You are on page 1of 1

‫الشرق الذي ما زال مسجونا ً في قلعة عكا‬

‫محمد الساعد‬

‫الحياة‪ ،‬األربعاء ‪ ١٤‬كانون الثاني ‪٢٠١٥‬‬

‫ما زلت أتذكر إل‪ F‬اليوم دعاء خطيب مسجدنا‪ ،‬ونحن صغار‪ ،‬وهو يدعو عل‪ F‬الغرب »الكافر«‪ ،‬مثله مثل معظم خطباء‬
‫ويجمد‬
‫ِّ‬ ‫املساجد في العالم اإلسالمي‪ ،‬بأن يزلزل اهلل األرض من تحت أقدامهم‪ ،‬وأن يشتت شملهم‪ ،‬ويفرق جمعهم‪،‬‬
‫الدماء في عروقهم‪ ،‬وييتِّم أطفالهم‪ ،‬ويجعل نساءهم سبايا لنا‪.‬‬
‫إنها الثقافة التي ترب‪ F‬عليها الشرق كله‪ ،‬ال نقول إنها املوروث اإلسالمي الحقيقي‪ ،‬لكنه الفكر السائد حاليا ً من جزر‬
‫مينداناو‪ ،‬في الفيليبني شرقا ً وحت‪ F‬بوكو حرام جنوب القارة األفريقية‪.‬‬
‫إنه فكر الحروب مع التتار وما تالها من حروب صليبية ومقاومتها عل‪ F‬أيدي ابن تيمية في القرن السابع امليالدي‪ ،‬إنها‬
‫طريق اآلالم الذي لم نستطع االنعتاق منه حت‪ F‬اليوم‪ ،‬عل‪ F‬رغم أن تلك الحروب انتهت وانتهت أقوامها‪ ،‬إال أننا ال نزال‬
‫محبوسني في قلعة »عكا« مكبَّلني فيها حت‪ F‬اليوم‪.‬‬
‫يجب أن يعرف الفرنسيون ومن وراءهم من األمة الغربية كلها‪ ،‬أننا وهم أمتان ال تتقابالن أبداً‪ ،‬أمتان تسيران في‬
‫طريقني مختلفني تماماً‪ ،‬هم يذهبون إل‪ F‬املستقبل ونحن نذهب إل‪ F‬املاضي‪ ،‬هم ينسون‪ ،‬ونحن ال ننس‪ ،F‬هم يطلبون‬
‫الحياة‪ ،‬ونحن نستدعي املوت واملاضي بكل مآسيه‪.‬‬
‫أما ملاذا؟ فألننا مختطَفون من جماعات التطرف واإلرهاب التي تعيث في شرقنا العربي منذ فرقة الحشاشني وحت‪F‬‬
‫جمدوا حياة البشر والحجر منذ توقف املدارس الدينية عن االجتهاد‪ ،‬واعتبار أن‬ ‫تنظيم داعش اليوم‪ ،‬ومرتَهنون لفقهاء َّ‬
‫ال اجتهاد مع ما قاله مفتون لم تتعد معيشتهم بضع قرى تحيط بهم‪.‬‬
‫ال شك أن هناك َم ْن يفكر بل يؤمن أنهم ‪-‬أي الغرب‪ -‬يجب أن يدفعوا ثمن جرائم أجدادهم‪ ،‬وتحميلهم ِوزْر ذلك التدافع‬
‫والحروب التي حصلت بني أجدادهم وأجدادنا قبل مئات السنني‪ ،‬وفي الوقت نفسه عل‪ F‬الغرب أن يتسامح مع ما‬
‫يظنونها حروب العثمانيني في ألبانيا والبوسنة والهرسك ضدهم‪ ،‬وغيرها من تلك الصدامات العنيفة التي نتجت منها‪.‬‬
‫السؤال املهم اليوم‪ :‬هل للعرب مقام في أوروبا بعد كل هذا الفراق الفكري الذي حدث مع الغرب منذ إرهاب »الـ‪ 11‬من‬
‫يوجه هنا للفرنسيني ومن بعدهم كل بالد الفرنجة‪ ،‬من ال يؤمن بثقافتكم‬ ‫سبتمبر« وحت‪ F‬إرهاب باريس األمس؟ الجواب َّ‬
‫وال ينصهر معها ال يصلح لكم‪ ،‬وأنتم ال تصلحون لهم‪ .‬نعم تلك هي الحقيقة‪.‬‬
‫ولذلك فإنني أدعوكم ألن تعيدوا لنا أبناءنا من ماليني العرب واملسلمني الذين آويتموهم وحميتموهم وصرفتم عليهم‬
‫وفتحتم لهم املدارس واملستشفيات واملالجئ واملساجد‪ ،‬واعتبرتموهم مواطنني غربيني لهم الحقوق واالمتيازات نفسها‬
‫التي تؤدونها ألبنائكم‪ ،‬ويعيشون معكم تحت سقف العدالة وجودة الحياة ذاتها‪.‬‬
‫أعيدوهم إل‪ F‬بلدانهم األصلية؛ فهي أول‪ F‬بهم وبأجنداتهم؛ فحكامهم ودولهم أعرف بالتعامل معهم منكم‪ .‬من يحلم‬
‫بالخالفة أرسلوه إل‪» F‬داعش«‪ ،‬ومن يريد تطبيق تعاليمه في فرنسا وأملانيا وإنكلترا وإيطاليا‪ ،‬أرسلوه إل‪ F‬بلده‬
‫األصلي ليطالب حكوماته بتطبيق أحالمه فيها‪.‬‬
‫ما سبق كان وصفا ً لواقع الحال في العالقة امللتبسة بني غرب منطلق بسرعة الصاروخ‪ ،‬بن‪ F‬قيمه ومض‪ F‬في طريقه‪،‬‬
‫وشرق ال يزال متعثرا ً يختبر قيمه الخاصة املختنقة بقراءة خاطئة للنصوص ونظرة حادة لآل َ‬
‫خر ‪.‬‬
‫وال حل لالثنني إال باعتراف الشرق بأنه ليس وصيا ً عل‪ F‬قيم الغرب‪ ،‬وأن يتواضع الغرب في أحالمه بتغيير الشرق نحو‬
‫قيمه‪ .‬ما يطمئن االثنان أنهما يعيشان في عاملني مختلفني متضادين‪ ،‬وإن كانا فوق األرض نفسها وتحت السماء‬
‫عينها‪.‬‬

You might also like