You are on page 1of 208

‫صفحات من التاريخ‬

‫السإلمي‬
‫في الشمال الفريقي‬

‫فقه التمكين عند‬


‫دولة المرابطين‬

‫تأليف‬

‫‪/http://slaaby.com‬‬
‫الهإــــــداء‬
‫صا‪,‬‬
‫مال لالفريقى خصو ص‬ ‫إلى أبناء ال ش‬
‫ش م‬
‫ما‬
‫مة عمو ص‬‫وأبناء ال ش‬
‫أهإدى هإذا الكتاب سإائل ص المولى‬
‫عز وجل بأسإمائه الحسنى وصفاته العلى‬
‫صا لوجهه الكريم‬‫أن يكون خال ص‬
‫‪+‬فمممنَ مكاَمن يميررججوُ للمقاَءم مربله فميرليْميرعممرل‬
‫صاَلللحاَ مولم يجرشلررك بلعمباَمدلة مربله‬ ‫معمملل م‬
‫أممحلداً" ]الكهف‪.[110:‬‬
‫مقدمـــــــــة‬
‫من‬‫إن الحمد لله‪ ,‬نحمده‪ ,‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ,‬ونعوذ بالله م‬
‫مضُ ش‬
‫ل له‪،‬‬ ‫من يهده الله فل ل‬ ‫شرور أنفسنا‪ ،‬ومن سإي يئِّات أعمالنا‪ ,‬م‬
‫من ليضُملل فل هإادى له‪ ،‬ومأشهد ل أن ل إله إل الله وحده ل شريك‬ ‫و م‬
‫دا عبده ورسإوله‪.‬‬ ‫محم ص‬ ‫له‪ ،‬وأشهد ل إن ل‬
‫﴿مياَ أمييمهاَ اًللذيمنَ آممنجوُاً اًتليجقوُاً اًلم محلق تجيمقاَتلله مولم تمجموُتجلنَ إللل موأمنَريجتمُ يمرسللجموُ م‬
‫ن﴾ ]آل عمران‪:‬‬
‫‪.[102‬‬
‫ث لم رنيجهمماَ‬
‫س مواًلحمدةس مومخلممق لم رنيمهاَ مزرومجمهاَ موبم ل‬
‫ناَس اًتليجقوُاً مربلجكجمُ اًللذىِ مخلممقجكمُ بمنَ نَليرف س‬
‫﴿مياَ أمييمهاَ اًلل ج‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل ل‬
‫كرمُ مرقيْلباَ﴾ ]النساء‪:‬‬ ‫ساَءمجلوُمن به مواًلررمحاَمم إن اًلم مكاَمن معلمريْ ج‬ ‫لرمجاَلل مكثيْلراً مونَ م‬
‫ساَءل مواًتليجقوُاً اًلم اً ذىِ تم م‬
‫‪.[1‬‬
‫صللرح لمجكرمُ أمرعمماَلمجكرمُ مويميغرلفرر لمجكرمُ‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫﴿مياَ أمييمهاَ اًلذيمنَ آممنجوُاً اًتليجقوُاً اًلم موجقوُلجوُاً قميروُلل مسديلداً ‪ ‬يج ر‬
‫ذججنَوُبمجكرمُ موممنَ يجلطلع اًلم مومرجسوُلمهج فميمقرد مفاَمز فميروُلزاً معلظيْلماَ﴾ ]الحزاب‪.[71-70 :‬‬
‫وبعد‪ :‬فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى‪ ،‬وخير الهدي‪ ،‬هإدى‬
‫ل بدعة‬ ‫محدثةة بدعة‪ ،‬وك ش‬ ‫ل ل‬ ‫محمد ×‪ ,‬وششر المور محدثالتها‪ ،‬وك ش‬
‫ضللة‪.‬‬
‫ب لك الحمد ل كما ينبغى لجلل وجهك‪ ,‬وعظيم‬ ‫أما بعد‪ :‬يا ر ي‬
‫سإلطانك‪ ,‬لك الحمد حتى ترضى‪ ,‬ولك الحمد ل إذا رضيت‪.‬‬
‫مال‬ ‫ش م‬ ‫هإذا الكتاب الرابع )صفحات من الشتامريخ السإلمى فى ال ش‬
‫سنشية منذ نشأتها وحتى‬ ‫الفريقي( يتحدث عن دولة المرابطين ال س‬
‫طى‬ ‫ض لسنن الله فى بناء الدمول وإحيامء الشعوب‪ ،‬فليع م‬ ‫سإقوطها‪ ،‬ويتعشر ل‬
‫نبذة تاريخيية عن أصول القبائل التى قامت عليها دولة المرابطين‪،‬‬
‫فيتكلم عن مواطنها‪ ,‬ومواقعها‪ ,‬وحياتها الجتماعية والسياسإية‬
‫والقتصادية والدينية قبل دخول المام عبد الله بن ياسإين فى قلب‬
‫الصحراء الكبرى لدعوة قبائل صنهاجة إلى السإلم‪ ,‬وكيف تعامل ذلك‬
‫المام مع تلك القبائل‪ ،‬وجعل منها أشمصة تحمل السإلم عقيدةص ودعوةص‬
‫جا‪ ،‬كما يسلط هإذا الكتاب الضواء على زعماء دولة المرابطين ممن‬ ‫ومنه ص‬
‫أمثال المير يحيى بن إبراهإيم‪ ،‬والمير أبى بكر ابن عمر‪ ،‬ويوسإف بن‬
‫سإيير المرابطين فى توحيد المغرب القصى‪،‬‬ ‫تاشفين‪ ,‬ويتكلم عن خط م‬
‫وتوغسملهم الد شعمموى فى جنوب المغرب نحو غانا ومالى وغيرهإا من دممول‬
‫إفريقيا‪ ,‬ويتحدث عن دفاع المرابطين عن مسلمى ال من يد مللسُ‪ ,‬وأسإباب‬
‫مع‬ ‫جت م م‬
‫سملمين هإناك‪ ،‬وعن أثر تحكيم شرمع الله فى لم ي‬ ‫م ي‬ ‫ضعف ال ل‬
‫داخلشية والخامرجشية‪ ,‬وكيف أعطوا حقوق‬ ‫المرابطين‪ ،‬وعن سإياسإتهم ال ش‬
‫‪3‬‬
‫سنشية‪ ،‬وما موقف الرعية من دولة‬ ‫الرعية من خلل دسإتور دولتهم ال س‬
‫المرابطين؟‬
‫ويتحدث عن علقة دولة المرابطين بالخلفة العباسإية‪ ،‬ودولة‬
‫بنى حماد وملوك الطوائف والسإبان والنصارى‪ ،‬ويعطى نبذة‬
‫مختصرة عن أنظمة الدولة المرابطية‪ ،‬كنظام الحكم والدارة‪,‬‬
‫والنظام القضُائي‪ ,‬والنظام العسكري‪ ،‬والنظام المالي‪ ,‬ويدافع عن‬
‫دولة المرابطين ويبين مآثرهإا الحضُارية من أعمال معمارية وحياة‬
‫أدبشية علمية وفقهية وتاريخيية وجغرافية وطبية‪ ،‬ويجد القارئ‬
‫الكريم فى ثنايا هإذا البحث تركيصزا على معرفة سإنن الله‪ ,‬وكيفية‬
‫من خلل الوقائع التاريخشية‪ ,‬وأهإمية العلماء فى قيادة‬ ‫التعامل معها م‬
‫م‬ ‫ذ‬‫الخ‬ ‫على‬ ‫حرصوا‬ ‫وكيف‬ ‫والكرامة‪،‬‬ ‫زة‬‫ش‬ ‫والع‬ ‫المجد‬ ‫المة نحو‬
‫بالسإباب المادشية والمعنوشية التى حققت الشنصر على العداء‪،‬‬
‫ث عن أهإمية سإنة التدسرجُّ فى تغيير الشعوب وبناء الدول‪،‬‬ ‫ويتحد ل‬
‫مى‬‫ل م‬‫عظ‬ ‫ال‬ ‫الهإداف‬ ‫تحقيق‬ ‫فى‬ ‫وى‬‫م‬ ‫قص‬‫ل‬ ‫أهإمية‬ ‫بانية‬
‫ش‬ ‫الر‬ ‫للتربية‬ ‫ويعطى‬
‫للمة سإواء على مستوى القادة فى أخلقهم وعلمهم وجهادهإم‪ ,‬أو‬
‫على مستوى الشعوب فى اسإتجابتها لكتاب ريبها وسإنة نبييها‬
‫مخلصة‪.‬‬ ‫وقيادتها ال ل‬
‫وهإذا الجهد المتواضع حاول أن يسلط الضواء على فقه‬
‫من خلل التحليل والتفسير للحداث التى وقعت فى دولة‬ ‫الشتمكين م‬
‫المرابطين‪.‬‬
‫والهدف من هإذا الكتاب‪:‬‬
‫من أمثال‪ :‬عبد الله بن‬ ‫‪-1‬التعريف بزعماء دولة المرابطين م‬
‫ياسإين‪ ،‬ويحيى بن إبراهإيم‪ ,‬وأبى بكر بن عمر‪ ,‬ويوسإف بن‬
‫تاشفين‪ ،‬وأبى عمران الفاسإي‪.‬‬
‫ن فى فقه الشتمكين من خلل المنظور الشتامريخى‬ ‫‪ -2‬إظهار معا ة‬
‫مشرت بها الحركة‬ ‫لدولة المرابطين‪ ،‬فيوضح مراحل الشتمكين التى م‬
‫المرابطية إلى أن وصلت إلى الدولة‪ ،‬وما السإباب التى اتخذوهإا‬
‫ما وصلوا إلى‬ ‫فذوهإا ل ش‬
‫والشروط التى حققوهإا؟ وما الهإداف التى ن ش‬
‫ح ي‬
‫كم‪.‬‬ ‫ال ل‬
‫مبدأ العتبار والتعاظ بمعرفة أحوال الدمول‪,‬‬ ‫‪ -3‬تسهيل م‬
‫وعوامل بنائها‪ ،‬وأسإباب سإقوطها‪ ،‬والنظر فى سإنن الله فى‬
‫معات‪.‬‬ ‫جت م م‬
‫م ي‬
‫سُ وال ل‬
‫ف م‬ ‫الفاق‪ ،‬وفى ال من ي ل‬
‫‪ -4‬الهإتمام بمعرفة عقيدة أهإل السنة والجماعة‪ ،‬وتربية أبناء المة‬
‫عليها‪،‬‬
‫وكيف كان اهإتمام المرابطين بهذه العقيدة التى اسإتمدوهإا من كتاب‬
‫الله وسإنة رسإوله ×‪.‬‬
‫‪ -4‬إثراء المكتبة السإلمية التاريخيية بالبحاث المنبثقة عن‬

‫‪4‬‬
‫ور سإليم بعيدة عن سإموم المستشرقين‪،‬‬ ‫عقيدة صحيحة وتص س‬
‫وأفكار العلمانيين الذين يسعون لقلب الحقائق التاريخيية من أجل‬
‫خدمة أهإدافهم‪.‬‬
‫أما خطة الكتاب‪ :‬فقد قمت بتقسيمه إلى خمسة فصول‪:‬‬
‫الفصل الول‪ :‬بناء دولة المرابطين ويشتمل على سإتة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬الجذور التاريخية للمرابطين‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المير يحيى بن إبراهإيم‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أبو عمران الفاسإي‪.‬‬
‫عيم الدينى عبد الله بن ياسإين‪.‬‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬الشز م‬
‫المبحث الخامسُ‪ :‬المراحل التى مر بها ابن ياسإين لبناء الدولة‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬مرحلة الشتمكين‪.‬‬
‫الفصل الثامني‪ :‬المرابطون ودفاعاتهم عن مسلمى ال من يد مللسُ‪.‬‬
‫ويشتمل على تسعة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬الصراع بين ط لل مي يط مملة وقليرط لمبة‪.‬‬
‫ل‬ ‫م‬
‫سملمين فى الن يد ملسُ‪.‬‬ ‫م ي‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬أسإباب ضعف ال ل‬
‫المبحث الثالث‪ :‬العالم زمن ظهور دولة المرابطين‪.‬‬
‫مع المرابطين‪.‬‬ ‫جت م م‬
‫م ي‬‫المبحث الرابع‪ :‬أث ملر الحكم بما أنزل الله على ل‬
‫المبحث الخامسُ‪ :‬ال من يد مللسُ بعد الزلقة‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬الفتاوى فى جواز ضم ال من يد مللسُ‪.‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬العبور الثالث للمير يوسإف بن تاشفين‪.‬‬
‫المبحث الثامن‪ :‬الجواز الرابع‪.‬‬
‫المبحث الشتاسإع‪ :‬آثار البتعاد عن تحكيم شرع الله‪.‬‬
‫داخلشية والخامرجشية فى دولة المرابطين‪.‬‬ ‫الفصل الثاملث‪ :‬السياسإة ال ش‬
‫ويشتمل على سإتة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬حقوق الرعية الذين يعيشون فى الدولة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬موقف الرعية فى دولة المرابطين‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬موقف المرابطين من الخلفة العباسإية‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬علقة المير يوسإف مع بنى حماد‪.‬‬
‫المبحث الخامسُ‪ :‬علقة المرابطين مع ملوك الطوائف‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬علقة المرابطين مع السإبان النصارى‪.‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬سإياسإة المرابطين فى دولتهم المجيدة‪.‬‬
‫ويشتمل على خمسة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬نظام الحكم والدارة‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬النظام القضُائي‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬النظام العسكري‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬النظام المالي‪.‬‬
‫الفصل الخامسُ‪ :‬أهإم أعمال دولة المرابطين الحضُارية‪.‬‬
‫ويشتمل على سإبعة مباحث‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫المبحث الول‪ :‬الثار المعمارية فى المغرب وال من يد مللسُ‪.‬‬
‫مشية فى دولة المرابطين‪.‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬الحياة الدبية والمعل م‬
‫المبحث الثالث‪ :‬من مشاهإير علماء دولة المرابطين‪.‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬علوم اللغة فى زمن المرابطين‪.‬‬
‫المبحث الخامسُ‪ :‬علوم الشتامريخ والجغرافيا‪.‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬علوم الطب فى عصر المرابطين‪.‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬أسإباب السقوط‪.‬‬
‫ثم نتائج البحث‪.‬‬
‫صا لوجهه‬ ‫وأخيصرا‪ ,‬أرجو من الله تعالى أن يكون عمل ص خال ص‬
‫ف كتبلته‪ ,‬ويجعله فى ميزان‬ ‫ل حر ة‬‫الكريم وأن ليثيمبنى على ك ي‬
‫من‬‫م‬ ‫يملكون‬ ‫ما‬ ‫بكل‬ ‫أعانونى‬ ‫الذين‬ ‫إخوانى‬ ‫ب‬‫حسناتي‪ ،‬وأن يثي م‬
‫ل إتمام م هإذا الكتاب‪ ،‬سإبحانك اللهم وبحمدك‪ ,‬أشهد ل أن ل إله إل‬ ‫أج م‬
‫ب‬
‫ي‬ ‫ر‬ ‫لله‬ ‫ل‬ ‫د‬ ‫الحم‬ ‫أن‬ ‫دعوانا‬ ‫ر‬‫ل‬ ‫وآخ‬ ‫إليك‪،‬‬ ‫وأتوب‬ ‫أسإتغفرك‬ ‫أنت‪،‬‬
‫العالمين‪.‬‬
‫الفقير إلى عفو ربه ومغفرته‬
‫ورحمته ورضوانه‬
‫على محمدـ محمد الصلبـى‬
‫الخوة الكرام‪ ,‬يسرني أن تصل ملحظاتكم وانطباعاتكم حول‬
‫هإذا الكتاب وغيره من كتبي من خلل دور النشر‪ ,‬وأطلب من‬
‫إخواني الدعاء بظهر الغيب بالخلصا لله رب العالمين‪ ،‬والصواب‬
‫للوصول للحقائق ومواصلة المسيرة في خدمة تاريخ أمتنا‪.‬‬
‫البريد اللكتروني‬
‫‪E- Mail: abumohamed2@maktoob.com‬‬

‫‪6‬‬
‫الفصل الول‬
‫بناء دولة المرابطين‬
‫المبحث الول‬
‫الجذور التاريخية للمرابطين‬
‫تمهيد ‪:‬‬
‫ل صنهاجة أقوى قبائل البربر وأشدهإا وأمنعها‪,‬‬ ‫تعتبر قبائ ل‬
‫مال‬‫م‬ ‫ش‬
‫ش‬ ‫ال‬ ‫ملوا‬ ‫الذين‬ ‫رجالها‬ ‫وكثرة‬ ‫شكيمتها‪,‬‬ ‫وة‬‫ق ش‬
‫واشتهرت ب ل‬
‫صا من المغرب الوسإط‬ ‫الفريقى وسإكنوا جباله‪ ،‬وسإهوله وخصو ص‬
‫إلى المغرب القصى‪.‬‬
‫ت‬‫ض المؤرخين قبائل صنهاجة مثلت شعصبا انضُو ي‬ ‫واعتبمر بع ل‬
‫من أهإم هإذه القبائل‬ ‫تحت لوائه أكثر من سإبعين قبيلة بربرية‪ ،‬و م‬
‫ونت‬ ‫وأشهرهإا لمتونة‪ ،‬وجدالة‪ ،‬ولمطة‪ ،‬ومسوفة‪ ،‬وهإى التى تك ش‬
‫سنشية‪ .‬وبعض المؤرخين يجعل القبائل‬ ‫منها دولة المرابطين ال س‬
‫م‬
‫الصنهاجية لها أصل من حمير بن سإبأ أى‪ :‬إن أصلهم يمانييون‪.‬‬
‫)‪(1‬‬
‫والبعض الخر يذهإب إلى أنهم برابرة ل علقة لهم بالعرب ‪.‬‬
‫‪ -1‬تسمية الملثمين‪:‬‬
‫مل مشثمين‪ ،‬وأصبح‬
‫ت القبائل الصنهاجية فى الشتامريخ باسإم ال ل‬ ‫اشتهر ي‬
‫موا بالمرابطين‪ ،‬ويرى بعض‬ ‫عرفوا به إلى أن تس ش‬
‫اللثام شعاصرا ل‬
‫مل مشثمين ينتسبون إلى قبيلة لمتونة إحدى بطون‬ ‫المؤرخين إن ل‬
‫ال‬
‫صنهاجة‪ ,‬وكانت لمتونة تتولى رئاسإة سإائر قبائل مسوفة‪،‬‬
‫ومسراته‪ ،‬ومداسإة‪ ,‬وجدالة‪ ،‬ولمطة‪ ،‬وغيرهإا‪ ،‬ثم آلت الرئاسإة إلى‬
‫قبيلة جدالة على عهد المير يحيى بن إبراهإيم الجدالي)‪.(2‬‬
‫صا بقبيلة‬‫مل مشثمين فى بدايته كان خا ص‬ ‫ويبدو أن إطلق اسإم ال ل‬
‫لمتونة ثم توسإع وأصبح شعاصرا لكل من حالف لمتونة ودخل تحت‬
‫اسإم سإيادتها‪.‬‬
‫‪ -2‬سإبب تسميتهم‪:‬‬
‫وأشما سإبب تسميتهم فقد وردت أقوال كثيرة فى سإبب تسميتهم‬
‫ممير كانوا يتلثمون لشدة الحير‪ ،‬ويذهإب‬
‫ح ي‬
‫بذلك‪ ،‬منها‪ :‬إن أجدادهإم ممن م‬
‫ن إن أصل قبائل صنهاجة يرجع إلى الهجرات‬ ‫إلى هإذا الرأى ممن ظ ش‬
‫القديمة من المشرق لسإباب متعددة‪ ،‬منها اقتصادية‪ ,‬وسإياسإية‪.‬‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬دولة المرابطين فى المغرب والندلسُ‪ ،‬د‪ .‬سإعدون عباس صا )‪.(13-12‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬تاريخ المغرب والندلسُ فى عصر المرابطين‪ ،‬د‪ .‬حمدي عبد المنعم‪ ،‬صا )‬
‫‪.(27‬‬
‫‪7‬‬
‫ومنها‪ :‬أشنهم آمنوا بالرسإول × وكانوا قلة فاضطسروا للهرب لما‬
‫موا بقصد التمويه‪ ،‬وقيل‪ :‬إن طائفة منهم‬ ‫غلبهم أهإل الكفر فتلث ش ل‬
‫من‬‫م‬ ‫إل‬ ‫خالية‬ ‫وهإى‬ ‫مواطنهم‬ ‫إلى‬ ‫فخالفهم‬ ‫أغارت على عدو لهم‬
‫س‬
‫خ النسامء بأن يرتدين لبا م‬ ‫النساء والطفال والشيوخ‪ ،‬فأمر الشيو ل‬
‫ن‪ ،‬ففر العداء وهإكذا اتخذوا اللثام سإنة يلزمونه‬ ‫م م‬ ‫الحرب ويتلث ش م‬
‫وارتقى عندهإم إلى مستوى رفيع فى حياتهم وأعرافهم ومما قيل‬
‫فى اللثام‪:‬‬
‫م‬
‫وإن انتموا صنهاجة فه ل‬ ‫مقوم لهم درك العل فى‬
‫م‬
‫هإ ل‬ ‫حمير‬
‫)‪(1‬‬
‫فتلثشموا‬ ‫حمرامز ك ل ي‬
‫لم‬ ‫حوميوا إ ي‬ ‫لما م‬
‫فضُيلة‬
‫‪ -3‬موطن الملثمين‪:‬‬
‫مل مشثمون الصحراء الكبرى الممتدة من غدامسُ شرصقا‬ ‫سإكن ال ل‬
‫ص‬
‫من جبال درن شمال إلى أواسإط‬ ‫إلى المحيط الطلسى غرصبا‪ ،‬و م‬
‫الصحراء الكبرى جنوصبا‪.‬‬
‫ولم تكن هإذه الماكن والمواطن تجرى بها أنهار دائمة‪ ,‬وكانت‬
‫سُ عنها المطار لسنوات عديدة؛‬ ‫قليلة المطار وأحياصنا لتحب م ل‬
‫فيتعرض سإكانها للمجاعة فيرتحلون لطلب الماء والكل‪ ،‬فتفرقوا‬
‫حول الواحات الصغيرة فى تلك الصحارى الممتدة الطراف‪،‬‬
‫ونوا قرى بدائية تتماشى مع ظروف حياتهم الرعوية)‪.(2‬‬ ‫وك ش‬
‫‪ -4‬حيالتهم القتصادية‪:‬‬
‫مل مشثمون حول الواحات بحصثا عن المياه وعملوا فى‬ ‫توشزع ال ل‬
‫صة زراعة الشعير الذى ينبت فى الرض الفقيرة‬ ‫الزراعة وخا ش‬
‫ويكفيه قليل من الماء‪ ،‬وقد ازدهإرت زراعته فى منطقة أزكى‬
‫التى تسكنها قبيلة لمتونة‪.‬‬
‫من أهإم أشجارهإم‪ ،‬وكانت مدينة سإجلماسإة من‬ ‫وكان النخي ل‬
‫ل م‬
‫ملثمون من‬ ‫ش‬ ‫م‬ ‫أهإم واحات الصحراء عمراصنا بشجر النخيل‪ ,‬واسإتفاد ال ل‬
‫ظل أشجار النخيل؛ فزرعوا البطيخ والقرع والكوسإى والقثاء‪،‬‬
‫وشهدت بعض الواحات زراعة الذرة‪ ،‬وازدهإرت فى واحة‬
‫كر‪ .‬وكانت وسإيلة الزراعة‬ ‫س ش‬
‫سإجلماسإة زراعة القطن وقصب ال س‬
‫فى تلك الواحات الصحراوية المحراث البدائى الذى تجسره الجمال‪.‬‬
‫وكانت تلك القبائل تهتم بتربية الحيوانات للحصول على قوتهم‬
‫موا بها‬
‫ولكى يستعملوهإا فى تنقلتهم‪ ،‬ومن أهإم الحيوانات التى اهإت م س‬
‫البل‪ ،‬والتى كانوا يشربون ألبانها ويأكلون لحومها ويستفيدون من‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬وفيات العيان )جُّ ‪.(7/130‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬دولة المرابطين فى المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(13‬‬
‫‪8‬‬
‫أوبارهإا وجلودهإا لصناعة العباءات واللبسة والنعال وأسإقف‬
‫البيوت الصغيرة‪.‬‬
‫موا بتربية البغال والحمير لسإتخدامها فى النقل‬ ‫وكذلك اهإت م س‬
‫المحلي)‪.(1‬‬
‫من بقرة وغنم وماعز لسإتعمال ألبانها‬ ‫موا بتربية المواشى م‬ ‫واهإت م س‬
‫موا‬‫م س‬ ‫ت‬‫واهإ‬ ‫لباسإهم‪،‬‬ ‫فى‬ ‫وأصوافها‬ ‫وجلودهإا‬ ‫غذائهم‪,‬‬ ‫فى‬ ‫ولحومها‬
‫بتربية النحل للحصول على العسل والشمع‪ ,‬وقد مارسإوا الصيد م‬
‫وخاصة صيد البقر الوحشي‪.‬‬
‫ورت فى‬ ‫وازدهإرت الصناعات المحلية للكتفاء الذاتي‪ ،‬وتط ش‬
‫الكم والنوع الصناعات المنزلية‪ ,‬وكذلك الدوات الحربية التى‬
‫مل مشثمين وجيرانهم‬ ‫ازدهإرت بسبب الحروب المستمشرة بين ال ل‬
‫موا بصناعة السروجُّ ولجم الخيل‪،‬‬ ‫الوثنيين من السودان وغانا‪ ,‬واهإت م س‬
‫وازدهإرت الصناعات الغذائية فاسإتخرجوا الزيت من ثمر الفرتى‬
‫سرجُّ‬ ‫وذلك بعصر قشره‪ ،‬واسإتعملوه فى طهى الطعام وإنارة ال س‬
‫ل‪ ،‬وكانوا يمزجونه بالرمل ويطلون به أسإطح المنازل فيخفف‬ ‫لي ص‬
‫من شدة الحر‪ ،‬ويمنع تسسرب الماء‪ ،‬واشتهرت مدينة تارودانت‬
‫بصناعة قصب السكر‪ ،‬والمنسوجات واللبسة من الصوف‬
‫والقطن والوبر‪ ,‬وكانوا يصنعون من ثمار القرع أوانى يضُعون فيها‬
‫الملح والبهارات‪.‬‬
‫مل مشثمين؛ الملح ويكثر فى أوليل‬ ‫من أهإم المعادن فى بلد ال ل‬ ‫و م‬
‫وتفاري‪ ،‬والخيرة تضُم معظم مناجمه وهإى على شكل ألواح‬
‫ليقط يعلمها العبيد وتحمللها الجمال إلى بلد السودان وغانا‪ ،‬وكان‬
‫من الذهإب‪ ،‬أما فى‬ ‫الحمل الواحد ليباع فى أيوالتن بعشرة مثاقيل م‬
‫ل‪ ،‬وربما ارتفع إلى الثلثين‪ .‬كان‬ ‫مالى فكان ليباع بعشرين مثقا ص‬
‫للملح أهإمية فى حياتهم القتصادية‪ ،‬إذ كانوا يقطعونه قطصعا‬
‫صغيرة يقايضُون به كالذهإب والفضُة‪ ،‬وكان الفائض من إنتاجهم‬
‫در إلى خارجُّ بلدهإم)‪.(2‬‬ ‫الزراعى والصناعى ليص ش‬
‫‪ -5‬أهإمية موقع الملثمين‪:‬‬
‫مل مشثمين الممشر الوحيد بين ال من يد مللسُ وأواسإط‬
‫كانت بلد ال ل‬
‫إفريقية؛ فكانت تسلكه القوافل على ثلث طرق‪ ،‬فالطريق الول‬
‫وهإو الطريق الساحلى على المحيط الطلسى ينطلق من أغادير‬
‫ب نهر السنغال‪ ,‬يقابله طريق داخلى غير‬ ‫ماصرا بنواكشوط حتى مص ي‬
‫بعيد عنه لجهة الشرق هإو طريق تارودانت أويل‪ ،‬أما الطريق‬
‫الشثامنى وهإو الوسإط فيمتد من أواسإط المغرب إلى قلب الصحراء‬

‫‪ ()1‬انظر ‪ :‬دولة المرابطين‪ ,‬صا)‪.(15‬‬


‫‪ ()2‬انظر دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(16‬‬
‫‪9‬‬
‫حيث بلدان مالى والنيجر‪,‬يبدأ هإذا الطريق من سإجلماسإة ويمر‬
‫بأزكى حتى أودغشت فى بلد النيجر‪.‬‬
‫والطريق الثالث والخير وهإو طريق الصحراء يمتد من‬
‫س‬
‫السودان الغربى إلى أواسإط الصحراء شرصقا‪ ,‬ول تخلو هإذه الطلرق‬
‫من صعوبات طبيعية‪ ،‬فتحرك الرمال يمحى معالمها وتتعرض‬ ‫م‬
‫القوافل المارة بها إلى مخاطر ل ت لحمد عقباهإا‪ ،‬ولذلك احتاجت‬
‫مل مشثمين لكى يقودوا القوافل فى تلك‬ ‫صاصا من ال ل‬‫ق ي‬‫هإذه القوافل لل ل‬
‫الصحارى حتى تصل إلى بر أمانها مقابل مبالغ مالية على المجهود‬
‫الرائع العظيم‪.‬‬
‫ونشطت حركة التجارة بين إفريقيا الغربية وبلد المغرب‬
‫وال من يد مللسُ بسبب الدور الريادى الذى قامت به قبائل لمتونة‬
‫ونت حلقة التصال الناجحة والمثمرة‬ ‫ومسوفة وجدالة التى ك ش‬
‫للطراف المشاركة‪ ,‬وكلثرت السإواق التجارية التى تعرض فيها‬
‫بضُائع بلد ال من يد مللسُ والمغرب القصى وبلد السودان الغربى حيث‬
‫يتم التبادل بالتقايض‪,‬أو بالذهإب والفضُة على حسب التفاق بين‬
‫المتبايعين‪ ،‬ومن أشهر تلك السإواق التى اشتهرت فى تاريخ‬
‫البلد‪ :‬أوغشت‪ ،‬أغمات‪ ،‬أسإيل)‪.(1‬‬
‫‪ -6‬الحياة الجتماعية فى بلد الملـثمين‪:‬‬
‫مل مشثمين إلى ظهور طبقة من‬ ‫وأدى ازدهإار التجارة فى بلد ال ل‬
‫الثرياء تجمعت لديهم أموال عظيمة بسبب نشاطهم التجاري‪،‬‬
‫وعلى رأس هإذه الطبقة المراء الذين اسإتأثروا بالحكم وحافظوا‬
‫من ليهد يد ل‬
‫على مصالحهم‪ ،‬وكانت هإذه الطبقة مستعدة لمقاومة م‬
‫مصالحها‪,‬أو يحاول انتزاع مكانتها وثروتها وجاهإها‪ ،‬مستخدمين من‬
‫محشرمة‪ ،‬ويساندهإم فى‬ ‫أجل تلك الهإداف السإاليب المشروعة وال ل‬
‫ذلك الفقهاء المحليون الذين ارتبطت مصالحهم بهم وأصبحت‬
‫أطماعهم والسعى لتحقيقها فوق أحكام الله‪.‬‬
‫واحتكرت هإذه الطبقة الراضى الزراعية فى الواحات‪ ،‬وكذلك‬
‫مناجم الملح وقطعان الماشية‪ ،‬أى جميع مصادر الثروة‪ ,‬وكانت‬
‫تبنى بيوتها بطريقة تدل على ترفعها عن سإائر الشناس‪ ,‬ومعلوم‬
‫معات البشرية أنه عندما‬ ‫جت م م‬
‫م ي‬
‫لدى الدارسإين والباحثين فى تاريخ ال ل‬
‫تظهر طبقة ذات ثراء مفرط ينتج عنه ظهور طبقة من الفقراء‬
‫مل مشثم‪ ،‬حيث‬ ‫مع ال ل‬
‫جت م م‬
‫م ي‬‫المدقعين فى فقرهإم‪ ,‬وهإذا ما حدث فى ال ل‬
‫نجد أن عامة الشناس أصابهم الفقر واضطروا إلى الشتغال برعى‬
‫المواشى وبالعمل فى الراضى الزراعية‪ ،‬ويؤدون الضُرائب‬
‫للمراء والعيان الذين اسإتغلوهإم اسإتغلل ص مشيصنا‪ ،‬وكانت طبقة‬
‫الفقراء تتعرض للمجاعة فى سإنوات الجفاف وكانت منازلهم من‬
‫‪ ()1‬المصدر السابق ‪ ،‬صا )‪.(18‬‬
‫‪10‬‬
‫مغطاة بالجلود كالكواخ‪.‬‬ ‫أغصان الشجار و ل‬
‫مل مشثم كثرة العبيد الذين اسإلتخدموا‬ ‫مع ال ل‬‫جت م م‬
‫م ي‬
‫وظهرت فى ال ل‬
‫س‬
‫سإخروا للعمل فى مناجم الملح‪ ،‬وجلهم كانوا أسإرى فى الحروب‬ ‫و ل‬
‫مل مشثمين والوثنيين‪ ،‬وارتفع شأن العبيد فيما بعد؛‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫بين‬ ‫نشبت‬ ‫التى‬
‫فكانوا فرقة خاصة فى جيش المرابطين‪ ،‬واشتهرت المرأة‬
‫مل مشثمة بالجمال‪ ،‬وهإى سإمراء اللون‪ ,‬وبعض نساء الطبقة العليا‬ ‫ال ل‬
‫ن منزلة رفيعة فاقت منزلة الرجال فى بعض الحيان‪.‬‬ ‫ش‬ ‫له‬ ‫كانت‬
‫مل مشثم تتنافى مع تعاليم‬ ‫مع ال ل‬ ‫جت م م‬‫م ي‬
‫وانتشرت عادات خبيثة فى ال ل‬
‫السإلم‪ ،‬بل هإى عادات غارقة فى مستنقعات الجاهإلية‪ ،‬ومن أبشع‬
‫هإذه العادات السيئِّة الزواجُّ بأكثر من أربع حرائر‪ ،‬وعادة الزنى‪،‬‬
‫ومصادقة الرجل للمرأة المتزوجة بعلم زوجها وحضُوره‪ ،‬وغابت‬
‫مع واضطربت تصورالته‬ ‫جت م م‬
‫م ي‬
‫العقيدة السإلمية الصحيحة عن ذلك ال ل‬
‫مع قد‬ ‫جت م م‬
‫م ي‬
‫وانحرف عن الصراط المستقيم‪ ,‬بعدما كان أجداد هإذا ال ل‬
‫ل‪ ،‬ونبذوا‬ ‫آمنوا بالله رصبا وبالسإلم ديصنا وبمحمد × نبصيا ورسإو ص‬
‫مع دعاة إلى‬ ‫جت م م‬
‫م ي‬
‫ديانتهم المجوسإية القديمة‪ ،‬بل كان أجداد هإذا ال ل‬
‫الله ‪ ،‬ورفعوا لواء الجهاد ‪ ,‬وخاضوا حروصبا فى سإبيل إعلء كلمة‬
‫السإلم الخالدة التى وصلتهم بعد فتح ال من يد مللسُ‪.‬‬
‫مل مشثمين بحرصهم على نشر السإلم وكسر‬ ‫من ملوك ال ل‬ ‫واشتهمر م‬
‫شوكة من يعاديه الملك »تيولوثان بن تيكلن اللمتوني« الذى‬
‫حارب القبائل الوثنية ونشر بينها السإلم‪ ،‬وبعد وفاته سإنة ‪222‬هإـ‬
‫خلفه حفيده الثر الذى دام حكمه حتى وفاته عام ‪287‬هإـ‪ ،‬فخلفه‬
‫ابنه تميم الذى قتل عام ‪306‬هإـ‪920 /‬م على يد مشايخ صنهاجة‪.‬‬
‫مل مشثمين‪ ,‬وضاعت كثير من تعاليم‬ ‫وبعد ذلك افترقت كلمة ال ل‬
‫الدين واسإتمشر شتاتهم مدة مائة وعشرين سإنة الى أن قام بالمر‬
‫دهإم‪ ،‬وقد اسإتشهد‬ ‫المير محمد بن تيفاوت اللمتوني)‪ (1‬الذى و ش‬
‫ح م‬
‫مه على يد الوثنيين‪ ،‬فقام‬ ‫حك م‬ ‫هإذا المير بعد ثلث سإنوات من ل‬
‫بالمر بعده صهره المير يحيى بن إبراهإيم الجدالى الذى قاد مقومه‬
‫جه ورحلته المشهورة‪.‬‬ ‫ح ي‬‫من م‬ ‫نحو دين الله بعد رجوعه م‬
‫***‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬ابن أبي زرع‪ ،‬روض القرطاس‪ ،‬صا )‪ (746‬نقل ص عن دولة المرابطين صا )‬
‫‪.(19‬‬
‫‪11‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫المير يحيى بن إبراهإيم )الزعيم السياسإي(‬
‫ف‬‫عر م‬‫عا فى مقومه ملما ل‬ ‫دا مطا ص‬‫كان المير يحيى بن إبراهإيم سإي ص‬
‫من شجاعة وكرم وجود ومقدرة قيادية عالية‪ ,‬واشتهر برجاحة‬ ‫عنه م‬
‫م‬
‫عقلة ونفاذ بصيرته وسإداد رأيه وحرصه على هإداية قومه‪.‬‬
‫مل مشثمين قاص ص‬
‫دا بيت الله‬ ‫خرجُّ هإذا المير الجليل من ديار ال ل‬
‫كا الحكم لبنه إبراهإيم عام ‪427‬هإـ ‪-‬‬ ‫الحرام‪ ,‬لداء فريضُة الحج تار ص‬
‫‪1035‬م)‪.(1‬‬
‫ن الحج بطلب العلم‪ ،‬وبعد أداء الفريضُة‪،‬‬ ‫وكانت العادة أن يقتر م‬
‫انطلق المير يحيى يبحث عن المعرفة فى مدارس المغرب‬
‫الفقهية طالصبا للعلم لرواء روحه الظمأى إلى نور المعرفة‬
‫ت به أقدالر الله‬ ‫السإلمية التى اندرسإت معالمها فى بلده‪ ,‬ورم ي‬
‫قةم إمام المغرب فى زمانه فى مدينة القيروان »المام أبو‬ ‫حل م م‬ ‫فى م‬
‫سُ المير يحيى بتعاليمه وفقهه‪,‬‬ ‫ش‬
‫عمران الفاسإي« الذى تعلقت نف ل‬
‫وعرض نفسه على المام أبى عمران الفاسإى الذى ورث زعامة‬
‫المدرسإة المالكية التى انتصرت على الهيمنة السإماعيلية العبيدية‬
‫دت حريتها كاملة بعد جهادهإم المرير‬ ‫الباطنية الرافضُية‪ ،‬واسإتر ش‬
‫مال الفريقي‪.‬‬ ‫م‬ ‫ش‬
‫ش‬ ‫ال‬ ‫فى‬ ‫السنة‬ ‫أهإل‬ ‫معالم‬ ‫ما من‬‫معيل م ص‬
‫الذى أصبح م‬
‫ب الشيخ أبو عمران بالمير يحيى لما لمسه فيه من حبه‬ ‫ل‬
‫ج م‬‫وأع م‬
‫للخير وحرصه على التعلم‪ ،‬وتحدث إليه المير عن سإوء الحوال‬
‫الجتماعية فى بلده‪ ،‬وجهل قبائلها بأصول الدين وفروع الشريعة‪،‬‬
‫وطلب من أبى عمران أن يبعث معه أحد طلبته ليعلم مقومه‬
‫أصول الفقه والشريعة السإلمية)‪.(2‬‬
‫وتذكر بعض كتب الشتامريخ‪ ,‬أن أبا عمران الفاسإى هإو الذى وضع‬
‫عيم يحيى بن إبراهإيم لقيام دولة صحراوية‬ ‫الخطوط الولى مع الشز م‬
‫سإنية فى المغرب على أسإسُ دينية صحيحة‪ ,‬كى تستطيع القضُاء‬
‫على الفوضى السياسإية والدينية التى كان المغرب يتخبط فيها‬
‫منذ سإنوات عديدة‪ ،‬وفى ذلك يقول صاحب كتاب »بعض مشاهإير‬
‫أعيان فاس فى القديم«‪:‬‬
‫»ولما اجتمع أبو عمران مع يحيى بن إبراهإيم‪ ،‬ندبه إلى قتال‬
‫برغواطة‪ ،‬وقتال زناتة على ما صدر منهم من الظلم‪ ،‬واسإتنزال‬
‫رؤسإائهم من الولية‪ ،‬فوعده يحيى بالنهوض‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(19‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬تاريخ المغرب والندلسُ فى عصر المرابطين‪ ،‬صا )‪.(38‬‬
‫‪12‬‬
‫إلى ذلك« )‪.(1‬‬
‫صا على أخذ فقيه وعالم معه إلى‬ ‫وكان يحيى بن إبراهإيم حري ص‬
‫من أجل تحقيق الهإداف التى‬ ‫مقومه‪ ،‬ورأى أبو عمران الفاسإى م‬
‫رسإموهإا‪ ,‬أنه لب لد ش من المرور بمراحل ضرورية فى بناء الدولة‬
‫المنشودة‪ ,‬من مرحلة التعريف بالمنهج وتكوين أفراده وتربيتهم‬
‫عليه‪ ,‬وتنفيذ السياسإة المرسإومة بعد التكوين للوصول إلى مرحلة‬
‫وة والشتمكين‪.‬‬ ‫ق ش‬
‫ال ل‬
‫مل مشثمين على تلميذ له فى بلد‬ ‫فأحال أبو عمران أمير ال ل‬
‫السوس فى أقصى المغرب‪ ،‬وهإو الفقيه وجاجُّ بن زلوا اللمطي‪،‬‬
‫الذى كان يقيم فى رباط هإناك بمدينة نفيسُ يسمى دار‬
‫المرابطين‪ ،‬ومن هإذا اليرمباط أرسإل وجاجُّ صحبة هإذا المير الفقيه‬
‫عبد الله بن ياسإين الجزولى ليفقه هإؤلء الصحراويين فى أمور‬
‫دينهم‪.‬‬
‫وكان يحيى بن إبراهإيم بجانب تفكيره فى إخراجُّ مقومه من‬
‫مات إلى السنور يفكر فى إنقاذ مقومه من الهيمنة الزناتية‬ ‫الظ سل ل م‬
‫مل مشثمة تعانى من جورهإا‬‫الظالمة‪ ,‬التى كانت قبائل صنهاجة ال ل‬
‫وقسوتها وإذللها وإهإانتها‪.‬‬
‫لقد رأى المير يحيى أن طريق عزة مقومه فى تمسكهم‬
‫من‬‫ل م‬‫بالسإلم الصحيح‪ ،‬وقد لحظ المير يحيى بن إبراهإيم أن ك ش‬
‫حشركوا القبائل البربرية وهإيأوهإا لنشاء الدول‪ ،‬كانوا جميصعا من‬
‫من علماء الدين‪ ،‬أو أصحاب الدعوات الدينية سإواء‬ ‫المتحمسين م‬
‫من‬ ‫م‬ ‫مالكية‪،‬‬ ‫إدريسية‬ ‫أو‬ ‫كفرية‪،‬‬ ‫إسإماعيلية‬ ‫أو‬ ‫بدعية‪،‬‬ ‫كانت خارجية‬
‫أمثال‪ :‬أبى الخطاب عبد العلى بن السمح المعافرى الخارجي‪،‬‬
‫وأبى عبد الله الشيعى الباطني‪ ،‬وإدريسُ بن عبد الله بن الحسن‬
‫ابن على بن أبى طالب‪ ,‬حتى برغواطة ذات الديانة الشركية‬
‫من أهإل العلم‪ ،‬وهإو‬ ‫دعى أنه م‬ ‫مها رجل ي ش‬ ‫المجوسإية اليهودية تزع ش م‬
‫ميسرة الفقير‪ ،‬وحتى قبيلة غمارة تزعمها صالح البرغواطى الذى‬
‫زعم أنه »صالح المؤمنين« الذى ورد ذكره فى القرآن)‪.(2‬‬
‫مشرت فى ذاكرته حرصا على‬ ‫لهذه الجولة التاريخيية التى م‬
‫الهإتمام بالشيخ عبد الله ياسإين الرجل الفقيه العالم السنى ليعلم‬
‫مقومه ويزكيهم ويفقههم‪.‬‬
‫كما كان المير يحيى بن إبراهإيم يخشى من خطر الجنوب‬
‫م بدعوة القبائل‬ ‫ويهت ل‬
‫الوثنية للسإلم‪.‬‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬فى تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬د‪ .‬أحمد العبادي‪ ،‬صا )‪.(271‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬معالم تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬د‪ .‬حسين مؤنسُ‪ ,‬صا )‪.(160‬‬
‫‪13‬‬
‫وبدأ المير يحيى فى شق طريقه المليء بالشواك من أجل‬
‫إنقاذ مقومه وإعزازهإم فى الدنيا والخرة‪ ،‬ورجع إلى أهإله وعشيرته‬
‫عيم‬
‫ومعه الرجل الرشبانى والفقيه المالكى والمربى الصبور والشز م‬
‫الدينى المام عبد الله ياسإين‪ ،‬وقبل الدخول فى سإيرته نترجم‬
‫للمام السنى المالكى سإيد القيروان فى زمانه‪.‬‬
‫***‬

‫‪14‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫أبو عمران الفاسإي‬
‫مهندس الخطوط العريضُة‬
‫لدولة المرابطين )‪ 368‬هإـ ‪ 430 -‬هإـ(‬
‫ذكر القاضى عياض فى »ترتيب المدارك وتقريب المسالك‬
‫لمعرفة أعلم مذهإب مالك« ترجمة أبى عمران الفاسإى فقال‪:‬‬
‫جومي‪،‬‬ ‫ف ل‬
‫»هإو موسإى بن عيسى بن أبى حاجُّ بن وليم بن الخير الغم م‬
‫جوم فخذ من زناتة من هإوارة‪ ,‬وأصله من فاس‪ ،‬وبيته بها بيت‬ ‫وغ م م‬
‫ف ل‬
‫مشهور‪ ،‬يعرفون ببنى أبى حاجُّ‪ ،‬ولهم عقب‪ ،‬وفيهم نباهإة إلى‬
‫الن«)‪.(1‬‬
‫‪ -1‬شيوخه‪:‬‬
‫قه بالقيروان عند أبى الحسن القابسي‪ ،‬وسإمع بها من أبى‬ ‫تف ش‬
‫بكر الدويلي‪ ،‬وعلى بن أحمد اللواتى السوسإي‪ ،‬ورحل إلى‬
‫قه بها عند أبى محمد الصيلي‪ ،‬وسإمع الحديث من أبى‬ ‫قليرط لمبة‪ ،‬فتف ش‬
‫عثمان سإعيد بن نصر‪ ،‬وعبد الوارث بن سإفيان‪ ،‬وأحمد بن قاسإم‪،‬‬
‫وغيرهإم‪ ،‬ثم رحل إلى المشرق‪ ،‬فحج ودخل العراق‪ ،‬فسمع من‬
‫أبى الفتح ابن أبى الفوارس‪ ،‬وأبى الحسن على بن إبراهإيم‬
‫المستملي‪ ،‬وأبى الحسن الخضُر‪ ،‬وغيرهإم من العراقيين)‪ ،(2‬ودرس‬
‫الصول على القاضى أبى بكر الباقلني‪ ،‬وسإمع بالحجاز من أبى‬
‫الحسن بن أبى فراس‪ ،‬وأبى القاسإم السقطي‪ ،‬وبمصر من أبى‬
‫الحسن ابن أبى جدار‪ ،‬وأحمد بن نور القاضي‪ ،‬ثم رجع إلى‬
‫القيروان‪ ،‬وسإكنها‪ ،‬وأصبح سإيدهإا المطاع‪ ،‬وأقبل عليه طلب العلم‬
‫من كل صوب‪ ،‬وطارت فتاويه فى المشرق والمغرب‪ ،‬واعتنى‬
‫الشناس بقوله)‪.(3‬‬
‫‪ -2‬أثره وتلميذه‪:‬‬
‫ابتدأ نشاطه العلمى سإنة ‪402‬هإـ‪ ،‬حين عاد من المشرق‪ ،‬فقد‬
‫عرف‬ ‫ضُا‪ ،‬وسإرعان ما ل‬
‫جلسُ للطلبة فى المسجد‪ ،‬وفى داره أي ص‬
‫قدره‪ ،‬واشتهرت إمامته‪ ،‬وطار ذكره فى الفاق‪ ،‬وقد خلف المام‬
‫القابسى المتوفى سإنة ‪403‬هإـ‪ ،‬فى نشر علوم السنة فى إفريقية‬
‫ورئاسإة العلم بها‪ ,‬ورحل إليه الشناس من القطار لسماع مروياته‬

‫‪ ()1‬ترتيب المدارك‪ ،‬الطبعة المغربية‪) ،‬جُّ ‪.(244-7/243‬‬


‫‪ ()2‬المرجع السابق‪.‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬مدرسإة الحديث فى القيروان )جُّ ‪.(766-2/765‬‬
‫‪15‬‬
‫واسإتجازه من لم يستطع الجتماع به)‪.(1‬‬
‫مشية من بعد صلة الصبح إلى صلة‬ ‫وكان يجلسُ فى حلقته المعل م‬
‫الظهر‪ ،‬يحدثهم ويملى عليهم‪ ،‬ويقرأ لهم‪» ،‬فل يتكلم بشيء إل‬
‫كتب عنه إلى أن مات«‪.‬‬ ‫ل‬
‫ضُا‪،‬‬
‫ث بصحيح اللبخارى و »الشتامريخ الكبير« له أي ص‬ ‫وكان يحد ل‬
‫دث كذلك بمصنفاته‬ ‫حد يمثين« للدارقطني‪ ،‬وكان يح ي‬ ‫م م‬‫و»تصحيف ال ل‬
‫فى الحديث والرجال والفقه‪ ،‬وقد انتشرت روايتها فى ال من يد مللسُ‬
‫ضُا عن طريق تلميذه من أهإلها)‪.(2‬‬ ‫أي ص‬
‫ل‪ ،‬ومعرفة سإيرهإم‬ ‫حا وتعدي ص‬ ‫وكان متضُلصعا فى كلم الرواة جر ص‬
‫ووفياتهم وغير ذلك‪.‬‬
‫صا يرجعون إليه فيما يلم‬ ‫وكان العامة من أهإل القيروان خصو ص‬
‫بهم ويستفتونه‪.‬‬
‫كما كان الموفدون فى مهمات سإياسإية إلى القيروان يسألونه‬
‫ويستفتونه ويستفيدون من علمه‪.‬‬
‫قوم بنشر‬ ‫وكان له اهإتمام بالبلد البعيدة ويرسإل إليها من ي م‬
‫العلم كما حدث فى اهإتمامه بصحراء المغرب‪ ،‬وما نتج عن ذلك‬
‫الهإتمام من قيام دولة المرابطين فى تلك المناطق النائية)‪.(3‬‬
‫وقد تتلمذ عليه عدد كبير من الشناس من أهإل إفريقية‬
‫والمغرب‪ ،‬وال من يد مللسُ‪ ،‬وصقلية‪ ،‬قال الذهإبي‪» :‬تخشرجُّ بهذا المام‬
‫خلق من الفقهاء والعلماء«)‪.(4‬‬
‫‪ -3‬ثناء العلماء عليه‪:‬‬
‫قال تلميذه الحافظ حاتم الطرابلسي‪» :‬لقيلته بالقيروان فى‬
‫رحلتى سإنة ‪402‬هإـ‪،‬‬
‫من أحفظ الشناس‪ ,‬وأعلمهم وكان جمع حفظ المذهإب‬ ‫وكان م‬
‫المالكي‪ ،‬وحفظ حديث‬
‫النبى ×‪ ,‬والمعرفة بمعانيه‪ ،‬وكان ليقرئ بالسبعة‪ ،‬وليجودهإا مع‬
‫المعرفة بالرجال‪،‬‬
‫)‪(5‬‬
‫والمعدلين منهم والمجرحين‪. « . . .‬‬
‫وقال الذهإبي‪» :‬المام الكبير العلمة عالم القيروان‪ . . .‬أحد‬
‫العلم‪ . . .‬تخشرجُّ به خلق من الفقهاء والعلماء«)‪.(6‬‬

‫انظر‪ :‬مدرسإة الحديث فى القيروان‪) ,‬جُّ ‪(766-765 /2‬‬ ‫‪()1‬‬


‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪()2‬‬
‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪()3‬‬
‫سإير أعلم النبلء )جُّ ‪.(17/546‬‬ ‫‪()4‬‬
‫ترتيب المدارك )جُّ ‪ (7/246‬الطبعة المغربية‪.‬‬ ‫‪()5‬‬
‫سإير أعلم النبلء )جُّ ‪.(456-17/545‬‬ ‫‪()6‬‬
‫‪16‬‬
‫وقال أبو بكر الباقلنى لبى عمران الفاسإي‪» :‬لو اجتمعت فى‬
‫مدرسإتى أنت وعبد الوهإاب بن نصر‪ -‬وكان إذ ذاك بالموصل –‬
‫لجتمع فيها علم مالك‪ :‬أنت تحفظه‪ ,‬وهإو ينصره لو رآكما مالك‬
‫لسر بكما«)‪.(1‬‬
‫‪ -4‬شعره‪:‬‬
‫عندما كتب محمد بن على الطبنى أبياصتا من الشعر وأرسإلها‬
‫إلى أبى عمران الفاسإى بمناسإبة العزم على الذهإاب إلى بيت الله‬
‫الحرام‪ ،‬أجاب أبو عمران الفاسإى بهذه البيات‪:‬‬
‫وصان نفسك بالتكريم‬ ‫من خلّ أخى‬ ‫حياك ربسك م‬ ‫ش‬
‫مولهإا‬ ‫ثقة‬
‫فهو العليم بما يبديه‬ ‫كل غم وشان ل‬‫ي‬ ‫من‬ ‫م‬
‫مولهإا‬ ‫يوفقها‬
‫وقولها إن تسر ودعتك‬ ‫الرحمن‬
‫ول أضاع لها ش‬
‫)‪(2‬‬ ‫الله‬ ‫حرمتها‬
‫أسإناهإا‬ ‫الله يجمعنا من بعد أوبتنا‬
‫هإذه ترجمة موجزة لواضع الخطوط العريضُة لدولة‬
‫المرابطين‪.‬‬
‫ولتوفى ‪ -‬رحمه الله ‪ -‬سإنة ثلثين وأربعمائة من الهجرة‪.‬‬
‫***‬

‫‪ ()1‬ترتيب المدارك )جُّ ‪(7/246‬‬


‫‪ ()2‬المصدر السابق )جُّ ‪.(7/52‬‬
‫‪17‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫الزعيم الدينى لدولة المرابطين‬
‫عبد الله بن ياسإين‬
‫هإو عبد الله بن ياسإين بن مكوك بن سإير بن على الجزولي‪,‬‬
‫أصله من قرية »تماماناوت« فى طرف صحراء غانة)‪.(1‬‬
‫درس على فقيه السوس وجاجُّ بن زلوا‪ ،‬رحل إلى ال من يد مللسُ‬
‫فى عهد ملوك الطوائف وأقام بها سإبع سإنين)‪ ,(2‬واجتهد فى‬
‫من خيرة طلب الفقيه وجاجُّ‬ ‫تحصيل العلوم السإلمية‪ ,‬ثم أصبح م‬
‫من تلميذه وجاجُّ ابن‬ ‫بن زلوا فعندما طلب أبو عمران الفاسإى م‬
‫ما ديصنا تقصيا مربصيا‬ ‫ص‬ ‫عال‬ ‫زلوا أن يرسإل مع يحيى بن إبراهإيم فقيصها‬
‫فاضل ص وقع الختيار على عبد الله بن ياسإين الصنهاجى الذى كان‬
‫ما بتقاليد مقومه وأعرافهم وبيئِّتهم وأحوالهم‪.‬‬ ‫عال ص‬
‫ودخل عبد ل الله بن ياسإين مع يحيى بن إبراهإيم فى مضُارب‬
‫مل مشثمين من قبيلة جدالة فى عام ‪ 430‬هإـ‪/‬‬ ‫ومواطن ومساكن ال ل‬
‫مه‬ ‫ل‬
‫‪1038‬م فاسإتقبله أهإلها واسإتمعوا له‪ ،‬وأخذ يعلمهم‪ ،‬فكان تعلي ل‬
‫باللغة العربية لطلبة العلم‪ ،‬والرشاد الدينى للعامة بلهجة أهإل‬
‫الصحراء البربرية‪.‬‬
‫لقى عبد الله بن ياسإين كثيصرا من الصعوبات‪ ،‬فقد وجد أكثر‬
‫مل مشثمين ل يصلون ول يعرفون من السإلم إل اسإمه‪ ،‬وعم الجهل‬ ‫ال ل‬
‫عليهم‪ ،‬وانحرفوا عن معالم العقيدة الصحيحة وتلوثت أخللقهم‬
‫وأحكام دينهم‪ ،‬واصطدمت تعاليمه بمصالح المراء والشراف‪،‬‬
‫فثاروا عليه‪ ،‬وكادوا يقتلوه‪ ،‬إل أنه ترك قبيلة جدالة‪ ،‬وانتقل إلى‬
‫م اختار رباطه المشهور على مصب نهر‬ ‫من ث ش‬‫قبيلة لمتونة‪ ،‬و م‬
‫س‬
‫السنغال‪ ،‬بعد انتشار صيته‪ ،‬وتعلق الشناس به‪ ،‬فهرعوا إليه ليربيهم‬
‫وينظمهم ويعلمهم‪.‬‬
‫كتب الشتامريخ نستطيع أن نقول‪ :‬إن عبد الله بن‬ ‫من خلل ل‬ ‫و م‬
‫مة يجب‬ ‫مه ش‬ ‫ياسإين – رحمه الله‪ -‬نجح فى رسإالته الدعوية لسإباب ل‬
‫من صفات‬ ‫أن يعرمفها الدعاة ل إلى الله‪ ,‬أل وهإى ما وهإبه الله م‬
‫فطرية‪ ,‬وما اكتسبه فى حياته من صفات عقلية‪ ,‬وصفات حركية‪.‬‬
‫فات الفطرية التى ظهرت لى من سإيرته‪:‬‬ ‫ص م‬
‫من أهإم ال ي‬
‫أ‪ -‬و م‬
‫‪ -1‬الذكاء‪ :‬فكان ‪-‬رحمه الله‪ -‬عميقم الفهم‪ ,‬صاحب حجة‪ ،‬ليقيم‬
‫الدليل على خصومه من الفقهاء‪ ،‬والمحليين الذين تحالفوا مع‬
‫المراء والعيان للقضُاء عليه أو طرده‪.‬‬
‫‪ ()1‬دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪ (21‬نقل ص عن البكري المغرب‪ ,‬صا )‪.(165‬‬
‫‪ ()2‬ابن الخطيب‪ ,‬الخلل‪ ,‬صا )‪.(191‬‬
‫‪18‬‬
‫واختياره لمكان أنسب لتربية أتباعه وتعليمهم يدل على ذكائه‬
‫وبعد نظره‪ ,‬ويظهر ذلك فى حروبه التى خاضها لتوحيد القبائل‬
‫الصنهاجية‪ ،‬ثم انتقاله للقضُاء على المخالفين له فى المنهج‬
‫ور‪.‬‬ ‫والمعتقد والتص س‬
‫‪ -2‬الشجاعة‪ :‬حيث إنه دخل الصحراء داعصيا إلى الله تعالى مع‬
‫من تلميذ أبى عمران الفاسإى اعتذروا وكذلك من تلميذ‬ ‫إن غيره م‬
‫وجاجُّ بن زلوا‪.‬‬
‫وامتامز بشجاعة وصلبة عظيمة فى دعوته وأمره بالمعروف‬
‫ونهيه عن المنكر‪ ،‬وفى جهاده حتى إنه اسإتشهد فى إحدى معاركه‬
‫ضد أعدائه‪.‬‬
‫عة‪ ،‬أل‬ ‫جا م‬ ‫ش م‬ ‫ل ال ش‬ ‫عا عظيم الحتمال‪ ،‬ومارس أفضُ م‬ ‫شجا ص‬ ‫فكان ل‬
‫ق‪ ،‬وكتمان السير إذ إنه كان قد خطط مع‬ ‫صراحة فى الح ي‬ ‫وهإى ال ش‬
‫مشية ولم يتسشرب منها شيء لعدائه‬ ‫يحيى بن إبراهإيم المراحل المعل م‬
‫حتى أخذت حيز التنفيذ‪.‬‬
‫ل‬‫سملم تد س‬ ‫م ي‬ ‫عة فى الحق وفى ميادين القتال بالنسبة لل ل‬ ‫جا م‬ ‫ش م‬ ‫وال ش‬
‫ور وانحراف المنهج‪،‬‬ ‫س‬ ‫التص‬ ‫غبش‬ ‫م‬ ‫من‬ ‫وسإلمتها‬ ‫عقيدته‬ ‫وة‬ ‫على قل ش‬
‫عة‪،‬‬ ‫جا م‬ ‫ش م‬ ‫ومن المعلوم أن صفاء العقيدة يرفع الهمة وينمى ال ش‬
‫سإعل‬ ‫ويلهب المشاعر‪ ،‬ويذكى الروح‪ ,‬ويربط الفؤاد وينور العقل‪ ،‬ويو ي‬
‫المدارك‪ ،‬والعاملون فى الدعوة إلى الله ينبغى عليهم أن يكونوا‬
‫شجعاصنا فهى منه وإليه‪.‬‬
‫شروُجهرمُ فميمزاًمدجهرمُ لإيمماَلنَاَ‬ ‫إن اًللناَسم قمرد مجممعجوُاً لمجكرمُ مفاَرخ م‬ ‫قال تعالى‪﴿ :‬اًللذيمنَ مقاَمل لمجهجمُ اًلل ج‬
‫ناَس ل‬
‫سرسجهرمُ جسوُءء مواًتليبميعجوُاً لر ر‬ ‫ل وفم ر ل‬ ‫ل‬ ‫لل س‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ضموُاًمن‬ ‫ضسل رمُ يمرم م‬ ‫مومقاَلجوُاً محرسبجيمناَ اًلج مونَرعممُ اًلرموُكيْجل ‪ ‬فماَنَريمقلمبجوُاً بنرعممة بممنَ اً م‬
‫ضسل معلظيْسمُ﴾ ]آل عمران‪.[174-173 :‬‬ ‫ل مواًلج جذو فم ر‬ ‫اً ل‬
‫وحامل دين الله ينبغى أل يستكين‪ ،‬ول يجبن‪ ،‬ول يخور عزمه؛‬
‫من عند العليم الحكيم‪ ،‬سإار على‬ ‫دسإةة م‬
‫مق ش‬
‫لنه صاحب رسإالة ل‬
‫من عدوهإم‪.‬‬ ‫م‬ ‫وانتقم‬ ‫الله‪,‬‬ ‫فنصرهإم‬ ‫قبل‪،‬‬ ‫من‬
‫نهجها رسإل الله م‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ثم ترضى بعده أن‬ ‫سا ترتضُى السإلم‬ ‫إن نف ص‬
‫تستكينا‬ ‫ديصنا‬
‫ثم تهوى العيش نفسُ‬ ‫أو ترى السإلم فى أرض‬
‫لن تكونا‬ ‫مهيصنا‬
‫)‪(1‬‬
‫سملمين العظماء‬ ‫م‬
‫ل ي‬ ‫ال‬ ‫عداد‬ ‫فى‬
‫من أمثال‬
‫وكم نحن محتاجون إلى شجاعة الدعاة إلى الله م‬
‫زيل بها المنكرات‬ ‫الفقيه عبد الله بن ياسإين لندك بها الباطل‪ ،‬ون م‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الصفات اللزمة للدعاة‪ ،‬أحمد القطان‪ ،‬جاسإم المهلهل‪ ،‬صا )‪.(20‬‬
‫‪19‬‬
‫شلبهات الخادعة بالنورين كتاب الله وسإنة‬ ‫الظاهإرة‪ ،‬وندمغم ال س‬
‫رسإوله ×‪.‬‬
‫قال الشاعر‪:‬‬
‫ن‬‫ت الصفا م‬ ‫لك مهرصبا وتلق م‬ ‫وإذا اضطررت إلى‬
‫الجدال ولم تجد‬
‫والشرع م سإيفك وابد فى‬ ‫عا‬‫فاجعل كتاب الله در ص‬
‫الميدان‬ ‫سإابصغا‬
‫واركب جواد العزم فى‬ ‫جنة‬ ‫والسنة البيضُاء دونك ل‬
‫الجولن‬
‫عدةم‬‫فالصبر أوثقل ل‬ ‫واثبت بصبرك تحت ألوية‬
‫النسان‬ ‫الهدى‬
‫س الطعان‬ ‫م‬ ‫الفار‬ ‫ر‬
‫س‬ ‫د‬ ‫لله‬ ‫م‬ ‫ي‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ق‬ ‫الح‬ ‫برمح‬ ‫واطعن‬
‫)‪(1‬‬
‫معاند ة‬
‫متجرد ة لله غيرم جبان‬ ‫دق‬ ‫ص ي‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫بسيف‬ ‫واحمل‬
‫حملة مخلص‬
‫وكم نحن محتاجون للدعاة الذين يتوغلون فى مواطن القبائل‬
‫من جديد إلى‬ ‫التى ابتعدت عن إسإلمها ودينها وإيمانها‪ ,‬ليقودوهإا م‬
‫من النصارى‬ ‫دعم حركة السإلم المعاصرة التى اسإتهدفها ك ل‬
‫ل م‬
‫واليهود والملحدة الحاقدين‪.‬‬
‫فات التى ظهرت لى فى سإيرة عبد الله‬ ‫ص م‬ ‫‪ -3‬المهابة‪ :‬ومن ال ي‬
‫وته البدنية‪،‬‬ ‫دا‪ ،‬فمن الدلة على ق ش‬ ‫بن ياسإين أنه كان مهيصبا قوصيا شدي ص‬
‫دمه فى ميدان الفروسإية بل جعل من‬ ‫خوضه الحروب بنفسه وتق س‬
‫ي‬ ‫ل‬
‫منهجه الذى ربى عليه أصحابه فى هإذا الجانب قوله تعالى‪﴿ :‬موأمعدواً‬
‫لمجهمُ لماَ اًرستمطمرعجتمُ بمنَ قجيلوُةس ولمنَ برباَلط اًلرمخريْلل تجيرلهبوُمن بلله معجدلو اً ل‬
‫ل مومعجدلوجكرمُ﴾ ]النفال‪.[60 :‬‬ ‫ر ج‬ ‫م م‬ ‫ر‬
‫وة ‪ -‬فى هإذه الية بالرمى بقوله‪» :‬أل إن‬ ‫ق ش‬
‫سر الرسإول × ال ل‬‫وف ش‬
‫اًلجقلوُة اًلرمي« ‪ ،‬والرمية إن لم تخرجُّ من سإاعد قوى ومتين فهى ل‬
‫)‪(2‬‬

‫ة لقت ح ص‬
‫ظا‬ ‫وة البدني ش م‬
‫ق ش‬‫ققل الهدف المطلوب‪ ،‬وفى السنة نجد ال ل‬ ‫لتح ي‬
‫جع أصحابه ‪ ‬ىىى‬ ‫القوياء‪ ،‬وكان ليش ي‬‫ى‬
‫وافصرا‪ ،‬فالرسإول × هإو أقوىىى‬
‫ىىىىىى ىىى ىىىىىى ىى ىىىى ىىى ىىىىىىىى‬
‫ىىىىىىىىى ىىىىىىىىى ىىىى ىىىىىى ىىىىىى ىى ىىىى‬
‫ىىىىى × ىى ىىىىى ىىى ىىىى ىىىى ىىىىىى‬ ‫ىىىى ىىى ىىى ى‬ ‫ى‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫ىىىى ىى ىىىىى ىىىى ىىىىى ىىىىىى ىىىىىى ىى‬
‫ىىىىىىى × ىىىى ىىىىىى ىىىىى‪.‬‬‫ى‬
‫ى‬
‫ىىى × ىىى ىىىىى ىىىىى ىىىىىىىى ىىىى ىىىى ىىىى‬

‫‪ ()1‬نونية أبي عبد الله القحطاني‪ ،‬صا )‪.(39‬‬


‫‪ ()2‬رواه مسلم رقم )‪.(910‬‬
‫‪20‬‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫ىى‬ ‫ىى ى‬
‫ىىىىىىى ىىىىى ىىىى ىىى ىىىىىىى ىىىىىىىى ىىىىىىى‬
‫ىىىىى‪» :‬ارموا فإن أباكم إسإماعيل كان رامصيا«)‪.(1‬‬
‫ىىىى ىىىىى ىىىىىىىىى ىىىىىىى ىىىى ىىىى ىىى ى‬
‫ىى‬
‫ىىىى ىى ىىىىى ىىىىىىىى ىىىىى ىىىى ىىى ىىىىى ىىىى‬
‫ى‬ ‫ىىىىىى‪.‬‬‫ى‬ ‫ىىىىىى ىى ىىىىىى‬
‫ىى‬ ‫ىى‬
‫ىىىىىى ىىىىىى ىىىىى ىىى ىىىى ىى ىىىى ىىىىىى‬
‫ىىىى ىىىى – ىى ىىىىى ىىىى ىىىىى‪﴿ :‬لماَ‬ ‫ى‬ ‫ىىى ىىىىىى –‬
‫وة العقلية‪،‬‬ ‫اًرستمطمرعجتمُ بمنَ قجيلوُةس﴾ أي‪» :‬كل ما تقدرون عليه‪ ،‬من ال ل‬
‫ق ش‬
‫والبدنية‪ ،‬وأنواع السإلحة‪ ,‬ونحو ذلك«‪.‬‬
‫فدخل فى ذلك أنواع الصناعات التى تعمل فيها أصناف‬
‫السإلحة واللت‪ ،‬من المدافع والرشاشات والبنادق‪ ،‬والطيارات‬
‫قلع‪ ،‬والخنادق‪ ،‬وآلت‬ ‫الجوية‪ ،‬والمراكب البرية والبحرية‪ ،‬وال م‬
‫سملمون‪ ،‬ويندفع‬ ‫ل ي‬‫م‬ ‫ال‬ ‫يتقدم‬ ‫الدفاع‪ ،‬والرأى والسياسإة‪ ،‬التى بها‬
‫)‪(2‬‬
‫عة‪ ،‬والتدبير« ‪.‬‬ ‫جا م‬ ‫ش م‬ ‫عنهم بها شسر أعدائهم‪ ،‬وتعلم الرمى وال ش‬
‫وة الفكرية‬ ‫ق ش‬
‫لقد جمع عبد الله بن ياسإين – رحمه الله‪ -‬من ال ل‬
‫وة‬‫ش‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫و‬ ‫العلم‪،‬‬ ‫وة الصبر‪ ،‬وقل ش‬
‫وة‬ ‫وة الدراك‪ ،‬وقل ش‬ ‫عا متعددة؛ من قل ش‬ ‫أنوا ص‬
‫التلقي‪ ،‬وغيرهإا من القوى‪.‬‬
‫ومن هإنا يتضُح لنا حاجة العاملين فى الحركة السإلمية إلى‬
‫قوشت ميين‪ ،‬البدنية والعقلية وجميع أنواع القوى الفكرية‬ ‫هإاتين ال ل‬
‫)‪(3‬‬
‫لتوظيفها فى الدعوة إلى الله ‪.‬‬
‫وة العقلية الفكرية‬ ‫ق ش‬ ‫ولقد أشار القرآن الكريم إلى قيمة ال ل‬
‫وة البدنية فى بنيان أمة مجاهإدة تحفز للنهوض بعبء‬ ‫ق ش‬‫وإلى ال ل‬
‫النضُال‪ ،‬فى سإبيل عقيدتها وحريتها‪ ،‬وكان من صفات قائدهإا أن‬
‫قوشت ميين البدنية والعقلية‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ن عليه بهاتين ال ل‬ ‫الله أعطاه وم ش‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫صطممفاَهج معلمريْجكرمُ مومزاًمدهج بمرسطمةل فىِ اًلرعرلمُ مواًلرجرسمُ﴾ ]البقرة‪ .[247:‬فبسطة العلم‬ ‫إن اًلم اً ر‬
‫﴿ ل‬
‫وة‬ ‫ق ش‬
‫وة العقلية‪ ،‬وبسطة الجسم إشارة إلى ال ل‬ ‫ق ش‬‫إشارة إلى ال ل‬
‫البدنية‪ ،‬قال الشيخ حسن البنا – رحمه الله – فى الصل الول من‬
‫وة النسان التى تجعله قوصيا‬ ‫وة تشمل قل ش‬ ‫ق ش‬
‫الصول العشرين‪ :‬إن ال ل‬
‫فى نفسه وبدنه وعقله‪ ،‬وعليه أن يباشر السإباب التى تجعله قوصيا‪،‬‬
‫وة بدنه فبالرياضة والفروسإية‬ ‫ما قل ش‬‫وة نفسه فباليمان‪ ،‬وأ ش‬ ‫ما قل ش‬‫أ ش‬
‫)‪(4‬‬
‫وة عقله فبالعلم« ‪.‬‬ ‫ل‬
‫ونحوهإا‪ ,‬أما ق ش‬

‫رواه البخاري فتح الباري‪) ،‬جُّ ‪.(6/431‬‬ ‫‪()1‬‬


‫انظر‪ :‬الصفات اللزمة للدعاة‪ ،‬صا )‪.(22‬‬ ‫‪()2‬‬
‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫‪()3‬‬
‫انظر‪ :‬رسإالة التعاليم‪ ,‬صا )‪.(10‬‬ ‫‪()4‬‬
‫‪21‬‬
‫وة العقلية والفكرية‬ ‫ق ش‬‫سملم الذى وهإبه الله ال ل‬ ‫م ي‬‫والنسان ال ل‬
‫وة القويي العزيز الذى أمده بكل خير‬ ‫ل‬
‫دا ق ش‬‫ما وأب ص‬‫والبدنية ل ينسى دائ ص‬
‫وة الله‬
‫ش‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫سإوى‬ ‫وفلح وصلح‪ ,‬وما‬
‫وة‬
‫ق ش‬
‫وة ضئِّيلة هإزيلة‪ ،‬مهما أوتيت من وسإائل البطش وال ل‬ ‫فهى قل ش‬
‫ل‬
‫ت اًلرمعنمكجبوُت لمروُ‬ ‫ل‬
‫والتنكيل‪ ،‬فهى بمثابة خيوط العنكبوت‪﴿:‬موإنل أمرومهمنَ اًرلبجيجيْوُت ملبميريْ ج‬
‫مكاَنَجوُاً يميرعلمجموُمن﴾ ]العنكبوت‪.(1)[41:‬‬
‫قال سإييد لقطب – رحمه الله – فى ظلله‪» :‬وإن أصحاب‬
‫الدعوات‪ ،‬الذين يتعرضون للفتنة والذى والغراء والغواء‬
‫لجديرون أن يقفوا أمام هإذه الحقيقة الضُخمة‪ ،‬ول ينسوهإا لحظة‪،‬‬
‫قهم‬ ‫ح م‬‫سإ ي‬
‫وهإم يواجهون القوى المختلفة المعادية‪ ،‬التى تحاول م‬
‫وإبادتهم‪ ،‬كلها خيوط عنكبوت فى حساب العقيدة الصحيحة« ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫صففات الفطرمية الت تيِز با الزععيِم الدين لدولة الرمابطي المأانة‪ ،‬فحي‬ ‫‪ -4‬المانة‪ :‬ومأن ال ص‬
‫ع‬
‫وجد الفقيِه عبد ال بن ياسي أن القلوب التفت حوله‪ ،‬وأصبح المأفرم النُاهى ف قبائل اللفزثمَّي‪ ،‬ل يينُافسِ‬
‫ي‬
‫المأي ييح بن إبرماهيِم ف مأنُصبه‪ ،‬بل نده ل يتجاوز حدوده‪ ،‬ول يتدزخل ف يسلطات المأي ييح مأع‬
‫مأقدرته على إزاحته وإبعاده مأن الطرميق ليِتبوأ الزعامأة السيِاسيِة والدينُيِة مأععا‪ ،‬وهذا يدلل على أمأانة الداعيِة‬
‫الفقيِه عبد ال بن ياسي‪,‬ن والمأانة صفة مأهمَّة للعامألي ف الرمكة السلمأيِة‪ ،‬فهى ذات أنوار تشع على‬
‫مأن حول الدعاة إل ال فتجذبم للنارماط ف مأيِادين العمَّل السلمأى الواسعة والتاجة لكل جهد‬
‫وشخص ملص لذا الدين‪.‬‬
‫والمأانة تتاج إل أشخاص أقوياء لمَّلها‪,‬ن ومأفهوم المأانة ف القرمآن واسع جعدا‪.‬‬
‫وقد وصف ال الؤممأنُي الذين نالوا الفلحا ف الدنيِا والخرمة وورثوا جنُة الفرمدوس بصفات مأنُها‬
‫المأانة‪.‬‬
‫قال تعال‪:‬ى﴿مواًللذيمنَ جهرمُ لمماَمنَاَتللهرمُ مومعرهلدلهرمُ مراًجعوُمن﴾ ]المؤمنون‪.[8 :‬‬
‫يقول سصيِد يقطب – رحه ال – ف تفسي هذه الية‪:‬ى »وراعون لمأاناتم وعهدهم أفرماعدا‪ ،‬وراعون‬
‫لمأاناتم وعهدهم جاعة‪ ،‬والمأانات كثية ف عنُق الفرمد‪ ،‬وف عنُق المَّاعة‪ ،‬والمَّاعة السسعلمَّة مأسئولة عن‬
‫ي‬
‫أمأاناتا العامأة‪ ،‬عن عهدها مأع ال تعال‪ ،‬ومأا يتتب على هذا العهد مأن تبعات‪ ،‬والنُص يمَّل التعبي‬
‫ويدعه يشمَّل كل أمأانة‪ ،‬وكل عهد‪,‬ن ويصف الؤممأنُي بأنم لمأاناتم وعهدهم راعون‪ ،‬فهى صفة دائمَّة لم‬
‫ف كل حي‪ ،‬ومأا تستقيِم حيِاة المَّاعة إل أن يتؤمزدىَّ فيِها المأانات ويترمفعى فيِها العهود«)‪.(3‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الصفات اللزمة للدعاة‪ ،‬صا )‪ ,(22‬نقل ص عن طريق الدعوة فى الظلل‪.‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الظلل‪ :‬لسيد قطب‪ ،‬نقل ص عن الصفات اللزمة لصحاب الدعوات‪ ،‬صا )‬
‫‪.(22‬‬
‫‪ ()3‬فى ظلل القرآن‪ ,‬صا )‪.(2456‬‬
‫‪22‬‬
‫فعبد ال بن ياسي – رحه ال – اتصف بالمأانة فعظم شأنه ف نظرم أتباعه وف تاريخ السسعلمَّي؛ن‬
‫لزنه كان أمأيِعنُا ف نفسه ومأع إخوته‪ ،‬وحل أمأانة السلم‪ ،‬وبذل كل مأا ف وسعه‪ ،‬وتزرمكَّ بنُهج يال ف دنيِا‬
‫الزنُاس لتحكيِم شرمع ال‪ ،‬فأكسبته هذه الصفة ف نفوس الزنُاس قبوعل‪.‬‬
‫‪ -5‬الحياء‪ :‬والصفة الامأسة الفطرمية الت يجبل عليِها عبد ال بن ياسي‪,‬ن اليِاء الذىَّ هو‬
‫شعبة مأن يشفع ع‬
‫ب اليإان‪ ،‬ويظهرم ذلك جلعيِا عنُدمأا طلب شيِخه مأنُه الذهاب مأع ييح ابن إبرماهيِم للدعوة‬
‫فلم يعارض ول ينُاقش بل استجاب لشيِخه‪,‬ن كمَّا نلحظ ذلك ف سيته مأع ييح بن إبرماهيِم الذىَّ تلك‬
‫ب عبد ال بن ياسي وأسرم فؤماده بإحسانه وكرممأه وحرمصه على دعوة الزنُاس لدين ال‪ ،‬فعنُدمأا عرمض‬ ‫قلفبه ح ل‬
‫المأي ييح على عبد ال بن ياسي عرفباعطا ف ضفاف نرم السنُغال أجابه عبد ال بن ياسي الذىَّ كان‬
‫عازعمأا على ترمكَّ جدالة ولتونة؛ن لا أصابه مأن عنُتهم وظلمَّهم وجورهم ف بداية دعوته لم‪ .‬وعزرمف العلمَّاء‬
‫اليِاء فقالوا‪:‬ى »‬
‫أصل السإتحياء النقباض عن الشيء والمتناع منه خوصفا من‬
‫مواقعة القبيح«)‪.(1‬‬
‫وقال الجنيد‪» :‬إن الحياء يتولد من مشاهإدة النعم ورؤية‬
‫التقصير«)‪.(2‬‬
‫ف بها النبلء‬
‫ص ل‬‫فات الرائعة التى يت ش م‬‫ص م‬‫فالحياء من المعانى وال ي‬
‫والشرفاء من الشناس‪ ,‬وكان الرسإول × أشد ش الشناس حياصء‪ ,‬وقد‬
‫حامبى الجليل أبو سإعيد‬ ‫ص م‬‫وصفه ال ش‬
‫ل اللهم × أشد ش حياصء من العذراء فى‬ ‫دريس ‪ ‬ىىىىى‪» :‬كان رسإو ل‬ ‫خ م‬
‫ال ل‬
‫)‪(3‬‬
‫عرفناه فى وجهه« ‪.‬‬ ‫ص‬
‫خدمرهإا‪ ،‬فإذا رأى شيئِّا يكرهإه م‬ ‫م‬
‫)‪(4‬‬
‫وقال رسإول الله ×‪» :‬الحياء ل يأتى إل بخير« ‪ ،‬ومن الحياء‬
‫ض البصر‪ ،‬وخفض الجناح‪ ،‬وعدم رفع الصوت إل فى وجه‬ ‫غ س‬
‫الباطل‪.‬‬
‫فعلى العاملين فى الدعوة إلى الله أن ليلزموا هإذه الصفة‬
‫الجميلة‪.‬‬
‫فالحياء المطلوب فى صفة الداعية والذى تدعو إليه الشريعة‬
‫ث عليه‪ ،‬هإو الذى يمنع صاحبه من ارتكاب المعاصى والوقوع فى‬ ‫وتح س‬
‫ث صاحبه على العمل الد شلءوب للسإلم‪،‬‬ ‫الثام‪ ،‬وفى نفسُ الوقت يح س‬
‫ذود عنه‪ ،‬والوقوف أمام الباطل بشتى أنواعه‪.‬‬ ‫ومناصرة الحقي وال ش‬
‫قال رسإول الله ×‪» :‬اليمان بضُع وسإبعون شعبة أفضُلها قول‬

‫الصفات اللزمة لحياة الدعاة‪ ,‬صا )‪.(27-26‬‬ ‫‪()1‬‬


‫المرجع السابق نفسه‪ ,‬صا )‪.(27-26‬‬ ‫‪()2‬‬
‫البخاري‪ ،‬فتح الباري‪) ,‬جُّ ‪.(12/151‬‬ ‫‪()3‬‬
‫رواه البخاري )‪.(6117‬‬ ‫‪()4‬‬
‫‪23‬‬
‫ل إله إل الله‪ ,‬وأدناهإا إماطة الذى عن الطريق‪ ،‬والحياء شعبة من‬
‫اليمان«)‪.(1‬‬
‫صفة الفاضلة لب لد ش منها فى أخلق‬ ‫إن هإذا الخلق الكريم وال ي‬
‫دعاة الرشبانيين ول يمنعهم هإذا الخلق أن ليفيرطوا فى طلب‬ ‫ال س‬
‫سإلم الفضُائل‪ ،‬والوصول إلى الغايات‬ ‫ش‬ ‫معالى المور والصعود على ل‬
‫النبيلة من تفقه فى الدين وتعلم العلم والحرصا عليه‪.‬‬
‫م النساء نساء النصار‪،‬‬ ‫نع م‬ ‫فعن عائشة –رضى الله عنها‪ -‬قال‪ » :‬م‬
‫لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن فى الدين«)‪.(2‬‬
‫فات الفطرية التى‬ ‫ص م‬‫‪ -6‬الحلم‪ :‬والصفة السادسإة من ال ي‬
‫يلحظها الباحث فى حياة الفقيه عبد الله بن ياسإين هإى صفة‬
‫كن من قبائل جدالة ولمتونة التى حاربت‬ ‫حلم‪ ،‬فنجده عندما تم ش‬ ‫ال م‬
‫دعوته عفا عنها وأحسن إليها‪ ،‬وكل من انصاع لحكام الله من‬
‫المخالفين والمحاربين له عفا عنه‪.‬‬
‫والحلم كما هإو معلوم سإيد الخلق؛ فالحليم هإو الذى يتحمل‬
‫أسإباب الغضُب‪ ,‬فيصبر ويتأنى‪ ,‬ول يثور‪.‬‬
‫من هإنا ينبغى على الداعية أن يمل صدره بالحلم‪ ,‬لن طريق‬
‫الدعوة محفوفة بالمكاره‪ ،‬والمتاعب واليذاء‪ ،‬والبطش‪،‬‬
‫والسخرية‪ ،‬وهإذه كلها عقبات تزدحم فى وجه الداعية والدعاة إلى‬
‫الله)‪.(3‬‬
‫من حلم رسإله‬ ‫ولقد ضمرب الله لنا فى كتابه العزيز نماذجُّ م‬
‫م‬
‫وسإعة صدورهإم على ما لقوه من إيذاء وابتلء من قومهم‪ ،‬قال‬
‫هإود عليه السلم‪﴿ :‬مقاَمل اًلرمملج اًللذيمنَ مكمفجرواً لمنَ مقوُملله إللنَاَ ملنميمراًمك لفىِ مسمفاَمهسة‬ ‫تعالى عن ل‬
‫ب اًلرمعاَلملميْمنَ ‪ ‬جأبميلبغججكرمُ‬ ‫س لبىِ مسمفاَمهةء مولملكبنىِ مرجسوُءل بمنَ لر ب‬ ‫لل‬ ‫وإللنَاَ لمنظجني م ل‬
‫ك ممنَ اًلرمكاَذبيْمنَ ‪ ‬مقاَمل مياَ مقوُم لمريْ م‬ ‫م م‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ح أمميْءنَ ﴾ ]العراف‪.[68-66 :‬‬ ‫لرمساَلمت مرببىِ موأممنَاَ لمجكرمُ منَاَص ء‬
‫ورت لنا هإذه اليات مقدار الحلم الذى يتصف به هإود عليه‬ ‫ص ش‬
‫السلم وسإعة صدره‪ ،‬حيث لم يعبأ بهذا السباب‪ ،‬وبهذه السخرية‬
‫والشتائم‪ ،‬ولم يطش لها حلمه‪ ،‬بل قابل هإذه الشتائم والسباب‬
‫ضح لهم مهمة رسإالته وأخيصرا نصحهم‬ ‫والسخرية بدعوة التوحيد‪ ،‬وو ش‬
‫بالحسنى وأشنه أمين على ذلك‪.‬‬
‫صا إذا‬ ‫ور‪ ،‬وخصو ص‬ ‫ما رسإول الله × فكان حلمه‪ ،‬يفوق حد التص س‬ ‫أ ش‬
‫علمنا أن حلمه‪ ،‬كان مع القدرة على البطش ورد ي الفعل بأنكى‬
‫وأعتى‪ ،‬فقد روى أنسُ بن مالك ‪ ‬ىىى‪» :‬ىىى ىىىى ىى ىىىى‬
‫ىىىى ×‪ ,‬ىىىىى ىىى ىىىىىى ىىىى ىىىىىىىى ىىىىىى‬
‫‪ ()1‬رواه مسلم رقم )‪.(35‬‬
‫‪ ()2‬رواه مسلم )جُّ ‪.(1/261‬‬
‫‪ ()3‬انظر ‪ :‬الصفات اللزمة للدعاة إلى الله‪ ،‬صا )‪.(30‬‬
‫‪24‬‬
‫ى‬
‫ىىىىىى ىىى ىىىى ىىى‬ ‫ى‬‫ىىىىىىى ىىىىى ىىىىىى ىىىى‬
‫ىىى ىىىىى ىىىىىى‬ ‫ى‬
‫ىىىىى‬ ‫ىى‬‫ىىىى ىىىى ىىىى ىىىى × ىىىىى‬
‫ىىى‪» :‬ىى ىىىى‪ ,‬ىى ىى ىى ىىى ىىىى‬ ‫ىى ىىى ىىىىى ىى ى‬
‫)‪(1‬‬
‫ىىىى ىىىىى ىىىىىى ىىىى ىىىىى ىى ىىى ىى ىىىىى« ‪.‬‬
‫ىى ىىىىىى ىىى ىىىى ىىىىى ىىىىى ىىىىى ىىىىىى‬
‫ىىى ىىىى ىىى ىىىى ىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىىى ىىى‬
‫ىىىىىىى ىى ىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىىىىى‬ ‫ىىى ىىىىى ى‬
‫ىى‬
‫ىىىىىىىىىىىىى ىىى ىى ىىىىى‬ ‫ى‬ ‫ىىى‬ ‫ىى‬ ‫ىىى ىىى ىىى‬
‫ىىىىى ىىىىىىىى ىىىىى ىىىىى ىىىى ىىى ىىىىى ىىىىى‬ ‫ى‬
‫ىى ىىىىىى‪.‬‬
‫‪ -7‬الجاذبية الفطرية‪ :‬وهإذه الصفة بارزة للعيان فى شخصية‬
‫الفقيه عبد الله‬
‫س‬
‫ذب قلوب أبناء الصنهاجيين بدون تكلف‪ ,‬وهإى‬ ‫ابن ياسإين وبها ج م‬
‫من أقوى العناصر التى تكونت منها شخصية الفقيه ابن ياسإين‪.‬‬
‫من جالسوه وسإمعوا حديثه من‬ ‫لقد اسإتطاع أن يملك قلوب م‬
‫أمثال يحيى بن إبراهإيم‪ ،‬ويحيى بن عمر‪ ،‬وأبى بكر بن عمر‪،‬‬
‫ك إن ما ذكرناه‬ ‫وغيرهإم من قادة الصنهاجيين وشيخوخهم‪ ،‬ول ش ش‬
‫فات المهمة فى شخصية الداعية هإى من العطايا‬ ‫ص م‬
‫من هإذه ال ي‬
‫العظيمة التى يهبها الله لفئِّة من عباده الذين أخلصوا القول‬
‫والعمل‪.‬‬
‫ي مومممماَلتىِ‬ ‫إن صلملتىِ ونَج ل‬
‫سكىِ موممرحميْاَ م‬
‫م ج‬ ‫وكان قول الله تعالى متمثل ص فيهم‪﴿:‬قجرل ل م‬
‫ك أجلمرر ج‬
‫ت موأممنَاَ أملوجل اًلجمرسللميْنَ﴾ ]النعام‪.[162،163 :‬‬ ‫ك لمهج موبلمذلل م‬‫ب اًلرمعاَلملميْمنَ ‪ ‬لم مشلري م‬ ‫ل‬
‫ل مر ب‬
‫ب ‪ -‬من الصفات المكتسبة فى شخصية الفقيه ابن ياسإين‪:‬‬
‫‪ -1‬الصدق‪ :‬وظهر ذلك فى أقواله وأفعاله ومخالطته مللشناس‪،‬‬
‫فكان صادصقا فى دعوته وفى عرضها‪ ،‬وفى مخاطبته مللشناس‪ ،‬ول‬
‫دا‪ ,‬ول يخشى فى الله لومة لئم‪ ،‬ول هإمزة هإماز‪ ،‬ول‬ ‫يهاب أح ص‬
‫ماز‪.‬‬ ‫لمزة ل ش‬
‫ولمسُ الشناس صدقه فى أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر‪,‬‬
‫وفى حربه للبدع‪ ,‬وفى تعليمه مللشناس وجهاده فى سإبيل الله فتأثر‬
‫أتباعه به غاية التأثر‪.‬‬
‫وحثنا القرآن الكريم على التخسلق بهذه الصفة فقال تعالى‪﴿:‬مياَ‬
‫صاَلدلقيْمنَ﴾ ]التوبة‪.[119 :‬‬
‫أمييمهاَ اًللذيمنَ آممنجوُاً اًتليجقوُاً اًلم موجكوُنَجوُاً مممع اًل ل‬
‫وكانت التوجيهات النبوية الكريمة للصحابة رضوان الله عليهم‬

‫‪ ()1‬أخرجه البخاري فى الفتح )‪ ،(7/63‬والحديث )‪.(3149‬‬


‫‪25‬‬
‫دق‪ ،‬فعن ابن مسعود ‪ ,‬ىى ىىىىى × ىىى ىىى‪:‬‬ ‫ص ي‬‫تحسثهم على ال ي‬
‫دق يهدى إلى البر‪ ،‬وإن البشر يهدى إلى الجشنة‪ ،‬وإن الشرجل‬ ‫ص ي‬
‫»إن ال ي‬
‫قا«)‪.(1‬‬
‫دق حتى يكتب عند الله صدي ص‬ ‫ص‬
‫ي ي‬ ‫ال‬ ‫ويتحرى‬ ‫دق‬
‫ليص ل‬
‫صسدقْ مأن أهم صفات النُتسبي للعمَّل السلمأى القائمَّي بإرشاد الزنُاس إلى دين‬ ‫وييعفتبفبيرم ال ص‬
‫دق‪،‬‬ ‫ص‬
‫ي ي‬ ‫بال‬ ‫جاءت‬ ‫دعوته‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫ما‬
‫ص‬ ‫تما‬ ‫ع‬‫م‬ ‫ولي‬ ‫داعية‪،‬‬ ‫كل‬ ‫ذلك‬ ‫فليعلم‬ ‫الله‪،‬‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫صلدمقْ به جأولمئ م‬
‫ك جهجمُ اًلرجمتليجقوُمن﴾ ]الزمر‪.[33:‬‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫صردقْل مو م‬
‫كما قال تعالى‪﴿:‬مواً ذىِ مجاَءم باَل ب‬
‫خون حتى الذين طعنوا فى دولة المرابطين‬ ‫مؤ مير ل‬
‫وقد شهد ال ل‬
‫على صدق زعيمها‬
‫مل مشثمين‬ ‫عبد الله بن ياسإين‪ ،‬لقد سإاد ابن ياسإين فى قبائل ال ل‬
‫بصدقه فى دعوته‪.‬‬
‫‪ -2‬ضبط النفسُ والبتعاد عن التهور والنفعال‪ :‬ويظهر ذلك‬
‫جلصيا فى شخصية ابن ياسإين عندما باشر المير يحيى بن عمر‬
‫دبه ابن ياسإين وضربه‬ ‫اللمتونى القتال‪ ,‬وأمضُى الحرب بنفسه فأ ش‬
‫بالسوط عشرين مرة‪ ,‬وبشين له أن ذلك خطأ‪ ،‬لن المير ل يقاتل‬
‫وى نفوسإهم فإن حياة المير حياة‬ ‫وإشنما يقف ليحيرض الشناس وليق ي‬
‫عسكره‪ ،‬وموته فناء جيشه‪.‬‬
‫واعتب ممر عبد الله بن ياسإين إقدام المير يحيى على القتال فيه تهور‬
‫وعدم ضبط النفسُ‪.‬‬
‫ل على ضبط نفسُ الفقيه ابن ياسإين‪ ،‬وابتعاده عن‬ ‫كما يد س‬
‫ور أنه لم يعلن الجهاد حتى أعد ش ع لد شمته‪ ،‬واسإتكمل أمره وأخذه‬ ‫الت شهم س‬
‫قا‬
‫بمراحله‪ ،‬وربى رجاله‪ ،‬ولذلك عندما خاض جهاده كان موف ص‬
‫وة المعارضة له أن تقضُى عليه)‪.(2‬‬ ‫ق ش‬
‫منصوصرا‪ ،‬ولم تستطع ال ل‬
‫إن الداعية يتعرض أثناء قيامه بعمله الصلحي‪ ،‬إلى كثير من‬
‫الجدال والتحدى والذى‪ ،‬فعليه أن يتحشلى بالصبر‪ ،‬وضبط النفسُ؛‬
‫لن طريق الدعوة كما هإو معروف طويل ويحتاجُّ إلى صبر حتى‬
‫الوصول إلى نهايته‪.‬‬
‫ور والسإراع فى تهدئة الجو‬ ‫فعملية ضبط النفسُ وعدم الت شهم س‬
‫مد ل عقباه‪.‬‬ ‫ل م‬‫تح‬ ‫ل‬ ‫فيما‬ ‫مطلوب من الداعية قبل التوسرط‬
‫محددة تقى صاحبها من مغبة‬ ‫إن ضبط النفسُ يتم بموازين ل‬
‫ور له خياله‪ ،‬ويراه فى نظره هإو السإلم‬ ‫انسياقه وراء ما يص ي‬
‫فعندئذ ة يغضُب‪ ،‬ويندفع ويتعجل المور فيتوشرط‪ ,‬ولقد ذكر لنا‬
‫القرآن قصة تعطى هإذه المعاني‪ ،‬وتصويلرهإا لنا تصويصرا كأشننا نلمسه‬
‫ونشاهإده‪ ،‬تلك قصة المل من بنى إسإرائيل‪﴿:‬إلرذ مقاَلجوُاً للنمبليي لجهجمُ اًبريمع ر‬
‫ث لممناَ‬

‫‪ ()1‬أخرجه البخاري في الفتح )‪ ،(13/121‬الحديث )‪.(2094‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬روض القرطاس صا )‪.(80-79‬‬
‫‪26‬‬
‫ل﴾]البقرة‪.[246 :‬‬ ‫ملللكاَ نَييمقاَتلل لفىِ سلبيْلل اً ل‬
‫م‬ ‫ر‬ ‫م‬
‫وفى هإذه القصة عبر وعظات‪ ،‬فإن أشد ش الشناس حماسإة‬
‫عا وتهوصرا‪ ،‬قد‬ ‫واندفا ص‬
‫سريْتجرمُ‬‫ضُا للعهد‪﴿:‬مقاَمل مهرل مع م‬ ‫عا وانهياصرا وهإزيمة ونق ص‬ ‫يكون أشد الشناس جز ص‬
‫ل‬
‫ل موقمرد أجرخلررجمناَ منَ لدمياَلرمنَاَ‬‫لإن جكتلب معلمريْجكمُ اًلرلقمتاَجل أملل تجيمقاَتللجوُاً مقاَلجوُاً وماَ لممناَ أملل نَجيمقاَتلل لفىِ سلبيْلل اً ل‬
‫م‬ ‫م‬ ‫مم‬ ‫ج‬ ‫م‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ب معلمريْلهجمُ اًلرلقمتاَجل تميموُلروُاً إللل قمليْلل بم رنيجهرمُ مواًلج معليْءمُ لباَللظاَلميْمنَ﴾ ]البقرة‪.[246 :‬‬
‫ل‬ ‫ومأبريمناَئلمناَ فميلملماَ جكتل‬
‫م‬ ‫م‬
‫وهإكذا نكثوا وعدهإم‪ ،‬وتفشلتوا من الطاعة‪ ،‬ونكصوا عن التكليف‪،‬‬
‫درون الظروف‪ ،‬ول‬ ‫وهإذا شأن المتهورين المتسيرعين‪ ،‬الذين ل ليق ي‬
‫يحسبون الصحيح ول يعرفون قيمة للتكاليف الملقاة على‬
‫عاتقهم)‪.(1‬‬
‫ورحم الله الشيخ حسن البنا حيث يقول‪» :‬أسيها الخوان‬
‫سملمون‪ ،‬وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم‪ ،‬اسإمعوهإا منى‬ ‫م ي‬ ‫ال ل‬
‫كلمة عالية داوية من فوق هإذا المنبر ‪ -‬فى مؤتمركم هإذا الجامع‪-‬‬
‫إن طريقكم هإذا مرسإومة خطواته‪ ,‬موضوعة حدوده‪ ،‬ولست‬
‫فا هإذه الحدود التى اقتنعت كل القتناع بأشنها أسإلم طريق‬ ‫مخال ص‬
‫من أراد منكم أن يستعجل ثمرة قبل نضُجها‪ ،‬أو يقطف‬ ‫للوصول‪ ،‬ف م‬
‫زهإرة قبل أوانها‪ ،‬فلست معه فى ذلك بحال‪ ،‬وخير له أن ينصرف‬
‫عن هإذه الدعوة إلى غيرهإا من الدعوات‪ ...‬ألجموا نزوات‬
‫العواطف‪ ،‬بنظرات العقول‪ ،‬وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف‪،‬‬
‫وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع‪ ،‬واكتشفوا الحقائق فى‬
‫ل الميل فتذروهإا‬ ‫أضواء الخيال الزاهإية البشراقة‪ ،‬ول تميلوا ك ش‬
‫كالمعلقة‪ ،‬ول تصادموا نواميسُ الكون‪ ،‬فإنها غلبة‪ ،‬ولكن غالبوهإا‪،‬‬
‫ولوا تيارهإا‪ ،‬واسإتعينوا ببعضُها على بعض‪ ،‬وترشقبوا‬ ‫واسإتخدموهإا‪ ،‬وح ي‬
‫)‪(2‬‬
‫سإاعة النصر وما هإى منكم ببعيد« ‪.‬‬
‫كوا هإذا‬ ‫فينبغى على العاملين فى الحركة السإلمية أن ي لد يرم ل‬
‫ور‪ ،‬ويتفهموا أصول العمل‪,‬‬ ‫دا‪ ,‬ويتركوا عنهم الحماس المته ي‬ ‫جي ص‬
‫كوا الواقع الذى يحيط بهم‪ ,‬وينبذوا المجازفات الفاشلة؛ إن‬ ‫وي لد يرم ل‬
‫ور‬‫واقعنا المعاصر يحتاجُّ إلى صفة ضبط النفسُ وعدم الت شهم س‬
‫للعاملين فى الدعوة إلى الله عز وجل‪.‬‬
‫‪ -3‬الرادة القوية‪:‬‬
‫سملمون وغيرهإم أن ابن ياسإين – رحمه‬
‫م ي‬ ‫مؤ مير ل‬
‫خون ال ل‬ ‫لقد شهد ال ل‬
‫الله تعالى – كان ذا هإمة وعزيمة ل تهزهإا الجبال‪ ,‬آمن بسموي‬
‫دعوته‪ ,‬وقدسإشية فكرمته‪ ،‬وعزم على أن يعيش لها ويموت فى‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الصفات اللزمة للدعاة‪ ,‬صا )‪.(44‬‬
‫‪ ()2‬مجموعة الرسإائل‪ ،‬لحسن البنا‪ ,‬صا )‪.(180‬‬
‫‪27‬‬
‫سإبيلها‪ ،‬وأدمرك أن المانة التى يحملها ودخل بها الصحراء الكبرى‬
‫تبعتها عظيمة؛ فعليه أن يصبر فى عزيمة قوية‪ ،‬وإيمان ثابت‬
‫ويقين ل يدخله تردد ول شك‪.‬‬
‫وة وعزم ومثابرة ومصابرة‬ ‫م على العمل الجاد وأخذ م ب ل‬
‫ق ش‬ ‫فداوم م‬
‫حتى تحقق إعزاز دين الله فى تلك الصحارى القاحلة المقفرة‬
‫الخالية من العلماء والفقهاء‪ ،‬فأصبحت بفضُل الله ثم بجهده‬
‫وجهاده مليئِّة بالدعاة والفقهاء والعلماء والمجاهإدين‪.‬‬
‫فينبغى علينا ونحن فى طريق الدعوة سإائرون أن نأخذ أمر‬
‫وة‪ ،‬وإرادة قوية وعزيمة ماضية‪ ،‬وهإمة متطلعة للمعالي‪،‬‬ ‫ق ش‬
‫الدعوة ب ل‬
‫ونترك حياة الرخاء واللين والدعة‪ ،‬ونقتدى بسيد الدعاة الرسإول‬
‫وة إرادته‪ ،‬وجمال صبره وشدة تحمله‪ ،‬وعظم‬ ‫× فى عزمه وقل ش‬
‫حلمه‪.‬‬
‫جُّ ‪ -‬الصفات العقلية التى ظهرت فى شخصية ابن ياسإين‪:‬‬
‫‪ -1‬القدرة على الفهم والسإتيعاب‪ :‬اسإتطاع ابن ياسإين أن‬
‫مشية التى كانت فى زمانه من فقه‬ ‫يفهم ويستوعب المناهإج المعل م‬
‫هإل لن يكون أهإل ص‬ ‫وحديث ولغة وأصول وغيرهإا من العلوم حتى تأ ش‬
‫لحمل الرسإالة التى كشلفه بها شيوخه‪ ،‬كما انجلى لى قدرته على‬
‫فهم واقعه الذى يريد تغييره وحدد أولويات المرحلة التى هإو فيها‬
‫وشرع فى إصلحها‪ ،‬كما أنه اسإتوعب الظروف السياسإية فى‬
‫زمانه‪ ,‬واسإتطاع أن يستفيد منها لدعوته‪.‬‬
‫فينبغى على العاملين فى الدعوة السإلمية أن يكون لهم وعى‬
‫سإياسإى بواقعهم‪ ،‬وخبرة بالسإاليب الحركية والتنظيمية‪ ,‬ومهارة فى‬
‫التخطيط المنظم المتزن حتى نستطيع أن نواجه العدوان الشرس‬
‫جه لمتنا السإلمية ونتصدى له بأسإلوب كله حكمة وحنكة‪.‬‬ ‫مو ش‬‫ال ل‬
‫ومن هإنا يتوجب على الخ الداعية‪ ،‬أن تكون عنده قدرة على‬
‫الفهم والتجارب والسرعة فى التنفيذ‪ ،‬وأن يتسلح بالمعرفة‬
‫ى‬
‫يستطيع أن ليبلمغها حق‬ ‫الفهم كى‬ ‫مة‪ ،‬وأن يفهم دعوته حق‬ ‫التا ش‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫التبليغ‪ ،‬قال عمر ‪» :‬ىىى ىىىىى‪ ,‬ىىى ىىىى ىىىىىى«‪.‬‬
‫ى‬ ‫ىى‬
‫‪ -2‬النظر الثاقب والقدرة على الوصول للقرار الحاسإم دون‬
‫تردد‪:‬‬
‫ويظهر ذلك فى سإيرة الفقيه عبد الله بن ياسإين عندما طلب‬
‫فقهاء سإجلماسإة ودرعة فى عام ‪447‬هإـ منه القدوم ليخلصهم من‬
‫الحكام والطغاة الظلمة من زناتة المغراويين‪ ،‬ومن أميرهإم‬
‫مسعود بن أنودين‪ ،‬فجمع ابن ياسإين شيوخ مقومه وقرأ عليهم‬
‫رسإالة فقهاء سإجلماسإة‪ ،‬فأشاروا عليه بمد ي يد العون لهم‪ ،‬وقالوا‬
‫له‪:‬‬
‫‪28‬‬
‫»أيها الشيخ الفقيه هإذا ما يلزمنا فسر على بركة الله«؛ فأخذ‬
‫قراره الحاسإم‪ ,‬وتحركت جموع المرابطين فى شهر صفر سإنة‬
‫‪447‬هإـ إلى بلد درعة‪ ،‬واشتبكت مع المغراويين الذين انهزموا‬
‫أمام المرابطين وتشتت جموعهم‪ ,‬ودخل ابن ياسإين سإجلماسإة‪،‬‬
‫دم عليها عامل ص من أتباعه وجعل فيها حامية من‬ ‫وأصلح أحوالها وق ش‬
‫)‪(1‬‬
‫جنوده ورجع إلى الصحراء ‪.‬‬
‫فعلى العاملين فى الدعوة السإلمية‪ ,‬التصاف بصفة النظر‬
‫الثاقب‪ ،‬وسإرعة اتخاذ القرار الحاسإم دون أى تردد‪ ،‬ودون أى‬
‫ريب‪ ،‬لأن الداعية الربانى ينظر بنور الله‪ ،‬وهإذا السنور اللهي‪ ،‬إذا‬
‫ل فى قلب المؤمن يويلد فيه البصيرة الثاقبة‪ ,‬التى يعرف بها‬ ‫ح ش‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫صعاب ‪﴿ .‬يميرهدىِ اًلج لجنوُره ممنَ‬
‫)‪(2‬‬ ‫ل‬
‫الحقائق‪ ،‬ويزن بها المور‪ ،‬ويدرك بها ال ي‬
‫شاَءج ﴾ ]النور‪.[35:‬‬
‫يم م‬
‫د ‪ -‬الصفات الحركية التى ظهرت للباحثين فى شخصية ابن‬
‫ياسإين‪:‬‬
‫‪ -1‬الشعور بالمسئِّولية‪:‬‬
‫وبدأ الشعور بالمسئِّولية فى حياة ابن ياسإين منذ أن رغب فى‬
‫التحصيل والتزسود للعلم والسإتعداد للدعوة‪ ,‬وازداد ظهور ذلك فى‬
‫شخصيته عندما دخل مع المير يحيى ابن إبراهإيم فى قبائل‬
‫مل مشثمين حيث تولد فى أعماقه شعور بمسئِّولية الدعوة فى هإذه‬ ‫ال ل‬
‫المة الجاهإلة من قبائل صنهاجة‪ ،‬وكان شعوصرا جرى فى عروقه‬
‫سُ بعظمة التكليف‪ ,‬وأعباء المسئِّولية فقام‬ ‫جريان الدم‪ ،‬فأح ش‬
‫بأدائها خير أداء‪.‬‬
‫إن المة السإلمية فى هإذه اليام بمسيسُ الحاجة إلى العناصر‬
‫التى تتحرك ذاتصيا نحو مسئِّوليتها‪ ،‬وبحاجة إلى عناصر تتقد نفوسإها‬
‫سإا بواجباتها السإلمية‪ ،‬وبحاجة إلى عناصر يغلى‬ ‫شعوصرا وإحسا ص‬
‫دين‪ ،‬وهإى تريد عناصر ل يهدأ تفكيرهإا للعمل‬ ‫فيها الشعور لهذا ال ي‬
‫لهذا الدين سإاعة من ليل أو نهار‪.‬‬
‫فالشعور بالمسئِّولية أمر لب لد ش منه لكل داعية نذر نفسه لله‬
‫ولرسإوله ولدينه‪ ،‬وعليه أن يتحرك فى هإذه الحياة بمقدار ما‬
‫يحمله من مسئِّولية‪ ,‬لن حياة الداعية هإى التحرك للسإلم ل‬
‫القعود ول الهمود)‪.(3‬‬
‫وقد أحسن الشيخ الدكتور يوسإف القرضاوى عندما قال‪:‬‬

‫‪ ()1‬تاريخ المغرب والندلسُ فى عصر المرابطين‪ ,‬حمدي عبد المنعم‪ ،‬صا )‪.(42‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الصفات اللزمة للدعاة إلى الله‪ ,‬صا )‪.(63‬‬
‫‪ ()3‬المصدر السابق‪ ,‬صا )‪.(73-72-71‬‬
‫‪29‬‬
‫ل السكون ول الهمود‬ ‫ت الحيلة هإى‬
‫قل ل‬
‫التحرك‬
‫من تعلق بالقعود‬ ‫وهإى الجهاد وهإل يجاهإد‬
‫ل التلذذ بالرقود‬ ‫وهإى التلذذ بالمتاعب‬
‫وأى حر ل يذود‬ ‫هإى أن تذود عن‬
‫الحياض‬
‫الذل من ماء صديد‬ ‫هإى أن تحسُ بأن كأس‬
‫)‪(1‬‬
‫تسود‬ ‫هإى أن تعيش خليفة‬
‫‪ -2‬النظام والدقة‪:‬‬
‫وظهرت صفة النظام والدقة فى شخصية الفقيه ابن ياسإين‬
‫عندما تكاثر عدد المريدين فى رباطه الذى اتخذه قريصبا من نهر‬
‫طا فى قبول كل جديد كى يحفظ صفو‬ ‫السنغال؛ حيث وضع شرو ص‬
‫سا وأوفرهإم‬ ‫مل مشثمين نف ص‬
‫خيربين‪ ،‬فكان ينتقى أطهر ال ل‬ ‫م م‬
‫جماعته من ال ل‬
‫من توفرت فيه الشروط‬ ‫وة وأقدرهإم على تحمل المشاق‪ ،‬و م‬ ‫قل ش‬
‫واجتاز التجربة بنجاح يتولى تعليمه وتثقيفه من قرآن وسإنة‬
‫وتفسير وحديث وأحكام الدين)‪.(2‬‬
‫وأصبح رباطه قمة فى النظام والدقة‪ ,‬واختار لدارته أحد‬
‫المراء‪ ،‬وفى المور المهمة كان المر شورى بين الجماعة‬
‫السإلمية المرابطة)‪.(3‬‬
‫حشثنا على النظام فى كل شيء‪ ،‬ومن‬ ‫إن ديننا السإلمى م‬
‫التطبيقات العملية على ذلك نأخذ مثال السفر‪ ،‬حيث أمر السإلم‬
‫الركب إذا كانوا ثلثة أن يؤمروا عليهم أميصرا‪ ،‬حتى ل يختلفوا فى‬
‫صا أن السفر‪ ,‬كما قال الرسإول‬ ‫الطريق وتتبعثر جهودهإم‪ ،‬خصو ص‬
‫ش‬
‫×‪ ,‬قطعة من العذاب‪ ،‬فعملية التنظيم واختيار المير‪ ،‬ل شك أشنها‬
‫عملية تريح المسافرين من أعباء كثيرة‪ ،‬قال ×‪» :‬إذا خرجُّ ثلثة‬
‫فى سإفر فليؤمروا أحدهإم«)‪ .(3‬فلب لد ش إذا ص من تعويد النفسُ وضبطها‬
‫سملم ل يتربى تربية منظمة‪ ,‬إل إذا كان فى‬ ‫م ي‬
‫على النظام‪ ،‬فال ل‬
‫جماعة منظمة ذات ارتباط ونظام ودقة فى كل شيء‪ ,‬وفى كل‬
‫أمر‪ ،‬كما أن هإذه الجماعة لها هإدف جماعي‪ ،‬يتحقق بتعاون الفرد‬
‫وانصهاره فى بوتقة الطاعة والنظام)‪.(4‬‬

‫‪ ()1‬الصفات اللزمة للدعاة إلى الله‪ ،‬صا )‪.(73‬‬


‫‪ (3،)2‬دولة المرابطين صا )‪.(27‬‬
‫‪ ()3‬مسلم‪ ،‬كتاب المساجد‪ ,‬باب من أحق بالمامة‪ (1/464) ،‬رقم )‪.(672‬‬
‫‪ ()4‬انظر ‪ :‬الصفات اللزمة للدعاة‪ ،‬صا )‪.(75‬‬
‫‪30‬‬
‫‪ -3‬القدرة على التعامل مع الناس‪:‬‬
‫تمشيزت شخصية الفقيه ابن ياسإين بمقدرته فى تعامله مع‬
‫أصناف الشناس من أمراء وعوام وتجار وغيرهإم من طبقات‬
‫مع الصنهاجي‪ .‬كان ‪ -‬رحمه الله‪ -‬رقيق الشعور‪ ،‬ثائر‬ ‫جت م م‬‫م ي‬‫ال ل‬
‫العاطفة‪ ،‬يقظ القلب‪ ،‬بعيد المال‪ ،‬كبير المطامح فى الصلح‪،‬‬
‫وكان كل هإمه أن ينتفع الشناس بعلمه ودعوته‪ ،‬ولذلك اختلط‬
‫بالشناس ودرس أخلقهم وطبيعتهم عن كثب‪ ،‬وكان فى خطابه‬
‫دا عن التجريح والسإاءة‪.‬‬ ‫مللشناس متحلصيا بمكارم الخلق بعي ص‬
‫جا فى أسإلوبه ودعوته متمثل ص بقول الله‬ ‫واتخذ من القرآن منه ص‬
‫ل‬ ‫ل‬‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫تعالى‪﴿ :‬اًردعج إلملىِ سلبيْلل رب م ل ل‬
‫نَ﴾]النحل‪:‬‬ ‫سج‬ ‫ك باَلرحركممة مواًلرممروُعظمة اًلرمحسممنلة مومجاَدلرجهرمُ باَ تىِ همي أمرح م‬ ‫م م‬
‫‪.[125‬‬
‫ت‬ ‫ل للن م‬
‫ت لمجهرمُ مولمروُ جكن م‬ ‫وقد وصف نبيه الكريم × بقوله‪﴿ :‬فمبلماَ ررحمسة بمنَ اً ل‬
‫م م م م‬
‫سملم‬‫م ي‬ ‫ك﴾ ]آل عمران‪ .[159 :‬فليقتد الداعى ال ل‬ ‫ضوُاً لمرنَ محروُلل م‬ ‫ظ اًلرمقرل ل‬
‫ب لمنَمف ي‬ ‫فمظظاَ غملليْ م‬
‫برسإول الله ×‪ ،‬وليكن شأنه وديدنه لمن يدعوهإم‪ ,‬ويتحمل صدور‬
‫أى أذى منهم‪.‬‬
‫‪ -4‬السإتعداد للبذل والتضُحية بكل شيء‪:‬‬
‫نجد الفقيه عبد الله بن ياسإين ‪ -‬رحمه الله‪ -‬قد بذل نفسه‬
‫وماله ووقته وحياته‪ ،‬وكل شيء فى سإبيل الغاية التى خرجُّ من‬
‫أجلها إلى قبائل صنهاجة‪ ،‬وقد أيقن هإذا الداعية الربانى أنه ليسُ‬
‫فى الدنيا جهاد ل تضُحية معه‪ ،‬إشنما هإو الجر الجزيل‪ ،‬والثواب‬
‫الجميل‪.‬‬
‫سملم عندما يبذل ما فى وسإعه من أجل دعوته ورضا ربه‬ ‫م ي‬ ‫إن ال ل‬
‫يرجو بذلك أعظم الدرجات عند الله‪ ,‬والفوز والخلود والنعيم‬
‫المقيم بالجنة‪ ،‬وأعظم من ذلك إحلل رضوان الله عليه‪ ،‬قال‬
‫ل بلأمرموُاًلللهمُ وأمنَريجفلسلهمُ أمرعظممُ مدرجةل لعرنمد اًلل‬
‫تعالى‪ ﴿ :‬اًللذينَ آمنجوُاً ومهاَجرواً وجاَمهجدواً لفىِ سلبيْلل اً ل‬
‫ج مم‬ ‫ر‬ ‫م ر م‬ ‫م‬ ‫م م م مج م م‬
‫ت لجهرمُ لفيْمهاَ نَملعيْءمُ يملقيْءمُ﴾ ]التوبة‪:‬‬
‫ضوُاًسن وجلناَ س‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ن‬‫م‬ ‫س‬
‫ة‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬‫ل‬
‫شجرجهرمُ مربييجهمُ م ر م ب ر ج م ر م م م‬
‫ر‬ ‫ب‬ ‫ك جهجمُ اًلرمفاَئلجزومن ‪ ‬يجيبم ب‬
‫موجأولمئل م‬
‫‪.[21-20‬‬
‫إن الذين ضحوا وبذلوا وجاهإدوا‪ ,‬اسإتطاعوا أن ليغييروا مجرى‬
‫الشتامريخ‪ ،‬ويبدلوا أفكار ومبادئ البشر الرضية بمبادئ سإامية ربانية‪.‬‬
‫فينبغى على العاملين فى مجال الدعوة السإلمية أن يجردوا‬
‫أنفسهم من الهوى‪ ،‬وينفضُوا أنفسهم من كل بهرجُّ وزينة‪ ،‬وأن‬
‫يبذلوا المال برضاء وسإخاء‪ ،‬ويبذلوا العافية والصحة والسهر‬
‫والتعب‪ ،‬والمسير المضُني‪ ،‬لرفع دعوة الله‪ ،‬وإذا دعت الحاجة إلى‬
‫بذل الروح فل يضُنون بها‪ ،‬بل يجعلونها رخيصة بجانب مغفرته‬
‫ورحمته ورضوانه وجنته)‪.(1‬‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الصفات اللزمة للدعاة إلى الله‪ ,‬صا )‪ 74‬وما بعدهإا(‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫فات اللزمة فى الشخصية‬ ‫ص م‬
‫ت السإهاب فى ذكر ال ي‬
‫مد ل‬
‫لقد تع ش‬
‫التى تريد أن تربى أمة وتنشئ شعصبا وتبنى دولة‪ ،‬لع ش‬
‫ل الله ينفعنا‬
‫بالدراسإة التحليلية للشخصيات الربانية التى ظهرت فى أمتنا‬
‫العظيمة‪.‬‬
‫***‬

‫‪32‬‬
‫المبحث الخامسُ‬
‫المراحل التى مر بها ابن ياسإين فى دعوته‬
‫نستطيع أن نقرر من السإتقراء الشتامريخى لسيرته أنه مشر بعدة‬
‫مراحل قبل أن تقوم دولة المرابطين‪ ،‬وبعض المراحل عاصرهإا‬
‫وأشرف عليها وبعضُها الخر قام بها أتباعه المخلصون‪.‬‬
‫مشرت بها دولة المرابطين قبل قيامها فهى‬ ‫أما المراحل التى م‬
‫مرحلة التعريف والتكوين والتنفيذ‪ ،‬أما مرحلة الشتمكين فهى التى‬
‫جعلت ملمح دولة المرابطين واضحة للعيان‪ ،‬إن المراحل التى‬
‫عاصرهإا وأشرف عليها بنفسه هإى مرحلة التعريف والتكوين وجزء‬
‫من التنفيذ‪ ،‬أما بقية المعارك فقام بها تلميذه المخلصون من‬
‫ما صاحب الفضُل‬ ‫أمثال أبى بكر بن عمر‪ ،‬ويوسإف ابن تاشفين‪ ،‬وأ ش‬
‫بعد الله تعالى فى مرحلة الشتمكين والتوسإع والنتشار الفعلي‪ ،‬فهو‬
‫يوسإف بن تاشفين منقذ ال من يد مللسُ من الضُياع ومبيد الحركات‬
‫الكفرية البدعية من الوجود‪.‬‬
‫‪ -1‬مرحلة الدعوة والتعريف بالسإلم‪:‬‬
‫قام ابن ياسإين فى هإذه المرحلة بتعريف الشناس بالعقيدة‬
‫حا لهم أركان اليمان الستة‪» :‬اليمان‬ ‫السإلمية الصحيحة؛ موض ص‬
‫بالله وملئكته وكتبه ورسإله واليوم الخر وقضُائه وقدره« على‬
‫أصول منهج أهإل السنة والجماعة‪ ،‬واهإتم بتنقية العقيدة السإلمية‬
‫مل مشثمين فى‬‫من اللوثات الشركية والوثنية التى خالطت عقائد ال ل‬
‫تلك الفترة‪.‬‬
‫واهإتم بتعليم الشناس الصلة والزكاة وأحكام الصيام حيث‬
‫وجدهإم ل يعرفون من السإلم إل اسإمه‪ ،‬وحارب العادات السيئِّة‬
‫التى تصطدم مع ثوابت الدين من زنى وزواجُّ بأكثر من أربع‪ ،‬وغير‬
‫ذلك من العراف والتقاليد الممزوجة بالجهل والتخلف والضُلل‪،‬‬
‫دا أن‬
‫دا فى بيان أصول السإلم مللشناس وحاول جاهإ ص‬ ‫وبذل جه ص‬
‫يربطهم بالكتاب والسنة وإجماع المة‪ ،‬وأوضح مللشناس ضرورة‬
‫اللتزام بالسنة وأشنها هإى المبينة للقرآن الكريم‪ ،‬بل هإى شرح‬
‫وتفصيل للقرآن العظيم‪ ،‬وعمل على تفسير نصوصا الدين‬
‫مل مشثمين‪ ,‬وأزال الشبهات التى تعلقت بأذهإان‬‫بأسإلوب يلئم عقول ال ل‬
‫الشناس من قبائل صنهاجة‪ ,‬وكان هإمه جمع الشناس على السإلم‬
‫ومبادئه والعمل به على العموم‪.‬‬
‫ودعا الشناس جميصعا إلى محشبة كل أعمال الخير وكراهإية كل‬
‫أنواع الشر‪.‬‬
‫ونستطيع أن نقول‪:‬إن هإذه المرحلة فى دعوة ابن ياسإين كانت‬

‫‪33‬‬
‫انطلصقا من قوله تعالى‪﴿:‬مكمماَ أمررمسرلمناَ لفيْجكرمُ مرجسوُلل بمرنجكرمُ يمي رتيجلوُ معلمريْجكرمُ آمياَتلمناَ مويجيمزبكيْجكرمُ‬
‫ب مواًلرلحركممةم مويجيمعلبجمجكمُ لماَ لمرمُ تمجكوُنَجوُاً تميرعلمجموُمن﴾ ]البقرة‪.[151 :‬‬ ‫ل‬
‫مويجيمعلبجمجكجمُ اًلركمتاَ م‬
‫دد الله بها وظيفة النبى × وواجبه‪ ,‬وكذلك الدعاة‬
‫وهإذه الية ح ش‬
‫من أمته من بعده‪ ,‬حيث نجد الداعية الفقيه ابن ياسإين سإلك فى‬
‫دعوته هإذه المور أو الوظائف أو الواجبات وهإي‪:‬‬
‫‪ -1‬تبليغ وحى الله على الشناس‪ ،‬وذلك فى قوله تعالى‪﴿ :‬يمي رتيجلوُ‬
‫معلمريْجكرمُ آمياَتلمناَ‪.﴾...‬‬
‫‪ -2‬تزكية نفوس الشناس وتطهيرهإا وتنميتها بالخيرات والبركات‬
‫قا‬
‫فى الدنيا والخرة‪ ,‬بحيث يصير النسان فى الدنيا مستح ص‬
‫للوصاف المحمودة‪ ،‬وفى الخرة الجر والمثوبة وذلك فى‬
‫قوله – سإبحانه وتعالى‪﴿ :-‬مويجيمزبكيْجكرمُ﴾‪.‬‬
‫فالداعية إلى الله يطيهر نفوس الشناس بوحى الله‪ ،‬وينمى‬
‫أرواحهم وأقوالهم وأبدانهم‪ ،‬ويرتفع بهم إلى المستوى الذى يليق‬
‫ضُله على كثير ممن خلق‪.‬‬ ‫بكرامة النسان‪ ،‬الذى كشرمه ربه وف ش‬
‫‪ -3‬التعليم‪ ،‬تعليم الشناس العلم النافع‪ ،‬أى القرآن والحكمة‪،‬‬
‫ل‬
‫ب‬‫وذلك فى قوله سإبحانه من هإذه الية‪﴿ :‬مويجيمعلبجمجكجمُ اًلركمتاَ م‬
‫مواًلرلحركممةم﴾‪.‬‬
‫فهو واجب النبى ×‪ ,‬وواجب الدعاة إلى الله إلى يوم الدين‪،‬‬
‫و»اًلكتاَب« هإو القرآن الكريم‪ ،‬وهإو هإديص مللشناس؛ كل الشناس‪ ,‬إذ ما‬
‫من خير للبشرية فى دينها ودنياهإا إل أمر به القرآن‪ ،‬وما من شيء‬
‫ب لمنَ مشريسء﴾‬ ‫من هإذا وذاك إل اشتمل عليه القرآن‪﴿ :‬لماَ فميلرطرمناَ لفىِ اًلرلكمتاَ ل‬
‫صيْمل جكبل مشريسء﴾ و﴿ لرتبيميْاَلنَاَ لبجكبل مشريسء﴾‪.‬‬ ‫و﴿تميرف ل‬
‫سإمى القرآن الكريم قرآصنا من بين كتب الله؛ لشنه جمع‬ ‫وقد ل‬
‫ثمرة هإذه الكتب كلها‪ ،‬بل جمع ثمرة العلوم والمعارف كلها‪ ،‬إذ‬
‫القرآن معناه الجمع والثبات‪.‬‬
‫والحكمة هإي‪ :‬إصابة الحق بالعلم والعقل‪ ،‬ولها معان‪ ،‬فهى‬
‫من الله سإبحانه‪ :‬معرفة الشياء وإيجادهإا‪ ،‬على غاية ما يكون‬
‫الحكام‪ ،‬ومن النسان‪ :‬معرفة الموجودات‪ ،‬والعلم بها‪ ،‬وفعل‬
‫الخيرات‪ .‬و»اًلكتاَب واًلحكمة« بهذه المعانى هإما تنوير الذهإان بما‬
‫تفتقر إليه من هإدايات فى عالمى الغيب والشهادة‪ ،‬وكم كانت‬
‫قبائل صنهاجة محتاجة لهذه الهدايات التى أصلحت اعتقادهإا‬
‫وتصورهإا ومنهجها‪ ،‬وأصبحت قبائل تحمل أهإم رسإالة ودعوة ربانية‬
‫بفضُل الله عليها ثم بجهود المخلصين من أمثال الفقيه ابن‬
‫‪34‬‬
‫ياسإين‪.‬‬
‫‪ -4‬واجتهد ابن ياسإين – رحمه الله – فى نقل الشناس من‬
‫ضلل الباطل إلى طريق الحق‪ ،‬ومن ظلم الجهل إلى نور‬
‫دا بقول الله تعالى‪﴿ :‬مويجيمعلبجمجكمُ لماَ لمرمُ تمجكوُنَجوُاً تميرعلمجموُمن﴾‬ ‫العلم مسترش ص‬
‫صلركم بحاضركم‪ ،‬ويرسإم لكم أسإلم طريق‬ ‫أى ي لب م ي‬
‫لمستقبلكم‪.‬‬
‫حا فى شخصية ابن ياسإين –‬ ‫كان أثر التربية القرآنية واض ص‬
‫رحمه الله – حيث نجده فى تبليغ رسإالت الله ل ليداهإن ول‬
‫ليجامل‪ ,‬بل يأخذ بجميع الخلق الشرعية‪ ،‬ويتوكل على الله فى‬
‫الصدع بكلمة الحق‪ ,‬وكأن بين عينيه قول الله تعالى‪﴿ :‬اًللذيمنَ يجيبميلبجغوُمن‬
‫ل حل‬ ‫ل‬ ‫ت اً ل‬‫لرساَلم ل‬
‫سيْلباَ﴾ ]الحزاب‪.[39 :‬‬ ‫شروُمن أممحلداً إللل اًلم مومكمفىِ لباَ م‬ ‫شروُنَمهج مولم يمرخ م‬ ‫ل مويمرخ م‬ ‫م‬
‫وكان يشعللر فى قرارة نفسه بالثم والمعصية إن قعد وكتم ما‬
‫عمشلمه الله –‬
‫سإبحانه وتعالى‪-‬وهإذا من أثر القران فى نفسه حيث قال تعالى‪:‬‬
‫ك‬‫ب جأولمئل م‬ ‫ت مواًلرجهمدىِ لمنَ بميرعلد مماَ بمييْليلناَهج للللناَس لفىِ اًلرلكمتاَ ل‬ ‫﴿إن اًللذينَ يركتجموُمن ماَ أمنَريزلرمناَ لمنَ اًرلبييْبيمناَ ل‬
‫م م ج م م م م‬
‫ميلمعنجيجهجمُ اًلج مويميرلمعنجيجهجمُ اًللللعجنوُمن﴾‬
‫]البقرة‪.[159:‬‬
‫من عرف الحق‪ ،‬فقد وجب عليه أن‬ ‫والية واضحة فى بيان أن م‬
‫من لم يفعل فقد أمثم‪.‬‬ ‫ليبينه مللشناس‪ ،‬و م‬
‫إننا محتاجون بأن نتربى على آيات الله‪ ،‬لنفهمها ثم لننطلق‬
‫فى دنيا الناس عاملين بها ابتغاء مرضاة الله‪ ،‬وطمصعا فى ثوابه‬
‫ورغبة فى جنته‪ ،‬وخوصفا من عقابه وشفقة من ناره‪.‬‬
‫نعى الله تعالى فى كتابه العزيز على أهإل الكتاب عدم بيانهم‬
‫ل من متاع الدنيا‪ ,‬فقال‬ ‫أحكام الله مللشناس وكتمانها مقابل ثمن قلي ة‬
‫ب لمجتبمييْبينجينلهج لللنلاَس مولم تمركتججموُنَمهج فمينمبمجذوهج مومراًءم ظججهوُلرلهرمُ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫تعالى‪﴿ :‬موإلرذ أممخمذ اًلج ميْمثاَمقْ اًلذيمنَ جأوتجوُاً اًلركمتاَ م‬
‫س مماَ يمرشتميجرومن﴾ ]آل عمران‪.[187:‬‬ ‫ل ل‬ ‫لل‬
‫مواًرشتميمررواً به ثممملناَ قمليْلل فمبرئ م‬
‫وهإكذا يا أخى الكريم نجد القرآن الكريم فى تربيته للدعاة إليه‬
‫يرغبهم ويرهإبهم‪ ،‬فتنطلق القلوب تسعى للمثوبة والدرجات‬
‫العلى؛ لن ما عند الله خير وأبقى‪.‬‬
‫كما نجد الحاديث النبوية التى تربى عليها ابن ياسإين وتلميذه‬
‫مشجعة لهم فى السعى الدءوب من أجل إكمال مرحلة التعريف‬
‫بنجاح‪.‬‬
‫فإن السنة النبوية المطهرة شارحة القرآن وقد فاضت‬
‫بالحاديث فى هإذا المجال‪.‬‬

‫‪35‬‬
‫روى المام البخارى بسنده‪ ،‬عن عبد الله بن عباس –رضى‬
‫الله عنهما‪ ,-‬فى باب‪ :‬تعريف النبى × وفد عبد القيسُ على أن‬
‫من وراءهإم‪ ،‬قال مالك بن‬ ‫يحفظوا اليمان‪ ،‬والعلم‪ ،‬ويخبروا م‬
‫الحويرث‪ -‬وهإو من بنى عبد القيسُ‪ -‬قال لنا النبى ×‪» :‬ارجعوا إلى‬
‫أهإليكم فعيلموهإم«‪.‬‬
‫دم إليه‪ ،‬وفد عبد‬ ‫عن ابن عباس قال‪» :‬قال النبى × لما قم م‬
‫قوم؟« قالوا‪ :‬ربيعة‪ ,‬فقال‪» :‬مرحصبا‬ ‫من ال م‬
‫من الوفد‪ ,‬أو م‬‫القيسُ‪ :‬م‬
‫قوم‪ ،‬أو الوفد‪ ،‬غير خزايا ول ندامى«‪ ،‬قالوا‪ :‬إنا نأتيك من شقة‬ ‫بال م‬
‫بعيدة‪ ،‬وبيننا وبينك هإذا الحى من كفار مضُر‪ ،‬ول نستطيع أن نأتيك‬
‫من وراءنا ندخل به الجنة‪،‬‬ ‫إل فى شهر حرام‪ ،‬فمرنا بأمر نخبر به م‬
‫فأمرهإم بأربع ونهاهإم عن أربع‪ :‬أمرهإم باليمان بالله عز وجل‬
‫وحده‪ ،‬قال‪» :‬هإل تدرون ما اليمان بالله وحده؟« قالوا‪ :‬الله‬
‫ورسإوله أعلم‪.‬‬
‫دا رسإول الله‪ ،‬وإقام‬ ‫قال‪» :‬شهادة أن ل إله إل الله‪ ،‬وإن محم ص‬
‫الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة‪ ،‬وصوم رمضُان‪ ،‬وتعطوا الخمسُ من المغنم«‪.‬‬
‫ونهاهإم عن الدباء والحنتم والمزفت‪ ،‬قال شعبة‪ :‬ربما قال‪:‬‬
‫من‬‫»النقير«)‪(1‬وربما قال‪» :‬المقير« قال‪» :‬احفظوه وأخبروه م‬
‫وراءكم« ‪.‬‬
‫قوم لمعرفة أصول‬ ‫وهإذا الحديث النبوى الشريف نهج لل م‬
‫مع‪ ،‬حيث‬ ‫جت م م‬
‫م ي‬
‫الدعوة فى مرحلة التعريف ومعالجة المراض بال ل‬
‫قوم انتشار‬ ‫كانت عادة شرب الخمر قد انتشرت فى ربوع هإؤلء ال م‬
‫النار فى الهشيم‪ ،‬ولذلك نهاهإم رسإول الله × عن الدباء والحنتم‬
‫ن لشرب الخمر‪ ،‬ومن مثل هإذا‬ ‫والمزفت التى كانت عبارة عن أوا ة‬
‫الحديث يستلهم الدعاة أولويات مرحلة التعريف فى الدعوة إلى‬
‫الله تعالى‪ ،‬وغيره من الحاديث الكثيرة والرشادات النبوية‬
‫الكريمة‪.‬‬
‫اسإتمشر الفقيه ابن ياسإين فى تعريف الشناس بأصول دينهم‬
‫وأحكامه والخلق التى تطلبها شريعتهم وحارب التقاليد والعراف‬
‫السيئِّة بكل شجاعة وجرأة‪.‬‬
‫قوم غلظ الكباد قساة القلوب‬ ‫إل إن الله تعالى ابتله ب م‬
‫فاصطدمت دعوة المصلح الفقيه بأطماعهم؛ فتعشرض للتضُييق‬
‫دة والعسف من بعض وجهاء قبائل صنهاجة من قبيلة جدالة‬ ‫والش ش‬
‫وحاولوا قتله إل إن الله نجاه منهم‪.‬‬
‫فأشار المير المخلص والتلميذ الوفى يحيى بن إبراهإيم على‬
‫ابن ياسإين أن يذهإبوا إلى جزيرة فى حوض السنغال ليتربى التباع‬
‫فيها ابتغاء مرضاة الله والدار الخرة‪.‬‬

‫‪ ()1‬مسلم ‪ :‬كتاب اليمان‪ ،‬باب المر باليمان بالله تعالى ورسإوله‪ (1/46) ،‬رقم )‪.(17‬‬
‫‪36‬‬
‫وقال له‪ :‬إن الجزيرة إذا حسر البحر دخلنا إليها على أقدامنا‬
‫وإذا امتل دخلنا فى الزوارق‪ ،‬وفيها الحلل المحض الذى ل تشك‬
‫فيه من الشجر البري وصيد البر والبحر من أصناف الطير‬
‫والوحوش والحوت)‪.(1‬‬
‫مل مشثمين‬
‫وبذلك يكون ابن ياسإين – رحمه الله – ترك ديار ال ل‬
‫واختار جزيرة فى حوض نهر السنغال للمرابطة وتربية المريدين‬
‫على كتاب الله وسإنة رسإوله ×‪ ،‬بعد أن ترك صدى ودوصيا لدعوته‬
‫مل مشثمين‪ ،‬وبذلك قشرر ابن ياسإين أن ينتقل إلى مرحلة‬ ‫فى ديار ال ل‬
‫التكوين مختاصرا مكاصنا مناسإصبا لهذه المرحلة المهمة فى تاريخ دولة‬
‫المرابطين بعد أن نجح فى مرحلة التعريف فى إبلغا الدعوة‬
‫والتعريف بها لهم‪.‬‬
‫ب ‪ -‬مرحلة اختيار العناصر التي تحمل الدعوية عند الفقيه‬
‫ابن ياسإين‪:‬‬
‫تمهيد‪ :‬اشتهر فى تاريخ المرابطين ما ليسمى برباط ابن‬
‫ياسإين‪ ،‬وقبل أن نتعرض لرباط ابن ياسإين الذى اتخذه فى مرحلة‬
‫التكوين أرى من باب الفائدة للقارئ الكريم أن يأخذ فكرة‬
‫مختصرة عن معنى اليرمباط فى السإلم‪.‬‬
‫الرباط‪ :‬حصن حربى ليقام فى الثغور المواجهة للعدو للذود‬
‫سملمين‪ ،‬وهإذه التسمية مقتبسة من القرآن الكريم‬ ‫م ي‬ ‫عن ديار ال ل‬
‫والسنة النبوية المطهرة‪:‬‬
‫أما القرآن الكريم فمن قوله تعالى‪﴿ :‬وأملعيدواً لمهمُ لماَ اًستطمعتمُ بمنَ قجيلوُةس‬
‫ر م رج‬ ‫جر‬ ‫م‬
‫صبلجرواً‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫اً‬ ‫اً‬
‫م مج ر‬‫وُ‬‫ن‬ ‫م‬ ‫آ‬ ‫نَ‬‫ذي‬ ‫اً‬ ‫مومنَ برمباَط اًلرمخريْلل﴾ ]النفال‪ ,[60:‬ومن قوله تعالى‪﴿ :‬مياَ أميي م‬
‫هاَ‬
‫صاَبلجرواً مومراًبلطجوُاً مواًتليجقوُاً اًلم لممع لجكرمُ تجيرفللجحوُمن﴾ ]آل عمران‪.[200 :‬‬
‫مو م‬
‫وفى الحديث النبوى فى البخارى جاء فضُل اليرمباط فى سإبيل‬
‫الله تعالى عن سإهل بن سإعد الساعدى ‪ ‬ىى ىىىى ىىىى × ىىى‪:‬‬
‫»رباط يوم فى سإبيل الله خير من الدنيا وما عليها‪ ،‬وموضع سإوط‬
‫أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها‪ ،‬والروحة يروحها العبد فى‬
‫سإبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها«)‪.(2‬‬
‫وأصبحت كلمة مرابط تطلق على الشخص الذى خرجُّ إلى الثغور‬
‫سملمون على الثغر أى‬ ‫م ي‬
‫سملمين من أعدائهم‪ ،‬وأطلق ال ل‬‫م ي‬
‫للدفاع عن ال ل‬
‫المحل الذى يقيمون فيه اسإم اليرمباط‪.‬‬
‫ويحتوى اليرمباط على برجُّ مراقبة وحصن صغير‪ ،‬وقد أقام ولة‬
‫الثغور كثيصرا من هإذه السرلبط لحماية حدود الدولة السإلمية على‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(23‬‬
‫‪ ()2‬رواه البخاري فى كتاب الجهاد والسير )جُّ ‪ ،(3/295‬حديث رقم )‪.(2892‬‬
‫‪37‬‬
‫مير الشتامريخ‪ ،‬فكان فى بلد ما وراء النهر عشرة آلف رباط‪ ،‬وكذلك‬
‫فى ثغور الجزيرة الفراتية‪ ،‬وكانت سإواحل المغرب المطشلة على‬
‫البحر المتوسإط عرضة لغارات البيزنطيين أكثر من غيرهإا‪,‬‬
‫فأقيمت فيها السرلبط وشحنت بالمجاهإدين للدفاع عنها‪ ،‬حتى إن‬
‫حامبى الجليل عقبة بن نافع الفهرى عندما أراد بناء مدينة‬ ‫ص م‬ ‫ال ش‬
‫القيروان بلغت الحماسإة برجاله فاقترحوا عليه إقامتها على‬
‫الساحل للمرابطة فيها‪ ،‬وقالوا له‪ :‬قيربها من البحر ليكون أهإلها‬
‫)‪(1‬‬
‫من المرابطين«‪.‬‬
‫سإعت السرلبط فى عهد العباسإيين‪ ،‬وبنى الوالى العباسإى‬ ‫وقد تو ش‬
‫)‪(2‬‬
‫هإرثمة بن أعين أول رباط فى إفريقية عام )‪179‬هإـ ‪795 /‬م(‬
‫ما‪ ،‬وأقام الوالى زيادة‬ ‫سإصعا عظي ص‬‫سإع الغالبة فى هإذا المجال تو س‬ ‫وتو ش‬
‫الله الغلبى رباط سإوسإة عام )‪206‬هإـ‪822 /‬م(‪.‬‬
‫وكان الغالبة يسمون هإذه السرلبط بالقصور والمحاريسُ‪ ،‬وقد‬
‫انتشرت من السإكندرية إلى المحيط الطلسي‪ ،‬وكان أهإالى‬
‫مال الفريقى يلجأون إليها إذا داهإمهم الغزاة‪ ،‬وقد قاومت‬ ‫ش م‬ ‫ال ش‬
‫هإذه الثغور أسإاطيل وجيوش البيزنطيين الذين عجزوا رغم‬
‫تفوقهم البحرى عن احتلل الساحل الفريقي‪ ،‬وقد التزم‬
‫المقيمون فى هإذه الثغور بالهإتمام بالفروسإية والتدريب عليها‬
‫صة‪ ،‬بالضافة إلى كل التدريبات الجهادية الخرى التى أهإلتهم‬ ‫خا ش‬
‫سملمين‬ ‫م‬
‫ل ي‬ ‫ال‬ ‫حياض‬ ‫عن‬ ‫الذود‬ ‫من‬ ‫وجه‬ ‫أكمل‬ ‫على‬ ‫بمهماتهم‬ ‫للقيام‬
‫والجهاد فى سإبيل الله‪.‬‬
‫وإلى جانب المهمات الجهادية التى قامت بها الثغور فقد‬
‫مشية‪ ،‬فمع انتشارهإا أخذت التعاليم السإلمية‬ ‫اهإتمت بالناحية المعل م‬
‫تنتشر من خللها‪ ،‬وقد قام فقهاء أهإل السنة والجماعة فى تلك‬
‫الثغور من فقهاء المالكية بدور ريادى عظيم فى وجه التيارات‬
‫الفكرية والمذهإبية التى عصفت بالمشرق‪ ،‬وكانت السرلبط والثغور‬
‫والقلع والحصون هإى المنطلق لنشر ما كان عليه رسإول الله ×‬
‫وأصحابه من عقيدة وعبادة وأخلق ومعاملة‪ ،‬وأصبحت الثغور فى‬
‫تدرس أمور الدين من فقه‬ ‫ي‬ ‫مال الفريقى مدارس علمية‬ ‫ش م‬ ‫ال ش‬
‫وحديث وتفسير وأصول وغيرهإا‪ ،‬وكانت حياة أهإل الثغور تقوم‬
‫على أسإاس من التعاون بين أفرادهإا لتحقيق حياة إسإلمية مثالية‪،‬‬
‫وكان الفراد يجمعون المؤن بأنفسهم عن طريق الصيد البرى‬
‫والبحرى حسب موقع اليرمباط‪ ،‬وكذلك يقومون بإعداد الطعام‪،‬‬
‫وكل ما تتطلبه عمليات التموين من زراعة وصناعة آلتها بالضافة‬
‫إلى صناعة السإلحة)‪.(3‬‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬المالكي‪ ،‬رياض النفوس‪ ،‬صا )‪.(6‬‬
‫‪ ()2‬دائرة المعارف السإلمية مادة رباط‪ ،‬صا )‪.(19‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(25 ،24‬‬
‫‪38‬‬
‫وأشما من ناحية العبادة‪ ،‬فالجماعة التى التزمت باليرمباط مؤمنة‬
‫بربها وبرسإالة السإلم‪ ،‬فكانت العبادة تقتصر على الصلوات الخمسُ‬
‫خر عنها‪.‬‬ ‫جماعة‪ ،‬وقد وضعت عقوبات لمن يتأ ش‬
‫وفى أوقات السلم كانوا يحفظون القرآن وتفسيره وكل ما‬
‫قومون بالمهمات التى تتعلق بحياة‬ ‫يمت إلى الدين بصلة‪ ،‬وي ل‬
‫اليرمباط‪ ،‬وبما أن التبشير بهذا الدين والدعوة إليه من أهإم‬
‫واجباتهم؛ فكانوا يخرجون إلى القبائل لهدايتها وترغيبها فى‬
‫مال الفريقى‬ ‫ش م‬ ‫دت الثلغور فى ال ش‬ ‫السإلم وتربيتها عليه‪ ،‬وقد أ ش‬
‫سملمين‪ ،‬فقد عصمت أهإل المغرب إلى‬ ‫م ي‬
‫خدمات جليلة للسإلم ولل ل‬
‫فمتن التى سإادت المشرق‪ ،‬وكان لمنهج أهإل السنة‬ ‫حد كبير من ال م‬
‫والجماعة شوكة وحماة وعلماء وفقهاء فى تلك الربوع من عالمنا‬
‫السإلمي‪ ،‬وتمشيز أهإل الثغور عن غيرهإم بالزهإد والتقشف والتفانى‬
‫فى سإبيل الله‪ ،‬ول يبتغى أهإلها من الشناس من وراء ذلك جزاء ول‬
‫ف لمنَ لربيمناَ يميروُلماَ معجبوُلساَ قمرمطملريلراً﴾ )‪.(1‬‬
‫شكوصرا‪ ،‬وإنما لسان حالهم‪ ﴿ :‬إللنَاَ نَممخاَ ج‬
‫‪ -1‬رباط عبد الله بن ياسإين‪:‬‬
‫أقام الفقيه العالم الشربانى المربى المجاهإد ابن ياسإين رباطه‬
‫ل على أهإداف ابن‬ ‫فى الحوض الدنى لنهر السنغال‪ ،‬وموقعه يد س‬
‫ياسإين التى أعد لها‪ ،‬فهو يقع قريصبا من مملكة غانة الوثنية‪ ،‬لذلك‬
‫ما بالعداء‪ ،‬ولب لد ش للجماعة المقيمة فيه من الجهاد‪،‬‬ ‫دد دائ ص‬
‫مه ش‬
‫فهو ل‬
‫مل مشثمين‪ ،‬فيستند إليهم فى حالت الخطر‪،‬‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ديار‬ ‫عن‬ ‫بعيد‬ ‫غير‬ ‫وهإو‬
‫دا بشرصيا ل ينضُب لمن يريد النضُمام إليه‪،‬‬ ‫وتشكل تلك الديار مور ص‬
‫وهإذا يفسر كثرة عدد رجاله‪.‬‬
‫دخل ابن ياسإين الجزيرة التى فى الحوض الدنى لنهر‬
‫السنغال عام )‪433‬هإـ‪1040 /‬م( ومعه أتباعه المخلصون‪ ,‬ثم بدأ‬
‫مل مشثمين‪ ،‬وتكاثر عدده حتى بلغ‬ ‫النضُمام إلى جماعته من أبناء ال ل‬
‫ص‬
‫اللف رجل‪ ،‬ولما كثر أتباعه‪ ،‬وضع ابن ياسإين شروطا رآهإا لزمة‬
‫لكى ل يتأثر تنظيم رباطه الجديد ومرحلته التى بدأ الشروع فيها‪،‬‬
‫وة وأقدرهإم على‬ ‫سا وأوفرهإم قل ش‬‫مل مشثمين نف ص‬‫فكان ينتقى أطهر ال ل‬
‫تحمل المشاق‪ ،‬كان يطلب منهم أن يتخلوا عن تقاليدهإم‬
‫وراتهم التى تخالف السإلم‪ ،‬ويدخلوا السإلم‬ ‫وأعرافهم وتص س‬
‫بقلوب صافية ونفوس طاهإرة وهإمم عالية تسعى لتحكيم شرع‬
‫الله على وجه المعمورة)‪.(2‬‬
‫معه‬‫جت م م‬
‫م ي‬
‫دا على تحكيم شرع الله على الفراد وفى ل‬ ‫وعمل جاهإ ص‬
‫من فاتته صلة من عمره عليه أن يقضُيها‪،‬‬ ‫م‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫يرى‬ ‫الجديد‪ ،‬وكان‬
‫من يكتفى‬ ‫وهإى مسألة فقهية اختلف علماء المة فيها‪ ،‬فمنهم م‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(27‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(28-27‬‬
‫‪39‬‬
‫من يطلب قضُاء ما فات‪.‬‬ ‫بالتوبة النصوح‪ ،‬ومنهم م‬
‫ما بالصغا بالفقهاء والعلماء ويرفعهم‬
‫وكان ابن ياسإين يهتم اهإتما ص‬
‫إلى مراتب عالية حيث التف حوله مجموعة من الفقهاء والعلماء‬
‫ليساعدوه على تربية الشناس وتعليمهم وتأهإيلهم للمرحلة القادمة‪.‬‬
‫من ل يراه مناسإصبا لهدفه‬‫وكان ل يمنعه الحياء من طرد م‬
‫المنشود‪.‬‬
‫وكان أهإل اليرمباط فى قمة الصفاء الروحي‪ ,‬ويعيشون حياة‬
‫مثالية فى رباطهم‪ ،‬فيتعاونون على قوتهم اليومى معتمدين على‬
‫ما توفيلره لهم جزيرتهم من الصيد البحري‪ ،‬يقنعون بالقليل من‬
‫طعام‪ ،‬ويرتدون الخشن من الثياب)‪.(1‬‬ ‫ال ش‬
‫سإسه الداعية الشربانى ابن ياسإين‬ ‫كان رباط السنغال الذى أ ش‬
‫منارة يشع نولرهإا وخيرهإا وعلمها فى تلك الصحارى القاحلة‪،‬‬
‫فأصبح قطصبا جذاصبا؛ عامل ص على جذب أبناء قبائل صنهاجة إليه‪،‬‬
‫ووفر المن والسإتقرار فى تلك الديار الصحراوية البعيدة‪،‬‬
‫فأصبحت القوافل تمسر بأمن وسإلم دون أن يتعرض لها أحد بسوء‪،‬‬
‫دى ذلك إلى ازدهإار التجارة‪.‬‬ ‫وقد أ ش‬
‫وتمي شمز ذلك اليرمباط بحسن إدارته وتنظيمه وتشكيله مما سإاعد‬
‫وة النواة الولى لدولة المرابطين حيث تشكل مجلسُ‬ ‫على قل ش‬
‫ل والعقد تطورت مع مرور اليام‪ ,‬وأصبحت‬ ‫الشورى‪ ,‬وجماعة للح ي‬
‫مل مث ش م‬
‫مين‪.‬‬ ‫مرجعية عليا ل مل ي ل‬
‫‪ -2‬أصول المنهجية العلمية والفقهية عند الفقيه ابن ياسإين التى‬
‫ربى عليها أتباعه‪:‬‬
‫ليعمتبر الفقيه ابن ياسإين من علماء أهإل السنة والجماعة‪,‬‬
‫مالكى المذهإب‪ ،‬واسإتمد ش أصول فهمه من أصول المالكية التى‬
‫مال‬ ‫كانت ول زالت ضاربة بجذورهإا فى قلوب أهإالى ال ش‬
‫ش م‬
‫الفريقي‪ ،‬إل ش أنه كانت له اجتهاداته الحركية والتنظيمية التى‬
‫أملتها عليه طبيعة دعوته التى عاشها وتحرك بها‪ ،‬وبذلك نستطيع‬
‫ل عنه بأشنه فقيه مالكى حركي‪ ،‬ويرى علماء المالكية الذين‬ ‫أن نقو م‬
‫تتلمذ ابن ياسإين على كتبهم وفقههم أن المذهإب المالكى له‬
‫أصول فى السإتنباط واسإتخراجُّ الدلة الشرعية ومن هإذه الصول‪:‬‬
‫المصدر الول‪ :‬القرآن الكريم‪ :‬كان المام مالك يرى أن‬
‫القرآن قد اشتمل على كليات الشريعة‪ ،‬وأنه عمدة الدين‪ ،‬وآية‬
‫الرسإالة‪ ،‬ولم تكن نظرته إليه كنظرة الجدليين‪ ،‬فابتعد عن نظر‬
‫المتكلمين‪ ،‬هإل القرآن لفظ ومعنى‪ ,‬أو معنى فقط‪ ،‬وهإو عنده‬

‫‪ ()1‬المصدر السابق نفسه‪.‬‬


‫‪40‬‬
‫سملمين‪ ،‬ولروى‬ ‫م ي‬ ‫من يعتد س بهم من ال ل‬ ‫اللفظ والمعنى‪ ،‬كما هإو إجماع م‬
‫من يقول بأن القرآن مخلوق فهو زنديق يجب‬ ‫أنه كان يقول‪ :‬إن م‬
‫قتله‪ ،‬ولذا لم يعتبر الترجمة قرآنا ليتلى تجوز به الصلة‪ ،‬بل هإى‬
‫تفسير أو وجه من وجوه المعنى المعقول‪ ،‬وهإو يأخذ بنص القرآن‪،‬‬
‫وظاهإره ومفهومه‪ ،‬ويعتبر العلة التى يأتى التنبيه عليها)‪.(1‬‬
‫إن القرآن الكريم هإو المرجعية العليا لبن ياسإين وأتباعه وكان‬
‫موقفهم الذعان والتسليم لكل ما جاء فيه‪ ،‬وما يتعلق بالعقائد أو‬
‫العبادات أو الخلق أو المعاملت‪ ,‬فالقرآن الكريم لم يفيرق بينها‪,‬‬
‫فكسلها تتضُمن كلمات الله الهادية إلى أقوم سإبيل‪ ،‬الداعية إلى كل‬
‫ذرة من كل ضللة وغي‪ ،‬فكان وأتباعه على‬ ‫هإدى ورشد‪ ،‬والمح ي‬
‫بينة من ربهم وبصيرة من دينهم؛ فلم تتحير عقولهم أو ترتاب‬
‫قلوبهم‪ ،‬أو يتردد عزمهم فى أى تصور أو معتقد أو خلق أرشد إليه‬
‫القرآن‪ ،‬ليمانهم العميق بقوله تعالى‪﴿ :‬لم يمأرلتيْله اًلرمباَلطجل لمنَ بميريْلنَ يممديرله مولم لمرنَ‬
‫مخرللفله متنلزيءل بمرنَ محلكيْسمُ محلميْسد﴾ ]فصلت‪.[42:‬‬
‫وكان تدب سلر ابن ياسإين وفقهاء المرابطين للقرآن الكريم معيصنا‬
‫لهم على اسإتنباط الحكام الشرعية‪.‬‬
‫ب﴾ ]صا‪:‬‬ ‫ك جممباَمرءك لبيْملدبليرواً آمياَتلله مولليْمتممذلكر جأوجلوُ اًللرمباَ ل‬ ‫ب أمنَريمزلرمناَهج إللمريْ م‬ ‫ل‬
‫قال تعالى‪﴿:‬كمتاَ ء‬
‫م‬ ‫ج‬
‫ل لمموُمججدواً لفيْله اًرختللملفاَ‬ ‫‪ ,[29‬وقال تعالى‪﴿ :‬أمفملم ييتممدبليرومن اًلرجقرآمن ولموُ مكاَمن لمنَ لعرنلد غمريْلر اً ل‬
‫ر‬ ‫ر مر‬ ‫م ج‬
‫مكلثيْلراً﴾ ]النساء‪ .[82:‬وقال عز وجل‪﴿ :‬أمفملم يميتممدبليجرومن اًلرجقررآمن أمرم معملىِ قجيجلوُب أمقريمفاَلجمهاَ﴾‬
‫س‬
‫]محمد‪.[24:‬‬
‫لقد فهم المرابطون أن القرآن الكريم لم ينزل لليتلى‬
‫على الموات‪ ،‬بل نزل ليحكم الحياء‪ ،‬وأشنه لم ينزله الله‬
‫متمبع‬ ‫تعالى إل من أجل اتباعه والعمل به‪ ،‬وبذلك ينال ال ل‬
‫ب أمنَريمزلرمناَهج جممباَمرءك مفاَتلبلجعوُهج مواًتليجقوُاً لممع جكرمُ‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫والعامل به رحمة الله تعالى‪﴿ :‬مومهمذاً كمتاَ ء‬
‫تجيررمحجموُمن﴾ ]النعام‪.[155:‬‬
‫إن الله تعالى حدد فى كتابه أهإداف القرآن الكريم فى الحياة‬
‫مع فى عبارات أب يمين من الشمسُ فى رابعة النهار‪ ،‬فقال‬ ‫جت م م‬
‫م ي‬‫وال ل‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫ل﴾ ]النساء‪،[105:‬‬ ‫س بلمماَ أممراًمك اً ج‬ ‫ب لباَلرمحبق لتمرحجكممُ بميريْمنَ اًللناَ ل‬ ‫ك اًلركمتاَ م‬ ‫تعالى‪﴿ :‬إللنَاَ أمنَريمزلرمناَ إللمريْ م‬
‫ب قمرد مجاَمءجكرمُ مرجسوُلجمناَ يجيبمييْبجنَ لمجكرمُ مكلثيْلراً بملماَ جكرنتجرمُ تجرخجفوُمن لممنَ‬ ‫وقال تعالى‪﴿ :‬مياَ أمرهل اًلرلكمتاَ ل‬
‫م‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫اًلرلكمتاَ ل‬
‫ل‬
‫ب يمبيْءنَ ‪ ‬يميرهدىِ به اًلج مملنَ اًتليبممع لر ر‬
‫ضموُاًنَمهج‬ ‫ل‬ ‫ب مويميرعجفوُ معنَ مكلثيْسر قمرد مجاَمءجكمُ بممنَ اًل جنَوُءر موكمتاَ ء‬
‫ل‬
‫ستملقيْسمُ﴾ ]المائدة‪:‬‬ ‫ل س‬ ‫ل لل ل‬
‫سلملم مويجرخلرجججهمُ بممنَ اًلظيلجمماَت إلملىِ اًلينوُلر بلإرذنَه مويميرهديلهرمُ إلملىِ صمراًط يم ر‬ ‫جسبجمل اًل ل‬
‫شجر اًلرجمرؤلمنليْمنَ اًللذيمنَ‬ ‫‪ .[16-15‬وقال تعالى‪﴿ :‬إللن مهمذاً اًلرجقررآمن يميرهلدىِ للللتىِ لهمي أمقريموُجم مويجيبم ب‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬تاريخ التشريع‪ ،‬مناع القطان‪ ،‬صا )‪.(291‬‬
‫‪41‬‬
‫ت أملن لمجهرمُ أمرجلراً مكلبيْلراً ‪ ‬موأملن اًللذيمنَ لم يجيرؤلمجنوُمن لباَلملخمرةل أمرعتمردمنَاَ لمجهرمُ معمذاًلباَ أملليْلماَ﴾‬
‫صاَللحاَ ل‬
‫يميرعممجلوُمن اًل ل م‬
‫]السإراء‪.[10-9 :‬‬
‫وة المرابطين وتوفيق الله لهم تمسكهم‬ ‫إن من أسإباب قل ش‬
‫بكتاب الله‪.‬‬
‫المصدر الثانى‪ :‬السنة النبوية‪ :‬اعتمد المرابطون وخصو ص‬
‫صا‬
‫فقيههم الكبر ابن ياسإين على السنة النبوية فى اسإتنباط الحكام‬
‫الشرعية وألزموا أنفسهم وغيرهإم بمنهج الله تعالى‪.‬‬
‫والسنة عند المرابطين‪ :‬هإى المنهج النبوى المفصل فى تعاليم‬
‫السإلم وتطبيقه وتربية المة عليه‪ ،‬والذى يتجسد فيه قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿لممقرد مملنَ اًلج معملىِ اًلرجمؤلمنليْمنَ إلرذ بميمع م‬
‫ث لفيْلهرمُ مرجسوُلل بمرنَ أمنَريجفلسلهرمُ يم ريتيجلوُ معلمريْلهرمُ آمياَتلله مويجيمزبكيْلهرمُ‬
‫نَ﴾ ]آل عمران‪.[164:‬‬ ‫ضلمسل يمبليْ س‬ ‫ب مواًلرلحركممةم مولإن مكاَنَجوُاً لمنَ قميربجل لملفىِ م‬ ‫ل‬
‫مويجيمعلبجمجهجمُ اًلركمتاَ م‬
‫ويتمثل ذلك فى أقواله × وأفعاله وتقريراته‪.‬‬
‫فالقرآن‪ :‬هإو الدسإتور الذى يحوى الصول والقواعد السإاسإية‬
‫للسإلم وعقائده وعباداته‪ ،‬وأخلقه‪ ،‬ومعاملته‪ ،‬وآدابه‪.‬‬
‫والسنة‪ :‬هإى البيان النظرى والتطبيق العملى للقرآن فى ذلك‬
‫كيله‪.‬‬
‫ورأى علماء المرابطين وجوب اتباع الرسإول × فى أقواله‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫وأفعاله وتقريراته مستندين بقوله تعالى‪﴿ :‬مياَ أمييمهاَ اًلذيمنَ آممنجوُاً أمطيْعجوُاً اًلم‬
‫موأملطيْعجوُاً اًللرجسوُمل﴾ ]النساء‪.[59:‬‬
‫ع اًلم﴾]النساء‪:‬‬ ‫وجعل طاعته طاعة لله تعالى‪﴿:‬ممرنَ يجلطلع اًللرجسوُمل فميمقرد أممطاَ م‬
‫‪.[80‬‬
‫وجعل ‪ -‬سإبحانه وتعالى ‪ -‬طاعته الهإتداء‪﴿ :‬مولإن تجلطيْجعوُهج تميرهتمجدواً﴾‬
‫]النور‪.[54:‬‬
‫وجعل ‪ -‬سإبحانه وتعالى ‪ -‬اتباع النبى × دليل ص على محبة الله‬
‫كرمُ﴾ ]آل‬ ‫ومغفرته‪﴿ :‬قجرل لإن جكرنتجرمُ تجلحيبوُمن اًلم مفاَتلبلجعوُلنَىِ يجرحبلربجكجمُ اًلج مويميغرلفرر لمجكرمُ ذججنَوُبم ج‬
‫عمران‪.[31:‬‬

‫وأمرهإم باتباعه فيما أمر ونهى‪﴿ :‬مومماَ آمتاَجكجمُ اًللرجسوُجل فمجخجذوهج مومماَ نَميمهاَجكرمُ معرنهج‬
‫فماَنَريتميجهوُاً﴾‬
‫]الحشر‪.[7:‬‬

‫وأمرهإم بالسإتجابة لدعوته‪،‬واعتبر ما يدعوهإم إليه هإو الحياة‪﴿ :‬‬

‫‪42‬‬
‫]النفال‪.[24:‬‬ ‫ل موللللرجسوُلل إلمذاً مدمعاَجكمُ للمماَ يمرحيْميْجكرمُ﴾‬‫ياَ أمييمهاَ اًللذينَ آمنجوُاً اًرستملجيْبوُاً ل‬
‫ج‬ ‫م م‬ ‫م‬
‫ضىِ اًلج‬ ‫ول يعل لؤممأن ول مأؤممأنُةة خيِاراع ف قبول يحكمَّه‪:‬ى﴿مومماَ مكاَمن للجمرؤلمسنَ مولم جمرؤلمنمسة إلمذاً قم م‬
‫ضلملل يملبيْلناَ﴾‬ ‫ضلل م‬ ‫ص اًلم مومرجسوُلمهج فميمقرد م‬ ‫مومرجسوُلجهج أمرملراً مأن يمجكوُمن لمجهجمُ اًلرلخيْميمرةج لمرنَ أمرملرلهرمُ موممنَ يميرع ل‬
‫]الحزاب‪.[36:‬‬
‫من أعرض عن تحكيمه‪ ,‬أو لم يقبل‬ ‫وأقسم على نفى اليمان ع ش‬
‫ل‬ ‫ب‬
‫ك لم يجيرؤمجنوُمن محلتىِ يجمحكجموُمك فيْمماَ مشمجمر بمي ريْينميجهرمُ ثجلمُ لم‬ ‫ل‬ ‫مسيلمصا‪﴿:‬فملم مومرب م‬ ‫مه راضيا ص ل‬ ‫حك م‬ ‫ل‬
‫سلليْلماَ﴾ ]النساء‪.[65:‬‬ ‫سلبجموُاً تم ر‬
‫ت مويج م‬ ‫يملججدواً لفىِ أمنَريجفلسلهرمُ محمرلجاَ بملماَ قم م‬
‫ضريْ م‬
‫ك‬‫حكمه أو التولى عنه المح ش‬ ‫وجعل ‪-‬سإبحانه وتعالى ‪ -‬قبول ل‬
‫ل ولباَللرجسوُلل‬ ‫الذى يميز اليمان من النفاق؛ قال تعالى‪﴿ :‬وييجقوُجلوُمن آملناَ لباَ ل‬
‫م‬ ‫م‬ ‫مم‬
‫ل ورسوُللهل‬ ‫ك لباَلرمرؤلمنليْنَ ‪ ‬وإلمذاً جدعجوُاً إلملىِ اً ل‬ ‫ل‬ ‫موأمطمرعمناَ ثجلمُ يميتميموُللىِ فملريءق بم رنيجهمُ بمنَ بميرعلد مذلل م‬
‫مم ج‬ ‫ك مومماَ جأولمئ م ج م م‬
‫ضوُمن﴾ ]النور‪ ﴿ .[48 - 47:‬إلنَلمماَ مكاَمن قميروُمل اًلرجمرؤلمنليْمنَ إلمذاً‬ ‫لليْمرحجكممُ بم رييْينميجهرمُ إلمذاً فملريءق بم رنيجهمُ يمرعلر ج‬
‫ن﴾ ]النور‪:‬‬ ‫ك جهجمُ اًلرجمرفللجحوُ م‬ ‫ل مومرجسوُللله لليْمرحجكممُ بمي ريْينميجهرمُ مأن يميجقوُلجوُاً مسلمرعمناَ موأمطمرعمناَ موجأولمئل م‬
‫جدعجوُاً إلملىِ اً ل‬
‫‪.[51‬‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫وحث على القتداء بالنُب ×‪:‬ى﴿لممقرد مكاَمن لمجكرمُ فىِ مرجسوُلل اًل أجرسموُةء محسنة لبممرنَ مكاَمن يميررججوُ اًلم‬
‫مواًرليْميروُمم اًلملخمر موذممكمر اًلم مكلثيْلراً﴾ ]الحزاب‪.[21:‬‬

‫ودزلت أحاديث كثية على وجوب اتباع النُب ×‪,‬ن ولذلك سعى الرمابطون لتحقيِقها ف حيِاتم‪ ،‬ومأن‬
‫ل أمتى يدخلون الجنة إل من أبي‪ ،‬قيل‪:‬‬ ‫ذلك مأا رواه أبو هرميرمة أن النُب × قال‪:‬ى »ك س‬
‫من‬ ‫من أطاعنى دخل الجنة‪ ،‬و م‬ ‫من يأبى يا رسإول الله؟ قال‪ :‬م‬ ‫و م‬
‫عصانى‬
‫فقد أبى« ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫ومأن ذلك مأا رواه العرمباض بن سارية قال‪:‬ى »وعظنُا رسول ال × مأوعظة وجلت مأنُها القلوب‪،‬‬
‫وذرفت مأنُها العيِون‪ ،‬فقلنُا‪:‬ى يا رسول ال‪ ،‬كأزنا مأوعظة يمأوصدع‪:‬ى فأوصنُا‪ ،‬قال‪:‬ى »أوصيكم بتقوى‬
‫من يعش منكم‬ ‫مر عليكم عبد‪ ،‬وإشنه م‬ ‫ة‪ ،‬وإن تأ ش‬ ‫سممع والطاع م‬ ‫الله‪ ،‬وال ش‬
‫فسيرى اختلفا كثيصرا‪ ،‬فعليكم بسنتى وسإنة الخلفاء الراشدين‬ ‫ص‬
‫دثات المر‪ ،‬فإن كل‬ ‫مح م‬‫المهديين عضُوا عليها بالنواجذ‪ ،‬وإشياكم و ل‬
‫بدعة ضللة«)‪.(2‬‬

‫إن قبائل صنُهاجة الذين عيرمفوا باللفزثمَّي ث يأطلق عليِهم اسم الرمابطي ظهرم س‬
‫ت آثار التزامأهم بسنُة‬
‫ي‬
‫‪ ()1‬أخرجه البخاري )‪.(7280‬‬
‫‪ ()2‬أخرجه أبو داود )‪ ,(4607‬والترمذي )‪.(2676‬‬
‫‪43‬‬
‫النُب × ف كل مأنُاشط حيِاتم؛ن ف التعلم والتزكيِة والهاد والسيِاسة‪,‬ن وغيها مأن المأور الت كزونوا با‬
‫دولتهم العرموفة‪.‬‬
‫المصدر الثالث‪ :‬عمل أهإل المدينة‪ :‬الذىَّ اهتمَّت به الدرسة الالكيِة الغرمبيِة‬
‫اللسنُزيِة عمَّوعمأا عمَّل أهل الدينُة حيِث إزنا دار الجرمة‪ ،‬وبا تنُزل القرمآن‪ ،‬وأقام رسول ال × ومأعه أصحابه‬
‫با‪ ،‬وأهل الدينُة أعرمف الزنُاس بالتنُزيل‪ ،‬وبا كان مأن بيِان رسول ال ×‪ ،‬على هذا رأىَّ الالكليِون أن‬
‫عمَّلهم بالقتداء بعلمَّاء أهل الدينُة ف أقوالم وأفعالم حجة‪ ،‬وقزدمأوا ذلك على القيِاس‪ ،‬وعلى خب‬
‫الواحد‪ ،‬وف كتاب المأام مأالك إل الليِث ابن سعد الفقيِه الصرمي‪:‬ى »إن الزنُاس تبع لهل الدينُة‪ ،‬الت‬
‫إليِها كانت الجرمة‪ ،‬وبا‬
‫تنُزل القرمآن«)‪.(1‬‬
‫وسار فقهاء الدولة الرمابطيِة وعلى رأسهم الفقيِه عبد ال بن ياسي على هذا الطرميق ول ييغصيوا أو‬
‫يبدلوا أو يرمضوا بغيه حوعل‪.‬‬
‫صفحاعب الذىَّ ل يعرمف له‬‫ل الصحابي‪ :‬جعل الالكيِة قول ال ز‬ ‫المصدر الرابع‪ :‬قو ل‬
‫مالف حجة‪ ،‬واعتمَّدوا ف ذلك على مأا ذكرم المأام مأالك ف »الموطأ« حيث اعتمد فى كثير من‬
‫صحَّاببةَ الذين هم أعلم بالتأويل‬ ‫فتاويه على العديد من أقوال ال ص‬
‫وأعرف بالمقاصد‪.‬‬
‫صحَّاببةَ فى المسألةَ الواحدة يختار علماء المالكيةَ من أقوالهم‬ ‫وحين تتعدد أقوال ال ص‬
‫ما يتفق مع عمل أهل المدينةَ‪.‬‬
‫سإملة‪ :‬اعتبر المالكيةَ المصالح‬ ‫مير م‬
‫ح ال ل‬ ‫المصدر الخامسُ‪ :‬المصال ل‬
‫المرسلةَ دليلل شرعليا ومارسوها ممارسةَ عمليةَ فى الحَّياة‪ ،‬وأصللوا لها أصولل فى‬
‫جلب المنفعةَ‪ ،‬ودفع المفسدة‪ ،‬وقاسوا بهذه القواعد المور التى لم يشهد لها الشرع‬
‫بإبطال ول باعتبار ممعصين‪ ،‬لنأ تكاليف الشريعةَ ترجع إلى حفظ مقاصدها فى الخلق‪،‬‬
‫والمقاصد إما ضروريةَ أو حاجيةَ‪ ،‬أو تحَّسينيةَ‪.‬‬
‫والضُرورية‪ :‬هى التى لبمصد منها فى قيام مصالح الدين والدنيا فى الضروريات‬
‫الخمس فى الملل جميلعا وهي‪ :‬حفظ الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬والنسل‪ ،‬والمال‪ ،‬والعقل‪.‬‬
‫والحاجية‪ :‬هى التى تؤدى إلى رفع الضيق والحَّرج والمشقةَ‪.‬‬
‫والتحسينية‪ :‬هى المتعلقةَ بمكارم الخألقا وكونأ هذه المعانى مقصودة عرف‬
‫بأدلةَ كثيرة ل حصر لها من الكتاب والسنةَ‪ ،‬مما يدلل على مقاصد الشرع‪ ،‬ولذا ذهب‬
‫المالكيةَ إلى أنأ المصلحَّةَ تكونأ حجةَ‪ ،‬ويعتبر بعض الباحثين القول بالمصلحَّةَ من‬
‫خأصوصيات مذهب المالكيةَ‪.‬‬
‫المصدلر السادس‪ :‬القياس‪ :‬وهو من أصول المنهجيةَ المعلممصيةَ التى سار‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬تاريخ التشريع السإلمي‪ ،‬صا )‪.(292-291‬‬


‫‪44‬‬
‫عليها ابن ياسين وربى عليها أتباعه‪.‬‬
‫المصدر السابع‪ :‬سإد الذرائع‪ :‬سار عليه ابن ياسين فى منهجه العلمى‬
‫فى تأصيل أصول فقه مذهبه‪ ,‬وسار على نهج فقهاء المالكيةَ فى القتداء بالمام مالك‬
‫– رحمه ا – الذى أكثر إكثالرا شديلدا من العمل بسد الذرائع‪ ،‬حتى اعتبر بعض‬
‫العلماء العمل بها من خأصوصيات مذهبه‪ ,‬حتى وصفه الشاطبى بأصنه كانأ شديد المبالغةَ‬
‫فى سدد الذرائع)‪.(1‬‬
‫جُّ ‪ -‬مرحلة المغالبة التى قام بها ابن ياسإين‪:‬‬
‫بعد أنأ قطع ابن ياسين بأصحَّابه وأتباعه مرحلةَ التكوين العقدى والفقهى‬
‫والحَّركى والتنظيمى والتربوي‪ ،‬وأصبح معه رجال يعتمد عليهم فى تبليغ دعوة ا‬
‫على فهم صحَّيح لكتاب ا‪ ،‬وفقه واسع لسنةَ نبيه ×‪ ,‬ورغبهم فى ثواب ا تعالى‪،‬‬
‫ب التباع من قائدهم العالم الفقيه‪ ،‬بدأ‬‫وطلب مرضاته‪ ،‬وخأصوفهم من عقابه‪ ،‬وتمصكن مح ل‬
‫ص‬
‫ابن ياسين بإرسال البعوث إلى القبائل‪ ،‬لترغيب الناس فى السلم‪ ،‬فلبى مجموعةَ من‬
‫أشراف صنهاجةَ هذه الدعوة المحَّكمةَ والتفوا حوله‪.‬‬
‫ثم أمر ابن ياسين أتباعه وتلميذه أنأ يذهب كل منهم إلى قبيلته أو عشيرته‬
‫يدعوهم إلى العمل بأحكام ا وسنةَ نبيه ×‪ ،‬فلما لم يجدوا استجابةَ من أقوامهم‪ ،‬خأرج‬
‫إليهم بنفسه‪ ،‬فجمع أشياخ القبائل‪ ،‬ووعظهم وحذرهم عقاب ا‪ ،‬واستمصر فى ذلك سبعةَ‬
‫أيام‪ ،‬فلم يزدادوا إل فسلقا‪ ،‬فلصما يئس منهم أعلن الجهاد عليهم)‪.(2‬‬
‫ع المرابطين أولل صوب قبيلةَ جدالةَ‪ ،‬حيث اشتبكوا معهم فى معركةَ‬ ‫تحَّصركت جمو م‬
‫شرسةَ وأوقعوا بهم الهزيمةَ‪ ،‬وقتلوا منهم خأللقا كثيلرا‪ ،‬وانقاد الباقونأ لحكام السلم‪ ،‬ثم‬
‫سار ابن ياسين إلى قبيلةَ لمتونةَ فقاتلهم وانتصر عليهم‪ ،‬ودخألوا فى طاعةَ ابن ياسين‪،‬‬
‫وبايعوه على إقامةَ الكتاب والسنةَ‪ ،‬ثم مضى إلى قبيلةَ مسوفةَ التى دخألت تحَّت لوائه‬
‫وبايعوه على ما بايعته قبائل جدالةَ ولمتونةَ‪ ،‬فلما شهدت قبائل صنهاجةَ هذه الحداث‬
‫بادرت إلى مبايعةَ ابن ياسين على بذل الطاعةَ له‪ ،‬وقلدتها كثير من القبائل الصحَّراويةَ‬

‫فى ذلك)‪.(3‬‬
‫ووضع ابن ياسين خأطةَ شاملةَ ترصكزت على توزيع النابغين من تلميذه على‬
‫القبائل التى دخألت فى دعوته ليعلموها القرآنأ وشرائع السلم‪ ،‬وبدأ ابن ياسين فى‬
‫تخطيط الدولةَ التى شرع لتأسيسها على أسس شرعيةَ رصبانيةَ‪ ،‬وفى ظنى أنأ الذى أسس‬
‫الدولةَ المرابطيةَ فعلليا ونفذ أحكامها الشرعيةَ هو يوسف بن تاشفين‪ ،‬وهذا ما يتضح‬
‫من خألل دراسةَ هذه الدولةَ البهيةَ‪ ،‬ولما متوفى المير يحَّيى بن إبراهيم الجدالي‪ ،‬قصدم‬
‫ابن ياسين مكانه يحَّيى بن عمر اللمتونى وكانأ من أهل الدين والفضل‪ ،‬كما كانأ منقالدا‬
‫فى جميع أموره لمامه ابن ياسين)‪.(4‬‬

‫التشريع والفقه فى السإلم‪ ،‬مناع القطان‪ ،‬صا )‪.(294‬‬ ‫انظر‪:‬‬ ‫‪()1‬‬


‫ابن أبي زرع‪ ،‬روض القرطاس‪ ،‬صا )‪.(85‬‬ ‫انظر‪:‬‬ ‫‪()2‬‬
‫تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬د‪ .‬حمدي عبد المنعم‪ ،‬صا )‪.(41‬‬ ‫انظر‪:‬‬ ‫‪()3‬‬
‫دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(31‬‬ ‫انظر‪:‬‬ ‫‪()4‬‬
‫‪45‬‬
‫وبذلك أصبحَّت القبائل الصنهاجيةَ فى المغرب القصى لها قيادة دينيةَ وسياسيةَ‬
‫ومجالس شورى متدبدمر دفتها وحركتها‪ ،‬فتطلعت لتوحيد المغرب القصى كله وإزالةَ‬
‫كل عائق يمنعها من تحَّكيم شرع ربها‪.‬‬
‫الوضع السياسإى فى المغرب القصى عند ظهور المرابطين‪:‬‬
‫كانأ المغرب القصى فى أوائل القرنأ الخامس الهجرى فى محَّنةَ سياسيةَ ودينيةَ؛‬
‫حيث ظهرت دعوات منحَّرفةَ عن السلم وحقيقته وجوهره الصيل‪ ،‬واستطاعت‬
‫بعض الدعوات البدعيةَ الكفريةَ أنأ متشدكل كيالنا سياسليا تحَّتمى به‪ ,‬وأصبح المغرب‬
‫القصى شبيلها بالبننبدملس فى زمن ملوك الطوائف‪ ،‬وكانت الطوائف التى سادت‬
‫المغرب قبيل وصول المرابطين تتكونأ من أربع شوكات قويةَ لها وزنها فى المغرب‬
‫القصى‪:‬‬
‫ل‪ :‬قبائل غمارة فى الصشبمال‪.‬‬
‫أو ل‬
‫ثانيلا‪ :‬قبائل برغواطةَ فى المغرب‪.‬‬
‫ثالثلا‪ :‬قبائل زناتةَ وكانت تكدونأ نطالقا حول الطوائف السابقةَ ل مسيصبما برغواطةَ‪.‬‬
‫رابلعا‪ :‬طوائف الشيعةَ والرافضةَ والوثنيين فى الجنوب‪.‬‬
‫‪ -1‬الطائفة ا ل‬
‫لولى‪ :‬قبائل غمارة‪:‬‬
‫كانت تسكن جبال الدريف الممتدة من ناحيةَ البحَّر المتوسط من سبتةَ وطنجةَ غرلبا‪،‬‬
‫إلى وادى نكور بالقرب من المزمةَ أو المحَّبسنيمةَ الحَّاليةَ شرلقا‪ ،‬وتمتد بلمدهم جنولبا إلى‬
‫قرب فاس‪ ,‬وكانت غمارة بطلنا من بطونأ مصمودة وظهر فيها مشعوذونأ‪ ،‬وقصدتهم‬
‫الخوارج للمنعةَ فى جبالهم‪ ،‬ووصفهم الممبؤدرمخأونأ من أمثال ابن خألدونأ وغيره‪ :‬بأصنهم‪:‬‬
‫»عريقونأ فى الجاهليةَ؛ بل الجهالةَ‪ ،‬والبعد عن الشرائع بالبداوة والنتباذ عن مواطن‬
‫الخير‪ ،‬وتنصبأ فيهم إنسانأ يعرف بحَّاميم بن بمدن ا‪ ،‬ولمدقب بالمفتري‪ ،‬وفى روايةَ أخأرى‬
‫بالمقتدي‪ -‬ولعلها هى الصل ثم محدرفت إلى المفترى – والجبل الذى تندبأ فيه مينسب‬
‫إليه‪ ،‬وهو جبل على مقربةَ من تطوانأ‪ ،‬وأجابه بشر كثير من غمارة وأقروا بنبوته‪،‬‬
‫ووضع لهم شريعةَ استهواهم برخأصها‪ ،‬فرصد لهم الصلة صلتين عند طلوع الشمس‬
‫وعند غروبها‪ ،‬ووضع لهم قرآلنا بلسانهم »أى البربرى«‪ ،‬ومن تعاليمه أنه أحصل لهم‬
‫أكل أنثى الخنزير‪ ،‬وأسقط عنهم الحَّج والطهر والوضوء‪ ،‬وحصرم عليهم الحَّوت حتى‬
‫ميذكى‪ ،‬وحصرم بيض كل طائر‪ . .‬إلخ«)‪.(1‬‬
‫وقد قتل هإذا المشعوذ الزنديق فى النصف الول من القرن‬
‫الرابع الهجرى فى طنجة فى حروبه مع قبائل مصمودة الساحلية‬
‫على حد قول البكرى وابن خلدون‪ ،‬أو فى حروبه مع جيوش‬
‫الخليفة الموى عبد الشرحمن الناصر على حد قول صاحب‬
‫»السإتبصار«‪ ،‬وصاحب »مفاخر البربر«)‪.(2‬‬
‫واسإتمشرت البدع الكفرية بالرغم من موت المتنبى المشعوذ‬
‫جل ص فى مقومه‪ ،‬وكانت‬ ‫مب ش‬
‫عى عيسى وكان ل‬ ‫وظهر أحد أبنائه وليد م‬
‫‪ ()1‬انطر ‪ :‬السإتبصار فى عجائب المصار‪ ،‬لمؤلف مجهول‪ ،‬صا )‪.(190‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬كتاب السإتبصار‪ ،‬صا )‪ ،(192-191‬ومفاخر البربر‪ ,‬صا )‪.(77‬‬
‫‪46‬‬
‫قبائل غمارة غارقة فى الباحشية بين النساء والرجال‪ ،‬وكان رجالهم‬
‫يربون شعورهإم كالنساء ويتخذونها ضفائر ويطيبونها ويتعممون‬
‫بها‪ . . .‬إلخ)‪.(1‬‬
‫ة البرغواطشية‪:‬‬
‫‪ -2‬الطائف ل‬
‫ونت هإذه الطائفة الكافرة دولة لها فى القرن الشثامنى للهجرة‬ ‫ك ش‬
‫)‪(2‬‬
‫فى إقليم تامسنا أو ما ليسمى اليوم بالشاوية ‪ ،‬وكانت دولتهم‬
‫تمتد س من اليرمباط الحالية إلى ثغر فضُالة الذى كان قاعدة‬
‫م الربيع‪.‬‬ ‫ل‬
‫ب وادى أ ي‬ ‫ص ي‬
‫م م‬
‫لسإطولها‪ ،‬وتنتهى عند بلدة أزمور عند م‬
‫ونجد أن المؤرخين اختلفوا حول اسإم برغواطة‪ ،‬فبعضُهم يرى‬
‫معينة يجمعها أصل واحد أو أب واحد‪ ،‬بل‬ ‫ما لقبيلة ل‬ ‫بأشنه لم يكن اسإ ص‬
‫ما لخلط من البربر اجتمعوا على شخص يهودى الصل‪،‬‬ ‫كان اسإ ص‬
‫دعى النبوة‪ ،‬اسإمه صالح بن طريف بن شمعون البرباطي‪ ،‬نسبة‬ ‫ا ش‬
‫ل‬ ‫م‬
‫إلى وادى البرباط فى جنوب الن يد ملسُ؛ فصارت كلمة برباطى‬
‫حيرمفت إلى برغواطي)‪.(3‬‬ ‫لتطلق على كل من اعتنق ديانته‪ ،‬ثم ل‬
‫ويرى ابن خلدون أن برغواطة قبيلة من المصامدة وأن ملوكها‬
‫كانوا من مصامدة المغرب)‪.(4‬‬
‫ومن عقائد هإذه الطائفة الضُاشلة اعتقادهإم بأن صالح بن طريف‬
‫هإو المقصود بقوله تعالى فى سإورة التحريم‪﴿:‬مولإن تممظاَمهمراً معلمريْله فملإلن اًلم جهموُ‬
‫ك ظملهيْءر﴾ ]التحريم‪ .[4:‬وزعم‬ ‫ح اًلرجمرؤلمنليْمنَ مواًلرمملمئلمكةج بميرعمد مذلل م‬ ‫موُلمهج ولجبلريل و ل‬
‫صاَل ج‬
‫مر م ر ج م م‬
‫زعيمهم أنه المهدى الكبر الذى يخرجُّ فى آخر الزمان لقتال‬
‫المسيح الدجال‪ ،‬وأن عيسى ابن مريم يكون من أصحابه وليصيلى‬
‫خلفه‪.‬‬
‫وشرع لتباعه صوم رجب‪ ,‬والكل فى رمضُان‪ ،‬وفى الوضوء‬
‫غسل السرة والخاصرتين بالضافة إلى طريقة الوضوء عند‬
‫سملمين‪ ،‬وفرض عليهم خمسُ صلوات فى الشنهار وخمسُ‬ ‫م ي‬‫ال ل‬
‫صلوات فى الليل‪ ،‬وبعض صلواتهم إيماء بل سإجود‪ ،‬وبعضُها على‬
‫سملمين‪ ،‬وعند ابتداء الصلة يضُع الفرد إحدى يديه‬ ‫م ي‬ ‫كيفية صلة ال ل‬
‫على الخرى‪ ،‬ويقول بالبربرية‪ :‬ابسمن باكش‪ ،‬وتفسيره باسإم‬
‫الله‪ ،‬ثم مقر ياكش‪ ،‬أى الله أكبر‪ ،‬ويقولون فى تسليمهم‬
‫بالبربرية‪ :‬أيحن ياكش‪ ،‬ووردام ياكش الله أحد ل مثيل له‪ .‬كما‬
‫وضع‬

‫انظر‪ :‬فى تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬د‪ .‬العبادي‪ ،‬صا )‪.(278‬‬ ‫‪()1‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(279‬‬ ‫‪()2‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(279‬‬ ‫‪()3‬‬
‫ابن خلدون‪ ،‬العبر‪) ،‬جُّ ‪.(2/210‬‬ ‫‪()4‬‬
‫‪47‬‬
‫صالح بن طريف قرآصنا باللغة البربرية فى ثمانين سإورة أكثرهإا‬
‫منسوب إلى أسإماء النبيين‪ ،‬أولها سإورة أيوب وآخرهإا سإورة‬
‫يونسُ‪.‬‬
‫وأباح لهم تزلوج النساء فوقا الربع‪ ،‬وأباح لهم الطلقا‪ ،‬وحصرم عليهم زواج بنت‬
‫العم‪ ،‬وزواج الممنسملمات‪ ،‬كذلك شرع قتل السارقا‪ ،‬ورجم الزاني‪ ،‬ونفى الكاذب‪ ،‬وحصرم‬
‫رأس كل حيوانأ‪ ،‬وحصرم ذبح الديك‪ ،‬والحَّوت أى السمك‪ ،‬ول ميؤبكل إل أنأ ميذكى »أى‬
‫يذبح« والبيض عندهم حرام‪ ،‬وليس عندهم أذانأ ول إقامةَ وهم يكتفونأ فى معرفةَ‬
‫الوقات بصياح الديوك‪ ،‬ولذلك حصرموها إلى غير ذلك من التعاليم الشيطانيةَ وإلى حدد‬
‫كبير تشبه ديانةَ حاميت المفترى فى غمارة)‪.(1‬‬
‫لقد كانت تعاليم هذه الدولةَ الكفريةَ متأثرة بتعاليم اليهود المنحَّرفةَ‪ ،‬وكذلك ببعض‬
‫التعاليم السلميةَ حيث يمكننا أنأ نقول إصنها ديانةَ مشدوهةَ للسلم تعمل للقضاء عليه‪،‬‬
‫وكانت هذه الدولةَ عند أهل السنةَ والجماعةَ مجولسا منحَّرفين مارقين عن الدين‬
‫الحَّنيف‪ ،‬ولهذا فرضوا قتالهم واستحَّلوا دماءهم‪.‬‬
‫واستمصرت هذه الدعوة الكفريةَ منذ سنةَ ‪125‬هـ فى خألفةَ هشام بن عبد الملك إلى‬
‫ظهور أهل السنةَ المرابطين المملبصثمين الذى قضوا عليهم قضالء ممبرلما‪ ،‬وقد ذكرت كتب‬
‫الصتامريخ أنأ حكام المغرب قبل مجيء المرابطين‪ ،‬كالدارسةَ والمويين والزناتيين قد‬
‫قاتلوا برغواطةَ وأنزلوا بها هزائم منكرة وخأسائر فادحةَ‪.‬‬
‫لقد قاسى المغرب القصى محَّنةَ كبيرة بسبب هذه الدولةَ الكفريةَ والطائفيةَ البدعيةَ‬
‫وكانأ خأطرها أشد وأقوى مما تصدوره كتب الصتامريخ)‪.(2‬‬
‫‪ -3‬الطائفة الثالثة‪ :‬وهإى الدولة الزناتية‪:‬‬
‫وهى تتكصونأ من قبائل مكناسةَ ومغراوة وبنى يفرنأ وغيرها من القبائل الزناتيةَ‬
‫التى حكمت المغرب سنين بعد زوال نفوذ الدارسةَ‪ ،‬حيث قامت بدور إيجابى فى‬
‫حرب الدولةَ البرغواطيةَ‪ ،‬إل أنأ حكام هذه الدولةَ اشتهروا بالجور والظلم والتعسف‬
‫فى آخأر زمانهم)‪.(3‬‬
‫‪ -4‬الطائفة الرابعة‪ :‬طوائف الشيعة والوثنيين‪:‬‬
‫كانأ محَّللهم جنوب المغرب فى أقصى بلد السوس‪ ،‬وكانوا عبارة عن أقلصيات‬
‫ممبعبثرة‪.‬‬
‫أصما الشيعةَ فقد انتشروا فى مدينةَ تارودانت ونواحيها وكانوا دعاة للفكر الشيعى‬
‫الرافضي‪ ،‬وبعضهم يرجع جذورهم وأصول فكرتهم للدولةَ العبيديةَ الرافضيةَ التى‬
‫جاء ذكرها فى صفحَّات من الصتامريخ السلمى فى الصشبمال الفريقى »الدولةَ العبيديةَ‬
‫الرافضيةَ«‪ ,‬لقد كانأ الصراع عنيلفا بين الشيعةَ وبين أهل السنةَ فى كل ناحيةَ وضاحيةَ‬
‫ومكانأ فى المغرب كله‪ ،‬وتوج جهاد أهل السنةَ بالقضاء على الدولةَ العبيديةَ إل أنأ‬
‫‪1‬‬
‫)( نص على ذلك التشابه صاحب كتاب مفاخر البربر‪ ،‬صا )‪ ،(77‬انظر ‪ :‬فى تاريخ المغرب‬
‫والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(281‬‬
‫‪ ()2‬فى تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(278‬‬
‫‪ ()3‬المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(289‬‬
‫‪48‬‬
‫بقايا جذورهم أزالها المرابطونأ بقوتهم اللسنصيةَ الميمونةَ‪ ،‬أما الوثنيونأ فكانوا يسكنونأ‬
‫الطلس الكبير فى جبل وعر‪ ،‬وكانأ الوثنيونأ يعبدونأ الكبش‪ ،‬ويبدو أصنهم تأثروا‬
‫بديانات مصريةَ قديمةَ كانت تعبد الكبش فى زمن الفراعنةَ ويسمونه الله خأنوم‪ ،‬فكأنأ‬
‫طقوس هؤلء الوثنيين وعباداتهم من رواسب مؤثرات مصريةَ قديمةَ)‪.(1‬‬
‫لقد ماتضح لى فى دراستى التاريخييةَ لبلد المغرب أصنها كانت تعانى من تفلكك‬
‫سياسي‪ ،‬وتكونت دول طائفيةَ منحَّرفةَ عن مناهج رب البريةَ‪ ،‬وكانت شعوب تلك‬
‫الديار قد غرقت فى وحل الجهل‪ ،‬ومستنقعات النحَّراف وفساد التصور‪ ،‬وضياع‬
‫الخألقا‪ ،‬وكثرة الظلم‪ ،‬وانتشار العسف والجور‪ .‬وكانأ علماء وفقهاء المرابطين على‬
‫علم ودرايةَ‪ ،‬وقد وضعوا فى مخأطصمتهم الجهاديةَ توحيد المغرب القصى والقضاء على‬
‫الدولةَ الطائفيةَ الكفريةَ‪ ،‬وإزالةَ الظلم والجور والتعسف‪.‬‬
‫وعملوا على توحيد الديار المغربيةَ وتربيتها على منهج سنى مالكي‪ ،‬ومحَّاربةَ‬
‫المناهج الكفريةَ‪ ،‬والقضاء على المذاهب البدعيةَ من خأوارج ومعتزلةَ وروافض‬
‫ومنعها من النتشار أو أنأ يكونأ لها وجود‪.‬‬
‫د ‪ -‬الشروع فى توحيد المغرب القصى‪:‬‬
‫فى عام ‪447‬هـ‪1055 /‬م اجتمع فقهاء سجلماسةَ ودرعةَ وكتبوا إلى ابن ياسين‬
‫ميردغبوبنه فى الوصول إليهم ليخلص بلدهم مما تعانيه من الحَّكام الطغاة الظلمةَ؛ زناتةَ‬
‫المغراويين وأميرهم مسعود بن واندين‪ ،‬فجمع ابن ياسين شيوخ بقومه وقرأ عليهم‬
‫رسالةَ فقهاء سجلماسةَ‪ ،‬فأشاروا عليه بمدد يد المعونةَ لهم‪ ،‬وقالوا له‪» :‬أليها الشيخ الفقيه‪,‬‬
‫هذا ما يلزمنا فبمسنر بنا على بركةَ ا«)‪.(2‬‬
‫فخرجت جموع المرابطين فى شهر صفر سنةَ ‪447‬هـ إلى بلد درعةَ‪ ،‬فتصدى‬
‫لهم المير مسعود بن واندين بالقتال‪ ،‬وانتهت المعركةَ بهزيمةَ المغراويين ومصرع‬
‫مسعود وتشتت جيشه‪ ،‬وأسرع ابن ياسين بدخأول سجلماسةَ‪ ،‬وأصلح أحوالها‪ ،‬وقدم‬
‫عليها عاملل من لمتونةَ وحاميةَ مرابطيةَ ثم عاد إلى الصحَّراء«)‪.(3‬‬
‫وفى عام ‪448‬هـ‪1056/‬م متوفى المير يحَّيى بن عمر اللمتونى بفعصين عبد ا بن‬
‫ياسين أخأاه أبا بكر بن عمر مكانه للقيادة‪ ،‬ثم تأصهب أبو بكر لغزو بلد السوس؛ ففى‬
‫ب بلد السوس‪ ،‬واخأتار أبو بكر بن عمر‬ ‫ربيع الصثامنى سنةَ ‪448‬هـ سار المرابطونأ ب‬
‫صنو ب‬
‫ابن عمه يوسف بن تاشفين ليتولى القيادة على مقدمةَ الجيش المرابطي‪ ،‬وكانأ ذلك أول‬
‫ظهور ليوسف بن تاشفين مؤسس دولةَ المرابطين وقائد مرحلةَ الصتمكين‪ ،‬وتمكنوا من‬
‫احتلل اردوانت‪ ،‬وقضوا على الروافض والوثنيين‪ ،‬كما قاتلوا اليهود المنتشرين فى‬
‫تلك النواحى فأعادوا بذلك تلك المناطق إلى مذهب أهل السنةَ والجماعةَ)‪.(4‬‬
‫وسار المرابطونأ إلى مدينةَ أغمات‪ ،‬وكانأ أميرها يومئذذ لقوط بن يوسف بن على‬
‫المغراوى وحاصروها‪ ,‬واضطر لقوط إلى الفرار عندما أيقن عبث المقاومةَ‪ ،‬فخرج‬
‫يتلمس النجاة فى أهله وحشمه تحَّت جنح الظلم‪ ،‬ودخأل المرابطونأ أغمات عام‬
‫المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(291‬‬ ‫‪()1‬‬
‫انظر‪ :‬موسإوعة المغرب العربي )‪.(2/128‬‬ ‫‪()2‬‬
‫المصدر السابق‪.(2/182) ،‬‬ ‫‪()3‬‬
‫فى المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(293‬‬ ‫‪()4‬‬
‫‪49‬‬
‫‪449‬هـ‪1057 /‬م وأقاموا فيها ما يقرب الشهرين‪ ،‬وتحَّركوا حركات حربيةَ ممحَّبكمةَ‬
‫للقضاء على فلول الممغراويين‪ ،‬واستطاعوا قتل أمير أغمات وتزوج أبو بكر بن عمر‬
‫من زينب النفراويةَ زوجةَ لقوط المغراوي‪.‬‬
‫ثم سار أبو بكر بن عمر فى جموع المرابطين إلى أرض برغواطةَ وكانأ أميرهم‬
‫يومئذذ أبا حفص بن عبد ا بن أبى غفير بن محَّمد بن معاذ‪ ،‬ونشبت بين المرابطين‬
‫والبرغواطيين وقائع ومعارك حاميةَ الوطيس أصيب فيها العالم الربانى والمقاتل‬
‫الميدانى والفقيه المودجه ابن ياسين بجراح أودت بحَّياته إلى الشهادة‪ ,‬نحَّسبه كذلك ول‬
‫منزدكى على ا أحلدا‪ ،‬حمل على إثر تلك الجراح إلى مقدر القيادة فى معسكر المرابطين‪،‬‬
‫وقبل خأروج روحه جمع رؤساء وشيوخ المرابطين وحصثهم على الثبات فى القتال‪،‬‬
‫وحصذرهم من عواقب التفرقةَ والتحَّاسد فى طلب الرياسةَ‪ ،‬ولم يلبث أنأ فارقا الحَّياة ‪،‬‬
‫)‪(1‬‬

‫فعلى أمثال هؤلء الرحمةَ والمغفرة والرضوانأ من الرحيم الواحد المنانأ‪ .‬واتفق رأى‬
‫المرابطين على اخأتيار أبى بكر ابن عمر للرياسةَ مكانأ ابن ياسين‪ ،‬وأجمع شيوخ‬
‫المرابطين على مبايعةَ أبى بكر‪ ,‬فجمع بين الزعامتين الدينيةَ والسياسيةَ‪ ،‬بينما يؤكد كل‬
‫من القاضى عياض وابن خألدونأ أنأ المرابطين اتفقوا فيما بينهم على تقديم الشيخ‬
‫سليمانأ بن حدو‪ ،‬ليرجعوا إليه فى مشاكلهم وقضايا دينهم‪ ،‬وتوصلى القائد الجديد الزعامةَ‬
‫بهمةَ عاليةَ وشجاعةَ فائقةَ‪ ،‬واستعداد للتضحَّيةَ والفداء من أجل إحياء دين ا على‬
‫منهج النبوة‪ ،‬وطمس المعالم الكفريةَ للدولةَ البرغواطيةَ‪ ،‬فأمر بتعبئةَ جيوشه المجاهدة‬
‫وخأرج لقتال واستئصال الكفر من بلد المغرب‪ ،‬فأثخن فى جنود الدولةَ البرغواطيةَ‪،‬‬
‫وفصرقا جموعهم‪ ،‬وكسر شوكتهم‪ ،‬وأعلنوا الطاعةَ والولء للدولةَ المجاهدة الجديدة‪ ،‬ثم‬
‫قصد أبو بكر مدينةَ أغمات‪ ،‬فمكث بها حتى شهر صفر سنةَ )‪452‬هـ‪1060 /‬م( ثم تابع‬
‫سيره فى بلد المغرب‪ ،‬يفتح البلدانأ والقرى وحصونأ الجبال‪ ،‬ففتح سائر بلد زناتةَ‪،‬‬
‫وفتح مكناسةَ‪ ،‬وحاصر مدينةَ لواتةَ ودخألها عنوة فى شهر ربيع الصثامنى سنةَ ‪452‬هـ‪ ,‬ثم‬
‫عاد إلى أغمات التى اتخذها قاعدة عسكريةَ للمرابطين ومقلرا للمير وأخأوته‪ ،‬وعندما‬
‫امتلت المدينةَ اتجه أبو بكر إلى اخأتيار عاصمةَ جديدة‪ ،‬فوقع على موضع مدينةَ‬
‫مراكش الحَّاليةَ‪ ،‬وشرع فى بنائها‪ ،‬فأتاه رسول من الصحَّراء يخبره بإغارة قبيلةَ جدالةَ‬
‫على قبيلةَ لمتونةَ‪ ،‬فعصين ابن عمه يوسف‪ ,‬وأسرع من أجل الصلح بين القبائل‬
‫المتنازعةَ‪ ،‬وقصسم الجيش إلى فريقين‪ ،‬نصفه مع يوسف الذى شرع فى تأديب القبائل‬
‫المغربيةَ المتمردة من مغراوة وزناتةَ وبنى يفرنأ وغيرهم‪ ,‬ووقع اخأتياره على أربعةَ‬
‫من القصواد هم‪ :‬محَّمد بن تميم الجدالي‪ ،‬وعمر بن سليمانأ المسوفي‪ ,‬ومدرك التلكاني‪،‬‬
‫وسير بن أبى بكر اللمتوني‪ ،‬وعقد لكل منهم على خأمسةَ آلف من قبيلته‪ ،‬وسيرهم‬
‫لتأديب تلك القبائل المتمردة‪ ،‬وسار فى أثرهم فغزوا قبائل المغرب قبيلةَ بعد قبيلةَ‪،‬‬
‫وبللدا بعد بلد‪ ،‬وكانأ بعضهم يفرونأ وبعضهم يقاتلونه‪ ,‬والبعض الخأر يدخألونأ فى‬
‫طاعته‪.‬‬
‫واستمصر فى توحيد بلد المغرب وسنرى جهوده الجهاديةَ فى سيرته الميمونةَ‪.‬‬
‫أما أبو بكر فقد استطاع نشر المن فى الصحَّراء‪ ،‬وأزال الخلف القائم بين لمتونةَ‬
‫وجدالةَ‪ ،‬وتوسع فى جهاد قبائل السود الوثنيةَ لتدخأل فى دين ا؛ حيث صاول وجاول‬
‫وقاتل الزنوج لتأمين حدود دولةَ المرابطين الجديدة بعد دعوة الزنوج للدخأول فى‬
‫‪ ()1‬تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(44‬‬
‫‪50‬‬
‫السلم‪.‬‬
‫وبعد أنأ حقق أبو بكر بن عمر نجاحات هائلةَ فى مهمته الدعويةَ؛ رجع إلى‬
‫المغرب القصى بجيوشه؛ فأكرمهم يوسف بن تاشفين إكرالما يليق بالقائد الرصبانى أبى‬
‫بكر بن عمر‪ ،‬واخأتار أبو بكر يوسف نائلبا عنه على محكم المغرب القصى‪ ،‬وأمره‬
‫بالعدل والرفق بالممنسملمين‪ ,‬ثم وصدعه وعاد إلى الصحَّراء وقد زصوده يوسف بطائفةَ‬
‫عظيمةَ من الهدايا الجليلةَ‪ ،‬من المال والخيل والبغال والسلحَّةَ المحَّلة بالذهب‪،‬‬
‫م‬
‫ب‪ ،‬وهناك استأنف الجهاد والغزو حتى قتل‬ ‫والجوارى والثياب الفاخأرة والمؤنأ والدوا د‬
‫فى إحدى غزواته فى سنةَ )‪480‬هـ‪1087/‬م()‪.(1‬‬
‫قال ابن كثير فى »البدايةَ والنهايةَ« عنه ‪-‬أى عن أبى بكر بن عمر‪» :-‬اتفق له من‬
‫الناموس ما لم تتفق لغيره من ملوك‪ ,‬كانأ يركب معه إذا سار لقتال عدو خأمسمائةَ ألف‬
‫مقاتل‪ ،‬كانأ يعتقد طاعته‪ ،‬وكانأ مع هذا يقيم الحَّدود ويحَّفظ محَّارم السلم‪ ،‬ويحَّوط‬
‫الدين ويسير فى الصناس سيرة شرعيةَ‪ ،‬مع صحَّةَ اعتقاده ودينه‪ ،‬وموالة الدولةَ‬
‫العباسيةَ‪ ،‬أصابته نشابةَ فى بعض غزواته فى حلقه فقتلته«)‪.(2‬‬
‫لقد كانأ أبو بكر بن عمر من أعظم قادة المرابطين‪ ،‬وأتقاهم وأكثرهم ورلعا وديلنا‬
‫وحلبا للشهادة فى سبيل ا‪ ،‬وساهم فى توحيد بلد المغرب‪ ،‬ونشر السلم فى‬
‫الصحَّارى القاحلةَ وحدود السنغال والنيجر‪ ،‬وجاهد القبائل الوثنيةَ حتى خأضعت‬
‫وانقادت للسلم والممنسملمين‪ ،‬ودخأل من الزنوج أعداد كبيرة فى السلم‪ ,‬وساهموا فى‬
‫بناء دولةَ المرابطين الفتيةَ‪ ،‬وشاركوا فى الجهاد فى بلد البننبدملس‪ ,‬وصنعوا مع إخأوانهم‬
‫الممنسملمين فى دولةَ المرابطين حضارة متميزة‪.‬‬
‫هإـ ‪ -‬تأملت فى مسيرة ابن ياسإين الجهادية‪:‬‬
‫لقد سار ابن ياسين فى دعوته لقبائل المملبصثمين الصنهاجيةَ سيرة حسنةَ نقيةَ‪ ،‬وتدصرج‬
‫بهم من مرحلةَ التعريف إلى التكوين ثم التنفيذ حيث شرع فى قتال القبائل التى لم‬
‫تحَّترم أو متقددس حرمات ا‪ ،‬وأزال المنكرات‪ ،‬واعتبر ذلك جهالدا فى سبيل ا‪.‬‬
‫وقد لحظت أنأ إعلنأ الجهاد على القبائل التى تفشت فيها المنكرات جاء بعد‬
‫إعداد وشورى من أهل الحَّل والعقد‪ ،‬وبعد أنأ أصبحَّت لهم شوكةَ قويةَ وإمام مطاع‪،‬‬
‫ومجلس من العلماء والفقهاء يقلبونأ أمور السلم والحَّرب‪.‬‬
‫ويكفى هؤلء البطال على صحَّةَ جهادهم ما رواه مسلم فى صحَّيحَّه عن النبى ×‬
‫مته حواريون‪،‬‬ ‫‪» :‬ما من نبى بعثه الله فى أمة قبلى إل كان له من أ ش‬
‫وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره‪ ،‬ثم إشنها تخلف من بعدهإم‬
‫خلوف‪ ،‬يقولون مال يفعلون‪ ،‬ويفعلون ما ل يؤمرون‪ ،‬فمن جاهإدهإم‬ ‫ل‬
‫بيده فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهإدهإم بلسانه فهو مؤمن‪ ،‬ومن جاهإدهإم‬
‫ة خردل«)‪.(3‬‬ ‫بقلبه فهو مؤمن‪ ،‬وليسُ وراء ذلك من اليمان حب ل‬
‫إنأ حركةَ المرابطين كانت موفقةَ حيث استطاعت أنأ تنسق مع علماء وفقهاء‬
‫سجلماسةَ لسقاط الدولةَ الزناتيةَ التى تفشى فيها الظلم والجور والعسف‪ ،‬فعندما رأوا‬
‫‪ (2) ,()1‬البداية والنهاية‪.(12/143) ،‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البداية والنهاية ) ‪.(12/143‬‬

‫‪ ()3‬صحيح مسلم رقم )‪ ,50‬جُّ ‪.(1/70‬‬


‫‪51‬‬
‫من أنفسهم الستطاعةَ والمقدرة على إزالةَ الظلم‪ ،‬ورأوا أنأ تحَّقل ب‬
‫ق المصلحَّةَ كانأ‬
‫أرجح‪ ،‬سارع الفقهاء والعلماء بالموافقةَ على مقترح ابن ياسين‪ ،‬وتدصفقت جيوش‬
‫المرابطين‪ ،‬وتعاونت مع المستضعفين وطصهرت البلد من هيمنةَ العابثين‪ ،‬ونشرت‬
‫العدل بين الممنسملمين‪ ،‬ورفعت الضرائب والمكوس عن المظلومين‪ ،‬وفى نظرى أنأ‬
‫نجاح حركةَ المرابطين كانأ بتوفيق ا‪ ،‬ثم إنأ القيادة الفعليةَ للعلماء والفقهاء ومجلس‬
‫الشورى الذى يمبمدثل أهل الدحَّل والعقد ممن شهدت لهم جموع المرابطين بأصنهم أهل لذلك‬
‫كانت حساباتهم دقيقةَ‪ ,‬وفتاويهم موزونةَ‪ ،‬ومعاركهم مدروسةَ‪.‬‬
‫أما قتالهم لبرغواطةَ‪ ,‬وغمارة‪ ,‬ذات المعتقدات المكفريةَ والنحَّرافات العقديةَ فهذا‬
‫يعتبر من أعظم أعمالهم الجهاديةَ‪ ,‬عندما وقفوا لزالةَ الدولةَ الشركيةَ واقتلعوها من‬
‫جذورها‪ ،‬وبمددلت بأصوذل سنيةَ زكيةَ بهيةَ‪.‬‬
‫ت أنأ للعلماء شبكةَ عمليةَ للتصال والتشاور ووضع الخطط اللزمةَ‬ ‫كما لحظ م‬
‫لحياء السلم فى الصشبمال الفريقي‪ ،‬حيث نجد أنأ المام أبا عمرانأ الفاسى هو الذى‬
‫وضع الخطوط العريضةَ والرشادات النافعةَ لدولةَ المرابطين‪ ،‬ثم وصجه المير يحَّيى‬
‫بن إبراهيم إلى موقع من مواقع حلقةَ التصال الواسعةَ بين العلماء ليرسل قائد تلك‬
‫الجهةَ وهو ابن وجاج مع المير يحَّيى أحد الفراد الذين يتوسم فيهم ذكالء ونجابةَل‬
‫وصللحا وتفولقا للدعوة فى قبائل صنهاجةَ‪ ,‬وكانأ اخأتيار ابن وجاج فى محَّله الذى‬
‫استمصر على اتصاله بشيوخأه‪.‬‬
‫كما أنأ علماء سجلماسةَ كانوا ضمن شبكةَ من شبكات التعاونأ بين فقهاء أهل‬
‫السنةَ‪ ،‬فهم الذين شصجعوا جيوش المرابطين لتوحيد الديار المغربيةَ تحَّت لواء دولةَ‬
‫سنيةَ‪.‬‬
‫***‬

‫‪52‬‬
‫المبحث السادس‬
‫مرحلة التمكين والتوسإع لدولة المرابطين‬
‫القائد الربانى يوسإف بن تاشفين‬
‫‪ 500 - 400‬هإـ ‪1106 -1009 /‬م‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫قد علمت بأهم المراحل فى فقه الدعوة إلى ا التى مصر بها المام ابن ياسين حيث‬
‫نجده نجح نجالحا عظيلما فى تنفيذ مرحلةَ التعريف واخأتيار العناصر التي تحَّمل‬
‫الدعوة‪ ،‬ومرحلةَ المغالبةَ‪ ،‬واستشهد فى مرحلةَ المغالبةَ وتولى القيادة فى هذه المرحلةَ‬
‫أبو بكر بن عمر الذى سار على نفس المنهج الذى رسمه ابن ياسين‪.‬‬
‫واستمصر فى فتح مدنأ المغرب إل أنه ترك نصف جيش المرابطين لبن عمه‬
‫يوسف‪ ،‬ودخأل بالباقى نحَّو الجنوب داعليا ومجاهلدا ومصللحَّا واستمصر فى فتوحاته حتى‬
‫استشهد – رحمه ا – وتوصلى المر بالكليةَ القائد الربانى ابن تاشفين الذى أنهى مرحلةَ‬
‫المغالبةَ وانتقل إلى مرحلةَ الصتمكين‪.‬‬
‫أ ‪ -‬نسبه‪:‬‬
‫يوسف بن تاشفين بن إبراهيم اللمتونى الصنهاجي‪ ,‬وأملمه بنت عم أبيه فاطمةَ بنت‬
‫سير بن يحَّيى بن وجاج بن وارتقين‪ ،‬وكانت قبيلته قد سيطرت بسيادتها وقيادتها على‬
‫صنهاجةَ‪ ،‬واحتفظت بالرئاسةَ منذ أنأ جعلها المام ابن ياسين فيها بعد وفاة المير‬
‫يحَّيى ابن إبراهيم الجدالى ‪ ،‬فنما عزيلزا كريلما فى بقومه‪.‬‬
‫قال عنه الممبؤدرمخأونأ من أمثال أشياخ‪» :‬خألق للزعامةَ«)‪.(1‬‬
‫)‪(2‬‬
‫وإنأ اتهموا صنهاجةَ فهم هـــم‬ ‫ف العلى من حمير‬ ‫ملك له الصشبر م‬
‫كانأ يوسف أسمر اللونأ نقليه‪ ,‬معتدل القامةَ‪ ،‬نحَّيف الجسم‪ ،‬خأفيف العارضين‪،‬‬
‫رقيق الصوت‪ ،‬أكحَّل العينين‪ ،‬أقنى النف‪ ،‬له وفرة تبلغ شحَّمةَ الذنأ‪،‬‬
‫مقرونأ الحَّاجبين‪ ,‬أجعد الشعر)‪.(3‬‬
‫كانأ يجمع بين جمال الطلعةَ وجمال الجسم‪ ،‬وبين أبدع المواهب‪ ،‬كانأ بطلل‬
‫شجالعا‪ ،‬نجلدا حاذلقا‪ ،‬جصوالدا كريلما‪ ،‬زاهلدا فى زينةَ الدنيا‪ ،‬عادلل متورلعا‪ ,‬متقشلفا‪ ,‬لباسه‬
‫الصوف‪ ،‬وطعامه خأبز الشعير‪ ،‬ولحَّوم البل وألبانها)‪ .(4‬كانأ عزيز الصنفس كثير‬
‫الخوف من ا‪.‬‬
‫كانأ يجمع الصفح والعفو عن الذنوب مهما كبرت ما عدا الذين يرتكبونأ الخيانةَ‬
‫فى حق الددين فل مجال للعفو عنهم)‪.(5‬‬

‫الندلسُ فى عهد المرابطين والموحدين‪ ,‬صا )‪.(65‬‬ ‫‪()1‬‬


‫وفيات العيان‪) :‬جُّ ‪.(7/130‬‬ ‫‪()2‬‬
‫)‪ (2‬انظر‪ :‬الروض القرطاس‪ ،‬صا )‪.(87‬‬ ‫دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(36‬‬ ‫‪()3‬‬‫‪4‬‬

‫دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(36‬‬ ‫‪()5‬‬


‫‪53‬‬
‫رصبته الحداث وصاغت من شخصيته قائلدا فلذا‪ ،‬وبرهنت اليامم على أنه له مقدرة‬
‫على فهم واقعه‪ ,‬قادر على النهوض ببقومه وشعبه وجيشه نحَّو حياة إسلميةَ حضاريةَ‬
‫أفضل‪.‬‬
‫تلصقى يوسف تعاليمه الولى فى قلب الصحَّراء من أفواه الممبحَّددمثين والفقهاء‪ ،‬ونما‬
‫وترعرع وترصبى على تعاليم المام الفقيه ابن ياسين‪ ،‬ونبغ فى فنونأ رجال الحَّرب‪،‬‬
‫وفى السياسةَ الشرعيةَ التى تتلمذ على الفقهاء فيها‪ ،‬وقام بها خأير قيام‪ ,‬وسنرى ذلك ‪-‬‬
‫بإذنأ ا‪ -‬فى بحَّثنا هذا‪.‬‬
‫تذمكر كتب الصتامريخ أنه تزوج زينب النفرويةَ بعد أنأ طصلقها ابن عمه أبو بكر بن‬
‫عمر عندما عزم على السفر إلى الصحَّراء للجهاد والدعوة والصلح‪ ،‬فقال لها‪ :‬أنت‬
‫ضةَ‪ ،‬ل طاقةَ لك على حرارة الصحَّراء‪ ،‬وإدنى مطلقك؛ فإذا انقضت‬ ‫امرأة جميلةَ ب ص‬
‫عدتك فانكحَّى ابن عمى يوسف بن تاشفين‪ ،‬وتزصوجها يوسف بعد تمام عصدمتها‪ ،‬وكانت‬
‫زينب بنت إسحَّاقا مشهورة بالجمال والرئاسةَ‪ ,‬بارعةَ الحَّسن‪ ,‬حازمةَ‪ ,‬لبيبةَ‪ ,‬ذات عقل‬
‫رصين‪ ,‬ورأى سديد‪ ,‬ومعرفةَ بإدارة المور‪ ،‬فكانت نمنعبم الزوجةَ المعينةَ لزوجها‪ ,‬وقد‬
‫مدحت كتب الصتامريخ هذه المرأة‪ ,‬واعتبرتها من خأيرة نساء دولةَ المرابطين‪ ،‬وتوفيت‬
‫عام ‪464‬هـ‪1071 /‬م‪.‬‬
‫وتزصوج المير يوسف من سيدة أندلسيةَ متدبعى قمر ول تذكر كتب الصتامريخ عنها‬
‫شيلئا‪ ،‬ويقال‪ :‬هى التى أنجبت المير علي ولى العهد‪ ،‬وأمير البننبدملس والمغرب بعد‬
‫والده‪.‬‬
‫وتزصوج يوسف امرأة تسمى عائشةَ‪ ,‬وأنجبت له المير محَّمد الذى نسب إليها فصار‬
‫يدعى محَّمد ابن عائشةَ‪ ،‬بومرمزقا يوسف مجموعةَ من الذكور والناث بكرهم تميم الذى‬
‫توفى غداة معركةَ الزلقةَ وكانأ والليا على سبتةَ‪ ،‬وعليي الذى تولى المارة بعده‪،‬‬
‫وإبراهيم‪ ,‬ومحَّمد الذى كانأ أحد القادة البارزين فى جيش والده وأصما بناته فهما‪ :‬كونةَ‬
‫ورقصيةَ)‪.(1‬‬
‫ب ‪ -‬المراحل العسكرية التى مر بها يوسإف فى جيش‬
‫المرابطين‪:‬‬
‫‪448-452 -1‬هإـ ‪1060-1056 /‬م‪:‬‬
‫كانأ فى هذه المرحلةَ مجرد قائد من قواد المرابطين يتلصقى الوامر وينفممذها بكل‬
‫نجاح‪ ،‬وكانت هذه المرحلةَ غنيةَ بالتجارب والخبرات التى شحَّذت ذهنه وأصهلته‬
‫للمرحلةَ التاليةَ‪ ،‬فكأصنها كانت ممارسةَ للسلطةَ‪ ،‬والطلع على خأفاياها دونأ تحَّلمل‬
‫المسئوليةَ‪ ،‬استطاع بعدها تسللم المارة بكل الوامر التى ودكلت إليه بكل همةَ ونشاط‬
‫ودونأ تردد‪ ،‬وقاد المرابطين إلى النصر فى ميادين الجهاد والعزة والكرامةَ والشرف‪.‬‬
‫وظهر نجم يوسف للمرابطين فى معركةَ الواحات ‪448‬هـ ‪1056 -‬م التى كانأ فيها‬
‫قائلدا لمقدمةَ جيش المرابطين المهاجم‪ ،‬وبعد فتح مدينةَ سجلماسةَ عصينه المير أبو بكر‬
‫والليا عليها‪ ،‬فأظهر مهارة إداريةَ فى تنظيمها‪ ،‬ثم غزا بلد جزولةَ وفتح ماسةَ ثم سار‬
‫إلى تارودانت قاعدة بلد السوس وفتحَّها‪ ,‬وكانأ بها طائفةَ من الشيعةَ البجليين نسبةَ‬

‫‪ ()1‬دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(38‬‬


‫‪54‬‬
‫إلى مؤسسها على بن عبد ا البجلي‪ ،‬وقتل المرابطونأ أولئك الشيعةَ‪ ,‬وتحَّصول بمن بقى‬
‫منهم على قيد الحَّياة إلى السنةَ‪.‬‬
‫ثم جاء دور أغمات‪ ،‬كانت مدينةَ مزدهرة حضارييلا إذ كانت أحد مراكز النصرانيةَ‬
‫القديمةَ‪ ,‬ومقلرا للبربر المتهودين‪ ،‬كانأ يحَّكمها المير لقوط بن يوسف بن على‬
‫المغراوي‪.‬‬
‫ف التعليمات من المير أبى بكر بالزحف نحَّوها‪ ,‬ومهاجمتها‪ ,‬وددكها‪،‬‬ ‫تلصقى يوس م‬
‫ودخأل المرابطونأ المدينةَ )‪449‬هـ‪1057 /‬م(‪.‬‬
‫وسار المرابطونأ وفى جملتهم يوسف نحَّو دولةَ برغواطةَ »الدولةَ الكافرة‬
‫الملحَّدة« ونشبت المعارك بين الفريقين‪ ،‬وأصيب خأللها المام ابن ياسين بجراح بالغةَ‬
‫ت فى ‪451‬هـ ‪1059 /‬م‪.‬‬ ‫توفى على أثرها كما علم ب‬
‫كانأ استشهاد المام الفقيه عبد ا بن ياسين البدايةَ الولى فى دفع يوسف إلى‬
‫رئاسةَ الدولةَ الناشئةَ‪.‬‬
‫إذ إنأ جانب المامةَ يغلب على جانب المارة فى عهد المام ابن ياسين‪ ،‬وبعد‬
‫وفاته توصلى أبو بكر بن عمر‪ ،‬فرجح جانب المارة على جانب المامةَ‪ ،‬وأخأذت الدولةَ‬
‫الناشئةَ تتحَّول إلى طابع سياسى جديد‪ ,‬ومصرت بها ظروف تتطلب رجالل من طراز‬
‫يوسف بن تاشفين‪.‬‬
‫وعندما دخأل أبو بكر بن عمر بجيوشه إلى الصحَّراء‪ ,‬وأناب ابن عمه يوسف على‬
‫المغرب‪ ,‬ظهرت خأللها مواهب يوسف العسكريةَ والداريةَ والتنظيميةَ والحَّركيةَ‬
‫س بزعامته‪ ,‬وبدأ فى تأسيس دولته بالحَّزم والعلم والجد والمثابرة‬ ‫والدعويةَ‪ ،‬وسلم الصنا م‬
‫والبذل والعطاء‪.‬‬
‫وعندما رجع أبو بكر من الصحَّراء جمع أشياخ المرابطين من لمتونةَ وأعيانأ‬
‫الدولةَ‪ ،‬والمكصتاب والشهود‪ ،‬وأشهدهم على نفسه بالتخلى ليوسف عن المارة‪ ،‬وعصلل‬
‫المير أبو بكر هذا التنازل لبن عمه يوسف لدينه وفضله وشجاعته وحزمه ونجدته‬
‫وعدله وورعه وسداد رأيه ويمن نقيبته‪ ،‬وأوصاه الوصيةَ التاليةَ »يا يوسف إدنى قد‬
‫وصليمتك هذا المر وإدنى مسئول عنه؛ فاتق ا فى الممنسملمين‪ ,‬وأعتقنى وأعتق نفسك من‬
‫النار‪ ،‬ول متضديع من أمر رعيتك شيلئا؛ فإصنك مسئول عنهم‪ ،‬وا تعالى يصلحَّك ويمدك‬
‫ويوفقك للعمل الصالح والعدل فى رعيتك‪ ,‬وهو خأليفتى عليك وعليهم« )‪.(1‬‬
‫ويحَّلو لبعض المكصتاب من المؤرخأين أنأ يمفبدسبر هذا اليثار والتنازل عن المملك بإنأ‬
‫أبا بكر خأشى من سطوة يوسف الذى أظهر له عدم استعداده التنازل عن الملك؛ وسيرة‬
‫الرمجلين من الصلح والتقوى تنافى ادعاءهم الباطل‪.‬‬
‫مالى ‪454‬هإـ ‪477 -‬هإـ ‪:‬‬ ‫رب القصى ال ش‬
‫ش م‬ ‫مغي م‬
‫‪ -2‬فتح ال م‬
‫قام يوسف بن تاشفين نحَّو المغرب الصشبمالى لينتزعه من أيدى الزناتيين‪ ,‬واستخدم‬
‫من أجل تحَّقيق هذا الهدف المنشود إرسال الجيوش للقضاء على جيوش المخالفين‬
‫مستفيلدا من الخلفات السياسيةَ بين قادة المدنأ‪ ،‬فحَّالف بعضها من أجل قتال الباقي‪،‬‬
‫واستطاع أنأ يدمخأبل مدينةَ فاس صللحَّا عام ‪455‬هـ‪ ،‬ثم تمصرد أهلها عليه إل أنه استطاع‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬روض القرطاس‪ ،‬صا )‪.(86‬‬
‫‪55‬‬
‫إخأماد جميع الثورات التى قامت ضد المرابطين بجهاده‪ ،‬وكفاحه المستمدر‪ ،‬حتى تصم له‬
‫فتح جميع البلد من الريف إلى طنجةَ عام ‪460‬هـ ‪1067 /‬م‪.‬‬
‫وأعاد فتح فاس عنوة بحَّصار ضربه عليها بجيش قوامه مائةَ ألف جندى عام‬
‫‪462‬هـ‪1069 /‬م‪ ,‬فقضى على شوكةَ مغراوة وبنى يقرنأ وسائر زناتةَ‪ ،‬ونظم المساجد‬
‫والفنادقا وأصلح السواقا‪ ،‬وخأرج من فاس عام ‪463‬هـ إلى بلد ملويةَ وفتحَّها‬
‫واستولى على حصونأ وطاط من بلد طنجةَ )‪.(1‬‬
‫‪ -3‬لقب المارة‪:‬‬
‫بعد هذه النتصارات الناجحَّةَ استدعى شيوخ وأمراء المغرب من قبائل زناتةَ‬
‫ومصمودة وغمارة‪ ،‬وأكرمهم وبذل لهم العطاء وأحسن إليهم‪ ،‬وبايعوه على المارة‬
‫وخأرج بهم يطوف فى أقاليم المغرب يتابع المراء ويحَّاسب الولة‪ ،‬وينشر العدل‬
‫ويرفع المظالم فهابته النفوس‪ ،‬واقتنعت أنها أمام رجل دولةَ عبقرى فذ‪.‬‬
‫وبعد أنأ رجع من تلك الجوبلةَ التفقديةَ الصلحيةَ سار بجيوشه عام )‪465‬هـ‪/‬‬
‫‪1072‬م( لغزو الدمنةَ من بلد طنجةَ وفتح جبل علودانأ ‪ ،‬وفى عام )‪467‬هـ‪1074/‬م(‬
‫استولى على جبل غياثةَ وبنى مكود وبنى رهينةَ من أحواز تازا‪ ,‬وجعلها حديلا فاصلل‬
‫بينه وبين زناتةَ الهاربةَ إلى الشرقا‪ ،‬وأبعد عن المغرب كصل بمن ظصن فيه أنه من أهل‬
‫صا له مرتالحا إلى طاعته مطمئلنا إلى خألوده إلى السكينةَ والهدوء‬ ‫العصيانأ‪ ،‬فأصبح خأال ل‬
‫غير تواقا للثورة عليه‪.‬‬
‫وأصبحَّت منطقةَ تازا ثغلرا منيلعا بينه وبين زناتةَ؛ ولذلك اعتبر الممبؤدرمخأونأ عام‬
‫‪467‬هـ‪1074 /‬م فاصلل فى تاريخ الدولةَ المرابطيةَ إذ بسط يوسف نفوذه على سائر‬
‫المغرب القصى الصشبمالى باستثناء طنجةَ وسبتةَ‪.‬‬
‫وسصير يوسف بن تاشفين إلى طنجةَ جيلشا من اثنى عشر ألف فارس مرابطى‬
‫وعشرين أللفا من سائر القبائل‪ ,‬وأسند قيادته إلى صالح بن عمرانأ عام ‪470‬هـ‪،‬‬
‫وعندما اقتربت جيوش المرابطين من طنجةَ برز إليهم الحَّاجب بن سكوت على رأس‬
‫جيش وهو شيخ يناهز التسعين‪ ،‬وانتصر المرابطونأ وفتحَّوا طنجةَ وقتل فى تلك‬
‫المعارك الحَّاجب بن سكوت)‪ .(2‬وبعد فتح طنجةَ استأنف المير يوسف تولسبعه نحَّو‬
‫الشرقا لمطاردة زناتةَ التى لجأت إلى تلمسانأ‪ ،‬وكانأ هدفه القضاء على أى مقاومةَ‬
‫تمهبددد دولةَ المرابطين فى المستقبل‪ ،‬وبدأت عمليات الهجوم الوقائى التى استطاعت أنأ‬
‫تحَّقق أهدافها وتهزم جيش تلمسانأ المعادى وتأسر قائده معلى بن يعلى المغراوى الذى‬
‫مقتل على الفور‪ ،‬ورجعت كتائب المرابطين إلى مراكش‪ ,‬ثم عاد يوسف نحَّو الريف‪،‬‬
‫وغزا تلك الراضى وضم مدينةَ تكرور ولم تعمر بعد ذلك‪.‬‬
‫ثم رجع بجيوشه نحَّو وهرانأ وتنس وجبال وانشريش ووادى الشلف حتى دخأل‬
‫مدينةَ الجزائر‪ ,‬وتوقف عند حدود مملكةَ بجايةَ التى حكمها بنو حصماد ‪-‬فرع من‬
‫صنهاجةَ‪.‬‬
‫وبنى يوسف فى مدينةَ الجزائر جاملعا ل يزال إلى اليوم وميعرف بالجامع الكبير‪.‬‬
‫وعاد إلى مراكش عام ‪475‬هـ‪1081/‬م وبذلك توصحد المغرب القصى بعد جهاد‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬روض القرطاس‪ ،‬صا )‪ ,(91‬العبر )‪.(6/185‬‬
‫‪ ()2‬انظر ‪ :‬دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(50‬‬
‫‪56‬‬
‫استمصر ثلثين عالما‪ ،‬وأصبحَّت دولةَ المرابطين فى مرحلةَ الصتمكين الفعليةَ‪ ,‬وفى عام‬
‫‪476‬هـ ‪1083 /‬م وصجه المير يوسف ابنه الممعصز فى جيش إلى سبتةَ لفتحَّها إذ كانت‬
‫المدينةَ الوحيدة التى لم تخضع له‪ ,‬كانأ يحَّمكممها بعد وفاة الحَّاجب بن سكوت ابنه ضياء‬
‫الدولةَ يحَّيى‪ ,‬فحَّاصرها المعلز بلرا وبحَّلرا‪ ,‬ودارت معركةَ بحَّريةَ طاحنةَ‪ ،‬وفى نهايةَ‬
‫المطاف استطاع المرابطونأ أنأ يفتحَّوا سبتةَ‪ ،‬وقتل ضياء الدولةَ بعد أنأ ألقى القبض‬
‫عليه‪ ،‬وكانأ ذلك عام ‪477‬هـ‪1084 /‬م)‪ .(1‬بعد هإذه الجولة الجهادية الموفش م‬
‫قة‬
‫تم توحيد المغرب القصى بجميع نواحيه بعد عمل جاد ّ مستمّر‪،‬‬
‫وة ل ليستهان بها لتشكل خطصرا على‬ ‫وأصبحت الدولة المرابطية قل ص ش‬
‫النصارى فى الندلسُ‪ ،‬وملجأ وحصصنا للمسلمين فى الندلسُ‪،‬‬
‫حيث إن النصارى اسإتفحل خطرهإم فى ال من يد مللسُ‪ ،‬حيث قامت‬
‫دويلت فى كل مدينة وصلت إلى ثلث وعشرين دويلة تناحرت‬
‫قبوا باللقاب‬ ‫عرف حكامها بملوك الطوائف وتل ش‬ ‫فيما بينها‪ ،‬و ل‬
‫الخلفية كالمأمون والمعتمد والمستعين والمعتصم والمتوكل إلى‬
‫غير ذلك من اللقاب‪ ،‬ووصف هإذه الحالة المشينة الشاعر أبو‬
‫على الحسن بن رشيق‪:‬‬
‫سإماع مقتدر فيها‬ ‫مما يزهإدنى فى أرض‬
‫ومعتضُد‬ ‫أندلسُ‬
‫ضا‬‫كالهري يحكى انتفا ص‬ ‫ألقاب مملكة فى غير‬
‫صولة السإد‬ ‫موضعها‬
‫لقد آلت أوضاع البننبدملس إلى السوء‪ ،‬وأصبحَّت ل حول لها ول قمصوة مما شجع‬
‫النصارى على توجيه ضربات إلى الممنسملمين‪ ،‬وقد شنوا حرلبا ل هوادة فيها نابعةَ من‬
‫شعورهم العدائى للعرب والممنسملمين‪ ،‬تهدف إلى طردهم من إسبانيا‪ ،‬وبدأت هذه الحَّرب‬
‫بدافع الحَّقد الصليبي‪ ,‬وأضافوا إليها مع مرور اليام عامل البقوميةَ وأطلقوا عليها‬
‫حرب السترداد )‪.(2‬‬
‫ولم تكن للمقاومةَ السلميةَ فى البننبدملس القدرة على إيقاف المدد الصليبى الزاحف‬
‫للخلصا من الممنسملمين‪ ،‬فاضطصر أهل البننبدملس إلى طلب العونأ من المرابطين‪.‬‬
‫***‬

‫‪ ()1‬انظر ‪ :‬السإتقصار )‪ ،(1/111‬وانظر‪ :‬دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(53‬‬


‫‪ ()2‬انظر ‪ :‬دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(59‬‬
‫‪57‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫المرابطون ودفاعهم عن مسلمى الندلسُ‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫س إمارة أمويةَ فى البننبدملس سنةَ ‪138‬هـ‪ ،‬وبدأ‬ ‫استطاع عبمد الرحمن الداخأل أنأ ميؤدس ب‬
‫عصر الخلفةَ المويةَ فى البننبدملس سنةَ )‪316‬هـ‪929/‬م( عندما أعلنها عبد الرحمن‬
‫الناصر‪ ،‬الذى اشتهر بالحَّزم والذكاء والعدل‪ ،‬والعقل والصشبجابعةَ وحبه للصلح‬
‫وحرصه عليه‪.‬‬
‫ووصحد البننبدملس بالقمصوة والسياسةَ وأعاد وحدتها وقوتها ومكانتها‪ ,‬وحارب المتمردين‬
‫من حكام الصشبمال السبانى وأخأضعهم لشروطه‪.‬‬
‫وكانأ سبب إعلنه الخلفةَ فى البننبدملس ضعف الخلفةَ العباسيةَ‪ ،‬وظهور الدولةَ‬
‫المعبيديةَ فى الصشبمال الفريقي‪ ،‬فأعلن الخلفةَ‪ ،‬وتلصقب بأمير المؤمنين الناصر لدين ا‬
‫)‪ .(1‬وفى عام ‪400‬هـ ‪1009 /‬م بدأ ظهور عصر الطوائف فى البننبدملس‪ ،‬الذى دام حتى‬
‫عام ‪484‬هـ‪1091 /‬م‪.‬‬
‫وكانأ ذلك بسبب سقوط الخلفةَ المويةَ التى نخرتها الطماع والحقاد‬
‫والصراعات الصداخألصيةَ على الحَّكم‪ ،‬وسعمي بعض الشخصيات للمجد الشخصى متناسليا‬
‫فى ذلك مصالح المةَ وضرورة وحدتها لتقف صلفا واحلدا أمام أعدائها‪.‬‬
‫لقد انقسمت البننبدملس إلى دويلت‪ ,‬واتخذ حكامها ألقابهم تبلعا لحَّجم دويلتهم‬
‫فأحدهم‪ :‬ملك أو أمير‪ ،‬أو واذل أو قاض‪.‬‬
‫ونظلرا لخأتلف القوى والرياسات‪ ،‬فقد أخأذ القوى يبطش بالضعف‪ ،‬والضع م‬
‫ف‬
‫يدرأ الخطر بالتحَّالف مع جاره القوي‪ ،‬وأحيالنا يستنجد بأمراء النصارى مقابل ثمن‬
‫باهظ‪.‬‬
‫وتكصونت من هذه الدويلت العديدة أربع مدبول رئيسيةَ‪:‬‬
‫‪ -1‬فى جنوب البننبدملس‪ ،‬حكم الدارسةَ الفريقيونأ أو بنو حمود أصحَّاب مالقةَ‪،‬‬
‫وحالفهم أمير غرناطةَ وقرمونةَ‪ ،‬وألبيرة وجيانأ وأستجةَ‪ ،‬فضلل عن حكمهم‬
‫مليلةَ وطنجةَ وسبتةَ فى شمال المغرب‪.‬‬
‫‪ -2‬بنو عباد أمراء إشبيليةَ‪ ،‬أقوى ملوك الطوائف‪ ،‬ومن حلفائهم بنو جهور فى‬
‫قمنرطمببةَ‪ ،‬وبنو الفطس أصحَّاب بطليوس فى جنوب وغرب البننبدملس‪.‬‬
‫‪ -3‬بنو ذى النونأ أمراء طملبنيمطبلةَ‪ ،‬الذين حكموا أواسط إسبانيا‪ ،‬والذين وقفوا فى‬
‫وجه بنى عباد‪ ،‬وكلفهم ذلك دفع جزيةَ لملك قشتالةَ النصرانى التمالسا لعونه‬
‫ضد خأصومهم‪.‬‬
‫‪ -4‬بنو عامر فى بلنسيةَ ومرسيةَ الذين حكموا فى شرقى إسبانيا‪ ،‬وطبلقا لظروفهم‪،‬‬
‫فقد كانوا يحَّالفونأ الدارسةَ تارة أو بنى عباد‪ ،‬أو بنى ذى النونأ تارة‬
‫ب‬‫أخأرى‪ . . .‬بسط بنو عامر نفوذهم على الثغور الممتدة من مريةَ حتى مص د‬

‫‪ ()1‬انظر ‪ :‬فى تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬د‪ .‬أحمد العبادي‪ ،‬صا )‪ 168‬إلى ‪.(170‬‬
‫‪58‬‬
‫نهر أبرة سنةَ ‪1051‬م )‪.(2‬‬
‫***‬

‫‪ ()2‬انظر ‪ :‬الزلقة‪ ,‬شوقي أبو خليل‪ ,‬صا )‪.(12‬‬


‫‪59‬‬
‫المبحث الول‬
‫الصراع بين طليطلة وقرطبة‬
‫عندما تولى المأمونأ يحَّيى بن ذى اللنونأ عام ‪1043‬م‪ ،‬إمارة طملبنيمطبلةَ اغتنم عونأ‬
‫حليفه القوى عبد العزيز بن أبى عامر‪ ،‬واستأجر الفرسانأ النصارى من القشتاليين‬
‫ليبطش بمحَّمد بن جهور أمير قمنرطمببةَ‪ ،‬فتدخأل بنو عباد أصحَّاب إشبيليةَ‪ ،‬وبنو الفطس‬
‫أصحَّاب بطليوس للوقوف ضد صاحب طملبنيمطبلةَ الذى كانأ يهددهم جميلعا‪ ،‬وسار أمراء‬
‫لبلةَ وولبةَ وجزيرة شليطش للانضمام إلى الحَّلف الذى تزعمه صاحب لبلةَ عبد العزيز‬
‫اليحَّصبى ليعقد محَّالفةَ مع قمنرطمببةَ‪.‬‬
‫تحَّصرك الجميع تطبيلقا لهذا التحَّالف لنجاد قمنرطمببةَ‪ ،‬فانتهز ابن عباد أمير إشبيليةَ‬
‫هذه الفرصةَ واكتفى بإرسال خأمسمائةَ فارس إلى ابن جهور‪ ،‬وزحف فى جيش قوى‬
‫على لبلةَ‪ ،‬وولبةَ وجزيرة شليطش وأكسونيةَ واستولى عليها‪ ،‬ثم فتح قرمونةَ سنةَ‬
‫ل‪ ،‬وأراد‬‫‪1053‬م‪ ,‬طالت الحَّرب بين طملبنيمطبلةَ وقمنرطمببةَ‪ ،‬ودامت أعوالما‪ ،‬وكانت سجا ل‬
‫المأمونأ صاحب طملبنيمطبلةَ حسم الموقف‪ ،‬فأوقع بقوات قمنرطمببةَ وحليفاتها هزيمةَ شديدة‪،‬‬
‫واستطاع الوصول إلى قمنرطمببةَ فحَّاصرها‪ ،‬فبادرت إشبيليةَ إلى إغاثتها‪ ،‬فأرسل ابن‬
‫عباد ابنه محَّملدا على رأس جيش قوى فيه وزيره أبو بكر محَّمد بن عمار الموصوف‬
‫صةَ‪.‬‬
‫برجاحةَ عقله‪ ،‬وشدة ذكائه‪ ,‬وزصودهما بخطةَ وأوامر سريةَ خأا ص‬
‫واستطاع جيش ابن عباد أنأ يفك الحَّصار عن قمنرطمببةَ‪ ،‬واضطصر الطليطليونأ لرفع‬
‫الحَّصار‪ ,‬وارتدوا عنها‪ ،‬وخأرج القرطبيونأ ليطاردوا أعداءهم فأتموا بذلك هزيمةَ‬
‫الطليطليين)‪.(1‬‬
‫ت مخأطصةَم ابن عباد السريةَ وكانأ محَّتواها دخأول قمنرطمببةَ عندما يخرج منها‬ ‫ونمفدبذ ن‬
‫أهلها خألف الطليطليين‪ ،‬ودخألتها قوات ابن عباد دونأ معارضةَ‪ ،‬واحتلت مراكزها‬
‫الحَّصينةَ قبل أنأ يفطن القرطبيونأ إلى أنأ بمن جاء لمنصبرمتهم غدبر بهم‪ ،‬وبذلك سقطت‬
‫دولةَ بنى جهور فى قمنرطمببةَ ولم يمض على قيامها ثلثونأ عالما فى محَّنةَ محَّزنةَ وخأيانةَ‬
‫فظيعةَ‪ ،‬وأصبح ابن عباد أمير إشبيليةَ أقوى أمراء البننبدملس الممنسملمةَ‪ ،‬تخصوف المأمونأ‬
‫صةَ بعد أنأ‬‫أمير طملبنيمطبلةَ من قمصوة ابن عباد أمير إشبيليةَ التى نمت نملوا سريلعا‪ ،‬وبخا ص‬
‫حالفه العامريونأ أمراء قسطلونأ ومربيطر وشاطبةَ المريةَ ودانيةَ‪ ،‬فحَّاول التحَّالف مع‬
‫صهره زوج ابنته عبد الملك المظفر حاكم بلنسيةَ الذى رفض ذلك ممحَّتبليجا بأنأ وقوف‬
‫العامريين إلى جانب إشبيليةَ يجعل إقدامه على هذا التحَّالف خأطلرا على بلنسيةَ‪ ،‬فما‬
‫كانأ من المأمونأ إل أنأ عقد حللفا مع فرديناند الول صاحب قشتالةَ‪.‬‬
‫وهجمت القوات المشتركةَ المتحَّالفةَ »قوات المأمونأ وفرديناند الول« على‬
‫بلنسيةَ‪ ،‬فسقطت وليةَ بلنسيةَ كللها فى يد المأمونأ فى تشرين الول سنةَ ‪1065‬م‪ ,‬عاد‬
‫بعدها إلى طملبنيمطبلةَ ليجهز قواته لقتال ابن عباد‪ ،‬وحال بينه وبين ما أراد وفاة فرديناند‬
‫الول‪ ،‬ونشوب حرب ضروس بين أولده‪ ،‬فنقض المأمونأ عهده مع قشتالةَ‪ ،‬وامتنع‬
‫عن دفع الجزيةَ‪ ،‬مما أدى إلى حرمانه من معونةَ النصارى‪ ،‬وهى المعونةَ التى لم‬
‫يستطع أنأ يحَّارب أمير إشبيليةَ بدونها‪ ،‬فلما تصم أمر الحَّكم لسانشو ابن فرديناند سنةَ‬
‫‪ ()1‬انظر ‪ :‬الزلقة‪ ,‬صا )‪.(14‬‬
‫‪60‬‬
‫‪1070‬م‪ ,‬هرب أخأوه ألفونسو إلى المأمونأ صاحب طملبنيمطبلةَ والتجأ أخأوه الصثامنى جارسيةَ‬
‫إلى المعتمد بن عباد صاحب إشبيليةَ‪ ،‬وفى سنةَ ‪461‬هـ‪1069 /‬م توفى المعتضد بن‬
‫عباد أمير إشبيليةَ‪ ،‬فخلفه ابنه المملصقب بالمعتمد على ا‪ ،‬ولم يكن أمام المير الجديد ما‬
‫يخشاه إل أمير طملبنيمطبلةَ الذى ملك بلنسيةَ فى الوقت نفسه‪ ،‬أما بقصيةَ ملوك الطوائف فقد‬
‫انكسرت شوكتهم وتزعزع كيانهم فى حروبهم الصداخألصيةَ من غزوات النصارى المتتابعةَ‬
‫عليهم‪.‬‬
‫واستطاع المأمونأ حاكم طملبنيمطبلةَ أنأ يتوصسبع ويحَّقق انتصارات واسعةَ سنةَ ‪1073‬م‬
‫على مرسيةَ وأريولةَ وعدة مدنأ أخأرى‪ ،‬وبهذا أصبح المير القوى الذى يسيطر على‬
‫أواسط إسبانيا كدلها‪ ،‬وبخاصةَ بعد أنأ فاز ألفونسو بحَّكم قشتالةَ بعد وفاة »شانجةَ«‬
‫وتحَّالف مع المأمونأ الذى رعاه وحماه عند محَّنته وتعاهد الميرانأ على أنأ يرتبطا‬
‫ملعا برباط الصداقةَ الوثيق‪.‬‬
‫ف من تولسع أمير طملبنيمطبلةَ الذى فاجأ المعتمد بتحَّالفه‬ ‫وأصبح أمير إشبيليةَ فى خأو ذ‬
‫مع بنى هود أصحَّاب سرقسطةَ وبنى الفطس أصحَّاب بطليوس‪ ،‬وهاجم خأصمه من‬
‫ثلث جهات لكى ميحَّمكبم تسديد الضربةَ إلى قمنرطمببةَ؛ فسقطت دونأ مقاومةَ متذبكر سنةَ‬
‫‪468‬هـ‪ ,‬ولكن المأمونأ متوفى بعد دخأولها بأيام قلئل؛ فرجع جنده عنها إلى طملبنيمطبلةَ‪،‬‬
‫واسترد ابن عباد قمنرطمببةَ‪ ،‬وبقيت إشبيليةَ تحَّت حكم ابن عباد حتى استولى عليها‬
‫المرابطونأ سنةَ ‪474‬م‪.‬‬
‫وأرسل ابن عباد سفيره ووزيره البارع ابن عمار إلى عاصمةَ قشتالةَ يومئذذ‪,‬‬
‫وتحَّالف مع ألفونسو‪ ،‬وتعصهد بها ملك قشتالةَ بمعاونةَ أمير إشبيليةَ بالجند والمرتزقةَ‬
‫ضد جميع الممنسملمين‪ ،‬ويتعهصمد ابن عباد مقابل ذلك أنأ يدفع إلى ملك قشتالةَ جزيةَ كبيرة‪،‬‬
‫وتعهصبد بأل يتعرض لمشروع ألفونسو فى افتتاح طملبنيمطبلةَ‪ ،‬وهكذا ضحَّى ابن عباد بمعقل‬
‫الممنسملمين إسبانيا الممنسملمةَ‪ ،‬لكى يفوز ببسط سيادته على المارات التى لم تخضع له‬
‫بعد‪ ،‬وهى إمارات غرناطةَ وبطليوس وسرقسطةَ)‪.(1‬‬
‫واستفاد ألفونسو من هذه التفاقيةَ وأعلنها حرلبا ل هوادة فيها على طملبنيمطبلةَ التى‬
‫حمته من مطاردة أخأيه سانشو‪ ,‬ونسى المير الطموح للتولسع كصل عهوده ومواثيقه‪,‬‬
‫وشرع فى غدره بمبمن أحسن إليه‪.‬‬
‫ضصمها إلى سلطانه وكانأ حاكمها عبد‬ ‫وتحَّصرك المعتمد بن عباد بجيشه نحَّو غرناطةَ لي م‬
‫ل‬
‫ا بلكين بن باديس‪ ،‬وكانأ ابن هود أمير سرقسطةَ يرى الخطر يشتد عليه يولما فيولما من‬
‫شانشو الول ملك أرجونأ‪ ،‬فلم يستطع إنجاد طملبنيمطبلةَ سوى أمير بطليوس يحَّيى بن الفطس‬
‫المملبصقب بالمنصور‪ ،‬فجمع قواته وسار إلى لقاء ألفونسو‪ ،‬ولكن ألفونسو الذى كانأ قد أثخن‬
‫فى وليةَ طملبنيمطبلةَ‪ ،‬حتى صيرها قفلرا بلقلعا‪ ،‬شعر باقتراب المنصور‪ ،‬فانسحَّب‪ ,‬ولكصنه كصرر‬
‫الرجعةَ فى العام التالي؛ فعاث فى بسائط طملبنيمطبلةَ وخأصربها مرة أخأرى‪ ،‬وزحف المعتمد على‬
‫بطليوس‪ ،‬وبهذا استطاع أنأ ميحَّول دونأ معاونةَ بنى الفطس لطملبنيمطبلةَ حيث القادر بن ذى‬
‫النونأ‪ ،‬ولم يستطع أمير سرقسطةَ من بنى هود »المؤتمن« معاونةَ القادر معاونةَ قويةَ‬
‫خأشيةَ أنأ تقع سرقسطةَ ذاتها فريسةَ لبن عباد أو النصارى‪ ،‬وهو فى جهاد ضد أرجونأ‬
‫وبرشلونةَ‪ ،‬واستمصرت الحَّرب أعوالما‪ ،‬وألفونسو يفسد فى بلد الممنسملمين »طملبنيمطبلةَ« وبمن‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الزلقة‪ ,‬صا )‪.(17‬‬


‫‪61‬‬
‫حولها فسالدا‪.‬‬
‫وفى السابع والعشرين من المحَّرم سنةَ ‪478‬هـ ‪ -‬الخامس والعشرين من آيار‬
‫»مايو« سنةَ ‪1085‬م استطاع أنأ يدخأل طملبنيمطبلةَ »عاصمةَ القوط القديمةَ« ودخألت‬
‫طملبنيمطبلةَ بذلك إلى حظيرة النصرانيةَ بعد أنأ حكمها الممنسملمونأ ثلثمائةَ واثنين وسبعين‬
‫عالما‪ ،‬واتخذها ملك قشتالةَ حاضرة ملكه من ذلك الحَّين‪ ،‬وأصبحَّت بذلك عاصمةَ‬
‫إسبانيا النصرانيةَ‪.‬‬
‫وهكذا انتهت دولةَ ذى النونأ فى طملبنيمطبلةَ لتستمصر فى بلنسيةَ ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫تأصثر الممنسملمونأ بسقوط طملبنيمطبلةَ تألثلرا عميلقا على مختلف الساحةَ السلميةَ فى البننبدملس‪،‬‬
‫وتفصجرت قريحَّةَ الشعراء فى استثارة الهمم والتحَّريض على الجهاد‪ ،‬والتحَّذير من تفاقم‬
‫الخطر‪ ،‬ومما قيل فى ذلك قول عبد ا بن فرج اليحَّصبى المشهور بابن عسال الطليطلي‪:‬‬
‫فما المقام بها إل من‬ ‫يا أهإل أندلسُ حثوا‬
‫الغلط‬ ‫مطيتكم‬
‫ثوب الجزيرة منسول ص من‬ ‫الثوب ينسل من‬
‫الوسإط‬ ‫أطرافه وأرى‬
‫)‪(2‬‬
‫سإفط‬ ‫ونحن بين عدو ل‬
‫يفارقنا‬
‫ضا‪:‬‬
‫ومن ذلك ل‬
‫أي‬
‫فى العرف عارية إلى‬ ‫ردوا‬
‫يا أهإل أندلسُ س‬
‫مردات‬ ‫المعار فما‬
‫)‪(3‬‬
‫شهمات‬ ‫ألم تروا بيدق الكفار‬
‫فرزنه‬
‫م‬
‫لقد كانت روما تقف بكل ما تملك من قصوة معنويةَ وماديةَ خألف ألفونسو وجنوده‬
‫للقضاء على الممنسملمين‪ ،‬وأسبغوا على قتال الممنسملمين صفةَ الحَّروب الصليبيةَ المقدسةَ‬
‫وأصبح البابوات لهم دور فى توجيهها‪.‬‬
‫صا عندما رأى ألفونسو يتوصسع فى ضدم‬ ‫وندم المعتمد بن عصباد على فعلته خأصو ل‬
‫ممالك الممنسملمين إليه‪ ،‬وأيقن إنأ الدائرة عليه قادمةَ‪ ،‬واجتمع أمراء الممنسملمين عندما رأوا‬
‫إنأ شبح السقوط ماثلل أمام أعينهم‪ ،‬فاتحَّدوا لول مرة واجتمعت كلمتهم على أنأ‬
‫يضعوا حلدا لفتوح ألفونسو‪ ,‬وإذا كانت قواتهم ممنجتببمعةَ ل تكفى لرد عدوانه‪ ،‬فقد اتفقت‬
‫كلمتهم على الستنجاد بالمرابطين فى إفريقيةَ واستدعائهم إلى البننبدملس‪ ،‬عللما بإنأ‬
‫ب الفرنج بإظهار موالتهم لبملممك المغرب يوسف بن تاشفين‪،‬‬ ‫ملوك البننبدملس كانت ترهم م‬
‫وكانأ له شهرة تطايرت فى الفاقا لما حققه من ضدم مدبول إلى دولته وقضائه عليها‪,‬‬
‫واشتهر بين الصناس أنأ لبطال المملبصثمين فى المعارك ضربات بالسيوف تقد الفارس‪,‬‬
‫وطعنات تنظم الكلى‪ ،‬فكانأ لهم بذلك ناموس ورعب فى قلوب المنتدبين لقتالهم)‪.(4‬‬
‫***‬
‫‪ ()1‬انظر ‪ :‬الزلقة‪ ,‬صا )‪.(18‬‬
‫)‪ (2‬انظر‪ :‬الزلقة‪ ,‬صا )‪.(19‬‬ ‫‪ ()2‬وفيات العيان )جُّ ‪.(5/28‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ()4‬وفيات العيان )جُّ ‪.(17/114‬‬


‫‪62‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫أسإباب ضعف المسلمين فى الندلسُ وقوة النصارى‬
‫أولصا‪ :‬ضعف العقيدة السلميةَ‪ ,‬والنحَّراف عن المنهج الرصبانى وهذا السبب‬
‫هو الساس‪.‬‬
‫ثانيصا‪ :‬موالة النصارى‪ ,‬والثقةَ بهم‪ ,‬والتحَّالف معهم؛ حيث نجد أنأ تاريخ البننبدملس‬
‫مليء بالتحَّالف مع النصارى إلى أنأ بلغ ذروة رهيبةَ واضطرب بسبب ذلك مفهوم‬
‫ب فى ا والبغض فى ا‪ ،‬بل هذه المعانى كادت تندثر‪.‬‬ ‫الولء والبراء‪ ،‬والمحَّ د‬
‫طه‪,‬‬ ‫إنأ المةَ حين تخالف أمبر ردبها‪ ,‬وتنحَّرف عن طريمقه‪ ,‬فلبمصد أنأ يحَّصل بها سخ م‬
‫وتستوفى أسباب نقممته‪ .‬قال تعالى‪﴿:‬مياَ أمييمهاَ اًللذيمنَ آممنجوُاً لم تميتللخجذواً اًللذيمنَ اًتلمخجذواً لدينمجكرمُ جهجزلواً‬
‫كلفاَمر أمروللميْاَءم مواًتليجقوُاً اًلم لإن جكرنجتمُ يمرؤلملنيْمنَ﴾ ]المائدة‪:‬‬ ‫ب لمنَ قميربللجكرمُ مواًلر ج‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫مولمعلباَ بممنَ اًلذيمنَ جأوتجوُاً اًلركمتاَ م‬
‫‪.[57‬‬
‫ك‬ ‫وقوله عصز وجصل‪﴿ :‬لم يميتللخلذ اًلرجمرؤلمجنوُمن اًلرمكاَفللريمنَ أمروللميْاَءم لمنَ جدولن اًلرجمرؤلملنيْمنَ موممنَ يميرفمعرل مذلل م‬
‫ل لفىِ مشريسء﴾ ]آل عمرانأ‪.[28:‬‬ ‫فميلمريْس لمنَ اً ل‬
‫م م‬
‫ل مواًلريْميروُلم اًلملخلر يجيموُاًيدومن ممرنَ محاَلد اًلم مومرجسوُلمهج مولمروُ‬‫وقوله تعالى‪﴿ :‬لم تملججد قميوُماَ ييرؤلمجنوُمن لباَ ل‬
‫رل ج‬
‫مكاَنَجوُاً آمباَءمجهرمُ﴾ ]المجادلةَ‪.[22:‬‬
‫وقد أبانأ رسول ا × طريق المةَ فى الولء والبراء‪ ،‬فقال‪» :‬مأوث مقل ع لمرى‬
‫ب فى الله‪،‬‬ ‫اليمان الموالة فى الله‪ ،‬والمعاداة فى الله‪ ،‬والح س‬
‫والبغض فى الله«)‪.(1‬‬
‫من عادى لى ولصيا فقد آذانته‬ ‫ويقول )×‪(2‬فيما يرويه عن ربه ‪-‬عصز وجصل‪ » :-‬م‬
‫بالحرب« ‪.‬‬
‫فإذا كانأ هذا كله ممسطصلرا فى كتاب ردبها وسنةَ نبيها وتخالفه‪ ،‬فلبمصد أنأ مترى فيها‬
‫سنةَ ا التى ل تتغير ول تتبدل‪.‬‬
‫فحَّين تجد أنأ المعتمد بن بعصباد يذهب إلى ملك قشتالةَ ويطلب منه الصلح ويدفع له‬
‫المال‪ ،‬نراه جاهلدا فى حرب أمراء الطوائف واستئصالهم‪ ،‬أما كانأ الفضل له أنأ يتحَّد‬
‫مع إخأوانه أمراء الطوائف؛ وفى ذلك مصلحَّةَ له ولهم وللبننبدملس عامةَ‪ ،‬وللسلم‬
‫وأهله‪ ،‬ولكصنك ل تجنى من الشوك العنب)‪.(3‬‬
‫بل ضعف مفهومم الولء والبراء حتى إنأ بعض محصكام الممنسلمممين استوزروا وزراء‬
‫نصارى ويهود يصرفونأ أمور دولةَ السلم‪ ،‬فهل يؤمن الذئب على الغنم!! )‪.(4‬‬

‫‪1‬‬
‫)( أخرجه أحمد فى مسنده )جُّ ‪.(4/286‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البخاري‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬كتاب الرقاق‪ ،‬باب )‪ 38‬رقم ‪.(6501‬‬
‫‪3‬‬
‫)( انظر ‪ :‬تاريخ الندلسُ‪ ،‬صا )‪ ,(390‬د‪ .‬عبد الرحمن الحجي‪.‬‬
‫‪63‬‬
‫ثالثصـا‪ :‬السبب الثالث النغماس فى الشهوات والركونأ إلى الدعةَ والترف وعدم‬
‫إعداد المةَ للجهاد‪ ،‬إنأ المةَ التى تركن إلى الدعةَ والترف واللهو‪ ،‬وهى غالبةَ قاهرة‬
‫يجب أنأ متعد غير مستحَّقةَ للريادة والقيادة‪ ،‬فما بالك بأمةَ تغرقا فى اللهو والدعةَ‬
‫والترف‪ ،‬وهى ل تدرى إنأ كانأ العدو قد كسر حصنها واجتاحها‪ ،‬أم أنه ل يزال ينتظر‬
‫تلك اللحَّظات؟!‪.‬‬
‫يقول المؤرخ النصرانى كوندي‪» :‬العرب مهزموا عندما نسوا فضائلهم التى جاءوا‬
‫بها‪ ،‬وأصبحَّوا على قلب متقلب يميل إلى الخفةَ والمرح‪ ،‬والسترسال بالشهوات«)‪.(1‬‬
‫إنأ المؤرخأين رأوا‪» :‬إنأ البننبدملسيين ألقوا بأنفسهم فى أحضانأ النعيم‪ ،‬ناموا فى ظل‬
‫ظليل من الغنى الواسع والحَّياة العابثةَ والمجونأ‪ ،‬وما يرضى الهواء من ألوانأ الترف‬
‫الفاجر‪ ،‬فذهبت أخألقهم كما ماتت فيهم حميةَ آبائهم البواسل‪ ،‬وغدا التهتك والخلعةَ‬
‫والغراقا فى المجونأ‪ ،‬واهتمام النساء بمظاهر التبرج والزينةَ بالذهب والللى ممن‬
‫أبرز المميزات أيام الضمحَّلل التى استناموا للشهوات والسهرات الماجنةَ‪،‬‬
‫والجوارى الشاديات‪ ،‬وإنأ شعلبا يهوى إلى هذا الدرك من النحَّلل والميوعةَ ل‬
‫يستطيع أنأ يصممد رجاله لحَّرب أو جهاد«)‪.(2‬‬
‫دخأل الممنسلمممونأ البننبدملس وأصبحَّوا ساداتها عندما كانأ نشيد طارقا فى العبور »ا‬
‫أكبر« وبقوا فيها زملنا‪ ،‬حين كانأ يحَّكمها أمثال عبد الرحمن الداخأل عندما مقدم إليه‬
‫الخمر ليشرب فقال‪» :‬إدنى محَّتاج لما يزيد فى عقلى ل ما ينقصه«)‪.(3‬‬
‫يقول الدكتور عبد الرحمن الحَّجى عن الفاتحَّين الوائل للبننبدملس‪» :‬كانت غيرة‬
‫هؤلء المجاهدين شديدة على إسلمهم‪ ،‬فدوه بالنفس وهى عندهم له رخأيصةَ‪ ،‬فهو‬
‫أغلى من حياتهم‪ ,‬أشربت نفوسهم محصبه‪ ،‬غدا تصورهم وفكرهم ونورهم وربيع‬
‫حياتهم«)‪.(4‬‬
‫وضاعت ممالك البننبدملس من يدى الممنسلمممين عندما كانأ نشيد أحفاد الفاتحَّين‪:‬‬
‫راقت الخمرة والورد‬ ‫ووزن العود وهإات‬
‫صحا‬ ‫القدحا‬
‫وعندما قصد الفرنج بلنسيةَ لغزوها عام ‪456‬هـ خأرج أهلها للقائهم بثياب الزينةَ؛‬
‫فكانت وقعةَ بطرنةَ التى قال فيها الشاعر أبو إسإحاق بن معلي‪:‬‬
‫ل الحرير عليكم ألواصنا‬
‫حلم م‬
‫ل‬ ‫لبسوا الحديد إلى‬
‫)‪(5‬‬
‫الوغى ولبستم‬
‫كانا‬ ‫ما كان أقبحهم‬
‫وأحسنكم بها‬
‫ضعف الممنسلمممونأ فى البننبدملس وسلب كثير من ديارهم لما تنافس الولة والمحَّصكام‬
‫‪4‬‬
‫)‪ (3‬مصرع غرناطة‪ ،‬صا )‬ ‫)( سإقوط الندلسُ‪ :‬د‪ .‬ناصر العمر‪ ،‬صا )‪.(24‬‬
‫‪.(93‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫)‪ (5‬سإقوط الندلسُ‪ ،‬صا )‬ ‫)( المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(120‬‬
‫‪.(27‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫)( انظر‪ :‬تاريخ الندلسُ‪ ،‬صا )‪.(211‬‬
‫‪5‬‬
‫)( انظر‪ :‬النصر والهزيمة‪ ،‬صا )‪.(122‬‬
‫‪64‬‬
‫من أجل إسعاد زوجاتهم وجواريهم بالباطل‪.‬‬
‫وإليك ما فعله الممنعتبممد مع إحدى زوجاته‪ :‬اشتهت زوجةَ الممنعتبممد بن بعصباد أنأ تمشى‬
‫فى الطين وتحَّمل القرب‪ ،‬فأمر الممنعتبممد بن بعصباد أنأ ينشر المسك على الكافور‬
‫والزعفرانأ وتحَّمل قرلبا من طيب المسك وتخوض فيها تحَّقيلقا لشهواتها!!‬
‫ولكن ا المعز المذل أراد أنأ تنقلب المور على الممنعتبممد‪ ،‬فيؤخأذ أسيلرا فى أغمات‬
‫وتبقى بناته يغزلن للصناس يتكسبن‪ ،‬وفى ذلك يقول الممنعتبممد وهو شاعر مجيد‪:‬‬
‫فساءك العيد فى أغمات‬ ‫فيما مضُى كنت بالعياد‬
‫مأسإوصرا‬ ‫مسروصرا‬
‫يغزلن للناس ما يملكن‬ ‫ترى بناتك فى الطمار‬
‫قطميصرا‬ ‫جائعة‬
‫أبصارهإن حسيرات‬ ‫برزن نحوك للتسليم‬
‫مكاسإيرا‬ ‫خاشعة‬
‫كأنها لم تطأ مس ص‬
‫كا‬ ‫ش‬ ‫يطأن فى الطين‬
‫وكافوصرا‬ ‫والقدام حافية‬
‫)‪(1‬‬
‫مغروصرا‬ ‫ملك‬ ‫من بات بعدك فى ل‬ ‫م‬
‫سرلي به‬‫لي م‬
‫وصدقا الحَّبييب ×‪ ,‬المؤتى جوامع الكلم إذ يقول‪» :‬إذا تبايعتم بالعينة‪،‬‬
‫وأخذتم أذناب البقر‪ ،‬ورضيتم بالزرع‪ ،‬وتركتم الجهاد‪ ،‬سإشلط الله‬
‫ل‪ ،‬ل ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم«)‪.(2‬‬ ‫عليكم ذ ل ص‬
‫رابعا‪ :‬إلغاء الخلفة الموية وبداية عهد الطوائف‪:‬‬
‫ص‬
‫ك أنأ بدايةَ النهيار الفعلى فى البننبدملس بزوال الخلفةَ المويةَ‪ ,‬ونشأ على أثر‬ ‫لش ص‬
‫ذلك عهد السنوات الصعاب‪ ،‬كانت كلمةَ المةَ واحدة وخأليفتهم واحلدا فأصبحَّت المةَ‬
‫كما قال الشاعر‪:‬‬
‫أسإـــماء معتمد فيها‬ ‫مما يزهإدنى فى أرض‬
‫ومعتضُـد‬ ‫أ من يد مللسُ‬
‫)‪(3‬‬
‫السإد‬ ‫ألقاب مملكة فى غير‬
‫موضعها‬
‫وكمَّا قال الخرم‪:‬ى‬
‫فيها أمير المؤمنين‬ ‫وتفرشقوا شيصعا فكل‬
‫ومنبر‬ ‫محلة‬
‫ول يكن يحزكام الفنسفديلسِ أهلع لقيِادة المأة ف عمَّومأهم‪ ،‬واسع إل ابن حزم وهو يقول عن هؤملء‬
‫اليزكام‪:‬ى »وال لو علمَّوا أن ف عبادة الصلبان تشيِة أمأورهم لبادروا إليِها‪ ،‬فنُحن نرماهم يستمَّدون النُصارىَّ‬

‫‪1‬‬
‫)( نفح الطيب‪) ،‬جُّ ‪.(274-4/273‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب البيوع‪) ،‬باب ‪ ،56‬ت ‪54 /‬م(‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سإقوط الندلسُ‪ ،‬صا )‪.(31‬‬
‫‪65‬‬
‫فيِمَّكنُونم مأن حرمب السسلععمَّي‪ ،‬لعن ال جيِعهم وسلط عليِهم سيِعفا مأن سيِوفه«)‪.(1‬‬
‫ي‬
‫ز‬
‫ويقول الدكتور عبد الرمحن الجى عن هؤملء اليكام‪:‬ى »وهكذا وجدت ف الفنسفديلسِ أوضاع يكمَّها‬
‫أمأرماء اتصف عدد مأنُهم بصفات الثرمة والغدر‪ ،‬هانت لديهم مأعه مأصال المأة‪ ،‬ويترمكت دون مأصالهم‬
‫الذاتيِة‪ ،‬باعوا أمأتهم للعدو التبص ثعنُا لبقائهم ف السللطة‪ ،‬ولقد أصاب المأة مأن الضيِاع بقدر مأا ضيِعوا‬
‫للقى السلم‪ ،‬انرمف هؤملء السئولون عن النُهج النُيِف‪ ،‬الذىَّ به كانت الفنسفديلسِ وحضارته«‪.‬‬ ‫مأن الظ ا ي‬
‫خامسصا‪ :‬الختلف والتفرق بين المسلمين‪:‬‬
‫كان الختلف والزتفلرمقْ سة مأن سات عصرم مألوكَّ الطوائف‪ ،‬وكان بعضهم يستعدىَّ النُصارىَّ على‬
‫إخوانه ويعقدون مأع النُصارىَّ عهوعدا وأحلعفا ضد إخوانم ف العقيِدة‪ ،‬وعمأن أجل شهوة سلطة تيرماقْ على‬
‫مين‪:‬‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬‫فا حال ال ل‬ ‫أرض الفنسفديلسِ دمأاء الصلي‪ ،‬حت قال ابن الرمابط واص ص‬
‫فيها وشمل الضُد غير‬ ‫مين‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬ ‫ما بال شمل ال ل‬
‫مبدد‬ ‫مبد شد د‬
‫وطريق هإذا الغدر غير‬ ‫دا‬
‫ماذا اعتذاركم غ ص‬
‫ممشهد‬
‫ل‬ ‫لنبيكم‬
‫وتركتموهإم للعدو‬ ‫م فشرطتم فى‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫ل‬ ‫قال‬ ‫ن‬
‫إل ي‬
‫المعتدي‬ ‫متي‬ ‫أ ش‬
‫)‪(2‬‬
‫السيد م‬ ‫تالله لو إن العقوبة لم‬
‫خف‬ ‫تل م‬
‫ع‬
‫ولا سقطت طيلفسيِطفلة كان مأن العجيِب إن بعض مألوكَّ الطوائف وقفوا جامأدين ل يتحرمكون لنُجدة‬
‫طيلفسيِعطفلة‪,‬ن وكأن المأرم ل يعنُيِهم فاغرمين أفواههم جبعنُا وغفلة وتفاهة‪ ،‬بل إن عدعدا مأنُهم كان يرمتى على‬
‫ضا له الضوع‪ ،‬بذلة تأباها النُفوس السعلمَّة‪ ،‬تغافلوا عن‬
‫أعتاب ألفونسو مألك النُصارىَّ طالعبا عونه‪,‬ن أو عار ع‬
‫ي‬
‫أن ألفونسو ل يفصرمقْ‬
‫بي طيلفسيِعطفلة وغيها مأن القواعد الفنسفدليسيِة‪ ،‬لكن العجب يزول إذا تذزكرمنا نزعتهم النانيِة والعصبيِة)‪.(3‬‬
‫سإادسإا‪ :‬تخلى بعض العلماء عن القيام بواجبهم‪:‬‬
‫ص‬
‫ك أن حيِاة المأة ف حيِاة علمَّائها فهم تاجها ومأنُارتا وهم روحها ومأادة حيِاتا‪,‬ن فكلمَّا كان‬ ‫لش ز‬
‫علمَّاء المأة رزبانيِي كان أمأرم المأة ف طرميقه نو العزة والصرمفعة والكرمامأة‪ ،‬وكزلمَّا ابتعد العلمَّاء عن الرمزبانيِة‬
‫ب ف المأة الضعف‬ ‫وتثاقلت نفوسهم إل الرض‪,‬ن وحرمصوا على مأصالهم الذاتيِة‪,‬ن خبا نور المأة‪ ،‬ود ز‬
‫والهالة‪.‬‬
‫»فحي كانت المأة تغرمقْ ف الفنسفديلسِ بسبب الجتيِاحا النُصرمانص التلطم‪ ،‬انصرمف عدد مأن العلمَّاء‬

‫‪1‬‬
‫)( التاريخ الندلسي‪ ،‬د‪ .‬عبد الرحمن الحجي‪ ،‬صا )‪.(325‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سإقوط الندلسُ‪ ،‬د‪ .‬ناصر العمر صا )‪.(33‬‬
‫‪3‬‬
‫)( المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(34‬‬
‫‪66‬‬
‫إل العنُاية البالغة بالفقه الذهب وفرموعه ونسوا وتنُاسوا واقع المأة وآلمأها«)‪.(1‬‬
‫وبعض هؤملء هم من قال فيِهم ابن حزم رحه ال‪:‬ى »ول يغزرمنك اليفزساقْ والنُتسبون إل الفقه‪،‬‬
‫اللبسون جلود الضأن على قلوب السباع‪ ،‬الزيصنُون لهل الشصرم شرمهم‪ ،‬النُاصرمون لم على فسقهم« ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ي‬
‫ول ننُسى دور العلمَّاء الرمزبانيِي الذين قامأوا بمَّع شتات المأة المَّزقْ‪,‬ن وبذلوا وسعهم ف ذلك مأن‬
‫أمأثال أب الوليِد الباجي‪ ،‬وأب يمفزمَّد بن حزم‪ ،‬وأب إسحاقْ اللبيىَّ وغيهم‪ ،‬عليِهم رحة ال وبرمكاته‪.‬‬
‫سإابعصا‪ :‬عدم سإماع ملوك الطوائف لنصح العلماء‪:‬‬
‫لقد بذل ممَّوعة مأن العلمَّاء جهعدا مأشكوعرا لتوحيِد صفوف السسلععمَّي وتصزدىَّ أبو الوليِد الباجى‬
‫بالحتساب‪ ،‬ومأشى بي مألوكَّ أهل‬ ‫لذه الهمَّة بنُفسه بعد عودته مأن الشرمقْ السلمأي‪» ،‬فرمفع صوته ي‬
‫الزيرمة لصلة مأا انبت مأن تلك السباب‪ ،‬فقام مأقام مأؤممأن آل فرمعون‪ ،‬ولكزنُه ل يصادف أساععا واعيِة‪،‬‬
‫لزنه نفخ ف عظام نارمة‪ ،‬وعطف على أطلل داثرمة‪ ،‬بفبسيِفد أنه يكزلمَّا وفد على مألك مأنُهم ف ظاهرم أمأرمه لقيِه‬
‫بالتحيِب‪ ،‬وأجزل حظه ف التنُافسِ والتقرميب‪ ،‬وهو ف باطن يستجهل نزعته ويستثقل طلعته‪ ،‬ومأا كان‬
‫)‪(3‬‬
‫أفطن الفقيِه ‪-‬هل رحه ال‪-‬هل بأمأورهم وأعلمَّه بتدبيهم‪ ،‬لكزنُه كان يرمجو حالع تثوب‪ ،‬ومأذنعبا يتوب«‬
‫ول يكن يحزكام الفنسفديلسِ أهلع لقيِادة المأة‪ ،‬ول تنُفعهم نصائح العلمَّاء حت حزلت بم مأصيِبة وكارثة‬
‫أل وهى سقوط طيلفسيِعطفلة‪.‬‬
‫ثامنصا‪ :‬مؤتمرات النصارى ومخططاتهم‪:‬‬
‫استطاع النُصارىَّ أن يضعوا برمامأج يمكمَّة للقضاء على مألوكَّ الطوائف وعمأن فثز على السسلععمَّي‬
‫وسهرم على تنُفيِذها‬‫عمَّومأا‪ ،‬وكان مأن أكب الرممأي مأن مألوكَّ النُصارىَّ الذىَّ أشرمف على هذه الخطزفطات ي‬
‫يف‬ ‫ع‬
‫فرمناندو مألك قشتالة‪.‬‬
‫تاسإعصا‪ :‬وحدة كلمة النصارى‪:‬‬
‫ف الوقت الذىَّ كان السسلعيمَّون ف الفنسفديلسِ يعانون مأن الزتفلرمقْ والشتات‪ ،‬كان النُصارىَّ ف وحدة‬
‫اجهة أمأة السلم ف الفنسفديلسِ‪.‬‬ ‫كلمَّة وترماص صفّ ف مأو ي‬

‫عاشرصا‪ :‬غدر النصارى ونقضُهم للعهود‪:‬‬


‫ل يكن النُصارىَّ عيزباد الصليِب ملع للعهود وأهلع للوفاء إل ف القليِل النُادر؛ن فهم تبع لصالهم‬
‫وأهوائهم‪,‬ن وهى الت تكم وفاءهم ونقضهم)‪.(4‬‬
‫سوُاً محظظاَ بملماَ ذجبكجرواً بلله فمأمرغمريريمناَ‬ ‫ل‬ ‫ل ل‬
‫قال تعال‪:‬ى﴿موممنَ اًلذيمنَ مقاَلجوُاً إللنَاَ نَم م‬
‫صاَمرىِ أممخرذمنَاَ ميْمثاَقميجهرمُ فمينم ج‬
‫‪1‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(35‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫مجموع رسإائل ابن حزم )جُّ ‪.(3/173‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫الذخيرة فى محاسإن أهإل الجزيرة‪ ,‬الشنتريني‪ ،‬القسم الثاني‪ ،‬صا )‪.(95‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫سإقوط الندلسُ‪ ،‬صا )‪.(40‬‬ ‫)(‬
‫‪67‬‬
‫صنميجعوُمن﴾ ]الائدة‪:‬ى‪.[14‬‬ ‫ضاَءم إلملىِ يميروُلم اًلرلقميْاَمملة مومسروُ م‬
‫ف يجينمببئجيجهجمُ اًلج بلمماَ مكاَنَجوُاً يم ر‬ ‫بم رييْينميجهجمُ اًلرمعمداًمومة مواًرلبميغر م‬
‫يا مأليِعئا بالدمأاء وهتك العرماض‪ ،‬وقتل النُفوس وسب النُساء‪.‬‬ ‫لقد سزطرم النُصارىَّ ف الفنسفديلسِ تار ع‬
‫ك جهجمُ اًلرجمرعتمجدومن﴾ ]التوبة‪:‬ى‪ .[14‬وقال تعال‪:‬ى‬ ‫قال تعال‪:‬ى ﴿لم يميررقجيجبوُمن لفىِ جمرؤلمسنَ إللظ مولم لذلمةل موجأولمئل م‬
‫صاَمرىِ محلتىِ تميتلبلمع لمللتميجهرمُ﴾]البقرمة‪:‬ى‪.[12‬‬ ‫ك اًلريْميجهوُجد مولم اًلنل م‬ ‫ضىِ معن م‬ ‫﴿مولمرنَ تميرر م‬
‫لقد استمَّات النُصارىَّ ف حرمبم لليمَّسسلععمَّي فمَّارسوا كل الساليِب العوزجة مأن أجل تقيِق أهدافهم‬
‫الشيِطانيِة‪.‬‬
‫الحادى عشر‪ :‬التخاذل عن نصرة من يحتاجُّ إلى نصرة‪:‬‬
‫لقد كانت أحاديث الرمسول × ف تلك الرمحلة يمأعزطلة كأزنم ل يسمَّعوا قول رسول ال ×‪:‬ى‬
‫»المسلم أخو المسلم ل يظلمه ول يسلمه«)‪,(1‬ن وقوله ×‪:‬ى »المؤمن‬
‫ضُا«)‪.(2‬‬ ‫للمؤمن كالبنيان يشد بعضُه بع ص‬
‫لقد تاذل مألوكَّ الطوائف عن نصرمة فمأن يستحق النُصرمة‪ ،‬وإليِك مأا حدث ف طيلفسيِعطفلة‪ ،‬يقول الدكتور‬
‫عبد الرمحن الجى عن سقوط طيلفسيِعطفلة ومأوقف يحزكام الطوائف‪:‬ى »قام حاكم بطليِوس عمَّرم بن يمفزمَّد‬
‫الفطسِ اللقب بالتفبفوصكل على ال ببعض واجبه تاه طيلفسيِعطفلة ف منُتها‪ ،‬الت لو أزدىَّ بقيِزةي مألوكَّ الطوائف مأا‬
‫ي‬
‫يب عليِهم لا لقت هذا الصي‪ ،‬ولففمَّسوها وفحوا أنفسهم‪ ،‬كان بعضهم ل هم له إل تقيِق مأصلحته‬
‫وإشباع أنانيِته‪,‬ن وكأن الفنسفديلسِ وجدت لنُفعته وليِتبع على كرمسى حكم‪ ،‬مأهمَّا كان قصي العمَّرم ذليِل‬
‫الكان مأهزوز القواعد«)‪.(3‬‬
‫فهذه ممَّوعة مأن السباب الت أزدت إل الالة التعيِسة الت آلت إليِها الفنسفديلسِ‪ ،‬وعنُدىَّ أن مأن‬
‫أعظم السباب ف خذلن المأة ابتعادها عن مأنُهج ربا وضيِاع عقيِدتا وترمبيِتها على التف والدعة‪ ،‬وترمكَّ‬
‫الهاد ف سبيِل ال‪ ،‬ولذلك عنُدمأا ترمزب الرمابطون على مأعان الهاد ف سبيِل ال‪ ،‬ومأنُهج أهل السنُة‪,‬ن‬
‫وفقهم ال لقامأة دينُه وإعزاز سنُة نبيِه ونصرمة إخوانم ف الصدين‪.‬‬
‫إن الهاد مأن أعظم الدروس‪,‬ن فلمَّا يوجد ف الفنسفديلسِ بقيِت المأة ف عزة ومأنُعة وفمأفهافبة‪ ،‬ولا يفقد‬
‫أصبحت المأة مأطمَّععا لكل جبار عنُيِد أو مأتكب ل يؤممأن بيِوم الساب‪ .‬قال رسول ال ×‪:‬ى »رأ ل‬
‫س‬
‫صلة وذروة سإنامه الجهاد«)‪ .(4‬وقال ×‪:‬ى‬ ‫المر السإلم وعموده ال ش‬
‫»لغدوة د فى سإبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها« ‪.‬‬
‫)‪(5‬‬

‫‪1‬‬
‫أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب المظالم‪ ،‬رقم )‪ ،(2442‬مع الفتح )جُّ ‪.(5/116‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫البخاري مع الفتح كتاب المظالم رقم )‪ 2446‬جُّ ‪.(5/117‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫انظر ‪ :‬التاريخ الندلسي‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الترمذي‪ ,‬باب اليمان‪ ،‬باب )‪ (8‬رقم )‪.(2616‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫البخاري مع الفتح رقم )‪ 2792‬جُّ ‪.(17 / 6‬‬ ‫)(‬
‫‪68‬‬
***

69
‫المبحث الثالث‬
‫العالم فى زمن ظهور دولة المرابطين‬
‫ضرم ومأعال الضارة والدنيِة‪.‬‬
‫كانت أوروبا يتحكم فيِها القطاعيِون ف حالة هجيِة بعيِدة عن التح ل‬
‫وكان العال السلمأى يمززأ عنُد قيِام دولة الرمابطي‪ ،‬فظهرم مألوكَّ الطوائف ف بلد الفنسفديلسِ‪ ،‬واستطاع‬
‫حاد ف الغرمب الوسط‪ ،‬والعز‬ ‫السلجقة أن ييطصهيرموا العرماقْ مأن بن بويه‪ ،‬والعبيِديون حكمَّوا مأصرم‪ ،‬وبنُو فز‬
‫بن باديسِ وأحفاده ف الهدية‪.‬‬
‫وتوسع الرمابطون وشلت دولتهم أجزاء شاسعة مأن شال إفرميقيِة »جزء مأن الزائرم والرميف ف‬
‫الغرمب«‪ ،‬وضرمبت جذورها ف الصحرماء حت نرم النُيِجرم والسنُغال‪ ،‬فرمفعوا راية السلم ف تلك المأاكن‬
‫البعيِدة‪.‬‬
‫وكان الشرمقْ السلمأى ف ظرموف سيِاسيِة حرمجة وصعبة قاسيِة حيِث أمأيرم اللفة ف بغداد مأهتز‪,‬ن‬
‫ض للخطرم‪ ،‬ول يإلك مأن أمأرم اللفة شيِعئا وإزنا هو رمأز تزكفم فيِه البويهيِون‪ ،‬ومأن بعدهم‬ ‫والليِفة يمأفعزرم ض‬
‫السلجقة‪,‬ن أزمأا العبيِدليون ف مأصرم فتحالفوا مأع الفرمنج مأن أجل مأصالهم وأطمَّاعهم‪,‬ن فكان أمأرم‬
‫السسلععمَّي ف غاية الطورة حت قزيِض ال لهل الشرمقْ نور الصدين ممَّود وصلحا الصدين اليوب اللذين قامأا‬
‫ي‬
‫بدور عظيِم ف القضاء على النُصارىَّ والعبيِديي ودحرمهم‪ ،‬وف هذه الظرموف الصعبة والعصيِبة أرادت‬
‫حكمَّة ال وقدرته أن ترمج دولة الرمابطي اللسنُزيِة لتكون سعدا مأنُيِععا ضد أطمَّاع النُصارىَّ ف الفنسفديلسِ‪،‬‬
‫ولتحمَّى الشمَّال الفرميقى مأن غاراتم وأطمَّاعهم‪ ،‬إنه تدبي العزيز العليِم‪.‬‬
‫لقد أكرمم ال تعال الرمابطي وجنُودهم بالدفاع والذود عن السلم والسسلععمَّي وعن أعرماضهم وأمأوالم‬
‫ي‬ ‫وعقائدهم الت ل تقدر بثمَّن‪.‬‬
‫وأعززف ال المأة بم ف زمأن عصيِب ورفع ال بم لواء السلم ف‬
‫الغرمب والفنسفديلسِ‪.‬‬
‫واستطاعوا بهودهم الهادية أن ينُقذوا إخوانم ف الصدين مأن ظلم النُصارىَّ وحقدهم الدفي‪،‬‬
‫ويكبدوهم هزائم عسكرمية أصبحت نباعسا للمأة على مأصرم العصور ومأصرم الدهور‪.‬‬
‫مين وأطماع ألفونســو‬ ‫أو ص‬
‫ل‪ :‬تكالب النصارى على المسل م‬
‫التوسإعية‪:‬‬
‫بعد سقوط طيلفسيِعطفلة بيِد ألفونسو‪ ،‬بدا له أن كل شيء مكن‪,‬ن وعمَّل على توحيِد جهود النُصارىَّ‪،‬‬
‫واتفقوا على سحق دولة السلم ف الفنسفديلسِ‪ ،‬مأعتقدين أن قدرتم تكفيِهم لداء هذا الهمَّة القدسة‬
‫لديهم‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫وترمكَّ النُصارىَّ خصومأاتم الزداخلعزيِة‪ ،‬وتوزحدت مأدنم‪ ،‬وكزونوا جيِعشا ضخعمَّا‪,‬ن واحتلوا مأدينُة»قورية«‬
‫مأن بن الفطسِ‪ ،‬ووصلوا إل ضواحى إشبيِليِة‪ ،‬وأحرمقوا قرماها وحقولا‪ ،‬وسارت فرمقة مأن الفرمسان إل‬
‫شذونة‪ ،‬ث اختقت جزيرمة طرميف قرمب مأضيِق جبل طارقْ‪ ،‬كمَّا حاصرم القشتاليِون‪-‬هل بعاونة جنُد مأن‬
‫الرجونيِي والقطلونيِي الذين وضعهم ألفونسو السادس تت قيِادته‪-‬هل قلعة فسسرمقيسسفطة الصيِنُة الت يضع‬
‫سقوطها مأنُطقة البي »ابرمة« ف يد النُصارىَّ حتعمَّا‪ ،‬وتصبح الشواطئ السبانيِة الطلزةي على البحرم البيِض‬
‫التوسط عرمضة لغاراتم‪ ،‬يقول الؤمرخ يوسف أشباخ‪:‬ى »وأثخن النُصارىَّ ف ولية فسسرمقيسسفطة كلها بالنُار‬
‫والسيِف‪ ،‬ول يكن يرملدهم ف الرمب أىَّ اعتبار إنسان مأا دام المأرم مأتعلعقا بأعداء الصدين‪ ،‬كمَّا يعتقدون‪،‬‬
‫ولكن الصون السلمأزيِة قاومأتهم مأقاومأة شديدة‪ ،‬وتلقى الؤمتن بن هود وععدا لوصول الدد السرميع مأن‬
‫إخوانه السسلععمَّي ف جنُوب الزيرمة‪ ،‬بفبسيِفد أن النُصارىَّ شددوا الضعط على فسسرمقيسسفطة يوعمأا بعد يوم‪ ،‬وخشى‬
‫ي‬
‫السسلعيمَّون سقوط العقل النُيِع‪ ،‬بعد أن أصبحت قواتم وأحوالم ف حالة يرمثى لا‪ ،‬فقد كانت حتعمَّا دون‬
‫ي‬
‫قوىَّ النُصارىَّ‪ ،‬فتطلعوا إل عون مأن الارج‪ ،‬فاتهت أبصارهم إل قوة الرمابطي الاهدة ف الغرمب‬
‫القصى«)‪.(1‬‬
‫وأصبح ألفونسو اللعي يضغط على مالك السسلععمَّي الكبىَّ الاورة له أىَّ ملكت بطليِوس وإشبيِليِة؛ن‬
‫فأرسل إل التفبفوصكل بن الفطسِ صاحب بطليِوس ييطلب مأنُه أن ييسصلم إليِه القلع والصون الاورة لدوده‬
‫ي‬
‫مأع تأدية الزية‪ ،‬وضيعف مأسلمَّو الفنسفديلسِ أمأام هذه الضرمبات الاكرمة‪ ،‬وأصبح سقوط المَّالك قاب قوسي‬
‫أو أدن‪ ،‬وظل يحزكام المَّالك مأنُغمَّسي بلزذاتم وفسادهم‪ ،‬ياربون أنفسهم ويالفون النُصارىَّ ضد‬
‫إخوانم‪ ،‬ويؤملدون لم الزية مأقابل ترمكهم على عرموشهم الت تزعزعت أمأام ضرمباتم‪ ،‬واستخدم مألوكَّ‬
‫الطوائف الرمتزقة مأن النُصارىَّ لمَّاية أنفسهم بعد أن فقدوا المأل ف شعوبم ورعاياهم بسبب ظلمَّهم‬
‫وجورهم وتعلسفهم‪ ،‬وجعل ال بي أمأرماء الطوائف مأن التنُافسِ والتدابرم والتقاطع والتحاسد والغية مأا ل‬
‫يعله بي الضرمائرم التفات والعشائرم التغايرمات‪,‬ن فلم تصل لم ف ال يد‪ ،‬ول نشأ على التعاضد عزم ‪،‬‬
‫)‪(2‬‬

‫لذلك انارت الرموحا العنُوية للشعب الفنسفديلسى بعدمأا رأىَّ مأن أمأرمائه التخاذل واليِانة‪,‬ن حت كاد هذا‬
‫الشعب الصابرم يفقد القدرة على القتال با كان يرمهقه يحزكامأه مأن الضرمائب للتنُعم بالعيِش الرمغيِد ودفع‬
‫صافرىَّ‪ ،‬وأصبح بي حاكم يمأبتوز وعدوو مأتب ة‬
‫ص‪ ،‬فقد ارتقى عرمش إسبانيِا النُصرمانيِة ألفونسو‬ ‫للز ف‬
‫الزية نُ‬
‫السادس بن فرمدينُاند الذىَّ كان يرمغب ف احتلل الزيرمة اليبية‪ ،‬وعادت حرمب الستداد قوية على يده‪،‬‬
‫وقد بدأ أعمَّاله الرمبيِة بدينُة طيلفسيِعطفلة فحاصرمها سبع سنُوات حت سقطت بيِده ف ‪ 25‬آيار ‪1085‬م‬
‫مأستهل صفرم ‪478‬هب‪,‬ن وقد أحدث سقوطها دوعيا هائلع ف العال السلمأى الغرمب‪ ،‬وبات السسلعيمَّون ف‬
‫ي‬
‫حال مأن الضيِاع التام)‪ (3‬ل يعرفون كيف يتصرفون‪ ,‬وبدأوا بمغادرة‬

‫‪1‬‬
‫)( انظر الزلقة‪ ،‬صا )‪.(32‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر‪ :‬أعلم العلم‪ ،‬تحقيق د‪ .‬عبادي‪ ,‬صا )‪.(2411‬‬
‫‪3‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(61‬‬
‫‪71‬‬
‫المناطق المتاخمة للفونسو‪ ،‬وأصبحت مملكة ط لل مي يط مملة خالية من‬
‫السكان الذين هإجروهإا إلى بطليوس هإرصبا من الضطهاد وحفا ص‬
‫ظا‬
‫على دينهم‪ ،‬ورأى ألفونسو أن زمام ال من يد مللسُ أصبح فى يده‪،‬‬
‫دن والقرى بين‬ ‫م ل‬
‫فضُاعف غاراته على جميع البلد؛ وتساقطت ال ل‬
‫كل بن الفطسُ وصاحب‬ ‫مت موم ي‬
‫يدى اللعين الحقود وأرسإل إلى ال ل‬
‫بطليوس يطلب إليه تسليم بعض الحصون‪ ،‬والقلع المتاخمة‬
‫لحدوده مع تأدية الجزية‪ ،‬ويتوعده بشر العواقب إذا رفض‪ ،‬فرد ش‬
‫ن‬
‫كل بشجاعة ونبل معلصنا تحديه‪ ،‬وفى هإذه الرسإالة معا ة‬ ‫مت موم ي‬
‫ال ل‬
‫مون‬ ‫سل لم‬ ‫م‬
‫ل ي‬ ‫ال‬ ‫فيه‬ ‫أصبح‬ ‫الذى‬ ‫الحرجُّ‬ ‫للموقف‬ ‫دقيق‬ ‫وفهم‬ ‫عميقة‬
‫دا أعشز‬ ‫كل‪..» :‬ولو علم – أى ألفونسو‪ -‬أن لله جنو ص‬ ‫مت موم ي‬
‫حيث قال ال ل‬
‫مد × وأعزه على‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫بهم كلمة السإلم‪ ,‬وأظهر بهم دين نبينا ل‬
‫مين فيما وهإمى من أحوالهم‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫الكافرين‪ ..‬وأما تعييرك لل ل‬
‫فبالذنوب المركوبة‪ ،‬ولو اتفقت كلمتنا مع سإائرنا من الملك أى‬
‫مصاب أذقناك كما كان أبوك تتجمرعه‪ ...‬وبالمسُ كانت قطيعة‬
‫المنصور على سإلفك أهإدى ابنته إليه مع الذخائر التى كانت تفد‬
‫كل عام عليه«)‪.(1‬‬
‫وأرسل التفبفوصكل قاضيِه العال الفقيِه أبا الوليِد الباجى ليِطوف على حواضرم الفنسفديلسِ يدعو إل لص‬
‫الشعث وتوح ييِد الكلمَّة‪ ،‬ومأدافعة العدو‪ ،‬ولكن مأهمَّة القاضى ل يتكلل بالنُجاحا لن ضعف المأرماء‪،‬‬
‫وانيِار مأقومأات الدولة‪ ،‬وتاذل الشعب فرمضت على اليزكام استضاء العدو‪ ،‬عنُدئةذ كتب التفبفوصكل إل‬
‫ي‬
‫المأي يوسف بن تاشفي)‪ ،(2‬يصور له محنة ال من يد مللسُ ويستنصره)‪» ،(3‬لما‬
‫كان نور الهدى ‪-‬أيدك الله‪ -‬دليلك‪ ,‬وسإبيل الخير سإبيلك‪ ،‬ووضحت‬
‫ح العلم‬ ‫فى الصلح معالمك‪ ،‬ووقفت على الجهاد عزائمك‪ ،‬وص ش‬
‫بأشنك لدعوة السإلم أعسز ناصر‪ ،‬وعلى غزو الشرك أقدر قادر‪،‬‬
‫وجب أن تستدعى لما عضُل الداء‪ ،‬وتستغاث لما أحاط بالجزيرة‬
‫من البلء‪ ،‬فقد كانت طوائف العدو المطيف بأنحائها عند إفراط‬
‫تسسلطها واعتدائها وشدة كلفها واسإتشرائها تلطف بالحتيال‪،‬‬
‫وتستنزل بالموال‪ ،‬ويخرجُّ لها عن كل ذخيرة‪ ،‬وتسترضى بكل‬
‫خطيرة‪ ،‬ولم يزل دأبها التشكك والعناد‪ ،‬ودأبها الذعان والنقياد‬
‫حتى نفذ المطارف والتلد‪ ،‬وأتى على الظاهإر والباطن النفاد‪،‬‬
‫وأيقنوا الن بضُعف المنن‪ ،‬وقويت أطماعهم فى افتتاح المدن‪،‬‬
‫مين‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫ل جهة نارهإم‪ ،‬ورويت من دماء ال ل‬ ‫واضطرمت فى ك ي‬
‫أسإنتهم وشفارهإم‪ ،‬ومن أخطئ القتل منهم فإنما هإم بأيديهم‬
‫أسإارى وسإبايا‪ ،‬يمتحنونهم بأنواع المحن والبليا‪ ،‬وقد هإموا بما‬
‫أرادوه من التوثب‪ ،‬وأشرفوا على ما أملوه من التغلب‪ ،‬فيا الله‬
‫‪1‬‬
‫)( المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(62‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ ابن الكردبوس صا )‪ ،(88‬عن كتاب دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(62‬‬
‫‪3‬‬
‫)( د‪ .‬عدنان‪ ،‬دولة السإلم فى الندلسُ ودول الطوائف‪ ،‬صا )‪.(92-91‬‬
‫‪72‬‬
‫ك‪ ،‬ويغلب التوحيدف الشرميكَّ‪ ،‬ويظهرم‬ ‫مين أيسطو هإكذا بالحق الف ل‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫ويا لل ل‬
‫على اليإان الكفيرم‪ ،‬ول يكشف هذه البليِة النُصيرم‪ ،‬أل ناصرم لذا الهتضم؟ أل حامأى لا استبيِح مأن‬
‫الرمم؟‪ ،‬وإنا ل على مأا لق عرمشه مأن ثل‪ ،‬وعزه مأن ذل‪ ،‬فإنا الرمززية الت ليِسِ فيِها عزاء‪ ،‬والبليِة الت ليِسِ‬
‫مأثلها بلء‪ ،‬ومأن قبل هذا مأا كنُت خاطبتك – أعزكَّ ال – بالنُازلة ف مأدينُة قورية أعادها ال وإزنا مأؤميدة‬
‫للجزيرمة باللء‪ ،‬وفمأن فيِها مأن السسلععمَّي باللء‪ ،‬ث مأا زال التخاذل يتزايد‪ ،‬والتدابرم يتساند حت تزلصت‬
‫ي‬
‫صلت ف يد العدو مأدينُة سرمية‪ ،‬وعليِها قلعة تاوزت حد القلع ف الصانة‬ ‫القضيِة وتضاعفت البليِة وت ز‬
‫والمأتنُاع‪.‬‬
‫وهى مأن الدينُة كنُقطة دائرمية تدركها مأن جيِع نواحيِها‪ ،‬ويستوىَّ ف الرض با قاصيِها ودانيِها‪ ،‬ومأا‬
‫هو إل نفسِ خافت وزمأرم داهق استول عليِها عدو مأشتكَّ وطاغيِة مأنُافق‪ ،‬إن ل تبادروا بمَّاعتكم‬
‫عجاعل‪,‬ن وتتداركها ركباعنا ورجاعل‪ ،‬وتنُفرموا نوها خفاعفا وثقاعل‪ ،‬ومأا أحضكم على الهاد با ف كتاب ال‬
‫فإزنكم له أتلى‪ ،‬ول با ف حديث رسول ال × فإنكم إل مأعرمفته أهدىَّ‪ ،‬وكتاب إليِكم هذا يمَّله الشيِخ‬
‫ضحها‪ ،‬فإنه لا توجه نوكَّ احتساعبا‪،‬‬ ‫صلها ويشيرمحها‪ ،‬ومأشتمَّل على نكتة وهو يبيِنُها ويو ص‬
‫الفقيِه الواعظ يف ص‬
‫وتكلف الشقة إليِك طالعبا ثواعبا‪ ،‬عزولت على بيِانه‪,‬ن ووثقت بفصاحة‬
‫لسانه‪,‬ن والزسلم«)‪.(1‬‬
‫ثانيصا‪ :‬ألفونسو والمعتمد بن عباد‪:‬‬
‫لقد وقع السعتفعمَّد بن فعزباد ف أخطاء كثية؛ن حيِث تعاهد مأع ألفونسو ضد إخوانه السسلععمَّي ف‬
‫علمَّت ‪-‬هل ل عهود‬‫أن يسمَّح له ألفونسو بأخذ مالك من حوله إلز إن النُصارىَّ ‪-‬هل كمَّا ي‬ ‫طيلفيِعطفلة مأقابل ي‬
‫س‬
‫لم ول مأواثيِق‪ ،‬فأراد ألفونسو أن يد مأبعرا لضرمب الصار على إشبيِليِة‪,‬ن واحتلل قرمطبة‪ ،‬فطلب مأن‬
‫ب إليِه مأن تسليِمَّها‪,‬ن ومأارس ألفونسو مأع السعتفعمَّد أنواععا مأن الذلل‬
‫السعتفعمَّد حصوعنا وقرمىَّ الوت أح ل‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫والتجن لتخرمج السعتفعمَّد عن طوره ويلغى التفاقيِة الزيلة بي الطرمفي ويد ألفونسو والنُصارىَّ مأا يصبر أفعاله‬
‫ي‬
‫النتقامأيِة والوحشيِة‪.‬‬
‫فطلب ألفونسو مأن السعتفعمَّد أن يسمَّح لزوجته القمَّطجيِة أن تلد ف جامأع قرمطبة بنُاءع على نصيِحة‬
‫الساقفة‪ ،‬لأ ن الطرمف ي‬
‫الغرمب كان مأوقع كنُيِسة قرمطبة القديإة‪ ،‬وسأله أن تنُزل بالزهرماء مأدينُة الليِفة النُاصرم‪،‬‬
‫لتكون ولدتا بي طيِب نسيِم الزهرماء وفضيِلة مأوضع الكنُيِسة الزعوم)‪ ،(2‬وأرسل إليِه بعثة مأن خسمَّائة‬
‫فارس برمئاسة اليِهودىَّ ابن ساليِب لخذ الزية‪ ،‬وترمأ السفي وقزل أدبه إن كان له أدب‪ ،‬وخرمج على‬
‫طا لقبل مثل هذه العملةَ‬ ‫العرمف الدبلومأاسي‪ ،‬وأغلظ ف القول للمَّسعتفعمَّد وقال‪:‬ى »ل تعتقدونى بسي ل‬
‫ي‬
‫المزيفةَ‪ ,‬ل آخأذ إل الذهب الصافي‪ ،‬السنةَ القادمةَ ستكونأ مدلنا«)‪ .(3‬فأخأذت الممنعتبممد‬
‫النخوة السلمصيةَ وصلب اليهودي‪ ،‬وقتل البعثةَ‪ ،‬وبذلك يكونأ ألفونسو قد تحَّصل على‬
‫‪1‬‬
‫)‪ (2‬المصدر السابق نفسه‪.‬‬ ‫)( دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(64-63‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫)( المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(66‬‬
‫‪73‬‬
‫ما يريده‪ ،‬وكانأ ألفونسو متجلها لحَّصار قرطبةَ فلصما وصل خأبر البعثةَ أقسم بآلهته‬
‫ليغزونأ الممنعتبممد فى إشبيليةَ‪ ،‬وحصرك جيوشه نحَّو غرب البننبدملس فدصمر كل القرى‬
‫والتخوم التى فى طريقه نحَّو إشبيليةَ‪ ,‬وخأرج فى جيش من طريق آخأر يددمر ويخدرب‬
‫ويقتل ويحَّرقا ويسفك ويسبي‪ ،‬حتى وصل إلى جزيرة طريف أقصى جنوب البننبدملس‬
‫ل‪» :‬هذا آخأر بلد البننبدملس قد‬‫على المضيق‪ ،‬وأدخأل قوائم فرسه فى البحَّر قائ ل‬
‫وطئته«)‪.(1‬‬
‫وممن هنا أرسل إلى المير يوسف بن تاشفين‪» :‬أصما بعد‪ ..‬فل خأفاء على ذى عينين‬
‫أصنك أمير الممنسلمممين بل الملةَ السلمصيةَ‪ ،‬كما أنا أمير الملةَ النصرانيةَ‪ ،‬ولم يخف عليك‬
‫ما عليه رؤساؤكم بالبننبدملس من التخاذل والتواكل‪ ،‬والهمال للرعيةَ والخألد إلى‬
‫الراحةَ‪ ،‬وأنا أسومهم الخسف‪ ،‬فأخأرب الدديار وأهتك الستار‪ ،‬وأقتل الشصبانأ وآسر‬
‫الولدانأ‪ ،‬ول عذر لك فى التخلف عن نصرتهم إنأ أمكنك معرفةَ هذا‪ ،‬وأنتم تعتقدونأ أنأ‬
‫ا ‪ -‬تعالى ‪ -‬فرض على واحد منكم عشرة منا‪ ،‬وأنأ قتلكم فى الجنةَ وقتلنا فى النار‪،‬‬
‫ونحَّن نعتقد أنأ ا أظفرنا بكم وأعاننا عليكم‪ ،‬ول تقدرونأ دفالعا ول تستطيعونأ‬
‫امتنالعا‪ ،‬وبلغنا عنك وأصنك فى الحتفال عن نيةَ الستقبال فل يدرى أكانأ الجبن بك أم‬
‫ي ما عندك من المراكب‬ ‫التكذيب بما أنزل عليك‪ ،‬فإنأ كنت ل تستطيع الجواز فابعث إل ص‬
‫نجوز إليك‪ ،‬أناظرك فى أحب البقاع إليك؛ فإنأ غلبتنى فتلك نعمةَ جلبت إليك‪ ،‬ونعمةَ‬
‫شملت بين يديك‪ ،‬وإنأ غلبتك كانت لى اليد العليا عليك‪ ,‬واستكملت المارة‪ ,‬وا يتم‬
‫الرادة«)‪.(2‬‬
‫فكانأ رلد يوسف بن تاشفين – رحمه ا – على ظهر الكتاب ذاته‪» :‬ما ترى ل ما‬
‫تسمع إنأ شاء ا ‪-‬تعالى‪ « -‬وأردف‪:‬‬
‫)‪(3‬‬
‫العرمرم‬ ‫ول كتب إل المشرفية‬
‫والقنا‬
‫ع‬
‫وعاد ألفونسو الغرمور التكب إل إشبيِليِة حيِث التقى بيِشه الخرم أمأام قصرم السعتفمَّد بن فعزباد بضفة‬
‫النُهرم‪ ،‬وحاصرم الدينُة ثلثة أيام‪ ،‬وكتب إل السعتفعمَّد يسأله أن يرمسل إليِه مأرموحة لطرمد يالذباب‪ ،‬ول يتحمَّل السعتفعمَّد‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫هذه الهانة فرمزد‪:‬ى »قرمأت كتابك وفهمَّت خيِلءكَّ وإعجابك‪,‬ن وسأنظرم إليِك ف مأرماوحا مأن اللود اللمَّطيِة ترموحا‬
‫مأنُك ول ترموحا عليِك«)‪.(4‬‬
‫ترمكَّ ألفونسو إشبيِليِة وسار نو فسسرمقيسسفطة وحاصرمها‪ ،‬كانت شبه ضائعة تنُتظرم مأصيها الؤمل‪,‬ن‬
‫وصاحبها ابن هود ل يستطيِع الدفاع كثعيا‪ ،‬ث أخذ بلنُسيِة‪,‬ن وأعطاها القادر بن ذىَّ النُون صاحب‬
‫طيلفسيِعطفلة السابق‪ ،‬وهاجم ملكة الرمية‪,‬ن ووصل القشتاليِون إل نابار قرمب غرمناطة‪,‬ن كان الطرم على الفنسفديلسِ‬
‫شديعدا‪ ،‬وقلة الشجاعة وانيِار الرموحا العنُوية تثبط العزائم‪ ،‬إذ أن ثاني قشتالعيِا هزمأوا أربعمَّائة مأن الرمية)‪.(5‬‬
‫ثالثصا‪ :‬اجتماع علماء قرطبة‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫)‪ (2‬نفسُ المصدر السابق‪.‬‬ ‫)(دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(66‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫)‪ (4‬الرياض المعطار‪ ،‬صا )‪(80‬‬ ‫)( تاريخ ابن الكردبوس‪ ,‬صا )‪.(91‬‬
‫للحميري‪.‬‬ ‫‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫)( تاريخ ابن الكردبوس صا )‪ ،(89‬نقل ص عن دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(66‬‬
‫‪74‬‬
‫أمأام هذا الضيِاع الفزع الذىَّ وصلت إليِه مالك الفنسفديلسِ؛ن اجتمَّع علمَّاء وفقهاء وزعمَّاء قرمطبة‬
‫للتشاور فيِمَّا يب عمَّله لنقاذ مأدينُتهم‪ ،‬ووصل رأيهم بعد تبادل الراء والفكار إل استدعاء الرمابطي‪.‬‬
‫ورأىَّ السعتفعمَّد أن هذا الرمأىَّ فيِه صواب ونفاذ بصية؛ن فجزد ف تقوية جيِشه ورمأم الصون والقلع‪،‬‬
‫يطلب النُجدة مأن إخوانه السسلععمَّي‪ ،‬وتشاور ف المأرم مأع ابنُه الرمشيِد وزعمَّاء إشبيِليِة الذين أشاروا‬‫وقزرمر أن ي‬
‫ي‬
‫عليِه بهادنة ألفونسو والضوع لشرموطه‪ ،‬ولكن هذا الرمأىَّ ل يد هوىَّ ف نفسِ السعتفعمَّد الذىَّ خل بابنُه‬
‫ي‬
‫الرمشيِد وكان ول عهده وقال له‪:‬ى »أنا ف هذه الفنسفديلسِ غرميب بي برم مأظلم وعدو مرمم‪ ،‬وليِسِ لنُا ول‬
‫ول ناصرم إل ال‪ ،‬وإن إخواننُا وجياننُا مألوكَّ الفنسفديلسِ ليِسِ فيِهم نفع‪ ،‬ول ييرمفجى مأنُهم نصرمة‪ ،‬ول حيِلة إن‬
‫نزل بنُا مأصاب أو نالنُا عدو ثقيِل وهو اللعي أذفونش فقد أخذ طيلفسيِعطفلة وعادت دار كفرم وها هو قد رفع‬
‫رأسه إليِنُا‪.‬‬
‫وإن نزل عليِنُا طيلفسيِعطفلة مأا يرمفع عنُا حت يأخذ إشبيِليِة‪ ،‬ونرمىَّ مأن الرمأىَّ أن نبعث إل هذه الصحرماء‬
‫ومألك العدوة نستدعيِه للجواز إليِنُا ليِدافع عنُا الكلب اللعي إذ ل قدرة لنُا على ذلك بأنفسنُا‪ ،‬فقد تلف‬
‫صة)‪ .(1‬فأجابه الرشيد‪ :‬يا أبت‬ ‫لاؤنا وتدبرمت بل تبدت أجنُادنا‪,‬ن وبغضتنُا العامأة والا ز‬
‫من يسلبنا ملكنا ويبدد شملنا؟ فقال‪ :‬أى‬ ‫م‬ ‫أتدخل علينا فى أ من يد مللسنا‬
‫دا أنى أعدت ال من يد مللسُ دار كفر ول تركتها‬ ‫بنى والله ل يسمع عنى أب ص‬
‫مين مثل ما‬ ‫سل م م‬ ‫م‬
‫ل ي‬ ‫ال‬ ‫منابر‬ ‫على‬ ‫من‬ ‫اللعنة‬ ‫ي‬
‫للنصارى فتقوم عل ش‬
‫خرز‬ ‫خرز الجمال عندى خير من ل‬ ‫قامت على غيري‪ ،‬والله ل‬
‫الخنازير«)‪.(2‬‬
‫مد بن ع مشباد فى ال من يد مللسُ حذره ملوك‬ ‫معيت م م‬‫ولما انتشر رأى ال ل‬
‫الطوائف من ذلك وقالوا له‪» :‬الملك عقيم والسيفان ل يجتمعان‬
‫فى غمد واحد«‪ ،‬وعارض بشدة طلب العون من المرابطين عبد‬
‫الله بن سإكوت والى مالقة الذى كان يرى أن المرابطين أشد‬
‫‪-‬‬
‫خطصرا من النصارى‪ ،‬ويجب العتماد على القوة الذاتية لل من يد مللسيين‬
‫)‪(4‬‬ ‫)‪(3‬‬
‫مد‪» :‬رعى الجمال خير من رعى الخنازير«‬ ‫معيت م م‬
‫‪ ،‬فأجابهم ال ل‬
‫وأضاف‪ :‬إن دهإينا من مداخلة الضداد لنا فأهإون الششرين أمر‬
‫الملثمين«)‪.(5‬‬
‫وقال للذين لموه على هإذا الرأي‪ :‬يا قوم إشنى فى أمرى على‬
‫ما حالة‬ ‫حالين‪ :‬حالة يقين وحالة شك‪ ،‬ولبد لى من أحدهإما‪ ،‬أ ش‬
‫الشك فإينى إن اسإتندت إلى ابن تاشفين أو إلى الذفونش ففى‬
‫ي‪ ،‬ويمكن أن ل يفعل فهذه حالة‬ ‫الممكن أن يفيا لى ويبقيا عل ش‬
‫شك‪.‬‬
‫ما حالة اليقين فإينى إن اسإتندت إلى ابن تاشفين فإنى‬ ‫وأ ش‬
‫أرضى الله‪ ،‬وإن اسإتندت إلى الذفونش أسإخطت الله تعالى‪ ،‬فإذا‬
‫‪1‬‬
‫)‪ (3‬المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(68‬‬ ‫)( دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(68‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫)( المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(69‬‬
‫‪4‬‬
‫)‪ (2‬نفسُ المصدر السابق‪.‬‬ ‫)( وفيات العيان )‪.(7/115‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪75‬‬
‫كانت حالة الشك فيها عارضة فلى شيء أدع ما يرضى الله وآتى‬
‫ما يسخطه؟ حينئِّذ ة قصر أصحابه عن لومه)‪.(1‬‬
‫مد‬‫معيت م م‬
‫ولما عمزم على طلب النصرة من المرابطين؛ اتصل ال ل‬
‫كل بن الفطسُ صاحب بطليوس‪ ،‬وعبد الله بن بلقين‬ ‫مت موم ي‬ ‫بال ل‬
‫الصنهاجى صاحب غرناطة‪ ،‬وطلب منهما أن يرسإل كل منهما‬
‫دا إلى المرابطين لمقابلة المير‬ ‫قاضى مدينته حتى يكونوا وف ص‬
‫كلت البعثة من قاضى قرطبة ابن أدهإم‪،‬‬ ‫يوسإف بن تاشفين‪ ،‬وتش ش‬
‫وقاضى بطليوس ابن مقانا‪ ,‬وقاضى غرناطة ابن القليعي‪ ,‬ومعهم‬
‫مد إلى القضُاة وعظ‬ ‫معيت م م‬‫مد أبو بكر بن زيدون‪ ,‬وأسإند ال ل‬ ‫معيت م م‬
‫وزير ال ل‬
‫المير يوسإف وترغيبه فى الجهاد‪ ،‬وأسإند إلى وزيره إبرام العقود‪،‬‬
‫مد إلى المير يوسإف‬ ‫معيت م م‬‫وحملت البعثة معها رسإالة مكتوبة من ال ل‬
‫صها‪» :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ ,‬وصيلى‬ ‫مؤرخة ‪479‬هإـ‪ ,‬وهإذا ن س‬
‫ما‪ ..‬إلى‬ ‫مد وعلى آله وصحبه وسإلم تسلي ص‬ ‫ح ش‬
‫م م‬‫الله على سإيدنا ل‬
‫دين ومحيى دعوة الخليفة‪،‬‬ ‫حضُرة المام أمير المسلمين وناصر ال ي‬
‫المام أبى يعقوب يوسإف بن تاشفين‪ ،‬القائم بعظيم أكبارهإا‪،‬‬
‫ظم لما عظم الله من كريم مقدارهإا‪ ،‬اللئذ‬ ‫شاكر لجللها المع ي‬ ‫ال ش‬
‫مو مجدهإا‪ ,‬المستجير بالله وبطولها‬ ‫بحرامها‪ ,‬المنقطع إلى سإ س‬
‫مد عباد سإلم كريم يخص الحضُرة المعظمة السامية ورحمة‬ ‫ح ش‬ ‫م م‬ ‫ل‬
‫الله تعالى وبركاته‪.‬‬
‫كتب المنقطع إلى كريم سإلطانها من إشبيلية فى غرة جمادى‬
‫مين ونصر به‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬ ‫أمير ال ل‬ ‫الولى ‪479‬هإـ‪1086 /‬م وإشنه أشيد الله‬
‫ل‬ ‫م‬
‫دين‪ ،‬فإشنا ‪ -‬نحن العرب ‪ -‬فى هإذه الن يد ملسُ قد تلفت قبائلنا‪،‬‬ ‫ال ي‬
‫وتفشرق جمعنا‪ ،‬وتغشيرت أنسابنا بقطع المادة عنا من ضيعتنا؛ فصرنا‬
‫ل نصرنا‪ ،‬وكثر‬ ‫شعوصبا ل قبائل‪ ,‬وأشتاصتا ل قرابة ول عشائر‪ ،‬فق ش‬
‫مالتنا‪ ،‬وتوشلى علينا هإذا العدو المجرم اللعين ألفونسو وأناخ علينا‬ ‫ش ش‬ ‫ل‬
‫مين‪ ،‬وأخذ البلد والقلع‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫بطلي يط ملة ووطئِّها بقدمه‪ ،‬وأسإر ال ل‬‫م‬ ‫م‬ ‫ل‬
‫والحصون‪ ،‬ونحن أهإل هإذه ال من يد مللسُ ليسُ لحد منا طاقة على‬
‫نصرة جاره ول أخيه‪ ،‬ولو شاءوا لفعلوا إل أن الهواء والماء منعهم‬
‫من ذلك‪ ،‬وقد سإاءت الحوال‪ ،‬وانقطعت المال‪ ،‬وأنت أيدك الله‬
‫سإيد حمير‪ ،‬ومليكها الكبر‪ ،‬وأميرهإا وزعيمها‪ ،‬نزعت بهمتى إليك‬
‫واسإتنصرت بالله ثم بك‪ ،‬واسإتغثت بحرمكم لتجوز بجهاد هإذا العدو‬
‫مد ×‪ ،‬ولكم‬ ‫ح ش‬‫م م‬
‫الكافر وتحيون شريعة السإلم وتدينون على دين ل‬
‫عند الله الثواب الكريم على حضُرتكم السامية السلم ورحمة الله‬
‫وبركاته ول حول ول قوة إل بالله‬
‫العلى العظيم«)‪.(2‬‬

‫‪1‬‬
‫)( نفح الطيب )‪.(6/91‬‬
‫‪2‬‬
‫)( دولة المرابطين صا )‪.(71‬‬
‫‪76‬‬
‫ث المأي على إنقاذ الفنسفديلسِ‪.‬‬
‫وأرسلت وفود شعبيِة مأن الشيِوخ والعلمَّاء رسائل ت ي‬
‫وتأثرم الرمابطون لصاب إخوانم ف الصدين‪ ،‬وعرمض أمأيهم قضيِة مأسلمَّى الفنسفديلسِ على أهل الصل‬
‫والفعسقد عنُده‪ ،‬وأجعوا يعلى نصرمة دينُهم وإعزاز كلمَّة التوحيِد‪ ،‬وكان وزيرم يوسف ومأستشاره أفنسفديلسى‬
‫الصل اسه عبد الرمحن بن أسبط أو أسباط‪ ،‬فنُصحه الستشار بأن يطلب مأن السعتفعمَّد بن فعزباد الزيرمة‬
‫ي‬
‫الضرماء لكى تكون آمأنُة لعبور اليِش‪ ،‬ولمَّاية خطوط التمَّوين‪ ،‬وقال له‪:‬ى إن المأرم ل تعال ولكم‪،‬‬
‫وواجب على كل مأسلم إغاثة أخيِه السلم والنتصار له‪ ،‬واقتنُع المأي يوسف برمأىَّ وزيرمه ف طلب الزيرمة‬
‫الضرماء ليِجعل فيِها أثقال جيِشه وأجنُاده ويكون الواز بيِده مأت شاء‪ ،‬وقال المأي يوسف لعبد الرمحن‪:‬ى‬
‫صدقت يا عبد الرمحن‪,‬ن لقد نبهتن على شيء ل يطرم ببال‪,‬ن اكتب إليِه بذلك‪.‬‬
‫وكتب ابن أسبط إل السعتفعمَّد بن فعزباد الكتاب التال ن ل‬
‫صه‪:‬ى »بسم ال الرمحن الرمحيِم‪,‬ن وصلى ال على‬
‫سيِدنا يمفزمَّد وآله وصحبه وسيصلم‪.‬‬
‫مأن أمأي السسلععمَّي وناصرم الصدين مأعي دعوة أمأي الؤممأنُي‪ ،‬إل المأي أكرمم الؤميد بنُصرمة ال تعال‬
‫السعتفعمَّد على ال يأب القاسم يمفزمَّد بن فعزباد أدام ال كرمامأته بتقواه‪ ،‬ووفقه لا يرمضاه‪ ،‬سلم عليِكم ورحة ال‬
‫ي‬
‫وبرمكاته‪ ،‬أمأا بعد‪:‬ى‬
‫فإنه وصل خطابك الكرمي‪ ،‬فوقفنُا على مأا تضمَّنُه مأن استدعائنُا لنُصرمتك‪ ،‬ومأا ذكرمته مأن كرمبتك‪،‬‬
‫ومأا كان مأن قلة حاية جيانك‪ ،‬فنُحن يإي لشمَّالك ومأبادرون لنُصرمتك وحايتك‪ ،‬وواجب عليِنُا ف‬
‫الزشرمع‪,‬ن وف كتاب ال تعال‪ ،‬وإزنه ل يإكنُنُا الواز إل أن يتسصلم لنُا الزيرمة الضرماء؛ن تكون لنُا لكى يكون‬
‫جوازنا إليِك على أيدينُا مأت شئنُا‪ ،‬فإن رأيت ذلك فاشهد على نفسك بذلك‪,‬ن وابعث إليِنُا بعقودها ونن‬
‫ف أثرم خطابك إن شاء ال تعال«‪.‬‬
‫اطلع السعتفعمَّد ابنُه الرمشيِد على خطاب المأي يوسف فقال له‪:‬ى يا أبت أل تنُظرم إل مأا طلب؟ فقال‬
‫له السعتفعمَّد‪:‬ى ياي بن هذا قليِل ف حق نصرمة السسلععمَّي‪ ،‬ث جع السعتفعمَّد القاضى والفقهاء‪ ،‬وكتب عقد هبة‬
‫ي‬ ‫ي‬ ‫ي‬
‫الزيرمة الضرماء للمأي يوسف‪ ،‬وتسليِمَّها له بضورهم‪ ،‬وكان يكمَّها يزيد الرماضى بن السعتفعمَّد‪ ،‬فبعث إليِه‬
‫ي‬
‫أمأرمه بإخلئها وتسليِمَّها للمَّرمابطي لتكون رهنُاع بتصرمف المأي يوسف)‪ .(1‬وبعد مأوافقة السعتفعمَّد تزهز‬
‫ي‬
‫يوسف لتلبيِة نداء إخوانه ف العقيِدة راغعبا ف الجرم والثوبة مأن ال بتأدية فرميضة الهاد‪ ،‬وكتب أمأاعنا‬
‫لهل الفنسفديلسِ أل يتعرمض لحد مأنُهم ف بلده وقال‪:‬ى »أنا أول يمأنُتففدةب لنُصرمة هذا الصدين‪,‬ن ل يتول المأرم‬
‫أحد إل أنا بنُفسي« وأعلن النُفي العام ف قوات الرمابطي‪ ،‬فأقبلت مأن مأرماكش‪,‬ن ومأن الصحرماء وبلد‬
‫الزاب‪,‬ن ومأن متلف نواحى الغرمب يتوافدون على قيِادتم الرمزبانيِة‪ ،‬وجهزت السفن لتحمَّل هذه القوات‪،‬‬
‫وكان أول مأن نزفذ أمأرم العبور قائد الرمابطي النُابغ داود ابن عائشة‪,‬ن وترمكز ف الزيرمة الضرماء‪ ،‬وتتابعت‬

‫‪1‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪ ،(74‬مذكرات المير عبد الله صاحب غرناطة صا )‪،102‬‬
‫‪.(103‬‬
‫‪77‬‬
‫كتائب الرمابطي‪ ،‬وكانت مأعهم المَّال الكثية‪ ،‬وقد أثار وجودها دهشة الفنسفدليسيِي‪ ،‬لزنم ل يكونوا‬
‫يعرمفونا مأن قبل‪ ،‬وقد أزثرم وجودها على اليِل فأخذت تمَّح لدىَّ رؤيتها‪.‬‬
‫ولا تكامأل اليِش الرمابطى بساحل الزيرمة الضرماء‪,‬ن ركب المأي يوسف ومأعه قادة مأن خية قادة‬
‫الرمابطي وصلحائهم‪ ،‬ولا ركب واستوىَّ على السفيِنُة رفع يديه نو السمَّاء مأنُاجعيِا‪:‬ى »اللهم إن كنُت تعلم‬
‫ز‬
‫أن جوازنا هذا إصلحا لليمَّسسلععمَّي فسصهل عليِنُا هذا البحرم حت نعبه‪ ،‬وإن كان غي ذلك فصعبه حت ل‬
‫نوزه«)‪ .(1‬وسهل ال عبورهم‪ ،‬وكان ذلك يوم المَّيِسِ بعد الزوال مأنُتصف ربيِع الول ‪479‬هب حزيرمان‬
‫‪1086‬م‪ ،‬وصلى المأي يوسف بالزيرمة الضرماء صلة الظهرم‪ ،‬وقام أهل الزيرمة بضيِافة الرمابطي‪ ،‬وظهرم‬
‫فرمحهم وسرمورهم على وجوههم‪ ،‬وبدأ المأي يوسف ف تصي الزيرمة الضرماء‪ ،‬ورزمأم أسوارها ومأا تصزدع‬
‫مأن أبرماجها‪ ،‬وشحنُها بالسلحة والطعمَّة وكلف ممَّوعة مأن جنُوده برماستها ث ساروا نو إشبيِليِة)‪.(2‬‬
‫سارع السعتفعمَّد مأع قادة قومأه وشيِوخ مأدينُته وفقهاء بلده لستقبال أمأي الرمابطي‪ ،‬ولا التقى بيِوسف‬
‫تعانقا طويلع يبودة وحب وإخلص وأخوة ف الصدين‪ ،‬وتذاكرما نعم ال عليِهمَّا‪ ،‬وتواصيِا بالصب والهاد ف‬
‫سبيِل نصرمة دين السسلععمَّي‪ ،‬وكان السعتفعمَّد يمزمَّلع بالدايا‪ ،‬وأصدر أوامأرمه لعمَّال البلد بلب الرزاقْ لضيِافة‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫اليِش الرمابطي‪ ،‬وكان السعتفعمَّد كرمعيإا وجواعدا باذلع للخي‪.‬‬
‫ي‬
‫واستعرمض السعتفعمَّد اليِش الرمابطى فرمأىَّ »عسكعرما نقعيِا ومأنُظعرما بعيِا« ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ي‬
‫وواصل المأي يوسف سيه نو إشبيِليِة حيِث كان يستقبل بالتحاب مأع جيِشه الرمابطى على امأتداد‬
‫الطرميق حت وصل حاضرمة السعتفعمَّد‪ ،‬فأقام با ثلثة أيام للستاحة‪,‬ن ث قال لليمَّسعتفعمَّد‪:‬ى »إنا جئت ناوعيا‬
‫ي‬
‫جهاد العدو حيِثمَّا كان توجهت«)‪.(4‬‬
‫وأثنُاء مأقام المأي يوسف ف إشبيِليِة بعث المأي يوسف إل مألوكَّ الفنسفديلسِ يستنُفرمهم للجهاد)‪،(5‬‬
‫فكان أول مأن لب الدعوة عبد ال بن بلقي الصنُهاجى صاحب غرمناطة الذىَّ خرمج إليِه بأمأواله ورجاله‪،‬‬
‫وأخوه تيِم صاحب مأالقة‪ ،‬وأرسل ابن صمَّادحا ابنُه مأعز الدولة ف فرمقة مأن جيِشه‪,‬ن وسار المأي الرمزبان‬
‫والقائد اليِدان نو بطليوس‪ ،‬فاستقبلهم صاحبها الممتببودكل بن الفطس على ثلث مراحل‬
‫من المدينةَ)‪ ,(6‬وقصدم لهم الهدايا والضيافةَ وعلف الدواب وظهر منه جود وكرم‪ ،‬وأقام‬
‫المير أيالما عدة حتى يصل باقى المتطوعين إل أنأ أكثرهم لم يصل لنشغالهم بمدافعةَ‬
‫النصارى‪ ،‬فتابع سيره الجهادى حتى حطص رحاله عند سهل الدزلبقةَ)‪ ,(7‬وكانأ يبعد عن‬
‫بطليوس ثمانيةَ أميال‪.‬‬
‫ظم يوسف بن تاشفين جيشه‪ ،‬فجعل البننبدملسيين جيلشا‪ ,‬مستقلل بذاته وأسند قيادته‬ ‫ون ص‬
‫‪1‬‬
‫)( الندلسُ فى عهد المرابطين‪ ،‬صا )‪.(79‬‬
‫‪2‬‬
‫)‪ (2‬انظر ‪ :‬الحلل‪ ,‬صا )‪.(79‬‬ ‫)( دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(75‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪4‬‬
‫)‪ (4‬مذكرات المير عبد الله بن‬ ‫)( دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(79‬‬
‫رير‪ ،‬صا )‪.(104‬‬ ‫‪5‬‬

‫‪6‬‬
‫)‪ (6‬وفيات العيان‪) ،‬جُّ ‪.(5/29‬‬ ‫)( دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(80‬‬ ‫‪7‬‬

‫‪78‬‬
‫إلى الممنعتبممد بن بعصباد الذى تولى المقدمةَ‪ ،‬وأسندت الميمنةَ إلى الممتببودكل بن الفطس‪،‬‬
‫وجعل أهل شرقا البننبدملس على الميسرة‪ ،‬وباقى أهل البننبدملس فى الساقةَ‪.‬‬
‫أصما الجيش المرابطى فتولى داود ابن عائشةَ قيادة فرسانه‪ ،‬وأما سير بن أبى بكر فتولى‬
‫قيادة الحَّشم‪ ،‬وبقيةَ المرابطين مع حرس المير يوسف بن تاشفين إلى جانب قيادته الجيش‬
‫السلمي‪ ،‬وعسكر المرابطونأ خألف البننبدملسيين تفصل بينهم ربوة بقصد التمويه‪ ،‬وكانأ‬
‫تعداد جيش المرابطين والبننبدملسيين أكثر من ‪ 24‬ألف جندي)‪ (1‬وتضاربت الروايات فى‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وكان ألفونسو مأشغولع بحاصرمة فسسرمقيسسفطة‪,‬ن ولا وصله الب السعيِد ارتبك وجزع‪ ،‬وطلب مأن الستعي‬
‫بن هود حاكم فسسرمقيسسفطة أن يدفع له مأالع مأقابل فك الصار‪ ،‬فامأتنُع ابن هود لا فعلعفمَّه مأن وصول‬
‫الرمابطي وقزرمر أل يساعد ألفونسو بأىَّ مأال يستعي به على قتال السسلععمَّي‪.‬‬
‫ي‬
‫واضطزرم ألفونسو لرمفع الصار‪ ،‬ورجع مأسرمععا إل طيلفسيِعطفلة‪ ،‬وأعلن الستنُفار العام‪ ،‬وحل نزاعه وخلفه مأع‬
‫بعض أمأرماء النُصارىَّ‪ ،‬وأرسل إل فمأن وراء جبال ألبتات فأتته أفواج عديدة مأن النُصارىَّ مأتطاوعة مأن أجل‬
‫الرمب القزدسة‪ ،‬وجنُد الفونسو كل فمأن يستطيِع حل السلحا صغعيا أو كبعيا‪ ،‬ونزظم جيِشه وقسمَّه إل قسمَّي‬
‫ي‬
‫كبيين‪:‬ى أسنُد قيِادة اليِش الول إل ابن عمَّه الكونت غرمسيِا ورودريك‪ ،‬ومأا لبث غرمسيِا أن انسحب قبل بدء‬
‫العرمكة أثرم خلف مأع ألفونسو الذىَّ أبقى رودريك ف القيِادة‪ ،‬واحتفظ بقيِادة اليِش الثان وعزي على جنُاحيِه‬
‫سانتشور أمأيز والكونت برمنار ريإوند‪,‬ن وتوزل هو القلب)‪» ,(2‬وكان جيِش ألفونسو يعتمَّد على الفرمسان‬
‫كمَّجمَّوعة‪,‬ن وكان الفارس يلبسِ الزرد والدروع الت تغطيِه مأن الرمأس إل القدم كأزنه حصن مأن الديد يتحرمكَّ‬
‫لتزداد شجاعته وجرمأته«‪.‬‬
‫ولا استعرمض جيِشه نفخ فيِه الشيِطان غرموره وكبياءه‪ ،‬وقال قولة تدل على تذر كفرمه وعتوه وفساد‬
‫مأعتقده حيِث قال‪:‬ى »بذا اليِش ألقى يمفزمَّدا وآل يمفزمَّد والنسِ والن واللئكة«)‪.(3‬‬
‫»وكانت جوع الرمهبان والقسيِسي أمأام جيِش ألفونسو اللعون يرمفعون النيِل والصلبان لذكاء المَّاس‬
‫الصدين ف نفوس النُود الذين بلغ عددهم أكثرم مأن ستي ألعفا«)‪.(4‬‬
‫وخرمج ألفونسو بيِشه نو بطليِوس‪ ،‬وكتب إل السعتفعمَّد بن فعزباد كتاعبا جاء فيِه‪:‬ى »إن صاحبكم‬
‫يوسف قد تعزن مأن بلده وخاض البحار‪ ،‬وأنا أكفيِه يالعنُاء فيِمَّا بقى‪,‬ن ول أكلفكم تععبا‪ ،‬وأمأضى إليِكم‬
‫وألقاكم ف بلدكم رفعقا بكم وتوفعيا عليِكم«)‪.(5‬‬
‫وقصد ألفونسو بذلك أن تكون العرمكة خارج بلده فإذا انزم ولقوا به يكون مأسيهم ف أرضهم‬
‫‪1‬‬
‫دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(81‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫انظر‪ :‬الحلل‪ ،‬صا )‪.(34‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫انظر‪ :‬الندلسُ فى عهد المرابطين‪ ،‬صا )‪.(83‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫انظر‪ :‬الكامل‪) ،‬جُّ ‪.(6/303‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫الروض المعطار‪ ،‬صا )‪ ،(88‬نفح الطيب )‪.(6/96‬‬ ‫)(‬
‫‪79‬‬
‫ولبد مأن الستعداد لكتساحا بلده‪ ،‬وبذلك تنُجو مأن التدمأي‪ ،‬وإذا انتصرم حدث ذلك ف أرض أعدائه‪.‬‬
‫وصل ألفونسو إل بطحاء الصزلفقة وخيِم على بعد ثلثة أمأيِال مأن اليِش السلم يفصل بيِنُهمَّا نرم‬
‫بطليِوس يشرمب مأنُه التحاربون)‪.(1‬‬
‫لقد انزعج ألفونسو مأن ميء الرمابطي انزعاعجا كبعيا‪,‬ن حيِث شعرم بعودة الرموحا العنُوية إل أهال‬
‫الفنسفديلسِ الذين كان يسومأهم سوء العذاب‪ ،‬ييقصتل رجالم ويسب نساءهم‪ ،‬ويأخذ مأنُهم الزية‪ ،‬ويتقرمهم‬
‫ويزدريهم‪ ،‬ويتلعب بصيهم‪,‬ن وينُتظرم الفرمصة لستئصالم مأن الفنسفديلسِ‪ ،‬لتعم النُصرمانيِة ف سائرم البلد‪،‬‬
‫ويرمتفع الصليِب على أعنُاقْ العباد‪ ،‬وإذا بالرمابطي يرمبكون مططاته ويبددون أحلمأه‪.‬‬
‫صا للفارس‬ ‫لذلك أراد ألفونسو أن يوصجه ضرمبة قاصمَّة لن كان السبب ف استدعاء الرمابطي وخصو ع‬
‫ع‬
‫الغوار السعتفعمَّد بن فعزباد وقرمينُه التفبفوصكل بن الفطسِ‪ ،‬وكان يرمىَّ أن نصرمه يعتمَّد على تكبيِل القوة الزداخلزيِة‬
‫ي‬ ‫ي‬
‫ف الفنسفديلسِ بالزائم التتاليِة والتلحقة‪.‬‬
‫أمأا الرمابطون بعد ذلك سيجعون إل وطنُهم الصلى الغرمب‪ ،‬وبالقضاء على الفنسفديلسِ يسهل‬
‫القضاء على الرمابطي بسبب جهلهم بالطبيِعة الغرمافيِة للبلد‪.‬‬
‫وما ساعد ألفونسو على أن يعيِش ف تلك الحلم فتور مأعظم أهل الفنسفديلسِ بسبب ترمفهم‬
‫ونعيِمَّهم وجبنُهم وحبهم للحيِاة وهرموبم مأن الشهادة‪ ،‬كمَّا أن أسباب الزيإة نارمت ف ذلك التمَّع‬
‫التهالك‪.‬‬
‫أمأا السعتفعمَّد بن فعزباد صاحب إشبيِليِة والتفبفوصكل بن الفطسِ صاحب بطليِوس فقد قرمرا امأتشاقْ‬
‫السام‪ ،‬ف يمَّن ظفرم عاش سعيِدا ومأن مأات ي‬
‫كان شهيِعدا)‪.(2‬‬ ‫ع ف‬ ‫ف‬
‫لمَّافعة مأا وصلوا إل مأا وصلوا‬
‫وأمأا الرمابطون الذين ترمبوا على تعاليِم السلم وأصول أهل السنُة وا ف‬
‫إليِه إل بعد ترمبيِة عمَّيِقة‪ ،‬وتكوين فرميد وإيإان راسخ ساهم علمَّاء وفقهاء الالكيِة ف ذلك‪ ،‬وعلى رأسهم‬
‫الفقيِد الشهيِد ابن ياسي‪,‬ن فقد مأرموا برماحل صقلتهم وحرموب زكتهم‪ ،‬وأصبحوا مأتشصوقي إل الستشهاد‬
‫مأعتمَّدين على رب العباد‪,‬ن آخذين بأسباب النُصرم العنُوية والادية‪.‬‬
‫وكان رأىَّ الرمابطي إن العرمكة ف الفنسفديلسِ مأصيية للمأة السلمأزيِة وبذلك ل يإكن العتمَّاد على‬
‫شعب مأهزوم وقع ف أسرم العاصى والذنوب‪.‬‬
‫وكمَّا أن انتصارهم ف الفنسفديلسِ يرمعب أعداءهم وخصومأهم ف الغرمب ويتم بنُصرمهم إنقاذ السلم‬
‫والضارة ف ذلك البلد البعيِد عن العال السلمأي‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( ابن الكردبوس صا )‪ ،(93‬روض القرطاس صا )‪ ،(94‬نقل ص عن دولة المرابطين‪,‬‬
‫صا )‪.(84‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر ‪ :‬دولة المرابطين‪ ،‬د‪ .‬سإعدون عباس‪ ،‬صا )‪.(85‬‬
‫‪80‬‬
‫كان ألفونسو يقود حرمعبا صليِبيِة شرمسة ضد السسلععمَّي‪ ،‬ودعمَّته الكنُيِسة ف رومأا بالنُود والعتاد‬
‫ألفونسو ف حرمبه القدسة ضد السسلععمَّي‪.‬‬‫ي‬ ‫والمأوال‪ ،‬ورغبت بلدان الفرمنة بالوقوف مأع‬
‫ي‬
‫إن الانب الادىَّ عنُد النُصارىَّ كان أعلى بكثي ما عنُد الرمابطي‪ ،‬ولكزن الانب العنُوىَّ عنُد‬
‫الرمابطي ل حدود له‪.‬‬
‫وأرسل يوسف بن تاشفي إل ألفونسو كتاعبا يعرمض عليِه الدخول ف السلم أو دفع الزية أو‬
‫الرمب‪ ،‬وما جاء ف كتاب المأي‪:‬ى »بلغنُا يا أذفونش أزنك نوت الجتمَّاع بنُا‪,‬ن وتنُزيِت أن تكون لك فيبسل ض‬
‫ك‬
‫تعب البحرم عليِها إليِنُا‪ ،‬فقد جزناه إليِك‪ ،‬وجع ال ف هذه العرمصة بيِنُنُا وبيِنُك‪ ،‬وترمىَّ عاقبة ادعائك )ومأا‬
‫دعاء الكافرمين إل ف ضلل(« )‪.(1‬‬
‫ولا قرمأ ألفونسو الكتاب زاد غضبه وذهب بعقله وقال‪:‬ى »أبثل هذه الخاطبة ياطبن وأنا وأب نغرمم‬
‫الزية لهل مألته مأنُذ ثاني سنُة؟« )‪ (2‬وقال لرسول المير يوسف‪» :‬مقل للمير ل تتعب‬
‫نفسك أنا أصل إليك«)‪ ،(3‬وإصننا سنلتقى فى ساحةَ المعركةَ )‪ ،(4‬ومعنى ذلك أنأ ألفونسو‬
‫اخأتار الحَّرب‪ ،‬وحاول ألفونسو حامى حمى النصرانيةَ فى إسبانيا أنأ يخدع الممنسلمممين‬
‫ويمكر بهم‪ ،‬فكتب إلى المير يوسف فى تحَّديد يوم المعركةَ فكتب إليه‪» :‬إنأ بعد غد‬
‫الجمعةَ ل نحَّب مقابلتكم فيه لصنه عيدكم‪ ،‬وبعده السبت يوم عيد اليهود‪ ،‬وهم كثير فى‬
‫محَّلتنا‪ ،‬وبعده الحد عيدنا‪ ،‬فنحَّترم هذه العياد‪ ،‬ويكونأ اللقاء يوم الثنين« فكانأ‬
‫جواب المير يوسف‪» :‬اتركوا اللعين وما أحب«)‪ (5‬فاعترض الممنعتبممد وقال للمير‬
‫يوسف‪» :‬إنها حيلةَ منه وخأديعةَ إصنما يريد غدرنا فل تطمئن إليه‪ ،‬وقصده الفتك بنا يوم‬
‫الجمعةَ فليكن الناس على استعداد له يوم الجمعةَ كل الصنهار«)‪.(6‬‬
‫واستعد الممنسلمممونأ لرصد تحَّركات النصارى وكانأ حدس الممنعتبممد صائلبا صحَّيلحَّا‪,‬‬
‫ورصدوا تحَّرك العدو نحَّوهم‪.‬‬
‫وانقض الجيش الذى يقوده رودريك بمنتهى العنف على معسكر الممنسلمممين من‬
‫البننبدملسيين فتصصدى فرسانأ المرابطين الذين يقودهم داود ابن عائشةَ الذين أرسلهم‬
‫يوسف ابن تاشفين على عجل لدعم البننبدملسيين‪ ،‬وصمد المرابطونأ أمام هجوم‬
‫النصارى‪ ،‬واضطر النصارى إلى الرتداد إلى خأط دفاعهم الثانى وظهرت من داود‬
‫ابن عائشةَ وجنوده كفاءة قتاليةَ لم يعرف لها مثيل‪ ،‬واخأتار ا من المرابطين شهداء‪،‬‬
‫واحتدم الصراع‪ ،‬وزحف ألفونسو ببقيةَ جيشه‪ ،‬وأقرنأ زحفه بصياح هائل أفزع قلوب‬
‫البننبدملسيين قبل خأوضهم المعركةَ‪ ،‬ولذوا بالفرار ووجدوا أنفسهم أمام أسوار بطليوس‬
‫للحتماء بها‪ ،‬ولم يصمد منهم إل فارس البننبدملسيين وقومه »الممنعتبممد بن بعصباد وأهل‬

‫‪1‬‬
‫وفيات العيان )‪.(7/116‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(78‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫روض القرطاس‪ ،‬صا )‪.(94‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الندلسُ فى عصر المرابطين‪ ،‬صا )‪.(82‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫الحلل الموشية‪ ،‬صا )‪.(36‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫أعلم العلم‪ ،‬تحقيق العبادي‪ ,‬صا )‪.(243‬‬ ‫)(‬
‫‪81‬‬
‫إشبيليةَ« وأبلى بللء عظيلما وعقرت تحَّته ثلثةَ أفراس‪ ،‬وأصيب بجروح بليغةَ‪،‬‬
‫واستمرت المعركةَ الرهيبةَ‪ ،‬وصمد الممنعتبممد مع داود ابن عائشةَ حتى فلت السيوف‪،‬‬
‫وتكسرت الرماح‪ ,‬وصبر الممنسلمممونأ فى المعركةَ صبلرا عظيلما سجل فى صفحَّات المجد‬
‫والعزة والكرامةَ فى تاريخنا المجيد‪.‬‬
‫وبدأت قوة الممنسلمممين تضعف وتتقهقر أمام ضربات النصارى الحَّاقدة‪ ،‬وأيقن‬
‫ألفونسو ببلوغ النصر ممعتبقملدا إنأ هذه هى قوة الممنسلمممين المقاتلةَ التى ظهر العياء‬
‫عليها‪ ،‬وأخأذت موقف المدافعةَ‪ ،‬ولم يستغرقا ألفونسو طويلل فى أحلمه حتى وثب‬
‫جيش من المرابطين إلى ميدانأ المعركةَ أرسله المير يوسف بقيادة سير بن أبى بكر‬
‫على رأس الحَّشم لمساندة القوات السلمصيةَ‪ ،‬فتقصوت بذلك معنوياتهم فى معركةَ مالت‬
‫إلى هزيمتهم‪ ،‬وزحف المير يوسف بحَّرسه المرابطي‪ ،‬وقام بعمليةَ التفاف سريعةَ‬
‫باغت فيها معسكر العدو من الخلف‪ ،‬ووصل إلى خأيامه وأحرقها وأباد حراسها‪ ،‬ولم‬
‫ينج منهم إل القليل‪ ،‬وكانت طبول المرابطين تدقا بعنف فترتج منها الرض‪ ،‬ورغاء‬
‫الجمال يتصاعد إلى السماء فبث الذعر فى نفوس العداء وهلعت قلوبهم)‪ .(1‬وذهل‬
‫ألفونسو عندما رأى بعض حرس معسكره فادرين‪ ،‬وأتته الخأبار من داخأل المعسكر‬
‫باستيلء المرابطين عليه‪ ،‬وأصنه خأسر حوالى عشرة آلف قتيل)‪ ,(2‬ووجد ألفونسو نفسه‬
‫محَّاصلرا من الممنسلمممين فاضطر للقتال متقهقلرا نحَّو معسكره المحَّروقا‪ ،‬ولكن يوسف‬
‫ض عليه كالسيل‪ ،‬وقاتل ألفونسو عند ذلك‬ ‫لم يترك له الفرصةَ للتقاط النفاس‪ ،‬فانق ص‬
‫ل‬
‫قتال المستميت‪ ،‬وكانأ المير يوسف يبث الحَّماس فى نفوس الممنسلمممين قائل‪» :‬يا معشر‬
‫الممنسلمممين اصبروا لجهاد أعداء ا الكافرين‪ ,‬ومن مرمزقا منكم الشهادة فله الجنةَ ومن‬
‫سلم فقد فاز بالجر العظيم والغنيمةَ«‪ ،‬وكانأ رحمه ا يقاتل فى مقدمةَ الصفوف وهو‬
‫ابن التاسعةَ والسبعين‪ ،‬وكأنأ العنايةَ اللهيةَ كانت تحَّميه)‪ ،(3‬وكانأ فقهاء الممنسلمممين‬
‫وصالحَّوهم يعظونأ الجنود ويشجعونهم على مصابرة أعداء الددين‪ ،‬وفى هذا الجو‬
‫الرهيب من القتال الذى دام بضع ساعات وسقط فيه آلف القتلى‪ ،‬وغمر الدم ساحةَ‬
‫المعركةَ عندما دفع المير حرسه الخاصا من السودانأ إلى القتال‪ ،‬فترجل منهم أربعةَ‬
‫آلف كانوا مسلحَّين بدروقا اللمط وسيوف الهند‬
‫ونزاريق الزانأ)‪.(4‬‬
‫اندفعوا إلى المعركةَ اندفاع السود فحَّطموا مقاومةَ النصرانيةَ‪ ،‬وتكصسرت‬
‫شوكتهم‪ ,‬وانقض أسد من أسود الممنسلمممين على ألفونسو وطعنه فى فخذه‪ ،‬ولذ‬
‫النصارى بالفرار‪ ،‬وتمنى ألفونسو الموت على العيش‪ ,‬ولجأ مع خأمسمائةَ فارس من‬
‫فرسانه إلى تل قريب ينتظر الظلم لينجو من سيوف المرابطين)‪.(5‬‬
‫ومنع يوسف جنوده من اللحَّاقا بهم‪ ،‬وكانت مناسبةَ للفونسو الذى تابع سيره مع‬
‫الظلم إلى طملبنيمطبلةَ‪ ،‬وصل إليها مغمولما حزيلنا كسيلرا جريلحَّا بعد أنأ فقد خأيرة رجاله‬
‫وجنوده وقادة جيشه‪.‬‬
‫وفقد ألفونسو فى الدزلبقةَ القسم العظم من جيشه‪ ،‬وأمر يوسف بضم رءوس‬
‫‪1‬‬
‫)‪ (2‬ابن الكردبوس‪ ،‬صا )‪.(93‬‬ ‫الحلل الموشية‪ ،‬صا )‪.(42‬‬ ‫)(‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫الندلسُ فى عهد المرابطين‪ ،‬صا )‪.(85‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الروض المعطار‪ ،‬صا )‪.(92‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫ملوك الطوائف‪ ،‬صا )‪.(314‬‬ ‫)(‬
‫‪82‬‬
‫القتلى من النصارى‪ ،‬فعمل الممنسلمممونأ منها مآذنأ يؤذنونأ عليها‪ ,‬واستشهد فى تلك‬
‫المعركةَ الخالدة جماعةَ من العلماء والفقهاء‪ ،‬قلما يجود الزمانأ بمثلهم منهم قاضى‬
‫مراكش عبد الملك المصمودي‪ ،‬والفقيه الناسك أبو العصباس بن رميلةَ القرطبي)‪.(1‬‬
‫وجمع الممنسلمممونأ السلب والغنائم التى تركها النصارى وراءهم فى ساحةَ المعركةَ‪،‬‬
‫وآثر المير يوسف بها ملوك البننبدملس‪ ،‬وقد عصرفهم أنأ هدفه الجهاد فى سبيل ا‬
‫ونصرة السلم)‪.(2‬‬
‫وأرسل المير يوسف إلى المغرب أخأبار النصر المبين وهذا نص خأطابه‪» :‬‬
‫أصما بعد حملدا ل المتكدفل بنصر أهل دينه الذى ارتضاه‪ ،‬والصلة والسلم على‬
‫سيدنا ممبحَّصمد أفضل وأكرم خألقه‪ ،‬فإنأ العدو الطاغيةَ لما قربنا من حماه وتوافقنا بإزائه‬
‫بلغناه الدعوة‪ ،‬وخأيرناه بين السلم والجزيةَ والحَّرب‪ ،‬فاخأتار الحَّرب‪ ،‬فوقع التفاقا‬
‫بيننا وبينه على الملقاة يوم الثنين ‪ 15‬رجب وقال‪ :‬الجمعةَ عيد الممنسلمممين‪ ,‬والسبت‬
‫عيد اليهود‪ ,‬وفى عسكرنا منهم خألق كثير‪ ،‬والحد عيدنا نحَّن‪ ،‬فافترقنا على ذلك‪،‬‬
‫وأضمر اللعين خألف ما شرطناه وعلمناه أنهم أهل خأدع ونقض عهود فأخأذنا أهبةَ‬
‫الحَّرب لهم‪ ،‬وجعلنا عليهم العيونأ ليرفعوا إلينا أحوالهم‪ ،‬فأتتنا النباء فى سحَّر يوم‬
‫الجمعةَ ‪ 12‬رجب أنأ العدو قد قصد بجيوشه نحَّو الممنسلمممين‪ ،‬يرى أنه قد اغتنم فرصته‬
‫فى ذلك الحَّين‪ ،‬فنبذت إليه أبطال الممنسلمممين‪ ،‬وفرسانأ المجاهدين فتغشته قبل أنأ‬
‫يتغشاها‪ ،‬وتعصدته قبل أنأ يتعداها‪ ،‬وانقضت جيوش الممنسلمممين على جيوشهم كانقضاض‬
‫العقاب على عقيرته‪ ،‬ووثبت عليهم وثوب السد على فريسته‪ ،‬وقصدنا برايته السعيدة‬
‫المنصورة فى سائر المشاهد مشتهرة ونظروا إلى جيوش لمتونةَ نحَّو ألفونسو – فلصما‬
‫أبصر النصارى راياتنا المشتهرة المنتشرة‪ ،‬ونظروا إلى مراكبنا المنتظمةَ المظفرة‪،‬‬
‫وأغشتهم بروقا الصفاح‪ ,‬وأظصلتهم سحَّائب الرماح‪ ,‬ونزلت بحَّوافر خأيولهم رعود‬
‫الطبول بذلك الفياح‪ ،‬فالتحَّم النصارى بطاغيتهم ألفونسو‪ ،‬وحملوا على الممنسلمممين حملةَ‬
‫منكرة؛ فتلصقاهم المرابطونأ بنصيات خأالصةَ وهمم عاليةَ‪ ،‬فعصفت ريح الحَّرب وركبت‬
‫دائم السيوف والرماح‪ ،‬بالطعن والضرب‪ ،‬وطاحت المهج وأقلبت سيل الدماء فى‬
‫هرج‪ ,‬ونزل من سماء ا على أوليائه النصر العزيز والفرج‪.‬‬
‫ووصلى ألفونسو مطعولنا فى إحدى ركبتيه طعنةَ أفقدته إحدى ساقيه فى ‪ 500‬فارس‬
‫من ثمانين ألف فارس ومائتى ألف راجل قادهم ا على المصارع والحَّتف العاجل‪،‬‬
‫وتخصلص إلى جبل هنالك‪ ,‬ونظر النهب والنيرانأ فى محَّلته من كل جانب وهو من أعلى‬
‫الجبل ينظرها شذلرا‪ ،‬ويحَّيد عنها صبلرا‪ ،‬ول يستطيع عنها دفلعا ول لها نصلرا‪ ،‬فأخأذ‬
‫يدعو بالثبور والويل‪ ،‬ويرجو النجاة فى ظلم الليل‪ ،‬وأمير الممنسلمممين يحَّمد ا؛ قد ثبتت‬
‫فى وسط المعركةَ مراكبه المظفرة‪ ،‬تحَّت ظلل بنوده المنتشرة منصولرا لجهاد مرفوع‬
‫العداء‪ ،‬ويشكر ا تعالى على ما منحَّه من نيل السؤال والمراد‪ ،‬فقد سرح الغارات‬
‫فى محَّلتهم تهدم بناءها‪ ،‬وتصطلم ذخأائرها وأسبابها‪ ،‬وتريه رأى العين دمارها‬
‫ظا وأسلفا على أنامل كفيه‪،‬‬ ‫ونهبها‪ ،‬وألفونسو ينظر إليها نظر المغشى عليه‪ ،‬ويعض غي ل‬
‫فتتابعت البهرجةَ الفرار‪ ،‬رؤساء البننبدملس المهزومين نحَّو بطليوس والفار‪ ،‬فتراجعوا‬
‫‪1‬‬
‫)( الروض المعطار‪ ،‬صا )‪.(95‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر السابق نفسه‪.‬‬
‫‪83‬‬
‫حذلرا من العار‪ ،‬ولم يثبت منهم غير زعيم الرؤساء والقصواد‪ ،‬أبو القاسم الممنعتبممد بن‬
‫بعصباد‪ ،‬فأتى أمير الممنسلمممين وهو مهيض الجناح‪ ،‬مريض عنه وجراح‪ ،‬فهنأه بالفتح‬
‫الجليل‪ ،‬وتسلصبل ألفنش تحَّت الظلم فالرا ل يهدى ول ينام ومات من الخمسمائةَ فارس‬
‫الذين كانوا معه بالطريق أربعمائةَ فلم يدخأل طملبنيمطبلةَ إل مائةَ فارس والحَّمد ل على‬
‫ذلك كثيلرا‪.‬‬
‫وكانت هذه النعمةَ العظيمةَ والمنةَ الجسيمةَ يوم الجمعةَ ‪ 12‬رجب ‪479‬هـ‪23/‬‬
‫شهر أكتوبر ‪1086‬م ‪ ..‬العجمي)‪.(1‬‬
‫ف إليه البشرى بالنصر‪ ،‬وكانأ‬ ‫وأرسل الممنعتبممد إلى ابنه الرشيد فى إشبيليةَ يز ل‬
‫الناس بانتظار النباء على أحدر من الجمر‪ ،‬وقد حمل الرسالةَ الحَّمام الزاجل وهى‬
‫مقتضبةَ إذ ل تتعدى السطرين‪ ،‬هذا نصها‪» :‬اعلم أنه التقت جموع الممنسلمممين بالطاغيةَ‬
‫ألفونسو اللعين ففتح ا للممنسلمممين وهزم على أيديهم المشركين والحَّمد ل رب‬
‫العالمين‪ ،‬فأعلم بذلك من قبلك إخأواننا الممنسلمممين والسلم«‪ ،‬وقرئت الرسالةَ بمسجد‬
‫إشبيليةَ فعمها السرور‪ ،‬ثم توالت الكتب تفيض بأخأبار النصر منها إنشاء الكاتب ابن‬
‫عبد ا بن عبد البر النمرى وفيه يحَّدد تاريخ المعركةَ وسيرها وما أظهره ألفونسو من‬
‫الغدر والخأرة للصالحَّين)‪.(2‬‬
‫وأصبح يوم الدزلبقةَ عند المغاربةَ والبننبدملسيين مثل يوم القادسيةَ واليرموك‪» :‬يوم‬
‫لم يسمع بمثله من القادسيةَ واليرموك‪ ،‬فياله من فتح ما كانأ أعظمه‪ ،‬يوم كبير ما كانأ‬
‫أكرمه‪ ،‬فيوم الدزلبقةَ ثبتت قدم الددين بعد زلقها وعادت ظلمةَ الحَّق إلى إشراقها«‪.‬‬
‫نتائج معركة الزلقة‪:‬‬
‫كانت لمعركةَ الدزلبقةَ نتائج مهمةَ من أهمها‪:‬‬
‫صا بعد أنأ أنقذ ا بها سقوط‬ ‫‪ -1‬رفع الروح المعنويةَ لهل البننبدملس‪ ,‬خأصو ل‬
‫طةَ من سقوط محَّصتم‪ ،‬وأزاح عن ملوك الطوائف وأمرائها كابوس‬ ‫بسنرقمنس ب‬
‫النصارى ومتطلباتهم التى ل تنتهى من الجزيةَ وغيرها‪.‬‬
‫صةَ أنهم قد هزموا فى بدء‬ ‫‪ -2‬سقوط هيبةَ ملوك الطوائف أمام رعاياهم خأا ص‬
‫المعركةَ ولول أنأ أكرمهم ا بالمرابطين لضاعت البننبدملس‪.‬‬
‫‪ -3‬امتناع الرعيةَ عن دفع الضرائب المخالفةَ لتعاليم السلم وتعللقهم بالمرابطين‪.‬‬
‫‪ -4‬مصهدت الدزلبقةَ إلى إسقاط دول الطوائف فيما بعد على يد منقذيهم‪.‬‬
‫‪ -5‬ظهور نجم يوسف بن تاشفين والمرابطين فى العالم أجمع‪.‬‬
‫‪ -6‬انصياع قبائل المغرب التى كانت مترددة فى ولئها وتنتظر فرصةَ الوثوب‬
‫على المرابطين‪ ،‬وبذلك تكونأ نتيجةَ معركةَ الدزلبقةَ أنأ جعلت تلك القبائل‬
‫تخلد إلى السكينةَ وأعلنت ولءها التام‪.‬‬
‫‪ -7‬عمت الفراح أرجاء العالم السلمى فى شرقه وغربه وأعتقت الرقاب ومسصر‬
‫العلماء والفقهاء بهذا النبأ السعيد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( انظر‪ :‬الحلل الموشية‪ ،‬صا )‪.(47-45‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(47‬‬
‫‪84‬‬
‫‪ -8‬أصيب نصارى السبانأ بهزيمةَ تعيسةَ أصثرت فى نفوسهم‪ ,‬وتحَّطمت آمالهم فى‬
‫الستيلء على أراضى الممنسلمممين فى البننبدملس وإبعادهم‪.‬‬
‫‪ -9‬جعلت النصارى ميردتبونأ أمورهم ويودحدونأ صفوفهم‪ ,‬ويتنازلونأ عن‬
‫صراعاتهم الصداخألمصيةَ‪.‬‬
‫وغير ذلك من النتائج المهمةَ التى غيرت مجرى تاريخ البننبدملس وبلد المغرب‪.‬‬
‫بعد أنأ رتب المير يوسف أموره بعد معركةَ الدزلبقةَ عاد إلى إشبيليةَ‪ ،‬ودعا‬
‫رؤساء البننبدملس إلى اجتماع عام‪ ،‬وطلب منهم التفاقا والتحَّاد ضد عدوهم المشترك‬
‫الذى نخر فيهم بسبب اخأتلفهم؛ فأجابه الجميع بقبول وصيته وتحَّقيق رغبته‪ ،‬وترك‬
‫ثلثةَ آلف جندى مرابطى للدفاع عن ثغور البننبدملس بقيادة سير بن أبى بكر)‪.(1‬‬
‫رابعا‪ :‬رجوع المير يوسإف إلى المغرب‪:‬‬
‫ص‬
‫لقد عدد المؤرخأونأ أسباب رجوع يوسف إلى المغرب وهو لم يجمن ثمرة‬
‫النتصار بعد إلى أسباب منها‪:‬‬
‫ضا‪.‬‬‫‪ -1‬وفاة ابنه المير أبى بكر الذى استخلفه على سبتةَ وكانأ مري ل‬
‫‪ -2‬اضطراب الحَّدود الشرقيةَ بسبب تحَّالف بنى بحصماد مع عرب بنى هلل‬
‫وحاولوا غزو المناطق الحَّدوديةَ التابعةَ للدولةَ المرابطيةَ‪.‬‬
‫‪ -3‬أراد أنأ يتفقد الولة والمحَّصكام الذين تركهم فى المممدنأ والقرى‪ ،‬وينظر فى أمور الرعيةَ‪.‬‬
‫‪ -4‬أراد أنأ يخرج من إلحَّاح مسلمى البننبدملس الذين طلبوا منه تعلقب ألفونسو وجنوده‬
‫حيث إنه رأى إنأ قواته ل تستطيع أنأ تسيطر على كل البننبدملس لتساع أراضيها‪.‬‬
‫‪ -5‬خأشى من إبراهيم بن أبى بكر بن عمر الذى زعم أنه له حق شرعى فى‬
‫استخلف والده المجاهد الكبير‪.‬‬
‫إن نظرمتى للتاريخ السلمأى تؤمصكد ل مأعن عظيِعمَّا ف حيِاة أمأتنُا أل وهو أن العاركَّ الفاصلة ف‬
‫تاريها اليِد ل تكون إل لقوم أقامأوا الشرميعة على مأستوىَّ الشعب واليِش والقادة‪ ،‬وهذا العن واضح ف‬
‫سية الرمابطي الذين تدزرجوا ف مأرماحلهم وأقامأوا شرمع ربم على أنفسهم‪.‬‬
‫ولذا أرىَّ أن مأن أقوىَّ السباب على الطلقْ ف نصرم ال للمَّرمابطي هو تسكهم وتكيِمَّهم‬
‫للقرمآن والسنُة على مأستوىَّ شعبهم ودولتهم وجيِشهم وقائدهم‪ ،‬ولذلك يهمَّنُا كثعيا أن نبي أثرم تكيِم‬
‫شرمع ال ف المأم والشعوب واليِوش والفرماد‪.‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( انظر ‪ :‬الحلل الموشية‪ ،‬صا )‪.(47-45‬‬
‫‪85‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫أثر الحكم بما أنزل الله على مجتمع المرابطين‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫إن التألمأل ف كتاب ال وسنُة رسوله × وف حيِاة المأم والشعوب تعطى العبد مأعرمفة أصيِلة بأثرم سنُن‬
‫ال ف النفسِ والكون والفاقْ‪,‬ن وأوضح مأكان لسنُن ال وقوانيِنُه كتاب ال تعال‪,‬ن قال تعال‪:‬ى ﴿يجلريجد اًلج‬
‫لليْبييْبنَ لمجكمُ وييرهلديجكمُ سمننَ اًللذينَ لمنَ قميبللجكمُ وييجتوُب معلميْجكمُ واًل معلليْمُ ح ل‬
‫كيْءمُ﴾ ]النُساء‪:‬ى‪.[26‬‬ ‫ر ر مم م ر ر م ج ء م‬ ‫م‬ ‫جم م ر م م م ر ج‬
‫وسنُن ال تتضح بالدراسة فيِمَّا صزح عن رسول ال × بالطالعة ف سنُته ×‪ ،‬فقد كان يقتنُص الفرمص‬
‫والحداث ليِدل أصحابه على شيء مأن السنُن‪ ،‬ومأن ذلك أن‬
‫ناقته × »العضباء« كانت ل يتسبق‪ ،‬فحدث مأرمة أن سبقها أعرماب على قعود له‪ ،‬فشزق ذلك على‬
‫أصحاب النُب ×‪ ،‬فقال لم × كاشعفا عن سنُة مأن سنُن ال‪:‬ى »حق على الله أن ل يرتفع‬
‫شيء من الدنيا إل وضعه« )‪.(1‬‬

‫وقد أرشدنا كتاب ال إل تتبع آثار السنُن ف المأكنُة بالسعى والزسسي‪ ،‬وف الزمأنُة مأن الزتاعريخ‬
‫والصسي‪.‬‬

‫ف مكاَمن معاَلقبمةج‬ ‫ت لمنَ قميربللجكرمُ جسنمءنَ فملسيْجرواً لفىِ اًلمرر ل‬


‫ض مفاَنَرظججرواً مكريْ م‬ ‫قال تعال‪:‬ى ﴿قمرد مخلم ر‬
‫س موجهلدىِ موممروُلعظمةء لبرلجمتللقيْمنَ﴾ ]آل عمَّرمان‪:‬ى‪.[138 ،137‬‬ ‫اًلرجممكبذلبيْمنَ ‪ ‬مهمذاً بميميْاَءن بلللناَ ل‬

‫وأرشدنا القرمآن الكرمي إل مأعرمفة السنُن بالنُظرم والتفلكرم‪ ،‬قال تعال‪:‬ى ﴿قجلل اًنَرظججرواً مماَمذاً لفىِ‬
‫ت مواًلنيجذجر معنَ قميروُسم لل يجيرؤلمجنوُمن ‪ ‬فميمهرل يميرنتملظجرومن إللل لمثرمل أملياَلم‬
‫ض مومماَ تجيغرلنىِ اًلممياَ ج‬ ‫سماَواً ل‬
‫ت مواًلمرر ل‬ ‫اًل ل م م‬
‫اًللذيمنَ مخلمروُاً لمنَ قميربلللهرمُ قجرل فماَنَريتملظجرواً إلبنَىِ مممعجكمُ بممنَ اًلرجمرنتملظلريمنَ﴾ ]يونسِ‪:‬ى‪.[102 ،101‬‬
‫ومن خلل آيات القرآن يظهر لنا أن السنن اللهية تختص‬
‫بخصائص‪:‬‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫أولص‪ :‬أشنها قدر سإابق‪ :‬قال تعال‪:‬ى﴿مماَ مكاَمن معملىِ اًلنلبلبي مرنَ محمرسج فيْمماَ فميمر م‬
‫ض اًلج لمهج‬
‫ل قممدلراً لمرقجدولراً﴾ ]الحزاب‪:‬ى‪.[38‬‬ ‫ل لفىِ اًللذينَ مخلموُاً لمنَ قميربل ومكاَمن أمرمر اً ل‬
‫جسلنمة اً ل‬
‫ج‬ ‫جم‬ ‫م ر‬
‫أىَّ أن حكم ال تعال وأمأرمه الذىَّ يقدره كائن ل مالة‪ ،‬وواقع ل ميِد عنُه‪ ،‬ول مأعدل‪ ،‬فمَّا شاء‬
‫كان ومأا ل يشأ ل يكن‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الجهاد والسير‪ ،‬باب ناقة رسإول الله × )جُّ ‪،(6/86‬‬
‫حديث رقم )‪.(2872‬‬
‫‪86‬‬
‫ثانيصا‪ :‬أشنها ل تتحول ول تتبدل‪ :‬قال تعال‪:‬ى ﴿لملئنَ لرمُ مينتمله اًلرجممناَفلجقوُمن مواًللذيمنَ لفىِ‬
‫ك لفيْمهاَ إللل قملليْلل ‪ ‬ممرلجعوُلنَيْمنَ‬ ‫ض مواًلرجمررلججفوُمن لفىِ اًلرمملدينملة ملنجيغرلريمينل م‬
‫ك بللهرمُ ثجلمُ لم يجمجاَلوجرونَم م‬ ‫قجيجلوُبللهمُ لممر ء‬
‫ل لفىِ اًللذينَ مخلموُاً لمنَ قميربل وملنَ تملجمد للسجلنلة اً ل‬
‫ل‬ ‫مأيرينمماَ ثجلقجفوُاً أجلخجذواً وقجيتبيلجوُاً تميرقلتيْلل ‪ ‬سنة اً ل‬
‫جم‬ ‫م ر‬ ‫م‬ ‫م‬
‫ل﴾ ]الحزاب‪.[62-60:‬‬ ‫تميربلدي ل‬
‫صيْراً ‪ ‬سنة اً ل‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫لل‬
‫وقال‪﴿ :‬مولمروُ مقاَتميلمجكجمُ اً ذيمنَ مكمفجرواً لمموُ جوُاً اًلردمباَمر ثجلمُ لم يمججدومن مولظيْاَ)‪1‬مو(لم نَم ل‬
‫ل﴾ ]الفتح‪. [23 ،22:‬‬ ‫ل تميربلدي ل‬ ‫ت لمنَ قميربل وملنَ تملجمد للسجلنلة اً ل‬ ‫اًللتىِ قمرد مخلم ر‬
‫جم‬
‫ثالثصا‪ :‬أنها ماضية ل تتوقف‪ :‬قال تعالى‪﴿:‬جقل للللذيمنَ مكمفجرواً لإن مينتميجهوُاً يجيغممفرر‬
‫ت اًلوليْمنَ﴾ ]النفال‪.[38:‬‬ ‫ت جسنل ج‬ ‫ف مولإن يميجعوُجدواً فميمقرد مم م‬
‫ض ر‬ ‫لمجهرمُ لماَ قمرد مسلم م‬
‫رابصعا‪ :‬أنها ل لتخالف ول تنفع مخالفتها‪ :‬قال تعالى‪﴿ :‬أمفميلمرمُ يملسيْجرواً لفىِ‬
‫ض‬‫ف مكاَمن معاَقلبمةج اًللذيمنَ لمنَ قميربلللهرمُ مكاَنَجوُاً أمركثميمر لم رنيجهرمُ موأممشلد قجيلوُلة موآمثاَلراً لفىِ اًلمرر ل‬ ‫ض فميميْنظججرواً مكريْ م‬ ‫اًلمرر ل‬
‫ت فملرجحوُاً بلمماَ لعرنمدجهمُ بممنَ اًلرلعرللمُ‬‫فمماَ أمرغمنىِ مع رنيجهمُ لماَ مكاَنَجوُاً يركلسبوُمن ‪ ‬فميلملماَ جاَءتريجهمُ رسلججهمُ لباَرلبييْبيمناَ ل‬
‫م‬ ‫م م ر جج‬ ‫م ج‬ ‫م‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫مومحاَمقْ بهمُ لماَ‬
‫ل‬ ‫لل‬ ‫ل‬ ‫ل ل‬ ‫لل‬
‫نَ ‪‬‬ ‫مكاَنَجوُاً به يمرستميرهلزجئوُمن ‪ ‬فميلملماَ مرأمرواً بمأرمسمناَ مقاَلجوُاً آمملناَ باَل مورحمدهج مومكمفررمنَاَ بمماَ جكلناَ به جمرشلركيْ م‬
‫ك‬‫ت لفىِ لعمباَلدهل مومخلسمر جهمناَلل م‬ ‫ل اًللتىِ قمرد مخلم ر‬ ‫ت اً ل‬ ‫ك مينمفعججهرمُ لإيمماَنَجيجهرمُ لملماَ مرأمرواً بمأرمسمناَ جسنل م‬ ‫فميلمرمُ يم ج‬
‫اًلرمكاَفلجرومن﴾ ]غافر‪.[85-82:‬‬

‫ت‬
‫خامسا‪ :‬ل ينتفع بها المعاندون‪ ،‬ولكن يتعظ بها المتقون‪﴿:‬قمرد مخلم ر‬ ‫ص‬
‫س موجهلدىِ‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ف مكاَمن معاَقبمةج اًلرجممكبذبيْمنَ ‪ ‬مهمذاً بميميْاَءن بلللناَ ل‬ ‫لمنَ قميربللجكرمُ جسنمءنَ فمسيْجرواً فىِ اًلمرر ل‬
‫ض مفاَنَرظججرواً مكريْ م‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫موممروُلعظمةء لبرلجمتللقيْمنَ﴾ ]آل عمران‪.[138 ،137:‬‬
‫سإادسإصا‪ :‬أنها تسرى على البر والفاجر‪ ،‬فالمؤمنون – والنبياء‬
‫أعلهإم قدصرا – تسرى عليهم سإنن الله‪ ,‬ولله سإنن جارية تتعلق‬
‫بالثار المترتبة على من امتثل شرع الله أو أعرض عنه‪ ،‬وبما أن‬
‫المرابطين التزموا بشرع الله فى كل شئِّونهم ومسروا بمراحل‬
‫طبيعية فى حياة الدول فإن أثر حكم الله فيهم واضح وبيين‪.‬‬
‫ما الثار‬‫وللحكم بما أنزل الله آثار دنيوية وأخرى أخروية‪ ,‬أ ش‬
‫الدنيوية التى ظهرت لى فى دراسإتى لشعوب الملثمين التى‬
‫قامت بهم دولة المرابطين فعدة أمور منها‪:‬‬
‫أولص‪ :‬السإتخلف والتمكين‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫)( لقد اسإتفدت من كتاب الحكم والتحاكم فى خطاب الوحي للشيخ عبد العزيز‬
‫مصطفى كامل فى بيان أثر الحكم بما أنزل الله‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫حيث نجد أن المرابطين منذ زعيمهم عبد الله بن ياسإين‬
‫حرصوا على إقامة شرع الله فى أنفسهم وأهإليهم‪ ،‬وأخلصوا لله‬
‫واهإم وشد ش‬‫تحاكمهم فى سإيرهإم وعلنيتهم‪ ،‬فالله سإبحانه وتعالى ق ش‬
‫أزرهإم حتى اسإتخلفهم فى الرض‪ ،‬وأقام المرابطون شريعة الله‬
‫ل الملك‪,‬‬‫فى الرض التى حكموهإا‪ ،‬فمكن لهم المولى عشز وج ش‬
‫ووطأ لهم السلطان‪.‬‬
‫وهإذه سإنة رشبانية نافذة ل تتبدل فى الشعوب والمم التى‬
‫تسعى جاهإدة وجادة لقامة شرع الله تعالى‪.‬‬
‫والمتأمل فى القرآن الكريم يجد هإذه السنة ماضية فى الفراد‬
‫والشعوب والمم‪ ،‬فيوسإف عليه السلم اسإتخلف فى الرض بعد‬
‫أن ابلتلى فأبلى وظهر منه أنه كان من المخملصين‪ ،‬وعندما قال له‬
‫ك اًلريْميروُمم لممديريمناَ لملكيْءنَ أملميْءنَ﴾ ]يوسإف‪ [54 :‬عرف أنه قد جاء أوان‬ ‫الملك‪﴿ :‬إلنَل م‬
‫السإتخلف‪ ،‬فاسإتعد لتبعته ونهض لحمل رسإالته فقال‪﴿:‬مقاَمل اًرجمعرللنىِ‬
‫معملىِ‬
‫ظ معلليْءمُ﴾ ]يوسإف‪ ،[55:‬وصار بهذا من أهإل التمكين‪:‬‬ ‫ض إلبنَىِ محلفيْ ء‬
‫مخمزاًئللنَ اًلمرر ل‬
‫ك‬‫﴿مومكمذلل م‬
‫شاَء ولم نَج ل‬
‫ضيْجع أمرجمر‬ ‫صيْ ل ل‬ ‫ثيم ل‬ ‫ل‬ ‫ف لفىِ اًلمرر ل‬ ‫مملكلناَ للجيْوُجس م‬
‫ب بمررحممتمناَ ممنَ نَم م ج م‬
‫شاَءج نَج ج‬‫ض يميمتبميلوُأج م رنيمهاَ محريْ ج م‬
‫اًلرجمرحلسلنيْمنَ﴾ ]يوسإف‪.[56:‬‬
‫قق سإنة التمكين فى بنى إسإرائيل‪ ،‬قال‬ ‫وقد بشين الله تعالى تح ل‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫ل‬
‫ض مونَمرجمعلمجهرمُ أمئلمةل مونَمرجمعلمجهجمُ اًلرموُاًلرثيْمنَ﴾‬ ‫ل‬
‫ضعجفوُاً فىِ اًلمرر ل‬‫تعالى‪﴿ :‬مونَجلريجد مأن نَلجملنَ معملىِ اًللذيمنَ اًرستج ر‬
‫]القصص‪.[5:‬‬
‫ن الله عليهم‬ ‫وكان بعد وراثة الرض والسإتخلف فيها أن م ش‬
‫ذا‬‫بالتمكين إنفا ص‬
‫ل‬
‫ي فررمعروُمن مومهاَمماَمن‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ب‬
‫لمشيئِّته السابقة‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬مونَجممكمنَ لمجهرمُ فىِ اًلمرر ل‬
‫ض مونَجر م‬
‫موجججنوُمدجهمماَ لم رنيجهمُ لماَ مكاَنَجوُاً يمرحمذرومن﴾ ]القصص‪.[6:‬‬
‫ضُح هإذه السنة فى القرآن الكريم كما هإى ملموسإة فى‬ ‫وبذلك تت م‬
‫واقع المم والشعوب‪.‬‬
‫دا إياهإم بما‬ ‫وقد خاطب الله تعالى المؤمنين من هإذه المة واع ص‬
‫وعد به المؤمنين قبلهم‪ ،‬فقال سإبحانه فى سإورة السنور‪﴿:‬مومعمد اًلج‬
‫ت لميْمرستمرخللمفنليجهرمُ لفىِ اًلمرر ل‬
‫صاَللحاَ ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ض﴾ ]النور‪ .[55:‬أى بدل ص‬ ‫اًلذيمنَ آممنجوُاً مرنجكرمُ مومعملجوُاً اًل ل م‬

‫‪88‬‬
‫ف اًللذيمنَ لمنَ قميربلللهرمُ﴾ من بنى إسإرائيل)‪ ،(1‬فإذا حقق‬ ‫عن الكفار ﴿مكمماَ اًرستمرخلم م‬
‫الناس اليمان وتحاكموا إلى شريعة الشرحمن‪ ،‬فستأتيهم ثمرة ذلك‬
‫وأثره الباقى ﴿مولميْجممبكنملنَ لمجهرمُ لدينميجهجمُ اًللذىِ اًررتم م‬
‫ضىِ لمجهرمُ﴾ فتحقيق التحاكم إلى‬
‫دين‪.‬‬
‫دين يتحقق به السإتخلف‪ ،‬وتحقيق الحكم به يوصل إلى ال ي‬ ‫ال ي‬
‫سنشية التى أقامها‬
‫وهإذا ما رأيته فى دراسإتى للدولة ال س‬
‫المرابطون‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬المن السإتقرار‪:‬‬
‫ص‬
‫كانت بلد المغرب قبل وصول المرابطين دويلت متنازعة فيما‬
‫بينها‪ ،‬بل بعض هإذه الدويلت لها معتقدات تخرجها عن الملة‪ ،‬كما‬
‫أن قبائل الملثمين كانت متناحرة فيما بينها‪ ،‬وصراعهم مع الزنوجُّ‬
‫لم يستقر مما وشلد لهم الخوف والزعاجُّ الشديد‪.‬‬
‫وبعد أن أكرم الله المرابطين بتوحيد قبائل صنهاجة‪ ،‬وسإاروا‬
‫حد المغرب القصى كسله‪،‬‬ ‫فى جهادهإم المجيد سإيرة حسنة‪ ،‬وتو ش‬
‫سر الله لهم المن والسإتقرار فى تلك الربوع التى حكم فيها‬ ‫ي ش‬
‫شرع الله‪.‬‬
‫كن الله لها‪,‬‬‫حيث نجد أن دولة المرابطين بعد أن اسإتخلفت وم ش‬
‫أعطاهإا دواعى المن وأسإباب السإتقرار حتى لتحافظ على‬
‫ه لهإل اليمان والعمل‬ ‫مكانتها‪ ،‬وهإذه سإنة جارية ماضية ضمن الل ل‬
‫بشرعه وحكمه أن ييسر لهم المن الذى ينشدون فى أنفسهم‬
‫وواقعهم‪ ,‬فبيده ‪ -‬سإبحانه ‪ -‬مقاليد المور‪ ،‬وتصريف القدار‪ ،‬وهإو‬
‫ب المن المطلق لمن اسإتقام على‬ ‫مقلب القلوب‪ ،‬والله ي مهم ل‬
‫التوحيد وتطهر من الشرك بأنواعه‪.‬‬
‫ك لمجهجمُ اًلرمجنَ موجهمُ يمرهتمجدومن﴾‬ ‫سوُاً لإيمماَنَميجهرمُ بلظجرلسمُ جأولمئل م‬ ‫ل‬ ‫لل‬
‫قال تعالى‪﴿:‬اً ذيمنَ آممنجوُاً مولمرمُ يميرلب ج‬
‫]النعام‪ .[82:‬فنفوسإهم فى أمن من المخاوف ومن العذاب‬
‫والشقاء‪ ,‬إذا خلصت لله من الشرك صغيره وكبيره‪ .‬إن تحكيم‬
‫شرع الله فيه راحة للنفوس لكونها تمسُ عدل الله ورحمته‬
‫وحكمته‪ ،‬إن الله تعالى بعد أن وعد المؤمنين بالسإتخلف ثم‬
‫التمكين لم يحرمهم بعد ذلك من المن والطمأنينة والبعد عن‬
‫صاَللحاَ ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ت‬ ‫الخوف والفزع‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿:‬مومعمد اًلج اًلذيمنَ آممنجوُاً مرنجكرمُ مومعملجوُاً اًل ل م‬
‫ف اًللذيمنَ لمنَ قميربلللهرمُ مولميْجممبكنملنَ لمجهرمُ لدينميجهجمُ اًللذىِ اًررتم م‬
‫ضىِ لمجهرمُ‬ ‫ض مكمماَ اًرستمرخلم م‬ ‫لميْمرستمرخللمفنليجهرمُ لفىِ اًلمرر ل‬
‫مولميْجبمبدلمنليجهمُ بمنَ بميرعلد مخروُفللهرمُ أمرملناَ يميرعبججدونَملنىِ لم يجرشلرجكوُمن لبىِ مشريْلئاَ﴾]النور‪ .[55:‬وإن تحقيق‬
‫العبودية لله ونبذ الشرك بأنواعه يحقق المن فى النفوس على‬
‫‪1‬‬
‫)( انظر ‪ :‬تفسير الجللين‪ ،‬صا )‪.(466‬‬
‫‪89‬‬
‫مستوى الفراد والشعوب‪.‬‬
‫وهإذا ما حدث لقيادات المرابطين وشعبهم الذى انقاد لمنهج‬
‫رب العالمين‪.‬‬
‫ثالثصا‪ :‬النصر والفتح‪:‬‬
‫إن المرابطين حرصوا على نصرة دين الله بكل ما يملكون‪،‬‬
‫وتحققت فيهم سإنة الله فى نصرته لمن ينصره‪ ,‬لن الله ضمن‬
‫وته‪ ،‬قال‬ ‫لمن اسإتقام على شرعه أن ينصره على أعدائه بعشزته وق ش‬
‫ي معلزيءز ‪ ‬اًللذيمنَ لإن لملكلناَجهرمُ لفىِ اًلمررض أمقاَجموُاً‬
‫م‬ ‫ل‬ ‫صمرلن اًلج ممنَ مين ج‬
‫صجرهج إن اًلم لممقلوُ ي‬ ‫تعالى‪﴿ :‬مولمميْن ج‬
‫ل معاَلقبمةج اًلججموُلر﴾ ]الحج‪.[40،41:‬‬ ‫ل‬
‫صلممة وآتميوُاً اًللزمكاَمة وأممرواً لباَلرمرعروف ونَميمهوُاً معلنَ اًلرمرنمكلر و ل‬
‫ج م‬ ‫م مج م ج م ر‬ ‫اًل ل م ج‬
‫يقول سإيد قطب رحمه الله‪» :‬وما حدث قط فى تاريخ‬
‫البشرية أن اسإتقامت جماعة على هإدى الله إل منحها القوة‬
‫والمنعة والسيادة فى نهاية المطاف لعدادهإا لحمل أمانة الخلفة‬
‫فى الرض وتصريف الحياة‪ . .‬إن الكثيرين ليشفقون من اتباع‬
‫شريعة الله والسير على هإداه‪ ،‬يشفقون من عداوة أعداء الله‬
‫ومكرهإم‪ ،‬ويشفقون من تأسلب الخصوم عليهم‪ ،‬ويشفقون من‬
‫المضُايقات القتصادية وغير القتصادية‪ ،‬وإن هإى إل أوهإام كأوهإام‬
‫ف لمنَ أمر ل‬ ‫قريش يوم قالت لرسإول الله ×‪﴿ :‬لإن نَليتلبللع اًلرجهمدىِ مممع م‬
‫ضمناَ﴾‬ ‫ك نَجيتممخطل ر ر ر‬
‫]القصص‪.[57:‬‬
‫ما اتبعت هإدى الله سإيطرت على مشارق الرض ومغاربها‬ ‫فل ش‬
‫)‪(1‬‬
‫فى ربع قرن أو أقل من الزمان« ‪ .‬إن الله تعالى أيد المرابطين‬
‫ن عليهم بالفتح؛ فتح الراضى وإخضُاعها لحكم‬ ‫على العداء وم ش‬
‫الله تعالى‪ ،‬وفتح القلوب وهإدايتها لدين السإلم‪.‬‬
‫إن المرابطين عندما اسإتجابوا وانقادوا لشريعة الله جلبت لهم‬
‫الفتح‪ ،‬واسإتنزلت لهم نصر الله‪.‬‬
‫كام والشعوب السإلمشية التى تبتعد عن شريعة الله تذل‬ ‫ح ش‬
‫إن ال ل‬
‫نفسها فى الدنيا والخرة‪.‬‬
‫كام والقضُاة والعلماء فى الدعوة إلى‬ ‫ح ش‬
‫إن مسئِّولية ال ل‬
‫تحكيم شرع الله مسئِّولية عظيمة ليسألون عنها يوم القيامة‬
‫أمام الله‪ ،‬قال ابن تيمية ‪ -‬رحمه الله‪» :-‬إذا حكم ولة المر‬
‫بغير ما أنزل الله‪ ،‬وقع بأسإهم بينهم‪ . .‬وهإذا من أعظم‬
‫أسإباب تغسير الدول كما جرى هإذا مرة بعد مرة فى زماننا‬
‫من أراد الله سإعادته جعله يعتبر بما أصاب‬ ‫وغير زماننا‪ ،‬و م‬
‫‪1‬‬
‫)( فى ظلل القرآن‪) ،‬جُّ ‪.(4/2407‬‬
‫‪90‬‬
‫من أيده الله ونصره‪ ،‬ويجتنب مسلك‬ ‫غيره‪ ،‬فيسلك مسلك م‬
‫صمرلن اًلج ممنَ‬
‫من خذله الله وأهإانه‪ ،‬فإن الله يقول فى كتابه‪﴿ :‬مولمميْن ج‬ ‫م‬
‫ل‬ ‫ل‬
‫ي معلزيءز﴾ إلى ﴿مول معاَقبمةج اًلججموُلر﴾ ]الحج‪.[40،41:‬‬
‫صجرهج إن اًلم لممقلوُ ي‬
‫مين ج‬
‫فقد وعد الله بنصر من ينصره‪ ،‬ونصره هإو نصر كتابه ودينه‬
‫)‪(1‬‬
‫من يحكم بغير ما أنزل الله ويتكلم بما ل يعلم ‪.‬‬
‫ورسإوله‪ ،‬ل نصر م‬
‫رابعصا‪ :‬العز والشرف‪:‬‬
‫طر فى كتب‬ ‫سإ ي‬
‫إن عز المرابطين وشرفهم العظيم الذى ل‬
‫من‬‫كهم بكتاب الله وسإنة رسإوله ×‪ ،‬إن م‬ ‫س م‬ ‫الشتامريخ يرجع إلى تم س‬
‫يعتز بالنتساب لكتاب الله الذى به تشلرف المة‪ ،‬وبه يعلو ذكرهإا‬
‫وضع رجله على الطريق الصحيح وأصاب سإنة الله الجارية فى‬
‫إعزاز وتشريف من يتمسك بكتابه وسإنة رسإوله ×‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫كرمُ كلمتاَلباَ لفيْله لذركجرجكرمُ أمفملم تميرعلقجلوُمن﴾ ]النبياء‪.[10 :‬‬
‫﴿لممقرد أمنَريمزلرمناَ إللمريْ ج‬
‫قال ابن عشباس – رضى الله عنهما‪ -‬فى تفسير هإذه الية‪ :‬فيه‬
‫ى‬ ‫شرفكم)‪ ،(2‬فهذه المة ل تستمد الشرف والعزة إل من‬
‫ى‬ ‫اسإتمساكها بمأحكام ى‬ ‫ى‬
‫السإلم‪ ،‬كما قال عمر بن الخطاب ‪» :‬ىىى‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫ىىى ىىى ىىىى ىىىىىى ىىىى ىىىىىىىىى ىىىىى ىىىى‬
‫ىىىى ىىىى ىى ىىىىى ىىىى ىىىىى ىىىى«)‪(3‬ى ىىىى ‪‬‬
‫ىىىىى‬
‫ىىى ىىى ى‬‫ىىىىىىىىىىى ىى ىىىىى ىىىىىىىى ى ى‬ ‫ىىى‬
‫ى‬
‫ىىىىىى ىىىىىىىى‬ ‫ىىىىىىى‬ ‫ىى‬ ‫ىىىىىى‬ ‫ىى‬ ‫ىى‬ ‫ى‬
‫ىىى‬ ‫ىى‬ ‫ى‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫ىىى ىىى ىى ىىى ىىىى ىىى ىىىىى ىىى ىىى ىى ىىى ىىى‬
‫ىىىىىىىىى ىىى‪.‬‬
‫ىىى ىىىىى‪﴿ :‬ممنَ مكاَمن يجلريجد اًلرلعلزمة فملل لله اًلرلعلزةج مجلميْلعاَ﴾ ]فاطر‪ [10:‬يعنى من‬
‫ل)‪.(4‬‬ ‫طلب العزة فليعتز بطاعة الله عشز وج ش‬
‫ل اًلرلعلزةج موللمرجسوُللله موللرلجمرؤلملنيْمنَ مولملكلنَ اًلرجممناَفللقيْمنَ لم يميرعلمجموُمن﴾‬
‫وقال تعالى‪﴿ :‬و ل‬
‫م‬
‫]المنافقون‪.[8:‬‬

‫إننى عندما مررت بسيرة المام ابن ياسإين ذكرت وصفه بأشنه‬
‫ممهامبة عظيمة فى نفوس أتباعه‪ ,‬ونال شرصفا وعزة فى قومه‪.‬‬
‫ذو م‬
‫ت أنه إذا‬
‫وعندما مررت بسيرة المام أبى بكر بن عمر‪ ،‬ذكر ل‬
‫‪1‬‬
‫مجموع الفتاوى )جُّ ‪.(35/388‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫انظر ‪ :‬تفسير ابن كثير )جُّ ‪.(3/170‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫أخرجه الحاكم فى المستدرك فى اليمان )جُّ ‪.(1/62‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫ابن كثير )جُّ ‪.(2/526‬‬ ‫)(‬
‫‪91‬‬
‫ركب للجهاد ركب معه ‪ 500‬ألف من قومه يجاهإدون معه‪.‬‬
‫وعندما ذكرت سإيرة المير يوسإف بن تاشفين ذكرت وصفصا له‬
‫خلق للزعامة‪.‬‬‫كأنه ل‬
‫ورأيت فى سإيرة هإؤلء البطال عصزا وشرصفا نالوه بالسإتعلء‬
‫ذل‪ ،‬كان اسإتعلؤهإم‬ ‫على شهوة النفسُ وبالسإتعلء على القيد وال س‬
‫حا فى سإيرتهم العطرة‪ ،‬كانت‬ ‫على الخضُوع الخانع لغير الله واض ص‬
‫حياتهم خضُوعا ص لله وخشوعا‪ ،‬وخشية لله وتقوى ومراقبة لله فى‬
‫السراء والضُراء‪ ،‬وهإذا هإو سإسر عزهإم وشرفهم فى تاريخنا‬
‫السإلمى المجيد‪.‬‬
‫لقد عاش المرابطون فى بركة من العيش‪ ،‬ورغد من الحياة‬
‫الطيبة التى وصلوا إليها بإقامة دين الله‪.‬‬
‫سمماَلء مواًلمرر ل‬
‫ض‬ ‫قال تعالى‪﴿:‬ولموُ إن أمرهل اًلرجقرىِ آمنجوُاً واًتليمقوُاً لممفتمرحمناَ معلمريْلهمُ بيرمكاَ س‬
‫ت بممنَ اًل ل‬ ‫مم‬ ‫م م م م ر‬ ‫مر‬
‫مولملكنَ مكلذبجوُاً فمأممخرذمنَاَجهمُ بلمماَ مكاَنَجوُاً يمركلسجبوُمن﴾ ]العراف‪.[96:‬‬
‫سا‪ :‬انتشار الفضُائل وانزواء الرذائل‪:‬‬
‫خام ص‬
‫لقد انتشرت الفضُائل فى عصر المرابطين وانحسرت الرذائل‪،‬‬
‫فخرجُّ جيل فيه نبل وكرم وشجاعة وعطاء وتضُحية من أجل‬
‫العقيدة والشريعة‪ ،‬متطلصعا إلى ما عند الله من الثواب‪ ,‬يخشى من‬
‫ح ش‬
‫كامه إلى‬ ‫عقاب الله؛ لقد اسإتجاب ذلك المجتمع بشعبه ودولته و ل‬
‫ما ليحييه من اليمان والقرآن وسإنة سإيد النام عليه أفضُل الصلة‬
‫والسلم‪.‬‬
‫إن آثار تحكيم شرع الله فى الشعوب التى نفذت أوامر الله‪،‬‬
‫ونواهإيه ظاهإرة بينة لدارس الشتامريخ‪ ،‬وإن تلك الثار الطيبة التى‬
‫أصابت دولة المرابطين لهى سإنن من سإنن الله الجارية والماضية‬
‫التى ل تستبدل ول تتغير‪ ،‬فأى شعب يسعى لهذا المطلب الجليل‬
‫والعمل العظيم يصل إليه ولو بعد حين‪ ،‬ويرى آثار ذلك التحكيم‬
‫ح ش‬
‫كامه‪.‬‬ ‫على أفراده ودولته و ل‬
‫إن الغرض من البحاث الشتامريخية السإلمشية السإتفادة الجادة‬
‫من أولئِّك الذين سإبقونا باليمان؛ فى جهادهإم وعلمهم وتربيتهم‬
‫وسإعيهم الدءوب لتحكيم شرع الله‪ ،‬وأخذهإم بسنن التمكين‬
‫وفقهه‪ ,‬ومراعاة التدسرجُّ والمرحلية‪ ،‬والنتقاء من الشعب والرتقاء‬
‫بهم نحو الكمالت السإلمشية المنشودة‪.‬‬
‫إن النتصارات العظيمة فى تاريخ أمتنا يجريها الله تعالى‬
‫كى نفسه‪،‬‬ ‫ن أخلص لربه ودينه‪ ،‬وأقام شرعه‪ ،‬وز ش‬ ‫م ي‬
‫على يدى م‬
‫من فراغا‪ ,‬لقد جاهإد المرابطون‬ ‫زل م‬
‫قة م‬ ‫ولهذا لم يأت فتح ال ي‬
‫‪92‬‬
‫م‬
‫حا مبيصنا فى معركة‬
‫ما وفت ص‬
‫را عظي ص‬ ‫فى الن يد مللسُ وحققوا نص ص‬
‫مين‪.‬‬‫سل م م‬ ‫قة وأنقذ م الله بهم ال ل‬
‫م ي‬ ‫زل م‬
‫ال ي‬
‫***‬

‫‪93‬‬
‫المبحث الخامسُ‬
‫الندلـــــسُ بعد الزلقــــــة‬
‫بعد رجوع يوسإف بن تاشفين إلى المغرب للسإباب التى‬
‫ذكرتها تولى قيادة المرابطين القائد الميدانى سإير بن أبى بكر‪,‬‬
‫الذى واصل غاراته الناجحة مع أمير بطليوس على أواسإط‬
‫ت قوالته مع قوات‬ ‫البرتغال الحالية مما يلى تاجة‪ ،‬وقد أثخن ي‬
‫المرابطين فى تلك البقاع‪.‬‬
‫مد بن ع مشباد ضربات موفقة بقيادته إلى عدة‬ ‫معيت م م‬‫جه ال ل‬ ‫كما و ش‬
‫دن حول ط لل مي يط مملة‪ ,‬ثم اتجه نحو أرض مرسإية‪ ،‬حيث اسإتقشرت‬ ‫م ل‬
‫ل‬
‫جموع الفرسإان النصارى بقيادة الكنبيطور فى أحد الحصون‬
‫دن المسلمين‪ ,‬خاصة مدينة‬ ‫م ل‬
‫القريبة التى تشن غاراتها على ل‬
‫مد انهزم واضطشر أن يلتجئ إلى قلعة لورقة‬ ‫معيت م م‬ ‫المرية‪ ,‬إل أن ال ل‬
‫ص‬
‫مد بن ليون‪ ,‬ثم توجه نحو قرطبة تاركا مرسإية‬ ‫ح ش‬ ‫م م‬ ‫فى كنف واليها ل‬
‫لمصيرهإا‪.‬‬
‫دن‬‫م ل‬
‫وبدأت قوات النصارى تتجمع حول ألفونسو الذى أربك ل‬
‫حصن لييط المنيع الواقع على مسيرة‬ ‫شرق ال من يد مللسُ‪ ,‬متخذين من م‬
‫مين‪.‬‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫ن الغارات على أراضى ال ل‬ ‫يوم من لورقة مركصزا لش ي‬
‫فلم يمض عام واحد على هإزيمة ألفونسو حتى عاد نشاطه‬
‫وجيشه‪ ,‬ونقل مقر العمليات إلى شرق ال من يد مللسُ الذى خيمت عليه‬
‫الفرقة السياسإية‪ ,‬بعكسُ غرب ال من يد مللسُ الذى كانت تحكمه‬
‫مملكتان قويتان هإما مملكة إشبيلية وبطليوس‪ ,‬تعضُدهإما فرقة‬
‫من المرابطين قوامها ثلثة آلف رجل على رأسإها القائد العظيم‬
‫سإير بن أبى بكر)‪.(1‬‬
‫تأذى أهإل غرب ال من يد مللسُ من النصارى الحاقدين فتوافدت‬
‫صا أهإل بلنسية ومرسإية‬ ‫وفودهإم على المير يوسإف‪ ,‬وخصو ص‬
‫ولورقة‪ ,‬يصفون للمير يوسإف ما نزل بهم على أيدى النصارى‬
‫الذى يتحكمون فى حصن لييط‪.‬‬
‫مد المجاز إلى المغرب وطلب من يوسإف العبور‪،‬‬ ‫معيت م م‬
‫وعبر ال ل‬
‫م جواز يوسإف إلى الجزيرة الخضُراء‬ ‫ش‬ ‫ت‬ ‫لرغبته‪،‬‬ ‫يوسإف‬ ‫فاسإتجاب‬
‫فى ربيع الول سإنة ‪481‬هإـ‪1088 /‬م‪ ,‬ومن هإناك كتب المير‬
‫يوسإف إلى جميع أمراء ال من يد مللسُ يدعوهإم إلى الجهاد‪ ،‬ثم تحشرك‬
‫المير يوسإف إلى مالقة فى صحبة أميرهإا تميم بن بلقين‪ ،‬كما‬
‫لحق المير عبد الله بن بلقين صاحب غرناطة‪ ,‬والمعتصم بن‬
‫مد بن ع مشباد‪ ،‬بالضافة إلى أمراء مرسإية‬ ‫صمادح‪ ،‬فضُل ص عن ال ل‬
‫معيت م م‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ,‬صا )‪.(62‬‬
‫‪94‬‬
‫وشقورة وبسطة وجيان‪ ،‬ولم يتخلف من ملوك الطوائف سإوى‬
‫ابن الفطسُ صاحب بطليوس‪ ،‬وتوجهت تلك الجموع لضُرب‬
‫الحصار على حصن لييط الذى كان يسكنه ألف فارس واثنا عشر‬
‫فا من المشاة من جنود النصارى الحاقدين أصحاب النزعة‬ ‫أل ص‬
‫الصليبية النتقامية‪ ،‬واسإتبسل النصارى فى الدفاع عن الحصن‬
‫مين وإلحاق الخسائر‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬‫وكانوا يخرجون ليل ص للنقضُاض على ال ل‬
‫بهم‪.‬‬
‫واسإتمشر الحصار بدون جدوى وظهرت صراعات ملوك‬
‫الطوائف فيما بينهم ووصلت للمير يوسإف الذى سإاءه ذلك كثيصرا‪.‬‬
‫مد بن ع مشباد للمير يوسإف خروجُّ ابن رشيق‬ ‫معيت م م‬
‫وشكى ال ل‬
‫صاحب مرسإية عن الطاعة ودفعه الموال للفونسو السادس‬
‫تقرصبا إليه‪ ،‬وظهرت المشاكل بين أبناء بلكين‬
‫عبد الله وتميم للمير يوسإف‪ ،‬وكأن ل عمل له إل حل المشاكل‬
‫والمنازعات بين‬
‫الطراف المتنازعة‪.‬‬
‫وتضُايق المير يوسإف من خيانة ابن رشيق الذى دفع أموال ص طائلة‬
‫للفونسو‪ ,‬وعرض المر على الفقهاء والعلماء الذين أفتوا بإزاحته من‬
‫مد‪ ،‬واسإتغاث ابن رشيق بالمير يوسإف الذى‬ ‫معيت م م‬
‫وتسليمه لل ل‬ ‫حكمه‬
‫دين ول يستطيع مخالفتها )‪.(1‬‬ ‫ال‬ ‫أحكام‬ ‫أجابه بأنها م‬
‫ي‬ ‫ش‬
‫مد‬‫معيت م م‬‫أبى بكر باعتقاله وتسليمه لل ل‬ ‫وأمر القائد سإير بن‬
‫طا عليه إبقاءه حصيا )‪.(2‬‬ ‫مشتر ص‬
‫وكانت لفتوى الفقهاء عند قادة المرابطين مكانة عظيمة‬
‫يضُعونها فوق كل اعتبار‪.‬‬
‫ر جيش ابن رشيق من المعركة‪ ،‬ومنع الزاد على‬ ‫وف ش‬
‫ل‬
‫من معه من الن يد ملسيين الذين يحاصرون‬ ‫م‬
‫جيش المرابطين و م‬
‫الحصن‪ ،‬فارتفعت السإعار‪ ،‬ووقع الغلء واضطربت الحوال‪،‬‬
‫شا من‬ ‫وعندما علم ألفونسو بالخلفات التى وقعت حشد جي ص‬
‫ر المير‬ ‫أجل فك الحصار عن أتباعه فى حصن لييط‪ ،‬فاضط ش‬
‫فا من معركة خاسإرة غير مأمونة‬ ‫يوسإف إلى فك الحصار خو ص‬
‫ل‬ ‫م‬
‫حكام الن يد ملسُ وتآمرهإم‬ ‫ش‬ ‫النتائج خاصة بعد الذى رآه من ل‬
‫واتصالهم بالعدو‪ ،‬ورجع المير يوسإف إلى لورقة وترك أربعة‬
‫آلف مرابطى بقيادة داود ابن عائشة للمحافظة على‬
‫مد بن‬ ‫ح ش‬ ‫م م‬ ‫مرسإية وبعث بجنود إلى بلنسية بقيادة ل‬ ‫منطقة‬
‫)‪(3‬‬
‫تاشفين ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( مذاكرات المير عبد الله‪ ,‬صا )‪.(112‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر ‪ :‬دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(108‬‬
‫‪3‬‬
‫)( ابن خلدون‪ ,‬العبر‪) ،‬جُّ ‪ ،6‬صا ‪.(187‬‬
‫‪95‬‬
‫واسإتطاع ألفونسو الوصول للحصن وأخرجُّ من نجا من الموت‪،‬‬
‫ورأى أن ل فائدة من الحتفاظ بالحصن‪ ,‬لشنه يتطلب حماية كبيرة‬
‫معرضة لمصير سإابقاتها فقشرر إخلءه وتدميره‪ ,‬واسإترجع ابن ع مشباد‬
‫ل‪.‬‬‫الحصن بعد أن أصبح أطل ص‬
‫لقد أيقن المير يوسإف إن أمراء ال من يد مللسُ ل يصلحون للحكم‬
‫ول يعتمد عليهم فى جهاد‪ ،‬وبعد رجوع المير يوسإف فى عام‬
‫‪482‬هإـ‪1089/‬م عرض المر على الفقهاء والعلماء فأفتوا له بضُم‬
‫ال من يد مللسُ للمغرب‪.‬‬
‫وكان فقهاء وعلماء ال من يد مللسُ يؤيدون ذلك‪ ،‬وكذلك فقهاء‬
‫وعلماء المغرب والمشرق‪ ،‬وأرسإل المام الغزالى وأبو بكر‬
‫الطرطوشي)‪ (1‬فتوى تؤيد عمله الجليل من أجل توحيد صفوف‬
‫مين‪.‬‬‫سل م م‬
‫م ي‬‫ال ل‬
‫يقول الغزالي فى شأن أمراء الطوائف‪ :‬فيجب على المير‬
‫وأشياعه قتال هإؤلء المتمردة ول سإيما وقد اسإتنجددوا‬
‫بالنصارى)‪ ،(2‬فقد أفتاه العلماء بجواز خلعهم وإزاحتهم‪ ،‬وبأنه فى‬
‫حل مما تعهد لهم به من البقاء عليهم في جوازه الول‪ ،‬لنهم‬
‫خانوا الله بمعاهإدتهم ألفونسُ على محاربة المسلمين؛ وبالتالي‬
‫فإن عليه أن يبادر إلى خلعهم جميصعا‪ ،‬فإنك إن تركتهم وأنت قادر‬
‫عليهم‪ ،‬أغاروا بقية بلد المسلمين إلى الروم وكنت أنت المحاسإب‬
‫بين يدي الله)‪ ،(3‬وكان ممن اسإتفتى في هإذا الموضوع الفقيه‬
‫يوسإف بن عيسى المعروف بأبي الملجوم)‪.(4‬‬
‫وطلب القضُاة والفقهاء من يوسإف أن يرجع ويوحد البلد‬
‫بالقوة‪ ،‬لتدخل تحت الخلفة السإلمشية فى بغداد‪.‬‬
‫لقد كان ملوك الطوائف يهتمون بمصالحهم الخاصة ل ينظرون‬
‫إلى عزة أمتهم حتى وصفهم ابن حزم بقوله‪» :‬لو وجدوا فى‬
‫اعتناق النصرانية وسإيلة لتحقيق أهإوائهم ومصالحهم لما ترددوا‬
‫«)‪.(5‬‬
‫مون فى ال من يد مللسُ يتمنون أن ينضُموا إلى دولة‬
‫سل م ل‬
‫م ي‬
‫وكان ال ل‬
‫المرابطين‪ ,‬وعشبر عن ذلك فقهاؤهإم وعلماؤهإم وبرز الفقيه‬
‫القاضى ابن القلعى »قاضى غرناطة«‪ ,‬الذى توطدت العلقة بينه‬
‫وبين يوسإف بن تاشفين منذ ذهإاب أول بعثة إلى المغرب لطلب‬
‫حا‬‫النجدة‪ ،‬إذ كان أحد أعضُائها‪ ,‬وكان يرى فى المير يوسإف صل ص‬
‫‪1‬‬
‫المصدر السابق نفسه‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫رسإائل أبي بكر بن العربي ‪ ،‬تحقيق د‪.‬عصمت دندش صا ‪.198‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫الكتفاء لبن الكردبوس صا )‪.(106‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الثر السياسإي للعلماء في عصر المرابطين‪ ،‬محمد بن بييه صا )‪.(155‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫رسإالة ابن حزم‪ ,‬نقل ص عن دول الطوائف‪ ,‬محمد عبد الله عنان‪ ,‬صا )‪.(406‬‬ ‫)(‬
‫‪96‬‬
‫ما‪.‬‬‫وعدل ص وحز ص‬
‫حاول المير عبد الله ابن ملك غرناطة أن يتخلص منه‬
‫فاعتقله‪ ,‬ثم اضطر‬
‫إلى إطلق سإراحه‪ ،‬فهرب إلى قرطبة‪ ،‬ومن هإناك اتصل بالمير‬
‫يوسإف وأطلعه على خفايا من المور‪ ،‬وأفتى بخلع ملوك‬
‫الطوائف‪ ,‬وتفاعل مسلمو ال من يد مللسُ مع هإذه‬
‫الفتوى الموفش م‬
‫قة)‪.(1‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(113‬‬
‫‪97‬‬
‫المبحث السادس‬
‫فتوى فى جواز ضم الندلسُ بالقوة والقضُاء على‬
‫ملوك الطوائف‬
‫أرسإل المام أبو بكر بن العربى المالكى إلى المام الغزالى‬
‫كتاصبا يشرح فيه موقف ملوك الطوائف بال من يد مللسُ من حركة يوسإف‬
‫بن تاشفين الجهادية‪ ،‬ويطلب منه فتيا فى ذلك‪ ،‬قال المام أبو بكر‬
‫بن العربي‪» :‬وكان أشهر من لقينا من العلماء فى الفاق‪ ،‬ومن‬
‫سإارت بذكره الرفاق‪ ،‬ولطول باعه فى العلم ورحب ذراعه‪ ،‬المام‬
‫مد الطوسإى الغزالي‪ ،‬فاسإتدعينا منه فتيا وكتاصبا‪،‬‬ ‫ح ش‬ ‫م م‬ ‫أبو حامد بن ل‬
‫واختصرت لفظ الفتيا لوقت ضاق عن تقييدهإا لكن أنبه على‬
‫معناهإا وهإو‪ :‬فى علم المام ما ذكر فى وصف خلل أمير‬
‫دين أبى يعقوب يوسإف بن تاشفين أمير‬ ‫مين وناصر ال ي‬ ‫سل م م‬‫م ي‬‫ال ل‬
‫دين‪،‬‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫المغربين الن يد ملسُ والعدوة‪ ،‬وما أوضحت لديه من إعزاز ال ي‬
‫مين‪ ،‬وهإو حميرى النسب ومعه المرابطون‪ ،‬وقد‬ ‫سل م م‬ ‫م ي‬ ‫والذب عن ال ل‬
‫ش‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫وقفوا أنفسهم على الجهاد‪ ،‬وقد كانت جزيرة الن يد ملسُ قد تملكها‬
‫من تاريخ ابتداء الفتنة سإنة أربعمائة‪ ,‬عدة ثوار تسوروا على البلد‪،‬‬
‫قلبوا بألقاب الخلفاء وخطلبوا‬ ‫فضُعف أهإلها عن مدافعتهم‪ ،‬وتل ش‬
‫ل‬‫لنفسهم‪ ،‬وضربوا النقود بأسإمائهم‪ ،‬وأثاروا الفتنة بينهم لرغبة ك ي‬
‫ساق فى‬ ‫ف ش‬ ‫واحد منهم فى السإتيلء على صاحبه‪ ،‬واسإتبانوا ال ل‬
‫ضُا‪ ،‬واسإتنجدوا‬ ‫الرقاء والصنائع الطلقاء فى محاربة بعضُهم بع ص‬
‫بالنصارى عندما اعتقد كل واحد منهم أنه أحق من صاحبه‪ ،‬وعند‬
‫مين‪ ،‬وحينما انكشف للنصارى ضعف‬ ‫سل م م‬‫م ي‬ ‫ذهإاب شوكة ال ل‬
‫مين‪ ،‬طلبوا‬ ‫سل مم‬‫ل ي‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫بلد‬ ‫إلى‬ ‫والمخارجُّ‬ ‫المداخل‬ ‫وعلموا‬ ‫مين‪،‬‬‫سل م م‬‫م ي‬‫ال ل‬
‫قة‪ ،‬ثم‬ ‫المعاقل وأخذوا بالحرب كثيصرا منها من غير مؤونة ول مش ش‬
‫مين إلى المرابطين واسإتصرخوهإم فلباهإم‬ ‫سل م م‬‫م ي‬ ‫لجأ الباقى من ال ل‬
‫مسملمين ووصل إلى البحر‪ ،‬فاسإتاء بعض الرؤسإاء وفاصء‬ ‫أمير ال ل‬
‫مين فى اسإتدعائهم له‪ ،‬ووصل‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫دا معلى ال ل‬ ‫للمشركين‪ ،‬وحق ص‬
‫المير إلى غرب الن يد ملسُ فمنحه الله نصصرا‪ ،‬وألجم الكفار السيف‪،‬‬ ‫ل‬
‫ثم عاود الجواز فى العام الثالث من هإذا الفتح فتهيبه العدو‪،‬‬
‫صن منه‪ ،‬ولم يخرجُّ للقائه مع تثاقل الرؤسإاء عنه‪ ،‬وعثر‬ ‫وتح ش‬
‫لحدهإم على خطاب يشجع العدو على اللقاء‪ ،‬واسإتولى على من‬
‫قدر عليه من الرؤسإاء من البلد والمعاقل‪ ،‬وبقيت طائفة من‬
‫رؤسإاء الثغر الشرقى من جزيرة ال من يد مللسُ‪ ،‬حالفوا النصارى أو‬
‫مين إلى الجهاد‪ ،‬والدخول فى‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬‫صاروا معه إلصبا‪ ،‬ودعاهإم أمير ال ل‬
‫بيعة الجمهور‪ ،‬فقالوا‪ :‬ل جهاد إل مع إمام من قريش‪ ،‬ولست به‪،‬‬
‫أو مع نائب عن المام‪ ،‬وما أنت ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬أنا خادم المام‬

‫‪98‬‬
‫العشباسإي‪ ،‬فقالوا له‪ :‬أظهر لنا تقديمه إليك‪ ،‬فقال‪ :‬أو ليست‬
‫الخطبة فى جميع بلدى له؟ فقالوا‪ :‬ذلك احتيال‪ .‬ومردوا على‬
‫النفاق‪ ،‬فهل يجب قتالهم؟ وإذا ظفر بهم كيف الحكم فى‬
‫أموالهم؟ وهإل على المسلم حرجُّ فى قتالهم؟ وهإل على المام‬
‫العشباسإى أن يبعث بمنشور يتضُمن تقديمه له على جهادهإم‪ ،‬فإنهم‬
‫إشنما خرجوا عليه بأن المير خادمه‪ ،‬وهإو يخطب له على أكثر من‬
‫ألفى منبر‪ ،‬وتضُرب السكة باسإمه إلى غير ذلك‪ ،‬ومتى وصف‬
‫دا وإنما خادم أمير المؤمنين المستظهر‪،‬‬ ‫نفسه قال‪ :‬لست مستب ص‬
‫وهإذا أشهر أن يؤكد بالتحلية‪ ,‬وأظهر من أن يجدد بالتزكية‪.‬‬
‫فللشيخ المام الجل الزاهإد والوحد أبى حامد أتم الجر‪ ،‬وأعم‬
‫‪-‬‬
‫الشكر فى النعام بالمراجعة فى هإذا السؤال إن شاء الله تعالى‬
‫)‪.(1‬‬
‫أول‪ :‬فتوى المام الغزالى فى موقف كل من يوسإف بن تاشفين‬ ‫ص‬
‫وملوك الطوائف والخلفة العباسإية‪:‬‬
‫فأجاب المام الغزالى رحمه الله‪» :‬لقد سإمعت من لسانه وهإو‬
‫الموثوق به الذى يستغنى عن شهادته عن غيره وعن طبقة من‬
‫ثقاة المغرب الفقهاء وغيرهإم‪ ،‬من سإيرة هإذا المير ‪-‬أكثر الله من‬
‫المراء أمثاله ‪ -‬ما أوجب الدعاء لمثاله‪ ،‬ولقد أصاب الحق فى‬
‫إظهار الشعار المامى المستظهرى‪ -‬حرس الله على‬
‫المستظهرين ظلله‪ -‬وهإذا هإو الواجب على كل ملك اسإتولى على‬
‫مين فى مشارق الرض ومغاربها‪ ،‬فعليهم‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫قطر من أقطار ال ل‬
‫ق‪ ،‬وإن لم يكن بلغهم صريح‬ ‫تزيين منابرهإم بالدعاء للمام الح ي‬
‫التقليد من المام‪ ،‬أو تأخر عنهم ذلك لعائق‪ ،‬وإذا نادى الملك‬
‫المستولى بشعار الخلفة العباسإية‪ ،‬وجب على كل الرعايا‬
‫والرؤسإاء الذعان والنقياد‪ ،‬ولزمهم السمع والطاعة‪ ،‬وعليهم أن‬
‫يعتقدوا أن طاعته هإى طاعة المام‪ ،‬ومخالفته هإى مخالفة المام‪،‬‬
‫وكل من تمرد واسإتعصى وسإل يده عن الطاعة‪ ،‬فحكمه حكم‬
‫صللجحوُاً بمي ريْينميجهمماَ فملإن بميغم ر‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ت‬ ‫الباغي‪ ،‬وقد قال تعالى‪﴿:‬مولإن طماَئلمفمتاَلن ممنَ اًلرجمرؤملنيْمنَ اًقريمتتميلجوُاً فمأم ر‬
‫ل﴾ ]الحجرات‪ .[9:‬والفيئِّة‬ ‫إلرحمداًجهماَ معملىِ اًلجرخرىِ فميمقاَتللجوُاً اًللتىِ تميربلغىِ حلتىِ تملفيء إلملىِ أمرملر اً ل‬
‫م‬ ‫م‬ ‫م‬ ‫م‬
‫إلى أمر الله‪ ،‬الرجوع إلى السلطان العادل المتمسك بولء المام‬
‫الحق المنتسب إلى الخلفة العباسإية‪ ،‬فكل متمرد على الحق فإنه‬
‫مردود بالسيف إلى الحق‪ ،‬فيجب على المير وأشياعه قتال هإؤلء‬
‫المتمردة عن طاعته‪ ،‬ول سإشيما وقد اسإتنجدوا بالنصارى المشركين‬
‫مين الذين هإم أولياء‬ ‫سل م م‬ ‫م ي‬ ‫وأوليائهم‪ ,‬وهإم أعداء الله فى مقابلة ال ل‬
‫الله‪ ،‬فمن أعظم القربات قتالهم إلى أن يعودوا إلى طاعة المير‬
‫العادل المتمسك بطاعة الخلفة العباسإية‪ ,‬ويتركوا المخالفة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫)( انظر‪ :‬دراسإات فى تاريخ المغرب‪ ،‬د‪ .‬أحمد العبادي‪ ،‬صا )‪.(480-479‬‬
‫‪99‬‬
‫جز أن ي لت مت مب شعم مدبرهإم‪ ،‬ول أن‬ ‫ف عنهم‪ ،‬وإذا قاتلوا لم ي م ل‬ ‫وجب الك س‬
‫ي لذ مشفف)‪ (1‬على جريحهم‪ ,‬بل متى سإقطت شوكتهم وانهزموا‪ ،‬وجب‬
‫مين منهم دون النصارى الذين ل‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫ف عنهم‪ ،‬أعنى عن ال ل‬ ‫الك س‬
‫مين‪ ،‬وأما ما يظفر به من‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫يبقى لهم عهد مع التشاغل بقتال ال ل‬
‫أموالهم فمردود عليهم أو على وريثهم‪ ،‬وما يؤخذ من نسائهم‬
‫وذراريهم فى القتال مهدرة ل ضمان فيها وحكمهم فى الجملة فى‬
‫البغى على المير المتمسك بطاعة الخلفة‪ ،‬والمستولى على‬
‫المنابر والبلد بقوة الشوكة حكم الباغى على نائب المام‪ ،‬فإنه وإن‬
‫خر عنه صريح التقليد لعتراض العوائق المانعة من وصول المنشور‬ ‫تأ ش‬
‫بالتقليد فهو نائب بحكم قرينة الحال‪ ،‬إذ يجب على المام المصر أن‬
‫يأذن لكل إمام عادل اسإتولى على قطر من أقطار الرض‪ ،‬فى أن‬
‫يخطب عليه‪ ،‬وينادى بشعاره ويحمل الخلق على العدل والنصفة‪ ،‬ول‬
‫ينبغى أن يظن بالمام توقف فى الرضا بذلك والذن فيه‪.‬‬
‫وإن توشقف فى كتبه المنشور‪ ،‬فالكتب قد يعوق عن إنشائها‬
‫وإيصالها المعاذير‪ ،‬وأما الذن والرضا بعدما ظهر حال المير فى‬
‫سإة وابتغاء المصلحة للتفويض والتعيين فل رخصة‬ ‫سميا م‬
‫العدل وال ي‬
‫فى تركه‪ ،‬وقد ظهر حال هإذا المير بالسإتفاضة ظهوصرا ل شك‬
‫فيه‪ ،‬وإن لم يكن عن إيصال الكتاب وإنشائه عائق‪ ،‬وكانت هإذه‬
‫الفتنة ل تنطفئ إل بأن يصل إليهم صريح الذن والتقليد بمنشور‬
‫مقرون بما جرت العادة بمثله فى تقليد المراء‪ ،‬فيجب على‬
‫حضُرة الخلفة بذل ذلك‪ .‬فإن المام الحق عاقلة أهإل السإلم‪ ،‬ول‬
‫ل له أن يترك فى أقطار الرض فتنة ثائرة إل ويسعى فى‬ ‫يح س‬
‫إطفائها بكل ممكن‪ ،‬قال عمر ‪» :‬ىى ىىىى ىىىىى ىىى ىىى‬
‫ىىىىىىى ىى ىىى ىىىىىىىى ىىىى ىىىىىىىىىىىى ىىى‬
‫ىىىىىىى«‪ ,‬ىىى ىىىىىى ىى ىىى ىىىىى ىىىى ىىى ىىىى‬
‫ىى ىىى ىىىىىى‪:‬‬ ‫ىى ىىىىى‪» :‬ىى ىىى ىىىىى« ىىىى ىىى ى‬
‫ى‬
‫»ىىىىىى ىى ىىىى ىىىىىىىى«‪ ,‬ىىىى ىىى ىىىىى ىى ىى‬
‫ىىىى ىىىى ىى ىىىى ىى ىىىى ىىىى ىى ىىىىىى ىىى‬
‫ىىىى ىى ىىىىىىى ىى ىىىىى ىىىىىى ىى ىىى ىىىى‬
‫ىىىىى ىىىى ىى ىىىىىى ىىىىىىى ىىى ىى ىىىى ىى ىىى‬
‫ىىىىى ىىىىى ىىى ىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىىى‬
‫ىىىىىىىىىى ىىى ىىىى ىىىىىى ىىىى ىىى‪ ,‬ىىىى ىىىى‬
‫ىى ىى ىىىىىى ىىىىىى ىى ىىىىى ىىى ىىىىىى ىىى ىىىى‬
‫ىىىى ىىى ىىى ىىى ىىىىى ىى ىى ىىىىىىى ىى ىىىى‬
‫ىىىىىىى ىىى ىىىى ىىى ىىىىىىى ىىى ىىىى ىىىىىىى‬
‫ىىىىىىىى ىى ىىىى ىىىىى ىىى ىىىى ىى ىىىىى ىىىىى‬
‫‪1‬‬
‫)( ل يذفف ‪ :‬ل يجهز‪.‬‬
‫‪100‬‬
‫ىى ىىى ىىىىى‬ ‫ىىىىىى ىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىى ى‬
‫ىى ى‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫ىىىىىىى ىىىى ىى ىىىىىىى ىىىى ىى ىىىىىى‬ ‫ىىىىى‬
‫ىىىىىى ىىىى ىى ىىى ىىى ىى ىىىىىىى ىىىىى ىى ىىىى‬
‫ىىىىى ىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىى ىىىىىى ىىى‬
‫ىىىى ىى ىىى ىىىىى ىى ىىىى ىىىىىى ىىىى ىى ىىى‬
‫ىىىى ىىىىىى ىىىى ىى ىىىى ىىىىىىى‪,‬‬ ‫ىىىىى ىىىىى ى ى‬
‫ىىىىىى ىى ىى ىىىى ىىى ىىىىى ىى ىىىىى ىى ىىىى ىىى‬
‫ىىىىى ىىىىىىىىى ىىىىىىىى ىىىىىىىىىى ىىىىىىىى‬
‫ىىىىىىىىى ىى ىىىىى ىىىىى ىىىىىى ىىىىىىى‬
‫ىىىىىىىى ىىىىىىىى ىىىىىى ىىىىىىىى ىىىى ىىى ىى‬
‫ىىىى ىىىى ىى ىىىىى ىىىىىى ىىىى ىى ىىى ىىىىى‬
‫ىىىىى ىىىى)‪.(1‬‬
‫ىىىى ىى ىى ىىىى ىىىىىى ىىىىىىى ىى ىىىى ىى‬
‫ىىىىىى ىىىىى ىىىىىىى ىىىى ىىى ىىى‬ ‫ى‬ ‫ىىىى ىىىى ىى‬
‫ىى ىىىى ىىىىىى‬ ‫ى‬
‫ىىىىى ىىىىىى ىى ىىىىىى ىىىىىىىىى ى‬
‫ىىىىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىىىى‪.‬‬
‫ى ىىىىى ىى‬ ‫ى‬
‫ىىىىى ىىىى ىى ىىىىىىى ىىىىىىىى ىىىى‬ ‫ىىىى‬
‫ىى ىىىىىى ىىىىىى ىىىىىى ىىى ىى ىىى ىىىىى‬ ‫ىى‬
‫ىى‬‫ىى‬‫ىىى‬
‫ىىىىىى ىىىىىى‪ ,‬ىىىىىىى‬ ‫ىىىىىىى ىى ىىىى ىىىىىىى‬
‫ىىىىىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىىى‪.‬‬
‫ىى‬ ‫ى‬
‫ىىى ىى ىى ىى ىى ىىىى ىىىىىى ىىىى ىى ىىىى‬
‫ىىىىىىى ىىىى ىى ىىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىىىىىىىى‬
‫ىىىىىىىى ىىىىىىىىىى ىىىىىىىى‪.‬‬
‫ىى ىى ىىىى ىى ىىىى ىىىى ىىىىىىى ىىىىى ىىىىىى‬
‫ى ىىىى‬ ‫ىىى ىىىىى ىىىىىىى‬ ‫ىىىىىى ىىىىىىىى ىىىى ى‬
‫ىىىىىى‬ ‫ى‬ ‫ى‬ ‫ىى‬ ‫ىىىىى‬ ‫ىى‬ ‫ىىى‬ ‫ى‬ ‫ىىىىىى‬ ‫ىىىىى‬ ‫ىى‬ ‫ى‬ ‫ىىىى‬
‫ى‬
‫ى‬
‫ى‬
‫ىىىىىى‬ ‫ىىىىى ىى ىىىى ىىىىىى ىىىى ىى ىىىى ىىىىىىى‬
‫ى‬
‫ىىىىىىىى ىىى ىىىى‬ ‫ىىىىى ىىى‬ ‫ىىىى ىى ىىىىىىىىىى ى‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫ىىىىىىى‬
‫ى‬ ‫ىىىىى ىىىىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىىى ىىى‬
‫ى‬ ‫ىىىىىى ى‬
‫ىىىىىى‬
‫ىىىىىى ىىى ىى ىىى ىى ىىىى ىىىىى ىى‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫ى ىىىىىى ىىىى ىى ىىىىىىى ىى ىىىىىىى ىى‬ ‫ىىى‬
‫ى ى‬ ‫ى‬ ‫ىى‬ ‫ىىى‬
‫ىىىىىى ىىىىى ىىىى ىىىىىى ىىىى ىىىى ىىى ىىىى‬
‫ىىىىى ىىىىى ىىىىىىىى ىىىىى ىىىى ىىىىىىى ىىى‬
‫ىىىىىى ىىىى ىى ىىى ىى ىىىىى‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( انظر ‪ :‬دراسإات فى تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬د‪ .‬أحمد عبادي‪ ,‬صا )‪.(484‬‬
‫‪101‬‬
‫ى‬
‫ى‬
‫ىىى ىىىى ىىىى ىى ىىىىىى ىىىىىى ىىىىى ىىىىىىى‬
‫ىىىىىىىى ىى ىىىىىىى ىىىىىىىىى ىىىىى ىىى ىىىىى‬ ‫ى‬
‫ىىىى ىىىىىى ىىىىىىى ىىىى ىىىى ىىى ىىىى‬ ‫ىى‬ ‫ىى‬
‫ىىىىى ىىىى ىىى ىىىىىى ىىىىىىىى ىى ىىى‬ ‫ى‬
‫ى‬ ‫ى‬ ‫ىىىىىىى‬
‫ىى ى‬ ‫ى‬
‫ىىىى‬
‫ىىىىى ىىىىىىىى‬ ‫ىىىى ى‬
‫ى‬ ‫ىىىىى ىىىىىىىى ىىىىى ىىى‬
‫ىىىىىىىى ىىىىىى‪.‬‬ ‫ىىىىىىى ىىىىىىى ى‬
‫ىى‬ ‫ى‬
‫ىى ىىىىى ىى ىىىىىى ىىىىىىىىى ىىىىىىىىى‬ ‫ى‬
‫ىىىىىىى ىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىىى‬
‫ىىىىىىىى ى ى‬
‫ىىىىىىىى ىىىىىىىى‪,‬‬ ‫ى‬ ‫ىىىىىىى ىىىىىىىى‬‫ى‬
‫ى ى‬ ‫ى‬
‫ىىىىىى ىىىىىىىىى ىىىىىى ىىىىىى ىى ىىىى‬ ‫ىى‬ ‫ىىىى ىىى‬
‫ىىى ىىىىى ىىىىىىىى ىى ىىىىىى ىىىىىى ىىىىىى‬
‫ىىىىى ىىى ىىى ىىىىىى ىىىىىىى‬ ‫ىىىىى ىى ىىى ىى‬
‫ى‬ ‫ىىىىىىىى‪ .‬ى‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫ىى ىىىى ىىىى ىىىى ىىى ىىىىى‬ ‫ى‬
‫ى‬‫ىى‬ ‫ىىىىى‬‫ى‬ ‫ىىىى ىى‬
‫ىىىىىىى ىىىىى ىىىى ىىىىىىى ىىىىىىىىى ىى ىىىى‬
‫ىىىىىىىى ىىى ىىى‬
‫ى‬ ‫ىىىىىى ىىىىىى ىىى ىىى ىىىىى‬
‫ى‬
‫ىىىىى ىىىىىى ىىىىى ىىى ىىىى ىىىىىىى ىىىى ىىى‬
‫ىىىىى ىىىىىىىى ىىىىىىى ىىىىى ىىىى ىىىىىى‪ ,‬ىىىى‬
‫ىى ىىىى ىى ىىىى ىىىىىى ىىى ىىى ىىىىى ىىىىىىى ىىى‬
‫ىىىىى ىىىىى ىىى ىىىىى ىىىىى ىىىىىى ىىىىىىى ىىى‬
‫ىى ىىىىىىى ىىىىىىىىى ىىىىى ىىى ىى ىىىىىىى ى‬
‫ى‬
‫ىىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىى ىىىىى ىىىىى ىىىىىىىىى‬
‫ىىىى ىىىىى ىىىىىىىىىىى ىى ىىىىىىى ىىىىىىىى‬
‫ىىىى ىىىىىىىى ىىى ىىى ىىىىىىى‬ ‫ىىىىىىى ىىىىىىىى‬
‫ىىىىىىى ىىىى ىىى ىىى‪.‬‬
‫ى‬
‫ىىىىى ىىى ىى ىىىىى ىىىىى ىىىىى ىىى ىىىىى‬
‫ىىىىىىىى ىىىىىىىىى‬ ‫ى‬ ‫ىىىىىى ىىىى ىىىىىى ىىىىىى‬
‫ىىىىىىىى ىىىىىىىىى ىىىىى ىىىىى ىىىىىى ىىىىى‬
‫ىىىىى ىىىىىى ىىى ىىىىى ىىىىى ىى ىىىىىىىى‬
‫ىىىىىىى‪.‬‬
‫ى‬
‫ىى ىىىىىىى ىىىىىى ىىىىىىىى ىىىىى ىىىى ىى ىىى‬
‫ىىىىىىىىى ىىىىى ىىىىىىىى ىىىى ىىىىى‬ ‫ىىىىىىى ىى ى‬
‫ىىىىى ىىىىىىى ىىىىى ىى ىىىىىىى ىىىىىى ىىىىىىىى‬
‫ى‬ ‫ىىىىىىى‪.‬‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫ىى ىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىىى ىىىى ىىىىىىى‬
‫ى‬
‫‪102‬‬
‫ى‬
‫ى‬
‫ىىىىىىىى ىىىىىى ىىىىىىىىى ىىىىىىىى ىىىىى ىىىى‬
‫ىى ىىىى ىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىىى ىىىىىىىىى‬
‫ى‬ ‫ىىىىىىىى‪.‬‬
‫ى‬ ‫ىىىىىىىى‬
‫ى‬ ‫ى‬
‫ىى ىىىى ىىىىىىى ىىىىىى ىى ىىىىىىى ىىىىىىىىىى‬
‫ىىىى ىىىىىىى‬ ‫ى ى‬
‫ىىىىىىىى ىىى ىىىىى ىى ى‬
‫ىىىىىىىى ىى‬ ‫ىى ى‬
‫ىىىى ىىى ىىىىىىى ىىىىىىىىى ىىى ىىىى ىى ىىىى‬ ‫ىىى‬
‫ى‬
‫ىىىىى ىىىىىى ىىىىىىى ىىىى ىىىىىى ىىىىىى‬
‫ى‬ ‫ىىىىى‪ . . .‬ىىى‪.‬‬
‫***‬

‫‪103‬‬
‫المبحث السابع‬
‫العبور الثالث للمير يوسإف بن تاشفين للندلسُ‬

‫بعد طلب العلماء والفقهاء في ال من يد مللسُ والمغرب والمشرق‬


‫م ال من يد مللسُ إلى دولة المرابطين الفتية‬‫ضُ ش‬
‫من المير يوسإف أن ي ل‬
‫سنشية‪ ،‬عبر المير يوسإف بقوة ضخمة‪,‬‬ ‫س‬ ‫ال‬ ‫التابعة للخلفة العباسإية‬
‫عبرت من سإبتة إلى الجزيرة الخضُراء وسإار على رأس جيشه‬
‫إلى ط لل مي يط مملة وأرسإل فرقا ص من جيشه نحو مختلف المدن‪ ،‬وسإار‬
‫بنفسه نحو مدينة غرناطة‪.‬‬
‫ح غرناطة بعد شهرين من حصارهإا واعتقل‬ ‫واسإتطاع أن يفت م‬
‫أميرهإا‪ ،‬عبد الله بن بلكين الصنهاجى الذى تحالف مع النصارى من‬
‫أجل أملكه‪ ،‬ثم أرسإله أسإيصرا إلى المغرب‪ ،‬واسإتقشر فى أغمات‬
‫بالقرب من مراكش)‪.(1‬‬
‫مد بن ع مشباد والفطسُ أن يثنيا المير يوسإف عن‬ ‫معيت م م‬
‫وحاول ال ل‬
‫عزمه‪ ،‬ولكشنه رفض مقابلتهما‪ ,‬وأيقنا أن زوالهما قريب‪.‬‬
‫وألقى المرابطون القبض على تميم بن بلكين والى مالقة‬
‫وأرسإل إلى إفريقية‪ ،‬ثم رجع المير يوسإف إلى سإبتة‪ ،‬وتوشلى‬
‫القيادة السياسإية والعسكرية القائد المحنك سإير بن أبى بكر‪ ،‬وبدأ‬
‫المير يوسإف فى إرسإال الجيوش من المغرب إلى ال من يد مللسُ‬
‫للقضُاء الكلى على ملوك الطوائف‪ ،‬وأصبحت القوة المرابطة فى‬
‫ال من يد مللسُ قوة ضاربة ل يستطيع أحد الصمود أمامها‪ ،‬وقسم المير‬
‫يوسإف جيش المرابطين إلى أربعة أقسام‪:‬‬
‫جه إلى إشبيلية‪.‬‬‫‪ -1‬جيش بقيادة سإير بن أبى بكر تو ش‬
‫‪ -2‬وجيش سإار إلى قرطبة بقيادة أبى عبد الله بن الحاجُّ‬
‫مد الفتح أبو النصر‪.‬‬
‫معيت م م‬
‫وواليها‪ ،‬آنذاك‪ ،‬ولد ال ل‬
‫‪ -3‬وسإار جرور اللمتونى إلى أرض رندة بجيش ثالث‪ ،‬وفيها‬
‫مد وهإو يزيد الراضى بالله‪.‬‬ ‫معيت م م‬
‫ولد آخر لل ل‬
‫‪ -4‬وسإار أبو زكريا بن واسإندوا إلى المرية التى فيها المعتصم‬
‫مد الحميم‪.‬‬‫معيت م م‬
‫بن صمادح‪ ،‬صديق ال ل‬
‫وبقى يوسإف بن تاشفين فى سإبتة على رأس جيش احتياطى‬

‫‪1‬‬
‫)( انظر‪ :‬معركة الزلقة‪ ،‬صا )‪.(62‬‬
‫‪104‬‬
‫لكى يقوم عند الحاجة بإنجاد هإذا الجيش أو ذاك)‪.(1‬‬
‫وسإقطت قرطبة فى يد المرابطين فى صفر ‪484‬هإـ‪1091/‬م‬
‫مد اللذين قتل »المأمون ويزيد‬ ‫معيت م م‬‫بعد مقاومة عنيفة من ابنى ال ل‬
‫م‬ ‫م‬ ‫ل‬
‫الراضي« ووصل المرابطون إلى ضواحى طلي يط ملة مهددين ملوك‬
‫النصارى‪ ،‬واسإتولوا على قلعة رباح التى فتحت الطريق أمامهم‬
‫مد بن ع مشباد الذى أرسإل إلى‬ ‫معيت م م‬‫إلى قشتالة‪ ،‬واشتد ش الخوف بال ل‬
‫ألفونسو يستنجده ضد المرابطين‪ ،‬وعقد الخطر المشترك أواصر‬
‫الصداقة بينهم‪.‬‬
‫وسإقطت قومونة بعد حصار قصير فى ربيع الول‬
‫‪484/1091‬م‪ ،‬وأصبح أمير إشبيلية فى خطر عظيم‪ ،‬وجاءته‬
‫إمدادات النصارى التى أرسإلها ألفونسو بقيادة الكونت جومز‪،‬‬
‫وعدتها أربعون ألف رجل مرتجل‪ ،‬وعشرون ألف فارس‪ ،‬ووصلت‬
‫دى لهم القائد الشجاع إبراهإيم بن‬ ‫إلى مقربة من قرطبة وتص ش‬
‫إسإحاق فى جند الشجعان‪ ،‬ونشبت بين الفريقين معركة حاسإمة‪،‬‬
‫أصاب فيها المرابطون بالرغم من خسائرهإم نصصرا كبيصرا مبيصنا‪،‬‬
‫وغدت إشبيلية بعد فرار النصارى تحت رحمة المرابطين‪ ،‬وكانوا‬
‫قد ضربوا حولها الحصار‪ ،‬وكان سإير بن أبى أبكر يقود الجيش‬
‫صر‪ ،‬وفتحت إشبيلية عنوة فى رجب ‪484‬هإـ‪1091/‬م‪ ،‬وكانت‬ ‫المحا م‬
‫س‬
‫مد بن ع مشباد مأسإاة حزينة‪ ،‬وكانت عبرة لتقلب الدهإر‪،‬‬ ‫معيت م م‬ ‫خاتمة ال ل‬
‫وذلك أن الرجل الذى لبث زهإاء ربع قرن يقبض بيديه على مصاير‬
‫إسإبانيا‪ ،‬والذى كان يحكم سإواد النصف الجنوبى لشبه الجزيرة‪،‬‬
‫والذى يرجع إليه سإبب اسإتيلء ألفونسو السادس على ط لل مي يط مملة‪،‬‬
‫والذى اسإتدعى المرابطين إلى ال من يد مللسُ‪ ،‬اختتم حياته الحافلة‬
‫بالحداث فى غمرة البؤس والحزن فى أغمات المغرب فقد قبض‬
‫عليه بعد سإقوط إشبيلية‪ ،‬وعلى نسائه وأبنائه وبناته – وهإم نحو‬
‫)‪(2‬‬
‫مد من‬ ‫معيت م م‬
‫مائة – وأرسإلوا إلى مراكش ‪ ،‬وفى طريقه تألم ال ل‬
‫قيده وضيقه وثقله فقال‪:‬‬
‫بذل الحديد وثقل القيود‬ ‫تبدشلت من ظل عيزم‬
‫البنود م‬
‫قا صقيل‬ ‫وعضُصبا رقي ص‬ ‫وكان حديدى سإناصنا‬
‫الحديد‬ ‫قا‬
‫ذلي ص‬
‫يعض بساقى عض‬ ‫وقد صار ذلك وذا أدهإما‬
‫السإود‬
‫مد‬
‫معيت م م‬
‫ل‬ ‫ال‬ ‫سإيرة‬ ‫فى‬ ‫الدب‬ ‫لقد أطنب الشعراء والمؤرخون وأهإل‬
‫بن ع مشباد‪ ،‬وسإبب ذلك أمور كثيرة وأهإمها فى نظرى أن قضُيته‬
‫غريبة‪ ،‬وشخصيته عجيبة‪ ،‬ومشر بأمور رهإيبة وكانت سإيرته مليئِّة‬
‫‪1‬‬
‫)( انظر‪ :‬معركة الزلقة صا )‪.(62‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(64‬‬
‫‪105‬‬
‫بالمتناقضُات فهو الذى قال‪» :‬رعى البل ول رعى الخنازير« وهإو‬
‫مين‪،‬‬ ‫سل م م‬ ‫م ي‬‫الذى اسإتعان بالنصارى‪ ،‬وأجلب خيلهم ورجالهم ضد ال ل‬
‫وسإيرته تبين لنا سإنن الله فى إعزاز من يشاء وإذلل من يشاء‪،‬‬
‫وإعطاء الملك لمن يشاء ونزعه ممن يشاء‪.‬‬
‫ك لملمرنَ تم م‬
‫شاَءج‬ ‫شاَءج مومتنلزعج اًلرجمرل م‬ ‫ك تجيرؤلتىِ اًلرجمرل م‬
‫ك ممنَ تم م‬ ‫ك اًلرمرل ل‬ ‫ل‬
‫قال تعالى‪﴿:‬قجلل اًل لجهلمُ مماَل م ج‬
‫ك معملىِ جكبل مشريسء قملديءر﴾ ]آل عمران‪.[26 :‬‬ ‫شاَء وتجلذيل منَ تم م ل‬
‫شاَءج بليْمدمك اًلر م ر‬
‫خيْيجر إلنَل م‬ ‫ل‬
‫موتجعيز ممنَ تم م ج م م‬
‫مد بن ع مشباد فى أغمات سإنة ‪488‬هإـ ‪-‬رحمه الله‬
‫معيت م م‬
‫وتوفى ال ل‬
‫تعالى‪.-‬‬
‫وفى النادر الغريب أنه نودى فى جنازته بالصلة على الغريب‪،‬‬
‫من له البقاء والعشزة‬
‫بعد عظم)‪(1‬سإلطانه وجللة شأنه‪ ،‬فتبارك م‬
‫والكبرياء ‪.‬‬
‫من شعر المعتمد بن عباد‪:‬‬
‫دخل عليه ولده أبو هإاشم والقيود قد عضُت بساقيه فخاطب‬
‫قيده فقال‪:‬‬
‫أبيت أن تشفق أو ترحما‬ ‫قيدي‪ ,‬أما تعلمنى‬
‫ما‬
‫مسل ص‬
‫ل‬
‫أكلته ول تهشم الع ل‬
‫ظما‬ ‫ب‪ ،‬واللحم‬ ‫د‬ ‫شرا‬ ‫دمى‬
‫قد‬
‫فينثني‪ ,‬والقلب قد‬ ‫ليبصرنى فيك أبو هإاشم‬
‫هإشما‬‫ل‬
‫سم والمعلقما‬
‫جيرمعتهن ال س‬ ‫ت له مثله‬
‫ارحم أخيا ة‬
‫وقال ذات مرة بعد أن أحيط به فى إحدى معاركه‪:‬‬
‫ب الصديع‬
‫وت مينهنه القل ل‬ ‫لما تماسإكت الدموع‬
‫خضُوع‬
‫فليبد ل منك لهم ل‬ ‫قالوا الخضُوع ل سإياسإة‬
‫م النقيع‬
‫س س‬
‫على فمى ال ي‬ ‫ضُوع‬
‫خ م‬‫وألذ من طعم ال ل‬
‫ملكى ولتسيلم القل م‬
‫ب‬ ‫دنا‬
‫ب عنى ال س‬
‫أتسل ي‬
‫ضُلوع‬
‫ال س‬
‫أن ل تحصينلنى الدروع‬ ‫ت يوم منزالهم‬
‫قد لرم ل‬
‫ـص عن الحشى شيء‬ ‫وبرزت ليسُ سإوى‬
‫د ملفوع‬ ‫القميـ‬
‫‪1‬‬
‫)( وفيات العيان )جُّ ‪.(5/37‬‬
‫‪106‬‬
‫ب الصديع‬
‫وت مينهنه القل ل‬ ‫لما تماسإكت الدموع‬
‫خضُوع‬
‫بهواى ذلى وال ل‬ ‫ن‬
‫أجلى تأخشر‪ ,‬لم يك ي‬
‫وكان فى أملى الرجوع‬ ‫ما سإرتل ق س‬
‫ط إلى‬
‫القتال‬
‫)‪(1‬‬
‫فروع ي‬
‫والصل تتبعه ال ل‬ ‫شيم الولى أنا منهم‬
‫ولما لتويفى فى أغمات رثاه الشعراء بقصائد معبرة عن‬
‫المشاعر النسانية الدفينة‪ ,‬وممن رثاه شاعره المخلص أبو بحر‬
‫عبد الصمد بقصيدة طويلة أجاد فيها‪ ،‬وأولها‪:‬‬
‫أم قد عدتك عن السماع‬ ‫ملك الملوك‪ ،‬أسإامع‬
‫عوادي‬ ‫فأنادي‬
‫فيها كما قد كنت فى‬ ‫لما نقلت عن القصور‬
‫العياد‬ ‫ولم تكن‬
‫)‪(2‬‬
‫النشاد‬ ‫أقبلت فى الثرى لك‬
‫خاضصعا‬
‫مد بن ع مشباد عظيمة‪ ،‬وتعاطف معه كثير‬ ‫معيت م م‬‫لقد كانت محنة ال ل‬
‫من المؤرخين والدباء والشعراء‪ ،‬واتهموا يوسإف بن تاشفين‬
‫بالقسوة والغلظة وأشنه صحراوى بدوى نزعت الرحمة من قلبه‪،‬‬
‫واسإتدسلوا أنه ذو نزعة توسإعية دنيوية‪ ،‬ولذلك أنزل العقوبة المؤلمة‬
‫على من اسإتطاع من ملوك ال من يد مللسُ وتخشلص منهم‪.‬‬
‫والواقع يقول‪ :‬إن ابن تاشفين لم يطمع فى ال من يد مللسُ‪ ،‬وتردد‬
‫مد‬‫معيت م م‬ ‫ف عن الغنائم بعد اليزلمقة وتركها لل ل‬ ‫كثيصرا قبل العبور‪ ،‬وع ش‬
‫ولمراء ال من يد مللسُ‪ ،‬ولم يأخذ منها شيصئِّا‪ ،‬وكانت عودته‪ ,‬ثم عاد فى‬
‫الجواز الثانى بسبب اختلفات ملوك الطوائف الهزلي‪ ،‬وتحال ل م‬
‫ف‬
‫بعضُهم مع ملوك النصارى‪ ،‬ولما اشتد الخطب على أهإل ال من يد مللسُ‪,‬‬
‫دين‬ ‫صا على سإلمة ال ي‬ ‫وأفتى العلماء بخلع ملوك الطوائف حر ص‬
‫دا لمهزلة ملوك الطوائف‪,‬‬ ‫والعقيدة؛ قشرر المير يوسإف أن يضُع ح ص‬
‫ن ‪ -‬من أجل الشريعة والمصلحة العظمى للمة‪ -‬لهذه‬ ‫لقد آ م‬
‫الدويلت الهزيلة الضُعيفة المتناحرة المتحالف بعضُها مع العداء‬
‫أن تنتهي‪ ،‬وكما قال الشاعر محمود غنيم‪:‬‬
‫طــمم جانب‬ ‫ليديه‪ ,‬ح ش‬ ‫من عالج الباب العصى فلم يلن‬ ‫م‬
‫المصـراع‬
‫فقد شغله هإؤلء المراء المتفرقون عن الجهاد والفتوحات‬
‫والمرابطة فى سإبيل الله لضُعفهم وفرقتهم‪ ،‬فلقوا جزاء خيانتهم‬
‫‪1‬‬
‫)( التاريخ السإلمي‪ ،‬للذهإبي‪ ،‬حوادث ووفيات‪ ،‬مجلد )‪490-481‬هإـ(‪ ,‬صا )‪.(271‬‬
‫‪2‬‬
‫)( وفيات العيان )جُّ ‪.(5/37‬‬
‫‪107‬‬
‫وفرقتهم‪ ،‬وابن تاشفين خص المراء وحدهإم بشدة عقابه‪ ,‬وعفا‬
‫عن الشعب المسلم‪ ،‬لن التناقض جلى بين الشعب الذى تعلق‬
‫بالمرابطين وبالمير يوسإف لعدله وحزمه وجهاده‪ ،‬والذى حرصا‬
‫على رفع المظالم والضُرائب والمكوس عن كاهإل الشعب الذى‬
‫طلب من ملوكه التحاد فى وجه النصارى‪ ،‬وبين المراء والملوك‬
‫ظا على‬ ‫حصبا فى الحكم‪ ،‬وحفا ص‬ ‫الذين آثروا الشتفسرق والخلف‪ ،‬ل‬
‫مصالحهم الشخصية‪.‬‬
‫وهإذا الذى قام به المير يوسإف‪ ،‬وإزاحة الملوك من أعظم‬
‫حسناته ومآثره الخالدة فى تاريخه المجيد الذى تعتز به أمتنا‬
‫العريقة‪.‬‬
‫دن والحصون‪ ،‬وأصبحت‬ ‫م ل‬
‫وبسقوط إشبيلية تزعزعت باقى ال ل‬
‫غرناطة ومالقة وجيان وقرطبة وإشبيلية والمرية تحت حكم‬
‫المرابطين فى وقت لم يتجاوز ثمانية عشر شهصرا‪.‬‬
‫ت المرية بيد داود ابن عائشة‪ ،‬هإذا القائد المجاهإد‬ ‫ولما سإقط ي‬
‫المرابط فى سإبيل الله‪ ،‬المنصور بإسإلمه ودينه وصفاء عقيدته‬
‫وحفظه للعهود‪ ،‬واصل سإيره الموفق مع جنوده البواسإل‪ ,‬وافتتح‬
‫مرابيطر وبلنسية وشنتمرية‪ ،‬ولم تغن أمراءهإم معاونة الكمبيادور‬
‫وفرسإانه‪ ،‬فبلنسية كان بها يحيى بن ذى النون »القادر«‪ ،‬وعلى‬
‫الرغم من أنه كان منضُوصيا تحت حماية ملك قشتالة‪ ،‬وقد خفت‬
‫مين من‬ ‫لنجاده فرقة كبيرة منهم‪ ،‬وقوة من المرتزقة المسل م‬
‫مرسإية بقيادة ابن طاهإر على الرغم من كل هإذا سإقطت بلنسية‬
‫بيد المرابطين أصحاب اليادى المتوضئِّة‪ ،‬والقلوب الطاهإرة‪،‬‬
‫والضُربات الفتاكة لكل جبار عنيد‪.‬‬
‫دن شرق‬ ‫م ل‬
‫واسإتمشر داود ابن عائشة فى فتح حصون وقلع ل‬
‫فه العناية اللهية‪ ،‬وتنزل عليه الفتوحات الرشبانية‪,‬‬ ‫إسإبانية تح س‬
‫دا باقصيا على مر‬ ‫خا مجي ص‬ ‫ويخط للمغاربة وللمة السإلمشية تاري ص‬
‫العصور والزمان‪ ،‬واضحة معالم العقيدة واليمان فى نحته‬
‫وكتبه بماء الذهإب الصافي‪.‬‬
‫ما القائد الرشبانى والفارس الميدانى سإير بن أبى بكر فكان‬ ‫أ ش‬
‫جهاده الميمون فى غرب ال من يد مللسُ؛ حيث زحف إلى بطليوس‬
‫كل« بعد أن فتح إشبيلية‬ ‫مت موم ي‬
‫مد بن الفطسُ »ال ل‬ ‫ح ش‬
‫م م‬‫وأميرهإا يومئِّذ ة ل‬
‫ش‬
‫كما سإلف‪ ،‬فاسإتولى على شلب ويابرة‪ ,‬ثم احتل بطليوس فى‬
‫صفر ‪487‬هإـ ‪ -‬آذار )مارس( ‪1094‬م‪.‬‬
‫وفى الوقت الذى سإقطت فيه بطليوس‪ ،‬اسإتطاع المرابطون‬
‫أن يفتحوا جزر البليار‪ ،‬التى كان واليها يومئِّذ ة من بنى شهيد أتباع‬
‫أمراء بلنسية ودانية‪ ،‬وأحسن المرابطون صنصعا بفتح الجزر‬
‫الشرقية »بليار« فى الوقت الملئم‪ ،‬فقد كانت منعزلة تعيش‬

‫‪108‬‬
‫تحت هإيمنة السإطول النصراني‪ ،‬وقد تم الفتح على يد القائد‬
‫البحرى ابن تافرطست‪.‬‬
‫بذلك أصبحت إسإبانيا المسلمة تحت قبضُة دولة المرابطين الفتية‬
‫طة التى كان‬ ‫س م‬‫سإيرقل ي‬ ‫سإنة ‪487‬هإـ ‪1094/‬م‪ ،‬ونستثنى من ذلك ولية م‬
‫واليها أحمد بن هإود »المستعين بالله« الذى أبلى بلصء حسصنا فى جهاد‬
‫النصارى‪ ,‬وظهرت فيه شهامة ورجولة أقنعت المير يوسإف على‬
‫كه‪ ،‬وتحالف ابن هإود مع إخوانه فى العقيدة ضد ش أعدائهم‬ ‫إبقائه فى لمل م‬
‫دا منيصعا فى الثغور الشمالية وقد كلف النصارى‬ ‫دين‪ ،‬وكان سإ ص‬‫فى ال ي‬
‫خسائر هإائلة فى الموال والرواح‪.‬‬
‫واسإتطاع النصارى أن يحتسلوا مدينة »بلنسية« عام ‪487‬هإـ بقيادة‬
‫القائد‬
‫النصرانى الكمبيادور الذى أمن قاضيها »ابن جحاف« ثم أحرقه بالنار‪،‬‬
‫وعمل المرابطون على إرجاع بلنسية والحصون التى وقعت فى يد‬
‫كنوا من تحرير بلنسية عام ‪495‬هإـ‪.‬‬ ‫النصارى‪ ،‬وتم ش‬
‫من حولهم‬ ‫الفاتيكان أفتى لهإل إسإبانيا و م‬ ‫والجدير بالذكر أن بابا‬
‫مين جهاد مقدس‪,‬‬ ‫سل م م‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫م ي‬
‫من الفرنج إن قتالهم فى الن يد ملسُ ضد ال ل‬
‫ولذلك لم يشارك السإبان فى حروب النصارى الصليبية فى شرق‬
‫العالم السإلمى فى هإذه الفترة‪.‬‬
‫مين صليبية‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬ ‫لقد كانت سإياسإة السإبان فى حروبهم لل ل‬
‫النزعة‪ ،‬هإمجية الخلق‪ ،‬خالية من الخلق‪ ،‬ممزوجة بالغدر بعيدة‬
‫عن العلم والحضُارة‪.‬‬
‫وكانت سإياسإة المرابطين فى حروبهم وجهادهإم مبنية على‬
‫طر حضُارية نابعة من مشكاة‬ ‫نشر السإلم ومكارم الخلق فى أ ل ل‬
‫الوحيين كتاب الله وسإنة رسإوله × )‪.(1‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( انظر ‪ :‬معركة الزلقة‪ ،‬صا )‪.(68‬‬
‫‪109‬‬
‫المبحث الثامن‬
‫الجواز الرابع للمير يوسإف فى الندلسُ‬
‫لما أصبحت إسإبانيا المسلمة تحت حكم المرابطين بما فى ذلك‬
‫طة التى حكمها بنو هإود‪ ،‬عبر أبو يعقوب يوسإف بن تاشفين‬ ‫س م‬
‫سإيرقل ي‬
‫م‬
‫العبور الرابع سإنة ‪496‬هإـ‪1103 /‬م بعد اسإترداد بلنسية بعام واحد‪،‬‬
‫يبتغى تنظيم شئِّونها‪ ،‬وليطلع على حسن سإير الدارة‪ ،‬ودعا القادة‬
‫والولة وزعماء ال من يد مللسُ‪ ،‬وشيوخ القبائل المغربية التى تدين بالطاعة‬
‫له إلى الجتماع فى قرطبة‪ ،‬وعشين ولده الصغر علصيا »أبا الحسن«‬
‫ولصيا للعهد؛ فقد ظهرت مواهإبه ونجابته ورجاحة عقله ولمسُ والده‬
‫فيه الخصال اللزمة لحكم شعوب وأمم كثيرة)‪.(1‬‬
‫أولص‪ :‬نص ولية العهد للمير على بن يوسإف‪:‬‬
‫مد بن عبد الغفور‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫عهد المير يوسإف إلى كاتبه الفقيه أبى ل‬
‫أن يكتب نص ولية العهد وكان مشهوصرا ببلغته‪ ،‬وهإذا هإو النص‪:‬‬
‫»الحمد لله الذى رحم عباده بالسإتخلف‪ ،‬وجعل المامة سإبب‬
‫مد نبيه الكريم الذى ألف‬ ‫ح ش‬ ‫م م‬‫الئتلف‪ ،‬وصلى الله على سإيدنا ل‬
‫القلوب المتنافرة‪ ،‬وأذل لتواضعه عزة الملوك الجبابرة‪.‬‬
‫دين أبا يعقوب بن‬ ‫مين وناصر ال ي‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫أما بعد‪ :‬فإن أمير ال ل‬
‫تاشفين لما اسإترعاه على كثير من عباده المؤمنين‪ ،‬خاف أن‬
‫دا عما اسإترعاه كيف تركه هإمل ص لم يستنب فيه‬ ‫يسأله الله غ ص‬
‫سإواه‪ ،‬وقد أمر الله بالوصية فيما دون هإذه العظمة‪ ،‬وجعلها من‬
‫آكد الشياء الكريمة‪ ،‬كيف فى هإذه المور العائدة فى المصلحة‬
‫مين بما لزمه من هإذه الوظيفة‬ ‫سل م م‬‫م ي‬
‫الخاصة والجمهور‪ ،‬وإن أمير ال ل‬
‫دينية الشريفة‪ ،‬قد أعيز الله‬ ‫وحضُه الله بها من النظر فى المور ال ي‬
‫رماحه وأحد سإلحه‪ ،‬فوجد ابنه المير الجل أبا الحسن أكثرهإا‬
‫حا إلى المعالى واهإتزاصزا‪ ،‬وأكرمها سإجية وأنفسها اعتزاصزا‪،‬‬ ‫ارتيا ص‬
‫فاسإتنابه فيما اسإترعي‪ ،‬ودعاه لما كان إليه ودعا‪ ،‬بعد اسإتشارة‬
‫أهإل الرأى على القرب والنأي‪ ،‬فرضوه لما رضيه‪ ،‬واصطفوه لما‬
‫اصطفاه‪ ،‬ورأوه أهإل ص أن يسترعى فيما اسإترعاه‪ ،‬فأحضُره‬
‫طا عليه الشروط الجامعة بينهما وبين المشروط قبل‪،‬‬ ‫مشتر ص‬
‫وأجاب حين لدعي‪ ،‬بعد اسإتخارة الله الذى بيده الخيرة والسإتعانة‬
‫بحول الله الذى من آمن به شكره‪ ،‬وبعد ذلك مواعظ ووصية‬
‫بلغت النصيحة مرامى قصية‪ ،‬يقول فى ختامه شروطها وتوثيق‬
‫ربوطها‪ ،‬كتب شهادته على النائب والمستنيب من رضى إمامتها‬
‫ما يقيصنا بما وصاه فى هإذا الترتيب‬ ‫على البعيد والقريب‪ ،‬وعلم عل ص‬

‫‪1‬‬
‫)( انظر‪ :‬معركة الزلقة‪ ،‬صا )‪.(71‬‬
‫‪110‬‬
‫وذلك فى عام ‪495‬هإـ ‪1101 /‬م)‪.(2‬‬
‫أ‪ -‬وأوصى يوسإف بن تاشفين ابنه علصيا بما يلي‪:‬‬
‫كام والقضُاة فى الوليات والحصون‬ ‫ح ش‬
‫أل ي لعميين فى مناصب ال ل‬
‫دن إل المرابطين من قبيلة لمتونة‪.‬‬ ‫م ل‬
‫وال ل‬
‫وأن يحتفظ فى ال من يد مللسُ بجيش دائم حسن الجر من‬
‫المرابطين‪ ،‬قوامه سإبعة عشر ألف فارس‪ ،‬يطعمون على حساب‬
‫طة‪ ،‬وسإبعة‬ ‫س م‬ ‫سإيرقل ي‬
‫الدولة يوزعون كما يأتي‪ :‬أربعة ألف فى ولية م‬
‫آلف فى إشبيلية‪ ،‬وثلثة آلف فى غرناطة‪ ،‬وألف فى قرطبة‪،‬‬
‫والباقى قدره ألفان يحتلون قلع الحصون كحامية‪ ،‬ويحسن أن‬
‫يعهد إلى مسلمى ال من يد مللسُ بحراسإة الحدود النصرانية ومحاربة‬
‫النصارى‪ ،‬فهم لهم معرفة أوسإع وخبرة أكبر على مقاتلة النصارى‬
‫من المغاربة‪ ،‬وأن يعمل على تشجيع ال من يد مللسيين على روح الجهاد‬
‫وأن يكافئ المتفوقين فى الحرب منهم بالخيل والسلح والثياب‬
‫والمال‪.‬‬
‫م‬
‫صا قرطبة‬ ‫ونصح أبو يعقوب ابنه أن يعامل أهإل الن يد مللسُ وخصو ص‬
‫بالرفق واللين‪ ،‬وأن يقوى علقته الخوية مع بنى هإود الذين هإم‬
‫طليعة ال من يد مللسيين فى محاربة النصارى‪.‬‬
‫ولما انتهى يوسإف بن تاشفين من تنظيم شئِّون ال من يد مللسُ‬
‫وقسمها إلى سإت وليات هإى إشبيلية‪ ،‬غرناطة‪ ،‬قرطبة‪ ،‬بلنسية‪،‬‬
‫طة‪ ،‬عاد ابن تاشفين إلى مراكش‪.‬‬ ‫س م‬‫سإيرقل ي‬
‫مرسإية‪ ،‬و م‬
‫ب‪ -‬لقد مرت سإياسإة المرابطين فى الندلسُ بمراحل‬
‫ثلث‪:‬‬
‫مين‪ ،‬وقد‬‫سل م م‬ ‫‪ -1‬مرحلة التدخل من أجل الجهاد وإنقاذ ال ل‬
‫م ي‬
‫انتهت بانسحاب المرابطين بمجرد انتصار اليزلمقة‪.‬‬
‫‪ -2‬مرحلة الحذر من ملوك الطوائف‪ ،‬بعد أن ظل وضعهم‬
‫وضع التنافر والتحاسإد والتباعد‪ ،‬ولم يفكروا فى الندماجُّ‬
‫فى دولة واحدة‪ ،‬بل فضُل بعضُهم التقرب إلى العداء‬
‫للكيد ببعضُهم‪.‬‬
‫‪ -3‬مرحلة ضم ال من يد مللسُ إلى المغرب‪ ،‬فوضعوا حدا لمهزلة‬
‫ملوك الطوائف‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫)( الزلقة صا )‪ ،(72-71‬انظر‪ :‬ابن الخطيب‪ ،‬الحاطة )‪.(2/519،520‬‬
‫‪111‬‬
‫المبحث التاسإع‬
‫آثار البتعاد عن تحكيم شرع الله‬
‫على ملوك الطوائف‬
‫‪ -1‬إن البتعاد عن تحكيم شرع الله تعالى يجلب للفراد والمة‬
‫كا وعذاصبا فى الخرة‪ ،‬وإن آثار‬ ‫كا فى الدنيا‪ ،‬وهإل ص‬ ‫تعاسإة وضن ص‬
‫دينية‬ ‫البتعاد عن شرع الله لتبدو على الحياة فى وجهتها ال ي‬
‫والجتماعية والسياسإية والقتصادية‪.‬‬
‫سُ جميع‬ ‫وإن الفتن تظل تتوالى وتترى على الناس حتى تم ش‬
‫ل‬
‫صيْبميجهرمُ رفتينمةء أمرو‬ ‫شئِّون حياتهم‪ ,‬قال تعالى‪﴿ :‬فميرليْرحمذلر اًللذينَ يمخاَللجفوُمن معنَ أمرملرهل مأن تج ل‬
‫ر‬ ‫م ج‬ ‫م‬
‫ب أملليْءمُ﴾ ]النور‪.[63:‬‬ ‫يل‬
‫صيْبميجهرمُ معمذاً ء‬‫ج‬
‫مارسإة ملوك الطوائف للحكم البعيد عن شرع‬ ‫م م‬
‫لقد كانت فى ل‬
‫الله آثار على المة‪ ،‬فتجد النسان المنغمسُ فى حياة المادة‬
‫سب ك ش‬
‫ل‬ ‫مصابا ص بالقلق والحيرة والخوف والجبن يح م‬ ‫والجاهإلية ل‬
‫من النصارى ول يستطيع أن يقف أمامهم‬ ‫صيحة عليه‪ ،‬يخشى م‬
‫وقفة عّز وشموخ واسإتعلء‪ ،‬وإذا تشجع فى معركة من المعارك‬
‫ضعف قلبه أمام العداء من أثر المعاصى على قلبه‪ ،‬وأصبح فى‬
‫ضنلكاَ﴾ ]طه‪.[124:‬‬ ‫شةل م‬ ‫ض معنَ لذركلرىِ مفإن لمهج مملعيْ م‬ ‫ضنك من العيش‪﴿ :‬موممرنَ أمرعمر م‬
‫ما الثار على المة ال من يد مللسية فقد أصيبت بالتبسلد وفقد‬ ‫‪ -2‬أ ش‬
‫الحساس بالذات ومات ضميرهإا الروحي‪ ،‬فل أمر بمعروف‬
‫تأمر به‪ ،‬ول نهى عن منكر تنهى عنه‪ ،‬وأصابهم ما أصاب‬
‫بنى إسإرائيل عندما تركوا المر بالمعروف والنهى عن‬
‫المنكر‪.‬‬
‫سىِ اًبرلنَ ممرريمممُ‬ ‫ل‬ ‫قال تعالى‪﴿:‬لجلعنَ اًللذينَ مكمفرواً لمنَ بلنىِ إلسراًلئيْل معملىِ لل ل‬
‫ساَن مداًجومد موعيْ م‬ ‫م‬ ‫م رم م‬ ‫م ج‬ ‫م‬
‫س مماَ مكاَنَجوُاً‬ ‫ئ‬ ‫صروُاً ومكاَنَجوُاً يميرعتمجدومن ‪ ‬مكاَنَجوُاً لم يميتميمناَمهروُمن معنَ يمنمكسر فميمعجلوُهج لمبل‬ ‫ذملل م ل‬
‫م‬ ‫ر‬ ‫ك بمماَ مع م م‬
‫يميرفمعجلوُمن﴾ ]المائدة‪.[79 ،78 :‬‬
‫ظم شرع الله أمصرا ونهصيا فإنها تسقط كما‬ ‫مة ل تع ي‬ ‫فإن أيش أ ش‬
‫ن‬
‫ملر ش‬ ‫سإقط بنو إسإرائيل‪ ،‬قال رسإول الله ×‪» :‬كل والله لتأ ل‬
‫ن على يد الظالم ولتأطرشنه‬ ‫ن عن المنكر ولتأخذ ل ش‬ ‫بالمعروف ولتنهول ش‬
‫على الحق أطصرا‪ ،‬ولتقصرنه على الحق قصصرا‪ ،‬أو ليضُربن الله‬
‫ضُا‪ ,‬ثم ليلعننكم كما لعنهم«)‪.(1‬‬ ‫بقلوب بعضُكم بع ص‬
‫‪ -3‬إن ملوك ال من يد مللسُ تحققت فيهم سإنة الله الماضية بسبب‬
‫‪1‬‬
‫)( أبو داود‪ ،‬كتاب الملحم‪ ،‬باب المر بالمعروف‪ ,‬رقم الحديث)‪.(4670‬‬
‫‪112‬‬
‫تغسير النفوس من الطاعة والنقياد إلى المخالفة والتمرد‬
‫ك جمغميْبيلراً نَبيرعممةل أمنَريمعمممهاَ معملىِ قميروُسم محلتىِ‬ ‫على أحكام الله‪﴿ :‬مذلل م‬
‫ك لبإن اًلم لمرمُ يم ج‬
‫م‬
‫يجيغميْبيجرواً مماَ بلأمنَريجفلسلهرمُ﴾ ]النفال‪.[53:‬‬
‫كام الذين تباعدوا عن‬ ‫ح ش‬ ‫كما أن المجتمعات التى تخضُع تحت ال ل‬
‫من خالف أمر الله وتطلب‬ ‫ذل وتهان‪ ,‬حتى تقوم أمام م‬ ‫شرع الله ت ل م‬
‫العون من إخوانهم فى العقيدة‪ ,‬لرجاع حكم الله فى مجتمعاتهم‪.‬‬
‫إن ملوك ال من يد مللسُ انعكسُ انحرافهم على شباب ال من يد مللسُ كيله‪،‬‬
‫وفشرط أهإل ال من يد مللسُ فى المر بالمعروف والنهى عن المنكر‪،‬‬
‫ت‪ ،‬ولذلك‬ ‫وانعكسُ ذلك فى حركة الفتوحات السإلمشية التى توشقف ي‬
‫حرمت شعوب كثيرة من سإعادتها فى الدنيا والخرة بسبب تضُييع‬
‫دين‪ ،‬لقد قست قلوب ملوك‬ ‫المانة والرسإالة والدعوة إلى هإذا ال ي‬
‫الطوائف وكثير من أتباعهم إل من رحم الله‪ ،‬وتركوا الحق‬
‫وانقادوا للضُلل‪ ،‬وابتلوا بالنفاق وفضُحهم الله بذلك‪ ،‬وحرموا‬
‫التوفيق والرجوع للصواب‪ ،‬وخف دينهم وضعف إيمانهم‪ ،‬بسبب‬
‫بطرهإم للحق وغمطهم لحقوق الناس وابتعادهإم عن شرع الله‬
‫تعالى‪.‬‬
‫‪ -4‬لقد كانت ممالك الن يد مللسُ مليئِّة بالعتداءات على النفسُ‬ ‫م‬
‫والموال والعراض‪ ،‬وتعطلت مأحكام الله فيما بينهم‪،‬‬
‫ونشبت حروب وفتن وبليا توشلدت على أثرهإا عداوة‬
‫وبغضُاء لم تزل عنها حتى بعد زوالهم‪.‬‬
‫‪ -5‬وبسبب البتعاد عن كتاب الله وسإنة رسإوله × سإهلت‬
‫مهمة النصارى فى ال من يد مللسُ فأصبحت شوكتهم تقوى‬
‫وتحصلوا على مكاسإب كبيرة‪ ،‬وغاب نصر الله عن ملوك‬
‫الطوائف وأهإل ال من يد مللسُ‪ ،‬وحرموا من التمكين‪ ،‬وأصبحوا‬
‫دن تبتلى بالجوع‬ ‫م ل‬‫فى خوف وفزع من أعدائهم‪ ،‬وبعض ال ل‬
‫ل النصارى من‬ ‫بسبب حصار النصارى لهم‪ ,‬وكم قت م‬
‫مين وكم سإبوا من نسائهم‪.‬‬ ‫سل م م‬ ‫م ي‬ ‫ال ل‬
‫‪ -6‬إن البتعاد عن شرع الله فى ال من يد مللسُ ترتب عليه انتقاصا‬
‫الرض وضياع الملك‪ ،‬وتسسلط الكفار وتوالى المصائب‪.‬‬
‫دين‬ ‫‪ -7‬إن من سإنن الله تعالى المستخمرجة من حقائق ال ي‬
‫سإشلط عليهم‬ ‫من يعرفونه م‬ ‫م م‬ ‫عصى الله تعالى م‬ ‫والشتامريخ أنه إذا ل‬
‫مين‬‫سل م م‬‫م ي‬ ‫من ل يعرفونه‪ ،‬ولذلك سإلط الله النصارى على ال ل‬ ‫ش‬ ‫م‬
‫فى ال من يد مللسُ‪ ،‬وعندما تحرك الفقهاء والعلماء وبعض‬
‫دين‪ ،‬والتفوا حول دولة‬ ‫الملوك واسإتنصروا إخوانهم فى ال ي‬
‫ش‬
‫الشريعة نصرهإم الله على أعدائهم‪ ،‬ثم خلص الله أهإل‬
‫ال من يد مللسُ من ملوك الطوائف الظالمين وأبدلهم بأمراء‬
‫‪113‬‬
‫عادلين‪ ،‬منقادين لشريعة رب العالمين‪.‬‬
‫‪ -8‬إن الذنوب التى يهلك الله بها القرون ويعذب بها المم‬
‫قسمان‪:‬‬
‫أولهماَ‪ :‬معاندة الرسإل والكفر بما جاءوا به‪.‬‬
‫وثاَنَيْهماَ‪ :‬كفر النعم بالبطر والشر‪ ،‬وغمط الحق واحتقار الناس‬
‫وظلم الضُعفاء ومحاباة القوياء‪ ،‬والسإراف فى الفسق‬
‫والفجور‪ ،‬والغرور بالغنى والثروة‪ ،‬فهذا كسله من الكفر‬
‫بنعمة الله‪ ،‬واسإتعمالها فى غير ما يرضيه من نفع الشناس‬
‫ل العام‪ ،‬والشنوع الشثانى من الذنوب هإو الذى مارسإه‬ ‫والعد م‬
‫ملوك ال من يد مللسُ وأمراؤهإم وأتقنوه إتقاصنا عجيصبا‪.‬‬
‫***‬

‫‪114‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫السياسإة الداخلية والخارجية فى دولة المرابطين‬
‫المبحث الول‬
‫حقوق الرعية فى دولة المرابطين‬

‫إن الله تعالى جعل بين الحاكم والمحكوم حقوصقا وواجبات‬


‫متبادلة‪ ،‬وبينت الشريعة الغشراء هإذه الحقوق المتبادلة؛ فمن أهإم‬
‫عي‪:‬‬‫حقوق الرعية على الشرا م‬
‫أو ص‬
‫ل‪ :‬العمل على البقاء على عقيدة المة صافية نقية‪:‬‬
‫دين على أصوله المستقشرة‪ ،‬وما أجمع‬ ‫وذلك عن طريق حفظ ال ي‬
‫عليه سإلف المة‪ ،‬فهذا هإو أهإم المور التى تلزم ولة المر تجاه‬
‫الرعية)‪ ،(1‬وأهإم هإذه الصول‪ :‬التمسك بالكتاب والسنة وإجماع‬
‫القرون المفضُلة الولى‪ ،‬وفى دراسإتى الشتامريخية لدولة المرابطين‬
‫كامها سإاروا على هإذا المنهج الذى رسإمه شيوخهم‬ ‫ح ش‬‫وجدت أن ل‬
‫الذين سإبقوهإم‪ ،‬ولذلك توحدت دولة المرابطين‪ ،‬وكان لذلك‬
‫دين إلى دروب‬ ‫المسلك سإبب فى حماية المة من الشتفسرق فى ال ي‬
‫الهإواء والضُللت‪ ،‬وكان حماية ووقاية للحاكم والمحكوم فى دولة‬
‫المرابطين على السواء من الزيع عن السبيل‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫ل مجلميْلعاَ مولم تميمفلرقجوُاً﴾ ]آل عمران‪ [103 :‬أي‪ :‬تم ش‬ ‫صموُاً بلحربلل اً ل‬ ‫ل‬
‫سكوا بدين‬ ‫﴿مواًرعتم ج م‬
‫الله الذى أمركم به‪ ،‬وعهده الذى عهده إليكم‪ ،‬فى كتابه إليكم من‬
‫اللفة والجتماع على كلمة الحق والتسليم لمر الله«)‪ ,(2‬لقد كان‬
‫كام دولة المرابطين على‬ ‫ح ش‬‫يوسإف بن تاشفين ومن سإبقه من ل‬
‫سإلبل أهإل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫عة‪،‬‬ ‫م‬ ‫جما‬ ‫م‬ ‫وال‬ ‫السنة‬ ‫منهج الفرقة الناجية وسإبيل أهإل‬
‫الزيغ والتفريق التى نهى الله عنها فى قوله‪﴿:‬مولم تمجكوُنَجوُاً مكاَللذيمنَ تميمفلرقجوُاً‬
‫ض جوججوُهء موتمرسموُيد‬ ‫ب معلظيْءمُ ‪ ‬يميروُمم تم ريبييْم ي‬‫ك لمجهرمُ معمذاً ء‬ ‫مواًرختميلمجفوُاً لمنَ بميرعلد مماَ مجاَءمجهجمُ اًرلبمييْبيمناَ ج‬
‫ت موجأولمئل م‬
‫جوججوُءه﴾ ]آل عمران‪.[105،106:‬‬
‫قال ابن عشباس –رضى الله عنهما‪» :-‬يعنى تبيض وجوه أهإل‬
‫ود وجوه أهإل الفرقة والزيغ«)‪ ،(3‬لقد قام‬ ‫عة وتس ش‬ ‫جما م‬ ‫السنة وال م‬
‫عة بتشجيع‬ ‫جما م‬ ‫يوسإف بن تاشفين بحماية أصول أهإل السنة وال م‬
‫‪1‬‬
‫)‪ (2‬تفسير الطبري‪) ،‬جُّ‬ ‫)( الحكام السلطانية للماوردي‪ ،‬صا )‪.(22‬‬
‫‪.(7/70‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫)( تفسير ابن كثير‪) ،‬جُّ ‪.(1/369‬‬
‫‪115‬‬
‫العلماء والفقهاء وبنشرهإا وحمل الناس عليها واسإتخدم فى ذلك‬
‫سإلطانه وصلحياته الشرعية)‪.(1‬‬
‫ثانيصا‪ :‬توحيد المغرب تحت راية الخلفة السإلمية‪:‬‬
‫قام يوسإف بن تاشفين بتوحيد المغرب القصى تحت راية‬
‫الخلفة السإلمشية‪ ,‬واسإتعمل من أجل هإذا الهدف كافة السإباب‬
‫المشروعة سإواء بإصلح ذات البين بين القبائل المتناحرة‪ ،‬أو‬
‫من اسإتعصى عن الجابة‪ ،‬وكان يسعى سإعصيا‬ ‫باسإتعمال القوة مع م‬
‫حثيصثا للقضُاء على الشرور فى بلده‪ ،‬ويعمل على إغلق أبوابها‬
‫لحكام بين المتشاجرين‪،‬‬ ‫أول ص بأول وسإبيله فى ذلك‪» :‬تنفيذ ا م‬
‫م النصفة‪ ،‬فل يتعدى ظالم‬ ‫المتنازعين حتى تع ش‬ ‫وقطع الخصام بين‬
‫)‪(2‬‬
‫ول يضُعف مظلوم« ‪.‬‬
‫ثالثصا‪ :‬العمل على حماية المة من المفسدين والمحاربين‪:‬‬
‫مين يوسإف بن تاشفين أن يؤمن‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫حيث اسإتطاع أمير ال ل‬
‫السبل فى بلده‪ ,‬وأن يبسط المن‪ ,‬ويقمع الخطار التى هإددت‬
‫دولته من المارقين‪ ,‬ونظم طرق السإفار ومسارب التجارات‪.‬‬
‫قا من حقوق‬ ‫وقد عد ش علماء السإلم تأمين السبل والطرق ح ص‬
‫الرعية التى سإليسأل عنها كل راع‪ ،‬فذكروا أن المام يلزمه‪:‬‬
‫حرم‪ ،‬ليتصرف الناس فى‬ ‫»حماية بيضُة السإلم‪ ,‬والذب عن ال ل‬
‫‪-‬‬
‫معايشهم وينتشروا فى أسإفارهإم آمنين على أنفسهم وأموالهم«‬
‫دين وتمكينه‪،‬‬ ‫ك أن تأمين السبل دليل باردز على انتصار ال ي‬ ‫)‪ ,(3‬ول ش ش‬
‫دعا عدى بن حاتم إلى السإلم‪ ،‬وعده – إن طالت به‬ ‫فإنه × لما م‬
‫مين آمنة‪ ،‬وسإبلهم محفوظة لما‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬ ‫الحياة – أن يرى طرق ال ل‬
‫مين بعد ضعفهم‪ ،‬فقد روى البخارى‬ ‫سل م م‬‫م ي‬ ‫يؤول إليه المر من قوة ال ل‬
‫فى صحيحه عن عدى بن حاتم قال‪» :‬بينما أنا عند النبى × إذا‬
‫أتاه رجل فشكا إليه الفاقة‪ ،‬ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا عدى هإل رأيت الحيرة؟ قلت‪ :‬لم أرهإا‪ ،‬وقد أنبئِّت عنها‪،‬‬
‫قال‪ :‬فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى‬
‫دا إل الله‪ «...‬وفيه أن عدصيا ‪ ‬ىىى‬ ‫تطوف بالكعبة ل تخاف أح ص‬
‫ىىىىى‪» :‬ىىىىى ىىىىىىى ىىىىى ىى ىىىىىى ىىى ىىىى‬
‫ىىىىىىى ىى ىىىى ىىى ىىىى«)‪.(4‬‬
‫‪1‬‬
‫)( انظر‪ :‬الحكم والتحاكم‪) ،‬جُّ ‪.(2/514‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الحكام السلطانية للماوردي‪ ،‬صا )‪.(22‬‬
‫‪3‬‬
‫)‪ (4‬المصدر السابق صا )‪.(27‬‬
‫‪4‬‬
‫)( أخرجه البخاري‪ :‬كتاب المناقب‪ ،‬باب علمة النبوة‪) ،‬جُّ ‪ ،(6/706‬رقم الحديث )‬
‫‪.(3595‬‬
‫‪116‬‬
‫رابعا‪ :‬العمل على حماية المة من أعداء الخارجُّ‪:‬‬
‫ص‬
‫قام المير يوسإف بن تاشفين – رحمه الله – بأعمال عظيمة‬
‫ل عدوّ يحاول أن يعتدي‪ ،‬واتخذ كل‬ ‫حماية لدولته وشعبه من ك ي‬
‫السإباب المتاحة من أجل تحقيق هإذا العمل المنشود من تحصين‬
‫دة المانعة والقوة الدافعة حتى ل يظفر العداء بثغرة‬ ‫الثغور بالعل ش‬
‫)‪(1‬‬
‫ما لمسلم أو معاهإد ‪.‬‬ ‫ما‪ ,‬ويسفكون د ص‬ ‫ينتهكون بها محر ص‬
‫ل محاولت أعداء دولته من البرغواطيين‬ ‫وقضُى على ك ي‬
‫ماديين الذين حاولوا ضم أراض من دولته‪ ,‬وقضُى‬ ‫ح ش‬
‫والمغاورة وال م‬
‫ماديين احترامه بالقوة‪.‬‬ ‫ح‬
‫م ش‬ ‫ال‬ ‫وألزم‬ ‫واللحاد‪,‬‬ ‫الكفر‬ ‫على دويلت‬
‫ضمعت الشريعة لجله‪:‬‬
‫خامسصا‪ :‬حفظ ما ول م‬
‫فقام بإقامة الحدود‪ ،‬حتى لتصان محارم الله عن النتهاك‪,‬‬
‫وتحفظ حقوق العباد من أى إتلف أو اسإتهلك‪ ,‬ونفذ فى رعي شمته‬
‫س مأن تمرحجكجموُاً لباَلرمعردلل﴾ ]النساء‪.[58:‬‬
‫قوله تعالى‪﴿ :‬موإلمذاً محمكرمتجرمُ بميريْمنَ اًللناَ ل‬
‫جهاديا‪:‬‬
‫ص‬ ‫إعدادا‬
‫ص‬ ‫سإادسإا‪ :‬إعداد المة‬
‫ص‬
‫ومسيرة المرابطين منذ خروجهم من رباط عبد الله بن ياسإين‬
‫ل على أشنهم قوم مجاهإدون‪ ،‬وقام قادتهم بجهاد الوثنيين‪,‬‬ ‫تد س‬
‫واسإتمشر يوسإف بن تاشفين فى قتال أهإل الردة‪ ,‬وغلة المبتدعة‪,‬‬
‫وتوحيد القبائل الخارجة عن نطاق الدولة‪ ،‬وقام بواجبه فى جهاد‬
‫الكفرة المعاندين للسإلم حتى أسإلموا أو أدخلوا فى ذمة‬
‫ي )‪(2‬‬
‫دين كله ‪.‬‬ ‫ما بحق الله تعالى فى ظهور دينه على ال ي‬‫مين قيا ص‬
‫سل م م‬
‫م ي‬‫ال ل‬
‫سإابعصا‪ :‬القيام على تحصيل الصدقات وأموال الزكـــاة‬
‫والخراجُّ والفيء‪:‬‬
‫حيث قام المير يوسإف بالشراف على جباية وصرف الزكاة‬
‫فى مصارفها الشرعية من غير حيف ول عسف‪ ،‬فكانت من‬
‫مصادر دولة المرابطين الزكاة والخراجُّ والفيء وغيرهإا‪ ،‬فكان‬
‫س‪ ،‬بل أسإقطها‪ ,‬وإشنما يأخذ‬
‫المير يوسإف ل يأخذ الضُرائب والمكو م‬
‫)‪(3‬‬
‫قه ‪.‬‬ ‫حيله‪ ،‬ويضُعه فى حقه‪ ،‬ول يمنعه من مستح ي‬‫المال من م‬
‫ثامنصا‪ :‬تحرى المانة فى اختيار المناصب‪:‬‬
‫حرصا المير يوسإف على أن يختار المناء والكفاء وأسإند‬
‫إليهم الوليات وقيادات الجنود ومناصب القضُاة‪ ،‬وحرصا على أن‬
‫‪1‬‬
‫)‪ (2‬انظر‪ :‬الحكام السلطانية‪،‬‬ ‫)( الحكام السلطانية‪ ،‬لبي يعلي‪.‬‬
‫للماوردي‪ ،‬صا )‪.(23‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫)( انظر‪ :‬السياسإة الشرعية‪ ،‬لبن تيمية‪ ،‬صا )‪.(29‬‬
‫‪117‬‬
‫من يجده لذلك العمل‪،‬‬‫ح م‬‫مين أصل م‬
‫سل م م‬ ‫يويلى كل عمل من أعمال ال ل‬
‫م ي‬
‫سنشية من أجل أن‬
‫واختار وانتخب أحسن وأنفع العناصر لدولته ال س‬
‫يقوم بواجبه نحو رعي شمته‪.‬‬
‫تاسإعصا‪ :‬الشراف المباشر على شئِّون الدولة‪:‬‬
‫اعتاد المير يوسإف أن ليشرف بنفسه على أمور رعي شمته‪ ،‬ويتابع‬
‫ولته‪ ,‬ويزورهإم فى مواطنهم‪ ,‬ويستمع للشناس‪ ،‬وما كان يعتمد على‬
‫التفويض وحده؛ خوصفا من الله تعالى الذى قال فى كتابه‪﴿:‬مياَ مداًجوجد إللنَاَ‬
‫ل﴾‬ ‫ك معنَ سلبيْلل اً ل‬
‫م‬
‫س لباَلرحبق ولم تميتلبللع اًلرمهوُىِ فمييْ ل‬
‫ضل م‬ ‫م ج‬ ‫مجمعرلمناَمك مخلليْمفةل لفىِ اًلمرر ل‬
‫ض مفاَرحجكرمُ بميريْمنَ اًللناَ ل م م‬
‫]صا‪ ,[26 :‬وقد عد ش المام الماوردى هإذا المر من حقوق الرعية‬
‫على الوالي‪ ،‬وذكر أنه يلزمه‪» :‬أن يباشر بنفسه مشارفة المور‪,‬‬
‫ول‬ ‫وتصفح الحوال؛ لينهض بسياسإة المة وحراسإة الملة‪ ،‬ول يع ي‬
‫ذة‪ ,‬أو عبادة؛ فقد يخون المين‪ ,‬ويغش‬ ‫على التفويض تشاغل ص بل ش‬
‫الناصح‪.(1) «...‬‬
‫كان المير يوسإف يراقب ولته مراقبة شديدة‪ ,‬ول يتردد ل فى‬
‫تبديلهم وعزلهم إذا أسإاءوا‪ ،‬وكان يضُع مصلحة الرعية فى المقام‬
‫الول عند تعيين الولة ويوصيهم بها خيصرا‪ ،‬وقد جاء فى كتابه إلى‬
‫عبد الله ابن فاطمة‪» :‬فاتخذ الحق إيمانك‪ ،‬وارفع لدعوة المظلوم‬
‫حجابك‪ ،‬ول تسد فى وجه المضُطهد بابك‪ ،‬ووطن للرعية ‪-‬أحاطها‬
‫الله ‪ -‬أكنافك‪ ،‬وابذل لها إنصافك‪ ،‬والحرجُّ من كل ما ميحيف عليها‬
‫دد عليها من عمالك زيادة‪ ،‬أو خرق فى أمرهإا‬ ‫ويؤذيها‪ ،‬ومن سإ ش‬
‫ما‬
‫ما ظل ص‬ ‫ما‪ ،‬أو أخذ لنفسه منها درهإ ص‬
‫دل حك ص‬
‫ما‪ ،‬أو ب ش‬
‫عادة‪ ،‬أو غي شمر رسإ ص‬
‫فاعزله من عمله‪ ،‬وعاقبه فى بدنه‪ ،‬وألزمه فى رد ي ما أخذ متعدصيا‬
‫إلى أهإله‪ ،‬واجعله نكال ص لغيره حتى ل يقدم منهم أحد على مثل‬
‫فعله«)‪.(2‬‬
‫وكان المير يوسإف ليخطر أهإل الولية بتعيين الوالى‬
‫الجديد؛ فكتب إلى أهإل سإبتة بشأن المير يحيى بن أبى‬
‫بكر‪» :‬ونحن من وراء اختياره والفحص عن أخباره‪ ،‬فإذا‬
‫وصل إليكم كتابنا؛ فالتزموا له السمع والطاعة‪ ،‬والنصح‬
‫والمتابعة جهد السإتطاعة«)‪ (3‬بالضافة إلى ذلك كان المير‬
‫يوسإف كثير الطواف فى مملكته للشراف على تنفيذ‬
‫أوامره وتعليماته من قبل الولة)‪ ,(4‬والطلع على أحوال‬
‫‪1‬‬
‫الحكام السلطانية للماوردي‪ ,‬صا )‪.(29‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(66‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫المرجع السابق‪ ،‬صا )‪.(166‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الندلسُ فى عهد المرابطين‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪118‬‬
‫الرعية والنظر فى أمورهإا‪.‬‬
‫***‬

‫اسإتفدت فى مباحث أثر حكم الله على دولة المرابطين‪ ،‬وأثر ترك حكم الله‬
‫والواجبات السياسإية التي قام بها المير يوسإف من كتاب الحكم والتحاكم فى‬
‫خطاب الوحي‪ ،‬للمؤلف عبد العزيز مصطفى كامل‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫موقف الرعية فى دولة المرابطين‬
‫ت الرعية فى دولة المرابطين حقوقها الشرعية‪،‬‬ ‫لقد اسإتوف ي‬
‫ش‬
‫حكامها وولتها‪ ,‬وأهإم هإذه‬‫دا أن تؤديم واجباتها إلى ل‬‫فكان طبيعصيا ج ص‬
‫الواجبات التى أدتها‪:‬‬
‫أولص‪ :‬الطاعة‪:‬‬
‫كان مسلمو المغرب فى زمن دولة المرابطين يتقربون إلى‬
‫الله تعالى بطاعة أميرهإم والنقياد له فى كل معروف‪ ،‬ويرون هإذه‬
‫كامهم بنص القرآن وصريح السنة وصحيحها‪.‬‬ ‫ح ش‬ ‫قا ثابصتا ل ل‬ ‫الطاعة ح ص‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫قال تعالى‪﴿ :‬مياَ أمييمهاَ اً ذيمنَ آممنجوُاً أمطيْعجوُاً اًلم موأمطيْعجوُاً اًللرجسوُمل موجأولىِ اًلرملر‬
‫لمرنجكرمُ﴾ ]النساء‪.[59:‬‬
‫وفى مجتمع المرابطين كانت الشريعة فوق الجميع يخضُع لها‬
‫كام كانت عندهإم مقيدة‬ ‫ح ش‬ ‫الحاكم والمحكوم‪ ،‬ولهذا فإن طاعة ال ل‬
‫ما بطاعة الله ورسإوله‪.‬‬ ‫دائ ص‬
‫)‪(1‬‬
‫قال ×‪» :‬ل طاعة فى المعصية‪ ،‬إنما الطاعة فى المعروف« ‪.‬‬
‫ثانيصا‪ :‬النصرة‪:‬‬
‫مون تحت قيادة أمراء المرابطين يعاضدون‬ ‫سل م ل‬
‫م ي‬ ‫كان ال ل‬
‫وينصرون أمراءهإم فى أمور دينهم وجهادهإم لعدوهإم عاملين بقوله‬
‫تعالى‪﴿ :‬موتميمعاَمونَجوُاً معملىِ اًرلببر مواًلتليرقموُىِ ﴾ ]المائدة‪.[2:‬‬
‫كامهم‪ ،‬ويدافعون‬ ‫ح ش‬
‫وكانوا يكرمون من يقيم شرع الله من ل‬
‫وينافحون عنه ويكرمونه ويجلونه لقوله ×‪» :‬إن من إجلل الله‬
‫تعالى‪ :‬إكرام ذى الشيبة المسلم‪ ،‬وحامل القرآن غير الغالى فيه‬
‫والجافى عنه‪ ,‬وإكرام ذى السلطان المقسط«)‪.(2‬‬
‫ثالثصا‪ :‬النصح‪:‬‬
‫قامت هإذه الدولة الميمونة المباركة على النصح المتبادل بين‬
‫الحاكم والمحكومين‪ ،‬ونجد إن أحد الوزراء يطلب من المير‬
‫يوسإف عدم جواز البحر فى جهاده ضد النصارى حتى يسلم‬
‫مد بن ع مشباد له الجزيرة الخضُراء‪ ،‬فيسمع المير يوسإف هإذه‬
‫معيت م م‬
‫ال ل‬
‫النصيحة وينفذهإا فى أرض الواقع‪ ،‬وامتنع عن جواز البحر حتى‬
‫صل على تلك الجزيرة التى أفادته فى جهاده كثيصرا‪ ،‬لقد كانت‬ ‫تح ش‬
‫‪1‬‬
‫)( أخرجه البخاري فى كتاب الحكام‪ ،‬باب السمع والطاعة‪ ،‬حديث )‪.(7145‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه أبو داود‪ ،‬كتاب الدب‪ ،‬باب تنزيل الناس منازلهم )‪/23‬رقم ‪.(4822‬‬
‫‪120‬‬
‫قيادات المرابطين تستمع للنصح فى تواضع جم‪ ،‬واسإتعداد نفسى‬
‫صلوا عليها‪.‬‬ ‫رفيع يدل على عمق التربية العميقة التى تح ش‬
‫إن السإلم أوجب على الرعية أن لتناصح ولة أمرهإا‪ ،‬وقد جاء‬
‫المر بذلك فى حديث من جوامع الكلم لرسإول الله × إذ يقول‪:‬‬
‫من يا رسإول الله؟ قال‪:‬‬ ‫دين النصيحة – ثلصثا – قال الصحابة‪ :‬ل م م‬ ‫»ال ي‬
‫)‪(1‬‬
‫مين وعامتهم« ‪.‬‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬ ‫ش‬
‫لله – عشز وجل‪ -‬ولكتابه ولرسإوله ولئمة ال ل‬
‫ومعنى النصيحة لهم فى هإذا الحديث‪» :‬معاونتهم على الحق‬
‫وطاعتهم فيه وتذكيرهإم به وتنبيههم فى رفق ولطف‪ ،‬ومجانبة‬
‫الوثوب عليهم‪ ،‬والدعاء لهم بالتوفيق«)‪.(2‬‬
‫وقال ×‪» :‬ثلثة ل ليغل عليهن قلب امرئ مسلم‪ :‬إخلصا العمل‬
‫مين‪ ،‬ولزوم جماعتهم«)‪.(3‬‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬‫لله‪ ،‬والنصح لئمة ال ل‬
‫كام المرابطين ببطانة آمرة بالمعروف وناهإية‬ ‫ح ش‬‫لقد أكرم الله ل‬
‫عن المنكر‪ ,‬مرشدة للصواب‪ ،‬ناصحة للراعى والرعية ل تخشى إل‬
‫الله‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬التقويم‪:‬‬
‫ص‬
‫مون الذين ارتبطوا بدولة المرابطين ل يجدون‬ ‫سل م ل‬
‫م ي‬
‫كان ال ل‬
‫جا ول مانصعا فى إيصال ما يرونه من النصح والرشاد وتقويم‬ ‫حر ص‬
‫ش‬
‫حكام أثناء اجتهاداتهم فى شئِّون الحياة‪.‬‬‫الخطاء التى يقع فيها ال ل‬
‫وهإذا المبدأ قد اسإتقشر فى مفهوم الصحابة منذ بداية دعوة‬
‫السإلم‪ ،‬فهذا‬
‫ى‬
‫ىىىى ىىىىىىىىىىىى ىىىىىىىىىى‬ ‫ديق ‪ ‬ىىىىى ى‬ ‫الص يى‬
‫ىىىىىى ىىىى‪» :‬ىىىى ىىىىى‪ ,‬ىىىى ىى ىىىى ىىىىى‪,‬‬
‫ىىى ىىىى‬ ‫ىىىىىىىىى ى‬
‫ى‬ ‫ىىىى ىىىىىىى ىىى ىىىىى‬ ‫ى‬
‫ىىىىىىىى ىىىىى ىىىىىى ىىىىىى ىىىىىى ىىىىىىى‬
‫ىىىى ىىى ىىىى ىىى ىىىى ىىىى ىىى ‪-‬ىى ىىى ىىىى‪-‬‬ ‫ى‬
‫ىىىى ىىىى ىىى ىىى ىىىى ىىى ‪ -‬ىى ىىى‬ ‫ىىىىىى ىىىى‬
‫ىىى ىىىىى‬ ‫ى ىىى ىىىىىى ىى ىىىى ىىىى ى‬ ‫ى‬ ‫ىى‬ ‫ىى‬
‫ى‬ ‫ىىىى‪-‬ى ى‬
‫ىىىى ىىىى ىىى ىىىى ىىىىىىى ىى ىىى ىىى ىىىى ىىىى‬
‫ى ىىىىىىى ىى ىىىى ىىىى ىىىىىىى ىىىى ىىىى‬ ‫ىىىىىىى‪,‬‬
‫ىىىى ىىىىىىى ىىى ىىىى ىى ىىىىى‪ ,‬ىىىىى ىىى ىىىىىى‬
‫ىىىىىى ىىىى«)‪.(4‬‬

‫‪1‬‬
‫رواه مسلم‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب بيان أن الدين النصيحة‪/23) ،‬رقم ‪.(55‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫جامع العلوم والحكم‪ ،‬لبن رجب‪ ،‬صا )‪.(79‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫انظر‪ :‬صحيح ابن ماجه‪ ،‬للشيخ اللباني رحمه الله )جُّ ‪2/182‬رقم ‪.(248‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫البداية والنهاية‪) ,‬جُّ ‪ (1/306‬إسإناده صحيح‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪121‬‬
‫ىىىى ىىىى ‪ ‬ىى ىىىىى ىىىىىى ىىىىى ىى ىىىىى ىىى‬
‫ىىىىىىى ىىىى ىىىىىى ىىى ىىىى‬ ‫ى‬ ‫ىىىىىى ىى ىىىىى‬
‫ىىىىى ىىىى ىىىى‪» :‬ىىى ىى ىىىى ىىىىى ىىىىىىى‬
‫ىىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىىى‬ ‫ىىىىىىى ىىىىىىىى ى‬
‫ىىىىى ىىىىىى‬ ‫ىىىىى ىىىىىىىىى ىىىىىىىى ىىىى ىىىىى‬ ‫ى‬
‫ى ىىىى ىىىىى ىىىىىى ىىى ىىى ىى ىىىى ىىىىىىى‬ ‫ىى‬
‫ى ى‬
‫)‪(5‬‬
‫ىىى ىىى ىىىى ىىى« ‪.‬‬
‫ىى ىىىىى ىىىىىى ىىىىىىىى ىى ىىىىىىى ىىىىى‬
‫ىىىىى ىىىىى ىىىى ىىىى‪ ,‬ىىىىىى ىىىى‪ ,‬ىىىىىىى‬ ‫ى‬
‫ى‬
‫من يجعلون‬ ‫ىىىىىى ىىىىىىى‪ ,‬وثانيصا‪ :‬فهى بعيدة كل البعد ع ش‬
‫من يحقرون‬ ‫ى‬
‫من ل يسألون فيها عما يفعلون‪ ,‬وبين م‬ ‫فى مرتبة م‬
‫كامهم بدون وجه حق‪ ،‬إن الحاكم فى السإلم له‬ ‫ح ش‬‫ويمتهنون ل‬
‫احترامه وحقوقه المستمدة من كتاب الله وسإنة رسإوله ×‪،‬‬
‫دة من أصل عقيدة السإلم‪ ،‬لذلك‬ ‫وكذلك للمحكوم حقوقه المستم ش‬
‫نجد النصح والنقد والتقويم بين الحاكم والمحكوم فى تاريخ‬
‫السإلم على مير العصور والزمان‪ ،‬فإذا تأملت فى الدول التى‬
‫ل ‪-‬وجدت هإذه المعالم‬ ‫سإارت على شرع الله المولى ‪ -‬عشز وج ش‬
‫واضحة‪.‬‬
‫وهإذا يوسإف بن تاشفين عندما دخل فى بلد ال من يد مللسُ للجهاد‬
‫فى سإبيل الله فأرسإل إلى أهإل المرية من ممالك ال من يد مللسُ‪ ،‬وذكر‬
‫طاب‬‫لهم أىن جماعة أفتوه بجواز طلب العون اقتداء بعمر بن الخ ش‬
‫ىىىىىى »ىىى ىىى ىىىى ىى ىىىىىى« ى‬ ‫ى‬ ‫ى‬
‫ىىى‬
‫ى‬ ‫ى‬ ‫ىىىى‬ ‫‪ ‬ىىى‬
‫ىىىىىى ىىىى ىىى ىىى ىىى ىىىىىى ىىىىى ىىى ىىىىى‬
‫ىىىى ىىىىىىى‬ ‫ى‬
‫ىىىىىىى ىى ىىىىى ىىى ى‬ ‫ى‬
‫ىىىىىى‬
‫ى‬ ‫ىىى‬
‫ىىىى ىىى ىىىىىى ىى ىىىىى ىىىىىى‬ ‫ىىى ىىى ىىىى‪ ,‬ى‬
‫ىىىىى ىىى ىىىىىى‬ ‫ى‬ ‫ىىىى ىى ىىىىىى ىىىى‬
‫ىى‬ ‫ىىىىىى ى‬
‫ىىىى‪» :‬ىىى ىىى‪ ,‬ىى ىىىى ىىىى ىىىىىىىى ىى ىىىىىى‬
‫ىىىىىى ىىىىىى‬ ‫ىى‬
‫ىىى ىىى ىىىى‬ ‫ىىىىىىى ىىىىىىى ىى ىىىى ى‬
‫ىىىىى ىىىىىى ىىىىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىىى ىىىىى‬
‫ىىى ىىى ىىى ىىىىىى ‪ ‬ىىىىىىىى ىىىى ىىىى ىىىى‬
‫ىىىى × ىىىىىى ىى ىىىىى ىىى ىىى ىى ىىىىى ىىىى ىىىى‬
‫ىىىىىىىى ىىىىى ىىىى ىىىى × ىىى ىىىىىى ىى ىىىىى‬
‫ىىى ىى ىى ىىى ىى ىىىىى ىىى ىىى ىىىىىىى ىىىىىىى‬
‫ىىىىىى ىىىىىى ىى ىىىىى ىىىىى ىىىىىى ىى ىىىىىى‬
‫ىىىى ىىى ىىىىىىى ىىى ىىى ىىى ىىىى ىىىى ىىىى ×‬
‫‪5‬‬
‫)( الطبقات الكبرى‪ ،‬محمد بن سإعد‪) ،‬جُّ ‪.(8/222‬‬
‫‪122‬‬
‫ىى‬
‫ىىىى ىى ىىى ىىىى ىىىى ىىىى ىى ىىى ىىى ىىىىىىىى‬
‫ىىىىى ىىىىىى ىىىىىى ىىىىىى ىىىىىى ىىىى ىى‬
‫ىىىىى‬
‫ىىى ىىىىىى ىىىىى ىى ىىى ىىىى ىىىى ىىىىى ىىى ىى‬
‫)‪(1‬‬
‫ىىى ىىى ىىىىىىىى‪ ,‬ىىىىىى ىىىىىى ىىى‪ ,‬ىىىىىىى« ‪.‬‬
‫ى‬
‫ىىىىىىى ىى ىىى ىىىىىىى ىى ىىىىى ىىىىىىىى‬ ‫ىىىىى‬
‫ىىىىىىى ىى ىىىى ىىىىى ىىى ىىىىىىى ىىىىىىىى ىىىى‬
‫ىىى ىىىى ىىىىىىى ىى ىىىىىىى ىىى ىىىىىى ىىىىىى‬
‫ىىىىى ىىىىىىىىىىى ىىىىى ىىىىىىى ىىىىىىىى ىىىىى‬
‫ى‬
‫ىىىىىى ىىىىىى ىى ىىىى ىىىىىى ىىىى ىىى ىىىىى‬
‫ى ى‬
‫ىىىىىى ىىىىىىىىى ىىى ىىى ىى ىىىى‬ ‫ىىىىىىىىى‬
‫ى ى‬
‫ىىىىىىىىى ىىىىىى‪.‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( وفيات العيان)جُّ ‪.(7/119‬‬
‫‪123‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫موقف المرابطين من الخلفة العباسإية‬

‫رأى المرابطون إن مبايعة الخليفة العشباسإى واجبة‪ ،‬ولذلك‬


‫أعطوا بيعتهم له لكونهم مالكيين سإنيين‪ ،‬فاعترفوا بالخلفة‬
‫العباسإية واتخذوا السواد شعاصرا لهم‪ ،‬ونقشوا اسإم الخليفة‬
‫العشباسإى على نقودهإم منذ منتصف القرن الخامسُ الهجري‪ ،‬وبعد‬
‫أن بسط المير يوسإف سإيادته على ال من يد مللسُ طلب منه الفقهاء أن‬
‫تكون وليته من الخليفة لتجب طاعته على الكافة‪ ،‬ونزول ص عند‬
‫رغبتهم اتصل بالخليفة العشباسإى أحمد المستظهر بالله ‪-487‬‬
‫‪512‬هإـ ‪1094 /‬م‪1118 -‬م وأرسإل إليه بعثة من عبد الله بن‬
‫مد بن العربى المام المعروف‪ ،‬وزشودهإا بهدية ثمينة‪ ,‬وبكتاب‬ ‫ح ش‬ ‫م م‬
‫ل‬
‫ل‬ ‫م‬
‫يذكر فيه ما فتح الله على يده من البلد فى المغرب والن يد ملسُ‪،‬‬
‫وما أحرزه من نصر للمسلمين‪ ،‬وعّز للسإلم‪ ،‬ويطلب فى النهاية‬
‫دت البعثة مهمتها‬ ‫دا بولية البلد التى بسط نفوذه عليها‪ ،‬وأ ش‬ ‫تقلي ص‬
‫طفت فى القول‪ ,‬وأحسنت البلغا وعادت إلى المغرب‬ ‫بنجاح؛ فتل ش‬
‫سإشر بذلك‬ ‫بتقليد الخليفة وعهده للمير يوسإف بن تاشفين الذى ل‬
‫ما)‪.(1‬‬ ‫سإروصرا عظي ص‬
‫لقد كانت دولة المرابطين من الناحية العملية تستطيع أن‬
‫تستغنى عن الخلفة العباسإية الضُعيفة‪ ,‬حيث إن السلطان ل يملك‬
‫من السلطة إل اسإمه‪ ،‬بل كان المير يوسإف أكثر قوة منه؛ يملك‬
‫صهم على تنفيذ مأحكام‬ ‫ويحكم‪ ،‬ولكن حشبهم لشريعة السإلم وحر م‬
‫الله فى أسإوأ الظروف جعلهم يتقيدون بذلك‪ ،‬لقد كانت توجيهات‬
‫القرآن الكريم فى وجوب لزوم الجماعة وذم الشتفسرق واضحة‬
‫المعالم بالنسبة إليهم‪ ,‬ولقد كانت أحاديث رسإول الله × فى هإذا‬
‫المضُمار هإى التى أرشدتهم للنضُمام للخلفة العباسإية الضُعيفة‪،‬‬
‫ك لمجهرمُ‬ ‫ت موجأولمئل م‬ ‫قال تعالى‪﴿:‬مولم تمجكوُنَجوُاً مكاَللذيمنَ تميمفلرقجوُاً مواًرختميلمجفوُاً لمنَ بميرعلد مماَ مجاَءمجهجمُ اًرلبمييْبينماَ ج‬
‫ت جوججوُجهجهرمُ أمركمفررتجرمُ بميرعمد لإيمماَنَلجكرمُ‬ ‫ض جوججوُهء موتمرسموُيد جوججوُهء فمأملماَ اًللذيمنَ اًرسموُلد ر‬ ‫ب معلظيْءمُ ‪ ‬يميروُمم تم ريبييْم ي‬ ‫معمذاً ء‬
‫ل جهرمُ لفيْمهاَ‬
‫ت وجوُجهجهمُ فملفىِ ررحملة اً ل‬
‫م م‬ ‫ض ر جج ر‬ ‫ب بلمماَ جكرنتجرمُ تمركجفجرومن ‪ ‬موأملماَ اًللذيمنَ اًبرييْم ض‬ ‫فمجذوقجوُاً اًلرمعمذاً م‬
‫مخاَللجدومن﴾ ]آل عمران‪.[107-105:‬‬
‫لقد ذكر ابن جرير بسنده عن ابن عشباس – رضى الله عنهما‪:-‬‬
‫قوله‪﴿ :‬مولم تمجكوُنَجوُاً مكاَللذيمنَ تميمفلرقجوُاً مواًرختميلمجفوُاً﴾ ونحو هإذا فى القرآن أمر الله‪-‬‬
‫فرقة‪،‬‬ ‫جل ثناؤه ‪-‬المؤمنين بالجماعة‪ ،‬فنهاهإم عن الختلف وال ل‬
‫‪1‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(157‬‬
‫‪124‬‬
‫من كان قبلهم بالمراء‪ ,‬والخصومات فى دين‬ ‫وأخبرهإم إشنما هإلك م‬
‫الله«)‪.(1‬‬
‫والحاديث فى هإذا الشأن كثيرة‪ :‬فعن ابن عشباس – رضى الله‬
‫من فارق الجماعة شبصرا فكأشنما‬
‫عنهما – قال‪ :‬قال رسإول الله ×‪ » :‬م‬
‫خلع ربقة السإلم من عنقه«)‪.(2‬‬
‫وعن ابن عمر –رضى الله عنهما – قال‪ :‬سإمعت رسإول الله ×‬
‫ميتة جاهإلشية« )‪.(3‬‬
‫من فارق الجماعة‪ ،‬فإنه يموت م‬ ‫يقول‪ » :‬م‬
‫والمراد بميتة الجاهإلية ‪-‬وهإى بكسر الميم‪ -‬حالة الموت كموت‬
‫أهإل الجاهإلية على ضلل‪ ،‬وليسُ له إمام مطاع‪ ،‬لشنهم كانوا ل‬
‫يعرفون ذلك‪ ،‬وليسُ المراد أنه يموت كافصرا‪ ،‬بل يموت عاصصيا‪ ،‬لقد‬
‫ذهإب علماء المرابطين إلى أن الجماعة المقصودة فى الحديث‬
‫)‪(4‬‬
‫مين إذا اجتمعوا على أمير‪ ،‬موافق للكتاب والسنة ‪.‬‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫جماعة ال ل‬
‫هإذا فى نظرى سإبب دخول المرابطين تحت الخلفة العباسإية‪،‬‬
‫وأما ما ذكره المؤرخون أن من أسإباب ذلك بعدهإم عن العشباسإيين‪،‬‬
‫ب‬‫صة بعد أن تطشرق إليهم الفساد‪ ،‬ود ش‬ ‫ولذلك كانوا ل يخشونهم خا ش‬
‫الضُعف فيهم‪ ،‬وهإى ل تشكل أى خطر عليهم‪ ،‬فإينى اسإتبعد ذلك‬
‫حيث إن سإياسإة قادة المرابطين تقاد بالشرع‪ ،‬وليسُ العكسُ‪،‬‬
‫فهم إسإلميون سإياسإيون‪ ،‬وليسوا سإياسإيين إسإلميين فى‬
‫داخل مشية وارتباطاتهم الدولية‪.‬‬
‫علقاتهم الخارجشية وشئِّون دولتهم ال ش‬
‫أولص‪ :‬الخطاب الذى رفعه الفقيه ابن العربى إلى الخليفة‬
‫المستظهر بالله ‪512-487‬هإـ‪:‬‬
‫ول يوسإف بن تاشفين حكم بلد المغرب‬ ‫دا يخ ي‬
‫يلتمسُ فيه تقلي ص‬
‫وال من يد مللسُ‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم عليه توكلي‪:‬‬
‫أسإعد الله الدنيا وأهإلها بدوام أنوار المواقف المقدسإة النبوية‬
‫مين أمدهإا‬‫سل م م‬
‫م ي‬
‫المامية المستظهرية‪ ،‬وضاعف مددهإا‪ ،‬ول أرى ال ل‬
‫بغرائب مجد تبدعها‪ ،‬وفرائض تشرعها الخلفة‪ ،‬ومستأنف سإعود‬
‫تحرصا جنابها‪ ،‬ول زالت اليام التى هإى ليامها غرر‪ ،‬وفى إكليل‬
‫الخلفة درر‪ ،‬وللدهإر تمائم‪ ،‬وفى المحل غنائم‪ ،‬والحمد لله الذى‬
‫جعل المواقف المقدسإة النبوية المامية المستظهرية شرائط‬
‫صها بالمجد المؤثل المطول بالنتساب‪ ،‬كابصرا عن كابر‬ ‫السواد‪ ،‬وخ ش‬
‫)‪(5‬‬
‫إلى أعلى خندف ‪ ،‬فهى أعلهإا عماصدا‪ ,‬وأوراهإا فى مواقف الفضُل‬
‫زناصدا‪ ,‬أرومة الرسإالة وجرثومة الخلفة‪ ،‬إليها ينزع هإاشم‪ ،‬وعنها‬
‫‪1‬‬
‫جامع البيان )جُّ ‪.(4/39‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫البخاري‪ ،‬فتح الباري‪ ،‬جُّ )‪.(13/7‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫انظر‪ :‬الشيخ اللباني رحمه الله فى السلسلة الصحيحة )جُّ ‪.(984 /‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫انظر‪ :‬وجوب لزوم الجماعة وترك التفرق‪ ،‬د‪ .‬جمال أحمد‪ ،‬صا )‪.(97‬‬ ‫)(‬
‫‪125‬‬
‫أخذت المكارم‪ ،‬مفاخر شهد لها الكتاب المنزل‪ ،‬وعهد بتخليدهإا‬
‫مخبصرا عن الوحى فى آله وعقبه النبى المرسإل‪ ،‬قد آمنت بعصمة‬
‫الله من الغير‪ ،‬وتحققت أواخرهإا على السنن أولها فى هإداية‬
‫ن به من توفيقنا‬ ‫البشر بحسن السير‪ ،‬أوزعنا الله الشكر على ما م ش‬
‫للتمسك بعراهإا الوثيقة‪ ,‬والهإداء بهداهإا إلى واضح الطريقة‪ ،‬فهم‬
‫دين وسإليتنا‪ ،‬اسإتعملنا الله من طاعته‬ ‫دين أمتنا‪ ,‬ويوم ال ي‬‫فى ال ي‬
‫وطاعتهم بما يؤدى إلى مرضاته ومرضاتهم‪ ،‬إنه المويفق الهادى ل‬
‫ب غيلره‪.‬‬ ‫ر ش‬
‫وإن الخادم بالدعية المتقبلة للمواقف المقدسإة النبوية‬
‫المامية المستظهرية‪ ،‬ألهمه الله منها لما يسمع فيرفع بمنه لما‬
‫علم بموجب الشرع أن بيعة المام العادل من أركان الديانة‪ ،‬ومما‬
‫يتعين ما يحتمل من رعاية المانة‪.‬‬
‫هإاجر إلى ذلك بنفسه وبابنه المسترق القن من أقصى‬
‫دا أن عمله أفضُل القرب والرغائب‪ ،‬واحتمل برد‬ ‫المغارب‪ ،‬معتق ص‬
‫الهواء وظمأ الهواجر‪ ،‬واقتحم دون ذلك مسالك بلغت فيها القلوب‬
‫الحناجر‪ ،‬ولم يثنه بحر يزخر‪ ،‬ول قفر يذعر ويحتسب فى ذلك‬
‫أثره‪ ،‬ويرجو أن يقبل الله يوم الجزاء عثره‪ ،‬إلى أن انتهى هإو وابنه‬
‫إلى مدينة السلم ل زالت محروسإة من مغيمر اليام‪ ،‬عاصمة لمن‬
‫التجأ إليه من مهتضُمى النام‪.‬‬
‫سإل بهجرته‪،‬‬ ‫ولم يزل الخادم بالدعية المتقبلة بحول الله يتو ش‬
‫ويتقشرب بخلوصا علنيته وسإريرته‪ ,‬ويسأل تشريف رقاعه‪،‬‬
‫بملحظاتها‪ ،‬والشنظر من انقطاعه‪ ،‬رغبة فى الحظ الجسيم‪ ،‬إلى أن‬
‫وصل إلى المجلسُ السامى وخدم البساط العالي‪ ،‬زاده الله‬
‫فا‪ ،‬وأنهى أغراض وفادته ومقاصد إدارته‪ ,‬فنفذت‬ ‫ما وتشري ص‬ ‫تعظي ص‬
‫وهإا وتشريفها‪ ,‬واصطفى على‬ ‫الوامر الشريفة‪ ،‬أدام الله سإم ش‬
‫الجميع سإتر سإلطانها‪ ،‬وكنف إحسانها بقبول وسإائله‪ ،‬وإلحاح‬
‫مطالبه‪ ،‬وإضافة الحسان عليه‪.‬‬
‫ل الكرامة‬ ‫ولما بسط له فى المل‪ ،‬وكان هإو وابنه فى مح ي‬
‫دين‪ ،‬وجامع كلمة‬ ‫والجذل‪ ،‬بدأ بعرض ما هإو عليه ناصر ال ي‬
‫مين‪ ،‬القائم بدعوة مولنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬‫ال ل‬
‫وعلى آبائه الطاهإرين‪ ،‬المير أبو يعقوب يوسإف بن تاشفين‬
‫مين باسإتئِّصال فئِّة العناد‪،‬‬‫سل م م‬
‫م ي‬‫المتحرك بالجهاد المتجهز إلى ال ل‬
‫ولمة الفساد‪ ،‬قام بدعوة المامة العباسإية والناس أشياع‪ ,‬وقد‬
‫غلب عليهم قوم دعوا إلى أنفسهم ليسوا من الرهإط الكريم‪ ،‬ول‬
‫من شعبة الطاهإر الصميم‪ ،‬فنشبه جميع من كان فى أفق قيامه‬

‫‪5‬‬
‫)( خندف هإي امرأة إلياس بن معز أحد جدود العرب‪ ،‬وفد عرف بنوه بها‪ :‬نهاية‬
‫الرب فى معرفة أنساب العرب‪ ،‬صا )‪.(248‬‬
‫‪126‬‬
‫من توشقف عنها منذ أربعين عا ص‬
‫ما‬ ‫بالدعوة المامية العباسإية‪ ،‬وقاتل م‬
‫من فى جهة المغارب على سإعتها وامتدادهإا له‬ ‫إلى أن صار جميع م‬
‫قة الجماعة‪،‬‬ ‫طاعة‪ ،‬واجتمعت بحمد الله على دعوته الموفش م‬
‫فيخطب الن للخلفة‪ ،‬بسط الله أنوارهإا‪ ،‬وأعلى منارهإا على أكثر‬
‫من ألفى منبر وخمسمائة منبر‪ ،‬فإن طاعته ضاعفها الله من أول‬
‫مر جملتهم ‪ -‬إلى آخر بلد‬ ‫بلد الفرنج ‪-‬اسإتأصل الله شأفتهم‪ ،‬ود ش‬
‫السوس مما يلى بلد غانة وهإى بلد معادن الذهإب‪ ،‬والمسافة بين‬
‫الحدين المذكورين مسيرة خمسة أشهر‪ ،‬وله وقائع فى جميع‬
‫أصناف الشرك من الفرنج وغيرهإم قد فللت غربهم‪ ،‬وقللت‬
‫حزبهم‪ ،‬وألفت جموعه حربهم‪ ،‬وهإو مستملر على مجاهإدتهم‪،‬‬
‫ومضُايقتهم فى كل أفق‪ ،‬وعلى كل الطرق‪ ،‬وقد اسإترجع كثيصرا‬
‫مين‪ ،‬وسإبت‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬‫من المعاقل التى اسإتباحها الروم من أمور ال ل‬
‫أهإلها قبل حصول تلك الجهات فى حكم سإلطانه‪ ،‬وكانت ثغور‬
‫مين بها مستضُامة‪ ،‬وقد أعادهإا جده بحمد الله إلى أولها‪،‬‬ ‫سل م م‬‫م ي‬‫ال ل‬
‫مين والسإلم وعيز سإلطانه‪ ,‬وهإذا دأبه‪،‬‬ ‫سل مم‬
‫ل ي‬‫م‬ ‫ال‬ ‫لحرمة‬ ‫واحترمت‬
‫وهإجيراه الذى ل عمل له سإواه‪.‬‬
‫وعدة جيوشه إذا جمعها لحركته سإتون ألف فارس‪ ,‬وكان أمله‬
‫مواصلة الخدمة والتشريف بإنهاء أعماله‪ ،‬والعلم بمناقل أحواله‬
‫مين‪ ,‬وإقباله على‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬ ‫وأفعاله‪ ,‬وباحتماله على حماية دين ال ل‬
‫مجاهإدة المشركين‪ ،‬إل أن الحائل المانع دون ذلك لاشفاته‪ ،‬ولم‬
‫ظا على ما هإو عليه من إقامة الدعوة السعيدة‪,‬‬ ‫يزل محاف ص‬
‫والعتراف بجمل النعم الوافدة العديدة بفضُل الله‪ ،‬ولقد وصل‬
‫إلى ديار المشرق فى هإذا العام قاضى من قضُاة المغرب يعرف‬
‫كد ما ذكرته‪ ،‬ويؤيد ما‬ ‫بابن القاسإم‪ ،‬وذكر من حال هإذا المير ما يؤ ي‬
‫شرحته‪ ،‬وأشاع القاضى المذكور ذلك بمكة‪ ،‬وصل الله تشريفها‬
‫وتعظيمها‪ ،‬وذكر لى أن الروم على شفا جرف من تضُييقه عليهم‪،‬‬
‫وحصاره لهم‪ ،‬وقد تكشرر إعلم الخادم بذلك لما تلزمه من طاعة‬
‫دين‬‫أولى المر لسإيما هإذا المير‪ ،‬وقد حظى بفضُائل منها ال ي‬
‫المتين‪ ،‬والعدل المستبين‪ ،‬وطاعة المام‪ ،‬وابتدأ جهاده بالمحاربة‬
‫مين على طاعته والرتباط‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫على إظهار دعوته‪ ،‬وجميع ال ل‬
‫مين‪ ،‬وهإو ممن يقسم بالسوية‪ ،‬ويعدل فى‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫بحماية ثغور ال ل‬
‫الرعية‪ ,‬والله ما فى طاعته مع سإعتها دان منه‪ ،‬ول ناء عنه من‬
‫مين رسإم مكسُ‪ ،‬وسإبل‬ ‫سل م م‬‫م ي‬
‫البلد ما يجرى فيه على أحد من ال ل‬
‫مين آمنة‪ ،‬ونقوده من الذهإب والفضُة سإليمة من الشرب‪،‬‬ ‫سل م م‬‫م ي‬‫ال ل‬
‫مطرزة باسإم الخلفة‪ ،‬ضاعف الله تعظيمها وجللها‪.‬‬
‫هإذه حقيقة حامله‪ ،‬والله يعلم أنى ما أسإهبت ول لغوت‪ ،‬بل‬
‫صرت‪ ،‬ولمولنا أمير المؤمنين المستظهر‬ ‫لعلى قد أغفلت أو ق ش‬
‫بالله‪ ،‬صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهإرين‪ ،‬والطول العميم فى‬

‫‪127‬‬
‫المر‪ ,‬تشريفه بقبول تأميله‪ ،‬وفى الشارة إليه بما يقوى أمره‪،‬‬
‫ويشد أزره‪ ,‬ويؤيد سإلطانه‪ ،‬ويعلى شأنه‪ ,‬مجرصيا له على السنن‬
‫الكريم‪ ،‬الطول العميم‪ ،‬فوالله ما فى المراء ول فى شيع النصحاء‬
‫الولياء من يجوز فى الولء وصحة النتماء سإبقه‪ ،‬ول يلبسُ من‬
‫النصيحة من الخلفة المقدسإة المبنية على طريق النبوية‪ ،‬ما يصل‬
‫يده ويقوى أيده ويشد عضُده بمنه وطوله‪.‬‬
‫وضراعة الخادم بالدعية المتقبلة لنفسه ولبنه المسترق القن‬
‫بعد المتنان بإباحة الصدر لهما إلى الوطن‪ ،‬فقد بعد عنه سإبعة‬
‫أعوام‪ ،‬وأقاما فى الجناب المخضُب الظليل‪ ,‬والكنف الرحب‬
‫المأهإول مدة عامين‪ ،‬يستدشران النعم الحافلة جمل ص بعد جمل‪،‬‬
‫ويكرعان فى المشارب الجمة العذبة علل ص بعد نهل‪ ,‬فلله الهام‬
‫الشريفة التى مسحت على شكيتها من عدوان اليام بيد شيم‬
‫الكرام‪ ،‬فأزاحت عنهما جميع الشاكيات واللم‪ . .‬ل أعدم الله‬
‫مولنا المام المستظهر بالله أمير المؤمنين‪ ،‬صلوات الله عليه‬
‫وعلى آبائه المنتخبين مبرة تتضُاعف بها المعالي‪ ,‬وسإعادة تحرز‬
‫أسإنى المال‪ ،‬وكفاية يستمد س بها حرية اليام والليالي‪ ،‬فذلك بيده‬
‫ل خير من طوله مستفاد‪ ،‬ل‬ ‫واد‪ ،‬وك س‬‫وغيره معجزة‪ ،‬وهإو المنعم الج ش‬
‫شريك له‪ ،‬ول توفيق إل به والحمد لله حق حمده‪ ،‬وصلواته على‬
‫سإيد المرسإلين رسإوله وعبده وعلى آله الطيبين‪ ،‬وعترته‬
‫المنتخبين الراشدين‪ ،‬آباء أمير المؤمنين صلوات الله عليهم‬
‫دين‪ ،‬وحسبى الله ونعم الوكيل«)‪.(1‬‬ ‫أجمعين إلى يوم ال ي‬
‫ملنا فى الرسإالة المذكورة فإنها تدسلنا على طابع رسإائل‬ ‫إذا تأ ش‬
‫كام فى فترة المرابطين‪ ،‬وتدلنا على حسن اختيار دولة‬ ‫ح ش‬
‫ال ل‬
‫ما‬
‫ص‬ ‫عال‬ ‫اختارت‬ ‫نها‬
‫ش‬ ‫إ‬ ‫حيث‬ ‫العباسإية‬ ‫الخلفة‬ ‫عند‬ ‫لممثليها‬ ‫المرابطين‬
‫كام والخلفاء‪ ،‬وبذلك‬ ‫ح ش‬
‫فقيصها ذا دراية وخبرة كبيرة فى مخاطبة ال ل‬
‫نجحت تلك الوفادة وحققت أهإدافها‪ ،‬ورجعت تحمل معها ثمارهإا‪.‬‬
‫ثانيصا‪ :‬رد الخلفة العباسإية على طلب دولة المرابطين‪:‬‬
‫ك أن الخلفة العباسإية دخلها سإرور عظيم‪ ,‬وكسبت‬ ‫لش ش‬
‫مكسصبا معنوصيا كبيصرا‪ ,‬ولذلك حرصا الخليفة على أن يرد بنفسه‬
‫على خطاب ابن تاشفين حيث كتب سإبعة وثلثين سإطصرا جاء فيها‪:‬‬
‫»عرضت هإذه القصة بمفاوز العز والعصمة‪ ،‬ومواقف المامة‬
‫المطهرة المكرمة‪ ،‬زاد الله جللها‪ ،‬وسإبوغا ظللها‪ ،‬فخرجت‬
‫المراسإم الشريفة بأن‬
‫ما‪،‬‬
‫ما‪ ,‬ولشرطه ملتز ص‬‫ذلك الولى الذى أضحى بحبل الخلصا معتص ص‬
‫قا‪ ،‬وكل فعله فيما هإو بصدده للتوفيق من‬ ‫وإلى أداء فروضه مساب ص‬
‫دين تمسكه‪ ,‬وفى الذيادة‬‫ي‬ ‫بال‬ ‫غدا‬ ‫من‬
‫م‬ ‫كان‬ ‫الولء‪ ،‬طويل نجاده‪ ,‬إذ‬
‫‪1‬‬
‫)( دراسإات فى تاريخ المغرب والندلسُ‪ ,‬د‪ .‬أحمد العبادي‪ ،‬صا )‪.(476‬‬
‫‪128‬‬
‫قا بأن يستتب صلح النظام على يده‪ ،‬ويستشف‬ ‫عنه مسلكه‪ ،‬حقي ص‬
‫من يليه من الكفار‪ ,‬وإتيان ما يقضُى‬ ‫من يومه حسن العقبى فى م‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫عليهم بالجتياح والبوار‪ ،‬اتباعه لقوله تعالى‪﴿:‬مقاَتلجوُاً اً ذيمنَ يميجلوُنَمجكمُ بممنَ‬
‫اًلرجكلفاَلر﴾ ]التوبة‪.[123 :‬‬
‫فهذا هإو الواجب اعتماده الذى يقوم به الشرع‪ ،‬وأن يؤلف‬
‫من فى جملته من النجاد على الطاعة المامية التى هإى‬ ‫شمل م‬
‫العروة الوثقى والذخر البقى واسإتقراه قوله تعالى العمل‪ ،‬والبدار‬
‫إلى التشبتث بسببه‪﴿ :‬مياَ أمييمهاَ اًللذيمنَ آممنجوُاً أملطيْعجوُاً اًلم موأملطيْعجوُاً اًللرجسوُمل موجأوللىِ اًلرملر‬
‫لمرنجكرمُ﴾ ]النساء‪.[59:‬‬
‫وليكن دأبه الجهاد فيما يكسب عند الله الزلفى‪ ,‬ويمنحه من‬
‫ت لمرنَ مخريْسر يمرح م‬
‫ضلراً مومماَ‬ ‫رضاه القسم الكمل الوفى‪﴿ :‬يميروُمم تملججد جكيل نَميرف س‬
‫س لماَ معلملم ر‬
‫سوُسء تميموُيد لمروُ أن بمي ريْينميمهاَ موبمي ريْينمهج أممملداً بملعيْلداً﴾ ]آل عمران‪.[30:‬‬ ‫علملم ر ل‬
‫ت منَ ج‬ ‫م‬
‫وأن يختص رافعها وولده بالرعاء الذى يضُفو عليهما برده‪،‬‬
‫ويصفو لهما ورده‪ ،‬وليظهر عليهما من المهاجرة جميل الثر‪،‬‬
‫م النشر‪،‬‬ ‫ويؤول أمرهإما فيما يرجو أشنهما إلى اسإتقامة النظام وض ي‬
‫فليقابل المر السإنى فى ذلك بامتثال واحتذاء مطاع المثال ‪ -‬إن‬
‫شاء الله‪.(1)«-‬‬
‫دا قوصيا معنوصيا‬
‫لقد اسإتطاعت دولة المرابطين أن تكون سإن ص‬
‫فذت أوامر ربها‪,‬‬ ‫سنشية‪ ,‬وبذلك تكون ن ش‬ ‫للخلفة العباسإية ال س‬
‫واسإترشدت بتوجيهات نبيها‪ ،‬فأصابها بركة ذلك من سإمعتها‬
‫مين‪ ،‬وأصبحت جزصءا من الخلفة العباسإية‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬‫العالمية فى ديار ال ل‬
‫التى اكتفت منها بالطاعة المعنوية‪ ،‬وبذلك تحصل أمراء‬
‫المرابطين من اعتراف الخلفة العباسإية بدولتهم‪ ,‬حيث إن‬
‫خا أنه لن يعتبر ملكهم‬ ‫دا راسإ ص‬
‫المرابطين كانوا يعتقدون اعتقا ص‬
‫عا إل إذا باركته المامة القرشية العباسإية‪.‬‬ ‫مشرو ص‬
‫واختلف المؤيرخون فى زمن اتصال المرابطين بالخلفة‬
‫العباسإية‪ :‬فابن الثير يقول‪ :‬إن أول اتصال بين المرابطين‬
‫والعشباسإيين قد حدث عقب انتصار اليزلمقة‪ ,‬واسإتيلء يوسإف على‬
‫ل من ابن خلدون‪,‬‬ ‫ال من يد مللسُ‪ ,‬ويتفق مع ابن الثير فى هإذا الرأى ك ل‬
‫والقلقشندي‪ ,‬والذهإبي)‪.(2‬‬
‫وأنا أميل إلى أن اتصال المرابطين كان قبل ذلك بكثير حيث‬
‫إن واضع الخطوط العريضُة لدولة المرابطين الفقيه »أبو عمران‬
‫ل الفقهاء الذين من‬ ‫من أتباع العباسإية‪ ,‬وك س‬ ‫الفاسإى القيرواني« م‬
‫‪1‬‬
‫)( دراسإات فى تاريخ المغرب‪ ،‬صا )‪.(478‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬د‪ .‬حمدي عبد المنعم‪ ،‬صا )‪.(237‬‬
‫‪129‬‬
‫سإنسيون مالكسيون‪ ،‬وبذلك يكون زعماء المرابطين سإاروا‬ ‫مدرسإته ل‬
‫سنشية المالكية‪.‬‬
‫على نفسُ التعاليم ال س‬
‫ونجد أن نقود المرابطين قد نقش عليها أسإماء الخلفاء‬
‫العشباسإيين منذ عام ‪450‬هإـ‪ ،‬أى منذ عهد المير أبى بكر بن‬
‫ل اسإم الخليفة العشباسإى يذكر مقروصنا باسإم أبى بكر‬ ‫عمران‪ ،‬وظ ش‬
‫بن عمران إلى أن توفى فى عام ‪480‬هإـ‪ ،‬وخلفه يوسإف بن‬
‫تاشفين فذكر اسإمه على السكة مع اسإم الخليفة العشباسإي‪ ،‬وهإذا‬
‫ك أن‬‫يدل على صلة المرابطين بالعشباسإيين قبل اليزلمقة‪ ،‬ول ش ش‬
‫كتابة اسإم الخليفة على عملة المرابطين تم بعد اتصالهم بالخليفة‬
‫دا‬
‫قوا منه إجابة بقبول طاعتهم‪ ,‬وتقلي ص‬ ‫العشباسإي‪ ،‬وبعد أن تل ش‬
‫بوليتهم)‪.(1‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(236‬‬
‫‪130‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫علقة المير يوسإف مع بنى حماد‬
‫حرصا المير يوسإف على علقة حسن الجوار مع دولة بنى‬
‫ماد الصنهاجية التى تقع فى شرق دولة المرابطين‪ ،‬وكان‬ ‫ح ش‬ ‫م‬
‫ماديون يتحينون الفرصة لضُم أطراف من مملكة المرابطين‪،‬‬ ‫ش‬ ‫ح‬‫م‬ ‫ال‬
‫م لهم ذلك عندما عبر المير يوسإف ال من يد مللسُ عام ‪479‬هإـ‪،‬‬ ‫وت ش‬
‫فتحالفوا مع عرب بنى هإلل؛ وغزوا المغرب الوسإط ؛وعادوا إلى‬
‫بلدهإم محملين بالغنائم‪ ،‬وسإكت يوسإف عن النتقام منهم‪,‬‬
‫وصالحهم‪ ،‬ولم يرغب فى الدخول فى حرب معهم مع وجود‬
‫ظا لشوكتهم وقوتهم‪.‬‬ ‫مين وحف ص‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬‫أسإبابها حقصنا لدماء ال ل‬
‫مادى فى عام ‪481‬هإـ‪,‬‬ ‫ح ش‬‫وعندما لتوفى الناصر بن علناس ال م‬
‫بعث المير يوسإف بكتاب تعزية إلى ولده وخليفته المنصور‪ ،‬مما‬
‫ماد‪ ،‬واسإتمشرت حالة‬ ‫ح ش‬
‫يدل على نشيات يوسإف السلمية تجاه بنى م‬
‫السلم بين الفريقين أكثر من عشر سإنوات‪ ,‬ثم نشب خلف بين‬
‫ماد‪,‬‬‫ح ش‬ ‫كام بنى م‬‫ح ش‬
‫والى تلمسان المرابطى تاشفين بن تنغمير و ل‬
‫صراع‬ ‫ي‬ ‫ال‬ ‫ش‬ ‫د‬‫واشت‬ ‫يوسإف‪،‬‬ ‫فهاجم المير تاشفين بدون إذن من المير‬
‫بين الطرفين‪ ,‬وتدخل المير يوسإف واسإتطاع بحكمته وسإياسإته‬
‫مين‪ ،‬وعزل حاكم تلمسان تاشفين وعشين‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫أن يحقن دماء ال ل‬
‫مكانه المير مزدلي‪ ،‬وبعد أن ضم المير يوسإف ال من يد مللسُ أضحت‬
‫ذا للفايرين من ال من يد مللسُ‪ ،‬ومع ذلك لم يحرك المير‬ ‫مملكة بجاية مل ص‬
‫‪-‬‬
‫ماد‪ ,‬وبقى المر كذلك حتى وفاته‬ ‫ح ش‬‫يوسإف سإاكصنا تجاه عمل بنى م‬
‫)‪.(1‬‬
‫ماديين أثر فى تخفيف‬ ‫ح ش‬‫لقد كان للتوجه السنى فى دولة ال م‬
‫الصراع مع المرابطين‪ ،‬كما إن لصلة القرابة الصنهاجية سإبصبا آخر‪،‬‬
‫ماديين أن تقاوم جيوش المرابطين‬ ‫ح ش‬‫وإل ما كانت تستطيع دولة ال م‬
‫ماديين كانت من السإباب‬ ‫ح ش‬‫الفتية‪ ،‬وفى نظرى إن بقاء دولة ال م‬
‫التى أضعفت الدولة الزيرية والصنهاجية‪ ،‬وسإببت توتصرا وارتباكاص‬
‫لدولة المرابطين‪ ،‬ولو ضمت لدولة المرابطين لكان أفيد للسإلم‬
‫مين وللمغرب الوسإط والقصى‪.‬‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬ ‫وال ل‬
‫* **‬
‫المبحث الخامسُ‬
‫علقة المرابطين مع ملوك الطوائف‬
‫مشرت علقة المرابطين مع ملوك الطوائف بمراحل متعددة‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(158‬‬
‫‪131‬‬
‫وهإي‪ :‬المسالمة‪،‬‬
‫التحالف‪ ،‬القتال‪.‬‬
‫أو ص‬
‫ل‪ :‬مرحلة المسالمة‪:‬‬
‫ما وصلت دولة المرابطين ذروة قوتها وحطت بجيوشها‬ ‫ل ش‬
‫وأسإاطيلها على سإهل البحر المتوسإط ارتعد ملوك الطوائف‪،‬‬
‫م‪ ،‬وأصبحوا بين قبضُتين قويتين‪ :‬بين‬ ‫وأصابهم الخوف وركبهم اله س‬
‫النصارى الذين يمكن مداراتهم بالموال والتنازل عن بعض‬
‫الحصون‪ ,‬وبين المرابطين الذى عرفوا بجهادهإم واسإتعلئهم على‬
‫متاع الدنيا‪ ،‬وحيبهم للشهادة‪ ,‬ورفع المظالم عن العباد‪ ،‬وقد‬
‫وصلهم ظلم ملوك ال من يد مللسُ‪ ،‬وقد اشتهر جنود المرابطين بصيت‬
‫عظيم فى تحقيق النصر فى المعارك‪ ،‬وبأس شديد فى القتال مما‬
‫عا للتشاور‬ ‫أدخل الرعب فى قلوب ملوك الطوائف‪ ،‬فعقدوا اجتما ص‬
‫فى أمر الخطر القادم من الجنوب‪ ،‬واسإتقشر رأيهم أن يكتبوا للمير‬
‫يوسإف يسألونه العراض عنهم‪ ,‬وأشنهم تحت طاعته‪ ،‬وهإذا نص‬
‫الكتاب‪:‬‬
‫»أما بعد‪ ,‬فإشنك إن أعرضت عنا نسبت إلى كرم‪ ,‬ولم تنسب‬
‫إلى عجز‪ ،‬وإن أجبنا داعيك نسبنا إلى عقل ولم ننسب إلى وهإن‪،‬‬
‫وقد اخترنا لنفسنا أجمل نسبنا فاختر لنفسك أكرم نسبتك‪ ،‬فإشنك‬
‫بالمحل الذى ل يجب أن لتسمبق فيه إلى مكرمة‪ ،‬وإن فى اسإتبقائك‬
‫ذوى البيوت ما شئِّت من دوام لمرك وثبوت والسلم«)‪.(1‬‬
‫فا نفيسة‪.‬‬‫وأرسإلوا مع حامل الكتاب هإدايا وتح ص‬
‫وبعد أن تشاور المير يوسإف مع مستشاريه رأى إن يسالمهم‬
‫دموا له من طاعة‪ ,‬ورد ش عليهم بهذا الكتاب جاء فيه‪:‬‬ ‫ويرضى بما ق ش‬
‫»بسم الله الرحمن الرحيم من يوسإف بن تاشفين سإلم‬
‫عليكم ورحمة الله وبركاته‪ ،‬تحية من سإالمكم وسإلم عليكم‪,‬‬
‫وحكمه التأييد والنصر فيما حكم عليكم‪ ،‬وإشنكم مما فى أيديكم من‬
‫الملك فى أوسإع إباحة مخصوصين منا أكرم إيثار وسإماحة‪،‬‬
‫فاسإتديموا وفاءنا بوفائكم‪ ,‬واسإتصلحوا إخاءنا بإصلح إخائكم‪،‬‬
‫والله ولى التوفيق لنا ولكم والسلم«‪.‬‬
‫وقد قرن المير يوسإف الكتاب بالتحف وبدرق اللمط التى ل‬
‫توجد إل فى ديار المرابطين‪ ،‬ولما وصل كتابه إلى ملوك الطوائف‬
‫وت نفوسإهم على قتال السإبان‪ ،‬وأحب أهإل‬ ‫فرحوا بذلك‪ ،‬وتق ش‬
‫كامهم ومحكوميهم)‪.(2‬‬ ‫ح ش‬
‫ل‬ ‫المرابطين‬ ‫ال من يد مللسُ دولة‬
‫ثانيصا‪ :‬مرحلة التحالف‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(159‬‬
‫‪2‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(160‬‬
‫‪132‬‬
‫وبعد سإقوط ط لل مي يط مملة فى يد السإبان النصارى عام ‪478‬هإـ‬
‫اضطشر ملوك الطوائف أن يطلبوا النجدة من المير يوسإف الذى‬
‫لبى نداءهإم‪ ،‬وكان سإبصبا فى إيقاف زحف النصارى على ممالك‬
‫ال من يد مللسُ‪ ،‬وانتصر على ألفونسو فى معركة اليزلمقة المشهورة‪.‬‬
‫وبعد أن احتك المير يوسإف بملوك الطوائف‪ ,‬ووقف على‬
‫مين انتقلت‬
‫سل م م‬
‫م ي‬
‫خيانتهم وتحالفهم مع النصارى‪ ,‬واتصالهم بأعداء ال ل‬
‫العلقة من التحالف إلى العداوة‪.‬‬
‫ثالثصا‪ :‬مرحلة العداوة‪:‬‬
‫ت نار الحرب بين المرابطين وملوك الطوائف‬ ‫حيث اسإتعر ي‬
‫س م‬
‫طة‬ ‫ل‬ ‫ق‬ ‫ر‬‫سإ‬ ‫إل‬ ‫المرابطين‬ ‫لدولة‬ ‫لسُ‬‫ل‬ ‫د‬‫ي‬ ‫م‬
‫ن‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫ممالك‬ ‫انتهت بضُم كل‬
‫م ي ي‬ ‫م‬
‫التى حكمها أحمد بن هإود‪ ,‬والذى كان كالشوكة فى حلق‬
‫ل‪ ،‬وتراجع النصارى أمام صمود‬ ‫النصارى‪ ،‬فقد قاومهم زمصنا طوي ص‬
‫بنى هإود البطولي‪ ،‬وأظهر بنو هإود مقدرة فائقة على قتال‬
‫طدت العلقة الودشية‬ ‫النصارى مما جعل المرابطين يحترمونهم‪ ،‬وتو ش‬
‫بين المير يوسإف والمير أحمد بن هإود الذى كان وفصيا فى عهوده‪,‬‬
‫ممته‪ ،‬ورضى المرابطون ببقاء‬ ‫صا على أ ش‬ ‫صا فى جهاده‪ ,‬وحري ص‬ ‫ومخل ص‬
‫ل‬ ‫م‬
‫ما تابصعا لهم‪ ,‬بذلك أصبحت الن يد ملسُ ولية تابعة‬ ‫أحمد بن هإود حاك ص‬
‫لدولة المرابطين‪ ،‬وتوارت العناصر والزعامات الهزيلة وانهار‬
‫سإلطان العصبيات الطائفية )‪.(1‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( انظر ‪ :‬الندلسُ فى عصر المرابطين‪ ،‬صا )‪.(112‬‬
‫‪133‬‬
‫المبحث السادس‬
‫علقة المرابطين مع السإبان والنصارى‬

‫كانت علقة المرابطين مع نصارى السإبان عدائية بصورة‬


‫صا فى زمن المير‬ ‫دائمة إذ لم يتخللها أى اتصال وديّ خصو ص‬
‫يوسإف بن تاشفين‪ ،‬والتصال الوحيد الذى حدث عن طريق‬
‫الرسإائل بين المير يوسإف وألفونسو أثناء قيام هإذا الخير‬
‫مد‪ ،‬ووصوله إلى مضُيق‬ ‫معيت م م‬
‫بحملته العدائية على مملكة ال ل‬
‫دا‬
‫جبل طارق إذ أرسإل إلى المير يوسإف رسإالة تفيض تهدي ص‬
‫دا‪ ،‬ويذكر فيها حالة ملوك الطوائف‪ ،‬وكان جواب المير‬ ‫ووعي ص‬
‫يوسإف مختصصرا‪ :‬الجواب ما ترى ل ما تسمع‪ -‬إن شاء الله ‪-‬‬
‫تعالى‪ -‬وأردف‪:‬‬
‫ول رسإل إل الخميسُ‬ ‫ول كتب إل المشرفية والقنا‬
‫)‪(1‬‬
‫العرمرم‬
‫واسإتمشر جهاد المرابطين للنصارى الذين امتنعوا عن دخول‬
‫ما‬
‫مين‪ ،‬أ ش‬
‫سل م م‬
‫م ي‬
‫السإلم‪ ,‬ورفضُوا دفع الجزية‪ ,‬وحملوا السيف ضد ال ل‬
‫الذين دفعوا الجزية‪ ,‬وعاشوا داخل دولة المرابطين؛ فكانت مأحكام‬
‫مة تحفهم وتحفظ حقوقهم‪.‬‬ ‫السإلم فى أهإل الذ ي ش‬
‫أو ص‬
‫ل‪ :‬عاملتهم دولة المرابطين معاملة أهإل الذمة‪:‬‬
‫مين منها‪:‬‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫فكانت عليهم واجبات فى دولة ال ل‬
‫م‬
‫‪ -1‬التزام الجزية‪ ،‬وإجراء أحكام أهإل الذ ي ش‬
‫مة عليهم‪.‬‬
‫مين فى أنفسهم وأموالهم؛‬
‫سل م م‬ ‫‪ -2‬ترك ما فيه ضرر على ال ل‬
‫م ي‬
‫مين بضُرب أو نهب‪.‬‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬
‫كالتعدى على ال ل‬
‫مين‪ ،‬كذكر السإلم أو‬
‫سل م م‬ ‫‪ -3‬تحاشى ما فيه غضُاضة على ال ل‬
‫م ي‬
‫القرآن أو الرسإول × بما ل ينبغي‪.‬‬
‫‪ -4‬تجسنب ما فيه إظهار منكر‪ ،‬كشرب الخمر فى الماكن‬
‫مين‪.‬‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬‫العامة لل ل‬
‫مين بعلمة خاصة ليعرفون بها‪ ،‬كأن تكون‬
‫سل م م‬
‫م ي‬ ‫‪ -5‬التمسيز عن ال ل‬
‫فى اللباس‬
‫أو غيره)‪.(2‬‬
‫‪1‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(66‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر المغني‪ :‬لبن قدامة‪) ،‬جُّ ‪.(618-10/606‬‬
‫‪134‬‬
‫مين‪:‬‬
‫ثانيصا‪ :‬حقوقهم فى دولة المسل م‬
‫الكف عنهم والحماية لهم‪ ،‬ليكونوا بالكف آمنين‪ ،‬وبالحماية‬
‫محروسإين)‪ .(1‬روى نافع عن ابن عمر قال‪» :‬احفظونى فى‬
‫م‬
‫ذمتي« والحكام فيما يتعلق بأهإل الذ ي ش‬
‫)‪(2‬‬
‫مة كثيرة يرجع إليها فى‬
‫كتب الفقه المختصة‪.‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( الحكام السلطانية للماوردي‪ ,‬صا )‪.(143‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر السابق نفسه‪.‬‬
‫‪135‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫سإياسإة المرابطين فى دولتهم المجيدة‬

‫المبحث الول‬
‫نظم الحكم والدارة فى دولة المرابطين‬
‫أول‪ :‬النظام الدارى‪:‬‬
‫‪ -1‬نظام إمارة المسلمين‪:‬‬
‫مين عند المرابطين يعتمد‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬ ‫كان النظام السائد فى إمارة ال ل‬
‫على اختيار المير وفق فقه الشورى‪ ،‬وكانوا حريصين على تطبيق‬
‫صلممة موأمرمجرجهرمُ جشوُمرىِ بمي ريْينميجهرمُ مولملماَ‬
‫قول الله تعالى‪﴿ :‬اًللذيمنَ اًرستممجاَبجوُاً للمربلهرمُ موأممقاَجموُاً اًل ل‬
‫مرمزقريمناَجهرمُ يجيرنلفجقوُمن﴾ ]الشورى‪.[38 :‬‬
‫وكان زعماء المرابطين يتشاورون فى الوسإائل التى تعين‬
‫على تمكين الحق وإظهار الصواب‪ ،‬ونشر الصلح بين العباد‪،‬‬
‫ل‬
‫ف مع رنيجهرمُ مواًرستميغرفرر‬
‫واقتدوا بالقرآن الكريم فى توجيهه للرسإول ×‪﴿ :‬مفاَرع ج‬
‫شاَلوررجهرمُ لفىِ اًلرملر﴾ ]آل عمران‪.[159:‬‬
‫لمجهرمُ مو م‬
‫»أى ل يصدنك ما كان منهم من خطأ رأيهم فيما بدا منهم يوم‬
‫أحد عن أن تستعين برأيهم فى مواقع أخرى‪ ،‬فإشنما كان قد حصل‬
‫فلتة لتغفر وعثرة لتقال‪ ,‬وشاورهإم فى أمر الحرب وأمثاله مما‬
‫يجرى فيه المشاورة«)‪.(1‬‬
‫دلت الية على أن الشورى قد أمر بها الرسإول × فى‬ ‫وقد ش‬
‫مهمات المة ومصالحها كالحرب ونحوهإا‪ ،‬وذلك فى غير أمر‬
‫التشريع‪ ،‬لن أمر التشريع إن كان فيه وحى فل محيد عنه‪ ،‬وهإى‬
‫دين والدنيا‪ ،‬وما‬ ‫توجيه لكل ولة المر بعده أن يشاوروا عن أمر ال ي‬
‫ص واضح‪ ،‬وهإى تشمل هإنا المشاورة فى شئِّون المة‬ ‫ليسُ فيه ن)‪ (2‬ل‬
‫ومصالحها ‪.‬‬
‫وكان مذهإبهم فى الشورى مذهإب المالكية وليسُ الخصوصا‪،‬‬
‫قال ابن خويز منداد‪» :‬واجب على الولة مشاورة العلماء فيما ل‬
‫دين‪ ،‬ووجوه الجيش فيما يتعلق‬ ‫يعلمون‪ ،‬وفيما يشكل من أمور ال ي‬
‫بالحرب‪ ،‬ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح‪ ،‬ووجوه الكتاب‬

‫‪1‬‬
‫)( انظر‪ :‬تفسير أبي السعود‪) ،‬جُّ ‪.(1/558‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر ‪ :‬تفسير القرطبي‪) ،‬جُّ ‪.(4/205‬‬
‫‪136‬‬
‫والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلد وعمارتها«)‪.(1‬‬
‫وأشار ابن العربى إلى وجوبها بأنها سإبب الصواب‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫»والشورى مسبار العقل وسإبب الصواب«‪ ،‬ويشير إلى أننا‬
‫مأمورون بتحرى الصواب فى مصالح المة وما يتوقف عليه‬
‫الواجب فهو واجب)‪.(2‬‬
‫ضُا إلى الوجوب‪ ،‬بل يؤكد هإذا الوجوب‬ ‫ويذهإب ابن عطية أي ص‬
‫م‬
‫فيقول‪» :‬الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الحكام‪ ،‬ومن ل‬
‫يستشير أهإل العلم فعزله واجب‪ ،‬وهإذا ما ل اختلف فيه«)‪.(3‬‬
‫لقد كان نظام الشورى هإو السإاس الذى اعتمده المرابطون‬
‫فى نظام حكمهم فى بداية دولة المرابطين قبل يوسإف بن‬
‫تاشفين‪ ،‬فقد كان المرابطون يختارون بكامل الحرية رئيسهم‬
‫الذى يتم تعيينه بعد عقد مجلسُ من زعماء القبائل والولة‬
‫والعلماء والفقهاء يشارك فيه شيوخ المرابطين وأعيانهم‪ ،‬بهذه‬
‫الطريقة تم اختيار عبد الله بن ياسإين‪ ،‬الذى لم يحرصا على‬
‫اسإتمرار المارة فى أسإرته‪ ،‬كما أنه لم يباشر أى ضغط على‬
‫المرابطين فى اختيار يحيى بن عمر ثم أبى بكر بن عمر‪ ،‬بل كانت‬
‫وصيته الخيرة للمرابطين قوله‪» :‬إياكم والمخالفة والتحاسإد على‬
‫الرياسإة‪ ،‬فإن الله يؤتى ملكه من يشاء‪ ،‬ويستخلف فى أرضه من‬
‫أحب من عباده‪ ،‬ولقد ذهإبت عنكم فانظروا من تقدمونه منكم‪،‬‬
‫يقوم بأمركم ويقود جيوشكم‪ ،‬ويغزو عدوكم‪ ،‬ويقسم بينكم فيئِّكم‪،‬‬
‫ويأخذ زكاتكم وأعشاركم«)‪.(4‬‬
‫ومن هإذه الوصية يتبين أن الزعيم الول للمرابطين‪ ،‬لم يكن‬
‫يرى طريقة الحكم الوراثي‪ ،‬أما يوسإف بن تاشفين فقد كان‬
‫يخشى أن يعود المر فوضى بعده وأن تنفصم عرى هإذه الوحدة‪،‬‬
‫دا على تبيلغها زهإاء نصف‬ ‫وتنتهى هإذه الدعوة التى عمل جاهإ ص‬
‫قرن‪ ،‬لذلك رأى يوسإف أن ي لعميين والصيا للعهد يستخلفه بعد موته‪,‬‬
‫وهإكذا حدث انحراف فى اختيار الحاكم عند المرابطين من‬
‫الشورى إلى النظام الوراثى منذ أن اختار يوسإف بن تاشفين ابنه‬
‫علصيا والصيا لولية العهد‪ ،‬وكان اجتهاد يوسإف بن تاشفين فى هإذا‬
‫التعديل الخطير يعتمد على رأيه أن اجتهاده ذلك يحفظ وحدة‬
‫بلده ودولته‪ ،‬ويقضُى على التنافسُ من أجل الحكم ورأى مصلحة‬
‫بلده وشعبه تقتضُى اختيار ابنه‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫تفسير القرطبي‪) ,‬جُّ ‪.(4/205‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫ابن العربي‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫ابن أبي زرع القرطاس‪ ،‬صا )‪.(90‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪137‬‬
‫كان من الطبيعى أن يميهد لفكرته فى اختيار ولى العهد‪,‬‬
‫من يهمه المر حول هإذا الختيار‪ ،‬ولهذا بادر‬ ‫ولذلك شاور كل م‬
‫بمشاورة الفقهاء والقضُاة وزعماء القبائل وأفراد السإرة‬
‫المرابطية وكبار رجال الدولة فى سإنة ‪495‬هإـ ‪1101 /‬م‪،‬‬
‫وناقشهم فى المبررات التى دفعته إلى اختياره‪ ،‬فوافقه الجميع‬
‫على ما اعتزم عليه‪ ،‬وعلى أثر ذلك قرئ مرسإوم البيعة الذى‬
‫يتضُمن السإباب التى حملته على هإذا الختيار‪ ،‬والشروط الواجب‬
‫توافرهإا فيه‪ ،‬والمبادئ التى ينبغى أن يسير عليها‪ ،‬وهإذا المرسإوم‬
‫مد بن عبد الغفور‪ ،‬وكان من أعلم‬ ‫ح‪ (1‬ش‬
‫م م‬‫كتبه الوزير الفقيه أبو ل‬
‫)‬
‫البلغة فى ذلك العصر« ‪.‬‬
‫ونستخلص من نص الوثيقة التى ذكرتها فيما مضُى‪ :‬أن يوسإف‬
‫بن تاشفين اتبع مبدأين فى اختياره ولده أبا الحسن علصيا ولصيا‬
‫لعهده‪.‬‬
‫أولهما‪ :‬مبدأ الختيار‪:‬‬
‫من‬‫فقد أشارت الوثيقة التى ذكرتها إلى أن يوسإف قد اختار م‬
‫من هإو أصلح لقيادة تلك الدولة المترامية الطراف‪:‬‬ ‫بين أولده م‬
‫حا إلى المعالى‬
‫»فوجد ابنه المير الجل أبا الحسن أكثرهإا ارتيا ص‬
‫واهإتزاصزا‪ ،‬وأكرمها سإجية وأنفسها اعتزاصزا‪ ،‬فاسإتنابه فيما اسإترعى‬
‫ودعاه لما كان إليه دعا«)‪.(2‬‬
‫ثانيهما‪ :‬مبدأ الشورى‪:‬‬
‫سك بما جاء فى القرآن الكريم‪ ,‬وما‬ ‫فقد أخذ يوسإف به‪ ،‬وتم ش‬
‫جاء على لسان‬
‫نبيه × ‪ ,‬وما سإار عليه الخلفاء الراشدون‪» :‬ودعاه لما كان إليه‬
‫دعا‪ ،‬بعد اسإتشارة أهإل الرأى على القرب والنأي«)‪.(3‬‬
‫كما أشار مرسإوم البيعة إلى أشنها كانت مشروطة ببعض‬
‫الشروط اشترطها المير يوسإف على ابنه‪ ،‬وأهإم تلك الشروط‬
‫التمسك بالمبادئ التى دعا إليها المام عبد الله بن ياسإين من‬
‫إعلن الجهاد على أعداء السإلم‪ ،‬واحترام الفقهاء والقضُاة‬
‫والعلماء‪ ،‬والعمل على إقامة العدل بين الرعية‪ ،‬بالضافة إلى‬
‫بعض المور التى تتعلق بضُمان أمن الدولة من وضع سإبعة عشر‬
‫ألف فارس بال من يد مللسُ موزعة على أقطار معلومة‪ ،‬يكون منها‬
‫بإشبيلية سإبعة آلف فارس وبقرطبة ألف فارس وباقى العدد على‬
‫ذب والمرابطة فى الحصون المعاينة للعدو)‪.(4‬‬ ‫مين لل ش‬‫سل م م‬
‫م ي‬
‫ثغور ال ل‬
‫‪1‬‬
‫انظر ‪ :‬الحلل الموشية‪ ،‬صا )‪.(57-56‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫المرجع السابق نفسه‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫المرجع السابق نفسه‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(251‬‬ ‫)(‬
‫‪138‬‬
‫وفى عام ‪496‬هإـ دخل يوسإف بن تاشفين قرطبة‪ ،‬وجمع كبار‬
‫رجال الدولة وأمراء لمتونة أشياخ البلد‪ ،‬وقادة الرأى والفقهاء‬
‫والعلماء والقضُاة‪ ،‬وتل عليهم عقد البيعة لبنه على الذى سإبقت‬
‫الشارة إليه‪ ،‬وضمنه السإباب التى حملته على اختياره ولصيا للعهد‪،‬‬
‫ثم أخذ البيعة له من جميع الحاضرين‪ ،‬وأقسم هإؤلء يمين الطاعة‬
‫والولء‪ ،‬ثم وشقعوا على عقد البيعة‪ ،‬وقام على أثر ذلك‪ ،‬فأقسم‬
‫سإة التى‬‫سميا م‬
‫أمام الحاضرين بالتزام شروط العقد وترسإم ال ي‬
‫رسإمها أبوه‪ ،‬ثم أشهد الكتاب ووشقع على الوثيقة ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫أ‪ -‬وفاة المير يوسإف‪:‬‬


‫ثم عاد يوسإف بن تاشفين إلى المغرب‪ ،‬حيث مرض مرضه‬
‫الخير الذى اسإتمشر زهإاء عامين وشهرين‪ ،‬وانتهى بوفاته عن مائة‬
‫عام حافلة بالجهاد والدعوة وإعزاز دين الله‪ ،‬وكانت سإنة وفاته‬
‫‪ 500‬هإـ ‪ 2 /‬سإبتمبر ‪1106‬م وكان ولى العهد يقوم أثناء مرض‬
‫حا كبيصرا فى‬‫أبيه بتصريف أمور الحكم نيابة عن أبيه‪ ،‬ونجح نجا ص‬
‫إدارة دشفة الحكم لدولة المرابطين‪ ,‬وكانت آخر وصية من يوسإف‬
‫ل سإنة ‪500‬هإـ‪ ،‬أن أوصى ولده وولى عهده بعده‬ ‫لبنه فى مسته ي‬
‫من‬‫أبا الحسن علصيا بثلث وصايا أولها‪» :‬أل يهيج أهإل جبل درن و م‬
‫وراءه من المصامدة وأهإل القبلة« والثانية‪» :‬أن يهادن بنى هإود‬
‫بال من يد مللسُ‪ ,‬وأن يتركهم حائلين بينه وبين الروم« والثالثة‪» :‬يقبل‬
‫من أحسن من أهإل قرطبة ويتجاوز عن مسيئِّهم«)‪.(2‬‬ ‫م ش‬
‫م‬
‫ب‪ -‬لقب أمير المسلمين‪:‬‬
‫كان زعماء المرابطين يطلقون على أنفسهم لقب المراء‪،‬‬
‫وظل المرابطون يطلقون لقب المير على كل زعيم يتولى أمرهإم‬
‫ابتداصء من عهد أمير لمتونة أبى زكريا يحيى بن عمر اللمتوني‪،‬‬
‫قب به أخوه أبو بكر بن عمر بعد وفاته‪،‬‬ ‫قب به يحيى كما تل ش‬ ‫فتل ش‬
‫وعندما توشلى يوسإف بن تاشفين زعامة المرابطين منذ ‪464‬هإـ‪,‬‬
‫دا فى‬
‫ل يتلقب بالمارة إلى سإقوط أبى بكر ابن عمر شهي ص‬ ‫ظ ش‬
‫إحدى المعارك فى سإنة ‪480‬هإـ ‪1087 /‬م‪ ,‬وعندئذ ة أصبح يوسإف‬
‫الزعيم الوحد للمرابطين‪ ،‬واجتمع إليه أشياخ قبيلته وعرضوا عليه‬
‫قب بالمير‬ ‫قه أكبر من أن ليل ش‬
‫قب بأمير المؤمنين‪ ،‬لن ح مش‬ ‫أن يتل ش‬
‫ل‪» :‬حاشا أن أسإمى بهذا السإم‪ ,‬إنما يتسمى به‬ ‫فرفض ذلك قائ ص‬
‫خلفاء بنى العشباس لكونهم من تلك السللة الكريمة وأنا رجلهم‬
‫والقائم بدعوتهم«)‪ ،(3‬ولكشنهم قالوا له‪ :‬إنه لبد له من اسإم يمتاز‬
‫مين وناصر‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬‫به على سإائر المراء واقترحوا عليه لقب أمير ال ل‬
‫‪1‬‬
‫)( المصدر السابق نفسه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ابن أبي زرع‪ ,‬صا )‪.(103‬‬
‫‪3‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(162‬‬
‫‪139‬‬
‫دين‪ ،‬وأصبح العمل جارصيا به عند سإائر المرابطين‪ ،‬وقد صدرت‬ ‫ال ي‬
‫الكتب تحمل هإذا اللقب بعد وفاة أبى بكر بن عمر على القول‬
‫الرجح‪ ,‬وهإذا نص الكتاب الذى أرسإله إلى الولة والقادة والعلماء‪:‬‬
‫مد وآله‬ ‫ح ش‬
‫م م‬‫»بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سإيدنا ل‬
‫دين يوسإف‬ ‫مين وناصر ال ي‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬ ‫من أمير ال ل‬ ‫ما‪ :‬م‬ ‫وصحبه وسإلم تسلي ص‬
‫بن تاشفين إلى الشياخ والعيان والكافة أهإل )فلنة( أدام الله‬
‫كرامتهم بتقواه ووفقهم لما يرضاه‪ ،‬سإلم عليكم ورحمة الله‬
‫ما بعد‪ ,‬حمدا ص لله أهإل الحمد والشكر‪ ،‬وميسر اليسر‬ ‫وبركاته‪ ،‬أ ش‬
‫مد المبعوث بنور الفرقان والذكر‪،‬‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫وواهإب النصر‪ ،‬والصلة على ل‬
‫وأنا كتبناه إليكم من حضُرتنا العلية بمراكش ‪ -‬حرسإها الله ‪ ،-‬وأشنه‬
‫ن الله علينا بالفتح الجسيم‪ ,‬وأسإبغ علينا من أنعمه الظاهإرة‬ ‫م ي‬ ‫ما م‬ ‫ل ش‬
‫مد المصطفى نبينا الكريم‬ ‫ح ش‬
‫م م‬‫والباطنة‪ ,‬وهإدانا وهإداكم إلى شريعة ل‬
‫صص‬ ‫صلى الله عليه أفضُل الصلة وأتم التسليم؛ رأينا أن لنخ ي‬
‫أنفسنا بهذا السإم لنمتاز به على سإائر أمراء القبائل‪ ،‬وهإو أمير‬
‫دين‪ ،‬فمن خطب الخطبة العلية السامية‬ ‫مين وناصر ال ي‬ ‫سل م م‬‫م ي‬ ‫ال ل‬
‫ي العدل بمينه‬ ‫السإم إن شاء الله تعالى‪ ,‬والله ول س‬ ‫فليخطبها بهذا‬
‫)‪(1‬‬
‫وكرمه والسلم« ‪.‬‬
‫ويرى بعض المؤرخين من أمثال أبى زرع فى »روض‬
‫مين فى يوم‬ ‫سل م م‬‫م ي‬
‫قب بأمير ال ل‬ ‫القرطاس« إلى أن المير يوسإف تل ش‬
‫ل‬ ‫م‬
‫اليزلمقة‪ ،‬ولم يكن ليدعى به من قبل‪ ،‬وأن ملوك وأمراء الن يد ملسُ‬
‫مين‬ ‫سل م م‬‫م ي‬ ‫كا بايعوه وسإشلموا عليه باسإم أمير ال ل‬ ‫وكانوا ثلثة عشر مل ص‬
‫سإمى به من ملوك المغرب‪.‬‬ ‫وهإو أول من ل‬
‫وقد تأشثر شعب النيجر بشكل خاصا بالمرابطين‪ ,‬وأطلق على‬
‫مين‪ ,‬وكانوا مالكيين فى المذهإب‪ ,‬ويرجع‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬ ‫كامه لقب أمير ال ل‬ ‫ح ش‬ ‫ل‬
‫ذلك إلى أن المرابطين هإم الذين نشروا السإلم فى تلك الربوع‬
‫النائية)‪.(2‬‬
‫جُّ‪ -‬نائب المير‪:‬‬
‫واب ينوبون عن‬ ‫كان اتساع مملكة المرابطين سإبصبا فى اتخاذ ن ش‬
‫أمير المسلمين؛ حيث كان من المستحيل عليه أن يشرف وحده‬
‫على تلك الدول المترامية الطراف‪ ،‬فعشين بعض النواب المقشربين‬
‫م‬
‫واصبا على إقليم المغرب‪،‬‬ ‫إليه‪ ،‬فعشين نائصبا على شئِّون الن يد مللسُ ون ش‬
‫وكان يراعى فى اختيار النائب أن يكون أقرب الناس إلى أمير‬
‫مين‪ ،‬وأن يتوفر فيه حسن الدارة والكفاية العسكرية ويعتبر‬ ‫سل م م‬ ‫م ي‬‫ال ل‬
‫مين‪ ,‬ويستمد نائب المير سإلطته من‬ ‫ل‬‫س‬
‫ل ي م م‬‫م‬ ‫ال‬ ‫لمير‬ ‫يا‬
‫ص‬ ‫أول‬ ‫ص‬ ‫ل‬ ‫ممث‬
‫المير شخصصيا‪ ،‬وكان ولى العهد نائصبا للمير‪ ،‬وتولى نيابة ال من يد مللسُ‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(163-162‬‬
‫‪2‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(163-162‬‬
‫‪140‬‬
‫وكانت قرطبة هإى المفضُلة لقامة ولى العهد لمكانتها السامية‬
‫فى نفوس ال من يد مللسيين‪ ،‬وأول نائب عشينه المير يوسإف على‬
‫دل به ابنه أبا‬ ‫ال من يد مللسُ القائد سإير بن أبى بكر اللمتوني‪ ،‬ثم ب ش‬
‫الطاهإر تميم بن يوسإف‪ ،‬وتلى نيابة ال من يد مللسُ من حيث الهإمية‬
‫نيابة فاس بالمغرب‪ ,‬وكان النائب يستقر فيها عندما كان المير‬
‫يوسإف يعود إلى مراكش كى ل تحدث ازدواجية فى السلطة)‪.(1‬‬
‫كانت مهمة النائب بالدرجة الولى عسكرية‪ ,‬إذ كان عليه أن‬
‫يخوض الحروب‪ ,‬ويقمع الفتن وحركات التمرد‪ ,‬يعاونه قادة كبار‬
‫من لمتونة)‪.(2‬‬
‫وكان من سإياسإة يوسإف بن تاشفين مع نوابه مراقبتهم‪ ,‬ول‬
‫يتيح لهم السإتقرار فى مناصبهم لعهود طويلة حتى ل يعملوا على‬
‫ما معشرضين للنقل من ولية إلى‬ ‫واب دائ ص‬ ‫السإتقلل‪ ،‬فكان الن ش‬
‫أخرى‪.‬‬
‫مين يتخذ لنفسه كيتاصبا يقومون عنه‬ ‫سل م م‬‫م ي‬ ‫وكان نائب أمير ال ل‬
‫من ظهر من‬ ‫م‬
‫م م‬ ‫و‬ ‫الدارية‪،‬‬ ‫العمال‬ ‫بعض‬ ‫إليهم‬ ‫بالمكاتبات‪ ,‬أو تسند‬
‫مين على بن يوسإف فى الندلسُ الكاتب‬ ‫سل م م‬‫م ي‬ ‫كتاب نواب أمير ال ل‬
‫مد بن‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫مد بن أبى الخصال كاتب المير ل‬ ‫ح ش‬ ‫م م‬
‫الديب أبو عبد الله ل‬
‫الحاجُّ‪ ،‬وأبو بكر بن الصائغ كاتب المير أبى بكر بن إبراهإيم‪،‬‬
‫والزبير بن عمر اللمتونى كاتب تاشفين بن علي‪ ،‬وكانت حياة كل‬
‫مصشغرة من حياة هإذا المير‬ ‫مين صورة ل‬ ‫سل م م‬‫م ي‬ ‫نائب من نواب أمير ال ل‬
‫فكانوا يتخذون القصور والخدم والفقهاء والعوان)‪.(3‬‬
‫د – تولية الولة‪:‬‬
‫كان المير يوسإف ي لعميين الولة على القاليم من لمتونة بشكل‬
‫خاصا وصنهاجة بشكل عام؛ فوشلى أمراء قومه القاليم‪ ،‬فقيبل ضم‬
‫ال من يد مللسُ كان سإير بن أبى بكر على مدائن مكناسإة وبلد مكللة‬
‫وبلد فازاز‪ ،‬ووشلى عمر بن سإليمان المسوفى مدينة فاس‬
‫وأحوازهإا‪ ،‬وداود ابن عائشة سإجلماسإة ودرعة‪ ،‬وتميم بن يوسإف‬
‫مدينة أغمات ومراكش وبلد السوس وسإائر بلد المصامدة وتدل‬
‫وتامسنا‪ ,‬وبعد ضم ال من يد مللسُ عين يوسإف بن تاشفين القائد سإير‬
‫م‬
‫ل على كل‬ ‫وض له تعيين وا ة‬‫ما على الن يد مللسُ‪ ،‬وف ش‬
‫بن أبى بكر حاك ص‬
‫بلد يفتحه ويكون من لمتونة‪.‬‬
‫منح المير‬‫وكان الولة يخضُعون مباشرة لنائب المير‪ ،‬و ل‬
‫‪1‬‬
‫)( حركات النظام السياسإي والحربي عند المرابطين‪ ،‬صا )‪.(65‬‬
‫‪2‬‬
‫)( مجلة كلية الداب‪ ،‬جامعة القاهإرة‪ ،‬المجلد ‪) ،11‬جُّ ‪ ،(2/27‬تحت عنوان الثغر‬
‫العلى فى عهد المرابطين‪,‬‬
‫د‪ .‬حسين مؤنسُ‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ فى عصر المرابطين‪ ،‬صا )‪.(263‬‬
‫‪141‬‬
‫من‬‫يوسإف سإلطات واسإعة‪ :‬منها حق التصرف فى عزل وتعيين م‬
‫من رجال السلطة‪ ،‬وكذلك‬ ‫من يليهم م‬ ‫من الولة المحليين‪ ،‬و م‬
‫دونهم م‬
‫القيام بتحركات عسكرية داخل مناطق نفوذهإم‪ ،‬وكان المير‬
‫يوسإف وابنه من بعده يراقبون ولتهم مراقبة شديدة‪ ،‬ويجرى‬
‫تبديلهم وعزلهم إذا أسإاءوا‪ ،‬وكانوا يضُعون مصالح الرعية فى‬
‫المقام الول عند تعيين الولة)‪.(1‬‬
‫هإـ ‪ -‬نظام الوزارة‪:‬‬
‫دا كل البعد عن اتخاذ اللقاب واللفاظ‬ ‫كان المير يوسإف بعي ص‬
‫والهإتمام بالمناصب‪ ،‬فلم يتخذ وزراء بالمعنى المتعارف عليه‪ ،‬ولم‬
‫يمنح لقب وزير لى شخص‪ ,‬إل أنه اتخذ لنفسه أعواصنا يرجع إلى‬
‫مشورتهم‪ ،‬وك لشتاصبا يشرفون على ديوان الرسإائل أو النشاء‪ ،‬وكانت‬
‫لديه هإيئِّة اسإتشارية تشترك فيها طائفة من الفقهاء‪ ،‬والعيان‬
‫والك لشتاب يلزمونه فى قصره وتنقلته يبدون آراءهإم فى المشاكل‬
‫ما فى المور‬ ‫المطروحة للبحث‪ ,‬وتبقى الكلمة الفاصلة للمير‪ ،‬أ ش‬
‫المهمة فكان يجمع زعماء المرابطين وأبناء عمومته من لمتونة‬
‫للتداول واتخاذ الراء‪ ،‬وكان التصال بالمير عن طريق العوان من‬
‫السهولة بمكان‪ ،‬وسإاعد على ذلك ما امتاز به المير من لزهإد فى‬
‫الدنيا‪ ,‬وتطلع للخرة‪ ,‬وحب البساطة‪ ،‬وميل للتواضع‪.‬‬
‫ويذهإب المير يوسإف فى مذهإبه إلى أن الشورى معلمة وغير‬
‫ملزمة وله فى ذلك أدلة؛ حيث ذهإب بعض المفسرين إلى إن‬
‫ت‬‫الشورى غير ملزمة مستندين فى ذلك إلى قوله تعالى‪﴿:‬فملإمذاً معمزرم م‬
‫فميتميوُلكل معملىِ اً ل‬
‫ل﴾‪.‬‬ ‫م ر‬
‫ح عزمك بتثبيتنا إياك‬ ‫ذهإب المام الطبرى إلى القول‪» :‬إذا ص ش‬
‫وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من أمر دينك ودنياك‪ ،‬فامض لما‬
‫أمرناك به‪ ،‬وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك أو خالفها‪،‬‬
‫كل فيما تأتى من أمورك على ريبك‪ ،‬فثق به فى كل ذلك‪،‬‬ ‫وتو ش‬
‫)‪(2‬‬
‫وارض بقضُائه فى جميعه دون آراء سإائر خلقه ومعونتهم« ‪.‬‬
‫ويرى بعض العلماء أن رأى الشورى ولو أنه غير ملزم لكشنه‬
‫ينير الطريق‬
‫)‪(3‬‬
‫أمام الحاكم ‪.‬‬
‫وأضاف العلمة أبو العلى المودودى فى قضُية الشورى هإل‬
‫دا آخر وهإو طبيعة المجتمع وما يسوده من‬ ‫هإى معلمة أو ملزمة بع ص‬
‫ما قاطصعا فى هإذا الباب فى‬ ‫أخلق؛ حيث يقول‪» :‬ما وجدت حك ص‬
‫‪1‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(165‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تفسير الطبري‪) ،‬جُّ ‪.(7/346‬‬
‫‪3‬‬
‫)( د‪ .‬عبد الحميد متولي‪ ،‬مبدأ الشورى فى السإلم‪ ،‬صا )‪.(52‬‬
‫‪142‬‬
‫أحاديث الرسإول ×‪ ,‬غير أن العلماء قد اسإتنبطوا من عمل‬
‫الصحابة فى عهد الخلفة الراشدة أن رئيسُ الدولة هإو المسئِّول‬
‫الحقيقى عن شئِّون الدولة‪ ،‬وعليه أن ليسييرهإا بمشاورة أهإل الحل‬
‫دا بأن‬‫والعقد‪ ،‬ولكشنه ليسُ مقي ص‬
‫يعمل بما يتفقون عليه كلهم أو أكثرهإم من الراء‪ ،‬وبكلمة أخرى‬
‫أنه يتمتع‬
‫بحق العتراض على آرائهم‪.‬‬
‫ولكن هإذا الرأى فى صورته المجملة كثيصرا ما يسبب سإوء‬
‫الفهم بالقياس إلى أحوالهم وأوسإاطهم الحاضرة‪ ،‬ول ينظرون إلى‬
‫ذلك الزمان ول الوسإط الذى قد أخذنا هإذا الرأى من أعمال المة‬
‫قد فى عهد الخلفة الراشدة‬ ‫ل والعم ي‬‫ح ي‬‫فيه‪ ،‬فما كان أهإل ال م‬
‫دعوا للمشاورة‬ ‫ل‬ ‫كلما‬ ‫كانوا‬ ‫بل‬ ‫متفرقة‪,‬‬ ‫أحزاب‬ ‫منقسمين إلى‬
‫يأتون المجلسُ بقلوب ملؤهإا الخلصا‪ . .‬ثم يوازن الخليفة بين‬
‫الحجج الموافقة والمعارضة ويعرض عليهم ما عنده من الدلئل‪،‬‬
‫ويبين رأيه‪ ,‬وكان هإذا الرأى فى عامة الحوال رأصيا يسلم به أعضُاء‬
‫المجلسُ كلهم‪ « . .‬ثم قال‪» :‬لم نعثر فى تاريخ الخلفة الراشدة‬
‫قد قد تفرقت آرائهم‬ ‫ل والعم ي‬ ‫كيله على مثال واحد نرى فيه أهإل ال م‬
‫ح ي‬
‫حتى آل المر إلى عدد الصوات«)‪ ،(1‬وهإذا تفريق جميل بين‬
‫المجتمع السإلمى فى حاضرنا وبين المجتمع السإلمى القائم‬
‫على أسإسُ دولة القرآن التى ترشبى المسلم على خشية الله فل‬
‫ينحرف عن الجاشدة‪.‬‬
‫قين فى‬ ‫مح ي‬ ‫وربما كان يوسإف بن تاشفين وأمراء المرابطين ل‬
‫أخذهإم بالرأى القائل بأن الشورى معلمة للمير وليست ملزمة‪،‬‬
‫ولهم أدلة كثيرة للتدليل على هإذا المبدأ‪.‬‬
‫إل أننى أرى الفائدة الكبرى والسإتفادة العظمى فى زمننا هإذا‬
‫فى الخذ بالرأى القائل بأنها ملزمة‪ ،‬والقائلون بهذا القول لهم‬
‫أدلتهم منها‪:‬‬
‫إن الشورى ملزمة للحاكم طالما أشنها مؤيدة بالشرع والعقل‪،‬‬
‫فيقول ابن تيمية‪» :‬وإذا اسإتشارهإم فإن بشين له بعضُهم ما يجب‬
‫اتباعه من كتاب أو سإنة رسإوله أو إجماع‬
‫مين‪ ،‬فعليه اتباع ذلك‪ ،‬ول طاعة لحد فى خلف ذلك‪ ،‬وإن‬ ‫سل م م‬‫م ي‬ ‫ال ل‬
‫ما فى‬‫كان عظي ص‬
‫دين والدنيا‪ ،‬لقوله تعالى‪﴿ :‬مياَ أمييمهاَ اًللذيمنَ آممنجوُاً أملطيْعجوُاً اًلم موأملطيْعجوُاً اًللرجسوُمل موجأوللىِ‬ ‫ال ي‬
‫اًلرملر لمرنجكرمُ﴾ ]النساء‪.(2)[59:‬‬
‫‪1‬‬
‫)( أبو العلى المودودي‪ ،‬نظرية السإلم وهإديه فى السياسإة والقانون‪ ،‬صا )‬
‫‪.(273،274‬‬
‫‪2‬‬
‫)( السياسإة الشرعية‪ ,‬لبن تيمية‪ ،‬صا )‪.(181،182‬‬
‫‪143‬‬
‫ولو كانت الشورى غير ملزمة‪ ،‬لكان بإمكان النبى × أن‬
‫يجنب الجماعة المسلمة تلك التجربة المريرة التى تعشرضت لها‬
‫دا إلى‬ ‫فى غزوة أحد – لو أنه قضُى برأيه فى خطة المعركة‪ ،‬مستن ص‬
‫رؤياه‪ . .‬ولم يستشر أصحابه‪ ،‬أو لو أنه رجع عن الرأى عندما‬
‫سإنحت له فرصة الرجوع‪ . .‬ولكشنه – وهإو يقدر النتائج كلها – أنفذ‬
‫الشورى‪ . .‬ثم يجئ المر اللهى له بالشورى – بعد المعركة‪ -‬تثبيصتا‬
‫للمبدأ فى مواجهة نتائجه المريرة «)‪ ،(1‬وبهذه الدلة التى ذكرتها‬
‫نسترشد بهذا المبدأ فى مسيرتنا الحركية والدعوية والتنظيمية‬
‫التى تسعى لعادة السإلم كنظام شامل يتناول مظاهإر الحياة‬
‫جميصعا‪ ،‬ويقولون متى هإو قل عسى أن يكون قريصبا‪.‬‬
‫و – ديوان الرسإائل والمكاتبات عند المرابطين‪:‬‬
‫كان المرابطون يهتمون بديوان النشاء‪ ،‬ولذلك حرصوا على‬
‫أن يتوله رجال من أشهر الدباء فى تلك الفترة جلهم أ من يد مللسيون‪،‬‬
‫واهإتم المير يوسإف بجلب الدباء والبلغاء والفقهاء لهذه العمال‪،‬‬
‫واسإتفاد من ك لشتاب ملوك الطوائف‪ ,‬وتوسإع ديوان الرسإائل مع‬
‫ما‬
‫عا عظي ص‬ ‫امتداد رقعة دولة المرابطين‪ ،‬وانتفع المرابطون انتفا ص‬
‫بخبرة ال من يد مللسيين أصحاب الحضُارة والدب‪ ،‬وأقبل المغاربة على‬
‫ثقافة ال من يد مللسُ ينهلون منها فى تواضع المستفيدين‪ ,‬وحدث تنافسُ‬
‫بين الك لشتاب‪ ،‬وحاولوا أن يثبتوا جدارتهم فى هإذا الفن‪ ،‬وأصبح‬
‫قا بالحضُارة‪.‬‬
‫ديوان المير يوسإف متأل ص‬
‫وقام ابنه على بتطوير ديوان الرسإائل وجلب له كتاصبا فى غاية‬
‫البلغة ودقة السإلوب‪ ,‬وجمال التعبير‪ ,‬ومما دفع المير علصيا إلى‬
‫تطوير دولته تربيته الرفيعة وذكاؤه الوشقاد‪ ,‬واهإتمامه بكتاب ملوك‬
‫الطوائف‪ ,‬وتقريبهم إليه فى زمانه‪ ،‬فشعر بحاجته إلى طائفة‬
‫من أشهر أولئِّك‬ ‫مثقفة تفهم لغة الوفود‪ ،‬وتجيد فنون الكتابة‪ ،‬و م‬
‫مد بن سإليمان الكلعى المتوفى عام‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫الكتاب والدباء والبلغاء‪ ،‬ل‬
‫‪508‬هإـ‪ ,‬وصفه ابن خاقان فى »القلئد« بقوله‪» :‬غرة فى جبين‬
‫الملك‪ ،‬ودشرة ل تصلح إل لذلك السلك‪ ،‬باهإت به اليام‪ ,‬وتاهإت فى‬
‫يمينه القلم‪ ،‬واشتملت عليه الدول اشتمال الكمام على النور‪،‬‬
‫وانسربت إليه أمانى انسراب الماء على الغور«)‪.(2‬‬
‫ويقول عنه ابن الصيرفي‪» :‬الوزير الكاتب الناظم الناشر‪ ،‬القائم‬
‫بعمود الكتابة‪ ,‬والحامل للواء البلغة‪ ،‬والسابق الذى ل يشق غباره‪،‬‬
‫دا أنواره‪ ،‬اجتمع له براعة النشر‪ ،‬وجزالة النظم‪ ،‬رقيق‬ ‫ول تخمد أب ص‬
‫)‪(3‬‬
‫النسيج حصيف المتن رقعته وما شيت فى العين واليد« ‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سإيد قطب‪ ,‬فى ظلل القرآن‪) ,‬جُّ ‪.(1/532‬‬
‫‪2‬‬
‫)( قلئد العقيان‪ ،‬صا )‪.(104‬‬
‫‪3‬‬
‫)( المركش‪ ،‬عن ابن الصيرفى فى المعجب‪ ,‬صا )‪.(164‬‬
‫‪144‬‬
‫مد عبد المجيد بن‬ ‫ح ش‬‫م م‬‫وكذلك انضُم إلى البلط المرابطى أبو ل‬
‫مد بن عبد الله بن الجد‬ ‫ح ش‬‫م م‬ ‫مت مومشفى ‪520‬هإـ‪ ،‬وأبو القاسإم ل‬ ‫عبدون ال ل‬
‫الفهرى المتوفى فى عام ‪515‬هإـ‪ ،‬وابن أبى الخصال الغافقى‬
‫مد بن يوسإف النصارى‬ ‫ح ش‬‫م م‬ ‫مت مومشفى ‪540‬هإـ‪ ،‬وأبو زكريا بن ل‬ ‫ال ل‬
‫مت مومشفى ‪570‬هإـ فى غرناطة‪ ،‬وأحمد بن أبى جعفر بن‬ ‫الغرناطى ال ل‬
‫مد بن عطية القضُاعى الذى نكبه عبد المؤمن بن على خليفة‬ ‫ح ش‬‫م م‬
‫ل‬
‫حدين‪ ،‬وغير هإؤلء كثير من الدباء والكشتاب الذين عملوا فى‬ ‫ي‬ ‫المو‬
‫مين على بن يوسإف)‪ ,(1‬ول‬ ‫سل مم‬
‫ل ي‬ ‫م‬ ‫ال‬ ‫أمير‬ ‫زمن‬ ‫المرابطين‬ ‫دولة‬ ‫خدمة‬
‫ورت تطوصرا‬ ‫ننسى أن الوزارة فى زمن على بن يوسإف تط ش‬
‫ظا‪ ,‬وأصبح الوزير بمنزلة السمع والبصر واللسان والقلب‬ ‫ملحو ص‬
‫مين‪ ،‬وفى المثال‪ :‬نعم الظهير الوزير‪.‬‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬‫بالنسبة لمير ال ل‬
‫كان الحكم فى دولة المرابطين قائما ص على أسإسُ عسكرية‪،‬‬
‫مين هإو قائد الجيش العلى‪ ،‬ومعاونوه هإم قواد‬ ‫سل م م‬
‫م ي‬ ‫فأمير ال ل‬
‫الجيش‪ ،‬لهذا كان من الطبيعى أن يتسم منصب الوزير بالطابع‬
‫ضُا كتابة‬
‫العسكرى كذلك‪ ،‬ولكن لما كان المر يتطلب من الوزير أي ص‬
‫جد فى دولة المرابطين‬ ‫الوثائق‪ ،‬والمراسإيم وصياغتها فقد ول م‬
‫صنفان من الوزراء‪.‬‬
‫‪ -1‬وزراء عسكريون من قادة الجيش‪ ,‬وهإم من قرابة‬
‫السلطان عادة أو من قبائل لمتونة وصنهاجة التى قامت‬
‫على أكتافهم دولة المرابطين‪.‬‬
‫‪ -2‬وزراء ك لشتاب وهإم من الفقهاء‪.‬‬
‫وكان المغاربة يطلقون كلمة فقيه على العالم بالحكام‬
‫الشرعية إل أن أهإل المشرق أصبح ذلك المصطلح عندهإم يطلق‬
‫ما من الطلبة‪.‬‬ ‫على دارس الفقه عمو ص‬
‫سإع المير على بن يوسإف فى اتخاذ الوزراء والمستشارين‬ ‫وتو ش‬
‫ص وزرائه الفقيه مالك بن‬ ‫ي‬ ‫أخ‬ ‫من‬ ‫وكان‬ ‫العلماء‪،‬‬ ‫وكبار‬ ‫الفقهاء‬ ‫من‬
‫وهإيب الشبيلى الذى شارك فى جميع العلوم‪ ،‬ونظم الشعر‪،‬‬
‫وكتب مؤلفات فى الفلسفة والشتامريخ‪ ،‬وهإذا الفقيه هإو الذى أشار‬
‫مد بن تومرت‬ ‫ح ش‬
‫م م‬‫على سإلطان المرابطين على بن يوسإف بقتل ل‬
‫حدين فيما بعد‪ ،‬حيث تفشرس فيه حدة نفسه وذكاء‬ ‫زعيم دولة المو ي‬
‫مين بقتله أو‬ ‫سل م م‬ ‫م ي‬ ‫خاطره‪ ،‬واتساع عبارته‪ ,‬فأشار على أمير ال ل‬
‫اعتقاله‪ ،‬قبل أن يستفحل خطره‪ ،‬لشنه رجل مفسد ول يسمع كلمه‬
‫أحد إل مال إليه‪ ,‬غير أن على بن يوسإف توقف فى قتله واعتقاله‪،‬‬
‫ح ما تفشرسإه‬ ‫وأبى ذلك عليه دينه‪ ،‬لعدم ثبوت التهمة عليه‪ ،‬وقد ص ش‬
‫مالك بن وهإيب‪ ،‬إذ إنه على يد هإذا المدعى المهدية الكذاب ابن‬
‫تومرت قامت دولة الموحدين التى قضُت على دولة المرابطين‬
‫‪1‬‬
‫)( انظر‪ :‬تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬للدكتور حمدى عبد المنعم‪ ،‬صا )‪.(271 ،270‬‬
‫‪145‬‬
‫فى المغرب وال من يد مللسُ)‪.(2‬‬
‫***‬

‫‪2‬‬
‫)( انظر‪ :‬تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬للدكتور حمدى عبد المنعم‪ ،‬صا )‪.(368‬‬
‫‪146‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫النظام القضُائى فى دولة المرابطين‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫للقضُاء مكانة عظيمة ومنزلة شريفة‪ ،‬وفاصل بين الشناس فى‬
‫خصوماتهم‬
‫وحاسإم للتداعى وقاطع للتنازع‪ ،‬وكان العرب فى جاهإليتهم‬
‫يعرفون منزلة القضُاء‪ ,‬ويختارون له أهإله‪ ,‬ويطلقون عليهم‬
‫كام‪ ،‬واهإتم المسلمون بهذا المر‪ ,‬ومارسإه رسإول الله × فى‬ ‫ح ش‬
‫ال ل‬
‫زمانه‪ ،‬وسإار الخلفاء من بعده على دربه‪ ،‬وأصبح القضُاء بعد‬
‫رسإول الله × فى عداد الوظائف الداخلة تحت الخلفة‪ ،‬وتطور‬
‫القضُاء مع تطور دولة السإلم فكان الخليفة يتخذ قاضصيا فى‬
‫حاضرة الخلفة وقضُاة آخرين فى الوليات والمصار‪.‬‬
‫مضُاصفا إلى الولة حتى‬ ‫كان القضُاء فى المصار أول المر ل‬
‫ص‬
‫كانت خلفة عمر بن الخطاب فجعله مستقل عن نظر الوالي‪،‬‬
‫من يتفشرد بالنظر فيه‪ ,‬ومع اسإتقلل القضُاء عن نظر‬ ‫عشين له م‬
‫الوالي‪ ،‬فإن تقليد القضُاء فى الوليات كان يتم فى الغالب عن‬
‫ما فى العاصمة فكان الخليفة‬ ‫طريق الولة بتفويض الخليفة لهم‪ ،‬أ ش‬
‫هإو الذى ليعيين القاضى إلى أن جاء الخليفة العشباسإى أبو جعفر‬
‫المنصور الذى انحرف بالقضُاة نحو مركزية الدولة‪ ،‬وأخضُع‬
‫المؤسإسات القضُائية لرقابته المستمشرة‪ ،‬وجعل تقليد القضُاة على‬
‫قضُاء المصار من قبله‪ ،‬وتابعه على ذلك خلفاء بنى العشباس‪ ،‬إلى‬
‫أن اسإتحدث منصب قاضى القضُاة فى فترة تالية‪ ،‬فتوشلى قاضى‬
‫القضُاة النظر فى مؤهإلت المرشحين للقضُاء ومراقبة الكفاءة‬
‫مت ك س‬
‫ل‬ ‫)‪(1‬‬
‫المهنية للقضُاة فى عاصمة الخلفة وخارجها ‪ ،‬واهإت ش‬
‫صا‬
‫الدول التابعة للخلفة بتطوير نظامها القضُائى وخصو ص‬
‫المرابطين الذين حرصوا على إقامة العدل ونشره فى ربوع‬
‫بلدهإم‪ ،‬فكان لمنصب القضُاة أهإمية كبيرة‪ ،‬ولذلك حرصا أمراء‬
‫من برزوا فى العلم والفقه‬ ‫م ش‬
‫المرابطين على تعيين القضُاة م‬
‫وتميزوا بالمقدرة على تولى هإذه المناصب فى دولتهم دون‬
‫السإتناد على العصبية القبلية‪ ،‬حتى أصبح أكثر القضُاة من غير‬
‫قبيلة صنهاجة وهإى سإياسإة حكيمة اتبعها المير يوسإف رغبة فى‬
‫تحقيق العدالة وتطبيق‬
‫تعاليم السإلم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ الحضُارة العربية والسإلمية‪ ،‬د‪ .‬محمد بطاينة‪ ،‬صا )‪.(79‬‬
‫‪147‬‬
‫وقد منحهم رتبة عالية فى الدولة حتى كثرت أموالهم‪،‬‬
‫واتسعت مكاسإبهم‪ ،‬وكانوا يستمدون نفوذهإم من سإلطة الدولة‬
‫نفسها‪ ،‬يحكمون وفق المذهإب المالكي‪ ،‬ويقوم بتنفيذ أحكامهم‬
‫كام المحليون‪ ،‬وقد شارك القضُاة فى معارك الجهاد‬ ‫ح ش‬‫الولة وال ل‬
‫فى‬
‫ال من يد ملسُ‪ ،‬واسإتشهد بعضُهم فى معركة اليزلمقة منهم القاضى عبد‬
‫ل‬
‫الملك المصمودى قاضى مراكش)‪.(1‬‬
‫سل م‬
‫طة‬ ‫سل م‬
‫طة القضُائية تتمتع باسإتقلل كبير عن ال س‬ ‫وكانت ال س‬
‫التنفيذية‪ ،‬وكان تعيين القاضى يصدر بمرسإوم عن أمير المسلمين‪،‬‬
‫وكذلك عزله‪ ،‬وكان لهإل البلدان التابعة لدولة المرابطين حق‬
‫من يرونه مناسإصبا لمنصب القضُاء فى بلدهإم‪.‬‬ ‫الترشيح ل م‬
‫ض فى بلد معين فعليه أن‬ ‫وإذا أراد أمير المسلمين عزل قا ة‬
‫يوضح السإباب لهإل ذلك البلد‪.‬‬
‫أ ‪ -‬منصب قاضى الجماعة فى الندلسُ‪:‬‬
‫يعتبر منصب قاضى الجماعة من أرفع المناصب القضُائية فى‬
‫ال من يد مللسُ‪ ،‬كان صاحبه يشرف على القضُاء فى جميع أنحاء‬
‫ال من يد مللسُ‪ ،‬ومن المرجح إن هإذا المنصب الخطير كان ل يتوله إل‬
‫من يثبت كفاءة عالية فى أمور القضُاء‪ ،‬وكان قاضى الجماعة‬ ‫كل م‬
‫فى الن يد ملسُ يتمتع بسلطات واسإعة‪ ،‬ومنهم أبو القاسإم أحمد بن‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫جهه المير‬‫مد بن عبد العزيز التغلبى الذى و ش‬ ‫ح ش‬
‫م م‬‫مد بن على بن ل‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫ل‬
‫يوسإف بن تاشفين إلى اتباع الحق فى الحكام دون أن يعرف فى‬
‫ل برغم راغم وتشفق من ملمة‬ ‫الله لومة لئم‪ ،‬فكتب له‪» :‬ول لتبا م‬
‫لئم‪ ،‬فآس بين الشناس فى عدلك ومجلسك حتى ل يطمع قوى فى‬
‫من‬‫حيفك ول ييأس ضعيف فى عدلك‪ ،‬ول يكن عندك أقوى م‬
‫من القوى حتى تأخذ‬ ‫الضُعيف حتى تأخذ الحق له‪ ،‬ول أضعف م‬
‫الحق منه‪.(2) « . .‬‬
‫من توشلى منصب قضُاء الجماعة فى ال من يد مللسُ فى‬ ‫ومن أشهر م‬
‫مد بن أحمد بن رشد‬ ‫ح‬ ‫م‬
‫ل م ش‬ ‫بن‬ ‫مد‬ ‫ح‬
‫ل م ش‬‫م‬ ‫الوليد‬ ‫أبو‬ ‫يوسإف‬ ‫عصر على بن‬
‫مد بن أحمد بن خلف إبراهإيم التجيبى‬ ‫ح ش‬‫م م‬
‫الله‪ (3‬ل‬ ‫المالكى وأبو عبد‬
‫)‬
‫المعروف بابن الحاجُّ ‪.‬‬
‫ب‪ -‬قاضى الجماعة فى المغرب‪:‬‬
‫كانت رئاسإة القضُاء فى المغرب فى زمن دولة المرابطين‬
‫تسند إلى قاضى الجماعة بمراكش‪ ،‬الذى كان ليسمى بقاضى‬
‫‪1‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(166‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الذخيرة فى محاسإن أهإل الجزيرة‪ ،‬ابن بسام )جُّ ‪. (2/106‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تاريخ المرابطين‪ ،‬صا )‪.(287‬‬
‫‪148‬‬
‫قضُاة المغرب أو بقاضى الحضُرة‪ ،‬وكان على من يتوشلى هإذا‬
‫من المقربين إلى قلب أمير المسلمين يستفتيه‬ ‫المنصب أن يكون م‬
‫من توشلى هإذا‬‫م‬ ‫أشهر‬ ‫ومن‬ ‫ئِّون‪،‬‬‫ش‬ ‫من‬ ‫له‬ ‫فى كل ما يعرض‬
‫مد بن إبراهإيم بن قاسإم بن‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫مد عبد الله بن ل‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫المنصب‪ :‬أبو ل‬
‫منصور اللخمي‪ ،‬وأبو الحسن على بن عبد الرحمن المعروف بابن‬
‫أبى حقون‪ ،‬وأبو سإعيد خلوف بن خلف الله‪.‬‬
‫طا أبعد من مجرد‬ ‫لقد قطع المرابطون فى تنظيم القضُاء شو ص‬
‫تقسيم قضُاء ال من يد مللسُ والمغرب وجعل زعامة القضُاء فى كل منهما‬
‫لقاضى القضُاة‪ ،‬أحدهإما يختص بال من يد مللسُ والخر بالمغرب‪ ،‬بل إن‬
‫طة العليا على قضُاء المغرب‬ ‫سل م‬‫المرابطين اتخذوا فقيصها له ال س‬
‫وال من يد مللسُ على السواء‪ ،‬ومن المرجح أن زعامة القضُاء فى العدوتين‬
‫كانت أحياصنا من نصيب قاضى مراكش أو قاضى سإبتة أو طنجة‪،‬‬
‫وأحياصنا أخرى لقاضى الجماعة بقرطبة)‪.(1‬‬
‫جـ ‪ -‬مجلسُ الشورى القضُائي‪:‬‬
‫كان للقاضى فى صحبته مجموعة من فقهاء البلد الذى توشلى‬
‫قضُاءه ليشاورهإم قبل أن يصدر الحكام‪ ،‬وكان قاضى المدينة‬
‫من ليعرفون بالورع‬ ‫م ش‬
‫يتولى اختيار هإؤلء الفقهاء من أهإل مدينته‪ ،‬م‬
‫والتقوى والتبحر فى الفقه والعلوم الدينية‪ ،‬ويحدد ابن عبدون‬
‫هإؤلء الفقهاء والمشاورين بأربعة‪ :‬اثنين يشتركان فى مجلسُ‬
‫القاضي‪ ،‬واثنين يقعدان فى المسجد الجامع )‪.(2‬‬
‫د‪ -‬القضُاء العسكري‪:‬‬
‫عرفت دولة المرابطين ما يمكن تسميته بالقضُاء العسكري‪،‬‬
‫وكان يمارسإه قضُاة مختصون بحل مشاكل الجند فى مواضع‬
‫ث الجند‬
‫صة بالمعسكرات‪ ،‬كما كانوا يشتركون فى القتال لح ي‬ ‫خا ش‬
‫وتشجيعهم على القتال‪ ،‬وكان هإؤلء القضُاة يسمون بقضُاة المحلة‬
‫أو قضُاة الجند‪ ،‬وممن ذكرهإم التاريخ فيمن توشلوا منصب القضُاء‬
‫العسكري‪ :‬عبد الرحيم بن إسإماعيل الذى ع ليين قاضصيا فى معسكر‬
‫أمير المسلمين على بن يوسإف بمدينة سإل)‪.(3‬‬
‫هإـ ‪ -‬قضُاء الذميين فى دولة المرابطين‪:‬‬
‫ذمة فى ال من يد مللسُ‪ ،‬فقد كان رجال الدين‬ ‫أما بالنسبة لهإل ال ي‬
‫النصارى واليهود يتولون القضُاء لهم‪ ،‬دون أن يتدخل فيهم قضُاة‬
‫ذمة‪ ،‬وفى‬‫ذمى القضُاء لهإل ال ي‬ ‫المسلمين‪ ،‬أجاز الفقهاء تقليد ال ي‬
‫ذمة قاضصيا يعرف بقاضى‬ ‫ال من يد مللسُ خصص المسلمون لهإل ال ي‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(288‬‬
‫‪2‬‬
‫)(المرجع السابق‪ ,‬صا )‪.(289‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا)‪.(291‬‬
‫‪149‬‬
‫النصارى أو قاضى العجم‪ ،‬أما إذا كانت الخصومة بين ذمى‬
‫ومسلم فإن قضُاة المسلمين يتولون الفصل بينهما‪ ،‬وفى هإذا‬
‫الصدد يشير أشباخ إلى أن النصارى كانوا »يتمتعون بحرية‬
‫الشعائر ويحتفظون ببعض القوانين القوطية ولهم أسإاقفتهم‬
‫وقضُاتهم«)‪.(1‬‬
‫و‪ -‬شجون وأحزان وآلم وآمال‪:‬‬
‫إن السعى لقامة دولة السإلم فى أى بقعة من بقاع العالم‬
‫يحتاجُّ للطلئع‬
‫التى تسعى لهذا الهدف العظيم وفقه الخذ بأسإباب التمكين فى‬
‫جميع الصعدة‬
‫ومختلف الميادين‪.‬‬
‫ظم القضُائية التى لبد منها فى أى دولة‬ ‫وإذا نظرنا فى الن س ل‬
‫دينية أو علمانية وسإألنا أنفسنا ما حظ الحركات السإلمية من هإذا‬
‫ظم القضُائية‬ ‫الفقه؟ وما هإى الخطط التى وضعت ليجاد هإذه الن س ل‬
‫الشرعية التى لبد منها فى أسإلمة الدولة؟ وما هإى الوسإائل التى‬
‫اتخذتها؟ وهإل بدأت فى إيجاد الكوادر التى تجمع فقه الشريعة‬
‫جا حصيا لقدرة‬ ‫ظم المعاصرة بحيث تستطيع أن تقدم نموذ ص‬ ‫والن س ل‬
‫السإلم على مواكبة التطور والتقدم بمفهومه الصحيح المنبثق من‬
‫عقيدة المة ودينها وشريعتها لكانت الجابة محزنة‪.‬‬
‫من الجزئيات المطلوبة فى‬ ‫إن السعى لتحقيق هإذه الجزئية م‬
‫ن‬
‫من العاملين فى هإذه الميادين إلى جهد مضُ ة‬ ‫إقامة الدول يحتاجُّ م‬
‫وسإهر متواصل‪ ،‬وتصميم أكيد على الوصول للهدف‪ ،‬وسإعى دءوب‬
‫ممزوجُّ بالدموع والعرق والدماء‪ ،‬وهإمم ل تعرف الوهإن‪ ،‬وعزائم‬
‫تنخر فى هإياكل الجاهإلية ليدخل من خلل تلك الثقوب نور اليمان‬
‫فا على الظلم والضُلل‬ ‫دا؛ زاح ص‬
‫دا روي ص‬
‫وهإدى القرآن لينتشر روي ص‬
‫والظلم والكفران‪ ،‬وإعادة دولة السإلم فى أثوابها الزاهإية‪،‬‬
‫وتيجانها الناصعة‪ ،‬وعدلها المنتظر‪ ،‬وآفاقها الواسإعة‪ ،‬ووظائفها‬
‫المتعددة من إقامة الصلة وإيتاء الزكاة والمر بالمعروف والنهى‬
‫عن المنكر‪ ،‬ونصرة المستضُعفين ومقارعة الظالمين‪ ،‬وفتح أبواب‬
‫الجهاد وشراء سإلعة الجنة بالمهج والنفسُ والرواح ثمصنا لها‪ .‬إن‬
‫أصحاب تلك الهإداف السامية والنبيلة لبد لهم من أن يتميزوا فى‬
‫حياتهم عن غيرهإم فإن المال العظيمة ل يصل إليها إل أصحاب‬
‫النفوس الكبيرة‪.‬‬
‫تعبت من مرادهإا الجسام‬ ‫وإذا كانت النفوس كبـــاصرا‬
‫دا فعليها أن تستعين‬ ‫إن تحديات الحركة السإلمية كثيرة ج ص‬
‫‪1‬‬
‫)( انظر‪ :‬تاريخ الندلسُ‪ ،‬لشباخ‪ ,‬صا )‪.(82‬‬
‫‪150‬‬
‫من‬‫بخالقها على تحقيق أهإدافها‪ ,‬وعليها أن تكثر العمل ولتقيلل م‬
‫الجدل‪ ،‬وتهتم بالرواحل وتترك المثبطين‪ ،‬وتصعد بأبنائها على كل‬
‫المجالت والصعدة وتهتم بتربيتهم وتزكيتهم وتفجير طاقاتهم‬
‫سد ش الثغرات المتعددة‪ ،‬وعليها أن تحرصا على‬ ‫وتوجيهها حتى ت ل‬
‫أوقات أبنائها وتشغلهم بالنافع المفيد للمة ولهم‪.‬‬
‫إن تحريك الشعوب السإلمية نحو التغيير لقامة شرع الله‬
‫مقيد بسنن الله فى المجتمعات والدول والشخاصا‪ ،‬وسإنن الله ل‬
‫تجامل ول ترحم ول تتغير ول تتبدل‪ ،‬فعلينا أن نفقه سإنن الله‬
‫لنحسن التعامل معها‪ ,‬ونأخذ بها فى خطواتنا لقامة دولة السإلم‬
‫ونشر شريعة الشرحمن‪.‬‬
‫***‬

‫‪151‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫النظم العســـــكرية‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫صفات المجاهإدين فى سإبيل الله‪:‬‬
‫إن الجهاد فى سإبيل الله عظيم الكلفة والمشقة على النفسُ‬
‫سىِ مأن تمركمرجهوُاً مشريْلئاَ موجهموُ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ب معلمريْجكجمُ اًلرقمتاَجل موجهموُ جكررهء جكرمُ مومع م‬ ‫البشرية‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬جكت م‬
‫خيْيءر لجكرمُ﴾ ]البقرة‪.[216:‬‬ ‫مر‬
‫ولذلك لم يستطع أن يقوم بالجهاد السإلمى على أصوله‬
‫الصحيحة إل من رزقه الله صفات تجعله أهإل ص للقيام بهذه العبادة‬
‫الكريمة‪.‬‬
‫هإدين سإواء‬ ‫جا م‬ ‫م م‬‫والصل العظيم الذى تنبثق منه كل صفات ال ل‬
‫دا‪ ،‬أو صفات الجيش كله هإو اليمان بالله العلى‬ ‫كانوا قادة أو جنو ص‬
‫هإدين‪ ،‬وبضُعفه تضُعف تلك‬ ‫جا م‬ ‫م م‬ ‫العظيم الذى بقوته تقوى صفات ال ل‬
‫الصفات الرفيعة فى القادة والفراد والجيش على حد سإواء‪ ،‬ولذا‬
‫قال ابن تيمية رحمه الله‪» :‬وإذا كان أولياء الله هإم المؤمنين‬
‫المتقين فبحسب إيمان العبد وتقواه تكون وليته لله تعالى‪ ،‬فمن‬
‫كان أكمل إيماصنا وتقوى‪ ،‬وكان أكمل ولية لله‪ ،‬فالشناس متفاضلون‬
‫فى ولية الله عز وجل بسبب تفاضلهم فى اليمان والتقوى«)‪.(1‬‬
‫والذى يكون إيمانه أكمل يحقق عبوديته لله أكثر‪ ،‬فيكون وقته‬
‫صا واعتزاصزا‬ ‫ما وتذكصرا وتقوى وإحساصنا وإخل ص‬ ‫كله عبادة وصبصرا وعل ص‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ت آمنَاَءم اًل ريْلل مساَجلداً مومقاَئلماَ يمرحمذجر اًلمخمرمة مويميررججوُ‬ ‫ل‬
‫بدينه ‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬أملمرنَ جهموُ مقاَنَ ء‬
‫)‪(2‬‬

‫ب ‪ ‬قجرل مياَ لعمباَلد‬ ‫مررحممةم مربله قجل مهل يمرستملوُىِ اًللذيمنَ يميرعلمجموُمن مواًللذيمنَ لم يميرعلمجموُمن إلنَلمماَ يميتممذلكر جأوجلوُ اًللرمباَ ل‬
‫ج‬ ‫ر ر‬
‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ض اًل مواًسمعةء إنَلمماَ يجيموُفىِ‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬ ‫لل‬
‫سنجوُاً فىِ مهذه اًليدنَريميْاَ محسنة موأمرر ج‬ ‫اً ذيمنَ آممنجوُاً اًتليجقوُاً مربلجكرمُ ل ذيمنَ أمرح م‬
‫ت لرن‬ ‫صاَ لهج اًلبديمنَ ‪ ‬موأجلمرر ج‬ ‫ل‬
‫ت أمرن أمرعبجمد اًلم جمرخل ل‬ ‫ب ‪ ‬قجرل إلبنَىِ أجلمرر ج‬ ‫صاَبلرومن أمرجرجهرمُ بلغمريْلر لحساَ س‬
‫م‬ ‫م‬ ‫اًل ل ج‬
‫سلللميْمنَ﴾ ]الزمر‪.[12-9 :‬‬ ‫أمجكوُمن أملومل اًلرجم ر‬
‫إن زعماء المرابطين فى تاريخهم المجيد حرصوا على تربية‬
‫هإد‬
‫جا م‬‫م م‬‫شعبهم ال ل‬
‫هإدين سإواء على مستوى الفراد أو القادة أو‬ ‫جا م‬ ‫م م‬‫على صفات ال ل‬
‫الجيش أو الشعب‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( الفتاوى )جُّ ‪.(11/175‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر‪ :‬الجهاد فى سإبيل الله‪ ،‬د‪ .‬عبد الله القادري‪) ،‬جُّ ‪.(2/5‬‬
‫‪152‬‬
‫أ ‪ -‬صفات القائد العسكرى عند المرابطين‪:‬‬
‫هإدين فى دولة المرابطين نجد‬ ‫جا م‬ ‫م م‬
‫إذا نظرنا فى سإيرة قادة ال ل‬
‫م‬
‫أن خيار قادتهم تمشيزوا بصفات أهإشلتهم لقيادة الجيوش وتحقيق‬
‫من أ ي‬
‫شهر أولئِّك القادة الذين‬ ‫النصر وإلحاق الهزائم بالعداء‪ ،‬و م‬
‫تمشيزوا بصفاتهم القيادية أبو بكر بن عمر‪ ،‬ويحيى بن عمر‪ ،‬ويوسإف‬
‫مد مزدلي‪ ,‬وسإير بن أبى بكر‪ ،‬وأبو عبد الله‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫بن تاشفين‪ ,‬وأبو ل‬
‫مد بن الحاجُّ‪ ،‬وداود ابن عائشة‪ ،‬وعبد الله بن فاطمة وغيرهإم‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫ل‬
‫كثير‪.‬‬
‫نلحظ أنهم تمشيزوا بأمور أهإمها‪:‬‬
‫مل المشاق‪:‬‬
‫من طاعة الله وإعداد النفسُ لتح س‬ ‫‪ -1‬الكثار م‬
‫حيث ترشبوا على حسن صلتهم بربهم الذى يمدهإم بالعون بقدر‬
‫من القرآن والصيام‬ ‫ما يحققون له العبودية؛ فكان لهم حظ م‬
‫والقيام وحسن الصلة والنفاق فى سإبيل الله‪ ،‬وكان لتربية عبد‬
‫الله بن ياسإين لهم فى رباطه أثر كبير لزمهم على طول حياتهم‪،‬‬
‫كل على‬ ‫فكان فى مرحلة التكوين ليريبى أتباعه على الذكر والتو س‬
‫الله‪ ,‬والصبر على الذشية فى سإبيل الله‪ ،‬وكان يعيلمهم أسإاليب‬
‫إتعاب النفسُ فى ذات الله حتى تستطيع أن تتحمل المشاق فى‬
‫سإبيله‪ ،‬وكان منهجه فى ترسإيخ هإذه المعانى فى نفوس أتباعه‬
‫القرآن الكريم‪:‬‬
‫ص لمرنهج قملليْلل ‪ ‬أمرو لزرد معلمريْله مومرتبلل‬
‫صمفهج أملو اًنَجق ر‬
‫ل‬
‫﴿مياَ أمييمهاَ اًلرجملزبمجل ‪ ‬قجلمُ اًل لريْمل إللل قمليْلل ‪ ‬نَل ر‬
‫ك قميروُلل ثملقيْلل ‪ ‬إن منَاَلشئمةم اًل لريْلل لهمي أممشيد موطلئاَ موأمقريموُجم لقيْلل ‪ ‬إن‬ ‫ل‬
‫اًلرجقررآمن تميررتيْلل ‪ ‬إللنَاَ مسنجيرللقىِ معلمريْ م‬
‫ب لم إللمهم‬ ‫ك موتميبمتلرل إللمريْله تميربتليْلل ‪ ‬مر ب‬
‫ب اًلرممرشلرلقْ مواًلممغرلر ل‬ ‫ك لفىِ اًلنليمهاَلر مسربلحاَ طملوُيلل ‪ ‬مواًرذجكلر اًرسممُ مرب م‬ ‫لم م‬
‫صبلرر معملىِ مماَ يميجقوُجلوُمن مواًرهججررجهرمُ مهرجلراً مجلميْ ل‬ ‫ل‬ ‫ل‬
‫ل﴾ ]المزمل‪.[10-1:‬‬ ‫إللل جهموُ مفاَتلخرذهج موكيْلل ‪ ‬مواً ر‬
‫يقول سإييد قطب رحمه الله فى »ظلله« فى ترسإيخ هإذه‬
‫المعانى فى نفوس الدعاة‪» :‬إن الذى يعيش لنفسه قد يعيش‬
‫ما الكبير الذى‬
‫حا ولكشنه يعيش صغيصرا ويموت صغيصرا‪ ،‬فأ ش‬‫مستري ص‬
‫يحمل العبء فماله والشنوم‪ ،‬وماله والراحة‪ ،‬وماله والفراش‬
‫الدافئ‪ ،‬والعيش الهادئ‪ ،‬والمتاع المريح‪ ،‬ولقد عرف رسإول الله‬
‫دره‪ ،‬فقال لخديجة –رضى الله عنها‪ -‬وهإى‬ ‫× حقيقة المر وق ش‬
‫تدعوه أن يطمئِّن وينام‪» :‬مضُى عهد النوم يا خديجة« أجل مضُى‬
‫عهد النوم‪ ,‬وما عاد منذ اليوم إل السهر والتعب والجهاد الطويل‬
‫الشاق«)‪.(1‬‬
‫لقد كان قادة المرابطين فى تربيتهم الرشيدة جادين بعيدين‬
‫‪1‬‬
‫)( انظر ‪ :‬فى ظلل القرآن )جُّ ‪.(6/3744‬‬
‫‪153‬‬
‫عن الهزل واللهو واللعب‪ ,‬وتميز فيهم أبو بكر بن عمر‪ ,‬ويوسإف‬
‫من‬
‫بن تاشفين‪ ،‬فكان لهما السبق على أتباعهما فى كل مجال م‬
‫المجالت التى لتعمتبر من ضرورات القائد الناجح‪.‬‬
‫‪ -2‬القدوة الحسنة للجنود‪:‬‬
‫حيث نجد أن قادة المرابطين يقودون المعارك بأنفسهم‪ ,‬فقتل‬
‫عبد الله بن ياسإين فى سإاحات الوغي‪ ،‬ويحيى بن عمر كذلك‪ ,‬وأبو‬
‫بكر بن عمر فى جهاده فى الصحراء الكبرى‪ ،‬كما كان يوسإف بن‬
‫من العداء‬‫تاشفين يقود الحرس الخاصا الذى أعده لنتزاع النصر م‬
‫فى الساعات الحرجة‪ ،‬ويندفع بجواده فى ميادين الجهاد عندما‬
‫يشتد س وطيسُ المعركة‪ ،‬وضربوا أمثلة رائعة فى إيمانهم وعملهم‬
‫الصالح وشجاعتهم وكرمهم الفياض وحزمهم وإيثارهإم وإقدامهم‪.‬‬
‫ة‬
‫‪ -3‬حرصوا على تزكية وتطهير جنودهإم والرتقاء بهم طاع ص‬
‫لله‪:‬‬
‫إن لبعد الجنود عن التعليم والتربية والتطهير يكون سإبصبا فى‬
‫م الهزيمة‪.‬‬ ‫من ث م ش‬ ‫قسوة قلوبهم وانغماسإهم فى الثام والذنوب و م‬
‫ث لفيْلهرمُ مرجسوُلل بمرنَ أمنَريجفلسلهرمُ يم ريتيجلوُ معلمريْلهرمُ‬ ‫قال تعالى‪ ﴿:‬لممقرد لمنَ اًلج معملىِ اًلرجمؤلمنليْمنَ إلرذ بميمع م‬
‫ضلمسل يمبليْسنَ﴾ ]آل عمران‪:‬‬ ‫ب مواًلرلحركممةم موإلرن مكاَنَجوُاً لمنَ قميربجل لملفىِ م‬ ‫ل‬ ‫لل‬
‫آمياَته مويجيمزبكيْلهرمُ مويجيمعلبجمجهجمُ اًلركمتاَ م‬
‫‪.[164‬‬
‫ث لفىِ اًلجبميْبيْمنَ مرجسوُلل بم رنيجهرمُ يم ريتيجلوُ معلمريْلهرمُ آمياَتلله مويجيمزبكيْلهرمُ‬ ‫وقال تعالى‪ ﴿:‬جهموُ اًللذىِ بميمع م‬
‫ضلمسل يمبليْسنَ﴾ ]الجمعة‪.[2:‬‬ ‫ب مواًلرلحركممةم مولإن مكاَنَجوُاً لمرنَ قميربجل لملفىِ م‬ ‫ل‬
‫مويجيمعلبجمجهجمُ اًلركمتاَ م‬
‫يقول سإييد قطب رحمه الله‪» :‬ويزكيهم ويطهرهإم‬
‫ويرفعهم وينقيهم‪ :‬يطهر قلوبهم وتصوراتهم ومشاعرهإم‪،‬‬
‫ويطهر بيوتهم وأعراضهم وصلتهم‪ ،‬ويطهر حياتهم‬
‫ومجتمعهم وأنظمتهم‪ ،‬ويطهرهإم من أرجاس الشرك‬
‫والوثنية والخرافة والسإطورة‪ ,‬وما تبثه فى الحياة من‬
‫مراسإم وشعائر وعادات وتقاليد هإابطة بالنسان وبمعنى‬
‫إنسانيته‪ ،‬ويطهرهإم من دنسُ الحياة الجاهإلية‪ ,‬وما تلوث به‬
‫المشاعر والشعائر والتقاليد والقيم والمفاهإيم«)‪.(1‬‬
‫وة فيها‪:‬‬
‫‪ -4‬الخبرة بأمور الحرب والق ش‬
‫وظهر ذلك فى قادة المرابطين فى جهادهإم من أجل توحيد‬
‫المغرب القصى كله‪ ,‬والقضُاء على دولة برغواطة الملحدة‪ ،‬وما‬
‫خاضوه من حروب ومعارك ظهرت فيها خبرتهم الحربية‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫)( فى ظلل القرآن )جُّ ‪.(1/507‬‬
‫‪154‬‬
‫ومقدرتهم على تنفيذ أسإاليب الكر والفر‪ ،‬وظهرت خبرة القائد‬
‫العلى يوسإف بن تاشفين فى معركة اليزلمقة التى أكسبت أركان‬
‫الحرب خبرات عميقة؛ سإاعدتهم فى جهادهإم من أجل ضم‬
‫ال من يد مللسُ لدولتهم الفتية تحت راية السإلم بمنهجه السنى القويم‪،‬‬
‫والقضُاء على الخطر النصرانى فى ال من يد مللسُ‪.‬‬
‫وفى القرآن الكريم نجد إشارة لطيفة تبين صفات القائد‬
‫العسكرية وهإي‪ :‬العلم والقوة‪ ،‬كما قال تعالى‪﴿:‬مومقاَمل لمجهرمُ نَمبليْييجهرمُ إن اًلم قمرد‬
‫ت مسمعةل‬ ‫ك لمرنهج مولمرمُ يجيرؤ م‬ ‫ج‬ ‫م ج م‬ ‫ت مملللكاَ مقاَلجوُاً أملنَىِ يمجكوُجن لمهج اًلرجمرل ج‬
‫ك مع مرليْيمناَ ونَمرحنَ أمحيق لباَلرمرل ل‬ ‫ث لمجكرمُ طماَجلوُ م‬
‫بميمع م‬
‫صطممفاَهج معلمريْجكرمُ مومزاًمدهج بمرسطمةل لفىِ اًلرلعرللمُ مواًلرلجرسلمُ مواًلج يجيرؤلتىِ جمرلمكهج ممنَ يم م‬ ‫ل‬
‫شاَءج‬ ‫منَ اًلمماَلل مقاَمل إن اًلم اً ر‬
‫مواًلج مواًلسءع معلليْءمُ﴾ ]البقرة‪.[247 :‬‬
‫وقد ظهر علمه وخبرته فى اختيار جنده‪ ,‬ومعرفة الصالح منهم‬
‫للجهاد وغير الصالح‪ ،‬وبرزت قوته فى صموده وصبره ومصابرته‬
‫ونجاحه فى جهاده‪.‬‬
‫قال سإييد قطب رحمه الله‪» :‬وفى ثنايا هإذه التجربة تكمن عبرة‬
‫القيادة الصالحة الحازمة المؤمنة‪ ،‬وكسلها واضحة فى قيادة طالوت‪،‬‬
‫تبرز فيها خبرته بالنفوس وعدم اغتراره بالحماسإة الظاهإرة‪ ,‬وعدم‬
‫اكتفائه بالتجربة الولى‪ ،‬ومحاولته اختبار الطاعة والعزيمة فى‬
‫نفوس جنوده قبل المعركة‪ ،‬وفصله للذين ضعفوا وتركهم وراءه‪،‬‬
‫ثم – وهإذا هإو الهإم – عدم تخاذله وقد تضُاءل جنوده تجربة بعد‬
‫تجربة‪ ،‬ولم يثبت معه فى النهاية إل تلك الفئِّة المختارة‪ ،‬فخاض بها‬
‫المعركة ثقة منه بقوة اليمان الخالص‪ ,‬ووعد الله الصادق‬
‫)‪(1‬‬
‫للمؤمنين«‪.‬‬
‫‪ -5‬البعد عن طلب القيادة وابتغاء الرئاسإة‪:‬‬
‫هإد الزاهإد أبى‬
‫جا م‬
‫م م‬
‫وظهر لى هإذا المعنى فى شخصية المير ال ل‬
‫بكر بن عمر‪ ،‬فعندما لمسُ من ابن عمه مقدرة على القيادة أسإند‬
‫المر إليه‪ ،‬ودخل متوغل ص فى الصحراء الكبرى من أجل الدعوة‬
‫والجهاد حتى أكرمه الله بالشهادة‪ ،‬وكان أمراء المرابطين يرون‬
‫المارة قربة وعبادة يتقربون بها إلى الله لنصر دينه وتحقيق‬
‫ما من جاه أو منصب أو مال‪.‬‬ ‫مصالح عباده‪ ,‬وليست مغن ص‬
‫‪ -6‬إسإناد المور إلى أهإلها‪:‬‬
‫وهإذه الصفة ظهرت لى فى سإيرة يوسإف بن تاشفين فى‬
‫صر‬
‫ش‬ ‫ق‬ ‫من‬
‫تعيينه للولة والقادة والفقهاء‪ ،‬وما كان ليمتنع عن عزل م‬
‫‪1‬‬
‫)( فى ظلل القرآن )جُّ ‪.(1/263‬‬
‫‪155‬‬
‫من هإو أفضُل منه‪.‬‬
‫فى عمله‪ ,‬ويعين م‬
‫‪ -7‬تربية الجندى على التسليم المطلق لله ل لشخص‬
‫القائد‪:‬‬
‫وكان أمراء المرابطين يضُربون أروع المثلة فى زرع هإذه‬
‫هإدين‪ ،‬فهذا أمير المسلمين يرفع يديه‬ ‫جا م‬‫م م‬‫المعانى فى نفوس ال ل‬
‫نحو السماء مناجصيا المولى عز وجل‪» :‬اللهم إن كنت تعلم أن فى‬
‫حا للمسلمين فسيهل علينا هإذا البحر حتى نعبره‪،‬‬ ‫جوازنا هإذا إصل ص‬
‫)‪(1‬‬
‫وإن كان غير ذلك فصعبه حتى ل نجوزه« ‪.‬‬
‫وفى وسإط معركة اليزلمقة وهإو يبث الحماس فى نفوس‬
‫هإدين‪» :‬يا معشر المسلمين اصبروا لجهاد أعداء الله‬ ‫جا م‬
‫م م‬
‫ال ل‬
‫من سإلم فقد فاز‬ ‫منكم( الشهادة فله الجنة‪ ،‬و م‬ ‫من رزق‬ ‫الكافرين‪ ,‬و م‬
‫)‪2‬‬
‫بالجر العظيم والغنيمة« ‪ ،‬وهإكذا القائد المسلم هإو الذى يربى‬
‫جنوده بالمواقف على تحقيق العبودية الخالصة لله‪.‬‬
‫ولهذا لما قتل عبد الله بن ياسإين لم يتأثر المرابطون‪ ,‬وقتل‬
‫يحيى بن عمر ومن بعده أبو بكر بن عمر‪ ،‬وما زادهإم ذلك إل إيماصنا‬
‫هإدين وتعلقهم‬ ‫جا م‬
‫م م‬‫ما‪ ،‬وهإذا يدل على حسن تربيتهم لل ل‬ ‫وتسلي ص‬
‫وتسليمهم لله ل للشخاصا‪ ،‬أما تربية اليوم فى جيوش المسلمين‬
‫شبيهة بالفرعونية حيث يربى القائد جنوده على طاعته المطلقة‬
‫فى الخير والشر‪ ,‬كما يربيهم على الخضُوع الكامل لشخصه‪.‬‬
‫مد الغزالى – رحمه الله – هإذه التربية‬ ‫ح ش‬‫م م‬
‫ووصف الشيخ ل‬
‫فقال‪» :‬إن الذى يدرس المجتمعات الفاسإدة‪ ,‬ويتغلغل فى بحث‬
‫عللها‪ ،‬والذى يتتبع أعمال الدعياء وطلب الزعامة‪ ،‬ويستقصى‬
‫وسإائلهم الملتوية فى تسخير الجماهإير للوصول إلى القمة‪ ،‬والذى‬
‫يلحظ النهضُات الكبرى وكيف يدركها الفشل فجأة لنهم أصيبوا‬
‫برجال يحبون الظهور‪ ،‬فل يرحبون بالنصر إل إذا جاء عن طريقهم‬
‫ما إذا جاء عن طريق غيرهإم فهو‬ ‫وحدهإم‪ ،‬أ ش‬
‫)‪(3‬‬
‫البلء المبين« ‪.‬‬
‫ظم المعاصرة أن‬ ‫وقال سإعد جمعة‪» :‬والفرق بين السإلم والن س ل‬
‫ظم الخرى‬ ‫الولء فى السإلم هإو لله وحده‪ ،‬بينما الولء فى الن س ل‬
‫المنعوتة بالتقدمية‪ ،‬هإو للطاغية‪ ،‬أو الدكتاتور أو الحزب الحاكم أو‬
‫الجيش العقائدى أو اليديولوجية المتسلطة‪ ،‬ولذا فهو ولء إكراه‬
‫وضغط فكرى وقهر بوليسي‪ ،‬ل ولء الخير والمحبة والمودة‬

‫‪1‬‬
‫)( دولة المرابطين ‪ ،‬صا )‪.(90‬‬
‫‪2‬‬
‫)( دولة المرابطين‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( السإلم والسإتبداد السياسإي‪ ،‬صا )‪.(35‬‬
‫‪156‬‬
‫والتقوى والخوة«)‪.(4‬‬
‫وكم نحن محتاجون إلى منهج السإلم الصحيح فى غرس‬
‫الربانية والتسليم المطلق لله ل للشخاصا‪.‬‬
‫‪ -8‬الحرصا على قاعدة الشورى‪:‬‬
‫ي‬
‫سُ حرب ل‬‫كان لمير المسلمين فى دولة المرابطين ونائبه مجل د‬
‫يضُم قواد الفرق العسكرية المختلفة لدراسإة الخطط الحربية‪،‬‬
‫من القائد العلى‪ ,‬والتشاور فى أمور‬ ‫وتلقى الوامر والتعليمات م‬
‫الجهاد والبلد والعباد‪ ،‬واتصف قادة المرابطين بحرصهم على‬
‫إقامة مبدأ الشورى فيما بينهم‪.‬‬
‫فكان قرار الجهاد ضد النصارى فى ال من يد مللسُ بعد شورى شارك‬
‫فيها الشيوخ والقادة والعلماء والفقهاء‪ ،‬وكان قرار ضم ممالك‬
‫الطوائف بعد شورى كذلك‪ ,‬واشتهر المير يوسإف بمشاورة ذوى‬
‫الرأى من علماء الشريعة السإلمية وذوى الخبرة فيما يعرض له‬
‫من أمور‪.‬‬
‫‪ -9‬الحرصا على تحقيق الهإداف والضُبط الدارى وقوة‬
‫التأثير‪:‬‬
‫ظهرت هإذه الصفات فى شخصية يوسإف بن تاشفين الذى‬
‫أظهر مهارة إدارية عندما فتح مدينة سإجلماسإة‪ ,‬واسإتطاع أن‬
‫يحقق أهإداف المرابطين بعد جهاد دام ربع قرن‪ ،‬جنى بعدهإا‬
‫المرابطون ثمرة أتعابهم وبسطوا سإيطرتهم على المغرب‬
‫القصى‪ ،‬ولنشر المن فى ربوعه‪ ،‬واسإتطاع يوسإف بحسن سإيرته‬
‫وة الحق الذى التزمه على قبائل المصامدة‬ ‫وعدله أن يؤيثر بق ش‬
‫وزناتة وغمارة وغيرهإا‪.‬‬
‫‪ -10‬الشجاعة والكرم‪:‬‬
‫وظهرت هإاتان الصفتان فى قادة المرابطين فى جهادهإم فى‬
‫ف المير يوسإف وجنوده عن‬ ‫ال من يد مللسُ‪ ,‬فبعد معركة اليزلمقة ع ش‬
‫من الدماء‬
‫الغنائم وتركوهإا لملوك الطوائف‪ ،‬مع كونهم بذلوا م‬
‫والنفوس فى تلك المعركة ما ل يعلمه إل الله‪ ،‬فدل فعلهم ذلك‬
‫على شجاعتهم وكرمهم‪.‬‬
‫‪ -11‬التصرف الحكيم السريع أمام المفاجآت‪:‬‬
‫من الحدود‬ ‫وظهرت لى هإذه الصفة عندما تدخل الحماديون م‬
‫الشرقية‪ ،‬واعتدوا على دولة المرابطين من أطرافها‪ ,‬فجشرد‬
‫المرابطون لهم جي ص‬
‫شا‪ ,‬وردوهإم إلى حدودهإم‪ ,‬وعقدوا معاهإدة أمن‬

‫‪4‬‬
‫)( الله أو الدمار‪ ،‬صا )‪.(181‬‬
‫‪157‬‬
‫ما على‬ ‫ن هإجو ص‬ ‫وسإلم‪ ،‬وعندما أخطأ والى تلمسان المرابطى وش ش‬
‫عزل ذلك القائد وع ليين مكانه‬ ‫من القيادة العليا ل‬ ‫بنى حماد دون إذن م‬
‫ش‬
‫ماد‪ ،‬وعندما تأكد المير‬ ‫من هإو أفضُل منه‪ ,‬وتراضوا مع بنى ح ش‬ ‫م‬
‫يوسإف من خيانة ملوك الطوائف أسإمر بعضُهم‪ ,‬وقتل بعضُهم‪،‬‬
‫وضرب الحصار على ممالكهم حتى أسإقطها جميصعا‪ ،‬وسإاعده على‬
‫تحقيق تلك الهإداف قادة عظام اتصفوا بصفات عظيمة انعكست‬
‫على جنود المرابطين‪.‬‬
‫هإذه بعض الصفات التى حرصا المرابطون على غرسإها فى‬
‫قياداتهم وزعمائهم‪ ،‬فكانت خيصرا وبركة على تلك الدولة السنية‬
‫الفتية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬المنهج التربوى لجيش المرابطين‪:‬‬
‫اهإتم المرابطون بتربية جنودهإم تربية جهادية‪ ,‬اهإتموا بجميع‬
‫جوانبها الروحية والنفسية والفكرية والجسدية‪ ،‬وقد تميزت‬
‫هإد بالجنة والشتياق إليها‪ ،‬فشهدت‬ ‫جا م‬ ‫م م‬ ‫تربيلتهم الروحية بربط ال ل‬
‫المعارك التى خاضوهإا ضد أعدائهم على حبهم للموت كحب‬
‫خصومهم النصارى للحياة‪.‬‬
‫وغرس علماء المرابطين فى نفوس جنودهإم عقيدة اليمان‬
‫بالقدر‪ ،‬فأصبح الفارس منهم ينطلق كالسهم فى صفوف العداء‬
‫يضُرب ذات اليمين وذات الشمال‪ ،‬ل يخشى إل الله تعالى مؤمصنا‬
‫باليات القرآنية والحاديث النبوية التى تدل على تعميق هإذا‬
‫هإدين‪.‬‬ ‫جا م‬ ‫م م‬
‫المفهوم فى نفوس ال ل‬
‫ت لفىِ مممناَلممهاَ فمييْجرملس ج‬
‫ك اًللتىِ‬ ‫س لحيْمنَ ممروُتلمهاَ مواًللتىِ لمرمُ تمجم ر‬ ‫ل‬
‫قال تعالى‪﴿:‬اًلج يميتميموُفىِ اًلمنَريجف م‬
‫ل‬ ‫ضىِ معمليْيهاَ اًلرموُ م ل‬
‫سظمىِ﴾ ]الزمر‪ ،[42:‬وقال تعالى‪﴿:‬جقل‬ ‫ت مويجيررسجل اًلجرخمرىِ إملىِ أممجسل يم م‬ ‫قم م ر م م ر‬
‫ل فميرلميْتميموُلكلل اًلرجمرؤلمجنوُمن﴾ ]التوبة‪.[51:‬‬ ‫صيْبيمناَ إللل ماَ مكتمب اًل لممناَ جهوُ موُلممنَاَ ومعملىِ اً ل‬
‫م مر م‬ ‫م ج‬ ‫م‬
‫ل‬
‫للنَ ي م‬
‫ما‬
‫مه أربعين يو ص‬
‫دكم يجمع خلقه فى بطن أ ي‬ ‫وقال ×‪» :‬إن أح م‬
‫نطفة‪ ،‬ثم يكون علقة مثل ذلك‪ ،‬ثم يكون مضُعة مثل ذلك‪ ،‬ثم‬
‫يرسإل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه‬
‫وأجله وعمله وشقى أو سإعيد‪.(1) «..‬‬
‫وكانت وسإائل المرابطين فى تقوية الجانب الروحى فى‬
‫جنودهإم وشعبهم المقاتل تعتمد على إحياء شعيرة الصلة‪،‬‬
‫والصيام‪ ،‬والزكاة‪ ،‬والحج‪ ،‬وتلوة القرآن‪ ،‬والذكر‪ ،‬وأما وسإائلهم‬
‫فى التربية النفسية فتعتمد على جهود العلماء والفقهاء الذين‬
‫يقومون بتزكيتهم وإيضُاح حقيقة النفسُ والكون والحياة وغرض‬
‫‪1‬‬
‫)( رواه البخاري‪ ,‬رقم )‪.(3036‬‬
‫‪158‬‬
‫النسان وهإدفه فى هإذه الدنيا‪.‬‬
‫وكانوا يرون أن أهإم أسإباب تربية النفوس أن تستعد دائما‬
‫للجهاد‪ ،‬وأن تتربى على خشونة العيش والطعام والشراب‪ ,‬وقلة‬
‫النوم لتنمية فضُيلة الصبر فى نفوسإهم‪.‬‬
‫جُّ ‪ -‬أبرز الجوانب التربوية فى جيش المرابطين‪:‬‬
‫‪ -1‬الخوة السإلمية‪:‬‬
‫كانت من أسإباب قوة الجيش المرابطى سإريان روح الخوة‬
‫بين جميع فصائل الجيش‪ ،‬وامتلت قلوبهم ونفوسإهم بهذا‬
‫المعنى السامى الذى كان سإبصبا فى تذويب النعرات القليمية‬
‫من الزنوجُّ‪ ،‬ومن قبائل صنهاجة‬ ‫والعرقية‪ ،‬وجيوشهم تتكون م‬
‫المتفيرقة‪ ,‬ومن العرب‪ ,‬ومن مسلمى السإبان‪ ،‬وكل هإذه‬
‫مة واحدة‪.‬‬ ‫ونت أ ش‬ ‫الفصائل المتعددة والمتنوعة ك ش‬
‫صللجحوُاً بميريْمنَ أممخموُيرجكرمُ مواًتليجقوُاً اًلم لممع لجكرمُ تجيررمحجموُمن﴾‬ ‫ل‬
‫قال تعالى‪ ﴿:‬إلنَلمماَ اًلرجمرؤمجنوُمن إلرخموُةء فمأم ر‬
‫ل معلمريْجكرمُ إلرذ جكرنتجرمُ أمرعمداًءل فمأمل م‬
‫ف بميريْمنَ‬ ‫ت اً ل‬ ‫]الحجرات‪ ,[10:‬وقال تعالى‪﴿:‬مواًرذجكجرواً نَلرعمم م‬
‫صبمرحتجرمُ بلنلرعممتلله إلرخموُاًلنَاَ﴾ ]آل عمران‪.[103:‬‬ ‫قجيجلوُبلجكرمُ فمأم ر‬
‫لقد تحلى جيش المرابطين بهذه الصفة الربانية العظيمة‬
‫دا كالبنيان المرصوصا‬
‫فا واح ص‬
‫هإدين‪ ,‬وجعلتهم ص ص‬
‫جا م‬
‫م م‬
‫وت رابطة ال ل‬
‫فق ش‬
‫فى مواجهة العداء‪.‬‬
‫‪ -2‬التواصى بالحق والتواصى بالصبر‪:‬‬
‫مل على‬ ‫ح م‬‫فعندما أصيب عبد الله بن ياسإين بجراح بالغة‪ ,‬و ل‬
‫إثرهإا إلى معسكره؛ جمع رؤسإاء وشيوخ المرابطين وحشثهم على‬
‫ذرهإم من عواقب التفرقة والتحاسإد فى‬ ‫الثبات فى القتال‪ ،‬وح ش‬
‫)‪(1‬‬
‫طلب الرئاسإة وما لبت أن فارق الحياة ‪.‬‬
‫وهإكذا جند الله المجاهإدون ل يتباطأون فى مناصحة بعضُهم‬
‫ضُا‪ ،‬لعلمهم أن فى هإذا التباطؤ هإلكهم جميصعا الذى وصفه لهم‬ ‫بع ص‬
‫الرسإول × فى حديث النعمان بن بشير ‪-‬رضى الله عنهما‪ -‬فقال‪:‬‬
‫»مثل اًلقاَئمُ فىِ حدود اًل واًلوُاًقع فيْهاَ كمثل قوُم اًستهموُاً علىِ سفيْنة‪ ,‬فأصاَب بعضهمُ أعلهاَ‪,‬‬
‫وبعضهمُ أسفلهاَ‪ ,‬فكاَن اًلذينَ فىِ أسفلهاَ إذاً اًستقوُاً اًلماَء ميرواً علىِ ممنَ فوُقهمُ فقاَلوُاً‪ :‬لوُ أنَاَ‬
‫خرقناَ فىِ نَصيْبناَ خرلقاَ‪ ,‬ولمُ نَؤذ ممنَ فوُقناَ‪ ,‬فإن يتركوُهمُ وماَ أراًدواً هلكوُاً جميْلعاَ‪ ,‬وإن أخذواً علىِ‬
‫أيديهمُ نَجوُاً ونَجوُاً جميْلعاَ«)‪.(2‬‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(44‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البخاري رقم )‪ ،(2493‬فتح الباري )جُّ ‪.(5/132‬‬
‫‪159‬‬
‫إن مفهوم الجندية السإلمية يترعرع فى بيئِّات التناصح‬
‫والتواصى بالحق‬
‫والتواصى بالصبر‪.‬‬
‫‪ -3‬إصلح ذات البين‪:‬‬
‫حرصا المرابطون على نبذ الشقاق والقضُاء على الخلف‬
‫وعلى رأب الصدع وإصلح ذات البين؛ لعلمهم أن فساد ذات البين‬
‫يقضُى على جند الجهاد أكثر مما يقضُى عليهم عدوهإم الخارجى‬
‫مهما قويت شوكته وكثر جنده‪ ،‬فاتخذوا أسإلوب الحكمة واللين‬
‫والرفق من أجل تحقيق هإذا الهدف المنشود‪ ،‬وإذا خرجت فئِّة‬
‫تستمرئ الشقاق أو تعمل على إيجاده؛ جشردوا لها الجيوش‬
‫وأخضُعوهإا بالقوة‪ ،‬وهإذا ما قام به المير أبو بكر بن عمر عندما‬
‫تمشردت بعض قبائل الصحراء على مبادئ المرابطين‪ ,‬واشتبكوا مع‬
‫بعض القبائل الخرى فى قتال؛ فخرجُّ إليهم بجيشه الكثيف‪,‬‬
‫وأصلح ذات البين مستعمل ص فى ذلك القوة‪ ،‬ومن أجل الضُرورة‬
‫وإصلح ذات البين أذن النبى × لمن أراد أن يستعمل الكذب الذى‬
‫ما ول يحرم حلل ص‪ ,‬ل سإيما إذا كان من باب التورية‬ ‫ل يحل حرا ص‬
‫والتعريض‪ ،‬كما فى حديث أم كلثوم بنت عقبة أنها سإمعت رسإول‬
‫الله × يقول‪» :‬ليْس اًلكذب اًلذىِ يصلح بيْنَ اًللناَس فيْنمىِ خيْلراً أو يقوُل خيْلراً«)‪.(1‬‬
‫من الصلة والصيام‬ ‫وجعل النبى × إصلح ذات البين أفضُل م‬
‫ذر النبى × من فساد ذات البين‪ ،‬قال رسإول الله‬ ‫والصدقة‪ ,‬وح ش‬
‫ل‬
‫×‪» :‬أل أخبركمُ بأفضل درجة منَ اًلصيْاَم واًلصلة واًلصدقة؟«‪ ،‬قالوا‪ :‬بلى يا‬
‫رسإول الله‪ ،‬قال‪» :‬إصلحا ذاًت اًلبيْنَ‪ ،‬وفساَد ذاًت اًلبيْنَ اًلحاَلقة«)‪.(2‬‬
‫‪ -4‬نصر الحق والثبات عليه‪:‬‬
‫لما أرسإل فقهالء سإجلماسإة ودرعة إلى الفقيه ابن ياسإين‪,‬‬
‫من‬ ‫يرغبون فى الوصول إليهم ليخلص بلدهإم مما تعانيه م‬
‫كام الطغاة الظلمة زناتة المغراويين وأميرهإم مسعود بن‬ ‫ح ش‬
‫ال ل‬
‫وانودين‪ ،‬فجمع ابن ياسإين شيوخ قومه‪ ,‬وقرأ عليهم رسإالة‬
‫فقهاء سإجلماسإة؛ فأشاروا عليه بمد يد المعونة لهم‪ ،‬وقالوا له‪:‬‬
‫»أيها الشيخ الفقيه هإذا ما يلزمنا فسر بنا على بركة الله‬
‫تعالى«)‪.(3‬‬
‫من المرابطين لنصرتهم على‬ ‫ولما طلب ملوك الطائف العون م‬
‫صا على‬‫النصارى لبوا نداء الحق‪ ،‬لقد كان جيش المرابطين حري ص‬
‫‪1‬‬
‫)( البخاري رقم )‪ ،(2692‬فتح الباري )جُّ ‪.(5/299‬‬
‫‪2‬‬
‫)( رواه الترمذي )جُّ ‪.(633/‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(42‬‬
‫‪160‬‬
‫نصرة الحق وإحقاقه والقتال عليه‪.‬‬
‫لقد حرصا المرابطون على أن يشملهم قول رسإول الله ×‪:‬‬
‫»ل يزاًل منَ أمتىِ أمة قاَئمة بأمر اًل ل يضرهمُ منَ خذلهمُ ول منَ خاَلفهمُ حتىِ يأتيْهمُ أمر اًل‬
‫وهمُ علىِ ذلك«)‪ ،(1‬وقوله ×‪» :‬ممنَ يجلرلد اًل به خيْلراً يفقهه فىِ اًلدينَ‪ ,‬ول تزاًل عصاَبة لمنَ‬
‫اًلمسلميْنَ يقاَتلوُن علىِ اًلحق ظاَهرينَ علىِ منَ نَاَوأهمُ إلىِ يوُم اًلقيْاَمة«)‪.(2‬‬
‫إن صفة نصر الحق والثبات عليه والقتال عليه ليست دعوة‬
‫تقال‪ ،‬أو شعارا ص يرفع على مستوى الجماعات أو الدول أو‬
‫الطوائف‪ ,‬وإشنما حقيقة لها دللتها الواقعية فى حياة الشناس‪ ،‬وأى‬
‫جماعة أو دولة تفقد صفة الفقه فى الدين ونصر الحق أو إحداهإما‬
‫فليست أهإل ص لن تكون هإى الطائفة المنصورة‪.‬‬
‫وأى خلل يقع فى أى جماعة؛ فلبد أن يكون مصدره فقد‬
‫‪-‬‬
‫إحدى الصفتين أو فقدهإما مصعا أو ضعف فى إحداهإما أو فيهما مصعا‬
‫)‪.(3‬‬
‫إن دولة المرابطين فى جيلها الريادى حققت صفة الفقه فى‬
‫من الطائفة‬ ‫قت أن تكون م‬ ‫الدين متمثل ص فى فقهائها العظام‪ ،‬فاسإتح ش‬
‫المنصورة التى حالفها نصر الله وتوفيقه‪ .‬وعندما ضعفت تلك‬
‫من الوجود‪.‬‬‫الصفات آل أمرهإا إلى طائفة مغلوبة‪ ،‬بل زالت م‬
‫د ‪ -‬عناصر جيوش المرابطين‪:‬‬
‫‪ -1‬الملثمون أو المرابطون‪ :‬كانوا هإم النواة الولى التى‬
‫ون منها الجيش المرابطي‪ ،‬وقد قامت الدولة على أكتافهم‪,‬‬ ‫تك ش‬
‫وقد اشتهر هإؤلء الملثمون بقوة بأسإهم فى الحرب‪ ،‬وكانوا أثبت‬
‫وق عليهم عدسوهإم فى‬ ‫من الجبال الرواسإى فى المعارك‪ ،‬ومهما تف ش‬ ‫م‬
‫العدد فل يتقهقرون‪ ،‬ولقد حققوا انتصارت رائعة فى معاركهم فى‬
‫المغرب القصى أو فى معارك الجهاد فى ال من يد مللسُ‪.‬‬
‫من أهإم فرق الجيش‬ ‫كلوا فرقة أصبحت م‬ ‫‪ -2‬العرب‪ :‬وش ش‬
‫م‬
‫المرابطى وشاركوا فى معارك الن يد مللسُ‪ ،‬وتنتمى بعض العناصر‬
‫العربية إلى عرب ال من يد مللسُ الذين اسإتقسروا فى المغرب فى عصر‬
‫الدارسإة‪ ،‬ويرجع البعض الخر إلى قبائل بنى هإلل التى انخرطت‬
‫فى سإلك جيش المرابطين‪ ،‬وشاركوا فى معارك الجهاد‪ ،‬ومن‬
‫أشهر تلك المعارك معركة كنسويجرة‪ ..‬يقول ابن الكردبوس‪:‬‬
‫»فجر ابن تاشفين عسكصرا جراصرا من مرابطين وعرب وأ من يد مللسُ‬
‫مد بن الحاجُّ‪ ،‬فالتقوا‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫الشرق والغرب‪ ،‬وقدم عليهم قائده ل‬
‫‪1‬‬
‫)‪ (4‬البخاري رقم )‪ ،(3641‬فتح الباري )جُّ ‪.(6/632‬‬
‫‪2‬‬
‫)( مسلم )جُّ ‪.(3/1524‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الجهاد فى سإبيل الله‪) ,‬جُّ ‪.(2/95‬‬
‫‪161‬‬
‫بكنثرة فكانت بينهم جولت وحملت إلى أن زلزل الله أقدام‬
‫المشركين‪ ,‬وولوا مدبرين‪.(1)«...‬‬
‫كما شاركوا فى معركة إقليش‪ ،‬فيقول ابن القطان‪:‬‬
‫»واسإتشهد فى هإذه الوقيعة – أى إقليش – المام الجزولي‪ ،‬وكان‬
‫من العيان والعربان‪.(2)« ..‬‬ ‫رجل صدق‪ ,‬وجماعة م‬
‫من‬ ‫‪ -3‬الحرس الخاصا‪ :‬كانت قوى الحرس الخاصا تتألف م‬
‫أشجع الجند من مختلف الوليات‪ ،‬ويشترط فى قبولهم أن يكونوا‬
‫من ذوى القوام الحسن والشجاعة الفائقة والقوة والبراعة‪ ،‬يقول‬
‫أشباخ‪» :‬جمع يوسإف بن تاشفين من تجار الرقيق من أقليم غانا‪،‬‬
‫من العبيد واختار منهم أمهرهإم وزودهإم بالسلح‬ ‫دا كبيصرا م‬
‫عد ص‬
‫والخيل‪ ,‬ودربهم على جميع فنون القتال‪ ،‬وأنشأ من حرسإه الخاصا‬
‫من‬ ‫صا م‬ ‫سإا خا ص‬
‫من ألفى رجل‪ ،‬وأنشأ على هإذا النمط حر ص‬ ‫السإود م‬
‫من النصارى المعاهإدين‪ ،‬وكان يوسإف‬ ‫ال من يد مللسيين يتألف من فتيان م‬
‫من امتاز منهم بالخلصا‬ ‫يحبوهإم بعطفه وصلته‪ ،‬وينعم على م‬
‫)‪(3‬‬
‫من الخيل والثياب والسلح والعبيد« ‪.‬‬ ‫والشجاعة بمختلف الهبات م‬
‫وبين الدكتور سإعدون عشباس نصر الله أن النصارى فى جيش‬
‫المرابطين اعتنقوا السإلم)‪ ،(4‬وأصبح الحرس الخاصا ركصنا أسإاسإصيا‬
‫م إليه‬ ‫من أركان الجيش المرابطي‪ ،‬ل سإيما أن على بن يوسإف ض ش‬
‫الكثير من أسإرى الحروب‪ ,‬وشارك هإذا الحرس الخاصا فى‬
‫‪-‬‬
‫دين‬ ‫ح م‬
‫موم ي‬ ‫حراسإة معاقل المغرب‪ ،‬بل حتى فى حروب الدولة ضد ال ل‬
‫)‪.(5‬‬
‫‪ -4‬الحشم‪ :‬كانت فرق الحشم من أهإم فرق الجيش‬
‫المرابطي‪ ,‬وكانت تتكون من زناتة والمصامدة‪ ،‬وكانت هإذه الفرق‬
‫تتقدم عادة الجيوش المرابطية فى القتال)‪.(6‬‬
‫هإـ ‪ -‬فنون القتال‪:‬‬
‫لما توشلى المير يوسإف مقاليد حكم المرابطين عمد إلى إصلح‬
‫نظام تسليح الجيش وطريقة إعداده للقتال‪ ،‬ففى البدء كانت‬
‫أسإلحتهم يدوية ويعتمدون على البل‪ ,‬وهإذه السإلحة تصلح لحرب‬
‫ما حرب المدن والحصون فإنها تتطلب وسإائل وأسإلحة‬ ‫الصحراء‪ ،‬أ ش‬
‫تتلءم مع الوضع الجديد الناشيء عن حرب الحصار؛ ولهذا ابتكر‬
‫‪1‬‬
‫الكتفاء‪ ،‬صا )‪.(108 ،107‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫نظم الجمان‪ ،‬صا )‪ ،(10-9‬انظر‪ :‬الثغر العلى‪ ،‬الندلسُ‪ ،‬صا )‪.(129‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫تاريخ الندلسُ‪ ،‬لشباخ‪ ،‬صا )‪.(480، 479‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(170‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫تاريخ المغرب فى عصر المرابطين‪ ،‬صا )‪.(298‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫المصدر السابق نفسه‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪162‬‬
‫المير يوسإف الخطة العسكرية المعروفة بالتقري‪ ،‬وخطة التقرى‬
‫تعتمد على توجيه الجيوش إلى بلد معينة للقتال مع جيوشها فى‬
‫معارك فاصلة ل لحصار المدن)‪.(1‬‬
‫وسإشلح الجيش بكل أنواع السإلحة المعروفة من مغربية‬
‫م‬
‫من الجيش يتناسإب مع‬ ‫وأن يد مللسية ونصرانية‪ ,‬وكان سإلح كل فرقة م‬
‫تركيبها ووضعها القتالي‪ :‬فمشاة الصف الول يتسلحون بالقنا‬
‫الطوال وبدروق اللمط‪.‬‬
‫وكان للمير يوسإف الفضُل فى تنظيم جيش المرابطين‪,‬‬
‫ومعرفة الرجال ومواهإبهم الفذة الذين أعادوا إلى الذهإان تاريخ‬
‫الفتوحات الولى لمة السإلم‪ ،‬لقد كانت حركة المرابطين مقنعة‬
‫للعالم فى زمانها بأن السإلم قادر فى كل زمان ومكان على‬
‫إنجاب القادة الفذاذ أمثال سإير بن أبى بكر‪ ،‬وداود ابن عائشة‪،‬‬
‫وابن فاطمة‪ ,‬وابن ميمون ومزدلى وغيرهإم‪ ،‬وعلى رأس الجميع‬
‫القائد الربانى الذى أنقذ الله به السإلم فى ال من يد مللسُ والمغرب‬
‫يوسإف بن تاشفين‪.‬‬
‫كان المير يوسإف أثناء المعارك يرتب جيشه وفق نظام‬
‫خماسإي؛ المقدمة‪ :‬ويحتلها الجنود المشاة ووحدة الفرسإان‬
‫الخفيفة‪ ،‬والجناحان الميمنة والميسرة‪ :‬وفيهما حملة القسى‬
‫والنبال وأكثرهإم من أهإل الثغور‪ ،‬والقلب يتمركز فيه الفرسإان‬
‫المرابطون المزودون بالسإلحة الثقيلة والخفيفة‪ ،‬والمؤخرة‬
‫ويقودهإا المير بنفسه وتتألف من صفوة الجنود والحرس‪ ،‬وكان‬
‫لكل قسم من هإذه القسام قائده الخاصا‪ ،‬ويجتمع قادة الوحدات‬
‫قبيل المعركة على شكل مجلسُ حربى لتلقى الوامر والتعليمات‬
‫من القائد العلى يوسإف)‪.(2‬‬ ‫م‬
‫وتطوشمرت فنون القتال عند المرابطين وأهإدى ابن الصيرفى‬
‫إلى المير تاشفين بن على قصيدة احتوت على فنون الحرب‬
‫والقتال فقال‪:‬‬
‫كانت ملوك الفرس قبلك‬ ‫أهإديك من أدب السياسإة ما‬
‫تولع‬ ‫به‬
‫ذكرى تحض المؤمنين وتنفع‬ ‫لنت أدرى بها ولكنها‬
‫سإيان تتبع ظاهإصرا أو تتبع‬ ‫خندق عليك إذا ضربت‬
‫محلة‬
‫يخشى وهإو فى جود كفك‬ ‫حارب من يخشى عقابك‬
‫يطمع‬ ‫بالذي‬
‫‪1‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(44‬‬
‫‪2‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ,‬صا )‪.(172‬‬
‫‪163‬‬
‫كانت ملوك الفرس قبلك‬ ‫أهإديك من أدب السياسإة ما‬
‫تولع‬ ‫به‬
‫ـا حيث التمكن والمجال‬ ‫قبل التهارش عبئ جيشك‬
‫الوسإع‬ ‫مفسحـ‬
‫والخيل تفحص بالرجال‬ ‫قا‬
‫إياك تعبئِّة الجيوش مضُي ص‬
‫وتمزع‬
‫واجعل أمامك منهم من‬ ‫حصن حواشيها ولكن فى‬
‫يشجع‬ ‫قابها‬
‫وأمض كمينك خلفها إذا‬ ‫واحذر كمين الروم عند‬
‫تدفع‬ ‫لقائها‬
‫تلقى العدو فشسره متوقع‬ ‫ل تبقين خلفك عندما‬
‫)‪(1‬‬
‫يضُعضُع‬ ‫واصدمه أول وهإلة ل ترتدع‬
‫ونستطيع أن نستخرجُّ بعض فنون الحرب التى أوصى بها‬
‫الشاعر فى قصيدته للمير تاشفين بن علي‪:‬‬
‫‪ -1‬ضرورة حفر الخنادق حول المدن لحمايتها من أى خطر‬
‫خارجي‪.‬‬
‫‪ -2‬ضرورة تعبئِّة الجيوش وتنظيمها قبل المعركة بوقت كاف لكى‬
‫تدخل هإذه الجيوش إلى المعركة‪ ،‬وهإى على أهإبة السإتعداد‪،‬‬
‫وحتى ل يأخذهإا العدو على غرة‪.‬‬
‫‪ -3‬ضرورة وضع أقوى الفرق العسكرية فى جناحى الجيش‪،‬‬
‫وفى المقدمة‪ ،‬بينما يقود القائد العام للجيش المعركة من‬
‫قلب جنده‪.‬‬
‫‪ -4‬ضرورة نصب الكمائن خلف خطوط العدو‪.‬‬
‫‪ -5‬عدم القتال وظهورهإم إلى الماء‪ ،‬لن فى ذلك هإلكة‬
‫لجيوشهم‪.‬‬
‫‪ -6‬ضرورة إحداث عنصر المفاجأة فى بداية المعركة‪ ،‬عن‬
‫طريق الصدام مع العدو‪ ،‬مع ضرورة التقدم وعدم التقهقر‪.‬‬
‫هإذه بعض الفنون العسكرية التى طبقت فى دولة المرابطين‪.‬‬
‫وكان المرابطون فى بداية أمرهإم قليلى الخبرة بفن الحصار‬
‫ما للهجوم‪ ،‬إل أنهم‬ ‫لعتمادهإم على قوات الفرسإان المستعدة دائ ص‬
‫ن الحصار‪ ،‬وتجلى‬‫بعد فترات من جهادهإم اسإتطاعوا أن يتقنوا ف ش‬
‫من‬‫م‬ ‫س‬
‫كنهم‬ ‫وتم‬ ‫الحصينة‪،‬‬ ‫ذلك بوضوح خلل حصارهإم لقلعة شنتيرين‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(300‬‬
‫‪164‬‬
‫التغلب عليها‪ ،‬كما ظهرت براعتهم فى هإذا الفن أثناء الحصار الذى‬
‫من‬ ‫فرضته الجيوش السإلمية على مدينة غرناطة‪ ,‬لحمايتها م‬
‫الفونسو المحارب خلل غزوته الكبرى لل من يد مللسُ‪ ،‬التى كان يهدف‬
‫من ورائها تلبية دعوى النصارى المعاهإدين فى مدينة غرناطة إلى‬
‫نصرتهم‪.‬‬
‫قا وحقق نتائجه‬ ‫وضرب المرابطون الحصار‪ ،‬وكان موف ص‬
‫المطلوبة‪.‬‬
‫ن‬
‫ضُا فى ف ي‬‫وقوا أي ص‬‫ن ضرب الحصار‪ ،‬فقد تف ش‬ ‫وكما أتقنوا ف ش‬
‫من الحصار الذى‬ ‫م‬ ‫تخلصهم‬ ‫فى‬ ‫حدث‬ ‫كما‬ ‫الحصار‪،‬‬ ‫من‬ ‫التخلص م‬
‫ضربه الموحدون على مراكش عام ‪524‬هإـ‪ ،‬ودام ما يقرب من‬
‫دين هإزيمة منكرة عند‬ ‫ح م‬
‫موم ي‬ ‫ما‪ ،‬ثم تم ش‬
‫كنوا وأوقعوا بال ل‬ ‫أربعين يو ص‬
‫البحيرة)‪.(1‬‬
‫واهإتم المرابطون بجميع السإلحة المعروفة فى زمانهم من‬
‫نشاب وسإهام ورماح وسإيوف ودروع ورعادات ومزاريق ودرق‬
‫لمطية والطاس‪.‬‬
‫و – السإطول‪:‬‬
‫سإع المرابطين فى المغرب القصى واسإتيلئهم على‬ ‫ومع تو س‬
‫معظم مدنها ولم تبق إل طنحة وسإبتة‪ ،‬شعر المير يوسإف بأهإمية‬
‫السإطول البحرى لما وصلت دولته إلى شواطئ البحر البيض‪،‬‬
‫وبعد القضُاء على دولة برغواطة صاحبة السإطول البحرى بدأ‬
‫يوسإف يهتم بتطوير أسإطوله‪ ،‬واسإتفاد من خبرات أهإل ال من يد مللسُ‬
‫فى ذلك‪ ،‬وأصبح أسإطول المرابطين يتقدم نحو الهيمنة على البحر‬
‫المتوسإط‪ ،‬وأثمرت جهود يوسإف فى الهإتمام بالسإطول فى زمن‬
‫ابنه علي‪.‬‬
‫وأصبح أسإطول المرابطين بفضُل الله تعالى‪ ،‬ثم قادته الكبار‬
‫‪-‬وعلى رأسإهم أبو‬
‫عبد الله بن ميمون‪ -‬قوة ضاربة هإددت النصارى فى جنوب البحر‬
‫فسُ الله به كربات مسلمى الشمال الفريقي‪،‬‬ ‫المتوسإط‪ ,‬ون ش‬
‫وحقق أسإطول المرابطين انتصارات تجاوزت كل‬
‫تقدير وحسبان)‪.(2‬‬
‫ز– اسإتيلء المرابطين على جزر البليار‪:‬‬
‫هإد العامرى صاحب دانية‪,‬‬
‫جا م‬
‫م م‬
‫كانت جزيرة البليار خاضعة ل ل‬
‫الذى اسإتقل بملكها سإنة ‪405‬هإـ‪ ،‬وولى عليها بعض الولة‪ ،‬ولما‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(311‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر السابق نفسه‪ ،‬صا )‪.(311‬‬
‫‪165‬‬
‫هإد فى سإنة ‪436‬هإـ توشلى ابنه على الذى وقع فى أسإر‬ ‫جا م‬
‫م م‬‫قتل ل‬
‫بنى هإود عام ‪468‬هإـ ومات فى سإرقسطة سإجيصنا عام ‪474‬هإـ‪،‬‬
‫وكانت جزيرة ميورقة تابعة لجزر البليار وكان بها مبشر بن‬
‫سإليمان الذى أعلن اسإتقلله بميورقة‪ ،‬وأما مدينة دانية فضُمها‬
‫المقتدر بن هإود إلى سإرقسطة‪ ،‬ولما ضم المرابطون ممالك‬
‫الطوائف تركوا مبشر بن سإليمان صاحب البليار حصرا تقديصرا‬
‫لجهوده التى بذلها لصد ي النصارى‪ ،‬وما اشتهر به من غيرة على‬
‫مصالح المسلمين‪ ،‬وقدرته الفذة فى حماية ملكه من غارات‬
‫النصارى المتتابعة فضُل ص عن كونه أقشر العدل‪ ,‬وأرضى الرعية‪،‬‬
‫وهإكذا أصبح مبشر يحكم الجزائر الشرقية فى عهد يوسإف بن‬
‫تاشفين‪ ،‬وفى السنوات الولى من حكم على بن يوسإف إلى عام‬
‫‪508‬هإـ‪.‬‬
‫وعندما تحالف النصارى من أمراء فرنسا والبرتغال وإسإبانيا‬
‫وقرروا القضُاء على جزر مبشر بن سإليمان خرجوا له فى‬
‫فا‪,‬‬
‫خمسمائة سإفينة‪ ,‬وضربوا على جزيرة ميورقة حصاصرا عني ص‬
‫وراسإل مبشر أمير المسلمين على بن يوسإف لنجدته ونصرة‬
‫المسلمين‪ ،‬ولتوفى مبشر بن سإليمان أثناء الحصار وقام بعده‬
‫ت ميورقة عام ‪508‬هإـ‪,‬‬ ‫قريبه الربيع بن سإليمان بن ليون‪ ,‬وسإقط ي‬
‫من المسلمين‪ ,‬وسإبوا نساء المسلمين‪ ,‬وعاثوا فى‬ ‫وقتل النصارى م‬
‫دا ونهصبا وتخريصبا‪.‬‬
‫الرض فسا ص‬
‫وعندما اقترب أسإطول المرابطين بقيادة القائد البحرى ابن‬
‫»تافرطاسإت« وجد النصارى قد رحلوا وتركوهإا كأن لم تكن‬
‫بالمسُ‪ ,‬وفى الحال شرع ابن »تافرطاسإت« فى تعمير الجزيرة‪,‬‬
‫وأعاد إليها الفارين من سإكانها‪ ،‬وكان قد لجأ منهم إلى الجبال‬
‫جموع غفيرة‪ ,‬وبذلك أصبحت تلك الجزر تابعة لدولة المرابطين‬
‫الفتية‪.‬‬
‫دى لطماع‬ ‫وكان لأسإطول المرابطين الفضُل بعد الله فى التص ي‬
‫النورمنديين فى مدن الشمال الفريقي‪ ،‬وكان لأسإطول‬
‫المرابطين جهاد مشكور فى سإواحل أوروبا الجنوبية؛ مما عشزز من‬
‫هإيبة المسلمين فى نفوس النصارى الحاقدين‪ ,‬فأغار على سإواحل‬
‫جليقية وقطلونية وإيطاليا والمبراطورية البيزنطية)‪.(1‬‬
‫ومن أشهر قادة السإطول المرابطى أبو عبد الله بن ميمون‪,‬‬
‫وتوارث أبناؤه من بعده قيادة أسإاطيل المرابطين‪ ,‬ولعبت أسإرة‬
‫ذود عن‬ ‫بنى ميمون دوصرا ريادصيا فى حماية ثغور المسلمين‪ ,‬وال ش‬
‫حوزتهم وأعراضهم وأموالهم وعقيدتهم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(311‬‬
‫‪166‬‬
‫ح – موانئ أسإطول المرابطين‪:‬‬
‫كان المرية من أكبر موانئ السإطول المرابطى فى‬
‫ال من يد مللسُ‪ ،‬وكان بها قسم كبير من أسإطول المرابطين بقيادة‬
‫مد بن ميمون‪ ،‬وكان بالمرية دار‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫أمير البحر أبى عبد الله ل‬
‫صناعة للسفن‪ ،‬ثم تأتى بعد المرية مدينة دانية التى تعتبر مقر‬
‫قيادة السإطول المرابطى فى ال من يد مللسُ‪.‬‬
‫وكان موانئ أسإطول المرابطين تنتشر على شواطئ سإواحل‬
‫المغرب وال من يد مللسُ‪ ،‬ومن أشهرهإا طنجة‪ ،‬وبجاية وإشبيلية والجزيرة‬
‫الخضُراء‪ ،‬وجزر البليار)‪.(1‬‬
‫سك‬‫إن الشمال الفريقى ل عشزة لشعوبه ول كرامة إل بالتم س‬
‫بالمنهج الرباني‪ ،‬وتربية شعوبه على النقياد لمنهجه الرشيد‪،‬‬
‫ويحتاجُّ ذلك لعلماء ربانيين وقادة سإياسإيين يعرفون قيمة‬
‫دون لجهاد عدوهإم‪,‬‬‫دينهم‪ ،‬ويؤمنون بمنهج ربهم‪ ،‬ويستع س‬
‫ويهتمون بإحياء روح الجهاد‪ ،‬ويغرسإون معانى الشهادة فى‬
‫شعوبهم حتى تتدفق دماء السإلم من جديد فى شرايينهم‪،‬‬
‫ليعملوا على إرجاع ال من يد مللسُ المفقود‪ ,‬ويقولون متى هإو قل‬
‫عسى أن يكون قريصبا‪.‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( المصدر السابق )‪.(112‬‬
‫‪167‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫النظام المالى فى عصر المرابطين‬
‫حرصا المرابطون فى دولتهم على إسإقاط الضُرائب غير‬
‫المشروعة عن كاهإل شعوبهم التى فرضها الزناتيون فى المغرب‬
‫وملوك الطوائف فى ال من يد مللسُ‪ ،‬وكذلك المكوس والرسإوم‬
‫والضُرائب فى جبل طارق‪ ،‬ولم يفرض المرابطون فى دولتهم‬
‫رسإم مكسُ أو معونة خراجُّ ل فى حاضرة ول فى بادية‪ ،‬واتبعوا‬
‫ما مالصيا يقوم على قواعد السإلم‪ ،‬وكان هإذا النظام ظاهإر‬ ‫نظا ص‬
‫المعالم فى زمن المير يوسإف بن تاشفين الذى التزم بالكتاب‬
‫والسنة فى جمع الموال وتوزيعها‪ ،‬فاعتمد على الزكاة والعشر‬
‫من الموال على الوجه‬ ‫والجزية وأخماس الغنائم‪ ،‬وجبي بذلك م‬
‫الشرعى ما لم يجبه أحد‪ ،‬وترك فى خزائنه مبلغ ثلثة عشر ألف‬
‫)‪(1‬‬
‫ما فى‬ ‫فا من دنانير الذهإب ‪ .‬وأ ش‬ ‫سا وأربعين أل ص‬
‫من الورق‪ ،‬وخم ص‬‫ربع م‬
‫عصر على بن يوسإف فاختلف المر‪ ,‬وفرض الضُرائب على بعض‬
‫السلع‪ ،‬وفرض ضريبة جديدة على مدن ال من يد مللسُ الهامة‪ ،‬وكان‬
‫صص دخلها لقامة أسإوار جديدة وترميم السإوار القديمة‪ ،‬وكان‬ ‫ليخ ي‬
‫سإبب فرض هإذه الضُريبة دخول ألفونسو المحارب لل من يد مللسُ غازصيا‬
‫عام ‪519‬هإـ؛ فاضطشر لتحصين المدن وترميم السإوار وتقوية‬
‫الجيوش؛ ففرض ضرائب تساعده فى تسديد هإذه النفقات التى ل‬
‫غنى عنها‪.‬‬
‫العملــــــــة‪:‬‬
‫كانت العملة الرئيسية لدولة المرابطين هإى الدينار الذهإبى‬
‫الذى كان عماد القتصاد فى الدولة‪ ,‬وظشلت هإذه العملة المرابطية‬
‫الذهإبية مستخدمة لعدة قرون‪ ،‬حتى بعد سإقوط الدولة المرابطية‪،‬‬
‫كما اسإتخدمت العملة الفضُية المعروفة بالدرهإم الفضُي‪ ،‬لتسهيل‬
‫المعاملت التجارية‪.‬‬
‫وانتشرت دور سإك العملة فى مختلف أجزاء الدولة فى‬
‫المغرب أو فى ال من يد مللسُ مثل أغمات‪ ,‬تلمسان‪ ،‬سإجلماسإة‪ ،‬فاس‪،‬‬
‫مراكش‪ ،‬سإبتة‪ ،‬مكناسإة‪ ،‬طنجة‪ ،‬شاطبة‪ ،‬إشبيلية‪ ،‬دانية‪ ،‬غرناطة‪،‬‬
‫قرطبة‪ ،‬مالقة‪ ،‬مرسإية‪ ،‬سإرقسطة‪ ،‬وغيرهإا)‪.(2‬‬

‫‪1‬‬
‫)( دولة المرابطين‪ ،‬صا )‪.(179‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(320‬‬
‫‪168‬‬
‫الفصل الخامسُ‬
‫أهإم أعمال دولة المرابطين الحضُارية‬
‫المبحث الول‬
‫الثار المعمارية فى المغرب والندلسُ‬

‫إن دولة المرابطين تركت آثاصرا معمارية بارزة ظشلت باقية على‬
‫مير الدهإور وكير العصور؛ لترشد الجيال المتعاقبة على سإموي‬
‫حضُارة المرابطين المعمارية‪ ،‬ومن أعظم هإذه الثار على‬
‫الطلق‪:‬‬
‫‪ -1‬جامع القرويين‪:‬‬
‫من أهإم المساجد الجامعة فى بلد المغرب وأكثرهإا شهرة‬
‫لكونه جامعة إسإلمية عريقة ضاربة بجذورهإا فى أعماق التاريخ‪،‬‬
‫وكانت هإذه الجامعة تقارع الزهإر الشريف فى العلم وتخريج‬
‫الدعاة والعلماء والفقهاء‪.‬‬
‫ولقد مشر جامع القرويين بثلثة أدوار‪:‬‬
‫الول عند تأسإيسه سإنة ‪254‬هإـ‪859/‬م‪.‬‬
‫والثانى عند الزيادة فيه سإنة ‪345‬هإـ‪956/‬هإـ‪.‬‬
‫والثالث عندما زيدت مساحته فى عصر على بن يوسإف سإنة‬
‫‪530/1135‬م‪.‬‬
‫وتوشلى مشروع زيادة مسجد القرويين وتوسإيعه القاضى أبو‬
‫مد بن داود بسبب ضيق المسجد بالشناس‪,‬‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫عبد الله ل‬
‫واضطرارهإم للصلة فى الشوارع والسإواق فى يوم الجمعة‪،‬‬
‫وحرصا على أن يكون المال من أوقاف مساجد المسلمين‪،‬‬
‫وأشرف القاضى‬
‫أبو عبد الله بنفسه على هإذا المشروع الحضُارى العظيم وكان‬
‫تمام التوسإعة عام ‪538‬هإـ‪.‬‬
‫ت فى جامع القرويين على مير العصور وكير الدهإور‬ ‫ولقد تخشرج ي‬
‫أفواجُّ عديدة من فقهاء المة وعلماء الملة ودعاة الشريعة‬
‫هإدين البرار والقادة العظام‪ ،‬وكان لمسجد القرويين عند‬ ‫جا م‬
‫م م‬
‫وال ل‬
‫المرابطين مكانة عظيمة فى نفوسإهم‪.‬‬
‫وتذكلر كتب التاريخ أن منبر جامع القرويين من أجمل منابر‬
‫السإلم‪ ،‬وتدل على روعة المغاربة فى اختياراتهم الذوقية‬

‫‪169‬‬
‫الرفيعة)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬المسجد الجامع بتلمسان‪:‬‬
‫وكان مقصرا لنشر علوم السإلم وتربية المسلمين على معانى‬
‫القرآن‪ ،‬وتم بناء هإذا المسجد عام ‪530‬هإـ فى إمارة على بن‬
‫يوسإف‪ ،‬وكانت هإندسإته المعمارية فى غاية الجمال ودقة التقان‪،‬‬
‫ة المعمارية لمسجد تلمسان فيها‬ ‫ورأى بعض المؤرخين إن البني م‬
‫لمسات أ من يد مللسية‪ ,‬وفنون معمارية قرطبية‪ ،‬بل بعضُهم يرى أن‬
‫عرفاء مسجد تلمسان قشلدوا جامع قرطبة تقلي ص‬
‫دا مباشصرا فى‬
‫لوحتى الرخام اللتين تكسوان إزار واجهة المحراب بتلمسان‪،‬‬
‫وكذلك سإقف المسجد الخشبى شبيه بسطح مسجد قرطبة‪،‬‬
‫ضُا‪.‬‬
‫ه به أي ص‬‫وكذلك البلط شبي د‬
‫ت فى بوتقتها حضُارة‬ ‫والذى يظهر أن دولة المرابطين انصهر ي‬
‫المغاربة وال من يد مللسيين والفارقة‪ ،‬فتجد تلك المعالم الحضُارية‬
‫المختلفة فى كافة بقاع دولة المرابطين‪ ،‬ول ينكر تأثير المعالم‬
‫الحضُارية المعمارية ال من يد مللسية فى جميع مدن الدولة‪.‬‬
‫‪ -3‬الثالر الحربية‪:‬‬
‫اهإتم المرابطون بالحصون والقلع؛ ولذلك انتشرت فى المدن‬
‫والثغور‪.‬‬
‫وزاد الاهإتمام بالتحصينات العسكرية فى زمن على بن يوسإف‪,‬‬
‫الذى أكثر من السإوار والقلع والحصون للدفاع عن دولته فى‬
‫المغرب ضد الحركات السياسإية والثورات العدائية المناهإضُة‬
‫لدولة المرابطين‪ ،‬وواصل المير على اهإتمامه بهذا المر كذلك‬
‫فى ال من يد مللسُ‪.‬‬
‫ومن أروع آثار المرابطين الحضُارية الحربية أسإوار مراكش‬
‫حيث بدأ المير على بن يوسإف فى بناء سإور المدينة عام ‪520‬هإـ‬
‫مل بناء السور عام ‪522‬هإـ)‪.(2‬‬ ‫وك ش‬
‫م‬
‫وانتشرت فكرة بناء السإوار فى الن يد مللسُ‪ ،‬وفرضت الدولة‬
‫على رعاياهإا ضريبة تنفق على هإذا الهدف السإتراتيجى الجهادى‬
‫الدفاعي‪.‬‬
‫م‬
‫من أشهر السإوار التى بنيت أو أعيد ترميمها فى الن يد مللسُ‪،‬‬ ‫و م‬
‫أسإوار المرية وأسإوار قرطبة التى امتازت بأبراجها المستطيلة‬
‫الضُخمة المتقاربة‪ ،‬وأسإوار إشبيلية من جهة نهر الوادى الكبير‪،‬‬
‫ممرابطون فى المناطق الوعرة حصوصنا بالحجر‪ ،‬وشحنوهإا‬ ‫وبنى ال ل‬
‫بالجنود والقوات؛ لكى تصمد للحصار مدة طويلة‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(366‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(372‬‬
‫‪170‬‬
‫وكان عدد جنود الحصون والقلع ما يعادل ‪ 200‬فارس و ‪500‬‬
‫راكب فى‬
‫كل حصن‪.‬‬
‫ومن أشهر قلع المرابطين فى ال من يد مللسُ قلعة منتقوط التى‬
‫من أشهر قلع المرابطين فى المغرب‬ ‫تقع على بساتين مرسإية‪ ،‬و م‬
‫قلعة تاسإغيموت التى تقع على بعد ثلثة كيلو مترات جنوب شرق‬
‫مراكش‪ ،‬وعلى بعد نحو عشرة كيلو مترات شرق أغمات على‬
‫سإطح هإضُبة أطرافها ذات أجراف وعرة شديدة النحراف‪ ،‬يصعب‬
‫على الغازين ارتقاؤهإا‪ ،‬وأسإوارهإا تمتد على حافة الهضُبة نفسها‪.‬‬
‫ن العمارة فى‬‫ن( ف ش‬ ‫إن قلع المرابطين وحصونهم تدل على أ‬
‫ن العمارة ال من يد مللسي ‪.‬‬
‫)‪1‬‬
‫زمانهم تأثر بالغ التأثر بف ي‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(377‬‬
‫‪171‬‬
‫المبحث الثاني‬
‫الحياة الدبية والعلمية فى دولة المرابطين‬
‫‪ -1‬الحركة الدبية‪:‬‬
‫ازدهإرت الحركة الدبية فى دولة المرابطين فى عهد المير‬
‫جع الشعراء‬‫على بن يوسإف الذى اهإتم بالشعر والدب‪ ،‬وش ش‬
‫من الذين مدحوا‬ ‫والدباء؛ فتوافدوا على بلطه من أهإل ال من يد مللسُ‪ ،‬و م‬
‫المير على بن يوسإف الشاعر الكبير أبو العشباس أحمد بن عبد الله‬
‫القيسى المعروف بالعمى التطيلى حيث قال‪:‬‬
‫وما أنت للملك بالسائسُ‬ ‫يا على العلء فى كل يوم‬
‫من بين مؤتل وموال‬ ‫يا ربيع البلد يا غيمة العالم‬
‫يا سإليل الذواء والقيال‬ ‫يا قريع اليام عن كل‬
‫مسجد‬
‫)‪(1‬‬
‫يعقوب ذكر مكارم وفعال‬ ‫لك من تاشفين أو من أبي‬
‫وكان الشعراء يقصدون ولى عهد الدولة فى زمن المير على‬
‫بن يوسإف لمدح ابنه تاشفين‪ ،‬ومن أشهرهإم الشاعر أبو بكر يحيى‬
‫مد بن يوسإف‪ ،‬كما حظى الشعراء فى عصر على بن‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫بن ل‬
‫يوسإف بمكانة عظيمة لدى السإرة الحاكمة وكبار القادة وعمال‬
‫الدولة على القاليم المختلفة‪.‬‬
‫وكان المير عبد الله بن مزدلى موضع اهإتمام الشعراء منهم‬
‫ابن عطية الذى‬
‫قال فيه‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫السإلم‬ ‫ضاءت بنور إيابك اليام‬
‫ومن قبل مدح الشعراء والده الذى قال فيه أبو عامر بن‬
‫أرقم‪:‬‬
‫وللمسالك يحميها وللدول‬ ‫أنت المير الذى للمجد‬
‫هإمته‬
‫مناسإب كالضُحا والشمسُ‬ ‫لمزدلى لواء كان يرفعه‬
‫فى الحمل‬
‫)‪(3‬‬
‫الجلل‬ ‫يا أيها الملك المرهإب‬
‫صولته‬
‫‪1‬‬
‫)( العمى التطيلي‪ ,‬الديوان‪ ,‬صا )‪.(104‬‬
‫‪2‬‬
‫)( قلئد العقيان‪ ،‬لبن خاقان‪ ،‬صا )‪.(210‬‬
‫‪172‬‬
‫ووصل المديح إلى الفقهاء والعلماء لمكانتهم العالية فى دولة‬
‫المرابطين‪ ،‬فهذا العمى التطيلى يمدح القاضى الفقيه ابن أحمد‬
‫قاضى الجماعة بقوله‪:‬‬
‫وأن غربت بى عنك إحدى‬ ‫إليك ابن حمدين وإن مبلعد‬
‫المغارب‬ ‫المدى‬
‫مرور الليالى وازدحام‬ ‫صبابة ود لم يكدر جمامه‬
‫الشوائب‬
‫ترى على أعقابه كل‬ ‫وذكر عساهإا أن تكون‬
‫شاغب‬ ‫مهزة‬
‫)‪(1‬‬
‫بالمتقارب‬ ‫بأيه ما كان الهوى متقارصبا‬
‫من الشعراء قاموا بالتندر‬‫ول ننسى أن أعداء المرابطين م‬
‫بالمرابطين‪ ،‬وبفقهاء دولتهم‪ ،‬وممن اشتهر بالهجاء والتندر فى هإذا‬
‫العصر الشاعر أبو بكر يحيى بن سإهل اليكي‪ ،‬الذى هإجا‬
‫المرابطين‪ ,‬ومن ذلك قوله‪:‬‬
‫ولو أنه يعلو على كيوان‬ ‫فى كل من ربط اللثام‬
‫دناءة‬
‫من بطن زانية لظهر‬ ‫ما الفخر عندهإم سإوى أن‬
‫حصان‬ ‫ينقلوا‬
‫وضعوا القرون مواضع‬ ‫المنتمون لحمير لكنهم‬
‫التيجان‬
‫)‪(2‬‬
‫الغدران‬ ‫ل تطلبن مرابطا ذا عفة‬
‫من ألوان الشعر أعنى‬ ‫وازدهإر فى عصر المرابطين لون آخر م‬
‫من الشعراء الذين‬
‫الطبيعة‪ ،‬فقد شهد هإذا العصر ظهور عدد كبير م‬
‫نبغوا فى هإذا الفن الشعري‪ ،‬نذكر منهم ابن سإارة الشنتريني‪،‬‬
‫وابن الزقاق‪ ،‬وابن خفاجة البلنسي‪ ،‬وعبد الحق بن عطية‪ ،‬ومن‬
‫ذلك قول الشنترينى الشاعر يصف البركة‪:‬‬
‫من الزهإر أهإداب لها وطف‬ ‫لله مسجورة فى شكل‬
‫ناظرة‬
‫فى مائها ولها من عرمض‬ ‫فيها سإلحف ألهانى‬
‫لخف‬ ‫تقصمها‬
‫برد الشتاء فتستدلى‬ ‫تنافر الشط إل حين‬
‫وتنصرف‬ ‫يحضُرهإا‬
‫)‪(3‬‬
‫الجحف‬ ‫كأشنها حين ليبديها تصرفها‬
‫‪3‬‬
‫)( قلئد العقيان‪ ،‬لبن خاقان‪ ،‬صا )‪.(133‬‬
‫‪1‬‬
‫)( العمى التطيلي‪ ,‬الديوان‪ ,‬صا )‪.(5-4‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ المغرب‪ ،‬صا )‪.(386‬‬
‫‪173‬‬
‫سإا أغر‪:‬‬
‫وهإذا أبو الحسن على بن عطية بن الزقاق يصف فر ص‬
‫برصقا إذا جمع العتاق رهإان‬ ‫وأغر مصقول الديم تخاله‬
‫من فى متنه‬‫من لحظ م‬ ‫يطأ الثرى متبختصرا فكأشنه‬
‫نشوان‬
‫)‪(1‬‬
‫حسصنا وبين جفونه كيوان‬ ‫فكأن بدر التم فوق سإراته‬
‫وهإذا أبو جعفر بن سإلم المعافرى يصف فى شعره الثلج‪:‬‬
‫تقسر به عين وتشنعه نفسُ‬ ‫ولم أر مثل الثلج فى‬
‫حسن منظر‬
‫وقطر بل ماء يقلبه اللمسُ‬ ‫فنار بل نور يضُيء له سإنا‬
‫)‪(2‬‬
‫كأس‬ ‫ترى الرض منه فى مثال‬
‫زجاجة‬
‫سإا‪:‬‬
‫وهإذا شاعر آخر يصف لنا قو ص‬
‫إذا دنا نزعها فالعيش‬ ‫يا رب مائسة العطاف‬
‫منتزح‬ ‫مخطفه‬
‫كما ترنم نشوان به قزح‬ ‫ل النزع‬ ‫ظشلت تر س‬
‫ن فظ ش‬
‫يعطفها‬
‫)‪(3‬‬
‫قزح‬ ‫وقد تأشلف نصل السهم‬
‫مندفصعا‬
‫من عاصر المير على بن‬ ‫ش‬ ‫م‬
‫م‬ ‫وهإو‬ ‫الربيع‬ ‫يصف‬ ‫خفاجة‬ ‫ابن‬ ‫وهإذا‬
‫يوسإف‪:‬‬
‫فأمزجُّ لجينا منهما بنضُار‬ ‫أذن الغمام بديمة وعقار‬
‫هإزجُّ الندامى مصفح‬ ‫وأربع على حكم الربيع‬
‫الطيار‬ ‫بأجرع‬
‫من‬‫عن صفحة تندى م‬ ‫وكمامة حدر الصباح قناعها‬
‫الزهإار‬
‫أخلف ك ي‬
‫ل غمامة مدرار‬ ‫فى أبطح رضعت ثغور‬
‫أقاحه‬
‫دور الندى ودارهإم النوار‬ ‫نثرت بحجر الروض فيه يد‬
‫الصبا‬

‫‪3‬‬
‫قلئد العقيان‪ ،‬صا )‪.(271‬‬ ‫)(‬
‫‪1‬‬
‫المطرب من أشعار أهإل المغرب‪ ،‬لبن دحية‪ ،‬صا )‪.(106‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫تاريخ المغرب‪ ،‬صا )‪.(388‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫المصدر السابق نفسه‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪174‬‬
‫فأمزجُّ لجينا منهما بنضُار‬ ‫أذن الغمام بديمة وعقار‬
‫حلى الحباب سإوالف‬ ‫وقد ارتدى غصن النقى‬
‫النهار‬ ‫وتقشلدت‬
‫جذل وحيث الشطر بدء‬ ‫فحللت حيث الماء صفحة‬
‫عذار‬ ‫ضاحك‬
‫)‪(1‬‬
‫الشجار‬ ‫والروح تنفض بكرة لمم‬
‫اللربا‬
‫لقد ازدهإمر الشعر والدب فى عصر المير على بن يوسإف‬
‫ما شهدت بذلك قصائد شعراء المرابطين التى‬ ‫ازدهإاصرا عظي ص‬
‫سإجلت فى ذاكرة التاريخ الخالدة‪.‬‬
‫وما قيل عن انحطاط الشعر والدب فى عصر المرابطين‬
‫أكذوبة اسإتشراقية بان زيفها أمام حقائق التاريخ التى ل لتجامل ول‬
‫تعرف التحايل‪.‬‬
‫ول ننسى شيوع فن الموشحات والزجال فى عصر‬
‫ما‬
‫ن الموشحات‪» :‬وأ ش‬ ‫المرابطين‪ ،‬يقول ابن خلدون عن نشأة ف ي‬
‫ذبت مناحيه‬‫أهإل ال من يد مللسُ‪ ،‬فلما كلثر الشعر فى قطرهإم‪ ,‬وته ش‬
‫وفنونه وبلغ التنميق فيه الغاية‪ ،‬اسإتحدث المتأخرون منهم فصنا‬
‫طا وأغصاصنا يكثرون منها ومن‬ ‫يسمونه بالموشح ينظمونه أسإما ص‬
‫دا‪ ,‬ويلتزمون‬ ‫أعاريضُها المختلفة‪ ,‬ويسمون المتعدد منها بيصتا واح ص‬
‫عند قوافى تلك الغصان‪ ,‬وأوزانها متتالية فيما بعد إلى آخر‬
‫س‬
‫القطعة‪ ،‬وأكثر ما تنتهى عندهإم إلى سإبعة أبيات‪ ،‬ويشمل كل بيت‬
‫على أغصان عددهإا بحسب الغراض والمذاهإب‪ ,‬وينسبون فيها‬
‫ويمدحون كما يفعل فى القصائد‪ ,‬وتجاوزوا فى ذلك إلى الغاية‬
‫واسإتطرفه الشناس جملة الخاصة والكافة لسهولة تناوله وقرب‬
‫طريقه«)‪.(2‬‬
‫من أشهر وشاحى عصر المرابطين العمى التطيلي‪ ,‬ومن‬ ‫و م‬
‫موشحاته‪:‬‬
‫ما اجتمعا إل لمر كبار‬ ‫دمع مسفوح وضلوع‬
‫حرار ماء ونار‬
‫عمر قصير وعناء طويل‬ ‫بئِّسُ لعمرى ما أراد‬
‫العذول‬
‫)‪(3‬‬
‫مسيل‬ ‫يا زفرات نطقت عن‬
‫غليل‬
‫ن‬
‫س‬ ‫ف‬ ‫شاع‬ ‫لما‬ ‫»إنه‬ ‫عنه‪:‬‬ ‫خلدون‬ ‫ابن‬ ‫فقال‬ ‫الزجل‬ ‫نشأة‬ ‫وأما‬
‫‪1‬‬
‫)( ابن خفاجة‪ ,‬الديوان‪ ،‬صا )‪.(291-290‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ابن خلدون‪ ,‬المقدمة‪ ،‬صا )‪.(436‬‬
‫‪3‬‬
‫)( ابن خلدون‪ ,‬المقدمة‪ ،‬صا )‪.(441‬‬
‫‪175‬‬
‫التوشيح فى أهإل ال من يد مللسُ‪ ,‬وأخذ به الجمهور لسلسإته وتنميق‬
‫كلمه وترصيع أجزائه‪ ،‬نسجت العامة من أهإل المصار على‬
‫منواله‪ ،‬ونظموا فى طريقته بلغتهم الحضُرية من غير أن يلتزموا‬
‫ظم فيه‬ ‫فيها إعراصبا‪ ،‬واسإتحدثوا فصنا سإموه بالزجل‪ ،‬والتزموا الن ش ي‬
‫على مناحيهم إلى هإذا العهد‪ ،‬فجاءوا فيه بالغرائب‪ ,‬واتسع فيه‬
‫للبلغة مجال بحسب لغتهم المستعجمة«)‪.(1‬‬
‫ويعتبر أبو بكر بن قزمان القرطبى أول من ابتكر الزجل‪.‬‬
‫ومن أشهر أزجاله ما كان فى مدح القاضى أحمد بن الحاجُّ‬
‫قوله‪:‬‬
‫وصل المظلوم لحق وانتصف غنى ومسكين يحضُر النكار‬
‫والقرار ويقع الفصل فالحين اجتمع فيه الثلثة الورع والعلم‬
‫والدين فيزول الحق إذا زال ويدوم الحق‬
‫إذا دام)‪.(2‬‬
‫هإذه نبذة مختصرة عن بعض فنون الدب التى ازدهإرت‬
‫ل دولة المرابطين‪.‬‬ ‫وترعرعت فى ظ ي‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( الزجل فى الندلسُ‪ ،‬لعبد العزيز الهإواني‪ ،‬صا )‪.(201‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر السابق نفسه‪.‬‬
‫‪176‬‬
‫المبحث الثالث‬
‫من مشاهإير علماء دولة المرابطين‬
‫كانت دولة المرابطين مبنية على أسإسُ شرعية ولذلك اهإتمت‬
‫بالعلماء والفقهاء الذين ل دوام لدولة تريد أن تحكم بشرع الله‬
‫دثون والفقهاء‪ ،‬نذكر منهم‪:‬‬
‫ح ي‬
‫م م‬
‫بدونهم‪ ,‬ولذلك كثر ال ل‬
‫أولص‪ :‬أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد الجد )ت ‪520‬هإـ(‪.‬‬
‫هإو المام العلمة شيخ المالكية‪ ،‬قاضى الجماعة بقرطبة أبو‬
‫الوليد‪.‬‬
‫أ‪ -‬شيوخه‪:‬‬
‫من أشهر شيوخه الذين تتلمذ عليهم أبو جعفر أحمد بن رزق‪،‬‬ ‫م‬
‫مد بن فرجُّ‬ ‫ح‬ ‫م‬
‫ل م ش‬ ‫و‬ ‫خيرة‪،‬‬ ‫بن‬ ‫مد‬ ‫ح‬
‫ل م ش‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫سإراجُّ‪،‬‬ ‫بن‬ ‫مروان‬ ‫وأبو‬
‫الطلعي‪ ،‬والحافظ أبو علي‪ ,‬وأبو العشباس بن دلهات‪.‬‬
‫ما‬
‫ظا للفقه مقد ص‬ ‫ما‪ ،‬حاف ص‬ ‫قال ابن بشكوال فيه‪» :‬كان فقيصها عال ص‬
‫فيه على جميع أهإل عصره‪ ،‬عارصفا بالفتوى‪ ،‬بصيصرا بأقوال أئمة‬
‫ذا فى علم الفرائض والصول‪ ،‬من أهإل الرياسإة فى‬ ‫المالكية‪ ،‬ناف ص‬
‫العلم‪ ،‬والبراعة والفهم‪ ،‬مع الدين والفضُل‪ ،‬والوقار والحلم‪،‬‬
‫والسمت الحسن‪ ،‬والهدى الصالح‪ ،‬ومن تصانيفه كتاب‬
‫»المقدمات« لوائل كتب المدونة‪ ،‬وكتاب »البيان والتحصيل لما‬
‫من التوجيه والتعليل«‪ ،‬واختصار »المبسوطة«‪،‬‬ ‫فى المستخرجة م‬
‫واختصار »مشكل الثار« للطحاوي‪ ،‬سإمعنا عليه بعضُها‪ ،‬وسإار فى‬
‫القضُاء بأحسن سإيرة وأقوم طريقة‪ ،‬ثم اسإتعفى منه‪ ،‬فأعفي‪،‬‬
‫ولون عليه ويلجأون إليه‪ ،‬وكان حسن‬ ‫ونشر كتبه‪ ،‬وكان الشناس ليع ي‬
‫الخلق‪ ،‬سإهل اللقاء‪ ،‬كثير النفع لخاصته جميل العشرة لهم‪ ،‬باصرا‬
‫بهم«)‪.(1‬‬
‫ب‪ -‬ومن أشهر فتاوى ابن رشد الجد ما أفتاه فى شأن‬
‫من النصارى فى بلد ال من يد مللسُ بإبعادهإم وتغريبهم‬ ‫المعاهإدين م‬
‫)‪(2‬‬
‫لغدرهإم بالمسلمين ومساعدتهم للفونسو المحارب ‪ ،‬عاش هإذا‬
‫ما‪ ,‬ومات فى ذى القعدة سإنة عشرين‬ ‫العالم الجليل سإبعين عا ص‬
‫وخمسمائة‪ ،‬وصلى عليه ابنه أبو القاسإم‪ ،‬وروى عنه أبو الوليد بن‬
‫الدباغا فقال‪» :‬كان أفقه أهإل ال من يد مللسُ‪ ،‬وصشنف شرح العتبية‪ ،‬فبلغ‬
‫فيه الغاية«)‪.(3‬‬
‫ثانصيا‪ :‬الشهيد القاضى الفقيه أبو على الصدفي‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سإير أعلم النبلء‪) ،‬جُّ ‪.(19/502‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ المغرب‪ ،‬صا )‪.(231‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سإير أعلم النبلء )جُّ ‪.(19/502‬‬
‫‪177‬‬
‫مد بن‬
‫ح ش‬
‫م م‬
‫دث الحسين بن ل‬
‫ح ي‬
‫م م‬
‫هإو العالم الفقيه القاضى ال ل‬
‫سإكرة‪.‬‬
‫ل‬
‫أ‪ -‬شيوخه‪:‬‬
‫ج‬
‫مد بن سإعدون القروي‪ ،‬وح ش‬ ‫ح ش‬
‫م م‬‫روى عن أبى الوليد الباجي‪ ،‬و ل‬
‫سإنة إحدى وثمانين‪ ،‬ودخل مصر على أبى إسإحاق الحبال‪ ،‬وقد‬
‫من التحديث‪.‬‬ ‫منعه المستنصر العبيدى الرافضُى م‬
‫قال‪ :‬فأول ما فاتحته الكلم أجابنى على غير سإؤالي‪ ،‬حذصرا أن‬
‫سإا عليه‪ ،‬حتى بسطته وأعلملته أشننى من أهإل ال من يد مللسُ‬ ‫أكون مدسإو ص‬
‫ص‬
‫أريد الحج‪ ،‬فأجاز لى لفظا‪ ،‬وامتنع من‬
‫غير ذلك‪.‬‬
‫مد بن الفضُل‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫رحل للعراق‪ ،‬فسمع بالبصرة من جعفر بن ل‬
‫العباداني‪ ،‬وعبد الملك ابن شغبة‪ ،‬وبالنبار‪ :‬الخطيب أبا الحسن‬
‫مد القطع‪ ،‬وببغداد‪ :‬على ابن الحسن بن‬ ‫ح ش‬‫م م‬‫مد بن ل‬ ‫ح ش‬
‫م م‬ ‫على بن ل‬
‫لقريش بن الحسن صاحب ابن الصلت الهإوازي‪ ،‬وعاصم بن‬
‫الحسن الديب‪ ،‬وأبا عبد الله الحميدي‪.‬‬
‫قه ببغداد على أبى بكر الشاشي‪ ،‬وأخذ بالشام عن الفقيه‬ ‫وتف ش‬
‫نصر المقدسإي‪ ،‬ورجع إلى بلده فى سإنة تسعين بعلم كثير‪،‬‬
‫مرسإية‪ ،‬وجلسُ للسإماع بجامعها‪.‬‬ ‫وأسإانيد شاهإقة‪ ،‬واسإتوطن ل‬
‫ما بالحديث وطرقه‪ ,‬عارصفا بعلله‬ ‫ورحل الشناس إليه‪ ،‬وكان عال ص‬
‫ي‬
‫ورجاله‪ ،‬بصيصرا بالجرح والتعديل‪ ،‬مليح الخط‪ ،‬جيد الضُبط‪ ،‬كثير‬
‫ظا لمصنفات الحديث‪ ,‬ذاكصرا لمتونها وأسإانيدهإا‪ ،‬وكان‬ ‫الكتابة‪ ،‬حاف ص‬
‫ما على »الصحيحين« مع »جامع« أبى عيسى الترمذي‪ ،‬ولى‬ ‫قائ ص‬
‫سإشية‪ ،‬ثم اسإتعفى منه فأعفي‪ ،‬وأقبل على نشر العلم‬ ‫مر م‬ ‫قضُاء ل‬
‫ما متواضصعا‪ ،‬وخشرجُّ‬ ‫ص‬ ‫حلي‬ ‫بعلمه‪،‬‬ ‫ص‬ ‫ل‬‫عام‬ ‫ينا‪،‬‬
‫ي‬ ‫د‬ ‫حا‬‫ص‬ ‫صال‬ ‫وكان‬ ‫وتأليفه‪،‬‬
‫خا‪ ،‬وأشنه‬ ‫القاضى عياض شيوخه‪ ,‬وذكر أنه أخذ عن مائة وسإتين شي ص‬
‫من الصالحين والفضُلء‪ ,‬وأشنه أكره على‬ ‫خا م‬ ‫جالسُ نحو أربعين شي ص‬
‫القضُاء فوليه‪ ،‬ثم اختفى حتى أعفى منه‪.‬‬
‫در فى زمن على بن يوسإف فى نشر الكتاب والسنة فى‬ ‫وتص ش‬
‫مرسإية بالن يد ملسُ‪ ,‬وتوافد عليه الطلب من كل حدب وصوب‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫لينهلوا من علمه الجم الغزير‪ ,‬ونفع الله به المسلمين فى تلك‬
‫القطار‪.‬‬
‫ب‪ -‬وفاته‪:‬‬
‫دة بثغر ال من يد مللسُ‪،‬‬
‫اسإتشهد أبو على الصدفى فى وقعة قلت لن ي م‬
‫من أبناء الستين‪ ،‬وكانت هإذه‬ ‫لست بقين من ربيع الول‪ ،‬وهإو م‬
‫الوقعة على المسلمين‪ ,‬وكان عيش أبى على من كسب بضُاعة‬

‫‪178‬‬
‫مع ثقات إخوانه)‪.(1‬‬
‫ود الشامخ‪ ،‬والجبل الراسإخ‪،‬‬ ‫انظر رحمك الله إلى هإذا الط ش‬
‫والبحر الزاخر فى حبه لطلب العلم ونشره‪ ،‬والدعوة إلى دينه‬
‫والدفاع عنه‪ ،‬وحبه للجهاد واليرباط‪ ،‬وحرصه على أكل الحلل‪،‬‬
‫والتحرى فى لقمة العيش‪ ،‬والسإتعلء على الدنيا وزخارفها‬
‫الكاذبة‪ ،‬ويا ت لمرى كم نفسُ أحياهإا خبر اسإتشهاد هإذا العالم الفقيه‬
‫ذود عن‬ ‫الزاهإد‪ ،‬وكان – رحمه الله – يتذشوق الشعر الذى فيه ال ش‬
‫سإنة سإييد المرسإلين‪ ,‬ويكتبه لتلميذه‪ ,‬منه ما قال أبو عبد الله‬
‫مد بن على الصورى لنفسه‪:‬‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫ل‬
‫عائصبا أهإله ومن يدعيه‬ ‫قل لمن أنكر الحديث‬
‫وأضحى‬
‫خل لقل‬ ‫أم بجهل فالجه ل‬
‫ل ل‬ ‫أبعلم تقول هإذا؟ أين لي‬
‫السفيه‬
‫من الترهإات والتمويه؟‬ ‫أليعاب الذين هإم حفظوا‬
‫دين‬
‫ال ي‬
‫)‪(2‬‬
‫ل عالم وفقيه‬ ‫راجعد ك س‬ ‫وإلى قولهم وما قد مروميوه‬
‫ثالثصا‪ :‬القاضى الفقيه أبو بكر بن العربي‪:‬‬
‫من أعظم فقهاء ال من يد مللسُ فى عصر المرابطين‪ ،‬هإو القاضى‬
‫مد المعافرى ال من يد مللسي‪،‬‬‫ح ش‬
‫م م‬ ‫مد بن عبد الله ابن ل‬
‫ح ش‬
‫م م‬
‫أبو بكر ل‬
‫الشبيلي‪ ,‬المام العلمة‪ ،‬المتبحر فى العلوم‪.‬‬
‫دب ببلده‪ ،‬وقرأ القراءات‪ ،‬ثم رحل‬ ‫ولد عام ‪468‬هإـ‪1076/‬م وتأ ش‬
‫إلى مصر‪ ،‬والشام وبغداد ومكة وكان يأخذ عن علماء أى بلد‬
‫يرحل إليه حتى أتقن الفقه‪ ،‬والصول وقيد الحديث‪ ،‬واتسع فى‬
‫الرواية‪ ،‬وأتقن مسائل الخلف‪ ،‬وتبحر فى التفسير‪ ،‬وبرع فى‬
‫الدب والشعر‪ ،‬وعاد إلى بلده إشبيلية بعلم كثير‪ ،‬لم يأت به أحد‬
‫من كانت له رحلة إلى المشرق)‪.(3‬‬ ‫م ش‬
‫قبله م‬
‫أ‪ -‬مكانته العلمية‪:‬‬
‫قال الشيخ صديق حسن خان عن ابن العربي‪» :‬إمام فى‬
‫الصول والفروع‪ ،‬سإمع ودرس الفقه والصول‪ ,‬وجلسُ للوعظ‬
‫ن‪ ،‬والتزم المر بالمعروف والنهى عن‬
‫وصشنف فى غير ف ّ‬ ‫والتفسير‪،‬‬
‫ل‬
‫المنكر حتى أوذى فى ذلك بذهإاب كتبه وماله؛ فأحسن الصبر على‬
‫ذلك كله«)‪.(4‬‬
‫‪1‬‬
‫سإير أعلم النبلء )جُّ ‪.(19/378‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫تاريخ السإلم للذهإبي‪ ،‬وفيات عام )‪ ،(520-511‬صا )‪.(369‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫انظر ‪ :‬أحكام القرآن فى المقدمة‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫المصدر السابق نفسه‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪179‬‬
‫من أخذوا عنه‪» :‬اسإتقضُى‬ ‫م ش‬
‫قال عنه القاضى عياض‪ ,‬وهإو م‬
‫ببلده فنفع الله به أهإلها لصرامته‪ ،‬وشدة نفوذ أحكامه‪ ،‬وكانت له‬
‫فى الظالمين سإورة مرهإوبة‪ ،‬وتؤثر عنه فى قضُائه أحكام غريبة‪،‬‬
‫ثم صرف عن القضُاء‪ ،‬وأقبل على نشر العلم وبثه«)‪.(1‬‬
‫مد المقري‪» :‬علم العلم‪ ،‬الطاهإر‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫قال عنه الشيخ أحمد بن ل‬
‫الثواب‪ ،‬الباهإر البواب‪ ،‬الذى أنسى ذكاء إياس‪ ،‬وترك التقليد‬
‫من‬‫من الصل‪ ،‬وغدا فى السإلم أمضُى م‬ ‫للقياس‪ ،‬وأنتج الفرع م‬
‫النصل«)‪.(2‬‬
‫ب ‪ -‬مؤلفاته‪:‬‬
‫للمام القاضى أبى بكر بن العربى مؤلفات كثيرة لم يصلنا‬
‫ث ما‬ ‫أغلبها‪ ،‬وقد قضُى أربعين سإنة فى الملء والتدريسُ‪ ،‬وفى ب ي‬
‫من العلوم‪ ،‬وصشنف ‪-‬رحمه الله‪ -‬فى فنون متعددة منها‪:‬‬ ‫صله م‬ ‫ح ش‬
‫علوم القرآن‪ ,‬والحديث‪ ،‬و»مشكل القرآن والحديث«‪ ،‬وأصول‬
‫الدين‪ ،‬وكتب الزهإد‪ ،‬وأصول الفقه‪ ،‬وكتب الفقه‪ ،‬والجدال‬
‫من أشهر المؤلفات التى انتفع‬ ‫والخلف‪ ،‬واللغة والنحو والتاريخ‪ ،‬و م‬
‫من القواصم«‪» ،‬عارضة الحوذى فى‬ ‫بها المسلمون »العواصم م‬
‫شرح الترمذي«‪» ،‬أحكام القرآن«‪» ،‬القبسُ فى شرح موطأ ابن‬
‫أنسُ«‪» ،‬المسالك على موطأ مالك«‪» ,‬النصاف فى مسائل‬
‫الخلف«‪» ،‬أعيان العيان«‪» ،‬المحصول فى أصول الفقه«‪،‬‬
‫»قانون التأويل«)‪.(3‬‬
‫كان المام ابن العربى يصول ويجول بفقهه فى بلد ال من يد مللسُ‬
‫ينور طرق الظلم بعلمه‪ ،‬ويقضُى على الشبهات بحججه‪ ،‬ويدمغ‬
‫البدع المنتشرة بصبره وحلمه ودعوته‪ ،‬وكان من أعمدة دولة‬
‫المرابطين فى نشر الكتاب والسنة وتفقيه الشناس وتربيتهم على‬
‫مبادئ السإلم وأخلق اليمان ودرجات الحسان‪.‬‬
‫جلها فى كتبه وانتفع بها طلب العلم من‬ ‫وله فوائد علمية سإ ش‬
‫بعده منها‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله‪ :‬قال علماء الحديث‪ :‬ما من رجل يطلب الحديث إل‬
‫كان على وجهه نضُرة‪ ،‬لقوله ×‪» :‬نَضر اًل أمرأ سمع مقاَلتىِ فوُعاَهاَ فأداًهاَ كماَ‬
‫سمعهاَ‪.«..‬‬
‫قال‪ :‬وهإذا دعاء منه × لحملة علمه‪ ,‬لبد بفضُل الله تعالى من‬
‫نيل بركته‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( المصدر السابق نفسه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫من القواصم‪ ،‬صا )‪.(13‬‬‫)( انظر‪ :‬العواصم م‬
‫‪3‬‬
‫من القواصم‪.‬‬
‫)( انظر‪ :‬ترجمته فى كتاب العواصم م‬
‫‪180‬‬
‫‪ -2‬ومنه قوله‪ :‬كنت بمكة فى سإنة ‪489‬هإـ وكنت أشرب من‬
‫ماء زمزم كثيصرا‪ ،‬وكشلما شربته نويت العلم واليمان‪ ،‬فنويت العلم‬
‫من‬ ‫سره لى م‬
‫واليمان‪ ،‬ففتح الله لى ببركته فى المقدار الذى ي ش‬
‫العلم‪ ،‬ونسيت أن أشرب للعمل‪ ،‬ويا ليتنى شربته لهما حتى يفتح‬
‫الله لى فيهما‪ ،‬ولم يقدر فكان صفوى للعلم أكثر منه للعمل)‪.(1‬‬
‫وفاته‪:‬‬
‫أتاه أجله »بمغلية« قرب مدينة »فاس« فى ربيع الول سإنة‬
‫‪543‬هإـ‪ ،‬ودفن فى فاس خارجُّ باب المحروف على مسيرة يوم‬
‫من فاس غرصبا منها)‪.(2‬‬
‫رابصعا‪ :‬القاضى الفقيه عياض‪:‬‬
‫هإو القاضى أبو الفضُل عياض بن موسإى بن عياض بن عمرو‬
‫بن موسإى اليحصبى السبتي‪ ،‬كان إمام وقته فى الحديث وعلومه‬
‫والنحو واللغة وكلم العرب وأيامهم وأنسابهم‪ ،‬وصنف التصانيف‬
‫المفيدة‪ ،‬ولد فى سإبتة فى عام ‪476‬هإـ‪ ،‬وتتلمذ على شيوخها ومن‬
‫أشهرهإم‪ :‬القاضى أبو عبد الله بن عيسى‪ ،‬والخطيب أبو القاسإم‪,‬‬
‫والفقيه إسإحاق بن الفاسإي‪ ،‬وإبراهإيم بن جعفر اللواتي‪ ،‬وإبراهإيم‬
‫بن أحمد القيسي‪ ،‬وأبو بكر القاسإم بن عبد الرحمن الكومى‬
‫وغيرهإم الكثير)‪.(3‬‬
‫أ‪ -‬رحلته إلى الندلسُ‪:‬‬
‫كان خروجه لل من يد مللسُ من بيته يوم الثلثاء منتصف جمادى‬
‫من‬
‫ما‪ ،‬و م‬
‫دا وثلثين عا ص‬ ‫الولى سإنة ‪507‬هإـ‪ ،‬وكان عمره إذ ذاك واح ص‬
‫مد عبد‬ ‫ح ش‬‫م م‬‫أشهر شيوخه الذين تتلمذ عليهم فى قرطبة أبو ل‬
‫مد المشهور بابن عتاب القرطبي‪ ,‬وقاضى‬ ‫ح ش‬‫م م‬
‫الرحمن بن ل‬
‫الجماعة أبو‬
‫عبد الله بن الحاجُّ‪ ،‬والفقيه أبو جعفر بن رزق‪ ،‬وأبو مروان عبد‬
‫مد عبد الله‬ ‫ح ش‬‫م م‬‫وأبو الوليد بن رشد الجد‪ ،‬وأبو ل‬ ‫الملك بن سإراجُّ‪،‬‬
‫ل‬ ‫م‬
‫بن أحمد بن سإعيد الن يد ملسى الشبيلى وأبو علي الصدفي‪.‬‬
‫عين فى‬‫در للتعليم والتدريسُ‪ ،‬و ل‬ ‫صل على علوم غزيرة وتص ش‬ ‫وتح ش‬
‫القضُاء‪ ،‬ونبغ فيه‪ ,‬واشتهر بعلمه وعبادته وعدله وجوده‪ ،‬وكانت‬
‫م فى‬ ‫الشريف‪ ،‬ث ل ش‬ ‫)‪(4‬‬
‫مؤلفات القاضى عياض أكثرهإا فى الحديث‬
‫التاريخ والطبقات ثم فى الفقه‪ ،‬ثم فى القرآن ‪.‬‬
‫ب‪ -‬مؤلفاته‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫من القواصم‪ ،‬صا )‪.(16‬‬
‫انظر‪ :‬العواصم م‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫وفيات العيان )جُّ ‪.(3/483‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫المغرب والندلسُ‪ ،‬د‪ .‬مصطفى الشكعة‪ ،‬صا )‪.(124‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(136-125‬‬ ‫)(‬
‫‪181‬‬
‫»الشفا بتعريف حقوق المصطفى«‪ ،‬موضوعه فى‬ ‫‪-1‬‬
‫السيرة النبوية والعقيدة والصول والتفسير والحديث‪.‬‬
‫»مشارق النوار على صحيح الثار« وموضوعه تفسير‬ ‫‪-2‬‬
‫غريب الحديث فى الصحاح الثلثة‪» :‬موطأ مالك« و‬
‫»صحيحى البخارى ومسلم«‪ ،‬فضُبط أسإماء الرجال‬
‫واللفاظ‪ ,‬ونشبه على مواضع الوهإام والتصحيفات‪.‬‬
‫وفى هإذا الكتاب قال الشاعر‪:‬‬
‫ومن عجب كون‬ ‫دت بســـــبتة‬
‫مشارق أنوار تب ش‬
‫المشارق بالمغرب‬
‫فأجابه آخر بقوله‪:‬‬
‫وإل فل فضُل للترب‬ ‫وما شرف الوطان إل رجالها‬
‫على لترب‬
‫كتاب »الكمال«‪ ،‬أكمل به كتاب »المعلم بفوائد كتاب‬ ‫‪-3‬‬
‫دث المتوفى‬‫ح ي‬
‫م م‬
‫مسلم« لشيخه المازرى الفقيه المالكى ال ل‬
‫سإنة ‪536‬هإـ‪.‬‬
‫كتاب »منهاجُّ العوارف إلى روح المعارف« وهإو فى‬ ‫‪-4‬‬
‫شرح مشكل الحديث‪.‬‬
‫كتاب »اللماع إلى معرفة أصول الرواية وتقييد‬ ‫‪-5‬‬
‫السماع« فى مصطلح الحديث‪.‬‬
‫من الفوائد«‪.‬‬
‫كتاب »بغية الرائد فيما فى حديث أم زرع م‬ ‫‪-6‬‬
‫كتاب »التنبيهات المستنبطة على الكتب المدونة« فى‬ ‫‪-7‬‬
‫الفقه وجمع فى هإذه الكتاب فوائد وغرائب‪.‬‬
‫كتاب »العلم بحدود قواعد السإلم« فى العقيدة‪.‬‬ ‫‪-8‬‬
‫كتاب »الخطب« يحتوى على خمسين خطبة من خطب‬ ‫‪-9‬‬
‫الجمع‪.‬‬
‫‪-10‬‬
‫كتاب »جامع التاريخ« فى التاريخ والطبقات‪.‬‬
‫‪ -11‬كتاب »تاريخ سإبتة« وهإو مسودة‪.‬‬
‫‪» -12‬ترتيب المدارك وتقريب المسالك فى معرفة أعلم‬
‫مذهإب المام مالك«‪.‬‬
‫»الغنية« وذكر فيه شيوخه وترجم لهم‪.‬‬ ‫‪-13‬‬
‫‪» -14‬المقاصد الحسان فيما يلزم النسان«‪.‬‬

‫‪182‬‬
‫‪» -15‬غنية الكتاب وبغية الطالب«‪ ،‬فى الدب والنشاء‪،‬‬
‫من المخطوطات والكتب التى تدل على سإمو‬ ‫وغيرهإا م‬
‫منزلته وسإلمة منهجه‪.‬‬
‫دة منها‪ :‬القضُاء والفقه والحديث‬‫ع م‬
‫لقد برع القاضى عياض فى أمور م‬
‫دا‪ ,‬وله موهإبة رائعة تدل على قدرته على‬ ‫واللغة والدب‪ ،‬وكان شاعصرا مجي ص‬
‫من القصائد تلك التى أنشدهإا‬ ‫نظم الشعر‪ ،‬ومن أروع ما قاله القاضى عياض م‬
‫قى العلم فيها من شيوخها‪،‬‬ ‫دع قرطبة فى عام ‪508‬هإـ‪ ،‬بعد أن تل ش‬ ‫وهإو يو ي‬
‫عا المدينة‬
‫ت له صلت بأهإلها ومودة وصداقة وأخوة أكيدة‪ ،‬فقال مود ص‬ ‫طد ي‬‫وتو ش‬
‫ال من يد مللسية ذات التاريخ العريق‪:‬‬
‫مت للفراق‬‫حداتى وملز ش‬‫ل‬ ‫أقول وقد جد ش ارتحالى‬
‫ركائبي‬ ‫وغشردت‬
‫وصارت هإواء من فؤاد‬ ‫وقد غمضُت من كثرة‬
‫ترائبي‬ ‫الدمع مقلتي‬
‫وداعى للحباب ل للحبائب‬ ‫ولم تبقم إل وقفة يستحثها‬

‫وسإقى رلباهإا بالعهاد‬ ‫رعى الله جيراصنا بقرطبة‬


‫السواكب‬ ‫اللعل‬
‫مستلن‬ ‫ل‬ ‫يا‬
‫ش‬ ‫مح‬‫طليق ال ل‬ ‫وحشيا زماصنا بينهم قد ألفته‬
‫الجوانب‬
‫معهاد جار أو مودة صاحب‬ ‫أإخواننا بالله فيها تذاكروا‬
‫)‪(1‬‬
‫أقاربي‬ ‫ت بهم من برهإم‬
‫غدو ل‬
‫واحتفائهم‬
‫ومن أشعاره الخوانية التى وصف فيها ليلة جمعت من أصحابه‬
‫كل ذى مكانة وفضُل وجاه‪:‬‬
‫غرامء جامعة السروير‬ ‫ن بليلةة‬
‫ح الزما ل‬
‫م م‬
‫سإ م‬
‫م‬
‫مقط م‬
‫ف المانى والحبور‬ ‫جنامتها‬
‫ف ل‬
‫ت أك س‬
‫أجن ي‬
‫فيما تقدم من دهإور‬ ‫ن ختامها‬
‫ض طي ل‬
‫ما ف ش‬
‫بمثل أشباه البدور‬ ‫دارت على فلك السعود‬
‫حاز إرصثا عن أمير‬ ‫ما إن ترى إل أميصرا‬
‫وث موميوا بها عوض السرير‬ ‫متخ ل‬
‫ذوا القلوب أسإرة‬
‫)‪(2‬‬
‫وإن لتدوومملت المور‬ ‫فعليهم وقف العللء‬

‫‪1‬‬
‫)( المغرب والندلسُ‪ ،‬د‪ .‬مصطفى الشكعة‪ ،‬صا )‪.(146-139‬‬
‫‪183‬‬
‫م المير على بن يوسإف بالقاضى عياض لما كان شابا‬ ‫لقد اهإت ش‬
‫وظهر ذكاؤه وانتشر صيته‪ ،‬فأكرمته دولة المرابطين‪ ,‬وهإيأت له‬
‫من التحصيل والتفقه فى الدين‪.‬‬ ‫الجواء للمزيد م‬
‫وكان القاضى عياض ل يحب كثرة السإفار والرتحال‪ ،‬ويلحظ‬
‫المتتبع لسيرته وحياته أنه كان قليل الرتحال بالقياس إلى‬
‫دثين‪ ،‬وكانت له‬
‫ح ي‬
‫م م‬
‫من العلماء والفقهاء وال ل‬
‫معاصريه وأترابه م‬
‫نظرية عجيبة فى ذم السفر وبيان أضراره وعيوبه نظمه فى‬
‫من العلماء فى نظرته المتفردة وإليك البيات‬ ‫الشعر‪ ،‬وخالفه كثير م‬
‫التى ذكرهإا فى ذم السفر‪:‬‬
‫نجاة ص ففى السإفار سإبعل‬ ‫تقشعد عن السإفار إن كنت‬
‫عوائق‬ ‫طالصبا‬
‫سإكنى‬‫ل‬ ‫صاح‬ ‫يا‬ ‫وأعظمها‬ ‫ة‬ ‫ة‬‫أحب‬ ‫ل‬ ‫د‬‫وفق‬ ‫ن‬
‫ة‬ ‫إخوا‬ ‫ف‬
‫ل‬ ‫تشو‬
‫الفنادق‬
‫ة سإارق‬
‫ل وخيف ل‬
‫ة‬ ‫أموا‬ ‫وتبذيلر‬ ‫سُ‬
‫ة مؤن ة‬
‫ش وقل ل‬
‫وكثرة ل إيحا ة‬
‫وأعقبه دهإر شديد ل المضُايق‬ ‫فقد كان ذا دهإصرا تقادم‬
‫عهده‬
‫)‪(1‬‬
‫الحقائق‬ ‫فهذه مقالى والسلم كما‬
‫بدا‬
‫وهإذه فلسفة غريبة فى السإفار أخالف القاضى عياض – رحمه‬
‫الله – فيها‪ ،‬إل أشننى أقول إن النسان فى أسإفاره العلمية أو‬
‫التجارية عندما يقضُى مآربه عليه أن ينتقل إلى غيرهإا‪ ,‬حتى يحقق‬
‫دا لهإله وشعبه‪,‬‬‫ما مفي ص‬
‫ما سإال ص‬
‫أهإدافه ويرجع إلى وطنه وقومه غان ص‬
‫وقد ذكر العلماء فى السإفار فوائد فقال الشافعى رحمه الله‪:‬‬
‫سُ‬
‫وسإافر ففى السإفار خم ل‬ ‫تغرشب عن الوطان فى‬
‫فوائد‬ ‫طلب العلى‬
‫)‪(2‬‬
‫ماجد ة‬ ‫ب معيشةة‬
‫م واكتسا ل‬
‫تفرجُّ هإ ي‬
‫ضُا‪:‬‬
‫وقال المام الشافعى فى الغتراب أي ص‬
‫من راحةة فمد ممع الوطان‬ ‫ل وذى‬‫عق م‬
‫ما فى المقام لذى م‬
‫ب‬
‫واغتر م‬ ‫ب‬
‫أد م‬
‫وانصب فإن لذيد م العيش‬ ‫ضا عمن تفارقه‬
‫ص‬ ‫عو‬ ‫تجد‬ ‫سإافر‬
‫فى النصب‬
‫م‬ ‫ر‬ ‫يج‬ ‫لم‬ ‫وإن‬ ‫طاب‬ ‫إن سإاح‬ ‫إن يى رأيت وقوف الماء‬
‫ب‬‫لم يط م‬ ‫يفسده‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر السابق‪ ،‬صا )‪.(149‬‬
‫‪1‬‬
‫)( انظر ‪ :‬النبوغا المغربي‪ ،‬عبد الله كنون‪) ،‬جُّ ‪.(3/131‬‬
‫‪2‬‬
‫)( ديوان الشافعي‪ ،‬صا )‪.(57‬‬
‫‪184‬‬
‫من راحةة فمد ممع الوطان‬ ‫ل وذى‬
‫عق م‬
‫ما فى المقام لذى م‬
‫ب‬‫واغتر م‬ ‫ب‬‫أد م‬
‫س‬
‫م لول مفراقل القو م‬‫والسه ل‬ ‫والسإد ل لول فراقل الرض ما‬
‫لم ليصب‬ ‫افترسإت‬
‫)‪(1‬‬
‫عرب‬ ‫سُ لو وقفت فى‬
‫والشم ل‬
‫الفلك دائمة‬
‫من عاصر القاضى عياض العلمة الشيخ يعلى أبو جبل‪,‬‬
‫م ش‬
‫وكان م‬
‫وكان له رأى يخالف رأى القاضى عياض فى السفر نظمه فى‬
‫هإذه البيات‪:‬‬
‫ب فائدةة لتلقى مع‬ ‫فملر ش‬ ‫سإافر لتكسب فى السإفار‬
‫السفر‬ ‫فائدة‬
‫حا ولو كنت بين الظل‬ ‫نص ص‬ ‫ب به‬
‫ل‬ ‫تصي‬‫ل‬ ‫ل‬ ‫بمكان‬ ‫تقم‬
‫ول ل‬
‫والشجر‬
‫)‪(2‬‬
‫الخضُر‬ ‫فإن »موسإى« كليم الله‬
‫أعوزه ل‬
‫فا‬
‫ومن شعره فى الشواق ما نظمه من أبيات واص ص‬
‫فيها شوقه وحنينه لزيارة المدينة المنورة فقال‪:‬‬
‫ت‬
‫ص باليا م‬
‫خ ش‬
‫هإدى النام و ل‬ ‫ومن‬
‫يا دار خير المرسإلين م‬
‫به‬
‫وتشوقد متوقد ل الجمرات‬ ‫عندى لجلك لوعة وصابة‬

‫من تلكم الجدران‬ ‫ي عهد د إن ملت‬


‫وعل ش‬
‫والعرصات‬ ‫محاجري‬
‫من كثرة التقبيل‬ ‫ن شيبى بينها‬
‫ن مصو م‬‫لعفر ش‬
‫والشرشقات‬
‫)‪(3‬‬
‫الوجنات‬ ‫لول العوادى والعادى زرتها‬

‫لقطين تلك الدار‬ ‫لكن سإأهإدى من جميل‬


‫ت‬‫جرا م‬
‫ح ل‬
‫وال ل‬ ‫تحية‬
‫تغشاه بالصال واللبكرات‬ ‫من المسك المفتق‬‫أذكى م‬
‫ة‬
‫نفح ص‬
‫)‪(4‬‬
‫والبركات‬ ‫وتخصه بزواكى الصلوات‬

‫وله أبيات يصف فيها نفسه وشوقه إلى وطنه قالها فى مدينة‬
‫»داي« ببلد المغرب سإنة ‪541‬هإـ‪ ،‬وكان قد ناهإز الخامسة‬
‫‪1‬‬
‫ديوان الشافعي‪ ،‬صا )‪.(34‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫المغرب والندلسُ‪ ,‬صا )‪.(150‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫المصدر السابق نفسه‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫أزهإار الرياض‪) ،‬جُّ ‪.(4/180‬‬ ‫)(‬
‫‪185‬‬
‫عا للرجوع‬ ‫ما على البقاء فيها ممنو ص‬ ‫من العمر‪ ،‬وكان مرغ ص‬ ‫والستين م‬
‫دين‪.‬‬ ‫ح م‬
‫موم ي‬
‫إلى بلده فى زمن دولة ال ل‬
‫يعلم الله وأنا أمر على هإذه البيات التى فجرت الحزان فى‬
‫نفسي‪ ،‬وألهبت مشاعرى وهإيجت الشواق إلى مدينتى »بنغازي«‬
‫ومنطقتى »الحدائق«‪ ،‬وذكرتنى ببلدى العزيزة ليبيا ما تملكت‬
‫دموع الشوق إلى مسقط رأسإى الذى طالت مدة غيابى عليه أكثر‬
‫ما نصفها مسجوصنا فى بلدي‪ ,‬والنصف الخر‬ ‫من أربعة عشر عا ص‬
‫قضُيتها متنقل ص بين البلدان‪ ،‬ولم تكن تهمتى التى كلفتنى هإذه‬
‫العقوبة القاسإية التى أحتسبها عند الله إل أن رضيت بالله ربا‬
‫مد نبصيا ورسإول ص ×‪.‬‬ ‫ح ش‬‫م م‬
‫وبالسإلم ديصنا وب ل‬
‫إن أبيات القاضى عياض فى غربته أضفت على وأنا أترجم‬
‫سإا بالحنين إلى‬
‫من السإى‪ ,‬وإحسا ص‬ ‫من الحزن‪ ,‬ولوعة م‬ ‫حياته مسحة م‬
‫أهإلى ووطني‪ ،‬وأحبتى وإخواني‪ ،‬فقال القاضى – رحمه الله – وهإو‬
‫يحاور حمامة مشرت به‪:‬‬
‫أخا شجى بالنوح أو بغناء‬ ‫أقمرية الدواح بالله‬
‫حى‬‫طار م‬
‫تهيج من شوقى ومن‬ ‫فقد أرقتنى من هإديلك رنة‬
‫لبرحائي‬
‫ت‬
‫غريب »بداي« قد لبلي م‬ ‫م فإنني‬
‫لعلك مثلى يا حما ل‬
‫بدامء‬
‫خرق بعيد الخافقين قوامء‬ ‫و م‬ ‫فكم من فلةة بين »داي« و‬
‫»سإبتة«‬
‫كما ضيعضُعتنى زفزة ل‬ ‫د‬ ‫ق‬‫خواف‬ ‫للرياح‬ ‫فيه‬ ‫تصفقل‬
‫الصعداء‬
‫ت‬
‫ل‬ ‫بن‬ ‫يوم‬ ‫ت‬
‫ي‬ ‫أريق‬ ‫عا‬
‫دمو ص‬ ‫ح المياه بأرضها‬
‫يذكرنى سإ س‬
‫ورائي‬
‫خمائل أشجارم ترف ملرائي‬ ‫م‬ ‫ويعجبنى فى سإهلها وحزنها‬
‫)‪(1‬‬
‫تنائي‬ ‫لع ش‬
‫ل الذى كان التفرسق‬
‫ه‬
‫حكم ل‬
‫جـ ‪ -‬عياض والقضُاء‪:‬‬
‫م ما أراد من علوم‬‫م رجع القاضى عياض إلى سإبتة بعد أن أت ش‬
‫الن يد مللسُ‪ ,‬وكان دخوله لمدينته الحبيبة إلى نفسه عام )‪508‬هإـ(‪،‬‬
‫در للتعليم والتدريسُ بعد أن‬
‫وفرح أهإل سإبتة بابنهم البار‪ ،‬وتص ش‬
‫امتحنه علماء مدينة سإبتة فى الفقه المالكي‪ ،‬وأصبح من أهإل‬
‫مجلسُ الشورى‪ ،‬وكان حينئِّذ فى الثانية والثلثين من عمره أو‬

‫‪1‬‬
‫)‪ (2‬المصدر السابق نفسه‪ ,‬صا )‬ ‫)( انظر‪ :‬المغرب والندلسُ‪ ,‬صا )‪.(150‬‬
‫‪.(150‬‬
‫‪186‬‬
‫ل‪ ،‬وكانت تلك المرحلة سإبصبا فى إعداده ليتسنم سإدة‬ ‫يزيد قلي ص‬
‫)‪(1‬‬
‫القضُاة الشريفة الرفيعة فى سإبتة ‪.‬‬
‫ولما كان عياض فى التاسإعة والثلثين من عمره تولى القضُاء‪،‬‬
‫ل متربصعا على كرسإى القضُاء فى بلده‬ ‫وكان ذلك عام ‪515‬هإـ‪ ،‬وظ ش‬
‫سإبتة سإتة عشر عاصما‪ ،‬فسار فيها أحسن سإيرة‪ ,‬وكان محمود‬
‫الطريقة مشكور الحالة‪ ،‬أقام جميع الحدود على ضروبها واختلف‬
‫أنواعها‪ ،‬وبنى الزيادة الغربية فى جامع سإبتة التى كمل بها جماله‬
‫وترك فى بلده آثاصرا محمودة)‪.(2‬‬
‫ويبدو أن بعض المراء لم يعجبهم حزم وعدالة القاضى عياض‪،‬‬
‫كما خافوا من كثرة أتباعه وانتشار صيته ومحبة الشناس له‪ ،‬فلذلك‬
‫عزموا على نقله إلى غرناطة‪ ,‬ولم يذكروا سإبصبا مقنصعا‪ ،‬مما جعل‬
‫ضا فى‬‫الفقيه أبا الحسن بن هإارون المالقى يمدح القاضى عيا ص‬
‫أبيات سإجلتها ذاكرة التاريخ‪:‬‬
‫م بين العالمين‬
‫والظل ل‬ ‫حل ل ل‬
‫م‬ ‫ضا وهإو ي م ي‬‫ظلموا عيا ص‬
‫م‬
‫قدي ل‬ ‫عنهم‬
‫فإنه معلوم‬
‫كى يكتموه ش‬ ‫ن الرامء عيصنا‬ ‫جعلوا مكا م‬
‫فى اسإمه‬
‫)‪(3‬‬
‫معدوم‬ ‫ح‬
‫ل‬ ‫بطائ‬ ‫ت‬‫ي‬ ‫فاح‬ ‫لوله ما‬
‫سإبتة‬
‫ب‬
‫ش‬ ‫فه‬ ‫المير‬ ‫لمر‬ ‫ص‬ ‫ل‬ ‫ممتث‬ ‫غرناطة‬ ‫إلى‬ ‫عياض‬ ‫القاضى‬ ‫وانتقل‬
‫أهإل غرناطة لسإتقباله كما يستقبل الفاتحون‪ ،‬وبالله إنه لحق فاتح‬
‫خللقه‬
‫للعقول‪ ,‬ومنور للقلوب‪ ,‬ومطهر للنفوس بعلمه الغزير‪ ،‬و ل‬
‫المتواضع وسإيرته العطرة‪.‬‬
‫وسإار فى الشناس سإيرة العدل‪ ،‬ورفع الظلم‪ ،‬وإحقاق الحقوق‬
‫من تعشرضت‬ ‫عا م‬ ‫دون خوف من أمير أو وزير‪ ،‬ونشط وضاق به ذر ص‬
‫مصالحه للخطر‪ ،‬ول يستطيع الحصول عليها إل بالظلم‪ ،‬وأسإفرت‬
‫مكايد الشرار فى غرناطة عن عزل القاضى النزيه فى عام‬
‫دا عن القضُاء قريصبا لطلب‬ ‫‪532‬هإـ‪ ,‬ورجع إلى بلده ليكون بعي ص‬
‫العلم وحلقاته‪ ,‬وقصده الشناس وانتفع به العباد‪ ,‬ونشر نور الكتاب‬
‫والسنة فى البلد‪ ،‬واسإتمشر على تلك الحالة الدعوية سإبع سإنين‪،‬‬
‫ليتولى قضُاء سإبتة‬ ‫ش‬ ‫وفى أواخر دولة المرابطين عام ‪539‬هإـ دعى‬
‫خا جليل ص‬ ‫من جديد‪ ،‬وهإو فى الثالثة والستين من عمره‪ ،‬وكان شي ص‬
‫ما‪ ،‬فابتهج الشناس لعودته‪,‬‬ ‫ما‪ ,‬وأصبا رحي ص‬‫ما‪ ،‬وقاضصيا حكي ص‬ ‫ما عظي ص‬‫وعال ص‬
‫وسإار فيهم سإابق سإيرته‪ ،‬وما مضُت شهور قليلة حتى سإقطت‬
‫دين البدعية فاضطشر القاضى‬ ‫ح م‬
‫موم ي‬
‫دولة المرابطين على يد دولة ال ل‬
‫‪1‬‬

‫‪2‬‬
‫)( انظر‪ :‬أزهإار الرياض‪) ،‬جُّ ‪.(3/10‬‬
‫‪3‬‬
‫)( انظر‪ :‬المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(162‬‬
‫‪187‬‬
‫الجليل إلى خوض الحياة السياسإية والحربية)‪.(1‬‬
‫د‪ -‬معارك السياسإة والحرب‪:‬‬
‫مد بن‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫دين على يد المبتدع الكبير ل‬ ‫ح م‬ ‫موم ي‬ ‫إن ظهور دولة ال ل‬
‫دا‬
‫تومرت كانت من أسإباب سإقوط دولة المرابطين‪ ،‬فطبيعى ج ص‬
‫وتولى قيادة جيوش‬ ‫ش‬ ‫دين‪،‬‬ ‫ح م‬‫موم ي‬ ‫أن يخوض حرصبا ضد دولة ال ل‬
‫دين عبد المؤمن بن على الذى اسإتطاع بجيشه أن يحتل‬ ‫ح م‬
‫موم ي‬‫ال ل‬
‫مدن المغرب مثل فاس ومراكش وغيرهإما‪.‬‬
‫ورأى القاضى عياض أن المصلحة العليا لمدينة سإبتة وأهإلها أن‬
‫ظا على العراض والموال‪ ،‬وتجنيب المدينة‬ ‫يبايع عبد المؤمن حفا ص‬
‫دين تلك البيعة الضطرارية‪،‬‬ ‫ح م‬‫موم ي‬‫من الدمار الشامل‪ ,‬وقبل أمير ال ل‬ ‫م‬
‫دين حتى اسإتجاب‬ ‫ح‬ ‫و‬
‫ل م ي م‬‫م‬ ‫ال‬ ‫على‬ ‫بثورته‬ ‫هإود‬ ‫بن‬ ‫مد‬ ‫ح‬
‫ل م ش‬‫م‬ ‫قام‬ ‫أن‬ ‫وما‬
‫أهإل سإبتة لذلك بزعامة القاضى عياض‪ ،‬وقام السبتيون بقتل‬
‫دين وأصحابه‪ ،‬وسإار القاضى عياض إلى يحيى بن‬ ‫ح م‬
‫موم ي‬
‫عامل ال ل‬
‫على المسوفى المعروف بابن غانية فى قرطبة وبايعه‪ ،‬وكان‬
‫كا بدعوة المرابطين‪ ,‬وطلب منه أن ليعيين والصيا على سإبتة‬ ‫متمس ص‬
‫فبعث معه يحيى بن أبى بكر الصحراوى‪ ،‬وأصبحت بذلك مدينة‬
‫دين‪ ,‬وعادت إلى حكم المرابطين‪.‬‬ ‫ح م‬‫موم ي‬‫سإبتة خارجة عن دولة ال ل‬
‫دين اسإتطاعت إخضُاع مدينة سإبتة وأهإلها‪,‬‬ ‫ح م‬ ‫موم ي‬ ‫إل إن جيوش ال ل‬
‫دين الذين قبلوا ذلك‪ ,‬واشترطوا‬ ‫ح‬
‫ل م ي م‬‫و‬ ‫م‬ ‫لل‬ ‫جديد‬ ‫وأعادوا البيعة من‬
‫إبعاد القاضى عياض عن مدينته إلى مراكش‪ ،‬وقيل تدل‪ ,‬إلى أن‬
‫توفاه الله تعالى‪.‬‬
‫ما مع عقيدته وعلمه‬ ‫إن موقف القاضى عياض كان منسج ص‬
‫دين الذين اعتقدوا عصمة إمامهم‬ ‫ح م‬
‫موم ي‬ ‫ودعوته فى محاربته لل ل‬
‫صلها‬ ‫ي‬ ‫سإنف‬ ‫التى‬ ‫البدعية‬ ‫العقائد‬ ‫من‬ ‫م‬ ‫ذلك‬ ‫مد بن تومرت‪ ،‬وغير‬ ‫ح ش‬ ‫م م‬ ‫ل‬
‫دين‪.‬‬ ‫ح م‬ ‫و‬
‫ل م ي‬‫م‬ ‫ال‬ ‫عن‬ ‫كلمنا‬ ‫عند‬ ‫تعالى‬ ‫الله‬ ‫بإذن‬
‫إن القاضى عياض ليسُ من أهإل السنة وحسب‪ ،‬ولكشنه فقيه‬
‫أهإل السنة آنذاك على الطلق‪ ،‬وهإو كذلك يرى وجوب الوقوف‬
‫أمام دعوة ابن تومرت‪ ،‬وينبغى التخسلص منها حتى حانت أول‬
‫ظا على سإلمة‬ ‫فرصة‪ ،‬وإن يكن قد بايع فالبيعة آنذاك كانت حفا ص‬
‫بلدته وأهإلها‪ ،‬أما وقد لحت الفرصة بخروجُّ بعض المدن على‬
‫دين القائم على بدعة المامة المعصومة‪ ،‬أما وقد‬ ‫ح م‬
‫موم ي‬
‫سإلطان ال ل‬
‫من العقل السإتسلم ثم‬ ‫جرت الريح بما ل تشتهى السفن؛ فإن م‬
‫المبايعة وله حكم المضُطير فى ذلك‪.‬‬
‫دين عبد المؤمن كان على مقدرة عجيبة ممن‬ ‫ح م‬‫موم ي‬
‫وإن سإلطان ال ل‬
‫الدهإاء والمكر‪ ،‬ولذلك رأى لمصلحة دولته أن يضُع الفقهاء والعلماء‬
‫الذين يشك فى ولئهم له فى مراكش‪ ،‬ومنعهم ممن العودة إلى‬
‫‪1‬‬
‫)( المصدر السابق‪ ,‬صا )‪.(162‬‬
‫‪188‬‬
‫بلدهإم‪ ،‬أو يضُعهم فى مدن أخرى ليخدموا مخططات الدولة‬
‫الناشئِّة)‪.(1‬‬
‫هإـ ‪ -‬وفاة القاضى عياض‪:‬‬
‫دا عن وطنه فى عام ‪544‬هإـ‬ ‫توفى رحمه الله فى منفاه بعي ص‬
‫من الله الرحمة والمغفرة والرضوان‬ ‫ودفن فى مراكش‪ (2)،‬فعليه م‬
‫دمه للسإلم‪.‬‬ ‫على ما ق ش‬
‫هإؤلء بعض العلماء الذين كان لهم سإبق ومكانة فى دولة‬
‫المرابطين‪ ,‬وانتفع الشناس بعلمهم وفقههم‪ ،‬ترجمت لهم ترجمة‬
‫من العلماء‬ ‫متواضعة‪ ,‬كما برز فى علوم الفقه والحديث كثير م‬
‫دثين فى عصر دولة المرابطين منهم‪ :‬أبو الحسن‬ ‫ح ي‬‫م م‬ ‫وال ل‬
‫على بن عبد الرحمن المعروف بابن أبى حقون وله مختصر‬
‫فى أصول الفقه سإماه »بالمقتضُب الشفى فى أصول‬
‫مد عبد الله بن على بن عبد الله‬ ‫ح ش‬
‫م م‬‫المستصفى«‪ ,‬ومنهم أبو ل‬
‫بن خلف بن أحمد بن عمر اللخمي‪ ،‬ويعرف بالرشاطي‪ ،‬وكانت‬
‫له عناية بالحديث والرجال والرواة والتواريخ‪ ،‬وله كتاب سإماه‬
‫»اقتباس النوار‪ ،‬والتماس الزهإار فى أنساب الصحابة ورواة‬
‫مد بن حسين بن أحمد‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫ضُا أبو عبد الله بن ل‬‫الثار«‪ ،‬ومنهم أي ص‬
‫مد النصاري‪ ،‬وأبو جعفر أحمد بن عبد الصمد بن أبى‬ ‫ح ش‬‫م م‬‫بن ل‬
‫مد الخزرجي‪ ،‬وقد ألف كتاصبا فى أحكام الرسإول‬ ‫ح‬
‫ل م ش‬‫م‬ ‫بن‬ ‫عبيدة‬
‫× سإماه »آفاق الشموس وأعلق النفوس«‪ ،‬وكتاصبا آخر سإماه‬
‫مد عبد‬‫ح ش‬
‫م م‬‫»مقاطع الصلبان ومراتع رياض أهإل اليمان«‪ ،‬وأبو ل‬
‫الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن عطية المحاربى وله كتاب‬
‫ليسمى »بالوجيز فى التفسير«‪ ,‬وكذلك برز فى عصر على بن‬
‫مد بن‬ ‫ح ش‬
‫م م‬‫من الفقهاء وعلماء الحديث‪ :‬أبو عبد الله ل‬ ‫يوسإف م‬
‫حسين بن أحمد النصارى المعروف بابن أبى أحد عشر‪ ،‬وأبو‬
‫مد بن أحمد بن سإعيد بن يربوع بن سإليمان‪ ،‬وأبو‬ ‫ح ش‬
‫م م‬‫عبد الله ل‬
‫الوليد يوسإف بن عبد العزيز بن يوسإف بن عمر المعروف بابن‬
‫الدباغا‪ ،‬وأبو عبد الله‬
‫مد بن أحمد بن خلف بن إبراهإيم التجيبى المعروف بابن‬ ‫ح ش‬‫م م‬
‫ل‬
‫الحاجُّ قاضى‬
‫الجماعة بقرطبة‪.‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( سإير أعلم النبلء‪) ،‬جُّ ‪.(20/217‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سإير أعلم النبلء‪) ,‬جُّ ‪.(2/217‬‬
‫‪189‬‬
‫المبحث الرابع‬
‫علوم اللغة فى زمن المرابطين‬
‫من‬‫ونبغ فى علوم اللغة فى عصر على بن يوسإف عدد كبير م‬
‫مد‪ ,‬عبد‬‫ح ش‬
‫م م‬
‫العلماء المبرزين فى النحو وعلوم اللغة نذكر منهم‪ :‬أبا ل‬
‫مد بن السييد البطليوسإى النحوى ت ‪521‬هإـ‪ ،‬وكان‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫الله بن ل‬
‫ما متبحصرا فى النحو وعلوم اللغة‪ ،‬وكان الشناس‬‫ص‬ ‫عال‬ ‫علمه‬ ‫حجة فى‬
‫يجتمعون إليه ويقرأون عليه‪ ،‬ومن تواليفه كتاب »القتضُاب فى‬
‫شرح أدب الكتاب«‪ ,‬وكتاب »التنبيه على السإباب الموجبة‬
‫طأ‪ ,‬بالضافة إلى ذلك‬ ‫لختلف المة«‪ ,‬وكتاب آخر فى شرح المو ش‬
‫عا فمن نظمه قوله‪:‬‬ ‫كان شاعصرا مطبو ص‬
‫وأوصاله تحت التراب‬ ‫أخو العلم حي خالد بعد موته‬
‫رميم‬
‫من الحياء وهإو عديم‬
‫يظن م‬ ‫ش‬
‫وذو جهل ميت وهإو ما ة‬
‫على الثرى‬
‫ومن أئمة اللغويين وأعلمهم فى عصر على بن يوسإف‪ ،‬أبو‬
‫الحسن على بن أحمد بن خلف النصارى النحوي‪ ،‬وقد كان من‬
‫ما فى علم القراءات‪ ،‬وأبو‬ ‫أهإل المعرفة بالداب واللغة‪ ،‬متقد ص‬
‫مد بن أحمد بن عبد الله‬ ‫ح ش‬‫م م‬
‫مد بن أحمد بن عبد الله بن ل‬
‫ح ش‬
‫م م‬
‫ل‬
‫ما متبحصرا فى النحو‪،‬‬
‫ص‬ ‫عال‬ ‫وكان‬ ‫اللجاش‪،‬‬ ‫بابن‬ ‫المعروف‬ ‫النحوى‬
‫وأبو العشباس أحمد بن عبد الجليل ابن عبد الله المعروف‬
‫بالتدميرى ت ‪555‬هإـ‪ ،‬ومن تواليفه »نظم القرطين وضم أشعار‬
‫السقطين« وجمع فيه أشعار »الكامل« للمبرد و »النوادر« لبى‬
‫على البغدادي‪ ،‬كما له كتاب »التوطئِّة فى العربية« وله شرح على‬
‫كتاب الفصيح لثعلب‪ ،‬وله فى شرح أبيات جمل الزجاجى كتاب‬
‫سإماه »شفاء الصدور«‪ ،‬وكتاب »الفوائد والفرائد«‪ ،‬ومنهم أبو‬
‫العشباس أحمد بن عبد العزيز بن هإشام بن غزوان الفري‪ ،‬وكان‬
‫من أهإل المعرفة بالنحو واللغة والعروض‪ ,‬وله أرجوزة مزدوجة‬
‫فى قراءة نافع وثانية فى قراءة ابن كثير‪ ،‬ومن تواليفه كتاب‬
‫)‪(1‬‬
‫»فوائد الفصاح عن شواهإد اليضُاح«‬
‫***‬

‫المبحث الخامسُ‬
‫علوم التاريخ والجغرافيا فى عصر المرابطين‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(400- 398‬‬
‫‪190‬‬
‫ظهر فى عصر المرابطين عدد كبير من أعلم الرواية‬
‫والكتابة التاريخية نذكر فى مقدمتهم‪ :‬أبو زكريا بن يحيى بن‬
‫يوسإف النصارى الغرناطى المعروف بابن الصيرفى‪ ،‬كان‬
‫من أعلم عصر على بن يوسإف فى البلغة والدب والتاريخ‪،‬‬
‫كتب بغرناطة عن المير تاشفين بن على بن يوسإف أيام أن‬
‫كان والصيا على ال من يد مللسُ‪ ،‬وأشلف فى تاريخ ال من يد مللسُ فى العصر‬
‫المرابطى كتاصبا سإماه »النوار الجلية فى تاريخ الدولة‬
‫المرابطية«‪ ،‬وكتاصبا آخر سإماه »قصص النباء وسإياسإة‬
‫الرؤسإاء«‪ ,‬وهإما مؤلفان لم يصل إلينا مع السإف‪ ،‬ولم يصل‬
‫إلينا من مؤلفاته الولى سإوى شذور نقلها المتأخرون مثل‬
‫ابن الخطيب خاصة روايته عن غزوة ألفونسو المحارب‬
‫لل من يد مللسُ سإنة ‪519‬هإـ‪1125/‬م‪ ،‬وقد توفى ابن الصيرفى‬
‫ضُا أبو الحسن على بن‬ ‫بغرناطة فى سإنة ‪570‬هإـ‪ ،‬وهإناك أي ص‬
‫بسام الشنترينى )ت ‪542‬هإـ( صاحب كتاب »الذخيرة فى‬
‫محاسإن أهإل الجزيرة«‪ ,‬وهإذا الكتاب موسإوعة أدبية تاريخية‬
‫يتضُمن تراث القرن الخامسُ الهجرى‪ /‬الحادي عشر‬
‫مد بن خلف بن الحسن بن‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫الميلدي‪ ،‬وأبو عبد الله ل‬
‫إسإماعيل الصدفي‪ ،‬ويعرف بابن علقمة‪ ,‬وهإو من أهإل مدينة‬
‫ماه »البيان الواضح فى الملم الفادح«‬ ‫بلنسية وله كتاب سإ ش‬
‫وتوفى ابن علقمة عام ‪509‬هإـ‪1114/‬م‪ ،‬وأبو طالب عبد‬
‫الجبار عبد الله ابن أحمد بن أصبغ‪ ،‬وله كتاب يسمى »عيون‬
‫مد بن أحمد بن‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫المامة ونواظر السياسإة«‪ ،‬وأبو عامر ل‬
‫عامر البلوى المعروف بالسالمي‪ ،‬وقد أشلف كتاصبا فى التاريخ‬
‫مد‬
‫ح ش‬
‫م م‬‫سإماه »درر القلئد وغرر الفوائد«‪ ،‬وأبو نصر الفتح بن ل‬
‫القيسى الشبيلي‪ ،‬والمعروف بالفتح بن خاقان‪ ،‬ومن‬
‫تواليفه كتاب »قلئد العقيان فى محاسإن العيان«‪ ،‬وكتاب‬
‫»مطمع النفسُ ومسرح التأنسُ«‪ ,‬وكتاب »رواية المحاسإن‬
‫وغاية المحاسإن«‪ ,‬وأبو القاسإم خلف بن عبد الملك ويعرف‬
‫بابن بشكوال‪ ،‬وكان من أعلم المؤرخين فى عصر‬
‫المرابطين‪ ،‬وأشهر تواليفه كتابه المعروف »بالصلة«‪ ،‬الذى‬
‫جعله تتمة لكتاب ابن الفرضى فى تاريخ علماء ال من يد مللسُ‪،‬‬
‫ضُا كتاب »الغوامض والمبهمات« فى اثنى‬ ‫ومن تواليفه أي ص‬
‫ءا‪ ،‬وكتاب »المحاسإن والفضُائل فى معرفة العلماء‬ ‫عشر جز ص‬
‫ءا وقد توفى ابن بشكوال‬ ‫الفاضل« فى واحد وعشرين جز ص‬
‫فى رمضُان ‪578‬هإـ‪.‬‬
‫وفى مجال الجغرافية نبغ عدد من كبار جغرافى ال من يد مللسُ‬
‫والمغرب فى عصر المرابطين نذكر منهم‪ :‬الشريف أبو عبد الله‬
‫‪191‬‬
‫مد الدريسي‪ ,‬صاحب كتاب »نزهإة المشتاق فى اختراق‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫ل‬
‫ش‬
‫الفاق«‪ ،‬وقد ألف الدريسى لرجار الشثامنى صاحب صقلية‪ ،‬ولذا‬
‫ليعرف هإذا الكتاب فى كتب الجغرافية العربية باسإم الرجاري‪.‬‬
‫ومن جغرافيى عصر المرابطين عبد الله بن إبراهإيم بن وزمر‬
‫الحجارى صاحب كتاب »المسهب فى غرائب المغرب«‪ ،‬وقد اتخذ‬
‫سإا لكتابهم المعروف باسإم »المغرب فى حلى‬ ‫بنو سإعيد كتابه أسإا ص‬
‫المغرب«)‪.(1‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(403-401‬‬
‫‪192‬‬
‫المبحث السادس‬
‫علوم الطب فى عصر المرابطين‬
‫تقدمت العلوم الطبية والصيدلنية فى عصر المرابطين‬
‫ما يشهد له السإماء والعلم التى تألقت فى حضُارة‬ ‫تقد ص‬
‫ال من يد ملسُ والمغرب‪ ،‬وأشهرهإا ابن زهإر وهإو اسإم طبيب‬
‫ل‬
‫م‬
‫من تركوا بصماتهم‬ ‫م ش‬‫أن يد مللسى من أعظم أطباء السإلم‪ ،‬م‬
‫واضحة فى تاريخ الحضُارة النسانية جمعاء‪ ،‬وينتسب أبو‬
‫مروان عبد الملك بن زهإر إلى أسإرة أ من يد مللسية لمعت فى‬
‫ميدان الطب والعلوم الطبيعية والكيميائية‪ ,‬عميدهإا الكبر هإو‬
‫مد بن مروان بن الزهإر‬ ‫ح ش‬‫م م‬
‫أبو مروان عبد الملك ابن الفقيه ل‬
‫اليادى الشبيلي‪ ،‬وكان والده الفقيه محمد بن مروان من‬
‫جلة الفقهاء المتميزين فى علم الحديث فى إشبيلية‪ ،‬وقد‬
‫رحل أبو مروان فى شبابه إلى المشرق وسإمع فى القيروان‬
‫ومصر‪ ،‬وتتلمذ علىأيدى علماء المشرق فى الطب‪ ،‬ورجع‬
‫إلى ال من يد مللسُ‪ ،‬وأصبح من أشهر علماء الطب فيها‪ ,‬وتوفى‬
‫فى إشبيلية‪ ،‬وورثه فى علم الطب ابنه أبو العلء الذى تبوأ‬
‫مكانة عظيمة فى دولة المرابطين‪ ،‬ومن تواليفه »الخواصا«‬
‫وكتابه »الدوية المفردة« وكتاب »اليضُاح بشواهإد‬
‫الفتضُاح« فى الرد على ابن رضوان فيما رده على حنين‬
‫بن إسإحاق فى كتاب المدخل إلى »الطب«‪ ،‬وكتاب »النكت‬
‫الطبية«‪ ،‬وكتاب »الطرر« ومقالة فى تركيب الدوية‪،‬‬
‫وتوفى أبو العلء فى قرطبة ‪525‬هإـ‪ ,‬وحلمل إلى إشبيلية‬
‫ودفن بها‪ ،‬وأمر المير على بن يوسإف بجمع كتبه ونسخها‪،‬‬
‫وتم ذلك عام ‪526‬هإـ‪ ,‬وورث ابنه أبو مروان من والده‬
‫صناعة علوم الطب‪ ،‬ونبغ فى هإذا المجال‪ ،‬ولم يكن فى‬
‫من يماثله أو ينافسه‪ ،‬وكان له حظوة لدى المراء‬ ‫زمانه م‬
‫المرابطين‪ ،‬فقد صنف للمير أبى إسإحاق إبراهإيم بن يوسإف‬
‫بن تاشفين كتاصبا سإماه »القتصاد فى صلح الجساد«‪ ،‬ومن‬
‫ضُا كتاب »التيسير فى المداواة والتدبير« وقد ألفه‬ ‫تواليفه أي ص‬
‫القاضى أبو الوليد بن رشد وهإذا الكتاب ليعد من أعظم‬
‫ضُا كتاب‬
‫مراجع الطب فى العصور الوسإطى‪ ،‬وله أي ص‬
‫»الغذية«‪ ،‬ومقالة فى علل الكلى‪ ،‬ورسإالة فى علتى‬
‫البرصا والبهق‪ ،‬وتوفى هإذا العالم فى عام ‪557‬هإـ فى‬
‫إشبيلية‪.‬‬
‫ومن الطباء الذين برعوا فى عصر على بن يوسإف‪ :‬أبو عامر‬
‫مد بن أحمد بن عامر البلوي‪ ،‬وله فى الطب كتاب سإماه‬
‫ح ش‬
‫م م‬
‫ل‬
‫‪193‬‬
‫»الشفا«‪ ,‬وأبو الحسن على بن عبد الرحمن بن سإعيد السعدى‬
‫وغيرهإم‪.‬‬
‫ومما يؤكد اهإتمام دولة المرابطين بالطب وجود منصب يعرف‬
‫برئيسُ الصناعة الطبية‪ ,‬وهإو منصب هإام يقابل ما نطلق عليه‬
‫اليوم اسإم وزير الصحة‪ ،‬إذ كان فيما يبدو المسئِّول الول أمام‬
‫دومية والعقاقير)‪.(1‬‬
‫من ال م‬
‫المير فى صناعة الطب‪ ,‬وما يتعلق بها م‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ‪ ،‬صا )‪.(409-407‬‬
‫‪194‬‬
‫المبحث السابع‬
‫أسإباب سإقوط دولة المرابطين‬
‫ذات والشهوات عند‬ ‫‪ -1‬ظهور روح الدعة والنغماس فى المل ش‬
‫كام المرابطين وأمرائهم فى أواخر عصر على بن‬ ‫ح ش‬ ‫ل‬
‫يوسإف‪ ،‬وكان للمجتمع الن يد ملسى تأثير ل ينكر فى قادة‬ ‫ل‬ ‫م‬
‫وأمراء وحكام دولة المرابطين الذين اسإتجابوا لنزوات‬
‫قق قول الله‬ ‫شهواتهم وانغمسوا فى الحياة الدنيا‪ ،‬فتح ش‬
‫سجقوُاً لفيْمهاَ فممحلق مع مرليْيمهاَ اًلرمقروُجل‬ ‫ل‬
‫ك قميرريمةل أمممررمنَاَ ج رمتيمرفيْمهاَ فميمف م‬ ‫تعالى‪ ﴿:‬موإلمذاً أممرردمنَاَ مأن نَييرهلل م‬
‫فممدلمررمنَاَمهاَ تمردلميْلراً﴾ ]السإراء‪.(1) [16:‬‬
‫مة هإم‬ ‫لأ ش‬‫يقول سإييد قطب رحمه الله‪» :‬والمترفون فى ك ي‬
‫طبقة الكبراء الناعمين الذين يجدون المال‪ ،‬ويجدون الخدم‪،‬‬
‫ويجدون الراحة‪ ،‬فينعمون بالدعة والراحة‪ ،‬وبالسيادة حتى تترهإل‬
‫نفوسإهم وتأسإن‪ ،‬وترتع فى الفسق والمجانة وتستهتر بالقيم‬
‫والمقدسإات والكرامات‪ ،‬وتلغ فى الرض والحرمات‪ ،‬وهإم إذا لم‬
‫دا‪ ،‬ونشروا‬ ‫ب على أيديهم عاثوا فى الرض فسا ص‬ ‫ضُرم ل‬
‫ن يم ي‬‫م ي‬ ‫يجدوا م‬
‫الفاحشة فى المة وأشاعوهإا‪ ،‬وأرخصوا القيم العليا التى ل تعيش‬
‫م تتحلل المة وتسترخي‪ ،‬وتفقد‬ ‫الشعوب إل بها ولها‪ ،‬ومن ث م ش‬
‫حيويتها وعناصر قوتها وأسإباب بقائها فتهلك وتطوى صفحتها‪.«..‬‬
‫من انغمسُ فى الشهوات‪،‬‬ ‫والية تقرر سإنة الله هإذه فى إهإلك م‬
‫من القيم والخلق ولزم الفسق‬ ‫وأسإرف فى الملذات‪ ،‬وتحلل م‬
‫والنحلل والفساد‪.‬‬
‫‪ -2‬ظهور السفور والختلط بين النساء والرجال‪ ،‬وبدأت دولة‬
‫المرابطين فى آخر عهد المير على بن يوسإف تفقد‬
‫طهمرهإا وصفامءهإا الذى اتصف به جيلهم الول‪ ،‬مما جعل‬ ‫ل‬
‫الرعية المسلمة تتذمر من هإذا النحراف والفساد‪،‬‬
‫مد بن تومرت الذى أظهر نفسه‬ ‫ح ش‬ ‫م م‬ ‫وتستجيب لدعوة ل‬
‫للناس بالزاهإد والشناسإك والمر بالمعروف والناهإى عن‬
‫المنكر‪.‬‬
‫‪ -3‬انحراف نظام الحكم عن نظام الشورى إلى الوراثى الذى‬
‫فا على منصب ولية العهد بين أولد على‬ ‫عا عني ص‬ ‫سإبب نزا ص‬
‫من المراء إلى منصب‬ ‫بن يوسإف‪ ،‬كما تطلع مجموعة م‬
‫المير على ونازعوه فى سإلطانه مما سإبب تمزصقا داخلصيا‪،‬‬
‫ففقدت الدولة المرابطية وحدتها الولى‪ ،‬وكثرت الجيوب‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخ المغرب والندلسُ صا )‪.(409-407‬‬
‫‪195‬‬
‫الداخلية فى كيان الدولة‪ ،‬وتفجرت ثورات عنيفة فى‬
‫قرطبة‪ ،‬وفى فاس وغيرهإما سإاهإمت فى إضعاف الوحدة‬
‫السياسإية وإسإقاط هإيبة الدولة المرابطية‪.‬‬
‫‪ -4‬الضُيق الفكرى الذى أصاب فقهاء المرابطين وحجرهإم‬
‫على أفكار الشناس‪ ,‬ومحاولة إلزامهم بفروع مذهإب المام‬
‫مالك وحده‪ ،‬وعملوا على منع بقية المذاهإب السنية تعصصبا‬
‫لمذهإبهم‪ ،‬وكان لفقهاء المالكية نفوذ كبير مما جعلهم‬
‫يوسإعون تعصبهم وتحجرهإم الفكري‪.‬‬
‫ويرى بعض المؤرخين أن التعصب العمى عند فقهاء‬
‫المرابطين فى زمن المير على ابن يوسإف كان السبب الول فى‬
‫سإقوط دولة المرابطين)‪ ،(1‬لقد أسإهم فقهاء المالكية فى دولة‬
‫المرابطين بقسط وافر فى تذمر الرعايا‪ ،‬وإضعاف شأن المارة‪،‬‬
‫لقد اسإتغل بعض الفقهاء نفوذهإم من أجل جمع المال وبناء الدور‪،‬‬
‫وامتلك الرض‪ ،‬وعاشوا حياة البذخ والرفاهإية المفرطة‪ ،‬وكان‬
‫ذلك سإبصبا فى إيجاد ردة فعل عنيفة عند أفراد المجتمع المرابطي‪،‬‬
‫وانبرى الشعراء فى تصوير حال الفقهاء فى تلك الفترة‪ ،‬فقال أبو‬
‫مد المعروف بابن البني‪:‬‬
‫ح ش‬
‫م م‬
‫جعفر أحمد بن ل‬
‫كالذئب أدلج فى الظلم‬ ‫أهإل الرياء لبستم‬
‫العاتم‬ ‫ناموسإكم‬
‫وقسمتم الموال بابن‬ ‫فملكتم الدنيا بمذهإب‬
‫القاسإم‬ ‫مالك‬
‫)‪(2‬‬
‫العالم‬ ‫وركبتم شهب الدواب‬
‫بأشهب‬
‫‪ -5‬ومن أهإم العوامل التى أسإقطت دولة المرابطين‪ :‬فقدهإا‬
‫لكثير من قياداتها وعلمائها العظام أمثال سإير بن أبى بكر‪،‬‬
‫مد بن الحاجُّ‪،‬‬
‫ح ش‬
‫م م‬
‫مد ابن فاطمة‪ ،‬و ل‬
‫ح ش‬
‫م م‬
‫مد بن مزدلي‪ ،‬و ل‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫و ل‬
‫وأبى إسإحاق بن دانية‪ ،‬وأبى بكر بن واسإينو‪ ..‬فمن لم‬
‫يستشهد من كبار رجال الدولة أدركه الموت الطبيعي‪ ،‬ولم‬
‫يستطع ذلك الجيل أن يغرس المبادئ والقيم التى حملها‬
‫فى الجيل الذى بعده‪ ،‬فاختلفت قدرات الجيل الذى بعدهإم‬
‫واسإتعداداتهم‪ ،‬وهإذا درس مهم لبناء الحركات السإلمية‬
‫فى أهإمية توريث التجارب والخبرات المتنوعة والمتعددة‬
‫للجيال المتلحقة)‪.(3‬‬
‫‪ -6‬ومن أهإم العوامل التى أنهكت دولة المرابطين‪ ،‬أنها مشرت‬
‫‪1‬‬
‫)( الزلقة بقيادة يوسإف بن تاشفين‪ ،‬صا )‪.(98‬‬
‫‪2‬‬
‫)( انظر‪ :‬سإقوط دولة الموحدين‪ ,‬للدكتور مراجع الغناي‪ ،‬صا )‪.(31‬‬
‫‪3‬‬
‫)( انظر‪ :‬سإقوط دولة الموحدين‪ ,‬للدكتور مراجع الغناي‪ ،‬صا )‪.(31‬‬
‫‪196‬‬
‫بأزمة اقتصادية حادة‪ ،‬نتيجة لنحباس المطر عدة سإنوات‪،‬‬
‫وحلول الجفاف والقحط بال من يد مللسُ والمغرب‪ ،‬وزاد من حدة‬
‫من‬‫الزمة القتصادية أن أسإراب الجراد هإاجمت ما بقى م‬
‫الخضُر على وجه البلد مما هإيأ الظروف لنتشار مختلف‬
‫من السكان‪ ،‬ووقعت هإذه الزمة فى‬ ‫الوبئِّة بين كثير م‬
‫الفترة الواقعة ما بين أعوام ‪524‬هإـ‪530-‬م)‪.(1‬‬
‫‪ -7‬ومن أهإم السإباب الرئيسية فى زوال دولة المرابطين‪ -‬فى‬
‫دين‪ ،‬ورأيت أن‬‫ح م‬
‫موم ي‬
‫نظرى – صدامها المسلح مع جيوش ال ل‬
‫أفرد له مبحصثا مستقل ص)‪ (2‬ويكون ذلك عند دراسإة دولة‬
‫دين إن شاء الله‪.‬‬‫ح م‬
‫موم ي‬
‫ال ل‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( المصدر السابق نفسه‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر السابق نفسه‪.‬‬
‫‪197‬‬
‫**‬ ‫* * نتائج البحث‬
‫‪ -1‬إن فى معظم قبائل العالم السإلمى رجال ص لهم عقول راجحة‬
‫وبعد نظر وتقدير للمور‪ ،‬وفى أغلب الحيان يتول مشى أمر القبيلة‬
‫دا‪ ،‬وأعظمهم شجاعة‪ ،‬وأخلصهم‬ ‫أرجح الشناس عقل ص وأكثرهإم جو ص‬
‫لهإله وعشيرته‪ ،‬وشخصية المير يحيى بن إبراهإيم الجدالى‬
‫من الدروس العميقة من هإذا‬ ‫خير دليل على ما قلت‪ ،‬ولذلك م‬
‫البحث هإو أهإمية دور زعماء القبائل فى دعوة قبائلهم‬
‫وعشائرهإم‪ ،‬وإيجاد الحماية اللزمة للدعاة إلى الله فى أوسإاط‬
‫القبائل‪ ،‬فعلى الحركات السإلمية العامة أن توثيق علقتها مع‬
‫من المجتمع‪ ،‬وتحرصا على دعوتها للسإلم‬ ‫هإذه الشريحة م‬
‫الربانية التى تبذل جهدهإا لتحكيم شرع الله‬
‫ش‬ ‫لتنصهر فى الدعوة‬
‫تعالى‪.‬‬
‫الربانى والفقيه المالكى سإييد‬
‫ش‬ ‫‪ -2‬إن أبا عمران الفاسإى العالم‬
‫الفقهاء فى القيروان فى زمانه يعتبر هإو واضع الخطوط‬
‫العريضُة لدولة المرابطين‪ ،‬وكان – رحمه الله – يميز بين‬
‫العمل العلنى فى الدعوة وفقهها وتعليم الشناس‪ ،‬وبين العمل‬
‫السرى لقامة دولة سإنية‪ ،‬وكان رحمه الله على اتصال بفقهاء‬
‫أهإل السنة فى مدن وقرى الشمال الفريقي‪ ،‬ولذلك لما‬
‫تعرف أبو عمران الفاسإى على المير الصنهاجى يحيى بن‬ ‫ش‬
‫إبراهإيم‪ ،‬وعلم بأحوال قومه وحاجتهم لمنهج السإلم ومن‬
‫يربيهم على ذلك‪ ،‬اتصل بأخيه الشيخ وجاجُّ بن زلوا اللمطى‬
‫حا يقيم‬
‫فقيه المالكية بالسوس القصى‪ ،‬وكان فقيصها صال ص‬
‫بمدينة ملكوس‪ ،‬وأطلعه على المهمة التى جاء من أجلها المير‬
‫يحيى‪ ،‬فاختار لهذه المهمة تلميذه الذكى الفقيه العابد اللمعى‬
‫عبد الله بن ياسإين الجزولى صاحب العلوم المتنوعة‬
‫والشخصية الجذشابة التى تجرى فى دمائها صفات الدعاة‬
‫المتعددة‪ ،‬وسإار‪ -‬رحمه الله‪ -‬وفق خطة محكمة بصبر وحلم‬
‫وشجاعة فى قبائل الملثمين‪.‬‬
‫‪ -3‬كانت مرحلة التعريف التى ش‬
‫نفذهإا المام عبد الله بن ياسإين فى‬
‫قبائل جزولة ولمتونة وغيرهإما من أصعب المراحل‪ ،‬وكادت‬
‫تودى بحياته واسإتطاع أن يحارب مظاهإر الشرك والجهل فى‬
‫مجتمع صنهاجة الصحراوي‪ ،‬وأن يتحمل الكثير من أجل‬
‫تعليمهم السإلم وأركان اليمان ومقامات الحسان‪.‬‬
‫‪ -4‬وفى مرحلة اختيار العناصر التي تحمل الدعوة اختار المام‬
‫دا عن‬
‫عبد الله بن ياسإين رباطه على مصبي نهر السنغال بعي ص‬
‫‪198‬‬
‫نفوذ المراء وأصحاب الجاه والموال‪ ،‬وشكل نخبة صفوية‬
‫ألزمها بلوائح تنظيمية ومبادئ سإلوكية‪ ،‬واجتهد فى تربيتها‬
‫وشكل منها مجلسُ الشورى‪.‬‬
‫‪ -5‬وفى مرحلة المغالبة بعد أن أصبحت للمام ابن ياسإين شوكة‬
‫وقوة ومنعة‪ ,‬اسإتطاع أن يقضُى على قوة الشر فى قبائل‬
‫دهإا على منهج السإلم وعقيدة‬
‫يوح م‬
‫ي‬ ‫لمتونة وجزولة وغيرهإا‪ ،‬وأن‬
‫الرحمن ودعوة اليمان‪.‬‬
‫‪ -6‬كانت تربية عبد الله بن ياسإين لتباعه رفيعة المستوى غرسإت‬
‫فى نفوسإهم حب الشهادة‪ ،‬والتلذسذ بمتاعب الجهاد والحرصا‬
‫على هإداية الشناس‪ ,‬واختار لتباعه اسإما ص يدل على الرابطة‬
‫السامية التى ربطت هإذه الجموع التى كانت متناحرة وأصبحت‬
‫متآخية متعاونة أل وهإى »المرابطون«‪.‬‬
‫‪ -7‬أصبح فقهاء المغرب القصى والحرار المتطلعون لتحكيم‬
‫شرع الله فى مدنهم يتصلون بالمرابطين‪ ،‬ويطلبون منهم‬
‫ح ش‬
‫كام زناتة‪ ،‬وبالفعل‬ ‫مساعدتهم لزالة الظسلم الواقع عليهم من ل‬
‫لبى المرابطون هإذا النداء‪ ,‬وتحركت جيوشهم القوية لزالة‬
‫المظالم ونشر العدل‪ ،‬والقضُاء على دولة برغواطة الملحدة‪،‬‬
‫وعلى بقايا الروافض‪ ،‬وأصبحت جبهاتهم متعددة نحو السنغال‬
‫والنيجر ونحو فاس ومكناسإة وطنجة‪ ،‬وحققوا انتصارات رفيعة‬
‫من الزنوجُّ والوثنيين فى السإلم‪.‬‬
‫ودخلت أمم م‬
‫اسإتمر المام ابن ياسإين يقود معارك التوحيد للمغرب القصى‬
‫ش‬ ‫‪-8‬‬
‫من أجل إقامة دولة سإنية‪ ،‬واسإتشهد فى تلك المعارك بعد أن‬
‫ترك خلفه رجال ص آمنوا بسمو دعوتهم وقدسإية فكرتهم وروعة‬
‫أهإدافهم‪.‬‬
‫‪ -9‬توشلى قيادة المرابطين بعده المام أبو بكر بن عمر الذى تميز‬
‫بزهإده وعبادته وبساطته وحبه للجهاد والسإتشهاد‪ ،‬وكان إذا‬
‫من المرابطين‪ ،‬فوضع‬ ‫ركب للجهاد ركب معه ‪500‬ألف مقاتل م‬
‫هإذا القائد الخطوة الولى لدولة المرابطين‪ ,‬وأناب ابن عمه‬
‫وتحرك بجيش عظيم نحو‬ ‫ش‬ ‫يوسإف ابن تاشفين على المغرب‪،‬‬
‫الصحارى القاحلة لنشر السإلم فى النيجر والسنغال ومالي‪،‬‬
‫ما‪ ,‬ودخلت أمم وشعوب وقبائل ل يحصيها إل‬ ‫وأبلى بلصء عظي ص‬
‫خالقها فى دين الفطرة ودعوة السإلم الخالدة‪ ،‬ولما رجع إلى‬
‫ابن عمه المير يوسإف بن تاشفين فى المغرب وجده قد حقق‬
‫ووحد البلد‪ ,‬وقضُى على الفساد‪ ،‬وأزال‬
‫ش‬ ‫فتوحات عظيمة‪،‬‬
‫الظلم ونشر العدل‪ ،‬فتنازل عن المارة لبن عمه يوسإف بعد‬
‫ودعه‪ ,‬ودخل‬ ‫أن أوصاه بتقوى الله وذكشره قدومه على الله‪ ،‬ثم ش‬
‫‪199‬‬
‫فى الصحراء الكبرى بجيشه الداعى إلى رضوان الله وصراطه‬
‫المستقيم وأكرمه الله بالشهادة فى قلب الصحراء الكبرى‪.‬‬
‫توشلى أمير المرابطين المير يوسإف بن تاشفين؛ فنظم‬ ‫‪-10‬‬
‫المدن‪ ,‬وأرسإى نظم الحكم‪ ,‬وخطشط للدولة المرابطية‪،‬‬
‫فشرع فى إنشاء دواوينها ومجالسها وإداراتها وجيوشها‪,‬‬
‫ووضع المراء والفقهاء والقضُاة على المدن والقرى‪ ،‬وأشرف‬
‫على تنفيذ أحكام الله‪ ،‬وأثبتت اليام والحروب والمحن التى‬
‫من الطراز الول‪,‬‬ ‫مرش بها على أنه قائد عسكرى وسإياسإى م‬
‫وأحبه المرابطون والتفوا حوله وتطايرت الركبان فى نشر‬
‫سإيرته وعدله وأحبه المسلمون‪.‬‬
‫أصاب المسلمين فى ال من يد مللسُ أضرار جسيمة بسبب‬ ‫‪-11‬‬
‫خنوع ملوك الطوائف للنصارى وضعفهم فى الحكم‪ ،‬مما‬
‫عرض ممالك ال من يد مللسُ لطماع النصارى الحاقدين الذين‬
‫جاسإوا خلل الديار فى ال من يد مللسُ يقتلون ويذبحون ويسبون‪,‬‬
‫وأصبحت ممالك ال من يد مللسُ السإلمية تتساقط فى أيديهم مدينة‬
‫بعد مدينة‪ ،‬وقرية إثر قرية‪ ،‬وحصنصا خلف حصن‪ ،‬وركب‬
‫فاضطر ملوك الطوائف أن يطلبوا‬ ‫ش‬ ‫المسلمين فزع عظيم‬
‫من المير الربانى والقائد الميدانى يوسإف بن‬ ‫الغوث والنصر م‬
‫ل‬ ‫م‬ ‫ش‬
‫حكام الن يد ملسُ فى اسإتدعاء يوسإف‬ ‫تاشفين‪ ،‬وكان قرار ل‬
‫وتبناه الملك المعتمد ابن عباد بكل ما يملك من حجة‬ ‫ما ش‬‫حكي ص‬
‫وقوة‪ ،‬ولما قالوا للمعتمد سإيضُم المير يوسإف إليه ال من يد مللسُ‪،‬‬
‫فقال قولته المشهورة التى أصبحت مثل ص رائصعا على ي‬
‫مر‬
‫العصور وكري الدهإور تتعلم منه الجيال الوفاء لدينها والولء‬
‫لعقيدتها حيث قال‪» :‬رعى البل ول رعى الخنازير«‪ ،‬وقال‬
‫المعتمد لبنه‪ :‬إن اسإتدعاء المير يوسإف أمر يرضى الله‬
‫دا سإبصبا فى ضياع ديار المسلمين‪.‬‬
‫تعالى‪ ،‬ولن أكون أب ص‬
‫اسإتجاب المير يوسإف لدعوة إخوانه فى العقيدة‪,‬‬ ‫‪-12‬‬
‫وعرض المر على أهإل مشورته؛ وتحصل على موافقة‬
‫العلماء والفقهاء ورجال الدولة المرابطية‪ ،‬وحرك كتائب‬
‫المرابطين بفرسإانها الشجعان وجنودهإا البطال وعبر‬
‫ل‬ ‫م‬
‫المضُيق‪ ،‬وقاد المير يوسإف كتائب المسلمين فى الن يد ملسُ‪،‬‬
‫ووضع مع أركان جيشه خطة محكمة للقضُاء على جيش‬
‫ألفونسو النصراني‪ ،‬وسإطر المرابطون فى تاريخ أمتنا ملحم‬
‫العقيدة والفداء فى معركة اليزلمقة‪ ،‬وانتصر المسلمون‬
‫وانهزم النصارى وحفظ الله السإلم فى ال من يد مللسُ لقرون بعد‬
‫تلك المعركة التاريخية‪ ،‬وبعد هإذا النصر الرائع والنفيسُ الذى‬

‫‪200‬‬
‫حققه المرابطون ورفعوا به راية السإلم فى سإماء ال من يد مللسُ‬
‫رجع المير يوسإف إلى المغرب‪ ,‬وترك الغنائم لملوك‬
‫ال من يد مللسُ الذين اختلفوا بعد ذلك وكادوا أن يضُيعوا السإلم من‬
‫من المير يوسإف‬ ‫جديد فى تلك الديار‪ ،‬فطلب فقهاء ال من يد مللسُ م‬
‫وشجعه علماء وفقهاء‬ ‫ش‬ ‫ضم ال من يد مللسُ لحكم المرابطين‪،‬‬
‫المغرب وتحصل على فتاوى من علماء المشرق من أمثال‬
‫أبى بكر الطرطوشى فى مصر‪ ،‬وأبى حامد الغزالى فى‬
‫العراق‪.‬‬
‫اسإتطاع يوسإف بن تاشفين أن يفتح مدن ال من يد مللسُ‪ ،‬وأن‬ ‫‪-13‬‬
‫يضُم الممالك إلى دولة المرابطين‪ ،‬وأسإر بعض ملوك‬
‫ال من يد مللسُ الذين ثبت تعاونهم مع النصارى‪ ,‬ووضعهم فى‬
‫المغرب إلى أن توفاهإم الله‪ ،‬وبذلك قضُى على مهزلة ملوك‬
‫الطوائف‪.‬‬
‫لطخوا دولة المرابطين‪,‬‬ ‫حاول المستشرقون أن لي ي‬ ‫‪-14‬‬
‫أنهم اصطدموا بحقائق التاريخ‬ ‫صا المير يوسإف إل م‬ ‫ص‬ ‫وخصو‬
‫دلت على عظمة المير يوسإف ودولته‬ ‫الناصعة التى ش‬
‫يشوه دولة‬ ‫ي‬ ‫الميمونة‪ ,‬وحاول المستشرق رينهارت دوزى أن‬
‫المرابطين ويصفها بالبربرية والتخلف‪ ،‬ويصف السلطان على‬
‫بن يوسإف بالرجل التافه‪ ،‬ويمدح ملوك الطوائف فى ال من يد مللسُ‬
‫الذين تحالفوا مع النصارى للقضُاء على السإلم والمسلمين‪،‬‬
‫نم حملة مسعورة على جهاد المرابطين الذين حقشقوا‬ ‫وش ي‬
‫وحدة صفوف المسلمين‪ ،‬وهإزموا أعداءهإم النصارى‪ ،‬وخلصوا‬
‫المسلمين من هإؤلء الملوك الضُعفاء‪ ،‬لقد شتم دوزى‬
‫المستشرق المير يوسإف‪ ,‬ووصفه هإو وابنه بأنشهم تافهون‪،‬‬
‫وأنا ل أسإتغرب من دوزى المستشرق أن يفقد توازنه‪ ,‬ويخرجُّ‬
‫دا‬
‫عن نهج المؤرخين النزيه‪ ،‬لقد كان المستشرق دوزى ملح ص‬
‫قا عدصوا للسإلم والمسلمين‪ ،‬كيف تريده أن يتحمل‬ ‫زندي ص‬
‫شعارات المرابطين الدالة على سإمو عقيدتهم وطهارة‬
‫منهجهم‪ ،‬وكأنى بالمستشرق دوزى وهإو يقلب الدينار‬
‫مد رسإول‬ ‫ح ش‬
‫م م‬
‫المرابطى والمكتوب على وجهيه »ل إله إل الله ل‬
‫غيْيمر اًللرسلملم لديلناَ فميلمرنَ يجيرقبممل لمرنهج موجهموُ لفىِ اًلملخمرةل لمنَ اًلمخاَسلريمنَ﴾‪,‬‬
‫ل‬
‫الله« ﴿موممنَ يميربتملغ مر‬
‫وقد اشتاط غضُصبا وفقد عقله وغرق فى كفره‪ ,‬فأباح لنفسه‬
‫الكذب والفتراء والزور ليهدئ من روعه وانفعاله‪ ،‬كيف يكون‬
‫تافصها من يوحد المغرب القصى ويضُم إليه ال من يد مللسُ ويقضُى‬
‫على ملوك الطوائف؟ لقد وصف المؤرخون المنصفون المير‬
‫طا للنفسُ ماضى العزيمة عالى‬ ‫ما ضاب ص‬ ‫يوسإف بأنه كان حاز ص‬
‫أما دولة‬ ‫الهمة‪ ،‬تحركه عقيدته السإلمية وشريعته الربانية‪ ،‬ش‬
‫‪201‬‬
‫أنها دولة حضُارة وعلم وثقافة‪،‬‬ ‫المرابطين فقد أثبت التاريخ ش‬
‫أما ما قام به أعداؤهإا فى وصفها بالتخلف الحضُارى‬ ‫ش‬
‫من‬‫ة م‬ ‫ر‬‫عا‬ ‫‪،‬‬‫الدلة‬ ‫تسعفه‬ ‫ل‬ ‫باطل‬ ‫قول‬ ‫فهو‬ ‫المذهإبى‬ ‫والتعصب‬
‫دين وال من يد مللسيين‬‫ح م‬
‫موم ي‬
‫من ال ل‬‫الحقائق‪ ،‬وما كان دافع خصومهم م‬
‫الذين حملوا عليهم حملة ظالمة إل من باب التعصب الدينى‬
‫أو المذهإبي‪ ،‬أو كراهإية سإياسإية أو قومية حاولوا النيل من‬
‫دولة المرابطين السنية‪ ،‬وتابع أولئِّك القوام الذين مضُوا‬
‫حدثين أمثال المتعالم الحاقد الهولندى‬ ‫م م‬
‫بعض المستشرقين ال ل‬
‫من المعاصرين أمثال‬ ‫م‬ ‫نفر‬ ‫ذلك‬ ‫على‬ ‫راينهارت دوزى‪ ,‬وتابعه‬
‫ارشيبالد لويسُ فى كتابه »القوى البحرية والتجارية فى‬
‫حوض البحر المتوسإط«‪.‬‬
‫ليعتبر ضم ال من يد مللسُ إلى دولة المرابطين من أعظم‬ ‫‪-15‬‬
‫أعمال المير يوسإف بن تاشفين الجهادية‪.‬‬
‫كانت نظرة دولة المرابطين إلى الخلفة السإلمية‬ ‫‪-16‬‬
‫العباسإية فى بغداد صائبة صحيحة‪ ,‬لكونها منبثقة من منهج‬
‫أهإل السنة والجماعة‪ ,‬ولذلك بايعوا الخليفة العشباسإي‪ ,‬ورفعوا‬
‫أعلمه وشعاره‪ ،‬ودعوا له على منابرهإم‪.‬‬
‫كانت علقة الدولة المرابطية بالخلفة العبيدية فى مصر‬ ‫‪-17‬‬
‫عدائية لختلف العقائد والمناهإج والمذاهإب‪ ،‬ولذلك حرصا‬
‫المرابطون على اقتلع بقايا الرفض والتشيع من دولتهم‪.‬‬
‫كانت علقة دولة المرابطين بالدولة الزيرية الصنهاجية‬ ‫‪-18‬‬
‫ذات أبعاد اسإتراتيجية تعاونية‪ ،‬بسبب وحدة المنهج والمعتقد‬
‫والمذهإب والقرابة التى بين زعماء الدولتين‪ ،‬ولذلك نجد‬
‫قا فى البحر المتوسإط للغارة على أسإاطيل النصارى‪،‬‬ ‫تنسي ص‬
‫ما اقتصادصيا فى دولة تميم بن المعز الزيرى لدولة‬
‫ونجد دع ص‬
‫المرابطين عندما خاضوا جهادهإم المقدس ضد النصارى‪.‬‬
‫أما علقة بنى حمشاد بالمرابطين فهى محفوفة بالتخوف‬ ‫‪-19‬‬
‫عا توسإسعية‬
‫حماد أطما ص‬
‫ش‬ ‫من الطرفين‪ ،‬حيث نجد أن لبنى‬ ‫م‬
‫تستهدف أطراصفا من دولة المرابطين‪ ,‬كما نجد أن المعارضين‬
‫ال من يد مللسيين للمرابطين اسإتقرسوا فى حماية بنى حمشاد‪ ،‬إل أن‬
‫تميزت بالحكمة وبعد‬ ‫حماد ش‬
‫ش‬ ‫سإياسإة المير يوسإف مع بنى‬
‫النظر‪ ,‬والبتعاد عن الصدام‪ ,‬مراعصيا فى ذلك أموصرا عديدة‪:‬‬
‫منها قرابتهم‪ ,‬واتحادهإم فى المنهج والمعتقد والمذهإب‪.‬‬
‫كانت علقة المرابطين مع ملوك النصارى عدائية‪ ,‬أما‬ ‫‪-20‬‬
‫ذمة فكانت محكومة بحكم الشريعة فيهم‪ ،‬فقامت‬ ‫مع أهإل ال ي‬
‫‪202‬‬
‫على العدل والنصاف‪.‬‬
‫كانت ال من يد مللسُ مليئِّة بالشعراء والدباء والفقهاء‪ ,‬إل إن‬ ‫‪-21‬‬
‫الولء والبراء ضاع مفهومه عند كثير من ملوكهم‪.‬‬
‫اسإتطاع ال من يد مللسيون أن ليثروا دولة المرابطين بالشعراء‬ ‫‪-22‬‬
‫والدباء‪ ،‬وأن يؤيثروا فى كثير من جوانبها المعمارية والفنية‬
‫والثقافية‪.‬‬
‫الحضُارة السإلمية فى زمن دولة المرابطين امتزجت‬ ‫‪-23‬‬
‫بالعناصر الفريقية والعربية وال من يد مللسية‪ ,‬مما جعلها متميزة‬
‫فى كثير من جوانبها الحضُارية‪.‬‬
‫كان فى زمن المرابطين علماء وفقهاء ل زال أثرهإم فى‬ ‫‪-24‬‬
‫المة سإارصيا إلى يومنا هإذا‪ ,‬من أمثال الفقيه القاضى أبو بكر‬
‫دث‬‫ح ي‬‫م م‬
‫بن العربي‪ ،‬والوليد بن رشد‪ ،‬والقاضى عياض‪ ،‬وال ل‬
‫الفقيه أبو على الصدفي‪ ،‬وغيرهإم كثير‪.‬‬
‫كان النظام العسكرى والقضُائى والدارى والمالى‬ ‫‪-25‬‬
‫ص‬
‫مواكصبا لعصره‪ ,‬منضُبطا بأحكام السإلم فى دولة المرابطين‪.‬‬
‫اسإتطاع أسإطول المرابطين أن يحقق المن والمان‬ ‫‪-26‬‬
‫لمسلمى الشمال الفريقي‪ ،‬وأن ليكبيد النصارى فى جنوب‬
‫البحر المتوسإط خسائر هإائلة‪.‬‬
‫إن اهإتمام المير على بن يوسإف بالزهإد والعبادة‬ ‫‪-27‬‬
‫كلف‬
‫وتسليمه لمور الملك فى آخر أيامه للمراء خطأ عظيم ش‬
‫دولة المرابطين متاعب عظيمة‪ ،‬ومن أعظم الخطاء التى‬
‫وقع فيها المير على عدم أخذه بنصيحة وزيره الفقيه مالك‬
‫مد‬‫ح ش‬
‫م م‬
‫بن وهإيب الشبيلى الذى أشار على المير على بقتل ل‬
‫دين‪ ،‬وقال للمير‪» :‬هإذا رجل‬ ‫ح م‬
‫موم ي‬
‫بن تومرت الكذشاب زعيم ال ل‬
‫مفسد ل تؤمن غائلته‪ ،‬ول يسمع كلمه أحد إل مال إليه‪ ،‬وإن‬
‫وقع فى بلد المصامدة ثار علينا منه شر كبير«‪.‬‬
‫إل أن المير على بن يوسإف رفض قتله‪ ،‬فلما يئِّسُ مما أراد‬
‫من قتل ابن تومرت‪ ،‬أشار عليه بسجنه حتى يموت‪ ،‬فقال‬
‫أمير المسلمين‪ :‬نسجنه‪ ,‬ولم يتعين لنا عليه حق؟ وهإل‬
‫من البلد‪,‬‬‫السجن إل أخو القتل‪ ،‬ولكن نأمره يخرجُّ عنا م‬
‫وليتوجه‬
‫)‪(1‬‬
‫حيث شاء« ‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( موسإوعة المغرب العربي‪) ,‬جُّ ‪.(189-2/188‬‬
‫‪203‬‬
‫إن من أعظم أسإباب سإقوط الدول الذنوب والمعاصي‪,‬‬ ‫‪-28‬‬
‫وارتكاب الكبائر والمظالم‪.‬‬
‫فى زمن أمير المسلمين يوسإف بن تاشفين كانت‬ ‫‪-29‬‬
‫أبيمن وأهإم ما ظهر‬‫ومن ي‬
‫مقومات النصر متجسدة فى دولته‪ ،‬م‬ ‫ي‬
‫لى فى هإذا البحث من مقومات النصر من أهإمها‪ ،‬أول‪:‬ص‬
‫العداد قبل المعركة‪ ،‬ثانصيا‪ :‬معرفة قوة العدو وإمكاناته‪،‬‬
‫والتوجيه المعنوي‪ ،‬والتعمية على العدو‪ ،‬والتحام القيادة مع‬
‫الشعب‪ ،‬ومتانة العقيدة ووضوحها‪ ،‬القيادة المثلى‪ ،‬عدم‬
‫هإدين‬
‫جا م‬‫م م‬
‫القتال لدنيا‪ ،‬الحكمة فى اتخاذ القرارات‪ ،‬صفات ال ل‬
‫مهدت لهم طريق النصر‪.‬‬
‫الخلقية والروحية‪ ،‬مما ش‬
‫تمر به الدول والحركات عدم قدرتها على‬‫س‬ ‫من أخطر ما‬ ‫‪-30‬‬
‫توريث أفكارهإا ومناهإجها وعقيدتها للجيل الذى بعدهإا‪.‬‬
‫إن السإتهانة بالخصوم تؤديى إلى انهزام المستهزئ‬ ‫‪-31‬‬
‫وانتصار المستهزأ به‪.‬‬
‫كان لنفوذ المرابطين فى بلد ال من يد مللسُ أثر واضح‬ ‫‪-32‬‬
‫المعالم فى الحروب الصليبية فى الشام‪ ،‬إذ أن دخولهم‬
‫ال من يد مللسُ منع الممالك الصليبية التى كانت تتجه إلى بلد‬
‫الشام‪ ،‬بل إن ظهورهإم فى تلك المرحلة التاريخية فى‬
‫المغرب وال من يد مللسُ قد حال دون اشتراك القوى الوروبية بكل‬
‫ثقلها فى الحروب الصليبية فى الشرق‪ ،‬وبذلك قدم‬
‫المرابطون خدمات عظيمة وجليلة للشرق السإلمي)‪.(1‬‬
‫دا‬
‫مقص ص‬ ‫كانت حضُارة المرابطين فى ال من يد مللسُ والمغرب‬ ‫‪-33‬‬
‫ل‬ ‫م‬
‫من الوروبيين الذين توالوا وتوافدوا على الأن يد ملسُ‬ ‫لبناء العلم م‬
‫لتلقى العلوم والصناعات‪ ،‬بل إن بعض ملوكهم أرسإل بعثات‬
‫لدراسإة نظام الدولة والحكم وآداب السلوك‪ ،‬وكل ما يؤدى‬
‫إلى سإير المور فى الدولة‪ ,‬والسير بها فى مضُمار الحضُارة‬
‫والتقدم‪.‬‬
‫تركت دولة المرابطين التى لم يصل عمرهإا الزمنى إلى‬ ‫‪-34‬‬
‫مائة عام‪ ,‬وهإى فترة قصيرة فى عمر الدول‪ ,‬آثاصرا واضحة‬
‫جلية فى جميع المجالت‪ ,‬بل إن تلك المآثر الحضُارية تعدشت‬
‫من العالم السإلمي‪.‬‬ ‫حدود دولة المرابطين إلى أرجاء أخرى م‬
‫دين وانقضُاضها بعنف على دولة‬ ‫ح م‬
‫موم ي‬
‫إن ظهور دولة ال ل‬ ‫‪-35‬‬
‫تسبب فى ضعف النواحى الحضُارية والثقافية‬ ‫ش‬ ‫المرابطين‬
‫‪1‬‬
‫)( المصدر السابق نفسه‪.‬‬
‫‪204‬‬
‫ما‪ ،‬وفتحت مجال ص‬ ‫والسياسإية والعسكرية عند المغاربة عمو ص‬
‫ل‬ ‫م‬
‫لملوك النصارى للقضُاء على السإلم فى الن يد ملسُ فيما بعد‪.‬‬
‫إن للفراد آجال ص محدودة‪ ،‬وكذلك لكل دولة أجل محدود‪,‬‬ ‫‪-36‬‬
‫فإذا جاء أجلها ل تستأخر ول تستقدم‪.‬‬
‫سإنة الله جارية فى إعزاز من يشاء وإذلل من يشاء‪،‬‬ ‫‪-37‬‬
‫من يشاء وإعطائه لمن يشاء‪.‬‬‫م ش‬
‫ونزع الملك م‬
‫***‬

‫‪205‬‬
‫الفهرس‬
‫الموضوع‬
‫الصفحة‬
‫الهإداء ‪3.................................................................‬‬
‫المقدمة ‪5................................................................‬‬
‫الفصل الول‬
‫بناء دولة المرابطين‬
‫المبحث الول‪ :‬الجذور التاريخيية للمرابطين‪9.....................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬المير يحيى بن إبراهإيم )الزعيم السياسإي( ‪15.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬أبو عمران الفاسإي )مهندس الخطوط العريضُة لدولة‬
‫المرابطين( ‪18.............................................................‬‬
‫عيم الدينى لدولة المرابطين عبد الله بن‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬الشز م‬
‫ياسإين ‪21...................................................................‬‬
‫المبحث الخامسُ‪ :‬المراحل التى مر بها ابن ياسإين لبناء الدولة‬
‫‪36‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬مرحلة الشتمكين والتوسإع والقائد الرباني يوسإف‬
‫بن تاشفين ‪59.............................................................‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫المرابطون ودفاعاتهم عن مسلمى ال من يد مللسُ‬
‫تمهيد ‪66................................................................. :‬‬
‫المبحث الول‪ :‬الصراع بين ط لل مي يط مملة وقليرط لمبة ‪68....................‬‬
‫سملمين فى ال من يد مللسُ وقوة‬ ‫م ي‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬أسإباب ضعف ال ل‬
‫النصارى ‪72................................................................‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬العالم فى زمن ظهور دولة المرابطين‪80.......‬‬
‫مع المرابطين‬ ‫جت م م‬
‫م ي‬
‫ر الحكم بما أنزل الله على ل‬ ‫المبحث الرابع‪ :‬أثم ل‬
‫‪100‬‬
‫المبحث الخامسُ‪ :‬ال من يد مللسُ بعد الزلقة‪108...........................‬‬
‫الموضوع‬
‫‪206‬‬
‫الصفحة‬
‫المبحث السادس‪ :‬فتاوى فى جواز ضم ال من يد مللسُ بالقوة والقضُاء على‬
‫ملوك الطوائف ‪112...............................................................‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬العبور الثالث للمير يوسإف بن تاشفين للندلسُ‬
‫‪117..........................................................................‬‬
‫المبحث الثامن‪ :‬الجواز الرابع للمير يوسإف في الندلسُ‪123.....‬‬
‫المبحث التاسإع‪ :‬آثار البتعاد عن تحكيم شرع الله على ملوك‬
‫الطوائف ‪125...............................................................‬‬
‫الفصل الثالث‬
‫داخلشية والخامرجشية فى دولة المرابطين‬ ‫السياسإة ال ش‬
‫المبحث الول‪ :‬حقوق الرعية فى دولة المرابطين‪128.............‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬موقف الرعية فى دولة المرابطين‪133............‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬موقف المرابطين من الخلفة العباسإية‪137......‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬علقة المير يوسإف مع بنى حماد‪144..............‬‬
‫المبحث الخامسُ‪ :‬علقة المرابطين مع ملوك الطوائف‪145......‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬علقة المرابطين مع السإبان النصارى‪147....‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫سإياسإة المرابطين فى دولتهم المجيدة‬
‫الول‪ :‬نظم الحكم والدارة في دولة المرابطين‪149.....‬‬ ‫المبحث‬
‫الثاني‪ :‬النظام القضُائي في دولة المرابطين‪160.........‬‬ ‫المبحث‬
‫الثالث‪ :‬النظم العسكرية‪165.................................‬‬ ‫المبحث‬
‫الرابع‪ :‬النظام المالي في عصر المرابطين‪182...........‬‬ ‫المبحث‬
‫الفصل الخامسُ‬
‫أهإم أعمال دولة المرابطين الحضُارية‬
‫المبحث الول‪ :‬الثار المعمارية فى المغرب وال من يد مللسُ‪183........‬‬
‫مشية فى دولة المرابطين‪186. .‬‬ ‫المبحث الثاني‪ :‬الحياة الدبية والمعل م‬
‫الموضوع‬
‫الصفحة‬
‫المبحث الثالث‪ :‬من مشاهإير علماء دولة المرابطين‪191...........‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬علوم اللغة فى زمن المرابطين‪205................‬‬
‫المبحث الخامسُ‪ :‬علوم الشتامريخ والجغرافيا في عصر المرابطين‬
‫‪206‬‬
‫‪207‬‬
‫المبحث السادس‪ :‬علوم الطب فى عصر المرابطين‪208..........‬‬
‫المبحث السابع‪ :‬أسإباب سإقوط دولة المرابطين‪210...............‬‬
‫نتائج اًلبحث ‪213..............................................................‬‬
‫الفهرس ‪221................................................................‬‬

‫***‬

‫‪208‬‬

You might also like