Professional Documents
Culture Documents
البالغة
00
مباحث اللغة العربية على صلة وثيقة بالمباحث القرآنية ،وال غرو في ذلك ،فالقرآن
الكريم نزل بلسان عربي مبين ،والعالقة بينه وبين اللغة العربية عالقة وشيجة ،ال
تنفصم بحال .ومن المباحث اللغوية ذات الصلة بتفسير كتاب هللا الكريم مبحث
األلفاظ المشتركة ،فما المراد باأللفاظ المشتركة ،وما الموقف منها بخصوص تفسير
كتاب هللا العزيز ،وما أمثلتها من القرآن الكريم؟
اللفظ المشترك بين مسميات مختلفة ،ال تضاد بينها ،وال صلة ألحدها :الثاني
.باآلخر ،كلفظ (العين) ،وقد أشرنا إلى إطالقاته المتعددة
اح{ :االشتراك في التركيب ،كقوله تعالى :الثالث }أ َ ْو يَ ْعفُ َو الَّذِي بِيَ ِد ِه ُ
ع ْق َدة ُ النِ َك ِ
سورة البقرة ،اآلية} [ :الَّذِي بِيَ ِد ِه ُ
ع ْق َدة ُ النِ َك ِ
اح{ سورة البقرة ،اآلية ،]237 :فإن[
ط ِف ِفينَ { ]237:مشترك بين الزوج ،والولي .ونحو هذا قوله عز وجل }و ْيل ِل ْل ُم َ
َ
ً
سورة المطففين ،اآلية ،]1 :فمركب (ويل له) يُستعمل خبرا -بمعنى اإلخبار[ -
.ويستعمل دعاء -بمعنى الدعاء عليهم ،-وقد حمله المفسرون هنا على كال المعنيين
يرى أن اللفظ المشترك ال وجود له في اللغة ،أو على األقل نادر الوجود: ،الثاني
وقد عبر عن هذا الموقف الغزالي بقوله" :يصح أن يراد بالمشترك عدة معان ،لكن
بإرادة المتكلم ،وليس بداللة اللغة" ،وقال معقبا ً على قول الشافعي المتقدم" :والمختار
خالف ما قاله الشافعي رضي هللا عنه؛ ألن لفظ (العين) ما وضعته العرب لعموم
جملة مسمياته؛ فإنه ال يُطلق لفظ (العين) إلرادة جملتها ،كما يُطلق لفظ (الرجال)
ضعت آلحادها على البدل ،فهو عند اإلطالق عندنا مجمل .وال إلرادة الجمع ،بل ُو ِ
يُجمع أيضا ً بين الحقيقة والمجاز ،ولكنه يُحْ َمل على الحقيقة على انفرادها ،أو على
المجاز على حياله؛ لعلمنا بأن العرب ال تطلق لفظ (األسد) وتعني به الجمع بين
".األسد والشجاع
ومن المفسرين الذين نحو هذا المنحى اإلمام الرازي حيث قالَ " :ح ْمل اللفظ
المشترك على جميع معانيه ال يجوز ،وأيضا ً َح ْمل اللفظ على حقيقته ومجازه معا ً ال
ض ِمن { :يجوز" ،وعند تفسيره لقوله تعالى ت َو َما فِي ْاأل َ ْر ِ
س َم َاوا ِ َو ِ َّ ِ
لِل يَ ْس ُج ُد َما فِي ال َّ
سورة النحل ،اآلية ،]49 :ذكر أن (السجود) [ } َدابَّة َو ْال َم َالئِ َكةُ َو ُه ْم َال يَ ْست َ ْك ِب ُرونَ
يطلق على نوعين :سجود عبادة ،وسجود انقياد هلل تعالى وخضوع ،ثم ذكر ثالثة
أقوال في المراد بـ (السجود) في اآلية ،ثالثها :أن (السجود) لفظ مشترك بين
المعنيين ،وحمل اللفظ المشترك إلفادة مجموع معنييه جائز ،فحمل لفظ السجود في
هذه اآلية على األمرين معاً ،أما في حق الدابة فبمعنى التواضع ،وأما في حق
المالئكة فبمعنى سجود المسلمين هلل تعالى ،وقد عقَّب على هذا القول بقوله" :وهذا
القول ضعيف؛ ألنه ثبت أن استعمال اللفظ المشترك إلفادة جميع مفهوماته معا ً غير
".جائز
ومن المفسرين الذين رفضوا هذا المنحى قبل الرازي الزمخشري ،فقد ذكر السمين
الحلبي أن "الظاهر من حال الزمخشري أنه ال يجيز الجمع بين الحقيقة والمجاز،
".وال استعمال المشترك في معنييه
:قواعد العمل باللفظ المشترك
قال العلماء(" :االشتراك) خالف األصل؛ ألن األصل في لسان العرب أن يكون لكل
لفظ معنى واحد فقط ،أما أن يكون للفظ الواحد أكثر من معنى ،فهو خالف األصل،
والذي د َّل على هذا األصل استقراء اللغة؛ حيث أثبت االستقراء أن أكثر ألفاظ اللغة
العربية ألفاظ منفردة ليس لها إال معنى واحد ،والكثرة تفيد الظن والرجحان ،فيكون
اللفظ المنفرد بمعنى واحد أكثر وجودا ً من اللفظ الدال على معنيين فأكثر -وهو
".المشترك -فيكون مرجوحاً؛ نظرا ً لقلته
ثم قالوا" :إذا دار اللفظ بين كونه مفرداً ،وكونه مشتركا ً ُح ِم َل على االنفراد؛ ألنه
ضع لعدة معان في اللغة، األصل ،دون االشتراك .وقالوا أيضاً( :المشترك) الذي ُو ِ
".يُعرف المراد منها بالقرائن
وال خالف بين أهل العلم القائلين بوقوع االشتراك في :أن إطالق المشترك على أحد
معنييه في موضع ،ال يُفهم منه منع إطالقه على معناه اآلخر في موضع آخر؛
س { :فإطالقه تعالى لفظ (العين) على الباصرة في قوله علَ ْي ِه ْم فِي َها أ َ َّن النَّ ْف َ
َو َكت َ ْبنَا َ
سورة المائدة ،اآلية ،]45 :ال يمنع إطالق (العين) في [ }بِالنَّ ْف ِس َو ْالعَيْنَ بِ ْالعَي ِْن
اريَة{ :موضع آخر على الجارية ،كقوله عيْن َج ِ
سورة الغاشية ،اآلية} [ .]12 :فِي َها َ
قال ابن عاشور" :والحق الذي ال شك فيه ،أن المشترك يُطلق على كل واحد من
معنييه ،أو معانيه في الحال المناسبة لذلك ،ولو كان إطالق المشترك على أحد
معنييه يفيد منع إطالقه على معناه اآلخر في موضع آخر ،لم يكن في اللغة اشتراك
".أصالً
مثال اللفظ المشترك المختلف المعاني :لفظ (األمة) من األلفاظ المشتركة ،وإنما -
دل في القرآن في كل موطن على معنى واحد ،د َّل عليه سياق الكالم ،فمثالً في قوله
اب ِإلَى أ ُ َّمة َّم ْعدُو َدة{ :تعالى ع ْن ُه ُم ْالعَذَ َ
}ولَئِ ْن أ َ َّخ ْرنَا َ
سورة هود ،اآلية ،]8 :لفظ [ َ
يم َكانَ أ ُ َّمةً{ (:األمة) هنا جاء بمعنى :األمد والحين .وقوله تعالى سورة [ }إِ َّن ِإب َْرا ِه َ
النحل ،اآلية ،]120 :لفظ (األمة) هنا جاء بمعنى :اإلمام الذي يُقتدى به .وقوله
علَى أ ُ َّمة{ :سبحانه سورة الزخرف ،اآلية ،]22 :لفظ [ }بَ ْل قَالُوا ِإنَّا َو َج ْدنَا آبَا َءنَا َ
َولَ َّما َو َر َد َما َء َم ْديَنَ َو َج َد { (:األمة) هنا جاء بمعنى :الدين والملة .وقوله عز وجل
علَ ْي ِه أ ُ َّمةً ِمنَ النَّ ِ
اس يَ ْسقُونَ سورة القصص ،اآلية ،]23 :لفظ (األمة) هنا جاء [ } َ
سى أ ُ َّمة يَ ْهدُونَ { :بمعنى :الجماعة من الناس .وقوله تبارك وتعالى َو ِمن قَ ْو ِم ُمو َ
سورة األعراف ،اآلية ،]159 :لفظ (األمة) هنا جاء بمعنىِ } [ :ب ْال َح ِ
ق َوبِ ِه يَ ْع ِدلُونَ
الفرقة والطائفة .وهكذا نجد أن لفظ (األمة) وهو لفظ مشترك ،جاء في كل آية من
.هذه اآليات بمعنى مختلف ،حدده السياق الذي ورد فيه
ولفظ (الفتح) في القرآن جاء بمعان متعددة ،حددها السياق ،فجاء بمعنى الفتح
َولَ َّما فَت َ ُحوا { :المادي ،وهو األصل في معنى (الفتح) ،والمثال عليه قوله سبحانه
ع ُه ْم ع ُه ْم{ سورة يوسف ،اآلية ،]65 :فـ[ } َمتَا َ الفتح المادي الذي يزيل }فَت َ ُحوا َمتَا َ
أَت ُ َح ِدثُونَ ُهم { :األربطة عن المتاع .وجاء بمعنى الفتح المعنوي ،كما في قول هللا تعالى
علَ ْي ُك ْم سورة البقرة ،اآلية ،]76 :أي :بما أعطاكم هللا ومنحكم من [ }بِ َما فَت َ َح َّ
ّللاُ َ
:الخير ومن العلم .وجاء (الفتح) بمعنى النصر والغلبة ،كما في قوله سبحانه
}ويَقُولُونَ َمتَى َهذَا ْالفَتْ ُح إِن ُكنت ُ ْم َ
صا ِدقِينَ { ].سورة السجدة ،اآليةَ [28 :
س{ :مثال اللفظ المشترك المتضاد ،قوله عز وجل - }واللَّ ْي ِل ِإذَا َ
ع ْسعَ َ سورة [ َ
س{ التكوير ،اآلية ،]17 :فلفظ ع ْسعَ َ من األلفاظ المشتركة المتضادة ،يأتي بمعنىَ } :
أقبل ،ويأتي بمعنى :أدبر ،والسياق هو الذي يحدد المعنى ،وقد اختار الطبري أن
س{ الصواب من القول هنا أن يكون ع ْسعَ َ
:بمعنى :أدبر؛ وذلك لقوله سبحانه } َ
س{ْح ِإذَا تَنَفَّ َ
صب ِ
}وال ُّ سورة التكوير ،اآلية ،]18 :فدل ذلك على أن القَ َ
س َم بالليل [ َ
.حال إدباره ،وبالنهار حال إقباله
َوالَّذِينَ َجا َهدُوا فِينَا { :مثال حمل اللفظ المشترك على معنييه ،قوله عز وجل -
سبُلَنَا
سورة العنكبوت ،اآلية ،]69 :لفظ (الجهاد) في اآلية لفظ مشترك} [ ،لَنَ ْه ِديَنَّ ُه ْم ُ
يُطلق على مجاهدة النفس في إقامة شرائع اإلسالم ،ويطلق على مقاتلة األعداء في
الذب عن ديار اإلسالم ،وقد فُ ِسرت اآلية بكال المعنيين
ِ .
ت ِمن قَس َْو َرة{ :ومن هذا القبيل قوله تعالىسورة [ } َكأَنَّ ُه ْم ُح ُمر ُّم ْستَن ِف َرة * فَ َّر ْ
المدثر ،اآليات ،]51-50 :فلفظ (القسورة) مشترك بين (الرامي) وبين (األسد)،
وحمر الوحش إذا رأت الرامي فرت ،والحمر األهلية إذا رأت األسد فرت ،واللفظ
.صالح للمعنيين؛ فيُحمل على المعنيين جميعا ً
ّللاَ يَ ْس ُج ُد لَهُ { :مثال حمل اللفظ المشترك في حقيقته ومجازه قوله تعالى - أَلَ ْم ت َ َر أ َ َّن َّ
س َو ْالقَ َم ُر َوالنُّ ُجو ُم َو ْال ِجبَا ُل َوال َّ
ش َج ُر ش ْم ُ ت َو َمن فِي ْاأل َ ْر ِ
ض َوال َّ س َم َاوا َِمن فِي ال َّ
}والد ََّوابُّ َو َكثِير ِمنَ النَّ ِ
اس سورة الحج ،اآلية ،]18 :فـ (السجود) له معنى حقيقيَ [ ،
وهو وضع الجبهة على األرض ،ومعنى مجازي ،وهو التعظيم ،وقد استعمل فعل
.هنا في معنييه المذكورين ال محالة ،الحقيقي والمجازي }يَ ْس ُج ُد{
طوا { :ومن قبيل استعمال المعنى الحقيقي والمجازي أيضاً ،قوله عز وجل س ُ
َويَ ْب ُ
وء سورة الممتحنة ،اآلية ،]2 :فبسط األيدي حقيقة في [ } ِإلَ ْي ُك ْم أ َ ْي ِديَ ُه ْم َوأ َ ْل ِسنَت َ ُهم بِال ُّ
س ِ
مدها للضرب والسلب ،وبسط األلسنة مجاز في عدم إمساكها عن القول البذيء ،وقد
.استعمل هنا في كال معنييه
المقالة السابقة
صى
َ ْ
ق َ ألا د
ِ ْج
س
َ ِمال ى َ ل إ امر ح
َ َ ِ ِ ال د
ِ ْج
س
َ ِمال نَ م
ِ ا ليْ َ ل ه
ِ د
ِ ب
ْ ع ب
َ َِى ْر
س َ أ ِي
ذ َّ لا انَ ح
َ ب
ْ س
ُ { القرآن }من أسرار
المقالة التالية
صيغة (استفعل) في القرآن
التعليقات
هذه التعليقات ال تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
أضف تعليقك
.سجل اآلن .المسجلين في الموقع فقط يمكنهم إضافة تعليقات