You are on page 1of 8

‫أب‬

‫شرح المنهاج من ميراث‬

‫ت‬
‫النبوة‬
‫الشيخ‪ /‬أحمد بن يوسف السيد‬

‫‪12‬‬

‫إعداد‪ /‬محمود السيد‬


‫الباب الثاني عشر‬
‫“المسؤولية العامة تجاه اإلسالم والمسلمين”‬

‫مقدمة ‪:‬‬
‫كثيرًا ما يتم التزهيد والتقليل من باب نصرة اإلسالم والمسلمين ومن‬
‫شأن مسؤولية الفرد تجاه المستضعفين من المسلمين وسبب ذلك ‪:‬‬
‫‪ -1‬إعتبار الناس أنها موضوع عصري مستحدث‪.‬‬
‫‪ -2‬الظن بأنها ليست من هدي السلف‪.‬‬
‫‪ -3‬الظن بأنها ليست من أصول العقيدة‪.‬‬

‫أهتمام المسلم بقضايا اإلسالم والمسلمين هي من صميم العقيدة‬


‫التي نص عليها الكتاب والسنة‪.‬‬
‫نصرة اإلسالم والمسلمين تتم بمفهوم الوالء والبراء‪ ،‬وهي من أصول‬
‫العقيدة‪.‬‬
‫الوالء ‪ :‬يدخل فيه قضايا األمة اإلسالمية لنصرة المسلمين‪ ،‬واالرتباط‬
‫والتعاون بين المسلمين‪.‬‬
‫البراء ‪ :‬يدخل فيه التبرء من الفرق الضالة والمنافقين والكفار‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫بيان اآليات المتعلقة بالباب ‪:‬‬
‫اآلية األولى ‪:‬‬
‫(َو َم ا َل ُك ْم اَل ُتَق اِت ُلوَن ِف ي َس ِب يِل ِهَّللا َو اْل ُم ْس َتْض َع ِف يَن ِم َن الِّرَج اِل َو الِّنَس اِء‬
‫َو اْل ِو ْل َداِن اَّلِذيَن َي ُق وُلوَن َرَّبَن ا َأْخ ِرْج َن ا ِم ْن َٰه ِذِه اْلَق ْرَيِة الَّظ اِل ِم َأْه ُلَه ا َو اْج َع ل َّلَن ا‬
‫ِم ن َّلُدنَك َو ِل ًّيا َو اْج َع ل َّلَن ا ِم ن َّلُدنَك َن ِص يًرا)‪( .‬النساء ‪.)75 :‬‬

‫هذه اآلية تؤسس ألهمية العمل في سبيل المستضعفين من المؤمنين‪.‬‬


‫من يهتم ألمر المستضعفين منالمؤمنين فهو مهتم بما أكد هللا عليه‬
‫في كتابه‪.‬‬
‫من الغايات التي ينظر إليها المؤمن وهو يعمل ‪ :‬العمل في سبيل‬
‫المستضعفين من المؤمنين‪.‬‬
‫يقول السعدي في التفسير ‪( :‬فصار جهادكم على هذا الوجه من باب‬
‫القتال والذب عن عيالتكم وأوالدكم ومحارمكم‪ ،‬ال من باب الجهاد الذي‬
‫هو الطمع في الكفار‪ ،‬فإنه وإن كان فيه فضل عظيم ويالم المتخلف عنه‬
‫أعظم اللوم‪ ،‬فالجهاد الذي فيه استنقاذ المستضعفين منكم أعظم أجًرا‬
‫وأكبر فائدة‪ ،‬بحيث يكون من باب دفع األعداء)‪.‬‬

‫اآلية الثانية ‪:‬‬


‫َأ‬ ‫َأ‬
‫ِهَّللا‬ ‫(ِإَّن اَّلِذيَن آَم ُنوا َو َه اَج ُروا َو َج اَه ُدوا ِب ْم َو اِل ِه ْم َو نُف ِس ِه ْم ِف ي َس ِب يِل‬
‫ُيَه اِج ُروا‬ ‫َو اَّلِذيَن آَو وا َّو َن َص ُروا ُأوَٰل ِئ َك َبْع ُض ُه ْم َأْو ِل َياُء َبْع ٍض ۚ َو اَّلِذيَن آَم ُنوا َو َل ْم‬
‫ُك‬ ‫َش‬ ‫ُك‬
‫َم ا َل م ِّم ن َو اَل َيِتِه م ِّم ن ْي ٍء َح َّتٰى ُيَه اِج ُرواۚ َو ِإِن اْس َت نَص ُرو ْم ِف ي الِّديِن‬
‫َف َع َل ْي ُك ُم الَّنْص ُر ِإاَّل َع َل ٰى َق ْو ٍم َبْي َن ُك ْم َو َبْي َن ُه م ِّم يَث اٌق ۗ َو ُهَّللا ِب َم ا َت ْع َم ُلوَن َبِص يٌر)‪.‬‬
‫(األنفال ‪.)72 :‬‬

‫تبين اآلية معنى من معاني الوالء وهو نصرة المسلمين‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫ذكر في اآلية ثالث فئات من المؤمنين ‪:‬‬
‫الفئة األولى ‪ِ( :‬إَّن اَّلِذيَن آَم ُنوا َو َه اَج ُروا َو َج اَه ُدوا ِب َأْم َو اِل ِه ْم َو َأنُف ِس ِه ْم ِف ي‬
‫َس ِب يِل ِهَّللا) ‪ :‬المهاجرون‪.‬‬
‫الفئة الثانية ‪َ( :‬و اَّلِذيَن آَو وا َّو َن َص ُروا) ‪ :‬األنصار‪.‬‬
‫الفئة الثالثة ‪َ( :‬و اَّلِذيَن آَم ُنوا َو َل ْم ُيَه اِج ُروا) ‪ :‬الذين أمنوا ولم يهاجروا‪.‬‬

‫أسس هللا سبحانه وتعالى عقد الوالء بين المؤمنين فكتب على الفئتين‬
‫األولى والثانية الوالء التام الكامل بينهم (ُأوَٰل ِئ َك َبْع ُض ُه ْم َأْو ِل َياُء َبْع ٍض )؛‬
‫أما الفئة الثالثة التي آمنت وبقيت في بالد الكفر ولم تهاجر فكتب لهم‬
‫الوالء ولكن بدرجة أقل وذلك لتخلفهم عن الهجرة (َو ِإِن اْس َت نَص ُروُك ْم ِف ي‬
‫الِّديِن َف َع َل ْي ُك ُم الَّنْص ُر)‪.‬‬

‫اآلية الثالثة والرابعة ‪:‬‬


‫(َك اُنوا اَل َي َتَن اَه ْو َن َع ن ُّم نَك ٍر َف َع ُلوُه )‪( .‬المائدة ‪.)79 :‬‬

‫َت ْأُم ُروَن ِب اْل َم ْع ُروِف َو َتْن َه ْو َن َع ِن اْل ُم نَك ِر)‪.‬‬ ‫(ُك نُتْم َخ ْيَر ُأَّم ٍة ُأْخ ِرَج ْت ِل لَّناِس‬
‫(آل عمران ‪.)110 :‬‬

‫تبين اآلية معنى آخر من المسؤولية وهو األمر بالمعروف والنهي عن‬
‫المنكر‪.‬‬
‫من صور إنكار المنكر ‪ :‬رفع الظلم عن المسلمين‪.‬‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر سمة من سمات األمة اإلسالمية‪.‬‬
‫واحدة من الصور التي يظهر فيها خلل ‪ :‬حصر المسؤولية العامة تجاه‬
‫اإلسالم والمسلمين في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقط وترك‬
‫قضية الوالء والبراء‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫بيان األحاديث المتعلقة بالباب ‪:‬‬
‫الحديث األول ‪:‬‬
‫عن النعمان بن بشير رضي هللا عنهما عن النبي ﷺ قال ‪َ( :‬م َث ُل القاِئِم عَل ى‬
‫ُحُدوِد ِهَّللا والواِق ِع فيها‪َ ،‬ك َم َث ِل َق ْو ٍم اْس َت َه ُم وا عَل ى َس ِف يَن ٍة ‪ ،‬فأصاَب‬
‫َبْع ُض ُه ْم أْع الها وَبْع ُض ُه ْم أْس َف َل ها‪َ ،‬ف كاَن اَّلِذيَن في أْس َف ِلها إذا اْس َتَق ْو ا‬
‫ِم َن الماِء َم ُّروا عَل ى َم ن َف ْو َق ُه ْم ‪ ،‬فقالوا‪ :‬لو أَّنا َخ َر ْق نا في َن ِص يِب نا َخ ْر ًق ا وَل ْم‬
‫ُنْؤ ِذ َم ن َف ْو َق نا‪ ،‬فإْن َي ْت ُرُك وُه ْم وما أراُدوا َه َل ُك وا َج ِم يًع ا‪ ،‬وإْن أَخ ُذوا عَل ى‬
‫أْيِديِه ْم َن َج ْو ا‪ ،‬وَن َج ْو ا َج ِم يًع ا)‪ .‬أخرجه البخاري‪.‬‬

‫يبين الحديث وجوه فضل األمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام‬


‫على حدود هللا‪.‬‬
‫كلما كثرة وجوه فضل وشرف العمل الصالح‪ ،‬زادت أهميته في الدين‪.‬‬

‫من وجوه فضل األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪:‬‬


‫‪ -1‬أنه سمة من سمات أمة اإلسالم‪.‬‬
‫‪ -2‬سبب للنجاة العامة للمجتمع كامًال من العذاب‪.‬‬
‫‪ -3‬سبب للنجاة الخاصة لآلمرين بالمعروف والناهين عن المنكر‪.‬‬

‫إنكار المنكر غير محصور فقط في النهي عن المجون واإلنحالل األخالقي‪،‬‬


‫وإنما من المنكرات الكبرى التي هي سبب للعذاب العام ‪ :‬وجود الظلم‬
‫بدون إنكار‪.‬‬
‫يشير الحديث ايضًا إلى قضية األخذ على اليد‪.‬‬
‫أحيانًا تحتاج أن تأخذ على يد المنغمس في شهواته حتى ال تغرق األمة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫الحديث الثاني ‪:‬‬
‫عن أبي سعيد الخدري رضي هللا عنه قال ‪ :‬سمعت رسول هللا ﷺ يقول ‪:‬‬
‫(َم ن َر َأى ِم نُك م ُم ْن َك ًرا َف ْل ُيَغ ِّيْرُه بَيِدِه ‪ ،‬فإْن َل ْم َيْس َت ِط ْع َف ِب ِلساِنِه ‪ ،‬فإْن َل ْم‬
‫َيْس َت ِط ْع َف ِب َق ْل ِب ِه ‪ ،‬وذلَك أْض َع ُف اإليماِن )‪ .‬أخرجه مسلم‪.‬‬

‫من وجوه تأكيد أهمية األمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو أمر النبي‬
‫ﷺ بتغيير المنكر‪.‬‬
‫وتغيير المنكر يحتاج إلى معرفة ما جاء وصفة بالشريعة أنه منكر‪ ،‬وهذا‬
‫باب يتطلب التفقه في كتاب هللا وفي سنة رسول هللا‪.‬‬

‫هناك طريقتان إلكتساب فقه األمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪:‬‬


‫‪ -1‬طريقة عامة شمولية غير مباشر ‪ :‬وهي التفقه في هدي األنبياء‬
‫والمرسلين في الدعوة إلى هللا وخاصة في سيرة النبي ﷺ‪.‬‬
‫فكلما كان المسلم بسيرة األنبياء أفقه كان أحرى به أن يصيب الحق في‬
‫األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫‪ -2‬طريقة مباشرة ‪ :‬وهي دراسة كتابات العلماء ومؤلفاتهم المباشرة‬
‫في هذه القضية‪.‬‬

‫من نقط التفقه في الحديث ‪ :‬أنه ليس المطلوب في كل األزمان أن‬


‫يفعلوا الناس نفس المستوى في األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪،‬‬
‫وإنما هذا يكون بحسب االستطاعة‪ ،‬والحد األدنى هو اإلنكار بالقلب‪.‬‬

‫الحديث الثالث‪:‬‬
‫عن أبي بكر الصديق رضي هللا عنه ‪َ ،‬ق اَل ‪َ :‬يا َأُّيَه ا الَّناُس ِإَّنُك ْم َتْق َر ُء وَن َه ِذِه‬
‫اآْل َي َة ‪َ { :‬يا َأُّيَه ا اَّلِذيَن آَم ُنوا َع َل ْي ُك ْم َأْنُف َس ُك ْم اَل َي ُض ُّرُك ْم َم ْن َض َّل ِإَذ ا اْه َت َدْي ُتْم }‬
‫‪َ ،‬و ِإِّني َس ِم ْع ُت َرُس وَل ِهَّللا ﷺ َي ُق وُل ‪ِ( :‬إَّن الَّناَس ِإَذ ا َر َأُو ا الَّظ اِل َم َف َل ْم‬
‫َي ْأُخُذوا َع َل ى َيَدْيِه ‪َ ،‬أْو َش َك َأْن َيُع َّم ُه ُم ُهَّللا ِب ِع َق اِب ِه )‪.‬أخرجه أحمد في مسنده‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫يشير الحديث إلى قضية العقاب وخطورة ترك الفساد والمنكر والظلم بال‬
‫نكير‪.‬‬
‫من أسباب العقاب اإللهي العام الذي ينزل على الناس ترك الظالم يظلم‬
‫دون أن يكون هناك نكير‪.‬‬
‫والعقاب اإللهي العام ليس بالضرورة أن يكون صاعقة أو خسف وإنما‬
‫من الممكن أن يكون بزوال األمن أو تقلب الحال أو تسلط األعداء‪.‬‬
‫من األمور المهمة التي فيها اقتداء بأبي بكر الصديق رضي هللا عنه هو‬
‫فك االلتباس وتوضيح المقصود في قضايا الدين‪.‬‬

‫من فوائد الحديث ‪:‬‬


‫‪ -1‬تأكيد أهمية األمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأنه سبب للنجاة من‬
‫العذاب العام‪.‬‬
‫‪ -2‬أن الظلم هو من أولى ما يدخل تحت اسم المنكر الذي ينبغي أن ينكر‪.‬‬

‫الحديث الرابع ‪:‬‬


‫عن زينب بنت جحش رضي هللا عنها قالت ‪ :‬اْس َت ْي َق َظ النبُّي ﷺ ِم َن الَّنْو ِم‬
‫ُم ْح َم ًّرا وْج ُه ُه يقوُل ‪( :‬ال إَل َه إاَّل ُهَّللا‪ ،‬وْي ٌل ِل ْل َع َر ِب ِم ن َش ٍّر َق ِد اْق َت َرَب ‪ُ ،‬ف ِتَح‬
‫اليوَم ِم ن َرْدِم َي ْأُجوَج وَم ْأُجوَج ِم ْث ُل هِذه ‪-‬وَع َق َد ُس ْف َياُن ِتْس ِع يَن أْو ِم َئ ًة ‪-‬‬
‫قيَل ‪ :‬أَن ْه ِل ُك وفيَن ا الَّص اِل ُحوَن ؟ قاَل ‪َ :‬ن َع ْم ‪ ،‬إَذ ا َك ُثَر الَخ َب ُث )‪ .‬أخرجه البخاري‬
‫ومسلم‪.‬‬

‫يبين الحديث خوف النبي ﷺ على أمته من تسلط األعداء عليها إذا هم‬
‫تركوا األمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪.‬‬
‫من أهم ما ينبغي أن يستفز الصالحين هو كثرة الخبث ألنه سبب لوقوع‬
‫العذاب‪ ،‬وأن وجود الصالحين ليس سببًا لدفع الهالك مادام الخبث موجود‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫الحديث الخامس ‪:‬‬
‫عن النعمان بن بشير رضي هللا عنهما قال ‪ :‬قال رسول هللا ﷺ ‪( :‬مثُل‬
‫المؤمنين في َت واِّدهم ‪ ،‬وَت َراُحِم ِه م ‪ ،‬وتعاُط ِف ِه ْم ‪ .‬مثُل الجَس ِد إذا اشتَك ى‬
‫مْن ُه عضٌو تَداَع ى َل ُه ساِئُر الجَس ِد بالَّس َه ِر واْل ُحَّم ى)‪ .‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬

‫هذا من األحاديث التي تؤسس لمسئولية الفرد المسلم للعمل لإلسالم‬


‫ولنصرة المسلمين وللتعاطف مع قضاياهم‪.‬‬
‫أساس التعاطف والترابط بين المسلمين هو األخوة اإليمانية وهي‬
‫مقدمة على أي ترابط‪.‬‬
‫تشبيه النبي ﷺ حال المؤمنين بالجسد الواحد هو تأسيس لعقد المواالة‬
‫والمحبة والتعاطف بين المؤمنين‪.‬‬
‫من المنكرات الكبيرة الموجودة في هذا الزمن هو أن قضية األخوة‬
‫اإليمانية ونصرة المسلمين أصبحت ُتحارب وُيقدم عليها مفاهيم أخرى‪.‬‬
‫لذلك من أولويات اإلصالح الكبرى في هذه المرحلة ‪ :‬المحافظة على مبدأ‬
‫األخوة اإليمانية‪ ،‬والمحافظة على مبدأ الوالء للمؤمنين‪ ،‬وعدم االستسالم‬
‫لهذه الحرب التي يشَّو ه بها مفهوم األخوة اإليمانية‪.‬‬
‫من أصول العقيدة اإلسالمية الصحيحة الموافقة لكتاب هللا ولسنة‬
‫رسول هللا ﷺ وللقرون المفضلة؛ تأسيس الوالء بين المؤمنين والتعاطف‬
‫بينهم والتناصر بينهم والتراحم فيما بينهم‪.‬‬

‫“الحمد لله”‬

‫إعداد‪ /‬محمود السيد‬


‫‪7‬‬

You might also like