You are on page 1of 374

‫املشروع اإليراني‬

‫يف املنطقة العربية الإ�سالمية‬


‫ﺍﻟﻄﺒﻌﺔ ﺍﻷﻭﱃ‬
‫‪ ١٤٣٤‬ﻫـ ‪ ٢٠١٣ -‬ﻡ‬
‫املشروع اإليراني‬
‫يف املنطقة العربية الإ�سالمية‬

‫حملة عن حيثيات ونشأة ورشة العمل‬
‫حول املشروع اإليراني في املنطقة العربية واإلسالمية‬

‫د‪ .‬بسام الضويحي‬

‫انطالق ًا من األهداف األساسية التي أقيم من أجلها مركز أمية‪ ،‬من نرش للمعرفة‬
‫االسرتاتيجية لتكون مادة أولية أمام ُصناع القرار‪ ،‬واتباع أسس ومناهج التفكري والتحليل‬
‫واالسترشاف العميل لنصل المتالك رؤية شاملة ودقيقة ودائمة التحديث للمشهد‬
‫العريب واإلسالمي والدويل وتداعياته عىل حارضنا ومستقبلنا‪ ،‬وبناء عىل ما تقدم فإن‬
‫األمة العربية واإلسالمية مهددة اليوم بمرشوعني يستهدفان وجودمها؛ األول املرشوع‬
‫الصهيوين‪ ،‬وهو مرشوع ٍ‬
‫حتد لوجود األمة‪ ،‬وال يمكن بحال من األحوال أن يستمر حتت‬
‫أي مسمى أو أيديولوجيا عقائدية أو سياسية‪ ،‬وقد انربى لتعرية هذا املرشوع ومقاومته‬
‫رجال وأئمة ومصلحون رشفاء من هذه األمة‪ ،‬وحيث أن هذا املرشوع مرتبط ارتباط ًا‬
‫وثيق ًا بعقيدتنا وباملسجد األقىص فال خوف ‪ ...‬فاألمر مكشوف وواضح‪.‬‬
‫أما املرشوع الثاين الذي ال يقل خطر ًا عىل وجودنا وحارضنا ومستقبلنا فهو املرشوع‬
‫اإليراين الفاريس الصفوي‪ ،‬الذي يتخذ من املذهب الشيعي الصفوي غطاء له وهيددنا‬
‫هتديد ًا وجودي ًا‪ ،‬وعقدي ًا‪ ،‬ويف قيمنا العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫فكان من الرضورة أن نبادر يف مركز أمية للبحوث والدراسات االسرتاتيجية‬
‫بدعوة نخبة من املفكرين والباحثني املتخصصيني من أكثر من عرش دول‪ ،‬ومن أفكار‬
‫ومذاهب ومدارس شتى‪ ،‬من شيعة وسنة‪ ،‬وعرب وإيرانيني وأتراك وكرد‪ ...‬ليتدارسوا‬
‫خطر هذا املرشوع اإليراين من جوانبه الثقافية ‪ ،‬والعقائدية ‪ ،‬والقيمية ‪ ،‬والديموغرافية ‪،‬‬
‫والسياسية ‪ ،‬واالقتصادية ‪ ،‬واالجتامعية ‪ ،‬واإلعالمية ‪ ،‬والعسكرية ‪ ،‬والتارخيية وبطريقة‬
‫علمية وبحثية بعيدة عن العاطفة واالرجتال‪.‬‬
‫وقد عكف اإلخوة الباحثون عدة أشهر إلنجاز بحوثهم ومن ثم متت دعوهتم إىل‬
‫ورشة عمل يف مرص الكنانة يف القاهرة بتاريخ ‪ 2012/10/14‬وبحضور ومشاركة‬

‫‪5‬‬
‫نخبة من املتخصصني بحدود مخسني شخص ًا ما بني سياسيني وأكادميني وإعالميني‬
‫من جنسيات خمتلفة؛ حيث تضمنت الورشة أربع جلسات ترأس كل جلسة باحث من‬
‫جنسية وتوجه سيايس خمتلف عن اآلخر‪.‬‬
‫وقد تم استعراض كافة البحوث واملحاور ومناقشتها مبارشة وبتغطية إعالمية‬
‫مبارشة ومتواصلة‪ ،‬وبعد االنتهاء من تلك اجللسات األربعة طلب مركز أمية من السادة‬
‫الباحثني مراجعة بحوثهم إلعادة صياغتها وتقييمها عىل ضوء احلوار والنقاش ووجهات‬
‫النظر‪ ،‬وقد صدرت توصيات مهمة متخضت عن هذا احلوار أبرزها أنه ال بد من مرشوع‬
‫عريب وإسالمي بديل عن هذا املرشوع‪ ،‬ومن ثم قام مركز أمية بطباعة هذه البحوث يف‬
‫هذا الكتاب الوثائقي ليكون أحد أهم املصادر العلمية حول املرشوع الصفوي‪.‬‬
‫ولعل هذه الورشة العلمية أول ورشة عمل عىل هذا املستوى – فيام نعلم – تدرس‬
‫هذا املرشوع بمهنية ذكية وموسوعية‪.‬‬

‫مركز أمية للبحوث والدراسات‬

‫‪6‬‬
‫تقدمي‬

‫يعترب املوضوع اإليراين واحد ًا من أكثر املواضيع إثارة للجدل يف العامل العريب عىل‬
‫خمتلف املستويات الرسمية والشعبية والنخبوية والبحثية‪ .‬ويعود ذلك بطبيعة احلال‬
‫إىل عاملني أساسيني يتم ّثالن بالطريقة التي تقدّ م فيها طهران نفسها للمنطقة من جهة‪،‬‬
‫والطريقة التي ينظر فيها العرب إىل إيران انطالق ًا من هذه املعطيات من جهة أخرى‪.‬‬
‫يف مرحلة ما قبل الثورات العربية التي إندلعت يف هناية عام ‪ ،2010‬ولعقود طويلة‬
‫عود ًة اىل الوراء‪ ،‬كان بامكان املتابع لتوجهات الرأي العام العريب جتاه إيران أن يدرك ّ‬
‫أن‬
‫النظرة إىل طهران ليست موحدة‪ ،‬فهي خمتلفة ومتنوعة ومتعددة عىل خمتلف املستويات‬
‫اآلنفة الذكر ويف داخل كل منها وختتلف من بلد إىل آخر أيض ًا‪.‬‬
‫تقليدي ًا‪ ،‬غالبا ما إنقسمت نظرة العرب إليران إىل قسمني أساسيني‪ :‬قسم ينظر إليها‬
‫نظرة سلبية تقوم عىل أهنا مصدر رئييس لعدم االستقرار يف املنطقة‪ ،‬وأهنا تشكل خطر ًا‬
‫عىل األمن القومي ألهنا دولة تسعى إىل أن تفرض هيمنتها بالقوة عىل دول املنطقة وبطرق‬
‫غري مرشوعة وحتت شعارات شعبوية ‪ .‬وقسم آخر ينظر إىل إيران نظرة إجيابية انطالق ًا‬
‫من كوهنا دولة إسالمية تدافع عن املستضعفني واملظلومني وتنرص القضايا العربية وعىل‬
‫رأسها القضية الفلسطينية‪ ،‬وهي دولة معادية إلرسائيل وتتحدى أمريكا والغرب‪.‬‬
‫واملشكلة يف هذا القسم األخري ّ‬
‫أن موقفه هذا ينبع من دوافع عاطفية وانطباعات‬
‫رومانس ّية أكثر من كونه ينبع من معطيات واقعية وحقائق ميدان ّية‪ ،‬وهو األمر الذي كشفته‬
‫وأكّدته الثورات العربية التي أظهرت تناقض ًا صارخ ًا بني شعارات طهران وممارساهتا‬
‫السيام الثورة السورية التي كان هلا الفضل يف نزع ورقة التوت عن السياسات اإليرانية‪.‬‬
‫عموم ًا‪ ،‬فقد الرأي العام العريب عقود ًا طويلة ليكتشف اآلن حقيقة ايران‬
‫والسياسات االيرانية السلب ّية والتدمريية يف املنطقة العربية ْ‬
‫إن من ناحية اخرتاق املكونات‬
‫املذهب ّية والطائف ّية والتالعب هبا ْ‬
‫وإن من ناحية هتديم البناء االجتامعي والنفاذ من خالهلا‬
‫ْ‬
‫وإن من ناحية توظيف الواقع السيايس للنفاذ إىل املعادلة السياسية‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫ومن الطبيعي ّ‬
‫أن «جهلنا» باآلخر وبطريقة تفكريه وعمله والنامجة عن نقص‬
‫الدراسات والبحوث املوضوع ّية والتجريد ّية ناهيك عن غياب التحليالت العميقة‬
‫لطبيعة النظام السيايس االيراين‪ ،‬أهدافه‪ ،‬سياساته‪ ،‬أدواته‪ ،‬امكانياته‪ ،‬وطريقة عمله‬
‫ال مساعد ًا يف تعميق عملية‬
‫وغريها من العنارص السيام املواقف العاطفية كانت عام ً‬
‫اخلداع التي متارسها ايران يف املنطقة العربية واالسالم ّية‪ ،‬والتي استطاعت عربها‬
‫احلصول عىل تأييد رشائح خمتلفة ومتنوعة بل وحتى متضاربة‪.‬‬
‫فقد استطاعت طهران سابق ًا اجتذاب فئات إسالمية عديدة من خالل الرتكيز‬
‫عىل القضية الفلسطينية كقضية إسالمية ومن خالل تقديم نفسها كدولة إسالم ّية تدافع‬
‫عن فضايا املسلمني ومستضعفيهم‪ ،‬كام استطاعت اجتذاب فئات واسعة من القوميني‬
‫العرب من خالل الرتكيز عىل شعارات املعاداة إلرسائيل والدفاع عن القضايا العربية‬
‫ذات االهتامم املشرتك ودعم حزب اهلل يف لبنان‪ ،‬كام اجتذبت فئات واسعة من اليساريني‬
‫من خالل تقديم إيران لنفسها كدولة ثور ّية تواجه اإلمربيال ّية العامل ّية املتمثلة يف سياسات‬
‫الواليات املتّحدة والغرب‪.‬‬
‫ويف هذا اإلطار جاء هذا اجلهد املشكور من جمموعة واسعة من الباحثني‬
‫املهتمني بالشأن اإليراين والذين ينتمون إىل‬
‫ّ‬ ‫واألكاديميني واإلعالميني والصحفيني‬
‫مشارب خمتلفة (إسالمية‪ ،‬قوم ّية‪ ،‬علامن ّية‪ ،‬ليربال ّية‪ ،‬سن ّية‪ ،‬شيع ّية) من عدد من الدول‬
‫العربية وحتى من األحواز العربية يف إيران‪.‬‬
‫وقد تناول هؤالء املتخصصون «املرشوع اإليراين يف املنطقة العربية واإلسالمية»‬
‫مقومات وركائز هذا املرشوع السياسية واالقتصادية‬ ‫مركّزين بشكل أسايس عىل ّ‬
‫واالجتامعية‪ ،‬معطياته الداخل ّية‪« ،‬اإلقليم ّية» يف سياسة إيران اخلارج ّية وعالقتها مع‬
‫القوى اإلقليم ّية والدول ّية‪ ،‬واملوقف االيراين من الثورات العربية‪ ،‬باإلضافة اىل مواضيع‬
‫ذات صلة هبذه املواقف‪.‬‬
‫اخلالصة األساسية ملا قدّ مه املتخصصون بالشأن اإليراين يف هذه األوراق يشري إىل‬
‫أن رصيد إيران يف العامل العريب تالشى ّ‬
‫وأن شعب ّيتها التي بلغت يف فرتات سابقة أوجها‬ ‫ّ‬
‫تراجعت اىل مستوى احلضيض‪ ،‬كام أظهرت ّ‬
‫أن حاجز النقد للسياسات اإليران ّية لدى‬

‫‪8‬‬
‫الباحثني قد انكرس‪ ،‬إذ كان من الصعب انتقاد السياسات اإليرانية سابق ًا نظر ًا حلجم‬
‫يتعرض هلا الباحث عند اإلشارة اىل هذا املوضوع‪ ،‬أ ّما اآلن‬
‫االنتقادات الشعب ّية التي قد ّ‬
‫أن الرأي العام بدأ يضغط عىل الباحثني واملتخصصني‬ ‫فقد اختلف الوضع ك ّلي ًا‪ ،‬ال بل ّ‬
‫بالشأن اإليراين من أجل تسليط الضوء عىل مثل هذه السياسات السلبية لتعريتها‪.‬‬
‫وتأيت هذه األوراق منسجمة مع التغيرّ اجلذري احلاصل يف الرأي العام العريب‬
‫جتاه املوقف من إيران‪ .‬لقد كان للثورات العربية وللثورة السورية حتديد ًا تأثري كبري عىل‬
‫التحول احلاصل يف موقف الرأي العام العريب من طهران وسياساهتا يف املنطقة باجتاه‬ ‫ّ‬
‫سلبي‪ .‬املؤيدون إليران اآلن عىل ق ّلتهم (وغالبيتهم يدعمها ألسباب طائف ّية ومذهب ّية)‬
‫يواجهون أوقات صعبة يف تربير وتفسري موقفهم هذا عىل اعتبار أنّه العذر ‪-‬مهام بلغ من‬
‫األمه ّية بمكان وحتت أي ظرف‪ -‬بإمكانه أن يربر وقوف أي شخص أو جمموعة أو دولة‬
‫إىل جانب نظام األسد يف قتل شعبه حتى لو كان يتضمن شعار «مقاومة ارسائيل»‪ّ ،‬‬
‫ألن‬
‫املسألة مسألة حقوق وحر ّية وعدالة‪ ،‬وال يمكن ملجموعة من العبيد يف املطلق أن تقاوم‬
‫إرسائيل أو أي احتالل آخر حتت مثل هذه الظروف‪.‬‬
‫فمن املفرتض يف املبدأ أن يقف كل عريب وكل حر يف هذا العامل ضد إرسائيل ليس‬
‫ألن من يم ّثلها هم جمموعة غزاة وحمت ّلني‬
‫ألن من يم ّثلها هم جمموعة من اليهود‪ ،‬وإنام ّ‬
‫ّ‬
‫ومستوطنني يقتلون الشعب الفلسطيني وحيتلون أرضه ويزعزعون الرتكيبة العربية‬
‫من خالل الرتكيز عىل استغالل وتوظيف األقليات الدين ّية واملذهب ّية والعرق ّية بام‬
‫التوسعية ويربر وجودها‪ .‬ووفق كثريين‪ ،‬فان‬
‫ّ‬ ‫يفيد منطقهم يف بناء دولتهم اإلحتالل ّية‬
‫السياسات اإليران ّية ال ختتلف عن نظريهتا اإلرسائيل ّية يف يشء من هذا عىل اإلطالق‪.‬‬
‫إذ حتتل إيران أرايض عرب ّية‪ ،‬وتدّ عي ملك ّية البحرين كمقاطعة إيران ّية جيب‬
‫استعادهتا‪ ،‬وتستخدم أذرعها وميليشياهتا يف لبنان والعراق والبحرين واليمن والكويت‬
‫وسوريا وفلسطني وبلدان أخرى كوسيط لتحقيق مصاحلها السياس ّية القوم ّية ناهيك عن‬
‫إستخدامها الدول العرب ّية كساحات لزيادة مساحة تأثريها ونفوذها يف املنطقة‪.‬‬
‫وبالرغم من ذلك‪ ،‬فقد ظهر تركيز عىل رضورة التمييز بني الشيعة بشكل عام وبني‬
‫إيران والسياسات اإليرانية‪ .‬فتناول إيران ال جيب أن يفسرّ عىل أنّه تناول للشيعة وال‬

‫‪9‬‬
‫جيب أن يكون كذلك خاصة عندما نتحدّ ث عن الشيعة العرب من غري التابعني للويل‬
‫الفقيه يف إيران‪ .‬فإيران ال مت ّثل وال حتمي الشيعة العرب‪ ،‬بل عىل العكس تستغ ّلهم وقود ًا‬
‫ملرشوعها وليس أكثر داللة عىل ذلك من تعامل إيران مع عرب األحواز وكذلك موقف‬
‫إيران مع أرمينيا (املسيح ّية) يف مواجهة أذربيجان (غالبية شيعية ولكن عرق تركي)‪.‬‬
‫وهذا إن أظهر شيئ ًا‪ ،‬فإنه يظهر طبيعة املعايري املزدوجة إليران والتي تعكس الوجه‬
‫احلقيقي هلا والذي ما فتئ خيتبئ خلف شعارات كشفها الواقع‪ .‬وحقيقة ّ‬
‫أن العرب ال‬
‫يريدون أن يكونوا أعداء للشعب اإليراين ال يعني بأي حال من األحوال السكوت عن‬
‫السياسات اإليرانية السلب ّية واملد ّمرة‪.‬‬
‫إن هذا الكتاب‪ ،‬وعرب جهود مركز أم ّية جلمع املهتمني بالشأن اإليراين ممن شاركوا‬
‫ال مه ًام ورضور ّي ًا لفهم احلالة اإليران ّية وكيفكية تفكيكها بام يساعد عىل‬
‫فيه‪ ،‬يعدّ مدخ ً‬
‫حتليلها واختاذ القرارات الصحيحة والصائبة بشأهنا لتشكّل أساس ًا للتعامل معها مستقب ً‬
‫ال‬
‫احتوا ًء أو مواجهة‪.‬‬

‫عيل حسني باكري‬


‫باحث يف منظمة البحوث االسرتاتيجية الدولية (أوساك)‬
‫أنقرة يف ‪2013-9-3‬‬

‫‪10‬‬
‫اجلل�سة الأوىل‬
‫رئيس اجللسة‪ :‬د‪ .‬بسام ضويحي‬

‫‪ -‬مرتكزات السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه املنطقة العربية‬


‫صباح املوسوي األحوازي‬

‫‪ -‬املرتكزات الدميوغرافية واالجتماعية والثقافية في املشروع اإليراني‬


‫د‪ .‬غازي التوبة‬

‫‪ -‬املرتكزات االقتصادية للمشروع اإليراني في املنطقتني العربية واإلسالمية‬


‫عبد احلافظ الصاوي‬

‫‪11‬‬
‫مرتكزات السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه املنطقة العربية‬

‫صباح املوسوي األحوازي‬


‫كاتب وباحث مختص في الشؤون اإليرانية‬

‫تتسم السياسة اخلارجية اإليرانية بطبيعة معقدة ومتشابكة‪ .‬فالباحث واملهتم هبذه‬
‫السياسة جيد عند دراسته ومتابعته هلا‪ ،‬التورية و االهبامات ظاهرة يف جوانب كثرية منها‬
‫حيث يتداخل فيها الديني بالقومي و الثورية بالربمجاتية‪ .‬كام اتسمت السياسة اخلارجية‬
‫اإليرانية باإلثارة واملراوغة وتوزيع األدوار واللعب عىل عامل الزمن‪ ،‬وقد انعكست‬
‫كل هذه املالبسات عىل طبيعة السياسة اإليرانية جتاه املنطقة العربية متأثرة بالعوامل‬
‫واملرتكزات التي اعتمدهتا كأساس لتحركاهتا‪ .‬ولكي نقف عىل طبيعة السياسة اإليرانية‬
‫اخلارجية‪ ،‬البد لنا من معرفة تلك العوامل واملرتكزات وخاصة األساسية منها املؤثرة يف‬
‫السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه العرب وقضاياهم‪.‬‬

‫‪ -1‬املرتكز اجلغرافي ‪:‬‬


‫يعد املوقع اجلغرايف من العوامل األكثر تأثري ًا يف صياغة السياسية اإليرانية اخلارجية‬
‫يف املنطقة‪.‬فاملوقع اجلغرايف من أهم العوامل املؤثرة والدائمة يف سياسة إيران اخلارجية‬
‫ومن أكثر مقوماهتا ثبات ًا‪ ،‬إذ تقع إيران يف اجلزء الغريب من قارة آسيا‪ ،‬ومتتلك مساحة‬
‫كبرية شكلت من خالهلا مساحة جغرافية متكاملة‪،‬انعكست عىل سياستها الداخلية‬
‫واخلارجية‪.‬ويمتاز موقع إيران اجلغرايف‪ ،‬بأنه من املواقع املفتوحة نحو اخلارج‪ ،‬إذ متتلك‬
‫إيران سواحل بحرية طويلة موزعة عىل أكثر من منفذ بحري من جهة الشامل (بحر‬
‫قزوين ) ومن جهة اجلنوب الغريب (اخلليج العريب)‪ ،‬وتعد هذه السواحل نافذة إيران‬
‫الرئيسة عىل العامل اخلارجي‪ ،‬إذ تسيطر إيران من خالهلام عىل ممرات مائية هامة وحيوية‪.‬‬
‫وقد كانت هلذه املنافذ البحرية تأثريات كبرية عىل طبيعة العالقات اإليرانية مع العامل‬

‫‪13‬‬
‫اخلارجي‪ ،‬والسيام دول اخلليج العريب كام شجعها هذا املوقع عىل االتصال املبارش مع‬
‫البحار املفتوحة‪ ،‬وخصوصا من جهة اجلنوب‪ ،‬وأضاف إىل إيران قوة بحرية من خالل‬
‫بناء القواعد العسكرية عىل تلك السواحل والسيام سواحل اخلليج العريب(((‪.‬‬

‫‪ -2‬املرتكز التاريخي ‪:‬‬


‫يعد العامل التارخيي من العوامل املهمة يف سياسة إيران اخلارجية فهو يتالزم‬
‫مع املرتكز اجلغرايف يف رسم وصياغة سياساهتا جتاه املنطقة العربية ‪ ،‬وتستخدم القيادة‬
‫اإليرانية هذا املرتكز يف تفسري طبيعة فهمها ملايض واالستفادة منه يف تعبئة اجليل احلارض‬
‫وطني ًا وفكري ًا ‪ ،‬وحتديد وصياغة وجهات نظرها نحو املستقبل‪ .‬وتاريخ الدولة اإليرانية‬
‫التي برزت قبل ‪ 12‬قرن ًا من ظهور اإلسالم فرضت خالله سيطرهتا فيه عىل مناطق‬
‫شاسعة رشق ًا وغرب ًا‪ ،‬لذا أصبح العامل التارخيي بالنسبة للدولة اإليرانية يعد عام ً‬
‫ال مه ًام‬
‫يف رسم سياستها عرب التاريخ‪ ،‬و أساس ًا وقاعدة منهجية يف سياسة التوسع اخلارجي‪ .‬وقد‬
‫اعتمدت إيران يف ظل األنظمة املتعاقبة ويف ظل النظام الراهن ‪ ،‬عىل مبدأ التعامل الفوقي‬
‫مع العرب‪ ،‬منطلقة من العامل التارخيي‪ ،‬الذي كانت إليران فيه يف عهد اإلمرباطورية‬
‫الفارسية سلطة عىل بعض الدول العربية بحكم كوهنا إمرباطورية كانت تتسم بروح‬
‫التوسع واهليمنة والسيطرة العسكرية‪.‬‬

‫‪ -3‬املرتكز الدميغرافي ‪:‬‬


‫للمرتكز الديمغرايف أو كام يعرف بالرتكيب اإلثني للمجتمع اإليراين تأثري أيض ًا يف‬
‫السياستني الداخلية واخلارجية إليران‪،‬‬
‫لقد أدركت السلطة السياسية اإليرانية ولفرتات زمنية طويلة‪ ،‬أن استمرار بقاء‬
‫الدولة الفارسية واستمرار قوهتا يكمن بالسيطرة عىل تلك القوميات‪ ،‬من خالل‬
‫إخضاعها لتهديد أو حتدٍّ خارجي‪ ،‬وإثارة شعور اخلوف لدى تلك القوميات من خطر‬

‫((( الدكتور امحد شاكر العالق ‪ -‬جامعة الكوفة ‪ -‬كلية اآلداب ‪ -‬قسم التاريخ‪ ،‬وتبلغ مساحة إيران‬
‫‪ ،1.648.000‬وساحلها يبلغ طوله حوايل ‪ 700‬كم‬

‫‪14‬‬
‫تعتقد أنه هيدد الدولة الفارسية‪ ،‬وكثري ًا ما كان ذلك التحدي يف نظرها هو التهديد القادم‬
‫من الغرب واملقصود به العرب‪ .‬وجتسد رد الفعل اإليراين عىل هذا التهديد من خالل‬
‫حماولة التوسع والسيطرة عىل بعض األرايض العربية املجاورة‪ ،‬حيث اعتمدت السلطة‬
‫السياسية يف إيران عىل مبدأ التوسع اخلارجي مسوغ ًا لسياسة التوسع الداخيل‪ ،‬من خالل‬
‫اهليمنة والسيطرة عىل القوميات غري الفارسية‪.‬‬
‫كام استغلت إيران وجود بعض اجلاليات اإليرانية يف العراق و دول اخلليج العريب‬
‫التي هاجرت بدوافع اقتصادية‪ ،‬فأخذت تشجع عىل اهلجرة إىل تلك املناطق بشتى‬
‫الوسائل واألساليب‪ ،‬وحتديد ًا نحو سواحل اخلليج العريب‪ ،‬وقد مارست إيران هذه‬
‫السياسة منذ القرن التاسع عرش واستمرت عليها إىل ما بعد النصف األول من القرن‬
‫العرشين‪.‬‬

‫‪ -4‬املرتكز العقائدي‬
‫وجدت إيران يف التشيع مرتاس ًا حيمي هويتها القومية والثقافية‪ ،‬ورحم ًا تطعن فيه‪،‬‬
‫وسه ًام ترمي به‪ ،‬و وسيلة خترتق به الدول العربية واإلسالمية‪ .‬وما حصل من حروب‬
‫صفوية عثامنية‪ ،‬وما تقوم به اليوم يف العراق و دول منطقة اخلليج العريب وبالد الشام‬
‫يظهر بوضوح مدى استغالل السلطة اإليرانية هلذا املرتكز‪ .‬فعىل الصعيد الداخيل تعامل‬
‫العريب الشيعي األحوازي بمنطلق قومي عنرصي‪ ،‬وتعامل السني اإليراين وإن كان‬
‫أعجمي ًا‪ ،‬من منطلق طائفي‪ ،‬حيث أهنا ترى يف الفكر اإلسالمي السني مرشوع تعريب‪،‬‬
‫وترى يف العريب عدو ًا ثقافي ًا وتارخيي ًا ال يوثق به‪ .‬ولكنها يف التعامل اخلارجي تقوم‬
‫عىل استغالل عواطف الشيعي‪ ،‬عربي ًا كان أو أعجمي ًا‪ ،‬وحماولة ربطه بإيران من خالل‬
‫اخلطاب الطائفي املبني عىل العاطفة‪.‬‬
‫وإذا ما قرأنا السياسية اخلارجية اإليرانية بتمعن نجد أن هذه املرتكزات األربعة‬
‫اعتمدت كمرتكزات حلروهبا الدامية عرب القرون املاضية و حروهبا يف الوقت الراهن‪.‬‬

‫‪15‬‬
‫املؤسسات الداعمة للمخططات السياسية واألمنية اإليرانية‬
‫في املنطقة‬
‫لقد اعتمدت السياسة اخلارجية اإليرانية عىل املرتكزات األربعة التي أرشنا هلا‬
‫واختذهتا أساس ًا ومنطلق ًا لتصدير الثورة “ والتي تعني التوسع وبسط النفوذ اإليراين “‬
‫ليس يف منطقة اخلليج العريب و حسب’ بل ويف عموم منطقة الرشق األوسط ‪ ،‬مستغلة‬
‫مجلة من العوامل والظروف “الدينية والسياسية والتارخيية واالقتصادية” لتحقيق‬
‫أهدافها املنشودة‪ .‬كام اختذت من مناطق يف آسيا الوسطى وشامل أفريقية مراكز نفوذ هلا‬
‫وقواعد ارتكاز لتحقيق اخرتاقات يف البلدان التي تم حتديدها لتكون هدف ًا ملرشوعها‪.‬‬
‫و للتغطية عىل مآرهبا احلقيقية‪ ،‬فقد اختذت السياسة اخلارجية اإليرانية من القضية‬
‫الفلسطينية و دعم بعض الفصائل الفلسطينية غطاء لكسب التعاطف العريب واإلسالمي‪،‬‬
‫و استغالل األقليات الشيعية يف البلدان العربية حصان طروادة ملخططها‪ ،‬و من معاداة‬
‫أمريكا و الكيان الصهيوين شعارا هلا‪ ،‬و تقديم املعونات املادية والعسكرية لبعض الدول‬
‫العربية واألفريقية الفقرية‪ ،‬مدخال للنفوذ و قواعد انطالق نحو الدول املستهدفة‪.‬‬
‫وقد قامت إيران بتأسيس سلسلة من املؤسسات والدوائر لتكون أجنحة لوزارة‬
‫اخلارجية ملساعدهتا عىل حتقيق إسرتاتيجيتها‪ .‬ومن بني هذه املؤسسات يمكن ذكر‬
‫األسامء التالية ‪:‬‬
‫‪ -‬املستشاريات الثقافية اإليرانية – تقوم عىل نرش وتدريس الثقافة الفارسية و‬
‫كسب املتعاطفني ونقلهم إليران إلكامل التعليم باللغة الفارسية وتغذيتهم بمزيد من‬
‫الثقافة واألفكار ومن ثم جتنيدهم عرب تقديم املغريات املادية واملعنوية‪.‬‬
‫‪ -‬املجمع العاملي ألهل البيت‪ -‬تنظيم سيايس بواجهة دينية يرأسه حالي ًا «الشيخ‬
‫حممد حسن أخرتي» السفري اإليراين األسبق يف سوريا و يعمل هذا املجمع سنوي ًا عىل‬
‫عقد مؤمترات لوضع اخلطط للشيعة يف العامل ومراجعة ما تم إنجازه من اخلطط يف‬
‫األعوام السابقة‪.‬‬
‫‪ -‬جممع التقريب بني املذاهب – يرأسه الشيخ «حمسن االراكي « وهو رئيس‬
‫املحاكم الثورية السابق يف األحواز وعضو يف حزب الدعوة العراقي‪ .‬و يقوم املجمع‬
‫‪16‬‬
‫املذكور عىل عمل دعائي لذر الرماد يف العيون هبدف إبعاد هتمة الطائفية عن النظام‬
‫اإليراين‪ ،‬ودعم مرشوع نرش التشيع يف الدول العربية و كسب أصحاب احلركات‬
‫الصوفية وبعض مشايخ ومجاعات إسالمية سياسية معروفة حتت عنوان الوحدة‬
‫اإلسالمية‪ .‬أسس املجمع عام ‪1990‬م بأمر من عيل خامنئي‪.‬‬
‫‪ -‬منظمة التبليغ اإلسالمي – تقوم باإلرشاف عىل احلسينيات واملراكز الدينية‬
‫الشيعية يف اخلارج وتقديم الدعم والرعاية هلا‪ ،‬ومد هذه املراكز بمبلغني ( قراء املراثي )‬
‫يتم إرساهلم من إيران بعد أن جيري إعدادهم إعداد ًا جيد ًا للمهام املنوطة هبم‪ .‬باإلضافة‬
‫إىل ذلك تقوم املنظمة بطبع الكتب الدينية والثقافية وتوزيعها باملجان و تعقد املؤمترات‬
‫لنرش ثقافة التشيع و متجيد النظام اإليراين و رموزه‪.‬‬
‫‪ -‬املدارس اإليرانية يف اخلارج – تعمل عىل نرش الثقافة اإليرانية من خالل فتح‬
‫باب القبول لغري اإليرانيني جمان ًا‪ ،‬وكسب الطلبة اإليرانيني املقيمني يف اخلارج وجتنيدهم‬
‫لصالح النظام ضد املعارضة‪ ،‬والقيام ببناء عالقات مع غري اإليرانيني وكسبهم لصالح‬
‫إيران‪.‬‬
‫‪ -‬احلوزات الدينية يف اخلارج – تقوم عىل نرش تعاليم وفقه العقيدة الشيعية‬
‫وقبول الطلبة من غري الشيعة وإعطائهم املنح الدراسية يف قم بعد إكامهلم مرحلة ما‬
‫يعرف باملقدمات يف بلداهنم‪.‬‬
‫‪ -‬ممثليات مرشد الثورة يف اخلارج – تقوم عىل تقديم الدعم املايل لطالب احلوزات‬
‫الدينية و اإلرشاف عىل أداء عمل املؤسسات اإليرانية يف اخلارج وترويج مرجعية مرشد‬
‫الثورة عيل خامنئي‪ .‬واىل جانب هذه املراكز واملؤسسات هناك دوائر أخرى تعمل يف‬
‫إطار حتقيق املخطط اإليراين وهذه الدوائر بعضها ثقافية و أخرى سياسية والبعض‬
‫األخرى خدمية‪ .‬وهي ‪:‬‬
‫‪ -‬مؤسسة جهاد البناء‪ -‬وهلا أفرع يف السودان و سورية و لبنان‪ ،‬وتقوم بمد خطوط‬
‫الكهرباء ومد أنابيب املياه وحفر اآلبار وبناء املساكن واملدارس والطرق‪.‬‬
‫‪ -‬جلنة اإلمام اخلميني اإلغاثية‪ -‬وهي مؤسسة خدمية تقدم املعونات املالية‬
‫واخلدمات الصحية واالجتامعية وتعد من املؤسسات الثورية‪ .‬هلا فروع يف العراق‪،‬‬

‫‪17‬‬
‫سورية السودان ولبنان‪.‬‬
‫‪ -‬مركز حوار احلضارات ‪ -‬تابع ملؤسسة رئاسة اجلمهورية ويقوم عىل الرتويج‬
‫للثقافة واحلضارة الوطنية اإليرانية وتلميع صورة النظام اإليراين حتت يافطة احلوار‬
‫هبدف كسب املؤيدين إليران من خالل بناء العالقات مع املثقفني واملفكرين العلامنيني‬
‫والليرباليني العرب و دعم املؤمترات والتجمعات القومية والوطنية العربية‪.‬‬

‫مؤمتر دعم االنتفاضة الفلسطينية ‪:‬‬


‫يرأس هذا املؤمتر الشيخ «عيل أكرب حمتشمي بور» السفري اإليراين األسبق يف سوريا‬
‫املؤسس األول حلزب اهلل يف لبنان‪ .‬ويعقد املؤمتر يف طهران مرة كل عام وجيري فيه دعوة‬
‫قيادات من فصائل احلركة الفلسطينية وبعض قيادات التنظيامت اإلسالمية والقومية‬
‫العربية ممن هلا عالقات متينة بإيران‪ .‬أما السواد األعظم من املدعوين هلذا املؤمتر فهم‬
‫كتاب وصحفيون ونخب ثقافية من عدة دول عربية وإسالمية وأغلبهم عاطل عن‬
‫العمل و يتم إغراؤهم باهلدايا وبعض اهلبات املالية و مساعدهتم عىل حتقيق رغباهتم يف‬
‫بلداهنم ومع األيام يصبحون مرتبطني باملرشوع اإليراين من حيث ال يعلمون أو يعلمون‬
‫بعد أن أرسهتم اإلغراءات‪.‬‬
‫وتعمل مجيع هذه املؤسسات يف كل بلد تتواجد فيه حتت إرشاف جلنة مشرتكة‬
‫مكونة من السفري‪ ،‬مدير مكتب املخابرات‪ ،‬ومدير ممثل املرشد األعىل و ممثل من فيلق‬
‫القدس‪ .‬و يرأس هذه اللجنة السفري‪.‬‬
‫إن بعض هذه الدوائر واملؤسسات تعمل يف أغلب الدول العربية بحرية تامة ويف‬
‫أحيان كثرية تالقي تعاون ًا ودع ًام من جهات رسمية يف بعض هذه الدول لتسهيل مهامها‪.‬‬
‫لقد استطاعت إيران يف ظل غياب مرشوع عريب موحد ملواجهتها‪ ،‬من حتقيق الكثري‬
‫من حلقات خمططها حيث متكنت من بناء اخلاليا والشبكات التجسسية واجلامعات‬
‫اإلرهابية والتنظيامت السياسية املعارضة يف كثري من دول اخلليج العريب إن مل يكن يف‬
‫أغلبها‪ .‬كام استطاعت نرش براجمها الثقافية يف وسط رشائح واسعة من جمتمعاتنا العربية‬
‫بكل سهولة‪ .‬وعىل الرغم من كل هذه االخرتاقات التي أحدثتها أن إيران بقيت يف‬

‫‪18‬‬
‫مأمن من أي ردات فعل أو عمل خليجي أو عريب مماثل فلم تعلن إيران ولو ملرة واحدة‬
‫كشفها خلية أمنية أو مجاعة سياسية مرتبطة أو تعمل لصالح دولة خليجية‪ .‬وأصبح عدم‬
‫التعامل مع إيران باملثل مفخرة لدى الدول العربية عامة واخلليجية منها خاصة بدعوى‬
‫عدم تدخلها يف شؤون الغري! رغم أن لدى هذه الدول أوراق ًا كثرية تشكل نقاط ضغط‬
‫فعلية عىل إيران ولكن من املؤسف أنه قد جرى إغفال هذه األوراق‪ ،‬ومنها عىل سبيل‬
‫املثال‪ ،‬اخلالفات الفكرية بني مراجع احلوزة الدينية‪ ،‬ورقة املعارضة اإليرانية‪ ،‬ورقة السنة‬
‫والقوميات غري الفارسية‪ ،‬ورقة عرب األحواز واجلزر اإلماراتية‪ ،‬وغريها من األوراق‬
‫الداخلية األخرى‪.‬‬
‫يضاف إىل ذلك أن االعتقاد السائد لدى بعض القوى واألطراف اخلليجية والعربية‪،‬‬
‫دينية وسياسية وثقافية من أن إيران قد اعتمدت الشيعة فقط لتنفيذ خمططها‪ ،‬وهذا خطأ‬
‫اسرتاتيجي قد ساعد يف متكني إيران من إبعاد الكثري من خالياها وأعواهنا العاملني عىل‬
‫تنفيذ خمططها عن أنظار الرقابة‪.‬‬
‫فمعظم الدول العربية واخلليجية منها حتديد ًا دول مفتوحة وفيها جاليات من‬
‫خمتلف اجلنسيات وقد استطاعت إيران أن تبني مؤسسات ورشكات جتارية واقتصادية‬
‫مع أفراد ومجاعات أجنبية وغري مسلمة يف هذه الدول‪ ،‬وقد عملت عىل استغالهلا يف‬
‫تنفيذ مآرهبا اخلاصة‪.‬‬
‫وهذا األمر مارسته إيران عىل مناطق أخرى‪ ،‬ففي سابقة هي األوىل من نوعها‬
‫يف اإلعالم اإليراين فقد نرش موقع «تابناك» التابع ألمني عام جملس تشخيص مصلحة‬
‫النظام اجلنرال حمسن رضائي يف ‪ 20‬أكتوبر املايض مقالة نقدية بعنوان ‪( :‬بعد وزارة‬
‫النفط‪ ،‬اخلارجية يف قبضة احلرس الثوري) تطرقت فيه إىل دور احلرس الثوري يف تسيري‬
‫وزارة اخلارجية بعد ان شغل عدد ًا كبري ًا من ضباط احلرس الثوري مناصب عليا يف‬
‫الوزارة و بعثاهتا الدبلوماسية‪.‬‬
‫وذلك بعد اكتشاف حماولة اغتيال السفري السعودي يف واشنطن حيث أثريت‬
‫ردود أفعال ناقدة لسياسة وزارة اخلارجية واحلرس الثوري من قبل دبلوماسيني‬
‫سابقني وسياسيني وكتّاب وصحفيني إيرانيني‪ .‬كان من بينهم السفري اإليراين السابق‬

‫‪19‬‬
‫يف املكسيك «حممد حسن قدیري ابیانه» حيث وجه نقد ًا لدور احلرس الثوري يف إدارة‬
‫وزارة اخلارجية‪ .‬وقد أيد "السفري ابيانة" ضمن ًا ما كان قد نرشته الصحافة املكسيكية قبل‬
‫ثالثة أعوام عن قيام احلرس الثوري اإليراين بدعم عصابات مافيا املخدرات وهتريب‬
‫السالح يف املكسيك‪ .‬حيث كانت صحفية " اونیورسال " املكسيكية قد اهتمت يف تقرير‬
‫هلا نرشته بتاريخ ‪2008/07/17‬م‪ ،‬عن قيام قوات من فيلق القدس التابع للحرس‬
‫الثوري اإليراين بفتح معسكر يف شامل املكسيك لتدريب عصابات إرهابية ومافيا هتريب‬
‫السالح واملخدرات‪ .‬واهتمت الصحيفة السفارة اإليرانية القيام بمساعدة احلرس الثوري‬
‫عىل الزواج من مكسيكيات وتغيري أسامئهم للحصول عىل اجلنسية املكسيكية لتسهيل‬
‫حتركاهتم يف أمريكا الالتينية‪ .‬وأكدت الصحيفة أن السفارة اإليرانية تقوم عىل تنظيم‬
‫املعارض واملؤمترات الثقافية وحفالت التعارف تدعو هلا شبان ًا وفتيات مكسيكيني‬
‫هبدف بناء عالقات بينهم وبني عنارص احلرس الثوري‪.‬‬
‫وهذا األمر مطابق ملا كانت تقوم به السفارات اإليرانية يف كل من سورية و لبنان‬
‫مطلع الثامنينيات حيث كانت تقوم عىل تزويج عنارص من احلرس الثوري بفتيات‬
‫لبنانيات وسوريات لغايات عديدة منها تعلم اللغة العربية بلهجات سورية ولبنانية‪،‬‬
‫احلصول عىل جنسيات وجوازات سفر لبنانية «للنفوذ يف املجتمع والتغلغل يف املؤسسات‬
‫واجلمعيات واحلركات السياسية واالجتامعية» ومآرب عديدة أخرى‪.‬‬
‫كام ال يمكن إغفال أو جتاهل استغالل إيران لألنشطة واألعامل االقتصادية يف‬
‫حتقيق مآرهبا السياسية وأنشطتها التجسسية‪ ،‬فقد جاء يف ترصيح ملدير منظمة تنمية‬
‫التجارة اإليرانية مهدي فتح اهلل يف ‪ 3‬أكتوبر‪/‬ترشين األول ‪2007‬م‪ ،‬أن اإلمارات‬
‫العربية املتحدة‪ ،‬هي الرشيك التجاري العريب األول إليران‪ .‬و وفق املصادر اإليرانية فقد‬
‫وصل حجم صادرات اإلمارات إىل إيران يف السنة املالية اإليرانية ‪2005 -‬م نحو ‪7.5‬‬
‫مليار دوالر‪ ،‬فيام بلغ حجم صادرات إيران إىل اإلمارات ‪ 2.5‬مليار دوالر‪ .‬وإليران‬
‫جالية كبرية يف دول اخلليج العريب ففي دولة اإلمارات وحدها تقدر بأكثر من نصف‬
‫مليون إيراين‪ ،‬وهناك ما يقرب من ستة آالف ومخسامئة رشكة إيرانية تعمل يف اإلمارات‪.‬‬
‫وبلغت األموال التي أدخلها املستثمرون اإليرانيون إىل ديب وحدها أكثر من مائتي مليار‬

‫‪20‬‬
‫دوالر يف عام ‪ 2005‬مع توقعات بارتفاعها إىل ثالثامئة مليار دوالر يف العام ‪2006‬م‪.‬‬
‫وهذا األمر ينطبق عىل سائر دول جملس التعاون اخلليجي وإن كان بدرجات متفاوتة‪.‬‬
‫وتلتقي هذه الرؤية مع ما ورد يف تقرير خاص وضعته جهة عربية ‪ ،‬وأوردت فيه‬
‫معلومات عن استعدادات خلاليا إيرانية يف عدد من الدول اخلليجية لبدء حترك مرحيل‪،‬‬
‫يبدأ بتجمعات شعبية يف احلسينيات‪ ،‬ثم ينتقل إىل مستوى عصيان مدين يتمثل يف إغالق‬
‫املتاجر واملحالت واالمتناع عن العمل‪ ،‬إضافة إىل القيام بتظاهرات صاخبة‪ ،‬وحيذر‬
‫التقرير من خطورة هذه اخلطوة‪ ،‬ألن التجار الذين يوالون إيران مذهبي ًا وسياسي ًا‪،‬‬
‫يسيطرون سيطرة شبه كاملة عىل أسواق املواد الغذائية والقطاعات اخلدمية احليوية يف‬
‫املاء والكهرباء‪ ،‬بحيث إن العصيان املدين سيشل احلياة يف هذه الدول‪.‬وهذا املخطط‬
‫قد طبق جزء منه يف البحرين العام املايض قبل دخول قوات درع اجلزيرة التي أنقذت‬
‫املوقف يف الوقت احلرج‪.‬‬

‫امللخص‪:‬‬
‫إن ما تقدم يدفع بكل مواطن عريب وخليجي غيور‪ ،‬أن يتمعن ملي ًا هبذا االستعراض‪،‬‬
‫لرياجع نفسه ويتساءل عن السبب الذي جعل إيران تقوم بكل ما قامت هبا إىل اآلن؟ وما‬
‫هي العوامل واألسباب التي جعلت إيران تتمكن من حتقيق كل هذا النفوذ الذي حتول‬
‫إىل خطر داهم هيدد أمننا وسالمة جمتمعاتنا ودولنا؟‪ .‬فهل السبب هو ضعف األجهزة‬
‫األمنية العربية وعدم قدرهتا عىل محاية أمننا القومي؟ ( وهذا نشك به ) أم بسبب ضعف‬
‫القرار السيايس حلكوماتنا الذي شجع إيران عىل التامدي والتدخل يف الشؤون الداخلية‬
‫لدولنا وهتديد أمن واستقرار جمتمعاتنا؟‪ .‬أم بسبب غياب املرشوع العريب (رسمي ًا كان‬
‫أو شعبي ًا ) القادر عىل التعامل مع إيران بنفس األسلوب الذي تقوم به هبدف ردعها ؟‪.‬‬
‫عل ًام أن هناك فئات كثرية من املجتمعات العربية ال ترى يف إيران خطر ًا عىل أمنها‪،‬‬
‫خاصة عندما تتم مقارنة إيران مع إرسائيل والواليات املتحدة األمريكية‪ .‬فأعتقد كون‬
‫إيران دولة مسلمة وترفع شعار دعم القضية الفلسطينية فهذا يسهل عليها اخرتاق‬
‫املجتمعات العربية وهذا ما هو حاصل بالفعل‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫لذا نرى أن األمر بحاجة ماسة إىل اسرتاتيجيني للتصدي للمسألة ودراسة أبعادها‬
‫وليس يف عمل استطالع رأي فقري معرفي ًا ومنهجي ًا‪ .‬فالقضايا اإلسرتاتيجية ال تناقش عرب‬
‫استطالعات الرأي عىل صفحات مواقع االنرتنيت والصحف أو عرب اجللسات العامة‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫املرتكزات الدميوغرافية واالجتماعية والثقافية في املشروع اإليراني‬

‫بقلم‪ :‬د‪ .‬غازي التوبة‬

‫أوال‪ :‬املرتكزات الدميوغرافية في املشروع اإليراني‪:‬‬


‫يقدر عدد سكان إيران عام ‪ 2012‬بـ ‪ 78‬مليون نسمة‪ ،‬وهناك عدة إجيابيات يف‬
‫الرتكيبة السكانية إليران وهي نسبة الشباب العالية يف املجتمع‪ ،‬فقد ذكرت اإلحصائيات‬
‫أن ‪ %45‬من سكاهنا هم من الشباب الذين تقل أعامرهم عن ‪ 20‬عاما‪.‬‬
‫تتكون اجلمهورية اإليرانية من عدة أعراق‪ ،‬وختتلف اإلحصاءات التي تقدر كل‬
‫عرق حسب قرهبا من احلكومة وبعدها عنها‪ ،‬وآخر اإلحصائيات الرسمية تقدر السكان‬
‫حسب النسب التالية‪:‬‬
‫الفرس ‪ ، %50‬اآلذريون الرتك ‪ ، %23‬األكراد ‪ ، %11‬العرب ‪ ، %5‬البلوش ‪، %3‬‬
‫الرتكامن ‪%3‬‬
‫وكان املفرتض أن تستفيد إيران من هذه األعراق وتدجمها يف كيان أمة واحدة‬
‫وتستفيد منها‪ ،‬ولكنها أعطت اجلمهورية طابع ًا قومي ًا فارسي ًا‪ ،‬ويؤكد ذلك احتفاالهتا‬
‫باألعياد الفارسية‪ ،‬ومنها‪ :‬عيد النريوز‪ ،‬مما جعل األجناس واألعراق األخرى تتطلع‬
‫إىل قومياهتا أيض ًا‪ ،‬فتشكلت عدة جبهات من األعراق غري الفارسية‪ ،‬تطالب بحقوقها‬
‫القومية‪ ،‬ورفعت السالح يف وجه احلكومة املركزية‪ ،‬وتشكلت جبهات حترير يف كل‬
‫من األهواز‪ ،‬وكردستان وبلوشستان‪ ،‬ومنها‪ :‬حركة حترير بلوشستان‪ ،‬حركة املقاومة‬
‫الشعبية لبلوشستان(جند اهلل)‪ ،‬حزب كوملة الكردي‪ ،‬احلزب الديمقراطي الكردي‪،‬‬
‫حركة حترير عربستان‪ ،‬أنصار السنة (األهواز) الخ‪....‬‬
‫ليس من شك بأن هذا التصارع واالقتتال بني حكومة إيران وهذه اجلبهات املتعددة‬
‫تستنزف جانب ًا من جهود وإمكانات احلكومة اإليرانية من جهة‪ ،‬ويعمق العداوة والتباعد‬
‫بني األعراق املختلفة ذات الدين الواحد من جهة ثانية‪ ،‬ويعطي نموذج ًا سيئ ًا لألمم‬

‫‪23‬‬
‫األخرى من جهة ثالثة‪ ،‬وسبب ذلك كله بروز الناحية العنرصية الفارسية يف التعامل‬
‫اإليراين‪.‬‬

‫أهل السنة‪:‬‬
‫يدين معظم اإليرانيني باإلسالم‪ ،‬ويتبع أغلبية كبرية من السكان املذهب الشيعي‬
‫اجلعفري واملعروف أيضا باملذهب اإلمامي أو اإلثنى عرشي‪ .‬ويأيت يف املرتبة الثانية‬
‫املذهب السني‪ .‬ثم ديانات أخرى مثل البهائية واليهودية والزردشتية واملسيحية (((‪.‬‬
‫تارخيي ًا كان أهل السنة (الشافعية واحلنفية) األكثرية يف إيران(((‪ .‬وكان الشيعة‬
‫أقلية‪ ،‬حمصورة يف بعض املدن اإليرانية‪ ،‬مثل قم‪ ،‬وقاشان‪ ،‬ونيسابور‪ ،‬وملا وصل الشاه‬
‫إسامعيل الصفوي إىل احلكم سنة ‪ 907‬هـ أجرب أهل السنة عىل التشيع حني َخ رَّيهم بينه‪،‬‬
‫وبني املوت‪ .‬يقول الباحث العراقي د‪ .‬عيل الوردي متحدث ًا عن حكم الصفويني إليران‬
‫والعراق‪“ :‬يكفي أن نذكر هنا أن هذا الرجل (الشاه إسامعيل الصفوي) عمد إىل فرض‬
‫التشيع عىل اإليرانيني بالقوة‪ ،‬وجعل شعاره سب اخللفاء الثالثة‪ .‬وكان شديد احلامس‬
‫يف ذلك سفاك ًا ال يرتدد أن يأمر بذبح كل من خيالف أمره أو ال جياريه‪ .‬قيل إن عدد قتاله‬
‫ناف عىل ألف ألف نفس”((( أي مليون سني‪ .‬وانترش املذهب الشيعي بالتدريج يف وسط‬
‫إيران بينام بقي أهل السنة يف األطراف‪.‬‬
‫تتضارب املعلومات بشأن احلجم احلقيقي للسنة يف إيران ‪ :‬فاإلحصاءات الشبه‬
‫الرسمية حلكومة إيران تقول إهنم يشكلون ‪ % 10‬من السكان‪ .‬إال أن بعض مصادر‬
‫السنة تؤكد أهنم يشكلون ‪ ،%30‬وهو يوافق ‪-‬كام يقولون‪ -‬اإلحصائية القديمة التي‬
‫أجريت أثناء حكم الشاه‪ .‬ومصادر مستقلة تقول أن السنة يشكلون من ‪ 15‬إىل ‪% 20‬‬
‫من سكان إيران‪ ،‬وإذا اعتمدنا النسبة األخرية يكون عدد أهل السنة يقارب ‪ 16‬مليون‪.‬‬
‫حني اندلعت الثورة املليونية يف ايران عام ‪ 1979‬م شارك أبناء أهل السنة بكل أطيافهم‬

‫((( سني نيوز ‪ :‬د‪ .‬حييى داود عباس ‪ -‬أستاذ اللغة الفارسية بجامعة األزهر‬
‫((( العراق‪ ..‬سياقات الوحدة واالنقسام‪ ،‬تأليف‪ :‬بشري موسى نافع‪ ،‬دار الرشوق‪ ،‬القاهرة‪.2006 ،‬‬
‫((( ملحات اجتامعية من تاريخ العراق احلديث‪ ،‬د‪ .‬عيل الوردي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.43‬‬

‫‪24‬‬
‫يف تلك الثورة‪ ،‬و كان علامء و شباب أهل السنة يف مقدمة املتظاهرين و قدّ موا مئات األرواح‬
‫يف سبيل نيل احلرية و اخلالص من الظلم و االستبداد و إقامة اجلمهورية اإلسالمية‪ .‬لكن‬
‫بعد انتصار الثورة و سقوط نظام الشاه بأشهر قليلة سيطر اخلميني وأتباعه عىل احلكم‪،‬‬
‫وحولوا آمال الشعب يف إقامة مجهورية إسالمية إىل إقامة مجهورية طائفية شيعية ض ّيقة‪،‬‬
‫ّ‬
‫و استعملوا السلطة لقمع األقليات املذهبية و القومية و خاصة الشعب الكردي املسلم‪.‬‬
‫واستفادوا من مجيع الوسائل املتاحة هلم لرضب أهل السنة و تضعيفهم و هتميشهم من‬
‫املشاركة يف احلياة السياسية و املسامهة يف إدارة البالد وهذه بعض احلقائق التي تدل عىل ذلك‪:‬‬
‫‪ .1‬مل ينـّصب سني واحد يف ما يسمى بمجلس صيانة الدستور الذي يتكون من ستة‬
‫حقوقيني وستة جمتهدين مهمتهم املصادقة عىل القوانني التي يقرها الربملان‪.‬‬
‫كام خيلو جملس اخلرباء الذي يتوىل مهام تنصيب وعزل مرشد الثورة من سني واحد‪.‬‬
‫وال يوجد من بني ممثيل مرشد الثورة يف املحافظات واألقاليم سني واحد حتى يف املناطق‬
‫ذات األغلبية السنية فإن ممثيل املرشد من رجال الدين الشيعة‪.‬‬
‫‪ .2‬منع أئمة و علامء أهل السنة من إلقاء الدروس و اخلطب يف املدارس و املساجد‬
‫و اجلامعات و ال سيام إلقاء الدروس العقائدية‪ ،‬وإذا حدث فيجب أن يكون بأمر من‬
‫“وزارة اإلرشاد اإلسالمي” وحتت مراقبة وزارة األمن واالستخبارات و جيب أن ال‬
‫خيرج اإلمام عن احلدود املقررة له و إذا خرج فيتهمونه بالوهاب ّية! أو ما شابه ذلك‪ ،‬بينام‬
‫ألئمتهم و دعاهتم احلرية املطلقة يف بيان مذهبهم بل التعدي عىل عقيدة أهل السنة وسب‬
‫الصحابة الكرام‪.‬‬
‫‪ .3‬إن أهل السنة يف إيران حمرومون من بناء املساجد و املراكز و املدارس يف املناطق‬
‫ذات األكثرية الشيعية‪ .‬فمثالّ‪ :‬يعيش يف طهران حوايل مليون شخص من أهل السنة‬
‫و لكن ليس لدهيم أي مسجد أو مركز يصلون أو جيتمعون فيه‪ ،‬بينام توجد كنائس‬
‫للنصارى و اليهود و معابد للمجوس‪ .‬كل ذلك حتت ذريعة احلفاظ عىل وحدة املسلمني‬
‫“ السنة و الشيعة” و جتنب التفرقة بينهم يف حني للشيعة مساجد وحسينيات ومراكز‬
‫يف املناطق ذات األكثرية السنية‪ .‬وجيب أن نشري إىل أن هناك مدن ًا أخرى كبرية ليس‬
‫فيها أي مسجد ألهل السنة مثل مدن‪ :‬أصفهان‪ ،‬يزد‪ ،‬شرياز‪ ،‬ساوة‪ ،‬كرمان الخ‪....‬‬

‫‪25‬‬
‫‪ .4‬قتل واغتيال واعتقال و سجن عدد كبري جد َا من الشيوخ األفاضل و العلامء البارزين‬
‫و طلبة العلم و الشباب املخلصني امللتزمني دون أي ذنب أو ارتكاب أية جريمة فقط‪،‬‬
‫ألهنم من أهل السنة متمسكون بعقيدهتم اإلسالمية و يدافعون عن احلق و يطالبون‬
‫بحقوقهم الرشعية من خمتلف املناطق الكردية واألهوازية والبلوشية‪ .‬منهم‪ :‬املشايخ‬
‫عبد اهلل قهستاين‪ ،‬عبدالعزيز سليمي‪ ،‬أمحد رحيمي‪ ،‬ابراهيم دامني الخ‪...‬‬
‫اخلالصة‪ :‬إن قيادة إيران بعد ثورة اخلميني‪ ،‬مل تستفد من التنوع العرقي والديني‬
‫الذي متلكه إيران ألهنا واجهت األعراق واألجناس بالعصبية الفارسية‪ ،‬وواجهت أهل‬
‫السنة الذين جيب أن يكونوا رديف ًا هلا يف مرشوعها اإلسالمي باإلرصار عىل إبراز مذهبها‬
‫الشيعي من جهة‪ ،‬وترسيخ لوهنا الطائفي من جهة ثانية‪ ،‬وقمع أهل السنة دون هوادة‬
‫من جهة ثالثة‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬املرتكزات االجتماعية في املشروع اإليراني‪:‬‬


‫ومن املعلوم أن شاه إيران السابق كان يقود بلده يف اجتاه التغريب‪ ،‬وكان هناك‬
‫فساد منترش‪ ،‬وجاءت الثورة اإلسالمية بقيادة اخلميني من أجل حتقيق أهداف إسالمية‬
‫سامية‪ ،‬مثل زيادة التطهر والعفاف يف املجتمع‪ ،‬وزيادة األمن واألمان‪ ،‬وإهناء الظلم‬
‫وإقامة املساواة‪ ،‬وإزالة الفقر وإقامة العدالة يف توزيع الثروة‪ ،‬والقضاء عىل اإلدمان‬
‫واملخدرات‪ ،‬وإهناء املوبقات والدعارة الخ‪ ......‬فهل حتققت كل هذه األهداف؟‬
‫ماذا نجد يف واقع إيران بعد ثالثني سنة من الثورة؟‬
‫نجد أن املشاكل ازدادت بدالً من أن تقل‪ ،‬فأول مشكلة تواجه إيران هي اإلدمان‬
‫عىل املخدرات‪ ،‬فيقدر الباحثون أن عدد املدمنني يف إيران ‪ 2.5‬مليون مدمن‪ ،‬ولو اعتربنا‬
‫أن عدد أفراد األرسة بمعدل وسطي هو مخسة أشخاص فمعنى ذلك أن هناك ‪12.5‬‬
‫مليون شخص مشغولني ومعطلني مرتبطني هبذا املدمن ومشاكله‪.‬‬
‫وطبقا لتقرير املخدرات العاملي الذي أصدرته األمم املتحدة لعام ‪ 2005‬عن‬
‫مدمني األفيون يف العامل‪ ،‬توجد يف إيران أعىل نسبة من املدمنني يف العامل‪ ،‬إذ أن ‪%2.5‬‬
‫من السكان الذين تزيد أعامرهم عن ‪ 15‬سنة مدمنون عىل نوع من املخدرات‪ ،‬وإىل‬

‫‪26‬‬
‫جانب إيران توجد دولتان يف العامل تتعدى نسبة املدمنني فيها ‪ %2‬وهي موريشيوس‬
‫وقرغيزستان (((‪.‬‬
‫وقد أفادت برقيات دبلوماسية عرب موقع ويكيلكس أن إيران تعترب من أكرب مهريب‬
‫املخدرات يف العامل‪ .‬وقد أكد وزير خارجية أذربيجان أن عمليات التهريب بني أيدي‬
‫أجهزة األمن اإليرانية وأنه عندما تعتقل السلطات اآلذرية مهربني إيرانيني وترحلهم إىل‬
‫بالدهم كي يقضوا فيها أحكام ًا بالسجن‪ ،‬يطلق رساحهم برسعة (((‪.‬‬
‫أما بالنسبة لقضية الدعارة‪ ،‬فقد ذكر راديو أوروبا احلرة ((( استناد ًا إىل الرقم‬
‫الرسمي هناك ‪ 300‬ألف امرأة من اللوايت يعملن كمومسات يف إيران وطبق ًا للصحف‪،‬‬
‫العدد يرتفع بثبات‪ ،‬وقال رسول نفييس‪ ،‬عامل االجتامع وعميد كلية الدراسات يف جامعة‬
‫“سرتايري” واشنطن ‪ DC، RFE/RL‬خلدمة الفارسية أن سبب زيادة الدعارة اآلن‪:‬‬
‫ضعف االقتصاد‪ ،‬وارتفاع معدل الطالق‪ ،‬واستغالل الفتيات الاليت فررن من األرس‬
‫الفقرية ولكن ليس لدهيم وسيلة للعيش بشكل مستقل‪.‬‬
‫وتشري الدراسات إىل أن الدعارة بعد أن كانت منترشة بني الفئة العزباء أصبحت‬
‫منترشة بني املتزوجات‪ ،‬كام أن سن البدء بالدعارة انخفض ليصل إىل ‪ 15‬عام ًا‪ ،‬يف حني‬
‫كان السن يف العرشين سنة األوىل من الثورة ‪ 30‬سنة فام فوق‪ ،‬وكشفت الدراسات أن‬
‫الدعارة كانت يف السابق لسد احتياجات أساسية للمرأة يف حني أصبحت اليوم لسد‬
‫احتياجات ثانوية‪ ،‬وتذهب دراسات إىل أبعد من ذلك وتقول أن السن انخفض إىل (‪-8‬‬
‫‪ )10‬سنوات‪ ،‬وهو ما أثار ردود فعل غاضبة يف جملس الشورى‪.‬‬
‫وقد أقر تقرير إيراين نرش ألول مرة عام ‪ 2000‬بوجود ظواهر الدعارة وتعاطي‬
‫املخدرات وأهنا يف ازدياد بني شباب إيران‪ ،‬وقد كتب التقرير حممد عيل زام رئيس الشئون‬
‫الثقافية والفنية يف طهران‪ ،‬وهو يعد شخصية ذات نفوذ‪ ،‬وقد وجد التقرير زيادة حادة يف‬
‫املشكالت بني عامي ‪ ،1999-1998‬أما بالنسبة للصالة فقد ذكر التقرير أن ‪ %75‬من‬

‫((( جريدة الرشق األوسط‪ 2005-9-24 ،‬العدد ‪.9797‬‬


‫((( موقع يب يب يس أونالين‪.2000-7-7 ،‬‬
‫((( راديو أوروبا احلرة‪ ،‬بواسطة آزام جورجن وشارلس ركنجل يف ‪.2002-8-7‬‬

‫‪27‬‬
‫عدد السكان‪ ،‬ونحو ‪ %86‬من الطالب الشباب ال يؤدون الصلوات(((‪.‬‬
‫هنالك أرقام تتحدث عن عرشة ماليني إىل ‪ 15‬مليون فقري يف إيران(((‪ ،‬وقد حتدث‬
‫عن اتساع رقعة الفقر يف إيران عامل االجتامع واالقتصاد الدكتور حممد جواد زاهدي الذي‬
‫نرش بحث ًا موسع ًا حذر فيه من “تسونامي فقر”((( هيدد اجلمهورية اإلسالمية‪ ،‬وعلل ذلك‬
‫بغياب املساواة والفساد اإلداري وارتفاع التضخم إضافة إىل ضعف القطاع اخلاص‬
‫وشيوع الفساد األخالقي واالقتصادي وساهم غياب مظلة الرعاية االجتامعية يف جر‬
‫الطبقتني الدنيا واملتوسطة إىل حافة الفقر وال شك أن الفقر سبب يف عدد من املشكالت‬
‫االجتامعية األخرى كاإلدمان واإلجرام والدعارة‪ ،‬وبناء عىل مؤرشات معتمدة للكسب‬
‫والعمل من قبل البنك الدويل لعام ‪ 2010‬احتلت إيران املرتبة ‪ 137‬من بني ‪ 187‬دولة‪.‬‬
‫وتأيت مشكلة سكان العشوائيات يف إيران كإحدى املشكالت االجتامعية التي‬
‫يعاين منها املجتمع اإليراين‪ ،‬ويقدر سكان العشوائيات بخمسة ماليني نسمة‪ ،‬وتقدرها‬
‫دراسات أخرى بعرشين مليون ًا‪ ،‬وال شك بأن وجود مثل هذه العشوائيات سيكون‬
‫مرتع ًا لتفريخ اجلريمة‪ ،‬وتشري دراسة أجريت عىل هذه الفئة يف املناطق القريبة من طهران‬
‫إىل أن ‪ %59‬منهم من مرتكبي اجلرائم‪.‬‬
‫شعرت إيران يف منتصف عام ‪ 2010‬أن التعليم يف خطر وجاء هذا الشعور بعد‬
‫أن أحست القيادات بفشل حكومات الثورة املتعاقبة يف ترسيخ املبادئ الثقافية للثورة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬لذلك أعلنت احلكومة اإليرانية عن “الوثيقة الوطنية للرتبية والتعليم” من‬
‫أجل أسلمة التعليم‪ ،‬واستغرق تدوين الوثيقة مخس سنوات‪ ،‬وقد أعلن عنها الرئيس‬
‫اإليراين حممود أمحدي نجاد‪.‬‬
‫ليس من شك بأن الطهر والعفاف واالستقامة والفضيلة وزوال الفقر‪ ،‬وقيام‬
‫العدالة واملساواة الخ‪ ، ...‬هي صفات يتوقع أن يتصف هبا أي جمتمع يطبق اإلسالم‪،‬‬

‫((( سوريا الوعد‪ ،‬وثائق ويكيليكس‪.2011-1-22 ،‬‬


‫((( يرى عيل عسكري املعاون االقتصادي للرئيس اإليراين حممود أمحدي نجاد أن غياب العدالة هو واحد‬
‫من أهم أسباب هذه املشكلة‪ ،‬وذكر عسكري خالل جلسة مستديرة عقدهتا التشكيالت الطالبية يف شهر مايو‬
‫‪ 2008‬أن ‪ %20‬من اإليرانيني حتت خط الفقر أي ما يصل إىل ‪ 15‬مليون شخص‪.‬‬
‫((( حممد جواد زاهدي‪« ،‬تسونامي الفقر وإضعاف التنمية»‪ ،‬اجلزيرة نت بتاريخ ‪.2008-4-20‬‬

‫‪28‬‬
‫وجيعل الرشيعة اإلسالمية مرجعية له‪ ،‬بعد أن كان يرسف يف منهجية خمالفة لإلسالم‪ ،‬أو‬
‫عىل األقل نتوقع أن تتقدم وتزداد مساحة الطهر والعفاف واالستقامة والفضيلة فيه‪ ،‬وأن‬
‫يزداد عدد األغنياء واملكتفني ويقل الفقراء‪ ،‬وأن تقوم املساواة يف املجتمع‪ ،‬وأن يصل‬
‫كل مظلوم إىل حقه‪ .‬هذا ما نتوقعه من املجتمع والدولة التي تطبق رشيعة اهلل‪ ،‬لكننا كام‬
‫الحظنا مل حيدث هذا يف إيران بعد قيام اجلمهورية اإلسالمية! فام السبب؟ إذا أردنا أن‬
‫نعرف‪ ،‬فعلينا أن نبحث عن ذلك السبب يف داخل املذهب الشيعي ذي التكوين اخلاص‪،‬‬
‫وأنا أرجح أن السبب يعود يف رأيي إىل عاملني‪ :‬األول‪ :‬هو طبقة املاليل‪ ،‬والثاين‪ :‬هو‬
‫مفهوم الوالية عند الشيعة وسنلقي الضوء عىل هذين العاملني‪ ،‬ونبني دورمها يف إنتاج‬
‫الفساد والرذيلة‪.‬‬

‫األول‪ :‬طبقة املاللي‪:‬‬


‫من الواضح أن إحدى خمالفات اإلسالم للديانات التي سبقته وبشكل أخص‬
‫املسيحية‪ ،‬هو إلغاء طبقة رجال الدين‪ ،‬وعدم وجودها يف اإلسالم‪.‬‬
‫فاملسيحية أقرت بوجود كنيسة ترعى أمور الدين‪ ،‬وأوجدت طبقة رجال الدين ترعى‬
‫الكنيسة وتقوم بدور الواسطة بني املسيحي واهلل‪ ،‬وال شك أن هذه الطبقة الكهنوتية التي‬
‫كانت تعطي املغفرة للمسيحي وحتتكر فهم الدين‪ ،‬وتوزع النار عىل العاصني‪ ،‬وتعطي‬
‫مساحات من اجلنة ملن يدفع هلا أمواالً أكثر الخ‪ ، ...‬ليس من شك بأن هذه الطبقة من‬
‫رجال الدين كانت إحدى عوامل الفساد يف املجتمع األورويب‪ ،‬والتي قامت عليها ثورة‬
‫مارتن لوثر يف أملانيا‪ ،‬والتي أنشأت املسيحية الربوتستانتية يف مطلع القرن السادس عرش‪،‬‬
‫ثم ثارت عليها مرة ثانية يف هناية القرن الثامن عرش يف الثورة الفرنسية عام ‪1789‬م‪،‬‬
‫وأهنت حتالف اإلقطاع مع رجال الكنيسة‪ ،‬وبدأت العصور احلديثة‪.‬‬
‫لقد ألغى اإلسالم طبقة رجال الدين‪ ،‬واعترب أن العالقة بني العبد وربه جيب أن‬
‫تتم بغري واسطة لذلك أدان القرآن الكريم املرشكني الذين اختذوا بعض األصنام واسطة‬
‫إىل اهلل فقال تعاىل‪ :‬ﱹ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬
‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﱸ (الزمر‪ )3 ،‬وطلب القرآن الكريم من املسلم أن يدعو اهلل‬

‫‪29‬‬
‫فقال تعاىل‪ :‬ﱹ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ‬
‫ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﱸ (غافر ‪)60 ،‬‬
‫وقال تعاىل ﱹ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﱸ (البقرة ‪.)186 ،‬‬
‫وقد أشار بعض املفرسين إىل أنه ورد يف القرآن الكريم بعد كلمة السؤال يف معظم‬
‫اآليات ﱹ ﮤ ﱸ من مثل ﱹ ﮠ ﮡ ﮢﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﱸ الخ‪ ، ...‬لكنه مل يرد‬
‫يف اآلية السابقة التي يقول تعاىل فيها ﱹ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﱸ فحذف كلمة قل‪،‬‬
‫بل أعطى اجلواب مبارشة فقال تعاىل ﱹ ﯭ ﯮﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴﯵ ﱸ ليلغي‬
‫أي احتامل للواسطة بني العبد وبني اهلل‪.‬‬
‫إن اعتبار املسلم مسئوالً عن نفسه‪ ،‬وأنه مسئول عن أعامله‪ ،‬وذلك انطالق ًا من‬
‫قوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﱸ (اإلرساء ‪ )14 ،‬وقوله تعاىل‪ :‬ﱹ ﮋ‬
‫ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﱸ (الزمر ‪ )7 ،‬وأن عليه أن يطهر نفسه‪ ،‬ويوجه قلبه إىل اهلل‪ ،‬ثم أنه‬
‫ال واسطة بينه وبني اهلل‪ ،‬وأن اهلل قريب منه يسمع نداءه‪ ،‬ويرى ضعفه ويلبي حاجته‪ ،‬إن‬
‫هذه املعطيات تولد حيوية وفاعلية نفسية عند اإلنسان ال تتولد عندما يركن إىل أن هناك‬
‫من ينوب عنه‪ ،‬ويؤدي دورا عنه‪.‬‬
‫من اجلدير بالذكر أن املذهب الشيعي يشرتط عىل كل شيعي أن يرتبط بمرجعية‬
‫شيعية معارصة له‪ ،‬وأن يلتزم اتباعه‪ ،‬وأن يدفع له “خمُ َس أمواله”‪ ،‬وأن يتبعه يف عباداته‪،‬‬
‫وأن يستفتيه يف حال طلب الفتوى‪ ،‬وأن يمنحه والءه‪ ،‬وهبذا أصبحت طبقة املاليل يف‬
‫املذهب الشيعي إىل حد ما‪ ،‬تقابل طبقة رجال الدين يف الكنيسة املسيحية‪ ،‬وهي سبب‬
‫رئييس يف انتشار الفساد والرذيلة يف املجتمع اإليراين‪ ،‬وبخاصة أهنا طبقة غنية بسبب‬
‫“اخلمس” الذي تأخذه من أتباعها كام ذكرنا‪ ،‬وقد جلأت احلكومة إىل التسرت عىل فضائح‬
‫رجال الدين‪ ،‬فهي متنع نرش ما يتعلق هبم‪ ،‬وقد فعلت ذلك منذ بداية الثورة عندما بدأت‬
‫تنترش فضائح صادق خلخايل أحد قيادات الثورة عام ‪1979‬م‪.‬‬
‫إن وجود رجل دين عىل رأس السلسلة الدينية التي ارتبط هبا الشيعي ولدت أثرين‬
‫سلبيني‪:‬‬

‫‪30‬‬
‫األول‪ :‬عىل الشيعي نفسه إذ قللت فاعليته النفسية ألنه يركن إىل هذا املاليل الشيخ‬
‫يف بعض األمور‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬عىل املجتمع‪ ،‬إذ تنتج هذه الطبقة فساد ًا‪ ،‬وهذا ما ثبت يف الوقت احلارض‬
‫وعىل مدار التاريخ يف املجتمعات السابقة‪ ،‬فقد نقلت التقارير والدراسات والصحف‬
‫واملجالت كثري ًا من فساد طبقة رجال الدين يف إيران ال يتسع املقام لذكرها وإحصائها‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬مفهوم الوالية‪:‬‬


‫لقد أقام اإلسالم كيانه عىل جناحني مها‪ :‬العقل والنقل‪ ،‬وعندما يستوي اجلناحان‬
‫تطري األمة وحت ِّلق‪ ،‬وتبدع‪ ،‬وعندما حيدث خلل يف أحد اجلناحني هتبط وتتعثر‪.‬‬
‫ونحن نعتقد أن الوحي قد انتهى بوفاة الرسول صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬وأنه بقي علينا‬
‫إعامل العقل يف تطبيق الرشيعة‪ ،‬واالجتهاد يف إنزال األوامر والنواهي التي أمرنا هبا اهلل‬
‫ورسوله ‪-‬صىل اهلل عليه وسلم‪ -‬عىل أرض الواقع بواسطة عقولنا‪ ،‬ولكن الشيعة يعتقدون‬
‫بأن الوحي مل ينقطع‪ ،‬بل هناك اثنا عرش إمام ًا بعد الرسول ‪-‬صىل اهلل عليه وسلم‪ -‬كانوا‬
‫يتلقون وحي ًا عن طريق اإلهلام‪ ،‬وأن أقواهلم بمنزلة الوحي الذي هو استكامل للرشيعة‬
‫التي جاء هبا حممد صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬ليس هذا فحسب بل هناك مهدي منتظر‪،‬‬
‫صوب هلم آراءهم‪،‬‬ ‫وهو اآلن موجود حي يرزق‪ ،‬وهو يظهر لبعض الناس‪ ،‬يعلمهم و ُي ِّ‬
‫ويصحح هلم فتاوهيم‪ ،.......‬ليس من شك بأن مثل هذا االعتقاد يرفع أقواالً برشية إىل‬
‫درجة التقديس‪ ،‬ويفتح جماالً لألوهام واخلزعبالت والتبديل واخلرافات الخ‪....‬‬
‫إن مفهوم «الوالية» جزء من «العرفان الشيعي»‪ ،‬وقد ذكر الدكتور حممد عابد‬
‫اجلابري((( يف دراسته عن «العقل العريب» أن العرفان الشيعي متأثر «باملوروث اهلرميس»‪،‬‬
‫وهو قد التقى يف ذلك مع هنري كوربان يف كتابه عن «تاريخ الفلسفة اإلسالمية» الذي‬
‫قال فيه عن الشيعة « أهنم أول من هترمس يف اإلسالم» ومن املعلوم أن «العرفان» بشكل‬

‫((( انظر اجلزء الثاين من كتاب «العقل العريب»‪ ،‬وهو حيمل عنوان «بنية العقل العريب‪ :‬دراسة حتليلية نقدية‬
‫لنظم املعرفة يف الثقافة العربية»‪ ،‬د‪ .‬حممد عابد اجلابري‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،‬بريوت‪ ،‬الطبعة‬
‫السادسة (ص ‪)331-317‬‬

‫‪31‬‬
‫عام يعترب أن املعرفة تأيت عن طريق «الكشف» وليس عن طريق «العقل» وهذا ما يفتح‬
‫املجال لعامل اخلرافات واخلزعبالت واألوهام ويزيد من حجم الالمعقول ويضعف‬
‫التعامل العقيل مع األمور واملشكالت‪.‬‬
‫لقد جلب «مفهوم الوالية» للطائفة الشيعية انحرافني يف جمال النقل والعقل‪ :‬فهو‬
‫يف جمال النقل أضاف أقواالً برشية لألئمة اإلثني عرش حتتمل اخلطأ والصواب وهم‬
‫اعتربوها وحي ًا غري قابل للخطأ‪ ،‬وهذا االنحراف األول‪ ،‬ويف جمال العقل فإنه جرى‬
‫تضخيم الالمعقول يف املذهب الشيعي نتيجة ارتباط «مفهوم الوالية» بالعرفان اهلرميس‬
‫وهذا االنحراف الثاين‪.‬‬
‫من الواضح –اآلن‪ -‬أن صورة إيران االجتامعية ليست صورة وردية‪ ،‬فالثورة‬
‫اإلسالمية مل تقض عىل الدعارة واملخدرات واإلدمان والفساد والتحلل األرسي‬
‫وجرائم القتل التي ورثتها عن حكومة الشاه السابقة بل ازدادت األرقام‪ ،‬وازدادت‬
‫املشاكل االجتامعية استفحاالً وهذا دعانا للبحث عن األسباب يف داخل املذهب الشيعي‬
‫فوجدنا أهنا تعود إىل عاملني‪ :‬طبقة املاليل من جهة‪ ،‬ومفهوم الوالية من جهة ثانية‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬املرتكزات الثقافية في املشروع اإليراني‪:‬‬


‫ليس من شك بأن األمة اإلسالمية أمة واحدة‪ ،‬ولعب العامل الثقايف دور ًا رئيسي ًا‬
‫يف إظهار وحدهتا بعد أن ضعفت العوامل األخرى وبخاصة العامل السيايس إثر سقوط‬
‫اخلالفة‪ ،‬وإلغاء رمزية اخلالفة العثامنية عام ‪1926‬م يف إقامة وحدة املسلمني‪.‬‬
‫وقد وصف القرآن الكريم األمة اإلسالمية بأهنا واحدة مرتني فقال تعاىل‪ :‬ﱹﭝ‬
‫ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﱸ (األنبياء‪ )92 ،‬وقال تعاىل‬
‫أيضا‪ :‬ﱹ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﱸ (املؤمنون‪ )52 ،‬وقد وعى‬
‫الصحابة أمهية عامل الوحدة يف حتقيق استمرارية وجود األمة اإلسالمية لذلك كانت‬
‫إشارة عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنه عىل أيب بكر الصديق ريض اهلل عنه بجمع القرآن‬
‫الكريم بني دفتي مصحف واحد بعد أن فقدت األمة عدد ًا من القراء يف املعارك مع‬
‫املرتدين‪ ،‬فاستجاب أبو بكر الصديق ريض اهلل عنه القرتاح عمر ريض اهلل عنه‪ ،‬وشكل‬

‫‪32‬‬
‫جلنة مجعت املصحف‪ ،‬ثم نسخ عثامن ريض اهلل عنه عدة نسخ من املصحف‪ ،‬فأرسل‬
‫نسخة إىل كل من الشام والكوفة ومرص‪ ،‬ثم كان االهتامم بتنقيط كلامت املصحف‬
‫وتشكيله من أجل ضبط قراءته‪ ،‬وقد استهدفت هذه اجلهود املحافظة عىل النص القرآين‬
‫كام أنزل عىل الرسول صىل اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫ثم قامت جهود أخرى من أجل ضبط املعنى‪ ،‬فتولدت علوم متعددة من أجل‬
‫املساعدة يف ضبط املعنى منها‪ :‬علوم املكي واملدين‪ ،‬وعلوم القرآن‪ ،‬والتفسري‪ ،‬النحو‬
‫والرصف‪ ،‬ومعاجم اللغة‪ .......‬ثم قامت جهود من أجل ضبط أحاديث وأقوال‬
‫الرسول صىل اهلل عليه وسلم فتولدت علوم احلديث ومصطلحه‪ ،‬وتم تدوين كتب‬
‫الصحاح واملسانيد واملعاجم الخ‪ ....‬هذا استعراض رسيع لبعض اجلهود التي قامت هبا‬
‫األمة من أجل خدمة القرآن والسنة اللذين مها عامد الوحدة الثقافية‪.‬‬
‫وقد قامت عرشات الدول عىل مدار التاريخ اإلسالمي وسقطت من أمثال‪ :‬دولة‬
‫األمويني والسلجوقيني والزنكيني واأليوبيني والطولونيني واإلخشيديني واملرابطني‬
‫واملوحدين الخ‪ ، ...‬وقامت رصاعات متعددة بني هذه الدول‪ ،‬لكن األمة بقيت موحدة‪،‬‬
‫ألهنا ذات ثقافة واحدة‪ ،‬وذات لغة واحدة‪ ،‬وذات تاريخ واحد الخ‪ ....‬وكان العلامء هم‬
‫الذين يرعون هذه الوحدة ويقودوهنا‪.‬‬
‫ولقد تعرضت هذه الوحدة الثقافية ملحاولة التفتيت يف العرص احلارض‪ ،‬بعد سقوط‬
‫اخلالفة العثامنية عام ‪ 1926‬فقد اهتمت اللغة العربية – وهي من أهم عوامل الوحدة‬
‫الثقافية – بأهنا لغة ال تناسب العرص‪ ،‬وأهنا صعبة اإلمالء والنحو‪ ،‬لذلك دعا بعض‬
‫الكتاب إىل الكتابة باللغة العامية وعىل رأسهم سالمة موسى يف مرص‪ ،‬كام دعا بعضهم‬
‫إىل استبدال احلرف الالتيني باحلرف العريب كام فعل سعيد عقل وأصدر ديوان ًا شعري ًا‬
‫ًباحلرف الالتيني سامه ديوان (يارا)‪ ....‬وغري ذلك كثري‪.‬‬
‫كام اهتمت احلضارة اإلسالمية بأهنا حضارة نقل ال إبداع فيها وبأن دور املسلمني‬
‫احلضاري كان نقل علوم اليونان إىل الغرب‪ ،‬وال شك أن هذا القول فيه ظلم كبري‬
‫حلضارتنا التي أضافت وطورت وأبدعت يف كل جماالت الطب والفلك والرياضيات‬
‫والفيزياء والكيمياء الخ‪ ....‬كام شكك بعض الباحثني بمصداقية القرآن الكريم ومنهم‬

‫‪33‬‬
‫طه حسني الذي ذكر يف كتاب «يف الشعر اجلاهيل» فقال‪« :‬للتوراة أن حيدثنا عن إبراهيم‬
‫وإسامعيل وللقرآن أن حيدثنا عنهام أيض ًا ولكن ورود هذين االسمني يف التوراة والقرآن‪،‬‬
‫ال يكفي إلثبات وجودمها التارخيي‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن إثبات هذه القصة التي حتدثنا هبجرة‬
‫إسامعيل بن إبراهيم إىل مكة(((»‪.‬‬
‫وشكك باحثون آخرون بالسنة النبوية وبأن األحاديث النبوية وضعت من أجل‬
‫مصلحة ِ‬
‫الفرق واهتم آخرون تارخينا بأنه تاريخ استبداد الخ‪....‬‬
‫هذا ما حدث بني احلربني العامليتني‪ ،‬لكن موجة جديدة جاءت بعد احلرب العاملية‬
‫الثانية حتمل صبغة «اشرتاكية شيوعية» كانت أشد عداء لعامل الوحدة الثقافية‪ ،‬فقامت‬
‫دول وأحزاب ذات نظام اشرتاكي شيوعي يف سورية ومرص والعراق واجلزائر وليبيا‬
‫والسودان والصومال الخ‪ ، ...‬تعترب الدين عامل تأخر وانحطاط‪ ،‬لذلك جيب استئصاله‬
‫من حياة األمة‪ ،‬وأن كل الغيوب التي يتحدث عنها الدين من جنة ونار هي أفيون‬
‫للشعوب يستعملها األغنياء من أجل استغالل الفقراء‪ ،‬وأن املتدينني رجعيون مرتبطون‬
‫بالرأساملية لذلك جيب استئصاهلم‪.‬‬
‫وبالفعل نرشت األنظمة العربية هذه الثقافة املعادية للدين يف خمتلف أجهزهتا‬
‫اإلعالمية‪ ،‬وبراجمها الدراسية‪ ،‬ومارست العنف واالضطهاد نحو املتدينني‪ ،‬وسجنت‬
‫الكثري منهم‪ ،‬وطاردت بعضهم اآلخر‪ ،....‬لكنها خرست هذه املعركة يف النهاية‪ ،‬ألن‬
‫الدين الذي حاربته وهو الدين اإلسالمي ليس كالدين املسيحي‪ ،‬فهو ليس دين خرافة‬
‫وخزعبالت وأوهام الخ‪ ،...‬بل هو دين عقل وعلم‪ ،‬لذلك كانت الصحوة اإلسالمية‬
‫التي بدأت بعد نكسة عام ‪ ،1967‬وعاد الدين ليأخذ وضعه يف حياة الناس‪ ،‬فعادت‬
‫النساء املسلامت للحجاب‪ ،‬وامتألت املساجد‪ ،‬ونشأت البنوك اإلسالمية‪ ،‬وراج الكتاب‬
‫اإلسالمي‪ ،‬ونشطت اجلمعيات اخلريية اإلسالمية يف كل أصقاع الدنيا الخ‪...‬‬
‫لكننا فوجئنا بموجة جديدة من حماولة تفتيت الوحدة الثقافية بدأت من دولة إيران‬
‫التي حكمها اخلميني بعد ثورة ‪ 1979‬التي أسقط فيها حكم الشاه‪ ،‬ليعتيل احلكم يف‬

‫((( يف الشعر اجلاهيل‪ ،‬طه حسني‪ ،‬ص‪26‬‬

‫‪34‬‬
‫‪ 1979-2-11‬ومن املؤسف أن قيادة الثورة أرصت أن تضع يف الدستور الذي وضعته‬
‫بعد قيام الثورة مادة تعترب أن املذهب اجلعفري هو املذهب الرسمي إليران إىل األبد‪،‬‬
‫وقد جاءت املادة لثانية عرشة كام ييل‪« :‬الدين الرسمي إليران هو اإلسالم‪ ،‬واملذهب‬
‫(((‬
‫اجلعفري اإلثنا عرشي يبقى إىل األبد املذهب الرسمي إليران وغري قابل للتغيري»‬
‫وقد حاولت بعض القيادات اإلسالمية مع اخلميني وغريه من أجل أال تكون هذه املادة‬
‫بتلك الصيغة ألجل إبعاد الصبغة الطائفية عن إيران‪ ،‬لكنها أرصت عىل ذلك‪ ،‬مما يدل‬
‫عىل تصميم اخلميني ومن حوله عىل البعد الطائفي‪.‬‬
‫من الواضح أن املذهب اجلعفري يقوم عىل قواعد وأصول وفقه خيتلف عن مذهب‬
‫أهل السنة واجلامعة‪ ،‬إن مل يتناقض يف بعض اجلوانب‪ ،‬ونحن سنوضح اجلوانب الثقافية‬
‫التي يقوم عليها والتي تتناقض مع اجلوانب الثقافية ألهل السنة‪.‬‬

‫األصول التي قامت عليها فرقة الشيعة‪:‬‬

‫‪ -1‬في مجال السياسة‪:‬‬


‫اعترب أهل السنّة ّ‬
‫أن الرسول صىل اهلل عليه وسلم ترك اختيار اإلمام للمسلمني‪ ،‬لذلك‬
‫اجتمع املسلمون بعد وفاته يف سقيفة بني ساعدة واختاروا أبا بكر ريض اهلل عنه‪ ،‬لك ّن‬
‫نص عىل إمامة عيل بن أيب طالب ريض اهلل عنه‪،‬‬ ‫الشيعة ترى ّ‬
‫أن الرسول صىل اهلل عليه وسلم ّ‬
‫و َي ْر ُوون يف ذلك عدّ ة أحاديث أبرزها حديث غدير خم الذي قال فيه الرسول صىل اهلل عليه‬
‫وعاد من عاداه وانرص من نرصه‬ ‫ِ‬ ‫كنت مواله فعيل مواله اللهم ِ‬
‫وال من وااله‬ ‫وسلم‪ً « :‬م ْن ُ‬
‫ٌ‬
‫واخذل من خذله وأدر احلق حيث دار‪ ،‬أال هل ب ّلغت؟» ((( قاهلا ثالث ًا حسب الرواية‪.‬‬
‫و ُتنَ ّظر فرقة الشيعة لقضية اإلمامة فتقول‪« :‬ليست اإلمامة قضية مصلحة تُناط‬
‫باختيار العامة وينتصب اإلمام بتنصيبهم‪ ،‬بل هي قضية أصولية وهي ركن من أركان‬

‫((( دستور اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية مع دليل وفهارس وضعها عيل أنصاريان ص (‪ )44-43‬دمشق‬
‫‪1985‬‬
‫صحح الشيخ نارص الدين األلباين اجلزء األول فقط من احلديث «من كنت مواله فعيل مواله اللهم وال‬
‫((( ّ‬
‫من وااله وعاد من عاداه» يف السلسلة الصحيحة (‪ )330/4‬حديث رقم (‪.)1750‬‬

‫‪35‬‬
‫الدين ال جيوز للرسول صىل اهلل عليه وسلم إغفاله وإمهاله وتفويضه إىل العامة وإرساله‪.‬‬
‫وجيمع الشيعة القول بوجوب التعيني والتنصيص وثبوت عصمة األنبياء واألئمة وجوب ًا‬
‫عن الكبائر والصغائر‪ ،‬وما كان يف الدين اإلسالمي أمر أهم من اإلمام حتى تكون مفارقة‬
‫الدنيا عىل فراغ قلب من أمر األ ّمة‪ ،‬وإنام بعث لرفع اخلالف وتقرير الوفاق‪ .‬فال جيوز أن‬
‫ال يرى كل واحد منهم رأي ًا ويسلك كل واحد منهم طريق ًا وال‬ ‫يفارق األ ّمة ويرتكهم مه ً‬
‫وينص عىل واحد هو‬ ‫ّ‬ ‫يواقع يف ذلك غريه‪ ،‬بل جيب أن يعينّ شخص ًا هو املرجوع إليه‬
‫واملعول عليه‪ .‬وقد عي عل ّي ًا يف مواضع تعريض ًا ويف مواضع ترصحي ًا» (((‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املوثوق به‬

‫‪ -2‬في مجال أركان الدين‪:‬‬


‫مهها‪ ،‬ويروون حديث ًا يقول‪:‬‬ ‫اعتربت الشيعة ّ‬
‫أن قضية اإلمامة من أركان الدين بل أ ّ‬
‫واحلج والوالية” وتضيف نفس‬‫ّ‬ ‫“ ُبني اإلسالم عىل مخس‪ :‬الصالة والزكاة والصوم‬
‫ُودي بيشء مثل ما نودي بالوالية” (((‪ .‬ويروون حديث ًا آخر عن اإلمام‬
‫الرواية‪“ :‬وما ن ً‬
‫الباقر يقول فيه‪ُ « :‬بني اإلسالم عىل سبع دعائم‪ :‬الوالية‪ ،‬والطهارة‪ ،‬والصالة‪ ،‬والزكاة‪،‬‬
‫والصوم‪ ،‬واحلج‪ ،‬واجلهاد» (((‪.‬‬
‫خص اهلل هبا األنبياء واألولياء سواء‬
‫التصور الشيعي سلطة «إهلية» ّ‬
‫ّ‬ ‫والوالية يف‬
‫أن كل الفرق بني النبي والويل‪ ،‬حسب ما َي ْر ُوونه عن جعفر الصادق هو ّ‬
‫أن‬ ‫بسواء‪ .‬ذلك ّ‬
‫حيل له من النساء أكثر من أربع بينام ال ّ‬
‫حيل ذلك للو ّيل‪.‬‬ ‫النبي ّ‬

‫‪ -3‬في مجال التشريع والفقه‪:‬‬


‫ تلتقي فرقة الشيعة مع أهل السنّة يف القرآن الكريم(((‪ ،‬ولكنها ختتلف معها‬

‫((( الشهرستاين‪ ،‬املِ َلل والن َِّحل‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.146‬‬


‫((( ذكر هذا النص موسى الصدر يف مقدّ مته لكتاب هنري كوربان‪ ،‬تاريخ الفلسفة اإلسالمية‪.‬‬
‫((( النعامن‪ ،‬تأويل الدعائم‪ ،‬ص‪.51‬‬
‫((( لكن هذا اللقاء يف القرآن الكريم تعرض لطعون كثرية من قبل الشيعة‪ ،‬فهناك كتب وروايات وشخصيات‬
‫تتحدث عن أن هذا القرآن الكريم حمرف‪ ،‬وأن عمر وأبا بكر ريض اهلل عنهام حرفاه‪ ،‬وحذفا منه كثري ًا من‬
‫اآليات‪ ،‬وأن القرآن الكريم الصحيح سيأيت مع املهدي عند ظهوره‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫بعد ذلك يف بقية األصول كالسنّة واإلمجاع والقياس‪ ،‬واملصادر األخرى كاالستحسان‬
‫واملصالح املرسلة الخ‪ ،...‬فقد أ ّلف هشام بن احلكم رسالة حتت عنوان «نقض رسالة‬
‫الشافعي» فهم ال يأخذون بالقياس‪ ،‬ويستنكرون القياس ويشنّعون عليه فيقولون‪:‬‬
‫«أول من قاس إبليس عندما قال‪ :‬ﱹ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢﱸ‪ ،‬أ ّما بالنسبة ملصادر‬
‫السنّة األخرى ّ‬
‫فإن الشيعة ال تعرتف بمراجع احلديث السنّية كالبخاري ومسلم‪ ،...‬وهلا‬
‫مصادرها احلديثية كالكايف للكليني‪ ،‬وهم يشرتطون أن يكون احلديث مروي ًا عن واحد‬
‫من أهل البيت‪ ،‬وهم يعتربون روايات األئمة اإلثني عرش يف مرتبة احلديث الرشيف‪ ،‬ألهنا‬
‫تأيت إهلام ًا من اهلل‪ ،‬وتأيت من معصومني‪ ،‬وهي تكمل ما بدأ الرسول صىل اهلل عليه وسلم‬
‫‪ ،‬ويعتقد بعض الشيعة أن اإلمام الثاين عرش الغائب يظهر يف بعض األحيان ألتباعه‪،‬‬
‫ويوجههم إىل الصواب يف هذه الفتوى‪ ،‬فمن‬
‫ّ‬ ‫ويفتي هلم يف بعض القضايا واملعضالت‪،‬‬
‫الطبيعي أن ختتلف األحكام الفقهية يف جماالت الطهارة والصالة والصيام والزكاة بني‬
‫والسنة الخ‪ ...‬نتيجة االختالف التي تستند إليها األحكام الفقهية‪.‬‬
‫الشيعة ُّ‬
‫وأن املشكلة تبدأ مع إيران عندما ترص عىل نرش مذهبها الشيعي يف البالد العربية‬
‫واإلسالمية ذات املذهب السني‪ ،‬وهنا تبدأ عملية التصادم والتفتيت للعامل الثقايف‬
‫الذي هو العامل األهم يف املحافظة عىل وجود األمة يف الوقت احلارض‪.‬‬
‫ومن اجلدير بالذكر أن بعض احلركات اإلسالمية السنية‪ ،‬وكثري ًا من علامء أهل‬
‫السنة‪ ،‬وبعض املؤسسات العلمية السنية رحبت بانقالب اخلميني ومدت يدها إىل‬
‫قيادات إيران من أجل التعاون يف مواجهة األخطار التي حتيط باملسلمني وبالذات اخلطر‬
‫الصهيوين والغريب‪.‬‬
‫لكن القيادات السنية تفاجأت بإرصار قيادات إيران عىل نرش املذهب الشيعي‬
‫يف البلدان العربية واإلسالمية ذات األغلبية السنية من مثل‪ :‬مرص واملغرب واجلزائر‬
‫وتونس وسورية الخ‪....‬‬
‫وكان الشيخ يوسف القرضاوي أبرز املشايخ الذين مدوا يد التعاون هلم‪ ،‬وأعطى‬
‫آراء معتدلة يف مذهبهم‪ ،‬ووضع ممثلني منهم يف االحتاد العاملي لعلامء املسلمني‪ ،‬ومل يسمع‬
‫يف البداية لبعض اآلراء التي تتهمهم باستغالل املوقف الطيب‪ ،‬والعالقة الطيبة من أهل‬

‫‪37‬‬
‫السنة باجتاه ترويج مذهبهم‪ ،‬وظن أن هؤالء الناس الذين حيدثونه عن ذلك يبالغون‪،‬‬
‫ثم حتقق من صحة دعواهم يف مرص التي هي بلده‪ ،‬ومن هنا وجد أن هذا العمل ضار‬
‫باألمة‪ ،‬ويؤدي إىل االختالف والتفتيت الثقايف‪ ،‬يف حني أن اجتامعنا ولقاءنا يف األصل‬
‫من أجل عكس ذلك‪ ،‬ومن هنا دعاهم إىل إيقاف الدعوة إىل التشيع يف البلدان ذات‬
‫الغالبية السنية‪ ،‬عىل أن ال يدعو أهل السنة إىل التسنن يف املناطق ذات األغلبية الشيعية‬
‫فرفضوا ذلك‪ ،‬ومن هنا غري الشيخ القرضاوي موقفه منهم‪ .‬كذلك انقلب عليهم شيخ‬
‫األزهر أمحد الطيب عندما طلب من مالليهم وقياداهتم الدينية أن يكتبوا كلمة وفتوى‬
‫حترم عىل أتباعهم سب الصحابة فرفضوا ذلك‪.‬‬
‫من الواقعتني السابقتني يتضح أن إيران مرصة عىل نرش مذهبها الشيعي يف بالد‬
‫أهل السنة بمختلف الوسائل‪ ،‬وهي عندما تفعل ذلك فإنام تقوم بأضخم عملية تفتيت‬
‫تتعرى دعاوى إيران وحزب اهلل يف لبنان إىل إقامة‬
‫للعامل الثقايف يف األمة‪ ،‬وبذلك ّ‬
‫الوحدة اإلسالمية‪ ،‬فهم يعملون عىل تدمري الوحدة اإلسالمية وتفتيت كيان األمة عندما‬
‫يرصون عىل نرش مذهبهم الشيعي يف بلدان متمسكة باملذهب السني‪.‬‬
‫وقد اتبعت القيادات اإليرانية منذ عهد اخلميني أسلوب ًا تدليسي ًا‪ ،‬فأظهرت حرص ًا عىل‬
‫القضية الفلسطينية من أجل أن تكسب قلوب املسلمني‪ ،‬وتستدر عواطفهم نحوها‪ ،‬لكي‬
‫يساعدها ذلك عىل نرش مذهبها وقد قال اخلميني لبعض املحيطني به بعد وصوله إىل طهران‬
‫عام ‪« :1979‬ال قيمة لكل سياساتنا‪ ،‬إذا مل يكن لنا يد يف القضية الفلسطينية»‪ ،‬وهم عملوا‬
‫عىل ذلك منذ اللحظة األوىل لذلك أقامت إيران عالقات مع كل املنظامت الفلسطينية‪،‬‬
‫وفتحت هلا أبواهبا وأغدقت األموال من أجل حتقيق اهلدف الذي وضعه اخلميني‪.‬‬
‫لكن اهلل فضحها وأوضح زيف دعواها يف احلرص عىل القضية الفلسطينية‪،‬‬
‫وأوضح انحراف سياستها يف موقفني‪:‬‬
‫األول‪ :‬تعاوهنا مع املحتل األمريكي‪ ،‬يف احتالل العراق‪ ،‬فمن حيرص عىل قضية‬
‫فلسطني‪ ،‬ال يقبل بتفكيك اجليش العراقي الذي هو أساس اجلبهة الرشقية يف مواجهة‬
‫إرسائيل‪ ،‬وألن املستفيد األول من احتالل أمريكا للعراق هو إرسائيل‪ ،‬وقد اتضح ذلك‬
‫يف خطط املحافظني اجلدد الذين هم صهاينة أكثر من صهاينة إرسائيل‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫الثاين‪ :‬تعاوهنا مع النظام السوري املجرم‪ ،‬ودعمها له بكل الوسائل املالية‬
‫والعسكرية واللوجستية والسياسية الخ‪ ، ...‬وهو النظام العلامين الطائفي الذي يذبح‬
‫املسلمني ويدمر وجودهم‪ ،‬فأين محلة الرسالة اإلسالمية كام يدعون!!! فكيف تستقيم‬
‫هذه الدعوى؟!!!‬
‫يف النهاية نقول‪ :‬إن عامل الوحدة الثقافية عامل أسايس يف بناء األمة اإلسالمية‪،‬‬
‫وقد وعى الصحابة أمهيته يف حتقيق وحدة األمة‪ ،‬فحرصوا عىل مجع آيات القرآن الكريم‬
‫وعىل تشكيله وتنقيطه‪ ،‬وضبط نصه ثم ضبط معناه الخ‪ ....‬وبعد أن سقطت اخلالفة‬
‫اإلسالمية عام ‪ 1924‬بقي عامل الوحدة الثقافية هو األهم يف الداللة عىل وجود األمة‪،‬‬
‫وقد تعرض هذا العامل لثالث حماوالت تفتيت يف القرن املايض‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬بني احلربني العامليتني وكانت ذات توجهات ليربالية رأساملية‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬بعد احلرب العاملية الثانية وكانت ذات توجهات اشرتاكية شيوعية‪ ،‬فحاولت‬
‫اقتالع الدين من كيان األمة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬تقودها اآلن إيران من خالل إرصارها عىل نرش املذهب الشيعي يف مناطق‬
‫أهل السنة‪ ،‬وتبارك –بكل أسف‪ -‬هذا التفتيت كل من أمريكا وإرسائيل‪.‬‬

‫اخلالصة‪:‬‬
‫إن إيران بلد ذو تركيبة ديمغرافية متنوعة األعراق‪ ،‬لكنها مل تستفد من هذا التنوع‪،‬‬
‫بل اصطدمت مع األعراق األخرى بسبب ظهور النزعة الفارسية يف تطبيقاهتا‪.‬‬
‫وكان يفرتض أن تكون إيران بلد ًا مستقر ًا ينعم بالطهر والعفاف والفضيلة‬
‫واملساواة واألمن واألمان الخ‪ ،...‬لكننا وجدناه يعاين من مشاكل كثرية‪ ،‬فهناك‪ :‬اإلدمان‬
‫واملخدرات والدعارة والفقر والعشوائيات والقتل واجلرائم والتفكك األرسي الخ‪،...‬‬
‫وبحثنا عن سبب ذلك من داخل املذهب الشيعي فوجدناه يف أمرين‪ :‬األول‪ :‬طبقة‬
‫املاليل‪ .‬الثاين‪ :‬مفهوم الوالية‪.‬‬
‫ثم بينا أمهية عامل الوحدة الثقافية يف بناء األمة اإلسالمية‪ ،‬وجدنا أن إيران ترص‬
‫عىل نرش مذهبها الشيعي يف مناطق أهل السنة‪ ،‬وهي عندما ترص عىل ذلك تقوم بتفتيت‬

‫‪39‬‬
‫عامل الوحدة الثقافية الذي هو أهم عامل يف إظهار فاعلية األمة اإلسالمية يف هذه‬
‫املرحلة وهي عندما تفعل ذلك تلتقي مع إرسائيل وأمريكا‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫املرتكزات االقتصادية للمشروع اإليراني‬
‫في املنطقتني العربية واإلسالمية‬

‫عبد احلافظ الصاوي‬


‫خبير اقتصادي‬

‫مقدمة‬
‫تفتقد املنطقتان العربية واإلسالمية إىل مرشوع تكاميل أو عىل األقل تعاوين يف‬
‫الشأنني السيايس واالقتصادي‪ .‬وأدى هذا الفراغ إىل سعى مرشوعات أخرى مللء هذا‬
‫الفراغ‪ .‬ومن هنا وجدنا املرشوع اإليراين يتحرك يف هذه املساحة‪ ،‬وال يواجه إال جهود ًا‬
‫ُقطرية‪ ،‬أو مرشوعات بديلة‪ ،‬عىل رأسها يف املنطقة العربية مرشوع األورومتوسطية‪،‬‬
‫الذي يمثل دول االحتاد األورويب‪ .‬أو مرشوع الرشق أوسطية الذي هيدف إىل دمج‬
‫اقتصاد الكيان الصهيوين يف املنطقة‪ .‬أما باقي الدول اإلسالمية فلدهيا انتامءاهتا اإلقليمية‬
‫بحكم اجلوار اجلغرايف‪ ،‬مثل الدول اإلسالمية اآلسيوية التي تنتمي لتجمع اآلسيان‪.‬‬
‫كبريا‪،‬‬
‫دورا ً‬
‫ويعترب االقتصاد اإليراين من االقتصاديات النامية‪ ،‬ويلعب النفط فيه ً‬
‫ويظهر ذلك من خالل سيطرة النفط عىل نسبة كبرية من الصادرات اإليرانية‪ .‬ومن هنا نجد‬
‫أن االقتصاد اإليراين ال يملك ميزة تنافسية بني االقتصاديات العربية واإلسالمية متكنه من‬
‫دور حاسم‪ ،‬يمكن له يف أدائه اإلقليمي يف منطقة الرشق األوسط‪ ،‬أو عىل الصعيد اإلسالمي‪.‬‬
‫إال أن املتاح من بيانات يظهر أن هناك حالة من التوسع يف حركة التجارة اخلارجية‬
‫إليران عىل صعيد الدول اإلسالمية غري العربية‪ ،‬بشكل أكرب منه مع الدول اإلسالمية‬
‫العربية‪ ،‬باستثناء دولة اإلمارات العربية التي تعد الرشيك التجاري األول إليران من بني‬
‫الدول العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫ويف إطار املواجهات املستمرة بني إيران من جهة وأمريكا والغرب من جهة أخرى‪،‬‬
‫جتد إيران مندوحة يف التوجه نحو الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬وبذلك يتحقق هلا هدفان‪،‬‬
‫األول ختفيف حدة العقوبات االقتصادية املفروضة عىل إيران من قبل أمريكا والغرب‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫والثاين التمكني ملرشوعها اإلقليمي يف الرشق األوسط‪.‬‬
‫وهتدف هذه الورقة إىل التعرف عىل مرتكزات املرشوع اإليراين يف املنطقتني العربية‬
‫واإلسالمية‪ ،‬وذلك من خالل التعرف عىل إمكانيات االقتصاد اإليراين‪ ،‬وكذلك‬
‫العالقات االقتصادية إليران مع كل من الدول العربية‪ ،‬بوجه خاص‪ ،‬ومع الدول‬
‫اإلسالمية بوجه عام‪.‬‬

‫أول‪ :‬املالمح العامة ألداء االقتصاد اإليراني‬


‫بلغ الناتج املحيل اإلمجايل إليران ‪ 331‬مليار دوالر أمريكي يف هناية عام ‪،2009‬‬
‫ويالحظ أن الناتج املحيل إليران قد شهد زيادة ملحوظة مقارنة بام كان عليه عام ‪2006‬‬
‫حيث كان يف حدود ‪ 222‬مليار دوالر‪ ،‬أي أن قيمة الزيادة بلغت ‪ 109‬مليار بني عامي‬
‫املقارنة(((‪ .‬إال أن معدل نمو الناتج قد شهد تراج ًعا ملحو ًظا خالل عامي ‪2008‬‬
‫و‪ ،2009‬حيث كان ‪ %2.3‬و ‪ %1.8‬عىل التوايل‪ ،‬مقارنة بمعدل نمو ‪ %7.8‬يف عام‬
‫‪ .2007‬ويرجع ذلك إىل تداعيات األزمة املالية العاملية عىل االقتصاد اإليراين‪.‬‬
‫ويأيت قطاع اخلدمات عىل رأس القطاعات االقتصادية املسامهة يف الناتج املحيل‬
‫اإلمجايل بنسبة ‪ ،%47‬تليه الصناعة بنسبة ‪ ،% 43.6‬ثم الزراعة بواقع ‪ .(((% 9.4‬وقد‬
‫كبريا يف مكون الناتج املحيل إليران‪،‬‬
‫يبدو من الوهلة األوىل أن قطاع الصناعة يمثل وزنًا ُ‬
‫ولكن البيانات التفصيلية تشري إىل أن الصناعات التحويلية ال تتجاوز نسبة ‪11.2‬‬
‫‪ %‬من الناتج املحيل اإلمجايل‪ ،‬وباقي نسبة مسامهة قطاع الصناعة عبارة عن صناعات‬
‫استخراجية‪ ،‬والتي يأيت النفط عىل رأسها‪ .‬وبالتايل نجد أن القيمة املضافة لالقتصاد‬
‫اإليراين من خالل مسامهة قطاع الصناعة متواضعة عند مقارنتها بدول إسالمية وعربية‬
‫أخرى‪ .‬ففي مرص تصل قيمة الصناعات التحويلية إىل ‪ ،% 16.6‬ويف األردن ‪،% 18.7‬‬

‫((( قاعدة بيانات البنك الدويل‪،‬‬


‫‪http://data.albankaldawli.org/indicator/NY.GDP.MKTP.CD‬‬
‫((( منظمة املؤمتر اإلسالمي‪ ،‬مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتامعية والتدريب للدول‬
‫اإلسالمية‪ ،‬التقرير االقتصادي السنوي حول الدول األعضاء بمنظمة التعاون اإلسالمي لعام ‪ ،2011‬ص‬
‫‪.116‬‬

‫‪42‬‬
‫ويف ماليزيا ‪ ،% 25.1‬ويف إندونيسيا ‪ ،% 26.4‬وتصل يف تركامنستان ‪.% 35.8‬‬
‫ويصل عدد سكان إيران نحو ‪ 75.4‬مليون نسمة حسب بيانات عام (((‪،2010‬‬
‫وبلغت نسبة األمية بني سكان إيران البالغني ‪ ،%18‬أما البطالة فقد بلغ معدهلا ‪% 13.2‬‬
‫يف عام ‪ .2010‬وقد بلغ نصيب الفرد من الدخل القومي ‪ 4500‬دوالر يف عام ‪،2009‬‬
‫وبام يزيد عن معدل عام ‪ 2006‬بنحو ‪ 1600‬دوالر‪ .‬إال أن معدل التضخم يصل إىل‬
‫‪ %10‬يف عام ‪ ،2010‬بعد أن وصل إىل ‪ % 25.5‬يف عام ‪.2008‬‬
‫وعىل صعيد الصادرات السلعية إليران نجد أن عام ‪ 2008‬يعد من أفضل‬
‫املعدالت حيث وصلت الصادرات السلعية فيه إىل ‪ 116.9‬مليار دوالر‪ ،‬ثم تراجعت‬
‫الصادرات السلعية إىل ‪ 71.3‬مليار دوالر يف عام ‪ ،2009‬ومل يكن أداء الواردات‬
‫السلعية إليران ببعيد عن أداء الصادرات السلعية فقد وصلت الواردات يف عام ‪2008‬‬
‫نحو ‪ 70.1‬مليار دوالر‪ ،‬ثم تراجعت إىل ‪ 60.4‬مليار دوالر يف عام ‪ .2009‬ويمثل‬
‫البرتول النسبة األكرب يف الصادرات اإليرانية حيث وصل لـ ‪ %80‬من حجم الصادرات‬
‫يف عام ‪ ،2010/2009‬كام تعد إيران الدولة الثانية يف منظمة األوبك بعد السعودية‬
‫من حيث حجم إنتاج البرتول‪ .‬أما الواردات فتأيت العدد واآلالت ووسائل االنتقال‬
‫عىل رأس قائمة الواردات اإليرانية بنحو ‪ 16.4‬مليار دوالر‪ ،‬ثم احلديد والفوالذ بنحو‬
‫‪ 8.8‬مليار دوالر‪ ،‬ثم مشتقات البرتول بنحو ‪ 4‬مليار دوالر‪.‬‬
‫ومن املالحظات اإلجيابية تراجع الدين العام اخلارجي إليران حيث وصل إىل‬
‫‪ 13.4‬مليار دوالر يف عام ‪ ،2009‬بعد أن كان ‪ 19.3‬مليار دوالر يف عام ‪،2006‬‬
‫وكذلك يتميز الوضع االقتصادي يف إيران بوجود معدالت جيدة عىل صعيد املدخرات‬
‫املحلية كنسبة من الناتج املحيل اإلمجايل حيث تصل إىل نحو ‪.%38‬‬
‫ويعكس األداء السياحي إليران حالة التوتر السيايس اإلقليمي والدويل التي‬
‫تعيشها منذ سنوات‪ ،‬فحسب البيانات اخلاصة بالفرتة من ‪ ،2008 – 2003‬تبني أن‬

‫((( منظمة املؤمتر اإلسالمي‪ ،‬مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتامعية والتدريب للدول‬
‫اإلسالمية‪ ،‬التقرير االقتصادي السنوي حول الدول األعضاء بمنظمة التعاون اإلسالمي لعام ‪ ،2010‬ص‬
‫‪.73‬‬

‫‪43‬‬
‫أفضل عائد سياحي حتصلت عليه إيران خالل هذه الفرتة‪ ،‬كان يف عام ‪ 2008‬بنحو‬
‫‪ 1.9‬مليار دوالر‪ .‬وأن أفضل األعوام من حيث عدد السائحني كان يف عام ‪2006‬‬
‫حيث وصل عدد السائحني إىل ‪ 2.7‬مليون سائح(((‪.‬‬
‫ويمكن رصد بعض املؤرشات الدالة عىل أثر انغالق االقتصاد اإليراين وتأثري‬
‫العقوبات املفروضة عليه من قبل أمريكا والغرب خالل السنوات املاضية‪ ،‬من خالل‬
‫انخفاض معدالت تدفق االستثامرات األجنبية املبارشة والتي حققت أحسن أداء هلا يف‬
‫عام ‪ 2010‬بنحو ‪ 3.6‬مليار دوالر بعد أن كانت يف حدود ‪ 1.6‬مليار دوالر عىل مدار‬
‫السنوات السابقة لعام ‪ .2010‬كذلك تسيطر الدولة عىل النصيب األكرب من النشاط‬
‫اإلنتاجي وكذلك مؤسسات التمويل(((‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬العالقات االقتصادية اإليرانية العربية‬


‫ً‬
‫تعترب اقتصاديات كل من الدول العربية وإيران من االقتصاديات املتنافسة التي‬
‫تكون نتيجة التعاون االقتصادي بينهام ضعيفة‪ ،‬فاجلانبان يصدران سلع ًا أولية مثل النفط‬
‫وبعض السلع الزراعية‪ ،‬أو السلع الصناعية التقليدية‪ ،‬والكيامويات‪ ،‬وغريها‪ ،‬ويستوردان‬
‫العدد واآلالت ووسائل النقل‪ ،‬باإلضافة إىل تكنولوجيا الصناعة واالتصاالت‪.‬‬
‫وتشري بيانات التجارة اخلارجية إليران أن هناك ثالث دول عربية من بني أكرب عرش‬
‫دول تستقبل املنتجات اإليرانية غري البرتولية‪ ،‬وهي اإلمارات بنحو ‪ 2.3‬مليار دوالر‪،‬‬
‫والعراق ‪ 2.1‬مليار دوالر‪ ،‬واململكة العربية السعودية بنحو ‪ 454‬مليون دوالر‪ .‬أما‬
‫بالنسبة ألكرب عرش دول تستورد منها إيران احتياجاهتا السلعية فليس بينها سوى دولة‬
‫عربية واحدة وهي اإلمارات العربية بنحو ‪ 12.9‬مليار دوالر‪ .‬وبذلك تعترب اإلمارات‬

‫((( منظمة املؤمتر اإلسالمي‪ ،‬مركز األبحاث اإلحصائية واالقتصادية واالجتامعية والتدريب للدول‬
‫اإلسالمية‪ ،‬السياحة الدولية يف البلدان األعضاء بمنظمة املؤمتر اإلسالمي‪ ..‬اآلفاق والتحديات ‪ ،2010‬ص‬
‫‪ 32‬و‪.33‬‬
‫((( عبد احلافظ الصاوي‪ ،‬أثر العقوبات عىل عالقات إيران العربية‪ ،‬اجلزيرة نت‪،‬‬
‫‪http://aljazeera.net/Home/GetPage/f138ebfe-da19-4e0b-ade7-‬‬
‫‪9c3d3ee6ff34/6a06ad6a-4c67-4add-b4ba-2994edef548d‬‬

‫‪44‬‬
‫أكرب رشيك جتاري عريب إليران‪ ،‬وثاين رشيك جتاري عىل مستوى العامل‪ ،‬حيث يعترب‬
‫االحتاد األورويب الرشيك التجاري األول إليران بحجم تعامالت يصل لنحو ‪ 28‬مليار‬
‫دوالر‪ ،‬فقد بلغت الصادرات السلعية لالحتاد األورويب إىل إيران ‪ 18.4‬مليار دوالر‬
‫بينام يستورد االحتاد األورويب برتول إيراين بنحو ‪ 10.3‬مليار دوالر(((‪.‬‬
‫والبد أن نأخذ يف االعتبار أن ارتفاع حجم التعامالت التجارية بني إيران‬
‫واإلمارات يأيت كنتيجة لفرض العقوبات االقتصادية عىل إيران‪ ،‬وتعد اإلمارات بمثابة‬
‫دولة ترانزيت‪ ،‬فليس كل ما تستورده اإلمارات من إيران الستهالكها املحيل‪ ،‬فجزء‬
‫كبري منها يعاد تصديره للخارج‪ .‬وال يتوقف األمر عىل احلركة التجارية بني البلدين‬
‫فقط بل يمتد ليشمل استثامرات إيرانية يف ديب تصل إىل ‪ 37‬مليار دوالر وفق بيانات‬
‫‪ ،2007‬وبشكل عام تعترب االستثامرات اإليرانية اخلارجية التواجد يف اإلمارات وعىل‬
‫وجه التحديد بإمارة ديب مالذ آمنا يف ظل تصاعد العقوبات االقتصادية املفروضة عىل‬
‫إيران من قبل أمريكا والغرب‪.‬‬
‫ومنذ حدوث استقرار نسبي يف العراق‪ ،‬شهدت العالقة بني البلدين نشا ًطا ملحو ًظا‬
‫كبريا من بنيته‬‫عىل الصعيد االقتصادي‪ ،‬وبخاصة أن االقتصاد العراقي فقد جز ًءا ً‬
‫األساسية‪ ،‬واعتمد عىل االسترياد يف كثر من احتياجاته‪ .‬وبالتايل مثلت التجارة املبارشة‪،‬‬
‫وجتارة احلدود جان ًبا ال يستهان به‪ .‬وفضلاً عن هذا احلركة السياحية بني البلدين واملتمثلة‬
‫يف السياحة الدينية للمزارات السياحية واملدارس الدينية يف كال البلدين‪.‬‬
‫ونجد أن عالقات إيران التجارية مع الدول العربية غري اخلليجية هاشة وضعيفة‪،‬‬
‫فوفق بيانات صندوق النقد الدويل نجد أنه يف أحسن األحوال يصل حجم العالقات‬
‫التجارية إليران مع سورية ‪ 1.2‬مليار دوالر‪ ،‬منها ‪ 1.1‬مليار صادرات إيرانية إىل‬
‫سورية‪ ،‬أي أن العالقة التجارية يف صالح إيران‪ ،‬إال أنه ومنذ وقوع أحداث الثورة‬
‫السورية شكلت املساعدات االقتصادية اإليرانية للحكومة السورية سندً ا قو ًيا‪.‬‬
‫ثم األردن الذي تبلغ الصادرات اإليرانية إليه ‪ 126‬مليون دوالر وتستورد إيران‬
‫منتجات لبنانية بنحو ‪ 112‬مليون دوالر (وفق بيانات ‪ ،)2008‬أما مرص فقد بلغت‬

‫((( صندوق النقد الدويل‪ ،‬إحصاءات اجتاهات التجارة ‪.2008‬‬

‫‪45‬‬
‫الصادرات اإليرانية إليها ‪ 42‬مليون دوالر‪ ،‬وتستورد إيران منتجات مرصية بنحو‬
‫‪ 110‬مليون دوالر‪ .‬ويرجع ضعف العالقات التجارية بني مرص وإيران إىل حالة التوتر‬
‫السيايس بينهام منذ سنوات طويلة‪ ،‬عىل الرغم من فرص التعاون املمكنة وبخاصة يف‬
‫كبريا من مزارات آل البيت التي يمكن أن جتتذب‬‫جمال السياحة حيث متتلك مرص عد ًدا ً‬
‫كبريا من السائحني اإليرانيني‪.‬‬
‫عد ًدا ً‬
‫وعىل الرغم من أن إيران من الدول املصدرة للنفط ومن األعضاء البارزين يف‬
‫منظمة “األوبك”‪ ،‬إال أن عالقاهتا مع الدول العربية املستوردة للنفط حمدودة‪ ،‬وال تكاد‬
‫تذكر‪ ،‬حتى يف ظل املساعي اإليرانية لتسويق نفطها بأسعار منخفضة‪ ،‬لتفادي اآلثار‬
‫السلبية املفروضة يف إطار العقوبات االقتصادية عىل إيران من قبل أمريكا والغرب‪.‬‬
‫أيضا أنه ال يوجد تنسيق يذكر بني منظمة األقطار العربية املصدر للنفط‬‫واملالحظ ً‬
‫(األوابك) وإيران فيام يتعلق بالسياسات النفطية لدول املنطقة‪ .‬بل يف كثري من األحيان‬
‫تتعارض السياسات النفطية للطرفني جتاه سوق النفط‪ ،‬وبخاصة يف فرتات األزمات‪.‬‬
‫حيث تسعى إيران إىل االستفادة من هذه األزمات لتعظيم العائد من مبيعات النفط‪ ،‬إال‬
‫أن الدول النفطية العربية تسري عكس هذا االجتاه وتعمل عىل أسعار توازنية من وجهة‬
‫نظرها‪ ،‬تتعارض مع املصالح اإليرانية‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬العالقات االقتصادية اإليرانية اإلسالمية‬


‫تظهر البيانات باجلدول أدناه أن التجارة البينية إليران مع دول العامل اإلسالمي‬
‫تطورا ملحوظ ًا‪ ،‬فبعد أن كانت ال تتجاوز ‪ 4.6‬مليار دوالر يف عام ‪2000‬‬ ‫ً‬ ‫تشهد‬
‫وصلت يف عام ‪ 2010‬إىل ‪ 33.2‬مليار دوالر‪ .‬وهو ما يعني أن جتارة إيران مع دول‬
‫العامل اإلسالمي قد شهدت زيادة قدرها ‪ 28‬مليار دوالر عند املقارنة بني أداء عامي‬
‫‪ 2000‬و‪ ،2010‬وبنسبة تقدر بنحو ‪ 6‬أضعاف ما كانت عليه يف عام ‪.2000‬‬
‫عجزا بامليزان التجاري‬
‫وعىل مدار الفرتة التي تغطيها بيانات اجلدول نجد أن هناك ً‬
‫إليران مع دول العامل اإلسالمي يرتاوح ما بني ‪ 0.2‬مليار دوالر يف عام ‪ 2000‬و‪6.6‬‬
‫أمرا طبيع ًيا يف ظل هذا العدد الكبري من الدول‬
‫مليار دوالر يف عام ‪ .2008‬ويعد ذلك ً‬
‫أعضاء منظمة املؤمتر اإلسالمي (‪.)57‬‬

‫‪46‬‬
‫ووفق بيانات عام ‪ 2010‬وصلت التجارة البينية إليران مع دول العامل اإلسالمي‬
‫‪ 33.2‬مليار دوالر‪ ،‬بام يعادل نسبة ‪ % 6.1‬من إمجايل التجارة البينية للدول اإلسالمية‬
‫يف نفس العام‪ ،‬والتي بلغت ‪ 539‬مليار دوالر‪.‬‬
‫وحتتل إيران املرتبة السادسة يف قائمة الصادرات البينية للدول اإلسالمية‪ ،‬ويسبقها‬
‫يف هذا الرتتيب السعودية واإلمارات يف املرتبة األوىل والثانية عىل التوايل‪ ،‬ثم ثالث دول‬
‫إسالمية غري عربية وهي تركيا‪ ،‬وماليزيا‪ ،‬وإندونيسيا‪.‬‬
‫وتبلغ الصادرات اإليرانية للعامل اإلسالمي يف عام ‪ 2010‬نحو ‪ 13.4‬مليار‬
‫دوالر‪ ،‬وبام يمثل نسبة ‪ % 5.1‬من إمجايل الصادرات البينية لدول العامل اإلسالمي لنفس‬
‫العام والبالغة نحو ‪ 257.7‬مليار دوالر‪.‬‬
‫أما عىل صعيد الواردات البينية إليران من الدول اإلسالمية فقد بلغت يف عام‬
‫‪ 2010‬نحو ‪ 19.8‬مليار دوالر‪ ،‬وبام يمثل نسبة ‪ % 7‬من إمجايل الواردات البينية لدول‬
‫العامل اإلسالمي لنفس العام والبالغة ‪ .% 7‬وتأيت إيران يف املرتبة الرابعة يف قائمة الواردات‬
‫البينية‪ ،‬ويسبقها يف هذا املجال تركيا‪ ،‬واإلمارات‪ ،‬وإندونيسيا‪.‬‬

‫التجارة البينية إليران مع دول العامل اإلسالمي‬


‫القيمة باملليار دوالر‬
‫امليزان التجاري‬ ‫صادرات واردات إمجايل التجارة‬ ‫العام‬
‫‪0.2 -‬‬ ‫‪4.6‬‬ ‫‪2.4‬‬ ‫‪2.2‬‬ ‫‪2000‬‬
‫‪3.1 -‬‬ ‫‪21.9‬‬ ‫‪12.5‬‬ ‫‪9.4‬‬ ‫‪2006‬‬
‫‪3.5 -‬‬ ‫‪24.9‬‬ ‫‪14.2‬‬ ‫‪10.7‬‬ ‫‪2007‬‬
‫‪6.6 -‬‬ ‫‪34.6‬‬ ‫‪20.6‬‬ ‫‪14‬‬ ‫‪2008‬‬
‫‪7.1 -‬‬ ‫‪22.9‬‬ ‫‪15‬‬ ‫‪7.9‬‬ ‫‪2009‬‬
‫‪6.4 -‬‬ ‫‪33.2‬‬ ‫‪19.8‬‬ ‫‪13.4‬‬ ‫‪2010‬‬
‫اجلدول من إعداد الباحث‬
‫املصدر‪ :‬التقرير االقتصادي السنوي حول الدول األعضاء بمنظمة التعاون‬
‫اإلسالمي لعام ‪ ،2011‬ص ‪ 134‬و‪.135‬‬
‫‪47‬‬
‫وعىل صعيد الدول اإلسالمية غري العربية فتعد تركيا الرشيك التجاري األول‬
‫بنحو ‪ 8‬مليار دوالر‪ ،‬ويرجع هذا الرقم للتجارة البينية بني البلدين‪ ،‬إىل الواردات الرتكية‬
‫من النفط اإليرانية‪ ،‬حيث تعد تركيا من الدول املستوردة للنفط‪ ،‬وبخاصة بعد هنضتها‬
‫الصناعية خالل العقد املايض‪ .‬وتظهر األرقام أن امليزان التجاري بني البلدين لصالح‬
‫إيران بنحو ‪ 7.5‬مليار دوالر‪ ،‬بينام تصل الصادرات الرتكية إىل إيران بأقل من نصف‬
‫مليار دوالر‪ .‬ولوال الظروف السياسية اإلقليمية املتعلقة بسورية‪ ،‬واختالف وجهة نظر‬
‫كل من إيران وتركيا بشأهنا‪ ،‬لزادت معدالت التجارة واالقتصاد بشكل عام بني البلدين‪.‬‬
‫ويضاف إىل الشأن اإلقليمي العقوبات االقتصادية األوروبية عىل إيران‪ ،‬مما فرض عىل‬
‫تركيا بعض القيود‪ ،‬وإن كانت تركيا قد حتللت من هذه القيود يف فرتات سابقة‪ ،‬بل‬
‫سعت إىل توطيد عالقاهتا بإيران اقتصاد ًيا‪ ،‬كنوع من الضغط عىل أوروبا إلهناء مصالح‬
‫تركية تتعلق بانضاممها لالحتاد األورويب‪ ،‬أو ملعاجلة مواقف أوروبية وأمريكية سلبية جتاه‬
‫تركيا‪ .‬وهو ما صنف عىل أنه نوع من تعظيم املصالح يف سياسة تركيا اخلارجية‪.‬‬
‫وتأيت باكستان يف الرتتيب الثاين من حيث الرشاكة التجارية من بني دول العامل‬
‫اإلسالمي مع إيران‪ ،‬بحجم تعامالت جتارية بنحو ‪ 1.5‬مليار دوالر‪ ،‬وتأيت نتيجة امليزان‬
‫التجاري لصالح إيران بام يزيد عن مليار دوالر‪.‬‬

‫رابعا ً‪ :‬املرتكزات االقتصادية للمشروع اإليراني‬


‫من خالل ما ذكر يف الصفحات السابقة نجد أن العالقات التجارية إليران مع‬
‫كل من الدول العربية واإلسالمية‪ ،‬آخذة يف النمو‪ ،‬وإن كانت األرقام متواضعة‪ ،‬مقارنة‬
‫بحجم العالقات التجارية اخلارجية للدول العربية واإلسالمية مع بقية دول العامل‪ .‬وهذه‬
‫سمة رئيسة يف عالقات دول اجلنوب‪ ،‬أو الدول النامية‪ ،‬والتي تضم غالبية الدول العربية‬
‫واإلسالمية‪ ،‬حيث تقل التجارة البينية وبقية العالقات االقتصادية فيام بينها‪ ،‬بينام تتجه‬
‫للزيادة مع الغرب وأمريكا‪ .‬وفيام ييل نشري إىل املرتكزات االقتصادية للمرشوع اإليراين‬
‫يف املنطقتني العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫ •تركز إيران يف عالقاهتا االقتصادية عىل الصعيد العريب عىل دول بعينها عىل رأسها‬

‫‪48‬‬
‫اإلمارات العربية‪ ،‬ثم سورية ولبنان والعراق والبحرين والكويت‪ .‬حيث استطاعت‬
‫إيران أن تستفيد من اجلوار اجلغرايف مع دولة اإلمارات‪ ،‬والسياسات االقتصادية‬
‫االنفتاحية التي انتهجتها اإلمارات عىل مدار السنوات املاضية‪ .‬فزادت من احلضور‬
‫البرشي داخل اإلمارات العربية‪ .‬فحسب البيانات املنشورة فإن اإليرانيني يستحوذون‬
‫عىل نسبة ‪ % 12‬من مشرتى الوحدات السكانية التي تعطي حق اإلقامة لفرتة طويلة يف‬
‫اإلمارات(((‪ .‬كام أن بيانات عام ‪ 2005‬توضح أن نحو ‪( 10000‬عرشة آالف) رشكة‬
‫إيرانية أسست بدولة اإلمارات‪ ،‬وأن عدد األفراد اإليرانيني املقيمني بدولة اإلمارات قد‬
‫بلغ حتى ذلك التاريخ ‪ 450‬ألف نسمة(((‪.‬‬
‫ •ونفس املنهج متارسه إيران يف كل من لبنان وسورية والعراق‪ ،‬مستغلة يف ذلك‬
‫األوضاع السياسية واألمنية غري املستقلة يف هذه الدول‪ .‬إال أن املالحظ هو وجود قوي‬
‫وموجه عىل الصعيد السيايس‪ ،‬وكذلك النشاط االقتصادي إليران داخل هذه الدول‪.‬‬
‫وإن كانت األرقام املنشورة عىل صعيد التجارة البينية إليران مع هذه الدول ال تعكس‬
‫حقيقة الواقع‪ .‬فالواردات اإليرانية من العراق ولبنان وسورية‪ ،‬يف عام ‪ 2010‬كانت‬
‫عىل التوايل هي‪ 93.7 ،‬مليون دوالر‪ 43.3 ،‬مليون دوالر‪ 16.3 ،‬مليون دوالر‪ ،‬بينام‬
‫كانت صادرات إيران للبنان ‪ 14.6‬مليون دوالر‪ ،‬وسورية ‪ 980‬مليون دوالر‪.‬‬
‫أيضا‪،‬‬
‫ •حترص إيران عىل عالقاهتا االقتصادية مع الدول اإلسالمية غري العربية ً‬
‫باعتبارها منفذ ًا للخروج من العقوبات االقتصادية‪ ،‬كام هو احلال مع تركيا واندونيسيا‬
‫وماليزيا‪ .‬وكذلك بقية الدول اإلسالمية بأوروبا الرشقية‪ ،‬باعتبار االمتداد الفاريس يف‬
‫هذه الدول‪.‬‬
‫ •لوحظ عىل املامرسات اإليرانية منذ نجاح ثورهتا يف عام ‪ 1979‬أهنا توظف العمل‬
‫ِ‬
‫ووجه باعرتاضات‬ ‫اخلريي والتعليمي واإلغاثي لصالح مرشوعها باملنطقة‪ ،‬وهو ما‬
‫ومواجهات يف كل من مرص والسودان وماليزيا‪ .‬وإن كان حيقق بعض النجاحات يف‬

‫((( د‪ .‬عمر هشام الشهايب‪ ،‬اقتالع اجلذور‪ ..‬املشاريع العقارية وتفاقم اخللل السكاين يف جملس التعاون لدول‬
‫اخلليج العربية‪ ،‬مركز الوحدة العربية‪ ،‬بريوت ‪ ،2012‬ص ‪.32‬‬
‫((( مركز اإلمارات للدراسات واإلعالم‪ ،‬تقرير اإلمارات االسرتاتيجي‪ .2008/2007 ،‬ص ‪.256‬‬

‫‪49‬‬
‫باكستان وبنجالديش‪.‬‬
‫ •حتاول إيران تسويق برناجمها النووي عىل أنه ثمرة لتقدم علمي واقتصادي‪،‬‬
‫وبالتايل عىل الدول العربية واإلسالمية أن تفتح أسواقها للمنتجات أو املشاركات‬
‫االستثامرية مع إيران‪ .‬واحلقيقة أن الربنامج ساهم فيه دول عدة‪ ،‬وبخاصة فيام يتعلق‬
‫باجلانب التكنولوجي‪ ،‬وإن كان ال ينكر امتالك إيران لعلامء متخصصني يف هذا املجال‪.‬‬
‫ •ثمة مدخل آخر عن التعامالت االقتصادية إليران مع بقية الدول‪ ،‬وبخاصة‬
‫يف الدول العربية واإلسالمية وهو رخص السلع اإليرانية مقارنة بمثيالهتا من الدول‬
‫األخرى‪ .‬ولكن هذا األمر ال يرجع ملزايا تنافسية أو تقدم تكنولوجي للصناعة اإليرانية‪،‬‬
‫بقدر ما يرجع لسيطرة الدولة عىل مؤسسات اإلنتاج‪ ،‬وتقديم الدعم بصورة كبرية‬
‫للمؤسسات اإلنتاجية‪ .‬وبالتايل فأسعار السلع اإليرانية ال تعرب عن التكلفة احلقيقية‪،‬‬
‫بقدر ما تعكس الدعم احلكومي‪.‬‬
‫ •تروج إيران لسياحتها اخلارجية املتجهة للدول اإلسالمية‪ ،‬وعىل وجه اخلصوص‬
‫نحو مرص‪ ،‬ملا متتلكه من مزارات ختص آل البيت‪ .‬كنوع من املداخل االقتصادية للتمكني‬
‫ملرشوعها‪ .‬إال أن املوقف املرصي رافض هلذه السياحة ملا حتمله بني طياهتا من عمليات‬
‫حمب آلل بيت رسول اهلل‬
‫ترويج للتشيع يف مرص‪ .‬وبخاصة أن الشعب املرصي بفطرته ٌ‬
‫صىل اهلل عليه وسلم‪ .‬والثوب الذي يقدم به العرض اإليراين ثوب اقتصادي‪ ،‬إال أن‬
‫حقيقته ثوب سيايس تروجيي للمرشوع اإليراين‪ .‬ففي الوقت الذي تتوقف فيه مرص‬
‫أمام السياحة الدينية القادمة من إيران‪ ،‬فإهنا تسمح لطائفة البهرة‪ ،‬حيث يأتون من اهلند‬
‫وباكستان بأعداد ملحوظة كل عام‪.‬‬
‫خامتة‬
‫يظل احلديث عن املرشوع اإليراين يف املنطقتني العربية واإلسالمية‪ ،‬رضب ًا من‬
‫العبث‪ ،‬ما مل تكن هناك مرشوعات عربية وإسالمية بديلة‪ ،‬تعكس هوية ومصالح‬
‫املنطقتني‪ .‬فلقد كان لفشل املرشوع العريب عىل الصعيدين السيايس واالقتصادي األثر‬
‫األكرب يف تواري قوى إقليمية عربية مثل مرص والسعودية‪ ،‬وبروز كل من إيران وتركيا‪،‬‬
‫كقوى فاعلة يف املنطقة‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫والعمل عىل مواجهة املرشوع اإليراين تقتيض العودة إىل املرشوع العريب‪ ،‬وأن ينظر‬
‫إىل إيران عىل اعتبارها دولة يمكن استيعاهبا‪ ،‬ال حماربتها‪ .‬يف إطار املصالح االقتصادية‬
‫املشرتكة‪ ،‬ولكن ليس عىل حساب اهلوية العربية‪ ،‬وأن تكف إيران عن تصدير مذهبها‬
‫الشيعي‪ ،‬الذي يعده املتخصصون أحد أدوات متكني مرشوعها القومي الفاريس‪.‬‬
‫ولدى كل من املنطقتني العربية واإلسالمية ما يمكنهام من إنزال مشاريعهام اإلقليمية‬
‫عىل أرض الواقع‪ ،‬كام توجد قواسم مشرتكة للمرشوعني‪ ،‬متكن لكل منهام‪ .‬ولكن تبقى‬
‫اإلرادة السياسية حجر عثرة‪ .‬مما يرصف اجلميع إىل املعاجلات القطرية ملواجهة املرشوع‬
‫اإليرانية وباقي املرشوعات البديلة‪.‬‬
‫ولعل الظرف السيايس احلايل لكل من مرص وتركيا جيعلهام حجرزاوية يف تفعيل‬
‫املرشوعني العريب واإلسالمي عىل أرض الواقع‪.‬‬
‫والبد من األخذ يف االعتبار أن االقتصاد اإليراين يعيش ما يمكن أن نطلق عليه‬
‫“اقتصاد أزمة” منذ عام ‪ 1979‬ونجاح الثورة اإليرانية‪ .‬مما جيعل العديد من املشكالت‬
‫االجتامعية واالقتصادية طي الكتامن داخل املجتمع اإليراين‪ .‬ويتوقع أنه إذا ما خرج‬
‫االقتصاد اإليراين من هذه احلالة‪ ،‬فإنه سوف يواجه موجات اقتصادية عنيفة ملعاجلة‬
‫مشكالته الداخلية‪ ،‬سواء فيام يتعلق بدور الدولة‪ ،‬أو استيفاء األبعاد االجتامعية لألفراد‬
‫داخل املجتمع اإليراين‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫اجلل�سة الثانية‬
‫رئيس اجللسة‪ :‬د‪ .‬طارق خليل‬

‫‪ -‬طبيعة وأشكال التحالف والتعاون عبر العصور اخملتلفة بني إيران والغرب‬
‫الدكتور احمد حقي‬

‫‪ -‬إيران والتنافس الشرق أوسطي التقاء وتصادم املشاريع (تركيا واسرائيل)‬


‫علي حسني باكير‬

‫‪ -‬جتليات املشروع اإليراني في لبنان جثث الدول ال تبني جبال اجملد‬


‫علي األمني‬

‫‪ -‬الدور اإليراني في أزمة البحرين‬


‫ناصر الشيخ عبد اهلل الفضالة‬

‫‪53‬‬
‫طبيعة وأشكال التحالف والتعاون عبر العصور اخملتلفة بني إيران والغرب‬

‫الدكتور احمد حقي‬

‫هذه الورقة تتحدث عن طبيعة وأشكال التحالف والتعاون عرب العصور املختلفة‬
‫بني إيران و الغرب حيث انتقيت أربع حقب زمنية ومكانية‪ .‬احلقبتان الثانية والثالثة‬
‫اعتمد ت فيها عىل األرشيف الربتغايل والعثامين واملوسوعة الربيطانية إضافة إىل مؤلفات‬
‫معتمدة أكاديمي ًا يف الغرب وإضافة يف املنطقة مؤلفني عرب ومؤلفني إسالميني يتحدثون‬
‫عن هذه احلقب األربعة‪ .‬اجلغرافيا حارضة يف هذا املوضوع‪ ،‬وهي سبب املشكلة‪ ،‬متدد‬
‫املرشوع اإليراين يف جغرافيتنا‪ .‬املنطقة الواقعة بني البحر املتوسط واخلليج العريب سميت‬
‫من قبل الربيطانيني منطقة اجلرس العريب‪.‬واعتمدت فيام بعد هذه التسمية وتم عىل أساسها‬
‫سايكس بيكو‪.‬‬
‫الفرنسيون والربيطانيون يف النظام العاملي القديم اتفقوا أن شامل أفريقيا حصة‬
‫فرنسا بدون منافسة بريطانية واخلليج العريب حصة بريطانيا دون منافسة بريطانية‬
‫ولكن املنطقة املتنازع عليها هي اجلرس العريب بالد الشام و العراق و السبب هو ‪ :‬خط‬
‫املواصالت القديم و احلديث األمني الذي يتجاوز ثالث عقد تتحكم فيه حركة التجارة‬
‫الدولية نحو اهلند والصني من خالل أوربا وهي مضيق باب املندب وقناة السويس‬
‫باإلضافة إىل مضيق هرمز‪.‬‬
‫ومن لديه القدرة عىل السيطرة عىل هذه املنطقة لديه القدرة عىل السيطرة عىل مجيع‬
‫خطوط املواصالت‪ .‬لذلك الرصاع واملرشوع اإليراين قديم قبل موضوع اإلسالم‪ .‬كان‬
‫دائام عقدة نقص اهلضبة اإليرانية وجغرافيتها وسكاهنا سلكوهم وعدم إطالهلم عىل‬
‫البحر األبيض املتوسط لذلك فهم عىل رصاع دائم مع الروم‪.‬‬
‫و الروم أيض ًا متمسكون هبذه النقطة وعندنا التوثيق الديني والتارخيي لذلك‪ .‬و أن‬
‫الروم هزموا يف أدنى األرض يف البحر امليت وهذه يف بالد الشام والروم أعادوا الكرة‬

‫‪55‬‬
‫بعد سنني وأنا أتكلم تارخيي ًا وليس فقط بالقرآن‪ .‬وهزم هرقل الفرس يف موقعة يف شامل‬
‫العراق(نينوى) شامل العراق‪ .‬املنطقة مرتابطة تارخيي ًا وجغرافي ًا‪.‬‬
‫املحطة األوىل ستتكلم عن أول حتالف حقيقي عسكري واسرتاتيجي‪ .‬ذكره الطربي‬
‫وياقوت احلموي أشار إليه مسرت( موير) يف كتابه اخلالفة وهو مؤلف بريطاين وتاريخ‬
‫حممد واملامليك وحتدث عن هذه املعركة بتفاصيل واقتبس من الطربي معركة اسمها‬
‫الفراض قريبة عىل البوكامل بني سوريا والعراق ويقول الطربي ‪ :‬قصد خالد اىل العراق‬
‫ختوم الشام وجزيرة العرب وافطر يف رمضان تلك السفرة و اجتمع املسلمون بالفراض‬
‫ومحيت الروم واغتاظت واستعانوا بمن يليها من مسالح فارس‪:‬يعني ( مسلحني من‬
‫فارس) واستمدوا تغلب وإياد وكانوا من نصارى العرب أمدوهم و ناهضوا خالد ًا‬
‫حتى صار إىل الفرات‪ .‬قالوا له إما أن تعرب إلينا أو نعرب إليكم‪ .‬خالد استذكر موقعة‬
‫اجلرس يف الفرات مع الفرس التي كان فيها مشكلة يف العبور فطلب منهم أن يعربوا إليه‪.‬‬
‫النقطة األساسية طلبوا منه أن يتنحوا فلم يسمح هلم‪ .‬الروم يف هذه اللحظة يتقاولون‬
‫مع الفرس كالم ًا مه ًام‪ .‬ويقولوا احتسبوا ملككم‪ ،‬هذا الرجل يقاتل عىل دين وله عقل‪.‬‬
‫الروم طلبوا من فارس أن يتاميزوا‪ ،‬قال الروم امتازوا اليوم حتى نعرف ما كان من حسن‬
‫أو قبيح وهذه تفيد بالسلوكيات املعارصة‪ ،‬اهنم يمتازون يف فصل جيوشهم ولكن هلم‬
‫هدف واحد‪ .‬قتل يف يوم الفراض يف الطلب واملعركة (‪ .)100000‬معركة كبرية ولكن‬
‫نحن نوثق القادسية والريموك يف فتوحات بالد الشام وال نعرف عن معركة الفراض‪.‬‬
‫نجحت املعركة ولكن ( موير) شك يف عدد (‪ )100000‬ويذكر املؤرخون أن تعداد‬
‫الفرس والروم مع تغلب واياد حوايل (‪ .)150000‬وهي معركة يف احلدود بني العراق‬
‫وسوريا يف املكان‪ .‬هذه املوقعة بسبب انتهاء املرشوع الكرسوي وانتهى الرصاع بني الروم‬
‫والفرس ليأخذ حقبة جديدة وحمطة زمانية ومكانية أخرى نسلط عليها الضوء برسعة‬
‫وهي حتالفات اإليرانيني الصفويني مع الربتغاليني‪ .‬الربتغاليون عندهم مرشوع بعدما‬
‫اكتشفوا رأس الرجاء الصالح استداروا نحو املحيط اهلندي قاصدين اهلند فطريقهم البد‬
‫أن يمر بالبحار الداخلة للمحيط اهلندي ومها بحران مهامن اخلليج العريب والبحر األمحر‬
‫وكذلك بحر العرب‪ .‬وبدءوا بالصدام مع عامن (مسقط) التي كانت عىل مدنية وحترض‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫والقائد يف هذه احلملة (الفونسودي البوكري) وهذا نبيل برتغايل له رؤية ال يستطيع‬
‫إخضاع هذه املناطق إال بالذبح و القتل لسكان هذه املناطق وتدمري هذه املناطق ويعتمد‬
‫سياسة واضحة بالتحالف مع الصفويني‪.‬‬
‫ولذلك يعتمد الصفويون عليه بالتحالف ضد منظومتني سياسية و عسكرية يف‬
‫ذلك الوقت‪ :‬العرب الساكنني بمواليهم املحلية و العثامنيني من خلفهم‪ .‬واملحطة الزمنية‬
‫كانت مرتافقة مع الرصاع العثامين األوريب من ‪ 1503‬إىل ‪ 1504‬م‬
‫أما احلملة الثانية إىل ‪ 1508‬م أما الثالثة إىل ‪1511‬م أما احلملة الرابعة اىل‪1515‬‬
‫اغلق (الفونسو) مجيع املنافذ التي تؤدي إىل املحيط اهلندي‪ .‬واألهم جزيرة هرمز التي‬
‫مل يستطيع دخوهلا إال باالستعانة بالصفويني وكان مشكلته التي عانى منها يف البحر‬
‫األمحر أن سفنه مل تكن حتمل املياه العذبة و املؤن‪ .‬ويف منطقة اخلليج العريب بعدما حتالف‬
‫مع الصفويني واستطاع أن يتمكن من جزيرة هرمز و انفتح له اخلليج العريب فيقول‬
‫املؤرخون يف املوسوعة الربيطانية وكذلك موجود يف األرشيف الربتغايل أنه أسقط‬
‫املدينة تلو األخرى مثل خورفكان‪ ،‬قطر‪،‬البحرين وحاول أن يستويل عىل البرصة ولكن‬
‫فشل بسبب املقاومة العثامنية من أهل البرصة ولكن نجح يف جزيرة فيلكة وكان يعتمد‬
‫سياسة القواعد األمريكية‪ .‬كان يبني قالع ًا يف مسقط ‪ :‬اجليالين واملرياين حتى أسامها‬
‫فارسية‪ ،‬وهذه القالع كان يستمد منها املؤن من الفرس وهذا سبب نجاحه يف اخلليج‪.‬‬
‫ماذا حصل يف البحر األمحر إنه نزل عند مصوع وحاول النزول عند عدن وفشل‪.‬وعندما‬
‫نزل عند مصوع استطاع ان يعمل حتالف ًا مع ملكة احلبشة هيالنا ذلك الوقت و كان‬
‫حياول أن يدخل البحر األمحر‪ .‬وكان أول بحرية أوربية تدخل البحر األمحر قاصد ًا جدة‪.‬‬
‫وكان حياول أن يدخل إىل مكة هلدم الكعبة ولكن األرشيف الربتغايل و الربيطاين يذكر‬
‫أن هذا ليس السبب الرئييس‪.‬‬
‫وتقول تلك املراجع أن الفونسو يريد دخول املدينة املنورة هلدم قرب النبي صىل‬
‫اهلل عليه وسلم و يأخذ جسده رهينة‪ .‬حتى يتم التفاوض مع املسلمني وخروجهم من‬
‫األرايض املقدسة والسيطرة أيض ًا عىل منابع هنر النيل وحيوله إىل البحر األمحر ليسقط‬
‫مرص ليتم السيطرة عىل مرص‪ .‬وسبب فشله يف الوصول إىل جدة ‪ :‬اهلل سبحانه بسبب‬

‫‪57‬‬
‫الرياح ونقص املياه و املؤن وبعد الصفويني عنه‪ .‬ومن التحالفات و الرسل السفري‬
‫الفاريس الذي وصل جزيرة هرمز ومحل اهلدايا و املؤن‪ .1515‬وكذلك السفري الذي‬
‫وصل جزيرة كريال يف اهلند وبقي سفري الفونسو يف تربيز و أصفهان ملدة عامني واسمه‬
‫فرييرا‪.‬‬
‫أما احلقبة الثالثة‪ ،‬ومن املصادر التي اعتمت عليها‪ :‬فاوينديش اوف بورتركرس‬
‫امباير‪ ،‬و السيزر اف ذ سيت وهذا مؤلف يف بريطانيا‪ .‬احلقبة الثالثة هي احلقبة العثامنية‬
‫الصفوية‪:‬تم ارجاع اجليوش العثامنية مرتني من فينا و بواسطة السلطان سليامن القانوين‬
‫الذي سيطر عىل أسوار فينا ‪ 36‬ساعة‪ .‬واحلسم الذي أنجزه سليم األول يف مرج دابق‬
‫مع املامليك كان بسبب العالقة الدبلوماسية التي عملها اجلنرال قانصو الغوري مع الشاه‬
‫إسامعيل الصفوي وأدى بسليم األول أن يغزو بالد الشام ومرص ولذلك أخذ اخلالفة‬
‫والعهدة وهي البريق و الربدة والسيف وأصبح منذ ذلك الوقت خليفة املسلمني‪ .‬وحقبة‬
‫ابن سليامن القانوين هي حقبة الفتوحات و االندفاعات نحو أوربا‪ .‬واملؤرخ (هارد الم)‬
‫يذكر يف وثيقة ‪ 1523‬أن الرسل املوفدين من البندقية ذهبوا إىل الشاه يف إيران ليحثوه‬
‫عىل حرب الدولة العثامنية وأن هذه احلرب ستخفف الضغط عن مدينة( فينا) والبحر‬
‫األبيض املتوسط‪.‬و يف ‪ 16‬نيسان ‪ 1523‬اإلمرباطور( شاريل كان)إمرباطور أسبانيا وأملانيا‬
‫وهولندا واسقط فرنسا وسليامن القانوين أرجع فرنسا رسالة إىل إسامعيل الصفوي حيثه‬
‫عىل التحالف‪.‬حتى أن السفري النمساوي قال‪ :‬مالكم حل هلذا الطاعون أي اجليوش‬
‫العثامنية التي اقرتبت من حدود فينا إال اجليوش اإليرانية‪ .‬وبعض املسترشقني يف بلجيكا‬
‫يقول‪ :‬لوال اإليرانييني لكنا نقرأالقرآن يف بلجيكا‪.‬‬
‫هذه الفرتة اتسمت بالرصاعات ولكن يوجد نقطة مهمة أن نادر شاه جاء بعد‬
‫سقوط الدولة الصفوية عىل يد األفغان وأعلن نفسه شاه ًا‪ ،‬وهاجم األفغان يف أراضيهم‬
‫وأنزل هبم اهلزيمة من جديد‪ ،‬وفرض املذهب اجلعفري عىل األذريني‪.‬لكن فشل يف‬
‫فرضه عىل األفغان بسبب قيام ردة فعل األفغان واالعتبار ملدهنم مثل قندهار‪ .‬نادر شاه‬
‫كان يف ذلك الوقت قاطع طريق واستطاع ان جيمع يف شرياز ‪ 5000‬مسلح واستطاع أن‬
‫يطرد األفغان وجيلب اإليرانيني ولكن ليس حتت حكم الصفوي عىل الرغم من كونه‬

‫‪58‬‬
‫شيعي اثنا عرشي‪ .‬ولكن صاحب مرشوع تقارب بني السنة والشيعة يف مؤمتر النجف‬
‫وهذا موثق‪ .‬أما مراد الرابع أعاد اجليوش من فينا بعد سقوط بغداد مرة ثانية‪ .‬وأريد أن‬
‫اذكر نوعني من التعاون‪ .‬عن طريق املدفعية ومشكلة الدولة اإليرانية املدفعية بوجه‬
‫املدفعية العثامنية وكانت املدفعية العثامنية متفوقة و كانت املدفعية هي أسلحة الدمار‬
‫الشامل‪.‬بني ‪ 1996‬و ‪ 1999‬ذهب خرباء بريطانيون متخصصون يف هندسة صب‬
‫املدافع إىل طهامسب وعباس الصفوي وحلوا مشكلة تفوق املدفعية العثامنية عن طريق‬
‫تطوير املدفعية اإليرانية‪ ،‬فيمتلك اإليرانيون أسلحة دمار يف ذلك الوقت سببت هزائم‬
‫متكررة هي التي رسمت احلدود احلالية بني العراق وإيران وهي خطوط وقف إطالق‬
‫النار بني اإليرانيني والعثامنيني نتيجة التفوق اإليراين‪.‬‬
‫أما التعاون الثاين هو مهندسون يف عبور األهنار‪ .‬كانت هناك عوائق يف عبور هنر‬
‫دجلة‪ .‬لذلك بنيت اجلسور و طوقت بغداد عن طريق نادر شاه الذي مل يفلح بسبب‬
‫انتشار الكولريا بني اجليش الصفوي‪ .‬اما املرحلة الرابعة ‪ :‬القجاريني حيث تم تسليم‬
‫االحواز قطر عريب كامل بشعبه بمقدراته باتفاق بني الربيطانيني والقجاريني‪ .‬وهنا‬
‫ب ماال يملك ملن ال يستحق لليهود‬
‫عبارة يف موضع فلسطني تعلمناها منذ الصغر َو َه َ‬
‫نفس القصة مع االحواز فهذه إطاللة كاملة عىل اخلليج العريب كان حيلم هبا اإليرانيون‬
‫كام يف قضية البحر املتوسط‪.‬واستشهد يف االحتالل األخري للعراق حمارضة يف مؤمتر‬
‫أعامل اخلليج وحتديات املستقبل ‪ 2004/1/13‬مركز اإلمارات للدراسات والبحوث‬
‫االسرتاتيجية‪ :‬يقول حممد عيل ابطحي نائب الرئيس للشؤون القانونية لوال التعاون‬
‫اإليراين ملا سقطت بغداد وكابل هبذه السهولة‪ .‬ويف ‪ 2/8‬جريدة الرشق األوسط نقال‬
‫عن رئيس تشخيص مصلحة النظام عيل هاشمي رفسنجاين لوال اجليش الشعبي اإليراين‬
‫الذي ساهم يف دحر طالبان لغرقت أمريكا يف املستنقع و ذلك يف خطبة مجعة يف طهران‪.‬‬
‫ومذكرات رامسفيلد يتحدث عن اللجنة األمنية بني بريمر والسفري كروكر وقاسمي‬
‫قمي وحسن كاظمي قمي واجتمعت اللجنة ‪ 2005/7/ 28‬واختاذ قرارات اسرتاتيجية‬
‫وتوجت هذه القرارات بزيارة أمحدي نجاد إىل املنطقة اخلرضاء عن طريق مطار بغداد‬
‫وكانت قاعدة أمريكية‪ .‬ويف ‪ 2008/3/2‬زيارة علنية يف ظل اهليمنة األمريكية ودخل‬

‫‪59‬‬
‫أمحدي نجاد املنطقة اخلرضاء دون ان يفتش يف حني كان احلاكمون للمنطقة يفتشون‬
‫قرسي ًا من قبل األمريكان ودون أن تسلم النساء‪ ،‬ودخل نجاد وكأنه فاتح‪ .‬وهذه‬
‫األحداث ليس قصة بل نمطية من خالل الدراسات العلمية أن األحداث و الظواهر‬
‫املتكررة تكون نمطية ويمكن ان تكون هلا نظرية وأن تتحول إىل قانون إذا أثبتتها الوقائع‬
‫احلالية أو السابقة‪ .‬قانون العالقات بني إيران عرب حثيني امخليني كرسويني صفويني شاه‬
‫شانيني مخينني خامنيئن والقادمني من بعدهم حتتم عليهم هذا السلوك اإلجباري هلم‬
‫بسبب اجلغرافيا وتشكل العقلية السياسية ليس فقط عند احلاكم وال خيتلف إصالحيون‬
‫أو غريهم وبسبب السلوك اجلمعي لألمة الفارسية‪ .‬املشكلة عند األتراك مع اإلسالم‬
‫أخرجهم من البداوة إىل التحرض‪ .‬أما اإليرانيون أرجعهم اإلسالم من األستاذية إىل‬
‫مرتبة دونية مع العرب و األتراك وسكان املنطقة‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫إيران والتنافس الشرق أوسطي التقاء وتصادم املشاريع‬
‫(تركيا واسرائيل)‬

‫علي حسني باكير‬


‫باحث في منظمة البحوث االستراتيجية‬
‫(‪)USAK‬‬

‫تتناول هذه الورقة التنافس االقليمي االيراين مع كل من ارسائيل وتركيا من خالل‬


‫مقاربة املشاريع حرص ًا‪ .‬ويتم خالهلا عرض املرشوع االيراين يف املنطقة أوالً والتعريف‬
‫بأمهية مفهوم االقليمية يف الفكر االسرتاتيجي االيراين والسياسة اخلارجية‪ ،‬والتطرق‬
‫ثم العمل بعدها عىل حتديد دوائر االلتقاء‬
‫اىل ركائز تفعيل هذا املرشوع االيراين‪ ،‬ومن ّ‬
‫واالشتباك بني املرشوع االيراين وكل من املرشوعني االرسائييل والرتكي عرب مقاربة‬
‫األهداف االسرتاتيجية العليا لكل مرشوع أوال ثم االنتقال اىل مقاربة سياسات حتقيق‬
‫هذه االسرتاتيجية واملواضيع املنخرطة فيها‪.‬‬
‫وهتدف هذه الورقة بشكل عام اىل التعريف باملرشوع االيراين بشكل أفضل‬
‫واستناد ًا اىل معطى بحثي علمي أعمق وبام يساعد عىل حتليله وتفكيكه وبالتايل عىل‬
‫مواجهته بشكل أكفأ يف العامل العريب‪ .‬وقد تم إحلاق الورقة ببعض التوصيات‪ ،‬منها ما‬
‫يتعلق باالطار بشكل خاص ومنها ما هو أوسع منه بشكل عام‪.‬‬

‫(((‬
‫ماهية املشروع اإليراني‬
‫يف الثامنينات من القرن املايض‪ ،‬وضعت إيران لبنات مرشوع «اإلسرتاتيجية‬
‫الوطنية‪ -‬نظرية أم القرى»‪ ،‬ويعطي هذا املرشوع لوضع إيران يف العامل اإلسالمي هالة‬

‫((( للمعلومات والتفاصيل الواردة حتت هذه النقطة‪ ،‬راجع‪ :‬عيل حسني باكري‪ ،‬األبعاد اجليوسرتاتيجية‬
‫للسياستني االيرانية والرتكية حيال سوريا‪ ،‬فصل يف كتاب عن تركيا سيتم نرشه قريبا‪ ،‬املركز العريب لألبحاث‬
‫ودراسة السياسات‪ ،‬قطر‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫من القدسية (يعتربها أم القرى وأن واجب الدفاع عنها يعلو أي مصلحة أخرى) ‪،‬‬
‫كام يعطي أمهية قصوى ملوقع إيران اجليوبوليتكي يف السياسة اخلارجية من أجل حتقيق‬
‫التمدد اإلقليمي وفرض اهليمنة‪.‬‬
‫وتؤكد هذه اإلسرتاتيجية يف خطوطها العريضة عىل ثالثة عنارص رئيسية بالنسبة‬
‫لطهران‪:‬‬

‫ •احلفاظ عىل الطابع اإلسالمي للنظام اإليراين وعىل موقع إيران يف العامل‬
‫اإلسالمي‬
‫ •الدفاع عن أمن إيران‪.‬‬
‫ •التوسع إقليمي ًا‪.‬‬
‫ويفرس حممد جواد الرجياين النقطة األخرية بقوله ّ‬
‫أن هذه اإلسرتاتيجية حتتم عىل‬
‫إيران أن ال حتد حدودها اجلغرافية من دورها‪ ،‬إذ ال دولة باستثناء إيران باستطاعتها قيادة‬
‫العامل اإلسالمي وهذه حلظة تارخيية لتحقيق ذلك‪.‬‬
‫وقد تم رفد هذه اإلسرتاتيجية بواحدة أخرى تعرف باسم مرشوع «اإلسرتاتيجية‬
‫اإليرانية العرشينية» (‪ .)2025-2005‬وهي وثيقة رسمية تضع التصورات املستقبلية‬
‫للدور اإليراين خالل عرشين سنة‪ .‬وفقا لإلسرتاتيجية‪ ،‬فمن املفرتض أن حتظى إيران‬
‫بخصوصية عىل املستوى الدويل‪ ،‬وتتحول إىل قوة دولية ومصدر إهلام للعامل اإلسالمي‪،‬‬
‫عىل أن ينعكس ذلك إقليمي ًا‪.‬‬
‫وبنا ًء عىل ما جاء يف الوثيقة‪ ،‬فإن إيران بصدد التحول إىل نواة مركزية هليمنة تعددية‬
‫داخلية يف منطقة جنوب غرب آسيا (أي املنطقة العربية حتديد ًا التي تشمل شبه اجلزيرة‬
‫العربية وبالد الشام وسيناء)‪ ،‬وهو ما يعني‪:‬‬
‫ •أن إيران ستكون بؤرة ومركز منطقة جنوب غرب آسيا (تكرر الوثيقة استخدام‬
‫هذا املصطلح كي تتجنب ذكر العرب مبارشة) بالنظر إىل قوهتا وقدراهتا الوطنية ومكانتها‬
‫اجلغرافية السياسية واجلغرافية اإلسرتاتيجية االقتصادية ودورها االتصايل‪.‬‬
‫ •ستلعب إيران دور قيادة التنظيم السيايس واالقتصادي واألمني هلذه املنطقة مع‬

‫‪62‬‬
‫بعض القوى اإلقليمية‪ ،‬كام أهنا لن تسعى للمواجهة مع قوى اهليمنة اخلارجية‪ ،‬إال يف‬
‫الساحات التي توجد فيها مصالح متعارضة بينهام‪.‬‬
‫أن معظم هذه الطروحات ال خترج عن الطموحات القديمة إليران‬ ‫ومن امللفت ّ‬
‫الشاهنشاهية ولكنها ومنذ عام ‪ 1979‬بدأت تأخذ طابع ًا آخر عرب العباءة اإلسالمية‪،‬‬
‫فهي ختترص أيضا رؤية مفجر الثورة اإليرانية آية اهلل اخلميني للطموح اإلقليمي اإليراين‬
‫وفق ما نقله عنه أول رئيس للجمهورية اإليرانية بعد الثورة «أبو احلسن بني صدر» الذي‬
‫قال‪« :‬كان اخلميني يقول إنه يريد إقامة حزام شيعي للسيطرة عىل العامل اإلسالمي‪،‬‬
‫وكان هذا احلزام يتألف من إيران والعراق وسورية ولبنان‪ ،‬وعندما يصبح سيد ًا هلذا‬
‫(((‬
‫احلزام يستخدم النفط وموقع اخلليج العريب للسيطرة عىل بقية العامل اإلسالمي»‪.‬‬

‫االقليمية في املشروع االيراني والسياسة اخلارجية االيرانية‬


‫أثناء عرضه‬ ‫(((‬
‫يف اطار تناوله للفكر االقليمي االيراين‪ ،‬يرشح حمسن رضائي‬
‫لـ«إسرتاتيجية األمن القومي للبالد خالل العقد القادم» معنى مصطلح «املنطقة» خالل‬
‫حديثه عن هذه االسرتاتيجية‪ ،‬فيقول‪« :‬عندما أحتدث عن املنطقة فهذا يعني جنوب‬
‫غرب آسيا‪ ،‬الرتكيز عىل هذه املنطقة بالتحديد ألنني أعتقد ّ‬
‫أن لدهيا قدرات كبرية تتعدى‬
‫أن تركيز اجلهود عىل هذه املنطقة يو ّفر قدرات كبرية‬
‫بحجمها منطقة الرشق األوسط‪ ،‬كام ّ‬
‫جدا يف احلفاظ عىل األمن القومي إليران‪.‬‬
‫أ ّما ملاذا الرتكيز عىل منطقة جنوب غرب آسيا؟ وما الذي يميز هذه املنطقة عن‬
‫غريها من االقليم املحيطة بإيران؟ وملاذا يعطي النظام االيراين هذه املنطقة اولوية دائام يف‬

‫((( مقابلة مع اول رئيس للجمهورية االيرانية بعد الثورة «أبو احلسن بني صدر»‪ ،‬الثورة االيرانية وأمريكا‬
‫والعرب‪ ،‬برنامج «زيارة خاصة» الذي قدّ مه «سامي كليب»‪ ،‬قناة اجلزيرة‪ ،‬تاريخ بث احللقة ‪.2000/1/17‬‬
‫راجع أيضا للمزيد كتاب‪ :‬عيل حسني باكري‪ ،‬حزب اهلل حتت املجهر‪ :‬رؤية شمولية مغايرة للعالقة مع ايران‬
‫وارسائيل‪ ،‬إصدارات الراصد‪ ،‬كتاب الكرتوين‪ .2006 ،‬نسخة متوافرة عىل هذا لرابط‪:‬‬
‫‪http://www.saaid.net/book/9/2751.pdf‬‬
‫((( اللواء حمسن رضائي‪ ،‬هو أحد رموز الثورة االيرانية‪ ،‬شغل موقع فائد احلرس الثوري االيراين سابقا‪،‬‬
‫ويشغل اآلن منصب أمني عام جممع تشخيص مصلحة النظام أحد أقوى مفاصل النظام االيراين‪ ،‬ترشح‬
‫للرئاسة يف عهد نجاد‪ ،‬يملك عددا من وسائل االعلم املؤثرة داخل ايران منها (بازتان وملت ما)‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫أجندته اخلارجية؟‬
‫يقول كيهان برزكار(((‪« :‬من بني املناطق املهمة املجاورة إليران يف الرشق األوسط‪،‬‬
‫فإن ملنطقة اخلليج أمهيتها القصوى يف التنمية واألمن ومصالح إيران القومية‪ ،‬و ينبغي‬
‫أن تكون عىل رأس نشاطات سياسة إيران اخلارجية‪ .‬فاخلليج هو الطريق األساس‬
‫إلرتباط إيران بالعامل احلر‪ ،‬ولتصدير الطاقة‪ ،‬واسترياد البضائع‪ ،‬وحفظ أمن الطاقة‪،‬‬
‫ونقطة االتصال بآسيا اجلنوبية والرشقية‪ .‬ومن ناحية أخرى فإن حضور إيران الف ّعال يف‬
‫القضايا (السياسية واألمنية) للخليج «الفاريس»((( والعراق والعامل العريب يزيد من قدرة‬
‫(((‬
‫إيران يف القضايا اإلقليمية و يف عالقتها مع القوى الكربى‪.‬‬
‫ويضيف‪ “ :‬وملا كانت قضايا إيران مرتبطة بالقضايا العاملية؛ فإن تقوية اإلقليمية‬
‫و زيادة مساحة دور إيران و نفوذها يمكنه أن خيدم أهداف التوسعة‪ ،‬و يدفع املخاطر‬
‫األمنية عنها”‪.‬‬
‫إذ ًا‪ ،‬يعود اهتامم ايران يف الرتكيز عىل اإلقليمية لعدة أسباب لعل أمهها‪:‬‬
‫ •حب الربوز عاملي ًا‪ ،‬وبام يعكس احساسا بأهنا قوة ليس إقليمية فحسب بل عاملية‪،‬‬
‫ألن القوى تكون حارضة غالب ًا يف معظم امللفات ولذلك جتدها يف كل القضايا‪ ،‬نووي –‬
‫هرمز‪ -‬اخلليج‪ -‬العراق – سوريا‪ -‬لبنان‪ -‬اليمن ‪...-‬الخ‪ ،‬وألن املنطقة العربية بشكل‬
‫عام ومنطقة اخلليج بشكل خاص ذات أمهية اسرتاتيجية عىل املستوى العاملي وأعني‬

‫((( كيهان برزكار هو مدير ملركز أبحاث ايراين (مركز األبحاث العلمية والدراسات االسرتاتيجية للرشق‬
‫األوسط) عىل صلة بوزارة اخلارجية االيرانية وموجه للرشق األوسط والعامل العريب حتديدا‪ ،‬ويصدر فصلية‬
‫ايران والعرب التي يرشف عليها سيد حسني موسوي ويعترب ابراهيم فرحات مستشارا هلا‪ .‬هذا املركز عىل‬
‫صلة بمركز مموه (بمثابة ذراعه يف العامل العريب) يف لبنان حتت اسم آخر (مركز الدراسات االسرتاتيجية)‬
‫يديره سيد حسني موسوي نفسه ويشغل فيه ابراهيم فرحات منصب مستشار عام أيض ًا‪ ،‬ويعترب حممد نور‬
‫الدين وطالل عرتييس من أبرز أعضائه‪ ،‬فاألول يرأس حترير فصلية الرشق األوسط التي تصدر عن املركز‬
‫نفسه‪ ،‬والثاين يشغل منصب مستشار علمي‪.‬‬
‫((( ايراد هذا املصطلح هو لألمانة العلمية يف النقل‪ ،‬وال نوافق عليه من األساس وال نتبناه‪ ،‬وانام نستخدم‬
‫اخلليج العريب‬
‫((( اظر‪ :‬كيهان برزكر‪ ،‬مكانة «االقليمية» يف سياسة ايران اخلارجية‪ ،‬فصلية العرب وايران‪ ،‬عدد ‪ ،26‬السنة‬
‫‪ ،8‬شتاء ‪.2011‬‬

‫‪64‬‬
‫الدول دائام عليها‪ ،‬فإن انخراط يف هذه املنطقة انام خيدم هدف ايران يف الربوز اقليميا‬
‫ودوليا ويرسع منه‪.‬‬
‫ •السيطرة االقتصادية‪ .‬بام جيعل من طهران قوة اقتصادية عاملية‪ .‬فهذه املنطقة‬
‫مرتبطة اقتصاديا بالعامل بشكل كبري عرب النفط أو عرب املمرات االسرتاتيجية أو‬
‫عرب التجارةواالسترياد والتصدير‪ ،‬ومعظم دول املنطقة ضعيفة مقارنة بايران عىل‬
‫مستوى الزراعة والتصنيع‪ .‬فالسيطرة عىل هذه املنطقة تتيح اليران توسيع سوقها‬
‫اخلارجية بام يؤدي يف النهاية اىل بروز ايران كقوة اقتصادية اقليمية ويعطيها ذلك‬
‫مفتاح التحكم بسلوك الدول االخرى عرب املعاقبة االقتصادية (مثال ديب والعراق‬
‫وسوريا وبعض دول اخلليج – مشاريع مياه أو غاز)‪..‬ورد ذلك يف مرشوع‬
‫االسرتاتيجية العرشينية‪.‬‬
‫ان االشتباك مع هذه املنطقة‬ ‫ •الرفع من وزهنا السيايس عىل الصعيد العاملي‪ .‬اذ ّ‬
‫والتواجد الدائم فيها ويف قضاياها بطريقة أو باخرى سيجعل ايران رشيك ًا اساسي ًا مع‬
‫القوى العظمى يف اجللوس عىل طاولة املفاوضات‪( .‬ايران وامريكا – ايران وتركيا‬
‫– ايران واالحتاد االورويب‪...‬ألخ) ‪ ،‬وهذا األمر يرفع من شان إيران اوتوماتيكي ًا عىل‬
‫الصعيد الدويل‪.‬‬
‫ •الدفاع عن ايران خارج حدودها‪ .‬فاالقليمية تشكل خط دفاع متقدم عن ايران‬
‫التوسع وزيادة نفوذها وتأثريها كام سبق ورشحنا من‬
‫ّ‬ ‫والنظام االيراين‪ ،‬فهي تتيح اليران‬
‫جهة‪ ،‬وهي تؤمن هلا عمق ًا دفاعي ًا يف مواجهة املنافسني اآلخرين من داخل االقليم أو من‬
‫خارجه‪ .‬عل ًام ّ‬
‫ان الوثيقة العرشينية كام سبق وذكرنا ايضا تشري بوضوح اىل أن “ايران ستلعب‬
‫دور قيادة النظام السيايس واالقتصادي واألمني هلذه املنطقة (مع بعض القوى االقليمية)‪،‬‬
‫ولن تسعى اىل املواجهة مع قوى اهليمنة اخلارجية اال يف الساحات التي توجد فيها مصالح‬
‫متعارضة بينها”(((!! يعني املقصود يف الدول العربية التي تشكل جمرد ساحة اليران خلوض‬

‫((( اظر أيض ًا النص الذي نقله حمسن رضائي عن الوثيقة وهو يورد نفس هذه اجلملة‪ .‬حمسن رضائي‪ ،‬ايران‬
‫والفكر االقليمي‪ ،‬بازتاب‪ ،2005/3/26 ،‬متوافرة بالعربية عىل هذا الرابط‪:‬‬
‫=‪http://www.albainah.net/Index.aspx?function=Item&id=7237&lang‬‬

‫‪65‬‬
‫مواجهة مع اخلارج (العراق‪ ،‬اليمن‪ ،‬لبنان‪ ،‬فلسطني‪ ،‬سوريا‪ ،‬البحرين‪...‬الخ)‬
‫ •السيطرة عىل املنطقة بعد حتقيق كل العنارص أعاله‪.‬‬

‫ركائز تفعيل املشروع االيراني‪:‬‬


‫يف سعيها لتطبيق مرشوعها هذا‪ ،‬تعتمد ايران عىل سلسلة طويلة ومعقدة من‬
‫األدوات والسياسات والتكتيكات منها ما ينطلق من خصائص داخلية ومنها ما ينطلق‬
‫من خصائص مرتبطة بالسياسة اخلارجية‪ ،‬ومن املمكن أن تكون متشابكة يف كثري من‬
‫(((‬
‫االحيان‪ .‬من هذه االدوات الرئيسية عىل سبيل املثال ال احلرص‪:‬‬
‫‪ -1‬اخلطاب الديامغوجي (القضية الفلسطينية)‪ :‬وهو خطاب شعبوي يتمحور‬
‫حول مهامجة إرسائيل وتعظيم شان فلسطني دون أن يعكس ذلك حقيقة األمر‪ ،‬ذلك ّ‬
‫أن‬
‫الغاية من هذا اخلطاب حتريك الشارع العريب واستقطابه خللق بيئة مه ّيئة لتق ّبل النفوذ‬
‫اإليراين يف العامل العريب حتت شعار مقاومة إرسائيل من جهة‪ ،‬ولزعزعة األنظمة القائمة‬
‫بغض النظر عن التوقيت عرب رضب العالقة بني النظام السيايس وبني الشعوب من جهة‬
‫(((‬
‫أخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬تعزيز القدرات العسكرية‪ :‬يعتمد النظام االيراين عىل تطوير قدراته العسكرية‬
‫الدفاعية واهلجومية‪ ،‬التقليدية وغري التقليدية‪ ،‬ومنها الصاروخ ّية وهي قدرات ذات‬
‫طابع هجومي‪ ،‬إضافة إىل ن ّيته تطوير قدرات نووية كضامن رادع لبقاء النظام ودعم‬
‫(((‬
‫االرتقاء اإلقليمي الذي تقوم به يف املنطقة‪.‬‬

‫((( راجع‪:‬عيل حسني باكري‪ ،‬ما الفرق بني إيران وإرسائيل؟ السياسات اجليوبوليتكية اإلقليمية إليران‪ :‬تفسري‬
‫نزعة اهليمنة والسيطرة‪ ،‬دورية مدارات إسرتاتيجية‪ -‬مركز سبأ للدراسات اإلسرتاتيجية‪ ،‬العدد‪ ،3‬مارس‪-‬‬
‫يونيو ‪ .2011‬أو‬
‫عيل حسني باكري‪ ،‬السياسات اجليوبوليتكية اإلقليمية إليران‪ :‬تفسري نزعة اهليمنة والسيطرة‪ ،‬عىل الرابط التايل‪:‬‬
‫‪http://alibakeer.maktoobblog.com/1599639/‬‬
‫((( لالستزادة‬
‫((( للمزيد من التفاصيل حول هذا املوضوع‪ ،‬يرجى مراجعة‪ :‬عيل حسني باكري‪ ،‬خماطر تنامي القدرات‬
‫اهلجومية اإليرانية والتوازن االسرتاتيجي يف اخلليج‪ ،‬مركز اخلليج لألبحاث‪/‬جملة آراء حول اخلليج‬
‫(اإلمارات)‪ ،‬العدد ‪ -63‬كانون أول‪ /‬ديسمرب ‪ .2009‬متوافر عىل هذا الرابط‪:‬‬

‫‪66‬‬
‫‪ -3‬القدرات اللالتناظرية واألذرع‪ :‬ويأيت ذلك يف إطار تثبيت الزعزعة التي‬
‫حيدثها اخلطاب اإليراين وترمجته واقع ًا عملي ًا‪ .‬ولذلك نالحظ انّه يف البلدان واألماكن‬
‫التي يتواجد فيها نفوذ إيراين‪ ،‬هناك حركات وأحزاب مت ّثل هذا النفوذ بشكل رسمي‬
‫وخاصة عندما تكون شيعية كحزب اهلل اللبناين الذي أعلن أمينه‬ ‫ّ‬ ‫وعلني وبتبعية عضوية‬
‫علن ًا بأنّه يفتخر أن يكون فرد ًا تابع ًا للويل الفقيه يف إيران‪ .‬ا ّما يف البلدان التي ال يتواجد‬
‫توجه قريب أو حتى امتطاء‬
‫فيها الشيعة‪ ،‬فيتم التعويل عىل حركات إسالمية ذات ّ‬
‫موجتها حتت شعار املقاومة الستخدامها كـ (‪ )Proxy‬فيام اهلدف احلقيقي استغالهلا‬
‫لألجندة اإليرانية القوم ّية اخلاصة‪ .‬باالضافة اىل التمدد يف داخل الدول العربية عرب‬
‫جهازه االستخبارايت كفيلق القدس واحلرس الثوري الذي حيرص عىل تعيني ضباط له‬
‫يف البعثات الديبلوماسية اإليرانية كالسفري اإليراين السابق للعراق “حسن كاظم قمي”‬
‫والسفري الالحق أيضا “حسن دانافار” وهم ضباط يف فيلق القدس‪ .‬دون أن ننسى‬
‫اخلاليا النائمة واملنترشة يف كل الدول العربية وآخرها ما كشفت عنه السلطات الكويتية‬
‫(((‬
‫ومثلها البحرينية قبل أيام‪.‬‬
‫‪ -4‬الربغامتية‪ :‬وتتيح له عقد صفقات مع القوى الكربى بعد استدراجهم يف‬
‫مواجهات عىل الساحات العربية‪ .‬ولنا يف التاريخ عدد من العرب أمهها فضيحة ايران‪-‬‬
‫جيت ‪ ،‬وأيض ًا حماوالت إنجاز ما عرف باسم “الصفقة الكربى”((( مع الواليات‬
‫األمريكية‪.‬‬

‫‪http://alibakeer.maktoobblog.com/1599426/‬‬
‫((( نفس املرجع السابق‪.‬‬
‫((( تناول الباحث (عيل حسني باكري) هذا املوضوع بتفصيل كبري و دقيق ‪-‬بعد رصد و متابعة ألشهر عديدة‪-‬‬
‫يف سلسلة مؤلفة من ثالث تقارير نرشت يف جريدة السياسية الكويتية‪ ،‬وكان اول من تناول هذا املوضوع‬
‫بالتفصيل يف العامل العريب حتت عنوان‪:‬‬
‫(املساومات اإليرانية ‪ -‬األمريكية… «إيران غيت» ثانية أم حرب خليج رابعة) –الصفقة الكربى‪ -‬بتاريخ‬
‫‪ 2007-3-8/7/6‬يمكن الرجوع إليها ملزيد من التفاصيل عىل الرابط التايل‪:‬‬
‫‪ -‬اجلزء األول‪http://alibakeer.maktoobblog.com/?post=235068 :‬‬
‫‪ -‬اجلزء الثاين‪http://alibakeer.maktoobblog.com/?post=237089 :‬‬
‫‪ -‬اجلزء الثالث‪http://alibakeer.maktoobblog.com/?post=239430 :‬‬

‫‪67‬‬
‫دوائر التقاء املشروع االيراني مع اسرائيل‬
‫يعتمد جوهر املرشوع االرسائييل يف املنطقة العربية عىل ثالثة أهداف رئيسية منذ‬
‫انشاء دولة ارسائيل وحتى اليوم‪ ،‬هي‪:‬‬
‫ •تأمني دولة ارسائيل وإن استلزم ذلك شن حروب يف داخل فلسطني أو يف‬
‫خارجها‪.‬‬
‫ •اهليمنة عىل املنطقة وتكريس التفوق االرسائييل عرب القوة العسكرية أو عرب‬
‫مشاريع متعددة ارسائيل الكربى‪ ،‬الرشق أوسطية‪ ،‬الرشق األوسط الكبري‪...‬الخ‬
‫يقوض اهليمنة او التفوق االرسائييل‬
‫قوة يف املنطقة العربية بام ّ‬
‫ •منع بروز أي ّ‬

‫واذا أمعنا النظر هبذه األسس الثالثة‪ ،‬سنالحظ هّأنا تشرتك مع املرشوع االيراين يف‬
‫عدد املحاور‪:‬‬
‫ •ساحة العمل هي نفسها بالنسبة للمرشوعني االرسائييل وااليراين مع تركيز‬
‫األوىل عىل دائرة الشام ومرص كاولوية قصوى‪ ،‬وتركيز الثانية عىل اخلليج والعراق‬
‫كاولوية قصوى‪.‬‬
‫ •كال البلدين يعتمد اسرتاتيجية الدفاع عن نفسه خارج حدوده‪ ،‬ومرة أخرى يف‬
‫املنطقة العربية‪ .‬فاالول يعتمد عىل التفوق العسكري اهلائل‪ ،‬والثانية تعتمد عىل األذرع‬
‫االقليمية والقدرات غري املتوازية يف حتقيق هذا اهلدف‪.‬‬
‫ •كال البلدين يرى أنه األكفأ للسيطرة عىل املنطقة العربية‬

‫يف طبيعة العالقة بني ايران وارسائيل علينا ان نم ّيز بني اخلطاب االستهالكي العام‬
‫و الشعبوي (أي ما يسمى األيديولوجيا هنا)‪ ،‬و بني املحادثات واالتفاقات الرس ّية التي‬
‫جيرهيا الطرفان غالبا مع بعضهم البعض (أي ما يمكن تسميته بـ اجليو‪-‬اسرتاتيجيا‬
‫املحرك األسايس لألحداث يكمن يف العامل “اجليو‪-‬‬
‫أن ّ‬ ‫هنا)‪ ،‬مع األخذ بعني االعتبار ّ‬
‫جمرد وسيلة أو رافعة لكال الطرفني‪.‬‬
‫سرتاتيجي” و ليس “األيديولوجي” الذي يعترب ّ‬

‫‪68‬‬
‫بمعنى أبسط‪ ،‬يعتقد تريتا باريس((( ّ‬
‫أن العالقة بني املثلث اإلرسائييل‪ -‬اإليراين –‬
‫األمريكي تقوم عىل املصالح والتنافس اإلقليمي وليس عىل األيديولوجيا واخلطابات‬
‫والشعارات التعبوية احلامسية‪ .‬واستنادا إىل الكتاب املهم الذي أ ّلفه‪ ،‬وعىل عكس التفكري‬
‫السائد‪ ،‬فإن إيران و إرسائيل ليستا يف رصاع أيديولوجي بقدر ما هو نزاع قابل للحل‪.‬‬
‫وإذا ما جتاوزنا القشور السطحية التي تظهر من خالل املهاترات و الرتاشقات‬
‫اإلعالمية والدعائية بني إيران و إرسائيل‪ ،‬فإننا سنرى تشاهب ًا مثري ًا بني الدولتني يف العديد‬
‫(((‬ ‫من املحاور بحيث أننا سنجد ّ‬
‫أن ما جيمعهام أكرب بكثري مما يفرقهام‪:‬‬
‫ •كلتا الدولتني متيالن إىل تقديم أنفسهام عىل أنهّ ام متفوقتني عىل جرياهنم العرب‬
‫أن جرياهنم العرب يف الغرب و اجلنوب‬ ‫(‪ .)superior‬إذ ينظر العديد من اإليرانيني إىل ّ‬
‫أقل منهم شأنا من الناحية الثقافية و التارخيية و يف مستوى دوين‪ .‬و يعتربون أن الوجود‬
‫الفاريس عىل ختومهم ساعد يف حتضهم و متدّ هنم و لواله ملا كان هلم شأن يذكر‪.‬‬
‫يف املقابل‪ ،‬يرى اإلرسائيليون أنهّ م متفوقني عىل العرب بدليل أنهّ م انترصوا عليهم‬
‫يف حروب كثرية‪ ،‬و يقول أحد املسؤولني اإلرسائيليني يف هذا املجال لباريس “إننا نعرف‬
‫ما باستطاعة العرب فعله‪ ،‬و هو ليس باليشء الكبري” يف إشارة إىل استهزائه بقدرهتم عىل‬
‫فعل يش حيال األمور‪.‬‬
‫ •إذا ما أمعنّا النظر يف الوضع اجليو‪-‬سيايس الذي تعيشه كل من إيران و إرسائيل‬
‫ضمن املحيط العريب‪ ،‬سنالحظ أهنام يلتقيان أيض ًا حالي ًا يف نظرية “ال حرب‪ ،‬ال سالم”‪.‬‬

‫((( «تريتا باريس» أستاذ يف العالقات الدولية يف جامعة «جون هوبكينز»‪ ،‬ولد يف إيران و نشأ يف السويد و حصل‬
‫عىل شهادة املاجستري يف العالقات الدولية ثم عىل شهادة ماجستري ثانية يف االقتصاد من جامعة «ستكوهومل» لينال‬
‫فيام بعد شهادة الدكتوراة يف العالقات الدولية من جامعة «جون هوبكينز» يف رسالة عن العالقات اإليرانية‪-‬‬
‫اإلرسائيلية وله مؤلف حول املثلث االيراين‪-‬االرسائييل‪ -‬األمريكي يعد من اهم املراجع األكاديمية يف العامل‪،‬‬
‫وقد أجرى أكثر من ‪ 130‬مقابلة مع مسؤولني رسميني إرسائيليني‪ ،‬إيرانيني و أمريكيني رفيعي املستوى و من‬
‫أصحاب صنّاع القرار يف بلداهنم‪ .‬إضافة إىل العديد من الوثاق و التحليالت و املعلومات املعتربة و اخلاصة‪.‬‬
‫((( راجع‪ :‬تريتا باريس‪ ،‬حلف املصالح املشرتكة (التعامالت الرسية بني إرسائيل وإيران والواليات املتحدة)‪،‬‬
‫الدار العربية للعلوم نارشون‪ .2008 ،‬لالطالع عىل امللخص الذي نرشه عيل باكري عن النسخة االنكليزية‬
‫للكتاب‪ ،‬أنظر‪ :‬التعامالت الرسية بني إرسائيل وإيران والواليات املتحدة املريكية‪:‬‬
‫‪http://alrased.net/main/articles.aspx?selected_article_no=4791‬‬

‫‪69‬‬
‫اإلرسائيليون ال يستطيعون إجبار أنفسهم عىل عقد سالم دائم مع من يظنون أهنم أقل‬
‫أن الوضع لصاحلهم‪ ،‬لذلك فان‬ ‫منهم شأنا و ال يريدون أيضا خوض حروب طاملا ّ‬
‫توصل‬
‫نظرية “ال حرب‪ ،‬ال سالم” هي السائدة يف املنظور اإلرسائييل‪ .‬يف املقابل‪ ،‬فقد ّ‬
‫أن “العرب يريدون النيل منّا”‪.‬‬‫اإليرانيون إىل هذا املفهوم من قبل‪ ،‬و اعتربوا ّ‬
‫ •األهم من هذا ك ّله‪ّ ،‬‬
‫أن الطرفني يعتقدان أنهّ ام منفصالن عن باقي املحيط ثقافي ًا و‬
‫سياسي ًاو إثني ًا‪ ،‬اإلرسائيليون حماطون ببحر من العرب و ديني ًا حماطون باملسلمني السنّة‪.‬‬
‫أما بالنسبة إليران‪ ،‬فاألمر مشابه نسبي ًا‪ .‬عرقي ًا هم حماطون بمجموعة من األعراق غالبها‬
‫عريب خاصة إىل اجلنوب و الغرب‪ ،‬و طائفيا حماطون ببحر من املسلمني السنّة‪.‬‬

‫أكثر من ذلك كال البلدين يعتمد موقف ًا متطابق ًا وبتكتيكات مشاهبة إزاء نفس‬
‫القضايا يف العامل العريب‪:‬‬
‫‪ -1‬عىل صعيد عملية السالم‪ :‬ترفض ارسائيل السالم العادل والشامل مجلة‬
‫وتفصيال من خالل الرشوط ومن خالل األعامل عىل األرض‪ ،‬وهذه نقطة يف غاية‬
‫حيجم ارسائيل ويسحب منها ورقة‬ ‫األمهية ذلك ّ‬
‫أن السالم الشامل والعادل من شانه أن ّ‬
‫التم ّيز االقليمي والسمو عىل القوانني واملواثيق الدولية وينزع ورقة التفوق العسكرية‬
‫التي تستخدمها ضد اآلخرين وحيرمها من املساعدات املالية اخلارجية التي تعتمد عليها‬
‫(السيام من واشنطن) واألهم أنه جيعلها دولة عادية مما جيعل املواجهة بينها وبني غريها‬
‫(((‬
‫اقليميا متكافئة من نواحي عديدة‪.‬‬
‫يف املقابل‪ ،‬ختشى ايران أن يؤدي أي سالم بني إرسائيل والعرب إىل هتميشها‬
‫إقليمي ًا بحيث تصبح معزولة‪ ،‬فالسالم بني إرسائيل و العرب يرضب مصالح إيران‬
‫اإلسرتاتيجية يف العمق يف هذه املنطقة و يبعد األطراف العربية عنها و السيام سوريا‪،‬‬
‫مما يؤدي إىل عزهلا اسرتاتيجي ًا‪ ،‬وتفقد ركيزة من ركائز تنفيذ مرشوعها كام سبق وذكرنا‪.‬‬

‫((( هلذه النقطة راجع عىل سبيل املثال‪ :‬عيل حسني باكري‪ ،‬املبادرة األمريكية للتسوية يف عهد أوباما‪ :‬اجتاهاهتا‬
‫وفرصها‪ ،‬مركز دراسات الرشق األوسط‪ /‬جملة دراسات رشق أوسطية (األردن)‪ ،‬العدد ‪ -49‬السنة ‪-13‬‬
‫خريف ‪.2009‬‬

‫‪70‬‬
‫وهلذا تسعى دوم ًا اىل تأجيج الرصاع بالوساطة وإفشال أي عملية سالم ممكنة (التقاء‬
‫مصالح ارسائييل‪-‬ايراين)‪.‬‬
‫(((‬

‫‪ -2‬عىل صعيد البنية االجتامعية للعامل العريب‪ :‬تفتيت املجتمعات العربية والدول‬
‫العربية من الداخل يعترب أولوية لدي املرشوعني االيراين واالرسائييل‪ ،‬واملراجع لنشاط‬
‫الدولتني عىل هذا الصعيد يف العامل العريب منذ عقود وحتى اليوم سيالحظ ّ‬
‫أن األوىل‬
‫تعمل عىل سياسة اقليمية قوامها تفتيت املجتمعات العربية سياسيا عىل قاعدة املامنعة‪،‬‬
‫وطائفيا عىل قاعدة شيعي‪-‬سني‪ ،‬وسني ًا عىل قاعدة إخواين‪-‬سلفي‪ .‬وأما الثانية فتعتمد‬
‫نفس املنطق عىل اساس قومي‪ -‬ديني – طائفي – أقليات‪.‬‬
‫‪ -3‬عىل صعيد االستقرار االقليمي‪ :‬كال البلدين يعتمد عىل سياسة “التوتري‬
‫املضبوط”‪ ،‬األول حتت عنوان “املامنعة” والثاين حتت عنوان حماربة “اإلرهابني‪ .‬فليس‬
‫من مصلحتهم حصول فوىض شاملة هتدد أمنهم الداخيل‪ ،‬لكن التوتري املضبوط‬
‫يستغلونه لتجيريه يف مكتسبات مرشوعهم االقليمي‪ ،‬ولذلك فان كال البلدين ال جيد يف‬
‫عامل االستقرار االقليمي عامال حمفز ًا ملرشوعهم‪.‬‬
‫‪ -4‬عىل صعيد االزدهار االقتصادي االقليمي‪ :‬كال البلدين غري مهتم بذلك‪،‬‬
‫فارسائيل تعتمد اقتصاديا عىل صالهتا مع العامل خارج االطار االقليمي سيام (الواليات‬
‫املتحدة واالحتاد األورويب)‪ ،‬كذلك عىل املساعدات االقتصادية األمريكية االقتصادية‬
‫والعسكرية ناهيك عن التسهيالت‪ .‬أ ّما ايران فهي دولة نفطية‪ ،‬واقتصادها يعتمد بشكل‬
‫أسايس عىل تدفق النفط وال حاجة هلا موضوع تكامل او ازدهار اقليمي شامل‪.‬‬

‫دوائر اصطدام املشروع االيراني مع تركيا‬


‫يقوم املرشوع الرتكي عىل رؤية “العمق االسرتاتيجي” وسياسة “تصفري النزاعات”‬
‫التي صاغها أمحد داوود أوغلو وتم البدء بتطبيقها مع جميء حزب العدالة والتنمية العام‬
‫توجه تركيا إىل الرشق األوسط يعني خروجها من احليز‬ ‫‪ .2002‬ويعتقد كثريون ً‬
‫خطأ أن ّ‬

‫((( تريتا باريس‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫الغريب وختليها عن فكرة االنضامم إىل االحتاد األورويب‪ ،‬فيام يرى آخرون أنا هجرت‬
‫الغرب لتسعى إىل “عثامنية جديدة” وهو أمر غري دقيق‪.‬‬
‫وهتدف السياسة اخلارجية الرتكية إىل املسامهة يف حتقيق اإلسرتاتيجية الكربى للبالد‬
‫قوة عاملية مؤ ّثرة‪ ،‬واىل أن تكون بحلول الذكرى‬ ‫(‪ )Grand strategy‬بالتحول إىل ّ‬
‫املئة الستقالل اجلمهورية أي يف عام ‪ ،2023‬العب ًا رئيسي ًا ومؤثر ًا عىل الصعيد العاملي‪،‬‬
‫وضمن الئحة أقوى ‪ 10‬دول اقتصادي ًا يف العامل‪ .‬فاالقتصاد يلعب يف املرشوع الرتكي‬
‫دورا مزدوجا‪ ،‬فهو الغاية‪ ،‬ويف نفس الوقت هو الوسيلة التي من خالهلا تسعى أنقرة‬
‫إىل حتسني عالقاهتا مع اجلميع‪ .‬فالسياسة اخلارجية يف هذا اإلطار ال تقوم عىل املحاور‬
‫اإليديولوجية وإنام عىل املحاور االقتصادية التي تربط املراكز االقتصادية يف تركيا مع‬
‫الرشكاء اإلقليميني‪.‬‬
‫(((‬

‫فاملرشوع الرتكي يركّز عىل مبدأين أساسيني كرضورة للنهوض بأنقرة كقوة إقليمية‪.‬‬
‫األول يتمثل بتحقيق االستقرار اإلقليمي‪ ،‬والثاين يتم ّثل بتعميق العالقات والروابط‬
‫أن دوالً عربية كثرية تشرتك مع تركيا يف هذين اهلدفني‪ ،‬فيام ال‬
‫االقتصادية‪ .‬ومن املالحظ ّ‬
‫تبدي كل من إرسائيل وإيران درجة عالية من االهتامم بتحقيق مرشوع كهذا إالّ من زاوية‬
‫(((‬
‫ضيقة وموقتة قد تتبدل يف أي حلظة من اللحظات‪.‬‬
‫فإرسائيل مهتمة بالرتكيز عىل البعد األمني يف املنطقة‪ ،‬وعىل إعادة فرض دورها‬
‫كمنصة أمنية للواليات املتّحدة‪ ،‬واحليلولة دون حماولة أي العب إقليمي النهوض‬
‫ّ‬
‫من جديد من جهة‪ ،‬ودون حتقيق السالم الذي حيد من طموح تل أبيب ويكبلها من‬
‫جهة أخرى‪ .‬وال شك يف ّ‬
‫أن أدوات حتقيق الطموح اإلرسائييل تتمثل بالقوة العسكرية‬
‫وسياسة التحالفات واملصالح مع األمريكيني واألوروبيني‪ ،‬وهذا املنطق كان سبب ًا يف‬

‫((( للمعلومات والتفاصيل الواردة حتت هذه النقطة‪ ،‬راجع‪ :‬عيل حسني باكري‪ ،‬األبعاد اجليوسرتاتيجية‬
‫للسياستني االيرانية والرتكية حيال سوريا‪ ،‬فصل يف كتاب عن تركيا سيتم نرشه قريبا‪ ،‬املركز العريب لألبحاث‬
‫ودراسة السياسات‪ ،‬قطر‪.‬‬
‫((( راجع‪ :‬عيل حسني باكري‪ ،‬املترضرون من الدور الرتكي الصاعد‪ ،‬صحيفة النهار اللبنانية‪ ،‬عدد ‪،24072‬‬
‫تاريخ‪ ،2010-6-13 :‬متوافرة عىل الرابط التايل‪:‬‬
‫‪http://alibakeer.maktoobblog.com/1599579‬‬

‫‪72‬‬
‫(((‬
‫االصطدام الذي حصل بني كل من ارسائيل وتركيا‪.‬‬
‫أ ّما إيران‪ ،‬فهي حتاول استغالل التحوالت التي طرأت عىل املنطقة منذ عام ‪2001‬‬
‫والتي متثلت باحتالل أفغانستان والعراق‪ ،‬األمر الذي شكّل فرصة تارخيية بالنسبة إليها‬
‫وسمح هلا باخلروج من القمقم اجليوبوليتكي الذي كان يشكّل كامشة متنعها من التمدد‬
‫(((‬
‫وهي ترفض اي سالم كام سبق ورشحنا وتسعى اىل صفقات دولية بشل موازي‪.‬‬

‫أن هناك تعارض ًا كل ّي ًا بني املرشوعني االيراين والرتكي من عدّ ة‬


‫وعىل ذلك يالحظ ّ‬
‫(((‬
‫زوايا‪:‬‬
‫‪ -1‬سياسة تركيا اخلارجية تقوم عىل حتقيق “االستقرار واألمن للجميع” بينام‬
‫تقوم سياسة إيران عىل “التوتري املضبوط” يف بعض امللفات واملناطق يف الرشق األوسط‬
‫(لبنان‪ ،‬فلسطني‪ ،‬العراق‪ ،‬اليمن‪ ،‬اخلليج‪..‬الخ) لتجيري نتائج هذا التوتر كورقة يتم‬
‫التفاوض عليها مع القوى الكربى وخاصة أمريكا‪.‬‬
‫‪ -2‬ال تنظر إيران بارتياح إىل اتفاقات الرشاكة اإلسرتاتيجية التي وقعتها تركيا‬
‫مع العديد من الدول العربية ومن بينها منطقة اخلليج واألردن ولبنان‪ ،‬وكذلك األمر‬
‫بالنسبة إىل العالقات الرتكية السورية سابق ًا والتي كان من شأهنا أن خترج دمشق من‬
‫االحتكار اإليراين وتوفر بدي ً‬
‫ال هلا مما قد يعزل طهران يف النهاية وهو ما سيحقق نفس‬
‫املفعول يف النهاية إذا نجحت أي وساطة تركية بني إرسائيل وسوريا مستقبال‪ .‬ونفس‬
‫األمر ينطبق عىل موقف ايران من تركيا حاليا ازاء دعم األخرية للشعب السوري‬
‫أن صعود تركيا اإلقليمي (شئنا أم أبينا‪ ،‬معه أو ضده) يق ّلص عملي ًا من النفوذ‬
‫‪ّ -3‬‬

‫((( لزيد من التفاصيل راجع ورقتي‪ :‬حمددات فهم العالقة الرتكية‪-‬االرسائيلية‪ ،‬مركز اخلليج لألبحاث‪ ،‬ايار‬
‫‪.2010‬‬
‫((( للمزيد من التفاصيل حول التحول واملرشوع الرتكي يف املنطقة‪ ،‬انظر مقال عيل حسني باكري‪ ،‬نرشته‬
‫املديرية العامة للصحافة واملعلومات بمكتب رئيس الوزراء الرتكي بتاريخ ‪ ،2010/4/7‬حتت‪« :‬عنوان‬
‫االستثامر العريب يف املرشوع اإلقليمي الرتكي»‪ ،‬متوفر باللغتني الرتكية والعربية عىل هذا الرابط‪:‬‬
‫‪http://alibakeer.maktoobblog.com/1599534‬‬
‫((( راجع‪ :‬املترضرون من الدور الرتكي الصاعد‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫اإليراين‪ ،‬ويسحب البساط من حتت إيران يف القضايا التي تستعملها لصعودها اإلقليمي‪.‬‬
‫‪ -4‬ختوض طهران معركة التصعيد مع إرسائيل للحصول عىل مكاسب ذاتية‬
‫بأوراق عربية وعىل أراض عربية‪ ،‬بينام ختوض تركيا معركة حتجيم إرسائيل بأوراق تركية‬
‫وبمواجهة مبارشة دون التسبب بانقسامات عربية‪.‬‬
‫حاولت تركيا التخفيف من هذا التناقض مع أجندة إيران من خالل التوصل إىل‬
‫اتفاق موضوعي بني طهران والغرب (الوساطة يف امللف النووي‪ ،‬عدم التصويت لصالح‬
‫عقوبات عىل طهران يف جملس االمن)‪ ،‬لكن بوجود نظام إيراين متطرف فقد يكون من‬
‫الصعوبة بمكان حتقيق هذا اهلدف‪ ،‬وقد أثبتت األحداث التي جتري اآلن يف سوريا مدى‬
‫أن أي تشخيص علمي وموضوعي كان‬ ‫التناقض بني املرشوعني االيراين والرتكي‪ ،‬علام ّ‬
‫ليصل اىل هذه النتيجة قبل اآلن‪ ،‬وهو االمر الذي توصلنا إليه سابقا من خالل عدد من‬
‫الكتابات يف الوقت الذي كان اجلميع يتحدث فيه عن حلف “ممانعة” يضم تركيا إىل كل‬
‫من ايران وسوريا وحزب اهلل‪.‬‬

‫خالصة‪:‬‬
‫املرشوع االيراين يستهدف املنطقة العربية يف الصميم ومنها يستهدف كل دولة‬
‫يف تركيبتها الداخلية االجتامعية والسياسية واالقتصادية السيام يف اخلليج والشام‪ .‬هذا‬
‫املرشوع ال خيتلف عن املرشوع االرسائييل‪ ،‬ال بل إن خطره أكرب وأشمل ذلك ّ‬
‫أن هناك‬
‫يمت اىل ارسائيل بصلة‪ ،‬فيام ال‬
‫مناعة اوتوماتيكية لدى الشعوب العربية من كل ما ُّ‬
‫يستطيع اجلسد العريب تشخيص السم االيراين املتخ ّفي الذي يدخل اليه يف وقت تكون‬
‫فيه مناعته مسرتخية وغري مه ّيأة ملكافحته‪ ،‬وحتى ال نصل اىل وقت يكون قد فات فيه‬
‫األوان‪ ،‬نأمل أن تكون الورقة سامهت بتنبيه هذه املناعة اىل هذا اخلطر‪.‬‬
‫يبقى أن نقول وإن التقى املرشوع االيراين مع االرسائييل فهذا ال يعني أن الصخب‬
‫ان التهديد املتبادل سيزول‪ ،‬كام ّ‬
‫ان اختالف املرشوع االيراين مع نظريه‬ ‫االعالمي سينتهي أو ّ‬
‫الرتكي ال يعني أهنام سيخوضان حرب ًا ضد بعضهام البعض‪ ،‬وهنا تكمن خطورة املعطيني‪،‬‬
‫علينا ان نحذر من أن نكون جمرد ساحة‪ ،‬وأن نرتقي اىل مستوى الفاعل احلقيقي ال املفعول به‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫بعض املعطيات حول ايران‪:‬‬
‫ ‪‬الرئيس مهام اختلف اسمه أو حزبه أو تياره فهو الرجل الثاين يف النظام ومهمته‬
‫مهمة تنفيذية ويرشف عليه وعىل طريقة أدائه وتنفيذه للمشاريع القومية الرجل األول‬
‫ّ‬
‫والذي تدور حوله كا ّفة السلطات يف النظام اإليراين التنفيذية والترشيعية والقضائية‬
‫إضافة إىل العديد من املؤسسات الرديفة النظامية وغري النظامية املرشد األعىل للجمهورية‬
‫عيل اخلامنئي‪ ،‬لذلك ال جيب أن يكون هناك مراهنة كبرية عىل تغيري الرئيس‪.‬‬
‫ ‪‬املواضيع األساسية واجلوهرية يف السياسة اخلارجية اإليرانية ثابتة يف معظمها‪ ،‬وهي‬
‫عدائية هجومية تدخل ّية يف جزء كبري منها يف املحيط اإلقليمي‪ ،‬ولكنها أكثر انفتاح ًا وبراغامتية‬
‫وتفه ًام يف اإلطار املحيط بدائرة مرشوعها اإلقليمي ألسباب متعلقة بمحاولة إنشاء حماور‬
‫ّ‬
‫معاضدة هلا‪ .‬لك ّن ذلك ال يعني انّه ال يمكن ثني إيران عن سياستها العدائية وذلك إ ّما من‬
‫باب االرتقاء يف القوة أو من باب اتخّ اذ سياسات مشاهبة لتلك التي تنتهجها ولكن باجتاه‬
‫املرة‪ ،‬وقد أثبتت التجارب جتاوب إيران مع مثل هذه الضغوط(((‪.‬‬
‫طهران نفسها هذه ّ‬
‫ ‪‬السياسة اخلارج ّية اإليرانية براغامتية إىل حد االنتهازية‪ ،‬واستغاللية إىل حد‬
‫النفاق‪  ،‬وتو ّظف بشكل ممتاز األخطاء التي يرتكبها الفاعلون يف حميطها اإلقليمي أو‬
‫الدويل‪ ،‬وهي تعمل عىل توظيف كل العنارص املتاحة القومية والدينية والثقافية طاملا ّ‬
‫ان‬
‫من شان أي منها حتقيق املصلحة اإليرانية العليا‪.‬‬
‫ ‪‬السياسة اخلارجية اإليرانية غري تقليدية وتعتمد يف تطبيق عنارصها شكلني‬
‫أحدمها ظاهر علني شعبوي‪ ،‬واآلخر ديبلومايس غري ظاهر وغري معلن يعتمد األبواب‬
‫املفضل لدى اإليرانيني عادة حلفظ ماء الوجه واحلصول عىل أكرب‬
‫اخللف ّية وهو األسلوب ّ‬
‫قدر ممكن من املكاسب‪ .‬وتعترب جلسات املحادثات التي متت قبل غزو أفغانستان يف‬
‫العام ‪ ،2001‬وقبل غزو العراق يف العام ‪ 2003‬من أهم املحادثات الرسية التي حصلت‬

‫((( احلرب العراقية‪-‬اإليرانية عىل سبيل املثال دفعت السياسة اخلارجية إىل التحول نحو االهتامم بالوضع‬
‫رسي تقرتح بموجبه االعرتاف‬‫االقتصادي للبالد‪ .‬كذلك اإلطاحة بالعراق بداية دفع إيران إىل تقديم عرض ّ‬
‫بإرسائيل وتقديم تنازالت كبرية ألمريكا مقابل التعهد بعدم اإلطاحة بالنظام اإليراين واالعرتاف برشعية‬
‫النظام وأحق ّيته يف تسيد النظام اإلقليمي ودائرة نفوذه‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫(((‬
‫بني الطرفني‪.‬‬
‫ ‪‬املرشوع اإليراين مرشوع اسرتاتيجي طويل املدى حمدّ د‪ ،‬له إطار معينّ وله‬
‫أدوات تنفيذ وعنارص تقييم وأشكال تطبيق خمتلفة‪ ،‬وبالتايل فهو خيضع لنظام مدخالت‬
‫وخمرجات يتم إدارته وفق ًا ملستوى املصالح القومية العليا املرجو حتقيقها عربه‪.‬‬
‫ ‪‬السياسة اخلارجية اإليرانية تعمد يف كثري من األحيان إىل تنفيس االحتقان ضدّ ها‬
‫كلام اضطرت إىل ذلك‪ ،‬لكن هذا ال يعني انهّ ا تراجعت عن مرشوعها فهناك فرق كبري‬
‫جد ًا بني تغيري اهلدف و تغيري األسلوب‪ ،‬و ما تقوم به إيران دائ ًام هو تغيري األسلوب و‬
‫التكتيك و بقاء اهلدف واالسرتاتيجية‪.‬‬

‫توصيات في التعامل مع املشروع االيراني‬


‫ ‪‬احلفاظ عىل وحدة و متاسك النسيج الداخيل للدولة و الشعب يف الوطن العريب‬
‫و عدم السامح بتفتيت املجتمع أو اخرتاقه‪ ،‬و العمل عىل مجع مكوناته و تثبيتها عىل‬
‫قاعدة قابلية االندماج يف الدولة العربية و ليس عىل قاعدة التفريق و الوالءات املتعددة‪.‬‬
‫فاالستقرار الداخيل و االجتامعي ضمن اإلطار الطاغي هلوية املنطقة العربية اإلسالمية‬
‫ّ‬
‫التدخيل واملهيمن‪.‬‬ ‫رشط أسايس يف نجاح تطبيق سياسة مواجهة املرشوع اإليراين‬
‫ ‪‬الرتكيز عىل أدوات تنفي السياسة اخلارجية اإليرانية يف املنطقة ووسائل اخرتاقها‬
‫للمحيط اإلقليمي من الناحية البرشية واملادية واملذهبية واالجتامعية‪ ،‬وحتديد حلفائهايف‬
‫البلدان العربية وحتديد طرق وأساليب التعامل معهم‪ ،‬من خالل إثارة نقاشات فكرية‪،‬‬
‫علمية لنقل الصورة احلقيقية عن إيران وعن سلبية التبعية هلا وللمرشوع اإليراين‪.‬‬
‫ ‪‬استخدام الوسائل و األساليب و األدوات املناسبة يف تعريف املرشوع اإليراين‬

‫((( انظر اللقاء اإليراين ـ األمريكي‪ :‬الدوافع واألهداف‪ ،‬عيل حسني باكري‪ ،‬صحيفة املستقبل اللبنانيةـ العدد‬
‫‪ ،s1015‬تاريخ ‪ 11‬آب ‪ ،2007‬عىل الرابط التايل‬
‫‪http://www.almustaqbal.com/storiesprintpreview.aspx?storyid=246133‬‬
‫‪ -‬للمزيد حول ديبلوماسية االبواب اخللفية يرجى مراجعة‪ :‬النفاق اإليراين جتاه العرب واملسلمني‪..‬‬
‫اخلليج العريب مؤامرة صهيون ّية!!‪،‬عيل حسني باكري‪ ،‬مفكرة االسالم‪ 8 ،‬يناير ‪2005‬م‪ ،‬عىل الرابط التايل‪:‬‬
‫‪http://www.islammemo.cc/2005/01/08/4883.html‬‬

‫‪76‬‬
‫والسياسة اخلارجية املتّبعة لتنفيذه‪ ،‬سواء عىل املستوى العام الشعبي أو اخلاص الرسمي‬
‫فيام يتعلق باخلطر اإليراين‪ .‬فلكل فئة مستهدفة طريقة خاصة بالتفكري أو االستجابة‬
‫املوجه اليهم‪ .‬وال جيوز مقاربة املوضوع من الناحية الطائفية البحتة فقط‪ ،‬إذ‬
‫ّ‬ ‫للخطاب‬
‫جيب الرتكيز عىل مجيع األبعاد سواء القومية أو املصلحية أو الطائفية أو التارخيية ّ‬
‫كل‬
‫حسب موقعه وظرفه‪.‬‬
‫ ‪‬اعتامد مبدأ استغالل األخطاء وكشف الصفقات الرسية التي تقوم هبا إيران مع‬
‫من تدّ عي خصومتهم وتوظيف ذلك يف سبيل تعرية املرشوع اإليراين ومواجهته عند‬
‫احلاجة خاصة يف الوقت الذي تركّز فيه طهران عىل اخلطاب الديامغوجي الشعبوي‪.‬‬
‫ ‪‬اعتامد مبدأ املعاملة باملثل و عدم االكتفاء بموقف الدفاع‪ .‬إذ ّ‬
‫ان السكوت عن‬
‫الترصفات والسياسات اإليرانية يعطي انطباع ًا بالضعف املفرط‪ ،‬و لذلك ّ‬
‫فإن خطوات‬
‫مماثلة لتلك التي تتّخذها إيران جتاه العرب يساعد عىل إعطاء رسالة واضحة و رسيعة‪.‬‬
‫ ‪‬إثارة موضوع األقليات العربية يف إيران من الناحية القومية وموضوع السنّة‬
‫من الناحية الدينية والعمل عىل دعم طالبهم املرشوعة وحقوقهم خاصة إذا ما أرصت‬
‫إيران عىل اتباع سياسة توظيف املكونات العربية املختلفة عن األغلبية السائدة طائفيا‪،‬‬
‫حمصنة ّ‬
‫وان أالعيبها يف‬ ‫ملصلحتها كحصان طروادة‪ ،‬وذلك إلفهام إيران انهّ ا ليست ّ‬
‫اخرتاق شعوبنا و بلداننا ليست مسألة جمانية‪ .‬كام وجيب تبني إسرتاتيجية إعالمية تذكّر‬
‫بأن جزرنا يف اإلمارات مازالت حتت االحتالل اإليراين‪ ،‬ال نقول تصعيد الوضع ليصل‬ ‫ّ‬
‫إىل حرب بسبب اجلزر‪ ،‬و لكن نقول إبقاء هذه املسألة يف ذهن الناس من خالل الرتكيز‬
‫إعالمي ًا عليها كلام كان ذلك مناسبا‪.‬‬
‫ ‪‬رضورة مواجهة الدعاية التي تقوم إيران برتوجيها حالي ًا من ّ‬
‫أن كل من يريد‬
‫صدّ مرشوعها فهو مع املرشوع األمريكي أو الصهيوين!! فهذا فخ تريد إيران أن توقعنا‬
‫بان كل من يناهض مرشوعها يقف يف مركب واحد‪ .‬لك ّن احلقيقة‬ ‫فيه من خالل اإلحياء ّ‬
‫أن املرشوع اإليراين هو نفس املرشوع األمريكي و اإلرسائييل للمنطقة بل ّ‬
‫إن هذه‬ ‫هي ّ‬
‫احلصة فقط‪.‬‬
‫املشاريع متكاملة فيام بينها و أي خالف يظهر فيام بينها يكون عىل حجم ّ‬
‫ ‪‬احلرص عىل عدم مجع الشيعة يف س ّلة واحدة‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫ ‪‬الرتكيز عىل التناقضات اإليرانية يف املواقف من خمتلف امللفات اإلقليمية‬
‫وعرضها يف إطار مرشوعها‪.‬‬
‫ ‪‬تعريف و تبيان و كشف أدوات إيران و وسائل اخرتاقها للمنطقة من الناحية‬
‫البرشية و املادية و املذهبية و االجتامعية‪ ،‬و حتديد حلفائها يف البلدان العربية و حتديد‬
‫طرق و أساليب التعامل معهم‪ ،‬من خالل إثارة نقاشات فكرية‪ ،‬علمية لنقل الصورة‬
‫احلقيقية عن إيران و عن سلبية التبعية هلا‪.‬‬
‫ ‪‬استخدام الوسائل و األساليب و األدوات املناسبة يف خماطبة اجلمهور من‬
‫العامة و اخلاصة فيام يتعلق باخلطر اإليراين‪ .‬فلكل فئة مستهدفة طريقة خاصة بالتفكري أو‬
‫املوجه إليهم‪.‬‬
‫االستجابة للخطاب ّ‬
‫ ‪‬توظيف األوضاع و التطورات و التعامل معها بشكل «ذكي» لكشف املرشوع‬
‫اإليراين و حمارصته والضغط عليه‪.‬‬
‫ ‪‬اعتامد مبدأ املعاملة باملثل و عدم االكتفاء بموقف الدفاع‪.‬‬
‫ ‪‬إنشاء مركز أبحاث جامع هدفه دراسة ورصد السياسات السلبية اإليرانية جتاه‬
‫املنطقة وتقديم االقرتاحات بشأن سبل معاجلتها أو مواجهتها‪ ،‬و االهتامم برعاية باحثني‬
‫وإعالميني عرب و دفعهم إلتقان اللغة الفارسية و ذلك ملا يف هذه النقطة من أمهية جلهة‬
‫تناول ونقل وحتليل ونقد وكشف األخبار والوثائق اإليرانية التي تكون باللغة الفارسية‬
‫و التي يستعيص عىل عدد كبري من العرب فهمها أو ترمجتها‪.‬‬
‫ ‪‬إنشاء جلان شعبية مشرتكة من مجيع الدول العربية للعمل بشكل مجاعي عند‬
‫أي عمل إيراين يمسنا‪ ،‬وإرسال رسائل إىل السفارات اإليرانية واملفوضيات الثقافية‬
‫بشان رضورة عدم التدخل يف الشؤون الداخلية سواء الدينية أو السياسية وذلك لكي ال‬
‫يكون األمر وكأنه رد فعل طائفي أو مصلحي معينّ ‪ ،‬وإلظهار الثقل اجلامعي يف مواجهة‬
‫املبادرات الفردية التي ال تؤدي الغرض املطلوب منها‪.‬‬
‫ ‪‬إنشاء جلان مهمتها متابعة هذه السياسة بشكل دائم و تقديم تقارير بشأهنا‬
‫و العمل عىل تطويرها و تعديلها أو تغيريها متى ما اقتضت احلاجة إىل ذلك‪ ،‬أو إذا‬
‫حصلت تغيريات أو تطورات عىل صعيد السياسة اإليرانية و أدواهتا‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫جتليات املشروع اإليراني في لبنان جثث الدول ال تبني جبال اجملد‬

‫علي األمني‬
‫رئيس القسم السياسي في جريدة البلد اللبنانية‬
‫رئيس حترير مجلة شؤون جنوبية الشهرية‬

‫شكل االجتياح اإلرسائييل للبنان يف العام ‪ 1982‬بداية التحول النوعي يف العالقة‬


‫اإليرانية مع الطائفة الشيعية يف لبنان‪ .‬ففي كل املراحل التي سبقت هذا التاريخ مل تكن‬
‫اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية قد خطت خطوات يظهر من خالهلا أهنا قررت االنخراط‬
‫املبارش عىل الساحة اللبنانية سياسي ًا وعسكري ًا‪ ،‬دون أن نقلل من أمهية أن الثورة‬
‫اإلسالمية كانت تلقى صدى يف هذا البلد بني مؤيد ومعارض بني القوى السياسية‪ .‬ومل‬
‫يكن االصطفاف املذهبي عنوان ًا للتأييد أو النبذ‪ ،‬ال سيام أن منظمة التحرير الفلسطينية‪،‬‬
‫وحركة فتح حتديد ًا‪ ،‬وبحكم نفوذمها يف لبنان يف تلك املرحلة كانا من أشد املؤيدين هلذه‬
‫الثورة‪ ،‬تأييد ما لبث أن بدأ بالرتاجع مع نشوب احلرب العراقية اإليرانية أواخر العام‬
‫‪.1980‬‬
‫دخول احلرس الثوري اإليراين إىل لبنان عرب سورية كان الرد املبارش عىل اجتياح‬
‫إرسائيل لبنان‪ ،‬وعىل خروج املقاومة الفلسطينية من بريوت‪ .‬أكثر من أربعة آالف عنرص‬
‫استقروا يف حمافظة البقاع التي كانت ختضع بمعظمها للنفوذ السوري‪ ،‬حيث بدأ احلرس‬
‫الثوري بتأسيس البنية العسكرية واألمنية والدينية والثقافية حلزب اهلل‪ ،‬والذي استمر‬
‫حتى العام ‪ 1985‬تاريخ إعالن تأسيسه‪.‬‬
‫وكان عبارة عن جمموعات أمنية وعسكرية مرتبطة مبارشة باحلرس الثوري وينتمي‬
‫أعضاؤها إىل املذهب الشيعي من املؤمنني بوالية الفقيه حرص ًا‪ ،‬وتعمل حتت إمرته‬
‫وإدارته لتنفيذ عمليات عسكرية وأمنية يف أكثر من اجتاه منها بدء املسامهة يف عمليات‬
‫املقاومة ضد االحتالل اإلرسائييل‪ .‬عمليات ضمت يف ذلك احلني أطياف ًا واسعة من‬
‫خمتلف التيارات اللبنانية والفلسطينية‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫لكن ترافق متدد النفوذ اإليراين يف تلك املرحلة بلبنان مع سلسلة عمليات انتحارية‪،‬‬
‫أمهها يف العام ‪ 1983‬وهي استهدفت قوات املارينز التي كانت متمركزة يف بريوت وقوة‬
‫املظليني الفرنسيني والسفارة األمريكية يف بريوت‪.‬أ ّدت هذه العمليات إىل مقتل املئات‬
‫من العسكريني واملدنيني والدبلوماسيني‪.‬‬
‫وبعد ذلك انطلق ما عرف بـ»خطف الرهائن الغربيني يف بريوت»‪ ،‬وهي عرشات‬
‫العمليات التي نفذت يف معظمها عىل إيقاع العالقة بني إيران والغرب ويف خضم احلرب‬
‫العراقية اإليرانية وجرى رصف إطالقهم يف ملف العالقة اإليرانية مع أوروبا والواليات‬
‫املتحدة األمريكية‪.‬‬
‫ظلت السياسة اإليرانية جتاه لبنان متر من خالل دمشق حتى بعد خروج اجليش‬
‫السوري من لبنان يف العام ‪ .2005‬وان شهدت هذه العالقة حتت مظلة التحالف الثابت‬
‫تراجع ًا وتقدم ًا يف نفوذ وقوة كل منهام يف التحكم واإلدارة‪ .‬فيام شكل رحيل الرئيس‬
‫السوري السابق حافظ األسد بدء مرحلة جديدة عنواهنا بدء تعاظم النفوذ اإليراين يف‬
‫لبنان وسورية أيضا‪ .‬ترافق ذلك مع إنجاز حترير ما تبقى من األرايض اللبنانية يف العام‬
‫‪ 2000‬والتي كان حلزب اهلل الدور األساس فيه‪ .‬وهو دور توفر له من إرصاره عىل حترير‬
‫األرض من جهة ومن دعم سيايس رسمي وشعبي لبناين‪ ،‬ومن رعاية سورية ‪ -‬إيرانية‬
‫له فرضت من خالهلا‬
‫عىل اللبنانيني حرصية املقاومة فيه‪ ،‬بعدما منعت‪ ،‬باحلرب وبالرتهيب‪ ،‬وجففت‬
‫مصادر دعم‪ ،‬تيارات مقاومة تنتمي إىل فضاءات إسالمية وقومية ووطنية منذ العام‬
‫‪.1990‬‬

‫النفوذ اإليراني حاليا في لبنان‬


‫يستند النفوذ اإليراين اليوم يف لبنان إىل مجلة ركائز أساسية توفر له الغطاء واحلضور‬
‫والفاعلية يف التحكم أو التأثري يف العديد من القرارات احلكومية االسرتاتيجية األمنية‬
‫والعسكرية أبرزها‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ -1‬حزب اهلل واملقاومة‪:‬‬
‫تأسس حزب اهلل وفق أسس نظرية والية الفقيه‪ .‬تلك النظرية التي تلزم املؤمنني هبا‬
‫بالوالء السيايس والفقهي إىل مرجعية ويل الفقيه يف إيران‪.‬‬
‫وهو ُيعترب (ويل الفقيه) وفق هذه النظرية َأ ْوىل باملؤمنني من أنفسهم‪ .‬وهو بمثابة‬
‫النبي أو اإلمام املعصوم للمسلمني الشيعة املؤمنني هبذه النظرية اليوم‪ .‬هذا إىل جانب‬
‫الدعم املايل اإليراين االستثنائي والوحيد‪ ،‬بحسب ما أكد األمني العام حلزب اهلل السيد‬
‫حسن نرص اهلل‪ ،‬حني قال‪« :‬كل ما لدينا من إيران»‪ .‬واىل جانب حتقيق اإلنجازات‬
‫العسكرية واألمنية ضد االحتالل‬
‫اإلرسائييل أمكن إليران من خالل هذا احلزب وما يمتلكه من مقدرات عسكرية‬
‫وأمنية ومالية مستقلة أن متتد من خالله إىل العديد من مفاصل الدولة وعىل امتداد لبنان‬
‫وصوال إىل احلدود مع فلسطني املحتلة‪ .‬وذلك باستقالل تام عن الدولة اللبنانية مع‬
‫التمتع بحرية التحرك واملبادرة يف قضايا سيادية‪.‬‬

‫‪ -2‬النظام الطائفي في لبنان‪:‬‬


‫عمدت إيران من خالل حزب اهلل إىل تغيري نوعي يف البنية الدينية والثقافية يف البيئة‬
‫الشيعية طيلة العقود الثالثة املاضية‪ .‬فهي عىل سبيل املثال ال احلرص نجحت يف هتميش‬
‫عالقة فئات واسعة من املواطنني الشيعة مع الدولة مستفيدة من االنقسام الطائفي من جهة‬
‫ومن فشل احلكومات املتوالية املشكلة بإرادة سورية يف ترميم الرشوخ الوطنية‪ .‬ونجحت‬
‫إيران يف استاملة والء مئات رجال الدين اللبنانيني من خرجييها يف مدينة قم اإليرانية‪ ،‬من‬
‫خالل تنظيمهم يف هيئات دينية تتبع لإلرشاف والتمويل اإليراين‪ .‬سواء من خالل حزب‬
‫اهلل أو عرب مجعيات دينية متصلة بإيران مبارشة‪ .‬ونجحت إىل حد كبري يف وضع اليد عىل جزء‬
‫كبري من املؤسسات الدينية من مساجد وغريها‪ ،‬من التي كانت تابعة لألوقاف اإلسالمية‬
‫الشيعية‪ .‬وساهم يف نجاح هذه اخلطوة إىل حدّ كبري هتميش املؤسسة الشيعية األم عىل هذا‬
‫الصعيد‪ ،‬أي املجلس اإلسالمي الشيعي األعىل‪ .‬ولعل عدم إجراء انتخابات هليئاته املنتخبة‬
‫منذ العام‪ 1975‬يعطي إشارة إىل التهميش وفقدان الفعالية هلذه املؤسسة‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫‪ -3‬البوابة املسيحية‪:‬‬
‫استثمرت إيران قوة حزب اهلل األمنية والعسكرية وعنوان املقاومة يف اللعبة‬
‫السياسية الداخلية‪ ،‬واستقطبت جمموعات لبنانية خائفة أو متحفزة لتتقوى هبا داخليا‪.‬‬
‫فهي عمدت‪ ،‬خصوص ًا بعد ومع اخلروج السوري من لبنان‪ ،‬إىل تبني معظم حلفاء‬
‫سورية يف لبنان من خالل توفري الدعم املادي من جهة وتوفري الغطاء السيايس هلم يف‬
‫لعبة التحالفات الطائفية‪ ،‬ونجحت يف استقطاب جزء كبري من املسيحيني‪ ،‬أبرزهم التيار‬
‫الوطني احلر بزعامة العامد ميشال عون‪ .‬فقد سامهت عالقته مع إيران يف توفري غطاء‬
‫سيايس ال يستهان به لسياساهتا االسرتاتيجية يف لبنان‪ ،‬السيام محاية خصوصية حزب اهلل‬
‫األمنية والعسكرية املنفصلة عن الدولة‪.‬‬

‫‪ -4‬اخمليمات الفلسطينية‪:‬‬
‫مل تنجح السياسة اإليرانية متام ًا يف اإلمساك باملخيامت الفلسطينية‪ ،‬بسبب حماذير‬
‫سورية كانت متنع اليد اإليرانية من أن تستحوذ عىل هذه املخيامت من جهة‪ ،‬وبسبب عدم‬
‫ختيل منظمة التحرير الفلسطينية عن مسؤولياهتا السياسية والعسكرية من جهة ثانية‪ .‬كام‬
‫ساهم بروز تنظيامت إسالمية جهادية معادية إليران يف املخيامت‪ ،‬كعصبة األنصار يف‬
‫جلم التمدد اإليراين‪ .‬فيام شكل التحالف مع حركة محاس واجلهاد اإلسالمي تعويض ًا‬
‫للسياسة اإليرانية‪ .‬وهي تتغري اليوم مع األزمة السورية‪ ،‬لكن ذلك مل يمنع من أن‬
‫تعمد إىل استقطاب بعض املجموعات الفلسطينية الناشئة وبعض الشخصيات الدينية‬
‫واالجتامعية وحتى األمنية‪.‬‬

‫‪ -5‬انكفاء مشروع الدولة‪:‬‬


‫مل يعد خافي ًا يف لبنان‪ ،‬وألسباب خيتلف عليها اللبنانيون‪ ،‬أن النفوذ اإليراين يف‬
‫بريوت‪ ،‬السيام يف امتداده العسكرية واألمنية عرب حزب اهلل‪ ،‬يتنامى بشكل م ّطرد مع‬
‫تراجع سلطة الدولة‪ .‬ولئن كانت احلكومة احلالية يف لبنان قد تشكلت بقوة السالح‬
‫وسطوة احلزب‪ ،‬فذلك ال يعني أن احلزب بات أقرب إىل االنخراط يف عملية تأسيس‬
‫‪82‬‬
‫السرتاتيجية دفاعية تتيح للدولة اللبنانية استيعاب قدراته العسكرية تناغام مع رشعية‬
‫احتكار القوة من قبل الدولة‪.‬‬
‫ال يمكن التسليم بمقولة أن خصوم حزب اهلل يف لبنان هم من يمتلكون مرشوعية‬
‫الدولة‪ .‬لكن من املؤكد أن احلزب‪ ،‬ومع مرور الوقت ووسط املشهد السوري اليوم‪،‬‬
‫يربز بوضوح كقوة إيرانية عىل شاطئ املتوسط وعىل حدود فلسطني املحتلة‪ .‬وقد أكد‬
‫أكثر من مسؤول يف قيادة احلرس الثوري اإليراين املعنى يف األشهر األخرية‪ .‬ال بل إن‬
‫األمني العام حلزب اهلل مل يتخذ موقف ًا حاس ًام بشأن التدخل يف سورية‪ ،‬ومل يعر انتباه ًا إىل‬
‫أن هذا أمر حسمته احلكومة اللبنانية عرب سياسة النأي بالنفس‪ .‬وبالتايل أظهر انتسابه إىل‬
‫ما تقرره إيران عندما أعاد التذكري بأن ما جيري يف سورية هو استهداف ملرشوع املقاومة‬
‫الذي يشكل والنظام السوري والقيادة اإليرانية قاعدته‪ .‬وكل ذلك يؤكد أن حزب اهلل‬
‫يبني اسرتاتيجيته مستفيد ًا من هتميش الدولة اللبنانية ويف معزل عن مكوناهتا ومستثمر ًا‬
‫ضعفها ومرسخ ًا له‪.‬‬
‫هذه العنارص التي شكلت وال تزال أبرز مصادر وقواعد النفوذ اإليراين يف لبنان‪،‬‬
‫هي املثال والنموذج الذي تباهي به إيران ويدرجه املسؤولون يف احلكومة اإليرانية عىل‬
‫انه املثال الناجح والذي جيب أن حيتذى يف تطبيق سياساهتا اخلارجية‪ .‬وإال فام معنى أن‬
‫تقدم إيران حلزب اهلل ما يقارب ‪ 30‬مليار دوالر منذ تأسيسه فعلي ًا قبل ثالثة عقود‪.‬‬
‫هذا الرقم غري معلن ولكن تتداوله أوساط دبلوماسية إيرانية وقيادات يف حزب‬
‫اهلل‪ .‬وجيدر التذكري أن املادة (‪ )152‬من الدستور يف إيران تنص عىل واجب اجلمهورية‬
‫تنص عىل «دعم النضال‬
‫اإلسالمية «الدفاع عن حقوق مجيع املسلمني»‪ .‬واملادة (‪ّ )154‬‬
‫املرشوع للمستضعفني ضد املستكربين يف أية نقطة يف العامل»‪ .‬واملادة الثالثة من الفقرة‬
‫اخلامسة بالدستور تنص عىل‪ :‬طرد االستعامر ومكافحة الوجود األجنبي‪ .‬هذه املواد‬
‫توضح اهلوية اإلسالمية إليران‪ ،‬واملرشوعية التي تتيح هلا بحسب دستورها التدخل يف‬
‫شؤون الدول اإلسالمية وغريها‪.‬‬

‫‪83‬‬
‫سقوط املشروع اإليراني في سوريا‪:‬‬
‫يف املآل األخري هيوي املرشوع اإلسالمي اإليراين إىل حضيض املذهبية هذه األيام‬
‫أكثر من قبل‪ .‬هو الذي بدأ مذهبي ًا بثورة «الويل الفقيه» التي ال يوافق أكثرية شيعة كوكب‬
‫األرض عليها‪ .‬النظام الذي طاملا حرص عىل إظهار صورته عىل أنهّ ا صورة املرشوع‬
‫اإلسالمي املتصدي للكيان الصهيوين والداعم حلركات املقاومة وإن برشط التبعية‪.‬‬
‫وهو نظام يستثمر هذا املسار بمزيد من ترسيخ نفوذه يف لبنان وعىل ساحة املقاومة‬
‫الفلسطينية‪.‬‬
‫هيوي هذا املرشوع نحو مأزق أخالقي ليس من سبيل لتربيره‪ .‬فمع انتفاضة‬
‫الشعب السوري منذ نحو عرشين شهر ًا انخرطت إيران يف دعم النظام السوري بشكل‬
‫سافر متجاوزة كل املعايري الدينية واإلنسانية التي تظهر بوضوح حج ًام استثنائي ًا ملستوى‬
‫اإلجرام الذي مارسه النظام السوري ضد شعبه‪.‬‬
‫نالحظ أيضا أن «حزب اهلل»‪ ،‬يف هذا السياق‪ ،‬هو آخر املعرتفني باالنخراط العسكري‬
‫يف سورية‪ ،‬بعد اإلعالن الرويس عن دعم النظام السوري‪ ،‬وبعد إعالن أكثر من مسؤول‬
‫عسكري إيراين عن وجود عسكري إيراين يف املدن السورية‪ .‬ما يسمح باالستنتاج أن‬
‫اعرتاف احلزب أخري ًا بقتل عنارصه يف سورية يستدرج منطق ًا جديد ًا أقرب إىل إعالن‬
‫يت ّ‬
‫ملخصه اآليت‪:‬‬ ‫يت –ممانعا ّ‬
‫شيعي – مقاوما ّ‬
‫ّ‬ ‫سورية أرض جهاد‬
‫«محاية املقاومة تبدأ بحامية خطوط إمدادها‪ ،‬ومحاية خطوط اإلمداد تبدأ بحامية‬
‫النظام السوري‪ ،‬ومحاية الطائفة الشيعية تبدأ بحامية النظام العلوي‪ ،‬وصوال إىل القول‬
‫علن ًا‪ :‬نحن نقاتل السلفيني أعداء املقاومة يف سورية‪ ،‬وشهداؤنا يف محاية ظهر املقاومة ال‬
‫يق ّلون شهادة عن شهداء الدفاع عن األرض يف اجلنوب أمام األطامع اإلرسائيلية»‪.‬‬
‫باختصار خلصت التجربة اإليرانية يف لبنان اليوم إىل مزيد من اهتزاز أيديولوجي‪،‬‬
‫ينكفئ مع خسائره املتوالية يف الرأي العام العريب واإلسالمي‪ ،‬فيتجه‪ ،‬راضي ًا أو مضطر ًا‪،‬‬
‫نحو مزيد من استنفار العصب الشيعي‪ .‬األمر الذي يتسلل بشكل متنام وخطري إىل‬
‫قواعد نفوذه إيران يف لبنان والعراق‪ .‬كان اإلحياء اإليراين أن ما جيري يف سورية هدفه‬
‫كرس شوكة الشيعة‪ .‬وذلك من خالل املاكينة الدينية والثقافية التي تديرها مؤسسات‬
‫‪84‬‬
‫إيرانية دينية وسياسية وتسيطر عىل معظم املنابر الشيعية‪.‬‬
‫إنهّ ا خيبة انكفاء املرشوع اإليراين يف ساحة إسالمية شيعية مستلبة ومربكة من هدف‬
‫توحيد األمة وهنضتها إىل الوقوف خلف مقولة اخلطر السني القادم عىل الشيعة وسواهم‬
‫من األقليات يف املنطقة العربية‪ .‬ومن الدعوة إىل إرشاك كل عنارص القوة باألمة العربية‬
‫واإلسالمية يف حترير القدس‪ ،‬إىل التشكيك بمصداقية وصدق كل عريب ومسلم ال يسلم‬
‫بكامل تفاصيل املرشوع اإليراين وقيادته لعملية املواجهة مع العدو‪.‬‬
‫محى العصبية املذهبية تستكمل مهمتها مع الثورة السورية‪ ،‬وتبدأ بنرش ثقافتها‬
‫و ّ‬
‫وقيمها يف دوائرها لتزيد من انغالقها‪ ،‬وتعمد إىل نبذ عميل لكل سلوك وحدوي‪.‬‬
‫هذا يف الواقع ومن خالل رصد الكثري من النقاشات يف دوائر شيعية موالية‬
‫للمرشوع اإليراين يف امتداداته العراقية واللبنانية ويف حماولة بائسة لتربير تأييد نظام‬
‫املريض‬
‫الرئيس بشار األسد يف معركته ضد الثورة الشعبية يف سورية‪ .‬هو الشعور َ‬
‫بالتفوق‪ ،‬أو االستعالء الذي يصل حد االعتقاد الواهم بأن املواطن الشيعي املوايل أو‬
‫املؤيد هلذا املرشوع(والعلويني أخري ًا) هو األكثر صدق ًا وإخالص ًا يف الدفاع عن قضية‬
‫فلسطني وأكثر إدراك ًا ملصلحة الفلسطينيني حتى من الفلسطينيني أنفسهم‪ ،‬وهو بالتايل‬
‫من حيق له وحده حتديد املخلص واملتآمر‪ .‬وهو سلوك ومنهج وطريقة وحيدة لتربير‬
‫اجلرائم التي ترتكب ضد الشعب السوري لدى فئات جمتمعية‪.‬‬
‫وأولئك املواظبون ليل هنار عىل تصعيد احلالة املذهبية والغرق يف ثقافتها واستحضار‬
‫أدبيات اخلوف من املذاهب األخرى‪ ،‬باتوا يف صلب املرشوع اإليراين يعمدون إىل توثيق‬
‫خبيث لعقيدة ظهور اإلمام املهدي‪ ،‬وهي مقدسة لدى املسلمني الشيعة‪ .‬هؤالء ينشغلون‬
‫يف تفسريات وإسقاطات لتربير مواقف سياسية آنية وظرفية‪ ،‬وإلسقاط املسؤولية الدينية‬
‫واإلنسانية عن هذا الدم النازف من الشعب السوري‪ ،‬إىل حد تربيره‪ .‬لعلهم يلتفتون إىل‬
‫أن منسوب العداء جتاه فئات واسعة من األمة العربية واإلسالمية واجتاه رشكاء يف احل ّيز‬
‫الوطني‪ ،‬بات عملي ًا يتجاوز العداء إلرسائيل‪ .‬وباتت إرسائيل فعلي ًا يف الوعي املذهبي‬
‫للشيعة التابعني إليران‪ ،‬أقل خطورة من اآلخر املسلم أو اخلصم السيايس الوطني‪.‬‬
‫وجواب الكساىل والغارقني يف عصبيتهم جاهز «أهنم يكرهوننا»‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫خطاب األفول في زمن الذبول‪:‬‬
‫يف اخلطاب املتداول اليوم لدى أنصار املرشوع اإليراين يف لبنان والعراق‪ ..‬بات‬
‫مربر ًا‪ ،‬يف زمن ّ‬
‫احلمى املذهبية‪ ،‬أن تقوم يف سورية دولة علوية‪ ،‬والذريعة قائمة‪ :‬يريدون‬
‫أن يقتلوننا‪ .‬وتتهاوى كل أدبيات الوحدة وشعارات األمة والعروبة وتتالشى كل‬
‫خطابات التحذير من االستعامر الذي يريد أن يقسم بالدنا إىل دويالت مذهبية‪.‬‬
‫وليس بعيد ًا تريد إيران أن حتدد للشعب السوري أولوياته‪ .‬تريد له أن يسلم‬
‫بالنظام االستبدادي فقط ألن هناك شبهة تقول إن هذا النظام معاد ملخططات هذا‬
‫الغرب وإلرسائيل‪ .‬ولو افرتضنا ثبوت هذه الشبهة‪ ،‬فمن قال إن الشعب السوري يقبل‬
‫بمصادرة حقوقه السياسية وحقوق املواطنة يف سبيل هذا العداء؟ ومن قال أن فلسطني‬
‫ثمنها االستبداد‪ ،‬والتحرير ثمنه مصادرة الدولة واملجتمع؟‬
‫بل من قال أن أولوية حترير فلسطني تتقدم عىل حرية الشعوب‪ ...‬وأكثر من ذلك‬
‫من قال أن فلسطني يمكن أن تناهلا شعوب مكسورة ومق َيدة ومصادرة ومسلوبة اإلرادة‪.‬‬
‫محى املذهبية التي ال يمكن احلد من خماطر النافخني هبا يف منطقتنا إال باالنحياز‬
‫إهنا َ‬
‫إىل القيم اإلنسانية والدينية وقيم املواطنة واالنحياز إىل احلق واملظلوم كام قال إمام البالغة‬
‫عيل‪ ،‬يف وصيته لولديه احلسن واحلسني‪« :‬كونا للظامل خص ًام وللمظلوم عون ًا»‪.‬‬
‫واملتقني‪ ،‬اإلمام ٌّ‬
‫فليس من مسوغ أخالقي أو ديني أو قومي أو وطني يمكن أن يربر مقتل عرشات‬
‫اآلالف من املواطنني السوريني‪ .‬فاملشهد السوري‪ ،‬مهام جرت حماوالت زجه يف‬
‫رصاعات إقليمية‪ ،‬ال خيفي الصورة احلقيقية التي مفادها أن ثمة شعب ًا يريد التخلص‬
‫من نظام مستبد ويناضل من أجل نظام ديمقراطي تعددي‪ .‬هذه احلقيقة مل تتغري رغم‬
‫حماوالت وضع املشهد يف أبعاد إقليمية ودولية وقومية أو طائفية لتربير هذا احلجم اهلائل‬
‫من القتل والتدمري «األسدي»‪ .‬فإرادة التغيري واخلالص الثابتة واملتصاعدة لدى الشعب‬
‫رسخت الصورة‪ :‬نظام األسد طائفي وال قضية له إال السلطة‪.‬‬
‫السوري ّ‬
‫قوضت صورة أخرى كانت قائمة أيض ًا‪ّ ،‬‬
‫قوضت املسألة اإلسالمية‬ ‫هذه الصورة ّ‬
‫فأي إسالم يمكن أن تتحدث عنه إيران وحزب اهلل يف سورية؟ ّ‬
‫ألن‬ ‫يف املرشوع اإليراين‪ّ .‬‬
‫الصحوة اإلسالمية التي طاملا برشت هبا القيادة اإليرانية مع بدء الربيع العريب‪ ،‬انكفأت‬
‫‪86‬‬
‫عن خطاهبا‪ .‬فاحلركات اإلسالمية يف دول الربيع العريب ويف العامل اإلسالمي عموم ًا‬
‫أعلنت انحيازها إىل الثورة السورية‪،‬‬
‫واإلسالميون الفلسطينيون حددوا موقفهم وتربؤوا من العالقة مع النظام السوري‪.‬‬
‫ليس هذا فحسب بل بارشوا عملية اخلروج من الصورة اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬وصارت‬
‫هلم رؤى أخرى ويتجهون يف مسار الربيع العريب‪ .‬والشعوب العربية واإلسالمية‬
‫عموم ًاتعرب عن انحيازها إىل الشعب وثورته‪.‬‬

‫تداعي املنطق اإلسالمي‪:‬‬


‫املسألة اإلسالمية تتداعى والرصاع عىل الصورة سقط ليربز نظام مصالح وموازين‬
‫قوى صارخة‪ .‬فنهر الدم افقدها املرشوعية األخالقية والدينية‪.‬‬
‫(نذكر هنا أن املراجع الشيعية يف العراق تنأى بنفسها عن إضفاء رشعية عىل ممارسات‬
‫النظام السوري)‪ .‬ما جيري يف سوريا ليس تكرار ًا لصورة احلرب التي شنها العراق عىل‬
‫إيران يف العام ‪ .1980‬ففي تلك احلرب‪ ،‬ورغم رشاسة اهلجمة الدولية والعربية عىل‬
‫إيران‪ ،‬بقيت اجلمهورية اإلسالمية بقيادة اإلمام اخلميني طيلة احلرب تلقى تضامن ًا‬
‫وتقب ً‬
‫ال ملوقفها من احلرب من أوساط إسالمية سنية واسعة‪ ،‬ومل يفتقد املوقف اإليراين‬
‫املرشوعية األخالقية وال الدينية فضال عن املرشوعية القومية‪ .‬ومل حيدث خوضه احلرب‬
‫فرز ًا مذهبي ًا سني ًا وشيعي ًا‪ .‬بل كان ثمة مرشوع إسالمي صاعد له مؤيدون ومعارضون‬
‫من السنة والشيعة وغريهم‪.‬‬
‫اليوم مل تسهم صفة املامنعة وال العداء إلرسائيل يف املحافظة عىل اجلمهور العريب‬
‫واإلسالمي ضمن دائرة املتضامنني واملنخرطني يف املرشوع اإليراين يف املنطقة‪ .‬هذه‬
‫الدائرة تتغري يف النوع وتضيق يف احلجم‪ .‬فالرأي العام اإلسالمي حسم موقفه وانحاز إىل‬
‫صورة الثورة السورية‪ .‬والرأي العام اإلسالمي يبحث عن جديده خارج إيران‪ ،‬والرأي‬
‫العام الشيعي الذي يستند إليه‬
‫املوقف اإليراين يف سورية بدأ يتلمس أسئلة ال أجوبة عليها‪ ،‬أسئلة القلق من الفتنة‬
‫املذهبية املرتبصة خلف الصورة املتداعية‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫كلام مر الوقت اتضحت أكثر العالقة العضوية بني النظام السوري وإيران‪ ،‬واتضح‬
‫أكثر أن إيران منخرطة يف املواجهة السورية‪ ،‬وتنذر التطورات امليدانية وسقوط مقاتلني‬
‫حلزب اهلل يف مناطق حدودية داخل سورية بمزيد من االنخراط‪.‬‬
‫مل يعد الرشخ املذهبي كابح ًا‪ ،‬وال القتل املتامدي من قبل النظام السوري سبب ًا‬
‫يمكن أن يعيد ترتيب أولويات السياسة اإليرانية‪ ،‬ال يف سورية وال عىل مستوى املوقف‬
‫اإلسالمي العام‪.‬‬

‫لنعد إلى لبنان‪:‬‬


‫دعم «النظام السوري» واالنخراط يف املواجهة الدموية ينذر بمزيد من غرق حزب‬
‫اهلل يف الرمال السورية‪ ،‬ومن هتاوي املرشوعية اإلسالمية ملوقف دولة كانت تطمح أن‬
‫تكون حمور ًا جامع ًا وقائد ًا لنهضة إسالمية‪ .‬يف سورية تتفوق املصالح اإلقليمية اإليرانية‬
‫عىل ما عداها‪ .‬مصالح تؤكد التغيري يف وظيفة حزب اهلل املعلنة‪ .‬وكلام تطورت املواجهات‬
‫نحو إسقاط النظام ستتضح أكثر الوظيفة اإليرانية الصافية لوجود حزب اهلل‪.‬‬
‫وتداعيات االنخراط اإليراين يف املواجهة بني النظام واملعارضة أسقطت الرصاع‬
‫عىل الصورة‪ .‬هتاوت صورة الوحدة اإلسالمية ونرصة املستضعفني واالنحياز إىل‬
‫السوري‪ ،‬ولكنها ستخرس سورية وثورهتا‬ ‫َّ‬ ‫خيارات الشعوب‪ .‬قد تربح إيران النظا َم‬
‫واالهم خسارة الصورة تلك التي أطلقها اإلمام اخلميني مبرش ًا بصحوة إسالمية ذات‬
‫يوم يف العام ‪ 1979‬حمورها إيران‪ .‬وهاهي اليوم توأد يف سورية ٍ‬
‫بأيد إيرانية‪.‬‬ ‫ُ‬
‫درة التاج اإليراين‪ ،‬أو العاممة اإليرانية يف لبنان‬
‫نذكّر هنا أيضا أن «حزب اهلل»‪ ،‬أو ّ‬
‫والعامل العريب‪ ،‬يف هذا السياق‪ ،‬هو آخر املعرتفني باالنخراط العسكري يف سورية‪ ،‬بعد‬
‫اإلعالن الرويس عن دعم النظام السوري‪ ،‬وبعد إعالن أكثر من مسؤول عسكري إيراين‬
‫عن وجود عسكري إيراين يف املدن السورية‪.‬‬
‫وإىل العراق نرى أن الالعب اإليراين ما زال األكثر فعالية وقدرة عىل رسم‬
‫اخلطوط والتحالفات العراقية وما زال املتقن إلدارة الرصاعات واختالقها والقادر عىل‬
‫التحكم بنتائج االنتخابات ومرشحي رئاسة الوزراء‪ ،‬وقد اثبت انه قادر عىل االستمرار‬

‫‪88‬‬
‫يف التحكم بلعبة توجيه وتعبئة الساحة الشعبية من دون أن يبذل كثري ًا من اجلهد‪...‬‬
‫والرباغامتية اإليرانية يف العراق تتلخص يف االستمرار حتى النهاية يف دعم حلفائها‬
‫واستنفاد مجيع الوسائل يف تعزيز أوضاعهم االنتخابية والسياسية لتفادي الدخول يف‬
‫جتاذبات ورصاعات غري حمسومة النتائج مع األطراف الدولية‪ .‬أطراف قادرة عىل إثارة‬
‫اهللع لدى أي فريق سيايس شيعي من جمرد التفكري ببناء حتالف مع أي طرف عراقي‬
‫خارج الدائرة اإليرانية املرسومة‪.‬‬
‫ويف مداخلة تنم عن اعرتاف جريء قدّ م النائب يف كتلة الوفاء للمقاومة وعضو‬
‫قيادة حزب اهلل الدكتور عيل فياض رأيه يف اإلشكاليات القائمة عىل الساحتني اللبنانية‬
‫والعراقية يف لقاء مجع مستشار رئيس احلكومة العراقية عبد احلليم الزهريي والنائب‬
‫حممد رعد وغريهم من قيادات حزب الدعوة العراقي أمل وحزب اهلل يف بريوت‪ ،‬إذ‬
‫قال‪« :‬هناك أعراض سلبية يف العامل العريب وتناقض سني شيعي يمكن أن يو ّلد رصاع ًا‬
‫دولي ًا‪ .‬وهناك اهنيار ملفهوم الدّ ولة أن كان يف العراق أو يف لبنان‪ ،‬ونحن ال ننكر أننا متكّنا‬
‫من حتقيق انتصارات ولكن ليس لدينا غري دول فاشلة هنا وهناك ور ّبام سورية تسري يف‬
‫ذات الطريق‪ ،‬وأنا أرى أن هناك حتدّ يات اسرتاتيجية هتدد إنجازاتنا‪ .‬وال ننسى الشعور‬
‫السنّي الذي ينتظر انتصار ًا يف سوريا إلعادة التّوازن لصاحله‪ ،‬كام يتأ ّملون‪ .‬لذلك‬
‫العام ّ‬
‫جيب القيام بإجراءات ومقاربات أعمق من موقع املسؤول ّية الشرّ ع ّية تأخذ يف االعتبار‬
‫السني الشيعي»‪(.‬البلد ‪ ٧‬أغسطس ‪)2012‬‬ ‫الوحدة اإلسالم ّية من أجل تاليف الرصاع ّ‬
‫بأن تقدم املرشوع اإليراين كان‬ ‫ليس ما قاله فياض عادي ًا‪ .‬إنّه إقرار غري مبارش ّ‬
‫متالزم ًا مع تقويض اإلمجاع الوطني‪ ،‬وما الدول الفاشلة إال للتعبري عن عدم إعطاء‬
‫اجلبهة الداخلية أي أولوية يف هذا املرشوع‪ ،‬أوهلا بناء الدولة الوطنية وحتصينها عىل‬
‫حساب الوالء العابر للدول‪ ،‬الوالء للفقيه‪.‬‬
‫جيب القيام بإجراءات ومقاربات أعمق من موقع املسؤول ّية الشرّ ع ّية تأخذ يف‬
‫السني الشيعي‪ ،‬نقول من بعد الدكتور‬ ‫االعتبار الوحدة اإلسالم ّية من أجل تاليف الرصاع ّ‬
‫عيل ف ّياض‪ ...‬ونزيد‪ :‬سوريا هي البوصلة اليوم‪ ...‬وتاريخ الشام لن يغفر ملن صنعوا هنرا‬
‫من دماء أبنائها‬

‫‪89‬‬
‫الدور اإليراني في أزمة البحرين‬

‫ناصر الشيخ عبد اهلل الفضالة‬


‫عضو مجلس النواب السابق مملكة البحرين‬

‫مقدمة‬
‫ال يمكن احلديث عن الدور اإليراين يف أزمة البحرين الراهنة‪ ،‬بمعزل عن العامل‬
‫التارخيي‪ .‬فام نلمسه اليوم من إشكاليات يف العالقات البحرينية – اإليرانية‪ ،‬بل يف‬
‫جممل العالقة بني إيران وكل دول اخلليج العريب‪ ،‬ليس إال نتيجة لـ (عقدة تارخيية‬
‫متأصلة)‪ ،‬مدعومة بنزعة قومية شوفينية‪ ،‬تعاين منها إيران‪ ،‬وتلعب بالتايل‪ ،‬دور ًا رئيس ًا يف‬
‫اإلسرتاتيجية اإليرانية جتاه املنطقة عموم ًا‪ ،‬والبحرين خصوص ًا‪.‬‬
‫يقوم هذا العامل التارخيي أساس ًا عىل (أوهام) إحياء اإلمرباطورية ‪ ‬الفارسية‬
‫القديمة‪ ،‬حيث كانت إيران‪ ،‬ولعدة قرون متعاقبة أو منقطعة‪ ،‬أحد طريف (النظام‬
‫العاملي القديم) القائم عىل وجود قوتني متنافستني‪ :‬اإلمرباطورية األمخينية يف مواجهة‬
‫اإلغريق‪ ..‬ثم اإلمرباطورية البارثية يف مواجهة روما‪ ..‬ثم اإلمرباطورية الساسانية يف‬
‫مواجهة اإلمرباطورية البيزنطية‪.‬‬
‫هذا السجل التارخيي احلافل هلو مصدر فخر واعتزاز لدى اإليرانيني‪ ،‬وحمرك رئيس‬
‫من (حمركات السياسة اإليرانية يف منطقة اخلليج العريب)‪.‬‬
‫هذا احلافز الثنائي (التاريخ ‪ +‬القومية)‪ ،‬حتول إىل حافز ثالثي مع نجاح الثورة‬
‫اإليرانية‪ ،‬فدخل البعد الديني املذهبي كعامل ثالث‪ ،‬أو كمحرك ثالث للسياسة اإليرانية‪،‬‬
‫لتصبح املحركات الثالث الرئيسة للسياسة اإليرانية هي كالتايل‪:‬‬
‫‪ -1‬التاريخ‪ :‬املايض اإلمرباطوري العميق واحلافل‪..‬‬
‫‪ -2‬القومية‪ :‬العنرصية الفارسية املتعصبة‪..‬‬
‫‪ -3‬العقيدة‪ :‬الدين الشيعي الصفوي‪ ،‬املناهض ملجمل عقائد األمة‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫عقدة التاريخ‬
‫تتمسك إيران بـ (تارخيها) ولو عىل حساب انتامئها اإلسالمي‪ .‬فقد استمر النظام‬
‫اإليراين (اإلسالمي) اجلديد يف «اعتامد األشهر اإليرانية واألعياد القديمة التي ترتبط‬
‫بالديانة الزرادشتية واألساطري املتعلقة هبا حتى اليوم»‪.‬‬
‫«أما ما يلفت النظر فهو إحياء إيران‪ -‬الثورة الشيعية اليوم للعادات الزرادشتية‬
‫القديمة والتي متثل طقوسها من خالل عيد النوروز (نوروز باللغة الفارسية معناها‪:‬‬
‫يوم جديد‪ ،‬وهو اليوم األول من السنة الفارسية اإليرانية‪ ،‬ويطلق عليه الفرس تسمية‬
‫أخرى وهي عيد هبار‪ ،‬وإحدى أهم أسباب ظهور هذا العيد هو أنه يف هذا التاريخ انترص‬
‫زرادشت عىل الشيطان”‪.‬‬
‫وال تزال بعض الطقوس املجوسية قائمة يف إيران “مثل‪ :‬إشعال النار‪ ،‬والقفز‬
‫من فوقها‪ ،‬والدعاء بالقول يا نار خذي َم َريض واصفراري‪ ،‬وامنحيني نورك وهباءك‪،‬‬
‫وتعرف هذه الطقوس بـ مرسم آتش أفروزي‪ ،‬ومعناها‪ :‬حفل إشعال النار”‪.‬‬
‫وقد كان نظام الشاهنشاه السابق يويل املسألة التارخيية‪ ،‬املقرتنة بالديانة املجوسية‬
‫أمهية كبرية‪ ،‬فقد أقام الشاه حممد رضا هبلوي (‪1980-1919‬م) يف أكتوبر من عام‬
‫ال عاملي ًا صاخب ًا حتت أطالل مدينة برسبوليس التارخيية يف جنوب إيران‪،‬‬
‫‪1971‬م حف ً‬
‫بمناسبة مرور ‪ 2500‬سنة عىل اإلمرباطورية الفارسية! وقد دعي للحفل معظم قادة‬
‫وزعامء العامل‪.‬‬
‫وبام أن الفاحتني املسلمني بقيادة صحابة رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم‪ ،‬الذين دكّوا قالع‬
‫املجوسية‪ ،‬وأهنوا وجود اإلمرباطورية الفارسية كانوا من العرب‪ ،‬فلذلك‪ ،‬كان للعرب نصيب‬
‫(معترب) من الكراهية لدى غالة الفرس ومتعصبيهم‪ .‬وها هو الشاعر الشعويب أبو القاسم‬
‫الفردويس (‪1020-935‬م) يف ملحمته املسامة الشاهنامة ينفث أحقاده ضد العرب فيقول‬
‫مستهزئ ًا هبم‪“ :‬الكلب يرشب املاء البارد يف أصفهان‪ ،‬والعريب يأكل اجلراد يف الصحراء”!‬
‫“ويقول متحرس ًا عىل الفتح العريب اإلسالمي لبالد فارس‪“ :‬بلغ األمر بالعرب بعد رشب حليب‬
‫اإلبل و أكل الضب‪ ،‬أن يطلبوا تاج كرسى‪ ،‬فتب ًا لك يا زمان و سحقا”! والنظام (اإلسالمي)‬
‫احلايل يف إيران‪ ،‬شديد التباهي هبذا الشعويب احلاقد‪ ،‬شأنه شأن النظام (البهلوي) البائد!‬
‫‪92‬‬
‫إيران واخلليج العربي‬
‫من مظاهر العقدة التارخيية لدى اإليرانيني أهنم ينظرون إىل هذا التاريخ بعني‬
‫واحدة! فالتاريخ حيدثنا أن إيران طوال تارخيها الطويل كانت إما مهيمنة عىل َمن‬
‫حواليها‪ ،‬أو خاضعة لقوة أخرى من القوى التي حواليها! فقد خضعت إيران لشعوب‬
‫أخرى يف فرتات زمنية خمتلفة‪ ،‬كاإلغريق والعرب والرتك واألفغان واملغول‪ .‬وهذا – من‬
‫املفرتض – أن خيفف من غلواء العقلية التارخيية اإليرانية التي تتذكر فقط الفرتات التي‬
‫كان فيها الفرس هم املسيطرون عىل غريهم‪ ،‬وتتجاهل الفرتات التي كان الفرس فيها‬
‫خيضعون لغريهم! وهكذا عقلية‪ ،‬تلعب دور ًا مه ًام يف حتديد العالقة بني إيران والبحرين‪.‬‬
‫فبمجرد أن البحرين خضعت للحكم الفاريس لسنوات معدودة‪ ،‬فالتايل‪ ،‬جيوز إليران‬
‫أن تطالب بالبحرين‪ ،‬وتذكّر املجتمع الدويل من حني آلخر بحقوقها التارخيية يف هذه‬
‫الدولة العربية الصغرية! بل إهنا ترفع من سقف املطالب فتنادي أحيان ًا بأحقيتها يف كل‬
‫اخلليج العريب! وإذا كانت إيران يف العهد البهلوي (‪1979-1925‬م) قد احتلت إمارة‬
‫األحواز العربية عام ‪1925‬م‪ ،‬ثم احتلت اجلزر اإلماراتية الثالث أبو موسى وطنب‬
‫الكربى وطنب الصغرى يف نوفمرب ‪1971‬م‪ ،‬فإن إيران يف العهد اخلميني (‪1979‬م –‬
‫اآلن) قد سامهت بطريقة مبارشة أو غري مبارشة يف مساندة أمريكا (الشيطان األكرب) يف‬
‫احتالل العراق عام ‪2003‬م‪ ،‬بل وقبل ذلك يف احتالل أفغانستان عام ‪2001‬م‪ .‬وقد‬
‫رصح – متباهي ًا – حممد عيل أبطحي نائب الرئيس اإليراين للشئون القانونية والربملانية‬
‫بأنه «لوال التعاون اإليراين ملا سقطت كابول وبغداد هبذه السهولة»‪.‬‬
‫تقوم السياسة اإليرانية املعارصة جتاه منطقة اخلليج العريب‪ ،‬خصوص ًا البحرين‪،‬‬
‫عىل إطالق ترصحيات مقصودة عىل لسان شخصيات رسمية وشبه رسمية‪ ،‬متثل القمة‬
‫يف إظهار (الروح االستعامرية)‪ ،‬والتعايل القومي ‪ /‬التارخيي ‪ /‬املذهبي! وهذه بعض‬
‫األمثلة‪:‬‬
‫‪ -1‬يف عام ‪1980‬م‪ ،‬أي يف بدايات الثورة اإليرانية‪ ،‬أطلق آية اهلل العظمى ترصحياته‬
‫املشهورة عن البحرين‪ ،‬مطالب ًا بضم البحرين باعتبارها جزء ًا من إيران‪.‬‬
‫‪ -2‬يف يوليو ‪2007‬م كتب مدير حترير صحيفة (كيهان) شبه الرسمية حسني‬
‫‪93‬‬
‫رشيعتمداري‪« :‬البحرين جزء من األرايض اإليرانية‪ ،‬وأهنا انفصلت عن إيران إثر تسوية‬
‫غري قانونية بني الشاه والواليات املتحدة وبريطانيا‪ ،‬وان املطلب األسايس للشعب البحريني‬
‫حاليا هو إعادة هذه املحافظة ـ التي تم فصلها عن إيران ـ إىل الوطن األم واألصيل»‪.‬‬
‫‪ -3‬يف ‪ 27‬يناير ‪2009‬م حتدث النائب داريوش قنربي أمام جملس الشورى‬
‫اإليراين وبحضور وزير اخلارجية منوشهر متقي وأمام وسائل اإلعالم العاملية‪ ،‬عن أن‪:‬‬
‫«البحرين كانت وحتى قبل ‪ 40‬عام ًا جزء ًا من األرايض اإليرانية وانفصلت عن إيران‬
‫عن طريق استفتاء مشبوه»‪.‬‬
‫‪  -4‬ويف فرباير ‪2009‬م ادعى رئيس التفتيش العام يف (مكتب قائد الثورة‬
‫اإلسالمية) يف مدينة مشهد اإليرانية عيل اكرب ناطق نوري تبعية البحرين إليران واصف ًا‬
‫إياها (البحرين) بأهنا كانت يف األساس املحافظة اإليرانية الرابعة عرشة‪ ،‬وكان يمثلها‬
‫نائب يف جملس الشورى الوطني‪.‬‬
‫‪ -5‬ويف أبريل ‪2011‬م‪ ،‬رئيس هيئة األركان يف القوات املسلحة اإليرانية اللواء‬
‫حسن فريوز آبادي مل يطالب بالبحرين فقط‪ ،‬بل بكامل اخلليج العريب! فقد اعترب «أن‬
‫اسم وملكية وعائدية اخلليج الفاريس هي لإليرانيني حسب الوثائق واملستندات التارخيية‬
‫والقانونية»‪.‬‬
‫‪ -6‬وأما آية اهلل أمحد جنتي فقد دعا يف يوليو ‪2011‬م إىل احتالل البحرين‪.‬‬
‫‪ -7‬ويف مايو ‪2012‬م‪ ،‬رصح حسني عيل شهرياري النائب يف الربملان اإليراين‪« :‬كام‬
‫تعرفون فان البحرين كانت املحافظة الرابعة عرشة يف إيران حتى عام ‪1971‬م‪ ،‬ولكن‬
‫لألسف وبسبب خيانة الشاه والقرار السيئ الصيت ملجلس الشورى الوطني آنذاك فإن‬
‫البحرين انفصلت عن إيران‪ .‬وأضاف‪ :‬إذا كان من املفرتض حدوث أمر ما يف البحرين‪،‬‬
‫فان البحرين من حق اجلمهورية اإلسالمية وإيران وليس السعودية»‪.‬‬
‫‪ -8‬ويف يونيو ‪2012‬م «قال السفري اإليراين السابق يف باريس صادق خرازي يف‬
‫استفزاز جديد أنه إذا كانت إيران تريد احتالل البحرين‪ ،‬فان األمر لن يستغرق بضع‬
‫ساعات للسيطرة عليها باستخدام قوات الرد الرسيع اإليرانية‪.‬‬
‫ونقلت وكالة أنباء فارس اليوم السبت عن خزاري قوله‪ :‬إذا كانت اململكة العربية‬

‫‪94‬‬
‫السعودية تريد الدخول يف لعبة خمتلفة‪ ،‬فمن املؤكد أهنا ستكون هشة أمام الرد اإليراين»‪.‬‬
‫‪ -9‬ويف سبتمرب ‪2012‬م «خرجت إيران من دائرة (التلميح واملواربة)‪ ،‬لتوجه‬
‫هتديدا مبارشا بالتدخل عسكريا يف الكويت بحجة (محاية الشيعة يف حال حدوث أي‬
‫تدهور أمني) يف البالد‪ ،‬مؤكدة أن (فيلق بدر وفيلق القدس التابعني للحرس الثوري‬
‫موجودان بالقرب من احلدود العراقية ‪ -‬الكويتية ولدهيام من االستعداد العسكري ما‬
‫يكفي للتدخل خالل ساعات إىل مواقع متقدمة) يف الكويت والدول املجاورة بذريعة‬
‫محاية (أهل البيت) يف املنطقة‪.‬‬
‫‪ ‬ويف هذا السياق‪ ،‬كشف عضو جلنة شؤون األمن القومي والسياسة اخلارجية يف‬
‫جملس الشورى اإليراين حممد كريم عابدي أن اللجنة (درست واستمعت إىل تقارير‬
‫عن اإلجراءات املتخذة حلامية أهل البيت يف الكويت يف حال حدوث أي اختالل أمني‬
‫هناك‪ ،‬ونحن نتابع األوضاع خصوص ًا مع ورود معلومات عن أصوات إرهابية تطالب‬
‫باالنتقام من أهل البيت وتقوم بجمع ورشاء السالح)‪.‬‬
‫وربط كريم عابدي يف ترصيح نقلته شبكة (خليج فارس) اإليرانية بني الكويت‬
‫والبحرين بقوله إن (ما حدث من دخول جيوش من دول اخلليج الفاريس (العريب) إىل‬
‫البحرين لن يتكرر ولن نسمح بتكرار حدوثه يف الكويت»‪.‬‬
‫‪ -10‬ويف سبتمرب ‪2012‬م «أكد املتحدث باسم وزارة اخلارجية اإليرانية رامني‬
‫مهامن باراست أن اجلزر اإلماراتية الثالث‪ ،‬أبو موسى وطنب الكربى وطنب الصغرى‬
‫(كانت وما زالت جزءا ال يتجزأ من األرايض اإليرانية وستظل كذلك إىل األبد)‪.‬‬
‫وقال‪( :‬نحن ننفي االدعاءات الومهية لوزراء خارجية دول جملس التعاون لدول‬
‫اخلليج العربية خالل اجتامعهم الـ‪ ،124‬والتي ال تستند إىل أدلة وال أساس هلا من‬
‫الصحة‪ ،‬حول اجلزر اإليرانية الثالث)‪.‬‬
‫‪ -11‬ويف مايو ‪2012‬م «توعد مساعد القائد العام للقوات املسلحة اإليرانية‬
‫العميد مسعود جزائري دول اخلليج التي تطالب باسرتجاع اجلزر اإلماراتية املحتلة كام‬
‫هدد بإحراق اإلمارات‪ .‬وزعم جزائري‪ ،‬إىل أن هذه املطالبات (هي بمثابة وقيعة من قبل‬
‫الواليات املتحدة)‪ .‬كام أكد أن (القوات املسلحة اإليرانية عىل استعداد تام للدفاع عن‬

‫‪95‬‬
‫األرايض اإليرانية‪ ،‬وسالمتها اإلقليمية واملصالح الوطنية) عىل حد قوله‪ .‬وحذر من أن‬
‫أي حرب تقع بني إيران واإلمارات ستحرق أوالً اإلمارات قبل إحراق اجلزر الثالث»‪.‬‬
‫ويبقى السؤال الكبري‪ :‬ملاذا هذه (العنرتية) اإليرانية‪ ،‬وهذا التعايل‪ ،‬وهذه النفسية‬
‫(االستعامرية) جتاه دول اخلليج العريب بالذات؟!‬
‫باإلضافة إىل املحركات الثالثة املهمة‪ :‬الوهم التارخيي املهيمن عىل العقلية اإليرانية‪،‬‬
‫والتطلعات االستعامرية العنرصية‪ ،‬وهنج تصدير الفكر الديني الصفوي املغلف بغالف‬
‫(نرصة املستضعفني)‪ ،‬فإن هناك عوامل ثالثة مهمة هلا أثر كبري يف رسم خطوط السياسة‬
‫اإليرانية جتاه حدودها اجلنوبية‪.‬‬

‫العامل األول‪ :‬الوهن اخلليجي‬


‫«تُعد إيران دولة مهمة يف منطقة الرشق األوسط‪ ،‬ودائ ًام ما حتاول مدّ نفوذها‬
‫عرب أدوات القوة املختلفة باجتاه الدائرة اخلليجية‪ ،‬باعتبار أن تلك الدائرة هي احللقة‬
‫األضعف أو البطن الرخوة مقارنة بغريها من املناطق األخرى املحيطة بإيران‪ ،‬والتي حتدّ‬
‫من طموحاهتا التوسعية كالكتلة الرتكية يف الشامل الغريب‪ ،‬والكتلة الباكستانية واألفغانية‬
‫يف الرشق‪ ،‬والكتلة الروسية يف الشامل‪ ،‬ومن ثم فاملمر األقرب ملامرسة النفوذ اإليراين ذي‬
‫النزعة التوسعية الشيعية‪-‬الفارسية دائام ما يقع باجتاه العراق ومنطقة اخلليج العريب‪ ،‬التي‬
‫تعتربها إيران بمثابة املجال احليوي اإلسرتاتيجي هلا»‪.‬‬

‫ومن مظاهر هذا الوهن‪:‬‬


‫‪ -1‬ال تزال الدول اخلليجية الست‪ ،‬وبعد ثالثة عقود من تأسيس جملس التعاون‬
‫اخلليجي‪ ،‬تعيش حالة (التعاون)‪ ،‬دون أن تنتقل إىل املرحلة األعىل وهي حالة (االحتاد)‪،‬‬
‫وقد نادى العاهل السعودي امللك عبد اهلل بن عبد العزيز يف القمة اخلليجية األخرية إىل‬
‫العمل احلثيث من أجل االنتقال إىل مرحلة االحتاد‪.‬‬
‫‪ -2‬تنشب خالفات من حني آلخر بني بعض دول املنظومة اخلليجية ألتفه‬
‫األسباب‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫‪ -3‬عدم وجود سياسات خارجية قائمة عىل أساس املصلحة املشرتكة لكل دول‬
‫املجلس‪ .‬فعالقات ُعامن مع إيران‪ ،‬عىل سبيل املثال‪ ،‬هي أقوى من عالقاهتا مع أي دولة‬
‫خليجية أخرى!‬
‫ولكن يف املقابل‪ ،‬فإن أكرب نجاح حققه التعاون اخلليجي هو تشكيل قوات درع‬
‫اجلزيرة‪ .‬وقد أدرك شعب البحرين مدى أمهية الدفاع اخلليجي املشرتك بعد دخول هذه‬
‫القوات إىل البحرين عام ‪2011‬م‪ .‬ولكن تظل هذه القوات بحاجة إىل مزيد من العناية‬
‫لتستطيع مواجهة أي هتديد إيراين كبري‪.‬‬

‫العامل الثاني‪ :‬الفراغ العربي‬


‫إن الغياب الكامل للجامعة العربية‪ ،‬وغياب أو انعدام منظومة دفاعية عربية‬
‫ال ثاني ًا (مغري ًا) إليران بالتحرك مللء الفراغ‪.‬‬
‫مشرتكة‪ ،‬يشكل عام ً‬
‫إذ أن اجلامعة العربية «مل تنجح يف استعادة شرب واحد من األرض العربية املحتلة من‬
‫اخلليج إىل املحيط (فلسطني‪ ،‬اجلزر العربية الثالث يف اخلليج‪ ،‬األحواز‪ ،‬سبتة ومليلية‪...‬‬
‫إلخ)‪ .‬ومل تنجح يف رأب الصدع العريب الذي هو يف زيادة يوما بعد يوم‪ ،‬ومل تقم بالدور‬
‫املنشود هلا يف األزمات التي واجهت الوطن العريب الكبري‪ ،‬وقد كان دورها ثانوي ًا جد ًا‬
‫ًخالل حروب اخلليج الثالثة‪ ،‬ويف قضية الصحراء الغربية‪ ،‬وكذا يف األزمات التي‬
‫تعصف بالسودان اليوم‪ .‬وبان حجمها (اهلزيل جدا)‪ ،‬ودورها املعدوم أو شبه املعدوم‬
‫عاملي ًا وعربي ًا من خالل القضيتني اخلطريتني اللتني واجهتا العرب مع بدايات األلفية‬
‫اجلديدة ‪ :‬احتالل دولتني عربيتني عضوين يف اجلامعة العربية (العراق والصومال)‪.‬‬
‫وقد كشفت هاتني األزمتني أن هذا اجلسم الضخم (اجلامعة العربية) والذي يضم ‪22‬‬
‫دولة بام يشمل مئات املاليني من البرش وحوايل ‪ 15‬مليون كيلومرت مربع ‪ ‬من األرايض‬
‫التي متتد يف قارتني‪ ..‬أقول بات واضح ًا أن هذا اجلسم الضخم املرتهل عاجز ليس فقط‬
‫عن مواجهة أمريكا‪ ،‬بل حتى عن مواجهة دول أخرى من دول العامل الثالث كإيران‬
‫وإثيوبيا«‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫العامل الثالث‪ :‬تعانق املشروعني األمريكي واإليراني‬
‫«يقرتن البعد اإليراين املصلحي يف اإلسرتاتيجية املعارصة بالوجود األمريكي‬
‫ونفوذه يف املنطقة‪ ،‬فمعلوم أن للنظام اإليراين وجهني سياسيني يف تعامله مع القضايا‬
‫امللحة‪ :‬وجه للثورة (=املرشد األعىل) وآخر للسياسة (= الرئيس)‪ ،‬التي ختضع لألوىل‬
‫ّ‬
‫حتام‪ ،‬فسياسة إيران اخلارجية تتسم بالرباغامتية‪ ،‬واملرونة املرتبطة بفن بارع يف استثامر‬
‫الوقت يف أي مفردة من مفردات اللعبة السياسية‪ ،‬يف حني تتسم سياستها الداخلية‬
‫ّ‬
‫والتخشب املفصيل‪ ،‬إىل درجة تدعو لالستغراب»‪.‬‬ ‫بالتزمت‬
‫«إن بوادر اقتسام السلطة الفعلية ‪ -‬سياسي ًا وعسكري ًا ‪ -‬يف اخلليج العريب بني‬
‫األمريكان واإليرانيني بادية‪ ،‬وه فرصة ذهبية ‪ -‬بل تارخيية – ال يسع اإليرانيني‬
‫تضييعها‪ ،‬فقد بسطت ذراعيها عىل شامهلا الغريب (العراق)‪ ،‬وهي متغلغلة متاما يف الرشق‬
‫(أفغانستان)‪ ،‬فهي عمليا مرشوع قوة إقليمية كربى ال يستطيع أن يتجاهلها أحد‪ ،‬حتى‬
‫األمريكان ذاهتم‪ .‬كل التعنت والتهديد الفاريس باستخدام أوراقها النووية واإلقليمية‬
‫(يف الشام والعراق ومرص واخلليج واليمن)‪ ،‬كان ردا عىل جتاهل اإلدارة األمريكية‬
‫للمساومات اإليرانية منذ العام ‪2001‬م‪ ،‬وللعرض الرسي الذي تقدمت به إيران بعيد‬
‫سقوط النظام العراقي (‪2003‬م)‪ ،‬مقابل اخلدمات (اجلليلة) التي أ ّدهتا ألمريكا يف‬
‫احتالل أفغانستان والعراق‪.»..‬‬
‫فبعد (التعانق احلميم) يف أفغانستان والعراق‪ ،‬جاءت أحداث البحرين يف فرباير‬
‫‪2011‬م لتكشف وجها آخر من وجوه التفاهم بني املرشوعني‪.‬‬

‫إيران وشيعة البحرين‬


‫يشكل الشيعة يف البحرين حوايل نصف السكان‪ ،‬ووجودهم قديم‪ ،‬منذ أيام الدولة‬
‫القرمطية (‪469-286‬هـ ‪1076-899 /‬م) ‪ ،‬ثم الدولة العيونية (‪642-469‬هـ ‪/‬‬
‫‪1244-1076‬م)‪ ،‬وكان شيعة املنطقة يعتنقون العقيدة اإلسامعيلية‪ ،‬ثم حتولوا تدرجييا‬
‫إىل العقيدة االثنى عرشية‪.‬‬
‫وقد بدأت عالقات شيعة البحرين بإيران تأخذ طابع ًا (خاصا)‪ ،‬ويف مجيع املجاالت‬
‫‪98‬‬
‫السياسية واالجتامعية والدينية والثقافية‪ ،‬مع قيام الدولة الصفوية (‪1135-901‬هـ‬
‫‪1722-1501 /‬م)‪ .‬وبعد سقوط الدولة الصفوية سياسي ًا وعسكري ًا‪ ،‬ظل النهج‬
‫العقائدي الصفوي هو املهيمن‪ ،‬وأصبحت إيران بالنسبة للشيعة يف البحرين‪ ،‬بل يف كل‬
‫مكان يتواجد فيه الشيعة‪ ،‬بمثابة (الدولة األم)‪ ،‬التي متثل الشيعة وسط حميط شاسع من‬
‫دول (العا ّمة)‪ ،‬وهو التعبري املستخدم يف أدبيات الشيعة لوصف أهل السنة‪.‬‬
‫ارتبط شيعة البحرين بعالقات متميزة مع إيران عىل كافة األصعدة‪:‬‬
‫‪ -‬فإيران هي (مع العراق) قبلة طلبة العلم الشيعة‪ ،‬الذين يتوجهون إىل احلوزات‬
‫العلمية الشهرية يف قم والنجف وكربالء للحصول عىل الدرجات والرتب العلمية‬
‫املعروفة لدى الشيعة‪.‬‬
‫‪ -‬وإيران هي (مع العراق) مقر اآليات العظام‪ ،‬أو مراجع التقليد الذين ُيق ّلدون من‬
‫ق َبل الشيعة يف خمتلف دول العامل‪.‬‬
‫‪ -‬كام متيز املجتمع الشيعي يف البحرين بقوة الروابط االجتامعية مع شيعة إيران‪،‬‬
‫عن طريق الزواج باإليرانيات‪ ،‬وهذه الظاهرة شائعة جد ًا لدى الشيعة البحرينيني‪ ،‬سواء‬
‫كانوا من سكان املدن أم من األرياف‪.‬‬

‫شيعة البحرين قبل الثورة اإليرانية‬


‫مل تكن العالقات السياسية لشيعة البحرين مع إيران (وبتعبري أدق‪ :‬الوالء السيايس‬
‫إليران)‪ ،‬قد وصلت إىل درجة تشكل معها ظاهرة خطرية عىل أمن الوطن‪ ،‬باستثناء أقلية‬
‫شيعية من ذوي األصول اإليرانية‪ ،‬وألسباب قومية وليس دينية‪ .‬فاحلركات املعارضة‬
‫الرسية يف مخسينيات وستينيات القرن امليالدي العرشين كانت كلها تقريبا ذات ميول‬
‫يسارية أو قومية‪ ،‬وكان الشيعة منخرطني فيها إىل جانب السنّة‪ ،‬والشاه حممد رضا هبلوي‬
‫كان عدوا تقليديا لليسار ومواليا خملصا للغرب‪.‬‬
‫يف مارس عام ‪1970‬م‪ ،‬وقبيل استقالل البحرين عن بريطانيا‪ ،‬وتصاعد املطالبات‬
‫اإليرانية بضم البحرين إليها‪ ،‬أرسلت األمم املتحدة‪ ،‬وبموافقة من حكومات البحرين‬
‫وبريطانيا وإيران‪ ،‬وفدا لإلطالع عىل رغبة الشعب البحريني حول‪ :‬هل يريد االستقالل‬

‫‪99‬‬
‫أم االنضامم إليران؟ وكان اختيار األغلبية الساحقة لشعب البحرين‪ ،‬بام فيهم الشيعة‪ ،‬هو‬
‫االستقالل‪ .‬وهذه الواقعة‪ ،‬اختيار الشيعة لالستقالل وليس االنضامم إليران‪ ،‬أصبحت‬
‫شعار ًا يرفعه شيعة البحرين دائ ًام إلثبات وطنيتهم‪ .‬ولكن هذه (الوطنية) ذابت متاما يف‬
‫جسد (الو ّيل الفقيه) بعد قيام احلكم اإلسالمي (الشيعي) يف طهران عام ‪1979‬م‪.‬‬

‫ولكن‪ ،‬ملاذا اختار الشيعة االستقالل عام ‪1970‬م؟!‬


‫أوالً‪ :‬كان نظام الشاه نظام ًا علامني ًا قاسي ًا‪ ،‬ال دور للمعممني فيه‪ ،‬إال بالقدر الذي‬
‫يسمح به الشاه إلضفاء الرشعية عىل حكمه‪ ،‬وكان ال يتوانى إذا دعت الرضورة إىل‬
‫التعامل مع رجال الدين الشيعة بالسجن والنفي والتضييق‪ ،‬كام فعل مع اخلميني نفسه‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬كان الشاه عىل عالقة وثيقة بالطائفة البهائية‪ ،‬التي هي امتداد للحركة البابية‪،‬‬
‫وهي بدورها متثل حالة انشقاق وحتريف للعقيدة املهدوية عند الشيعة‪ .‬لذلك‪ ،‬فالعداء‬
‫متأصل بني املتدينني الشيعة وبني هذه الطائفة‪ .‬وقد كان رئيس وزراء إيران أمري عباس‬
‫هويدا (‪1977-1965‬م)‪ ،‬أشهر من توىل منصب رئيس الوزراء يف إيران يف فرتة ما قبل‬
‫الثورة هبائي ًا‪    .‬‬
‫وبالتايل‪ :‬مل يكن قرار شيعة البحرين هو االبتعاد عن (إيران الشيعية)‪ ،‬بقدر ما كان‬
‫ابتعاد ًا عن (دولة الشاه العلامنية البهائية)‪.‬‬

‫شيعة البحرين بعد الثورة اإليرانية‬


‫بعد نجاح ثورة اخلميني‪ ،‬انقلبت األوضاع رأس ًا عىل عقب يف البحرين‪ ،‬وخرج‬
‫الشيعة يف تظاهرات مؤيدة للحكم اجلديد‪ ،‬وأرسل الشيعة وفودا شعبية و(علامئية)‬
‫لتقديم التهنئة للحكام اجلدد‪ .‬لقد أصبح للشيعة يف املنطقة دولة‪ ،‬ووجد شيعة البحرين‬
‫أن الفرصة قد الحت إلسقاط احلكم (السنّي)‪.‬‬
‫قام الشيعة عىل مدى ثالثة عقود‪ ،‬بثالث حماوالت انقالبية للوصول إىل احلكم‪:‬‬
‫األوىل‪ :‬يف بداية الثامنينيات‪ .‬وكان التيار الشريازي هو املسئول عن هذه املحاولة‪،‬‬
‫وقد كانت حماولة ساذجة لقلب األوضاع يف البلد عن طريق إدخال أسلحة ومتدربني‬

‫‪100‬‬
‫(تدربوا يف معسكرات خاصة يف إيران)‪ .‬وكان املنظر الرئييس للمحاولة هو السيد هادي‬
‫املدريس‪ .‬وقد متكنت السلطة من رضب املخططني للمحاولة‪ ،‬وتم اعتقال وسجن‬ ‫ّ‬
‫العرشات يف ديسمرب عام ‪1981‬م‪ ،‬وجلأ مئات آخرين من شباب الشيعة إىل اخلارج‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬يف أواسط التسعينيات (‪ ،)1996-1994‬حيث قاد هذه املحاولة هذه‬
‫املرة الفرع البحريني حلزب الدعوة‪ ،‬وقادة هذا احلزب هم الذين شكلوا فيام بعد (مجعية‬
‫الوفاق)‪ ،‬أكرب اجلمعيات السياسية الشيعية‪ .‬اعتمدت هذه املحاولة عىل إحداث البلبلة‬
‫والفوىض وإشعال احلرائق‪ ،‬لتحفيز الشيعة عىل القيام بثورة شاملة‪ ،‬حماكاة لثورة اخلميني‪.‬‬
‫وقد متكنت السلطة من إمخاد هذه املحاولة‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬وهي التي بدأت يوم ‪ 14‬فرباير ‪2011‬م‪ ،‬يف حماولة واضحة ملحاكاة ثورات‬
‫الربيع العريب‪ .‬وكان العامل الرئيس يف فشل هذه املحاولة‪ ،‬تصدي النصف اآلخر من‬
‫الشعب (السنّة) هلذه املحاولة ذات البعد الطائفي الواضح‪ ،‬ثم دخول قوات درع اجلزيرة‬
‫للبحرين يف مارس ‪2011‬م‪.‬‬

‫التأثير اإليراني‬
‫«بمجرد إعالن الثورة وعودة اخلميني عىل طائرة خاصة إىل طهران‪ ،‬تغريت الدنيا‬
‫ومل تعد البحرين كام كانت‪ ...‬وسارت مظاهرات التأييد‪ ،‬وأضيفت صور اخلميني إىل‬
‫صور الشريازي واخلوئي التي مألت كل مكان»‪.‬‬
‫كانت املحاولة االنقالبية األوىل يف بداية الثامنينيات إيرانية بامتياز‪ ،‬خطط هلا ونفذها‬
‫املدريس‪ ،‬وكلهم إيرانيون‪ ،‬بدعم تام من الويل الفقيه اإليراين‪.‬‬
‫آل الشريازي وآل ّ‬
‫بعد فشل سيناريو الدعم العسكري املبارش‪ ،‬كثفت إيران جهودها الداعمة‬
‫إلحداث تغيري لصاحلها يف البحرين‪ ،‬وذلك عىل الصعيدين السيايس واإلعالمي‪ ،‬كام‬
‫ظهر ذلك واضح ًا خالل أحدث التسعينيات‪ ،‬ثم أحداث فرباير ‪2011‬م‪ ،‬واملستمرة إىل‬
‫هذه اللحظة‪.‬‬
‫فزور يف خطاب الرئيس‬
‫‪ ‬وصل الدعم اإليراين إىل درجة أن جترأ اإلعالم اإليراين ّ‬
‫الدكتور حممد مريس يف كلمته يف مؤمتر عدم االنحياز يف طهران هناية أغسطس ‪2012‬م‪،‬‬

‫‪101‬‬
‫ليستبدل كلمة (سوريا) بـ (البحرين) يف ثالث مواضع! هذا التزوير كان يف الرتمجة‬
‫املوجهة إىل الشعب اإليراين املسكني‪ .‬بالفعل‪ ،‬أصبحت البحرين متثل عقدة كربى لدى‬
‫النظام اإليراين‪.‬‬
‫إن الصلة احلميمة بني إيران وشيعة البحرين وصلت إىل حدّ (الوحدة االندماجية)‬
‫عىل الصعيدين الديني والنفيس‪ .‬ومتكن تيار والية الفقيه املوايل خلامنئي من إحكام‬
‫سيطرته عىل املجتمع الشيعي‪.‬‬
‫يف خطبة اجلمعة‪ ،‬خطب السيد حيدر السرتي‪ ،‬النائب يف الربملان البحريني عن‬
‫مجعية (الوفاق) الشيعية فقال‪« :‬رأينا يف عرصنا كيف حققت اجلمهورية اإلسالمية يف‬
‫إيران املعجزات‪ ،‬وانترصت عىل دول العامل الكربى جمتمعة‪ ...‬انترصت اجلمهورية‬
‫اإلسالمية يف نشأهتا إبان احلرب التي أشعلها النظام البعثي البائد يف العراق‪ ...‬حققت‬
‫انتصارها مؤخر ًا بعد عملية انتخابات تارخيية بفضل خمزون القوة الذي متتلكه قيادة‬
‫الويل الفقيه‪ ،‬والتفاف املؤمنني حوهلا»‪.‬‬
‫ويقول عبد الوهاب حسني‪ ،‬زعيم (تيار الوفاء اإلسالمي) الشيعي‪« :‬تيار الوفاء‬
‫اإلسالمي يؤمن بوالية الفقيه حتى النخاع‪ ،‬ويلتزم هبا عملي ًا»‪.‬‬
‫‪ ‬لقد وصل النفوذ والتأثري اإليراين يف شيعة البحرين إىل درجة الذوبان التام! حتى‬
‫أنه عندما أصدرت مجعية (الوفاق) وبعض مجعيات فلول اليسار ما عرف بـ (وثيقة‬
‫املنامة)‪ ،‬يف أكتوبر من عام ‪2011‬م‪ ،‬مل جترؤ (الوفاق) عىل ذكر اسم (اخلليج العريب)‪،‬‬
‫بل ذكرت (اخلليج) فقط بدون صفة العروبة! فكل يشء هيون‪ ،‬إال (غضب) الويل الفقيه‬
‫و(املؤمنني) من حوله يف طهران وقم‪.‬‬

‫‪102‬‬
‫اجلل�سة الثالثة‬
‫رئيس اجللسة‪ :‬د‪ .‬محمود الغزالن‬

‫‪ -‬املشروع اإليراني في ضوء الثورات العربية ‪ :‬ثوابت ومتغيرات‬


‫حالة‪ :‬تونس‪ -‬مصر – ليبيا‪ -‬اليمن‪ -‬سوريا‬
‫فادي شامية‬

‫‪ -‬إيران والثورة املصرية‪ :‬تفاعالت التحدي واالستجابة‬


‫د‪ .‬محمد السعيد إدريس‬

‫‪ -‬إيران والثورة اليمنية‬


‫ناصر محمد علي الطويل‬

‫‪ -‬املشروع اإليراني في اليمن‬


‫د‪ .‬عبد احلميد النهمي‬

‫‪ -‬عالقة إيران بحركات املقاومة اإلسالمية في املنطقة في ظل‬


‫الثورات العربية (دراسة حلاالت حماس –اجلهاد‪-‬حزب اهلل)‬
‫فاطمة الصمادي‬

‫‪103‬‬
‫املشروع اإليراني في ضوء الثورات العربية ‪ :‬ثوابت ومتغيرات‬
‫حالة‪ :‬تونس‪ -‬مصر – ليبيا‪ -‬اليمن‪ -‬سوريا‬

‫إعداد‬
‫فادي شامية‬

‫توطـئـة‪:‬‬
‫أسس املشروع اإليراني‬
‫حتمل سياسة إيران اإلقليمية مالمح مرشوع واضح املعامل تريد فرضه عىل املنطقة‬
‫العربية‪ .‬ويتكون هذا املرشوع من مجلة مفردات أمهها‪ :‬مد النفوذ اإليراين عىل دول‬
‫اجلوار‪ ،‬والتعامل مع ملفاته كأوراق تفاوضية مع الدول الكربى‪ ،‬وإحلاق الشيعة العرب‬
‫بإيران‪ ،‬وتصدير قيم الثورة‪ ،‬ونرش التشيع يف املنطقة‪.‬‬
‫تتمثل خطورة هذا املرشوع يف مستويات عدة‪ ،‬أمهها‪ :‬حماولة تقويض الشعور‬
‫الوطني لدى الشيعة العرب عىل وجه اخلصوص لصالح الشعور املذهبي‪ ،‬وحماولة‬
‫حتويلهم تالي ًا إىل أدوات لصالح إيران‪ ،‬إضافة إىل إثارة االضطرابات واالنقسامات يف‬
‫املنطقة العربية‪ ،‬وحماولة “غزو” الواقع العريب ثقافي ًا ومذهبي ًا‪ ،‬وخلق صورة نمطية إجيابية‬
‫عن سياسات إيران‪ ،‬خالف ًا للواقع‪.‬‬
‫وال خيفى أن هلذا املرشوع عوائقه الداخلية واخلارجية‪ ،‬فإيران بلد قوي عسكري ًا‬
‫لكنه ضعيف اقتصادي ًا (‪ 14‬مليون إيراين يعيشون دون خط الفقر)‪ ،‬وهو يعاين من‬
‫انقسامات إثنية ومذهبية‪ ،‬كام يعاين من خالفات سياسية حادة تبدت بوضوح بعد‬
‫االنتخابات الرئاسية األخرية‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن أن البعد املذهبي يف الثقافة اإليرانية غري مقبول‬
‫يف املنطقة العربية‪ ...‬لكن النظام اإليراين يتخطى ذلك كله من خالل “استثامره” يف‬
‫القضية الفلسطينية‪ ،‬ويف الرصاع مع “إرسائيل”‪ ،‬ومن خالل هذا “االستثامر” يعبرُ إىل‬
‫قلب العامل العريب عرب حلفاء وأدوات من قلب هذا العامل‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫ويتحرك املرشوع اإليراين وفق ثالثة أنامط‪:‬‬
‫‪ -1‬نمط اسرتاتيجي هيدف إىل مد النفوذ‪ ،‬ومنع قيام “جبهة” عربية ضد إيران‪،‬‬
‫وركائزه تقوم عىل أسس التحالف مع سوريا‪ ،‬ومع حركات املقاومة العربية‪ .‬كام يعتمد‬
‫أيض ًا عىل دعم التنظيامت الشيعية يف العراق لتأمني دوام السيطرة عليه‪ ،‬وعىل تقاطع‬
‫املصالح مع “القاعدة” يف استهداف الواليات املتحدة األمريكية عىل الرغم من التباين‬
‫الواضح بني فكر “القاعدة” والثقافة اإليرانية‪.‬‬
‫‪ -2‬نمط إيديولوجي هيدف إىل بث التشيع‪ ،‬وحماولة سحب املذاهب الشيعية‬
‫األخرى‪ ،‬الزيدية والعلوية حتديد ًا‪ ،‬إىل املذهب اإلثني عرشي املتبع يف إيران‪ ،‬ودعم‬
‫الشيعة العرب وربطهم بوالية الفقيه‪ ،‬وحماولة إقامة “هالل شيعي” يف املنطقة العربية‪،‬‬
‫يبدأ من العراق وينتهي يف جنوب لبنان‪ .‬إضافة إىل تطويق اململكة العربية السعودية‬
‫بحزام من األزمات ذات الطابع املذهبي‪ ،‬ال سيام يف العراق‪ ،‬واليمن‪ ،‬والبحرين‪.‬‬
‫‪ -3‬نمط اقتصادي يقوم عىل أساس حتويل إيران إىل قوة اقتصادية‪ ،‬من خالل‬
‫استفادة أكرب من مصادر الطاقة‪ ،‬وبناء أحالف اقتصادية كربى يف املنطقة‪ .‬وهذا النمط‬
‫مرشوع (من املرشوعية) بالكامل‪ ،‬خالف ًا‬
‫ٌ‬ ‫هو األقل أمهية يف السياسات اإليرانية‪ ،‬رغم أنه‬
‫للنمطني السابقني(((‪.‬‬
‫ورغم أن املرشوع اإليراين‪ ،‬هيتم بشدة بالنمطني االسرتاتيجي واإليديولوجي‪،‬‬
‫يفضل النمط االسرتاتيجي عند التعارض‪ ،‬بعيد ًا عن املبادئ والقيم التي يتغنى هبا‬
‫فإنه ّ‬
‫النظام‪ .‬وثمة نامذج مذهلة للداللة عىل ذلك(((‪.‬‬

‫((( للتوسع يمكن االطالع عىل كتاب‪ :‬مشاريع التغيري يف املنطقة العربية ومستقبلها‪ ،‬الفصل الثالث‪ :‬املرشوع‬
‫اإليراين‪ ،‬مركز دراسات الرشق األوسط‪ ،‬عامن‪.2012 ،‬‬
‫((( عىل سبيل املثال ال احلرص؛ وقفت إيران‪ ،‬إىل جانب أرمينيا «املسيحية» ضد أذربيجان «الشيعية» يف رصاع‬
‫البلدين عىل إقليم ناغورين كاراباخ‪ ،‬مراعا ًة من إيران ملصالح إسرتاتيجية؛ سياسية وقومية‪ .‬هذه املفارقة‬
‫ليست الوحيدة‪ ،‬فإعالن إيران رصاحة تسهيلها مهمة احللفاء وعىل رأسهم الواليات املتحدة األمريكية يف‬
‫غزو أفغانستان والعراق يشكل مفارقة أقسى‪ ،‬ألن النظام اإليراين ما لبث يصف أمريكا بـ»الشيطان األكرب»‪،‬‬
‫فإذا به يسهل دخول هذا «الشيطان» إىل بلدين جارين مسلمني! ومن املفارقات أيض ًا أن النظام اإليراين الذي‬
‫وقف ضد نظام البعث يف العراق وحاربه ونعته لسنوات بالكفر‪ ،‬هو نفسه متحالف مع نظام البعث يف سوريا‪،‬‬
‫ويعتربه نظام ًا مقاوم ًا أو ممانع ًا منذ سنوات طويلة!‪ .‬كام أنه معلوم أن قادة الصف الثاين من «القاعدة» حظوا=‬

‫‪106‬‬
‫شكّلت رصخة بائع اخلُرض حممد بو عزيزي؛ القشة التي فاض معها كأس صرب‬
‫الشعوب العربية‪ ،‬بعد عقود من الظلم‪ .‬أسقط التونسيون نظام زين العابدين بن عيل‪ ،‬فيام‬
‫ُعرف بـ”ثورة الياسمني”‪ .‬قبل ذلك بست سنوات –تقريب ًا‪ -‬أحرقت النريان يف بريوت‬
‫رفيق احلريري‪ ،‬فاندلعت “ثورة األرز” التي أسقطت النظام األمني السوري‪-‬اللبناين‪،‬‬
‫وأخرجت اجليش واملخابرات السورية من لبنان‪ ،‬فكانت نموذج ًا اقتدت به ثورات‬
‫العرب فيام بعد‪ .‬توالت عدوى الثورات‪ ،‬ووصلت إىل مرص ثم إىل ليبيا واليمن‪...‬‬
‫وأخري ًا وصلت إىل سوريا‪ .‬هبذه الثورات بدا أن جدار اخلوف سقط‪ ،‬حتى لدى الشعوب‬
‫التي مل تثر‪ .‬كيف قاربت إيران هذه الثورات‪ ،‬وعىل أي أسس؟ هذا ما سنتعرف عليه يف‬
‫الفقرات اآلتية‪.‬‬

‫املقاربة اإليرانية للثورات العربية بني الدعم الصادق واالستثمار‬


‫السياسي‬
‫يمكن التعرف عىل املوقف اإليراين من الثورات العربية‪ ،‬من خالل ترصحيات‬
‫وأفعال القادة اإليرانيني‪ ،‬كام من خالل حلفاء إيران وأدواهتا يف املنطقة‪.‬‬
‫يف ‪ 2011/3/19‬أطل أمني عام “حزب اهلل” السيد حسن نرص اهلل متضامن ًا مع‬
‫“شعوبنا العربية؛ وثوراهتا وانتفاضاهتا وتضحياهتا‪ ،‬خصوص ًا يف كل من تونس ومرص‬
‫والبحرين وليبيا واليمن”‪ .‬يف خطابه التضامني هذا؛ أقحم نرص اهلل الفتنة املذهبية‬
‫يف البحرين يف عداد الثورات(((‪ ،‬وجتاهل بشكل كيل احلراك الشعبي اجلاري بوترية‬

‫=باستضافة إيرانية يف مرحلة من مراحل «احلرب العاملية عىل اإلرهاب»‪ ،‬رغم التناقض الكامل يف فكر‬
‫«القاعدة» وفكر الثورة اإليرانية‪ ،‬ولكن مصلحة الضغط عىل الواليات املتحدة من خالل هؤالء اقتضت‬
‫ذلك!‪.‬‬
‫((( يقول العالمة يوسف القرضاوي يف خطبة يوم اجلمعة (منشور يف صحيفة الرشق األوسط يوم السبت‬
‫‪ )2011/3/19‬عن الثورة يف البحرين ما حرفيته‪« :‬الشيعة هناك مجيع ًا ضد السنة مجيع ًا‪.‬الثورة قامت طائفية‬
‫شيعية‪ ..‬أهل السنة ملا رأوا هذا قاموا‪ 450 ،‬ألف ًا‪ ،‬وقالوا نحن لنا مطالب أيض ًا‪ .‬إذا كنتم أهيا الشيعة لكم مطالب‬
‫فنحن ‪ -‬أهل السنة ‪ -‬لنا مطالب أيض ًا‪ ،‬وقالوا مطالبهم‪ ...‬مل يكونوا (املحتجون) سلميني‪ ،‬بل اعتدوا عىل كثري‬
‫من أهل السنة واستولوا عىل مساجد ليست هلم‪ ،‬واستعملوا األسلحة كام يفعل البلطجيون يف اليمن ويف مرص‬
‫وغريها ضد كثري من املستضعفني من أهل السنة!‪ ...‬يف مثل هذه األمور احلوار أوىل‪ ،‬بدل أن ينقسم املجتمع =‬

‫‪107‬‬
‫متصاعدة يف سوريا‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن إغفاله الثورة اخلرضاء يف إيران‪ ،‬من خالل “خترجية”‬
‫ذكية‪ ،‬متثلت بحرص التضامن بـ”الثورات العربية”‪.‬‬
‫والواقع أن املواقف اإليرانية كلها ال ختتلف عن التصنيف أعاله؛ وهي تفتقر‬
‫إىل ثالثة رشوط رضورية العتبار تضامنها مع الثورات العربية تضامن ًا صادق ًا‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫الشمولية‪ ،‬واملوضوعية‪ ،‬والصحة‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬الشمولية‪ :‬إذ ال يصح بحال من األحوال‪ ،‬ألي متضامن ‪-‬فض ً‬
‫ال عن أية‬
‫مجاعة تدعي التضامن من منطلقات أخالقية‪ -‬أن تنظر إىل الثورات بمعايري خمتلفة‪،‬‬
‫فتتحدث –بحق‪ -‬عن ثورة جميدة يف تونس ومرص وليبيا واليمن‪ ،‬ثم تغفل ما جيري يف‬
‫سوريا‪ ،‬ألن االعتبار السيايس يفرض ذلك‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬املوضوعية‪ :‬حيث ال جيوز إقامة رابط غري موضوعي بني الثورات العربية‬
‫وعالقة األنظمة بالواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬كام ال جيوز تكييف الثورات العربية عىل‬
‫أهنا ثورات دينية أو صحوات إسالمية إذا مل تكن كذلك(((‪ .‬عدم املوضوعية مرده هنا‬
‫إىل أن الشعوب الثائرة‪ ،‬إنام تثور عىل الظلم والقهر وسلبها حقوقها قبل أي يشء آخر‪،‬‬
‫مع األخذ بعني االعتبار أن التبعية ألمريكا والغرب هو عامل إضايف يف تسعري الثورة‬
‫ال وجودي ًا كام حياول املستثمرون يف الثورات العربية‬
‫وزيادة سخط الشعب‪ ،‬وليس عام ً‬
‫أن يوحوا جلمهورهم‪ .‬الدليل القاطع عىل ذلك أن الثورات مل تبق حبيسة األنظمة املسامة‬
‫أنظمة “اعتدال”‪ ،‬وإنام شملت األنظمة “الثورية”‪ ،‬كالنظام الليبي‪ ،‬ووصلت إىل نظام‬
‫“املامنعة” األول يف املنطقة أي النظام السوري‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬الصحة‪ :‬إذ بدا الفت ًا جد ًا إقحام إيران دولة البحرين يف عداد الدول التي‬
‫تشهد ثورات تغيريية‪ .‬النظام يف البحرين بحاجة إىل إصالحات يقين ًا‪ ،‬لكن األصح أنه ال‬
‫يمكن مساواة تونس ومرص بالبحرين‪ ،‬لسبب ظاهر وبسيط‪ ،‬وهو أن االنقسام املذهبي‬

‫=انقسام ًا طائفي ًا‪ ،‬وقد دعا إىل ذلك ويل عهد البحرين‪ .‬إن اخلطر هو أن ينسب الشيعة أنفسهم إىل بالد أخرى‬
‫وحيملوا صورة خامنئي وصورة نرص اهلل وصورة كذا وكأهنم ينتسبون إىل إيران وال ينتسبون إىل البحرين»‪.‬‬
‫((( قال السفري اإليراين يف بريوت (‪ )2011-5-8‬إن‪« :‬الثورات يف العامل العريب هي صحوات دينية‪ ...‬وما‬
‫جيري يف سورية مؤامرة»‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫يف البحرين‪ ،‬ليس بني أقلية وأكثرية‪ ،‬وإنام بني فئتني شبه متساويتني من الشعب(((‪.‬‬

‫كيف تعامل النظام اإليراني مع كل ثورة عربية على حدة؟‬


‫النظام اإليراني يحتفي بثورة الياسمني‬
‫حسم اجليش التونيس املوقف وأجرب الرئيس زين العابدين بن عيل عىل الفرار يف‬
‫‪ .2011/1/14‬ويف اليوم التايل توىل رئيس جملس النواب حممد املبزع منصب رئيس‬
‫اجلمهورية بشكل مؤقت‪ ،‬وأصبح الباجي قائد السبيس يف ‪ 2011/2/27‬رئيس ًا‬
‫للحكومة املؤقتة‪ ،‬ثم جرت انتخابات املجلس التأسييس يف ‪.2011/10/23‬‬
‫و ّظف النظام اإليراين الثورة يف تونس يف خدمة أهدافه‪ ،‬فادعى الرئيس اإليراين‬
‫أمحدي نجاد أن “ثورة الياسمني” هي نتيجة الثورة اإليرانية‪ ،‬فيام الواقع أن الثوار‪ ،‬وال‬
‫سيام الشباب الذين حركوا االحتجاجات‪ ،‬ال عالقة هلم بفكر اإلمام اخلميني‪ ،‬وال‬
‫يعتربونه قدوة هلم‪ ،‬ومل يفكّروا أبد ًا بقيام نظام شبيه بالنظام الذي أنتجته الثورة اإليرانية‪،‬‬
‫فض ً‬
‫ال عن أهنم مجيعهم ال يؤمنون بالعقيدة الشيعية‪.‬‬

‫‪ ...‬ويركب موجة الثورة املصرية‬


‫أبى الرئيس اإليراين أمحدي نجاد أن متر الثورة املرصية دون أن يركب موجتها‪،‬‬
‫فأعلن أن الثورات التي جتري يف املنطقة ‪-‬ومن ضمنها ثورة ‪ 25‬يناير‪“ -‬يقودها اإلمام‬
‫املهدي”‪ ،‬وأهنا نتيجة “الثورة اإليرانية” (‪ ،)1979‬وأن “صحوة ضخمة حتصل ويمكن‬
‫رؤية يد اإلمام املهدي فيها”‪ ،‬وأن “اإلمام املهدي يدير العامل ونحن نرى يده املدبرة يف‬
‫شئون البالد كافة”‪.‬‬
‫من املفارقات الالفتة التي جتعل كالم نجاد مدهش ًا حق ًا‪ ،‬أنه يف الوقت الذي‬
‫كان يربط فيه الثورة املرصية بثورة اإلمام اخلميني‪ ،‬كان ميدان التحرير يف مرص يعلن‬

‫((( انظر‪ :‬الثورات العربية بني الدعم الصادق واالستثامر السيايس‪ ،‬فادي شامية‪ ،‬جريدة املستقبل‪-3-24 ،‬‬
‫‪ ،2011‬العدد ‪.6 ،3949‬‬
‫‪http://www.almustaqbal.com.lb/stories.aspx?issueid=2918&categoryid=3‬‬

‫‪109‬‬
‫عرب خطيب اجلمعة اآليت‪“ :‬نقول ألمريكا وإيران وحزب اهلل دعوا ثورة مرص لشباب‬
‫مرص‪ ،‬وك ّفوا نصائحكم عنا”‪ .‬كام كان يعلن الثوار يف امليدان إهداء ثورهتم إىل “الثورة‬
‫اخلرضاء” يف إيران!‪.‬‬
‫ومع ذلك؛ فقد أرصت إيران عىل إلباس الثورة املرصية لبوس ًا ليس هلا‪ ،‬حيث‬
‫وصف السيد عيل خامنئي ثورة مرص بأهنا ثورة إسالمية‪ ،‬وبداية لـ”رشق أوسط إسالمي‬
‫جديد”‪ .‬هذه املرة جاء الرد من مجاعة “اإلخوان املسلمني”‪ ،‬أكرب اجلامعات املرصية‪ ،‬إذ‬
‫اعتربت أن الثورة يف مرص “ال تعترب ثورة إسالمية (باملفهوم اإليراين)‪ ،‬يف رد غري مبارش‬
‫عىل السيد اخلامئني (صادف يوم انتصار الثورة يف مرص مع يوم استشهاد مؤسس اجلامعة‬
‫حسن البنا)‪.‬‬
‫وفيام بعد تبني وجود بعض املجموعات الصغرية‪ ،‬أكثر هؤالء شيعة غري مرصيني‪،‬‬
‫دخلوا إىل ميدان التحرير‪ ،‬حتت حجة منارصة الثورة‪ ،‬لكن شباب امليدان تربؤوا منهم‬
‫حتت عنوان أن “هلم مطالب فئوية”‪ ،‬وطالبوا اجليش بـ”إخراجهم من ميدان التحرير‬
‫بالقوة”!‪ .‬واستناد ًا إىل أن مواقف الويل الفقيه فقد قامت بعض القنوات الفضائية يف‬
‫بغداد وبريوت بربط غري موضوعي بني ثورة اإلمام اخلميني وبني ثورة ‪ 25‬يناير‪ ،‬أو بني‬
‫حرب متوز ‪ 2006‬وبني الثورتني التونسية واملرصية‪.‬‬
‫والواقع أن ترصحيات القادة اإليرانيني وحلفائهم يف املنطقة القت استيا ًء يف الشارع‬
‫املرصي‪ ،‬عبرّ عنه املواطن البسيط‪ ،‬كام عبرّ عنه اإلعالم املرصي‪ ،‬حتى أن املغني الشعبي‬
‫شعبان عبد الرحيم‪ -‬الذي دأب اإلعالم العريب التابع إليران‪ -‬عىل اختاذه مؤرش ًا عىل‬
‫النبض املرصي الرافض للصلح مع “إرسائيل” (أغنيته الشهرية‪ :‬أنا أكره إرسائيل)‪ ،‬قرر‬
‫تسجيل أغنية لتمجيد الثورة ورفض مواقف خامنئي ونرص اهلل‪ :‬حتت عنوان‪ :‬حمروسة‬
‫يا مرص(((‪.‬‬

‫((( أغنية مرص يا حمروسة لشعبان عبد الرحيم‪:‬‬


‫حمروسة يا مرص واهلل‪ ..‬سيبك من أي حقود‬
‫ال خامنئي وال نرص اهلل اجليش املرصى أسود‬
‫ثورتنا ثورة رشيفة وأطهر منكم‬
‫ياريت تشوفوا لكم ليفه تنضف قلبكم‬

‫‪110‬‬
‫ما سبق يعني أن املحاكاة احلقيقية ملا جرى يف مرص يتمثل بام جرى يوم االثنني‬
‫‪ 2011/2/14‬ويوم األربعاء ‪ 2011/2/16‬يف إيران‪ ،‬حيث انتقلت روح الثورة من‬
‫مرص إىل طهران وليس العكس‪ ،‬فأعاد “اإلصالحيون” شباهبم وخرجوا بمظاهرات‬
‫تطالب باإلصالح!‪.‬‬

‫الثورة تسقط عميد الطغاة العرب‬


‫فعلي ًا‪ ،‬فإن الثورتني اللتني سبقتا بالنجاح يف كل من تونس ومرص‪ ،‬أصابتا بلدين‬
‫مصنفني فيام يسمى “اعتداالً” عربي ًا‪ ،‬لكن ما هو أدق يف هذا املجال أن هذه الثورات‬
‫خرجت من رحم الظلم والقهر قبل أي يشء آخر‪ ،‬خالف ًا ملحاوالت حتميلها أبعاد ًا‬
‫قومية أكثر مما حتتمل‪ .‬الدليل عىل ذلك أن الثورة انتقلت إىل ليبيا إلسقاط عميد الطغاة‬
‫معمر القذايف‪ ،‬واألخري ال يمكن بحال اعتباره معتدالً‪ ،‬أو وصف نظام مجاهرييته بصفة‬
‫االعتدال والتبعية ألمريكا‪ ،‬وهي الدولة التي حاربته وقصفت بيته وقتلت ابنته‪ ،‬وظلت‬
‫عىل عدائها له‪ ،‬رغم ختليه الطوعي عن برناجمه النووي املثري للجدل‪ ،‬ودفعه تعويضات‬
‫كبرية ملترضري جريمة لوكريب‪ .‬فض ً‬
‫ال عن أن اخلارجني عىل نظامه هم‪ ،‬ال سواهم‪ ،‬من‬
‫طالب العامل – وهو مطلب حق‪ -‬بالتدخل لصاحلهم فيام بدا القذايف –عن غري حق‪-‬‬
‫كمن يقاتل االستعامر اجلديد(((!‪ ،‬وهذا ما أعلنه بالضبط الرئيس الكويب فيدل كاسرتو‬

‫مرص اليل يف أي أزمة ياما وقفت جنبكم‬


‫دلوقتي نسيتوا خريها طب موتوا بغلكم‬
‫بطلوا حتريض واهتدوا شعبنا مابيتحرضش‬
‫واملرصي حمدش أده ومؤدب مبيغلطش‬
‫((( الواقع أن املشهد الليبي يكشف ما هو أكثر فضح ًا ملزاعم حتريك الثورات العربية عىل سكة االعتدال‬
‫العريب حرص ًا‪ ،‬فالقذايف ليس عميد احلكام العرب وحسب (تسلم احلكم بانقالب عسكري وهو ابن ‪ 27‬عام ًا‬
‫متأثر ًا بالطروحات االشرتاكية والنارصية)‪ ،‬وإنام هو عميد طروحات الوحدة العربية أيض ًا؛ فهو أول من طرح‬
‫الوحدة بني مرص والسودان وليبيا (ثم سوريا)‪ ،‬ما حدا بالرئيس املرصي السابق مجال عبد النارص بوصفه‬
‫«األمني عىل القومية العربية»‪ .‬ومل تتوقف طروحات الوحدة لدى القذايف بوفاة عبد النارص‪ ،‬بل ازدادت‪،‬‬
‫يف حماولة من العقيد‪ ،‬إلرث الزعيم املرصي الراحل؛ فطرح الوحدة مع تونس عام ‪ ،1974‬ومع اجلزائر عام‬
‫‪ ،1975‬ومع املغرب عام ‪ ،1984‬والوحدة العربية اإلفريقية عام ‪ .1988‬كام أن القذايف مل يرتك منظمة ثورية‬
‫يف العامل إال تعاطى معها؛ ابتدا ًء من الفصائل الفلسطينية املقاومة وانتها ًء بكل حركات اإلرهاب (عدا =‬

‫‪111‬‬
‫والفنزوييل هوغو شافيز املوصوفني بعدائهام ألمريكا والغرب‪ ،‬حيث رأى كاسرتو أن‬
‫حترك الثوار الليبيني‪ ،‬بينام اعترب الرئيس الثوري هوغو شافيز‪ ،‬أن ال‬
‫أمريكا هي التي ّ‬
‫وجود لثورة يف ليبيا‪ ،‬وإنام يواجه “القذايف حرب ًا أهلية”!‪.‬‬
‫الطريف أن الثورة يف ليبيا أربكت بعض حلفاء إيران (ال سيام يف لبنان)‪ ،‬ممن كان‬
‫يتقاىض أمواالً من القذايف منذ سنوات طويلة‪ ،‬مع أن هؤالء كانوا حيجزون مقاعد أمامية‬
‫ألنفسهم يف حمور “املقاومة واملامنعة”!‪.‬‬

‫احلوثيون يركبون في قارب الثورة في اليمن‬


‫يف اليوم الذي سقط فيه حسني مبارك؛ انطلقت الثورة يف اليمن‪ ،‬وقد شاركت فيها‬
‫قوى عديدة وخمتلفة‪.‬‬
‫كان موقف إيران مساند ًا للثورة منذ يومها األول‪ ،‬فهي عىل عداء مع الرئيس عيل‬
‫عبد اهلل صالح من جهة‪ ،‬وطرف ًا يف الثورة عليه من خالل مجاعة احلوثي التابعة هلا‪ ،‬لذا فقد‬
‫انخرط احلوثيون يف احلراك الثوري‪ ،‬وتناسوا لوقت قصري خالفاهتم مع باقي املكونات‬
‫الشعبية املنخرطة يف الثورة‪ ...‬حتى إسقاط الرئيس صالح يف ‪.2011/11/23‬‬

‫الثورة السورية الكاشفة‬


‫خالف ًا للموقف من الثورات السابقة؛ شكّل موقف إيران وحلفائها من الثورة‬
‫السورية مفارقة الفتة‪ .‬مل تكشف الثورة السورية حقيقة النظام التي تد ّثر سنني طويلة‬
‫بغطاء “املقاومة واملامنعة” فحسب‪ ،‬وإنام كشفت اجلامعات واألفراد أيض ًا‪ ،‬ممن متكنوا من‬

‫=اإلسالمية منها)‪ .‬وقد زج القذايف بالده بسبب هذا السلوك يف رصاعات مع بلدان عديدة‪ ،‬عربية وغري عربية‪،‬‬
‫كام ورط ليبيا يف احلرب مع تشاد ما بني ‪ 1980‬إىل منتصف ‪ 1987‬بعد دعم حركة التمرد املعروفة باسم «جبهة‬
‫ال عن خوض رصاع دا ٍم مع الغرب والواليات املتحدة األمريكية؛‬ ‫التحرير‏الوطني التشادية (فرولينا)»‪ ،‬فض ً‬
‫وصل ذروته عام ‪ ،1986‬عندما شنت الواليات املتحدة األمريكية غارات جوية عىل ليبيا وعىل منزل القذايف‬
‫بالذات‪ .‬إضافة إىل مسؤولية نظام القذايف عن خطف اإلمام موسى الصدر‪ ،‬وتورطه يف أحداث إرهابية من‬
‫أبرزها‪ :‬تفجري ملهى يف برلني عام ‪ ،1986‬وتفجري لوكريب عام ‪ ،1988‬وتفجري طائرة الـ «يوتا» الفرنسية عام‬
‫‪ ،1989‬وحماولة اغتيال خادم احلرمني الرشيفني عبد اهلل بن عبد العزيز عام ‪ ،2003‬وغري ذلك من األعامل‬
‫اإلرهابية‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫تسويق أنفسهم للرأي العام بشكل خمادع!‪.‬‬
‫بثقة كاملة يمكن القول إن الثورة السورية بالذات هي التي غريت املوقف اإليراين‬
‫من “الربيع العريب” بأرسه‪ .‬مل تعرتف إيران –حتى اآلن‪ -‬بوجود ثورة يف سوريا(((‪،‬‬
‫خالف ًا ملوقفها من الثورات العربية السابقة ومما جيري يف البحرين أيض ًا‪ ،‬وحتت وطأة‬
‫احلرشة تورط حسن نرص اهلل بتوصيف ظاهر التهافت عندما قال يف ‪:2012/2/7‬‬
‫“يوم اجتامع جملس األمن بدؤوا باحلديث عن أن محص َو ْلعانة‪ ،‬وبعد التدقيق تبني أن‬
‫فكذب اإلعالم ا ُمل ّ‬
‫سخر بـ‬ ‫ال يشء يف محص”(((‪ .‬واألشد أن نرص اهلل انتقل إىل اهلجوم ّ‬
‫“احلالل واحلرام”!‪ ،‬مع أنه اإلعالم نفسه الذي وقف إىل جانبه يف حرب متوز ‪.!2006‬‬
‫خلص السيد نرص اهلل إىل “أننا وصلنا ملرحلة أن كل ما ُيقال يف وسائل اإلعالم ال جيوز‬
‫أن نبني عليه”!(((‪.‬‬
‫يف مقاربته للثورة السورية؛ مل يتورع “حزب اهلل” عن تدمري أحد أهم أركان خطابه‬
‫التعبوي؛ وهو الوقوف إىل جانب الشعوب املظلومة‪ .‬مل يكشف موقفه هذا عن طائفيته‬
‫وحسب (خصوص ًا إذا ما قورن بموقفه من احلراك الشعبي يف البحرين)‪ ،‬وإنام أوقعه‬
‫يف “فضيحة أخالقية”‪ ،‬ألنه اختذ موقف ًا معكوس ًا للواقعة التارخيية األكثر أمهية يف الفكر‬
‫الشيعي‪ ،‬أي واقعة كربالء‪ ،‬ذلك أن املقارنة هبا تظهر احلزب يف جانب قتلة اإلمام احلسني‬
‫الذي ُقتل شهيد ًا مظلوم ًا‪ ،‬وإال فإن شعار أتباع احلسني اخلالد‪“ :‬هيهات منا الذلة” هو‬
‫نفسه شعار “املوت وال املذلة” الذي استخرجه الشعب السوري من رحم الظلم‪ ،‬حتى‬

‫((( بكّر النظام اإليراين يف دعم بشار األسد بالسالح‪ ،‬إذ عثرت السلطات الرتكية عىل أول شحنة أسلحة عىل‬
‫متن طائرة إيرانية متوجهة إىل سوريا يف ‪ 2011/3/21‬أي بعد نحو أسبوع عىل الثورة!‪.‬‬
‫((( تابع العامل كله قصف محص ليل اجلمعة‪-‬السبت يف ‪( 2012/2/4-3‬الليلة التي سبقت جلسة جملس‬
‫األمن)‪ ،‬ليس من خالل تصوير الثوار فقط‪ ،‬وإنام من خالل نقل حي قامت به قناة «اجلزيرة‪-‬مبارش»‪ .‬يف تلك‬
‫الليلة الرهيبة استشهد ‪ 217‬سوري ًا غالبيتهم الساحقة يف محص‪-‬حي اخلالدية؛ حيث ارتكبت جمازر يصعب‬
‫وصفها (بعضهم قتلوا بالطعن باحلراب)‪ ،‬ذهب ضحيتها عائالت كاملة (عىل سبيل املثال ال احلرص‪ :‬عائلة‬
‫النكديل وعائلة احلسني وعائلة وشاح‪...)..‬‬
‫((( بتاريخ ‪ 2012/2/6‬وفيام كانت الفضائيات العربية تنقل قصف محص بنقل مبارش‪ ،‬قالت املنار‪ :‬إن‬
‫األهايل يشعلون اإلطارات عىل أسطح املنازل إلهيام العامل أن املدينة تتعرض للقصف‪ ،‬لكن القناة مل تذكر شيئ ًا‬
‫عن مئات القتىل واجلرحى واستهداف املشفى امليداين‪ ،‬وال نقلت مشاهد الدفن‪ ،‬وانتحاب الناس!‬

‫‪113‬‬
‫تساوى لديه املوت واحلياة‪ ،‬ما بقي حتت حكم نظا ٍم؛ ال داعي لإلطالة يف وصف انتهاكه‬
‫القيم اإلنسانية‪.‬‬

‫تورط إيران في قتل السوريني‬


‫باحلديث عن موقف إيران من الثورات العربية‪ ،‬ال يمكن املرور عن الثورة السورية‬
‫دون التوقف أمام تورط إيران املادي يف الوقوف إىل جانب نظام «البعث» األخري‪ .‬كثرية‬
‫هي الشواهد عىل تورط املرشوع اإليراين يف قتل السوريني –كام فعل بالعراقيني من قبل‪-‬‬
‫‪ ،‬وقد تُرجم هذا التورط عىل الشكل اآليت‪:‬‬
‫‪1 -1‬دعم كامل للنظام السوري يف اخلربات والتسليح والرجال من قبل احلرس‬
‫الثوري اإليراين‪.‬‬
‫‪2 -2‬دعم مايل هائل لدعم االقتصاد السوري واملجهود احلريب جليش النظام‪.‬‬
‫‪3 -3‬مقاتلة “حزب اهلل” – وعنارص لبنانية أخرى حليفة له‪ -‬إىل جانب النظام يف‬
‫سوريا‪ ،‬بأوامر إيرانية‪.‬‬
‫‪4 -4‬مقاتلة جيش “املهدي” وعنارص شيعية أخرى إىل جانب النظام يف سوريا‪،‬‬
‫بأوامر إيرانية‪.‬‬
‫والواقع أن تورط إيران يف الدم السوري بدا باكر ًا‪ ،‬وعىل سبيل املثال ال احلرص‬
‫يمكن ذكر؛ بيان «ائتالف شباب الثورة يف سورية” بتاريخ ‪ ،2011/3/20‬وبيان‬
‫طالب جامعة دمشق يف شهر نيسان ‪ ،2011‬وشهادة اجلندي املنشق والفار إىل تركيا‬
‫أمحد خلف يف ‪( 2011/6/12‬شهادته موثقة‪ ،‬لصالح منظامت حقوق اإلنسان واألمم‬
‫املتحدة)‪ ،‬وشهادة املقدم السوري املنشق حسني هرموش بتاريخ ‪،2011/6/14‬‬
‫وشهادة اجلندي يف احلرس اجلمهوري املنشق وليد القشعمي يف ‪ ،2011/7/21‬وبيان‬
‫ووثائق املعارضني السوريني املقيمني يف القاهرة بتاريخ ‪ ،2011/7/31‬وبيان أمني عام‬
‫“ائتالف شباب الثورة السورية” وحيد صقر يف ‪ ،2011/8/26‬وشهادة حمامي محاه‬
‫العام عدنان البكور يف يف ‪ ،2011/9/29‬وشهادة شيخ الثورة السورية أمحد صياصنة‬
‫حول دور “حزب اهلل” وجيش املهدي بمذابح محص ومحاة وإدلب يف ‪.2012/3/16‬‬

‫‪114‬‬
‫ال عن االهتامات التفصيلية التي أدىل هبا العميد حسام عواك‪ ،‬قائد عمليات‬ ‫فض ً‬
‫«اجليش السوري احلر» والعميد السابق باملخابرات اجلوية‪ ،‬لصحيفة «الرشق األوسط»‬
‫إذ بينّ أن‪« :‬كتائب حلزب اهلل تؤازر النظام السوري بالقنص والتفجري وحرب الشوارع‪.‬‬
‫ألقينا القبض‪ ،‬أكثر من مرة‪ ،‬عىل ضباط من عنارص احلرس الثوري اإليراين وخرباء‬
‫إيرانيني يعملون يف مناطق عسكرية إيرانية‪ ..‬لدينا عىل األرايض السورية لواء مدرعات‬
‫كامل من احلرس الثوري اإليراين وموجود باجتاه منطقة دير العشاير يف معسكرات أمحد‬
‫جربيل عىل احلدود اللبنانية السورية‪ .‬حزب اهلل موجود عىل األرايض السورية من خالل‬
‫كتائب ‪ 101‬و‪ 102‬و‪ ،103‬واألخرية كتيبة‪ ...‬متخصصة يف االغتياالت وعمليات‬
‫التفجري‪ ،‬وهي تعمل اآلن عىل األرض لصالح بشار»‪.‬‬
‫وقريب ًا من هذه الترصحيات تأيت شهادة العقيد أبو ياسني (اجليش السوري احلر)‬
‫جلريدة «الرشق األوسط» أيض ًا (‪« :)2012/4/1‬اجليش األسدي س ّلم بعض دباباته‬
‫وآلياته ومدافع امليدان إىل عصابات حزب اهلل وهم يشاركون يف اقتحام القرى ويرتكبون‬
‫املجازر وهيجرون السكان إىل ما وراء احلدود واىل الداخل‪ ...‬مجاعات حزب اهلل ختتطف‬
‫النساء وتغتصبهن بعدما احتلت مستوصف حي العباسية املجاور لدير بعلبة وهو ذو كثافة‬
‫شيعية‪ ،‬وحولوه إىل مركز قيادة ومعتقل يف وسط محص‪ ،‬بعدما حتدد دور عصابات نرص‬
‫اهلل وهو دخوهلا بعد عمليات اجليش النظامي األسدي‪ ،‬الرتكاب الفظائع واملجازر بحق‬
‫املدنيني‪ ،‬خمافة حصول انشقاقا يف صفوف ذلك اجليش إذا قام هو بارتكاب هذه األعامل»‪.‬‬
‫وال شك أن يف لبنان نفسه من الوقائع ما حيرج احلزب املذكور‪ ،‬وعىل سبيل املثال ال‬
‫ال بالسالح بتاريخ ‪،2011/8/13‬‬ ‫احلرص‪ :‬املوكب التابع لـ “حزب اهلل” الذي ُضبط حمم ً‬
‫عىل نقطة املصنع‪ ،‬حيث كان املسؤولون عن املوكب ‪-‬املنتمون إىل “حزب اهلل”‪ -‬حيملون‬
‫بطاقات صادرة عن املخابرات السورية‪ ،‬وتوثيق دخول عنارص من “حزب اهلل” يف‬
‫‪ 2011/6/26‬من منطقة حوش السيد عيل إىل سوريا‪ ،‬للمشاركة يف قمع أهايل بلدة‬
‫والتشابك الذي وقع ليل األحد ‪ 2011/9/25‬بني‬ ‫ُ‬ ‫ربلة يف حمافظة محص السوري‪،‬‬
‫أهايل العريضة وعنارص تتبع “حزب اهلل” كانت عائدة إىل لبنان‪ ،‬بعد إسهامها يف عمليات‬
‫القمع يف سوريا (كانوا يلبسون بدالت سوداء ويرفعون صور ًا للرئيس بشار األسد‬
‫والسيد حسن نرص اهلل)‪ ،‬وإصابة نادر املوىل‪ ،‬مرافق عضو املكتب السيايس يف “حزب‬

‫‪115‬‬
‫اهلل” غالب أبو زينب‪ ،‬الذي نُقل عىل جناح الرسعة إىل مستشفى اهليكلية يف طرابلس‪،‬‬
‫ليوم واحد نظر ًا خلطورة احلالة (إصابة بالرأس)‪ ،‬قبل نقله للعالج يف الضاحية اجلنوبية‬
‫لبريوت‪ ،‬مع الطلب إىل املستشفى التكتم عن املوضوع‪ ...‬وتشييع جثامن حسني عباس‬
‫ا َملعلوف‪ 36 -‬سنة‪ -‬يوم اجلمعة ‪ ،2012/3/16‬إثر مقتله يف سوريا‪ ،‬وتَشييع ُعنرص‬
‫آخر هو نور الدين ولقبه (أبو زهراء) ‪ -‬مواليد بنت جبيل ‪ -1980‬قىض يف اشتباكات‬
‫املزة يف ‪ ،2012/3/19‬فض ً‬
‫ال عن نرش املواقع السورية أسامء ستة قتىل لـ “حزب اهلل” يف‬ ‫ّ‬
‫سوريا‪ُ ،‬سلموا إىل قيادة احلزب يف ‪2011/6/2‬؛ هم‪ :‬طالل حسن احلاج حسن‪ -‬عيل‬
‫أمحد املوسوي‪ -‬حممد عيل إسامعيل‪ -‬زياد عيل بيضون‪ -‬حسني حممد شعيب‪.‬‬
‫وغري بعيد عن ذلك التورط يأيت البيان املريب لكتائب عبد اهلل عزام (‪)2012/3/16‬‬
‫الذي يتهم رصاحة “حزب اهلل” بمحاولته استاملة هذه املجموعة اإلرهابية لتنفيذ‬
‫عمليات يف لبنان ضد شخصيات تعارض النظام السوري‪ ...“ :‬سنكشف للرأي العام‬
‫خستكم يف إدارة معارككم السياسية‪ ،‬بنرشنا للعروض التي قدَّ مها لنا‬
‫َّ‬ ‫عن حقائق تبينِّ‬
‫حزب اهلل وخمابرات النظام السوري؛ لرضب أهداف مبارشة يف لبنان‪ ،‬مقابل ما نريد من‬
‫املال واخلدمات‪ ،‬جاهلني أن املجاهدين أوعى من أن يكونوا أداة بيد احلزب حت ِّقق له‬
‫أهدافه‪ .‬ونكتفي يف هذا املوضع بمثال واحد عىل هذه العروض‪ :‬هو عرضهم علينا أن‬
‫نغتال زعيم الدروز يف لبنان النائب وليد جنبالط مقابل إطالق بعض قيادات املجاهدين‬
‫من سجون النظام السوري”(((‪.‬‬
‫وزيادة عىل ذلك كله؛ فإن التقارير الغربية تتحدث عن تورط “حزب اهلل”‬
‫يف دم الشعب السوري بوضوح‪ ،‬ولعل من أهم هذه التقارير؛ تقرير األمم املتحدة‬
‫بتاريخ ‪ ،2011/8/6‬حول سوريا الذي يتحدث عن وجود “عنارص يف حزب اهلل‬
‫واحلرس اإليراين متورطني بقتل جنود سوريني رفضوا قمع املتظاهرين”‪ .‬كام أن موقع‬
‫ويكيليكس‪-‬الذي أجرى أمني عام “حزب اهلل” السيد حسن نرص اهلل مقابلة حرصية‬
‫مع مؤسسه‪ -‬سبق أن نرش تقرير مركز “سرتاتفورد” لالستخبارات والتحليالت‬
‫االسرتاتيجية‪ ،‬الذي نقل –أي التقرير‪ -‬عن شاهد من “حزب اهلل”‪ ،‬أنّه يوجد “يف‬

‫((( مل يعلق احلزب عىل البيان يف حينه‪.‬‬

‫‪116‬‬
‫سوريا ‪ 3000‬عنرص حرس ثوري و‪ 2000‬مقاتل من حزب اهلل باإلضافة إىل ‪300‬‬
‫مقاتل من حركة أمل‪ ،‬و‪ 200‬من احلزب السوري القومي االجتامعي‪ ،‬حيث يقوم هؤالء‬
‫بقتل اجلنود السوريني الذين يرفضون قتل املتظاهرين”‪ .‬وأن “اجلنود السوريني الـ‪17‬‬
‫الذين ُرموا يف هنر العايص بحامه قد قتلوا عىل يد مقاتيل حزب اهلل (لرفضهم إطالق النار‬
‫عىل املتظاهرين)”‪ .‬وبحسب التقرير فإن ‪ 42‬فرد ًا من احلرس الثوري و‪ 27‬من “حزب‬
‫اهلل” قتلوا يف سوريا لغاية تارخيه (‪.)2012/3/11‬‬
‫غري أن مقتل قائد عمليات حزب اهلل يف سوريا عيل حسني ناصيف (‪)2012/10/2‬‬
‫شكّل بحد ذاته منعطف ًا‪ ،‬ليس بحجم القتيل فحسب‪ ،‬وإنام بانتقال “حزب اهلل” من‬
‫سياسة التكتم عن شهدائه‪ ،‬إىل سياسة تبنيهم وتشييعهم باعتبارهم “شهداء الواجب‬
‫وكرت السبحة‪.‬‬ ‫اجلهادي”‪ ،‬إذ بعد ناصيف شيع “حزب اهلل” حسني عبد الغني النمر ّ‬
‫ومع ازدياد تدفق مقاتيل جيش املهدي؛ صدر يف هناية شهر نوفمرب املايض بيان‬
‫من اجليش السوري احلر إىل السوريني يتحدث عن قتال من أسامهم‪“ :‬الفرس وحزب‬
‫الشيطان وفلول العراق” إىل جانب النظام‪ ،‬وأعقب ذلك ترصيح (‪)2011/11/25‬‬
‫لقائد “اجليش السوري احلر” رياض األسعد حول انضامم “املرتزقة من مجاعة مقتدى‬
‫الصدر وحزب اهلل اللبناين”‪ .‬وبدل أن تؤدي هذه الترصحيات إىل فرملة التورط العراقي‬
‫يف القضية السورية‪ ،‬فقد رصد الثوار يف شهر شباط‪ /‬فرباير املايض تدفق املزيد من مقاتيل‬
‫جيش املهدي‪ ،‬وقد قام هؤالء بارتكاب جمازر يف محص ومحاه وإدلب عىل ما رصح يف‬
‫وقت الحق الشيخ أمحد صياصنة (‪.)2012/4/27‬‬
‫وطبيعي يف هذه احلال؛ أن يسقط قتىل لـ”جيش املهدي” ولغريه أثناء القتال‪ ،‬األمر‬
‫الذي سمح بتوثيق تورط “جيش املهدي” عىل نحو أكرب‪ ،‬سيام أن مجاعة “املهدي” أقل‬
‫تنظي ًام ودراية من “حزب اهلل”‪ ،‬وتالي ًا فقد كان هؤالء يعلنون عن قتالهم وعن مكان‬
‫املواجهة التي سقطوا فيها‪ ،‬بالتزامن مع التهجم عىل “اجليش السوري احلر”‪.‬‬
‫ويف واحدة من احلاالت املوثقة جيد ًا؛ نعى “مكتب السيد الشهيد الصدر” يف‬
‫الديوانية “الشهيد جعفر عذاب فرهود”‪ ،‬الذي “استشهد عىل يد العصابات الوهابية‬
‫املسامة باجليش السوري احلر يف سوريا متأثر ًا بجراحه‪ ،‬إثر مقاتلته العصابات الوهابية يف‬
‫سوريا” كام جاء يف البيان‪ ،‬الذي أضاف أن “الشهيد ‪-‬رمحه اهلل‪ -‬كان مستبرش ًا بالشهادة‬

‫‪117‬‬
‫أثناء القتال وكان حيث إخوانه عىل رضورة املقاومة يف سوريا”‪ .‬الالفت أن البيان يذكر‬
‫بأن “الشهيد” نُقل من سوريا إىل إيران جو ًا قبل أن يصل إىل العراق”‪.‬‬

‫رياح “الربيع العربي” على غير ما تشتهي السفن اإليرانية‬


‫يف األول من شهر كانون األول‪ /‬نوفمرب ‪ 2011‬اخترص رئيس حكومة قطر الشيخ‬
‫محد بن جاسم املشهد القادم يف العامل العريب‪ ،‬عندما قال يف ترصيح لصحيفة “فاينانشال‬
‫تايمز”‪“ :‬إن اإلسالميني سيمثلون ‪-‬عىل األرجح‪ -‬املوجة التالية من القوى السياسية يف‬
‫العامل العريب‪ ،‬وإن عىل الغرب التعاون معهم”‪ .‬نتائج انتخابات “الربيع العريب” قالت‬
‫هي األخرى هذا الكالم‪ ،‬بلغة األرقام التي ال حتتمل التأويل!‪.‬‬
‫ما سبق يعني أن اإلسالميني كانوا قبل الثورات العربية جزء ًا وازن ًا جد ًا من الشعوب‬
‫العربية‪ ،‬وأهنم شاركوا هبذه الثورات –بغض النظر عمن أطلق الرشارة‪ ،-‬وطبيعي أهنم‬
‫سيحصدون نتائجها‪ ،‬وربام بنسبة تفوق باقي الفئات الثائرة‪ ،‬ألسباب تنظيمية ذاتية‪،‬‬
‫وألسباب ذات صلة بـ “اللحظة الثورية”‪ ،‬التي تشكل مشاعر اجلامهري جزء ًا هام ًا منها‪.‬‬
‫تلمس هذه احلقائق يكون أوضح إذا انتقلنا من العموم إىل التفصيل‪ ،‬واستعرضنا‬
‫ولعل ّ‬
‫الثورات العربية واحدة تلو أخرى‪ ،‬من بدء احلراك الثوري إىل مرحلة التعبري االنتخايب‪.‬‬

‫تونس‬
‫مل يكن حممد البوعزيزي إسالمي ًا أو عىل صلة باإلسالميني‪ ،‬لكنه كان نموذج ًا‬
‫صارخ ًا للقهر الذي كان يشعر به الشعب التونيس كله‪ ،‬فشكّل الرشارة‪ .‬وما إن عمت‬
‫التظاهرات حتى شارك اإلسالميون فيها‪ ،‬فأعطوها زمخ ًا أكرب‪ .‬والواقع أن القهر الوحيش‬
‫الذي تعرضت له احلركة اإلسالمية يف تونس‪ ،‬إضافة إىل الفساد‪ ،‬وقمع احلريات عموم ًا‪،‬‬
‫شكّل كله خمزون ًا ثوري ًا تراكم إىل درجة االنفجار‪.‬‬
‫ومما ينبغي ذكره هنا أن حزب النهضة (إخوان مسلمون) قدّ م خالل مسرية‬
‫مقاومته للرئيس زين العابدين بن عيل ثالثني ألف ًا من خرية أبناء تونس‪ ،‬طبع ّ‬
‫سجانوهم‬
‫عىل أجسادهم عالمات الطغيان كلها‪ ،‬وأن املفكر اإلسالمي راشد الغنويش ُسجن ‪6‬‬

‫‪118‬‬
‫سنوات‪ ،‬ونُفي خارج بلده ‪ 22‬عام ًا‪ ،‬وأن املهندس محادي اجلبايل ( رئيس احلكومة اليوم)‬
‫قىض يف سجون بن عيل ‪ 15‬عام ًا من عمره‪ ،‬بينها ‪ 10‬أعوام يف احلبس االنفرادي!‪ ،‬وأن‬
‫تعرض لالعتقال أو السجن(((‪.‬‬‫غالبية أعضاء املكتب السيايس حلزب “النهضة” ّ‬
‫انطالق ًا من هذا الواقع‪ ،‬يمكن فهم احلالة االحتفالية التي شهدها مطار تونس لدى‬
‫عودة راشد الغنويش إىل البالد‪ ،‬وبنا ًء عليها يمكن فهم ظواهر التي ميزت االنتخابات‬
‫التونسية‪ ،‬إن جلهة نسبة املشاركة اهلائلة (‪ ،)%90‬أو جلهة خروج أحياء بأكملها للتصويت‬
‫علن ًا “ملن ناضل وصرب من أجل تونس ومن أجل اإلسالم”‪.‬‬
‫هذا الواقع انعكس أرقام ًا يف صناديق االقرتاع‪ ،‬فبعدما كانت نسبة متثيل احلركة‬
‫اإلسالمية يف تونس صفر‪ ،%‬بات حزب “النهضة” وحده يمثل نحو ‪ %42‬من الشعب‬
‫التونيس‪ ،‬حيث فاز بـ ‪ 90‬مقعد ًا من بني ‪ 217‬مقعد ًا (احلزب الذي تاله فاز بـ ‪ 30‬مقعد ًا‬
‫فقط!)‪ ،‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فقد حصل “النهضة” عىل ‪ 42‬من أصل النساء الـ ‪ 49‬اللوايت‬
‫انتخبن يف املجلس التأسييس (بينهن غري حمجبات)‪ ،‬رغم الدعاية املنافسة حول عدم‬
‫احرتام اإلسالميني حقوق املرأة!‪ .‬ومع أنه نال أعىل نسبة متثيل يف الربملان فقد تفاهم حزب‬
‫“النهضة” مع بقية القوى الوطنية واليسارية‪ ،‬ليصبح املنصف املرزوقي رئيس ًا للجمهورية‪،‬‬
‫ومحادي اجلبايل رئيس ًا للوزراء (هنضة)‪ ،‬ومصطفي بن جعفر رئيس ًا للمجلس التأسييس‪.‬‬

‫مصر‬
‫محلت نسائم الربيع التونيس رشارات النار إىل مرص فأشعلت الثورة‪ ،‬وكام يف تونس‬
‫فقد دخل “اإلخوان املسلمون” ‪-‬والحق ًا القوى السلفية أيض ًا‪-‬يف غباب املد الثوري‪،‬‬
‫وقد ظهر هذا واضح ًا يف ميدان التحرير‪ ،‬إن جلهة احلشد‪ ،‬أو جلهة التنظيم واإلمداد‪،‬‬
‫والحق ًا يف موقعة اجلمل الشهرية‪ ،‬إذ لوال هؤالء – بعد اهلل‪ -‬لسارت الثورة يف مسار آخر‪.‬‬
‫وهنا أيض ًا ال بد من اإلشارة إىل أن “اإلخوان املسلمني” يف مرص قدّ موا خالل‬

‫((( عىل سبيل املثال‪ :‬عيل العريض ‪ 15 -‬عام ًا سجن ًا‪ ،‬وسمري ديلو‪ 10 -‬أعوام سجن ًا‪ ،‬والعجمي الوريمي‪-‬‬
‫‪ 16‬عام ًا سجن ًا‪ ،‬وعبد الكريم اهلارون‪ 16 -‬عام ًا سجن ًا‪ ،‬والصادق شورو ‪ 20-‬عام ًا سجن ًا‪ ،‬واألخري يرأس‬
‫جملس شورى احلركة واسمه اليوم مانديال تونس‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫تاريخ رصاعهم الطويل مع حسني مبارك نحو ‪ 40000‬سجني من اجلامعة‪ ،‬وأن غالبية‬
‫أعضاء مكتب اإلرشاد نال نصيبه من السجون أيض ًا‪.‬‬
‫بعد سقوط مبارك شكّل “اإلخوان املسلمون” حزب “احلرية والعدالة”‪ ،‬كذراع‬
‫سيايس هلم‪ ،‬وشكّل التيار السلفي حزب “النور”‪ ،‬وكالمها تصدرا نتائج االنتخابات‬
‫حيث فاز حزب “احلرية والعدالة” منفرد ًا بنحو ‪ %40‬من األصوات‪ ،‬وحل حزب النور‬
‫السلفي يف املرتبة الثانية‪ ،‬وفيام بعد فاز الرئيس حممد مريس برئاسة مجهورية مرص العربية‬
‫يف اجلولة االنتخابية الثانية‪.‬‬

‫ليبيا‬
‫يف ليبيا شكّل اإلسالميون رافعة التحركات‪ ،‬ثم برز دورهم أكثر مع انتقال الثورة‬
‫من السلمية إىل السالح‪ ،‬إذ كانوا األكثر تنظي ًام واألرشس يف القتال ضد كتائب القذايف‪.‬‬
‫كثري من أعضاء املجلس االنتقايل كانوا من اإلسالميني‪ ،‬بام يف ذلك رئيس املجلس‪ ،‬كام أن‬
‫قائد معركة طرابلس‪- ،‬واملسؤول العسكري عن املدينة الحق ًا‪ -‬هو الناشط اإلسالمي‬
‫عبد احلكيم بلحاج‪ ،‬ممن سجنهم القذايف بعد مشاركتهم يف احلرب األفغانية‪ ،‬وتشكيلهم‬
‫“اجلامعة الليبية املقاتلة”‪ ،‬القريبة يف فكرها من “القاعدة”‪ ،‬والتي راجعت أفكارها‪،‬‬
‫ونحت الحق ًا نحو االعتدال(((‪ .‬كام لعب العلامء القريبون من “اإلخوان املسلمني”‪،‬‬
‫أو املنضوون يف إطار “االحتاد العاملي لعلامء املسلمني” الذي يرأسه العالمة القرضاوي‪،‬‬
‫دور ًا كبري ًا يف تثبيت الناس وتوجيه الثورة‪.‬‬
‫ُيذكر هنا أن “اإلخوان املسلمني” يف ليبيا‪ ،‬قدّ موا كثري ًا من أبنائهم يف نضاهلم ضد‬
‫ظلم القذايف‪ ،‬وقد سبق أن حكمت “حمكمة الشعب اخلاصة” التي ُشكلت ملحاكمتهم‬
‫عام ‪ 2002‬عىل املراقب العام لـ “اإلخوان املسلمني” يف ليبيا عبد القادر عز الدين‪،‬‬
‫ونائب املراقب العام سامل أبو حنك باإلعدام لكليهام‪ ،‬وعىل ‪ 73‬من أبناء اجلامعة بالسجن‬

‫((( اعتقلته القوات األمريكية يف ماليزيا عام ‪ 2004‬وسلمته إىل ليبيا‪ ،‬ويف العام ‪ 2009‬أجرى وزمالؤه‬
‫مراجعات رشعية صدرت باسم «دراسات تصحيحية يف مفاهيم اجلهاد واحلسبة واحلكم عىل الناس» وقد أثنى‬
‫العالمة يوسف القرضاوي والشيخ سلامن العودة وآخرون عىل االعتدال الظاهر فيه‪.‬‬

‫‪120‬‬
‫املؤبد‪ ،‬ومعلوم أيض ًا أن سجن أبو سليم الشهري كان يضم إىل قبيل الثورة؛ نحو ‪2500‬‬
‫سجني غالبيتهم سجناء إسالميون من مجاعة “اجلهاد” ومن “التبليغ والدعوة” ومن‬
‫“السلفيني”‪ ،‬وأن نحو ‪ 1200‬معتقل بينهم كثري من الناشطني اإلسالميني أعدمهم‬
‫القذايف عام ‪( 1996‬شكلت هذه احلادثة واملطالبة بمعرفة ما جرى وبالتعويض عىل‬
‫ذوي الضحايا رشارة الثورة يف بنغازي يف شهر شباط‪/‬فرباير ‪.)2011‬‬
‫بعد انتصار الثورة؛ أعلن “اإلخوان املسلمون” يف ليبيا إعادة إحياء التنظيم‪،‬‬
‫وانتخبوا بشري الكبتي مراقب ًا عام ًا‪ ،‬لكن خالف ًا للتوقعات مل يستطع حتالف اإلسالميني‬
‫إحراز املوقع األول يف نتائج االنتخابات ألسباب تنظيمية‪ ،‬وسوء إدارة املعركة االنتخابية‪.‬‬

‫اليمن‬
‫شكّل –بداي ًة‪ -‬طالب “التجمع اليمني لإلصالح” (إخوان مسلمون) رافعة‬
‫االحتجاجات يف اليمن‪ ،‬ويف وقت مبكر من الثورة اعتُقلت عضو جملس الشورى يف‬
‫التجمع؛ توكل كرمان(((‪ ،‬وما لبثت أن نزلت أحزاب “اللقاء املشرتك”(((‪ ،‬إضافة إىل‬
‫قوى احلراك اجلنويب‪ ،‬واحلوثيني‪ ،‬إىل ميدان االحتجاجات‪ ،‬ثم نحت األمور باجتاه ٍ‬
‫حتد‬
‫شخيص بني آل األمحر وعيل عبد اهلل صالح‪ ،‬حيث أعلن زعيم قبيلة حاشد الشيخ صالح‬
‫األمحر أن‪“ :‬عيل عبد اهلل صالح لن حيكمني بعد اليوم ما دمت حي ًا”‪ ،‬وباملقابل اهتم عيل‬
‫عبد اهلل صالح “اإلخوان املسلمني” مبارشة بالوقوف يف وجهه إلخراجه من السلطة‪،‬‬
‫خصوص ًا بعدما أخذ الرصاع شكل املواجهة املسلحة يف أحياء متعددة من صنعاء‪.‬‬
‫وافق عيل عبد اهلل صالح يف الرياض (‪ ،)2011/11/23‬عىل اتفاق نقل السلطة‬
‫يف اليمن وكُلف حممد باسندوة ‪-‬القريب من القيادي يف “التجمع اليمني لإلصالح”‬
‫محيد األمحر‪ -‬بتشكيل احلكومة اجلديدة‪.‬‬
‫ومرة أخرى‪ ،‬يظهر أن تأييد الثورات العربية مل يكن ألجل احلرية وال حقوق‬

‫((( نالت الحق ًا جائزة نوبل للسالم‪ ،‬وتعترب أول شخصية «إخوانية» تنال هذه اجلائزة‪.‬‬
‫((( التجمع اليمني لإلصالح‪ ،‬واحلزب االشرتاكي اليمني‪ ،‬والتنظيم الوحدوي الشعبي النارصي‪ ،‬وحزب‬
‫البعث العريب االشرتاكي‪ ،‬والتجمع السبتمربي‪ ،‬واحتاد القوى الشعبية اليمنية‪ ،‬وحزب احلق‪.‬‬

‫‪121‬‬
‫اإلنسان‪ ،‬وإنام ألهداف فئوية؛ إذ اغتنم احلوثيون غرق البالد يف الفوىض وسعوا‬
‫إلخضاع الناس بقوة السالح‪ ،‬والسيطرة عىل مساحات جديدة من أرض ال تدين هلم‬
‫وال تعتقد معتقدهم(((‪ .‬االعرتاض عىل ممارسات احلوثيني دفع بإيران للتدخل بشكل‬
‫سافر يف شؤون اليمن‪ ،‬األمر الذي دفع قياديني بـ “التجمع اليمني لإلصالح” (إخوان‬
‫مسلمون) للدعوة إىل طرد السفري اإليراين من صنعاء!‪.‬‬

‫سوريا‬
‫بكّر “اإلخوان املسلمون” يف سوريا يف نقل رشارة الثورة إىل بالدهم‪ ،‬وأصدروا‬
‫يف ‪ 2011/1/17‬بيان ًا اعتربوا فيه ما جرى يف تونس “الرشارة األوىل ملطالبة الشعب‬
‫السوري بحقوقه إذا استمر النظام يف جتاهلها”‪ .‬والواقع أن األجواء التي أثارها‬
‫“اإلخوان” وغريهم يف اخلارج والداخل‪ ،‬حضرّ ت األرضية للثورة يف سوريا‪ ،‬ولو أن‬
‫الرشارة جاءت من حيث مل يتوقع أحد؛ درعا‪ ،‬املتعايشة تارخيي ًا مع النظام‪ ،‬بعدما قام‬
‫مدير األمن السيايس هناك؛ عاطف نجيب‪ ،‬بتعذيب وحيش ألطفال كتبوا شعارات‬
‫مناوئة للنظام عىل اجلدران‪.‬‬
‫ويشكّل اإلسالميون اليوم جزء ًا وازن ًا – يصعب قياسه‪ -‬من احلراك الشعبي‪،‬‬
‫وبطبيعة احلال هم ليسوا الوحيدين‪ ،‬لكن الشعارات يف الثورة تُظهر قدر ًا كبري ًا من‬
‫الروح اإلسالمية‪ .‬وقد شكّل “اإلخوان املسلمون” الرافعة للمجلس الوطني االنتقايل‪،‬‬
‫الذي يمثل غالبية املعارضة السورية اليوم‪.‬‬
‫وتارخيي ًا؛ يعترب “اإلخوان” أكثر من واجه نظام األسد (األب)‪ ،‬اعتبار ًا من العام‬
‫‪ ،1979‬وقد بلغ الرصاع أوجه يف أحداث محاه عام ‪ 1982‬التي أودت بحياة نحو أربعني‬
‫ألف سوري‪ ،‬غالبيتهم الساحقة مل يكن هلم عالقة بـ “اإلخوان”‪ ،‬أو بـ “الطليعة املقاتلة”‪،‬‬
‫فض ً‬
‫ال عن آالف املعتقلني من اجلامعة‪ ،‬الذين ما يزال كثري منهم يف السجون إىل اليوم‪.‬‬
‫يقول الرئيس بشار األسد يف حوار مع صحيفة ذي صنداي تلغراف الربيطانية‬

‫((( ثبت مشاركة عنارص من مجاعة احلوثي يف قتل السوريني‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫(‪“ )2011/10/30‬إن ما تشهده سوريا اليوم هو رصاع بني اإلسالميني والقوميني‬
‫العرب‪ ...‬نحن نقاتل اإلخوان املسلمني منذ مخسينيات القرن املايض وما زلنا نقاتلهم”‪.‬‬

‫‪ ...‬وبلدان أخرى‬
‫إضافة إىل البلدان اخلمسة التي شهدت ثورات قوية؛ لعب اإلسالميون دور ًا كبري ًا يف‬
‫الضغط باجتاه إحداث إصالحات يف بلدان أخرى‪ .‬يف املغرب أعلن امللك حممد السادس‬
‫عن “تعديالت دستورية شاملة” يف ‪ ،2011/3/9‬وبعد إجراء االنتخابات فاز حزب‬
‫“العدالة والتنمية” (إخوان مسلمون) يف االنتخابات بـ ‪ 80‬مقعد ًا‪ ،‬وكُلف رئيس احلزب‬
‫عبد اإلله بن كريان بتشكيل احلكومة اجلديدة‪ .‬ويف الكويت لعب اإلسالميون (اإلخوان‬
‫والسلفيون) دور ًا كبري ًا يف إسقاط احلكومة الكويتية يف ‪ .2011/11/28‬وشهد األردن‬
‫‪-‬وما يزال‪ -‬احتجاجات تقودها مجاعة “اإلخوان املسلمني”‪ ،‬رغم اإلصالحات التي‬
‫أعلن عنها امللك عبد اهلل‪.‬‬

‫هل أسعدت هذه النتائج إيران وحلفاءها؟‬


‫يف الواقع؛ فقد توقع النظام اإليراين وحلفاؤه يف املنطقة أن يرث اإلسالميون وغري‬
‫اإلسالميني األنظمة الساقطة‪ ،‬لكنهم توقعوا أن يكون الوارثون أدوات أو حلفاء عىل‬
‫األقل‪ ،‬لكن ال النموذج اإليراين ظهر‪ ،‬وال روح اإلمام املهدي بانت‪ ،‬وال آثار حرب متوز‬
‫تبدت‪ .‬الشعوب قالت كلمتها فكان البديل عىل غري ما يشتهي املرشوع اإليراين‪ ،‬فانتقل‬
‫من “عشق الديمقراطية” إىل بغض نتائجها‪ ،‬ومن الشعارات الوطنية إىل التخوفات‬
‫الفئوية‪ ،‬ومن دعم “القوى احلية” إىل التحذير من “اإلخوان املسلمني”!‪.‬‬
‫ويمكن القول؛ بنا ًء عىل نتائج “الربيع العريب” أن املرشوع اإليراين خرس أوراق ًا‬
‫ثالثة‪:‬‬
‫‪1-1‬سحب ورقة املطالب الشعبية في العالم العربي‪ :‬إذ مل يعد لتبني إيران‬
‫ظالمات الشعوب أي معنى‪ ،‬فمن جهة فاقد اليشء ال يعطيه‪ ،‬وقمع احلرية يف إيران ال‬
‫يؤهلها بيع هذه احلرية للشعوب األخرى‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن تبني حرية الشعوب مل‬

‫‪123‬‬
‫يعد ذي موضوع‪ ،‬ألن احلرية حتققت بنسب خمتلفة‪ ،‬بأيدي شعوب املنطقة‪ ،‬وبعيد ًا عن‬
‫النموذج اإليراين‪ ،‬وتالي ًا فإن اخلطاب اإليراين مل يعد لديه سوى تبني املطالب الفئوية‪،‬‬
‫كمطالب الشيعة يف السعودية أو البحرين‪ ،‬وهو ما يزيد من حمارصته لدى الغالبية‬
‫الشعبية والرسمية يف البلدان اإلسالمية‪ .‬وبذلك تكون نتيجة الربيع العريب خالف ًا آلمال‬
‫املرشوع اإليراين الذي كان يراهن عىل صعود أنظمة صديقة‪.‬‬
‫‪2-2‬سحب ورقة فلسطني‪ :‬وهي تعد أحد أهم ع ّبارات املرشوع اإليراين إىل‬
‫قلب املنطقة العربية‪ ،‬إذ ال خيفى أن الشعوب كانت تتجاوز سلبيات املرشوع اإليراين‬
‫بدعوى أن أنظمتها أسوأ جلهة خيانة القضايا القومية وعىل رأسها القضية الفلسطينية‪،‬‬
‫لكن صعود اإلسالميني‪ ،‬الذين يتبنون فلسطني عقيدة ال سياسة‪ ،‬أسقط هذه الورقة من‬
‫أيدي املرشوع اإليراين‪ .‬كام أن الشارع العريب نفسه – بأخذه زمام املبادرة‪ -‬حدّ من حجم‬
‫تدخل إيران يف القضية الفلسطينية‪ ،‬ثم جاءت املصاحلة الفلسطينية من القاهرة بالذات‬
‫مؤرش ًا كبري ًا عىل ذلك(((‪.‬‬
‫‪3-3‬كشف خداع شعار الوحدة اإلسالمية‪ :‬شكلت مفارقة البحرين‪-‬سوريا‪،‬‬
‫ال هام ًا يف كشف‬
‫جلهة املوقف السيايس واإلعالمي والتورط الفعيل يف األحداث‪ ،‬عام ً‬
‫خداع شعار “الوحدة اإلسالمية” الذي رفعه املرشوع اإليراين منذ زمن‪ ،‬واستطاع‬
‫من خالل بعض أدواته يف املنطقة كـ “جتمع العلامء املسلمني يف لبنان” مث ً‬
‫ال أن خيدع‬
‫حتول أدوات إيران يف املنطقة من احلديث عن الوحدة إىل التحريض‬
‫كثريين‪ .‬الواقع أن ّ‬
‫عىل السلفيني واجلهاديني كشف حقيقة هذه “الوحدة اإلسالمية” بوضوح‪ .‬ثم جاءت‬
‫املواقف اإليرانية نفسها مما جيري يف سوريا والبحرين لتزيد املشهد وضوح ًا‪.‬‬

‫((( حيث أدى انتقال عدوى الثورات العربية إىل ظهور شعار‪« :‬الشعب يريد إهناء االنقسام»‪ ،‬يف كل من‬
‫الضفة وغزة‪ .‬كام أدى اهنيار النظام املرصي‪ ،‬القريب من حركة فتح‪ ،‬مضاف ًا إليه استمرار «إرسائيل» يف تعنتها‪،‬‬
‫إىل إدراك احلركة أنه مهام كان حجم خالفها مع محاس‪ ،‬فإنه ال سبيل أمامها إال التعايش والتفاهم مع رشيك‬
‫أساس يف النسيج الوطني الفلسطيني‪ .‬من جهة أخرى أدى اهتزاز النظام السوري‪ ،‬احلاضن حلركة محاس‪ ،‬إىل‬
‫إدراك احلركة أن موجبات املرحلة تفرض عليها إعادة الوصل مع الرشيك الفلسطيني برسعة‪ ،‬وحتضري ملرحبة‬
‫ما بعد بشار األسد‪ ،‬خصوص ًا أن أوضاع غزة باتت متعبة ومكلفة جد ًا (البطالة يف غزة ‪.)%65‬‬

‫‪124‬‬
‫موقف سلبي من “الربيع العربي” مبفعول رجعي!‬
‫نتيجة ملا سبق؛ فقد تغري املوقف من “الربيع العريب” برمته‪ ،‬ليس من حلظة معينة وما‬
‫بعدها‪ ،‬وإنام بمفعول رجعي أيض ًا‪ .‬الالفت هنا أن الرئيس بشار األسد فعل اليشء نفسه‪،‬‬
‫ففي حني ظهر واعظ ًا ومستبرش ًا بـ”الربيع العريب” خالل مقابلته مع “وول سرتيت‬
‫جورنال” األمريكية يف‪ ،2011/1/31‬إذا به يقول يف مقابلته مع قناة “روسيا اليوم”‬
‫بتاريخ ‪“ :2012/5/16‬من الواضح أن هذا ليس ربيع ًا بل فوىض”!‪.‬‬
‫بذلك اتضح – مرة أخرى ‪ -‬املصلحية املفرطة يف املواقف اإليرانية‪ ،‬حيث أظهرت‬
‫الثورات العربية أن املصلحة السياسية هي التي حترك املوقف‪ ،‬إذ لو كانت املبدئية الرافضة‬
‫لظلم احلاكم والداعية إىل منح الشعوب حريتها وكرامتها هي األساس يف املوقف من الثورات‬
‫العربية‪ ،‬ملا اختلف املوقف ما بني مرص –مثالً‪ -‬وسوريا‪ ،‬ذلك أن ظلم احلاكم يف سوريا أشد‪،‬‬
‫وقمع الشعب هناك أكرب‪ ،‬ولكنها املصلحة السياسية املغلفة بأثواب من املبادئ والشعارات‪.‬‬
‫كام اتضح أيض ًا أن احلامسة البالغة لثورات ما قبل سوريا‪ ،‬مل تكن حب ًا بالديمقراطية‪،‬‬
‫وإنام كان ذلك التأييد نكاية باخلصوم ليس إال‪ ،‬ألن من ينادي بالديمقراطية يقبل بنتائجها‪،‬‬
‫وال يرفض تعبري الشعوب عن نفسها بحجج عجيبة‪ ،‬كتلك التي ساقها حليف النظام‬
‫اإليراين ميشال عون يف مقابلته بتاريخ ‪ 2012/3/15‬بأنه “ال حرية وال ديمقراطية يف‬
‫الوطن العريب ما دام الفلسطيني خارج أرضه”!‪.‬‬
‫األخطر أن املوقف السلبي من “الربيع العريب” مل يبق جمرد ًا من الفعل‪ ،‬وإنام متثل يف‬
‫مجلة أمور أخرى (غري التورط يف الدم السوري)‪:‬‬
‫‪1-1‬تسويق أدوات املشروع اإليراني في املنطقة لنظرية اخلطر القادم على املسيحيني‪:‬‬
‫وذلك إذا ما وصل “اإلخوان املسلمون” إىل احلكم‪ .‬وبغض النظر عن أن هذا التوقع‬
‫غري صحيح‪ ،‬إال أن استضافة إعالم املرشوع اإليراين يف املنطقة العربية ال سيام القنوات‬
‫املسيحية (قناة ميشال عون مثالً) لشخصيات دينية وزمنية مسيحية‪ ،‬وتبنيه لنظرية‬
‫“اخلطر األصويل”‪ ،‬م ّثل قمة العجب يف مقاربة هذا امللف؛ ذلك أن مرشوع إيران نفسه‬
‫أصويل‪ ،‬بحسب توصيفه وأدبياته هو؛ فكيف حيذر من اإلسالميني ويعتربهم خطر ًا‬
‫عىل املسيحيني؟!‪ ،‬وما يزيد العجب أن اإلسالميني املعنيني هم “اإلخوان املسلمون”‪،‬‬
‫‪125‬‬
‫الذين حيرص املرشوع اإليراين عىل التقرب منهم‪ ،‬ال سيام يف مرص‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن عالقته‬
‫اإلسرتاتيجية بحركة “محاس” وهي الفرع الفلسطيني لـ “اإلخوان املسلمني”!‪.‬‬
‫‪2-2‬تسعير االحتجاجات املذهبية في البحرين‪ :‬وصوالً إىل تظاهر آالف اإليرانيني‬
‫يف ‪ 2012/5/18‬يف طهران لالحتجاج عىل مرشوع االحتاد بني البحرين والسعودية‪،‬‬
‫الذي وصفه إمام الصالة يف العاصمة اإليرانية بـ “مؤامرة أمريكية صهيونية”!‪ .‬وقد‬
‫سبق هذه التظاهرات موقف بال قفازات للناطق باسم اخلارجية اإليرانية اعترب فيه أن‬
‫“مرشوع االحتاد السعودي البحريني يعني زوال البحرين ذات األكثرية الشيعية”!‪.‬‬
‫‪3-3‬التصويب على التطرف اإلسالمي مجددا ً‪ :‬لقد كان الواقع السيايس قبل‬
‫“الربيع العريب” قائ ًام عىل متالزمة إشاحة الغرب نظره عن ظلم األنظمة الظاملة‬
‫للشعوب التي حتكمها‪ ،‬مقابل مواجهة هذه األنظمة لـ “اخلطر اإلسالمي”‪ .‬حتت هذه‬
‫اضطهد اإلسالميون مجيع ًا‪ ،‬وبرزت “القاعدة” يف رفض ظلم الغرب وحلفائه يف‬
‫املعادلة ُ‬
‫املنطقة‪ ،‬لكن ثورات العرب أهنت هذه املعادلة‪ ،‬فقطعت الطريق عىل أسلوب “القاعدة”‬
‫املتطرف‪ ،‬وأسقطت أنظمة الظلم‪ ،‬وأوصلت االعتدال اإلسالمي إىل احلكم‪ ...‬حتى‬
‫صار اإلسالميون أنفسهم يف مواجهة التطرف (يف مرص بعد حادثة سيناء األخرية‬
‫عىل سبيل املثال)‪ ،‬بمعنى آخر؛ فإذا كانت أنظمة الظلم استحالت فلوالً‪ ،‬فإن طروح‬
‫“القاعدة” مل تعد جتد من يشرتهيا‪ ،‬وكال األمرين أفقد إيران مادة خطاهبا املوجه للعامل‬
‫العريب‪ ،‬باعتبارها مع الشعوب العربية ضد “االستكبار العاملي”‪ ،‬ما دفعها للتصويب‬
‫ال عن وصم الثورة السورية كلها‬ ‫جمدد ًا عىل التطرف اإلسالمي يف كل حدث‪ ،‬فض ً‬
‫ال جهادي ًا لـ “القاعدة”‪.‬‬
‫بالتطرف واعتبار القتال الذي جيري ضد نظام األسد فع ً‬
‫‪4-4‬البحث عن قضية جديدة جامعة‪ :‬يف إطار البحث عن أوراق جديدة حاول‬
‫املرشوع اإليراين تسعري وقيادة االحتجاجات عىل اإلساءة اآلثمة لنبي الرمحة حممد ‪-‬صىل‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ،-‬بعد ظهور مقاطع لفيلم “براءة املسلمني” يف أيلول‪ /‬سبتمرب ‪،2012‬‬
‫وتوجيهها حرص ًا باجتاه الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬الستدرار دعم شعبي من كراهية‬
‫أمريكا من قبل شعوب املنطقة‪ ،‬باعتبار أن إيران عدو هلا ولربيتها “إرسائيل”‪.‬‬
‫‪5-5‬التورط في الدم السوري‪ :‬مل يكتف املرشوع اإليراين بدعم النظام الظامل يف‬

‫‪126‬‬
‫سوريا‪ ،‬وإنام تورط يف الدم السوري أيض ًا‪ -‬وقد سبق تفصيل ذلك‪ -‬مع أن الشعب‬
‫السوري سبق أن استقبل مجهور “حزب اهلل” قبل أقل من مخس سنوات عىل بدء‬
‫الثورة؛ فآوى منارصيه‪ ،‬واقتسم معهم الطعام والرشاب‪ ،‬وجمّد قائده‪ ...‬فإذا باحلزب‬
‫ينقلب عليه‪ ،‬ويرفض استقبال نازحيه يف مناطقه‪ ،‬ويمنع إقامة خميامت هلم‪ ،‬ويسهم يف‬
‫قتلهم يف سوريا‪ ،‬وخطفهم والتجسس عىل ناشطيهم يف لبنان‪!...‬‬

‫خسائر املشروع اإليراني جراء “الربيع العربي”‬


‫يظهر الواقع نتائج كارثية عىل املرشوع اإليراين وأتباعه‪ ،‬جراء “الربيع العريب”‪ ،‬عىل‬
‫الشكل اآليت‪:‬‬
‫‪1 -1‬حصار شعبي ورسمي للمرشوع اإليراين يف دول املنطقة قاطبة بعد انكشافه‪ ،‬كام‬
‫مل حيدث من قبل‪.‬‬
‫‪2 -2‬خسارة الشارع السوري وانتقال السوريني الثائرين إىل حالة معاداة املرشوع‬
‫اإليراين بالكامل بعدما تورط يف دمهم‪ ،‬ما يعني خسارة كبرية هلذا املرشوع(((‪.‬‬
‫‪3 -3‬فقدان عقدة القوس يف املرشوع اإليراين‪ ،‬إذ ال يمكن ألي نظام بديل أن يعادل‬
‫النظام السوري يف خدمته املرشوع اإليراين‪ ،‬فكيف إذا أصبح النظام القادم يف سوريا‬
‫بحالة مواجهة مع املرشوع اإليراين؟!‬
‫‪4 -4‬اهنيار الصورة الذهنية ألهم ذراع إيراين يف املنطقة؛ “حزب اهلل”‪ ،‬إذ يبدو أن‬
‫اخلسائر التي أصابت احلزب غري قابلة للتعويض‪ ،‬سيام أن الرأي العام أعاد قراءة جتربة‬

‫((( يف ‪ 2012/5/28‬اعرتف اللواء إسامعيل قاءاين‪ ،‬نائب اجلنرال سليامين‪ ،‬القائد العام لفيلق القدس‪،‬‬
‫بالتواجد العسكري هلذه القوة عىل األرايض السورية والضلوع يف قمع املعارضني لنظام الرئيس بشار األسد‪،‬‬
‫وذلك من خالل ترصحيات زعم فيها أنه لوال حضور اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية لكانت املجازر التي‬
‫ترتكب بحق الشعب السوري عىل يد املعارضني أوسع من هذا‪ .‬ويف ‪ 2012/5/31‬اعرتف نائب القائد‬
‫العام للحرس الثوري اإليراين إسامعيل كوان بوجود قوات إيرانية يف سوريا ملساعدة ومساندة نظام بشار‬
‫األسد‪ .‬ويف ‪ 2012/8/6‬قال الرئيس أمحدي نجاد “لن نمسح بسقوط النظام السوري أبد ًا متوكلني عىل اهلل‬
‫مستمدين العون من املهدي عليه السالم”‪ .‬ويف ‪ 2012/9/16‬قال قائد احلرس اإليراين حممد عيل جعفري‪:‬‬
‫“إن نخبة من احلرس الثوري موجودة يف لبنان وسوريا لكن بصفة مستشارين وخرباء”‪ ،‬ويف ‪2012/9/21‬‬
‫قال رئيس أركان اجليش اإليراين إن “حرب سوريا هي حرب ايران”!‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫احلزب من أوهلا عىل أساس التدهور األخالقي الذي آل إليه‪.‬‬
‫‪5 -5‬خسارة املرشوع اإليراين أطراف ًا كانت قريبة منه‪ ،‬أمهها قطر وتركيا‪ ،‬حيث‬
‫انتقلت العالقة من التحالف ‪-‬عىل ذمة املتكلمني باسم املرشوع اإليراين‪ -‬إىل حالة‬
‫العداء والتخوين(((‪.‬‬
‫‪6 -6‬احتامل اندالع الثورة يف إيران نفسها بعد انتصار الثورة السورية‪ ،‬سيام أن إيران‬
‫فضال عن أن الشعب اإليراين‬‫ً‬ ‫باتت مستنزفة اقتصادي ًا جراء دعمها لنظام األسد(((‪،‬‬
‫املقموعة ثورتُه اخلرضاء سوف يأخذ جرعة دعم لتحركات جديدة‪.‬‬

‫‪ ...‬وتوقع‬
‫بنا ًء عىل املعطيات والقراءة السابقة‪ ،‬فإنه يتوقع أن تتعاظم روافد مواجهة املرشوع‬
‫اإليراين يف املنطقة بعد “الربيع العريب”‪ ،‬وأن تكتشف األنظمة اجلديدة ‪-‬التي قامت‬
‫عىل أنقاض أنظمة القمع‪ -‬املرشوع اإليراين من موقع جديد‪ ،‬ما يعني أن املواجهة معه‬
‫ستكون أقسى هذه املرة وأكثر فعالية‪ ،‬إذ ال يملك املرشوع اإليراين يف مواجهة أنظمة‬
‫منتخبة وذات خلفية إسالمية وطروح مقاومة جتاه املرشوع الصهيوين‪ ،‬ما كان يمتلكه‬
‫يف مواجهة أنظمة قمعية وذات خلفية علامنية‪ ،‬وطروح استسالمية‪ ،‬وتالي ًا فإن شعارات‬
‫املقاومة واإلسالم وحترير الشعوب والوقوف إىل جانب حقوقها لن تكون منتجة‪ ،‬بل‬
‫ستشكل استفزاز ًا للقوى التي وصلت إىل احلكم‪ ،‬ال سيام القوى اإلسالمية‪ ،‬التي من‬
‫حقها اليوم أن تسلك كل مسالك العالقات مع الدول واملشاريع األخرى‪ ،‬بغض النظر‬
‫عن مواقف النظام السابق من هذه الدول واملشاريع‪ ،‬لكن فرتة االكتشاف لن تطول‬
‫لتصبح املواجهة بال قفازات!‪.‬‬

‫((( انتقد نائب رئيس الوزراء الرتكي بولند أرينج يف‪ 2012-2-6‬صمت إيران إزاء قمع النظام السوري‬
‫بالقول‪{»:‬أتوجه إليك يا مجهورية إيران اإلسالمية‪ .‬ال أدري إن كنت جديرة بأن حتميل اسم اإلسالم‪ ،‬لكن هل‬
‫تفوهت بعبارة واحدة للتعليق عىل ما حيدث يف سوريا؟‪».‬‬
‫((( تؤكد املعلومات أن إيران تدعم نظام األسد مالي ًا‪ ،‬وأهنا ضغطت عىل حلفائها يف بغداد من أجل دعم‬
‫السلطات السورية بمليارات الدوالرات‪ ،‬كام تفيد معلومات تركية أن إيران قدمت ثالثة مليارات دوالر‬
‫لألسد يف األشهر القليلة األوىل من االنتفاضة فقط‪ ،‬إضافة إىل مساعدات غري مرشوطة مع ‪ 290،000‬برميل‬
‫من النفط جمان ًا‪ ،‬وكذلك ‪ 9‬مليارات دوالر خالل األشهر الثالثة األوىل من عام ‪ 2012‬ملنع سقوطه‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫إيران والثورة املصرية‪ :‬تفاعالت التحدي واالستجابة‬

‫د‪ .‬محمد السعيد إدريس‬

‫‪1-1‬مقدمة‪ :‬مصر وإيران ومكر التاريخ‬


‫يبدو أن التاريخ قد أرص عىل أن يفرض رأيه وبقوة يف قراءة وتقييم عالقات مرص‬
‫وإيران‪ ،‬تلك العالقات التي شهدت فرتات من التالقي واالنقطاع عىل نحو مل تعرفه‬
‫عالقات البلدين مع أي من الدول األخرى‪ ،‬كانت الغلبة فيها للقطيعة عىل حساب‬
‫التالقي الذي مل يتطور يوم ًا ليتحول إىل رشاكة أو تعاون أو حتالف‪ ،‬وكأن غياب هذا‬
‫النوع من الرشاكة أو التحالف قد أضحى قدر ًا ال فكاك منه‪ ،‬لكن رغم مرارة هذه‬
‫املالحظة فإن هناك مالحظة أخرى ال تقل أمهية عن ذلك العناد الذي يقف باملرصاد‬
‫ضد النهوض بعالقات مرص وإيران إىل مستوى التحالف‪ ،‬هذه املالحظة أن الثورات‬
‫التي شهدها البلدان كانت دائ ًام عامل تقارب وتالقى أكثر منها عامل تباعد ورصاع‪،‬‬
‫وأن الثورات املضادة التي انتكست بتلك الثورات كانت جتهض هذا التقارب وبالذات‬
‫ال حاس ًام يف فرضه عىل القيادات‪.‬‬
‫التقارب الذي يكون الشعب يف البلدين عام ً‬
‫كانت هناك عالقات مصاهرة يف األربعينيات بني البلدين عندما تزوج شاه إيران‬
‫حممد رضا هبلوي من األمرية فوزية شقيقة فاروق ملك مرص‪ ،‬وكانت هناك عوامل‬
‫كثرية قادت إىل هذا التقارب أبرزها بالطبع أن احلليف الدويل للبلدين كان واحد ًا‪،‬‬
‫حيث كانت بريطانيا حليف ًا للبلدين‪ ،‬كام كان التقارب يف خصائص أيديولوجيات‬
‫ال أساسي ًا يف هذا التقارب‪ ،‬فالبلدان كانا حيكامن من نظامني ملكيني‬
‫نظامي احلكم عام ً‬
‫وراثيني‪ ،‬وكانت الرأساملية هي القوة املسيطرة عىل احلكم‪ ،‬وكانت الظروف الدولية‬
‫واإلقليمية التي أعقبت احلرب العاملية الثانية دافع ًا للمزيد من التقارب بني البلدين‪،‬‬
‫ولكنه ظل تقارب ًا هامشي ًا مل يعرب عن نفسه يف تطور يؤدى إىل إحداث تغيري له أمهيته‬
‫يف خريطة التحالفات والرصاعات اإلقليمية‪ ،‬إىل أن كانت ثورة الدكتور حممد مصدق‬
‫الديمقراطية التي نجحت يف إبعاد الشاه عن احلكم وقامت بتأميم النفط اإليراين‪ ،‬وكان‬

‫‪129‬‬
‫هلذه الثورة دوهيا وإهلامها عىل ثوار مرص الذين أهبرهم هذا األداء الثوري اإليراين اجلديد‬
‫كام هزهم وأحزهنم االنقضاض األمريكي عىل ثورة مصدق ونجاح املخابرات املركزية‬
‫األمريكية يف عودة الشاه إىل عرشه‪ ،‬ولكنها كانت عودة مقرتنة بإحالل الواليات املتحدة‬
‫حمل بريطانيا يف السيطرة عىل العرش اإليراين‪.‬‬
‫سقوط الثورة يف إيران كانت له أصداء قوية عىل مرص لدرجة تفوقت عىل ما‬
‫أحدثته الثورة نفسها من نتائج‪ ،‬فثورة مرص التي كانت قد قامت عام ‪ 1952‬وهاهلا ما‬
‫حدث لثورة مصدق عام ‪ 1953‬استوعبت درس االستقالل وجالء القوات الربيطانية‬
‫عن أرايض مرص‪ ،‬فكانت كل األولوية لتوقيع اتفاقية اجلالء عام ‪ ،1954‬كام استوعبت‬
‫درس تأميم مصدق لنفط بالده‪ ،‬فكان هذا التأميم مله ًام للزعيم مجال عبد النارص يف‬
‫تأميم قناة السويس وكان أيض ًا درس انتكاسة ثورة مصدق مستوعب ًا عند عبد النارص‬
‫الذي توقع حدوث العدوان الثالثي عقب إعالن قرار تأميم قناة السويس يوم ‪ 26‬يوليو‬
‫‪ 1956‬حيث وقع العدوان الربيطاين – الفرنيس – اإلرسائييل السرتداد قناة السويس‬
‫وكرس شوكة الثورة قبل أن يستفحل خطرها عىل الكيان الصهيوين واملرشوع االستعامري‬
‫األورويب بعد شهرين من قرار التأميم‪.‬‬
‫كان نجاح ثورة ‪ 23‬يوليو ‪ 1952‬يف مرص حمطة شديدة األمهية يف عالقات البلدين‪،‬‬
‫فبعد العدوان الثالثي عىل مرص عام ‪ 1956‬بدأت مرص تتجه وبقوة لقيادة حركة التحرر‬
‫العربية وانخرطت بعد حضورها الفاعل يف مؤمتر التضامن اآلسيوي – األفريقي يف‬
‫باندونج (سبتمرب ‪ )1955‬يف قيادة حركة التحرر العاملية بزعامة رائدة مجعت مجال عبد‬
‫النارص والزعيمني اهلندي جواهر الل هنرو واليوغساليف جوزيف بروز تيتو‪ ،‬وأصبحت‬
‫مرص عىل رأس قيادة حركة التحرر العاملية املناهضة لالستعامر‪ ،‬واجتهت نحو التقارب‬
‫الذي حتول إىل ما يشبه التحالف مع االحتاد السوفيتي الذي قام ببناء السد العايل بدالً من‬
‫الغرب الذي سحب متويله لبناء السد‪ ،‬ويوم ًا بعد يوم أضحت مرص حمسوبة عىل املعسكر‬
‫االشرتاكي بقيادة االحتاد السوفيتي ما وضعها يف خانة األعداء بالنسبة للواليات املتحدة‬
‫يف الوقت الذي كانت إيران الشاه قد حتولت فيه إىل واحدة من أهم القواعد األمريكية‬
‫بانخراطها يف مرشوع األحالف الغربية ابتداء من حلف بغداد الذي حتول فيام بعد إىل‬

‫‪130‬‬
‫احللف املركزي (السنتو) بعد انسحاب العراق إزاء نجاح ثورهتا يف يوليو عام ‪،1958‬‬
‫كام أصبحت حليف ًا قوي ًا للكيان الصهيوين‪ ،‬وحاربت حركة التحرر العربية وسعت مع‬
‫دول عربية حليفة لواشنطن إلحداث انقسامات يف صفوف العاملني العريب واإلسالمي‬
‫عىل قاعدة الرصاع أو التحالف مع الواليات املتحدة والكيان الصهيوين‪.‬‬
‫وهكذا كان لثورة ‪ 23‬يوليو عام ‪ 1952‬أثرها اهلائل عىل عالقات مرص وإيران‪،‬‬
‫وهو األثر الذي مل ينافسه يف قوته غري ما أحدثته الثورة اإليرانية عام ‪ 1979‬التي أسقطت‬
‫الشاه يوم ‪ 11‬فرباير من ذلك العام وأسست للجمهورية اإلسالمية لتحل حمل النظام‬
‫الشاهنشاهي اإلمرباطورى‪ .‬فقد بدلت الثورة اإلسالمية اإليرانية أنامط وعالقات إيران‬
‫اإلقليمية والدولية عندما أسست نظام ًا إسالمي ًا ثوري ًا سعى إىل حماربة االستكبار العاملي‬
‫ودعم نضال الشعوب التي تسعى إىل التحرير‪ ،‬فأهنت كل روابط إيران مع الواليات‬
‫املتحدة وإرسائيل وخضعت بذلك حتت ضغوط أمريكية وإرسائيلية هائلة‪ ،‬كام أحدثت‬
‫تلك الثورة انقالبات يف عالقات إيران اإلقليمية خصوص ًا عقب اندالع احلرب العراقية‬
‫– اإليرانية (سبتمرب ‪ )1980‬التي امتدت لثامنية أعوام‪.‬‬
‫فقد أهنت الثورة اإليرانية ما كان يمكن اعتباره حتسن ًا حمدود ًا يف عالقات إيران مع‬
‫مرص يف الفرتة التي أعقبت وفاة الزعيم مجال عبد النارص ونجاح خليفته أنور السادات يف‬
‫اإلجهاز عىل نظام عبد النارص بعد انقالب مايو ‪ 1971‬حيث بدأت أوىل خطوات التقارب‬
‫يف عالقات مرص مع الواليات املتحدة‪ ،‬وهو التقارب الذي قاد إىل تقارب يف عالقات مرص‬
‫مع إيران ودخول إيران طرف ًا غري مبارش يف وصول مرص إىل حمطة كامب ديفيد وتوقيع‬
‫اتفاقية السالم املرصية – اإلرسائيلية بعد أشهر قليلة من نجاح الثورة يف إيران‪.‬‬
‫كان عام ‪ 1979‬عام ًا فارق ًا يف عالقات مرص مع إيران‪ ،‬فانقالب مايو ‪ 1971‬يف‬
‫مرص الذي أوصلها إىل توقيع اتفاقية السالم مع إرسائيل كان أشبه بثورة مضادة عىل‬
‫ثورة ‪ 23‬يوليو وزعيمها مجال عبد النارص‪ ،‬وقادت هذه الثورة املضادة بانتكاساهتا‬
‫مرص للدخول يف رصاع وعداء مبكر مع ثورة إيران بعد أن اختذت القيادة اإليرانية‬
‫قرار ًا بقطع العالقات مع مرص رد ًا عىل توقيع السادات اتفاقية السالم مع إرسائيل‪.‬‬
‫ومنذ ذلك الوقت دخل البلدان طريقان متناقضان وانتهجا مسارين متعارضني‪ ،‬مرص‬

‫‪131‬‬
‫قادت مرشوع التسوية مع إرسائيل‪ ،‬وتزعمت إيران مرشوع املقاومة ضد هذا الكيان‬
‫الصهيوين‪ ،‬ودخلت عوامل كثرية داخلية يف البلدين وأخرى إقليمية ودولية لتوسع يف‬
‫فجوة اخلالف بني مرص وإيران إىل أن تفجرت الثورة الشعبية الديمقراطية التي قادها‬
‫شباب مرص وانترصت يوم ‪ 11‬فرباير عام ‪.2011‬‬
‫إنه يوم جميد يف تاريخ البلدين يوم احلادي عرش من فرباير‪ .‬ففي هذا اليوم من عام‬
‫‪ 1979‬انترصت ثورة إيران اإلسالمية ورحل الشاه‪ ،‬ويف هذا اليوم من عام ‪2011‬‬
‫انترصت الثورة الوطنية الديمقراطية يف مرص ورحل مبارك عن القاهرة إىل أطراف مرص‬
‫يف رشم الشيخ ألجل ال يعرفه إال اهلل سبحانه وتعاىل‪.‬‬
‫كيف تفاعلت إيران مع الثورة املرصية؟‪ ،‬وما هي حمددات املوقف اإليراين من‬
‫تداعيات هذه الثورة وإىل أي حد امتدت هذه التداعيات إىل الداخل اإليراين نفسه وعىل‬
‫املرشوع اإلقليمي إليران؟‪.‬‬

‫‪2-2‬إيران والثورة املصرية‪ :‬أمناط التفاعالت‬


‫للوهلة األوىل من اندالع الثورات العربية‪ ،‬وبالتحديد عقب سقوط نظام الرئيس‬
‫التونيس زين العابدين بن عيل وامتداد الثورة إىل مرص تصور اإليرانيون‪ ،‬وعىل األخص‬
‫القوى اإليرانية احلاكمة أن فجر ًا جديد ًا من االنتصارات للمرشوع اإليراين يف العامل‬
‫العريب قد بدأ‪ .‬هذا التصور حتول إىل قناعة بسقوط نظام حسني مبارك وامتداد رياح‬
‫الثورة إىل مناطق متعددة من الوطن العريب شملت املغرب واجلزائر وليبيا كام شملت‬
‫البحرين وسلطنة عامن واليمن واألردن والعراق وكادت أصداؤها تسمع يف لبنان حتت‬
‫شعار «الشعب يريد إسقاط النظام الطائفي» كصدى للشعار الشهري الذي بدأ يف تونس‬
‫وأخذ يدوي يف مرص ومنها إىل جمتمعات عربية عديدة «الشعب يريد إسقاط النظام»‪.‬‬
‫هذا التصور أخذ يرتاجع خطوة خطوة لسببني‬
‫أوهلام‪ :‬أن رياح ثورات الربيع العريب أخذت متتد إىل الداخل اإليراين نفسه يف شكل‬
‫إعادة جتديد مطالب التيار اإلصالحي ومطالبة النظام باالمتثال إىل مطالب التغيري التي‬
‫يدعمها النظام يف مرص وتونس ودول عربية أخرى‪.‬‬

‫‪132‬‬
‫وثانيهام‪ :‬أن هذه الرياح وصلت إىل دول صديقة وحليفة إليران وعىل األخص‬
‫سوريا والعراق‪ ،‬وهنا بالتحديد حتول ربيع الثورات العربية من توفري فرص هائلة أمام‬
‫تيار وحمور املامنعة عىل حساب حمور االعتدال العريب إىل تفجري حتديات داخل تيار املامنعة‬
‫نفسها وخلق حالة غري مسبوقة من سيولة التطورات والتفاعالت يصعب حساهبا أو‬
‫حتديد اجتاهاهتا‪.‬‬
‫كيف تعاملت إيران مع هذه الفرص‪ ،‬وكيف أدركت التحديات‪ ،‬وكيف تعاملت‬
‫معها؟‬
‫هذان السؤاالن مع ًا مها حمور هذه الورقة‪ ،‬ولكن قبل التعرف عىل إجابة هذين‬
‫السؤالني سوف نتعرض رسيع ًا للمحددات احلاكمة هلذين املوقفني‪.‬‬

‫أ‪ -‬محددات مواقف إيران من الثورة املصرية والثورات العربية‬


‫نستطيع أن نميز هنا بني موقفني إيرانيني األول خيص القوى احلاكمة واآلخر خيص‬
‫املعارضة‪ ،‬فإذا كانت املعارضة قد تعاملت مع الثورات العربية كمحفزات لتجديد‬
‫مرشوعها اإلصالحي ضد النظام‪ ،‬والتعامل مع دعم النظام أو عىل األقل تأييده للثورات‬
‫العربية كمربر ملصداقية مرشوعها اإلصالحي فإن القوى احلاكمة تعاملت مع الثورات‬
‫العربية من منظورين‪ :‬أوهلام‪ ،‬العالقة مع إيران‪ ،‬أي عالقة النظام احلاكم الذي يتعرض‬
‫للثورة بإيران ودورها اإلقليمي هل هو نظام صديق إليران أم عدو منحاز للمرشوع‬
‫األمريكي – اإلرسائييل‪ ،‬وثانيهام‪ ،‬تأثري هذه الثورات عىل توازن القوى اإلقليمي وعىل‬
‫خرائط التحالفات والرصاعات‪.‬‬
‫فالدول التي تعرضت للثورات كانت من منظور املحدد األول إما صديقة إليران‬
‫أو عدوة هلا وإما أهنا بني هذا وذاك‪ ،‬أي ال هي عدو وال هي صديق‪ .‬ولذلك دعمت إيران‬
‫الثورة يف الدول التي كانت حتكمها نظم حكم معادية أو منافسة إليران‪ ،‬لكنها أخذت‬
‫املوقف العكيس بالنسبة للدول التي حتكمها نظم حكم صديقة إليران‪ ،‬أما بالنسبة للنوع‬
‫الثالث من الدول فكان املوقف اإليراين حريص ًا عىل أن يكون حذر ًا من ناحية ومتأهب ًا‬
‫لدعم الثورة يف تلك الدول من ناحية أخرى‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫أما بالنسبة لتأثري الثورات عىل توازن القوى اإلقليمي وخرائط التحالفات‬
‫والرصاعات فإن موقف إيران كان منحاز ًا للثورات التي حدثت داخل دول حمور‬
‫االعتدال املنافس (مرص والبحرين عىل وجه اخلصوص) لكنها وقفت موقف ًا خمتلف ًا يف‬
‫الثورات التي حدثت داخل حمور املامنعة والدول الصديقة (سوريا والعراق)‪ ،‬وحاولت‬
‫أن تكون عىل مقربة من أحداث وثورات الدول األخرى خاصة تونس واليمن وليبيا وأن‬
‫تتابع أدوار األطراف األخرى بني هذه الثورات وبالذات املواقف األمريكية واألوروبية‬
‫واإلرسائيلية وأن تبنى مواقفها وفق ًا لتلك املواقف‪.‬‬
‫وقد أوضح السيد عيل خامنئي املرشد األعىل للجمهورية اإلسالمية التزام إيران‬
‫هبذين املحددين بإعالنه أن «موقفنا واضح‪ :‬حني تكون احلركة إسالمية وشعبية وضد‬
‫أمريكا ندعمها»‪ .‬ففى الوقت الذي أشاد فيه وبقوة بالثورة املرصية يف كلمته بمناسبة‬
‫الذكرى الـ ‪ 22‬لوفاة مؤسس اجلمهورية اإلسالمية اإلمام آية اهلل اخلميني كان موقفه‬
‫خمتلف ًا بالنسبة ملا حدث يف البحرين وما حيدث يف سوريا‪.‬‬
‫فقد أشاد خامنئي بـ «انتصار ثورة الشعب املرصي الذي حيتل الطليعة يف العاملني‬
‫العريب واإلسالمي» ووصفه بأنه «انتصار متألق وال مثيل له»‪ .‬وتوقع خامنئي أن يكون‬
‫النرص حليف الثورات يف اليمن وليبيا والبحرين‪ ،‬واعترب أن ما جرى وجيري يف «شامل‬
‫أفريقيا والرشق األوسط» (الحظ مل يقل ما جرى يف الوطن العريب أو حتى العامل العريب)‬
‫«سيعيد صناعة التاريخ»‪ .‬لكنه اعترب أن سياسة الدول الغربية هي إضعاف ليبيا وزجها‬
‫يف حرب أهلية من أجل السيطرة عىل ثرواهتا‪ ،‬لكنه أكد أن «القضية يف البحرين ليست‬
‫طائفية‪ ،‬وإنام هي سلب حقوق مواطن يف وطنه»‪ .‬ومن دون أن يسمي سوريا مىض قائالً‪:‬‬
‫«يف أي مكان يكون فيه التحرك بتحريض من أمريكا والصهاينة لن نسانده‪ .‬حني تدخل‬
‫أمريكا والصهاينة الساحة إلطاحة نظام واحتالل دولة نقف عىل اجلانب املقابل»‪.‬‬
‫عىل هذا النحو التزمت إيران بمواقف دعم الثورة يف الدول التي كانت عىل عداء‬
‫معها والصديقة ألمريكا وإرسائيل‪ ،‬لكنها فعلت العكس يف الثورات التي حدثت يف‬
‫الدول الصديقة هلا واملعادية ألمريكا أو ليست طرف ًا يف حمور االعتدال العريب‪ ،‬وسعت‬
‫إىل كسب نفوذ جديد يف الدول املحايدة وخاصة ليبيا واليمن‪.‬‬

‫‪134‬‬
‫ب‪ -‬إيران وسياسة تعظيم الفرص‬
‫يمكن القول‪ ،‬دون مبالغة‪ ،‬أن سقوط نظام حسني مبارك يف مرص كان أهم فرص‬
‫ومكاسب إيران عىل اإلطالق‪ .‬هذا ما أدركه األمريكيون واإلرسائيليون قبل إيران‪،‬‬
‫فانتصار الثورة يف مرص يوم ‪ 11‬فرباير وهو يوم انتصار الثورة اإلسالمية يف إيران عام‬
‫‪ 1979‬أعطى هلذا االنتصار معنى حرص اإليرانيون عىل التأكيد يف إعالمهم وهو أن‬
‫الثورة املرصية وغريها من الثورات العربية امتداد للثورة اإلسالمية اإليرانية‪.‬‬
‫لقد أثار انتصار الثورتني املرصية واإليرانية يف هذا اليوم املجيد الكثري من‬
‫التساؤالت وبالذات ذلك السؤال اخلاص بعالقات مرص وإيران‪ ،‬وهل يمكن أن تقود‬
‫الثورة الديمقراطية املرصية إىل عهد جديد من عالقات التقارب الذي يمكن أن يتحول‬
‫إىل حتالف بني مرص وإيران‪ ،‬وهل يمكن أن يقود انتصار الثورة يف مرص وغريها من‬
‫الدول العربية إىل تأسيس نظام إقليمي جديد يف الرشق األوسط خمالف ملا أرادته أمريكا‬
‫بالرشق األوسط الكبري أو اجلديد‪ ،‬نظام إسالمي أو عىل األقل نظام مناهض ألمريكا‬
‫وإرسائيل وكل عالقات التبعية‪.‬‬
‫هذا السؤال شغل القيادة اإليرانية بقدر ما شغل املسؤولني يف كل من الواليات‬
‫املتحدة والكيان الصهيوين‪ ،‬لدرجة أنه يمكن القول أن نوع ًا من التسابق يف التفاؤل‬
‫واخلوف أخذ يفرض نفسه عىل الدول الثالث يف وقت كانت فيه مرص غارقة ومستوعبة‬
‫يف ثورهتا الشعبية وماليينها التي مألت ميادينها‪ ،‬وكانت مشغولة بأمل النرص وخماوف‬
‫الفشل‪.‬‬
‫اإلرسائيليون أرعبهم ما كان حيدث يف مرص لنظام الرئيس حسني مبارك‪ ،‬لدرجة أن‬
‫هذا الرعب اإلرسائييل قد أيقظ عند املرصيني‪ ،‬للمرة األوىل مشاعر هول عالقات نظام‬
‫مبارك مع إرسائيل‪ ،‬وكيف أن هذا النظام كان من أهم حلفاء هذا الكيان‪ ،‬وقاد هذا الوعي‬
‫اجلديد بعالقات نظام مبارك مع إرسائيل املرصيني إىل إدراك أمرين شديدي اخلطورة؛‬
‫أوهلام‪ ،‬مدى اجلرائم التي ارتكبها هذا النظام ضد مصالح مرص االسرتاتيجية بتحالفه‬
‫مع الكيان الصهيوين‪ .‬وثانيهام‪ ،‬خطورة هذا التحالف اإلرسائييل مع مبارك ونظامه عىل‬
‫الثورة‪ ،‬وبدأ كثريون يتذكرون ما سبق أن أكده آيف دخيرت رئيس األمن الداخيل (الشاباك)‬
‫‪135‬‬
‫اإلرسائييل األسبق من أن إرسائيل ستحبط أى حماولة انقالب عسكرية ضد مبارك‪ ،‬وأن‬
‫هناك قوة من مشاة البحرية األمريكية (املارينز) عىل أعىل مستوى من التدريب موجودة‬
‫يف ثالثة أماكن بالقاهرة (مرص اجلديدة وجاردن سيتي واملعادي) مهمتها التصدى املبكر‬
‫ألى حماولة انقالب عسكري ضد نظام الرئيس مبارك إىل أن يأيت الدعم اخلارجي من‬
‫أماكن قريبة من مرص (قواعد أمريكية وإرسائيل)‪.‬‬
‫هذه املخاوف دعمتها ضغوط احلكومة اإلرسائيلية ورئيسها بنيامني نتنياهو عىل‬
‫اإلدارة األمريكية ودول االحتاد األورويب من أجل دعم بقاء الرئيس مبارك ونظامه‪،‬‬
‫وكان سالح التخويف من حتول مرص ما بعد مبارك إىل إيران إسالمية أخرى معادية‬
‫إلرسائيل هو أبرز أدوات الرتويع اإلرسائيلية الستنهاض دعم أمريكي وأورويب لنظام‬
‫مبارك ضد ثورة الشعب املرصي‪.‬‬
‫أما الواليات املتحدة فقد ظهرت مرتددة ومتلعثمة يف اختياراهتا ومواقفها من الثورة‬
‫املرصية ابتداء من دعمها ملبارك ونظامه وأخذها موقف الدعوة إىل إجراء إصالحات‬
‫داخلية مرصية ودعم بقاء مبارك عىل رأس السلطة يف مرص خوف ًا عىل إرسائيل وعىل‬
‫املصالح االسرتاتيجية األمريكية‪ ،‬إىل اختاذ موقف الدعوة إىل التغيري السيايس مع احلفاظ‬
‫عىل بقاء مبارك‪ ،‬وانتهاء بمباركة خيارات الشعب املرصي أم ً‬
‫ال يف أن تبقى لواشنطن‬
‫القدرة عىل إدارة أمور مرص يف مرحلة ما بعد مبارك عرب حتالفات مع أطراف داخلية‬
‫مرصية من أجل حتييز الثورة لصالح أمريكا‪.‬‬
‫بني هذا الذعر اإلرسائييل وهذا احلذر األمريكي كان الفرح اإليراين والتفاؤل‬
‫الشديد املفرط يف توقعاته‪ ،‬واألقرب إىل التحليل الرغائبي منه إىل التحليل العلمي سواء‬
‫عىل لسان الرئيس أمحدي نجاد أو املرشد األعىل السيد عيل خامنئي الذي ألقى بنفسه‬
‫خطبة اجلمعة يوم الرابع من فرباير ‪ 2011‬وباللغة العربية عىل غري العادة ليصل ما يقوله‬
‫إىل أسامع املرصيني وقادة الثورة وإىل كل العرب وهي اخلطبة التي أشاد فيها بالثورة‬
‫ووجه فيها انتقادات حادة للرئيس مبارك وكيف أنه ونظامه قد ناال كثري ًا من مكانة مرص‬
‫وكرامتها وسط أمتها وعاملها اإلسالمي وكيف أن نظام مبارك حتول إىل حليف إلرسائيل‬
‫وعدو لفلسطني‪ ،‬لكن أخطر ما قاله خامنئي هو حرصه عىل أمرين أوهلام‪ :‬املشاهبة بني‬

‫‪136‬‬
‫ثورة مرص عام ‪ 2011‬وثورة إيران عام ‪ 1979‬وكيف أن ثورة مرص تعترب امتداد ًا للثورة‬
‫اإليرانية‪ .‬وثانيهام‪:‬دعوة الثوار املرصيني إىل قيادة ثورة إسالمية وإقامة نظام إسالمي يف‬
‫مرص‪.‬‬
‫مل يكتف اإليرانيون بإعالن تفاؤهلم ودعمهم القوي لثورة مرص بل إهنم اهتموا‬
‫األمريكيني بالتآمر عىل الثورة املرصية بدعمهم لنظام مبارك عىل نحو ما جاء عىل لسان‬
‫عيل الرجياين رئيس جملس الشورى (الربملان) الذي اهتم الواليات املتحدة بـ «إعاقة ثورة‬
‫مرص»‪ .‬وجاء انتصار ثورة ‪ 25‬يناير املرصية يوم ‪ 11‬فرباير ليلهم وعي اإليرانيني بمدى‬
‫قدرية عالقة مرص وإيران حيث لعبت مسائل رمزية كثرية دورها يف هذا اإلهلام ابتداء من‬
‫رمزية ميدان التحرير يف القاهرة كمركز للثورة املرصية وميدان أزادي (احلرية) يف طهران‬
‫كمنطلق ومركز للثورة اإليرانية‪ ،‬وامتداد ًا لعالقة التحالف بني الشعب واجليش يف‬
‫الثورتني وانحياز اجليشني اإليراين واملرصي خليار شعبيهام وانتهاء بيوم النرص للثورتني‬
‫الذي تصادف أن يكون هو نفسه يوم ‪ 11‬فرباير‪.‬‬
‫هذه املعاين عرب عنها سعيد جلييل األمني العام للمجلس األعىل لألمن القومي‬
‫اإليراين بقوله «أن تزامن سقوط مبارك مع ذكرى الثورة اإلسالمية يف إيران يثبت أن‬
‫‪ 11‬فرباير هو يوم النرص لشعوب املنطقة‪ ،‬ويوم الفشل للواليات املتحدة والصهيونية»‪.‬‬
‫كام اعترب هاشمي رفسنجاين رئيس جملس خرباء القيادة رئيس جممع تشخيص مصلحة‬
‫النظام أن تزامن سقوط مبارك مع ذكرى الثورة اإلسالمية يف إيران «مصادفة سارة» وأن‬
‫«انتفاضة املرصيني يمكن أن تكون إهلام ًا (للشعوب) العربية وىف شامل أفريقيا وأن تتيح‬
‫إهناء هيمنة الغرب»‪ .‬كام اعترب رفسنجاين أن «النظام الصهيوين هو اخلارس األبرز من‬
‫اليقظة يف العامل العريب»‪.‬‬
‫هذا اإلدراك اإليراين لقيادة النظام يف إيران لثورة ‪ 25‬يناير املرصية كان يقابله إدراك‬
‫ٍ‬
‫خامتي‪،‬‬ ‫آخر لقادة املعارضة اإلصالحية‪ :‬مري حسني موسوي ومهدي كرويب وحممد‬
‫الذين نظروا إىل هذه الثورة ليس فقط من منظور مردودها عىل توازن القوى اإلقليمي‬
‫وخرائط الرصاعات والتحالفات يف إقليم الرشق األوسط وخاصة عىل خط املواجهة‬
‫مع أمريكا وإرسائيل‪ ،‬ولكنهم تعاملوا معها أيض ًا من منظور قدرة الشعوب عىل النرص‬

‫‪137‬‬
‫وإسقاط النظم االستبدادية‪ ،‬لذلك كانت انتفاضتهم املتجددة ضد النظام انطالق ًا من‬
‫اإلهلام الذي أحدثه انتصار الثورة وانخراط املاليني يف صفوفها‪ ،‬وهو اإلهلام الذي جدد‬
‫األمل عند قادة املعارضة لالنتصار عىل النظام اإليراين الذي يرونه دكتاتوري ًا واستبدادي ًا‬
‫وخارج ًا عن إطار الثورة اإلسالمية ودستورها‪ ،‬كام أهنم التقطوا اخليط من املوقف‬
‫املنحاز لثورة الشعب املرصي من قادة النظام يف إيران ملطالبتهم بعدم االزدواجية يف‬
‫املواقف‪ ،‬وطالبوهم بأن يتوقفوا عن التصدي ملطالب التغيري الديمقراطي الذي تطالب‬
‫به املعارضة‪.‬‬
‫ما هيمنا هنا هو موقف احلكم يف إيران الذي كانت له الغلبة يف ردود الفعل اإليرانية‬
‫عىل الثورة املرصية خاصة مع إبداء احلكم اجلديد يف مرص استقاللية جديدة يف إدارة‬
‫سياسة مرص اخلارجية وبالذات مع القوى اإلقليمية وخاصة إيران عىل نحو ما ظهر‬
‫مبكر ًا يف السامح لسفينتني حربيتني إيرانيتني بالعبور يف قناة السويس باجتاه املوانئ‬
‫السورية‪ ،‬رغم الرفض اإلرسائييل الرصيح وهي اخلطوة التي أضحت موضع إشادة‬
‫إيرانية باملوقف املرصي اجلديد وحرص احلكم اجلديد عىل استقاللية السياسة اخلارجية‬
‫املرصية بعيد ًا عن اهليمنة األمريكية وضغوط العالقة مع إرسائيل‪.‬‬
‫هذه اخلطوة تدعمت بترصحيات مبارشة عىل لسان وزير خارجية مرص اجلديد‬
‫الدكتور نبيل العريب صاحب التاريخ الوطني املرشف كدبلومايس مرصي واضح االنتامء‬
‫لقضايا وطنه وأمته وخاصة ما يتعلق بالعالقة مع الكيان الصهيوين واستقاللية القرار‬
‫الوطني املرصي وانتامء مرص ألمتها العربية‪ ،‬وهى أمور تراجعت كثري ًا بل واختفت عند‬
‫من سبقوه يف تبوء هذا املنصب الذين كانوا حريصني‪ ،‬كغريهم من الوزراء‪ ،‬عىل اتباع‬
‫تعليامت «السيد الرئيس» وااللتزام بتوجيهاته وسياساته‪.‬‬
‫فقد كشف نبيل العريب عن اجتاه جديد لدى مرص ووزارة اخلارجية املرصية لتغيري‬
‫أسلوب التعامل كلي ًا مع املتطلبات اإلنسانية يف قطاع غزة ومعرب رفح‪ ،‬وإعالنه يف‬
‫مؤمتر صحفي عقب لقائه مع وفد من قيادة حركة املقاومة اإلسالمية «محاس» وإجراء‬
‫اتصاالت مع خالد مشعل رئيس املكتب السيايس لـ «محاس» أن «مرص تتحرك حالي ًا‬
‫إلمتام املصاحلة الفلسطينية»‪ ،‬وأهنا «ستفتح صفحة جديدة مع كل الدول العربية»‪ ،‬مشري ًا‬

‫‪138‬‬
‫إىل زيارة رئيس الوزراء املرصي اجلديد الدكتور عصام رشف ووفد وزاري للسودان‪،‬‬
‫وأن هذه الزيارة «أتت بنتائج إجيابية»‪ .‬مل يكتف العريب بذلك‪ ،‬لكنه وفيام يتعلق بإيران‬
‫قال وبوضوح ورصاحة وصلت رسيع ًا إىل كل من هيمهم األمر‪ ،‬أن «مرص ال تعترب إيران‬
‫دولة معادية أو دولة عدو»‪ ،‬وزاد بقوله «نحن نفتح صفحة جديدة مع مجيع الدول ومنها‬
‫إيران»‪ ،‬كام أشار إىل إمكانية رفع مستوى العالقات الدبلوماسية بني البلدين إىل سفارة‪،‬‬
‫ملمح ًا إىل رضورة أو أمهية جتاوب إيران مع هذا التوجه املرصي اجلديد بالقول «هذا‬
‫يتوقف عىل موقفهم‪ ،‬فنحن نعرض فتح صفحة جديدة وننتظر رد فعلهم»‪.‬‬
‫االستجابة اإليرانية جاءت رسيعة حيث بادر جمتبى أماين رئيس مكتب رعاية‬
‫املصالح اإليرانية يف القاهرة بزيارة وزير اخلارجية املرصي وتسليمه رسالة من نظريه‬
‫اإليراين عيل أكرب صاحلي معلن ًا أن اتصاالت جتري حالي ًا بني القاهرة وطهران لإلرساع‬
‫بعودة العالقات الدبلوماسية الكاملة بني البلدين‪ ،‬وأن «املسئولني اإليرانيني تلقوا‬
‫بارتياح وإجيابية كاملة ترصحيات وزير اخلارجية املرصي نبيل العريب بشأن توجه مرص‬
‫لفتح صفحة جديدة يف العالقات مع إيران» وأن الرد اإليراين «كان رسيع ًا وتواق ًا بشأن‬
‫التعاطي مع هذه اإلشارة املرصية سواء من جانب وزير اخلارجية اإليراين أو رئيس جلنة‬
‫األمن القومي والسياسة اخلارجية يف جملس الشورى اإليراين»‪ .‬ومشري ًا إىل أن «هناك‬
‫آفاق ًا واسعة لالرتقاء بالتعاون االقتصادي والتجاري بني البلدين فور عودة العالقات»‬
‫ومذكر ًا بأن حجم التبادل التجاري احلايل ال يتجاوز‪ ،‬لألسف «مائة مليون دوالر‬
‫(التبادل بني إيران وتركيا جتاوز إىل ‪ 6‬مليار دوالر هذا العام)‪.‬‬
‫استجابة وزير اخلارجية املرصي هلذا الرتحيب اإليراين كانت رسيعة أيض ًا وملفتة‬
‫كسابقتها من الترصحيات حيث أعلن أن مرص تفتح صفحة جديدة مع كافة الدول بام‬
‫فيها إيران”‪ ،‬لكن اجلديد هو قوله “أن الشعبني املرصي واإليراين جديران بأن تكون‬
‫بينهام عالقات تعكس تارخيهام وحضارهتام” جمدد ًا‪ ،‬ومكرر ًا لرشوط إيران هلذه العالقة‬
‫املأمولة وهي أن تكون قائمة عىل االحرتام املتبادل لسيادة الدول وعدم التدخل مطلق ًا‬
‫يف الشئون الداخلية بأي طريقة من الطرق”‪ ،‬ومن جانبها قال املتحدث باسم وزارة‬
‫اخلارجية املرصية أن رسالة عيل أكرب صاحلي وزير اخلارجية اإليراين لنظريه املرصي‬

‫‪139‬‬
‫تضمنت تقدير صاحلي لترصحيات الوزير املرصي‪ ،‬ودعوة إىل دراسة سبل تطوير‬
‫العالقات وذلك باستقبال وزير اخلارجية املرصي يف طهران أو قيام وزير اخلارجية‬
‫اإليراين بزيارة القاهرة‪.‬‬
‫هذه الترصحيات والتطورات اعتربها مراقبون “حتوالً حقيقي ًا يف سياسة مرص‬
‫اخلارجية” بعد ثورة ‪ 25‬يناير املرصية‪ ،‬ومن بعدها بدأت التساؤالت واالستفسارات‪:‬‬
‫هل يمكن أن تتجاوز مرص عقبات التزاماهتا مع إرسائيل وأمريكا وتتحول إىل إيران‪،‬‬
‫خاصة يف ظل التصلب األمريكي جتاه أي حتول مرصي ولو حمدود يف عالقة مرص بإيران‬
‫عىل غرار استياء واشنطن من ذلك التوجه وإبداء أسفها قبل أقل من ثالثة أشهر من‬
‫قيام الثورة املرصية (وبالتحديد يف ‪ )2010/10/7‬لتوقيع مرص اتفاق ًا تتيح استئناف‬
‫الرحالت اجلوية املبارشة بني مرص وإيران وهي الرحالت املتوقفة منذ أكثر من ثالثني‬
‫عام ًا (االتفاق نص عىل تسيري ‪ 28‬رحلة أسبوعية حسب بيان لوزارة الطريان املدين‬
‫املرصية) ورغم أن الرشكة املرصية التي أوكل هلا القيام هبذه الرحالت رشكة خاصة‬
‫وليست رشكات الطريان املرصية الرسمية‪.‬‬
‫وإذا كانت مرص مل تتحسب للتحفظات أو حتى االعرتاضات األمريكية‪ ،‬ومل تأبه‬
‫باهتامات اإلعالم اإلرسائييل لوزير اخلارجية املرصي بأنه “عدو للسامية” فإن التحديات‬
‫فرضت نفسها فجأة عىل بوادر هذه العالقات ابتداء من تفاقم األزمة بني دول جملس‬
‫التعاون اخلليجي إليران ثم كشف مرص ملا عرف بتورط دبلومايس إيراين يعمل يف‬
‫مكتب رعاية املصالح اإليرانية بالقاهرة يف عمليات جتسس ضد مرص‪.‬‬
‫فقد جتاوزت األزمة بني دول جملس التعاون اخلليجي وإيران ما هو خالف طبيعي‬
‫بني الطرفني حيث امتدت لتشمل كل دول املجلس دون استثناء حسب البيان الصادر‬
‫عن االجتامع الطارئ لوزراء خارجية دول املجلس يف الرياض من ناحية‪ ،‬وبعد أن‬
‫لوحت بعض األطراف إىل احتامالت تدهور العالقة وجتاوزها اخلالفات السياسية إىل‬
‫االشتباكات العسكرية إن تطلبت األمور ذلك‪.‬‬
‫ٍ‬
‫الوزاري بشدة ما أسامه بـ “التدخل اإليراين يف شئون‬ ‫ففي ذلك البيان أدان املجلس‬
‫البحرين الداخلية واستنكر االهتامات الباطلة التي تضمنها البيان غري املسئول الصادر‬

‫‪140‬‬
‫عن جلنة األمن القومي والشئون اخلارجية بمجلس الشورى اإليراين الذي جاء فيه أن‬
‫السعودية “تلعب بالنار” من خالل إرساهلا قوات إىل البحرين‪ ،‬وطالب عالء الدين‬
‫ال من السعودية واإلمارات بـ “االنسحاب فور ًا من‬
‫بروجردي رئيس تلك اللجنة ك ً‬
‫البحرين” معترب ًا أن دخول هذه القوات “احتالالً” هلذا البلد‪.‬‬
‫هذا البيان زاد عليه وزير اخلارجية اإليراين عيل أكرب صاحلي بإعالنه أن “السعودية‬
‫سلكت مسار ًا خاطئ ًا‪ ،‬وهذا املسار له عواقب وخيمة يف املستقبل”‪ ،‬وطالبها “بسحب‬
‫قواهتا من هناك”‪ ،‬ما دعا وزير اخلارجية السعودي األمري سعود الفيصل للرد وبقسوة‬
‫عىل هذه الترصحيات بإبداء أسفه الستمرار طهران يف إعطاء نفسها احلق بالتدخل‬
‫يف شئون املنطقة ودوهلا وانتهاك سيادهتا واستقالهلا‪ ،‬معترب ًا أن الترصحيات اإليرانية‬
‫“إثارة للفتنة والقالقل” يف املنطقة‪ ،‬وتأكيده عىل أن “التدخالت اإليرانية تظل أكرب‬
‫من حماوالت التزييف واملراوغة التي متارسها إيران” هذه الترصحيات زاد عليها وزير‬
‫اخلارجية الكويتي الشيخ حممد الصباح بإعالنه “كنا نتهم إيران بالتجسس واآلن أصبح‬
‫االهتام حقيقة”‪.‬‬
‫هذه األزمة بدأت تنعكس عىل عالقات مرص بإيران‪ ،‬وإن كان بشكل غري مبارش‪،‬‬
‫وخصوص ًا بعد أن أخذ احلديث عن مشاعر سلبية خليجية‪ ،‬وخاصة سعودية‪ ،‬من إقدام‬
‫مرص بالقفز نحو حتسني عالقاهتا مع إيران دون استشارة أشقائها يف اخلليج‪ ،‬وتردد احلديث‬
‫يف دوائر إعالمية وسياسية خليجية ومرصية (من أولئك املحسوبني عىل عهد حسني‬
‫مبارك) من أن تطوير العالقات املرصية مع إيران ربام قد يكون عىل حساب رصيدها لدى‬
‫دول اخلليج‪ ،‬والتى تردد أن بعضها أخذ هيدد مرص بسحب استثامراهتا من مرص وطرد‬
‫العاملة املرصية منها إن هي أقدمت عىل حماكمة الرئيس املخلوع حسني مبارك‪.‬‬
‫وجاء اهتام مرص لتورط الدبلومايس اإليراين سيد قاسم احلسيني يف عمليات‬
‫جتسس ضد مرص ليفاقم من حتديات فرص إيران لتطوير عالقاهتا مع مرص لكن إيران‬
‫استطاعت عرب دبلوماسية واعية احتواء األزمة بعد اتصاالت متالحقة وعرب دبلوماسية‬
‫نشطة‪.‬‬
‫فإذا كان وزير األمن اإليراين حيدر مصلحي قد حرص عىل أن يكشف عن إفراج‬

‫‪141‬‬
‫السلطات املرصية عن سيد قاسم احلسيني الدبلوماسى اإليراين واعتذارها عن اعتقاله‬
‫والقول بأن “املرصيني قدموا االعتذار بخصوص اعتقال الدبلومايس اإليراين‪ ،‬وأفرجوا‬
‫عنه بعد ساعتني من االعتقال” فإن وزير اخلارجية عيل أكرب صاحلي كان حريص ًا عىل‬
‫احتواء األزمة وعدم التضخيم من رد الفعل اإليراين قدر حرصه عىل اإلبقاء عىل خيط‬
‫التواصل مع مرص دون انقطاع أم ً‬
‫ال يف متتينه وتقويته حسب ما سوف متكن الظروف‪،‬‬
‫فقد أوضح صاحلي أن قضية اعتقال احلسيني “كانت جمرد سوء فهم وقد عوجلت‬
‫برسعة”‪ ،‬وأضاف أن “طهران والقاهرة ختطوان عىل طريق إقامة عالقات دبلوماسية‬
‫بينهام‪ ،‬وينبغي الصرب يف عملية حتسن العالقات بني البلدين”‪ ،‬مشري ًا إىل أن “املرصيني‬
‫يواجهون ضغوط ًا أمام الظروف القائمة وأنه يتفهمها‪ ،‬لكن وجهة نظر احلكومة‬
‫والشعب املرصي العظيم تقوم عىل تعزيز العالقات مع إيران بصورة إمجالية”‪ ،‬صاحلي‬
‫كان حريص ًا أيض ًا عىل أن يعود ويشدد عىل تفاؤله بالعالقات مع مرص مع الوعي بـ‬
‫“رضورة التقدم نحو املستقبل برتيث وعدم االستعجال”‪ .‬لكنه وأمام مؤمتر دويل عقد‬
‫يف طهران (‪ 30‬مايو ‪ )2011‬شاء أن يتجاوز حدود التلميح إىل الترصيح بخصوص‬
‫دواعي الرتيث وعدم االستعجال فقال‪“ :‬أن تعزيز التعاون السيايس سيؤدي بدوره إىل‬
‫مزيد من التعاون االقتصادي أيض ًا‪ ،‬إال إن األشقاء املرصيني يواجهون يف الوقت الراهن‬
‫بعض الضغوط ونحن نتفهم هذه الظروف”‪.‬‬
‫وإذا كانت إيران قد استطاعت احتواء مشكلة اجلاسوس مع مرص فاملؤكد أن‬
‫تراجع ًا بدرجة ما قد حدث يف اندفاع مرص بعد الثورة إلقامة عالقات مع إيران عىل‬
‫مستوى السفراء وتطوير هذه العالقة‪ ،‬وهذا معناه أن فرصة مهمة ضاعت عىل إيران‪،‬‬
‫مريس‬
‫ٍ‬ ‫وهي فرصة يمكن أن تتجدد عىل ضوء زيارة الرئيس املرصي اجلديد د‪ .‬حممد‬
‫لطهران وحضوره مؤمتر قمة دول عدم االنحياز وتبنيه مرشوع ًا حلل األزمة السورية‬
‫جيعل إيران طرف ًا معرتف ًا به عربي ًا يف حل األزمة عرب جلنة رباعية تضم مرص والسعودية‬
‫وإيران وتركيا‪ ،‬لكن هناك فرصة أخرى ضاعت من إيران يف البحرين‪.‬‬
‫فإيران دعمت بقوة االنتفاضة يف البحرين‪ ،‬ومل يكن خافي ًا أن هذا الدعم اإليراين‬
‫السيايس واإلعالمى املكثف لالنتفاضة يف البحرين وللمعتصمني يف دوار اللؤلؤة عىل‬

‫‪142‬‬
‫وجه اخلصوص يعكس بعد ًا طائفي ًا طاغي ًا‪ ،‬دفعت البعض يف البحرين إىل اهتام إيران بأهنا‬
‫تسعى من وراء هذا الدعم إىل إقامة مجهورية إسالمية يف البحرين‪ .‬هذا االهتام أخذ أبعاد ًا‬
‫سياسية واضحة مع دخول أطراف شيعية عراقية لدعم االنتفاضة يف البحرين وبالذات‬
‫عقب دخول قوات درع اجلزيرة إىل األرايض البحرينية الذي أخذ يصور يف إيران عىل أنه‬
‫“احتالل سعودي” للبحرين‪.‬‬
‫دخول قوات درع اجلزيرة إىل البحرين جاء يف أعقاب ما وصفته السلطات‬
‫البحرينية بـ “املؤامرة” التي جيري تدبريها من جانب إيران للبحرين‪ ،‬احلديث عن‬
‫“املؤامرة” يف البحرين جاء كرد فعل للرفض وللتصعيد املستمر يف مواقف ومطالب‬
‫املعارضة‪ ،‬وكان أبرزها رفض دعوة احلوار الوطني التي تقدم هبا ويل عهد البحرين‪ ،‬هذا‬
‫الرفض ملبادرات احلكومة ووىل العهد والتصعيد يف املطالب جاء مقرتن ًا بدعم إيراين غري‬
‫مسبوق للمعتصمني يف دوار اللؤلؤة باملنامة والستمرار االعتصامات حتى االستجابة‬
‫للمطالب‪.‬‬
‫وعىل الرغم من كل ما أحدثه دخول قوات درع اجلزيرة للبحرين من انتقادات‬
‫للمجلس وللدول األعضاء من جانب إيران فإن السلطات البحرينية استطاعت أن‬
‫تتفرغ ملواجهة املعتصمني وتركت مهمة تأمني احلدود واملوانئ واملنشآت احليوية لقوات‬
‫درع اجلزيرة‪ ،‬ما أدى إىل إهناء االعتصام واعتقال قادة ورموز املعارضة وتقديم بعضهم‬
‫إىل املحاكامت‪ ،‬هذا التصعيد من جانب احلكومة املدعوم من جملس التعاون اخلليجي‬
‫ووجه بردود فعل إيرانية قوية للدرجة التي دفعت وزير اخلارجية اإليراين عيل أكرب‬
‫صاحلي إىل توجيه رسالة لألمني العام لألمم املتحدة طالبه فيها بحامية نشطاء املعارضة‬
‫البحرينية ووقف قمع النظام للشعب البحريني‪ ،‬وجاء يف الرسالة أن “إيران ال يمكن أن‬
‫تقف مكتوفة األيدي أمام ما حيدث يف البحرين ألن الوضع يمكن أن خيرج عن السيطرة‬
‫إذا استمر الوضع احلايل‪ ،‬كام حذرت الرسالة من أن “التداعيات يف البحرين ستؤدي‬
‫إىل زعزعة استقرار منطقة اخلليج وسيؤثر هذا بالطبع عىل العامل”‪ .‬واشتكى صاحلي من‬
‫أنه “يف حني تدخل جملس األمن يف دول عربية أخرى مثل مرص وليبيا فإن املجلس بدا‬
‫متجاه ً‬
‫ال وغري مكرتث جتاه مقتل املحتجني وقمع حقوق الشعب البحريني”‪ .‬يف الوقت‬

‫‪143‬‬
‫نفسه اعترب عىل الرجياين رئيس جملس الشورى (الربملان) يف لقائه مع إبراهيم اجلعفري‬
‫رئيس احلكومة العراقية األسبق (‪ )2011/4/18‬أن الدفاع عن الشعب البحريني‬
‫“واجب إسالمي عىل اجلميع” وأن “مواقف القوى الدولية إزاء التطورات اجلارية يف‬
‫املنطقة مزدوجة” يف حني اعترب اجلعفري أن الشعب البحريني دخل مرحلة جديدة من‬
‫حياته السياسية واالجتامعية‪ ،‬معرب ًا عن اعتقاده بأن “هذا الشعب ينتظره مصري مرشق‬
‫ووضاء وجيد للغاية يف املستقبل القريب”‪ .‬كام أدان املتحدث باسم اخلارجية اإليرانية‬
‫رامني مهاتريست مواقف دول جملس التعاون اخلليجي من إيران ودعمها للشعب‬
‫البحريني وأكد أن تكرار املزاعم واالهتامات الكاذبة ضد إيران يف بيان جملس التعاون‬
‫اخلليجي (‪ )2011/4/17‬مرفوضة وال أساس هلا من الصحة‪ .‬وهتدف إىل تضليل‬
‫الرأي العام العاملي عن اإلجراءات العسكرية واألزمات السائدة يف بعض دول املنطقة‪.‬‬
‫ورفض ما سامها سياسة القمع يف البحرين‪ ،‬وأكد رضورة االستجابة للمطالب املرشوعة‬
‫للشعب البحريني‪ ،‬وكان وزراء خارجية جملس التعاون اخلليجي دعوا عقب اجتامع‬
‫استثنائي هلم يف الرياض (‪ )2011/4/17‬املجتمع الدويل وجملس األمن إىل العمل‬
‫عىل وقف ما وصفوه باالستفزاز اإليراين والتدخالت الساعية إلشعال الفتن والتخريب‬
‫داخل دول اخلليج العربية‪ ،‬وجاء يف بياهنم أهنم يرفضون أي تدخل يف شئون البحرين‬
‫رفض ًا قاطع ًا‪ ،‬وندد الوزراء بام اعتربوه اعتداءات عىل دبلوماسيني سعوديني يف إيران‪.‬‬
‫التطورات التي تالحقت يف أزمة البحرين جاءت عىل غري هوى ورغبة إيران‬
‫فقد تم احتواء األزمة أمني ًا‪ ،‬وبعدها جتددت دعوة احلوار الوطني من جانب امللك محد‬
‫ابن عيسى حتت إرشاف ورئاسة رئيس الربملان البحريني بعد أن تم رفع حالة السالمة‬
‫الوطنية التي فرضت عقب إخالء دوار اللؤلؤة من املعتصمني‪ ،‬ما يعني تفويت الفرصة‬
‫عىل إيران يف البحرين أيض ًا‪ ،‬ولكن إيران مل تتوقف عن دعم املعارضة وإدانة ما تسميه‬
‫بالتدخل السعودي يف شئون البحرين الداخلية األمر الذي فاقم من حدة الرصاع غري‬
‫املبارش الدائر بني البلدين يف األزمة السورية‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫‪ -3‬إيران ومواجهة التحديات‬
‫إذا كانت الظروف املستجدة قد حالت دون متكني إيران من االستغالل األمثل‬
‫للفرص التي أتاحتها ثورة مرص وغريها من الثورات العربية فإن هذه الثورات فجرت‬
‫حتديات جديدة أمام إيران ويمكن رصد ثالثة حتديات مهمة تواجه إيران اآلن هي عىل‬
‫النحو التايل‪:‬‬
‫ )أ( توجه دول جملس التعاون اخلليجي إىل توسيع عضويته بضم كل من األردن‬
‫واملغرب يف حماولة وصفت بأهنا هتدف إىل تعويض اخلروج املرصي من “حمور االعتدال”‬
‫العريب‪.‬‬
‫قرار ضم األردن واملغرب إىل املجلس جاء ضمن قرارات القمة التشاورية اخلليجية‬
‫الثالثة عرشة التي عقدت يف الرياض (‪ )2011/5/10‬حيث أعلن قبول طلب سبق أن‬
‫تقدمت به اململكة األردنية باالنضامم إىل املجلس ومتت أيض ًا توجيه الدعوة للمغرب‬
‫حتى تشارك يف العضوية‪.‬‬
‫ دخول األردن واملغرب يف عضوية جملس التعاون يمكن أن حيدث تطورات‬
‫ذات دالالت مهمة بالنسبة لتوازن القوى اإلقليمي يف اخلليج عىل عكس املسعى اإليراين‬
‫يف وقت جرى فيه استبعاد كل من إيران والعراق عىل مدى السنوات املاضية من عمر‬
‫املجلس منذ تأسيسه عام ‪.1981‬‬
‫ )ب(امتداد رياح الثورة العربية إىل سوريا احلليف القوي إليران وحزب اهلل‪.‬‬
‫هذا التطور مل يضع إيران أمام مأزق ازدواجية املواقف من ثورات العرب فقط بل‬
‫فرض حتديات جديدة عىل إيران التي يمكن أن تواجه بسقوط أحد أهم احللفاء يف‬
‫املرشق العريب‪ ،‬بام يقطع ويؤثر سلبي ًا عىل تواصل إيران مع حزب اهلل ومنظامت املقاومة‬
‫الفلسطينية ويضع عوائق هائلة أمام النفوذ اإليراين يف املنطقة‪.‬‬
‫فقد واجهت إيران ما يمكن وصفه بـ “أزمة مصداقية” يف خطاهبا السيايس بسبب ما‬
‫سبق أن أبدته من محاسة زائدة ودفاع ًا عام أسمته بـ “الثورة الديمقراطية” يف البحرين‪ ،‬وما‬
‫أعلنته من إدانة قوية ورصحية لدخول قوات درع اجلزيرة إىل هناك واعتربته “احتالالً”‬
‫هلذا البلد‪ ،‬فيام دانت حتركات الشعب السوري ومطالبه العادلة من أجل اإلصالح‪.‬‬
‫‪145‬‬
‫كان أول رد فعل إيراين رسمي عىل أحداث سوريا ما جاء عىل لسان السفري اإليراين‬
‫يف دمشق أمحد املوسوي الذي شبه االحتجاجات التي جتري يف عدد من املدن السورية‬
‫بأهنا نسخة من “أجندة الفتنة” التي شهدهتا طهران يف يونيو‪/‬حزيران‪ 2009 ،‬عندما‬
‫خرج املتظاهرون إىل الشوارع احتجاج ًا عىل تزوير االنتخابات الرئاسية وإعالن فوز‬
‫الرئيس أمحدي نجاد بوالية ثانية عىل منافسيه الثالثة البارزين‪ :‬مري حسني موسوي‬
‫ومهدي كرويب وحمسن رضائي‪.‬‬
‫املوقف نفسه جددته وزارة اخلارجية اإليرانية عىل لسان املتحدث باسمها بعد‬
‫عرشة أيام من توصيف السفري اإليراين يف دمشق ألحداث سوريا عىل أهنا “فتنة مدعومة‬
‫من اخلارج”‪ ،‬فقد اعترب رامني مهامن برست املتحدث باسم اخلارجية اإليرانية‪ ،‬أن‬
‫املظاهرات املناهضة للحكومة يف سوريا تأيت يف إطار “مؤامرة غربية لزعزعة حكومة‬
‫تؤيد املقاومة يف الرشق األوسط”‪ ،‬كام رأى أن ما حيدث يف سوريا “عمل رشير ينفذه‬
‫الغربيون وخاصة األمريكيني والصهاينة”‪.‬‬
‫هذه االزدواجية اإليرانية يف توصيف املطالب الديمقراطية العادلة للشعوب‬
‫التواقة إىل اإلصالح والعدالة والكرامة مرة بأهنا مطالب عادلة ومرشوعة‪ ،‬ومرة أخرى‬
‫بأهنا “فتنة مأجورة وعميلة للخارج”‪ ،‬من شأهنا أن تفقد اخلطاب السيايس اإليراين‬
‫مصداقيته‪ ،‬وهذا بدوره ييسء إىل الدور اإليراين وعالقات إيران اإلقليمية‪.‬‬
‫االزدواجية نفسها حدثت عندما بادرت إيران إىل تأييد ثورة الشعب املرصي‬
‫ومن قبلها ثورة الشعب التونيس وإسقاط نظامي حسني مبارك وزين العابدين بن‬
‫عيل‪ ،‬انحازت إيران للشعبني يف تونس ويف مرص‪ ،‬لكن عندما حاول اإلصالحيون يف‬
‫إيران تنظيم مظاهرة كربى يف طهران تأييد ًا لثورة الشعب املرصي واحتفاالً بانتصارها‪،‬‬
‫تصدت هلا السلطات األمنية اإليرانية وحالت دون القيام هبا‪ ،‬وجددت حديث الفتنة‪،‬‬
‫وقامت بفرض اإلقامة اجلربية عىل كل من موسوي وكرويب‪ ،‬وخرجت أصوات داخل‬
‫الربملان اإليراين (جملس الشورى) وخارجه تطالب بمحاكمة قادة املعارضة‪.‬‬
‫ هذه االزدواجية هي أهون الرشور بالنسبة إليران مقارنة بخطورة سقوط‬
‫النظام السورى الذي مل يستطع امتالك القدرة عىل احتواء األزمة وفهم الدروس التي‬

‫‪146‬‬
‫أفرزهتا جتارب الثورات السابقة يف تونس ومرص وليبيا واليمن عىل وجه اخلصوص‬
‫فاعتامد النظام احلل األمني والنزول باجليش لقمع املعارضة بوحشية والرتدد يف اعتامد‬
‫احلل السيايس فاقم من مطالب املتظاهرين وصعد هبا من مطلب “الشعب يريد إصالح‬
‫النظام” إىل مطلب “الشعب يريد إسقاط النظام”‪ ،‬كام أنه أعطى الفرص لألمريكيني‬
‫والفرنسيني واإلرسائيليني للتدخل واملطالبة بتدويل األزمة والتهديد بإسقاط النظام‬
‫ورحيل الرئيس بشار األسد بعد أن ملحت وزيرة اخلارجية األمريكية هيالري كلينتون‬
‫إىل “اقرتاب واشنطن من دعوة األسد للرحيل” وإعالن إرسائيل عن “بدء محلة دولية‬
‫إلسقاط الرشعية عن األسد”‪.‬‬
‫إيران رفضت هذا كله ومازالت تدافع عن النظام السوري يف الوقت الذي بدأ‬
‫الرتكيز فيه عىل اهتام إيران باملشاركة يف قمع املتظاهرين السوريني حسب ما نقلت‬
‫صحيفة “واشنطن بوست” األمريكية (‪ )2011/5/27‬عن مسئولني أمريكيني من‬
‫أن إيران ترسل مدربني ومستشارين بينهم عنارص من قوة النخبة (فيلق القدس) إىل‬
‫سوريا للمساعدة يف قمع االحتجاجات املطالبة بالديمقراطية والتي هتدد باإلطاحة بأهم‬
‫حليف لطهران يف املنطقة‪.‬‬
‫دفاع إيران جاء عرب أكثر من مسئول إيرانى عىل نحو ما ورد عىل لسان عيل أكرب‬
‫صاحلي وزير اخلارجية يف مؤمتر دوىل يف طهران (‪ )2011/5/30‬عندما انربى حلرص‬
‫إجيابيات النظام السوري وقال “وقفت سوريا يف وجه النظام الصهيوين‪ ،‬ولعبت دور ًا‬
‫كبري ًا يف إحباط مؤامرات الغرب والواليات املتحدة يف املنطقة‪ ،‬واختذت السلطات‬
‫السورية خطوات جيدة نحو اإلصالحات خالل التطورات األخرية يف البالد”‪ .‬لكن‬
‫هذا الدفاع مل يعد جيدي يف ظل تطور األوضاع داخل سوريا ونجاح املعارضة يف تصعيد‬
‫املواجهة العسكرية ضد النظام‪ ،‬وفشل النظام يف إنجاح احلل األمني وعجزه عن طرح‬
‫حل سيايس يف ظل متسكه ببقاء رأس النظام‪ ،‬والتورط يف مواجهات مسلحة مع تركيا‬
‫باتت متثل عبئ ًا ال يستهان به بالنسبة إليران التي تدرك مدى تفاقم األعباء التي تتحملها‬
‫بسبب إرصارها عىل محاية هذا النظام‪ ،‬يف وقت تعاين فيه إيران بشدة من ضغوط اقتصادية‬
‫هائلة نامجة عن العقوبات الدولية املتصاعدة‪ ،‬وتعاين فيه أيض ًا من خطر التعرض حلرب‬

‫‪147‬‬
‫مفروضة جديدة تضغط إرسائيل عىل واشنطن من أجل التعجيل هبا‪.‬‬
‫ (جـ) دخول الواليات املتحدة كطرف أسايس يف إدارة عملية التغيري الثوري‬
‫يف العديد من الدول العربية‪ ،‬فإذا كانت واشنطن تعد نفسها للدخول كطرف مبارش‬
‫يف األزمة السورية فهي من يقود عمليات التحول يف ليبيا واليمن اآلن‪ ،‬هي من يدير‬
‫اإلعداد ملرحلة ما بعد القذايف يف ليبيا من خالل دورها الذي قامت به يف إسقاط النظام‬
‫ورحيل القذايف‪ ،‬وهى من يضع نفسه اآلن قيادة ملهمة هندسة التحول يف اليمن بعد‬
‫عىل عبد اهلل صالح‪ ،‬من خالل السفري األمريكي بالتنسيق مع اململكة العربية السعودية‪،‬‬
‫بعد نجاحها يف فرض نائب الرئيس يف مهمة اخلالفة السياسية دون اعتبار ملطلب الثوار‬
‫بتأسيس”جملس انتقاىل” يقود البالد يف مرحلة انتقالية جيري عربها تأسيس نظام سيايس‬
‫جديد يف اليمن ما أدى إىل استمرار األزمة يف اليمن وزاد من مشاكل إيران نحو اليمن‪.‬‬

‫‪ -4‬فرص الثورة في إيران‬


‫هل يمكن أن تؤدي جممل هذه التداعيات والتطورات إىل تفجري ثورة يف إيران؟‬
‫السؤال مهم ويثري إشكاليتني مهمتني من وحي الثورة املرصية وجممل الثورات‬
‫العربية التي تفجرت يف بعض األقطار العربية عام ‪ 2011‬والتى مل تتوقف تداعياهتا‬
‫بعد‪ .‬اإلشكالية األوىل تتعلق بقضية اخلصوصية واالستثناء نظر ًا ألن معظم دول املنطقة‪،‬‬
‫عربية وغري عربية‪ ،‬تعترب نفسها متتلك خصوصية مميزة جتعلها بمنأى عن التعرض‬
‫للثورات التي تفجرت يف دول أخرى‪.‬‬
‫الدول امللكية العربية مازالت تعترب نفسها بمنأى عن التأثر برياح الثورات وترجع‬
‫ذلك إىل عوامل تتعلق بام تعتربه خصوصية حتصنها عن تداعيات الثورات‪ ،‬وال ترى ما‬
‫حدث يف البحرين إال حمض مؤامرة خارجية‪ ،‬والنظام السوري اعترب نفسه استثناء عن‬
‫غريه من النظم العربية بعد ما حدث يف تونس ومرص واليمن‪ .‬وعىل نفس املنوال يستنكر‬
‫النظام يف إيران أي حديث عن فرص تفجر ثورة داخلية إلسقاط النظام‪.‬‬
‫فعندما دعا زعيام املعارضة اإلصالحية مري حسني موسوي ومهدي كرويب‬
‫أنصارمها للنزول إىل الشارع يوم ‪ 14‬فرباير ‪ 2011‬للتظاهر (بعد ثالثة أيام من سقوط‬

‫‪148‬‬
‫رأس النظام يف مرص) جرى اعتقاهلام واعترب املدعي العام غالم حسني حمسني إجيائي أن‬
‫حركة املعارضة جتاوزت حد التمرد وحتولت إىل حركة مضادة للثورة)‪ ،‬وأن يد اخلارج‬
‫(الواليات املتحدة األمريكية) واضحة فيها”‪.‬‬
‫وأخذ اإلعالم اإليراين يصف الزعيمني بأهنام “قادة الفتنة”‪ ،‬وأضحى التيار‬
‫اإلصالحي ُينعت بـ “تيار الفتنة”‪ .‬وجتاوز رئيس السلطة القضائية صادق الرجياين‬
‫(شقيق رئيس جملس الشورى “الربملان” عيل الرجياين) حدود االهتام هلذين الزعيمني‬
‫وصعد هبا إىل “اخليانة”‪.‬‬
‫“مثل هذه اإلشكالية جتعل أي حديث عن احتامل حدوث ثورة يف إيران حديث ًا‬
‫جمرم ًا ومته ًام بأنه عىل أقل تقدير‪ ،‬حديث مغرض وعدائي”‪ .‬لكن من ناحية أخرى‬
‫يصعب إنكار وجود تربص بإيران من العديد من دول اجلوار اإلقليمي والقوى الدولية‬
‫املعادية التي تسعى بشتى السبل‪ ،‬إىل العمل من أجل إسقاط النظام احلاكم يف إيران‬
‫باعتباره نظام ًا معادي ًا‪ ،‬يف وقت ال تقدم فيه معظم هذه الدول لشعوهبا‪ ،‬احلد األدنى من‬
‫احلقوق‪ ،‬وربام تكون هي األكثر احتامالً للتعرض حلدوث اضطرابات‪.‬‬
‫أما اإلشكالية الثانية فهي األهم وتتعلق بالرشوط الرضورية حلدوث الثورة‪.‬‬
‫فالثورة يف تعريفها العلمي توصف بأهنا عمل شعبي وتقدمي‪ .‬أي أهنا عمل من فعل‬
‫الشعب وال أحد غريه‪ ،‬وأن ما يميزها عن االنقالب هو أن هدفها هو التغيري اإلجيايب‬
‫بام حيقق مصالح القطاع األوسع من الشعب‪ .‬ولذلك فإن الثورة ال يمكن أن تفتعل‬
‫أو جيري تصنيعها يف اخلارج بالتآمر والدسائس ورشاء األعوان من أجل إسقاط نظام‬
‫حاكم‪ ،‬ولكنها تبقى حمكومة بقوانني علمية‪ ،‬هي متام ُا مثل عملية غليان املاء‪ .‬فاملاء كي‬
‫يغيل يكون يف حاجة إىل أن يوضع فوق النار‪ ،‬وال حيدث الغليان إال عند درجة مائة‪،‬‬
‫وقبله يكون الغليان غري مكتمل وال يصلح إلنضاج طعام‪.‬‬
‫هكذا تكون التفاعالت الثورية ممتلكة لرشوط إحداث الثورة عندما تتوافر‬
‫الرشوط املوضوعية املجتمعية السياسية واالقتصادية واالجتامعية وتلتقي يف اللحظة‬
‫املناسبة بالرشط الذايت‪ ،‬أي عامل التفجري الذي يمتلك من اخلصوصية ما جيعل حدوث‬
‫الثورة حتمي ًا‪.‬‬

‫‪149‬‬
‫جتارب تونس ومرص واليمن يمكن اعتبارها نامذج الكتامل رشوط حدوث الثورة‬
‫بعكس ليبيا وسوريا والعراق والبحرين وعامن واألردن ونقول أيض ًا إيران‪ ،‬وتبقى‬
‫ال خارجي ًا ارتدى‬
‫الدول األخرى مثار تندر وتأمل‪ .‬ما حدث يف ليبيا كان انقالب ًا وتدخ ً‬
‫لباس الثورة ألن الظروف الداخلية كانت مهيأة‪ .‬وما حيدث يف سوريا هو تدخل خارجي‬
‫إلحداث انقالب ضد النظام يلقى تأييد ًا شعبي ًا عىل نطاق واسع‪ ،‬لكن ما حدث يف ليبيا‬
‫وما حيدث يف سوريا كان تعبري ًا شديد الدموية عن الفعل القرسي أو الوالدة القرسية‬
‫للثورة‪.‬‬
‫احلال اإليراين يبقى متأرجح ًا بني افتعال وتدبري أحداث تؤدي إىل انقالب‪ ،‬وليس‬
‫ثورة شعبية عىل غرار ما حدث يف إيران عامي ‪ 1978‬و‪ .1979‬فام حدث يف إيران عام‬
‫‪ 1978‬ضد نظام الشاه كان ثورة شعبية حقيقية اكتملت يوم ‪ 11‬فرباير ‪ 1979‬بتأسيس‬
‫اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية بإرادة كل الشعب اإليراين‪ ،‬وهي اجلمهورية التي مزجت‬
‫بني املصلحة الوطنية (اجلمهورية) وبني األيديولوجيا أو العقيدة الدينية (اإلسالمية)‬
‫وجرى تأسيس التيارات واألحزاب والقوى السياسية انطالق ًا من اإليامن أوالً بنظام‬
‫اجلمهورية اإلسالمية‪ ،‬وثاني ًا بخليط أو مزيج خمتلف الدرجة بني ما هو مصلحة وطنية‬
‫وما هو إسالم يف ما يشبه كافة ألوان الطيف‪ .‬فالرصاع السيايس بني كل التيارات‬
‫واألحزاب رصاع حمكوم بالوالء لنظام اجلمهورية اإلسالمية‪ ،‬ومقيد بعدم اخلروج عن‬
‫أسس النظام‪ ،‬لكنه يأخذ درجات خمتلفة من التاميز يف نسبة ما هو مصلحة وطنية وما‬
‫هو إسالم عند كل تيار وعند كل حزب وفصيل سيايس‪ .‬فالتيار اإلصالحي يغلب عليه‬
‫الوالء للمصالح الوطنية والتطلع إىل الديمقراطية وإعالء مبدأ “حاكمية الشعب” أما‬
‫التيار املحافظ املتشدد فهو أكثر التزام ًا باإلسالم‪ ،‬وأكثر متسك ًا بحاكمية “الويل الفقيه”‬
‫وبني هذين التيارين تتعدد التيارات األخرى بني هذا وذاك‪.‬‬
‫وما حدث من انتفاضة سياسية عام ‪ 2009‬مل يكن من أجل إسقاط النظام ولكن‬
‫كان ضد تزوير نتائج االنتخابات الرئاسية لصالح الرئيس حممود أمحدى نجاد‪ ،‬واملطالبة‬
‫بإعادة االنتخابات أو تصحيح النتائج‪ .‬وبعد تعرض التيار اإلصالحي ملامرسات قمعية‬
‫غري مسبوقة انحرست قوة هذا التيار ومل يستطع خوض انتخابات جملس الشورى التاسع‬

‫‪150‬‬
‫يف مارس املايض بدرجة املنافسة املعهودة يف املرات السابقة‪ ،‬وانحرست هذه املنافسة بني‬
‫تيارى املحافظني‪ :‬التيار األصويل املوايل للرئيس أمحدي نجاد والتيار التقليدي املحافظ‬
‫األقرب إىل املرشد األعىل السيد عيل خامنئي‪.‬‬
‫خفوت وهج التيار اإلصالحي ال يعطي أي مؤرشات عىل إمكانية حدوث ثورة‬
‫يف إيران يف الوقت احلارض‪ ،‬وما حدث من تظاهرات وإغالق ملتاجر البازار يف طهران‬
‫(حي فردوس) بعد تصدي قوات مكافحة الشغب للمتظاهرين ال يعطي انطباع ًا بأن‬
‫مثل هذه املظاهرات قد تكون مقدمات ثورة‪ .‬فإغالق املتاجر كان بسبب تذبذب سعر‬
‫رصف الريال اإليراين مقابل الدوالر نتيجة العقوبات االقتصادية الدولية املفروضة‬
‫عىل إيران‪ .‬وهناك تفسري آخر لسبب تراجع سعر رصف الريال وهو أن البنك املركزي‬
‫اإليراين حاول ختزين األوراق النقدية للعملة الصعبة يف حماولة لتفادي أثر العقوبات‬
‫االقتصادية الدولية‪ ،‬فبدأ بعض املضاربني من الرصافني برفع قيمة الدوالر بأنفسهم‬
‫وتشجيع املواطنني عىل املتاجرة بأمواهلم بتحويلها إىل دوالرات تم بيعها عند ارتفاع‬
‫السعر‪.‬‬
‫أي ًا كان التفسري فإن إيران تواجه أشباح أزمات اقتصادية – اجتامعية شديدة القسوة‬
‫يف ظل وجود إرصار من أطراف دولية خاصة إرسائيل والغرب عىل إجبار النظام اإليراين‬
‫عىل التخيل عن الربنامج النووي وأال فليس أمامه إال املزيد من العقوبات حتى يسقط أو‬
‫اللجوء إىل اخليار العسكري‪.‬‬
‫أحدث هذه املخططات ما تعد له احلكومة اإلرسائيلية هذه األيام بعد فشلها يف‬
‫إجبار الرئيس األمريكي باراك أوباما عىل إعالن عزمه عىل خوض حرب ضد إيران‬
‫وحتديد “خط أمحر واضح” لرشوط اإلقدام عىل هذه احلرب‪ .‬هذا املخطط البديل‬
‫يتمحور حول “بناء حتالف دويل يتبنى قطع العالقات الدبلوماسية مع إيران وفرض‬
‫حزمة عقوبات ضدها”‪ ،‬وصفت بأهنا “أم العقوبات” بحيث تكون شبيهة باحلصار‬
‫الذي فرضته إرسائيل عىل قطاع غزة قبل سنوات فقد أفادت صحيفة “معاريف”‬
‫اإلرسائيلية منذ أيام أن ديوان رئاسة احلكومة ووزارة اخلارجية اإلرسائيلية يعمالن عىل‬
‫إقناع االحتاد األورويب بفرض عقوبات متامدية عىل إيران تقوم عىل فرض مقاطعة جتارية‬

‫‪151‬‬
‫كاملة عليها تشمل قطع العالقات النقدية مع املنظومة املرصفية اإليرانية‪ ،‬وحظر ًا عىل‬
‫املنتجات املدنية‪ ،‬عىل أمل أن يؤدى هذا كله إىل ما أسمته بـ “مترد مدين واسع” قد تفيض‬
‫إليه هذه العقوبات‪.‬‬
‫هذا يعني أن إيران معرضة للتهديد إما بغرض مترد داخيل رد ًا عىل تفاقم األزمات‬
‫االقتصادية واالجتامعية الناشئة عن العقوبات املشددة‪ ،‬وإما بشن احلرب‪ ،‬وىف احلالتني‬
‫يصعب تصور أن ما يمكن أن حيدث يف إيران بأنه ثورة‪ ،‬بل قد يكون انقالب ًا خاصة‬
‫بعد أن أهنى األمريكيون التعامل مع منظمة “جماهدي خلق” اإليرانية املعارضة بأهنا‬
‫منظمة إرهابية‪ ،‬ما يعني أن هذه املنظمة مرشحة لتكون بمثابة “رأس حربة” النقالب‬
‫قد جيري تدبريه‪ ،‬لكن مثل هذا االنقالب يبقى مستبعد ًا يف ظل متاسك النظام‪ ،‬وىف ظل‬
‫ردود الفعل املعاكسة التي حيدثها التهديد اخلارجي الذي يثري يف الشعوب روح التحدي‬
‫والتوحد والتامسك خاصة إذا كان هذا التهديد يف شكل شن حرب‪.‬‬
‫هذا ال يعني أن النظام يف إيران سيبقى حمصن ًا إىل األبد‪ ،‬فالنظام يواجه التهديد املستمر‬
‫من الداخل واخلارج‪ ،‬ويدفع أثامن ًا فادحة إلخفاقاته لكن الثمن األفدح سيكون يف حالة‬
‫سقوط النظام السوري بكل ما يعنيه من تداعي رهانات املرشوع اإلقليمي اإليراين‪،‬‬
‫عندها سوف هتتز رشعية النظام‪ ،‬ومع اهتزاز الرشعية يبدأ العد التنازيل احلقيقي‪.‬‬

‫‪152‬‬
‫إيران والثورة اليمنية‬

‫ناصر محمد علي الطويل‬

‫مقدمة‬

‫متثل اليمن احللقة األضعف من بني دول ثورات الربيع العريب‪ ،‬فيام يتعلق بتعرضها‬
‫للتدخل اخلارجي‪ ،‬وقدرهتا عىل مقاومة ذلك التدخل‪ ،‬إذ يمكن حتزيم دول الربيع‬
‫العريب يف نامذج أربعة‪ ،‬متثل مرص وتونس النموذج األول‪ ،‬وهو نموذج الدولة املتامسكة‪،‬‬
‫التي متتلك تارخي ًا من حضور السلطة املركزية القوية‪ ،‬وال تعاين من انقسامات جمتمعية‬
‫ً‬
‫حمموال‬ ‫حادة(((‪ ،‬ويف دول هذا النموذج تضعف فرص التدخل اخلارجي الذي يكون‬
‫عىل املشاريع املذهبية والطائفية‪ ،‬وتتزايد فرص التدخل املسنود إىل االختالفات الفكرية‬
‫واأليديولوجية‪.‬‬
‫ومتثل ليبيا النموذج الثاين‪ ،‬وهو نموذج الدولة التي تعاين من انقسامات اجتامعية‪،‬‬
‫غري أهنا متتلك موارد اقتصادية ومالية كافية‪ ،‬ويكون باب االخرتاق اخلارجي هنا أوسع‬
‫نسبي ًا مقارنة بدول النموذج األول‪ ،‬أما النموذج الثالث فقد قدمه املشهد السيايس يف‬
‫سوريا‪ ،‬والتي عانت من تدخل خارجي منذ املراحل األوىل من الثورة‪ ،‬وقبل أن يتحقق‬
‫إنجاز تغيري رأس النظام‪ ،‬وتقدم الثورة اليمنية النموذج الرابع‪ ،‬وهو نموذج الدولة‬
‫اهلشة‪ ،‬التي تعاين من االنقسامات االجتامعية والسياسية‪ ،‬وندرة يف املوارد االقتصادية‪،‬‬
‫مما جيعلها مهيأة للتدخل اخلارجي‪ ،‬وقد مثلت اليمن بسبب تلك العوامل موضع ًا جاذب ًا‬
‫ـ ويف بعض األحيان طالب ًا ـ لتدخالت القوى اإلقليمية والدولية‪.‬‬
‫ففي أعقاب ثورة ‪ 26‬سبتمرب ‪ ،1962‬حرض التدخل املرصي بطلب من قادة الثورة‬

‫ً‬
‫حامال لتدخل خارجي آخر ال‬ ‫((( واالستثناء هنا هو وجود األقباط يف مرص غري أن هذا االنقسام قد يكون‬
‫يقوم عىل أساس مذهبي وطائفي كام هو حال املرشوع اإليراين موضوع هذه الندوة‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫لدعم صمودهم أمام إمكانية عودة احلكم امللكي الذي كان يتلقى الدعم من السلطات‬
‫السعودية‪ ،‬وبعد نكسة ‪ 1967‬خرج اجليش املرصي‪ ،‬وخرج معه النفوذ املرصي من‬
‫جنوب اجلزيرة العربية‪ ،‬ليحل حمله النفوذ السعودي يف شامل اليمن‪ ،‬والتدخل السوفيتي‬
‫يف اجلنوب‪.‬‬
‫وخالل العرش السنوات األخرية من حكم الرئيس السابق (عيل عبد اهلل صالح)‬
‫ونتيجة لتدهور األوضاع السياسية واالقتصادية‪ ،‬وتراجع سلطة الدولة‪ ،‬هتيأت األوضاع‬
‫يف اليمن من جديد للتدخالت اخلارجية‪ ،‬وتعززت تلك األوضاع بشكل أكثر بعد ثورة‬
‫الشعب اليمني يف فرباير ‪ ،2011‬وما صاحبها وتبعها من تداعيات خمتلفة‪ ،‬ويف هذه‬
‫الظروف برز التدخل اإليراين‪ ،‬املقرون بزيادة النفوذ اإلقليمي إليران يف املنطقة‪ ،‬وخلو‬
‫املنطقة من أي مشاريع أخرى منافسة‪ ،‬باستثناء املرشوع الصهيوين األمريكي‪.‬‬
‫وقد تواترت املساعي اإليرانية لتعزيز نفوذها يف اليمن‪ ،‬وتكثفت تلك املساعي أثناء‬
‫وبعد الثورة الشعبية اليمنية جلعل هذا النفوذ حقيقة عىل أرض الواقع‪ ،‬وقد سامهت‬
‫الظروف التي متر هبا اليمن يف إفساح املجال لتغلغل هذا النفوذ‪ ،‬وحاليا فقد صار لدى‬
‫طهران قوى سياسية واجتامعية يمنية حليفة‪ ،‬متتلك تأثري ًا يف مسار األحداث يف اليمن‪،‬‬
‫وال زالت إيران وحلفاؤها يبذلون جهود ًا متواصلة الستقطاب املزيد من األفراد‬
‫والقوى السياسية‪ ،‬واألخطر من كل ذلك أن عدد ًا من التيارات والقوى السياسية‬
‫اليمنية (احلوثيون‪ ،‬فصائل احلراك املطالبة باالنفصال‪ ،‬ونظام الرئيس السابق عيل عبداهلل‬
‫صالح) باتت تربط نجاحها يف حتقيق أهدافها بتوثيق حتالفها واستمرار حصوهلا عىل‬
‫الدعم اللوجستي من طهران‪.‬‬
‫ويقابل التدخل اإليراين برفض يمني واسع ملا له من تداعيات هتدد استقرار‬
‫اليمن‪ ،‬وبقاء وحدته‪ ،‬ألن التدخل اإليراين يتغلغل ويتم تسويقه يف اليمن حمموالً عىل‬
‫االنقسامات املذهبية والطائفية‪ ،‬والتي جتاوزهتا اليمن خالل العقود السبعة األخرية‪،‬‬
‫إعادة تقسيم املجتمع اليمني إىل مكونات مذهبية وطائفية متصارعة‪ ،‬وهو ما يعني‬
‫استدعاء التجربة اللبنانية إىل اليمن‪ ،‬وقد يفتح باب ًا كان موصد ًا للرصاعات التي سيدفع‬
‫اليمنيون ثمنها غالي ًا من دمائهم وأرواحهم ووشائج القربى بينهم‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫و ُيراد هلذا التدخل أن يكون عىل حساب وحدة واستقرار اليمن‪ ،‬حيث تقدم إيران‬
‫الدعم املايل والسيايس واإلعالمي للفصائل املتطرفة يف احلراك اجلنويب التي تسعى‬
‫لفصل جنوب اليمن‪ ،‬وهذا الدعم يمس بشكل مبارش وخطري وحدة وكيان اليمن‪،‬‬
‫فدعم تلك الفصائل هيز بشكل مستمر ومتواصل استقرار اليمن‪ ،‬والتمكني هلا سيكون‬
‫عىل حساب بقاء الدولة اليمنية واستمرار كياهنا املوحد‪ ،‬وهو ما يعني أن الثمن األويل‬
‫للتدخل اإليراين هو التقسيم الطائفي لليمن من جهة‪ ،‬ومتزيق وحدهتا من جهة ثانية‪.‬‬
‫وللتعرف عىل طبيعة احلضور اإليراين يف الشئون اليمنية‪ ،‬فإن هذا يتطلب‪ ،‬الوقوف‬
‫عىل تطورات األوضاع يف اليمن قبل قيام الثورة ألن تلك األوضاع هيأت الظروف‬
‫للتدخالت اخلارجية‪ ،‬ومنها التدخل اإليراين‪ ،‬وتوصيف أبعاد النفوذ اإليراين الذي‬
‫اتسع بعد الثورة‪ ،‬وحتليل العوامل التي ساعدت عىل ذلك‪ ،‬وأخري ًا الوقوف عىل بعض‬
‫مالمح اسرتاتيجية مقرتحة للتعامل مع هذا التدخل‪.‬‬

‫أوال ً‪ :‬تطورات األوضاع في اليمن قبل الثورة واملساعي اإليرانية‬


‫لفرض تدخلها‪.‬‬
‫مل متكن الظروف اإلقليمية وتلك اخلاصة بكل من اليمن وإيران‪ ،‬متكن هلذه األخرية‬
‫من مد نفوذها إىل اليمن بشكل واضح إال بعد عام ‪2000‬م‪ ،‬فمنذ هذا التاريخ ـ تقريب ًا ـ‬
‫سارت التطورات السياسية واالقتصادية يف اليمن باجتاه إضعاف الدولة‪ ،‬فقد دفع أسلوب‬
‫حكم الرئيس السابق (عيل عبد اهلل صالح) اليمن شيئ ًا فشيئ ًا إىل أن تكون دولة فاشلة‪،‬‬
‫تعاين من تفيش الفساد والفوىض‪ ،‬وضعف تطبيق القانون‪ ،‬وتدهور مستوى ما تقدمه‬
‫الدولة من خدمات حكومية أو انعدامها‪ ،‬وتعمق االنقسامات السياسية واالجتامعية‪،‬‬
‫وتراجع سلطة الدولة‪ ،‬وانكامشها باجتاه العاصمة صنعاء تاركة فراغ ًا سياسي ًا وتنموي ًا‬
‫واسع ًا‪ ،‬وحيث أن الفراغ يستدعي ما يملؤه فقد تبلورت عدد من املشاريع التي تقوم‬
‫عىل أسس مذهبية أو مناطقية أو قاعدية‪ :‬احلوثيون يف حمافظة صعدة يف أقىص الشامل عىل‬
‫احلدود اليمنية السعودية‪ ،‬وفصائل احلراك‪ ،‬يف عدد من املحافظات الرشقية واجلنوبية‪،‬‬
‫وتنظيم القاعدة يف عدد من املحافظات ذات الرتكيبة االجتامعية القبلية‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫ومنذ ‪ ،2004‬وحتى ‪ ،2010‬اندلعت ست جوالت من احلروب بني احلوثيني‬
‫وقوات اجليش‪ ،‬واتضحت مع اجلولة األوىل من تلك احلرب االجتاهات الفكرية‬
‫للمرشوع احلوثي‪ ،‬والتي تقوم عىل أسس مذهبية وطائفية‪ ،‬ومع اجلوالت اخلمس‬
‫األخرى‪ ،‬جتلت بعض تفاصيل هذا املرشوع‪ ،‬وتبني وجود صالت قوية بينه وبني إيران‪.‬‬
‫وباملحصلة فقد أدت طريقة إدارة النظام للحروب إىل بلورة احلوثيني وحتوهلم إىل‬
‫قوة سياسية مؤثرة‪ ،‬واتضح فيام بعد وخصوص ًا من اجلولة اخلامسة أن هذا كان أحد‬
‫أهداف النظام‪ ،‬فلم يكن لديه جدية يف استخدام احلل العسكري حلسم هذه القضية‪،‬‬
‫بل وعىل العكس من ذلك حرص عىل إبقائها قضية مشتعلة لتحقيق أهداف داخلية‪،‬‬
‫تتمثل يف حماولة إضعاف قوة اللواء عيل حمسن األمحر قائد الفرقة األوىل مدرع وقائد‬
‫املنطقة العسكرية الشاملية الغربية‪ ،‬لتهيئة األجواء لتوريث السلطة للنجل األكرب‬
‫للرئيس‪ ،‬وإجياد قوة توازن قوة احلركة اإلسالمية املمثلة يف التجمع اليمني لإلصالح‪،‬‬
‫وبعض القوى السلفية‪ ،‬وأهداف خارجية تتمثل يف ابتزاز دول اجلوار‪ ،‬وخاصة اململكة‬
‫العربية السعودية‪ ،‬بدليل أنه كلام أوشكت قوات اجليش عىل حسم احلرب‪ ،‬صدرت‬
‫أوامر بإيقافها‪ ،‬وبعد هدنة ُيرتك للحوثيني إعادة ترتيب أوضاعهم فيها‪ ،‬تندلع احلرب‬
‫من جديد‪ ..،‬وهكذا‪.‬‬
‫واألكثر من ذلك فقد تورط بعض مراكز القوة داخل النظام يف تقديم الدعم‬
‫املبارش للحوثيني‪ ،‬فقد أظهرت اجلولتان األخريتان من احلرب وجود تنسيق بني نجل‬
‫الرئيس السابق الذي يتوىل قيادة قوات ألوية احلرس اجلمهوري من جهة واحلوثيني من‬
‫جهة أخرى‪ ،‬وتزويد األول هلم باملؤن والسالح يف مواجهة قوات اجليش التي كانت‬
‫حتت إمرة اللواء عيل حمسن صالح قائد الفرقة األوىل مدرع‪ ،‬وهكذا فإن حمصلة تالعب‬
‫النظام هبذه القضية شديدة احلساسية كان حلساب احلوثيني واملرشوع اإليراين يف اليمن‬
‫واملنطقة عموم ًا‪.‬‬
‫وبشكل مواز تصاعدت منذ عام ‪ ،2000‬ـ تقريبا ـ االحتجاجات يف املحافظات‬
‫اجلنوبية والرشقية نتيجة للظروف التي كانت تعاين منها البالد بشكل عام‪ ،‬وتداعيات‬
‫حرب ‪ ،1994‬بوجه خاص‪ ،‬وقد كانت تلك االحتجاجات ترفع شعارات مطلبية‪،‬‬

‫‪156‬‬
‫خاصة بإعادة املفصولني إىل وظائفهم العسكرية واملدنية‪ ،‬وإعادة األرايض التي هنبت‬
‫منهم‪ ،‬ومنع التمييز ضدهم‪ ،‬وبسبب سياسات النظام اخلاطئة القائمة عىل التباطؤ‬
‫الشديد يف التجاوب مع تلك املطالب‪ ،‬واالعتامد عىل املعاجلات اجلزئية‪ ،‬واالستمرار يف‬
‫تبني خطاب رئايس مستفز‪ ،‬حتولت إىل احتجاجات سياسية‪ ،‬يتبنى الكثري منها مطالب‬
‫علنية باالنفصال‪.‬‬
‫واغتنمت قيادات املعارضة يف اخلارج‪ ،‬وهي القيادات التي كانت حتكم جنوب‬
‫اليمن قبل الوحدة‪ ،‬والتي أعلنت االنفصال وهربت إىل اخلارج بعد هزيمتها يف حرب‬
‫‪ ،1994‬اغتنمت هذا الوضع‪ ،‬فتبنت دعم فصائل احلراك‪ ،‬ودفعتها باجتاه السري نحو‬
‫االنفصال‪ ،‬والعمل عىل فرضه كأمر واقع‪ ،‬وحشد الدعم اإلقليمي له‪ ،‬وعندما مل تلق‬
‫جتاوب ًا من دول اجلوار التي أبدت حرصا عىل وحدة اليمن واستقراره‪ ،‬اجتهت قيادات‬
‫منها‪ ،‬وبخاصة «عيل سامل البيض» للحصول عىل الدعم اإليراين‪ ،‬وهو ما لقي جتاوب ًا‬
‫رسيع ًا من قبل القيادة اإليرانية‪ ،‬وعىل الفور انتقل عيل سامل البيض الذي كان يتنقل بني‬
‫العواصم األوربية إىل بريوت بلبنان‪ ،‬ليبقى يف محاية وحراسة خاصة من حزب اهلل‪،‬‬
‫ويرشف عىل األعامل اليومية لبعض فصائل احلراك‪ ،‬ويوفر هلا الدعم املايل والسيايس‬
‫واإلعالمي القادم من إيران وحلفائها يف املنطقة‪ ،‬وحتولت بريوت ودمشق وطهران إىل‬
‫مراكز لتجمع وتدريب نشطاء احلراك اجلنويب‪ ،‬وصارت إيران مصدر ًا رئيسي ًا لدعم‬
‫احلراك باألموال والتدريب والعمل اإلعالمي والتنسيق السيايس‪.‬‬
‫وهكذا تناغمت التطورات السياسية اليمنية مع املطامع التدخلية اإليرانية‪ ،‬ومل‬
‫تقم الثورة اليمنية إال وإيران متتلك قدر ًا كبري ًا من النفوذ يف أهم ملفني سياسيني يؤثران‬
‫يف حارض اليمن ومستقبلها‪ ،‬ومها قضيتا احلوثيني يف صعدة‪ ،‬واحلراك يف املحافظات‬
‫اجلنوبية‪.‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬أبعاد التدخل اإليراني في اليمن بعد الثورة‬


‫مل يكن لالستقطاب املذهبي حضور معلن يف بداية الثورة اليمنية‪ ،‬بسبب أن املزاج‬
‫العام يف ذلك الوقت كان مزاج ًا وطني ًا جامع ًا‪ ،‬إضافة إىل حرص القوى الرئيسة املشاركة‬

‫‪157‬‬
‫يف الثورة عىل إضفاء الطابع الوطني للثورة وأن تكون معربة عن الشعب اليمني بكل‬
‫مكوناته السياسية واالجتامعية والفكرية‪ ،‬وهلذا فقد طلبت من احلوثيني املشاركة يف‬
‫ساحة االعتصام يف العاصمة صنعاء وتم متثيلهم يف اللجنة التنظيمية العليا التي ترشف‬
‫عىل التخطيط وتنفيذ املناشط الثورية اليومية‪.‬‬
‫وخالل مرابطة الثوار لفرتة طويلة يف ساحات االعتصامات‪ ،‬اجته أنصار احلوثيني إىل‬
‫متييز أنفسهم‪ ،‬والنشاط من خالل الفتة خاصة هبم‪ ،‬هي الفتة «شباب الصمود»‪ ،‬وشيئ ًا‬
‫فشيئ ًا بدأت تطفو عىل السطح خالفاهتم مع املكونات األخرى والسيام شباب التجمع‬
‫اليمني لإلصالح الذين يمتلكون احلضور األكرب والفاعل يف ساحات االعتصامات يف‬
‫خمتلف املحافظات‪ ،‬باستثناء حمافظة صعدة‪ ،‬وأخذت العالقة بني الطرفني تسري يف اجتاه‬
‫التوتر املعلن حينا واملسترت يف كثري من األحيان‪ ،‬بسبب مطامع احلوثيني يف توسيع مناطق‬
‫نفوذهم‪ ،‬فقد استغلوا انشغال القوى الوطنية باملهام الثورية‪ ،‬وعملوا عىل توسيع متددهم‬
‫العسكري والتنظيمي والفكري‪ ،‬وحاولوا االستيالء عىل حمافظة اجلوف بقوة السالح‪،‬‬
‫ودارت معارك بينهم وبني القبائل املوالية حلزب التجمع اليمني لإلصالح استمرت ما‬
‫يزيد عىل ثالثة أشهر‪ ،‬متكن خالهلا اإلصالحيون من وقف متدد احلوثيني يف تلك املناطق‪،‬‬
‫وانتهت تلك املعارك باتفاق سيايس تدخلت فيه شخصيات من مشايخ القبائل‪ ،‬وبعض‬
‫قيادات أحزاب اللقاء املشرتك‪.‬‬
‫وكان احلوثيون قد رفضوا االنضامم إىل املجلس الوطني لقوى الثورة الذي يضم‬
‫القوى السياسية واالجتامعية املشاركة يف الثورة الشعبية (أحزاب اللقاء املشرتك‪ ،‬وعدد‬
‫من مشايخ القبائل‪ ،‬والشخصيات واألحزاب التي انسلخت من حزب املؤمتر الشعبي‬
‫العام‪ ،‬واالئتالفيات الشبابية املشاركة يف الثورة) بحجة أن النسبة التي حددت هلم يف‬
‫املجلس ال تتناسب وقوهتم يف األرض‪.‬‬
‫وبخصوص املوقف الرسمي اإليراين من الثورة اليمنية‪ ،‬فقد اتسم يف البداية‬
‫بالرتقب‪ ،‬وظلت الترصحيات اإليرانية بخصوص الثورة اليمنية شحيحة‪ ،‬ومع ذلك فقد‬
‫كانت القنوات الفضائية املحسوبة عىل إيران أو حلفائها يف لبنان‪ ،‬والعراق‪ ،‬مثل العامل‪،‬‬
‫واملنار‪ ،‬و الكوثر‪ ،‬والعراقية‪ ،‬تنقل أخبار احلراك الثوري يف ساحات االعتصامات‪،‬‬

‫‪158‬‬
‫وتستضيف حمللني وناشطني سياسيني حمسوبني عىل الثورة‪ ،‬رغم أهنا كانت تنتقي إىل‬
‫حد كبري األشخاص الذين لدهيم رغبة يف مهامجة التدخل السعودي الذي تصفه بأنه‬
‫معطل للثورة اليمنية ومساند للنظام‪.‬‬
‫وجتدر اإلشارة إىل أن تلك القنوات رغم تغطيتها للحشود الكبرية التي تتجمع يف‬
‫ساحات الثورة يف كل يوم مجعة‪ ،‬أمهلت متام ًا تغطية اجلمعة التي محلت اس ًام مشرتك ًا مع‬
‫مجعة الثوار يف سوريا (اللهم بارك لنا يف شامنا ويمننا)‪ ،‬وغطى بعضها ـ بدالً عن ذلك ـ‬
‫مجعة أنصار النظام يف ميدان السبعني بصنعاء‪ ،‬يف رسالة واضحة لثوار اليمن‪ ،‬بسبب أن‬
‫األطراف التي تتبعها تلك القنوات تتميز بدعمها للنظام السوري ضد ثورته الشعبية‪.‬‬
‫وأعلنت طهران يف ‪ ،2011 /5/25‬عن أسفها إزاء تصاعد العنف يف اليمن‪،‬‬
‫ودعت احلكومة اليمنية لتجنب الدماء‪ ،‬وبعد توقيع الرئيس صالح للمبادرة اخلليجية‬
‫يف الرياض مل يصدر ترصيح رسمي من طهران‪ ،‬واكتفى أمني جملس صيانة الدستور‬
‫آية اهلل أمحد جنتي يف خطبة اجلمعة التالية ‪ ،2011/11/25‬بتحذير الشعبني املرصي‬
‫واليمني بأن نواب الدكتاتوريني هم نسخة منهام‪ ،‬ويف ‪ ،2011 /12/3‬أعلن الناطق‬
‫باسم اخلارجية اإليرانية عن قلق إيران من تدهور األوضاع األمنية يف اليمن‪ ،‬وإدانتها‬
‫ألي تدخالت خارجية يف اليمن‪ ،‬معرب ًا عن أمله يف نجاح الشعب اليمني بتحقيق مطالبه‬
‫املرشوعة‪ ،‬داعي ًا اجلميع إىل توخي احلذر واليقظة‪.‬‬
‫وميداني ًا رمت طهران بثقلها خلف احلوثيني‪ ،‬ومتكنت بواسطتهم من حتقيق اخرتاق‬
‫لساحات االعتصامات يف صنعاء وتعز ومأرب واحلديدة وعدن‪ ،‬وتوجيه تظاهرات‬
‫كادت تتسبب يف أوقات كثرية بنسف مداوالت التسوية السياسية‪ ،‬وحرض املال اإليراين‬
‫بكثافة الستقطاب الشباب املستقلني وبعض الشباب املنتمني إىل بعض األحزاب‬
‫اليسارية والقومية‪ ،‬ونشطاء يف مؤسسات املجتمع املدين‪.‬‬
‫وبعد التوقيع عىل املبادرة اخلليجية‪ ،‬وتشكيل حكومة الوفاق الوطني‪ ،‬وانتخاب عبد‬
‫ربه منصور هادي رئيس ًا توافقي ًا للجمهورية‪ ،‬تصاعد الدور اإليراين يف اليمن‪ ،‬وتنوعت‬
‫أدواته‪ ،‬وتعددت القوى التي يتعامل معها بعد أن كانت مقترصة يف املرحلة السابقة‬
‫عىل احلوثيني وبعض فصائل احلراك‪ ،‬فقد متكنت إيران من استقطاب عدد من أعضاء‬

‫‪159‬‬
‫جملس النواب‪ ،‬بعضهم حمسوب عىل احلزب االشرتاكي وبعض النشطاء يف مؤسسات‬
‫املجتمع املدين‪ ،‬وعدد من اإلعالميني‪ ،‬وحتولوا إىل مدافعني عن مرشوعية تدخل طهران‬
‫يف شئون اليمن‪ ،‬ونشطوا يف جتنيد شخصيات وتكتالت اجتامعية جديدة‪ ،‬وخاصة يف‬
‫ٍ‬
‫موال للحوثيني وإيران‪ ،‬مع أهنا‬ ‫حمافظة تعز‪ ،‬والتي شهدت حضور ًا إعالمي ًا وسياسي ًا‬
‫حمسوبه تارخيي ًا عىل املذهب الشافعي‪ ،‬ونفس األمر بالنسبة ملحافظة عدن‪ ،‬وبدرجة أقل‬
‫يف حمافظة احلديدة‪.‬‬
‫وكثفت طهران من أنشطتها لتخريب التسوية السياسية‪ ،‬ودعمت عدد ًا من‬
‫املسريات واملظاهرات التي استهدفت املبادرة اخلليجية‪ ،‬ومنها مظاهرات خرجت من‬
‫حمافظتي تعز واحلديدة انتقلت سري ًا عىل األقدام إىل صنعاء‪ ،‬وسقط منها عدد من القتىل‬
‫واجلرحى‪ ،‬عندما حاول احلوثيون اخلروج هبا عن خط سريها املتفق عليه‪ ،‬والزج هبا نحو‬
‫دار الرئاسة‪ ،‬مع علمهم بأن قوات اجليش املوالية للرئيس السابق سوف تستخدم العنف‬
‫يف مواجهتها‪ ،‬وتعمد احلوثيون واالئتالفيات الشبابية املوالية هلم أثارت الرصاعات‬
‫داخل ساحات االعتصامات‪ ،‬وخاصة يف العاصمة صنعاء‪ ،‬التي شهدت اشتباكات‬
‫بني الشباب املحسوبني عىل حزب اإلصالح والشباب املوالني للحوثيني‪ ،‬وسقط فيها‬
‫العديد من اجلرحى واإلصابات‪ ،‬كام تركز اهلجوم اإلعالمي للمنابر اإلعالمية للحوثيني‬
‫وأنصارهم باجتاه اجليش املوايل للثورة‪ ،‬وشخص اللواء عيل حمسن صالح‪ ،‬وحزب‬
‫التجمع اليمني لإلصالح بدال من أن يتجه نحو النظام السابق وأركان حكمه‪.‬‬
‫وقامت إيران بتمويل العديد من األنشطة والفاعليات‪ ،‬فعىل سبيل فقد وفرت‬
‫إيران التمويل ملؤمتر كبري عقد يف بريوت بلبنان يف ‪ 16‬مايو‪ ،2012‬حتت عنوان «مستقبل‬
‫اليمن ومتطلبات بناء الدولة املدنية احلديثة» وشارك به مجاعة احلوثيني واحلراك اجلنويب‬
‫االنفصايل‪ ،‬باإلضافة لرموز من بقايا نظام صالح السابق‪ ،‬ونحو (‪ )300‬من القيادات‬
‫السياسية وأعضاء جمليس النواب والشورى وأكاديميني وممثيل منظامت املجتمع املدين و‬
‫الشباب‪ ،‬وكل ذلك هبدف جتنيد عنارص جديدة‪ ،‬وحشد القوى املوالية للخط اإليراين‪،‬‬
‫وحلفائهم يف الداخل (احلوثيون) لتخريب التسوية السياسية‪.‬‬
‫كام استغلت إيران للفراغ األمني الذي تعيشه البالد‪ ،‬ودفعت باحلوثيني لتحقيق‬

‫‪160‬‬
‫انتصارات عىل األرض بتوسع تواجدهم العسكري يف مناطق جديدة‪ ،‬ودخوهلم يف‬
‫رصاعات عسكرية مع القوى التي ترفض التسليم هبذا الواقع‪ ،‬ويف هذا الصدد حاول‬
‫احلوثيون إخراج السلفيني من أتباع الشيخ مقبل الوادعي املتواجدين يف منطقة دماج‬
‫بمحافظة صعدة‪ ،‬واستمرت املعارك بني الطرفني ملا يزيد عىل مخسة أشهر‪ ،‬ونفس األمر‬
‫يف منطقة كتاف بنفس املحافظة‪ ،‬واشتبك احلوثيون مع عدد من القبائل التي قاومت‬
‫حماولتهم السيطرة عىل مناطقهم يف حمافظة حجة‪ ،‬والزالت بعض املعارك قائمة إىل اآلن‪،‬‬
‫وحدث نفس األمر يف حمافظة عمران‪ ،‬والتي شهدت متدد احلوثيني يف عدد من مناطقها‪،‬‬
‫ودارت معارك بينهم وبني القبائل الرافضة لتواجدهم‪ ،‬وسقط فيها عدد كبري من القتىل‬
‫واجلرحى‪ ،‬وترشدت بسببها املئات من األرس اليمنية‪.‬‬
‫وهناك تقارير إعالمية تؤكد تقديم طهران متويالت مالية ملعارضني يمنيني‪ ،‬ودعمها‬
‫قيام أحزاب سياسية وصحف وما يقارب من سبع قنوات فضائية‪ ،‬واهلدف منها إحباط‬
‫التسوية السياسية وفق ًا للمبادرة اخلليجية‪ ،‬وكسب املزيد من احللفاء واملنارصين‪ ،‬ومتكني‬
‫احلوثيني من التمدد والتوسع‪ ،‬بام جيعلهم قريبني من الوصول للسلطة‪.‬‬
‫كام توسعت أنشطة إيران جتاه املحافظات اجلنوبية‪ ،‬فقد تزايد دعمها املايل والسيايس‬
‫لفصائل احلراك االنفصالية‪ ،‬وتولت دعم القنوات الفضائية الناطقة باسمهم‪ ،‬وتكثف‬
‫خالل السنتني األخريتني انتقال الناشطني من احلراك اجلنويب يف ردفان والضالع وحلج‬
‫وعدن وسفرهم عدة مرات إىل إيران ولبنان‪ ،‬لتلقي دورات وتدريبات عسكرية وإعالمية‬
‫عىل أيدي خرباء إيرانيني ومن حزب اهلل اللبناين‪ ،‬وتوجيههم للقيام بأعامل عىل األرض‪،‬‬
‫فقد برز دور نشطاء احلراك الذين تدربوا يف إيران‪ ،‬خالل انتخابات الرئاسة التي جرت‬
‫يف ‪ 21‬فرباير ‪ ،2012‬حيث قاموا بأعامل ختريبية مسلحة استهدفت مراكز االقرتاع يف‬
‫عدن ومناطق يف الضالع وحلج‪ ،‬ومنعوا بقوة السالح الناخبني من الوصول إىل مراكز‬
‫االنتخابات‪ ،‬وقطعوا الطرقات‪ ،‬وهامجوا نقاط التفتيش وقوات األمن‪.‬‬
‫وكام سبق وأرشنا فإن أهم ما يدعم الوجود اإليراين يف اليمن‪ ،‬هو وجود ثالث قوى‬
‫سياسية يمنية تربط حتقيق أهدافها وإنجاز مشاريعها باستمرار وتوسع النفوذ اإليراين يف‬
‫اليمن‪ ،‬فاحلوثيون عىل وعي كبري بأن نجاحهم يف االستيالء عىل السلطة‪ ،‬وإعادة حكم‬

‫‪161‬‬
‫األئمة من جديد يرتبط باستمرار الدعم الذي تقدمه هلم طهران‪ ،‬ونفس األمر ملا يعرف‬
‫بفصائل فك االرتباط يف احلراك اجلنويب التي يقودها «عيل سامل البيض» فهي تربط حتقيق‬
‫أهدافها يف فك عرى الوحدة‪ ،‬وفرض االنفصال‪ ،‬باستمرار حتالفها مع إيران وحصوهلا‬
‫عىل دعمها السيايس واملايل واإلعالمي‪ ،‬كام أن الرئيس السابق «عيل عبد اهلل صالح»‬
‫وأنصاره يربطون حتقيق أهدافهم يف إعاقة التغيري السيايس‪ ،‬وربام العودة إىل السلطة بمد‬
‫صالهتم مع إيران وحلفائها يف الداخل‪.‬‬
‫وعىل اجلانب اليمني أخذت االنتقادات املوجهة للتدخل اإليراين يف التصاعد‪،‬‬
‫واستمرت التقارير والتناوالت اإلعالمية يف نقد تدخل إيران يف الشئون اليمنية‪،‬‬
‫وعرض ما تقوم به إيران من حماوالت لتخريب العملية السياسية‪ ،‬وما قد يرتتب عىل‬
‫ذلك من إمكانية عودة األوضاع اليمنية إىل نقطة الصفر واندالع مواجهة شاملة تقيض‬
‫عىل حارض اليمن ومستقبله‪.‬‬
‫واقترص املوقف الرسمي عىل ترصحيات خجولة لوزير اخلارجية اليمني (املحسوب‬
‫عىل نظام الرئيس السابق)‪ ،‬ومع تزايد التدخالت اإليرانية‪ ،‬ظهرت ترصحيات مبارشة‬
‫للرئيس عبد ربه منصور هادي‪ ،‬ويبدو أن ذلك حدث عندما وصل التدخل اإليراين‬
‫إىل مستوى خطري من هتديد االستقرار يف اليمن‪ ،‬فقد حذر إيران من التدخل يف شئون‬
‫اليمن‪ ،‬وقال يف كلمة له يف الكلية احلربية بصنعاء‪ ،‬بتاريخ ‪« ،2012 /7 /18‬آمل من‬
‫أشقائنا يف إيران عدم التدخل بأي شكل يف شؤون اليمن‪ ،‬ومراعاة الظروف الدقيقة التي‬
‫متر هبا اليمن يف هذا الظرف الدقيق واحلساس‪ ،‬واليمن مل يتدخل يوم ًا يف شؤون أي دولة‬
‫قريبة أو بعيدة‪ ،‬ونقول للجميع من هنا من الكلية احلربية‪ :‬اتركوا اليمن وشأنه‪ ،‬وإىل هنا‬
‫وكفى»(((‪.‬‬
‫وجاءت ترصحيات هادي بالتزامن مع إعالن وزارة الداخلية اليمنية عن إلقاء‬
‫القبض عىل أفراد خلية جتسس تتبع إيران‪ ،‬وأوضحت وزارة الدفاع اليمنية عىل موقعها‬
‫عىل شبكة اإلنرتنت إن «شبكة التجسس التي تم ضبطها يديرها قيادي سابق يف احلرس‬

‫((( انظر ترصحيات رئيس اجلمهورية عيل الرابط التايل‪:‬‬


‫‪http://www.26sep.net/news_details.php?sid=83498‬‬

‫‪162‬‬
‫الثوري اإليراين وتدير عمليات جتسس باليمن والقرن األفريقي»‪.‬‬
‫وقد فصل الرئيس عبد ربه منصور هادي أبعاد ومرامي التدخل اإليراين يف اليمن‬
‫يف حمارضة ألقاها يف مركز «وودرو ويلسون الدويل للباحثني» بواشنطن أثناء زيارته‬
‫للواليات املتحدة حلضور انعقاد اجلمعية العامة لألمم املتحدة‪ ،‬وافتتاح مؤمتر املانحني‬
‫الدوليني لدعم اليمن‪ ،‬فقد اهتم إيران بأهنا تعمل عىل فرض نفسها كقوة إقليمية يف‬
‫املنطقة‪ ،‬وتسعى إىل تعويض خسارهتا االسرتاتيجية مع تزايد مؤرشات اهنيار النظام يف‬
‫سورية وحماولتها تعويض تلك اخلسارة يف اليمن‪ ..،‬وأهنا حتاول التدخل يف شؤون اليمن‬
‫وحماولة نرش الفوىض والعنف فيها‪ ،‬مؤكد ًا الكشف عن (‪ )6‬شبكات جتسس تعمل‬
‫لصالح إيران‪ ،‬وقال هادي‪ :‬إن اليمن يواجه «تدخالت إقليمية معادية‪ ،‬منها التدخالت‬
‫اإليرانية»‪ ،‬معتربا أهنا تقف ضد التنمية يف املنطقة‪ ،‬وأن هذه التدخالت متثلت «يف الدعم‬
‫اإليراين لبعض التيارات السياسية واملسلحة وجتنيد شبكات جتسس»‪ ،‬وأنه تم الكشف‬
‫عن مخس شبكات جتسس تعمل لصالح إيران قال إنه تم إحالتها للقضاء‪ ،‬كام تم مؤخر ًا‬
‫«اكتشاف الشبكة السادسة»‪ .‬ووجه أصابع االهتام إىل إيران بتقديم “الدعم القوي‬
‫للحراك املسلح»‪ ،‬وقال إهنا تقدم “الدعم السيايس والعسكري واإلعالمي واملايل لقوى‬
‫احلراك املسلح‪ ،‬يف جنوب اليمن”‪ ،‬وإهنا تعمل عىل «استقطاب إعالميني ومعارضني‬
‫سياسيني” يف حماولة منها لتخريب التسوية السياسية التي متت وفق املبادرة اخلليجية‬
‫وآليتها التنفيذية‪ ،‬والتي قال إهنا اعتربهتا “مبادرة سعودية أمريكية»‪.‬‬
‫وأن هدف إيران من ذلك هو إجياد حالة من الفوىض والعنف‪ ،‬وإحداث انفالت‬
‫أمني وسيايس يف اليمن “لكي تستفيد من األوضاع املضطربة لتمرير أجندهتا يف املنطقة‪،‬‬
‫وأهنا تسعى جلعل اليمن نقطة انطالق ملامرسة دورها اإلقليمي واستهداف دول اخلليج‬
‫العريب”‪ ،‬و”أن لدى إيران أطامع لتوسيع نفوذها اإلقليمي يف البحر األمحر وخليج عدن‬
‫والبحر العريب من أجل تعطيل خط املالحة الدولية واملصالح الغربية يف املنطقة(((‪.‬‬

‫)‪(1‬‬ ‫‪http://www.aljazeera.net/news/pages/f7752b8b-891d-4d5e-8e8d-‬‬
‫‪d9a9f1111d3a‬‬

‫‪163‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬العوامل التي ساعدت عىل متدد النفوذ اإليراين يف اليمن‬
‫مل يأت التدخل اإليراين يف اليمن من فراغ‪ ،‬وإنام من توافر عدد من العوامل واملتغريات‬
‫التي ساعدهتا عىل توسيع نفوذها يف اليمن‪ ،‬ونتوقف هنا عند أبرز تلك العوامل‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ مسار عملية التسوية السياسية التي تضمنتها املبادرة اخلليجية‬


‫فاجتاه الثورة اليمنية إىل مسار التسوية السياسية بدعم (وربام ضغوط) من اململكة‬
‫العربية السعودية والواليات املتحدة األمريكية خدم يف األخري التمدد اإليراين‪ ،‬وساهم‬
‫يف اتساع نفوذ حلفائها يف اليمن‪ ،‬فقد استغل احلوثيون والشخصيات السياسية التي تم‬
‫استقطاهبا حلساب املرشوع اإليراين توقيع القوى الرئيسية املشاركة يف الثورة عىل املبادرة‬
‫اخلليجية للتشنيع بتلك القوى وحتريض الشباب يف الساحات عليها‪ ،‬وخاصة حزب‬
‫التجمع اليمني لإلصالح الواجهة السياسية لإلخوان املسلمني يف اليمن‪ ،‬واللواء عيل‬
‫حمسن صالح األمحر قائد الفرقة األوىل مدرع‪ ،‬الذي انضم إىل الثورة ووفر هلا احلامية يف‬
‫العاصمة صنعاء وعدد من املدن األخرى‪ ،‬وحتت الفتة رفض املبادرة اخلليجية متكن‬
‫احلوثيون وحلفاء إيران من استقطاب عدد كبري من الشباب احلانقني من مسار التسوية‬
‫يف خمتلف املحافظات‪ ،‬وخاصة يف تعز وإب وعدن‪ ،‬وغريها‪.‬‬
‫كام إن عملية التسوية حافظت عىل بقاء ومتاسك نظام الرئيس السابق‪ ،‬فقد احتفظ‬
‫أقرباؤه بقيادة أهم وحدات اجليش وأجهزة األمن (احلرس اجلمهوري والقوات اخلاصة‪،‬‬
‫واألمن املركزي‪ ،‬واألمن القومي‪ ،‬وقوات النجدة‪..،‬وغريها)‪ ،‬واحتفظ املؤمتر الشعبي‬
‫العام بنصف املقاعد احلكومية‪ ،‬وببنية النظام السيايس‪ ،‬ويف سبيل سعيهم لعرقلة عملية‬
‫التغري‪ ،‬مد الرئيس السابق‪ ،‬وأنصاره أيدهيم إليران‪ ،‬وممثلهم املحيل (احلوثيني)‪ ،‬وتوثق‬
‫حتالف غري معلن بني الطرفني‪ ،‬وشكال جبهة متناسقة إلفشال التسوية السياسية التي‬
‫تضمنتها املبادرة اخلليجية‪ ،‬وإدارة الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني‪ ،‬ولتحقيق‬
‫ذلك فتح الرئيس السابق حزب املؤمتر الشعبي العام لينشط احلوثيون فيه ومن خالله‬
‫يف خمتلف املحافظات‪ ،‬وبالذات تلك التي ال يمكن تسويق احلوثيني خالهلا من خالل‬
‫اللعب عىل وتر املذهب الزيدي‪ ،‬واألخطر من ذلك أن ثمة تقارير إعالمية تؤكد السامح‬

‫‪164‬‬
‫للحوثيني بالنشاط الفكري والتنظيمي داخل وحدات احلرس اجلمهوري والقوات‬
‫اخلاصة‪ ،‬وهو ما دعا الناشطة توكل كرمان (احلائزة عىل جائزة نوبل) والتي تعد من‬
‫أوائل من هيأ للثورة وشارك فيها إىل مطالبة الرئيس هادي إىل املسارعة بتغيري قيادة‬
‫احلرس قبل أن يتحول من حرس مجهوري إىل حرس ثوري‪ ،‬يف إشارة إىل خماطر متدد‬
‫احلوثيني داخل قوات احلرس اجلمهوري والقوات اخلاصة‪.‬‬
‫وقد ظهر التنسيق بني النظام السابق واحلوثيني‪ ،‬يف غري ما مرة‪ ،‬فقد خروج أنصار‬
‫املؤمتر الشعبي العام يف صنعاء وعدد من املحافظات اليمنية بكثافة كبرية بتاريخ ‪/9/27‬‬
‫‪ ،2012‬حتت الفتات الشعار احلوثي الشهري (اهلل أكرب‪ ،‬املوت ألمريكا‪ ،‬املوت إلرسائيل‪،‬‬
‫اللعنة عىل اليهود‪ ،‬النرص لإلسالم) يف ما يعرف بيوم القدس العاملي‪ ،‬وذلك إلظهار‬
‫احلوثيني أهنم يمثلون قوة كبرية يف البالد يمكن أن تكون بدي ً‬
‫ال لإلخوان املسلمني‬
‫وحزهبم يف اليمن‪ ،‬كام أن حادث اهلجوم عىل السفارة األمريكية يف ‪ 13‬سبتمرب ‪،2012‬‬
‫عىل خلفية الفلم امليسء إىل الرسول الكريم صىل اهلل عليه وآله وسلم‪ ،‬تم بالتنسيق بني‬
‫احلوثيني ونظام الرئيس السابق‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى فقد أبقت التسوية السياسية عىل االنقسام القائم بني وحدات‬
‫اجليش واألمن‪ ،‬وهو ما أوجد فراغ ًا أمني ًا واسع ًا‪ ،‬مثل بيئة مثالية لنشاط احلوثيني‪ ،‬وسهل‬
‫هلم مهمة التوسع يف حمافظات عمران‪ ،‬وحجة واحلديدة‪ ،‬وغريها‪ ،‬كام أنه أبقى القوى‬
‫اليمنية الرافضة للتدخل اإليراين منشغلة باستكامل عملية التغيري‪ ،‬وحمارصة األعامل التي‬
‫يقوم هبا النظام السابق لتفجري األوضاع السياسية‪ ،‬وإرباك املشهد السيايس‪ ،‬يف حماولة‬
‫إليقاف عملية التغيري‪.‬‬

‫‪ 2‬ـ األوضاع االقتصادية واالجتماعية‬


‫فكام هو معروف فإن املوارد االقتصادية يف اليمن حمدودة مقارنة بدول اخلليج‬
‫ومعظم الدول العربية األخرى‪ ،‬وقد شهدت األوضاع املعيشية واالقتصادية يف اليمن‬
‫تدهور ًا مستمر ًا‪ ،‬وبخاصة يف العرش السنوات األخرية‪ ،‬بسبب سوء اإلدارة والفساد‪،‬‬
‫وفشل السياسات احلكومية‪ ،‬وقد زاد تدهور هذه األوضاع أثناء الثورة‪ ،‬مما وسع من‬

‫‪165‬‬
‫دائرة احلاجة والعوز بني اليمنيني‪ ،‬ووفر ظروف ًا مواتية للتدخالت اخلارجية‪ ،‬وهلذا نجد‬
‫أن األداة املالية من أكثر األدوات آثر ًا يف مد النفوذ اإليراين داخل اليمن‪.‬‬
‫ونتيجة للظروف االقتصادية الصعبة التي يعيشها اليمنيون نشطت خالل السنتني‬
‫األخريتني عمليات استقطاب ألفراد ومجاعات يمنية حلساب املرشوع اإليراين‪ ،‬ومل يعد‬
‫احلوثيون وحدهم من يقوم بدور الوسيط بني إيران والراغبني يف التحالف معها‪ ،‬فقد‬
‫نشط إىل جانبهم عدد من السياسيني املحسوبني عىل اليسار أو النظام السابق‪ ،‬وحتول‬
‫بعضهم إىل ما يشبه املقاول من الباطن‪ ،‬وحتولت بريوت‪ ،‬ومن قبلها دمشق إىل مزار‬
‫لليمنيني الراغبني يف التحالف مع إيران وجرس عبور اليمنيني واألموال اإليرانية‪.‬‬
‫ويف البيئة اليمنية غالب ًا ما حيدث تداخل وتأثري متبادل بني البعدين االجتامعي‬
‫واالقتصادي يسهم يف فتح الطريق أمام التدخل اخلارجي‪ ،‬فمعلوم أن مشايخ القبائل‬
‫يقومون بدور سيايس واجتامعي كبري يف احلياة العامة‪ ،‬وكان النظام السابق قد استقطب‬
‫جزء ًا كبري ًا منهم إىل حزب املؤمتر الشعبي العام‪ ،‬لضامن دعمه أثناء االنتخابات العامة‬
‫ويف أوقات األزمات احلادة‪ ،‬ويف مقابل ذلك كان أولئك املشائخ حيصل عىل الكثري من‬
‫االمتيازات الوظيفية واملالية والتجارية وغريها‪ ،‬وبعد قيام الثورة ثارت خماوف قطاع‬
‫منهم من إمكانية ترضر مصاحلهم االقتصادية‪ ،‬أو مكانتهم السياسية واالجتامعية لصالح‬
‫منافسني هلم‪ ،‬مما دفعهم إىل البحث عن قوة جديدة حيتمون هبا يف وجه القوى التي أتت‬
‫هبا الثورة‪ ،‬وقد لعبت األموال التي تتدفق من إيران دور ًا كبري ًا يف حتول والء عدد منهم‬
‫لصالح احلوثيني واملرشوع اإليراين يف اليمن عموما‪.‬‬

‫‪3‬ـ العامل املذهبي‬


‫فاليمن معروفة تارخيي ًا بوجود املذهب الزيدي‪ ،‬وظل األئمة الزيديون حيكمون‬
‫اليمن ـ بشكل كيل أو جزئي ـ ملا يزيد عن ألف ومائة عام‪ ،‬ومل ينته حكمهم إال بقيام‬
‫ثورة ‪ 26‬سبتمرب ‪ ،1962‬التي أطاحت باإلمام البدر واستبدلته بالنظام اجلمهوري‪،‬‬
‫ومنذ ذلك احلني أخذ تأثري العامل املذهبي يف تراجع مستمر‪ ،‬ووصل إىل أدنى حد‬
‫للتأثري‪ ،‬بل كاد ينقطع منذ حقبة السبعينات يف القرن املايض‪ ،‬وكان جلهود قيادات‬

‫‪166‬‬
‫حركة اإلخوان املسلمني يف اليمن دور كبري يف هذا اجلانب‪ ،‬فقد متكنت من جتميع علامء‬
‫اليمن من املذهبني الرئيسيني‪ :‬الزيدي والشافعي‪ ،‬ومتكنت من صياغة مقررات املناهج‬
‫الدراسية يف املدارس واجلامعات احلكومية بام يتجاوز التجاذبات املذهبية‪ ،‬وقد أسهمت‬
‫تلك املقررات يف بناء الشخصية اليمنية بناء ًا جديدا ينأى هبا عن االستقطاب املذهبي‪،‬‬
‫وبفعل ذلك تراجع تأثري العامل املذهبي يف حتديد اخليارات السياسية والفكرية يف حياة‬
‫اليمنيني‪.‬‬
‫غري أن أسلوب حكم النظام السابق الذي قام عىل شخصنة الدولة وغياب العمل‬
‫املؤسيس‪ ،‬واحتكار السلطة والثروة‪ ،‬وإقصاء القوى السياسية واالجتامعية‪ ،‬والعمل عىل‬
‫توريث السلطة‪ ،‬وحرص املواقع القيادية احليوية عىل عائلة الرئيس وأقربائه وأصهاره‪،‬‬
‫وحالة الفوىض العامة التي غدت سمة لنظام احلكم يف سنواته األخرية أوجدت مناخ ًا‬
‫لعودة الناس إىل االنتامءات األولية‪ :‬القبلية واملناطقية وحتى املذهبية‪ ..‬ومع ظهور مجاعة‬
‫احلوثي‪ ،‬ورفعها لشعارات مذهبية‪ ،‬أعاد من جديد تأثري العامل املذهبي يف احلياة العامة‬
‫يف اليمن‪ ،‬وحتول املذهب الزيدي إىل شعار لتسويق احلوثيني وأنصار املرشوع اإليراين يف‬
‫أوساط املجتمع اليمني‪.‬‬

‫‪ 4‬ـ ضعف الدور السعودي‬


‫مل تكن العوامل الداخلية وحدها هي التي ساعدت عىل متدد النفوذ اإليراين يف‬
‫اليمن‪ ،‬وإنام هناك عوامل إقليمية أيض ًا ومن أبرزها تراجع الدور السعودي يف اليمن‪،‬‬
‫فمن املعلوم أن اليمن ـ خصوص ًا الشامل منه ـ ظلت خالل العرص احلديث منطقة للنفوذ‬
‫السعودي التقليدي‪ ،‬وقد لعب احلضور السعودي دور ًا مه ًام يف محاية شامل اليمن يف‬
‫سبعينيات القرن املايض من خماطر الزحف الشيوعي‪ ،‬فقد ساهم التحالف الذي كان‬
‫قائ ًام يف ذلك الوقت بني الرياض والزعامات القبلية اليمنية واحلركة اإلسالمية اإلخوانية‬
‫يف منع سقوط شامل اليمن حتت حكم الشيوعيني برغم املخاطر الكبرية التي كانت قائمة‬
‫يف ذلك الوقت‪.‬‬
‫وبرغم جهود القيادة السعودية يف إمتام التسوية السياسية‪ ،‬وحرصها عىل عدم‬

‫‪167‬‬
‫انزالق اليمن إىل حرب أهلية مدمرة‪ ،‬إال أهنا ارتكبت خطأ اسرتاتيجي ًا عندما ترددت‬
‫يف التعاون مع القوى الرئيسية يف الثورة‪ ،‬وحرصت عىل بقاء نظام الرئيس السابق‪ ،‬وهو‬
‫ما أبقى البالد يف حالة من االنقسام والتمزق‪ ،‬وأوجد فراغ ًا أمني ًا خدم يف األخري إيران‬
‫وحلفاءها داخل اليمن‪.‬‬
‫كام أن الدور السعودي عىل األرض مل يعد كام كان يف املايض‪ ،‬فقد شهد هذا الدور‬
‫تراجع ًا واضح ًا يف الفرتة األخرية‪ ،‬ومل يكن بحجم التحديات التي تواجهها اليمن‬
‫ال مفض ً‬
‫ال لدى‬ ‫واألمن السعودي واملنطقة عىل السواء‪ ،‬فإمكان الرياض أن تكون بدي ً‬
‫بعض اليمنيني الذين اضطروا إىل الذهاب إىل طهران‪ ،‬وخاصة مشايخ ورجال القبائل‪،‬‬
‫وحتى بعض السياسيني واإلعالميني‪ ،‬كام إن مستوى التعاون بني الرياض والقوى اليمنية‬
‫الرافضة للتدخل اإليراين ال يوازي خماطر هذا التدخل‪ ،‬بل ويمكن القول بأن الدور‬
‫السعودي حتول يف أحيان كثرية إىل عبء عىل القريبني من السعودية أو املحسوبني عليها‪،‬‬
‫فأنصار املرشوع اإليراين يربرون التدخل اإليراين يف اليمن بوجود التدخل السعودي‪،‬‬
‫ويف حني أن التدخل اإليراين فاعل ونشط‪ ،‬ويعمل عىل استثامر كل فرصة سانحة‪ ،‬نجد‬
‫أن الدور السعودي ليس كذلك‪ ،‬وهلذا فإن السعودية تتحمل جزء ًا كبري ًا من مهام تنفيذ‬
‫اسرتاتيجية مقرتحة للتعامل مع التدخل اإليران يف اليمن واملنطقة‪.‬‬

‫رابعا ً‪ :‬مالمح استراتيجية التعامل مع النفوذ اإليراني‬


‫برغم حجم االخرتاق الذي أوجده التدخل اإليراين يف اليمن‪ ،‬واملكاسب التي‬
‫حصل عليها يف األرض إال أن مواجهة هذا التدخل واحلد منه ليست باألمر الصعب‪،‬‬
‫فقوة التدخل اإليراين تكمن يف الفراغ الداخيل واإلقليمي الذي تعاين منه اليمن واملنطقة‪،‬‬
‫وتقوم إيران باستغالله‪ ،‬وإذا ما ضيقت دائرة هذا الفراغ‪ ،‬فإن هذا سيحد دون شك من‬
‫النفوذ اإليراين‪ ،‬وحلفائه يف اليمن واملنطقة أيض ًا‪ ،‬ولعل هذا ما حيمل األطراف اخلارجية‪،‬‬
‫وخاصة الدور السعودي مسئولية كبرية يف حماولة سد هذا الفراغ‪ ،‬وهلذا يقع يف قلب‬
‫اسرتاتيجية التعامل مع النفوذ اإليراين إعادة تفعيل سياسة الرياض جتاه اليمن‪ ،‬وتوثيق‬
‫صالهتا مع القوى اليمنية الفاعلة التي يمكن أن تشكل حائط صد يف وجه هذا التدخل‪،‬‬

‫‪168‬‬
‫كام كان األمر يف مرحلة السبعينات‪ ،‬وهذا يتطلب أول ما يتطلب أن تغادر الرياض حالة‬
‫احلذر الزائد‪ ،‬والرتدد الذي ال لزوم له يف تعاملها مع تلك القوى‪.‬‬
‫وعىل عاتق السعودية أيض ًا ـ وإىل جانبها دول اخلليج العريب ـ تقع مسئولية ممارسة‬
‫الضغوط عىل النظام السابق إلمتام توحيد املؤسسة العسكرية وأجهزة األمن حتت قيادة‬
‫نظام الرئيس عبد ربه منصور هادي‪ ،‬ملا سيكون هلذه املؤسسة من دور حيوي يف سد‬
‫الفراغ األمني الذي ينشط فيه حلفاء إيران‪.‬‬
‫وبرغم من مشاغلها الداخلية فإن حكومة الثورة يف مرص مطالبة برسم سياسة‬
‫جديدة جتاه الدول العربية‪ ،‬بام يضمن حضور وفاعلية الدور املرصي‪ ،‬الذي سيكون له‬
‫دور كبري يف سد الفراغ اإلقليمي الذي تعاين منه املنطقة‪ ،‬وبدون ذلك فإن استمرار غياب‬
‫الدور املرصي سيعزز من هيمنة الدور األمريكي واإليراين يف املنطقة‪.‬‬
‫ومتتلك مرص مؤهالت للعب دور كبري يمكن أن خيفف من املشاكل السياسية التي‬
‫تواجهها اليمن وبخاصة القضية اجلنوبية‪ ،‬فالقبول الذي حتظى به الدبلوماسية املرصية‬
‫من خمتلف القوى اليمنية ُيمكن مرص من إدارة حوار مع األطراف اليمنية املعنية هبذه‬
‫القضية‪ ،‬ورعاية حوارات ثنائية‪ ،‬ومتعددة األطراف حوهلا‪ ،‬ستساعد اليمنيني عىل بناء‬
‫توافق حول كثري من أبعاد هذه القضية سواء كان ذلك قبل مؤمتر احلوار الوطني أو أثناء‬
‫انعقاده‪ ،‬وهو ما سيسحب من إيران أحد األوراق التي تؤثر هبا يف اليمن واإلقليم‪.‬‬

‫‪169‬‬
‫املشروع اإليراني في اليمن‬

‫د‪ .‬عبد احلميد النهمي‬


‫أستاذ ال ِفرَق واملذاهب بجامعة العلوم والتكنولوجيا‬

‫املقدمة‬
‫احلمد هلل والصالة والسالم عىل رسول اهلل وعىل آله وصحبه ومن وااله‪.‬‬
‫اللهم رب جربائيل وميكائيل وإرسافيل فاطر السموات واألرض عامل الغيب‬
‫والشهادة أنت حتكم بني عبادك فيام كانوا فيه خيتلفون‪ ،‬اهدنا ملا اختلف فيه من احلق‬
‫بإذنك إنك هتدي من تشاء إىل رصاط مستقيم‪.‬‬

‫وبعد‪:‬‬
‫إن املتتبع ملا يدور يف اليمن من فتنة طائفية تبناها احلوثيون يف صعدة‪ ،‬وحاولوا‬
‫تسويقها إىل أكثر من حمافظة من حمافظات اليمن‪ ،‬وسعوا إىل تدويلها؛ ليجزم يقين ًا أن‬
‫مزق األمة‪ ،‬وفت ََّت النسيج‬
‫أيادي خفية حترك هذا التيار‪ ،‬الذي جاء بخطاب طائفي َّ‬
‫َ‬ ‫ثمة‬
‫االجتامعي يف املناطق التي غزاها‪.‬‬
‫وقد كثر اللغط حول املرشوع اإليراين يف اليمن وعالقة احلوثيني بإيران من عدمها‪ ،‬بني‬
‫مصنف للحوثيني عىل أهنم رشطي إيراين يف اليمن‪ ،‬وبني ُمدَّ ٍع زيدية احلوثيني ومظلوميتهم‪.‬‬
‫فهل تدعم إيران احلوثيني عسكري ًا ومادي ًا وسياسي ًا‪ ،‬أم أن كل ما يقال ال يعدو أن‬
‫يكون حرب ًا إعالمية بالوكالة بني إيران وأعدائها اإلقليميني والدوليني؟‪.‬‬
‫هل ما يقال عن خاليا التجسس‪ ،‬وصفقات األسلحة‪ ،‬ودعم بعض األحزاب‬
‫والكيانات اليمنية من قبل إيران واقع ًا تعاين منه اليمن عىل خمتلف اجلوانب‪ ،‬أم أن تلك‬
‫ليبتز هبا املحيط اإلقليمي والدويل‪.‬‬
‫شعارات يرفعها النظام َّ‬
‫يف هذا البحث سوف نسلط الضوء عىل كل هذه التساؤالت وغريها‪.‬‬
‫سائلني اهلل العيل القدير التوفيق والسداد‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫البعد التاريخي لنفوذ إيران في اليمن‬
‫قدمت فارس يف عام ‪575‬م الدعم العسكري املبارش لسيف بن ذي يزن من أجل طرد‬
‫األحباش من اليمن يف ظل الرصاع مع البيزنطيني يومها‪ ،‬فيام لعبت مملكة احلرية يف العراق‬
‫دور ًا دبلوماسي ًا عندما قام النعامن بن املنذر باصطحاب ذي يزن إىل البالط الفاريس طلب ًا‬
‫للدعم العسكري‪ ،‬وعندما رفض ملك الفرس طلبه متعلال ًبقلة الثروات يف اليمن‪ ،‬فقال‬
‫له‪ :‬ما جبال أريض التي جئت منها إال ذهب وفضة‪ ،‬فبعث معه كرسى من كان يف سجونه‬
‫من القتلة واملجرمني الذين استحقوا اإلعدام‪ ،‬وكانوا ثامنامئة رجل‪ ،‬واستعمل عليهم‬
‫(وهرز)‪ ،‬فخرجوا يف ثامن سفن فغرقت سفينتان‪ ،‬ووصل إىل ساحل عدن ست سفن(((‪.‬‬
‫ومع إدراك طهران بتحول دويل جديد تقوده أمريكا للسيطرة عىل (باب املندب)‬
‫و(مضيق هرمز) لإلمساك هبا من العنق و(خنقها)‪ ،‬فإن هذا الوضع يميل عىل طهران‬
‫التدخل يف شئون اليمن‪ ،‬حتى بات التدخل يف صعدة حاجة ومطلب ًا أمني ًا اسرتاتيجي ًا أكثر‬
‫مما هو متطلب مذهبي أو طائفي(((‪.‬‬
‫جسد هذا العمل ترصيح حممود حسن زاده سفري إيران بصنعاء‪ ،‬عندما قال‬ ‫وقد َّ‬
‫ذات مرة‪« :‬إن إيران تنطلق من التاريخ‪ ،‬ومعرفة اجلغرافيا‪ ،‬وفق ًا ملصاحلها األمنية‪،‬‬
‫واالقتصادية‪ ،‬وليس وفق ًا لرؤية قارصة‪ ،‬ملا يدور من أحداث يف صعدة مثالً‪ ..،‬والقضية‬
‫بالنسبة إليران مصريية»(((‪.‬‬

‫ركائز املشروع اإليراني في اليمن‬


‫بدأت بوادر العالقات احلوثية اإليرانية يف وقت مبكر‪ ،‬مع ظهور املرشوع اإليراين‬
‫اجلديد(مرشوع والية الفقيه) واجلمهورية اإليرانية التي تبنت يف أدبياهتا تصدير الثورة‪،‬‬
‫وبدأت بإقامة عالقات محيمة مع قيادات اجلارودية يف اليمن(((‪ ،‬يف أكثر من وجه‪ ،‬فتارة‬

‫((( البداية والنهاية‪ ،‬البن كثري‪ ،177/2 ،‬وما بعدها‪.‬‬


‫((( األهايل‪2009/10/27 ،‬م‪.‬‬
‫((( مدونة شئون إيرانية(حقيقة الدور اإليراين يف اليمن)‪2102/3/51 ،‬م‪.‬‬
‫يبق=‬
‫قديام إىل ثالث فرق‪ :‬اجلارودية‪ ،‬والصاحلية والسليامنية‪ ،‬انقرضت األخريتان‪ ،‬ومل َ‬
‫((( انقسمت الزيدية ً‬

‫‪172‬‬
‫باسم الدولة عرب وزارات األوقاف والعدل‪ ،‬وتارة حتت مسميات ثقافية‪ ،‬ومنح دراسية‪،‬‬
‫وتارة باسم آل البيت يف اليمن‪ ،‬وغريها من وسائل االستقطاب الطائفي‪.‬‬
‫وجتلت مالمح املرشوع اإليراين يف اليمن يف عدة جوانب نتحدث عنها من خالل‬
‫املحاور اآلتية‪:‬‬

‫أوال ً‪ :‬الدعم السياسي واإلعالمي‪:‬‬


‫ومن مالمح املرشوع السيايس اإليراين يف اليمن اآليت‪:‬‬

‫استقطاب بقايا النظام امللكي يف اليمن واملرجعيات الزيدية‪:‬‬


‫فبعد ثورة سبتمرب عام‪1962‬م فيام كان يعرف بالشطر الشاميل من اليمن بدأت‬
‫اجلارودية تعمل يف اخلفاء حتت مظلة النظام‪ ،‬فتغلغلوا يف املرافق احليوية للدولة مثل‪:‬‬
‫الداخلية واألمن السيايس واجلوازات واملطارات‪ ،‬والعدل واألوقاف وغريها من‬
‫مفاصل الدولة‪.‬‬
‫وقامت إيران باستقطاب القيادات العلمية والسياسية للشيعة اجلارودية املرتبعني‬
‫عىل مفاصل السلطة يف تلك الوزارات‪ ،‬باإلضافة إىل النشاط التجاري والريايض املامرس‬
‫عرب مؤسسات الدولة(((‪.‬‬

‫حتسني العالقات مع النظام السابق‪:‬‬


‫حيث قام الرئيس السابق عيل عبد اهلل صالح بزيارة إىل إيران خالل الفرتة من‬
‫‪2000/4/19 - 17‬م‪ ،‬وباملقابل قام حممد خامتي رئيس اجلمهورية اإليرانية بزيارة إىل‬
‫اجلمهورية اليمنية خالل الفرتة ‪ 15‬إىل ‪/16‬مايو‪2003 /‬م(((‪.‬‬

‫=اليوم من فرق الزيدية إال فرقة اجلارودية‪ ،‬وهي الفرقة التي دخلت اليمن‪.‬‬
‫((( أضواء عىل حقيقة الفكر احلوثي‪ ،‬ص‪ ،72‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( نشوان نيوز‪2010/9/5 ،‬م‪.‬‬

‫‪173‬‬
‫التغطية اإلعالمية الشيعية لألحداث بام خيدم املرشوع اإليراين‪:‬‬
‫فعندما اندلعت احلرب يف عام‪2004‬م شنت الصحف والقنوات اإليرانية‬
‫واملدعومة إيراني ًا محالت إعالمية ضد احلكومة اليمنية‪ ،‬وغطت القنوات الشيعية مثل‪:‬‬
‫(قناة العامل‪ ،‬واملنار‪ ،‬والفرات‪ ،‬واألنوار‪ ،‬والكوثر‪ ،‬وغريها)‪.‬‬

‫وقوف احلوزات الشيعية إىل جانب احلوثيني يف احلرب‪:‬‬


‫وجه بدر الدين احلوثي رسالة ناشد فيها املرجعيات الشيعية يف العراق وإيران‬
‫وحثهم عىل العمل عىل إيقاف ما أسامه‪(:‬االنتهاكات وسياسة التمييز العنرصي التي‬
‫متارس ضد الطائفة الشيعية)‪ ،‬عىل إثرها أصدرت احلوزة الشيعية يف النجف باسم‬
‫(السيستاين) بيان ًا قالت فيه‪“ :‬إن الشيعة يف اليمن سواء الزيدية أو اإلمامية االثني عرشية‬
‫بيان حوزة قم ُ‬
‫بيان‬ ‫يتعرضون حلملة مسعورة من االعتقاالت والقتل املنظم”‪ ،‬و أكد َ‬
‫النجف الذي طالب جامعة الدول العربية ومنظمة املؤمتر اإلسالمي‪ ،‬ومنظمة األمم‬
‫املتحدة بالتدخل إليقاف ما وصفته باإلبادة التي يتعرض هلا شيعة اليمن (((‪.‬‬
‫كام ندد آية اهلل نارص مكارم شريازي يف بيان نقلته وكالة مهر لألنباء شبه الرسمية‪،‬‬
‫بعمليات اإلبادة اجلامعية ضد الشيعة يف اليمن‪ ،‬ووصف احلملة السعودية عىل احلوثيني‬
‫باإلبادة اجلامعية(((‪ ،‬ودعا املجلس الشيعي العراقي‪ :‬إىل إيقاف احلرب ضد احلوثيني(((‪.‬‬
‫باإلضافة إىل وجود ممثل للحوثيني يف النجف‪ ،‬ووجود اهتامات عراقية للتيار‬
‫الصدري بدعم احلوثيني (((‪.‬‬

‫((( صحيفة الرشق األوسط‪5002/4/61 ،‬م‪ ،‬واحلرب يف صعدة من أول صيحة إىل آخر طلقة‪ ،‬لعبد اهلل‬
‫الصنعاين‪ ،‬ص‪.43‬‬
‫((( القدس العريب‪9002/11/81 /،‬م‪.‬‬
‫((( ميدل ايست أونالين‪9002/11/41 .‬م‬
‫((( جنان العبيدي تكشف عن وجود مقر للحوثيني يف النجف‪ ،‬الرشقية‪9002/9/7 ،‬م‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫إنشاء األحزاب السياسية ذات التبعية للمرشوع اإليراين‪:‬‬
‫سعت طهران إىل إنشاء أحزاب موالية هلا‪ ،‬ومتويل مجاعات‪ ،‬ونخب ثقافية‪،‬‬
‫وسياسية‪ ،‬ومنابر إعالمية؛ للعب دور سيايس‪ ،‬يتبنى الرؤية اإليرانية جتاه األحداث‬
‫يف املنطقة‪ ،‬عرب عنارص تابعة هلا من يمنيني‪ ،‬ولبنانيني يتبعون حزب اهلل‪ ،‬وسوريني‪،‬‬
‫وإيرانيني يف أوروبا‪ ،‬يعملون عىل جتنيد واستقطاب قوى‪ ،‬وعنارص سياسية‪ ،‬وإعالمية‬
‫بصورة حثيثة داخل اليمن وخارجه من الطالب املبتعثني للدراسات العليا‪ ،‬والعنارص‬
‫املعارضة يف اخلارج بحسب تقرير أمني يمني‪.‬‬
‫كام طالب وزير العدل اليمني السابق شايف األغربي إيران بالكف عن التدخل يف‬
‫الشئون الداخلية لليمن‪ ،‬والكف عن دعم وتشجيع احلوثيني(((‪.‬‬

‫ترصحيات املسئولني اإليرانيني والعراقيني والبحرينيني‪:‬‬


‫ففي يوم ‪2009/12/12‬م انتقد عيل الرجياين ما وصفه بتدخل السعودية يف‬
‫الشكر‬
‫َ‬ ‫الشؤون اليمنية‪ ،‬وقيامها بغارات جوية تستهدف احلوثيني‪ ،‬ووجه حييى احلوثي‬
‫له وإليران عىل وقوفهم معهم(((‪.‬‬
‫وقام منوشهر متكي وزير اخلارجية اإليراين بتحذير السعودية من التدخل يف شئون‬
‫اليمن‪ ،‬وطالب اليمن برتميم عالقتها مع الشيعة(((‪.‬‬
‫كام أن إيران أطلقت اسم الزعيم السابق للحوثيني (حسني بدر الدين احلوثي) عىل‬
‫شارع اليمن‪ ،‬وقامت قوات الباسيج بنزع لوحة اسم الشارع واستبداهلا بلوحة حتمل‬
‫اسم(شارع الشهيد حسني احلوثي) (((‪.‬‬
‫كام دعت بعض األوساط السياسية الشيعية يف بغداد املراجع الشيعية يف مدينتي‬
‫النجف وكربالء‪ ،‬إىل مساندة احلوثيني إلجبار الرئيس اليمني عيل عبد اهلل صالح عىل‬

‫((( املؤمتر نت‪9002/11/91 ،‬م‪.‬‬


‫((( يس إن إن العربية‪9002/21/21 ،‬م‪.‬‬
‫((( اجلزيرة نت‪9002/11/01 ،‬م‪.‬‬
‫((( نبأ نيوز‪9002/11/03 ،‬م‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫طرد البعثيني العراقيني من اليمن(((‪.‬‬
‫وتقدم رئيس جلنة العالقات اخلارجية يف جملس النواب العراقي مهام محودي‬
‫بطلب رسمي للحكومة العراقية بفتح مكتب ممثلية للمعارضة اليمنية(احلوثية) وسط‬
‫العاصمة العراقية بغداد(((‪.‬‬
‫ويف البحرين امتنعت كتلة الوفاق الربملانية الشيعية عن التصويت عىل قرار إصدار‬
‫بيان تضامني مع اململكة العربية السعودية يف احلرب الدائرة مع مجاعة احلوثي الشيعية يف‬
‫اليمن‪ ،‬دع ًام منها ملرشوع احلوثيني يف اليمن(((‪.‬‬

‫ثانيا ً‪ :‬الدعم الثقافي اإليراني للحوثيني‪:‬‬


‫مع قيام الثورة اخلمينية يف إيران يف عام ‪1979‬م كانت تُدَ َّرس يف املحافل العلمية‬
‫للجارودية مادة تسمى بـ (الثورة اإليرانية)‪ ،‬وكان ذلك يف بداية عقد الثامنينيات‪ ،‬وكان‬
‫يدرس هذه املادة‪ :‬حممد بدر الدين احلوثي‪ ،‬وتزايد نشاط اجلارودية امللكية بعد نزوحهم‬
‫ِّ‬
‫إىل السعودية عقب االتفاقية بينهم وبني اجلمهوريني(((‪.‬‬
‫وقام احلوثيون بتوزيع كتاب(عرص الظهور)‪ ،‬لعيل الكوراين العاميل‪ ،‬الذي أشار‬
‫إىل ظهور ثورة إسالمية ممهدة لظهور املهدي بقيادة اليامين(حسن أو حسني) خيرج من‬
‫قرية يقال هلا‪( :‬كرعة)‪ ،‬وهي قرية من خوالن بصعدة‪ ،‬وذكر تقرير صادر عن الداخلية‬
‫اليمنية أهنا ضبطت وثيقة مبايعة حلسني احلوثي عىل أنه اإلمام واملهدي املنتظر(((‪.‬‬
‫وكثري ًا ما كان يمجد حسني احلوثي الثورة اإليرانية وبأهنا سبيل اخلالص للشعوب‬

‫((( سياسيون عراقيون يكشفون‪ :‬التيار الصدري يتوىل نقل احلوثيني وتدريبهم يف إيران‪ ،‬شبكة البرصة‪،‬‬
‫‪9002/9/4‬م‪.‬‬
‫((( محدي السعدي‪ :‬حكومة العراق‪..‬فتح مكتب للحوثيني‪ ..‬واستقدام املعارضة السورية‪ ..‬واملسامهة بتبشري‬
‫األردن بالتشيع‪..‬ملاذا؟ موسوعة الرشيد ‪)9002 /90 /01‬‬
‫((( القدس العريب‪ ،‬لندن‪9002/11/01 ،‬م‪.‬‬
‫((( احلوثية يف اليمن (األطامع املذهبية يف ظل التحوالت الدولية)‪ ،‬ملجموعة من الباحثني‪ ،‬مركز اجلزيرة‬
‫العربية للدراسات والبحوث‪ ،‬ص‪ ،111‬وما بعدها بترصف‪.‬‬
‫((( مترد احلوثي يف اليمن وأبعاد التحالف الشيعي األمريكي يف املنطقة(‪ ،)2 -1‬إعداد‪ :‬مركز اجلزيرة العربية‬
‫للدراسات والبحوث‪ .‬‬

‫‪176‬‬
‫اإلسالمية اليوم وبأهنا النموذج الذي جيب أن حيتذى‪ ،‬إىل غري ذلك مما نراه من متجيد‬
‫لقيادات الثورة اإليرانية‪ ،‬ومدح ملناهجها وقادهتا مما يوجد تشاهب ًا بالغ ًا‪ ،‬وحماكاة كبرية‬
‫بني احلركة احلوثية والثورة اخلمينية يف إيران من جوانب كثرية(((‪.‬‬

‫وتعددت صور الدعم الثقايف اإليراين من خالل اآليت‪:‬‬


‫ •املنح الدراسية التي كانت تعطيها إيران للشباب املؤمن بصورة جمانية‪ ،‬باإلضافة‬
‫إىل املنح الدراسية التي كانت تعطى هلم من قبل النظام السابق‪.‬‬
‫ •قامت إيران بضخ مئات اآلالف من الكتب االثني عرشية‪ ،‬التي تتحدث مفرداهتا‬
‫عن قضايا إثني عرشية خالصة ليس هلا أي عالقة باملذهب الزيدي‪ ،‬بل إن مضامينها‬
‫تعتقد كفر الزيدية‪ ،‬والغريب يف األمر أن الشباب املؤمن كانوا هم من يقومون بتوزيعها‬
‫نرصة للمذهب الزيدي‪ ،‬عىل حد زعمهم‪ ،‬ومن هذه الكتب عىل سبيل املثال ال احلرص‪:‬‬
‫املهدي املنتظر يف الفكر اإلسالمي‪ ،‬التقية يف الفكر اإلسالمي‪ ،‬والبداء يف ضوء الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وغريها من الكتب االثنى عرشية التي ليس هلا عالقة بمذهب الزيدية‪.‬‬
‫واليشء البارز يف هذه احلزمة الفكرية التي توزع بشكل هدايا جمانية أهنا ترمي إىل‬
‫نرش أفكار اثني عرشية عتيقة‪ ،‬استطاع شيعة إيران تشبيع قادة الشباب املؤمن هبا ابتدا ًء‪،‬‬
‫واملالحظ أن هذه الكتب ركزت عىل قضايا جوهرية يف العقيدة الشيعية منها‪ :‬عقيدة‬
‫البداء‪ ،‬واملتعة‪ ،‬والرجعة‪ ،‬والتقية‪ ،‬واملهدي املنتظر‪ ،‬ووالية عيل‪ ،‬ووالية الفقيه‪ ،‬وغريها‬
‫من القضايا العقدية التي ليس هلا عالقة باملذهب الزيدي (((‪.‬‬

‫((( التشيع يف صعدة (أفكار الشباب املؤمن يف امليزان)‪ ،‬لعبد الرمحن املجاهد‪ ،‬ص‪ ،511‬وما بعدها‪ ،‬وملزيد‬
‫من االطالع راجع مالزم حسني احلوثي‪ ،‬ومنها‪:‬سورة املائدة الدرس األول(التويل لليهود وخطورته)ص‪،52:‬‬
‫وال عذر للجميع أمام اهلل‪ ،‬ص ‪ ،41‬وخطر دخول أمريكا اليمن (ضمن سلسلة حمارضات من هدي القرآن‬
‫الكريم) حلسني بدر الدين احلوثي‪ ،‬ص ‪ ،3‬منقولة من أرشطة كاسيت‪ ،‬إعداد‪ :‬ضيف اهلل صالح أبو غيدنة‪،‬‬
‫ومسؤولية طالب العلوم الدينية (ضمن سلسلة دروس من هدي القرآن) حلسني بدر الدين احلوثي‪ ،‬ص‪،41 :‬‬
‫ويوم القدس العاملي‪ ،1‬حلسني بدر الدين‪ ،‬ص ‪.62‬‬
‫((( التشيع يف صعدة(دراسة ميدانية)‪ ،‬لعبد الرمحن املجاهد‪ ،84/1 ،‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪177‬‬
‫ •الشعارات اإليرانية‪ :‬وأبرز هذه الشعارات‪ :‬شعار الرصخة(املوت ألمريكا ـ‬
‫املوت إلرسائيل ـ اللعنة عىل اليهود ـ النرص لإلسالم)‪ ،‬وهو شعار رفعه اخلميني يف‬
‫ثورته عىل نظام الشاه يف إيران‪ ،‬واستنسخه حزب اهلل يف لبنان‪ ،‬وحاول تصديره حسني‬
‫احلوثي إىل اليمن‪.‬‬
‫وقد بدا واضح ًا اإلعجاب اجلامح لدى حسني احلوثي هبذا الشعار؛ تعبري ًا عن‬
‫إعجابه بفكر اخلميني وشخصيته إىل احلد الذي أفقد احلوثي عدم القدرة عىل التمييز بني‬
‫اخلصوصيات ومدى مالئمة هذا الشعار للمجتمع اليمني‪.‬‬
‫ •إحياء املناسبات الشيعية‪ ،‬كالغدير‪ ،‬وكربالء‪ ،‬واملولد النبوي عىل الطريقة‬
‫اإليرانية‪ ،‬من رضب الصدور‪ ،‬وشق اجليوب‪ ،‬وطعن الرؤوس‪ ،‬والتي بدأت تظهر يف‬
‫صفوف احلوثيني‪ ،‬واختفت مع بداية احلروب مع احلوثيني‪.‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬الدعم املادي اإليراني للحوثيني‪:‬‬


‫حاولت وزارة اخلارجية اإليرانية إعطاء الدعم اإليراين للحوثيني صبغة شعبية‪،‬‬
‫وأخذ الدعم املادي اإليراين للحوثيني أكثر من صورة‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫دعم املنظامت الشيعية يف اخلليج‪:‬‬
‫وقد دفع هذا الدعم اإليراين للحوثيني عضو جملس الشورى البحريني (سمرية‬
‫رجب) إىل إبداء استغراهبا من غفلة الدولة عن نشاط الشيعة(((‪.‬‬

‫الدعم اإليراني املباشر للتيارات املناوئة للوحدة‪:‬‬


‫فقد كشفت وثائق رسية مرسبة عن اتصاالت متبادلة بني من سموا أنفسهم يف‬
‫الوثائق بـ(تنظيم اخليار الثوري) ومكتب املرجعية اإليرانية آية اهلل عىل خامنئي‪ ،‬وتظهر‬
‫الوثائق أنه يقدم دع ًام لوجيستي ًا ومالي ًا للتنظيم الذي يضم عدد ًا من القيادات السياسية‬
‫واإلعالمية واألكاديمية من مربعات يسارية وقومية وحوثية‪ ،‬وبحسب امليزانية التقديرية‬

‫((( احلوثية يف اليمن(األطامع املذهبية يف ظل التحوالت الدولية)‪ ،‬إعداد‪ :‬مركز اجلزيرة العربية للدراسات‬
‫والبحوث‪ ،‬ص‪.182 ،972‬‬

‫‪178‬‬
‫التي قدمها «اخليار الثوري» فقد بلغت مليون ومائة وسبعة وسبعون ألف وأربعامئة‬
‫دوالر(((‪.‬‬
‫باإلضافة إىل تفكيك اليمن لشبكة كانت تقوم بمهام ترتيب نقل التحويالت املالية‬
‫للمتمردين احلوثيني عن طريق رشكتي رصافة تعمالن يف اليمن(((‪.‬‬
‫كام أنفقت إيران نحو (بليون دوالر) لدعم خمططها‪ ،‬وخمطط احلوثيني لفصل‬
‫اجلنوب‪ ،‬ورصدت ضعف هذا املبلغ ملواصلة تنفيذ املخطط وإقامة دولتني‪ ،‬دولة يف‬
‫اجلنوب ودولة يف شامل الشامل(((‪.‬‬
‫ورصح وزير اخلارجية اليمني أبو بكر القريب بأن‪»:‬الدعم املايل للحوثيني من مراجع‬
‫شيع ّية داخل إيران وخارجها»(((‪.‬‬

‫رابعا ً‪ :‬الدعم العسكري‪:‬‬


‫يعترب الدعم العسكري من أهم الدالئل عىل خطر املرشوع اإليراين يف اليمن‪ ،‬وقد‬
‫متثل الدعم العسكري يف عدة أمور‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ •الرغبة العسكرية اجلاحمة إليران يف توسيع نفوذها العسكري يف خليج عدن‪:‬‬
‫وقد ورد ذلك عىل لسان رئيس احلرس الثوري حممد عيل جعفري حيث قال‪« :‬سنعزز‬
‫وجودنا يف خليج عدن‪ ،‬وصوارخينا تصيب أهدافها يف أي مكان”(((‪.‬‬
‫وبعد هذا الترصيح أعلن الناطق الرسمي باسم احلكومة اليمنية ووزير اإلعالم‬
‫األسبق (حسن اللوزي) يف ‪2009/9/2‬م‪ ،‬أن هناك دع ًام لوجست ّي ًا إيراني ًا للمتمردين‬
‫يف صعدة(((‪.‬‬
‫وقال مسؤول أمني يمني رفيع املستوى‪”:‬إن إيران سعت إىل إرسال مواد إىل اليمن‬

‫((( األهايل نت‪2102/21/61 ،‬م‪.‬‬


‫((( موقع ردفان برس‪ ،‬برابط‪.diab/su.ttuc//:ptth :‬‬
‫((( موقع السياسة الكويتية‪ ،‬برابط‪75rt/su.ttuc//:ptth.:‬‬
‫((( موقع نوافذ‪ ،‬برابط‪ .CN5f/su.ttuc//:ptth :‬‬
‫((( صحيفة الرشق األوسط‪ ،‬األحـد ‪ 01‬رمضـان ‪ 0341‬هـ ‪ 03‬أغسطس ‪ 9002‬العدد (‪.)33211‬‬
‫((( صحيفة الرشق األوسط‪ ،‬األربعاء ‪ 31‬رمضـان ‪0341‬هـ ‪ 2‬سبتمرب ‪ 9002‬العدد (‪.)63211‬‬

‫‪179‬‬
‫تستخدم يف صنع أجهزة متفجرة تعرف (بمتفجرات خارقة الدروع) أو (‪.(((”)E.F.P‬‬
‫ونقلت صحيفة “نيويورك تايمز” عن مسؤول أمريكي رفيع املستوى قوله‪“ :‬إن‬
‫املهربني اإليرانيني بدعم من وحدة القدس يستخدمون سفن ًا لنقل بنادق هجومية من‬
‫طراز (إيه ‪-‬كيه ‪ )47‬وقذائف صاروخية إىل احلوثيني(((‪.‬‬
‫ •التدريب العسكري‪ :‬وجتىل من خالل‪ :‬وجود املدربني العراقيني‪ ،‬وبعض عنارص‬
‫احلرس الثوري يف صفوف احلوثيني‪ ،‬والذين كان هلم دور بارز يف تأهيل مقاتيل احلوثي‪،‬‬
‫وتدريبهم‪ ،‬وإعدادهم عسكري ًا فيام يعدهم حسني احلوثي فكري ًا(((‪.‬‬
‫وأكد بعض أتباع احلوثي لألجهزة األمنية اليمنية تلقيهم لتدريبات يف معسكرات‬
‫تابعة للحرس الثوري اإليراين مع عنارص فيلق بدر يف العراق(((‪.‬‬
‫كذلك قام خرباء إيرانيون وعراقيون‪ ،‬بتدريب احلوثيني عىل صناعة األلغام‪ ،‬وتم‬
‫استقدامهم للعمل يف صعدة كأطباء يف مستشفيات خاصة؛ ليقدموا خرباهتم يف صناعة‬
‫املتفجرات (((‪.‬‬
‫وقام حزب اهلل اللبناين قام بتدربت عنارص حوثية يف معسكراته يف لبنان وسوريا‪،‬‬
‫وباملقابل شارك احلوثيون يف القتال يف صفوف الشبيحة ضد الشعب السوري‪ ،‬وألقي‬
‫القبض عىل مقاتلني حوثييني يف محص(((‪.‬‬
‫ •التسليح اإليراين للحوثيني‪ :‬مل يعد خافيا ًجهود إيران يف تسليح احلوثيني عىل مدار‬
‫حروهبا السابقة‪ ،‬ونشاطها احلايل‪ ،‬وكان هلذا التسليح مجلة الصور‪ ،‬منها‪:‬‬

‫((( الزهر واحلجر‪ ،‬لعادل األمحدي‪ ،‬ص‪.471‬‬


‫((( شئون إيرانية (مدونة هتتم بالشأن اإليراين والعالقات العربية اإليرانية)‪2102/3/02 ،‬م‪.‬‬
‫((( كتاب الزهر واحلجر(التمرد الشيعي يف اليمن وموقع األقليات الشيعية يف السيناريو اجلديد‪ ،‬لعادل‬
‫األمحدي‪ ،‬ص‪ ،471‬وما بعدها‪.‬‬
‫((( موقع البينة‪ ،‬برابط‪.PiLo/su.ttuc//:ptth :‬‬
‫((( صحيفة اجلمهورية‪ ،‬السبت‪0102/5/8 ،‬م‪.‬‬
‫((( قناة سوريا الشعب‪ ،‬األحد‪2102/9/03 ،‬م‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫خمازن السالح‪:‬‬
‫ففي عام ‪2009‬م تم العثور عىل ستة خمازن للسالح تابعة للحوثيني‪ ،‬يف (حرف‬
‫سفيان)‪ ،‬حمافظة (عمران) شملت أسلحة رشاشة خفيفة‪ ،‬وقذائف وصواريخ قصرية‬
‫املدى‪ ،‬بعضها إيرانية الصنع(((‪.‬‬

‫إنشاء مصانع لألسلحة‪:‬‬


‫حيث ألقي القبض عىل إيرانيني دخلوا اليمن كمستثمرين‪ ،‬وحصلوا عىل ترخيص‬
‫من اجلهات املختصة بإنشاء مصنع‪ ،‬وبدؤوا بنقل آالته وأدواته إىل ميناء عدن‪ ،‬وتبني أن‬
‫املعدات مل تكن ألغراض مدنية متعلقة باملصنع‪ ،‬وإنام كانت ألغراض عسكرية عدائية‬
‫يمكن إعادة جتميعها لعمل صواريخ وأسلحة متنوعة(((‪.‬‬

‫البواخر اإليرانية‪:‬‬
‫من أمهها‪ :‬صفقة األسلحة التي خرجت يف احلرب السادسة‪ ،‬وسببت مشكلة بني‬
‫فارس مناع‪ ،‬وعيل صالح‪ ،‬رغم أنه كان وسيط ًا بني الدولة واحلوثيني حينها‪ ،‬إال أن صفقة‬
‫األسلحة وصلت ـ أو جزء كبري منها ـ إىل احلوثيني(((‪.‬‬

‫صفقة ديب‪:‬‬
‫تتكون من‪ 16 :‬مسدس ًا كانت قادمة من دولة إسالمية إىل حمافظة صعدة‪ ،‬تقدر‬
‫قيمتها بنحو ‪ 16‬مليون درهم إمارايت(((‪.‬‬
‫صفقة األسلحة اإلرسائيلية‪:‬‬

‫((( صحيفة الرشق األوسط‪ ،‬السبـت ‪ 20‬رمضـان ‪ 0341‬هـ ‪ 22‬أغسطس ‪9002‬م العدد (‪،)52211‬‬
‫وموقع اليس إن إن العريب‪ ،‬برابط‪.P2a4/su.ttuc//:ptth :‬‬
‫((( موقع اليس إن إن األمريكي‪ ،ULK2/su.ttuc//:ptth ،‬وموقع األهايل نت‪.elahala//:ptth ،‬‬
‫‪.7326/elcitra/ten‬‬
‫((( مارب برس‪9002/01/6 ،‬م‪.‬‬
‫((( املوقع اإلخباري اليومي‪ ،‬لصحيفة(‪ )62‬سبتمرب اليمنية‪ ،‬اخلميس‪1102/3/42 ،‬م‪.‬‬

‫‪181‬‬
‫حيث قامت القوات البحرية اجليبوتية يف يوم ‪ 26‬سبتمرب من عام ‪2010‬م باحتجاز‬
‫سفينة أسلحة متنوعة األحجام‪( ،‬بوازيك‪ ،‬وذخائر‪ ،‬ومعدالت‪ ،‬و‪ 400‬قناصة)‪ ،‬وكانت‬
‫يف طريقها إىل مجاعات التمرد احلوثية يف صعدة‪ ،‬وكانت الشحنة قادمة من إرسائيل مغطاة‬
‫بأكياس البصل‪ ،‬وكان قد تم حتميل جزء منها حيتوي عىل (‪ )400‬بندقية قناصة عىل متن‬
‫زورق آخر‪ ،‬نجح يف إفراغ محولته يف (ميدي) اليمني‪ ،‬حيث يتم نقلها بر ًا إىل صعدة(((‪.‬‬

‫شحنة الباخرة (جيهان ‪:)1‬‬


‫وهي أحدث وأخطر دعم عسكري تلقاه احلوثيون من إيران‪ ،‬ضبطت يف ‪ 23‬يناير‬
‫‪2013‬م عىل متن السفينة اإليرانية(جهان‪ ،)1‬يف املياه اإلقليمية اليمنية قبالة ساحل‬
‫املهرة جنوب رشق اليمن‪ ،‬وتتكون من‪ :‬صواريخ (سرتال) املحمولة املضادة للطائرات‪،‬‬
‫والتي يبلغ مداها مخسة كيلو مرتات‪ ،‬وعرشات األطنان من املتفجرات أقواها مادة‪، C4‬‬
‫وأحزمة ناسفة‪ ،‬وأجهزة تفجري عن بعد‪ ،‬وأربعون طن ًا من األسلحة واملتفجرات‪ ،‬وقال‬
‫اللواء عبد القادر قحطان‪ :‬إن املعلومات واألدلة موجودة‪ ،‬وتؤكد بأن هذه الشحنة قادمة‬
‫من إيران‪ ،‬مبين ًا أن التحقيقات ال تزال جارية ملعرفة املتورطني يف جميء هذه الشحنة إىل‬
‫سواحل اليمن‪.‬‬
‫كام استنكر الدكتور عيل األمحدي رئيس جهاز األمن القومي اليمني ترصف إيران‬
‫بإرساهلا هذه الشحنة‪ ،‬وقال‪« :‬دعونا أكثر من مرة أشقاءنا يف اجلمهورية اإلسالمية‬
‫اإليرانية إىل إعادة النظر يف مواقفهم جتاه اليمن‪ ،‬وكانوا يف كل املناسبات ينكرون أي‬
‫تدخل يف اليمن»(((‪.‬‬

‫األحكام القضائية‪:‬‬
‫أعلنت املحكمة اجلزائية املتخصصة بالعاصمة اليمنية عن رفضها طلب االستئناف‬
‫املقدم من السفارة اإليرانية بصنعاء يف احلكم االبتدائي الصادر يف قضية السفينة اإليرانية‬

‫((( نبأ نيوز‪ ،‬الثالثاء‪0102/01/5 ،‬م‪.‬‬


‫((( العربية نت‪3102/2/9 ،‬م‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫املحملة باألسلحة التي ضبطت قرب جزيرة (مرين) أمام سواحل مدينة ميدي يف ‪27‬‬
‫أكتوبر من عام ‪2009‬م‪ ،‬حيث قىض منطوق احلكم الذي أصدرته املحكمة اجلزائية يف‬
‫‪2011/10/25‬م بإدانة ستة بحارين إيرانيني بتهمة دخول األرايض اليمنية بطرق‬
‫غري رشعية‪ ،‬واالكتفاء بمدة احلبس لسنتني كانوا قد قضوها يف السجن من تاريخ إلقاء‬
‫القبض عليهم وترحليهم من األرايض اليمنية‪  .‬كام قىض منطوق احلكم بمصادرة السفينة‬
‫وشحنة األسلحة املضبوطة عىل متنها‪ ،‬وتوريدها إىل خزينة وزارة الدفاع‪ ،‬والتي تشمل‪:‬‬
‫(‪ )2000‬بندقية آيل‪ ،‬و(‪ )150‬ألف طلقة آيل‪ ،‬و(‪ )200‬قطعة رشاش معدل‪ ،‬و(‪)100‬‬
‫ألف طلقة رشاش معدل‪ ،‬و(‪ )100‬قطعة مدفع هاون عيار(‪ )82‬مل‪ ،‬و(‪)50‬ألف قذيفة‬
‫هاون عيار(‪ )82‬مل‪ ،‬و(‪ )200‬قاذف بازوكا‪ ،‬و(‪ )5000‬قذيفة آر يب جي‪ ،‬وحسب أدلة‬
‫اإلثبات يف القضية فإن السفينة اإليرانية‪( ،‬معان‪ )1‬موديل (‪1991‬م) (((‪ .‬‬

‫خامسا ً‪ :‬شبكات التجسس‪:‬‬


‫ومنها‪ :‬خلية التجسس اإليرانية التي اعتقلتها السلطات اليمنية بدأت نشاطها يف‬
‫العام ‪2005‬م‪ ،‬وتضم اخللية املضبوطة خاليا عدة منترشة يف املحافظات‪ ،‬ويقود كل‬
‫واحدة منها قائد يف «احلرس الثوري»‪ ،‬ويزيد عدد أفرادها عن مخسني شخص ًا بينهم‬
‫نساء‪ ،‬كام تضم اخللية سياسيني بينهم نواب يف الربملان اليمني ورجال دين وإعالميني‬
‫ودبلوماسيني عرب وأجانب‪ ،‬وعنارص انفصالية يف جنوب اليمن وحوثيني يف الشامل‪،‬‬
‫وتلقت عنارص اخللية املضبوطة تدريبات مكثفة يف لبنان عىل يد مدربني من «احلرس‬
‫الثوري» اإليراين و«حزب اهلل» بالتنسيق مع مكتب البيض يف بريوت والذي يتوىل‬
‫حراسته مقاتلون من «احلرس الثوري» و«حزب اهلل»‪.‬‬
‫وكشفت التحقيقات خمطط ًا خطري ًا لطهران يتضمن جتنيد نحو ‪ 30‬ألف شخص‬
‫يف جنوب اليمن‪ ،‬وكانت طهران تدفع لكل شاب يمني يتم جتنيده يف تلك اخلاليا عند‬
‫سفره إىل لبنان للتدرب عىل التجسس واستخدام السالح واملتفجرات نحو مخسة آالف‬

‫((( وكالة انفراد‪2102/21/42 ،‬م‪ ،‬وصحيفة يمنكم االلكرتونية‪2102/7/02 ،‬م‪.‬‬

‫‪183‬‬
‫دوالر ًا‪ ،‬وستطال التحقيقات التي ستجرهيا السلطات يف اليمن نواب ًا يف الربملان اليمني‬
‫وشخصيات سياسية بارزة ودبلوماسيني أجانب بينهم موظفون كبار يف السفارة اإليرانية‬
‫بصنعاء(((‪.‬‬
‫ويف ‪2009/8/17‬م تم اإلعالن عن اعتقال شبكتني منفصلتني من اإليرانيني‬
‫يف اليمن واعرتف أحدهم بتقديم مئة ألف دوالر أمريكي للحوثيني نيابة عن احلكومة‬
‫اإليرانية(((‪.‬‬
‫وحتدث الرئيس عبد ربه منصور هادي يف ‪2012/9‬م عن كشف األجهزة األمنية‬
‫يف بالده لست شبكات جتسس‪ ،‬تعمل ملصلحة إيران(((‪.‬‬
‫ويف ‪2012/8/31‬م اهتمت املخابرات اليمنية إيران بدعم خلية جتسس يف عدن‬
‫هبدف التجسس عىل القنصلية السعودية‪ ،‬وكان أفراد هذه اخللية يمنيون بينهم ‪ 4‬من‬
‫حمافظة صعدة‪ ،‬ومسئولني يف السفارة السورية كام قامت قيادات شبابية من احلراك اجلنويب‬
‫وإعالميني‪ ،‬وآخرين من صعدة بزيارة إىل طهران يف أبريل ‪2012‬م عادوا إىل عدن بعد‬
‫تلقيهم تدريبات يف مدن األحواز‪ ،‬وحتديد ًا يف حي الربومي‪ ،‬ومدينة السوس(((‪.‬‬
‫األمر الذي دفع بالرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي‪ ،‬إىل دعوة إيران إىل عدم‬
‫ومرة عليهم»‪،‬‬
‫التدخل يف الشؤون الداخلية اليمنية‪ ،‬كام هدد باختاذ «إجراءات صعبة ّ‬
‫ورفض استقبال املبعوث اإليراين(((‪.‬‬
‫كام دعا رئيس جهاز األمن القومي «املخابرات»‪ ،‬اللواء عيل حسن األمحدي‪ ،‬إيران‬
‫الكف عن تدريب ومتويل املتمردين احلوثيني‪ ،‬مؤكد ًا أن لدى صنعاء أدلة واضحة‬
‫ّ‬ ‫إىل‬
‫عىل وجودهم وتدخلهم‪ ،‬واعتقلت عدد ًا من األشخاص ممن يعملون يف هذا املخطط‬
‫اإليراين((( ‪.‬‬

‫((( صحيفة يمنكم االلكرتونية‪2012/7/20 ،‬م‪.‬‬


‫((( مارب برس‪.‬‬
‫((( موقع العربية نت‪ ،‬برابط‪.http://cutt.us/Cowi :‬‬
‫((( صحيفة يمنكم االلكرتونية‪2012/7/20 ،‬م‪.‬‬
‫((( العربية نت‪2012/12/10 ،‬م‪.‬‬
‫((( صحيفة احلياة‪2012 /10/9 ،‬م‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫ويف يوم الثالثاء ‪2012/12/18‬م كشف قيادي يف احلراك اجلنويب‪ ،‬أن أغلب‬
‫قيادات احلراك ذهبوا إىل إيران الستجدائها من أجل تقديم الدعم‪ ،‬مشري ًا إىل أن إيران‬
‫تريد حتويل اجلنوب إىل ميدان رصاع طائفي‪ ،‬وأفاد بأن إيران طلبت من قيادات احلراك‬
‫جتنيد وتعليم وتدريب ‪ 6500‬شاب من اجلنوب»(((‪.‬‬

‫القوات البحرية اإليرانية يف املياه اإلقليمية اليمنية‪:‬‬


‫ذكر تقرير أمريكي أن القوات اإليرانية املتواجدة يف البحر األمحر وخليج عدن تقوم‬
‫بتأمني عملية هتريب األسلحة من أحد املوانئ اإلريرتية يف البحر األمحر إىل احلوثيني(((‪.‬‬
‫ويف يوم ‪2011/2/22‬م عربت قناة السويس السفينتان اإليرانيتان‪ ،‬ومها الفرقاطة‬
‫“الفاند”‪ ،‬من طراز ‪ ،MK-5‬واملزودة بصواريخ أرض بحر من نوع (يس‪،)802-‬‬
‫وسفينة اإلمداد “خرج”‪ ،‬وكانت السفينتان تشاركان يف تدريبات ملدة عام‪ ،‬عىل نطاق‬
‫واسع يشمل خليج عدن ثم البحر األمحر‪ ،‬قبل أن تنتقال إىل البحر املتوسط‪ ،‬مرور ًا بقناة‬
‫السويس(((‪.‬‬

‫معسكرات التدريب‪:‬‬
‫وهو ما أكده السيد (بشري إسحاق) مسئول العالقات اخلارجية بالتحالف‬
‫اإلريرتي املعارض عن وجود معسكر تدريب لعنارص من أنصار احلوثي بدعم وإرشاف‬
‫إيراين‪ ،‬يف منطقة (دنقللو) رشق مدينة (قندع) وسط أرترييا‪ ،‬وأشار إىل وجود مصنع‬
‫للمراكب أنشئ يف ميناء عصب برأس مال إيراين‪ ،‬ووجود حركة تشيع نشطة يف منطقة‬
‫(عصب وموصع) والقرى املجاورة هلا‪ ،‬عىل علم من املسئولني االرترييني(((‪.‬‬
‫وكانت إيران قد طلبت من اليمن تفعيل ميناء ميدي عىل شكل استثامرات إيرانية‪،‬‬

‫((( العربية نت‪2012/12/18 ،‬م‪.‬‬


‫((( تقرير أمريكي‪( :‬إيران تؤمن هتريب السالح للحوثيني)‪ ،‬شبكة البرصة‪2009/11/22 ،‬م‪.‬‬
‫((( شبكة (يس إن إن) العربية‪2011/6/7 ،‬م‪.‬‬
‫((( املركز اإلرتريي للخدمات اإلعالمية‪.‬‬

‫‪185‬‬
‫لكن احلكومة رفضت هذا الطلب‪ ،‬وتداولت الصحافة معلومات عن قيام شخصيات‬
‫ٍ‬
‫أراض شاسعة يف (ميدي) لصالح احلوثيني(((‪.‬‬ ‫مقربة من النظام وعىل صلة باحلوثيني برشاء‬
‫ويف هذا السياق دشنت إيران قاعدة عسكرية قبالة ميناء (عصب) اإلرتريية بالقرب‬
‫من احلدود مع جيبويت والقريبة من مضيق باب املندب‪ ،‬ومع هناية ‪2006‬م(((‪.‬‬
‫باإلضافة إىل وجود أنشطة إيرانية يف مرص تتعلق بتدريب عنارص يف احلراك اجلنويب‬
‫عىل التقنيات احلديثة‪ ،‬والعملني اإلعالمي والسيايس‪ ،‬والتنسيق والتخطيط لعمليات‬
‫عسكرية‪ ،‬حتت غطاء‪ :‬أعامل حقوقية وأنشطة سياسية(((‪.‬‬

‫سادسا ً‪ :‬املتحولون‪:‬‬
‫سعت إيران وبقوة بعد الثورة اخلمينية إىل تصدير الثورة إىل العامل اإلسالمي السني‪،‬‬
‫وعىل رأسه اليمن‪ ،‬حيث استطاعت استقطاب جمموعة من أنصار اهلادوية اجلارودية إىل‬
‫مذهبها‪ ،‬أمثال‪ :‬عصام بن عيل العامد الذي بات أحد أبرز املتحولني اليمنيني‪ ،‬وحائز عىل‬
‫لقب (آية اهلل)‪ ،‬رغم عدم استيفائه الرشوط احلوزوية للحصول عليها‪ ،‬وأبرزها‪ :‬السن‪،‬‬
‫والتتلمذ‪ ،‬وغريها‪ ،‬وأصبح رئيس ًا ملا يعرف باملجلس الشيعي األعىل يف اليمن‪ ،‬وأخوه‪ :‬حسن‬
‫بن عيل العامد الذي رصح بأنه شيعي جعفري(((‪ ،‬ومبخوت كرشان‪ ،‬والزايدي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬
‫وعندما جاء الشيعي الكويتي عيل احلايري إىل اليمن يف عام‪1998‬م‪ ،‬زار كرشان‬
‫إىل منزله يف اجلوف‪ ،‬كام زاره حسني نريوزي الدبلومايس اإليراين الذي كان يشغل‬
‫منصب نائب السفري اإليراين يف صنعاء‪ ،‬وكان قد التقاه يف سوريا‪ ،‬ويقول طالب يمنيون‬
‫يف سوريا إن بني نريوزي وبني كرشان صداقة قوية‪.‬‬
‫وعندما قامت حرب االنفصال يف اليمن عام‪1994‬م وقف بدر الدين احلوثي مع‬
‫عيل سامل البيض يف مرشوع االنفصال‪ ،‬ورضب بيته بالطريان‪ ،‬ففر هو وأوالده ـ وعىل‬

‫((( مارب برس‪2009/11/1 ،‬م‪.‬‬


‫((( مركز اجلزيرة العربية للدراسات والبحوث‪2010/1/1 ،‬م‪.‬‬
‫((( صحيفة الرشق السعودية‪2012/3/31 ،‬م‪.‬‬
‫((( التشيع يف صعدة (دراسة ميدانية)‪ ،‬لعبد الرمحن املجاهد‪ ،48/1 ،‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫رأسهم حسني ـ إىل إيران‪ ،‬وهناك يف إيران التقى باملرجعيات الدينية والسياسية االثني‬
‫عرشية‪ ،‬ثم عاد بعد ستة أشهر ليؤلف كتيبا ًصغري ًا بعنوان(الزيدية يف اليمن‪ ،‬وهو كتيب‬
‫يبني فيه أصل زيدية اليمن وأصوهلا‪ ،‬والتقارب بينها وبني اإلمامية اجلعفرية‪ ،‬بل االتفاق‬
‫بينهم يف األصول املهمة) (((‪.‬‬

‫اخلالصة‪:‬‬
‫يمكننا إجياز مالمح املرشوع اإليراين يف اليمن باآليت‪:‬‬
‫‪1)1‬تدخلت إيران يف اليمن سياسي ًا من خالل دعم احلوثيني‪ ،‬وتيار االنفصال‪ ،‬وبعض‬
‫السياسيني واألحزاب‪.‬‬
‫إيران احلوثيني إعالمي ًا من خالل توظيف اخلطاب اإلعالمي الشيعي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪2)2‬تبنت‬
‫‪3)3‬جتلت مالمح املرشوع اإليراين يف اليمن من خالل‪ :‬الدعم املايل والعسكري اهلائل‬
‫الذي بات حقيقة عىل األرض‪.‬‬
‫‪4)4‬دعمت إيران املتحولني إىل املذهب االثني عرشي من خالل إنشاء كيانات شيعية‬
‫ومهية للمطالبة بحقوق الشيعة االثني عرشية يف اليمن؛ لرفع سقف مطالب احلوثيني‪.‬‬
‫‪5)5‬سعت إيران إىل توسيع نفوذها يف املياه الدولية يف البحر األمحر وخليج عدن؛‬
‫لتسهيل هتريب السالح للحوثيني‪.‬‬
‫‪6)6‬دعمت إيران قيام شبكات جتسس تابعة هلا يف اليمن‪.‬‬

‫((( التشيع يف صعدة (أفكار الشباب املؤمن يف امليزان)‪ ،‬لعبد الرمحن املجاهد‪ ،66/2 ،‬وما بعدها‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫عالقة إيران بحركات املقاومة اإلسالمية في املنطقة‬
‫في ظل الثورات العربية‪ :‬دراسة حلاالت (حماس –اجلهاد‪-‬حزب اهلل)‬

‫فاطمة الصمادي‬

‫مقدمة‬
‫ال يمكن النظر إىل جدل العالقة بني إيران وحركات املقاومة يف الوطن العريب‬
‫باعتباره موضوع ًا حديث ًا ‪ ،‬لكنه بال شك اختذ أبعاد ًا جديدة ‪ ،‬وشهدت هذه العالقة بني‬
‫إيران وبعض األطراف الفاعلة عىل صعيد املقاومة حتوالً يف مرحلة “الثورات العربية”‪.‬‬
‫وجاء التحول بفعل املوقف الذي اختذته اجلمهورية اإلسالمية جتاه هذه الثورات‪ .‬ويأيت‬
‫ذلك وإيران ال تنكر سعيها الطموح للحصول عىل إقرار عاملي وإقليمي برشعية دورها‬
‫يف املنطقة باعتبارها العب ًا رئيس ًا ال يمكن جتاوزه أو جتاهله‪.‬‬
‫ينص الدستور اإليراين و هو األساس يف توجيه السياسة اخلارجية عىل أن محاية‬
‫املستضعفني وظيفة من الوظائف األساسية للدولة‪.‬وتقول املادة (‪ )11‬من الدستور أن‬
‫حكومة اجلمهورية اإلسالمية موظفة بصياغة سياستها العامة طبقا ملا يمليه أساس االئتالف‬
‫واحتاد الشعوب اإلسالمية وعليها أن تسعى لتحقيق الوحدة السياسية و االقتصادية و الثقافية‬
‫للعامل اإلسالمي‪ .‬و تنص املادة (‪)152‬عىل أن السياسة اخلارجية للجمهورية اإلسالمية جيب‬
‫أن تبنى عىل أساس رفض أي نوع من أنواع فرض اهليمنة أو قبوهلا‪..‬و ملزمة بالدفاع عن‬
‫“حقوق املسلمني كافة” وكذلك املادة (‪ ) 154‬التي تنص عىل أن اجلمهورية اإلسالمية و‬
‫يف الوقت الذي تلتزم فيه بعدم التدخل يف شؤون الدول األخرى‪ ،‬فإهنا مكلفة بدعم ومحاية‬
‫حق املستضعفني أمام املستكربين (الدستور اإليراين‪.((()28 : 1368 ،‬‬
‫وتأيت هذه املبادئ منسجمة مع الرؤية األيديولوجية إليران اإلسالمية‪ ،‬فحامية‬
‫املستضعفني مبدأ أسايس من مبادئ الثورة اإلسالمية وركن مهم يف فكر اخلميني‬

‫((( (الدستور اإليراين) قانون أسايس مجهوري إسالمي إيران‪ ،‬وزارت إرشاد إسالمي‪ ،‬شهريور‬
‫‪،)1989(68‬ص ‪.28‬‬

‫‪189‬‬
‫الثوري و رؤيته للعالقة بني عامل “االستكبار” و عامل “االستضعاف”‪ ،‬وينظر إليها يف‬
‫ترجح يف الكثري من القضايا املصالح القيمية عىل املصالح‬
‫الوقت ذاته كوظيفة دينية ّ‬
‫املادية‪ ،‬وبناء عليه فإن الدعم اإليراين للقضية الفلسطينية و النظر إىل إرسائيل ككيان غري‬
‫مرشوع و معارضة عملية السالم غري العادلة هي يف حقيقتها مواقف تنسجم مع األسس‬
‫النظرية و الثورية إليران و تعد مصاديق هامة للفكر الذي تقول إيران أهنا تتبناه رسمي ًا‬
‫(سليامين‪.((()204 :1379،‬‬
‫لكن هذه الرؤية األيديولوجية تعرضت لرضبة مبارشة عىل يد الثورة السورية ‪،‬‬
‫وكانت سبب ًا يف تراجع وترية اخلطاب األيديولوجي الذي يتحدث عن املستضعفني الذي‬
‫يثورون ضد الظلم‪ ،‬يف حني حافظ خطاب آخر عىل حضوره‪ ،‬وهو الذي يتحدث عن‬
‫“النسخة املزورة للثورات العربية” ‪ ،‬والثورة السورية التي “تأيت بتحريض من الواليات‬
‫املتحدة وإرسائيل هبدف استهداف املقاومة‪ ،‬ورأس حزب اهلل عىل وجه التحديد”‪.‬‬
‫بدت إيران يف مرحلة زمنية معينة من عمر الثورات العربية وكأهنا “ تقف عىل هامش‬
‫تطورات الرشق األوسط والربيع العريب”‪ ،‬وبعد أن اختذ الرتحيب بالثورات العربية‬
‫منحى صعودي ‪ ،‬ما لبثت أن تراجعت وترية احلديث سياسي ًا وإعالمي ًا بأن الثورات‬
‫العربية هي امتداد لثورة إيران ضد الشاه عام ‪ ، 1979‬وغاب احلديث عن أن “الثورات‬
‫العربية تبنت أفكار الثورة اإلسالمية اإليرانية”‪،‬ليضاف إىل خسائر إيران عىل هذا‬
‫الصعيد خسارة أخرى تتمثل يف “هزيمة النموذج”‪ .‬و “أزمة النموذج” حديث ال‬
‫يقترص عىل أعداء إيران و منافسيها ‪ ،‬بل يتواجد بشكل كبري يف خطاب قيادات فكرية و‬
‫سياسية إيرانية ‪ ،‬بدأت تطرح السؤال‪ :‬هل تشكل إيران نموذجا حيتذي؟ وتأيت اإلجابات‬
‫يف الغالب حاملة الكثري من النقد و التشكيك‪.‬‬

‫الثورات العربية‪..‬خطاب إيراني متعدد‬


‫مل تقابل الثورة السورية باحلامس الذي قوبلت به الثورات العربية األخرى من قبل‬

‫((( حممد باقر سليامين‪ ،‬بازيگران روند صلح خاورميانه‪(،‬العبو عملية السالم يف الرشق األوسط) هتران‪،‬‬
‫دفرت مطالعات سيايس و بني املليل ‪،2000 / 1379‬ص ‪.204‬‬

‫‪190‬‬
‫احلكومة اإليرانية‪ .‬وقد ظهرت القراءة األيديولوجية للثورات العربية واضحة املعامل يف‬
‫اخلطاب األصويل اإليراين ‪ ،‬فهذه الثورات مقدمة ل” صحوة إسالمية‪ ،‬حتمل روحية الثورة‬
‫اإلسالمية اإليرانية و تواصال لصمود الشعب اإليراين خالل ‪ 32‬عاما “‪ ،‬و هو ما عرب‬
‫عنه خامنئي حيث قال‪”:‬اهلبات العربية استلهمت من الثورة اإلسالمية اإليرانية مفاهيمها‬
‫ومعانيها”(((‪ .‬وبينام كانت أصوات إيرانية (((تتخذ من ثورة تونس ومرص عىل وجه التحديد‬
‫مدخ ً‬
‫ال للتأكيد عىل مقولة “حكم الشعب الديني” و التحذير من اخللط بني “الديمقراطية‬
‫اإلسالمية التي تعيل من مكانة القيم وتلتزم باخلطوط اإلسالمية ‪ ،‬و الديمقراطية الغربية‬
‫(((‬
‫املعادية للدين”‪ ،‬كانت األصوات ذاهتا هتاجم ثورة السوريني و حتذر من تبعاهتا‪.‬‬
‫مل تتوان إيران ببعدها الرسمي‪ ،‬ممثلة باملرشد األعىل للثورة و التيار األصويل وعدد‬
‫من املرجعيات الدينية عن اإلعالن عن موقف مؤيد للحكومة السورية منذ بداية الثورة‪.‬‬
‫وصاغ النظام اإليراين رواية تعيد إنتاج الرواية الرسمية السورية‪ .‬وركزت إيران من‬
‫خالل إعالمها وفضائياهتا عىل جمموعة من العناوين أمهها‪:‬‬
‫‪-‬الثورة يف سورية ال متلك رشعية الثورات العربية األخرى‬

‫((( منتقد ًا تدخل الناتو يف ليبيا ‪،‬خامنئي يمتدح الثورات ويتجاهل سوريا‪ ،‬اجلزيرة نت ‪:2011/9/17 ،‬‬
‫‪http://www.aljazeera.net/NR/exeres/8E7F1D81-F7FF-40A0-A9A5-‬‬
‫‪4D13776F6B4A.htm?GoogleStatID=20‬‬
‫((( اختلفت القراءات للثورات العربية من تيار سيايس إىل آخر فقد رأت احلركة اخلرضاء يف نفسها ملهمـ ًا‬
‫للشعوب العربية الثائرة ‪ ،‬التي “اختذت من االحتجاجات التي اندلعت يف طهران عقب االنتخابات الرئاسية‬
‫العارشة ‪ ،‬نموذجا حيتذي”‪ .‬وجدت احلركة اخلرضاء من الثورات العربية فرصة إلعادة فتح باب النقاش‬
‫بشأن الديمقراطية وحقوق املواطنة يف إيران متر من خالل اجلهود املبذولة حاليا لتنفيذ املبادئ التي انتهكت‬
‫من الدستور (مثل املبادئ املتعلقة بحرية الفكر والقلم والتعبري والتجمع والتحزب االنتخابات ونمط احلياة‬
‫وكذلك منع التعذيب وحماكم التفتيش واملادة ‪ ، )27‬وكذلك املبادئ املتعلقة بمشاركة اجلامعات و القوميات‬
‫العرقية اإليرانية يف عملية بناء إيران والعملية الديمقراطية (املبادئ ‪ 15‬حتى ‪ )19‬من الدستور‪ .‬وهلذا السبب‬
‫فإن اإلرصار عىل تطبيق الدستور دون تنازل يمكن احلركة اخلرضاء وبكلفة أقل وبصورة أرسع وبدعم شعبي‬
‫أكرب من حتقيق أهدافها وهي إرساء الديمقراطية من خالل انتخابات حرة مع ما يلحق ذلك من رشوط ‪،‬بدال‬
‫من إلغاء الدستور وإعالء العنف ملزيد من اخلروقات و مزيد من العنف وانتهاك حقوق املواطنني‪.‬‬
‫((( «آیت‌اهلل خامنه‌ای‪ ،‬نگران رسیدن سونامی هبار عربی به ایران است» (آية اهلل خامنئي‪ ،‬قلق من وصول‬
‫تسونامي الربيع العريب إىل إيران “ دویچه وله‪: 2011/9/17 ،‬‬
‫‪http://www.dw-world.de/dw/article/0,,6620698,00.html‬‬

‫‪191‬‬
‫‪ -‬الثورة يف سوريا مرتبطة باخلارج وهدفها املساس بمواقف سورية املقاومة‬
‫‪ -‬احلكومة السورية حتكم السيطرة عىل األوضاع ولن يكون مصري نظام احلكم فيها‬
‫مشاهب ًا ملا جرى لنظام زين العابدين بن عيل و مبارك و القذايف‪.‬‬
‫‪ -‬استخدم التيار األصويل اإليراين ‪ ،‬مصطلحات مماثلة للمصطلحات التي‬
‫استخدمت يف مواجهة حالة االحتجاج التي شهدهتا إيران عقب االنتخابات الرئاسية‬
‫اإليرانية عام ‪ .2009‬ومن هذه املصطلحات مصطلح «الفتنة»‪..‬‬
‫‪ -‬رافق الدعم السيايس احلكومي اإليراين دعم مايل ‪ ،‬فقد ترسب تقرير حتدث عن‬
‫مساعدة عاجلة لسورية بلغت ‪ 600‬مليون دوالر‪ ،‬ملنع اهنيار االقتصاد السوري‪.‬‬
‫‪ -‬جرى حديث عن مشاركة لقوات احلرس الثوري اإليراين (اجلناح الدويل قوات‬
‫القدس) يف قمع املحتجني يف سورية‪ .‬وفيام بدا اخلطاب الرسمي اإليراين الصادر عن‬
‫الرئيس اإليراين أكثر حتفظ ًا يف توصيف احلالة السورية ‪ ،‬أما بالنسبة خلامنئي فيالحظ أن‬
‫خطابه جتاه الثورة يف سوريا بدأ باإلدانة((( ووصل إىل التجاهل(((‪.‬‬
‫رافق هذه التطورات أصوات تطالب احلكومة اإليرانية بمراجعة موقفها من الثورة يف‬
‫سورية (((‪ ،‬وحتذرها من «الوقوف يف مواجهة اإلرادة الشعبية « يف ذلك البلد‪(((.‬ويالحظ أن‬

‫((( ‪ -‬خامنئي‪ :‬ال ندعم ثورة تؤججها أمريكا‪ ،‬اجلزيرة نت‪:4/6/2011،‬‬


‫‪http://www.aljazeera.net/NR/exeres/F44A0332-0E46-4323-86EE-‬‬
‫‪E6C9E0A4A349.htm‬‬
‫((( ‪ -‬منتقد ًا تدخل الناتو يف ليبيا ‪ :‬خامنئي يمتدح الثورات و يتجاهل سوريه‪ ،‬اجلزيرة نت ‪:2011/9/17 ،‬‬
‫‪http://www.aljazeera.net/NR/exeres/8E7F1D81-F7FF-40A0-A9A5-‬‬
‫‪4D13776F6B4A.htm‬‬
‫((( من سجن “اوين” اختار اإلصالحي املعروف و عضو احلركة اخلرضاء مصطفى تاج زاد أن خياطب املراجع‬
‫الدينية يف قم ‪ ،‬برسالة عنواهنا “نحن والسوريون”‪ ،‬أين نذهب بأمل أن يقوم مطالبو احلرية و املجاهدون يف سوريا‬
‫بحرق العلم اإليراين و الدوس عليه ما و سوریه؛ نامه‌ای به مراجع آزاده و مستقل تشیع‪ ،‬شهریور‪ ،‬جرس‪:‬‬
‫‪http://www.rahesabz.net/story/42323/‬‬
‫((( اختذ تاج زاده يف رسالته موقف ًا مؤيد ًا للثورة السورية ‪ ،‬واصف ًا القائمني عليها ب”املجاهدين” و” طالب‬
‫احلرية “‪ .‬ويتطرق تاج زادة إىل قضية دور رجال الدين ‪ ،‬الذين خياطبهم ب”األحرار املستقلني” يف تقديم‬
‫الفتوى التي تدعم حق الشعوب يف التظاهر طلبا للحرية يف مرص و تونس و البحرين وسوريه‪ .‬حتمل الرسالة‬
‫إدانة رصحية عىل سكوت املراجع الدينية جتاه ما حيدث يف سوريه من قمع وقتل ‪ ،‬ويطرح سؤاال ما إذا كانت‬
‫فتوى آية اهلل السيستاين بشأن حق الشعوب يف التظاهر السلمي‪ ،‬هي حكر عىل العراق أم أهنا فتوى عامـة ال =‬

‫‪192‬‬
‫كثري ًا من هذه األصوات أهنا جاء من أكاديميني بارزين ودبلوماسيني سابقني سبق لبعضهم‬
‫أن عمل يف الوطن العريب‪.‬وجادلت هذه األصوات بأن إرصار نظام البعث وأبواقه عىل‬
‫وصف حالة االحتجاج بـ «الفتنة» ‪ ،‬هو يف حقيقته متهيد لفتنة كربى متهد الطريق للتدخل‬
‫العسكري األجنبي سورية(((‪ .‬و بشكل حمرج للحكومة اإليرانية جرى التوقف عند شعار‬
‫الثوار السوريني «اهلل ‪ ،‬سوريا ‪ ،‬واحلرية ‪ « ،‬ومقارنته بـ شعار البعث «اهلل ‪ ،‬سوريا ‪ ،‬بشار»‪،‬‬
‫و جرى توجيه نقد حاد للصمت اإليراين يف مواجهة الشعار اإلحلادي «ال إله إال بشار»‪،‬‬
‫فالنظام يوجه «العنوان اإلسالمي لقمع املعارضني‪ ،‬ويربهن عىل ذلك بالرفض الشديد‬
‫بوصفه شعارا يتناقض مع الروح‬ ‫(((‬
‫الذي أبداه النظام اإليراين لشعار «ال غزة ال لبنان»‬
‫اإلسالمية ‪ ،‬لكن يصمت أمام الشعارات اإلحلادية للنظام السوري»‪.‬‬

‫املقاومة وإيران‬
‫يقوم حزب اهلل يف لبنان وكذلك تقوم القوى اإلسالمية السنية الرافضة لعملية‬
‫التسوية السلمية‪ ،‬وعىل وجه التحديد حركة اجلهاد اإلسالمي الفلسطيني‪ ،‬وهي حليف‬
‫قديم إليران‪ ،‬وحركة محاس‪ ،‬التي تنتمي يف فكرها و جذورها إىل مجاعة األخوان‬
‫املسلمني بإعادة إنتاج للخطاب الثوري اإليراين فيام يتعلق بالرصاع مع إرسائيل بلغة‬
‫تستعيد أبعادا أيديولوجية ولدت مع اخلطاب السيايس للثورة اإليرانية منذ البدايات‬
‫وترافقت معه إىل اليوم‪.‬‬

‫=تقترص عىل شعب بعينه؟ أال يملك الشعب السوري نفس احلق الذي جرى تأييده يف مرص و تونس و البحرين؟‬
‫اال تشمل معايري للحكم عىل صحة هذه الفتوى املتظاهرين يف سوريا الذي كانوا خيرجون للتظاهر عقب الصالة‬
‫يف رمضان ضد الفساد والقمع والدكتاتورية والتمييز ‪ ،‬ويواجههم رصاص النظام كزخات املطر؟‪.‬‬
‫((( ويعقد تاج زاده مقارنة بني السياسة اخلارجية لكل من إيران و تركيا‪ ،‬ويرى أن السياسة اإليرانية عىل‬
‫مدى الفرتة املاضية أفقدت إيران مكانتها‪ ،‬يف حني نجحت السياسة الرتكية وهي تدعم السباق الديمقراطي يف‬
‫الدول العربية‪.‬ويرى أن “نضاالت الشعب السوري شبيهة بنضاالت الشعب اإليراين عىل مدى تارخيه “ و أهنا‬
‫نضاالت تطالب باالنتخابات النزهية ‪ ،‬وترفض الطغيان و تدافع عن حقوق اإلنسان واحلقوق املدنية ومبادئ‬
‫الديمقراطية (الصحافة واألحزاب والتجمعات والنقابات ‪ ،‬وانتخابات حرة ونزهية وشفافة”‪.‬‬
‫((( ‪ -‬أثناء االحتجاجات التي شهدهتا طهران عقب االنتخابات الرئاسية العارشة ‪ ،‬رفع متظاهرون معارضون‬
‫شعار”ال غزة ال لبنان روحي فداء إيران”‪.‬‬

‫‪193‬‬
‫لكن هذا التحالف ال ينظر إليه معزوالً عن األجندة السياسية اإليرانية وتعريفها‬
‫ملصاحلها القومية بصورة رئيسة(((‪ .‬و يطرح خيار املصالح هذا بالرغم من ّ‬
‫أن القضية‬
‫الفلسطينية شكلت عىل الدوام جزء ًا رئيس ًا من اخلطاب السيايس للثورة اإلسالمية‪.‬‬
‫حتكم العالقة ما بني حزب اهلل و إيران جمموعة من األبعاد التي ال يمكن‬
‫جتاهلها ومن أبرزها‪:‬‬
‫ ‪-‬نظرية احلكم ‪ :‬تقوم نظرية احلكم لدي حزب اهلل واجلمهورية اإلسالمية يف‬
‫إيران عىل نظرية والية الفقيه(((‪.‬‬
‫ ‪-‬االنسجام السيايس ‪ :‬و يأيت من خالل تبني الشعارات املخالفة لالستكبار‬
‫والداعية إىل االستقالل و رفض التبعية ‪ ،‬و تقديم الدعم حلركات املقاومة ‪ ،‬وترى إيران‬
‫يف حزب اهلل يف لبنان مثاال حيا لرؤية اخلميني و تعاليمه‪ .‬و تنظر إيران إىل لبنان بالكثري‬
‫من األمهية فهو ثاين بلد بعد العراق من حيث تعداد الطائفة الشيعية‪ ،‬و هو املثال األبرز‬
‫عىل وجود و تأثري و دور إيران السيايس‪ .‬و إن كان البعض يتحدث عن فشل تصدير‬
‫الثورة إال أن نموذج حزب اهلل يناقض ذلك بصورة واقعية و هو ما يعرب عنه إبراهيم‬
‫األمني القيادي يف حزب اهلل بقوله “ تصدير الثورة ال يعني فرض سلطة النظام اإليراين‬
‫عىل شعوب الرشق األوسط ‪ ،‬بل هو يعني جتديد احلياة اإلسالمية و جعل اإلسالم هو‬
‫صاحب احلضور األكرب يف حياهتا “‪.‬‬
‫ ‪-‬وهناك جمموعة من العنارص التي جعلت حزب اهلل متأثرا بصورة أساسية بالثورة‬
‫اإلسالمية يف إيران ‪:‬‬
‫النموذج الشيعي‪ :‬فمن الناحية التارخيية شكلت لبنان عىل الدوام حمورا أصليا‬
‫من حماور التشيع‪ ،‬و ال يمكن إغفال الدور الكبري لعلامء جبل عامل و تأثريهم يف الفقه‬

‫((( حممد أبو رمان ‪،‬النفوذ اإليراين يف املنطقة‪ :‬مثلث الطائفة‪ ،‬املصالح واألمن‪ ،‬ورقة بحثية قدمت يف مؤمتر‬
‫عقده مركز الدراسات اإلسرتاتيجية يف اجلامعة األردنية يف عامن بتاريخ ‪5‬و ‪ 6‬ديسمرب ‪.2010‬‬
‫((( جاء يف الرسالة املفتوحة الصادرة عن حزب اهلل يوم ‪ 16‬فرباير‪ /‬شباط ‪ 1985‬أن احلزب “ملتزم بأوامر‬
‫قيادة حكيمة وعادلة تتجسد يف والية الفقيه‪ ،‬وتتجسد يف روح اهلل آية اهلل املوسوي اخلميني مفجر ثورة‬
‫املسلمني وباعث هنضتهم املجيدة”‪.‬‬

‫‪194‬‬
‫الشيعي خاصة يف زمن الدولة الصفوية(((‪ .‬و احتضنت لبنان عدد ًا من الرموز الثورية‬
‫الشيعية مثل اإلمام موسى الصدر والدكتور مصطفى مجران‪ .‬ويشرتك كال اجلانبني‬
‫بتوظيف رموز مثل عاشوراء‪ ،‬شهادة اإلمام احلسني ‪،‬املقاومة االستقامة‪ .‬وترى إيران‬
‫أن حزب اهلل نجح يف «حتويل الشباب‪ ،‬سكان الضاحية اجلنوبية من شباب فقراء إىل‬
‫شباب ثوريني و أعضاء جمتمع إسالمي ُمس ّيس و جنود حركة عاملية مرتامية بقيادة اإلمام‬
‫اخلميني»(((‪ .‬وترتبط العالقات اإليرانية مع حزب اهلل بجزء من السياسية اخلارجية‬
‫التي حتتكم إىل األصول الكلية‪ ،‬والتي اتسمت بالثبات برصف النظر عن احلكومات‬
‫اإليرانية املتعاقبة‪ .‬والية الفقيه وقيادة آية اهلل اخلميني‪ :‬وتعد والية الفقيه من اخلصائص‬
‫األساسية التي حتكم العالقة بني إيران و حزب اهلل مقارنة باحلركات األخرى‪ .‬ويقبل‬
‫حزب اهلل بوالية الفقيه وقيادة اخلميني قبوالً كام ً‬
‫ال(((‪ ،‬بحيث حتول فكر اخلميني إىل‬
‫مصدر للحاكمية يف احلزب(((‪.‬‬
‫الدور املحوري لرجال الدين يف العمل السيايس‪ :‬وهذا مامل يكن له سابقة يف‬
‫األحزاب والتشكيالت السياسية اللبنانية‪ .‬فمعظم قيادات حزب اهلل هم رجال دين‬
‫تلقوا علومهم الدينية يف احلوزات‪ ،‬وكان لعالقاهتم مع رموز احلوزة العلمية يف قم تأثريه‬

‫((( ريوال جوردى‪ ،‬علامى جبل عامل در دولت صفويه‪ /‬علامء جبل عامل و الدولة الصفوية‪ ،‬ترمجة مصطفى‬
‫فضائيل ‪ ،‬فصلية (حكومت إسالمي) العدد ‪ 7‬واملقال مرتجم إىل الفارسية عن ( ‪ ،)Iranian studies‬ج‪،27‬‬
‫(األعداد ‪ 1994 ) 4-1‬و موجود عىل الرابط التايل (بدون تاريخ)‬
‫‪http://www.hawzah.net/Per/Magazine/HE/007/09.asp‬‬
‫((( مرتىض حسيني‪“ ،‬تأثري انقالب إسالمي إيران بر محاس و حزب اهلل لبنان”‪ ،‬سلسلة مقاالت فلسطني و‬
‫االنتفاضة ‪ ،‬واملقال موجود عىل الرابط التايل(بدون تاريخ)‪:‬‬
‫= ‪h t t p ://w w w .n a v i d e s h a h e d .c o m /F A /i n d e x .p h p ? P a g e‬‬
‫‪definition&UID=230778‬‬
‫((( نعيم قاسم ‪ ،‬حزب اهلل‪ :‬املنهاج والتجربة واملستقبل‪ ،‬دار اهلادي للطباعة والنرش‪ ،‬بريوت‪ ،2002 ،‬ص‬
‫‪.76‬‬
‫((( يتضح ذلك بصورة كبرية يف(البيان التأسييس األول) الرسالة املفتوحة التي أصدرها حزب اهلل عام ‪1985‬‬
‫وجاء فيها ‪ :‬إننا أبناء أمة حزب اهلل التي نرص اهلل طليعتها يف إيران‪ ،‬وأسست من جديد نواة دولة اإلسالم‬
‫املركزية يف العامل‪ ..‬نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة وعادلة تتمثل بالويل الفقيه اجلامع للرشائط‪ ،‬وتتجسد‬
‫حارض ًا باإلمام املسدد آية اهلل العظمى روح اهلل املوسوي اخلميني دام ظله‪.‬و الوثيقة منشورة كملحق يف كتاب‬
‫حسن فضل اهلل‪ ،‬اخليار اآلخر‪ ،‬دار اهلادي‪ ،‬بريوت ‪.1994،‬‬

‫‪195‬‬
‫عليهم كام هو احلال بالنسبة حلوزة النجف(((‪.‬‬
‫األدبيات السياسية‪ :‬وتكشف األدبيات السياسية حلزب اهلل تأثري كبريا للثورة‬
‫اإلسالمية‪ ،‬وبالعودة إىل بيانات احلزب و أدبياته يف ثامنينيات القرن العرشين نجدها‬
‫مستعارة بصورة أساسية من اخلطاب الثوري اإليراين(((‪ ،‬واحلل كذلك بالنسبة‬
‫ملؤسسات احلزب و أنشطته وقبل ذلك اسم احلزب املستمد من اآلية ‪ 22‬و اآلية ‪ 56‬من‬
‫سورة املائدة‪ .‬وكذلك احلال بالنسبة إلقامة مراسم عاشورا و يوم القدس‪ .‬ويف املجموع‬
‫تنظر إيران إىل حزب اهلل عىل أنه احلامل األمني لرسالة الثورة وأنه ترك تأثري ًا ال يمكن‬
‫إنكاره عىل حركات املقاومة اإلسالمية يف فلسطني‪.‬‬
‫يف فلسطني املحتلة؛ تعترب حركة اجلهاد اإلسالمي احلليف التقليدي األقرب إىل‬
‫طهران‪ ،‬وذلك يعود إىل بداية و نشأة هذه احلركة‪ .‬ال تنكر احلركة تأثرها الشديد بفكر‬
‫اخلميني‪ ،‬وجيد ذلك مصاديقه الواضحة يف فكر مؤسسها واألمني السابق هلا الشهيد‬
‫فتحي الشقاقي‪ ،‬مؤلف كتاب «اخلميني‪ ..‬احلل اإلسالمي والبديل”‪ ،‬فالكتاب الذي‬
‫جاء بعد مدة قصرية عىل انتصار الثورة اإلسالمية اإليرانية ال خيفي إعجاب الشقاقي‬
‫بالثورة اإلسالمية بل يرى إمكانية تطبيقها يف فلسطني(((‪.‬‬
‫واحلقيقة أن فكر حركة اجلهاد اإلسالمي أجرى عملية مزاوجة بني فكر حسن‬
‫البنا اإلصالحي وفكر اخلميني الثوري ولذلك ال يمكن إغفال وجود مرجعية تعود‬
‫بجذورها إىل حركة األخوان املسلمني إىل جانب مرجعية ثورية مخينية‪ ،‬وربام يعود‬
‫ذلك إىل القراءة املختلفة التي قدمها الشقاقي للفكر الشيعي‪ .‬وكان نجاح ثورة اخلميني‬
‫بأبعادها اإلسالمية أكرب األثر عىل حركة اجلهاد التي كانت تبحث عن بديل إسالمي‬
‫ثوري لتحرير فلسطني ‪ ،‬ولعل هذا التأثر وهذه اخلصوصيات هو ما أوجد عالقة عميقة‬

‫((( مرتىض حسیني‪ ،‬املرجع السابق‬


‫‪(2) Augustus Richard Norton، Amal and the Shi’a: Struggle for the Soul of‬‬
‫‪Lebanon، University of Texas Press,1987,p.167‬‬
‫((( فتحي عبد العزيز‪،‬اخلميني – احلل اإلسالمي و البديل‪ ،‬دار املختار اإلسالمي‪ ،‬الطبعة األوىل ‪،1979 ،‬‬
‫ص ‪ 87‬و ‪.88‬‬

‫‪196‬‬
‫واسرتاتيجية بني إيران و اجلهاد اإلسالمي (باقري وقمرصي؛ ‪.((()1381‬‬
‫أما العالقة بني حركة محاس وإيران فهي أكثر حداثة وتعود يف تارخيها إىل عقد‬
‫التسعينيات من القرن العرشين‪ ،‬لكن السنوات اخلمس األخرية شهدت توثيق ًا لعرى‬
‫العالقة بني اجلانبني وانعكس ذلك عىل دعم مايل و لوجستي كبري قدمته إيران للحركة‬
‫التي تعاين من التضييق و املحارصة عربي ًا‪ .‬تعود حركة محاس يف جذورها وأطرها‬
‫املرجعية إىل حركة اإلخوان املسلمني‪ ،‬لكن احلركة متتلك قواسم مشرتكة يف عالقتها مع‬
‫إيران ‪ ،‬ففلسطني يف فكر احلركة هي املرجعية التي حتكم عالقاهتا مع اخلارج ومن ضمن‬
‫ذلك إيران‪.‬‬
‫ال تنكر احلركة وجود مصالح مشرتكة مع اجلمهورية اإلسالمية‪ ،‬كام ال ختفي تلقيها‬
‫الدعم املادي واملعنوي من اإليرانيني‪ .‬ومما الشك فيه أن إيران استطاعت من خالل‬
‫عالقتها مع محاس التأثري واملشاركة يف املعادالت السياسية يف املنطقة‪.‬‬
‫تشرتك محاس مع اجلمهورية اإلسالمية يف النظر إىل إرسائيل ككيان غاصب وغري‬
‫قانوين قائم عىل اإلحاللية(((‪ ،‬وال يمكن الدخول معه يف مفاوضات‪ ،‬وأن أي عملية‬
‫تفاوض لن تعود بنتيجة سوى بإعطاء رشعية هلذا الكيان ومنح األمن له‪ .‬وحاولت‬
‫إيران تعزيز ودعم حركة محاس كمرجعية بديلة وممثل للشعب الفلسطيني حيل حمل‬
‫حركة فتح(((‪.‬‬
‫وتصنف العالقة بني حركتي محاس و اجلهاد اإلسالمي و إيران بأهنا أكثر تعقيد ًا‬

‫((( حسن باقري‪ ،‬مرتيض ساملي قمرصي ‪،‬عمليات استشهادي‪ ،‬چگونه و چرا؟(العملیات اإلستشهادية ‪،‬‬
‫كيف و ملاذا؟) ‪ ،‬موسسه فرهنگي هنري آوا‪،‬هتران‪ ،2002 /1381 ،‬ص ‪.47‬‬
‫((( يف مؤمتر عقد يف جامعة طهران حتت عنوان “هناية إرسائيل “ بتاريخ ‪ 2008-5 -28‬و حرضته الباحثة‬
‫أكد رئيس املكتب السيايس حلركة املقاومة اإلسالمية( محاس )خالد مشعل عىل عدد من حماور االلتقاء يف‬
‫العالقة بني محاس و إيران و من ذلك أن احلركة لن تعرتف بإرسائيل ومتمسكة بحق حترير كل شرب من األرض‬
‫الفلسطينية املحتلة‪.‬‬
‫((( يف لقاء عقد يف جامعة طهران بني خالد مشعل وأعداد كبرية من الطلبة يف أيار ‪ 2008‬وجه أحد الطلبة‬
‫سؤاال ملشعل حول مكانة حركة محاس عىل الساحة الفلسطينية مقارنة بحركة فتح ذات التاريخ النضايل‬
‫الطويل فرد مشعل باآلية الكريمة ﱹﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﱸ (آل عمران‪ )140:‬وأشار مشعل إىل مكانة حركة محاس لكنه عرب عن “تقدير‬
‫احلركة لكل من ناضل قبلها وكل القوى التي تسري يف طريق املقاومة”‪.‬‬

‫‪197‬‬
‫من العالقة بني حزب اهلل و إيران‪ ،‬خاصة وأن حركة مثل محاس تعترب أحد أبرز فروع‬
‫اإلسالم السيايس السني يف املنطقة(((‪ ،‬وامتداد ًا جلامعة اإلخوان املسلمني السنية الكربى‪،‬‬
‫لكن ذلك التعقيد مل جيعل محاس تسلم من االهتام بالتبعية إليران‪.‬‬
‫ولعل هذه االهتامات هي ما يدفع رئيس املكتب السيايس للحركة‪ ،‬خالد مشغل‪،‬‬
‫أن العالقة التي تربط بني اجلانبني هي عالقة “مصالح سياسية” ّ‬
‫وأن احلركة‬ ‫ألن يؤكّد ّ‬
‫“مستقلة القرار”((( و»خالفت الرأي اإليراين يف أكثر من حمطة سياسية»‪ّ ،‬‬
‫وأن توطيد‬
‫عالقتها بإيران هو نتيجة طبيعية للخصومة التي تبدهيا احلكومات العربية ضدها(((‪.‬‬

‫العالقة من وجهة نظر حركتي حماس و اجلهاد اإلسالمي‪:‬‬


‫ترى حركة محاس و كذلك حركة اجلهاد اإلسالمي أن عالقتهام بإيران ال يشوهبا أي‬
‫غموض فهام «حركتان سنيتان من الناحية املذهبية((( ‪ ،‬والكل يعرف ذلك وإيران تعرف‬
‫ذلك» وما يربطهام بإيران من الناحية الفكرية وحتى السياسية هو اإلسالم وفلسطني‬
‫فإيران دولة إسالمية ترفع شعار اإلسالم وشعار الدفاع عن القضية الفلسطينية(((‪.‬‬
‫وتتحدث احلركتان عن كوهنام حركتي حترر إسالميتني فلسطينيتني مستقلتني‪،‬‬
‫هدفهام حترير فلسطني من االحتالل الصهيوين‪ ،‬وليس هلام أجندة خارج هذا اهلدف‬
‫املركزي‪ ،‬ومها إذ «تطلبان الدعم والتأييد للقضية وهي املركزية لعموم العرب واملسلمني‬
‫بربهان القرآن والتاريخ والواقع‪ ،‬إنام تطلبانه لقضية هلا يف كل عنق مسلم واجب وعهد‪،‬‬
‫فاجلهاد ألجل حتريرها واجب عىل كل مسلم مادامت الكفاية غري متحققة يف أهل‬

‫((( حممد أبو رمان ‪،‬املرجع السابق‪.‬‬


‫((( من ما تضمنته رسالة خالد مشعل إىل العاهل السعودي امللك عبد اهلل ‪ ،‬و التي نرشهتا صحيفة “األهرام‬
‫املسائي” بتاريخ ‪ – 27‬كانون الثاين ‪ /‬ینایر ‪.2010‬‬
‫((( أبو رمان‪ ،‬املرجع السابق‬
‫((( من مقابلة للباحثة مع ممثل حركة اجلهاد اإلسالمي يف فلسطني نارص ابو رشيف من خالل الربيد األلكرتوين‬
‫((( يمكن الرجوع هنا إىل رسالة خالد مشعل إىل العاهل السعودي امللك عبد اهلل ‪ ،‬و التي نرشهتا صحيفة‬
‫“األهرام املسائي” بتاريخ ‪ – 27‬كانون الثاين ‪ /‬ینایر ‪ ، 2010‬و نص الرسلة منشور أيضا عىل الرابط التايل‪:‬‬
‫‪http://www.alquds.com/node/232920‬‬

‫‪198‬‬
‫(((‬
‫فلسطني ومن جاورها»‬
‫ويف إطار الواقع فاجلانبان متفقان عىل أن «فلسطني أرض مباركة هي أوىل القبلتني‬
‫وثالث احلرمني الرشيفني وأن اليهود مغتصبون ألرض إسالمية وواجب الدفاع عن‬
‫شعبها وحترير أرضها واجب إسالمي قبل أن يكون أمرا سياسيا خيضع حلساب هنا أو‬
‫مصلحة هناك»(((‪.‬‬
‫وحتدد حركة اجلهاد اإلسالمي نقاط االلتقاء والتقاطع بني حركات املقاومة‬
‫الفلسطينية وإيران اإلسالمية و يف مقدمتها موقع فلسطني يف الرصاع ويرى أهنا نقطة‬
‫اشرتاك كبرية «حيث ان اجلمهورية اإلسالمية تعترب القضية الفلسطينية قضية مركزية‬
‫لألمة ولذلك جعلت من ارسائيل نقطة مركزية للمواجهة باعتبارها رأس املرشوع الغريب‬
‫يف املنطقة»(((‪ .‬وتنفي حركة اجلهاد أن تكون القضية الفلسطينية ختضع للحسابات عند‬
‫القادة واملسؤولني اإليرانيني‪« ،‬فلو كان اإليرانيون كام يتصور البعض يسعون من أجل‬
‫النفوذ يف املنطقة لتخلوا عن هذا األمر عىل األقل لوقفوا حمايدين أو مساندين للقيادة‬
‫الرسمية للشعب الفلسطيني وحلصلوا عىل امتيازات كبرية يف املنطقة»(((‪.‬‬
‫لكن الدكتور نجف عيل مريزائي(((‪ ،‬املتخصص يف العالقات اإليرانية العربية يرى‬
‫برضورة توسيع رقعة احلامية اإليرانية لتتجاوز محاس واجلهاد إىل غريمها من التيارات‬
‫الفلسطينية «فال جيوز أن تشعر أي جهة رسمية وشعبية فلسطينية أن إيران تقف منها موقف‬

‫((( يمكن يف هذا الصدد مراجعة رسالة خالد املشار إليها سابقا‪ ،‬نرشت عىل املوقع بتاريخ ‪ 27‬يناير ‪:2010‬‬
‫‪http://www.alquds.com/node/232920‬‬
‫ويمكن أيضا مراجعة املقابلة التي نرشها موقع إسالم اون الين مع القيادي يف حركة اجلهاد اإلسالمي أنور ابو‬
‫طه و منشورة بتاريخ ‪ 16‬حزيران ‪ 2006‬عىل الرابط التايل‪:‬‬
‫‪http://www.islamonline.net/servlet/Satellite?c=ArticleA_C&cid=12321715‬‬
‫‪34847&pagename=Zone-Arabic-Daawa%2FDWALayout‬‬
‫((( من املقابلة السابقة‬
‫((( من املقابلة السابقة‬
‫((( ينقل نارص أبو رشيف ممثل حركة اجلهاد اإلسالمي عن رئيس جملس الشورى اإليراين عيل الرجياين قوله‬
‫بأن ‪ :‬املوضوع الفلسطيني هو املشكلة احلقيقية بني الغرب وإيران وأن جلسات التفاوض بشأن امللف النووي‬
‫اإليراين كانت تبحث املوضوع الفلسطيني أوال وليس النووي‪.‬‬
‫((( الشيخ نجف عيل مريزائي مفكر إيراين والرئيس السابق ملركز احلضارة لتنمية الفكر اإلسالمي يف بريوت‪،‬‬
‫واستاذ يف احلوزات العلمية والدينية ‪،‬له عدة كتب وابحاث يف الفلسفة‪.‬‬

‫‪199‬‬
‫املعارضة الكاملة»رغم أنه يعتقد أن «محاس» و«اجلهاد اإلسالمي» مها أكثر احلركات‬
‫الفلسطينية «محاية ألصل القضية» ويرى مريزائي‪ :‬أغلب الظن أن احلكومة اإليرانية ال‬
‫يمكنها أن تعرتف بالتطبيع والتسوية والسالم مع إرسائيل عىل أساس التنازالت وعليه‬
‫ترفض دعم أي جهة عربية تعمل عىل التطبيع و تدعو إىل التنازل عن احلقوق األساسية‬
‫للقضية ولذلك ال يمكن إليران الرسمية أن تساوي بني جهة مقاومة ترفض االستسالم‬
‫والتنازل مع جهات تسري يف الركب اإلرسائييل وختدم املشاريع الصهيونية الرامية إىل‬
‫تغيري واقع العامل العريب ورضب املصالح اإليرانية لصالح إرسائيل»(((‪.‬‬
‫وترفض حركات املقاومة اإلسالمية أن تكون خضعت إلمالءات سياسية من‬
‫طرف إيران مقابل ما تقدمه من دعم ‪،‬حتى بالنسبة حلزب اهلل الذي يعد أقرب هذه‬
‫احلركات اىل اجلمهورية اإلسالمية(((‪ .‬ويف هذا السياق يقول خالد مشعل رئيس املكتب‬
‫السيايس حلركة «محاس»‪ :‬وقد طرقنا باب اجلميع‏ ‏‪ ،‬فمن استجاب لنا قلنا له شكر ًا‏ ‏‪ ،‬وهذا‬
‫هو الذي حيكم عالقتنا مع كل البالد العربية واإلسالمية‏‪،‬‏ بام فيها إيران‏‪،‬‏ بل مع أي بلد‬
‫آخر يف العامل رشق ًا أو غربا‏ ً‪.‬‏لكننا ال يمكن أن نقبل دعام مرشوطا من أي دولة أو طر ‏‬
‫ف ‏‪،‬‬
‫وال يمكن أن نقبل ثمنا ألي دعم من أي دولة أو طرف كان‏(((‪.‬‬
‫ومع ذلك هناك قضايا اختالف‪ ،‬ال تفسد املوقف املوحد من القضية الفلسطينية‪،‬‬
‫وحركات املقاومة تدرك أن «إيران تترصف يف كثري من األحيان كدولة هلا مصاحلها وهلا‬
‫أمنها القومي»(((‪.‬‬
‫وتتعامل حركات املقاومة السنية بحساسية مع موضوع التشيع وتقف بحزم‬
‫ضده((( وترى أنه ال خيدم أي طرف ‪ ،‬و تعتقد حركة اجلهاد اإلسالمي بأهنا «قضية‬

‫((( من مقابلة أجرهتا الباحثة مع الدكتور نجف عيل مريزائي بواسطة الربيد اإللكرتوين بتاريخ ‪ 20‬نوفمرب‬
‫‪2010‬‬
‫((( من مقابلة للباحثة مع نارص أبو رشيف ممثل حركة اجلهاد يف طهران‪.‬‬
‫((( من رسالة خالد مشعل إىل العاهل السعودي امللك عبد اهلل‪.‬‬
‫((( من املقابلة السابقة‪.‬‬
‫((( يقول خالد مشعل يف رسالته إىل العاهل السعودي امللك عبد اهلل ‪..:‬نحن سنّة نعتز بانتسابنا إىل أهل السنّة‬
‫واجلامعة‏‪،‬‏ فال يمكن عىل اإلطالق أن تكون عالقتنا مع أي طرف يف العامل‏‪،‬‏ إيران أو غري إيران‏ ‏‪ ،‬عىل حساب‬
‫أمتنا العربية وأمنها ومصاحلها‏ ‏‪ ،‬وال عىل حساب عقيدتنا‏‪،‬‏ عقيدة أهل السنة واجلامعة‏ ‏‪ ،‬التي نشأنا عليها‏‪=،‬‏‬

‫‪200‬‬
‫مفتعلة ويتم تعظيمها وتكبريها فإيران الرسمية ال هتتم هبذا املوضوع أبد ًا‪ ،‬بل ترفضه‬
‫ألنه ال خيدمها بل عىل العكس سيكون عامال يستخدم ضدها»‬
‫(((‬

‫أوجدت الثورة يف سوريا رشخ ًا يف عالقات إيران مع محاس قادت إىل وقف الدعم‬
‫املادي اإليراين للحركة ‪« ،‬عقابا» هلا عىل موقفها من الثورة السورية‪ .‬و من املؤكد أن‬
‫نتائج الثورة السورية ستصوغ شكل العالقة املستقبلية بني محاس و إيران‪ ،‬خاصة مع‬
‫قرار محاس باالبتعاد عن ما يسمى ب»حمور املامنعة»‪ .‬و هو ما عرب عن نفسه بعدد من‬
‫اخلطوات التي صدرت عن محاس يف مقدمتها حماولة العودة إىل األردن يف إطار وساطة‬
‫قطرية‪ ،‬وسعي احلركة لتأمني دعم عريب جيعلها يف غنى عن الدعم اإليراين خاصة عىل‬
‫الصعيد املايل‪.‬‬
‫ولعل تطورات الثورة السورية هي التي أوصلت العالقة بني محاس وإيران إىل‬
‫احلد األدنى‪ ،‬وجتىل ذلك بصورة واضحة يف إحجام حركة محاس عن املشاركة يف‬
‫فعاليات يوم القدس العاملي ‪،‬بعد أن كانت حترص عىل املشاركة فيه‪ ،‬وجرى النظر إىل‬
‫ذلك بوصفه «بداية النهاية لتحالف سيايس سابق بني محاس وإيران»‪ ،‬وشكل االختالف‬
‫العميق يف موقف إيران ومحاس بشأن الثورة السورية عامال رئيسيا قد يصل يف العالقة‬
‫إىل قطيعة تنهي هذا التحالف‪ ،‬وإن كانت إيران تعتقد أن محاس ال تستطيع االستغناء‬
‫عن حليف مثل إيران إذا ما بقيت متمسكة بموقفها الرافض للصلح مع إرسائيل‪.‬‬
‫وبدأت حركة محاس مستندة إىل عالقتها مع تركيا ودول اخلليج ومرص بعد الثورة‬
‫االبتعاد تبتعد كثري ًا عن حمور النظام السوري وإيران وحزب اهلل‪.‬‬
‫ويف خطوة الحقة وإن كانت ال حتمل نفس القوة و القطع أعلنت حركة اجلهاد‬
‫اإلسالمي من خالل أمينها العام رمضان شلح عن ما يشبه الدعم لثورة الشعب‬

‫=ونضحي يف سبيلها‏ ‏‪ ،‬ونلقى اهلل عليها بإذنه سبحانه وتعاىل‪.‬‬


‫‪ -‬ويمكن يف هذا السياق مراجعة املقابلة التي أجرهتا صحيفة احلياة اللندنية مع عضو املكتب السيايس حلركة‬
‫محاس خليل احلية‪ ،‬بتاريخ ‪ 11‬نوفمرب ‪ 2010‬ومحلت عنوان ‪ :‬احلية‪ :‬أبلغنا اإليرانيني رفض إدخال املذهب‬
‫الشيعي اىل بالدنا وسورية انزعجت من «احلسم» واعتربته مرض ًا بالوحدة الفلسطينية‪ ،‬و موجودة عىل الرابط‬
‫التايل‪:‬‬
‫‪www.daralhayat.com/portalarticlendah/201402‬‬
‫((( من املقابلة مع ممثل حركة اجلهاد اإلسالمي نارص أبورشيف‬

‫‪201‬‬
‫السوري‪ ،‬ويبدو أن احلوار الذي أقامه شلح بعد مغادرته لدمشق و إقامته يف طهران‬
‫ملدة شهر ونصف قبل أن يغادرها إىل القاهرة مل يصل مع اإليرانيني إىل النتيجة التي‬
‫كانت تريدها احلركة ‪ ،‬خاصة مع حالة االستياء عقب حاالت القتل التي جرت بحق‬
‫الفلسطينيني يف خميم الريموك‪.‬‬
‫لكن حركة اجلهاد مازالت حتتفظ بعالقة جيدة مع إيران وكذلك مع حزب اهلل‪.‬‬
‫وعىل العكس من موقف محاس اختذ حزب اهلل موقفا متامهيا مع املوقف اإليراين من‬
‫الثورة السورية‪.‬ال خيفي حزب اهلل أنه «مدين للنظام السوري» ألنه ضمن إيصال‬
‫إمدادات السالح اإليراين إليه ‪ ،‬وساهم يف تعزيز مكانته عىل الساحة الداخلية يف مواجهة‬
‫خصومة املدعومني من قبل السعودية ‪.‬‬
‫نظر احلزب إىل ما حيدث يف سوريا عىل أنه هتديد يستهدف وجوده ‪ ،‬فقد انخرط‬
‫خالل األشهر املاضية يف صياغة خطة للمرحلة املقبلة (((‪ ،‬ال تسقط تأثريات الثورات‬
‫العربية واملتغريات الداخلية اللبنانية‪ ،‬و ذلك من خالل سلسلة متواصلة من ورش‬
‫العمل ولقاءات البحث والتفكري‪ .‬وهدفت هذه الورش إىل حتديد موقع احلزب‬
‫وموقفه مما جيري ووضع األسس اإلسرتاتيجية للمرحلة املقبلة‪.‬ويكشف املسؤولون يف‬
‫احلزب عن وجود عدّ ة ملفات شكلت األولوية يف اهتامم احلزب خالل هذه الورش‪،‬‬
‫ومن خالهلا ُحدِّ دت خطة املرحلة املقبلة‪.‬ويمكن تلخيص أهم العناوين التي تناوهلا‬
‫املسؤولون احلزبيون سواء يف جلسات النقاش أو احلوار أو من خالل اللقاءات التعبوية‬
‫والفكرية التي أرشف عليها األمني العام للحزب حسن نرص اهلل وقيادات أخرى يف‬
‫جملس الشورى (قيادة احلزب)عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫‪1 -1‬قراءة أبعاد املتغريات احلاصلة يف الوطن العريب وحتديد موقف احلزب مما جيري‬
‫ووضع جمموعة أفكار واقرتاحات حول كيفية التعاطي مع هذه التطورات وانعكاسها‬
‫عىل دور احلزب‪.‬‬
‫‪2 -2‬إعادة االهتامم بالتعبئة الداخلية ملواجهة خمتلف التحديات وللعمل عىل إزالة‬

‫((( قاسم قصري‪ :‬يف ظل التطورات اخلارجية واملتغريات الداخلية‪:‬خطة حزب اهلل‪  ‬للمرحلة املقبلة‪ ،‬جملة‬
‫األمان‪20011/9/11 ،‬‬

‫‪202‬‬
‫بعض «األورام االجتامعية والتنظيمية» التي أصابت جسم احلزب الداخيل ألسباب‬
‫عديدة وهذه يعني العودة إىل إهناء حالة االسرتخاء التي أصابت جمتمع احلزب لفرتة و‬
‫العودة إىل مقتضيات “جمتمع املقاومة”‪.‬وذلك يعيد خيار املواجهة و الرصاع إىل حسابات‬
‫احلزب و خططه‪.‬‬
‫‪3 -3‬حتديد موقع احلزب ودوره عىل الصعيد اللبناين الداخيل‪.‬‬
‫‪4 -4‬عالقات احلزب مع خمتلف األطراف الداخلية واخلارجية والسيام القوى‬
‫اإلسالمية الفاعلة يف لبنان واملنطقة‪.‬‬
‫يلخص بعض املسؤولني يف احلزب أبرز هذه النتائج عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫‪1 -1‬فاجأت التطورات العربية اجلميع بمن فيهم قيادة احلزب ومل يكن أحد يتوقع ما‬
‫جرى سواء يف مرص أو تونس أو ليبيا وصوالً إىل سوريا‪.‬‬
‫‪2 -2‬كان هلذه التطورات نتائج إسرتاتيجية هامة‪ ،‬وخصوص ًا عىل صعيد وضع مرص‬
‫والدور املرصي‪ ،‬وان كان من السابق ألوانه حتديد النتائج النهائية بانتظار ما ستؤول إليه‬
‫األحداث والتطورات واخلريطة السياسية اجلديدة للواقع املرصي‪.‬‬
‫‪3 -3‬الوضع يف سوريا خيتلف عن بقية األوضاع يف الدول العربية بسبب الدور‬
‫السوري يف دعم املقاومة واملواقف السياسية للنظام السوري‪ ،‬لكن ذلك ال يعني عدم‬
‫وجود رضورة قصوى إلحداث تغيري يف أداء النظام الداخيل‪.‬‬

‫األولوية حماية الوجود‬


‫ينفي املسؤولون يف حزب اهلل املقوالت واملعطيات التي تنرش عن سعي احلزب‬
‫اىل السيطرة عىل الوضع اللبناين أو ربط لبنان «بدولة الويل الفقيه» أو سعيه إىل القيام‬
‫بخطوات غري تقليدية أمنية أو عسكرية يف حال تدهور األوضاع يف سوريا أو يف‬
‫املنطقة‪ ،‬وهم يؤكدون أن احلزب يتعاطى هبدوء وروية مع األحداث وهو يستعد لكل‬
‫االحتامالت‪ ،‬واألولوية األساسية يف املرحلة احلالية هي «محاية الوجود » و التصدي‬
‫ل”حماوالت إدخاله يف رصاعات مذهبية أو سياسية”‪.‬يؤكد احلزب أنه ليس يف وارد‬
‫القيام بانقالبات أو أحداث عنيفة داخلية أو خارجية‪ ،‬لكنه ال يسقط احلزب احتامل‬

‫‪203‬‬
‫نشوب حرب مع إرسائيل‪ ،‬و لديه خطة مواجهة هلذا االحتامل‪ ،‬و شعبيا يراهن حزب‬
‫اهلل عىل املواجهة مع إرسائيل إلعادة ترميم شعبيته لدى الشعوب العربية التي تراجعت‬
‫نتيجة املوقف من الثورة السورية‪..‬‬
‫ترتبط خيارات حزب اهلل باملوقف اإليراين و تتأثر بالبديل الذي سيمأل الفراغ يف‬
‫حال سقوط النظام السوري‪..‬فإذا حل الفراغ والفوىض‪ ،‬فإن حزب اهلل سيتخذ موقفه ‪،‬‬
‫بحسب ما تشري جتارب وحمطات سابقة‪ ،‬بام يتامشى مع الوضع القائم؛ ويرجح حمللون‬
‫مقربون من احلزب أن الفوىض التي ستعم سوريا لن تبقى حمصورة جغرافيا وستمتد‬
‫بطبيعة احلال إىل البالد املجاورة ومن ضمنها لبنان‪.‬‬
‫ويف حال عمت الفوىض سينتقل حزب اهلل إىل لعب دور داعم للجيش اللبناين‬
‫وأجهزة الدولة يف مواجهة أي مد سلفي يف الداخل اللبناين‪.‬‬
‫أما يف ما خيص التحليالت التي تتحدث عن تراجع حزب اهلل يف حال سقوط‬
‫النظام السوري فهذا أمر اليمكن اجلزم بوقوعه‪ ،‬ذلك أن األبحاث التي درست حزب‬
‫اهلل تشري إليه كحركة نظامية تعتمد أساليب غري تناظرية يف عملها امليداين ولدهيا القدرة‬
‫عىل االندماج ضمن املنظومات التقليدية متى ما شاءت‪ .‬وتؤكد أيضا أن حزب اهلل قادر‬
‫عىل التعامل مع حال الفوىض يف أي ساحة يمتلك حراكا فيها‪.‬‬
‫أضف إىل ذلك‪ ،‬فإن املنظامت املركبة كحزب اهلل تعتمد إىل التمدد أكثر حني‬
‫تتعرض للضغط ‪ ،‬وهو ما سيكون احلال عليه يف حال سقوط النظام السوري‪ .‬ومن‬
‫املفيد هنا أن نالحظ أن حزب اهلل ليس حركة تقليدية منذ نشأته‪،‬فأساس وجوده قائم‬
‫عىل فكرة املقاومة‪ ،‬وعند تغري املعطيات اإلسرتاتيجية من الطبيعي أن تتحول شعاراته‬
‫إىل طبيعة أكثر أممية‪،‬و القول بأن حزب اهلل سيتحول إىل قوة سياسية تقليدية يتناىف مع‬
‫مبدأ وجود وأهدافه‪.‬‬
‫هل سيخوض حزب اهلل حرب ًا يف إطار حلف إقليمي من اجل دعم حلفائه؟‬
‫هنا جيب االلتفات إىل عدد من املالحظات‪:‬‬
‫أوالً‪ -‬ال يمتلك حزب اهلل قدرات عسكرية تضاهي قدرات إيران‪ ،‬وبالتايل فإن معاجلة‬
‫الرضر االسرتاتيجي الذي قد يتسببه سقوط النظام السوري بالنسبة إليران( وهي املترضر‬

‫‪204‬‬
‫ال عىل مستوى حركة عسكرية صغرية نسبي ًا‪.‬‬
‫ال إيراني ًا مبارش ًا ال تدخ ً‬
‫األكرب) يتطلب تدخ ً‬
‫‪ -‬ثاني ًا‪ ،‬منذ انتهاء حرب متوز‪ ،‬مل يعد هناك حديث يف أي من دوائر املتحاربني عن جبهة‬
‫واحدة‪..‬أي حرب مقبلة ستكون متعددة اجلبهات‪...‬‬
‫متيل حتليالت لباحثني قريبني من حزب اهلل إىل القول بأن حلول الفوىض هو اخليار‬
‫األكثر ترجيحا يف سوريا إذا ما سقط نظام بشار األسد ألن تركيبة الداخل السوري ال‬
‫حتتمل مرشوع ًا متطرف ًا ديني ًا‪ .‬و ترجع هذا الرأي لعدة أسباب أمهها أن التيار اإلسالمي هو‬
‫األقوى ضمن املعارضة السورية التي ال متتلك حتى الساعة برناجم ًا موحد ًا‪ ،‬كام أن تغيري‬
‫ال مستق ً‬
‫ال عن طبيعة املحيط اإلقليمي (تركيا‪ ،‬العراق‪ ،‬لبنان‪)...،‬‬ ‫النظام يف سوريا ليس عم ً‬
‫وبالتايل سيتأثر النسيج الداخيل بامتداده اخلارجي وسيصبح لكل فئة مرشوعها اخلاص‪.‬‬
‫وإيران فعلي ًا هي املترضر األول من سقوط نظام األسد‪ ،‬فحجم الرضر األكرب‬
‫سيكون من نصيب اجلمهورية اإلسالمية نظرا ملا تشكل سوريا من ثقل اسرتاتيجي (دولة‬
‫قياسا إىل دولة) ‪ ،‬ال كام هو احلال إذا ما أجرينا املقارنة مع حزب اهلل الذي مهام تعاظمت‬
‫قوته فهو يتبع تكتيكات تنظيم متحرك ومتكيف ال خيضع آلليات عمل دولة‪،‬وبالتايل فإن‬
‫رضر سقوط نظام داعم للمقاومة يف سوريا يبقى اقل تأثريا عىل احلزب منه عىل إيران‪.‬‬
‫و لذلك جيري النظر إىل إيران بوصفها املعني واملستهدف األول بام جيري يف سوريا من‬
‫منظور اسرتاتيجي‪ .‬أما بالنسبة للرضر عل موقع وقوة حزب اهلل‪ ،‬فال يمكن دراسته‬
‫دون االستفادة من التجربة الزمنية‪،‬ظن اجلميع بأنه بعد خروج اجليش السوري من‬
‫لبنان أن املقاومة ستضعف ‪،‬لكن الوقائع واألحداث عكست تعاظ ًام يف القوة السياسية‬
‫والعسكرية للحزب؛ وهو ما يمكن ربطه بكون املنظامت املركبة كحزب اهلل متيل إىل‬
‫التمدد‪ ،‬ال الرتاجع‪ ،‬حني تستشعر خطرا حمدقا هبا ‪ ،‬و لذلك فإن االحتامل األرجح هو أن‬
‫يسعى حزب اهلل حلامية نفسه من خالل تعزيز قوته السياسية يف كل لبنان يف حال سقوط‬
‫النظام السوري ‪ ،‬مع رضورة مالحظة نقطة هامة جدا وهي أن سقوط النظام السوري‬
‫لن يكون حمطة عابرة يف املنطقة‪ ،‬واحللف املمتد من طهران حتى جنوب لبنان يعلم انه‬
‫مستهدف بأرسه من خالل استهداف سوريا‪ ،‬وبالتايل لن يكون سقوط لنظام السوري‬
‫خاضعا الفرتاضات منطقية‪ ،‬متاما كام هو حال أي حرب شاملة قد تنشأ يف املنطقة حتى‬

‫‪205‬‬
‫وان بدأت من حادث صغري‪.‬‬
‫وبدأت دوائر التحليل يف حزب اهلل تستبعد السقوط وترجح حصول نوع من‬
‫االنفصال لبعض األطراف عن العاصمة ومناطق نفوذ النظام يف أسوأ األحوال‪.‬‬
‫اخلالصة التي يمكن الوصول إليها أن الثورات العربية ‪ ،‬وعىل وجه اخلصوص‬
‫الثورة السورية قد أوجدت حتوال يف العالقة بني إيران وحركات املقاومة الفلسطينية‬
‫وخاصة محاس‪ ،‬و اختلف هذا التحول من حيث الدرجة بني محاس و اجلهاد اإلسالمي‪،‬‬
‫ففي وقت وصلت فيه العالقة إىل حدودها الدنيا مع محاس‪ ،‬مازالت إيران متلك عالقات‬
‫جيدة مع حركة اجلهاد اإلسالمي‪ .‬أما بالنسبة حلزب اهلل فقد اختذ احلزب موقفا متامهيا‬
‫مع املوقف اإليراين فيام يتعلق باملوقف من الثورة السورية و القضايا اإلقليمية‪.‬‬
‫ومن املؤكد أن نتائج الثورة يف سورية ستؤثر بال شك عىل شكل العالقة املستقبلية‬
‫بني حركات املقاومة وإيران ‪ ،‬وإن كانت العالقة لن تعود مع محاس إىل سابق عهدها‬
‫بعدما حلق هبا ماحلق ‪ ،‬إال أن فشل الثورة يف سوريا سيعزز من الدور اإلقليمي والدويل‬
‫إليران كام سيعزز من موقع حليفها األبرز وهو حزب اهلل يف الساحة اللبنانية‪ .‬ومن‬
‫الواضح أن إيران بدأت تبحث عن حلفاء يف الساحة الفلسطينية لسد الفراغ الذي أحدثه‬
‫توتر العالقة مع محاس دون أن تعلن طهران عن رغبة واضحة يف قطع العالقة مع محاس‬
‫و مازال خطاهبا الرسمي يتحدث عن «محاس املقاومة و املناضلة» ‪،‬لكنها حتاول فتح‬
‫حوار مع حكومة السلطة وحركة فتح‪.‬‬

‫‪206‬‬
‫اجلل�سة الرابعة‬
‫رئيس اجللسة‪ :‬د‪ .‬خليل ابن عبداهلل اخلليل‬

‫‪ -‬مرتكزات املشروع اإليراني «الصفوي» في املنطقة‬


‫د‪ .‬إبراهيم الديب‬

‫تص ُّدعات سياسية‬


‫صدَّات مذهبية على َ‬
‫‪ -‬إيران ودول اخلليج‪َ ..‬م َ‬
‫د‪ .‬عادل علي العبد اهلل‪ -‬البحرين‬

‫‪ -‬دور اإلعالم في مواجهة املشروع اإليراني‬


‫مداخلة الدكتور عزام التميمي‬

‫‪ -‬إيران الدولة والشيعة الطائفة رؤية استراتيجية للتعامل مع املشروع اإليراني‬


‫محمد الراشد‬

‫‪207‬‬
‫مرتكزات املشروع اإليراني «الصفوي» في املنطقة‬

‫د‪ .‬إبراهيم الديب‬

‫بالتأكيد أن الطموح احلضاري وعامرة الكون بقيم السامء وبأحدث التكنولوجيا‬


‫التي تفيد وتطور حياة الناس وتوفر هلا األمن واالستقرار والرفاهية هو واجب ديني‬
‫أكدته نصوص القرآن الكريم ﱹ ﯿ ﰀ ﱸ جيب التعاون فيه مع كافة جمتمعات‬
‫وثقافات األرض مصداقا لقول ربنا تبارك وتعاىل ﱹ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﱸ‬
‫فتتفامهوا فتتعاونوا عىل حل مشاكل اإلنسانية وتطوير حياهتا ‪ ،‬كام أن التعاون والتكامل‬
‫بني املسلمني بعضهم البعض وإن اختلفت مذاهبهم واجب أقره القرآن الكريم‬
‫ﱹﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﱸ‪.‬‬
‫أما حماوالت فرض املذهبية اخلاصة والتمدد عىل حساب اآلخرين وتفكيك‬
‫وتشويه وتغييب وإحالل معتقداهتم وقيمهم وثقافاهتم فهذا ما جيب كشفه وفضحه‬
‫ومقاومته وصده‪.‬‬
‫وأحسب أن من أهم واجباتنا يف تلكم املحطة املفصلية من تاريخ العرب واملسلمني‪،‬‬
‫وقف ور َّد الشيعة إىل صواهبا بعد أن غرهتم قوهتم االقتصادية والعسكرية‬
‫َ‬ ‫هو واجب‬
‫ونفوذهم السيايس إىل الطغيان والتمدد يف أرض العرب واملسلمني وفرض مذهبهم‬
‫الشيعي الصفوي‪.‬‬

‫األسئلة التي جتيب عليها الورقة‬


‫السؤال األول ‪ :‬ماهية وأمهية اهلوية يف حركة تداول احلضارات؟‬
‫السؤال الثاين ‪:‬ما هي املكونات األساسية ملنظومة القيم والثقافة اإليرانية؟‬
‫السؤال الثالث ‪ :‬ما هي السامت اخلاصة املميزة للمرشوع اإليراين؟‬
‫السؤال الرابع ‪ :‬ما هي اسرتاتيجيات مرشوع التمدد الثقايف اإليراين يف ارض‬

‫‪209‬‬
‫العرب؟ وتطبيقاهتا عىل األرض يف دول اجلوار؟ ( سوريا‪ ،‬العراق‪ ،‬لبنان ‪ ،‬دول اخلليج )‬
‫السؤال اخلامس‪ :‬ما هي املرتكزات القيمية والثقافية للمرشوع اإلسالمي العريب‬
‫األصيل لتأسيس وبناء العامل العريب اجلديد ــ نموذج تطبيقي عىل سوريا املستقبل؟‬

‫‪210‬‬
‫السؤال األول‪ :‬ماهية وأهمية الهوية في حركة تداول احلضارات؟‬

‫ماهية وعنارص ومكونات اهلوية‬


‫اهلوية هي كل ما يوصف ويعني ويشخص الذات ويميزها عام سواها‬
‫‪ -‬اهلوية كيان حي له ماض وحارض ومستقبل‪ ،‬مايض حيث تشكلت اهلوية عرب‬
‫تاريخ طويل اختلطت فيه العقيدة واللغة باألعراف والتقاليد واإلنتاج احلضاري‬
‫لألجيال املختلفة والتامزج مع الثقافات واهلويات األخرى‪...‬الخ ‪ ،‬وحارض تعيش فيه‬
‫تتفاعل مع مكوناته وربام تتطور وتتمدد وربام تنحرص وتنكمش ‪ ،‬ومستقبل تتطلع إىل‬
‫حتقيقه‪ ،‬أي أن اهلوية قابلة للتغري والتطور ربام لألفضل أو لغري األفضل‪.‬‬
‫‪ -‬تتكون اهلوية من جزء صلب يستعىص تغيريه ‪ ،‬يرتبط غالب ًا بالعقيدة الدينية‬
‫والتقاليد واألعراف والتي تستمر لقرون متتالية وربام يعرتهيا بعض النحت اخلارجي يف‬
‫فرتات الضعف احلضاري التي يمر به أصحاهبا ‪ ،‬ولكن رسعان ما تعود ألصالتها بقليل‬
‫من حماوالت التجديد واإلحياء ‪ ،‬أو عند فرتات اإلحساس باخلطر حيث يعود املجتمع‬
‫للتمركز حول جذور وأصول هويته ليتحصن هبا‪ ،‬وجزء آخر مرن يمكن تغيريه بسهولة‬
‫يرتبط غالبا بالعنارص الوافدة نتيجة التواصل مع الثقافات واهلويات األخرى ‪.‬‬
‫‪ -‬اهلوية كائن حي يتفاعل مع عامله الذي يعيش فيه و يؤثر فيه ويتأثر به‪.‬‬
‫‪ -‬والقوة األساسية ألي جمتمع تكمن يف قوة اعتزازه برتاثه وهويته وكفاءة تعاطيه‬
‫مع معطيات وقوانني العرص احلديث‪.‬‬
‫‪ -‬اهلوية تعني أيضا جمموعة اخلصائص والسامت املشرتكة التى متيز مجاعة معينة عن‬
‫غريها‪.‬‬
‫‪ -‬اهلوية مزيج متكامل من مرياث اآلباء واألجداد وإبداعات وتطلعات األبناء‬
‫‪ -‬تراث وهوية املجتمع يتكون من عنرصين‪:‬‬
‫جزء مادي ‪ :‬ويتعلق باملواقع األثرية واملعامرية واملقتنيات الرتاثية واملخطوطات‬
‫املتوارثة من األجداد‪ ،‬واإلنتاج احلضاري املادي من عامر وتكنولوجيا وخمرتعات‬
‫وإنجازات‪.‬‬
‫‪211‬‬
‫جزء معنوي ‪ :‬يتعلق باملوروث الثقايف الشامل من ثوابت متثلها العقيدة واللغة‬
‫وقيم عادت وتقاليد وإبداعات ثقافية وفكرية وفنية متجددة‪..‬الخ‪.‬‬
‫ـ من أهم خصائصها أهنا عابرة للحدود ‪ ،‬حيث تنترش وتتمدد عن طريق كافة‬
‫أنواع االتصال والتواصل بني األفراد واملجتمعات ‪ ،‬حتى بدون تواصل مبارش ‪ ،‬يكفي‬
‫التعرف عليها واالنجذاب إليها فتقليدها ومتثلها‪.‬‬
‫‪ -‬تتميز بالثبات النسبي والتطور البطيء خاصة عىل مستوى املجاالت الكبرية‬
‫(املؤسسة ‪ ،‬املجتمع ‪ ،‬الدولة ‪ ،‬األمة )‪.‬‬
‫‪ -‬متر اهلوية بفرتات قوة حني‬
‫أ‪ -‬تتمسك وتعتز بذاهتا القوية الصلبة‬
‫ب‪ -‬متتلك القدرة عىل الفصل بني اجلزء الصلب الثابت من ذاهتا واآلخر املتغيب‪،‬‬
‫وتعيد إنتاج وتطوير ذاهتا استجابة لتغري الواقع من حوهلا ‪ ،‬وتطلعا وسعيا لغد أفضل‪.‬‬
‫ج ــ تنفتح وتتواصل مع عاملها وتستجيب لتغريات الواقع وتعيد إنتاج نفسها بام‬
‫يمنحه قوة االنتشار والتمدد‪.‬‬
‫‪ -‬ومتر بفرتات ضعف وانحسار حينام‬
‫أ‪ -‬تتهاون يف التمسك بذاهتا ‪ ،‬وتنحت ذاهتا فتضعف أمام نفسها فتضطر للنقل‬
‫واالسترياد من اهلويات األخرى ‪ ،‬نقل املستورد املحتاج‪.‬‬
‫ب‪ -‬حني تنغلق عىل ذاهتا وتفتقد حيوية وثراء احلياة من حوهلا‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫أشكال وجماالت اهلوية والعالقة بينها‬
‫شخصية الفرد ــ هوية املؤسسة ــ هوية احلزب ــ هوية املجتمع والدولة واألمة‬

‫‪ -‬للفرد هويته اخلاصة املستقلة والتي ترسم مالمح شخصيته املميزة له عن غريه من‬
‫األشخاص‪ ،‬وهي التي حتدد نوع وجودة أفكاره وتصوراته وأقواله وأفعاله وإنجازاته‬
‫‪ -‬وللعائلة والقبيلة هوية خاصة حتدد ومتيز مالمح شخصيتها وشخصية أفرادها‬
‫وهي التي ترسم مالمح عالقتها باملحيط الذي تعيش فيه‬
‫‪ -‬واملؤسسة كيان مستقل هلا هويتها اخلاصة التي ترسم وتنظم وتدير سلوك‬
‫العاملني هبا‪ ،‬وحتدد مستوى إنتاج وإنجاز املؤسسة‪ ،‬وترسم شخصيتها اخلاصة يف صورة‬
‫ذهنية حمددة لدى املجتمع‪.‬‬

‫‪213‬‬
‫‪ -‬واحلزب كيان مستقل له هويته اخلاصة والتي حددها ورسمها مؤسسو احلزب‬
‫وتطورت عرب تاريخ احلزب ونضاله السيايس وما حققه من إنجازات خلدمة املجتمع‪،‬‬
‫وهويته هي شخصيته التى حتدد مدى تفاعل اجلامهري معه وانضاممها إليه‪ ،‬أو تأييده‬
‫ودعمه وااللتفاف حوله‪.‬‬
‫‪ -‬وللمجتمع ثقافته وهويته اخلاصة التي حتدد املالمح العامة لشخصية أفراده‬
‫ويف احلياة احلديثة ويف ظل التباين الكبري بني الطبقات املجتمعية املختلفة نجد هويات‬
‫متعددة ملجتمعات متنوعة داخل الدولة الواحدة ‪ ،‬ومع التباين يف هوياهتا تشرتك كلها يف‬
‫خصائص عامة للهوية العامة اجلامعة للدولة‪.‬‬
‫‪ -‬وكذلك لكل دولة هويتها اخلاصة التي متيزها عن بقية الدول وترسم مالمح‬
‫عالقتها مع غريها من بقية دول املجتمع الدويل‬
‫‪ -‬ومن املؤكد أنه ختتلف عوامل بناء وتشكل اهلوية يف كل مستوى‪ ،‬كام تتنوع‬
‫األدوار الوظيفية للهوية يف كل مستوى‪ ،‬ومن ثم ختتلف أيض ًا وسائل وأدوات بناء‬
‫ومتكني وتغيري اهلوية يف كل مستوى‬

‫طبيعة ومحددات العالقة بني اجملاالت اخملتلفة للهوية‬

‫الشكل يبني تداخل وديناميكية العالقة بني جماالت اهلوية‬

‫‪214‬‬
‫‪ -‬يتمتع الفرد هبوية وشخصية خاصة متيز عن بقية أفراد املجتمع بل وبقية أفراد‬
‫أرسته الصغرية التي ينتمي إليها ‪ ،‬والتي تكون عرب صفات جينية موروثة من الوالدين‬
‫باإلضافة إىل املكتبات املتنوعة التي تلقاها من أرسته ومدرسته وبيئته التي يعيش فيها‪.‬‬
‫‪ -‬تتفاعل شخصية الفرد مع هوية األرسة التي ينتمي إليها ‪ ،‬والتي تتفاعل هي أيض ًا‬
‫مع املجتمع املحيط الذي تعيش فيه تأثر ًا وتأثري ًا‪.‬‬
‫‪ -‬لكل مؤسسة هوية خاصة هبا جتسد رؤيتها ومهمتها وجمال عملها وطبيعة‬
‫نشاطها والتي تتحكم بنسبة يف إدارة وتقويم وتوجيه هوية وسلوك العاملني هبا عرب ما‬
‫متتلكه من نظم وقوانني ولوائح منظمة للعمل باملؤسسة‪.‬‬
‫‪ -‬املؤسسة بطبيعتها تتفاعل مع جمتمعها الذي تعيش فيه فتؤثر فيه وتتأثر به‪.‬‬
‫‪ -‬واحلزب كذلك هبويته اخلاص يؤثر وتأثر باملجتمع املحيط به‪.‬‬
‫‪ -‬واملجتمع بأثره مكون عام وحاضنة كبرية لكل هؤالء األفراد واملؤسسات‬
‫واألحزاب التى تتفاعل فيام بينها داخلي ًا‪ ،‬كام تتفاعل مع كافة املتغريات والعوامل‬
‫األخرى اخلارجية ‪ ،‬لتتشكل اهلوية العامة للمجتمع وفق طبيعة وجمريات حراك هذا‬
‫التفاعل املستمر ما بقيت واستمرت احلياة‪.‬‬
‫‪ -‬خيتلف حجم ونوع وتأثر التفاعل بني هذه املكونات بحسب قوة كل عنرص‬
‫وجمالوالتي جيب أن تستند إىل مراكز متخصصة يف جمال ختطيط القيم واملحافظة عىل‬
‫اهلوية وتطويرها باستمرار ‪ ،‬والتي تغذى ومتد الوزارات املختلفة املعنية بمجال إنتاج‬
‫املعرفة وبناء اإلنسان بالتوجهات واخلطط التشغيلية لترتمجها إىل مرشوعات وبرامج‬
‫عمل تنفيذية عىل األرض‪.‬‬

‫أهمية الهوية‬
‫ـ وللهوية أدوار وظيفية متعددة من أمهها‬
‫‪ -1‬متثل معيار للحكم عىل األفكار واألشخاص واألشياء‪.‬‬
‫‪ -2‬نقطة جتمع وحمور ارتكاز للمجتمع جيتمع ويلتف حوهلا ليكون ذاته ومتنحه‬
‫اإلحساس باالنتامء لذاته كفرد وكعائلة وجمتمع ودولة وأمة فهي بمثابة العمود الذي‬

‫‪215‬‬
‫تقوم عليه اخليمة ليستظل أفراد املجتمع حتتها‪.‬‬
‫‪ -3‬هي املاكينة الذاتية لشحن الطاقة النفسية والفكرية ألفراد املجتمع حلثهم عىل‬
‫التفكري والعمل واإلنجاز‬
‫‪ -4‬متنح املجتمع مقاومة عفوية وتلقائية عن ذاته‪.‬‬
‫‪ -5‬هي النسق االجتامعي واملرشوع االستثامر الكبري الذي جيمع وحيفظ إنتاج‬
‫وإبداع وتراث األجداد لتستفيد به األجيال احلارضة والتالية‪.‬‬

‫سؤال الهوية يعني اإلجابة على أسئلة ‪:‬‬


‫‪ -‬من نحن؟‬
‫‪ -‬وما هي مالمح شخصيتنا اخلاصة التي متيزنا عن اآلخرين؟‬
‫‪ -‬ومن نحن كتاريخ وجغرافيا وحضارة؟‬
‫‪ -‬وما هي مهمتنا ورسالتنا يف احلياة؟‬
‫‪ -‬وما هو موقعنا يف العامل الذي نعيش فيه؟‬
‫‪-‬وكيف ننظر إىل العامل من حولنا ؟ وما هي رؤية العامل لنا؟‬
‫‪ -‬كام أن اهلوية هي نظام احلياة التي يعيش ويفكر ويعمل به املجتمع‪.‬‬
‫وتتشكل اهلوية من جمموعة من العنارص واملكونات األساسية الصلبة تأتى القيم‬
‫الدينية واللغة والرتاث الثقايف يف مقدمتها ‪ ،‬تتلوها املكونات املتممة كالعادات والتقاليد‬
‫واللغة واإلسهامات احلضارية اخلاصة للمجتمع‪ ،‬وأعالم وقادة املجتمع‪.‬‬

‫‪216‬‬
‫عناصر ومكونات الهوية ( مصفوفة الهوية )‬

‫اإلنتاج اإلبداعي‬ ‫قادة وأعالم ورموز‬


‫التاريخ االجتامعي‬
‫اخلاص للمجتمع يف‬ ‫املجتمع يف جماالت‬ ‫جغرافيا وموقع الدولة‬
‫والسيايس للدولة‬
‫جماالت احلياة املختلفة‬ ‫احلياة املختلفة‬
‫نمط حياة املجتمع‬
‫الفنون الشعبية اخلاصة‬ ‫العقيدة والقيم‬
‫اللغة‬ ‫طريقته اخلاصة يف التفكري‬
‫باملجتمع‬ ‫الدينية‬
‫والعيش‬

‫الرؤية والتطلعات واألهداف األعراف والتقاليد‬


‫نوع السلطة السياسية‬ ‫الرتاث الثقايف‬
‫املجتمعية املوروثة‬ ‫املستقبلية املنشودة‬

‫الذكريات املشرتكة‬ ‫اإلحساس‬ ‫األفكار واملفاهيم اخلارجية‬


‫وحدة املصالح‬
‫املآيس واألفراح‬ ‫بالقرابة الروحية‬ ‫التي يقتنع هبا‬

‫النموذج يبني املكونات األربعة األساسية الصلبة يف منظومة اهلوية وبقية العنارص‬
‫املتممة هلا‬
‫مالحظة ‪ :‬مشاركة هذه العنارص يف حتديد اهلوية الكلية للمجتمع ‪ ،‬متثل مشاركات‬
‫نسبية ختتلف من وقت آلخر ومن جمتمع آلخر ولكن تبقى للعقيدة العامل األكرب واألول‪.‬‬

‫ويمكن إجياز األهداف اإلسرتاتيجية لتخطيط القيم وصناعة اهلوية يف هدفني‬


‫األول ‪ :‬املحافظة عىل بقاء املجتمع متامسكا حرا أبيا معتزا بذاته ‪ ،‬والقدرة عىل صد‬
‫حماوالت االخرتاق الثقايف واالجتامعي والتفكيك والتذويب حلساب ثقافات وهويات‬
‫أخرى‪.‬‬
‫الثاين ‪ :‬تعزيز القدرة الداخلية عىل الفعل واإلنجاز احلضاري‪.‬‬
‫حيث متثل القيم التي يتبناها الفرد واملجتمع املصدر األسايس لسلوكه وفعله‬
‫وإنجازه وكلام قويت خطت القيم ومنظومة القيم التي يتم العمل عليها كلام ذادت‬
‫القيمة املضافة للعنرص البرشي الذي يتم إعداده وتقديمه ملواقع الفعل واإلنجاز يف‬
‫املجتمع والعكس الصحيح‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫السؤال الثاني‪ :‬ما هي املكونات األساسية ملنظومة القيم‬
‫والثقافة اإليرانية؟‬
‫هذا السؤال يعد أحد املفاتيح املهمة‪ ،‬لفهم أسباب التمدد اإليراين الناعم يف‬
‫وصـدامها الكبري الراهن مع العامل الغريب والذي تزج‬
‫املنطقة العربية وإفريقيا وآسيا ‪ِّ ،‬‬
‫يف أتونه هذه األيام كل أنواع األسلحة الثقافية واإليديولوجية والعسكرية واالقتصادية‬
‫والسياسية‪.‬‬

‫متهيد‪ :‬مفاتيح فهم الهوية والشخصية اإليرانية ‪:‬‬


‫قبل نحو سنتني‪ ،‬وقف باحث إيراين يف اجتامع عام يف طهران‪ ،‬وقال للسفري األملاين‪:‬‬
‫«اإليرانيون عرق آري مثل األملان‪ .‬ملاذا إذن ال تبدؤون حمادثات مع إيران لضمها إىل‬
‫االحتاد األورويب»؟‪ .‬‬
‫رد السفري األملاين‪ :‬صحيح أن ك ً‬
‫ال من اإليرانيني واألوروبيني آريني‪ ،‬لكن ليس كل‬
‫اآلريني أوروبيني»‪.‬‬
‫يع ّلق الكاتب األمريكي إيسان أثناناسيديس‪ ،‬عىل هذه الواقعة بالقول‪« :‬إهنا‬
‫تكشف بخطة قلم واحدة الشخصية التارخيية اإليرانية وطموحها الكبري والدائم‪ ،‬للعب‬
‫دور بارز عىل املرسح العاملي»‬
‫كام تظهر أيض ًا حقيقة البعد القومي وليس الديني كأساس للطموح اإليراين الكبري‪،‬‬
‫وإن متازجا اآلن لتحقيق الطموح اإليراين الكبري بدولة عاملية عظمى تتوىل زعامة اإلسالم‬
‫واملسلمني يف العامل باسم املذهب الشيعي وتلعب دورا كبريا عىل الساحة العاملية‪.‬‬

‫الثقافة اإلستراتيجية للدولة اإليرانية‬


‫سؤال كبري يطرح نفسه ليس عىل العقل العريب فقط وإنام عىل العقل واالهتامم‬
‫العاملي‬
‫ما هو الرس الكامن وراء اإلرصار اإليراين عىل التمدد يف املنطقة العربية وإفريقيا‬
‫وآسيا وسعيها احلثيث نحو امتالك السالح النووي؟‬
‫‪218‬‬
‫لفهم حقيقة ما يدور يف عقل القيادة اإليرانية البد من فك شفرة الثقافة اإلسرتاتيجية‬
‫للدولة اإليرانية‬
‫فالثقافة اإلسرتاتيجية هي اإلطار املرجعي املنطقي الذي تناقش الدولة ضمنه‬
‫األفكار اإلسرتاتيجية‪ ،‬واألساس لصياغة توجهاهتا وأفكارها وقراراهتا اإلسرتاتيجية‬
‫ولذاك تعد منطلق ًا حيوي ًا لفهم األعامل والقرارات املمكنة لتلك الدولة‪.‬‬
‫حيث ال يمكن فصل الصريورة احلالية عن دروس التاريخ وتراكم اخلربة احلضارية‬
‫للشعب والقيادة اإليرانية‬
‫وبإجياز هي‪ :‬منظومة العقائد والفرضيات املشرتكة‪ ،‬و أنامط السلوك اخلاصة الناجتة منه‪،‬‬
‫واملستمدة من جتاربه التارخيية املتتالية ‪ ،‬وىف احلالة اإليرانية متتلك إيران إرث ًا تارخيي ًا جتاوز‬
‫‪ 2500‬سنة ‪ ،‬تعاقبت عليه الكثري من الثقافات إال أهنا جتسدت يف مخسة مصادر أساسية هي ‪:‬‬

‫عناصر الثقافة اإلستراتيجية والهوية القومية إليران ‪:‬‬


‫اهلوية اإليرانية مزيج غري متجانس مركب تارخيي ًا من عدة عنارص أمهها القومية‬
‫الفارسية العظمى صاحبة اإلرث التارخيي اإلمرباطوري ملا يزيد عن ألف عام قبل‬
‫اإلسالم‪ ،‬ويأيت بعدها معتقدات وقيم وثقافة املذهب الشيعي اإلثنى عرشي بكل ما‬
‫حيتويه من انحرافات واجتهادات وأخبار ال أصل هلا يف الدين‪ ،‬باإلضافة إىل التصوف‬
‫اإلسالمي املبالغ فيه بالكثري من االنحرافات واخلرافات التي ال أصل هلا عند الصوفية‬
‫السنة املعتدلني منهم واملغالني أيض ًا‪ ،‬باإلضافة إىل اإلرث النفيس العدائي التارخيي جتاه‬
‫الدول الغربية االستعامرية التي تعاقبت عىل غزو إيران والتدخل يف شئوهنا الداخلية‬
‫بحكم موقعها اجلغرايف اهلام‪.‬‬

‫‪219‬‬
‫اإلمامة حمددة من اهلل‬ ‫عصمة األنبياء‬
‫جواز االستغاثة‬
‫البعض يدعي حتريف‬ ‫تعاىل‬ ‫وأهل البيت‬
‫بغري اهلل ‪،‬‬
‫القرآن واإليامن‬ ‫و هي أصل من أصول‬ ‫واألئمة االثني‬
‫واالعتقاد بشفاعة‬
‫بمصحف فاطمة‬ ‫الدين ال يتم اإليامن إال‬ ‫عرش‬
‫أئمة الشيعة‬
‫باالعتقاد هبا‬
‫تعمد اإلساءة إىل‬
‫تقديس بعض األمور‬ ‫التقية‬ ‫الصحابة وخاصة أبو‬ ‫جواز زواج‬
‫وإقامة جمالس العزاء و‬ ‫بإظهار غري‬ ‫بكر وعمر وعثامن‬ ‫املتعة‬
‫املزارات والتي تشد إليها‬ ‫ما يبطن جلب ًا‬ ‫وتكفري البعض اآلخر‬
‫الرحال‬ ‫للمصلحة‬ ‫من الصحابة ووصفهم‬
‫بالنفاق‪.‬‬
‫اجلدول جيمع أهم وأخطر االنحرافات التي يعج هبا املذهب الشيعي‬

‫‪ -1‬االعتقاد املذهبي باإلسالم الشيعي ‪ :‬بوصفه أساس ًا وطيد ًا للرشعية السياسية‬


‫للنظام‪ ،‬واهلوية والقومية للبالد ‪ ،‬و يستخدم هذا االعتقاد األيدلوجي الصلب املعزز‬
‫بالعاطفة الدينية والشعائر الصوفية ‪ ،‬والنربة احلامسية التي تستخدم فيها مصطلحات‬
‫املقاومة واجلهاد والشهادة ــ واملغذية واملوقدة هلا ــ والتي يتم توظيفها سياسي ًا بشكل‬
‫كبري يف التمدد الشيعي يف ارض العرب وإفريقيا وآسيا كام يستخدم داخلي ًا يف قمع‬
‫وجتاوز املعارضة السياسية‪.‬‬
‫وقد ازداد النفوذ اجليو سيايس اإليراين بشكل دراماتيكي‪ .‬بعد غزو العراق بقيادة‬
‫الواليات املتحدة واإلطاحة بصدام حسني‪ ،‬واستبداله بحكومة تسيطر عليها غالبية‬
‫شيعية‪ ،‬حيث تم وللمرة األوىل منذ نحو مخسة قرون تشكيل حكومة موالية إليران يف‬
‫بالد ما بني النهرين‬
‫ومع هناية عام ‪ ،2010‬كان النفوذ اإليراين يمتد من إيران إىل البحر األبيض املتوسط‬
‫عرب العراق وسوريا ولبنان من خالل حزب اهلل املوايل لطهران‬
‫‪ -2‬القومية الفارسية ‪ :‬التي متنحها اإلحساس بالرشعية اإلمرباطورية ومن ثم‬
‫زعامتها للحضارة اإلسالمية‬

‫‪220‬‬
‫هي إذا ال تتصور نفسها زعامة إقليمية بل زعامة عاملية باسم القومية الدينية‬
‫الشيعية‬
‫وقد نام ومتكن هذا اإلحساس عىل يد الدولة الصفوية والشاه عباس الكبري حيث‬
‫نجحا يف إحياء اهلوية القومية اإليرانية ويف خلق وتشكيل حكومة قومية منسجمة‬
‫اقتصادي ًا وثقافي ًا وسياسي ًا ومذهبي ًا‪ ،‬بل أيض ًا من حيث التوجهات والتطلعات اخلارجية‬
‫أيضا‪.‬‬
‫‪ -3‬اإلحساس الدائم باخلطر من القوى االستعامرية وعدائها الكبري للغرب‬
‫كقوة عاملية متغطرسة تريد اهليمنة والذي جاء نتيجة ملوقعها اجليوبوليتكي املميز والذي‬
‫صار سبب ًا ألن يعرضها للهجوم والتدخل املستمر من قبل القوى االستعامرية العاملية عىل‬
‫مر التاريخ‬
‫‪ 4‬ــ النزعة الباطنية اخلاصة لدى الشيعة ‪ :‬وتتغذى من ثالثة عوامل متشابكة‪:‬‬
‫الشعور باالضطهاد بسبب إرث اهلزائم العسكرية‪ ،‬التي تلقاها اإليرانيون عىل يد‬
‫األوروبيني طيلة القرنني املاضيني وسمة «اخلبث و ‪ -‬الدهاء» الفاريس التارخيي الشهري‪،‬‬
‫ومسألة الت ّقية التي جاءت مع دخول إيران يف املذهب الشيعي عىل يد الصفويني يف القرن‬
‫السادس عرش‬

‫أمثلة وشواهد تاريخية‬


‫أ ــ كتب املؤرخ الربيطاين أنطوين واين‪“ :‬اللغة الواضحة واملبارشة‪ ،‬تعترب يف إيران‬
‫نقيصة أو حتى قلة هتذيب‪ ،‬ويتم التعبري عن األمور بشكل موارب‪ ،‬ألن اإليرانيني‬
‫يعتقدون أنه ال جيب قول احلقيقة إال للحمري”‬
‫ب ــ عبد احلليم خدام‪ ،‬نائب الرئيس السوري السابق‪ ،‬شارح ًا طبيعة حتالف دام ‪25‬‬
‫عام ًا ونيف مع طهران “مل نكن نعرف ماذا يريد اإليرانيون حقيقة‪ ،‬إال بعد أن تقع األحداث”‬
‫ج ــ التزوير الفاضح خلطاب الرئيس مريس يف كلمته االفتتاحية كرئيس لدول‬
‫عدم االنحياز طهران ‪ 2012‬م‬
‫د ــ قدرة القيادة اإليرانية عىل التنقل بسهولة بني املواقف املتناقضة يف السياسات‬

‫‪221‬‬
‫اخلارجية‪ ،‬من معاداة األمريكيني ومقاتلتهم وخطف دبلوماسييهم يف الثامنينات‪ ،‬إىل‬
‫التحالف معهم يف أفغانستان والعراق يف أوائل القرن احلادي والعرشين‪.‬‬
‫هـ ــ احلرب الناعمة طويلة األجل ــ القدرة عىل الصرب واالنتظار وطول النفس‬
‫والتي تتجىل بوضوح يف جتربة استيعاب ثم إجهاض االحتالل األمريكي للعراق‪.‬‬
‫و ــ القدرة البالغة عىل التحايل واخلداع والتأجيل وبالتفاوض حول التفاوض يف‬
‫جتربة تطوير الربنامج النووي اإليراين بالتدريج والتي تعنى أن الغرب ربام لن يستطيع‬
‫حسم مسألة “األزمة اإليرانية” بسهولة‪ ،‬إال إذا ما قرر الذهاب باخليار العسكري معها‬
‫إىل هناياته املدمرة‪ ،‬عدا ذلك‪ ،‬ستكون القومية الفارسية املشبعة بالدهاء‪ ،‬جاهزة يف كل‬
‫حني لتحويل أرباح الغرب الصافية إىل خسائر صافية‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫السؤال الثالث ‪ :‬ما هي السمات اخلاصة املميزة للمشروع اإليراني؟‬
‫لكل أمة من األمم ــ خاصة تلك التي متتلك طموح ًا كبري ًا ــ مرشوعها اخلاص‬
‫الذي تعيش به وله ‪ ،‬ومن الطبيعي أن يكون بينها عامل مشرتك من السامت ‪ ،‬بيد أن لكل‬
‫منها سامت خاصة متيزها عن غريها ‪ ،‬وتلك هي التي تكشف حقيقة ‪ ،‬وأبعاد وغايات‬
‫ومآالت هذا املرشوع ‪ ،‬وىف احلالة اإليرانية تكشف لنا سامته اخلاصة العديد من الدالالت‬
‫التي جيب التوقف عندها والبحث يف كيفية التعاطي معها‪.‬‬

‫أهم السمات اخلاصة باملشروع اإليراني‬


‫‪ -1‬يرتكز إىل أسس أيدلوجية حتمل أبعاد ًا دعوية ورسالية تسعى للتمدد واالنتشار‬
‫واهليمنة أكثر منها للبناء والتنمية والتعايش اإلنساين ‪ ،‬كام يمنح معتنقيه قدر ًا كبري ًا من‬
‫العاطفة واحلامس الديني واالستعداد والرغبة يف التضحية واالستشهاد يف سبيل املذهبية‬
‫الدينية الشيعية‪.‬‬
‫معنى ذلك أننا أمام خطر أيدلوجي حقيقي يتميز باحلدية والقوة والصالبة وطول‬
‫النفس ولسنا أمام أجندة مصالح يمكن التنازل عنها أو التفاوض عليها‪.‬‬
‫ومن جانب آخر ربام تنال إعجاب وتعاطف وربام قبول الكثري من عامة الناس من‬
‫ذوى الثقافة الدينية البسيطة ــ خاصة إذا كانوا أصحاب فطرة دينية خصبة ومن ثم يعد‬
‫باب ًا واسع ًا من أبواب التأثري والفتنة‪.‬‬
‫‪ -2‬تقديس وتأليه العلامء ‪ ،‬واحلضور األسايس هلم يف املشهد االجتامعي والسيايس‬
‫الدائم إليران وهذا ما نراه من تقديس العلامء وتسميتهم بالعديد من األلقاب ( بحر العلوم‪،‬‬
‫كاشف الغطاء ‪ ،‬ختم النبوة وكامل الوالية ‪ ،‬رس اإلله ‪ ،‬روح اإلله ‪ ،‬بالغ شامئل وصفات‬
‫األنبياء واألئمة املعصومني رجال إهليا‪...‬الخ ) ‪ ،‬وعىل املستوى السيايس يتجسد ذلك يف جملس‬
‫حراسة الدستور وتشخيص مصلحة النظام والذي تعلو سلطته عىل كافة سلطات مؤسسات‬
‫الدولة ويتبعه احلرس الثوري اإليراين الذي يعد األقوى تسليحا وعتادا وتدريبا من اجليش‬
‫النظامي للدولة ‪ ،‬ليمثل بذلك اليد القوية للعلامء يف السيطرة عىل مقاليد األمور بالدولة‪.‬‬
‫‪ -3‬االستناد العقائدي إىل منظومة من قيم اخلداع واملراوغة والتخفي والتي تعرف‬
‫‪223‬‬
‫بمبدأ التقية بمعنى التظاهر بخالف ما يعتقد املرء اتقاء ملكروه ‪ ،‬وكذلك إظهار التقرب‬
‫والتويل لغري املؤمنني دون حقيقتها استناد ًا إىل التفسري اخلاطئ لآلية ‪ 28‬من سورة آل‬
‫عمران ﱹ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﱸ‪.‬‬
‫فتارة ترى القيادة اإليرانية تتحدث بلغة الدبلوماسية واملسئولية أمام املجتمع الدويل‪،‬‬
‫وتارة أخرى تراهم أنفسهم يتحدثون بلغة التطرف الديني ولغة التهديد والوعيد‪.‬‬
‫بام يؤكد عمق كيد ودهاء وخبث الشيعة ليس كثقافة جمتمع وفقط‪ ،‬بل اعتقاد وخلق‬
‫وخاصية مميزة هلم عن دوهنم‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ االستناد إىل مفهوم اإلمامة كأساس ومرتكز من أهم مرتكزات الفقه السيايس‬
‫الشيعي والذي تعنى انتقال اإلمامة من رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم إىل عيل بن أيب‬
‫طالب للتفسري اخلاطئ إلمجاع مفرسي الشيعة لقوله تعاىل ﱹ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ‬
‫ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﱸ املائدة‪.‬‬
‫وكذلك التفسري املغلوط حلديث رسول اهلل صىل اهلل عليه وسلم ( إين ٌ‬
‫تارك فيكم‬
‫الثقلني كتاب اهلل وعرتيت أهل بيتي وإهنام لن يفرتقا حتى َي ِردا َّ‬
‫عيل احلوض ) قاصدين‬
‫بسنتي عيل بن أيب طالب‪.‬‬
‫وهكذا يعترب الشيعة أن اإلمام يتعني بالنص من النبي وال جيوز عىل نبي إغفال‬
‫النص عىل خليفته ألن األمر خيالف العقل وتفويض األمر لألمة ‪ ،‬كام البد لإلمام أن‬
‫يكون معصوم ًا عن الكبائر والصغائر‪ .‬بينام يرى أهل السنة بأن اخلليفة يسمى بالشورى‪.‬‬
‫‪ -5‬حماولة اعتالء منصة اإلسالم والتحدث باسمه ‪ ،‬واستخدام مفردات الثورة‬
‫عىل الباطل واالستكبار واالستعالء الغريب ‪ ،‬ومقاومة القوى االستعامرية ‪ ،‬واستغالل‬
‫ملفات فلسطني وحترير اجلنوب اللبناين وحترير األرسى هبدف كسب إعجاب ومن ثم‬
‫ود وتعاطف وقبول املسلمني يف العامل‪.‬‬
‫‪6‬ــ بالرغم من الظروف االقتصادية بالغة الصعوبة التي تعيشها إيران خاصة‬
‫بعد طول فرتة احلصار الغريب يتم توجيه جل املوارد املالية للدولة اإليرانية إىل اإلنفاق‬
‫العسكري وخاصة املرشوع النووي ‪ ،‬بام يؤكد قوة محاستهم وإرصارهم الكبري عىل‬
‫مرشوعهم اإلمرباطوري للتحول إىل قوة عاملية باسم املذهب الشيعي‪.‬‬

‫‪224‬‬
‫‪7‬ــ التمدد املتنوع بحسب طبيعة كل منطقة ودولة ‪ ،‬فتارة يستخدم التمدد الناعم‬
‫بتأسيس أماكن جتمعم صغرية للشيعة ليتم التواصل فيام بينها والتحول إىل منطقة جتمع‬
‫خاصة بالشيعة يتم السيطرة عليها سيطرة تامة كام حدث يف لبنان والبحرين وحدث يف‬
‫سوريا خالل العرش سنوات السابقة الندالع الثورة السورية املباركة يف ‪ 2011‬م‪.‬‬
‫وتارة أخرى باستخدام الضغط واإلكراه واستغالل الظروف الصعبة وضغط‬
‫احلاجة للسكن والكساء والغذاء والعالج التي يعيشها السكان كام يف إفريقيا ودول‬
‫وسط وجنوب آسيا ‪ ،‬وأخري ًا يف املخيامت السورية يف األردن وتركيا ولبنان‪ ،‬بام يكشف‬
‫خطورة املرشوع اإليراين خاصة يف اجلزء الثقايف منه عىل عقيدة اإلسالم واملسلمني إذ‬
‫هو ممر إىل العقيدة التي متثل العمود الفقري والركيزة األساسية يف الثقافة اإلسالمية‬
‫والعربية كام أن الغزو الثقايف بطبيعته األشد خطرا لنعومته والمتداد أثره ألجيال‬
‫طويلة ‪ ،‬حيث حيدث تغيري ًا جذري ًا يف البنى الفكرية األساسية التي يتشكل منها‬
‫اعتقاد واهتامم وسلوك الفرد واملجتمع‪.‬‬

‫‪225‬‬
‫السؤال الرابع ‪ :‬ما هي استراتيجيات مشروع التمدد الثقافي‬
‫اإليراني في ارض العرب؟ وتطبيقاتها على األرض في دول اجلوار؟‬
‫(سوريا‪ ،‬العراق‪ ،‬لبنان ‪ ،‬دول اخلليج)‬
‫لإلجابة عىل هذا السؤال البد من رصد ألهم مظاهر التغلغل اإليراين الشيعي يف‬
‫البلدان العربية واإلسالمية السنية فيام يعرف باسرتاتيجيات احلرب الناعمة عىل العقل‬
‫املسلم السني‬
‫وهذا اجلدول يظهر أعداد وأسامء الدول العربية واإلسالمية التي تبدت فيها‬
‫مظاهر االخرتاق والتغلغل اإليراين بشكل كبري يف جماالت التدين والثقافة واالقتصاد‬
‫والسياسية ‪ ،‬ولكنى سأكتفي هنا فقط باستعراض أهم املظاهر الدينية والثقافية مكتفي ًا‬
‫بسوريا التي تعيش اآلن حتت قصف الصواريخ واملدافع وحماوالت التشييع اإلجباري‪،‬‬
‫باإلضافة إىل مرص الكنانة باعتبارها أكرب دول عربية مستهدفة من إيران بعد سوريا‪.‬‬

‫مظاهر التغلغل اإليراني الشيعي في البلدان السنية‬

‫اسم البلد‬ ‫رقم‬


‫العراق‬ ‫‪1‬‬
‫لبنان‬ ‫‪2‬‬
‫البحرين‬ ‫‪3‬‬
‫سوريا‬ ‫‪4‬‬
‫مرص‬ ‫‪5‬‬
‫األردن‬ ‫‪6‬‬
‫السودان‬ ‫‪7‬‬
‫املغرب‬ ‫‪8‬‬
‫اجلزائر‬ ‫‪9‬‬
‫تونس‬ ‫‪10‬‬
‫نيجرييا‬ ‫‪11‬‬

‫‪226‬‬
‫السنغال وكينيا و غانا‬ ‫‪12‬‬
‫اليمن‬ ‫‪13‬‬
‫اندونيسيا‬ ‫‪14‬‬
‫الفلبني‬ ‫‪15‬‬
‫الكويت‬ ‫‪16‬‬
‫السعودية‬ ‫‪17‬‬
‫البوسنة‬ ‫‪18‬‬
‫ ‬
‫أهم املظاهر الدينية والثقافية للتغلغل اإليراني الشيعي في سوريا‬
‫‪  -1‬احتالل الشيعة ملساجد سنية وإقامة شعائرهم فيها‪.‬‬
‫‪ -2‬حتويل العديد من املناطق إىل مراكز جتمع وسيطرة كاملة للشيعة ومن أمهها‬
‫منطقة السيدة زينب يف دمشق إىل منطقة شيعية متارس فيها كافة أشكال الطقوس‬
‫والشعائر الشيعية علن ًا‪.‬‬
‫‪ -3‬إنشاء عدد كبري من احلسينيات خاصة يف منطقة دير الزور ‪ ،‬انتشار احلوزات‬
‫العلمية الشيعية يف دمشق ومحاة ‪ ،‬بتمويل مبارش من رجال األعامل الشيعة الكويتيينن‪.‬‬
‫‪ -4‬إعادة تأهيل رضحيي رقية يف وسط دمشق‪ ،‬ورضيح سكينة بنت احلسني يف‬
‫منطقة داريا ليصبحا مزارين كبريين للشيعة يف سوريا ‪ ،‬وتشد إليهم الرحال من داخل‬
‫إيران والعراق‪.‬‬
‫‪ -5‬النشاط املكثف للبعثات العلمية خاصة العلويني لدراسة املذهب اإلثنى‬
‫عرشي يف قم‪ .‬وخترج العديد منهم وعودهتم إىل سوريا ملامرسة التشييع بني أبناء جلدهتم‬
‫من السوريني السنة‪.‬‬
‫‪  -6‬استغالل حالة اإلعجاب بحسن نرص اهلل ‪ ،‬باإلضافة إىل قوة العالقة بني محاس‬
‫واجلهاد وبني النظام املاليل يف وحماوالت نرش التشيع يف املخيامت الفلسطينية بسوريا‪.‬‬
‫‪ -7‬تأسيس ملتقى للمستبرصين يف احلوزة الزينبية ونشاطه وفعالياته املستمرة‬
‫خاصة توزيع أقراص ممغنطة تروي قصص هدايتهم إىل مذهب آل البيت‪.‬‬
‫‪ -9‬انتشار املراكز البحثية واملكتبات الشيعية والكتب واملنشورات الشيعية يف‬

‫‪227‬‬
‫مقابل احلصار املستمر ملركز ومطابع ومكتبات وكتب املذهب السني‪.‬‬
‫‪ -10‬وجود إذاعة إيرانية شيعية تبث عىل موجة قصرية أف أم عىل غرار إذاعة‬
‫حزب اهلل‪.‬‬
‫‪  -11‬إنشاء العديد من املجمعات اخلريية الشاملة ( حسينية ومعهد ومستشفى‬
‫ومركز دعم الطالب ) وعىل رأسها املجمع الكبري بمنطقة الرقة‪.‬‬
‫‪  -12‬النشاط املكثف للجمعيات الدعوية الشيعية وعىل رأسها مجعية املرتىض‬
‫الشيعية والتي ركزت جهودها بني بدو سوريا سعيا لنرش التشيع بينهم‪.‬‬
‫‪ -13‬احلصار والضغط األمني املكثف عىل علامء وخطباء السنة خلناقهم وختويف‬
‫اجلامهري ورصفها عنهم‪.‬‬

‫أهم املظاهر الدينية والثقافية للتغلغل اإليراني الشيعي في مصر‬


‫‪ -1‬نجاح اجلهود التارخيية السابقة يف اجتذاب وتشييع عدد من النخب املرصية‬
‫يأيت يف مقدمتهم الدكتور أمحد راسم النفيس‪ ،‬وصالح الورداين ‪ ،‬والشيخ حسن شحاتة‬
‫العقايل وحسني الرضغامي وكيل الشيعة يف مرص حالي ًا‪.‬‬
‫‪ -2‬نشاط حركة تأسيس دور متخصصة لنرش الفكر الشيعي يف مرص وعىل رأسها‬
‫دار اهلدف لصالح الورداين ‪ ،‬واحلرص الدائم عىل املشاركة يف معارض الكتب املرصية‬
‫خاصة معرض القاهرة الدويل للكتاب‪.‬‬
‫‪  -3‬إنشاء عدد من احلسينيات خاصة يف مدينة ‪ 6‬أكتوبر والعبور والرشوق‪.‬‬
‫‪ -4‬التوسع يف إنشاء املراكز اإلسالمية الشيعية والتي يأيت يف مقدمتها املجلس‬
‫العاملي لرعاية آل البيت واملجلس األعىل لرعاية آل البيت يرأسه املتشيع حممد الدريني‬
‫الذي يصدر صحيفة (صوت آل البيت) والذي يطالب بتحويل األزهر إىل جامعة‬
‫شيعية‪ ،‬ويكثر من إصدار البيانات‪ ،‬وهو الصوت األعىل من بني اهليئات الشيعية‪ .‬ويقع‬
‫مقره بالقرب من القرص اجلمهوري يف القاهرة‪.‬‬
‫‪ -5‬إنشاء دار التقريب بني املذاهب لبث سموم الشيعة عن طريقها بدعوى الوحدة‪.‬‬
‫‪ -6‬استاملة بعض العلامء ممن ال يعلمون بحقيقة الرافضة‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫‪ -7‬إرسال بعثات تعليمية من شيعة إيران والعراق للدراسة يف األزهر الستقطاب‬
‫ودعوة زمالئهم من الطالب السنة‬
‫‪ -8‬جتنيد طواقم صحفية يف صحف فعالة مثل جريدة الغد والدستور والقاهرة‬
‫وصوت األمة وجريدة الفجر للمسامهة يف نرش الفكر الشيعي و التقليل من شأن ومكانة‬
‫الصحابة ـ وعىل سبيل املثال جريدة الغد أصدرت ملحق ًا خاص ًا كان بعنوان‪ :‬أسوأ عرشة‬
‫شخصيات يف اإلسالم وذكروا منهم عائشة وعثامن وطلحة والزبري ريض اهلل عنهم‪.‬‬
‫‪ -9‬تفعيل األرضحة واملزارات لنرش التشيع بني املتصوفة عن طريق جتنيد بعض‬
‫الصوفية للتحدث بأفكار ومعتقدات الشيعة‪ .‬مما حدا بوزير األوقاف املرصي السابق‬
‫حممود زقزوق بإصدار ترصيح ونداء استغاثة قال فيه‪ ( :‬أوقفوا املد الشيعي يف مساجد‬
‫مرص)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -‬استراتيجيات مشروع التمدد الثقافي اإليراني في بالد العرب‬
‫والسنة‬
‫يف ضوء رصدنا وحتليلنا والبحث عن منطق الفعل الرابط يف الفكر الرتبوي والثقايف‬
‫للدولة اإليرانية واألحداث واملجريات الثقافية والرتبوية واإلعالمية للفعل اإليراين‬
‫أمكننا رصد جمموعة من االسرتاتيجيات التي تستند إليها الدولة اإليرانية كسبيل لغزوها‬
‫القيمي والثقايف ألرض العرب واملسلمني لتمهيد األرض وهتيئة النفوس لتلقي املذهب‬
‫الشيعي وترقب وصول املهدي املنتظر أدام اهلل ظله!!‬
‫كام يزعمون ــ و إنا واهلل براء مما يدعون ــ لتخليص املسلمني والبرشية من ظلمها‬
‫وآالمها!!‪.‬‬

‫‪ -‬استراتيجية اإلبهار وكسب التعاطف والتأييد الشعبي‬


‫من خالل املبالغة الشديدة يف تصوير النجاح واإلنجازات املتحققة يف امللفات‬
‫الساخنة يف جنوب لبنان وحترير األرسى ‪ ،‬وإدعاء حتمل مسئولية املقاومة للمرشوع‬
‫الصهيو أمريكي يف املنطقة ‪ ،‬يف حني هو ينسق ويتعاون معها يف مناطق أخرى يف العراق‬

‫‪229‬‬
‫والبحرين كام يغلق الباب أمام املقاومة الفلسطينية يف جنوب لبنان من الوصول إىل‬
‫احلدود مع العدو اإلرسائييل‪.‬‬

‫ـ استراتيجية نشر وتعزيز ومتكني قيم ومرتكزات املذهب الشيعي‬


‫املبالغة واالنحراف يف حب وتقديس آل البيت ‪ ،‬وادعاء العصمة ‪ ،‬ووالية الفقيه‬
‫وانتظار املهدي املنتظر والعديد من االنحرافات واخلرافات التي يدعيها الشيعة‪...‬الخ‬
‫من خالل العديد من املسارات اإلعالمية واالحتفاليات اجلامهريية واملناسبات‬
‫الدينية والوطنية التي حيرص عىل إعدادها وتقديمها بشكل إعالمي كبري‪.‬‬
‫(يوم القدس ــ يوم األسري ــ عاشوراء ــ جنازات الشهداء ــ ذكرى حرب جنوب‬
‫لبنان‪ ...‬الخ)‬

‫‪ -‬استراتيجية التشييع بالقوة‬


‫استنادا إىل سلطة الدولة املركزية القوية كام حيدث يف العراق يف جمال الرتبية والتعليم‬
‫حيث يتم غلق مدارس السنة وحتويلها إىل مدارس شيعية ‪ ،‬وجتريد الرتبية والتعليم من‬
‫املعلمني السنة واستبداهلم بآخرين من الشيعة ‪ ،‬وإجبار الطالب عىل ممارسة الطقوس‬
‫الشيعية ويمتد األمر إىل اكرب من ذلك إىل املدارس العراقية يف البالد العربية واألجنبية‬
‫والتي استبدلت املناهج السنية بمناهج شيعية مما حدا بالعديد من الدول إىل سحب‬
‫تراخيص هذه املدارس وغلقها كام يف طنجة والرباط يف املغرب‪.‬‬

‫ـ إستراتيجية الغزو الثقافي والفكري الشيعي‬


‫إىل املنطقة العربية عرب املراكز الثقافية الشيعية والفعاليات والكتب واملنشورات‬
‫واإلرصار الشديد عىل املشاركة يف الفعاليات الثقافية العربية وعقد اتفاقيات الرشاكة‬
‫الثقافية كام يف لبنان والبحرين والعراق وسوريا واحلرص عىل املشاركة يف معارض‬
‫الكتب العربية‬
‫مما حدا باألزهر الرشيف يف مرص إىل تشكيل أول جلنة ملواجهة التشيع يف مرص‬

‫‪230‬‬
‫حيث يرأسها شيخ األزهر د‪ .‬أمحد الطيب بنفسه وتضمم عددا من كبار العلامء يف مرص‬
‫ملواجهة التشيع بعرض عقائد أهل السنة يف املسائل التي هبا خالف مع الشيعة‪.‬‬

‫ـ استراتيجية الغزو اإلعالمي‬


‫ـ إرصار إيران عىل امتالك أدوات البث الفضائي وغزو العامل العريب ثقافيا بقيامها‬
‫بإطالق قمر ًا صناعي ًا منتصف العام ‪ 2011‬يف مدار النايل سات املرصي‪ ،‬وبالتأكيد‬
‫ستساهم تلك اخلطوة نرش ومتكني الثقافة اإليرانية لدى املشاهد العريب عرب فتح املجال‬
‫أمام مئات القنوات الشيعية والتي متتلك ميزانيات ضخمة خمصصة هلذا الغرض‬
‫وجمال اإلنتاج اإلعالمي وخاصة الدراما اإليرانية التي تدخل كل بيت وختاطب‬
‫كل عقل ‪ ،‬حيث تم فتح مقر خاص لقناة «آي فيلم» اإليرانية والتي تبث براجمها باللغة‬
‫العربية من دمشق بالتنسيق مع مدراء رشكات إنتاج سورية‪ ،‬فنيني وصحفيني ونقاد‬
‫لدبلجة عرشات املسلسالت اإليرانية باللغة السورية ‪ ،‬باإلضافة إىل الربامج احلية التي‬
‫تبثها القناة عىل املجتمع السوري من داخل دمشق ( ميدل ايست اونالين )‬

‫‪231‬‬
‫السؤال اخلامس‪ :‬ما هي مخاطر وتهديدات املشروع الثقافي‬
‫اإليراني على حاضر ومستقبل العرب واملسلمني؟‬
‫للوقوف عىل حقيقة وخطورة الغزو الثقايف اإليراين والتأكد من أنه أشد خطر ًا من‬
‫غزوها العسكري للدول العربية ــ البد من الوقوف عىل عدد من احلقائق العلمية التي‬
‫أكدهتا مراكز البحوث والدراسات اإلنسانية واالجتامعية وتعيد تأكيدها كل يوم حقائق‬
‫الواقع والتاريخ‪.‬‬
‫ـ من املؤكد أن الوطن العريب يشكل منظومة إسرتاتيجية متكاملة ال يمكن تفكيكها‬
‫وال جتزئتها فتهديد اآلمن واالستقرار بأحد دولة يعنى هتديدا للوطن العريب بأرسه‪.‬‬
‫ـ ومن املؤكد أيض ًا أن التمدد اإليراين يف دول املنطقة العربية يمثل هتديد لألمن‬
‫العريب بأرسه بل ومنطقة الرشق األوسط واالستقرار العاملي أيض ًا ملا ملنطقة الرشق‬
‫األوسط من خصوصية جعلتها حمط اهتامم وتركيز العامل‪.‬‬
‫‪ -‬من املؤكد تارخيي ًا أن الغزو الثقايف هو اشد وأخطر أنواع الغزو ألن الغزو‬
‫العسكري يزول بخروج القوات الغازية لكن الغزو الثقايف يتعامل مع هوية املجتمع‬
‫وثقافته وكينونته املكونة من عقيدته وقيمه وأعرافه وتقاليده ولغته‪ ،‬وتارخيه ورؤيته‬
‫لذاته ومن ثم مستقبله الذي يتطلع إليه أي أن الغزو الثقايف يتغلغل داخل هوية‬
‫وشخصية اإلنسان واملجتمع بل وكل مرافق احلياة الثقافية والدينية االجتامعية والرتبوية‬
‫واالقتصادية والسياسية فيهدد أمنه واستقراره بل وبقاءه‪.‬‬
‫ـ قوة أي دولة وفق موازين القوى العاملية املعارصة حتسب عرب عنارص ستة للقوة‬
‫والتي تعد املكونات األساسية لألمن القومي للدولة ‪ ،‬والنيل منها يعني هتديد ًا ألمن‬
‫واستقرار بل وبقاء الدولة ذاهتا‬
‫‪ 1‬ــ قوة ووحدة اهلوية واالعتزاز بالذات والتمركز حوهلا ‪ ،‬واستمداد قوة‬
‫االنطالق منها واملحافظة عليها والعمل عىل نرشها ومتكينها لألجيال التالية‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ القوة العلمية والتكنولوجية‬
‫‪ 3‬ــ القوة اإلنتاجية واالقتصادية‬
‫‪ 4‬ــ قوة العالقات‬
‫‪232‬‬
‫‪ 5‬ــ قوة السالح‬
‫‪ 6‬ــ قوة السياسة والتأثري الدويل‬
‫وبطبيعة احلال فإن مصادر ومغذيات كل هذه القوى تستند إىل القوة األساسية‬
‫وهى قوة اهلوية‪.‬‬
‫ومعنى تعرض هذه القوة األساسية املحركة ألي هتديد أو تأثري يعنى تأثر وهتديد‬
‫الدولة بأرسها‪.‬‬
‫ــ خاصة يف ظل ما تعانيه األمة العربية من حالة مؤقتة من التخلف والضعف‬
‫وغياب التخطيط القيمي االسرتاتيجي جعل منها منطقة فراغ جاذب هلويات وثقافات‬
‫املجتمعات األخرى الطاحمة يف الغزو الثقايف والنيل من هوية ومقدرات املنطقة العربية‪.‬‬

‫مخاطر غياب التخطيط القيمي‬


‫ـ من املعلوم تارخيي ًا أن هوية املجتمع أحد أهم أبواب االستعامر الثقايف احلديث‬
‫يف النفاذ والتمدد فحينام يغيب التخطيط القيمي للمحافظة عىل اهلوية يعنى ذلك خلق‬
‫مساحات فراغ شاغرة جاذبة للمجتمعات األخرى للتقدم وشغلها بقيمها وثقافاهتا‬
‫وهويتها ضامنا لتحقيق مصاحلها اخلاصة وتعظيم مكاسبها ‪ ،‬وبطبيعة احلال املجتمعات‬
‫الرخوة التي تستورد قيم وثقافات املجتمعات األخرى أحرى باسترياد كل ما تنتجه هذه‬
‫الدول ومن ثم يدور يف فلكها تابعا هلا‪.‬‬
‫تعاين أمتنا العربية واإلسالمية من إشكاليات ثالث يف جمال القيم وصناعة اهلوية‬
‫وهي عىل ترتيب األمهية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ االفتقار إىل وجود مرجعية عليا إسرتاتيجية لتخطيط ومتكني القيم واملحافظة‬
‫عىل اهلوية معنية بتخطيط ودعم وتوجيه وتقييم وتطوير القيم واملحافظة عىل اهلوية يف‬
‫عامل متعدد الثقافات حاد الرصاع عىل اهلوية‬
‫‪ 2‬ــ اختزال مفهوم تربية ومتكني القيم وصناعة اهلوية إىل التوعية والتثقيف ـ‬
‫متخلفني بذلك عن سنة وهنج الرسول صىل اهلل عليه وسلم يف الرتبية ومتكني القيم يف‬
‫النفس البرشية‬

‫‪233‬‬
‫‪ 3‬ــ التناول النظري املتقادم للقيم و اختزال مفهوم وتطبيقات القيمة يف تطبيقات‬
‫تراثية قديمة دون مراعاة للتطور املستمر ملفهوم وتطبيقات ومهارات القيم وفقا لظرف‬
‫املكان والزمان‬

‫تخطيط القيم بني الواقع العربي السني و اإليراني الشيعي‬


‫وىف هذا الوقت متتلك إيران منظومة متكاملة من املؤسسات ومراكز البحوث‬
‫واخلرباء والباحثني ومراصد القيم لتخطيط القيم واملحافظة عىل اهلوية اخلاصة وغزو‬
‫املجتمعات األخرى وتفكيك قيمها وفرض قيمها وهويتها املذهبية الشيعية اخلاصة ‪،‬‬
‫فيام يعرف بالقوة الناعمة‪.‬‬
‫يف حني يعاين العرب واملسلمون السنة حالة من الفراغ التام يف جمال ختطيط القيم‬
‫واملحافظة عىل اهلوية فال يمتلك املسلمون مؤسسة واحدة وال مركز بحوث وال مرصد‬
‫متخصص يف جمال القيم ‪ ،‬كام توقف عطاء األدبيات اإلسالمية عىل حد احلديث عن‬
‫ماهية وأمهية القيم ‪ ،‬ومل يبلغ حد ختطيط القيم وكيفية بنائها ومتكينها‪.‬‬
‫مما يدعونا لتوجيه نداء إىل كافة اجلامعات واملراكز البحثية ومؤسسات املجتمع‬
‫املدين لتبني مرشوع ختطيط القيم وصناعة واملحافظة عىل اهلوية وسد هذا الفراغ الذي‬
‫تعانيه األمة واالهتامم بالباحثني واخلرباء العاملني يف جمال القيم واهلوية ونرش أبحاثهم‬
‫ومقالتهم وتشجيعهم للبحث والكتابة يف املجال ‪ ،‬وكذلك تدريب العاملني يف جمال بناء‬
‫اإلنسان عىل عمليات ختطيط وبناء ومتكني القيم وصناعة اهلوية‪.‬‬
‫ويف هذا اجلدول مقارنة حلقيقة صناعة اهلوية بني األمتني اإليرانية الشيعية والعربية‬
‫السنية‪.‬‬

‫‪234‬‬
‫الواقع العريب السني‬ ‫الواقع اإليراين الشيعي‬ ‫عنارص املقارنة‬
‫اهتامم اسرتاتيجي‬
‫اهتامم تنفيذي لدى بعض املؤسسات‬ ‫االهتامم‬
‫عىل مستوى الدولة‬
‫اخلريية والرتبوية واألوقاف‬ ‫االسرتاتيجي‬
‫واملجتمع املدين واخلاص‬
‫تربوي ودعوي‬ ‫حفظ األمن القومي للبالد‬ ‫مدخل التناول‬
‫كافة األجهزة السيادية‬
‫وزارة الرتبية ‪ ،‬الشئون االجتامعية‬ ‫املؤسسات املسئولة‬
‫املعنية باألمن القومي للبالد‬
‫مراكز لرصد‬
‫بكثافة كبرية‬ ‫وحتليل وقياس‬
‫ال يوجد‬
‫تابعة للدولة ـــ خاصة‬ ‫التغري السلوكي‬
‫والقيمي للمجتمع‬
‫بكثافة كبرية‬ ‫مراكز متخصصة‬
‫ال يوجد‬
‫تابعة للدولة ـــ خاصة‬ ‫لتخطيط القيم‬
‫مالحظة ‪ :‬هتتم دولة إيران بتخطيط القيم واملحافظة عىل اهلوية اإليرانية بشكل كبري بدأت‬
‫نشاطها البحثي والفكري واخلططي مع بداية الثورة اإليرانية ‪ ،‬حيث متتلك أربع مراكز‬
‫أبحاث ودراسات كربى (مركز التنوير للدراسات اإلنسانية ‪ +‬مركز احلضارة لتنمية الفكر‬
‫اإلسالمي ‪ +‬مركز باء للدراسات ‪ +‬مركز قم للبحوث والدراسات اإلنسانية ) متتلك عدد‬
‫كبري من خرباء الرتبية واإلعالم واألمن القومي والعلوم الدينية تابعة كلها ألهم مؤسسة يف‬
‫الدولة وهي جملس حراسة الدستور وتشخيص مصلحة النظام‬

‫اجلدول يبني واقع ختطيط القيم بني الواقع الشيعي اإليراين والواقع العريب السني‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫السؤال السادس‪ :‬ما هي املرتكزات القيمية والثقافية للمشروع‬
‫اإلسالمي العربي األصيل لتأسيس وبناء العالم العربي اجلديد ــ‬
‫منوذج تطبيقي على سوريا املستقبل؟‬
‫ـ امتالك منظومة متكاملة لتخطيط القيم وصناعة واملحافظة عىل اهلوية العربية‬
‫السنية اإلسالمية اخلالصة متتلك القدر عىل وضع اخلطط اإلسرتاتيجية املمتدة لتعزيز‬
‫ومتكني مفردات العقيدة والقيم السنية اخلالصة يف نفوس اجلامهري العربية عرب املسارات‬
‫املختلفة إلنتاج ومتكني املعرفة وبناء اإلنسان‪.‬‬
‫( البحث العلمي والرتبية والتعليم واإلعالم واألوقاف والشباب والرياضة‬
‫والشئون االجتامعية ) بام يضمن بناء حائط صد صلب وقوى تتحطم عليه أية ثقافات‬
‫وافدة من اخلارج‪.‬‬
‫ـ االهتامم بكشف وفضح خفايا املذهب الشيعي وحتذير اجلامهري العربية منه ومن‬
‫خطورته عىل العقيدة اإلسالمية الصحيحة‪.‬‬
‫ـ التوسع يف إعداد وتأهيل الدعاة املدربون وإرساهلم إىل املناطق الساخنة خاصة‬
‫يف خميامت الالجئني السوريني يف االردن وتركيا ولبنان والعراق خاصة وأهنم يتعرضون‬
‫ألخطر املحاوالت للنيل من عقيدهتم وتشييعهم حتت ضغط الظروف املعيشية الصعبة‬
‫التي يعيشوهنا مؤقت ًا حتى عودهتم لديارهم‪.‬‬

‫‪236‬‬
‫املراجع‬
‫ـ الثقافة اإلسرتاتيجية اإليرانية والردع النووي ـ جينفر كيينز ‪ ،‬اندرو ترييل ـ‬
‫دراسات عاملية ‪ 2009‬م‬
‫ـ موسوعة ختطيط وبناء ومتكني القيم واملحافظة عىل اهلوية د‪ /‬إبراهيم الديب‬
‫مستشار ختطيط القيم وصناعة اهلوية (أسس ومهارات بناء القيم الرتبوية * قيم تربوية‬
‫يف دائرة الضوء * القيم التأسيسية يف بناء الشخصية القرآنية املعارصة * خطة القيم‬
‫املدرسية * الرتبية عىل قيم الديمقراطية * اإلدارة بالقيم املهنية * القيم اإلنسانية العاملية‬
‫* هوية مرص احلديثة* ختطيط القيم واملحافظة عىل اهلوية) ـ أم القرى للنرش والرتمجة‬
‫مرص ‪ 2004‬ـ ‪ 2012‬م‬
‫ـ تطور اهلوية القومية اإليرانية ـ جملة مطالعات (دراسات قومية) ‪2001‬م‬
‫ـ معهد العربية للدراسات والتدريب ـ بريوت‬
‫ـ إيران الدولة واألزمة ــ د بشري نافع ‪ /‬طالل عرتيس ـ مركز اجلزيرة للدراسات‬
‫‪ 2008‬م‬
‫ـ التنمية الثقافية يف املجتمعات اإل سالمية ـ احلالة اإليرانية نموذجا ــ حممد جواد‬
‫أبو القاسمي ‪ 2007‬بريوت مركز احلضارة لتنمية الفكر اإلسالمي ــ سلسلة الفكر‬
‫اإليراين املعارص‬
‫ـ النظام الرتبوي اإليراين ـ حماولة إعادة تشكيل املفاهيم ــ جمموعة باحثني ‪2007‬‬
‫بريوت مركز احلضارة لتنمية الفكر اإلسالمي ــ سلسلة الفكر اإليراين املعارص‬
‫ــ حركة التجديد واالستنهاض ــ قراءة يف الفكر السيايس لإلمام اخلوميني د‪ /‬عبد‬
‫اهلل أمحد قصري ــ دار اهلادي بريوت ‪ 2007‬م‬
‫ــ األسس الفكرية للثورة اإلسالمية اإليرانية ــ د ‪ /‬حممد شفيق فر ــ مركز‬
‫احلضارة لتنمية الفكر اإلسالمي بريوت ‪ 2007‬م‬
‫ـ اإلمام يقود الثورة ــ دروس من احلياة السياسية لإلمام اخلوميني بريوت ‪2001‬‬
‫ــ مركز باء للدراسات‬
‫ـ مركز التنوير للدراسات اإلنسانية‬
‫‪237‬‬
‫تعريف موجز د‪ .‬إبراهيم رمضان الديب‬

‫ــ حاصل عىل الدكتوراه يف فلسفة التخطيط والتدريب والتطوير واملاجستري يف‬
‫إدارة األعامل‪.‬‬
‫ــ عضو االحتاد العاملي للعلامء املسلمني ــ عضو اجلمعية األمريكية للتدريب‬
‫والتطوير ‪ASTD‬‬
‫ــ عمل مستشار التدريب يف املركز العريب للتدريب الرتبوي لدول اخلليج ــ‬
‫الدوحة وأستاذ ًا ملنهج ختطيط وبناء القيم القرآنية بكلية دار احلكمة ــ جدة‪.‬‬
‫ــ عمل خبري ًا يف التطوير اإلداري والتنمية البرشية‪ .‬ومرشف ًا للبحوث والدراسات‬
‫والتطوير يف املجلس األعىل لشئون األرسة ــ قطر‪.‬‬
‫ــ عمل مرشف ًا للتدريب والتطوير بقناة اجلزيرة الفضائية‪.‬‬
‫ــ مارس العمل الرتبوي بكافة مستوياته بداية من التنفيذ امليداين واإلرشاف‬
‫واملتابعة والبحوث والدراسات والتخطيط الرتبوي االسرتاتيجي مما مكنه من اإلدراك‬
‫التام حلقائق الواقع والتفكري والكتابة يف سياق هذا الواقع احلقيقي‪.‬‬
‫ــ يعمل مستشار ًا تربوي ًا للعديد من املؤسسات التعليمية والرتبوية يف العامل العريب‬
‫ــ اعد حقيبتني من الربامج الرتبوية واإلدارية ( ‪ 42‬برناجم ًا تدريبي ًا )‬
‫ــ مدرب معتمد يف العديد من املؤسسات الدولية ( املنظمة الدولية حلقوق اإلنسان‬
‫ــ مكتب اليونسكو ) ووزارات الرتبية والتعليم واألوقاف والشئون اإلسالمية يف الدول‬
‫العربية‬
‫ــ درب ما يقارب سبعة وعرشين ألف متدرب خالل الفرتة من ‪ 1992‬إىل ‪2012‬م‬
‫ــ متكن من تأسيس مدرسة خاصة يف التنمية البرشية جتمع بني قيم ومفاهيم الرتاث‬
‫اإلسالمي احلنيف وبني انتاجات احلضارة الغربية واألسيوية احلديثة‪.‬‬
‫ــ صاحب أول برنامج عميل لبناء الشخصية القرآنية عىل قيم القرآن الكريم ــ‬
‫تم تنفيذه بكلية دار احلكمة جدة ــ والعديد من املدارس ومراكز تعليم القرآن بمنطقة‬
‫اخلليج واليمن ومرص‬
‫‪238‬‬
‫ــ صاحب أول موسوعة عربية يف ختطيط وبناء القيم واملحافظة عىل اهلوية‪.‬‬
‫ــ ترجم كتابه مرشوعك اخلاص للقرآن الكريم إىل اللغة اإلندونيسية ‪ ،‬واللغة‬
‫اإلنجليزية حيث يتم تدريسها بمراكز تعليم القرآن بإندونيسيا وماليزيا واملركز الثقافية‬
‫هبونج كونج‪.‬‬
‫ــ له كتاباته الدورية يف اكرب املجالت املتخصصة يف التنمية البرشية يف العامل العريب‪.‬‬
‫ــ املوقع اإللكرتوين ‪ www.agrsd.com‬ــ املجموعة العربية للبحوث‬
‫والدراسات‬

‫‪239‬‬

‫تص ُّدعات سياسية‬
‫صدَّات مذهبية على َ‬
‫إيران ودول اخلليج‪َ ..‬م َ‬

‫د‪ .‬عادل علي العبد اهلل‪ -‬البحرين‬

‫ملخص الورقة‬
‫حتاول هذه الورقة االطالع عىل جانب من جدلية العالقة اجليوسياسية عىل ضفتي‬
‫بحر اخلليج العريب بني اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية ومنظومة جملس التعاون اخلليجي‪،‬‬
‫يف ظروف التغريات اإلسرتاتيجية يف منطقة الرشق األوسط‪ ،‬وحماولة الواليات املتحدة‬
‫التغول‬
‫ُّ‬ ‫إعادة هندسة سياستها جتاه هذه املنطقة من العامل منذ عام ‪ ،2010‬وبروز حالة‬
‫وحتوهلا إىل قلق مستفز‬
‫ُّ‬ ‫اإليراين بعد هيمنتها الواضحة عىل العراق وسوريا ولبنان‪،‬‬
‫حلكومات وشعوب املنطقة‪.‬‬
‫يستعرض املدخل مفاصل تغري النظرة األمريكية ملنطقة الرشق األوسط عموم ًا‬
‫واخلليج خصوص ًا‪ ،‬وهي اجلهة املسؤولة عماَّ وصلت إليه املنطقة من حالة الالسلم‬
‫والالحرب منذ تسعينيات القرن املايض‪.‬‬
‫أما التاريخ كمقدمة فيتناول جدلية العالقة بني التنمية والدفاع يف اخلليج‪ ،‬وتقوية‬
‫الداخل بدل ترهله واستئجار احلامي‪ ،‬وصورة بانورامية لنشوء وتطور التوتر املزمن يف‬
‫العالقة مع إيران‪.‬‬
‫يف الدفع القهري ال االختياري نطالع مسألة األمن الوجودي كدافع جوهري‬
‫للتنسيق اخلليجي اخلليجي‪ ،‬وليست التنمية أو اإلنسان اخلليجي‪ ،‬مع عرض موجز‬
‫إلعادة إنتاج اهليمنة عىل اخلليج‪.‬‬
‫ويف تأمني اخلندق اخلليجي نطالع كيف يفكر اخلليج يف صناعة احتاده املأمول‬
‫كحالة تأمني وجودي‪.‬‬
‫أما يف اخلندق غري املتكافئ فنستعرض الفلسفة احلاكمة عىل الضفة الرشقية من بحر‬
‫اخلليج‪ ،‬وبيان خارطة العقل اإليراين بمقابل رمادية وفردية السياسة عىل الضفة العربية‪.‬‬

‫‪241‬‬
‫ويف الفقيه املسلح ال رشطي اخلليج تربز األيديولوجيا كإعادة ترسيم لوظيفة‬
‫إيران يف املنطقة بعد املرحلة امللكية التي كان الشاه يتصورها كرشطي للخليج‪ ،‬فتحولت‬
‫إىل فقه مسلح‪.‬‬
‫ثم اخلريطة الذهنية لفلسفة الصدع املذهبي توضيح آليات استثامر التصدعات‬
‫يف الضفة األخرى‪ ،‬وهي تصدعات سياسية ال مذهبية‪ ،‬وكيف متأل إيران الفراغ‬
‫اإلسرتاتيجي اخلليجي عرب رسم طبوغرافيا اهليمنة باسم اإلسالم‪.‬‬
‫أما يف ممانعة ومسايرة فنقرأ كيف تشكل بعد النظام العاملي اجلديد مفهوم مستحدث‬
‫عىل بحر اخلليج يقوم عىل ثنائية مع أو ضد‪ ،‬وشكل طابوغرافيا اخلندق اخلليجي‪.‬‬
‫أما الرتهل واستئجار احلامي فعرض لقيمة اخلليج الدولية‪ ،‬بام يملكه من احتياطات‬
‫الطاقة‪ ،‬مع ترهل داخله لفقد التنمية واالعتامد عىل التسلح املكلف‪ ،‬واستئجار احلامية‪.‬‬
‫ثم اخلتام بالتوصيات وهي تسع توصيات مفصلية عىل النحو التايل‪:‬‬
‫‪1.1‬ال تفقه العقلية اإليرانية سوى منطق القوة‪ ،‬وال نعني بالقوة االستعداد‬
‫واالستعداء العسكري‪ ،‬واستعراض قوة اآللة العسكرية وحجم األساطيل األمريكية‬
‫احلامية‪ ،‬فهذه السياسة ال تزيد املنطقة إال احتقان ًا‪ ،‬وال تزيد اخلليج واخلليجيني (باستثناء‬
‫القوي‬
‫َ‬ ‫اإلنسان‬
‫َ‬ ‫الطائفة الوظيفية املوالية) يف أعني اإليرانيني إال احتقار ًا‪ ،‬ونعني بالقوة‬
‫املؤهل باملفهوم الشامل للكلمة‪ ،‬بإعادة تأهيل فكري وحركي شامل عىل قواعد‬
‫احلاضنة املجتمعية اخلليجية (والعربية واإلسالمية)؛ ملا للخليج من قدرات وطاقات‬
‫مالية وتواصلية‪ ،‬مع تقليل االعتامدية الفردية عىل األمن وأجهزة االستخبارات التي ثبت‬
‫فشلها ا ُملركَّب يف إدارة الرصاع اجليوسيايس مع إيران‪.‬‬
‫‪2.2‬تعمل إيران يف حركة اخلطوة خطوة باجتاه العمق اخلليجي بتأمني مواضعها يف‬
‫داخل التصدعات السياسية واالجتامعية والثقافية يف اخلليج‪ ،‬بسبب سياسة القيادات‬
‫اخلليجية التي سامهت –بدراية أو غفلة‪ -‬عىل االنفصال عن حاضنتها الرشعية‬
‫(=الشعب) وتعميق الفجوة االجتامعية بسياسة اإلهلاء وتسطيح الفكر تعليمي ًا وإعالمي ًا‪،‬‬
‫حتى أصبح النشء يعاين حالة ضمور فكري مزمنة‪ ،‬وميل ل َّلذات اآلنية‪ ،‬وإمعان يف‬

‫‪242‬‬
‫قتل الوقت بامللهيات‪ ،‬كام غفلت القيادات اخلليجية عن تأمني العمل التنموي الشامل‬
‫لبلداهنا‪ ،‬وتوسعت الفجوة بني ا ُملت ََوقع والواقع‪ ،‬وهذه املسافة هي فجوة االستقرار‬
‫ِ‬
‫القاتلة التي أنتجت الثورات العربية‪ ،‬و ُأسق َطت حكومات رَّ‬
‫وتغيت خارطة التحالفات‬
‫الكالسيكية العربية منذ قيام اجلامعة العربية‪.‬‬
‫اخلطوة اإلصالحية املهمة هي إعادة التوازن للعالقة بني احلاكم واملحكوم يف‬
‫اخلليج‪ ،‬وتفعيل مرشوعات التنمية الداخلية الشاملة عىل أساس املواطنة ال املصالح‬
‫الشخصية أو النفوذ السيادي اآلين‪ ،‬فال تريد قيادات اخلليج أن تنفجر األرض من حتت‬
‫أقدامها وهي يف هذا التخندق املصريي‪.‬‬
‫‪3.3‬إن رس القوة اإليرانية هي احلاضنة االجتامعية األيديولوجية يف الداخل‬
‫واخلارج‪ ،‬عىل ما تُقرر نظرية أم القرى (التأهيل الفكري والثقايف‪ ،‬التوطني والتمكني‬
‫السيايس‪ ،‬الت ََّس ُّيد والت ََّحكُّم الوطني)‪ ،‬بمعنى أن قوة إيران هي املجتمع املدين‪ ،‬عىل عكس‬
‫عمد إىل شل املجتمع املدين بتطويقه وتطويعه لصاحله أو حماربته وقتله‪،‬‬ ‫اخلليج الذي َي َ‬
‫خوفا منه عىل سيادة الدولة (العائلة احلاكمة)‪ ،‬و ُيغ َفل عن أن املجتمع هو الطوق األول‬
‫واحلاضنة الرشعية للعوائل احلاكمة‪ ،‬وهذا يقتيض توظيف العقول والطاقات باجتاه‬
‫تأمني التوازن املجتمعي بعقيدة اإلسالم‪ ،‬وتنشيط حركة احلوار والنقاش والدعوة؛‬
‫بمعنى العمل عىل إسرتاتيجية التفتيت املتوازي‪ ،‬والبناء عىل التصدع املقابل (تأمني‬
‫التصدعات بضدها)‪.‬‬
‫‪4 .4‬تنشيط ورعاية ودعم مادي وإعالمي حلركة البحث الثقايف والعلمي‬
‫واألكاديمي إلعادة صياغة التصورات والقناعات يف نسيج خمتلف الطبقات الفاعلة‬
‫يف اخلليج‪ ،‬من مثقفني وصناع وقيادات الرأي العام‪ ،‬والقيادات والسياسية واالقتصادية‪،‬‬
‫وخاصة يف املساحة األضعف يف الوعي اجلامعي وهي األيديولوجيا اإليرانية‪ ،‬ألن‬
‫هذه الساحة جتد ضعفا مزمنا ومنطقة رخوة يف املنظومة الثقافية اإلسالمية والقومية‪،‬‬
‫حيث نجد يف املكتبة الثقافية كماَّ هائال من األبحاث املقروءة واملرئية واملشاهدة حول‬
‫األبعاد التارخيية والعقائدية والفقهية‪ ،‬وهي قضايا ليست رئيسية بقدر البناء الفلسفي‬
‫واأليدلوجي والسيايس الذي تبني عليه إيران َم َصدَّ اهتا‪.‬‬

‫‪243‬‬
‫‪5.5‬إن تأخري حال االحتاد العميل لدول جملس التعاون سيفعل عامل التفتيت‬
‫للم َصدَّ ات املحلية لتكمل بناءها عىل‬
‫الزمني ويعطي الفرصة الكاملة للدور الوظيفي َ‬
‫التصدعات الفردية يف نسيج دول اخلليج ُفرادى‪ ،‬ولذا فإن اإلرساع يف تنفيذ االحتاد‬
‫اخلليجي بمؤسساته األربع (الدبلوماسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والعسكرية‪ ،‬واألمنية)‪ ،‬سيؤمن‬
‫نوعا من حركة املناعة التي ستسهم يف تأمني التوازن يف املنطقة‪.‬‬
‫‪6.6‬تعمل إيران بسياسة التطويق اجليوسيايس عىل اجلزيرة العربية (املجال احليوي)‬
‫عرب حفر خنادق النار وإقامة احلصار بأداة التبشري الشيعي واالتفاقيات‪ ،‬ومن ثم فرض‬
‫الوجود واألمر الواقع‪ ،‬وعرض رسيع للمشكالت السياسية والعسكرية حول اخلليج‬
‫فسنرى أن إيران تطوق اجلزيرة العربية من اجلهات األربع‪ ،‬وهذا يستدعي رسعة احلراك‬
‫لكرس الطوق اإليراين املفروض عىل اجلزيرة العربية من النواحي األربع قبل فوات‬
‫األوان‪.‬‬
‫‪7.7‬تبني ودعم األقليات املقهورة‪ ،‬وتوصيل صوهتا ومعاناهتا للعامل باستخدام‬
‫االنفتاح اخلليجي عىل العامل‪ ،‬وخاصة قضايا مثل األحواز والبلوش‪ ،‬وقضايا سنة‬
‫العراق وحتى شيعته‪ ،‬وتبني كامل للقضية السورية‪ ،‬وسنة لبنان‪ ،‬وعدم الغفلة عن‬
‫القضية املركزية وهي قضية فلسطني‪ ،‬إضافة إىل قضية سيناء حتى ال تتحول إىل عمق‬
‫إيراين‪.‬‬
‫‪8.8‬ال يستطيع اخلليج صناعة أيديولوجيا‪ ،‬لكنه يستطيع أن يعيد االعتبار للنظام‬
‫القبيل العريب احلامي‪ ،‬عىل أصوله العربية القديمة‪ ،‬بحيث يسهل عليه صناعة حاضنات‬
‫القبيلة التي يسهل عليها التحالف والتفاعل والتساند‪ ،‬وبالتايل صناعة توازن إسرتاتيجي‬
‫ضمن احلاضنة املجتمعية يف منطقة اخلليج العريب‪ ،‬وهذا يستلزم إعادة توازن العالقة بني‬
‫احلاكم واملحكوم عىل أساس الدولة الراعية‪ ،‬والنظام العشائري سيكفل إعادة التوازن‬
‫ا َمل َريض اآلن بني احلاكم ُ‬
‫كم َو ّفر للسلع واخلدمات واملحكومني من القبائل املوالية‬
‫كمستهلك ومستخدم‪.‬‬
‫‪9.9‬هناك خلل عسكري آخر حيتاج إىل إعادة النظر وهو العقيدة العسكرية والروح‬
‫القتالية‪ ،‬فإيران لدى جنودها عقيدة عسكرية وروح قتالية عالية‪ ،‬تؤمنها هلم املذهبية‬

‫‪244‬‬
‫واخلطاب املهدوي اخلاليص‪ ،‬بمقابل القوات اخلليجية املرتهلة جسديا والضعيفة‬
‫يف عقيدهتا القتالية (الكويت هي الدولة اخلليجية الوحيدة ذات عقيدة عسكرية)‪،‬‬
‫فاخلليج بحاجة لسد هذا الفراغ إصالح القدرات العسكرية ترتكز عىل اإلنسان ال اآللة‬
‫العسكرية‪ ،‬ووقف ترهل اجليش واالستعاضة عن ذلك باستئجار احلامي األجنبي الذي‬
‫هو يف احلقيقة أساس املشكلة والداء‪.‬‬

‫مدخل‬
‫حتاول هذه الورقة االطالع عىل جانب من جدلية العالقة اجليوسياسية عىل ضفتي‬
‫بحر اخلليج العريب بني اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية ومنظومة جملس التعاون اخلليجي‪،‬‬
‫فاألوىل إجيابية متحفزة والثانية سلبية ساكنة‪ ،‬ومع صعوبة اإلملام ‪-‬توصيف ًا وحتليالً‪-‬‬
‫بجميع الزوايا احلادة يف تلك العالقة املضطربة طيلة ثالثني عاما من عمر اجلارين التي‬
‫يتم التسليط الضوء عليها بشكل كبري يف هذه الفرتة احلرجة من تاريخ منطقة ما ُيعرف‬
‫بالرشق األوسط وشامل أفريقيا (‪ ،)MENA‬واإلجابة عىل التساؤل احلَ ِرج‪ :‬كيف‬
‫نتعامل مع طبوغرافيا السياسة اإليرانية‪ ،‬عىل أساس أن ضفتي اخلليج من املفرتض‬
‫أن تكون من أهدأ مناطق العامل وأكثرها ازدهار ًا بالنظر إىل حاجة العامل امللحة لتدفق‬
‫الطاقة املكنوزة حتتها دون تقلبات أو رصاعات قد تَص َعد بتكلفة استخراج برميل النفط‪،‬‬
‫وتؤدي إىل تضخم اقتصادي يف الغرب يتبعه اهنيار حكومات واضطرابات اجتامعية‬
‫وتقلبات سياسية غري حممودة أو متوقعة النتائج‪ ،‬وهي نظرية عملت هبا الواليات املتحدة‬
‫األمريكية منذ أن أعلن الرئيس أيزهناور مبدأ الدعامتني (‪ )Twin Pillar‬عام ‪،1957‬‬
‫لتأمني حدود االصطفاف العاملي ثنائي القطبية ضد االحتاد السوفييتي‪.‬‬
‫لكن فرض االهنيار االقتصادي هناية ‪ 2008‬جمموعة ُمغايرة من التحديات اخلطرة‬
‫أمام دوائر التفكري وصناعة القرار يف العقلية احلاكمة عىل زمام أمور العامل املعارص‪،‬‬
‫فشهدت منطقة الرشق األوسط تغيريا عىل املستوى اجليوسرتاتيجي‪ ،‬وبمحاولة‬
‫الواليات املتحدة إعادة هندسة سياستها جتاه هذه املنطقة من العامل منذ عام ‪ 2010‬عىل‬
‫أساس أنه‪:‬‬

‫‪245‬‬
‫‪1.1‬مل تعد مرص واألردن الدول الرئيسة لصياغة السياسات اإلقليمية‪ ،‬بل رسعان ما‬
‫سيخرجان من النظام اجلديد الذي يتو َّلد حديثا يف الرشق األوسط‪.‬‬
‫‪2.2‬حتولت اململكة العربية السعودية إىل عبء أكثر من كوهنا رصيد بالنسبة‬
‫للواليات املتحدة‪ ،‬بسبب اهلوية الوهابية التي هي سبب ضعفها‪ ،‬يف حني يبقى أمنها‬
‫واستقرارها عىل قمة األولويات‪.‬‬
‫‪3.3‬ما زالت إرسائيل القوة اإلقليمية األبرز‪ ،‬رغم ضعفها النسبي‪ ،‬بسبب ظهور بيئة‬
‫إسرتاتيجية غري متكافئة يف املنطقة‪.‬‬
‫‪4.4‬كانت إيران نائمة نسبيا من ‪ 1979‬إىل ‪ ،2004‬لكنها منذ ‪ 2005‬أخذت تلعب‬
‫دورا إقليميا ال ُيستهان به‪ ،‬ومشاريع نفوذها يف مجيع أنحاء الرشق األوسط وآسيا‬
‫الوسطى ومناطق أخرى من العامل‪.‬‬
‫‪5.5‬كانت تركيا طيلة عقود العلامنية ُت َيمم وجهتها إىل أوروبا (مع كوهنا حليف ًا قوي ًا‬
‫إلرسائيل)‪ ،‬إال أهنا َغ رَّيت وجهتها يف السنوات األخرية إسرتاتيجيا بالرتكيز عىل منطقة‬
‫الرشق األوسط وآسيا الوسطى بدال من أوروبا‪ ،‬كام أهنا استعادت هويتها اإلسالمية‬
‫وجعلتها أساس ًا إلسرتاتيجيتها اجلديدة لألمن القومي‪ ،‬وبرهنت نفسها عىل أهنا العب‬
‫إقليمي جديد فاعل ومستقل‪.‬‬
‫‪6.6‬توثيق العالقات اإليرانية الرتكية رسعان ما جيعل من البلدين مفتاح صناعة‬
‫الرأي العام والقوة للمسلمني (شيعة وسنة) يف املنطقة‪.‬‬
‫‪7.7‬للصني طموحات عالية‪ ،‬وقد تصبح القوة العظمى عىل املدى البعيد بحيث‬
‫تنافس الواليات املتحدة بطرق مل يتمكن االحتاد السوفييتي من بلوغها يف ذروة جمده‪،‬‬
‫وهي تسعى بقوة لتأمني اتفاقيات النفط والغاز يف منطقة الرشق األوسط التي يسيطر‬
‫(((‬
‫عليها املسلمون إضافة إىل وسط آسيا‪.‬‬

‫((( خلصت جمموعة االتصال الدولية [‪ ]www.capcomgroup.com‬يف مقالني النظرة األمريكية‬


‫وطريقة تفكريها جتاه القضايا املفصلية ملنطقة الرشق األوسط وشامل أفريقيا‪ ،‬أوهلام بعنوان‪The Real :‬‬
‫‪ ،New Middle East Order‬وثانيهام بعنوان‪ -Oil Security at Risk :‬بقلم أكرم إلياس‪ ،‬أكتوبر‬
‫‪.2010‬‬

‫‪246‬‬
‫ف يف منطقة‬ ‫إن الواليات املتحدة األمريكية مقتنعة أن وجودها العسكري ا ُمل ِ‬
‫كل َ‬
‫الرشق األوسط البد له من هناية قبل مرحلة االستنزاف‪ ،‬كام أن بروز قوى إقليمية‬
‫كإيران وتركيا إىل جانب إرسائيل‪ ،‬وتغيرُّ معادالت التوازن اإلقليمية بسبب الثورات‬
‫العربية هناية عام ‪ ،2010‬كان املسامر األخري يف نعش «الرشق األوسط القديم»‪ ،‬وبدء‬
‫عراب السياسة الدولية سيفعل كل‬
‫خماض والدة «الرشق األوسط اجلديد»‪ ،‬ما يعني أن َّ‬
‫ما يف إمكانه للحفاظ عىل مصاحله احليوية واإلسرتاتيجية يف املنطقة‪.‬‬
‫عىل هذا تنحرص برامج مستقبل «الرشق األوسط اجلديد» بني دوائر نفوذ ثالث‬
‫هي إرسائيل وتركيا وإيران‪ ،‬وهذه الورقة معن َّية باألخرية (=إيران) وعالقتها بالرشيك‬
‫املقابل عىل اجلهة الغربية من بحر اخلليج‪ ،‬الذي مل هيدأ منذ قيام الثورة املذهبية‪ ،‬ولعلها‬
‫السبب األرجح مليالد منظومة التعاون اخلليجية عىل الصيغة التي ولد عليها‪ ،‬وربام –‬
‫بصورة نسبية‪ -‬سببا منطقيا لتغليب الصفة األمنية عىل التنموية لتلك املنظومة‪.‬‬

‫التاريخ كمقدمة‬
‫مل يشهد اخلليج العريب حالة استقرار تنموي مستمرة بسبب موقعه اإلسرتاتيجي‬
‫وموارده الطبيعية‪ ،‬التي كانت جماالً للتنافس والرصاع عرب تارخيه الطويل‪ ،‬ويف كل‬
‫تلك املراحل كانت إيران حارضة يف مشهد «الرصاع» وليس «االستقرار»‪ ،‬وبخاصة يف‬
‫التاريخ احلديث منذ جميء املستعمرين الربتغاليني بعد املكشوفات اجلغرافية‪ ،‬ورصاعهم‬
‫الص َفوية إىل املنطقة ودخول القوى‬
‫مع األتراك والقوى املحلية‪ ،‬ثم توجه اإلمرباطورية َّ‬
‫األوربية بعد الثورة الصناعية‪ ،‬كالربتغاليني واهلولنديني ومن ثم انفراد بريطانيا باهليمنة‬
‫عىل بحر اخلليج وجزره وموانئه‪.‬‬
‫سجلت األحداث التي كانت جتري عىل مياه اخلليج وشواطئه صعود ًا وهبوط ًا‬
‫وتقدم ًا وتأخر ًا اقتصادي ًا وسياسي ًا واجتامعي ًا‪ ،‬ويف كل صورة من صوره توجد «نافذة‬
‫إيرانية» تُطِ ُّل من هنا أو هناك بسبب اجلوار اجليوسيايس‪ ،‬و َت َف ُّحص أحداث املايض‬

‫‪247‬‬
‫(((‬
‫وجتاربه يعكس مدى تأثريها يف احلارض‪ ،‬وهي دروس البد من منها للمستقبل‪.‬‬
‫ففي اجلانب االقتصادي لعب التجار املحليون دورا مهام يف نقل التجارة قبل النفط‬
‫عرب بحر اخلليج العريب‪ ،‬الذي يعد جماالً حيوي ًا للنشاط التجاري‪ ،‬وأحد ذراعي املحيط‬
‫اهلندي‪ ،‬الذي محلت مياهه موارد البالد العربية ورشق أفريقيا وشبه القارة اهلندية إىل‬
‫العامل والعكس‪ ،‬فكانت فرتة صعود وهنوض عندما لعب قطاع مهم من سكان املنطقة‬
‫دورا يف التجارة العاملية آنذاك‪.‬‬
‫ومع وصول الرشكات األوربية التجارية‪ ،‬وعملها عىل منافسة واحتكار أنشطة‬
‫املنطقة أدى إىل هتميش دور التجار‪ ،‬فأخذ دورهم يف التدهور بفعل خت ُّلف الوسائل‬
‫وحمدودية التمويل ُمقارن ًة بمنتجات الثورة الصناعية عىل وسائل النقل البحري‬
‫والرساميل األوربية للمتطفل اجلديد‪ ،‬إىل جانب مصادرته ‪-‬حتت محاية البارجات‬
‫احلربية‪ -‬لدورهم‪ ،‬فكانت املحطة األوىل لتمركز تلك القوى األجنبية جزر اإلمرباطورية‬
‫الصفوية عىل باب مضيق هرمز‪ ،‬التي منحها «عباس شاه» االمتيازات التجارية‪ ،‬ومكَّن‬
‫هلا التحكم يف املضائق واملمرات املائية يف بحر اخلليج؛ تدعي ًام لوضعه السيايس‪ ،‬وقطعا‬
‫لطريق األسطول العثامين يف بحر اخلليج‪ ،‬لكن التحركات الصفوية أثرت عىل الصناعات‬
‫احلرفية املحلية أمام املنتجات الصناعية للدول املتقدمة‪ ،‬فسجلت هبوطا مل يقابله هنوض‬
‫ٍ‬
‫استهالكية مفتوحة ملنتجات‬ ‫فتحول سكان اخلليج إىل ٍ‬
‫سوق‬ ‫يف جماالت اقتصادية أخرى‪،‬‬
‫َّ‬
‫اآلخرين الصناعية‪.‬‬
‫أما العرص النفطي فقد شهد هنوض ًا وهبوط ًا اقتصادي ًا يف آن واحد؛ كان النهوض‬
‫يف استخدام جزء من عائدات النفط يف البنية التحتية واملدنية‪ ،‬وارتفاع مستوى معيشة‬
‫الفرد‪ ،‬وبروز صناعات ملشتقات النفط‪ ،‬لكن الرضيبة كانت اتساع اهلوة بني ثالث طبقات‬
‫جمتمعة‪ :‬األغنياء والوسطى والفقراء‪ ،‬مع تدنيّ جودة الصناعات الوطنية وعدم محايتها‪،‬‬
‫إىل جانب هدر الثروات الوطنية واملوارد الطبيعية‪ ،‬وعدم وجود إسرتاتيجية اقتصادية‬
‫عىل مستوى البلد الواحد وعىل مستوى املنطقة‪ ،‬والدور الثانوي لطبقة التجار يف عجلة‬

‫((( يراجع‪ :‬عبداملالك التميمي‪ :‬النهوض واهلبوط يف تاريخ منطقة اخلليج العريب‪ ،‬جملة العريب (العدد ‪،458‬‬
‫مايو ‪.)2010‬‬

‫‪248‬‬
‫االقتصاد الذي ال يتعدى دورهم كوكالء الرشكات واملصنوعات املستوردة‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن‬
‫حلم السوق اخلليجية املشرتكة الذي مل يتحقق طيلة ثالثة عقود بعد قيام تعاونية اخلليج‪،‬‬
‫وأيض ًا كانت «إيران الشاه» حارضة يف املشهد بمنافستها النفطية الشديدة‪ ،‬وحماولة عرقلة‬
‫قيام احتاد سوق نفطي لدول اخلليج‪ ،‬عرب استخدام نفوذها كرشطي للخليج آنذاك‪،‬‬
‫واملمثل للرأساملية األمريكية‪ ،‬وحماولة إقصاء اململكة العربية السعودية –التي دخلت‬
‫بقوة وثقل‪ -‬لتكون هي رشيك ًا للشاه للمصالح األمريكية يف املنطقة‪.‬‬
‫أما اجلانب السيايس فقد تعرضت منطقة اخلليج العريب عرب تارخيها إىل موجات‬
‫استعامرية استهدفت ثرواهتا وموقعها اإلسرتاتيجي‪ ،‬فجاء األوربيون ليتنافسوا‬
‫ويتصارعوا عىل مياهه وأرضه منذ القرن السادس عرش بدء ًا بالربتغاليني ومرور ًا‬
‫باحتكار اإلنجليز ‪-‬وهذه كلها كانت تنطلق من مقر املعتمد‪ /‬الوكيل التجاري املقيم يف‬
‫فضلوا الساحل الغريب من اخلليج بعد‬
‫بوشهر أو بندر عباس‪ -‬وانتهاء باألمريكان الذين َّ‬
‫املرحلة البهلوية‪ ،‬فعىل املستوى السيايس كانت تلك الفرتات مراحل تدهور وهبوط يف‬
‫أوضاعهم السياسية‪ ،‬بيد أن القوى املحلية من َيعاربة وبوسعيديني والقواسم واخلليفة‬
‫قد لعبوا دورا يف مواجهة تلك القوى‪ ،‬وكانت فرتات املقاومة العربية يف املنطقة فرتات‬
‫هنوض وصعود مثلتها تلك املقاومة‪ ،‬عىل الرغم من إمكاناهتا املحدودة وغري املتكافئة‬
‫مع إمكانات القوى االستعامرية‪ ،‬وجتدر اإلشارة إىل أن ذلك النهوض والصعود قد شابه‬
‫الكثري من النكوص والتشويه عندما قام الرصاع بني تلك القوى املحلية؛ مما فتح الباب‬
‫لتسلل القوى األجنبية واستغالهلا لألوضاع وتأليب طرف ضد اآلخر‪ ،‬وكان لـ «نادر‬
‫شاه» نصيب األسد يف تلك الفرتة من اهلجامت بالسفن اهلولندية عىل اجلزر وشبه احلزر‬
‫العربية بقصد االحتالل واهليمنة‪ ،‬ومن ثم االنتداب واهليمنة اإلنجليزية عىل ضفتي‬
‫اخلليج‪ ،‬أعقبتها تدخالت احلامية األمريكية‪ ،‬ودخول املنطقة بأرسها مرحلة «الفوىض‬
‫اخلالّقة»‪.‬‬
‫وبدخول العرص النفطي يف الربع األول من القرن العرشين هتيأت هلا الظروف‬
‫لتتحول املشيخات الكالسيكية إىل دول عرصية‪ ،‬ومن مقومات الكيان السيايس‬
‫السيطرة عىل مصادر الثروة يف كل بلد من بلدان املنطقة‪ ،‬وتوجيه عائداهتا نحو التنمية‪،‬‬

‫‪249‬‬
‫وأن ذلك قد شهد أيض ًا نمو ًا وهبوط ًا‪ ،‬فقد ظلت العقلية ال َعشائرية تسحب نفسها عىل‬
‫األوضاع بعد قيام الدول‪ ،‬لكن شهدت املنطقة تفاعال سياسيا إجيابيا فيام بعد قيام الدولة‬
‫واالستقالل باالنتقال من اإلمارة إىل الدولة‪ ،‬ومن املجتمع القبيل التقليدي إىل املجتمع‬
‫املدين املعارص القائم عىل املؤسسات‪ ،‬وشهدت هذه الدول الناشئة يف املنطقة صعودا‬
‫وهبوطا يف هنجها وممارستها السياسية‪.‬‬
‫لقد كانت إيران يف عمق املشهد السيايس يف املنطقة بعد مرحلة الثورة اخلمينية‪ ،‬فقد‬
‫عاشت القوى السياسية اخلليجية مشكالت فكرية وأيديولوجية شكلت ترددات هبوط‬
‫مزمن‪ ،‬بل مل تنضج بعد إىل احلد الذي يمكنها أن تساهم يف التطور السيايس يف املنطقة‪،‬‬
‫ودون أن ننفي الوعي السيايس الشعبي الذي يمثل ظاهرة إجيابية‪ ،‬فقد عملت القوى‬
‫السياسية اليسارية التي يغلب عليها التوجه املاركيس أو التش ُّيع عىل االندغام والتواؤم‬
‫مع حركة الثورة اخلمينية بداية‪ ،‬فعملت عىل نرش الفتنة يف نسيج املجتمعات اخلليجية‬
‫باسم املذهبية والطائفية‪ ،‬واملظلومية التقليدة للعقل اجلمعي الشيعي‪.‬‬
‫وأما اجلانب االجتامعي‪ ،‬فأساسه يف منطقة اخلليج العريب ‪-‬عرب التاريخ‪« -‬القبيلة»‬
‫وأدواهتا السياسية‪ ،‬وهي مؤسسة اجتامعية لعبت دور ًا حموري ًا يف املحافظة عىل كياهنا‬
‫التحول املتثاقل من «مبدأ القبيلة»‬
‫ُّ‬ ‫ومصاحلها‪ ،‬لكن منطق الواقع ا ُمل َت َبدِّ ل فرض عليها‬
‫واحلكم العشائري إىل «مبدأ الدولة» ومؤسساهتا القانونية‪ ،‬واالبتعاد التدرجيي عن كثري‬
‫من القيم والعادات والسلوك القبيل عىل أساس فردي (العصبية القبلية‪ ،‬والفكر القبيل‬
‫التقليدي)‪ ،‬حتى ُقبيل مرحلة النفط‪ ،‬فكانت تتجه نحو املجتمع املدين املؤسيس احلديث‬
‫يف جمال التجارة البحرية والربية‪ ،‬والعمل اجلامعي التطوعي يف مواجهة األزمات‬
‫والكوارث‪ ،‬كام كانت النخب املتعلمة املثقفة يف هذا املجتمع تؤ ِّطر َ‬
‫نفسها يف مؤسسات‬
‫أهلية تطوعية‪ ،‬مثل املدارس واجلمعيات والنوادي‪ ،‬إىل أن جاءت عائدات النفط الوفرية‬
‫لتتحمل احلكومات مسؤولية اإلنفاق عىل جماالت البنية التحتية‪ ،‬فنشأت املؤسسات‬
‫احلكومية أو األهلية املدعومة من احلكومة‪ ،‬ومرة أخرى كانت النافذة اإليرانية‬
‫مفتوحة عىل النسيج املجتمعي‪ ،‬من خالل املحاضن الدينية والرتبوية‪ ،‬واألعامل اخلريية‬
‫والتطوعية‪ ،‬فحفر خطباء ووكالء «والية الفقيه» اخلندق الطائفي عىل جسد املجتمع‬

‫‪250‬‬
‫الواحد‪ ،‬فلم َت ُعد البحرين والكويت ورشقية العربية السعودية‪ ،‬فض ً‬
‫ال عن العراق‪َ ،‬ين َع ُم‬
‫باالنسجام املجتمعي الذي كان واقع ًا ملموس ًا قبيل الثورة اخلمينية هناية سبعينيات القرن‬
‫السنِّي بمؤسسات مجُ تم ٍع‬ ‫ِ‬
‫املايض‪ ،‬وأخذت املجاميع الشيعية تفصل نفسها عن املجتمع ُّ‬
‫دين خاصة هبا‪ ،‬يف عملية «إحالل» رابطة الطائفة محَ َ َّل رابطة الوطن‪ ،‬و«إبدال» رابطة‬ ‫َم ٍّ‬
‫ذهب مكان رابطة األُ َّمة أو القبيلة‪.‬‬‫ا َمل َ‬
‫جاءت عملية «اإلحالل واإلبدال» يف وقت تواجه الوحدة املجتمعية اخلليجية‬
‫ال ديموغرافي ًا أفرزته حقبة النفط‪ ،‬فاخلليج يواجه انفجارا يف السكان الوافدين من‬
‫خل ً‬
‫غري العرب؛ إذ األصل أن التكوين السكاين ملنطقة اخلليج العريب معظمه من املهاجرين‬
‫من املناطق املجاورة عرب فرتات زمنية متفاوتة وطويلة نسبيا‪ ،‬أحدث اندماج ًا سكاني ًا‬
‫فرضته ظروف احلياة التي عاشتها شعوب املنطقة‪ ،‬وقد كان عدد السكان قبل النفط‬
‫مناسبا يف حدود املوارد املتاحة حينها‪ ،‬واملعتمدة عىل بيئتي البحر والصحراء‪.‬‬
‫أما يف العرص النفطي فاألمر اختلف بعد أن شهدت املنطقة هنضة شمولية؛ إذ قفز‬
‫حجم السكان إىل أرقام مرعبة‪ ،‬بسبب فائض العاملة الرخيصة مؤهلة كانت أو غري‬
‫مؤهلة‪ ،‬حتى زاد عدد الوافدين عىل املواطنني‪ ،‬وأصبحت املشكلة السكانية تؤرق دوائر‬
‫صناع القرار السيايس واالجتامعي يف املنطقة‪ ،‬ومل تنس إيران هذه املشكلة التي كان هلا‬
‫الز ُر َدشتية املسترتة بالتشيع‪-‬‬
‫ضلع يف توجيهها واستثامر األقليات اإليرانية الشيعية ‪-‬أو ُ‬
‫التي استوطنت اخلليج ألغراض جتارية ومعيشية رصفة‪ ،‬فعمدت إىل حتويلها إىل مجاعات‬
‫يتم توظيفها لصالح مشاريع شعوبية إ َّبان البهلوية الشاهنشاهية أو مذهبية مرحلة تصدير‬
‫الثورة اخلمينية‪ ،‬إىل جانب املوالني الشيعة من عرب اخلليج‪ ،‬الذي تعتربهم إيران من‬
‫الطبقة الثانية يف التصنيف ِ‬
‫العرقي والطبقي‪.‬‬
‫أما عىل املستوى الثقايف فقد تأثر بعوامل داخلية وخارجية مبارشة وغري مبارشة‪،‬‬
‫ففي جمتمع اخلليج العريب حدثت تطورات مهمة يف طيلة القرن العرشين واحلادي‬
‫والعرشين‪ ،‬كان هلا تأثريها الثنائي يف هذا املجتمع‪ ،‬ففي بداية النهضة يف املنطقة التي‬
‫صاحبت دخول التعليم احلديث‪ ،‬ومع تصدير النفط كان املتعلمون يمثلون النخبة‬
‫املثقفة يف املجتمع‪ ،‬وكانت طموحاهتم يف تطوير جمتمعهم كبرية‪ ،‬ربام فاقت إمكاناهتم‪،‬‬

‫‪251‬‬
‫وتفوق حتى إمكان حتقيق حدها األدنى‪ ،‬وهي بحكم طبيعة املرحلة وفكرها وظروفها‬
‫كانت تطمح للنهوض والتطور الختصار الزمن‪ ،‬وتعويض فرتات التأخر‪ ،‬والتقويم‬
‫املوضوعي ملستوى الثقافة ودورها يف هنضة جمتمع اخلليج العريب يفرض علينا أن نقف‬
‫عىل إجيابيات وسلبيات هذه القضية وهي مهمة وأساسية يف هنضة الشعوب‪ ،‬وكانت‬
‫النافذة اإليرانية املطلة عىل املشهد الثقايف تعمد إىل ترسيخ مفهوم آخر خارج عن أسوار‬
‫املواطنة أو اهلوية العربية‪ ،‬بفرض أيديولوجيا التشيع بنسختها الصفوية‪ ،‬وإحالل ثقافة‬
‫التاميز وا ُملغايرة الشاملة ألتباع الويل الفقيه عن غريهم‪ ،‬واصطناع نامذج ثقافية مل تكن‬
‫معروفة قبل الثورة اخلمينية بني رشائح املثقفني العرب‪.‬‬
‫والبد من االعرتاف أن التحرك الثقايف اإليراين قد مأل فراغ ًا ممُ يت ًا أحدثه ُّ‬
‫حتول‬
‫رتهل‪ ،‬وتوافر ثروة وكامليات شغلت‬
‫املجتمع اخلليجي الرسيع إىل جمتمع استهالكي ُم ّ‬
‫اجليل الناشئ عن التأصيل الثقايف‪ ،‬وجعلت اهتاممه يرتكز عىل مادية احلياة واللذة العاجلة‪،‬‬
‫مع تسطيح ثقايف وضعف معريف أسهمت فيه احلكومات اخلليجية نفسها‪ ،‬ومن ثم هتميش‬
‫لدور الثقافية يف تنمية الفرد‪ ،‬ماعدا ِق َّلة من املثقفني الذين استطاعوا أن حيفروا طريقهم‬
‫‪-‬ويف األغلب بجهودهم الذاتية‪ -‬ليكونوا مثقفني حقيقيني‪ ،‬يبذلون جهودا غري عادية يف‬
‫التنوير وسط واقع ال َي ِعي بعدُ أمهية وخطورة الثقافة يف بناء املجتمعات وتطورها‪.‬‬
‫لقد نجحت إيران فع ً‬
‫ال يف خلق ثقافة موازية جديرة بالتبنّي من الشباب املنتمي إىل‬
‫رس ًا أصي ً‬
‫ال يف عملية النهضة‬ ‫ِ‬
‫التَّش ُّيع الواليايت (=من الوالية)؛ ألهنا جعلت من الثقافة ت ً‬
‫الشيعية الشاملة‪ ،‬حتت مظلة الويل الفقيه وقيادته‪ ،‬فكانت الثقافة طريق إعادة صياغة‬
‫الشباب اخلليجي الشيعي‪ ،‬وكانت صناعة «اهلوية الشيعية» هي القضية التي حييا عليها‬
‫الشباب ويموت‪ ،‬فسقطت هبذا «اهلوية القومية» ومعها «اهلوية الوطنية» التي كابدت‬
‫حكومات اخلليج لزرعها يف النشء منذ استقالهلا مطلع السبعينيات‪.‬‬

‫دفع قهري ال اختياري‬


‫عند فحص حركات التعاون والتنسيق اخلليجي ُيكتشف أن املحرك الفعيل ملختلف‬
‫مستوياته (تنسيقي‪ ،‬تعاوين‪ ،‬تكاميل‪ ،‬احتادي) َيصدر عن هتديد أمني وجودي ُم ّو َّجه ضد‬

‫‪252‬‬
‫األنظمة احلاكمة وليس تنموي ًا متمركز ًا عىل املواطن اخلليجي‪ ،‬وهذه حقيقة البد من‬
‫جعلها نُصب العني لتصحيح القراءات الوصفية أو التحليلية املنتقدة ملسرية التعاون‬
‫اخلليجي‪ ،‬وهي اخلالصة التي خيرج هبا كل متابع ملسطرة تاريخ قيام دول جملس التعاون‬
‫اخلليجي‪.‬‬
‫ففي ‪ 26‬مايو ‪ 1981‬أعلن د‪ .‬عبد اهلل بشارة للمجتمع الدويل من أبوظبي عن والدة‬
‫منظومة تعاونية جديدة يف منطقة الرشق األوسط ُعرفت باسم (دول جملس التعاون‬
‫اخلليجي)‪ ،‬واهلدف املعلن هلذا املرشوع هو «تطوير التعاون بني هذه الدول‪ ،‬وتنمية‬
‫عالقاهتا‪ ،‬وحتقيق التنسيق والتكامل والرتابط‪ ،‬وتعميق وتوثيق الروابط والصالت‬
‫القائمة بني شعوهبا يف خمتلف املجاالت‪ ،‬وإنشاء املشاريع املشرتكة‪ ،‬ووضع أنظمة‬
‫متامثلة يف مجيع امليادين االقتصادية والثقافية واإلعالمية واالجتامعية والترشيعية‪ ،‬بام‬
‫خيدم مصاحلها و ُيقوي قدرهتا عىل التمسك بعقيدهتا وقيمها»(((‪ ،‬ومل يكن خافيا يف البيان‬
‫بح َزم من املفاجئات عىل‬
‫التارخيي آنذاك اهلاجس األمني جراء الوضع اإلقليمي املتفجر ُ‬
‫ضفتي اجلزيرة العربية؛ فعىل ضفاف البحر األمحر غرب ًا تفجرت اخلالفات مع مجهورية‬
‫مرص العربية ‪-‬زعيمة األيديولوجية القومية‪ -‬إثر اتفاقية كامب ديفيد للسالم بني مرص‬
‫وإرسائيل (‪ 17‬سبتمرب ‪ ((()1978‬وما أفرزته االتفاقية من تصدُّ ع اجلبهة العربية بتعليق‬
‫عضوية مرص من اجلامعة العربية لعرش سنوات (‪ ،)1989-1979‬ومن ثم اغتيال‬
‫الرئيس أنور السادات بعد فرتة وجيزة من إعالن جملس التعاون اخلليجي(((‪ ،‬وعىل‬
‫ضفاف بحر اخلليج رشق ًا يف الفرتة نفسها هتاوت اململكة اإليرانية بثورة شعبية أدت‬
‫إىل اإلطاحة بالشاه حممد رضا هبلوي وإعالن قيام دولة ثيوقراطية بزعامة ُم ّ‬
‫ال يميني‬

‫((( رابط البيان التأسييس للقمة اخلليجية األوىل عام ‪ 1981‬عىل موقع األمانة العامة‬
‫[‪]http://www.gcc-sg.org‬‬
‫((( رابط نص وخرائط اتفاقية كامب ديفيد‬
‫[‪]www.egyptwindow.net/news_Details.aspx?News_ID=17172‬‬
‫((( اغتيل يف حادثة املنصة‪ ،‬الثالثاء ‪ 6‬أكتوبر ‪ 8 /1981‬ذي احلجة ‪1401‬ه يف عرض عسكري احتفاال‬
‫بانتصارات أكتوبر عىل الكيان الصهيوين‪.‬‬

‫‪253‬‬
‫هو روح اهلل اخلُ َميني (‪ 24‬أكتوبر ‪ ،((()1979‬ومن ثم اشتعال احلرب العراقية اإليرانية‬
‫التي استمرت ثامين سنوات (سبتمرب ‪ -1980‬أغسطس ‪ ،((()1988‬لذا أكد البيان أن‬
‫قيادات املجموعة اخلليجية استعرضوا «الوضع الراهن يف املنطقة‪ ،‬وجددوا تأكيدهم بأن‬
‫أمن املنطقة واستقرارها إنام هو مسؤولية شعوهبا ودوهلا‪ ،‬وأن هذا املجلس إنام يعبرّ عن‬
‫إرادة هذه الدول وحقها يف الدفاع عن أمنها وصيانة استقالهلا‪ ،‬كام أكدوا رفضهم املطلق‬
‫ألي تدخل أجنبي يف املنطقة مهام كان مصدره‪ ،‬وطالبوا برضورة إبعاد املنطقة بأكملها‬
‫عن الرصاعات الدولية وخاصة تواجد األساطيل العسكرية والقواعد األجنبية؛ ملا فيه‬
‫مصلحتها ومصلحة العامل‪.‬‬
‫وأعلنوا بأن ضامن االستقرار يف اخلليج مرتبط بتحقيق السالم يف الرشق األوسط‬
‫ال عادالً يؤمن احلقوق املرشوعة‬
‫األمر الذي يؤكد عىل رضورة حل قضية فلسطني ح ً‬
‫للشعب الفلسطيني بام فيه حقه يف العودة إىل وطنه وإقامة دولته املستقلة‪ ،‬ويؤ ِّمن‬
‫االنسحاب اإلرسائييل من مجيع األرايض العربية املحتلة ويف طليعتها القدس الرشيف»‪.‬‬
‫كام تطرق البيان التأسييس األول إىل احلرب األهلية اللبنانية وما اقرتفته اليد الصهيونية‬
‫من جتاوزات وانتهاكات للقانون الدويل بقصف األرايض اللبنانية؛ وهي عمليات‬
‫اإلرسائييل للبنان وتأمني احلدود‬
‫َ‬ ‫االجتياح‬
‫َ‬ ‫َتبينَّ الحق ًا أهنا إمحاء عسكري س ُينتِ ُج‬
‫الشاملية (‪ )2000-1982‬وتنفيذ برنامج تصفية جليوب املقاومة الفلسطينية يف خميامت‬
‫بوا عن قلقهم من «الوضع اخلطري الناتج عن‬
‫الالجئني‪ ،‬كصربا وشاتيال ‪ ،‬حيث ع رَّ‬
‫(((‬

‫((( يؤرخ له اإليرانيون بثالثة تواريخ اهلجري الشميس ‪ 12‬فروردين ‪ ،1358‬واهلجري القمري ‪ 3‬ذي احلجة‬
‫‪ ،1399‬إضافة للميالدي املشار إليه‪.‬‏‬
‫((( ُعرفت يف اإلعالم السيايس بـ»حرب اخلليج األوىل» أو‪“ ‬احلرب العراقية اإليرانية”‪ ،‬أطلق عليها العراق‬
‫“قادسية صدام”‪ ،‬أما إيران فعرفتها باسم‪“ ‬الدفاع املقدس”‪ ،‬وقد خلفت تلك احلرب نحو مليون قتيل‪،‬‬
‫وخسائر قدرت بـ‪ 400‬مليار دوالر‪ ،‬وكانت أطول‪ ‬نزاع عسكري‪ ‬يف‪ ‬القرن العرشين‪ ،‬وواحدة من أكثر‬
‫الرصاعات دموية‪ ،‬كام أثرت عىل معادالت الرشق األوسط السياسية‪ ،‬وكان لنتائجها بالغ األثر يف العوامل‬
‫التي أدت إىل‪ ‬حرب اخلليج الثانية‪ ‬والثالثة‪( .‬بترصف نقال عن املوسوعة العاملية ويكيبيديا)‬
‫((( قررت حكومة االحتالل اإلرسائييل شن عمليات عسكرية عام ‪ 1982‬ضد‪ ‬منظمة التحرير الفلسطينية‪ ‬‬
‫لطردها من مقر عملياهتا يف لبنان عن طريق احتالل‪ ‬جنوب لبنان‪ ،‬وحارصت‪ ‬منظمة التحرير‪ ‬وبعض‬
‫وحدات‪ ‬اجليش السوري‪ ‬يف بريوت الغرب ّية‪ ،‬فانسحبت قيادات املنظمة وغادرت لبنان إىل تونس حتت محاية‬
‫قوات حفظ السالم الدولية‪ ،‬وانتهت العمليات العسكرية اإلرسائيلية يف عام‪ 1985 ‬إال أن آثارها وخملفاهتا مل=‬

‫‪254‬‬
‫تصاعد العدوان الصهيوين عىل األمة العربية‪ ،‬وناقشوا بروح من املسؤولية القومية‬
‫متادي إرسائيل يف انتهاك سيادة واستقالل لبنان الشقيق‪ ،‬والقصف الوحيش للمدن‬
‫والقرى اللبنانية واملخيامت الفلسطينية‪ ،‬وحرب اإلبادة التي تقوم هبا ضد الفلسطينيني‪،‬‬
‫واعتداءاهتا عىل قوات الردع العربية وهتديداهتا لسوريا الشقيقة‪ ،‬وأكدوا وقوفهم إىل‬
‫جانب سوريا ومساندهتم الكاملة هلا‪ ،‬وناشدوا مجيع األطراف يف لبنان برضورة نبذ‬
‫اخلالفات وإيقاف الدم املتدفق عىل األرض اللبنانية‪ ،‬وبدء مفاوضات الوفاق يف إطار‬
‫الرشعية اللبنانية‪  .»...‬‬
‫إذن العامل األمني اإلقليمي واملحيل هو املحرك الفعيل للعقلية اجلامعية احلاكمة‬
‫لتلك الدول الست‪ ،‬والتي حتولت اليوم إىل منظومة شبه أمنية‪ ،‬وغاب عنها ‪-‬إىل حد‬
‫كبري‪ -‬أي شكل آخر من أشكال االستقرار السيايس عىل الرغم من احلاجة الدولية‬
‫املتزايدة الستمرار واستقرار تدفق نفط اخلليج (أداة استقرار الدوالر األمريكي وهيمنته‬
‫السوقية) ودعمه املايل الذي يفوق اخلمسة تريليونات دوالر عن طريق صناديقه السيادية‬
‫يف دول املركز (أمريكا وغرب أوروبا‪ /‬بريطانيا وفرنسا وأملانيا) إىل جانب صفقات‬
‫األسلحة الضخمة التي تبقي مصانع األسلحة الغربية عاملة ومتفوقة‪.‬‬
‫الواقع أن منظومة دول جملس التعاون اخلليجي حمكومة بوعاء زماين ممتد ألكثر من‬
‫ثالثة عقود‪ ،‬يف ظروف إقليمية معقدة ومرتبكة‪ ،‬هيمنت عليها سياسة التطويق والتصدُّ ع‬
‫من الرشق والغرب‪ ،‬حيث اندلعت احلرب العراقية اإليرانية رشقا‪ ،‬واالجتياح اإلرسائييل‬
‫للبنان بعد حتييد مرص غربا‪ ،‬وقد استمرت احلرب العراقية اإليرانية ثامين سنوات‪،‬‬
‫تبعتها مبارشة صدمة اجتياح النظام العراقي لدولة الكويت (‪ 2‬أغسطس ‪)1990‬‬
‫والتدخل العسكري األمريكي املبارش يف اخلليج ألول مرة يف التاريخ يف عملية عاصفة‬
‫الصحراء‪ 16( ‬يناير ‪ ،)1991‬وكان إفرازا عمليا لنتائج تصدع واهنيار جدار برلني الذي‬
‫أهنى عمليا مرحلة احلرب الباردة بني قطبي القوى العاملية (أمريكا‪-‬السوفييت) ونقل‬
‫العامل إىل مرحلة القرن األمريكي اجلديد املعروف دوليا بالنظام العاملي اجلديد (‪New‬‬
‫‪ )World Order‬وتغيرُّ موازين القوى لصالح أمريكا ودخول منطقة اخلليج الغنية‬
‫=تنته حتى أبريل ‪ 2000‬عندما‪ ‬انسحب اجليش اإلرسائييل‪ ‬وأعوانه فعليا من جنوب لبنان‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫بالطاقة احليوية للعامل حتت الوصاية األمريكية الشاملة حتت ما ُيعرف بدبلوماسية البوارج‬
‫(((‬
‫(‪.)Gunboat diplomacy‬‬
‫وقد استمرت السيادة العسكرية األمريكية عىل اخلليج يف ابتزاز القرار السيادي‬
‫واستنزاف ميزانياته عرب حزمة عقود التسليح العسكرية طويلة األجل‪ ،‬إىل جانب‬
‫الضغط باجتاه االندغام االقتصادي التام عرب اتفاقية التجارة احلرة التي أعادت إنتاج‬
‫املنظومة القانونية اخلليجية لتتامشى والقوانني األمريكية‪ ،‬فاختلت الرغبة اخلليجية‬
‫للتكامل االقتصادي فيام بينها لتغري األولويات بني أحاد الدول اخلليجية‪ ،‬وانسحب هذا‬
‫عىل املنظومة األمنية والقضائية والتعليمية واإلعالمية‪ ،‬وما أن انتصف عقد التسعينيات‬
‫حتى انفجر الفضاء اإلعالمي بتقنيات البث الفضائي احلي ووالدة العامل االفرتايض عرب‬
‫الشبكة العاملية العنكبوتية‪ ،‬وحتول وسائل االتصال واإلعالم اخلليجية إىل الفناء اخللفي‬
‫لإلعالم واالتصال األمريكي‪.‬‬
‫وما إن انتهت األلفية حتى صدمت املنطقة –كباقي العامل‪ -‬بحادثة برجي التجارة‬
‫العاملية (‪ 11‬سبتمرب ‪ ،)2001‬وأصبح اخلليج العريب ‪-‬واململكة العربية السعودية عىل‬
‫وجه اخلصوص‪ -‬مرسحا متفردا ملحاربة ما ُعرف يف اإلعالم السيايس والعالقات‬
‫(=رهاب اإلسالم)‬
‫والقانون الدويل بـ«اإلرهاب»‪ ،‬الذي حتول فيام بعد إىل إسالموفوبيا ُ‬
‫فافتُتِ َحت األلفية باهلجوم عىل أفغانستان طالبان بذريعة رضب القاعدة (‪ 7‬أكتوبر‬

‫((( يشري مفهوم مصطلح دبلوماسية البوارج يف‪ ‬السياسة الدولية‪( ‬تسمى أيضا سياسة العصا الغليظة) إىل‬
‫اتباع أهداف‪ ‬سياسة خارجية‪ ‬بمساعدة استعراض القوة العسكرية تلميحا أو ترصحيا بتهديد مبارش‪ ‬باحلرب‪،‬‬
‫إذا مل تتم االستجابة ملطالب القوة الكربى‪ ،‬وكانت تُستخدم إلجبار الدول األضعف عىل سداد ديوهنا‪ ،‬إال‬
‫أن هذا التقليد ُألغي يف‪ ‬معاهدة دراگو‪-‬پورتر‪ ‬يف ‪ ،1907‬لكن الواليات املتحدة األمريكية أعادت إحياء‬
‫املفهوم عمليا بعد إعالهنا التفرد بتقرير مصري العالقات الدولية حتت مظلة النظام العاملي اجلديد‪ ،‬ودشنت‬
‫هذه الدبلوماسية بافتتاح قواعدها العسكرية يف منطقة اخلليج الواحدة تلو األخرى‪ ،‬بدأ بالعربية السعودية‪،‬‬
‫مرورا بالرشيط النفطي كله من الكويت مرورا بالبحرين وقطر واإلمارات وانتهاء بسلطنة عامن‪ ،‬وقد ساعدها‬
‫عىل ترسيخ هذا املبدأ أمني عام جملس التعاون األول عبد اهلل بشارة الذي كرر يف مناسبات عديدة عىل رضورة‬
‫اعتامد دول جملس التعاون عىل سياسة البوارج عىل أساس أن النفط سلعة عاملية وال ختضع العتبارات حملية أو‬
‫قومية‪ ،‬وقد سمعه الباحث يف أكثر من مناسبة كان آخرها يف مؤمتر أمن اخلليج العريب املنعقد يف البحرين ‪14‬‬
‫حزيران‪ /‬يونيو ‪.2012‬‬

‫‪256‬‬
‫‪ ،)2001‬تبعه اإلجهاز عىل النظام العراقي بقيادة صدام حسني (‪ 20‬مارس ‪،)2003‬‬
‫دور مساندٌ و ُم ٍ‬
‫دار لألمريكان يف عملياهتم العسكرية‬ ‫وكان للخليج العريب إضافة إىل إيران ٌ‬
‫عىل بلد إسالمي وآخر عريب من أعضاء اجلامعة العربية‪ ،‬وهي احلادثة األوىل التي تبعتها‬
‫ت ََصدُّ َعات واهنيارات يف بنية وفلسفة وجود اجلامعة العربية ودورها القومي‪.‬‬
‫(((‬

‫ٌ‬
‫فصل جديدٌ من‬ ‫ور العراقي بقيادة صدام حسني حتى افتُتِ َح‬ ‫وما إن حت َّطم ُّ‬
‫الس ُ‬
‫املخاوف األمنية احلقيقية عىل حارض ومستقبل منظومة دول جملس التعاون‪ ،‬لكن هذه‬
‫ا َمل َّرة مل تكن إرسائيل هي نقطة االرتكاز فقد تراجعت إىل الدرجة الثانية بعد اجلمهورية‬
‫اإلسالمية اإليرانية بقيادة اليمني اإليراين املتطرف الذي ُيمثله التيار املحافظ املقرب من‬
‫املرشد األعىل (اإلمام) عيل خامنئي‪.‬‬
‫ومع اشتعال الرشارات األوىل ملا ُيعرف بالربيع العريب‪ /‬الثورات العربية التي‬
‫انطلقت هناية العقد األول من األلفية اجلديدة‪ ،‬جاءت كلمة وزير اخلارجية الكويتية‬
‫السابق د‪ .‬حممد بن سامل الصباح أمام ورشة اإلعداد ملنتدى وحدة اخلليج اجلزيرة العربية‬
‫(‪ 24‬يناير ‪ )2011‬يف العاصمة الكويتية‪ ،‬كإعالن موقف وتعبري واضح عن قناعة ُصنَّاع‬
‫القرار يف املنظومة اخلليجية حول املتغريات اهليكلية والعملية ملفاعيل وآليات التأثري‬
‫رصح دونام حتفظ بأن قيادات اخلليج‬
‫عىل واقع ومستقبل منظومة اخلليج العريب‪ ،‬حيث َّ‬
‫وعب عن‬
‫َتعترَ ف أن عامل اليوم يواجه حتديات كربى غريت طريقة صناعة القرار الدويل‪ ،‬رَّ َ‬
‫ذلك بتأكيده أن حكام اخلليج يعلمون املتغريات الكونية األهم‪ ،‬وهي ثالثة كربى تؤثر‬
‫عىل واقع ومستقبل اخلليج العريب وعالقاته اجليوسياسية‪ ،‬ومل تكن موجودة وقت والدة‬
‫املنظومة اخلليجية قبل ثالثة عقود خلت‪:‬‬
‫أوهلا‪َ :‬ت َغيرُّ حمورية القوى الدولية من أحادية القطبية (يعني التفرد األمريكي‬
‫بالقرار) إىل تعددية املراكز‪.‬‬
‫وثانيها‪ :‬تغيرُ مفهوم األمن القومي واخلطر الوجودي‪.‬‬

‫((( ُعرفت هذه احلرب يف أدبيات اإلعالم السيايس بحرب العراق وحرب اخلليج الثالثة وعملية حترير‬
‫العراق‪ ،‬وأطلق املناهضون هلذا‪ ‬احلرب‪ ‬تسمية حرب بوش‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫(((‬
‫وثالثها‪ :‬التغري الديموغرايف واخلطر عىل اهلوية واالنتامء‪.‬‬
‫لقد هيمنت السياسة اإليرانية املتحفزة للعب دور إقليمي بارز يف منطقة الرشق‬
‫األوسط عىل أجندة التحركات اخلليجية منذ تأسيس املنظومة التعاونية عام ‪،1981‬‬
‫فبقراءة رسيعة لـ‪ 32‬بيان قمة خليجية‪ ،‬وعدة مئات من بيانات الدبلوماسية واألمن‬
‫اخلليجية عىل موقع األمانة العامة لدول جملس التعاون‪ ،‬سيالحظ أن إيران كانت عامال‬
‫ُمقلقا‪ ،‬بل مستفزا للسلطات احلاكمة يف اجلزيرة العربية‪ ،‬وحتولت العالقات إىل «حرب‬
‫باردة» وتخَ َندُّ ٍق فِعيل ت َعزز رسمي ًا وشعبي ًا باخلطاب الطائفي املتكرر من مجيع األجهزة‬
‫اإليرانية الدينية والسياسية وأذرعتها اإلعالمية‪ ،‬برصيد مشاهد القتل عىل اهلوية يف‬
‫عراق ما بعد صدام حسني عىل يد ميليشيات حمسوبة عىل إيران انتساب ًا مذهبي ًا ومتوي ً‬
‫ال‬
‫لوجستي ًا وغطاء سياسي ًا يتعدى اجلغرافيا العراقية إىل اجلارة إيران‪ ،‬وقد انكشفت‬
‫املنظومة اخلليجية أمام إيران مرار ًا وتكرار ًا بسبب اختالف وجهات النظر والتطبيقات‬
‫السياسية بني قيادات دول املجلس لطبيعة العالقة مع إيران بني ممانع (السعودية‬
‫واإلمارات والبحرين) و ُمساير (قطر والكويت و ُعامن)‪ ،‬فكانت قطر بدبلوماسيها‬
‫املثرية للجدل تتصدر تيار املسايرة َع َلنا بتبنيها اإلعالمي عرب قناة اجلزيرة لقضايا اعتُربت‬
‫«دوائر رمادية» ال جيوز اقرتاهبا دون اتفاق إطاري خليجي‪ ،‬كقضايا دعم حزب اهلل‬
‫إعالميا وتطوير عالقات التعاون مع إيران استخباراتي ًا إىل جانب تطوير أدوات التقارب‬
‫والتفاهم مع اخلليج والعامل العريب (كاحتضان جامعة قطر ملؤمتر مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية عام ‪ 1995‬للتقارب مع إيران)(((‪ ،‬ودعوة الرئيس اإليراين حممود أمحدي نجاد‬

‫((( رابط كلمة وزير اخلارجية الكويتية ملؤمتر وحدة اخلليج واجلزيرة العربية‬
‫[‪.]http://www.youtube.com/watch?v=UyxuZWngJy0&feature=relmfu‬‬
‫((( عقد مركز دراسات الوحدة العربية الندوة يف اجلامعة القطرية حتت عنوان‪ :‬العالقات العربية‪-‬اإليرانية‪:‬‬
‫االجتاهات الراهنة وآفاق املستقبل‪ُ ،‬قدِّ َمت فيها ‪ 27‬ورقة مناصفة بني باحثني إيرانيني وعرب‪ ،‬شملت خمتلف‬
‫القضايا العالقة ُعرضت يف ‪ 13‬حمورا توزعت عىل قسمني مها‪ :‬اإلرث التارخيي للعالقات الثنائية‪ ،‬واألوضاع‬
‫الراهنة وآفاق املستقبل‪ ،‬كام َع َّلق عىل أطروحات الورقات ‪ 31‬معلقا إيرانيا وعربيا‪ ،‬وصدرت وثيقة ضخمة‬
‫عن مركز دراسات الوحدة العربية يف ‪ 1006‬صفحة‪ ،‬وطبعت مرتان‪ :‬األوىل يوليو ‪ ،1996‬والثانية‪ :‬أغسطس‬
‫‪ ..2001‬واحلقيقة أن هذا املؤمتر يعد األول من نوعه واألخري يف سلسلة املحاوالت األهلية للتقارب‬
‫والتحاور‪ ،‬وال أعترب مرشوع التقارب املذهبي الذي قادة الشيخ القرضاوي مناصفة مع الشيخ التسخريي=‬

‫‪258‬‬
‫إىل قمة جملس التعاون يف الدوحة‪ ‬يف ديسمرب ‪ ،2007‬والذي أظهرت دعوته وجود‬
‫اختالفات يف وجهات النظر يف التعامل مع‪ ‬إيران‪ ،‬فيام يوصف بأنه “إسرتاتيجية التوتر‬
‫اإلجيايب”‪ ،‬كام أن إيران كشف بدورها عن نفسها مرارا وتكرارا بإضاعتها فرصا ثمينة‬
‫إلعادة تأسيس عالقات عربية إيرانية وفق منطلقات جديدة‪ ،‬عىل اعتبار أن منظومة‬
‫اخلليج البوابة العربية األمثل الندغام إيران وتطبيع عالقاهتا املتوترة مع العامل العريب‪.‬‬
‫هذه اخلالفات اخلليجية اخلليجية‪ ،‬وبروز حالة من التململ بني شعوب اخلليج‪،‬‬
‫وتفاقم املشكالت االقتصادية واالجتامعية إىل درجة متشابكة خطرة‪ ،‬جعل البعض‬
‫يعتقد أن منظومة اخلليج التعاونية أصبحت يف حكم املايض بالنظر إىل أهنا تعاين‬
‫شيخوخة يف حكامها وأمراضا هيكلية مزمنة يف آحاد املنظومة‪ ،‬ومتالزمة األعراض‬
‫السلبية للنفط واالستهالكية‪ ،‬لكن هؤالء يغفلون عن غريزة البقاء واحلساسية املفرطة‬
‫َملش َيخات اخلليج التي يزيد عمر بعضها عىل مائتني ومخسني عام ًا يف احلكم‪ ،‬فأحدثها ِسنًّا‬
‫هم آل ثاين(((‪ ،‬فهي متلك قابلية للرصاع من أجل البقاء أكثر من غريها الشعوبية ا ُمل َؤدلجَة‬
‫املحرك احلقيقي لدعوة العاهل‬ ‫َ‬ ‫(=إيران) أو االستعالئية الطفيلية (=إرسائيل)‪ ،‬ولعلها‬
‫السعودي امللك عبد اهلل بن عبد العزيز يف القمة اخلليجية الثانية والثالثني (‪ 19‬ديسمرب‬
‫‪ )2011‬إىل االنتقال باملنظومة التعاونية اخلليجية من مرحلة التعاون إىل مرحلة االحتاد‪،‬‬
‫(((‬
‫وهو احلدث األبرز منذ الربيع العريب هناية ‪.2010‬‬
‫يأيت هذا اإلعالن بعد ثالثة عقود من قيام جملس التعاون اخلليجي‪ ،‬التي مل تنجح‬
‫قياداته وأجهزته التنفيذية يف حتقيق األهداف األساسية التي صيغت حني قيام املجلس‪ ،‬إذ‬

‫=حماولة مثمرة أو ناجحة بحكم أن نتائجها كانت حمدودة يف الفرتة اخلامتية‪ ،‬ومن ثم انكشاف األهداف‬
‫اإليرانية من وراء مرشوع التقارب املذهبي التي انتهت بإعالن الشيخ القرضاوي نفسه أن اجلانب اإليراين مل‬
‫يكن جادا يف عملية التقارب‪ ،‬وهو ما جعل القرضاوي حمط تندر وهجوم شخيص من قبل الشيخ التسخريي‬
‫نفسه ومن لف لفه من اإليرانيني واملتأيرنني‪.‬‬
‫((( تواريخ ظهور مشيخات اخلليج عىل املرسح السيايس‪ ،‬دون اخلوض يف التفاصيل‪ :‬ألبوظبي آل هنيان‬
‫‪1729‬م‪ ،‬للدرعية آل سعود ‪1744‬م‪ ،‬للكويت آل صباح ‪1752‬م‪ ،‬للبحرين آل خليفة ‪1765‬م‪ ،‬لعامن آل‬
‫بوسعيد ‪1782‬م‪ ،‬لقطر آل ثاين ‪1848‬م‪.‬‬
‫((( رابط إعالن امللك عبد اهلل آل سعود حال احتاد اخلليج‬
‫]‪[ www.youtube.com/watch?v=R62-G3ZkANM‬‬

‫‪259‬‬
‫تنص املادة الرابعة من النظام األسايس لدول املجلس أنه ُشكِّل «لتحقيق التنسيق والتكامل‬
‫والرتابط بني الدول األعضاء يف مجيع امليادين وصوال إىل وحدهتا‪ ،‬وتعميق وتوثيق الروابط‬
‫والصالت وأوجه التعاون القائمة بني شعوهبا يف خمتلف املجاالت‪ ،‬مع وضع أنظمة متامثلة‬
‫يف خمتلف امليادين بام يف ذلك الشؤون الشئون االقتصادية واملالية‪ ،‬والشؤون التجارية‬
‫واجلامرك واملواصالت‪ ،‬والشؤون التعليمية والثقافية‪ ،‬والشؤون االجتامعية والصحية‪،‬‬
‫والشؤون اإلعالمية والسياحية‪ ،‬والشؤون الترشيعية واإلدارية‪ ،‬مع دفع عجلة التقدم‬
‫العلمي والتقني يف جماالت الصناعـة والتعدين والزراعـة والثروات املائيــة واحليوانية‪،‬‬
‫وإنشاء مراكز بحوث علمية‪ ،‬وإقامة مشاريع مشرتكة‪ ،‬وتشجيع تعاون القطاع اخلاص‬
‫بام يعود باخلري عىل شعوهبا»(((‪ ،‬فعىل الرغم من وضوح األهداف وتوافر القرار السيايس‬
‫عىل أعىل املستويات لكن اإلخفاقات املتالحقة يف البنية اإلدارية اخلليجية‪ ،‬وسريورة اختاذ‬
‫القرار كانت اخللطة اجليدة إلفساد طموح املشيخات وتكرس آمال الشعوب عىل واقع عدم‬
‫الكفاءة اإلدارية وتفيش الفساد املايل واإلداري بني اإلدارة الوسطى‪ ،‬وحتالف إقليمي بني‬
‫طبقتي التنفيذيني اإلداريني والتجار‪ ،‬مما انعكس عىل أداء األمانة العامة لدول املجلس التي‬
‫حتولت تلقائيا إىل سكرتارية تنفيذية ومراسل برتبة وظيفية عالية‪ ،‬بال تفويض تنفيذي قادر‬
‫عىل إحداث إضافة نوعية ال للقرار السيادي األعىل لقيادات املجلس وال لتمرير القرارات‬
‫يف صيغة آليات عمل تنفذ بشكل سريوري سلس منذ البوم األول العتامد قيادات اخلليج‬
‫للتوصيات السيادية العليا يف القمم اخلليجية‪.‬‬
‫هذا يف البيت اخلليجي من الناحية السياسية واإلدارية للمجلس‪ ،‬يف وقت تغري‬
‫فيه إيقاع العامل اجتامعية واقتصاديا وثقافيا‪ ،‬وطرأت متغريات أعادت صياغة العقلية‬
‫الر َفاهية‬
‫اخلليجية التي ترعرعت عىل االستهالكية واالعتامد شبه الكيل عىل صيغة دولة َّ‬
‫ٍ‬
‫اتكالية‬ ‫(‪ ،)welfare state‬التي أحالت املجتمع اخلليجي إىل شعوب استهالكية‬
‫لة‪ ،‬تعيش عىل هامش الفعل السيايس‪ ،‬تاركة القرار والترصف ُبر َّم ِته للمشيخات‬
‫مترَ ه ٍ‬
‫ُ ِّ‬
‫ُقر َر عنها وتترصف يف كل ما يتصل بحارضها ومستقبلها‪ ،‬إال أن األحداث املتالحقة‬ ‫لت ِّ‬

‫((( تراجع املادة الرابعة من النظام األسايس ملجلس التعاون اخلليجي [‪]www.gcc-sg.org‬‬

‫‪260‬‬
‫عىل العامل العريب واإلسالمي‪ ،‬وخاصة صد َمتي احلرب األمريكية عىل اإلرهاب ومشاركة‬
‫حكومات اخلليج فيها حملي ًا ودولي ًا‪ ،‬وسقوط صدام حسني وما تبعه من ُّ‬
‫تغول إيراين ظهر‬
‫مذابح مجاعية وهتجري قرسي وقتل عىل اهلوية يف العراق‪ ،‬واستعداء متحفز‬
‫َ‬ ‫يف شكل‬
‫للمجتمع السني عىل طول الرشيط النفطي (=الكويت‪ ،‬املنطقة الرشقية للسعودية‪،‬‬
‫البحرين) ويف غرب اجلزيرة العربية (=املدينة املنورة)‪ ،‬وجنوهبا (=احلوثيني يف اليمن)‪،‬‬
‫بمقابل ما يعتربه اخلليجيون ركود أمني مستفز‪ ،‬وازدواجية معايري حني تكون املعاجلة‬
‫السنية ومثيالهتا الشيعية‪،‬‬
‫األمنية خمتلفة بني تعامل أجهزة األمن مع التيارات اإلسالمية ُّ‬
‫حيث اتضح أن الضغط األمريكي عرب أجهزة االستخبارات (‪ )CIA‬والدبلوماسية‬
‫األمريكية (السفارات‪ /‬اخلارجية) تتدخل بشكل سافر يف القرار السيادي واألمني‬
‫لتشديد العقوبة واإلجراءات االحرتازية ضد من يوصفون باملتشددين اإلسالميني‪ ،‬يف‬
‫الوقت الذي تتغري شدة القبضة األمريكية فيام يتعلق بمتشددين شيعة‪ ،‬وأصبحت هذه‬
‫عول ت ََصدُّ ٍع غري مسبوق بني مشيخات اخلليج وشعوهبا (تُستثنى‬ ‫ِ‬
‫تتحول إىل م َ‬
‫االزدواجية َّ‬
‫إىل حدٍّ ما السياسة القطرية والكويتية ألسباب العقليات احلاكمة) عىل مستوى الثقة‬
‫باستقاللية القرار السيادي للخليج بعيد ًا عن اإلرادة األمريكية وتدخالهتا املكشوفة؛‬
‫الو َعاء الزمني ومتاشت الشعوب مع هذا التغيري وتبدلت قناعاهتا‪ ،‬لكن آليات‬ ‫َغي ِ‬
‫لقد ت رَّ‬
‫الفعل والعمل يف حكومات املشيخات مل تحُ دث تغيريا ُيذكر لرتميم تصدعات الثقة يف‬
‫استقاللية املشيخات التي بدأت تتسع يوما بعد يوم منذ دخول القواعد األمريكية بحر‬
‫اخلليج‪ ،‬وتطبيق دبلوماسية البوارج بالرتايض بني األمريكان واملشيخات احلاكمة مطلع‬
‫تسعينيات القرن املايض‪.‬‬
‫من جهة يحُ سب هذا الرتايض للرغبة األمريكية يف احلد من طموحات أو أطامع‬
‫طرف االقتناع‪ ،‬إال أن‬
‫ٌ‬ ‫إيران فيام يخَ ُص األقطار العربية احلليفة ألمريكا‪ ،‬أو هكذا َيرغب‬
‫أطرافا أخرى تربط بني ما جيري عىل الساحة هبذا اخلصوص وبني خمططات طويلة األمد‬
‫املوجهة يف املنطقة والتحضري لنزاع مسلح تقع يف بؤرته‬
‫َّ‬ ‫ت ُِعدُّ ها واشنطن إلبقاء البلبلة‬
‫حتام إيران وجرياهنا العرب‪ ،‬بحسب مقتضيات الفلسفة العسكرية األمريكية بإدارة‬

‫‪261‬‬
‫الرصاعات منخفضة احلدة (‪.)Low intensity conflict‬‬
‫(((()‬

‫لقد عرب وزير الدبلوماسية السعودية سعود الفيصل عن احلاجة ا ُمللحة والظرف‬
‫القاهر الذي حيتم عىل دول اخلليج أن تتكتل يف صيغة احتادية‪ ،‬تقفز فوق مرحلة التكامل‬
‫ّ‬
‫«جل اهتامم القادة‬ ‫يف مصفوفة النظام األسايس (التعاون‪-‬التكامل‪-‬االحتاد)‪ ،‬وأن‬
‫وصناع القرار واملفكرين هو البحث يف كيفية مواجهة التحديات الراهنة واملستجدات‬
‫الص ُعد السياسية واالجتامعية واالقتصادية‪  ‬وتأثرياهتا عىل دولنا وشعوبنا‪،»..‬‬
‫عىل ُّ‬
‫وواضح أن إيران يف املشهد مرة أخرى فـ»تصعيد املواجهة بني إيران واملجتمع الدويل‬
‫حول برناجمها النووي‪ ،‬واستفزازها املستمر لدول جملس التعاون عىل نحو خاص‪،‬‬
‫واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني‪ ،‬إضافة إىل تداعيات ما متر فيه العديد من دول‬
‫املنطقة من تغيريات سياسية واسعة يف إطار ما أصبح يعرف بالربيع العريب‪ ،‬كل هذه‬
‫املستجدات تستدعي منا وقفة للتأمل وإرادة صلبة للتعامل معها حفاظا عىل مصلحة‬
‫دول جملس اخلليجي‪ ،‬ووحدة أراضيها وسالمتها اإلقليمية‪ ،‬والسلم املدين واستقرارها‬
‫ونموها‪ »..‬وربام من امللفت يف كلمته استخدام تعبري «وحدة أراضيه» التي مل يسبق‬
‫ملسؤول خليجي رفيع املستوى تطرق إليها من قبل‪ ،‬لكن بالعودة إىل ترصيح وزير‬
‫خارجية الكويت السالفة نفهم التعبري يف سياقه الذي يهُ من عىل العقلية اجلمعية لألنظمة‬
‫اخلليجية‪ ،‬وقناعتهم أن اختالف الوعاء الزمني أدى إىل اختالف نوعية التهديدات التي‬
‫وصلت إىل التهديد الوجودي ملنظومة التعاون اخلليجي‪ ،‬فـ «مصادر هذه األزمات‬
‫قد تشعبت بصورة كبرية‪ ،‬فظهرت عىل الساحة الدولية العديد من الظواهر والعوامل‬
‫الدولية مثل اإلرهاب‪ ،‬والتلوث البيئي‪ ،‬واالحتباس احلراري‪ ،‬واألمراض الوبائية‪،‬‬

‫((( بحسب موقع ‪ GlobalSecurity.org‬يعرف دليل العمليات العسكرية األمريكية (‪Field Manual‬‬
‫‪ )100-20: Military Operations‬الرصاع منخفض احلدة بأنه مواجهة سياسية وعسكرية بني دول‬
‫متنازعة أو جمموعات تتحارب حربا تقليدية أو غري تقليدية (حرب باردة)‪ ،‬وتنطوي يف كثري من األحيان عىل‬
‫رصاعات طويلة بني املبادئ واأليديولوجيات املتنافسة‪ ،‬وترتاوح أدوات الرصاع منخفض احلدة من التخريب‬
‫إىل استخدام القوات املسلحة‪ ،‬والتدخل بمجموعة من الوسائل‪ ،‬وتوظيف األدوات السياسية واالقتصادية‬
‫واإلعالمية والعسكرية‪ ،‬لتأمني اآلثار األمنية اإلقليمية والعاملية‪.‬‬
‫ننصح بمراجعة مقال عىل جملة الدفاع األمريكية حتت عنوان ‪Blood Boarders- 2006‬‬

‫‪262‬‬
‫واألزمات االقتصادية‪ ،‬التي تتطلب عمال مجاعيا مشرتكا ملواجهتها وأصبحنا يف ظل‬
‫هذه الظواهر نشهد أشكاال جديدة من الرصاعات‪ ،‬وأنامطا مست ِ‬
‫َجدَّ ة من املواجهات‬ ‫ُ‬
‫إضافة إىل أساليب الرصاع التقليدي بني الدول‪ ،‬والذي مازال‪ ،‬حارضا مع استمرار‬
‫بعض الدول يف السعي إىل فرض هيمنتها ونفوذها‪ ،‬عىل الدول األخرى والتدخل يف‬
‫شؤوهنا‪ ،‬متجاهلة بذلك مبادئ القانون الدويل‪ ،‬ومطالبات املجتمع الدويل الداعية‪ ‬‬
‫للتعايش السلمي‪ ،‬والتعاون البناء بني مجيع أفراد األرسة الدولية‪ ،‬ومتجاهلة أن األمن‬
‫واالستقرار ال يتحققان بطرق التدخل وأساليب اهليمنة أو السيطرة‪  ،‬أو َت َبنّي منهج القوة‬
‫والتهديد‪ ،»...‬هذه التهديدات الوجودية «بأنواعها تستدعي العمل اجلاد من قبل دول‪ ‬‬
‫للتحول من صيغة التعاون احلالية إىل صيغة احتادية مقبولة لدى‬
‫ُّ‬ ‫جملس التعاون اخلليجي‬
‫الدول الست‪ ،‬تكفل هلا األمن واالستقرار ومتانة االقتصاد‪ ،‬وبالنظر‪  ‬ملا حتظى به منطقة‬
‫اخلليج العريب من أمهية بالغة نظرا ملوقعها اإلسرتاتيجي املهم‪ ،‬وملا متلكه من احتياطات‬
‫ضخمة من النفط والغاز‪ ،‬واللذين يشكالن أهم مصادر الطاقة يف العامل‪ ،‬ومع تزايد‬
‫التحديات واملخاطر التي تواجهها منطقة اخلليج العريب‪ ،‬عالوة عىل أن جتارب األزمات‬
‫والتحديات السابقة برهنت للجميع عىل حقيقة صعوبة التعامل الفردي من قبل دول‬
‫(((‬
‫جملس التعاون لدول اخلليج العربية مع تلك األزمات‪.»...‬‬

‫تأمني اخلندق اخلليجي‬


‫تعتمد القيادات اخلليجية عىل مكونات القوة لدى الوحدة اجلغرافية والثقافية‬
‫اخلليجية‪ ،‬ألهنا عىل قناعة أكثر من أي وقت مىض أن عالقاهتا مع الغرب هي عالقة‬
‫مصلحة مشرتكة‪ ،‬لكن عالقاهتا البينية هي عالقة مصري مشرتك‪ ،‬كام أهنا تعي أن التخلص‬
‫من القواعد األمريكية يف املنطقة مسألة يف غاية الصعوبة‪ ،‬وأي التحام من هذا القبيل‬
‫سيؤدي إىل زوال جملس التعاون حتام‪ ،‬بل خلخلة منطقة الرشق األوسط كلها‪ ،‬وخاصة‬
‫أن جملس التعاون بصيغته احلالية أصبح الرافعة املتبقية للجامعة العربية التي تكاد أن‬

‫((( كلمة الفيصل ملؤمتر شباب اخلليج‪ ،‬الذي عقد يف الرياض حتت شعار‪ :‬دول اخلليج العربية من التعاون إىل‬
‫االحتاد‪ ،‬نظمه معهد الدراسات الدبلوماسية‪/‬أبريل ‪2012‬‬

‫‪263‬‬
‫تنهار خللوها من قيادات عربية فاعلة يف املشهد العريب العاجز‪.‬‬
‫باملقارنة مع إيران التي تنطلق يف مرشوعاهتا من إسرتاتيجية وطنية واضحة‬
‫االستمداد األيديولوجي وتوظف هلا كل الطاقات الفكرية واملهنية واملالية‪ ،‬يفتقر جملس‬
‫اخلليجي إىل قيادة يتحد عليها أو مرشوع إسرتاتيجي بأهداف حمددة‪ ،‬ويمكن زيادة‬
‫توضيح ذلك يف اجلدول اآليت‪:‬‬

‫اخلليج‬ ‫إيران‬ ‫التوصيف‬


‫مفقود‬ ‫موجود‬ ‫قيادة روحية‬
‫مفقود‬ ‫موجود‬ ‫أيديولوجيا‪/‬فكرة مشرتكة‬
‫مفقود‬ ‫موجود‬ ‫مرشوع برؤية إسرتاتيجية‬
‫مفقود‬ ‫موجود‬ ‫تأمني الطاقات الالزمة‬
‫مفقود‬ ‫موجود‬ ‫تأمني معلومايت ارتباطي رأيس وأفقي‬
‫مفقود‬ ‫موجود‬ ‫غطاء ديني ومايل وسيايس للعاملني‬
‫مفقود‬ ‫موجود‬ ‫ترابط القيادة بالكوادر الشعبية‬
‫مفقود‬ ‫موجود‬ ‫تربية وإعداد وجتهيز‬
‫مفقود‬ ‫موجود‬ ‫اجلدية وعدم الرتف أو الرتهل‬
‫مفقود‬ ‫موجود‬ ‫التحفز واملبادأة بالتحرك‬

‫ويستعيض اخلليج عن تلك القضايا ا ُملحرجة ألسباب قد تكون مذهبية بأمور‬


‫تفرضها اجلغرافيا‪ ،‬ففكرة االحتاد تعتمد عىل املصري املشرتك‪ ،‬وبعوامل تؤمن ثالثة‬
‫ِ‬
‫والعرق البرشي‪ ،‬واللغة والدين‬ ‫أرباعها النجاح بذاهتا‪ ،‬وهي‪ :‬اجلوار اجلغرايف‪،‬‬
‫والعادات‪ ،‬واألخرية هي اإلرادة السياسية‪ ،‬وهي املرحلة التي اقتنع فيها حكام اخلليج‬
‫برضورة االحتاد لتأمني استمرارية الوجود ونوعيته‪.‬‬
‫واملطروح من صيغ االحتاد اخلليجي هو احتاد مؤسسات ال حدود‪ ،‬هبدف إعادة‬
‫هيكلية التطبيقات التي مل تفلح يف إنجاح الغرض الذي أقيم ألجله جملس التعاون‬

‫‪264‬‬
‫اخلليجي يف بيانه التأسييس‪ ،‬والتحاد املؤسيس سيكون يف صيغة هيئات‪ ،‬يرأسها مفوض‬
‫تعمل عىل تشبيك تروس العمل اخلليجي يف مؤسسات أربع‪ ،‬هي‪:‬‬
‫املؤسسة الدبلوماسية‪ :‬هبدف أن يكون الصوت اخلليجي موحدا فيام يتعلق بالقضايا‬
‫اإلسرتاتيجية‪.‬‬
‫املؤسسة االقتصادية‪ :‬بإنشاء البنك املركزي املوحد وإطالق العملة اخلليجية‪،‬‬
‫واالتفاق عىل تسعرية مشرتكة للنفط بحسب املصلحة اخلليجية املشرتكة ال الفردية‪.‬‬
‫املؤسسة العسكرية‪ :‬وهي العصب األهم يف احللف اخلليجي منذ إنشائه‪ ،‬فاإلنفاق‬
‫اخلليجي عىل التسلح ال يستهاب به دوليا‪ ،‬مع بقاء مستوى اجلاهزية عالية‪ ،‬وإن كانت يف‬
‫صيغة الدفاع ال اهلجوم‪.‬‬
‫املؤسسة األمنية‪ :‬ويدخل فيها أجهزة االستخبارات واألمن الوطني وسائر األجهزة‬
‫اجلمركية واحلدود‪.‬‬

‫التخندق غير املتكافئ‬


‫عىل الرغم من الصعوبة يف عقد مقارنات موضوعية بني ضفتي بحر اخلليج‬
‫(اخلندق اجليولوجي) إال أنه يمكن املجادلة من خالل فلسفة الصدام احلضاري‬
‫(=عرب‪-‬فرس) والديني (=سنة‪ -‬شيعة) وتركيبة الضفتني السياسية (=عالقتهام‬
‫باملستعمر سابقا واحلامي حاليا) وإفرازات تاريخ تشكيلهام وحتالفاهتام وجدلية التحرر‬
‫واالنصياع‪ ،‬وقضايا تتشابه فيها ضفتي اخلليج يف حزمة مشكالت اقتصادية وسياسية‬
‫واجتامعية من حيث نسبة االعتامدية عىل النفط كمصدر رئيس مليزان الدولة االقتصادي‪،‬‬
‫وتضخم أرقام البطالة الظاهرة واملقنعة‪ ،‬واخالل التوازن بني الطبقات االجتامعية‬
‫باتساع الفجوة بني الطبقة الفقرية والغنية و َذ َو َبان املتوسطة‪ ،‬وارتفاع نسبة اجلريمة‬
‫واالنحراف األخالقي‪ ،‬وضمور مساحات املشاركة السياسية يف صناعة القرار ورسم‬
‫مستقبل البالد‪ ،‬وارتفاع ِحدِّ َّية اخلطاب بني الطرفني‪ ،‬ولعل مصطلح «مثلث التجاهل»‬
‫(=النفط والتنمية والديمقراطية) الذي أطلقه د‪ .‬عيل الكواري خيترص املشهد ويرسم‬

‫‪265‬‬
‫(((‬
‫الصورة الذهنية األقرب إىل الواقع‪.‬‬
‫لكن يالحظ وجود اختالفات جوهرية من زاوية املنطلقات والطموح اإلقليمي‪،‬‬
‫فالعقل اجلمعي اإليراين ينطلق من أرضية الطموح احلضاري والفراغ اإلقليمي‪ ،‬عىل‬
‫أساس املغايرة املذهبية والتفوق التارخيي عىل اجلوار اجليوسيايس‪ ،‬كام أن النظام اإليراين‬
‫ديمقراطية لتشكيل السلطة تستهدف ضامن‬
‫تركيبة سياسية فريدة يف العامل‪ ،‬يعتمد آليات ُ‬
‫املشاركة الشعبية اجلزئية يف احلكم‪ ،‬وأخرى ثيوقراطية هدفها احلفاظ عىل مبادئ الثورة‬
‫وصيانة األجهزة املختلفة من االنحراف عن وظائفها اإلسالمية األصلية‪ ،‬وتلك خلطة‬
‫أطلق عليها الكاتب إييل شلهوب صفة الـ«ثيو ــ ديموقراطي»‪..‬‬
‫ال تغضب إيران ‪-‬منذ العهد الصفوي وإىل اليوم‪ -‬من أحد غضبها عىل حكومات‬
‫دول اخلليج العريب؛ ألهنا تعتقد جازمة أن اخلليج إنام هو امتدادها التارخيي الذي آن هلا‬
‫أن تسرتجعه‪ ،‬وتتعامل عىل أساس أن بحر اخلليج وأغلب جزيرة العرب ضمن جمال‬

‫((( عنوان لكتاب‪ :‬العني البصرية‪ ...‬مثلث التجاهل‪ :‬النفط والتنمية والديمقراطية‪ ،‬عيل خليفة الكواري‪-‬‬
‫منتدى املعارف‪2011/‬‬
‫ملحوظة‪ :‬تتفوق إيران عىل دول اخلليج قاطبة بموارد وثروات مهولة‪ ،‬فثروهتا البرتولية ضخمة‪ ،‬واحتياطي‬
‫الغاز من املقدر أن يؤ ّمن هلا احتياجاهتا ملئات السنني‪ ،‬وثروهتا الزراعية متكاملة فال تفتقد حمصوال ال تنتجه‬
‫بسبب تنوع مناخاهتا وخصوبة تربتها وتوافر مياهها‪ ،‬والثروة السمكية ال ينقصها حتى «الكافيار» بسبب موقع‬
‫اهلضبة املطل عىل اخلليج واملحيط وبحر قزوين‪ ،‬كام متتلك ثروة حيوانية متنوعة‪ ،‬فضال عن الثروة املائية املتمثلة‬
‫يف العديد من األهنار التي توفر هلا فائضا مائيا؛ يف الوقت الذي تضطر فيه الدول اخلليجية إىل تكرير مياه بحر‬
‫اخلليج لتأمني احتياجاهتا األساسية من املياه‪ ،‬كام أن أعظم ثرواهتا احليوية شعبها املتعلم والطموح‪ ،‬فاحلجم‬
‫السكاين نموذجي للتنمية املستدامة‪ ،‬وال يشكل عبئا عىل خطط البناء احلرضي كام أهنا ال تعاين من مشكالت‬
‫استرياد اليد العاملة وما تفرزه من مشكالت اجتامعية واقتصادية‪.‬‬
‫وعىل الصعيد اجليوسيايس تتفوق اجلغرافيا اإليرانية باملوارد والثروات اهلائلة التي من النادر أن يمتلكها شعب‬
‫آخر من شعوب املعمورة‪ ،‬لكنها تفتقر إىل «حكومة» تعرف كيف تُدير مواردها وطاقاهتا ملصلحتها القومية؛‬
‫إذ الشعب اإليراين حمرو ٌم من التمتع بثروات بالدهم‪ ،‬فهم يرون جرياهنم من أهل اخلليج ينعمون بخريات‬
‫بالدهم ‪-‬نسبيا‪ -‬بينام هم يعانون أشكال احلرمان‪ ،‬فخريات بالدهم تتبدد يف اخلارج عىل رشاء والءات‬
‫اجلامعات الدينية وامليليشيات املسلحة املعادية ألنظمتها‪ ،‬وتتحرك باجتاه االنفصال والتقسيم‪ ،‬فضال عن املوارد‬
‫اهلائلة التي هتدر يف إقامة «ترسانة حربية» وبرنامج املفاعالت النووية بحجة توفري الطاقة‪ ،‬وعندها من مصادر‬
‫الطاقة الرخيصة ما ُيغنيها عن النووي ومشاكله املحلية واإلقليمية والدولية‪ ،‬وبالرغم من ذلك فهي ال ختتلف‬
‫عن جرياهنا (دول اخلليج) يف تعميق «مثلث التجاهل»‪.‬‬

‫‪266‬‬
‫نفوذها احليوي‪ ،‬فعىل الرغم من احتقارها لشخص العريب ولسانه(((‪ ،‬فهي مل تعرتف‬
‫عمليا إىل اليوم بأن هناك دوال قد حتولت من نظام املشيخات القبلية املعمول هبا قبل‬
‫مئات السنني‪ ،‬إىل دول مؤسسات دستورية معرتف هبا عامليا‪ ،‬وتُعا َمل عىل أساسه يف‬
‫منظومة الرشعية الدولية‪ ،‬فعىل مستوى الصحافة اإليرانية هناك مئات املقاالت التي‬
‫تكشف فضح هذه النظرة الدونية لدول جملس التعاون شعوبا وحكومات‪ ،‬ولعل نموذج‬
‫مقال مركز «دبلوماسية إيران»(((‪ ،‬يكشف حجم التعايل اإليراين‪ ،‬والنظرة الراسخة جتاه‬
‫العرب‪ ،‬فقد تناول الباحث «كريم جعفري» إحدى دول جملس التعاون وهي اإلمارات‬
‫العربية املتّحدة‪ ،‬بأسلوب «التحقري»‪ ،‬فكتب مقاال باإلنجليزية حتت عنوان‪:‬‬
‫‪..Realign the Sheikhdom‬‬
‫‪..So that Dubai learns not to bite the hand that has fed it‬‬
‫وترمجتها احلرفية‪“ :‬إعادة ترتيب املشيخة‪ ..‬لتتعلم ديب عدم َع ِّض اليد التي‬
‫أطعمتها”‪ ،‬وكلمة (‪ )Realign‬مصطلح ميكانيكي يعني إعادة موازنة الوضعية أو‬
‫اصحوا”‪ ،‬وقد شن فيه هجوم ًا عنيف ًا عىل أبوظبي‬
‫ُ‬ ‫الفكرة‪ ،‬وكأنه يقول باملفهوم “أفيقوا‪،‬‬
‫وديب‪ ،‬بسبب تعاوهنا مع املجتمع الدويل يف فرض عقوبات اقتصادية عىل إيران‪ ،‬وحشا‬
‫املقال بعبارات االستعالء والت ََّمنُّن اإليراين عىل اإلماراتيني‪ ،‬والتعيري والغمز واللمز‬
‫بعبارات التحقري‪ ،‬وتفخيخ اخلطاب بقنابل الفتنة بني حكام اإلمارات السبع‪ ،‬مع ك ٍَّم‬

‫يخورد وسـﮓ أصفهان آب يخ‬ ‫((( ومن أبيات الشعر املتداول عند الفرس‪« :‬عرب َدر بيابان ملخ ِم ُ‬
‫ِميخورد)‪ ،‬أي‪ :‬العريب يف الصحراء يأكل اجلراد‪ ،‬بينام كلب أصفهان يرشب املاء البارد‪ .‬وهناك تعبري فاريس‬
‫دارج بني عموم اإليرانيني حتى املقيمني منهم يف اخلليج‪ُ ،‬يعبرِّ ون به عن الرفض التام ألي يشء‪ ،‬فإذا أرادوا أن‬
‫يخها ْم نَا ِديدَ َار عرب»؛ أي‪ :‬ال أريد حليب النوق وال رؤية العرب‪.‬‬
‫يرفضوا شيئا متثلوا بالقول‪« :‬نا ِش َري ُشترُ ِم َ‬
‫((( هو مركز أبحاث إيراين تأسس عام ‪ ،2007‬ويضم عددا كبريا من العاملني يف مناصب رسمية‬
‫خرازي‪ ،‬انظر الرابط‪www.[ :‬‬ ‫حساسة ومهمة‪ ،‬من بينهم رئيس املركز السفري السابق السيد حممد صادق ّ‬
‫‪ ،]irdiplomacy.ir‬كام نرشت صحيفة “سياست روز” اإليرانية املقال باإلنجليزية عىل موقعها الرسمي‬
‫[ ‪w w w .s i a s a t r o o z .i r /C N e w s R D e t a i l O n l i n e E N G .‬‬
‫‪ ،]aspx?QSCNDId=43491&QSDNId=591‬ومع اخلرب صورة كاريكاتورية خلمسة من العرب‬
‫يشدون قامشا اللتقاط نجمة داوود التي هتوي عليهم من األعىل‪ ،‬يف إشارة إىل أن هذه األنظمة موجودة كأداة‬
‫وظيفية إلنقاذ إرسائيل فقط‪.‬‬

‫‪267‬‬
‫من اإلسقاطات النفسية عىل اآلخر‪ ،‬لكن امللحظ املهم هو عدم خماطبة أبوظبي كعاصمة‬
‫دولة‪ ،‬بل توجيه اخلطاب لـ “مشيخات”‪ ،‬ما ُيوحي بأن «العقل اإليراين» ال يزال يرى‬
‫منظومة جملس التعاون اخلليجي جمرد جتمعات َبدَ ِو َّية تعيش يف خيام نائية يف قلب البادية‪،‬‬
‫وإيران هي من تتفضل ‪-‬وما تزال‪ -‬عليهم بأمواهلا‪ ،‬و ُت َع ِّل َمهم أصول احلضارة والعامرة‬
‫بام تمَ ُ ُّن به عليهم من ثرواهتا؛ فيقول جعفري‪:‬‬
‫“يشري اخلرب الذي نرشته «جلف نيوز» يف ‪ 2010/6/21‬حتت عنوان «اإلمارات‬
‫تشدد اخلناق عىل رشكات ومهية» إىل التوجه اجلديد الذي سلكته أبوظبي يف التعامل مع‬
‫إيران‪ ،‬هذا املوقف يعني بام ال يدع جماال للشك ّ‬
‫أن قرار قادة اإلمارات ال يأيت فقط نتيجة‬
‫جتاوب مع سياسات الواليات املتّحدة املرسومة سابقا‪ ،‬وإنام يعكس قرار املشيخة هذا‬
‫تفاخرا وتباهيا بالثقة بالنفس أمام إيران‪.‬‬
‫مل تقنع بعدُ االدعاءات العربية املز ّيفة املتع ّلقة باملطالبة الباطلة باجلزر اإليرانية‬
‫الثالث‪ ،‬املسؤولني اإليرانيني بتهدئة العالقات مع اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬وتعديل‬
‫اخلطاب والتفاعل مع هذا البلد الفتي‪ ،‬فالتوترات الداخلية املتزايدة التي شهدهتا‬
‫مفضلة وتكتيكا حم ّبذا لدى حكّامها‪.‬‬
‫اإلمارات وتشهدها جتعل من مهامجة اجلريان سياسة ّ‬
‫أ ّدى انخراط الثورة اإليرانية وإيران يف حرب مل نردها مع العراق اىل ازدهار ديب‪،‬‬
‫وهي املدينة الصحراوية التي كان باإلمكان أن ترى منها آنذاك رأس اخليمة اجلبلية‪،‬‬
‫ومكان آخر تساوي ثروته آنذاك عىل األكثر حمِ َل مجل واحد؛ فلوال مئات املليارات‬
‫من الدوالرات التي تعود لرأس املال اإليراين‪ ،‬ولوال القوى العاملة والطاقة البرشية‬
‫اإليرانية ‪-‬ليس باستطاعة الدعم املايل األمريكي الذي فشل يف انتشال مرص من الفقر‬
‫بعد ‪ 39‬عاما‪ ،‬وال أسلوب العرب يف اإلدارة والذي أثبت عدم فعاليته وكفاءته يف غالبية‬
‫الدول العربية أن ينفع‪ -‬ملا كان باإلمكان حتويل ديب إىل املدينة احللم‪ ،‬كام هي عليه اليوم‪.‬‬
‫لقد طالب العديد من السياسيني واملراقبني اإليرانيني‪ ،‬منذ منتصف التسعينيات‪،‬‬
‫بأن تقوم احلكومة اإليرانية برد قوي عىل ترصفات وسلوك اإلمارات ‪-‬وحتديدا أبوظبي‪-‬‬
‫املتغطرسة واملتعجرفة‪ .‬لكن لألسف‪ ،‬ولسوء احلظ‪ ،‬مل تلق هذه املطالب إىل اليوم آذانا‬
‫صاغية‪ ،‬ونتيجة لتجاهل مثل هذه الدعوات نواجه اليوم الوضع احلايل‪ :‬بعد أن جنى‬

‫‪268‬‬
‫شيوخ اإلمارات ثروات طائلة من رأس املال اإليراين ومن القدرات البرشية اإليرانية‪،‬‬
‫ها هم اليوم ال يرفضون املزيد من االستثامرات اإليرانية فقط وإنام يتعاونون مع واشنطن‬
‫لتطبيق عقوبات ضد طهران‪.‬‬
‫ويقول املواطنون اإليرانيون الذين زاروا ديب خالل األشهر القليلة املاضية‪ ،‬إنّه‬
‫وعىل عكس السنوات املاضية‪ ،‬يعمل املسؤولون يف ديب بشكل حثيث عىل عدم تشجيع‬
‫رجال األعامل اإليرانيني والرشكات اإليرانية‪ ،‬بل تعتقد ديب اآلن بالفعل بأنهّ ا تسدي‬
‫إيران خدمة باستضافتها املواطنني اإليرانيني‪.‬‬
‫أن حجم التبادل التجاري بني إيران واإلمارات العربية املتحدة يبلغ‬ ‫عىل الرغم من ّ‬
‫وفق األرقام الرسمية حوايل ‪ 12‬مليار دوالر‪ ،‬إالّ ّ‬
‫أن الرقم احلقيقي‪ ،‬إذا ما أخذنا بعني‬
‫االعتبار البضائع‪ ،‬يبلغ حوايل ‪ 20‬مليار دوالر‪ ،‬وهو رقم ال يمكن استهالكه بسهولة يف‬
‫اقتصاد صغري كاالقتصاد الذي متتلكه اإلمارات العربية املتحدة؛ فلامذا قرر اإلماراتيون‬
‫االستغناء عن هذه امليزة املالية‪ ،‬وهو أمر يف غاية األمهية؟‪ ،‬هل هي رسالة للقول ّ‬
‫بأن‬
‫املشيخة ال تعتمد عىل املال اإليراين وعىل املوارد البرشية اإليرانية؟‬
‫آخذين بعني االعتبار أجندة اإلمارات العلنية والرس ّية‪ ،‬جيب عىل مجهورية إيران‬
‫اإلسالمية أن متارس «عمقها اإلسرتاتيجي»((( بشكل من شأنه أن يذكّر حكّام املشيخة‬
‫أن التعايش مع جار قديم ال جيب أن يكون عنرص جتارة أو مقايضة مع واشنطن؛‬ ‫عىل ّ‬
‫فنظرة رسيعة عىل املشاكل الداخلية التي تعاين منها اإلمارات السبع فيام بينها‪ ،‬تظهر ّ‬
‫بأن‬
‫تم اغتصاب زعامته وقيادته من قبل مشايخ أبوظبي‪ ،‬آخذ‬
‫هذا االحتاد املربوط‪ ،‬والذي ّ‬
‫التحول تدرجييا إىل ديكتاتورية عربية عجيبة‪ ،‬بام جيعله ضعيفا وعرضة لالخرتاق بأقل‬
‫ُّ‬ ‫يف‬
‫الضغوط‪.‬‬
‫املخاطر التي يتعرض هلا مشايخ رأس اخليمة‪ ،‬وأم القوين‪ ،‬والشارقة‪ ،‬والفجرية‬
‫وحتى ديب‪ ،‬والذين كانت تربطهم فيام مىض عالقات وصداقات قوية وطويلة األمد مع‬
‫خاصة ّ‬
‫أن أبوظبي‬ ‫إيران‪ ،‬هلي إشارة واضحة عن الكيفية التي يتم هبا تشويه صورة إيران‪ّ ،‬‬

‫((( تعني وسائل الضغط اإليرانية املزروعة يف داخل النظام والنسيج االقتصادي واملجتمعي اإلمارايت‪.‬‬

‫‪269‬‬
‫تستعبد اآلن هذه اإلمارات وتطمح إىل تعزيز هيمنتها عليهم من خالل اإليرادات‬
‫النفط ّية”‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫(((‬

‫إن اخلطابات الدينية والترصحيات السياسية اإليرانية‪ ،‬إىل جانب اخلروقات‬


‫العسكرية واملخابراتية واملعلوماتية‪ ،‬وحتركات وتدابري اجلامعات الوظيفية املوالية لـ‬
‫ُراجع كل حتركات إيران معها‪ ،‬بل َت ُعدُّ عليها‬
‫ُ‬ ‫«والية الفقيه»‪ ،‬جتعل دول اخلليج العريب ت‬
‫ُبد أي َق ٍ‬
‫در من‬ ‫أنفاسها‪ ،‬وترتدد يف تطبيع العالقات معها؛ ألن «إيران اخلمينية» نفسها مل ت ِ‬
‫حسن النوايا لطمأة جرياهنا التقليديني‪ ،‬أو ما تُسميه هي بنفسها «عمقها اإلسرتاتيجي»‪.‬‬
‫فإيران اعتادت أن تطلق يف كل موسم حج هجوما سنويا منظام عىل اململكة‬
‫العربية السعودية فيام يعرف إيرانيا بمراسم «الرباءة من املرشكني»‪ ،‬والذي يتناغم‬
‫مع خطابات خمتلف دوائر صناعة القرار اإليراين‪ ،‬يتقدمهم املرشد األعىل خامنئي‪،‬‬
‫ورئيس اجلمهورية نجاد‪ ،‬يف محلة تسييس موسم احلج‪ ،‬وجعله مناسبة تفريغ الشحنات‬
‫إىل درجة أقدم معها إمام اجلمعة يف مدينة مشهد اإليرانية آية اهلل أمحد علم اهلدى يف‬
‫موسم عام ‪1430‬هـ‪ ،‬عىل الدعوة لتغيري قبلة املسلمني من مكة املكرمة إىل مشهد‬
‫املقدسة؛ ألن “‪...‬بالد احلجاز أصبحت ضحية للوهابية‪ ،(((”...‬وهذا النوع من الرصاع‬
‫ِ‬
‫ستحكم يمكن أن يتجاوز حدوده السياسية إىل آفاق أبعد وأعمق‪ ،‬تقتيض استحضار‬ ‫ا ُمل‬
‫اخللفيات الثقافية والتارخيية واأليديولوجية لفهم العقلية اإليرانية حني ختاطب «عمقها‬
‫اإلسرتاتيجي» املتمثل باجلزيرة العربية عموما‪ ،‬والعربية السعودية خصوص ًا؛ إذ تعترب‬
‫إيران نفسها تارخيي ًا وارث ًا رشعي ًا لإلمرباطورية الفارسية العظمى‪ ،‬ومن ثـم فإن عداء‬
‫عرب اجلزيرة واحلجاز متأصل يف العقل اجلمعي اإليراين‪ ،‬فهم الذين عربوا النهرين‬
‫(=دجلة والفرات) أيام اخللفاء الراشدين‪ ،‬وأسقطوا إيوان كرسى وورثوا ملكه‪ ،‬فلم‬
‫تفلح القرون يف ختفيف الوطأة‪ ،‬وسجل التاريخ اإلسالمي العديد من املحاوالت‬
‫الفارسية هلدم األمة اإلسالمية‪ ،‬منها حماولة «أستاذ سيس» سنة ‪136‬هـ‪ ،‬و«بابك‬
‫اخلرمي» سنة ‪202‬هـ‪ ،‬و«األفشني» سنة‪224‬هـ‪ ،‬و«مردوايج» ‪323‬هـ‪ ،‬و«أسفار‬

‫((( انظر الرابط‪]www.alrased.net/site/topics/view/1909[ :‬‬


‫((( نرش يف صحيفة الرشق األوسط اللندنية‪( ،‬العدد‪ ،)11295‬بتاريخ ‪ 31‬أكتوبر ‪2009‬‬

‫‪270‬‬
‫بن شريويه» سنة ‪316‬هـ‪ ،‬بل قامت عىل اهلضبة اإليرانية العديد من السلطنات ذات‬
‫األصول الفارسية التي مل تخُ ِ‬
‫ف عدائها للخالفة العربية (البوهيية‪ ،‬السامانية‪ ،‬الزيدية)‪ ،‬ثم‬
‫كان ظهور اإلمرباطورية الصفوية ‪-‬وهي أساس أيديولوجي وتارخيي جلمهورية الثورة‬
‫اخلمينية‪ -‬التي ناصبت العداء املستحكم للدولة العثامنية لزعامتها العامل َ اإلسالمي‪ ،‬فلم‬
‫يرتددوا يف وضع أيدهيم يف أيدي ألد أعداء املسلمني من روس وبرتغاليني وهولنديني‬
‫وإنجليز‪ ،‬ومل يكن من مربر لعداوهتم سوى وقوف العثامنيني أمام املخططات الصفوية‬
‫لفرض التشيع الفاريس‪ ،‬ودفاعهم عن أهل ُسنَّة اهلضبة اإليرانية‪ ،‬بسبب املذابح التي قام‬
‫هبا الشاه إسامعيل صفوي وساللته‪ ،‬وإجبارهم معظم سكان إيران عىل التشيع الذي‬
‫جعله الدين الرسمي لدولته‪ ،‬وظلت الدولة الصفوية عىل أجندهتا اخلاصة بعداوة الدولة‬
‫العثامنية حتى سقطت وحل حملها الدولة القاجارية‪ ،‬التي سارت عىل خط الصفوية يف‬
‫عداوهتا للدولة العثامنية حتى دالت الدولة العثامنية سنة ‪1924‬م‪ ،‬وزالت معها الدولة‬
‫القاجارية وحلت حملها البهلوية الشاهنشاهية‪ ،‬التي انتهجت املنهج العلامين املتحرر‪،‬‬
‫حتول العداء وانصب بصبغة شعوبية عىل عرب اجلزيرة عموما‪ ،‬واململكة العربية‬
‫لكن َّ‬
‫السعودية خصوصا‪ ،‬التي شهدت حدودها اتساعا كبريا شمل معظم أرجاء اجلزيرة‪،‬‬
‫وضمت مناطق ذات كثافة شيعية (سيهات‪ ،‬واألحساء‪ ،‬والقطيف‪ ،‬واملدينة املنورة)‬
‫وترى إيران أهنم رعايا مؤسستها الدينية « ُقم»‪ ،‬فضال عن منازعة السعودية مكانة إيران‬
‫يف املجتمع الدويل‪ ،‬وخاصة بعد مراحل التأسيس السعودية‪ ،‬وبدء مرحلة سياسة النفط‪،‬‬
‫األمر الذي أشعل ال َغ َرية اإليرانية‪.‬‬
‫بعد نجاح الثورة اخلمينية عام ‪ ،1979‬وتقنني مبدأ «تصدير الثورة» دستوري ًا‪،‬‬
‫انترشت املحاضن الدعوية (مآتم وحوزات)‪ ،‬ومراكز التبشري الشيعية‪ ،‬وأنفقت‬
‫موازنات مهولة لطباعة الكتب واستقطاب األقالم املوالية واملتعاطفة‪ ،‬واخرتاق املنظامت‬
‫واهليئات اإلسالمية بدعوى التقريب والوحدة‪ ،‬فاستشعرت السعودية حالة االستنفار‬
‫العقائدي اإليرانية‪ ،‬فأخذت زمام املبادرة للتصدي وامتصاص اهلزات التي أحدثها مبدأ‬
‫السني بصيغته السلفية (حيلو للبعض‬
‫تصدير الثورة‪ ،‬فعملت عىل نرش تعاليم اإلسالم ُّ‬
‫تسميتها الوهابية)‪ ،‬وبناء املدارس واجلامعات واملراكز اإلسالمية‪ ،‬واجلمعيات اخلريية‬

‫‪271‬‬
‫واملؤسسات الدعوية‪ ،‬التي كان هلا الدور األبرز يف التصدي ملخططات نرش التشيع‬
‫بصيغته اإليرانية يف العامل اإلسالمي؛ وهذا هو املحرك احلقيقي للهجمة الرشسة التي‬
‫تتعرض هلا رموز الدعوة يف السعودية من قبل ماليل إيران‪ ،‬وملزهم بالصفات واأللقاب‬
‫املختلطة التي مل ُيسمع هبا من قبل (الوهابيون‪ ،‬السلفيون‪ ،‬التكفرييون)‪ ،‬ووصف سلفية‬
‫السعودية (=الوهابية) بأهنا صنيعة االستعامر الربيطاين‪.‬‬
‫أخذت إيران عىل عاتقها منذ نجاح الثورة تبنّي خطاب سيايس يدغدغ مشاعر‬
‫املسلمني‪ ،‬وراحت تؤسس املنظامت واهليئات “لنرصة املظلومني واملحرومني” عىل‬
‫تفسريها‪ ،‬كانت اخللفيات التارخيية واملنطلقات العقدية تصب مبارشة يف الرافد السيايس‬
‫وتغذيه حركي ًا وإسرتاتيجي ًا‪ ،‬ومواد الدستور اإليراين حافلة بأمثال هذه األفكار‪ ،‬فالسياسة‬
‫اخلارجية اإليرانية تقول رصاحة يف املادة (‪“ :)153‬الدفاع عن حقوق مجيع املسلمني‪ ،‬مع‬
‫االلتزام بعدم االنحياز فيام يتعلق بالدول العظمى املهيمنة عىل دول أخرى‪ ،”...‬أما املادة‬
‫(‪ )154‬فتنص عىل‪“ :‬مجهورية إيران اإلسالمية تقوم بحامية الكفاح العادل الذي يقوم به‬
‫املحرومون واملظلومون يف أي ركن من أركان الكرة األرضية‪ ،”...‬وهذا النص تفويض‬
‫ملؤسساهتا الثورية الظاهرة واملسترتة للعمل يف العمق املستهدف ألي دولة‪ ،‬وجيعل من‬
‫حتريك األقليات الشيعية املوجودة يف دول اخلليج‪ ،‬وحتريضهم عىل الثورة والعنف ضد‬
‫حكومات املنطقة بدعوى الظلم واالضطهاد هدفا إسرتاتيجي ًا ال تكتيكي ًا‪..‬‬
‫وكل التحركات التخريبية والقالقل التي هزت منطقة اخلليج طيلة ثالثة عقود‬
‫كانت بطريقة أو أخرى مرتبطة بقيادات إيرانية‪ ،‬وكان الرد السيايس حلكومات اخلليج‬
‫قيام حتالف خليجي بداية الثامنينيات حتت مسمى «جملس التعاون لدول اخلليج العربية»‪،‬‬
‫لتنسيق اجلهود وتوحيد التحرك ضد األطامع اإليرانية التوسعية‪ ،‬بعد اندالع احلرب‬
‫اإليرانية العراقية التي استمرت ثامين سنني‪.‬‬
‫ومن هنا ُيفهم لمِ َ ترى إيران يف اململكة السعودية ند ًا قوي ًا ُيع ّطل مشاريعها‬
‫وطموحاهتا التوسعية‪ ،‬وحيبط مرشوع اهلالل الشيعي الكبري‪ ،‬وهذا ُيفرس رشاسة اهلجوم‬
‫إيران السعودي َة دون غريها بمساعدة اليمن يف حرهبا ضد ثورة‬
‫ُ‬ ‫أحادي االجتاه‪ ،‬فاهتمت‬
‫السنية اإليرانية‪ ،‬وبالوقوف بجانب حكومة‬
‫«احلوثيني»‪ ،‬وبمساعدة مجاعة «جند اهلل» ُّ‬

‫‪272‬‬
‫البحرين والكويت واإلمارات أمام التهديدات اإليرانية‪.‬‬
‫ومهام يكن من أسباب فإن العداوة اإليرانية للعربية السعودية خصوصا‪ ،‬ولدول‬
‫اخلليج املواجهة للهضبة اإليرانية عموما‪ ،‬من جنس العداوات التي لن تقف تداعياهتا‬
‫وأشكاهلا لروافدها التارخيية والعصبية والطائفية واملذهبية والسياسية‪ ،‬والتي يف‬
‫جمملها متثل أشد أنواع العداوات واألحقاد اإليرانية ال العكس‪ ،‬إىل جانب رؤية إيران‬
‫بم َصدَّ ات مذهبية‬
‫اجليوسياسية هلذه الدول عىل أهنا ت ََصدُّ عات سياسية يمكن ملؤها َ‬
‫حتمي أمن إيران اإلسرتاتيجي‪.‬‬
‫إن مبدأ «تصدير الثورة» القديم ليس إال أحد األساليب التكتيكية لتاليف الضغوط‬
‫اخلارجية عىل إيران‪ ،‬عرب تشغيل ا َمل َصدَّ ات املذهبية املبنية عىل قواعد التصدُّ عات‬
‫السياسية الكثرية يف منظومة التعاون اخلليجي‪ ،‬لكنها سياسيا تُن ّفذ إسرتاتيجية تُعرف‬
‫بـ«أم القرى»‪ ،‬التي سيخصص هلا البيان يف قواعد اللعبة اإليرانية‪ ،‬لكن امللحظ املهم‬
‫يف مراقبة األداء السيايس اإليراين أن نواياها املبيتة لدول العمق اإلسرتاتيجي (الكويت‬
‫والبحرين وقطر واإلمارات واليمن ومرص) تكشف عن نفسها بنفسها يف ترصفات‬
‫وترصحيات املسؤولني اإليرانيني‪ ،‬بعضها بإيعاز من أعىل شخصية يف النظام‪ ،‬وأخرى‬
‫ربام تحُ مل عىل أنه َز َّلة لسان‪ ،‬لكنها تتسم بحالة من التهديد والوعيد؛ من ذلك كالم‬
‫رشيعتمداري وك َُّرويب ونجاد جتاه اخلليج العريب‪ ،‬وخاصة البحرين واإلمارات العربية‬
‫املتحدة‪ ،‬وكالم حسن روحاين (‪ )1994‬حني قال‪ :‬إن “إيران ستقطع اليد التي ستمتد‬
‫إىل اجلزر الثالث”‪ ،‬ثم حلقتها ترصحيات كثرية من آية اهلل حممد تقي مصباح يزدي وغريه‬
‫عىل «فارسية اخلليج العريب»‪ ،‬وال ُينسى أن املناورات العسكرية اهلجومية اإليرانية يف‬
‫بحر اخلليج بلغت إىل (‪ )200‬مناورة سنويا منذ منتصف التسعينيات وحتى اليوم‪ ،‬وهي‬
‫مناورات تُنبِئ بمدى اجلاهزية العسكرية لتنفيذ املخطط اإليراين لغزو اخلليج العريب‪،‬‬
‫بحسب عبارة كاسرب واينربغر ‪-‬وزير الدفاع يف إدارة رونالد رجيان‪ ،‬وا ُملدان بفضيحة‬
‫إيران كونرتا‪ -‬يف كتابه الضخم «احلرب القادمة» الذي كشف فيه السيناريو الكامل خلطة‬
‫غزو البحرين وقطر واإلمارات‪.‬‬
‫الكثري من األدلة ا ُملعلنة تُشري إىل عسكرة شامل اخلليج العريب (األحواز‪/‬‬

‫‪273‬‬
‫خوزستان)‪ ،‬وهو السهل الوحيد عىل طول اهلضبة الصخرية اإليرانية عىل بحر اخلليج‪،‬‬
‫وحتويله إىل منطلق خطر عىل أمن اخلليج العريب‪ ،‬مما يزيد الشكوك لدى العقلية اخلليجية‬
‫بنية إيرانية اللتهام (غزو) دول اخلليج العريب‪ ،‬كام أن عدد التفامهات اإليرانية (األمريكية‬
‫– اإلرسائيلية) منذ عهد بوش االبن وحتى يومنا هذا ال يرتك جماال للشك يف وجود‬
‫(((‬
‫خمطط لتقسيم املنطقة بني إيران وأمريكا وإرسائيل‪.‬‬
‫وهبذا نفهم تكرار التصعيد املفاجيء وغري ا ُملربر ملسؤولني إيرانيني كبار بفارسية‬
‫اخلليج‪ ،‬وترصحياهتم املتتالية باعتبار مجيع أجزاء اخلليج العريب إيرانية‪ ،‬وترسيب أخبار‬
‫ووقائع ضلوع احلرس الثوري اإليراين بإرسال سفن العتاد العسكري واخلرباء اإليرانيني‬
‫وجماميع حزب اهلل يف احلرب اليمنية ضد احلوثيني‪ ،‬واستثامرهم ملا ُيسمى احلراك اجلنويب‬
‫الداعي إىل إعادة تقسيم اليمن‪ ،‬يف خمطط إيراين عثر عليه يف «حمافظة صعدة» لتقسيم‬
‫اجلمهورية اليمنية (خطة يمن خوش حال)(((()‪ ،‬إىل جانب إرسال إيران عددا من سفنها‬
‫العسكرية إىل سواحل مجهورية الصومال بحجة مكافحة القرصنة‪ ،‬واليوم يكشف امللف‬
‫السوري امللتهب عن درة التاج للعقلية اإليرانية املتحفزة ليس للعب دور رشطي اخلليج‬
‫بل رشطي بحري اخلليج واألمحر دفعة واحدة‪.‬‬
‫ال تنسى دول اخلليج عمليات «حزب اهلل» يف البحرين ‪ ،1994‬ثم الكشف عن‬
‫عدد كبري من العمالء يف اإلمارات العربية‪ ،‬كام حاولت إيران إحداث فتنة يف موسم‬
‫حج ‪ ،1994‬عرب إرسال مجاعة كبرية من احلرس الثوري كحجاج إىل مكة املكرمة‪ ،‬وقد‬
‫أج َل خامنئي ‪-‬فجأة‪ -‬تنفيذ املخطط اإليراين التوسعي القديم‪ ،‬الداعي لغزو واحتالل‬
‫َّ‬
‫البحرين وقطر‪ ،‬ومن ثم اإلمارات‪ ،‬ومن ثم السيطرة عىل اخلليج العريب‪ ،‬والذي كان‬
‫مقررا يف مايو ‪ ،1999‬وال يعرف سبب تأخري تنفيذ املخطط سوى خامنئي نفسه‪ ،‬لكن‬
‫املؤرشات تدل اليوم عىل معرفة مسبقة لدى خامنئي بام سيأيت عىل منطقة اخلليج والعراق‬

‫((( ينظر‪ :‬عادل عيل عبد اهلل‪ :‬املحركات السياسية اإليرانية يف منطقة اخلليج العريب‪ ،‬ط‪( 2010/2‬ص‪)161‬‬
‫و ُينصح باالطالع عىل البحث التفصييل لبيان العالقات الثالثية يف كتاب تريتا بارزي‪ :‬حلف املصالح‬
‫املشرتكة‪ ..‬التعامالت الرسية بني إرسائيل وإيران والواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬الدار العربية للعلوم‪2008/‬‬
‫((( نرش يف جملة الوطن العريب (العدد ‪ )1701‬بتاريخ ‪ 7‬أكتوبر ‪2009‬‬

‫‪274‬‬
‫بعد أحداث احلادي عرش من سبتمرب ‪ ،2001‬وهلذا تقدمت إيران خطوة إىل األمام‬
‫بتقديم عرضها الرسي للواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬ألن إيران ال تسمح لنفسها بإضاعة‬
‫الفرصة الذهبية القتسام النفوذ عىل منطقة اخلليج‪ ،‬فقد حتقق هلا بسط ذراعيها عىل شامهلا‬
‫الغريب (العراق)‪ ،‬وهي متغلغلة متاما يف الرشق (أفغانستان) بعد االجتياح األمريكي‪ ،‬كام‬
‫أن هلا يدا نافذة عىل كل من سوريا ولبنان وفلسطني واليمن‪ ،‬فقد أصبحت عملي ًا مرشوع‬
‫«قوة إقليمية كربى» ال يستطيع أن يتجاهلها أحد‪ ،‬حتى األمريكان أنفسهم‪.‬‬
‫إن كل التعنُّت والتهديد اإليراين باستخدام أوراقها النووية واإلقليمية‪ ،‬كان رد ًا‬
‫عىل جتاهل اإلدارة األمريكية للمساومات اإليرانية منذ العام ‪2001‬م‪ ،‬وللعرض الرسي‬
‫الذي تقدمت به إيران ُبعيد سقوط النظام العراقي (‪ ،)2003‬مقابل اخلدمات «اجلليلة»‬
‫التي أ َّدهتا ألمريكا يف احتالل أفغانستان والعراق؛ التي تتلخص يف «االعرتاف بإرسائيل‬
‫ِ‬
‫الوصاية عىل اخلليج إليران‪،‬‬ ‫والتنازل عن النووي‪ ،‬ووقف دعم حزب اهلل‪ ،‬بمقابل َم ِ‬
‫نح‬
‫واالعرتاف هبا كقوة إقليمية رشعية»؛ وقد تم التكتم الشديد عليها من اجلانبني حتى ال‬
‫تتحول إىل فضحية «‪ »Iran Gate‬ثانية يف عهد التشدد اخلامنئي‪.‬‬
‫هناك مؤرشات عىل تعديالت كربى عىل خطة االجتياح‪ ،‬وترتيبات رسية جارية‬
‫لتفاهم إيراين أمريكي عرب اجتامعات أمنية حول توافق بعدم اشتباك بني القوات اإليرانية‬
‫الغازية وبني األسطول األمريكي اخلامس (يف البحرين)‪ ،‬والقوات األمريكية يف السيلية‬
‫(قطر)؛ ويف احلقيقة كانت اإلمارات العربية املتحدة قد حسبت حساهبا هلذا الغزو اإليراين‪،‬‬
‫فمع التطوير املستمر لقدراهتا العسكرية الدفاعية‪ ،‬عقدت اتفاقا مع فرنسا بشأن إقامة قاعدة‬
‫عسكرية فرنسية عىل أراضيها‪ ،‬وقد كشف مؤخر ًا رئيس رشطة ديب العميد ضاحي خلفان‬
‫–يف ترصيح غري اعتيادي‪ -‬عن أسباب حجب اإلمارات خدمات اهلواتف البالك بريي‪ ،‬أن‬
‫“أمريكا وإرسائيل تتجسس عىل اإلمارات من خالل البالك بريي”(((()‪ ،‬باخرتاقها أنظمة‬
‫االتصاالت‪ ،‬وعدم حتكم اخلوادم اإلماراتية بمراقبة البيانات واملعلومات من خالل هذا‬
‫اهلاتف‪ ،‬يف إشارة إىل متلمل األمريكان من التعاقد اإلمارايت مع القوات الفرنسية‪.‬‬

‫((( نرش الترصيح يف كل وسائل اإلعالم اخلليجية والعربية‪ ،‬يوم السبت ‪ 4‬سبتمرب ‪2010‬‬

‫‪275‬‬
‫ومن التدريبات األخرية ‪-‬يف بحر اخلليج‪ -‬عىل خمطط الغزو‪ ،‬إجراء إيران يف يوليو‬
‫‪ 2010‬أكرب مناورات بحرية هلا بعنوان «رعد‪ »2‬يف اخلليج العريب وبحر عامن‪ ،‬ثم حلقتها‬
‫بأكرب مناورات جوية يف تأرخيها بعنوان «ميالد نور الوالية»‪ ،‬كانت كل اخلطط املرسومة‬
‫هلذه املناورات‪ ،‬استهداف السيادة العربية ملنطقة اخلليج العريب‪.‬‬

‫الفقيه املسلح ال شرطي اخلليج‬


‫ترى إيران أن هلا دور ًا حموري ًا اليوم يف «ملء فراغ» ساحة اخلليج العريب سياسي ًا‬
‫وعسكري ًا‪ ،‬لكنها ختتلف عن غريها (=القومية) بامتالكها مرشوع ًا عقائدي ًا عاملي ًا‪ ،‬حيمل‬
‫تفويض ًا أخالقي ًا يسمح هلا بـ«التمدد اجلغرايف» أكثر من أي وقت َمىض؛ لغرض إقامة‬
‫ٍ‬
‫خالفة جاهزة َملقدَ م «الغائب احلجة» عرب أيديولوجيا «والية الفقيه»‪ ،‬بدعوى نيابة اإلمام‬
‫املهدي يف عرص الغيبة الكربى(((‪ ،‬يف نرصة املستضعفني املظلومني‪.‬‬
‫ومل تكن تلك النظرة عقيدة فردية‪ ،‬أو اجتهادا مدونا يف وثيقة مرجع جمتهد‪ ،‬لي ِ‬
‫مكن‬ ‫ُ‬ ‫ُ َّ‬
‫التحاور معه أو مجُ ادلته‪ ،‬بل هي هنج دولة َقنَّنَت تلك النظرة َّ‬
‫ونصت عليها يف دستورها‪،‬‬
‫فام إن «نفض شعبنا عن نفسه ‪-‬خالل حركة تكامله الثوري‪ -‬غبار الطاغوت ورواسبه‪،‬‬
‫ون ّظف نفسه من الشوائب الفكرية األجنب ّية‪ ،‬حيث عاد إىل األصول الفكر ّية‪ ،‬وإىل النظرة‬
‫اإلسالمية األصيلة للعامل‪ ،‬وهو يسعي اآلن إىل بناء‌جمتمعه النموذجي (األُ َ‬
‫سوة)‪ ،‬معتمد ًا عىل‬
‫املعايري اإلسالم ّية‪ ،‬وعىل هذا األساس فإن رسالة الدستور هي خلق األرضيات العقائد ّية‬
‫للنهضة‪ ،‬وإجياد الظروف املناسبة لرتبية اإلنسان عىل القيم اإلسالمية العاملية الرفيعة‪.‬‬
‫ومع االلتفات ملحتوى الثورة اإلسالمية يف إيران ‪-‬التي كانت حركة تستهدف‬
‫النرص جلميع املستضعفني عىل املستكربين‪ -‬فإن الدستور ُيعدّ الظروف الستمرار ّية‬
‫هذه الثورة داخل البالد وخارجها‪ ،‬خصوص ًا بالنسبة لتوسيع العالئق الدولية مع‬

‫((( نقل موسى املوسوي أن هذه البدعة أنكرها كثري من أعالم الشيعة عىل اعتبار أن «الوالية خاصة بالرسول‬
‫صىل اهلل عليه وس ّلم واألئمة االثنا عرش من َبعدُ ‪ ،‬وال تنتقل إىل نواب اإلمام‪ ،‬وأن والية الفقيه ال تعني أكثر‬
‫ني عىل و ٍ‬
‫قف ال ُمتويل له أو ن ِ‬
‫َصب َق ِّيم عىل جمنون أو قارص»‪ .‬الشيعة‬ ‫من والية القايض الذي يستطيع تعيني َأ ِم ٍ‬
‫َ‬
‫والتصحيح‪94/‬‬

‫‪276‬‬
‫سائر احلركات اإلسالمية والشعب ّية‪ ،‬حيث يسعى إىل بناء األمة الواحدة يف العامل‬
‫ﱹ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﱸ‪ ،‬ويعمل عىل مواصلة‬
‫اجلهاد إلنقاذ الشعوب املحرومة واملضطهدة يف مجيع أنحاء العامل‪.‬‬
‫ومع مالحظة جوهر هذه النهضة الكربى فإن الدستور يضمن زوال كل نوع من‬
‫أنواع الدكتاتورية الفكرية‪ ،‬واالجتامعية واالحتكار االقتصادي‪ ،‬ويسعي للخالص‬
‫من النظام االستبدادي‪ ،‬ومنح الشعب حق تقرير مصريه بنفسه (ويضع عنهم إرصهم‬
‫(((‬
‫واألغالل التي كانت عليهم)‪.»...‬‬
‫التعرف عىل األيديولوجية املسيطرة عىل ُصنَّاع القرار اإليراين أمر ًا حيوي ًا‬
‫من هنا يكون ُّ‬
‫إلمكانية تفسري التحركات السياسية الصاخبة أو املتضاربة أحيان ًا؛ إذ األفكار واملعتقدات‬
‫من األدوات الشائعة يف السياسة اخلارجية ألي دولة هتدف إىل تنفيذ أهداف توسعية كربى‪،‬‬
‫وخاصة يف مثل الظاهرة اإليرانية التي امتزج فيه الدين بالسياسة‪ ،‬حتى أفرزت احلكومة‬
‫اإلسالمية شكال مل يعرفه التشيع االثنا عرشي منذ تأسيسه‪ ،‬فإيران هي الدولة الدستورية‬
‫الوحيدة يف العامل الذي ينص دستورها عىل مذهبية الدولة األبدية(((‪ ،‬بل إن اإليامن بوالية‬
‫الفقيه رشط حاسم يف تويل الوظائف العامة يف مؤسسات احلكم اإليرانية‪ ،‬والوظائف‬
‫واملصالح العامة‪ ،‬فحتى اإليراين الشيعي ال حيق له الرتشح لعضوية الربملان أو جملس الشورى‪،‬‬
‫أو التقدم ملنصب حساس من منصب الوظائف العامة ما مل يكن مؤمن ًا بالويل الفقيه‪.‬‬
‫مهم أن ُيعلم أن «والية الفقيه» كمفهوم للحكم السيايس املطلق‪ ،‬ليست مسألة‬
‫متفق ًا عليها بني مراجع التشيع األصويل ال من القدماء وال من املعارصين‪ ،‬بل النظرية‬
‫قابلة للتبدُّ ل بحسب املعطيات الزمنية والقوة السياسية للتيار الذي يتبناها‪ ،‬فهناك أكثر‬
‫من تسع نظريات حول «والية الفقيه» السياسية‪ ،‬ابتكرها آيات اهلل العظام(((‪ ،‬وكلها‬

‫((( تنظر وثيقة الدستور اإليراين‪ ،‬املقدمة‪ ،‬حتت عنوان‪ :‬أسلوب احلكم يف اإلسالم‪.‬‬
‫((( وثيقة الدستور اإليراين‪.‬‬
‫((( هذه األلقاب التي تطلق عىل علامء الشيعة هي مسألة ُعرفية تشري إىل املراحل العلمية لصاحبها‪ ،‬فعندما‬
‫ينهي طالب العلوم الدينية مرحلة معتربة من دراسته يف احلوزة بام يعادل مرحلة املاجستري يف الدراسات‬
‫األكاديمية‪ ،‬يطلق عليه لقب حجة اإلسالم‪ ،‬أو حجة اإلسالم واملسلمني‪ ،‬فيام لو ت ََر َّقى يف دراسته ملا يقارب‬
‫مستوى الدكتوراه‪ ،‬أما إذا وصل إىل رتبة االجتهاد‪ ،‬فيطلق عليه عرفا لقب آية اهلل‪ ،‬فإذا ما وصل إىل رتبة=‬

‫‪277‬‬
‫تدور حول أسئلة جوهرية‪ :‬هل والية الفقيه جزء من الدين؟ وهل والية الفقيه مقيدة أو‬
‫مطلقة؟ ومن الذي ُيق ِّيدها‪ :‬املراجع الدينية أم الشعب؟‬
‫ويمكن تلخيصها يف اآليت‪:‬‬
‫(((‬

‫‪1.1‬نظام السلطنة املرشوطة‪ :‬يعني وجود جملس من املراجع الدينية العليا‪ُ ،‬يفتي يف‬
‫شؤون الرشيعة‪ ،‬يف إطار نظام ُسلطاين يتمتع فيه الويل بسلطات واسعة؛ ومن املراجع‬
‫املؤيدة لتلك النظرية حممد باقر جمليس‪ ،‬ومريزاي قمي‪ ،‬وفضل اهلل نوري‪ ،‬وعبد الكريم‬
‫حائري يزدي‪.‬‬
‫‪2.2‬نظرية «جملس فقهي» من ثالثة أو أربعة من كبار آيات اهلل حتكم بدالً من شخص‬
‫واحد‪ ،‬وتقوم املراجع الدينية باختيار جملس احلكم هذا؛ ومن املراجع الذين يدعمون‬
‫هذه النظرية جواد آميل‪ ،‬وهبشتي‪ ،‬وطاهر خرام آبادي‪.‬‬
‫‪3.3‬نظرية الدولة الدستورية؛ تعني أن الوالية للناس لكن حتت إرشاف رسمي من‬
‫املراجع الدينية (مثل إرشاف جملس صيانة الدستور يف إيران عىل «إسالمية» القوانني التي‬
‫يقرها الربملان)؛ ومن املراجع املؤيدة هلذه النظرية نائيني ومنتظري وطاهراين وخورساين‬
‫وطباطبائي‪.‬‬
‫‪4.4‬نظرية احلكومة املنتخبة مع إرشاف املراجع الدينية من دون أن يكون هلم دور‬
‫رسمي؛ ومن الداعني هلذه النظرية حممد باقر الصدر‪.‬‬
‫‪5.5‬نظرية الوالية املرشوطة للفقيه؛ تعني أن يكون الويل الفقيه حماسب ًا من قبل‬
‫الشعب وسلطاته مقيدة؛ ومن الداعني هلذه النظرية منتظري ومطهراين‪.‬‬
‫‪6.6‬نظرية احلكومة املنتخبة بدون أن يكون هناك أي دور للفقيه أو للمراجع الدينية‪.‬‬

‫=املرجعية الدينية‪ ،‬وهي التي تنطبق عىل َمن يعترب نفسه أعلم املجتهدين‪ ،‬فيطلق عليه لقب آية اهلل العظمى؛‬
‫وهذه األلقاب يف عرصنا احلارض هي حالة ُعرفية مل تكن ضمن هذه االعتبارات يف العصور السابقة بل هي‬
‫مستحدثة‪ ،‬وتستعمل باملعاين املشار إليها‪ ،‬ولكن غالبا ما يتم ختطي مفهومها احلريف إىل مفاهيم جمازية تضفي‬
‫واألبوية اإلسالمية عىل صاحبها ألسباب سياسية مذهبية ال ختفى‪ ،‬علام بأهنا ألقاب عرفية خاصة باحلوزات‬
‫الشيعية ال غري‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬لقاء املجتهد اإلصالحي الدكتور حمسن كديور‪ ،‬يف جريدة الرشق األوسط‪ ،‬حول كتابه املثري‬
‫للجدل‪« :‬نظريات احلكم يف الفقه الشيعي»‪ ،‬نرش اللقاء اجلمعة ‪.2007/3/16‬‬

‫‪278‬‬
‫ولكنها تعد دولة إسالمية ألن الناس مسلمون؛ ومن الداعني هلا حممد باقر الصدر‪.‬‬
‫‪7.7‬نظرية الوالية لكل الناس وللجميع حق يف احلكم‪ ،‬وليس هناك أي دور للويل‬
‫الفقيه؛ ومن مؤيدهيا حممد حائري يزدي‪.‬‬
‫‪8.8‬الويل ُم َعينَّ من الشعب‪ ،‬والشعب هو ميزان احلكم؛ ومن املؤيدين هلذه النظرية‬
‫أمحد نراقي‪ ،‬وحممد حسن نجفي (صاحب كتاب اجلواهر أشهر كتاب يف الفقه الشيعي)‪،‬‬
‫وآية اهلل بروجردي‪ ،‬واخلميني نفسه (قبل الثورة)‪.‬‬
‫‪9.9‬نظرية الوالية املطلقة للفقيه‪ ،‬أو الوالية غري املقيدة بأية رشوط‪ ،‬عىل أساس أن‬
‫الويل ممثل اهلل يف األرض‪ ،‬وسلطاته متاثل سلطات النبي؛ وهي الدعوة التي تبناها ودعا‬
‫هلا آية اهلل اخلميني (بعد الثورة)‪.‬‬
‫إن أكرب خماطر هذه النظرية األخرية أهنا تنطلق من ديمومة الثورة‪ ،‬العتقادها بحمل‬
‫رسالة «مدينة اهلل» لألمم كافة‪ ،‬فنظرية «الالهوت السيايس»‪ ،‬أصبحت لدى هؤالء ُحجية‬
‫اإلسالم‪ ،‬فال يصح اإليامن إال بإقرارها‪ ،‬و َت َبنِّي أهدافها فكر ًا وسلوك ًا‪ ،‬وعليه تكون‬
‫«الوالية» بمثابة طوق نجاة العامل اإلسالمي للخروج من قبضة الطاغوت‪ ،‬وال َّظ َف ِر باحلرية‬
‫إلقامة العدالة يف هذا العرص “وهكذا تتحقق حكومة املستضعفني يف األرض ﱹﯤ‬
‫ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﱸ”‪.‬‬
‫(((‬

‫وهبذه النداءات َعبرَ َ ْت النظرية احلدود اإلقليمية ل ُت َقدِّ َم نفسها كـ«مرشو ٍع أممي»؛‬
‫عىل اعتبار أن الثورة اخلمينية هي تلبية لـ «نداء السامء» للقيام بمهمة «حترير الشعوب»‬
‫من جالدهيا‪ ،‬و«إنصاف املظلومني» من احلكام الطغاة‪ ،‬تطبيقا للـ»وعد اإلهلي»‪.‬‬
‫(((‬

‫حتت هذه العناوين السياسية كانت «الوالية اإليرانية» منذ اخلُميني إىل خامنئي‪ ،‬تنتهج‬
‫لغة التعميم والشمول‪ ،‬وتنتقل من شأن وطني خاص إىل مقام الوصاية األبوية؛ باعتبارها‬
‫حامل َة األحكام والوصايا الربانية‪ ،‬وبموجب هذا احلق املقدس فإهنا مخُ َ َّولة بإلقاء هذا احلاكم‬
‫يف اجلحيم‪ ،‬أو تحَ ك ُُم عىل ذاك النظام بالكفر؛ فيام ت َِعدُ أنصارها ومؤيدهيا بجنات النعيم‪.‬‬

‫((( نظر وثيقة الدستور اإليراين‪ ،‬املقدمة حتت عنوان‪ :‬أسلوب احلكم يف اإلسالم‪.‬‬
‫((( ينظر‪ :‬د‪ .‬عبدالستار الراوي‪ :‬األيديولوجيا واألساطري؛ والية الفقية والفكر الصهيوين املعارص‪ ،‬دراسة‬
‫حتليلية مقارنة‪ ،‬ط‪.2010/2‬‬

‫‪279‬‬
‫منذ أن ألف اخلميني يف أربعينيات القرن العرشين كتابه «كشف األرسار»(((‪،‬‬
‫ووضع فيه نظرته لشكل وهدف احلكومة العاملية‪ ،‬ثم أتبعه يف ستينيات القرن بكتاب‬
‫«احلكومة اإلسالمية» األكثر تكثيف ًا لفلسفته حول حكومة والية الفقيه‪ ،‬التي يرى أهنا‬
‫قادرة عىل أن حتقق ما مل حيققه التش ُّيع طيلة أربعة عرش قرن ًا‪ ،‬فام إن نجحت الثورة عام‬
‫‪ 1979‬حتى حتولت فلسفته إىل تدابري عملية ترمجها دستور اجلمهورية اإلسالمية‪،‬‬
‫فأصبح التدخل اإليراين بالشأن الوطني للدول العربية واإلسالمية‪ ،‬سمة ثابتة للثورة؛‬
‫إذا املادة (‪ )12‬ترى أن مسؤولية اجليش واحلرس الثوري «‪ ...‬ال يتحمالن فقط مسؤولية‬
‫حفظ وحراسة احلدود‪ ،‬وإنام يتكفالن أيضا بحمل رسالة عقائدية أي اجلهاد يف سبيل‪...‬‬
‫(((‬
‫والنضال من أجل توسيع حاكمية قانون اهلل يف أرجاء العامل‪.”...‬‬
‫صار «التمدد اجلغرايف» ُركنًا من أركان عقيدة الوالية‪ ،‬وكل الذي جرى من تغيري‬
‫عام ‪ 1979‬هو أن السلطة اجلديدة ستامرس دور «الفقيه املسلح»‪ ،‬بدال من «رشطي‬
‫جل ُز ِر العربية اإلماراتية‬
‫اخلليج»‪ ،‬وكانت ُأوىل التطبيقات العملية هلذا التوجه الت ََم ُّسك با ُ‬
‫الثالث‪ ،‬واإلرصار عىل «فارسية» اخلليج؛ مع سمة جديدة إضافية هي فرض أيديولوجية‬
‫الفقيه عىل دول اجلوار‪ ،‬فكان العراق يف مقدمة أهداف املرشوع التوسعي؛ ألنه يمثل‬
‫«الرأس العريب» ‪-‬الذي ينبغي اإلطاحة به أوال‪ ،‬قبل الرشوع يف اجتياح اخلليج العريب‪،‬‬
‫مرورا باخرتاق مرص وصوال إىل شامل أفريقيا‪ -‬ولوح القفز املقبول عربيا لتحويل الثورة‬
‫إىل حالة قومية‪ ،‬وهوية جديدة لشيعة إقليم اجلزيرة العربية وما جاورها‪.‬‬
‫أخذت إيران عىل عاتقها تدعيم نفوذها عىل الساحة اإلقليمية من خالل انتهاج‬
‫سياسة «تصدير الثورة» التي اعتمدت عىل استخدام ما يسمي بـ«الرموز املكثفة‪/‬‬
‫‪ ،»Condensations Symbols‬مثل شعار «عدو اإلسالم» الذي استخدم بكثافة ضد‬
‫كل خصوم نظام اجلمهورية اإلسالمية‪ ،‬وشعار «ديف ُب ُزرك‪ /‬الشيطان األكرب» لوصف‬
‫الواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬فوالية الفقيه هي أيديولوجيا سياسية يف نفسها‪ ،‬وتبادر إىل‬

‫((( ألف الكتاب عام ‪1942‬م‪ ،‬وترمجه إىل العربية (ترمجة أحدثت لغط ًا كبري ًا بني الشيعة) حممد البنداري عام‬
‫‪ ،1987‬ونرشته دار عامر األردنية‪ ،‬والكتاب الفاريس األصيل من مطبوعات حرة‪ ،‬انتشارات آزادي‪ -‬قم‪،‬‬
‫ويتكون الكتاب من مقدمة وستة فصول‪ ،‬هي‪ :‬التوحيد‪ ،‬واإلمامة‪ ،‬والعلامء‪ ،‬واحلكومة‪ ،‬والقانون‪ ،‬واحلديث‪.‬‬
‫((( راجح وثيقة الدستور اإليراين‪.‬‬

‫‪280‬‬
‫إِضفاء مجلة من املفاهيم والشعارات‪ ،‬لغرض اإلحياء بأن مقدمات الثورة وعللها وأسباهبا‬
‫فتكونت هلا منظومة من املصطلحات‬ ‫ونتائجها صدرت من املؤسسة الدينية (=املاليل)؛ َّ‬
‫واملفاهيم التي تتحكم بالفاعل السيايس وأتباعه من املوالني يف خريطة اخلليج العريب‪.‬‬

‫الصدع املذهبي‬
‫اخلريطة الذهنية لفلسفة َّ‬
‫متتلك إيران َن َف ًسا مذهبيا ت َُّوظفه بحسب احلاجة واملصلحة‪ ،‬وفكرة «املجال احليوي‬
‫مراجع التقليد وفق‬
‫ُ‬ ‫فصلتها‬
‫املذهبي» جوهرية؛ لتحقيق أهداف إسرتاتيجية وتكتيكية‪َّ ،‬‬
‫مقياس مذهبي‪ ،‬عن طريق ضامن ضم املحيط املجاور‪ ،‬ضمن سلسلة عنارص تحُ قق‬
‫اهليمنة والسيطرة وبسط النفوذ‪ ،‬عرب وسيلة املذهب الشيعي؛ مما يوفر إليران عوامل‬
‫القوة التي ترتكز عىل مفهوم الدفاع عن أمنها القومي خارج حدودها(((‪ ،‬ا ُملثقلة بمصادر‬
‫التوتر واألزمات‪ ،‬وهذا لن يتحقق إال ببناء « َم َصدَّ ات دفاع مذهبي»((( خارج حدودها‬
‫اجلغرافية‪ ،‬تنطلق عرب املدخل العراقي‪ ،‬مرور ًا بالدول التي متثل «سلسلة الصدع‬
‫املذهبي»‪ ،‬وهي الدول التي تشكل حزام ًا وحدود ًا مذهبية ممتدة من إيران اىل العراق‬
‫مرورا بسوريا ولبنان‪ ،‬و َعود ًا إىل دول اخلليج العريب وصوالً إىل اليمن‪ ،‬وهذه الدول‬
‫(((‬
‫(=اجلزيرة العربية) يف معظمها متثل كتلة الطاقة الروحية واملادية يف العامل‪.‬‬
‫الصدع املذهبي» هذه هي الدُّ َول التي تمُ ّثل ُمقرتبات ضعيفة وسهلة إليران‪،‬‬
‫«سلسلة َّ‬

‫((( يراجع‪ :‬عزت اهلل عزتى‪ :‬جغرافيايى نظامى إيران‪ -‬هتران‪ ،‬إنشارات سمت‪( 1377/‬ص‪ ،)123‬نقال عن‬
‫ترمجة اإلمرباطورية الشيعية املوعودة‪.‬‬
‫((( يراجع‪ :‬منوجهر فرهنك‪ :‬زندكى اقتصادى إيران‪ -‬هتران‪ ،‬أبورحيان‪ /‬يب تاريخ (ص‪)9‬؛ عبداحلسني‬
‫سعيديان‪ :‬كشورهايى جهان‪ -‬هتران‪ ،‬إنتشارات فجر إسالم‪( 1371/‬ص‪ ،)49‬نقال عن ترمجة اإلمرباطورية‬
‫الشيعية املوعودة‪.‬‬
‫((( تشري املصادر الفارسية دوما إىل أمهية هذه الدول‪ ،‬حتى يف املناهج الرتبوية للصفوف األوىل يف املدارس‬
‫اإليرانية‪ ،‬حيث أمهية العراق الروحية بالنسبة للشيعة‪ ،‬وأن إيران رشيكة يف حقول النفط والغاز مع الدول العربية‬
‫املجاورة‪ ،‬وأن سكان إيران هم امتداد لشعوب الدول املجاورة‪ ،‬وأن الشعب اإليراين يتأثر باملوقع اجلغرايف‪.‬‬
‫هذا األمر له دالالت خطرية‪ ،‬وتناولت دراسات حديثة األمور املتعلقة ببعض الدول املجاورة التي كانت جزءا‬
‫من إيران عرب عصور التاريخ‪ ،‬هبدف ترسيخ أمهية دول اجلوار اجلغرايف عىل اعتبار أهنا متثل كتلة الطاقة‪ ،‬وأن‬
‫إيران مرتبطه هبا جغرافيا وروحيا وتارخييا‪ .‬يراجع‪ :‬د‪ .‬لبيب املنور‪ :‬إيران واإلمرباطورية الشيعية املوعودة‪ ،‬دار‬
‫الدراسات العلمية‪ -‬مكة‪( 2008/‬ص‪)11‬‬

‫‪281‬‬
‫ُسهل عملية بناء نقاط ارتكاز و َم َصدَّ ات مذهبية‪ ،‬يمكن من‬ ‫حيث حتوي أقليات شيعية ت ّ‬
‫خالهلا دعم عملية التمدُّ د املذهبي الذي يؤ ِّمن بناء جمال إيران احليوي‪ ،‬بحيث تشكّل‬
‫بمجموعها َصدعا يهُ دّ د الدول العربية‪ ،‬وخاصة الدول التي تضم خارطتها الديموغرافية‬
‫الصدعية تتشكل ا َمل َصدَّ ات‬ ‫أقليات شيعية طاحمة‪ ،‬وبإعادة تكوين وهتيئة تلك اجليوب َّ‬
‫الدفاعية اجليوبوليتيكية‪ ،‬فيتمدد املجال احليوي املذهبي اإليراين‪.‬‬
‫يمكن فهم خطوط املجال احليوي العريضة لألهداف اإلسرتاتيجية للسياسة‬
‫اإليرانية يف «سلسلة الصدع املذهبي» من َمصدرين مهمني وموثوقني‪ ،‬مها‪ :‬رؤية اخلميني‬
‫لصورة احلكومة التي يدعو إليها‪ ،‬وقد ضم تصوره يف كتاب «احلكومة اإلسالمية»‪،‬‬
‫‪-‬املطور‬
‫ِّ‬ ‫دستور اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية؛ أما املصدر الثاين‬
‫ُ‬ ‫الذي ترمجه عمليا‬
‫لنظرية احلكومة اإلسالمية بعد املرحلة اخلمينية لتتامشى مع مقتضيات السياسة الدولية‬
‫يف مرحلة القطبية األحادية األمريكية مع بداية التسعينات‪ -‬فوثيقة منشورة بالفارسية‬
‫حتت عنوان‪« :‬مقوالت يف اإلسرتاتيجية الوطنية»‪ ،‬وتُعرف اختصارا بنظرية «أم القرى»‪،‬‬
‫(((()‬
‫التي وضعها مهندس السياسة اخلارجية اإليرانية الدكتور عيل جواد الرجاين‪.‬‬
‫هاتان الوثيقتان تكشفان «خارطة طريق» املرجعية واحلكومة اإليرانية التي يسريون‬
‫عليها يف تنفيذ طموحاهتم السياسية‪ ،‬واملرامي البعيدة والقريبة الساعني إىل حتقيقها عىل‬
‫در َجت الوثيقتان يف ملحق هذه الدراسة للرجوع‬ ‫املستويني اإلقليمي والدويل‪ ،‬وقد ُأ ِ‬
‫إليهام‪ ،‬ومقارنتهام بوثيقة الدستور اإليراين‪.‬‬

‫((( للتوسع يراجع‪:‬‬


‫اإلمام اخلميني‪ :‬احلكومة اإلسالمية (والية الفقيه)‪ ،‬مؤسسة تنظيم ونرش تراث اإلمام اخلميني‪ -‬طهران‪،‬‬
‫ط‪.2003/3‬‬
‫ود‪ .‬عيل جواد الرجياين‪ :‬مقوالت يف اإلسرتاتيجية الوطنية (نظرية أم القرى)‪ ،‬ترمجة د‪ .‬لبيب املنور‪ ،‬دار‬
‫الدراسات العلمية‪ -‬مكة‪.2008/‬‬
‫د‪ .‬عبدالستار الراوي‪ :‬مقدمة يف الفكر اإليراين‪ -‬بغداد‪.1983/‬‬
‫وله أيضا‪ :‬األيديولوجيا واألساطري‪ ،‬والية الفقية والفكر الصهيوين املعارص‪ -‬بغداد‪.1984/‬‬
‫املنور‪ :‬إيران واإلمرباطورية الشيعية املوعودة‪ ،‬دار الدراسات العلمية‪ -‬مكة املكرمة‪2008/‬‬
‫د‪ .‬لبيب ِّ‬
‫سلطان النعيمي‪ :‬الفكر السيايس اإليراين (جذوره‪ ،‬روافده‪ ،‬أثره)‪ ،‬مركز اإلمارات للدراسات‬
‫اإلسرتاتيجية‪2008/‬‬
‫د‪ .‬عادل عيل عبد اهلل‪ :‬املحركات السياسية الفارسية يف منطقة اخلليج العريب‪ ،‬مركز الدراسات اإليرانية‪،‬‬
‫ط‪2010/2‬‬

‫‪282‬‬
‫الوثيقة األولى‪ :‬احلكومة اإلسالمية (والية الفقيه)‬
‫يف رأي اخلميني احلكومة اإلسالمية هي هي «حكومة القانون اإلهلي»(((؛ لذا‬
‫يمكن اعتداد هذه الوثيقة «قرآن» السياسة اإلسرتاتيجية اإليرانية‪ ،‬أو «الثابت» أمام‬
‫املتغيرِّ ات كلها‪ ،‬أو «األصل» وما عداه فرع عنه‪ ،‬وعىل الرغم من اعرتاض البعض عىل‬
‫ذلك نظرا لتخ ُّلف النظرية عن االستجابة للمتغريات الدولية املتسارعة‪ ،‬إال أن تأسيس‬
‫الدستور اإليراين عىل نظرية اخلميني يف مهمة وشكل احلكومة اإلسالمية‪ ،‬وإسرتاتيجية‬
‫التوسع اجليوسيايس جيعلها أساسا خلط قياس السياسة اإليرانية؛ إذ إن مهمة «احلكومة‬
‫اإلسالمية العاملية» حتت راية «الويل الفقيه»‪ ،‬هي متهيد األرضية ملقدم «املخلص» يف هناية‬
‫التاريخ‪ ،‬وهي الرؤية الفلسفية الكربى ألهداف تكوين الدولة‪ ،‬وهذه قناعة مل تتغري يف‬
‫عقل الساسة اإليرانيني‪ ،‬إما إيامن ًا أو استخدام ًا‪ ،‬أما نظام اجلمهورية اإلسالمية بمفهومها‬
‫السيايس التطبيقي‪ ،‬فهو كسائر األنظمة اجلمهورية األخرى‪ ،‬مع فارق ارتكازها عىل‬
‫نظرية «القانون اإلهلي» الذي يمثله ‪-‬تفسري ًا وتطبيق ًا‪ -‬الويل الفقيه عىل األرض‪ ،‬وهي‬
‫الثابت الثاين الذي مل يتغيرّ يف ظل حكم املاليل‪ ،‬وهذا يلغي عمليا التاريخ االجتامعي‬
‫اإلنساين‪ ،‬الذي ال يؤمن اخلميني بحركته وال بقوانني تطوره‪ ،‬كام ال يؤمن به اجلناح‬
‫اليميني املتشدد؛ بل فكرة «الويل الفقيه» نفسها تنفي أي تنوع لإلنساين أو رصاعاته‪،‬‬
‫وهذا جيعل من التاريخ نفسه خادم ًا ألهداف احلكومة اإلسالمية العاملية‪ ،‬يتحرك ‪-‬دائ ًام‬
‫وأبد ًا‪ -‬مدفوع ًا من اخلارج نحو نقطة ثابتة‪ ،‬هي «النهاية السعيدة» املقررة واملحسوبة‬
‫لصالح فئة حمددة هي «شيعة آل البيت» يف نسختها اإليرانية‪.‬‬
‫عملي ًا أيض ًا‪ ..‬هذا يعني أنه ال مكان لالنتصار واهلزيمة والتبادلية يف دورة حياة‬
‫األمم التي عرفتها البرشية كلها؛ ما جيعل من «احلكومة اإلسالمية العاملية» مرشوع ًا قدي ًام‬
‫يمتد من بدء اخلليقة إىل هنايتها‪ ،‬وهي يف حرب دائمة ال تتوقف إىل أن تنترص يف النهاية‪.‬‬
‫حتول إىل ما يشبه «احلراك ال َقدَ ري» خلدمة اإليرانيني‪ ،‬فقد ألقى‬
‫وألن التاريخ َّ‬
‫اخلميني عىل عاتق الفقهاء مهمة التصدي للحكومة اإلسالمية‪ ،‬بناء عىل أن الفقيه َق ٍّي ٌم‬

‫((( احلكومة اإلسالمية‪ /‬ص‪65‬‬

‫‪283‬‬
‫عىل األمة كقوامة الكبار عىل الصغار؛ ألن «ال َق ِّي َم عىل شعب بأرسه ال ختتلف مهمته‬
‫عن القيم عىل الصغار إال من ناحية الك َّمية»(((‪ ،‬انطالقا من كوهنم «نواب اإلمام يف‬
‫عرص الغيبة‪ ،‬وهم من يتولون الفتيا والقضاء‪ ،‬وينوبون عنه يف تنفيذ السياسات وخمتلف‬
‫شؤون الوالية (‪ )...‬وبعبارة أخرى الوالية تعني‪ :‬احلكومة واإلدارة وسياسة البالد»(((‪،‬‬
‫فالفقيه الويل ما هو إال «ويص النبي‪ ،‬ويف عرص الغيبة يكون هو إمام املسلمني وقائدهم‪،‬‬
‫والقايض بينهم بالقسط دون سواه (‪ )...‬فالفقهاء هم احلجة عىل الناس كام كان الرسول‬
‫صىل اهلل عليه وسلم حجة اهلل عليهم (‪ )...‬وكل ما كان يناط بالنبي فقط أناطه األئمة‬
‫بالفقهاء من بعدهم‪ ،‬فهم املرجع يف مجيع األمور إليهم‪ ،‬وقد فوضت احلكومة ووالية‬
‫«مر‬
‫الناس وسياستهم»‪ ،‬ويبني اخلميني فرضيته عىل َدور تساؤل منطقي‪ ،‬بمقدَّ مة أنه إذا َّ‬
‫عىل الغيبة الكربى أكثر من ألف عام‪ ،‬وقد متر ألوف أخرى قبل أن تقيض املصلحة قدوم‬
‫اإلمام املنتظر‪ ،‬يف طول هذه املدة املديدة هل تبقى أحكام اإلسالم معطلة؟»‪ ،‬والنتيجة‬
‫أن «كل من يتظاهر بالرأي القائل بعدم رضورة تشكيل احلكومة اإلسالمية‪ ،‬فهو ينكر‬
‫رضورة تنفيذ أحكام اإلسالم‪ ،‬ويدعو إىل تعطيلها وجتميدها‪ ،‬وهو ينكر بالتايل شمول‬
‫حتول «فقهاء ُقم» ‪-‬ألول مرة يف تاريخ‬
‫وخلود الدين اإلسالمي احلنيف»(((‪ ،‬وهبذا َّ‬
‫إيران‪ -‬إىل نخبة حاكمة حقيقية‪ ،‬ونجح اخلميني يف جعلهم ُل َّ‬
‫ب النظام اإليراين‪.‬‬
‫وترتكز نظرة احلكومة اإلسالمية يف اجتهاد اخلميني السيايس عىل مفهوم ثنائية‬
‫«اهلدم والبناء»؛ فالرشع والعقل يفرضان عىل الفقهاء عدم ترك احلكومات وشأهنا‪،‬‬
‫«فإن متادي احلكومات يف ِغ ِّيها يعني تعطيل نظام اإلسالم وأحكامه‪ ،‬يف حني توجد‬
‫نصوص كثرية تصف كل نظام غري إسالمي بأنه رشك‪ ،‬واحلاكم أو السلطة فيه طاغوت‪،‬‬
‫ونحن مسؤولون عن إزالة آثار الرشك من جمتمعنا املسلم‪ ،‬ون ِ‬
‫ُبعدُ ها متاما عن حياتنا؛ ويف‬
‫الوقت نفسه نحن مسؤولون عن هتيئة اجلو املناسب لرتبية ونشئة جيل مؤمن فاضل‬
‫حيطم عروش الطواغيت‪ ،‬ويقيض عىل سلطاهتم غري الرشعية‪ ،‬وهذا الفساد ينبغي‬

‫((( احلكومة اإلسالمية‪ /‬ص ‪73‬‬


‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪72‬‬
‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص ‪49‬‬

‫‪284‬‬
‫إزالته وحمو وإنزال العقوبة الصارمة بمسببيه (‪ )...‬وال سبيل لنا إال أن نعمل عىل هدم‬
‫األنظمة الفاسدة املفسدة‪ ،‬ونحطم رمز اخلائنني واجلائرين من حكام الشعوب؛ وهذا‬
‫واجب ُي َك َّلف به املسلمون مجيعا أينام كانوا‪ ،‬من أجل خلق ثورة سياسية إسالمية ظافرة‬
‫منترصة (‪ )...‬ونحن ال نملك الوسيلة إىل توحيد األمة اإلسالمية وحترير أراضيها من يد‬
‫املستعمرين‪ ،‬وإسقاط احلكومات العميلة هلم‪ ،‬إال أن نسعى إلقامة حكومتنا اإلسالمية‪،‬‬
‫وسوف تتكلل أعامهلا بالنجاح يوم تتمكن من حتطيم رؤوس اخليانة‪ ،‬وتدمري األوثان‬
‫واألصنام البرشية»(((‪ ،‬واالنطالقة جيب رشعا أن تكون من الفقهاء الذين يؤدون «إىل‬
‫الناس أحكام اإلسالم الواقعية (‪ )...‬ويعرفون ظروف التُقية التي يعيشها األئمة»(((‪،‬‬
‫ألن «املؤمنني الفقهاء حصون اإلسالم(((‪ ،‬وهذا يعني أهنم ُم َك َّلفون بحفظ اإلسالم بكل‬
‫ما يستطيعون‪ ،‬وحفظ اإلسالم من أهم الواجبات املطلقة بال قيد وال رشط‪ ،‬وهذا مما‬
‫لتجهز‬
‫ّ‬ ‫جيب عىل احلوزات واملجاميع واهليئات العلمية الدينية أن تفكر يف شأنه طويالً‪،‬‬
‫نفسها بأجهزة وإمكانات وظروف يحُ رس فيها اإلسالم ويصان وحيفظ؛ أحكام ًا وعقائد‬
‫وأنظمة‪.»...‬‬
‫يعتقد اخلميني أن سبيل النضال من تشكيل احلكومة اإلسالمية العاملية يبدأ بالسعي‬
‫«بالنشاط الدعائي‪ ،‬والتقدم فيه ألن األفكار تتفاعل عند جمموعة من األشخاص‪ ،‬ثم‬
‫يكون تصميم وختطيط‪ ،‬ثم بدء العمل‪ ،‬وحماولة لنرش هذه األفكار وبثها من أجل إقناع‬
‫اآلخرين تدرجيي ًا‪ ،‬ثم يكون هلؤالء نفوذ داخل احلكومة ُيغيرِّ ها عىل النحو الذي تريده‬
‫تلك األفكار ويريده ذووها‪ ،‬أو يكون هجوم من اخلارج القتالع أسسها وإحالل‬
‫(((‬
‫حكومة ‪-‬قائمة عىل هذه األفكار‪ -‬حم ّلها»‪.‬‬
‫ست مسائل سياسية‬‫يف تصوره لشكل «احلكومة اإلسالمية» يقرر اخلميني َّ‬
‫حيوية‪ ،‬يمكن اختاذها مفاتيح لفهم الفكر السيايس اخلميني‪ ،‬ونظرته لرضورة التمدد‬

‫((( احلكومة اإلسالمية‪ /‬ص‪57-55‬‬


‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪ 85‬و‪88‬‬
‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪93-89‬‬
‫((( احلكومة اإلسالمية‪ /‬ص‪150‬‬

‫‪285‬‬
‫اجليوسيايس اإليراين‪ ،‬يف حركة ثوران متواصلة هتدف إىل «تحَ َ ُّلل» الكيانات املخالفة‪،‬‬
‫و«إحالل» كيانات موالية للويل الفقيه وحكومته الرومانسية‪ ،‬تلك املسائل هي‪:‬‬
‫‪1.1‬رضورة احلكومة اإلسالمية للبرشية‪ :‬يدعو مرشوع «والية الفقيه» إىل إقامة‬
‫«خالفة كونية» ختضع لوالية وسيطرة اإلمام الغائب أو القائم مقامه يف كل عرص وأوان‪،‬‬
‫(((‬
‫عىل أساس أنه «ال يبلغ مقام اإلمام ملك مقرب وال نبي مرسل»‪.‬‬
‫‪2.2‬حكومة كونية مذهبية‪ :‬عىل أساس أن «الدين الرسمي إليران هو اإلسالم‬
‫واملذهب اجلعفري اإلثني عرشي‪ ،»...‬دون االعتداد بأي عرق أو دين أو مذهب غري‬
‫مذهب النظام احلاكم‪ ،‬فامدة الدستور هذه «‪ ...‬غري قابلة للتغيري إىل األبد‪.».‬‬
‫(((‬

‫‪3.3‬رضورة استمرار تنفيذ األحكام بالرؤية اخلمينية‪ :‬فالدولة ينبغي أن تكون جامعة‬
‫للرشوط األساسية‪ ،‬يعكسها شخص قائدها ُمت ََوليّ رعاية شعبه كالويص عىل األطفال‪،‬‬
‫وتتجاوز «احلكومة اإلسالمية» رشطي «العقد» و«العهد» لرشعية الوالية العامة عىل‬
‫املسلمني بنظرية «احلق اإلهلي» للفقيه‪.‬‬
‫‪4.4‬األحكام املالية حلكومة اإلسالمية العاملية‪ :‬توجز «احلكومة اإلسالمية»‬
‫األحكام املالية للدولة يف نظام اخلُ ُمس‪ ،‬التي هي «رضائب مالية ليس فيها ما يدل عىل‬
‫أهنا ُخ ّصصت لسد رمق الفقراء‪ ،‬أو السادة منهم خاصة‪ ،‬وإنام هي تدل عىل أن ترشيعها‬
‫كان من أجل ضامن نفقات دولة كربى ذات سيادة (‪ )...‬وبدهيي أن هذا املورد الضخم‬
‫إنام هو من أجل تسيري شؤون الدولة اإلسالمية‪ ،‬وسد مجيع احتياجاهتا املالية»‪.‬‬
‫(((‬

‫الس ْلم هو الوقت املناسب للتهيؤ‬ ‫‪5.5‬أحكام الدفاع عن احلكومة اإلسالمية‪ِّ :‬‬
‫للحرب‪ ،‬فـ”أحكام اجلهاد والدفاع عن حياض املسلمني لضامن استقالل وكرامة األمة‪،‬‬
‫داللة أخرى عىل رضورة تشكيل احلكومة‪ ،‬مما يوجب اإلعداد واالستعداد والتأهب‬
‫التام حتى وقت السلم”(((‪ ،‬يعني أن اإلسرتاتيجية تعتمد احلرب ال السلم يف ترصفاهتا‪،‬‬

‫((( احلكومة اإلسالمية‪ /‬ص‪75‬‬


‫((( راجح وثيقة الدستور اإليراين (املادة ‪)12‬‬
‫((( احلكومة اإلسالمية‪ /‬ص‪51‬‬
‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪53‬‬

‫‪286‬‬
‫عىل اعتبار أن احلرب هي احلتمية القادمة يف سرية ال َقدَ ر التارخيي لألمة الشيعية اإليرانية‬
‫ا ُمل َم ّهدة‪.‬‬
‫‪6.6‬رضورة الثورة السياسية لتحقيق احلكومة اإلسالمية‪ :‬فـ”إزالة الرشك من‬
‫جمتمعنا املسلم”(((‪ ،‬إىل أن تتحقق احلتمية التارخيية بانتصار الثورة بقيادة إيرانية خالصة‬
‫بالعمل “عىل هدم األنظمة الفاسدة‪ ،‬ونحطم رمز اجلائرين من حكام الشعوب”(((؛‬
‫فرضورة الثورة تعني حتمية متددها اجليوسيايس‪ ،‬ألن املسلمني مجيع ًا “مكلفني من أجل‬
‫خلق ثورة سياسية إسالمية ظافرة منترصة”‬
‫(((‬

‫‪7.7‬رضورة الوحدة اإلسالمية حتت راية والية الفقيه‪ :‬يرى «الويل الفقيه» أن حركة‬
‫التطور احلقيقية البد أن تؤدي إىل ظهور «نموذج املدينة الفاضلة»‪ ،‬وما إيران إال منصة‬
‫اإلطالق ‪-‬أو النواة األوىل‪ -‬لقيام جتربة «دولة الفقيه العاملية» التي ستنمو إىل احلد‬
‫األقىص‪ ،‬وال تتم إال برشط وحدة اجلامهري اإلسالمية‪ ،‬وجيب أن جيتمع رأهيا عىل الوحدة‬
‫بمنظور والية الفقيه؛ عىل اعتبار أنه الويص الرشعي الوحد‪ ،‬والقائم مقام الغائب‪،‬‬
‫ووصايته كوصاية األب عىل األطفال فاقدي أهلية التكليف الرشعي‪.‬‬
‫‪8.8‬رضورة إنقاذ املظلومني واملحرومني‪ :‬حيدد اخلميني دوره ومن معه من املاليل‬
‫عىل أهنم النخبة التي اختارها اهلل إلنقاذ الشعوب‪“ :‬أما نحن املكلفون بإنقاذ املحرومني‬
‫املظلومني‪ ،‬نحن مأمورون بإعانة املظلومني ومناوءة الظاملني‪.”...‬‬
‫(((‬

‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪55‬‬


‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪56‬‬
‫((( احلكومة اإلسالمية‪ /‬ص‪ ،56‬أورد د‪ .‬موسى املوسوي ستة عرش وجها من أوجه الشبه بني ثورة اخلميني‬
‫وثورة لينني‪ ،‬تضمنت الشبه يف كل من‪ :‬شعار الثورة‪ ،‬والتأميم‪ ،‬والدعاية واإلعالم‪ ،‬ومنع الرعايا من السفر‪،‬‬
‫وتأليه احلاكم‪ ،‬والتبعية للنظام واالنصياع ألوامره‪ ،‬واإلرهاب املجتمعي‪ ،‬والطبقية‪ ...‬إلخ‪ ،‬وختم املوسوي‬
‫كالمه بالقول‪ ...« :‬لذلك ال أجد صعوبة يف رمي اخلميني بـالشيوعية‪ ،‬مع ما عليه من الطيلسان والعاممة‬
‫والرداء‪ ،‬وتكراره اسم اهلل واإلسالم يف كل أحاديثه‪ .»...‬ينظر‪ :‬الثورة البائسة‪ /‬ص‪.174-171‬‬
‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪58‬‬

‫‪287‬‬
‫الوثيقة الثانية‪ :‬مقوالت في اإلستراتيجية الوطنية (نظرية أم‬
‫(((‬
‫القرى)‬
‫تُعدُّ هذه النظرية ‪-‬التي وضعها حممد جواد الرجياين(((‪ -‬بمثابة إعادة صياغة لنظرية‬
‫«احلكومة اإلسالمية»‪ ،‬من منظور جيوسيايس ال أيديولوجي مذهبي؛ كنتيجة تلقائية‬
‫للجدل الدائر حول حدود جغرافية اجلمهورية اإليرانية‪ ،‬وكيفية بناء «إمرباطورية»‬
‫تكون بمثابة الرأس جلسد األمة اإلسالمية كلها؛ نظر ًا لكون إيران هي دولة اإلسالم‬
‫احلقيقي‪ ،‬وجتسيد لنواة العامل اإلسالمي ومركزه القيادي(((؛ فالنظرية عىل هذا تنبني عىل‬
‫حتول مجهورية الفقيه إىل «مركز اإلسالم العاملي»‪ ،‬حتت قيادة زعيم ذي سلطات‬
‫أساس ُّ‬
‫وصالحيات «الوالية» عىل األمة كلها؛ ألن الدين والعقل َيقضيان برضورة تشكيل أمة‬
‫إسالمية واحدة‪ ،‬ومن َثم البد من اختيار حكومة تمُ َ ّثلها‪.‬‬
‫اجتهد الرجياين يف نقد نظرية «احلكومة اإلسالمية» املعمول هبا كإسرتاتيجية إيرانية‬

‫((( راجع‪ :‬د‪ .‬عادل عيل عبد اهلل‪ :‬املحركات السياسية اإليرانية يف منطقة اخلليج العريب‪ ،‬تقع ترمجة «مقوالت‬
‫يف اإلسرتاتيجية الوطنية» يف ستة فصول‪ :‬األول‪ :‬احلكومة واملسؤولية‪ .‬الثاين‪ :‬االعتقادان األساسيان‪ .‬الثالث‪:‬‬
‫املصادر الرئيسية لتحديد السياسة‪ .‬الرابع‪ :‬نظرية أم القرى‪ .‬اخلامس‪ :‬مذهب الدفاع املؤثر‪ .‬السادس‪ :‬العامل‬
‫املتعدد األقطاب‪ .‬وعىل الرغم من أمهية وعمق فصول الكتاب‪ ،‬إال أن ُل َّبه يقع يف الفصل الرابع‪.‬‬
‫(تنبيه‪ :‬البحث يعتمد عىل نسخة مطبوعة عىل الكمبيوتر‪ ،‬استعان هبا الباحث من مرتجم اإلسرتاتيجية الوطنية‬
‫الربوفيسور لبيب املنور‪ ،‬وليس عىل كتاب مطبوع‪ ،‬فسيختلف ترقيم الصفحات)‪.‬‬
‫((( الدكتور الرجياين هو رئيس مؤسسة دراسات العلوم‪ ،‬أبرز اخلرباء يف جمال الفيزياء‪ ،‬وأحد أهم العقول‬
‫التي صاغت السياسة اخلارجية اإليرانية‪ ،‬يف فرتة احلرب العراقية اإليرانية توىل منصب مساعد وزير اخلارجية‬
‫لعدة سنني عهد اخلميني‪ ،‬وكان يقود الفريق اخلاص الذي اعتمد عليه الرئيس هاشمي رفسنجاين بعد احلرب‬
‫يف بناء سياسته يف احلقلني االقتصادي والسيايس‪ ،‬وقد أقيل من مهامه بعد دعوته إىل قيام عالقات إجيابية مع‬
‫الواليات املتحدة‪.‬‬
‫((( ظهرت ثالث نظريات لفكرة مجهورية والية الفقيه‪ ،‬ونظرية أم القرى هي آخرها‪ ،‬أما األوليان فهام‪:‬‬
‫نظرية «القومية اإلسالمية» وضعها مهدي بازركان‪ ،‬وهي مبني ُة عىل عقيدة «املهدي املنتظر» التي تقبلها األمة‪،‬‬
‫ب توجيه خمتلف الثورات ألجل حتقيق األهداف القومية اإليرانية‪ ،‬من‬ ‫وج َ‬
‫وبقيام احلكومة اإلسالمية يف إيران َ‬
‫خالل التوسل باإلسالم‪ .‬وتبعتها نظرية «تصدير الثورة» التي نادى هبا اخلميني‪ ،‬لتحقيق «احلكومة اإلسالمية‬
‫العاملية» القائمة مقام وظيفة «خالفة املهدي املنتظر»‪ ،‬التي هي أحد أهم وظائف الدولة اإليرانية املعلنة‪ ،‬هبدف‬
‫يتحول مبدأ «تصدير الثورة» إىل أساس مبدئي يف‬ ‫َّ‬ ‫خدمة املظلومني واملسلمني يف كافة أرجاء املعمورة‪ ،‬وهبذا‬
‫عالقات إيران بالعامل اإلسالمي السني حتديدا‪ ،‬تأسيسا عىل أن املذهب اإلثنا عرشي يف أصله ليس مذهبا‬
‫تبشرييا لغري السنة‪.‬‬

‫‪288‬‬
‫يف عالقاهتا الدولية جتاه العامل اإلسالمي‪ ،‬ودامت ِعقدَ ين من الزمان دون أن تفلح يف‬
‫إقامة «احلكومة اإلسالمية العاملية» املوعودة؛ إذ مقياس نجاح الثورة اخلمينية يف اعتقاده‬
‫وتضخم أعداد ا ُمل َق ِّلدين‪ ،‬وتحَ ُّول مدينة « ُقم‬
‫ّ‬ ‫ليس يف حجم انتشار «عقيدة» والية الفقيه‪،‬‬
‫املقدسة» إىل كعبة شيعة العامل‪ ،‬بل نجاحها الفعيل يف «متدد» جغرافية إيران وحدودها‬
‫الدولية؛ فمعنى إقامة احلكومة اإلسالمية العاملية حقيقة يعني ُّحت ُّول إيران من مجهورية‬
‫َبس َط هيمنتها عىل‬
‫«ثابتة احلدود» إىل إمرباطورية «متحركة احلدود»‪ ،‬ال تقف حتى ت ُ‬
‫كل إرث العامل اإلسالمي املمتد من أندونيسيا رشق ًا إىل جزر الكناري غرب ًا‪ ،‬ومن آسيا‬
‫الوسطى ‪-‬حدود صحراء سيبرييا‪ -‬شامالً إىل مسلمي جنوب أفريقيا جنوب ًا‪.‬‬
‫لتتحول إىل دليل عميل قابل التطبيق‪،‬‬
‫َّ‬ ‫نجح الرجياين يف إعادة صياغة نظرية اخلميني‬
‫فضل الرجياين‬ ‫ٍ‬
‫توصيف مبالغ فيه عقائدي ًا كـ«احلكومة اإلسالمية العاملية» ّ‬ ‫فبدال من‬
‫توصيف نظريته بكوهنا «احلكومة اإلسالم العملية»‪ ،‬انطالق ًا من نقطة حمورية يف نقده‬
‫لنظرية اخلميني وهي‪« :‬ما هو واجبنا يف العامل اإلسالمي؟ وهل قبولنا باحلدود اجلغرافية‬
‫يمكن أن يكون له تأثري أم ال؟»‬

‫‪289‬‬
‫دور اإلعالم في مواجهة املشروع اإليراني‬

‫مداخلة الدكتور عزام التميمي‬

‫حينام نتحدث عن املرشوع اإليراين واإلعالم‪ ،‬فإن أول ما يتبادر إىل الذهن هو‬
‫القدرة اإلعالمية اهلائلة إليران يف مقابل الفراغ احلاصل من جانب الطرف العريب أو‬
‫اإلسالمي املتوجس من السياسة اإليرانية‪ .‬فاإليرانيون منذ أعوام يتحينون الفرص مللء‬
‫هذا الفراغ يف الساحة اإلعالمية‪ ،‬وما من شك أن هذا من الذكاء و احلنكة التي البد أن‬
‫تذكر هلم‪ ،‬وما من شك أيض ًا يف أهنم أبلوا يف سبيل ذلك بالء ًا حسن ًا من وجهة نظرهم‪.‬‬
‫ال يغيب عن كل مهتم بوسائل اإلعالم ذلك الفرق اهلائل بني «ما كان» و «ما‬
‫أصبح» يف جمال الرتويج لألفكار والتأثري عىل املتلقي‪ ،‬بني عهد املنشورات وعهد‬
‫الفضائيات‪ .‬فاملنشورات حينام كانت الوسيلة املتبعة من قبل أصحاب املشاريع الفكرية‬
‫أو السياسية كانت توزع يف نطاق ضيق جد ًا‪ ،‬وربام مل يكن الناس يقبلون عليها و من‬
‫وصلت إىل يديه منهم ربام مل يكن يوليها كثري اهتامم‪ ،‬وينتهي هبا املطاف إىل القاممة‪ .‬أما‬
‫القنوات الفضائية‪ ،‬شئنا أم أبينا‪ ،‬فإهنا تدخل علينا يف غرف جلوسنا بل وغرف نومنا‪ ،‬ومل‬
‫تعد اليوم تصلنا قرص ًا عرب شاشات التلفاز‪ ،‬بل وأيض ًا عرب اإلنرتنت من خالل أجهزة‬
‫احلاسوب أو اهلواتف النقالة‪.‬‬
‫تستثمر إيران أمواالً طائلة يف وسائل غزوها الفضائي لآلخر‪ ،‬وهذا عىل الرغم من‬
‫اتباعها سياسية رقابية صارمة عىل ما يدخل إىل بيوت مواطنيها‪ .‬ففي الداخل اإليراين‬
‫تفرض عىل املواطن اإليراين عزلة إعالمية وحتجب عنه كثري ًا من وسائل اإلعالم العاملية‪،‬‬
‫ويعترب اقتناء صحن تلقي البث الفضائي وجهاز توليف القنوات الفضائية من املمنوعات‬
‫التي يامرسها كثري من الناس رس ًا ويف خمالفة للقوانني واإلجراءات املعمول هبا‪ .‬وليس‬
‫متاح ًا بسهولة يف إيران ما بات مظهر ًا عادي ًا من مظاهر احلياة يف معظم دول العامل‪ ،‬ولذلك‬
‫جتد املواطن اإليراين يسرتق السمع بحث ًا عن املعلومة باذالً اجلهد يف سبيلها بينام األموال‬

‫‪291‬‬
‫التي تضخ من قبل النظام يف إيران لبث الدعاية السياسية للخارج ليست حمدودة أبد ًا‪.‬‬
‫إىل أن بدأت الثورة السورية كانت وسائل اإلعالم اإليرانية قد حققت اخرتاق ًا‬
‫كبريا يف أوساط املتلقني يف اخلارج‪ ،‬سواء كان املتلقي عريب اللغة أم إنكليزي اللغة‪.‬‬
‫ومن أهم القنوات املوجهة للخارج قناة العامل الناطقة باللغة العربية وقناة ‪Press TV‬‬
‫الناطقة باللغة اإلنكليزية‪ .‬والذي ساعد هاتني القناتني عىل النجاح أن براجمهام كانت‬
‫تتسم بدرجة عالية من املهنية‪ ،‬وهذه من األمور التي تساعد وسائل اإلعالم عىل التميز‬
‫وجذب املشاهد‪ .‬ومن يعمل يف املجال التلفزيوين أو اإلذاعي يدرك أن املشاهد هو الذي‬
‫يقرر ماذا يريد أن يشاهد أو يسمع‪ ،‬بيده جهاز التحكم عن بعد‪ ،‬يقرر بواسطته ملن يعطي‬
‫أو يمنع‪ ،‬وملن يمنح أن حيرم‪ .‬واإلعالم الذي يريد ان حيقق اخرتاقات و يريد أن يصل‬
‫إىل املشاهدين ينبغي أن يكون من املهنية و احلرفية بحيث ال يشعر املشاهد بأن القناة التي‬
‫يشاهدها حتاول أن متيل عليه وأن ما يتلقاه يقصد منه غسل دماغه و حتديد توجهه‪ .‬هذا‬
‫مع العلم أن ما من صاحب وسيلة إعالمية مقروءة أو مسموعة أو مشاهدة إال ولديه‬
‫رسالة يسعى إليصاهلا ملتلقيه‪ ،‬سواء كانت هذه الرسالة نبيلة أو كانت عىل النقيض من‬
‫ذلك‪ .‬وجمال التنافس بني اإلعالميني هو إيصال رسائلهم بأيرس وأسلس الطرق وأكثرها‬
‫جذب ًا للمتلقي‪.‬‬
‫لقد حشد اإليرانيون خربات وتقنيات عالية اجلودة للتأثري عىل العرب واملسلمني‬
‫من خالل قنواهتم الفضائية‪ .‬خذ عىل سبيل املثال قناهتم الناطقة باإلنجليزية‪PressTv :‬‬
‫التي تستضيف أناس ًا من كل أنحاء املعمورة ومن خمتلف األديان والتوجهات السياسية‪،‬‬
‫يف برامج حوارية سقفها مرتفع‪،‬وإن كان اهلدف منها يف هناية املطاف هو تسويق الفكرة‬
‫املراد بثها عرب األثري انسجام ًا مع التوجه اإليراين الرسمي‪ .‬أما القناة الناطقة بالعربية‪:‬‬
‫قناة العامل‪ ،‬فقد تقدمت هي األخرى وأصبح هلا شعبية قوية يف أنحاء العامل العريب ويف‬
‫أوساط اجلاليات العربية يف الغرب‪ ،‬وذلك بسبب طرحها بجرأة ال جتدها يف كثري من‬
‫وسائل اإلعالم اململوكة عربي ًا‪ ،‬لقضايا هتم املتلقي العريب حيث وجد‪ .‬وهي األخرى‬
‫تستضيف اخلرباء واملعلقني عىل اختالف انتامءاهتم الفكرية والسياسية وإن كانت يف‬
‫املحصلة تروج ملا يريده النظام اإليراين‪.‬‬

‫‪292‬‬
‫لكن رغم النجاحات الكبرية واالخرتاقات املهمة‪ ،‬مل يلبث اإلعالم اإليراين أن‬
‫تلقى رضبة قوية‪ ،‬ال أظنه تعاىف منها حتى اآلن‪ ،‬بسبب املوقف من ثورة سورية‪ .‬فاملوقف‬
‫املؤيد للنظام يف سورية عرى االزدواجية و النفاق السيايس هلذا اإلعالم الذي وقف مع‬
‫ثوار تونس ومرص وليبيا وملا بدأت الثورة السورية اصبح يروج لنظرية مفادها أن ما‬
‫جيري يف سورية إنام هو مؤامرة إمربيالية دولية عىل املقاومة واملامنعة بينام تراه يمجد ثورة‬
‫البحرين ويعتربها انتفاضة مرشوعة ضد الظلم والطغيان‪ ،‬وهذا تفسري للحدث مل يلق‬
‫تعاطف ًا وال قبوالً لدى عامة الشعوب العربية واإلسالمية‪ .‬ولعل هذا االنكشاف أمام‬
‫اجلامهري‪ ،‬والذي أدى إىل عزوفها عن مشاهدة قنوات مثل «العامل» أو «املنار» أو ‪Press‬‬
‫‪ TV‬هو الذي دفع اإليرانيني إىل متويل إنشاء قناة عربية جديدة‪ ،‬هي «امليادين»‪ ،‬يف حماولة‬
‫متجددة الخرتاق الساحة اإلعالمية العربية من خالل خطاب داعم للموقف اإليراين‬
‫ولكن بأسلوب أقل فظاظة‪.‬‬
‫لقد أنفق اإليرانيون عىل مدى ما يزيد عن عرشة أعوام أمواال طائلة عىل اإلعالم‬
‫املوجه إىل العرب واملسلمني حول العامل‪ ،‬ومل يدخروا وسع ًا يف حشد اخلربات اإلعالمية‬
‫املميزة واقتناء أحدث التجهيزات‪ .‬وخذ عىل سبيل املثال مكتب قناة ‪ Press TV‬يف‬
‫لندن‪ ،‬والذي يقع يف نفس املبنى الذي يؤوي قناة احلوار الفضائية أيضا‪ .‬فرغم أنه يف‬
‫األغلب ال يبث أكثر من ساعة يوميا إال أنه زود باإلمكانيات الفنية والبرشية التي تفوق‬
‫أضعاف ًا كثرية قدرات قناة احلوار‪ .‬من املعلوم أن معظم ساعات بث هذه القناة اإليرانية‬
‫الناطقة باإلنجليزية تنطلق من املقر الرئييس للقناة يف طهران‪ .‬وللقناة مكاتب ومراسلون‬
‫حول العامل‪ ،‬بميزانيات يستدل من حجم التغطية أهنا كبرية‪ ،‬وكبرية جد ًا‪.‬‬
‫والسؤال الذي ال مفر من طرحه هنا هو‪ :‬ماذا لدينا نحن أهل السنة من وسائل إعالم‬
‫نتوجه من خالهلا إىل الشعب اإليراين ملقابلة ما يبثه نظامهم عىل مدار الساعة مستهدف ًا‬
‫إيانا بمختلف اللغات؟ من املؤسف أن أفضل ما تفتقت عنه عبقرية بعض ربعنا هو قناة‬
‫أفالم أمريكية مدبلجة أو مرتمجة إىل اللغة الفارسية وكأن احلل من وجهة نظر هؤالء‬
‫هو أمركة الشعب اإليراين وإغراؤه بقناة تسلية فارغة من كل مضمون هادف‪ .‬وفيام‬
‫عدا ذلك‪ ،‬ال يوجد لدى العرب املتوجسني من املرشوع اإليراين وسائل إعالمية مؤهلة‬

‫‪293‬‬
‫لتوجيه رسائل سياسية أو حتليل سيايس إىل الشعوب اإليرانية رغم أمهية الوصول إىل‬
‫شارعهم غري املنسجم بمجمله مع النظام اإليراين‪ .‬نحن بحاجة ماسة إىل أن نتواصل مع‬
‫الناس هناك‪ ،‬وقد سمعنا من كثريين يرتددون عىل إيران‪ ،‬وكذلك من بعض اإليرانيني‬
‫أنفسهم‪ ،‬انه يوجد انفصام كبري بني النظام والشعب‪ ،‬فأين هي وسائل إعالمنا التي تناط‬
‫هبا مهمة استغالل هذا االنفصام واستثامره للتخذيل عن إخواننا يف سورية الذين يساهم‬
‫نظام «املاليل» مسامهة أساسية يف التنكيل هبم وإطالة عمر النظام «األسدي» املتسلط عىل‬
‫رقاهبم‪.‬‬
‫وبينام نفتقر إىل إعالم سيايس جاد موجه إىل اإليرانيني‪ ،‬فإن بعضنا ينفق بسخاء‬
‫لتمويل إعالم معاد إليران موجه إىل ذاتنا‪ .‬ومثل هذا اإلعالم يف حمصلته ال جيدي نفع ًا‪،‬‬
‫فهو غري مقنع إال لفئة قليلة من الناس‪ .‬إن معظم قنواتنا الفضائية التي تتحدث عن إيران‬
‫إنام هي قنوات عقائدية طائفية‪ .‬وأنا لست هنا بصدد تقييم نجاعة الرؤية الطائفية ملا بيننا‬
‫وبني اإليرانيني وحلفائهم من خالف وتوترات‪ ،‬وإنام الذي هيمني يف هذا املجال تقييم‬
‫أدائنا اإلعالمي جتاه ما جيري يف سوريا‪ .‬فاإلعالم هو وسيلة للتأثري‪ ،‬والسؤال املهم هو‪:‬‬
‫هل نؤثر أم ال نؤثر من خالل إعالمنا اإلسالمي يف توجيه الرأي العام والضغط عىل‬
‫صناع القرار السيايس؟‬
‫معظم القنوات السنية التي تتكلم عن املرشوع اإليراين ختاطب رشحية ضيقة من‬
‫املشاهدين تنسجم يف توجهها العقدي مع توجه القائمني عىل القناة واملحددين لسياساهتا‬
‫التحريرية‪ .‬ال أرى أن هذه القنوات قادرة عىل توسيع رشحية املتلقني لبثها طاملا استمرت‬
‫يف انتهاج نفس األسلوب املتبع حاليا‪ .‬وعلينا أن نتذكر أن ما نبثه يصبح عديم الفائدة بل‬
‫ومضيعة للامل واجلهد إذا مل جيذب قطاع ًا مقدر ًا من املشاهدين املستهدفني بالبث‪ .‬وجذب‬
‫املشاهد حيتاج إىل مهارة يف زمن تتنافس مئات القنوات الفضائية من كل صنف وفن‬
‫عىل مجهور املتلقني‪ .‬فاملشاهد ليس لديه صرب عىل األنامط الرتيبة واململة واإلمالئية من‬
‫اإلعالم‪ ،‬فهو ذكي ويستخدم صالحياته يف استخدام جهاز التحكم عن بعد (الريموت‬
‫كونرتول)‪ ،‬وبام أن لديه خيارات كثرية فإنه ‪-‬إن مل أو ضجر‪ -‬سيبحث عن قنوات‬
‫أخرى عله جيد لدهيا من التحليل و رشح جمريات األمور ما يعتربه معقوالً ومقنع ًا‪.‬‬

‫‪294‬‬
‫لذلك علينا يف جمال العمل اإلعالمي‪ ،‬والتلفزيوين منه بشكل خاص‪ ٫‬أن نسأل‪ :‬ما‬
‫الذي نحتاجه حتى نوسع من رشحية املشاهدين ونتمكن من إيصال ما لدينا إىل مجهور‬
‫املتلقني؟‬
‫وأود هبذه املناسبة أن أشكر مجيع املشاركني يف هذه الندوة عىل ما قدموه من‬
‫مداخالت‪ ،‬ومع أنني ال أتفق بالرضورة مع كل ما قيل‪ ،‬إال أنني مرسور من استامعي‬
‫هلذه اآلراء‪ ،‬وبعضها بال شك ختالف قناعتي‪ .‬ورغم ذلك أقر بأن هذه اآلراء‪ ،‬ما اتفقنا‬
‫معه وما مل نتفق‪ ،‬موجودة ومتداولة لدى عامة الناس ولدى النخب السياسية والفكرية‪.‬‬
‫ونحن بحاجة إىل أن نتحاور بشأهنا وبأن ال يامرس أحد سياسة تكميم األفواه‪ ،‬وأن نسعى‬
‫لنقل كل النظريات والتحليالت ما نتفق عليه وما نختلف بشأنه عرب وسائل إعالمنا‪،‬‬
‫وبالذات عرب قنواتنا الفضائية‪ ،‬إلرشاك املشاهد يف احلكم عىل ما يسمع ويشاهد‪.‬‬
‫إن فتح باب النقاش عىل اهلواء بشأن خمتلف النظريات سيعود يف النهاية بالفائدة‬
‫علينا مجيع ًا‪ .‬وبعض ما قيل رغم غرابته وحتى تطرفه‪ ،‬إنام ينم عن خماوف‪ ،‬وبعضه تسنده‬
‫قناعات قد يصدقها الواقع وقد تشوهبا مغاالة ويعرتهيا شطط‪ .‬إال أننا نجني من حوارنا‬
‫املقرتح والرصيح والشفاف عرب القنوات الفضائية بشأهنا توسيع دائرة مجهور املتلقني‪،‬‬
‫وبذلك يصل حوارنا إىل اكرب رشحية ممكنة من الناس‪ ،‬وذلك هو مفتاح باب املصداقية‬
‫التي ال استغناء لوسيلة إعالمية جادة وهادفة عنها‪.‬‬
‫ثم ينبغي ‪-‬انطالق ًا من قناعتنا بأمهية اإلعالم‪ -‬أال نقرص اهتاممنا عىل املتلقني يف‬
‫نطاق جغرايف حمدد‪ .‬فكثري من القنوات اإلسالمية ختاطب حرصي ًا من حيث تقصد‬
‫أو ال تقصد اجلمهور يف منطقة اخلليج واجلزيرة العربية رغم أن ما نحن بصدده ليس‬
‫مشكلة خليجية‪ ،‬بل املشكلة اعم من ذلك‪ ،‬تشمل مناطق عدة يف العامل يف مرص و املغرب‬
‫وماليزيا‪ .‬ومرة أخرى نحتاج إلجابة عىل سؤال‪ :‬كيف نوسع دائرة مجهور املتلقني ونصل‬
‫ببثنا إىل مناطق غزاها اإلعالم اإليراين وأثر فيها كثري ًا خالل العقد األخري عىل األقل؟‬
‫لعل من وسائل حتقيق ذلك إنتاج وبث برامج تعتمد عىل احلوار احلر واملفتوح‪،‬‬
‫يستضاف فيها خرباء عىل مستوى عال من الوعي والدراية‪ ،‬لدهيم املهارة يف تقديم‬
‫حججهم إىل املتلقي بشكل مقنع وجذاب‪ .‬وجتنب االقتصار عىل اخلطاب والتحليل‬

‫‪295‬‬
‫الطائفي ملا جيري‪ ،‬والبحث عام وراء التوترات من تظلامت اقتصادية واجتامعية وسياسية‪.‬‬
‫واسمحوا يل أن أرضب لكم مثاالً من الندوة التي نظمتها وبثتها قناة احلوار عن املشكلة‬
‫املزمنة واملعاناة الدائمة لعرب االحواز‪ ،‬والتي دعي إىل املشاركة فيها جمموعة من العرب‬
‫االحوازيني وبعض اخلرباء واملحللني‪ .‬وقد جاء تنظيم هذه الندوة بعد أن زار قناة احلوار‬
‫عدد من العرب األحوازيني وشكوا من إمهال وسائل اإلعالم العربية واإلسالمية‬
‫لقضيتهم‪ .‬من اجلدير بالذكر أن معظم عرب األحواز هم من الشيعة‪ .‬فاجأ املشاركني‬
‫يف الندوة أحد األحوازيني احلارضين‪ ،‬وهو معمم من رجال الدين الشيعة‪ ،‬بقوله‪« :‬لقد‬
‫بدأنا نفقد أبناءنا من اجليل اجلديد من الشيعة اىل السنة بسبب االضطهاد الذي يقع‬
‫علينا من النظام اإليراين‪ ،‬فبات كثريون منهم ينفرون من التشيع وينتقلون إىل التسنن‬
‫احتجاج ًا‪ ».‬ولعل مما يستفاد من ذلك وينبغي التنبيه إليه والتأكيد عليه أن النظام اإليراين‬
‫ال يفعل كل ما يصدر عنه من سياسات وممارسات من منطلق طائفي شيعي‪ ،‬وإال مل يكن‬
‫ليضطهد ويظلم هؤالء العرب الشيعة‪.‬‬
‫ما أردت الوصول إليه هو أن العامل الطائفي ربام كان واحد ًا من جمموعة عوامل‬
‫ومكونات أخرى حمصلتها هو ما نراه وما نلمسه من سياسات وممارسات‪ .‬وإذا أردنا أن‬
‫يكون إلعالمنا مصداقية وأن يرقى إىل مستوى من املهنية يعتربه املشاهدون بفضلها مرجع ًا‬
‫يطمئنون إليه‪ ،‬علينا أال نغرق يف اخلطاب الطائفي الذي يعجز وحده عن تفسري ما جيري‬
‫من حولنا‪ .‬ونصيحتي اىل االخوة الذين يملكون أو يديرون فضائيات إسالمية‪ ،‬والتي‬
‫ختصص ساعات من بثها اليومي للحديث عن إيران ومشاريعها يف املنطقة‪ ،‬جتاوز البعد‬
‫الطائفي‪ .‬فنحن بحاجة ماسة إىل التوجه إىل اجلامهري بخطاب إنساين مقنع نسعى من خالله‬
‫إىل التخذيل عن إخواننا يف سورية يف مواجهة التمدد واالخرتاق اإلعالمي اإليراين الذي‬
‫تبذل فيه أموال طائلة من قبل النظام اإليراين‪ .‬ولعله يكون أكثر نجاعة يف هذا السياق أن‬
‫نتعامل مع املرشوع اإليراين عىل انه مرشوع دولة قومية اقليمية تسعى الن تكون قوة عظمى‬
‫مهيمنة‪ .‬وأرى أن هذا يفسح لنا املجال ألن نضمن يف حتليلنا للظاهرة اإليرانية مكونات‬
‫املرشوع اإليراين الباحث عن العظمة بمختلف أنواعها العقائدية والسياسية و االقتصادية‪.‬‬
‫إنني أشك يف أن تتمكن القنوات الفضائية اإلسالمية التي تركز عىل املكون الطائفي‬

‫‪296‬‬
‫للمرشوع اإليراين وجتعله األساس يف تفسري تطلعاته وآفاقه من إقناع رشحية عريضة‬
‫من الناس بام تريده من مثل هذا اخلطاب‪ .‬وأنصح القائمني عىل هذه القنوات بمراجعة‬
‫جادة لسياساهتم التحريرية بام جيعلها أكثر إقناع ًا إزاء حتليل وتوصيف متغريات الربيع‬
‫العريب‪ .‬فام كان سائد ًا قبل الربيع من نظريات هتشم كثري منها ومل يعد له سند‪ .‬فبدالً‬
‫من اإلرصار عىل ترديد ما مل يكن معقوالً وال مقبوالً قبل الربيع العريب‪ ،‬األحرى بنا‬
‫أن نسلط الضوء عىل اآلثار املزلزلة هلذا الربيع‪ ،‬والتي غريت خريطة التحالفات بشكل‬
‫جذري‪ .‬فقبل الربيع العريب سادت لدى النخب‪ ،‬سواء كانت إسالمية أو قومية علامنية‪،‬‬
‫نظريات تعتمد عىل انقسام املنطقة العربية واإلسالمية إىل فسطاطني أو معسكرين‪:‬‬
‫معسكر ممانعة و معسكر اعتدال‪ .‬وهذا االنقسام كان حقيقي ًا‪ ،‬ال نستطيع إنكاره وال‬
‫حيسن بنا ذلك‪ .‬وأنا شخصي ًا ال أستطيع أن أنكر أنني كنت أقف يف منابر كثرية مدافعا‬
‫عن حزب اهلل وعن إيران وعن سورية‪ ،‬ألهنا كانت عنارص أساسية فاعلة يف معسكر‬
‫املامنعة الذي كان يدعم املقاومة الفلسطينية بكثري مما كانت حتتاجه لتبقى وتستمر‪ .‬ويف‬
‫املقابل كانت هذه املقاومة ضحية تآمر عليها من قبل منتسبي معسكر االعتدال بقيادة‬
‫نظام حسني مبارك ومشاركة أنظمة عربية موالية للغرب مثل نظام بن عيل يف تونس‬
‫وبعض األنظمة األخرى التي ما تزال تنتظر الربيع‪ .‬و ملا هبت نسائم الربيع العريب عىل‬
‫املنطقة وحتولت إىل عواصف أطاحت بنظام بن عيل يف تونس ونظام حسنى مبارك يف‬
‫مرص‪ ،‬أطاحت معها بالتحالفات التي سادت ألكثر من عقد من الزمن‪ ،‬ومل يعد التاميز‬
‫قائ ًام بني أنظمة تدعم املقاومة وأخرى تتآمر عليها بل بني أنظمة طاغية فاسدة من جهة‬
‫وشعوب انتفضت تطالب بحريتها وكرامتها من جهة أخرى‪ .‬ومل يشذ عن هذه األنظمة‬
‫الطاغية نظام بشار األسد الذي كان ممانع ًا حتى األمس القريب وبات يرتكب أبشع‬
‫املجازر وأفظع االنتهاكات بحق الشعب السوري‪.‬‬
‫وخالصة القول أن الربيع العريب ولد حالة خمتلفة متام ًا مل يبق معها معسكر ممانعة‬
‫وال معسكر اعتدال‪ .‬أصبح الرصاع يف املنطقة رصاع ًا بني شعوب تتوق إىل احلرية و‬
‫الكرامة يف مواجهة طواغيت بعضها كان يف معسكر االعتدال والبعض اآلخر كان يف‬
‫معسكر املامنعة‪ .‬أرى أن مثل هذا التفسري للحدث هو الذي يمكننا من الرد بشكل مقنع‬

‫‪297‬‬
‫عىل النظريات التي يروج هلا اإلعالم املدعوم إيراني ًا‪ ،‬سواء املكتوب أو املسموع أو‬
‫املشاهد منه‪ ،‬ومفادها أن ما جيري يف سوريا إنام هو مؤامرة عىل املامنعة واملقاومة‪ .‬وليس‬
‫أدل عىل ذلك من انفراط العقد الذي مجع أعضاء معسكر املقاومة واملامنعة‪ ،‬إثر رفض‬
‫حركتي محاس واجلهاد اإلسالمي يف فلسطني البقاء يف سوريا بينام نظامها يذبح شعبه بعد‬
‫أن رفضتا يف بداية األحداث إصدار بيانات داعمة للنظام أو مؤيدة له‪.‬‬
‫يف اخلتام‪ ،‬أدعو إىل إنشاء قناة سياسية حمرتفة ومهنية ناطقة باللغة الفارسية ليس‬
‫هدفها القيام بمهام تبشريية أو حماولة تفنيد ما يعتقده الشيعة‪ ،‬فال أرى ذلك ناجع ًا‪ ،‬وإنام‬
‫املطلوب هو خماطبة الشعوب الناطقة بالفارسية من خالل نقاشات وحوارات هدفها‬
‫تعرية النظام اإليراين وكشف ازدواجيته ونفاقه السيايس‪ ،‬بل وميكافيليته‪ ،‬عىل املأل‪.‬‬
‫ليس لدي شك يف أن مثل هذا املرشوع سيصب يف صالح قضية شعب سوريا والشعب‬
‫العريب املضطهد يف األحواز والشعب العراقي الذي باتت مقاليد أموره يف أيدي حفنة‬
‫من عمالء النظام اإليراين بزعامة نور املالكي‪ .‬وأرى أن فرص نجاح مثل هذا املرشوع‬
‫كبرية بسبب وجود هوة عميقة آخذة يف االتساع بني الشعب اإليراين وبني نظام والية‬
‫الفقيه املهيمن عليه وعىل مقدراته باسم خرافات ما أنزل اهلل هبا من سلطان لعل بعض من‬
‫يدعيها يعلم يف قرارة نفسه بطالهنا وتفاهتها‪ .‬فالشعب اإليراين أيض ًا مظلوم ومضطهد‪،‬‬
‫بل وحمروم‪ ،‬إذ هتدر أمواله وتبدد ثرواته الطبيعية حول العامل يف مشاريع خمتلفة هدفها‬
‫حتقيق هيمنة املرشوع اإليراين التوسعي عىل حساب رخاء وراحة وسمعة املواطنني‪ .‬لعل‬
‫قناة تلفزيونية فارسية بمواصفات عالية اجلودة من املصداقية واملهنية تساهم يف إيصال‬
‫املعلومة الصحيحة والتحليل العلمي الدقيق إىل كافة هؤالء الناس‪ ،‬وبذلك يكون هلا‬
‫دور معترب يف والدة حراك حميل يؤدي إىل ربيع إيراين يؤذن بتغيري نحو األفضل لصالح‬
‫الشعوب اإليرانية والشعوب العربية عىل حد سواء‪.‬‬
‫وبسبيل حتقيق هذا اهلدف ُيقرتح جمُ لة من املراحل‪ ،‬تُعنون بفلسفة التأهيل الفكري‬
‫والثقايف‪ ،‬والتوطني والتمكني السيايس‪ ،‬والت ََّس ُّيد والت ََّحكُّم الوطني‪:‬‬
‫(((‬

‫((( عناوين املراحل من وضع الباحث وليست من صياغة الرجياين‪.‬‬

‫‪298‬‬
‫املرحلة األولى‪ :‬الوعي الفكري‪:‬‬
‫“رضورة بروز الوعي واالهتامم هبدف إحياء اإلسالم (=الشيعي) عىل اعتبار أنه‬
‫السبيل الوحيد حلياة اإلنسان واجلامعة”‪.‬‬

‫املرحلة الثانية‪ :‬النفوذ والتمكني احمللّي‪:‬‬


‫“السعي وبذل اجلهود إلقامة احلكومات اإلسالمية يف الدول املختلفة‪ ،‬من خالل‬
‫الدور املحوري للشعوب يف تشكيل هذه احلكومات‪ ،‬وتوظيف خمتلف الوسائل والطرق‬
‫سواء كانت انتخابات أو استفتاءات‪ ،...‬ويف بعض األحيان قد تؤدي النهضة‪ ،‬وثورة‬
‫الشعوب (=االنتفاضات) واخلروج إىل الشوارع إىل هذه النتيجة؛ وال ضري يف ذلك إذا‬
‫كان حيقق اهلدف املنشود منه‪ ،‬وهو إقامة احلكومة اإلسالمية يف النهاية”‪.‬‬

‫املرحلة الثالثة‪ :‬االنصهار الوحدوي‪:‬‬


‫“يف الوقت الذي تستطيع فيه الشعوب حتقيق األهداف سالفة الذكر‪ ،‬ثم تشكيل‬
‫احلكومات اإلسالمية‪ ،‬جيب عليها التوجه بعدها نحو خطوة تكوين حكومة إسالمية‬
‫واحدة لغرض مجع األمة اإلسالمية‪ ،‬وتوحيدها حتت قيادة «دولة أم القرى»‪ ،‬التي تكون‬
‫إيران مركزها”‪.‬‬
‫ا ُملالحظ أن الرجاين ال خيتلف إسرتاتيجيا عن باقي منظري اهليمنة اإليرانية‬
‫ِ‬
‫املتوشحة برداء املذهب اإلثنا عرشي كأصل لإلسالم ال فرع من فروعه‪ ،‬غري‬ ‫احلديثة‪،‬‬
‫أنه تكتيكيا ‪-‬بحكم ختصصه الفيزيائي‪ -‬يتصف بإضفاء الفلسفة العقالنية عىل منطلقات‬
‫والية الفقيه السياسية؛ ل ُيحيلها إىل منطق الرضورة احلضارية‪ُ ،‬عنقودي َة التكوين والنمو‪،‬‬
‫بعد أن كانت توجيها ِر َسال ًّيا ووصاي ًة أبوية ثورية‪ ،‬ومن هنا يدعو إىل التمسك هبدف‬
‫«احلكومة اإلسالمية العاملية» وتأييده كرؤية وهدف غائي البد من الوصول إليه‪.‬‬
‫ويمكن إجياز تسلسل نظرية «أم القری» العقالنية‪ ،‬وا ُمل َعدّ لة لنظرية «احلكومة‬
‫اإلسالمية» الراديكالية باآليت‪:‬‬
‫ ‪-‬األصل يف العامل اإلسالمي أنه «أمة واحدة»‪ ،‬فــ «أول يشء جيب االنتباه له‬
‫‪299‬‬
‫هو أن «اإلسالم» له أمة واحدة؛ أي عندما نقول‪« :‬العامل اإلسالمي» فإننا نقصد مجوع‬
‫املسلمني‪ ،‬وال نقصد أماكن إقامتهم‪ ،‬مثلام نقول‪ :‬عامل األكراد أو األرمن وغريه؛ بل إن‬
‫ناس لدهيم انسجام ُوجهة وحركة‪ ،‬مع التوجيه‬
‫العامل اإلسالمي «أمة» واحدة‪ ،‬و«األمة» ٌ‬
‫(((‬
‫نحو هدف واحد‪.»...‬‬
‫ ‪-‬وأساس وحدته «قيادته»‪ ،‬وقيادة العامل اإلسالمي ال تتأتى إال بأسلوبني من‬
‫وجهة النظر اإليرانية‪ ،‬بحكم أن العامل يعيش زمن الغيبة الكربى‪« ،‬ومها عبارة عن‪ :‬رأي‬
‫أغلبية الشعب‪ ،‬والوصاية‪ ،‬ويل الشخص ينتخب ما بعده ِ‬
‫وينص َبه‪ ،‬ويف األسلوب اآلخر‬ ‫َ ُّ‬
‫(((‬
‫األمة جيب أن تقدّ م رأهيا‪ ،‬واألغلبية تدل عىل النتيجة النهائية‪.»...‬‬
‫ ‪-‬وقيادته تقوم عىل أساس «والية الفقيه»؛ ألنه «من املمكن أن يوجد يف ٍ‬
‫دولة‬
‫َّما مشاكل ونقص وقلة موارد كثرية‪ ،‬لكن يكون فيها «نظام الوالية» صحيحا‪ ،‬فمن‬
‫املسلم به أنه يوجد يف هذه الدولة نظام إسالمي حقيقي‪ ..‬اإلعامر واألنظمة واملحافظة‬
‫عىل الظواهر الرشعية كلها أمور فرعية‪ ،(((»..‬ألن الويل الفقيه «لديه نوعان من الوالية‪:‬‬
‫«والية اإلرشاد» و«والية األمر»؛ ففي والية اإلرشاد ‪-‬فإنه كام جيذب القلوب املتعددة‬
‫بقوته وعلمه وتفوقه يف النظرة‪ -‬جيلب توجه األمة للقضايا املهمة لإلسالم واألمة‬
‫(((‬
‫اإلسالمية‪.»...‬‬
‫ ‪-‬وعندما تقوم حكومة يف أي بالد اإلسالم لدهيا األهلية لقيادة األمة‪ ،‬حينها‬
‫تصبح هي «أم القرى» دار اإلسالم‪ ،‬وحينها فقط «نستطيع أن ُنبينّ مفهوم «أم القری»‬
‫بوضوح نسبي‪ :‬دولة «أم القری» تصبح العامل اإلسالمي‪ ،‬والتي هلا قيادة‪ ،‬وهي يف احلقيقة‬
‫تكون الئقة لقيادة كل األمة‪.»...‬‬
‫(((‬

‫ ‪-‬وجيب عىل قيادهتا مالحظة مصالح األمة كلها‪ ،‬فاملحافظة عىل كل األمة‬
‫فريضة عليها وأولوية قصوى‪« ،‬تالحظون أنه من أجل إجياد «أم القری» فليس مطروح ًا‬

‫((( مقوالت يف اإلسرتاتيجية الوطنية‪ /‬ص‪24‬‬


‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪24‬‬
‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪28‬‬
‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪30‬‬
‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪25‬‬

‫‪300‬‬
‫املوقع اإلسرتاتيجي والسكان واجلنس وأمثال ذلك‪ ،‬بل املعيار هو يف «الوالية»؛ بعبارة‬
‫أخرى‪ :‬إذا ادعت دولة بأهنا «أم القری»‪ ،‬فيجب عليها أن ترفع مستوى قيادهتا إىل أبعد‬
‫من حدودها اجلغرافية‪ ،‬وأن جتعلها منتخبة لكل األمة؛ كذلك تالحظون أنه يف هذا‬
‫املفهوم الذي قدمناه إلجياد «أم القری»‪ ،‬هذه الصفة ال يمكن أن تكون «إرث ًا» ألي قوم‪،‬‬
‫بل إنه من املمكن أن يكون قوم صاحب «أم القری» (=اإلسالم) ملدة َّما‪ ،‬وبعد مدة‬
‫(((‬
‫يسقط عنه هذا املوضوع‪.»...‬‬
‫ ‪-‬لكن بعد قيام الثورة اخلمينية‪ ،‬وتأسيس اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية‬
‫«سواء أكانت يف زمن قيادة اإلمام اخلميني (قدس رسه الرشيف)‪ ،‬الذي كان شمس‬
‫البرشية‪ ،‬أو يف الوقت احلارض‪ ،‬الذي هو حتت ويل األمر سامحة آية اهلل خامنئي (دامت‬
‫دار اإلسالم‪ ،...‬والقيادة احلقة‪،‬‬
‫بركاته الرشيفة)»‪ ،‬تصبح هي «بدون شك «أم القرى» َ‬
‫(((‬
‫وأصبح عليها واجب أن تقود العامل اإلسالمي‪.»...‬‬
‫ ‪-‬و ُيفرض عىل كل مك َّلف من أفراد األمة «واجب واليتها؛ أي أن إيران‬
‫أصبحت هلا القيادة لكل األمة»‪ ،‬وطاعة قيادهتا‪ ،‬واالنصياع إليها‪ ،‬فهي األمة وهي دار‬
‫اإلسالم‪ ،‬وما عداها دار رشك؛ و»بنا ًء عىل ذلك فإن اإلمام (رمحة اهلل عليه) كان له‬
‫مقامان يف الوقت نفسه‪:‬‬
‫األول‪ :‬مقام القيادة القانونية للجمهورية اإلسالمية اإليرانية‪ ،‬والتي تم تعريفها‬
‫طبقا للدستور‪ ،‬وقد ُحددت واجباهتا وصالحياهتا‪.‬‬
‫واملقام اآلخر‪ :‬والية العامل اإلسالمي‪ ،‬الذي قد أقرها الواجب الرشعي‪.»..‬‬
‫(((‬

‫ ‪-‬وعىل األمة كلها حينها ‪-‬فرد ًا فرد ًا‪ -‬حماربة الرشك عىل مبدأ اإلسالم القايض‬
‫ٍ‬
‫مكان‬ ‫باألمر باملعروف والنهي عن املنكر؛ ألنه «إذا وقع هجوم عىل اإلسالم من أي‬
‫وتنهض‬
‫ُ‬ ‫يف العامل‪ ،‬أو جرى االعتداء عىل حقوق املسلمني‪ ،‬فإن «أم القری» تَر ُعد وتزجمر‬
‫للدفاع؛ ومن املؤكد أن احلكومات اجلائرة والكافرة لن تتحمل ذلك‪ ،‬وستتهيأ إلزالة‬

‫((( مقوالت يف االسرتاتيجية الوطنية‪ /‬ص‪25‬‬


‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪26-25‬‬
‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪25‬‬

‫‪301‬‬
‫عر َة من األنف؛ لذلك تستهدف حياة النظام؛ يف مثل هذا الوضع‪ ،‬فإن عىل كل‬ ‫هذه َّ‬
‫الش َ‬
‫األمة اإلسالمية واجب الدفاع‪ ،‬وليس فقط شعب «أم القری»‪.»...‬‬
‫(((‬

‫ ‪-‬وهبذا تصبح أم القرى إمرباطورية عاملية مهابة اجلناب دولي ًا؛ ألن األمة‬
‫اإلسالمية «كلام أظهرت استعدادا أكثر للدفاع عن حياة «أم القری»‪ ،‬فإن حكومات‬
‫ونامريد الكفر‪ ،‬سيلتزمون ضبط النفس يف اهلجوم عىل «أم القری»؛ ألهنا حتسب حساب‬
‫ألمة عظيمة‪ :‬مليارات وليس لعدة ماليني من السكان‪ ،‬وسيكون لـ«أم القری» يف األمن‬
‫(((‬
‫أكثر قدرة عىل املناورة والتحرك أكثر للدفاع عن حقوق املسلمني‪.‬‬
‫وال يتوانا الدكتور الرجياين عن دعوة احلكومة اإليرانية إىل أن تسعى ‪-‬من دون‬
‫كلل أو ملل‪“ -‬يف املحافظة عىل مكانة «أم القرى»”‪ ،‬وجعل هذا اهلدف “جزءا من‬
‫إسرتاتيجيتنا الوطنية‪ ،...‬أي هدف الربنامج من األهداف املصريية الوطنية”‪.‬‬
‫(((‬

‫ولكن األخطر يف نظريته أنه ربط مفهوم «اإلسرتاتيجية الوطنية» باملفهوم العسكري‬
‫األصيل للكلمة‪ ،‬داعيا إىل تسخري كل طاقات إيران املادية والبرشية للوصول حلالة «أم‬
‫القرى» بدالً من «احلكومة اإلسالمية العاملية»‪ ،‬عىل أساس أهنا منصة االنطالق التي إن‬
‫نجحت ‪-‬وجيب أن تنجح‪ -‬فستثمر تلقائي ًا حالة اإلمرباطورية الكونية‪ ،‬وهذا يعني أن‬
‫عىل احلكومة اإليرانية أن تعيد النظر يف داللة مفهوم اإلسرتاتيجيات السياسية احلديثة‪،‬‬
‫بالرجوع إىل مفهومها األصيل؛ إذ إن «اإلسرتاتيجية يف مفهومها القديم‪ ،‬كانت فن‬
‫استخدام كافة اإلمكانيات العسكرية للحصول عىل النرص يف احلرب؛ لكن أقدم الوثائق‬
‫العسكرية (=مثل كتاب ‪ )Son Tzu‬يدل أيضا عىل أنه يف االشتباك العسكري يمكن‬
‫لإلمكانيات غري العسكرية أن يكون هلا دور مؤثر أيض ًا؛ لذلك فإن كلوز وتيس ‪-‬الذي‬
‫جيب أن يعترب بحق مؤسس فن اإلسرتاتيجية‪ -‬يف كتابه املعروف «‪/von dyer kliegs‬‬
‫حول احلروب» يعترب أن اإلسرتاتيجية هي‪:‬‬
‫فن استخدام كافة إمكانيات شعب للحصول عىل هدف عسكري‪ ،‬والذي يمكن‬

‫((( مقوالت يف االسرتاتيجية الوطنية‪ /‬ص‪26‬‬


‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪26‬‬
‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪28‬‬

‫‪302‬‬
‫اعتباره أبعد من مفهوم االنتصار يف احلرب؛ ومن بعد ذلك فإن املفكرين السياسيني‬
‫(((‬
‫َو َّس ُعوا من هذا النطاق حتى وصلنا إىل املفهوم التقليدي احلايل‪.”...‬‬
‫حتولت إىل‬
‫ويف إعادة صياغة إسرتاتيجية «نرصة املستضعفني» اخلمينية‪ ،‬والتي َّ‬
‫نص دستوري‪ ،‬كمربر قانوين وديني للتدخل يف الشؤون الداخلية للدول األخرى‪،‬‬
‫يرضب الرجياين مثاال يتناغم مع نظريته‪ ،‬فيفرتض مثال أنه «إذا تم التعرض عسكريا‬
‫لدولة ما‪ ،‬وجيش املعتدي يف حالة تقدم‪ ،‬يف هذه احلالة ستستخدم احلكومة [اإليرانية]‬
‫كافة إمكانيات الشعب حتى توقف زحف قوات العدو‪ ،‬ومن ثم خترج قواته وتزيل‬
‫هتديده؛ يف هذه احلالة فإن الدفاع يصبح هدفا مصرييا‪ ،‬وجيب عىل احلكومة أن يكون هلا‬
‫إسرتاتيجية وطنية‪.»..‬‬
‫(((‬

‫إن نظرية أم القرى «قائمة متام ًا عىل فكر الوالية اإلسالمية احلقيقية؛ تالحظون‬
‫أنه إذا تم جتاهل هذا األمر‪ ،‬فإننا لن نستطيع أن نورد أي إشكالية عىل النظرية العملية‬
‫للحكومة؛ وإذا تم أخذ نظر االعتبار هلذا األصل فإن النظرية كلها ستُد َّمر‪ ،(((»..‬بل‬
‫هي مبنية عىل أركان والية الفقيه‪ ،‬وأي تصدع فيها يعني اهنيار النظرية كلها‪ ،‬وما الرأي‬
‫العام ‪-‬أو الشعب‪ /‬املقلدون‪ -‬إال تابع للويل إن غدى أو راح‪ ،‬عىل أساس أن احلكومة‬
‫اإلسالمية‪ /‬حكومة الويل الفقيه تقوم عىل‪:‬‬
‫«األول‪ :‬الوالية املطلقة للفقيه‪ ،‬فويل الفقيه لديه نوعان من الوالية‪« :‬والية‬
‫اإلرشاد» و«والية األمر»؛ ففي والية اإلرشاد ‪-‬فإنه كام جيذب القلوب املتعددة بقوته‬
‫وعلمه وتفوقه يف النظرة‪ -‬جيلب توجه األمة للقضايا املهمة لإلسالم واألمة اإلسالمية‪.‬‬
‫وإطالق الوالية واإلمكانيات التي وضعها الشارع يف هذا األمر حتت ترصفه كلها‬
‫وسائل (=أدوات) عمله‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬إن أصالة املعرفة يف النظرة اإلهلية واإلسالم واألديان اإلهلية مجيعها‪ ،‬وضعت‬
‫املعرفة والبصرية نقطة البداية للمسرية الكاملية لإلنسان‪ ،‬هذا األمر يظهر بصورة كاملة‬

‫(((مقوالت يف االسرتاتيجية الوطنية‪ /‬ص‪27‬‬


‫((( املصدر نفسه ‪ /‬ص‪27‬‬
‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪28‬‬

‫‪303‬‬
‫يف طاعة اإلمام‪ ،‬ويف انتخابه‪ ،‬ويف الترصف معه؛ فال قيمة ألي طاعة دون ركن املعرفة‪،‬‬
‫ومجيع العبادات ُتوزن بميزان املعرفة‪.‬‬
‫ومن ناحية أخرى فإن العمل السيايس يف النظام اإلسالمي‪ ،‬هو بالذات عمل‬
‫تع ُّبدي؛ لذلك ال يمكنه أن يكون خاليا من هذا األمر‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر؛ وهو من األركان االجتامعية واألنشطة‬
‫االجتامعية السياسية يف النظام اإلسالمي‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬املحافظة عىل مصالح «أم القرى»‪ :‬وخاصة بالتنسيق مع «ويل الفقيه»‪،‬‬
‫وكذلك املحافظة عىل األرسار العامة لألمة اإلسالمية‪.»...‬‬
‫(((‬

‫ستتحول إىل أصل ثابت يف السياسة الدولية اإليرانية‪،‬‬


‫َّ‬ ‫ويتنبأ الرجياين لنظريته أهنا‬
‫بل تتجاوز مرحلة نظرية اخلميني للحكومة اإلسالمية العاملية؛ عىل أساس أننا «عندما‬
‫ننظر خارج حدودنا‪ ،‬فإن غرضنا ال يتعدى مقولتني‪ :‬تصدير الثورة واملحافظة عىل أم‬
‫القرى؛ وإذا يف مرحلة ما حدث تزاحم‪ ،‬فإن األولية هي مع املحافظة عىل أم القرى»‪.‬‬
‫(((‬

‫ممانعة ومسايرة‬
‫يالحظ يف كافة الثورات البارزة يف التاريخ اإلنساين أن كل ثورة احتوت عىل اجتاهني‬
‫يف نرش أفكارها خارج جغرافيتها‪ ،‬ومها‪ :‬اجتاه بناء الدولة النموذج (‪)State-Model‬‬
‫من خالل حماولة الوصول ببناء الدولة إىل مرحلة الكامل من وجهة نظر أيديولوجية‪ ،‬بام‬
‫جيذب تأييد شعوب أو قوى حميطة‪ ،‬تكون مشاركة يف خصائص معينة مع شعب الدولة‬
‫الذي قامت فيه الثورة‪ ،‬والبلشفية االشرتاكية كانت نموذجا واضحا طيلة عقود‪.‬‬
‫واالجتاه اآلخر اجتاه تصدير الثورة‪ ،‬وهو “ينارص فكرة دور خارجي فعال للنظام‬
‫الثوري يف مساندة قوى تتبنى نفس أفكاره؛ وإحدى حجج هذا االجتاه‪ ،‬هي أن أفضل‬
‫وسائل الدفاع هي اهلجوم‪ ،‬فعندئذ يعترب الدور اخلارجي الفعال واملتدخل يف شؤون‬
‫دول أخرى إجراء وقائيا خيدم كمقدمة الحتواء أي هجوم عىل الثورة من القوى‬

‫(((مقوالت يف االسرتاتيجية الوطنية‪ /‬ص‪31-30‬‬


‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪29‬‬

‫‪304‬‬
‫اإلقليمية والدولية التي تعتربها هذه الثورة معادية هلا‪ .‬واحلالة اإليرانية ليست استثناء‬
‫من هذه القاعدة‪ ،‬بل إن كون الثورة اإليرانية رفعت شعارات إسالمية أعطت مربر ًا‬
‫إضافي ًا ألنصار االجتاه الثاين”‪.‬‬
‫(((‬

‫هذا من ناحية فلسفية؛ أما من الناحية التارخيية‪ ،‬فهناك نمط يكاد يكون واحدا يف‬
‫العالقات الدولية عرب تاريخ البرشية‪ ،‬خيضع لقانون «التدافع» أو ‪-‬ما يطلق عليه حديثا‪-‬‬
‫«الرصاع» بني الدولة الكبرية يف كل يشء (جغرافيا وديموغرافيا واقتصاديا وطموحا)‬
‫وجاراهتا الصغرية يف كل يشء‪.‬‬
‫وبِ َغ ّض النظر عن كونه رصاع ًا للوجود أو النفوذ؛ فلك ُِّل أمة كُربى احلق السيايس‬
‫‪-‬ال األخالقي‪ -‬يف تأمني مصاحلها عن طريق توثيق ُعرى عالقاهتا‪ ،‬وتشبيك مصاحلها‬
‫بمصالح الطرف املستهدف‪ ،‬وفرض نوع من الوصاية وربام اهليمنة عىل قرارات اآلخر‬
‫اإلسرتاتيجية‪ ،‬وهذا حييل الدول الصغرية إىل «ذيل تابع» ال يملك اخلروج عن َمداره‬
‫الذي يطلبه اجلار األقوى‪.‬‬
‫وعالقة الالسلم والالحرب (=احلرب الباردة) مع جارة كربى‪ ،‬تسعى لتأمني‬
‫مصاحلها عرب التّمدُّ د اجليوسيايس‪ ،‬هلا قانوهنا الذي يمكن عن طريقه التنبؤ بحركتها‬
‫القادمة‪ ،‬وهلا أدواهتا التي جتعلها حارضة يف داخل النسيج املستهدف‪ ،‬ويمكن تلخيص‬
‫طريقة اإلسرتاتيجية اإليرانية يف حرهبا الباردة مع حميطها اجليوسيايس بنظرية «اإلحالل‬
‫واإلبدال»‪ ،‬التي هيكلها وعمودها املجتمع الشيعي املوايل املؤمن بوالية الفقيه‪ ،‬أما‬
‫العضالت فهي حتالفاهتا مع رشائح ‪-‬ال يشرتط فيها التش ُّيع‪ -‬تتفق معها يف التيار «الثوري»‬
‫ملواجهة اإلمربيالية األمريكية‪ ،‬والعنجهية الصهيونية‪ ،‬ومن يواليهام أو يعمل عىل متكينهام‪،‬‬
‫وأما جلدها وبشرْ َ هتا فشخصيات نفعية قابلة لعمل أي يشء تقتضية املصلحة الشخصية‬
‫بمقابل مجُ ٍز‪ ،‬ومن مجيع هؤالء يخُ لق جمتمع نافذ وتيار حاكم‪ ،‬يصلح أن َّ‬
‫يتحول شيئ ًا فشيئ ًا‬
‫إىل بديل يحَ ِ ُّل محَ َ َّل املجتمع القائم‪ ،‬والذي ُيشكّل رشعية وجود لألنظمة احلاكمة؛ فإذا تم‬
‫ٍ‬
‫«معاد» بمجتمع «م ٍ‬
‫تصدِّ عة‪،‬‬ ‫وال» َس ُه َل نزع الرشعية عن «املشيخات» ا ُمل َ‬ ‫ُ‬ ‫استبدال جمتمع‬

‫((( يراجع‪ :‬وليد النارص‪ :‬إيران‪ ..‬دراسة عن الثورة والدولة (الفصل الثالث)‬

‫‪305‬‬
‫وحمو سبب وجودها اهلش‪ ،‬ومن ثم إجلاؤها إما إىل املواجهة املسلحة مع شعبها لفرض‬
‫رشف من البلد الذي كانت حتكمه‪ ،‬لتتحول‬‫وجودها ورشعيتها كأمر واقع‪ ،‬أو الرحيل ا ُمل ِّ‬
‫(((‬
‫تلك البالد إىل يد «البديل» الذي اصطنعته السياسة اإليرانية‪.‬‬
‫يف التحليل الدقيق للعقلية السياسية اإليرانية‪ ،‬يبدو أن اجلزيرة العربية عند اإليرانيني‬
‫منطقة مشيخات هشة احلُكم ضعيفة القبضة‪ ،‬ومنظومتها االجتامعية مليئة بالت ََّصدُّ عات‬
‫والشقوق التي يمكن استثامرها سياسيا عرب بوابة املذهبية‪ ،‬لبناء مصدَّ ات حامية قابلة‬
‫ألن تتحول إىل أحزمة أمان إسرتاتيجي قادر عىل محاية أمن وسالمة النظام اإليراين‪ ،‬بام‬
‫يسمح عمليا بتطبيق القاعدة العسكرية «خري وسائل الدفاع اهلجوم»؛ أين ومتى وكيف‬
‫شاء اإليرانيون‪ ،‬وتك َّفل فقه اخلميني بوضع املعيار األخالقي والثابت الديني للميض يف‬
‫بناء قاعدة ا َمل َصدَّ ات املذهبية عىل ت ََصدُّ عات املجال احليوي اإليراين (=اجلزيرة العربية)‬
‫مهام كانت التكلفة أو التبعات؛ إذ املفروض الرشعي والعقيل عىل مراجع التقليد املذهبي‬
‫االثنا عرشي عدم ترك احلكومات وشأهنا؛ ألن «متادي احلكومات يف غ ِّيها يعني تعطيل‬
‫نظام اإلسالم وأحكامه‪ ،‬يف حني توجد نصوص كثرية تَصف كل نظام غري إسالمي‬
‫بأنه رشك‪ ،‬واحلاكم أو السلطة فيه طاغوت‪ .‬ونحن مسؤولني عن إزالة آثار الرشك‬
‫من جمتمعنا املسلم‪ ،‬ونُبعدها متاما عن حياتنا‪ .‬ونحن مسؤولون عن هتيئة اجلو املناسب‬
‫لرتبية وتنشئة جيل مؤمن فاضل حيطم عروش الطواغيت‪ ،‬ويقيض عىل سلطاهتم غري‬
‫الرشعية؛ ألن الفساد واالنحراف ينمو عىل أيدهيم‪ ،‬وهذا الفساد ينبغي إزالته وحموه‪،‬‬
‫وإنزال العقوبة الصارمة بمسببيه (‪ )...‬وال سبيل لنا إال أن نعمل عىل هدم األنظمة‬
‫الفاسدة املفسدة‪ ،‬ونحطم رمز اخلائنني واجلائرين من حكام الشعوب (‪ )...‬ونحن ال‬
‫نملك الوسيلة إىل توحيد األمة اإلسالمية وحترير أراضيها من يد املستعمرين‪ ،‬وإسقاط‬
‫احلكومات العميلة هلم‪ ،‬إال أن نسعى إىل إقامة حكومتنا اإلسالمية‪ ،‬وهذه بدورها سوف‬
‫تتكلل أعامهلا بالنجاح يوم تتمكن من حتطيم رؤوس اخليانة‪ ،‬وتدمري األوثان واألصنام‬
‫البرشية‪ ،‬والطواغيت التي تنرش الظلم والفساد يف األرض (‪ )...‬من هنا كانت احلكومة‬

‫((( راجع‪ :‬املحركات السياسية اإليرانية يف منطقة اخلليج العريب‪ ،‬مصدر سابق‪( ،‬ص‪)105‬‬

‫‪306‬‬
‫اإلسالمية هي حكومة القانون اإلهلي (‪ )...‬فإذا هنض بأمر تشكيل احلكومة فقيه عامل‬
‫عادل‪ ،‬فإنه ييل من أمور املجتمع ما كان يليه النبي (ص) منهم‪ ،‬ووجب عىل الناس‬
‫أن يسمعوا ويطيعوا (‪ )...‬وبعبارة أخرى‪ :‬الوالية تعني احلكومة واإلدارة وسياسة‬
‫البالد‪ ،‬هي وظيفة عملية ذات خطورة بالغة (‪ )...‬ويف حالة عدم إمكان تشكيل تلك‬
‫احلكومة‪ ،‬فالوالية ال تسقط؛ ألن الفقهاء قد والّهم اهلل‪ ،‬فيجب عىل الفقيه أن يعمل‬
‫بموجب واليته قدر املستطاع‪ ،‬فعليه أن يأخذ الزكاة واخلمس واخلراج واجلزية إن‬
‫استطاع؛ لينفق كل ذلك يف مصالح املسلمني‪ ،‬وعليه ‪-‬إن استطاع‪ -‬أن يقيم حدود اهلل‪،‬‬
‫وليس العجز املؤقت عن تشكيل احلكومة القوية املتكاملة يعني بأي وجه أن ن ََنزوي‬
‫يتحينوا هم ال ُف َرص وينتهزوها من أجل تنظيم وتشكيل‬‫(‪ )...‬عىل الفقهاء العدول أن َّ‬
‫حكومة رشيدة يراد هبا تنفيذ أمر اهلل‪ ،‬وإقرار النظام العادل (‪ )...‬إهنم مك َّلفون بحفظ‬
‫اإلسالم بكل ما يستطيعون‪ ،‬وحفظ اإلسالم من أهم الواجبات املطلقة بال قيد أو رشط‪،‬‬
‫وهذا مما جيب عىل احلوزات واملجامع واهليئات العملية الدينية أن تفكر يف شأنه طويال؛‬
‫لتجهز نفسها بأجهزة وإمكانات وظروف يحُ رس فيها اإلسالم ويصان وحيفظ‪ :‬أحكاما‬
‫وعقائد وأنظمة (‪ )...‬لقد هنى اإلمام [جعفر الصادق] عن الرجوع إىل حكام اجلور‬
‫يف املسائل احلقوقية أو اجلزائية هنيا عاما‪ ،‬وهذا يعني أن من رجع إليهم فقد رجع إىل‬
‫الطاغوت يف حكمه‪ ،‬وقد أمر اهلل أن ُيك َفر به‪ ،‬فيحرم عىل املسلم أن يرتافع إليهم يف‬
‫دين له عىل أحد‪ ،‬وكانت هذه املقولة حكام سياسيا حيمل املسلمني عىل ترك مراجعة‬
‫السلطات اجلائرة وأجهزهتا القضائية‪ ،‬حتى تتعطل دوائرهم إذا هجرها الناس‪ ،‬ويفتح‬
‫السبيل لألئمة (‪ )...‬فإذا وصلنا إىل القوة فإنا ال نكتفي بتحسني االقتصاد واحلكم بني‬
‫الناس بالقسط‪ ،‬بل نذيق هؤالء اخلونة املجرمني سوء العذاب بام كانوا يعملون (‪)...‬‬
‫علينا أن نسعى بجد لتشكيل احلكومة اإلسالمية‪ ،‬ونبدأ عملنا بالنشاط الدعائي ونتقدم‬
‫فيه‪ ،‬ففي كل العامل عىل مر العصور‪ ،‬كانت األفكار تتفاعل عند جمموعة من األشخاص‪،‬‬
‫ثم يكون تصميم وختطيط‪ ،‬ثم بدء العمل‪ ،‬وحماولة لنرش هذه األفكار وبثها من أجل‬
‫إقناع اآلخرين تدرجييا‪ ،‬ثم يكون هلؤالء نفوذ داخل احلكومة ُيغيرِّ ها عىل النحو الذي‬
‫تريده تلك األفكار ويريده ذووها‪ ،‬أو يكون هجوم من اخلارج القتالع أسسها وإحالل‬

‫‪307‬‬
‫حكومة قائمة عىل هذه األفكار حملها»‪.‬‬
‫(((‬

‫ويقرر اخلميني أن نزع رشعية احلكومات وشل وظيفتها جممعيا وتذويبها سياسي ًا‬
‫يكمل بعضها بعضها‪ ،‬ويتسلسل رد فعلها طرديا من املركز إىل‬
‫يكون بأربع خطوات‪ّ ،‬‬
‫األطراف‪ ،‬ف ُيبدأ بمقاطعة املؤسسات التابعة للحكومة اجلائرة‪ ،‬ثم ترك التعاون معها‪ ،‬ثم‬
‫االبتعاد عن كل عمل يعود نفعه عليهم‪ ،‬ثم تأسيس مؤسسات قضائية ومالية واقتصادية‬
‫وثقافية وسياسية جديدة‪.‬‬
‫(((‬

‫هذا ما يمكن تسميته بنظرية (=اإلحالل واإلبدال) التي يعتمدها العقل‬


‫اإلسرتاتيجي اإليراين‪ ،‬عىل هذا ينص الدستور اإليراين املبني عىل نظرية «احلكومة‬
‫فتحولت إىل دليل عميل‬
‫ّ‬ ‫اإلسالمية» تلك‪ ،‬والتي أعيدت هندستها بنظرية «أم القرى»‪،‬‬
‫قابل التطبيق العرصي‪ ،‬عىل أساس أن مرشوع «احلكومة اإلسالمية العاملية» التي‬
‫يمكن حتقيقه بثالث مراحل‪ ،‬وكلها يراها ويعيشها مواطنو اخلليج واجلوار اإليراين‪،‬‬
‫تبدأ باإلنعاش الثقايف والوعي الفكري عن طريق «بروز الوعي واالهتامم هبدف إحياء‬
‫اإلسالم (=الشيعي) عىل اعتبار أنه السبيل الوحيد حلياة اإلنسان واجلامعة»‪ ،‬ومن ثم‬
‫التمكني املحليّ عن طريق «السعي وبذل اجلهود إلقامة احلكومات اإلسالمية يف الدول‬
‫املختلفة‪ ،‬من خالل الدور املحوري للشعوب يف تشكيل هذه احلكومات‪ ،‬وتوظيف‬
‫خمتلف الوسائل والطرق سواء كانت انتخابات أو استفتاءات‪ ،...‬ويف بعض األحيان قد‬
‫تؤدي النهضة‪ ،‬وثورة الشعوب (=االنتفاضات) واخلروج إىل الشوارع إىل هذه النتيجة؛‬
‫وال ضري يف ذلك إذا كان حيقق اهلدف املنشود منه‪ ،‬وهو إقامة احلكومة اإلسالمية يف‬
‫النهاية»‪ ،‬وأخريا االنصهار الوحدوي‪ ،‬فإذا ما متكنت تلك الشعوب من «حتقيق األهداف‬
‫سالفة الذكر‪ ،‬ثم تشكيل احلكومات اإلسالمية‪ ،‬جيب عليها التوجه بعدها نحو خطوة‬
‫تكوين حكومة إسالمية واحدة لغرض مجع األمة اإلسالمية‪ ،‬وتوحيدها حتت قيادة‬
‫«دولة أم القرى»‪ ،‬التي تكون إيران مركزها»‪.‬‬
‫(((‬

‫((( احلكومة اإلسالمية‪ ،‬مرجع سابق‪( ،‬ص‪ 55‬و‪ 57‬و‪ 72‬و‪ 74‬و‪ 77‬و‪ 91‬و‪.)116‬‬
‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪178‬‬
‫((( مقوالت يف اإلسرتاتيجية الوطنية‪ ،‬مرجع سابق‪.‬‬

‫‪308‬‬
‫فاإلسرتاتيجية الوطنية اإليرانية تنص رصاحة عىل رضورة تسخري كل طاقات إيران‬
‫املادية والبرشية للوصول حلالة «أم القرى»‪ ،‬عىل أساس أهنا منصة االنطالق للوصول‬
‫حلالة اإلمرباطورية الكونية‪ ،‬وهلذا ترى اإلسرتاتيجية أن البلدان املجاورة الصغرية هي‬
‫جمال عمل حيوي عسكري مرشوع‪ ،‬وعليه ت َُس َّخر «كافة إمكانيات الشعب للحصول‬
‫عىل هدف عسكري‪ ،‬والذي يمكن اعتباره أبعد من مفهوم االنتصار يف احلرب»(((‪،‬‬
‫والبوابة األوسع للدخول عىل تلك الدول الصغرية‪ ،‬والتربير األخالقي والقانوين هو‬
‫حتول إىل نص دستوري‪ ،‬كمربر للتدخل يف الشؤون‬
‫مبدأ «نرصة املستضعفني»‪ ،‬والذي َّ‬
‫الداخلية‪.‬‬
‫اعتمدت الثورة يف بداية تصدير أفكارها وقيمها وعقيدهتا الدعاي َة واالتصال‬
‫املبارش مع القوى اإلسالمية املعارضة والقوى الشيعية املوجودة يف املحيط اجليوسيايس‪،‬‬
‫بتحريك عواطفهم ودفعهم نحو مقاومة األنظمة السياسية احلاكمة‪ ،‬وأعداء الثورة من‬
‫قوى االستكبار العاملي‪ ،‬وكانت املؤسسات اإليرانية الرسمية وشبه الرسمية تقوم بمهام‬
‫تصدير الثورة‪ ،‬إال أن النتائج كانت سلبية‪ ،‬بل جلبت عىل إيران عداء إقليميا وعامليا‪،‬‬
‫وتم فرض حصار خانق عىل النظام احلاكم بزعامة الرئيس حممود أمحدي نجاد وتياره‬
‫(((‬
‫احلاكم‪.‬‬
‫يحُ سب سياسي ًا إليران توظيفها لكل طاقاهتا اإلسرتاتيجية والتكتيكية واللوجستية‬
‫فرصت صفوف عقوهلا لرتكز عىل وضع‬
‫خلدمة أهدافها األيديولوجية والسياسية العليا‪َّ ،‬‬
‫اآلليات الكفيلة بتصدير ثورهتا إىل الدول املجاورة‪ ،‬ولتغلغل نفوذها يف نسيج العامل العريب‬
‫(العمق اإلسرتاتيجي) واألفريقي (دول الطوق‪ /‬الكماَّ شة)‪ ،‬ومن ثم اعتمدت ِخطط‬
‫عمل‪ ،‬و ُعقدت املؤمترات التي تكفل استمرارها عىل النهج‪ ،‬ومراجعتها ملا حققته من‬
‫تفوق النموذج اإليراين الثوري‪ ،‬الذي استفا َد‬ ‫سرِ‬
‫نجاحات‪ ،‬وتفادي اإلخفاقات؛ وهذا ّ ُّ‬
‫من التجربة الصهيونية يف متكني دولتها‪ ،‬واللعب مع الكبار بقواعدهم وإسرتاتيجياهتم‪.‬‬

‫((( املصدر نفسه‪ /‬ص‪.28‬‬


‫((( ينظر‪ :‬نجيب غالب‪ :‬األيديولوجيا الدينية ومصالح إيران الوطنية‪ ،‬صحيف الرشق األوسط‬
‫(‪.)2008/11/23‬‬

‫‪309‬‬
‫أفرز ذلك احلراك املتواصل إىل بروز رؤية نمطية متبادلة عىل ضفتي اخلليج (اخلندق‬
‫اجليولوجي)؛ عىل املستويني السيايس والشعبي‪ ،‬يف ثنائية ُمقلقة ملستقبل العالقات عىل‬
‫ال حمفز ًا ومرسخ ًا هلا‪ ،‬بعد‬
‫طريف بحر اخلليج‪ ،‬وقد تكون تقسيامت السياسة الدولية عام ً‬
‫إطالق اإلدارة األمريكية إبان تويل غونداليزا رايس حقيبة الدبلوماسية األمريكية فرتة‬
‫التسعينيات وإطالق مصطلح «الرشق األوسط اجلديد» تغريت املفاهيم واللغة يف‬
‫اإلعالم السيايس وتغلغلت يف االجتامع السيايس يف منطقة اخلليج نظرا لتغري الوعاء الزمني‬
‫ومراكز القوة الدولية الفاعلة عىل هذه املنطقة احليوية فيام يتصل بمركزية العدو التي كانت‬
‫تتصدرها إرسائيل حتى هنايات احلرب الباردة‪ ،‬وأخذت تتشكل قناعة متزايدة يف اخلليج‬
‫بأن إيران هي مركز‪ ،‬نظرا لتغري التحالفات اإلسرتاتيجية بني أمريكا وحلفائها من جهة‪،‬‬
‫وبني روسيا وحلفائها من جهة‪ ،‬وتشكل منذ سقوط العراق يف أتون االحتالل األمريكي‬
‫وما أنتجته‪ ،‬فإىل جانب حروب التجسس واملعلومات الكالسيكية واإللكرتونية املتبادلة‪،‬‬
‫تشكلت حتالفات دولية عىل جبهتني باتت التحالفات قائمة ضمن معسكرين‪ :‬دول جملس‬
‫التعاون اخلليجي ومرص واألردن تتقدمهم أمريكا من جهة‪ ،‬وإيران وسوريا وحزب اهلل‬
‫يف لبنان وحركة محاس يف فلسطني تساندهم روسيا من جهة ثانية‪ ،‬وهبذا تشكل يف أدبيات‬
‫اإلعالم السيايس مصطلح متعلق بالعالقة اخلليجية‪-‬اإليرانية ُيشكل التحرك مع أو ضد‬
‫التوجهات اإليرانية‪ ،‬وهو ما ُيعرف بتيارات املامنعة أو املسايرة‪ ،‬ويمكن من خالله فهم‬
‫حدة العالقة املتبادلة من إيران باجتاه دول اخلليج ُفرادى‪ ،‬وباجتاه إيران من اخلليج كل‬
‫عىل حدة بحسب مصاحلة وتشابك عالقاته مع اجلمهورية اإليرانية‪ ،‬كام يبينه ا ُمل َرسَّماَ ن‬
‫التوضيحيان أدناه‪ ،‬الذي يمكن تفسريه عىل النحو اآليت‪:‬‬
‫‪1.1‬مواقف دول اخلليج من املشروع اإليراني‬
‫ولفظ مواقف أصدق يف التعبري من موقف؛ عىل أساس أن لألنظمة احلاكمة حد ًا‬
‫أدنى متفق ًا عليه يف العالقة مع اجلارة إيران وهو ينحرص يف احلياد اإلجيايب وترك األبواب‬
‫مواربة ألي حترك ينم عن حسن نوايا‪ ،‬كام تتفق الدول الست عىل عدم مبادأة إيران بأي‬
‫ترصف عدائي أو ُيفرس بالعدائية‪ ،‬وهذا واضح من خالل كل األدبيات السياسية وعىل‬
‫خمتلف املستويات‪ ،‬لكن دول املجلس تتفاوت يف ترصيف عالقاهتا الثنائية مع إيران‬

‫‪310‬‬
‫العتبارات منطقية ودبلوماسية قائمة عىل حجم البلد وقدر مشاركتها اجليوسياسية‬
‫ومصاحلها احليوية أو األمنية مع إيران‪ ،‬ويمكن النظر إليها من خالل منطلقات ثالثة‬
‫حتكم إيقاع ترصيف العالقات الثنائية‪ :‬أوهلا املوقع اجلغرايف للدولة‪ ،‬وثانيها طبيعة النظام‬
‫احلاكم‪ ،‬وثالثها توازن العالقة واملصالح اإلسرتاتيجية مع اململكة العربية السعودية‬
‫والواليات املتحدة األمريكية‪ ،‬ويتضح ذلك من خالل حجم التمثيل الدبلومايس‬
‫والتبادل التجاري واالتفاقيات الثنائية امللزمة بني الطرفني‪.‬‬
‫ ‪-‬ا ُملسايرة‪ :‬تأيت سلطنة ُعامن يف صدارة الدول اخلليجية ا ُملسايرة للنظام اإليراين‬
‫فنالحظ أن ل ُعامن حظوة عالقات واسعة مع إيران بسبب مشاطرهتا اجلغرافية ملضيق‬
‫هرمز احليوي‪ ،‬ورمادية التعاطي مع األجندة اخلليجية بالقيادة‪ /‬اهليمنة السعودية‪،‬‬
‫واالنشغال اإلسرتاتيجي بتنمية الداخل يف عقلية السلطان قابوس‪ ،‬ويمكن تصنيف‬
‫السياسة ال ُعامنية للخليج بأهنا عىل أقىص اليمني يف عالقاهتا اإلسرتاتيجية مع إيران‪.‬‬
‫ ‪-‬التوسط‪ :‬تأيت قطر يف مقدمة حالة الوسط كتكتيك اتبعته دبلوماسيتها منذ تويل‬
‫الشيخ محد بن خليفة آل ثاين مقاليد السلطة وس َّلم حقيبة اخلارجية لعقلية براغامتية هي‬
‫عقلية الشيخ محد بن جاسم بن جرب آل ثاين الذي خرج عن الطاعة اخلليجية يف مفاصل‬
‫عدة وأثارت سياسة قطر حفيظة اجلارة الكربى (=السعودية)‪ ،‬فهي تعتمد إسرتاتيجية‬
‫مثرية للجدل فرضتها املكانة اجلديدة لشبه اجلزيرة القطرية كثاين أكرب مصدر للغاز يف‬
‫العامل‪ ،‬وإمكانية نجاح تشكيل منظمة الطاقة الغازية كبديل ملنظمة أوبك مشاطرة بني‬
‫كل من روسيا وإيران‪ ،‬ويمكن تصنيف السياسة القطرية بأهنا يمني وسط يف عالقاهتا‬
‫مع إيران‪.‬‬
‫تأيت بعدها الكويت‪ ،‬التي تعاين من مشكالت مزمنة بسبب موقعها اجلغرايف‬
‫الضاغط‪ ،‬واحتياطيات النفط الضخمة‪ ،‬فللكويت ُرهاب وهتديد وجودي من جارها‬
‫العراق الذي ال يزال إىل اليوم يعزف عىل سيمفونية أحقيته بالكويت‪ ،‬وبعد سقوط نظام‬
‫َرهل نظام احلكم ومشكالت‬
‫حتول العراق إىل جيب إيراين‪ ،‬وهي تعاين من ت ُّ‬
‫صدام حسني َّ‬
‫ال تنتهي يف إثبات هيبته يف وجه نشاط املجتمع املدين الكويتي منذ حترير الكويت‪ ،‬كام أن‬
‫احلراك الشيعي الكويتي يغلب عليه العنرص الفاريس وهو ذو نفوذ اقتصادي وإعالمي‬

‫‪311‬‬
‫فرضته مرحلة ما بعد التحرير‪ ،‬وهلذا تلجأ يف عالقتها مع إيران إىل االقرتاب من احليادية‬
‫والضبابية‪ ،‬خشية التورط يف مواجهة منفردة من حمورين دفعة واحدة‪ ،‬وهلذا فهي يف قلب‬
‫الوسط كام هو واضح من الرسم التوضيحي‪.‬‬
‫ ‪-‬املامنعة‪ :‬تقف اململكة العربية السعودية عىل رأس املامنعني للمواقف اإليرانية‬
‫ومشاريعها‪ ،‬ألهنا اجلبهة اجلغرافية الكربى‪ ،‬بإمكانيات قد تفوق يف بعض حيثياهتا إيران‪،‬‬
‫كاملقدسات بالنسبة لعموم مسلمي العامل‪ ،‬واملوقع اجلغرايف الذي يتحكم يف مضيقني‬
‫مائيني خطرين (اخلليج‪-‬األمحر)‪ ،‬إضافة إىل حاجة العامل لنفطها (‪ %22‬من احتياج العامل)‪،‬‬
‫وترسانتها العسكرية املتطورة باملقارنة باإليرانية‪ ،‬وفرض العداء اإليراين عليها بشكل قرسي‬
‫ومتواصل‪ ،‬وهلذا تعترب املواقف السعودية يمني ممانع يف اخلط البياين للسياسة اخلليجية‪.‬‬
‫تتبعها بحكم االضطرار والتحالف مملكة البحرين‪ ،‬وهي احللقة األضعف يف‬
‫املنظومة اخلليجية ألسباب ظاهرة متعلقة باملساحة اجلغرافية واملوارد الطبيعية‪ ،‬إضافة‬
‫ٍ‬
‫موال‬ ‫إىل ال ُبعد املذهبي الذي يشطر املجتمع البحريني إىل شطرين متنافرين بحدة بني‬
‫مذهبي إليران ومعاد مذهبي هلا‪ ،‬فضال عن حالة التساند املفروض عىل النظام احلاكم‬
‫بسبب تكرار ادعاء تبعية البحرين إليران منذ عهد نادر شاه‪ ،‬وهلذا يمكن تصنيف‬
‫البحرين بأهنا يمني ممانع كذلك‪.‬‬
‫وبنسبة أقل من البحرين تأيت دولة اإلمارات العربية املتحدة‪ ،‬وهي سبع إمارات‬
‫احتادية‪ /‬فيدرالية بحكومة مركزية هي أبوظبي‪ ،‬لكن ال يمنع ذلك من أن تترصف بعض‬
‫اإلمارات منفردة يف اتفاقيات ثنائية مع إيران‪ ،‬يغلب عليها الطابع االقتصادي‪ ،‬وكان‬
‫إلمارة ديب نصيب األسد من ذلك‪ ،‬وهلذا يالحظ نفوذ التجار اإليرانيني يف سوق ديب‬
‫املفتوحة‪ ،‬وخاصة جبل عيل‪ ،‬ما جيعل تصنيف دولة اإلمارات العربية املتحدة بدرجة‬
‫منخفضة من البحرين‪ ،‬لكنها تعاين كذلك من احتالل جلزرها الثالث (طنب الكربى‬
‫والصغرى وأبوموسى) وهي القضية التي ورثتها اجلمهورية اإلسالمية من امللكية‬
‫الشانشاهية‪ ،‬وتبنتها وأعادت تدعيمها بأدبيات مذهبية ترسخ االحتالل‪ ،‬كام أهنا ترفض‬
‫قطعيا اللجوء إىل التحكيم الدويل لفض النزاع عىل ملكية اجلزر‪ ،‬ومع ذلك يمكن‬
‫تصنيف اإلمارات عىل أهنا يمني ممانع أقرب ما يكون للوسط‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫وعليه تشكل يف داخل املنظومة اخلليجية تياران ووسط‪ ،‬فتأيت السعودية والبحرين‬
‫واإلمارات كأنظمة ممانعة‪ ،‬وتتوسط الكويت‪ ،‬وتأيت قطر و ُعامن يف خانة املسايرة يف‬
‫طبوغرافيا العالقة مع اجلارة إيران‪.‬‬

‫ممانع‬

‫‪KSA‬‬
‫‪BRN‬‬
‫‪UAE‬‬
‫يمني‬ ‫‪QTR KWT‬‬ ‫يسار‬

‫‪OMN‬‬

‫مساير‬
‫مواقف دول اخلليج من املرشوع اإليراين منذ ‪2006‬‬

‫‪2.2‬موقف إيران من دول اخلليج‬


‫حني احلديث عن إيران فإن زاوية النظر تتحد بحكم أن القرار ُمتحد الصدور‬
‫(=الرهرب) اإلمام عيل‬
‫َّ‬ ‫والورود ِ‬
‫وأز َّمتُه ال خترج يف هناية املطاف من يد املرشد األعىل‬
‫خامنئي‪ ،‬إىل جانب احتاد اجلغرافيا تتحد األدوات اإلسرتاتيجية والتكتيكية‪ ،‬والثابت يف‬
‫السياسة اإليرانية هو ما سبق إيراده من أدبيات رسمت بوضوح خطوط الطول والعرض‬
‫للعقلية اإليرانية احلاكمة وصادقت عليها املواقف والترصحيات عىل اختالف مشارب‬
‫التيارات السياسية التي تقدمت املشهد السيايس من إصالحيني وخمافظني‪ ،‬مع اختالف‬
‫تكتيكي يميني ويساري باجتاه األيديولوجيا الثورية اخلمينية‪.‬‬
‫وعىل الرغم من الثابت اإليراين باجتاه جملس التعاون اخلليجي إال أنه ال يمكن‬

‫‪313‬‬
‫جعل عالقة إيران بدول اخلليج يف خانة واحدة متساوية‪ ،‬فكام ترتاوح عالقة دول اخلليج‬
‫بإيران بني ممانع ومساير يمينا ويسارا‪ ،‬فكذلك إيران تتعامل مع جرياهنا بتقية سياسية‬
‫تتسم بوجهني ظاهر وباطن‪ ،‬وبطريقة براغامتية حمرتفة‪ ،‬تُقدم فيها مصاحلها احليوية عىل‬
‫منطلقاهتا األدبية ظاهرا‪ ،‬وتتمسك هبا بتشدد خلطاب الداخل‪ ،‬ومن هنا يمكن تصنيف‬
‫عالقاهتا إىل ظاهر وباطن بني التشدد والتساهل‪.‬‬
‫ ‪-‬ظاهر إجيايب‪ :‬تأيت سلطنة ُعامن أيض ًا يف صدارة دول اخلليج يف املواقف اإليرانية‬
‫املعلنة‪ ،‬فال يوجد خطاب عدائي بأي شكل باجتاه ُعامن‪ ،‬كام أن اإليرانيني حريصون عىل‬
‫َاصف ملضيق هرمز‪ ،‬فهي عالقة إجياب يميني ظاهر‪.‬‬ ‫استقرار عالقاهتم مع الرشيك ا ُملن ِ‬
‫ ‪-‬التوسط‪ :‬ومن بعدها تأيت قطر التي حافظت عىل عالقات إسرتاتيجية مع إيران‪،‬‬
‫باستثناء بروز خالفات حادة بينهام بسبب امللف السوري‪ ،‬ومع ذلك مل يصدر عن إيران‬
‫خطاب يدعو للقلق عىل ثبات العالقات‪ ،‬فام تزال تصنف هذه العالقة بأهنا ظاهر إجيايب‬
‫وسط‪.‬‬
‫كام حافظت الكويت عىل ذات املوقع يف وسط طبوغرافيا العالقات الثنائية‬
‫نظرا لطبيعة النظام احلاكم واملوقع اجلغرايف الذي يفرض عليه أن يكون دولة رخوة‬
‫(‪ )Cushion State‬لتمتص الصدمات اإلقليمية وتتعامل مع تطويق الدول الكبار‬
‫من حوهلا (إيران‪ ،‬العراق‪ ،‬السعودية)‪.‬‬
‫ ‪-‬باطن سلبي‪ :‬تتصدر السعودية كثابت يف الباطن السلبي للعقلية اإليرانية‬
‫احلاكمة‪ ،‬وتتغلف تلك السلبية برصيد هائل من األدبيات املذهبية املعادية للوهابية‪،‬‬
‫واملخزون الثقايف الفاريس الغني بصورة التحقري السلبية لألعراب‪ ،‬وتتبعها ألقاب‬
‫العاملة للصهاينة واألمريكان‪ ،‬ثم اإلنكار‪ /‬االحتقار الظاهر لوزن وقدرات السعودية‬
‫إقليميا ودوليا‪.‬‬
‫ثم تأيت بعدها البحرين ليس من باب الثقل السيايس أو القدرة عىل الرضر‪ ،‬بل‬
‫الحتقار دورها وحجمها والنظام احلاكم فيها‪ ،‬واعتبارها ذيل سعودي ال أقل وال أكثر‪.‬‬
‫وتقرتب من الوسط اإلمارات بحكم حجم األموال اإليرانية املستثمرة فيها‬
‫والعاملة النافذة يف الدولة‪ ،‬وملف اجلزر املحتلة املعلق والذي حترص إيران عىل عدم‬

‫‪314‬‬
‫تعميق األزمة مع اإلمارات لعدم إرغامها للتحكيم الدويل‪.‬‬
‫وبذلك تتشكل عند إيران طبوغرافيا خاصة لكل دولة خليجية عىل حدة بحسب‬
‫مصلحتها اإلسرتاتيجية وحجم التصدعات املوجودة يف تلط الدولة وما يمكن أن تبنيه من‬
‫َم َصدَّ ات عىل تلك التصدُّ عاتـ وعىل شدة ورخاوة توجه الدولة ضد إيران‪ ،‬فليس صحيحا‬
‫أن نظرة إيران ملجلس التعاون أحادية بل تتنوع لداخل املنظومة اخلليجية ظاهر وباطن‬
‫ووسط‪ ،‬فتأيت السعودية فالبحرين فاإلمارات برؤية باطنية مرتاوحة بني السلبية املتشددة‬
‫واملتوسطة‪ ،‬وتتوسط الكويت مرة أخرى‪ ،‬وتأيت ُعامن فقطر يف خانة املسايرة الظاهر اإلجيايب‪.‬‬

‫ظاهر إجيايب‬

‫‪OMN‬‬

‫‪QTR‬‬
‫يمني‬ ‫‪KWT‬‬ ‫يسار‬
‫‪UAE‬‬
‫‪BRN‬‬
‫‪KSA‬‬

‫باطن سلبي‬
‫موقف إيران من دول اخلليج منذ ‪2006‬‬

‫ترهل واستئجار احلامي‬


‫دخلت منطقة اخلليج حرب ًا حقيقية منذ قيام الثورة اإليرانية واالشتباك مع العراق‬
‫(‪ ،)1988-1980‬وإفراز سياسة البوارج األمريكية (‪ )Gunboat Policy‬التي‬
‫أنتجت حروب اخلليج الثالثة التي متركزت عىل العراق وأطاحت به‪ ،‬واتضح أهنا كانت‬
‫لصالح إيران التي شاطرت األمريكان عىل قرار األمن القومي العراقي‪ ،‬ومنذ حرب‬

‫‪315‬‬
‫اخلليج األوىل (‪ )1990‬دخل جملس التعاون اخلليجي عملي ًا حالة احلرب الباردة مع‬
‫اجلارة إيران‪ ،‬ونشطت جتارة السالح بشكل مضطرد لصالح اخلزينة األمريكية واألوربية‬
‫خليجيا‪ ،‬واخلزينة الروسية والصينية إيرانيا‪ ،‬مع فارق أن إيران اعتمدت سياسة التصنيع‬
‫املحيل لتطوير قدراهتا الصاروخية لتغطية عجزها اجلوي من الطائرات املتقدمة تقنيا‪.‬‬
‫تتخوف جهات عدة عىل طريف اخلليج من أن يؤدي سباق التسلح إىل مواجهات‬
‫عسكر ّية مقصودة أو غري مقصودة‪ ،‬ألنه ال يبشرّ إال بمزيد من الرصاع والتفتّت والترشذم‬
‫واحلروب األهلية والنزاعات‪ ،‬فعىل الرغم من حجم احتياطيات الطاقة وعائداهتا‬
‫الضخمة مل تتحرك املنطقة بشكل واضح يف مشاريع التنمية اإلنسانية عىل ضفتي اخلليج‪،‬‬
‫باملقارنة بالنشاط امللحوظ يف جمال العسكرة والتسلح بام يوحي بأن شبح احلرب ما يزال‬
‫جاثام عىل املنطقة منذ ثامنينيات القرن املايض‪.‬‬
‫فبحسب تقرير معهد ستوكهومل الدويل ألبحاث السالم (عام ‪ )2010‬يعد الرشق‬
‫األوسط من كبار مستوردي األسلحة‪ ،‬إذ أنفق ‪ 111‬مليار دوالر عىل التس ّلح‪ ،‬بزيادة‬
‫بلغت‪ ،%2.5 ‬وهي نسبة تبلغ النصف من اإلنفاق العاملي الذي وصل إىل متوسط‬
‫عامي‪ 2001 ‬و ‪ ،2009‬وتتصدر اململكة العربية السعودية‬ ‫ّ‬ ‫نسبته‪ %5.1 ‬سنويا بني‬
‫قائمة اإلنفاق العسكري بمبلغ ‪ 64‬مليار دوالر(((()‪،‬‬
‫فيام يشري تقرير جلنة األبحاث يف الكونغرس األمريكي إىل أن حجم إنفاق دول‬
‫جملس التعاون اخلليجي جمتمعة عىل التس ّلح يف العام‪ 2010 ‬جتاوز‪ 105 ‬مليار دوالر‪،‬‬
‫مقارنة بـ ‪ 94‬مليار دوالر لعام ‪( 2009‬أي بزيادة تبلغ‪ 11 ‬مليار ًا)‪ ،‬وبـ ‪ 60‬مليار‬
‫دوالر لعام ‪( 2008‬أي بزيادة جتاوزت ‪ 40‬مليار ًا)‪ ،‬وتذهب تلك الصفقات إىل اخلزينة‬
‫األمريكية أوالً عن طريق ‪ 44‬رشكة سالح بنسبة استحواذ تصل إىل ‪ %60‬من جممل‬
‫املبيعات‪ ،‬بمقابل ‪ 30‬رشكة أوربية (بريطانيا وفرنسا وأملانيا) تتقاسم نسبة تصل إىل ‪%29‬‬
‫من جممل املبيعات‪ ،‬وتتوزع النسبة الباقية ‪ %10‬كل من هولندا وكندا وروسيا والصني‬
‫(((‬

‫إن دول جملس التعاون تصنف نفسها نظري ًا عىل أهنا دول الرفاهية (‪Welfare‬‬

‫((( تقرير املعهد الدويل للدراسات اإلسرتاتيجية‪2011/‬‬


‫((( تقرير معهد ستوكهومل‪2011/‬‬

‫‪316‬‬
‫‪ )States‬لكنها عملي ًا هي دول عسكرية‪ ،‬وخمازن للرتسانة العسكرية‪ ،‬ويف حالة ترقب‬
‫مستمرة باجتاه الغرب (=إرسائيل) أو الرشق (=إيران)‪ ،‬وكالمها يعمل عىل تطويق‬
‫اجلزيرة العربية جغرافي ًا أو سياسي ًا أو اقتصادي ًا‪ ،‬أو حجزها عن االستفادة من عائداهتا‬
‫(((‬
‫النفطية أو مواردها الطبيعية‪.‬‬

‫أفراد‬ ‫نصيب‬ ‫نصيب‬ ‫‪%‬من الدخل‬ ‫اإلنفاق‬


‫الدولة‬
‫اجليش‬ ‫العسكري‬ ‫املواطن‬ ‫العام‬ ‫العسكري‬
‫‪130k‬‬ ‫‪310k‬‬ ‫‪1.5k‬‬ ‫‪10%‬‬ ‫‪38.3 B‬‬ ‫السعودية‬
‫‪65k‬‬ ‫‪85k‬‬ ‫‪3k‬‬ ‫‪3%‬‬ ‫‪5.6 B‬‬ ‫اإلمارات‬
‫‪15.5k‬‬ ‫‪246k‬‬ ‫‪1.6k‬‬ ‫‪10%‬‬ ‫‪4B‬‬ ‫الكويت‬
‫‪40k‬‬ ‫‪96.2k‬‬ ‫‪1.4k‬‬ ‫‪9.9%‬‬ ‫‪3.8 B‬‬ ‫ُعامن‬
‫‪13k‬‬ ‫‪202k‬‬ ‫‪3.1k‬‬ ‫‪4.4%‬‬ ‫‪2.51 B‬‬ ‫قطر‬
‫‪15k‬‬ ‫‪56‬‬ ‫‪88‬‬ ‫‪3.8%‬‬ ‫‪0.65 B‬‬ ‫البحرين‬
‫‪600k‬‬ ‫‪19k‬‬ ‫‪141‬‬ ‫‪3.5%‬‬ ‫‪10 B‬‬ ‫إيران‬
‫حجم اإلنفاق العسكري عىل ضفتي اخلليج بمليارات الدوالرات‬
‫(‪)2‬‬

‫‪(1) Jane’s Sentinel Country Risk Assessments The Gulf States Issue 26/2010‬‬

‫‪317‬‬
‫حجم الديمغرافيا اخلليجية‬

24
25 36.8ZOK)« ÊUJ�� wKJ�« ŸuL:«
20
15
10 4.5
2.8 2.6 1.6 1.3
5
0
KSA UAE Kuwait Oman Bahrain Qatar

‫ مليون نسمة‬75 ‫تقابلها الديموغرافيا اإليرانية بأكثر من‬


‫االحتياطيات النفطية اخلليجية‬

300
280
250
qO�d� —UOK� 481.63  UO�UO��ô« ŸuL�
200 �UF�«  UO�UO��« s� • 60 s� ‰ËR��

150
98 97
100

50
6.5 15.7
0.13
0
KSA UAE Kuwait Oman Bahrain Qatar

318
‫تقابلها االحتياطيات النفطية اإليرانية بـ ‪ 138.2‬مليار برميل‪.‬‬
‫احتياطيات الغاز لدول جملس التعاون‬

‫‪30‬‬
‫‪26‬‬
‫�‪VFJ� �� ÊuOK�d� 36.18  UO�UO��ô« ŸuL‬‬
‫‪20‬‬ ‫��‪�UF�«  UO�UO��« s� • 40 s� ‰ËR‬‬

‫‪10‬‬ ‫‪6.6 6.06‬‬


‫‪1.9‬‬ ‫‪1.3 0.92‬‬
‫‪0‬‬
‫‪KSA‬‬ ‫‪UAE‬‬ ‫‪Kuwait‬‬ ‫‪Oman Bahrain Qatar‬‬

‫تقابلهم إيران ‪ 30‬تريليون مرت مكعب‪.‬‬


‫الدخل العام اخلليجي‬

‫‪380‬‬
‫‪400‬‬
‫‪350‬‬ ‫�‪wJ�d�√ —ôËœ —UOK� 902w�OK)« ÂUF�« ‰u�b*« ŸuL‬‬
‫‪300‬‬
‫‪217‬‬
‫‪250‬‬
‫‪200‬‬ ‫‪148‬‬
‫‪150‬‬ ‫‪96‬‬
‫‪100‬‬ ‫‪36‬‬ ‫‪25‬‬
‫‪50‬‬
‫‪0‬‬
‫‪KSA‬‬ ‫‪UAE‬‬ ‫‪Kuwait‬‬ ‫‪Oman‬‬ ‫‪Bahrain‬‬ ‫‪Qatar‬‬

‫‪319‬‬
‫تقابلهم إيران بدخل قومي يصل إىل ‪ 990‬مليار دوالر أمريكي (تقدير البنك‬
‫الدويل ‪.)2011‬‬

‫‪38.4‬‬
‫‪40‬‬
‫‪35‬‬
‫‪30‬‬ ‫�‪wJ�d�√ —ôËœ —UOK� 55ÍdJ�F�« ‚UH�ù« ŸuL‬‬
‫‪25‬‬
‫‪20‬‬
‫‪15‬‬
‫‪6.5‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪10‬‬ ‫‪3.8‬‬
‫‪5‬‬ ‫‪0.65 2.5‬‬
‫‪0‬‬
‫‪KSA‬‬ ‫‪UAE‬‬ ‫‪Kuwait‬‬ ‫‪Oman Bahrain Qatar‬‬

‫حجم اإلنفاق عىل التس ُّلح من قبل دول جملس التعاون اخلليجي‬

‫‪320‬‬
‫التوصيات‬
‫عودا عىل بدء‪..‬‬
‫حاولت هذه الورقة االطالع عىل جانب من جدلية العالقة اجليوسياسية عىل‬
‫ضفتي بحر اخلليج العريب بني اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية ومنظومة جملس التعاون‬
‫اخلليجي‪ ،‬واتضح أن األوىل إجيابية متحفزة برصيد الفعل وا ُملبادأة‪ ،‬والثانية سلبية‬
‫ور َّدات الفعل‪ ،‬يف منعطف تارخيي يشكل هتديد ًا وجودي ًا عىل‬
‫ساكنة برصيد الت ََّجنُّب َ‬
‫دول جملس التعاون اخلليجي كأعمق وأخطر هتديد منذ احلرب العاملية األوىل‪ ،‬وبقيت‬
‫اإلجابة التساؤل احلَ ِرج‪ :‬كيف نتعامل مع طبوغرافيا السياسة اإليرانية؟ وهي التي‬
‫استثمرت وعملت عىل بناء ا َمل َصدَّ ات املذهبية واأليديولوجية عىل الت ََّصدُّ عات السياسية‬
‫واالجتامعية اخلليجية‪ ،‬ومن املؤكد أن هذا بيان ُمب َتسرَ خمترص‪ ،‬لكنه مسامهة يف تقديم‬
‫بعض مقرتح يف شكل توصيات قد تسهم يف تأمني مستقبل األجيال من وقوع صدام غري‬
‫مرغوب عىل ضفتي اخلليج‪.‬‬
‫‪1.1‬ال تفقه العقلية اإليرانية سوى منطق القوة‪ ،‬وال نعني بالقوة االستعداد‬
‫واالستعداء العسكري‪ ،‬واستعراض قوة اآللة العسكرية وحجم األساطيل األمريكية‬
‫احلامية‪ ،‬فهذه السياسة ال تزيد املنطقة إال احتقان ًا‪ ،‬وال تزيد اخلليج واخلليجيني (باستثناء‬
‫القوي‬
‫َ‬ ‫اإلنسان‬
‫َ‬ ‫الطائفة الوظيفية املوالية) يف أعني اإليرانيني إال احتقار ًا‪ ،‬ونعني بالقوة‬
‫املؤهل باملفهوم الشامل للكلمة‪ ،‬بإعادة تأهيل فكري وحركي شامل عىل قواعد‬
‫احلاضنة املجتمعية اخلليجية (والعربية واإلسالمية)؛ ملا للخليج من قدرات وطاقات‬
‫مالية وتواصلية‪ ،‬مع تقليل االعتامدية الفردية عىل األمن وأجهزة االستخبارات التي ثبت‬
‫فشلها ا ُملركَّب يف إدارة الرصاع اجليوسيايس مع إيران‪.‬‬
‫‪2.2‬تعمل إيران يف حركة اخلطوة خطوة باجتاه العمق اخلليجي بتأمني مواضعها يف‬
‫داخل التصدعات السياسية واالجتامعية والثقافية يف اخلليج‪ ،‬بسبب سياسة القيادات‬
‫اخلليجية التي سامهت –بدراية أو غفلة‪ -‬عىل االنفصال عن حاضنتها الرشعية (الشعب)‬
‫وتعميق الفجوة االجتامعية بسياسة اإلهلاء وتسطيح الفكر تعليمي ًا وإعالمي ًا‪ ،‬حتى أصبح‬
‫النشء يعاين حالة ضمور فكري مزمنة‪ ،‬وميل ل َّلذات اآلنية‪ ،‬وإمعان يف قتل الوقت‬
‫‪321‬‬
‫بامللهيات‪ ،‬كام غفلت القيادات اخلليجية عن تأمني العمل التنموي الشامل لبلداهنا‪،‬‬
‫وتوسعت الفجوة بني ا ُملت ََوقع والواقع‪ ،‬وهذه املسافة هي فجوة االستقرار القاتلة التي‬
‫ِ‬
‫وتغيت خارطة التحالفات الكالسيكية‬ ‫أنتجت الثورات العربية‪ ،‬و ُأسق َطت حكومات رَّ‬
‫العربية منذ قيام اجلامعة العربية‪.‬‬
‫اخلطوة اإلصالحية املهمة هي إعادة التوازن للعالقة بني احلاكم واملحكوم يف‬
‫اخلليج‪ ،‬وتفعيل مرشوعات التنمية الداخلية الشاملة عىل أساس املواطنة ال املصالح‬
‫الشخصية أو النفوذ السيادي اآلين‪ ،‬فال تريد قيادات اخلليج أن تنفجر األرض من حتت‬
‫أقدامها وهي يف هذا التخندق املصريي‪.‬‬
‫‪3.3‬إن رس القوة اإليرانية هي احلاضنة االجتامعية األيديولوجية يف الداخل‬
‫واخلارج‪ ،‬عىل ما تُقرر نظرية أم القرى (التأهيل الفكري والثقايف‪ ،‬التوطني والتمكني‬
‫السيايس‪ ،‬الت ََّس ُّيد والت ََّحكُّم الوطني)‪ ،‬بمعنى أن قوة إيران هي املجتمع املدين‪ ،‬عىل عكس‬
‫عمد عىل شل املجتمع املدين بتطويقه وتطويعه لصاحله أو حماربته وقتله‪،‬‬‫اخلليج الذي َي َ‬
‫خوف ًا منه عىل سيادة الدولة (العائلة احلاكمة)‪ ،‬ويغ َفل عن أن املجتمع هو الطوق األول‬
‫واحلاضنة الرشعية للعوائل احلاكمة‪ ،‬وهذا يقتيض توظيف العقول والطاقات باجتاه‬
‫تأمني التوازن املجتمعي بعقيدة اإلسالم‪ ،‬وتنشيط حركة احلوار والنقاش والدعوة؛‬
‫بمعنى العمل عىل اسرتاتيجية التفتيت املتوازي‪ ،‬والبناء عىل التصدع املقابل (تأمني‬
‫التصدعات بضدها)‪.‬‬
‫‪4 .4‬تنشيط ورعاية ودعم مادي وإعالمي حلركة البحث الثقايف والعلمي‬
‫واألكاديمي إلعادة صياغة التصورات والقناعات يف نسيج خمتلف الطبقات الفاعلة‬
‫يف اخلليج‪ ،‬من مثقفني وصناع وقيادات الرأي العام‪ ،‬والقيادات والسياسية واالقتصادية‪،‬‬
‫وخاصة يف املساحة األضعف يف الوعي اجلامعي وهي األيديولوجيا اإليرانية‪ ،‬ألن‬
‫هذه الساحة جتد ضعف ًا مزمن ًا ومنطقة رخوة يف املنظومة الثقافية اإلسالمية والقومية‪،‬‬
‫حيث نجد يف املكتبة الثقافية كماَّ هائال من األبحاث املقروءة واملرئية واملشاهدة حول‬
‫األبعاد التارخيية والعقائدية والفقهية‪ ،‬وهي قضايا ليست رئيسية بقدر البناء الفلسفي‬
‫واأليدلوجي والسيايس الذي تبني عليه إيران َم َصدَّ اهتا‪.‬‬

‫‪322‬‬
‫‪5.5‬إن تأخري حال االحتاد العميل لدول جملس التعاون سيفعل عامل التفتيت‬
‫للم َصدَّ ات املحلية لتكمل بناءها عىل‬
‫الزمني ويعطي الفرصة الكاملة للدور الوظيفي َ‬
‫التصدعات الفردية يف نسيج دول اخلليج ُفرادى‪ ،‬ولذا فإن اإلرساع يف تنفيذ االحتاد‬
‫اخلليجي بمؤسساته األربع (الدبلوماسية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬والعسكرية‪ ،‬واألمنية)‪ ،‬سيؤمن‬
‫نوع ًا من حركة املناعة التي ستسهم يف تأمني التوازن يف املنطقة‪.‬‬
‫‪6.6‬تعمل إيران بسياسة التطويق اجليوسيايس عىل اجلزيرة العربية (املجال احليوي)‬
‫عرب حفر خنادق النار وإقامة احلصار بأداة التبشري الشيعي واالتفاقيات‪ ،‬ومن ثم فرض‬
‫الوجود واألمر الواقع‪ ،‬وعرض رسيع للمشكالت السياسية والعسكرية حول اخلليج‬
‫فسنرى أن إيران تطوق اجلزيرة العربية من اجلهات األربع‪ ،‬وهذا يستدعي رسعة احلراك‬
‫لكرس الطوق اإليراين املفروض عىل اجلزيرة العربية من النواحي األربع قبل فوات‬
‫األوان‪.‬‬
‫‪7.7‬تبني ودعم األقليات املقهورة‪ ،‬وتوصيل صوهتا ومعاناهتا للعامل باستخدام‬
‫االنفتاح اخلليجي عىل العامل‪ ،‬وخاصة قضايا مثل األحواز والبلوش‪ ،‬وقضايا سنة‬
‫العراق وحتى شيعته‪ ،‬وتبني كامل للقضية السورية‪ ،‬وسنة لبنان‪ ،‬وعدم الغفلة عن‬
‫القضية املركزية وهي قضية فلسطني‪ ،‬إضافة إىل قضية سيناء حتى ال تتحول إىل عمق‬
‫إيراين‪.‬‬
‫‪8.8‬ال يستطيع اخلليج صناعة أيديولوجيا‪ ،‬لكنه يستطيع أن يعيد االعتبار للنظام‬
‫القبيل العريب احلامي‪ ،‬عىل أصوله العربية القديمة‪ ،‬بحيث يسهل عليه صناعة حاضنات‬
‫القبيلة التي يسهل عليها التحالف والتفاعل والتساند‪ ،‬وبالتايل صناعة توازن إسرتاتيجي‬
‫ضمن احلاضنة املجتمعية يف منطقة اخلليج العريب‪ ،‬وهذا يستلزم إعادة توازن العالقة بني‬
‫احلاكم واملحكوم عىل أساس الدولة الراعية‪ ،‬والنظام العشائري سيكفل إعادة التوازن‬
‫ا َملريض اآلن بني احلاكم ُ‬
‫كم َو ّفر للسلع واخلدمات واملحكومني من القبائل املوالية‬
‫كمستهلك ومستخدم‪.‬‬
‫‪9.9‬هناك خلل عسكري آخر حيتاج إىل إعادة النظر وهو العقيدة العسكرية والروح‬
‫القتالية‪ ،‬فإيران لدى جنودها عقيدة عسكرية وروح قتالية عالية‪ ،‬تؤمنها هلم املذهبية‬

‫‪323‬‬
‫واخلطاب املهدوي اخلاليص‪ ،‬بمقابل القوات اخلليجية املرتهلة جسدي ًا والضعيفة‬
‫يف عقيدهتا القتالية (الكويت هي الدولة اخلليجية الوحيدة ذات عقيدة عسكرية)‪،‬‬
‫فاخلليج بحاجة لسد هذا الفراغ إصالح القدرات العسكرية ترتكز عىل اإلنسان ال اآللة‬
‫العسكرية‪ ،‬ووقف ترهل اجليش واالستعاضة عن ذلك باستئجار احلامي األجنبي الذي‬
‫هو يف احلقيقة أساس املشكلة والداء‪.‬‬

‫‪324‬‬
‫إيران الدولة والشيعة الطائفة رؤية استراتيجية للتعامل‬
‫مع املشروع اإليراني‬

‫محمد الراشد‬
‫(((‬

‫املقدمة‬
‫تتعلق آمال الشعوب العربية يف مسار ثوراهتا اجلديدة نحو تغيري جذري لطبيعة‬
‫النظام العريب السيايس ولصياغة عقد اجتامعي جديد يبرش بالعدالة واملساواة واحلريات‬
‫ال من ظلم الديكتاتوريات ورهن‬ ‫والديمقراطية والسالم االجتامعي ويعالج دهر ًا طوي ً‬
‫السيادة الوطنية لألجنبي وختاذالً عن قضايا األمة املصريية وختريب ًا لالقتصاد العريب‬
‫والوطني وتتفاءل هذه الشعوب بقدرة هذه الثورات يف صنع واق ٍع معييش يقلل من‬
‫االنحدار إىل هاوية الفقر و ُي َرشد الثروات الوطنية لتوزع يف صالح الشعوب‪ ،‬ولكن هذه‬
‫الثورات وهي تتشكل يف صورة جديدة تقف أمامها حتديات رئيسية وخارجية تداهم‬
‫حلمها وأملها‪.‬‬
‫إذ تشكل جمموعة من التحديات واملخاطر سبيل هذه الثورات وخصوص ًا أمام‬
‫الثورة السورية وينعكس ذلك أيض ًا عىل دول اخلليج ودول املنطقة بشكل عام ومن‬
‫هذه التحديات ( إيران الدولة واملرشوع ) إذ أصبحت إيران مهدد ًا رئيسي ًا ومقلق ًا جلميع‬
‫دول املنطقة يف إطار تصارع املشاريع املتدافعة يف املنطقة ( كاملرشوع اإلرسائييل املرتبط‬
‫باملرشوع األمريكي واملرشوع الوليد اجلديد للثورات العربية وما تبقى من النظام العريب‬
‫السيايس بام يؤكد عىل أمهية التعامل مع هذا املهدد بشكل جدي علمي ًا وعملي ًا وواقعي ًا‪.‬‬
‫واستجابة للدعوة الكريمة التي وجهها يل اإلخوة يف «مركز أمية للبحوث‬
‫والدراسات »‪ .‬إلبداء مسامهتنا يف تطوير الرؤى واألفكار يف هذا املجال وذلك لدفع‬
‫القوى السياسية واالجتامعية لتقوم بواجباهتا جتاه أمتها وعاملها العريب اجلديد ولبلورة‬
‫مالمح رؤية إسرتاتيجية مستقلة يف ضوء هذه التحوالت واملخاطر وكذلك الفرص‬

‫((( مل يتمكن املحارض من احلضور‪.‬‬

‫‪325‬‬
‫ونتائجها وخصوص ًا يف امللف اإليراين لذا كانت هذه املشاركة‪.‬وقد كلفني اإلخوة‬
‫الكرام بإعداد ورقة بعنوان «رؤية اسرتاتيجية للتعامل مع املرشوع اإليراين يف ضوء هذه‬
‫التحوالت»‪.‬‬
‫وحيث أن هذا املوضوع من األمهية بمكان لذا فإين يف عجالة من الوقت أعددت‬
‫هذا البحث املوجز كإطار معلومايت لينطلق عىل أساسه حوار مثمر الستخالص نتائج‬
‫هامة تعني املتصدرين واملسؤولني عن اإلصالح والتغري إلنارة مسارهم نحو تشكيل‬
‫رؤية متكاملة للتعامل مع هذا امللف الشائك يف عامل السياسة الدولية واإلقليمية‪.‬مع‬
‫شكري وتقديري لثقة اإلخوة القائمني عىل هذا امللتقى وعىل رأسهم د بسام الضوحيي‬
‫رئيس جملس إدارة مركز أمية للبحوث والدراسات ود بدر الشافعي املستشار السيايس‬
‫للمركز ودعائي هلم بالتوفيق والسداد‪.‬‬

‫متهيد‪:‬‬
‫ثار جدل كبري عن موقف إيران الدولة من الثورات العربية وحيث أن إيران‬
‫اجلمهورية اإلسالمية مل تعد قطر ًا ذا تأثري حمدود يف إطار إقليم مضطرب‪ ،‬بل إيران اليوم‬
‫متثل حتدي ًا دولي ًا ورق ًام صعب ًا ال يمكن جتاوزه‪ ،‬إذ إن الواليات املتحدة القطب األكرب‬
‫يصنفها يف خانة حمور الرش وصندوق اإلرهاب‪ ،‬واستطاعت إيران خالل أكثر من‬
‫(‪ )30‬عام ًا أن تصمد أمام حرب شنت عليها ملدة ‪ 8‬أعوام وعاشت حربني يف املنطقة‬
‫بعدها كانتا مفتاح ًا لتمددها إىل آفاق جغرافية وسياسية المست بشكل مبارش معادالت‬
‫السياسة الدولية واإلقليمية والعربية ومصالح القوى العظمى يف املنطقة العربية‪ ،‬وكانت‬
‫الثورة اإلسالمية يف إيران وبعد ذلك الدولة اجلمهورية تتمدد تلقائي ًا بسبب التحافها‬
‫بالطائفة الشيعية التي شكلت األرضية املتناغمة واملنسجمة معها ألن الثورة أوجدت‬
‫للطائفة الشيعية فجرأ جديد ًا وأمالً‪.‬ومنحها رق ًام أساسي ًا يف معادلة السياسة واملجتمع يف‬
‫الوطن العريب لذا كان االرتباط التلقائي بني الروح (الثورة اإليرانية) واجلسد (الطائفة‬
‫الشيعية) متالزم ًا ومسايرا‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫وعندما هبت رياح الثورات العربية كان موقف إيران اجلمهورية اإلسالمية والتي‬
‫حتمل روح الثورة اإلسالمية مرتددة أو تقبل عىل استحياء ذلك املد الثوري اجلديد‬
‫بل وبانفعال سيايس وإعالمي وربام لوجستي تعاملت مع بعضها كالثورة السورية‬
‫والبحرينية بأسلوب املعرتض أو املتلبس بالطائفية ‪ ،‬لذا كان هذا البحث املسطور يبني‬
‫فرضيات الدولة اإليرانية كثورة إسالمية وكقوة إسرتاتيجية يف املنطقة ذات مرشوع‬
‫توسعي طائفي والعالقة مع الطائفة الشيعية ويضع تصورات ومالمح رؤية اسرتاتيجية‬
‫ألساس جديد للعالقة والتعامل فيام بني الثورات العربية اجلديدة ودول املنطقة يف‬
‫املنطقة العربية وبني إيران والطائفة الشيعية‪.‬‬
‫ولسهولة تناول هذا املوضوع فقد قسم البحث إىل عدة فصول رئيسية‪:‬‬
‫األول‪ :‬أسئلة مرشوعة عن إيران الدولة والشيعة الطائفة‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬موقف إيران من الثورات العربية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الرؤى اإلسرتاتيجية للتعامل مع إيران الدولة والطائفة الشيعية فقد‬
‫وضعت أسئلة تستكشف هذا التوصيف‪.‬‬

‫‪327‬‬
‫السؤال األول‪ :‬هل إيران منوذج للدولة اإلسالمية؟ أم خالف ذلك؟‬
‫بعد ‪ 32‬عام ًا من الثورة يسود االعتقاد بأن إيران فشلت أن تكون نموذج ًا لدولة‬
‫إسالمية تطبق مبادئ اإلسالم يف احلكم والسياسة ودولة العدل والرفاه وذلك من خالل‬
‫املؤرشات الواقعية التالية‪:‬‬
‫ـ طبيعة فكرة الدولة وتطبيقاهتا يف الدستور‪:‬حيث أدت فكرة والية الفقيه ومذهبية‬
‫الدولة «املذهب اإلثني عرشي الشيعي» باجلمهورية اإلسالمية اإليرانية إىل استبداد‬
‫منظومة حكم والية الفقيه املرشد التي ال ختتلف عن أي حكم مجهوري عريب متسلط‪.‬‬
‫ويالحظ الناظر يف مؤسسات احلكم اإليرانية أن مؤسسة القيادة «املرشد» تلعب دور ًا‬
‫مفصلي ًا‪ ،‬ويبلغ عدد مؤسسات احلكم سبع ًا وهي‪ :‬القيادة والسلطة التنفيذية والسلطة‬
‫الترشيعية‪ ،‬والسلطة القضائية‪ ،‬وجملس اخلرباء‪ ،‬واملجلس األعىل لألمن القومي‪ ،‬وجممع‬
‫تشخيص مصلحة النظام‪.‬‬

‫‪ -1‬القيادة (املرشد األعلى للثورة)‪:‬‬


‫ينص دستور مجهورية إيران اإلسالمية عىل أن املرشد أو القائد هو أعىل سلطة يف‬
‫إيران‪ ،‬وقد منحه الدستور السيادة السياسية والدينية‪.‬‬
‫تعريف القائد األعىل‪ :‬نصت املادة (‪ )5‬من الدستور اإليراين عىل أن والية األمة‬
‫يف زمن غيبة اإلمام املهدي تؤول إىل فقيه عادل تقي بصري بأمور العرص‪ ،‬ليدبر شؤون‬
‫البالد وفق ما جاء يف املادة (‪ )107‬من الدستور‪ ،‬ونصت املادة نفسها عىل تساوي املرشد‬
‫مع عامة الشعب أمام القانون‪.‬‬
‫مؤهالت املرشد‪ :‬وفق ما ورد يف املادتني (‪ )5‬و(‪ )109‬من الدستور‪ ،‬فإن مؤهالت‬
‫من خيتار ملنصب القيادة هي‪ 1:‬ـ العلم ليقوم بدور املفتي يف النوازل‪ 2.‬ـ العدالة والتقوى‬
‫الالزمتان لقيادة األمة اإلسالمية‪ 3.‬ـ الرؤى السياسية الصحيحة والكفاءة االجتامعية‬
‫واإلدارية والتدبري والشجاعة‪ ،‬والقدرة الكافية للقيادة‪.‬‬

‫‪328‬‬
‫مهام املرشد وصالحياته‪:‬‬
‫‪1‬ـ إقرار السياسات العامة للدولة‪ ،‬بعد استشارة جملس تشخيص مصلحة النظام‬
‫لتحديد األهم واملهم‪ ،‬وللمرشد القرار النهائي‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ مراقبة تنفيذ السياسات العامة للدولة‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ إصدار مرسوم االستفتاء العام‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ القيادة العامة للقوات املسلحة‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ إعالن احلرب والسلم‪ ،‬والتعبئة العامة للقوات املسلحة‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ تعيني وإقالة الشخصيات التالية‪:‬‬
‫ •فقهاء جملس صيانة الدستور‪.‬‬
‫ •أعىل مسؤول يف السلطة القضائية‪.‬‬
‫ •مدير اإلذاعة والتلفزيون‪.‬‬
‫ •رئيس أركان اجليش‪ ،‬وقائد حرس الثورة اإلسالمية‪.‬‬
‫ •القيادات العليا للقوات املسلحة وقوى األمن الداخيل‪.‬‬
‫ •حل االختالفات وتنظيم العالقات بني السلطات الثالث‪.‬‬
‫ •حل املشاكل التي ال حتل بالطرق العادية‪ ،‬باالستعانة بمجلس تشخيص مصلحة‬
‫النظام‪.‬‬
‫ •املصادقة عىل مرسوم االنتخابات الرئاسية‪ ،‬وعىل استكامل مرشحي الرئاسة‬
‫للصفات املذكورة يف الدستور‪ ،‬والتي جيب املصادقة عليها من جملس صيانة الدستور‬
‫قبل بدء االنتخابات‪.‬‬
‫ •إقالة رئيس الدولة من منصبه حتقيق ًا للمصاحلة العامة بعد أن يدينه القضاء يف‬
‫خمالفة قانونية أو بعد أن حيجب جملس الشورى الثقة من الرئيس يف ضوء ما ورد يف املادة‬
‫(‪ )89‬من الدستور‪.‬‬
‫ •العفو أو التخفيف بشأن األحكام القضائية عىل املدانني وفق ما تسمح به‬
‫الرشيعة اإلسالمية وبتزكية من رئيس السلطة القضائية‪.‬وللمرشد أن يعطي بعض‬
‫صالحياته لشخص آخر‪.‬‬

‫‪329‬‬
‫ •وبعد التعديالت الدستورية التي أجريت بعد عام ‪ 1986‬فإن املرشد أعطى‬
‫صالحيات مطلقة حتى وإن تعارضت مع النص الديني ورأي األئمة بام أوجد سلطة‬
‫مقدسة للمرشد وهذا يتناىف مع أساس الدولة اإلسالمية‪.‬‬

‫‪2-2‬سيطرة التيار الديني املتشدد احملافظ على السلطة‬


‫ومفاصل الدولة في إيران‪:‬‬
‫يف إطار التيارات السياسية املسموح هبا بالعمل احلزيب والتي تأخذ رشعيتها من‬
‫إيامهنا بوالية الفقيه ونفي التيارات السياسية والفكرية بمختلف اجتاهاهتا اإلسالمية‬
‫والعلامنية يف املجتمع اإليراين‪ ،‬ورغم مشاركة التيارات والشخصيات الثورية يف‬
‫اإلطاحة بالنظام البهلوي‪ ،‬رسعان ما بدأت اخلالفات بني قيادات الثورة يف نوعية نظام‬
‫احلكم وكيفية إدارة البلد ومستوى احلريات والتعددية‪ .‬وأدى ذلك إىل بروز جبهتني‬
‫رئيستني‪ ،‬األوىل كانت مكونة من علامء احلوزات العلمية واملنتمني هلم بزعامة آية اهلل‬
‫اخلميني‪ ،‬والثانية كانت تضم تيار املثقفني وبعض رجال الدين‪ ،‬وطالب اجلامعات ومن‬
‫أبرز شخصياهتم «مهدي بازرگان» رئيس الوزراء للحكومة املؤقتة‪ ،‬والزعيم الراحل‬
‫لـ«هنضة احلرية»‪ ،‬و«آية اهلل السيد حممود الطالقاين» أول خطيب مجعة تم إعطاؤه هذا‬
‫املنصب بصفة رسمية بعد الثورة‪ ،‬و«آية اهلل رشيعتمداري» املرجع الشيعي الشهري و«أبو‬
‫احلسن بني صدر» أول شخص منتخب لرئاسة اجلمهورية‪ ،‬و«مسعود رجوي» زعيم‬
‫منظمة جماهدي خلق وتيارات وشخصيات أخرى‪.‬‬
‫ولقد نجحت اجلبهة األوىل بزعامة آية اهلل اخلميني يف السيطرة عىل مقاليد احلكم‬
‫وجمريات األمور‪ ،‬ويف هتميش التيارات األخرى‪ ،‬ولقد ساعدهم يف ذلك اندالع احلرب‬
‫العراقية اإليرانية والتي استمرت ثامنية سنوات ‪ 1981‬ـ ‪1989‬م وتم إعادة النظر يف‬
‫الدستور لصالح التيار املحافظ بتغيري «والية الفقيه» إىل «الوالية املطلقة للفقيه»‪ ،‬وتوسيع‬
‫صالحياهتا يف الدستور يف أواخر عهد اجلمهورية األوىل‪.‬‬
‫وبعد رحيل قائد الثورة «آية اهلل اخلميني» واختيار «السيد عيل اخلامنئي» قائد ًا للثورة‬
‫وتويل «هاشمي الرفسنجاين» منصب رئاسة اجلمهورية‪ ،‬بدأ عهد اجلمهورية الثانية والذي‬

‫‪330‬‬
‫متيز بسيطرة التكنوقراطيني عىل احلكومة واهتاممهم بالتنمية واإلصالح االقتصادي وإعادة‬
‫إعامل البلد من جهة‪ ،‬لكن من جهة أخرى ت ََّم كبت احلريات العامة يف كثري من املجاالت‬
‫بام فيه القتل املشبوه بحق عدد من الصحفيني واملثقفني وكذلك بعض قيادات أهل السنة‪.‬‬
‫وبالرغم من نجاح التيار اإلصالحي لفرتة حمدودة (‪2001 – 1997‬م) وحماوالته‬
‫إجراء إصالحات يف البنية السياسية للجمهورية اإليرانية إال أنه بعد انتخابات (‪2001‬م)‬
‫أجريت االنتخابات الرئاسية بحضور عدد من املرشحني منهم «هاشمي رفسنجاين»‬
‫و«مهدي كرويب» و«مصطفى معني» و«حممد باقر قاليباف» و«عيل الرجياين» و«حممود‬
‫امحدي نجاد»‪ ،‬و«مهر عيل زادة»‪ ،‬ولكن مل ينجح أحد منهم عىل كسب األصوات‬
‫الالزمة يف الدور األول من االنتخابات وتنافس رفسنجاين وامحدي نجاد يف الدور الثاين‬
‫وأعلن فوز أمحدي نجاد‪ ،‬واملحللون ذكروا عدة أسباب لفوزه‪ ،‬منها‪ :‬قلة نسبة املشاركة‬
‫يف االنتخابات‪ ،‬من قبل القوى اليائسة من العملية اإلصالحية يف البالد ومنها‪ :‬دعم‬
‫املؤسسات الدينية واحلرس الثوري والتعبئة الشعبية «البسيج» ألمحدي نجاد ومنها‪ :‬ما‬
‫اشتكى منه «كرويب» و«رفسنجاين» من عدم النزاهة يف االنتخابات‪.‬‬
‫وهكذا دخلت البالد يف عهد جديد متميز عن ما سبقه بحضور مكثف للتيار‬
‫املحافظ‪ ،‬خاصة املتطرفني منهم يف إدارة البالد وكذلك استالم قيادات احلرس الثوري‬
‫لبعض املسؤوليات اهلامة عىل مستوى الوزارات واألقاليم واملبادرة ملنع اآلخرين‬
‫وهتميشهم‪ ،‬واختاذ بعض السياسات املتشددة عىل الصعيد املحيل واإلقليمي والعاملي‪،‬‬
‫مما سبب يف حتديد احلريات العامة يف الداخل وتوتر العالقات اخلارجية وارتفاع نسبة‬
‫التضخم وصعوبة املعيشة بالرغم من تصاعد أسعار النفط‪ ،‬وأدت سيطرة التيار املتشدد‬
‫عىل احلياة السياسية إىل استبداد سلطة الطبقة املتشددة‪.‬‬

‫‪3-3‬النتائج االجتماعية السلبية لتطبيقات مبادئ الثورة‬


‫على الشعب اإليراني‪:‬‬
‫لقد انتقل الشعب اإليراين من احلالة التقليدية ومل تكتمل بعد مسريته نحو احلياة‬
‫احلديثة يف خمتلف النواحي بصورة كاملة‪ ،‬فبينام احتفظ ببعض قيمه التقليدية‪ ،‬ارتىض‬

‫‪331‬‬
‫ببعض قيم احلداثة كذلك‪ ،‬ويف نفس الوقت حتول االبتعاد عن بعض القيم اإلسالمية‬
‫عامة وبعض قيم املذهب الشيعي عىل وجه اخلصوص‪ ،‬إىل ظاهرة فكرية واجتامعية‪ ،‬لدى‬
‫الشعب عموم ًا ويف أوساط الشباب خاصة‪ ،‬فهناك تطور فكري عام عىل عدة مستويات‪،‬‬
‫أوسعها نطاق ًا التغيري باجتاه مطالبة احلقوق واحلريات األساسية والتعددية من جهة‪،‬‬
‫وتبني التقاليد الغربية وغلبة النزعة العلامنية من جهة أخرى‪ ،‬وقد تبلورت آثارها يف قلة‬
‫عدد املصلني يف املساجد‪ ،‬وازدياد ظاهرة التربج‪ ،‬واالستخفاف بالشعائر الدينية‪.‬‬
‫وملزيد من العلم سنشري إىل بعض املؤرشات الرسمية وفق ًا آلخر تقرير سنوي‬
‫قامت بنرشه وزارة الثقافة واإلعالم يف عام ‪2003‬م‪ ،‬مقارنة باألوضاع بني عامي ‪1999‬‬
‫و‪2003‬م‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ ‪ %79‬من الشعب يرون تقلص نسبة التزام الناس بالدين‪.‬‬
‫‪ %74 - 2‬من الشعب يرون أن التزام الناس بالدين يف املستقبل سيكون أقل من احلال‪.‬‬
‫‪ %87 - 3‬من الشعب يرون أن ظواهر األخالق السيئة تزداد يف املستقبل‪.‬‬
‫‪ - 4‬زاد معدل نسبة الطالق إىل ‪.%13.6‬‬
‫‪ - 5‬ارتفع سن الزواج من ‪ 25‬سنة إىل ‪ 28‬سنة‪.‬‬
‫‪ - 6‬بلغ عدد مدمني املخدرات أكثر من مليوين مدمن‪.‬‬
‫‪ %38 - 7‬من الشباب يف الثانوية وقبلها يدخنون السيجارة‪.‬‬
‫‪ %11 - 8‬من الشباب يتناولون احلبوب املقرحة‪.‬‬
‫‪ %62 - 9‬من الشعب ليسوا راضني من حياهتم السياسية‪.‬‬
‫‪ %32 - 10‬من الشعب فقط يتابعون األخبار السياسية‪.‬‬
‫‪ %90 - 11‬من الشعب ليسوا راضني من حياهتم االقتصادية‪.‬‬
‫‪ %85 - 12‬من الشعب يرون أن املسؤولني ال هيتمون بآرائهم‪.‬‬
‫‪ - 13‬حتتل (قم) بالنسبة للجرائم األخالقية (الزنا واللواط و‪ )...‬املرتبة األوىل يف‬
‫إيران (بمعدل سنوي يبلغ ‪ 1556‬حالة) وتأيت بعدها حمافظة طهران ومشهد‪.‬‬
‫‪ -114‬حتتل إيران مرتبة ‪ 78‬بني ‪ 133‬دولة‪ ،‬يف الرشوة يف الدوائر احلكومية‪.‬‬
‫‪ -115‬حتتل حمافظة قم املرتبة األول بالنسبة للرشوة يف إيران‪.‬‬

‫‪332‬‬
‫‪4-4‬التمييز وفقدان العدالة االجتماعية والفشل االقتصادي‪:‬‬
‫رغم أن إيران كانت قبل الثورة اإلسالمية يف مقدمة الدول النامية وقطعت أشواط ًا‬
‫نحو التطور الصناعي وعدم االتكاء عىل عوائد بيع النفط‪ ،‬إال أهنا بسبب تداعيات‬
‫الثورة‪ ،‬واحلصار االقتصادي واحلرب العراقية اإليرانية اهتمت بدرجة كبرية بدعم الفكر‬
‫الشيعي خارج البلد‪ ،‬يف إطار ما يسمى بـ «مرشوع تصدير الثورة» ورضب اجلذور‪،‬‬
‫وكذلك اختاذ سياسات غري دقيقة‪ ،‬خاصة يف عهد أمحدي نجاد‪ ،‬حيث ‪ %60‬من عوائد‬
‫البلد متتلكها نسبة ترتاوح بني ‪ %30- 20‬من الشعب اإليراين حسب ما أعلنه مساعد‬
‫الرئيس اإليراين يف الشؤون االقتصادية ولذا بقيت غالبية الشعب اإليراين‪ ،‬تعيش حتت‬
‫ضغط الفقر واحلرمان‪ ،‬وبلغت نسبة البطالة إىل ‪ %14‬حسب تقرير البنك العاملي وبلغ‬
‫معدل نسبة التضخم إىل ‪ %26‬يف عام ‪ 2008‬وفق ما رصح به رئيس اجلمهورية‪ ،‬حيث‬
‫احتلت إيران املرتبة األوىل يف الرشق األوسط واملرتبة الرابعة بني ‪ 183‬دولة يف العامل‬
‫وفق تقرير صندوق النقد الدويل‪ ،‬بينام نسبة التضخم كانت ترتاوح بني ‪ 12 - 15‬باملائة يف‬
‫عهد خامتي‪ ،‬وليس بني يدنا نسبة التضخم يف أواخر حكم نجاد هذا وكان الشعب يتوقع‬
‫حتسن الوضع وانخفاض نسبة التضخم إىل ما دون العرشة باملائة كام وعد به أمحد نجاد‬
‫بعد ارتفاع أسعار البرتول‪ ،‬حيث كانت الدعايات االنتخابية لألصوليني تتمحور حول‬
‫حل املشاكل االقتصادية و حتسني مستوى معيشة الشعب‪ ،‬ردا عىل شعارات اإلصالحيني‬
‫يف جمال احلرية والتعددية واالنفتاح السيايس‪ ،‬لكن تدهور األوضاع االقتصادية بعد تويل‬
‫«أمحد نجاد» مقاليد احلكم بشكل يضطر املواطن اإليراين خاصة املوظفني منهم إىل أن‬
‫يقوم بعمل آخر بجنب وظيفته األصلية ألن رواتبه ال تغطي متطلبات معيشته ويعيش‬
‫اآلن حوايل ‪ 14‬مليونا من الشعب حتت خط الفقر وعرشة ماليني من الشعب عىل حافة‬
‫الفقر‪ ،‬ومن البني أن احلكومة اإليرانية قد رصفت كثري ًا من أمواهلا يف سبيل احلصول عىل‬
‫العديد من التقنيات العرصية يف جمال الطاقة الذرية وغريها وكذلك يف الدعم املادي‬
‫لبعض األحزاب والتيارات الفكرية خارج البالد‪.‬وباألخري بادرت احلكومة بتنفيذ مادة‬
‫‪ 44‬من الدستور بغية تطبيق اخلصخصة‪ ،‬ولكن مل تنجح املبادرة بصورة صحيحة حيث‬
‫أتيح املجال لشخصيات ومؤسسات حمسوبة عىل رجال احلكم وعوائلهم ومل ينتفع عامة‬
‫الشعب من هذه الفرص وما كان ملبادرة احلكومة تأثري إجيايب حسب املتوقع‪.‬‬

‫‪333‬‬
‫‪ -5‬انتهاك حقوق أهل السنة في إيران‪:‬‬
‫بالرغم من مشاركة السنة وعلامئهم ورموزهم يف نشاطات الثورة‪ ،‬وخرسوا الكثري‬
‫يف مواجهة نظام الشام الديكتاتوري ووضعوا إمكاناهتم وكامل والئهم للثورة‪ ،‬إال أن‬
‫الثورة انقلبت عليهم‪ ،‬بل وأعدمت علامءهم ورموزهم‪ ،‬ومن تلك املؤرشات التي تعرب‬
‫عن انتهاك حقوقهم ما ييل‪:‬‬

‫أ‪ .‬األوضاع االجتماعية‪:‬‬


‫‪1 -1‬نظرا إىل أن أهل السنة واجلامعة يشكلون النسبة الكبرية من سكان املناطق‬
‫احلدودية ‪ -‬مما يسهل عليهم إقامة العالقات مع الدول املجاورة ‪ -‬لذاك فإهنم أقل تأثرا‬
‫بالتيارات الفكرية والثقافة املستوردة بل وحتى املدعومة من قبل احلكومة‪ ،‬إضافة إىل‬
‫هذا فإن التواصل الثقايف واالجتامعي واالقتصادي مع الدول املجاورة يعد من األسباب‬
‫التي تعني أهل السنة واجلامعة عىل االحتفاظ بعاداهتم وتقاليدهم وكذلك اهتاممهم‬
‫بإقامة الفرائض والشعائر الدينية واحلضور يف املساجد واالهتامم هبا كام هو ملحوظ مع‬
‫أول نظرة يلقيها املرء يف املناطق السنية بالنسبة لغريها من املناطق‪.‬‬
‫‪2 -2‬أما يف جمال التعليم واملناهج احلكومية فإن املنهج الدرايس يف ما يتعلق بالتعاليم‬
‫الدينية من املرحلة االبتدائية حتى هناية الثانوية‪ ،‬يكون وفق املذهب الرسمي إال أنه يتم‬
‫تعيني كتاب مرافق يف مناطق تواجد أهل السنة وبعد ذلك وعىل مستوى التعليم العايل يتم‬
‫تدوين الكتب حسب املذهب الرسمي وجدير بالذكر أنه ال توجد معاهد خاصة بأهل‬
‫السنة ‪ -‬سوى كريس الفقه الشافعي املوجودة حالي ًا يف جامعة طهران جزاء بام قامت به‬
‫جامعة األزهر بإدخال املذهب اجلعفري اإلثني عرشي يف دائرة املذاهب اإلسالمية يف‬
‫عهد الشاه ‪ -‬عل ًام بأنه يوجد أكثر من مخسة آالف طالب وطالبة من األوساط السنية يف‬
‫جامعات طهران فقط وما يقارب ‪ 25000‬منهم باجلامعات األخرى كمشهد وأصفهان‬
‫وتربيز وأورمية وشرياز وسنتدج وكرمانشاه وهرمزجان وزاهدان‪..‬‬
‫‪3 -3‬الشك أن العلامء واملدارس الرشعية األهلية والتيارات اإلسالمية كان هلم دور‬
‫هام يف االحتفاظ بالعقيدة واهلوية اإلسالمية حيث توجد يف مناطق أهل السنة يف املدن‬
‫‪334‬‬
‫والقرى مساجد ومدارس املدعومة من قبل الشعب منذ الفتح اإلسالمي إليران‪ ،‬إال أن‬
‫احلكومة جربت العديد من املحاوالت للسيطرة عىل العلامء واملدارس منها اختيار علامء‬
‫الشيعة مرشفني عىل املدارس أهل السنة علامئهم وأخري ًا يف عهد الرئيس أمحدي نجاد قام‬
‫املجلس األعىل للثورة الثقافية باختاذ قرار بشأن املدارس الدينية ومناهجها دون أي تشاور‬
‫مع مشايخ أهل السنة وعلامئهم من أجل التدخل يف قضايا املدارس الدينية وتشديد الرقابة‬
‫عليها‪ ،‬يف حال أن احلوزات العلمية الشيعية تتمتع باحلرية يف ممارسة نشاطاهتا كام تشاء‪.‬‬
‫ب‪ .‬األوضاع االقتصادية‪:‬إن تردي األوضاع االقتصادية ملحوظ يف مجيع املناطق‬
‫كام أرشنا إليها سابق ًا وبالنسبة للمناطق السنية فإن األوضاع أشد تدهور ًا وذلك ألن‬
‫احلكومة مل تقم بإنشاء املصانع والرشكات واملشاريع االقتصادية الواسعة يف هذه املناطق‬
‫بل جعلت أكثر النشاطات واملشاريع الكبرية ‪ -‬والتي تؤدي إىل توظيف السكان وحتسن‬
‫النسبي لألوضاع املعيشية ‪ -‬متمركزة يف املدن واألوساط الشيعية يف حني بقيت املناطق‬
‫السنية حمرومة من هذا احلق حتى يف املشاريع الفردية املحدودة ‪ -‬اللهم إال من استطاع‬
‫منهم أن يقيم عالقات جتارية مع التجار يف الدول املجاورة ‪ -‬كاإلمارات مث ً‬
‫ال ‪ -‬وأما‬
‫الدوائر احلكومية فأهل السنة حيتلون املراتب السفيل منها وهذا مما يمنعهم من احلصول‬
‫عىل الرواتب العالية واملستوى املعييش املناسب‪.‬‬
‫ج‪ .‬األوضاع السياسية‪:‬إن من املرصح به يف القانون األسايس والذي دون منذ بداية‬
‫الثورة اإليرانية ‪ -‬كام ذكر ‪ -‬هو أن رئيس اجلمهورية البد أن يكون شيعي ًا اثنا عرشي ًا ومل‬
‫يتوقف األمر عىل هذا احلد بل إن املراتب األقل تأثري ًا كاملحافظ والسفري ومعاون رئاسة‬
‫اجلمهورية قد سدت فيها األبواب يف وجوه أهل السنة وحرموا من تويل هذه املناصب‬
‫إىل اآلن ويقال أنه كان هناك قرار يف وزارة الداخلية منذ بداية الثورة بعدم منح أهل السنة‬
‫املسؤوليات اهلامة إال يف عهد خامتي‪ ،‬حينام كان عبد اهلل نوري وزير الداخلية قامت‬
‫احلكومة بإلغاء هذا القرار واملحاولة الختيار أهل السنة يف بعض املناصب يف مستوى‬
‫مدراء النواحي فام دوهنا‪ ،‬وعدد نواب الربملان من أهل السنة يف حدود عرشين نائب ًا من‬
‫أصل ‪ 297‬نائب‪ ،‬ويف جمال إعطاء املوافقة الرسمية لألحزاب واجلامعات السنية مل متهد‬
‫األرضية لذلك‪ ،‬وتتعرض للتهديد أحيان ًا بحجة أهنا غري رسمية‪.‬‬

‫‪335‬‬
‫أما يف جمال الرشطة واجليش واحلرس الوطني‪ ،‬فإن أهل السنة ملزمون بإهناء فرتة‬
‫اخلدمة العسكرية كسائر املواطنني إال أهنم يبقون يف حالة اجلنود العاديني دون احلصول‬
‫عىل الدرجات العالية ‪ -‬كالعقيد والعميد و‪ - ..‬إال القليل من َمن حصل عىل املراتب‬
‫األدنى منها ذلك نظر ًا للشهادة العلمية املعرتف هبا رسمي ًا‪.‬‬

‫‪6-6‬انتهاك حقوق اإلنسان بشكل عام في إيران‪:‬‬


‫انتهاك حقوق اإلنسان مستمرة يف اجلمهورية اإلسالمية اإليرانية ومن ذلك‪:‬‬
‫ •منع الرتشيح ألي انتخابات أو تقلد سلطة تنفيذية أو أي مستوى رسمي إال ملن‬
‫يؤمن بوالية الفقيه‪.‬‬
‫ •قمع التظاهرات السلمية اإلصالحية وقتل املتظاهرين وسجنهم‪.‬‬
‫ •عدم السامح بتأسيس األحزاب إال عىل أساس والية الفقيه‪.‬‬
‫ •حماكامت رجال الدين املخالفني بواسطة حمكمة رجال الدين التي أسست عام‬
‫‪ 1986‬وسجن العلامء واملخالفني‪.‬‬
‫ •مصادرة حرية التعبري والتجمع والنشاط السلمي‪.‬‬

‫‪336‬‬
‫السؤال الثاني‪ :‬هل إيران دولة إقليمية أم مشروع قوى عظمى في‬
‫املنطقة؟‬
‫تعيش املنطقة العربية يف رشق أوسطها وخليجها منذ ما يقارب ‪25‬عام ًا تصارع‬
‫مرشوعني باتا هيددان أمن املنطقة وشعوهبا ومها املرشوع األمريكي امللتحف بغطاء‬
‫سيايس سمي (مرشوع الرشق األوسط الكبري) واملرشوع اإليراين واملتدثر بغطاء سيايس‬
‫هو (مرشوع املقاومة واملامنعة) وإن كانا حيمالن يف جلبابيهام مشاريع أخرى ال تقل يف‬
‫خطورهتا عن ذلك املرشوعني كاملرشوع اإلرسائييل ومرشوع اجلامعات اجلهادية املتطرفة‬
‫والنزعات االنفصالية كاملرشوع الكردي وذلك يف ظل وجود نظام سيايس عريب‬
‫وخليجي متداعي ومنحاز إىل املرشوع األمريكي أو املحور اإليراين رغبة أو رهبة مع‬
‫غياب املرشوع اإلسالمي والعريب وترشذم قوى السياسة واملجتمع فيها‪.‬‬
‫واستطاعت إيران حتقيق الكثري من أهداف املرشوع اإليراين الذي بات نفوذه يمتد‬
‫من إيران إىل لبنان يف حركة التفافية إىل اليمن يف هالل شيعي مغطى بالطائفة الشيعية‬
‫ومدعوم بالعاطفة اجلامهريية اإلسالمية التي يؤيد حمور املقاومة واملمتدة يف العامل العريب‬
‫واإلسالمي‪.‬‬

‫وصف املشروع‪:‬‬
‫هيدف املرشوع إىل استثامر أعوام طويلة من جهود يف العمل الرسي والعلني سياسي ًا‬
‫وديني ًا ولوجستي ًا منذ بدء مرشوع تصدير الثورة إىل اإلقليم والعامل يف عام ‪1979‬م وإىل‬
‫اليوم وذلك إلقامة نفوذ إيراين اسرتاتيجي قلبه إيران ذات املرجعية لوالية الفقيه ووسطه‬
‫دول اخلليج والعراق وأطرافه لبنان وباكستان ودول العامل اإلسالمي األخرى وذلك‬
‫إلجياد نفوذ إيراين عىل ضفتي العامل اإلسالمي ويستخدم النفط واملوقع اإلسرتاتيجي‬
‫وتطوير القوى النووية اإليرانية للسيطرة عىل اإلقليم ويتحرك بروح وقوى الطائفة‬
‫الشيعية ويتغطى باللحاف اإلسالمي اجلامهريي املقاوم لسيطرة الواليات املتحدة‬
‫والغرب وإرسائيل‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫أهداف املشروع‪:‬‬
‫((‪(1‬اخرتاق القاعدة الشعبية سياسي ًا واجتامعي ًا ومالي ًا يف دول اخلليج والوطن العريب‬
‫معتمد ًا عىل الطائفة الشيعية العربية‪.‬‬
‫((‪(2‬العمل عىل إجياد حمتوى سيايس وعسكري شيعي قادر عىل تطوير هالل شيعي‬
‫يف املنطقة العربية ويمتد من إيران مرور ًا بالعراق وسوريا ولبنان حميط ًا باملحتوى السني‪.‬‬
‫((‪(3‬إقامة نفوذ سيايس ومايل للمنظامت واملرجعيات الشيعية املرتبطة باملرشوع‬
‫اإليراين يف دول اخلليج‪.‬‬
‫((‪(4‬تنمية القدرات الطائفية وعسكرة الطائفة الشيعية‪.‬‬
‫((‪(5‬إجياد حتالف مقاومة عسكري (شيعي – سني – قومي) ضد مصالح الواليات‬
‫املتحدة وإرسائيل واستخدامها كورقة ضغط سياسية لتحقيق مكاسب للمرشوع اإليراين‪.‬‬

‫آليات املشروع ومظاهره الرئيسية‪:‬‬


‫((‪(1‬اآلليات الداخلية‪ :‬أنشأت إيران ونشطت آليات يف سياق إنجاح املرشوع منها‪:‬‬
‫مركز أركان شهداء النهضة اإلسالمية وهو مكتب تابع ملكتب مرشد الثورة وهو‬ ‫ ‪ -‬أ‬

‫املكتب املسئول عن تنفيذ إسرتاتيجية تصدير الثورة وكان وال يزال يعقد مؤمترات رسية‬
‫جلمعيات وتنظيامت وهيئات عربية وإسالمية وهو املركز املسئول عن جتنيد االنتحاريني‬
‫وفتح مكاتب التطوع يف البلدان اخلليجية والعربية يف زيارات خاصة‪.‬‬
‫ب‪ -‬جلنة ثالثية مللف العراق متصلة باملرشد تتكون من نائب وزير اخلارجية –‬
‫ورئيس احلرس الثوري – ورئيس إطالعات (االستخبارات اإليرانية) إلدارة الرصاع‬
‫واملصالح يف العراق بميزانيات مالية ضخمة‪.‬‬
‫ج‪ -‬فيلق القدس التابع للحرس الثوري لدعم املليشيات العسكرية يف العراق‬
‫ولبنان واليمن‪.‬‬
‫د‪ -‬املجمع العاملي للتقريب بني املذاهب اإلسالمية‪ ،‬يرشف عليه حجة اإلسالم‬
‫التسخريي للتعامل واحتواء املحتوى السني (علامء – جتمعات – ساسة – مجهور‬
‫‪.)......-‬‬
‫‪338‬‬
‫هـ‪ -‬املجمع العاملي ألهل البيت وذلك لنرش التشيع ورعاية املرجعيات والطائفة يف‬
‫املنطقة العربية ويف العامل‪.‬‬
‫((‪(2‬دعم امليلشيات الشيعية السياسية والعسكرية‪ ،‬يف العراق ما يقارب (‪ )13‬ميليشيا‬
‫عسكرية باإلضافة إىل عرشات من التنظيامت السياسية‪.‬‬
‫((‪(3‬القيام بعمليات جتسس واستخبارات يف اخلليج يف احلدود اإلقليمية املائية لدول‬
‫اخلليج ضد املصالح األمريكية وصدور اعرتاضات خليجية ومصادرة بعض السفن‬
‫والطرادات اإليرانية‪.‬‬
‫((‪(4‬دعم ثورة احلوثيني يف اليمن‪.‬‬
‫((‪(5‬دعم السفارات اإليرانية بعنارص االستخبارات اإليرانية وتنسيقها وتنشيطها‬
‫للحراك السيايس لألحزاب والتنظيامت الشيعية يف خمتلف القضايا‪.‬‬
‫((‪(6‬إنشاء ودعم عرشات القنوات الفضائية السياسية والدينية واالقتصادية مبارشة‬
‫أو بشكل غري مبارش (أموال املرجعيات) لنرش الرؤية السياسية واإلعالمية للمرشوع‬
‫اإليراين‪.‬‬
‫((‪(7‬التحالف الرسمي مع سوريا منذ استيالء الثورة عىل مقاليد السلطة يف إيران وإىل‬
‫اليوم مما أوجد واقع ًا إيراني ًا وسياسي ًا وعسكري ًا ومالي ًا يف املنطقة ويف لبنان عىل األخص‬
‫بام يعزز املرشوع اإليراين وحيقق أهدافه‪.‬‬
‫((‪(8‬إنشاء حزب اهلل ودعمه يف لبنان منذ عام ‪1980‬م مما غري املعادلة السياسية‬
‫والعسكرية اإلرسائيلية مما أوجد مهدد أو خطر عىل النسيج االجتامعي والسيايس يف‬
‫لبنان من جهة وورقة سياسية عسكرية خادمة ملصالح إيران يف املنطقة من جهة أخرى‪.‬‬
‫((‪(9‬دعم التغريات الديمغرافية والسكانية الشيعية يف العراق وسوريا ولبنان وبعض‬
‫دول اخلليج بام حيقق األغلبية السكانية فيها‪.‬‬
‫(‪(1(1‬املشاركة يف خمتلف التجمعات السياسية والدينية اإلسالمية يف العامل العريب‬
‫واإلسالمي عرب واجهات وشخصيات إما إيرانية أو شيعية بام حيقق تفاعلها اجلامهريي‬
‫للمرشوع ومتديد تغطيته بالرشعية اإلسالمية العاملية‪.‬‬
‫(‪(1(1‬إقامة عالقات مصالح مع بعض الدول الكربى بام حيقق هلا بعد ًا اسرتاتيجي ًا‬

‫‪339‬‬
‫وغطا ًء دولي ًا ملساندهتا سياسي ًا وعسكري ًا وإقامة حتالفات مع بعض دول أمريكا الالتينية‬
‫والعاملية لنفس الغرض‪.‬‬
‫(‪(1(1‬تكوين حمور املوارد القزويني واالفريقي‪.‬‬

‫واقع تطبيقات املشروع‪:‬‬


‫ ‪-‬واصلت إيران طوال العقود املاضية من عمر الثورة التواصل مع الطائفة الشيعية‬
‫يف املنطقة عرب التنظيامت السياسية واملرجعيات الدينية وتكوين قواعد جمتمعية هلا يف كل‬
‫بلدان دول اخلليج من أجل إجياد حمتوى مجاهريي طائفي حيمي مصاحلها ويساندها يف‬
‫مواقفها ومشاريعها‪.‬‬
‫ ‪-‬احتضنت إيران طوال الفرتة املاضية مجيع القوى الشيعية السياسية كاملجلس‬
‫األعىل وحزب الدعوة والقوى السنية كـ (محاس) واجلهاد اإلسالمي وغريها من القوى‬
‫مثل القاعدة ما دامت هذه القوى ختدم مرشوعها بشكل مجاهريي وحرضت عىل عسكرة‬
‫القوى الشيعية لتخدم مرشوعها‪.‬‬
‫ ‪-‬تفاعلت إيران بشكل فعال وسيايس ذكي يف التعامل مع قرارات املنظمة الدولية‬
‫إليقاف احلرب مع العراق وغض الطرف عن رضب القوات العراقية لتحرير الكويت‬
‫وتعاونت مع الواليات املتحدة يف أفغانستان إلسقاط نظام طالبان وإسقاط نظام صدام‬
‫وآوت بالتفاهم األمريكي األكراد لتخفيف الضغط عليهم من تركيا يف مرحلة ما لتمرير‬
‫خطتها اإلقليمية‪.‬‬
‫ ‪-‬رصدت بعد احلرب العراقية ما يقارب من عرشات املليارات من الدوالرات‬
‫للتطوير العسكري ولرشاء أسلحة إسرتاتيجية متكنها من التوازن اإلقليمي يف اخلليج‬
‫خالل العرش سنوات التي تلت حرب حترير الكويت وركزت عىل تطوير الصناعات‬
‫العسكرية املحلية وتطوير املرشوع النووي‪.‬‬
‫ ‪-‬منذ عام ‪2003‬م وإىل اليوم قامت بإدارة مصاحلها وإجياد موقع نفوذ سيايس‬
‫واستخبارايت وعسكري يف العراق عرب نفوذها يف امليليشيات الشيعية العراقية واألحزاب‬
‫السياسية بام حقق هلا دور ًا يف القرار العراقي وضغطت عىل القرار األمريكي يف العراق‬

‫‪340‬‬
‫والتحفت بالطائفة الشيعية العربية العراقية عرب املراجع الدينية والسياسية وأوجدت هلا‬
‫بعد ًا ديمغرافي ًا وامتداد ًا جغرافي ًا حاك ًام بالنفط واملال والسكان يف جنوب العراق‪.‬‬
‫ ‪-‬استمرار احتالل إيران للجزر العربية اإلماراتية الثالث يشكل موقع ًا اسرتاتيجيا‬
‫يف منفذ اخلليج يضاعف من خماطر االلتامس العسكري مع الواليات املتحدة لكنها يف‬
‫نفس الوقت لدهيا عالقات مميزة مع بعض دول اخلليج كقطر‪.‬‬
‫ ‪-‬التوغل املايل التجاري والعقاري يف دول اخلليج عرب الرشكات الومهية‬
‫والشخصيات التجارية اإليرانية أو الشيعية بام أوجد نفوذ ًا مالي ًا ضخ ًام لألموال اإليرانية‬
‫املنقولة يف دول اخلليج ‪.‬‬
‫ ‪-‬انتهجت إيران سياسة إدارة املصالح املتعارضة يف أكثر من فرتة وموقع فقد‬
‫تعاونت مع إرسائيل يف حرب العراق برشاء أسلحة يف الثامنينات وحاربتها يف لبنان عرب‬
‫حزب اهلل أيضا يف الثامنينات وساعدت الواليات املتحدة عىل إسقاط نظام طالبان يف‬
‫‪2002‬م‪ ،‬ولكنها حاربت الواليات املتحدة يف العراق ولبنان عرب األحزاب وامليليشيات‬
‫الشيعية والقاعدة‪ ،‬وهذه اإلسرتاتيجية قد حققت إليران مكاسب عىل أقل تقدير‬
‫باعتبارها رق ًام صعب ًا ال يمكن جتاوزه يف النظام األمني اإلقليمي للخليج‪.‬‬
‫ ‪-‬يف حني أن الواليات املتحدة كانت إسرتاتيجيتها يف الثامنينات تقييد النظام‬
‫اإليراين وحتجيمه بواسطة الغزو العسكري لصدام ثم مرت فرتة هدنة وتعاون هدفها‬
‫وضع النظام اإليراين يف صندوق وتغيري سلوكه ليتناسب مع السياسة األمريكية ولكن‬
‫فشلت الواليات املتحدة يف كبح مجاح إيران للحصول عىل التقنية النووية مما ساعد إيران‬
‫طيلة السنوات املاضية لبناء أوراق إسرتاتيجية يف لبنان وسوريا والعراق واخلليج ضد‬
‫السياسة األمريكية ومساندة مقاومة الفلسطينيني‪.‬‬

‫‪341‬‬
‫السؤال (الثالث) هل إيران دولة مبادئ أم دولة براغماتية تدير‬
‫شؤونها وفق مصاحلها؟‬
‫ال شك أن إيران الدولة ختتلف عن إيران الثورة وإيران الدولة ختتلف عن إيران‬
‫املرشوع كدولة عظمى‪ ،‬ومن املؤسف أن بعض تيارات اإلسالم السيايس والقومي‬
‫العرويب وشعوب املنطقة العربية اإلسالمية مازالت تتلقي اخلطاب اإلعالمي والسيايس‬
‫اإليراين كام وإن إيران الزالت هي الثورة اإلسالمية وأهنا يف سبيل دحر نظام الشيطان‬
‫األكرب وحترير فلسطني وإسقاط الديكتاتوريات يف املنطقة‪ ،‬وإذا يف احلقيقة تتبعنا مسار‬
‫السياسة اخلارجية والواقعية إليران سنجدها ال تقل براغامتية عن الدول الكربى‬
‫كالواليات املتحدة وال تبادالً للمصالح كإرسائيل وال تعام ً‬
‫ال مع ديكتاتوريات عربية‬
‫كسوريا وليبيا واجلزائر وغريها‪ ،‬فإيران دولة يف السياسة الداخلية واخلارجية تتعامل‬
‫بمبادئ قانون السياسة ال قانون الرشع والدين فأيام مصلحتها فثم قرارها‪ ،‬ومما يؤكد‬
‫ذلك هو املؤرشات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬عالقات املصالح املتبادلة مع الواليات املتحدة يف املنطقة‪:‬‬
‫هناك وجهان لسياسات التعامل اإليراين مع الواليات املتحدة يف املنطقة ‪-‬‬
‫سياسة املصالح املشرتكة‪ -‬سياسة التدافع والرصاع يف املنطقة وذلك للتحقيق أهداف‬
‫السياسات اخلارجية اإليرانية وعندما كانت املصلحة األيديولوجية تتصادم مع املصلحة‬
‫اإلسرتاتيجية كام حصل يف الثامنينيات كانت املصلحة اإلسرتاتيجية تتفوق باستمرار وقد‬
‫رفض رفسنجاين أن تستند السياسة اخلارجية اإليرانية إىل املبادئ األيديولوجية برصف‬
‫النظر عن النتائج مادامت ذلك يف سبيل مصلحتها‪.‬‬
‫‪ -2‬التعاون عىل إسقاط نظام طالبان‪:‬‬
‫فمنذ أن تم فتح القنوات الرسية لالتصال عرب الوسطاء السويرسيني عام ‪1990‬‬
‫إلعادة عالقات متوازنة مع الواليات املتحدة والذي توج بالتعاون االسرتاتيجي‬
‫اللوجستي الذي قدمته إيران للواليات املتحدة يف إسقاط نظام طالبان واستخدمت‬
‫نفوذها وحتالفها مع القوى الشيعية والتحالف السني الشاميل يف إجياد تعاون إسرتاتيجي‬
‫مع الواليات املتحدة عام ‪ 2001‬للغزو األمريكي ألفغانستان الذي ساهم بقوة يف‬
‫‪342‬‬
‫تشكيل حكومة تتعاون مع الواليات املتحدة ‪ ،‬والتي تم تشكيلها من خالل املفاوضات‬
‫الرسية بني القوى األفغانية الشاملية والواليات املتحدة وقوى حلف األطليس بريادة‬
‫إيرانية كام قدم اإليرانيون استخدام قواعدهم اجلوية وتوفري قاعدة ملهام البحث واإلنقاذ‬
‫للطيارين ووفروا املعلومات املناسبة للعثور عىل بعض زعامء القاعدة وتقاسم املعلومات‬
‫اإلسرتاتيجية وتنسيق الدوريات احلدودية‪.‬‬
‫‪ -3‬التعاون يف احتالل العراق عام ‪2003‬م‪ -‬التعاون والتنسيق اإلسرتاتيجي‬
‫والدعم اللوجستي الذي قدمته إيران أيضا منذ عام ‪ 2002‬الحتالل العراق وإسقاط‬
‫نظام العراق عام ‪ 2002‬وتفكيك العراق سياسيا واجتامعيا واقتصاديا ملصلحتها‬
‫وملصلحة الواليات املتحدة وإرسائيل‪.‬وقد أمرت إيران اجلامعات الشيعية النافذة‬
‫التابعة هلا يف العراق باملشاركة يف إعادة اإلعامر بدالً من مقاومة االحتالل األمريكي‪-.‬‬
‫بإضافة التعاون مع الواليات املتحدة يف مواجهة تنظيم القاعدة واجلامعات التي تسمى‬
‫باجلامعات اإلرهابية يف املناطق املشرتكة‪ -.‬تم استمرار التنسيق االسرتاتيجي يف العراق‬
‫بام حيفظ مصالح إيران والواليات املتحدة عرب االتفاق عىل تشكيل احلكومات العراقية‬
‫ال عن عالوي‬‫املتتالية منذ سقوط النظام وأخري ًا تم حسم اخلالف عىل والية املالكي بدي ً‬
‫حليف الواليات املتحدة‪.‬‬
‫‪ -4‬الرغبة يف التفاهم مع الواليات املتحدة للتفاهم االسرتاتيجي عىل مجيع القضايا‬
‫املختلف عليها‪:‬‬
‫يف مايو ‪2003‬م أعد اإليرانيون اقرتاح ًا شام ً‬
‫ال يف صفقة ضخمة حمتملة بني البلدين‬
‫تعالج كافة نقاط النزاع بينهام‪ .‬هكذا يسطر ترتا بارزي يف كتابه حلف املصالح املشرتكة‬
‫(‪ )2007‬حيث يقول ‪ :‬كتب صادق خرازي‪ ،‬نجل شقيق وزير اخلارجية اإليراين وسفري‬
‫إيران لدى فرنسا‪ ،‬املسودة األوىل لالقرتاح‪ .‬مل يكن عىل علم هبذا االقرتاح ويشارك يف‬
‫إعداده سوى دائرة مغلقة من صناع القرار بطهران منهم‪ ،‬وزير اخلارجية كامل خرازي‪،‬‬
‫والرئيس حممد خامتي‪ ،‬والسفري لدى األمم املتحدة جواد ظريف‪ ،‬والسفري لدى فرنسا‬
‫خرازي‪ ،‬واملرشد األعىل للثورة عىل خامنئي وقام باملصادقة عليه ثم‪ ،‬أجرى اإليرانيون‬
‫مشاورات مع تيم غالديامن‪ ،‬السفري السويرسي لدى إيران‪ ،‬والذي سلم االقرتاح يف‬

‫‪343‬‬
‫النهاية إىل واشنطن‪.‬أذهل االقرتاح األمريكيني‪ .‬فهو مل يكن اقرتاح ًا رسمي ًا وحسب‬
‫‪ -‬عىل اعتبار أنه حصل عىل موافقة املرشد األعىل ‪ -‬بل إن ما تضمنه من بنود كان‬
‫مدهش ًا أيضا‪ .‬يقول فينت ليفرييت الذي خدم كمدير رفيع يف شؤون الرشق األوسط‬
‫لدى جملس األمن القومي حينها‪« :‬اعرتاف اإليرانيون بأن أسلحة الدمار الشامل‬
‫ودعم اإلرهاب قضيتان هامتان بالنسبة إليهم‪ ،‬وأهنم عىل استعداد للتفاوض عليهم‪.‬‬
‫لقد حظيت الرسالة بموافقة كافة املستويات العليا للسلطة‪ .‬بذلك‪ ،‬وضع اإليرانيون‬
‫كافة أوراقهم عىل الطاولة‪ ،‬ورصحوا عن كل ما يريدونه من الواليات املتحدة وعن‬
‫األشياء التي هم عىل استعداد لتقديمها باملقابل‪.‬عرض اإليرانيون وقف دعمهم حلامس‬
‫واجلهاد اإلسالمي ‪ -‬األخوة اإليديولوجيون إليران يف رصاعها مع الدولة اليهودية ‪-‬‬
‫والضغط عىل املجموعتني لكي توقفا هجامهتام عىل إرسائيل‪ ،‬ويف ما يتعلق بحزب اهلل‪،‬‬
‫وليد أفكار إيران‪ ،‬ورشيكها األكثر جدارة باالعتامد عليه يف العامل العريب عرض رجال‬
‫الدين دعم عملية نزع سالحه وحتويله إىل حزب سيايس صرِ ف يف املوضع النووي‪،‬‬
‫عرض االقرتاح فتح الربنامج النووي اإليراين بالكامل أمام عمليات تفتيش دولية‬
‫غري مقيدة من أجل إزالة أية خماوف من برامج التسلح اإليرانية‪ .‬وسيوقع اإليرانيون عىل‬
‫الربوتوكول اإلضايف اخلاص بمعاهدة عدم االنتشار‪ ،‬كام سيعرضون عىل األمريكيني‬
‫إمكانية املشاركة الكثيفة يف الربنامج كضامنة إضافية وإيامءة عىل حسن النية‪ .‬يف موضع‬
‫اإلرهاب‪ ،‬عرضت طهران التعاون الكامل يف مواجهة كافة املنظامت اإلرهابية‪،‬‬
‫وأمهها القاعدة‪ .‬يف املوضوع العراقي‪ ،‬ستعمل إيران بنشاط مع الواليات املتحدة عىل‬
‫دعم االستقرار السيايس وإقامة مؤسسات ديمقراطية‪ ،‬واألهم من ذلك‪ ،‬تشكيل حكومة‬
‫غري دينية‪.‬ربام كان البند األكثر إثارة للدهشة ذلك املتعلق بعرض إيران القبول بإعالن‬
‫بريوت الصادر عن القمة العربية‪ ،‬أي خطة السالم التي أعلنها ويل العهد السعودي يف‬
‫مارس ‪ 2002‬والتي عرض العرب بموجبها إبرام سالم مجاعي مع إرسائيل‪ ،‬مقابل‬
‫موافقة إرسائيل عىل االنسحاب من كافة األرايض املحتلة والقبول بدولة فلسطينية‬
‫مستقلة بالكامل‪ ،‬والتوصل إىل حل عادل ملشكلة الالجئني الفلسطينيني‪ .‬من خالل‬
‫هذه اخلطوة‪ ،‬ستعرتف إيران رسمي ًا باحلل القائم عىل دولتني‪.‬لذا فإنه عىل املستوى‬

‫‪344‬‬
‫االسرتاتيجي‪ ،‬أراد اإليرانيون التوصل إىل تفاهم عىل املدى الطويل مع الواليات‬
‫املتحدة عرب وقف كافة الترصفات املعادية التي تقوم هبا أمريكا‪.‬مثل خطاب حمور‬
‫الرش والتدخل يف الشؤون الداخلية اإليرانية‪ ،‬وإهناء كافة العقوبات األمريكية‪ ،‬واحرتام‬
‫املصالح القومية اإليرانية بالعراق‪ ،‬ودعم مطالب اإليرانيني باحلصول عىل تعويضات عن‬
‫احلرب‪ ،‬واحرتام حق إيران باحلصول عيل املقيد عىل التكنولوجيا النووية والبيولوجية‬
‫والكيميائية‪ ،‬وأخري ًا االعرتاف باملصالح األمنية اإليرانية املرشوعة يف املنطقة‪ .‬كام‬
‫أوضحت الوثيقة اإلجراءات اخلاصة بالتفاوض املتدرج إىل حني التواصل إىل اتفاقية‬
‫تكون مقبولة لدى الطرفني‪.‬ما إن استأنفت املحادثات األمريكية اإليرانية حتى بدأ‬
‫املحافظون اجلدد بواشنطن حماولة تقويضها وتم رفضها من قبل ديك تشني ورامسفيلد‬
‫وذلك بسبب العجرفة األمريكية واللويب اإلرسائييل خصوص ًا إبان عز انتصار األمريكان‬
‫يف العراق‪.‬ومازالت إيران مستمرة يف تقديم مقرتحات املفاوضات حلل اإلشكاليات‬
‫التي بينها وبني الواليات املتحدة وإرسائيل عىل حساب دول املنطقة وشعوهبا‪.‬‬

‫‪345‬‬
‫السؤال الرابع‪ :‬هل إيران مشروع حتدي؟ أم مشروع خصم؟ أم‬
‫مشروع فرصة؟‬
‫ال شك إن إيران اليوم ونفوذها يف املنطقة العربية وبشكل خاص يف العراق ودول‬
‫اخلليج والرشق األوسط وامتدادها يف رشق آسيا وغرب إفريقيا ونشاطها يف املجتمعات‬
‫اإلسالمية يف أوروبا والواليات املتحدة وأمريكا اجلنوبية ليشكل منها قوة إسرتاتيجية‬
‫إقليمية وقيمة دولية شبيهة باالحتاد السوفييتي الشيوعي إبان حقبة احلرب الباردة‪.‬‬
‫فاالحتاد السوفييتي كان يعتمد كثري ًا عىل تصنيف عدوه الرئييس الواليات املتحدة كعدو‬
‫إمربيايل يمتص الشعوب وهييمن عليها (وهذه حقيقة ال جدال فيها) ويلتحف باألحزاب‬
‫الشيوعية العربية يف املنطقة وغريها من األحزاب الشيوعية كرأس حربة ملواجهة النفوذ‬
‫األمريكي وإيران‪ ،‬ال ختتلف عنه بيشء‪ ،‬إذ تعترب أمريكا «الشيطان األكرب» وهذه حقيقة‬
‫أيضا‪ ،‬وتتحالف وتتكئ عىل التجمعات والطائفة واألحزاب الشيعية وعسكرهتا لتتمدد‬
‫وحتقق نفوذها الواسع يف املنطقة العربية والعامل وإيران اليوم ال تشكل حتدي ًا أو خطر ًا عىل‬
‫الواليات املتحدة وإرسائيل واألوروبيني فحسب‪ ،‬بل الكثري من األنظمة املستقرة يف العامل‬
‫العريب ورشق آسيا ومجهوريات آسيا الوسطى وأنظمة يف أمريكا الالتينية‪.‬والسؤال‪ :‬هل‬
‫إيران بنفوذها املتنامي يف املنطقة العربية يشكل للمنطقة أو ملن يملك مرشوع ًا كاإلسالميني‬
‫خطر ًا أم حتدي ًا أم فرصة إضافية لتمديد نجاح وتفعيل التغيريات السياسية يف املنطقة العربية‪.‬‬
‫لذا سنستعرض باختصار للوضع االسرتاتيجي إليران يف املنطقة العربية وما حوهلا‪:‬‬

‫أوال ً‪ :‬السياسة احمليطة‪ :‬استطاعت إيران أن تشكل لنفسها‬


‫سياسة محيطة تدرأ عنها التحديات‪ ،‬وتدفع عنها األخطار‬
‫وتعتبرها مقدمة للمواجهة مع اخلصوم من ذلك‪:‬‬

‫(‪ )1‬حمور اهلالل الشيعي (حمور النفط وإقالق إرسائيل)‪:‬‬


‫ويتمثل يف إجياد أنظمة سياسية وحتالفات وقوى سياسية وعسكرية عىل األرض‬
‫تكون أوراق قوة إليران حلاميتها وللضغط عىل دول املنطقة وإلقالق املرشوع األمريكي‬
‫‪346‬‬
‫واإلرسائييل ولتغيري معادلة السيطرة وإلجياد وضعية تفاوض وفرص متيز لكسب املزيد من‬
‫الوقت واألرض واملصالح ويتمثل حمور اهلالل الشيعي يف العراق وسورية ولبنان وفلسطني‬
‫والسودان واليمن مطوق ًا إرسائيل ومرص ودول اخلليج‪ ،‬والقواعد األمريكية فيها التي تعترب‬
‫منظومة يف املحور األمريكي‪.‬متص ً‬
‫ال ما بني اخلليج العريب والبحر األبيض املتوسط والبحر‬
‫األمحر وبحر العرب‪ ،‬متيح ًا لصواريخ إيران أن تواجه وتالمس مبارشة حدود إرسائيل‬
‫واليمن والسعودية مع إعطاء حرية احلركة للقوة اإليرانية البحرية يف البحار‪.‬‬

‫(‪ )2‬حمور تطويق النووي الباكستاين‪:‬‬


‫لقد استطاعت إيران أن توجد حميط ًا آخر بالتعاون مع الواليات املتحدة واحلكومة‬
‫األفغانية وحتالف الشامل والشيعة يف أفغانستان والتعاون االقتصادي مع اهلند والصني‬
‫وذلك إلقالق باكستان النووية وتصعيد التوتر الطائفي يف باكستان إلضعافه وإقالق‬
‫مرشوعه يف أفغانستان وعىل احلدود اإليرانية وانشغاله بالداخل ومدافعته مع اهلند‬
‫وتوتري عالقته بالصني بسبب التعاون االسرتاتيجي مع الواليات املتحدة ومؤخرا دعم‬
‫قوى طالبان إلقالق األمريكان والناتو ىف أفغانستان‪.‬‬

‫(‪ )3‬حمور املوارد‪:‬‬


‫ويتمثل يف اجتاهني‪:‬‬
‫‪ -‬تطوير العالقات االقتصادية والتعاون التجاري مع دول غرب أفريقيا بالتعاون‬
‫املبارش وعن طريق اجلاليات العربية الشيعية ونرش التشيع والبعثات التعليمية‪ ،‬وتعترب‬
‫دول غرب أفريقيا هي الدول التي حتوي أرضيها أكرب املوارد املائية والنفط واليورانيوم‬
‫واحلديد والنحاس وغريها من املواد يف أفريقيا‪ ،‬كام تعترب سوق ًا حيوي ًا لتصدير البضائع‬
‫اإليرانية إليها‪.‬‬
‫‪ -‬إجياد أسواق جتارية كربى يف دول وسط آسيا والدول اإلسالمية املنفكة عن‬
‫االحتاد السوفيتي واملحاذية لبحر قزوين وتصدير النفط والغاز اإليراين‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫ثانيا ً‪ :‬سياسة الردع النووي وتطوير األسلحة البالستية‪:‬‬
‫ •منذ أن بدأ الشاه الربنامج النووي اإليراين يف سبعينيات القرن املايض ودعم‬
‫الواليات املتحدة عام ‪1975‬م ببيع معدات طاقة نووية إليران بقيمة ‪ 6‬مليارات دوالر يف‬
‫حينها فإن مرشوع «أزهار» الشاهنشاهي توقف إبان احلرب العراقية اإليرانية واستأنف‬
‫يف منتصف عام ‪1986‬م وظهر إىل العلن عام ‪2003‬م‪ ،‬وبدأت عمليات التخصيب‬
‫وتطوير أجهزة الطرد املركزي إلنتاج سالح نووي متوقع عام ‪2013‬م‪.‬‬
‫وبذلك تسعى إيران لتصبح قوة إقليمية رادعة وبالرغم من ترصحيات اإلرسائيليني‬
‫يف أن السالح النووي اإليراين ال يعترب مهدد ًا إلرسائيل إال أن إيران أرادت أن يكون‬
‫هلا اعتبار ًا يف أي ترتيب أمني عىل ضفاف اخلليج ويف منطقة الرشق األوسط وستقلل‬
‫من تأثري إرسائيل وقدرهتا يف املناورة اإلسرتاتيجية‪ ،‬ومتنع إرسائيل من إمالء رشوطها‬
‫اخلاصة بالسالم وبالتايل فإن الواليات املتحدة ستعرتف بإيران كقوة إقليمية ذات أمهية‬
‫إسرتاتيجية يف الرشق األوسط موازية إلرسائيل‪ ،‬وهبذه اإلسرتاتيجية تصبح دول املنطقة‬
‫وشعوهبا حتت إسار التفاهم األمريكي اإليراين اإلرسائييل‪.‬‬
‫ •تطوير السالح التقليدي‪:‬‬
‫من املعروف أن مصادر الواردات العسكرية اإليرانية شهدت تغريا ملحوظا منذ‬
‫ثورة ‪ 1979‬عندما انقطعت الواردات من السالح األمريكي وبدأت إيران تعتمد عىل‬
‫الصني واالحتاد السوفيتي‪ ،‬عالوة عىل دول رشق أوروبا لتوفري املعدات العسكرية‪ ،‬وإن‬
‫خرست إيران العديد من مقدراهتا احلربية أثر احلرب مع العراق يف عهد الثامنينات‪.‬‬
‫‪ ‬بعد حرب اخلليج الثانية تم رصد أكثر من ‪ 12‬مليار مبارشة لتطوير التصنيع احلريب‬
‫يف إيران وتطوير الصورايخ البالستية بعيدة املدى حتى أصبحت اليوم هذه الصواريخ‬
‫مهدد حقيقي للقواعد األمريكية يف دول اخلليج وإلرسائيل يف إطار رصاع النفوذ‬
‫واهليمنة والسيطرة عىل املنطقة‪.‬‬
‫وبالرغم من زيادة اإلنفاق العسكري اإليراين يف السنوات املاضية نتيجة ارتفاع‬
‫صادرات النفط (‪ 23‬مليار دوالر عام ‪ 2000‬إىل ‪ 33.6‬مليار عام ‪ 2003‬إىل ‪ 62‬مليار‬
‫عام ‪ ،)2006‬نجد أن الواردات العسكرية اإليرانية يف هبوط مستمر‪ .‬عىل سبيل املثال‬
‫‪348‬‬
‫قلت واردات السالح الرويس من ‪ 1.3‬مليار دوالر يف الفرتة ‪ 1996-1993‬إىل ‪0.1‬‬
‫مليار يف ‪ .2004-2001‬وانخفضت واردات السالح الصيني إليران من ‪ 0.9‬مليار إىل‬
‫‪ 0.1‬مليار يف نفس الفرتة‪ .‬ولذا ركزت إيران يف العهود املاضية عىل تطوير صناعة السالح‬
‫املحيل‪ ،‬ولكن تشري الدراسة أن تلك اجلهود مل تسفر عن نتائج ملحوظة يف حتسني وضع‬
‫القطاع العسكري اإليراين الذي يواجه عدة حتديات خطرية أمهها فشل إيران يف توفري قطع‬
‫غيار للمعدات العسكرية الغربية التي الزالت يف حوزة جيشها‪ ،‬إضافة إىل تردي حالة‬
‫املعدات احلربية القديمة‪ ،‬وغياب التقنية التكنولوجية احلديثة التي تتمتع هبا جيوش اخلليج‬
‫األخرى‪.‬‬

‫ثالثا ً‪ :‬سياسة تفرد املرجعية اإليرانية للطائفة الشيعية‪:‬‬


‫يمثل الشيعة اليوم يف املنطقة العربية وعا ًء وبيئة مجاهريية وموارد وطاقات وإمكانات‬
‫للتفاعل مع املرشوع اإليراين وقد حرصت إيران عىل االهتامم باملرجعيات والتيارات‬
‫وقضايا الشيعة يف املنطقة العربية عرب وسائل متعددة وحرصت عىل أن تكون املرجعية‬
‫الدينية للمرجعيات اإليرانية عىل حساب املرجعيات العربية وشجعت البعثات باآلالف‬
‫إىل قم ومشهد عىل حساب احلوزات العربية كام أن األحزاب الشيعية يف العامل العريب‬
‫اليوم مدعومة بالكامل من إيران وحترص إيران أال خترج تلك التيارات واألحزاب عن‬
‫نطاق سيطرهتا لذا فإهنا مرصة عىل أن تكون حامية محى الشيعة يف العامل عدا أن التعاون‬
‫املايل من خالل شبكات مالية مبارشة وغري مبارشة أوجد سوقا ومصالح مشرتكة ما بني‬
‫إيران واملال االقتصادي واملال الشيعي إما استثامرا أو تنمية أو تعاونا اقتصاديا لذا فان‬
‫جز ًأ مهام من عامل السياسة واالقتصاد واملال واإلعالم تسيطر عليه إيران بشكل مبارش‬
‫أو بشكل غري مبارش كون هلا نفوذا منقطع النظري يف الطائفة الشيعية التي تشكل جزءا‬
‫مهام يف النسيج االجتامعي والسيايس واملايل يف املنطقة العربية خصوصا يف دول اخلليج‬
‫والعراق وسوريا ولبنان‪.‬‬

‫‪349‬‬
‫رابعا ً‪ :‬التمدد الدميوغرافي‪:‬‬
‫سامهت إيران وبشكل مبارش عىل إحداث تغيريات ديمغرافية سكانية خالل‬
‫الثالثني سنة املاضية يف دعم عمليات اهلجرة السكانية والتجنيس يف املنطقة العربية‬
‫بتشجيعها املبارش هلجرة اإليرانيني إىل العراق والبحرين وسوريا ولبنان دعمت‬
‫التطورات الديمغرافية عرب الطائفة الشيعية يف فئات البدون ودول اخلليج مما أوجد‬
‫حزاما ديموغرافيا طائفيا هي نتيجة طبيعية لنفوذ إيران الشيعية يف املنطقة العربية‪.‬‬

‫اخلالصة في هذا الباب‬


‫عىل ضوء تلك املحددات هل ستكون إيران بمرشوعها فرصة متاحة للتعاون‬
‫معها واالستفادة من إمكاناهتا ونفوذها لنجاح املرشوع اإلسالمي أم أهنا يف احلقيقة‬
‫تشكل حتديا أمام املحتوى اإلسالمي السني الوسطي وجيب التعامل معها عىل‬
‫أساس السياسة الرشعية واملصالح وجتنب حتدياهتا أم يشكل خطرا عىل املرشوع‬
‫العريب واإلسالمي شعوبه ودولة بطائفيته‪ ،‬وعنرصيته ونفوذه وإمكاناته وربام‬
‫حتالفاته املصلحية مع الواليات املتحدة وربام مع إرسائيل وربام بسيطرة متطرفني‬
‫إلشعال حرب طائفية ال تبقي وال تذر؟؟‬

‫‪350‬‬
‫السؤال اخلامس ‪ :‬ما هي خصائص التميز في الطائفة الشيعية‬
‫وهل هي قادرة على التعايش مع احملتوى السني في املنطقة؟‬

‫ال يمكن جتاوز حقيقتني يف هذا املوضوع‪:‬‬


‫األوىل‪ :‬أن الشيعة طائفة منترشة ديموغرافيا يف دول اخلليج والعراق ولبنان كام هم‬
‫يف إيران وهلم حق املواطنة يف بلداهنم‪ ،‬وربام تم التجاوز عىل بعض حقوقهم بسبب طبيعة‬
‫األنظمة الديكتاتورية العربية وكام حدث للسنة أيضا يف إيران يف مراحل تارخيية بسبب‬
‫الرصاع الطائفي والتارخيي‪ ،‬كام أن إيران (الدولة ذات العدد األكرب من الشيعة) كدولة‬
‫هي حقيقة جغرافية وتشكل رقام هاما يف املعادلة األمنية يف اخلليج بشكل خاص ومنطقة‬
‫الرشق األوسط بشكل عام‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن إيران كدولة والشيعة كطائفة ال يمكن أن يتجاوزا عن الكامن التارخيي‬
‫والعقدي والذي يتوسالن به لتحقيق مهمة تارخيية إلعادة خالفة أهل البيت يف املنطقة‬
‫كواجب رشعي وفرض عقدي‪ ،‬وأنه مهام توسلت إيران كدولة والشيعة كطائفة‬
‫باالسرتاتيجيات للقفز فوق األحداث والتعامل معها إال أنه يظل يف املكونات السياسية‬
‫واحلركية واملرجعية الشيعية العمل عىل الوصول إىل اهلدف املنشود يف مرحلة ما‪ ،‬وما‬
‫التضحيات التارخيية ألجيال متعاقبة من الطائفة إال مثاال حيا وحقيقيا عىل ذلك‪ ،‬فاملهمة‬
‫واملرشوع التارخيي يتواصل طبيعي ًا‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن الشيعة ليسوا طرفا واحدا أو فئة واحدة‪ ،‬بل طيف متنوع وهم أصول‬
‫وتيارات وأعراق سياسية واجتامعية بل ومدارس دينية خمتلفة – كام أنه قد حيث بعض‬
‫االختالف فيام بينهم يف أسلوب العالقة مع املجتمعات اخلليجية والعربية‪ ،‬وإسرتاتيجية‬
‫التعامل مع كل مرحلة وتبعا لكل نظام سيايس‪.‬‬

‫خصائص الطائفة الشيعية‪:‬‬


‫إال أن الشيعة يتميزون كطائفة عضوية بام ييل‪:‬‬
‫‪1 )1‬االلتقاء الرشعي عند مرجعية واحدة وااللتفاف حوهلا والسامع لقرارها ورأهيا‬
‫‪351‬‬
‫يشبه اإللزام خصوصا يف الواقعات واألحداث‪.‬‬

‫البنية الهرمية لعلماء الدين الشيعة‪:‬‬


‫تتمثل الدرجات املرجعية عند الشيعة فيام ييل‪:‬‬
‫ •مرجع التقليد املطلق‪:‬‬
‫هذا املنصب شاغر منذ عام ‪1961‬م‪ ،‬بوفاة آية اهلل العظمى “الربوجرودي”‪.‬‬
‫ •آية اهلل العظمى‪:‬‬
‫يوجد حالي ًا ما يقارب من (‪ )20‬من آيات اهلل العظمى يف العامل‪ ،‬منهم (‪ )14‬يف‬
‫إيران‪ ،‬وباستثناء اإلمام اخلميني وحسني عيل منتظري وقد توفيا ‪ ،‬يعارض غالبية آيات‬
‫اهلل العظمى مبدأ والية الفقيه‪ ،‬ومنهم احلائري املولود يف إيران وسكن يف الكويت وقد‬
‫تويف قبل سنوات والسيستاين يف العراق‪.‬‬
‫ •آية اهلل‪:‬‬
‫يوجد يف إيران اليوم ما يقارب من (‪ )5000‬شخص من محلة هذا اللقب وغري‬
‫معروف عددهم يف املنطقة العربية‪ ،‬منهم (‪ )80‬عامل دين يشغلون مراكز يف النظام‬
‫احلاكم‪ ،‬مثل خامنئي‪ ،‬وأما الباقون فهم منرصفون عن السياسة‪ ،‬مما يعني أن غالبية‬
‫اجلسم املرجعي يف إيران وقلة منهم يف املنطقة العربية تعارض مبدأ والية الفقيه ألن‬
‫مراكز النظام ال يسمح بتقلدها إال ملن يؤمن بمبدأ والية الفقيه‪.‬‬
‫ •حجة اإلسالم‪:‬‬
‫هذه املرتبة هي األكثر شيوع ًا خلرجيي املعاهد الدينية‪ ،‬وهناك ما يقرب من‬
‫(‪ )28000‬شخص حيملون هذا اللقب‪ ،‬ويشغل ما يقرب من (‪ )2000‬عامل دين منهم‬
‫مراكز يف النظام احلاكم يف إيران‪ ،‬ومن بينهم حممد خامتي والرئيس السابق أكرب هاشمي‬
‫ورئيس الربملان عيل أكرب ناطق نوري‪.‬‬
‫ •حاميل لقب “ثقة اإلسالم”‪:‬‬
‫وهم احلاصلون عىل قدر ضئيل جد ًا من التعليم يف املعاهد الدينية ‪ ،‬ويقدر عدد‬
‫هؤالء بنحو (‪ 180‬ألف ًا)‪ ،‬يشغل نحو (‪ )4000‬منهم مراكز يف النظام احلاكم يف إيران‪.‬‬

‫‪352‬‬
‫‪2 )2‬العالقة اهلرمية بني املرجعية وممثليها وتالمذهتا والقاعدة الشيعية بام يشبه‬
‫التسلسل التنظيمي احلركي القادر عىل التعبئة اجلامهريية نحو اهلدف املطلوب‪.‬‬
‫‪3 )3‬توافر التمويل الثابت واملستقر منذ قرون للمؤسسة الرشعية وفرضيته عىل‬
‫كل بالغ من الشيعة بام حيقق متويال كافيا للمشاريع واألزمات والطوارئ واملشاريع‬
‫وأمهها دعم االمتداد الديموغرايف‪ ،‬كام حدث يف البحرين والعراق واإلمارات وحاليا‬
‫يف الكويت وقطر ومن قبل سورية ولبنان‪.‬‬
‫‪4 )4‬استقرار الشبكة املالية واملصلحية بني الشيعة يف كل دول اخلليج بام أوجد سوق ًا‬
‫مالي ًا مشرتكة تدور األموال وتبني البنية التحتية األساسية للمؤسسات الدينية والسياسية‬
‫للشيعة يف املنطقة‪ ،‬بل وإن أدوات االستثامر قد مست ما يسمى بالسياحة الدينية لتطوير‬
‫معامل وحتديث مراكزهم الدينية يف “قم” و”النجف” و”كربالء” و”سوريا”‪.‬‬
‫‪5 )5‬نظر ًا للتاريخ الطويل الرسي الباطني يف مواجهة األزمات وتوايل السلطات‬
‫السنية احلاكمة عرب التاريخ يف املنطقة وملبدأ عقدي وهو التقية‪ ،‬فإن ذلك أكسب الشيعة‬
‫خربات كافية ومتقدمة يف نظم العمل الرسي الثوري والقدرة عىل التشكل يف مجيع‬
‫الظروف وحتمل الرضبات‪.‬‬

‫اخلالصة‪:‬‬
‫ال قادر ًا عىل حشد‬
‫يشكل بذلك الشيعة حمتوى تنظيمي ًا متعدد ًا ومالي ًا وسياسي ًا هائ ً‬
‫إمكانياته وتنسيق دوره وجهوده حتت قيادة رسمية أو شبه رسمية أو شبه رسمية مرجعية‪،‬‬
‫واختاذ سياسات موحدة‪ ،‬وبالتايل تشكل الطائفة قوة ضاربة ألي دولة أو حتالف أو قوة‬
‫سياسية وحتى دولية للتغيري وهو ممكن القوة‪ ،‬وكام حدث يف الثورة اإلسالمية يف إيران‬
‫والعراق ولبنان‪ ،‬الذي هو يف نفس الوقت مكمن اخلطر‪ ،‬وكام حدث يف االحرتاب‬
‫الطائفي يف العراق بعد ليلة تفجري املرقدين بسامراء وهجوم امليليشيات والشيعة عىل‬
‫أحياء ومساجد السنة وتدمريها يف بغداد ومدن أخرى وكذلك ما حدث من جتييش‬
‫سيايس طائفي يف مجيع االنتخابات العراقية يف البحرين وغريها‪.‬‬
‫إن هذا املحتوى الشيعي بإمكاناته ومراجعه وتياراته ومجاهريه ليمثل حتدي ًا مفصلي ًا‬

‫‪353‬‬
‫للمحتوى السني شعوبا ودوال وللحركة اإلسالمية السنية لبناء مرشوع إسالمي حقيقي‬
‫يف املنطقة العربية‪ ،‬إذ إن كيميائية املحتوى الشيعي ومعادلته هبا خليط يف عنارص القومية‬
‫الفارسية والتاريخ الديني املشرتك مع إيران والثقافة الشيعية وتتغلب عىل العروبة يف‬
‫نسيجها‪ ،‬وكثري من سوء الفهم واالعتقادات اخلاطئة عدا االحرتاب الطائفي بام خيلط‬
‫أوراق التفاهم والتعايش‪.‬‬

‫موقف إيران من الثورات العربية‬


‫بالرغم من الثورات العربية أتت منسجمة مع طبيعة أي فكر ثوري والذي أيضا‬
‫اصطبغت به الثورة اإليرانية ومن بعد نادت بمبدأ تصديرها للثورة إال أن الصدمة‬
‫هزت إيران يف نموذج الثورات العربية ومفاجأهتا غري املقدرة قد أربكت املوقف‬
‫التي َّ‬
‫اإليراين فهو مل يتفاعل كثري ًا مع الثورة التونسية وعندما ربح الشعب املرصي ثورته‬
‫حاول املرشد األعىل «خامنئي» بنسبة الثورة املرصية إىل روح الثورة اإليرانية التي‬
‫شاخت بعد أكثر من ‪ 30‬عام ًا ويمكن للمراقب أن ينظر إىل إيران وموقفها من الثورات‬
‫العربية فيام ييل‪:‬املعاجلة اإلعالمية املتباينة‪:‬حيث وجهت إيران خطاهبا اإلعالمي أثناء‬
‫الثورات العربية للدعاية لفكرها الثوري متوقعة أن تضع لنفسها روح ًا منسجمة مع‬
‫طبيعة الثورات العربية‪ ،‬ولكنه كان خطاب ًا باهت ًا يفقد الروح احلقيقية‪.‬كام دعت إيران‬
‫األنظمة العربية لسامع صوت الشعوب العربية الراغبة يف التغيري والتي تدعو إىل العدالة‬
‫والكرامة والديمقراطية واملساواة وتوزيع الثروة متناقضة مع واقعها الداخيل مما أحرج‬
‫موقفها اإلعالمي أمام مجاهري الثوار العرب وداخلها‪.‬التناقض يف اخلطاب اإلعالمي جتاه‬
‫الثورات العربية فهو خطاب مؤيد داعم لثورات تونس ومرص وليبيا واليمن والبحرين‬
‫ورافض بل ويستعدي الثوار يف سوريا‪.‬حتليل املوقف اإليراين من الثورات‪:‬تأثر املوقف‬
‫اإليراين جتاه الثورات بسبب املعايري السياسية واملصلحية إليران أكثر من أن تكون تلك‬
‫أيديولوجية تؤمن هبا كنظام ثوري وقد حتكم يف هذا املوقف املعايري التالية‪:‬‬
‫‪ - 1‬طبيعة عالقات األنظمة احلاكمة يف تلك الدول مع إيران فإننا نجد َّ‬
‫أن إيران‬
‫كان موقفها متذبذب ًا يف ليبيا ومعارض ًا للثورة السورية ومؤيدا يف البحرين‪.‬‬

‫‪354‬‬
‫‪ 2‬ـ طبيعة تأثري هذه التغريات عىل املرشوع اإليراين يف املنطقة العربية والتوقعات‬
‫حول تقلص مصالح إيران فيها‪.‬إذ إن التغري يف سوريا سيؤثر بشكل واسع عىل املوقف‬
‫االسرتاتيجي والتفوق اإليراين ويف املنطقة أو فشله ويف البحرين سيؤثر عىل الوضع‬
‫اإلقليمي يف اخلليج أو يف اليمن يف تطوير قدرة احلوثيني للمناورة السياسية املؤيدة إليران‬
‫ويف مرص هل ستميل كفتها ملحور املامنعة اإليراين أم سيتطور التغيري فيها لريادة امللف‬
‫الفلسطيني‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ طبيعة تأثري هذه التغريات يف عالقة الواليات املتحدة كخصم إليران حيث إن‬
‫مرص والبحرين كانت يف املحور األمريكي وسوريا يف املحور اإليراين‪ ،‬وأن أي تغيري‬
‫سلبي أو إجيايب يف طبيعة عالقات الثورات اجلديدة مع الواليات املتحدة سيؤثر بشكل‬
‫مبارش عىل املصالح اإليرانية ومرشوعها يف املنطقة‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ الطبيعة الطائفية للنظام اإليراين إذ َّ‬
‫إن إيران لن تتخىل عن شعار «حامي محى‬
‫الشيعة» يف العامل وهذا يضعها أمام مسؤوليات سياسية ‪ ،‬لذا فإن االنفعال والتحركات‬
‫اإلعالمية جتاه التغيري يف البحرين والعراق وسوريا كان متأثر ًا بالنفس الطائفي للدولة‬
‫اإليرانية‪.‬تأثري التغريات التي سوف حتدثها الثورات العربية عىل إيران‪:‬من املتوقع أن‬
‫النظام العريب اجلديد املتوقع أن حتدثه الثورات العربية يف املنطقة سيغري الكثري من‬
‫معادالت التحالفات واألهداف السياسية لكل األطراف اإلقليمية والدولية وإيران‬
‫جزء من هذه املنطقة‪ ..‬ويمكن توقع التغيريات التالية من حيث تأثري هذه التغريات عىل‬
‫وضع إيران يف املنطقة‪.‬‬
‫‪ 1‬ـ انتهاء عهد التفوق الثوري يف إيران يف املنطقة فاليوم املاليني من العرب ينظرون‬
‫إىل الثورات العربية بإعجاب وكنموذج للتغيري مل حتظ به حتى الثورة اإليرانية نفسها‪.‬‬
‫‪ - 2‬نزع سوريا من املحور اإليراين وهو (حمور املقاومة واملامنعة)‪ ،‬فإن ذلك‬
‫سيقلل من التفوق اإلسرتاتيجي إليران ويعيدها إىل املربع األول وسيؤثر تأثري ًا مبارش ًا‬
‫عىل استعادة املحور العريب قوته ملواجهة إيران يف املنطقة وسيكون ضاغط ًا رئيسي ًا عىل‬
‫حلفائها يف العراق عدا أن جتد تركيا حلفاء أكثر عقالنية ورؤية حضارية يف الثورات‬
‫اجلديدة‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫‪ - 3‬يتبع ذلك موقف حزب اهلل يف لبنان سيتم التفاوض عليه يف وضع أضعف مما‬
‫يؤدي به إىل أن يكون حزب ًا سياسي ًا يدور يف لعبة السياسة الداخلية اللبنانية كطرف أقل‬
‫خطورة ووالء إليران وبالتايل سيتم نزع ورقة هامة إسرتاتيجية من إيران‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ توقع إعادة امللف الفلسطيني إىل وضعه الطبيعي أن يكون (فلسطيني ًا ـ عربي ًا)‬
‫بعد أحداث التغري يف سوريا ومرص‪ ،‬وبالتايل ستفقد إيران أحد أوراقها املهمة التي تربر‬
‫موقفها السيايس جتاه املنطقة العربية بتبنيها حمور املقاومة‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ االلتفات إىل الداخل اإليراين إما بإعادة النظر بإصالح الوضع الداخيل والتفاهم‬
‫مع تيارات اإلصالح يف إيران ومن ثم تتغري السياسة اخلارجية والدولية إليران أو تستمر‬
‫وبشكل أكرب يف الضغط وإجهاض املعارضة والتيار اإلصالحي باستخدام اخليار األمني مما‬
‫يشدد عليها الضغوط اخلارجية ويستهلك طاقتها يف الداخل ويساهم يف انفجار ثوري آخر‪.‬‬
‫‪ 6‬ـ تشوه سمعة إيران يف الرأي العام الداخيل واخلارجي اإلقليمي والدويل حال‬
‫موقفها املتذبذب يف الثورات بل وربام الداعم اللوجستي للنظام السوري واملذكي‬
‫للطائفية يف البحرين والعراق حيث كشفت الثورات عورات النظام اإليراين حاله كحال‬
‫األنظمة العربية الديكتاتورية‪.‬‬

‫السيناريوهات املتوقعة لتعامل إيران مع نتائج الثورات العربية‬


‫في املنطقة‬
‫‪ 1‬ـ سيناريو التوافق (متفائل)‪:‬وهو التعامل مع النتائج السياسية بإجيابية يرسم‬
‫سياسة خارجية جديدة قائمة عىل التعاون والتضامن واملشاركة وعدم املغالبة والتحالف‬
‫مع الثورات إلقرار نظام عريب مستقر وللتفاهم عىل امللفات الساخنة يف العراق واخلليج‬
‫ولبنان وسوريا وفلسطني واليمن ورسم خارطة جديدة مع تركيا والعرب‪.‬ويواكب‬
‫ذلك اإلصالح من الداخل والتفاهم مع تيارات املعارضة اإلصالحية وتغيري النهج‬
‫املتشدد والثوري للحكم يف إيران‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ سيناريو املامنعة وإقالق املنطقة‪:‬وهو االستمرار بشكل جدي وتطرف يف دعم‬
‫النظام السوري ومساندة حكومة املالكي يف العراق بقوة ودعم التحركات التغريية يف‬

‫‪356‬‬
‫البحرين وإقالق امللف اليمني وذلك لتحجيم الثورات يف هذه املناطق وحتى لو نتج‬
‫عن احلراك الشعبي التغريي حلول وسط بني الشعوب الثائرة يف هذه البلدان والسلطات‬
‫السياسية‪.‬إذ إن الوصول إىل حلول وسط عىل األقل يقلل خسائر إيران يف املنطقة ويعطيها‬
‫وقت ًا أكرب للمناورة السياسية ملصاحلها اإلسرتاتيجية يف املنطقة العربية‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ سيناريو العزل واالنعزال‪:‬وقد ينتهي املطاف بإيران بإعادة حساباهتا وتنقطع‬
‫للعزلة الداخلية حمافظة عىل مكاسبها ونظامها بأقل اخلسائر وترفع يدها عن التدخل يف‬
‫الشؤون العربية وتلجأ للتفامهات الدولية واإلقليمية بام يعزز بقاء النظام يف إيران وترك‬
‫املنطقة تشكل نفسها ومعادلتها اجلديدة‪.‬‬

‫التوجهات املقترحة إلعادة تقدير املوقف‬


‫وبعد ماذا نريد من طرح تلك األسئلة وبيان تلك البيانات واملعلومات؟‪ ..‬يف احلقيقة‬
‫ال سياسي ًا واقعي ًا‬
‫نود أن نخرج بنتائج نستطيع من خالهلا أن نقدم توضيح ًا صحيح ًا وحتلي ً‬
‫يمكن من خالله إعادة تقدير موقف اسرتاتيجي مناسب مدعوم بسيناريوهات قادرة‬
‫عىل أن توجه احلركة اإلسالمية يف قضية إيران والتشيع وإىل مالمح رؤية اسرتاتيجية‬
‫وحترك سيايس وحركي تارخيي يتناسب والتغريات يف مسارات الشعوب والدول العربية‬
‫وإطارها اخلارجي‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬الرؤية (ما جيب أن يكون؟)‬

‫أوال‪-‬الواقع اجلديد والتحوالت ‪:‬‬


‫هناك جمموعة من التحوالت اجلديدة يف املنطقة من أمهها‪:‬‬
‫‪-1‬تفكك حمور املقاومة‪.‬‬
‫‪-2‬توقع حرب يف اخلليج من قبل إرسائيل والواليات املتحدة لرضب املفاعالت‬
‫النووية اإليرانية‪.‬‬
‫‪ -3‬إدارة أمريكية جديدة حال فوز روماين أو بسياسة جديدة حال فوز اوباما‬
‫تتعامل مع مستجدات املنطقة‪.‬‬

‫‪357‬‬
‫ثانيا‪ :‬حترير الوضع اإليراني وتوصيفه وحتليل مواقف إيران ‪:‬‬
‫هل إيران (حتدي‪ -‬أم فرصة‪ -‬أم عدو‪ -‬أم صديق)‬
‫هل هي (عدو صائل)‬
‫الرؤية املقرتحة (مرشوع منطقة توازن حموري جديد)‬
‫وذلك استثامر التحوالت واحتواء األزمات والتحالف بني الثورات ودول اخلليج‪.‬‬
‫لتكوين حمتوى اسرتاتيجي (عريب‪ -‬تركي) يعيد التوازن االسرتاتيجي مع إيران‬
‫وإرسائيل‪.‬‬
‫ويقوم عىل ثالثة أبعاد ‪:‬‬
‫أوالً‪ :‬فكري ديني‬
‫يقوم عىل رؤية حقيقية للدين لبناء (عامل األمة) حيتوي فيها‪:‬‬
‫‪ -1‬طوائف وأعراق لألمة‪.‬‬
‫‪-2‬ودعوة‪ :‬تصدير للتفاهم و(الدعوة والرمحة )‬
‫‪-3‬حتالف املرجعيات اإلسالمية‬
‫ثاني ًا‪ :‬اسرتاتيجي (حمور حميطي يمتص إيران وخيفض من غلوائها) وذلك بـ ‪:‬‬
‫‪-1‬تفتيت حلفاء املنظومة اإليرانية‪.‬‬
‫‪-2‬ترابط الديموغرافيا األمة الوسط‪.‬‬
‫‪-3‬تكوين قوة ردع عربية‪.‬‬
‫‪-4‬إعادة تشكيل حمور املقاومة‪.‬‬
‫‪-5‬استعادة البحار الثالث كبحار عربية بمصالح مشرتكة (اخلليج واألمحر و‬
‫األبيض املتوسط)‪.‬‬
‫‪-6‬تبني قوة ردع للتوازن االسرتاتيجي مع إيران وإرسائيل‪..‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬سيايس‬
‫‪-1‬نموذج الدولة التنموية العادلة يف دول الثورات ودفع الدول االخرى ملسارات‬
‫إصالحية‪.‬‬
‫‪-2‬إعادة ترتيب طبيعة العالقات الدولية وفتح التحوالت اجلديدة‬
‫‪358‬‬
‫‪-3‬احلوار مع إيران يف إطار املصالح‪.‬‬
‫التفاهم مع اإلصالحيني يف إيران اإلسالمية‪.‬‬

‫اإلستراتيجية املقترحة ومستوياتها ‪:‬‬


‫األول عىل مستوى الدول واملؤسسات‬
‫‪-1‬الدفع اإلجيايب لتكوين قيادة ثالثية أو جملس قيادة رباعي حال سقوط سوريا‬
‫(مرص‪ -‬السعودية‪-‬سوريا‪ -‬تركيا)‬
‫‪-2‬تكوين تكتل اقتصادي لدول شامل إفريقيا العريب والسودان‬
‫‪-3‬تقليص املصالح التجارية مع إيران يف اخلليج والدول العربية ىف حال استمرار‬
‫تغوهلا‪.‬‬
‫‪-4‬توقيع اتفاقيات اقتصادية مع دوائر ثالث _(دول حميط إيران؛ ودول العمق‬
‫األفريقي‪ -‬وتركيا)‬
‫‪-5‬إعادة العراق للتوازن االسرتاتيجي العريب(تطوير حتالف وطني جديد يف‬
‫العراق برعاية تركية وخليجية وعربية لنزع ورقة التقسيم الطائفي)‪.‬‬
‫‪ -6‬إعادة ملف املقاومة بيد قيادة عربية جديدة‬
‫‪-7‬إعادة تنشيط تدفق االستثامرات إىل دول الربيع العريب‬
‫‪-8‬تأييد جهود اإلصالح السيايس يف إيران ولرئيس وحكومة تتفاهم مع دول‬
‫املنطقة (وإقامة حوار اسرتاتيجي مع إيران يف تلك احلالة وفتح امللفات املختلف عليها‬
‫والتي هتدد تعايش املكونات االجتامعية يف املنطقة العربية بسبب تدخالت إيران ملصاحلها‬
‫ونفوذها)‪.‬‬
‫‪ -9‬األزهر يقود محالت تبشري ودعوة وحوار ديني‪.‬‬
‫‪ -110‬التحصن برؤية جديدة ألمن قومي عريب تعالج املحددات واملهددات‬
‫وتستثمر الفرص يف املرشوع اإليراين وتشكل حمور ًا خاص ًا حييد املرشوعني اإليراين‬
‫واألمريكي ويعزز فرص التعاون االقتصادي عىل حساب التوازن األمني‪.‬‬
‫‪-11‬تصفري املشكل الكردي يف املنطقة وحتسني مستوى التفاهم الرتكي الكردي‬

‫‪359‬‬
‫للوصول إىل حكم ذايت كردي ُي َؤ ِّمن االستقرار ونزع الورقة الكردية من إيران وغريها‪.‬‬
‫‪_12‬دعم الثورة السورية لنزع سوريا من املحور اإليراين (أمنيا وسياسي ًا) وإضعاف‬
‫موقفها العام‪.‬‬
‫‪-13‬دعم احتاد كونفيدرايل سيايس أمني واقتصادي خليجي ملتزم بإصالحات‬
‫سياسة ووطنية‪.‬‬
‫‪ 14‬حترير حمور املقاومة من إيران بدخول مرص وسوريا اجلديدتان يف رعاية هذا‬
‫املحور عربي ًا‪.‬‬
‫على مستوى إيران الدولة‪:‬‬
‫ •رفض املرشوع النووي اإليراين وتسهيل فرصة إيران لتحويله إىل مرشوع سلمي‬
‫بإرشاف دويل وعريب‪.‬‬
‫ •تشجيع االجتاه اإلصالحي يف إيران والتشجيع لبناء مرشوع وطني إيراين‬
‫ليستوعب املشرتكات ويدمج السنة يف احلياة السياسية واالجتامعية يف إيران‪.‬‬
‫ •دعم النفوذ املايل والتعليم السني يف إيران بالرشاكات املالية‪.‬‬
‫ •مواجهة السياسة اإليرانية إعالمي ًا حال تطرفها‪.‬‬
‫ •املطالبة اإلعالمية بدعم اجلهود إلعطاء املذهب السني واألقليات يف إيران‬
‫حقوقها االجتامعية والسياسية والوطنية‪.‬‬
‫ •كشف انتهاكات حقوق اإلنسان يف إيران أو ما تقوم به األطراف التي تتبع‬
‫السياسة اإليرانية‪.‬‬
‫ •احتواء إيران يف مرشوع إقليمي اقتصادي لتخفيف خطرها وامتصاص حتدهيا‬
‫لدول املنطقة‪.‬‬
‫ •كشف التغلغل اإليراين يف األقطار اإلسالمية وبني األقليات اإلسالمية يف‬
‫مجيع القارات وإثارته إعالميا بشكل سيايس وليس طائفي ومطالبة الدول اإلسالمية‬
‫بمحارصته قبل أن يستفحل‪.‬‬

‫‪360‬‬
‫على مستوى الواقع الطائفي‪:‬‬
‫ •توطني املرجعيات والتشيع يف الوطن العريب‪.‬‬
‫ •تصحيح التشيع وتشجيع احلوارات يف املشرتكات الدينية والسياسية‪.‬‬
‫ •معاجلة الديموغرافية بإعادة يف العراق وسوريا ولبنان ورعاية محلة إعادة‬
‫املهجرين يف اخلارج عىل املستوى اإلقليمي والعريب‪.‬‬
‫ •الضبط اإلعالمي‪ :‬بالعمل عىل التزام وسائل اإلعالم املختلفة ‪ -‬السيام الدينية‬
‫منها‪ ،‬وخاصة تلك التي تقع يف دائرة نفوذ أو تأثري القيادات الدينية والعلمية ‪ -‬باألطر‬
‫الرشعية واملهنية واألخالقية يف أداء رسالتها‪ ،‬بعيد ًا عن أساليب اإلثارة التي تسهم يف‬
‫تعكري األجواء وسوء الفهم والتأويل‪ ،‬وحماولة حتجيم الدور السلبي الذي تقوم به بعض‬
‫الفضائيات ومواقع اإلنرتنت يف إذكاء نار الطائفية‪.‬‬
‫ •التوقف الكامل عن مجيع صور التبشري املذهبي والطائفي املنظم املدعوم‬
‫من القيادات الدينية والسياسية واالمتناع عن النشاطات واألعامل املذهبية يف البالد‬
‫اإلسالمية الضارة بوحدة األمة ووضع خطة عملية تعالج الواقع القائم عىل األرض‬
‫باجتاه املحافظة عىل وحدة األمة وتعميقها وبنائها عىل أسس راسخة متينة تداوى نقاط‬
‫اخلالف)‪.‬‬
‫ •إجياد ميثاق ومرشوع وطني للتعايش والتعاون بني مكونات كل قطر‬
‫ينطلق من مراعاة احلقوق والتعاون بني اجلميع (يف جمايل احلقوق والواجبات) يف إطار‬
‫املواطنة‪ ...‬ال الطائفية واملذهبية‬
‫ •توسيع دائرة التشاور والتعاون بني املؤسسات والشخصيات املؤثرة يف‬
‫الطرفني من أجل تكريس تيار غالب يؤازر فكرة التعايش والتعاون وينطلق من مقوالت‬
‫الوحدة ومصالح األمة العليا ومواجهة التحديات الداخلية واخلارجية‪.‬‬
‫ •التأكيد عىل ما توصل إليه العلامء واملرجعيات من مجيع املذاهب اإلسالمية‬
‫من السنة والشيعة وغريمها يف ملتقيات عديدة (كمؤمترات التغريب يف كل من طهران‬
‫والبحرين وقطر) وإسرتاتيجية التغريب بني املذاهب التي أعدهتا “اإليسيسكو”‪ ،‬وأمهها‪:‬‬
‫‪1-1‬وجوب احرتام أصحاب النبي ﷺ وأزواجه وأمهات املؤمنني وآل بيته‬
‫‪361‬‬
‫الطيبني الطاهرين وحتريم الطعن فيهم واإلساءة إليهم ورضورة تعميم الفتاوى املتعلقة‬
‫بذلك‪.‬‬
‫‪1-1‬التأكيد عىل حرمة دم املسلم وعدم جواز االقتتال عىل أساس مذهبي أو طائفي‪.‬‬
‫‪1-1‬احرتام حقوق األقليات املذهبية ومتكينها من ممارسة تعاليم مذهبها يف العبادة‬
‫والقضاء والفتوى وغريها ىف إطار القانون‪.‬‬
‫‪1-1‬عدم عسكرة أي طائفة يف خالفاهتا ومنع استخدام العنف وإدانة التطرف‬
‫واالقتتال ومنع إنشاء ميليشيات يف أي قطر تقوم عىل أساس طائفي‪.‬‬

‫على مستوى األدوات‪:‬‬


‫ ‪-‬مجع أكرب قدر من املعلومات وحتليلها بشأن جتارب التعاون وحتليلها‪.‬‬
‫ ‪-‬بذل جهد فكري موازي للجهد السيايس وعمل حوار فكري حول أفكار‬
‫التشيع والدولة اإليرانية باملواجهة الفكرية احلادة‪.‬‬
‫ ‪-‬ختصيص دراسات وأبحاث لدراسة املجتمع اإليراين والطائفة والتشيع‪.‬‬
‫ ‪-‬رصد حقيقي علمي وجهد منظم للمستجدات واملتغريات يف إيران والطائفة‬
‫زيادة عدد املتخصصني يف التشيع وإيران يف املنطقة وتبادل املعلومات والتحليالت‪.‬‬
‫ ‪-‬تبني ودعم تيار يقود عملية التغيري الفكري يف الفكر الشيعي‪.‬‬

‫‪362‬‬
‫املراجع‬

‫ ‪-‬العراق حتت االحتالل األمريكي‪ ..‬حممد الراشد (بحث غري منشور)‪.‬‬


‫ ‪-‬مرشوع احلزام األسود‪ ....‬حممد الراشد (بحث غري منشور)‪.‬‬
‫ ‪-‬األزمة الطائفية وسبل معاجلتها‪ ....‬حممد الراشد (ورقة عمل)‪.‬‬
‫ ‪ --‬ديناميكات الثورة العربية وأثرها عىل الدور اإلقليمي والدور اإليراين ‪-‬‬
‫استانبول (‪.)2011 / 5/7-5‬‬
‫ ‪-‬قراءة يف تقرير الثورات العربية والسياسات األمريكية جتاة إيران ‪ -‬عيل حسني‬
‫باكري (‪)2011-6-6‬‬
‫ ‪-‬نتائج االحتالل األمريكي للعراق ورصاع املصالح اإليرانية‪ ..‬حممد الراشد‬
‫(ورقة عمل ‪)2008‬‬
‫ ‪-‬حلف املصالح املشرتكة والتعامالت الرسية بني إرسائيل وإيران والواليات‬
‫املتحدة األمريكية‪ ...‬تريتا بارزي ‪ -‬منشورات الدار العربية للعلوم ‪2007‬م‪.‬‬
‫ ‪-‬التيارات الشعبية يف الكويت الواقع واملستقبل‪(..‬بحث غري منشور)‪.‬‬
‫ ‪-‬الدستور اإليراين يفرق بني الشيعة والسنة يف إيران‪ ..‬د‪ .‬مهام العبود ‪ -‬موقع‬
‫البينة االلكرتوين‪.‬‬
‫ ‪-‬حوار مع خالد آل خليفة ‪ -‬ما حدث يف البحرين‪ ..‬جريدة الرأي العدد ‪11656‬‬
‫ ‪-‬شيعة العراق ‪ -‬إعداد قسم البحوث لدراسات ‪ -‬اجلزيرة نت ‪2004/10/3‬م‬
‫ ‪-‬شيعة تركيا – جملة املجتمع ‪www.wadyalgary.com‬‬
‫ ‪-‬إيران والواليات املتحدة نموذج للرتتيبات األمنية اجلديدة يف الرشق األوسط‪..‬‬
‫غاودات باهاغات – ترمجة أمحد عمران‪.‬‬
‫ ‪-‬أهل السنة يف إيران‪ ...‬د‪ .‬عبد الرمحن مالزادة البلويش ‪ -‬موقع البينة‪.‬‬
‫ ‪-‬أهل السنة واجلامعة يف إيران (‪ 3‬حلقات) جملة السنة ‪ -‬موقع البينة‬
‫ ‪-‬واقع النفوذ اإليراين يف العراق والسيناريوهات املتوقعة‪ ..‬حممد الراشد (ورقة‬
‫غري منشورة)‪.‬‬
‫‪363‬‬
‫ ‪-‬البيان الشيعي اجلديد أمحد الكاتب ‪ -‬كاتب ومفكر شيعي‬
‫ ‪-‬السياسة اإلقليمية إليران‪ ..‬تغريد كشك ‪ -‬احلوار املتمدن العدد‬
‫‪2008/11/209914‬م‬
‫ ‪-‬حتديات إيران من الداخل حممد الراشد (بحث غري منشور)‪.‬‬
‫ ‪-‬حول أوضاع إيران يف مستهل عام ‪ - 1430‬مؤسسة السنة للبحوث والدراسات‪.‬‬
‫ ‪-‬موقف إيران من الثورات العربية‪ ..‬حمجوب زويري – اجلزيرة نت‬
‫‪2011/5/1‬م‪.‬‬
‫ ‪-‬إيران وموقفها من الثورات العربية‪ ..‬وكالة أخبار املجتمع السعودي‬
‫‪2011/3/20‬م‪ .‬األحزاب املوالية إليران تسلح إتباعها‪ .‬عىل الكاتب ـ ‪.212/3/8‬‬
‫ ‪-‬أحزاب حكومية متهد لسيطرة إيران عىل العراق‪ .‬سعود الزاهد‪.2012/1/24 .‬‬
‫العربية‬
‫ ‪-‬أضواء عىل اخلطة اخلمسينية اإليرانية لدول اخلليج‪ .‬حممد جاب اهلل‪.‬‬
‫‪ .2012/8/15‬موقع مقااليت‪.‬‬
‫ ‪ -‬االستثامرات اإليرانية هتدد املشاريع اخلليجية يف مرص‪ .‬جملة سرب اإللكرتونية‪.‬‬
‫‪.2012/9/11‬‬
‫ ‪-‬التبادل التجاري بني إيران واإلمارات‪ .‬وكالة أرونا اإليرانية ـ ‪.2012/8/7‬‬
‫ ‪-‬إيران تعقد األوضاع يف اخلليج ـ فهد السليمي ـ األنباء الكويتية ـ ‪.2012/6/13‬‬
‫ ‪-‬القواعد وأمن اخلليج ـ د‪ .‬شمالن يوسف العبيس ـ الوطن ‪.2011/11/20‬‬
‫ ‪-‬القوة العسكرية اإليرانية من منظور واشنطن ـ موقع مينا أون الين‬
‫‪- www.miniiaonline.com/show.php?lopic=28&id=351‬‬
‫ ‪-‬استثامرات ضخمة للمرجعيات الشيعية اإليرانية‪ .‬مفكرة اإلسالم ـ‬
‫‪.2012/9/22‬‬
‫ ‪-‬املألوف واملخيف ألهل اخلليج من اجلار اإليراين ـ الرشق الوسط ـ‬
‫‪.2012/2/25‬‬
‫ ‪-‬إيران اخلطر القادم ـ د‪.‬حسن عبد احلميد الدراوي ـ اليوم السابع ـ ‪.2012/8/3‬‬

‫‪364‬‬
‫ ‪-‬إيران تسعى لتطويق دول اخلليج من قبل اليمن لتقويض سوريا‬
‫مجعية الرياض ـ ‪.2012/7/21‬‬
‫ ‪-‬إيران حجم جتارتنا مع دول اخلليج (‪ 30‬مليار دوالر) ـ جريدة سبق ـ‬
‫‪.2012/1/22‬‬
‫ ‪-‬األمن اخلليجي يف خطر ـ د‪ .‬سامي الفرج ـ مجعية الوسط الكويتية ـ‬
‫‪2007/11/20‬‬

‫‪365‬‬
‫توصيات ورشة عمل املشروع اإليراني في املنطقة العربية واإلسالمية‬

‫‪ -‬بدعوة من مركز أمية للبحوث والدراسات االسرتاتيجية التقت جمموعة من‬


‫املفكرين واألكاديمني يف القاهرة بتاريخ ‪ 2012/10/14‬لبحث املرشوع اإليراين يف‬
‫الدول العربية واإلسالمية حيث قدم املشاركون الباحثون يف جمموعة العمل رؤيتهم‬
‫ملرتكزات املرشوع اإليراين السياسية والديموغرافية و االجتامعية و االقتصادية و القيمية‬
‫والعسكرية فضال عن بحث اجلذور التارخيية وعالقة املرشوع اإليراين بالثورات العربية‬
‫السيام الثورة السورية وقد خلص الباحثون اىل مجلة توصيات امهها‪:‬‬
‫‪ -1‬رضورة قيام مرشوع عريب جامع ملواجهة املرشوع اإليراين التوسعي عىل أن‬
‫تلعب دول اخلليج ودول الربيع العريب دورا قائد ًا فيه‪.‬‬
‫‪ -2‬رفض نظرية اعتبار الشيعة العرب مجعيهم جزء ًا من املرشوع اإليراين و ألن‬
‫خطورة املرشوع اإليراين التكمن يف املذهب الذي يتبعه فقط وأنام يف عنرصيته وتوسعه‬
‫فضال عن أن أدواته تضم شيعة وسنة وغري مسلمني أيضا‪.‬‬
‫‪ -3‬العمل عىل كشف أدوات املرشوع اإليراين يف العامل العريب و اإلسالمي سواء‬
‫كانت هذه األدوات تعمل حتت مسمى الوحدة اإلسالمية أو ملنارصة القضية الفلسطينية‬
‫و التحذير من استغالل هذه القضايا للنفاذ اىل العمق العريب او حماوالت رصف النظر‬
‫عن خطورة املرشوع اإليراين وتسليط الضوء عىل خطر املرشوع االرسائييل املجمع من‬
‫كافة القوى واجلهات عىل عداوته فكال املرشوعني يعمل عىل تقويض املجتمعات العربية‬
‫لصالح اهليمنة اخلارجية‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب التواصل مع رشائح واسعة يف املجتمع اإليراين انطالقا من أن العرب‬
‫اليعادون إيران باملطلق وإنام يعتمد ذلك عىل جوهر السياسات اإليرانية جتاه العامل العريب‬
‫و اإلسالمي‪.‬‬
‫‪ -5‬وجوب منارصة األقليات الدينية يف إيران ودعم حقوقها املرشوعة وخاصة‬
‫عرب األهواز و التواصل معهم يف مواجهة قمع النظام اإليراين هلم حيث اليوجد يف‬
‫طهران مسجد واحد ألهل السنة واجلامعة‪.‬‬

‫‪367‬‬
‫‪ -6‬حث الشيعة العرب الرافضني للمرشوع اإليراين عىل تفعيل حراكهم السيايس‬
‫رفضا هليمنة نظام والية الفقيه‪.‬‬
‫‪ -7‬منارصة الثورة السورية التي تعاين من إجرام املرشوع اإليراين ومطالبة الكتائب‬
‫املسلحة التابعة إليران واحلرس الثوري اإليراين بالكف عن االشرتاك يف قتل السوريني‬
‫وذبح اطفاهلم وتدمري مدهنم اىل جانب املجرم بشار األسد وتنبيههم عىل أهنم يتعاملون‬
‫مع سليل خيانة يغطي نفسه بقناع املامنعة الفارغ‪.‬‬
‫‪ -8‬التضامن مع الشعوب العربية التي تعاين من سياسة إيران يف العراق ولبنان‬
‫واليمن وباقي دول اخلليج‪.‬‬
‫‪ -9‬إنشاء مراكز أبحاث متخصصة يف الشأن اإليراين بام يساعد عىل دراسة الواقع‬
‫واملرشوع اإليراين بشكل علمي وموضوعي‪.‬‬
‫‪ -10‬إنشاء وسائل إعالمية عربية موجهة إىل الداخل اإليراين ناطقة باللغة الفارسية‬
‫ملخاطبة املجتمع اإليراين بلغة العقل واحلوار والصدق الن وسائل اإلعالم اإليرانية‬
‫هلا نوعان من اخلطاب‪ :‬أحدمها موجه للداخل واآلخر موجه للخارج كام أهنا حترف‬
‫اخلطابات والتوجيهات التي تصدر عن أي قرار عريب او إسالمي كام حدث يف احلادثة‬
‫الشهرية التي كشفت الكذب و الزيف يف حادثة خطاب الرئيس حممد مريس‪.‬‬
‫‪ -‬أخري ًا يويص املجتمعون بتكرار ورش العمل واملؤمترات التي تعنى باملرشوع‬
‫اإليراين يف عواصم عربية متعددة إلجياد أفضل السبل للتعامل مع هذا املرشوع‪.‬‬

‫‪368‬‬
‫الفهرس‬
‫‪5‬‬ ‫تقديم عيل حسني باكري‬
‫‪7‬‬ ‫مقدمة‪ :‬ملحة عن حيثيات ورشة العمل حول املرشوع اإليراين‬
‫د‪ .‬بسام ضوحيي‬
‫‪11‬‬ ‫اجللسة األوىل‬
‫‪ -‬مرتكزات السياسة اخلارجية اإليرانية جتاه املنطقة العربية‬
‫صباح املوسوي األحوازي‬
‫‪23‬‬ ‫‪ -‬املرتكزات الديموغرافية واالجتامعية والثقافية يف املرشوع اإليراين‬
‫د‪ .‬غازي التوبة‬
‫‪41‬‬ ‫‪ -‬املرتكزات االقتصادية للمرشوع اإليراين يف املنطقتني العربية واإلسالمية‬
‫عبداحلافظ الصاوي‬
‫‪53‬‬ ‫اجللسة الثانية‬
‫‪55‬‬ ‫‪ -‬طبيعة وأشكال التحالف والتعاون عرب العصور املختلفة بني إيران والغرب‬
‫أمحد حقي‬
‫‪61‬‬ ‫‪ -‬إيران والتنافس الرشق أوسطي التقاء وتصادم املشاريع (تركيا وارسائيل)‬
‫عيل حسني باكري‬
‫‪79‬‬ ‫‪ -‬جتليات املرشوع اإليراين يف لبنان جثث الدول ال تبني جبال املجد‬
‫عيل األمني‬
‫‪91‬‬ ‫‪ -‬الدور اإليراين يف أزمة البحرين‬
‫نارص الفضالة‬
‫‪103‬‬ ‫اجللسة الثالثة‬
‫‪105‬‬ ‫‪ -‬املرشوع اإليراين يف ضوء الثورات العربية ‪ :‬ثوابت ومتغريات‬
‫حالة‪ :‬تونس‪ -‬مرص – ليبيا‪ -‬اليمن‪ -‬سوريا‬
‫فادي شامية‬

‫‪369‬‬
‫‪129‬‬ ‫‪ -‬إيران والثورة املرصية‪ :‬تفاعالت التحدي واالستجابة‬
‫د‪ .‬حممد السعيد إدريس‬
‫‪153‬‬ ‫‪ -‬إيران والثورة اليمنية‬
‫نارص حممد الطويل‬
‫‪171‬‬ ‫‪ -‬املرشوع اإليراين يف اليمن‬
‫د‪ .‬عبد احلميد النهمي‬
‫‪189‬‬ ‫‪ -‬عالقة إيران بحركات املقاومة اإلسالمية يف املنطقة يف ظل الثورات العربية‬
‫(دراسة حلاالت ) حلاالت محاس –اجلهاد‪-‬حزب اهلل‬
‫فاطمة الصامدي‬
‫‪207‬‬ ‫اجللسة الرابعة‬
‫‪209‬‬ ‫‪ -‬مرتكزات املرشوع اإليراين «الصفوي» يف املنطقة‬
‫د‪ .‬إبراهيم الديب‬
‫‪241‬‬ ‫تصدُّ عات سياسية‬
‫‪ -‬إيران ودول اخلليج‪َ ..‬م َصدَّ ات مذهبية عىل َ‬
‫د‪ .‬عادل عيل العبد اهلل‬
‫‪291‬‬ ‫‪ -‬دور اإلعالم يف مواجهة املرشوع اإليراين‬
‫د‪ .‬عزام التميمي‬
‫‪325‬‬ ‫‪ -‬إيران الدولة والشيعة الطائفة رؤية اسرتاتيجية للتعامل مع املرشوع اإليراين‬
‫حممد الراشد‬
‫‪367‬‬ ‫توصيات ورشة عمل املرشوع اإليراين يف املنطقة العربية واإلسالمية‬

‫‪370‬‬
‫مركز أمية للبحوث والدراسات االستراتيجية‬

‫مركز مدين مستقل‪ ،‬يعمل يف إنتاج ونرش املعرفة االسرتاتيجية لتكون مادة أولية‬
‫أمام صناع القرار‪.‬‬
‫وهيدف مركز أمية إىل‪:‬‬
‫ •امتالك رؤية شاملة ودقيقة دائمة التحديث للمشهد الدويل ‪ ،‬وتداعياته عىل‬
‫املنطقة العربية واإلسالمية‪.‬‬
‫ •املشاركة الفاعلة يف إنتاج املعرفة االجتامعية والسياسية واالقتصادية العاملية‬
‫املعمقة وفق قواعد ومعايري البحث العلمي العاملية‪.‬‬
‫ •نرش وتعزيز املعرفة االجتامعية والسياسية عىل دوائر الباحثني و النخب وصناع‬
‫القرار‪.‬‬
‫ •خدمة ودعم مشاريع اإلصالح والتنمية للدولة الساعية للنهوض ‪.‬‬
‫لذا فإن املركز يسري يف ثالثة خطوط متوازية لضامن حتقيق أهدافه‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬اجلهود البحثية الداخلية للعاملني باملركز‬
‫ثاني ًا ‪ :‬التواصل والتعاون مع مراكز البحوث والدراسات واألكاديميات العاملية‬
‫ذات الصلة بعمل املركز ‪ ،‬وعقد رشاكات تعاون متنوعة‪.‬‬
‫ثالث ًا ‪ :‬التنسيق مع الباحثني من خارج املركز يف إنتاج امللفات البحثية املتخصصة‬
‫ويسري املركز يف عدة جماالت للعمل منها‪:‬‬
‫‪ – 1‬إنتاج ونرش املعرفة االسرتاتيجية والتدريب عليها يف خمتلف فروع العلوم‬
‫اإلنسانية (اجتامعي‪ ،‬سيايس‪ ،‬اقتصادي‪ ،‬قانوين‪ ،‬إعالمي)‪.‬‬
‫‪ 2‬ــ الرصد والتحليل اإلعالمي والسيايس‪.‬‬
‫‪ 3‬ــ إنتاج البحوث والدراسات‪.‬‬
‫‪ 4‬ــ إنتاج التقارير والنرشات الدورية‪.‬‬

‫‪371‬‬
‫‪ 5‬ــ إنتاج الكتب وامللفات املتخصصة‪.‬‬
‫‪ 6‬ــ التنظيم واملشاركة يف املؤمترات والندوات وورش العصف املتخصصة‪.‬‬
‫‪ 7‬ــ تنظيم املسابقات البحثية الكتشاف الباحثني واملفكرين الشبان اجلدد‪.‬‬
‫‪ 8‬ــ إنتاج واملشاركة يف الربامج واحلوارات التلفزيونية‪.‬‬

‫‪372‬‬

You might also like