‫إن الحمد هلل نحمده ‪..........

‬‬
‫السعادة والنعيم مطلب كل إنسان ‪ ..‬كلنا يحب أن يكون له قصر رضي ‪ ..‬وطعام شهي ‪ ..‬ومركب وطي ‪ ..‬سيارة فارهة ‪ ..‬ومالبس‬
‫فاخرة ‪ ..‬وزوجة حسناء جميلة ‪.‬‬
‫هذا هو نعيم الدنيا الذي تعلقت به قلوبنا ‪ ..‬ولكن ‪( ..‬وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا واآلخرة عند ربك للمتقين)‬
‫نطوف من خاللها في أرجاء الجنة عبر اآليات القرآنية ‪ ،‬واألحاديث النبوية ‪ ،‬لنقف على‬ ‫نحن اليوم على موعد مع رحلة إيمانية ‪ّ ،‬‬
‫شيء من ذلك النعيم ‪ ،‬ونقارنه بنعيم الدنيا ‪.‬‬
‫ولننتقل إلى المشهد األول ‪ ،‬عند أبواب الجنة ‪.‬‬
‫ق الَّ ِذينَ اتَّقَ ْوا َربَّ ُه ْم إِلَى ا ْل َجنَّ ِة ُز َمرا ً َحت َّى إِذَا َجاؤُوهاَ‬ ‫سي َ‬ ‫قرب إكراما ً لهم ‪ ،‬وهم يزفون إليها وفودا مكرمين َ‬
‫{و ِ‬ ‫ً‬ ‫الجنة تُزلف للمتقين وت ُ َّ‬
‫علَ ْي ُك ْم ِط ْبت ُ ْم فَا ْد ُخلُو َها َخا ِل ِدينَ }الزمر‪73‬‬
‫س َال ٌم َ‬ ‫َوفُ ِت َحتْ أ َ ْب َوابُ َها َوقَا َل لَ ُه ْم َخ َزنَت ُ َها َ‬
‫‪ ..‬أبواب في غاية الوسع والكبر ‪ ..‬قال فيها صلى هللا عليه وسلم ‪(( :‬إن ما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين سنة ‪,‬‬
‫وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام))‪.‬‬
‫فياله من مشهد عظيم ‪ ،‬أبواب الجنة الثمانية تفتح ‪ ..‬فأين أنت يا ترى؟ ‪ ..‬ويا ليت شعري من أي باب تدخل؟ ‪ ..‬فإذا دخلت يا فرحة‬
‫علَ ْي ُك ْم ِط ْبت ُ ْم فَا ْد ُخلُو َها َخا ِل ِدينَ }‪.‬‬‫س َال ٌم َ‬‫قلبك والمالئكة تناديك { َ‬
‫تدخل الجنة ‪ ،‬وتمشي بقدميك على أرضها ‪ ،‬فإذا بأرضها ليست كأرضنا ‪.‬‬
‫تمشي على تراب هو الزعفران ‪ ..‬تمشي على حصباء هي اللؤلؤ والياقوت ‪.‬‬
‫أرض لها ذهب والمسك طينتها والزعفران حشيش نابت فيها‬
‫تدخل في الجنة ‪ ،‬وإذا هواؤها العليل ‪ ،‬وإذا ريحها الطيب ‪ ،‬روح وريحان ‪ ،‬وإذا قصورها وبساتينها أمامك ‪ ..‬فهل تعرف قصرك؟ هل‬
‫يحتاج أهل الجنة إلى من يدلهم على بيوتهم ؟ ال وهللا ‪.‬‬
‫َ‬
‫ص ِل ُح بَالَ ُه ْم{‪َ }5‬ويُد ِْخلُ ُه ُم ا ْل َجنَّة ع ََّرفَ َها لَ ُه ْم }‬
‫ِيه ْم َويُ ْ‬
‫سيَ ْهد ِ‬ ‫َّللا فَلَن يُ ِض َّل أ َ ْع َمالَ ُه ْم{‪َ }4‬‬ ‫سبِي ِل َّ ِ‬ ‫{ َوالَّ ِذينَ قُتِلُوا فِي َ‬
‫قال جمهور المفسرين ‪ :‬يعرفون بيوتهم في الجنة كما تعرفون بيوتكم في الدنيا ‪.‬‬
‫ثم ما بناء هذه القصور؟ أهي كبيوتنا مبنية من الطوب واإلسمنت والرخام؟ ال ‪ ..‬بل هي كما قال صلى هللا عليه وسلم ‪:‬لبنة من ذهب ‪،‬‬
‫ولبنة من فضة ‪ ،‬ومالطها (أي الطين الذي يوضع بين اللبنات) من المسك األذفر (طيب الرائحة) ‪ ..‬وبناء آخر ‪ :‬لؤلؤة مجوفة عرضها‬
‫ستون ميالً ‪ ..‬وبناء آخر ‪ :‬غرف يرى ظاهرها من باطنها ‪ ،‬وباطنها من ظاهرها ‪ ..‬نسأل هللا أن يجعلني وإياكم من أهلها ‪.‬‬
‫أما طعام أهل الجنة وشرابهم فهو ألذ وأشهى من طعامنا وشرابنا ‪ ،‬ليس كمطاعمنا الراقية ‪ ،‬وال كبوفيهاتنا المفتوحة‪.‬‬
‫استمع إلى من صنع طعام الجنة وهو يصف هذا الطعام (وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون)‬
‫فاكهة الجنة ‪ ،‬ألين من الزبد ‪ ،‬أحلى من العسل ‪ ،‬أبيض من اللبن‪.‬‬
‫وإذا اشتهيت الفاكهة في الجنة ‪ ،‬فهل تظن أنك تتكلف صعود النخيل واألشجار ‪ ،‬لكي تجني التمر والثمار؟ ال وهللا ‪ ..‬بل هي كما قال هللا‬
‫طوفُ َها تَذْ ِليالً }اإلنسان‪ 14‬يأكل منها القائم والقاعد والمضطجع‪.‬‬ ‫علَ ْي ِه ْم ِظ َاللُ َها َوذُ ِلّلَتْ قُ ُ‬‫{ودَانِيَةً َ‬ ‫(قطوفها دانية) ‪َ ،‬‬
‫يرى أحدهم الطير في السماء فيشتهيه ‪ ،‬فإذا به يسقط بين يديه ناضجا ً شهيا ً (ولحم طير مما يشتهون)‬
‫وأما شرابهم ‪ ،‬فحدث عن الكافور والسلسبيل ‪ ،‬والتسنيم والزنجبيل ‪ ..‬عينان تجريان ‪ ..‬وعينان نضاختان ‪.‬‬
‫ار ِ ّم ْن‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ار ِمن لَّبَ ٍن ل ْم يَتَغَيَّ ْر ط ْع ُمهُ َوأن َه ٌ‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫س ٍن َوأ َ ْن َه ٌ‬
‫غ ْي ِر آ ِ‬ ‫ار ِ ّمن َّماء َ‬‫ويصف هللا أنهار الجنة وهي تجري باألشربة اللذيذة فيقول ‪ { :‬فِي َها أ َ ْن َه ٌ‬
‫صفًّى }محمد‪15‬‬ ‫س ٍل ُّم َ‬ ‫ع َ‬ ‫ار ِ ّم ْن َ‬‫َخ ْم ٍر لَّذَّ ٍة ِلّلش َِّاربِينَ َوأ َ ْن َه ٌ‬
‫نفى هللا عن أشربة الجنة كل آفة تعرض لها في الدنيا ‪ ،‬فالماء غير آسن ‪ ،‬ال يتغير بطول المكث ‪ ..‬واللبن ال يفسد أو يحمض ‪..‬‬
‫والخمر ال يصدّع الرؤوس ‪ ،‬وال يفسد العقول ‪ ..‬والعسل مصفى من الشوائب واألكدار ‪.‬‬
‫وإذا أكل أهل الجنة وشربوا ‪ ،‬أين يذهب طعامهم وشرابهم؟ ال تظن أن مآله يكون كطعامنا وشرابنا ‪ ..‬بل هو مسك يخرج رشحا ً وعرقا ً‬
‫من أجسادهم ‪ ،‬وجشا ًء من أفواههم ‪.‬‬
‫ق َو ُحلُّوا‬
‫ست َ ْب َر ٌ‬ ‫ُس ُخ ْ‬
‫ض ٌر َو ِإ ْ‬ ‫سند ٍ‬‫اب ُ‬ ‫أما ثياب أهل الجنة ‪ ،‬فليست كثيابنا ‪ ،‬ولو صنعت من أفخر أنواع األقمشة ‪ ..‬قال هللا {عَا ِليَ ُه ْم ثِيَ ُ‬
‫سقَا ُه ْم َربُّ ُه ْم ش ََرابا ً َط ُهورا ً }اإلنسان‪21‬‬ ‫سا ِو َر ِمن فِ َّ‬
‫ض ٍة َو َ‬ ‫أَ َ‬
‫وصف هللا ثياب أهل الجنة بحسن ألوانها فقال ‪ :‬خضر ‪ ..‬ووصفها بطيب ملمسها فقال ثياب سندس خضر وإستبرق) والسندس ما رق‬
‫من الحرير ‪ ،‬واإلستبرق ما غلظ منه‪.‬‬
‫ً‬
‫ومع هذه الثياب الجميلة ‪ ،‬يحلون بالحلي واألساور (يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ‪ ،‬ولباسهم فيها حرير)‬
‫أيها األحبة ‪ :‬هل في الجنة مراكب؟ نعم نحن في هذا الزمان نحب أن نركب السيارات الفاخرة ‪ ..‬ترى الواحد منا يركب الدين تلو الدين‬
‫حتى يشتري سيارة آخر موديل لكسس وال فياقرا وال بي إم ‪ ..‬ثم تراه في الغد يسوق السيارة إلى الورش الصناعية ‪ ..‬أو تسوقه حمانا‬
‫هللا وإياكم إلى الحوادث واألخطار ‪.‬‬
‫نعيم الدنيا مشوب بالشقاء ‪ ،‬ليس له صفاء ‪ ،‬ليس له بقاء ‪ ..‬أما نعيم اآلخرة فاستمع إلى هذا الرجل الذي سأل النبي صلى هللا عليه‬
‫وسلم فقال ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ،‬هل في الجنة من خيل؟ فقال صلى هللا عليه وسلم ‪ :‬إن أدخلك هللا الجنة فال تشاء أن تحمل على فرس من‬
‫ياقوتة حمراء تطير بك في الجنة حيث شئت إال كان ‪ ..‬ثم جاء آخر فقال ‪ :‬يا رسول هللا ‪ ،‬هل في الجنة من إبل؟ ‪ ،‬فأجابه صلى هللا عليه‬
‫وسلم بجواب يعم جميع المركوبات فقال ‪ :‬إن يدخ ْلك هللا الجنة يكن لك فيها ما اشتهت نفسك ولذت عينك ‪ .‬رواه الترمذي وحسنه‬
 ‫األلباني في صحيح الترغيب والترهيب ‪.‬‬
‫وأما سماعهم وطربهم (فهم في روضة يحبرون) ‪ ..‬ليس كغناء الدنيا ومعازفها المحرمة ‪ ،‬فمن سماعهم غناء الحور العين ‪ ،‬يغنين‬
‫بأجمل األصوات ‪ ..‬ومن سماعهم أن الريح إذا هبت في الجنة هزت غصون األشجار ‪ ،‬وحركت أوراقها فتُسمع لها أصواتٌ لم ت َ ِ‬
‫سمع‬
‫ق مثلَها ‪ ..‬فإياك أن تحرم هذا السماع بسماع الحرام‬ ‫الخالئ ُ‬
‫وأما نساء أهل الجنة فلسن كنساء الدنيا ‪ ..‬ألم تسمع قول هللا تعالى (ولهم فيها أزواج مطهرة) ‪ ،‬مطهرة من الحيض والنفاس ‪ ،‬ومن‬
‫البول والغائط والمخاط والبصاق وسائر األنجاس ‪.‬‬
‫فيا من انتهك حرمات رب العالمين ‪ ..‬إياك أن تبيع الحور العين ببنات الطين ‪ ..‬غض بصرك عن السفور ‪ ،‬واحفظ فرجك عن الفجور ‪،‬‬
‫وقدم العفة مهرا ً للحور ‪.‬‬
‫قال سبحانه ‪( :‬وزوجناهم بحور عين) الحوراء ‪ :‬الشابة الجميلة البيضاء ‪ ،‬شديدة سواد العين ‪ ،‬شديدة بياضها ‪ ..‬والعيناء ‪:‬واسعة‬
‫العينين ‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪( :‬كأمثال اللؤلؤ المكنون) (كأنهن الياقوت والمرجان) كأن الحورية الياقوت في صفائه ‪ ،‬والمرجان في حسن بياضه ‪.‬‬
‫وقال سبحانه (فيهن خيرات حسان) خيرات األخالق ‪ ،‬حسان الوجوه ‪ ،‬جمع هللا لهن الجمال الحسي والجمال المعنوي ‪.‬‬
‫أيها األحبة ‪ ..‬ما رأيكم لو أن امرأة واحدة من الحور العين أطلت علينا في سمائنا ‪ ،‬ماذا يحدث في هذا الكون؟‬
‫استمع إلى الصادق المصدوق صلى هللا عليه وسلم وهو يصف هذا المشهد ويقول ‪ :‬لو اطلعت امرأة من نساء أهل الجنة إلى األرض‬
‫لمألت ما بينهما ريحا ً (أي ما بين المشرق والمغرب يعج بريحها الطيب ) ‪ ،‬قال ‪ :‬وألضاءت ما بينهما (ليس ألنوار األرض مكان ‪،‬‬
‫ليس للشمس مكان عند نور الحورية) ‪ ،‬قال ‪ :‬ولنصيفها على رأسها (أي خمارها) خير من الدنيا وما فيها ) رواه البخاري عن أنس‬
‫وعن أبي هريرة رضي هللا عنه أن النبي صلى هللا عليه وسلم قال ‪ :‬للرجل من أهل الجنة زوجتان من الحور العين ‪ ،‬على كل واحدة‬
‫سبعون حلة ‪ ،‬يرى مخ ساقها من وراء اللحم ‪ .‬أخرجه أحمد‬
‫لو ضحكت في وجه زوجها ألضاءت الجنة من نور مبسمها ‪ ..‬ولو بزقت في ماء البحر لجعلته عذبا ً زالالً من حالوة لعابها ‪ ..‬ينظر إلى‬
‫وجهه في خدها أصفى من المرآة ‪.‬‬

‫إخوة اإليمان ‪ ..‬أهل الجنة في نعيم مقيم ‪ ..‬تعرف في وجوههم نضرة النعيم ‪ ..‬شباب فال هرم ‪ ..‬وصحة فال سقم ‪ ..‬وخلود فال موت ‪.‬‬
‫هذه هي الجنة ‪ ،‬ولعلكم تتساءلون بعد هذا ما الطريق إلى الجنة؟‬
‫فأقول ‪ :‬أبشروا ‪ ،‬كلكم يدخل الجنة ‪ ..‬كلكم يدخل الجنة ‪ ..‬كما قال صلى هللا عليه وسلم ‪ ،‬إال من أبى قيل ‪ :‬ومن يأبى يا رسول هللا؟ قال‬
‫‪ :‬من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى ‪.‬‬
‫أخي الحبيب ‪ ..‬اعلم أنك لن تدخل الجنة إال بمفتاح ‪ ..‬مفتاح الجنة ال إله إال هللا ‪ ..‬وأسنان المفتاح شرائع اإلسالم ‪ ..‬فمن جاء بمفتاح له‬
‫أسنان فتح له ‪ ..‬ومن جاء بمفتاح بال أسنان فال يلومن إال نفسه ‪.‬‬
‫س َّما أ ُ ْخ ِف َى لَ ُهم ّمن قُ َّر ِة أ َ ْعيُ ٍن َج َزاء بِ َما كَانواْ يَ ْع َملونَ والباء هنا سببية أي بسبب أعمالهم الصالحة بعد رحمة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫قال تعالى‪ :‬فَالَ ت َ ْعلَ ُم نَ ْف ٌ‬
‫هللا تعالى ‪.‬‬
‫تريد الجنة ‪ ،‬وأنت تنام عن صالة الفجر!! تريد الجنة وأنت تأكل الحرام وتشاهد الحرام وتسمع الحرام !! فتب من ذنوبك ‪ ،‬وابك على‬
‫عيوبك ‪ ،‬وإياك أن تُحرم النعي َم المقي َم في الجنة بلذة ساع ٍة فانية (بل تؤثرون الحياة الدنيا ‪ ،‬واآلخرة خير وأبقى )‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم‪..‬‬