You are on page 1of 285

‫تنويه‪:‬‬

‫تم نسخ رواية صمت الفراشات‬


‫لتكون متوافقة مع برامج المكفوفين الناطقة‬
‫ونعتذر عن وقوع أي أخطاء إملئاية سهواا‬

‫صمت الفراشات‬
‫ليلى العثمان‬

‫دآار الدآاب‬ ‫رواية‬


‫صمت الفراشات‬
‫ليلى العثمان‬

‫صمت الفراشات‬

‫رواية‬
‫دآار الدآاب ‪ -‬بيروت‬

‫صمت الفراشات‬
‫ليلى العثمان ‪ /‬روائيية كويتيية‬
‫الطبعة الولى عام ‪2007‬‬
‫الطبعة الثالثة عام ‪2011‬‬
‫‪ISBN 978-9953-89-056-2‬‬
‫حقوق الطبع محفوظة‬

‫‪All rights reserved. No part of this book may be‬‬


‫‪reproduced, stored in aretrieval system, or‬‬
‫‪transmitted in any form or by any means‬‬
‫‪without prior permission in writing of the‬‬
‫‪publisher.‬‬

‫ي‬
‫جميع الحقوق محفوظة‪ .‬ل يسمح بإعادآة إصدار هذا الكتتتاب أو أ ي‬
‫ي‬‫جزء منه أو تخزينتته فتتي نطتتاق استتتعادآة المعلومتتات أو نقلتته بتتأ ي‬
‫طي مسبق من الناشر‪.‬‬ ‫شكل من الشكال‪ ،‬دآون إذن خ ي‬

‫دآار الدآاب للنشر والتوزيع‬


‫ساقية الجنزير – بناية بيهم‬
‫ص ‪ .‬ب ‪11 – 4123 .‬‬
‫بيروت – لبنان‬
‫)‪: 861633 (01) – 861632 (03‬هاتف‬
‫فاكس‪00961186163 :‬‬
‫‪e-mail: d_aladab@cyberia.net.1b‬‬
‫‪rana.adab@hotmail.com‬‬
‫‪Website: www.adabmag.com‬‬
‫إلى كل الفراشات الصامتات المحصورات كالكلمات بين‬
‫قوسين‬
‫‪5‬‬

‫الهإداء‬

‫إلى صديقة القلب ‪:‬‬


‫هإدى بركات‬
‫ل أحد سواك يستح ق‬
‫ق صمت فراشاتي وألوانها‬

‫ليلى العثمان‬
‫‪7‬‬

‫فوجئت بالطبيب يخبرني‪:‬‬


‫‪ -‬ل بدد من العملقية‪.‬‬
‫تسقمرت وصوتي المخنوق يسأل مذعوراا‪:‬‬
‫‪ -‬وهإل أسترقد طبيعة صوتي بعدهإا؟‬
‫لم يشأ الطبيب أن يخادعن‪ ،‬قال‪:‬‬
‫‪ -‬لييس تماماا ‪ . .‬على القل في الشهور الولى‪ .‬ثم يتحقسن‪.‬‬
‫ت‪...‬‬ ‫صم ت‬
‫ظقل ينتظر قراري؛ وحين طال صمتي الحزين سألني‪:‬‬
‫‪ -‬هإا ‪ . . .‬ماذا ققرر ت‬
‫ت؟‬
‫هإننززت رأسنني‪ .‬ينندي تتحقسننس حنجرتنني‪ ،‬مننوطن صننوتي‪ ،‬تنحنننح‬
‫الطبيب‪:‬‬
‫‪ -‬إن لم تتقم العملقية فقد يتطور المر إلى ‪ . . .‬ل سمح ا‪.‬‬
‫شهقت‪:‬‬
‫‪ -‬سرطان؟‬
‫‪9‬‬

‫مطد شفتيه‪ .‬فغر عينيه‪ .‬ضرب برأس قلمه على الطاولة‪:‬‬


‫‪ -‬ممكن ‪ . .‬كثيرون‪ ،‬اضطررنا لجتثاث جزء من حنجرتهم‪.‬‬
‫تنقهدت‪ .‬تلقمست حنجرتي ثانية‪:‬‬
‫‪ -‬سأفقكر يا دكتور‪.‬‬
‫حقذرني‪:‬‬
‫‪-‬ل تتأقخري في اقتخاذ القرار‪.‬‬
‫ابتسم برققة وهإو يواجهني ويطمئنني‪:‬‬
‫‪ -‬العملقية سهلة‪ .‬مجقرد دقائاق‪.‬لكن قبل إجرائاها هإناك شروط‪.‬‬
‫سبق لهفتي للسؤال‪ .‬قال وهإو يهتز إصبعه الرشيق‪:‬‬
‫‪ -‬المتننناع كلقيقاننا عننن التنندخين‪ ،‬وعنندم إجهنناد الصننوت ‪ . .‬ييف ق‬
‫ضننل أ‬
‫تأخذي إجازة من التدريس‪.‬‬
‫طت جذعي‪ ،‬اقتكأت على طرف طاولته‪ .‬سننألت وحزننني ينسنناب‬ ‫مطط ط‬
‫إليه‪:‬‬
‫‪ -‬أنت متأكد أقنني سأستعيد صقحة صوتي؟‬
‫واثقاا‪ ،‬طرق بكقفه على الطاولة‪:‬‬
‫‪ -‬طبعا ا ‪ . .‬لكن بعد العملقية ستلتزمين بشروط‪.‬‬
‫ضحكت‪ ،‬أسبقه بالشرط الول‪:‬‬
‫‪ -‬أدري ‪ . .‬التوقف عن التدخين!‬
‫بادلني ضحكتي‪:‬‬
‫‪ -‬شاطرة! ه أنت تعرفين ‪ . .‬هإذا البلء سبب عقلتك‪.‬‬
‫‪10‬‬

‫بتشتوق مشوب بالخوف سألت‪:‬‬


‫‪ -‬والشروط الخرى؟‬
‫انساب صوته هإادئااا‪:‬‬
‫ل‪ .‬ستخضعين للصمت لمقدة أسبوعين‪.‬‬ ‫‪ -‬أو ا‬
‫هإلعت‪:‬‬
‫‪ -‬صمت جديد؟‬
‫بهت‪:‬‬
‫‪ -‬هإل سبق أن أجريت العملقية؟‬
‫ابتسمت‪:‬‬
‫‪ -‬ل ‪ . .‬لكقنني مارست نوعا ا آخر من الصمت‪.‬‬
‫كأقنه اطمأدن‪:‬‬
‫‪ -‬إذن ستلتزمين ما دامت لديك تجربة‪.‬‬
‫ذقكرته‪:‬‬
‫‪ -‬وثانيا ا يا دكتور؟‬
‫‪ -‬ثانيننا ا يننا سننقيدتي سننتحتاجين لتمننارين تدريبيقننة لسننتخراج صننوتك‬
‫صصة ستقوم بتلك المهقمة‪.‬‬ ‫بالتدريج‪ .‬هإناك طبيبة مخ ق‬
‫‪ -‬وهإل يطول العلج؟‬
‫‪ -‬هإذا يعتمد عليك‪ .‬بقدر التزامك بعدم التدخين‪ .‬والهإقم بالصمت‪.‬‬
‫شعرت بحاجة إلى البكاء‪ ،‬شعرت وكأقن يداا غليظة تمتتد إلى‬
‫‪11‬‬

‫عنقي وتحنناول خنقنني ثانيننة عننن الكلم ‪ .‬تننواردت علننقي فنني لحظننةة‬
‫سنوات صننباي الول فنني قصنر العجنوز‪ ،‬هإنناك بنندأ صننمتي الننذي‬
‫ض علننقي‪ ،‬والن صننمت آخننر علننقي أنننا أن أفرضننه علننى نفسنني‬ ‫فيتر ط‬
‫لسننتعيد سننلمة صننوتي‪ .‬تكل الصننمتين صننعب ويمننقر‪ ،‬ولننه نتننائاجه‬
‫المختلفننة‪ .‬ذاك صننمت سننرق مننن عمننري أجمننل السنننوات قبننل أن‬
‫يورثني المال‪ ،‬وهإذا الصننمت سيسننرق أسننبوعين ليننورثني الصننقحة‬
‫صلة صمت مفروض علقي‪.‬‬ ‫والعافية‪ .‬فرق كبير‪ ،‬لكقنه في المح ق‬

‫تركت العيادة‪ .‬وكعادتي نزلت درجات السننقلم مهرولننة مننن الطننابق‬


‫الثالث‪ ،‬أفكاري تغلي في رأسي‪ .‬وكذا مخاوفي‪:‬‬

‫هإل أصقدق الطبيب؟ هإل سيكون دقيقا ا وهإو يجري العملقية؟‬


‫منناذا لننو أخطننأت يننده وقشننر أكننثر مننن الزوائانند الملتصننقة بحبننال‬
‫الصوت! هإل أفقد صوتي إلى البد؟‬

‫وصلت إلى سقيارتي‪ .‬وما إن أغلقت بابها حتى فناجئني بكنناء عنارم‪.‬‬
‫حرارة السقيارة في الداخل تكاد تشويني‪ .‬الشارع الهائاج يدفع بهديره‬
‫نحوي فيختلط بهدير مخاوفي المتراكضة بداخلي‪ ،‬قاومت ارتخائاي‪،‬‬
‫أدرت مفتاح المحقرك واندفعت‪ .‬دخلت إلى شققتي الصننغيرة‪ ،‬عننالمي‬
‫الذي هإقيأته لنفسي منذ أن تخطقيننت بقوابننة عبننوري إلننى الحرريدننة مننن‬
‫القصر الظالم‪.‬‬

‫***‬
‫‪12‬‬

‫منذ الليلة الولنى أراد تلقيننني النندرس القول‪ .‬كنننت ل أزال غاطسننة‬
‫في الريكة الوثيرة داخل غرفة النوم السطورقية في قصره‪.‬‬
‫سحب عقاله والغترة فبان رأسه الجننرد لمعننا ا مثننل قنندر السننتانلس‬
‫ستيل‪ .‬التفت نحوي حاسراا الرققة من صوته‪:‬‬

‫‪ -‬اسننمعي‪ .‬مننن الن عليننك أن تعتننادي الصننمت‪ .‬أسننرار القصننر ل‬


‫يجوز أن تتسقرب ولو من خرم إبراة‪.‬‬

‫لم أدرك معنى أمره الشبه بتهديد مب ق‬


‫طن‪ .‬كدت أدفع بلسنناني المثقننل‬
‫وأسننأله )) أيننة أسننرار تخشننى عليهننا؟(( لكقنننني غشننمت طريقننة‬
‫التخاطب الواجبة مع رجنل فني مقنامه وسنقنه‪ ،‬رجنل ل ينزال حنتى‬
‫اللحظة غريبا ا عقني‪ ،‬فآثرت الصمت‪.‬‬

‫كنت ل أزال مققمطة بثوب عرسي الثقل من أكياس الرمل‪.‬‬


‫مئنات منن حقبنات اللؤلنؤ والسنتراس البنارق مشنغولة فنوق قماشنته‬
‫اللسنناتان دوشننيس‪ ،‬ديلننه الطاووسننقي يمتننقد خلفنني خمسننة أمتننار‬
‫مرصوصة هإي الخرى بحقبات أكبر‪ .‬تحيننط كأشننقعة شننمس بننورود‬
‫ضدية‪ .‬رأسي أيضا ا يثقله التنناج‬ ‫من الورغانزا محشقوة بالفصوص الف ر‬
‫الماسقي الذي يشننتع متننأقثراا بننأنوار الثريقننا الكرسننتالقية المتدليننة فننوقي‬
‫ق‬
‫كخيمة من شوك‪ ،‬موقزعة بريقها على الرض والجدران المكقفنة‬

‫‪13‬‬
‫بورق فخم‪ .‬جسدي غير معفيي من الثقال‪ :‬إسورة‪ ،‬ساعة‪ ،‬قرطان‬
‫وخواتم الباجيت‪ .‬أشياء ما فقكرت يواما أقنها ستلمس جسدي‪ .‬لكقنها‬
‫كانت بعض أحلم أقمي‪ .‬كان حلمي ينحصر في دبلة متواضعة‪،‬‬
‫وبيت صغير‪ ،‬وقلب أوسع من كل القصور‪.‬‬
‫خطا متمهقلا تجاهإي‪ .‬ظهره اليمطحطدطوطدب ييثني رأسه حتى تكلد ذقنه‬
‫تلمس عظمة صدره‪ .‬توالدت بداخلي المخاوف مثل دبابير سجينة‬
‫تتقافز‪ ،‬تتراكض‪ ،‬تحاول بشوكها خرم لحمي لتفدر ناجية من‬
‫عصوف قلبي التي تقرع كطبول أفريققية مجنونة كقلما تققدم خطوة‬
‫ي مسبلتين كارهإتين التقاء وجهه‪.‬‬ ‫نحوي‪ .‬انتصب أمامي‪ .‬ظقلت عينا ط‬
‫حقرك كقفه تجاه وجهي وبسبابة هإقشة رفع ذقني فتقابل وجهانا‪.‬‬
‫صوته الحاتد يأمرني‪:‬‬

‫‪ -‬انظري إلقي‪.‬‬

‫تثاقل جفناي‪ .‬لكقن المر الوارد جعلني أنظر‪ ،‬تضاعف ارتجافي‬


‫حين صدمني الوجه‪ ،‬كتلة رخوة تستند إلى عظامها‪ ،‬صدغان‬
‫كحفرتين‪ ،‬أنف كقصبة ذابلة‪ ،‬عينان صغيرتان غائارتان يموج‬
‫بؤبؤهإما بماء أزرق‪ ،‬شفتان مترقهإلتان انفرجتا عن ابتسامة فضحت‬
‫س بعض الرققة في صوته‪:‬‬ ‫أسنانه الصطناعقية‪ .‬د ق‬

‫‪ -‬هإا ‪ . . .‬عسى أعجبتك؟‬

‫أغمت عيندي‪ ،‬حاولت في لحظة أن أقطع المسافة ما بينربيعي‬


‫التاسع عشر وخريفه القستيني‪ ،‬لكون قادرة على استنهاض كلمة‬
‫واحدة أجامله بها وأكذب‪ .‬لكقن لساني تحقجر‪ .‬واشتعلت‬

‫‪14‬‬
‫بداخلي نار وودت لو تركض ألسنتها إلى أبي وأمي اللذين ققدماني‬
‫لقمة لجيفة من سللة تتوارث مالها‪ ،‬أمراضها‪ ،‬ول حائال دون‬
‫ي بعينين منطفئتين ل‬ ‫نزواتها وغزواتها‪ .‬ظدل يحقدق بوجهي القمر ق‬
‫تسعفانه على اكتشاف بضاعته وتقييمها‪ .‬تصقورته سينحني ليققبل‬
‫جبيني كما يفعل العريس في الفلم المصرقية‪ ،‬ثم يسري بشفتيه‬
‫على بستان وجهي الناعم ويذهإب بعد ذلك حيث تسوقه شهوة الليلة‬
‫الولى‪ .‬لكقنه لم يحقرك سوى إبهامه‪ .‬دعك به شفتقي دعكااغليظا ا‬
‫ظننته يسعى لمسح أحمر الشفاه عنها راغبا ا في اكتشاف لونهما‬
‫الصلقي‪ .‬لكن صوته قطع كل توققع‪:‬‬
‫‪ -‬هإا الشفايف الحلوة لو نطقت بشيء سأقطعها!‬
‫ارتجفت‪ ،‬شعرت بأمعائاي تتعارك‪ ،‬احتجت إلى الحقمام لفرغ دفقة‬
‫صتني ثانية‬ ‫طت على كتفي ور ق‬ ‫الخوف‪ ،‬أردت أن أنهض لكن كقفه ح ق‬
‫إلى الريكة وتابع‪:‬‬
‫ق‬
‫‪ -‬ستر الليلة لن يعرفه أحد‪ .‬تعلمي الصمت واعتاديه‪.‬‬
‫))هإل للصمت لغة أتعقلمها ولون لعتاده؟((‪.‬‬
‫هإززت رأسي هإقزات سريعة متتالية لقنعه بأقنني أفهم وأوافق‪.‬‬
‫ابتسم منتصراا‪ ،‬تركني واتجه إلى باب الغرفة‪ ،‬فتحه وقبل أن يخرج‬
‫أصدر أمره‪:‬‬
‫‪ -‬اخلعي ملبسك وتجقهزي للنوم‪ .‬سأعود‪.‬‬
‫التقمت أمره مثل رمح مدقبب‪ .‬لكقنه ظل مسقمراا عند الباب بانتظار‬
‫إجابة تؤقكد انصياعي للمر‪ .‬كانت هإقزة الخوف والسى يتسقور‬
‫يلحمة لساني الذي نبض ثقي ا‬
‫ل‪:‬‬

‫‪15‬‬
‫‪ -‬أمرك‪.‬‬

‫خرج أغلق الباب‪.‬‬


‫أعلن بنبرة تهديدقية أقنه سيعود وكأقنه يخشى إن هإو غادرني أن‬
‫أتحقول فراشة وأفقرمن القصر‪ .‬نظرت إلى الباب ‪ ،‬وتمقنين لو أقنه‬
‫يتجقمد ول يفتح‪ .‬تأقملت النافذة المغلقة وتلك الستائار المعتمة التي‬
‫حجبت الدنيا بأكملها عقني‪ .‬ومثل دودة شبه مهروسة تعاني سكرة‬
‫الموت ظللت على الريكة عاجزة عن الحركة‪ .‬كل شيء في الغرفة‬
‫الفخمة يحاصرني بحبال غليظة‪ ،‬وأحسست بصمت مريب يهطل‬
‫من السقف مثل بقايا رماد المواقد البائات ويتوزع في الغرفة سريعاا‪،‬‬
‫يهبط على الضواء التي لم تعد قادرة وأد الظلم الذي غمر‬
‫روحي وتمازج بأنسجتها‪ .‬وددت لو يأفلت صوتي‪ ،‬أطلق ولو‬
‫صرخة واحدة تدكك القصر فأواجه الفضاء حتى وإن تهت فيه‪ ،‬لكن‬
‫حنجرتي لم تسعفني‪ .‬وتاه لساني حتى حسبت أقنه قطعه قبل أن‬
‫يغادر الغرفة‪ ،‬ظقلت كلماته تطكن في أذني ))عليك أن تعتادي‬
‫الصمت((‪.‬‬
‫كتلهم كان يأمرني بالصمت‪ .‬كانت أمي حين تختلف معي علىشأن‬
‫صني‪ ،‬تضغط سبابتها على شفتيها وتقول‬ ‫حتى وإن كان يخ ق‬
‫صة في إصدار المر‬ ‫))اصمتي واسمعيني((‪ .‬أبي له طريقته الخا ق‬
‫بالصمت‪ .‬مجقرد أن يلمح إشارة العتراض على وجهي؛ يصفق‬
‫بكفيه فأهإم أقن علقي ابتلع الكلم وصوتي‪ .‬لم يكن أخي أرحم‪ ،‬فحين‬
‫ش‬‫كنت أراه يختلف مع زوجته؛ أحاول بسبب حقبي لهما‪ ،‬أن أر ق‬
‫بعض كلمات لطيفة لتهدئاة غضبهما قبل أن يتطقور‪ ،‬فيتحقول‬

‫‪16‬‬
‫غضبه منها إلقي‪ .‬يصرخ في وجهي ))اصمتي ول تتدقخلي(( فلم‬
‫أجرؤ بعد ذلك على إقحام نفسي ومشاعري الطقيبة بينهما‪ .‬حتى‬
‫المعقلمة التي يفترض أقنها المربية الفاضلة ضاقت بجدالي المتكقرر‪.‬‬
‫ق شقتى فتعقلمت الصمت ف حضرتها‪.‬‬‫عاقبتني بطر ة‬
‫كرهإت صمتي‪ .‬لكقنني واصلته حتى جاءت اللحظة التي أعلمني أبي‬
‫ي العجوز‪ .‬استطعت من هإول اختياره أن‬ ‫بقراره تزويجي من الثر ر‬
‫أستجمع شجاعة موهإومة وأنطق‪:‬‬

‫‪ -‬لن أتزوج‪ .‬سألتحق بالجامعة‪.‬‬

‫‪ -‬لن تدخلي الجامعة‪ ،‬ستتزقوجين‪.‬‬

‫عوي ي‬
‫ت من ألمي‪:‬‬

‫‪ -‬هإذا العجوز؟‬

‫أقمي تدقخلت‪:‬‬

‫‪ -‬أبوك يريد لك الخير‪.‬‬

‫جرؤت‪ .‬وقذفت برقدي‪:‬‬

‫‪ -‬بل هإو خائاف أن يؤقثر رفضي على وظيفته عند ولقي نعمته‪.‬‬
‫إقنه يبيعني وأنت شريكته في الظلم‪.‬‬

‫لم يحتمل أبي‪ ،‬هإاجت رياح غضبه‪ .‬أمسك بي وانهال علقي‬


‫ف لها خيط أمومة‪.‬‬‫بالضرب المبقرح وأنا أتوقسل أقمي فل ير ك‬
‫خارت كل قواي‪ .‬رفع أبي وجهي إليه‪ ،‬أطبق بإصبعيه على شفتقي‪،‬‬
‫فركهما فراكا وصل أعصاب روحي ونفث تهديده‪:‬‬
‫‪17‬‬

‫‪ -‬سأقطعهما إن لم تصمتي من الن حتى يوم عرسك‪.‬‬

‫أسننقط علننقي صننخرة قننراره‪ ،‬ومننن أحنند خرومهننا الضننقيقة المسننقننة‬


‫استقلني قدري إلى القصر‪.‬‬

‫***‬

‫عنانيت صنعوبة فني خلننع ثنوب الزفناف‪ ،‬وفننقك التنناج النذي تشنابك‬
‫بخصلت شعري‪ .‬ألقيت بكل أحمالي في أرض الخزانننة‪ ،‬وارتننديت‬
‫الذي أمرت أقمي أن يكننون رداء الليلننة الولننى قننالت وكأنهننا تقصنند‬
‫إثننارتي ))إلبسنني الحمننر النندانتيل‪ ،‬اللننوان الفاقعننة مننثيرة لرجننل‬
‫مثله((‪.‬‬

‫جلست على أريكتي ملجومة بالصننمت‪ .‬جفنناف حننطق علننى شننفتقي ل‬


‫يتيح لي فرصة للتأقوه والتشقهد على روحي الننتي وقعننت فنني كمننائان‬
‫العجننوز دون أن يسننقمي عليهننا أحنند حننتى أقمنني!! أحسسننت بنفسنني‬
‫تتسقرب مقني‪ ،‬وجرار عمري كقلها تفرغ من زمزم وتمرذ‪ .‬ل أسننمع‬
‫غير قصف عظامي الذي يكاد يكسرني‪ ،‬يبعثرني‪ ،‬تمقنيت لو يحنندث‬
‫هإذا لكون في منجاى مقما ينتظرني‪.‬‬

‫تحقرت أكرة الباب بفظاظة أفزعتني‪ .‬دخل وكأقنه عفريت انش ق‬


‫ق عنننه‬
‫حائاط قديم‪ ،‬لم يغلننق البنناب‪ ،‬واربننه واقننترب منقنني‪ .‬تننوقثبت بانتظننار‬
‫شيء أجهلنه‪ .‬نظنر إلنقي وهإنو يفنرك كفقينه كمنن يطنرد رعشنة بنرد‬
‫فاجأته محاولا أن يشقذب من ملمح صوته المرتجف‪ .‬أمرني‪:‬‬

‫‪ -‬استلقي على السرير‪.‬‬

‫تمقهلت غير عامدة أحتاج آلف اليدي لتنتزعني من‬


‫‪18‬‬

‫الريكة القاسية إلى سرير أقسى وأبرد‪ .‬تغيرت سحنة صوته‪:‬‬

‫‪ -‬ما سمعتيني؟‬

‫س كقفه تحت إبطي ليرفعني‪ ،‬تحقركت بصننعوبة‬ ‫لم ينتظر‪ ،‬اقترب ود د‬


‫إلى السرير غير شاعرةأقن لي قدمين تتحقركان‪ .‬هإل يملننك مننن القننقوة‬
‫قدراا جعله ينفخ علقي فأطير أم أنا كنت ريشة تائاهة فطرت؟!‬

‫استلقيت على السرير ذبيحة جناهإزة لسننان مرقكبنة وذراعينن شنبه‬


‫ت بنظرتنني نحننو‬ ‫طيننت جسنندي حننتى العنننق واشننطرطأبططب ي‬ ‫أعضننبين‪ ،‬غ ق‬
‫السقف متمقنية لننو ينهننا علننقي‪ ،‬أو يتفتننح فيننه كننقوة ليراننني نسننر كننبير‬
‫فيخطفني ويطير‪.‬‬

‫جسدي يرتعد‪ ،‬وانقباضات روحي تتزاحم‪ ،‬تحقدرت دمننوعي تحننرق‬


‫وجنتقي‪ ،‬لم أهإتم أن أمسحها‪ ،‬قلت ربما لو لآهإا يشننفق علننقي‪ ،‬يتمهقننل‬
‫ض أوراق الزهإننرة المرتعشننة‪ ،‬يعطيننني فرصننة لعتنناد عليننه‪،‬‬ ‫في ف ر‬
‫وأتعقود كيف ترضخ الفريسة لمفترسها‪.‬‬

‫ك بكقفه‬
‫اقترب من السرير‪ ،‬لصقني‪ ،‬حاولت أن أهإرب بنظرتي فص ق‬
‫على وجهي‪ ،‬حقدقت به‪ ،‬عيناه كعينقي أسةد هإرةم جريح‪ ،‬يدرك ضننعفه‬
‫أمام الفريسننة القشنناقبة‪ ،‬خطننا إلننى ظهننر السننرير‪ ،‬انقنن د‬
‫ض فجننأة علننى‬
‫ب يهروس عليهمننا فلننم أعنند أملننك قنندرتي علننى‬ ‫ذراعقي‪ .‬فتحهما وانك د‬
‫الحركة‪ .‬دهإشتي تسقلني‪ ،‬ماذا يرينند بالضننبط؟! حنناولت أن أصننرخ‪،‬‬
‫فنفخ على وجهي بأمره الحازم‪:‬‬

‫‪ -‬أصمتي‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫وجهه صار قريباا من وجهي‪ .‬ظدل هإكذا حتى اطمأدن أقن صوتي‬
‫المبلوع لن يزوع صراخه‪ ،‬ثم التفت ناحية الباب وصرخ‪:‬‬

‫‪ -‬أدخل‪.‬‬

‫غلبني فضولي رغم خوفي‪ ،‬دفعني لرفع بعض رأسي وأرى من‬
‫صه‪،‬‬‫صني وتخ ق‬ ‫المأمور الذي سيدخل علينا ليلة ييفترض أنها تخ ق‬
‫فوجت بعبةد بحجم مارد يقتحم الغرفة‪ ،‬يقترب من السرير ويبدأ‬
‫يخلع ملبسه!!‪ .‬لم تسعفني برائاتي لستنتج إجابة لما يحدث‪ .‬فزعي‬
‫تنامى حين رأيت العبد أمامي عاريا ا تماما ا يلتمع جسده بالعرق‪ .‬لم‬
‫أكن قد رأيت جسد رجل من قبل‪.‬‬
‫لكقنني بشيء أشبه بالغماءة اللحظقية؛ لمحت جسد أخي الصغير‬
‫حين كانت أقمييتسقطنا في البانيو كل أسبوع لنستحقم‪ .‬كانت تصتر أن‬
‫أظدل محتفظة بالقطعة الصغيرة التي تستر عورتي‪ ،‬بينما تترك أخي‬
‫ف جسده بالفوطة تأمره أن‬ ‫حراا منها‪ .‬تبدأ به وعندما تنتهي وتل ت‬
‫يخرج وينتظرهإا على السرير حتى تفرغ مقني‪ .‬عندهإا تأمرني أن‬
‫أخلع الساتر وتدعكني بليفة غير خشنة‪ .‬حين تغمر وجه أخي‬
‫بالصابون ويغمض عينيه‪ ،‬كنت أشرع في تأقمل جسده‪ ،‬فل أجد بين‬
‫جسدينا أقية فروق غير ذلك الجزء الذي تسمح له أقمي بإبرازه‪.‬‬
‫ويوم احتججت ذات مقرة زقمت مابين حاجبيها غضبا ا وقالت عورة‬
‫البنت ما يصير يشوفها غير زوجها‪.‬‬

‫أفقت والعجوز يأمر عبده‪:‬‬

‫‪ -‬ابدأ‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫اقترب العبد فصرخت‪ .‬ضاعف العجوز ققوته وهإقوس على ذراعقي‬
‫ي‬‫طا بكقفه اليابسة على ثغري ليكتم صوتي‪ .‬بينما عينا ط‬‫ضاغ ا‬
‫المرتعبتان ل تقويان على النغلق‪ ،‬أحقدق بوجه العبد ذي العينين‬
‫ب أكثر‪ ،‬كشف عقني الغطاء الحرير ق‬
‫ي‪.‬‬ ‫الصفراوين البارقتين‪ ،‬اقتر ط‬
‫ي لمنعه‪ ،‬لكقنه‪ ،‬ولشقدة قوته‪ ،‬استطاع أن‬ ‫بدأ يعقريني‪ ،‬عافر ي‬
‫ت بساق د‬
‫يوهإن كل جسدي حتى سيطر عليه وباغتني بسيخ النار الملتهب‪،‬‬
‫اخترقني حتى الحنجرة التي أفرزت سائالا يصطخب مذاقه بكل‬
‫الطعوم المقرة‪.‬‬

‫ل أدري كيف جائات صرختي مدقوية‪ .‬كأقنني اختزنت آلف‬


‫الصرخات فانطلق حبيسها دفعة واحدة‪ .‬فضغط العجوز بذراعه‬
‫على وجهي‪ ،‬شعرت بأقنني أختنق وأموت وصوت العبد ال ق‬
‫لهإث‬
‫يتسرب إلقي‪:‬‬

‫‪ -‬تفضل عمي‪.‬‬

‫حقررني العجوز من ثقله ورائاحته‪ ،‬أفقت فاصطادت عينا ط‬


‫ي العبد‬
‫وهإو ينحني لسقيده بعدما هإيأط له الوليمة‪ ،‬لملم ثيابه‪ ،‬حملها وخرج‬
‫عارياا‪.‬‬
‫لماذا قالت أقمي أقن زوجي هإو الوحيد صاحب الحق في رؤية‬
‫عورتي؟ لقد كذبت علقي‪ .‬شعرت بكراهإية دسمة نحوهإا‪ ،‬تمنيت لو‬
‫أقنها أمامي لندفع إليها أغرز أظافري المطلقية بلون الدم داخل‬
‫حلقها وأثقب لسانها‪ .‬أصرخ في وجهها ))هإل انكشفت عورتك على‬
‫أحد غير أبي؟((‬
‫التويت على جرحي‪ ،‬شددت ساققي المبقللتين بنثار الدم إلى‬

‫‪21‬‬
‫بطني متوقجعة أذرف أنيني‪ ،‬أشتهي غفوة تنقسيني الذي شاهإدت‬
‫وكابدت‪ ،‬غفوة تحملني إلى حلم أو فضاء ليس فيه أحد يكتم صوتي‬
‫فأصرخ ‪ . . .‬أصر ‪ . . .‬أص ‪ . . .‬أ ‪. . .‬‬
‫كنت أتوقهإم أقنني سأخلد لتلك الغفوة‪ ،‬وما خطر ببالي أقنني سأكون‬
‫وجبة ثانية لعجوزي الذي انتظر حتى يتفتح له أبواب القلعة‬
‫صنة‪ .‬اقترب وقد تعقرى كما فعل العبد‪ ،‬رأيت جسداا بشعاا‪ ،‬بدا‬ ‫المح ق‬
‫جلده المترقهإل على عظامه‪ ،‬التي نخرتها السنوات‪ ،‬وكأقننه قماش‬
‫قديم مبتقل‪ .‬رفعت جذعي لفدر من السرير لكقنه لشقدة وهإني استطاع‬
‫ب على جسدي‪ .‬واجهتني قتامة وجهه‪ ،‬وهإرولت‬ ‫أن يحاصرني‪ ،‬انك د‬
‫نظراته الجامحة إلى عينقي‪ ،‬ومثل نمر جائاع أخذ يتخقبط بافتراس‬
‫ق دمها‪ .‬أطبقت جفننقي كي ل أراه‪.‬‬ ‫وليمته ولططع ت‬
‫زمطمت شفتقي كي ل يندز إليهما صديد فمه وكل أوراقي الناعمة‬
‫اليمؤتلقة بعطرهإا تنكمش على بعضها كي ل تتشقرب رائاحته‪.‬‬
‫مزمومة كقلي بغلياني‪ ،‬أسمع طقطقة عظامه وهإو يحرث الجثة التي‬
‫سقهل العبد الشيطانتي فتح قبرهإا‪ .‬عانى طويلا في محاولته‪ ،‬وفي‬
‫اللحظة التي انتصر فيها وأطلق شخرات لقذته كنت أنطفئ‬
‫كقمةرمهروس‪.‬‬

‫دفنت وجهي في الوسادة الحريرقية وقد أفلست في حبس نشيجي‬


‫وتأقوهإاتي‪ ،‬اقترب ثانية‪ ،‬شدد شعري الذي استشاط وتبعثر‪ ،‬لوى‬
‫جسده ناحيتي وحقدق بوجهي بعينيه الخرزقيتين‪ ،‬وصوته الجاحظ‬
‫من حنجرته‪:‬‬
‫‪ -‬اكتمي ‪ . .‬أكره بكاء النساء‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫لم ألتم أمره‪ .‬كنت مثل سحابة مشحونة ييشعلها البرق وييطلقها‬
‫الرعد‪:‬‬

‫‪ -‬وأنا أكرهإك‪.‬‬

‫رفع كقفه‪ ،‬بسطها بقسوه على صدغي‪ .‬فتناثرت نجوم سوداء أغشت‬
‫بصري ولطعلطع بصوته المحتد‪:‬‬

‫‪ -‬من الليلة فصاعداا ابتلعي صوتك ودموعك‪.‬‬

‫***‬

‫ي دمعي‪ ،‬وحسرتي‪ ،‬وهإو يقتات كقلما شاء من‬ ‫ابتلعت صوتي‪ ،‬يمر ق‬
‫حريري‪ ،‬كما تقتات الدودة من جسد ميت‪ .‬كنت أشعر أقنني أتعقفن‪،‬‬
‫اكتظظت بالوجاع‪ ،‬تخقمرت رئاتاي برائاحة القصر الذي ل تتنقفس‬
‫فيه الجدران إلق تعلططلها‪ ،‬وتتثاءب فيه أفواه التماثيل الجامدة تنتز صدأط‬
‫ي ينسطيمة شهقية‪ .‬ول‬‫عصورهإا المنصرمة‪ .‬ل أحد يدخل فيحمل إل د‬
‫عصفورر يطرق الشبابيك المسقورة‪ .‬لم أقدر أن يأنشطئ علقة بيني‬
‫لدات متأ طقهإبات‬
‫ي شيء‪ ،‬حتى الخادمات كنت أحقسهقن كالج ق‬ ‫وبين أ ق‬
‫لجلدي في أقية لحظة يأمرهإدن بذلك‪.‬‬

‫سكن كتل شيء من حولي‪ .‬لم أعد أشعر بدفء الشمس‪ ،‬ول بحنان‬
‫القمر في الليالي التي يصاحبني فيها الضجر والكدر‪ .‬حتى الحديقة‬
‫الغقناء المحيطة بالقصر‪ ،‬لم تكن لتبعث في روحي غير النفور‪ .‬إن‬
‫جلست على أعشابها الخضراء الناعبة أحسستها شوكا ا ينغرس في‬
‫لحمي؛ وحين أتلقمس الزهإور من كل صنف ولون‪ ،‬أشعرهإا مثلي‬
‫بل لون ول رائاحة‪ .‬كنت ل أجد الرائاحة إلق حين‬
‫‪23‬‬

‫ألتصق بشجيرات الصقبار التي تسقيج سور الحديقة العالي‪ ،‬وأتذقكر‬


‫هإمسة أبي الوحيدة التي هإمسها في أذني في زيارة من زياراته‬
‫القشهرية؛ وكأقنه سبر صعوبة الحياة التي أعيشها‪:‬‬

‫‪ -‬كوني صبورة‪.‬‬

‫ولول أن اقترب العجوز لكنت نطقت بحقدي عليه‪:‬‬

‫‪ -‬هإكذا إذن أردت لي أن أكون‪ ،‬شجرة صقبار تحتمل الجوع‬


‫والعطش‪.‬‬

‫كنت جائاعة وعطشى‪ ،‬محرومة من كل شيء‪ ،‬غزالة يتيمة تحتاج‬


‫إلى حظن أم‪ ،‬وصوت إنسان يحقدثها‪ ،‬يؤنسها ويمسح على ظهرهإا‬
‫المثقل‪.‬‬
‫كتل ما يهإيئ لي في هإذا القصر من ثراء وألبسة ومجوهإرات ل‬
‫يساوي شيائا‪ ،‬ول يطاول قامة حلمي الوحيد أن أكسر تلك القضبان‬
‫ذات يوم وأفدر إلى حيث الحياة عطوفةا شهيقةا وصادحة‪.‬‬
‫أن أعود إلى بيتنا البسي الهإل بالحركة وضحكات أولد أخي الذين‬
‫كانو يتناثرون حولي يعبثون بأشيائاي القليلة الغاليةعلقي‪ ،‬يشخبطون‬
‫على أوراقي وكتبي المدرسقية‪ ،‬يتقاذفون وسادتيويرتدون أحذيتي‬
‫الرخيصة ذات الكعب العالي‪ .‬لكقنه حرمني من رؤية البيت ومن‬
‫أهإلي‪ .‬لم يكن يسمح لهم إلق بزيارة شهرقية ل يجالسونني فيها إلق في‬
‫حضرته‪ .‬فل أستطيع أن أنبس‪ ،‬ول أقوى أن أصرخ في وجه أبي‬
‫))وأتني حيقةا وظلمتني((‪ .‬كانت ثورتي على أقمي وأبي تتراكم‬
‫داخلي حتى أصبحت مثل جبل النار تجثم على صدري وتضاعف‬
‫احتراقه‪ ،‬وكان ل بدد أن أحاول مع‬
‫‪24‬‬

‫العجوز في لحظةة من لحظات اختطافه المتعة من جسدي‪ ،‬فتوقسلته‬


‫ذات ليلة‪:‬‬

‫ت على بيتنا‪ .‬أرجوك‪ .‬خقليني أزور أهإلي‪.‬‬


‫‪ -‬ولطه ي‬
‫ش منقوعة في بركة‬‫كنت كمن ألقى بعود الثقاب على كومة ق ق‬
‫بنزين‪ .‬اشتعل غضبه وانطفأت نشوته‪:‬‬

‫‪ -‬أنتدن يا بنات الفقراء؛ ل تملي النعمة عيونكقن‪ .‬تبقطين أسيرات‬


‫لبيوت الفقر!‬

‫‪ -‬لكقنهم أهإلي ‪ . . . .‬حرام أن تقطعني عنهم‪.‬‬


‫‪ -‬سأقطع لسانك لو تلقفظت بهذا الطلب مقرة ثانية‪.‬‬
‫انحنيت على يديه ‪ . . .‬نزفت دموعي‪ ،‬استعطفته وأنا أعده‪:‬‬
‫‪ -‬وا لن انطق بشيء عن حياتنا‪.‬‬
‫شدد شعري حتى كاد يفصله عن بصيلته‪ ،‬فدح في وجهي‪:‬‬
‫‪ -‬ما بها حياتنا؟ أنت تعيشين كالميرات‪.‬‬
‫‪ -‬أرجوك ‪ . .‬ارحم قلبي ‪ . .‬ل تكن ظالاما‪.‬‬
‫صرخ وهإو يدفعني‪:‬‬
‫‪ -‬اخرسي‪.‬‬

‫هإوت كقفه على وجهي وأردف الصفعة ببصقة نتنة‪ .‬أسرع نحو‬
‫الباب‪ ،‬أطلق صوته بالصراخ ينادي إحدى الخادمات‪ ،‬وحين‬
‫ض ثانية إلق وكان‬
‫اقتربت مهرولة؛ أمرهإا أن تنادي العبد‪ .‬لم تم ت‬
‫يأتي كالبرق السود‪ .‬للمقرة الثانية يقتحم غرفتنا‪ ،‬في المقرة؟هإل‬
‫سيأمره‬

‫‪25‬‬
‫بامتطائاي عقاابا لطلب الذي اعتبره زقلة عظمى؟ لم تطل حيرتي‪،‬‬
‫صوته يأمر العبد أن يأتي بالسوط!!‪.‬‬

‫أغرب العبد وكأقن رايا صرصارا تدفعه ‪ . . .‬السوط ‪ . .‬يا إلهي! هإل‬
‫هإو الذي كنت ألمحه يعلو ويهبط فوق ظهور الدواب؟‬
‫هإل سيسقط الن على حرير جسدي ويفقتق خيوطه؟ طار صوابي‪،‬‬
‫ف ذبحها‪ ،‬أخذت‬ ‫هإرعت إليه أتبعثر تحت قدميه كدجاجة أططز ط‬
‫أتضقرعه مسترحمة‪ ،‬طالبة العفو لكقنه في كقل محاولتي كان‬
‫يرفسني بقسوة وصوته أقسى‪:‬‬

‫‪ -‬راح تشوفين كيف يكون الظلم‪.‬‬

‫حين دفع العبد الباب ودخل والسوط يتأرجح في يديه‪ ،‬تلققفته‬


‫بنظراتي المسترحة آملة أن يستيقظ حدسه النسانقي فيتمقرعلى سقيده‬
‫ق من حزن‬ ‫ويتحالف معي ضطذ ظلمه‪ .‬كان في وجهه بعض رم ة‬
‫وأسف‪ ،‬لكقنه سرياعا أقبل ناحيتي‪ .‬أدركت أن ل شيء في داخله‬
‫ى ضقدي وأن الكلب ل يعتاد إلق طاعة سقيدة‪ ،‬فررت‬ ‫سيتحقرك إ ق‬
‫ناحية الشباك أتمقسك بقضبانه لكقنه كان القوى‪ .‬سحبني‪ ،‬قذفني‬
‫بوحشقية إلى الرض وبدأ ينقفذ أمر سقيده اللعين‪ ،‬يؤرجح السوط‬
‫على جسدي وكأقن بيني وبينه ثأارا بائااتا‪ .‬كان في كل جلدةي\ يستحق‬
‫آدمقيتي ويزهإق روحي‪ .‬ظقل يجلد حتى شعرت وكأقنه وصل إلى‬
‫ذاكرتي وقشر كل بطانتها فلم أعد أتذقكر من أنا‪ ،‬ولماذا أنا هإنا!‬
‫كنت فقط أطلق صراخي كعواء كلب جريح طالبة الرأفة‪ ،‬العفو‪،‬‬
‫ف العبد وقلب العجوز‪ .‬انهارت‬ ‫طعت من ك ر‬ ‫المغفرة‪ ،‬لكن حبالها تق ق‬
‫قواي‪ ،‬ترقنح صوتي حتى سقط‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫ل أذكري متى أعتقني العبد من سوطه تاركا ا جقثتي المتهاوية على‬
‫أرض الغرفة‪ .‬جسدي المرضوض يئتن بجروحه‪ ،‬وجهي المذاب‬
‫بدموعه يحترق‪ ،‬روحي المفرومة من اللم تتنازعها مشاعر الذرل‬
‫والحقد‪ .‬نحيبي الصامت يتوقزع في ثغرات جسدي المبرقش بآثار‬
‫السوط‪ .‬نم ي‬
‫ت سابتة بين نبض القلب الواهإن واللسان المققيد‬
‫بالصمت‪.‬‬

‫***‬

‫بعد تلك الليلة التي ظللت أعاني سكراتها‪ ،‬مقر شهران لم يقاربني‬
‫بها العجوز‪ ،‬ولم أر وجهه‪ .‬وقد أراحني هإذا رغم جراحي التي‬
‫توقلت الخادمات تجفيف نزيزهإا وترطيب أورامها بالماء الدافئ‬
‫والمراهإم‪ .‬كنت بين أياديهن كطفلة معاقة يققلبن جسدي‪ ،‬يتفقرجن‬
‫على جروحي‪ ،‬يستمعن إلى أنيني وهإذرة لساني غير المنطوقة‪،‬‬
‫يواسين حيانا وحيانا يؤقنبن عنادي ويطلقن نصائاحهقن إلقي بالصبر‬
‫والنحناء لواقعي المرذ‪ .‬لكقنني ما عدت قادرة علىاجتراع المزيد‪،‬‬
‫غاب أهإلي عن أساي‪ ،‬منع زيارتهم عقني‪ ،‬وقلبي يرفرف بانتظار‬
‫أن تطدل علقي شمسهم التي غقربتني وظلمتني‪ .‬كنت بحاجة أن ألمس‬
‫أياديهم رغم أقنها ملقوثة بثمني الذي باعوني به‪.‬‬
‫كنت أتوق أن أفتح صندوق قلبي المغلق‪ ،‬وأفقتت أورام لساني التي‬
‫تلقيفت‪ ،‬أكشف لهم ما يحتل بي من مظالم تشقوه جسدي وتدقمر‬
‫إنسانقيتي‪ ،‬أستعطفهم ليخرجوني من بئري السن وأوكار وحدتي‪.‬‬
‫كنت واثقة أقنهم لن يمقدوا حبال النجدة نحوي‪ ،‬فهم مثلي مكقبلون‬
‫بالخوف منه‪ .‬ما كنت أملك غير إطلق الحقرية‬
‫‪27‬‬

‫لعقلي ليعرج بي إلى رياض الحلم بالهرب قبل أن تطوي عمتة‬


‫الموت عمري ونور قلبي‪ .‬لماذا أتركه مختالا يحتكر حياتي داخل‬
‫قصره الذي ييعطب روحي ويوشك أن يقتل جذوة صباي الجميل؟‬

‫الزمن ي ‪ . . .‬ز ‪ . . .‬ف ‪ . . .‬وأنا رهإينة لعتام القيام والليالي‬


‫متشقبة بالصبر والصمت‪ .‬أسبح في أفلك حلمي الجائال في غيماته‪.‬‬
‫يدفع بي إلى ابتكار طريقة للهرب‪ .‬لكقن الطرق كلها توصد‪،‬‬
‫ومحاولتي خائابة كسلي في مرابطها‪ ،‬وعمري المضغوط ل يتنفس‬
‫إلق صلوات سررية تتوقسل معجزة ما لتنهي خسري‪ ،‬يتشعل صوتي‪،‬‬
‫تقلعني من هإذا القبر‪ ،‬وتبعدني عن هإذا ))العزرائايل(( الذي يلروح‬
‫باختطاف روحي‪ .‬كان علدي أن أستنهض عقلي وأنهض بروحي‬
‫لق فأضع‬ ‫ظة بأعبائاها لكون قادرة على التفكير المتأقلق الخ ق‬‫المكت ق‬
‫طة ل تؤول إلى الفشل‪.‬‬‫خ ق‬

‫هإو العبد المارد ل سواه‪ ،‬أقفال البقوابة الحديدقية – بقوابة الرحمة –‬


‫بين يديه‪ ،‬ما إن يخرج سقيده حتى يسارع إلى قفلها‪ ،‬ول يشرعها إلق‬
‫حين يزعق بوق عودته‪.‬‬

‫طتي‪ ،‬بدأت أخرج إلى الحديقة‪ ،‬أتجقول في نهارات‬ ‫حبكت رأس خ ق‬


‫الشمس الربيعقية‪ ،‬أتسقلى بمتابعة البستانقي وهإو يتعتني بالزروع‬
‫المتنقوعة‪ ،‬حاذيته يوما وهإو يققلم صغار الشجار ويلقي ببعض‬
‫أغصانها إلى الرض‪ ،‬أحسست كأقنه يكسر أجنحتي‪.‬‬
‫اعترضت فابتسم وقال‪:‬‬

‫‪ -‬أغصان مريضة وتالفة‪ ،‬وإن بقيت تؤثر على الساق الساس‬


‫للشجيرة‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫‪ -‬أليس من وسيلة لعلجها؟‬

‫واصل القطع وصوت آلته ))طك ‪ . .‬طك ‪ ((. .‬يقتحم أذني مع‬
‫صوته‪:‬‬

‫‪ -‬ل بقد من قطعها‪ .‬ستنبت بدلها أغصان جديدة‪.‬‬

‫طويت ذراعقي إلى صدري‪.‬كقفاي تطبطبان على كتفقي‪ ،‬تهدهإد حلمي‬


‫وتحرس أغصاني‪.‬‬

‫في نهار آخر استفقت على صوت هإدير في الحديقة‪ ،‬قفزت من‬
‫السرير‪ ،‬أزحت الستارة‪ ،‬ترقكزت نظراتي على آلة البستانقي وهإي‬
‫ث رؤوس العشاب‪ ،‬لم أكن من قبل قد اهإتمطمت بهذا‪.‬‬ ‫تجت ت‬
‫ث عمري‪ ،‬تقطع‬ ‫لكقنه حلمي التائاق جعلني أشعر وكأقن اللة تجت ت‬
‫رؤوس أحلمي المضيئة وتكقومها بل حياة‪ .‬ظللت أتابع المشهد‪.‬‬
‫أستعيد سنوات الحررية في بيت أبي وفي المدرسة‪ ،‬لقد أصبحت هإي‬
‫الخرى مجقرد أكوام‪.‬‬

‫خرجت إلى الحديقة‪ ،‬تشقبعت أنفاسي برائاحة العشب المجتث‪،‬‬


‫اقتربت من تلله الصغيرة المكتقومة‪ ،‬ثويت على ركبتقي‪ ،‬ملت‬
‫كقفي منه‪ ،‬ققربتها إلى أنفي‪ ،‬استنشقت العطر بكل شهقيتي‪ ،‬غمغمت‬
‫في سقري ))ستجد هإذه الباقايا طريقها إلى الحررية خارج هإذه‬
‫السوار‪ .‬وأنا!! سأبقى العشبة الصفراء المنسقية ‪ . . . .‬أ ت‬
‫ي يد قادرة‬
‫أن تجتقثني من هإذه الرض؟((‪ .‬حزنت على نفسي المنكفئة بيأسها‪،‬‬
‫هإل أترك لحلمي فرصة للبوار؟ صوت البستانقي الممترد أمامي‬
‫بقامته وكرشه المتهقدل‪:‬‬

‫‪29‬‬
‫‪ -‬عذرك سيدتي ‪ . . .‬سأنظف الرض من هإذه الكوام‪.‬‬

‫جلست تحت المظقلة المنصوبة وسط الحديقة‪ ،‬تتواتر في عقلي‬


‫مئات الفكار‪ ،‬وتتقافز عشرات الحيل التي أتخقيلها تحقررني من‬
‫أسري‪ .‬أشتد على رغبتي في الهرب فل بدد أن تكون ساخنة وجقبارة‬
‫ل لن أقدر على تحقيقها‪ ،‬وستظل الصفاد تققيدني إلى زمن ل‬ ‫وإ ق‬
‫أدري كم سيطول !!‪.‬‬

‫ظللت أواصل نزهإتي وحديثي مع البستانقي كقلما سنحت الفرصة‬


‫بذلك‪ ،‬أسأله عن أنواع الزهإور‪ ،‬أعمارهإا‪ ،‬مواسمها‪ ،‬كمقية المياه‬
‫التي يحتاجها كل نوع منها‪ .‬طلبت منه أن يعقلمني كيف أقطفها‪،‬‬
‫ي دنا يعقلمني كيف‬‫وحين غقزت يدي شوكت غصن الورد الجور ق‬
‫أقطف وأتحاشى الشواك‪:‬‬

‫‪ -‬عليك أن تتقني فقن القطف ‪ . . . .‬هإكذا‪.‬‬

‫صقك بإصبعيه على الغصن تحت الزهإرة مباشرة ‪ . . .‬وأطبق‬


‫ص أسفل الغصن‪ ،‬كانت كقفي ملقوثة بدمها لكقني أصررت أن‬ ‫بالمق ق‬
‫أحاول ثانية فقد تفقهمت درسه ونجحت‪ .‬بعث اهإتمامي بالحديقة‬
‫بعض السكينة إلى روحي‪ ،‬بدأت مثل الفراشة المشتاقة للعطر أعقد‬
‫صداقة مع الزهإور بعدما كنت ل أصادق غير شجر الصقبار‪.‬‬

‫ق علقي إل أن أكسب صداقة العبد‪ .‬بيده وحده يكمن صتك‬‫لم يتب د‬


‫خلصي وتحرير روحي‪ .‬بدا لي المر صعابا‪ .‬فهذا الذي تغقذى على‬
‫الطاعة الصارمة لسقيده يحتاج لجهد كبير كي يتصقدق علقي بطاعة‬
‫واحدة ))فتح الباب((‪ .‬كنت ألمحه يجول حول السور‬

‫‪30‬‬
‫بقامته التي تكاد تطاوله‪ .‬كان ل يتوانى عن رشقي بنظرات‬
‫التوقجس‪ ،‬فل أتردد أن أرشقه بابتسامات ناعمة أو نظرة ودودة‪.‬‬
‫كان علقي أن أبدأ‪ ،‬أرتدي \عباءة المكر وأتققرب إليه لوهإمه أقنني‬
‫اعتدت سجن سقيده ورضيت به‪.‬‬

‫اقتربت منه ذلك اليوم‪ ،‬ألقيت عليه تحقية الصباح‪ ،‬رقد غير مصقدق‬
‫أقن سقيدته تتنازل وتحييه‪ .‬اقترب أكثر‪ ،‬عابثت بعض الغصان‬
‫حيث يقف‪ ،‬وأطلقت سؤالي بكل الرققة‪:‬‬

‫‪ -‬منذ متى وأنت تعمل بخدمة سيدك؟‬

‫فرش ابتسامة تمازجت فيها القذلة والحزن‪:‬‬

‫‪ -‬من يوم كنت في بطن أمي‪.‬‬

‫تسقرب صوته إلى أذني مثل شهقة الموجة النعاسة‪ ،‬صوت رخيم‬
‫الذبذبات حنون ل يشبه صوت أبي الحاقد ول صوت العجوز‬
‫ش‪ ،‬كان رقده قد صدمني واستثارني الفضول‪:‬‬
‫الج ق‬

‫‪ -‬تمزح؟‬

‫قطب‪ .‬تكرمشت جلدة ما بين حاجبيه‪:‬‬

‫‪ -‬ل‪.‬‬

‫فقسر لي كلمك‪.‬‬

‫كان أب وأمي عبدين لسقيدي‪ .‬زقوجهما‪ .‬هإكذا كنت عبداا له وأنا في‬
‫بطن أقمي‪.‬‬
‫‪31‬‬

‫‪ -‬آآه ‪ . . .‬فهمت ‪ . . .‬هإل ‪. .‬‬


‫وابتلعت سؤالي‪ ،‬نظرت إلى وجهه‪ ،‬تأقملت تقاطعيه‪ ،‬عينان‬
‫واسعتان بقليل من الجوظ‪ ،‬أنف عريض منفرش الفتحتين‪ ،‬شفتان‬
‫غليظتان دون ترقهإل ل تخلوان من جمال‪ ،‬لونه السود الذي أباحه‬
‫عبادا مورواثا يتماوج بصفرة غامقة عند الجبين وطرف الذقن‪ .‬كان‬
‫ل رغم سواده جعلني ل أنفر من النظر إليه وأنا أحقدثه‪،‬‬ ‫وجاها جمي ا‬
‫شعرت قلبي يشفق عليه رغم فعلته الولى‪ ،‬حين أطلت النظر إليه‬
‫نكس رأسه‪ ،‬أطرق بعينيه فبدت رموشه طويلة وكثيفة‪ ،‬كنت أنسى‬
‫المهقمه التي رسمتها وسعيت إليها لو ل أقنه نطق وسألني‪:‬‬

‫‪ -‬تأمريني بأ ق‬
‫ي خدمة؟‬

‫هإززت رأسي نفايا‪ .‬فتطقلعت إلقي عيناه بسؤال حائار مكتوم‪ ،‬عدت‬
‫أواصل لعبتي‪:‬‬

‫‪ -‬أنت سعيد بحياتك؟‬

‫‪ -‬وهإل ينقصني شيء؟!‬

‫أزعجني رقده‪ ،‬هإل ح قاقا هإو مقتنع أن ل شيء ينقصه‪ ،‬أم هإو شعور‬
‫بضآلة مكانته؟ سأله‪:‬‬

‫‪ -‬وحريتك؟‬

‫فجر بضحكةة غريبة‪:‬‬

‫‪ -‬هإل تريني محبواسا في قفص؟‬


‫‪32‬‬

‫شعرته يهزأمقني‪ ،‬هإل تراني عباثا أحاول إيقاظ سواكن روح مفقودة؟‬
‫هإل تراه ل يدرك أقنه إنسان يعيش على هإامش الحياة‪ ،‬رجل بل‬
‫قيمة ورثه سقيده كما يرث الرض والمال؟ هإل يتخابث علقي أم هإو‬
‫حاقا ل يح ق‬
‫س طعم السر بعدما اعتاد حياته واستسلم لها!؟‬

‫ألقيت سؤالا آخر‪:‬‬

‫ب سقيدك‪:‬‬
‫تح ت‬

‫ارتسمت دهإشة على وجهه‪:‬‬

‫‪ -‬ليش ما أحقبه؟!‬

‫شعرت بحقد عليه‪ ،‬هإل المر بديهقي بالنسبة إليه؟ هإل يولد ح ق‬
‫ب‬
‫ق أن يكون‬ ‫السياد مع العبيد؟ أل يدرك أقن الدنيا تغقيرت وأقن له الح ق‬
‫ح قارا؟ لماذا هإذه البلدة في الشعور؟ هإل تواصل الغصان تجديد‬
‫جذورهإا القديمة وتظتل الشجرة في بقاعها حتى تموت؟ لم تفيد‬
‫أسألتي مدام غير قادر على سبر مرمى السؤال‪ ،‬قد يكون راضيا ا‬
‫بوضعه مستسلاما لقدره‪ .‬أحلمه ل تتعقدى أن يجد سيقادا ييسكنه‬
‫قصارا‪ ،‬ويطعمه القلحم‪ ،‬و ‪ . . .‬يهبه جسد زوجته في الليلة الولى!‪.‬‬
‫هإل كنت أقول جسد لمسه؟ هإل كانت لقذته الولى؟ ألم يشعر بعدهإا‬
‫أقن لجسده ح قاقا عليه؟ أين يفقجر طاقته المكبوته؟‬

‫لم أشأ أن يأخضع نفسي لمزيد من التساؤلت غير المجدية‪ ،‬تركته‬


‫وروحي تجول عالمه المبهم‪ ،‬وشفقتي عليه تتنامى‪ ،‬إقنه‬

‫‪33‬‬
‫سجين مثلي ل يملك أمر نفسه‪ ،‬فلماذا أقلق استسلمه وأحقرك‬
‫بحيرات سكونه؟ إن كان ل يدرك معنى لحقرية نفسه فكيف سيتفقهم‬
‫توقي لحقريتي؟ شعرت بأقنني على وشك أن أخسر أقول جولة في‬
‫المعركة‪ ،‬لكنني ققررت ألق أفقد المل‪.‬‬

‫ي صورة العبد الذي‬ ‫في الليل‪ ،‬حين لقفني الصمت الفقج‪ ،‬تداعت إل د‬
‫حتى اللحظة ل أعرف اسمه‪ .‬بدأت أتخقيل أسماء تليق به‪:‬‬
‫مرجان ‪ . .‬عنتر ‪ . .‬مصباح ‪ . .‬فرحان‪ ،‬لكقني فوجئت بعد أقيام وفي‬
‫اقترابي الثاني منه أن اسمه‪:‬‬

‫عطقية!‬

‫‪ -‬ولماذا أسموك بهذا السم؟‬

‫ابتسم‪:‬‬

‫‪ -‬أمي ظقلت لسنوات بل حمل‪ ،‬وحين جئت قالت هإذه عطقية ا‬


‫فصرت عطقية‪.‬‬

‫‪ -‬تحب اسمك يا عطقية؟‬

‫‪ -‬وليش ما أحقبه؟‬

‫بلدة أخرى تثيرني‪ ،‬هإو دائااما مستسلم لكرل شيء‪ .‬أردت أن‬
‫أستثيره‪:‬‬

‫‪ -‬يعني هإل كنت تف ق‬


‫ضل أن يكون اسمك محقمد ‪ . .‬شاهإين ‪ . .‬حسن؟‬

‫بالبلدة ذاتها‪:‬‬
‫‪34‬‬

‫‪ -‬شنو الفرق؟ هإو اسم والسلم‪.‬‬


‫يأسقط بيدي! هإذا العطقية لن يفهمني ولن يحاول‪ ،‬وسيظقل في غفلة‬
‫عن كل ما أريد‪.‬‬

‫اكتفيت بعد ذلك بأحاديث قصيرة متنقوعة معه‪ ،‬وارتحت لذلك‬


‫س شيائا‬‫الرضا الذي بدأ يشقكل لديه كقلما قابلته أو حادثته‪ .‬كنت أح ق‬
‫يدفعني أن أسمع صوته وكأقنني أتقمم لحانا سمعته في حلم بعيد‪.‬‬
‫بمرور القيام صار أكثر رققة وانفرااجا‪ .‬صار يطلق بعض أسئلة‬
‫ساذجة‪ ،‬بدا أكثر اهإتمااما بوجودي‪ ،‬صار يحقدثني عن أبيه وأقمه‪،‬‬
‫وحين يفعل كانت عيناه تغرورقان بالدموع‪ .‬جرؤت وسألته‪:‬‬

‫‪ -‬تشتاق إليهما؟‬

‫‪ -‬كثيارا ‪ . .‬لكن الحمد ل أقنهما ماتا‪.‬‬

‫‪ -‬معقول !! هإل كنت تتمقنى ذلك؟‬

‫طأطأ رأسه‪:‬‬

‫‪ -‬لقد ارتاحا‪.‬‬

‫‪ -‬من أي شيء؟‬

‫‪ -‬كان سقيدي يضربهما بالسوط أمام عينقي ‪ . .‬كنت أراهإما يتأقلمان‬


‫وهإو يدمي جسديهما‪.‬‬

‫طفرت أمامي تلك اللحظة التي ساطني بها بأمر من سقيده‪ ،‬إلى دمي‬
‫من الغيظ عليه‪ ،‬رفعت صوتي‪:‬‬
‫‪35‬‬

‫‪ -‬لكنك فعلت بي ما كرهإته لقمك وأبيك‪.‬‬

‫انتفض‪ ،‬انحنى‪ ،‬شدد كف د‬


‫ي‪ ،‬هإوى عليهما وصوته الباكي‪:‬‬

‫‪ -‬سامحيني سقيدتي‪.‬‬

‫انتهزت فرصتي لشحنه بالكراهإية ضقد سيده‪:‬‬

‫‪ -‬هإل تقبل هإذا الظلم من سقيدك؟ ألم تتذقكر لحظتها روح أمك تحت‬
‫الصوت؟‬

‫انهمرت دموعه‪:‬‬

‫‪ -‬يا سقيدتي نحن عبيد ‪ . .‬والعبد ما يقدر يخالف أمر سقيده ‪ . .‬لقد‬
‫كنت أتوقجع‪.‬‬
‫وجدت في كقفي بحنان تطبطب على ذراعه‪ ،‬شعرته يرتاح ويغتبط‪،‬‬
‫أردت أن أستغدل لحظته المنفرجة‪:‬‬

‫‪ -‬أل تفقكر كم أشتاق أنا لقمي وأبي؟‬

‫أومأ باليجاب بهقزات من رأسه‪ ،‬فرحت‪ .‬لكقنه سرعان ما أحبط‬


‫فرحي‪:‬‬

‫‪ -‬عليك بطاعة زوجك‪.‬‬

‫صرخت‪:‬‬

‫لكن هإذا ظلم ‪ . .‬ظلم ‪ . .‬هإل تفهم؟‬

‫‪ -‬أفهم يا سقيدتي‪ .‬لكن ما باليد حيلة‪.‬‬


‫رفرف عصفور النجاة في صدري‪ ،‬اقتربت منه‪ ،‬هإقدأت من عصف‬
‫صوتي‪:‬‬

‫‪36‬‬
‫‪ -‬بيدك أن تساعدني‪.‬‬
‫قفز مننقطة وقوفه حتى تخقيلته ابتعد آلف المتار‪ ،‬انتظرت حتى‬
‫هإدأ‪:‬‬

‫‪ -‬إيه يا عطقية تستطيع أن تساعدني‪.‬‬


‫أطلق سؤاله وكأقنه يتمقنى لو يفعل‪:‬‬

‫‪ -‬كيف؟‬

‫‪ -‬تتركني أخرج لزور أهإلي حين يغيب سقيدك عن القصر‪.‬‬


‫بحلق بوجهي غير مصقدق‪ ،‬مسعوارا من شدة الخوف‪ ،‬فاغارا فمه‬
‫دون نطق‪ ،‬ونظرته تنفث رشحا ا من اضطراب نفسه‪ .‬أخذ يلتفت‬
‫نحو الشجار كمن يخشى أن تلتقط عصافيرهإا حوارنا الذي لم‬
‫يتوققعه‪ ،‬هإبط بنبرة صوته‪ .‬بشبه هإمس‪:‬‬

‫‪ -‬سقيدتي ‪ ..‬شنو تقولين؟ وا يذبحني ويذبحك‪.‬‬


‫أردت أن أهإقون عليه‪:‬‬

‫‪ -‬لن يعرف يا عطقية ‪ . .‬أخرج بهدوء‪ ،‬ساعة وأرجع‪.‬‬


‫هإز كفه بعصبقية‪:‬‬

‫‪ -‬ل ‪ . . .‬ل ‪ . . .‬ل يمكن‪.‬‬

‫ابتعد وما زال رأسه يهتز مثل ))القزممبلك((‪.‬‬

‫هإل خسرت المعركة ثانية؟ وهإل حكم علقي أن أبقى في علم من‬
‫ورق‪ ،‬وأعواد‪ ،‬وظمأ؟‬

‫رفضه القاطع هإقشم بعض أضلع حلمي‪ .‬خشيت أن يسيطر‬


‫‪37‬‬

‫عليه الخوف من فكرتي فيتحاشى القتراب قمي أو الحديث معي‪،‬‬


‫وبهذا أخسر اطمئنانه إلقي وفرحة بتنازلي عن مقامي كسقيدة له‪.‬‬

‫في الليل ضقج صرير الصمت من حولي‪ ،‬كانت له شهقات أشبه‬


‫بأبواب يتفتح ويتغلق وتسقرب إلقي شخير العجوز مثل رسائال التهديد‬
‫طتي‪ .‬ظللت قلقة‪ ،‬قضيت ليلة شائابة مرهإقة ول‬‫وكأقنه اكتشف خ ق‬
‫شيء أراه في فضاء الغرفة الموحش سوى وجه عطقية ورأسه‬
‫المتحرك باللءات‪ .‬ظللت مؤقرقة أنتظر الصباح بفارغ صبري‬
‫لتأكد بأن عطقية لم يتغقير ولم تهاجمه جحافل الخوف مقني فيبتعد‬
‫وأخسر خطوة حلمي القول‪.‬‬

‫***‬

‫صباح الخير أقيها العصفور ‪. . .‬‬

‫))تسطو ‪ . .‬تسطو ‪ . .‬تسطو ‪((. . .‬‬

‫صفيير له‪ ،‬فيتقافز داخل‬


‫أجابني العصفور كعادته كل صباح‪ ،‬أ ط‬
‫القفص يرتد علقي بزقزقاته الحنونة‪ .‬تعقمقت علقتي بعصفوري منذ‬
‫أن بدأ يعتاد صوتي ول يخاف‪ .‬في زيارة أهإلي الولى أهإدته لي‬
‫زوجة أخي وهإي تمتدحه ))له صوت عجيب سوف يؤنسك بتغاريده‬
‫الحلى من الموسيقى((‪ .‬لكقن العصفور لم يفعل‪ ،‬ظقل صاماتا رغم‬
‫كل محاولتي‪ .‬كنت أقترب من القفص يلوذ بطرفه‪ .‬أطرق برؤوس‬
‫أصابعي طراقا ناعاما‪ ،‬ينتفض جسده‪ ،‬يقشعتر ريشه ويتقافز‬
‫كالمخبول‪ .‬وحين أميد يدي داخل القفص لضع له الحبوب والماء‬
‫يتكرمش في الطرف ول يتحقرك إلق حين أبتعد‪ .‬انتظرت طويلا‬
‫دون‬

‫‪38‬‬
‫يأس‪ .‬كنت متلهفة لسماع صوتهالعجيب الذي جعل زوجة أخي‬
‫تؤثرني وتهديني عصفورهإا‪ .‬ظللت أحاول ول أفلح‪ .‬حتى كان ذلك‬
‫النهار الذي تعقبأت فيه روحي بالقرف بعد أن لمسني العجوز‬
‫فجراا‪ .‬لم أقترب من القفص‪ ،‬لم أضع الحبوب والماء‪ ،‬لم أصفر‪ ،‬ولم‬
‫أطرق بابه‪ .‬فجأة تلقون سكون الغرفة بتغريد آسةر هإقز روحي‬
‫المنطفئة وجسدي الحائال إلى الموت‪ .‬شعرت بأقن الدنيا كقلها تفتح‬
‫شبابيكها وتغدق غرفتي بآلف الطيور‪ ،‬لم أصقدق أقن ما أسمعه من‬
‫نغمات صادر من حنجرة واحدة‪ .‬كان يتقافز بشكل يختلف عن‬
‫قفزات الخوف‪ .‬هإل تراه سعيادا بألمي؟ أم تراه افتقد قربي ولون‬
‫وجهي؟ فقكرت‪ :‬هإل أقترب منه أو أظقل هإاجعة في نقطتي التي‬
‫تسقمرت عندهإا؟ كنت فرحة بنطقه القول فخشيت إن اقتربت أن‬
‫يهلع ويخرس فأحرم من موسيقاه المذهإلة‪ .‬انتظرت ليتعب ويصمت‬
‫فأقترب منه‪ .‬فإن كان يريدني سيواصل‪ ،‬وإن كان مصدر سعادته‬
‫في ابتعادي عنه فسوف يصمت‪ .‬كان علقي أن أمتحن نواياه‪ .‬قمت‬
‫متثاقلة متحقذرة‪ .‬اتبت بخطوات مقتئدة وهإو ل يزال يطلق موسيقاه‪.‬‬
‫وصلت ‪ . .‬احتضنت القفص بكفقي‪ ،‬طل يغقرد‪ ،‬صفطرت فأطلق‬
‫ق له‬‫صفيراا‪ .‬كقررت فاستجاب‪ .‬فرحت‪ .‬شعرت بمعول السعادة يش ق‬
‫القنوات داخل روحي وينتشي في كل شراييني‪ .‬منذ ذلك اليوم الذي‬
‫أدخل فيه البهجة إلى جفاف أقيامي؛ وهإو ل يصمت‪ ،‬إل حين أطفئ‬
‫س إليه‬‫ف كقفي التي تد ت‬
‫كل د أنوار الغرفة‪ .‬صرنا صديقين‪ .‬أل ط‬
‫ط عليها يلتقط الحبوب قبل أن أضعها في‬ ‫الحبوب‪ ،‬كان أحياانا ين ت‬
‫س بدفئه وأبقدد‬‫صص لها‪ .‬أداعبه‪ ،‬أحاول اصطياده لح ق‬ ‫الوعاء المخ ق‬
‫بعض برودتي‪ ،‬يستسلم لحظة ثم يقفز إلى الخشبة‬

‫‪39‬‬
‫منتصف القفص‪ .‬كثيارا ما كنت أجلس قبالته وهإو يواصل غناءه‬
‫وتغريده وأحتار‪ :‬لماذا يغقرد؟ كيف لمن يخلقت أجنحته للتحليق‬
‫والنور أن يشتهي الغناء؟ كيف لمن هإو وحيد مثلي بل أنيس ألق‬
‫يشعر بالحزن ويلوذ بالصمت‪ .‬هإل اعتاد السر وارتضاه أم تراه‬
‫يزاول مهنة الصبر ويسقلي نفسه بالطريقة التي يجيدهإا؟ هإل مات‬
‫حلمه بالحقردية أم ترى هإذه الزقزقة واللحان حقبات أحلمه‬
‫المقتولة؟ هإل نسي رؤوس الشجار وأوكار الناث الدافئة؟ لماذا ل‬
‫تكون تلك التغاريد توقسلت وأمنيات أن يخرج ويطير؟ روحي‬
‫الكارهإة للسر دفعتني ذات صباح أن أطلق سراحه‪ .‬فتحت كل‬
‫نوافذ الغرفة‪ .‬كانت الشمس دافئة‪ ،‬السماء زرقاء صافية‪ ،‬وهإبوب‬
‫النسائام يحمل عطر الحديقة‪ .‬نهار تحققق فيه كل منابع التوق إلى‬
‫الحقرية‪ .‬فتحت القفص‪ ،‬وضعت الحبوب والماء وتركت الباب‬
‫مفتوحاا‪ .‬جلست أنتظر وكتل ظقني أقنه سينطلق من الباب إلى إحدى‬
‫النوافذ فا قارا بفرحه وغنائاه‪ ،‬لكقن المفاجأة ألجمتني‪ .‬خرج من قفصه‪،‬‬
‫ط على أعمدة‬‫طار في أرجاء الغرفة‪ ،‬يعلو‪ ،‬يهبط‪ ،‬يصفر‪ ،‬يح ت‬
‫السرير ويطير ‪ . .‬على طرف الريكة ويطير‪ .‬كان في تجواله‬
‫يحاذي النوافذ المفتوحة ول يخرج‪ .‬ثم‪ ،‬وكمن أرهإقه التجوال‪ ،‬اندفع‬
‫داخل القفص واستققر ساكانا‪ .‬هإو وعطقية وأنا‪ ،‬ثلث أرواح أسيرة‪،‬‬
‫هإذا الذي أفتح له أبواب الدنيا ليخرج يتأقبى ويعود إلى القفص‪.‬‬
‫وعطقية ل يتوق إلى التحقرر من السقيد‪ ،‬لكن روحي وحدهإا تكره‬
‫السر‪ ،‬تحلم بنوافذ وأبواب مفتوحة‪ ،‬تحلم بجناح أقوى من جناحقي‬
‫نسر‪.‬‬

‫***‬

‫‪40‬‬
‫بعدما مطخطط مقرتين‪ ،‬استدار إلقي‪ .‬بدأت أجقهز نفسي لستقبال ليلة‬
‫س وكأقن‬ ‫مققززة كتلك السابقات التي يأتيني فيها بعد انقطاع فأح ت‬
‫جسدي على وشك السقوط في بالوعة منسقية‪ .‬أستعد بذقلي لما يشبه‬
‫سريان الدود داخل حلقي‪ ،‬ودبيب صراصير جائاعة على رخام‬
‫ساققي ولدونة بطني‪ .‬أستسلم لكقفه بل حنان تهرش مناطقي البليدة‪،‬‬
‫ي ينهال علقي بل مقدمات‪ ،‬ولعرقة المالح يتقاطر إثر‬ ‫ولجسده القنفذ ق‬
‫طفيهي المريضة‪ ،‬ولصرخاته المجهدة‬ ‫محاولته الصعبة قبل أن يتقيقأ ط ني ط‬
‫حين يطلقها فور النتهاء‪ .‬تبقى رائاحته تنهشني فل أنام‪ .‬لكقنه تلك‬
‫الليلة وبعدما استدار إلقي شعرت بأقن لديه حاجة أخرى يتأقهإب‬
‫للفصاح عنها‪ .‬حين لم أحرك ساكانا‪ ،‬رقكز عينيه حيث كانت‬
‫طان على عصفوري الوادع في قفصه‪ ،‬أشار بإصبعه نحوه‪:‬‬ ‫تح ق‬

‫‪ -‬هإذا العصفور مزعج‪ .‬صوته يصل غرفتي أحيانا ا فأفزع من غرقة‬


‫النوم‪.‬‬
‫لم أرد‪ .‬احتدد صوته بعض الشيء‪:‬‬

‫‪ -‬طيقريه ورقيحيني منه‪.‬‬


‫حطت عيناي على النافذة المفتوحة‪ .‬وددت أن أحكي له حكايته‬
‫ضلت ألق أكشف سقر العشق‬ ‫الغريبة حين رفض الخروج‪ .‬لكقنني ف ق‬
‫الذي بيني وبين عصفوري فقد يسيئه هإذا فيظلمنا ماعا‪ .‬حين طال‬
‫صمتي وتحديقي بالنافذة التي تتراقصستارتها جذلنة‪ ،‬دفع بذراعقي‬
‫آمارا‪:‬‬

‫‪ -‬قومي ‪ . .‬اغلقي النافذة‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫دون اعتراض قمت وفعلت ‪ . .‬ما إن ركنت رأسي على وسادتي‬
‫ب بوجهه فوق وجهي وقد اقتكأ ط على كوعه اليسر‪ .‬جائاني‬ ‫حتى انك ق‬
‫صوته متذقمارا‪:‬‬

‫‪ -‬أراك تكثرين هإذه الفترة من الخروج إلى الحديقة‪.‬‬


‫توقجست ش قارا‪ .‬لكقنني تماسكت‪:‬‬
‫‪ -‬لم تكن قد أمرتني بعدم الخروج‪.‬‬
‫‪ -‬ل أمانع أن تتسقلي ‪ . . .‬ولكن!‬

‫ابتعد‪ .‬أسند رأسه على ظهر السرير وشبه غضب في صوته‪:‬‬

‫‪ -‬ل داعي للسوالف مع المزارع والعبد‪.‬‬

‫آآخ يا عطقية الكلب! ل تكتم أمارا عن سقيدك‪.‬‬

‫هإكذا راودني تفكيري في اللحظة الولى‪ .‬فأردت أن أتأقكد من‬


‫ظنوني‪:‬‬

‫‪ -‬كيف عرفت؟‬

‫هإزأ من سؤالي‪ ،‬وبغرور أعجف‪:‬‬

‫‪ -‬تحسبيني غافلا عقما يحدث في بيتي؟‬

‫‪ -‬تصقدق كلم عطقي‪.‬‬

‫‪ -‬العبد لم يقل شيائا‪.‬‬

‫سكت ثانية ثم أردف‪:‬‬


‫‪42‬‬

‫‪ -‬حتى حين سألته حلف أقنها مقرة أو مقرتين‪.‬‬

‫لم أصدق! عصفت بداخلي غبطة حارة طردت عقدي الكامن على‬
‫عطقية‪ .‬تصقورت لو أقنه يقف الن أمامي لما ترقددت أن أركض إليه‪،‬‬
‫أتعقلق بعنقة وأهإديه قبلة الشكر‪ .‬لقد كذب ععلى سقيده لحميني من‬
‫غضبه أو ربما خشي إن هإو اعترف بعدد المقرات أن يحرمني سقيده‬
‫من الحديقة فيحرمه بذلك من وجودي‪ ،‬ومن حديثي الطريف معه‪.‬‬
‫ب رققتي التي لم يعتد على مثلها في‬ ‫هإل يشفق عطقية علقي أم تراه أح د‬
‫هإذا القصر المتحقجر كل شيء فيه؟ امتناني الذي زهإا لعطقية‪،‬‬
‫ي – ربما إحدى‬ ‫جعلني ل أهإتقم أن أسأل عن الشخص الذي فتن عل د‬
‫الخادمات – المهم أقنه ليس عطقية‪ ،‬وهإذا سيشقجعني على الوثوق به‬
‫أكثر وقد يلين بعد ذلك ويساعدني‪.‬‬
‫غبطتي المتوارية داخلي أدفأتني‪ ،‬جعلتني أسقلم عجوزي جسادا أقل‬
‫يبااسا وأكثر رققة بعكس ما عقودته فانتشى سرياعا ولم يقدر على‬
‫إخفاء فرحته‪:‬‬

‫‪ -‬أشوفك الليلة غير شكل‪.‬‬

‫أمسكت بتلبيب فرصتي‪:‬‬

‫‪ -‬الهواء والشمس يجعلن الوردة تتفقتح‪.‬‬

‫أطلق ضحكات إعجاب‪ ،‬طبطب على فخذي‪:‬‬

‫‪ -‬زين ‪ . .‬زين ‪ . .‬كل يوم إمشي في الحديقة بس ‪ . . .‬هإا ‪. .‬‬

‫وكأقنه ندم حين رأى الفرح يم ت‬


‫س وجهي فنقبهني أمارا‪:‬‬
‫‪43‬‬

‫‪ -‬بس مالك شغل ل بالعبد ول بالمزارع‪.‬‬

‫ل يهتم الن ‪ . . .‬ليرعد بأوامره كما يشاء مادام أطلق الذن لي أن‬
‫أتفقتح في الحديقة‪ .‬غادر إلى غرفته‪ .‬تلك الليلة تركني ل كما يتركني‬
‫في كل مقره حانقة قرفانة أسارع إلى الحقمام لشطف عن جسدي‬
‫بقاياه وروائاحه وأظل أنهش بلحم مشاعري المهانة‪ ،‬تلك الليلة‬
‫ي حتى‬ ‫ي ودراع د‬ ‫تغقيرت حالي‪ .‬ظللت رابطة في السرير‪ ،‬فردت ساق د‬
‫ملت مساحة السرير العريض‪ ،‬تققلبت عليه تققلب مهرة مولودة‬
‫س ولم يتلقوث وييهن‪ .‬وبعكس‬ ‫للتقو‪ ،‬لم أقم لغتسل وكأقن جسدي لم ييم د‬
‫كل الليالي التي تمقنيتها أن تطول لنام وأختصر زمن أسري‪ .‬الليلة‬
‫اشتهيت أن يطلع الصباح باكارا‪.‬‬

‫***‬

‫عطقية ‪. . .‬‬

‫غقردت باسمه وأنا أشير إليه ليأتي‪ ،‬فأقبل طائاارا مثل عصفوةر سعيد‪.‬‬
‫حقدقت في عينيه فارتبك وكأقنه حدس بشيء‪ .‬بادرني معترافا‪:‬‬

‫‪ -‬أمس لقما سألني سقيدي وا ال ‪. . .‬‬

‫قاطعته بإشارة من كقفي ليهدأ‪ .‬أهإديته إبتسامة حقيققية وأنا أشعر‬


‫بإمتناني الشديد له وطمأنته‪:‬‬

‫‪ -‬صقدقك سقيدك ‪ . . .‬وسمح لي أن أخرج كل يوم إلى الحديقة‪.‬‬

‫انفلشت أسارير وجهه‪ ،‬تبقدد ارتباكه وربما خوفه‪ .‬نهنه بضحكة‬


‫خافتة‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪44‬‬

‫‪ -‬أنا مسرور لجلك‪.‬‬

‫تخابثت أداعبه‪:‬‬

‫‪ -‬لجلي فقط؟‬

‫لم ينبئ سواد بشرته إن كان قد توقرد من خجل أو فرح‪ .‬فقرمن‬


‫أمامي بعدما لحظت ارتعاشه‪ .‬ناديته‪:‬‬

‫‪ -‬تعال‪.‬‬

‫عاد مسراعا‪ .‬وقف مرتعاشا‪ .‬وعيناه مطرقتان‪.‬‬

‫‪ -‬قل للخادمة أن تأتيني بالشاي هإنا‪.‬‬

‫وأشرت إلى المظقلة‪.‬‬

‫غادرني وإحساسي بفرحته يققويني‪ .‬ويفتح المزاليج أكثر لواصل‬


‫لعبتي معه حتى ينتصر على خوفه ويفتح الباب فأنتصر على‬
‫سجني‪.‬‬

‫جلست ‪ . .‬شعرت بالنسيم الربيعي يلملم عطر الحديقة كقله وينفذ إلى‬
‫صدري‪ ،‬تقتسع رئاتاي وتتفقتح الرغبة أن أتأقمل كل ما حولي‪ ،‬نبات‬
‫طي السور بكلحة أوراقها القسميكة‬ ‫الصقبار المجقدلة أغصانها تغ ق‬
‫وغلظة أشواكها‪ ،‬تحرسه بصمتها وصبرهإا الذي ل يشابه إل‬
‫صبري الثقيل‪ ،‬أشجار النخيل الباسقة يهتقدل سعفها كضفائار نساء ل‬
‫طت عيناي على شجيرات الفلى‬ ‫صها‪ ،‬ح ق‬‫تجرؤ يد على لمسها أو ق ق‬
‫ب رائاحتها لول أقن‬‫الحاملة ورودهإا البيضاء والرجوانقية‪ .‬كنت أح ت‬
‫أقمي حين رأتها ذات يوم في مزهإرقية غرفتي‬
‫‪45‬‬

‫أصابها ذعر جعلها تلقي بها من النافذة وهإي تقول ))هإذا النوع من‬
‫الزهإور ل يوضع إلق على القبور((‪ .‬حين عبرت تلك الذكرى‪،‬‬
‫حقولت بصري عن ورود الشجيرات التي نشأ العداء بيني وبينها‬
‫طت عيناي على أحواض فم السمكة والقرنفل‬ ‫منذ ذلك اليوم‪ .‬ح ق‬
‫والبانسيه ‪ . .‬كانت ألوانها المتعقددة باهإرة‪ ،‬والفراشات الرشيقة‬
‫تتطاير حولها وعليها بأجنحتها الزاهإية‪ ،‬أخذت أتأقملها‪ ،‬كم هإي‬
‫رهإيفة وناعمة‪ ،‬ما نبست حتى من رفيف أجنحتها! هإل يخلقت‬
‫الفراشات بل صوت؟ وهإل كتب علقي في هإذا القصر أن أمارس‬
‫صمت الفراشات؟‬

‫شعرت بالغضب المتراكم في صدري يغلي ويفور‪ ،‬ليس على نايف‬


‫العجوز بقدر ماهإو على المتسقببين لي بهذا الواقع المرير‪ :‬أبي‬
‫وأقمي‪ .‬آآآه يا أقمي‪ .‬ماذا تراهإا تفعل الن؟ أكيد كعادتها في ثوب‬
‫البيت‪ ،‬تنقر الكوسا وتعجن لفطائار السبانخ‪ ،‬أو ربما تهقيئ لبي فقتة‬
‫الباذنجان التي يحقبها‪ ،‬قال لي أبي ذات مقرة )) أقمك غقيرت من‬
‫طباعي‪ ،‬بعد )) المكبوس(( ‪ . .‬و ))المطقبق(( و ))الجريش((‬
‫عقودتني على أكلت بلدهإا‪ ،‬ونسيت أكلتنا((‪.‬‬

‫***‬

‫لم أكن أدري كيف تزقوج أبي بأقمي‪ .‬لكقنها ذات مقرة كانت تتسامر‬
‫وزوجة أخي وهإي تحيك خيوط الصوف‪ .‬كنت على جانب الريكة‬
‫أقرأ رواية الم لمكسيم غوركي‪ .‬سمعت تطلق نهدة ))آآآه‬

‫نننننننننننننننننننننننننننننننننن‬

‫)‪ (1‬أكلت شعبية كويتقية‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫على أقيامك يا حلب(( سألتها زوجة أخي ))بعدك يا خالتي تحقنين‬
‫لتلك السنوات؟(( نهدة أخرى من أقمي ))يا بنتي الوطن غالي رغم‬
‫هإذا العمر في الكويت‪ ،‬لكن سبحان ا يطتل لموطن الطفولة والصبا‬
‫عطره الخاص((‪ .‬تحقرشت بها زوجة أخي )) هإل كنت تتمقنين لو‬
‫تزقوجت – حلباقيا – وبقيت هإناك؟(( شهقت أقمي كمن يطرد تهمة‬
‫))ولطو! بعد هإالعمر أندم؟ يا بنتي وين بياخدك قلبك بيكون بلدك((‪.‬‬
‫لكزتها زوجة أخي مداعبة ))كيف تزقوجت عقمي ؟(( أطلقت أقمي‬
‫ضحكة أشبه بالتغريدة وكأقن ذكرياتها التي استفاقت تدغدهإا قالت‬
‫ت لعرف الحكاية‪ ،‬طويت‬ ‫))نصيب يا بنتي ‪ . . .‬نصيب((‪ .‬تحرق ي‬
‫الكتاب‪ ،‬قفزت من مكاني والتصقت بأقمي‪ ،‬جرؤت أن أقول )) يبدو‬
‫أقن لك حكاية مشقوقة!(( ساعدتني زوجة أخي بفضول ل يققل عن‬
‫فضولي ))إيه خالتي إحكي لنا((‪ .‬حوصرت أقمي بإصرارنا لكقنها‬
‫بدت وكأقنها تتمقنى أن تنبش أقفاص ذاكرتها وتنثر حبوبها الملقونه‪.‬‬
‫لم تكن بحاجة لمزيد من الضغط عليها‪ ،‬لكقنها أبعدتني عنها‪ .‬وقفت‬
‫واقتجهت إلى المطبخ وكمن تخاطب نفسها ))خليني أول أق ق‬
‫صر‬
‫شعلة البوتوغاز حتى ل تنحرق الطبخة ويزعل أبوك((‪.‬‬

‫ب الذي بينها وبين أبي‪ ،‬تخاف منه‪ ،‬ألحظها‬ ‫كانت أقمي‪ ،‬رغم الح ق‬
‫دائااما تساير مزاجه وتوافق آراءه حتى دون تفكير‪ .‬الكلمة التي‬
‫يقولها تمشي عليها كما تمشي علينا وإن كان فيها بعض القهر لنا‪.‬‬
‫أوامره تلقبى وطلباته ل ترقد‪ .‬رغم ذلك كنت أرى أقمي سعيدة‬
‫وراضية‪ ،‬ل تتذقمر‪ ،‬ل تغضب‪ ،‬ول تشكو أوجاعها وكأنها‬

‫ننننننننننننننننننننننننننننننن‬

‫)‪ (1‬في الخليج يطلق على أم الزوج لقب خالتي وعلى أبي الزوج عمي‬

‫‪47‬‬
‫اقتنعت بنصيبها واعتبرت أقن هإذا هإو شكل العلقة الزوجقية المثل‪.‬‬
‫أحياانا حين يصرخ تبدو وكأقنها ل تسمع الصراخ‪ ،‬تظقل هإادئاة أو‬
‫ترقبت عليه بكلمات بسيطة لتهقدئاه ))طقول بالك شوي(( أو ))كل‬
‫شيء بيصير هإقدي حالك(( كنت في داخلي أحنق عليه‪ .‬أتمقنى لو‬
‫أرقد على صراخه بالصراخ‪ ،‬لكن خوفي لم يكن بأققل من خوفها‪،‬‬
‫قلت لها ذات مقرة ))لماذا تسمحين له بأن يهينك أمامنا؟((‪.‬‬
‫غضبت وصرخت في وجهي ))أبوك يوقجهني ل يهينني ‪ . .‬ثم هإذا‬
‫ض فيها مضاجع استسلم‬ ‫ليس من شأنك((‪ .‬كانت تلك آخر مقرة أق ت‬
‫ض نةم سنواتها لتفتح لنا صناديقها‬ ‫أقمي‪ .‬وهإا إقنني وزوجة أخي نق ت‬
‫المغلقة وتنبش ذكرياتها‪ .‬عادت من المطبخ ول يزال البشر يلقون‬
‫وجهها‪ ،‬جلست‪ .‬أمسكت بسقنارتها تحيك وتحقدثنا‪:‬‬

‫)كان فوق بيتنا طابق مفروش يؤقجره مالكه كل صيف‪ .‬وكان ذلك‬
‫الصيف من نصيب عائالة ))أبو محسن((‪ .‬زوجته‪ ،‬ابنه الكبير‬
‫محسن‪ ،‬وثلث بنات‪ ،‬وآخر العنقود أخ صغير‪ .‬كان عمري حينذاك‬
‫سبع عشرة سنة‪ ،‬أنهين الثانوقية بجدارة ‪,‬احلم أن أنتسب إلى‬
‫الجامعة‪ .‬لكن أقمي كانت تحلم بأن تزقوجني ابن خالتي المهندس‪ .‬في‬
‫اليوم التالي لسكناهإم صعدت لتعقرف عليهم‪ ،‬غضب أقمي ونقبهتني‬
‫))هإؤلء أغراب ولديهم شاب في البيت ل تعاودي الكقرة((‪ ،‬كنت قد‬
‫تعقرفت على أخته التي تماثل عمري‪ ،‬احتججت‪)) :‬البنات لطيفات‬
‫والكبرى بمثل سقني((‪ ،‬أصقرت أمي‪)) :‬ولو ‪ ...‬إذا أردطن صحبتك‬
‫طدت علقتنا‪،‬‬ ‫ينزلطن عندك فأخواك صغيران((‪ .‬نزلت البنات‪ ،‬تو ق‬
‫صرنا نخرج ماعا‪ ،‬أعقرفهن على معالم‬

‫‪48‬‬
‫حلب‪ ،‬نتجول في السواق ونجلس في المقاهإي المتناثرة‪ .‬ثم تشقكلت‬
‫علقة حميمة بين أقمي وأقمهيدن‪ ،‬صارت أم محسن ضيفة يومقية على‬
‫أقمي‪ ،‬تجلسان لساعات تتحقدثان وأحياانا تتشاركان في لف ورق‬
‫العنب‪ .‬صارت تتعقلم من أقمي فنون طبخنا وتعقلم أقمي طبخات‬
‫كويتقية‪ ،‬وتطقور المر فصار أبو محسن ينزل مع محسن يسهران‬
‫مع أبي في الشرفة الواسعة يلعبون طاولة أو يتناقشون في أمور‬
‫عديدة‪ .‬في تلك الليالي كنت ومحسن نتخالس النظر والبتسامات‪.‬‬
‫ب خيوطه سرياعا‪ .‬وقبل نهاية الصيف بقليل كان أبوه‬ ‫نسج الح ت‬
‫يخطبني من أبي‪ .‬وافق أبي لكن أقمي رغم حقبها لعائالته صاحت‬
‫ق الباب‪،‬‬‫وناحت‪)) :‬كيف تغقرب البنت؟((‪ .‬كنت أراقبها من ش ق‬
‫أنتفض خائافة أن تؤقثر على أبي فينصاع لها وأتعقذب أنا‪ .‬كان الح ق‬
‫ب‬
‫قد ترقسخ في قلبي المراهإق‪ ،‬وسافرت بي أحلمي صوب دوحة‬
‫محسن‪ ،‬فلم أعد أتصقور العيش من دونه‪ .‬لكن قلبي ارتاح بد سمع‬
‫صوت أبي حازاما واثاقا وهإو يتمقسك بقراره قال‪)) :‬ناس طيبين‪،‬‬
‫أحوالهم جقيدة‪ ،‬ويحقبون البنت((‪ .‬لم تيأس أقمي حاولت‪)) :‬نحن ل‬
‫ل من شهرين‪ .‬ما أدرانا كيف حيلتهم هإناك((‪ .‬أبي أسكتها‬ ‫نعرفهم إ ق‬
‫بحركة من يده‪)) :‬شوفي‪ .‬ل تحاولي‪ .‬أعطيت كلمة ولن أتراجع‬
‫فيها‪ .‬زينب لمحسن((‪ .‬تحقججت أقمي‪ :‬يمكن البنت تريد ابن‬
‫خالتها((‪ .‬عوج أبي شفتيه هإازائاا من غفلتها‪)) :‬مصيبة أقنك لم‬
‫تشعري بميل ابنتك إلى محسن((‪ .‬ذهإلت أقمي‪ .‬صمتت لحظة ثم‬
‫أشارت عليه‪)) :‬يمكن تهقيأ لك((‪ .‬ضحك أبي‪)) :‬روحي اسأليها‬
‫ق((‪ .‬لم تفلح أقمي‪ .‬زغرد قلبي‪ .‬تقم الزواج‬ ‫وستعرفين أقنني على ح ق‬
‫بسرعة‪ .‬غادرت حلب ودموع أقمي تغسل وجهها‬

‫‪49‬‬
‫وهإي توصي أهإل محسن بي وتأخذ الوعد منهم ألق أنقطع عن‬
‫زيارتهم كل صيف(‪.‬‬

‫لم تغب عقني حكاية أقمي التي تزقوجت من الرجل الذي أحقبته‬
‫وتغقربت لجله وعاشت معه كل هإذه السنوات على الحلوة والمقرة‪،‬‬
‫مقما دفعني تلك الليلة التي آزرت فيها أبي ليزقوجني من العجوز أن‬
‫أختلي بها‪ ،‬أبكي بين يديها‪ ،‬أوقسلها وأذقكرهإا‪:‬‬

‫‪ -‬أنت تزقوجت أبي برغبتك‪.‬‬

‫‪)) -‬كان النصيب((‬

‫‪ -‬ليش ما تقفين معي؟‬

‫‪ -‬هإذه قسمتك ونصيبك‪.‬‬

‫تزقوجت شااقبا وتزقوجيني كهلا قبياحا؟!‬

‫فوجئت بلمعان غريب يشتع من عينيها وما توققعت أن تقول‪:‬‬

‫‪)) -‬عنده مصاري كتير‪ ،‬بكره بتعيشي أميرة((‪.‬‬

‫‪)) -‬طقيب بكره بيموت وترثي أمواله((‪.‬‬

‫عصفت بي الدهإشة‪ .‬لم أكن أتصقور أقن أقمي تملك شهوة للمال‬
‫تجعلها ترسم لغدي ما يفسد حاضري‪ ،‬كانت كمن ترقص على‬
‫أحلم مجهولة فقصفت ظهر حلمي‪ .‬تحققق لها ما أرادت‪ .‬تزقوج ي‬
‫ت‬
‫العجوز نايف‪ ،‬لكقنني لن أنتظر بهذا العذاب حتى يموت فأحقق‬
‫حلمها بالرث‪.‬‬

‫أقبلت الخادمة بالشاي‪ ،‬وضعت الصينقية‪ ،‬أسقطت حقبت السكر‬


‫‪50‬‬

‫في الفنجان‪ ،‬مالت بخرطوم البريق‪ ،‬أخذ الشاي ينسكب بلونه‬


‫الشقفاف ناثار بخاره الذي فاحت رائاحته وتسقربت إلى عمقي‪،‬‬
‫فشعرب بدفء غريب أسرى بحلمي إلى حيث تواجهني البقوابة‬
‫الحديدقية المغلقة‪ ،‬وأمنية تترقنم في صدري ))من لي بريش الطير‬
‫يكسو جلدتي فأطير((‪.‬‬

‫***‬

‫كانت رغبتي في الخلص من العجوز وقصره قد سيطرت بكل‬


‫أبعادهإا علقي وتمقلكتني‪ ،‬لكن عطقية يرفض خيانة سقيده‪ .‬آخر مقرة‬
‫جالسته في الحديقة كنت أنوي أن أستخدم معه لعبة أخرى جريئة قد‬
‫تفيد مع محروم مثله‪ .‬الغراء بالجسد! ألططم يأرغم على أن يلمس‬
‫جسدي عنوة؟ تأقملته وهإو يجلس على العشب قريابا من قدمقي‬
‫حاراسا يق ا‬
‫ظا أميانا‪ .‬ققدمت له قطعة من كعكة البرتقال الهقشة‪ ،‬ترقدد‪.‬‬
‫ل‪ .‬أمسك الصحن وثقمة ارتجاف واضح‬ ‫أصررت عليه ففعل خج ا‬
‫في كقفيه‪ .‬بدأ يلتهمها رغم أقنه ل يعاني من جوع‪.‬‬
‫شحنت صوتي بالدلل‪:‬‬

‫‪ -‬لذيذة؟‬

‫سرياعا ابتلع حشوة ثغره‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫‪ -‬شكارا ‪ . .‬لذيذة ج قادا‪.‬‬

‫بدأت لعبتي‪:‬‬

‫‪ -‬في الحياة يا عطقية أشياء كثيرة لذيذة‪ ،‬بعضها نراه‪ ،‬نتذقوقه‪،‬‬


‫وبعضها يغيب عقنا‪.‬‬
‫‪51‬‬

‫بحلق بوجهي بغرابة أشبه بالهبل‪ .‬أدركت أقن طاقة فهمه ل‬


‫تستوعب‪ ،‬قلت‪:‬‬

‫‪ -‬أنت مثلا يا عطقية ‪ . .‬محروم من المرأة ‪ . .‬كيف تبقى بدونها؟‬

‫لم يكن يتوققع كلمي وسؤالي الجريء! شرق بفتات الكعكة‪.‬‬


‫انتابه موجة سعال متلحق وشهقات طفرت معها دموعه ومخاطه‪.‬‬
‫سارعت إليه أضرب على ظهره‪ .‬هإدأ‪ .‬ققدمت إليه كوب الماء‪ ،‬عقبه‬
‫بشراهإة‪ ،‬استقل شهياقا عالايا‪ .‬فاجأتني نوبة ضحك‪.‬‬
‫كنت فرحة بسلمته متأقثرة بمنظره المثير‪ .‬التفت نحوي‪:‬‬

‫‪ -‬سقيدتي ‪ . . .‬كدت أموت‪.‬‬

‫أظهرت اهإتمااما شديادا‪:‬‬

‫‪ -‬سلمتك من الموت ‪ . .‬لكن كيف شرقت؟‬

‫طأطأ وقد عقد ما بين حاجبيه‪:‬‬

‫‪ -‬سقيدتي كلمك صعب و ‪. . .‬‬

‫تمقلكني نزعة لثارته‪:‬‬

‫‪ -‬هإل ذكر المرأة يهقزك بهذا الشكل؟‬

‫‪ -‬سقيدتي ‪ . .‬أرجوك ‪ . .‬ما أنا إلق عبد ل يح ق‬


‫ق له كسر الحواجز‪.‬‬

‫تصقنعت الغضب‪:‬‬

‫‪52‬‬
‫‪ -‬عليك أن تجيب عن السؤال‪.‬‬

‫أسقط رأسه بين ركبتيه المتباعدتين‪ ،‬ضغط عليه بيديه‪ ،‬أدركت‬


‫فظاعة الخالة التي يعانيها‪ ،‬حاولت أن أعطيه مفتااحا للحديث‪:‬‬

‫‪ -‬ما طلبت من سقيدك أن يزقوجك؟‬

‫أتى صوته مدقوايا من أعماق جقبه‪:‬‬

‫هإو يزقوجني على كيفه بين فترة وأخرى‪.‬‬

‫شعرت بقشعريرة تسري في جسدي‪ .‬كاذا يخفي هإذا العطقية من‬


‫أسرار؟ هإل من كوارث أجهلها؟ رغم العاصفة الهوجاء التي‬
‫حاصرتني تماسكت‪ .‬جرؤت‪ .‬مددت أطراف أناملي‪ ،‬شددت شعره‬
‫الجعد‪ ،‬لم أرحم ارتجافه‪ ،‬هإمست بعذوبة‪:‬‬

‫‪ -‬هإيا يا عطقية ‪ . .‬فضفض عن نفسك‪ ،‬أطلق هإمومك التي تكاد‬


‫تخنقك‪.‬‬

‫كان الذي قاله عطقية أشبه بالحكايات الخرافقية‪ ،‬لم أشعر بالغيظ‬
‫الحارق على العجوز بقدر ما شعرت به على نفسي الغبقية‪ ،‬كيف لم‬
‫ألحظ هإوايته بتغيير الخادمات‪ ،‬بين فترة وأخرى! كيف لم أحدس‬
‫أن يكون في الليالي التي ل يقارب فيها فراشي ول يتلقذذ بطعم‬
‫فاكهتي؟ كيف لم أشعر بتققلبات الخادمات من يأتين منكسرات‪،‬‬
‫مهلهلت بأسمال بلدهإقن القريبة والبعيدة ثم يصبحن كالفراشات‬
‫ملقونات بالثياب وبالصباغ‪ ،‬حتى طباعههقن تتغقير؟‬
‫كيف لم ألحظ تحقول نبرات أصواتهقن من الهدوء والخنوع إلى‬
‫الفجور والضحكات الصاخبة‪ ،‬ودعاباتهن الوقحة التي ألتقطها‬
‫‪53‬‬

‫مصادفة من المطبخ أو من حجراتهقن المتناثرة في الدور القول!‬


‫بل كيف غاب عقني ذلك الصطفاء الواضح منه لجورجيت‬
‫الصارخة بأنوثتها التي تتعقمد إبرازهإا ليلا ونهاارا‪ .‬كانت ترتدي‬
‫التنانير القصيرة أو البنطلونات السترش التي تلتصق بفخذيها‬
‫وتبرز استدارة مؤخرتها‪ .‬وبلوزاتها الفاقعة التي تكشف عن‬
‫صدرهإا وذراعيها‪ .‬ول تكتفي بذلك فطرقها في الثارة متعقددة‪،‬‬
‫طريقة مشيها المثير ودلعها والتأقوهإات الشبقة في صوتها‪ .‬كنت ل‬
‫أطيقها‪ .‬ليس غيرةا بل حقادا عليها منذ أن رفعت صوتها ذات مقرة‬
‫ي ما كانت تعترض عليه‪ .‬لكقنها ذلك اليوم‬ ‫حين أقنبتها بشكل إعتياد ق‬
‫استنسرت ولم تهتقم لوجوده معي في الصالة‪ .‬صرخت لخرسها فما‬
‫ل أن دفعت الطاولة الصغيرة حيث وضعت الشاي‬ ‫كان منها إ ق‬
‫وقلبتها على السجادة‪ ،‬تصقورته سيه ق‬
‫ب ليصفعها‪.‬‬
‫يبصق في وجهها‪ .‬يرغمها على العتذار أو يطردهإا من القصر‬
‫كقله‪ .‬لكقنه لم يحقرك ساكانا‪ ،‬ظل يققلب بأوراقه ويدقسها في حقيبته التي‬
‫ص لنفسي‪ ،‬هإببت للحق بها والنار تغلي في‬ ‫ل تفارقه‪ .‬أردت أن أقت د‬
‫عروقي عازمة على شقدهإا من شعرهإا وصفعها‪ ،‬لكقنه في تلك‬
‫اللحظة فقط استفاق من غفلته المتعقمدة‪ .‬صرخ‪:‬‬

‫‪ -‬وين رايحة ‪ . .‬تعالي‪.‬‬

‫التف ق‬
‫ت إليه حانقة‪:‬‬

‫‪ -‬سأقدب هإذه الكلبة‪.‬‬

‫أظهر كل ما لديه من غضب‪:‬‬

‫‪ -‬ارجعي ‪ . .‬ما لك حق عليها‪ .‬أنا من ييؤقدب هإنا‪.‬‬

‫‪ -‬إذن قم ‪ . .‬أرني كيف ستؤقدبها‪.‬‬


‫نفض الكلمات بوجهي‪:‬‬

‫‪ -‬أعرف متى وكيف أؤقدبها‪ ،‬ل أنتظر أوامرك‪ ،‬هإقيا عودي إلى‬
‫مكانك‪.‬‬

‫كان ل بد أن أستعيد كرامتي المطعونة‪ .‬انتظرت إلى الليل حين‬


‫استفاقت حاجته إلى جسدي فتمقنعت‪ .‬ولقنه كان في قمة اشتهائاه‪،‬‬
‫انتهزت الفرصة‪ .‬ظللت أرفض وهإو ل ييأس وحين صرخ‪:‬‬

‫‪ -‬وتاليها معك؟‬

‫قلت‪:‬‬

‫‪ -‬لن تمقسني حتى ترقد لي كرامتي وتطرد تلك الخادمة‪.‬‬

‫بدأصبره ينفد‪:‬‬

‫‪ -‬أنا الذي يققرر‪ .‬الخادمة ستبقى‪ .‬ياليتك تصيري مثلها‪.‬‬

‫قفز من الفراش بعدما لسعني بتلك الكلمة التي لم أكقلف نفسي‬


‫بمجقرد استعادتها وتقليبها لكتشف الخافي من المور‪ .‬كان كل ما‬
‫يهقمني أن يغادرني ويريحني من طريقة افتراسه لجسدي‪ .‬وآآآه ‪. .‬‬
‫كم كنت موهإومة‪ .‬تناسيت أقنه العجف القادر على مذقلتي وكسر‬
‫نفسي وكرامتي‪ .‬حسبت أقنني سأنام مرتاحة وما ظننت أقن تلك الليلة‬
‫ستكون أكثر الليالي رعابا وغرابة!!‪ .‬بعد دقائاق دفع‬

‫‪55‬‬
‫باب غرفتي‪ ،‬استويت في فراشي وإذا به مع جورجيت بقميصها‬
‫الحمر الشقفاف القصير‪ .‬رغم ما سقببه لي منظرهإا من قرف فإقن‬
‫الفرح غلب علقي‪ ،‬هإا هإو يشقدهإا من فراشها لتأتي وتعتذر‪ ،‬فرحت‪.‬‬
‫تصقورت أقنني استطعت ولو لمقرة أن أحققق رغبة في نفسي‪ ،‬أن‬
‫أجعله ينصاع لطلب مقني‪ ،‬وما كنت أحسب أقن هإذا الحضور‬
‫المفاجئ كان فصلا من فصول استبداده وشذوذه!! كانت ضحكته‬
‫أوسع من عرض وجهه‪:‬‬

‫هإا ‪ . .‬جبت لك جورجيت‪.‬‬

‫تهقيأت روحي الفطترطحة لتسمع إعتذارهإا‪ .‬لكقنه قصم فرحتي وهإو‬


‫يواصل كلمه‪:‬‬

‫‪ -‬علشان تعقلمك كيف تكوني أنثى‪.‬‬

‫لم أدرك معى كلمه‪ .‬ولم أكن أتخقيل أ ق‬


‫ي شيء من الذي حدث!!‬

‫دنا من السرير‪ .‬أزاحني إلى طرفه‪ ،‬خلع ملبسه وأمرهإا‪:‬‬

‫‪ -‬تعالي‪.‬‬

‫طت على السرير بجانبه وهإي تتدقلع ))تكرم‬ ‫اقتربت بدلل وقح‪ ،‬ح ق‬
‫عينيك((‪ .‬أشار إلقي وهإو يقول لها‪:‬‬

‫‪ -‬وقريها كيف تكون المرأة‪.‬‬

‫قفزت من السرير ملسوعة‪ ،‬اتجهت إلى الريكة قرب النافذة أرتعد‬


‫مثل فأرة تطاردهإا مئات القطط المتوقحشة‪ ،‬حاولت أن أجقنب عينقي‬
‫النظر‪ ،‬لكن عنف المشهد مثل سنارة حاقدة انغرزت‬
‫‪56‬‬

‫في لحمي وأخذت تسحبني إلى اللقطج ت‬


‫ج الثائارة‪ .‬ما الذي تفعله تلك‬
‫المرأة المتجقردة من كل خجل؟ كيف تستعذب الفعل دون تباطةؤ ول‬
‫ش وهإو مأسور بوتحش جسدهإا يصارع ليخرج‬ ‫قرف!! صوته الج ت‬
‫إلقي‪:‬‬

‫‪ -‬شوفي ‪ . . .‬تعقلمي‪.‬‬

‫هإل فقد عقله حتى يتصقورني أستطيع مضاهإاتهابهذه اللعبة القذرة؟‬


‫هإل يمكن لي أن ألقوث روحي وجسدي كما تفعل؟ كانت جورجيت‬
‫أشبه بلعبة جائاعة‪ ،‬وكان هإو أشبه بالطريدة تستهويالعواء‪ .‬خمدا‪.‬‬
‫والنار فقي لم تخمد‪ .‬عرق مهانتي وروعي يغرقني‪ ،‬يثير قشعريرة‬
‫برد وغثيان يمر‪ .‬أدركت اقن لديه افتناانا كبيارا في تعذيبي وجرح‬
‫كبريائاي‪ .‬أمرهإا أن تخرج‪ ،‬لم تفعل الحقيرة أنتسقدد لي نظرة متعالية‬
‫وشامتة‪ ،‬وقف يرتدي ثيابه وصوته كالموسى يذبحني‪:‬‬

‫‪ -‬حتى ل تحسبني تمقنعك عقني يهمني ‪ . .‬شفتي الحريم‬


‫الجاقرات‪ ،‬مو مثلك لوح ثلج‪.‬‬

‫خرج من الغرفة‪ ،‬صفق بابها‪ ،‬تاراكا خلفه صماتا كثيافا‪.‬‬

‫للصمت صدى غير مسموع‪ ،‬كآبة غير ملموسة ظلمة غير مرئاقية‪،‬‬
‫وأنا في أحشائاه مضغه مقرة عسرة فاقدة لكل خصائاصها‪.‬‬
‫يعصر رئاتقيى‪ ،‬يفرغهما من هإوائاهما‪ ،‬يضقخمهما بدخان غليظ يد ت‬
‫ق‬
‫كل عصب في جسدي فأحقسني مشلولة عاجزة‪ .‬ظللت على أريكتي‬
‫متهككة الروح‪ ،‬هإقشة العظام‪ ،‬نازفة دم كرامتي المهدورة‪،‬‬

‫‪57‬‬
‫جاحظة غير مصقدقة أقن عينقي قد شاهإدتا هإذا الفعل الفاحش‪.‬‬
‫شيء واحد كان يرقد عقني شقاء اللحظة‪ ،‬أقنني لم أققدم له جسدي يواما‬
‫إلق قطعة من الثلج والحجارة‪.‬‬

‫منذ ذلك اليوم تحاشيت جورجيت‪ .‬ل أنده بإسمها إن احتجت طلابا‪،‬‬
‫لكقنها كانت تتعمد استباق التي أناديها كما توقد إغاظتي وإثارة‬
‫أعصابي‪ .‬فأظتلسم الخرى محتقرة حضورهإا‪ .‬فتنسحب بعدما تطلق‬
‫ضحكة فاحشة توحي بأنها في الصل كانت موماسا أو راقصة‬
‫رخيصة في ملهإي بلدهإا‪.‬‬

‫كم كنت بلهاء ‪ . .‬مخدوعة! ما الفرق بيني – أنا السقيدة – وبين‬


‫الخادمات حين يكون السقيد مشتراكا؟ حين يكون في فراشهدن البسيط‬
‫كما في فراشي الوثير! أقية قذارة كان يحملها إلقي من صدأ ثغورهإدن‬
‫وسيول فروجهدن؟ كيف وهإو الفاقد لفحولة الرجال يقدر أن يوقزع‬
‫جسده وهإواه بين نساء القصر؟ وهإذا العطقية المسكين الفاتح القول‬
‫لقلع سقيده الموصدة‪ .‬يفعل مع كل واحدة ما فعله بي في ليلتي‬
‫الولى‪.‬‬

‫وأنا ‪!! . . .‬‬

‫الغبقية التي ظننته محرواما من اللققذات فجئته لستثيره لعقله يفتح لي‬
‫بقوابة الرحمة التي ستطلق روحي إلى النور‪ .‬مثله مثل سقيده‪.‬‬
‫يخقوض في المجاري المتاحة‪ .‬يكتفي بفعل الحرام الموهإوب إليه ول‬
‫يداعبه الحلم أن تكون له زوجة وأطفال أحرار ل يرثهم سقيده‪.‬‬
‫حقدت عليه‪ ،‬تأقسفت أقنني ساعدته لينجو من شرقته‪ .‬ليتني تركته‬
‫يموت لكي ل أكتشف هإذه القمامات التي أعيش فيها‬
‫‪58‬‬

‫‪ .‬نظرت إليه وهإو ذليل في جلسته قرب قدقمي يرتجف بعد أن كشف‬
‫الستار والسرار‪ .‬لم يتمالك‪ .‬سقط برأسه فوق ركبتقي وتوقسل!‬

‫‪ -‬أرجوك يا سقيدتي ‪ . .‬ل تخبري سقيدي بما قلت‪.‬‬

‫نفضت رأسه عقني وكأقنني أنفض بقزاقة رخوة‪ .‬قذفت إليه بوعدي‪:‬‬

‫غرب عن وجهي‪ .‬نيران غضبي تتأدجيج وتحرق بققية صبري‪.‬‬


‫صة‬‫ققررت أن أتحقدى العجوز وأتحقداه‪ .‬أبحث عن وسيلتي الخا ق‬
‫لخرج من حاوية القمامة‪.‬‬

‫***‬

‫‪59‬‬
‫كان بمقدوري أن أستغقل اعترافات عطقية‪ ،‬أهإقدده ))إن لم تساعدني‬
‫على الهرب سأخبر سقيدك بكل ما تفقوهإتبه(( لكقنني لم أفعل‪ .‬فأنا‬
‫التي يستحق الظلم روحي ل أستطيع أن أكون ظالمة‪.‬‬
‫إذغ عرف العجوز فلن يرحمه‪ ،‬سأكون قد خرجت من التون فرحة‬
‫بخلصي مخقلفة روحه المأسورة تئتن وتلعنني وتطاردني فلهيب‬
‫يوجع ضميري فل أهإنأ بحقريتي‪ ،‬عطقية لم يخطئ بحققي‪ ،‬هإو مجقرد‬
‫فاعل وشاهإد‪ ،‬علقي أن أشكره رغم الذي أصابني من تلف‪ ،‬فهو قد‬
‫حقفزني أكثر لفدر من هإذا الجحيم‪.‬‬

‫في القليل فقكرت‪ :‬هإل أخرج من القبر عارية حتى من كفن؟ أم أتدقثر‬
‫بالشياء الثمينة التي أغدقها علقي العجوز‪ ،‬لم تكون تلك الماديات‬
‫ي من عمري ‪ . .‬لكقنني‪ ،‬ورغم احتقاري لها‪ ،‬ققررت‬ ‫التافهة أغلى عل د‬
‫أن آخذهإا معي‪.‬‬

‫قمت إلى خزانتي‪ ،‬أخرجت الصندوق الثقيل الذي تربض فيه كل‬
‫مجوهإراتي‪ ،‬فتحته‪ ،‬تللتأمام عينقي أصنافه‪ :‬ذهإب‪ ،‬ألماس‪ ،‬ياقوت‪،‬‬
‫فضة وعقيق‪ .‬أصابني غثيان شديد‪ ،‬فهذا الللء لم يستطيع يواما أن‬
‫يدفئ بردي ويسعد قلبي‪ ،‬أو يجعلني أهإب جسدي طيقاعا ليقانا ومهادانا‬
‫لرغبات العجوز‪ .‬كانت هإوايته اكتناز‬

‫‪60‬‬
‫المجوهإرات في خزانتي‪ ،‬حين يحملها إلقي ويفتح علبها المخملقية‬
‫يأمرني بتعاةل شديد أن أنظر إليها‪ ،‬يشعرني‪ ،‬بكلمات كالبر‪ ،‬بأقنه‬
‫يتصقدق علقي‪ ،‬وحين ل يلمح اهإتمامي وابتهاجي بما أرى يعفس‬
‫وجهه‪ ،‬ينفض أصابعه الذابلة في وجهي ويقذف كلماته ))بنت فقر‬
‫ماتعرفين قيمة الشياء(( كنت أفرح بغضبه‪ ،‬أهإينه وأنتقم لكرامتي‬
‫ي بهجة‬ ‫حين أجعله يشعر بأقن مال الدنيا كقله ل يهقزني ول يدخل أ ق‬
‫إلى حياتي‪ .‬أتمادى أكثر‪ ،‬ألقي بها في الصندوق بل اكتراث وأغلق‬
‫عليها‪ .‬وفي داخلي كنت أشعر بالسى لقنها في الظلمة قابعة مثلي‪،‬‬
‫ل تتحقرك‪.‬‬

‫تلك أقول مقره يأخرجها‪ ،‬أتفقرج عليها‪ ،‬وأتسائال في سقري‪)) :‬أليست‬


‫هإذه بعض ثمن عمري الذي دفعته؟ أليست هإي بعض الرث الذي‬
‫حلمت به أقمي والسطوة التي أرضخت أبي فققدماني لقمة وضحقية؟‬
‫هإل أعود اليهما عارية من ثمني؟((‪ .‬أفرغتها كقلها في حقيبة جلدقية‬
‫وجهزتها للحظة الهرب‪.‬‬

‫لم أنم ‪. .‬‬

‫أحسست بحكاك شديد في جسدي‪ ،‬كأقن آلف الحشرات التصقت‬


‫به ‪ :‬برغش‪ ،‬بق‪ ،‬جراد‪ ،‬صراصير‪ ،‬نمل وديدان من كل الشكال‪.‬‬
‫ت بعدوى‬ ‫وكأقنني حين لمست تلك الشياء المريضة قد أ ي‬
‫صب ي‬
‫غريبة‪ .‬تكالبت علقي مخاوف تتلطم في فراشي‪ .‬هإل سأنجح في‬
‫طتي أم سيصطاد عطقية رائاحتي فيلحقني ويفضحني بنباحه؟ إقنها‬ ‫خ ق‬
‫فرصتي الوحيدة‪ ،‬ل أريد أن أفشل فيها وإلق سقطت في الحضيض‬
‫وعلى روحي السلم‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫ضا بالنور والرحمة‪ ،‬تسقلل إلى‬ ‫تناهإى إلقي صوت الذان حنوانا فائا ا‬
‫عمقي‪ ،‬انفرش هإالت تضيء بداخلي فتشتع سعادة غريبة في كياني‬
‫وروحي‪ .‬أسرعت إلى النافذة‪ ،‬فتحت الستارة وأطلقت بصري إلى‬
‫السماء‪ .‬كان غبش الفجر كالغللة الفضقية‪ ،‬ثقمة نجمات تأقخرطن عن‬
‫الرحيل‪ ،‬وجدتني أهإمس بكل ما أوتيت من احتياج لخالق الرض‬
‫ب((‪ .‬ومع‬ ‫والسماء ))يارب ‪ ((. . .‬التمعت نجمة‪ ،‬كقررت ))يار ق‬
‫نهاية الذان ))ل إله إلق ا((‪ .‬شعرت وكأقن ضفائار النور كقلها‬
‫مدلة نحوي‪.‬‬

‫انسحبت إلى فراشي وإحساسي أقن المساحات الضقيقة في داخلي‬


‫تتسع‪،‬وأقن الهواء الموبوء داخل رئاتقي ينقشع ويحتتل مكانه الهواؤ‬
‫النققي‪ .‬شعرت أقن روحي أكثر قوة‪ ،‬وجسدي أكثر بأاسا‪ .‬استلقيت‬
‫على فراشي‪ ،‬تمقددت بكل اإتجاهإات سعيدة بامتلكي له وحيدة دون‬
‫وجه العجوز‪ ،‬لكن السؤال قرصني ))أين تراه الن؟ مع زقنوبة! أو‬
‫جورجيت! أو صوفي؟(( ‪ . . .‬بقدر ما استطعت طردت المشاهإد‬
‫طة هإربي‪ .‬تأكدت أقنني أحكمت كل‬ ‫المتخقيلة من رأسي واستعدت خ ق‬
‫خيوطها وردمت كل ثغراتها محاذرة من أي نأمة قد تشي بأمري‪.‬‬
‫ظللت متوقجهة بكل مشاعري إلى ا‪ .‬أرجوه أن يكون نصيري‬
‫ويفتح لي الطرق المنة‪.‬‬

‫هإي فرصة واحدة ‪. . .‬‬

‫كنت طوال السابيع السابقة لهربي أراقب أوضاع البقوابة‪ ،‬أدرس‬


‫جيقادا الزمن الذي يتفتح فيه والقلحظات التي يتترك فيها حقرة قبل أن‬
‫يزقنرهإا عطقية بالسلسل والقفل الكبير‪ .‬هإي دقائاق كخطفة‬

‫‪62‬‬
‫العين‪ ،‬حين يصل العجوز يركض عطقية‪ ،‬يفتح البوابة‪ ،‬تدخل‬
‫السقيارة‪ ،‬يركض خلفها‪ ،‬ينتظر حتى يترقجل سقيده منها ويسقلمه‬
‫حقيبة الوراق ثم يعود ثانية ليغلقها‪ .‬مسافتي وزمني قصيران‪ ،‬كل‬
‫ما يتوقجب علقي عمله هإو الختباء قرب البقوابة‪ ،‬خلف أشجار‬
‫الصقبار‪ ،‬لطلق ساققي في اللحظة التي يهرول فيها عطقية خلف‬
‫سقيده قبل الغلق‪ .‬ماذا عن عيون الخادمات؟! لبد من إشغالهدن‬
‫ي سبب‪.‬‬ ‫بأقية طريقة‪ .‬ل أريد لواحدة منهدن أن تخرج إلى الحديقة ل ق‬
‫أريد أن ينشغلن عن وجودي تمااما قبل مجيء العجوز‪ .‬المر يحتاج‬
‫إلى تدبير وخ ق‬
‫طة أخرى ل تخقر من ثقوبها أقية غفلة‪.‬‬

‫في اليوم المرصود افتعلت ثورة داخل الصالون الكبير الذي كنت ل‬
‫صني‪ .‬فهو مجقرد مساحة باردة مليئة‬ ‫آبه بنظافته لشعوري بأقنه ل يخ ق‬
‫بالثاث الفخم والتحف والسقجاد الفاخر‪ .‬تنازلت عن كراهإقيتي الثقيلة‬
‫نحوه‪ ،‬تفققدته فإذا بالغبار ينام عليه‪ ،‬ناديتهن‪ ،‬ركضن نحوي وأنا‬
‫أمقرر بأصابعي على الغبار‪ ،‬أصرخ وأقذف بالشياء حتى خلقت‬
‫ب وضعها‪.‬‬ ‫فوضى تحتاج لساعات حتى يستت ق‬
‫أمرتهقن أن يتركن كل عمل آخر ويتعاوقن في إعادة الصالون‬
‫نظيفصا ومرتابا‪.‬كان الغضب والستياء يرتسم على وجوهإهقن لكقنهقن‬
‫التزمن بالمر وبدأن‪ .‬وهإكذا أقمنت وقتي‪ .‬أسرعت إلى غرفتي‪،‬‬
‫ف من الثياب‪ ،‬حملت الحقيبة الجلدقية وقبل أن أترك‬ ‫ارتديت ما خ ق‬
‫الغرفة ركضت إلى عصفوري‪ .‬كان منكماشا حزيانا كأقنه شعر أقن‬
‫لحظة فراقنا قد أزقفت‪ .‬مددت كفي داخل القفص‪ ،‬استسلم لها‬

‫‪63‬‬
‫طائااعا‪ ،‬ققربت ثغري من منقاره فأخذ يصفر صفرات موجعة‪.‬‬
‫هإمست له ))علينا أن نحقرر ماعا((‪ .‬دنوت به من النافذة‪ ،‬فتحتها‪،‬‬
‫صار يرفرف بجناحيه محاولا التمقلص من قبضتي ليطير إلى داخل‬
‫الغرفة‪ .‬اندفعت دموعي غزيرة‪ ،‬ققربته إلى وجهي وأشبعته قبلت‬
‫الوداع الخير ثم أطلقته من يدي‪ .‬شعرت بأقنني اقتطعت قطعة من‬
‫ي إلى البقوابة العتيدة تدفعني رياح التوق‬
‫قلبي وحذفتها‪ .‬أطلقت ساق د‬
‫إلى الحرردية والشمي والهواء النققي‪.‬‬

‫عطقية كعادته مثل هإذا الوقت‪ ،‬يؤقدي صلة الظهر‪ .‬اختبأت بحذر‬
‫صبار‪ .‬كان الشوك ينغرز في لحمي فل أكترث‪.‬‬ ‫خلف أشجار ال ق‬
‫انتظرت بارتجافي وقلبي يقرع حتى خشين أن يدقلعلى مكاني‪ .‬هإدير‬
‫أعصابي يحاصرني لكقنه ل يتغقلب على عنادي وتصميمي‪ ،‬كانت‬
‫لحظة الخلص أقوى من خوفي المسيطر‪ .‬لن يحتاج المر إلق‬
‫لخطفة عين أنستل فيها خارج السور مثل دودة تنسقل من قلب ثمرة‬
‫ق روحي إلى‬ ‫عجفاء وأنتظر حتى يغلق عطقية البقوابة ويبتعد‪ .‬فأطل ي‬
‫الحياة‪ .‬تلك الدقائاق كانت زمانا رهإيابا قاصافا لكقنه ما استطاع أن يميد‬
‫بخلياي المتيققظة حتى حانت اللحظة الحاسمة‪.‬‬

‫نجحت ‪ . .‬نجوت ‪ . .‬تحقررت‪ .‬أسرعت خطوتي كعاصفة إلى‬


‫الطريق المحاذي للبحر‪ ،‬كنت أشبه بمجنونة مفلوته من غياهإب‬
‫مصيح عقلقي‪ ،‬حذائاي يلعق تراب الطريق حتى وصلت تحت العقمال‬
‫الهنود والسييوقيون‪ .‬التقطت أنفاسي وشحنت قدمقي ثانية لتجاوز‬
‫مسافة الطريق‪ .‬أحدهإم صرخ بلكنة عربقية متعقثرة ))ألحين يجي‬
‫باص((‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫ي باص هإذا الذي سأتحمل رحلته الطويلة ووقوفه عند‬ ‫بآآآآص! أ ت‬
‫ق الفضاء ‪ . .‬لطائارة‬‫طات المزدحمة! أحتاج لصاروخ يش ق‬ ‫المح ق‬
‫تقتحم الريح ‪ . .‬لسقيارة عجولة تخطفني من فنطاس القهر إلى‬
‫الرميثقية حيث بيت أبي الذي ل أدري كيف يستقبل فعلتي‪.‬‬
‫الصيف حارق‪ ،‬الشمس فاتكة‪ ،‬والعرق ينبع مثل ش ق‬
‫لل هإائاج ليغرق‬
‫جسدي‪ ،‬لكقنه ل يستطيع أن يبقلل جفاف ريقي‪ .‬احتملت العطش‬
‫والحرارة وأنا أستنجد بذراعي نحو السقيارات الفاقرة وكأقن شياطين‬
‫تلحقها‪ .‬أشتمها بسقري وأتوقسل ا أن يسوق إلقي من امرأة كانت‬
‫تصدمني‪ .‬زعقت عجلتها وقبل أن تلوط بلسانها كنت أفاجئها‬
‫وأنقذف داخل السقيارة بمنظري الغريب‪ ،‬أوقسلها‪:‬‬
‫‪ -‬أرجوك ‪ . .‬هإناك من يطاردني‪ ،‬خذيني إلى بيتي‪.‬‬

‫لمحت خوافا وريبة على وجهها‪ .‬تأقكد ذلك حين فاح صوتها‪:‬‬

‫‪ -‬آخذك إلى المخفر‪.‬‬

‫صرخت‪:‬‬

‫‪ -‬إياك أن تفعلي ‪ . .‬هإقيا سأدلك على بيتي‪.‬‬

‫استسلمت لمري‪ ،‬ربما تصقورت أنني مسقلحة فخافت‪ .‬كان وجهها‬


‫الكركمقي ينبئ بذلك‪ ،‬وقد ارتحت لخوفها‪ ،‬فهذا سيرغمها أن‬
‫تواصل سيرهإا‪ .‬كنت أشعر بفضولها العنيف يكاد كل لحظة يبقر‬
‫بطنه ويقذف بسؤال‪ .‬لكقنني لم أترك لها فرصة‪ .‬كنت سارية‬
‫نننننننننننننننننننننننننننننننننننننننن‬
‫)‪ (1‬الفنطاس والميثقية مناطق في الكويت‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫بوجهي نحو الطريق لدقلها كيف تتوقجه‪)) :‬من هإنا ‪ . .‬هإذا الشارع ‪.‬‬
‫طة ‪ . .‬الن إلى اليسار ‪ . .‬هإنا عند تلك‬ ‫‪ .‬يمين إلى تلك المح ق‬
‫العمارات ‪ . .‬ادخلي يمين ‪ . .‬عند ذلك البيت ذي الحجر الجيري‬
‫الصفر قرب الشجرات المائالة((‪.‬‬

‫أربع سنوات إل شهوارا ثلثة‪ .‬لم تصافح عيناي شاراعا ول مباني‬


‫ول سمااء غير تلك التي أراهإا من نافذة القصر‪ .‬تصقورتني سأنسى‬
‫الطرق التي ستوصلني إلى بيت أهإلي لكن حلوة الروح التي‬
‫ارتقدت إلقي لحظة الهرب أيقظت كل تلفيف ذاكرتي‪ ،‬فتحت‬
‫الخرائاط المغلقة وبعثت بروائاح زمني القديم حيث ترقبيت‪ ،‬وكبرت‪،‬‬
‫وسمنت ‪ . .‬وباعوني‪ .‬حين توققفت السقيرة عند الباب نزلت وحشوت‬
‫رأسي داخل السقيارة‪ ،‬أردت أن أشكر المرأة بالطريقة التي وجدتها‬
‫كفيلة بأن تجعلها تشعر بالمان والراحة‪ .‬كل ما كان يهقمها هإو أن‬
‫تعرف سقر هإذه المجنونة التي فرضت نفسها عليها وجعلتها ترضخ‬
‫لمرهإا حتى أوصلتها‪ .‬نطقت بصوت يلمس البكاء‪:‬‬

‫شكارا ‪ . .‬سيجازيك ا خيارا‪ .‬إقنني هإاربة من بيت زوجي إلى أهإلي‪.‬‬


‫لقد أنقذتي حياتي‪.‬‬

‫مع الدهإشة التي ارتسمت على وجهها انطلقت ضحكتها‪:‬‬

‫‪ -‬أيا ‪ . .‬الشيطانة!! منظرك كان يؤقكد أقنك هإاربة من عصابة‪.‬‬

‫ك‪.‬‬
‫أكثر ‪ . .‬وا كان أكثر ‪ . .‬شكارا ل ت‬
‫أخرجت رأسي وركضت صوب باب البيت‪.‬‬

‫***‬

‫‪66‬‬
‫فاح عطر شققتي‪ .‬ملط صدري بنسيةم هإو خليط من رائاحة وحدتي‬
‫وأماني وحقريتي‪ .‬ارتميت على غطاء سريري الوردي‪ ،‬أغمضت‬
‫عينقي‪ ،‬وبدأت أسترجع ما قاله الطبيب‪ .‬كقفي تتحقسس عنقي حيث‬
‫تخبئ داخله حنجرتي‪ ،‬وحبال صوتي‪ .‬هإل يتراني تأخرت؟ الطبيب‬
‫بعد أن فحصني أقكد أن ل وجود لورام‪)) .‬هإي زوائاد أشبه بالجلي‬
‫الدرخو ول بدد من إزالتها((‪.‬‬

‫قبل شهرين‪ ،‬حين صرخت بإحدى طالباتي المشاغبات‪ ،‬اختقل‬


‫توازن صوتي‪ ،‬بدا مبحواحا خشانا أشبه بصوت الرجال‪ .‬خرجت من‬
‫الفصل‪ ،‬اتجهت إلى المستشفى الحكومقي حيث يعمل هإذا الطبيب‪.‬‬
‫غرفة النتظار مكت ق‬
‫ظة بالنساء المنققبات والمحقجبات‪ ،‬وبالرجال‬
‫ذوي اللحى والدشاديش القصيرة‪ .‬كنت الشاقذة الوحيدة التي تجلس‬
‫ببنطلونها القصير وبلوزتها ذات نصف الكم‪.‬‬
‫الممقرض ذو اللحية الطويلة يخرج بين لحظة وأخرى لينادي اسم‬
‫إحداهإدن أو أحدهإم‪ ،‬ينظر نظرة حاقدة ويقول‪:‬‬

‫ت بل موعد‪.‬‬
‫‪ -‬انتظري ‪ . .‬جئ ت‬

‫فرغت الغرفة‪ ،‬توققعت أن يناديني‪ ،‬لكقنه خرج تققدمه الطبيب‬

‫‪67‬‬
‫بلحية طويلة هإو الخر‪ .‬وقفت فلم يتوققف‪ ،‬ركضت إليه وصوتي‬
‫بالكاد يخرج من حنجرتي‪:‬‬

‫‪ -‬دكتور ‪ . .‬أرجوك‪.‬‬

‫هإقشني بكقفه‪:‬‬

‫‪ -‬شوفي طبيب آخر ‪ . .‬مواعيدي انتهت‪.‬‬

‫تركني مطروحة بحيرتي وغاب‪.‬‬

‫ذهإبت إلى شباك الستقبال‪ ،‬تفقرست في وجوه العاملت باحثة عن‬


‫وجه حنون أوقسم خيره‪ ،‬وحين وجدته‪:‬‬

‫‪ -‬من فضلك أريد أ ق‬


‫ي طبيب‪.‬‬

‫انهش وجهها‪:‬‬
‫ت هإنا وحقولناك إلى دكتور عبدالرحمن‪.‬‬
‫‪ -‬من ساعتين كن ت‬

‫‪ -‬رفض بعد كل هإذا النتظار‪.‬‬

‫صب شوية(( ل يرقحب بالقسافرات‪.‬‬


‫‪ -‬أكيد ))هإو متع ق‬

‫‪ -‬لكنه طبيب وواجبه أن ‪. . .‬‬

‫قاطعتني‪:‬‬
‫‪ -‬يا أختي هإذا طبعه‪ .‬حتى الممقرض ‪. . .‬‬

‫حدقققت بي ‪ . .‬وأكملت‪:‬‬

‫أظقنك ل حظت‪ ،‬نفس النوعقية‪.‬‬


‫‪68‬‬

‫‪ -‬والن ‪ . .‬أرجوك‪.‬‬

‫‪ -‬ول يهقمك سأحقولك إلى طبيب مصري طقيب وخدوم‪.‬‬

‫فحص حنجرتي بدققة وأخبرني أقنني أعاني من تضقخم في الحبال‬


‫الصوتقية ثم طمأنني‪:‬‬

‫‪ -‬ل يحتاج المر الن إلى عملقية‪ .‬فقط العلج مع المتناع عن‬
‫التدخين‪.‬‬

‫لم ألتزم بالمتناع عن التدخين‪ .‬بعد شهور كانت حالة حنجرتي‬


‫طرة أن آخذ بنصيحة من عانى مثل حالتي‪،‬‬ ‫تسوء فوجدتني مض ق‬
‫وأن ل يأسقلم حنجرتي إلق إلى الدكتور عبدالرحمن‪.‬‬

‫كيف سأعود إليه وهإو الذي ل يرغب في إستقبال السافرات أمثالي؟‬


‫ترقددت لكقنني ولحاجتي إليه اتصلت فجاءني الرد‪:‬‬

‫‪ -‬لقد استقل من المستشفى وفتح عيادة خا ق‬


‫صة‪.‬‬

‫طرت إلى العيادة في السالمية‪ .‬عمارة فخمة مليئة باليافطات‬


‫الحمراء بأسماء الطقباء‪ .‬دخلت باب العمارة‪ ،‬الرض رخامقية‬
‫لمعة‪،‬على يميني صيدلقية فخمة‪ .‬انتظرت عند باب السانسير‬
‫ل‪ .‬أحدهإم نزل من الدرج‪ .‬لفتني أقن السانسير مع ق‬
‫طل‪.‬‬ ‫طوي ا‬
‫اتجهت إلى الدرج أقطع المسافة إلى الدور الثالث‪ .‬عيادة رقم ‪.8‬‬
‫دخلت‪.‬‬

‫عاملة الستقبال محقجبة‪.‬‬

‫‪ -‬صباح الخير‪.‬‬
‫‪69‬‬

‫‪ -‬وعليكم السلم ورحمة ا وبركاته‪.‬‬

‫لم أستغرب طريقة رقدهإا على تحقيتي‪ .‬قلت‪:‬‬

‫‪ -‬أريد أن أقابل الطبيب‪.‬‬


‫‪ -‬لحظة ‪ . .‬أعقبئ لك البطاقة‪.‬‬
‫‪ -‬ل ‪ . .‬لو سمحت قبل أن تعقبئ البطاقة أريد أن أراه‪.‬‬

‫استغربت‪:‬‬

‫‪ -‬ألم تأتي للعلج؟‬

‫اضطررت أن أكذب‪:‬‬

‫‪ -‬بل لموضوع خا ق‬
‫ص‪.‬‬

‫هإقزت برأسها‪ .‬تركت مقعدهإا‪ .‬خرجت من بابها الجانبي مقتجهة إلى‬


‫غرفة الطبيب بعدما ألقت علدي بأمرهإا مشيرة إلى صالة النتظار‪:‬‬

‫‪ -‬لو سمحت انتظري‪.‬‬

‫انتظرت وألف وسواس يتناطح في داخلي‪ ،‬هإل إذا أعطته تفاصيلي‬


‫سيرضى أن يقابلني؟‬

‫فوجئت بها مبتسمة تشير إلقي‪:‬‬

‫‪ -‬تف ق‬
‫ضلي‪.‬‬

‫بعض ارتعاش أصابني‪ ،‬توققعي أن يرفض إستقبالي زال‪ .‬فماذا عن‬


‫توققعي يعالجني؟ هإل سيتكقرم علقي بذلك؟!‬
‫‪70‬‬
‫طرقت الباب ودخلت‪ .‬وقف وصوته طلق عذب‪:‬‬

‫‪ -‬أهإلا وسهلا ‪ . .‬تف ق‬


‫ضلي‪.‬‬

‫وأشار إلى الكرسي المقابل‪.‬‬

‫طي كل‬ ‫جلست غير مصدقة هإو نفسه‪ ،‬بطوله‪ ،‬بلحيته المنزلقة تغ ق‬
‫عنقه‪ .‬يرقحب بي‪ ،‬يدعوني إلى الجلوس‪ .‬الصورة القديمة تأتي‪،‬‬
‫تتحقرك من اليمين إلى اليسار مخترقة صورته الجديدة أمامي‪ .‬هإل‬
‫تراه يتذقكرني؟ ل أحسبه كذلك‪ .‬ففي ذلك اللقاء الماضي لم يكقلف‬
‫نفسه حتى بالنظر إلى وجهي‪ .‬ما الذي تغقير؟‬
‫ضا!!‬
‫هإناك في المستشفى كان طبيابا‪ ،‬وهإنا في عيادته هإو طبيب أي ا‬
‫لم يحتطج استغرابي إلى عصر ذهإني‪ .‬المر واضح‪ ،‬هإو هإناك طبيب‬
‫حكومقي يقبض راتبه فيصبح من حقه أن يقبل أو يرفض‪ ،‬هإنا هإو‬
‫صة تدتر عليه من آلم الخرين‪ ،‬مستعكد‬ ‫صاحب مصلحة‪ ،‬عيادة خا ق‬
‫ي الذي تقبله قناعته‪ .‬المر الذي‬ ‫أن يقبل أمثالي مقمن ل يلتزمن بالز ق‬
‫حقيرني أكثر؛ هإذه الوداعة والبتسامة والترحيب وما تلهإا من‬
‫حديث رقيق‪ ،‬وخقفة ظقل واضحة‪ ،‬وفحص دقيق حنون جعلنيأحقدق‬
‫به أكثر‪ .‬ألتقط تفاصيل وجهه‪ :‬عينان واسعتان جميلتان‪ ،‬رموش كقثة‬
‫ملتوية‪ ،‬أنف دقيق طويل بعض الشيء لكن باستقامة شامخة‪ ،‬شفتان‬
‫بارزتان وردقيتان‪ ،‬ولحيته التي رأيتها جميلة غير تلك التي نفرت‬
‫منها أقول مقرة‪.‬‬
‫وجدتني أرتاح إليه وأوافق على التفكير بإجراء العملقية‪.‬‬

‫قبل أن أغادره حزينة على صوتي‪ ،‬ناوشتني نفسي أن أذقكره بذلك‬


‫اليوم البعيد‪ ،‬لكقني تراجعت‪ ،‬خشيت أن يتأقذى فيرفض أن‬

‫‪71‬‬
‫أكون واحدة من زبائانه حتى وإن كان المبلغ الذي سأدفعه بدل‬
‫أتعاب العملقية كبيارا‪.‬‬

‫أخذت أققلب أموري‪ .‬الحيرة تتنازعني‪ .‬هإل أجري العملقية أم أهإرب‪،‬‬


‫هإل صحيح ما قاله إقنني إن لم أفعل سيتحقول المر إلى عقبى غير‬
‫حميدة؟ لن أهإرب من قدري‪ .‬ما أعانيه شيء بسيط ل يدعو للهرب‪،‬‬
‫ذلك الهروب من قصر العجوز كانت دوافعه ضرورقية‪ ،‬كان يجب‬
‫أن أحاوله منذ الشهور الولى‪ .‬ل أدري لماذا صبرت طيلة أربع‬
‫سنوات!! لو كنت قادرة على استشراف مستقبلي ‪ -‬المضيء – بعد‬
‫الهرب لكنت فعلتها‪ .‬لقد حقررني هإروبي‪ .‬ليس من حياة القصر‬
‫وحدهإا‪ .‬بل من أدران العجوز ذاته‪.‬‬

‫***‬

‫‪72‬‬
‫ق مجنون‪ .‬حين فتحت أمقي الباب شقت‬ ‫أخذت أطرق الباب بتلح ة‬
‫غير مصقدقة‪ .‬تمقنيت في لحظة أن تفتح ذراعيها لسقط بينهما‬
‫ب والدواء لكقنها لم تفعل‪ .‬اندعت إلى‬
‫عصفورة متعبة للقى الطح د‬
‫الباب تطتل إلى الشارع متوققعة أن يكون العجوز بأثري‪ ،‬وحين‬
‫لفحها فراغ الشارع صفقت الباب بعنف وصرخت بأعلى صوتها‪:‬‬

‫‪)) -‬يا مجنونة! شو سقويتي؟((‬

‫ألقمتها رقدي بحنق وصراخ مماثل‪:‬‬

‫‪ -‬هإربت ‪ . . .‬هإربت‪.‬‬

‫ضربت بكلتا كقفيها على رأسها‪:‬‬

‫‪)) -‬يا خراب بيتنا‪ .‬بقدك تعملي لنا مشكلة مع جوزك؟((‬

‫وأطعل ط‬
‫ت بصوتها تنادي أبي‪:‬‬

‫‪)) -‬تعال شوف بنتك وعملتها السودة‪((.‬‬

‫خرج أبي بسرواله والفانيل‪ ،‬صوت أمقي يعلمه خبر هإروبي خلل‬
‫عبوره المسافة ما بين الغرفة ومكان وقوفي حاضنة حقيبتي‬

‫‪73‬‬
‫ي هإائااجا‪ .‬أمسك شعري المبقلد بعرقي‪ ،‬شقدني‪،‬‬ ‫الجلدقية‪ .‬اندفع إل د‬
‫أسقطني على الريكة يملططعلتاعا‪:‬‬

‫‪ -‬هإل فقدت عقلك؟ كيف تجرؤين؟ ماذا سيفعل بنا الرجل؟‬

‫التفت إلى أقمي‪:‬‬

‫‪ -‬هإاتي دشداشتي وغترتي‪ .‬سأعيدهإا حالا وإلق اعتبرنا‬


‫مشاركين في فعلتها‪.‬‬

‫اندفعت أقمي تلقبي أمره مؤازرة موقفه‪ .‬صرخت‪:‬‬

‫‪ -‬لن أعود‪ .‬أقتلني هإنا ولن أعود‪.‬‬

‫أقمي خرجت حاملة ثياب أبي وهإو يهوي علقي بالكلمات القاسية وأنا‬
‫أتوقسله‪:‬‬

‫‪ -‬أرجوك ‪ . .‬أرجوك اسمعني فقط‪ .‬اعرف حكايتي وتعاستي‬


‫ثم احكم علقي‪.‬‬

‫زمجر بصوته‪:‬‬

‫ي شيء‪ .‬ستعودين إلى زوجك وترطجلتطك فوق راسك‪.‬‬ ‫لن أسمع أ ق‬


‫انطلقت من مكاني إلى أمي الواقفة‪ ،‬احتميت خلف ظهرهإا‪ ،‬ققبلت‬
‫كتفها توقسلتها‪:‬‬

‫‪ -‬أرجوك يا أقمي قولي له أن يهدأ ويسمعني‪ .‬لن تصقدقا ما‬


‫ستسمعان‪.‬‬

‫هإبط الغضب بوجه أبي‪ .‬أقمي بادرته‪:‬‬

‫‪74‬‬
‫‪)) -‬خلينا نسمعها وبعدين نتصرف((‪.‬‬

‫جلسنا صامتين‪ ،‬فتحت قربة سنواتي أمامها دون أن أهإمل نقطة ولو‬
‫بحجم حقبة رمل ‪ . .‬أفشيت أسرار القيم والليالي منذ الليلة الولى‬
‫التي فتح عطقية فيها قلعتي؛ وما تلهإا من أشكال القهر والظلم؛‬
‫وجلدي بذلك الصوت ومشهد الخادمة في فراشي واعترافات عطقية‬
‫لي بكل ما خفطي عقني‪ .‬كنت وأنا أحكي أشبه بذبيحة معقلقة بسيخ‬
‫ي يدور فوق ألسنة النارتشويه وتحرقه‪.‬‬ ‫حديد ق‬
‫وبصوت أليم نحو أبي‪:‬‬

‫‪ -‬لقد بعتني يا أبي وعقذبتني‪.‬‬

‫أحنى أبي رأسه‪ ،‬وأقمي كفكفت دماعا انساب صاداقا‪ ،‬هإمس ط‬


‫ت لبي‪:‬‬

‫‪)) -‬يا روح قلبي شو اتعذبت((‪.‬‬

‫ثم هإدرت بصوتها وهإي ترفع كقفها في وجه أبي‪:‬‬

‫‪)) -‬هإذا حيوان‪ .‬وا ما بترجع((‪.‬‬

‫ي كقلها تتحقول تجاهإي‪.‬‬ ‫شعرت في لحظة أقن عاطفة أقم‬


‫انتهزت الفرصة‪ ،‬ركضت إلى الحقيبة‪ ،‬فتحتها‪ ،‬أفرغت محتوياتها‬
‫على السجادة‪ ،‬تناثرت وكأنها الخرى سعيدة بلفراج عنها‪ ،‬ملت‬
‫الدهإشة عيناي أقمي‪ ،‬انخطفت كلها إلى ذلك الللء الباهإر‪ ،‬غادرت‬
‫أريكتها‪ ،‬انكفأت على ركبتيها يتناثرهإا وتققلبها كأقنها على شاطئ‬
‫جزيرة مسحورة تنبر رمالها وتتكقشف كنازا دفنته الساحرات‬
‫وصوتها المذهإول بين شهقاتها‪:‬‬

‫‪75‬‬
‫‪ )) -‬يا ا! شو هإاد؟((‬

‫صوت أبي الج ق‬


‫ش يكشط غلف أذني‪:‬‬

‫‪ -‬وليش جايبه هإالبلوي معك؟‬

‫أقمي اعترضت وهإي ترفع كمشة من الكنز بين كقفيها تققربها من‬
‫نظر أبي‪:‬‬

‫‪ )) -‬بلوي؟ هإاي بتسوالها ألوف((‪.‬‬

‫خرج صوتي رخاوا‪:‬‬

‫‪ -‬هإذا حقي ‪ . .‬ثمني الذي دفعته من عمري‪ .‬خذوه وأعطوني‬


‫حقرقيتي‪.‬‬

‫أبي الذي أثاره كلمي اعترى وجهه الغضب‪ .‬أشار لقمي‪:‬‬

‫‪ -‬أعيديها إلى الحقيبة واجلسي نفقكر ماذا نفعل بهذه المصيبة!‬

‫لم يشر إلقي‪ ،‬فلم أكن المصيبة التي ح ق‬


‫طت عليه‪ .‬بل تلك التي‬
‫ينتظرهإا ‪ . .‬رقدة فعل العجوز حين يكتشف هإربي ويأتي ليدوس‬
‫على رؤوسنا‪.‬‬

‫أخذ أبي يطرق بكقفه اليمنى على فخذه بعنف وعصبقية واضحة‪،‬‬
‫بينما كقفه الخرى تدق على زاوية رأسه كأقنه يريد فتح صواميل‬
‫عقله التي شقلتها المفاجأة باحاثا عن مخرج يقيه شقر العجوز‪ .‬أقمي‬
‫توقجست خوافا على أبي من الموقف‪ .‬قامت إليه‪ ،‬جلست على طرف‬
‫الريكة‪ ،‬حاوطت بذراعها كتفيه‪ ،‬وحاولت تهدئاته‪:‬‬

‫‪)) -‬صرل على النبي يا رجل ‪ . .‬كل عقدة وإلها ح ق‬


‫لل((‪.‬‬

‫‪76‬‬
‫صرخ أبي‪:‬‬

‫‪)) -‬هإذي مو عقدة وتنفقك ‪ . .‬هإذا لحيم حديد شيفقكه؟((‬

‫‪)) -‬يا ابن الحلل صحتك بالدنيا ‪ . .‬هإقلق بيرتفع القسكر‬


‫عندك((‪.‬‬

‫زاد بالضربات على فخذه‪:‬‬

‫ي سقكر؟ السقكر أرحم‪ .‬هإذا مكر وعلقم! هإذا منشار وقف‬


‫‪ -‬أ ق‬
‫بحلقي‪.‬‬

‫وتواصل المحاولة‪:‬‬

‫‪)) -‬إهإدأ حتى تعرف تفقكر وتقدر تواجهه وأنت قوي((‪.‬‬

‫تدقخلت‪:‬‬

‫‪ -‬يا أبي ‪ . .‬أرجوك أن ‪. .‬‬

‫قاطعني صاراخا‪:‬‬

‫‪ -‬أنت تسكتين‪ .‬ل أريد أن أسمع صوتك‪.‬‬

‫أثارني المر وكهربني‪ .‬لم أطق احتمال أن أسكت‪ ،‬فررت من‬


‫مكاني‪ ،‬ابتعدت‪ .‬خشيت أن ينالني ويضربني‪ ،‬صرخت بكل قوتي‪:‬‬

‫‪ -‬لن أسكت بعد اليوم ‪ . .‬يكفي الذي سكقته!‬

‫عيناه المفجوعتان بصراخي اقتقدتا‪ .‬وقبل أن يفلت لسانه كنت‬


‫أواصل‪:‬‬

‫‪77‬‬
‫‪ -‬وا إذا فكرت تعيدني إليه سأقتل نفسي وأجلب لك مصيبة‬
‫أكبر‪.‬‬

‫التفت إلى أقمي غاضابا‪:‬‬

‫‪ -‬شفتي بنتك؟ ))فوق شينها قوات عينها((‪ .‬يتهقددني‪.‬‬

‫فزعت لي أقمي‪ .‬ناصرتني‪:‬‬

‫‪)) -‬إيه شو يا رقجال؟ البنت قاست وما بدهإا ترجع‪ .‬لزم‬


‫تساعدهإا((‪.‬‬

‫هإبط غضب أبي قلي ا‬


‫ل‪ ،‬عركته الحيرة‪:‬‬

‫‪ -‬شلون أساعدهإا !! أروح أقتل ‪ -‬هإالشايب – علشان أخقلصها؟‬

‫أمي متأقففة‪:‬‬

‫‪)) -‬ما حدا قال لك تقتله‪ ،‬خقليه يطقلق البنت((‪.‬‬

‫‪ -‬وتحسبينه يرضى؟ هإذا ماينكسر باسه‪.‬‬

‫أقم التي عادت إلى مكانها مقابل أبي دققت بكقفها كمن تد ت‬
‫ق كومة ثوم‪:‬‬

‫ب عنه يرضى والق المحاكم بتشوف شغلها((‪.‬‬


‫‪)) -‬غض ة‬

‫كنت بين أقمي وأبي أشبه بطريدة محاصرة يستديان وسيلة للخروج‬
‫ف‬‫بها من خيوط الشبكة الخشنة دون أن تجرحهما أو تلت ق‬
‫ننننننننننننننننننننننننننننننن‬
‫)‪ (1‬مثل كويتي‬

‫‪78‬‬
‫عليهما‪ .‬وأنا تنقلني أفكاري إلى حيث القصر‪ ،‬أتخقيل وقع فعلتي‬
‫على العجوز وعطقية والشقر القادم إلقي‪ .‬ثم أرتتد إلى مشهد أقمي وأبي‬
‫الحائارين بين الرضوخ لنجدتي أو إلقائاي في براثن العجوز‪.‬‬
‫وقلبي المتأقسي يتواصل دعائاه أن يضدخ ا الرحمة في قلب أبي‬
‫ليشفق علقي وينجدني مكفقارا بذلك عن جريمته الظالمة بحققي‪.‬‬

‫الوقت يمقر عاصافا رغم انسياب الهدوء المؤقت‪ .‬أبي يوصل نفيخه‬
‫وهإو يرقدد‪ :‬ل حول ول قوة إلق بال ‪ . .‬حسبي ا ونعم الوكيل ‪. .‬‬
‫ماني قادر أصقدق كل هإذا يطلع من شيبة النخرة ‪ ..‬وين أروح‬
‫بعمري؟ ‪ . .‬شقدر أسقوي ‪ . .‬هإذي مصيبة وطقبت على راسي‪ .‬أقمي‬
‫بكلماتها تطبطب عليه‪:‬‬

‫‪)) -‬هإقدي يا رجل ‪ . .‬ا يعينك‪ ،‬بقدك ترحم حال هإالبنت‬


‫المنكوبة وترحم حالك‪ .‬يعني شو بقدو يسقوي؟ رح يقطع‬
‫روسنا؟ ا يقطعه‪ .‬ةاحد قنل وبل ضمير‪ .‬لزم يطقلقها‬
‫ورجله فوق رأسه‪ .‬أنت بس خقليك قوي‪ .‬ما تخاف لططو شو ما‬
‫عمل‪ .‬هإقدده بالمحاكم‪ ،‬اللي مثله ما بحب الفضايح((‪.‬‬

‫هإما في الفكرة‪ ،‬وأنا ف السكرةالكاوية أدوخ‪ .‬أتمقنى لو تحدث‬


‫معجزة ما تخرجنا من هإذا الطوفان الجارف‪ .‬كنت من طرف خفقي‬
‫س بأوداجه تنتفض‪ ،‬وبأنفاسه تضطرب‬ ‫ألمح وجه أبي المصفر‪ ،‬أح ق‬
‫وهإو يسترق النظر إلى وجهي اليمربرد حائاار بين أن يشفق عليه أو‬
‫يحقد‪ .‬يصارع كي يستققر على حال‪ ،‬وأنا !! تتكلني الوسواس‪ :‬هإل‬
‫تنتصر أبقوته ويخقلصني رغم كل الذي سيناله من عقاب العجوز؟ أم‬
‫تنتصر أنانقيته فيعاود بيعي ليأمن‬

‫‪79‬‬
‫الشقر؟ شفقتي تزداد عليه رغم أقنه سبب مصيبتي وسبب ما نحن فيه‬
‫الن‪ .‬في داخلي إحساس إنه يميل إلى مساعدتي‪ ،‬لكقني لم يأؤقمل نفي‬
‫س خرج صوته‬ ‫بشيء حتى ل أصاب بالخذلن منه‪ .‬بعد صمت قا ة‬
‫وكأقنه قادم من عمق بئر‪ .‬خاطب أقمي‪:‬‬

‫‪ -‬الفضل أن أذهإب إليه‪ .‬سأحاول التفاهإم معه بهدوء‪.‬‬

‫أقمي وافقت وكأنها وجدت حبل النجدة‪:‬‬

‫‪)) -‬أحسن ‪ . .‬وا بيعينك‪ .‬المسألة مش سهلة((‪.‬‬

‫قبل أن يتحقرك أبي زعق جرس الباب متواصلا يمتقتحادا بطرقات‬


‫اليدي العنيفة وكأقن خلف الباب من يطلب النجدة من أمر جلل‪.‬‬
‫انتفضنا ثلثتنا كمن مقسنا تقيار كهربقي‪ ،‬أدركنا أقنه العجوز بعاصفته‪.‬‬
‫وطأة المفاجأة شقلت أبي‪ .‬أقمي وهإي تحاول أن تتماسك أشارت له أن‬
‫يفتح الباب‪ .‬ركض أبي‪ ،‬شفقتي عليه تتفاقم‪ ،‬ما الذي سيواجهه الن؟‬
‫أقمي دفعتني وصوتها المرتجف‪:‬‬

‫‪)) -‬أدخلي أنت غرفة النوم‪ ،‬أبوك سيتفاهإم معه((‪.‬‬

‫مثله ل يعرف التفاهإم‪ .‬إن غضبته شديدة‪ ،‬لم أنسى قسوة سوطه بيد‬
‫عطقية‪ ،‬ول ضربه وتعنيفه‪ .‬هإل ستتجاوز ثورته على أبي قذارة‬
‫اللسان أم تتجاوزهإا فيرفع كقفه؟ أكيد أقن أبي لن يرفع سيافا ليدافع‬
‫عن كرامته! يا ويلي على أبي سأتسقبب في إهإانته وطرده من‬
‫العمل‪.‬‬

‫ارتقجت صالة بيتنا بصوت العجوز‪:‬‬

‫‪80‬‬
‫‪ -‬وينها الكلبة بنت الكلب؟‬

‫صوت أقمي يتحقدى خوفها‪:‬‬

‫‪)) -‬إحفظ لسانك وإلق بقطعه((‪.‬‬

‫أبي يحاول‪:‬‬

‫‪ -‬إهإدأ يا عم نايف ‪ . .‬نتفاهإم‪.‬‬

‫عقج صوته مختا ا‬


‫ل‪:‬‬

‫‪ -‬من أنت حتى أتفاهإم معك؟ طقلع الكلبة‪.‬‬

‫صص على‬ ‫س عيانا واحدة أتل ق‬ ‫من ش ق‬


‫ق باب غرفة النوم كنت أد ت‬
‫طا‪ ،‬وأنا تتلعب‬ ‫حريق الصالة‪ ،‬عجين الكلم يترجرج منتفاخا وهإاب ا‬
‫بي برودة روحي الملة في الخلص‪ .‬ورعود جسدي التائاقة إلى‬
‫الحرردية‪ .‬كان عطقية يحاوط جسد سقيده خاشايا عليه من السقوط‪ ،‬لكن‬
‫ققوة العجوز التي توقلدت من بارود الغضب كانت أشقد‪ ،‬يحاول‬
‫الفلت وتهديده الصارم‪:‬‬

‫‪)) -‬إن ما ذبحتها وشربت من دمها ما أكون رقجال ابن‬


‫رقجال(( وبعد تهرب مني؟‬

‫صرخت أقمي تذكره‪:‬‬

‫‪)) -‬من أفعالك السوداء((‬

‫طعن أقمي‪:‬‬

‫‪ -‬بنتك عايشة أحسن عيشة‪ ،‬وأنتم عايشين من خيري‪.‬‬

‫‪81‬‬
‫اسبدد غضب أقمي‪:‬‬

‫‪ -‬طيطز ‪ . .‬وين هإالعيشة؟ بنت مثل فلقة القمر محبوسة مثل‬


‫النعجة ونازل فيها ضرب وتعذيب((‪.‬‬

‫طارت أقمي إلى عطقية‪ .‬أمسكت بتلبيبه‪:‬‬

‫‪)) -‬وأنت يا عبد الشوم كيف تجلد بنتي بالسوط؟((‬

‫هإبط وجه العجوز‪ ،‬تأقكد بأقنني أفشيت خبايا القصر وجرائامه‪.‬أقمي‬


‫واصلت تصفع عطقية‪ ،‬وجهه‪ ،‬صدره وهإو مستسلم حزين مرتجف‪.‬‬
‫أبي يشقدهإا‪ ،‬ذراع عطقية التي تحاوط العجوز تراخت‪ ،‬فوجدهإا‬
‫فرصة للفلت‪ ،‬تحقرك نحو الباب الذي أختبئ خلفه وكأقنه لمحني‪،‬‬
‫وجهه الحافل بأبشع التعابير يقترب وصوته‪:‬‬

‫‪ -‬اطلعي يا كلبة‪.‬‬

‫قبل أن يصلني‪ .‬كنت أخرج إليه حاشدة نفسي بققوة خارقة‪ ،‬مصقممة‬
‫أن أستدد منه عذاب السنوات الربع‪ .‬صرخت بكل عنفي‪:‬‬

‫‪ -‬تعال وقريني ‪ . .‬وا أقتلك‪.‬‬

‫جفل وجهه‪ ،‬أقمي ركضت إلقي‪ ،‬وقفت بيننا حائالة دون حدوث ما‬
‫تخشى عواقبه‪ .‬أبي أشار إلى عطقية أن يمسك بسقيده‪ .‬لكقن العجوز‬
‫دفع بأقمي‪ ،‬وأمسك بذراعي يلويها‪ .‬لم أترقدد‪ .‬أمسكت بذراعه‬
‫الخرى لويتها وأنا أهإقدده‪:‬‬

‫‪ -‬وا أكسرهإا‪ .‬أترك ذراعي‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫أصدر آهإة ألم‪ ،‬ركض أبي‪ ،‬فقك حصاره وهإو يثور بوجهي‪:‬‬

‫‪ -‬هإل جننت؟‬

‫انتهز العجوز الفرصة‪:‬‬

‫‪ -‬حتى تعرف أقنها مجنونة خالصة‪.‬‬

‫أقمي رقدت عقني‪:‬‬

‫‪)) -‬ومين جقننها غير أفعالك يالوسخ ‪ . .‬كمان الخادمة‬


‫بفراشها((؟!‬

‫تلقبست العجوز ثورة‪ .‬اندفع ثانية إلقي مثل ذئاب استعقدت أنيابه‬
‫للتهامي‪ .‬تشقجعت‪ .‬استبسلت للدفاع عن نفسي‪ ،‬مددت ذراعقي‬
‫ض بذراع‬‫ودفعته عقني‪ ،‬طار مثل ريشة‪ ،‬سقط على الرض وارت د‬
‫الريكة الخشبقي‪ ،‬صرخ‪ ،‬هإرع إليه عطقية ليلملمه وصوته تخرقه‬
‫الدموع‪:‬‬

‫‪ -‬عمي ‪ . .‬عمي ‪ . .‬اسم ا عليك‪.‬‬

‫ابتلع الخوف وجه أقمي وأبي‪ .‬العجوز يتراجف ويئقن وقد زاغت‬
‫عيناه‪ .‬عطقية يتوقسل‪:‬‬

‫‪ -‬هإاتو ماء‪.‬‬

‫ش وجه سيده ويخاتلني بنظرة‬ ‫أسرع أبي بالققنينة‪ ،‬عطقية بعجالة ير ت‬


‫عتاب‪ .‬والعجوز يستفيق‪ ،‬يثرثر بكلمات التهديد غير المتوازنة تارة‬
‫لي وتارة لبي‪ .‬عاعده عطقية على النهوض‪ ،‬بالكاد حملته ركبتاه‪.‬‬
‫نظر إلى أبي بحقد شديد‪:‬‬

‫‪83‬‬
‫‪)) -‬وا أعقلقها طول عمرهإا وما اتشوفون شقي مني((‪.‬‬

‫حاول أبي‪:‬‬

‫‪ -‬يا عقمي نايف ا يرضى عليك البنت ما تبيك طقلقها‪.‬‬


‫نظر إلى أبي بازدراء‪:‬‬

‫‪ -‬وأنا ما أبيها لكن راح أعقلقها وما أطقلق‪.‬‬

‫لم يتعقثر الكلم على شفتقي‪:‬‬

‫‪-‬راح اطلقني غصابا عنك ‪ . .‬هإناك محاكم‪ .‬سأفضحك‪.‬‬

‫ألوى ليخرج وهإو يرقدد‪:‬‬


‫‪ -‬نشوف‪ .‬أنا والق أنت وأهإلك!‬
‫‪ -‬صفق الباب‪ .‬وجم السكون على البيت‪ .‬أبي أسقط جسده‬
‫المنهك على الريكة وهإو ينفخ‪ .‬أقمي بجواره تثرثر‪:‬‬
‫‪)) -‬حسبنا ا ونعم الوكيل فيك‪ ،‬يخرب بيتك شو نذل‪ .‬ا ل‬
‫يرقدك((‪.‬‬
‫جلست قابلتها‪ ،‬دموعي تنساب‪ ،‬شهقاتي تتواصل‪ ،‬صوتي‬
‫يستنهض حنان أبي‪:‬‬
‫‪ -‬بابا ا يخقليك ‪ . .‬خقلصني منه‪.‬‬
‫أقمي ساندتني وهإي تطرق خفيافا على ركبة أبي‪:‬‬
‫‪)) -‬بكرة بتروح لمحامي شاطر وبترفع عليه قضقية((‪.‬‬
‫زفر أبي‪ .‬خرج صوته واهإانا محتداما بالحزن‪:‬‬
‫ننننننننننننننننننننننننن‬
‫)‪ (1‬ل تريدك‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪ -‬ارحموني ‪ . .‬أنا تعبان ول قدرة لي على التفكير‪.‬‬
‫نهض متوقجاها إلى غرفة نومه‪ .‬وقبل أن يلجها التفت إلى أقمي‪:‬‬
‫ق مع ابنتك ول تزعجاني‪.‬‬ ‫ت أريد أن أنام‪ .‬إب ت‬
‫‪ -‬لو سمح ت‬
‫حين أغلق الباب أحسسته كمن يدخل إلى متاهإة بالغة السواد‪.‬‬
‫حزنت لجله‪ .‬وجدتني في لحظة سامية أتطقهر من كل الذي‬
‫أضمرته له من مشاعر حاقدة‪ .‬شيء في داخلي تأقكد أقنهلن‬
‫سنزوي في وحدته ليتأقسف على ما سقببه لي من ظلم‪ .‬وسيقتخذ‬
‫ب الذي أسقطني فيه‪.‬‬ ‫قراره وينتشلني من اليج ر‬

‫تلك ليلتي الولى في بيت أبي‪ ،‬انطرحت على السرير البسيط‪،‬‬


‫ل شراشف من الحرير‪ ،‬ول وسائاد الديباج التي تهرشني‪.‬‬
‫أحسست السرير باتساع حديقة حافلة بشقتى اللوان والروائاح‪.‬‬
‫بين ليلتي الخضراء المؤملة بخلصي‪ ،‬وتلك السنوات الباهإظة‬
‫بمقرهإا‪.‬‬

‫صة تلك اللحظات التي يهب علقي‬ ‫أخذت أستعيد تفاصيلها خا ق‬


‫فيها مثل ريح متوقحشة يزفر رغبته كالطوز الحمر‪ ،‬فأشعر‬
‫وكأقنني داخل قبر ييهال علقي فيه التراب والحصى‪ ،‬فل أرى‬
‫س سوى كقفيه الخشنتين تخرمشان‬ ‫غير وجهه المطفأ‪ ،‬ول أح ق‬
‫جسدي‪ ،‬ول أسمع إلق طقطقة أسنانه وعظامه وهإو يلهث‬
‫ليصطاد نشوته‪.‬‬
‫انتفضت حين وصلت بي الصورة هإذا الحقد‪ ،‬فاجأني عطش‬
‫ت ثلث زجاجات من الماء‬ ‫غريب‪ ،‬تسقللت إلى المطبخ‪ ،‬عبب ي‬

‫‪85‬‬
‫وكأقنني صائامة عنه منذ شهور‪ .‬عدت إلى سريري‪ ،‬أويت إليه‬
‫مثل فراشة متحقررة من الظلمة والصمت‪ .‬ارتكزت على‬
‫وسادتي وكأقنها صدر أقمي وأخذت أدعو ا أن يخقلصني‬
‫ويخقلص أبي من ورطة أوقعته فيها‪ .‬بكيت قبل أن أستسلم‬
‫للكرى آملة أن أغطس في نوم علقي طويل‪.‬‬

‫***‬

‫هإناك فاجعات جميلت‪ ،‬إن كان زمن المعجزات قد انتهى؛ فها هإو‬
‫النار يطقل برأسه ويفاجئ بمعجزة جديدة وكأقن دعاء قلبي المحروق‬
‫اخترق السموات السبع أسرع من البرق فشملني ا بحنانه‬
‫ورحمته‪ .‬أفزعتني أمي وهإي تهقزني‪:‬‬
‫‪)) -‬قومي ‪ . .‬عطقية بالصالة((‪.‬‬
‫‪ -‬عطقية ‪ . .‬خير؟!‬
‫وجه أقمي ل يخلو من سعادة مكتومة‪:‬‬
‫‪)) -‬ا خقلصك وخقلصنا((‪.‬‬

‫ي خبر تزقفه أقمي؟ ماذا تعني أقن ا خقلصنا؟ توارت قبل أن‬‫أ ق‬
‫تشفي غليل دهإشتي‪ .‬هإببت من الفراش بذعري ودهإشتي‪،‬‬
‫ارتديت ملبسي بأسرع ما أمكننيوخرجت إلى الصالة‪ ،‬كان أبي‬
‫طا رأسه بين كقفيه وعطقيه لمامه ينشج بنحيب‬‫جالاسا مسق ا‬
‫متواصل‪ ،‬توقجهت إليه بالسؤال الذاعر‪:‬‬

‫‪ -‬شنو صار يا عطقية؟‬

‫‪86‬‬
‫رفع وجهه المبتقل‪ ،‬عيناه متوقرمتان‪ ،‬شفتاه ترتعشان كما صوته‬
‫الغارق بالدمع‪:‬‬

‫‪ -‬عقمي ‪ . . . .‬مات‪.‬‬

‫تهاويت على الريكة‪ ،‬ل أدري ما الذي أهإواني! المفاجأة أم الفرح‬


‫الذي سرعان ما انتشر كالمخقدر في روحي‪ ،‬كيف أصقدق؟ كيف‬
‫حدثت الفاجعة الجميلة!‬

‫‪ -‬كيف يا عطقية؟‬
‫ق‬
‫عطقية ل يقوى على الكلم‪ .‬أبي تولى عنه‪:‬‬
‫‪ -‬بعدما وصل القصر تعب‪ ،‬أحضروا له الطبيب فققرر نقله‬
‫إلى المستشفى‪ .‬ساعتان وحدث هإبوط في القلب‪.‬‬

‫غير مصقدقة شامتة‪:‬‬

‫‪ -‬إيه ‪ . . .‬كان يريد أن يعقلقني فعلقت روحه‪.‬‬


‫أبي بشزر أمرني‪:‬‬
‫‪ -‬تأدبي ‪ . . .‬ل شماته بالموت‪.‬‬
‫ثم نحو أقمي‪:‬‬
‫‪ -‬اتصلي بفيصل‪ ،‬الدفن قبل صلة الظهر‪ ،‬علينا أن نذهإب إلى‬
‫المقبرة‪.‬‬

‫تخقيلت القبر‪ ،‬أقيهما تراه أضيق من الخر‪ :‬القبر الذي دفنني فيه‬
‫وكان يسعى لتدجيني في حظيرته إلى البد أم هإذا الذي سيفتح‬

‫‪87‬‬
‫الن؟ تحقركت شماتتي بتلك العظمة الفارغة التي تضقخمت في نفسه‬
‫طمت‪ ،‬لم تداهإمني ولو ذقرة حزن‪ ،‬لم تتكقرم‬‫وهإا هإي الن قد تح ق‬
‫دمعة ولو مصنطنعة أن تنزلق من مكانها‪ ،‬كان الفرح الطاغي يردم‬
‫الهقوة مابين المس المضني وواقعي اليوم‪ .‬شيء كالسحر ينفيني‬
‫عن كل ما حولي‪ ،‬أصير مثل الفراشة التي ترقص في مهرجان‬
‫ألوان ييطلق أسمه النارقية‪ ،‬يضيء الكون‪ ،‬يصخبه ويجقلله بأثواب‬
‫عرس‪ .‬حتى عطقية لم أشفق عليه‪ ،‬لم أفقكر بالمصير الذي ينتظره‬
‫ولم أجد رغبة أن أقول له كلمة عزاء واحدة له‪ .‬ما يدرني أقنه رغم‬
‫ضا بالراحة والتخقفف من ثقل القسيد على‬‫كل حزنه الحقيققي يشعر أي ا‬
‫العبد الموروث‪ .‬حين انتصب ليخرج انتصبت‪ .‬وحين اتجه ليخرج‬
‫تبعته‪ .‬وعن الباب التقت نظراتنا‪ .‬عيناه الدامعتان يلتمع فيها شيء‬
‫غريب أشبه بالود الكبوت وبالسؤال الحائار ))ما مصيري؟((‪.‬‬
‫تحامل على نفسه وهإمس بذلك الصوت الذي يترقدد كالموسيقى في‬
‫داخلي‪:‬‬

‫‪ -‬هإا أنت ارتحت منه ‪ . .‬لقد تعقذبت معه‪.‬‬

‫فرحت بشهادته‪ .‬جرؤت وقلت بصوت خفيض‪:‬‬

‫‪ -‬أنا سعيدة يا عطقية‪ .‬ل تلمني‪.‬‬


‫هإقز رأسه‪:‬‬
‫‪ -‬ل ألومك‪ ،‬لكن تعرفين أقنني ‪. . .‬‬

‫قاطعته‪:‬‬

‫‪ -‬أدري كم كنت تحقبه‪ .‬رغم أقنه ل يستح ق‬


‫ق‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫‪ -‬إقنها تعشرة عمر!‬
‫قالها بألم‪ ،‬أردت أن أخقفف عنه وأذقكره‪:‬‬
‫‪ -‬عشرة القذل والقهر‪ .‬أنت الن مثلي‪ ،‬ستكون حاقرا‪.‬‬
‫عاط بنشيج عال‪ ،‬اندفع إليه أبي احتضنه مواسايا‪:‬‬
‫‪ -‬صرل على النبي يا عطقية‪ .‬نعرف كم كنت تحقبه!‬
‫ترجرج صوت عطقية الباكي‪:‬‬
‫‪ -‬وما كنت أحسب أقنه يحقبني بهذا القدر‪.‬‬
‫ت غاضبة‪:‬‬‫اعترض ي‬
‫‪ -‬يحبك؟ أنسيت الذقل والضرب؟‬
‫بين زقخات دموعه تقاطرت كلماته‪:‬‬
‫‪ -‬يا سقيدتي لقد عقوضني فأدركت كم يحقبني‪.‬‬
‫اشتعل فضولي‪:‬‬
‫‪ -‬كيف؟ بم عقوضك؟‬
‫‪ -‬حين فاجأته الزمة أمرني أن أفتح الخزنة‪ ،‬ويأحضر له‬
‫مظروافا‪ .‬فتحه وقال هإذه شهادة عتقك ومبلغ كبير باسمك في‬
‫البنك‪.‬‬

‫في تلك القلحظة شعرت أقن قليلا من حقدي على العجوز يتلشى‪ .‬هإا‬
‫هإو رغم كل فساده وجبرته فقكر بعطقية الذي قام على خدمته‪،‬‬
‫وإرضاء غروره ومساعدته في متعته‪ .‬أقما أنا! فقد ورثت‬

‫‪89‬‬
‫كقل شيء تمااما كما حلمت أقمي‪ .‬ح ق‬
‫ظي أقنه مات سرياعا وإلق لكان‬
‫حرمني من الثروة انتقااما من فعلتي‪ .‬الن فقط ققدرت لقمي نظرتها‬
‫البعيدة‪.‬‬

‫خرج عطقية وفرح كبير يتمرجح في كل أوصالي‪ ،‬ناداني أبي‪،‬‬


‫ارتسم حزن كبير على قسمات وجهه‪ ،‬تنقهد ثم قال‪:‬‬

‫‪ -‬اسمعي يا نادية‪ .‬قد نكون أنا وأقمك ظلمناك ‪ . .‬سامحينا‪.‬‬

‫التهبت في قلبي شفقة صادقة عليه‪ .‬كان الفرح الذي يعربد في‬
‫داخلي قد شفط حقدي وغضبي عليهما‪ ،‬هإا قد جاء خلصي‪ ،‬أغلق‬
‫باب الظلم وأشرع باب الحرردية والثروة ماعا‪ .‬هإمست لبي بح ق‬
‫ب‬
‫كبير‪:‬‬
‫‪ -‬لقد نسيت كل شيء يا أبي‪.‬‬
‫احتضن وجهي‪ ،‬حقدق بعينين مغرورقتين بالدمع وشقدد على كلماته‪:‬‬
‫‪ -‬أريدك أن تتأقكدي أقن المر لم يكن ))صفقة(( وطماعا في‬
‫المال‪.‬‬
‫آآآآه يا أبي‪ .‬لم ينس ما تفقوهإت به‪ .‬يبدو أقن كلمتي القاسية ظقلت‬
‫تحرث في قلبه وتؤرقه منذ أن خرجت من نعيم بيته إلى جحيم‬
‫العجوز‪ .‬أرخيت بصري خجلا منه‪ .‬رفع وجهي وأقكد‪:‬‬
‫‪ -‬كنت محكواما بسلطته ‪ . .‬سامحيني‪.‬‬
‫انفجرت بالبكاء‪ ،‬ألقيت برأسي على ركبتيه أتوقسله‪:‬‬

‫‪90‬‬
‫‪ -‬أرجوك ي أبي ل تعقذبني‪ ،‬كنت أعرف أقنك مرغم لكقني‬
‫دفعت ثمن خضوعك لسوطوته‪.‬‬
‫طبطب على ظهري وهإو يعدني‪:‬‬
‫‪ -‬سنعقوضك عن كقل ما عانيت‪.‬‬

‫دخلت أقمي‪ .‬مرتعبة من نشيجي‪ .‬هإقدأهإا أبي‪ ،‬طلب منها الجلوس‪،‬‬


‫أمرني بحنان أن أكفكف دموعي وأستمع لما يقول‪ ،‬فاح الجقد من‬
‫صوته‪:‬‬

‫‪ -‬اسمعي يا نادية‪ .‬أنت الن أرملة‪ .‬عليك أن تعودي إلى بيت‬


‫زوجك لتقضي شهور عقدتك هإناك‪.‬‬
‫ارتعبت‪:‬‬
‫ي عقدة؟‬
‫‪ -‬أبي ‪ . .‬ماذا تقول؟ أ ق‬
‫أقمي تدقخلت لتوضح‪:‬‬
‫‪)) -‬عقدة الرملة أربعة شهور وعشرة أيام((‪.‬‬
‫اعترضت‪:‬‬
‫‪ -‬هإل بعد أن نجوت من القصر أرجع إليه؟‬
‫أقمي بإصرار‪:‬‬
‫‪)) -‬طباعا ترجعين ‪ . .‬وإلق بقدك أولده يحتقلوا القصر؟((‬
‫نظر إليها أبي غاضابا ول ئااما‪:‬‬
‫‪ -‬أين يشطح بك تفكيرك؟ الشرع يفرض هإذا‪ ،‬عقدة المرأة في‬
‫بيتها‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫لم تعبطر جملة أمي عبور الهواء‪ ،‬لحظتها استفقت وتذقكرت‪ ،‬هإناك‬
‫شركاء لي في الرث‪ .‬ثلثة عشرة ورياثا‪ ،‬سبعة من زوجته الولى‬
‫التي طقلقها وستة من زوجته الثانية التي ماتت‪ .‬ذات ليلى حدثني‬
‫عنها بعبور سريع‪ ،‬كيف أحقبها وعاش معها سبع عشرة سنة سعيادا‪،‬‬
‫وحين توقفاهإا ا ظقل يرعاهإم حتى كبروا‪ .‬تزقوجوا واطمأن عليهم‪،‬‬
‫ظي‬‫اشترى القصر وعاش فيه وحيادا‪ ،‬لم يفقكر بالزواج ثانية‪ .‬ح ق‬
‫التعس أقن أبي عمل عنده مديارا لشركاته‪.‬‬
‫ض‪ ،‬تصقور أقنه سيحيي‬ ‫دعاه مقرة إلى بيتنا‪ ،‬التقطت عيناه شبابي الغ ق‬
‫رميمه ويجقدد عجف سنينه فتقمت الصفقة‪.‬‬

‫سرحتى بخيالي بالشركاء الذين لم أرى وجوهإهم‪ ،‬كقلهم أكبر مقني‬


‫بسنوات أو بمثل عمري‪ ،‬ماذا سيفعلون بي؟ ماذا ينتظرني؟ أقمي‬
‫رفعت صوتها لتوقظني‪:‬‬

‫‪)) -‬ققدامك مشاكل كتيرة‪ .‬لزم تكوني هإناك وإلق بكره‬


‫بياكلوكي((‪.‬‬

‫أبي ليطمئنني‪:‬‬
‫‪ -‬ل تخافي أنا وأمك سنكون معك حتى تنتهي شهور عقدتك‪.‬‬

‫شعرت بآلة حادة تعصر قلبي‪ ،‬أنا التي نمت البارحة ملء جفوني‬
‫وفتحتهاعلى الضوء الفاتن‪ .‬تصقورت أقن يوم حقرقيتي المقبور نفض‬
‫ترابه الحامض وانفتح للنور؛ أجدني ثانية سأعود إلى القبر‬
‫ق الحداد عليه؟ كم شعرت أقننا‬ ‫ليأسرني بشهور العقدة‪ ،‬هإل يستح ق‬
‫نحن النساء مهيضات الجناح‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫بكيت حقرديتي المصادرة لحظة ولدتها‪ .‬أقمي حاولت أن تواسيني‪:‬‬

‫‪)) -‬يا بنتي تحقملتي كتير ‪ . .‬احتملي شوقية شهور((‪.‬‬


‫ق الباب‪ ،‬فتحت أقمي‪ ،‬اندفع أبناء أخي الثلثة‬ ‫قبل أن أنطق بكلمة يد د‬
‫نحوي‪ .‬بفرح التصقو بي وفاح ندائاهم الذي افتقدته أكثر من سنة‬
‫))عقمتي ‪ . .‬عقمتي((‪ .‬أزاحهم أخي فيصل احتضنني بح ق‬
‫ب كبير‪،‬‬
‫ربت على كتفي بحنان‪ ،‬رفع وجهي حصره بين كفيه‪ .‬حقدقت به‪ .‬لم‬
‫ألمح أقية مشاعر للسف على الميت‪ .‬قال جملته المقتبضة التي‬
‫اختصرت فرحه بخلصي‪:‬‬
‫‪ -‬ل تجوز عليه سوى الرحمة‪ .‬ارتاح ورقيح‪.‬‬
‫زوجته إيمان اختطفتني إليها‪ .‬تعانق شوقنا‪ .‬تمازجت دموعنا‪.‬‬
‫هإمست بأذني خاشية أن يسمعها أحد‪:‬‬
‫‪ -‬ألف مبروك‪.‬‬
‫ليلة زواجي من نايف لم تنطق إيمان بتلك الكلمة‪ .‬كانت حزينة‬
‫كأقنها تنعى شبابي وهإي اليوم تبارك لي‪ ،‬تدرك أقنه يوم فرحي‬
‫الحقيققي الذي تجوز فيه التهنئة‪.‬‬

‫حين خرج أبي وأخي إلى المقبرة انشغلت أقمي يتعتد الحقائاب‪ ،‬تبعها‬
‫الصغار فكانت فرصتي للختلء بإيمان‪ .‬سردت عليها بإختصار‬
‫عذابات السنوات الربع وهإي غير مصقدقة لما تسمع‪ .‬تبكي تارة‬
‫ممرورة بمراري؛ وتارة مستغربة من قدرة احتمالي‪ .‬وبين وصلة‬
‫وأخرى ترفع كقفيها إلى السماء وترقدد‪ :‬الحمدل ‪ . .‬الحمدل الذي‬
‫خقلصك‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫بحزن قلت‪:‬‬
‫‪ -‬وتصقوري بعد أن نجوت يريدون أن أعود ألى القصر وإلى‬
‫وجه جورجيت‪.‬‬
‫بحماس قالت‪:‬‬
‫‪ -‬أول شيء تطردينها من القصر‪ .‬أنت الن سقيدة المكان‪.‬‬
‫ثم كمن تذقكرت‪:‬‬
‫‪ -‬وعطقية! ماذا ستفعلين به؟ )وضحكت( هإل سترثينه أنت‬
‫الخرى؟‬
‫ما كنت قد فقكرت بأحد غير نفسي‪ ،‬لكقنني وجدت شيائا أهإمس به‪:‬‬

‫‪ -‬عطقية مسكين و ‪ . .‬وفقي‪ .‬وا إقنه يحقبني‪.‬‬


‫واستني‪:‬‬
‫‪ -‬يعينك ا كقلها شهور وتمضي ثم ‪. . .‬‬
‫قاطعتها‪:‬‬
‫‪ -‬سأبدأ حياتي يا إيمان‪ .‬أقول شيء سأكمل تعليمي‪.‬‬
‫انتشر الفرح على وجهها‪:‬‬
‫‪ -‬أحسن قرار‪ .‬لكن!‬
‫وصلني خوفها فقلت‪:‬‬
‫‪ -‬ل تخافي أنا الن أكثر ققوة‪ .‬المال بيدي‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫شقدت على كقفي بإعجاب‪ .‬لحظتها دخلت أقمي وهإي تضرب كافا‬
‫بك ق‬
‫ف‪:‬‬

‫‪)) -‬خايفة يكونو سبقونو وراحوا القصر بتكون مشكلة((‪.‬‬


‫ت ويقلت‪:‬‬
‫لم أرتح لكثرة اهإتمامها بالقصر‪ ،‬عبس ي‬
‫‪ -‬لنفترض ‪ . .‬أليس من حققهم أن يتققبلوا العزاء في قصر‬
‫والدهإم؟‬
‫تضايقت أقمي فقد اكتشفت أقنني ل أضمر لهم شاقرا ول كراهإية‪:‬‬

‫‪)) -‬ناقصك تشجيعهم‪ .‬هإقي ثلثة أقيام وبعدين لزم يفارقو((‪.‬‬


‫تدقخلت إيمان‪:‬‬
‫‪ -‬يا خالتي ل تستبقي الحداث‪ .‬ربما لم يفقكروا بذلك أص ا‬
‫ل‪.‬‬

‫أصقرت أقمي وهإزت صدرهإا كمن ترقص‪:‬‬


‫ص‪ .‬إن عملوهإا مش راح أسكت((‪.‬‬ ‫‪)) -‬ل ‪ . .‬بيفقكروا ون ق‬
‫‪ -‬يا أقمي‪ .‬ا يخقليكي‪ .‬ل نريد مشاكل معهم‪.‬‬
‫‪)) -‬أنا مش راح إبدأ‪ .‬بس إذا بدأوا ‪.(( . . .‬‬

‫قاطعتها‪:‬‬

‫‪ -‬أبي وأخي يتصقرفان‪.‬‬


‫هإمست بإستسلم وهإي تغادر‪:‬‬

‫‪95‬‬
‫‪)) -‬طقيب بنشوف‪ .‬بكرا بنقعد تحت الحيط وبنسمع الزيط((‪.‬‬

‫شعرت بالققوة‪ .‬أقمي ل يهقمها غير أن يبقى القصر لي ولها‪.‬‬


‫خوفها من أبناء زوجي سيضاعف ققوتي‪ ،‬تلك نقاط ضعفها التي‬
‫سألعب عليها لعبتي‪ ،‬لقد تحققق لها الن حلمها الكبير ))بكرا بيموت‬
‫وترثيه((‪ ،‬الن دوري أن أشقجر أحلمي بالشكل الذي أريد‪ ،‬انتهى‬
‫ي أمر منذ البداية أكون‬‫زمن الصمت والخنوع‪ ،‬إن استسلمت ل ق‬
‫بذلك فتحت قبارا جديادا لشبابي‪ ،‬لحقرديتي‪ ،‬ولحلمي الشاسعة‪.‬‬

‫أفضيت ليمان بأحلمي‪ .‬شقجعتني وأكدت‪:‬‬


‫‪ -‬أخوك فيصل سيقف معك بالتأكيد‪ ،‬تعرفينه لم يكن راضايا عن‬
‫زواجك‪ ،‬وكل تلك السنوات كان يلوم والديك ويلعن أقنهما ظلماك‪.‬‬

‫شعرت بالرتياح والمل أقنني سأجد ظهارا أستند إليه‪.‬‬

‫***‬

‫عند باب القصر استقبلنا عطقية مكسوارا ل كما كان يقف بققوته‪،‬‬
‫سقيارات كثيرة كانت مرصوصة في ساحة القصر‪ ،‬أقمي لكزتني‪:‬‬

‫‪)) -‬مش قلت لك! شوفي كيف وصلوا قبلنا((‪.‬‬


‫انتابني بعض الخوف‪ ،‬اقتربت من عطقية‪:‬‬
‫‪ -‬ما هإذه القسيارات؟‬

‫‪96‬‬
‫‪ -‬أولده ‪ . .‬أزواجهن وزوجاتهم كقلهم هإنا‪.‬‬

‫لم أرغم نفسي على التفكير المسبق بكيفقية استقبال الغرباء الشركاء‬
‫بينما وجه أقمي يلقون بالخوف والغضب‪ .‬عطقية أشار لبي‪:‬‬

‫‪ -‬الرجال كقلهم في الديوانقية‪.‬‬

‫اتجهت مع أقمي وإيمان إلى مدخل القصر وشعور بالقرف يتلقبسني‬


‫وسذقكرني بدخولي القول فأققرر لحظتها ))لن أحتفظ به مهما فعلت‬
‫أقمي((‪ .‬دخلنا الصالة الكبيرة فواجهني سواد العباءات‪ .‬فاحت رائاحة‬
‫العجوز‪ ،‬اخترقتني‪ ،‬كدت أغيب لول أن اندفعت النسوة إلقي تعقزيني‬
‫بوالدهإقن ووالد أزوجهقن‪ .‬ولبدأ بإبراز موقعي ندهإت بأعلى صوتي‬
‫للخادمة‪:‬‬

‫ضري القهوة والشاي للرجال‪.‬‬ ‫‪ -‬زنوبة‪ .‬ح ق‬


‫انطلق صوت إحدى الجالسات )ما كنت أعرف هإل هإي ابنته أو‬
‫زوجة أحد أبنائاه(‪:‬‬

‫‪ -‬ماء فقط‪ .‬هإذا عزاء‪.‬‬


‫أقمي بصوت حاولت أن يخلو من العنف‪:‬‬
‫‪)) -‬بس يروحو المعقزين أهإل البيت بيشربو((‪.‬‬
‫هإبط صمت ثقيل على الصالة‪ .‬انتشر رويادا رويادا مثل غبار‬
‫المساءات المعتمة‪ ،‬بدت النسوة المتلقفعات بالسواد أشبه‬

‫‪97‬‬
‫بفراشات معقبآت بسنون القدور القديمة‪ .‬صامتات صمت القبور‪ .‬ل‬
‫حركة سوى نظرات تتفقرسني ونوايا ملجومة يعلم ا وحده إن‬
‫ضت إحداهإقن الصمت أخيارا واقتربت مقني‬‫كانت بريئة أو آثمة‪ .‬ف ق‬
‫وبصوت يفوح بالحياد قالت‪:‬‬

‫‪ -‬سأعقرفك علينا‪.‬‬

‫تتالت السماء‪ .‬عيناي تتبعان الوجوه‪ ،‬أغلبها غير حزين ول دامع‪،‬‬


‫بعضها رسم حزانا مصطناعا‪ ،‬والبعض ل تعابير عليه سوى الدهإشة‬
‫من صغر سقني وجمالي‪ ،‬فأنا الغريبة التي يرونها لقول مقرة‪ .‬لم‬
‫ألحظ عداء يطقل من عيونهقن فالعداء ل يتشقكل إلق بالمعاشرة‪،‬‬
‫شعرت ببعض الراحة وقليل من المتنان للمقيت الذي نفاني في‬
‫القصر‪ .‬غقنه يجقنبني الن شروارا كان من الممكن أن تؤذيني‬
‫ركماتها لو كنت عاشرتهقن‪ .‬أتأقمل الوجوه وأتساءل في داخلي ))إن‬
‫لم يأت الشقر منهقن هإل يأتي من الرجال أولده وأزواج بناته؟ لم‬
‫ي خوف‪ ،‬كنت أشقد أزري بأقمي القوقية‪ ،‬أنظر إليها‪ ،‬عينيها‬ ‫أشعر بأ ق‬
‫المترقبصتين بالوجوه‪ ،‬بحركتها المتعقمدة لتوحي للجالسات بأقن‬
‫ص ابنتها سقيدته الوحيدة‪ .‬كنت أشفق على أقمي من‬ ‫المكان يخ ق‬
‫أحلمها القادمة‪ ،‬فقد كانت في منآهإا عن أحلمي بعيدة عقما أفكر‬
‫فيه وأخ ق‬
‫طط له‪.‬‬

‫تصقرفت أقمي بالقصر وكأقنها مالكته‪ .‬لم تنتظرني كي أنتقم من‬


‫جورجيت‪ .‬سارعت إليها في المطبخ أمرتها أن تلقم أغراضها‬
‫نننننننننننننننننننننننننننننننن‬
‫)‪ (1‬الشحار السود‪.‬‬

‫‪98‬‬
‫لترحل‪)) :‬ما بقدي أشوف خلقتك بعد اليوم(( حين شاءت أن تفتح‬
‫فمها كانت يد أقمي تطبق بكقفها على صدغها البيض‪)) :‬ول كلمة‬
‫الختيار اللي كنت بتقدللي عليه راح وارتحنا(( هإذا الفعل من أقمي‬
‫جعل الخريات يجفلن‪ ،‬يدركن أقن زمان الدلل والفساد قد انتهى‪.‬‬
‫وأقن الراعي الذي رعين كالغنام في حظائاره حقرات متعاليات قد‬
‫غاب‪ .‬وبغيابه تتغقير المور حسب ما أريده وتريده أقمي‪ .‬صوتها‬
‫ضل وتفارقنا((‪.‬‬‫الحاقد حقذرهإن‪)) :‬اللي ما بيعجبها الحال هإون تتف ق‬
‫حين لمحت النكسار في عيونهقن شعرت بكبريائاي المفقود‬
‫يعاودني‪ ،‬شمخت برأسي أمامهن وأقكدت على كلم أقمي ))زمن‬
‫الدلع وققلة الدب انتهى((‪.‬‬

‫ثلثة أقيام تعبقأ ط فيها القصر بالمعقزين والمعقزيات‪ ،‬حاصرني سواد‬


‫العباءات وصمته الشبه بليل خائاف‪ .‬وثرثرات ما كنت أقتطف منها‬
‫إلق جملا متناثرة ل تعنيني في شيء‪ .‬بينما كان وعي أقمي متيقق ا‬
‫ظا‬
‫لكل ما يدور بحيث كنت أسمع صوتها يدخل في نقاشات حول أمور‬
‫الحياة والموت‪ .‬تعرج من خللها إلى أمور عرشه‪ ،‬كنت أجلس‬
‫على كومات من الشوك‪ ،‬أنتظر اللحظة التي ينطلق بها أذان‬
‫ض مولد المعقزيات ‪,‬اهإرب إلى غرفتي تاركة لقمي‬ ‫المغرب لينف د‬
‫مهقمة إحساسها بملكقية المكان لتشرف على إعادة ترتيبه وإصدار‬
‫أوامرهإا للخادمات‪.‬‬

‫حين ارتميت لوقل ليلة على فراشي الموبوء بذكرى العجوز‬


‫شعرتني متخقففة من تلك الثقال التي كانت تهمد كل ليلة على‬

‫‪99‬‬
‫صدري يضاعفها هإمود جسده على جسدي في ليالي رغباته‬
‫المتوقحشة وقرفي المتواصل‪ .‬هإي الليلة الولى التي شعرت فيها‬
‫بأقنني غزالة حقرة سعيدة غاربة عن ظلم ساد حياتي‪ .‬لم أشأ أن‬
‫أفقكر باستعراض سنوات القهر‪ ،‬أردت أن أنفض رفوف ذاكرتي‬
‫لتها الداكنة وأهإقيئها لحلمي القادمة‪ .‬لم أفكر‬‫منها‪ ،‬أمقزق سج ق‬
‫بشأن التركة ول بالذي سيؤول إليه شأن القصر‪ .‬كنت منذ لحظة‬
‫هإربي منه كنت اتخذت قراري ألق أعود إليه‪ ،‬وإن فرضت علقي‬
‫شهور العقدة الرجوع فلن أبقى فيه يواما واحادا بعد انتهائاها‪ .‬سأفلت‬
‫منه باحثة عن شواطئ الراحة بعيادا عن مشاكل التركة ورنين‬
‫المال‪ .‬حقلقت بخيالي خارج سرب البهرجة‪ ،‬سرحت أجقدل أحلمي‬
‫المنفرطة‪ :‬التحاقي بالجامعة‪ ،‬العمل‪ ،‬وحلمي بالسكن وحدي في شققة‬
‫صغيرة تطقل على دفء البحر وصفائاه في الصيف‪ ،‬وترتعد جذلي‬
‫لجنونه في ليالي العاصفة ‪ . .‬كان فضاء أحلمي ممتاقدا أمامي‪،‬‬
‫مضيائا‪ ،‬مزخرافا باللوان‪.‬‬

‫احتملت شهور القعة بكقل كآبتها‪ ،‬حاولت أقمي أن أتمسك بالقصر‬


‫لنفسي من ضمن نصيبي‪ ،‬لكقني خقيبت أملها‪ .‬تركنا القصر وفي‬
‫داخلي شعور التشقفي من حلمها القديم‪ ،‬انتظرت اسبواعا ثم أفرجت‬
‫عن قراري الرهإيب‪:‬‬

‫‪ -‬سأستقل بحياتي في شققة على البحر‪.‬‬


‫ظى وجه أبي بغضب أعنفه هإول الفاجعة‪،‬‬‫اضطرب وجه أقمي‪ .‬تش ق‬
‫صرخ غير مصقدق‪:‬‬

‫‪ -‬هإل سيخطر ببالك أقنني سأوافق؟ ماذا سيقول الناس؟‬

‫‪100‬‬
‫بععهدوء أجبت‪:‬‬

‫‪ -‬ل يهمني كلم الناس‪ .‬سيصيني شقر ألسنتهم حتى وإن كنت داخل‬
‫قمم‪.‬‬
‫أضافت أقمي حانقة‪:‬‬

‫‪)) -‬أرملة شاقبة وحلوة تسكن لوحدهإا!! ما عملتها واحدة قبلك حتى‬
‫تعمليها((‪.‬‬

‫لم أجنح بثورتي لواجه ثورتهما‪ .‬لم أجدني مضطقرة للصراخ‬


‫والجدل لكسب موافقتهما‪ .‬تمالكت كل هإدوئاي لشعرهإما بأقنني قد‬
‫اتخذت قراري ولن أحيد عنه مهما ققدما من حجج أو وضعا من‬
‫عراقيل‪ .‬كان شعوري بمكانتي الجديدة يدفعني أن أتحقدى‪،‬‬
‫واتصقرف بققوة‪ ،‬فأنا الن ولقية النعمة التي سيرغدان فيها‪ .‬أخي‬
‫فيصل ساندني‪ ،‬قال كلاما لم يعجبهما‪ ،‬وعزف على الوتر ذاته الذي‬
‫س بعض العبارات التي ألمحت أقنهما بحاجة لما‬ ‫استندت إليه‪ ،‬د ق‬
‫ورثت وذقكرهإما بظلمهما القديم لي‪:‬‬

‫‪ -‬لنادية أحلم قتلتموهإا‪ .‬دعوهإا تغفر لكم حين تحقققها‪.‬‬


‫تابعت بشجاعة أكثر‪:‬‬
‫‪ -‬سأكمل تعليمي ومن ثقم سأشتغل‪.‬‬
‫احتقدت أقمي‪:‬‬
‫‪)) -‬أنت مش بحاجة للشغل‪ ،‬صار عندك خير ا((‪.‬‬
‫حقدقت بها أذقكرهإا‪:‬‬

‫‪101‬‬
‫‪ -‬المال الذي أذقلني لن يسعدني‪ ،‬أريده من جهدي وعرق جبيني‪.‬‬

‫ي الذي واجهت به أقمي وأبي جعلهما يستسلمان‬ ‫الصوت القو ق‬


‫لقراري‪ ،‬في تلك اللحظة شعرت بأقنني دفعت كل البواب‬
‫الموصدة‪ ،‬وأقن جناحين قوقيين قد نبتا صارا يحقرضاني على‬
‫الطيران نحو حياة جديدة أمتلك وحدي مقبض دقفتها بل يدطسةر‬
‫تحكمني‪ .‬كانت اللحظة التي تقافزت فيها كل طيور أحلمي‬
‫الموعودة‪ ،‬كل يطير باتجاه وعيناي تلحقان مسارهإا مؤقملة أن أجد‬
‫لكل عصفور وعصفورة عقشهما المناسب‪.‬‬

‫في الليل واجهت نفسي بالسئلة الدقيقة‪ :‬هإل لأنا قادرة ح قاقا على‬
‫المضقي وحدي في الدروبالشائاكة؟ ماذا أمتلك غير المال الذي‬
‫سيحققق لي حلم الشققة؟ كيف سأواجه الحياة التي انعزلت عنها‬
‫ي عن سلوكهم‪ ،‬أفكارهإم‪ ،‬ونواياهإم تجاه‬ ‫والنتاس الذين ل فكرة لد ق‬
‫امرأة بمثل وضعي؟ امرأة ناعمة كالوردة لكنها بل خبرة تؤقهإلها‬
‫للحفاظ على وريقاتها حتى من رعشة النسمة؟ كيف أزرع الثقة في‬
‫نفسي؟ كيف أثبت لقمي وأبي أقنني الكفء لتحقمل هإذه المسؤولقية؟‬
‫التي اقتسعت أمامي وبدأت أشعر بثقلها كقلما جلست إلى نفسي؟! هإل‬
‫أتراجع؟ هإل أركض إلى غرفتيهما وأرتمي بين ذراعيهما مثل طفلة‬
‫خائافة تطلب حمايتهما من المجهول فأقع ثانية فريسة لسيطرتهما‬
‫وتسيير حياتي كما يشاءان؟‬

‫لم أشعر بهذا السى والرعب حين واجهتهما بقراري‪ ،‬لكقنني وأنا‬
‫أواجه نفسي أدركت كم تكون مواجهة النفس صعبة‪،‬‬

‫‪102‬‬
‫والحتكام لعقل ‪ -‬مثل عقلي – لم يسبر خبايا الحياة بعد ول يخلو‬
‫ب صعابا‪ .‬رأيتني وحدي في نفق معتم ليس فيه‬ ‫من اضطراب وتذبذ ة‬
‫غير بؤرة ضوء وحيدة وبعيدة يتسقرب منها إلى سمعي شقشقة‬
‫عصافير حزينة وهإدير أمواج ثائارة‪ .‬وما بين البين تسحرني أشجان‬
‫نايات وثغاء خراف صغيرة سارحة في البراري‪.‬‬

‫الضوء يغريني لنشقد إليه‪ ،‬وأنا مشدودة للواقع الذي لن يسهل‬


‫التمقرد عليه ول الخروج على قوانينه ال ق‬
‫صعبة المحبطة‪ .‬لماذا ألوم‬
‫أمي الخائافة علقي من قذائاف اللسنة الجارحة وظلم الدنيا؟ لماذا‬
‫أكسر قلب أبي وأسلخ عنه هإيبة الب الراغب في أن تكون له‬
‫الكلمة الولى في البيت؟‬

‫وحيدة أققلب بأساي وأعاتب نفسي‪ :‬هإل تتلقبسني فكرة النتقام منها؟‬
‫هإل أصاب روحي التوقحش فغدوت مثل لبؤة تريد افتراس من‬
‫أصابها بسهم أو طلقة رصاصة؟ شعرت بأنني تسقرعت في طريقة‬
‫إعلمهما بقراري‪ ،‬وقد يكون انفلت من مكمنه لمجقرد التشقفي من‬
‫ظلمهما القديم وليس من منطلق الثقة والقدرة على مواجهة الحياة‬
‫ض معركتها بعد‪ ،‬والتي هإي بالتأكيد أقوى من عودي‬‫التي لم أيخ ط‬
‫ي وأوسع من خبرتي اللشيء‪.‬‬ ‫الطر ق‬

‫لم أستطع أن أنام‪ ،‬خقيم الصمت على الغرفة‪ ،‬ربض على قلبي‪،‬‬
‫شعرت بأوداجه تنبلق وتشمت بي وفي داخلي يربض شيء تجاه‬
‫أقمي وأبي يثير شفقتي عليهما ويؤقكد لي أقنهما لم يناما بعد‪ .‬وأقنهما‬
‫المهانان يذرفان دمواع أليمة تجعلمها رقبما يتمقنيان لو لم يمت‬
‫العجوز لظقل مستورة في قصره – القبر – ول أولد ولدة‬

‫‪103‬‬
‫جديدة تحاول أن تخترق بنزقها قانون البقوة والمومة والمجتمع‪.‬‬

‫ضاق بي الفراش‪ ،‬شعرت كأقنه يبصقني‪ ،‬يأمرني أن أغادره حيث‬


‫ي إلى غرؤفتهما‪ .‬صدقت‬ ‫القلبنان المكسوران‪ .‬لم أنتظر‪ .‬شحت خطا ط‬
‫ظنوني‪ ،‬كان النور المضاء يرسم خ قا‬
‫طا أسفل الباب ‪ . .‬طرقته‪.‬‬
‫اندفق صوت أبي حنوانا وكأقنه كان بانتظاري‪:‬‬

‫‪ -‬ادخلي يا نادية‪.‬‬

‫فاضت نحوي رائاحة غريبة ل أدري أين شممتها! هإل كانت رائاحة‬
‫أول طفل لخي خاراجا للتقو من رحم إيمان؛ أم رائاحة صدر اختمر‬
‫بالحليب أو ثغر مليء بالقبلت؟ رائاحة أشهى من أيذ شيء شممته‪.‬‬
‫رائاحة أبوين تفقك مشاعرهإما الرحومة أغلل مشاعري المتجقبرة‪،‬‬
‫ب‬‫تحقررني لندفع إلى فراشهما حيث يتلصقان بكقل معاني الح ق‬
‫الذي ربطهما بخيوطه الحريرقية‪ .‬وجه أمي المحزون أنبأني أقن‬
‫دموعهما مازالت تجيش في صدرهإا‪ .‬أبي الشتد جأاشا مسحت‬
‫ابتسامته بعض ظلل حزنه‪ .‬أوسع لي بالفراش مشيارا أن أجلس‬
‫ي حزين‪:‬‬‫وسقرب صوته مثل نا ة‬

‫‪ -‬هإل أنت أرقة مثلنا؟‬

‫أحنيت رأسي وهإمست‪:‬‬

‫‪ -‬أعرف أقنني سبب أرقكما‪.‬‬

‫تنقفست أقمي عتابها‪:‬‬

‫‪)) -‬كيف بتنام عين الوالدين الخايفين على ولدهإم؟((‬

‫‪104‬‬
‫لم أنبس ‪ . .‬كنت خجلى‪ .‬أحتاج لدهإر كي أخقفف خجلي‪.‬‬
‫واصلت أقمي عتابها‪:‬‬

‫‪)) -‬ولو يا نادية! أقول ما شطح نطح؟ وبمن! بأقمك وأبوك؟((‪.‬‬

‫أبي الذي لمح خ ق‬


‫ط الدموع النازف على خقدي توقسل أقمي‪:‬‬

‫‪ -‬ل تزيدي عليها‪.‬‬

‫اندفعت إلى صدر أبي‪ ،‬انفرط غيم دموعي هإائااجا ذارافا كقل ملحه‪،‬‬
‫ذراعه اليسرى أحاطت بكتفي ويمناه تعابثت شعري بحنان افتقدته‬
‫أربع سنوات‪ ،‬وصوت أقمي الكابح نشيجه يغمر لحظتي‪:‬‬

‫‪)) -‬بس يا حبيبتي ‪ . .‬حاجتك يبكا إحنا مسامحينك((‪.‬‬

‫هإذا التذقوق الجديد لحنانهما جعلني أدحر شراسة ققوتي الطارئاة‪.‬‬


‫صرخت من بين فواصل دموعي‪:‬‬

‫‪ -‬ل ‪ . . .‬ل ‪ . . .‬ل ‪ . . .‬أنا غلطت‪.‬‬

‫أبي برفق حاول أن يخقفف عقني‪:‬‬

‫‪ -‬نحن ل نلومك‪ .‬أربع سنوات من السجن والقهر حجبت النور في‬


‫منابع قلبك وشحنتك بالتوق إلى الحقرية‪.‬‬

‫أقمي أقكدت‪:‬‬

‫))إحنا مش ضقد حقريتك‪ .‬بس مش دغري بقدك تعيشي لحالك!((‬

‫انسللت من حضن أبي‪ .‬اقتربت من أقمي تحقسست وجهها‪:‬‬


‫‪105‬‬

‫‪ -‬أحلم يا أقمي أن أكمل تعليمي‪ ،‬أشتغل‪ ،‬أسكن شققة صغيرة على‬


‫البحر‪ .‬عفن القصر ل يزال يسكنني‪ ،‬أريد أن أتحقرر‪ ،‬أغتسل‬
‫وأتخقفف منه‪.‬‬

‫بدا وجه أبي جااقدا‪:‬‬

‫‪ -‬اسمعي يا نادية‪ ،‬بالنسبة للدراسة نحن لسنا ضقدهإا‪ ،‬كذلك بالنسبة‬


‫للعمل إن كان هإذا واحادا من أحلمك‪ ،‬لكن السكن لوحدك ‪. . . .‬‬
‫فهذا شيء فوق احتمالنا وفوق ‪. . .‬‬

‫قاطعته أقمي ‪:‬‬

‫‪)) -‬فوق احتمال المجتمع كقله ‪ . .‬بعدك صغيرة على هإالخطوة‬


‫الكبيرة((‪.‬‬

‫أبي أمسك بكقفي عصرهإما بحنان شعرت به يتسقرب إلى كل‬


‫عروقي ويدغدغني‪::‬‬

‫‪ -‬شوفي يا بابا إن كانت رغبتك في شققة على البحر‪ ،‬فأنت قادرة‬


‫على ذلك دون تعريض نفسك للذى والكلم‪.‬‬

‫‪ -‬كيف ‪ . . .‬كيف ‪ . .‬؟‬

‫بلهفة أردت أن أستقل إجابته ‪ . .‬قال‪:‬‬

‫‪ -‬سترثين والحمدل مالا كثيارا‪ ،‬تستطيعين شراء عمارة على البحر‪.‬‬


‫تسكنين الروف – ونسكن أنا وأقمك في أحد الدوار‪ ،‬والباقي‬
‫ت{قجرينه ))وزيادة الخير خيرين(( وهإكذا تحمين نفسك من شرور‬
‫اللسن وتحمينا من الخوف عليك‪.‬‬
‫‪106‬‬

‫تأقكد لي كم كنت فقيرة الخبرة سريعة القرار‪ .‬هإا هإو أبي بكل ما‬
‫منحته الدنيا من خبرة وسقاه ا من حنان يققدم الحدل المناسب الذي‬
‫يحققق لي ولهما الراحة والسعادة‪ .‬شعرت بالفواصل كقلها تذوب‪،‬‬
‫الصخور العالقة تتفقتت‪ ،‬التعالي الذي ارتكزت عليه بحماقتي ينهار‪،‬‬
‫والزمن يغدو جميلا حتى لكأقنني شعرت بالفجر يشرق قبل أوانه‪.‬‬
‫صوت أقمي الذي خلع حزنه وارتدى ثوب الرتياح يزغرد في‬
‫أذني‪::‬‬

‫‪)) -‬خلص ‪ . .‬من بكره طوف على هإالسماسرة بتلقيهم أكثر من‬
‫الهقم على القلب‪ ،‬وشوف لها عمارة((‪.‬‬

‫أبي قال مالك والحمدل كثير‪ ،‬ولم يقل المال ‪ . .‬أقمي قالت شوف لها‬
‫عمارة ولم تقل شوف لنا عمارة‪ .‬أشعراني بحققي وبسيادتي‪ .‬هإل كان‬
‫من اللئاق أن أستغقل مكانتي وثرائاي لتصقور أقنني ))ولقية نعمتها‬
‫والحاكمة بأمري؟((‪ .‬انهمرت على صدر أقمي‪ ،‬تنقفست عطوره‪،‬‬
‫س في شرايين الم وتنهل رضاهإا‪ .‬ثم‬ ‫تلقذذت بكوني طفلة تند ق‬
‫اندفعت نحو وجهها أغمره بقبلتي المنقداه بدموعي‪ ،‬وهإي تشهق‬
‫ببكاء فرح وترقدد من أعمق عمقها‪:‬‬

‫‪)) -‬ا يرضى عليتك ويوقفقك ويعقوضك كل خير((‪.‬‬

‫***‬

‫‪107‬‬
‫صة لدعوات القمهات‪ .‬يهقيئها للتحققق‬‫يفتح ا كقوة في السماء خا ق‬
‫ويرقشها مثل غيمة حبلى تساقط خيرهإا علينا‪ .‬هإكذا عقوضني ا‬
‫خيارا كما طلبت أقمي‪ .‬لم أكن وأنا المخنوقة في قصر العجوز أشعر‬
‫ي طعم للمال‪ ،‬ول كنت أتصقوره الهبة الضرورقية للحياة‪ ،‬لكقنني‬ ‫بأ ق‬
‫بعد أن تنقفست حقرقيتي أدركت ما الذي يمكن أن يحقققه للنسان‪ .‬لقد‬
‫صار المفتاح الكريم الذي فتح لي أبواب الحياة المغلقة والسعادة‬
‫الغائابة‪ .‬وصار أبي الذي أوكلت إليه إدارة ميراثي الدقفة التي توقجه‬
‫كل السفائان نحو جزر الحلم التي تمقنيتها‪ .‬اشترى لي عمارة‬
‫رائاعة من سقتة أدوار تطقل على بحر منطقة ))القشعب((‪ .‬حين رافقته‬
‫أقمي لنراهإا أقول مقرة أسرعت إلى المصعد ملهوفة‪ .‬ناداني‪:‬‬

‫‪ -‬انتظري‪ .‬أل تريدين أن تري ساحتها وملحقها وأدوارهإا السفلى؟‬

‫أشرت إليه أن يلحق بي هإو وأقمي وصوتي مترنقاما بالفرح‪:‬‬

‫‪ -‬كل ما يهقمني أن أرى القروف الذي سأسكنه‪.‬‬

‫لم يتباطأ المصعد بنا‪ ،‬كان وهإو يرتفع أشبه بجناح طير خرافقي‬
‫يحملني إلى السماء السادسة ثقم يفتح لي باب جقنتي الصغيرة‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫اندفعت إلى الزجاج الممقد بطول الصالة وعرضها‪ ،‬كان به قايا دافاقئا‬
‫وكأقن الشمس اختبأت فيه ولم ترحل‪ ،‬ألصقت وجهي به‪ ،‬رسمت‬
‫أنفاسي دائارة من البخار‪ ،‬مسحتها وأرسيت نظري نحو البحر‪ ،‬كان‬
‫شديد الثارة‪ ،‬هإائااجا‪ ،‬ترقص أمواجه وكأقنها تحتفل بقدومي‪ .‬أذرع‬
‫النخيل المرصوصة على الرصيف المحاذي للبحر تدفعها القريح‬
‫س بها تهديني تحقيتها وعطر قلبها والرمل اللمع يعدني‬ ‫تجاهإي فأح ق‬
‫بأن أكون سريارا ناعاما لحلمي‪ .‬تطايرت في الشققة مثل فراشة ل‬
‫طط‬ ‫ط‪ .‬أقمي وأبي يتضاحكان وأنا أهإزج بصوتي أخ ق‬ ‫تدري أين تح ق‬
‫للشكل الذي ستكون عليه‪) :‬هإنا سأضع أريكة عريضة مواجهة‬
‫لوجه البحر‪ ،‬هإنا سأعلق لوحة كبيرة لمهرة تركض في البراري‪،‬‬
‫هإنا سأضع مكتبة صغيرة ومكتبي الذي سأدرس عليه‪ ،‬وهإنا ‪. .‬‬
‫وهإنا ‪ . .‬نباتات خضراء واقفاص عصافير وشمعدانات من كل‬
‫الحجام‪(.‬‬

‫عقلق أبي وهإو يضحك‪:‬‬

‫‪ -‬هإل ستعيشين على ضوء الشموع؟‬

‫انتصبت أمامي في لحظة أسقف القصر بكل أثقالها من الضاءات‪.‬‬


‫قل لبي‪:‬‬

‫‪ -‬ل أريد ثرقيات الكريستال ول البجورات بتماثيلها الصامتة‪.‬‬

‫أسرعت إلى الغرفة التي ستكون لنومي‪ .‬فوجئت بلون جدرانها‬


‫ي‪ ،‬شعرت وكأقنني داخل كقوة من القدخان أتعقفر برماد حريق‬
‫القرماد ق‬

‫‪109‬‬
‫قديم‪ ،‬تتكالب نحوي أدمع وألسنة كل الشياء التي أمقتها‪ ،‬تفرض‬
‫حضورهإا البشع‪ .‬وجدران القصر المكقفنة بالورق المذقهإب‬
‫والخشاب المنقوشة القداكنة تضغطني‪ ،‬شعرت بالختناق‪ ،‬قفزت‬
‫بطلبي إلى أبي وأنا أنفض الرماد العالق بي‪:‬‬

‫‪ -‬أرجوك ‪ . .‬غرير اللون‪ .‬أريد كل الجدران بيضاء كالغيم‪.‬‬


‫لعقله بقلب الب الذي شعر باختناقي‪ ،‬وضع إصبعه على أرنبة أنفه‪:‬‬

‫‪)) -‬على هإالخشم(( ‪ . .‬كل ما تطلبينه يتحققق‪.‬‬


‫تأقملت مساحة الغرفة‪ ،‬رسمت خريطة أثاثها‪ ،‬التف ق‬
‫ت إلى أقمي‪:‬‬

‫‪ -‬سأشتري سريارا مفرادا‪.‬‬

‫اعترضت أقمي‪:‬‬

‫‪)) -‬شو!؟ بقدك تعمل لي حساب للمستقبل‪ .‬بكره بتتزقوجي وبتفرحي‬


‫بشبابك((‪.‬‬

‫كهربني افتراض أقمي‪ ،‬لم أكن شفيت بعد من جروحي‪ ،‬ول الجسد‬
‫أتقم اغتساله من وباءات ذلك السرير المريض‪ .‬كيف تفقكر القمهات؟‬
‫ألن أفرح بشبابي إلق إذا اقترن برجل؟! لم أعط أقمي فرصة لتزهإر‬
‫بأحلمها النابتة‪ ،‬هإربت نحو المطبخ متظاهإرة بأقنني لم أسمعها‪.‬‬
‫سبقتني إليه‪ ،‬انتصبت أمام بابه‪ ،‬فردت ذراعيها بطولهما لتمنع‬
‫دخولي‪ ،‬فاض إصرار حنون من كلماتها‪:‬‬

‫‪)) -‬ماراح تطبخي‪ ،‬هإون بس لتحضير وجباتك الصغيرة‪ ،‬راح‬


‫تاكلي معنا كل ما تشتهي وتطلبي((‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫أسعدني اقتراحهما‪ ،‬فهي تعلم جهلي بأمور الطبخ‪ ،‬وسترحيني بذلك‬
‫من روائاح الطعام التي ستفسد علقي عطر الشققة‪ ،‬ولم يكن شأن‬
‫الطبخ وحده الهقم الذي شغل بال أقمي‪ ،‬فبعد تجقولنا في الشققة أبدت‬
‫رغبتها واقترحت علقي‪:‬‬

‫‪)) -‬مش أحسن تجيبي خادمة تساعدك؟((‬

‫كمن لسعني عقرب جائاع‪:‬‬

‫‪ -‬أرجوك يا أقمي ‪ . .‬ل تزعجيني بذكر الخادمات‪.‬‬


‫لم تعر رجائاي اهإتمااما‪ ،‬واصلت لتقنعني‪:‬‬

‫‪)) -‬أنت لحالك راح تتعاملي معها‪ ،‬مافي عجوز يدقلعها ويفسدهإا((‪.‬‬

‫تعرف أقمي عقدتي من جورجيت وخادمات القصر‪ ،‬رغم ذلك‬


‫تحاول إقناعي بضرورة وجودهإقن‪ ،‬لكقنني بئت بمحاولتها إلى‬
‫الفشل‪ .‬ققرت أن أكون وحدي من يمتلك المكان‪ ،‬وحدي من يرقتب‬
‫سريري ويمسح الغبار‪ .‬وحدي من يسقي النباتات ويغسل الستائار‬
‫والمفارش‪ .‬كنت أنوي أبني علقة دائامة مع كقل شيء حتى إذا غبت‬
‫عنها تشتاقني‪ ،‬تتلقهف علقي‪ ،‬وإذا انشغلت عنها تروادني بأقية طريقة‬
‫ي أريكة‬‫كي أعود إليها‪ .‬أتحقسس روحها ونظافتها وأرتمي على أ ق‬
‫أوسقجادة أو كرسقي دون أن يلسعني الحساس بأقن جسادا آخر اغتنم‬
‫س رائاحته إليها‪ .‬في قصر العجوز كان كقل شيء‪،‬‬ ‫فرصة غيابي ود ق‬
‫صني أو ل يخ ق‬
‫صني‪ ،‬مبااحا‬ ‫يخ ق‬

‫‪111‬‬
‫للخادمات‪ ،‬حتى سريري لم يسلم من نزوة جورجيت التي تمقرغت‬
‫عليه أمام عيني‪.‬‬

‫حققق أبي رغبتي‪ ،‬سكن الدددووور الخامس‪ ،‬وأصررت على أن‬


‫يلتئم شمل أسرتي التي حرمني منها العجوز؛ فطلبت من أخي أن‬
‫يسكن وأسرته الصغيرة في الدور الرابع‪ ،‬كان فرحي بأولده ل يققل‬
‫عن فرحي بالقشقة‪ ،‬أحضرت لهم المراجيح واللعاب الخرى‬
‫المسقلية‪ ،‬واشتريت لهم خيمة صغيرة يلوذون إليها حين تشتقد حرارة‬
‫الصيف‪ .‬كنت في خروجي ودخولي أرى ساحة العمارة وكأقنها‬
‫مدينة ملةه مصقغرة تفقجر سعادة أبناء أخي وأطفال السقكان الخرين‬
‫س بطفولتي تنبض بحرارة‬ ‫الذين أكرى لهم أبي بققية الطوابق‪ .‬يأح ت‬
‫فل أخجل أن أتركها تعقبر عن نبضها‪.‬‬
‫صرت أشارك الطفال لهوهإم‪ ،‬مرحهم‪ ،‬غناءهإم وحتى صراخهم‪،‬‬
‫وكنت ألمح في نظرات أقمي وأبي إشفااقا على سنواتي التي لم‬
‫أعشها‪ ،‬وفي نظرات عطقية ألمح ابتهااجا وغبطة وكأقنهيتشقفى من‬
‫ذلك العجوز الذي كان يدفن شبابي في مقصلة قصره المعتم‪.‬‬

‫اخترت لشققتي أفتح اللوان وأزهإاهإا‪ ،‬ملت بالنباتات والزهإور‬


‫وأقفاص العصافير ذات الصوات المغقردة‪ .‬وحين وضعت عليها‬
‫آخر اللمسات جلست أمام البحر أستحقم في فضائاها القرحب‬
‫وأجوائاها المأهإولة بصوت حنون غير ذلك الذي عانيت منه في‬
‫القصر‪ .‬هإنا صار للصمت لون‪ ،‬شكل‪ ،‬صوت وعافية ولقذة‬
‫ترعشني‪ .‬أحسست بصمت النباتات عطوارا تفوح‪ ،‬صمت‬

‫‪112‬‬
‫الجدران موسيقى ترسم عليها لوحات متحقركة‪ ،‬صوت الثاث‬
‫أنفاس عرائاس لم يفقدن بكاراتهقن بعد‪.‬‬

‫غرقت في صمتي القلذيذ‪ .‬موجات البحر تتلل بضياء الشمس‬


‫المنثور عليها غلئال شقفافة‪ .‬حين تقبل الموجات بزبدهإا الضاحك‬
‫أحقسها تهديني غناء وحكايات بقحارة عادو محقملين بالؤلؤ‪ ،‬وحين‬
‫تنسحب منطفئة من الزبد أحقسها مثل أيةد عطوفة تسحب أورام‬
‫حزني فيتخقفف قلبي من أثقاله وذكرياته الداكنة‪ ،‬يمرح في مساحات‬
‫ق طريقها بل‬ ‫الحدائاق المليئة بالعصافير‪ .‬تلك هإي أحلمي تش ق‬
‫منعطفات وبل منقغصات‪ .‬تتلقون القيام باهإرة رضقية‪ ،‬ل أثر فيها‬
‫لشحوب المس ورائاحة لياليه الخانقة‪ .‬أنا مليكة شققتي الليفة‬
‫صباحات الدافئة‪ ،‬وأنا العصفورة التي نبت‬ ‫المنكشفة على وجه ال ق‬
‫زغبها‪ ،‬وأنا الفراشة التي اكتملت ألوانها وعافت صمتها‪.‬‬

‫أصحو كقل يوم كما النحلة أعوف روائاح الحلم المتخقمرة على‬
‫وسادتي‪ .‬ألصق الزجاج المطقل على البحر‪ ،‬أستقل شهياقا عمياقا‬
‫أحصد معه رائاحة البحر ولونه‪ ،‬أختزنهما داخل رئاتقي‪ ،‬أح ق‬
‫س‬
‫وكأقنني اصطدت ألف سمكة صغيره وهإقيأت لها قلب بحيرة زرقاء‪.‬‬
‫أنحدر إلى شققة أقمي‪ ،‬تستقبلني رائاحة التوست المحقمص‪ ،‬الحليب‬
‫بالهيل‪ ،‬وطبق البيض ‪ -‬البريشت – ينتظرني حااقرا‪ .‬ألتهم فطوري‬
‫على عجل‪ .‬أقمي تفرح بشهقيتي ول تواري خوفها‪:‬‬

‫‪)) -‬على مهلك يا بنتي ل تغ ق‬


‫صي((‪.‬‬

‫‪ -‬فطورك رائاع يا أقمي‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫بفرح يضاهإي فرحي‪:‬‬

‫‪)) -‬صقحتين على قلبك((‬

‫تفلت مقني ضحكة صغيرة تثير اهإتمامها‪:‬‬

‫‪)) -‬ليش عم تضحكي؟((‬

‫‪ -‬أحقسني شرهإة‪ .‬أتخقيل كيف سيكون شكلي لو امتلت‪.‬‬

‫ربما خشيت أقمي أن أمارس رجياما وأمتنع عن طعامها القلذيذ‪،‬‬


‫أضافت لصحني مزيادا من البيض وهإي تطمئنني‪:‬‬

‫‪)) -‬كلي ‪ . .‬ل تخافي السمنة وراثة‪ ،‬وأنا وأبوك عودنا رفيع((‪.‬‬

‫تأقملتها وهإي تدهإن قطعة التوست بالزبدة والمربى‪ ،‬صدرهإا البيض‬


‫س وكأقن بعض أسماكي الفرحات قد هإربن من بحيرة‬ ‫يترجرج فأح ق‬
‫قلبي إلى قلبها‪ ،‬وجهها الفائاض بالبشر حقرك سؤالي إليها‪:‬‬

‫‪ -‬ماما ‪ . .‬هإل أنت سعيدة؟‬

‫‪)) -‬وليش ل ‪ . .‬وأحلم بنتي قد تحقققت((‪.‬‬

‫قلت بصوت ل يخلو من حزن‪:‬‬

‫‪ -‬كان هإذا على حساب حلمك‪.‬‬

‫أطلقت نهدة ‪ . .‬هإقزت كقفها كمن تطرد رياحا‪:‬‬

‫‪)) -‬قصدك القصر؟ ‪ . .‬كا بقدي أتحقسر على شي راح((‪.‬‬

‫كنت موقنة أقن حسرة أقمي لن تروح‪ .‬كان الكلم أحياانا يفلت‬
‫‪114‬‬
‫منها ويفضح تلك الحسرة‪ .‬يوم أكملت تأثيث شققتي دارت فيها‪.‬‬
‫أبدت إعجابها بذوقي وتنقهدت‪:‬‬

‫‪)) -‬وا بتستاهإلي قصر((‪.‬‬


‫ويوم تجولت معها في ساحة العمارة الواسعة سألتها‪:‬‬
‫‪ -‬ما رأيك أن نزرع أشجار برتقال و ‪. . .‬‬
‫قاطعتني بشبه ازدراء‪:‬‬

‫‪)) -‬شو مفتكرة هإالساحة حديقة قصر! يا دوبها اتكقفي شوقية نباتات‬
‫وزهإور((‪.‬‬

‫كنت أرتاح لقنني بدأت أتجاوز ذكريات القصر الساقمة‪ ،‬وكنت‬


‫أحاول أن أدفع بأقمي لتنساه‪ ،‬لكقنه وقد سكن خاطرهإا ظقل يلوح كقلما‬
‫لحت فكرة أو تناهإت ذكرى‪ ،‬وكقلما صافحها وجه عطقية‪.‬‬
‫في البدء تشقنجت أعصابها‪ ،‬لم تحتمل فكرة توظيفه وسكنه كحارس‬
‫في ملحق العمارة‪ .‬عارضت بشقدة‪:‬‬

‫‪)) -‬ما بطيق أشوفه ‪ . .‬داياما بتزقكر كيف تجقرأ وجلدك بالصوت((‪.‬‬

‫أسرفت وقاتا لقنعها‪ ،‬وقد ساندني أبي في ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬ل تقطعي رزق الرجل ‪ . .‬أل يكفي أقنه رفض القصر واختار‬
‫العمل عند ابنتك؟‬

‫أخي أقكد لها أقن من نعرفه خير مقمن ل نعرف‪.‬‬


‫استسلمت أقمي لكقنها ظقلت تتحقين الفرص لتتصقيد له الخطاء‪،‬‬

‫‪115‬‬
‫تزجره أو تضاعف العمل عليه وكأقنها بهذا تنتقم لي من فعلته‬
‫القديمة‪.‬‬

‫لم يتركنا عطقية منذ أن تركنا القصر‪ ،‬ظقل يترقدد علينا في بيت أبي‬
‫وكنت أفرح بزيارته‪ ،‬بصوته‪ ،‬بذلك اللون الغريب الذي يطفو على‬
‫وجهه حين يراني ويلقح في كل مقرة أن يؤقدي لي ولهإلي أقية‬
‫خدمات‪ .‬وحين ققررنا النتقال إلى العمارة وجدتها فرصة لتحقيق‬
‫رغبته‪ .‬أوكلت إليه جلب عقمال لتنظيفها وعليه مهقمة الشراف‪.‬‬
‫فأصقر أن يتوقلى بنفسه كل العمل‪ .‬لم يكتف بهذا‪ ،‬بل اهإتم اهإتمااما‬
‫شديادا بأثاث أقمي القديم الذي أصقرت عليه وحاذر أن ينخدش منه‬
‫ولو عود صغير رغم يقينه أقن أقمي ل تحبه‪ .‬آلمني أن تنقل أقمي‬
‫عفشها القديم‪ ،‬تمقنيت أن تجقدد كل شيء وهإي تنتقل إلى مكان جديد‪،‬‬
‫حاولت إغراءهإا‪:‬‬

‫‪ -‬في السوق موديلت وألوان حديثة ‪ . .‬غقيري‪.‬‬

‫تمقسكت أقمي بكل صغيرة وكبيرة في بيتها‪ ،‬دمعت وهإي تتأقوه‬


‫بالكلمات‪:‬‬

‫‪)) -‬مش كفاية راح أغقير البيت؟ عفشاتي هإذول فيهقن كل ذكرياتي‬
‫مع أبوك‪ .‬وا ما بغقيرهإا((‪.‬‬

‫ب أقصاهإا عند أمي!؟ فل تترك حتى غ ق‬


‫لية‬ ‫كيف تصل حدود الح ق‬
‫القهوة القديمة المثقوبة ذات اليد المكسورة‪ ،‬حين أردت أن أحذفها‬
‫بكيس القمامة إندفعت إليها وخطفتها من يدي كالمسلوعة‪ ،‬أغاظني‬
‫سلوكها فاحتقديت‪:‬‬

‫‪116‬‬
‫‪ -‬يا أقمي مش معقول! حتى هإذه؟‬
‫ضقمتها إلى صدرهإا بحرارة وكأقنها تضمني أو تضقم أبي‪ .‬بكت‬
‫وهإي تقول‪:‬‬

‫‪)) -‬شو بيعرفك إنتي بقيمتها؟ هإاي أقول غلية عملت فيها قهوة‬
‫لبوك‪ .‬جبتها معي من حلب((‪.‬‬
‫ي شيء‬ ‫كدت أفرط بالبكاء‪ .‬ماذا حملت أنا من القصر؟ لم يكن فيه أ ق‬
‫عزيز على قلبي‪ .‬حتى مصاغي الذي حملته كان لمجقرد إحساسي‬
‫بأقنه جزء من ثمني‪ .‬أتعقمق بعشق أقمي لحاجقياتها وتمقسكها بها‬
‫ي شيء‬ ‫بأ ق‬ ‫فأحزن لقنها قذفتني إلى القصر ولم تمنحني فرصة لح ق‬
‫س مثل إحساسها‪ .‬لهذا ققررت أن أقيم علقة ودودة بيني‬ ‫فيه فأح ق‬
‫ليتها‬‫ب أقمي غ ق‬‫وبين أشيائاي الصغيرة والكبيرة وأحقبها كما تح ق‬
‫المثقوبة‪.‬‬
‫حين أنهى عطقية عمله‪ ،‬ققدمت له مظروافا حشوته بمبلغ كبير‪.‬‬
‫لم تمتقد كقفه ليأخذه‪ .‬أصررت عليه‪:‬‬
‫‪ -‬خذ يا عطقية هإذه إكرامقية بسيطة‪.‬‬
‫لمحت وجهه مثل غيمة ترذرذ دموعها‪ .‬وشجاني صوته القرخيم‪:‬‬
‫‪ -‬سقيدتي ‪ . .‬إن كنت تنوين إكرامي فاقبليني عندك حاراسا للعمارة‪.‬‬
‫فوجئت! كيف لم أفقكر بهذا المر؟ حتى عندما سألتني إيمان ماذا‬
‫ي اهإتمام به‪ .‬هإو الن يفتح بقوابة‬‫ستفعلين بعطقية لم يحقرك سؤالها أ ق‬
‫أخرى قد تأسره ثانية في مدار زوجة القسيد‪ .‬حاولت أن‬

‫‪117‬‬
‫أفهمه هإذا‪ ،‬وأن أشعره بأن يكون ح قارا‪ ،‬لكقنه أخذ يرجوني فأحسست‬
‫بتشقبثه بي صاداقا‪ .‬وتساءلت في داخلي‪ :‬هإل يخشى مواجهة الحياة‬
‫وغربة ل يدري إلى أين تنأى به؟! أم لقنه يريد أن يكقفر عن ذنبه‬
‫القديم أو ‪ . . .‬هإل هإناك سقر آخر أجهله؟! فرحت بطلبه‪ ،‬ورغم أقنه‬
‫كان بعض ميراث سنوات القهر التي أردت أن أدفن كل ما يذقكرني‬
‫صصت له راتابا شهر قايا عالايا‬ ‫بها فإقنني بحماس شديد رقحبت به وخ ق‬
‫أفزع أمي‪ ،‬اعترضت فشجبها أبي غاضابا‪:‬‬

‫‪ -‬هإذا مالها‪ .‬وهإي حقرة فيه‪.‬‬

‫خدش كلم أبي مشاعري فكأقنه يقتهمني بسطوة المال علقي‪.‬‬


‫أردت أن أدفع التهمة عقني‪:‬‬

‫‪ -‬ليس لهذا السبب يا أبي‪ .‬أنت تعرف أقن نايف وهإبه مبلاغا كبيارا‪،‬‬
‫إقنني فقط أققدر له وفاءه وتفضيلي على القصر الذي ولد وعاش فيه‪.‬‬

‫وجود عطقية في العمارة – وأنا التي خبرت دققته وأمانته – بعث‬


‫المان إلى قلبي‪ .‬كان شعوري بأقنه يريد التكفير عن ذنبه القديم‬
‫ك بأقن ذاكرته‪ ،‬وإن‬
‫يدفعني أن أساعده ليبرأ منه‪ .‬ولم يساورني ش ق‬
‫احتفظت بمشهد طجلدي بالسوط‪ ،‬إلق إقنها لم تحفظ شيائا من تفاصيل‬
‫جسدي الذي اقتحمه مرغاما‪ .‬فمن ييرغم على أن يحرث الرض ل‬
‫تهقمه صغار حجارتها زل تشقققات جلدهإا ول حفظ خرائاطها‪.‬‬

‫***‬

‫‪118‬‬
‫لم يكن فرحي محصوارا بالحرردية ول بالشققة المطقلة على البحر كما‬
‫تمقنيت‪ ،‬ول بدخولي الجامعة وتمقيزي بالنجاح المتواصل‪ ،‬ول‬
‫بالصداقات الجديدة التي اخترت منها ما يتناسب وطبيعتي وقد‬
‫جعلت شققتي تضاء بالجلسات الحلوة الغنقية بالحاديث والضحكات‬
‫والطرب‪ .‬كان ذلك الشيء الغريب الذي تسقلل إلى قلبي جسوارا‬
‫ضا قاحلة‪ ،‬تققلب تربتها‪ ،‬تقتل ديدانها‬ ‫جمواحا كحوافر خيل تد ق‬
‫ك أر ا‬
‫وتبذر شتلت نادرة علقي أن أصونها من التنافض والتناثر‪.‬‬

‫ب في خطوته الولى‪ .‬شيء كنت أجهل حدائاقه حتى‬ ‫هإكذا مقسني اليح ت‬
‫دخلت فأدركت أقن جمال الحقردية والحياة ل يكتمل إلق بهذا النور‬
‫الساطع الذي يجلو عن الروح صدأهإا ويعققمها‪ .‬كنت قد قفزت‬
‫بامتياز إلى السنة الثالثة حين سطعت شمس الحب لتفرش ظللها‬
‫بيني وبين أستاذي د‪ .‬جواد‪ .‬لقد اعشوشب في طين قلبي نبت‬
‫أخضر‪ ،‬امتقدت أغصانه وفردت أوراقه كل نعومتها وعطورهإا‬
‫ف بهذا ‪ . . .‬أخذ ييفيق جسدي الخامل‪ ،‬فبدأت‬ ‫على وجهي‪ .‬لم يكت ت‬
‫أشعر بترقرقات الجداول وعزف القنايات تثب إليه مثيرة تلك‬
‫القرعشات التي تفاجئه وتهرشه بأصابع النشوات الحمقى‪.‬‬

‫ق‪ ،‬ول جسادا‬‫لم أكن أدري أقن لي قلابا فيه أجراس ذهإبقية تلمع وتد ق‬
‫تفور سواقيه بالقرغبات‪ .‬أحاسيس جديدة قلبت ميزان حياتي وأيقظت‬
‫صمت السنين‪ .‬كنت جاهإلة بكيفقية التعامل مع هإذا الطارق الملحاح‪.‬‬
‫وكنت بحاجة لمن يقتادني في القدهإاليز التي بدأت أقدامي تطأهإا بل‬
‫طوق ول حذر‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫لم يكن بعد قد كاشفني بالذي يخفيه داخل قلبه‪ ،‬لكقنني أحسست به‬
‫ف التي ل تضقل طريقها إلى‬ ‫من تلك النظرات الوالهة ولمسات الك ق‬
‫كقفي وإن في غفلة منه‪ .‬كان احتضانه الرقيق لحضوري دون كقل‬
‫الطلبة والطالبات يبهجني‪ ،‬يؤقكد لي أقنني الثيرة‪ .‬فحين يراني يلهف‬
‫وتغقرد عيناه‪ ،‬وحين أغيب يعاتب عتب من استوحش الغياب‪ .‬وكنت‬
‫مثله أعاني الوله والوحشة‪.‬‬

‫امت ق‬
‫طت الشهور بيننا ‪ . . .‬كان الحب يتنامى‪ ،‬يتأقلق معلانا خباياه‬
‫ض على‬ ‫بطرق شقتى لكقننا نخادعه بلعبة الصمت الزائاف‪ .‬كلنا يع ت‬
‫عواطفه وسقره وكأقننا‪ ،‬رغم وضوح الشارات‪ ،‬نخشى من صدمة‬
‫تطيح بالواحد بعيادا عن الخر‪ .‬كنت أتحقرق بانتظار أن يخرج من‬
‫ضا للخروج فإقنني تمقسكت بإحجامي‬ ‫ثاع صمته‪ ،‬ورغم تحقرقي أي ا‬
‫عن إسقاط لثام القلب‪ ،‬فلعقلني رغم كل ما يتأقكد لي من هإيامه قد‬
‫أخطأت تفسير الشظايا الناعمة المتناثرة إلقي فتكون عندهإا رؤوس‬
‫سكاكين حاقدة وجارحة‪ .‬هإكذا صبرت على شوكي وشوقي بانتظار‬
‫أن يتحقرر من صمته ويهديني زهإور اعترافه‪.‬‬

‫لم أيأس ‪ . .‬ولم أفقد المل حتى جاء ذلك الصباح الشتائاقي الغائام‪،‬‬
‫فقك عقدة لسانه واعترف‪ .‬لحظتها شعرت بكل الغيوم تتمقزق وترش‬
‫ص الرواء بل شبع‪.‬‬ ‫ماءهإا الغدير على الرض العطشى فتمت ق‬
‫أحسست بسيقان زهإوري تخضر‪ ،‬بالبراعم تنبت‪ ،‬صرت الوردة‬
‫التي تفتح وريقاتها كثغر مقسته قبلة عاجلة‪ .‬أشهرت له عواطفي‪،‬‬
‫نثرت عليه ضياء شموعي ورفيف مشاعري بل ترقدد وبل خوف‪.‬‬
‫ب يدفعني أن أتخقفف من ثقلي‪،‬‬
‫كان امتلئاي بالح ق‬

‫‪120‬‬
‫ب كل المكان‪ .‬غادرت‬ ‫أتخقلص من زفير صمتي وأترك لشهقة الح ق‬
‫مكتبه مثقلة بالفرح‪ ،‬كيف يكون الفرح ثقيلا بوزن أطنان الحديد!‬
‫يومها ما كنت قادرة على احتمال تلك الطاقة وحدي‪ .‬احتجت لفضاء‬
‫يقتسع لحديدي‪ ،‬ويهقدئّ زلزالي‪ ،‬يشملني برعاية مطقوقة بالحنان‪.‬‬

‫ف عنها خافية قلبي رغم‬


‫من ‪ . . .‬؟ ومن غير أقمي التي لم تخ ط‬
‫مراوغتي‪ .‬حين طرأ علقي التغيير بدأت تبحبش عن أسبابه بطرقها‬
‫التي تصقورني أعجز عن التقاطها‪ ،‬وكنت ل أشبع فيها فضول‬
‫صص على أنثى مثلها‪ ،‬ول فضول الم الراجف قلبها‬ ‫المرأة المتل ق‬
‫دواما خوافا على ))البنت(( لكقنها حين سألتني مباشرة ذات مقرة‪:‬‬

‫ك((؟‬
‫‪)) -‬ما في حدا من زملئاك أو أساتذتك معجب في ت‬

‫قلت لها وأنا أحاذر أن تكشف سقري على وجهي‪:‬‬

‫‪ -‬كثيرون يا أقمي‪ .‬لكقنني ل أهإتقم بالمشاعر المتطايرة‪.‬‬


‫ألقحت وهإي تحاول أن تنبش عقشي وتكشف عن أفراخه المستورة‪:‬‬

‫‪)) -‬بس أكيد بين هإالمتطايرات راح تكون واحدة ثابتة((‪.‬‬


‫أردت يومها أن أشعر أقمي بأقنها تحظى بثقتي‪ .‬لم أراوغها‪.‬‬
‫وجدتني أعترف‪:‬‬

‫س باهإتمامه و ‪ ..‬وقده‪.‬‬
‫‪ -‬هإناك أستاذ أح ق‬

‫ت؟‬
‫‪ -‬وأن ت‬

‫‪121‬‬
‫نطقتها أقمي بلهفة وانتظرت رقدي‪ ،‬وحين لم أجب دفعت بسؤالها‬
‫المفاجئ‪:‬‬

‫‪)) -‬بتحقبيه((؟‬

‫لم أستطع أن أكذب‪ ،‬بل ربما تعقمدت أن أسقلمها خيطي القول‪:‬‬

‫‪ -‬يعجبني وأرتاح لمشاعره‪.‬‬

‫فرحت ‪ . .‬ورغم شهقيتها للستماع وجدتني أحاذر بالمزيد من البوح‬


‫والتفصيل‪ .‬لكن اليوم غير المس‪ .‬ل أظقنني وأنا المحقملة بأثقال‬
‫فرحي قادرة على كتمان سقري وكظم عواطفي‪ .‬طرت إليها‪ ،‬في‬
‫حظنها أسقطت رأسي الملن بأحلمه‪ ،‬وأمام عينها عقريت قلبي من‬
‫أثوابه‪ ،‬وعلى صدرهإا أفشيت حكايتي الولى‪.‬‬

‫قلوب القمهات دائااما ل تقنع ول ترضى ببشارة المواليد وسلمتها‪.‬‬


‫تريد سرياعا أن تعرف جنس الجنين‪ :‬ولد أو بنت؟‬
‫ب مجقردة من نتائاجها‪ .‬ألقت بسؤالها‬
‫وقلب أقم هإنا ل يقبل حالة الح ق‬
‫الذي فاجعني‪:‬‬

‫‪ -‬ما طلبك للزواج؟‬

‫تغقمم قلبي‪ .‬تطقوحت شجرته فلم أشأ لوراقها أن تسقط عند أول‬
‫ضربة‪ .‬ابتعدت عن حضنها وكأقن رياحا عوت من داخله‪ ،‬نظرت‬
‫إليها ضاغطة على غضبي المستعقر داخلي‪:‬‬
‫نننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننن‬
‫)‪ (1‬مزج بين كلمتي فاجأني وفجعني‪.‬‬

‫‪122‬‬
‫‪ -‬يا أقمي ‪ . .‬أنت رأاسا تفقكرين بالزواج‪ .‬والح ق‬
‫ب ‪ . . .‬ماله قيمة‬
‫عندك؟‬

‫هإقزت كتفيها‪:‬‬

‫‪)) -‬ما فيه مانع من الح ق‬


‫ب إن كانت طريقة واضحة وسالكة لباب‬
‫الزواج((‪.‬‬

‫رغم غضبي المكتوم لم أحقد ولم أندم أقنني صارحتها‪ .‬كنت أققدر‬
‫مشاعرهإا وخوفها‪ ،‬ومها كنت في قلبها البنة الغالية‪ ،‬فأنا بنظرهإا‬
‫ونظر المجتمع القاسي مجقرد أرملة شاقبة معقرضة للشبهات‬
‫والقاويل‪ .‬كان من أوسع أحلمها أن أحظى بمن يعقوض قلبي‬
‫وشبابي ما حرما منه وأنا في قفار ذلك القصر اللعين‪ .‬لكن اتساع‬
‫الحلم لم يققلل من مساحة الضيق الذي شعرت به أقمي تكشف عن‬
‫أفكارهإا وتيطؤطولتيلها على فرحة قلبها وهإو يستقبل بشارتي الولى‪.‬‬
‫شعرت بصخرة مدقببة تنتأ في حنجرتي‪ .‬لملمت زفرات ضيقي‬
‫‪.‬الحالك وصعدت إلى شققتي لعل ربابات صمتها تفقتت تلك الصخرة‬

‫هإل جلبت الهقم إلى قلبي ليدحر الفرح الذي تعقبأ به؟ هإل أخطأت‬
‫حين صارحت أقمي رقنات قلبي؟ لمن إذن خلقت قلوب القمهات‬
‫رهإيفة؟ أليس لتكون المخمل الذي نتمقرغ عليه بأفراحنا؟‬
‫والفضاء المن الذي تكبر فيه أجنحتنا ويلتقط متاعبنا؟ كنت أريدهإا‬
‫عوانا وما حسبتني بلجوئاي إليها قد هإقيأتها لتقبض على‬
‫نننننننننننننننننننننننننننننننننننن‬
‫‪.‬تعطيها الولوقية )‪(1‬‬

‫‪123‬‬
‫صص على أ ق‬
‫ي البواب تندس فيها‪.‬‬ ‫مفاتيح حقرقيتي الذهإبقية وتتل ق‬

‫***‬

‫حاصرتني أقمي بدأت تتفقرس في لحيظات فرحي‪ ،‬صمتي‪ ،‬غضبي‪،‬‬


‫كثرة خروجي وحتى امتعاضي من صراخ الطفال الذي كان‬
‫ف حولي‬‫يسعدني‪ .‬كانت في تفقرسها أشبه بعين عنكبوتقية تلت ق‬
‫بخيوطها وتخنقني‪ ،‬وحجتها ))كلم الناس(( هإل لجل إرضائاهم‬
‫أعود تلك الفأرة المذعورة التي يئدهإا العجوز وتحاصرهإا أسوار‬
‫القصر؟ هإل أرضخ لحصار جديد بعد أن حظيت بالفجر وبالمروج؟‬
‫حين أضرمتني بشكوكها‪ ،‬بدأت أتحاشى دبابيسها المسقننة‪ ،‬أهإرب‬
‫من وجبة فطورهإا الشهقية ومن وجبة العشاء التي أحرص عليها‬
‫للتقي بأبي وأحيانا أخي وإيمان‪ .‬كان حضورهإم يرحمني من أسئلة‬
‫أقمي وخوضها في شأن قلبي ولكقنه لم يسقد عليها كقل الفرص‪ .‬كانت‬
‫دائااما تجد الكقوة التي تدلي منها مقر السؤال وصرامة التحذيرات‪:‬‬
‫))تذقكري أن للناس عيوانا ل تغمض وألسنة ل ترحم((‪.‬‬

‫لم ترحمني أقمي‪ .‬لم ترأف بقلبي ولم تشفق على روحي وهإي‬
‫تلحقني بعبارة ))أنت أرملة ‪ . .‬هإقمك أكبر من هإقم البنت(( ولم تكن‬
‫تخفي نقمتها على ذلك الجواد الذي جمحت إليه وهإو بعد لم يلقوح‬
‫براية بيضاء وفستان أبيض! تسألني عن دقائاق حياته التي ل‬
‫أعرف عنها شيائا‪ ،‬ول اهإتممت بنكش خزائانها‪ ،‬فاجأتني مقرة بسؤال‬
‫اخترقني كالسهم‪)) :‬هإل هإو متزقوج((‪ .‬ألهب السؤال فضولي الراقد‬
‫فتحقينت فرصه وألقيته على جواد‪ .‬كنت مثل التي تلقي‬

‫‪124‬‬
‫بسقنارتها إلى البحر وتأمل أن تعود إليها فارغة بل ثقل‪ ،‬لكقنها‬
‫اصطادت الرقد الثقيل وامتعاضه‪:‬‬

‫‪ -‬زوجتي أمريكقية‪ .‬تقيم هإناك وأنا أزورهإا بين وقت وآخر‪.‬‬


‫لم تكن أقمي قد سألت إن كان له أبناء‪ .‬ول أدري ما الذي دفعني‬
‫لذلك‪ .‬تذقمر من السؤال ولكقنه ذقر إجابة مف ق‬
‫صلة كي ل تسقولي نفسي‬
‫لمزيد من السئلة‪:‬‬

‫‪ -‬ولد واحد‪ .‬عمره تسع سنوات ويقيم معها‪.‬‬

‫لكقن النفس القمارة تمادت‪:‬‬

‫‪ -‬ولم ترطكطتك زوجتك؟‬

‫كأقنني صببت عليه ماء النار وطعنته في رجولته‪ ،‬احتقن وجهه بدم‬
‫أزرق‪ ،‬ارتعش صوته ارتعاشة خشنة عبقة بالستياء‪:‬‬

‫‪ -‬هإل سألتك يواما عن زوجك السابق وأسرار حياتك؟‬

‫فوجئت! وخجلت من تطقفلي الذي أضقر بلحظة صفاء بيننا‪ ،‬حاولت‬


‫ترطيب خاطره‪:‬‬

‫‪ -‬لو كنت سألت لجبتك‪.‬‬


‫رفع كقفه بوجهي كإشارة مرور حمراء‪:‬‬

‫‪ -‬لن أسأل ول أريد أن تسألي‪.‬‬

‫جرحني لكقنني احتملت الجرح فأنا من ققدم له السكين‪ .‬في داخلي‬


‫نقمت على أقمي التي وقرطتني‪ .‬أدرت له ظهري وانسحبت‪.‬‬

‫‪125‬‬
‫تصقورته سيلق بي ليعتذر عن خشونته وحين لم يفعل أدركت أقنها‬
‫غضبهة الحليم‪.‬‬

‫لم أهإدأ تلك الليلة‪ .‬تناوبت على عقلي أفكار سوداء وكأقنها أسراب‬
‫ذباب حائار‪)) :‬كيف يعيش رجل وسيم مثله بل امرأة؟ هإل هإو من‬
‫ب خفيقةة عين الزوجة هإي‬
‫أبعد زوجته أم تراهإا قد هإربت من عيو ة‬
‫القدر على اكتشافها؟ وغن كان قادارا وصابارا على بعد زوجته‬
‫فكيف يصبر على فراق طفله الصغير المحتاج لرعايته؟ هإل‬
‫عاطفته قاسية للدرجة التي ل تحقرك مشاعر البقوة ودفئها؟ كيف‬
‫يعيش وحيادا؟ أين يفرغ طاقاته البشرقية وحاجات الجسد؟ هإل‬
‫يستعيض بح ق‬
‫ب النساء وما أنا سواء واحدة من القطعان المنجذبة‬
‫إلى مزاميره ومراعيه((؟‬

‫استحضرت كقل صورته ‪ . .‬طوله الفارع‪ ،‬صدره العريض‪،‬‬


‫ذراعيه اللتين تطقل أعشابهما حين ينسحب يكقم الدشداشة‪ ،‬وجهه‬
‫ي الذي يبدو في استدارة وجنتيه‪ ،‬أنفه‬ ‫الحنطقي المشبع باللون الورد ق‬
‫المنحني قليلا تكاد أرنبته تلمس شعر شاربيه الموقنسين بالشقر‬
‫الخفيف‪ ،‬عينيه اللوزقيتين الضقيقتين يكقللهما حاجبان متصلن‬
‫كسيفين متعانقين‪ ،‬شفتيه اللتين كانفلق حقبة الفراولة الندقيتين دائااما‪.‬‬
‫ل أنكر أقن جماله ووسامته كانا أبرز ما لفتا نظري حين التقيته أقول‬
‫مقرة قبل دخولي قاعة المحاضرات‪ ،‬لكن عيني التي تسقمرت عند‬
‫ضت بصرهإا عن حين تكقشفت ققوة الشخصقية‪ ،‬سماحة‬ ‫هإذا الجمال غ ق‬
‫الروح‪ ،‬والناقة في الكلم‪.‬‬
‫صبور‪ ،‬طويل البال‪ ،‬ل يضيق بأسئلة الطلبة واستفساراتهم‪ .‬لكقنه‬

‫‪126‬‬
‫صارم حين يأتي أحدهإم متأقخارا أو تتناهإى إليه ثرثرة من المدقرج‪.‬‬
‫كقل هإذه الصفات كانت جاذبة لفراشات غيري يلحقنه‪ ،‬يعتقذرن‬
‫بالسباب ليطيل الوقوف والحديث الباسم معهقن‪ .‬لكن عينيه كانت‬
‫ك الحصار عنه‪،‬‬ ‫تسريان تجاهإي حيث أكون قريبة بانتظار أن ييف ق‬
‫يسبقني إلى مكتبه‪ .‬أفهم إشارته وألحق به‪.‬‬

‫كيف تبقخر حنانه وترقدى ذوقه في الكلم مقما أسقطني في جحيم‬


‫التساؤلت وطنين الذباب؟ ماذا أقول لقمي الحالمة بالعريس؟ حتى‬
‫وإن خطرت له فكرت الزواج مقني‪ ،‬هإل سترضى أقمي بأن تكون‬
‫لي ))ضقرة(( وإن كانت بعيدة في بلدهإا؟ ل ألوم أقمي في خوفها‬
‫ضا أو أسعى‬‫رغم أقنه خوف يشقد علقي بأسلكه‪ ،‬ول ألوم قلبي أي ا‬
‫لتقطيع أوتاره‪ .‬شقح علقي الليل بالنعاس‪ .‬ظللت مثل موجة تارة تهيج‬
‫بالشوق إليه‪ ،‬وتارة تنسحب بحزنها إلى أقمي التي أورثتني قلقها‪.‬‬

‫***‬

‫قسا علقي جواد ‪ . .‬عقذبني صقده ومعملته الجاقفة‪ .‬أهإملني و‪:‬اقنه يقصد‬
‫تلقيني دراسا بأن ل أحشر أنفي في خصوصقياته‪ .‬أعطاني دون أن‬
‫أرغب فرصة لتقليب وضعي معه ونسج قرارات للنفاذ من دائارته‪.‬‬
‫س بتوالد‬‫س ملمسها متيانا في الليل وما إن ألمحه حتى أح ق‬‫كنت أح ق‬
‫العراس والطبول في داخلي فأدرك كم هإي هإقشة حبال القرارات‬
‫ب بتضاريس قلبي البكر واستيقظت رغبات‬ ‫بعد أن استفحل الح ق‬
‫الروح‪ .‬تناوبت علقي الليالي بصمتها وأنا أتققلب بفوضى مشاعري‪.‬‬
‫أترقنح ما بين الحقبين له ولقمي‪ .‬ما بين‬

‫‪127‬‬
‫خوفها علقي وخوفي من جواد ومن القيام القادمة التي ل أسبر‬
‫سفائانها ول أطال أشرعتها‪ .‬وكم تمقنيت لو ترجح كقفه اختياري‬
‫ب كانت جارفة‪ .‬انعطفت معها بكل‬ ‫باتجاه أقمي لكن سطوة الح ق‬
‫احتياجي المستيقظ النهم‪ .‬تآزرت مع قلبي ضقد أقمي‪ ،‬احتملت صقد‬
‫صخرقية‪ .‬وحين فاض‬ ‫جواد عشرة أقيام بغبشها السود وآلمها ال ق‬
‫ي لكقنني‬
‫صبر قصدت باب مكتبه مثقلة خطا ط‬ ‫صخر وال ق‬ ‫بس ال ق‬
‫استعرت من ريش قلبي أجنحة لطير‪ .‬طرقت بابه وطرقات قلبيي‬
‫تسبق كقفي‪.‬‬
‫التفت نحوي نصف التفاتة وعاد لوراقه يققلبها وكأقنه ل يبالي‬
‫بحضوري‪ .‬رغم مهانتي اقتربت‪ .‬القيت تحقيتي‪ ،‬رقد عليها دون أن‬
‫يلتفت‪ ،‬احتملت إهإانته‪ ،‬هإمست له بإعتذاري‪ ،‬قصدت اختيار كلمات‬
‫تكون مؤثرة‪ ،‬عندهإا انتصب واقافا‪ .‬شاعت ابتسامته‪ ،‬توقرد وجهه‪،‬‬
‫لم أحقسها ابتسامة فرح بعودتي بقدر ما كانت ابتسامة تكشف عن‬
‫انتصار رجل كان بانتظار حارق لهذه اللحظة‪ ،‬انتصاره ))أقدبني((‪،‬‬
‫انتصاره لقنه تماسك وأمسك بعواطفه لتجيء إليه المرأة ضعيفة ‪. .‬‬
‫معتذرة ‪ . .‬يعبق وجهها بآثار السهاد والشوق‪ ،‬ويتدقفق صوتها‬
‫بالتوقسل المهين الطامع بالصفح‪ .‬لم أفرح حتى عندما أمسك بكلتا‬
‫ي وشقد عليهما‪ .‬لم أشعر بذلك الدفء ول ألمان‪ .‬ولم استطع‬ ‫يد ق‬
‫التقاط كلماته الرقيقة فقد ضقلت طريقها إلى روحي‪ .‬كان في داخلي‬
‫شيء أشبه بالمكواة الحارقة جعلني أشقم رائاحة هإزيمتي الولى‬
‫ي قرار لقطع‬ ‫أمامه‪ .‬رغم هإذا شعرت بأقنني عاجزة عن اتخاذ أ ق‬
‫علقتي به‪ .‬فأقيام القطيعة العشرة سامتني عذابها‪ ،‬نهشتني أنيابها‬
‫ول تزال آثارهإا مغروزة في لحمي‪.‬‬

‫‪128‬‬
‫ب‪ .‬وصار جواد أكثر جرأة‪ .‬يدعوني إلى‬ ‫تمقكنت مقني حالة الح ق‬
‫المقاهإي والمطاعم فأستجيب‪ .‬يطلب أن أصاحبه في زياراته لبعض‬
‫أصدقائاه المتزقوجين فأنساق لطلبه بغية إرضائاه‪ .‬استسلمت له‬
‫يذيقني بعض طعوم فاكهة الحب‪ ،‬سمحت بأن يحضنني‪ ،‬أن تتسقلل‬
‫كفه تعبث بشعري وعنقي‪ ،‬أن تمس شفتاه صفحة وجهي ترعدني‬
‫فأبرق مثل نجمة لمسها القمر‪ .‬أقما الليالي‪ ،‬فقد كانت تمضي‬
‫وأسلك الهاتف تتخقدر من أعسال الكلم وعصائار الوجد المنقوعة‪.‬‬
‫صعة بكقل ما يثير‬ ‫كان صوته العذب يتسقرب إلقي بآيات العشق المر ق‬
‫ض مضاجع الحرمان فاستحقم من شغفي بعرقي وفيضان‬ ‫ويق ق‬
‫صن‪.‬‬ ‫البواب المغلقة التي لم تألف السريان ول انبثاق الندى المح ق‬
‫كنت سارية في لقجته الهئجة المائاجة‪ ،‬بدأت أكذب على أقمي كي ل‬
‫تفسد فرحتي وتطفئ رقناتها‪ ،‬صرت أتسقلل في الخروج والعودة‪.‬‬
‫وحين ضقيقت خناقها ابتعدت وسائال للفكاك منها‪ ،‬صرت أضقللها‪،‬‬
‫أترك سقيارتي مركونة في كراج العمارة وأخرج حيث ينتظرني‬
‫جواد بسقيارته في الشارع الجانبقي‪ ،‬لم أغفل أقنها قد تصعد إلى شققتي‬
‫وتكتشف غيابي‪ ،‬صرت أكتب ورقة وألصقها على الباب ))أنا‬
‫نائامة أرجو عدم الزعاج((‪ .‬ولم أنس أن أنقبه عطقية كي ل يخبرهإا‬
‫بخروجي‪ .‬وجقدته يتحقمس لمساعدتي‪.‬‬
‫ش الطفال داخل الخيمة لحظة خروجي‪ ،‬أحسست بأقنه ينتقم‬ ‫كان يه ق‬
‫ق‬
‫من أقمي التي ظلت كارهإة لوجوده‪ .‬سألته ذات صباح وأنا أتشقمس‬
‫في الساحة‪:‬‬

‫‪ -‬لماذا تساعدني؟‬

‫‪129‬‬
‫قال باندفاع لهإف‪:‬‬

‫‪ -‬لقنني ‪. . .‬‬

‫لم يكمل‪ .‬وارى عينيه ثقم‪ ،‬كمن استنجد بسبب آخر‪:‬‬

‫‪ -‬لقنك سقيدتي ولزم أطيعك‪.‬‬

‫تضايقت‪ .‬كنت أطمع في إجابة ل تشعرني وكأقنني ذلك العجوز‬


‫وهإو – كالكلب المطيع – يسمع كلمه وينقفذ أوامره القاسية‪.‬‬
‫احتددت عليه‪:‬‬

‫‪ -‬هإل تخاف مقني ول تخاف من أقمي؟‬

‫أجاب وكمن وخزته شوكة من أقمي‪:‬‬

‫‪ -‬أنا عبدك أنت‪.‬‬

‫صرخت به‪:‬‬

‫‪ -‬لم تعد عبادا لحد ‪ . .‬إنس الماضي يا عطقية‪.‬‬

‫حقدق بي بعينين جريئتين‪:‬‬

‫‪ -‬وأنت ‪ . . .‬هإل نسيتيه؟‬

‫قلت بلهجة التأكيد‪:‬‬

‫‪ -‬بل ردمته إلى غير رجعة‪.‬‬

‫كأقنه لم يصقدقني‪ .‬صقوب نظرة أكثر جرأة وهإو يلقح‪:‬‬

‫‪ -‬كقله ‪ . .‬كل شيء صار في القصر؟‬


‫‪130‬‬
‫أدركت ما يرمي إليه‪ .‬ققررت أن أزيح الثقل عن صدره‪:‬‬

‫‪ -‬كل شيء يا عطقية ‪ . .‬صقدقني كل شيء‪.‬‬

‫أرخى رأسه‪ ،‬أغمض عينيه‪ ،‬شعرت بأقن تحت جفونه دمعتين بحجم‬
‫حصوتين عصقيتين على السقوط‪ .‬ما إن فتح عينيه حتى سقطت‬
‫الحصوتان وكأقني ألمح بخارهإما الساخن يتصاعد‪ .‬وفي فورة إشفاق‬
‫عليه مددت أصابعي وسحت دموعه‪ .‬فوجئت به يشقد كفي يمقرغ‬
‫وجهه عليه فتصيبني رعشة ساخنة لكقنني لم أشأ أن أقطع عليه‬
‫لحظته‪ ،‬كنت أتأقلم وأبتلع اللم حتى رفع عينيه وأنشد بصوته‬
‫العذب‪:‬‬

‫س إقني تحقررت((‪.‬‬
‫‪)) -‬ألحين أح ق‬

‫مقسني شعور بالرضا‪ .‬شعرت بوقد كبير نحوه‪ .‬ضحكت‪.‬‬


‫داعبته‪:‬‬

‫‪ -‬ما دمت تحقررت‪ ،‬لزم تتزقوج‪.‬‬

‫ل‪ .‬شبك كقفيه يقرص أصابعهما ثقم رفع رأسه‬


‫خفض رأسه خج ا‬
‫نحوي وهإمس‪:‬‬

‫‪ -‬إذا كانت مثلك أتزوجها‪.‬‬

‫رعش قلبي‪ .‬هإل يقدر من عاش في أسر العبودقية أن يحلم بامرأة‬


‫مثل سقيدته؟ هإل ‪ . . .‬هإل ‪ .!! . .‬فركني السؤل‪ :‬هإل تراه يحقبني؟‬
‫تمالكت نفسين ابتسمت و ‪ . .‬وعدته‪.‬‬

‫***‬

‫‪131‬‬
‫فاجأني أخي تلك الليلة‪ .‬كان الوقت متأقخرا لكقنه بقرر حضوره‪:‬‬

‫‪ -‬أعرف أقنك صاحية‪ .‬امتحاناتك على البواب‪.‬‬

‫لم أتوقجس شاقرا‪ .‬توققعته خلافا بينه وبين زوجته‪ ،‬وكلعادة يلجآن إلقي‬
‫لمصالحتهما؛ لكن إجابته الودودة حين سألته عنها أقكد أقنهما على‬
‫صني‪.‬‬ ‫وئاام‪ .‬نظراته الهاربة مقني أوحت بأقن المر يخ ق‬
‫خقمنت اقنها شكوى من أقمي بسبب هإروبي منها فأعددت نفسي‬
‫لمجابهة شكواهإا بشكواي منها حارصة ألق أفشي السباب‪ ،‬لكن‬
‫أخي الذي عرج بحديثه إلى الجامعة والدراسة والزملء‪ ،‬فاجأني‬
‫بما هإو أبعد من ظقني‪:‬‬

‫‪ -‬كيف الدكتور جواد؟‬

‫وجف قلبي‪ .‬هإل لسبب ذكر حبيبي أم لخوفي مقما يتخقبأ ظهر‬
‫السؤال! جاهإدت أن أنتقي إجابة اعتيادقية ل تفشي ما يتعارك في‬
‫داخلي‪:‬‬

‫‪ -‬بخير ‪ . .‬أستاذ ممتاز يبذل من قلبه في التدريس‪.‬‬

‫بخبث يواريه بالقرقة‪:‬‬

‫‪ -‬يبذل في التدريس فقط!؟‬

‫بدأت اللوان تنفلش‪ .‬وعلدي أن أحذر‪ .‬أتظاهإر بعمى اللوان‪:‬‬

‫‪ -‬ما قصدك؟‬

‫‪132‬‬
‫تنقهد أخي غير غافل مراوغتي له‪ .‬حقدق في عينقي ثقم‪:‬‬

‫صك فليس هإذا إلق‬


‫‪ -‬اسمعي يا نادية ‪ . .‬إن كنت سأتحقدث في أمر يخ ق‬
‫من منطلق حقبي لك وخوفي عليك‪.‬‬

‫ازدادت نبضات قلبي‪ .‬تهقيأت لمعركة أدافع فيها عن نفسي إن كان‬


‫ينوي فرض حصاره علقي‪ .‬كدت أبادره وأعنف عليه لكقنني في‬
‫لحظة فطنة ققررت أن أواصل مراوغتي‪:‬‬

‫‪ -‬خير ‪ ! . .‬ما المر الذي يقلقك علقي؟‬

‫رمى أخي حصاه برفق‪:‬‬

‫‪ -‬قبل أكثر من شهر لمحتك تنزلين من سقيارته‪ .‬قلت ربما تع ق‬


‫طلت‬
‫سقيارتك واستعنت بزميل ليوصلك‪ ،‬مقرة أخرى رأيتك معه في‬
‫ي بين زميلين‪ ،‬لهذا لم أفاتحك بالموضوع‬‫مطعم‪ ،‬قلت‪ :‬المر عاد ق‬
‫على اعتبار أقن من حققك التعامل مع من تثقين به من زملئاك‪.‬‬
‫ولكن!!‬

‫صمت كمن يشحن نفسه بمزيد من الشجاعة‪ .‬كان قلبي مستقمارا في‬
‫وجيفه‪ ،‬لكقنني استطعت أن أنبس ضاغطة على صوتي كقي ل‬
‫يتلقمس ارتعاده‪:‬‬

‫‪ -‬لكن ماذا؟؟ هإل سمعت ما أزعجك؟‬


‫هإقز رأسه هإقزات متتالية‪:‬‬
‫‪ -‬كنت أحسبه زميلا ثقم عرفت أقنه أستاذك‪.‬‬
‫‪ -‬وما الفرق؟‬

‫‪133‬‬
‫لم تخف حقدة خفيفة في صوته‪:‬‬

‫‪ -‬الفرق أن يتحقول الستاذ حبيابا‪ ،‬هإناك أمور مسموحة وهإناك أمور‬


‫يجب التوققف عندهإا‪ .‬ما الذي يجعلك تصاحبينه لزيارة أصدقائاه في‬
‫بيوتهم؟ وبأقية صفة؟‬

‫شعرتني وقعت في الفخ‪:‬‬

‫‪ -‬كيف عرفت؟‬

‫‪ -‬أظقنه محراجا لي أن تدخلي بيت أحد أصدقائاه الذي هإو في الوقت‬


‫نفسه زميلي في العمل‪.‬‬

‫أطرقت برأسي شعرت بخيبتي‪ .‬أكمل‪:‬‬

‫‪ -‬عندهإا اضطررت إلى التحقري عنه‪ ،‬واح ق‬


‫ب فقط أن ألفت نظرك‬
‫أقنك لست الوحيدة التي يصحبها في زياراته‪ .‬جواد يعرف كثيرات‬
‫غيرك‪.‬‬

‫صقوب سهاما لقلبي الراعد‪ .‬حاولت ان أدافع‪:‬‬

‫‪ -‬لكقنه يحقبني أنا‪.‬‬

‫نبعت من عينيه نظرة مشفقة‪:‬‬

‫ب‪ .‬فل تسحبك موجته‪ .‬كوني قوقية‬


‫‪ -‬جواد رجل ل يعرف الح ق‬
‫وحذرة‪.‬‬

‫انتصب واقافا‪ .‬وقفت‪ .‬أخذني إلى صدره بحنان شفيف‪.‬‬


‫هإمس‪:‬‬

‫‪134‬‬
‫‪ -‬لي أخت اثق بها وأتمقنى ألق تخسر ثقة أهإلها بها‪.‬‬

‫لم يضف أخي كلمة‪ .‬لم يثقلني بالتحذيرات والوصايا كما تفعل أقمي‪،‬‬
‫لم يذقكرني بأقنني أرملة وبأقن للناس آذاانا وعيوانا وألسناة‪ .‬اكتفى بأن‬
‫يسقط حجرة صغيرة في بركتي لحقدق في دوائارهإا وفقاعاتها‪،‬‬
‫أتحقسس جدرانها السمنتقية‪ ،‬أتأقكد من حواقفها إن كانت صلبة أو‬
‫مثلومة‪ .‬لعقله قصد أن أكتشف بنفسي إن كانت البركة صرحدية‬
‫فأواصل السباحة فيها‪ .‬أو أفقر من جوفها المطحلب كي ل أغرق في‬
‫العفن‪.‬‬

‫قبل أن أغلق الباب جرؤت وطلبت منه سيجارة‪ .‬أشعلها دون ترقدد ‪.‬‬
‫‪ .‬ققدمها وهإو يبتسم‪:‬‬

‫‪ -‬كلهإما ضاقر بال ق‬


‫صحة ‪ . .‬لكن ضرر السيجارة أرحم من أضرار‬
‫الح ق‬
‫ب‪.‬‬

‫خرج اخي ‪ . .‬ترك لي مساحة صمت اتسع مثل صحراء تغقوصني‬


‫ضت‬‫ب جائاع‪ .‬أحاطت بي سحابة سوداء انق ق‬ ‫برمالها ثقم تنفضني كض ق‬
‫على الضواء وأخرستها‪ .‬صرت مثل شمعة مبعوجة بل فتيلة‪ ،‬ل‬
‫يفقكر أحد أن يمدد يده إليها بعود كبريت لتضيء الظلم‪ .‬زتمادى‬
‫الصمت يضاعف استبداده مثل ريح عاتية تثير زوابعها من كقل‬
‫اتجاه‪ ،‬تفلق حبوب عقلي التي أهإملتها ول أروهإا بقدر ما رويت‬
‫ب‪ .‬بدات كل فلقة تنبت سؤالا‬‫بستان قلبي واخضعته لسلطة الح ق‬
‫وتجتقر ذكرى لموقف مضى ما كنت أدققق حينها في خباياه‪ ،‬ول‬
‫اهإتممت بأن أفقكر في نتائاجه‪.‬‬

‫‪135‬‬
‫ذات مقرة طلب أن يزورني في شققتي‪ ،‬حين ابديت استغرابي‬
‫وترقددي استخدم الغراء بكلمه – المعسول – كي يقنعني‪:‬‬

‫‪ -‬أريد أن أرى أين تنام حبيبتي حيث تحلم بي‪ ،‬أين تجلس وهإي‬
‫تهامسني بالهاتف‪ ،‬أين مكتبها الذي تدرس عليه‪ ،‬والبانيو الذي‬
‫تستحقم فيه‪ ،‬أردي كقلما اشتقت إليك وفكرت بك أن أحتويك أنت‬
‫والمكان‪.‬‬

‫أغراني وباندفاع الفرح وافقت واندفعت لقمي‪ .‬هإويت عليها برغبته‬


‫ي الصاعقة فزعقت‪:‬‬ ‫هإو ق‬

‫‪)) -‬يزورك وين بالصلة على النبي((؟‬

‫‪ -‬في شققتي‪.‬‬

‫شقدت على ذراعي حتى كادت تقصفه‪:‬‬

‫‪)) -‬مجنونة! إن كان ول بد يتف ق‬


‫ضل هإون ويقابل أبوك((‪.‬‬

‫استأت من تفكير أقمي‪ .‬سرياعا تصقورت أقنه ينوي خطبتي‪ ،‬أطحت‬


‫بتصقورهإا وأملها‪:‬‬

‫‪ -‬يا اقمي هإو يريد أن يزورني ل ليخطبني‪.‬‬

‫صرخت أقمي بحقد واضح عليه‪:‬‬

‫‪)) -‬كمان!! لتك عين تعترفي بنذالته((!‬

‫اعتذرت لجواد‪ .‬نقلت له غضب أقمي ورفضها‪ ،‬وحين سعيت‬


‫لتخفيف المر عليه نفض استياءه بوجهي‪:‬‬

‫‪136‬‬
‫‪ -‬أنت ضعيفة الشخصقية‪ .‬تستبقد بك أقمك ول تدافعين عن حقوقك‪.‬‬

‫الن فقط وأنا أستعيد ذلك اليوم‪ ،‬ألوم نفسي‪ ،‬أيقنبها‪ .‬كان يجب أن‬
‫أعلمه برفضي الصارم قبل أقمي‪ .‬كان يجب حين وصفها بالمستبقدة‬
‫أن أثور وأدافع عن حققها ‪ -‬الموقمي – بالخوف علقي لكقنني لو‬
‫أفعل‪ .‬بدوت أمامه ضعيفة يستبقد بمشاعري‪ .‬كل ما هإقمني يومها‬
‫تهدئاته وامتصاص غضبه‪ ،‬بل تماديت وحنقت على أقمي التي‬
‫تسقببت في تعكير مزاجه فعاندتها وواصلت علقتي به ضاربة‬
‫بخوفها‪ .‬وهإا هإو أخي بخوف حنون يدعوني أن أكون حذرة من‬
‫القسراب‪.‬‬

‫ثقم ماذا يا جواد؟ إلى أين ستدحرجني أنانقيتك بعد محيط سرابك؟‬
‫لعقله السؤال المغقيب الذي طكطمطن حتى يؤون له النفلت‪.‬‬

‫بعد حديث أخي الحنون‪ ،‬بدأت أخقفف من هإطول سحائابي على‬


‫أرض جواد‪ .‬رفضت مصاحبته إلى بيوت أصدقائاه دون أن أكشف‬
‫له افتضاح أمرنا لخي‪ .‬وققللت من الخروج معه إلى المطاعم‪ .‬بدأت‬
‫أهإجر الهاتف‪ ،‬ل أبادر بالتصال ول أرقد إذا تواصل الرنين‪.‬‬
‫صدت أن يفهم أقنني لست ضعيفة ول سهلة كما يظقن‪ ،‬وأقنني‬ ‫تق ق‬
‫بإرادتي أقتخذ قراري وليس بدافع من أحد‪.‬‬

‫ل‪ ،‬فل يزال جواد يسبح في دمي‪،‬‬ ‫للعناد لقذة!‪ .‬لكقنه لم يكن سه ا‬
‫يحاصرني في صمتي‪ ،‬ينثر عطره‪ ،‬صوته‪ ،‬وصورته‪ ،‬فأتوققد حيانا‬
‫طع‪ ،‬ويولول قلبي من الشوق‪ ،‬كانت فترة التناسي أشقى من‬ ‫إليه‪ ،‬أتق ق‬
‫صبر وذبت في الليالي‪ ،‬سفحت‬‫قهر القصر‪ ،‬أنهكني ال ق‬

‫‪137‬‬
‫من مياه عيني دمواعا أملح من ماء البحر‪ ،‬وانطويت بجوع روحي‬
‫كما الدودة المرشوشة بالمبيد‪ .‬أسبوع كامل وأنا أكابد لكبح‬
‫جماحي‪ ،‬لكقنني ما عدت قادرة على لجم شوقي المحتدم كالثغر‬
‫المفتوح‪ .‬أمسكت بالهاتف‪ ،‬أطلقت أصابعي لتدير رقمه والخوف‬
‫يرقجني‪ :‬ماذا لو أغلق بوجهي؟‬

‫ظقل الجرس يرقن مسعوارا وأنا بولهي المجنون أنتظر‪ .‬تكقرم أخيارا‪،‬‬
‫رفع السماعة‪ ،‬بادرته‪:‬‬

‫‪ -‬هإل كنت نائااما؟‬

‫تناهإى إلقي صوته هإادارا بالعتب‪:‬‬

‫ت!؟ ما كنت أتصقورك قاسية لهذا الحقد‪.‬‬


‫‪ -‬أن ت‬

‫صبر والجوع‪ ،‬ظقل‬ ‫انهلت عليه بقسوة تشحن هإبوبها من أوجاع ال ق‬


‫صاماتا فاستدركت موقفي‪ ،‬غقيرت من لهجتي العنيفة‪ ،‬خشيت أن‬
‫ض عقني بعد أن عانقت صوته وانتعشت‪ ،‬لكقنه بدا وكأقنه عانى‬ ‫ينف ق‬
‫مثلي وانتظر هإذه المبادرة‪ .‬تجاوز لهجتي العنيفة وبدأ يسيل‬
‫ش أشواقه‪ ،‬كان ذك قايا جريائا في انتقاء عبارات غزله‬‫عواطفه‪ ،‬ير ق‬
‫ق‬
‫الدهإش‪ ،‬كانت ذبذبات صوته مثل الفأس تحطم شجرة مقاومتي‬
‫فتذبل أغصانها وتتراخى‪ ،‬فاضت دموعي‪ ،‬فحها صوتي الذي‬
‫ص بها‪ .‬عاتبني‪:‬‬‫غ ق‬

‫‪ -‬وتبكين؟ أتراه شواقا أو نداما؟‬

‫لم أتمالك‪ .‬انهمرت عليه بكقل أوجع صبري وألمي الذي وصل حقد‬
‫الدماء‪ .‬بثثته كقل عواطفي لر ق‬
‫طب دروب الوصل التي‬

‫‪138‬‬
‫جقففتها بعنادي لبعض الوقت‪ ،‬نثرت ورودي‪ ،‬فقجرت رعودي‪،‬‬
‫وأطلقت بروقي مستسلمة لنشوتي المضاءة بع انطفاء‪.‬‬

‫بعد تلك القطيعة والعودة‪ .‬تغقير جواد أصبح أكثر إلحااحا أن أخرج‬
‫معه‪ ،‬أن أقضي الساعات لوقت متأقخر ونحن نتجقول بسيارته في‬
‫شوارع المناطق المعتمة‪ .‬وذات ليلة ابتعد بي إلى منطقة بعيدة‬
‫قاحلة من الحركة مسكونة بصمت موحش‪ .‬كان الظلم مريابا‬
‫والشارع ضيقاقا‪ ،‬أصررت أن أخرج من المنطقة قبل أن يفاجئنا‬
‫رجل مباحث أو سقيارة شرطة‪ .‬ضحك من سذاجتي‪ ،‬شقدني إلى‬
‫عنوة وحاول التقام شفتقي‪ .‬بعنف أبعدته عقني فصرخ بوجهي‪:‬‬

‫‪ -‬ل أفهم كيف تحقبينني وترفضين قبلة!‬

‫تحقديته‪:‬‬

‫‪ -‬وهإل إذا أحببت أندفع إلى الخطأ؟‬

‫سخر مقني‪:‬‬

‫‪ -‬ليس هإذا هإو السبب ‪ . . .‬يبدو لي أقنك امرأة باردة‪.‬‬

‫يتحقداني ‪ . .‬يتصقور بأقنه بتلك الكلمة يقرصني لتحقدى نفسي وأثبت‬


‫له العكس لكقنني صدمته‪:‬‬

‫‪ -‬جميل أن تكتشف بأقنني امرأة قادرة أن أضع غرائازي كقلها في‬


‫الفريزر‪.‬‬

‫لم يعجبه رقدي‪ .‬أخذ يؤقلبني ضقد نفسي‪:‬‬

‫‪139‬‬
‫‪ -‬أنت شاقبة وجميلة ‪ . .‬حرام أن تدفني شبابك وتحرمي جسدك‪.‬‬

‫قلت ورغبتي أن أصفعه‪:‬‬

‫‪ -‬ومن قال لك إقنني أنوي حرمان نفسي؟‬

‫شقع وجهه بالنتصار‪ .‬تصقورهإا دعوه له لكقنني صددت حماسته‬


‫وأذريت فرحته‪:‬‬

‫‪ -‬لن أترقدد إن جاء ابن الحلل الذي يستاهإل جمالي ‪ . .‬و ‪. .‬‬
‫حرارتي‪.‬‬

‫بصق ضحكة ساخرة‪:‬‬

‫‪ -‬أنت مغرورة‪.‬‬

‫بثقة أجبت‪:‬‬

‫‪ -‬أعرف ‪ . .‬ويحققق لي ذلك‪.‬‬

‫انتفض وكأقن صبره فاض به‪ ،‬هإرس دقواسة البنزين‪ ،‬شفط فالتقطت‬
‫عيناي انتفاضة قطط راقدة أفزعها الصوت‪ .‬كنت خائافة من‬
‫السرعة التي انطلق بها عبر الشوارع لكقني ما جرؤت أن أطالبه‬
‫بالتأقني‪ ،‬خشيت أن يستغقل خوفي ويضاعف السرعة فأموت‪.‬‬
‫لحظته يوقجه دفة السقيارة إلى طريق غير طريق بيتي‪:‬‬

‫‪ -‬إلى أين!؟‬

‫‪ -‬بوقدي أن نختلي بمنزلي‪.‬‬

‫‪140‬‬
‫دفعتني النقمة عليه أن أصرخ‪:‬‬

‫‪ -‬وهإل تحسبني سأوافق؟؟‬

‫كاراهإا رفضي استشاط‪:‬‬

‫‪ -‬أمعقول أن ل تكون لديك الرغبة في ذلك؟‬

‫ذقكرته‪:‬‬

‫‪ -‬إن كنت ل أرغب في قبلتك ‪ . .‬فكيف أذهإب إلى بيتك؟‬

‫بغرور وقح‪:‬‬

‫‪ -‬كثيرات يتمقنين هإذا‪.‬‬

‫أعرف‪ .‬هإناك المترقدية والنطيحة و ))طايحة الحظ((‪.‬‬

‫ابتلع رقدي لكقنه تققيأه إهإانة مباشرة‪:‬‬

‫‪ -‬تشقكين بذوقي!! هإا أنت معي‪.‬‬

‫انكمشت دون كلمة‪ ،‬شعرت بإهإانته توقظني أنا إذن واحدة من‬
‫القطيع‪.‬‬

‫ران الصمت كئيابا مثل دود ينبر بلحمي‪ ،‬يتسقلى بنهشي‪ ،‬فأتمقنى لو‬
‫أقذف نفسي من السقيارة وأختار موتي‪ .‬لحظ ضيقي‪ .‬مقد كفه‬
‫محاولا التقاط ذراعي‪ ،‬فالتصقت ببابي مبتعدة عنه‪.‬‬

‫ت؟‬
‫‪ -‬زعل ت‬

‫‪ -‬بل يأهإنت‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫‪ -‬تعتبرين رغبتي فيك إهإانة؟‬

‫‪ -‬لن أحققق رغبتك‪.‬‬

‫أوقف السقيارة‪ ،‬استدار نحوي‪ ،‬كان في عينيه بريق مخيف‪ ،‬وفي‬


‫صوته تشقنج واضح‪:‬‬

‫‪ -‬مقم تخافين؟ أنت أرملة‪ ،‬من حققك أن تستمتعي ما دمت تحقبين‪.‬‬

‫أقمي تريدني أن أخاف لقنني أرملة‪ ،‬وهإو يريدني أرملة ل تخاف‬


‫لتشبع رغباته! كان ل بقد أن أرقد على إهإانته‪:‬‬

‫‪ -‬زوجتك هإناك وحدهإا كالرملة‪ .‬هإل من حققها أن تستمتع مع أحد‬


‫غيرك؟‬

‫انتفض وكأقنني مسست إحدى مققدساته‪:‬‬

‫‪ -‬زوجتي تحقبني ول تفعل هإذا‪.‬‬

‫هإل تراه يخمد سؤالي أم يسقد ثقابا صغيراا حفرته فجأة في عقله‬
‫يخشى أن يفقكر فيه فيندفع بركان النار إليه؟ أم تراه ثقة الحيوان‬
‫الذي يتصقور أن ل رائاحة تجذب أنثاه إلق رائاحته!؟ رغم هإذا‬
‫خرجت الكلمة حاقده من لسانه‪:‬‬

‫‪ -‬لو فعلت أقتلها‪.‬‬

‫ب زائادة ثقم احتداد ش ق‬


‫ك‬ ‫جفلت ‪ . .‬أرعبني تناقضه السريع‪ .‬ثقة بالح ق‬
‫يصل حقد الجريمة إن هإي فعلت‪.‬‬

‫ساد صمت وكأقنني قد هإشمت الكلم فصار كالزجاج الجارح‬

‫‪142‬‬
‫عالاقا في حلقه‪ ،‬كنت أصارع في بحر هإائاج لكقني استطعت أن‬
‫أصطاد قراري وأحذفه إليه‪:‬‬

‫‪ -‬عد بي إلى البيت حا ا‬


‫ل‪.‬‬

‫***‬

‫وجدتني دون ترقدد أطرق باب أقمي فائاضة بخيبتي ودموعي‪ .‬ل‬
‫شيء يطفئ حاجتي للراحة إلق قلب أقم ‪ . .‬مهما حمل من الشقدة إلق‬
‫أقن أرضه تظقل مفروشة بالوسائاد الرقيقة‪.‬‬

‫فتحت الباب ‪ . .‬اندفعت إلى صدرهإا زهإرة بل أغصان‪ ،‬فراشة بل‬


‫أجنحة‪ ،‬شمعة بل ضوء‪ ،‬تقياهإة في أملي أقنها سترقمم انكساري‪.‬‬
‫لكن فزعها الذي انبثق من أعماقها وصرختها وهإي تشقدني إلى‬
‫صدرهإا جعلتني أعزف عن مصارحتها بالحقيقة‪ .‬فاقدعيت أقنني‬
‫تشاجرت مع صديقة عزيزة‪ .‬رفعت وجهي المبتل‪ ،‬حقدقت بنظرتها‬
‫الشكوكة‪ ،‬شعرت بشيء ينبض من صدرهإا ويكقذبني‪ :‬بل هإو جواد‪.‬‬
‫ممزواجا بفرح وكأقنها بانتظار لحظة خلصي منه‪ .‬هإل أسعد قلبها‬
‫وأعترف؟ هإل سأحظى منها بما يشقد أزري ويواسيني؟ أم تراهإا إن‬
‫عرفت كل التفاصيل ستشحن أبي وأخي ليثأر منه وربما يتآزران‬
‫ليمنعاني من الذهإاب إلى الجامعة ولم يبق على تخرجي سوى أشهر‬
‫قليلة؟ كانت اللحظات راعدة قاسية وعقلي يلوب بالتخمينات التي ل‬
‫تستققر فققررت أن أواصل كذبتي ول أفتح علقي باابا آخر لمزيد من‬
‫التعب‪ .‬آليت أن أكتم سقري‪ ،‬أكتفي بذقر وجعي عندهإا ثم أفقر إلى‬
‫شققتي‪ .‬كنت بحاجة إلى سكينة ما تهبط ملئاكتها على قلبي لتهقدئّ‬
‫روعه‪ .‬ولم تكن غير سكينة الصمت ووحدتي‪.‬‬

‫‪143‬‬
‫استقبلني صمت شققتي‪ ،‬ل ضوء سوى الساطع من رأس الباجورة‬
‫الوردقية وذلك النافذ عبر الزجاج من أضواء الشارع‪.‬‬
‫أرخيت جسدي الواهإن على الريكة‪ .‬أسلمت روحي مطواعة‬
‫للصمت المبثوث في كل الرجاء‪ .‬هإو نافذتي الوحيدة أدخل إليها‬
‫أستلقي في أرجوحتها وأتركها تؤرجح الجسد المنهك والقلب‬
‫الدخان‪ .‬لم أشعر بالصمت ثقيلا فما هإو إلق ضيف علقي والضيف‬
‫الحنون ل يثقل على المضيف‪ .‬احتويته‪ ،‬استرخيت فيه أنطوى في‬
‫ثناياه الحريرقية‪ ،‬يغانجني بألوانه‪ ،‬يهامسني بصوت أشبه بحفيف‬
‫أوراق مثقلة بالندى‪ ،‬استكنت إليه بكل احتياجي للهدوء بعد العاصفة‬
‫التي شقنها علقي جواد‪ .‬شيء كالغماءة بدأ يدغدغني ما كدت أشعر‬
‫ف تصفعني وتثوغ في‬ ‫بانتعاشه حتى هإجم علقي السؤال مثل ك ق‬
‫تلفيف لحمي ))ثقم ماذا يا جواد؟ عرفت الن أقنك أبعد ما تكون عن‬
‫ب الذي صار حقيقتي ووجودي‪ .‬هإاجسك الجسد والمتعة‬ ‫حقيقية الح ق‬
‫تريد أن تحقرض الرملة المحرومة لتشق ستائارهإا وصير عشيقة‬
‫لك‪ ،‬تريد أن تحقول عقفة الحب إلى وحل الخطيئة وأنا لست قابلة‬
‫للمتلك‪ .‬كنت في ذلك القصر أرضخ لغتصابات العجوز‬
‫ورغباته المققززة وهإو يباشر جسادا خالايا من الحياة خاوايا من‬
‫الرغبة‪ .‬وانت! وإن كنت الرجل القادر على إشعال كل فتائالي فلن‬
‫أهإبك جسادا ل يخضع لقانون المجتمع وشرع ا((‪.‬‬
‫اضطربت روحي‪ ،‬توقرم الصمت فجأة فأورم حقدي‪ .‬صار ثورة‬
‫ب في‬ ‫يمتقد كل سعيرهإا إلى جواد راغبة أن تحرقه‪ ،‬هإل ييطفأ الح ق‬
‫لحظة أم تراه يكبو ثم يهب من هإول عثرته؟‬

‫‪144‬‬
‫نظرت إلى الهاتف الصامت‪ .‬ماذا لو اتصل الن ليعتذر؟ ماذا لو‬
‫عاد يدفق شوقه الليلقي المسيل لشوقي؟ هإل أستسلم وأعطيه الفرصة‬
‫ليستقوي علقي ويقتادني إلى رغباته؟ هإل أتركه ينتصر وأنا التي‬
‫رغم ضعفي انتصرت على ذلك العجوز؟‬

‫كان الحقد يغلي في داخلي والندم على كل لحظة ح ق‬


‫ب وهإبتها له‬
‫يمقزقني ويطالبني بققوة أن أحافظ على كرامتي والبققية الباقية من‬
‫ذبالة قلبي‪ ،‬وأن أطوي صفحة صفراء من حياتي‪ .‬مددت يدي دون‬
‫ترقدد‪ ،‬سحبت فيش الهاتف‪ ،‬سقربت نفسي إلى فراشي البارد بعد أن‬
‫ابتلعت حقبتين من البنادول‪.‬‬

‫***‬

‫‪145‬‬
‫سقلمني الطبيب ورقة الدخول وأقكد لي‪:‬‬

‫‪ -‬ل تنسي بعد التاسعة تصومين‪.‬‬

‫‪ -‬مازحته‪:‬‬

‫‪ -‬عن الطعام أو الكلم؟‬

‫ضحك فبانت أسنانه المرصوصة بأناقة‪:‬‬

‫‪ -‬يستحسن أن ترتاح حنجرتك قبل العملقية‪.‬‬

‫تحقركت نحو الباب‪ .‬توققفت قليلا وعدت إليه‪:‬‬

‫‪ -‬دكتور ‪ . .‬أرجوك أن تهتم بي‪ ،‬ل أريد أن أموت‪.‬‬

‫ذهإلت عيناه بوقار شديد قال‪:‬‬

‫‪ -‬العمار بيد ا اعتمدي عليه‪.‬‬

‫‪ -‬وعليك يا دكتور‪.‬‬

‫ابتسم‪ .‬داعب قلمه كمن يداعب توقسلي‪:‬‬

‫‪ -‬ما نحن إلق بشر يهقيئنا ا لنخقفف آلم الناس‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫وقف يستعجل انصرافي وهإو يطمئنني‪:‬‬

‫‪ -‬العملقية بسيطة جاقدا‪ .‬لن تستغرق أكثر من نصف ساعة‪ .‬ل تخافي‪.‬‬
‫ل أخاف!؟ كيف ل أخاف؟ هإل ثقمة إنسان ل يخاف؟ غادا يغقيبني بنج‬
‫ل أدري إن كنت سأصحو منه أم يسقلمني إلى الموت‪ ،‬هإل أتجاوز‬
‫لحظة ضعفي وأتظاهإر أمامه بالشجاعة؟ لب سؤال في داخلي‪،‬‬
‫اقتربت منه ثانية‪:‬‬

‫‪ -‬دكتور ‪ . .‬الخوف شعور طبيعقي عند كل إنسان حتى أنت‪.‬‬


‫أل تخاف؟‬

‫نطق كأقنه يققلل من شأني‪:‬‬

‫‪ -‬المؤمن ل يخاف‪ ،‬يسقلم أمره بربه ويقتكل عليه‪.‬‬

‫‪ -‬لكن ا هإو الذي خلق الخوف والشجاعة‪ .‬كل المتناقضات‬


‫موجودة في النسان وأنت بكلمك كأقنك تنفي ما خلقه ا‪.‬‬

‫عبس وجهه‪:‬‬

‫ضح لك أقن النسان‬


‫‪ -‬أستغفر ا‪ .‬لم أقصد ذلك‪ ،‬أردت فقط أن أو ق‬
‫القو ق‬
‫ي اليمان يتجاوز حالت الخوف‪ ،‬لهذا أنا ل أخاف‪.‬‬

‫شعرت وكأقنه يشقكك بإيماني لقنني لست محقجبة‪ ،‬تأقملته وإحساسي‬


‫أقنه يغالط نفسه‪ ،‬فمهما كان مؤمانا وشجااعا لكقنه جقرب الخوف‬
‫وعرفه‪ ،‬على الققل هإو ككقل الرجال‪ ،‬يخافون من‬

‫‪147‬‬
‫زوجاتهم وخسائار تجارتهم‪ .‬لعقله شعر بما يخالجني‪ ،‬خشي إن أطلت‬
‫بقائاي أن أفتح معه حواارا ل يعجبه‪ ،‬استعجلني‪:‬‬

‫‪ -‬أريدك غادا شجاعة ومتفائالة‪.‬‬

‫خرجت‪.‬‬

‫كانت السماءمفروشة بغوم غير ناضجة‪ ،‬الشمس دافئة كرغيف‪،‬‬


‫الزحام يخنق الشوارع‪ ،‬قلبي مليء بالدعاء‪ ،‬وصوت فيروز يتهادى‬
‫من المسقجلة مثل دمعة تترقرق ))ليالي الشمال الحزيني ‪ . .‬ضقلي‬
‫اذكريني اذكريني((‪ .‬لح طيف جواد‪ ،‬كان مثلي يعشق صوت‬
‫فيروز‪ ،‬يهديني شرائاطها‪ ،‬يدندن بمقاطع من أغانيها وهإو يقطع بنا‬
‫الشوارع في ليالي الحب التي مضت‪ .‬لماذا لح طيفه الن؟ هإل‬
‫تراه ل يزال يتذقكرني؟ هإل يندم لقنه أفلتني من قلبه وحياته! ليته‬
‫يدرك أقنني غير نادمةة بل مرتاحة لقنني نفذت من خروم شبكته‪.‬‬

‫أسرعت إلى شققة أقمي‪ .‬طرقت بكقفي معزفتي الموسيققية التي‬


‫اعتادتها‪ .‬أقمي تفرح بدققاتي التي تمقيز حضوري‪ ،‬حاول أخي ذات‬
‫يوم أن يققلدهإا فتعقجلت أقمي التي كانت تشطف المطبخ بالصابون‪،‬‬
‫تزحلقت ‪ . .‬لكقنها تحاملت على عثرتها وركضت لتفتح الباب‪ ،‬حين‬
‫ق مثل نادية((‪.‬‬ ‫لمحت وجه أخي أشهرت غضبها عليه ))ل تد ق‬
‫تاب أخي‪ .‬لكن أبي الذي سمع الحكاية استهواه أن يشاكسها ويفعل‪،‬‬
‫إلق أقنه لم يتقن عزفي فتركته عند الباب حتى اضطقر أن يقرع‬
‫الجرس‪ .‬فتحت له وبادرته ساخرة ))هإاي ‪ . .‬هإاي ‪ . .‬شو حسبتني‬
‫هإبلة! نادية بتعمل ))تيري ‪ . .‬تيري لططم‪ ،‬أنت عملتها‬

‫‪148‬‬
‫تيري ‪ . .‬لططم ‪ . .‬لططم(( يومها قال لي أبي ضحكت من خيبتي وتمقنيت‬
‫لو أقمك تحفظ دققتي كما تحفظ دققتك((‪.‬‬

‫فتحت لي الباب ملهوفة‪ ،‬قبل أن تسألني كنت أبادرهإا بقبلة محمومة‬


‫وبطلبي‪:‬‬
‫‪ -‬أريد أن آكل بسرعة‪ .‬بعد التاسعة سأصوم‪ ،‬العملقية غادا‪.‬‬

‫انفجرت أقمي بالبكاء‪ ،‬مقما حقرك السؤال في داخلي ))هإل تملك‬


‫القمهات بئارا ل ينضب من الدموع؟ إذا فرحطن بكيطن ‪ . .‬وإذا اكتويطن‬
‫بالحزن بكيطن ‪ . .‬يغضبطن‪ ،‬يصرخطن‪ ،‬يثرطن‪ ،‬وتنتهي كل وصلة‬
‫بالبكاء أسافا أو استدراارا لعطف من ييسطئطن إليه‪ .‬كل دموع القمهات‬
‫ضأ ي السماء بالنور وتفتح‬
‫صادقة كما دعواتهقن في السماء حين تتطو ق‬
‫صدرهإا للدعوات‪ .‬لن أنسى كم بكت أقمي لجلي حين تركت جواد‪.‬‬
‫كانت كمن تنوب عقني لتريحني‪ ،‬وبدل أن تواسيني كنت أنا من‬
‫يفعل ويجقفف دموعها‪.‬‬

‫ظقلت أقمي تبكي وهإي تسكب لي مزيادا من الرز والبامية‪،‬‬


‫اعترضت على الكقمية فأصقرت‪:‬‬

‫‪)) -‬لزم تشبعي ‪ . .‬صيام قبل العملقية وبعدهإا((‪.‬‬

‫احتقن صوتها ببقايا دموعها التي حبستها‪ ،‬جلست قبالتي تتأقملني‬


‫ي شيء‬‫وأنا ألتهم الطعام بشراهإة وأثني على طعمه اللذيذ‪ ،‬أثرثر بأ ق‬
‫صدته كي أخقفف عنها خوفها الذي ل يققل عن خوفي وهإي‬ ‫بمرح تق ق‬
‫تشحذ هإقمتها لتضحك أو تنطق بالكلمات‪.‬‬

‫تركت أمي الطاولة وصحونها على غير عادتها وطلبت أن‬

‫‪149‬‬
‫نصعد إلى شققتي لتجقهز حقيبتي‪ .‬سقمت بال ثلاثا قبل أن تر ق‬
‫ض فيها‬
‫ما أحتاجه‪ :‬ملبس داخلقية‪ ،‬قمصان نوم‪ ،‬مناشف وشبشب‪ ،‬فرشاة‬
‫السنان والمعجون‪ ،‬فرشاة الشعر والكريمات‪ .‬لم تغفل شيائا‪،‬‬
‫الراديو الصغير وضوء القراءة الذي أشبكه بالكتاب‪ ،‬حتى روج‬
‫الشفتين والخدود مقما أثارني فضحكت‪:‬‬

‫‪ -‬هإل أنا ذاهإبة إلى حفلة؟!‬

‫شقدت على كلماتها‪:‬‬

‫‪)) -‬ما بدي أشوفك صفرا وبهتانة‪ ،‬لزم تضقلي حلوة ومزهإزهإة((‪.‬‬
‫كان لسانها ل يهدأ‪ .‬تناثل منه الدعوات حنونة‪ ،‬ول أدري هإل كانت‬
‫يتطمئن نفسها أم تطمئنني وهإي تقول‪:‬‬

‫‪)) -‬ما تخافي‪ .‬عملقية بسيطة‪ ،‬بكرة بيرجع صوتك متل البلبل((‪.‬‬
‫‪ -‬وأشارت إلى عصافيري التي كانت صامتة‪.‬‬

‫هإل كانت عصافيري تشعر بأقنني سأغادرهإا وأتركها للوحدة‬


‫صمت؟ هإل تراهإا تتلو صلوات ودعوات أن أعود إليها سالمة؟‬ ‫وال ق‬
‫اقتربت من أحد القفاص‪ ،‬زججت بكقفي فنطق العصفور عليها‪.‬‬
‫صار ينقرهإا برققةة أثارت دغدغةا ناعمة في أوصالي‪ ،‬آآآه ‪ . .‬حتى‬
‫ب وتعقبر عنه‪ ،‬وهإي بهذه البراءة أصدق من‬ ‫العصافير تعرف الح ق‬
‫الرجال‪.‬‬

‫بعد أن أكملت أقمي حشوة الحقيبة وأغلقتها‪ ،‬اتجهت إلى النافذة‪،‬‬


‫فتحت بلوزتها وأشرعت صدرهإا البيض وصوتها الحنون‬

‫‪150‬‬
‫إلى السماء‪)) :‬يا إلهي وأنت جاهإي أح ق‬
‫ضر لك جهاز عرسك وأزفك‬
‫لبيت عريسك((‪.‬‬

‫التفتت إلقي واحتقد حنان صوتها‪)) :‬العريس اللي بيستاهإلك ويفتخر‬


‫فيكي قدام ا وخلقه‪ ،‬مش اللي بدو زواج بالسر ‪ . .‬ا يقطع‬
‫يسطريته((‪.‬‬

‫اقتربت منها‪ ،‬أغلقت أزرة بلوزتها‪ ،‬ققبلت كقفيها‪ ،‬مسحت على‬


‫وجنتها وهإمست‪:‬‬

‫‪ -‬يا أقمي خلص‪ .‬أنا نسيت جواد‪ .‬إنسه أنت وارتاحي‪.‬‬

‫***‬

‫‪151‬‬
‫كنت أعرف أقنني أنفخ في قرة مقطوعة‪ ،‬لن تنسى أقمي أباداا ما سقببته‬
‫لنا الصدمة بجواد من عذاب ومرار‪ ،‬ستظتل تحقد عليه وتكيل له‬
‫أدعية غضبها متمقنية أن تتعقكر حياته كما عقكر حياتي ذلك اليوم‪.‬‬
‫ل أشتك أن جواادا أحقبني لكن رغبته أن يحظى بي كانت أقوى من‬
‫ب‪ ،‬وهإي التي دفعته حين استعصيت عليه أن يطرق الباب‬ ‫الح ق‬
‫الخير ويفاجئني‪:‬‬

‫‪ -‬نتقزوج‪.‬‬
‫لم أصقدق‪ ،‬أزهإرت العراس في داخلي‪ ،‬شعرت وكأقنني أسقط فجأة‬
‫في بحيرة من الورد والغيم‪ ،‬حاولت كبت شعوري المزغرد‬
‫والمجنون‪ ،‬سكبت على لساني صماتا ثلجاقيا بينما جمرات الفرح‬
‫تستعقر في داخلي‪ ،‬حسبني لم أسمعه فرفع صوته‪:‬‬
‫‪ -‬أتسمعين؟ قلت نتزقوج‪.‬‬

‫طرت بفكري إلى صدر أقمي‪ .‬هإل تسمعين ما أسمع؟ هإا هإو أخيارا‬
‫صه اليأس يطرق باب الزواج‪.‬‬ ‫بعد أن امت ق‬
‫تعقمدت أن أتمسك بصلبتي‪ ،‬أن أبدو غير ملهوفة‪ ،‬وأقن المر ليس‬
‫سهلا كما يتصقور‪ ،‬لم أترقدد وألقيت إليه بحقجتي‪:‬‬

‫‪125‬‬
‫‪ -‬ربما ل يوافق أهإلي‪ ،‬أقصد أنت متزقوج و ‪. . .‬‬
‫قاطعني‪:‬‬
‫‪ -‬ما المشكلة؟ أحدل ا مثنى وثلاثا وربااعا‪.‬‬
‫مارست عليه سطوتي‪:‬‬
‫ضقرة؟‬
‫‪ -‬وزوجتك؟ هإل سترضى بت ي‬
‫تلعثم‪ ،‬حاول أن يواري عينيه عني‪:‬‬
‫‪ -‬لن تعرف‪ ،‬ول أريد لحد أن يعرف‪.‬‬
‫ظ اكفهراري فحاول أن‬ ‫خفق قلبي‪ ،‬اضطرب وجهي‪ ،‬ولعقله لح ط‬
‫يرققق من صوته‪:‬‬

‫‪ -‬أنت تعرفين الظروف‪ .‬قد يثير بعض المتشقددين الزوابع ويقتهمون‬


‫أساتذة الجامعة بأقنهم يقيمون علقات مع الطالبات و ‪. . .‬‬

‫قاطعته وقد بدأ فرحي يتققلص‪:‬‬

‫‪ -‬هإذه ليس علقة حتى تخاف‪ ،‬إقنه زواج على سنة ا ورسوله‪.‬‬

‫نفخ مستااء‪:‬‬

‫‪ -‬ولطو‪ .‬أريد أن أتحاشى المشاكلوغضب زوجتي‪.‬‬

‫يخاف على شعور زوجته ول يهقمه وضعي أمام الناس‪ ،‬أردت أن‬
‫أكشف ما الذي يدور في ذهإنه وأصل إلى نتيجةة واضحةة معه‪:‬‬

‫‪153‬‬
‫‪ -‬والحل؟‬
‫قذف إجابته كمن يقذفني برصاصة‪:‬‬

‫‪ -‬نتزوج ساقرا‪.‬‬

‫ت في لحظةة من‬‫ق رأسي وقلبي‪ ،‬انقذف ي‬ ‫هإوت الكلمات كالقسف تش ق‬


‫ق مظلم‪ ،‬إلى في داخلي حقد أسود ‪. .‬‬ ‫بحيرة الورد والغيم إلى نف ة‬
‫الحقير ‪ . .‬يريد أن يأتيني ساقرا ليتنقفس حقرقيته ويشبع رغبته وكأقنني‬
‫ك على حقدي وغضبي‪:‬‬ ‫ص ق‬
‫جارية‪ .‬لم أستطع أن أ ي‬
‫‪ -‬وهإل تظقنني وأهإل سنوافق؟‬
‫حاول أن يتلطف‪:‬‬

‫يا حبيبتي ‪ . .‬هإي مقده نحقددهإا ول يتلزمنا بالشهار‪.‬‬


‫إهإانةر جعلتني أصرخ‪:‬‬
‫‪ -‬قصدك زواج ‪. . .‬‬
‫انشرحت أساريره وكأنه ارتاح لسرعة فهمي‪:‬‬
‫ضبط‪ .‬زواج متعة‪.‬‬ ‫‪ -‬بال ق‬
‫ض يظقنها عجفاء‪ ،‬لسعتني وقاحته‪،‬‬‫ق وحل أفكاره على أر ة‬ ‫كان ييري ي‬
‫توقثب كل شيء فقي‪ ،‬كاد عصفي يهقيج كقفي باتجاه وجهه الذي تشقوه‬
‫في لحظة أمامي‪ ،‬بدا كوجه ذئاب يراوغ طريدته العنيدة‪ .‬ضغطت‬
‫على روحي المهانة‪ ،‬نظرت إليه باحتقار شديد‪:‬‬

‫‪ -‬تعرف أقن مذهإبنا ل يعترف بهذا الزواج‪ ،‬هإذا أقو ا‬


‫ل‪ ،‬أقما ثانايا‪ ،‬فأنا‬
‫ل أتشقرف أن أرتبط برجل جبان مثلك‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫ألوي ي‬
‫ت لفقر من نذالته‪ ،‬شقد ذراعي وضغط عليها‪:‬‬

‫‪ -‬نادية ‪ . .‬أرجوك نتفاهإم‪.‬‬

‫سحبت ذراعي حتى شطكطكت أقنني مقزقت بعض أنسجته وصرخت‪:‬‬

‫‪ -‬أرجوك أنت‪ .‬إقياك أن تظقنني رخيصة إلى هإذا الحد‪.‬‬

‫لم أدر كيف طارت بي ساقاي إلى سقيارتي‪ ،‬ول كيف اقتسعت‬
‫لتوقرمي‪ ،‬دست على دقواسة البنزين بقسوة وشعوري أقنني أدوس‬
‫ت وكأقنني أهإرب من أفعى شرسة‪.‬‬‫رأسه‪ ،‬انفل ت‬

‫السماء رمادقية‪ ،‬والغيوم قمصان داكنة تحقركها الريح وتق ق‬


‫طع‬
‫أوصالها‪ ،‬تتمقزق ثم تعود وتلتئم كتلا كثيفة أشبه بأجساد حيوانات‬
‫ب أمامي بسبب دموعي التي اختنقت بها‬ ‫ضخمة‪ ،‬الطريق يتضبد ي‬
‫عيناي‪ .‬كنت شاردة ل أعرف كيف أوقجه دقفة سيري‪ ،‬لكقنني‬
‫ق العباب وتوقفر علقي مشققة التفكير في‬‫أحسست بالقسيارة تش ت‬
‫الطريق‪ ،‬حتى أوصلتني إلى البيت‪.‬‬

‫أقبل عطقية مسراعا فرح الوجه كعادته ليحمل حقيبة الجامعة الثقيلة‪،‬‬
‫خرجت من القسيارة‪ ،‬أغلقت بابها بعنف جعل صوته المفزوع‬
‫ينطلق‪:‬‬

‫‪ -‬خيطر يا سقيدتي؟‬

‫لكقنني تخ ق‬
‫طيته وحنجرتي المتشقنجة إثر الصدمة تأمره‪:‬‬

‫‪155‬‬
‫‪ -‬اترك الحقيبة ون ق‬
‫ظف السيارة من الداخل‪.‬‬

‫كان قد تفانى في تنظيفها في الصباح؛ لكن شعوارا غريابا فاجأني‬


‫بأقنها ازدحمت بقرفي الذي نفث روائاحه‪ ،‬وبنثارات قلبي الذي‬
‫تفقتت‪ ،‬وبدماء كرامتي التي يسحقت‪.‬‬

‫ق باب أقمي وأنا مصهورة بألمي‪ ،‬مغقلفة بحشف‬‫لم أجرؤ أن أد د‬


‫خيبتي‪ ،‬فرطر إلى شقتي‪ ،‬ارتميت على أقرب مقعد وأطلقت صرخة‬
‫ب خادع‪.‬‬ ‫متأقسية على نفسي‪ ،‬مشفقة على قلبي الذي ناطء بح ي‬

‫أطلق الصمت هإديره يسعل كصدةر مسلول‪ ،‬ومساحة القشقة الواسعة‬


‫تتزطمزم وتضيق‪ ،‬أحسستني فراشة هإقشة في قلب زجاجة ل منفذ‬
‫فيها لتنقفس‪ ،‬ول صوت يخترقها إلق عبارة جواد مثل رؤوس‬
‫مسامير دبقة تخرم جلدي ول تسقط‪ .‬واهإنة ضعيفة ل يمكنني‬
‫وحدي أن أكسر الزجاجة‪ ،‬أحتاج لمن يجقبر كسوري ويلملم نثاري‬
‫وينزح بقلبي المتكقوم على نفسه من الظلمة إلى النور‪ .‬ندمت أقنني‬
‫تجاوزت باب أقمي وحضنها رغم أقنني أصطتك من الوجع‪ .‬لم أكد‬
‫أسقط على أريكتي حتى زعق جرس الباب متلحاقا‪ .‬كان دخول‬
‫أقمي كإشراقة الشمس في يوم غائام‪.‬‬
‫بالتأكيد لم يكن قلبها استنبأ عن حالتي لكقنه عطقية الذي صدمه‬
‫منظري نقل فزعه إليها‪ .‬وجدتني فجأة أتحقرر من قعر زجاجتي‬
‫المعتم‪ ،‬ألتوي في حضنها الدافئ وأفتح صواميل دموعي وأقفال‬
‫ننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننن‬
‫)‪ (1‬عنوان رواية للكاتب الكبير حنا مينة‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫سقري‪ .‬آآآه ل شيء كالقم‪ ،‬فإن كان مجرد خيط من اللهب يذيب‬
‫شمعة فليس أقدر من لمستها على إذابة صخور أوجاعي‪ .‬كانت كما‬
‫الخيمة الؤوفة تؤوي عصفورة مقزقتها الريح‪ ،‬تتلقمس أنحائاي كقلها‬
‫لتتأقكد أقن الريح لم تبتر مقني قداما‪ ،‬ولم تكسر لي ذرااعا‪ ،‬تحوفني‬
‫مثل شمس وتدفئني حتى تكسر جليدي‪ .‬سال صمت لساني يسري‬
‫إليها بصدمتي‪ ،‬توققعت أن تثور‪ ،‬أن يشقن لسانها حملته الحمراء‬
‫على جواد ناسية أقنني بين يديها فرخة مذبوحة‪.‬‬
‫أف ‪ . .‬كم كانت ثقتي جاقفة بأقمي‪ .‬فوجئت بها تحيد عن تذطكترته وعن‬
‫لومي وتحتوي تأقزمي‪ ،‬تفرش حنان أجنحتها الرطبة‪ ،‬تبقلل عصفي‪،‬‬
‫تغسل أساي‪ ،‬وتقرأ ما يسعفها من آيات وأدعية بصوت يترقرق‬
‫بالخوف والدموع‪ .‬حين سرى الدفء والمان إلى روحي هإمست‬
‫لها‪:‬‬

‫‪ -‬ل تقلقي يا ماما‪ .‬سوف أتجاوز محنتي‪.‬‬

‫***‬

‫سهرل أن تغرينا بحيرة من العسل فنرتمي فيها‪ .‬ننساب في سيلها‬


‫الصافي‪ .‬ننهل ما يفوق إحتمالنا من الشهد متلقذذين بطعمه حتى يبدأ‬
‫السيل يتضاءل فيلوح القاع‪ ،‬عندهإا نسترتد وعينا الغائاب‪ ،‬ونخشى‬
‫من الرتطام فتبدأ الحرب لنجذب أنفسنا من البحيرة الدبقة‪ ،‬نتصقور‬
‫أقننا نجونامن شرج الرأس واهإتراس الجسد‪ ،‬لكقننا نفاجأ ي ونحن مدهإون‬
‫بالعسل بأقن آلف الحشرات‪ ،‬بكقل اشكالها‪ ،‬تنجذب إلينا لتتغقذى من‬
‫بقايا عسلنا باللسع والعقص والحكاك‪ .‬نبقى تحت رحمة هإذه‬
‫الحشرات النهمة مثابرين‬

‫‪157‬‬
‫ومجاهإدين كي نتخقلص من اللم‪ .‬ونكون قادرين على مداواة جلدنا‬
‫ت لخرج من‬ ‫وترقيع روحنا التي تمقزقت من الجروح‪ .‬هإكذا عاني ي‬
‫ب عليها‬‫ت اللوعات وأنا أهإرش جروحي وأص ت‬ ‫بحيرة العسل‪ ،‬كابد ي‬
‫ت لزحزح شبكة الحديد المسقنن وأخرج‬ ‫مياه صبري لتشفى‪ ،‬ناضل ي‬
‫ت آثار الخرمشات‬ ‫ت دمواعا ترك ط‬‫طع أوصالي‪ ،‬ذرف ي‬ ‫منها دون أن تتق ق‬
‫على خدودي كما يترك البحر ملحه وبقاياه على صدور القواقع‬
‫ت في فراغ شققتي مثل‬ ‫وخصور الحجارة‪ .‬انقطعت عن الجامعة وته ي‬
‫طة فقدت صغارهإا‪ ،‬مثل ريشةة مفصولة عن جناحها ل تستققرعلى‬ ‫ق ق‬
‫أرض‪ ،‬صرت كالورقة الصقماء ل تلتصق بها الحروف ول تلقونها‬
‫الحبار‪ ،‬منذ ذلك اليوم أدمنت السجائار‪ ،‬أحرقها‪ ،‬أحترق بها‪ ،‬أملي‬
‫صدري بغيمات الدخان وتمتلئ شققتي بروائاحها البائاتة‪ ،‬ول أفطن‬
‫ل حين تصمت عصافيري وتلتصق بأرض أقفاصها‪،‬‬ ‫لتعتبتؤ المكان إ ق‬
‫عندهإا أفتح النوافذ فيتراقص الهواء‪ ،‬تزقزق العصافير وتلتقط‬
‫حبوبها بشهقية‪ .‬أشعر حين أحقررهإا أقنني تحقررت من دبابيسي فأفتح‬
‫الراديو أغقني مع الغنية مهما كانت تافهة‪ ،‬وحين أسمع أغنية‬
‫حزينة تضرب على وتر أوجاعي‪ ،‬أعود إلى السجائار وتعود الشققة‬
‫تتعقكر‪ ،‬يلقفني صمت رائاب‪ ،‬أتحطوصل فيه فل أشتم غير الحموضة‬
‫ورائاحة فجيعتي‪.‬‬

‫لم تتركني أقمي أعاني وحدي‪ .‬كانت مثل بستان زاهإر يفتح أرجاءه‬
‫للفراشة الصامته الذاوية‪ ،‬يتمطرني بحنانها‪ ،‬تلقون جناحي بعذب‬
‫كلماتها المؤاسية‪ ،‬وتشتل في داخلي بذور الققوة لتجاوز ما أنا فيه‬
‫من كروب‪ ،‬تحقثني أن أتحامل على ضعفي وأذهإب إلى الجامعة‪.‬‬
‫لشمخ برأسي أمام جواد وأتحقداه فأرفض‪:‬‬

‫‪158‬‬
‫‪ -‬ل أريد أن أرى وجهه‪.‬‬
‫تضيق أقمي بعنادي وتنقبهني‪:‬‬
‫‪)) -‬بقدك تشوفي مستقبلك‪ ،‬الجامعة كانت حلمك((‪.‬‬

‫حين تتركني لوحدتي‪ ،‬أبدأ ألملم شتات عقلي‪ ،‬أحاور نفسي‬


‫ا‬
‫لستمطرهإا السدر الحقيققي الذي يدفعني إلى الهرب‪ .‬هإل حققا ل أريد‬
‫أن أرى وجه جواد لقنني كرهإته بعد أن تأقكدت أقنني مجقرد نزوة‬
‫عابرة أو دمية يتشقهى اللعب بها ثم يرميها؟ أم كنت أخشى إن رأيته‬
‫تستيقظ عواطفي ثانية وتتهاوى مقاومتي فأرضى بما عرضه علقي؟‬
‫ل أنكر أقنني في ليالقي القاسية الولى كنت أستحضر فكرته وأققلبها‪:‬‬

‫ما المانع بأن أحقق لقلبي وجسدي فرحة ومتعة مادام هإناك عقد‬
‫زواج؟ فالمر ليس حرااما‪ .‬يمارسه الشيعة علانا ويمارسه بعض‬
‫السقنة في السقر‪ .‬أليس أفضل من زواج معلن دائام يربطني برجل‬
‫يعقذبني ويذقلني كما حدث لي مع ذلك العجوز؟ كدت أكاد أقتنع‬
‫بالفكرة ثم أتيققظ وأرفض ليس بسبب خوفي من الكارثة التي ستحقل‬
‫بأقمي وأبي إن أنا صقممت على القبول‪ ،‬فبإمكاني إقناعهم بأقنني لست‬
‫))بنت بنوت(( يريد أن يشهدا فرحتهما الولى بها‪ ،‬أنا مجقرد أرملة‬
‫استحقلها رجل وقطف زهإرتها البكر ولن يفقكر بالزواج منها إلق‬
‫أرمل مثلها أو رجل متزقوج مثل جواد‪ .‬كان المانع الكبر أقن مثل‬
‫هإذا الزواج لن يعطيني الحساس بقيمتي كأمرأة تستحق أن يكون‬
‫لها زوج يتباهإى بها أمام الناس وتطتل معه على الدنيا المفتوحة‪ ،‬كما‬
‫أقنه لن يحققق لي مشروع المومة الذي‬

‫‪159‬‬
‫ت؛ فهذا يعني أقن الرجل لن‬ ‫ي ومؤقق ا‬‫تحلم به كل امرأة‪ .‬فما دام سقر اق‬
‫يقبل بطفل يشير إليه ويفضح أمره‪ .‬حين كنت أصل بالفكرة إلى هإا‬
‫الحقد؛ أرتعش قهارا‪ ،‬وأحتقن كراهإية لجواد وأواصل هإروبي منه‬
‫ومن الجامعة‪.‬‬
‫لم يغب أمري عن أبي‪ .‬لكقنه لم يواجهني بغضبه‪ ،‬أدركت أقن أقمي‬
‫دفعته إلى التحقكم بمشاعره وأعصابه‪ ،‬اكتفى بأن يشيتم الرجال‬
‫النذال‪ ،‬ويهزأ من سذاجتي واندفاعي بنظراته التي ل تخلو من‬
‫اللوم والتقريع الصامت‪ .‬لم أكن أخشى إلق من اللحظة التي أواجه‬
‫فيها أخي‪ ،‬هإل سيشمت بي ويلعن تهقوري وعنادي؟‬
‫نقلت تخقوفي ليمان فأقكدت‪:‬‬
‫‪ -‬أخوك سيرتاح لقنك أخيارا اكتشفت ما حقذرك منه‪.‬‬
‫خقفف هإذا عني وجعل لقائاي بأخي مرياحا‪ ،‬حين دخل علقي أسرع‬
‫ش ما تبققى من‬ ‫إلى النافذة‪ ،‬فتحها ليطرد الدخان‪ .‬جلس عاباسا يه ق‬
‫ت قليلا قبل أن ينطق‪:‬‬ ‫آثاره‪ ،‬صم ط‬
‫ب كالقريح ل ندري نواياهإا ول ماذا تحمل إلينا‪ ،‬والمطلوب أن‬ ‫‪ -‬الح ق‬
‫نواجهها‪ ،‬ننحني ول ننكسر‪.‬‬
‫س رأسها بالنار‪ ،‬كان يسبقني‬ ‫استللت سيجارة لشعلها‪ ،‬قبل أن أم ق‬
‫ويقذفها من يدي مستااء‪:‬‬
‫‪ -‬ستقتلك هإذه السجائار‪ .‬أل يكفي ما أنت فيه؟ كوني شجاعة مثلي‬
‫واتركيها‪.‬‬
‫ت كل أوتار أخقوته باتجاه دموعي‪ ،‬حضن رأسي‪ ،‬نبرة‬ ‫بكيت فتحقرك ط‬
‫صوته احتقدت‪:‬‬

‫‪160‬‬
‫‪ -‬وا لول خوفي من الفضائاح‪ ،‬لعرف كيف أستقد من هإذا النذل‪.‬‬

‫‪ -‬أرجوك يا أخي ‪ . .‬ل تعقرض نفسك للمهانة ‪ . .‬لقد انتهى المر‬


‫الن‪.‬‬

‫ربما راوده بعض الش ق‬


‫ك‪:‬‬

‫‪ -‬قد يكقرر المحاولة‪.‬‬


‫‪ -‬ثق أنني لن أسمح له‪ ،‬إقنها كرامتي‪.‬‬
‫تنقهد أخي‪ ،‬شعرت أقنها نهدت الراحة‪ ،‬تأقملني ثدم هإمس‪:‬‬
‫‪ -‬أعرفك قوقية ستجتازين محنتك والمستقبل المضيء أمامك‪.‬‬
‫تركني أخي وقد حاوطتني أذرع المان وكأقنها جذور يسقطيت بنهر‬
‫كامل فتفقرعت سرياعا إلى ضفاف قلبي وعمق روحي وتأقجج‬
‫الصرار أكثر لتمقسك بقراري‪ ،‬أنسى جواد وأعتبره مجقرد ريح‬
‫هإو جاء عبرت‪ ،‬هإقشمت بعض أضلعي ولم تيتطح بالساس‪.‬‬

‫كانت سنتي النهائاقية في الجامعة‪ ،‬تمقنيتها أن تركض لفقر من ريحها‬


‫ومن البقعة التي تجمعني بجواد‪ ،‬تحاشيته‪ ،‬أهإملته‪ ،‬انكببت على‬
‫الدراسة وإصراري على التخقرج بامتياز لثبت له أقنني شجاعة ل‬
‫ت منه‪ ،‬فالح ق‬
‫ب‬ ‫ب ول تدقمرني نذالة رجل‪ .‬شيائا فشيائا برأ ي‬‫يلويني الح ق‬
‫ش حتى‬ ‫ل يحتمل القلق‪ ،‬حين يثقل على الروح يبدأ يتضاءل‪ ،‬يك ت‬
‫ي يأفرغ من أنسجته‪ ،‬يترقهإل‬ ‫يصير القلب مثل ليمونة معصورة أو ثد ي‬
‫يتسطرطن ول تفيد معه العلجات‬

‫‪161‬‬
‫ب قلبي‪ ،‬أريد أن أحميه ليعيش‪ .‬جاهإدت لخرج من‬ ‫فيموت‪ .‬وأنا أح ق‬
‫الذي تصقورته غابة نخيل أهإقز عذوقها فيقساقط الثمر شه قايا‪ .‬فكتشفت‬
‫أقنه غابت شوك دامية حمدت ا أقنني فررت منها قبل أن ينزف كل‬
‫دمي‪.‬‬
‫كان يوم تخقرجي بامتياز‪ ،‬كما أرطدت‪ ،‬كان من أسعد أقيام حياتي‪،‬‬
‫ت لكرامتي رغم اللم التي‬ ‫شعرت بأقنني انتصرت عليه وثأر ي‬
‫تركت أثلمها في قلبي وكادت تجعل من أحلمي بقايا تالفة‪.‬‬

‫شهور قليلة مضت وأنا أتابع سير أوراقي لحصل على الوظيفة‪.‬‬
‫ويوم تسقلمت قرار تعييني معقلمة لقلغة العربية طرت إلى البيت‬
‫لبقشر أقمي‪ ،‬ركض عطقية نحوي‪ ،‬حين لمح البشر يعوم على وجهي‬
‫أدرك أسبابه وبادر بصوت يزقزق من الفرح‪:‬‬

‫‪ -‬مبروك‪.‬‬

‫شكرت محقبته وفرحته‪ ،‬أردت أن أواصل طيراني لو ل أقنه‬


‫اعترضني‪ ،‬اقترب مقني أكثر كمن يخفي س قارا‪:‬‬

‫‪ -‬الحمدل حصلت على الوظيفة‪ ،‬فمتى تفين بوعدك لي؟‬

‫‪ -‬أي وعد؟‬

‫انقبض وجهه ونظرة لوم حنون تنبع من عينيه‪:‬‬

‫‪ -‬هإل نسيت؟ وعدت أن تزقوجيني و ‪. . .‬‬


‫أرسى نظرة غريبة على وجهي‪ ،‬تلعثم قبل أن ينطق‪:‬‬

‫‪162‬‬
‫‪ -‬مثل ما قلت لك ونحن في القصر‪ ،‬أن تكون مثلك‪.‬‬

‫ضربت خفيافا على على جبيني‪ ،‬ضحكت وفاجأته‪:‬‬

‫‪ -‬غقيرت رأيي‪.‬‬

‫فجع‪ .‬فسارعت أزيل فجيعته‪:‬‬

‫‪ -‬قبل أن أزقوجك أريد أن تتعقلم‪.‬‬

‫‪ -‬أتعقلم شنو؟ ‪ . .‬السواقة؟‬

‫‪ -‬ل ‪ . .‬ستتعقلم القراءة والكتابة‪.‬‬

‫أطلق ضحكة صارخة‪ ،‬تنقبه أقنه تمادى بها فاغلق فمه بكقفه لحظة ثم‬
‫قال‪:‬‬

‫ب وقدوه الكتاب((‪.‬‬
‫‪)) -‬يوم شا ط‬

‫‪ -‬لم تشب بعد يا عطقية‪ .‬غدا تذهإب وتسقجل اسمك في مركز محو‬
‫الرمدية‪.‬‬

‫استاء‪:‬‬

‫‪ -‬شنو أستفيد من القراءة والكتابة؟‬

‫‪ -‬غادا حين تتعقلم ستعرف قيمة هإذا‪ .‬وإذا نجحت في البتدائاقية‬


‫أزقوجك على شرط أن تكمل دراستك بعد الزواج‪.‬‬

‫تهقلل وجهه‪ ،‬تركته يحاور أحلمه وزحارم تجأير أبواقه في رأسي‬


‫وأنا أستعيد جرأة عطقية‪ ،‬هإل ابتدأ يتحقرر من عبوديته حين ققربته‬
‫وكسرت حواجز السيادة بيني وبينه؟ ماذا بعد أن يتعقلم ويتفقتح عقله‬
‫بالمعرفة؟ هإل ‪. . .‬‬

‫‪163‬‬
‫انكمش قلبي حين قفز الخاطر المستحيل‪ .‬كنت قد وصلت إلى شققة‬
‫أقمي التي أحمل إليها البشارة‪.‬‬

‫تلققت بشارتي بالدموع‪ ،‬ظقلت تققبلني‪ ،‬تبقللني بفرحها ودعائاها‪ ،‬اقتجهنا‬


‫ت أرقبها وهإي تعقد لنا فنجانين من القهوة‪ .‬ترطكت‬ ‫إلى المطبخ‪ ،‬جلس ي‬
‫الماء يغلي‪ ،‬فتحت الخزانة‪ ،‬أخرجت فنجاني الذي عليه صورة‬
‫طة‪ ،‬يوم اشترته لي قالت وهإي سعيدة‪:‬‬‫ق ق‬

‫‪)) -‬شفتي هإالق ق‬


‫طة الحلوة بتشبهك وأنت صغيرة؛ قلت لزم‬
‫أشتريه((‪.‬‬

‫ت أن أستأثر به في شققتي‪ ،‬لكقنها‬


‫من يومها أحببت هإذا الفنجان‪ ،‬أرد ي‬
‫رفضت وهإي تحضنه بين كفيها‪)) .‬أخاف ان تكسريه((‪.‬‬

‫كانت أقمي حريصة كحرصها على غ ق‬


‫لية قهوتها المثقوبة ذات اليد‬
‫ت بها أقول فنجان قهوة لبي‪.‬‬‫المكسورة‪ ،‬التي صنع ط‬
‫فاحة رائاحة البقن المغلي‪ ،‬تناهإى إلقي صوت فيروز ))في قهوة‬
‫عالمفرق‪ ،‬في موقد وفي نار‪ ،‬نبقى أنا وحبيبي‪ ،‬نفرشها‬
‫ت بالغنية‪ ،‬كانت أقمي قد جلست وارتشفت أقول‬ ‫بالشعار((‪ ،‬دندن ي‬
‫ت طعمها وابتسم ط‬
‫ت‪:‬‬ ‫رشفة‪ ،‬تلقمظ ط‬

‫‪ -‬هإا؟ شو فقكرك بهالغنقية؟ إن شاءا بس ما تفتكري شيء تاني؟‬

‫تصقورت أقمي أقنني أتذقكر جواد‪ ،‬ولم يكن تصقورهإا قد خطر ببالي‬
‫لكقنها بقولها أرجعتني إلى تلك المقاهإي التي ارتدناهإا ماعا‪ ،‬وشربنا‬
‫العصائار والقهوة فيها‪ .‬لم ترعشني الذكرى‪ ،‬لم يخفق قلبي‬

‫‪164‬‬
‫ب قد تلشى‪ ،‬طمأطن ي‬
‫ت أقمي‪:‬‬ ‫متمنقايا لو تعود‪ ،‬كان كل الح ق‬

‫‪ -‬كل شيء صار مجقرد ذكريات شائابة‪.‬‬

‫كانت أقمي متأقكدة أقنني نسيته رغم تلميحها‪ .‬فقد عانت معي يواما‬
‫بيوم‪ ،‬شهارا بشهر حتى شفيت واسترددت ما تلف من صقحتي‬
‫وأعصابي‪ .‬تلقون وجهها بالراحة‪ ،‬أرادت أن تنحو بالحديث بعيادا‬
‫عن ذكريات مقرة‪:‬‬

‫‪)) -‬متى راح تستلمي الشغل؟((‬

‫‪ -‬السبوع القادم والراتب ‪ 400‬دينار غير الترقيات وال ‪. . .‬‬


‫قاطعتني‪:‬‬

‫‪)) -‬عندك خير ا ‪ . .‬شو قيمة هإذا المبلغ؟((‬

‫قرصني كلمها فأقكدت لها‪:‬‬

‫‪ -‬صقدقي يا أقمي هإذا المبلغ أكبر وأهإقم من كل ما أملك‪ .‬إقنه من عرق‬


‫جبيني وسوف أفتح له حساابا خا قا‬
‫صا في البنك‪.‬‬

‫ضحكت أقمي هإازئاة‪ ،‬عذرتها‪ ،‬هإي ل تدرك أ ق‬


‫ي معناى لمال ولو‬
‫بسي ا‬
‫طا يأتي من تعبي‪ ،‬ل تستطيع أن تتخقيل أقن أموال العجوز‬
‫الطائالة ل تعني لي شيائا ول أشعر بسعادة امتلكها بقدر السعادة‬
‫حين أصرفها وأبقددهإا وكأقنني أتخقلص من جراثيم حوض قديم‪.‬‬

‫تذقكرت موضوع عطقية‪ ،‬فاجأتها به‪ ،‬استاء وجهها وصوتها‪:‬‬

‫‪)) -‬بعد ما شاب وقدوه الكتاب((‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫ضحكت‪:‬‬

‫‪ -‬تمااما كم قال عطقية‪.‬‬

‫يسقر وجهها‪:‬‬

‫‪)) -‬عارف نفسه مش راح يفلح((‪.‬‬


‫دافعت عنه بحرارة‪:‬‬

‫‪ -‬عطقية ذكي وسيفلح إن شاء ا‪.‬‬

‫لطوت شفتيها‪:‬‬

‫‪)) -‬وشو ناقصه؟ عايش ومرتاح‪ ،‬يا خوفي بكره بس يتعقلم يتنمرد‬
‫علينا((‪.‬‬

‫ألقي ي‬
‫ت بقنبلتي‪:‬‬

‫‪ -‬بس يتعقلم سأزقوجه‪.‬‬

‫خبطت أقمي على صدرهإا‪:‬‬

‫‪)) -‬كمان راح تزقوجيه؟ يا بخته هإالعطقية‪ ،‬بكرا بيصير باشا‬


‫وناقصه قصر((‪.‬‬

‫كأقن أقمي أشعلت الفكرة في رأسي فلم يأؤقجل قراري بها‪:‬‬

‫‪ -‬سأشتري له بياتا‪.‬‬

‫شقدت أقمي شعر رأسها‪ ،‬قامت‪ ،‬خبطت فنجانها في قلب الحوض‬


‫غاضبة‪:‬‬

‫‪166‬‬
‫‪)) -‬بي ط‬
‫ظهر إقنك جدني ت‬
‫ت((‪.‬‬
‫دافعت عن فكرتي وعن عطقية‪:‬‬
‫‪ -‬عطقية يخدمنا بأمانه ولزم نكرمه‪.‬‬
‫واجهتني بعنف‪:‬‬
‫‪)) -‬أكتر من هإيك كرم؟ آكل‪ ،‬شارب‪ ،‬نايم‪ ،‬وكمان بياخد راتب‬
‫كبير((‪.‬‬

‫قبل أن أرقد كان صوت أبي الذي دخل يتوقجه إلى أقمي‪:‬‬

‫‪ -‬ما الحكاية؟ صوتك عاةل‪.‬‬

‫كأقن حضوره أسعفها‪ ،‬تفاءلت أقنها ستجد نصيارا‪:‬‬

‫‪)) -‬تعال شوف جنون بنتك‪ .‬قال شو؟! بدهإا تعقلم عطقية وطتزوجه‪،‬‬
‫وكمان تشتري له بيت((‪.‬‬

‫التفت أبي إلقي‪ ،‬كان وجهه ينبع نوارا ونظرته يتمطر كم يغسل‬
‫وجهي من غبار‪:‬‬

‫‪ -‬بارك ا فيك‪ .‬عطقية يستاهإل‪.‬‬

‫شهقت أقمي‪ .‬وقبل أن ينفجر بركانها كنت أفقر إلى شققتي تاركاتا أبي‬
‫يعالج النار ليطفئها‪.‬‬

‫***‬

‫ت بنفسي على السرير‪ ،‬أرسيت رأسي المجهد على الوسادة‪،‬‬ ‫ألقي ي‬


‫ط بين الصمت والصمت الذي انبسط مثل غللة‬ ‫شعرت بجسدي يمت ت‬
‫بلون السماء الربيعقية‪ ،‬تهطل علقي نجيمات‬

‫‪167‬‬
‫صغيرات تتقافز‪ ،‬توقزع أضوائاها الملقونه وتمضي إلى حيث‬
‫مسارب الذاكرة المغلقة‪ ،‬تمقسها‪ ،‬تكهربها‪ ،‬ترتعش أسلكها فتنفث‬
‫ضا من أنفاس القصر‪ .‬أنجذب إليها رغم كراهإقيتي لتلك‬‫إلقي بع ا‬
‫الرائاحة‪ ،‬أشعر بغثيان‪ ،‬أتخقدير وأغيب‪ .‬أغوص في طرق لولبقية‬
‫مرصوفة جدرانها بأشجار الصقبار‪ ،‬تدفعني فيها ريح باردة وتقذفني‬
‫إلى القصر القرابطة فيه تلك التماثيل الجامدة والمفروشات الكئيبة‪.‬‬
‫تضيق أنفاسي‪ ،‬أبحث عن مهرب‪ ،‬أندفع إلى النوافذ الموصدة‬
‫لفتحها‪ ،‬لكقنها تعصى وكأقنها مختومة بالسمنت‪ ،‬أركض إلى الباب‬
‫لكن صرخة مجنونة تجقمدني في مكاني‪ .‬هإل كان عواء ذئاب أم‬
‫اختراق الريح من الشقوق‪ ،‬أم شبق جنقيات هإاربات من لياليهن‬
‫الكالحات؟ أستدير بإتجاه الصرخة‪.‬‬
‫أرى العجوز‪ ،‬مثل المومياء رمادقية‪ ،‬مترباعا على الريكة كاشارا‬
‫عن أسنانه المتآكلة‪ .‬تجاسرت ونطقت‪:‬‬

‫‪ -‬أن ط‬
‫ت؟؟‬

‫قدح شررر أحمر من تجويف عينيه‪ .‬عوى‪:‬‬

‫ت؟‬
‫‪ -‬متى خرجت؟ وأين كن ت‬

‫لم ينتظر لجيب‪ ،‬وما كان لساني ليسعفني من هإول منظره‬


‫وصوته‪ ،‬تحقرك من مكانه‪ ،‬وصل إلقي منذارا بالشقر‪ ،‬امسك ذراعي‬
‫بققوة‪ ،‬غاصت أظافره بلحمي‪ ،‬رفع كقفه وانهال على وجهي‬
‫بصفعات شعرت وكأقنها أغطية قدور ملتهبة‪ .‬حاولت التخقلص من‬
‫اللهب فكان أقوى مقني رغم ما بذلته من الجهد‪ .‬أسقطني على‬
‫الرض‪ ،‬بطرك على صدري وصرخ ينادي‪:‬‬

‫‪168‬‬
‫‪ -‬جورجيت ‪ . .‬جورجيت‪.‬‬

‫ت من خلف أحد البواب وكأقنها قد استعقدت لهذه اللحظة‪،‬‬ ‫برز ط‬


‫حاملة بين يديها لقفة من القماش البيض ناولتها له‪ .‬فتح طقياتها‬
‫وفرشها على الرض‪ ،‬حملني بققوة لم أعهدهإا به وألقاني فوق‬
‫القماش المفرود وأمطر جورجيت‪:‬‬

‫‪ -‬هإاتي قارورة الدم‪.‬‬

‫جاءت بها‪ .‬فتحت الغطاء فأصدر صواتا كارتطام دلةو بقاع بئر‪.‬‬
‫أخذت ترقشني بدةم متخقثر له رائاحه قصديرقية‪ ،‬كنت أحاذر كي ل‬
‫ف‪.‬‬‫طى جسدي كقله بالدم أمطرهإا أن تك ق‬‫ب على وجهي‪ ،‬حين تغ ق‬ ‫ص د‬‫ي ي‬
‫ب للخلص منه ول‬ ‫وبدأ يكقفنني في القماش وأنا في محاولتي أطدأ ي‬
‫أفوز‪ .‬ترك وجهي بل كفن ونادى بأعلى صوته‪:‬‬

‫‪ -‬عطقية ‪ . .‬تعال‪.‬‬

‫اقتحم الغرفة‪ ،‬بدأ يقتجه إلقي بخطوات بطيئة‪ ،‬سمحت لعينقي أن‬
‫تتأقمل جسده العاري‪ .‬أسود لمع‪ ،‬عنق ثخين يرتكز على كتفين‬
‫عريضتين‪ ،‬صدر عاةر من الشعر ينفرش عليه نهدان منتفخان‬
‫تتوقجهان حلمات كبيرتان بحجم حقبة العنب السود‪ ،‬خصر ضيق‬
‫ت عيناي فزعتين عند شطيتئه المتدقلي‪ ،‬كدت‬‫وردفان ممتلئان‪ .‬توققف ط‬
‫ت أن يأمره‬‫أشهق‪ :‬أهإذا كقله الذي شققني تلك الليلة بذلك العنف؟ خشي ي‬
‫باغتصابي‪ .‬في تلك الليله لم يسمح لي الوضع أن أرى هإذا الجسد‪،‬‬
‫الن عرفت حقيقته‪ ،‬وحين يقترب لينهش جسدي سيكون المر‬
‫صطكاك أسناني‬ ‫أقسى وأصعب‪ .‬كنت أسمع دبيك قلبي وا ط‬

‫‪169‬‬
‫لكقنهما لم يصقدا عقني صوت العجوز وهإو يخرج من غمده ويأمر‬
‫عطقية أن يبدأ‪ .‬وفي اللحظة التي هإجم علقي جمعت كقل صوتي‬
‫وأطلقته بصرخة ضارية هإقزتني فانتفضت وكأقنني أخرج من قبر‬
‫يرتدم بالحجارة‪ .‬فتحت عينقي فإذا بالصمت البرص يلطمني وقد‬
‫ضاويات ولم أسمع سوى صدى‬ ‫غابت عن الغرفة تلك النجيمات ال ق‬
‫صرختي يترقدد في الشققة كزئايةر مسعور‪.‬‬

‫تحقسست جسدي المرتعش الساقط في بركة عرقي‪ ،‬حمدت ا أقني‬


‫صحوت قبل أن يلسعني صوط عطقية وينكأ ي جراحاتي القديمات‪،‬‬
‫ش وجفاف خشن‪ .‬أخذت زجاجة الماء ودلقتها دفعةا‬ ‫شعرت بعط ة‬
‫ق‬
‫واحدة إلى جوفي الذي تصلبت شرايينه وفارقه دطفيؤه‪ ،‬احتضنت‬
‫وسادتي وأخذت أفقكر‪ :‬لماذا هإذا الحلم الشرس والليلة بالذات؟ هإل‬
‫أقلق العجوز ما أنويه لعطقية فاستكثر علقي الفعل وعليه الثر؟ هإل‬
‫ي حتى بعد موته؟‬ ‫ب نعمته ليظقل عبده البد ق‬ ‫يريد أن يكون وحده ر د‬
‫شعرت بعتاب حارق‪ :‬ماذا ققدمت لعطقية غير وظيفته كحارس‬
‫ك عتقه ومبلاغا من المال وشهادة‬ ‫للعمارة؟ بينما العجوز عطاه ص ق‬
‫الجنسقية الكويتقية‪ .‬لماذا لم أبادر منذ أن مات العجوز فأمنح عطقية‬
‫صك حررديته الحقيقي؛ أعقلمه وأزوجه ويأهإيقيئ له بياتا يؤويه وعائالته‬
‫القادمة؟ لماذا نسيته كل هإذه السنوات؟ والن حين نويت يتسقلط علقي‬
‫العجوز أحلفي ليفسد علقي نقيتي‪ .‬أم هإل تراهإا أقمي القرافضة قد‬
‫تلبسقتها روح العجوز؟ أقمي التي لم تنسى ولن تنسى فعلة عطقية‬
‫ش‬‫رغم أقنني أنا التي توقح ط‬
‫ننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننن‬

‫)‪ (1‬كان الكويتقيون يمنحون لعبيدهإم الجنسقية وأحياانا اسم السرة‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫في اغتصابي وجلدي بالقسوط تجاوزت ذلك القتوحش وغفرت له‪.‬‬

‫لماذا غفرت لعطقية؟ لماذا لم أحقد عليه وأكرهإه وهإو الذي‬


‫أغتصبني وجلدني ولم يساعدني على الهرب‪ ،‬لتطم لططم أطرده وأتركه‬
‫ق ليطجطج الدروب الغامضة والرياح المتققلبة؟ لماذا احتفظت به وأنا‬ ‫يش ق‬
‫التي كنت أريد أن أتخقلص من أعفان كان الماضي كقلها؟ حتى‬
‫القصر‪ ،‬حلم أقمي‪ ،‬ضقحيت ولم يأضرح بعطقية‪ .‬هإل كانت مجقرد شفقة‬
‫عليه؟ كنت أحقسه مثل الكلب الليف الذي ترقبى في بيت لم يعرف‬
‫سواه‪ ،‬يليتغ من صحن السقيد ثم يتكور تحت قدميه ليحرسه‪ ،‬فأين‬
‫سيذهإب بعد أن اعتاد حياة القصر والسقيد؟ كان هإذا دافاعا حقرك‬
‫ت فيه‬‫ضميري نحوه مشفواعا بدافع أكبر أقنني أحببت عطقية وأكبر ي‬
‫ث واضهاد‪ ،‬فتوقسمت أن‬ ‫وفاءه لسقيده‪ ،‬رغم الذي عاناه من توار ة‬
‫س قلبه حديقة‬‫ضا‪ .‬لم تخدعني مشاعري‪ ،‬كنت أح ق‬ ‫يكون وف قايا لي أي ا‬
‫أترقبع فيها‪ ،‬زهإرة تخاف عليها النسمة وزقخة المطر‪ ،‬تفانى بخدمتي‬
‫وخدمة أهإلي‪ .‬حين أركب سقيارتي يقف إلى جالنبها ويطلق دعوا ة‬
‫ت‬
‫صادقة أن يحفظني ا من شقر الطريق‪ ،‬ول يتحقرك إلق بعد أن‬
‫أبتعد بينما ذراعه الطويلة تلقوح لي موقداعا‪ .‬وحين أعود يقفز نحوي‬
‫وكأقنه اشتدم رائاحتي‪ ،‬وعن بعد أرى وجهه مفرواشا باللهفة والفرح‪،‬‬
‫ف تغقر‪.‬‬‫وأسنانه وحتى طواحينه تبدو مثل أحر ة‬
‫وفي كثيةر من الليالي حين يصيبني الرق‪ ،‬وأطقل من نافذة غرفتي‪،‬‬
‫س يتفققد المكان ويحرسه ليذود عنه‪.‬‬ ‫ألمحه يذرع الساحة مثل عسع ة‬

‫حين بدأ يتلققى دروسه كان يجتهد ليحفظ‪ ،‬تصقورته في البداية تحقدايا‬
‫غير مدقبر لقمي التي هإتزئات منه‪ .‬لكقنني اكتشفت أقنه كالطفل‬

‫‪171‬‬
‫الذي يريد إرضاء أقمه لتققدم له الشكر والدعوات والهدايا‪ .‬يتفانى‬
‫ق بابي بخجل كي‬ ‫لرضائاي‪ .‬وحين تصعب عليه كلمة أو معنى يد ق‬
‫أساعده‪ ،‬أقول مقرةة جاء فيها جلس على الرض متتكائا على ذراع‬
‫الريكة التي أجلس عليها‪ ،‬ساءني أن يصقور نفسه ذلك العبد الذي‬
‫صطحبته إلى‬ ‫ل يجب أن يعلو على السياد‪ ،‬قمت من الريكة وا ط‬
‫طاولة الطعام وطلبت منه أن يجلس إلى ييمناي فترقدد‪ ،‬تظاهإرت‬
‫بالغضب فامتثل لطلبي محراجا لكقنه اعتاد بعد ذلك حتى على‬
‫طاء‪ ،‬وكيف‬ ‫تلصق كفي التي تمسك بكفه لتعقلمه كيف يرسم ال ق‬
‫صاد والقسين‪ .‬فاجأني ذات يوم بورقة كبيرة خطق عليها‬ ‫يفقرق بين ال ق‬
‫اسمي بحرف كبير زقوقه باللوان‪ ،‬أخذت الورقة وعقلقتها على‬
‫الجدار وكافأته بعلبة كاملة من شيكولته الكت كات التي يحقبها‪.‬‬
‫كنت أحقسه يغار علقي‪ .‬يوم جاء عامل التكييف؛ وكنت أرتدي بلوزة‬
‫بل أكمام؛ تلقفت حوله فلم يجد غير شرشف الطاولة‪ .‬سحبه ووضعه‬
‫كالقشال على كتفقي‪ ،‬حتى من عينيه كان يغار علقي‪ .‬ذات صباح‬
‫فتحت الباب وكنت ما زلت في قميص النوم القشفاف متصقورة أقنها‬
‫أقمي‪ ،‬وما إن لمحني حتى استدار عقني سرياعا وكأقنه لم يكن الذي‬
‫رأى جسدي عارايا ومبااحا له‪.‬‬

‫ب الدافئ الحنون‪ ،‬دقللته‪ ،‬أكرمته بالقلباس‬ ‫أحببت عطقية ذلك الح ق‬


‫والمعاملة والخوف عليه‪ .‬كنت أرتعب حين يشتكي من صداع أو‬
‫برد أو وجع في معدته‪ ،‬أيتعدد له بنفسي الليمون وأققدم له الدواء‬
‫ي سبب حتى‬ ‫بمواعيده‪ ،‬ويأصتر عليه أن يلزم الفراش ول يغادر ل ق‬
‫من أجلي‪ .‬كان يلتزم بأمري يواما أو يومين ثم يخرج‬

‫‪172‬‬
‫مقدعايا أقنه استرقد عافيته‪ .‬ورغم خوفي عليه كان ينبض في داخلي‬
‫شعور الفرح والمتنان‪ .‬كنت أدرك كم يحقبني وأفهم إشارات هإذا‬
‫ي سبب بسيط يظقل‬ ‫ب حين أفرح وأحزن‪ ،‬وحين أغضب منه ل ق‬ ‫الح ق‬
‫يحوم ويخترع أسباابا ليد ق‬
‫ق بابي أو يجمع لي أبهى زهإور الحديقة‬
‫حتى يرى ابتسامتي فيبدو عصفور اغتسل بالمطر‪ .‬لم يكن من‬
‫شيء يضايقني في عطقية إل تلك الرائاحة التي تصدر من جسده‪،‬‬
‫مزيج من بصل بائات وخقل رخيص‪ ،‬لم أكن وهإو في القصر أنتبه‬
‫لهذه الرائاحة‪ ،‬لكقنه ومنذ اليوم القول الذي استلم عمله في العمارة‬
‫بدأت رائاحته تزكمني‪ ،‬احتملت شهرين كنت خللها عاجزة عن‬
‫إيجاد الوسيلة التي أنقبهه بها دون أن أجرحه‪.‬‬

‫حتى اهإتديت إلى الحل‪.‬‬

‫ذات يوم حملت له كياسا مليائا بالصابون المع ق‬


‫طر والكولونيا‬
‫وأصناف من مزيلت العرق‪ .‬حين رآني أحمل الكيس أسرع ليأخذه‬
‫من يدي لكقني تشقبثت به وقلت‪:‬‬

‫‪ -‬اصعد معي ‪ . .‬أريدك‪.‬‬

‫كان الوقت صيافا والرطوبة جائارة‪ ،‬وحين أغلق باب المصعد‬


‫ضبط من أين يفوح نتنها‪.‬‬ ‫جارت علقي رائاحته التي ل أدري بال ق‬
‫وبكقل حاجتي لنسمة نظيفة كنت أتمقنى لو يطير بنا المصعد‪ .‬ما إن‬
‫فيتتطح الباب حتى اندفعت منه لستقل شهياقا نظيافا وأفتح باب شققتي‬
‫وهإو يتبعني برائاحته‪.‬‬

‫وضعت الكيس على الطاولة‪ ،‬فتحته‪ ،‬صفف ي‬


‫ت الشياء أمامه و ‪: . . .‬‬

‫‪173‬‬
‫‪ -‬شوف يا عطية هإذا صابون‪ ،‬وهإذا عطر‪ ،‬وهإذا ‪. . .‬‬

‫رفعت ذراعي ووقجهت ثقب العلبة نحو إبطي وضغطت الرأس‬


‫فانتثر رذاذه ورائاحته العطرة‪ .‬شعرت من خجلي وكأقنني أنزف كقل‬
‫ق جسدي‪ ،‬لكقنني اقدعيت شجاعة ل بقد أن أكون عليها‪ .‬قلت له‬
‫طعر ت‬
‫وأنا أهإرب بنظرتي منه‪:‬‬

‫‪ -‬هإذا سيمنع رائاحة العرق‪ ،‬عليك أن تستعمله بعد كقل حقمام‪.‬‬

‫لن أنسى يجرمطي البريء ذلك اليوم‪ .‬انحنى عطقية بذيل كبير‪.‬‬
‫ارتجف جسده أمامي كمن داهإمته ريح شتائاقية وعاصفة رمل‪.‬تحقول‬
‫صوته الرخيم الجميل إلى ما يشبه أنين جرةو يتيم‪:‬‬

‫صنان قوقية ما تروح و ‪. . .‬‬


‫‪ -‬سقيدتي ‪ . .‬نحن العبيد لجلودنا رائاحة ت‬

‫قاطعته محتقده‪:‬‬

‫‪ -‬هإذا كلم فارغ‪ .‬كل إنسان تصدر عنه رائاحة لجسده إن أهإمل‬
‫نظافته‪ .‬اسمع الكلم‪ ،‬عليك أن تستحقم كقل يوم مقرة أو مقرتين حسب‬
‫ما تبذله من جهد وتر ق‬
‫ش هإذا‪.‬‬

‫حمل الشياء وانصرف مسراعا حتى شعرت بأقنه يكاد يرتطم‬


‫بالباب قاصادا ييميت نفسه‪ .‬وفي داخلي شيء كالخنجر يسلخ قلبي‬
‫تألقاما عليه‪ ،‬ولكن كان لبقد أن أسلخ قلبي لسلخ عنه رائاحته‪ .‬منذ‬
‫ذلك النهار اجتهد عطقية لكي يرضيني‪ ،‬صار يبدو نظيافا‪ ،‬لماعا‪،‬‬
‫معطقارا ولم أعد أشتم له رائاحة كريهة‪.‬‬

‫***‬

‫‪174‬‬
‫في المساء جاء فيصل وإيمان‪ ،‬صدحت شققتي بتغاريد الصغار‪،‬‬
‫تعقلقت الصغيرة بعنقي شقدت عليه وببراءة سألت‪:‬‬
‫ق الطبيب رقبتك؟ أخاف أن تموتي‪.‬‬ ‫‪ -‬هإل سيش ت‬
‫هإقشتها أقمي من حضني وصرخت‪:‬‬
‫‪)) -‬ل تفاولي على عقمتك ‪ . .‬إن شاء ا يومين وبترجع للبيت((‪.‬‬

‫أصقرت أقمي أن تنام عندي‪ .‬ورغم إحساسي بمدى خوفها فإقنني‬


‫رفضت بلباقة‪ .‬فقد انتبني شعور مخيف بأقن نومها بجانبي يعني أقنها‬
‫توقدعني لخر مقرة‪ .‬ممتعضة تققبلت لباقتي وأمطرتني بالقبل‬
‫والدعية قبل أن تخرج‪.‬‬

‫بقيت وحدي والسكون‪ ،‬أطفأت كقل الضواء عدا الباجورة‬


‫ت‬‫ص‪ .‬صم ر‬ ‫الخضراء‪ .‬وقد أشاع الصمت الحزين ضوءه الخا ق‬
‫معقود بألوان فضقية يسبح في الغرفة وأنا مثل قارب أعزل يبحر‬
‫لقول مرة‪ .‬تتقاذفني الموجات ويعلوني الزبد‪ .‬أغمض عينقي‪،‬‬
‫يأحقسني تهاويت إلى القاع‪ ،‬استقررت على رمله الناعم‪ .‬هإدأ الموج‬
‫وسمح لي الصمت‪ ،‬أن أتأقمل سنواتي الماضيات‪ ،‬أستعيد حياتي مع‬
‫العجوز فل أصطاد ظدل ابتسامته‪ .‬تذقكرت صمتي‬

‫‪175‬‬
‫المتواصل‪ ،‬الشيء الوحيد الذي اعتبرته سلاح يعقبر عن قرفي‬
‫واحتقاري لحياة القصر حتى انبثق فجري بموته‪ ،‬وما إن تللت‬
‫الحياة من حولي وأطلقت ضحكاتي المكبوتة حتى جاءت تجربتي‬
‫مع جواد‪ .‬فاقتسع الفق ثم ضاق حتى لحظة اليبرء من التجربة‪.‬‬
‫ماذا ينتظرني في الغد؟؟‬

‫بدأ السمت يضيق ‪ . .‬يضيق ثم ينشطر فجأة ويبعث ما يشبه ذيولا‬


‫لنيازك متفقجرة فأندفع من رمل القاع إلى مكاني في الصالة‪ ،‬أفتح‬
‫عينقي‪ ،‬ألمح عصافيري مكتومة في القفاص صامتة وكأقنها ققررت‬
‫بدء رحلة الصمت قبلي‪ ،‬اقتربت منها‪ ،‬ناغيت ثقم غنيت تذقكرت‬
‫ل‪ ،‬وذلك اليوم الذي فاجأني فيه العجوز وأنا‬‫صوتي الذي كان جمي ا‬
‫أغقني فلم يستطع أن يكبت إعجابه‪ .‬وحين لمح الغرور علةى وجهي‬
‫ل‪)) :‬لكن أين هإو من صوت أم كلثوم((‪.‬‬ ‫ندم‪ ،‬وشفط إعجابه قائا ا‬

‫لم أترك عصافيري إلق بعد أن زغرد صوتها ورفرفت أجنحتها‪.‬‬


‫انسحبت إلى فراشي‪ ،‬تمقددت‪ ،‬أغلقت النور‪ ،‬وتركت الصمت‬
‫القسميك يعربد حتى يثقل ويتساقط‪.‬‬

‫***‬

‫زقفتني عائالتي إلى المستشفى‪ .‬أقمي‪ ،‬أبي‪ ،‬فيصل وإيمان‪.‬‬


‫وقف عطقية يتوقسل أن يرافقنا فرفضت أقمي‪ .‬دنوت منه أمسكت‬
‫بكقفه يأرقبت عليها‪ :‬ل تخف سأكون بخير‪ .‬ركض إلقي يققبل رأسي‬
‫وقد امتلت عيناه بالدموع‪ .‬وحين انحنى يققبل كقفي فاحت من جسده‬
‫رائاحة نسيم كذلك الذي يبقشر بأقول موسم الشتاء‪.‬‬

‫‪176‬‬
‫دخلت غرفتي في المستشفى‪ ،‬الجدران بيضاء‪ ،‬والسرير البيض‬
‫أمامي‪ ،‬فاجأني ذلك الحلم بالعجوز فتصقورت السرير نعاشا‬
‫والغطية كفانا‪ .‬وكأقن أقمي استقرأت ما يدور بداخلي‪.‬‬
‫أسرعت تفتح الحقيبة ويتخريج منها شراشفي الزهإرقية‪ ،‬وقبل أن‬
‫يأبدي استغرابي كانت تقول وهإي تبقدل الشرشف‪:‬‬

‫‪)) -‬أنا متلك ما بح ق‬


‫ب الشراشف البيضة‪ ،‬غافلتك ودحشت هإدول‬
‫بالشنطة((‪.‬‬

‫ساعدتني في الصعود والستلقاء‪ ،‬دخلت الممقرضة وققدمت لي‬


‫الثوب البيض وطاقية الشعر الورققية البيضاء‪ ،‬ضحكت أقمي‬
‫وقالت‪:‬‬
‫‪)) -‬عاد هإاي مافيني أغقيرهإا‪ ،‬استحمليها‪ ((.‬وزفرت‪)) :‬يأف أنا‬
‫عارفة ليش ما بيعملوهإا غير لون((‪.‬‬

‫خرج أهإلي من الغرفة وبقيت أقمي لتساعدني في خلع ملبسي‪.‬‬


‫كنت أحقسها متماسكة حتى اللحظة التي ارتديت فيها البيض‪.‬‬
‫فانهارت صلبتها وانفجرت بالبكاء وهإي تضغطني إلى صدرهإا‬
‫فأشتم مزياجا من عطور فواكه طازجة‪ .‬دخلت ممقرضة أخرى تحمل‬
‫جهاز الضغط وميزان الحرارة‪ ،‬حين زقجته تحت لساني شعرت‬
‫أقنها بداية الصمت‪ ،‬أنهت مهقمتها بسرعة فائاقة وخرجت في اللحظة‬
‫التي دخلت فيها أخرى تتققدمها عربة جهاز تخطيط القلب‪.‬‬
‫نثرت ))التجل(( الدبق على مساحة من صدري‪ ،‬ذراعقي وقدمقي‪.‬‬
‫ألصقت عليها مستديرات السلك وبدأ الجهاز يعمل وأنا مستسلمة‬
‫بهدوء أرقب وجه أقمي القطتلق بانتظار النتيجة‪ .‬طمأنتها‬

‫‪177‬‬
‫الممقرضة وهإي تفتك عقني أسلكها‪ ،‬ثقم بدأت تعتد إبرتها‪ .‬قضت بضع‬
‫دقائاق وهإي تبحث عن وريد مناسب‪ ،‬ثقبتها باللصق لستخدامات‬
‫المخدر و ))السلينز((؛ بعد ذلك جقهزت إبرةا أخرى حقنتها في‬
‫العضل بخقفة وخرجت‪.‬‬

‫طى خدر لذيذ إلى جسدي أشبه‬ ‫أحسست بجفاف في حلقي‪ ،‬تم ق‬
‫بغيبوبة ما قبل النوم‪ ،‬ذبل جفناي واستبقد بي النعاس حتى كدت أنام‬
‫لول الجبلة التي بدأت بدخول فريق من الممقرضين بسرير آخر‬
‫لنقلي‪ .‬حملوني بخقفة إليه‪ ،‬كان ضيقاقا لكقنه اتسع لجسدي النحيل‪.‬‬
‫الن سيمضون بي إلى المجهول‪ ،‬إلى حيث ل أدري هإل أعود منه‬
‫أم أنتهي هإناك‪.‬‬

‫ت أقمي‪ .‬تمقسكت بالسرير وهإو يمضي‪ ،‬يتسرع بخطواتها ليظدل‬ ‫أجهش ط‬


‫وجهها يقابلني حتى وصلوا بي إلى المكان الذي لن يسمحوا لها‬
‫بدخوله‪ ،‬انكقبت علقي تققبلني وتمطرني بدموعها والدعوات‪ ،‬بينما‬
‫كان الخوف يصهل في داخلي‪.‬‬

‫ركنني الممقرضون في الممقر الضيق‪ ،‬جاء طبيب البنج‪ ،‬سحب‬


‫ذراعي ليغرز إبرته فأوقفته بصوتي الواهإن‪:‬‬

‫‪ -‬أين الطبيب؟‬

‫ابتسم‪:‬‬

‫‪ -‬في غرفة العملقيات‪ ،‬تأخذين الحقنة وتدخلين‪.‬‬

‫عاندت بشقدة‪:‬‬

‫‪178‬‬
‫‪ -‬لن أدخل قبل أن أراه‪.‬‬
‫حاول فأصررت‪ .‬غاب وعاد يرافقه الطبيب مرتدايا قفازيه الشقفافين‬
‫وكقمامته التي أخفت نصف وجهه فبدت عيناه الجميلتان أكثر‬
‫اتسااعا‪ .‬وصلني صوته بحنان‪:‬‬

‫‪ -‬خائافة؟‬

‫أومأت باليجاب‪ .‬فقال‪:‬‬

‫‪ -‬ل تخافي‪ .‬دقائاق وتكونين في غرفتك بين أهإلك‪.‬‬

‫لكن رقفات الخوف انبعثت مع توسلي‪:‬‬

‫‪ -‬أرجوك يا دكتور ل أريد أن أموت‪.‬‬

‫‪ -‬أذكري ا وتفاءلي‪.‬‬

‫أمر أن تدخل البرة في ذراعي فأسرعت أتلو آية الكرسي وأتشقهد‪.‬‬

‫حين فتحت عيني بصعوبة لمحت وجه الطبيب منشراحا‪ .‬صوته‬


‫على غير عادته يبدو عالايا كمن يريد أن ييؤقكد لي أقنه اهإتدم بي‬
‫وحافظ على حياتي‪:‬‬

‫‪ -‬حمادا ل على سلمتك‪.‬‬

‫ت بنظري أتفقحص الغرفة لصقدق أقنني خرجت ثانية إلى الحياة‪،‬‬ ‫يجطل ي‬
‫رأيت وجوه أهإلي ولم يخف علقي التوقرم في عيون أقمي وإيمان‪.‬‬
‫أصواتهم تتداخل بالشكر للطبيب وبتهنئتي بالسلمة‪ ،‬أشرت للطبيب‬
‫إلى عنقي وأنا أتنحنح‪ ،‬سارع يأمرني‪:‬‬

‫‪179‬‬
‫‪ -‬حتى النحنحة ممنوعة‪ .‬سيزول اللم‪.‬‬

‫التفت إلى أهإلي محذارا‪:‬‬

‫‪ -‬ل يجب أن تنبس ولو بهمسة‪ .‬وأف ق‬


‫ضل أن تتركوهإا لترتاح‪.‬‬

‫غفوة أخرى أخذتني ‪ . .‬صحوت منها فإذا الغرفةخالية وصامتة‪.‬‬

‫صمت تتفشى مساحتها بعمق المكان‪ .‬تحمل روائاح‬ ‫هإناك ظلرل لل ق‬


‫المكنة التي وطأتها‪ ،‬تسقرب موسيقى‪ ،‬رياح‪ ،‬نسمات ترجفنا‪،‬‬
‫تراقصنا‪ ،‬تحاول اصطياد الرائاحة والهمس فل نقبض على شيء‬
‫غير الفراغ‪ .‬يستطيل المكان‪ ،‬يأخذ شكل أنبوبة ناعمة العمق‪ ،‬فجأة‬
‫أجدني أنزلق بانسياب لذيذ ثم أسقط في قلب دائارة شقفافة مغلقة‪،‬‬
‫ف له رائاحة حليبقية‪ .‬تبدأي بي رحلة أشبه بالحلم‬
‫أسبح في سائال صا ة‬
‫س جسدي صغيارا‪ ،‬وردايا‪ ،‬ناعاما‪ ،‬عراقيا‪،‬‬ ‫المستفيض بتلويناته‪ ،‬أح ت‬
‫طاطي يصلني بعنق الدائارة حيث أسمع دقات قلب أقمي‬ ‫وبحبل م ق‬
‫وزفراتها‪ .‬كانت الدائارة حنونة‪ ،‬تققلبت فيها‪ ،‬تآلفت مع صمتها‬
‫المضيء وكأقنني بداليات تظقللني ويتسقط العناب إلى ثغري‪.‬‬
‫غمرتني راحة وانبعث النور إلى أعماقي وداعبني هإمس وديع‬
‫ب في أذني وعوده الجقبارة ))ستخرجين إلى الدنيا أنثى جميلة‪.‬‬ ‫يص ق‬
‫ل يتسقطك الريح ول يلتهمك البحر((‪.‬‬

‫صحوت على صوت الباب ييفتح ويتسقرب منه ضوء الممرر الهادئّ‪،‬‬
‫دخلت الممقرضة واعتذرت لقنها ستزعجني‪ ،‬أدخلت ميزان‬
‫الحرارة تحت لساني الذي مازال مبللا بطعم الحليب‬

‫‪180‬‬
‫الدائارة‪ ،‬لقفت قماشة جهاز الضغط حول ذراعي وقبل أن تغادر‬
‫تفققدت كيس السلينز‪ ،‬تمقنت لي ليلة سعيدة وخرجت‪.‬‬

‫وعت في شراك الصمت الليلقي‪ ،‬تأقملت الغرفة الصغيرة‪ ،‬كل شيء‬


‫أبيض يساعد على اتقتساع المساحة‪ ،‬لكن حلول الصمت مثل يدقمةل‬
‫فضولقي يحقول الغرفة رغم اقتساعها إلى سجن يأح ق‬
‫س فيه بأقنني‬
‫صمت‪ ،‬اللم‪ ،‬والخرس‪ ،‬أتذقكر تحذير‬ ‫سجينة لعقدة سقجانين‪ :‬ال ق‬
‫الطبيب ))إقياك أن تتكقلمي((‪ .‬أشعر بالقهر وبفضوةل نافةذ مشو ة‬
‫ب‬
‫بالخوف ييلتح علقي أن أخون الطبيب‪ .‬أريد أن أسرق صوتي لتأقكد‬
‫أقن الطبيب نجح في مهقمته ولم تخطئ يداه وتستأصل أوتاري‬
‫الصوتقية مع ما استأصل من الزوائاد‪ .‬قذفت بتحذيره‪ ،‬اعتدلت في‬
‫صعبة لمواجهة الواقع الذي‪ ،‬إقما يزغرد‬ ‫جلستي‪ ،‬استعددت للمهقمة ال ق‬
‫س دائام‪ .‬قرأت المعقوذات بقسري‬ ‫ببشارته أو ينعق ليفجعني بخر ة‬
‫وعددت‪ :‬واحد‪ ،‬اثنان‪ ،‬ثلثة‪ ،‬و ‪ . . .‬أطلقت صوتي‪:‬‬
‫نادية ‪. . .‬‬

‫ما هإذا الذي سمعت؟‬

‫هإل هإو صوتي أم صوت جرةو صغيةر نسيته يأمه ولم ترضعه؟‬
‫تحقسست عنقي‪ ،‬وجدته بارادا‪ ،‬أجريت له مقساجا ا سرياعا حتى دفأ‪.‬‬
‫وبجرأةة أكبر دفعت بصوتي فإذا بالجرو ثانية يسترحم ثدي يأمه‪.‬‬
‫هإلعت!!‪ .‬هإذا الصوت الرفيع غير المقتصل المذبذب كخيط تائاه في‬
‫الهواء‪ ،‬ليس صوتي ول حتى يشبه‪ .‬ل نبرته‪ ،‬ل بقحته‪ ،‬ول مسحة‬
‫من جمال تجعلني أتققبله‪ .‬انفجرت دموعي‪ ،‬ابتلعتها وملحها يحرق‬
‫حنجرتي وسؤال معقذب يسوطني‪ :‬كيف سأواجه‬

‫‪181‬‬
‫الناس بهذا الصوت الجرواني المفزوع؟ صمت الغرفة يعصف‬
‫بدموقيته يساهإم في مضاعفة قهري‪ .‬فيأحقسني أسقط في جحيم‪ ،‬أسمع‬
‫أصوات الطالبات تتفازع إلقي بالصراخ الهازئّ من صوتي‪.‬‬
‫فتستعقر النار أكثر‪ .‬يأكقفن نفسي باللحاف الوردي هإاربة من القلهب‪.‬‬
‫س به مجقرد‬‫أغمض عينقي‪ ،‬أصارع كي أنام لوهإم نفسي بأقن ما يأح ق‬
‫حلم مفزع‪ .‬لكقنني أقع في جحيم أحلم متناثرة ل يقرل حريقها عن‬
‫الواقع‪.‬‬

‫حين لمح الطبيب وجهي في الصباح استغرب توترم عينقي‪ ،‬سأل‬


‫متلهقافا عن سرر اكتئابي وحزني‪ .‬أمسكت بالورقة وكتبت‪:‬‬
‫))لقد ضاع صوتي‪ ،‬جقربته البارحة وفجعني((‪.‬‬

‫قطل وجهه وغضب صوته‪:‬‬

‫‪ -‬ألم أحقذرك؟ لو أعطد ت‬


‫ت المحاولة ستفقدينه إلى البد‪.‬‬

‫اغرورقت عيناي‪ .‬لمحت الشفقة سارية في عينيه‪ .‬انحنى على‬


‫السرير انحناءة حنونة وقال بصوت واعد‪:‬‬

‫ل‪ .‬ول تنسي أقنك ستخضعين‬ ‫‪ -‬صقدقيني ‪ . .‬سيعود صوتك جمي ا‬


‫صصة‪ .‬المهم أن تلتزمي الصمت لمقدة‬‫للتمارين عند الطبيبة المتخ ق‬
‫أسبوعين‪.‬‬

‫ت إلى الممقرضة‪ ،‬أعطى تعليماته أن تحقرر ذراعي من البرة‪،‬‬‫التف ط‬


‫ثم إلقي‪:‬‬

‫‪ -‬تستطيعين أن تأكلي بشكل إعتيادي ‪ . .‬ما عدا الفلفل والمخقللت‬


‫والقهوة‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫كتبت له‪)) :‬متى أخرج؟(( فتح إصبعيه الرفيعتين كعلمة النصر‪.‬‬
‫ابتسم‪:‬‬

‫‪ -‬يومان‪.‬‬

‫خرج بعد أن كقرر التحذير‪)) :‬الصمت أسبوعان((‪.‬‬

‫أسبوعان ‪. . .‬‬

‫كيف سيمضيان؟ حين فرض علقي العجوز محنة الصمت مارسته‬


‫وأنا أملك صوتي‪ ،‬كنت أطلقه شج قايا حين يغادر القصر‪ ،‬أغقني في‬
‫ب لعصفوري‬ ‫الحقمام الذي يضاعف صداه‪ ،‬أطلقه مغرادا باليح ر‬
‫الحبيس مثلي‪ ،‬أطلقه صاراخا وأنا أجادل الخادمات إن أهإملن‪ ،‬وأبقثه‬
‫متوقسلا لعطقية ليساعدني على الهرب‪ .‬كان صوتي يتلقون بالقرنات‬
‫حسب اللحظة ومن أخاطب‪ .‬هإو الن مجقرد عواء ممزق‪ ،‬لن يسترقد‬
‫عافيته وألقه ورنينه إلق بخضوعي لمر الطبيب‪ ،‬هإل سيكون أسوأ‬
‫من ذلك الخضوع المقر لمر العجوز؟‬

‫كان احتفاء عطقية بقدومي أشبه بالمفاجأة‪ .‬حفيف شجنه لغيابي‬


‫يتمازج ورقص أوراقه فراحا برؤيتي‪ .‬مثل أمواج دافئة تناثرت‬
‫لهفته علقي‪ .‬أمسك بكفققي يبقللهما ثم يزرع قبلته على رأسي‪ .‬أشعر‬
‫بقلبه يكاد يطفر من مكانه ليغدق على وجهي المصفرر‪ .‬لم أخجل من‬
‫أقمي‪ .‬وفي ومضة مشاعري بالمتنان تجاسرت‪ ،‬عانقته عنااقا رؤوافا‬
‫ق انطلقت به الفرحة إلى السقيارة لحمل‬
‫وققبلته‪ .‬ومثل عصفور باش ة‬
‫ث بوجه أقمي الذي افترشه الغضب وهإمهمت‪:‬‬ ‫حقيبتي غير مكتر ة‬

‫‪183‬‬
‫‪)) -‬ما كان ناقص إلق ابوسيه((‪.‬‬

‫***‬

‫لصمت النهارات‪ ،‬رغم صعوبته‪ ،‬رقنات تبعث حيوقيتها حولي حين‬


‫يشتق الفجر ستر الظلم‪ ،‬يترجرج عبر الهواء صوت المؤقذن‬
‫الجميل القادم من المسجد القريب ويبدأ دبيب القدام البشرقية‪.‬‬
‫تموء قطط وينبح كلب الجار‪ .‬تثير سقيارة جمع القمامة فوضاهإا‪.‬‬
‫تتحقرك ))سلفات(( السقيارات‪ .‬تبدأ عصافري تغقرد مرقحبة بالنور‬
‫وبالشروق‪ .‬يعزف البحر موسيقاه‪ ،‬يهيج‪ ،‬يتناثر زبده من رؤوس‬
‫ق عارم‪.‬‬‫المويجات المنقذفات وصدورهإا إلى دفء الرمل بشب ة‬
‫س بأقن كدل شيء‬ ‫ونواح الريح يتغلغل من خلل النوافذ اللمنيوم‪ ،‬أح ت‬
‫يضاعف صوته ليلقي علقي تحقيات الصباح‪ .‬يواسي صمتي‪ ،‬يعدني‬
‫صمت‪.‬‬ ‫صوت بعد ال ق‬ ‫بوقت لحق أشاركه فيه ال ق‬

‫أجلس وحيدة مقابل البحروكأقننيمستريحة على أرجوحةبقلورقية‪.‬‬


‫صمت دون أن يمقسني‪ ،‬ل يخلع عقني أثوابي‪،‬ل يغقير‬ ‫يؤرجحني ال ق‬
‫طريقة جلوسي‪ ،‬ل يعبث بأصابعي الناعمة ول ينزع عن أظافري‬
‫ض شفتقي‪ ،‬وحين يأتي‬‫طلءهإا الوردي‪ ،‬ل يشقد شعري‪ ،‬ول يع ت‬
‫صمت‪ ،‬تضع صينية الفطار‬ ‫صوت أقمي يساهإم في تجميل ال ق‬
‫أمامي‪:‬‬

‫‪)) -‬فطورك يا حقبة قلبي‪ .‬كل شيء تشتهيه نفسك((‪.‬‬

‫يتقاطر حنان صوتها كالربيع المنعش ملقوانا كفتات أوراق العياد‬


‫واحتفالت انتخاب ملكات الجمال‪ .‬أنظر إلى الصينقية‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫أسألها بحركة كقفي راسمة شكل الغ ق‬
‫لية والفنجان‪ .‬يتحقسر صوتها‪:‬‬

‫‪)) -‬بكرة بس تتشافي‪ ،‬راح أشقبعك قهوة((‪.‬‬

‫تجلس أقمي كل يوم تشاركني فطوري‪ ،‬تحرم نفسها قهوتها كي ل‬


‫تثير مشاعري وشهقيتي‪ ،‬يتراكض صوتها بالحديث والسئلة ول‬
‫أملك غير اليماء برأسي تارة‪ ،‬والقلم والورقة تاقرة أخرى‪ .‬وحين‬
‫ي شيء من عطر‬ ‫تصتر علقي أن أختار وجبة الغداء فأكتب لها‪)) :‬أ ق‬
‫أنفاسك وخير يديك((‪.‬‬

‫هإكذا تصهر النهارات‪ .‬وحدي المهرة التي فقدت صهيلها‪.‬‬


‫في اليوم الول صمتت عصافيري وكأقنها تحترم صمتي وتشاركني‬
‫ب علقي أن تخرس مثلي‪ ،‬كنت أحتاج زقزقتها لتشعرني‬ ‫فيه‪ .‬صيع ط‬
‫ت‬‫بأقن الكون بديع وزاةه بما يكفي لمدادي بالصبر والفرح‪ .‬جلس ي‬
‫أمام القفاص‪ .‬قمت بحركات من يدي‪ .‬أمسكت الجرس النحاسقي‬
‫ت بالبكاء‪ ،‬لحظتها‬ ‫أهإقزه لعقل القرنات تستفزهإا‪ .‬لكقنها تأقبت فانفجر ي‬
‫فوجئت بها تتقافر‪ ،‬تغقرد‪ ،‬كانت كمن تمسك بمناديل من الضوء‬
‫لتمسح دموعي‪ ،‬وتلقون وجهي‪ .‬فهمت العصافير لغة حزني وتوقسلي‬
‫وأنهت صيامها‪ .‬كان صوتها مثل المبيد يلحق الصمت‪ ،‬يهقشه‪،‬‬
‫يلقمه في كتلة واحدة أحقسها تذبل ‪ . . .‬تذبل متحقولة إلى ثؤلولة‬
‫فارغة تلتصق بالجدار‪.‬‬

‫***‬

‫لصمت المساءات وحشة ل تضاهإيها غير تلك التي توقشطح ي‬


‫ت‬

‫‪185‬‬
‫بها في قصر العجوز‪ ،‬كنت أتوقحد في غرفتي بعد أن أغتسل من‬
‫عرق جسده ودبقه‪ ،‬أشعر وكأقن الجدران كقلها تقتشيح بالسواد‪ .‬تنتز‬
‫صريارا يحتك على أصابعي كمن ينشرهإا‪ ،‬فتتطاير النشارات تتكقوم‬
‫حتى تصير مثل تلل العشب الجاف‪ ،‬تلقبد فيها الخنفساءات‬
‫والديدان‪ .‬تغمرني الوحشة حقد الختناق فل أجد وسيلة لتفتيتها‬
‫وتكسير صمتها غير فتح النوافذ رغم الشتاءات القارسة التي تزتج‬
‫ردهإا وقطرات مطرهإا‪ ،‬والصيف اللهإب الذي يدلق رياح السموم‬
‫بأتربتها‪ .‬كنت أحتمل لظقني أقنها ستطرد تلل الوحشة واحساسي‬
‫القاهإر بها‪ .‬لكن أكوامها تبقى تتحقدى محاولتي الدائابة لطردهإا‪.‬‬
‫كنت في تلك الوحشة ل أجد سبيلا إلى الخلص غير اللجوء إلى‬
‫عصفوري الذبي أبقثه رمادهإا ورائاحتها‪ .‬وفي الليل ألجأ إلى حلمي‬
‫الذي كنت أطقرزه للحظة الهرب‪.‬‬
‫طلة الشعور والحركة مثل ىلة مركونة ل تحقركها إلق أوامر‬ ‫كنت مع ق‬
‫العجوز واقتحامه لجسدي الخاضع للقرف والستياء‪ .‬لكقنني في‬
‫وحشة صمتي هإذه أجد منافذ عقدة أتنقفس من خللها سأمي‪ ،‬أقرأ‬
‫الصحف والكتب‪ ،‬أحتل الكلمات المتقاطعة‪ ،‬أستمع إلى الذاعات‬
‫ث برامجها المتنقوعة والغنيات التي أحقبها‪ ،‬افتح التلفاز‪ ،‬أغفو‬‫تب ت‬
‫أحياانا وأتركه يواصل عروضه‪ ،‬وأغلب الماسي كنت أنحدر إلى‬
‫شققة أقمي وأبي ل يتركانني حبيسة هإذا الشعور‪ ،‬يتحقدثان‪ ،‬ينقلن‬
‫تفاصيل يومهما بنوادرهإا وإزعاجاتها‪ ،‬يلقيان النكات فأضحك‬
‫حارصة أن ل تخرج الضحكة من الحنجرة‪.‬‬
‫وحين يحضر فيصل وإيمان تكون الجلسة أبهج‪ ،‬يصتر أخي أن‬

‫‪186‬‬
‫أتبارى معه في لعبة البرجيس‪ .‬أغلبه ول أستطيع أن أعقبر‬
‫بالصراخ عن انتصاري كما كنت أفعل‪ ،‬يتكقوم الصراخ وكأقنه‬
‫فائاض من الطعام لعت به معدتي‪ ،‬أحاول قذفه فأشعر بقبضة‬
‫قاسية تخنق بلعومي فترتقد الشياء إلى معدتي‪ ،‬أحاول قذفه فأشعر‬
‫بقبضة قاسية تخنق بلعومي فترتقد الشياء إلى معدتي كالورام‪،‬‬
‫ش ويحقرك الحصان خلسة إلى‬ ‫وحين يحاول أخي مازاحا أن يغ د‬
‫مربع قريب من ))مطبخ اللعبة(( أثور فل أجد صوتي ليعقبر عن‬
‫غضبي‪ ،‬أعيفر على السجادة كطفلة خطفو منها لعبتها الثيرة‪ ،‬أبعثر‬
‫البرجيس رغم أقنني متفقوقة‪ ،‬أبكي وإحساس رهإيب بأقنه يهزأ من‬
‫صمتي رغم تآزره مع محنتي‪.‬‬

‫كان صمتي يعقذبني‪ ،‬أنا التي اعتدت الشرح للطالبات‪.‬‬


‫والكلم مع المدقرسات والصديقات حين نجتمع في شققتي لحظات‬
‫صمت‬‫النس والتخقفف من هإموم القيام‪ ،‬أجدني أخضع لهذا ال ق‬
‫الشوقكي فأكتشف أن ل شيء أصعب من الكلم سوى ال ق‬
‫صمت‪.‬‬

‫كانت أقمي بصبر تتوقلى الرقد على المكالمات الواردة من الزميلت‬


‫وبعض الطالباتاللواتي يسألن عقني وييرطدن زيارتي فأشير إليها ))ل‬
‫أريد((‪ .‬كنت أخشى أن ألمح نظرات الشفقة أو الشماتة‪ ،‬كان‬
‫يفزعني مجقرد التصقور أقنهقن سيصدحن بأصواتهقن من حولي‬
‫وأكون أنا مثل تمثال الشمع‪ .‬أرى‪ ،‬أسمع ول أتكقلم‪.‬‬
‫وحدهإا تلميذتي عائاشة التي تمقنيت أن أكلمها‪ ،‬فقد وعدتها‪ ،‬بعدما‬
‫كشفت لي سقرهإا‪ ،‬أن أصطحبها إلى شققتي ونبحث عن حل‬
‫لمصيبتها‪ .‬حين نطقت أقمي اسمها سارعت إلى الورقة وكتبت‪:‬‬

‫نننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننن‬

‫)‪ (1‬لعبة سورية تشبه الشطرنج‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫))أقكدي لها أقنني حريصة على لقائاها ما إن أستعيد صوتي((‪.‬‬
‫شعرت أقمي بلهفتي على عائاشة‪ .‬أغلقت السماعة‪ .‬واجهتني‬
‫بالسؤال‪:‬‬

‫‪)) -‬شو حكاية عايشة؟((‪.‬‬

‫كتبت باختصار‪)) :‬طالبة ممتازة تعاني من مشكلة((‪.‬‬

‫تركتني أقمي‪ .‬سرحت أفقكر بهذه الطالبة الموقهإجة‪ ،‬كانت ضحكتها ل‬


‫تغادرهإا‪ ،‬ذكقية مجتهدة تحتل المرتبة الولى دائااما‪ ،‬محبوبة من كرل‬
‫زميلتها‪ ،‬غابت يواما عن المدرسة فاقتصلت ببيتها لستفسر عن‬
‫ي صوت حاقد‪ :‬هإي‬ ‫سر الغياب كما أفعل مع طالباتي‪ ،‬ردد عل د‬
‫ل‪ ،‬لم أترقدد خلله عن‬ ‫مريضة‪ .‬طال غياب عائاشة أسبواعا كام ا‬
‫التصال أكثر من مقرة فيجيبني الصوت ذاته بالحقدة ذاتها‪ ،‬طلبت أن‬
‫أكقلمها فرفض‪ .‬ظللت أنتظر عودتها بقلق‪.‬‬

‫ي الصادح‬ ‫حين دخلت الفصل لم أعرفها‪ ،‬أين ذلك الوجه البقلور ق‬


‫بالحيوقية؟ لم أرى سوى وجه أشبه بوجه مقيت نبت عليه الحنظل‪،‬‬
‫المكت ق‬
‫ظ في عينيها‪ .‬بعد انتهاء الدرس أمسكت بكقفها الباردة وانتحيت‬
‫بها جانابا في الممقر‪ .‬وبلهفة القلق ومفاجأتي بحجابها دحرجت‬
‫سؤالي‪:‬‬

‫‪ -‬ما الحكاية؟‬

‫انفرطت في بكاء مرر وهإي تصرخ‪:‬‬

‫‪ -‬ل أقدر أن أقول‪.‬‬

‫تجقمعت بعض الطالبات القلقات عليها فاضطررت أن آخذهإا‬

‫‪188‬‬
‫إلى غرفة المدقرسات التي كانت خالية مقما أراحني‪ ،‬أجلستها وهإي‬
‫ل تزال تشهق بدموعها وألمها‪.‬‬

‫‪ -‬قولي يا عائاشة ما الذي جدد عليك؟ وما هإذا الحجاب؟‬

‫هإبطت برأسها على ذراعيها المتندتين إلى الطاولة‪:‬‬

‫‪ -‬ل أستطيع أن أقول‪ .‬سأكتب لك رسالة‪.‬‬

‫انتظرت رسالة عائاشة وأنا أتققلب تلك الليلة على جمري أخقمن‬
‫السباب التي نقلت تلميذتي من حالها المبتهجة إلى هإذه الحال‬
‫المأساوقية المنكسرة‪ ،‬وجدتني أتمقسك بسبب واحد مقنع ))لقد فرض‬
‫عليها الهإل الحجاب وهإي ل تريد((‪ .‬ما كنت أتصقور أقن السبب‬
‫سيكون بشاعا لهذا الحقد‪ .‬حين سقلمتني الرسالة ذرفت رجاءهإا الحار‬
‫ل أقرأهإا في المدرسة‪ ،‬زادني إصرارهإا خوافا فاستأذنت الناظرة‬‫أ ق‬
‫بحقجة موعد للطبيب وطرت إلى شققتي وفتحت الرسالة على عجل‪.‬‬

‫ض رأسي‪ ،‬تصقورت أقن ما أقرأ مجقرد هإلوسات‬ ‫أصابني ارتياع خ د‬


‫لفتاة فرضو عليها ما تكره‪ .‬لكقنني أعدت القراءة أكثر من مقرة‬
‫لكون قادرة على استيعاب ما فيها من أمر خطير‪.‬‬

‫سافر والداهإا‪ ،‬تركاهإا في رعاية الخ‪ ،‬في الليلة التالية لغيابهما؛‬


‫يفاجئها في غرفتها لينتهك العرض المؤتمن عليه‪.‬‬
‫سقطت عائاشة الحمامة الوديعة في فرخ صقيادهإا المجرم الذي سكن‬
‫المنكر قلبه معتمارا سلطة ذكورته الفارغة‪ .‬أصابني ذهإول‬
‫ق مثل جرس مجنون في رأسي‬ ‫وارتعاش والسؤال الحارق يد ت‬
‫))كيف استبدد به‬

‫‪189‬‬
‫مجنون الشهوة؟ هإل يمكن أن يتحقول الخ ذئاابا يفترس لحمه‬
‫ويشرب دمه؟(( لم يرحمها حتى بعدما كسر غضاضة عمرهإا‬
‫وفقتت زهإرة روحها‪ ،‬سجنها في الغرفة ومارس عليها طقوس‬
‫القسجان على السجينة‪ .‬توقسلت إليه أن تعود إلى مدرستها فاشترط‬
‫أن تتحقجب وتبتلع لسانها فل تشي بفعلته الخسيسة لحد وإلق‬
‫ض قلب الغيمة يترك‬ ‫ي حيد تصله القسوة؟ حتى القمر إذا ف د‬ ‫سيقتلها‪ ،‬أ ت‬
‫أطرافها تمضي بسلم وتواصل سيرهإا‪ .‬وهإذا الذئاب البشر ق‬
‫ي يريدهإا‬
‫صمت وبالحجاب‪.‬‬ ‫فراشة تداري تفقتتها بال ق‬

‫أسدل الكون كل سواده حولي واحدودب النهار الثقيل متقتكائا على‬


‫قلبي الذي ظدل يمضغ تققززه ويتقيدا ي لوعته‪ .‬صوت عائاشة يخرق‬
‫غلئال وحدتي‪ ،‬ينهش لحمي‪ ،‬يقرش عظمي‪ ،‬وهإو يستعطفني‬
‫لخرجها من جحيمها فأصير كذلك الفأر الذي جاء ليقرض شبكة‬
‫السد الجريح فما إن خرج حتى التهمه‪ .‬هإذكذا سقطت في شراك‬
‫ي وحيرتي‪ ،‬أفقكر بالطريقة‬ ‫مصيبتها وقضيت الليل معجونة بأسا ط‬
‫الواجبة التي أساعد فيها عائاشة الواقعة في ظلمة أخطر من وباء‪،‬‬
‫دون أن أعقرضها لخطر الذئاب ثانية‪ .‬احتدمت الفكار في رأسي‪،‬‬
‫فلم أجد غير فكرة واحدة تقود فراشات عقلي إلى حيث والديها‬
‫لبقلغهما الحقيقة المفجعة‪.‬‬

‫تطقوير حالتي الصحية‪ ،‬واختفاء صوتي‪ ،‬وأسابيع العلج والعملقية‪،‬‬


‫أبعدتني عن المدرسة وعن عائاشة‪ ،‬لكن طيفها وصدى جرحها ظلق‬
‫يهطلن علقي داما متخثقارا وصدأا كرياها‪.‬‬

‫***‬

‫‪190‬‬
‫كنت في صمتي أجمع آلف الكلمات بانتظار الفراج عن صوتي‪،‬‬
‫أيتعتد أقيام السبوع عشرات المقرات حتى يهدل موعد الطبيب الذي‬
‫كنت ملتزمة بنصائاحه‪ ،‬طامعة أن يختصر لي صمت السبوع‬
‫الثاني ويطلق صوتي‪.‬‬

‫انطلقت إليه قبل موعدي بساعة كاملة‪ ،‬جلست في صالة النتظار‬


‫أقطع الوقت بقراءة رواية لكاتبة جريئة يأغرمت بها منذ أن قرأت‬
‫كتابها القول‪ ،‬كنت أتدئتيد وأنا أذرع السطور وأققلب الصفحات هإائامة‬
‫مع الحداث‪ ،‬منجذبة لهذا التطريز المتقن ما بين لغة شاعرقية‬
‫وحوارات رشيقة‪ .‬كانت تجلس أمامي امرأة منققبة حقدقت في غلف‬
‫الكتاب ثم قامت من مقعدهإا وجلست على المقعد الملصق لي‪،‬‬
‫ت الكتاب بأطراف أصابعها وكأقنها تلمس شفة مسلول تخشى‬ ‫لمس ط‬
‫عدواه‪ ،‬وبصوت عدائاقي سألت‪:‬‬

‫‪ -‬ما الذي يعجبك بهذه الكاتبة الفاجرة؟‬

‫لحظتها شعرت بثقل محنتي وأنا عقيمة من صوتي‪ ،‬نظرت إليها‬


‫بغضب ثم قلبت الصفحة الخيرة الفارغة من الكتاب وكتبت عليها‪:‬‬
‫ت الجملة إلى عينيها فجاء‬‫))هإل قرأت شيائا لهذه الكاتبة؟((‪ .‬زطجطج ي‬
‫رقدهإا وكأقنها تنفض حشرة سقطت على أنفها‪:‬‬

‫‪ -‬ل يشقرفني ذلك‪ ،‬فقط سمعت عنها‪.‬‬

‫بحقده سطرت لها جملة أخرى ))إذن ل تحكمي عليها((‪ .‬ولم أكتف‬
‫بذلك‪ ،‬فسطرت لها الية الكريمة )يا أيها الذين آمنو إن جاءكم فاسق‬
‫بنبإ فتبقينوا أن تصيبوا قواما بجهالة فتصبحو على ما‬

‫‪191‬‬
‫ت نظرهإا كأقنها خجلت من تسقرعها‬ ‫فعلتم نادمين(‪ .‬قرأتها وأخفض ط‬
‫ولذت إلى مكانها‪ .‬ول أدري لماذا فاجأني شعور أكيد بأقنها ما إن‬
‫تترك العيادة حتى تسارع إلى أقرب مكتبة وتشتري كتاابا إلى تلك‬
‫الكاتبة‪.‬‬

‫أسقطت عيني على الكتاب‪ .‬لكقن السطور تغقبشت أمامي وقارب‬


‫أفكاري قد شقدني إلى بحر عائاشة ومصيبتها التي بالتأكيد أصابت‬
‫غيرهإا من البنات اليمطغقرتر بهقن حتى من أقرب الناس إليهقن‪ .‬أخذت‬
‫أستعرض كل الذي أسمعه ول أصقدقه عن فتيات يخرجن مقدعيات‬
‫لهإلهقن بالتزامهقن حضور دروس دينقية لكقنهقن يقتجهن وجهة أخرى‪،‬‬
‫بعضهقن انكشف أمرهإقن وبعضهقن ما زلن يسخطرن من غباء الهإل‬
‫كما سخرت إحدى المدقرسات من زوجها وهإي تحقدثنا‪)) :‬تتصقوروا‬
‫أقنني كنت اجلس مع صديق زوجي في مقهى على البحر‪ ،‬فلمحناه‬
‫يمارس رياضة الركض‪ ،‬اقترب من صديقه وظلق يتحقدثان ولم‬
‫يعرفني!(( رقدت عليها إحدى الزميلت بصوت ل يخلو من‬
‫السف‪)) :‬كيف سيعرفك ووجهك مستور بالنقاب وبالن ق‬
‫ظارة‬
‫السوداء التي تلزمك؟((‪ .‬أعتمت روحي دهإاليز الحكايات الغريبة‪.‬‬
‫ولم يشرق الضوء إلق حين سمعت الممقرضة تنادي باسمي لدخل‬
‫إلى الطبيب الذي بادرني مبتساما‪:‬‬

‫‪ -‬هإا ‪ . .‬كيف صوتك الن؟‬

‫لم يستطع أن ينتصر علقي بذكائاه‪ ،‬سحبت ورقة وكتبت‪ :‬لم أجقربه‬
‫ثانية‪.‬‬

‫‪ -‬ممتاز ‪ . .‬ممتاز‪ .‬دعينا نراه بالفحص‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫أمرني أن أسترخي تمااما‪ ،‬م ق‬
‫ط أنبوب المنظار الرفيع‪ ،‬أدخله في‬
‫صت وفاجأني لعيان‬ ‫فتحت النف وأخذ يزقجه على مهل لكقنني غص ط‬
‫لدرجة أوشكت فيها على التققيؤ‪ ،‬فسحبه ورجاني أن أتحمل محاولته‬
‫الثانية ثم الثالثة والنبوبة مثل أفعى تزحف إلى حنجرتي حتى‬
‫استققرت في الموضع الذي يريد‪ .‬عيناه تراقبان الجهاز الذي يعكس‬
‫له صورة الداخل‪ ،‬صوته برققة يطلق كلمات العجاب ول أدري‬
‫هإل كان إطراؤه للتزامي بالتعليمات أم لبراعته في إجراء العملقية‪.‬‬
‫سحب أفعاه تاراكا حنجرتي تهرشني ول أستطيع حقكها‪.‬‬
‫سبقته إلى الكرسي المقابل لمكتبه وسطرت على الورقة‪ :‬ما دام كتل‬
‫شيء ممتاازا فهل أستطيع الكلم؟‪.‬‬

‫ابتسم وفي عينه شبه اعتذار‪:‬‬

‫‪ -‬الفضل أن تكملي السبوع الثاني‪.‬‬

‫امتعض ي‬
‫ت‪ .‬فاغتصب ابتسامة توحي بالملل‪:‬‬

‫‪ -‬أققدر وضعك‪ .‬لكن ل بدد من الصبر‪.‬‬

‫س بتعب وجفاف فكتبت له‪ .‬سحب ورقة الوصفات وكتب‬ ‫كنت أح ق‬


‫عليها اسم الدواء وهإو يشرح‪:‬‬

‫‪ -‬حبوب المص ستساعد على إزالة الجفاف‪ ،‬والخرى ستمنع‬


‫حدوث أ ق‬
‫ي التهاب‪.‬‬

‫صمت‪.‬‬‫خرجت خائابة من عيادته‪ .‬كقممني بأوامره وفرض علقي ال ق‬


‫اتجهت نحو مكتب السكرتيرة لدفع الحساب‪ ،‬ابتسمت لطي المو ق‬
‫ظفة‬
‫وهإي تعقدل وضع حجابها الذي انزلق‪ ،‬وحين رأتني‬

‫‪193‬‬
‫ما زلت أستخدم لغة الشارة قالت كمن تواسيني ))إن شاء ا‬
‫تكوني أحسن في الزيارة القادمة((‪ .‬لم أطرب لمواستها بل راودني‬
‫شعور غريب بأقنها تهزأت من صمتي وتتشقفى بحالتي‪ ،‬فلربما تطقفلت‬
‫على قراءة ملقفي وعرفت أن أحد أسباب عقلتي هإو التدخين‪.‬‬

‫***‬

‫‪194‬‬
‫ص بدمعتي‪ ،‬خرجت من باب‬ ‫ت إلى الدور السفل وأنا أغ ت‬ ‫انحدر ي‬
‫العمارة ثم تذقكرت الوصفة الطبرقية فعدت ثانية إلى الصيدلقية النيقة‪،‬‬
‫لم أهإتم بالنظر إلى وجه الصيدلني وضعت الوصفة على الكاونتر‬
‫بانتظار أن تتحقرك المرأة التي سبقتني‪ ،‬كنت ساهإمة مهمومة بثقل‬
‫صمت الجائار الذي سأسقط في مكائانه أسبواعا آخر‪ .‬أيقظني ندايء‬ ‫ال ق‬
‫اسمي فتوقجهت غير عائابة برفع بصري إلى الصيدلني وهإو‬
‫يشرح‪:‬‬

‫ت لدينا بديل‬
‫‪ -‬هإذه حبوب المص‪ ،‬الدواء الخر غير متوافر‪ ،‬إن شئ ت‬
‫عنه‪.‬‬

‫أخرجت ورقتي وقلمي وكتبت‪)) :‬هإل يفي بالغرض ذاته؟((‪.‬‬

‫أجاب بنعم وأردفها بكلمة سلمتك‪.‬‬

‫اسرعت إلى سقيارتي‪ ،‬غطست في قلبها الحنون‪ ،‬بحثت بين‬


‫طات عن أغنية تلئام حالتي بعد أن تخقثرت أحلمي من أمر‬‫المح ق‬
‫الطبيب‪ .‬حين طرقت باب أقمي صافحني وجه أخي‪ ،‬اندفعت إليه‪،‬‬
‫فأطلق صوته‪:‬‬

‫‪ -‬أكيد سمح لك الطبيب بالكلم‪ ،‬هإقيا أسمعينا صوت البلبل‪.‬‬

‫‪195‬‬
‫أقبل أقمي وقد التقطت جملته الخيرة‪ .‬كادت تزغرد لو ل اق‪،‬ني‬
‫فردت سباعا من أصابعي وأشرت بها في حركة تعني أطن بعد‬
‫أسبوع‪.‬‬

‫تغقديت دون شهقية كمن يقوم بواجب مفروض عليه‪ .‬وصعدت إلى‬
‫شققتي‪ ،‬تمقددت على فراشي وحزني يقطر من عينقي وفي داخلي‬
‫شوق لن تتراكض القيام كما الموجات وأصدح بصوتي السير‪.‬‬

‫ردن جرس الباب بخجل‪ .‬أدركت أقنه عطقية‪ .‬فتحت له الباب‪ ،‬حين‬
‫صمت‪ ،‬حاول أن‬ ‫لمح حزن وجهي أدرك أقنني ما زلت أسيرةا لل ق‬
‫يستنجد بكلمات بسيطة يواسيني بها‪ ،‬كان صوته يتعطربش إلىروحي‬
‫ط مثل‬‫وكأقنه مغموس بالعسل‪ .‬هإززت رأسي أشكره وكقفي تح ت‬
‫حمامة رشيقة على كتفه‪ ،‬هإبط بعنقه وأسقط على كقفي قبل أن‬
‫أسحبها قبلةا ندية فارتعش ط‬
‫ت‪.‬‬

‫***‬

‫كان صمت السبوع الثاني أقسى‪ .‬ولم يكن يهرون علقي صعوبته غير‬
‫التفاف أهإلي من حولي‪ ،‬حتى صراخ أبناء أخي‪ ،‬أو عراكهم حول‬
‫لعبة أو قطعة حلوى‪ ،‬لم يكن يزعجني بقدر ما كان يثير البهجة‬
‫بداخلي وأنا أشاهإد مواقفهم الضاحكة‪ ،‬أقما عطقية فلم يتركني ‪. .‬‬
‫كنت ما إن أصعد إلى شققتي حتى يأتي حاملا دفاتره وكتبه‪ ،‬يجلس‬
‫بقامته الفاحمة وملبسه النظيفة يقرأ الدروس التي حفظها وأنا أهإتز‬
‫رأسي بالقرضا الذي يتخقلله غضب مصطنع إن أخطأ في القواعد‪.‬‬
‫وحين يغلق الكتاب يبدأ يحقدثني عن أحوال‬

‫‪196‬‬
‫المدرسة والزملء ويققلد بعض كبار السرن مقمن ل يحفظون‪ ،‬أو‬
‫يغقيرون الكلمات التي ل يفهمونها‪ ،‬وأحياانا كان يشتم بعض‬
‫المدقرسين الذين يهزأون بالقدارسين‪ ،‬أو أولئاك الذين ل يقبلون جهادا‬
‫في التدريس ول يهقمهم سوى أن يقبضو بدل الوفر – تايم‪ .‬كان‬
‫عطقية ل ينسى عصافيريالتي تحقبه‪ ،‬وتزداد زقزقتها حين يأتي‬
‫صفييرلها‪ ،‬أو يغقني بصوته الجميل وهإو يبقدل‬‫ويجلس أمام القفاص ي ط‬
‫إناءات الماء والحبوب‪ .‬جاء مدرة وهإو يحمل لعبة بلستيكقية ذات‬
‫دوائار ملقونة‪ ،‬أدخل كقفه في القفص وعقلقها ثم التفت إلقي وقال هإذه‬
‫الدوائار حين تهتتز من حركة العصافير يتصدر موسيقى ناعمة أظقنها‬
‫ستجعلها تغقرد أكثر‪ .‬ومذ ذلك اليوم ازدادت حركة العصافير‬
‫وتغاريدهإا‪.‬‬

‫ذات يوم دخل وكنت أتعارك مع مسمار لدققه في الحائاط‪ ،‬كان‬


‫المسمار يطير كقلما طرقت عليه‪ ،‬اقترب ليساعدني‪ ،‬لصقني وهإو‬
‫يمتد ذراعه‪ ،‬وبإصبعيه ذات الظافر الساطعة أمسك بالمسمار‬
‫س بأنفاسه مثل ريح السموم‬ ‫وأشار بأن أضرب عليه‪ ،‬كنت يأح ت‬
‫صني إليها وتؤويني داخل‬ ‫تخرج من صدره ل لتقذفني بعيادا بل لتمت ق‬
‫ت‬‫خيمة‪ .‬اختدل توازن كقفي ‪ . .‬ضربة ‪ . .‬ضربتان ‪ . .‬والثالثة هإطو ط‬
‫على إصبعه فصرخ متألاما وهإو يسحبها ويحشوهإا داخل فمه ليبقرد‬
‫ف شديةد نظرت إليه فأدرك أقنني أعتذر له‪ .‬قال وصوته‬ ‫قدوحه‪ .‬بأس ة‬
‫يسيل من قلبه ل من حنجرته‪)) :‬فداك إصبعي وعمري كله((‪.‬‬

‫ل يأخطيئ مشاعر عطقية‪ ،‬فاليح ت‬


‫ب مثل عصفور يقفز بين أصابعنا‬

‫‪197‬‬
‫وفوق وجناتنا‪ ،‬يفضحنا رفيفه وغناؤه مهما حاولنا أن نداريه‪.‬‬
‫ب النبيل الذي ل أعرف حدوده عند عطقية‪،‬‬ ‫كنت أفرح بهذا اليح ر‬
‫وكنت بحدود أعقبر له عن مشاعري التي لم أكتشفها بعد أو ربما‬
‫كنت ل أريد‪ .‬كانت أحلمي أحيانا تشدني إلى يوم يتفقتح فيه قلبي‬
‫ب ثانية فأجد من يعقوضني عن العجوز وجواد‪ .‬وكنت أشعر‬ ‫لليح ر‬
‫بأقنني أبني أحلمي على رمال متحقركة‪ ،‬فلم تعد ثقتي بالرجال‬
‫طاب من زملء الجامعة الذين يسعون‬ ‫تمنحني الققوة لوافق على الخ ق‬
‫لبي وأخي‪ ،‬ولخرين تعرف أقمي عوائالهم الكبيرة من خلل‬
‫علقاتها بالبيوت التي عقدت معها صداقات منذ أن جاءت مع أبي‬
‫من حلب ‪ . .‬والفضل في ذلك يعود إلى أهإل أبي‪ ،‬الذين أحبوهإا‬
‫وققربوهإا من محيطهم ومعارفهم ولم يعاملوهإا كغريبة دخيلة على‬
‫ب‬‫بيتهم ومجتمعهم‪ .‬عاشت أقمي مدقللة وحبوبة‪ .‬ل أذكر أقن شجاارا د د‬
‫بينها وبين جقدتي أو إحدى عقماتي‪ .‬أقمي كانت طقيبة وذكقية تأطقلمت‬
‫بسرعة مع أجواء بيت جقدي‪ ،‬جلست على الرض لتأكل بيدهإا كما‬
‫يفعلون‪ ،‬ارتدت العباءة والبوشقية ولم تتذقمر يواما من حياتها‪ ،‬كانت‬
‫ب أبي وتفعل كل ما يرضيه ويسعده‪ ،‬ساعدت النساء الفقيرات‬ ‫تح ت‬
‫والبسيطات كما صادقت نساء العائالت الكبيرة‪ ،‬ومنها ومن أبي‬
‫ت على ثروة العجوز‬ ‫ت روح التواضع‪ .‬حتى حين حصل ي‬ ‫تعقلم ي‬
‫الكبيرة لم يغقير هإذا شيائا بداخلي‪ ،‬وعندما حاول جواد ذات يوم أن‬
‫يجعلني أترقفع عن بعض الطالبات ))الهليق(( كما يسقميهقن‬
‫ت في‬ ‫ت عليه وذقكرته‪)) :‬لو لم أتزقوج العجوز وأرثه؛ لكن ي‬ ‫اعترض ي‬
‫نظرك هإليققية ‪ . .‬الفلوس ل تصنع النفوس((‪ .‬ظللت أحتفظ بروح‬
‫أقمي السعيدة بإفناء ذاتها في‬

‫‪198‬‬
‫شؤون بيتها‪ ،‬وكان يعجبني وفايؤهإا لبي وحرصها عليه واهإتمامها‬
‫صه‪ ،‬كنت أراهإا كيفيتعتد له الحقمام وكيف تنتظره حتى‬‫بكرل ما يخ ق‬
‫يناديها لتفرك له ظهره‪ ،‬وحين يخرج يجدهإا قد أعقدت على السرير‬
‫ش العطر على‬ ‫ملبسه المكقوية‪ ،‬وقبل أن يخرج تتأكد من أناقته وتير ت‬
‫كقفيه‪ ،‬وقبل أن يخطو على عتبة الباب تكون قد طبعت على وجنتيه‬
‫قبلتها ودعاءهإا‪ .‬أحببت حنان أقمي على أبي رغم أقنه كان يثور‬
‫ف بعض الحايين‪ ،‬فهي ل تعتبر ثورته إهإانة أو قسوة‪ ،‬ويوم‬ ‫ويطعن ي‬
‫ت جواد وحلمت به زواجا كنت أرسم أن أكون‪ ،‬مثل أقمي‪،‬‬ ‫أحبب ي‬
‫زوجة تتفانى ول تشكو‪ .‬لم أكن أرفض فكرة الزواج لذاتها‪ ،‬بل‬
‫بسبب الخوف والقرف القلذين كقبلني بهما العجوز‪ ،‬والقشك الذي‬
‫تركه جواد في داخلي بسبب نواياه وتناقضاته‪ .‬لم أرتح لكل من تققدم‬
‫إلقي‪ .‬ول أدري ما سر ذلك الشعور الذي يلزمني حين أجلس مع‬
‫أهإلي لستقبال خطيب جديد‪ ،‬كنت أبحث في عيني كقل واحد منهم‬
‫عن مثل تلك النظرة الحانية التي ألمحها في عينقي عطقية‪ ،‬أبحث عن‬
‫تلك اللهفة حين يراني‪ ،‬عن خوفه علقي‪ ،‬عن مشاركته لي بفرحي‬
‫وحزني‪ ،‬عطقية ييريحني‪ ،‬يفهم ما أريد من إشارة أو نظرة‪ .‬أصبحت‬
‫أعتمد عليه بأشياء كثيرة وأنا واثقة منه‪ .‬كان ذلك الشعور الذي‬
‫طاب وعطقية يقلقني ويفتح نحوه مشاعر‬ ‫يدفعني للمقارنة بين الخ ق‬
‫أعرف أقنها مستحيلة‪ .‬لكقنها بدت تغزوني وتحقرك نكوص قلبي فل‬
‫أجريؤ أن أبوح بها لحد‪.‬‬

‫***‬

‫انتهى السبوع ‪ . .‬موعد الطبيب يقرع طبوله‪ ،‬أشرعة خزانة‬

‫‪199‬‬
‫ل لختار أجمل الثياب التي ستناسب وفرحة‬ ‫ملبسي‪ ،‬وقفت طوي ا‬
‫الفراج عن صوتي‪ .‬كان فرح أقمي وهإي توقدعني بدعواتها كبيارا‪،‬‬
‫وكنت أتمقنى ألق يخقيب الطبيب أملها وأن أعود إليها بصوت البلبل‪.‬‬

‫ل أدري كيف قطعت المسافةإلى العيادة حتى وجطديتني أجلس على‬


‫كرسي الفحص غير مسيطرة على توتري‪ ،‬لحظ الطبيب ذلك‪:‬‬

‫‪ -‬أظقنك على أحقر من الجمر‪.‬‬

‫هإزطزت رأسي باليجاب‪ ،‬استسلمت لزحف النبوب الرفيع‪ ،‬لم‬


‫أشعر بذلك الغثيان‪ ،‬كنت صبورة حتى سحبه وهإقلل صوته‪:‬‬

‫‪ -‬ألف مبروك‪ .‬أطلقي صوتك الن بهدوء‪.‬‬

‫رطفرف ط‬
‫ت الدموع في عينقي‪ ،‬لم أجد جملة حنونة أفتتح بها باب صمتي‬
‫ب العالمين((‪ .‬خرج الصوت رفياعا متذطبذابا‬
‫غير‪)) :‬الحمدل ر ق‬
‫بالقبحات‪ .‬فاقشعقر وجهي‪ .‬لحظ الطبيب هإلعي فابتسم مؤكادا‪:‬‬

‫‪ -‬سكون أحسن بعد التمتارين‪.‬‬

‫‪ -‬هإل سأحتاج لدواء؟‬

‫ص فقط – ثم أشار بإصبعه منبقاها – أن تواصلي‬‫‪ -‬حبوب الم ر‬


‫مقاطعة التدخين‪.‬‬

‫وعدته بصدق‪ ،‬وخرجت من العيادة منزلقة بفرحي مثل عصفورة‬


‫تحقلق في السماء المقتسعة بل حدود‪ .‬انطلقت أحرث‬

‫‪200‬‬
‫الطريق حائادة عن الشوارع المزدحمة وتلك المسكونة بذكريات‬
‫قديمة‪ .‬شعرت أقن الحياة حلوة‪ ،‬وجوه الناس أحلى‪ ،‬الغيوم الشقفافة‬
‫ترقص‪ ،‬تتشقكل‪ :‬هإذه مثل غزال شارد‪ ،‬وتلك وردة تفتح ثغرهإا‬
‫باقتساعه‪ ،‬وهإذه مهرة ترمح ويتلعب ذيلها في الهواء‪ ،‬وتلك ق ق‬
‫طة‬
‫على وشك الولدة‪ .‬إشارات المرور كقلها خضراء وكأقنها تتعقمد أن‬
‫أواصل ركضي‪ ،‬يتؤكد أقن الحياة حديقة بل حدود تتسع لكل الحلم‬
‫وتهديني علابا من الحلوى‪.‬‬

‫ت إلى شققة أقمي يعصف بي فرحي‪ ،‬اصطدت بعض قلق على‬ ‫صعد ي‬
‫وجوهإهم المنتظرة‪ ،‬بادرتهم بصوتي الجنينري الذي لم يكتمل بعد‪:‬‬

‫‪ -‬إفراج ‪ . .‬وإجازة شهر للراحة‪.‬‬

‫زغردت أقمي‪ .‬إيمان هإقنأتني بالسلمة بفرح‪ .‬أقما فيصل الذي أقلقته‬
‫نبرة صوتي‪ ،‬دنا مقني وهإامسني بعيادا عن سمع أقمي‪:‬‬

‫‪ -‬هإل سيظل صوتك ‪. . .‬‬

‫قاطعته بالهمس ذاته‪:‬‬

‫‪ -‬أقكد الطبيب أقنه سوف يتحقسن بعد التمارين‪.‬‬

‫تحقركت لخرج فشقدتني أقمي من ذراعي‪:‬‬

‫‪)) -‬وين رايحة؟ بدنا نتغقدى((‪.‬‬

‫أشرعت لها ابتسامتي‪:‬‬

‫‪ -‬ماما ‪ . .‬أنا غير جائاعة أريد فقط أن أرتاح‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫انطلقت إلى شققتي‪ .‬ارتميت على أريكتي مقابل البحر‪ .‬كان صافاي‬
‫ضية ترتدي فستان عرسها‪،‬‬‫ضاحاكا فارتحلت فيه تارةا سمكة ف ق‬
‫وتارةا مثل قارب ذهإبقي يعبر المسافات البنفسجية‪.‬‬

‫طى من حولي‪ ،‬يقتسع‬ ‫شعرت بهدوةء نفسيي مريح‪ .‬وأذرع المكان تتم ق‬
‫ويقتسع حتى صار حديقة مترامية‪ .‬صوت عصافيري ينطلق بغناء‬
‫عجيب‪ .‬شخوص اللوحات‪ ،‬أشجارهإا وغزلنها تصدر ألحان‬
‫صمت الوديع صار رجلا متحقراكا ملقوانا‬ ‫الكمانات والدفوف‪ .‬حتى ال ق‬
‫ناطاقا يرهإج بأجراسه‪ ،‬بأقطراطه‪ ،‬بأساوره‪ .‬مقد ذراعين حنونين‪،‬‬
‫اقتلعني من أريكتي‪ ،‬شقدني إلى صدره العريض‪ ،‬خاصرني وبدأ‬
‫يراقصني رقصة الفالس السريعة‪ .‬كل شيء من حولي يبادلني‬
‫الرقص‪ .‬الشبابيك المفتوحة‪ ،‬السقجاد‪ ،‬البجورات المضيئة و‬
‫شراشف الطاولت القطنقية والحريرقية‪ .‬كنت أتماوج بين الذراعين‪.‬‬
‫أرتفع‪ ،‬أهإبط‪ ،‬ألتصق بالصدر وأبتعد‪ .‬صرت فراشة طليقة حالمة‬
‫بامتطاء سعادة القيام القادمة‪.‬‬

‫***‬

‫القزمن ملغوم بالفجائاع‪ .‬لكقنها ليست دائااما ساقرةا كموت العجوز‪ ،‬حين‬
‫تكون ثنايا الفرح مفرودة كقلها كالبساط‪ ،‬تأتي رياح الحزن‬
‫لتكرمشها دون أن تطويها‪ ،‬فرحي بصوتي لم يينسيني مأساة عائاشة‬
‫لكقنني تباطأت في التصال‪ ،‬قلت انتظر أسبواعا آخر حتى يتحقسن‬
‫صوتي بعد التمارين‪ .‬الن وبعد هإذا الكم من الفرح‪ ،‬أهإرع إلى‬
‫الهاتف وأدير الرقم فيأتيني صوت أقمها نائااحا يهدر بالفاجعة‪:‬‬

‫‪202‬‬
‫‪ -‬عائاشة انتحرت ‪ . .‬ألقت بنفسها من السطح‪.‬‬

‫سقطت سماعة الهاتف من يدي‪ ،‬ارتطمت بالرض كما ارتطم قلبي‬


‫بالخبر‪ .‬حامة أصوات غربان وحشقية تضرب بفراغ الغرف فتهتتز‬
‫أركانها‪ .‬اللوحات تنقلع وتنقذف في كرل اتجاه تتبعها مساميرهإا‬
‫الحاقدة‪ .‬حجارة الجدران تتهاوى مثيرة أتربة سوداء قبل أن تحطد‬
‫على الرض وتتراكم‪ ،‬قلبي المشجوج هإو الخر يتناثر نتافا ثقيلة‬
‫ش الدم في كل مكان‪ ،‬صوتي الذي دقللته وخشيت عليه يفتر مقني‬ ‫وير ت‬
‫بصرخات مدقوية‪ .‬حاصرني الخوف ووجه عائاشة ينقسم وجواهإا‬
‫كثيرة تواجهني‪ :‬وجه يصرخ‪ ،‬وجه يحترق‪ ،‬وجه مختنق بالدم‬
‫الزرق‪ ،‬وجه مقبور تندلق منه العينان واللسان‪ ،‬ووجه حزين‬
‫محتقن يقذف إلقي بحمم العتاب ))لقد تأقخرت علقي((‪.‬‬
‫ما كنت قادرة على إحتمال اللحظة العنيفة‪ ،‬ركضت مجتازة‬
‫الركمات والوجوه منحدرة إلى أقمي بذهإولي‪ ،‬بصراخي‪ ،‬بدموعي‬
‫طرة للبوح لها بسير عائاشة الذي قلب حالي‬ ‫الدامية‪ .‬لجدني مض ق‬
‫وكرمش فرحي‪.‬‬

‫لم أجرؤ تلك الليلة على النوم وحيدة في شققتي‪ ،‬توقسطدت حنان أقمي‬
‫ص نقمتي على نفسي‪ .‬كان يصتر‬ ‫أبي الذي بصبر ظدل يهقديئاني ويمت ت‬
‫أن يبقرئّ ضميري‪ ،‬وكنت بإحساسي المجهد ألعن هإذا الضمير‬
‫ل على عائاشة فاختارت الحدل المجنون‬ ‫ت فع ا‬
‫وأقسو عليه ))لقد تأقخر ي‬
‫لوجعها ومصيبتها((‪.‬‬

‫في تلك الليلة استطشبق ط‬


‫ت رغبتي أن ألتهم عشرات السجائار‪ ،‬كنت‬
‫أعلم أن ل شيء منهافي البيت‪ ،‬أصررت على أقمي أن‬

‫‪203‬‬
‫تبعث بعطقية ليشتريها‪ ،‬لكقنها ثارت واطرعدت متخقلية عن حنانها‬
‫الذي آوتني به إلى صدرهإا‪ .‬تآزر أبي معها بصرامته التي ك د‬
‫ف‬
‫ت ورغبتي الشبقة لم تهدأ‪،‬‬‫عنها معي منذ أن مات العجوز‪ ،‬استسلم ي‬
‫ظلططلت الليلة بطولها ل أقوى على إغماض عيني‪ .‬كنت كقلما أطبقت‬
‫ط كلجمرة داخل عينقي‪ .‬ويدقوي‬‫جفنقي وجه عائاشة المعاتب ويح ت‬
‫صوتها المقهور بفضاء الغرفة هإاطلا نزيفه معه‪.‬‬

‫ظقلت أحلمي بعائاشة تيطؤقرقني ليالي طويلة‪ .‬لكن حلاما غريابا استطاع‬
‫أن يكسر رتابة أحلمي‪ ،‬وثير زوبعة في داخلي أشبه بمواكب‬
‫الجنازات وهإي تيطوطلتويل على الموتى‪ .‬وفي تلك الليلة رأيت عطقية في‬
‫ق الباب‪ ،‬فتحت له ونعاسي ل يزال يريع ي‬
‫ف في عينقي‪.‬‬ ‫حلمي )د د‬
‫بادرته والباب في نصف انفتاحه بصوتي الكسلن‪ :‬خير؟ لم يرقد‪.‬‬
‫ل‪ .‬أطبق الباب بهدوء وكأقنه يخشى أن‬ ‫ف وانسدل داخ ا‬ ‫دفع الباب بلط ة‬
‫ت أستخرج نفسي من حثالة النعاس‪ .‬صوتي‬ ‫ت وقد بدأ ي‬ ‫ييؤلمه‪ .‬تراجع ي‬
‫طا‪ :‬خير يا عطقية؟ لم يرد‪ ،‬اقترب أكثر وفاجأني باحتوائاي‬ ‫أكثر نشا ا‬
‫بين ذراعيه الطويلين اليمعضلين‪ .‬وجطدتني مثل أرنبة يقبض عليها‬
‫ثعلب جائاع‪ .‬فل يتبدي حركة خشية أن يبتلعها في لقمة واحدة‪.‬‬
‫ف أو رغبة ل أدري‪ .‬لكقني شعرت بحاجتي إلى واحة‬ ‫استسلمت خو ا‬
‫صدر العريض أغطس‬ ‫سوداء ل شمس فيها ول قمر‪ .‬التصقت بال ق‬
‫في واديه ما بين تقلتطي انتفاخ الثديين‪.‬‬
‫ذراعه يداعب ظهري العاري والذراع الخر يلتف حول عنقي مثل‬
‫جطذع رطب‪ .‬كقفه تندس في شعري المتناثر تعابثه‪ .‬شعرت بنداوة‬
‫ش يتسقرب إلى جسدي كله‪ .‬دفء كنت قد‬ ‫أصابعه وبدفةء راع ة‬

‫‪204‬‬
‫نسيت الحساس به منذ أن تركت جواد وتصقورت أن ل دفء‬
‫يشبهه سيفاجئني ذات لحظة‪ .‬يجرؤت كقفه بعد هإذا إلى ذقني‪ ،‬رفعه‬
‫إلي فتقابلت عيوننا‪ .‬لمحت حمره مستعقرة داخل حدقتيه وانا أسمع‬
‫ق ستار المسافة بين وجهي ووجهه‪.‬‬ ‫لهاثة الخابي يش ت‬
‫ي‪،‬‬‫أخافتني شفتاه الغليظتان البارزتان لكقنني في لحظة وجدت شفت د‬
‫حتى آخرهإما‪ ،‬تندفنان في وسادتين لينتين‪ ،‬كان جسدي برجفاته‬
‫ينصهر بارتجافات جسده الكثر عصافا‪ .‬حملني بين ذراعيه بخقفة‬
‫واندفع بي إلى غرفة نومي التي لم يلمس شراشفها بشر غيري‪.‬‬
‫مقددني على السري‪ .‬كنت وردة مفتوحة الوراق وكأقنها بانتظار‬
‫النسيم والندى‪ .‬صار يداعب الوراق بلهفة وكأقنه يريد أن يعرف‬
‫سدر كرل ورقة‪ .‬وانا أتمرغ في غيبوبتي وأدفق آهإاتي قبل أن يدفق‬
‫ي مياه الجدول ويأطل ي‬
‫ق شهقتي العالية(‪.‬‬ ‫إل د‬

‫فزعت من نومي‪ .‬وجطدتني وحيده في فراشي‪ ،‬لكن رائاحة عطقية‬


‫كانت تفوح من جسدي وتتناثر في الغرفة‪ ،‬وأنا الهث كمن قطعت‬
‫آلف الميال دون توققف‪ .‬هإرعت إلى النافذة‪ ،‬أزحت الستارة‪ ،‬كانت‬
‫أضواء الشارع تغطس في قلب البحر‪ ،‬والغيم السود ييتؤقرق صحو‬
‫السماء وينذر بعاصفة المطر‪.‬جلست أتفقكر بالحلم فاقتحتني تلك‬
‫الحادثة الغائارة في كهف ذاكرتي‪ .‬كنت طفلة في السادسة من‬
‫عمري ولم أتخلص بعد من القريالة التي تنقط في فمي‪ .‬وأقمي تعقلق‬
‫صدريات القطنقية على صدري وتغقيرهإا كلما ابتقلت‪ .‬كانت تضيف‬ ‫ال ق‬
‫بريالتي وتخشى ان تكبر معي‪.‬‬
‫ي علج حتى قالت لها إحدى النساء المسقنات أن ل‬ ‫ولم يفد أ ت‬

‫‪205‬‬
‫ي بعد صلة يوم الجمعة‪.‬‬ ‫شيء سيفيد إلق أن ييققبلني عبد في شفت د‬
‫ت بي أمي عند باب المسجد‪ ،‬كان الجقو حااقرا وكنت‬ ‫أذكر كيف قعد ط‬
‫أتأقفف وهإي تزجرني بهدوء وعيناهإا تتابعان خروج المصقلين‪ ،‬وما‬
‫كانت ترى عباد حتى أسرعت إليه ترجوه أن يعمل معروافا وييققبلني‪.‬‬
‫ت من‬ ‫أذكر كيف حين اقترب مقني أخذت بالصراخ محاولة التفلت ت‬
‫ذراعقي أقمي‪ ،‬لكقنها والعبد الذي يطمع بالجر من ا أفلحا من‬
‫تطويقي والمساك برأسي‪ .‬وعندهإا انهال على شفتقي ويشفط كدل‬
‫الريالة منها‪ .‬وما إن انتهى حتى استفرغت كدل جوفي‪ .‬وظلطل بعدهإا‬
‫ي طعام‪ .‬وبعد أسابيع انقطعت ريالتي ‪. .‬‬ ‫لئاعة ل أستطيع ابلع أ ق‬
‫أخذت أستعيد تلك اللحظة وأقارنها بالحلم‪ ،‬وبعطقية يصهر شفتتقي‬
‫فل ألوع ول أقرف بل ألتتذ وأذوب وأحقلق بفضاءات المتعة‪.‬‬

‫عدت إلى فراشي لواصل نومي‪ ،‬لكدن الحلم الذي أيقظني سرق‬
‫النوم ‪ . .‬فظللت أستعيده‪ .‬أنتشي وأتلقمظي عرق عطقية الوقهإاج‬
‫فتفاجئني تلك الليلة النحيسة‪ .‬حين ناداه العجوز ليقتحم جسدي ‪. . .‬‬
‫آآآه‪ .‬شقتان ما بين فعل تلك الليلة وهإذا الحلم! هإناك كان ييؤقدي واجابا‬
‫للسقيد دون أن يتحقسس الوردة أو يح د‬
‫س بها‪.‬‬
‫والليله هإو عاشق ييهيء الوردة ليسمع شهقتها‪ .‬هإناك على فراش‬
‫العجوز تركني دوطدةا مهروسة قرفانة‪ .‬وهإنا على فراشي تركني‬
‫جمرة مشتعلة متفقتحة المسامات ينتشر بخور جسدهإا المنتعش‪،‬‬
‫وتفلس عيناهإا في احتضان نومها‪ .‬في الصباح نزلت عند أقمي‬
‫مرهإقة جائاعة كأقنني لم أنطم ولطم آكل منذ عام‪ .‬لكقنني‪ ،‬رغم ذلك‬

‫‪206‬‬
‫كنت أشعر بأقن جسدي وروحي يفوحان أكسجيانا جديادا‪ ،‬ويفرزان‬
‫ت أقمي شراهإتي‬‫عطارا له عبق القتمر المستوي فوق العذوق‪ .‬لحظ ط‬
‫واندفاعي إلى الكل‪ ،‬حتى التزبدة التي أتحاشاهإا كنت أكثر منها‬
‫على قطعة التوست ))المحقمشة(( الساخنة ويأغ ق‬
‫طيها بمربى البرتقال‬
‫الذي أحقبه‪ .‬لم تكتم دهإشتها‪:‬‬

‫‪)) -‬شو مالك اليوم متل الفجعانة((؟‬

‫كانت تتحقرك في المطبخ تجقفف الصحون وتعيد ترتيبها في أماكنها‪.‬‬


‫شعرت بحاجة أن أرفع عقني ثقل ذلك الحلم القرعون‪:‬‬

‫ص عليك حلم البارحة‪.‬‬


‫‪ -‬ماما ‪ . . .‬اجلسي سأق ت‬

‫ألقت بفوطتها وبالصحن الذي لم يج ق‬


‫ف بعد؛ واستققرت بجانبي‬
‫وفضولها‪:‬‬

‫‪)) -‬خير إن شاء ا بشو حلمت؟((‬

‫‪ -‬بعطقية‬

‫التسعت أقمي من ذكره‪:‬‬

‫‪)) -‬يييه علينا وعلى عطقية‪ .‬لحقك لحلمك‪ .‬شو جاي يسقوي؟((‬

‫ألقيت عليها بطرف ))القنبلة((‪:‬‬

‫‪ -‬باسني ‪. . .‬‬

‫صرخت أقمي‪:‬‬

‫‪207‬‬
‫ف‪ .‬بعد مش ناقص إلق هإالعبد يبوسك!((‬‫ف عمره طقص ط‬‫ص ط‬
‫‪)) -‬يق ي‬
‫ضحكت كأقن ألوف الصابع تدغدغني وأنا أذقكرهإا‪:‬‬

‫‪ -‬يا ماما ‪ . . . .‬هإذا حلم ‪ . .‬حلم‪.‬‬

‫توقترت أقمي‪ ،‬انقبض وجهها‪:‬‬

‫‪)) -‬طولططو ‪ . .‬ما كان لزم يتجقرأ ويققرب منك((‪.‬‬

‫ثم استدارت نحوي‪ .‬مقدت أناملها إلى وجهي تمسح عليه وكأقنها‬
‫تنفض عنه بقايا ذباب وصوتها حاناقا‪:‬‬

‫‪)) -‬وين باسك؟ على خدك ولق ‪.(( . . .‬‬

‫قاطعتها وأنا أضع إصبعي المدقبق بالمرقبى على شفتقي‪:‬‬

‫‪)) -‬باسني هإون((‪.‬‬

‫وقفت كمن لسعتها عقرب‪:‬‬

‫‪)) -‬طبلى يبليه إن شاء ا ‪ . . .‬وليش خقليتيه يققرب عليكي؟((‬

‫عدت أهإدر بضحكاتي‪:‬‬

‫‪ -‬يا ماما ‪ . . .‬أرجوك هإذا حلم‪ ،‬ول تنسي أقن عبادا قبله لمس شفتي‪.‬‬

‫‪)) -‬نايف ما كان عبد((‪.‬‬

‫‪ -‬ل أقصد نايف‪ .‬هإل نسيت الذي سمحت له أن يشفط شفتقي وأنا‬
‫طفلة؟‬

‫‪208‬‬
‫‪)) -‬هإداك كان علج علشان يمنع ريالتك‪ ،‬هإقلق تمنشو بتشكي حتى‬
‫يجي هإالمضروب ويبوسك؟((‬

‫كي أخقفف عنها كذبت‪:‬‬

‫‪ -‬رأيت نفس طفلة وأنت تأمرينه أن يققبلني‪.‬‬

‫نفخت أقمي وقامت إلى صحونها تكمل تجفيفها‪.‬‬

‫لم أترك لذاكرتي أن تكون أمينة وتنقل لقمي تفاصيل الحلم‪.‬‬


‫إن كانت مجرد قبلة وقترت أعصابها وضقيقت مزاجها‪ ،‬فكيف لو‬
‫عرفت أقنه ‪ . . .‬وأقنني ‪. . .‬‬

‫جائاني صوتها لئااما‪:‬‬

‫‪)) -‬من كتر ما دلعتيه ورفعتي الكلفة معه صار يتجقرأ علي ت‬
‫ك((‪.‬‬

‫لم تحتمل أقمي أن يققبلني عطقية رغم أقنه مجقرد حلم‪ .‬ماذا لو كنت‬
‫أعترفت لها بتفاصيله؟ ربما تفاجئها سكتة قلبقية أو جنون يفرض‬
‫علينا أن نطرد عطقية‪.‬‬

‫ساد صمت ثقيل بيننا كنت في تعاريجه الممتقدة أتلقمس صمتها‬


‫معقكارا بالغضب والحقد على عطقية‪ ،‬بينما صمتي ينزعني إلى‬
‫حلمي ويبقللني بالعرق وأنا أتصقور أقنه ولج ليل عطقية في اللحظة‬
‫نفسها‪ ،‬وأقننا كقنا شريكين يتعقرف أحدهإما على جسد الخر‪ ،‬وتند ت‬
‫س‬
‫الشهقات في أروقة روحيهما‪.‬‬

‫***‬

‫منذ ذلك الحلم استيقظت كل سواكني وانفلقت بذور سعاري‪.‬‬

‫‪209‬‬
‫س رؤوس‬ ‫صارت كل خوامد ال ق‬
‫ظمأ تنغل في منابتها‪ .‬وتيهططسته ي‬
‫ئ توققد‬
‫الشرارات‪ ،‬فتستفيق رغباتطي المكبوتة‪ ،‬متمقنية مطارا ييطف ي‬
‫النار واحتباسها في سواقي الجسد الذي أهإملته‪ ،‬فانطفأت فيه تلك‬
‫ب جواد‪ .‬وهإا هإو الحلم‬ ‫البروق الصغيرة التي اشتعلت يوم كنت يأح ت‬
‫يحقرك شهقيتي لن أفتققده وأطمئن عليه‪.‬‬

‫وقفت عارية أمام المرآة أتأقمله وأندهإش‪ :‬آآآآةه لهذا الجسد اليمصاغ‬
‫من يلجيةن ونور‪ .‬جلده لم يترقهإل‪ ،‬ولونه البيض لم يفقد نعومته‬
‫ولمعانه‪ ،‬نابض كقلب‪ ،‬شهيي كفاكهة الصيف‪ .‬شعرت بالشفقة على‬
‫نفسي كيف لمرأة مثلي في ريعانها أن يتحرم من يةد ترقشها بالعطر‬
‫وتفتح وريقاتها المنطوية؟ تأقملت شفتقي الصابرتين القلتين لم يمقسهما‬
‫حتى جواد الذي أحببته‪ ،‬ولم يتذقوقهما غير ذلك العجوز الذي ل‬
‫يستحققهما‪ ،‬والذي لم يفلح أن ييسيقطسهما لتستسلما لهجوم شفتيه‬
‫الرخوتين‪ .‬تأقملت صدري الناهإض الذي كانت قطفته الولى بكقفيه‬
‫اليابستين اللتين لم تحقركا فيه ساكانا‪.‬‬
‫انحدرت نحو نصفي السفل المنساب نحو بوابة الدخول التي تسقلل‬
‫إليها ثعبان عطقية الحارق ثم ثعبان العجوز الشبه بخيارةة ذابلة‪.‬‬
‫ق أن‬‫ضا يحتاج ويهتاج وله الح ق‬ ‫أيقنت بفرح أقن لي جسادا ل يزال ب اق‬
‫يبحث عن وسيلة ترتشه بالملح والندى‪ .‬فصارت الليالي مرابض‬
‫الحلم اليقظة التي تجذبني إلى كمينها اليمضيء فأغوص فيها بل‬
‫حذر مع عطقية‪ .‬أراني مأسورة بين ذراعيه أتمقلى في سماء وجهه‬
‫ث من جسده وكأقنه‬ ‫الفاحم وأرى القمر في عينيه‪ ،‬أشتم رائاحة تن ت‬
‫خرج للترو من عصائار حديقة منقوعة الثمار‪ ،‬عطر أناناس‪،‬‬

‫‪210‬‬
‫برتقال‪ ،‬عنب وموز‪ .‬أغوص في فخاخ الرائاحة وأذوب فيها‪.‬‬
‫ومن شفتيه أتذقوق طعم تفاح أخضر‪ ،‬ل أقرف ول أتمقنع‪ .‬وحين‬
‫ص‬‫ططفأ ينحدر نحو شمسي ليمت ق‬ ‫يعتليني أحقسه مثل عمود النور اليم ط‬
‫س بثقل جسده‪ ،‬أشعر به كتطواف ورقة ناعمة‬ ‫منها الضياء‪ .‬ل أح ت‬
‫على سطح بحيرة وديعة‪ .‬أسمع وشوشاتها‪ ،‬يؤنيسني حريقها‬
‫وتشجيني عواصفها‪ .‬كنت أجيريؤ وأكشف له كل خرائاط جسدي‪،‬‬
‫للتها تبللني حتى‬ ‫حتى التضاريس الصغيرة‪ .‬واستسلم لهرولة ش ق‬
‫لحظة انقداح الرجفة التي ترضع ملحها الشراشف وتندفن في‬
‫وسائادهإا نايات الشهقات‪ .‬لم أكن أحتقر نفسي‪ ،‬ول أشعر بأقنني‬
‫خاطئة أفعل الحرام‪ ،‬فالمر ل يتعقدى كونه حلم يقظة يتركني عطقيه‬
‫بعده مثل ورقة النعناع الذابلة‪ .‬أجدني وحيدة في فراشي‪ ،‬يرشح من‬
‫جدران الغرفة شيرء كطنين الذباب المخنوق‪ .‬يأسرني لدقائاق ثم‬
‫يرحل فتبقى عاهإات صمته مفروشة في كل النحاء والنار ل تزال‬
‫تصليني‪ ،‬فأتمنى لو أجد كومة رمةل بجانبي أذروهإا على جسدي‬
‫وأهإبط بلهيبه إلى القاعع حيث ينطفئ‪ .‬أبكي حزانا على نفسي‬
‫وألتوي مثل جذع فارغ بينما أحلمي الراحلة تغور في سراب‬
‫ممتقد‪.‬‬

‫بقدر ما كنت ألتتذ بتلك الحلم المتخقيلة؛ وبقدر ما أحقققه لهذا الجسد‬
‫طل من متع ملونة‪ ،‬كنت أتعقذب‪ ،‬أتحقسر‪ .‬فأنا الرملة الشاقبة‬ ‫المع ق‬
‫الجميلة التي يتمناهإا الكثيرون ويطرقون أبوابها أجدني أغوص في‬
‫نفق عطقية بكل أشقعتي‪ ،‬أختاره عشياقا سرايا‬

‫نننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننن‬
‫)‪ (1‬عنوان رواية الكاتب السعودي يوسف المحيميد‪.‬‬

‫‪211‬‬
‫أرتمي في أحضانه بكل رضاي ورغباتي‪ .‬كانت تفاجئني لحظات‬
‫أثوب فيها إلى رشدي وألقي فيها إلى رشدي وألقي بالسؤال صرياحا‬
‫على نفسي‪ :‬هإل يأح ت‬
‫ب عطقية فع ا‬
‫ل أم هإي فورة الجسد التي أوقدهإا‬
‫حلم تلك الليلة؟‬
‫تتشابك أفكاري ملء رأسي ثم تندفع مثل فراشات مجنونات ترتطم‬
‫بجدران الغرفة‪ ،‬تتهقشم وترتتد إلى رأسي‪ ،‬حيث الحيرة والرتباك‬
‫والعجز عن إيجاد إيجابات شافية‪ .‬صرت على حال لم أيكنها من‬
‫قبل‪ .‬متوقحدة في شققتي وأرق الليالي ينفرش صفرة وذبولا على‬
‫س الزمن قد نحت عليه عشرات‬ ‫وجهي أنظر في المرآة فأح ق‬
‫الخاديد الصغيرة‪ .‬أقمي التي ل تفوتها فائاتة لحظت تغتيري‪ ،‬وربما‬
‫سمعت أجراس قلبي تنوح‪ .‬بدأت إيماءاتها تلوح وأنا أتجاهإلها‪ ،‬حتى‬
‫فاض بها فكشفت عن قلقها ذات صباح ونحن نتناول الفطور مع‬
‫ت إليه ويدهإا تشير نحوي‪:‬‬ ‫أبي‪ .‬التفت ط‬

‫‪)) -‬بنتك حالها مش عاجبني يمكن عندهإا مشكلة((‪.‬‬

‫دققق أبي في وجهي وصوته الحنون يسيل إلقي‪:‬‬

‫‪ -‬هإل ما تقوله أقمك صحيح؟‬

‫افتعلت ابتسامة‪:‬‬

‫‪ -‬أنت تعرف أقمي ‪ . .‬من قلقها علقي تتصقور أشياء و ‪. . .‬‬

‫قاطعتني ثائارة‪:‬‬

‫‪)) -‬أنا ما بتصقور‪ ،‬أنا شايفة بقلبي قبل عيني‪ .‬وين ضحكتك؟‬
‫وين حطكياتك الحلوين؟ حابسة نفسك وصايرة مصفدرة وبهتانة‬
‫وسرحانة كأقنك حاملة هإموم الدنيا على كتافك‪ .‬شو السيرة؟((‬

‫‪212‬‬
‫هإقدأهإا أبي‪:‬‬

‫‪ -‬ططولي بالك عليها خقلينا نسمعها‪.‬‬

‫كان ل بدد أن أخترع سبابا‪:‬‬

‫‪ -‬يا بابا ‪ . . .‬تعرف ظروف العملقية‪ ،‬وبقائاي في البيت يسقبب لي‬


‫الضيق والملل‪.‬‬

‫اقترح أبي‪:‬‬

‫‪ -‬إن كنت تشعرين بتحقسن اختصري إجازتك وعودي إلى عملك‪.‬‬

‫فرحت أن عذري انطلى عليه‪:‬‬

‫‪ -‬كنت أفقكر بهذا‪ ،‬خا ق‬


‫صة أقنني اشتقت لطالباتيوزميلتي‪.‬‬

‫هإدأت أقمي وارتاح وجهها‪:‬‬

‫‪)) -‬اعملي حفلة لزميلتك‪ .‬فرفشي واطلعي من هإالكآبة((‪.‬‬

‫ي تغيير ينزح بي عن أحلمي‬‫أسعدني طلبها‪ ،‬كنت ح قاقا بحاجة ل ق‬


‫التي حصرتني في خيوطها مثل عنكبوته جائاعة‪.‬‬

‫***‬

‫لم يكن المر سهلا أبادا رغم سعادتي بالعودة إلى عملي‪ .‬فما إن‬
‫ت باب المدرسة حتى تراءى لي طيف عائاشة فانتابتني رجفة‬ ‫وتططئ ي‬
‫كان عصفها أكثر حين دخلت الصف وهإقبت الطالبات يصقفقن‬
‫لدخولي وتنهمر علقي تحقياتهدن وتهانيهدن بالسلمة‪ .‬كانت‬

‫‪213‬‬
‫صة تأسر صوتي المتشافي فل‬ ‫عيناي تبحث عن وجه عائاشة والغ ق‬
‫أنطق‪ .‬رأيت مقعدهإا في مكانه فاراغا إلق من تلوين صمته وحزنه‪.‬‬
‫ي حابسة‬‫لم أحتمل‪ .‬دمعت عيناي‪ .‬جلست يمنخضةا رأسي بين كفق د‬
‫ت طذهإورل أفقت منه على قرقعة الكراسي‪ .‬كانت‬ ‫دموعي‪ .‬ساد صم ر‬
‫طالبتان تحملن مقعد عائاشة وطاولتها خارج الفصل‪ .‬وبققية‬
‫الطالبات ييقمن بترتيت المقاعد بشكل يتقوه فراغهما الحزين‪.‬‬

‫لزمتني حالة الحزن أكثر من أسبوع حتى اعتدت على غياب‬


‫عائاشة‪ ،‬واستعدت نشاطي وهإقمتي في دفع الطالبات لبذل المزيد من‬
‫ق على إمتحان آخر العام سوى شهرين‪ .‬وكما كنت‬ ‫الجهد‪ ،‬فلم يتب د‬
‫أحقثهدن كنت أفعل هإذا مع عطقية‪ ،‬متحاشيو وأنا أراجع دروسه معه‬
‫أن تلمس كقفي كقفه‪ ،‬أو تعانق نظرتي نظرته‪ .‬كان مجقرد وجوده‬
‫في شققتي يثير عطر تلك الرائاحة التي أشقمها في أحلمي‪ .‬وكنت‬
‫بفضول أسترق النظر إلى جسده المستور بثيابه‪.‬‬
‫ق‬
‫))هإل تراه صافايا كما أراه في أحلمي أم به ندوبات خلفها سوط‬
‫العجوز! أو به بقايان من حبوب طجطدةر أصابه ذات يوم‪ .‬كنت أمقنى‬
‫لو ينسى مقرة ويترك أزقرة قميصه مفتوحة للمح ولو جزاءا من‬
‫التقلتين وحقبتقي العنب‪ .‬كانت أفكاري الخبيثة تزعجني وتشحنني‬
‫ي خطأة في القراءة أو الملء لثور‬ ‫بالغيظ عليه‪ .‬فأنتهز فرصة أ د‬
‫عليه وأؤنبه وكأقنني أنتقم لنفسي من سلطته علري في أحلم الليل‬
‫طا حقيبة دروسه‪،‬‬‫وأحرم اليقظة‪ .‬وحين يخرج بطوله الفارع متأبق ا‬
‫تاراكا رائاحته التي تفوح في الفراغ المتسع فأحقسه يحفرني بمخالبه‬

‫‪214‬‬
‫صمت الخرس يتلعب بتلك الرائاحة ويدقسها في كل‬ ‫في العتمة‪ ،‬وال ق‬
‫مسامي فتنتعش في جسدي الرغبة الجامحة‪ ،‬تهرع بي إلى فراشي‬
‫أبحث عن جسده وألتوي به دون خجل‪.‬‬

‫***‬

‫ذلك النهار كنت في شققة أقمي نتبارى أنا وهإي‪ ،‬في لعبة البرجيس‪.‬‬
‫تلحقت دققات الجرس على الباب‪ ،‬قمت وفتحت‪ ،‬فإذا بعطقية يحمل‬
‫شهادته البتدائاقية وفراشات الفرح تتقافز من وجهه وعصافير‬
‫صوته تصدح‪:‬‬

‫‪ -‬نجحت وعلماتي كقلها عالية‪.‬‬

‫‪ -‬برافو عطقية‪ .‬سأقيم لك حفلة‪.‬‬

‫انتعشت اساريره مثل طفل أهإدوه لعبة جديدة‪ .‬وكانت الفرحة في‬
‫قلبي مثل غزلن تلمح في البراري وتشهق‪ .‬التف ت‬
‫ت إلى أقمي التي‬
‫كانت ترمق فرحنا وهإي قاطبة‪:‬‬

‫‪ -‬شفت يا أقمي ‪ . .‬قلت لك إن عطقية ذكي وشاطر‪.‬‬

‫باستهزاء رقدت‪:‬‬

‫‪)) -‬يعني شو جايب لك شهادة دكتوراه؟ كقلها ابتدائاقية((‪.‬‬

‫ت شعرت به يقصد أن يتحقدى استهزاء أقمي‪:‬‬


‫ردد عطقية بصو ة‬

‫‪ -‬إن شاءا أجيبها‪ .‬ما دامت سقيدتي نادية راضية علقي‪.‬‬

‫صكت أقمي على أسنانها‪:‬‬

‫‪215‬‬
‫‪)) -‬وليييه عليك‪ .‬ما ناقصك إلق تصير دكتور((‪.‬‬

‫عتب ي‬
‫ت عليها‪:‬‬

‫‪ -‬ماما‪ .‬بدل ما تشقجعيه وتهقنئيه؟؟‬

‫‪)) -‬تقيبري أقمك ‪ . .‬ما بعرف ليش شاغلة روحك فيه؟((‬

‫دنوت منها‪ ،‬طقوقتها بذراعقي‪ ،‬ققبلت رأسها وداعبتها‪:‬‬

‫‪ -‬ستحتفلين به معنا‪ ،‬ونذوق طبخاتك الحلوة‪ .‬ورق عنب وفطائار‬


‫وتقبولة و ‪. . .‬‬

‫قاطعتني‪:‬‬

‫‪)) -‬ما بقدك كمان أرقص له وأدق عالقدربكة((؟‬

‫ضحك عطقية وقال يداعب أقمي‪:‬‬

‫‪ -‬أنت دقي وأنا أرقص‪.‬‬

‫استاءت أقمي وحدجته بنظرة قاتمة‪:‬‬

‫‪)) -‬بلى بلى يطسيترك طستتتر‪ .‬إمشي من خلقتي((‪.‬‬

‫لختصر الطريق على ثورة أقمي؛ أمسكت بيد عطقية واقتجهت به‬
‫نحو الباب وأنا أمتد صوتي إليها‪:‬‬

‫‪ -‬ل تشيلي البرجيس سأعود لكمل اللعبة‪.‬‬

‫صعدت مع عطقية إلى شققتي‪ .‬ما إن ولجنا حتى عزفت العصافير‬


‫بتغاريدهإا وكأقنها تز ت‬
‫ف التهاني إليه‪ .‬أشرت إلى الكرسي‪:‬‬

‫‪216‬‬
‫‪ -‬اجلس يا عطقية‪.‬‬

‫دخلت إلى غرفتي‪ .‬وعدت أحمل العلبة التي لففتها بورق لمع‪.‬‬
‫وقف وابتسامته تملي وجهه‪ .‬سقلمته العلبة‪:‬‬

‫‪ -‬خذ يا عطقية‪ .‬كنت واثقة من نجاحك فجقهزت لك الهدقية‪.‬‬

‫أمسك بها يتفحصها‪:‬‬

‫‪ -‬ما هإذه؟‬

‫‪ -‬ساعة‪.‬‬

‫انهمر علقي بطوله وجسده الفتقي‪ .‬فتح ذراعيه احتوى كتفقي بحرارة‬
‫وققبل خقدي ثم ابتعد وهإو يهمس‪:‬‬

‫‪ -‬آسف سقيدتي ‪ . .‬فرحتي غلبتني‪.‬‬

‫أدرت ظهري إليه‪ ،‬خشيت أن يلحظ ارتعاشي‪ ،‬وتوقرد وجهي الذي‬


‫أحسست به يقتقد‪ .‬تلقهيت بمعابثة مفرش الطاولة وتسوية الزهإرقية‬
‫ق في لوم مصطنع‪:‬‬‫عليه؛ وصوتي غار ر‬

‫‪ -‬ل تفعل هإذا مقرة ثانية‪.‬‬

‫أحسسته يجتر قدمين ثقيلتين وقلابا محزوانا وهإو يغادر ويغلق الباب‬
‫ي تحتضنان كتفقي القلتين‬‫صت على الريكة وذراع د‬ ‫برفق‪ .‬تقرف ط‬
‫ت حنون‬ ‫ي ففاح صم ر‬‫لمسهما‪ ،‬وخقدي الذي لثمه‪ .‬أغمضت عين د‬
‫كصوت كماةن عتيق يحضن روحي‪ ،‬ويرقص مزهإارا من تلقون‬
‫وجنتقي دافةئا من دفئي‪ .‬شعرت ببروق تحاوطني بإشاعات ملقونة‬
‫وتسري بي إلى أحلم يقظتي‪ ،‬فأدخلها نشوانة يمؤقملة نفسي بلحظة‬

‫‪217‬‬
‫اشتعال تنهض بأعناق جسدي النحنية حتى تصل بنشوتها إلى لحظة‬
‫النطفاء‪ .‬أغمضت عينقي واستحضرته لحلم يقظتني‪.‬‬

‫***‬

‫كان الفجر ينزلق من فتحة الستارة‪ ،‬أنقذني النور من حلم مزعج‪.‬‬


‫شعرت برخاوة في جسدي‪ .‬ذراعاي خاملن وكأقن ما جرى في‬
‫الحلم قد شقلهما‪ .‬تحقسست عنقي وصدري كانا يسبحان في عر ة‬
‫ق‬
‫حاقر‪ ،‬ورائاحة تراب متخقمر تفوح من حولي‪ .‬انتشلت جسدي المثقل‬
‫لل الماء الدافئ وخرجت أفوح بشذى‬ ‫وفي الحقمام أجريت عليه ش ق‬
‫الصابون‪ ،‬اقتجهت إلى حيث أقفاص عصافيري الصامتة‪ ،‬كانت في‬
‫تنويعات هإجوعها المن ل تدرك سدر يقظتي المبكرة ‪ . .‬آةه ‪ . .‬لو‬
‫كانت معي في الحلم؛ لقفزت الن غير مصقدقة أقنني مازلت على‬
‫قيد الحياة بعد أن عشت ذلك الحلم‪.‬‬

‫هإل كان الموت بحقيقته التي أخاف منها؟ )ظلم دامس وصمت‬
‫مريع غاب في جسدي بل حراك لكن صدى أصوات متداخلة كانت‬
‫ي‪ .‬وبدأ‬
‫ح خشب د‬‫تفتقه‪ .‬أيةد رفعت جسدي العاري وأسجطته فوق لو ة‬
‫سريان ماء بارد عليه‪ .‬رفعوني ثانية ومقددوني على قماش ناعم‪.‬‬
‫صوت أقمي نائاح وكقفها تباشر حشو فراغاتي بالقطن الرشوش‬
‫بالكافور‪ .‬ثم تبدأ بتكفيني وتشتد القمطة الرفيعة حول جسدي حتى‬
‫ح وصراخ‪.‬‬ ‫عقدة الرأس‪ .‬حملتني اليدي مسافة طويلة بين نوا ة‬
‫أسقطوني في حفرة ضقيقة رطبة وبدأوا يهيلون التراب علقي‪ .‬وقبل‬
‫أن يغمر وجهي‪ ،‬كانت صرخة عطقية كالدرعد تهتز‬

‫‪218‬‬
‫المكان‪ .‬انتشلني من الحفرة‪ .‬حملني بين ذراعيه القوقيين وطار بي‬
‫وكفني يتهاوى عقني متطاارا في الفق‪ .‬وإذا ببيطؤرة ضوةء تفاجئ‬
‫عينقي‪ .‬حين حقدقت بها كانت تلك التي تندس من فتحة الستارة فأقوم‬
‫من موتي إلى الحياة(‪.‬‬

‫ضت الشعة بكارة المكان‪.‬‬ ‫اشتعلت زقزقة عصافيري بعد أن ف ق‬


‫ل أدري كم أمضيت من الوقت وأنا نائامة أو سارحة أستعيد الحلم‬
‫المرعب‪ ،‬وشعري ل يزال يقطر ماءه وجسدي محفوف‬
‫باليبرنس ‪ . .‬ورغبة عارمة تدفعني أن أرتدي ملبسي وأخرج‬
‫قاصدة البحر مشتهقية أن أرتمي في حضنه‪ ،‬وأغتسل بملحه‪ ،‬أطرد‬
‫بقايا الكافور والتراب‪ ،‬وكأدن الصابون لم ييطؤرد مهقمته‪.‬‬

‫حين عدت متوقهإجة بملحي وفرحي لقنني مازلت حقية‪ ،‬استقبلني‬


‫عطقية بوجةه مبهو ة‬
‫ت وعينين يتطاشر منها الفزع‪:‬‬

‫‪ -‬أبوك تعب‪ .‬أخذته أقمك إلى المستشفى وتقول الحقي بها هإناك‪.‬‬

‫أقية ضربة قاضية قذفت بيكرتي من ساحة الفرح إلى مرمى الحزن؟‬
‫ما به أبي؟ ما الذي فاجأ طيه؟ هإل أسرى الهواء إليه بفرحتي فلم‬
‫يحتملها؟ أم هإو شيء آخر داهإم جسده بصمت حتى استفحل به؟‬
‫كنت وأنا أقود سقيارتي بسرعة جنونقية استعيد صوارا لم أكن أتأقملها‬
‫ق عروقها‪ :‬تلك الليلة التي كنت فيها‬ ‫في حينها‪ .‬وأدني الن أنبش أد د‬
‫ت إلى الحقمام‪ ،‬غابت‬ ‫أنا وأقمي نشاهإد فيلاما بالتلفزيون‪ ،‬فجأة‪ ،‬قفز ط‬
‫ل ثم عادت تهرول إلى المطبخ‪ ،‬هإرولت وراءهإا‪ ،‬رأيتها تعد‬ ‫قلي ا‬
‫كوب الميرمقية‪ ،‬استفسرتها فقالت بصوت‬

‫‪219‬‬
‫مرتجف ))أبوك استفرغ كدل عشائاه((‪)) .‬هإل نأخذه إلى الطبيب؟((‬
‫ف مدى خوف أقمي عليه‪ .‬قالت ))ل أظتن المر بهذه‬ ‫قلت لستش ق‬
‫الخطورة‪ .‬رقبما تعقرض لبرد((‪ .‬تركتها واندفعت إلى غرفة أبي‪،‬‬
‫س؟((‬ ‫كان على سريره واهإانا متعقراقا‪)) .‬أبي ‪ . . .‬حبيبي بماذا يتح ق‬
‫امتقدت كقفه بكسةل إلى وجنتقي يرقبت عليها ))ل تخافي مجقرد دوخة‬
‫ولعيان‪ .‬أظقنه برد؟((‪ .‬في اليوم التالي أصقرت عليه أقمي أن يذهإب‬
‫إلى المستشفى لجراء الفحوص‪ ،‬رفض‪ .‬كان قد صحا باكارا وبدا‬
‫طا‪ ،‬قال لها ))أل ترينني كالحصان أمامك((‪ .‬لم تكن المقرة‬ ‫نشي ا‬
‫الولى‪ ،‬تلتها مقرات عانى فيها أبي من صداعات‪ ،‬ودوخات‪ ،‬وآلم‬
‫في الصدر تتعاقب عليه ثم تزول فيستعيد نشاطه‪ ،‬ويواصل العمل‬
‫في مكتبه العقاقر الذي يدير من خلله شؤون ثروتي الكبيرة‪.‬‬

‫آآآه يا أبي‪ .‬يبدو أقنني أتعبته بذلك العبء الثقيل‪ ،‬كم مقرة حاول أن‬
‫ييشركني في تحقمل أعباء المكتب ))هإذا مالك ويجب أن تلقمي بكل‬
‫شيء عنه((‪ .‬لكنني لم أهإتقم ))يكفيني التدريس وتصحيح الدفاتر((‪.‬‬
‫قبل شهور كان يتجادل وأخي ويصتر عليه أن يستقيل من عمله‬
‫ليشاركه مسؤولقية العمل‪ .‬قلت له ))هإل ضقت يا أبي‬
‫بمسؤولقيتي؟((‪ ،‬قال ))أبادا ولكقني ل أضمن عمري! لو حدث لي‬
‫شيء‪ ،‬ل أحد منكم يعرف شيائا عن سير العمال((‪ .‬أقمي توقترت‬
‫))بعيد الشقر عن قلبك((‪ ،‬لكن أبي واصل إصراره فالتفت أخي‬
‫نحوي مازاحا ))كم تعطيني مقابل أتعابي؟((‪ ،‬أبي انزعج ))هإل‬
‫تساوم أختك؟(( أنا وأقمي تحقزبنا لخي ))هإل تريده أن يترك وظيفته‬
‫إلى‬

‫‪220‬‬
‫وظيفة ل تكون مجزية؟(( أقمي قالت ))ل بدد أن يكون راتابا مجزايا‪،‬‬
‫هإذا حققه((‪ .‬كان راتب أخي ل يتجاوز الخمسمائاة دينار‪ ،‬فطلبت من‬
‫أبي أن يعطيه ألفي دينار‪ .‬لم يعترض أبي‪ ،‬قال كلمته التي‬
‫يرقددهإادائااما ))مالك وأنت حقرة به((‪ .‬أبي لم يستطثتن عطقية‪ ،‬صار‬
‫يأخذه إلى المكتب‪ .‬حين اعترضت أقمي قال ))يابنت الحلل‪ ،‬عطقية‬
‫ط على القل يريحني من جمع إيجارات العمارات‪،‬‬ ‫صار يفتك الخ ق‬
‫المستأجرون يتعبون القلب((‪.‬‬

‫ي تلك الصور فأققلب المور‬ ‫الن وبمثل سرعة قيادتي‪ ،‬تنهمر عل د‬


‫برأسي المزدحم بالخوف‪ ،‬وتساؤلت حارقة تقبض قلبي‪ :‬هإل أدرك‬
‫أبر سدر تعبه فأراد أن يوقزع المهقمات على أخي وعطقية؟ هإل تعلم‬
‫أقمي بحالة أبي؟ ‪ . .‬ل أصقدق أقن شيائا كهذا يفوتها وهإي التي لو‬
‫صفقرت وصاحت ))ياريتني أنا ول أنت((‪ .‬أقمي‬ ‫شهق أبي أو شهق ا ط‬
‫التي تحوف أبي برموش عينيها‪ ،‬وتخاف عليه من لمس النسمة‬
‫ودفء الشمس‪ ،‬كانت أقرب إلى جسده وقلبه منه‪ ،‬مثل دمه تسري‬
‫ق ارتجافات شرايينه‪ ،‬وتشتم المرض‪ .‬لبدد أقن‬ ‫في عروقه‪ ،‬تلتقط أد ق‬
‫ي من ألم‬‫أقمي تعقمدت أن تقصيني فترة مرضي وعلجي إشفااقا عل د‬
‫يضاعف سوء حالتي‪.‬‬

‫طة‪ ،‬أصطدم بسقيارة شحن‪ ،‬تجاوزت إشارتي مرور‬ ‫كدت أهإرس ق ق‬


‫حمراوين‪ ،‬كنت أسوق سقيارتي والخوف يقودني والسؤال الحاقر‬
‫ي شؤم يحمله لي هإذا النهار؟((‪.‬‬‫يلفحني‪)) :‬أ ت‬

‫***‬

‫‪221‬‬
‫هإل تراه حزانا عابارا ييخطئ دروبه إلى بيتنا؛ أم تراه جاء ليقيم فيه؟‬
‫أب عشرة أقيام تحت الملحظة قبل أن يسمح له الطبيب بالعودة إلى‬
‫البيت‪ ،‬رغم فرحنا بذلك فإدن أفق البيت توقشح بضبابات القلق‪ ،‬أقمي‬
‫س برجفات خوفها من صوتها الذي أفتقد‬ ‫في حالة خوف دائام‪ ،‬أح ت‬
‫رنينه الجقذاب‪ ،‬من حركتها التي ثقلت‪ ،‬من ذهإولها الذي احتدل‬
‫عينيها يسافر بها إلى حيث ل أدري‪ .‬كانت بقيامها وقعودهإا تبتهل‬
‫س وكأقنها تقف في مه ق‬
‫ب‬ ‫أن يحفظه ا خيمة حنونة تظقللنا فأح ت‬
‫ب وحدةة دائامة‪.‬‬
‫انتظاةر مجهول‪ .‬تخشى أن يهوي بها إلى ج ر‬

‫ساعدني حلول الجازة الصيفقية أن أبقى بجانبها‪ .‬أرعيها في تحتمل‬


‫ت كل‬‫أساهإا ومسؤولقيات البيت التي فقدت شهقيتها تجاهإها‪ ،‬كقرس ط‬
‫وقتها لبي تراعيه‪ ،‬تحنو عليه‪ ،‬تلطفه وتحرص على مواعيد‬
‫ضا حاصرته بخزفها‪ ،‬اشتهى أن يخرج من البيت‪،‬‬ ‫دوائاه‪ .‬لكقنها أي ا‬
‫طلي مقني أن آخذه مشواارا إلى البحر‪ ،‬لكدن أقمي ارتعبت‪ ،‬نشجت‪:‬‬
‫))ل‪ .‬لن يخرج‪ .‬أخشى أن تصيبه لفحة برد((‪ ،‬توقسلت إليها‪)) ،‬يا‬
‫أقمي ل يمكن أن تضقيقي عليه وتشعريه بمرضه((‪ ،‬قالت ))أخاف‬
‫عليه((‪ ،‬فأقكدت لها ))كلنا نخاف عليه ووافقناك أن ل يذهإب إلى‬
‫العمل لكن المشاوير الصغيرةستمنحه الحساس بأقن الحياة لم‬
‫تتوققف بعد((‪.‬‬

‫خقفف أبي من ذهإابه إلى المكتب‪ ،‬كان يثق بكفاءة أخي الذي ينقل له‬
‫أخبار العمل‪ ،‬ويأتي إليه بالوراق التي تحتاج توقيعه أو مراجعته‪،‬‬
‫كما أقن عطقية يقوم بواجباته الموكولة إليه باجتهاد كبير‪.‬‬

‫‪222‬‬
‫كان مثلنا قلاقا على أبي‪ .‬ذات ليلة طرق باب شققتي متأخارا‪.‬‬
‫استغربت حضوره وتصقورت أقنه ربما يدرك شيائا عن أحلمي‪.‬‬
‫وحين لم أستحضره تلك الفترة جاء ليذقكرني بنفسه؛ أو قد تكون‬
‫شياطينه أرسلته ليجعل من الحلم حقيقة‪ .‬تحقذرت ‪ . .‬وبصوت حازم‬
‫بادرته‪:‬‬

‫‪ -‬خير يا عطقية؟‬

‫لم ينتظر أن أدعوه ‪ -‬وما كنت سأفعل – دخل واقتعد أقول أريكة‬
‫ووجهه مثقل بالحزن‪ .‬ظدل صاماتا فحثثته‪:‬‬

‫‪ -‬ما بك يا عطقية في هإذه الساعة؟‬

‫تأتأ قليلا ثم بصعوبة نطق‪:‬‬

‫‪ -‬ل أريد أن أكمل تعليمي ول أريد أن أتزقوج‪.‬‬

‫فوجئت‪ .‬تصقورته ))يتلمن(( علقي ليذقكرني بوعدي له‪:‬‬

‫‪ -‬اتفقنا أن تتزقوج بعد الشهادة البتدائاقية‪ ،‬وبشرط أن تكمل تعليمك‪.‬‬

‫ثم تنقبهت وبغضب حقيققي نفرت بسؤالي‪:‬‬

‫‪ -‬هإل هإذا وقت علمك وزواجك؟ أل ترى حالنا مع أبي؟‬

‫طأطأ ودمعت عيناه‪:‬‬

‫‪ -‬لهذا جئت لقول لك‪ .‬ل أريد أن أترك عقمي سأساعده في العمل‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫أخذ يجهش‪ .‬أدهإشني‪ .‬أين أقمي تسمع هإذا الكلم! لتصقدق أقن ظقني لم‬
‫ب بوفائاه؟ حمدت ا أقنني لو آخذه بجريرة العجوز‪ ،‬لكقنني رغم‬ ‫يتخ ط‬
‫فرحي تظاهإرت بالغضب‪:‬‬

‫‪ -‬هإل تتصقور أدن أبي أصبح عاجازا إلى هإذا الحقد؟‬

‫شهق شهقة مضطربة‪ ،‬وواصل نواحه ‪ . .‬فأمضيت وقاتا وأنا يأهإقديئاه‬


‫وأطقيب خاطره قبل أن يخرج‪.‬‬

‫قلقت تلك الليلة وألقحت علقي السئلة‪ :‬هإل يكون إحساس عطقية‬
‫بمسؤولقيته تجاه أبي أفضل من إحساسي‪ ،‬لماذا ل أتحقمل جزاءا من‬
‫المسئولقية؟ لماذا أظتل على كراهإقيتي لثروة العجوز رغم أقنني أستفيد‬
‫منها على حساب الجهد الذي يبذله أبي حتى تعب قلبه وضاقت‬
‫شرايينه؟‬

‫في اليوم التالي‪ ،‬ونحن على مائادة الغداء‪ ،‬أعلنت قراري لبي‪:‬‬

‫‪ -‬سأستقيل من التدريس وأعمل معك في المكتب‪.‬‬

‫تهقللت كتل الوجوه‪ ،‬خصو ا‬


‫صا وجه أقمي التي مازحت أبي‪:‬‬

‫‪)) -‬كم بقدك تعطيها راتب؟((‬

‫أبي بجوابه المعتاد‪:‬‬

‫‪ -‬المال مالها هإي التي تعطي‪ ،‬وهإي التي تأخذ‪.‬‬

‫لم أستطع‪ ،‬رغم قلقي على أبي وإحساسي بحزن أقمي‪ ،‬أن أقصي‬
‫صة أقنه أصبح أكثر قرابا مقني‪.‬‬
‫عطقية عن دائارة تفكيري‪ ،‬خا ق‬

‫‪224‬‬
‫ب أرى‬ ‫ما إن بدأت أداوم في مكتب أبي حقتى صرت عن كث ة‬
‫اجتهاده‪, ،‬امانته في العمل‪ ،‬وسلوكه المهقذب في استقبال أصدقاء‬
‫أبي من التقجار أو السماسرة الذين تربطهم بأبي علقة في البيع‬
‫والشراء‪ .‬حتى أخي فيصل صار يعتمد عليه بمهاقم صعبة‪ ،‬كإدخال‬
‫الشيكات أو سحبها ومرافقة السماسرة للتأتكد من العقارات‬
‫المعروضة علينا لشرائاه‪ .‬فرحت بثقة فيصل ومحقبته لعطقية وكان‬
‫فرحي يتضاعف حين يتحقدث عنه أمام أقمي وأبي الذي كان يوافق‬
‫ضا‪ ،‬أو تتلقفظ‬
‫على كلم أخي‪ ،‬بينما أقمي تقطب وتلوي شفتيها امتعا ا‬
‫بكلمات الستياء مقما أجبر أبي لن يعاتبها‪:‬‬

‫‪ -‬إلى متى ستظقلين ناقمة عليه؟‬

‫احتقن وجهها وقذفت بإصرارهإا‪:‬‬

‫‪)) -‬إلى يوم الدين((‪.‬‬

‫اعتجن وجه أبي بالغضب‪:‬‬

‫‪ -‬ولطو؟ ألهذه الدرجة؟ ليس بعلمي أقن قلبك أسود‪.‬‬

‫تدقخل ي‬
‫ت سالخة خجلي أمام أبي‪:‬‬

‫‪ -‬أقمي لن تنسى فعلة عطقية القديمة معي‪.‬‬

‫خفض أبي بصره متحاشايا إحراجي واستدار لقمي‪ .‬حضن كقفها‬


‫وقال‪:‬‬

‫‪ -‬عطقية لم يغتصب ابنتك‪ .‬كان العبد المأمور!‬

‫حين لم ترقد‪ ،‬واصل بصوت عذب‪:‬‬

‫‪225‬‬
‫ض وانتهى‪ ،‬عطقية الن صار مقنا وفينا‪.‬‬
‫‪ -‬ثم إقن هإذا ما ة‬
‫صر‪.‬‬‫والرجل ل يق ق‬

‫حقدقت أقمي بوجهي كمن تسبر غوري وتستش ق‬


‫ف براءة عطقية من‬
‫جانبي‪ ،‬ابتسمت لها وهإتزطزت رأسي‪:‬‬

‫‪ -‬أرجوك يا أقمي ‪ . .‬خقففي عنه‪ ،‬كقلنا نحقبه ونريدك أن تسامحيه‬


‫وتحقبيه‪.‬‬

‫زفرت وكأقنها على وشك البكاء‪:‬‬

‫‪)) -‬مش بإيدي‪ .‬كل ما شفته بتنط الحادثة ققدامي‪ .‬ل يمكن أحقبه((‪.‬‬

‫‪ -‬ل حول ول قوة إلق بال‪.‬‬

‫قالها أبي وقد بدى أقنه فقد المل في التأثير عليها‪.‬‬

‫شعرت بأقن أقمي تشتعل فلم أنبس‪ ،‬لم أشأ أن أنفخ على النار كطي ل‬
‫ب التي تظقلل عطقية‪ .‬هإذا الح ق‬
‫ب‬ ‫يمتقد لهبها ويحرق أغصان الح ق‬
‫شقجعني أن يأصارح فيصل ونحن في المكتب‪.‬‬

‫‪ -‬ما رأيك أن نجلب حاراسا للعمارة ونريح عطقية؟‬

‫لمعت الدهإشة من عينيه ونبع غضب خفيف من صوته‪:‬‬

‫‪ -‬هإل اشتكى لك! أم هإي زيادة مصارف والسلم؟‬

‫أزعجني رقده‪ .‬كنت طوال الشهور التي انضممت فيها إلى المكتب‬
‫ل أتدقخل ول أعترض أو أقترح‪ .‬وأوافق فيصل على كرل‬

‫‪226‬‬
‫قرار يتخذه‪ .‬لكقنني‪ ،‬وحين شعرت بأقنه سيقف حائالا دون تلبة‬
‫رغبتي‪ ،‬تحقركت داخلي نزعة القتحقدي لذقكره بأقن المال مالي‬
‫وبأقنني صاحبة الشأن الولى‪ ،‬وقراراتي يجب أن تتنقفذ شاء ذلك أم‬
‫أبى‪ .‬شحنت كل إصراري بصوتي‪ .‬وألقيت عليه أمري حاسمة معه‬
‫ي نقاش حول الموضوع‪:‬‬ ‫أ د‬

‫‪ -‬سيتفقرغ عطقية للعمل هإنا وسأعتد له مكتابا‪.‬‬

‫فطن أخي أقنني واعية لسلطتي وإن كنت لم أمارسها‪ ،‬ولعدل هإذا ما‬
‫عدزز سلطته فتصقورني ضعيفة وساذجة‪ ،‬فكان ل بدد أن أثبت‬
‫مكانتي وأؤقكد له أقنني لن أسمح أن يهرمشها أو يتجاوزهإا‪ ،‬وأقنني‪،‬‬
‫وإن كنت أسأله رأيه‪ ،‬فهذا ل يعني أقنه صاحب قرار يفرض عل د‬
‫ي‬
‫ض على غضبه وتققلصت حقدة صوته‪:‬‬ ‫اللتزام به‪ .‬ع د‬

‫‪ -‬المر أمرك‪.‬‬

‫تمقددت الققوة داخلي‪ .‬وعقبأت كل الفراغ الذي اقتسع بابتعادي عن‬


‫متابعة شؤون ثروتي والذي كان يمكن أن يستمدر لول مرض أبي‪.‬‬
‫كانت فرصتي أن يأفاجئ فيصل بقراري الخر الذي أمضيت أسابيع‬
‫أخ ق‬
‫طط له‪:‬‬

‫‪ -‬فرغت شققة في الدور القول من العمارة ‪ . .‬لن نرقجرهإا ستكون‬


‫سكن لعطقية‪.‬‬

‫ابتسم مرغاما‪:‬‬

‫‪ -‬أنت كريمة وعطقية يستاهإل‪.‬‬

‫‪227‬‬
‫رغم استسلمه لمري‪ ،‬لم يخف عقني ذلك النزعاج والستهجان‬
‫الذي طفح من عينيه‪ ،‬لكقني لم أكترث به‪ ،‬كتل ما كان يهقمني‬
‫ويشغلني هإو ترتين أوضاع عطقية في المكتب وفي البيت‪ .‬كنت‬
‫أريد أن أحققق له الراحة ويأشعره بكيانه النسانقي‪ ،‬وبأقنه لم يعد ذلك‬
‫الجير عندنا بل أصبح فرادا من العائالة‪ .‬كان المر يلتح علقي منذ أن‬
‫صار عطقية قريابا مقني في العمل‪ ،‬في البيت‪ ،‬في أحلم نومي‬
‫ويقظتي‪ .‬لم أعد أرضى له وظيفة حارس ول أطيق أن أراه‬
‫بدشداشة العمل يكنس وتعقفر بالتربة‪ ،‬وينقل أكياس قمامة الشقق‬
‫إلى الحاوية‪ .‬وما عدت أحتمل الوامر التي تنهال عليه من أهإلي‬
‫ومن السقكان‪ .‬كنت أريد لهذا الذي صار‪ ،‬دون أن يدري‪ ،‬قريابا من‬
‫قلبي وسقيد ليالقي المقفرة‪ ،‬ان يرتقي بهندامه وعمله وسكنه وعلمه‪.‬‬
‫كنت أريده في كامل لياقته وحررديته وفحولته وهإو يرافق أحلمي‪.‬‬

‫***‬

‫لم تحتمل أقمي قراري بشأن الشققة‪ ،‬ثارت وتشقنجت‪ ،‬أبي لم ييبتد‬
‫ضا‪ ،‬وتصرف بمنطقه المعهود‪:‬‬ ‫اعترا ا‬

‫‪ -‬المال مالك وأنت حقره فيه‪.‬‬

‫التفت ط‬
‫ت إليه أقمي شاحنة صوتها بالعتراض‪:‬‬

‫‪)) -‬أنت بتشقجعها على السراف – ثم التفتت إلقي – عطقية ما راح‬


‫يدفع إيجار الشققة((‪.‬‬

‫‪228‬‬
‫استفقزتني ‪ . .‬ول أدري كيف في لحظة خرج ي‬
‫ت عن حدود أدبي‬
‫وصرخت‪:‬‬

‫‪ -‬هإل تدفعون أنت وأبي وأخي إيجاارا؟؟‬

‫أحنى أبي رأسه وكأقني رشقته بسهم‪ .‬بينما تضاعفت ثورة أقمي‪:‬‬

‫‪)) -‬هإاي آطخترطتها ‪ . .‬بتساوي بين أهإلك والعبد((‪.‬‬

‫أسرعت إلى أبي أحتضنه وخجلي يقطر مقني‪:‬‬

‫‪ -‬سامحني يا أبي‪ .‬ل أقصد إهإانتكم ‪ . .‬إلق أقنه ناصرني والتفت إلى‬
‫أقمي‪:‬‬

‫‪ -‬ل تنسي أقن نايف أعتقه‪ .‬هإو الن يعمل في وظيفة محترمة‪ ،‬ومن‬
‫حقه أن يكون له سكن محترم‪.‬‬

‫هإزئات أقمي‪:‬‬

‫‪)) -‬وا لو صبغتوه من راسه لساسه باللون البيض؛ ولو صار‬


‫مدير عام للمكتب‪ ،‬راح يضل عبد ابن عبيد((‪.‬‬

‫أدرك أبي أقن نقاشنا الحاقد سيسقبب مشكلة كبيرة‪ ،‬ضرب على ك ر‬
‫ف‬
‫أقمي برققة وبصوت واهإن‪:‬‬

‫‪ -‬خلص‪ .‬قلنا هإي حقرة‪ .‬إن شاء ا تبني له قصارا‪ .‬ما دخلك أنت؟‬

‫‪229‬‬
‫لحظت أقمي اصفرار وجه أبي ووهإن صوته‪ ،‬فخشيت أن يواجهه‬
‫التعب‪ .‬كظمت غيظها وهإي تدحجني بنظرة قاسية وبصوت معبقإ ة‬
‫بالنفور‪:‬‬

‫‪)) -‬اعملي اللي بقدك إقياه((‪.‬‬

‫كنت أكيدة‪ .‬أقنني مهما حاولت مع أقمي فإقنني غير قادرة على أن‬
‫أحميها من مغقبة الحقد على عطقية‪ ،‬لكقنني في محاولتي لقشع‬
‫غضبها دنوت منها‪ ،‬ققبلت رأسها وهإمست‪:‬‬

‫‪ -‬رشاك يا أقمي ‪. . .‬‬


‫خرجت إلى شققتي وقراري‪)) :‬طباعا رح أعمل اللي بقدي إقياه((‪.‬‬

‫***‬

‫قمت بتجهيز شققة عطقية بنفسي‪ ،‬جعلت ألوانها كألوان شققتي‪ ،‬ملتها‬
‫ص النباتات والعصافير‪ .‬عقلقت على جدرانها لوحات للبحر‬ ‫ص ت‬‫بأ ق‬
‫والغابات‪ .‬انتقيت ألوان الستائار بلون خطوط الرائاك‪ .‬وضعت له‬
‫مكتابا في الزاوية المطقلة على الساحة‪.‬‬
‫جقهزت المطبخ ووضعت طاولة صغيرة في وسطه مع كرسيين ل‬
‫ثالث لهما‪ .‬كنت وأنا أرقتب الثاث أضع في حسباني أقنه لن يكون‬
‫ضا يقتسع‬
‫وحيادا‪ ،‬وحين اشتريت السري وجدتني أختاره عري ا‬
‫لشخصين‪ .‬وقفت أتأقمله بعد أن فردت عليه الغطاء الليلكي وخيالي‬
‫يشح بي أحلم عطقية‪ ،‬فربما هإو يستحضرني أي ا‬
‫ضا‪.‬‬
‫فأردت أن يأهإقيئ له مكاانا لئااقا يناسبني حجمه وتعجبني ألوانه‪.‬‬
‫كنت كمن يأعتد بياتا لي وسريارا لي وليس لعروس وعدت عطقية أن‬
‫أزقوجه بها‪.‬‬

‫‪230‬‬
‫لم أترك لعطقية فرصة ليرى الشققة قبل أن أتقمم تجهيزهإا‪ .‬كنت أريد‬
‫أن يأفاجئه بها‪ .‬دخلت مكتبه‪ ،‬كان غاراقا في تدبيس الوراق ور ر‬
‫صها‬
‫في الملقفات‪ .‬طرقت على الطاولة‪:‬‬

‫‪ -‬اترك العمل الن‪ ،‬أريد أن تذهإب معي‪.‬‬

‫قلب يده وحقدق في ساعته‪:‬‬

‫‪ -‬العاشرة والنصف ‪ . .‬قد يحتاجني فيصل‪.‬‬

‫أسعدني التزامه ‪ . .‬طمأنته‪:‬‬

‫‪ -‬ما عليك لقد استأذنت لك‪.‬‬

‫خرجنا ‪ . . .‬كنت‪ ،‬وهإو يجاورني في السقيارة‪ ،‬أشعر بحيرته‬


‫وفضوله المكتوم الذي يعقبر عنه التفاتاته السريعة نحوي‪ .‬بينما‬
‫أتشاغل عنه بتجاوز السقيارات البليدة‪ .‬لكقنه لم يطق صبارا‪ .‬حين‬
‫توققفت السقيارة أمام العمارة‪:‬‬

‫‪ -‬ليش رجعنا البيت؟‬

‫‪ -‬ل تسأل‪ ،‬هإقيا تعال‪.‬‬

‫لم أستخدم المصعد‪ ،‬قطعت الدرجات وهإو يتبعني وإحساسي أقن قلبه‬
‫يخفق فضولا وتوقجاسا‪ .‬فتحت باب الشققة‪ .‬جلست على أقرب أريكة‬
‫وأخذت أراقبه وهإو يتجقول فيها مغموارا بدهإشته‪.‬‬
‫اقترب مقني وأطلق سؤالا ما توققعته‪:‬‬

‫‪ -‬هإل ققررت أن تتركي شققتك وتسكني هإنا؟‬

‫‪231‬‬
‫لم أتمالك نفسي‪ ،‬لعلعت بضحكاتي ودعوته‪:‬‬

‫‪ -‬اجلس يا عطقية‪.‬‬

‫جلس ول تزال دهإشته تملي وجهه‪ .‬ألقيت عليه بمفاجأتي‪:‬‬

‫‪ -‬هإذه الشققة لك‪.‬‬

‫ب مفزواعا‪ ،‬مرتجافا‪ ،‬فاراغا فمه وقد اقتسعت عيناه وتوققدتا‪.‬‬


‫هإ د‬
‫أشفقت عليه وخشيت أن يتوققف نبض قلبه‪:‬‬

‫‪ -‬شوف يا عطقية‪ .‬هإناك حارس جديد سيتوقلى شأن العمارة ويسكن‬


‫غرفتك‪ ،‬وأنت ‪. . .‬‬

‫قاطعني وذراعاه تمتقدان نحوي كمن يتوقسلني‪:‬‬

‫‪ -‬هإل فصلتني من العمل؟ هإل ق ق‬


‫صرت في شيء؟‬

‫سحبته من ذراعه وأجلسته عنوة بجانبي‪:‬‬

‫‪ -‬اهإدأ يا عطقية – واستعطرت كلمات أبي – أنت الن تعمل في‬


‫وظيفة محترمة‪ .‬ول بد أن يكون لك سكن محترم‪.‬‬

‫‪ -‬ولكن! ‪. . .‬‬

‫استدار يمنةا ويسرةا وذراعاه تشيران‪:‬‬

‫‪ -‬هإذا كثيرر علقي‪ .‬كيف سأعيش هإنا؟؟‬

‫فاجأني حزن كبير‪ ،‬شعرت وكأقنني ققدمت له جحياما يحرقه‪.‬‬


‫وليس جقنة يرتع فيها‪ .‬أمسكت بكقفه البارد المرتعش‪ ،‬ططبططبت عليه‬
‫بحنان صادق‪ ،‬وهإمست‪:‬‬

‫‪232‬‬
‫‪ -‬ل تستكثر شيائا على نفسك‪ .‬من حققك أن ترتاح‪.‬‬

‫ظدل غاراقا في التوهإان‪ .‬دموعه محتقنات في عينيه‪ ،‬وهإمهمات‬


‫شفتيه مثل أقنات القمهات الفاقدات‪ .‬قمت متثاقلة باقتجاه الباب‪،‬‬
‫ي وانحنى يققبلهما بامتنان وصوته‬ ‫ركض ورائاي أمسك بكلتا يد ق‬
‫اليمترطجرج بدمعه‪:‬‬

‫‪ -‬سقيدتي ‪ . .‬ل أعرف كيف أشكر فضلك‪.‬‬

‫نزعت مفتاح شققته من ميدالقية مفاتيحي‪ .‬سقلمته إقياه وخرجت‪.‬‬

‫***‬

‫لم يبق ما ينقص عطقية غير السقيارة‪ ،‬بجرأة طرحت المر على‬
‫فيصل‪:‬‬

‫‪ -‬أريد أن يتعقلم عطقية قيادة السقيارة‪.‬‬

‫لم أكد أكمل جملتي حتى كان عطقية يدخل برزمة أوراق فبادره‬
‫فيصل‪:‬‬

‫‪ -‬نادية تريدك أن تتعقلم السياقة‪.‬‬

‫بسذاجة لم أتوققعها‪:‬‬

‫‪ -‬من سيعقلمني؟ عقمتي نادية؟‬

‫ضحك أخي هإازائاا منه‪:‬‬

‫‪ -‬وكم ستدفع لها إن شاء ا؟‬

‫صقدق السؤال وسرياعا أجاب‪:‬‬

‫‪233‬‬
‫‪ -‬أعطيها كل معاشي ‪ . . .‬ل‪ ،‬أعطيها كل عمري‪.‬‬

‫انكمش وجه فيصل وكأقن عطقية صفعه‪ .‬تماسك وألقى عليه بالمر‪:‬‬

‫‪ -‬غادا تذهإب إلى أحد مكاتب التعليم وتتفق على الوقت والفضل الق‬
‫يتعارض مع مواعيد العمل‪.‬‬

‫بعد أن خرج عطقية التفت فيصل إلقي ولورم يفوح من نبرة صوته‪:‬‬

‫‪ -‬يبدو أقن تدليلك الزائاد له كما تقول أقمي قد جعله يتعقدى حدوده‪.‬‬

‫حاولت أن أبدو هإادئاة‪:‬‬

‫‪ -‬عطقية إنسان بسيط ل يعرف قواعد التيكيت‪.‬‬

‫‪ -‬يا سلم ‪ . . . .‬ماذا يعني أن يعطيك عمره؟؟‬

‫‪ -‬هإذا دليل محقبه ووفاء ‪ . .‬ل تنسى أقنني شقغلته وعقلمته وسازقوجه و‬
‫‪...‬‬

‫قاطعني محت قادا‪:‬‬

‫‪ -‬خلص ‪ . .‬خلص ‪ . .‬لم يبق إلق أن تعطيه أنت عمرك‪.‬‬

‫وجمت ‪ . . .‬ونظرة فيصل الغريبة تقتحم شعاب رأسي فخشيت أن‬


‫تلتقط أسرارهإا وتكتشف أحلم يقظتي العارية معه‪ .‬أزحت وجومي‬
‫سرياعا وقلت‪:‬‬

‫‪234‬‬
‫‪ -‬حين يتعقلم القيادة سيريحك من مشاوير كثيرة‪.‬‬

‫***‬

‫الليل الحنون بصمته يكرمني بموائاد الحلم العامرة بلذائاذ لقاءاتي‬


‫بعطقية‪ .‬ومنذ أن مرض أبي‪ ،‬تققلصت أحلمي الممتعة‪ ،‬ول زمتني‬
‫كوابيس مرعبة تفزعني من نومي وقد اكتسح الجفاف حلقي وكأقنني‬
‫ب من الماء ول أرتوي‪ ،‬وأبقى في‬ ‫عطشت أسابيع طويلة‪ ،‬فأظتل أيع ت‬
‫فراشي يقظانة كحشرة معوقة‪ .‬أستعيد أحلمي أحاول البحث عن‬
‫تفسير لها وفرك رموزهإا‪ ،‬وحين ل أمسك بخيط رفيع يشقدني‪ ،‬حيث‬
‫ل خوف ول تشاؤم‪ ،‬أقتكيئ على مقولة أقمي ))بتحلم لدارك بيصير‬
‫لجارك((‪ .‬لكقن الترقسبات الثقيلة تبقى جاثمة على صدري‪ ،‬تدفعني‬
‫أن أهإرع إلى أقمي في الصباح يأفرغ عندهإا شحنتي وأنتظر أن‬
‫تساعدني على طغطرف الموجع من تلك المخاوف‪ ،‬أقص عليها‪:‬‬

‫)البارحة رأيت نفسي أتجقول وحدي في حديقة مهجورة‪ ،‬أشجارهإا‬


‫صفراء ونباتها جاقفة‪ ،‬فجأة رأيت عائاشة‪ ،‬فيرطح ي‬
‫ت أركض إليها‬
‫لحضنها‪ ،‬لكقنها ابتعدت وهإي ترفع كقفها اليمتى أمام عينقي فلمحت‬
‫بإصبعها خاتم خطوبة يبرق برياقا مدهإاشا‪ ،‬أردت أن أمسك بع لكقنها‬
‫بسرعة فائاقة استقلت الخاتم وقذفته بعيادا‪ ،‬طارت عيناي خلف الخاتم‬
‫فرأيته يسقط في حفرة‪ .‬وسرعان ما انتشرت غربان سوداء تحمل‬
‫في مناقيرهإا حجارة كبيرة وتهيلها على الخاتم( أقمي قالت ))هإادي‬
‫بشارة بخطبة جديدة‪ ،‬راح تنقسيكي كل متاعب الماضي((‪.‬‬

‫‪235‬‬
‫وماذا عن هإذا الحلم يا أقمي؟ )رأيت أحد عصافيري القرب إلى‬
‫قلبي هإامادا في أرض القفص(‪ .‬قالت أقمي ))راح تشوفي بعد أقيام إن‬
‫عصفور من عصافيرك باضت((‪ .‬وأقما الحلم التالي الذي أخافني‬
‫أكثر )فقد رأيت نفسي أقوم من فراشي لفتح النافذة‪ ،‬وما كدت حتى‬
‫اندفع طائار أسود كبير‪ .‬أسقط من منقاره رسالة مطوقية وفدر هإارابا‬
‫فزعت من نومي قبل أن أفتح الرسالة( ‪ . .‬أقمي اخترعت تفسيارا‬
‫مضحاكا‪ ،‬قالت‪)) :‬هإذا الستاذ عطقية‪ ،‬بدو يجيب لك شهادة‬
‫الدكتوراه((‪.‬‬

‫كنت أصارحها بأقنني خائافة‪ .‬فتحاول أن تطمئنني ))وكنت أحاول‬


‫أن أصقدقها لرتاح ‪ . .‬لكقن الصفرة التي تغشى وجهها وارتجاف‬
‫شفتيها‪ ،‬ينبآن عن خوفها الذي تحاول أن تستره بضحكتها المفتعلة‪،‬‬
‫أقما أخي فيصل فحين أحكي له وأعقبر عن قلقي‪ ،‬يضحك ساخارا‬
‫مقني‪ :‬هإل يعقل أن نكون عبيادا لحلمنا؟ هإذه مجقرد أضغاث طعام‪،‬‬
‫ل تتعقشي في الليل‪ .‬لكقن الضغاث تتوالى ول يغيب عنها وجه‬
‫العجوز نايف ول وجه جواد‪ .‬هإذا يجلدني وهإذا يهقددني ‪ . .‬فأشعر‬
‫وكأقنني على حافة وضةع متآكل آيل للسقوط‪.‬‬

‫***‬

‫ت إيمان إلى شققتي لتصحبني بحسب اتفاقنا إلى محقل‬ ‫صعد ط‬


‫الحلويات والفطائار‪ .‬اليوم عيد ميلد أقمي وققررنا أن نفاجئها بحفلة‬
‫صغيرة‪ .‬كانت تستعجلني وأنا من يحقمى فرحي أرتبك‪ .‬فل أجد‬
‫ت منها‬‫محفظة نقودي فأفقتش عنها في الحقيبة التي نقل ي‬

‫‪236‬‬
‫ظارتي الشمسقية‪ ،‬تبحث معي‬ ‫أغراضي‪ .‬أجدهإا وأبدأ ألهث خلف ن ق‬
‫في الدراج وهإي تتأقفف ))إلبسي غيرهإا وخقلصيني((‪ ،‬فأصتر على‬
‫ذات الطار الحمر الذي يناسب لو بلوزتي‪ ،‬حين وجدتها شقدتني‬
‫من ذراعي نحو الباب وهإي تتذقمر )) هإقيا بسرعة قبل أن تققرري‬
‫البحث عن شيء آخر((‪ .‬وأنا أغلق باب القشقة بالمفتاح قلت لها‬
‫)) أريد كعكتين واحدة بالشيكولته التي تحقبها أمي وأخرى بالفانيل‬
‫التي يحقبها أبي((‪ .‬كان المفتاح يرتتج بيدي فسارعت تأخذه مقني‬
‫وتقفل الباب وهإي تقول ))حين نصل إلى المحقل تختارين ما‬
‫تشائاين‪ .‬أي ط‬
‫ف((‪.‬‬

‫ما كدنا ننحدر درجات قليلة حتى هإقزتنا صرخة أقمي الداوية كنقبلة‪.‬‬
‫ودبيك أقدام أولد أخي يهرع إلينا‪ .‬وجوهإهم المصفقرة تقابلنا ذاهإلة‬
‫دامعة ))جقدي ‪ . .‬جقدي((‪ .‬كالسيل المندفع وصلنا لنصطدم بصخرة‬
‫شقجت قلوبنا‪ .‬كان أبي ملقى على أرض الصالة بل حراك‪ .‬وأقمي‬
‫تشتد شعرهإا تنتف منه الخصلت وتنعب بالصراخ ))يا شحارك يا‬
‫زينب ‪ . .‬يا مصيبتك السودة ‪ . .‬راح الغالي راح عمري((‪.‬‬

‫يسقكان العمارة تهاطلو‪ .‬وعطقية يصرخ بالهاتف يطلب السعاف‬


‫ويطلب أخي وهإو ييطوطلتويل ))آآه يا عقمي ‪ . .‬آآه يا عقمي((‪ .‬وأنا أنوح‬
‫على جسد أبي الهامد وحزني مثل صخرة جبلقية تربض على‬
‫روحي‪.‬‬

‫حين وصل الطبيب لم يقم بأقية محاولة؛ فما أن وضع القسماعة على‬
‫ف أقنه مات‪.‬‬
‫صدره حتى أعلن بأس ة‬

‫‪237‬‬
‫أغمض نهار الفرح عينيه‪ ،‬أفلش العتمة‪ ،‬رحل أبي‪ .‬ترك البيت مثل‬
‫الجسد بل نبض ول رعشات‪ ،‬ترك أقمي تهوي في أودية الحزن‬
‫وأنهار الدموع‪ ،‬وتركني لمساحات الغد الغامضة‪.‬‬

‫يأتي نهار ويغيب نهار‪ ،‬وأضواء النهارات كلها تخبو خلف غللت‬
‫صمت‪ ،‬غارقة في كهولة‬ ‫الشبابيك المسدلة‪ .‬أقمي جاثمة في ال ق‬
‫ضروس تطحن بداخلها حتى غدت أشبه‬ ‫س بالتياعاتها ال ق‬
‫مفاجئة‪ .‬أح ق‬
‫بعدق ذاةو منسدل إلى الرض ل تحقركه نسمة ول تضتخ إليه الحياة‬
‫قطرة ماء‪ .‬غابت ضحكتها المعقرشة على وجهها‪ ،‬غاب يزهإيتو‬
‫العناب على وجنتيها‪ ،‬عافت أثوابها الزاهإية وتآلفت مع كآبة‬
‫السواد‪ ،‬تركت شعرهإا مرشواشا بالشيب بعدما كانت تحرص على‬
‫صبغه ما إن تطتل جذوره حتى ل يراه أبي‪ ،‬هإجرت مطبخها الذي‬
‫تعشقه وتتفقنن في موائاده‪ ،‬أدمن القهوةوالسيجارة التي كانت تكرهإها‬
‫وتمنعني عنها‪ ،‬عقرش الورق على لياليها وجفافها النوم إلق أوقات‬
‫قليلة تغفو فأسمع غطيطها وكأقنها سقطت في أعقار النوم‪ ،‬فأفرح‬
‫أقنها تجد فرصة لترتاح من عذابات الصحو والتفكير والبكاء‪ .‬لكقنها‬
‫سرعان ما تفزع وتصرخ ))شفته بمنامي‪ .‬أبوك كان بيناديني بقدو‬
‫إني أروح لعنده((‪.‬‬

‫ظقلت أمي تفقكر بالموت وتتمقناه‪ ،‬صار حلمها الوحيد الذي تتصقوره‬
‫سيجمعها بأبي لتواصل حياتها الخرى معه‪.‬‬

‫صبر معها ‪.‬‬‫صمت وال ق‬ ‫اليام والليالي تكتر وتفتر بأساهإا‪ .‬وأنا أتقاسم ال ق‬
‫‪ .‬نلتهم السجائار ونحتسي المزيد من القهوة التي تصقر أن تغليها‬
‫ليتها القديمة‪ .‬كانت أحياانا تواصل هإذياانا أبكم ل أكاد‬‫بغ ق‬

‫‪238‬‬
‫ألتقط معانيه‪ ،‬لكقنها تلك الليلة ونحن بالفراش أطلقت لسانها وكأقنها‬
‫تحقدث نفسها ))طلب فنجان شاي‪ ،‬رحت أعمله‪ ،‬كنت ماسكة‬
‫لية‪ ،‬سمعته يناديني مقرتين زينب ‪ . .‬يا زينب‪ ،‬رقديت عليه طقيب‬ ‫الغ ق‬
‫لية بإيدي وانكب الشاي‪.‬‬ ‫أنا جاقية‪ ،‬لكقنه صرخ‪ ،‬خفت‪ ،‬اهإتقزت الغ ق‬
‫ركضت لعنده لقيته واقف إيد على صدره وإيده الثانية ممددة مثل‬
‫كأقنه عم يطلب النجدة وقبل ما أوصل عنده كان وقع على الرض‬
‫متل ما شفتوا((‪ .‬أجهشت وهإي ترقدد ))يا ويلي عليك يا محسن‪.‬‬
‫ت(( طقوقتها بذراعقي‬‫يمكن لو كنت استعجلت ولقبيتك ما كنت يم ق‬
‫وأخذت أمسح دموعها وأرجوهإا‪:‬‬

‫‪ -‬يا ماما ل تحقملي نفسك ذنابا‪ .‬هإذا قدر ا‪.‬‬

‫أعطيتها حقبة الدواء المهقدئّ وأخذت أداعب شعرهإا حتى تسقرب‬


‫النعاس إلى جفنيها فالتويت على نفسي أفقكر بالذي قالته وأسأل‬
‫نفسي‪)) :‬هإل ح قاقا تأخرت أمي عليه أم هإو زيت عمره الذي نفد((؟‬

‫مضى شهر ونصف الشهر والبيت ل يفرغ من المعقزيات‬


‫والمواسيات‪ .‬كانت أقمي بحضورهإدن تخرج عن صمتها لكقنها ل‬
‫تتجقول في دروب الحاديث التي تسمعها بقدر ما تتحقدث عن‬
‫حياتها‪ ،‬وأوقاتها الدافئة مع أبي‪ ،‬وبعض ذكرياتهما الحلوة في حلب‬
‫ص بدموعها‬ ‫التي يسافران إليها كل صيف‪ .‬ثم يفاجئها النشيج وتيغ ت‬
‫وكأقنه مات للتقطو‪.‬‬

‫***‬

‫‪239‬‬
‫ظقلت أقيامي مجقزأة ما بين الحزن في شققة أقمي؛ والشوق إلى شققتي‬
‫التي هإجرتها إلق في بعض الساعات حين أصعد لتفققد عصافيري‪،‬‬
‫وأفتح الشبابيك ليتجقدد هإواء الغرف‪ .‬كان شوقي لسريري يدغدغني‬
‫ما بين ليلة وأخرى‪ ،‬فأحتن إلى أحلم يقظتي مع عطقية الذي صرت‬
‫ل‪ .‬تلك القليلة شعرت بحنين دافق بأن أتعانق بأثداء‬
‫ل أراه إلق قلي ا‬
‫الليل في غرفتي‪ ،‬ألتمس بعض الصفاء لروحي التي أركبها الحزن‪،‬‬
‫وبعض المتعة لجسدي الذي صام‪.‬‬
‫انتظرت حتى تسقرب النعاس إلى عينقي أقمي وغاصت في شخيرهإا‬
‫الهادئّ‪ .‬فتحت الباب بهدوء وخرجت‪ .‬ارتقيت الدرجات بخقفة‬
‫وشوق وكأقنني على موعد مع حبيب‪.‬‬

‫ض‬‫حين دخلتها فاح عطر روائاحها المخزون‪ .‬مزيج من دفء أر ة‬


‫ص تنقدى بماء يمطمقلح‪ ،‬وأنفاس شمس نسيت‬
‫محناةة بحيضها وح ي‬
‫غروبها ورحلت‪ ،‬وبحر تمادى بجزره فترك الصخور تفقس عطن‬
‫سراطينها الميتة‪ .‬كل هإذا المزيج لم يستطع أن يغقيب رائاحة أحلمي‬
‫الممتزجة برائاحة عطقية‪ .‬فمقسني كالنسمة ودفعتني إلى سريري‬
‫لبحث عنه‪ .‬حين اندسست في فراشي‪ .‬اكتشفت كم هإو ضيق‪،‬‬
‫وقارنته بسرير عطقية العريض‪ .‬تذقكرت لحظتها نصيحة أقمي‬
‫))هإاتي سريرك مجوز بكره بتتزوجي((‪ .‬أندم الن وأشعر أقنني‬
‫ب التي‬‫أحصر جسدي وجسد عطقية في مساحة ل تليق برياضة اليح ر‬
‫نمارسها‪ .‬تمقنيت لو كنت في سريره أتمقرغ عليه ل يسترني سوى‬
‫غطائاه الليلكي‪ .‬لكقنني هإنا وحدي‪ .‬أمضغ جوعي وأتلقمظ خمائار‬
‫صبري‪ .‬والصمت يفلش عقاربه الجائاعة فأسمع ))صأيها(( في‬
‫عقرب الساعة المعقلقة على الحائاط وصراخها يتضاعف ))تتطك ‪. .‬‬

‫‪240‬‬
‫تتطك ‪ . .‬تتطك(( فأحقسها مثل ملقط الشعر ينتف أعصابي‪ .‬قمت إليها‪،‬‬
‫نزعتها وألقيتها في قعر الخزانة وعدت إلى الفراش‪ ،‬أغمضت‬
‫عيني وبدأ خطو الليل يسوقني من حزن ليالطي الفاجعة إلى ربوات‬
‫الحلم وعطقية يسبح في ألقها الهادئّ‪ .‬حين أقبل أفست له أكوان‬
‫س وشوق‪ .‬بدأت دققات قلبي الكسلى تستفيق مثل‬ ‫روحي بحما ة‬
‫دفوفمقسها جمر متوقهإج‪ ،‬وعزمت خمائال جسدي الصامت فبدا ناعاما‬
‫كملمس شجرة يانعة‪ .‬يستعتد لمارده التي من قمقمه ليكون ملك‬
‫يديه‪ .‬هإا هإو عطقية يدنو إلقي ‪ . . .‬وصدره العريض أمامي مثل جقنة‬
‫تجذبني إلى ينابعها وجف غيمها‪ .‬هإو الصدر ذاته الذي تأقملته في‬
‫ذلك الحلم حين داهإمني العجوز وناداه لجلدني ))صدر بحشائاش‬
‫قليلة يربض عليه نهدان ممتلئان تتقوجهما حلمتان كبيرتان بحجم‬
‫حقبة العنب السود((‪ .‬اندفعت إليه التصق بالجقنة الفاردة شراعها‬
‫صان رأسي فأسمع دبيك‬ ‫وذراعاه كمجدافين حنونين يحيطانني وير ق‬
‫قلبه مثل هإرولة الموج في يوم عاصف‪ .‬كنت مثل عصفورة يطير‬
‫عقشها ويتعقلق بفروع شجرته الرطبة‪ .‬شهقت ولاها‪ ،‬بكيت فراحا‬
‫وشفتاه برققة تلعقان دموعي ولهاثي كصفير ناي مثقل بنغماته‪ .‬ظقل‬
‫ت عن‬ ‫للين يأزيح ط‬‫صااقكا علقي حتى أوصلني إلى السرير فانسدلنا كش ق‬
‫مصقبهما الحجارة‪ .‬استسلمت له بارتخاء لذيذ‪ .‬كان شعري الطويل‬
‫يموج على ذراعه‪ ،‬وشفتاه تطبقان على شفتي‪ ،‬وجسدي يدفأ ي بجسده‬
‫وأنا ألج بارتعاشاتي دهإليز المتعة ثم أنطستل منه كورقة نعناع‬
‫معصورة يفوح بلطيلها‪.‬‬

‫***‬

‫‪241‬‬
‫ب عطقية؟ هإل هإو اندفاع قلبي الذي تعقذبت حتى‬ ‫أي سير جعلني أح ت‬
‫تردممت أشلؤه بعد تجربتي الخائابة مع جواد؟ هإل هإي أقدارنا التي‬
‫يرسمها ا لنا فنمضي إليها مسقيرين؟ أم هإي فورة الجسد بعد‬
‫الصبر والحرمان؟ ‪ . . .‬أنا الن ملء وعيي واكتمال نضوجي‪،‬‬
‫لكقنني الرملة التي تصبح في مجتمعنا ))سكنطدهإاند(( ل تتوقع‬
‫عرياسا إلق أرمل أو مطلاقا أو متزقواجا راغابا في زواج ثان للمتعة‪.‬‬
‫ض يربطهم بأبناء ل تخلو قلوبهم من كراهإية‬ ‫كقلهم يأتون مثقلين بما ة‬
‫لزوجة الب‪ .‬لذلك لم أكن أهإو إلى الزواج أو التفكير بما يطلقون‬
‫ش الزوجقية((‪ ،‬ويصقورنه بأقنه العش السعيد‪ ،‬بينما هإو‬
‫عليه ))ع ق‬
‫ف عفريت‪.‬‬ ‫ش ييبنى على ك ق‬‫هإ ك‬

‫أقمي التي أنتهت عقدتها ونهضت من رماد حزنها‪ ،‬صارت تخرج‬


‫وتزور البيوت التي انقطعت عنها‪ ،‬وبدأت تجلب معها طلبات‬
‫الخاطبات وتحاصرني برغبتها‪:‬‬

‫‪)) -‬لزم تتزقوجي ‪ . .‬بقدي أفرح فيك((‪.‬‬

‫كنت أرفض‪ ،‬تارة باللين ‪ . .‬تارة بالغضب ‪ . .‬ومقرات بالرفض‬


‫الحاسم الذي يشعل فتائال ثورتها‪ .‬كان فيصل يؤازرهإا وإيمان التي‬
‫تشفق عليها تتوقسلني‪:‬‬

‫‪ -‬على الققل وافقة على نقابلة الخاطب وتعقرفي عليه‪.‬‬

‫‪ -‬يا إيمان أنا أصلا أرفض فكرة الزواج بهذه الطريقة‪.‬‬

‫‪ -‬وأ ق‬
‫ي طريقة تريدين؟‬

‫‪ -‬الحب ‪ . . .‬أريد أن يأح ق‬


‫ب وأتزقوج بالذي أحقبه‪.‬‬

‫‪242‬‬
‫تفقرست إيمان في وجهي بنظرات حنونة وكأقنها توقد لو تسألني‬
‫))هإل تعيشين حالة حب؟((‪ .‬فكدت في لحظة غاربة عن الوعي أن‬
‫ب عطقية((‪ ،‬لكقنني‬ ‫أنزع دروعي الواقية وأعترف لها ))نعم أح ق‬
‫سرعان ما تنقبهت وأدركت أقنني باعترافي سأبذر الريح في فمها‬
‫وأقنها ‪ -‬من هإولها – لن تتأقخر عن نفخها إلى أقمي وفيصل‪ ،‬عندهإا‬
‫ب رياحهم الساعرة‪ ،‬وجبروت قلوبهم التي لن‬ ‫سأكون وحدي في مه ر‬
‫ترحمني‪ ،‬ولن ترحم عطقية الذي خطوت إلى بحره بملء إرادتي‪.‬‬
‫حافية تلسعني حرارة الرمل وتمقزقني وتاوءات الحجارة‪ .‬لكقنني وأنا‬
‫س بشيء كالمسمار يثقب غلف عقلي‬ ‫في غمرة اندفاعي أح ت‬
‫ب ))آفة‬‫ويربكني‪ .‬فأدرك أقنها غريزة من الغرائاز المرتبطة بالح ق‬
‫الخوف(( التي تتسقلل مثل دودة جائاعة لتقتات من أعصاب المحقبين‪.‬‬
‫كانت الدودة في زحفها تشقدني إلى تجربتي مع جواد‪ ،‬فتأتي‬
‫صورته كأقنها تنذر بمصيبة جديدة‪ .‬لكقنني رغم زحف الدودة أتشبق ي‬
‫ث‬
‫ب جاماحا رغم‬ ‫بمشاعري تشتبث الغريق بققشة‪ ،‬وأترك لقلبي أن يطثت ط‬
‫يقيني أقنه سيواجه التعقثر والخيبة‪ .‬وقد تضيع السنوات كما ضاعت‬
‫وأنا متعقلقة بجواد حتى استطعت أن أنساه‪.‬‬

‫ي سبب أخترعه‪،‬‬ ‫لم أكتف بلقاء عطقية في العمل‪ ،‬ول في شققتي ل ق‬


‫ول في أحلم يقظتي التي أتققلب فيها على فراش ينفخ الصمت عليه‬
‫ويلهبه‪ .‬صرت أجريؤ وأدعوه إلى الغداء أو العشاء في المطاعم‬
‫الصغيرة البعيدة‪ .‬وفي مشاوير أخرى أغلبها إلى البحر الذي يثير‬
‫أحاسيسي الناعمة‪ .‬نفترش سقجادة صغيرة ونجلس عليها معانقين‬
‫مرايا الماء الزرق ونتمقشى حفاة على القرمل‬

‫‪243‬‬
‫المقلل‪ .‬استغرق عطقية ذات يوم في سهوة أثارت فضولي فسألته‪:‬‬

‫ب البحر يا عطقية؟‬
‫‪ -‬هإل تح ق‬

‫قال دون أن يلتف نحوي‪:‬‬

‫صة أقنك تحقبينه‪.‬‬


‫‪ -‬كثيارا ‪ . . .‬خا ق‬

‫ش على قلبي‪ ،‬ويؤقكد لي أقنه يحمل‬


‫أشعدني رقده‪ ،‬كان كاعلطر ير ت‬
‫في قلبه مشاعر ل تقتل عن مشاعري نحوه‪ .‬واصلت أسألتي‪:‬‬

‫‪ -‬هإل تتقن السباحة؟‬

‫استدار نحوي‪ .‬ابتسم ابتسامة هإازئاة وحزينة‪:‬‬

‫‪ -‬عقمي نايف لم يترك لي فرصة لتعقلم أ ق‬


‫ي شيء‪.‬‬

‫قلت وأنا أشير له إلى البحر‪:‬‬

‫‪ -‬بسيطة ‪ . . .‬تعقلم الن‪.‬‬

‫ضحك‪:‬‬

‫‪ -‬أخاف‪.‬‬

‫اندهإشت‪:‬‬

‫‪ -‬معقولة؟ أنت تخاف؟ لماذا؟‬

‫‪ -‬حين أنظر إلى البحر أتذقكر أحلمي‪ ،‬دائااما أحلم أقنني أغرق ول‬
‫تمتتد إلقى يد لتنقذني‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫‪ -‬حتى يدي؟‬

‫‪ -‬حتى يدك‪.‬‬

‫قالها بأسى وبنكهة من يلوم وأكمل‪:‬‬

‫ت أنت من تغرقين لفعلت المستحيل لنقذك‪ ،‬ربما عندهإا‬


‫‪ -‬لو كن ت‬
‫أتقن السباحة‪.‬‬

‫لسعني إحساس بالقصور والندم )مسكين يا عطقية‪ ،‬أنت من هإجمت‬


‫ت بي وأسقطت عقني أمتطي‬ ‫ذات حلم وانتشلتني من القبر‪ ،‬طر ط‬
‫وكفني ‪ . .‬وأنا أتخقلى عنك في أحلمك‪ .‬ل تهم الحلم يا عطقية فلن‬
‫أتخقلى عنك في الواقع ولو سدوروا المدينة كقلها من حولي بالسلك‬
‫الشائاكة وبالكلب البوليسقية وبالنار‪ .‬سأدافع عنك ‪ . .‬سأدافع عن‬
‫قلبي(‪.‬‬

‫تماديت في جرأتي بالقتراب من عطقية‪.‬صرت يأسقط الستائار‬


‫الحديدقية عن حبالها وأترك الهواء يطير بي باتجاه رفيق أحلمي‪.‬‬
‫ت علقي أحلم يقظتي‪.‬‬ ‫ذات ليلة شطد بقلبي الشوق إليه بعد أن ع ت‬
‫صي ط‬
‫تسقللت إلى شققته‪ ،‬طرقت الباب‪ ،‬حين رآني رفرف بالفرحة وانطلق‬
‫من عينيه سؤال حائار عن سبب مجيئي‪ .‬لم أفقكر بحياكة حقجة‬
‫ملئامة‪ .‬كنت مثل المسحورة تلقبي نداء ساحرهإا وتنتظر منه‬
‫السؤال‪ .‬فتلتمع عندهإا الجابة كالبرق الخاطف‪.‬‬
‫ت وشعوري أقنه التقط خبثي وفهمه‪:‬‬‫تخابث ي‬

‫‪245‬‬
‫‪ -‬جئت لرى إن كنت تهتم بنظافة شققتك‪.‬‬

‫أفسح لي لدخل‪ .‬دعاني إلى الجلوس‪ .‬أسرع إلى المطبخ وعاد‬


‫بكوب العصير‪ .‬قمت أتجقول في الركان مبدية إعجابي بنظافتها‬
‫وترتيبها‪ .‬وبدأ قلبي يخفق سرياعا وأنا أتقرب من غرفة نومه‪ .‬كدت‬
‫أتراجع لول أقنه سبقني وفتح الباب‪ .‬ما إن دخلت حتى فاحت علقي‬
‫تلك الرائاحة التي أشقمها في أحلمي معه‪ .‬هإل تراه يسرق أحلمي‬
‫أم أنا التي أسقربها إليه؟ وقفت أتأقمل السرير العريض‪ ،‬أتشقهى أن‬
‫أتمرغ عليه ليصير الحلم حقيقة‪ .‬كادت أوهإامي تنقسيني وجوده لول‬
‫أقنه تنحنح فتنقبهت وألويت أفتر إلى الصالة تاركة أحلمي وحدهإا‬
‫تتمقرغ على السرير‪.‬‬

‫جلسنا على الريكة‪ .‬مقرت ومضة صمت شفيفة قطعتها بسؤالي‬


‫المفاجئ‪:‬‬

‫‪ -‬أل تشعر بالوحدة يا عطقية؟‬

‫هإدز رأسه عقدة مقرات قبل أن يجيب‪:‬‬

‫‪ -‬أشعر ‪ . . .‬ولكن ماذا أفعل؟‬

‫‪ -‬خلص ‪ . .‬سأبحث لك عن العروس التي وعدتك بها‪.‬‬

‫انتفض‪:‬‬

‫‪ -‬ل ‪ . .‬ل أريد أن أتزقوج‪.‬‬

‫‪246‬‬
‫ن د‬
‫ط قلبي من فرحته‪ ،‬وألهبه الفضول لعرف الذي قد يشفي توققعي‪:‬‬

‫‪ -‬لماذا ‪ . .‬ألم تكن ترغب في ذلك؟‬

‫استدار برأسه ليداري عينيه‪:‬‬

‫‪ -‬لقنني اشترط أن تكون مثلك ول أظقنني سأجد‪.‬‬

‫حين لم أنبس؛ استدار إلقي ثانية وحقدق فقي بنظرات غريبة وهإويكاد‬
‫ضا‪ .‬هإل هإي نظرات‬ ‫يلتهم وجهي كقله‪ .‬أردت أن أصطاد س قارا غام ا‬
‫ب أم مجقرد إعجاب بامرأة جميلة تتنازل وتهبه لحظات أنس حين‬ ‫ح اق‬
‫ب واقافا‪ ،‬سأل‬
‫تدعوه أو تجلس معه! لكقنه سرق الفرصة مقني‪ ،‬هإ د‬
‫وهإو يطأميل أن أستجيب‪:‬‬

‫‪ -‬هإل أعتد عشااء خفيافا؟‬

‫أدركت أقنه يريد الهرب‪ .‬ساعدته ليخلع رداء حرجه‪ ،‬وافقت‪.‬‬


‫ورافقته إلى المطبخ‪ ،‬أخذت أراقبه وهإو يعتد الطباق ويزقينها‬
‫صها على شكل وردة‪ .‬أثار‬ ‫بأوراق البقدونس وبالطماطم التي ق ق‬
‫اهإتمامي‪:‬‬

‫‪ -‬أين تعقلمت كل هإذا؟‬

‫أسعده إعجابي فتباهإى‪:‬‬

‫‪ -‬من التلفزيون‪ .‬أحرص على مشاهإدة برامج الطبخ‪.‬‬

‫‪247‬‬
‫جلسنا ‪ . . .‬تلك هإي الطاولة التي أعدطدتها لشخصين مرصوصة‬
‫بالمشقهيات‪ ،‬وبكوبين من الشاي بالنعناع‪ .‬كانت الطاولة واحدة من‬
‫أحلمي‪ ،‬وكنت أتمقنى لو تجمعني معه صدفة على وجبة شهقية‬
‫ضا وهإو لذلك ل يريد أن تحتقلها امرأة غيري؟‬
‫كهذه‪ .‬هإل يتراه طحليطم أي ا‬
‫التهمت الطعام بتلقذةذ عجيب‪ .‬وكقلما كدت أنتهي كان يضيف المزيد‬
‫حتى منعته‪:‬‬

‫‪ -‬خلص ‪ . .‬صاير مثل أقمي تريد حشوي كالوقزة‪.‬‬

‫عدنا إلى الصالة‪ .‬جلسنا على الريكة ذاتها‪ .‬ظقل صاماتا‪.‬‬


‫تركته لحظات وإحساسي أقنه يتوه بأفكاةر متلطمة ‪ . .‬ثم بترت‬
‫الصمت‪:‬‬

‫‪ -‬بماذا تفقكر يا عطقية؟‬

‫اندفع وكأقن الكلمة كانت كالحصوة تستد حلقه فاراد قذفها‪:‬‬

‫‪ -‬بك ‪. . .‬‬

‫فاجأتني جرأته‪ .‬لكقني فرحت وقبضت على أجنحة قلبي خشية أن‬
‫يفضحني حفيف فرحها‪ .‬التجم لساني ومن طرف عيني لمحته‬
‫ض على شفته السفلى وكأقنه يعاني من ندم‪ .‬بدا متوتقارا وغاراقا في‬
‫يع ت‬
‫رهإبة من كسر جداارا محقراما وأفشى ما وراءه‪ .‬أشفقت عليه‪ ،‬مددت‬
‫كقفي‪ ،‬حضنت كقفه اليمنى فتفقشى عرقها إلى كقفي الباردة‪ ،‬كنت‬
‫أسمع نبض قلبه المتسارع‪, ،‬انفاسه التي تتلحق وكأقنه‬

‫‪248‬‬
‫يخوض سباق مسافات طويلة‪ .‬كنت مسحورة ‪ . .‬وفضولي الشفيف‬
‫يريد أن يصل بي إلى الحقيقة منه‪ ،‬هإمست وعيناي مسدلتان‪:‬‬

‫ي شكل تفقكر بي؟‬


‫‪ -‬بأ ق‬

‫‪ -‬سري ‪ . .‬د ‪ . .‬تي ز ‪ . .‬أن ‪ . .‬أنا ‪ . .‬أن ‪. .‬‬

‫رفعت عينقي إلى وجهه‪ ،‬تأقملته ‪ . .‬هإو وجهه منذ أن عرفته بلونه‪،‬‬
‫بتقاطيعه‪ ،‬لكن شيائا جديادا كان يموج عليه مثل غيمة بقلورقية تسمح‬
‫ب يتلل على سماء الوجه الداكن‪.‬‬ ‫لضوء خافت أن يبرز‪ .‬هإو الح ت‬
‫التصقت به وما تزال كقفي تحضن كقفه التي ازداد ارتعاشها‪.‬‬
‫وجدتني بشغف أحقثه‪:‬‬

‫‪ -‬قل يا عطقية ‪ . .‬ل تخف‪.‬‬

‫طه على ظهر الريكة خلفي‪ .‬أحسست‬ ‫رفع ذراعه اليسر‪ ،‬م د‬
‫بأطراف أصابعه تلمس شعري بحذر ليدو وكأقنه غير قاصد‪.‬‬
‫وكقفه المحروسة بكقفي تنستل لتسيطر على ذراعي‪ .‬وذقنه يسقط على‬
‫رأسي بحنان‪ .‬توقهإجت كقلي ولم أعد أطيق أن يكتم مشاعره‬
‫ورغبته! أقما رغبتي ‪ . .‬فقد كانت تؤقججها رائاحته التي تنثر بخار‬
‫رغيف مخبوز للتقو تملني نشوة وتوقظ سواكن أحلمي‪.‬‬

‫ت رأسي على خلقية صدره المائاجة بآلف السراب‬‫باندفاع أسقط ي‬


‫من النحل‪ .‬وهإمست له بأمري الرقيق‪:‬‬

‫‪ -‬ضقمني يا عطقية‪.‬‬

‫‪249‬‬
‫كأقنه كان بانتظار لحظة كهذه‪ .‬مثل تلميذ عاقبه أستاذه وسجنه في‬
‫الفصل أعوااما وما إن قيترطع له الجرس حتى انطلق باحاثا عن دفء‬
‫حررديته‪ .‬شقدني إليه بعنف الولهان‪ .‬أخذ يققبل شعري وكقفي الحارسة‬
‫كقفه‪ .‬تلطمت النار في جسدي وكأقنني في أحد أحلمي معه‪ .‬نسيت‬
‫من يكون ومن أكون‪ .‬ألقيت أردية الفوارق كقلها‪.‬‬
‫دسست شفتقي في عنقه أرتشف عرقه‪ .‬أعطيته الح د‬
‫ق أن يتحقرر من‬
‫خوفه وترقدده‪ .‬رفع وجهي إليه وحرارة جهه يتذي ي‬
‫ب الجليد وتكويني‬
‫والمسافة بيننا تضيق ‪ . . .‬وتضيق ‪ . .‬حتى لم يعد يفصل بين شفتينا‬
‫سوى بطلطلتيهما‪.‬‬

‫هإل جننت؟‬

‫أم تراني غيبت عقلي كما أغقيبه في أحلم يقظتي فكسرت كل‬
‫الحواجز‪ ،‬وجعلت خطوة عطقية التي كانت تعرف حدود بوصلتها‪،‬‬
‫تقطع به المسافات وتلقي به في خضرم بحري؟ هإا هإو قد اخترق‬
‫المواج الشاهإقة حتى وطئت قدماهإا الجزيرة المحقرمة ‪ . .‬وأنا التي‬
‫ساعدته وألقيت إليه بسترة النجاة‪.‬‬

‫انكمشت على الريكة وعشارت العواصف تحاصرني بالرمل ‪. .‬‬


‫بالنار ‪ . .‬بالثلج ‪ . .‬بالشوك ‪ . .‬بالصرخ الهادر يخترق كل خلياي‬
‫وأنسجتي الرقيقة‪ .‬ثم يمور صمت أخرس ل أسمع خلل ثقوبه غير‬
‫لهاث عطقية مثل صفير ريح سجينة‪ .‬كنت بدوري‬

‫‪250‬‬
‫ض على شفتيه بققوة‬ ‫أبتلع لهاثي وأرصد وجهه الراجف وهإو يع ت‬
‫كمن يعاقبهما على الجرم الذي اقترفتاه‪ .‬بينما خطوط دموعه تنساب‬
‫دامعة على وجنتيه‪ .‬أدركت الذي يعانيه عطقية‪ .‬شعور بالقهر‬
‫والخوف يلمسان روحه بأسياخ من نار‪ .‬فأنا سقيدته‪ ،‬ولقية نعمته‪،‬‬
‫ض سكون‬ ‫النجمة البعيدة في السماء السابعة‪ .‬يجدني أنحدر إليه أقي ت‬
‫ظلمته وأهإبه ما ل يجر{ حتى أن يحلم به‪ .‬لفحني ذلك التأنيب‬
‫الصارخ الذي يزعق داخله ويهتز عروش أمانه‪ .‬فهو ل يزال في‬
‫ق منذ أن‬‫س بداخله الحساس بالرر ر‬ ‫نظر نفسه ذلك العبد الذي تققو ط‬
‫س يصعب عليه أن يسقوي‬ ‫وعى وأقمه وأبوه عبدان لنايف‪ .‬تقتو ر‬
‫صنع من فولذ‪.‬‬ ‫انحناءاته وكأقنه ي‬

‫شعرت بفداحة الظلم والعذاب اللذين سقببتهما له حين أفشيت له‬


‫مشاعري‪ ،‬ودفعته للفصاح عن مشاعره بتلك الصورة التي قد‬
‫يخشى أن أعاقبه عليها حين أصحو من رعشتها وضبابها‪ .‬كان‬
‫ئّ روعه وأعيد إليه قواه المنهوبة وأمانه المسلوب‪.‬‬‫علقي أن يأهإقد ط‬
‫هإمست باسمه‪:‬‬

‫‪ -‬عطقية ‪. . .‬‬

‫لم يجب‪ ،‬طططرح راسه بين ذراعيه وترك لنشيجه الحرردية ليهدز صمت‬
‫المكان‪ .‬بينما عقلي حائار وغير قادر أن يبتكر طريقة مثلى تخقلصه‬
‫مقما وقرطته فيه‪ .‬لكن قلبي‪ ،‬الذي كنت متأكقكدة من عاطفته‪ ،‬ألدح علقي‬
‫ب اللم‪ .‬كان لبقد أن أفصح‬‫ألق أتركه في مه ق‬

‫‪251‬‬
‫له أقنني غير ناقمة ول غاضبة‪, ،‬اقنني أعرف مشاعره ومن حققه أن‬
‫يعقبر عنها‪ .‬دنوت منه فكان عصف جسده أن يبعثرني لول أن‬
‫تمقسكت بذراعه وشحنت صوتي بالققوة‪:‬‬

‫‪ -‬اهإدأ يا عطقية واسمعني‪.‬‬

‫حقرر رأسه من بين ذراعيه وحاول بصوت مرتجف أن يجمع‬


‫بعض كلمات‪:‬‬

‫‪ -‬سي ‪ . . .‬سقيدتي أنا ل ‪. . .‬‬

‫صرخت بغيظي‪:‬‬

‫‪ -‬أنا الن لست سقيدتك ‪ . . .‬هإل تفهم؟ لم تعد بيننا حواجز‪.‬‬

‫دفن وجهه في صدري ونشج بفرح معجون بالمرارة‪ ،‬بينما‬


‫أصابعي تنغمس في غابة شعره الجعد وتشتم من بصيلته رائاحة‬
‫حلم جديد‪.‬‬

‫***‬

‫ب كالثير إلى مسام الجدران الصلدة‪ ،‬لم يكن بحاجة أن‬ ‫فاح الح ت‬
‫ش بعض مذاقه على لسان إيمان ليصل إلى حواس الشرم عند أخي‬ ‫أر د‬
‫وأقمي‪ .‬بدأوا بنغزات كإبر النسولين الخفيفة‪ ،‬ثم بتلميحات ل يتفصح‬
‫س في طقياتها الشارات اللذعة‪ .‬هإل‬‫عن معانيها مباشرة لكقنها تد ت‬
‫كانا يقتقيان شقري أم كانا يتأقنيان حتى ييمسكا بشيةء ملموس‬
‫يواجهانني به؟‬

‫‪252‬‬
‫جاءت اللحظة ذات صدفة‪.‬‬

‫كان السانسير معطق ا‬


‫ل‪ .‬ماكدت تلك الليلة أتسقلل من شققة عطقية التي‬
‫اعتدت التلتذذ بأنفاس عشقياتها‪ ،‬حتى اصطادني أخي الصاعد‬
‫الدرجات‪ .‬تسقمرت خطوات كيل مقنا في مكانها‪ .‬بدا كالسد‬
‫الضروس وبدوت كافأرة المحشورة في المصيدة‪.‬‬
‫تحقركت وغالبت لتبدو خطوتي واثقة لكقنه أجهضها وأمسك بذراعي‬
‫يشتد عليها وأظافره كالنياب تغوص في لحمي‪ .‬كان يقفز بي‬
‫الدرجات إلى شققتي ويبيتج بققشة أسئلته الراشحة دهإشته رغم لهاثنا‬
‫من الصعود‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا كنت تفعلين عنده في مثل هإذه الساعة؟‬

‫أسعفتني فطنتي‪:‬‬

‫‪ -‬سقلمته أوراق معاملة لينجزهإا في الغد‪.‬‬

‫‪ -‬في آخر الليل؟ أل تنتظر أوراقك إلى الغد؟‬

‫‪ -‬عادا لن أذهإب إلى المكتب‪.‬‬

‫كان من الصعب أن أتمقلص من الموقف ومن أبخرة غضبه‪ .‬ما إن‬


‫فتحت باب الشققة حتى حذفني على أقول أريكة وصرخ‪:‬‬

‫‪ -‬حالا أريد أن أعرف الحقيقة‪.‬‬

‫‪ -‬أقية حقيقة؟‬

‫‪253‬‬
‫ضض على خقدي بكقفه المتحقفز‪:‬‬
‫ع ق‬

‫‪ -‬ماذا بينك وبين عطقية؟‬

‫حقررت كتلة خدي من قبضة كقفه‪:‬‬

‫‪ -‬ل شيء‪.‬‬

‫عوى كالذئاب‪:‬‬

‫‪ -‬كقذابه ‪ . .‬هإل تحسبينني وأقمك مغقفلين؟ تجاوزات أصبحت ل‬


‫تطاق‪.‬‬

‫أحسستني أنتفخ حقد التوقرم‪ .‬صرت كالبالون السميك‪ ،‬طاقتي على‬


‫احتمال انتفاخي ضعيفة‪ ،‬وعنق البالون يخنقني بعقدته فققررت أن‬
‫غ مخزونها‪:‬‬‫))أبيطد الجربة(( ويأفر ي‬

‫‪ -‬أنا وعطقية نح ق‬
‫ب بعضنا وسنتزقوج‪.‬‬

‫نزلت عليه الصاعقة نزول سيف باتر‪ ،‬شقجت ققمة رأسه فتطاير‬
‫الشرر‪ ،‬وتقاذفت الحمم‪ .‬هإجم علقي كوحش جائاع ل يمقيز من أين يبدأ‬
‫التهام فريسته‪ .‬أخضطع وجهي‪ ،‬صدري‪, ،‬اطرافي المرتعدة لخطبتط‬
‫لكماته‪ .‬كان ألم الصفعات كفيلا بأن يخرس هإدير التحقدي بداخلي‬
‫لكقنني ورغم احتكاره القوى للموقف‪ ،‬ققررت أن ل أضعف وأدافع‬
‫عن موقفي‪:‬‬

‫‪ -‬ليس من حققك أن تضربني ول أن تحجر على قلبي‪.‬‬

‫‪254‬‬
‫زعق كالمجنون‪:‬‬

‫‪ -‬وجع يوجع قلبك ‪ . .‬ألم يجد غير عطقية؟‬

‫قاومت زعيقه بزعقة أقوى‪:‬‬

‫‪ -‬أنا حقرة‪.‬‬

‫شدد شعري‪ ،‬رفع وجهطي المغدور‪ ،‬كدور بصقة في حلقه وقذفها بحجم‬
‫رصاصة‪ ،‬وبقرف من تسقط عيناه على سيول حشرة مفقوءة؛ نبس‬
‫بكلمة واحدة قبل أن يوليني ظهره ويخرج‪:‬‬

‫‪ -‬يا فاسقة‪.‬‬

‫فاحت رائاحة حريق هإائال‪ .‬وبدأ الدخان يفلش تكقوماته السوداء من‬
‫حولي‪ .‬كنت كمن أعوم في دائارة يحاصرني محيطها الضقيق‬
‫وحوافها التي نتأت كالزجاج المسقنن‪ .‬شعرت بأقنني إن بقيت فيها‬
‫اختنقت وإن حاولت الخروج منها تجقرحت‪ .‬وكانت السئلة داخل‬
‫رأسي مثل مبادر النار تثقب فيه من كل جانب ويتطاير ترابها‬
‫وحصاهإا ليضاعف هإول الدخان‪ .‬كنت كالعمياء أقف على أرض‬
‫أجهل خارطتها‪ .‬فل أدرك أين تكون الهقوة الحيقة لتحاشاهإا؛ وأين‬
‫ع أخير‬ ‫س نز ة‬
‫تكون بقعة المان للوذ إليها‪ .‬لم تكن حتى ثقمة أنفا ت‬
‫لشمعة يتيمة تضيء لي الطريق‪.‬‬

‫***‬

‫ارتميت على سريري عائامة في ناري‪ .‬عارية إل من رماد‬

‫‪255‬‬
‫حريقها ورائاحة شوائاي‪ .‬أبحث عن فروع طرقية أتعربش عليها‬
‫وأستظقل بين أوراقها‪ ،‬لعدل حفيفها ينفض عقني رمادي ويداوي‬
‫قروحي‪ .‬لكن تعبي لم يسمح لي حتى أن أستحضر وجه عطقية‬
‫ب عليه بأنيني وبمبارد رأسي التي تئتز‪.‬‬
‫وأط ت‬

‫هإل يباشر الزلزال هإقزاته العنيفة ليطيح بصرح الحب الذي اعتليته؟‬
‫كان كل شيء بداخلي ينطحني بقرونه ويؤرجحني في مه ق‬
‫ب‬
‫السئلة‪ :‬هإل سأقدر على الصمود في وجه العاصفة؟ هإل أمتلك‬
‫القدرة لسقوي اعوجاج قوس الواقع الثقيل الذي ييؤمن بالفوارق‬
‫وبالطبقات ويزطنجرني بقضبان التقاليد والصول؟ كان هإذا القوس‬
‫طم ويتهاوى في أحلم يقظتي التي يصير فيها عطقية سقيدي‬ ‫يتح ق‬
‫وحبيبي‪ ،‬أجثو على صدره أرنبة بردانة طامعة بالدفء والمان‬
‫والمتعة‪ .‬أنسى سواد جسده الذي كرهإته ليلة اقتحمني‪ ،‬أتآلف الن‬
‫ب الذي يحقرر الروح من عبودقيتها‬ ‫معه وأحقبه وأشتهيه‪ .‬وكأقن الح ق‬
‫ب فنتماهإى‬‫يحقرر الجساد من ألوانها‪ ،‬ويخلق ألواانا أخرى لمن نح ق‬
‫بها‪ .‬ماذا عن الواقع الن؟ هإل أستطيع تغيير ألوانه وكسر قضبانه‬
‫ضا يتربص بي‬ ‫لتسقرب منه فراشة حقرة؟ شعرت أقن مجهولا غام ا‬
‫فاتاحا شدقيه ليلتهمني دفعة واحدة‪ .‬أخذت حقبة منقوم وحاولت الفرار‬
‫من توققعات الغد الذي ينذر بعاصفة أخرى من أقمي‪.‬‬

‫***‬

‫نننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننننن‬
‫)‪ (1‬عنوان رواية الكاتبة الكبيرة هإدى بركات‪.‬‬

‫‪256‬‬
‫رغم أنه رنيرن خجول إلق أقنني توققعتها أقمي المطستأسدة لخوض‬
‫حرب معي‪ .‬لكقنني فوجئت بوجه عطقية يينبئ عن أرق وقلق‪.‬‬
‫أغلقت الباب ‪ . . .‬حضنته بكقل احتياجي إليه وبكيت على صدره‪.‬‬
‫ل أدري كم رقدت عليه بوجعي وتأقوهإاتي الجريحة وهإو يمسح بكقفه‬
‫ب بالخرىعلى ظهري مربراتا بحنان لم أشعره حتى‬ ‫على شعري‪ ،‬ويد ت‬
‫ض‬‫ضاعا كمن ير د‬‫ضطع ط‬
‫مع أقمي‪ .‬التصقت به أكثر‪ ،‬أحسست جسده يم ط‬
‫بالحجارة‪ .‬وفحولته خاملة‪ .‬لم أدرك سدر هإذا العطب المفاجئ إلق‬
‫حين قال‪:‬‬

‫‪ -‬أخوك فاجأني بعد خروجك‪.‬‬

‫ض جسدي ‪ . .‬شعر عطقية بأقنني سأتهاوى‪ .‬حملني بين ذراعيه‬ ‫اخت د‬


‫وأسندني على الريكة‪ .‬جلس أمامي‪ .‬التقطت عيناي أورااما متكقورة‬
‫ب عنق فضولي بعنقه مدفواعا باطشترطئاباب روحي‬
‫على وجهه‪ .‬اطشرأ د‬
‫التي هإلعت‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا فعل بك؟‬

‫‪ -‬أمرني أن أترك الشققة ول أطأ المكتب‪.‬‬

‫‪ -‬هإل وافقت وخضعت؟‬

‫أسقط نظرهي إلى الرض‪:‬‬

‫‪ -‬آسف يا نادية‪ .‬كان ل بقد أن أنقبهه‪ .‬قلت له سقيدتي وحدهإا من تملك‬


‫إصدار هإذا المر‪.‬‬

‫‪257‬‬
‫‪)) -‬برافو(( عطقية‪ .‬أظقنه خرج خائاابا‪.‬‬

‫‪ -‬ل ‪ . . .‬بل صرخ وقال ))تتحقداني يا حقير(( ورفع كقفه‪.‬‬


‫أسقطها حاقرة وصارخة على خقدي‪ .‬ثقم خرج وهإو يهقدد ))سنرى‬
‫أنا ‪ . .‬او أنت وسقيدتك((‪.‬‬

‫شعرت بحقد كبير على أخي‪ .‬تأقملت وجه عطقية المأزوم‪ .‬ماذا أفعل‬
‫ب‬‫لحميه وأططنأى عن ظلمهم؟ هإل أدعوه أن ينساني؟ كنت أطنح ي‬
‫بتوقسل موجوع‪)) :‬أطفئني من قلبك يا عطقية قبل أن تبتلعك النار ‪. .‬‬
‫‪ .‬ابتعد عن يطقمي‪ .‬ل تغقرقنك نعومة رمله ودفئه‪ .‬إقنه يغلي باللغام‪ .‬ما‬
‫إن تغوص فيه حتى يفيض ‪ . . .‬ستصير المدينة كقلها ))تسونامي((‬
‫جديدة تجرفك وتجرفني ‪ . .‬وتحقل دمك ودمي((‪.‬‬

‫ي أقنني لن أترك‬
‫لكقن التوقسل سرعان ما ذاب‪ ،‬وارتداني إصرار قو ر‬
‫عطقية يلقمة سهلة لمن يملكون شهوة الذى‪ .‬سأدافع عنه وعن حقبي‬
‫حتى الرمق الخير‪.‬‬

‫أيقظني عطقية من غيابي‪:‬‬

‫‪ -‬لم أنم البارحة‪ .‬توققعته بدأ معك واكتشف أمرنا‪.‬‬

‫لم أخجل ‪ . .‬صارحته‪:‬‬

‫‪ -‬ضربني‪ ،‬بصق في وجهي حين اعترفت له أقننا متحاقبان و ‪. . .‬‬


‫سنتزقوج‪.‬‬

‫فوجئ عطقية‪ .‬اقتسعت عيناه وكاد بؤبؤاهإما يقفزان من‬

‫‪258‬‬
‫محجريهما‪ .‬لم نكن قد طرحنا هإذا المشروع‪ .‬تصقورته سيفرح ‪. . .‬‬
‫سين ت‬
‫ط ليققبلني شاكارا ‪ . .‬لكقنه ظدل جامادا مبهواتا ساباحا في تيه‬
‫المفاجأة ‪ . .‬أيقظته‪:‬‬

‫‪ -‬ما بك يا عطقية؟‬

‫وقف‪ .‬شعرت بقامته تتضقخم وبصوته يحتتج بغضب‪:‬‬

‫‪ -‬لن أسمح أن تخسري أهإلك لجلي‪.‬‬

‫لم يعطيني الفرصة ي‬


‫لحاتجيجه‪ .‬ركض نحو الباب وفدر كمن يفتر من‬
‫حريق‪.‬‬

‫***‬

‫قبل الغداء واجهت عاصفة أقمي بعاصفة أشقد‪ .‬كنت انتظرررت أن‬
‫تطرق بابي‪ .‬وحين لم تفعل ترقجلت إلى شققتها‪ .‬لم أطططرق‬
‫ت قبل أن تسمع‬‫طرقاتي المعهودة التي حقبها‪ ،‬وحين فتحت أطلو ط‬
‫تحقيتي‪ .‬جلست والطعطكير يملي وجهها‪ .‬وأطلقت قذيفتها‪:‬‬

‫‪)) -‬أهإلا بالست عبلة العاشقة عنتر((‪.‬‬

‫لم أرد‪ .‬تركتها تغلي ‪ . .‬تبحث عن مدخةل تنفذ منه إلى حوار أرادت‬
‫له أن يكون صاخابا‪:‬‬

‫ك؟((‬
‫‪)) -‬مين بيعمل عملتك؟ مش عيب علي ت‬

‫ضغط ي‬
‫ت على أعصابي‪ .‬ققررت أن أجابهها بهدوء‪:‬‬

‫‪259‬‬
‫‪ -‬الحب مش عيب‪.‬‬

‫صرخت‪:‬‬

‫ص‪ .‬بنت أصول بتو ق‬


‫طي راسك لرأس عبد‪ .‬هإذا طمعان‬ ‫‪)) -‬حربك بيطر ط‬
‫ك((‪.‬‬
‫في ت‬

‫لم أحتمل اقتهامها‪ ،‬واستفاق ذلك الماضي الكريه أحسسته بحلقي‬


‫كلدزبد المتخقثر المعجون بالرمل‪:‬‬

‫ت أقنك أرغمتيني‬
‫ت‪ .‬أم هإل نسي ت‬‫ت التي طمع ت‬‫‪ -‬عطقية ل يطمع‪ .‬أن ت‬
‫ت ما قلته ))بكرا بيموت وترثيه((‪.‬‬ ‫على الزواج من نايف؟ نسي ت‬
‫ت على الرض بعينين‬ ‫ت بالمصاغات أمامكفهوي ت‬ ‫ت يوم ألقي ي‬
‫نسي ت‬
‫زابغتين تققلبين الثروة؟ وهإذه الشققة؟ وسقيارات المرسيدس الفخمة‬
‫التي أصررت أن أشتريها لبي وأخي؟‬
‫والهدايا التي أغدقتها عليك وغيرهإا التي تطلبينها لتهديها لمن‬
‫تشائاين؟ على القل عطقية لم يطلب أنا التي يأعطيه‪.‬‬

‫كنت أعصب بوجهها متخ ق‬


‫طية حدود اللياقة والدب‪ ،‬وخفض جناح‬
‫القذل وكأقنها شخص غريب عقني‪ ،‬بعيد عن قلبي وعقلي‪.‬‬

‫ت لساني توققعتها أن تواصل ثورتها وتندفع نحوي تلوي‬


‫حين أخرس ي‬
‫ب عليها ماء‬ ‫عنقي وتدوس عليه‪ ،‬لكقنها ظلت في موقعها كمن ي‬
‫ص د‬
‫حاقر‪ .‬تحقدق بي غير مصقدقة‪ .‬كانت غيوم داكنة تطوف على وجهها‬
‫المقروح بالدهإشة‪ .‬وجمار الحزن العاجز تطتل من‬

‫‪260‬‬
‫ت على الهإانة قامت متثاقلة تجتر جسادا من الصخر‪.‬‬ ‫عينيها‪ .‬تحامل ط‬
‫دخلت غرفتها‪ .‬أغلقت بابها‪ .‬فشعرت أقن الدنيا كقلها تغلق أبوابها في‬
‫وجهي وترقشني بغباةر أسود‪.‬‬

‫فررت إلى شققتي‪ .‬انطرحت على فراشي‪ .‬وانخرطت في بكاء‬


‫ساخن‪ .‬عرقي يتصقبب كالددم‪ .‬أطرافي من ارتجافها تكاد تتكقسر‪.‬‬
‫ت من نفسي وكرهإتها‪ .‬شعرتني ضئيلة بحجم فأرة مققيدة بحبال‬ ‫نفر ي‬
‫ف في رأسي مثل طابور‬ ‫صط ت‬ ‫من شوك‪ .‬والسئلة الدامية ت ط‬
‫ت بأقمي؟‬‫الكراسي‪ ،‬كل كرسيي يجلس عليه سؤال‪ :‬ماذا فعل ي‬
‫كيف جيرؤت على إهإانتها؟ كيف قذفت إلى سمعها مساميري‬
‫الملتهبة؟ ثدم كيف تركتها وحيدة تعاني من وجع كرامتها‬
‫المطعونة؟!‪.‬‬

‫ت جدرانها الصلبة باقتجاهإي وقبض ط‬


‫ت‬ ‫ي‪ .‬تحرك ط‬‫ضاقت الغرفة عل د‬
‫ي ويسحلني إلى هإوة‬‫صمت يدندن بلحن جنائاز ي‬ ‫الهواء عقني وال ق‬
‫سحيقة ل ألمح في جدرانها ثابا صغيارا لنفذ منه‪ .‬تحاملت على‬
‫نفسي‪ ،‬غسلت وجهي‪ ،‬ققررت أن أركض إلى أقمي أجثو أمامها‬
‫وأطلب السماح والمغفرة‪.‬‬

‫ت الباب لخرج ففاجئني وجه إيمان‪ .‬اندفعت إلى الداخل‬ ‫فتح ي‬


‫ي الخائارة أن تواجهها‪ .‬لمحت عينيها‬ ‫متوققعة ثورة ل تسمح قوا ط‬
‫ت سؤالها الغاضب‪:‬‬‫متوقرمتين وبقايا دموع محقونة تبقللهما‪ .‬أفلت ط‬

‫‪261‬‬
‫ت بأقمك؟‬
‫‪ -‬ماذا فعل ت‬

‫رغم يقيني بفظاعة ما فعلته‪ .‬فإقنني استقويت لدافع عن موقفي‪:‬‬

‫‪ -‬أقمي ل تريد أن تفهمني‪.‬‬

‫‪ -‬ومن تتصقورينه يفهم جنونك؟ أنا لم أصقدق حين أخبرني فيصل‪.‬‬

‫‪ -‬تصقدقين ماذا؟ هإل رآني أخرج من شققته عارية؟‬

‫‪ -‬أعوذ بال ‪ . . .‬لكقن المر غريب‪.‬‬

‫‪ -‬وما الغرابة أن أدخل شققته؟‬

‫احتقن وجهها‪:‬‬

‫‪ -‬أنت سقيدته‪ .‬تأمرينه فيصعد لييلقبي طلباتك‪.‬‬

‫هإزئات‪:‬‬

‫‪ -‬وما الفرق؟ هإنا نكون وحيدين كما نكون هإناك‪ .‬والشيطان ل‬


‫يختار أمكنته إن شاء أن يكون ثالثنا‪.‬‬

‫قبل أن تفتح شفتيها لتنطق ما ل أدريه‪ ،‬أطلقت صوتي بالتهديد‪:‬‬

‫ص ول أسمح لحد بالتدقخل فيه‪.‬‬


‫‪ -‬اسمعي يا إيمان‪ ،‬هإذا شأني الخا ق‬

‫واجهت غضبي بغضب مماثل‪:‬‬

‫‪262‬‬
‫صك وحدك‪ .‬وليس من حققك أن تقلبي الدنيا على‬
‫‪ -‬الشأن ل يخ ت‬
‫رؤوسنا‪ .‬هإل جننت لتتزقوجي من عبد؟ هإذا أمر عصكي على‬
‫الحتمال‪.‬‬

‫تحقديتها‪:‬‬

‫‪ -‬وأنا ل أستطبع أن أكون عصقية على قلبي‪.‬‬

‫صرخت وهإي تهقز ذراعها في وجهي‪:‬‬

‫‪ -‬هإناك تقاليد وعادات عليك اللتزام بها‪ .‬ماذا سيقول الناس؟‬

‫)هإو ذا السؤال الذي يقلقهم‪ ،‬ينفخون فيه حتى صار كالسهم النارقية‬
‫تطلق جعيرهإا لنخشى صواعقها‪ .‬يتحججون بالعادات والتقاليد التي‬
‫يرضعونها من أثداء المجتماعات المتخقلفة‪.‬‬
‫ويطعمون حليبها لعقول أجيال تتوارثها جهلا وخوافا‪ .‬لن أرضح‬
‫لهذا الرث الظالم‪ .‬ليصرخ العالم أو يحترق‪ .‬أنا سأعيش ولن أحرم‬
‫نفسي حققها من أجل ماذا سيقول الناس(‪.‬‬

‫التف ت‬
‫ت إلى إيمان‪:‬‬

‫‪ -‬اسمعي المفيد ‪ . . .‬لن أتنازل عن قراري ‪ . .‬افعلوا ما شئتم‪.‬‬

‫أغلقت باب الحوار‪ .‬انسقلت إيمان خائابة‪ ،‬وكنت أستش ت‬


‫ف هإسيس‬
‫أفكارهإا المشتعل وهإي تخرج من الباب‪.‬‬

‫***‬

‫لم أتوقع أن تأتيني أقمي‪ ،‬أنا النجمة التي جرحت سماءهإا؛‬

‫‪263‬‬
‫تأتيني السماء بجللها‪ .‬بدت في انكسارهإا ذليلة ما جعلني أحتقر‬
‫نفسي وأستصغرهإا‪ .‬لم أنتظر‪ .‬ارتميت على صدرهإا وأمطرت ندم‬
‫دموعي‪ .‬وهإي ترربت على ظهري بهدوء‪ .‬ورقرقة بكائاها مثل‬
‫قطرات الدم المعصورة‪ .‬كانت تبكي بحرقة تفوق حرقتها يوم وفاة‬
‫أبي‪ .‬وكان تأنيب ضميري مثل مكاوي النار القديمة‪ ،‬ل تكويني‬
‫لتشفي حروقي؛ بل لتزيد من الحروق وقطيء أورامها‪ .‬ما إن خرج‬
‫ت أقنها لم تأت بعاصفة‪:‬‬
‫صوتها من بئر قلبها حتى أدرك ي‬

‫‪)) -‬اسمعي يا نادية ‪ . .‬لقما فقد ي‬


‫ت أبوك كانت هإذه مشيئة ا‪.‬‬
‫س إقني راح أفقدك بمشيئة عنادك ويباس رأسك‪ .‬عارفة‬ ‫اليوم بح ق‬
‫ق‬
‫ت متل شو؟ متل اللي بدو يرمي حاله من رأس الجبل راح‬ ‫هإقلق أن ت‬
‫يتطقوح ويقع على رأسه‪ .‬أنا خايفة عليك تتدقمري من شان شي ما‬
‫بيستاهإل((‪.‬‬

‫فكك ي‬
‫ت عقدة لساني المربوط‪:‬‬

‫‪ -‬يا ماما هإذه حياتي ومستقبلي‪ ،‬وأنت تعرفين كم قاسي‪.‬‬

‫نفخت أقمي تستدتر صبرهإا‪:‬‬

‫ت رأسك‪ .‬يا بنتي أنا أقمك ‪ . .‬أريد‬


‫‪)) -‬وراح تقاسي أكثر لو ركب ت‬
‫مصلحتك لطو مهما قسين عليك أظقل أقمك‪ .‬بحلفك برحمة أبوك‪ ،‬ل‬
‫تكسري غصن عمرك وتكسري قلبي‪ .‬أنا مش راح أحتمل اليوم‬
‫اللي تتزقوجي فيه عطقية‪ .‬الموت أسهل علقي ‪ . .‬وا بنتحر((‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫التصقت بها ‪ . .‬تمقسكت بغصنها كق ق‬
‫طة تخشى النزلق‪ .‬ققبلتها‬
‫واستعطفت قلبها‪:‬‬

‫‪ -‬يا أقمي أنا أحقبه وأريده‪.‬‬

‫مسحت على رأسي‪:‬‬

‫ضيرب بالرض مقررة واحدة‪.‬‬ ‫ب متل الفاس‪ .‬ما بي ط‬


‫‪)) -‬يا بنتي الح ق‬
‫ت هإيك بتحقبي جواد وبعدين نسيتيه‪ .‬راح يجي يوم وتنسي‬‫زمان كن ت‬
‫عطقية‪ .‬والفاس راح تضل تضرب حتى تنفلح الرض منيح وتستقر‬
‫فيها البزرة الصالحة((‪.‬‬

‫من أين جاءت أقمي بهذه الفلسفة وهإذا التشبيه العجيب؟ هإل أبدعته‬
‫المصيبة التي حقلت على قلبها؛ أم هإو منطق القم الخائافة حقد الموت‬
‫على فلذة روحها؟ وجدتني أقف أمام منطقها مكتوفة العقل واللسان‪.‬‬
‫هإمدت كل حرائاقي ارتمين على صدرهإا وهإمست‪:‬‬

‫‪ -‬سامحيني يا أقمي لقد قسوت عليك‪.‬‬

‫لم تستنكف أقمي أن تقول‪:‬‬

‫‪)) -‬أنا اللي قسيت‪ .‬لقما راجعت نفسي؛ شفت مافي فايدة من القسوة‪.‬‬
‫هإقلق أنا بنصحك أنا بنصحك وأنت حقرة‪ .‬تاخدي بالنصيحة أو‬
‫تطيقشيها بالحيط‪ .‬لكن فقكري منيح قبل ما تتلفي حياتك وحياتنا((‪.‬‬

‫***‬

‫‪265‬‬
‫ب التفكير لواجه نفسي‪ .‬هإنا قلبي‬ ‫خرجت أقمي‪ ،‬وضعتني في مه ر‬
‫ب ويرفض أن أكون ضمن قطيع يخشى عواء الذئااب؛‬ ‫يزطأر باليح ر‬
‫وهإنا مجتمعي الذي سيوقجه نحوي أفواه المدافع وينصب لي‬
‫المشانق‪ .‬تطقوحت بحيرتي‪ .‬ل أريد أن تنضب روحي من سيول‬
‫ق بسيول قراري قلوبهم وقلب مدينة ل‬ ‫المل‪ ،‬ول أريد أن أيطغتر ط‬
‫تغفر‪)) ،‬فالسقيد سقيد والعبد عبد(( ول أحد يفهم أقننا كقلنا نصير عبادا‬
‫ب‪.‬‬‫ب حين نح ق‬ ‫للح ق‬

‫شعرت بحاجتي القصوى لعطقية‪ ،‬تصقورته متكقواما بجسده الطافح‬


‫بالسى‪ ،‬غاراقا في حيرته ليبحث عن مخارج ملئامة تقينا شدر أهإلي‬
‫والمجتمع‪ .‬رفعت سقماعة الهاتف وطلبت منه أن يأتي ليسعف‬
‫روحي‪.‬‬

‫حين دخل شعرت أقن رياحا تهب وتقصيني عنه‪ ،‬وحين أقترب‬
‫شعرت أقن الريح تقصيه عقني‪ .‬لكقننا بمهارة غالبنا ريحنا‪.‬‬
‫تحاضقنا ‪ . .‬تلثمنا ‪ . .‬واستقررنا على الريكة التي مكثت عليها‬
‫نصائاح أقمي‪ .‬كانت روحه متعقكرة‪ ،‬وعقله شارادا ل يثوب إلى‬
‫استقرار‪ ،‬والحزن يخترم قلبه كما يثقب قلبي‪ .‬أخرست نباح الصمت‬
‫بيننا‪:‬‬

‫‪ -‬ماذا سنفعل يا عطقية؟‬

‫تصقورتها اللحظة التي سينهض فيها عطقية من كهف عبودقيته ليرفع‬


‫سيفه ويذود عن قلبينا‪ .‬لكقن سيف لسانه الذي خرج من غمده جرح‬
‫سمعي‪:‬‬

‫‪266‬‬
‫‪ -‬ل يجب أن نحارب أهإلك‪.‬‬

‫أكمل السيف جرحه وانغرز في قلبي حين قال‪:‬‬

‫‪ -‬هإم أقوى مقنا‪.‬‬

‫انتفض الخوف بكقل جسدي‪:‬‬

‫‪ -‬هإل تتخقلى عقني يا عطقية وأنت مليك قلبي؟‬

‫رشح وجهه ذلقا وشققت هإمسته شغاف قلبي‪:‬‬

‫‪ -‬ل تهقمني نظرتهم ‪ . . .‬يهقمني أن ننتصر لحقبنا وحياتنا‪.‬‬

‫كنت كمن أذتر عليه فلسفة خائابة وهإو يعيش الواقع المرير بعقل‬
‫يفوق عقلي‪:‬‬

‫‪ -‬إن كنت تقدرين فأنا ل أقدر‪ .‬أنا الن في نظرهإم إنسان بشع‪ .‬كلب‬
‫ض اليد التي رعته وأطعمته وعقلمته‪.‬‬
‫يع ت‬

‫‪ -‬ل تستسلم وتكسر مجاذيفي‪.‬‬

‫‪ -‬نحن في مجتمع ل يرحم‪.‬‬

‫أحسسته عاجازا‪ ،‬مص قارا أن يلوذ إلى كهف الرق‪ ،‬يرفع راية‬
‫استسلمه‪ .‬كيف سأعقول عليه أن يرفع السيف ويصدد عقني كدرهإم‬
‫وفدرهإم؟ أين حقبه؟‬

‫‪267‬‬
‫بكيت‪:‬‬

‫‪ -‬أنت ل تحقبني‪.‬‬

‫ركض إلقي‪ ،‬أهإوى برأسه على ركبتقي يتوقسل‪:‬‬

‫‪ -‬أرجوك ل تقولي هإذا‪ .‬تعرفين كم أعبدك‪.‬‬

‫ب عليه غضبي‪:‬‬
‫شددته من شعره‪ ،‬ورفعت وجهه أص ت‬

‫‪ -‬إذن لماذا تتخقلى عني؟‬

‫‪ -‬افهميني ‪ . .‬سأسقبب لك التعاسة‪ ،‬أقمك ‪. . .‬‬

‫ابتلع الكلم‪ .‬حقدقت فيه بإصرار‪ .‬أردت أن أسبر أعماقه والوساوس‬


‫ت عنق كرامته‬ ‫تتناطح داخلي‪ :‬هإل اقتحمت أقمي بدورهإا شققته طولطو ط‬
‫وافترست بأنياب الكلم أحلمه؟ تفعلها أقمي التي تأبى أن يكون سقيد‬
‫ابنتها من كانت سقيدة له‪ .‬لم تقدر أن تواجه عنادي وققوتي‬
‫فاستضعفته‪ ،‬وأصقرت عليه أن يبادر ويبتعد عقني‪ ،‬ربما لهذا تنازلت‬
‫وجاءتني‪ .‬وبدت هإائاة لقنها طبخت طبختها مع أخي‪ .‬تركاني‬
‫واستلما عطقية‪ .‬أردت أن أتأقكد‪ ،‬شحنت صوتي بغيظي‪:‬‬

‫‪ -‬هإي أقمي إذن؟‬

‫أومأ باليجاب ‪ . .‬ثرت عليه‪ .‬طرحته بعيادا عن حضني وانتفضت‬


‫من أريكتي‪ .‬وقفت كالمدفع المعقببأت بالبارود‪:‬‬

‫‪268‬‬
‫أنت جبان ‪ . . .‬محارب متخاذل يهرب من أرض المعركة لينجو‬
‫ت كم تقول تعبدني لما تخقليت‬
‫بنفسه ويتركني فريسة لسيوفهم‪ .‬لو كن ط‬
‫عن ))إلهك((‪.‬‬

‫لم يرقد‪ .‬كان يتققبل ثورتي وعيناه تتسعان‪ ،‬تدوران في محجريهما‬


‫كأقنها تلمحان غدهإا الذي تبزغ فيه الدمعة‪ ،‬وتأفل منه الضحكة‪.‬‬
‫ت بواريدي‪ .‬أشفقت عليه من قسوتي‪ .‬لم أقو أن أراه أمامي‬ ‫صمت ط‬
‫مكسور النفس مقصوص الجناحين‪ .‬أسقطت رأسي بحضنه‪،‬‬
‫وكالكلب المين صرت أتتمقسح به وقلبي في داخلي يصرخ‬
‫ويتحقجج‪)) :‬لماذا خلقك ا عبادا وخلقني السقيدة؟ من أين آتي بشم ة‬
‫س‬
‫عادلة تشرق على السقيد والعبد دون أن يتفقرق وتظلم؟((‬

‫‪ -‬آآآه يا عطقية آآآ ‪ . . . .‬ل تذبحني‪.‬‬

‫تأقوهإت من بين دموعي وكقفه تحرث بشعري وكأقنها تتمقنى لو‬


‫تحرث الرض كقلها وتنبت بسارا لم يرضعو الرث والبشع وأفكاره‬
‫المعطوبة‪.‬‬

‫ب تزقفنا إلى جقنتها‪.‬‬


‫لم يكن لنا من خلص إلق أن نبحر في لحظة ح ق‬
‫استلقينا على السقجادة‪ .‬أخذ يلعق دموعي‪ ،‬وشفتاي تبحثان عن‬
‫مستقرهإما بين شفتيه‪ .‬تركت لجسدي حقرديته ليلتهب ويشتعل بالنار‪،‬‬
‫أردتها أن تصهر طوق الحديد الذي ظقل يحافظ على حدوده‪ .‬تمقنيته‬
‫يقتحمني‪ ،‬ييشققني كتلك الليلة الولى‪ .‬لكقنه‬

‫‪269‬‬
‫في اللحظة الحاسمة تماسك وتوققف‪ .‬واجهته بعينين ل تخلوان من‬
‫خوف وحذر‪ .‬كانت روحه تخوي من كل أحلمها وتتهاوى‪.‬‬

‫***‬

‫حرنت في شققتي‪ ،‬حجبت نفسي عن وجوه أهإلي العداااء‪.‬‬


‫انكفأت في صمت خاةو وظلمة ل أرى فيها غير زجه عععطقية‬
‫المتآلف مع سوادهإااا؛ يبزغ كشمس مهيضة الجناح‪ .‬أحاوره ‪. .‬‬
‫أشحنه بالتمقرد‪ ،‬بالققوة‪ ،‬أحقلفه بحقبي‪ ،‬أناشده ألق يتركني نعجة‬
‫ضعيفة يسهل ذبحي وسلخي‪ .‬لكقنه بعناد المجبور يواصل‬
‫استسلمه‪ ،‬فيشتتد عنادي وأصرخ‪)) :‬سأقاوم حتى آخر نفس((‪.‬‬

‫كانت ساعات الصمت صاخبة بأفكاري المتخقبطة‪ .‬وكانت أحلم‬


‫الليل ساحات حرب تعقج بكل أنواععع السلحة‪ ،‬تصولها علقي‬
‫ع‪ ،‬وأنا عزلء إلق من قلبي الذي يسكنه عطقية‪.‬‬ ‫طمطرطدةر وأفا ة‬
‫أجاهإد لللدددافع عنه وعقني‪ .‬أبحث عن مسارب لللفدر منها‬
‫وأرسو على شةط يقيني شدر الختناق‪ .‬ألج منعطفات خاوية إلق من‬
‫زئاير القريح‪ .‬ألمح نافذة يتيمة‪ .‬أكسر زجاجها فأرى وجوه صديقات‬
‫قديمات عشن حلت مشابهة ولم أعرف نهاياتهن‪ .‬قفز وجه صفاء‪.‬‬
‫تذقكرت الضقجة التي ثارت ضقدهإا حين تحقدت المجتمع وكسرت‬
‫ت أن أبحث‬ ‫قوالبه الجامدة‪ .‬انتصر ط‬
‫ت قلبها وتزقوجت سائاقها‪ .‬ققرر ي‬
‫عنها لعرف كيف تعيش حياتها‪ ،‬وهإل ظقلت فخورة بانتصارهإا‬
‫وكقونت أسرة سعيدة؟ الفضول الكبر كان أن أعرف إن‬

‫‪270‬‬
‫كانت الفروق تكقسرت بينها وبين زوجها أم لحقها شبح السقيد‬
‫والمسود‪.‬‬

‫في الصباح اتصلت لزميلة قديمة‪ ،‬أخذت منها رقم صفاء وعنوانها‬
‫وذهإبت إليها‪ .‬فوجئت بحال الشققة الضقيقة التي تسكنها‪.‬‬
‫وبأطفالها الربعة بملبسهم التي تبدو رخيصة الثمن‪ .‬توققعت أن‬
‫أرى تلك الصفاء المرأة النيقة الممشوقة التي يطفح الفرح والتفاؤل‬
‫على وجهها‪ .‬خاب ظقني‪ ،‬رأيت أمامي امرأة بدينة الجسد وقد جدب‬
‫اطزهإرار وجنتيها‪ .‬لم أرد أن أستبق الظقن‪ ،‬عقللت المر أقنها تتفانى‬
‫ت بنفسها عرض الحائاط‪.‬‬ ‫لبيتها وأولدهإا وضرب ط‬

‫ونحن نشرب العصير أبدت إعجابها بي‪:‬‬

‫‪ -‬ما زلت محتفظة بجمالك ورشاقتك‪.‬‬

‫وأنا أوشك على الرقد كانت تسبقني‪:‬‬

‫‪ -‬أكيد لم تتزقوجي بعد موت العجوز‪.‬‬

‫سقلمتني المفتاح لدخل‪:‬‬

‫‪ -‬وهإل كانت صورتي ستتغقير لو أقني تزوجت؟‬

‫أفلتت ضحكة كالنواح‪:‬‬

‫‪ -‬بس صورتك؟ ستتغقير روحك‪ ،‬وأحلمك‪ ،‬وكل حياتك‪.‬‬

‫‪271‬‬
‫‪ -‬يا لطيف ‪ . .‬ستجعلينني أخاف من الزواج‪.‬‬

‫بدا الجقد على وجهها‪ .‬رفعت بنانها كمن تحرذر‪:‬‬

‫ي زواج‪.‬‬
‫‪ -‬ليس أ ت‬

‫‪ -‬ماذا تعنين؟‬

‫‪ -‬أعني الزواج غير المتكافئ‪ .‬حين يتقم ضدد رغبة الهإل وتحقفظ‬
‫المجتمع‪.‬‬

‫‪ -‬إذا كان هإناك ح ق‬


‫ب فل شيء يهقم‪ .‬هإا انت مازلت تعيشين مع‬
‫الرجل الذي أحببته وتحقديت العالم لجله‪.‬‬

‫ت‪ ،‬برم ط‬
‫ت وجهها المهزوم‪:‬‬ ‫نفر ط‬

‫ب بل ‪ . .‬ب ق‬
‫طيخ((‪ ،‬ل نكتشف هإذا الهراء إلق‬ ‫‪)) -‬يا شيخة ‪ . .‬بل ح ق‬
‫بعد أن تقع الفاس بالرأس‪.‬‬

‫جدرت نهده حارقة وفاح أسى الدنيا من صوتها‪:‬‬

‫‪ -‬وأ ق‬
‫ي شقاء!‬

‫تركتها تسرد وعقلي ل يقوى على التصديق‪:‬‬

‫‪) -‬مصيبة حين يصبح الخادم سيقادا‪ .‬سوف يثأر لنفسه من الليلة‬

‫‪272‬‬
‫ض شحمة‬ ‫ب كان يع ت‬ ‫الولى‪ .‬تصقوري بدل أن يهمس بكلمات الح ق‬
‫أذني وينفخ فيها‪ :‬قولي يا سقيدي ‪ . .‬يا أميري ‪ . .‬وبعد أن كان‬
‫يركض ليلقبي أوامري؛ جعلني أنا التي أزحف للقبيه‪ .‬مقرة قذف‬
‫ت تقذفينه بوجهي‪ .‬أشكال النتقام‬ ‫مفتاح السقيارة وقال تذقكري كم كن ت‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫ق‬
‫أجبرني أن أنحني عند قدميه لدلكهما كل ليلة قبل أن ينام‪ ،‬كنت ألم‬
‫نظرات التشقفي في عينيه وهإو يراني ذليلة ول أقوى على‬
‫العتراض‪ .‬لن أخجل منك يا نادية‪ .‬ذات ليلة ونحن في لحظة‬
‫انسجام اعتليته بشوقي فثار وحذفني عنه مبقدادا شوقي بإهإانته‪ :‬انا‬
‫السقيد أنا ال ))فوق(( وأنت ال ))تحت((‪ ،‬عداك عقما فعله بأموالي‪،‬‬
‫وأنا الن ل أملك إلق ما يتصقدق به علقي‪ ،‬أجبرني أن أعطيه وكالة‬
‫عاقمة‪ ،‬باع كل ما أملك هإنا واشترى في بلده العمارات وفيلق لهإله‬
‫أحتل فيها كالغريبة ضيفة عليهم‪ .‬هإذا الذقل يهون أمام ذقل الروح‬
‫وجرح الكرامة بأشكال متعقددة‪ .‬ل تتصقوري كم يكون الحساس‬
‫بالدونقية باذاخا في تطقرفه‪ .‬فما إن تتسقنى الفرصة لصاحبه حتى‬
‫يستبدد لينتقم‪ .‬ل تطاق الحياة مع رجل كن ت‬
‫ت يواما سقيدته(‪.‬‬

‫‪ -‬وما الذي يجبرك على البقاء معه؟‬

‫‪ -‬سببان كلهإما أططمتر من الخر‪ .‬أقولا الولد‪ ،‬هإم من يكسرون‬


‫الرأس‪ .‬غادا عندما تصبحين أ قاما ستعرفين كم ستضقحين وتصبرين‪.‬‬
‫وثانايا الخوف من شماتة الهإل والمجتمع‪ ،‬فالهإل ل‬

‫‪273‬‬
‫ينسون الهإانة التي نرشقهم بها‪ .‬يظقلون بانتظار لحظة هإزيمتنا‬
‫ليرقصو شماته وطرابا‪ .‬أقما المجتمع؛ فإقن فشلنا سيكون بمثابة‬
‫الوثيقة والحقجة التي يضربون بها المثل لكرل من تحاول الخروج من‬
‫عباءة العادات والتقاليد‪.‬‬

‫طع قلبي وشعرت يذقلها يفتح قنوات من الجروح في‬‫حزنت‪ .‬تق ق‬


‫روحي‪ .‬هإمست كأقني أكقلم نفسي‪:‬‬

‫‪ -‬ظننتك حقققت انتصاارا‪.‬‬

‫‪ -‬نحن هإكذا نتلقذذ بانتصاراتنا ‪ . .‬لكقننا ل ندرك أقنها غير مكتملة‬


‫الرشاد إلق حين نقع في الهاوية‪ .‬القصص كثيرة‪ ،‬عقمطن أحقدثك؟ هإل‬
‫تذكرين بهقية؟‬

‫فركت جبهتي‪:‬‬

‫‪ -‬آه تلك الجميلة التي كقنا نغار من اهإتمام الساتذة بها ونحن في‬
‫الجامعة‪.‬‬

‫ضا تعيش تعاستها‪ .‬تزقوجت لبنان قايا من غير مذهإبها‪ ،‬حقرم‬‫‪ -‬هإذه أي ا‬
‫عليها أن تزور أهإلها‪ .‬حتى التلفزيون حقرم عليها أن تفتح قناة‬
‫الكويت‪ .‬كتبت لي رسالة واحدة من عشر صفحات حكت فيها‬
‫عذابها وذقلها‪ .‬تصقوري تلك التي كانت ل تلبس الفستان أقل من‬
‫ثلثمائاة دينار صارت تشتري ملبسها من ))البالة((‪ .‬استولى على‬
‫أموالها ليسدد بها عقدة فقره‪ .‬ل يلبس إلق الماركات العالمقية‬

‫‪274‬‬
‫الغالية‪ .‬وآمال المسيحقية‪ .‬هإل تذكرينها؟ عصت أهإلها وتزقوجت‬
‫ت عليه طقلقها وحرمها‬
‫كويت قايا أذاقها الويل‪ .‬تزقوج عليها وحين طعتط ط‬
‫حتى من رؤية أولدهإا‪ .‬رجال قساة كلهم ))أولد كلب((‪.‬‬

‫عارضتها‪:‬‬

‫‪ -‬كل قاعدة ولها شواقذهإا‪.‬‬

‫‪ -‬شواذ نادرون‪ .‬سلمى مثلا مازالت تعيش سعيدة مع زوجها‬


‫الفلسطيني‪ .‬لو ترين كيف يحترمها وحوفها ويخاف عليها حتى من‬
‫الطيور الطايرة وأهإلها من عارضو زواجها يحقبوننه الن وهإم‬
‫كالسمن على العسل‪.‬‬

‫***‬

‫خرجت من بيتها محتشدة بالخوف والقلق‪ .‬هإل يمكن أن يكون عطقية‬


‫ب من الرحمة إلى‬ ‫مث الذين سمعت عنهم؟ هإل يمكن أن يتحقول الح ق‬
‫النتقام؟ من الرأفة بالمشاعر إلى سحق الكرامة بالقدام؟ من أين‬
‫تأتي الققوة؟ من السيادة الطارئاة أم من قلوب تزريف مشاعرهإا‬
‫وتخدع؟ من ذكاةء شقريةر يمتلكه الرجل؛ أم من غباء النساء‬
‫المفرطات بالعلن عن عواطفهدن حد الستهانة بها؟‬
‫أل توجد نساء قادرات على خلق التوازن بين العاطفة والكرامة؟‬

‫رغم الذي سمعته وأسائاني؛ ققررت ألق أتأقثر به‪ .‬فكل إنسان له‬
‫صة‪ ،‬وأنا من حققي أن أخوض تجربتي وأعيشها‪.‬‬ ‫تجربته الخا ق‬
‫ط‬
‫وسواء تمقتعت بغديرهإا أو غرقت في أطستنها؛ فأنا المسؤولة في‬

‫‪275‬‬
‫الحالين‪ ،‬وسأعتبره قدري الذي أنا مسقيرة إليه‪ .‬لن أسمح لوحشقية‬
‫الشكوك أن تفترس ثقتي بعطقية الذي عرفت وفاءه وأمانته لمجقرد‬
‫أن سمعت تلك الحكايات التي هإرشت بأعصابي وكادت تققريح‬
‫أفكاري‪.‬‬

‫تمسكت بقراري أن أقاوم حتى آخر نفس‪ .‬لكن سؤالا فاض‬


‫كالطوفان وأغرقني‪ :‬هإل سيصمد عطقية مثلي ويقاوم أم سيرضخ‬
‫لفروضات أهإلي عليه؟ لم يكن قد حقدثني بالتفاصيل عن الوسائال‬
‫التي استخدموهإا معه حتى اتخذ موقفه وقال ))ل يجب أن نحارب‬
‫أهإلك((‪ .‬لكقنني واثقة أقنهم لم يلجأوا لعصا الشقدة فهو ليس عرب قايا‬
‫وافادا ليهقددوه بالتسفير من البلد‪ ،‬وليس من ))البدون(( ليدقبروا له‬
‫مكيدة تؤقدي به إلى السجن مقتهاما بريائا‪ .‬عطقية كويتكي وإن كان في‬
‫نظرهإم عبادا ابن عبد‪ .‬ل بد أقنهم استخدمو معه سياسة استنهاض‬
‫الشهامة والمروءة ليحميهممن كلم الناس مستغقلين طيبة قلبه‪ ،‬ونبل‬
‫أخلقه‪ ،‬وحقبه لي‪ .‬وأكيد أقن أقمي بكت وتوقسلته وربما تنازلت عن‬
‫ترقفعها فققبلت يديه ليرفض قراري‪.‬‬

‫آآآآه يا عطقية ‪ . . .‬هإل أصقدق أنك ستنحاز لهإلي! وأقنك ستلملم‬


‫كسور قلبهم وتكسر قلبي؟ حين دخلت المصعد وقفت متذبذبة‪،‬‬
‫جسدي يضطرب‪ ،‬وعقلي يترقدد بين اختيار الرقم‪ ،‬هإل أدوس على‬
‫ق باب شققته لتخقلص من احتشادي‬ ‫الرقم واحد أم الرقم ستة؟ هإل أد ق‬
‫بحكايات صفاء؛ أم أفتح باب شققتي وأرتمي بأثقالي على سريري‬
‫إلى أن أتخقفف منها ثم أقصده؟ كان‬

‫‪276‬‬
‫قلبي يحتقن بدموعه ووجعه المكتوم‪ .‬ويطوف ما بين أنس المس‬
‫ب‪ ،‬وبين الواقع التي تتفقشى‬
‫بلياليه وأقيامه ونحن نعيش متعة الح ق‬
‫ظلمته في الفق وتنذر بسي جارف يذوب معه رنين أحلمنا‪.‬‬

‫وجدت اصبعي مترنقاحا ينساق إلى القرقم واحد ويضغط عليه‬


‫ليرفعني إلى شققة عطقية‪ ،‬وبقدر ما كنت مثقلة بهمومي؛ كنت ممتلئة‬
‫ب بين ذراعي عطقية قادرة أن تزيح‬
‫بالوله‪ .‬فوحدهإا لحظة الح ق‬
‫حوافر الخوف الثقيلة التي ترقص على جسدي الشبه بالجقثة‬
‫الفارغة‪.‬‬

‫فتح الباب‪ ،‬حين رآني اضطرب واقشعدر وجهه‪ .‬أخرج نصف جسده‬
‫وهإو يضقيق من فتحة الباب‪ .‬بنظرتي المتذقمرة وصوتي المنزعج‪:‬‬

‫‪ -‬هإل ستمنعني من الدخول؟‬

‫حاول التن ق‬
‫صل واعتذر‪:‬‬

‫‪ -‬حال الشققة مقلوب ‪ . .‬كنت أن ق‬


‫ظفها‪.‬‬

‫شعرت به يكذب‪ ،‬دفعته‪ ،‬أشرعت الباب ودخلت‪ ،‬كانت الشققة‬


‫مستققرة ومرقتبة‪ .‬ولم يكن من جديد فيها غير تلك الحقائاب الكثيرة‬
‫ت برق روحي‪:‬‬ ‫المرصوصة على الرض‪ .‬صفعني المنظر وأطخفط ط‬

‫‪ -‬ما هإذا يا عطقية؟‬

‫‪277‬‬
‫تسقكع لسانه في حلقه قبل أن ينطق‪:‬‬

‫‪ -‬كما ترين ‪ . . .‬ققررت الرحيل؟‬

‫زعقت بملء هإزيمتي‪:‬‬

‫‪ -‬إلى أين؟‬

‫‪ -‬أرض ا واسعة‪.‬‬

‫صرخت كأقني رأيت قبري يفتح أمامي‪:‬‬

‫‪ -‬أرض ل أكون فيها لن تكون واسعة؟ بل ستكون قبارا لقلبك‬


‫ومقبرة لحلمك‪.‬‬

‫اندفعت عليه بصراخي ودموعي أتوقسله‪ ،‬أستعطفه‪ ،‬أحقلفه ألق‬


‫ي بريد يشفي غوائال‬‫طف عل د‬ ‫يتسقرع ول يرضخ‪ .‬انتظرت أن يتع ق‬
‫لحظتي‪ .‬لكقنه بضعف وانكسار هإمس‪:‬‬

‫‪ -‬ل أملك ما أدافع به عنك وعقني ‪ . .‬ل بدد أن أرحل‪.‬‬

‫قلت بإصرار‪:‬‬

‫‪ -‬سأرحل معك‪ .‬سنترك البلد لهم‪ .‬وستفتح المدن الحانية أذرعها‬


‫وشطوطها لنا‪.‬‬

‫برم جسده عقني وانخرط بنشيج لم أحتمل حرقته‪ .‬التصقت بظهره‬


‫ي‪ ،‬نشجت داما‪ ،‬وتجقشأت آهإات قلبي كقلها‬
‫حاوطت خصره بذراع د‬
‫وندائاي‪:‬‬

‫‪278‬‬
‫‪ -‬ارحمني ‪ . . .‬ارحمني ‪. . .‬‬

‫استدار نحوي‪ ،‬سمعت نحيبه الخافت وهإو يستعطفني‪:‬‬

‫‪ -‬ارحميني أنت ‪ . .‬أنا لجلك سأتركك‪.‬‬

‫متلعثمه بين اله واله توقسلت‪:‬‬

‫‪ -‬ل تذبح قلبي ‪ . .‬ل تحرقني ‪ . .‬ل ‪ . .‬ل ‪ . .‬ل ‪. . .‬‬

‫ت نفسي من بين يديه‪ ،‬كانت رئاات الريح تنفث يسدلها وزعافها‬ ‫أفل ت‬
‫وتدفعني نحو الحقائاب المتراكمة‪ .‬أخذت أبقيير بطونها‪ ،‬أستخرج‬
‫محتوياتها وأبعثرهإا في كل اتجاه وأنا أصرخ‪ ،‬أيطعتويل‪ ،‬أرتمي على‬
‫صدرة مقرة‪ ،‬وتحت قدميه مقرة أخرى‪ ،‬مثل فراشة هإقشة تحاصرهإا‬
‫النار وتبحث عن الخلص‪ .‬وكان كالله الحائار يحاول أن يلملم‬
‫فتاتي ويعيد إلى أجنحتي ألوانها الغاربة‪ ،‬ولروحي نبضها‪ .‬حمل‬
‫جسدي المتهالك وركض بي إلى غرفة نومه‪ ،‬مقددني على السرير‬
‫وغاب‪ .‬شعرتني أنام على وسائاد من عشب الجقنة‪.‬‬
‫آآآه كم تمقنيت أن أتمقرغ على هإذا السرير الذي اخترته بنفسي‬
‫وفرشت عليه الغطاء الليلكي‪.‬‬

‫عاد وهإو يحمل قارورة الماء‪ .‬سقاني رشفة ماء ومسح برشفة‬
‫أخرى وجهي المعقفر بذرل دموعي‪ .‬جلس بقربي على الرض‪ ،‬اطتكى‬
‫رأسه على ذراعطي الممدود وكقفه ترعى سهول وجهي المقفرة من‬
‫خضرتها‪ .‬تركني أتنقشق حثالة أساي؛ ثم اقترب بشفتيه يبقلل‬

‫‪279‬‬
‫جفاف شفتدي ويرسم عليها خرائاط حزنه وعشقه‪ ،‬ل ينبس بكلمة أو‬
‫بوعد‪ ،‬حتى ولو كان بهشاشة رغوة الصابون‪ ،‬بأقنه سيتراجع عن‬
‫قراره‪.‬‬

‫طوانا صمت جا ق‬
‫ف كامتداد الصحراء اللفحة‪ .‬تيقبست في ثنايا‬
‫حنجرتان وفحت أرواحنا بانتكاساتها‪ .‬كنت في سعيري أنتظر منه‬
‫كلمة واحدة ))سأبقى(( ‪ . .‬لكقنه حين سيطر على دقفه صوته قال‪:‬‬

‫‪ -‬تصعدين الن إلى شققتك والصباح رباح‪.‬‬

‫هإل ييطؤقملني لستكين ثم يغافلني ويفقر قبل أن يأتي ))رباح‬


‫الصباح((؟‬

‫أردت أن أجد له أم ا‬
‫ل‪:‬‬

‫‪ -‬غادا سأجعل أقمي وأخي يرضخان لقراري‪ .‬لن أقبل باندحارك يا‬
‫عطقية‪.‬‬

‫لم ينطق وكأقن لسانه فقد مذاق الكلم‪ .‬تحاملت على نفسي‪ ،‬مشيت‬
‫إلى الباب‪ ،‬كنت في طريقي أدوس كل أشيائاه المبعثرةوأوتد لو ينفتح‬
‫لها قبر ويبتلعها‪ .‬قبل أن أفتح الباب غرست شفتقي في فلقتي شفتيه‪،‬‬
‫أحسست ريقه م قارا رغم رائاحة الدارسين التي تنبعث من ثغره‪.‬‬
‫هإمست في أذنه‪:‬‬

‫‪ -‬سأتركك لتفقكر‪.‬‬

‫حين فتحت الباب شعرت به ضيقاقا ل يكاد يتسع لطرف من‬

‫‪280‬‬
‫إصبع‪ ،‬لكقنني انسللت منه مثل دودة تنستل من شقوق أبواب قديمة‪.‬‬

‫***‬

‫رائاحة عطقية معي‪ .‬مستقربه بكل نقطة في دمي‪ .‬ورائاحته في شققتي‬


‫راقدة على كل بلطة وأريكة‪ .‬متعقلقة بكقل الضواء‪ ،‬واللوحات‪،‬‬
‫وأغصان النباتات‪ ،‬وأقفاص العصافير‪ .‬أموج في الرائاحة وتموج‬
‫بي‪ .‬تصاحبني حتى سريري الذي رسمت وجهه على وسائاده‪ .‬كنت‬
‫ف عليه‬ ‫أحاول أن أضدم ولو ريشة من رياش المل إلى قلبي لته د‬
‫كمروحة وتزيح قطرات يأسه‪.‬‬

‫انطرحت على الفراش ورعود جسدي تثير برودة ل تستطيع ضآلة‬


‫لحافي أن تخرسها‪ .‬أتكرمش على نفسي أبحث عن شعلة تائاهة من‬
‫جليد جسدي لعلها يتدقفئني فأدخل جقنة الموت‪ ،‬لكن آلة رأسي وحفيف‬
‫ي شعلة تجريؤ وتدنو مقني‪.‬‬
‫أفكارهإا الثائارة ييطفئان رأس أ ق‬

‫صة سؤال واحد يلوط بعقلي‪:‬‬‫كان من بين أتربة الخيالت المرا ق‬


‫))هإل يجحد عطقية حقبي ويتركني؟((‪ .‬لدغني السؤال المجنون‬
‫فققررت أ ق‬
‫ل أفارقه هإذه الليلة‪ ،‬فل طاقة لي على احتمال أن يفعل‪،‬‬
‫وسأنقييم على هإذا الليل لو تسقتر على خطوته وساعده على الهرب‪.‬‬
‫رفعت سقماعة الهاتف‪ .‬جائاني صوته كالصدى المستسلم لسياط‬
‫الفراغات الشاسعة‪ .‬قلت له بلهجة تق ق‬
‫صدتها أن تكون آمرة‪:‬‬

‫‪281‬‬
‫‪ -‬اصعد الن‪ .‬وإلق سأقتل نفسي‪.‬‬

‫كالبرق جاء‪ .‬لم أترك له فرصة ليجلس‪ ،‬حاصرتهخ بذراعي‬


‫ودخلت به غرفة نومي‪ ،‬وعلى سريري الذي شهد أحلم يقظتي‬
‫هإويت به‪ .‬تمقددنا متلصقين يسري دفء واحدنا إلى الخر‪.‬‬
‫وكلنا يأمل أن تنفتح طاقة ليلة القدر لتقطف أمنياتنا ألق نتفارق‪.‬‬

‫هإو الن في سريري وبين يدي‪ ،‬ليس خيالا بل حقيقة من لحم ودم‬
‫ونبض‪ .‬أمارس معه ما اعتدته في أحلم يقظتي من مباهإج العشق‪،‬‬
‫ض بتربة جسدي‪،‬‬ ‫كانت أصابعه كالمحراث المصنوع من لجين تع ت‬
‫كقفاه تدعكان صدري‪ ،‬وأسنانه تلوك الحلمتين فأحقسهما تكبران‬
‫وتتوقرمان‪ .‬أصرخ بتأقوهإات اللم والقلذة‪ .‬وبكل إثارتي أراوده أن‬
‫يقترب من البوابة التي اغتصبها في قصر العجوز؛ لعل يغرس نبته‬
‫منه في رحمي لتكون ))المر الواقع(( الذي نواجه به أهإلي‬
‫المتجقلدين‪ ،‬فقد تنفذ شوكة من الدفء إلى قلوبهم ويرضخون‪ ،‬لكقنه‬
‫ظدل يبتعد كالمقرة السابقة‪ ،‬والستر يحقيرني‪ :‬هإل يلحقه شبح العجوز‬
‫فيخشى سوطه! أم يريد أن يبقيني طاهإرة كطهارة يحقبه؟‬

‫أرخينا جسدينا لنرتاح‪ .‬رأسي مدفون في حشائاش صدره‪ ،‬وأصابعه‬


‫بنعومه تحنو على شعري فتجلب النعاس إلى جفوني‪ .‬ل أدري كم‬
‫ي سريان‬ ‫من الوقت غفوت قبل أن يوقظني قبلت طسطر ط‬
‫ت على وجنت د‬
‫جدول‪ .‬وقف يرتدي ثيابه فجزعت‪:‬‬

‫‪282‬‬

‫‪ -‬إلى أين؟‬

‫‪ -‬أتركك لتنامي‪.‬‬

‫بإصرار قلت‪:‬‬
‫‪ -‬لن أتركك تذهإب‪ .‬ستبيت الليلة عندي‪.‬‬

‫جلس على طرف السرير تأقبط صوته كل حنانه‪:‬‬

‫‪ -‬اسمعي يا نادية ‪ . .‬يمكن أن أعاند أهإلك وأبقى‪ ،‬وأحارب الدنيا‪،‬‬


‫لكقنني ‪. . . .‬‬

‫تلعثم صوته وخرجت الكلمات تلسعني كالجمرة‪:‬‬

‫‪ -‬ل أستطيع أن أتزقوجك‪.‬‬

‫بجزع واستغراب وصوت يتقهقر بدمعه‪:‬‬

‫‪ -‬هإل أصقدق ما تقوله يا عطقية؟ ترفضني رغم كقل هإذا الح ق‬


‫ب؟‬

‫‪-‬ى أرجوك ل تسيئي الظقن بحقبي‪ .‬إقنني أتمقنى‪ .‬وهإذا شرف كبير لي‬
‫ي سببي‪.‬‬
‫ولكن لد د‬

‫‪ -‬من حققي أن أعرف السبب‪.‬‬

‫هإدز رأسه هإقزات مضطربة‪:‬‬

‫‪ -‬صعب ‪ . . . .‬صعب‪.‬‬

‫‪283‬‬
‫قالها متأفقافا ليثنيني عن إصراي‪ ،‬لكقنني أعطيته وعادا كاذابا ليعترف‪:‬‬

‫‪ -‬أعدك ‪ . .‬لو أقنعني سببك أوافقك على الرحيل‪.‬‬

‫أطرق برأسه وجسده ينتفض وكأقنه أصيب بمرض الترعاش‪:‬‬

‫‪ -‬تلك الليلة في القصر ستبقى حائا ا‬


‫ل‪.‬‬

‫صرخت فيه‪:‬‬

‫‪ -‬لكقنني نسيتها يا عطقيةوغفرتها لك‪.‬‬

‫ت كمن يصفع نفسه ويبصق عليها‪:‬‬


‫طجطعطر بصو ة‬

‫‪ -‬أنت نسيت‪ .‬لكقنني لم أنسى أو أغفر لنفسي‪.‬‬


‫تلحظين كقلما اقتربت منك ‪. . .‬‬

‫حاولت أن أبقرر له‪:‬‬

‫‪ -‬رقبما بالزواج تزول هإذه الحالة‪.‬‬

‫‪ -‬أرجوك ل تعقذبني‪ ،‬سأرحل‪ .‬وإلق أنا الذي سأقتل نفسي‪.‬‬

‫وقف تاراكا لساني يلوج بصمته‪ .‬عيناي تموجان بالدمع المحموم؛‬


‫واطرافي تتراخى وكأقنها يحتقن ط‬
‫ت بمصةل مخقدر‪.‬‬

‫تأقملته في امتداده وشموخه‪ .‬كان مثل شجرة سنديان عريقة يتخبق ي‬


‫ئ‬
‫آلف العصافير والجداول في قلبها‪ .‬لتحرسني وتسقيني أنا‬

‫‪284‬‬
‫المترقبعة في القلب كقله‪ .‬كيف يمكنني أن أفارقه‪ .‬رجل مثل عطقية ل‬
‫يمكنني التفريط به‪ .‬حقدقت بعينيه الدامعتين‪ ،‬كانت فيهما آلف‬
‫الكلمات التي تكبح جماحها‪ .‬لكقنني يأحقسها تتناثر علقي كالقبلت‬
‫والمطر‪.‬‬

‫طى جسدي باللحاف البارد برققة وكأقنه‬ ‫انحنى نحوي مثقلا بحزنه‪ .‬غ ق‬
‫يخشى أن يخدشني به ثم انهال علقي بقبلت يينذر رحيقها بأقنها‬
‫القبلت الخيرة‪ .‬وحين أقفى ليخرج كنت أسمع زحف قدميه على‬
‫الرض؛ وكأقنهما تزحفان إلى قبر‪ .‬ورائاحته التي أعشقهاتغادره‬
‫ي سيلا دافائا يخترق ضلوعي ويتوقزع فيها كالثير‪.‬‬ ‫وتنهمر عل د‬
‫نهضت‪ ،‬لحقت به‪ .‬ضمطمته أحاول أن أبقيه‪ ،‬لكقنه مشى‪ ،‬بي إلى باب‬
‫الشققة‪ ،‬وما كاد يحقرك أكرة الباب حتى هإاجت أصوات عصافيري‬
‫النائامة‪ .‬كانت تغاريدهإا صرااخا‪ ،‬شجانا ونعيابا‪ .‬كانت مثل قلبي‬
‫ص ضوء قلبينا‪.‬‬ ‫تستصرخه ألق ييطفتطئ شمسنا وييني ط‬
‫تمقسكت بتلبيبه وصوتي يقطر بضعفه‪:‬‬

‫ق لي حتى وإن لم نتزقوج‪ .‬ل أطيق‬


‫‪ -‬أرجوك يا حبيبي ل تتركني‪ ،‬اب ط‬
‫فراقك يا عطقية‪.‬‬

‫نشجت ‪ . .‬فالتقم شفتقي ودموعه يتغرق وجهي‪ ،‬وهإمسه العذب يص ت‬


‫ب‬
‫في أذنقي‪:‬‬

‫‪ -‬آآه يا حبيبتي ‪ . . .‬ليتني أقدر‪.‬‬

‫تخقلص من ذراع د‬
‫ي بصعوبه‪ ،‬وفدر منحدارا الدرجات تاراكا قلبي‬

‫‪285‬‬
‫يلعق أساه‪ ،‬وروحي الذائابة المهقشمة تهرول وراءه وتهمس‪:‬‬

‫‪ -‬آآآه يا عطقية ‪ . . .‬كم أغبطك رغم ما أعانيه‪ ،‬فأنت الن السقيد‬


‫الحقر الذي يقتخذ قراره ببسالة الفرسان‪ ،‬بينما أنا ‪ -‬العبدة ‪ -‬الضعيفة‬
‫أكمن في أسري‪ ،‬وانتظر من يمنحني شهادة عتقي‪.‬‬

‫***‬

‫]يكتتبت في عامطي ‪ 2005 – 2004‬ما بين الكويت وصنعاء[‬

‫‪286‬‬
‫ت على الريكة‬ ‫‪ . . .‬ومثطل دودة مهروسة تعاني سكرةط الموت‪ ،‬ظلل ي‬
‫عاجزاتا عن الحركة‪ .‬كقل شيء في الغرفة الفخمة يحاصرني بحبال‬
‫ت بصمت مريب يهطل من السقف مثطل بقايا رماد‬ ‫غليظة‪ .‬وأحسس ي‬
‫ت‬‫ت لو يأفل ي‬ ‫المواقد البائات ويتوقزع في الغرفة سرياعا ‪ . . .‬ودد ي‬
‫ق ولو صرخةا واحدةا تدتك القصطر فأواجه الفضاطء وإطن‬ ‫صوتي‪ ،‬يأطل ي‬
‫ت أقنه‬‫ت فيه‪ .‬لكقن حنجرتي لم تسعفني‪ .‬وتاه لساني حتى حسب ي‬ ‫ته ي‬
‫قطعه قبل أن يغادر الغرفة‪ .‬ظقلت كلماته تطتن في أذني‪)) :‬عليتك أن‬
‫تعتادي على الصمت((‪.‬‬
‫كتلهم كان يأمرني بالصمت‪ .‬كانت أمي حين تختلف معي على شأن‪،‬‬
‫صني‪ ،‬تضغط سقبابطتها على شفتطيها وتقول‪)) :‬اصمتي‬ ‫وإن كان يخ ق‬
‫صة في إصدار المر بالصمت‪.‬‬ ‫واسمعيني((‪ .‬أبي له طريقيته الخا ق‬
‫بمجقرد أن يلمح إشارةط العتراض على وجهي‪ ،‬يصرفق بكدفيه‪ ،‬فأ ططفهم‬
‫أقن علقي ابتلطع الكلم وصوتي‪ .‬ولم يكن أخي أرحطم ‪. . .‬‬

‫دار الداب‬
‫هإاتف ‪861633 – 803778‬‬
‫ص ب ‪ 11 – 4123‬بيروت‬

‫تم إعداد الملف يدويا ليتوافق مع قارئاات الشاشة للمكفوفين ‪..‬نعتذر‬


‫عن أي هإانات قد تحدث أثناء الطباعة‪.‬‬

You might also like