Professional Documents
Culture Documents
الحملة الفرنسية على الجزائر 1830
الحملة الفرنسية على الجزائر 1830
المبحث األول :التخطيطات التي قامت بها فرنسها قبل الحملة على الجزائر
المبحث الثاني :أسباب الحملة الفرنسية على المدينة.
المبحث الثالث :مراحل الحملة على المدينة.
ولكل مبحث مطلبين ،وخاتمة حاولنا فيها استخالص ما جاء في بحثنا .
عنوان البحث :الحملة الفرنسية على الجزائر . 1830
المبحث األول :التخطيطات التي قامت بها فرنسها قبل الحملة على الجزائر
المطلب األول :المخططات السرية الفرنسية لغزو الجزائر عام ، 1664عام ،1802عام
،1808عام. 1809
المطلب الثاني :قبيل عام . 1830
المبحث الثاني :أسباب الحملة الفرنسية على المدينة.
المطلب األول :األسباب التي استعملتها فرنسا
المطلب الثاني :األسباب الحقيقة لالحتالل.
خاتمة
قائمة المصادر والمراجع
المبحث األول :التخطيطات التي قامت بها فرنسها قبل الحملة على الجزائر
المطلب األول :المخططات السرية الفرنسية لغزو الجزائر عام ، 1664عام ،1802عام
،1808عام. 1809
واحد من جواسيس الفرنسيين في الجزائر انجز تقريرا جاء فيه " سنة 1621كان تعداد سكان مدينة
الجزائر حوالي مأتي ألف نسمة ،تم وضع قائمة دقيقة بكل العائالت التي تقطن مدينة الجزائر والتي
عددها على النحو التالي" العائالت التركية ثالثين ألف وعائالت السكان األصليين سبعة وتسعون ألف
وعدد عائالت اليهود عشرة آالف .باإلضافة إلى ما بين ثمانية عشر أو عشرون ألف عبد فهدا التعداد
كان قد أنجز بسبب الوباء ،التخاذ اإلجراءات المطلوبة ومن هدا الوباء مات ما بين خمسين إلى ستين
ألف شخص.1
ففي هدا العدد المذكور أعاله ،يمكن أن يوجد عشرون ألف شخص قادرين على حمل السالح بمن فيهم
عشرة أالف من االنكشارية من دوي الرواتب ،كما يدخل في هدا العدد أيضا خمسة أالف زواوي وهم
عساكر من السكان األصليين من أصحاب الرواتب هم أيضا ،وفيه أيضا الكلوغية وهي تسمية تطلق
على أبناء االنكشارية والدين عددهم خمسة أالف ،ويتقاضون مرتباتهم كذلك بحكم مولدهم ،ومنهم من
يعتبر أن عدد اإلنكشارية هو خمسة عشرة ألف غير الخمسة أالف من الكلوغية .ولكن في الحقيقة إن
عدد اإلنكشارية القادرين على حمل السالح هم نحو عشرة أالف ،وهم ليسو كلهم قادرين على الخدمة
وعلى القتال لوجود عدد كبير من الشيوخ بينهم.
وفي بعض أوقات السنة يخرج من هده المدينة ،ما بين تسعة إلى عشرة آالف عسكري انكشاري،
وغيرهم موزعين على مختلف العمارات وأساسا على السفن التي يسلحونها ،والتي يصل عددها حتى
المائة سفينة ويبحر فيها دائما وفي جميع الظروف حوالي ستة آالف جندي ،كما يقومون بجرد ثالثة
معسكرات (حمالت) وهكذا يسمونها والتي يرسلونها إلى بالدهم.2
الستخالص الضرائب ،التي يدفعها السكان العرب إلى السيد العظيم وهي تتجه إلى النواحي التالية
"فإلى ناحية قسنطينة يرسلون ما بين ثماني رجل,و إلى ناحية تلمسان نفس العدد أو أكثر والى ناحية
أراضي يسر وابن عباس يرسلون عادة ألف وخمس مائة رجل .يخرج من المدينة في هده المعسكرات
(حمالت) كل سنة حوالي ثالثة أالف وثالثمائة رجل ،التي تضاف إلى ستة أالف جندي الموجودين
على السفن ،فيصبح العدد تسعة آالف وثالث مائة من عشرين ألف ،فيبقى حوالي عشرة آالف عسكري
لحراسة المدينة ،وزيادة على دلك ففي الماضي كانوا ال يسلحون سوى ثالثة أجفان وبريحنتان واحد ،
أما اليوم فإنهم يسلحون منها حتى سبعة أجفان ،والتي يبحر على كل واحد منها حوالي ثالث مائة رجل
من االنكشاريين الترك والمرتدين ،ومجموعهم ألفين ومائة من أحسن الجنود ،و هو العدد الذي يجب
طرحه من عشرين ألف ولن يبقى لحراسة المدينة سوى ثمانية آالف. "3
وفي سنة 1664أنجز جاسوس فرنسي آخر تقريرا جاء فيه " استجابة لرغبة سيدي كولبير وتنفيذا
لألمر الذي أصدره لي من طرف جاللته ،لتحرير مذكرة حول األشياء التي الحظتها ولمدة خمسة
وعشرون سنة من إقامتي بين األتراك(المسلمين ) ،سواء فيما يتعلق األمر بالدولة أو بمدينة الجزائر أو
التي تتعلق بالمدن األخرى التابعة لها ،أوال إن مدينة الجزائر التي هي أهم وأشهر مدينة بين المدن
- 1تلمساني بن يوسف ،موقف التجانية من السلطة المركزية في الجزائر ،1900 – 1800الجزائر78 ، 1998 ،
- 2نفس المرجع ،ص 79 ،
- 3التميمي ،عبد الجليل :بحوث ووثائق في التاريخ المغربي ،الجزائر تونس – ليبيا (1816- 1871 ) ،ح .م .1985 .ص .145
الواقعة على الساحل اإلفريقي تقع على ربوة وامتدادها حتى على شاطئ البحر ،وتتكون من حوالي
أربع أالف موقد وما بين 25و 30ألف ساكن على أكثر تقدير في الوقت الحاضر ،لقد أودى وباء
الطاعون بحياة ما يزيد عن مأتي ألف شخص في السنة الماضية وبعدد اكبر في المناطق المحيطة
بالمدينة إلى درجة إن أصبحت البالد شبه مقفرة.1
في عدد الثالثين ألف ساكن ،يندرج الستة أالف تركي جنود الراتب ،الدين يعتبرون القوة الرئيسية لهده
المدينة ولكل المملكة ،كما يوجد حوالي مائتي يهودي الدين أصبحوا محمديين (أي اعتنقوا اإلسالم)
ويعملون مدفعيين ،وأكثر من مائتي من المور (سكان البالد األصليين ) و الدين يدعون بالزواوة
ويتقاضون الراتب من األتراك الستخدامهم عند الحاجة سواء في المدينة أو في الريف ،ومائتي من
ا لمور اآلخرين الدين يدعون بالرجابيس وهم يشتغلون في صنع فوهات المدافع .والباقي يتكون من
التجار والحرفيين من بينهم حوالي الثلث ممن هم قادرين على حمل السالح لكن مع خبرة جد ضئيلة،
دلك أنهم ليسو مروضين وال مدربين على فنون الحرب شانهم في دلك شان األتراك. .2
إلى الناحية الغربية من الجزائر ،يرسل كذلك إلى مستغانم مائتي تركي ,فيرسل مائة إلى مملكة
تريمسان(تلمسان) ،إلى جانب ثالث مائة جندي أخر من ذوي األصل التركي ومن مواليد البالد
(الكلوغى) والدين ال يستبدلون أبدا .
ومن عدد ستة ألف هدا ،يوجد ألف ومائتي جندي من الفرسان ومهمتهم هي استخالص الضرائب من
السكان وعلى دلك ،فال يبقى في المدينة سوى ألفين وخمس مائة جندي طوال مدة الصيف .ويتضاعف
عددهم عندما تعود المحالت وبهم يتم تجهيز السفن للغزو.3
التي تستطيع الدفاع عن نفسها أو القيام بأي حماية بدون دعم ومساعدة مدينة الجزائر هده ،والتي هي
بدورها ليست مؤهلة لشن مقاومة شديدة حسب المالحظات المدونة أعاله.4
كل البالد الخاضعة للجزائر تتوفر على كميات هائلة من القمح والعنب والرز والجلود والحرير الناعم
وعلى كميات هائلة من الزيت والمواشي من ذات الصوف وذات الشعر ،كما انه ال يمكن تنظيم
مبادالت والسود الدين يقطنون في ليبيا حيث إن أهل الجزائر لهم مركزين تجاريين ،وهما تقرت وتور
قوال(ورقلة ) وعن طريقها تصل كميات كبيرة من التبر والتمر وريش النعام وصوف الغنم والخيول
،التي يستبدلونها بالقمح والشعير ،ويدفعون (األفارقة) الضرائب لمدينة الجزائر للحصول على رخصة
االتجار والتعامل مع السكان التابعين لهده المدينة"...
كاتب التقرير اكد أن مشروع غزو الجزائر من السهل تحقيقه ،مبينا إلى جانب الفوائد الكثيرة التي
يمثلها فانه سيضع تحت يد فرنسا مراسي مأمونة في البحر األبيض المتوسط ...كما سيوفر الحصول
- 4الجياللي ،عبد الرحمن :تاريخ الجزائر العام ج ، 4ط 4بيروت 1984م .25
على الخشب الذي هو من أجود أنواع الخشب في العالم ،لبناء السفن كما سيوفر لملك فرنسا الحتالل
ممالك عديدة كبيرة وجميلة.1
بتاريخ 18اوت 1802كتب الفرنسي تيدينا وهو محافظ للعالقات التجارية في سافون تقريرا حول
الجزائر جاء فيه " لقد اتخذت هده االيالة مند بضعة أشهر موقفا من شانه إزعاج التجارة بوجه عام،
وفتح أعين الدول البحرية كال وروبية أخيرا .
إن كراهية سكان البالد البربرية ،لألوروبيين بوجه عام ,وكرصنتهم وقسوتهم وانعدام اإلنسانية لديهم
هي على أشدها .لقد حان الوقت ألوروبا وهي سيدة العالم أن ال تبقي أسيرة على أبوابها ،وهدا العمل
ا لعادل الذي تطالب به اإلنسانية بصوت عال هو عمل مدخر للبطل الذي منح السلم لألمم وحدد والى
األبد المكانة المرموقة لفرنسا .أن قسوة سكان البالد البربرية هي قوة زائفة وظرفية ،وسأثبت دلك لكم
بالكالم عن الجزائر التي هي أقواها.2
إن إقامتي لمدة خمس سنوات (في حالة اسر) في هاته البالد و رحالتي المتعددة على السواحل ،وفي
داخل البالد ودراستي للغة العربية قد مكنني من معرفة النواحي والنظام الحكومي وقوة البالد وعادات
سكانها.
إن القائم على شؤون البالد أو الداي ينتخب رئيسا من طرف الديوان المكون من 80عضوا وهدا
الديوان هو مجلسه ولكن ليست سلطته إال عند االنتخابات ...وأقاليمه مقسمة إلى أربعة مقاطعات
يحكمها البايات ،وهم يعينون في مناصبهم لمد الحياة ولكن حياتهم هي رهن في يد القائم على أمور
البالد ,كل مقاطعة مقسمة إلى نواحي وكل ناحية على رأسها حاكم وكل مجموعة من السكان (قبيلة)
يحكمها قائد.
والبالد رغم دلك تنتج كثيرا من القمح والصوف و الجلود والعسل والشمع والكر موس ،كما تتوفر
على مراعي هائلة وتنتج المواشي ذات القرن وذات الصوف وكذلك الدواب من كل نوع ...خاصة
الجياد الرائعة.3
ال نستطيع أن ننكر أن الجزائر تشكل قلعة حصينة ،بسكانها الدين يتجاوز عددهم مائة ألف نسمة أوال ،
ثم بحصونها بعد دلك وبطارياتها المزروعة بالمدافع ،وعلى دلك فال يجوز تصور إمكانية مهاجمتها
من جهة البحر.
ففي عام 1775نزل األسبان بقوات مكونة من عشرين ألف من المشاة وألفين من الفرسان ،وكانت
خطة الهجوم قد أعدت إعداد جيدا ولكن التنفيذ كان سيئا بسبب الخالف الذي دب بين اورللى قائد
القوات البرية وكاستيقان أميرال األسطول .وفي عام 1784_1783هاجم األسبان من جديد من جهة
البحر ولكن بعد أن استهلكوا كمية كبيرة من الذخيرة انسحبوا بدون ان يتمكنوا من أخدها أو تخريبها
- 1نفس المرجع ،ص 26
- 2الجياللي ،عبد الرحمن ،ص. 35
- 3نفس المرجع ،ص . 37
ولكي تكلل حملة ضد الجزائر بالنجاح ،يجب حشد ما بين ثالثين إلى خمسة وثالثين ألف رجل من
خيرات القوات من مدفعه ،في نسب مالئمة فشواطئ تنس بمعنى ساحل غرب الجزائر يبدو لي أفضل
موقع لمكان اإلنزال ...فالجزائريون لم يستعملوا أبدا مدفعية الميدان ،وادا كانت االعتبارات السياسية
ال تسمح بالقضاء على هده الحكومة ،فانه يستلزم إجبار حاكم البالد على تسليم كل الذهب الذي تحت
حوزته وتجريده من كل سفنه الحربية وإلزامه بعدم تملكها أبدا للقيام بالقرصنة وإجباره كذلك على
تحويل أقاليمه إلى دولة متمدنة ومشتغلة بالتجارة. 1
وان اقل مكسب نحصل عليه (بالهجوم على الجزائر ) واكرر دلك ،هو االستيالء على الماليير التي
جمعها الحكام والتي يحتفظون بها ،فال يمكن لهم تهريبها عن طريق البحر الن الميناء سيكون محاصرا
كما انه ال يستطيع حملها معه ( الداي) عن طريق البر دلك انه ،فإلى جانب كون الجيش الفرنسي
سيقطع عليه كل اتصال مع الداخل فانه سوف لن يغامر باإللقاء بنفسه في هدا الطريق بسبب انعدام
األمن ،وعلى دلك فان أية هزيمة تلحق بالجيش التركي تكفي لتجعل سكان البالد يجردون السالح ضده
(الداي) و يصبح بدون حماية وال قوات في وسطهم.
الجاسوس بوتان أنجز هو األخر تقريرا عن الجزائر جاء في بعض مقتطفاته " من استطالع المدن
والحصون وبطاريات مدينة الجزائر و نواحيها الذي أنجز بمقتضى أوامر وتعليمات صاحب السعادة
سيدي ديكري وزير البحرية والمستعمرات والمؤرخة في 1و 2من شهر مارس ،1808العتماده
كمشروع إلعداد حملة وتوجيهها ضد هاته البالد واالستقرار نهائيا في هاته البالد.
كل العناصر التي يتم تناولها إلعداد المشروع المذكور ،هناك عنصرين أساسيين وهما مكان اإلنزال
والمقاومة التي يتحتم التغلب عليها بعد دلك ،أن العنصر األول يجد خالله في الدراسة المفصلة لطبيعة
األرض ،والثاني سيتضح بوصف الحصون وتقرير قوات الداي .سنشرع ادن في الكالم أوال عن
األرض ثم عن الحصون والبطاريات ثم نتناول بعد دلك مختلف المسائل ،وبعد أن استعرض األماكن
القابلة لإلنزال في شرق مدينة الجزائر وتبيين معايبها أردف مؤكدا .لم يبق ادن سوى الرقعة الواقعة
بين رأس فاكسين وسيدي فرج وما تحتها ،فهنا بالفعل المكان الالئق لدلك ،فالشاطىء في هده الرقعة
رملي وفي كل هدا الجزء ال توجد ال بطارية وال حصن ما عدا البرج الوحيد عند سيدي فرج ،والدي ال
يستحق أن يوضع في االعتبار .فهو مربع الشكل ودو ارتفاع ما بين 15إلى 20مترا على أكثر تقدير
،وعرض جنباته ما بين ثالثة إلى خمسة أمتار وبه مدفع واحد صغير في حالة سيئة،فهو برج قديم لن
يستطيع الصمود أمام قصف مدفعي حتى ولو كان خفيفا
وترتيبات الهجوم العامة األخرى تتمثل في إرسال مفرزة من القوات أمام كمدينة وهران ،والعمل على
أن يكون باي قسنطينة في حالة حرب مع باي تونس ،وقيام بحريتنا أثناء عملية اإلنزال عند سيدي برج
- 1التميمي ،عبد الجليل :بحوث ووثائق في التاريخ المغربي ،الجزائر تونس – ليبيا ) (1816- 1871ح .م .1985 .ص . 170
- 2قنان ،جمال ،نصوص سياسية جزائرية ،1914-1830ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ، 1993 ،ص . 214
- 3نفس المرجع ،ص .215
وقد وافق الداي حسين على هذه التسوية في أمل تسديد فرنسا لهذا الدين في اقرب وقت ،لكن فرنسا
تناست حقوق الداي ،ففي ماي 1820م أعلن الداي ما يلي« :ان الحكومة الفرنسية قد نفذت جميع
التزاماتها بعد انتفاضة أكتوبر 1819م » .ولم يكن للداي أي شيء من بطء هذه اإلجراءات ،فقد اتضح
للداي حسين أن هناك مؤامرة كان القنصل "ديفال" طرفا فيها ،ورأسها في باريس هو "تاليران" ،اخذ
الداي يرسل إلى الحكومة الفرنسية عدة رسائل يشكو فيها قائال « :استطيع رد هذا المبلغ إلى فرنسا في
مدة أربع وعشرين ساعة في حالة ما ذا كان أحد رعايا مدنيا لملك فرنسا» .واصل الداي إرسال
البرقيات لكن دون جدوى وهذا ما دفع بالداي إلى فقدان صبره لعدم تلقيه أجوبة من الحكومة الفرنسية.1
وبمناسبة عيد الفطر من عام 1243ه الموافقة ل 1828م جاء السيد "ديفال" عشية يوم العيد ليؤدي
زيارته كما جرت العادة فاخبره الداي عن الرسائل التي بعث بها إلى ملك فرنسا في شأن أداء الدين بقي
في ذمته الدولة الفرنسية في خصوص قضية بكري وبوشناق.
كان جواب القنصل في منتهى الوقاحة فقال له « :إن حكومتي ال تتنازل إلجابة رجل مثلكم» أراد
القنصل من كالمه هذا استفزاز وتحقير الداي ،وهذا ما أكده القنصل األمريكي "وليام شالر" الذي كان
من بين الحاضرين ،ويؤكد أن القنصل تعمد الوقاحة وافتزاز الداي الستدراجه إلهانته وهذا ما مس
كرامته الداي لدرجة انه لم يتمالك نفسه من الغضب وضربه بمروحيته "منشة الذباب" كانت بيده على
وجهه ،وهذا ما يؤكده السيد "بوتان" في قوله «:ضرب الداي حسين السيد "ديفال" إلى وجهه
بمروحية من ريش النعام» وهناك رواية أخرى تقول أن الضرب لم يقع أصال ،ولكن الداي قام بتهديد
القنصل بالضرب.
قام القنصل بتضخيم األمر وخبر ملكه بما جري ،فجاءه أمر أن يغادر الجزائر فغادرها معه الفرنسيين
المقيمين في مدينة الجزائر ،هذا هو السبب الظاهر للعيان ،والذي اتخذته فرنسا كذريعة الحتالل
2
الجزائر تحت غطاء استرجاع كرامتها ،لكن نحن من واجبنا أن نبحث في األسباب الحقيقية لالحتالل.
إن األسباب الحقيقية للحملة الفرنسية ضد الجزائر هي كثيرة منها ما يلي :
-1األسباب السياسية:
تتمثل في اعتبار حكومة الرياس في الجزائر تابعة لإلمبراطورية العثمانية التي بدأت تناهز والدول
األوربية تتهيأ لالستيالء على األراضي التابعة لها ،وخاصة أن الفرنسيين كانوا يعتقدون أنهم
سيحصلون على غنيمة تقدر ب 150مليون فرنك توجد بخزينة الداي كما أن شارل العاشر ملك فرنسا
كان يرغب في خلق تعاون وثيق مع روسيا في حوض البحر المتوسط حتى يتغلب على الهيمنة
البريطانية في هذا البحر والتمركز في ميناء مدينة الجزائر الذي كان يعتبر في نظر الملك الفرنسي
- 1سعد هللا ،أبو القاسم ،أبحاث و أراء في تاريخ الجزائر ،ج2ش.و.ن.ت ،الجزائر ، 1981ص . 69
- 2نفس المرجع ،ص . 70
تابعا إلمبراطورية العثمانية المنهارة .ثم إن في عام 1827م وجد شارل العاشر معارضة داخل مجلس
النواب تسبب في مشاكل كبيرة له ،وكادوا أن يطيحوا به ،ولتحويل أنظار الفرنسيين إلى الخارج اتخذ
"شارل العاشر" الجملة على مدينة الجزائر وسيلة لحل مشاكله وإسكات المعارضة ويكسب رضا
الشعب الفرنسي ،وقد اعترف الملك شارل العاشر في قوله « :انه لشيء جميل أن نتقدم إلى برلمان
1
ومفاتيح مدينة الجزائر بيدنا».
-/2األسباب العسكرية:
أن انهزام الجيش الفرنسي في أوربا وفشله في احتالل مصر واالنسحاب منها حتى ضربات لقنوات
االنجليزية في سنة 1801م ،قد دفع بنابوليون بونابرت أن يبعث بأحد ضباطه إلى الجزائر في الفترة
الممتدة من 24ماي إلى 17جويلية 1808م لكي يضع له خطة عسكرية تسمح له بإقامة محميات
فرنسية في شمال إفريقيا تمتد من المغرب األقصى إلى مصر ،وفي عام 1809م قام هذا الضابط
العسكري "بوتان" بتسليم المخطط العسكري الحتالل مدينة الجزائر إلى نابوليون واقترح أن تحتل
المدينة عن طريق البر ،وعند انهزام نابوليون في معركة واترلو سنة 1815وتحالف الدول الكبرى
ضد الجيش الفرنسي في أوربا شعر ملك فرنسا انه من األفضل أن يعتمد على سياسة التوسع في شمال
إفريقيا ويعمل على انشغال الجيش بمسائل حيوية تتمثل في احتالل مدينة الجزائر وتحقيق انتصار باهر
هناك ،وبالتالي يتخلص الملك من إمكانية قيام الجيش بانقالب ضده في فرنسا.2
-/3األسباب االقتصادية:
كانت أوربا بسبب ازدهارها تشعر بالحالة إلى التوسع واستغالل اآلخرين من وراء البحار ،هذا التنافس
عجل بعزم فرنسا على احتالل المدينة ومن تم التوسع على باقي األقطار واالستئثار بخيراتها ،فقبل
الحملة بقليل سنة 1827م ،كتب وزير الحربية الفرنسي "كليرمون تاليران" تقريرا عن األوضاع
العامة في الجزائر و خصص بالذات مدينة الجزائر حيث قال" :توجد مراسي عديدة على السواحل،
يعتبر االستيالء عليها فائدة كبيرة ،...وتوجد في شواطئها مالحات غنية ،والى كل هذا توجد الكنوز
المكدسة في قصر الداي وهي تقدر بأكثر من خمسون مليون فرنك " ،فالجوانب االقتصادية كانت
حافزا قويا في إقدام فرنسا على احتالل المدينة ،فكانت تطمح في خيراتها والبحث عن أسواق جديدة
لترويج منتجاتها.
-/4األسباب الدينية:
في الحقيقة أن الصراع الذي كان قائما بين الدول المسيحية األوربية والدول العثمانية اإلسالمية قد
انعكس على المسلمين بمدينة الجزائر ألن األسطول الجزائري يعتبر في نظر الدول األوربية امتداد
لألسطول العثماني ،قد دفع بالدول المسيحية في أوربا أن تتعاون فيما بينها لضرب المسلمين بمدينة
- 1قنان ،جمال ،نصوص سياسية جزائرية ،1914-1830ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر . 223 ، 1993 ،
- 2نفس المرجع ،ص .224
الجزائر واستانبول ،وقد كان المسيحيون يتهمون الجزائريين بأنهم كانوا يقومون بالقرصنة في عرض
البحر األبيض المتوسط ،وسجن المسيحيين الذين يعملون في السفن إلى أن تدفع دولهم عنهم الفدية.
ومنها اختلفت األسباب والذرائع يتبين لنا أن فرنسا كانت لها عزيمة قوية الحتالل الجزائر ،فأعدت
العدة ،وحسبت لكل شيء وعندما تهيأت الظروف كانت الحملة على المدينة لتتوسع لتشمل كل البالد
الجزائرية. .1
خاتمة :
في األخير ما يسعنا سوى القول أن االحتالل الفرنسي وحملته ضد الجزائر ما كانت لتنجح لوال
الظروف والعوامل التي مرت بها هذه األخيرة ،وإن األسباب التي استعملت آن ذاك لم تكن بأسباب
مقنعة غير أن التاريخ الفرنسي دونها كأسباب حقيقية .