلخرة ,كما قال تعاىل" :الرجال قوامون على النساء مبا فضل اهلل بعضهم على بعض ومبا أنفقوا من أمواهلم" (ابن كثري ,تفسري القرآن
العظيم ,ص .)215/1وقال " :الرجال قوامون على النساء" أي الرجل قيم على املرأة ,أي هو رئيسها وكبريها واحلاكم عليها ومؤدهبا إذا
اعوجت" ,مبا فضل اهلل بعضهم على بعض" أي ألن الرجال أفضل من النساء ,والرجل خري من املرأة ,وهلذا كانت النبوة خمتصة بالرجال
وكذلك امللك األعظم [ ]...وكذا منصب القضاء وغري ذلك [" ]...ومبا أنفقوا من أمواهلم" أي :من املهور والنفقات والكلف اليت أوجبها
اهلل عليهم هلن يف كتابه وسنة نبيه صلى اهلل عليه وسلم ,فالرجل أفضل من املرأة يف نفسه ,وله الفضل عليها واإلفضال ,فناسب أن يكون قيما
عليها ,كما قال اهلل تعاىل" :وللرجال عليهن درحة" اآلية [البقرة( ."]882 :ابن كثري ,تفسري القرآن العظيم ,ص )838/8وقال البغوي" :مبا
فضل اهلل بعضهم على بعض ,يعين :الرجال على النساء بزيادة العقل والدين والوالية ,وقيل :بالشهادة ,لقوله تعاىل" :فإن مل يكونا رجلني
فرجل وامرأتان" وقيل :باجلهاد ,وقيل :بالعبادات من اجلمعة واجلماعة ,وقيل :هو أن الرجل ينكح أربعا وال حيل للمرأة إال زوج واحد ,وقيل:
بأن الطالق بيده ,وقيل :باملرياث ,وقيل :بالدية ,وقيل :بالنبوة"( .البغوي ,احلسني بن مسعود ,معامل التنزيل يف تفسري القرآن ,الرياض ,دار
طيبة ,ط 1417 ,4ه 1337/م ,ج ,1ص .)211وقال البيضاوي" :الرجال قوامون على النساء" يقومون عليهن قيام الوالة على الرعية,
وعلل ذلك بأمرين ,وهيب وكسيب فقال" :مبا فضل اهلل بعضهم على بعض" بسبب تفضيله تعاىل الرجال على النساء بكمال العقل وحسن
التدبري ,ومزيد القوة يف األعمال والطاعات ,ولذلك خصوا بالنبوة واإلمامة والوالية وإقامة الشعائر ,والشهادة يف جمامع القضايا ,ووجوب
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 364
فضل الرجال على النساء مبا وهب هلم من اخلصائص الطبيعية .بينم ا التفض يل ب ني األف راد أم ام اخل الق ال يب ىن ع ن
اخللق ة كم ا ه و املش ار إلي ه يف قول ه ص لى اهلل علي ه وس لم" :إن اهلل ال ينظ ر إىل ص وركم وأم والكم ,ولك ن ينظ ر إىل
1
قل وبكم وأعم الكم" ،ويف قول ه تع اىل إن أكاارمكم عنااد اهلل أتقاااكم[ احلج رات .]19 :فأش د الن اس اتباع ا
للش رع أوىل بالش رف والكرام ة ,وال م دخل يف ذل ك لنس ب وال م ال وال ق وة وال ع رق وال ذك ورة وال أنوث ة .ق ال
تعاىل :من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كاانوا
يعملون[ النحل .]37 :فاالعتبار الوحيد يف التفضيل يف الشرع هو التقوى وما يرتتب عليها م ن العم ل الص احل.
2
وهذا خالفا ملا ذهب إليه املفسرون من أن الرجال فضلوا على النساء يف الدنيا واآلخرة .
ف االختالف يف بع ض اجلوان ب اخلَلقي ة املوج ود ب ني الرج ل وامل رأة ال يع ين تفض يل الرج ل عل ى امل رأة أو دوني ة
املرأة بالنسبة إىل الرجل ,بل كالمها مكرم بناء على أساس مشرتك بينهما وهو اإلنسانية ,فالرفعة تكون تبعا ل ذلك,
كلما اقرتب أحدمها من ذلك األصل ورجع إليه كلما ارتفع ,وال اعتب للذكورة واألنوثة يف ذلك.
ومن هنا جيب التأكيد على أن التمييز بني املرأة والرج ل يف بع ض األحك ام الش رعية ال يس تند إىل دوني ة امل رأة
وتفوق الرجل عليها وال التقلي ل م ن ش أهنا ,كم ا ت وهم كث ري م ن غ ري املس لمني يف ح ق اإلس الم وأحكام ه .ب ل كم ا
ت وهم ذل ك كث ري م ن املس لمني – ب ل مج اهري العلم اء – لت أثرهم بالتص ورات الس ائدة يف عص ورهم ل دى خمتل ف
احلضارات واألديان .مع أن الف رق األساس ي ب ني اإلس الم وتل ك التص ورات والثقاف ات وال ديانات ,ه و أن اإلس الم
ج اء لتحري ر امل رأة م ن ذل ك االزدراء .ففض ال ع ن ع دم اش تمال النص وص الش رعية عل ى م ا ي نقص م ن ش أن امل رأة
ويهبط من قدرها بالنس بة إىل الرج ل ,ف إن هن اك نصوص ا تبل غ درج ة القط ع يف داللته ا عل ى تك رمي امل رأة واش رتاكها
م ع الرج ل يف أص ل اخللق ة وغاي ة الوج ود كم ا س بق معن ا .ف املطلوب يف ش أن امل رأة خاص ة ه و الع ودة إىل ال نص
لغربلته مما علق به من اجتهادات تارخيي ة مت أثرة مب ا س اد م ن احتق ار للم رأة يف اجملتمع ات الذكوري ة دون الس قوط يف
القراءة املتأثرة مبا ساد يف هذا العصر من سعي إىل طمس هوية املرأة ,وهي عملية دقيقة وخطرية.
.4تكريم اإلسالم للمرأة والتمييز في األحكام
لقد تبني مما سبق أن ما مييز الرجل عن املرأة غري معتب يف تفضيل جنسه على جنسها ,كما هو غ ري م ؤثر يف
منزلتهم ا عن د اهلل تع اىل ,إال مب ا ق دم اإلنس ان م ن عم ل وس عى م ن س عي ,وه و م ا يفه م م ن قول ه تع اىل:
فاسااتجاب لهاام ربهاام أنااي ال أضاايع عماال عاماال ماانكم ماان ذكاار أو أنثااى بعضااكم ماان بعااض[ آل عم ران:
.]135وقد نقل الشيخ رشيد رضا عن شيخه يف تفسري هذه اآلية قوله" :الذكر واألنثى متس اويان عن د اهلل تع اىل
اجلهاد واجلمعة وحنوها ,وزيادة السهم يف املرياث وبأن الطالق بيده" .ومبا أنفقوا من أمواهلم" يف نكاحهن كاملهر والنفقة"( .البيضاوي ,ناصر
الدين أبو سعيد ,أنوار التنزيل وأسرار التأويل ,بريوت ,دار إحياء الرتاث العريب ,ط 1412 ,1ه ,ج .)78 ,8وال خيفى ما جلأ إليه
املفسرون من ذريعة التمييز يف بعض األحكام لالستدالل على تفضيل الرجل على املرأة مسلمني بأن كل تلك الفروق يف تلك األحكام هي يف
صاحل الرجل ,دون النظر يف أصل ذلك التفريق وعلله ,بل كثري من تلك الفروق هي نتيجة الجتهادات الفقهاء ومل ينص عليها الوحي صراحة.
1أخرجه مسلم يف صحيحه برقم .8524
2راجع ما أوردناه يف اهلامش السابق من كالم ابن كثري.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 365 جملة املدونة:
يف اجل زاء م ىت تس اويا يف العم ل ح ىت ال يغ رت الرج ل بقوت ه ,ورياس ته عل ى امل رأة ,ف يظن أن ه أق رب إىل اهلل منه ا ,وال
تس يء امل رأة الظ ن بنفس ها فتت وهم أن جع ل الرج ل رئيس ا عليه ا يقتض ي أن يك ون أرف ع منزل ة عن د اهلل تع اىل منه ا.
وقد بني اهلل تعاىل علة ه ذه املس اواة بقول ه :بعض كم م ن بع ض فالرج ل مول ود م ن امل رأة ,وامل رأة مول ودة م ن الرج ل,
فال فرق يف البشرية ,وال تفاضل بينهما إال باألعمال ,أي وما ترتت ب علي ه األعم ال ,ويرتت ب ه و عليه ا م ن العل وم
1
واألخالق" .
إن ما مييز كال من اجلنسني عن اآلخر ينبئ بوظيفة مكمل ة لوظيف ة اآلخ ر ,فك ان م ن اجل دير أن ت درس تل ك
االختالف ات م ن خ الل التميي ز املوج ود يف بع ض األحك ام ح ىت يتس ىن مراع اة تل ك الوظ ائف التكاملي ة واحلف اظ
عليه ا ,وح ىت ال ي تم إمه ال بع ض جوانبه ا .وتكم ن أمهي ة النظ ر يف التميي ز ب ني الرج ال والنس اء يف بع ض األحك ام
ك ذلك يف أن أغل ب العلم اء الق دماء انطلق وا يف كالمه م ع ن امل رأة م ن مس لمة أن تل ك الف روق يف األحك ام ه ي
متييز يف صاحل الرجال ويدل على تفوقهم عليهن وفضلهم يف اخلَلق واخلُلق والدين وغري ذلك ,وهو ما تبني بطالنه.
فكان من األمهية مبكان أن ينظر يف تلك الفروق بقصد حتريرها والنظر يف عللها ,حىت ال تتخذ ذريعة يف الطع ن يف
الدين أو احلط م ن ش أن امل رأة ,وح ىت تراع ى مقاص د التفري ق يف احلف ظ عل ى مقاص د اإلس الم األخالقي ة م ن حف ظ
ذكورة الذكر وأنوثة األنثى وحفظ النسل وغري ذلك ,وحىت ال يرتك اجملال ملن يتخذ تلك القراءات القدمية ذريعة إىل
دع وى االجته اد بقص د اس قاط التص ورات ال يت يفرض ها الواق ع احل ديث عل ى نص وص ال وحي ,دون مراع اة طبيع ة
النصوص ومقاصدها ومناهج النظر فيها.
وحنس ب أن أه م ه ذه الف روق ال يت جي ب النظ ر فيه ا ه ي تل ك ال يت ترتت ب ع ن الف روق البيولوجي ة العائ دة إىل
اختالف الوظائف يف عملية التناسل .والشريعة مل هتمش أياا من اجلوانب املتعلقة مبصري املرأة البيولوجي ,بل كرمته ا
ابتداء من العملية اليت تؤهل جسدها لالنطالق يف مصريها البيولوجي أال وهي احليض .وإذا ال تتسع ه ذه الدراس ة
املقتضبة لتقصي سائر األحكام الشرعية املميزة بني املرأة والرجل على أس اس اختالفهم ا البيول وجي ,فلنتخ ذ مس ألة
احليض منوذجا هلذا النظر ,مما يكشف عن تكرمي الشريعة للمرأة على أساس أمور أهينت من أجلها زمنا طويال.
1
تراعيها املرأة خالل هذه الفرتة .ومل تتوقف هذه االعتقادات عند حد الق ول بإض رار احل يض جبس د امل رأة فحس ب,
2
ب ل ذهب ت إىل الق ول بإض راره بشخص يتها .وأك د عل م الط ب الق دمي عل ى أن احل يض ي ؤثر عل ى ق دراهتا العقلي ة
3
ويش دد حساس يتها وميوهل ا إىل التط رف والكآب ة ال يت ق د ت ؤول إىل اض طرابات نفس ية .فظ ل احل يض يعت ب عيب ا
ونقص ا مالزم ا للم رأة ,ودل يال عل ى ع دم اس تقرار حاهل ا وض عفها اجلس دي والنفس ي .وه ذه التص ورات ق د كرس تها
العلوم الطبية من خالل تركيزها على بعض الدراسات املؤكدة على ضعف املرأة بسبب احليض.
أما األحكام الشرعية ,فإهن ا ج اءت معت بة لوض ع امل رأة يف ه ذه الف رتة ,وخاص ة فيم ا يتعل ق ب بعض العب ادات.
فهي ال تصلي وال تصوم أثناءه مثال .إال أن هذه األحكام قد اختذت ذريعة إىل تكريس التصورات ال يت ت نقص م ن
ش أن امل رأة باعتب ار نقص ان عبادهت ا بالنس بة إىل الرج ل ,فكان ت مكانته ا االجتماعي ة أدىن م ن مكان ة الرج ل حي ث
ك انوا ي رون أن اإلس الم يؤك د ذل ك م ن خ الل اعتب ار ذل ك الض عف ض عفا خلقي ا عائق ا يف س بيل بل وغ مرات ب
الكرامة واملكانة عند اهلل ويف اجملتمع .ومن هنا كان من اجلدير بنا أن حنرر علل بعض هذه األحكام اخلاصة باملرأة.
إن امل رأة ال س بيل هل ا إىل الف رار م ن مص ريها البيول وجي ول و كرهت ه .فم ن البل وغ إىل الي أس يتأه ل ل ه جس دها
وي ذكرها ك ل ش هر هب ذا املص ري ال ذي تن ادي إلي ه خلقته ا .ف املرأة تع يش انقالب ا فس يولوجيا ش هريا ,وم ا يق ع يف
جسدها قبل أيام احليض ما هو إال عملية استعداد يتهيأ فيها جسدها حلمل اجلنني .فاحليض بالتايل يعب عن قدرة
امل رأة عل ى اإلجن اب كم ا ي دل يف نف س الوق ت ع ن ع دم احلم ل .ف إذا مت ختص يب البويض ة ب دأت مرحل ة االس تعداد
للحمل ,وإذا مل ختصب كانت مرحلة احليض .فاحليض عملية أساسية لدى املرأة إذ يعب عن أهم م ا تتأس س علي ه
4
أو تتحقق به أنوثتها ,وبالتايل أهم ما مييزها عن الرجل حقيقة ,وهو قابلية الوالدة واإلجناب ,كم ا أن ه عالم ة ت دل
على أن اهلل وهب هلا القدرة على محل احلياة.
وامل رأة واعي ة هب ذه األمهي ة وهب ذا الفض ل ,ول ذلك تع يش قب ل الي أس مرحل ة اكتئ اب وح زن ,حي ث تش عر أهن ا
ستفقد إحدى خصائصها املكونة ألنوثتها .فاحليض ال يرمز إىل أهم م ا تتأس س علي ه حقيق ة األنوث ة فحس ب ,ب ل
يشري كذلك إىل إحدى وظائفها يف احلياة ,وهي وظيفة األمومة ,وهو ما يتهيأ له ويعب عنه سائر جسدها.
وتع يش امل رأة أثن اء ه ذه املرحل ة اض طرابات جس دية ونفس ية كم ا يؤك ده عل م الط ب ,حي ث إن معظ م النس اء
يصنب مبتاعب جسدية ونفسية أثناء احليض .ولعل ذلك مما يشري إليه قوله تعاىل :ويسألونك عان المحايض قال
هااو أذ [ البق رة .]888 :فج اء الق رآن هب ذا التعب ري لبي ان أن م ا يص يب امل رأة خ الل ه ذه الف رتة ل يس ب األمر
1
LE NAOUR, Jean-Yves, VALENTI, Catherine, Du sang et des femmes, Histoire médicale de la
menstruation à la Belle Époque, [On line] Clio, France, numéro 14/2001, mis en ligne le 08 février 2005.
[Visité le 10/01/1053] adresse du site : http://clio.revues.org/114 ; DOI : 10.4000/clio.114
2تقول مرفت عبد الناصر" :ولفرتة طويلة ربط العلم بني هذه األعراض وشخصية املرأة مما جعل الطب يتجاهلها على أهنا جمرد اضطراب
هستريي معرضة له املرأة غري القادرة على التحكم يف مشاعرها" عبد الناصر ,مرفت ,مهوم املرأة ,ص .25
3
AUDOUARD, Céline, Histoire de règles Entre religion et médecine, Take back the night !, CEFA,
2010, p.4.
4راجع:
BONNET-CARBONELL, Jocelyne, La terre des femmes et ses magies, Ibid, p 2.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 367 جملة املدونة:
الغري ب ,ب ل ه و أم ر كتب ه اهلل تع اىل عل ى النس اء وج بلهن علي ه ,كم ا ج اء يف احل ديث "إن ه ذا أم ر كتب ه اهلل عل ى
1
بن ات آدم ,فاغتس لي ,مث أهل ي ب احلج" .وهك ذا ج اء اإلس الم ليح رر الن اس م ن األفك ار الس ائدة يف اجملتم ع
اجلاهلي ويف معظم احلضارات ,كتومههم أن احليض أمر خطري وأن املرأة جنسة يف أيام احليض ,وأهنا حتمل مسوما يف
2
دم احليض تنشر على جسدها ,فينبغي عزهلا ,فال تؤاكل وال جتالس على الفراش بل ال تدخل البيت .
هذا ,مع أن ما بنيت عليه خلقة املرأة من جانب خصوبتها وكان دليال على أهم ما تتميز به عن الرجل,
3
كان السبب يف حتقري خلقتها ووصفها بالكائن املريض الغريب املزاج ,غري املكتمل .
ولقد جاءت الشريعة مصححة لتلك االعتقادات والتصورات السائدة ,فعند وصفها احمليض مل تنسب األذى
إىل املرأة ,بل كان الضمري "هو" عائدا إىل احمليض ذاته داللة على أن األذى املرتتب عنه أمر ال يتعلق خبلقتها بل
هو خارج عنها ,وهو مما يفهم أيضا من قوله حني قال لعائشة "ناوليين اخلمرة من املسجد" ,قالت فقلت :إين
4
حائض ,فقال" :إن حيضتك ليست يف يدك" .فبني اإلسالم أن املرأة خالل هذه فرتة ال متثل شرا وال ضررا ,بل
ما تعانيه هو أمر طبيعي خارج عن حقيقتها ,بل هو شيء يؤذيها.
6 5
ومل ينظر اإلسالم إىل احليض كما نظرت إليه سائر األديان ,حيث وصفه باألذى ومل يصفه بالنجاسة .
فكان مناط احليض عند الفقهاء هو ذات احليض وليس النجاسة أو غريها .فعلة سقوط بعض األحكام عن املرأة
أثناء مدة احليض هو احليض نفسه وليس كوهنا جنسة .والوصف القرآين للحيض يوحى بأنه يعود على املرأة بالتعب
واالزعاج ,إذ تعاين النساء مبتاعب جسدية ونفسية أثناءه ,فالتفت القرآن إىل هذا الوضع وراعاه يف األحكام رمحة
وتيسريا ورفقا هبا .ومن هنا خصت الشريعة املرأة ببعض األحكام أثناء احليض مراعاة هلذه احلالة اليت تكون عليها,
وليس للتقليل من شأهنا أو احلط من قدرها .فحرم الوطء مثال أثناء احليض رفقا هبا ,ملا قد يسببه من ضرر أو
7
مرض .
أما إعفاء املرأة من الصالة والصوم أثناء مدة احليض فذلك مما يناسب فلسفة التيسري اليت جاء به اإلسالم,
ذلك أن الشريعة فتحت باب الرخص لكل من قد تُلحق به العزمية حرجا أو مشقة أو مل تتوفر فيه أسباب أو
شروط العزمية .وال ينبغي أن يتخذ إعفاء املرأة عن بعض العبادات أثناء احليض ذريعة للحط من شأهنا أو العتبار
احليض جناسة تتلبس باملرأة .ورغم ما قد تؤول إليه هذه األحكام من نقص يف الدين بانتقاص التعبّد ,إال أهنا
1متفق عليه ,أخرجه البخاري يف صحيحه برقم ,834ومسلم يف صحيحه برقم .192
األغر ,كرمي جنيب ,اعجاز القرآن يف ما ختفيه األرحام ,ص .134-135
راجعّ :
2
3
LE NAOUR, Jean-Yves, VALENTI, Catherine, Du sang et des femmes, Histoire médicale de la
menstruation à la Belle Époque, Ibid.
4أخرجه مسلم يف صحيحه برقم .832
5راجع :غنيم ,أمحد ,املرأة منذ النشأة بني التحرمي والتكرمي ,جنني ,مطبعة الكيالين1337 ,م ,ص .84
6راجع :بلتاجي ,حممد ,مكانة املرأة يف القرآن والسنة الصحيحة ,القاهرة ,دار السالم ,ط 1485 ,1ه8555/م ,ص .75
األغر ,كرمي جنيب ,إعجاز القرآن فيما ختفيه األرحام ,ص 851وما بعدها. راجعّ :
7
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 368
تبد كلها واضحة لدينا ,ألن الشريعة ال تثبت حكما إال ومنفعته أكب من مضرته إن
تتضمن منافع أكب ,وإن مل ُ
1
وجدت "والشريعة كلها مصاحل ,إما تدرأ مفاسد ,أو جتلب مصاحل" .
وما تعيشه املرأة من تغريات فسيولوجية ونفسية أثناء احليض مؤقت ,فال ينبغي حتديد شخصية املرأة من
خالل احليض .كما ال ينبغي اعتبار سقوط بعض األحكام عن املرأة خالل احليض دليال على دونيتها يف التدين
كما ذهب إليه البعض مستندا إىل قوله " ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل احلازم من
إحداكن" ,قلن :وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول اهلل؟ قال" :أليس شهادة املرأة نصف شهادة الرجل؟" قلن:
بلى ,قال" :فذلك من نقصان عقلها ,أليس إذا حاضت مل تصل ومل تصم؟" قلن :بلى ,قال" :فذلك من نقصان
2
دينها" .فكان هذا احلديث من أهم ما متسك به العلماء لالستالل على دونية املرأة الدينية ,والدين هو أهم
مناط الكرامة كما ذكرنا سابقا .فما كان مراد النيب بنقصان دين املرأة الراجع إىل احليض؟
1ابن عبد السالم ,عز الدين عبد العزيز ,قواعد األحكام يف مصاحل األنام ,القاهرة ,مكتب الكليات األزهرية1414 ,ه1331/م ,ج 1
ص .11
2متفق عليه ,أخرجه البخاري يف صحيحه برقم ,954ومسلم يف صحيحه برقم .198
3النجار ,عبد اجمليد ,خالفة اإلنسان بني الوحي والعقل ,ص .54
4النجار ,عبد اجمليد ,مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة ,ص .29
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 369 جملة املدونة:
والص وم أثن اء احل يض تك ون متدين ة بطاع ة رهب ا ,ألن ذل ك ال رتك ل يس أم را منه ا ب ل أم ر م ن خالقه ا .وعل ى ه ذا
ينبغي أن يفهم حديث نقصان ال دين ,أي أن ذل ك ال نقص ل يس نقص ا يف الطاع ة واخلض وع ,ب ل ه و نق ص يف م ا
1
يقوم به اإلنسان من ممارسة تعبدية" ,ليس عن تقصري ولكن عن إلزام من اإلله املعبود" .
أما ح ديث نقص ان ال دين ,فإن ه ي دل عل ى نق ص ق د يرتت ب عل ى أم ر كتب ه اهلل عل ى امل رأة وه و االمس اك ع ن
الصالة والصيام يف أيام معدودات ,مما ق د حي دث نقص ا يف تقواه ا هلل .وه ذا يع ين أن ه أم ر حيتم ل وقوع ه م ن بع ض
2
النساء ال م ن مج يعهن .وه ذا يب ني أن م ا أش ار إلي ه الن يب ل يس حكم ا عل ى ج نس امل رأة يقتض ي عج ز النس اء
ع ن الوص ول إىل درج ات الت دين والتق وى ال يت يص ل إليه ا الرج ال ألس باب راجع ة إىل فط رهتن وأص ل تك وينهن.
فالنقص يف التدين حمتمل بسبب ترك الصالة والصوم يف هذه الفرتة وليس أمرا حمتوما يقع بصفة تلقائية ,فضال عن
أنه ليس باألمر الفطري لدى املرأة.
وعند تتبع نصوص الشريعة وأحكامها يتبني أهنا ال تقص د إىل إظه ار أو ذك ر اخلصوص يات املمي زة ب ني الن اس
أو جوانب النقص لدى بعضهم إال لغرض يقتضيه ,ومن ذلك:
-أن ترتب الشريعة على تلك اخلصوصية أو ذلك النقص متييزا يف األحك ام ,كاملس افر والص يب واجملن ون اخل.
ومن ذلك قوله تعاىل :ليس على الضعفاء وال على المرضى وال علاى الاذين ال يجادون ماا ينفقاون حارج إذا
نصحوا هلل ورسوله[ التوبة.]38 :
-لبي ان آي ات اهلل يف خلق ه وتفض له عل ى الن اس ب أنواع ال نعم ,كم ا ج اء يف قول ه تع اىل :ومان آياتاه خلااق
السموات واألرض واختالف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك آليات للعالمين[ الروم.]88:
-لبي ان أن الزي ادة وال نقص مم ا ابتل ى اهلل ب ه اإلنس ان ,فالزي ادة مس ؤولية خيت ب هب ا اإلنس ان م ن جه ة عودت ه
بنفعه ا عل ى م ن ب ه نق ص ,كم ا ج اء يف قول ه تع اىل :وهاو الاذي جعلكام خالئاف األرض ورفاع بعضاكم فاوق
بعض درجات ليبلاوكم فاي ماا آتااكم[ األنع ام .]125 :ويف قول ه تع اىل :ولاو شااء اهلل لجعلكام أماة واحادة
ولكاان ليبلااوكم فااي مااا آتاااكم فاسااتبقوا الخيارات إلااى اهلل ماارجعكم جميعااا فينباائكم بمااا كنااتم فيااه تختلفااون
[املائدة .]42:وقوله تعاىل :الرجال قوامون على النساء بما فضال اهلل بعضاهم علاى بعاض[ النس اء.]94 :
ومنه قوله تعاىل :يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعاارفوا إن أكارمكم عناد
اهلل أتقاكم إن اهلل عليم خبير[ احلجرات .]19 :فمن أسباب خلق الناس على أجناس خمتلفة من ذكور وإن اث
بعضا.
وشعوب وقبائل أن يتعارفوا حىت يتعاونوا ويكون ذلك االختالف وهذا التعارف سببا يف إثراء بعضهم ً
-إذا كان النقص نقصا سلبيا كسبه اإلنسان مبا عمل ت ي داه فج اء البي ان االهل ي يعاتب ه علي ه ,كم ا يف قول ه
تعاىل يف من أنكر احلق وآثر إتباع الباطل مما عطل قدراته اإلدراكية :صام بكام عماي فهام ال يعقلاون[ البق رة:
.]171
1أبو شقة ,عبد احلليم ,حترير املرأة يف عصر الرسالة ,القاهرة ,دار القلم ,ط 1498 ,7ه8511/م ,ج ,1ص .839
2راجع نفس املرجع ,والصفحة.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 371
-إذا كان النقص أو اخلصوصية اليت تسبب نقصا مما ينبغي جتاوزه ,كالنقص املرتتب عل ى عوام ل َخلقي ة أو
نفسية أو ظرفية أو اجتماعية أو غريها مما ينبغي السعي إىل جتاوزه أو جتاوز ما يرتتب عليه من نق ص ,كم ا يف قول ه
تعاىل يف حق األعراب :األعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر أال يعلموا حدود ما أنزل اهلل على رسوله[ التوب ة:
.]37فك ان ال نقص املتمث ل يف القابلي ة الكب رية للكف ر والنف اق واجله ل مرتتبً ا عل ى منطه م االجتم اعي وه و ك وهنم
أعراب ا ,فك ان الس بيل إىل معاجل ة ذل ك ال نقص ه و جت اوز ح ال الب داوة إىل التحض ر أو ,عل ى األق ل ,العم ل عل ى
معاجلة أسباب الكفر والنفاق واجلهل يف اجملتمعات البدوية.
فمن املقرر أن الشريعة ال تذكر التفاوت احلاصل ب ني البش ر م ن ب اب اللغ و أو ال رتف أو االس تخفاف .وعن د
النظر يف سياق حديث نقصان ال دين يظه ر أن ذك ر ه ذا ال نقص ل دى النس اء مل يك ن للس بب األول إذ مل يرتت ب
عليه أي متييز يف األحكام ,بل هو املرتتب على ذلك .وال يقال إنه رتب عل ى نقص ان العق ل متيي زا يف الش هادة ,إذ
املخاطب ات "بل ى" مم ا يش عر
أن ذل ك احلك م ك ان مق ررا يف الق رآن قب ل أن ي رد ه ذا احل ديث ,ب دليل ق ول النس اء َ
بعلمهن السابق هبذا احلكم .وإمنا جاء احلديث لبيان علة ذلك احلكم ,وال لريتب عليه حكما جديدا.
ومل يك ن ذك ر ه ذا ال نقص للس بب الث اين أو الثال ث ,ألن الن يب ك ان خياط ب نس اء ومل يك ن خياط ب
الرجال ,فال معىن لتذكريهن بنعمة اهلل على غريهن أو مبا جيب أن يعود به الرج ال عل يهن م ن الفض ل ال ذي ُمنح وه
دوهن ن .فل و ك ان س بب ذك ر ال نقص الت ذكري ب نعم اهلل أو الت ذكري مبس ؤولية الفض ل ال ذي جي ب أن يع اد بنفع ه عل ى
الضعيف لكان املناسب أن يذكر ذلك عند الرجال ال عند النساء.
ومل يك ن ورود ال نقص يف احل ديث عائ دا إىل الس بب الراب ع ,إذ أن ال نقص احلاص ل أو املتوق ع – أي نقص ان
ال دين – مرتت ب عل ى أم ر كتب ه اهلل عل يهن .فل م يب ق إال االحتم ال األخ ري ,وه و أن ه ذا ال نقص ال ذي ق د يرتت ب
على عامل َخلقي استوجب متييزا يف بعض األحكام مما جيب جتاوزه ومعاجلته .وهو ما يساعد علي ه الس ياق ,إذ أن
يوم ورود احلديث كان يوم عيد وكان املقام مقام وعظ وتذكري وحث على اخلريات.
فنقص الدين املذكور يف احلديث هو نقص يف الدين الظاهر ,أي يف بعض أسباب التقوى واإلميان ,وليس يف
أص ل اإلمي ان والتق وى ,وه ذا يع ين أن ذل ك ال نقص ال يرج ع إىل طبيع ة امل رأة أو خلقته ا ف ال س بيل هل ا إىل التغل ب
علي ه ,وإمن ا يرج ع إىل غي اب بع ض الوس ائل ال يت ميك ن تعويض ها بغريه ا م ن العب ادات ك أنواع األذك ار املتع ددة ال يت
ميكن للمرأة أن تواظب عليها يف مدة احليض ,أو السعي إىل التزود بالنوافل قبل مدة احليض إىل غري ذلك.
وم ن هن ا ج اء ه ذا احل ث النب وي متوجه ا إىل النس اء لتحفي زهن عل ى جت اوز نق ص مرتت ب عل ى أم ر بيول وجي
استوجب حكما شرعيا خاصا هب ن ,ح ىت ال يغفل ن ع ن أس باب الت دين بإمهاهل ا أثن اء م دة احل يض ,مم ا ق د ي ؤخرهن
عن الرجال يف الرقي الروحاين .ولذلك بادرهن النيب ببعض ما جيب التخلي عن الصالة من عبادات ,حيث قال
1
يف مطلع احلديث" :يا معشر النساء ,تصدقن وأكثرن االستغفار" .
وال يعين احلديث بأي وجه من الوجوه أن املرأة يف مدة احليض تنقطع عالقتها الروحانية ب اهلل انقطاع ا حمتوم ا
ال سبيل إىل استعادهتا إال بعد مدة احليض .وإذا كان األمر كذلك سقطت دعوى نقصان دين امل رأة نقص انا فطري ا
أو حمتوما.
وه ذا يس ري ك ذلك يف نقص ان عق ل امل رأة املش ار إلي ه يف احل ديث .ف ذكر ه ذا ال نقص مم ا يع ود ك ذلك إىل
السبب األخري املذكور ,أي النقص الذي ينبغي السعي إىل جتاوزه ومعاجلته .ذلك أن عل ة نق ص عق وهلن ال يت بيّنه ا
احل ديث ه و أن ش هادة امل رأة يف ال ديون – ألن احل ديث ال ينش ئ حكم ا جدي دا وإمن ا يش ري إىل احلك م الثاب ت يف
القرآن كما بينا من داللة جواب النساء بقوهلن "بلى" – على نصف شهادة الرجل .وسبب ذلك النقص مما ترت ب
على نقص اجتماعي متمثل يف أن النس اء أق ل اخنراط ا يف النش اط االقتص ادي ,فعن د حتمله ن الش هادة – واآلي ة مل
1
تتكلم عن أداء الش هادة أم ام القاض ي – ق د يط رأ عل يهن ض عف يف فه م املعامل ة ال يت يش هدن عليه ا ,فك ان م ن
املناسب أن تعضدها ثانية حىت حتمل الش هادة عل ى املعامل ة عل ى وجهه ا الص حيح ,وه و مم ا يش ري إلي ه قول ه تع اىل
أن تضاال إحااداهما فتااذكر إحااداهما األخاار [ البق رة .]828 :واملق رر يف عل م األص ول أن احلك م ي دور م ع
علت ه وج ودا وع دما ,ف إذا انتف ت عل ة احلك م بتنص يف ش هادة امل رأة يف ال ديون ,وه ي احتم ال ض الل امل رأة يف فه م
املع امالت املالي ة ,بفض ل اخنراطه ا االجتم اعي وعلمه ا حبقيق ة املع امالت ,انتف ى احلك م بتعض يد ش هادهتا بش اهدة
امرأة ثانية .فكم ا يف ذك ر البي ان النب وي لنقص ان ال دين ,ال ميك ن أن يع ود ذك ر نقص ان العق ل إىل األس باب األوىل
امل ذكورة ,وبق ي االحتم ال األخ ري ,أي ح ث النس اء عل ى جت اوز نقص ان العق ل ,أي نقص ان العل م ,املرتت ب عل ى
عامل اجتماعي.
الحيض واحتياجات المرأة الروحانية :
إذا كان الدين شامال جلميع وجوه احلياة اإلنس انية ,وج ب أن تك ون أحكام ه قاص دة إىل حف ظ يش مل مجي ع
2
خاص ة ال نفس كم ا ت وهم ال بعض .
هذه الوجوه ,إذ ميت ّد ذلك احلفظ إىل كل م ا لل دين في ه حك م وال يقتص ر عل ى ّ
فحفظ تدين املرأة أثناء فرتة احليض يكون حينئذ بكل ما وفره هلا الشرع من وس ائل الت دين .ب ل إن س قوط الص الة
والص وم ع ن امل رأة أثن اء احل يض يع د أيض ا حفظ ا لت دينها ألن "األحك ام ال يت ج اءت ملقص د حف ظ ال دين ج اءت
3
تتعلّ ق بتيس ري الت دين ودف ع العوائ ق دون ه يف مجي ع وج وه احلي اة" .ف إن الش ريعة راع ت خصوص ية وض ع امل رأة أثن اء
احليض وما يلحق هبا من أذى ,فأعفتها من بعض األحكام رفقا هب ا وتيس ريا هل ا .وإعف اء الش ريعة امل رأة م ن أمه ات
العب ادات كالص الة والص وم ال ي دل عل ى منعه ا م ن س ائر العب ادات احملض ة أثن اء احل يض ,إذ مل يغف ل الش ارع م ا
1ومن العجيب أن أغلب العلماء عمموا حكم تنصيف شهادة املرأة على التحمل واألداء وجتاوزوا به الديون إىل سائر القضايا ,بل منعوها من
الشهادة مطلقا يف كثري من القضايا باستثناء بعض القضايا املعدودة املتعلقة بالنساء.
2النجار ,عبد اجمليد ,مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة ,ص .25
3نفس املرجع والصفحة.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 372
تقتضيه إنسانيته ا من تلبية احتياجاهتا الروحانية يف سائر األحوال ,ألهنا تظل إنسانا رغم هذا الوضع الطارئ ,فهي
يف حاجة إىل ما يقوي جانبها الروحاين.
وه ذا مم ا يس توجب مراجع ة اآلراء املانع ة ل تالوة الق رآن أو ح ىت م س املص حف للح ائض ,وخاص ة م ع انع دام
الدليل الصريح على ذلك يف نصوص الشريعة ,وإمنا كان ذلك املنع مبنيا على اجته اد واس تنباط .وإذا ك ان إس قاط
الصالة والصوم عن املرأة أثناء احليض ال يعين إسقاط مقتضيات إنسانيتها ,فذلك يعين أهنا تظل يف حاجة ضرورية
إىل ما يقتضيه توازهنا النفسي من أداء بعض العبادات األخرى .والقول بعدم ج واز ت الوة الق رآن أو م س املص حف
فيه هتميش إلنسانية املرأة ,مما يوشك أن يلتحق بالتصورات السائدة يف اجلاهلية عن املرأة احلائض.
ومما يؤكد هذا ,أن علة إعفاء املرأة من الصالة والصوم خالل مدة احليض ليست النجاسة ,ب ل م ا يلحق ه هب ا
احليض من أذى نفسي وجسدي كما تقدم .وعند تتبع األحكام الشرعية املتعلقة بالصالة يتبني أن احلدث األصغر
واألكب ال يسقطان الصالة أبدا ,فاجلنب ومن به سلس بول أو ريح واملستحاضة ,ومن مل جيد ماء أو يتع ذر علي ه
اس تعماله اخل .ك ل ه ؤالء ال تس قط ع نهم الص الة ,ول و تع ذر عل يهم الت يمم ,مم ا يب ني أن احل دث والنجاس ة ال
يسقطان الصالة وال يسقطان العبادة .وإمنا الذي يسقط الصالة عن املرأة هو األذى الذي يصحب احل يض ,لك ن
ذلك األذى ال يسقط العبادة ,وال يوجد شيء ميكنه إسقاط العبادة أبدا.
فالش ريعة مل تس قط الص الة والص وم ع ن امل رأة أثن اء احل يض لنجاس ته ,ب ل رفق ا هب ا مل ا ق د تعاني ه م ن تغ ريات
جسدية ونفسية ,لكن مل تأمرها باجتناب العبادة .بل ترك الش رع للم رأة الفس حة ألداء العب ادات ال يت ال مش قة هل ا
فيها .وهذا يبني أن اختصاص امل رأة ب بعض األحك ام أثن اء م دة احل يض ال ي دل عل ى نق ص يف خلقته ا يرتت ب علي ه
نق ص يف الت دين ,وه ذا مم ا ي دل علي ه الوص ف الق رآين للح يض ,فكلم ة األذى تش ري إىل أن ذل ك أم ر خ ارج ع ن
خلقة املرأة كما سبق .ولقد أدى اجلهل حبقيقة احليض إىل تصورات خاطئة عانت وال زالت تعاين منه ا امل رأة .وم ن
هن ا ج اء اإلس الم لتص حيح املف اهيم ,ف ال ب د أن تق رأ النص وص وتس تنبط األحك ام يف ه ذا اإلط ار وباعتب ار ه ذه
اخلصوصيات من خالل فهم حقيقة احليض.
فاألحكام اخلاصة باملرأة راجعة إىل خلقتها البيولوجية وما قد يرتتب عليها من ظروف .فبتتبع األحكام املميزة
ب ني اجلنس ني أو اخلاص ة ب املرأة يتب ني أهن ا راجع ة خاص ة إىل طبيعته ا ال يت تؤهله ا ألداء وظيفته ا البيولوجي ة .ففه م
وظيفة املرأة البيولوجية أساسي لفهم التمييز يف األحكام بني املرأة والرجل ,وبالتايل لفهم حقيقة األنوثة.
خاتمة:
أكدت هذه الدراسة أن التمييز بني املرأة والرجل يف بعض األحكام الشرعية راجع باخلصوص إىل وظائفهما
املختلفة يف عملية التناسل وما عاد إىل ذلك من خصائص بيولوجية ونفسية .ومن مثة كان ولوج موضوع التمييز
بني اجلنسني يف األحكام الشرعية من هذا مدخل حموريا لفهم التفاوت واالختالف يف بعض األحكام الشرعية بني
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 373 جملة املدونة:
املرأة والرجل ولتحديد مفهوم األنوثة يف اإلسالم .ومفهوم األنوثة يف اإلسالم يتأسس حينئذ على مبدأين أساسني:
األصل الروحي اليت تتأسس عليه إنسانيتها أوال ,وتكوينها البيولوجي والنفسي واالجتماعي الذي حيدد أنوثتها
ثانيا .فيقتضي أي حتليل لألحكام املتعلقة بقضية املرأة استحضار األصل اإلنساين لألنوثة أوال ,مراعاةً
الحتياجات املرأة اإلنسانية والروحانية ,مما يبطل بقوة تلك التعليالت اليت ختتزهلا يف آلة جنس أو بضاعة متاجرة,
مما يتعارض مع مجلة من التعاليم الدينية .مث يقتضي ذلك النظر يف ما تتميز به األنوثة من خصوصية ,ألن البيان
الديين أوىل أمهية ملا يتميز به اجلنسان من خصائص جبانب التأكيد على اشرتاكهما يف أصل اإلنسانية .وإن كانت
مؤهالت املرأة اجلسدية يف املنظور اإلسالمي مما حيدد وظيفة املرأة الطبيعية ,إال أن ذلك املسري البيولوجي ال حيدد
إال جزءا من وظيفة املرأة يف احلياة وال يشملها .ومن هنا فإن مهمة املرأة يف املنظور اإلسالمي تتعلق بدورها يف
اخللية األسرية واحلياة االجتماعية معا ,وكثريا ما أمهل هذا البعد األخري يف القراءات الكالسيكية املتعلقة بقضية
املرأة.
وإن كان حفظ إنسانية اإلنسان يتحقق من بني ما يتحقق به حبفظ ذكورة الذكر وأنوثة األنثى ,فإن حفظ
األنوثة تتحقق من بني ما تتحقق به حبفظ ما يؤهلها حلمل احلياة.
كما أكدت الدراسة أمهية النظر يف األحكام اجلزئية يف إطار مبادئ ومقاصد اإلسالم الكلية ,ألن هذه
متألفة من تلك ,وتلك ال تنضبط إال هبذه .فإن كثريا من هذه املبادئ العامة راجعة اىل استقراء األحكام اجلزئية
ومتكونة من مجلتها ,ف "كما أن من أخذ باجلزئي معرضاً عن كليّه فهو خمطئ ,كذلك من أخذ بالكلي معرضاً عن
2 1
جزئيه" كما يقول اإلمام الشاطيب .وهنا يكمن خطأ االجتاه احلداثي ,حيث إنه ال يسعى إىل تعريف اإلسالم
بالبحث عن مفاهيمه ورؤيته للعامل من خالل مبادئه وأحكامه ومقاصده ,وإمنا املقصود لديهم هو إخضاع كل
ذلك إىل احلداثة وذوق العصر وقيم الغرب .مما جعلهم يثورون على جل األحكام اليت فيها متييز بني الذكر واألنثى
ويقولون بتارخييتها ويدعون إىل جتاوزها إىل مقاصدها .إال أنه فاهتم أن اإلسالم منظومة متكاملة تتكون مقاصدها
من جزئياهتا وتنضبط جزئياهتا بكلياهتا .ومن هنا تظهر أمهية دراسة األحكام الشرعية اليت تتضمن متييزا بني الرجل
واملرأة حىت يتبني من خالهلا موقف اإلسالم من الفروق البيولوجية بينهما واليت قلصت يف هذا العصر ومهشت يف
عملية حتديد مفهوم األنوثة.
إن هذه الدراسة أكدت إعادة االعتبار واألولوية للنصوص املساوية تسوية مطلقة بني املرأة والرجل ألهنا هي
الغالبة ,ملا يتمتعان به من أصل مشرتك مينح هلما مساواة يف اإلنسانية .إال أن النصوص املشتملة على تفريق تراعي
خصوصية كل منهما كذكر وأنثى ,فال بد من اعتبارها من أجل االقرتاب إىل القسط .فإن عاقبة اهلوس
خبصوصياهتما أو باملساواة املطلقة ظلم املرأة ال حمالة.
1الشاطيب ,أبو إسحاق إبراهيم ,املوافقات ,القاهرة ,دار ابن عفان ,ط 1417 ,1ه1337/م ,ج ,9ص .2
2املقصود باحلداثيني هم الذين يثورون على القوالب التقليدية املألوفة واملتوارثة ويؤمنون "بضرورة حتقيق قطعية معرفية مع املاضي كشرط لتحقيق
احلداثة " مما أدى هبم إىل "احتقار الرتاث ,مث الوصول بالتبعية الثقافية للغرب إىل أبعد نقطة فيه " .محودة ,عبد العزيز ,املرايا املقعرة ,الكويت,
مطابع الوطن1488 ,ه8551/م ,ص .97-92
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 374
وعليه نرى أن التأصيل املنهجي املمكن من مراعاة الطبيعة املشرتكة واخلصوصيات املميزة عند قراءة النصوص
الشرعية وصياغة املفاهيم والتعاطي مع التحديات املتعلقة باألنوثة والذكورة هو السبيل السالك يف ضمان ازدهار
الكائن األنثوي وفق املنظور اإلسالمي يف زمن باتت هوية كل من اجلنسني مهددة بالتمويه.
ثبت المصادر والمراجع
الس ِج ْستاين ,سنن أيب داود ,بريوت ,املكتبة العصرية ,بدون تاريخ.
.1أبو داود ,سليمان ِّ
.8أبو شقة ,عبد احلليم ,حترير املرأة يف عصر الرسالة ,القاهرة ,دار القلم ,ط 1498 ,7ه8511/م.
األغر ,كرمي جنيب ,إعجاز القرآن فيما ختفيه األرحام ,بريوت ,دار املعرفة ,ط 1485 ,1ه8555/م.
ّ .9
.4ابن حنبل ,أمحد بن حممد ,مسند اإلمام أمحد بن حنبل ,بريوت ,مؤسسة الرسالة ,ط 1481 ,1ه 8551/م.
.5البار ,حممد علي ,خلق اإلنسان بني الطب والقرآن ,جدة ,الدار السعودية للنشر والتوزيع ,ط ,4
1459ه1329/م.
.2البخاري ,حممد بن إمساعيل ,صحيح البخاري ,بريوت ,دار طوق ,ط 1488 ,1ه.
.7بلتاجي ,حممد ,مكانة املرأة يف القرآن والسنة الصحيحة ,القاهرة ,دار السالم ,ط 1485 ,1ه8555/م.
.2ابن عاشور ,حممد الطاهر ,مقاصد الشريعة اإلسالمية ,الشركة التونسية للتوزيع ,تونس ,ط 1322 ,9م.
.3بن عبد السالم ,عز الدين عبد العزيز ,قواعد األحكام يف مصاحل األنام ,القاهرة ,مكتب الكليات األزهرية,
1414ه1331/م.
.15ابن العريب ,القاضي أبو بكر ,أحكام القرآن ,بريوت ,دار الكتب العلمية ,ط 1484 ,9ه 8559/م.
.11ابن قيم اجلوزية ,حممد مشس الدين ,روضة احملبني ونزهة املشتاقني ,بريوت ,دار الكتب العلمية,
1459ه1329/م.
.18البغوي ,احلسني بن مسعود ,معامل التنزيل يف تفسري القرآن ,الرياض ,دار طيبة ,ط 1417 ,4ه 1337/م.
.19ابن كثري ,أبو الفداء إمساعيل بن عمر ,تفسري القرآن العظيم ,الرياض ,دار طيبة ,ط 1485 ,8ه 1333/م,
.14ابن منظور ,حممد أبو الفضل ,لسان العرب ,بريوت ,دار صادر ,ط 1414 ,9ه.
.15البيضاوي ,ناصر الدين أبو سعيد ,أنوار التنزيل وأسرار التأويل ,بريوت ,دار إحياء الرتاث العريب ,ط ,1
1412ه.
.12الرازي ,فخر الدين ,التفسري الكبري ,بريوت ,دار إحياء الرتاث العريب ,ط 1485 ,9ه.
.17رضا ,حممد رشيد ,تفسري املنار ,القاهرة ,اهليئة املصرية العامة للكتاب1335 ,م.
.12رؤوف عزت ,هبة ,والسعداوي ,نوال ,املرأة والدين واألخالق ,بريوت ,دار الفكر املعاصر ,ط 8555 ,1م.
.13السمرقندي ,نصر بن حممد ,حبر العلوم ,بريوت ,دار الكتب العلمية ,بدون تاريخ.
.85الشاطيب ,أبو إسحاق إبراهيم ,املوافقات ,القاهرة ,دار ابن عفان ,ط 1417 ,1ه1337/م.
.81الطبي ,حممد بن جرير أبو جعفر ,جامع البيان يف تأويل القرآن ,بريوت ,مؤسسة الرسالة ,ط ,1
1485ه8555/م.
375 م1058 يناير/هـ5341 ربيع اآلخر،51 العدد،السنة الرابعة :جملة املدونة
. بدون تاريخ, مكتب مدبويل, القاهرة, مهوم املرأة, مرفت, عبد الناصر.88
. بدون تاريخ, دار العروبة, القاهرة, ما يقال عن اإلسالم, عباس حممود, العقاد.89
. بدون تاريخ, دار هنضة, القاهرة, الفلسفة القرآنية, عباس حممود, العقاد.84
.م1337 , مطبعة الكيالين, جنني, املرأة منذ النشأة بني التحرمي والتكرمي, أمحد, غنيم.85
.م8555/ه1482 ,11 ط, دار القلم للرتاث, الكويت, فتاوى معاصرة, يوسف, القرضاوي.82
.م8552 ,1 ط, دار الغرب اإلسالمي, بريوت, مقاصد الشريعة بأبعاد جديدة, عبد اجمليد, النجار.87
,9 ط, املعهد العاملي للفكر اإلسالمي,فريجينيا- هريند, خالفة اإلنسان بني الوحي والعقل, عبد اجمليد, النجار.82
.م8555
. بدون تاريخ, دار إحياء الرتاث العريب, بريوت, صحيح مسلم, مسلم بن احلجاج, النيسابوري.83
30. ALI, Zahra, Féminismes Islamiques, Paris, La Fabrique, 2012, p 23-24.
31. AUDOUARD, Céline, Histoire de règles Entre religion et médecine, Take back
the night !, CEFA, 2010.
32. BONNET-CARBONELL, Jocelyne, La terre des femmes et ses magies, Robert
Laffont, coll. « Les hommes et l’histoire » ,1988.
33. BRODEUR, Violette et all., Le mouvement des femmes au Québec, Etude des
groupes montréalais et nationaux, Montréal, Centre de formation populaire, 1982.
34. DE BEAUVOIR, Simone, Le deuxième sexe, Tome 1. Paris, Gallimard, coll.
«Follio », 1986.
35. FOUQUET, Catherine, Clio, histoire, femmes et sociétés, Guerres civiles Issue
5, revue publiée avec le concours du centre National du livre et du laboratoire Sociétés
Occidentales (département d’histoire) Presses Universitaires du Mirail, 1997.
36. FREUD, Sigmund, Trois Essais sur la théorie de la Sexualité, Gallimard, coll.
«Folio essais », 1989.
37. HERITIER, Françoise, (dir), Homme et femme : la construction de la différence,
Paris, Le Pommier et Universcience éditions, 2010.
38. LE NAOUR, Jean-Yves, VALENTI, Catherine, Du sang et des femmes, Histoire
médicale de la menstruation à la Belle Époque, [On line] Clio, France, numéro 14/2001,
mis en ligne le 08 février 2005. [Visité le 17/05/2014] adresse du site :
http://clio.revues.org/114 ; DOI : 10.4000/clio.114
39. O’REILLY, Andrea, Matricentric Feminism: Theory, Activism, Practice,
Demeter Press, 2016.
40. PHILIBERT ADELON, Nicolas, Physiologie de l’homme, A Paris, chez
compère, jeune libraire éditeur, 1823, p 26, Tome 1.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 376
Abstract:
The subject of freedom of belief is a controversial topic and has been
presented by its artists on the scene today, especially after some parties had
joined forces on the charges of stalemate, backwardness, infidelity,
backwardness and bad faith, and the abuse of Islam and loyalty to it. , And
the purposes of legitimacy of the development of this freedom, and the
general controls for this matter because the opening of the unregulated
domain may the cause the death of communities and one of the most
degenerate disputes that have taken place between the scientists are the
freedom of belief, and what is attached to the application of the limits of
legitimacy, especially in our time.
مقدمة:
احلمد هلل الذي تفرد يف أزليته بعز كبيائه ,وتوحد يف صمديته بدوام بقائه ,ونور مبعرفته قلوب أوليائه ,وطيب
أسرار القاصدين بطيب ثنائه ,وأسبغ على الكافة جزيل عطائه ,وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا حممداً عبد اهلل
فج َم َع
ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه خامت أنبيائه ,وسيد أصفيائه ,املخصوص باملقام احملمود ,يف اليوم املشهودَ ,
األنبياء حتت لوائه اللهم صل عليه وعلى آله وعن الصحابة أمجعني وعن تابعيهم بإحسان إىل يوم الدين ,أما بعد:
ف أكثر النوازل اليت دارت رحى اخلالف بني العلماء فيها هي حرية االعتقاد ,وما تعلق جبانب تطبيق احلدود
الشرعية خاصة يف زماننا احلاضر ,فقد كثر اجلدل وألقى بأفنانه على الساحة اليوم فيما تعلق هبذا املوضوع اهلام
اشقت أطراف بتهم اجلمود والتسيب والرجعية والكفر ,والتخلف وسوء النية ,واإلساءة جدا ,خاصةً بعد أن تر ْ
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 377 جملة املدونة:
األمة الدواء,
أعجز الداء ّ
ضاقت باحلياد األرض مبا رحبت فالكل براء ,والكل متهم .و َ ْ لإلسالم والكيد له ,حىت
حجة اإلنصاف؛ إيغاالً يف االبتعاد عن عقلنة جدالنا, فحضر الشهود إال شاهد العقل ,واستحضرت احلجج إال ّ
وتنظيم اختالفاتنا وفق اإلطار العام للحوار مع مراعاة األولويات واعتبار املآالت من كل خالف ,وحتسني نياتنا
وإراداتنا ,على الرغم من أن قصدنا مجيعاً هو طاعة اهلل ورسوله صلى اهلل عليه وسلم إىل أن الطرق ختتلف وقد
تضر أكثر مما تنفع يف كثري من احلاالت.
أ .أمهية املوضوع:
هذا املوضوع ال نتحدث فيها عن العقيدة أو الولوج يف تفاصيلها ,وإمنا مرتع حبثنا هو يف حرية التدين وما
طرحته بني الفقهاء والعلماء من خالف فقهي ,وما ترتب على هذه االختالفات من أمور أخرى كتطبيق حد
الردة ,الذي هو أحد احلدود الشرعية اليت كانت مكمن اخلالف بني الفقهاء املتقدمني واملتأخرين ,خاصة من يرى
أهنا من اجلُُرم السياسية اليت تعد خروجا عن نظام الدولة وحماربة اإلسالم وأهله ,وقد أتى عنوان هذا املقال كإيغال
يف هذا املوضوع اجلد هام وقد عنواناه ب " حرية االعتقاد وأثرها يف التعددية الدينية يف اإلسالم" .
وإن موضوع حرية االعتقاد ,موضوع هام يف الغاية وهو كذلك يف شدة اخلطورة ,إذ أنه اآلن يف عامل حتكمه
النظم واملواثيق واملعاهدات الدولية ,اليت تنص على حرية التدين ,فأي فعل اجتاه هذا امليثاق الذي نص عليه
اإلسالم أوال ,وأقرته اهليئات ثانيا ,هو يعكس جوانبا مهمة يف حياة اجملتمعات ونظرهتا إىل الديانات األخرى,
نفس األمر فيما يتعلق حبد الردة ,الذي هوجم بشراسة من كثري من اجلهات حبجة أنه حد مناف حلرية املعتقد,
فاإلكراه ال ينتج دينا واإلكراه والدين ال جيتمعان أبدا واإلسالم دين قام على االختيار ومل يقم على اإلكراه أبدا,
عظيما يهدد الوجود املعنوي لألمة ,ويقوض أساس اجملتمع خطرا ً فهذا البحث حول موضوع الردة باعتبارها ً
ويعرضه للتفكك واالنكسار ,وبيان نظرة أهل العلم يف فهم النصوص اليت تكلمت يف الردة وحرية االعتقاد
والتوفيق بينهما.
ب .أسباب اختيار البحث:
وقد رأينا أن هناك مجلة من الدواعي والبواعث إىل اختيار هذا املوضوع ,ميكن إجيازها فيما يلي:
.1دعوة اإلسالم إىل احرتام العقائد وحرية معتنقيها دون محل سيف اإلكراه على رقاهبم وكونه دينا عامليا
يقوم على أساس احملبة والسالم ,وإلزام منه ألتباعه مبعاشرة أهل امللل األخرى باملعروف واحلسىن ,وذلك من خالل
النصوص الق رآنية واألحاديث الشريفة وأفعاله وأفعال أصحابه خري دليل.
.8من أهم خصائص الشريعة أهنا مرنة مع متغريات الواقع وفتاويها تتغري باختالف الزمان واملكان وتراعي
املصلحة وتدرأ املفسدة ,وجتلب اليسر ومتنع املشقة أينما حلت؛ فحرية االعتقادمم ا أقره الشرع ,واحلكمة من تشريع
وتطهري للعبد يف حفظ دينه الذي هو أحد الكليات اخلمس يف ٌ احلدود كحد الردة مثال هي حصانة اجملتمعات
الشريعة.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 378
.9احلرية الدينية عانت الشيء الكثري يف التاريخ ,وواجهت صعوبات مجة ,وسدوداً منيعة وكانت حموراً
حلروب دينية طاحنة يف العامل ,فرؤية ديننا احلنيف حنو هذا األمر وما يرتتب عليه من قضايا خاصة يف الواقع
املعاصر رؤية تتغري مراعية يف ذلك الزمان والظرف واملقصد.
اشكالية البحث: ت.
وإن املتتبع هلذا املوضوع يرى أن اختالف علماء الكالم يف مفهوم احلرية كان منذ القدم خاصة املعتزلة
واألشاعرة مع مدرسة احلنابلة ,حيث انتقل اخلالف من مفهوم فلسفي إىل مفهوم دخل يف الفقه وأحدث فيه
كل برأيه ودليله ...ومع تطور احلضارة وحاجة الن اس إىل تكييف شرعي يواكب هذا التغري اختالفا بني مدارسهم ٌ
كان لزاما على أهل العلم استقراء األحكام ومقاصدها لفهم أعمق لنوازل تطرأ على اجملتمعات العربية واإلسالمية
عامة ولألقليات خاصة ,واإلشكالية اليت نود معاجلتها يف هذا املقال:
.1م ا هي حرية االعتقاد ,وكيف نظر الشريعة هلا وهل من رؤى أخرى حول هذه القضية يف الواقع
احلايل؟.
.8وهل توجد أثار حلرية املعتقد يف الفقه أم ال ؟ ,وهل هلا تأثري يف مسائل احلدود؟.
ذ -املنهج املعت مد يف البحث:
اعتمدنا يف هذا البحث بعون من اهلل على مجلة من املناهج ,وجعلنا أساسها املنهج االستقرائي ملا للمسألة
من أبعاد وبواعث ,كما سنوظف املنهج االستداليل من الناحية التشريعية والتأصيلية.
وقد جعلنا هذه الدراسة لبيان املسألة وأبع ادها وما تفرزه من قضايا تتعلق بالسياسة الشرعية واملقاصد
واحلدود وقد ضمنا خطة املقال ما يلي:
مقدمة.
املبحث األول :مفهوم احلرية الدينية [ حرية االعتقاد].
املطلب األول:مفهوم احلرية لغة واصطالح ا.
املطلب الثاين :مفهوم االعتقاد لغة واصطالح ا مع بيان الصحيح من غريه.
املطلب الثالث:التعددية الدينية يف اإلس الم وضوابطها.
املبحث الثاين :موقف الدين اإلسالم ي من حرية االعتقاد.
املطلب األول:موقف الق رآن الكرمي من حرية االعتقاد.
املطلب الثاين :موقف السنة النب وية من ح رية االعتقاد.
املطلب الثالث :موقف الصح ابة رضي اهلل عنهم من ح رية االعتقاد.
املبحث الثالث :التعددية الدينية يف اإلسالم.
املطلب األول :احرتام دور العبادة.
املطلب الثاين :احرتام التعددية الدينية يف الفقه االسالمي.
املطلب الثالث :املقاصد الشرعية من احرتام حرية االعتقاد.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 379 جملة املدونة:
- 1ابن منظور ,لسان العرب (مادة ح .ر .ر) ,دار صادر ,ط ,59بريوت ,سنة 1359م ,ج ,54ص .172
- 2لسان العرب ( مادة ع.ت.ق) ,ج ,15ص.849
- 3حمي الدين النووي ,شرح صحيح مسلم ( ,)1515دار إحياء الرتاث ,ط ,58بريوت ,سنة 1378م,ج ,15ص.158
- 4جممع اللغة العربية بالقاهرة ,املعجم الوسيط ,دار الدعوة ,ب.ط.ت ,القاهرة,ج ,51ص.125
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 381
قدرة واستطاعة على العمل أو اإلقناع فيه ,دون ضغط خارجي ودون الوقوع حتت تأثري قوة أجنبية عنه ,فاحلرية
قدرة ,وحق لإلنسان جتاه أخيه اإلنسان من جهة ,ومبا يصدر عنه باختياره من جهة أخرى) .1
وقد فسر كثري منهم احلرية أسوأ تفسري وأولوها على معىن امتثال داعية اهلوى ,بإطالق وتنفيذ اإلرادة حىت
حق ثابت فال يعرتيه منازع ,وكثري منهم ال يتصور هلا معىن سوى
مس غريه بأذى ,أو حجب على أحد له ّ وإن ّ
حق يبيح
محل السالح حتت لواء القوة ,وإعمال هذا السالح يف اغتصاب أي شيء أو خييل للبعض أ ّن للحرية ّ
من سوء وهجاء وأوصاف شائنة فجعلوا مفهومها االنطالق بال قيود أو عوائق.2
المطلب الثاني :مفهوم االعتقاد لغة واصطالحاا مع بيان الصحيح من غيره.
-الفرل األول :من ناحية اللغة:
أتى يف املعجم الوسيط ( :من عقد قلبه على الشيء لزمه ,والعقيد :احلكم الذي ال يقبل الشك فيه لدى
معتقده والعقيدة يف الدين ما يقصد به االعتقاد دون العمل ,كعقيدة وجود اهلل وبعثه الرسل ,ومجعها عقائد
.3
واالعتقاد من اعتقد الشيء صدق وثبت واشتد وصلب ,واعتقد فالن األمر :صدقه وعقد عليه قلبه وضمريه)
ويقال ( :عقد فالن اليمني ,إذا وكدها ...و َ
الع ْقدَ :عقد طاق الْبناءَ ,ومجعه ُعقودَ ,وقد عقَّده البنَّاءُ تعقيداً.
احلَبل ُع ْقدةَ ,وِمْنه ُعقدة النِّ َكاح) .4
الع ْقد من ْ ِ
َوَم ْوضع َ
-الفرل الثاني من ناحية االصطالح:
هي األمور اليت جيب أن يصدق هبا القلب ,وتطمئن إليها النفس؛ حىت تكون يقيناً ثابتاً ال ميازجها ريب,
وال خيالطها شك .أي ( :اإلميان اجلازم الذي ال يتطرق إليه شك لدى معتقده وجيب أن يكون مطابقاً للواقع ,ال
يقبل شكاً وال ظنا؛ فإن مل يصل العلم إىل درجة اليقني اجلازم ال يسمى عقيدة ومسيت عقيدة؛ ألن اإلنسان يعقد
عليها قلبه ). 5
وباملفهوم اإلسالمي فإن مصطلح حرية االعتقاد مصطلح جديد وافد كغريه من مصطلحات احلضارة احلالية
وما أفرزته على الواقع املعاش؛ وقد عقدت ندوتان عن احلقوق يف اإلسالم باجملمع امللكي لبحوث احلضارة
اإلسالمية الذي قامت به مؤسسة آل البيت باألردن عام 1419ه ,فعرفوا حرية االعتقاد أهنا ( :تعين حق
- 1وهبة الزحيلي ,حقوق اإلنسان يف اإلسالم ,دار الكلم الطيب ,ط ,58دمشق1337 ,م ,ص .53
- 2حممد اخلضر حسني ,احلرية يف اإلسالم ,دار اإلعتصام ,د.ط.ت ,القاهرة ,ص.12 ,17
- 3املعجم الوسيط ,ج ,58ص .214
- 4حممد بن أمحد بن األزهري اهلروي ,هتذيب اللغة ,حتقيق :حممد عوض مرعب ,دار إحياء الرتاث ,ط ,51بريوت ,سنة 8551م ج,51
ص.194 -199
- 5عبد اهلل بن عبد احلميد األثري ,الوجيز يف عقيدة السلف ,مراجعة ودراسة :صاحل بن عبد العزيز آل الشيخ ,وزارة الشؤون اإلسالمية
واألوقاف والدعوة واإلرشاد ,ط ,51السعودية ,سنة 8551م ,ص.84
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 381 جملة املدونة:
اإلنسان يف اعتقاد أي دين أو مبدأ مييل إىل االعتقاد به وتصديق أسسه وعدم إجباره على اعتقاد ما خيالفه,
بشرط أن ال تكون اجملاهرة به سببا للمس باحلريات اآلخرين أو اإلس اءة إليهم).1
والذي يرى ويالحظ أن حرية االعتقاد تنطلق من قاعدة "ال إكراه يف الدين" بوصفها "قاعدة شرعية وعقلية
كلية" ال جيوز القول مبا يضادها أو يصادمها كلياً أو جزئياً ,ابتداءً أو إبقاءً ,أي لدخول اإلسالم أو البقاء عليه,
وهذا للتأكيد على أن الشريعة السمحاء ال ومل تقم على مبدأ اإلكراه ألنه ال يُنتج ديناً ,وإمنا نفاقاً وكذباً وخداعاً.
المطلب الثالث:التعددية الدينية في اإلساالم وضوابطها.
أقر النيب صلى اهلل ُّديَّة الدينية ,وقد جاء ذلك تطبي ًقا عملياا حني َّ إن إقرار احلرية الدينية يعين االعرتاف بالتَّعد ِ
َ
عليه وسلم احلرية الدينية يف َّأول دستور للمدينة ,وذلك حينما اعرتف لليهود بأهنم يُ َش ِّكلُون مع املسلمني أ َُّمةً
متكنه يشا على اعتناق اإلسالم رغم ُّ أيضا يف فتح مكة حني مل ُْجيِ ِب الرسول صلى اهلل عليه وسلم قر ً واحدة ,و ً
وانتصاره ,ومن هنا نرى كيف راعى الشرع ومحى احلريات الشخصية والدينية ألن ذلك من أساسيات شرعنا
احلنيف ,كيف ال ورسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول يف حديث قاصدا عدم التدخل يف اآلخر وإعطائه حريته
لكونه عاملا باجلوهر األديب الكامن وراء هذا :فيما يرويه أبو سلمة ,عن أيب هريرة أنه صلى اهلل عليه وسلم قال:
« ِم ْن ُح ْس ِن إِ ْس َالِم املْرِء تَ ْرُكهُ َما َال يَ ْعنِ ِيه»2؛ أي ضمان احرتام حرية اآلخر وتركه إال فيما أحلقه بضرر فذاك فيه
َ
كالم.
( فالشرع وجيد الذي ميعن النظر يف الفصول القرآنية املكية واملدنية دالئل حامسة على ذلك.
اإلسالمي قرر احلرية الدينية والدعوة إىل سبيل اهلل باحلكمة واملوعظة احلسنة ,ولكنه قرر كذلك حق املسلمني يف
الدفاع واالنتصار من البغي ,وأوجب الوقوف من الظامل موقف الشدة باملقابلة ) ,3كما أن الشيخ وهبة الزحيلي
ال َر ُج ٌل ُّم ْؤِم ٌن ِّم ْن ِآل
« َوقَ َ عز من قائل: -رمحه اهلل – عند تفسريه آليات من سورة غافر يف قوله َّ
ات ِمن َّربِّ ُك ْم » غافر ,]82[ :فقد كان ول رِّيب اللَّه وقَ ْد جاء ُكم بِالْب يِّ نَ ِ ِ ِ
َ فْر َع ْو َن يَكْتُ ُم إميَانَهُ أَتَ ْقتُلُو َن َر ُج ًال أَن يَ ُق َ َ َ ُ َ َ َ
يسرد من كل تفسري لآلية ما فيها للحياة ولألحكام ومما كتبه يف تفسري اآلية الكرمية ( :ال مسوغ إلنسان مهما
كان أن يعتدي على احلرية الدينية ويصادرها ,فكيف يصح أن يقتل رجال ال جرم له إال أنه يقول :ريب اهلل؟ ) . 4
- 1صاحل بن درباش بن موسى الزهراين ,مقال :حرية االعتقاد يف اإلسالم ,جملة التأصيل احملكمة للدراسات االسالمية ,العدد 52:سنة
8518م ,ص ,32بتصرف.
- 2أخرجه الرتمذي ( ,) 8917حتقيق وتعليق:أمحد حممد شاكر ,حممد فؤاد عبد الباقي ,مكتبة ومطبعة مصطفى البايب احلليب ,ط 58مصر,
سنة 1375م ,ج ,54ص [ .552مع كون احلديث غريبا كما قال الرتمذي يف سنن ه من نفس الصفحة ].
- 3حممد عزت دروزة ,التفسري احلديث ,دار إحياء الكتب العربية ,د.ط ,القاهرة ,سنة 1327م ,ج ,51ص 52بتصرف.
- 4وهبة بن مصطفى الزحيلي ,التفسري املنري يف العقيدة والشريعة واملنهج ,دار الفكر املعاصر ,ط ,58دمشق ,سنة 1332م ,ج,84
ص.112
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 382
وقد جعل اإلسالم للذمي واملستأمن 1حقهما يف ممارسة احلرية الدينية ,يقول الدكتور عبد العزيز بن مبوك
األمحدي ( :يتمتع املستأمن حبق احلرية الدينية فليس ألحد من املسلمني التعرض له وملا يدين به ,ألن األصل
املقرر يف اإلسالم « ال إِ ْكَر َاه ِيف الدِّي ِن » البقرة ,]852[ :ولكن ينبغي أن يبني له أن اإلسالم هو الدين احلق,
والذي جيب على مجيع البشرية اعتناقه ألن من احلِ َكم اليت من أجلها أبيح عقد األمان له هو االطالع على
حماسن اإلسالم وعدالته ومن مث دخوله فيه.والدولة اإلسالمية ال تكره الذمي وهو من رعاياها على تغيري دينه,
فمن باب أوىل أن ال تكره املستأمن وهو أجنيب عنها ).2
- 1بكسر امليم هو الطالب لألمان ,وبالفتح مبعىن اسم املفعول أي صار آمنًا ومأمونًا ...وهذا األمان الذي يعطى للمستأمن أمان مؤقت
خبالف األمان الذي يعطى ألهل الذمة فهو أمان مؤبد ما التزموا بشروط العقد ,خبالف أمان املستأمن فهو أمان يلزم حتديده مبدة زمنية معينة,
وينعقد األمان حبق املستأمن بكل لفظ يفيد ذلك املعىن سواء كان صرحيًا أو كتابة ,كما ينعقد بالكتابة والرسالة واإلشارة وحنو ذلك .ينظر [
ابن قدامة املقدسي ,املغ ين ,مكتبة القاهرة ب.ط.ت ,القاهرة ,سنة 1322م ج ,52ص.]937
- 2عبد العزيز بن مبوك األمحدي ,اختال ف الدارين وآثاره يف أحكام الشريعة اإلسالمية ,عمادة البحث العلمي باجلامعة اإلسالمية املدينة
املنورة( ,أصل الكتاب رسالة دكتوراه) ,ط ,51اململكة العربية السعودية ,سنة 8554م ,ص .885-884
- 3أبو حممد عبد الرمحن بن املنذر التميمي ,تفسري القرآن العظيم البن أيب حامت ,حتقيق :أسعد حممد الطيب ,مكتبة نزار مصطفى الباز,
ط ,59اململكة العربية السعودية ,سنة 1333م ,ج ,54ص.1158
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 383 جملة املدونة:
[ ,]39أي :على دين واحد ,وهو اإلسالم ...واآلية صرحية يف الرد على القدرية ,وحقيقة املعىن أين ال أسأل
عما أفعل من اإلضالل واهلداية ,وأنتم تسألون عما تعملون من اخلري والشر.1
وهناك آيات كثر تتحدث عن حكمة االختالف بني البشر يف خمتلف جماالهتا بداية من اختالف األلسن
واللهجات واأللوان إىل اختالف اآلراء واألفكار والديانات والعقائد ,لتستمر السنة اليت أراد اهلل بقاءها يف كونه
حىت من تعاقب الليل والنه ار ,واختالف املطالع واملشارق واملغارب واختالف األحوال من سقم وعافية وغىن وفقر
وصعود ونزول ومد وجزر.
-الفرل األول :غاية الجهاد وأهدافه في اإلسالم:
الناس على اعتناقه عقيدةً ,وإمنا جاهد وحارب وناضل أوالً :ليدفع عن إن اإلسالم مل حيمل سيفه ليُكره َ
املؤمنني األذى والفتنة اليت كانوا يُ َساموهنا ,وثانياً :إلزالة العقبات من طريق إبالغ الدعوة للناس كافة ,كإزالة النُّظُم
تصد الناس عن االستماع إىل اهلدى وتفتنهم عنه وثالثاً ( :ليقيم نظاماً عادالً آمناً يعيش أصحاب الطاغوتية اليت ُّ
العقائد يف كنفه ,خاضعني له وإن مل يعتنقوا عقيدته ).2
فالشرع يرى أن اجلهاد هو دفاع عن بيضة اإلسالم والذب عن حياضه من كل عدو وسوء قد يغدر به ,قال
ِ ين يُ َقاتِلُونَ ُك ْم َوال تَ ْعتَ ُدوا إِ َّن اللَّهَ ال ُِحي ُّ ِ ِ ِ ِ َّ ِ
ين » البقرة ,]135[ :فاجلهاد ب الْ ُم ْعتَد َ تعاىلَ « :وقَاتلُوا يف َسب ِيل اللَّه الذ َ
حيرتم احلرية الدينية فال إكراه يف الفتوى فما بالك يف اإلكراه يف الدين ,لذا ملا سئل عبد الرمحن بن القاسم ":هل
كان مالك يأمر بالدعوة قبل القتال؟" قال ( :نعم كان يقول ال أرى أن يقاتل املشركون حىت يدعوا ).3
ومن السنة النبوية الشريفة عن عن أيب سعيد اخلدري ,قال :قال رجل :يا رسول اهلل أي الناس أفضل؟؛
اه ٌد بِنَ ْف ِس ِه َوَمالِِه ِيف َسبِ ِيل اهللِ » ,4و عن أيب مالك األشعري قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه قال « :مؤِمن ُجم ِ
ُْ ٌ َ
ِ ٍ ِِ وسلم « :إِ َّن اللَّه أ ِ ِ ِ
الس َماء َو ْاأل َْر ِ
ضَ ,ولَ ْو َكا َن ني َّ ني َما بَ ْ َ َ ين ِيف َسبِ ِيل اللَّه مائَةَ َد َر َجة ,بَ ْ َ
ني ُك ِّل َدر َجتَ ْ ِ
َع َّد لْل ُم َجاهد َ
َ َ
ِ ِ ِ ِ ِ ِ
ت َس ِريَّةٌ إَِّال ُكْن ُ ني ,أ َْو بِأَيْدي ِه ْم َما يَتَ َق َّوْو َن َما انْطَلَ َق ْ
ِيف يَدي َما أَتَ َق َّوى بِهَ ,وأُقَ ِّوي الْ ُم ْسلم َ
5
صاحبَ َها» . ت َ
وقد يسأل آخر :فلماذا شرعت اجلزية إذن إذا كان الغاية من اجلهاد هي الدفاع عن حياض الشريعة ومل يأت
باإلكراه أبدا على محل البشرية ما ال تطيق؟.
- 1أبو املظفر السمعاين ,تفسري القرآن ,احملقق :ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم ,دار الوطن ,ط ,51الرياض ,سنة 1337م,
ج ,59ص.132
- 2السيد قطب ,يف ظالل القرآن ,دار الشروق ,ط ,17القاهرة ,سنة 1339م ,ص.835
- 3والنص يف ذلك طويل ومن التكملة فيه ":وكيف الدعوة يف قول مالك؟؛ قال :مل أمسع من مالك فيها شيئا ,ولكن ندعوهم إىل اهلل
ورسوله فيسلموا أو يعطوا اجلزية" ينظر [ :املدونة ,ج ,51ص ,432بتصرف].
- 4أخرجه البخاري ( ,) 8722باب :أفضل الناس مؤمن جماهد بنفسه وماله يف سبيل اهلل ,ج ,54ص. 15ومسلم يف صحيحه
و ( ,)1222باب :فضل اجلهاد والرباط ,ج ,59ص – 1559ورواه أمحد يف مسنده ( ,)11988حتقيق :شعيب األرنؤوط
عادل مرشد ,وآخرون ,مؤسسة الرسالة ,ط ,51بريوت ,سنة 8551م ,ج ,14ص.484
- 5رواه أبو بكر بن أيب عاصم الشيباين ( ,) 92كتاب :اجلهاد ,حتقيق :مساعد بن سليمان الراشد اجلميد ,مكتبة العلوم واحلكم ط,51
املدينة املنورة ,سنة 1322م ,ج ,51ص.134
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 384
- 1رواه الرتمذي بسند حسن ( ,)289ج ,59ص -11ورواه أمحد ( ,)88524ج ,92ص .459
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 385 جملة املدونة:
ومات أبو طالب وازداد من البالء على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم شدة ,فعمد إىل ثقيف يرجو أن يؤووه
وينصروه فوجد ثالثة نفر منهم سادة ثقيف ) .1
ثانيا :عن عبد اهلل بن كعب بن مالك قال :أقام رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ثالث سنني من نبوته
مستخفيا مث أعلن يف الرابعة ,فدعا عشر سنني يوايف املوسم يتبع احلجاج يف منازهلم بعكاظ وجمنة وذي اجملاز
صُرهُ َح َّىت إِنَّهُ ي َسأ ََل َع ِن الْ َقبَائِ ِلَح ًدا يَْن ُ
ِ وه ْم إِ َىل أَ ْن ميَْنَ ُعوهُ َح َّىت يُبَلِّ َغ ِر َسالَةَ َربِِّه َعَّز َو َج َّل َوَهلُ ُم ْ
اجلَنَّةُ فَ َال َجي ُد أ َ «يَ ْد ُع ُ
ط َما لَِق َي ِمْن ُه ْم َح َّىت َح ٍد ِم َن ْاألَ َذى قَ ُّ ِ
ص َعةَ فَلَ ْم يَْل َق م ْن أ َ ص ْع َ
ِ
َوَمنَا ِزهل ْم قَبِيلَةً قَبِيلَةً َح َّىت انْتَ َهى إِ َىل بَِين َعام ِر بْ ِن َ
ِِ
ص َفةَ فَ َو َج َد فِي ِه ْم َشْي ًخا ابْ َن ِمائَِة َسنَ ٍة ِ ِ ِِ ِ ِ ِِ
َخَر َج م ْن عْنده ْم َوإِن َُّه ْم لَيَ ْرُمونَهُ م ْن َوَرائه َح َّىت انْتَ َهى إِ َىل بَِين ُحمَا ِرب بْ ِن َخ َ
اإل ْس َالِم أَ ْن ميَْنَ َعهُ َح َّىت يُبَ لِّ َغ ِر َسالَةَ َربِِّه فَ َقا َل
صلَّى اهللُ َعلَْي ِه َو َسلَّم َوَد َعاهُ إِ َىل ِْ
َ
و ِع ْش ِرين سنَةً فَ َكلَّمه رس ُ ِ
ول اللَّه َ َُ َ ُ َ َ َ
ِ ِ
وب بِه أ َْه ُل الْ َم ْوس ِم ِ ِ
ك رجل إِ َىل أ َْهله إَِّال ِ ِ
ك واللَّه َال ي ُؤ ِ ِ ِ
آب ب َشِّر َما يَ ُؤ ُ َ وب ب َ َ ُ ٌ َ ُ ك أ َْعلَ ُم بنَبَئ َ َ الر ُج ُل قَ ْوُم َ الشَّْي ُخ :أَيُّ َها َّ
ب لََقائِ ٌم يَ ْس َم ُع» .2 ك وإِ َّن أَبَا َهلَ ٍ
فَأَ ْغ ِن َعنَّا نَ ْف َس َ َ
احلديث سنده قوي ,على خالف يف الواقدي ,3واحلديث يف السرية واملغازي ,والواقدي حجة يف املغازي,
واحلديث يتفق مع األحاديث السابقة ,وهو خمتصر حلديث عروة...
ثالثا :روى البيهقي بإسناده من طريقني عن موسى بن عقبة ,عن ابن شهاب الزهري قال :كان رسول
اهلل صلى اهلل عليه وسلم يف تلك السنني يعرض نفسه على قبائل العرب يف كل موسم ويكلم كل شريف قوم ال
َح ًدا ِمْن ُك ْم َعلَى َش ْي ٍءَ ,م ْن َر ِض َي ِمْن ُك ْم بِالَّ ِذي أ َْد ُعوهُ إِلَْي ِه يسلهم مع ذلك إال أن يروه ومينعوه ويقول َ :ال أُ ْك ِرهُ أ َ
ت رِّيب وح َّىت ي ْق ِ ِ ِ ِ ِ
ضي اهللُ َعَّز يد أَ ْن ُْحت ِرُز ِوين ممَّا يَُر ُاد ِيب م َن الْ َقْت ِل َح َّىت أُبَلِّ َغ ِر َس َاال َ َ َ َ كَ ,وَم ْن َك ِرهَ َملْ أُ ْك ِرْههُ ,إَِّمنَا أُ ِر ُ فَ َذل َ
ص ِحبَِين ِمبَا َشاءَ اهللُ» 4وهذه الرواية قد رواها أهل السري واملغازي بل وأهل احلديث املتأخرون ِ
َو َج َّل ِيل َول َم ْن َ
كأيب العباس احلسيين العبيدي 5وابن حجر 6والذهيب وابن كثري ومل يردوها ,والروايات يف العرض على القبائل
وتأكيد النيب صلى اهلل عليه وسلم أنه ال يكره أحداً وال يشرتط إسالم املانعني كثرية جداً.
- 1أبو نعيم األصبهاين ,دالئل النبوة ,حتقيق :حممد رواس قلعه جي ,عبد الب عباس ,دار النفائس ,ط ,58بريوت ,سنة 1322م ج,51
ص.835
- 2أبو نعيم األصبهاين ,نفس املرجع السابق ,ج ,51ص .839-838
- 3يكىن أبا عبد اهلل الواقدي موىل لبين سهم من أسلم ,وكان قد حتول من امل دينة ,فنزل بغداد وويل القضاء لعبد اهلل بن هارون أمري
املؤمنني بعسكر املهدي أربع سنني ,وكان عاملا باملغازي والسرية والفتوح وباختالف الناس يف احلديث واألحكام واجتماعهم على ما اجتمعوا
عليه ( ت857ه ) ينظر [ أبو عبد اهلل حممد بن سعد ,الطبقات الكبى ,حتقيق :حممد عبد القادر عطا ,دار الكتب العلمية ,ط ,51بريوت,
سنة 1335م ,ج ,55ص.]485
- 4أبو بكر البيهقي ,دالئل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ,دار الكتب العلمية ,ط ,51بريوت ,سنة 1325م ,ج 58ص.414
- 5أبو العباس احلسيين العبيدي ,إمتاع األمساع مبا للنيب من األحوال واألموال واحلفدة واملتاع ,حتقيق :حممد عبد احلميد النميسي دار الكتب
العلمية ,ط ,51بريوت ,سنة 1333م ,ج ,53ص.173
- 6أمحد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقالين ,فتح الباري شرح صحيح البخاري ,رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه :حممد فؤاد عبد الباقي,
تصحيح :حمب الدين اخلطيب ,دار املعرفة ,ب.ط ,بريوت ,سنة 1353م ,ج ,57ص.885
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 386
رابعا :كتابه صلى اهلل عليه وسلم بني املهاجرين واألنصار وموادعة يهود:قال ابن إسحاق ":وكتب رسول اهلل
صلى اهلل عليه وسلم كتابا بني املهاجرين واألنصار ,وادع فيه يهود وعاهدهم ,وأقرهم على دينهم وأمواهلم,
وشرط هلم , 1"...وهذا معىن متقدم ليس يف حرية االعتقاد فقط وإمنا يف الوحدة الوطنية حول أهداف مشرتكة
ضد الظلم والعدوان ,والوثيقة برمتها حلف ضد الظلم وليس حلف ضد دين أو عقيدة فالوثيقة تستوعب اليهود
وهم أكثر الناس عداوة للذين آمنوا ,وكانوا يف املدينة أقلية وكان يف املستطاع أن خيرجهم املسلمون من أي اتفاقية,
لكن مل يفعل ذلك النيب صلى اهلل عليه وسلم والدليل على استطاعة املسلمني فعل ذلك أنه عند خيانتهم
أخرجهم بسهولة من املدينة وأجالهم ,فليسوا ممن خياف جانبهم حىت يتنازل هلم املسلمون عن أمور ال حتق هلم.
المطلب الثالث :موقف الصحاابة رضي اهلل عنهم من حارية االعتقاد.
أقوال الصحابة وأفعاهلم تعد عند أهل العلم من املصادر التبعية يف التشريع وهذا ما يسمونه عندهم " فعل
الصحايب " وفيه اختالف بينهم يف من يعتبه وفيمن ال يعتبه ,أو يقدمه أو يؤخره على بعض املص ادر األخرى؛
ثبت فضل الصحابة رضي اهلل عنهم يف نصوص كثرية من الكتاب والسنة حىت أصبح ذلك مما ينص عليه العلماء
والفقهاء واألصوليون يف عقائدهم واستداللتهم يف األح كام ,ويف هذا نوعان نصوص يف حق الصحابة عموماً
ونصوص خاصة بطائفة أو صحايب معني؛ فقول الصحايب وعمله حجة عند أكثر أهل العلم إن تبني صحة سنده
وعدم خمالتفه للنصوص القطعية.
يقول اإلمام أبو حنيفة – رمحه اهلل – متحدثا عن موقف أصحاب خري األنام صلى اهلل عليه وسلم " :إين
آخذ بكتاب اهلل إذا وجدته ,فما مل أجده فيه أخذت بسنة رسول اهلل واآلثار الصحاح عنه اليت فشت يف أيدي
الثقات عن الثقات ,فإذا مل أجد يف كتاب اهلل وال سنة رسول اهلل أخذت بقول أصحابه من شئت وأدع قول من
شئت مث ال أخرج عن قوهلم إىل قول غريهم ,فإذا انتهى األمر إىل إبراهيم والشعيب واحلسن وابن سريين وسعيد بن
املسيب … فلي أن أجتهد كما اجتهدوا" ,2قال ابن املبارك مسعت أبا حنيفة يقول " :إذا جاء عن النيب صلى
اهلل عليه وسلم فعلى الرأس والعني ,وإذا جاء عن الصحابة خنتار من قوهلم ,وإذا جاء عن التابعني زامحناهم ",3
وقد كان هذا مذهب مالك – رمحه اهلل – ونسبه إليه الكثري من األئمة ,وقد نقل هذا الشاطيب – رمحه اهلل –
4والقرايف 5وغريهم.
- 1عبد امللك بن هشام ,السرية النبوية ,حتقيق :مصطفى السقا وإبراهيم األبياري وعبد احلفيظ الشليب ,شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البايب
احلليب وأوالده ,ط ,58مصر ,سنة 1355م ,ج ,51ص.551
- 2ابن تيمية ,املسودة يف أصول الفقه ,حتقيق :حممد حميي الدين عبد احلميد : ,دار الكتاب العريب ,د.ط.ت ,مصر ,ص.997
- 3ابن قيم اجلوزية ,إعالم املوقعني عن رب العاملني ,حتقيق :حممد عبد السالم إبراهيم ,دار الكتب العلمية ,ط 51يريوت ,سنة 1331م,
ج ,54ص.34
- 4إبراهيم بن موسى الشاطيب ,املوافقات ,حتقيق :أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان ,دار ابن عفان ,الكويت ,سنة 1337م ج,54
ص.429
- 5أبو العباس شهاب الدين القرايف ,شرح تنقيح الفصول يف علم األصول ,حتقيق :طه عبد الرؤوف سعد ,شركة الطباعة الفنية املتحدة,
ط ,51سنة 1379م ,السعودية ,ج ,51ص.445
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 387 جملة املدونة:
وقد روى أبو عبيد عن متيم بن عطية :مسعت عبد اهلل بن قيس أو ابن أيب قيس يقول :كنت فيمن تلقى
عمر بن اخلطاب رضي اهلل عنه مع أيب عبيدة مقدمه من الشام ,فبينما عمر يسري إذ لقيه املقلّسون من أهل
أذرعات بالسيوف و الرحيان فقال عمر :مه ردوهم و امنعوهم ,فقال أبو عبيدة :يا أمري املؤمنني هذه سنة العجم
أو كلمة حنوها وإنك إن متنعهم منها يروا أن يف نفسك نقضا لعهدهم فقال عمر :دعوهم ,عمر وآل عمر يف
طاعة أيب عبيدة .قال أبو عبيدة :املقلسون قوم يلعبون بلعبة هلم بني أيدي األمراء إذا قدموا عليهم فأنكرها عمر
وكرهها مث أقرها ألهنا كانت متقدمة هلم قبل الصلح وكذلك كل ما كان من سنتهم وبيعهم وكنائسهم وغري
ذلك ,فوقع الصلح عليه فليس ألحد نقضه وهو تأويل قول ابن عباس الذي ذكرناه.1
وهناك من يرفض االستدالل هبذه اآلث ار كون وجود تعارض بينه وبني ما رواه أبو موسى األشعري رضي اهلل
ين َآمنُوا َال َّ ِ عنه أنه قال لعمرَّ :
إن يل كاتبا نصرانيا ,قال ":مالك قاتلك اهلل ,أما مسعت اهلل يقول « :يَا أَيُّ َها الذ َ
ض ُه ْم أ َْولِيَاءُ بَ ْع ٍ
ض َوَمن يَتَ َوَّهلُم ِّمن ُك ْم فَِإنَّهُ ِمْن ُه ْم إِ َّن اللَّهَ َال يَ ْه ِدي الْ َق ْوَم ِ
َّص َار َٰى أ َْوليَاءَ بَ ْع ُ
ود َوالن َ
ِ
تَتَّخ ُذوا الْيَ ُه َ
ِِ
اختذت حنيفا ؟ قال :يا أمري املؤمنني يل كتابتهُ وله دينه ,قال :ال أكرمهم إذ َ ني »املائدة .]51[ :فهال الظَّالم َ
أهاهنم اهلل ,وال أعزهم إذ أذهلم اهلل ,وال أدنيهم إذ أقصاهم".2
لكن هذا األث ر ال يصح وال يثبت البتة ,ألن يف سنده مس اك بن حرب وألئمة اجلرح والتعديل فيه أق وال.3
-فرل :نكاح نساء أهل الكتاب واستعمال غير المسلمين في الواليات السياسية في
الدولة األموية والعباسية.
مما روي أ ّن عثمانا رضي اهلل عنه كان متزوجا من نصرانية تُدعى نائلة بنت الفرافصة من قبيلة كلب
قبل هند بنت الفرافصة مث سعى يف تزويج نائلة من النصرانية املعروفة ,وكان سعيد بن العاص قد تزوج بأختها من ُ
عثمان بطلب من عثمان نفسه , 4كما أ ّن وايل عثمان على الشام معاوية بن أيب سفيان كان متزوجا من سيدة
نصرانية من قبيلة كلب أيضا وهي ميسون بنت محيد بن جبدل وهي اليت أجنبت له يزيد ابنه.5
فلو تشدد الصحابة رضي اهلل عنهم ألمروا أزواجهم للدخول يف اإلسالم جبا لكنهم ما فعلوا بل تركوهم وما
يدينون .و قد جاء يف (تاريخ الرسل وامللوك ) للطبي أن عثمان ا رضي اهلل عنه كتب إىل عماله كتابا يقول فيه( :
ص ْد َر َه ِذهِ األ َُّم ِة ُخلِ ُقوا ُر َعاةً,
َّم إِلَْي ِه ْم أَ ْن يَ ُكونُوا ُجبَاةً َوإِ َّن َ
ِ
أ ََّما بَ ْع ُد ,فَِإ َّن اللَّهَ أ ََمَر األَئ َّمةَ أَ ْن يَ ُكونُوا ُر َعاةًَ ,وَملْ يَتَ َقد ْ
- 1أبو ُعبيد القاسم بن سالّم ,األموال ,حتقيق :خليل حممد هراس ,دار الفكر ,د.ط.ت ,بريوت ,ص .855
- 2ابن قيم اجلوزية ,أحكام أهل الذمة ,حتقيق :يوسف بن أمحد البكري وشاكر بن توفيق العاروري ,دار رمادي للنشر ,ط ,51الدمام سنة
,1337ج ,51ص.454
- 3صدوق صاحل ,من أوعية العلم ,مشهور ,روى ابن املبارك ,عن سفيان :أنه ضعيف؛ وقال أمحد :مساك مضطرب احلديث .ينظر[ :مشس
الدين الذهيب ,ميزان االعتدال يف نقد الرجال ,حتقيق :علي حممد البجاوي ,دار املعرفة ,ط 51بريوت ,سنة 1329م ,ج 58ص-898
.]899وقال النسائي :إذا انفرد بأصل مل يكن حجة ألنه كان يلقن فيتلقن .ينظر[ :صالح الدين العالئي ,املختلطني احملقق :د .رفعت
فوزي عبد املطلب وعلي عبد الباسط مزيد ,مكتبة اخلاجني ط ,51القاهرة ,سنة 1332م ,ص.]43
- 4عمر رضا كحالة ,أعالم النساء ,مل تذكر دار النشر ,د.ط.ت ,بريوت ,ج ,55ص.142
- 5عمر رضا كحالة ,نفس املرجع السابق ,ج ,55ص.192
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 388
- 1بن جرير الطبي ,تاريخ الرسل وامللوك ,دار الرتاث ,ط ,58بريوت ,سنة 1322م ,ج ,54ص.845
- 2أبو يوسف األنصاري ,اخلراج ,حتقيق :طه عبد الرءوف سعد وسعد حسن حممد ,املكتبة األزهرية للرتاث ,د.ط.ت ,القاهرة ص.85
- 3علي حسين اخلربوطلي ,اإلسالم وأهل الذمة ,د.ط.ت ,القاهرة,سنة , 2012ص , 128بتصرف.
- 4ابن خلكان البمكي ,وفيات االعيان ,حتقيق :إحسان عباس ,دار صادر ,ط ,51بريوت سنة 1371م ,.ج ,58ص.884
- 5الذريعة :هي املسألة اليت ظاهرها اإلباحة ,ويتوصل هبا إىل فعل احملظور ,قال الباجي :ذهب مالك إىل املنع من الذرائع ,وقال أبو حنيفة,
والشافعي :ال جيوز منعها .ينظر[ :حممد بن علي الشوكاين ,إرشاد الفحول إيل حتقيق احلق من علم األصول ,حتقيق :الشيخ أمحد عزو عناية,
مفسدةٍ ,أو ِ
املشتمل على املمنوع
ِ املوصلةُ إىل الش ِ
َّيء دار الكتاب العريب ,ط ,51لبنان ,سنة 1333م ,ج ,58ص ]139وهي الوسيلةُ ِ
َ
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 389 جملة املدونة:
ون اللَّ ِه فَيَ ُسبُّوا اللَّهَ َع ْد ًوا بِغَ ِْري ِعْل ٍم » األنعام ,]152[ :ومن هذا يالحظ ويتبني أن هذه الَّ ِذين ي ْدعو َن ِمن د ِ
ْ ُ ََ ُ
بشيء فإهنا تأمر جبميع ما يتوقف حصول هذا الشيء عليه ,وإذا هنت عن شيء فإهنا ٍ الشريعة العظيمة إذا أمرت
تنهى عن مجيع األشياء اليت يتوقف حصول هذا املنهي عليها وهذا من باب الكمال ,فإن الشريعة إذا سدت بابًا
فإهنا تسد معه مجيع األبواب املفضية إليه.
قصدا ,فإنه ملا كانت املقاصد ال مانعا من الوقوع يف احملرم ً سياجا ً وهذا هو عني احلكمة وذلك ليكون ً
يتوصل إليها إال بأسباب وطرق تفضي إليها كانت هذه الطرق وهذه األسباب تابعة هلا يف احلكم ,فكل وسائل
احلرام حرام ,وكل وسائل الطاعات طاعات فوسائل الواجب واجبة ووسائل املندوب مندوبة ,ووسائل املكروه
مكروهة ووسائل احلرام حرام ,وهذه سياسة حكيمة حىت يف ملوك الدنيا فإهنم إذا منعوا شيئًا منعوا مجيع أسبابه
وسدوا مجيع طرقه ,وإذا أمروا بشيء فإهنم يسهلون مجيع أسبابه ويفتحون كل طرقه.1
ينفر غريه منه ,وهذا خيالف املقصود اإلهلي الداعي إىل التؤدة ألن يف التعدي على دور الع بادة ذريعة أن َّ
ِ احلِكْم ِة والْمو ِعظَِة ْ ِ ِ
ك احلَ َسنَة َو َجاد ْهلُم بِالَِّيت ه َي أ ْ
َح َس ُن ۚ إِ َّن َربَّ َ ك ب ْ َ َ َْ
ع إِ َ َٰىل سبِ ِيل ربِّ َ ِ
واحلوار اهلادئ ,قال تعاىلْ « :اد ُ َ َ
ِ ِ ِ ِِ
ين» النحل ,]185[ :وقد حذر رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ُه َو أ َْعلَ ُم ِمبَن َ
ض َّل َعن َسبيله َوُه َو أ َْعلَ ُم بالْ ُم ْهتَد َ
َخ َذ ِمنْهُ َشْيئًا بِغَ ِْري ِط ِ ِِ ِ
يب صهُ ,أ َْو َكلَّ َفهُ فَ ْو َق طَاقَته ,أ َْو أ َ
من التعدي عليهم فقال« :أََال َم ْن ظَلَ َم ُم َعاه ًدا ,أَ ِو انْتَ َق َ
يجهُ يَ ْوَم الْ ِقيَ َام ِة»2؛ وقد هنى اخللفاء من بعده الفاحتني أن ال ميسوا راهب ا يتعبد يف صومعته ,وقد ِ
س ,فَأَنَا َحج ُ نَ ْف ٍ
أتى يف ( الطبقات الكبى ) " :عن حممد بن القاسم عن عياش بن سليم سئل عمر بن عبد العزيز رضي اهلل عنه
يف الذمي يوصي بالكنيسة يوقف وقفا من مال ه للنصارى أو لليهود.قال :جي وز ذلك" .3
ولقد أشار الفقهاء إىل هذا يف مصنفاهتم على وجوب احرتام بيوت العب ادة ألهنا حق ألهل الذمة سواء
كانت يف بالد اإلسالم أو ما فتحه املسلمون بشروط فصلها أهل العلم؛ فمثال الكنائس واملعابد اليت كانت
موجودة قبل الفتح أفىت ابن الق اسم من املالكية ببقائها ولو بال شرط ,4والظاهر أنه املعتمد عند املالكية5؛
وخالفهم يف ذلك احلنفية :فقالوا مبنع الصالة فيها فتبقى كاملساكن وال هتدم وتتخذ للسكن ...ولو اهندمت كنيسة
ِ
بالكالم على ِ
أصل (املصاحل) .ينظر[ :عبد اهلل بن يوسف اجلديع العنزي ,تيسريُ علم ٍ
مصلحة.فهي هلذا االعتبا ِر متَّصلةٌ املشروع املشتمل على
ِ
أصول الفقه ,مؤسسة الريان ,ط ,51بريوت ,سنة 1333م ,ص.] 859
- 1ابن قيم اجلوزية ,إعالم امل وقعني عن رب العاملني ,حتقيق :حممد عبد السالم إبراهيم ,دار الكتب العلمية ,ط 51يريوت ,سنة 1331م,
ج ,59ص ,152بتصرف.
- 2أخرجه أبو داود يف السنن ( ,)9558باب يف تعشري أهل الذمة إذا اختلفوا بالتجارات ,ج ,59ص.175
- 3أبو عبد اهلل حممد بن سعد ,الطبقات الكبى ,حتقيق :حممد عبد القادر عطا ,دار الكتب العلمية ,ط ,51بريوت ,سنة
1335م,ج ,55ص.875
- 4مشس الدين الدسوقي ,حاشية الدسوقي على الشرح الكبري ,هبامشه :شرح العالمة حممد عليش ,دار إحياء الكتب العربية د.ط.ت,
مصر ,ج ,58ص.859
- 5ابو عبد اهلل حممد اخلرشي ,شرح اخلرشي على خمتصر خليل ,هبامشه :شرح العالمة الشيخ العدوي ,مطبعة العامرة الشرقية ط,51
مصر ,بدون تاريخ ,ص.442
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 391
فلهم أن يبنوها كما كانت؛ ألن هلذا البناء حكم البقاء ,وهلم أن يستبقوها فلهم أن يبنوها ,وليس هلم أن حيولوها
من موضع إىل موضع آخر؛ ألن التحويل من موضع إىل موضع آخر يف حكم إحداث كنيسة أخرى.1
أما احلنابلة ففي رواية ق الوا ببقائها ,وال بأس بالصالة يف الكنيسة النظيفة ,رخص فيها احلسن وعمر بن عبد
العزيز والشعيب واألوزاعي وسعيد بن عبد العزيز وروي أيضا عن عمر وأيب موسى وكره ابن عباس ومالك
الكنائس ...2ويف شروط عمر -رضي اهلل عنه -على أهل الذمة :أن يوسعوا أبواب كنائسهم وبيعهم ,ليدخلها
املسلمون للمبيت هبا ,واملارة بدواهبم ,وروى ابن عائذ يف " فتوح الشام " ,أن النصارى صنعوا لعمر -رضي اهلل
عنه ,-حني قدم الشام ,طعاما فدعوه فقال :أين هو؟ قالوا :يف الكنيسة ,فأىب أن يذهب ,وقال لعلي :امض
بالناس ,فليتغدوا .فذهب علي -رضي اهلل عنه -بالناس فدخل الكنيسة ,وتغدى هو واملسلمون ,وجعل علي
ينظر إىل الصور وقال :ما على أمري املؤمنني لو دخل فأكل.
وهذا اتفاق منهم على إباحة دخوهلا وفيها الصور ,وألن دخول الكنائس والبيع غري حمرم فكذلك املنازل اليت
فيها الصور ,وكون املالئكة ال تدخله ال يوجب حترمي دخوله علينا كما لو كان فيه كلب ,وال حيرم علينا صحبة
رفقة فيها جرس ,مع أن املالئكة ال تصحبهم ,وإمنا أبيح ترك الدعوة من أجله عقوبة لفاعله ,وزجرا له عن فعله,
من أجل الصور.3
وقال الشافعية :أهن ا تبقى يف بلد فتحت صلحا ...وإذا كانوا مبصر للمسلمني هلم فيه كنيسة أو بناء طائل
كبناء املسلمني مل يكن لإلمام هدمها وال هدم بنائهم وترك كال على ما وجده عليه ومنع من إحداث الكنيسة,4
وإذا كانت دارهم دار عهد ففتحناها صلحا على أن األرض هلم يؤدون خراجها مل مينعوا من الكنائس وحنوها ولو
أحدثوها ؛ ألن امللك والدار هلم وال مينعون من إظهار شعائرهم كخمر وخنزير وأعيادهم وضرب ناقوسهم ومينعون
من التجسس أي إيواء اجلاسوس وتبليغ األخبار وسائر ما نتضرر به يف ديارهم وهلم عمارة أي ترميم كنائس جوزنا
إبقاءها إذا استهدمت.5
المطلب الثاني :احترام التعددية الدينية في الفقه االسالمي.
املستأمنون داخل ديار اإلسالم يتمتعون بكامل احلقوق اليت يتمتع هبا أهل الذمة من حق العصمة يف النفس
واملال ,وحق احلرية يف التنقل من مكان آلخر داخل األراضي اإلسالمية ما عدا األماكن اليت ورد النهي يف منع
املشركني من دخوهلا ,وحق احلرية الدينية ,فليس ألحد من املسلمني التعرض هلم وملا يدينون به ,وكذلك هلم حق
التمتع باملرافق العامة وغريها؛ أما الواجبات اليت تلتزمهم فمن أمهها احرتام أحكام الشريعة اإلسالمية ويف هذا
- 1عالء الدين الكاساين ,بدائع الصنائع يف ترتيب الشرائع ,دار الكتب العلمية ,د.ط ,بريوت ,سنة ,1322ج 57ص.114
- 2ابن قدامة املقدسي ,مرجع سبق ذكره ,ج ,58ص.58
- 3نفس املرجع السابق ,ج.829 ,57
- 4حممد بن إدريس الشافعي ,األم ,دار املعرفة ,د.ط ,بريوت ,سنة 1335م ,ج ,54ص.812
- 5زكريا بن حممد بن زكريا األنصاري ,أسىن املطالب يف شرح روض الطالب ,دار الكتاب اإلسالمي ,ب.ط.ت القاهرة ,ج 54ص,885
بتصرف.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 391 جملة املدونة:
تفصيل خاص توسع فيه أهل العلم واحملافظة على األمن والنظام العام يف دار اإلسالم ,واالمتناع عن ارتكاب
اجلرائم وإظهار احملرمات يف دار اإلسالم وعدم التعامل باملعامالت احملرمة يف الشريعة اإلسالمية.1
وقد التفت اىل هذا اإلمام امل اوردي 2يف ( األحكام السلطانية )حيث قال ( :وألهل العهد (أو املستأمنني)
إذا دخلوا دار اإلسالم األمان على نفوسهم وأمواهلم ,وهلم أن يقيموا فيها فيما عدا احلرم واحلجاز واجلزيرة العربية
يف بعض األقوال مدة معلومة حيددها اإلمام فإن قلت عن أربعة أشهر كانت بغري جزية ,وإن بلغت السنة وجب
أخذ اجلزية عليهم).3
كذا األمر نفسه بالنسبة ألهل الذمة فال جتب اجلزية 4عليهم يف السنة إال مرة بعد انقضائها بشهور األهلة.
ومن مات فيها أخذ من تركته بقدر ما مضى منها؛ ومن أسلم منهم كان ماله مقرا عليه وجزيته ساقطة عنه,
وكذلك إن مات قبل أدائها ,ومن بلغ من صغارهم أو أفاق من جمانينهم استقبل به حول اجلزية ,وتسقط اجلزية
عن الفقري ,وعن الشيخ ,وعن املزمن ,وإذا تشاجروا يف دينهم واختلفوا يف معتقدهم ,مل يعارضوا فيه ,ومل يكشفوا
عنه؛ وإذا تنازعوا يف حق ارتفعوا فيه إىل حاكمهم مل مينعوا منه .وإن ترافعوا فيه إىل حاكمنا حكم بينهم مبا يوجبه
دين اإلسالم.5
إن حكومة اخلالفة إسالمية مدنية قائمة على أساس العدل واملساواة إال أن لغري املسلمني فيها من احلرية
الشخصية ما ليس للمرتد واملنافق من املسلمني ,فهؤالء يريدون أن يكون اإلسالم رابطة جنسية أدبية حرة حبيث
يكون هلم يف حكومته مجيع حقوق املسلمني الشرعية والعرفية والقانونية ,وإن صرحوا بأهنم ال يدينون اهلل باإلميان
بعقيدته ,وال بإقامة أركانه وشعائره ...وال تعاقب احلكومة اإلسالمية غري املسلمني على شيء حيل هلم يف دينهم -
وإن مل يكن حالال يف اإلسالم -إال ما فيه إيذاء لغريهم بل ال حتاسبهم على أعماهلم الشخصية اليت ال تضر
املسلمني وال غريهم من رعيتها وإن خالفت دينهم ولكنها حتاسب املسلمني وتعاقبهم على املعاصي باحلدود
وأنواع التعزير كالتوبيخ واحلبس وذلك أن من أصول اإلسالم حفظ اآلداب والفضائل ومنع الفواحش واملنكرات.6
- 1عبد العزيز بن مبوك األمحدي ,نفس املرجع السابق ,ج ,455 ,58بتصرف.
- 2أبو احلسن علي بن حممد بن حبيب البصري ,املعروف باملاوردي ,الفقيه الشافعي؛ كان من وجوه الفقهاء الشافعية ومن كبارهم أخذ
الفقه عن أيب القاسم الصيمري بالبصرة ,مث عن الشيخ أيب حامد اإلسفرايين ببغداد ,وكان حافظاً للمذهب وله فيه كتاب " احلاوي " الذي مل
وفوض إليه القضاء ببلدان كثرية .ينظر[ :وفيات االعيان ,ج 59ص - ]828 بالتبحر واملعرفة التامة باملذهبّ .
يطالعه أحد إال وشهد له ّ
[مشس الدين الذهيب ,سري أعالم النبالء ,حتقيق :جمموعة من احملققني بإشراف الشيخ شعيب األرناؤوط ,مؤسسة الرسالة ط ,59لبنان ,سنة
1325م ,ج ,12ص.]24
- 3أبو احلسن املاوردي ,االحكام السلطانية ,دار احلديث ,ب.ط.ت ,القاهرة ,ص.142
- 4هي الوظيفة املأخوذة من الكافر ,القامته بدار االسالم ,يف كل عام؛ فهناك فرق بينها وبني اخلراج .ينظر[ :سعدي أبو حبيب القاموس
الفقهي لغة واصطالحا ,دار الفكر,ط ,58دمشق ,سنة 1322م ,ص ,28بتصرف ].
- 5أبو يعلى ابن الفراء ,األحكام السلطانية ,صححه وعلق عليه :حممد حامد الفقي ,دار الكتب العلمية ,ط ,58بريوت سنة 8555م,
ص.121
- 6حممد رشيد بن علي رضا ,اخلالفة ,دار الزهراء لإلعالم العريب ,ب.ط.ت ,القاهرة ,ص ,112بتصرف.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 392
كما يالحظ أنه عند التتبع التارخيي الذي اجتهدنا فيه أنه مل يكن هناك أي مراعاة للحريات الدينية بل
ت ِ
كانت مضطهدة ومقهورة ,ففي زمن موسى – عليه السالم -قال فرع ون لقومه « :يَا أَيُّ َها الْ َم َألُ َما َعل ْم ُ
لَ ُك ْم ِم ْن إَِٰلٍَه َغ ِْريي » القصص ,]92[ :بل جت رأ اىل قمع دعوة موسى – عليه السالم -و قد دلت اآلية الكرمية
ض ومغا ِرب ها الَِّيت بارْكنا فِيها وَمتَّ ِ َّ ِ
ك ت َربِّ َت َكل َم ُ َََ َ َ ْ ض َع ُفو َن َم َشا ِر َق ْاأل َْر ِ َ َ َ َ َ
ين َكانُوا يُ ْستَ ْعلى ذلكَ « :وأ َْوَرثْنَا الْ َق ْوَم الذ َ
صنَ ُع فِْر َع ْو ُن َوقَ ْوُمهُ َوَما َكانُوا يَ ْع ِر ُشو َن » األعراف.]197[ : صبَ ُروا َوَد َّمْرنَا َما َكا َن يَ ْ
احلسىن علَى ب ِين إِسرائِ ِ
يل مبَا َ
ُْ ْ َ َٰ َ َٰ َ ْ َ َ
ويف عهد املسيح – عليه السالم -نفس األمر عندما كان اليهود حياولون فرض تشريعات مغلوطة
ينسبوهنا إىل التوراة؛ فأتت نبوة املسيح – عليه السالم -لتصحيح هذا املسار ,فتآمر اليهود عليه مع الرومان
ول اللَّ ِه
يسى ابْ َن َمْرَميَ َر ُس َ حملاكمته والفتك به فأجناه اهلل من كيدهم؛ قال اهلل تعاىل « :وقَوهلِِم إِنَّا قَتَ ْلنَا الْم ِس ِ
يح ع ََ َ َْ ْ
اع الظَّ ِّن َوَما ِ ِ ِ ِ
ك مْنهُ َما َهلُ ْم بِه م ْن عْل ٍم إَِّال اتِّبَ َ اختَ لَ ُفوا فِ ِيه لَِفي َش ٍّ
ين ْ
ِ َّ ِ َٰ ِ
صلَبُوهُ َولَك ْن ُشبِّهَ َهلُ ْم َوإ َّن الذ َ َوَما قَتَ لُوهُ َوَما َ
قَتَ لُوهُ يَِقينًا » النساء.]157[ :
ومما ش اع يف زماننا اليوم هو وجود منظمات وهيئات تدعو إىل االنتصار للحريات ومبثل ذلك أعلى هيئة
وهي هيئة األمم املتحدة الداعية اىل نصرة حقوق اإلنس ان والقضايا العادلة يف العامل على أن الكالم فيه حتفظ؛ إال
أن الشرع اإلسالمي قد سبقهم بذلك وبىن هاته احلقوق على أساس ال على جرف هار ,يقول الدكتور إبراهيم
مدكور -رئيس جممع اللغة العربية بالقاهرة ( : -فحقوق اإلنسان املهددة اليوم ,واليت ندعو إىل محايتها
واحرتامها ,قد أقرها اإلسالم وقدسها منذ أربعة عشر قرنا ,فسبق هبا سبقا بعيدا عما قال به القرن الثامن عشر
الذي ُع َّد قرن حقوق اإلسالم ,أيدها اإلسالم وثبتها وجعل منها ديناً و دنيا ,وأقامها على دعائم أخالقية
روحية).1
كما أن التنوع املذهيب ميثل قمة احلرية الدينية ,ألنه يقوم على الفكر والعقل والتعدد والتنوع وألنه حيقق
عموم اإلسالم ,لألزمان واألعصار ,واألماكن والبلدان ,وحيقق مشول الدين لكل األعراف واألجناس ومجيع البشر.
وهذا التنوع املذهيب هو ما وقع فعال ,واستقر يف التاريخ اإلسالمي ,وظهرت املذاهب العقدية اليت مارست
احلرية الدينية الكاملة يف الدعوة إىل آرائها ,وسيطرت على احلياة وا جملتمع واألمة ,ووصلت أحيانا إىل قمة الدولة
وإقناع اخللفاء واحلكام والوالة والقادة بآرائها ,كما حصل مع خمتلف مذاهب السلف ,ولكن شاب هذه احلرية
أحياناً بعض العنف واإلكراه كفتنة خلق القرآن ,وأعمال القسر على األفراد.2
وهذه مناذج من مصنفات العلماء فيما يزخر به الفقه االسالمي يف هذا املعىن املنشود من نظرة املذاهب إىل
التعددية الدينية.
أوال :من مصنفاات الفقه الحنفي.
- 1عدنان اخلطيب ,حقوق اإلنسان يف اإلسالم ,دار طالس ,د.ط.ت ,دمشق ,سنة 1338م ,ص.98
- 2وهبة الزحيلي ,مقال :احلرية الدينية يف الشريعة اإلسالمية :أبعادها وضوابطها ,جملة جامعة دمشق للعلوم االقتصادية والقانونية
اجمللد ,87:العدد ,51:سوريا ,سنة 2001م ,ص ,451بتصرف.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 393 جملة املدونة:
أتى يف املبسوط ( :وإذا قتل الرجل املسلم الرجل من أهل الذمة عمدا فإن عليه فيه القصاص بلغنا عن
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه أقاد رجال مسلما برجل من أهل الذمة فقتل املسلم بالذمي مث قال أنا أحق من
وىف بذمته ... 1وإذا اجتمع رجال من أهل اإلسالم على رجل من أهل الذمة عمدا فإن عليهم فيه القصاص),2 ََ
وقد اختلف العلماء يف هذه املسألة إىل فروع أخرى مثل كون املسلم يقتل غري املسلم يف دار احلرب أو يف دار
العهد ,ولعل الذي نفهمه من كالم حممد بن حسن الشيباين بعدما استنبط من حديث رسول اهلل صلى اهلل عليه
وسلم املغزى الكامن يف احلديث وهو عدالة اإلسالم يف تطبيق احلدود وكل من يتعداها فقد ظلم نفسه وال مراعاة
عز وجل.-
للشعارات عندما تنتهك حدود اهلل – َّ
ثانياا :من مصنفات المالكية.
وقد سئل مالك رضي اهلل عنه ( :أرأيت النصراين إذا اجتر يف بلدة من أعالها إىل أسفلها ومل خيرج من بالده
إىل غريها؟؛ فقال :ال يؤخذ منهم شيء وال يؤخذ من كرومهم وال من زروعهم وال من ماشيتهم وال من خنلهم
شيء ,فإذا خرج من بلدة إىل غريها من بالد املسلمني تاجرا مل يؤخذ منه مما محل قليل وال كثري حىت يبيع ,فإن
أراد أن يرد متاعه إىل بالد أو يرحتل به إىل بالد أخرى فذلك له ,وليس هلم أن يأخذوا منه شيئا إذا خرج من
عندهم حبال ما دخل عليهم ومل يبع يف بالدهم شيئا ومل يشرت عندهم شيئا ,فإن كان قد اشرتى عندهم شيئا مبال
ناض كان معه أخذ منه العشر مكانه من السلعة اليت اشرتى حني اشرتى) ,3ومما يبني أن اإلمام مالك عندما
ني ما حيق هلم وما جيب عليهم ومقصدا أشرف على املسألة فأحاط هبا وأملَّ جبانب الفقه واملقاصد فيها ,ففقها بَ َّ
تبني عدل اإلسالم وجوهر روحه كيف ال وهو شرعة اهلل –عز وجل -ومن عندم ا تعطرت أنفاس فقهه دررا لوامع ُ
أحسن من اهلل شرعة ,ولو كان يف الشرع ظلم ألخذ مال الذميني ألهنم خبالف ديننا ,لكننا أمرنا برتكهم وما
يدينون للقاعدة الفقهية.
ثالثا :من مصنفات الشافعية.
قال الشافعي يف (األم) يف احلكم بني أهل الذمة ( :وليس لإلمام اخليار يف أحد من املعاهدين الذين جيري
عليهم احلكم إذا جاءوه يف حد اهلل عز وجل وعليه أن يقيمه وال يفارقون املوادعني إال يف هذا املوضع ,مث على
اإلمام أن حيكم على املوادعني حكمه على املسلمني ,4)...فلو كان دينهم فيصال بيننا وبينهم ما جاز للقضاة أن
« َوإِ ْن َح َك ْم َ
ت حيكموا بينهم ,لكن مبا أهنم على دين وجب احلكم بينهم بالقسط ,لقوله تعاىل:
- 1رواه ابو داود ( ,)5855باب :يف السالم على أهل الذمة ,ج ,54ص.958
- 2رواه النسائي ( ,)2594باب :عرض اإلسالم على املشرك ,ج,52ص.15
- 3ابن قدامة املقدسي ,مرجع سبق ذكره ,ج ,58ص.452
- 4أخرجه البخاري ( ,)1918باب :من قام جلنازة يهودي ,ج ,58ص.25
- 5الفريوزآبادى ,القاموس احمليط (باب الدال فصل القاف) ,حتقيق :مكتب حتقيق الرتاث يف مؤسسة الرسالة ,إشراف :حممد نعيم
العرقسوسي دار الرسالة بريوت ,سنة 8555م ,ج ,51ص.915 ُ
- 6أمحد الريسوين ,حماضرات يف مقاصد الشريعة ,دار الكلمة ,ط , 59القاهرة ,سنة 8514م ,ص.53
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 395 جملة املدونة:
قال الشيخ ابن عاشور ( :ال ميرتي أحد يف أن كل شريعة شرعت للناس ترمي أحكامها إىل مقاصد مرادة
ملشرعها احلكيم ,فلم تكن األحكام الصادرة عن الشارع عبثا من القول ,أو صدفة يشهد لذلك قوله تعاىل« :
أَفَ َح ِسْبتُ ْم أََّمنَا َخلَ ْقنَا ُك ْم َعبَثًا َوأَنَّ ُك ْم إِلَْي نَا َال تُ ْر َج ُعو َن » املؤمنون ...]115[:وهكذا أنزل سبحانه من آيات الذكر
احلكيم ,وجاءت عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم نصوص السنة الصحيحة ,تكشف كلها عن مقاصد الشارع
من تشريعاته ,وتبني أن هذا اإلنسان هو الذي كرمه اهلل على غريه ,وأواله ما رفع به منزلته من والية سامية ).1
الفرل الثالث :المقاصد الشرعية من احترام حرية االعتقاد.
ومبا أن مقاصد الشرع راعت كل ما أتى عن طريق الش ارع احلكيم ,فهي تشمل ما حنن بصدده من نظرة
املق اصد إىل حرية االعتقاد ,فاهلل تعاىل شرع هاته األحكام ليحفظ على الناس دينهم ونفوسهم وعقوهلم ونسلهم
وماهلم أو ما يسمى حبفظ الكليات اخلمس ,ولعل نظرة املقاصد إىل حرية االعتقاد تشمل الكليات اخلمس
بأمجعها ,فرتك الناس على دينهم مع دعوهتم دون إكراه باختيارهم من شرعنا احلنيف ,قال اهلل تعاىل « :فَِإ ْن
ص ٌري بِالْعِبَ ِاد » آل عمران ,]85[ :ومبا أن الشرع قد أقر غ واللَّه ب ِ ِ
ك الْبَ َال ُ َ ُ َ َسلَ ُموا فَ َقد ْاهتَ َدوا َّوإِن تَ َولَّْوا فَإَِّمنَا َعلَْي َ أْ
حريتهم دون إكراه فقد ألزم عدم أذيتهم حفاظا لنفوسهم والنصوص يف ذلك كثرية وحفظ هلم اإلسالم عقوهلم يف
بني هلم النجدين وحثهم على ترك احملرمات والفواحش وحفظ هلم نسلهم يف أن أجاز ألهل اإلسالم الزواج أن ََ
من الكتابيات وعدم التعدي على أي عرض حبجة عدم االنتساب للشرع ,وحفظ هلم أمواهلم وجتارهتم ,فالشريعة
عز وجل -ومبا أن الشرع جناة يف الدارين أمر اهلل بسلوك هنجه فقال: الغراء ليست عبثا والعبث حمال على اهلل – َّ
َّ ِ ِ ِ ٍ
ين َال يَ ْعلَ ُمو َن » اجلاثية.]12[ :اك َعلَ َٰى َش ِر َيعة ِّم َن ْاأل َْم ِر فَاتَّب ْع َها َوَال تَتَّب ْع أ َْه َواءَ الذ َ
« ُمثَّ َج َعْلنَ َ
إ ن انتظام أمر اجملتمع وسيلة ضرورية لقيام اإلنسان مبهمة اخلالفة اليت كلفه الشارع احلكيم القيام هبا؛ فميزة
الدين اإلسالمي أن التكليف فيه تكليف مجاعي؛ حيث توجد فيه خطابات موجهة لألفراد؛ وخطابات أخرى
موجهة للجماعة؛ وقد جعل الشرع وسائل حلفظ الدين من ناحية البقاء ومن هذه الوسائل ( :كفالة حرية
العقيدة والتدين ومحايتها فاإلسالم ال يكره أحدا على اعتناقه ويسمح بتعايش خمتلف األديان داخل دياره ويف
رحاب دولته ,ويرتك احلرية ألهل األديان يف عقائدهم وممارستهم التعبدية وتصرفاهتم املدنية بل إن من أهداف
ض ُهم بِبَ ْع ٍ اجلهاد اإلسالمي تأمني حرية االعتقاد والتدين) .2قال تعاىل « :ولَوَال دفْع اللَّ ِ
تِّم ْض َّهلُد َ َّاس بَ ْع َ
َ ن ال ه ْ َُ
اس ُم اللَّ ِه َكثِ ًريا »احلج.]45[ : ِ ِ ِ
ات َوَم َساج ُد يُ ْذ َكُر ف َيها ْ صلَ َو ٌص َوام ُع َوبِيَ ٌع َو َ
َ
المطلب الرابع :نماذج من احترام التعددية الدينية في الشريعة االسالمية.
الفرل األول :التعددية الدينية في مجتمع المديا ا ا اانة.
- 1حممد احلبيب بن خوجة ,بني علمي أصول الفقه ومقاصد الشريعة اإلسالمية ,وزارة األوقاف والشؤون اإلسالمية القطرية ,ط 51قطر,
سنة 8555م ,ص.152-157
- 2عليان بوزيان ,مقال :مقصد حفظ نظام األمة :مقاربة مقاصدية ,جملة املسلم املعاصر ,العدد ,145 :لبنان ,سنة 8511م
ص ,72بتصرف.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 396
ملا أتى رسول اهلل صلى اهلل وسلم املدينة املنورة – زادها اهلل شرفا – وجد عدة أطراف يف هذا اجملتمع ,رغم
اختالف امل لة إال أنه ما بدأ األمر مع امللل األخرى بالزجر والتنكيل رغم قدرته على ذلك ,لكنه عليه الصالة
والسالم كان يرى حبق املواطنة واحرتام الديانة اليت أتى هبا األنبياء قبله ,فمن أوائل ما أقامه يف هذا اجملتمع هو
وثيقة املدينة أو ما يسمى ب " صحيفة املدينة " اليت ذُكرت فيها عدَّة بنود تنظم السريورة االجتماعية للدولة
اإلسالمية.
املاسة إليها
وقد تضمنت هذه الصحيفة جمموعة من املفامهيم الكبى اليت وجب الغوص يف عمقها للحاجة َّ
اليوم يف دولة حترتم احلقوق واحلريات املدنية لإلنسان ,حىت يتثىن حتليل أهم املضامني لكوهنا بنودا قصرية ولكنها
معان غزيرة ,وقد كان من حنكة رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه سارع إىل حل املشاكل اليت متثل عائقاً ذات ٍ
كبرياً يف قيام الدولة اإلسالمية ,وهي مشكلة القبائل اليهودية اليت كانت تسكن املدينة إبان هجرته صلى اهلل عليه
وسلم وقد كانت تتبوأ مركزاً مرموقاً يف املدينة بسبب ما كانوا عليه من كثرة العدد ,وسعة الثروة ,واملهارة الزراعية
والصناعية والتجارية ,مث بسبب ما كان هلم من مكانة دينية وعلمية مستمدة من كوهنم أصحاب كتاب مساوي,
وكوهنم ذوي صلة باألنبياء واألمم الغابرة.
وقد اشتملت بنود هذه الوثيقة على كثري من األمور يهمنا هنا األمور املتعلقة بالناحية األمنية اليت منها:
-وإنه ال حيول هذا الكتاب دون ظامل أو آمث ,وإنه من خرج آمن ومن قعد آمن باملدينة إال من ظلم وأمث,
وإن اهلل جار ملن ّبر واتقى ,وحممد رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم.
-وإن يثرب حرام جوفها ألهل الصحيفة.
-وإن بينهم النصر على من دهم يثرب.
-وإنه ال جتار قريش وال من نصرها.
فإن مرده إىل اهلل وإىل حممد -وإن ما كان بني أهل هذه الصحيفة من حدث ,أو اشتجار خياف فسادهَّ ,
رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ,وإن اهلل على أتقى ما يف هذه الصحيفة.1
أن يهود بين عوف أمةٌ مع املؤمنني ) ويالحظ أنه قال :مع املؤمنني ,ومل يقل وقد ذكرت بنود أخرى من بينها :و َّ
من املؤمنني ,ما يكشف عن أنه استخدم لفظ ّأمة باملعىن السياسي ال الديين ( لليهود دينهم ,وللمسلمني دينهم,
أن األمة أطلقت يف هذا السياق مواليهم وأنفسهم ,إالَّ من ظلم وأمث ,فإنه ال يوتغ إالَّ نفسه وأهل بيته ) وواضح َّ
باملعىن السياسي املواطين ,ال باملعىن الديين العقدي)...وأنه ليهود بين ساعدة وبين النجار وبين احلارث وبين جش ٍم
وبين ثعلبة وبين األدس مثل ليهود لبين عوف ( 2وهذا يدل على الشمول الذي مشلته الوثيقة من احرتام للتعددية
الدينية اليت كان يزخر هبا جمتمع املدينة وهذا اعتبارا للمآالت كي تندمج أطياف اجملتمع فيما بينها وجعل اهلدف
األمسى هو التنمية االجتماعية والثقافية وبث روح األمن واألمان يف األنفس ).
- 1حممد بن حممد العواجي ,أمهية دراسة السرية النبوية والعناية هبا يف حياة املسلمني ,جممع امللك فهد لطباعة املصحف الشريف ,د.ط.ت,
الرياض ,ص ,95بتصرف.
- 2حممد محيد اهلل ,جمموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي واخلالفة الراشدة ,ب.ط ,بريوت ,سنة 1325م ,ص ,28-57بتصرف.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 397 جملة املدونة:
فهذه البنود اخلمسة من أهم البنود اليت حتدثت عن األمن واألمان ألهل املدينة مجيعاً مسلمهم وكافرهم؛ فقد
نصت الوثيقة على أ ّن يثرب حرام جوفها ألهل هذه الصحيفة ,ومعىن هذا منع احلروب والقتال بني القبائل
والعشائر ,وتثبيت السلم يف املدينة ,وبذلك وضعت ح ّداً ألقوى عامل يف خلق القلق واالضطراب وما جيره من
أمور تعرقل مسرية الدولة.
وهذه طفرة من "العقل البدائي" الذي يتعامل مع احملسوسات إىل "العقل احلضاري" ومسامهة من التمكني
واالقالع احلضاري للمجتمع اليثريب آنذاك وهذا ما ساهم يف إحداث تغيري يف سلوك اإلنسان اليومي أحدث
تغيريا جذريًا ..فالنقلة كبرية بني ما كان عليه يف جاهليته وما صار إليه يف إسالمه ..مل يعد العريب كما
اإلسالم ً
كان متفلتًا من ضوابط القانون يف معامالته وعالقاته االجتماعية بل صار منضبطًا بضوابط الشريعة يف جزئيات
حياته من أخالق وعادات ونوم واستيقاظ وطعام وشراب وزواج وطالق وبيع وشراء ..وال شك أن العادات
تتحكم يف اإلنسان ويصعب عليه التخلص منها واكتساب عادات وصفات جديدة ...لكن ما ولده اإلسالم يف
أنفسهم من إميان عميق مكنهم من االخنالع من الشخصية اجلاهلية بكل مالحمها واكتساب الشخصية اإلسالمية
بكل مقوماهتا فاعتادوا على عبادة اهلل تعاىل واجتهوا بكل نشاطهم االجتماعي واالقتصادي إليه ألن العبادة يف
اإلسالم شاملة لكل نشاط وحركة يقصد هبا وجه اهلل تعاىل.1
الفرل الثاني :مع نصار نجران.
وهي قصة حدثت مع وفد نصارى من جنران أتى لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم حني ظهر خبه من
احلبشة فوجدوه يف املسجد فجلسوا إليه فكلموه وسألوه ,ورجال من قريش يف أنديتهم حول الكعبة ,فلما فرغوا
من مسألتهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم عما أرادوا ,دعاهم رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم وتال عليهم
القرآن ,فلما مسعوا فاضت أعينهم من الدمع ,مث استجابوا له وآمنوا به وصدقوه وعرفوا منه ما كان يوصف هلم يف
كتاهبم من أمره ,فلما قاموا من عنده اعرتضهم أبو جهل يف نفر من قريش فقالوا :خيبكم اهلل من ركب بعثكم من
وراءكم من أهل دينكم ترتادون هلم لتأتوهم خبب الرجل ,فلم تطمأن جمالسكم عنده حىت فارقتم دينكم,
فصدقتموه مبا قال لكم ,ما نعلم ركباً أمحق منكم ,أو كما قالوا هلم؛ فقالوا " :سالم عليكم الجناهلكم ,لنا
أعمالنا ولكم أعمالكم ,ال نألوا أنفسنا خرياً " ,ويقال إن النفر النصارى من أهل جنران.2
وبعد عدة مشاورات وحتاورات وأخذ ورد بعث معهم أبو عبيدة بن اجلراح – رضي اهلل عنه – لكي حيكم
بني فيه بعض األحكام وقد ذُكر
بينهم فيما ختلفوا فيه ,وقد كتب هلم رسول اهلل عليه السالم بعض من الكتب َّ
من هذه الكتب ( :ولنجران وحاشيتها جو ُار اهلل وذمة النيب رسول اهلل ,على أمواهلم وأنفسهم وملتهم وغائبهم
وشاهدهم وعشريهتم وبيعهم وكل ما حتت أيديهم من قليل أوكثري ,ال يُغري أسقف من أسقفيته ,وال راهب من
- 1أكرم ضياء العمري ,السرية النبوية الصحيحة ,مكتبة العلوم واحلكم ,ط ,52املدينة املنورة ,سنة 1334م ,ج ,51ص ,899-898
بتصرف.
- 2حممد بن إسحاق املدين ,سرية ابن إسحاق (كتاب السري واملغازي) ,حتقيق :سهيل زكار ,دار الفكر ,الطبعة األوىل ,بريوت ,سنة
1372م.812 ,
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 398
- 1أبو يوسف األنصاري ,اخلراج ,حتقيق :طه عبد الرءوف سعد ,سعد حسن حممد ,املكتبة األزهرية للرتاث ,د.ط.ت ,القاهرة ,ص.58
- 2أبو يوسف األنصاري ,نفس املرجع السابق ,ص.58
- 3حممد بن احلسن الشيباين ,املبسوط ,حتقيق :أبو الوفا األفغاين ,إدارة القرآن والعلوم اإلسالمية ,كراتشي ,ج ,40ص.060
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 399 جملة املدونة:
خاتمة
إن الشرع قد حوى مبقاصده ومعانيه ما حوى ,من جواهر تعجز عنها عقول أويل النهى كيف ال ومنبع درره
ومكنوناته من كالم ريب العلى ,الذي أنزل كتابا ال يأتيه الباطل من بني يديه وال من خلفه ,فهو نور لإلنسانية
مجعاء ,ونظرة الشرع إىل مواضيع كهذه وتكييفه هلا على حسب الزمان واملكان واعتبارات املآالت ودراسة
األحوال ,مع ذاك اخلالف الذي أحدث ثراء فقهيا تعج به كتب املتقدمني واملتأخرين ,جتعل العبد يتوقف مرات
مرات ليحمد اهلل على نعمة اإلسالم وكفى هبا نعمة.
وإن الناظر واملتتبع لنشأة املدراس الفقهية الكبى ,يرى دائما أن األئمة – رمحهم اهلل – كانوا يتخوفون
ويتوجسون لكل مسعى وسبيل جيعل من اجتهاداهتم وفتاويهم هي الفيصل ,ومما يروى عن تالميذ مالك – رمحه
اهلل – أهنم قالوا " :لو كتبنا من قول مالك ال أدري ملألنا هبا األل واح" ,هذا عامل املدينة وحجة أهل زمانه ,كان
يتحرى ويتخوف ليال حتدث فتاواه خلخلة يف حياة العباد يف املعاش واملعاد ,فزلة العامل زلة عَا َمل ,ومن هذا يتبني
أن الفقهاء كانوا على إدراك تام أن اجتهاداهتم نسبية ال تأيت باحلق املطلق ,وعلى هذا اختلفت املصادر والق واعد
وانفرد تالمذة كل مذهب بالتصنيف والشروحات واالختصارات ,مما أحدث ثراء فقهيا كبريا ,حىت وإن مساه
البعض عصر اجلمود واإلنغالق ,ومبقارنة هؤالء بفقه الصحابة -رضي اهلل عنهم -جند أن فقه الصحابة أكثر
مرونة وأنزع إىل املقاصدية ومراعاة املصاحل واعتبار تغري الظروف والشروط.
وإن الناظر يف هذا الزمان الذي ما فتأت نوازله وتزداد يوما بعد يوم ,ساعة بعد ساعة والعامل يشهد نزاعات
وخصومات وسياسات ما سبق للتاريخ أن شهد قبلها ,وتطور وهنضة علمية يف شىت ميادين املعرفة ,جعلت من
الشريعة الغراء تتحرك مبرونتها لتفهم هذه النوازل ,فما بقيت إال وتتحرى عن كل ما يطرأ على حياة العباد وبيان
موقف الشريعة منها ,سواء يف اجملاالت الطبية أو العلمية أو اإلجتماعية واملالية وسياسات الدول وغريها .ومن بني
حيث تطلبها اجتهادا جديدا تلك املتعلقة باحلقوق واحلريات ,ويف رأسها احلرية أكثر املسائل أمهية وإحلاحا من ُ
الدينية وحقوق غري املسلمني يف الدول املسلمة واملوقف من اآلخر عموما ,وخاصة ما ترتيب عنها من حكم على
املرتد ردة دينية اختلف فيها أهل العلم ما بني ردة حربية حتمل يف طياهتا اخليانة والغدر واخلروج عن أنظمة الدولة,
وبني ردة جمردة ال عالقة لصاحبها بتمرد وال خروج وغري ذلك من مظاهر شق الصف ,إال أنه اختارا دينا آخر.
وإن من النتائج املتوصل إليها يف هذا املقال:
-كفلت الشريعة حرية االعتقاد ضمن ضوابط معينة مع مراعاة خمتلف األعراف والقوانني الدولية يف
التعامل مع خمتلف األديان خاصة يف الزمن املعاصر ,ملا يرتتب عليها من عوامل وجماهبات ,فأي تضييق على أهل
- 1رواه الطباين ( ,)111مل يسم هذا الباب ,حتقيق :محدي بن عبد اجمليد ,مكتبة ابن تيمية ,ط ,40القاهرة ,سنة ,1990ج ,19ص.61
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 411
امللل األخرى يؤدي مبقابله إىل تضيق وتعسري حال بالنسبة لألقليات املسلمة هناك ,فإن فُعل ذلك كان من عدم
اعتبار للم آالت.
اجنر عنه قدميا من خالف أو حديثا ضمن -إن أثر حرية االعتقاد يف املسائل الفقهية كثرية جدا سواء ما َّ
النوازل املعاصرة وهذا راجع لعجلة التقدم احلضاري الذي يعرفه العامل على مستوى كل اجملاالت الفكرية والسياسية
وتغري لنظام التعامل الدويل والدبلوماسي موافقة للدساتري اليت تكاد أن تكون مشكاهتا واحدة إن مل نقل كلها.
لب التسامح تكمن احلرية ,فاملواطن املتسامح شخص يؤمن -عالقة التسامح باحلرية عالقة متكاملة ففي ِّ
إميانا تاما بضرورة إعطاء فرص من منبع االحرتام ال القناعة لكل األفكار والعقائد ,ومن هنا يعد التسامح معيارا
صعبا للبهنة واختبار اإلنسانية.
-التعصب والتنافر وعدم تقبل اآلخر كما هو ,هي أحد مصائب األمم والدول حنو السقوط واالحندار يف
منظومة القيم ,وهبذا الشكل سيخسر اجلميع أوال وأخريا وعلى رأسهم " احلقيقة " وبنقيض ذلك إذا ما ارتوت
النفوس تساحما وقبوال لألطراف اآلخرين سريبح وينجو اجلميع وعلى رأسهم كذلك " احلقيقة ".
-انتهى البحث إىل القبول التام حنو احرتام التعددية الدينية وتأكيد احلقوق واحلريات متاشيا مع روح
الشريعة السمحاء والنظم العاملية اليت ال تصادم النصوص أو ال تتسق مع روحانية القرآن والسنة املطهرة.
-واملرجو من البحث هو بعث نُظم جديدة للحوار وخماطبة العامل وعدم ترك ملستغلي اخلطاب الديين لتبير
سياستهم وأفكارهم وجعل شريعة اهلل مثلبة ترمى عليه االهتامات ,وذلك من خالل تكوين نظام شامل تعليمي
يرافقه قوة إعالمية مدعمة ماليا وفكريا و احرتافيا لتنافس كبيات املؤسسات اإلعالمية العاملية اليت تضرب صميم
الشريعة حبجة اإلرهاب واإلجرام ,ووراء تلك الشاشة الصغرية اآلالف اآلالف من املغرر هبم ,كما وجب جتنيد
نضال إلكرتوين كبري ومعتب وذو جودة ملواجهة موجة اإلحلاد وبث التعصب داخل نفوس الشباب عب مواقع
األنرتنت والتواصل االجتماعي.
وصلى واهلل وسلم على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثريا
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 411 جملة املدونة:
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 412
تقديم وتحقيق:
احلم د هلل رب الع املني والص الة والس الم عل ى أش رف املرس لني ,وآل ه وص حبه
أمجعني.
أم ا بع د ف إن ف ن الف روق م ن الفن ون العظيم ة النف ع ,اجلليل ة الق در ,لتعلقه ا
بض بط الفق ه وقواع ده ض بطا متقن ا ,يس هل الص عب ويق رب البعي د ,وانظ ر طرف ا مم ا
يتعلق هبذا يف مقدمة الفروق للقرايف رمحه اهلل مع تعليق ابن الشاط.
ه ذا ومم ن كت ب يف ه ذا الش أن العالم ة عب د الق ادر الراش دي اجلزائ ري رمح ه اهلل,
أل ف تأليف ا لطيف ا يف مس ألة لطيف ة تتعل ق باملع امالت املالي ة ,وه ي يف الف رق ب ني اجلع ل
واإلجارة ,نظرا ملا بينهما من االتفاق يف بعض الصور ,واالختالف يف بعضها,
وم ا زال الفقه اء يف ت آليفهم يعتن ون ببي ان الف رق امل ذكور ,ولعل ك س رتى ش يئا
من ذلك يف التعليق على هذه الرسالة.
وق د رأي ت أن أق وم ب إخراج ه ذه الرس الة ل يعم هب ا النف ع ,وق دمت هل ا مببحث ني
وجيزين ,يتعلق األول منهما باملصنف ,والثاين بالرسالة.
واهلل أسأل أن ينفع هبا وأن جيعل هذا العمل خالصا لوجهه الكرمي.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 413 جملة املدونة:
دث" ام احمل يخنا اإلم ه ":ش دي يف معجم ذه الزبي ال تلمي وق
1
ق ال احلفن اوي ":العالم ة احملق ق اجملته د األص ويل الكالم ي ق رايف وقت ه وعض د زمان ه ".
3
وصفه الكتاين":بعامل قسنطينة ,وبشيخ اجلماعة بقسمطينة 2وقاضيها.
وم ا يؤك د رفع ة منزلت ه وجالل ة ق دره ب ني علم اء عص ره م ا ذك ر الكت اين يف فهرس ه م ن تق ريظ الراش دي
لكت اب ال ذخرية يف الس رية النبوي ة أليب ال ذخائر حمم د املعط ي اب ن الص احل الش رقي ,ق ال:وهي م ن أعظ م
الكت ب ال يت ف اق هب ا املغارب ة عل ى غ ريهم ألهن ا يف ني ف وس بعني جمل دا م ن القال ب الكب ري.
ق ال الكت اين :وق د قرظ ه ومدح ه أع الم عص ر مؤلف ه باحلج از ومص ر وت ونس وغريه ا م ن ب الد افريقي ة
كالش مس احلف ين والش هاب اجل وهري ومف يت مك ة عب د الق ادر الط بي وعب د الق ادر الراش دي القس مطيين
...وغريهم من علماء مراكش وسوس وشنكيط وتطوان وتازا وغريهم من البالد.
وصفه الشيخ مبارك امليلي " بشيخ قسنطينة يف القرن الثاين عشر"
وقال عمر رضا كحالة ":فقيه أصويل متكلم مؤرخ.4
المطلب الرابع :شيوخه
أشهر شيوخه الذين خترج عليهم
)1أمحد بن قاسم البوين
5
)8أبو العباس أمحد املكودي نزيل تونس.
- )9وأبو العباس أمحد زروق. 6
7
- )4أخذ عن حممد بن علي اجلعفري
المطلب الخامس :تالميذه
8
)1القاض ي أب و عب د اهلل حمم د ب ن املس بح القس نطيين وحمم د ب ن عل ي الطلح ي اللغ وي النح وي
الفقيه األصويل.9
)8وحممد مرتضى الزبيدي 1صاحب كتاب تاج العروس بشرح القاموس.
2
)9كما يروي عنه اهلادي بن حممد الشريف وابن أخيه عبد امللك الراشدي
متس عة املي دان يف إثب ات وج ه ال وزن وآل ة املي زان ,تع رض في ه ملباح ث اعتقادي ة وكالمي ة
وناقش فيه على وجه اخلصوص مذهب أهل التأويل يف مبحث املتشابه.
وه و الكت اب ال ذي س بب ل ه احملن ة ال يت س بق اإلش ارة إليه ا وق د ف رغ م ن تبييض ه وق ت زوال ي وم
اخل امس عش ر م ن حم رم ع ام 1127م ,وتوج د من ه نس خة خمطوط ة ض من جمم وع رس ائل الراش دي يق ع
يف 125صفحة.
حاشية على املواقف العضدية ,وقد قيل إهنا حاشية حمشوة بالتحقيق واإلتقان.
مف اد التحص يل إلع داد الس بيل ,وه و منظ وم م ع ش رحه وض عه ردا عل ى خمالفي ه يف قض ية
التأويل
رسالة يف التوحيد.
رسالة يف التعليق على سعد الدين التفتازاين يف شرح مقاصده يف أفعال العباد.
كتاب مساه :جتديد اإلميان يف أواخر الزمان.
كتاب يف مباحث االجتهاد بسط فيه مسائل أصولية وكالمية.
حتف ة اإلخ وان يف حت رمي ال دخان ,من ه خمط وط يق ع يف 59ص فحة وص در ع ن دار الغ رب
سنة 1337م بتحقيق وتقدمي الدكتور عبد اهلل محادي .
وق د ج اء يف تعري ف اخلل ف للحفن اوي ":ول ه رس الة يف حت رمي ال دخان ش حنها أوال ببي ان
شاف يف حال الدخان ,مث جلب من األدلة املقتضية حلرمته ما ال مزيد بعده".
رسالة يف حكم من جرى حلفه حبرام.
وق ال احلفن اوي يف تعري ف اخلل ف ":ول ه تعليق ات مج ة وفت اوى ومس ائل ابتكاري ة جليل ة
وتفسري عدة آيات وقعت مبجالس صاحل باي".
قص يدة طويل ة تص ف ق دوم اإلس بان إىل اجلزائ ر وتش يد باس تماتة القائ د ص احل ب اي يف
الدفاع عن العاصمة.
قصيدة يف مدح النيب صلى اهلل عليه وسلم.
قصيدة يف مدح شيخه أيب العباس املكودي .
النص المحقق:
احلمد هلل
مسألة في الفرق بين حقيقتي اإلجارة والجعالة
ال ذي يتحص ل م ن كالمه م يف الف رق ب ني حقيق يت اإلج ارة واجلعال ة ه و تبع يض املنفع ة عن د تبع يض
وعدمه.1
العمل ُ
فال ذي ال ميك ن وج ود نف ع في ه أص ال عن د تبع يض عم ل العام ل كاملعاق دة عل ى آب ق أو مج ل
شارد أو برء من مرض هو جعالة فقط.
والذي ميكن وجوده فيه عنده هو جعالة وإجارة باعتبارين ,غري أنه قسمان:
إن حص ل التبع يض ف إن حص ل النف ع بالفع ل مل ن ي دفع الع وض كاملعاق دة عل ى إيص ال خش بة يق ع
ت رك محله ا أثن اء املس افة وإجي اره آخ ر عل ى اإليص ال فإج ارة ,وإال فجعال ة ,كك راء س فينة إليص ال قم ح
يقع غرقها أثناء املسافة ,فما مل يغرق منه هو فيه إجارة ,ال ما غرق فجعالة.
وإن مل حيصل تبعيض فإن وقع على أنه يستحق حبسب ما عمل أو بلفظ اإلجارة فإجارة.
1أي بضد الوصف املذكور ,وهو أن يكون غري عارف بشدة األرض وال ببعد مائها
2ويف التلقني للقاضي عبد الوهاب ص( :)125فأما مشارطة الطبيب على برء العليل ,واملعلم على تعليم القرآن فرتدد بني اجلعل
واإلجارة
ٍ
للمستأجر 3أي وقبل حصول النفع
4أي لعدم تعليق األجر على التمام
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 411
وه ذا اخل الف بالنس بة لإلج ارة دون اجلعال ة ,فيتف ق فيه ا عل ى الفس اد الش رتاطهم فيه ا إط الق
4
الزمان.
انته ى ,قال ه وكتب ه الراج ي عف و الق اد ِر الراش ُّ
دي عب ُد الق ادر أواخ ر ش هر اهلل تع اىل ربي ع الث اين م ن
عام ,1129أرشد اهلل اجلميع مبنه آمني .انتهى
المصادر والمراجع
)1األعالم :خري الدين الزركلي ,دار العلم للماليني ,الطبعة اخلامسة عشرة 8558م
)8البي ا ن والتحص يل والش رح والتوجي ه والتعلي ل ملس ائل املس تخرجة ,أليب الولي د حمم د ب ن أمح د
ب ن رش د الق رطيب (املت وىف 585 :ه ) ,حقق ه :د حمم د حج ي وآخ رون ,الناش ر :دار الغ رب اإلس المي,
بريوت -لبنان
الطبعة :الثانية 1452 ,ه 1322 -م
)9ت اريخ األدب الع ريب :ك ارل بروكلم ان ,ترمج ة :حمم ود فهم ي حج ازي ,اهليئ ة املص رية العام ة
للكتاب (1339م)
)4تاريخ اجلزائر الثقايف :أليب القاسم سعد اهلل ,دار الغرب اإلسالمي 1332م
)5تعري ف اخلل ف برج ال الس لف :أليب القاس م حمم د احلفن اوي الديس ي ,مطبع ة بي ري فوفتان ة
الشرقية باجلزائر.
)2التبص رة :أليب احلس ن عل ي ب ن أمح د اللخم ي ,حتقي ق :أمح د ب ن عب د الك رمي جني ب ,وزارة
األوقاف والشؤون اإلسالمية قطر ,طبعة1498 :ه 8511م
)7التلق ني يف الفق ه امل الكي :للقاض ي عب د الوه اب ب ن عل ي البغ دادي ,حتقي ق :حمم د ب وخبزة
وبدر العمراين ,دار الكتب العلمية ,الطبعة األوىل1485 :ه 8554م
)2التنبيه ات املس تنبطة عل ى كت ب املدون ة واملختلط ة :للقاض ي أيب الفض ل عي اض ب ن موس ى
اليحصيب ,حتقيق :أمحد بن عبد الكرمي جنيب .مركز جنيبويه.
)3ش جرة الن ور الزكي ة ,حمم د ب ن حمم د ب ن عم ر خمل وف ,تعلي ق :عب د اجملي د خي ايل ,دار الكت ب
العلمية ,الطبعة األوىل1484 :ه 8559م
)15ش رح ح دود اب ن عرف ة أليب ع ب د اهلل حمم د األنص اري الرص اع ,حتقي ق :حمم د أيب األجف ان
والطاهر املعموري ,دار الغرب اإلسالمي ,الطبعة األوىل1339 :
)11من اهج التحص يل ونت ائج لط ائف التأوي ل يف ش رح املدون ة وح ل مش كالهتا :أليب احلس ن عل ي
بن سعيد الرجراجي ,حتقيق :أيب الفضل الدمياطي ,دار ابن حزم ,الطبعة األوىل1482 :ه 8557م
)18املختص ر الفقه ي :حمم د ب ن عرف ة ال ورغمي التونس ي ,حتقي ق :ح افظ عب د ال رمحن حمم د
اخلري,مؤسسة خلف أمحد اخلبتور لألعمال اخلريية ,الطبعة :األوىل 1495 ,ه 8514 -م
)19املعون ة عل ى م ذهب ع امل املدين ة :القاض ي عب د الوه اب البغ دادي امل الكي ,حتقي ق ودراس ة:
محيش عبد احلق ,مكتبة نزار مصطفى الباز.
)14معجم املؤلفني :عمر بن رضا كحالة ,دار الرتاث العريب بريوت.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 413 جملة املدونة:
)15املعج م املخ تص :حمم د مرتض ى الزبي دي ,حتقي ق :نظ ام حمم د ص احل يعق ويب وحمم د ناص ر
العجمي ,دار البشائر اإلسالمية ,الطبعة األوىل (1487ه 8552م)
)12املق دمات املمه دات مل ا اق تض ته رس وم املدون ة م ن األحك ام الش رعيات والتحص يالت
احملكم ات ألمه ات مس ائلها املش كالت :أليب الولي د حمم د ب ن أمح د ب ن رش د الق رطيب ,حتقي ق :حمم د
حجي .دار الغرب اإلسالمي ,الطبعة األوىل1452 :ه 1322م
)17ف تح الفت اح :الب ن رح ال ا ملع داين ,خمط وط ي تم حتقيق ه ع ن مرك ز الدراس ات واألحب اث يف
الفقه املالكي ,قمت بتحقيق كتاب اإلجارة منه.
)12فه رس الفه ارس واألثب ات ,ومعج م املع اجم واملش يخات واملسلس الت :حمم د عب د احل ي
الكتاين ,حتقيق :إحسان عباس ,دار الغرب اإلسالمي ,الطبعة الثالثة 1328م
)13وث ائق الفش تايل :أليب عب د ا هلل حمم د ب ن حمم د ب ن أمح د الفش تايل ,حتقي ق :أيب الفض ل
الدمياطي ,دار ابن حزم ,ا لطبعة ا ألوىل1492 :ه 8515م
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 414
تقديم وتحقيق:
أ.رشيد الجاري
باحث بسلك الدكتوراه-املغرب
مقدمة:
احلمد هلل رب العاملني والصالة والسالم على أشرف األنبياء واملرسلني نبينا حممد ,وعلى آله وصحبه أمجعني.
وبعد:
فهذه وصية موجزة يف مناسك احلج والعمرة ,على مذهب املالكية ,من تأليف الشيخ حممد بن حممد بن
الدرعي املتوىف سنة (ت1525ه ) رمحه اهلل ,حرر أحكامها معتمدا املتفق عليه والصحيح واملشهور أمحد بن ناصر َّ
وما جرى به العمل...خملصا إياها من النقول والتفريعات واخلالفات الفقهية ,قاصدا فيها تسهيل أحكام املناسك
حلجاج بيت اهلل احلرام بأسهل الطرق وأوجز العبارات.
وقد حققت هذه الوصية ورغبت يف إخراجها لعامة الناس نظرا ألسباب كثرية أذكر منها:
_ 1اإلسهام ولو جبُهد قليل يف إحياء ما خلفه أسالفنا من الرتاث الفقهي.
_8ملا كانت كتب املالكية معتبة يف بالدنا ,ومعتمدة يف التدريس ,أحببت أن تكون هذه الرسالة املهمة
املتداول فيها.
ضمن الرتاث الفقهي املالكي َ
_9توفر النسخ الكافية هلذه الرسالة مما شجعين على إخراج نصها على النحو الذي كتبه مصنّفها رمحه اهلل.
_ 4استكمال التكوين يف الدكتوراه ,إذ أصبح من الواجب علينا فيه إجناز بعض البحوث ونشرها يف بعض
اجملالت احملكمة.
_5مكانة صاحب هذه الرسالة بني فقهاء املذهب عامة ,وفقهاء املغرب خاصة ,وشهرته ومتيزه بالتحرير
والتدقيق.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 415 جملة املدونة:
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 416
القسم األول:
التقديم
()1انظر :فهرسة اليوسي ,ص 25حتقيق :زكرياء اخلثريي حتت إشراف الدكتور جعفر باحلاج السلمي حبث لنيل دبلوم الدراسات العليا
املعمقة نوقش جبامعة حممد اخلامس بالرباط سنة 8554م.
( )2أبو العباس أمحد بن خالد الناصري السلوي دارا وقرارا ,ينتهي نسبه إىل الشيخ سيدي حممد بن ناصر الدرعي صاحب زاوية درعة الشهرية
باملغرب ...تويف ب بلده سنة مخس عشرة وثالمثائة وألف.انظر :الفكر السامي يف تاريخ الفقه اإلسالمي حملمد احلجوي الثعاليب ج :/8ص
923_922طبعة :دار الكتب العلمية -بريوت-لبنان الطبعة :األوىل – 1412ه 1335 -م
()3انظر :االستقصا ألخبار دول املغرب األقصى ,للناصري ج /7ص 152حتقيق :جعفر الناصري و حممد الناصري طبعة :دار الكتاب
-الدار البيضاء.
()4انظر :فهرسة اليوسي ص 35 _ 25لقد أفاد وأجاد يف احلديث عن شيوخه يف العلم والتصوف ولوال اإلطالة يف هذه املقدمة لذكرت كل
شيوخه.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 417 جملة املدونة:
الدرعي ,وحممد بن سليمان الفاسي ,والنوري الصفاقسي ,وأبو سامل العياشي ( ...)1وغريهم كثري ,فقد مسلِم َّ
كانت الزاوية الناصرية قبلة للطلبة.
_ 2مؤلفاته :
رغم شهرته بالعلم مل يؤلِّف املؤلَّفات الكثرية ,ورمبا يعود ذلك الشتغاله بالتدريس ونَ ْسخ الكتب والتعليق
عليها وحفظ بعضها ,ومع ذلك فإن ألف أجاد ,ومن أشهر مؤلفاته :غنيمة العبد املنيب بالتوسل بالصالة على
النيب احلبيب ,طبع قدميا باملطبعة الوطنية بالرباط سنة 1951ه ,ومناسك احلج وهو موضوع حبثنا ,ومنظومة يف
قواعد اإلسالم ,وكتاب األجوبة املعروف باألجوبة الناصرية ,طبعته دار ابن حزم سنة 1499ه باعتناء أيب
َّصر لِ ُك ِّل ِذي بَ ْغي َوَم ْكر ,توجد منه نسخة باخلزانة العامة بالرباط رقم
ف الن ْ
الفضل أمحد بن علي الدمياطي ,و َسْي ُ
,1974وأخرى باخلزانة العلمية الصبيحية بسال رقم ,8/875ورقم ,9342والدعاء الناصري ,واملمتع يف
شرح املقنع يف علم الفلك ,ومنظومة مساعدة اإلخوان يف املفروض واملسنون على األعيان ,املعروفة بالدرعية وهي
منظومة يف الفقه املالكي ,خمطوطة مبركز امللك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية بالرياض رقم ,18732
وأخرى بدار الكتب املصرية بالقاهرة رقم ,428/1والعقيدة الكبى خمطوط خبزانة ابن يوسف مبراكش رقم
,8/521ومنظومة يف كيفية الوضوء والصالة ,خمطوطة بدار الكتب الوطنية بتونس رقم 53وشرح فرائض خليل
خمطوط مبركز امللك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية رقم , 1852وشرح المية األفعال ,وكتاب يف الطب,
وآخر يف خطبه ,وحاشية على صحيحي البخاري ومسلم(.)2
وقد مجع ابنه جل رسائله يف تأليف مستقل مسّاه ب :إحتاف املعاصر برسائل الشيخ ابن ناصر وهو خمطوط
باحلسنية رقم 5431وخزانة املسجد األعظم بوزان ,رقم 551ضمن اجملموع الثامن.
_ 4وفاته:
اىل()3وهو ابن أربع وسبعني سنة.
ني َوألف رحه اهلل تَ َع َِ
كانت وفاته ىف سنة مخس َوَمثَان َ
ومل يرتك رضي اهلل عنه دينارا ,وال درمها ,وال دارا ,أو عقارا ,بل تصدق جبميع ذلك قبل موته ,بل ومبا ترك له
والده ,وخرج من الدنيا كما جاء إليها.
_ 3ثناء أهل العلم عليه :
أ_ نماذج من ثناء أهل المغرب عليه:
لقد أثىن عليه عدد كبري من أعالم املغرب ,ووصفوه بأوصاف ال يصل إليها إال من بلغ درجة من درجات
االجتهاد يف الفقه .قال تلميذه الشيخ أبو سامل العياشي( :شيخنا احلافظ اخلاشع الزاهد ألني أهل زمانه عطفا,
()1انظر :شجرة النور الزكية يف طبقات املالكية للشيخ خملوف ج / 1ص 459تعليق عبد اجمليد خيايل طبعة دار الكتب العلمية ,لبنان
الطبعة :األوىل 1484 ,ه 8559 -م
()2انظر :األعالم ,خلري الدين الزركلي ج/ 7ص 29طبعة :دار العلم للماليني الطبعة :اخلامسة عشر مايو 8558م ,ومعجم املؤلفني لعمر
كحالة ج / 11ص 127طبعة :مكتبة املثىن -دار إحياء الرتاث العريب بريوت.
3خالصة األثر يف أعيان القرن احلادي عشر للحموي ج /ص 892
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 418
بالب والبكة ,كان رضي اهلل عنه شديد االتباع للسنة وأشدهم هلل خوفا ,املوفق يف السكون واحلركة ,املقرونة أحواله ِ
يف سائر أحواله حىت يف لباسه وأكله ويف أنواع العبادات والعادات ,سلك يف ذلك سبيل الشيخ املرجاين وابن أيب
َمجرة وابن احلاج ونظائرهم ,حضرت جمالسه يف كثري من العلوم فقها وتفسريا وحنوا وحديثا وتصوفا ,عدمي النظري يف
العربية ,حيفظ التسهيل عن ظهر قلب ,وجل استفادته يف العلوم الظاهرة عن شيخه سيدي علي بن يوسف
الدرعي ,وأجاز له سيدي حممد بن سيدي سعيد املراكشي ,ولقي شيخنا أبا بكر السجستاين يف رحلته إىل املشرق
واستفاد منه)(.)1
وقال عامل املغرب اإلمام أبو علي اليوسي يف فهرسته( :ومنهم أستاذنا اإلمام ,وقدوتنا اهلَُمام ,علَم األعالم,
وشيخ مشايخ اإلسالم ,قدوة الطريقة ,اجلامع بني الشريعة واحلقيقة ,سيدي أبو عبد اهلل حممد ابن ناصر َّ
الدرعي,
قرأت عليه التسهيل ,ومجلة من خمتصر خليل ,والتفسري ,واملدخل البن احلاج ,واإلحياء للغزايل ,وجزء من
البخاري ,والشفا ,وطبقات الشعراين)(.)2
موطن آخر من نفس الكتاب (:وكان رمحه اهلل مشاركا يف فنون من العلم ,كالفقه ,والعربية, وقال يف ِ
والكالم ,والتفسري ,واحلديث ,والتصوف ,عابدا ,ناسكا ورعا ,قائما بالطريقة ,شاربا من عني احلقيقة ,وكان رمحه
اهلل مع إكبابه على علوم القوم ,وانتهاجه منهج الطريقة ال خيل بالعلم الظاهر تدريسا وتأليفا ,وتقييدا وضبطا,
فنفع اهلل به الفريقني ,ونور به اجلانبني ,وصحبه الناس غربا وشرقا) (.)3
ب_ نماذج من ثناء أهل المشرق عليه:
وكما أثىن عليه بعض أعالم املغرب ,فقد أثىن عليه عدد كبري من أعالم املشرق.
الدرعي العريب النحوي اللغوي الناظم جمدد الطريقة الشاذلية,قال ياقوت احلَ َموي مرتمجا له( :حممد بن ناصر َّ
مريب العلماء والفقهاء ,بركة املغرب ,صاحب الكشوفات ,وأوحد أهل الدهر ,أمجع أهل املغرب على جاللته
وعظم قدره ,وما أظن أحدا بلغ رتبته يف االشتهار عندهم ,فإين كثريا ما أسأل عنه آحاد املغاربة فيبادروين بذكر
وهلة ,وال أراهم يف وصف غريه كذلك)(.)4 فضائله ,وواليته بأول ْ
الدرعي ,من صلحاء املالكية وعلمائهم يف وقال ا ِّلزِركلي( :حممد بن حممد بن أمحد ,بن ناصر ,أبو عبد اهلل َّ
املغرب .كانت له زاوية وأتباع كثريون .وهو املمدوح بالقصيدة الدالية لليوسي.
كان من أهل َدرعة _قرب ِسجلماسة _ وهو أستاذ العياشي صاحب الرحلة.
عين يف أول أمره جبمع الكتب نسخا خبطه ,وشراء ,وتصحيحا ,ومقابلة ,مع كتابة الفوائد
()1فهرس أيب سامل العياشي ج/ 1ص 112- 117دراسة وحتقيق نفيسة الذهيب منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية الرباط الطبعة
األوىل سنة 1332م.
()2انظر :فهرسة اليوسي ص. 28- 21
()3املرجع السابق ص .25
()4انظر :خالصة األثر يف أعيان القرن احلادي عشر ,للحموي ج /4ص 892دار صادر – بريوت.
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 419 جملة املدونة:
:5التعريف بالرسالة:
تناول حممد بن ناصر الدرعي يف هذه الرسالة املوجزة أهم مناسك احلج والعمرة والزيارة.
كما هنج رمحه اهلل طريقة االختصار ,واقتصر على املهم من املناسك ,وعمل على تركيز العبارات وتدقيقها
مبتعدا عن احلشو والزيادة غري املفيدة ,واخلالفات الفقهية ,واألدلة الكلية واجلزئية ,معتمدا املتفق عليه والصحيح
واملشهور وما جرى به العمل ...وذلك تسهيال على من أراد االطالع عليها ,مع عدم اإلخالل فيما حوته من
معان.
كما رتبها على حسب األماكن اليت مير عليها احلاج واملعتمر ,وذلك من امليقات إىل الزيارة ,ولعل هذا هو
السر يف إقبال الناس عليها وتداوهلا فيما بينهم ,ويدل على ذلك كثرة نسخها يف اخلزانات ,وذكرها يف كتب
الرتاجم والفهارس.
:2موضول الرسالة:
أما موضوعها ,فظاهر من عنواهنا؛ فهي رسالة يف مناسك احلج اليت جيب على احلجاج أن يسلكوها ,ويقفوا
عندها ,وال يتجاوزوها ,وذلك لتحقيق هذا الركن األعظم انطالقا من مذهب َع ِ
امل املدينة الذي ندين به هلل عز
وجل يف بلدنا ,مع بيان آداب احلاج.
كما تطرق -رمحه اهلل – يف آخر هذه الرسالة لبعض أحكام العمرة والزيارة وختم رسالته بالدعاء.
:4منهج عملي في تحقيق الرسالة:
حققت نصوص هذا املخطوطة من أوهلا إىل آخرها وقد اتبعت اخلطوات التالية:
أوال :نسخت نص الكتاب حسب قواعد اإلمالء واخلط احلديثة.
ثانيا :شرحت األلفاظ ,والكلمات الغريبة ,وبعض املصطلحات الواردة يف الرسالة اليت حتتاج إىل بيان,
معتمدا يف ذلك على كتب الغريب اليت ألفت يف شرح األلفاظ الفقهية عند الفقهاء ,وكتب اللغة.
ثالثا :اتبعت منهج إثبات األصل ,مث ذكرت الفروق املؤثرة يف اهلامش.
رابعا :ىف بعض األحيان أضطر إىل تصويب كلمة أو عبارة ىف املنت ليستقيم علما بأن هذا نادر.
خامسا :أثبت الفروق بني النسخ ,فما كان من زيادة ,أو خطأ ,أو سقط ,أو فرق ,أو حنو ذلك؛ ذكرته يف
احلاشية ,مشريا إىل النسخة أوالنسخ اليت وقع فيها ذلك.
سادسا :أضفت بعض العناوين ,وجعلتها بني قوسني معكوفني لإلشارة أهنا زيادة من احملقق وليست من
أصل الكتاب.
سابعا :وضعت اآليات الكرمية الواردة يف النص بني قوسني مزهرين هكذا {} ,مث عزوهتا إىل سورها ,مع
ذكر رقم اآلية وذلك يف اهلامش.
ثامنا :وضعت األحاديث الواردة يف النص بني قوسني هالليني هكذا () ,مث خرجت هذه األحاديث يف
اهلامش ,واتبعت الطريقة التالية يف التخريج:
-إن كان احلديث يف الصحيحني ,أو يف أحدمها ,اكتفيت بذلك مع ذكر الكتاب والباب ورقم احلديث.
-وإن كان خارجاً عن الصحيحني خرجته من مظانه يف كتب احلديث األخرى كالسنن األربعة واملساند
واملستدركات.
-أذكر احلكم على احلديث من أقوال احملدثني إن مل يوجد يف الصحيحن.
-أذكر الرقم واجلزء والصفحة من الكتاب الذي ورد فيه احلديث إن مل يوجد يف الصحيحني.
سابعا :ضبطت الكلمات والعبارات اليت حتتاج إىل ضبط بالشكل.
ثامنا :قمت بوضع العالمات اإلمالئية احلديثة.
تاسعا :جعلت السقط الكثري املوجود يف بعض النسخ بني قوسني معكوفتني هكذا [] ,والقليل بني قوسني
هالليني هكذا ().
عاشرا :إن نقلت عن كتاب وذكرت املعلومات الكافية عنه الأذكر نفس املعلومات إن نقلت عنه مرة أخرى
إال إذا غريت الطبعة.
:_ 3وصف النسخ المعتمدة في تحقيق الرسالة:
لقد حصلت بعد جمهود كبري على جمموعة من نسخ مناسك احلج البن ناصر الدرعي وهي:
_ نسخة مؤسسة عالل الفاسي رقم 845
_نسخة مؤسسة عالل الفاسي رقم 458
_ نسخة اخلزانة احلسنية رقم 19415
_ نسخة اخلزانة احلسنية رقم 19425
_ نسخة اخلزانة احلسنية رقم 19737
_ نسخة اخلزانة احلسنية رقم 14521
_ نسخة اخلزانة العامة بالرباط رقم 371
_ نسخة اخلزانة العامة بالرباط رقم 1755
_ نسخة اخلزانة الصبيحية بسال رقم 839
_ نسخة خزانة املسجد األعظم بوزان رقم 2/1252
وبعد االطّالع على هذه النسخ تبني يل أن أجودها وأقرهبا للصحة ستة ,وهي اليت اعتمدت عليها يف
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 421 جملة املدونة:
التحقيق وأعرضت عن غريها إما ألهنا مليئة باألخطاء والتصحيفات بشكل واضح ,وذلك كالنسخة احلسنية رقم
,19415أو ألهنا منقولة عن نسخة اعتمدهتا مثل النسخة احلسنية رقم 19425فإهنا نقلت عن نسخة
احلسنية رقم 14521اليت اعتمدناها.
وفيما يلي وصف للنسخ املعتمدة يف حتقيق هذه الرسالة مع ذكر رموزها للتسهيل على القارئ.
أ :نسخة مؤسسة عالل الفاسي رقم 582ورمزت لها بكلمة ( :األصل)
بع ورقات.
عدد األوراق :أر ُ
عدد أسطرها 82 :سطراً.
عدد كلماهتا :حوايل 15كلمات يف السطر.
الناسخ :حممد بن سعيد.
اخلط :مغريب .
خالية من السماع والتمليك والتصحيح يف اهلوامش ,قليلة األخطاء والسقط واخلروم ,كتبت أبواب الرسالة
بلون أمحر ,وقد جعلتها هي األصل ألنين مل أجد أفضل وأقدم منها حلد اآلن يف خزانات اململكة املغربية حسب
حبثي.
ب :نسخة مؤسسة عالل الفاسي رقم 235ورمزت لها ب(:م أ)
مخس ورقات.
عدد األوراقُ :
عدد أسطرها 85 :سطراً.
عدد كلماهتا :حوايل 2كلمات يف السطر.
الناسخ :مل يذكر اسم الناسخ .
اخلط :مغريب.
خالية من السماع والتمليك ,يبدو أن ناسخها راجعها وأثبت بعض التصحيحات يف اهلامش .كتبت أبواب
الرسالة بلون متميز.
ج:نسخة الخزانة الحسنية بالرباط رقم 53065ورمزت لها ب(:ح أ)
بع ورقات.
عدد أوراقها :أر ُ
عدد أسطرها 85:سطراً.
عدد كلماهتا :حوايل 15كلمة يف السطر.
خطها :مغريب جيد.
خالية من السماع والتمليك ,ليس فيها تاريخ النسخ ,وال اسم الناسخ ,ليس فيها تصحيحات ,و ال توجد
فيها خروم وال طمس ,كتبت أبواب الرسالة خبط متميز.
د:نسخة الخزانة الحسنية رقم 54717ورمزت لها ب(:ح ب).
بع ورقات.
عدد أوراقها :أر ُ
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 422
_ صورة الورقة األولى من نسخة مؤسسة عالل الفاسي رقم 582 :
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 424
_ صورة الورقة األولى من نسخة مؤسسة عالل الفاسي رقم 235 :
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 426
القسم الثاني
النص المحقق
بسم اهلل الرمحن الرحيم ,وصلى اهلل على سيدنا وموالنا حممد وآله.
مناسك احلج لإلمام العامل العالمة القطب الواضح ,حميي السنة سيدي وموالي أيب عبد اهلل حممد بن حممد
بن ناصر الدرعي ,أصلح اهلل منا ببكاته الباطن والظاهر ,ونفعنا به آمني يا رب العاملني).)1(.
() 1ويف (م أ)( :بسم اهلل الرمحن الرحيم ,وصلى اهلل على سيدنا حممد وعلى آله وصحبه ,هذه مناسك القطب الرباين العارف األكب ,سيدي
وموالي حممد بن حممد ناصر نفعنا اهلل ببكته آمني ,احلمد هلل وحده ,وصلى اهلل على سيدنا حممد وآله وصحبه).
ويف (ح أ)( :بسم اهلل الرمحن الرحيم ,وصلى اهلل على سيدنا حممد وآله وصحبه وسلم ,ومما قيده شيخ املشايخ سيدي حممد بن ناصر نفعنا اهلل
ببكته آمني).
ويف (ح ب)( :بسم اهلل الرمحن الرحيم ,وصلى اهلل على سيدنا حممد وآله وصحبه وسلم تسليما).
ويف (ع) (:بسم اهلل الرمحن الرحيم ,وصلى اهلل على سيدنا حممد وآله وصحبه وسلم تسليما ,هذه املناسك ,أظنها للشيخ ابن ناصر رضي اهلل
عنه).
ويف (ز)( :بسم ا هلل الرمحن الرحيم ,وصلى اهلل على سيدنا وموالنا حممد وآله ,مناسك احلج للشيخ العابد الورع احلجة سيدي حممد بن ناصر
رمحه اهلل ,ورضي عنه مبنه).
( )(رابِغ) :بلدة كبرية عامرة ,فيها الدوائر احلكومية واملرافق العامة ,وتبعد عن مكة املكرمة ( )122كيلوُ ,
2
وحي ِرم منها َم ْن كان يف مشال اململكة
العربيّة السعودية ,وساحل اململكة الشمايل إِىل العقبةُ ,
وحي ِرم منها أهل بلدان إفريقيا الشمالية والغربية ,وأهل لبنان وسوريا واألردن
وفلسطني.انظر :املعامل األثرية يف السنة والسرية ,حملمد بن حممد حسن ُشَّراب ص 189طبعة دار القلم الدار الشامية – دمشق -بريوت
الطبعة :األوىل 1411 -ه .
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 429 جملة املدونة:
مث ائت زمزم وتضلع( )1من مائه ,وفرغ منه (على جسدك و)()2ثيابك وانو بشربه ما شئت
من حوائج الدنيا واآلخرة ,فإن[(ماء زمزم ملا شرب له)( ,)3وانو بشربه الفضيلة ,وادع فإنه من مواطن
اإلجابة ,وانقل من مائه إىل بلدك.
(ويُسن)( )4أن تأيت امللتَزم قبل إتيان زمزم بعد الفراغ من الدعاء ( ومن ركع َيت)( ) الطواف ,وهو ما بني باب
5
الكعبة ,وبني احلَ َجر األسود ,فتلصق وجهك ويديك وصدرك جبدار الكعبة( )6وتكثر من الدعاء ,فإن الدعاء عند
امللتَزم مستجاب ,مث (قم)()7إىل احلجر األسود فقبله ,وانو به السنة.
10 9 8
اسع يف
اصعد (إىل)( ) املروة( ) ,و َ
اخرج إىل الصفا( ) ,وقف عليه وأكثر من الدعاء ,مث انزل منه و َ مث ُ
11
بع وقفات
تسعى بينهما سبع سعيات ,وتقف أر َ املسيل( ) الذي بينهما ,وقف على املروة بالدعاء أيضا حىت َ
على الصفا ,وأربعا على املروة ,وانو (هبذا)( )12السعي بني الصفا واملروة ,الفرض ,فإذا فرغت من السعي فعاود
التلبية (الترتكها)( )13يف املسجد وال يف غريه.
باب ما يا ْف َعل إذا خرج من مكة ِ
لمنًى: َ ُ َ ُ ُ
اخرج من مكة إىل مىن( )14قدر ما تدرك صالة الظهر( ,فصل هبا
فإذا كان يوم الثامن من ذي احلجةُ ,
( )1التضلع :أن ميأل أضالعه من املاء ,يقال :تضلع الرجل ,أي :امتأل شبعا وريا .انظر :املطلع على ألفاظ املقنع ,حملمد بن أيب الفتح البعلي
ص 892حتقيق :حممود األرنؤوط وياسني حممود اخلطيب ,طبعة :مكتبة السوادي للتوزيع الطبعة :الطبعة األوىل 1489ه 8559 -م.
()2ما بني قوسني سقط من( :ح ب).
()3رواه ابن ماجه يف سننه ,كتاب املناسك ,باب الشرب من زمزم ,رقم ,9528 :وأمحد يف املسند ج/ 4ص ,937واحلاكم يف املستدرك
على الصحيحني ج /1ص 242وقال احلاكم :هذا حديث صحيح اإلسناد.
()4ويف(ح أ),و(ز) (:ويستحب).
5
كعيت).
( )ويف (ح أ)( :بإثر ر َ
6فإذا رأى الكعبة رفع يديه إن شاء ,لثبوته عن ابن عباس -رضي اهلل عنه -ومل يثبت عن النيب -صلى اهلل عليه وسلم -هنا دعاء خاص,
فحسن لثبوته عنه رضي
ٌ فيدعو مبا تيسر له ,وإن دعا بدعاء عمر -رضي اهلل عنه : -اللهم أنت السالم ,ومنك السالم ,فحيّنا ربّنا بالسالم.
اهلل عنه.ه انظر :مناسك احلج والعمرة للشيخ األلباين ص 85مكتبة املعارف الطبعة :األوىل.
()7ما بني قوسني سقط( :م أ).
8
اب عليها .انظر :التنبيهات املستنبطة على الكتب املدونة واملختلطة ,للقاضي عياض ج /1ص 118حتقيق: ( )الصفا :احلجارة اليت ال تر َ
الدكتور حممد الوثيق ,والدكتور عبد النعيم محييت طبعة :دار ابن حزم ,بريوت لبنان الطبعة :األوىل 1498 ,ه 8511 -م.
( )9ما بني قوسني زيادة من( :م أ)
()10املروة هي :احلجارة البيض الواحدة مروة ومسي بالواحدة اجلبل املعروف مبكة .انظر :حاشية العدوي على شرح كفاية الطالب الرباين
ليوسف الشيخ حممد البقاعي ج / 1ص 595طبعة :دار الفكر – بريوت.
()11هو مابني امليلني األخضرين .انظر :التاج واإلكليل ملختصر خليل للمواق ج/ 4ص 155طبعة :دار الكتب العلمية الطبعة :األوىل,
1412ه 1334-م.
( )12ويف(ز)( :هبما).
()13ويف (ح أ) ,و(ز)( :ال تقطعها).
14
احلاج ويرمي فيه اجلمار من احلرم ,مسّي بذلك ملا ميىن به من الدماء أي يراق انظر: ( ) مىن :بالكسر ,والتنوين ,يف درج الوادي الذي ينزله ّ
معجم البلدان ج / 5ص .132
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 432
الظهر)( )1والعصر واملغرب والعشاء(,)2وبت هبا حىت تصلي الصبح وتطلع الشمس ,وانو باإلقامة هبا السنة.
اخرج بعد طلوع الشمس من يوم عرفة وأنت تعاود التلبية يف ذلك كله ,حىت تنتهي إىل َمنرة()3وتنزل هبا,
مث ُ
َوُد ْم على تلبيتك حىت (إذا)()4زالت الشمس من يوم عرفة فقم واغتسل وانو به السنة ,مث اقطع التلبية( ,وادفع)()5
مع اإلمام إىل عرفة فصل معه الظهر ركعتني ,والعصر ركعتني يف أول الزوال ,مث (ائت املوقف)( )6مع اإلمام وقف
إىل غروب الشمس ,فإذا تعبت فاجلس(حىت تسرتيح)( )7وأكثر من الدعاء ,والصالة على النيب صلى اهلل عليه
وسلم( ,ومن الذكر)( ,)8وال تستظل بشيء ,واغتنم بركة ذلك املوقف يف ذلك اليوم.
تبلغ مزدلفة( )10بعد مغيب الشفق( ,)11فامجع فيها بني 9
فإذا دفع اإلمام بعد املغرب( ,فادفع)( ) معه حىت َ
املغرب والعشاء مع اإلمام وانو به السنة ,وكذلك(اجلمع بني)()12الظهر والعصر بعرفة ,وبت مبزدلفة حىت تصلي
1
طلوع الشمس تكب وتدعو وأنت مستقبل القبلة ,وانو يقرب ُباملشعر احلرام( )حىت َ َ الصبح يف أول وقته ,مث قف
به ,ومببيت مزدلفة السنة.
(مث انصرف إىل ِم ًىن ,وأسرع يف بطن ُحمَ ِّس ٍر ( ,)2وانو به الفضيلة)(.)3
مث انصرف إىل ِم ًىن حىت تأيت مجرة العقبة)( ,)4وارمها (سبع)( )5حصيات تنوي هبا السنة ,والتقطها من
منزلك مبزدلفة ,مث اذبح هديك إن كان معك ,واحلق رأسك وانو به (الفضيلة)(.)6
مث انصرف من حينك إىل مكة ,وطف بالبيت طواف اإلفاضة على الصفة املتقدمة ,واركع له على الوصف
كد ,فانو به ,وانو بالوقوف بعرفة قبل غروب الشمس السنة ,وانو الفرض األو ُ
ُ اف هو
الذي تقدم ,وهذا الطو ُ
الفريضة مبا بعد غروهبا.
8 7
ثالث ليال تنوي هبا السنة ,وارم بعد الزوال يف كل يوم من األيام
مث (امض)( ) إىل مىن وبت (فيها)( ) َ
(الثالثة)( )9اجلمرات الثالث (مجرة)( )10قبل أن تصلي الظهر ,تبدأ باجلمرة اليت تلي املسجد فرتميها بسبع
حصيات متواليات ,تكب مع كل حصاة وتنوي هبا السنة ,مث تقدم أمامك حىت تنزل األبطح ( ,)11وقف مستقبل
القبلة للدعاء قدر ما تقرأ (سورة)( )12مخسة أحزاب (.)13
مث تقدم إىل اجلمرة]( )14الوسطى وارمها كذلك ,وقف للدعاء مثل ذلك بعد أن تأخذ ذات اليسار حىت
احلََرام الْمحرم الَّ ِذي حيرم فِ ِيه كسرهاَ ,ومعىن ْ ()1الْمشعر ا ْحلرام :بَِفتْح الْ ِميم على َّ ِ
الصحيح الْ َم ْش ُهور َوبِه َجاءَ الْ ُق ْرآنَ ,وحكى ا ْجلَ ْوَه ِري َو َغريه َ ََ
احلرم َوقيل ذُو ا ْحلُْرَمة َومسي مشعرا ملا فِ ِيه من الشعائر َوِهي معامل ال ّدين َوُه َو ِعْند الْ ُف َق َهاء جبل بِالْ ُم ْزَدلَِف ِة يُ َقال لَهُ َقزح, الصيْد َو َغريه فَِإنَّهُ من ْ
َّ
مزَدلَِفة .انظر :دقائق املنهاج ,لإلمام النووي ص 57حتقيق :إياد أمحد الغوج طبعة دار ابن حزم – ِ
َوعند الْ ُم َف ّسرين واحملدثني ُه َو َمجيع الْ ْ
بريوت.
بطن ُحم ِّس ٍر :بضم امليم وفتح احلاء وتشديد السني وكسرها ,هو وادي امل ْزَدلفة ,ويف كتاب مسلم أنه من مىن ,ويف احلديث :املزدلفة كلّها ُ ()2
ُ
صب منها يف مىن فهو من مىن ,وهذا هو الصواب إن شاء اهلل. حمسر فهو منها ,وما ّ صب من ّ حمسر ,قال ابن أيب جنيح :ما ّ موقف ّإال وادي ّ
انظر :معجم البلدان ,لياقوت احلموي :ج /1ص .443
()3ما بني قوسني سقط من( :األصل).
()4ما بني قوسني سقط من( :ح أ).
( )5ويف (األصل)(,بسبع)
()6ويف (ح أ) ,و(ز)( :السنة).
()7ويف (ح أ)( :ارجع) .
()8ما بني قوسني سقط من( :األصل).
()9ما بني قوسني سقط من(:األصل).
()10ما بني قوسني زيادة من (:ح أ) ,و(ح ب)
( )11األبطح :يضاف إىل مكة وإىل مىن وهو واحد ,وهو إىل مىن أقرب وهو احملصب وهو خيف بين كنانة وزعم الداودي أنه بذي طوى أيضا
وليس به .انظر :مشارق األنوار على صحاح اآلثار ,للقاضي عياض السبيت ج / 1ص 57طبعة :املكتبة العتيقة ودار الرتاث.
()12مابني قوسني سقط من( :األصل) ,و(ز).
()13كسورة البقرة على سبيل املثال.
() 14ما بني معقوفتني سقط من (ع).وقد جعلت السقط الكثري بني معقوفتني للتمييز بينه وبني السقط القليل ,الذي جعلته بني قوسني.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 434
(تستقبل)( ,)1مث تقدم إىل اجلمرة ذات العقبة وارمها من أسفلها ,مث انصرف إىل منزلك من مىن ,وال تقف ,فإذا
2
تصل الظهر حىت تنتهي إليها ,وانزل
رميت يف اليوم الرابع(من أيام العيد)( ) ,وهو آخر أيام مىن فائْت مكة ,وال ِّ
باألبطح وهو ِ
(املوضع)( )3الذي فيه املقبة ,وقم به حىت تصلي الظهر والعصر واملغرب والعشاء.
[صفةُ العمرة]
مث ادخل مكة فإذا اسرتحت فائْت بالعمرة وصفتها وانو هبا السنة ,أن خترج إىل احلل أي وقت شئت من ليل
ثياب اإلحرام ,مث أحرم بالعمرة كما تقدم
أو هنار ,فتغتسل لإلحرام وانو به السنة ,وصفته كغُسل احلَج ,مث البس َ
فتقول:اللهم إين أحرمت لك بعمرة فَتَ َقبَّ ْل َها مين ,مث تشرع يف التلبية وأنت ذاهب إىل مكة حىت تأيت البيت
كعيت الطواف ,مث تأيت بالسعي بني
رملت يف الثالث األول فحسن ,مث تركع ر َ فتطوف به سبعا كلها مشي ,فإن َ
الصفا واملروة مثل ما تقدم يف احلج سواء ,مث حتلق رأسك وقد متت عمرتك.
وال ترتك أن تطوف بالبيت كلما دخلت املسجد احلرام وانو به الفضيلة.
آخر فعل تفعله فيها ,الطواف بالبيت ,وهوائجك كلها ,فاجعل َ اخلروج من مكة ,وقضيت حو َ َ فإذا أردت
طواف الوداع ,وانو به الفضيلة .
[الزيارة والختم بالدعاء]
وكمل حجك بزيارة (قب)( )4النيب صلى اهلل عليه وعلى آله وأصحابه.
ختم اهلل لنا ولك باحلسىن ,وأجزل لنا ولك الثواب األوفر يف املقر األسىن مبنه وكرمه آمني ,انتهى مناسك اإلمام
السالك القطب األعظم ,حمي السنة سيدي وموالي أيب عبد اهلل حممد بن حممد بن ناصر الدرعي ,أصلح اهلل منا
ببكاته الباطن والظاهر ونفعنا به آمني يا رب العاملني ,وصلى اهلل على سيدنا وموالنا حممد وآله وصحبه وسلم
تسليما.
قال ناسخه األول :كتبته يف مصر القاهرة سنة مخس ومخسني ومائة وألف ,وكتبته منه آخر صفر عام
1134ه واحلمد هلل وكفى ,وسالم على عباده الذين اصطفى ,عبيد ربه حممد بن سعيد وفقه اهلل مبنه آمني (.)5
ويف (ز)( :وهو حسبنا ونعم الوكيل ,وال حول وال قوة إال باهلل العلي العظيم ,انتهى واحلمد هلل على ذلك)
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 436
_ دقائق املنهاج لإلمام النووي حتقيق :إياد أمحد الغوج طبعة دار ابن حزم – بريوت.بدون تاريخ.
_ شرح العمدة ,يف بيان مناسك احلج والعمرة ,لشيخ اإلسالم ابن تيمية ,حتقيق صاحل بن حممد بن حسن,
الطبعة األوىل 1453 ,ه ,مكتبة احلرمني ,الرياض ,اململكة العربية السعودية.
للج ِّيب حتقيق :حممد حمفوظ طبعة:دار الغرب االسالمي ,بريوت – لبنان الطبعة: _ شرح غريب ألفاظ املدونة ُ
الثانية 1485 ,ه 8555 -م.
_ الكايف يف فقه أهل املدينة البن عبد الب حتقيق :حممد ولد ماديك طبعة :مكتبة الرياض احلديثة
الرياض ,اململكة العربية السعودية الطبعة :الثانية 1455ه 1325-م.
_ مشارق األنوار على صحاح اآلثار للقاضي عياض السبيت طبعة :املكتبة العتيقة ودار الرتاث بدون تاريخ.
رابعا :كتب التاريخ والتراجم:
_ االستقصا ألخبار دول املغرب األقصى للناصري :حتقيق جعفر الناصري و حممد الناصري طبعة :دار
الكتاب -الدار البيضاء بدون تاريخ.
_ األعالم خلري الدين الزركلي طبعة :دار العلم للماليني الطبعة :اخلامسة عشر مايو 8558م.
_ خالصة األثر يف أعيان القرن احلادي عشر للحموي :دار صادر – بريوت بدون تاريخ
_ شجرة النور الزكية يف طبقات املالكية للشيخ خملوف تعليق عبد اجمليد خيايل طبعة دار الكتب العلمية,
لبنان الطبعة :األوىل 1484 ,ه 8559 -م.
_ فهرس أيب سامل العياشي دراسة وحتقيق :نفيسة الذهيب منشورات كلية اآلداب والعلوم اإلنسانية الرباط
الطبعة األوىل سنة 1332م.
_ الفهرسة أليب علي بن مسعود اليوسي حتقيق :زكرياء اخلثريي حتت إشراف الدكتور جعفر باحلاج السلمي
حبث لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة نوقش جبامعة حممد اخلامس بالرباط سنة 8554م.
_ معجم املؤلفني لعمر كحالة الدمشقي طبعة :مكتبة املثىن -دار إحياء الرتاث العريب بريوت بدون تاريخ.
خامسا :كتب البلدان والجغرافيا:
_ حتفة النظار يف غرائب األمصار وعجائب األسفار البن بطوطة الطنجي طبعة :أكادميية اململكة املغربية,
الرباط طبعة 1417 :ه .
_ املعامل األثرية يف السنة والسرية حملمد بن حممد حسن ُشَّراب طبعة دار القلم ,الدار الشامية – دمشق -
بريوت الطبعة :األوىل 1411 -ه .
_ معامل مكة التارخيية واألثرية للبالد ري طبعة :دار مكة للنشر والتوزيع الطبعة :األوىل 1455 ,ه -
1325م.
_ معجم البلدان لياقوت بن عبد اهلل احلموي طبعة :دار صادر ,بريوت الطبعة :الثانية 1335 ,م.
_ معجم ما استعجم من أمساء البالد واملواضع للبكري طبعة :عامل الكتب ,بريوت الطبعة :الثالثة 1459 ,ه
سادسا :كتب الغريب والمعاجم ولغة الفقه:
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 437 جملة املدونة:
_ لسان العرب ,لإلمام أيب الفضل مجال الدين بن مكرم بن علي بن منظور ,الطبعة الثالثة ,دار صادر ,بريوت,
لبنان 1414ه .
_ املصباح املنري يف غريب الشرح الكبري للرافعي ,للعالمة أمحد بن حممد بن علي املقرئ الفيومي ,املكتبة
العلمية ,بريوت ,لبنان بدون تاريخ.
_ املطلع على ألفاظ املقنع حملمد بن أيب الفتح البعلي حتقيق :حممود األرناؤوط وياسني حممود اخلطيب طبعة:
مكتبة السوادي للتوزيع :الطبعة األوىل 1489ه 8559 -م.
_ مفردات ألفاظ القرآن ,للعالمة الراغب األصفهاين ,حتقيق صفوان عدنان داو ودي ,الطبعة األوىل ,دار
القلم ,دمشق ,دار الشامية ,بريوت 1418ه .
_ القاموس الفقهي :لغة واصطالحاً ,لسعدي أبو جيب ,الطبعة األوىل ,دار الفكر ,دمشق ,سورية 1458ه .
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 438
مقدمة
احلم د هلل ال ذي جع ل لعب اده س ًبال يس لكوهنا ملرض اته وج زاهم عل ى ذل ك طُه ر ال نَّفس ومس ّو املنزل ة,
َ
وصلى اهلل على سيّدنا حمم د معل م الن اس اخل ري ال ذي أخ ْذنا عن ه مناس ك احل ج واقتفين ا أث ره ,ص لى اهلل علي ه
وسلم وعلى آله وصحبه إىل يوم الدين.
وبع د؛ فه ذا كت اب" :املنه اج يف بي ان مناس ك احل اج" أليب عب د اهلل حمم د ب ن أمح د ب ن خل ف اب ن
احلاج القرطيب الشهيد (ت583ه ) ,يف تقريب املناسك للح اج وتبص ريه بف رائض احل ّج وس ننه وفض ائله عل ى
مذهب اإلمام مالك ,مع اإلشارة إىل املذاهب األخرى حال االقتضاء.
مصدرا مه اما لفقهاء املالكية وغريهم ,وم ع ذل ك مل حي ظ مؤلف ه بش هرة كافي ة
ً وقد شكل هذا الكتاب
ب ني الب احثني ح ىت بل غ األم ر أن أخط أ بعض هم يف نس بة أقوال ه إىل غ ريه بس بب تش ابه األمس اء كم ا س يأيت
تفصيله يف حمله.
ويف خض م حبث ي واطالع ي انبثق ت يف ذه ين ع دَّة إش كاليات رئيس ية ش َّكلت مر ًتع ا خص بًا للبح ث
الدَّؤوب واالجتهاد قصد اإلجابة عنها ,فمن ه و ص احب ه ذا الكت اب؟ وم ا ه ي مض امينه؟ وم ا منهج ه يف
تأليفه؟ وما هي اإلضافات اجلديدة اليت تضمنها؟
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 439 جملة املدونة:
المبحث األول
التَّعريف بالمؤلِّف
رطيب,
هو أبو عبد اهلل حممد بن أمحد بن خلف ب ن إب راهيم ب ن ل ب ب ن بيطَ ْري ب ن خال د ب ن بك ر التجي يب ,الق ّ
احلاج شيخ األندلس ومفتيها(.)1املالكي ,الشهيد ,املعروف بابن ّ ّ
()3 ()2
ولد يف صفر سنة مثان ومخسني وأربعمئة ,بقرطبة ,وهبا نش أ وتفق ه عل ى مش يخة بل ده ,ل ه رواي ة متس عة .
وه و م ن أس رة علمي ة ووس ط مت ي ّقظ حيت ُّل مكان ةً مرموق ة داخ ل قرطب ة وخارجه ا ,وق د احتفظ ت لن ا كت ب ال رتاجم
بذكر بعضهم ,ومها:
أيض ا ب ابن احل اج
األول :عم ه ,أب و إس حاق إب راهيم ب ن خل ف ب ن إب راهيم ب ن ل ب التجي يب يع رف ً َّ
(ت431ه ) ,مسع أبا عبد اهلل بن عتاب ,وأبا جعفر بكر بن عيسى الكندي ,ورحل حا اجا فأدى الفريضة يف سنة
إحدى وثالثني وأربعمئة ,ورأى أبا ذر اهلروي ومل يسمع منه .حدث عنه :ابن أخيه -مرتمجنا -وذكر أنه أجاز له
يف صفر سنة إحدى وتسعني وأربعمئة(.)4
أيض ا ب ابن
الثَّ اين :ابن ه أب و القاس م حمم د ب ن حمم د ب ن أمح د ب ن خل ف ب ن إب راهيم التجي يب الق رطيب املع روف ً
احل اج ,قاض ي اجلماع ة بقرطب ة (ت571ه ) ,تفق ه بأبي ه وأيب عب د اهلل ب ن أيب اخلي ار ومس ع م نهم ,وروى ع ن اب ن
عتاب ,وأيب حبر ,وابن طريف ,وجعفر ب ن مك ي ,وأيب بك ر ب ن الع ريب وغ ريهم .قع د مك ان أبي ه وخلف ه يف حلقت ه,
وقورا مهيبًا ,ال يتكلم إال يف النادر(.)5
وكان حافظًا للفقه ومل يكن يعرف احلديث وكان ً
أوال-من شيوخه:
1أبو جعفر أمحد بن حممد بن رزق ,القرطيب (ت477ه )( ,)6قرأ عليه املدونة وتفقه عليه ,وأج ازه يف كت اب
ابن املواز(.)7
8أبو احلسن علي بن حممد بن عبد العزيز بن محدين التغليب القرطيب (ت428ه )( ,)8قرأ عليه املدون ة وتفق ه
عليه(.)9
( )1الغنية يف شيوخ القاضي عياض (ص ,)54-47والصلة يف تاريخ أئمة األندلس ( ,)817-812/8وملء العيبة (.)187/8
( )2الغنية (ص ,)42وبغية امللتمس يف تاريخ رجال أهل األندلس (ص ,)51والصلة (.)817/8
( )3الغنية (ص ,)47ومعجم أصحاب القاضي أيب علي الصديف (ص.)114
( )4التكملة لكتاب الصلة (.)185/1
( )5التكملة لكتاب الصلة ( ,)42-45/8ومعجم أصحاب القاضي أيب علي الصديف (ص ,)124وتاريخ اإلسالم (.)555/18
( )6الغنية (ص.)47
( )7ينظر :املنهاج يف بيان مناسك احلاج (ص.)452
( )8الغنية (ص.)47
( )9ينظر :املنهاج يف بيان مناسك احلاج (ص.)452
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 441
9أبو مروان عبد املل ك ب ن س راج ب ن عب د اهلل ب ن س راج األم وي ,م والهم الق رطيب (ت423ه )( ,)1ق رأ علي ه
"شرح غريب احلديث أليب عبيد"(.)2
4أبو إسحاق إبراهيم بن خلف بن إب راهيم ب ن ل ب التجي يب (ت431ه )( ,)3وه و ع ّم امل رتجم ل ه ,أج از ل ه
يف صفر سنة إحدى وتسعني وأربعمئة.
5أبو عبد اهلل حممد بن فرج ,موىل حممد بن حي ,املعروف بابن الطالع ,القرطيب (ت437ه ) ( ,)4قرأ علي ه
"املوطأ" ,و"العتبية" ,و"خمتصر ابن عبد احلكم" ,وأجازه يف كتاب" :الزاهي البن شعبان"(.)5
2أب و عل ي احلس ني ب ن حمم د ب ن أمح د الغس اين ,املع روف باجلي اين (ت432ه )( ,)6ق رأ علي ه ,يف احل ديث:
"ص حيح البخ اري" ,و"ص حيح مس لم" ,و"س نن أيب داود" ,و"مص نف ب ن أيب ش يبة" ,وأج ازه يف "مس ند أيب بك ر
الب زار" ,وروى عن ه "مص نف عب د ال رزاق" م ا ب ني ق راءة من ه علي ه ومس اع .وق رأ علي ه كت اب" :الزه د الب ن حنب ل" ومل
ي وقن إكمال ه علي ه ,وق رأ علي ه يف التفس ري" :تفس ري س نيد" ,ويف الفق ه" :الواض حة" ,ويف الت اريخ" :ت اريخ ب ن أيب
خيثمة" ما بني قراءة منه عليه ومساع( .)7ومسع عليه مبرسية "الناسخ واملنس وخ" هلب ة اهلل ,ه و وابن ه أب و القاس م حمم د
بن حممد بقراءة أيب مروان ابن مسرة يف س نة 518ه ,وأج از هلم ا وناول ه "ج امع الرتم ذي" ,و"الس نن لل دارقطين",
وهو آخر َمن أخذ عن أيب علي الغساين قراة علي ه تأليف ه امل رتجم ب "تقييد املهم ل ومتيي ز املش كل" ومل ي زد بع د ذل ك
فيه شيئًا(.)8
7أبو احلسن علي بن خلف بن ذي النون العبسي املقرئ القرطيب اإلشبيلي (ت432ه )( ,)9قرأ علي ه كت اب
ابن املواز(.)10
2أبو احلسن املبارك بن سعيد بن حممد بن احلسن البغدادي املعروف بابن اخلشاب (ت555ه )(.)11
3أبو عبد اهلل أمحد بن حممد بن عبد اهلل بن عبد الرمحن بن عثمان بن غلبون اخلوالين املعروف بابن احلصار
(ت552ه )( ,)12قرأ عليه التفريع البن اجلالب(.)13
()1ينظر :املنهاج يف بيان مناسك احلاج (ص ,)455والغنية (ص ,)47وسري أعالم النبالء (.)194-199/13
( )2ينظر :املنهاج يف بيان مناسك احلاج (ص.)455
( )3التكملة لكتاب الصلة (.)185/1
( )4ينظر :املنهاج يف بيان مناسك احلاج (ص ,)452والغنية (ص 83و.)41
( )5ينظر :املنهاج يف بيان مناسك احلاج (ص.)452
( )6ينظر :املنهاج يف بيان مناسك احلاج (ص ,458و ,)452 ,455والغنية (ص 47و ,)192وبغية امللتمس (ص.)825
( )7ينظر :املنهاج يف بيان مناسك احلاج (ص ,458و.)455
( )8معجم أصحاب القاضي أيب علي الصديف (ص.)114
( )9الغنية (ص ,)47والصلة (.)817/8
( )10ينظر :املنهاج يف بيان مناسك احلاج (ص.)457
( )11الصلة ( ,)817/8وتاريخ اإلسالم (.)53/11
( )12الغنية (ص ,)157والصلة (.)113/1
( )13ينظر :املنهاج يف بيان مناسك احلاج (ص.)454
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 441 جملة املدونة:
أب و عل ي احلس ني ب ن حمم د ب ن ف رية ب ن حي ون الص ديف السرقس طي (ت514ه ) ,أج ازه مناول ة 15
سنن الرتمذي(.)1
ثانيا :من تالميذه.
1أبو الفضل عياض بن موسى السبيت اليحصيب (ت544ه ) ,قرأ عليه يف داره بقرطب ة مجي ع كت اب "غري ب
احلديث" البن قتيبة ,وأجازه مجيع رواياته(.)2
8أبو بكر حممد بن خري بن عمر بن خليفة اللمتوين األموي اإلشبيلي (ت575ه )(.)3
9أبو القاسم خلف بن عبد امللك بن بشكوال (572ه )(.)4
4إبراهيم بن يوسف بن إبراهيم بن عبد اهلل بن باديس بن القائد القائدي الوهراين (ت578ه )(.)5
5علي ب ن عب د اهلل ب ن خل ف ب ن حمم د ب ن عب د ال رمحن ب ن عب د املل ك األنص اري م ن أه ل املري ة ,رح ل إىل
قرطبة يف سنة ثالث عشرة ومخسمئة (ت527ه )(.)6
2أبو حممد عبد اهلل بن مغيث بن يونس بن حممد بن مغيث بن حممد بن يونس األنصاري القرطيب املع روف
بابن الصفار (ت572ه )(.)7
7ابنه أبو القاسم حممد بن حممد بن أمحد بن خلف بن إبراهيم بن لب بن بيطري القرطيب (ت571ه )(.)8
2أبو بكر عبد اهلل بن طلحة بن أمحد بن عبد الرمحن بن عطية احملاريب الغرناطي (ت532ه )(.)9
3أبو احلسن علي بن عبد اهلل بن خلف بن حممد بن عبد الرمحن بن عبد امللك األنصاري األملريي املع روف
بابن النعمة (ت527ه )(.)10
15أب و بك ر حمم د ب ن عب د اهلل ب ن ميم ون ب ن إدري س ب ن حمم د ب ن عب د اهلل العب دري الق رطيب
(ت527ه )(.)11
11أب و الولي د يوس ف ب ن عب د العزي ز ب ن يوس ف ب ن عم ر ب ن ف رية الليث ي ,املرس ي املع روف ب ابن ال دباغ
(ت542ه )(.)1
18أبو عبد اهلل حممد بن احلسن بن حممد بن سعيد املقري املعروف بابن غالم الفرس (ت547ه )(.)2
وغريهم كثري ,اكتفيت هبؤالء جتنبًا لإلطالة ,واهلل املوفق للصواب.
ثالثا :ماؤلفااتاه.
" 1الكايف يف بيان العلم" ,قرأه عليه ابن خري اإلشبيلي يف داره قُ ْبيل أن يستشهد(.)3
" 8اإلجياز والبيان لشرح خطبة مسند مسلم" ,قرأه عليه -مع السابق -ابن خري اإلشبيلي يف داره قُبيل أن
يستشهد(.)4
" 9نوازل األحكام ,أو الفصول املقتضبة من األحكام املنتخبة"( ,)5ق ال احلط اب( :)6ه ذا الكت اب دلي ل م ن
الدالئل العظمى على تقدم ابن احلاج وبراعته.
" 4فهرسة شيوخه" ,قرأها عليه تلميذه ابن خري اإلشبيلي(.)7
" 5شرح املسائل املفردة من املدونة"(.)8
" 2شرح املوطأ"(.)9
رابعا :مكانته العلمية.
دودا يف األدب اء واحمل دثني ,بص ًريا ب الفتوى ,معتنيً ا باحل ديث
ك ان اب ن احل اج م ن جلّ ة العلم اء وكب ارهم ,مع ً
مقيدا ملا أشكل م ن املع اين ,ض ابطًا ألمس اء الرج ال وال ّرواة ,ذاك راً للغري ب ,واألنس اب ,واللغ ة,
جامعا هلاً ,
واآلثارً ,
السري ,واألخبار(.)10
الشعر ,و ّ
واإلعراب ,عاملاً مبعاين ّ
قال تلميذه ابن بشكوال" :قيد العلم عمره كله ,و عىن به عناي ة كامل ة ,م ا أعل م أح داً يف وقت ه ع ىن كعنايت ه,
قرأت عليه ومسعت ,وأجازين خبطه؛ وكان له جملس باجلامع بقرطبة ,يسمع الناس فيه ,وروى عنه خلق كثري"(.)11
()12
ظ من األدب ,مطبوعاً وقال تلميذه القاضي عياض " :كان حسن الضبط جيد الكتب كثري الرواية ,له ح ٌ
المبحث الثاني
التَّعريف الكتاب
أوال :مناسك الحج عند المالكية.
اعت ىن علم اء املالكي ة مبناس ك احل ج باعتب اره ال ركن اخل امس م ن أرك ان اإلس الم فدرس وها يف كت بهم املطول ة يف
كتاب :احلج ,وألمهية املناسك أفردها العلماء بالتصنيف.
وه ي أن واع :منه ا :ت آليف يف احل ج والعم رة ,ومنه ا :الفت اوى يف بع ض املس ائل يف احل ج ,ومنه ا ال رحالت
املمزوج ة باملناس ك .وس أكتفي ب ذكر م ا وقف ت علي ه م ن مؤلف ات املالكي ة ,مرتب ة حس ب وف اة مؤلفيه ا إىل عص ر
املؤلف.
مناسك ابن وهب ,وهو :لعبد اهلل ابن وهب بن مسلم الفهري (ت137ه )( ,خ)(.)2 5ا
كتاب املناسك ,لعبد اهلل بن عبد احلكم املصري (ت814ه )(.)3 2ا
اجلامع يف مناسك النيب صلى اهلل عليه وسلم ,لعبد امللك بن حبيب السلمي (ت.)4()892 4ا
كتاب املناسك ,لسحنون عبد السالم بن سعيد التنوخي (ت841ه )(.)5 3ا
5ا كت اب املناس ك ,أليب إس حاق حمم د ب ن القاس م ب ن ش عبان املص ري املع روف ب ابن الق رطيب
(ت995ه )(.)6
مناسك احلج ,أليب حممد عبد اهلل بن أيب زيد القريواين (992ه )(.)7 6ا
7ا منظوم ة يف مناس ك احل ج ,أليب حمم د عب د اهلل ب ن مح ود ب ن هل وب ب ن داود ب ن س ليمان الطنج ي
(ت938ه )(.)8
مناسك احلج أليب احلسن علي بن حممد بن خلف املعافري املعروف بابن القابسي (459ه )(.)9 8ا
1ا كت اب املناس ك ,أليب املط رف عب د ال رمحن ب ن عثم ان ب ن س عيد ب ن ذن ني ب ن عاص م ب ن إدري س ب ن
هبلول (ت459ه )(.)10
" 7املدونة" ,وه ي رواي ة س حنون (ت845ه ) ,ق ال اب ن احل اج(" :)1وم ا ك ان في ه م ن" :املدون ة" ,فح دثين
هب ا حمم د ب ن ف رج الفقي ه ,ع ن أيب عل ي احلس ني ب ن أي وب الفقي ه املع روف ب ابن اجل واد ,ع ن أيب عب د اهلل حمم د ب ن
عبدون بن فهد يعرف بأيب العمر ,عن ابن وضاح ,ع ن س حنون .وتفقه ت فيه ا عل ى الفقيه ني أمح د ب ن حمم د ب ن
رزق ,وعلي بن حممد بن عزيز".
" 2كت اب الزه د" أليب عب د اهلل أمح د ب ن حمم د ب ن حنب ل (ت841ه ) ,ق ال اب ن احل اج(" :)2وم ا ك ان في ه
من" :كتاب الزهد البن حنبل" فحدثنا به احلسني بن حممد الغساين ,قراءة عليه وأنا أمسع وال أوقن بكمال مساعه,
قال :نا حكم بن حممد اجلذامي ,قال :نا أبو القاسم عبد الرمحن بن عبد اهلل بن خالد ,قال :نا أبو بك ر أمح د ب ن
جعفر بن محدان ,قال :نا عبد اهلل بن أمحد بن حنبل ,قال :نا أَيب".
" 3العتبية" ,حملمد بن أمحد العتيب (ت855ه ) ,قال ابن احلاج(:)3وما كان فيه من" :العتبية" ,فح دثين هب ا
حممد بن فرج قراءة مين عليه ,عن يونس بن عبد اهلل القاضي ,عن أيب عيسى حي بن عبد اهلل بن أيب عيسى ,ع ن
حممد بن عمر بن لبابة ,عن العتيب".
" 15ص حيح البخ اري" لإلم ام للبخ اري (ت852ه ) ,ق ال اب ن احل اج(" :)4وم ا ك ان في ه م ن" :اجل امع
الصحيح للبخاري" ,فحدثنا به غري واحد من شيوخنا ,منهم :احلسني ب ن حمم د الغس اين ق راءة م ين علي ه ,ق ال :ن ا
أبو القاسم حامت بن حممد التميمي ,قال :نا أب و احلس ن عل ي ب ن حمم د القابس ي ,ق ال :ن ا أب و زي د حمم د ب ن أمح د
املروزي ,قال :نا حممد بن يوسف الفربري ,نا البخاري".
" 11ص حيح مس لم" ملس لم ب ن احلج اج القش ريي (ت821ه ) ,ق ال اب ن احل اج(" :)5ومم ا ك ان في ه م ن:
"املسند الصحيح ملسلم" ,فحدثين به غري واحد من شيوخنا رمحهم اهلل ,منهم :احلسني بن حمم د ,ق راءة م ين علي ه,
ق ال :ن ا أب و العب اس أمح د ب ن عم ر ب ن أن س الع ذري ,ق ال :ن ا أب و العب اس أمح د ب ن احلس ن اب ن م رار ب ن جبي ل
الرازي ,قال :نا أبو أمحد حممد بن عيسى بن عمرويه اجللودي ,قال :نا أب و إس حاق إب راهيم ب ن حمم د ب ن س فيان,
قال :نا مسلم بن احلجاج".
" 18املوازية" ,حملمد ب ن إب راهيم ب ن زي اد اإلس كندراين املع روف ب ابن امل واز (ت823ه ) ,ق ال اب ن احل اج(:)6
"وما كان فيه من" :كتاب ابن املواز" ,فحدثين به أبو احلسن علي بن خلف العبسي ,وأبو القاسم خل ف ب ن رزق
إجازة ,كالمها عن أيب حممد بن الوليد ,عن أيب حممد عبد اهلل بن أيب زيد ,عن أيب ميمون ة دراس ب ن إمساعي ل ,ع ن
أيب احلسن بن أيب مطر عن ابن املواز".
" 19سنن أيب داود" لسليمان بن األشعث السجستاين (ت875ه ) ,قال ابن احلاج(" :)1وما ك ان في ه م ن:
"مصنف أيب داود سليمان بن األشعث السجستاين" ,فحدثين به ما ب ني ق راءة م ين علي ه ,ومس اع احلس ني ب ن حمم د
الغساين ,قال :نا يوسف بن عبد اهلل بن عبد الب ,نا عبد اهلل بن حممد ب ن عب د امل ؤمن ,ن ا حمم د ب ن بك ر ب ن عب د
الرزاق ,نا أبو داود".
" 14س نن الرتم ذي" أليب عيس ى حمم د ب ن عيس ى (ت 873ه ) ,ق ال اب ن احل اج(" :)2وم ا ك ان في ه م ن:
"مصنف أيب عيسى حممد بن عيسى بن َسورة الرتم ذي" ,فح دثين ب ه مناول ة ,احلس ني ب ن حمم د الص ديف ,ق ال :أن ا
املبارك بن عبد اجلبار ,قراءة مين عليه ,والشيخ أبو الفضل أمحد بن احلسن بن خريون ,قاال :ن ا أب و يعل ى أمح د ب ن
عبد الوحد ,قال :أنا احلسن بن حممد ,قال :أنا حممد بن أمحد بن حمبوب ,قال :قرئ على أيب عيسى وأنا أمسع".
" 15ت اريخ اب ن حف ص الف الس" ,لعم رو ب ن عل ي ب ن حب ر (ت843ه ) ,ق ال اب ن احل اج(" :)3وم ا ك ان في ه
من" :تاريخ ابن أيب خثيمة"( ,)4فأخبين به حسني ب ن حمم د الغس اين ,م ا ب ني ق راءة م ين علي ه ومس اع ,ق ال :ن ا أب و
العاص ي حك م ب ن حمم د اجل ذامي ,ع ن س عيد ب ن نص ر ,وعب د ال وارث ب ن س فيان ,ق اال :ح دثنا قاس م ب ن أص بغ,
قال :نا حممد بن عبد السالم ,وعبد اهلل بن مسرة عن أيب حفص عمرو بن علي الفالس".
" 12مسند أيب بكر البزار" أمحد بن عمرو بن عبد اخلالق بن خالد بن عبيد اهلل العتك ي (ت838ه ) ,ق ال
()5
أيضا إجازة ,ع ن أمح د ابن احلاج " :وما كان فيه من" :مسند أيب بكر البزار" ,فحدثين به أمحد بن حممد املذكور ً
الص موت ع ن ب ن حمم د ب ن عب د اهلل الطلمنك ي ,ع ن حمم د ب ن أمح د ب ن مف رج ع ن حمم د ب ن أي وب ب ن حبي ب ّ
البزار".
ّ
" 17سنن النس ائي" أليب عب د ال رمحن أمح د ب ن ش عيب ب ن عل ي اخلراس اين ,النس ائي (ت959ه ) ,ق ال اب ن
احلاج(" :)6وما كان فيه من" :مصنف أيب عبد الرمحن" النس ائي فح دثنا ب ه حمم د ب ن الف رج الفقي ه ق راءة م ين علي ه,
مساعا عليه ,نا حممد بن معاوية القرشي ,نا النسائي". قال :نا يونس بن عبد اهلل القاضي ً
" 12تفسري سنيد" أليب علي حس ني ب ن داود (ت882ه ) .ق ال اب ن احل اج(" :)7وم ا ك ان في ه م ن" :تفس ري
سنيد" ,فحدثنا به احلسني بن حممد الغساين ,قال :نا يوسف بن عبد اهلل بن عب د ال ب ,ق ال :ن ا أمح د ب ن عب د اهلل
ب ن حمم د ب ن عل ي ع ن احلس ن ب ن إمساعي ل الص واف ,ع ن عب د املل ك ب ن حب ر ب ن ش اذان ,ع ن حمم د ب ن إمساعي ل
الصائغ أيب علي سنيد ,وسنيد لقب وامسه احلسني".
" 13الزاه ي يف أص ول الس نة" أليب إس حاق حمم د ب ن القاس م ب ن ش عبان امل الكي (ت995ه ) ,ق ال اب ن
احلاج(" :)1وما كان فيه من" :الكتاب الزاهي" ,أليب إسحاق ابن شعبان ,فأخبين ب ه إج ازة أب و عب د اهلل حمم د ب ن
ف رج الفقي ه ,ع ن أيب عم ر أمح د ب ن حمم د اب ن هش ام املرش اين ,ع ن أيب عب د اهلل حمم د ب ن أمح د الوش اء ,ع ن اب ن
شعبان".
" 85التفري ع" أليب القاس م عبي د اهلل ب ن احلس ني ب ن احلس ن اب ن اجلَ َّالب (ت972ه ) ,ق ال اب ن احل اج(:)2
"وم ا ك ان في ه م ن كت اب" :التفري ع الب ن اجل الب" ,فح دثين ب ه أمح د ب ن حمم د ب ن عب د اهلل يف كتاب ه إيل ع ن أيب
البكات حممد بن عبد الواحد القرشي الزهري ,عن ابن اجلالب".
ثانيًا :الكتب اليت اعتمدها ومل يذكر أنّه رواها
" 1املختصر الصغري" أليب عبد اهلل حممد بن عبد احلكم (ت814ه ).
" 8النوادر والزيادات" أليب حممد عبد اهلل بن أيب زيد ,القريواين املالكي (ت922ه ).
" 9اإلش راف عل ى مس ائل اخل الف" أليب حمم د عب د الوه اب ب ن عل ي ب ن نص ر البغ دادي امل الكي
(ت488ه ).
" 4االستذكار" أليب عمر يوسف بن عبد اهلل بن حممد بن عبد الب القرطيب (ت429ه ).
" 5املنتقى" أليب الوليد سليمان بن خلف الباجي القرطيب (ت474ه ).
سابعا :أهمية الكتاب واإلضافات الجديدة التي تضمنها
أثرت كتابه مبعلومات قيمة ,وتوصيف دقيقتبني لنا من خالل استعراض مصادر املؤلف ونقوالته العلمية اليت َ
اعتمدها ,ب ل هن اك
ألداء مناسك احلج ,ويعتب كتابًا مه اما ذا قيمة علمية ,وال تنحصر أمهية يف تل ُكم املصادر اليت َ
ميزات حسنة هلذا الكتاب تتمثّل يف النّقاط اآلتية:
أوال :إكثاره من االستدالل للمسائل الفقهية ,فلم يس لك امل نهج التجري دي الق ائم عل ى أس اس س رد املس ائل
ً
الفقهي ة عاري ة ع ن أدلته ا ,وإمن ا ق ام عل ى أس اس التأص يل وبن اء املس ائل عل ى األدل ة ,م ن كت اب ,وس نة,
وإمجاع...اخل.
ثانيًاا :توجيه ه ألق وال أس اطني علم اء امل ذهب؛ ف إن ورد ق والن أو أكث ر يف مس ألة م ن املس ائل وك ان ظاهره ا
توجيها خيرجها من التّعارض إىل التّوافق.
التعارض ,جنده يوجه هذه األقوال ً
ثالثًااا :يتع رض باقتض اب ملوافق ة امل ذاهب األخ رى مل ذهب اإلم ام مال ك يف بع ض مس ائله ,ويش ري إىل ذل ك
تعرض ه للمس ائل ال يت تواف ق
الش افعية واحلنفي ة" .وبق در ُّ
بقول ه" :وب ذلك ق ال أب و حنيف ة وأص حابه" ,و"إلي ه ذه ب ّ
امل ذهب ي ذكر املس ائل املختل ف فيه ا ,وذل ك عل ى النح و اآليت" :ومن ع من ه أب و حنيف ة"" .وروي ع ن الش افعي
خالف ذلك"" .وأخذ به من الفقهاء :الشافعي وأمحد وإسحاق وأبو ثور".
جريدة بأهم المصادر والمصادر
-1إرش اد الس الك إىل أفع ال املناس ك ,لبه ان ال دين إب راهيم ب ن فرح ون امل دين امل الكي املت وىف س نة
733ه ,دراس ة وحتقي ق حمم د ب ن عب د اهل ادي أب و األجف ان ,ط :املؤسس ة الوطني ة للرتمج ة والتحقي ق
والدراسات بيت احلكمة.
-8بغية امللتمس يف تاريخ رجال أهل األندلس ,ألمح د ب ن حي ب ن أمح د ب ن عم رية ,أب و جعف ر الض يب
(ت533ه ) ,ط :دار الكاتب العريب -القاهرة ,عام النشر1327 :م.
-9ت اريخ اإلس الم َوَوفي ات املش اهري َواألع الم ,أليب عب د اهلل حمم د ب ن أمح د ال ذهيب (ت742ه ),
عواد معروف ,ط :دار الغرب اإلسالمي ,الطبعة :األوىل 8559م. حتقيق :الدكتور بشار ّ
-4ت اريخ قض اة األن دلس (املرقب ة العلي ا ف يمن يس تحق القض اء والفتي ا) ,أليب احلس ن عل ي ب ن عب د اهلل
ب ن حمم د ب ن حمم د اب ن احلس ن اجل ذامي البن اهي امل القي األندلس ي (ت حن و 738ه ) ,حتقي ق :جلن ة إحي اء
الرتاث العريب يف دار اآلفاق اجلديدة ,ط :دار اآلفاق اجلديدة -بريوت/لبنان ,الطبع ة :اخلامس ة1459 ,ه
1329-م.
-5التكمل ة لكت اب الص لة ,الب ن األب ار ,حمم د ب ن عب د اهلل ب ن أيب بك ر القض اعي البلنس ي
(ت252ه ) ,حتقيق :د .بشار عواد معروف ,ط :دار الغرب اإلسالمي سنة8511 :م.
-2التوض يح يف ش رح املختص ر الفرع ي الب ن احلاج ب ,خللي ل ب ن إس حاق ب ن موس ى ,ض ياء ال دين
اجلن دي امل الكي املص ري (ت772ه ) ,حتقي ق :د .أمح د ب ن عب د الك رمي جني ب ,ط :مرك ز جنيبوي ه
للمخطوطات وخدمة الرتاث ,الطبعة :األوىل1483 ,ه 8552 -م.
جملة املدونة :السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 454
س ري أع الم الن بالء ,لش مس ال دين أب و عب د اهلل حمم د ب ن أمح د ب ن عثم ان ب ن قَامي از ال ذهيب -7
(ت742ه ) ,حتقيق :جمموعة من احملققني بإشراف الشيخ شعيب األرن اؤوط ,ط :مؤسس ة الرس الة ,الطبع ة:
احلادية عشرة1488 ,ه 8551/م.
-2الصلة يف تاريخ أئمة األندلس ,أليب القاسم خلف بن عبد امللك بن بش كوال (ت572ه ) ,حتق ي
الدكتور بشار عواد معروفدار الغرب اإلسالمي ,الطبعة :األوىل 8515م.
-3الغني ة ,للقاض ي عي اض ب ن موس ى ب ن عي اض ب ن عم رون اليحص يب الس بيت ,أب و الفض ل
(ت544ه ) ,حتقيق :ماهر زهري جرار ,دار الغرب اإلسالمي ,الطبعة األوىل 1458ه 1328 /م.
-15الفرائ د املروي ات يف فوائ د الثالثي ات ,ش رح ثالثي ات اإلم ام البخ اري ,حملم د ب ن إب راهيم احلض رمي
املري( ,ت777ه ) ,حتقيق :حممد شايب شريف ,دار ابن حزم ,ط1495 ,1ه 8514/م.
-11فهرسة ابن خ ري اإلش بيلي ,أليب بك ر حمم د ب ن خ ري ب ن عم ر ب ن خليف ة اللمت وين األم وي اإلش بيلي
(ت575ه ) ,حتقي ق :د .بش ار ع واد مع روف ,وحمم د بش ار ع واد مع روف ,ط :دار الغ رب اإلس المي,
الطبعة :الطبعة األوىل 8553م.
-18معجم أصحاب القاض ي أيب عل ي الص ديف ,الب ن األب ار ,حمم د ب ن عب د اهلل ب ن أيب بك ر القض اعي
البلنسي (ت252ه ) ,ط :مكتبة الثقافة الدينية -مصر ,الطبعة :األوىل 1485 ,ه 8555/م.
-19املنه اج يف بي ان مناس ك احل اج ,أليب عب د اهلل حمم د ب ن أمح د اب ن احل اج الق رطيب (ت583ه ),
حتقيق :يونس بقيان ,ط :دار احلديث الكتانية ,الطبعة األوىل 8517م.
-14مواه ب اجللي ل يف ش رح خمتص ر خلي ل ,لش مس ال دين أيب عب د اهلل حمم د ب ن حمم د ب ن عب د ال رمحن
الرعيين املالكي (ت354ه ) ,ط :دار الفكر ,الطبعة :الثالثة. الطرابلسي املغريب ,املعروف باحلطاب ُّ
السنة الرابعة ،العدد ،51ربيع اآلخر 5341هـ /يناير 1058م 455 جملة املدونة: