You are on page 1of 112

‫الف�صل الأول‪:‬‬

‫تلك هي فاطمة الزهراء‬


‫مخرجات الف�صل الأول‪:‬‬

‫من كتاب الله وأقوال رسول الله‬ ‫‪ - 1‬يعدد فضائل الزهراء‬


‫‪ - 2‬يذكر أبرز ستة محطات تاريخية من حياة الزهراء‬
‫‪ - 3‬يعلل استخدام املفسدين يف األرض للمرأة كوسيلة لإلفساد‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫من إغضاب الزهراء فاطمة‬ ‫يفس تحذير الرسول‬‫‪ِّ - 4‬‬
‫‪ - 5‬يقدم الحلول ملشكلة املغاالة يف املهور‪.‬‬
‫‪ - 6‬يقدم الزهراء كأمنوذ ٍج راقٍ وقدو ٍة حسن ٍة للمرأة املعارصة‪.‬‬
‫‪ - 7‬يصمـم نظامـا اجتامعيـا راقيـا يف العالقـة بين الـزوج والزوجـة مـن خلال مـا‬
‫كانـت عليـه الزهـراء وزوجهـا ‪.‬‬
‫يف تربية األوالد‪.‬‬ ‫‪ - 8‬يرتجم عمليا وبالتقنيات الحديثة أسلوب فاطمة‬
‫‪ - 9‬يقدر أهمية اكتساب الفتاة للعلم النافع ويشارك يف دفعها لذلك‪.‬‬
‫‪ - 10‬يعتز مبشاركة املرأة للرجل يف املحطات الجهادية املعارصة‪.‬‬
‫‪ - 11‬يرفض التفاخر والتكاثر واملباهاة يف األعراس‪.‬‬
‫‪ - 12‬يطبِّق عىل أهله آداب الوالدة والعقيقة‪.‬‬
‫‪ - 13‬يق ِّدم ثالث نصائح لألزواج تساعد عىل استقرار الحياة الزوجية‪.‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫المقدمة‬
‫وصـل اللهـم وسـلِّم علـى سـيدنا‬ ‫الحمـد للـه وسلام علـى عبـاده الذيـن اصطفـى‪ِّ ،‬‬
‫وارض اللهم عن الراشـدين من أصحـاب نبيك والتابعين‬ ‫محمـد وعلـى آلـه الطاهرين‪َ ،‬‬
‫لـه بإحسـان إلى يـوم الديـن‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫قرناء القـرآن‪ ،‬يشـرحون أحكامـه‪ ،‬ويُب ِّينون‬ ‫جعـل اللـه أهـل بيت رسـول اللـه‬
‫ُ‬
‫رسـول اللـه في أمتـه أمانًا‬ ‫ويجسـدون توجيهاتـه فـي الواقـع العملـي‪ ،‬وخلَّفهـم‬ ‫هديَـه‪ِّ ،‬‬
‫تصحيح مسـارها ي َّم َمت ِوجهتها‬
‫َ‬ ‫مـن الضلال‪ ،‬وعصمة من االنحلال‪ ،‬وإذا أرادت األمة‬
‫نحوهـم التخاذهـم قـدوة حسـنة‪ ،‬تص ِّحح مـن خاللهم أخطاءهـا‪ ،‬وت َمي ُر مـن هديِهم ما‬
‫يقيم أ َو َد مسـارِها‪.‬‬
‫ومـا يمارسـه عالَـم اليوم المسـتكبِر مـن همجي ٍة رعناء ضد البشـرية المسـتض َعفة‪ ،‬وما‬
‫نـراه مـن اسـتطالة أنظمـة الشـر علـى المسـلمين‪ ،‬بل وعلـى ما بقـي من خير في شـعوب‬
‫اإلنسـانية بالمسـخ واالنحـراف واالضطهـاد واالسـتغالل خـارج سـياق الفطـرة فإنـه يحتِّـم‬
‫علـى شـعوبنا أن تعـود ألصولها األولـى‪ ،‬ومصادرها الصحيحة‪ ،‬وقدواتهـا اإليمانية العالمية‪.‬‬
‫ولعـل أكبـ َر مثـا ٍل صـار ٍخ تتبختـر فيـه هـذه الحضـارة الماديـة قبحـا وإجراما ضد‬
‫اإلنسـانية‪ ،‬هـو هـذا العـدوان السـعودي األمريكـي الصهيونـي الجاهلـي ضـد شـعبنا‪،‬‬
‫والـذي مـن ضمـن مـا يسـتهدفه بدرجة أساسـية المـرأة‪ ،‬إما بالقتـل المتع َّمـد‪ ،‬واإلبادة‬
‫قيم المـرأة ومبادئهـا وأخالقها‬ ‫تجفيـف ِ‬
‫َ‬ ‫المقصـودة‪ ،‬أو بالحـرب الناعمـة التـي تحـاول‬
‫وشـيم مغايِـر ٍة ومخالفـ ٍة لإلسلام؛ لكي‬ ‫ٍ‬ ‫وشـيمها المحا ِفظـة واسـتبدالها ٍ‬
‫بقيـم وأخلاقٍ‬
‫مات متينـة فيها‪.‬‬ ‫يسـ ُه َل لهـم اقتيـا ُد المجتمعـات واحتوا ُؤهـا‪ ،‬وتغييـ ُر مـا بقي مـن مق ِّو ٍ‬
‫سلاح الحـرب الناعمـة مـن قبـل أن يشـنوا‬ ‫َ‬ ‫اسـتخدم أعـدا ُء األمـة وأعـدا ُء شـعبنا‬
‫عدوانهـم الوحشـي الجبـان علـى بلدنـا؛ لغـزو العقـول واألدمغـة‪ ،‬واحتوائهـا ضمـن‬
‫الشـعوب إلى البالهة واالسـتحمار‪،‬‬
‫َ‬ ‫منظومـات قيميـة وأخالقية تقتاد في نهاية المطاف‬
‫وضيا ِع الوِجهة الفاعلة والمن ِتجة‪ ،‬وبهذا يسـتطيعون االسـتمرار في مشاريعهم التمزيقية‬
‫الحـرب الناعمـ ُة جبه َة عـدوانٍ خطير‬ ‫ُ‬ ‫والتدميريـة‪ ،‬ول َّمـا شـ ُّنوا العـدوا َن ِ‬
‫الخشـن كانـت‬
‫ـك المجتمع‬ ‫تماس ِ‬ ‫ِ‬
‫وإضعـاف ُ‬ ‫أيضـا‪ ،‬يركِّـز فـي األسـاس علـى تصديع الجبهـة الداخليـة‪،‬‬
‫‪18‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫في ملحمة الصمود األسـطورية التي سـطَّرها شـعبُنا خالل أعوام العدوان على شـعبنا‪.‬‬
‫ِ‬
‫تنفيـذ‬ ‫َ‬
‫الدخـول إلـى‬ ‫منـذ وقـت مبكـر كانـت المـرأ ُة المنفـ َذ الـذي يحاولـون منـه‬
‫ِ‬
‫أغراضهـم الدنيئـة‪ ،‬مسـت ِغلِّين ومشـ ِّجعين حالـة التجهيـل التـي فُر َِض ْت عليهـا من جهة‪،‬‬
‫وحالـة االنبهـار بالغـرب والتي أصيبـت بها بعض النسـاء من جهة أخـرى‪ ،‬والالئي وإن‬
‫كُـ َّن بعـد ٍد قليـل لكـ َّن تأثي َرهن بقدر اإلمكانـات التي تحرِص المنظمات المشـبوهة على‬
‫توفيرهـا‪ ،‬فتعطيهـن مسـاحة أوسـع للتحرك السـلبي فـي المجتمع‪.‬‬
‫فـي كلمتـه بمناسـبة اليـوم العالمـي للمـرأة المؤمنـة ‪ 20‬جمـادى اآلخـرة ‪1435‬هــ‬
‫قـال السـيد عبدالملـك الحوثـي‪“ :‬اليـوم تتعـ َّرض المـرأة المسـلمة للتأثيـر باسـتهدافها‬
‫ألن تكـون متأثـرة بالمـرأة الغربيـة التـي تختلـف معهـا إلـى حـ ٍّد كبيـر فـي المبـادئ‬
‫وفـي القيـم وفـي األخلاق‪ ،‬المـرأة الغربيـة التـي كانـت إلى حـ ٍّد كبير ضحيـة‪ ،‬ضحية‬
‫لعمـل كبيـر اسـتهدفها بـدءا‪ ،‬ثـم أرادوا بهـا ومـن خاللهـا أن تكـون هي النمـوذج غير‬
‫نمـوذج ال يتوافـق ال مـع دينهـا وال مـع‬
‫ٌ‬ ‫المنسـجم وغيـر المتوا ِفـق للمـرأة المسـلمة‪،‬‬
‫أخالقهـا وال مـع مبادئهـا وال قيمهـا اإلنسـانية‪ ،‬نحـن نقـول‪ :‬إن المـرأة الغربيـة كانـت‬
‫ضحيـة‪ ،‬اسـتُ ْه ِدفت من قبـل أولئك المجرمين‪ ،‬المفسـدين في األرض الذين سـعوا إلى‬
‫االنحـراف بالمـرأة عـن دورهـا ومكانتهـا ومقامهـا وكرامتهـا‪ ،‬وع ِملـوا علـى أن يجعلوا‬
‫منهـا ألعوبـة‪ ،‬وأرخصوهـا إلـى حـ ٍّد كبيـر‪ ،‬حينمـا أرادوا أن يجعلـوا منهـا مجـرد ألعوبة‬
‫لإلغـواء واإلفسـاد ونشـر الرذيلـة والعيـاذ باللـه»‪.‬‬
‫ٌ‬
‫اسـتهداف للمرأة فـي الحالة القائمة في عالمنا اإلسلامي‪،‬‬ ‫وأضـاف قائلا‪« :‬هناك‬
‫ٌ‬
‫اسـتهداف مؤكَّ ٌد للمـرأة وللرجل جميعا‪،‬‬ ‫فـي منطقتنـا العربيـة‪ ،‬في شـعوب أمتنا‪ ،‬هناك‬
‫واالسـتهداف للمـرأة كذلـك فـي فكرهـا فـي ثقافتهـا فـي قيمها فـي أخالقهـا‪ .. ،‬تحت‬
‫التحضـر والحضـارة والرقـي‪ ،‬وهي عناويـ ُن زائفة؛ ألن إفسـاد المرأة المسـلمة‬ ‫ُّ‬ ‫عنـوان‬
‫بـأي صلـة للحضـارة‪ ،‬ال ي ُم ُّت بـأي صلة للحضـارة أبدا»‪.‬‬ ‫ـت ِّ‬
‫ال ي ُم ُّ‬
‫لقـد فضـح هـذا العـدوا ُن على اليمـن َّكل االدعاءات الغربية‪ ،‬وكشـف بشـكل ال مرية‬
‫فيـه حجـم النفـاق الغربـي تجـاه المـرأة‪ ،‬التـي ظلـوا يحكـون عـن حقوقهـا‪ ،‬ويتغنـون‬
‫بحريتهـا‪ ،‬ولكنهـم اليـوم وعلـى مـدار أعـوام عديـدة يشـنون حربـا عدوانيـة عالميـة‬
‫تسـتهدفها بالدرجـة األولـى؛ إذ هـم مـن يقـود العـدوان‪ ،‬ويـز ِّوده بالطائـرات الحديثـة‪،‬‬
‫‪19‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫وباألسـلحة المح َّرمة‪ ،‬وبالدعم السياسـي والغطاء األممي‪ ،‬وهم يعلمون أ َّن أول الضحايا‬
‫فـي هـذا البلـد هي المـرأة‪ ،‬ومع ذلـك وبينمـا يتحدثون بصخب عـن حقوقها الجنسـية‪،‬‬
‫يسـلبونها حقَّهـا الوجـودي‪ ،‬الـذي اسـتهدفته طائراتهـم وصواريخهـم وجميع أسـلحتهم‪.‬‬
‫هـذا مـا ع َّبـر عنه السـيد القائـد في رسـالته للمرأة بمناسـبة مولـد الزهـراء‪ ،‬اليوم‬
‫العالمـي للمـرأة المسـلمة فـي عـام ‪1437‬هــ؛ إذ اعتبـر هـذا العـدوان‪« :‬شـاهدا ً أيضـاً‬
‫وخـداع الغـرب فيمـا يحكيـه وي ّدعيـه عـن حقـوق المـرأة وحقـوق الطفـل‪،‬‬ ‫علـى زيـف ِ‬
‫الغـرب يحكـي عـن مظلوميـة المـرأة اليمنيـة التـي‬ ‫ُ‬ ‫ففـي مقابـل البتـرودوالر لـم ي ُع ِـد‬
‫هـي اليـوم أكبـر مظلوميـة على وجـه األرض‪ ،‬بـل إ َّن أمريـكا وبريطانيا وفرنسـا ودوالً‬
‫أخـرى هـي التـي تق ِّدم للنظام السـعودي سلاح الفتـك والتدمير بما في ذلك األسـلحة‬
‫المح َّرمـة دوليـاً‪ ،‬مثـل القنابـل العنقوديـة وغيرهـا؛ ليقتل بها أهـل اليمن نسـا ًء وأطفاالً‬
‫ورجـاالً بأبشـع صـور اإلجرام وحشـية‪.‬‬
‫بعض‬ ‫ِ‬
‫نشـاط ِ‬ ‫ِ‬
‫األخـوات اللواتـي ينظـ ْر َن بإيجابية إلى‬ ‫درس مهـ ٌم ِ‬
‫لبعـض‬ ‫وفـي هـذا ٌ‬
‫الحقائـق بمـا يفـوق َّكل‬
‫َ‬ ‫تكشـف‬ ‫المنظَّمـات أو الـدول الغربيـة؛ إن الوقائـ َع واألحـداثَ ِ‬
‫المحـاوالت الراميـة للتزييـف والخـداع؛ وبئـس مـا يفعلـه األعـداء الضالون»‪.‬‬
‫إزاء ذلـك ولـدو ِر المـرأة العظيـم فـي مسـيرة الفطـرة الراشـدة‪ ،‬وبنـاء المجتمعات‬
‫القويـة والملتزِمـة‪ ،‬التـي تنطلق من مفاهيم القـرآن الكريم الذي عـ َر َض نماذج للكمال‬
‫البشـري األنثـوي مـن خلال عدد مـن النسـاء‪ ،‬فإ َّن مـن المهـم أن تتع َّرف المـرأ ُة في‬
‫ِّكل زمـانٍ ومـكانٍ علـى سـيدة نسـاء العالـم‪ ،‬والتـي هي سـيدة نسـاء هذه األمـة‪ ،‬والتي‬
‫هـي أيضـا سـيدة نسـاء أهـل الجنـة؛ والتـي حـرِص المعتـدون الغربيـون وأدواتُهم من‬
‫األنظمـة العميلـة والمنسـاقة مـع مشـاريع الغـرب أن يحرِمـوا الشـعوب مـن التطلع إلى‬
‫الكمـاالت البشـرية مـن خالل هـذه القـدوات القرآنيـة الرائدة‪.‬‬
‫دوافع تأليف وجمع هذا املقرر‪:‬‬
‫حفزتني عد ٌد من العوامل لجمعِ وإعدا ِد هذا البحث بهذه الصورة األولية‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫• التلبيـة لحاجـة املجتمـع اليمنـي‪ ،‬وقـد جوبِهنـا مـرات كثيرة بضرورة توفير كتيِّ ٍب‬
‫يرتجـم للزهـراء ملـن يريـد التعـرف عليهـا مـن أخواتنـا وبناتنـا ال سـيام أولئـك‬
‫‪20‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫والنشـطات يف العمـل الحـريك الجهـادي‪.‬‬ ‫العاملات ِ‬


‫• التعريـف بفاطمـة الزهـراء املظلومـة قدميـا وحديثـا واملغ َّيبـة عـن واقـع القـدوة‬
‫واألسـوة‪ ،‬وتوجيه املرأة اليوم إىل االتجاه نحو سـيدة نسـاء العاملني التخاذها قدوة‬
‫حسـنة بـدال عـن البدائـل التـي تـر ِّوج لهـا الحضـارة املاديـة‪ ،‬تلـك البدائل املتَّسـخة‬
‫وسـائل اإلعلام مـن خلال النجوميـة الزائفـة‬ ‫ُ‬ ‫رسـ َختْها‬
‫واملشـ َّوهة واملنحرِفـة التـي َّ‬
‫للمغنيـات واملاجنـات والسـاقطات‪.‬‬
‫• معالجـة بعـض اإلشـكاالت الثقافيـة واألخالقيـة والروحية واالجتامعية ال سـيام تلك‬
‫التـي تتطلَّ ُبهـا املرحلـ ُة الراهنـة مـن خلال اإلشـارة إىل أهم الـدروس والعبر التي‬
‫ميكننـا اسـتفادت ُها مـن حيـاة فاطمـة الزهـراء سلام اللـه عليها‪.‬‬
‫أهمية هذا الفصل‪:‬‬
‫• يحـاول هـذا البحـث تقديـم قـراءة أوليـة لفاطمـة الزهـراء وحياتِهـا املتن ِّوعـة مـن‬
‫تيسر مـن مرويـات أهـل البيـت الصحيحـة واملرويـة يف كتبِهـم املعتمـدة‪.‬‬ ‫خلال مـا ّ‬
‫• يحـاول البحـث الخـروج مـن الطـرق التقليديـة للكتابـة بااللتـزام مبنهجيـة البحث‬
‫تقديـم العظـة والعبرة والقـدوة يف الدرجـة األوىل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫التاريخـي‪ ،‬أملا يف‬
‫• يحـاول الرتكيـ َز على الجوانـب الهامـة واملطلوبـة يف شـخصية وحيـاة الزهـراء مبا‬
‫تتطلَّبـه املرحلـة الراهنـة اليـوم‪.‬‬
‫البحـث التاريخـي‪ ،‬فـي جمـع المعلومـات وتصنيفهـا وتحليلهـا‬ ‫ِ‬ ‫منهـج‬
‫َ‬ ‫اتَّبَـع البحـثُ‬
‫ِ‬
‫والمنط َق منهـا‪ ،‬مق ِّدمـا المصـاد َر والروايات‬ ‫ِ‬
‫واسـتخالص مـا يقـارِب الحقيقـة‬ ‫ونقدهـا‬
‫المعتمـدة عنـد أهـل البيـت‪ ،‬ثم َمن سـواهم‪ ،‬ومـع ذلك فإنـه ينبغي التنبيه إلـى أن هذا‬
‫الفصـل ليـس سـوى قـراءة مقارِبـة لجـزء ضئيـل مـن حيـاة الزهـراء‪ ،‬على أمـلِ فحص‬
‫موضوعاتـه مـرة أخـرى‪ ،‬واسـتكما ِل بعـض الموضوعـات التـي لـم يتط َّرق لهـا البحث‪،‬‬
‫وأمـا الزهـراء فهـي سـيرة حافلة وعطـرة ال يسـتوعب شـأنَها المجلـدات الكبيرة‪.‬‬
‫كتبت عن الزهـراء‪ ،‬وأن يجعل‬ ‫واللـ َه ُ‬
‫أسـأل أن ينف َعنـا وأمهاتنـا وأخواتنا وبناتنـا بما ُ‬
‫على‬ ‫ذلـك مـن (المـودة فـي القربـى)‪ ،‬تلـك الفريضـة التـي هي أجـر الرسـول‬
‫إبالغ اإلسلام‪.‬‬
‫‪21‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫لماذا ُغ ِّيبت الزهراء؟‬


‫إذا كان األسـتاذ العقـاد يقـول فـي كتابـه فاطمـة الزهـراء والفاطميـون‪« :‬فـي ِّكل‬
‫ديـن صـورة لألنوثة الكاملة المق َّدسـة‪ ،‬يتخشَّ ـع بتقديسـها المؤمنون‪ ،‬كأنما هـي آية الله‬
‫فيمـا خلـق مـن ذكـ ٍر وأنثـى‪ ،‬فإذا تق َّدسـت في المسـيحية صـور ُة مريـم العـذراء‪ ،‬ففي‬
‫اإلسلام ال َجـ َرم تتقـ ّدس صـورة فاطمـة البتول»‪ ،‬فلا أجد ما يسـ ّوغ أو يبـ ِّرر لواضعي‬
‫تغييـب فاطمـة الزهـراء عـن‬‫َ‬ ‫االسـتراتيجية التربويـة فـي اليمـن فـي العهـد الماضـي‬
‫المناهـج التربويـة فـي التعليم األساسـي والثانـوي والجامعي طوال عقـود ماضية غير‬
‫الخضـوع واالنسـياق لمـا تمليـه الرغبـات الخارجيـة التـي تـرى فـي نمـوذج الطهـارة‬
‫والعفـة خطـرا يوجـب إخرا َجـه مـن مناهجنا‪.‬‬
‫درس واحد في دروس التاريخ وال التربية‬ ‫بصراحة ال أسـتطيع أن أفه َم أنه ال يو َجد ٌ‬
‫اإلسلامية وال العربيـة وال الوطنيـة واالجتماعيـات فـي مناهج المـدارس التربوية؟! إال‬
‫بأنـه بسـبب اسـتالب القـرار التربـوي والسياسـي بـل والسـيادي للبلـد من قبـل أنظم ٍة‬
‫تديـن بالـوالء لليهود والنصـارى المعتدين وأوليائهـم المنافقين‪.‬‬
‫التغييـب ال ُم َم ْن َهـج والمتع َّمـد لنمـوذج فاطمـة الزهـراء‪ ،‬وكان هـذا أحـ َد‬
‫ُ‬ ‫لقـد تـم‬
‫تطبيقـات اسـتراتيجية التجهيـل لشـعبنا ونسـائنا‪ ،‬غ َّيبوهـا فـي المناهـج‪ ،‬وغ ّيبوهـا فـي‬
‫المؤلفـات‪ ،‬وفـي الصحافـة‪ ،‬وفـي الحلقـات‪ ،‬وفـي خطـب الجمعـة‪ ،‬والمناسـبات‪ ،‬ليس‬
‫هـذا فـي اليمـن فقـط‪ ،‬بـل فـي مختلـف الشـعوب اإلسلامية والعربيـة‪.‬‬
‫والخطـورة أنهـم غ َّيبوهـا عـن نصـف مجتمعنـا‪ ،‬والـذي يتحكَّـم فـي النصـف اآلخر‬
‫تربيـة واتجاهـا‪ ،‬غ َّيبوهـا وهـي سـيدة نسـاء العالميـن‪ ،‬وسـيدة نسـاء هـذه األمـة‪ ،‬وال‬
‫أدري مـاذا سـيكون حـال هـؤالء النسـوة وهـ َّن ال يعلمـن عـن سـيدتهن إال مـا بقي من‬
‫ٍ‬
‫وعبـارات و ِرث ْنهـا عـن األمهـات والجدات مما شـ َّذ وندر وضمـن دوائر‬ ‫ٍ‬
‫قصـص وأمثـا ٍل‬
‫اجتماعيـة ضيقة‪.‬‬
‫إلـى أيـن سـتتجه هـذه المـرأة التـي غرسـوا فيهـا مثـل الرجل حـب المـال والجاه‬
‫والشـهوات أوال وقبـل كل شـيء‪ ،‬وقـد صـ َّوروا لها النجاح فـي تحصيل األمـوال وإحراز‬
‫الوظائـف ولـو علـى حسـاب وظيفتهـا األساسـية‪ ،‬وأقنعوهـا أن مشـاركتها للرجـل هـي‬
‫‪22‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫أن تكـون ذاتَ وجـه جميـل وصـوت رخيـم تزاحـم الرجـل فـي المكاتـب والمقـرات‪،‬‬
‫وتضفـي علـى جوها طابع الرومانسـية واللطافـة‪ ،‬وغير ذلك من األعمـال غير المن ِتجة‬
‫وال المفيـدة‪ ،‬بينمـا أوهموهـا أن التخلُّـف هـو مـا كانـت تقـوم بـه مـن مشـاركة زوجها‬
‫المشـاركة المنتجـة في فالحـة األرض‪ ،‬وتنمية المواشـي‪ ،‬وغير ذلك مما يعـود بالفائدة‬
‫علـى األسـرة والمجتمـع كما تح َّدث عن ذلك الشـهيد القائد حسـين بـدر الدين الحوثي‬
‫رضـوان اللـه عليـه فـي ملزمـة (لتحذُن حـذ َو بني إسـرائيل)‪.‬‬
‫لألسـف غ َّيبوهـا وهـي التي أحضرهـا القـرآن الكريم‪ ،‬وكرِهـوا وجو َدهـا وهي التي‬
‫إلـى محضرِهـا ورائحتهـا‪ ،‬غ َّيبوهـا نموذجـا ومثـاال فحضرت‬ ‫كان يشـتاق النبـي‬
‫أمثلـة االنحـراف‪ ،‬ونمـاذج االتَّسـاخ‪ ،‬غ َّيبوهـا علمـا ومعرفـة وشـجاعة وجهـادا لتكـون‬
‫المـرأة هـي المفتونة بإبراز محاسـنها لذئاب البشـر‪ ،‬ولصوص الشـرف‪ ،‬غ َّيبوا كماالتها‬
‫الفطريـة واإلنسـانية لتكـون المـرأة الصالحـة هـي امرأة ليلـة الجمعة‪ ،‬علـى ح ِّد وصف‬
‫الدكتـور شـريعتي‪ ،‬والتـي ال تعنـي شـيئا للرجـل إال فـي تلـك الليلـة‪ ،‬بينمـا تقضـي بقية‬
‫وقتهـا الطويـل فـي القيـل والقـال‪ ،‬وزراعـة النمائـم وحصـد الشـقاق والطلاق فـي‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫لتحضـ َر أنـوا ٌع مختلفة مـن النسـاء‪ ،‬أكثرها‬
‫غ َّيبوهـا عـن الواقـع الحضـاري األصيـل ُ‬
‫رواجـا تلـك المـرأة المسـلَّعة جنسـيا بغـرض الربـح المـادي‪ ،‬وتهييـج السـعار الحيواني‪،‬‬
‫والتفسـخ‬
‫ُّ‬ ‫وإفسـاد الحيـاة االجتماعيـة للشـعوب المسـلمة‪ ،‬والـزج بها في أسـواق الرذيلة‬
‫االجتماعي‪.‬‬
‫النخـب الدينية جـزءا من هذه المسـؤولية‬ ‫ُ‬ ‫وتتح َّمـل مجتمعاتنـا اإلسلامية بمـا فيها‬
‫التقصيريـة حيـث خلطـت فهما إسلاميا بآ َخـ َر من العـادات والتقاليد‪ ،‬وجعلـوا َّكل ذلك‬
‫دينـا يدينـون اللـه بـه‪ ،‬ف ُح ِر َمـت المرأة مـن حق التعليـم‪ ،‬حتـى إذا أوجدوا ه َّو ًة واسـعة‬
‫والمعاصر وصل المجرمون المنحرِفون إلى بعض النسـوة السـتغالل‬ ‫ِ‬ ‫بيـن جيلهـا القديم‬
‫ردة فعلهـا المند ِفعـة والدفـع بهـا فـي االتجاه السـلبي وبما يخدم أعداء اإلسلام‪.‬‬
‫وكانـت نتيجـة ذلـك اإلفـراط والتفريـط أن تَقَـ َّزم دو ُر المـرأة فـي شـراكتها مـع‬
‫وخلـق الحياة الجـا َّدة‪ ،‬ومظاهرِها الواعية والملتزِمة‪ ،‬وانخفض سـقف‬ ‫ِ‬ ‫الرجـل فـي صنعِ‬
‫طموحـات البعـض منهن إلى مسـتوى سـحيق‪ ،‬أو شـطحت طموحات البعـض اآلخر إلى‬
‫‪23‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ٍ‬
‫مسـارات مغايـرة للفطرة اإلنسـانية وتعاليـم الدين الحق؛‬ ‫قصـي‪ ،‬وانحرفـت إلى‬
‫ٍّ‬ ‫مـكانٍ‬
‫األمـر الـذي انعكـس سـلبا علـى أداء المجتمـع لوظائفه التـي ينبغي أن يقـوم بها‪.‬‬
‫لهـذا ال منـاص مـن العـودة إلـى األصالـة اإلسلامية لمواجهـة التحديـات الراهنـة‬
‫بوعـي وبصيـر ٍة‪ ،‬وإدراك لطبيعـة الصـراع والتفاعلات الحضاريـة‪.‬‬
‫ٍ‬

‫مكة وبنو ها�شم‬


‫تنتمـي الزهـراء لمكـة مكانًـا‪ ،‬وبني هاشـم عائلـة‪ ،‬وهي البلـدة التي ذكرهـا القرآن‬
‫الكريـم‪ ،‬وسـ َّماها (بكَّـة)‪ ،‬و (أم القـرى)‪ ،‬و (البلـد األميـن)‪ ،‬والتـي كانـت شـعابا فـي‬
‫وا ٍد غيـر ذي زرع‪ ،‬لكنهـا ببركـة البيـت العتيـق الـذي وضعـه اللـه للنـاس محجـة و ِقبلـة‬
‫لذريتـه بـأن جعل أفئـدة من النـاس تهوي‬ ‫اسـتجاب اللـه لدعـا ِء نب ِّيـه إبراهيـم‬
‫إليهـم‪ ،‬ور َزقَهـم فيهـا مـن الثمرات‪.‬‬
‫عشـية ظهـور اإلسلام «كانت مكـة مركزا مهما فـي الحجاز‪ ،‬ذا قدسـية خاصة‪ ،‬وذا‬
‫مكانـة كبيـرة فـي عالـم المـال والتجـارة‪ ،‬تتحكَّـم فيهـا مظاهـ ُر الجاهلية مـن التفاخر‬
‫باألنسـاب واألحسـاب والمـال والجاه‪ ،‬وتسـيطر عليها نزع ُة اسـتبدا ِد القـوي بالضعيف‪،‬‬
‫وسـيطرة الغني علـى الفقير»(((‪.‬‬
‫جغرافيـة مكـة القاسـية والقليلـة الجـدوى فـي المجـال الزراعـي‪ ،‬ألقـت بظاللهـا‬
‫علـى طبـاع أهلهـا وطبيعـة تحركهم ونشـاطهم االقتصـادي‪ ،‬فهم قسـاة أشـداء‪ ،‬امتهنوا‬
‫التجـارة‪ ،‬واسـتغلُّوا وجـو َد بيـت اللـه الحـرام‪ ،‬واألثـر الروحـي لجيرتهـم لـه؛ لينتزِعـوا‬
‫إيالفـا (أمانـا) مـن قبائـلِ العـرب‪ ،‬بمو َجبـه كانـوا يتح َّركـون آ ِمنيـن بتجاراتهـم العابرة‬
‫ٍ‬
‫مهارات‬ ‫لألقطـار‪ ،‬ال ِمريـ َة أ ْن فتحـت هـذه األسـفا ُر آفاقـا واسـعة أمامهـم‪ ،‬وأكسـبتْ ُهم‬
‫و ُحنكـ َة اجتماعيـة وإداريـة متميزة‪.‬‬
‫نشـأت طبقيـة اقتصاديـة غيـر حـا َّدة فـي مجتمـع مكـة‪ ،‬وكان ال ِغنـى أهـ ّم مظاهـر‬
‫الشـرف فـي وعـي أهلهـا‪ ،‬غيـر أنـه بقـي تـوا ُز ٌن اجتماعـي بيـن األسـر المكيـة مكَّـن‬
‫مـن تقاسـم السـلطات الروحيـة واالقتصاديـة واالعتباريـة بينها‪ ،‬ورغم شـبه االسـتقرار‬
‫((( جواد علي‪ ،‬تاريخ العرب في اإلسالم‪ ،‬ص‪.91‬‬
‫‪24‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫توافقـي و َعبْر نفوذ‬‫ٍّ‬ ‫االقتصـادي إال أ َّن قـرار الحكـم فيهـا لـم يكن مركزيا بل كان شـبْ َه‬
‫األشـراف مـن رؤسـاء قبائـل قريش‪.‬‬
‫سـا َه َم ْت المـرأة فـي الحيـاة االقتصاديـة في مكـة رغـم احتقارها من قبـل الذكور‬
‫كمـا هـو شـأن العـرب الجاهلييـن‪ ،‬لكنها اسـتطاعت فـي مكة أن تجِـد لنفسـها مكانًا ما‬
‫فـي الحيـاة االجتماعيـة واالقتصاديـة‪ ،‬وخيـ ُر مثـا ٍل علـى ذلـك مـا كانت عليـه خديجة‬
‫بنـت خويلـد ونشـاطُها التجـاري الرائـد‪ ،‬ومـع ذلـك فهنـاك روايـاتٌ تفيـد أ َّن قريشً ـا‬
‫مضـت فيمـا مضـى فيـه الجاهليـون مـن وأد البنـات‪ ،‬وقتـل األوالد‪ ،‬ولعـل ذلـك كان‬
‫يحـدث فـي األسـر والعوائـل الفقيرة‪.‬‬
‫إن مدينـ ًة مثـل مكـة مق َّدسـ ًة وعاصمـ ًة للثقافـة الدينيـة والحيـاة الروحيـة للعـرب‪،‬‬
‫ونشـا ُط أهلهـا هو التجـارة العابرة لألقاليـم المختلفة ذات الثقافات المتعـ ِّددة‪ ،‬البُ َّد أ ّن‬
‫ذلـك جعـل مـن أهلها ذوي معـارف وقـدرات ومهـارات مختلفة‪.‬‬
‫وكان بنو هاشـم أه َّم أسـر ٍة قرشـية في مكة عند ظهور اإلسلام‪ ،‬ورغم أن سـلطتهم‬
‫الروحيـة ع َّوضتهـم عمـا فاتهـم مـن شـرف المـال‪ ،‬إال أن هـذا ال ينفـي وجـو َد سـلط ٍة‬
‫تنافسـهم‪ ،‬وتُ ْم ِسـك ببعـض حبال السـلطة التوافقية إن صـح التعبير‪،‬‬ ‫ألسـر أخـرى كانت ُ‬
‫مثـل بنـي عبـد الـدار‪ ،‬وبنـي مخـزوم‪ ،‬وبني عبد شـمس‪ ،‬ومنهـم بنو أميـة‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬

‫�أمها خديجة‬
‫اختـار اللـه أن يكـون والـ ُد فاطمـة الزهـراء هـو خيـر الخلـق طُ ًّرا‪ ،‬وسـيد ولـد آدم‬
‫شـرف يداني شـرفها‪ ،‬وهـذا أمر ال تفي‬ ‫جميعـا‪ ،‬وال أبـوة فـي الدنيا تسـاوي أبوتها‪ ،‬وال َ‬
‫بمقامـه العبـارات وال المجلدات‪.‬‬
‫بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي جد النبي‬ ‫أما أ ُّمها فهي خديجة ُ‬
‫من عقيالت قريش المب ِّرزات‪ ،‬وأعظمهن شرفا‪ُ ،‬د ِع َيت في الجاهلية بالطاهرة؛ لشرفها‬
‫اختراق حالة الجاهليين الفكرية المحت ِقرة‬‫َ‬ ‫وعفتها‪ ،‬واستطاعت مع قرشيات أخريات‬
‫للمرأة‪ ،‬فصار لهن نشاط تجاري عابر للحدود اإلقليمية‪.‬‬
‫كان ج ُّدهـا أسـد بـن عبد العـ ّزى أح َد أعضاء حلـف الفضول‪ ،‬الذي تعاقَـدَتْ بموجبه‬
‫‪25‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫قبائـل وشـخصياتٌ مـن قريـش علـى أن ال يجـدوا بمكـة مظلو ًمـا مـن أهلهـا أو غيرهـم‬ ‫ُ‬
‫م َّمـن دخلهـا من سـائر الناس إالّ نصـروه‪ ،‬وكانوا على َم ْن ظلمه َع ْونًا حتـى تُ َر َّد مظلمتُه‪،‬‬
‫إنسـاني اسـتيقظ لفطرة حـب العدالة وكراهـة الظلم‪ ،‬وهو‬ ‫ٍّ‬ ‫وكان ِحلفًـا يُعبِّـر عـن ضميـ ٍر‬
‫‪« :‬لقـد شـ ِهدْتُ فـي دار عبدالله بـن جدعان‬ ‫الحلـف الـذي قـال فيـه رسـول الله‬
‫ـب أ َّن لـي بـه ُح ْمـ َر النعم‪ ،‬ولو أُدعـى إلى مثلـه في اإلسلام ألَ َج ْب ُت”‪.‬‬
‫حلفًـا مـا أُ ِح ُّ‬
‫تنسـكوا واعتزلوا عبادة األوثان‪،‬‬ ‫وكان ابـ ُن ع ّمهـا ورقة بن نوفل بن أسـد أح َد الذين َّ‬
‫(((‪.‬‬ ‫وهجروا قومهم فتف ّرقوا في البلدان يلتمسـون الحنيفية دين إبراهيم‬
‫شـاء اللـه أن تتع َّرف خديجـ ُة على أمان ِة وصدقِ ونُبل الفتى الهاشـمي محمد‬
‫لترغـب فـي الزواج منه‪ ،‬ووجدت سـبيال إلـى مخاطبته بطريقة غير مباشـرة‪ ،‬فتز َّوجها‪،‬‬ ‫َ‬
‫أول امـرأة آمنـت بدعوتـه‪ ،‬وصلَّـت معـه هـي وعلي‬ ‫كانـت هـي َ‬ ‫ولمـا بُ ِعـث‬
‫والسـ َن ُد له‪.‬‬
‫سـنين ال يوجـد لهـم رابع‪ ،‬وبذلـت أموالها فـي نصرته‪ ،‬وكانت نعـم العو ُن َّ‬
‫أكرمهـا اللـه بـأ ْن جعل من نسـلها فاطمـة الزهراء‪ ،‬التـي ح ِفظ الله في نسـلها ذرية‬
‫‪ ،‬فهـي جـدة آل البيت الكبـرى‪ ،‬وأمهم األولـى‪ ،‬ونالت بذلك‬ ‫الرسـول المصطفـى‬
‫وأعظم بذلـك من مجد‪.‬‬ ‫شـرفا عظي ًمـا‪ ،‬ومجـدا فخيما‪ِ ،‬‬
‫فـي السـنة العاشـرة مـن البعثـة بعـد خروج بني هاشـم مـن حصار‬ ‫توفيـت‬
‫الشِّ ـعب‪ ،‬أي قبل الهجرة بنحو ثالث سـنين‪ ،‬وذلك بعد أن عاشـت مع رسـول الله‬
‫حوالـي ُربْـعِ قـرنٍ كانت لـه فيها الزوجـ َة الحبيبة‪ ،‬والسـن َد القوي‪ ،‬والظهيـ َر الرائع‪.‬‬
‫ذك َرهـا بعـد أن ماتـت‪ ،‬ولكثرة ذكـره لها والثنـاء عليها‬ ‫ـس الرسـول‬‫ثـم لـم ي ْن َ‬
‫َـت لـه يو ًمـا‪ :‬هـل كانـت إالّ عجـوزًا قـد أبدلـك اللـه خي ًرا‬ ‫اسـتُ ِثي َرتْ غيـر ُة عائشـة‪ ،‬فقال ْ‬
‫ـت بـي إذ كفـر النـاس‪،‬‬ ‫منهـا‪ ،‬فغضـب‪ ،‬وقـال‪« :‬ال واللـه مـا أبدلنـي خيـ ًرا منهـا‪ ،‬آ َم َن ْ‬
‫وواسـتْني في مالهـا إذ ح َرمني الناس‪ ،‬ورزقنـي الله منها‬ ‫وص َّدقَتْنـي إذ كذَّبنـي النـاس‪َ ،‬‬
‫أوال ًدا دون غيرهـا من النسـاء»(((‪.‬‬

‫((( ابن هشام‪ ،‬سيرة ابن هشام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.237‬‬


‫((( ابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1824‬‬
‫‪26‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫والدتها‬
‫ورد فـي القـرآن الكريـم مـا يشـي ُر إلـى قتـلِ بعـض الجاهلييـن أوال َدهـم خشـية‬
‫َْ‬ ‫َ َُُْ َْ َ ُ ْ َ ْ ََ ْ‬
‫لاق ن ُن‬‫اإلملاق وخـوف الفقـر‪ ،‬وفيهـم نزلـت اآليـات‪﴿ :‬وال تقتلـوا أوالدكـم خشـية إِم ٍ‬
‫َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ ً‬ ‫ـم َك َن خ ِْط ًئا َكب ً‬‫ـم إ َّن َق ْتلَ ُه ْ‬
‫َ ْ ُ ُ ُ ْ َ َّ ُ ْ‬
‫ِين قتلوا أ ْوالده ْم سـفها‬ ‫سر ال‬ ‫ريا﴾[اإلسـراء‪﴿ ،]31:‬قد خ ِ‬ ‫ِ‬ ‫نرزقهـم وإِياك ِ‬
‫ضلُّوا َو َما َكنُـوا ُم ْه َتد َ‬
‫َ ْ َ‬ ‫َ ْ ْ َ َ َّ ُ َ َ َ َ ُ ُ ُ ْ َ ً َ َ‬
‫ِين﴾[األنعـام‪َ ﴿ ،]140:‬وال‬ ‫اء ع الل َِّ قـد‬ ‫ـم وحرمـوا ما رزقهـم الل َّ اف ِت‬ ‫بِغيرِ عِل ٍ‬
‫ُ‬
‫ْ ُ َْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َُُْ َْ َ ُ ْ ْ ْ‬
‫ك ْـم َوإِيَّ ُاهم﴾[األنعـام‪ .]151:‬وظاهر لفـظ اآليات النهي‬ ‫الق نـن نرزق‬ ‫تقتلـوا أوالدكـم مِـن إ ِ ٍ‬
‫م‬
‫عـن جميـع أنـواع قتـل األوالد ذكـو ًرا كانـوا أو إناث ًـا‪ ،‬وأن جريمـة القتـل كانـت تحـدث‬
‫ُ َ َ َّ ْ ُ ُ‬ ‫َ َ ُ ِّ َ َ َ ُ ُ‬
‫ش أحده ْم بِاألنثى ظل َوجهه‬ ‫ألسـباب اقتصاديـة‪ ،‬مخافة الفقـر والفاقة‪ ،‬إال أن آيـة ﴿وإِذا ب‬ ‫ٍ‬
‫ُّ َ‬ ‫َ ْ َ ُ ُّ ُ‬ ‫َ ُ ِّ َ َ ُ ْ ُ ُ َ َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِـن الْ َق ْ‬
‫ارى م َ‬ ‫ـو َكظ ٌ‬
‫يـم * َي َت َ‬
‫ـو َ‬ ‫ـو ّداً َو ُه َ‬
‫ُم ْس َ‬
‫اب‬
‫ـون أم يدسـه ِف الت ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ه‬ ‫ع‬ ‫ه‬ ‫ـك‬ ‫س‬
‫ِ‬ ‫م‬ ‫ي‬ ‫أ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ش‬ ‫ب‬ ‫ا‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ء‬‫ـو‬ ‫س‬ ‫ِن‬
‫م‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ِ‬
‫َ َْ ُ ُ َ‬ ‫َ َ َ‬
‫ون﴾[النحـل‪ ،]59 ،58:‬تـدل علـى أن الجريمة كانت أيضا بدافـعٍ اجتماعي‪،‬‬ ‫أال سـاء مـا يكم‬
‫وبسـبب كـون المولـود أنثـى‪ ،‬حيـث كان والـد البنـت مدفوعـا التخـاذ ذلـك الموقـف‬
‫بضغـط وعيِـه المن َحـرِف‪ ،‬وبضغـط ثقافـة المجتمـع الجاهلية؛ ولهـذا العار الذي يشـعر‬
‫َُْ ُ ُ ََ ُ‬ ‫َ َْْ‬ ‫ََ َ َ‬
‫ون﴾ يطاله من‬ ‫بـه كان ﴿يتـوارى مِـن القو ِم﴾‪ ،‬ويخ ِّير نفسـه بيـن أمرين‪﴿ ،‬أيم ِسـكه ع ٍ‬
‫ه‬
‫ـه ف ُّ َ‬ ‫َ ْ َ ُ ُّ ُ‬
‫الت ِاب﴾‪.‬‬ ‫المجتمـع‪﴿ ،‬أم يدس ِ‬
‫لـم تكـن مكـة بمعـزِل عـن ظاهـرة الـوأد‪ ،‬ويقـال‪ :‬إن بمكـة جبلا يقـال لـه «أبـو‬
‫دالمـة» كانـت قريـش تئـد فيـه البنـات(((‪.‬‬
‫فـي هـذه األجـواء والثقافـات ُولِـ َدت فاطمـة الزهـراء فـي مجتمـعٍ كان ينظُـر إلى‬
‫األنثـى كمـا تقـ َّدم باعتبارها عـا ًرا و ُه ْونا‪ ،‬وكانت إشـراقة الزهـراء متزا ِمن ًة مع إشـراق ِة‬
‫اإلسلام الـذي جـاء ثـورة تغ ِّيـر كثيرا مـن هـذه المفاهيـم والتصـ ُّورات الخاطئة‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫فجـ ِر‬
‫يهـدف إليه إلى تغييـر نظرة المجتمـع بطريق ٍة فعلي ٍة ملموسـ ٍة‪ ،‬تُثب ُِت‬ ‫يهـدف فيمـا ِ‬ ‫وكان ِ‬
‫الحقيقـ َة وتنـ ِّو ُر البصيـرةَ‪ ،‬وكانـت الزهراء أداة مغ ِّيـرة من أدوات الحكمـة اإللهية لذلك‬
‫‪ ،‬بـل أيضا في‬ ‫الواقـع المريـر‪ ،‬ليـس فـي كونهـا أنثـى يحتفي بهـا وال ُدهـا النبي‬
‫بعظيـم دورِهـا الـذي‬
‫ِ‬ ‫تسـييدها علـى نسـاء األمـة‪ ،‬ونسـاء العالميـن‪ ،‬ونسـاء الجنـة‪ ،‬ثـم‬
‫أنج َزتْـه فـي حيـاة والدها وبعـد وفاته‪.‬‬
‫((( جواد علي‪ ،‬المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.95 ،94‬‬
‫‪27‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫تختلـف المصـادر فـي تحديـد عـام والدتهـا؛ فهنـاك مـن يقـول‪ :‬إنهـا ُولِـدَتْ بعـد‬
‫بخمـس سـنوات‪ ،‬وهنـاك َمـ ْن يقـول‪ :‬إنهـا ُولِـ َدت قبـل البعثـة بخمـس سـنوات‪،‬‬
‫ِ‬ ‫البعثـة‬
‫وهنـاك مـن يـروي أنهـا ولـدت فـي عـام البعثة‪ ،‬ويُشـ ِكل علـى أصحـاب القـول األول‪:‬‬
‫‪ - 1‬أنهـم يثبِتـون أنهـا تز َّوجـت يف السـنة الثانية للهجرة وسـ ُّنها تسـع سـنوات‪ ،‬وأنجبت‬
‫وسـ ُّنها عرش سـنوات‪ ،‬وهذا أمـ ٌر يسـت ْب َع ُد حصوله‪.‬‬ ‫ول َدهـا الحسـن‬
‫تبي أن سـ َّنها كان عنـد الزواج‬ ‫ِّ‬ ‫‪ - 2‬ال سـيام وهنـاك روايـات عـن أهـل البيـت‬
‫مـا بين ‪ 15‬سـنة‪ ،‬و‪ 18‬سـنة؛ ففي رواية عن اإلمام القاسـم بن إبراهيـم أن عمرها‬
‫عنـد الـزواج كان أربـ َع عشرة سـنة(((‪ ،‬لكنـه أيضـا يُ ْح َمـل عىل سـن خطبتهـا‪ ،‬وليس‬
‫البنـاء بهـا‪ ،‬وأن البنـاء مل يتـم إال وهـي يف خمس عرشة سـنة‪.‬‬
‫‪ - 3‬وير ِّجـح ذلـك أنـه تـ َّم يف روايـ ٍة تحديـ ُد عمـر زفافهـا تحديـدا دقيقـا‪ ،‬وهي خمس‬
‫ـت وعم ُرهـا ثلاثٌ‬ ‫عشرة سـنة‪ ،‬وخمسـة أشـهر‪ ،‬ونصـف(((‪ ،‬وإذا كانـت قـد توفِّ َي ْ‬
‫بنـى بها‬ ‫(((‪ ،‬وأن اإلمـام عليـا‬ ‫وعشرون سـنة بحسـب روايـة الباقـر‬
‫يف السـنة الثانيـة مـن الهجـرة فهذا يعنـي أن عمرها عند الـزواج كان خمس عرشة‬
‫املفصلـة‪ ،‬وعىل هـذا فالذي‬ ‫سـنة وخمسـة أشـهر تقريبـا كما ُذكِـ َر يف تلـك الرواية َّ‬
‫يرت ّجـح أنهـا ُولِـدت يف عـام البعثـة‪ ،‬أو بعـده بقليـل على أقـل تقدير‪.‬‬
‫أشـرق على الحياة يوم أشـرق اإلسلام؛ ل َي ْد ِف َن‬ ‫وبهـذا يتبيـن أن نور فاطمة‬
‫واألخلاق والتعاملات الفاضلـة‪ ،‬وي ِئ َد ذلك‬‫َ‬ ‫ِـي القيـ َم‬
‫اإلسلا ُم َّكل مآثـر الجاهليـة‪ ،‬ويُ ْحي َ‬
‫البشـ َع والمنحـر َِف من المرأة‪ ،‬ولكأن اإلسلام برسـوله أراد تغييـر هذه النظرة‬ ‫الموقـف ِ‬ ‫َ‬
‫المنحرِفـة تجـاه المرأة بالمقـال وبالفعال‪ ،‬وبالوجدان والسـلوك‪.‬‬
‫لقـد اختصـت الزهـراء فـي حـال والدتهـا بخصوصيـة إرضـاع أمهـا خديجـة لهـا‪،‬‬
‫وبرعايـة رسـول اللـه لهـا رعايـة خاصـة وإعدادها إعـدادا خاصا‪ ،‬ثـم إناطتهـا بأعما ٍل‬
‫وأدوا ٍر اسـتثنائية كمـا سـيتبين ذلـك‪.‬‬
‫((( المؤيدي‪ ،‬لوامع األنوار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.28‬‬
‫((( المؤيـدي‪ ،‬لوامـع األنـوار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪28‬؛ وابن عبدالبر‪ ،‬االسـتيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪1893‬؛ والطبـري‪ ،‬ذخائر العقبى‪،‬‬
‫ص‪.20‬‬
‫((( أبو طالب‪ ،‬تيسير المطالب‪ ،‬ص‪.139‬‬
‫‪28‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ن�ش�أتها‬
‫قد َمـت فاطمـة إلـى هذه الدنيـا مع قدوم اإلسلام‪ ،‬وكان العاص بن وائل السـهمي‬ ‫ِ‬
‫بأنـه أبتر؛ وهـا هو قد رزقـه الله مولـو ًدا آخر؛ لكنـه أنثى‪،‬‬ ‫َ‬
‫رسـول اللـه‬ ‫قـد ع َّيـر‬
‫َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ ََ‬
‫واألنثـى ممـا تغيـ ُظ الجاهلييـن‪ ،‬فبشّ ـره اللـه وأعطـاه الكوثـر‪﴿ ،‬إِنـا أعطينـاك الكوثر﴾‪،‬‬
‫مصاديـق عديـدة‪ ،‬وعلـى رأسـها ذريتـه المباركـة الطيبـة التـي ملأت‬ ‫َ‬ ‫والكوثـر يشـمل‬
‫اآلفاق‪.‬‬
‫ورد مـن معانـي الكوثـر كما سـيأتي‪ :‬الذريـة الكثيـرة؛ وبالتالي فالزهـراء هي مبدأ‬
‫‪ ،‬ويعني الكوثـر أيضا الخير‬ ‫الكوثـر‪ ،‬أو رمـزه‪ ،‬أو سـببه الـذي أُ ْع ِط َيه رسـول اللـه‬
‫والبركـة‪ ،‬والكثـرة واالمتلاء وكثـرة الذريـة؛ وبهـذا جعلهـا اللـه محـل البركـة‪ ،‬وعنـوان‬
‫العطـاء‪ ،‬ومصـدر الذريـة المباركـة‪ ،‬وأم األبرار الهـداة األعالم‪.‬‬
‫وكانـت خديجـة أم المؤمنيـن إذا َولَـ َدت ولـدا َدفَ َعتْـه إلـى مـن يُ ْر ِض ُعه‪ ،‬فل َّمـا ولَدَتْ‬
‫ولعـل اللـ َه أراد إكرا َمهـا بذلـك أ َّوالً ‪ ،‬ثـم أيضـا‬ ‫فاطمـ ُة لـم تُ ْر ِض ْعهـا امـرأ ٌة غي ُرهـا(((‪َّ ،‬‬
‫‪ ،‬فخديج ُة تعلـم أ َّن دعـوة زوجها‬ ‫للخـوف عليهـا مـن غائلـة أعداء النبـي محمـد‬
‫إلـى اإلسلام ستسـ ِّبب لهـم المتاعـب‪ ،‬وتثيـر عليهـم العـداوات؛ ولهـذا مـن األفضل أن‬
‫تكـون وليدت ُهـا الجديـدة فـي مأمـنٍ مـن غائلـة تلـك االحتماالت‪.‬‬
‫نشـأت فاطمـة فـي ِحجـر أ ِّمهـا‪ ،‬ت ٌ ْر ِض ُعهـا من أخالفهـا‪ ،‬وتفيـض عليها مـن حنانها‪،‬‬
‫وفـي رضاعـة األم مـا فيهـا مـن أثـ ٍر جميـلٍ ‪ ،‬وعائـد ٍة حسـنة‪ ،‬على صحـة هـذه الوليدة‬
‫المباركـة‪ ،‬كمـا هـو معـروف في علـم الطـب اليوم‪.‬‬
‫‪ ،‬فـي وقت كان‬ ‫نشـأت سلام اللـه عليها على يـد أمها خديجـة‪ ،‬وأبيها محمد‬
‫‪ ،‬وبمسـاعدة ما ِل‬ ‫اإلسلام أيضـا ينشـأ ويظهـر وينمـو علـى يـد الرسـول الكريـم‬
‫أمهـا خديجـة وعونهـا؛ ولـكأن اإلسلام والزهراء صنـوان جاءا إلـى الدنيا علـى ميعاد‪.‬‬
‫ترعرعـت فـي ك َنـف أبويـن طاهريـن‪ ،‬تحفُّهـا تعاليـم جبريل‪ ،‬وهـو ر َّواح بهـا غ َّداء‬
‫بيت طالمـا مألتْ أجوا َءه نسـماتُ الوحي‪ ،‬وحطَّت فيه آيـاتُ التنزيل‪،‬‬ ‫إلـى والدهـا‪ ،‬في ٍ‬

‫((( ابن كثير‪ ،‬البداية والنهاية‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1893‬‬


‫‪29‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫دأب المرسـلين‬ ‫نشـأت وأبوهـا يع ِّوذهـا وذ ِّريَّتَهـا مـن الشـيطان الرجيـم‪ ،‬وكان ذلـك َ‬
‫واألوليـاء المخلصيـن‪ ،‬ثـم هـو المصطفـى الـذي كان يُ َعـ ِّوذ ولديها الحسـن والحسـين‪،‬‬
‫ويقـول‪( :‬أعيذكمـا بكلمـات اللـه التامـة مـن كل شـيطان وها َّمـة‪ ،‬ومـن كل عيـنٍ ال ّمة)‪،‬‬
‫كان يعـ ِّوذ بهمـا إسـماعيل وإسـحاق )(((‪.‬‬ ‫ويقـول‪( :‬إ ّن إبراهيـم‬
‫تغييـرات كبـرى في‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫إلحـداث‬ ‫بيـت كان ينطلـق فـي أمـ ٍر جلـل‪ ،‬ويسـعى‬ ‫نشـأت فـي ٍ‬
‫ذلـك العالـم‪ ،‬وضمـن آثـا ٍر وردو ِد أفعـا ٍل ُم ْؤلِمـ ٍة وقاسـي ٍة‪ ،‬ورغـم صعوبـة مواقـف أهل‬
‫هـذا البيـت و ِعظَـم مسـؤوليتهم؛ إال أنهـا ن ِعمت بحنـانِ قل َبي أبويـن كبيريـن‪ ،‬ومربِّ َي ْينِ‬
‫مربِّ ًيا؟! وهل يشـا ِب ُه‬ ‫عظيميـن‪ ،‬وهـل هنـاك أعظـ ُم من الرسـول الكريـم محمـد‬
‫علـى الزهـراء؟! المـرأة االسـتثنائية التـي‬ ‫ولـد حنـا َن الرسـول‬‫أب علـى ٍ‬ ‫حنـا ُن ٍ‬
‫‪ ،‬وأم أعلام الهـدى من ذريتـه‪ ،‬حنا ٌن يعلِّـم الوقا َر‪ ،‬ويبنـي النفوس‪،‬‬ ‫هـي كوثـره‬
‫أهل هذا البيت‪.‬‬ ‫ويغـذِّي العقـول‪ ،‬ويُ ِع ُّدهـا ألدوا ٍر عظيمـ ٍة ال يقوى عليها في اإلسلام إال ُ‬
‫ـت مـع السـنين أنهـا‬ ‫“لقـد نشـأت نشـأ َة جِـ ٍّد واعتـكاف‪ ،‬نشـأ َة وقـا ٍر واكتفـاء‪ ،‬و َعلِ َم ْ‬
‫شـرف ال منـازِع فيـه مـن واحـدة مـن بنـات حـواء فيمـن تـراه»(((‪ ،‬نشـأت في‬ ‫ٍ‬ ‫سلسـل ُة‬
‫بيـت ربَّتُـه تاجـر ٌة ذكيـ ٌة‪ ،‬وعاقلـة حصيفـة‪ ،‬لهـا عالقاتهـا الواسـعة‪ ،‬وأموالهـا الطائلـة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ورئيـس هـذا البيـت قـد كُلِّـف بمهمـة عظيمـة جليلـة ومق َّدسـة‪ ،‬وهـي أن يُ ْخـرِج الناس‬
‫مـن الظلمـات إلـى النـور‪ ،‬ويتـر َّدد على هـذا البيـت أصدقـا ُء وصديقـاتُ العائلـة و َم ْن‬
‫تربطهـم بـه عالقـاتُ التجـارة والدعـوة‪.‬‬
‫ت َ َفتَّحـت عيـ ُن فاطمـة مـع تفتُّـ ِح عين اإلسلام‪ ،‬لت ِج َد هـؤالء تحت ظالل هـذا البيت‬
‫الطاهـر‪ ،‬الـذي بـدأ لتـ ِّوه التبشـي َر بالديـن الحق‪ ،‬الديـنِ الذي ِمـ ْن شـأنه أن يُثير ح َنق‬
‫الظالميـن والمسـتكبرين وكبـراء القـوم في مكة و ُج ِّـل العالم‪.‬‬
‫َّمـت الزهـراء فـي هـذا البيـت وفي هـذه البيئـة تعلي َمهـا األولـي‪ ،‬كالقراءة‬ ‫وقـد تعل ِ‬
‫والكتابـة‪ ،‬والحسـاب‪ ،‬والمعـارف األوليـة‪ ،‬ف ِمـ ْن أمهـا التاجـرة تتعلَّم الحسـاب‪ ،‬ورياضة‬

‫((( الحوثـي‪ ،‬المختـار‪ ،‬ص‪ ،676‬نقلا عـن تفسـير البرهـان‪ ،‬لإلمـام الناصـر أبي الفتـح الديلمي؛ وأبـو طالب‪،‬‬
‫تيسـير المطالـب‪ ،‬ص‪148‬؛ والمرشـد باللـه‪ ،‬األمالـي اإلثنينيـة‪ ،‬ص‪.511‬‬
‫((( العقاد‪ ،‬فاطمة والفاطميون‪ ،‬ص‪.17‬‬
‫‪30‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫أغلـب سـني عمـره‬ ‫‪ -‬الـذي كان نزيلا علـى هـذا البيـت َ‬ ‫علـي‬
‫األذهـان‪ ،‬ومـن ٍّ‬
‫َّمت السـ ْم َت واله ْد َي والدل(((‪.‬‬‫تعل ِ‬ ‫األولـى ‪ -‬تتعلَّـم القراءة والكتابة‪ ،‬ومن الرسـول‬
‫آيـات مـن القـرآن‪،‬‬ ‫تعلّمـت فـي دار أبويهـا مـا لـم تتعلَّ ْمـه طفلـة غيرهـا فـي مكـة‪ٍ ،‬‬
‫‪ ،‬وسـمعته‬ ‫وعـادات يأباهـا َمـ ْن حولهـم‪« ،‬سـمعت القرآن الكريم مـن أبيها النبي‬ ‫ٍ‬
‫‪ ،‬وصلَّت بـه‪ ،‬ووعـت أحـكام فرائضه»‪.‬‬ ‫مـن بـاب مدينـة علـم المصطفـى علـي‬
‫وهـا هـي اآلن تك ُبـر وترى أهل هـذا البيت وهم يتحدثون في أمـر جلل‪ ،‬ويواجههم‬
‫مـن أجلـه كبرا ُء القرشـيين المسـتهزئين‪ ،‬وتـرى أهل بيتها (أباهـا وأمها وابـ َن ع ِّم أبيها‬
‫ـت علـى أصـداء‬ ‫عليـاً) يصلـون (سـبع سـنين) ال يراهـم أحـد إال هـي‪ ،‬وهـي التـي ن َم ْ‬
‫فـي‬ ‫ـت نسـائ َم الهدايـ ِة األولـى‪ ،‬ونالـت بـركات حضـور جبريـل‬ ‫الوحـي‪ ،‬وتنف ََّس ْ‬
‫صباح مسـاء‪.‬‬
‫َ‬ ‫بيـت أبيها‬
‫الـذي نزلت عليـه آياتٌ تأمر بالقـراءة‪ ،‬وتحثُّ على‬ ‫وال أسـتبعد أ َّن رسـول اللـه‬
‫العلـم‪ ،‬قـد دفعهـا إلـى معل ٍ‬
‫ِّمـات أ ْخ َريـات‪ ،‬فهنـاك رواية تقـول بأنَّـه جعلها عنـد أ ِّم هانئ‬
‫بنـت أبـي طالـب‪ ،‬لرعايتهـا والقيـام بشـأنها(((‪ ،‬وتقـول أم سـلمة‪ :‬إ َّن رسـول اللـه‬
‫فـ َّوض أ ْمـ َر ابنتـه الزهـراء إليهـا‪ ،‬فكانـت تؤ ِّدبهـا‪ ،‬وتدلُّهـا‪ ،‬فقالـت‪“ :‬وكانت واللـ ِه آ َد َب‬
‫وأعـرف منـي باألشـياء كلهـا”(((‪ .‬وكلمـة األدب تعنـي التعليـم األولـي‪ ،‬الـذي تدل‬ ‫َ‬ ‫منـي‪،‬‬
‫عليـه صراحـة كلمـة “أعـرف مني”‪.‬‬
‫ثـم وهـل هنـاك معلِّـم يفوق معلـم البشـرية جمعـاء تربية وتعليمـا وتنشـئة صالحة‪،‬‬
‫معلـم للبشـرية؛ ال غـر َو أنهـا بلغت‬ ‫أعظـم ٍ‬
‫ِ‬ ‫ـت علـى ِ‬
‫يـد‬ ‫فمـا ظ ُّننـا بفتـا ٍة تربَّ ْ‬
‫ـت وت َر ْع َر َع ْ‬
‫مبلغـا عظيمـا فـي ذلك‪.‬‬

‫في الهدي والسمت والدل‪.‬‬ ‫((( سيأتي أنها كانت أشبه الناس بأبيها‬
‫‪ ،‬ص‪ ،119‬ومـع أن الروايـة ذكـرت أن ذلـك كان بعد وفـاة خديجة لكننا‬ ‫((( السـيوطي‪ ،‬مسـند فاطمـة‬
‫نسـتبعد التوقيـت؛ كـون فاطمـة فـي ذلـك الوقـت قـد أصبحـت في سـن العاشـرة تقريبـا‪ ،‬وهو سـن يكون‬
‫فيـه الطفل أقـوم برعاية نفسـه‪.‬‬
‫((( الطبـري‪ ،‬دالئـل اإلمامـة‪ ،‬ص‪ ،81‬رقـم‪ ،21‬ورغـم أن الروايـة تحـدد التوقيـت بـأن ذلك حدث فـي المدينة‬
‫عنـد زواج أم سـلمة برسـول اللـه‪ ،‬غيـر أن فاطمـة وقـد أصبحـت يافعـة ال ينسـجم حالهـا وتعليـم اآلداب‬
‫والمعـارف األولـى‪ ،‬ولعـل ذلـك حـدث فـي مكـة عنـد صغـر فاطمـة‪ ،‬فالتبـس علـى الـرواة التوقيـت فقط‪.‬‬
‫‪31‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫سـيدة نسـاء العالميـن‪ ،‬وسـيدة نسـاء هـذه األمـة‪ ،‬وسـيدة نسـاء أهـل الجنـة‪ ،‬وبنت‬
‫باب مدينة العلم‪ ،‬ال يجـوز أن تكون إال‬ ‫مدينـة العلـم‪ ،‬وزوج علـي‬ ‫محمـد‬
‫متعلِّمـة ثـم عالمـة‪ ،‬ووصـف السـيدة عائشـة لهـا بأنها كانـت أكثر الناس شَ ـبَ ًها برسـول‬
‫اللـه فـي هديِـه وسـ ْم ِته و َدلِّه‪ ،‬كما سـيأتي‪ ،‬يشـير إلى المرتبـة العالية التـي وصلت إليها‬
‫الزهـراء فـي جانـب المعرفة بالهـدي اإللهي‪.‬‬
‫إن صفـات فاطمـة وأخالقهـا وقيمهـا ومبادئهـا ومواقفهـا العظيمـة التـي اتخذتهـا‬
‫موقـف ‪ -‬تشـير إلـى نـو ِع المعـارف القرآنيـة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫نفـس‪ ،‬ورجاحـ ِة عقـلٍ ‪ ،‬وقـو ِة‬
‫بعظمـ ِة ٍ‬
‫واألحـكام النبويـة‪ ،‬واإلعـدادات التربوية والنفسـية التـي تلقَّتها الزهراء علـى ِيد ِ‬
‫أعظم‬
‫أسـاتذة العالـم علـى َمـ ِّر التاريـخ قاطبة‪.‬‬
‫ِص ْدقُهـا وشـجاعتُها‪ ،‬وقـوة نفسـها‪ ،‬وزهدهـا‪ ،‬وأدبهـا‪ ،‬ومعرفتهـا لألشـياء كلهـا‪ ،‬وح ُّبها‬
‫للعمـل‪ ،‬إلـى درجـة أنهـا كانت (تـ ُدقُّ ال َّد ْر َمـك((( بين يديها حتـى م ِجل َْت يداهـا)(((‪ ،‬بل نوع‬
‫‪،‬‬ ‫تربيتهـا‪ ،‬وطريقـة حياتهـا ومعيشـتها علـى النحو الـذي كان عليه الرسـول الكريم‬
‫يشـير إلـى اسـتثنائيتها نشـأة وتعليما وعلما وسـلوكا ووجدانـا وجهادا‪.‬‬
‫إنهـا نمـوذج المـرأة فـي اإلسلام وفـي اإلنسـانية‪ ،‬وكيـف يجـب أن تكـون؛ ولهـذا‬
‫إعجـاب زوجـة أبيهـا عائشـة‪ ،‬وكذلـك كانـت مثـار إعجـاب‬ ‫ِ‬ ‫كانـت فـي كل شـيء مثـا َر‬
‫األخريـات‪ ،‬وعليـه فلِ َم ال تكو ُن ُ‬
‫بنـت اليوم نشـأة وتعلُّ ًما ووجدانا‬ ‫زوجـات النبـي‬
‫كمـا كانـت فاطمـة تلـك البنت الصغيـرة؟!‪.‬‬

‫جهادها �صغيرة‬
‫اإلسلام األولى فـي مكـة‪ ،‬ورأت أباها‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ظـروف‬ ‫فـي غضـون ذلـك عاشـت الزهـراء‬
‫يـوم يحمـل علـى عاتقه مسـؤولية تبليغ اإلسلام بإصرار عجيـب‪ ،‬وتعلَّ َم ْت منـه قُ َّوت َه‬
‫َّكل ٍ‬
‫فـي ذلـك‪ ،‬وإصـرا َره وأُنْ َسـه باللـه‪ ،‬واستشـعرت معيـة اللـه لـه‪ ،‬وذاقـت معه طَ ْعـ َم األلم‬
‫ومسـت خشـونة الحيـاة في مرضاته‪ ،‬بقـدر ما تغلغلت فـي أعماقها لذة‬ ‫فـي سـبيل الله‪َّ ،‬‬

‫((( ال ّدرمك‪ :‬الدقيق‪.‬‬


‫((( البالذري‪ ،‬أنساب األشراف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ .155‬وم ِجل َْت يداها‪ :‬أي نَ ِفط َْت وتأثرت من العمل‪ ،‬فمرنت َ‬
‫وصلُبت‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫الطاعـة للـه‪ ،‬واالنشـراح مع السـعي فـي ذات الله‪.‬‬


‫رحيـم يدعوهـم ب ِرقَّـة‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رؤوف‬ ‫كأب‬
‫يتحـ َّدث فـي النـاس ٍ‬ ‫“كـم مـر ٍة شـاه َدت ْه‬
‫وعطف‪ ،‬وهم يُ ْب ِعدونه عنهم بعنف وخشـونة‪ ،‬وال يجيبونه إال بالسـباب والشـتيمة‪ ،‬فيعود‬
‫وحيـدا فريـدا»(((‪ ،‬فتعلَّمـت معنـى أن تكـون وحيدة ال يؤنِ ُسـها إال الحق الـذي تحمله‪.‬‬
‫وكل منهم كان قد‬ ‫‪ٌّ ،‬‬ ‫هـؤالء الملأ مـن قريـش تعاهدوا يو َما أن يفتكـوا بأبيهـا‬
‫ـت إلى أبيها تبكـي‪ ،‬فقال لها‪:‬‬ ‫أخـذ دورا مع َّينـا فـي ذلـك‪ ،‬وكانت البنت تسـمعهم‪ ،‬ف ُه ِر َع ْ‬
‫(مـا يبكيـك يـا بنيـة؟)‪ ،‬قالـت‪ :‬يا أبه مالـي ال أبكي‪ ،‬وهـؤالء المأل من قريـش يُعا ِهدون‬
‫باللات والعـزى ومنـاة الثالثـة األخـرى‪ ،‬فمـا منهـم رجـل إال وقـد عـرف نصي َبـه مـن‬
‫دمـك‪ ،‬فـأراد أبوهـا أن يُذيقَهـا حلاو َة المواجهـة للطغـاة بشـجاعة في الموقـف الحق‪،‬‬
‫فقـال لهـا‪( :‬يـا بنيـة‪ ،‬ائتيني بوضـوء)‪ ،‬فتوضأ‪ ،‬ثـم خرج إلى المسـجد‪ ،‬فل َّمـا رأوه قالوا‪:‬‬
‫قبضـة مـن التـراب فحصبهـم بها‪،‬‬ ‫هـا هـو ذا‪ ،‬فطأطـأوا رؤوسـهم‪ ،‬بـل وتنـاول‬
‫وقـال‪( :‬شـاهت الوجوه)‪ ،‬فمـا أصـاب رجلا منهم حصاة مـن حصاته إال ق ِتـل يوم بدر‬
‫كافرا(((‪.‬‬
‫موقـف رواه عب ُداللـه ب ُن مسـعود‪ ،‬وهـو أن نفرا من‬ ‫ٌ‬ ‫وفـي مـرة مـن المـرات َحـ َدثَ‬
‫حينمـا أطال السـجود عند البيـت‪ ،‬فانطلق‬ ‫قريـش فيهـم أبـو جهل آذوا الرسـول‬
‫إنسـا ٌن فأخبـر فاطمـة‪ ،‬فجاءت وهي جويريـة(((‪ ،‬فأقبلت عليهم توبِّ ُخهـم وتُ ْغلِظ عليهم‪،‬‬
‫صالتَـه‪َ ،‬رفَ َع َص ْوتَـه‪ ،‬ث َّم دعا عليهـم‪ ،‬قال ابن‬ ‫وتدعـو عليهـم‪ ،‬فلمـا قضـى النبي‬
‫مسـعود‪ :‬فلقـد رأيتُهـم قُ ِتلوا يوم بـدر‪ ،‬وأُلْقُـوا في القُليب”(((‪.‬‬
‫ِـت أن فاطمـة تلـك األنثى التـي تنتمي إلـى الجنـس المحتقَر عند‬ ‫هـذه الروايـة تُثْب ُ‬
‫رجل‬
‫ـت علـى ما لـم يَ ْق َو عليـه ٌ‬ ‫أولئـك األعـراب القرشـيين‪ ،‬هـذه األنثـى الجويريـة ق ِويَ ْ‬
‫شريعتي‪ ،‬فاطمة هي فاطمة‪ ،‬ص‪.144‬‬ ‫(((‬
‫أبو طالب‪ ،‬تيسير المطالب‪ ،‬ص‪.61‬‬ ‫(((‬
‫هـذا الوصـف يشـير إلـى ترجيـح أنهـا ُولِـ َدت فـي عـام البعثـة‪ ،‬فتصيـر جويريـة فـي حـال اشـتداد إيـذاء‬ ‫(((‬
‫قريـش ألبيهـا؛ إذ لـو كانـت ولـدت فـي الخامسـة مـن البعثة كمـا يرويه بعـض المؤرخيـن لمـا وصفها ابن‬
‫مسـعود بـ(جويريـة)؛ إذ ال تـزال طفلـة حينئـذ‪.‬‬
‫البخـاري‪ ،‬الصحيـح‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،26 ،220‬كتـاب الجزيـة‪ ،‬ومسـلم‪ ،‬الصحيـح‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،1419 ،1418‬كتـاب‬ ‫(((‬
‫السـير؛ والبلاذري‪ ،‬أنسـاب األشـراف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.125‬‬
‫‪33‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫كابـن مسـعود‪ ،‬وص َرخـت صرخـة الديـن والعـزة والكرامـة فـي وجـوه أولئـك الطغـاة‬
‫أشـرف الخلـق وأطهرِهـم وأكرمهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫الذيـن تجـ َّرأوا علـى إيـذاء‬
‫بل إنَّ الرواية تشـي ُر إلى أنَّ رجال أسـرع بإبالغ فاطمة بما عمله المشـركون‪،‬‬
‫وقص َدهـا دون‬‫فمـن هـو ذلـك الرجـل؟ ولمـاذا ذهـب إلـى فاطمـة الصغيـرة‪َ ،‬‬
‫سـواها مـن الرجـال والنسـاء؟ لتأتـي فتصـرخ فـي وجوههـم‪ ،‬وتنصـر والِ َدهـا‬
‫؟‬ ‫َ‬
‫الرسـول‬
‫ليـس مـن المسـتبعد أنّـه بلغ من حرص الزهراء سلام اللـه عليها‪ ،‬على نصـرة أبيها‬
‫بـكل مـا يسـوء وال َدهـا لتأتـي هـي أنثـى صغيرة‬‫‪ ،‬أن كلَّفـت َمـ ْن يُ َبلِّغهـا ِّ‬ ‫الرسـول‬
‫الرسـول بمـا لـم يسـتطع الذكـو ُر الكبـا ُر أن يفعلـوه‪ ،‬وهـذا مـا يجـب أن تع َيـه‬ ‫َ‬ ‫فتنصـ ُر‬
‫ُ‬
‫كما نصـرت فاطمة أباها‪،‬‬ ‫تنص َر إسلا َم محمد‬‫فاطمـة اليـوم‪ ،‬فإنـه بإمكانهـا أن ُ‬
‫نصـرة لديـن اللـه الذي جـاء به‪.‬‬
‫أمـا لمـاذا فاطمـة بالخصـوص وليـس أيًـا مـن اآلخريـن‪ ،‬فإنـه السـتثنائية فاطمـة‬
‫وإيذا َءه‬ ‫‪ ،‬ورمزيتها في اإلسلام‪ ،‬حيث كلما أراد األعدا ُء تشـوي َه الرسـول‬
‫أو تشـوي َه دينـه جـاءت فاطمـة أو أعلام الهـدى مـن ذريتهـا ليزيلـوا ذلـك اإليـذاء‪،‬‬
‫ويُصلحـوا ذلك التشـويه‪.‬‬
‫أعـدل مـا نـراه مـن فاطمـة اليـوم فـي اليمـن صغيـرة وكبيـرة وهـي تقتـدي‬ ‫ومـا َ‬
‫بفاطمـة الزهـراء قـو ًة ومبـا َدر ًة وصراخـا فـي وجـه الباطـل‪ ،‬والطاغـوت‪ ،‬واالسـتكبار‬
‫والعـدوان‪ ،‬والعلـم والتعليـم!‬
‫فـي ذلك الجـو الجاهلي‪ ،‬بثقافتـه المضادة للمـرأة لكونها أنثى‪،‬‬ ‫إن فاطمـة‬
‫كانـت رسـالة السـماء إلـى أولئـك األقـوام الذيـن مـا فتئـوا يحتقـرون األنثـى‪ ،‬فكانـت‬
‫«شـكل تحريـر المـرأة فـي هـذا الديـن من الظلـم الجاهلـي‪ ،‬وارثـة كل مفاخـ ِر أهلها‪،‬‬
‫وصاحبـة مبـادئِ أسلا ِفها فـي المجتمـع الـذي لـم يكـن يـرى غسـل عـار البنـت إال‬
‫يعلم‬ ‫بوأدهـا حيـة‪ ،‬وأفضـل األصهار الـذي يتمنـاه ُّكل أب هو القبـر‪ ،‬كان محمد‬
‫مـاذا تفعـل بـه يـد القـدر‪ ،‬وفاطمـة تعـرف مـن تكـون‪ ،‬ولهـذا وقـف التاريخ مدهوشـا‬
‫أمـام تعامـل محمـد مـع ابنتـه الصغيـرة‪ ،‬وركـع أمـام مديحـه غير العـادي لهـا‪ .‬معاملة‬
‫‪34‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫قلب‬
‫كهـذه‪ ،‬تعنـي شـيئا أكثـر مـن التدليـل والحـب األبـوي الـذي يمكـن أن يفيض بـه ُ‬
‫أب علـى ابنتـه‪ ،‬أن يق ِّبـل يـ َد ابنتـه‪ ،‬وابنته الصغيـرة‪ ،‬هذا التصـ ُّرف يعتَ َب ُر ضربـ ًة ثورية‬
‫ٍ‬
‫انهالـت علـى العوائـل والعالقـات غير اإلنسـانية للبيئة‪ ،‬حيـث هناك نبي اإلسلام يقبِّل‬
‫يد فاطمـة»(((‪.‬‬
‫التصـرف يبيـن بوضوح ألعيـن كبار الصحابة وسياسـيي المسـلمين وعامتهم‬ ‫ُ‬ ‫“هـذا‬
‫عظمـ َة فاطمـة‪ ،‬ويعلِّـم َّكل النـاس كيـف يتحـ َّررون مـن العـادات واألوهـام التاريخيـة‬
‫والتقليديـة‪ ،‬ويُ َعلِّـم الرجـل أن يَ ْنـزِل عـن عـرش جبروتـه وتج ُّبـره الفـظّ‪ ،‬وتفرعنـه أمام‬
‫المـرأة‪ ،‬مشـيرا إلـى المـرأة أن ترتفـع عـن ذلتهـا وحقارتهـا القديمـة والجديـدة‪ ،‬فـي‬
‫كونهـا ألعوبـة فـي الحيـاة‪ ،‬إلـى قمـة الجلال والعظمة والعفـة اإلنسـانية»(((‪.‬‬
‫كيـف نفـ ِّرق بيـن مـا هـو عـادة‬ ‫فهـل نتعلـم نحـن الرجـال مـن الرسـول‬
‫اجتماعيـة‪ ،‬ومـا هـو حكـم إسلامي فـي مـا يتعلـق بالمـرأة‪ ،‬وهـل تتعلـم المـرأة اليـوم‬
‫كيـف تتمـ َّرد وتثـور على الصورة الشـائهة والنمط المتَّسـخ الـذي يحاول أعـداء الفطرة‬
‫قالـب جنسـي تنتهـي إليـه‬ ‫ترسـي َخه أمامهـا‪ ،‬بـأن تكـون مجـر َد تسـلية للذكـور‪ ،‬ومجـرد ٍ‬
‫فحولتهـم المحمومـة؟!‪.‬‬

‫�أ�سما�ؤها و�ألقابها‬
‫‪:‬‬ ‫قـال اإلمـام الحسـن بـن بـدر الديـن (ت‪670‬هــ)‪“ :‬وروينـا عـن الصـادق‬
‫(لفاطمـة ثمانية أسـماء‪ :‬الص ِّديقة‪ ،‬والزهـراء‪ ،‬والطاهرة‪ ،‬والزكيـة‪ ،‬والرضية‪ ،‬والمرضية‪،‬‬
‫والبتـول‪ ،‬وفاطمة)”(((‪.‬‬
‫أما اسـمها فاطمة فهو مشـتق مـن ال َفطْم بمعنى القطع‪ ،‬يقـال ‪ :‬فطَ َم ِت األُ ُّم صب َّيها‪،‬‬
‫الرجـل عـن عادتـه‪ ،‬إذا قَطَ َعتُـ ُه عنهـا‪ .‬واسـم (فاطمـة) مشـهو ٌر عنـد العـرب‪،‬‬‫َ‬ ‫وفطَ ْم ُ‬
‫ـت‬
‫ومتـدا َو ٌل بينهـم بكثـرة‪ ،‬وقـد بل َغ عـدد الصحابيـات المسـميات بفاطمـة ‪ 24‬صحابية(((‪،‬‬
‫شريعتي‪ ،‬فاطمة هي فاطمة‪ ،‬ص‪.142‬‬ ‫(((‬
‫المرجع السابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫أنوار اليقين في إمامة أمير المؤمنين – خ ‪.-‬‬ ‫(((‬
‫تاج العروس‪ ،‬مادة فاطمة‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪35‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫قد م َنعت نفسـها‬ ‫لكـن لشـرعية االسـم فـي حق الزهـراء‪ ،‬فهذا يعنـي أ ّن فاطمة‬
‫ابتـدا ًء مـن مواقعـة المعصيـة‪ ،‬وكذلـك ِمن كثير مـن األشـياء المباحة‪ ،‬فمنعهـا الله من‬
‫النار انتهـا ًء وجزا ًء‪.‬‬
‫إن هنـاك خصوصيـة جزائيـة واسـتثنائية تكريميـة مـن الله لهـا تسـلِّط الضوء على‬
‫سـبب التسـمية أيضـا؛ إذ أنـه فَطَ َمهـا وفَطَـ َم أوال َدهـا ومح ِّبيهـا مـن النـار‪ ،‬م َّمـن كان‬
‫منهـم علـى التوحيـد واإليمـان‪ ،‬والعمـل الصالـح؛ فقـد روى اإلمـام الرضـا بسـنده عن‬
‫‪( :‬إنما ُسـ ِّم َي ِت ابنتـي فاطمة؛ ألن الله تعالـى فَطَ َم َها‬ ‫آبائـه‪ ،‬قـال‪ :‬قال رسـول الله‬
‫وفَطَـ َم َمـ ْن أحبهـا مـن النـار)(((‪ .‬وفـي روايـة أخـرى مـن طريـق أهـل البيـت‬
‫يَقُـ ْو ُل‪( :‬إِنِّ َما‬ ‫‪ ،‬ق ََال‪َ :‬سـ ِم ْع ُت َر ُسـ ْو َل اللَّـ ِه‬ ‫ـي بْـنِ أَبِي طَالِ ٍب‬ ‫عـن اإلمـام َعلِ ِّ‬
‫ـي اللَّـ َه َعـ َّز َو َج َّـل ِم ْن ُهـ ْم‬ ‫َاط َمـ َة؛ ألَ َّن اللَّـ َه فَطَ َم َها َو ُذ ِّريَّتَ َهـا ِمـ َن ال َّنـا ِر لِ َمـ ْن لَ ِق َ‬
‫ُسـ ِّم َي ْت ف ِ‬
‫ـت ِب ِه)(((‪.‬‬ ‫بِالتَّ ْو ِح ْي ِـد َوا ِإليْ َمـانِ ِب َمـا ِجئْ ُ‬
‫كانـت تسـمية توقيفية‪ ،‬من اللـه عز وجل‪،‬‬ ‫وهـذا يب ّيـن أن التسـمية لفاطمـة‬
‫؛ األمر الذي يب ِّين أيضـا أن مولدها كان بعـد نزول الوحي‪،‬‬ ‫أوحـى بهـا إلـى نبيـه‬
‫وهـو ير ِّجـح مـا تر َّجح سـابقا من أنهـا ُولِ َدت في عـام البعثة‪.‬‬
‫ـب لقيم الحق‬ ‫وإخلاص ومعرف ٍة فإنـه يعني أنَّه ُم ِح ٌّ‬ ‫ٍ‬ ‫شـك أ َّن َمـ ْن يُ ِح ُّبهـا بصـدقٍ‬ ‫وال َّ‬
‫والشـجاعة والعفـاف والشـرف‪ ،‬ومـكارم األخلاق‪ ،‬التـي تحلَّـت بهـا الزهرا ُء سلام الله‬
‫بحـب خصـال الخير وعقائـد الحـق التي كان‬ ‫عليهـا‪ ،‬و َمـ ْن يكـون كذلـك فإنـه «يقترن ِّ‬
‫ـت إلـى الشـر بصلـة مـن‬ ‫ينطـوي عليهـا قل ُبهـا الطاهـر‪ ،‬مـع االنقطـاع عـن ِّكل مـا يَ ُم ُّ‬
‫الظلـم والبغـي والعـدوان»(((‪ ،‬وهـذا مـا يؤ ِّهلُه ألن يكـون مفطوما من النار‪ ،‬ويسـ ِّبب له‬
‫ـخط َة للـه تعالى‪ ،‬ويسـارِع فـي مرضاته‪.‬‬ ‫المعاصـي ال ُم ْس ِ‬
‫َ‬ ‫ـب‬
‫أن يتج َّن َ‬
‫ِ‬
‫البياض‬ ‫وأ َّمـا لقـب الزهراء‪ :‬فهو مـن ال ّزهر‪ ،‬واألَ ْز َه ُر مـن الرجال‪ :‬األَبيـض ُ‬
‫العتيق‬
‫ال َّن ِّيـ ُر ال َح َسـ ُن‪ ،‬وهـو أَحسـن البيـاض‪ ،‬كأَ َّن لـه بَرِيقـاً ونُـورا ً يُ ْز ِهـ ُر كمـا يُ ْز ِهـ ُر النجم(((‪،‬‬
‫صحيفة اإلمام الرضا‪ ،‬ص‪.89‬‬ ‫(((‬
‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪228‬؛ وينظر الكوفي‪ ،‬مناقب أمير المؤمنين‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.188‬‬ ‫(((‬
‫الكعبي‪ ،‬سيدة النساء فاطمة الزهراء‪ ،‬ص‪.28 - 27‬‬ ‫(((‬
‫ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬مادة زهر‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪36‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫(أنه كان أ ْز َهـ َر اللَّون)‪،‬‬ ‫واألنثـى مـن ذلـك‪ :‬زهـراء‪ .‬قال ابـن األثير‪“ :‬في صفتـه‬
‫البيـاض الن ِّير وهو أحسـ ُن األلوان”(((‪،‬‬
‫ُ‬ ‫األبيـض ال ُم ْسـتَ ِنير‪ ،‬وال َّز ْهـر وال َّز ْهـرة ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫واأل ْز َهـر‪:‬‬
‫وإذا عرفنـا مشـابهة فاطمـة ألبيهـا اتضـح لنـا بشـكل جيـد مأخـذ تسـميتها أو تلقيبهـا‬
‫بالزهراء‪.‬‬
‫إشـراق نـو ِر إيمانهـا‪ ،‬وإضاءتـه علـى إيمـان‬ ‫ُ‬ ‫أيضـا‪“ :‬ويـرا ُد بـه‬‫وقـال ابـن األثيـر ً‬
‫”(((‪.‬‬ ‫“سـ ِّم َي ْت بالزهـراء؛ ألنهـا زهـرة المصطفـى‬ ‫غيرهـا”(((‪ .‬وقـال المنـاوي‪ُ :‬‬
‫قائلـة‪:‬‬ ‫فـي زفافهـا‬ ‫بعـض أزواج النبـي‬ ‫وارتجـزت ُ‬
‫ومـــن لهـــا وجـــ ٌه كوجـــ ِه القم ِر‬ ‫فاطمـــ ٌة خيـــ ُر نســـا ِء البشـــ ِر‬
‫(((‬
‫بـــآي ال ُّز َم ِر‬
‫ِ‬ ‫بفضـــلِ من ُخ َّ‬
‫ـــص‬ ‫ّـــك اللـــ ُه علـــى ِّكل الـــورى‬ ‫فضل ِ‬ ‫َّ‬
‫َـت بالزهـراء؛‬
‫ُع ِرف ْ‬ ‫و«يسـتفاد مـن جملـة األحاديـث واألخبـار أ ّن فاطمـة‬
‫لجمـال هيئتهـا‪ ،‬والنور السـاطع فـي ُغ ّرتها‪ ،‬فهـي ُم ْز ِهرة كالشـمس الضاحية‪ ،‬ومشـرقة‬
‫كالقمر المنيـر»(((‪.‬‬
‫وأ َّمـا لقـب البتـول‪ :‬فالبتـل فـي اللغـة هـو القطْـع‪ ،‬والتبتُّل هـو االنقطاع إلـى الله‪،‬‬
‫وسـ ِئل ثعلـب وهـو مـن أئمة اللغـة‪ :‬لِــ َم قيـل لفاطمة بنت‬
‫واإلخلاص إليـه إخالصـا(((‪ُ ،‬‬
‫البتـول؟ فقـال‪“ :‬النقطاعهـا عـن نسـاء أَهـل زمانهـا ونسـاء األُمـة‬ ‫رسـول اللـه‬
‫عفافًـا وفضلاً ودي ًنـا وحسـبًا”(((‪ .‬وأضاف صاحب القامـوس‪ :‬والنقطاعها عـن الدنيا(((‪،‬‬
‫أ َّمـا الخطَّابـي فقـد قـال‪“ :‬فأمـا فاطمـة فإنمـا قيل لهـا البتول؛ ألنهـا منقطعـة القرين‬

‫النهاية في غريب الحديث واألثر‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.804‬‬ ‫(((‬


‫ابن األثير‪ ،‬منال الطالب‪ ،‬ص‪.508‬‬ ‫(((‬
‫المناوي‪ ،‬إتحاف السائل‪ ،‬ص‪.24‬‬ ‫(((‬
‫ابن شهر آشوب‪ ،‬المناقب‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.355‬‬ ‫(((‬
‫الكعبي‪ ،‬سيدة النساء فاطمة الزهراء‪ ،‬ص‪.28‬‬ ‫(((‬
‫الخليل‪ ،‬العين‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.38‬‬ ‫(((‬
‫األزهـري‪ ،‬تهذيـب اللغـة‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪11‬؛ والفيروزآبـادي‪ ،‬القامـوس المحيـط‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪53‬؛ وابن منظور‪ ،‬لسـان‬ ‫(((‬
‫العـرب‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.42‬‬
‫الفيروزآبادي‪ ،‬القاموس المحيط‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.53‬‬ ‫(((‬
‫‪37‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫نبلا وشـرفا”(((‪ .‬وهـو معنـى ما ذكـره ثعلب‪ ،‬وأضـاف ابن منظـور أيضا‪“ :‬وامـرأَة ُمبَتَّلة‬
‫فضل؛ مـن ذلك قول األَعشـى‪:‬‬ ‫ال َخلْـق أَي م ْنقطعـة ال َخلْـق عـن النسـاء‪ ،‬لهـا عليهـن ٌ‬
‫(((‬
‫ِة لـــ ْم ت َـــ َر شَ ْمســـاً وال َز ْم َهرِيرا”‬ ‫ْـــق ِمث ُ‬
‫ْـــل ال َم َهـــا‬ ‫ُم َبتَّلـــة ال َخل ِ‬
‫وهـي معـانٍ تتوافـق ومـا كانـت عليـه فاطمـة مـن العبـادة للـه‪ ،‬واإلخلاص لـه‪،‬‬
‫واالنقطـاع إليـه‪ ،‬والسـيادة والفضـل علـى نسـاء العالميـن‪.‬‬
‫ومـا ذكـره البعـض مـن كونهـا ال تحيض‪ ،‬فهذا لم يصـح في روايات أهـل البيت‬
‫حيـث أكّـدت أنهـا كانت تحيـض ويأتيها دم النفـاس‪ ،‬مثلها مثـل بقية النسـاء(((‪ ،‬وكذلك‬
‫قـول اإلمـام الزمخشـري رحمـه اللـه‪ :‬إنمـا سـ ِّم َيت بذلـك تشـبيها بمريـم‬‫لـم يُعج ْبنـي ُ‬
‫مدلوالت المعنى اللغوي حاضـر ٌة بقوة في الزهراء‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المنقطعـة عن الرجـال؛ أل َّن‬ ‫البتـول‪،‬‬
‫أصالة من دون تشـبيه‪.‬‬ ‫فاطمـة‬
‫ألقاب‬
‫وأمـا ألقـاب الصديقـة‪ ،‬والطاهـرة‪ ،‬والزكيـة‪ ،‬والرضيـة‪ ،‬والمرضيـة‪ ،‬فإنهـا ٌ‬
‫تشـير إلـى أوصافهـا العظيمـة‪ ،‬من الصـدق‪ ،‬والطهـارة‪ ،‬والـزكاء‪ ،‬والرضا منهـا وعليها‪.‬‬

‫الخلقي‬
‫و�صفها ِ‬
‫شـاء اللـه أن تكـون هـذه األنثـى امتـدا َد أبيهـا‪ ،‬وتح ِمـل فـي جيناتها أعلام الهدى‬
‫فـي أمتـه قائمين بالحـق؛ ولهذا منحها اللـه خصوصي ًة‬ ‫َ‬
‫الرسـول‬ ‫الذيـن يخلِّفـون‬
‫حتى في ِمشـيتها‪ ،‬ويمك ُن‬ ‫القوي برسـول الله‬
‫ُّ‬ ‫اسـتثنائية أخرى‪ ،‬أال وهي شَ ـ َب ُهها‬
‫والخلقيـة مـن صفـات ِ‬
‫والدهـا الرسـو ِل األنـور‪ ،‬ذي‬ ‫اسـتيحاء شـخصيتها الجسـمانية ِ‬
‫‪.‬‬ ‫الجبيـن األزهر‬
‫جمال هيئتها‪ ،‬ويشـي بالنور السـاطع من ُغ ّرتهـا‪ ،‬وهي صفاتٌ‬ ‫ولقـب الزهـراء يبين َ‬
‫ت ُل ِقـم َح َجـ ًرا أفوا َه أولئك المستشـرقين الذيـن حاولوا تصوي َرها بأنهـا لم تكن كذلك‪.‬‬

‫((( غريب الحديث‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.230‬‬


‫((( ابن منظور‪ ،‬لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.42‬‬
‫((( الهـادي يحيـى بـن الحسـين‪ ،‬األحـكام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪246‬؛ وأحمـد بـن عيسـى‪ ،‬أمالـي أحمـد بـن عيسـى‪( ،‬رأب‬
‫الصـدع‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.)646‬‬
‫‪38‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫أنـس بـنِ مالـك‪« :‬كانت فاطمـة كالقمر ليلة البـدر‪ ،‬بيضا َء ُمشـ َرب ًة ُح ْمرة‪،‬‬ ‫قالـت أ ُّم ِ‬
‫لهـا شَ ـع ٌر أسـود‪ ،‬مـن أشـ ِّد النـاس برسـول اللـه شـبها»(((‪ ،‬قـال عبداللـه بـن أنـس بـن‬
‫مالـك‪ ،‬أحـد رواة سلسـلة الخبـر‪ ،‬كانـت واللـه كما قال الشـاعر‪:‬‬
‫(((‬
‫وتغيـــب عنه وهـــو جث ٌْل أَ ْســـ َح ُم‬ ‫قيام شـــعرها‬
‫بيضاء تســـحب من ٍ‬
‫(((‬
‫ليـــل عليهـــا ُمظْلِـــ ُم‬‫ٌ‬ ‫وكأنـــه‬ ‫فكأنهـــا فيـــه نهـــا ٌر ُمشـــر ٌِق‬

‫فاطمة في القر�آن‬
‫تح َّدث القرآن الكريم عن الزهراء باعتبارها من أهل بيت نبيها المصطفى‬
‫وذوي قرباه ونسائه‪ ،‬ومن األبرار الزاكين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ال ْيـت َ ُ َ ِّ َ ْ‬ ‫َ‬
‫َّ َ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ ُ ُ ِّ ْ َ ْ َ‬
‫ـم‬ ‫الرجـس أهـل َ ِ ويطهرك‬ ‫‪ - 1‬يقـول اللـه تعالـى‪﴿ :‬إِنمـا ي ِريـد الل َّ ِلذهِـب عنكـم‬
‫ً‬
‫َت ْط ِهيرا﴾‪ ،‬تقـول الروايـات المتكاثـرة‪ :‬إنـه لمـا أنـزل اللـه هـذه اآلية دعـا النبي‬
‫فاطمـة وعليـا والحسـن والحسـين‪ ،‬فَ َجلَّلَهـم بكسـا ٍء يمانـي‪ ،‬وقـال‪( :‬اللهـم هـؤالء أهـل‬
‫مـدة طويلة يأتـي منزل فاطمـة َّكل غدا ٍة‬ ‫بيتـي)(((‪ ،‬وبعـد نـزول هـذه اآلية مكث‬
‫ِ‬
‫البيـت ويط ِّه َركم‬ ‫أهل‬
‫ـس َ‬
‫ليذهـب عنكم ال ِّر ْج َ‬
‫َ‬ ‫فيقـول‪( :‬الصلاة الصلاة‪ ،‬إنّما يريـ ُد الله‬
‫تطهيرا) (((‪.‬‬
‫وأمـا الرجـس الـذي أذهبه اللـه عنهـم‪ ،‬وط َّهرهم منه تطهيـرا‪ ،‬فهو «الفعـل الردي ُء‬
‫النجـس مـن المعاصـي واألدنـاس‪ ،‬واألسـفاه((( التـي تكـون فـي بعـض النـاس‪ ،‬فأمـر‬
‫الحاكم‪ ،‬المستدرك‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،176‬رقم ‪4759‬؛ وحمزة الجرجاني‪ ،‬تاريخ جرجان‪ ،‬ص‪.170‬‬ ‫(((‬
‫جثل الشعر‪ :‬كثر والتف واسو ّد‪ ،‬واألسحم‪ :‬األسود‪.‬‬ ‫(((‬
‫حمزة الجرجاني‪ ،‬تاريخ جرجان‪ ،‬ص‪.170‬‬ ‫(((‬
‫أخرجـه مالـك‪ ،‬وأحمـد بـن حنبـل‪ ،‬ومسـلم‪ ،‬وأبـو داود‪ ،‬والترمـذي‪ ،‬والدارقطنـي‪ ،‬والحاكـم‪ ،‬وأبـو الشـيخ‪،‬‬ ‫(((‬
‫والطبرانـي‪ ،‬والبيهقـي‪ ،‬وعبـد بـن حميـد‪ ،‬وابـن جريـر‪ ،‬وابـن خزيمـة‪ ،‬وابـن عسـاكر‪ ،‬وابن مردويـه‪ ،‬وابن‬
‫المنـذر‪ ،‬وعامـة المحدثيـن‪ ،‬ورواه أهـل البيـت بأسـانيدهم إلـى أمير المؤمنين‪ ،‬والحسـن السـبط‪ ،‬وفاطمة‬
‫الزهـراء‪ ،‬وابـن عبـاس‪ ،‬وعبداللـه بـن جعفـر‪ ،‬وجابـر بـن عبداللـه األنصـاري‪ ،‬وأنس بـن مالك‪ ،‬وسـعد بن‬
‫أبـي وقـاص‪ ،‬وغيرهـم‪( .‬ينظـر المؤيـدي‪ ،‬لوامـع األنـوار‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.)55‬‬
‫ينظر ابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪1543‬؛ وينظر المصادر السابقة‪.‬‬ ‫(((‬
‫جمع سفه‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪39‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫وأمـر أهـل بيتـه بتقـواه وطاعتـه‪ ،‬وتـ ْر ِك النجس مـن جميع‬ ‫اللـه سـبحانه النبـي‬
‫معصيتـه‪ ،‬بمـا أذهـب عنهم من كل رجـس أو دنَس‪ ،‬وب َّعدهم من كل معصيـة ون َجس»(((‪.‬‬
‫إن هـذه اآليـة تؤكِّـد أ َّن اللـه أراد أن يُذهب عن السـيدة فاطمة الزهـراء وأهل بيتها‬
‫َّكل رجـس‪ ،‬ومـا أراده اللـه كان‪ ،‬وأكَّـد ذلـك بإرادتـه تطهيرهـم تطهيـ ًرا؛ وبالتالـي فهم‬
‫معصومـون عن ارتـكاب اآلثام‪.‬‬
‫َْ َ َ َ َ ْ ْ َُ ْ َ َ َ ْ َ ْ ُ ََْ َ‬ ‫َ َ ْ َ َّ َ‬
‫ِـن ال ِعل ِم فقـل تعال ْوا نـدع أبناءنا‬
‫‪ - 2‬قولـه تعالـى‪﴿ :‬فمـن حآجـك فِيـ ِه مِن بع ِد مـا جاءك م‬
‫َ ْ َ‬ ‫َّ ْ َ‬ ‫ْ َ ْ َ‬ ‫ُ ُ َْ‬ ‫َ ُ َ‬
‫ـنا وأنفسـك ْم ث َّم نب َتهـل ف َنجعل لع َنـة الل ّ َع الكذِب َ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬
‫ني﴾[آل‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َوأبناءك ْم َون ِسـاءنا َون ِسـاءك ْم َوأنفس‬
‫عمـران‪ ،]61:‬وت َُسـ َّمى آيـ َة المباهلـة‪ ،‬عندمـا كابـر نصارى نجـران الحجة الواضحة بشـأن‬
‫‪ ،‬أمـر اللـه بدعوتهـم إلـى المباهلـة‪ ،‬أخـرج مسـلم عـن سـعد‬ ‫نبـي اللـه عيسـى‬
‫عل ًّيـا وفاطمة‬ ‫رسـول اللـه‬ ‫ُ‬ ‫َـت آيـ ُة المباهلة‪ ،‬دعا‬
‫بـن أبـي وقـاص‪ ،‬قـال‪ :‬ل َّمـا ن َزل ْ‬
‫وحسـنا وحسـينا‪ ،‬وقـال‪( :‬هـؤالء أهـل بيتي)(((‪ .‬وهنـا يتب َّيـن أ َّن القرآن الكريـم ع َّب َر عن‬
‫الزهراء بـ(نسـاءنا)‪ ،‬حيث مثَّلت الزهرا ُء نسـا َء األمة باعتبارها سـ ِّيد َة نسـا ِء هذه األمة‪،‬‬
‫إطلاق لفظ الجمـع عليها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫صح‬
‫وأكـ ِر ْم بهـا مـن فضيلـة ومنقبـة‪ ،‬ولكونها كذلـك َّ‬
‫ثـم أيضـا كان «إخـراج عنصـر المـرأة ممثلة بفاطمـة الزهراء صلوات الله وسلامه‬
‫عليهـا‪ ،‬والتـي تعتبـر النمـوذج الفـذ للمـرأة المسـلمة‪ ،‬فـي أمـر دينـي ومصيـري كهـذا‪،‬‬
‫مـن شـأنه أن يضـرب ذلـك المفهـوم الجاهلـي البغيـض‪ ،‬الـذي كان ال يرى للمـرأة أية‬
‫قيمـة أو شـأنٍ يُ ْذكَـر‪ ،‬بـل كانـوا يـرون فيها مصدر شـقاء وبلاء‪ ،‬ومجلبة للعـار‪ ،‬ومظنة‬
‫للخيانـة؛ فلـم يكـن يتصـور أحـد منهـم أن يـرى المـرأة تشـارك فـي مسـألة حساسـة‬
‫وفاصلـة‪ ،‬بـل ومقدسـة كهذه المسـألة‪ ،‬فضلاً عن أن تعتبر شـريكة فـي الدعوى‪ ،‬وفي‬
‫الدعـوة إلثباتها»(((‪.‬‬
‫ُ َّ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َ ْ َ ْ ً َّ ْ َ َ َّ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ً‬
‫ـرب َومـن يقترِف حسـنة‬ ‫‪ - 3‬قولـه تعالـى‪﴿ :‬قـل ل أسـألكم عليـ ِه أجـرا إِل المـودة ِف الق‬
‫ـور َش ُك ٌ‬
‫الل َّ َغ ُف ٌ‬ ‫َّ ْ َ ُ َ‬
‫ِيهـا ُح ْسـنا ً إ َّن َ‬
‫َ‬
‫رسـول‬ ‫ور﴾[الشـورى‪ ،]23:‬روي أنَّهـا ل َّمـا نَ َزل ْ‬
‫َـت قالوا‪ :‬يا‬ ‫ِ‬ ‫ـزد ل ف‬
‫ن ِ‬

‫((( مجموع كتب ورسائل اإلمام القاسم الرسي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،620‬مسائل القاسم رقم ‪.202‬‬
‫((( مسلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،1870‬رقم‪.2404‬‬
‫‪ ،‬ص‪.27‬‬ ‫((( العاملي‪ ،‬الحياة السياسية لإلمام الحسن‬
‫‪40‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫(علـي وفاطم ُة وول ُدهمـا)(((‪ ،‬وذوو‬ ‫اللـه‪َ ،‬مـ ْن قرابتُـك الذيـن أَ َم َرنا اللـ ُه بمو ّدتهم؟ قال‪ٌّ :‬‬
‫(((‪ ،‬وأول تلـك الذريـة ورمزها ونهـر كوثرها هي‬ ‫القربـى هـم ذريـة رسـول اللـه‬
‫الزهـراء؛ يقـول فقيـه القـرآن العالـم المجاهـد بـدر الديـن الحوثـي‪« :‬والحكمـة فـي‬
‫ذلـك أن النـاس إذا أحبوهـم ات َّبعوهـم‪ ،‬فتعلَّموا منهـم‪ ،‬واهتدوا بهداهـم‪ ،‬بخالف ما إذا‬
‫أبغضوهـم‪ ،‬فإنهـم يتباعـدون عنهم‪ ،‬ويتنكَّرون إلرشـاداتهم‪ ،‬ويتركـون االقتداء بهم»(((‪.‬‬
‫‪ - 4‬هـي مـن األبـرار الذيـن َو َردَتْ آياتُ سـورة اإلنسـان فـي فضلهم‪ ،‬وما أعـ َّد الل ُه‬
‫وقـت إفطارهم‬ ‫لهـم مـن اإلكـرام؛ وذلك ل َّمـا ن َذ َرت مع أهـل بيتها بالصيـام‪ ،‬فل ّما حان ُ‬
‫جاءهـم مسـكين ويتيـم وأسـير يسـألونهم‪ ،‬فأعطوهـم أقـراص إفطارهـم‪ ،‬فأنـزل اللـه‬
‫ُ َ ِّ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ َ َ ُ َ َ ُ ً َْ ً َْ َ ُ َ‬ ‫َّ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫شب بِها ع َِبـاد الل َِّ يفج ُرونها‬ ‫شبـون مِـن كأ ٍس كن مِزاجها كفورا * عينـا ي‬ ‫تعالـى‪﴿ :‬إِن البـرار ي‬
‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ً ُ ُ َ َّ ْ َ َ َ ُ َ َ ْ ً َ َ َ ُّ ُ ْ َ ً ُ ْ ُ َ َّ َ َ َ َ ُ‬ ‫َْ‬
‫شهُ مسـت ِطريا * َويط ِعمـون الطعـام ع ح ِّبـ ِه مِسـكِينا‬ ‫جيرا* يوفـون بِانلـذ ِر و يافـون يومـا كن‬ ‫تف ِ‬
‫ِّ َ‬ ‫ُ ْ َ َ َ ُ ُ ً َّ َ َ ُ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫ً َّ َ ُ ْ ُ ُ ْ ْ‬ ‫ً َ‬ ‫َ‬
‫ـزاء َول شـكورا* إِنـا ناف مِـن َّربنا‬ ‫َويتِيمـا َوأ ِسيرا* إِنمـا نط ِعمكـم ل َِوجـ ِه الل َِّ ل ن ِريـد مِنكـم ج‬
‫اهـم ب َمـا َص َ ُ‬ ‫ً َ َ َ ُ ُ ُ َ َّ َ َ ْ َ ْ ِ َ َ َّ ُ ْ َ ْ َ ً َ ُ ُ ً َ َ َ ُ‬ ‫ً ََْ‬ ‫َْ ً َ‬
‫بروا‬ ‫ِ‬ ‫يومـا ع ُبوسـا قمط ِريـرا* فوقاهـم الل َّ ش ذل ِـك الـوم ولقاهـم نضرة وسورا* وجز‬
‫َ َُ‬ ‫ً َ ً َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ ْ ً َ َ َْ‬ ‫َ َ ََ َْ‬ ‫ً ُ َّ‬ ‫َ َّ ً َ‬
‫ين فِيهـا ع ال َرائ ِِك ل ي َر ْون فِيها شمسـا َول زمه ِريـرا* َودان َِيـة عل ْي ِه ْم ظِللها‬ ‫كئ ِ‬‫جنـة َوح ِريـرا* مت ِ‬
‫َّ‬ ‫يـرا* َق َوار َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ َ َ ْ‬
‫ت َق َوار َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫ـاف َعلَ ْ‬‫ً ََُ ُ‬ ‫َ ُ ِّ َ ْ ُ ُ ُ َ َ ْ‬
‫يـر مِن ف ِض ٍة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ك‬ ‫اب‬
‫ٍ‬ ‫ـو‬ ‫ك‬ ‫أ‬‫و‬ ‫ة‬
‫ٍ‬ ‫ِض‬ ‫ف‬ ‫ـن‬ ‫م‬ ‫ة‬
‫ٍ‬ ‫ِي‬ ‫ن‬ ‫آ‬‫ِ‬ ‫ب‬ ‫ـم‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ي‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫*‬ ‫لا‬ ‫ل‬ ‫ِ‬ ‫ذ‬ ‫وذللـت قطوفهـا ت‬
‫ً ََُ ُ‬ ‫ً َ ْ ً َ ُ َ َّ َ َْ‬ ‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ً ُْ‬ ‫َ َّ َ َ ْ‬
‫قد ُروهـا تقدِيـرا* َويسـق ْون فِيهـا كأسـا كن م َِزاجها زجنَبِيلا* عينا فِيها تسمى سلسـبِيال * ويطوف‬
‫ً ُْ ً َ ً‬ ‫َ َ ْ ْ ْ َ ٌ ُّ َ َّ ُ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ ُ ً َّ ُ ً َ َ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ َ‬
‫ـم َرأيت ن ِعيمـا َوملاك كبِريا*‬ ‫علي ِهـم ِولان ملدون إِذا رأيتهـم ح ِسـبتهم لؤلؤا منثـورا * وإِذا رأيت ث‬
‫َّ َ َ َ ُ ْ َ ُّ ُ ْ َ َ ً َ ُ ً َّ َ َ‬ ‫ُ ْ ٌ َ ْ َ ْ َ ٌ َ ُ ُّ َ َ‬ ‫َ َُ ْ َ ُ ُ ُ‬
‫شابا طهـورا * إِن هذا‬ ‫ـاو َر مِـن ف ِض ٍة وسـقاهم ربهم‬ ‫ع ِلهـم ثِياب سـند ٍس خض وإِسـتبق وحلوا أ ِ‬
‫س‬
‫ُ ً‬ ‫َ َ َ ُ ْ َ َ ََ َ َ ُْ ُ‬
‫كم َّم ْشكورا﴾[اإلنسـان‪ ]22 - 5:‬من سـورة اإلنسـان‪.‬‬ ‫كن لكـم جزاء وكن سـعي‬
‫نزلـت هـذه اآليـات في أهل البيت هـؤالء(((‪ ،‬ووصفتهم اآليات بأنهـم أبرار‪ ،‬ويوفون‬
‫بالنـذر‪ ،‬ويخافـون اليـوم اآلخـر‪ ،‬ويُطْعمـون الطعـام علـى حاجتـه‪ ،‬ولوجـه اللـه‪ ،‬وبغير‬
‫خبـر مشـهور مـروي عـن جماعـة مـن الصحابـة‪ ،‬أخرجـه الحسـكاني مـن طـرق‪ ،‬وأخرجـه أبـو عبيـد فـي‬ ‫(((‬
‫فضائـل القـرآن‪ ،‬وإسـحاق‪ ،‬وعبـد بـن حميد‪ ،‬والحسـن بن سـفيان‪ ،‬والبغـوي‪ ،‬والثعلبـي‪ ،‬والمرشـد بالله من‬
‫طريقيـن‪ ،‬والحاكـم‪ ،‬وابـن حنبـل‪ ،‬وابـن المغازلي‪.‬‬
‫الحوثي‪ ،‬التيسير في التفسير‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.365‬‬ ‫(((‬
‫الحوثي‪ ،‬التيسير في التفسير‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.365‬‬ ‫(((‬
‫رواه اإلمـام الهـادي فـي األحـكام‪ ،‬والسـيوطي فـي الـدر المنثـور‪ ،‬وغيرهمـا‪ .‬ينظـر الحوثي‪ ،‬التيسـير في‬ ‫(((‬
‫التفسـير ج‪ ،7‬ص‪.316 - 315‬‬
‫‪41‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫جـزاء وال شـكور‪ ،‬وأنهـم يخافـون يومـا عبوسـا قمطريـرا‪ ،‬ولهـذا جزاهم اللـه بالفضل‬
‫العظيـم والخيـر العميم‪.‬‬
‫إذن الفضـل جاءهـم مـن قبـل أعمالهـم‪ ،‬حيث بـادروا بأفعـال طيبة وخ ِّيـرة مواكِبة‬
‫النفعـاالت اعتقاديـة‪ ،‬وذات داللـة ضميريـة‪ ،‬فـي مـا بينهـم وبيـن اللـه عـز وجـل‪ ،‬من‬ ‫ٍ‬
‫الصيـام وإيفـاء النـذر‪ ،‬والخـوف مـن اللـه واليـوم اآلخـر‪ ،‬وعذابـه‪ ،‬وتت ْر َج َمـت هـذه‬
‫االعتقـادات إلـى أفعـال سـلوكية‪ ،‬فأطعمـوا الطعـام علـى حبه؛ لهـذا مدحهـم الله ذلك‬
‫المـدح‪ ،‬وجازاهـم ذلـك الجزاء‪.‬‬
‫َّ َ ْ َ َ َ‬
‫أنـه أعطـاه الكوثـر‪ ،‬قـال تعالـى‪﴿ :‬إِنـا أعط ْينـاك‬ ‫‪ - 5‬امتـن اللـه علـى نبيـه‬
‫َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ َ ِّ َ ِّ َ ْ‬
‫ـك َوانَـر* إ ِ َّن َشـان َِئ َك ُه َـو األ ْب َت﴾[الكوثـر‪ .]3 - 1:‬قال اإلمام زيـد‪“ :‬الكوثر‪:‬‬ ‫الكوثـر* فصـل ل ِرب‬
‫هـو الخيـر الكثيـر”(((‪ ،‬وقـال اإلمام القاسـم بن إبراهيـم‪“ :‬الكوثر هو العطـاء األكبر”؛‬
‫قـال السـيد المجاهـد بـدر الديـن الحوثـي‪“ :‬وهـو عـا ٌّم لنعـم الله التـي أنعم بهـا على‬
‫أيضـا أنـه ال مانـع مـن تفسـيره بكثرة الذريـة إلى جانـب ِّكل ما‬ ‫”‪ .‬وذكـر ً‬ ‫رسـوله‬
‫يشـمله عمـوم اللفظـة مـن المصاديق الكثيـرة(((؛ وال شـك أ َّن الزهراء هي رمـز الكوثر‪،‬‬
‫و ُمنطَلقُه‪.‬‬

‫فاطمة في كلمات الر�سول الكريم وتعامالته‬


‫ومواقفه في‬ ‫إجمـال ِ‬
‫بعض فضائلها التـي َو َردَتْ في كالم المصطفـى‬ ‫ُ‬ ‫يمكـن‬
‫هذه النقـاط التالية‪:‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫‪ - 1‬أن اللـه يغضـب لغضبهـا‪ ،‬ويـرىض لرضاهـا‪ ،‬فعـن أمير املؤمنني علي‬
‫ـب لغضـب فاطمـة‪ ،‬ويرىض‬
‫يغض ُ‬
‫لفاطمـة‪( :‬إن اللـه تعـاىل َ‬ ‫قـال رسـول اللـه‬
‫لرضاها)(((‪.‬‬
‫((( تفسير غريب القرآن لإلمام زيد‪ ،‬ص‪.200‬‬
‫((( التيسير في التفسير‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.594 ،593‬‬
‫ومنهـم اإلمـام الرضـا فـي صحيفتـه‪ ،‬ص‪ ،90‬واإلمـام المرشـد بالله فـي األمالي‬ ‫((( رواه أهـل البيـت‬
‫اإلثنينيـة‪ ،‬ص‪ ،224‬واإلمـام القاسـم بـن إبراهيـم‪ ،‬كمـا نقـل عنـه اإلمـام أحمـد بـن سـليمان فـي حقائـق‬

‫‪42‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫أنـه‬ ‫غضبُـه مـا أغضبهـا‪ ،‬فعنـه‬ ‫‪ ،‬يؤذيـه مـا آذاهـا‪ ،‬ويُ ِ‬ ‫‪ - 2‬أنهـا بَضعـة منـه‬
‫قـال‪( :‬فاطمـ ُة بَضع ٌة منـي‪ ،‬ف َم ْن أغضبها فقـد أغضبني)‪ ،‬ويف روايـة أخرى‪( :‬فإنَّ ا‬
‫هـي بَضعـة مني يُريبُنـي ما أرابها‪ ،‬ويؤذيني مـا آذاها)(((‪ ،‬ويف روايـة‪( :‬إمنا فاطمة‬
‫ِشـجنة مني يبسـطني ما يبسـطها‪ ،‬ويُ ْقب ُِضنـي ما يُ ْقب ُِضها)(((‪.‬‬
‫‪ ،‬كما‬ ‫ُكسـر‪ ،‬أي أنهـا جز ٌء منـه‬ ‫وال َبضعـة بالفتـح‪ :‬ال ِقطعـة مـن اللحـم‪ ،‬وقـد ت َ‬
‫أ َّن القطعـة مـن اللحـم جـز ٌء منه(((‪ ،‬والشّ ـجنة بضم الشـين وكسـرها‪ :‬ال َّر ِحم المشـتبِكة‪،‬‬
‫وأصلُهـا شُ ـعبة مـن غُصنٍ مـن غصون الشـجرة(((‪.‬‬
‫وهـذا الحديـث برواياتـه المتعـددة يبيِّـن خطـورة إغضـاب فاطمـة أو إيذائهـا‪ ،‬أو‬
‫‪ ،‬وكان‬ ‫إقباضهـا وأن ذلـك بمثابة إغضاب رسـول اللـه أو إيذائه‪ ،‬أو إقباضه‬
‫بهـذا يُعطـي درسـا عظيمـا وكبيـرا فـي أهميـة االلتـزام بالمبـادئ الدينيـة‪ ،‬واألحـكام‬
‫إغضاب فاطمة سلام الله عليها‬ ‫ُ‬ ‫الشـرعية‪ ،‬ويُ َحـذِّر مـن خطـورة االنحراف الذي يشـكل‬
‫دليلا علـى أنـه انحراف‪.‬‬
‫صلاح األمة‬
‫ُ‬ ‫؛ لكونِهـا أ َّم ذريتـه الذيـن بهـم‬ ‫كمـا يشـير إلـى رمزيـة فاطمـة‬
‫أنهـا قطعـة منـه‪ ،‬وأن حكـم هـذه المـرأة حكمـه فـي‬ ‫وهدايتهـا‪ ،‬وأكَّـد الرسـول‬
‫مجتمـعٍ كان يُهيـ ُن المـرأ َة ويحت ِق ُرهـا‪ ،‬ويعتبرهـا عـا ًرا‪.‬‬
‫بالسـيادة‪ ،‬فمـرة بأنهـا سـيدة نسـاء هذه األمة‪ ،‬ومـرة بأنها‬ ‫ُ‬
‫الرسـول‬ ‫‪َ - 3‬و َصفَهـا‬
‫سـيدة نسـاء العاملين‪ ،‬وثالثـة بأنها سـيدة نسـاء أهـل الجنـة‪ ،‬ووردت أحاديث كثرية‬

‫)‪ ،‬وأخرجـه المحدثـون‪ ،‬ومنهـم ابن أبـي عاصم في‬ ‫المعرفـة‪( ،‬فصـل إمامـة اإلمـام زيـد بـن علـي‬
‫اآلحـاد والمثانـي‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ ،313‬رقـم‪ ،2624‬وأبـو نعيـم فـي معرفـة الصحابـة‪ ،‬ج‪ ،22‬ص‪ ،206‬رقـم‪،6704‬‬
‫والحاكـم فـي المسـتدرك ج‪ ،11‬ص‪ ،38‬رقـم ‪ ،4713‬وقـال‪ :‬صحيـح اإلسـناد‪ ،‬والطبرانـي فـي الكبيـر‪ ،‬ج‪،1‬‬
‫ص‪ ،108‬رقـم ‪ ،183‬ج‪ ،22‬ص‪ ،401‬رقـم‪ ،18853‬وآخـرون‪.‬‬
‫ينظر البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،1361‬رقم‪.3510‬‬ ‫(((‬
‫الحاكـم‪ ،‬المسـتدرك على الصحيحيـن‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،168‬رقم‪3734‬؛ والطبراني‪ ،‬المعجـم الكبير‪ ،‬ج‪ ،22‬ص‪،405‬‬ ‫(((‬
‫رقم‪.1014‬‬
‫ابن األثير‪ ،‬النهاية في غريب الحديث واألثر‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.345‬‬ ‫(((‬
‫لسان العرب‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪ ،232‬مادة شجن‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪43‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫بذلـك يف كتـب املسـلمني جميعـا(((‪ ،‬وصار هذا معروفـا عند املسـلمني(((‪ ،‬وأوصافها‬
‫بأنهـا (سـيدة نسـاء املؤمنين)(((‪ ،‬وأنهـا (سـيدة نسـاء هـذه األمـة)(((‪ ،‬وأنهـا (سـيدة‬
‫ل‬
‫بر عـن علـ ِّو مقامهـا‪ ،‬وأنّهـا تفـ ّردت بهـا؛ لفرادتهـا فض ً‬ ‫نسـاء أهـل الجنـة)(((‪ ،‬تع ُ ِّ‬
‫عملا وإنجازًا‪.‬‬ ‫وبركـة‪ ،‬وتفردهـا ً‬
‫إنهـا نمـوذج المـرأة المؤمنـة؛ إذ هي سـيدة نسـاء هـذه األمـة‪ ،‬وهي نمـوذج المرأة‬
‫العالميـة؛ إذ هـي سـيدة نسـاء العالميـن‪ ،‬وهي نموذج المـرأة التي تبتغـي طريق الجنة؛‬
‫إذ هـي سـيدة نسـاء أهـل الجنـة‪ ،‬فنسـا ُء هـذه األمـة يَجِـ ْدن فـي الزهـراء نموذ َجهـن‬
‫القرآنـي‪ ،‬الـذي ينبغـي التأسـي بـه في جميـع مجـاالت تحركهـا‪ ،‬وهناك مـن المفاهيم‬
‫والقضايـا والمبـادئ اإلنسـانية والفطريـة مـا يجعـل المـرأة العالميـة تجِـد ضالَّتهـا‬
‫المنشـودة فـي نمـوذج الزهـراء سلام اللـه عليهـا‪ ،‬وهنـاك فيهـا سلام اللـه عليهـا من‬
‫المواصفـات اإليمانيـة مـا تجـد فيهـا المرأة المؤمنـة التي تبتغـي الجنة طريقهـا إليها‪.‬‬
‫إنهـا نمـوذج الحريـة والكرامـة والعلـم والعـدل واإلنصـاف والتواضـع واإلنسـانية‬
‫واإليثـار والتفضـل وقوة الموقـف‪ ،‬واعتداد المرأة بكرامتها اإلنسـانية‪ ،‬وحسـن التربية‪،‬‬
‫أي نمـوذ ٍج آ َخـر‪ ،‬وهـي تتوق إلـى جميل‬ ‫أي امـرأ ٍة اليـو َم عـن االتجـاه إلـى ِّ‬ ‫بمـا يغنـي َّ‬
‫وقـوي المواقف‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫المبـادئ‪ ،‬وروعـة العفـاف‪،‬‬
‫‪ - 4‬وردت أحاديـثُ كثيرة ت ََض ُعهـا سلام اللـه عليهـا ِضمـ َن أربعِ نسـو ٍة من العـامل فُقْن‬
‫نسـاء العـامل خرييـة وأفضليـة مـن أول الدهر إىل آخـره؛ فمنها حديـث عكرمة عن‬
‫(أفضل نسـا ِء أهـلِ الجنة‪ :‬خديجـ ُة ُ‬
‫بنت‬ ‫ُ‬ ‫‪:‬‬ ‫ابـن عبـاس‪ ،‬قـال‪ :‬قال رسـول اللـه‬
‫بنـت مزاحـم‪ ،‬امـرأة‬‫بنـت عمـران‪ ،‬وآسـي ُة ُ‬ ‫محمـد‪ ،‬ومريـ ُم ُ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خويلـد‪ ،‬وفاطمـ ُة ُ‬
‫بنـت‬

‫ينظـر ابـن عبدالبـر‪ ،‬االسـتيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪1895‬؛ واإلمام زيد‪ ،‬مسـند اإلمام زيد‪ ،‬ص‪ ،362‬بلفظ “خير نسـاء‬ ‫(((‬
‫العالمين”‪.‬‬
‫الرازي‪ ،‬أخبار فخ ويحيى بن عبدالله‪ ،‬ص‪.60‬‬ ‫(((‬
‫المرشـد باللـه‪ ،‬األمالـي اإلثنينيـة‪ ،‬ص‪241‬؛ والبخـاري‪ ،‬الصحيـح‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ،2317‬رقـم ‪5928‬؛ ومسـلم‪،‬‬ ‫(((‬
‫الصحيـح‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،1904‬رقـم‪.2450‬‬
‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪241‬؛ وابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1894‬‬ ‫(((‬
‫أبـو طالـب‪ ،‬تيسـير المطالـب‪ ،‬ص‪348‬؛ والبخـاري‪ ،‬الصحيـح‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،1326‬رقم‪3426‬؛ ومسـلم‪ ،‬الصحيح‪،‬‬ ‫(((‬
‫ج‪ ،4‬ص‪ ،1904‬رقـم‪.2450‬‬
‫‪44‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ير نسـا ِء‬ ‫‪( :‬خ ُ‬ ‫فرعـون)‪ ،‬وحديـث أنـس بـن مالـك‪ ،‬قـال‪ :‬قـال رسـول اللـه‬
‫العاملين‪ :‬مريـم بنـت عمـران‪ ،‬وآسـية بنت مزاحـم‪ ،‬وخديجـة بنت خويلـد‪ ،‬وفاطمة‬
‫ري‬
‫‪( :‬خ ُ‬ ‫بنـت محمـد)‪ ،‬ومنهـا روايـة عـن أيب هريـرة‪ ،‬قـال‪ :‬قـال رسـول اللـه‬
‫نسـا ِء العاملين أربـ ٌع‪ :‬مريـم بنـت عمـران‪ ،‬وابنـة مزاحـم امـرأة فرعـون‪ ،‬وخديجة‬
‫)(((‪.‬‬ ‫بنـت خويلـد‪ ،‬وفاطمـة بنت محمـد‬
‫بنصه على‬ ‫ِّ‬ ‫وبمقارنـة هـذه األحاديـث بمـا قبلهـا فالـذي يتضـح أن الرسـول‬
‫هـؤالء األربـع إنمـا أراد التعريـف بأفضل نسـاء الجنـة والعالم كنماذج متعـددة في أمم‬
‫خـص فاطمـة بتلـك األوصـاف العظيمـة‪ ،‬فإنـه إنمـا أراد القـول‬ ‫مختلفـة‪ ،‬بينمـا حيـن َّ‬
‫بأنهـا سـيدة النسـاء فـي هـذا العالم‪ ،‬وفـي الجنة‪ ،‬وعلى جميع النسـاء بمـا فيهن أولئك‬
‫الثلاث النسـاء الفاضلات‪ ،‬وهـن مريم وخديجة وآسـية سلام اللـه عليهن‪.‬‬
‫إنهـا النمـوذج األنثـوي للكمال البشـري‪ ،‬الـذي يُ ْض َرب مثـاال في القـدوة الصالحة‪،‬‬
‫نمـوذج الرجـال‪ ،‬وهـذه المـرأة التـي هـي قطعـة منـه‪ ،‬نموذج النسـاء‪،‬‬ ‫فمحمـد‬
‫إنهـا خصوصيـة هـذه األنثـى المصطفاة واسـتثنائيتها‪.‬‬
‫أحـب النسـاء إليـه إطالقـا‪ ،‬وهي َم َح َّب ٌة من‬ ‫فضـل الزهـراء‪ ،‬ويعتربهـا َّ‬ ‫يُ ِّ‬ ‫‪ - 5‬كان‬
‫فاطمة‪،‬‬ ‫أحب النسـاء إىل رسـول اللـه‬ ‫نـوع خـاص؛ فعـن بريـدة قـال‪( :‬كان ُّ‬
‫ومـن الرجـال علي بـن أيب طالـب)(((‪ .‬ودخـل جميع بن عمري عىل عائشـة فسـألها‪:‬‬
‫؟ قالـت‪ :‬فاطمـة‪ ،‬قـال‪ :‬قلـت‪ :‬ف ِمـ َن‬ ‫أحـب إىل رسـول اللـه‬
‫أي النسـاء كانـت َّ‬ ‫ُّ‬
‫الرجـال؟ قالـت‪ :‬زوجهـا؛ إذ كان مـا عل ْمتُـه ص َّوا ًمـا ق ّوا ًما(((‪.‬‬
‫لهذه‬ ‫إ َّن هـذه المح َّبـة التـي حـازت المرتبـة األولـى عند هـذا النبي الكريـم‬
‫أحكام‬
‫ِ‬ ‫تمسـكه بإجـرا ِء‬
‫عندما أعلن ُّ‬ ‫األنثـى الكريمـة هـي التـي َّ‬
‫دل عليهـا النبـي‬
‫بأحـب الخلـق إلى قلبه وهـي فاطمـة‪ ،‬عندما قـال‪( :‬والله لو سـرقت فاطمة‬ ‫ِّ‬ ‫اللـه حتـى‬
‫((( ابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪،1823 - 1821‬‬
‫((( ابـن عبدالبر‪ ،‬االسـتيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪1896‬؛ والحاكم‪ ،‬المسـتدرك‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،168‬رقـم‪ ،4735‬وصححه الذهبي؛‬
‫والترمذي‪ ،‬السـنن‪ ،‬ج‪ ،14‬ص‪ ،23‬رقم‪.4242‬‬
‫((( ابن عبدالبر‪ ،‬االسـتيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪1896‬؛ والحاكم‪ ،‬المسـتدرك‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،171‬رقم‪4744‬؛ والترمذي‪ ،‬السـنن‬
‫رقم‪.4242‬‬
‫‪45‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫أحب‬
‫الحـق أقوى مـن ِّ‬ ‫ـت يدهـا)‪ ،‬وهـو بهـذا يشـير بوضوح إلـى أ َّن َّ‬ ‫بنـت محمـد لقطَ ْع ُ‬
‫الخلـق إليـه‪ ،‬وهـي فاطمـة صلوات اللـه عليها‪.‬‬
‫يف هديِـه وسـم ِته؛ لـذا كان مـن الطبيعـي أن تكـون‬ ‫َ‬
‫الرسـول‬ ‫‪ - 6‬أشـبهت أباهـا‬
‫؛ ألنها كانـت امتدا َده الرشيـف‪ ،‬ونه َر كوثـره الجاري‬ ‫أحـب النسـاء إىل قلبـه‬
‫عبر الزمـن‪ ،‬وألنهـا بَ ْضعـة منـه‪ ،‬وغصـ ٌن أزهـر مـن شـجرته ِ‬
‫املغدقـة‪ ،‬وأ ُّم ذريتـه‬
‫الطاهـرة‪ ،‬ووالـد ُة أعلام الهـدى امليامين من أهـل بيته‪.‬‬
‫ومـن الطبيعـي أن تكـون كذلـك وهـي تشـبهه فـي ِّكل شـيء‪ ،‬تُشْ ـ ِب ُهه فـي كالمهـا‪،‬‬
‫وحديثهـا‪ ،‬وصـدق لهجتها‪ ،‬وفي سـمتها‪ ،‬وفي هديها‪ ،‬وقعودها وجلوسـها‪ ،‬تقول عائشـة‪:‬‬
‫مـن فاطمـة»‪ ،‬وتقـول‪( :‬ما‬ ‫ـت أحـ ًدا أشـب َه كال ُمـه وحديثُـه برسـول اللـه‬ ‫«مـا رأيْ ُ‬
‫أصـدق لهجـة مـن فاطمـة إال أن يكـون الـذي َولَ َدها)(((‪ ،‬وفـي رواية‪:‬‬ ‫َ‬ ‫ـت أحـ ًدا كان‬ ‫رأيْ ُ‬
‫من فاطمة بنت رسـول‬ ‫ـت أحـ ًدا أشـبَ َه َسـ ْمتًا‪ ،‬و َدلًّ ‪ ،‬و َه ْديا((( برسـول الله‬ ‫(مـا رأيْ ُ‬
‫َـت عائشـة مشـابهة فاطمـة ألبيهـا حتـى في‬ ‫اللـه فـي قيامهـا وقعودهـا)(((‪ ،‬وقـد الحظ ْ‬
‫إلى أبيهـا قبيل وفاتـه‪( :‬ال والله‬ ‫حالـة المشـي‪ ،‬قالـت وقـد روت مجـيء فاطمة‬
‫)(((‪ ،‬أو (تمشـي كأن مشـيتها مشـية‬ ‫مـا تخفَـى مشـيتُها عـن مشـية رسـول اللـه‬
‫)(((‪ ،‬هـذه المشـابهة العميقة توحي وتشـير إلى قوة التأثـر واالهتداء‬ ‫رسـول اللـه‬
‫‪.‬‬ ‫واالقتـداء مـن فاطمـة بأبيها الرسـول‬
‫بتعاملات مم َّيـز ٍة وكثيرة‪ ،‬أراد مـن خاللهـا ترجمـة تلك‬ ‫ٍ‬ ‫خصهـا رسـول اللـه‬ ‫‪َّ - 7‬‬
‫احترام وتبجيـلٍ فعلي‪ ،‬فمنها‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫الفضائـل القوليـة إىل‬

‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪ ،233‬وابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1895‬‬ ‫(((‬
‫السـمت‪ :‬عبـارة عـن الحالـة التـي يكـون عليها اإلنسـان‪ ،‬مـن السـكينة والوقار وحسـن الطريقة واسـتقامة‬ ‫(((‬
‫المنظـر والهيئـة‪ .‬و الـ َد ُّل‪ :‬الحالـة التـي يكون عليها اإلنسـان من السـكينة و الوقـار في الهيئـة و المنظر و‬
‫الشـمائل‪ .‬وهـو مقـارب للسـمت‪ .‬والهدي‪ :‬السـيرة والهيئـة والطريقة‪.‬‬
‫الحاكـم‪ ،‬المسـتدرك‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،303‬رقـم‪ ،7715‬وقـال الذهبـي‪ :‬صحيـح؛ والترمـذي‪ ،‬السـنن‪ ،‬ج‪ ،14‬ص‪،27‬‬ ‫(((‬
‫رقـم‪ .4246‬بـاب فضـل فاطمـة؛ وأبـو داود‪ ،‬السـنن‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،523‬رقـم‪ ،5219‬بـاب مـا جـاء فـي القيـام‪.‬‬
‫البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ،2317‬رقم‪.5928‬‬ ‫(((‬
‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪241‬؛ وأحمد‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،282‬رقم‪.26456‬‬ ‫(((‬
‫‪46‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫أ ‪ -‬أنـه كان إذا دخلـت عليـه قـام إليهـا‪ ،‬فقبّلهـا‪ ،‬ور ّحـب بهـا كما كانت هـي تصنع‬
‫به(((‪.‬‬
‫يق ِّبـل فاطمة)‪،‬‬ ‫َ‬
‫رسـول الله‬ ‫ـت أرى‬ ‫ب‪ -‬كان يُ َق ِّبلهـا دامئـا‪ ،‬تقـول عائشـة‪( :‬ك ْن ُ‬
‫يشـم منهـا رائحـة الجنـة‪ ،‬فـإذا اشـتاق إىل رائحـة الجنـة شـ َّم‬ ‫وكان‬
‫اشـتقت إىل الجنة‬
‫ُ‬ ‫ريـح فاطمـة(((‪ ،‬ويف الحديـث‪( :‬فاطمـة حـورا ُء إنسـية‪ ،‬كلما‬
‫ق َّبلْتُها) ( ((‪.‬‬
‫قـدم إىل بيتهـا‬ ‫آخـ َر النـاس بـه عهـ ًدا‪ ،‬وإذا قـدم ِ‬ ‫إذا سـافر يجعلُهـا ِ‬ ‫ج‪ -‬كان‬
‫أوال‪ ،‬فكانـت أول النـاس بـه عهـدا‪ ،‬كام روى ذلـك ابن عمر‪ ،‬خلا أنه يف بعض‬
‫الروايـات‪ :‬كان إذا قـدم بـدأ باملسـجد فصلى فيـه ركعتين‪ ،‬ثـم يـأيت فاطمـة‬
‫‪ ،‬ثـم يـأيت أزواجه(((‪.‬‬
‫إذا بكـت ميسـح الدمـوع مـن عينيهـا بطـرف ثوبـه(((‪ ،‬واسـتمر على‬ ‫د‪ -‬كان‬
‫صوتهـا «ففتـح عينيـه‪ ،‬ثم‬ ‫ذلـك حتـى مـرض موتـه؛ إذ ملَّـا بكـت وسـمع‬
‫رفـع يـده‪ ،‬فمسـح خدهـا من الدمـوع»(((‪ .‬ولعلـه كان يَ ِعـ ُّز عليه أن يراهـا باكية؛‬
‫ألنهـا بَ ْضعـة منـه‪ ،‬وأراد أن يعلِّـم أمتـه أنـه ال يجـوز أن تصنـع أو تفعـل مـا ِم ْن‬
‫شـأنه أن يُ ْبكيهـا‪ ،‬وأن تعمـل هـذه األمة على أن ال تُ ْغ ِض َبها‪ ،‬وأنـه يجب أن تكون‬
‫مع مـا يُ ْسـ ِع ُدها ويُجفِّـف دمو َعها‪.‬‬
‫هــ‪ -‬كانـت تضـع خ ّدهـا عىل خـده‪ ،‬ويف ذات مرة وضعـت خ َّدها عىل خـده‪ ،‬فبكت‬
‫حتـى اخضلَّـت لحيتُه ووج ُهـه بدموعها(((‪.‬‬
‫رس إليها دون َم ْن سـواها‪ ،‬وملَّا دنا أجله‬‫و ‪ -‬كان إذا دعاهـا أجلسـها بالقـرب منـه‪ ،‬وأ ّ‬
‫رسه‬ ‫ٍ‬
‫بحديث أ َّ‬ ‫دعاهـا إليـه‪ ،‬فجـاءت (فوضع رأسـه يف ِحجرها سـاعة)‪َّ ،‬‬
‫وخصهـا‬
‫ابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1896‬‬ ‫(((‬
‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪.226‬‬ ‫(((‬
‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪227‬؛ والخطيب البغدادي‪ ،‬تاريخ بغداد‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ،87‬رقم‪.2481‬‬ ‫(((‬
‫ابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1895‬‬ ‫(((‬
‫العجري‪ ،‬إعالم األعالم‪ ،‬ص‪.344‬‬ ‫(((‬
‫أبو العباس الحسني‪ ،‬المصابيح‪ ،‬ص‪.249‬‬ ‫(((‬
‫أبو العباس الحسني‪ ،‬المصابيح‪ ،‬ص‪.245‬‬ ‫(((‬
‫‪47‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫وخصهـا بـه دون نسـائه‪ ،‬فرأيْ َنها تبيك مرة‪ ،‬ثم تضحـك أخرى‪ ،‬ومل‬ ‫إليهـا فقـط‪َّ ،‬‬
‫مـن خاللها(((‪.‬‬ ‫يعل ْمـن سـبب ذلـك إال بعد موته‬
‫تحـل عـن الدنيـا‬‫رسه إليهـا وحدهـا أخربهـا أنـه ُم ْر ِ‬‫ز ‪ -‬ويف ذلـك الحديـث الـذي أ َّ‬
‫أول أهـلِ بيتـه لحوقا بـه‪ ،‬وقـال لها‪:‬‬ ‫بشهـا بأنهـا ُ‬
‫عما قريـب‪ ،‬فبكـت‪ ،‬ثـم ملـا َّ‬ ‫َّ‬
‫(أال ترضين أن تكـوين سـيدة نسـاء املؤمنين‪ ،‬أو نسـاء هـذه األمـة) ضحكـت(((‪.‬‬
‫ح ‪ -‬وكثيرا مـا ذكَّرهـا بنعمـة السـيادة‪ ،‬مثـل قولـه لهـا‪( :‬أمـا ترضين أن تكـوين‬
‫سـيدة ‪.((()..‬‬
‫ط‪ -‬ولقـد كان حريصـا يف كل مـرة أن تعيـش فاطمـة عىل طريقة أبيهـا‪ ،‬بعيدة عن‬
‫بهـرج الدنيـا وزينتهـا‪ ،‬وعندمـا رأى على بيتها سـتارة مزيَّنة ومنقوشـة عاد ومل‬
‫بإزالتها‪ ،‬وأرسـلتها إىل أبيهـا يك يبيعها‪،‬‬ ‫يدخـل‪ ،‬فرسعـان مـا بادرت هي‬
‫ويتصـ َّد َق بقيمتهـا‪ ،‬بينما بقيـت قرائ ُبـه األخريـات يَ ِعشْ ـ َن فيام شئن مـن متاع‬
‫الدنيـا؛ ألنهـا كانت شـيئا وكُ َّن شـيئا آخر‪.‬‬
‫بعـد نـزول آيـة التطهير شـهو ًرا على بيتهـا وبيـت علي‬ ‫ي‪ -‬وتـر َّدد‬
‫َّكل غـداة‪ ،‬يناديهـم‪( :‬الصلاة الصلاة‪ ،‬إمنـا يريـد اللـه ليذهـب عنكـم الرجـس‬
‫ويطهركـم تطهيرا)(((‪.‬‬
‫شعة إىل املسجد‪ ،‬إال باب عيل وفاطمة (((‪،‬‬ ‫ك‪ -‬وأمر بس ِّد أبواب بيوت الصحابة الـ ُم ْ َ‬
‫أبـو العبـاس الحسـني‪ ،‬المصابيـح‪ ،‬ص‪245‬؛ والمرشـد باللـه‪ ،‬األمالـي اإلثنينيـة‪ ،‬ص‪243 ،242 ،241‬؛ وابـن‬ ‫(((‬
‫عبدالبـر‪ ،‬االسـتيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1894‬‬
‫المرشـد باللـه‪ ،‬األمالـي اإلثنينيـة‪ ،‬ص‪182 - 181‬؛ والبخـاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ،2317‬رقم ‪5928‬؛ ومسـلم‪،‬‬ ‫(((‬
‫الصحيـح‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،1904‬رقم‪.2450‬‬
‫المرشـد باللـه‪ ،‬األمالـي اإلثنينيـة‪ ،‬ص‪242 - 241‬؛ والبخـاري‪ ،‬الصحيـح‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ،2317‬رقـم ‪5928‬؛ وابـن‬ ‫(((‬
‫عبدالبـر‪ ،‬االسـتيعاب‪ ،‬وابـن عبدالبـر‪ ،‬االسـتيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1894‬‬
‫ابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪1543‬؛ وغيره‪.‬‬ ‫(((‬
‫فـي سـد األبـواب إال بـاب علـي حديـث ابـن عبـاس‪ ،‬وأنـس بن مالـك‪ ،‬وابـن عمر‪ ،‬وسـعد بن أبـي وقاص‪،‬‬ ‫(((‬
‫‪ ،‬ينظـر الكوفي‪ ،‬مناقب‬ ‫وجابـر بـن سـمرة‪ ،‬واالمـام الحسـين‪ ،‬وجابر بن عبـد الله‪ ،‬وأميـر المؤمنين‬
‫أميـر المؤمنيـن‪ ،‬ج‪457 ،2‬؛ وابـن حنبـل‪ ،‬المسـند‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،439‬رقـم‪1429‬؛ والطبرانـي‪ ،‬المعجـم األوسـط‪،‬‬
‫ج‪ ،9‬ص‪ ،130‬رقـم‪4077‬؛ والطحـاوي‪ ،‬مشـكل اآلثـار‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ ،106‬رقـم‪3040‬؛ والترمـذي‪ ،‬سـنن الترمذي‪،‬‬
‫ج‪ ،5‬ص‪ ،641‬رقم‪.3732‬‬
‫‪48‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ورشيف وجليلِ الوظيفة التي يهيئها الله‬ ‫ِ‬ ‫لعظيم الدور‪،‬‬


‫ِ‬ ‫إنه التفضيل واالصطفاء‬
‫ورسوله لهذه األرسة الطيبة‪.‬‬
‫وص َّيـه وخليفتـه مـن بعـده‪َ ،‬م ْن وصفـه بقوله‪( :‬سـيد يف الدنيا‬ ‫ل ‪ -‬وز ّوجهـا‬
‫واآلخرة)(((‪.‬‬
‫بـ(أم أبيها)‪ .‬وسـتأيت بعض النقـاط حول هذه الكنية‬ ‫م ‪ -‬وك َّناهـا رسـول اللـه‬
‫ودالالتها‪.‬‬
‫ن ‪ -‬وأوىص الرسـول بهـا وبولديهـا الل َذيْـنِ هما وذريتهما امتـدا ُده حتـى يـوم‬
‫القيامـة‪ ،‬وسماهم الوصيـة العظمـى‪ ،‬وقـال‪( :‬أوصيكـم بالوصيـة العظمـى‪،‬‬
‫بفاطمـة والحسـن والحسين خيرا)(((‪.‬‬
‫‪( :‬إمنا أنا برش‬ ‫وتـول اللـه أمـر زواجهـا‪ ،‬فـكان زواجها بأمر اللـه‪ ،‬وقد قـال‬ ‫ّ‬ ‫‪-8‬‬
‫مثلكـم‪ ،‬أتـز ّوج فيكـم‪ ،‬وأز ِّوجكم‪ ،‬إال فاطمـة فإنها نزل تزويجها من السماء)(((‪.‬‬
‫‪ - 9‬وجعـل ولديهـا سـيدي شـباب أهـل الجنـة‪ ،‬وإمامين قامـا أو قعـدا‪ ،‬ومـن ذريتهـا‬
‫أعلام الهـدى امليامين‪.‬‬
‫‪ - 10‬وفطمهـا وفطـم أوالدهـا ومحبيهـا مـن النـار‪ ،‬ممـن كان منهـم على التوحيـد‬
‫واإلميـان‪ ،‬كما تقـدم‪.‬‬
‫إال منهـا‪ ،‬وقد وصـف القـرآ ُن ابنيها بأنهـم أبنا ُء‬ ‫‪ - 11‬وانقطـع نسـل رسـول اللـه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫َ ُ ْ َ َ َ ْْ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُ‬
‫اءك ْـم﴾‪،‬‬ ‫؛ إذ قـال يف آيـة املباهلـة‪﴿ :‬فقـل تعالـوا نـدع أبناءنـا وأبن‬ ‫الرسـول‬
‫للحسـن والحسين‪ ،‬وهي‬ ‫وهنـاك الكثير مـن األحاديـث الدالـة على أُبُ َّوتِـه‬
‫‪( :‬وأنا عصبتهما)(((‪ ،‬ويف ألفاظ الخرب‪:‬‬ ‫أُبُـ َّو ٌة حقيقيـة‪ ،‬ويـدل عىل ذلك قولـه‬
‫ابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1895‬‬ ‫(((‬
‫أبو العباس الحسني‪ ،‬المصابيح‪ ،‬ص‪.253‬‬ ‫(((‬
‫أبـو العبـاس الحسـني‪ ،‬المصابيـح‪ ،‬ص‪232‬؛ وأبو طالب‪ ،‬تيسـير المطالـب‪ ،‬ص‪137‬؛ وروى اإلمام الرضا في‬ ‫(((‬
‫صحيفتـه‪ ،‬ص‪ ،172‬رقـم‪ ،108‬بلفـظ‪( :‬يـا محمـد إن اللـه عـز وجل يقـرأ عليك السلام ويقـول‪“ :‬قد زوجت‬
‫فاطمـة مـن علـي فزوجهـا منـه‪ ،‬وقـد أمـرت شـجرة طوبى أن تحمـل الـدر والمرجـان والياقـوت وان أهل‬
‫السـماء قـد فرحـوا بذلـك‪ ،‬وسـيولد لهمـا ولدان سـيدا شـباب أهل الجنـة‪ ،‬وبهم يتزيـن أهل الجنة‪ ،‬فأبشـر‬
‫يـا محمـد فإنك خيـر األوليـن واآلخرين”‪.‬‬
‫رواه أبـو يعلـى الموصلـي‪ ،‬ولـه شـاهد مـن حديث جابـر رواه الحاكـم وصححـه‪ .‬ينظر البوصيـري‪ ،‬إتحاف‬ ‫(((‬
‫الخيـرة المهـرة‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪ ،92‬رقم‪.6773‬‬
‫‪49‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫(كل بنـي أنثـى ألبيهـم إال ابنـي فاطمـة فأنـا وليُّهـم و َع َصبَتُهـم)‪ ،‬و(إال ولـد فاطمة‬
‫فـإين أنـا أبوهم وعصبتهـم)(((‪.‬‬
‫إن اللـه سـبحانه وتعالـى كـ َّرم فاطمة بأ ْن حفظ اللـه ذرية أبيهـا النبي األكرم‬
‫ونسـب منقطـ ٌع يـوم‬
‫ٍ‬ ‫(كل َسـ َب ٍب‬
‫‪ُّ :‬‬ ‫فـي ذريتهـا‪ ،‬وجعـل َع ِقبـه مـن عقبهـا‪ ،‬يقـول‬
‫أب فإ َّن عصبتهـم ألبيهم ما خلا ولد فاطمة‬ ‫وكل ِ‬
‫ولـد ٍ‬ ‫القيامـة مـا خلا سـببي ونسـبي‪ُّ ،‬‬
‫(األنسـاب تنقطـع يـوم القيامـة غيـر‬‫ُ‬ ‫‪:‬‬ ‫فإنـي أنـا أبوهـم وعصبتهـم)(((‪ ،‬ويقـول‬
‫نسـبي وسـببي وصهري)(((‪.‬‬
‫‪ - 12‬هـي جـزء مـن الرسـول وقطعـة منـه (بَضعـة)؛ ولـذا كان حكمهـا حكمـه‪ ،‬ومـن‬
‫مصاديـق ذلـك أنـه ملَّا ربط أبو لبابة نفسـه يف املسـجد‪ ،‬وأقسـم أن ال يحلـه أح ٌد إال‬
‫رسـول اللـه‪ ،‬وجـاءت فاطمـة بعد نـزول توبته لت ُحلَّـه فأىب‪ ،‬فقال رسـول الله‬
‫‪( :‬إمنـا فاطمـة مضغـة منـي)‪ ،‬فحلّته(((‪.‬‬
‫فضلهـا علمـا ُء الشـيعة بمختلـف مذاهبهـم على جميـع النسـاء حتى على‬ ‫ولهـذا كلِّـه َّ‬
‫فضلهـا مـن علمـاء السـنة كثي ٌر مـن المحققين‪،‬‬ ‫‪ ،‬وكذلـك ّ‬ ‫مريـم العـذراء البتـول‬
‫ومنهـم التقـي السـبكي‪ ،‬والجلال السـيوطي‪ ،‬والبـدر الزركشـي‪ ،‬والتقـي المقريـزي‪،‬‬
‫‪ .‬وذهـب األلوسـي فـي تفسـيره‬ ‫والبلقينـي‪ ،‬والسـهيلي؛ ألنهـا بّضعـة رسـول اللـه‬
‫إلـى أنهـا أفضـل النسـاء المتقدمـات والمتأخـرات على اإلطلاق(((‪.‬‬

‫علمهــــا‬
‫نشـأت الزهـراء في بيت أُ ِّس َ‬
‫ـس علـى العلم‪ ،‬وتن َّزلت فيـه آياتُ القـرآن الكريم‪ ،‬وفيه‬
‫اآليـات اآل ِمـرة بالقـراءة والتعلم‪ ،‬ومن أ ٍّم كانـت تا ِج َرة‪ ،‬وللتجـارة مقتضياتُها في وجوب‬
‫ينظر‪ :‬المؤيدي‪ ،‬لوامع األنوار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.29 - 28‬‬ ‫(((‬
‫أبو نعيم‪ ،‬معرفة الصحابة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،231‬رقم‪.199‬‬ ‫(((‬
‫ابـن حنبـل‪ ،‬المسـند‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،323‬رقم‪18927‬؛ والطبراني‪ ،‬المعجم الكبيـر‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪ ،25‬رقم‪30‬؛ والحاكم‪،‬‬ ‫(((‬
‫المسـتدرك‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،172‬رقم ‪.4747‬‬
‫السهيلي‪ ،‬الروض األنف‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.440 - 439‬‬ ‫(((‬
‫دكتور محمد بيومي‪ ،‬السيدة فاطمة الزهراء‪ ،‬ص‪.18‬‬ ‫(((‬
‫‪50‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫حـب المعرفـة‬ ‫بعـض المعـارف‪ ،‬ومـن الطبيعـي أن تنشـأ فاطمـة مفطـور ًة علـى ِّ‬ ‫تعلُّـم ِ‬
‫والعلـم‪ ،‬فهنـاك الكثيـر مـن العوامـل التـي تدفعهـا في هـذا االتجاه؛ إنها سـ ِّيد ُة نسـاء‬
‫العالمين‪ ،‬ونسـاء هذه األمة‪ ،‬ونسـاء أهل الجنة‪ ،‬وال سـيادة إال بالسـيادة في العلم أوال‪.‬‬
‫ومـا روي مـن مشـاركاتها العلميـة ورواياتهـا وآرائهـا وفقهها وخطبهـا واحتجاجاتها‬
‫يشـير إلـى علمها الواسـع‪ ،‬وحصيلتهـا الفائقة‪ ،‬رغـم معاجلة الموت لها‪ ،‬بعـد وفاة أبيها‪،‬‬
‫إذ لـم يُتَـح لهـا إبـدا ُء ما لديها مـن رواية ومعرفـة وعلم كما أتيـح لنسـا ٍء أُ ْخ َريات‪ .‬غير‬
‫أ َّن مشـاركاتها وآراءهـا فـي أهـم القضايـا العلميـة والسياسـية واالجتماعيـة فـي تلـك‬
‫أي امـرأ ٍة عالمـ ٍة كانـت الزهـراء‪َّ ،‬‬
‫وأي‬ ‫ب َّيـن َّ‬ ‫المـدة القصيـرة بعيـد وفـاة النبـي‬
‫زوجـ ٍة كان اللـه قـد اختارهـا واصطفاهـا لباب مدينـة العلم‪.‬‬
‫وال ُدهـا بمـا أنعـم اللـه عليهـا‪،‬‬ ‫مواقـف مختلفـة كان يذكِّرهـا الرسـول‬
‫َ‬ ‫فـي‬
‫فيذكُـ ُر لهـا بـأ َّن زوجها «أعلـم أصحابه باللـه تعالى»‪ ،‬باإلضافـة إلى كونه أولّهم سـلما‪،‬‬
‫أن يَ ْعـرِض لها شـخصي َة زوجِهـا العظيم‬ ‫وأكثرهـم حلمـا(((‪ ،‬وهـو بلا شـك يريـد‬
‫ِ‬
‫الشـخصيات مـن خاللهـا‪،‬‬ ‫مـن خلال أهـم المقاييـس اإلسلامية التـي يق ِّيـم اإلسلا ُم‬
‫ومـن خلال أهـم المقاييـس التـي لـدى فاطمـة‪ ،‬وهـي المشـغوفة بمقاييـس اإلسلام‪،‬‬
‫فـكان أهـم تلـك المقاييـس هـو «أعلمهـم باللـه تعالى»‪.‬‬
‫َ‬
‫وأعرف‬ ‫‪“ :‬وكانت واللـه آ َد َب مني‪،‬‬ ‫وقـد مـ َّر عـن أ ِّم سـلمة قولُها عن فاطمـة‬
‫َ‬
‫رسـول الله‬ ‫باألشـياء كلهـا”‪ ،‬كمـا مـ َّر قول عائشـة‪ ،‬مـن أنها مـا رأت ِمثْلَها يُشْ ـ ِب ُه‬
‫شـك أن المشـابَهة للرسـول فـي‬ ‫فـي كال ِمهـا‪ ،‬وحدي ِثهـا‪ ،‬وفـي سـم ِتها‪ ،‬وهديِهـا‪ ،‬وال َّ‬
‫الحديـث والسـمت والهـدي ال بـد أن يكون لـه عالقة بالجانـب المعرفي كأفضـلِ امرأ ٍة‬
‫فـي الناحيـة العلمية‪.‬‬ ‫َ‬
‫الرسـول‬ ‫تُشْ ـ ِب ُه‬
‫عاجلـت المنيـ ُة الزهـراء قبـل أن ت ُ ْز ِهـر ثمـا ُر عل ِمهـا‪ ،‬وتونِ َـق أشـجار معارفهـا‪،‬‬
‫فغـادرت الحيـاة وعمرهـا ‪ 23‬سـنة تقريبـا‪ ،‬قضتهـا فـي ظالل أبيهـا‪ ،‬الـذي كان مرجع‬

‫((( أبـو طالـب‪ ،‬تيسـير المطالـب‪ ،‬ص‪ ،140‬بلفـظ‪“ :‬أقدمهـم إسلاما‪ ،‬وأحسـنهم خلقـا‪ ،‬وأعلمهم باللـه تعالى”؛‬
‫وابـن عبدالبـر‪ ،‬االسـتيعاب‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،1099‬وفيـه‪“ :‬أول أصحابي إسلاما‪ ،‬وأكثرهم علمـا‪ ،‬وأعظمهم حلما”‪،‬‬
‫و “زوجـك سـيد فـي الدنيـا واآلخرة”‪.‬‬
‫‪51‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫العالميـن‪ ،‬و َمـ ْن تخفى بجانب إشـراق ِة هديِه نجـو ُم الهداية؛ إال أن األشـ ُهر القليلة التي‬
‫وعلوم بشـكلٍ أثبـت فرادتها‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬
‫معارف‬ ‫ق ََضتْهـا بعـد وفـاة أبيهـا أظهرت ما كان لديهـا من‬
‫وجدارتهـا وسـيادتها علـى نسـاء العالمين‪.‬‬
‫فـي خطبتهـا التـي أنكـرت فيهـا علـى أبـي بكـر اسـتيال َءه علـى أمالكها فـي فدك‪،‬‬
‫وأنكـرت علـى المسـلمين تخاذلَهـم عـن نصـرة ابـن عمهـا وزوجهـا فـي تضييـع مبـدأ‬
‫ومعارف واسـع ٍة وعميقة‪ ،‬في سـ ْر ٍد‬ ‫َ‬ ‫علم عظيـم‪،‬‬
‫‪ ،‬أبانت عـن ٍ‬ ‫واليـة اإلمـام علـي‬
‫‪.‬‬ ‫وحبـك متقَـن‪ ،‬ال يمكن اسـتيعابه إال أنه من فاطمة ابنـة النبي الكريم‬ ‫ٍ‬ ‫مرت َجـلٍ ‪،‬‬
‫فـي تلـك الخطبـة أظهـرت ‪ -‬مـن دقائـق معرفة اللـه‪ ،‬ومن معانـي القـرآن الكريم‪،‬‬
‫و ُحسـن التعامل معه‪ ،‬ومن تفسـيرات التشـريعات اإلسلامية‪ ،‬ومن طبيعة رسـالة والدها‬
‫الكريـم‪ ،‬ودوره الرسـالي فـي ظـل الظـروف االجتماعيـة والفكريـة‪ ،‬وأوضـاع العـرب‬
‫الثقافيـة واالجتماعيـة والتطـورات الدقيقـة فـي هـذا الجانـب ‪ -‬مـا يُذ ِهل القـارئ لها‪.‬‬
‫لقـد اسـتدلت بكتـاب اللـه علـى صحـة موقفهـا اسـتدالال فقهيـا متقنـا‪ ،‬و ُمف ِْحمـا‪،‬‬
‫ـت أفـكا َر خطبتهـا‪ ،‬وسلسـلتْها بطريقـة متد ِّرجـة‪ ،‬أقامـت مـن خلال ذلـك لـوا َء‬ ‫ورت َّ َب ْ‬
‫وأفحمـت الخصم‪ ،‬فـي صورة مؤث ِّـرة‪ ،‬وق َّد َم ْت فيهـا تقريرا‬ ‫ِ‬ ‫الحجـة‪ ،‬وأقنعـت المسـت ِمع‪،‬‬
‫الفكري‬
‫َّ‬ ‫تاريخيـا ضافيـا ع َّمـا كان عليـه الصحابـة ثـم مـا أصبحـوا فيـه‪ ،‬فجمعـت فيـه‬
‫والسياسـي واالجتماعـي والتحليلـي‪ ،‬وأوردت مـن معانـي القـرآن مـع تفصيالت السـنة‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ودقيق توصيـف‪ ،‬و ُحنك ِة حوار‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وحشـدت المعـارف الفقهيـة مـع اللغوية‪ ،‬بقوة مالحظـة‪،‬‬
‫وشـديد توبيـخ‪ ،‬لتأخـذ بأكظامهـم‪ ،‬وقـد أوردتهـم علـى‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫اسـتنهاض‪،‬‬ ‫ت ُفضـي إلـى قـوة‬
‫مشـهد اآلخـرة المهول‪.‬‬
‫وفـي تلـك الخطبـة التـي أذاعتهـا فـي نسـاء المهاجريـن واألنصـار يَظْ َهـ ُر عل ُمهـا‬
‫القـوي فـي قوة احتجاجهـا على خذالنهم ألحقية أبي الحسـن في أمـر األمة‪ ،‬وعرضت‬
‫ودليل ذلك من القرآن والسـنة‪،‬‬ ‫النتيجـة التـي كانوا سـيحصلون عليهـا لو بادروا لذلـك‪َ ،‬‬
‫ثـم تقييمهـا لنتائج قرارهـم الخاطئ‪.‬‬
‫أسـلوب زوجهـا اإلمـام فـي نهـج‬ ‫َ‬ ‫إن قـوة أسـلوبها الخطابـي يشـبه إلـى حـد كبيـر‬
‫البالغـة‪ ،‬ولكـن زوجهـا كان قـد اعتـاد اعتلاء المنابـر‪ ،‬وأنِس مسـالك الخطـب‪ ،‬و َم ُرن‬

‫‪52‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫علـى ترتيـب أفكارهـا‪ ،‬بخالفهـا فلم يُ ْع َهـد منها ذلك؛ اللهم إال أن يشـير إلـى أنها كانت‬
‫قـد تم َّرسـت علـى إيراد الـدروس والخطب على نسـاء المؤمنين إلى الحـد الذي جعلها‬
‫متمكِّنـة بذلك الشـكل الرائع‪.‬‬
‫كانت تحمـل علما جما‪ ،‬ولـو امتدت‬ ‫ومـن خلال ذلـك نعـرف «أن الزهـراء‬
‫بهـا الحيـاة لـرأى المسـلمون منهـا الكثيـر والكثيـر ممـا تفيـض بـه مـن علومهـا التـي‬
‫؛ ألنهـا كانـت فـي حياتـه مـع رسـول اللـه تغـرف مـن‬ ‫أ َخ َذت ْهـا مـن رسـول اللـه‬
‫بحـر علمـه‪ ،‬وتتحـرك فـي خـط أخالقـه‪ ،‬وتعيـش آفـاق روحانيتـه؛ ولهـذا كانـت بضعة‬
‫منـه‪( ،‬فاطمـة بضعـة منـي)‪ ،‬فعقلها بَضعة مـن عقله‪ ،‬وقلبهـا بَضعة من قلبـه‪ ،‬وطاقاتها‬
‫بَضعـة مـن طاقاتـه‪ ،‬وروحانيتهـا بَضعة مـن روحانيتـه»(((‪.‬‬
‫إ ّن معرفـة الزهـراء للـه تعالـى مـن خلا ِل آياتـه‪ ،‬واسـتيعابَها القـرآ َن بشـكلٍ عميق‪،‬‬
‫‪ ،‬وقدرتَهـا الفائق َة علـى التعامل مع مصاد ِر التشـريع‬ ‫ووع َيهـا بسـنة وسـيرة أبيهـا‬
‫هـذه لمعالجـة الواقـع الذي عاشَ ـتْه بأقوى طريق ٍة‪ ،‬وأفصـ ِح عبار ٍة‪ ،‬لهو ٌ‬
‫دليـل كبير على‬
‫سـيادتها العلميـة على نسـاء العالمين‪.‬‬
‫ولهذا ولكون الزهراء سـيدة المعارف والعلوم ‪ ..‬ال َغ ْر َو أن وجدنا ذريتها الطاهرين‬
‫مـن أئمـة أهـل البيـت الميامين يسـتدلون بأفعالهـا في المسـائل الفقهية؛ فهـذا اإلمام‬
‫يقـول مسـتدال‪( :‬وقـد كانـت أ ُّمنـا فاطمـة ترى ما تـرى النسـاء فتقضي‬ ‫الباقـر‬
‫الصـوم‪ ،‬وال تقضـي الصلاة)(((‪ ،‬ورغـم أ َّن الروايـات ت ُْسـ ِند إلى رسـول الله ِ‬
‫نفسـه مرة‪،‬‬
‫عق عن الحسـن والحسـين فـي اليوم‬ ‫وإلـى زوجهـا اإلمـام مـرة أخـرى‪ ،‬أ َّن كال منهمـا َّ‬
‫رؤوسـهما فضـة‪ ،‬غيـر أ َّن السـجاد زيـن‬ ‫السـابع مـن مولدهمـا‪ ،‬وتصـ َّدق بـوزنِ شـع ِر ِ‬
‫وغيـره أيضـا فـي روايـة يُسـ ِندون فعـل ذلـك إلـى الزهراء مسـتدلين‬ ‫العابديـن‬
‫بفعلها علـى سـنية العقيقة(((‪.‬‬
‫ال مريـة أن كانـت فقيهـة عالمـة‪ ،‬وقـد سـ ِم َع ْت مـن رسـول اللـه قبـل زوجهـا فـي‬

‫((( أحمد الصفي‪ ،‬فاطمة الزهراء دروس وعبر‪ ،‬ص‪.106‬‬


‫((( أحمد بن عيسي‪ ،‬رأب الصدع‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.646‬‬
‫((( الحوثي‪ ،‬المختار‪ ،‬ص‪ ،557‬نقال عن صحيفة اإلمام الرضا‪ ،‬ص‪.469‬‬
‫‪53‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫‪ ،‬ووج َدها قـد أحلَّت‪،‬‬ ‫مسـألة الحـج‪ ،‬لغيابـه فـي اليمـن‪ ،‬فلمـا ِ‬
‫قـدم ببُـ ْدنِ النبـي‬
‫َـت‪ ،‬ونالـت من الطِّيـب‪ ،‬فأنكـر زو ُجها ذلك عليهـا؛ إذ ذلك‬ ‫ـت ثيابـا َصبِغـا‪ ،‬واكتحل ْ‬
‫ولب َِس ْ‬
‫رسـول اللـه فأحلَلْنـا ِمـن ح ِّجنـا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يخالـف مـا عليـه المحـرِم للحـج‪ ،‬فقالـت لـه‪( :‬أ َم َرنـا‬
‫ُ‬
‫رسـول الله ما‬ ‫وجعلناهـا عمـرة)‪ ،‬فذهـب إلـى رسـول الله مسـتفتيا فيما ذكـ َرت‪ ،‬فص َّدق‬
‫َـت)(((‪.‬‬
‫قالتـه‪ ،‬وقـال‪( :‬ص َدق َْت ص َدق ْ‬
‫ومـن أمـارات فقههـا الشـرعي‪ ،‬أنهـا لما أنكـرت على أبي بكـر اسـتيال َء عامله على‬
‫فـدك‪ ،‬قالـت‪( :‬فـدك بيـدي)(((‪ ،‬أي أنهـا ذكـرت قضية هامة فـي التقاضـي‪ ،‬وهو ثبوت‬
‫الموضـع ال ُمتَنازَع عليه‪ ،‬وبالتالي فال يلز ُمها بحكم الشـرع أن تورِد الشـهود‬ ‫ِ‬ ‫يدهـا علـى‬
‫ثابـت في‬‫ثبـوت ملكي ِتهـا‪ ،‬ولهـذا كان مـن الخطـأ مطالبتُهـا بالبينـة علـى مـا هو ٌ‬ ‫علـى ِ‬
‫يدها‪.‬‬
‫إن طريقـة محا َّجتهـا ألبـي بكـر وعمـر حـول فـدك‪ ،‬وحـول ميراثها من رسـول الله‬
‫(((‪ ،‬تـدل علـى رسـو ِخ قد ِمها فـي الفقه‪ ،‬وطـو ِل باعها في االحتجاج واالسـتدالل‪.‬‬
‫أمـا علمهـا باألسـاليب التربوية فيكفي أنها ربَّت سـيدي شـباب أهل الجنة‪ ،‬الحسـن‬
‫والحسـين‪ ،‬لقـد أنشـأت بطريقتهـا التربويـة أعلى مدرسـة مثالية‪ ،‬تخ ّرج منها الحسـنان‬
‫وزينـب؛ ألـم تكـن ت ُ َزفِّـن الحسـن أو تنقِّـز لـه أو ترقِّصـه(((‪ ،‬وتقـول ملهِمـة لـه القتفـاء‬
‫‪ ،‬كانـت تقول له‪:‬‬ ‫وعظيـم المثـال‪ ،‬وهـو جـ ُّده المصطفى‬ ‫ِ‬ ‫جميـلِ النمـوذج‪،‬‬
‫(((‬
‫ليـــس شـــبيهاً بعلـــي‬ ‫وا بأبـــي ِشـــ ْبه النبـــي‬
‫وهذا يدل على مهارتها التربوية‪.‬‬
‫وكانـت تصطحـب أوال َدهـا إلى محـراب عبادتهـا‪ ،‬وتعلِّمهم أنـواع التهجـد؛ إذ يروي‬
‫أجلسـتْه إلى جانب سـجادتها‪ ،‬وهي تتضـرع إلى الله‬ ‫أن والدته َ‬ ‫اإلمـام الحسـن‬

‫قـد أهـل بمـا أهـل بـه رسـول اللـه‪ ،‬وحج رسـول اللـه قارنـا‪ ،‬بينما ظاهـر الروايـة تقول‪:‬‬ ‫وكان علـي‬ ‫(((‬
‫إنهـا حجـت متمتعـة‪ ،‬ينظـر‪ :‬أمالـي أحمـد بـن عيسـى‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪370‬؛ ودرر األحاديـث النبويـة‪ ،‬ص‪.84‬‬
‫الحوثي‪ ،‬المختار‪ ،‬ص‪ ،252‬نقال عن الجامع الكافي؛ وأبو العباس الحسني‪ ،‬المصابيح‪ ،‬ص‪.266‬‬ ‫(((‬
‫البالذري‪ ،‬أنساب األشراف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.519‬‬ ‫(((‬
‫كلمات متقاربة في المعنى‪.‬‬ ‫(((‬
‫ابن حنبل‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،283‬ط‪1‬؛ وابن عساكر‪ ،‬تاريخ دمشق‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪.7‬‬ ‫(((‬
‫‪54‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫‪،‬‬ ‫تعالـى‪ ،‬وتدعـوه‪ ،‬وذكـرت الروايـات أنها كانـت تعلِّـم أوال َدها ُخطَب رسـول الله‬
‫وهمـا لـم يبلغـا الخامسـة‪ ،‬وكانت تطلـب منهما إعادة ما سـمعاه من خطاب رسـول الله‬
‫علـى مسـامعهما‪ ،‬ثـم يعيدانـه بحضـور أبيهمـا‪ .‬وأخـذت زينـب معها إلى مسـجد رسـول‬
‫ل ّمـا ألقـت خطبتها العصمـاء في مواجهـة الصحابة(((‪.‬‬ ‫اللـه‬
‫عجـب أن وقفـت زينـب فـي مواجهـة طغيـان يزيـد فـي عاصمـة الخوف‬ ‫َ‬ ‫ولهـذا ال‬
‫والجريمـة فـي ذلـك العصر‪ ،‬لتقول بكل شـجاعة وثبات‪( :‬الحمدلله مـا رأينا إال جميال)‪،‬‬
‫سـيد شـباب أهـل الجنـة‪ ،‬واثنين مـن أبنائهـا البـررة‪ ،‬وثمانية‬ ‫وقـد شـ ِه َدت قتـل أخيهـا ِ‬
‫عشـر قمـرا مـن أقمار بني هاشـم علـت أرواحهم شـهداء إلـى بارئهـم‪ ،‬ورأت ذلك بأم‬
‫عينهـا صابـرة صامـدة كالجبل األشـم والطـود األعظم ثباتـا ويقينا‪.‬‬
‫ِ‬
‫وتقديسـه‪ ،‬كمثـل تلـك‬ ‫وتـدل خطبـة الزهـراء العصمـاء واسـتهاللها بتعظيـم اللـه‪،‬‬
‫الخطبـة التـي ب َدأَتْهـا فـي مواجهـة أبي بكـر‪( :‬الحمدللـه على مـا أنعم‪ ،‬وله الشـكر بما‬
‫ألهـم)‪ ،‬ثـم قالـت‪( :‬الممتنـع عـن األبصـار رؤيتُـه‪ ،‬ومن األلسـن صفتُـه‪ ،‬ومـن األوهام‬
‫اإلحاطـة بـه)((( – علـى مقدرتهـا البالغيـة‪ ،‬ومهاراتهـا األدبيـة الرائعـة‪.‬‬
‫ويحكـي التاريـخ عـن الزهـراء فـي حـاالت جوهرية ظ ِفر بهـا من حياتهـا القصيرة‬
‫علـم ببعـض المهـارات الهامـة‪ ،‬مثـل أنهـا كانـت تغـزِل‪ ،‬وكانـت تغزل‬ ‫أنهـا كانـت علـى ٍ‬
‫لنفسـها ولآلخريـن باألجـرة(((‪ ،‬وهـو أمـ ٌر يشـير إلـى أهميـة كيـف تكـون المـرأة عملا‬
‫ومهارة ونشـاطا‪.‬‬
‫لقـد بلـغ من حنكتهـا وحصافتها السياسـية واالجتماعية أن صارت مستشـارة اإلمام‬
‫؛ فـكان هـو والزبيـر حيـن بويـع أبـو بكـر يدخلان عليهـا ف ُيشـاورانِها‪،‬‬ ‫علـي‬
‫ويتراجعـان فـي أمرهـم‪ ،‬واتخذوا مـن دارها مق ًّرا لمعارضة السـلطة الجديـدة(((؛ األمر‬
‫الـذي اسـتثار السـلطة الجديـدة فقـ َّررت الهجـوم على هـذا البيت‪.‬‬

‫قدوة الصديقين‪ ،‬ص‪.26‬‬ ‫المدرسي‪ ،‬فاطمة الزهراء‬ ‫(((‬


‫العجري‪ ،‬إعالم األعالم‪ ،‬ص‪.6‬‬ ‫(((‬
‫المنصـور باللـه عبداللـه بـن حمزة‪ ،‬مجموع رسـائل المنصـور بالله عبداللـه بن حمزة (القسـم الثاني)‪ ،‬ج‪،2‬‬ ‫(((‬
‫ص‪ ،578‬وصيـة البنات‪.‬‬
‫ابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.975‬‬ ‫(((‬
‫‪55‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ويسـ ِّجل التاريـ ُخ علـى نحـ ٍو فريـد أن هذه الفتـاة في عمر السادسـة عشـرة تقريبا‬
‫فـي أُ ُحـد‪َّ ،‬‬
‫وظـل جر ُحـه ينـزِف‪ ،‬لكنها بفضـل خبرتها‬ ‫ُ‬
‫رسـول اللـه‬ ‫أنـه لمـا ُجـرِح‬
‫الجراحيـة اسـتطاعت إيقـاف ذلـك النزيـف(((‪ ،‬وهـذا يشـير إلـى تفوقهـا علـى َمـ ْن‬
‫بحضرتهـا فـي هـذه القضية‪.‬‬
‫وهـي التـي ألهمت أسـماء بنـت عميس في اسـتحداث النعش للجنائـز‪ ،‬الذي ال زال‬
‫يعمـل بـه المسـلمون حتـى اليـوم‪ ،‬فقد كرِهـت ما كان عليـه وض ُع َحمـلِ الجنائـز؛ لهذا‬
‫ألقـت فـي فكـرة أسـماء لتسـتذكِ َر مـا رأتـه فـي الحبشـة‪ ،‬فكان اسـتحداثُ النعش ألول‬
‫مـرة في اإلسلام(((‪ ،‬وهـذا يـدل علـى فكرها اإلبداعي‪.‬‬

‫مروياتها الحديثية‬
‫‪،‬‬ ‫في موضوع الحديث النبوي هناك روايات حديثية ر َوتها هي عن أبيها‬
‫بعض الصحابة رغم ِق َص ِر المدة التي قضتها بعد وفاة رسول الله‬ ‫ورواها عنها ُ‬
‫ورغم أنها قضتها في عناء وشقاء‪.‬‬
‫وم َّمـن روى عنهـا متتلمـذا عليهـا زو ُجهـا وأسـتاذها اإلمـام علـي بـن أبـي طالـب‬
‫‪ ،‬وزوجتا أبيها عائشـة‪ ،‬وأم سـلمة‪ ،‬وأسـماء بنت عميس‪،‬‬ ‫‪ ،‬وول ُدها الحسـين‬
‫وأنـس بـن مالـك‪ ،‬وعبداللـه بن العبـاس‪ ،‬وعبداللـه بن مسـعود‪ ،‬وأبو هريرة‪ ،‬وسـلمة بن‬
‫األكـوع‪ ،‬وغيرهـم‪ .‬وخـ ّرج أحاديثَهـا جماعـ ُة المح ِّدثيـن‪ ،‬وأئمتُنـا الخمسـة(((‪ ،‬وزيـد بـن‬
‫(ت‪298‬هـ)(((‪.‬‬ ‫(ت‪122‬هــ)‪ ،‬والهادي إلـى الحق يحيى بن الحسـين‬ ‫علـي‬

‫ابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.324‬‬ ‫(((‬


‫أبـو العبـاس الحسـني‪ ،‬المصابيـح‪ ،‬ص‪267‬؛ والبلاذري‪ ،‬أنسـاب األشـراف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪405‬؛ وابـن عبدالبـر‪،‬‬ ‫(((‬
‫االسـتيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1898 - 1897‬‬
‫إذا أطلـق هـذا اللفـظ فـي كتـب تراجم الزيديـة فيراد به اإلمـام المؤيد باللـه أحمد بن الحسـين الهاروني‬ ‫(((‬
‫(ت‪411‬هــ)‪ ،‬وأخـوه اإلمـام أبـو طالـب يحيـى بـن الحسـين الهارونـي (ت‪424‬هــ)‪ ،‬واإلمـام الموفـق بالله‬
‫الحسـين بـن إسـماعيل الجرجانـي (ت‪420‬هــ)‪ ،‬وولـده اإلمـام المرشـد بالله يحيى بن الحسـين الشـجري‬
‫(ت‪479‬هــ)‪ ،‬وحـواري آل الرسـول محمـد بـن منصور المـرادي (ت‪290‬هــ تقريبا)‪.‬‬
‫المؤيدي‪ ،‬لوامع األنوار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪32‬؛ وأبو نعيم‪ ،‬معرفة الصحابة‪ ،‬ج‪ ،196 ،22‬رقم ‪.6694‬‬ ‫(((‬
‫‪56‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫وممـا روتـه هـو مـا رواه عنها ولدها شـهيد كربلاء‪ ،‬قالت‪ :‬خرج رسـول الله‬
‫ولعلي خاصة‪ ،‬وإني رسـول‬ ‫عشـية عرفـة‪ ،‬فقـال‪( :‬إن اللـه باهـى بكم‪ ،‬وغفر لكم عامـة‪ٍّ ،‬‬
‫أحب‬
‫محـاب لقرابتـي‪ ،‬فقال‪ :‬إن السـعيد كل السـعيد حق السـعيد مـن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫اللـه إليكـم غيـر‬
‫عليـا فـي حياتـه وبعـد مماتـه)(((‪ ،‬وهو أم ٌر يشـير إلى أنها اسـتحضرت أهميـة أن يُ ِحب‬
‫ليتخـذوا المواقـف اإليجابيـة في قضيـة الوالية‪ ،‬كما يشـير‬ ‫النـاس اإلمـا َم عليًـا‬
‫ُ‬
‫إلـى عظيـم وفائها له‪.‬‬
‫وروى يزيـد بـن أخـت عبدالملـك النوفلـي‪ ،‬عـن أبيـه عـن جـده‪ ،‬قال‪ :‬دخلـت على‬
‫‪ ،‬قـال‪ :‬فبدأتني بالسلام‪ ،‬قـال‪ :‬فقالت‪ :‬قـال أبي‪ :‬وهو‬ ‫فاطمـة بنـت رسـول اللـه‬
‫وعليـك ثالثـة أيـام فلـه الجنـة‪ ،‬قـال‪ :‬فقلـت لها‪ :‬هـذا في‬ ‫ِ‬ ‫علـي‬
‫ذا هـو – أن مـن سـلم َّ‬
‫حياتـك وحياتـه؟ أم بعـد موتـه وموتـك؟ قالـت‪ :‬في حياتنـا وبعد موتنـا»(((‪.‬‬
‫‪( :‬يُ ْح َف ُظ‬ ‫وم َّمـا َر َوت ْـه فـي خطبتهـا فـي مواجهـة الصحابـة ُ‬
‫قـول رسـول اللـه‬
‫المـر ُء فـي ولده)‪.‬‬
‫‪ ،‬قالت‪ :‬كان‬ ‫وروى عبداللـه بـن الحسـن عـن جدتـه فاطمة بنت رسـول اللـه‬
‫إذا دخل المسـجد‪ ،‬قال‪( :‬بسـم الله والسلام على رسـول الله‬ ‫رسـول الله‬
‫‪ ،‬اللهـم اغفـر لـي ذنوبـي‪ ،‬وافتح لي أبـواب رحمتك)(((‪ .‬وفـي رواية قالـت‪( :‬وإذا خرج‬
‫اللهـم اغفر لـي ذنوبـي‪ ،‬وافتح لي‬ ‫قـال‪ :‬بسـم اللـه‪ ،‬والسلام علـى رسـول اللـه‬
‫أبـواب فضلك)(((‪.‬‬
‫وأخـرج ابـن ماجـة بسـنده عـن الحسـين بـن علـي عـن أمـه فاطمـة‪ ،‬قالـت‪ :‬قـال‬
‫ريـح َغ َمـر((()(((‪.‬‬
‫نفسـه‪ ،‬يبيـت وفـي يـده ُ‬
‫(أل يلومـن امـر ٌؤ إال َ‬ ‫رسـول اللـه‪َّ :‬‬
‫المرشـد باللـه‪ ،‬األمالـي الخميسـية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،130‬ترقيـم آلـي؛ وابـن أبـي الحديد‪ ،‬شـرح نهـج البالغة‪ ،‬ج‪،9‬‬ ‫(((‬
‫ص‪169‬؛ والطبرانـي‪ ،‬المعجـم الكبيـر‪ ،‬ج‪ ،22‬ص‪ ،415‬رقـم‪18878‬؛ وابـن حنبـل‪ ،‬فضائـل الصحابـة‪ ،‬ج‪،2‬‬
‫ص‪ ،658‬رقـم‪.1121‬‬
‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪.225‬‬ ‫(((‬
‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪.239 ،238‬‬ ‫(((‬
‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪239‬؛ ورواه ابن حنبل‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.283 ،282‬‬ ‫(((‬
‫ريح اللحم وما يعلق باليد من دسمه‪.‬‬ ‫(((‬
‫ابن ماجة‪ ،‬سنن ابن ماجة‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪ ،162‬رقم ‪3421‬؛ والنوري‪ ،‬المسند الجامع ج‪ ،20‬ص‪.161‬‬ ‫(((‬
‫‪57‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫‪ ،‬قالـت‪:‬‬ ‫وأخـرج ابـن حنبـل بسـنده عـن الحسـن بـن الحسـن عـن فاطمـة‬
‫بلال بـاألذان‪ ،‬فقـام ليصلـي‪،‬‬ ‫فـأكل َع ْرقـا(((‪ ،‬فجـاء ٌ‬ ‫علـي رسـول اللـه‬ ‫(دخـل َّ‬
‫مسـت‬‫فأخـذت بثوبـه‪ ،‬فقلـت‪ :‬يـا أبه‪ ،‬أال تتوضـأ؟ فقال‪ :‬م َّم أتوضـأ يا بنية؟ فقلت‪ :‬مما ّ‬
‫مسـتْه النـا ُر)(((‪.‬‬
‫أطيـب طعامكـم ما َّ‬ ‫ُ‬ ‫النـار؟ فقـال لـي‪ :‬أو ليـس‬
‫إلـي عمر بن‬‫وأخـرج ابـن حنبـل بسـنده عـن الباقـر محمـد بـن علـي‪ ،‬قـال‪ :‬كتـب َّ‬
‫عبدالعزيـز أن أنسـخ إليـه وصيـة فاطمـة‪ ،‬وكان فـي وصيتها السـتر الـذي يزعم الناس‬
‫دخـل عليهـا فلمـا رآه رجع»(((‪.‬‬ ‫أنهـا أحدثتـه‪ ،‬وأ َّن رسـول اللـه‬
‫وممـا روتـه عائشـة عنها حديث معارضة جبريل لرسـول الله بالقرآن‪ ،‬قالت عائشـة‪:‬‬
‫إلي رسـول الله فقال‪( :‬إن جبرئيـل كان يعارضني بالقرآن‬ ‫ح ّدثتنـي فاطمـة‪ ،‬قالت‪ :‬أسـ َّر َّ‬
‫َّكل سـنة مـرة‪ ،‬وأنـه عارضنـي العـام مرتيـن‪ ،‬وال أراه إال وقـد حضـر أجلـي‪ ،‬وأنـك أول‬
‫أهـل بيتـي لحاقـا بي‪ ،‬ونعم السـلف أنـا لك)‪ ،‬قالت‪ :‬فبكيـت(((‪ ،‬ثم قـال‪( :‬أال ترضين أن‬
‫تكوني سـيدة نسـاء هذه األمة‪ ،‬أو نسـاء العالميـن‪ ،‬فضك ُْت)(((‪.‬‬
‫سـلم عنـده لـم يغـادر‬ ‫وفـي روايـ ٍة عـن عائشـة‪ ،‬قالـت‪ :‬كان ُ‬
‫أزواج النبـي‬
‫تمشـي ما تخطئ مشـيتها من مشـية رسـول الله‬ ‫منهـن امـرأة‪ ،‬فأقبلـت فاطمـة‬
‫شـيئا فلمـا رآهـا ر َّحـب بهـا ثم قـال ‪« :‬مرحبا بابنتي»‪ ،‬ثم أجلسـها عـن يمينه أو‬
‫عـن شـماله‪ ،‬ثم سـا َّرها فبكـت بكاء شـديدا‪ ،‬فلما رأى ج َز َعهـا سـا َّرها الثانية فضحكت‪،‬‬
‫ِ‬
‫فضحكـت‪ ،‬فلما‬ ‫مـن نسـائه بالسـرار‪ ،‬ثـم أنت تبكـي‬ ‫ُ‬
‫رسـول اللـه‬ ‫خص ِ‬
‫ـك‬ ‫فقلنـا‪َّ :‬‬
‫ألفشـي على رسـول الله‬‫َ‬ ‫كنت‬
‫؟ قالت‪ :‬ما ُ‬ ‫قامـت سـألتُها‪ :‬مـا قال لك رسـول اللـه‬
‫عليـك بمالـي عليك من الحـق ل َّمـا حدث ِتني بما‬ ‫ِ‬ ‫ـت‬
‫ِّـي قلـت‪ :‬ع َز ْم ُ‬
‫سـ َّره‪ .‬فل َّمـا توف َ‬
‫قـال لـك‪ .‬فقالـت ‪ :‬أ ّمـا اآلن فنعـم‪ ،‬أ ّمـا حين سـا َّرني فـي المـرة األولـى فأخبرني «أن‬

‫ْـت العظـم‪ ،‬إذا أكلـت مـا عليـه مـن اللحـم‪ ،‬وهو أيضـاً‪ :‬العظـ ُم الذي أُخـ َذ عنه‬
‫العـ ْرق‪ :‬مصـدر قولـك َع َرق ُ‬ ‫(((‬
‫اللحـ ُم‪( .‬الصحـاح فـي اللغة)‪.‬‬
‫ابن حنبل‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪283‬؛ والنوري‪ ،‬المسند الجامع‪ ،‬ج‪ ،161 ،2‬رقم ‪( 1128‬فاطمة بنت محمد)‪.‬‬ ‫(((‬
‫ابن حنبل‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪283‬؛ والنوري‪ ،‬المسند الجامع‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪.161‬‬ ‫(((‬
‫يحمل بكاؤها هنا أنه لموت والدها‪ ،‬كما ورد في روايات أخرى للحديث‪ ،‬وليس للحاق به‪.‬‬ ‫(((‬
‫ابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1894‬‬ ‫(((‬
‫‪58‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫كان يعارضـه بالقـرآن فـي كل سـنة مـرة‪ ،‬وأنـه عارضـه العـام مرتيـن‪،‬‬ ‫جبريـل‬
‫وأنـي ال أدري األجـل قـد اقتـرب‪ ،‬فاتقـي اللـه واصبـري‪ ،‬فإنـي نعـم السـلف أنـا لك»‪،‬‬
‫رأيـت‪ ،‬فل ّمـا رأى جزعـي سـا َّرني الثانيـة فقـال‪« :‬يـا فاطمـة‪ ،‬أمـا‬ ‫فبكيـت بـكاء الـذي ِ‬
‫فضحكـت ضحكـي‬ ‫ُ‬ ‫ترضيـن أن تكونـي سـيدة نسـاء المؤمنيـن أو سـيدة هـذه األمـة ؟»‬
‫الذي ِ‬
‫رأيـت(((‪.‬‬
‫ويبـدو ُملْ ِفتًـا أن تكـون أكثـر الروايـات المتعلقـة بها سلام اللـه عليها حـول الدعاء‬
‫والمناجـاة للـه سـبحانه وتعالـى‪ ،‬فهـذا سـويد بـن غفلـة أيضـا‪ ،‬قـال‪« :‬أصابـت عليـا‬
‫فسـألتيه‪ ،‬فأتتـه‪ ،‬قـال‪ :‬وكان‬ ‫أتيـت النبـي‬ ‫‪ :‬لـو ِ‬ ‫خصاصـة‪ ،‬فقـال لفاطمـة‬
‫أل ِّم أيمـن‪ :‬إن هـذا لـدق‬ ‫عنـده أم أيمـن‪ ،‬فأتتـه فدقّـت البـاب‪ ،‬فقـال النبـي‬
‫فاطمـة‪ ،‬ولقـد أتتنـا فـي سـاع ٍة مـا ع َّو َدتْنـا أن تأت َينـا فـي مثلهـا‪ ،‬قومـي فافتحـي لهـا‬
‫ففتحـت البـاب‪ ،‬فقـال‪( :‬يـا فاطمـة‪ ،‬لقـد أتي ِتنا في سـاع ٍة مـا عودتِنـا أن تأت َينا‬ ‫ُ‬ ‫البـاب‪،‬‬
‫فـي مثلهـا!!)‪ ،‬فقالـت‪ :‬يا رسـول اللـه‪ ،‬هذه المالئكـة طعا ُمهـا التهليل والتسـبيح والحمد‬
‫ٍ‬
‫محمد‬ ‫‪( :‬والـذي بعثني بالحـق نبيا‪ ،‬ما اقتبس فـي آل‬ ‫فمـا طعامنـا؟ فقـال النبـي‬
‫شـئت أم ْرنـا لـك بخمسـة أعنـز‪ ،‬وإن‬ ‫نـا ٌر منـذ ثالثيـن يومـا‪ ،‬ولقـد أتتنـا أعنـز‪ ،‬فـإن ِ‬
‫كلمـات علَّمكهن‬ ‫ٍ‬ ‫آنفـا)‪ ،‬فقالـت‪ :‬علِّمني‬ ‫كلمـات‪ ،‬علّمنيهـن جبريل‬ ‫ٍ‬ ‫شـئت علمتُـك‬ ‫ِ‬
‫‪ ،‬قـال‪( :‬قولـي‪ :‬يـا أول األولين‪ ،‬ويا آخـر اآلخرين‪ ،‬ويا ذا القـوة المتين‪،‬‬ ‫جبريـل‬
‫َـت على علي‬ ‫ويـا راحـم المسـاكين‪ ،‬ويـا أرحـم الراحميـن)‪ ،‬قـال‪ :‬فانص َرف َْت حتـى َد َخل ْ‬
‫ـت ِمـ ْن عنـدك إلـى الدنيـا‪ ،‬وأتيتـك باآلخـرة‪،‬‬ ‫قالـت‪ :‬ذه ْب ُ‬‫وراءك؟ ْ‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،‬فقـال‪ :‬مـا‬
‫فقـال‪ :‬خيـر أيامـك‪ ،‬خير أيامـك»(((‪.‬‬
‫وأمـا حديـث التسـبيح‪ :‬فقـد روي بصيغ وألفـاظ متعددة‪ ،‬ونـورد هنا مثـاال يدل على‬
‫بِشَ ـي ٍء ِمـ َن ال َّر ِق ْي ِق‪،‬‬ ‫اس ق ََال‪ :‬أُتِ َي َر ُسـ ْو ُل اللَّ ِه‬ ‫مـا سـواه‪ ،‬روى طـاووس َعنِ ابْنِ َع َّب ٍ‬
‫‪ :‬انْطَلِ ِقـي إِلَـى َر ُسـ ْو ِل اللَّـ ِه‬ ‫لِف ِ‬
‫َاط َمـ َة‬ ‫ـي بْـ ُن أَبِـي طَالِ ٍ‬
‫ـب‬ ‫َـال َعلِ ُّ‬
‫فَق َ‬

‫((( ابـن أبـي عاصـم‪ ،‬اآلحـاد والمثانـي‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ ،321‬رقـم‪2632‬؛ وأبـو يعلى‪ ،‬مسـند أبي يعلـى‪ ،‬ج‪ ،13‬ص‪487‬؛‬
‫رقم‪.6601‬‬
‫((( أبو طالب‪ ،‬تيسير المطالب‪ ،‬ص‪329 - 328‬؛ والمرشد بالله‪ ،‬األمالي الخميسية‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.432 - 431‬‬
‫‪59‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫فَأَ ِريْـ ِه َمـا ِبيَ ِـد ِك ِمـ ْن أَث َـ ِر ال َّر َحى ِمـ ْن طَ ْحـنِ الشَّ ـ ِعيْرِ‪َ ،‬وأَ ْخ ِب ِريْ ِه بِـأَ َّن ال َِّذي ِبيَ ِـدي نَ ْح ًوا‬
‫ِمـ َن ال َِّـذي ِب َي ِـد ِك ِمـ ْن ُم َعاونتـي إِيَّاك َعلَـى ال َّر َحى‪َ ،‬وا ْذكُـرِي لَ ُه ِشـ َّد َة َحالِ َنا‪َ ،‬و َمـا َعلَ ْي َنا‬
‫ِمـ َن ال َّديْـنِ ‪َ ،‬و َسـلِيْ ِه َمـا ُه َنا ِم ْن َهـ ُؤالَ ِء ال َّر ِقيْ ِـق نَ ْسـتَ ِعيْ ُن ِب ِه َعلَـى ِم ْه َن ِت َنا‪.‬‬
‫فَ َذكَـ َرتْ َذلِ َـك لَ ُه‪َ ،‬وأَ َرتْـ ُه ال َِّذي ِب َي ِد َهـا‪ ،‬فَأَ ْخ َب َرتْـ ُه أَ َّن ال َِّذي‬ ‫َـت ف ِ‬
‫َاط َمـ ُة‬ ‫فَانْطَلَق ْ‬
‫‪ُ ( :‬و ِّج َه َهـ ُؤالَ ِء ال َّر ِق ْي ُـق ِب َو ْج ِه‬ ‫ـي نَ ْحـ ٌو ِمـ َن ال َِّـذي ِب َي ِد َهـا‪ ،‬ق ََال‪َ :‬ر ُسـ ْو ُل اللَّـ ِه‬ ‫ِب َي ِـد َعلِ ٍّ‬
‫ـي‬‫كَـذَا َوكَـذَا َوالَ َسـ ِب ْي َل إِلَ ْيـ ِه‪َ ،‬ولَ ِكـ ْن َسـأُ ْعلِ ُم ِك َمـا ُهـ َو َخ ْيـ ٌر لَكُـ ْم ِمـ ْن َذلِ َـك‪َ ،‬حتَّـى يَأْتِ َ‬
‫ـك ِمـ َن اللَّ ْيـلِ ف ََسـ ِّب ِحي اللَّـ َه‬ ‫اش ِ‬‫ـت إِلَـى ِف َر ِ‬ ‫َـال‪( :‬إِذَا آ َويْ ِ‬ ‫َـت‪ :‬نَ َعـ ْم‪ ،‬فَق َ‬ ‫اللَّـ ُه بِالْ َخ ْيـرِ)‪ ،‬قَال ْ‬
‫�ثَالَثـاً َو�ثَالَثِ ْيـ َن‪َ ،‬وا ْح َم ِـد ْي �ثَالَثـاً َو�ثَالَثِ ْيـ َن‪َ ،‬وكَ ِّبـرِي أَ ْربَعـاً َو�ثَالَثِ ْيـ َن‪ ،‬ث ُ َّم قُلِـي‪ :‬اللَّ ُه َّم َر َّب‬
‫ات َو َر َّب الْ َعـ ْر ِش الْ َع ِظ ْي ِم‪ُ ،‬م َن ِّز َل التَّـ ْو َرا ِة َوا ِإلنْ ِج ْيلِ َوالْ ُف ْرقَـانِ ‪ ،‬فَالِ َق الْ َح ِّب َوال َّن َوى‪،‬‬ ‫السـ َم َو ِ‬
‫َّ‬
‫ـت األَ َّو ُل‬ ‫اط ُم ْسـتَ ِق ْي ٍم‪ ،‬أَنْ َ‬ ‫اص َي ِت َهـا إِنَّ َك َعلَى ِص َر ٍ‬ ‫آخـ ٌذ ِب َن ِ‬‫أَ ُعـ ْو ُذ ب َِـك ِمـ ْن شَ ـ ِّر ك ُِّل َدابَّـ ٍة أَنْ َت ِ‬
‫ـس بَ ْع َد َك شَ ـي ٌء‪َ ،‬وأَنْ َت الْقَا ِهـ ُر فَلَ ْي َس فَ ْوق ََـك أَ َح ٌد‪،‬‬ ‫ـت ِ‬
‫اآلخـ ُر فَلَ ْي َ‬ ‫ـس قَ ْبل ََـك شَ ـي ٌء‪َ ،‬وأَنْ َ‬ ‫فَلَ ْي َ‬
‫َـال‪ :‬فَ َف َعل َْت‬‫ـس ُد ْونَ َك أَ َحـ ٌد‪ ،‬اق ِْض َع ِّني ال َّديْـ َن‪َ ،‬وأَ ِع ْذنِي ِم َن الْ َف ْقرِ)‪ ،‬ق َ‬ ‫ـت الْ َب ِ‬
‫اطـ ُن فَلَ ْي َ‬ ‫َوأَنْ َ‬
‫لا َم‪،‬‬ ‫َر ِق ْي ٌـق‪ ،‬فَا ْختَا َر ِم ْن ُه ْم إِنْ َسـانَاً َعلَى َع ْي ِن ِه فَ َعلَّ َم ُه ا ِإل ْس َ‬ ‫َذلِ َـك‪ ،‬ث ُـ َّم أَت َى َر ُسـ ْو َل اللَّ ِه‬
‫وجـاء بـه إليهم(((‪.‬‬
‫يجـب علـى فاطمـة اليـوم أن تكـون كفاطمـة الزهـراء علمـا ومعرفـة‬ ‫لهـذا كلِّـه ُ‬
‫لتـؤدي دو َرهـا فـي هذه الحيـاة على‬ ‫َ‬ ‫ومهـارات معرفيـة وتربويـة واجتماعيـة وسـلوكية‬
‫النحـو الـذي يُ ْرضـي الله تعالى‪ ،‬ال سـيما في تربيـة األجيال المؤمنـة والمجاهدة‪ ،‬يقول‬
‫ٍ‬
‫لشـخص‬ ‫ـت أدري كيـف يُ ْمكـن‬ ‫علـي شـريعتي ناقـدا للتقصيـر فـي هـذا الجانـب‪« :‬ل َْس ُ‬
‫محـروم مـن نعمـة العلـم‪ ،‬والكتـاب‪ ،‬والدراسـة‪ ،‬والتربيـة‪ ،‬والفكـر‪ ،‬والثقافـة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ناقـص‬
‫والحضـارة‪ ،‬والتربيـة االجتماعيـة‪ ،‬كيـف يمكـن أن يكـون مربيـا لجيـل الغـد»(((‪.‬‬

‫((( المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪.232 - 231‬‬


‫((( شريعتي‪ ،‬فاطمة هي فاطمة‪ ،‬ص‪.118 - 117‬‬
‫‪60‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫المجاهدة ‪ ..‬بنت محمد‬


‫شـاء الله أن تشـرق شـمس فاطمة بإشـراقة اإلسلام‪ ،‬وأن تكون آخر إخوتها‪ ،‬وسيدة‬
‫نسـاء الدنيـا واألخـرى‪ ،‬لتكون النموذج للمـرأة المؤمنة في هذا العصـر األخير أيضا‪.‬‬
‫إن والدتهـا مـع والدة اإلسلام نفسـه‪ ،‬وكونَهـا كانـت جـزءا مـن أبيهـا وقطعـة منـه‪،‬‬
‫ثـم أم أبيهـا المجاهـد‪ ،‬ثـم زوجة سـيد المجاهدين‪ ،‬وأم الشـهيدين سـيدي شـباب أهل‬
‫الجنـة‪ ،‬الحسـن والحسـين‪ ،‬فـإن ذلـك يعنـي أنها النمـوذج المثالـي للمـرأة المؤمنة‪ ،‬بل‬
‫وللمـرأة العالمية‪.‬‬
‫النبـي الرسـو ِل‬
‫ِّ‬ ‫وفـي مـا سـبق اتضـح أنهـا كانـت علـى عالقـة ُم َم َّيـز ٍة ِ‬
‫بوالدهـا‬
‫المجاهـد‪ ،‬وأنهـا اضطلعـت بمهمـة الجهاد‪ ،‬وهي ال تزال صغيرة‪ ،‬أو ليسـت هي الناشـئة‬ ‫ِ‬
‫علـى تقلُّبـات الحـوادث وصـ َرم األيـام‪ ،‬التـي أنتجتهـا حركـة والدهـا الجهاديـة؟!‬
‫‪ ،‬وهـي بضعـة منـه‬ ‫خاصـ ٍة بوالدهـا‬
‫كانـت سلا ُم اللـه عليهـا علـى عالقـ ٍة َّ‬
‫‪ ،‬ودلّـت حـوادثُ عديـد ٌة ومنهـا حادثـة أبـي‬ ‫فـي كل شـيء‪ ،‬حتـى فـي جهـاده‬
‫‪ ،‬وليـس ُصدفـة أن يكون والدهـا النبي‬ ‫لبابـة بأنهـا بالفعـل كانـت تمثل الرسـول‬
‫المجاهـد حريصـا علـى أن يكـون آخـر عهـده بهـا حين يتحـرك للسـفر وإلـى الجهاد‪،‬‬
‫قـدم كانـت هـي أول النـاس به عهـدا‪ ،‬ولكأنه كان حريصا علـى أن تعيش معه بيئة‬ ‫وإذا ِ‬
‫الجهـاد وتشـاركه فيـه ذهابـا وإيابا‪.‬‬
‫فـي جها ِد والدها في مكة‪ ،‬وسـ َّجل لها التاريـ ُخ رغم صغ ِر‬ ‫سـاهمت فاطمـة‬
‫مواقـف رائعـة ت ُْسـ ِعد فتياتنـا اليـوم الالتـي هـن بنـات المجاهديـن‪ ،‬والشـهداء‪،‬‬ ‫َ‬ ‫سـ ِّنها‬
‫وأخوات ُهـم‪ ،‬وزوجاتُهـم‪ ،‬وأمهاتهـم‪ ،‬وتملأ جوان َحهن بصيـرة وأمال ومعنويـة عالية‪.‬‬
‫فاطمـة بنـت الرسـول المجاهـد هـي تلـك التـي وطّـد أبوهـا معهـا عالقة اإلسلام‬
‫رسـول اللـه السلا َم عليهـا وعليـه فـي حياتهمـا وبعد‬ ‫ُ‬ ‫مـع بناتـه العظيمـات‪ ،‬ألـم يعتبِـ ْر‬
‫ُطف عظيم‪ ،‬يتسـ َّبب في اكتسـاب األعمـا ِل الصالحة‪ ،‬ومن ثم‬ ‫مماتهمـا ذا خيـ ٍر كبيـر‪ ،‬ول ٍ‬
‫دخـول الجنـة؟ وألـم يجعـل غض َبهـا غض ًبـا للـه‪ ،‬وإرضا َءها إرضـا ًء للـه تعالى؟‪.‬‬
‫هـي تلـك التـي خ َّيرهـا أبوها وهي أشـد ما تكـون احتياجـا بين خمس أعنـز ور َدت‬

‫‪61‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫جبريـل قُبَيـل مجيئها إليـه‪ ،‬فاختارت كلمـات جبريل على‬ ‫ُ‬ ‫للتـو‪ ،‬أو كلمـات علَّمـه إياهـن‬
‫أع ُنـ ِز الدنيـا‪ ،‬وهكـذا المـرأة المجاهـدة تتَّجـه لتغذيـة الـروح أكثـر مـن تغذية الجسـد‪،‬‬
‫ومـا أرو َع تلـك الكلمـات التـي َح َملَ َهـا جبريـل‪ ،‬وتعلَّ َمتْهـا فاطمة الزهـراء‪ ،‬إنهـا‪( :‬يا أ ّو َل‬
‫األ َّوليـن‪ ،‬ويـا آخـر اآلخريـن‪ ،‬ويـا ذا القـوة المتيـن‪ ،‬ويـا راحـم المسـاكين‪ ،‬ويـا أرحـم‬
‫وسـألها ع َّمـا وراءهـا؟ قالـت‪:‬‬ ‫الراحميـن)‪ ،‬واألروع أنَّهـا ل ّمـا عـادت إلـى علـي‬
‫عليهـا قائال‪( :‬خير‬ ‫ـت مـن عنـدك إلـى الدنيا‪ ،‬وأتيتُـك باآلخرة‪ ،‬فيـر ُّد علي‬ ‫خر ْج ُ‬
‫أيامـك‪ ،‬خيـر أيامـك)‪ ،‬أوليـس الدعاء للـه ومناجاته تعالى هـو خيـر زاد للمجاهدين؟!‪.‬‬
‫خادمـا يعينهمـا علـى شـؤون البيت‪ ،‬وقـد م ُجلـت يداهما‪،‬‬ ‫وحيـن طلبـا منـه‬
‫أن يعيشـا حيـاة الكفـاح‪ ،‬وروحيـة النضـال‪ ،‬ودلَّهمـا علـى ما‬ ‫أراد لهمـا الرسـول‬
‫هـو خيـ ٌر لهمـا من خـادم‪ ،‬دلَّهمـا علـى التسـبيح والتحميـد والتكبير‪.‬‬
‫فاطمـة بنـت النبـي المجاهد هي التي نـ ّدت بها حالة في إحدى المـرات إلى متاع‬
‫يـوم مـن األيـام على عنقهـا ِقالد ًة مـن ذهب‪،‬‬ ‫ـت فـي ٍ‬ ‫فوض َع ْ‬
‫الدنيـا البسـيط والمبـاح‪َ ،‬‬
‫مـن نصيبِـه مـن الفـيء‪ ،‬ول َّمـا زارهـا النبي‬ ‫علـي‬
‫كان قـد اشـتراها لهـا ٌّ‬
‫النـاس أن يقولـوا‪ :‬بنـت محمـد‪ ،‬وعليـك لبـس الجبابـرة)‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ورآهـا‪ ،‬قـال لهـا‪( :‬ال يَغ َّرنـك‬
‫فمـاذا فعلـت فاطمـة المجاهدة؟‪.‬‬
‫بنـت النبـي محمـد‪ ،‬وأنهـا أ ُّم أبيهـا‪ ،‬وليسـت‬ ‫لقـد اسـتيقظت بسـرعة وتذكَّـرت أنهـا ُ‬
‫بنـت الذهـب والفضـة‪ ،‬وال بنـت الموضـات‪ ،‬فعـادت بسـرعة لتكون بنـت محمد‬
‫(((‪.‬‬ ‫‪ ،‬فقطَ َعتهـا‪ ،‬وباعتهـا‪ ،‬واشـترت بهـا رقبـة‪ ،‬فأعتقتهـا‪ُ ،‬‬
‫فسـ َّر بذلك رسـول اللـه‬
‫النبي‬ ‫؛ ألنـه تأكَّـد أن فاطمـة عـادت لتكـون بالفعـل بنت محمـد‬ ‫سـر‬
‫المجاهـد‪ ،‬وتركـت مـا يحـل لها ويبـاح‪ ،‬طلبا لعظيم ما عنـد الله‪ ،‬وحفاظا علـى روحيتها‬
‫المحمديـة الجهاديـة الثائـرة الزاهـدة‪ ،‬عـادت لتكـون بالفعـل كمحمـد‪ ،‬وبنـت محمـد‬
‫‪ ،‬وهكـذا أهـل بيتـه األطهـار المجاهـدون‪ ،‬كأفضـل وأبهـى بشـر يعرجـون إلـى‬
‫مـدارج العليـاء‪ ،‬ويتسـ َّنمون مواطـ َن الروح الفاضلـة‪ ،‬وكلّما اجتذبتهم الدنيـا إليها عادوا‬
‫إلـى األخـرى مـن بواب ِة إسـعا ِد عبـاد اللـه‪ ،‬وأعظـ ُم ذلك عتـق الرقاب‪.‬‬
‫((( الرضا‪ ،‬صحيفة اإلمام الرضا‪ ،‬ص‪.256‬‬
‫‪62‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫محمـد النبـي المجاهد‪ ،‬كمـا كانت في مكـة‪ ،‬وبعد‬ ‫ٍ‬ ‫بنت‬


‫ظلَّـت فاطمـة فـي المدينـة َ‬
‫بعلـي المجاهـد ظلَّت كما كانت قبل الزواج‪ ،‬وشـاركت فـي جميع المجاالت‬ ‫أن تز َّوجـت ٍّ‬
‫الجهاديـة المتاحـة للمـرأة فـي تلـك الظـروف‪ ،‬فقـد ُهرِعـت مـع أخريات مـن المدينة‬
‫إلـى أحـد بعـد المعركـة لمعالجة الجرحـى‪ ،‬فعالجت أباهـا النبي المجاهد‪ ،‬واسـتطاعت‬
‫أن تو ِقـف نزيـف دم وجهه(((‪.‬‬
‫والشـراب علـى‬
‫َ‬ ‫لقـد جـاءت هـي وأربـع عشـرة امـرأة إلـى أُ ُحـد يَ ْح ِملْـ َن الطعـا َم‬
‫ظهورهـن‪ ،‬ويسـقين الجرحـى‪ ،‬ويداوينهـم(((‪ ،‬وإذا عرفنـا أنهـن ِجئْـ َن بعـد معرفتهـن‬
‫‪ ،‬واحتمـال هجـوم جيـش‬ ‫بهزيمـة جيـش المسـلمين‪ ،‬وإشـاعات مقتـلِ النبـي‬
‫المشـركين علـى المدينـة؛ فإنـه يتب َّي ُن لنا مقـدا ُر شـجاعتهن وثقتهن باللـه تعالى‪ ،‬وهن‬
‫أرض المعركـة علـى بُ ْع ِـد بضعـة كيلوهـات شـمال المدينـة‪ ،‬وال يَ َخفْن من‬ ‫يَتَق َّد ْمـن إلـى ِ‬
‫غائلـة انحـراف جيـش المشـركين نحـو المدينـة أو نحـو طريقهـن‪.‬‬
‫وعنـد فتـح مكـة خرجـت مـع أبيهـا وزوجهـا‪ ،‬وتحكـي السـير أنـه قـد ُضـرِب للنبي‬
‫ِخبـاء بالبطحـاء‪ ،‬وجلس فيه يغتسـل‪ ،‬وكانت فاطمة معه تسـتره‪ ،‬وأمرها فسـكبت‬
‫له غسلا فاغتسـل‪.‬‬
‫وكانـت تهتـم بأمـر المجاهديـن‪ ،‬وتتألم كثيـرا لفقد بعضهـم‪ ،‬كما تألّمـت عند ورود‬
‫استشـهاد ابـن عـم أبيها وأخي زوجهـا جعفر بن أبي طالب‪ ،‬مشـارِكة ألهله في عزائهم‪،‬‬
‫أن تتخـذ ألسـماء بنـت عميـس طعامـاً‬ ‫وتخفيفـا لمصابهـم‪ .‬وأمرهـا رسـول اللـه‬
‫ثالثـة أيـام‪ ،‬وأمرهـا أن تقيـم عندهـا ثالثة أيام هي ونسـاؤها لتسـلِّ َيها عـن المصيبة(((‪.‬‬
‫‪ ،‬وهـو الـذي مـا ف ِتـئ يربِّـي أ َّمتَـه علـى مـكارم‬ ‫وألنهـا بنـت النبـي محمـد‬
‫األخلاق‪ ،‬وعلـى المبـادرة إلـى الجهـاد‪ ،‬فال شـك أنَّهـا بذلت مـا أمكنها‪ ،‬وآية ذلـك أنَّها‬
‫شـباب أهـلِ الجنة‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ربَّـت أعظـ َم فت َيين سـ ِّي َدين مجاه َدين شـهي َدين‪ ،‬سـ َّو َدهما الل ُه على‬

‫((( البالذري‪ ،‬أنساب األشراف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.324‬‬


‫((( الطبـري‪ ،‬تاريـخ األمـم والملـوك‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪27‬؛ والحاكـم‪ ،‬المسـتدرك‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪24‬؛ وسـبط ابـن الجـوزي‪،‬‬
‫تذكـرة الخـواص‪ ،‬ص‪ ،164‬وابـن أبي الحديد‪ ،‬شـرح نهـج البالغـة‪ ،‬ج‪ ،15‬ص‪35‬؛ والهيثمي‪ ،‬مجمـع الزوائد‪،‬‬
‫ج‪ ،6‬ص‪.122‬‬
‫((( الكعبي‪ ،‬سيدة النساء فاطمة الزهراء‪ ،‬ص‪.81‬‬
‫‪63‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ومنهـا انطلقـت أعظـ ُم سـيدة هاشـمية مـن فتيـات الجهـاد‪ ،‬وهي زينـب الكبرى‪.‬‬
‫كان الجهـاد يحتـل مكانـة مق َّدسـة فـي وعـي فاطمـة‪ ،‬كمـا هو شـأنه في اإلسلام‪،‬‬
‫ِ‬
‫تشـريعات‬ ‫أليسـت هـي القائلـة فـي خطبتهـا فـي وجـه أبـي بكـر‪ ،‬وهـي تعـ ِّدد ُحكْـ َم‬
‫اإلسلام‪ ،‬فقالـت‪( :‬والجهـا َد((( عـ ًزا لإلسلام)‪ ،‬ويـدل علـى وعيهـا الجهادي أنهـا ق َرنَ ِت‬
‫الجهـا َد الـذي منـه القتـال فـي سـبيل اللـه‪ ،‬بالصبـر‪ ،‬وباألمـر بالمعـروف‪ ،‬وتعليل ذلك‬
‫بـ(عز اإلسلام)‪.‬‬
‫محمـد كما أراد‬‫ٍ‬ ‫بنت‬
‫ظلَّـت الزهـراء وفيـة ألبيها ولحركتـه الجهادية‪ ،‬وظلَّـت َ‬
‫‪ ،‬بـل ولـكأن العنايـة اإللهيـة أرادت لهـا أن تكـون قريبـة إليه فـي الدنيا واآلخـرة‪ ،‬وهو‬
‫وأول مـن‬ ‫ذلـك الـذي كان يشـتاق إليهـا دائمـا‪ ،‬ويجعلُهـا ِآخـ َر َمـ ْن يـو ِّدع إذا سـافر‪َ ،‬‬
‫قـدم‪ ،‬فكانـت بالفعـل هـي آخـ َر َمـن و َّدعهـم في حياتـه‪ ،‬وكانت هـي أيضا‬ ‫يسـتقبِل إذا ِ‬
‫أول َمـنِ اسـتقبل منهـم فـي اآلخـرة؛ إذ كانـت أول أهـل بيتـه لحاقًـا به‪.‬‬ ‫َ‬
‫المـرض قبيـل وفاته قالـت‪ :‬واكرباه لكربك يـا أبتاه‪ ،‬فقـال‪ :‬ال كرب‬ ‫ُ‬ ‫ول َّمـا اشـت َّد بـه‬
‫علـى أبيـك بعـد اليوم(((‪ ،‬ولما أسـ ّر إليها أنه سـيغادر الحيـاة بكت‪ ،‬لكنه ل َّمـا أعلمها أنها‬
‫أول الالحقيـن به وأنها سـيدة نسـاء المؤمنين ضحكت(((‪.‬‬
‫؛ ولهذا ل َّما من َعتْها سـلط ُة‬ ‫ظلـت فاطمـة ‪ -‬كمـا أرادهـا والدهـا ‪ِ -‬ب ْن َت محمـد‪،‬‬
‫الخالفـة مـا ن َحلَهـا أبوها فـي فدك‪ ،‬وميراث َها فـي المدينة وخيبر‪ ،‬اعتبـ َرت ذلك تفريقا‬
‫بيـن فاطمـة وأبيهـا محمد‪ ،‬فقالـت‪( :‬أترث أباك يا ابـن أبي قحافـة وال أرث أبي؟!)((( ‪.‬‬
‫أليسـت هـي فاطمـ َة ِب ْن َت محمـد!! فكيف يريدون محمـدا بال فاطمـة‪ ،‬وكذلك كيف‬
‫؟!‬ ‫يريدونهـا فاطمة بـدون محمد‬

‫معطوف على المنصوب قبله‪ ،‬أي (وجعل الجهاد ع ًزا لإلسالم)‪.‬‬ ‫(((‬
‫أبو العباس الحسني‪ ،‬المصابيح‪ ،‬ص‪.246‬‬ ‫(((‬
‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫ابن أبي الحديد‪ ،‬شرح نهج البالغة‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.251‬‬ ‫(((‬
‫‪64‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫موقفها من ال�شهداء‬
‫كانـت سلام اللـه عليهـا تهتم بأمـر المجاهديـن‪ ،‬وبالشـهداء منهـم‪ ،‬فل َّما استُشْ ـهِد‬
‫عـ ُّم أبيهـا حمـزة بكـت‪ ،‬فانهلّـت دمـو ُع أبيهـا لبكائهـا(((‪ ،‬ومعنى ذلـك أنها كانت تشـعر‬
‫بحالـة الجهـاد‪ ،‬وتعاني مـن فقد رجاالت اإلسلام العظماء؛ لكنها لم تكتـف باالنفعاالت‬
‫أسـد اللـه عـ ِّم أبيها حمـزة‪ ،‬بل تح َّركـت في أنشـطة عملية رائعـة تخلِّد‬ ‫الوجدانيـة علـى ِ‬
‫قـدوات نموذجي ًة لألجيال المسـلمة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ذكـرى الشـهداء‪ ،‬وتقـ ِّدس قضاياهـم‪ ،‬وتجعلُهم‬
‫لقـد كانـت سلا ُم اللـه عليها تأتـي قبو َر الشـهداء غداة ِّكل سـبت‪ ،‬وكانت تأتـي قبْ َر‬
‫حمـزة وتـزوره وتقوم عليـه(((‪ ،‬بل كانت أيضـا‪« :‬تَ ِر ُّمـه وت ُْصلِ ُح ُه”(((‪.‬‬
‫وحـب‬
‫وفـي ذلـك مـا فيـه مـن إحيـاء قضيـة الجهـاد‪ ،‬وتربيـة األجيـال علـى ح ِّبـه ِّ‬
‫االستشـهاد فـي سـبيل اللـه‪ ،‬ويسـلِّط الضـو َء علـى أهميـة االهتمـام بروضات الشـهداء‪،‬‬
‫إحيـا ًء لقدسـية الجهـاد‪ ،‬وفضيلة الشـهادة‪ ،‬وهكذا يصنـع المربُّون لألجيـال؛ إذ يدلُّونهم‬
‫علـى االهتمـام بمـا يربِّـي فيهـم خصـال الكمـال‪ ،‬وفضائل األعمـال‪ .‬وإصالحهـا لقبور‬
‫الشـهداء ور ُّمهـا لهـا بقـدر مـا يشـير إلـى اهتمامهـا بهـم وبقضيتهـم‪ ،‬يشـير أيضـا إلى‬
‫مهاراتهـا المتنوعـة فـي حياتهـا االجتماعية‪.‬‬
‫المواقف واألنشـطة واألعمال التـي يتطلَّبها إحيا ُء‬ ‫َ‬ ‫وهكـذا ال تعـ َد ُم المجاهـدة اليوم‬
‫قضيـة الشـهداء وما استُشـهِدوا عليـه؛ لكي تكون فاطميـة الوجدان‪ ،‬زهرائية السـلوك‪.‬‬

‫�أم �أبيها ‪ ..‬ولماذا؟‬


‫ـت هـذه المرأة االسـتثنائية كني ًة اسـتثنائ ّي ًة وفريـد ًة لم نعه ْدها المـرأة أخرى؛‬ ‫أُ ِ‬
‫عط َي ْ‬
‫وال ُدهـا بــ(أم أبيهـا)‪ ،‬ور ِو َي ذلك عـن الباقر(((‪ ،‬قـال النووي‬ ‫ُ‬
‫الرسـول‬ ‫إذ ك َّناهـا‬
‫ك َّناهـا أ َّم أبيها‪ ،‬وقال‪« :‬فيه‬ ‫فـي كتـاب تهذيب األسـماء واللغات‪ :‬و ُذكِـر أ َّن َّ‬
‫النبي‬

‫ابن أبي الحديد‪ ،‬شرح نهج البالغة‪ ،‬ج‪ ،15‬ص‪.17‬‬ ‫(((‬


‫الحوثي‪ ،‬المختار‪ ،‬ص‪ ،205‬نقال عن الجامع الكافي‪.‬‬ ‫(((‬
‫البالذري‪ ،‬أنساب األشراف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.68‬‬ ‫(((‬
‫األصفهاني‪ ،‬مقاتل الطالبيين‪ ،‬ص‪ ،32‬باب الحسن بن علي‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪65‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫مـا ينـ ِّوه بمقامهـا غايـة التنويـه»‪ ،‬إلـى قولـه‪« :‬فحيـث ن َّزلهـا أكـر ُم الخالئق من نفسـه‬
‫الكريمـة منزلـة أكرم الخلـق عليه»(((‪.‬‬
‫لهـا في الحديث المشـهور (فاطم ُة بَضع ٌة منـي)‪ ،‬أو (فاطم ُة‬ ‫غيـر أن تنزيلـه‬
‫أقـل مـن هـذا التنزيـل؛ حيـث ن ّزلهـا هناك كجـزء من نفسـه‪ ،‬وهو‬ ‫شـجنة منـي)‪ ،‬ليـس َّ‬
‫أن يكـون هـذا‬ ‫النبـي المرسـل‪ ،‬الـذي ال ينطـق عـن الهـوى‪ ،‬فهـل أراد الرسـول‬
‫وصفـا شـرعيا يترتَّـب عليه أحـكا ٌم أخرى؟‬
‫قبـل أن نحـاول اإلجابـة علـى ذلك نجيب على السـؤال القائل‪ :‬لماذا قـال عنها‪( :‬أم‬
‫أبيهـا)‪ ،‬ولـم يقـل‪( :‬أمـي)‪ ،‬أو (أم محمـد)‪ ،‬أو (أم الرسـول) أو (أم النبـي)‪ ،‬ويبـدو أنـه‬
‫إنمـا أراد القطـع علـى سـؤا ِل االسـتغراب القائل‪ :‬كيف تكـون أم محمد‪ ،‬أو أم الرسـول‪،‬‬
‫وهو فـي الواقـع أبوها؟‬
‫إ َّن عالقـ َة فاطمـة بوالدهـا الرسـول عالقة مز َد َوجـة؛ ففيها من الحيثيـات ما جعلها‬
‫ابنتـه‪ ،‬وهـذه هـي الحقيقـة العرفيـة والشـرعية‪ ،‬وقـد أرادهـا فـي محطـات كثيـرة أن‬
‫تكـون ابنتـه كذلـك‪ ،‬ولكـن فيهـا أيضا مـن الحيثيـات الكثيرة مـا يجعلها بمثابـة أمه‪ ،‬أو‬
‫مثـل أمـه صلوات اللـه عليهـم أجمعين‪.‬‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وعطـف األمهات‬ ‫كثيـ ٌر مـن تص ُّرفاتهـا معه تشـي ُر إلـى حنانها وعطفهـا عليه كحنانِ‬
‫علـى أوالدهـن‪ ،‬فقـد كانـت تهتـ ُّم بـه اهتمـا َم األ ِّم بولدهـا‪ ،‬فمنـذ أيـام طفولتهـا كانت‬
‫تدفـع عنـه أذى المشـركين‪ ،‬وتخفّـف آالمـه‪ ،‬وت َْض ِمـ ُد جرو َحـه‪ ،‬وتمسـح ال َّدم عـن وجهه‬
‫فـي الحـرب‪ ،‬وإذا عـاد مـن سـف ٍر بـادرت إلـى اسـتقباله واعتنقتـه وق ّبلـت بيـن عينيه‪،‬‬
‫وكانـت تتأثـر لحالـه وتحنـو عليه(((‪.‬‬
‫البنـت الصغيـرة‪ ،‬وهـي تقـف إلـى جانـب أبيهـا البطـل‪،‬‬ ‫َ‬ ‫النـاس هـذه‬
‫ُ‬ ‫“لقـد شـاهد‬
‫تزيـل عنـه األذى‪ ،‬وتنثـر مقلتاهـا أمـزا َن القلـق علـى مصيره‪ ،‬وتتحـ َّرك ٍ‬
‫بلطف مواسـي ًة‬
‫لـه فـي المصاعـب كلِّهـا‪ ،‬بكلمات وتصرفـات بريئة وحنونـة‪ ،‬بروعة وجمـال وجالل»(((‪.‬‬

‫((( المؤيدي‪ ،‬لوامع األنوار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.63‬‬


‫((( الكعبي‪ ،‬سيدة النساء فاطمة الزهراء‪ ،‬ص‪.37‬‬
‫((( شريعتي‪ ،‬فاطمة هي فاطمة‪ ،‬ص‪.146‬‬
‫‪66‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫فض َمـدَتْ جروحـه‪ ،‬و َم َسـ َح ْت عـن وجهـه الـدم(((‪،‬‬ ‫فـي غـزوة أحـد أسـرعت إليـه َ‬
‫ول َّمـا نـدم المشـركون أنهـم لـم يقضـوا نهائيـا على المسـلمين بعـد هزيمتهـم‪ ،‬وأزمعوا‬
‫العـودة‪ ،‬نـزل أمـر اللـه للمسـلمين باإلسـراع فـي مواجهتهـم علـى مـا بهم مـن الجراح‬
‫وفـراق الشـهداء‪ ،‬وهنـا بـادرت (أ ُّم أبيهـا) بتجهيز (ولدها) بالسلاح‪ ،‬وأع َّدتـه له‪ ،‬كفعل‬
‫المؤمنـات اليـوم مـع أبنائهـن وهـن يجه ْزنَهـم إلـى الجبهات‪.‬‬
‫بأقـراص الخبـز إذا جـاع‪ ،‬كمـا فعلت يـوم الخنـدق(((‪ ،‬وفي فتح‬ ‫ِ‬ ‫وكانـت تُ ْقبِـل عليـه‬
‫ـت لـه خيمتَـه‪ ،‬وه َّيـأت لـه مـا ًء لالسـتحمام واالغتسـال ليزيـل عـن جسـده‬ ‫مكـة َض َربَ ْ‬
‫غبـار الطريـق‪ ،‬ويرتـدي ثيابـا نظيفة يخ ُرج بهـا إلى المسـجد الحرام((( كمـا تج ِّه ُز األ ُّم‬
‫ول َد ها‪.‬‬
‫وكان إذا عـاد مـن سـفره بـادر إلى بيتهـا‪ ،‬فتتلقاه على بـاب البيت‪ ،‬وتبكـي إذا رأته‬
‫رسـول اللـه يُطَ ْم ِئ ُنهـا‪ ،‬وقد قال لهـا مرة‪« :‬ال‬
‫ُ‬ ‫َـت ثيابُـه»‪ ،‬فكان‬
‫نصبـا‪ ،‬قـد اخلولق ْ‬ ‫«شـ ِعثا ِ‬
‫بيـت وال َمـ َد ٌر‪ ،‬وال‬
‫تبكـي‪ ،‬فـإن اللـه قـد بعـث أبـاك بأمـ ٍر ال يبقـى علـى وجـه األرض ٌ‬
‫َح َجـ ٌر‪ ،‬وال َوبَـ ٌر‪ ،‬وال شَ ـ َع ٌر‪ ،‬إال أدخلـه اللـه بـه عـزا أو ذال‪ ،‬حتـى يبلغ حيث بلـغ الليل»(((‪،‬‬
‫ولكأنـه هنـا يخاطـب بهـذه الكلمات أمهـات المجاهديـن الذيـن يبتغون العـزة من الله‬
‫ال مـن أعدائه‪.‬‬
‫بنت‬ ‫متبسـمة‪ ،‬إال يـو َم صنعت لها أسـما ُء ُ‬ ‫مـا رئيـت ضاحكة وال ِّ‬ ‫ومنـذ توفـي‬
‫ـش قُـ ْر َب وفاتهـا(((‪ ،‬وسـمعت بلاال يـؤذِّن حتـى إذا بلـغ‪( :‬أشـهد أن محمدا‬ ‫عميـس الن ْع َ‬
‫رسـول اللـه) شـهقت وسـقطت لوجههـا وغشـي عليها حتـى ظن أنهـا فارقت الحيـاة(((‪،‬‬
‫وقيـل‪ :‬إنهـا كمـدت عليـه‪ ،‬فلـم تلبـث بعـده إال قليلا(((‪ .‬ويُ ْح َم ُـل أيضـا على أنهـا كمدت‬
‫ابن أبي الحديد‪ ،‬شـرح نهج البالغة‪ ،‬ج‪ ،15‬ص‪35‬؛ ومسـلم‪ ،‬الصحيح‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،101‬رقم‪14111‬؛ والبالذري‪،‬‬ ‫(((‬
‫أنسـاب األشـراف‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪324‬؛ والطبـري‪ ،‬تاريـخ األمـم والملـوك‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪27‬؛ والحاكم‪ ،‬المسـتدرك‪ ،‬ج‪،3‬‬
‫ص‪24‬؛ وسـبط ابـن الجـوزي‪ ،‬تذكـرة الخـواص‪ ،‬ص‪ ،164‬؛ والهيثمي‪ ،‬مجمع الزوائـد‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪122‬‬
‫الهيثمي‪ ،‬مجمع الزوائد‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.312‬‬ ‫(((‬
‫األزرقي‪ ،‬أخبار مكة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪161‬؛ والذهبي‪ ،‬المغازي‪ ،‬ص‪.555‬‬ ‫(((‬
‫الطبراني‪ ،‬المعجم الكبير‪ ،‬ج‪ ،22‬ص‪.22‬‬ ‫(((‬
‫الطبراني‪ ،‬المعجم الكبير‪ ،‬ج‪ ،22‬ص‪.398‬‬ ‫(((‬
‫الخوارزمي‪ ،‬مقتل الحسين‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.77‬‬ ‫(((‬
‫أبو العباس الحسني‪ ،‬المصابيح‪ ،‬ص‪.267‬‬ ‫(((‬
‫‪67‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫علـى مـا أصـاب اإلسلام مـن مخالفـات خطيـرة‪ ،‬كمـا ذكـر ذلـك الشـهيد القائـد فـي‬
‫ملزمـة (يـوم القـدس العالمي)‪.‬‬
‫وكانت تتمثل بعد وفاته بـهذه األبيات‪:‬‬
‫الخطب‬
‫ُ‬ ‫كنت شـــاهدها لم تكثُ ِر‬ ‫لو َ‬ ‫قـــد كان بعـــدك أنبـــا ٌء وهينمـــ ٌة‬
‫واختل قو ُمك فاشـــه ْدهم فقد نُ ِكبوا‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫األرض وابلَها‬ ‫إنا فقدنـــاك فقـــ َد‬
‫(((‬
‫مـــن العيـــون بتهما ٍل له ُســـك ُُب‬ ‫فسوف نبكيك ما ِعشْ ـــنا وما بق َي ْت‬
‫هذه مواقف ومصادر توحي بأن فاطمة الزهراء بالفعل هي (أم أبيها)‪.‬‬
‫غيـر أن أمـرا هامـا يجب التركيز عليه فـي مصداق هذا اللقـب‪ ،‬ولعله هو المقصود‬
‫‪ ،‬حيـث تعيدنـا سـببية نـزول (إِنَّـا أَ ْعطَ ْي َن َ‬
‫ـاك الْ َك ْوث َـ َر)‪ ،‬مـن أنهـا نزلـت عليه‬ ‫منـه‬
‫حيـن ع َّيـره العـاص بـن وائـل السـهمي بأنـه أبتـر‪ ،‬ليـس لـه ذكـور‪ ،‬فرزقـه اللـه هـذه‬
‫األنثـى التـي منهـا الذريـة الكثيـرة والمباركـة‪ ،‬والتـي سـ َّماها القـرآن الكوثـر‪ ،‬والـذي‬
‫يعنـي الكثـرة واالمتلاء والبسـط واالمتـداد والحياة المسـتمرة‪ ،‬وهذا لـم يحصل إال في‬
‫ذريتـه منهـا سلام اللـه عليها‪.‬‬
‫وقـد ذكـر السـيد العالمة مجـد الدين المؤيدي تفسـيرا لطيفا لكنيتهـا (أم أبيها)؛ إذ‬
‫قـال‪« :‬وإذا كانـت فاطمـة بمنزلـة األم كان المختـار بمنزلة الولد‪ ،‬فيكـون عق ُبها كما لو‬
‫كانـت أُ ًّمـا لـه صلـوات اللـه عليـه وآله وسـلم‪ ،‬وأعقبت منـه‪ ،‬فـإن أوالده حينئـذ أوالدها‬
‫ال محالـة‪ ،‬وهذه دقيقـة جليلة»(((‪.‬‬
‫‪( :‬كل بني أنثـى ينتمـون إلى أبيهـم إال ابني‬ ‫ويشـهد لذلـك قـول رسـول اللـه‬
‫فاطمـة فأنـا أبوهمـا وعصبتهمـا)‪ ،‬وفي روايـة (إال بني فاطمـة فأنا وليهـم وعصبتهم)‪،‬‬
‫وفـي أخـرى‪( :‬إال ولـد فاطمـة فإنـي أنـا أبوهـم وعصبتهم)‪ ،‬وفـي رواية‪( :‬مـا خال ولد‬
‫فاطمـة فإني أنـا أبوهـم وعصبتهم)(((‪.‬‬
‫قـال فـي الـروض النضيـر بعد أن سـاق األخبـار الدالة علـى أب َّوة رسـول الله صلى‬

‫((( ابن أبي الحديد‪ ،‬شرح نهج البالغة‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.212‬‬


‫((( المؤيدي‪ ،‬لوامع األنوار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.30‬‬
‫((( المرجع السابق‪.‬‬
‫‪68‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫‪« :‬قـال بعـض المحققين من‬ ‫اللـه عليـه وعلـى آلـه وسـلم لولـد فاطمـة عليهـا و‬
‫كالم أئمتنـا أنـه حقيقـة‪ ،‬وأن حكمـه فـي ذلـك يخالـف ُحكْـ َم غيـره ‪...‬‬
‫العلمـاء‪ :‬ظاهـ ُر ِ‬
‫‪( :‬وأنا عصبتهمـا)”(((‪.‬‬ ‫ويـدل علـى كونهـا حقيقـة قولُـه‬
‫من ذريـة إبراهيم‬ ‫وقـد جعـل القـرآن الكريـم ولـد البنت عيسـى بن مريـم‬
‫ُ ِّ َّ َ ُ َ َ ُ َ ْ َ َ َ َ ُّ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ ْ‬
‫ـارون َوكذل ِك ن ِزي‬ ‫؛ إذ قـال‪َ ﴿ :‬ومِـن ذريتِـ ِه داوود وسـليمان وأيوب ويوسـف وموس وه‬
‫ْ‬
‫ال ُم ْح ِسنِ َني﴾[األنعام‪.]84:‬‬
‫إن هـذا هـو تفسـير (أم أبيهـا)‪ ،‬فتلـك األنثـى التـي ابتـدأت بأنهـا (بنـت محمـد)‪،‬‬
‫‪ ،‬وليكـون أعلام‬ ‫انتهـت وانتهـى بهـا اإلسلام إلـى أن تكـون (أم أبيهـا) محمـد‬
‫الهـدى وأئمـة الجهـاد والتقـى مـن أهل بيته قرنـاء القـرآن‪ ،‬والثقل األصغر مـن ذريته؛‬
‫إذ هـم مـن ذريتها‪.‬‬
‫في ذريتهـا‪ ،‬وجعل عقبه مـن عقبها‪ ،‬وقد‬ ‫وبهـذا يكـون اللـه قد حفـظ ذريته‬
‫‪( :‬األنسـاب تنقطع يوم القيامة غير نسـبي وسـببي وصهري)(((‪.‬‬ ‫قال‬
‫وبعد هذا أليست الزهراء (أم أبيها)؟‬

‫زوجة علي‬
‫لـم تكـن فاطمـة تلـك المرأة التـي صادفَتْها تلـك المميـزاتُ العظيمة وهي تنحشـر‬
‫فـي زاويـة مـن بيـت أبيها تعبد اللـه‪ ،‬وال تريد أن تعالِج شـأنا من شـؤون الحياة‪ ،‬عازفة‬
‫عـن الـزواج‪ ،‬راغبـة عن مسـؤولية الزوجيـة‪ ،‬واألمومة؛ ألن تلـك هي الرهبانيـة التي ال‬
‫يعرفهـا ديـن أبيهـا‪ ،‬وهـي نو ٌع مـن أنـواع الهروب مـن المسـؤولية العباديـة والجهادية‬
‫في اإلسلام‪.‬‬
‫لقـد كانـت فاطمـة زوجة وأمـا وحماة مثلمـا كانت بنتـا ألبيها وأما له أيضـا‪ ،‬وكانت‬
‫عضـوة فعالـة فـي مجتمـع اإلسلام؛ لذلـك ال غـر َو أن اسـتحقت أن تصـل إلـى مرتبـة‬
‫((( المرجع السابق‪ ،‬ص‪.28‬‬
‫((( ابـن حنبل‪ ،‬المسـند‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪ ،323‬رقـم ‪18927‬؛ والطبراني‪ ،‬المعجم الكبير‪ ،‬ج‪ ،20‬ص‪ ،25‬رقم‪30‬؛ والحاكم‪،‬‬
‫المسـتدرك‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،172‬رقم ‪.4747‬‬
‫‪69‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫السـيادة علـى نسـاء العالميـن‪ ،‬وعلى نسـاء األمة‪ ،‬ونسـاء أهـل الجنة‪.‬‬
‫خمس‬
‫بلغـت الزهـراء فـي المدينـة مبلغ النسـاء الصالحـات للـزواج‪ ،‬وتجاوز سـنها َ‬
‫عشـرة سـنة‪ ،‬وهنـا لـو بحث الناس حينهـا حق البحث عـن الزوج المناسـب الذي يصلح‬
‫‪ ،‬وهـو مـا أمر بـه الله تعالـى‪ ،‬لتضيف‬ ‫لفاطمـة وتصلـح لـه لمـا وجـدوه إال عليـا‬
‫فاطمـة بنـت محمـد إلـى أوصافها الجليلـة‪( :‬زوج علي)‪ ،‬ثـم (أم الحسـنين وزينب)‪.‬‬
‫‪ ،‬غيـر أنهـا فـي كل‬ ‫أن تكـون زوجـة علـي‬ ‫إنـه لجديـر ببنـت محمـد‬
‫األحـوال يجـب أن تبقـى (أم أبيهـا) لتكـون أم أبنائـه المياميـن‪.‬‬
‫لقـد توقـع الكثيـر من الصحابة أن هـذه العقيلة المحمدية ال تصلـح إال لذلك الفتى‬
‫منذ وقـت مبكِّر‪،‬‬ ‫الطالبـي‪ ،‬وهـو الفتـى الـذي طالمـا أظلـه ظلال بيـت محمـد‬
‫وتغـذَّى فيـه بغـذاء العقـل والـروح بجانـب غـذاء البدن‪ ،‬ومـا توقَّعـه الكثير فقـد باركه‬
‫أيضا‪.‬‬
‫اللـه ً‬
‫فـي ليلـة اإلسـراء فـي السـنة ‪ 11‬مـن البعثـة‪ ،‬أعلـم اللـه نبيه بـأن خليفته هـو علي‬
‫‪ ،‬وأنـه أبـو سـبطيه‪ ،‬وزوج فاطمـة خيـر نسـاء العالميـن(((؛ ولهـذا مـا إ ْن بلغـت‬
‫‪ ،‬ومنهم‬ ‫فاطمـة مبلـغ الزوجـات حتـى بادر إلـى خطبتهـا كبا ُر صحابـة الرسـول‬
‫أبـو بكـر‪ ،‬وعبدالرحمـن بـن عـوف‪ ،‬وعمـر‪ ،‬وعـد ٌد مـن أشـراف قريـش(((‪ ،‬لك َّن رسـول‬
‫أخبرهـم أن هـذا الـزواج مـن شـأن العنايـة اإللهيـة‪ ،‬فقـال لهـم‪( :‬أنتظـر‬ ‫اللـه‬
‫القضاء) (((‪.‬‬
‫هـو مـا منـع‬ ‫ويبـدو أن الحيـاء‪ ،‬وقلـة ذات اليـد‪ ،‬وتهيُّـب مفاتحـة الرسـول‬
‫ُ‬
‫رسـول‬ ‫مـن طَـ ْرقِ بـاب المصطفى خاطبا لهذه الشـريفة المطهرة‪ ،‬ولما ر َّد‬ ‫عليـا‬
‫؛ لـذا ح َّرض‬ ‫َ‬
‫أشـراف قريـش تأكَّـد أن عليـا هو االختيـار المناسـب لفاطمة‬ ‫اللـه‬
‫(((‪.‬‬ ‫علـى التحـ ُّرك لخطبـة فاطمة‬ ‫البعـض عليـا‬
‫ُ‬
‫اإلمام زيد‪ ،‬مسند اإلمام زيد بن علي‪ ،‬ص‪.362‬‬ ‫(((‬
‫أبو طالب‪ ،‬اإلفادة‪ ،‬ص‪ ،20‬وابن األمير‪ ،‬الروضة الندية‪ ،‬ص‪ ،248‬نقال عن ذخائر العقبى‪.‬‬ ‫(((‬
‫أبو طالب‪ ،‬اإلفادة‪ ،‬ص‪.20‬‬ ‫(((‬
‫أمالي أحمد بن عيسى‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.70‬‬ ‫(((‬
‫‪70‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫كان قـد أرسـل رسـائل صريحـة م ّهـدت الطريق لعلي‬ ‫ويبـدو أن رسـول اللـه‬
‫‪ ،‬عقـب نـزول أمـر اللـه بتزويـج فاطمة منـه‪ ،‬فقـد روى عبدالله بن مسـعود عن‬
‫أنـه قـال‪( :‬إن اللـه أمرنـي أن أز ِّوج فاطمة من علـي )(((‪ ،‬وروى‬ ‫رسـول اللـه‬
‫قـال‪( :‬أتانـي َمل ٌَـك‪،‬‬ ‫حديـث صحيـ ٍح أن رسـول اللـه‬ ‫ٍ‬ ‫فـي‬ ‫اإلمـام علـي‬
‫فقـال‪ :‬يـا محمـد إن اللـه تعالى يقرأ عليك السلام‪ ،‬ويقـول لك‪ :‬إني قـد ز َّوجت فاطم َة‬
‫ابنتَـك مـن علـي بـن أبـي طالب في الملأ األعلـى‪ ،‬فز ِّو ْجها منـه فـي األرض)(((‪ ،‬وأراد‬
‫فيمـا رواه اإلمام‬ ‫أن يب ِّيـن موقفـه فـي ر ِّده لل ُخطَّـاب‪ ،‬ل َّمـا قـال‬ ‫الرسـول‬
‫نفسـه‪( :‬إنمـا أنا بشـر مثلكم أتـز َّوج فيكم وأز ِّوجكم‪ ،‬إال فاطمـة‪ ،‬فإنها نزل‬ ‫علـي‬
‫تزويجهـا من السـماء)(((‪.‬‬
‫إذن لـم تكـن المسـألة خاضعـة لالختيـار البشـري‪ ،‬بـل هنـاك عنايـة إلهيـة خاصـة‬
‫لمهمـات جسـام‪ ،‬وأعمـا ٍل عظـام‪ ،‬إنهـا اسـتثنائية فاطمـة‪ ،‬وبيتهـا‬ ‫ٍ‬ ‫بهـذا البيـت وتهيِئتـه‬
‫الـذي أجـرى اللـه منـه كوثـر المصطفـى‪ ،‬وأخـرج منـه أعلام الهـدى؛ ليقيمـوا منـار‬
‫الحـق‪ ،‬ويعلنـوا أحـكام القـرآن علـى مـدار األزمان‪ ،‬إنـه اختيـار الله عز وجـل وقضاؤه‬
‫وخيرتـه‪ ،‬وآيـة كونـه زواجـا إلهيـا جاللـ ُة بسـاطته‪ ،‬و ِعظَـم أخرويتـه‪ ،‬إنـه زواج النبييـن‬
‫والصديقيـن والمجاهديـن‪.‬‬

‫�سنها عند الزواج؟‬


‫‪ ،‬وأغربُها تلك‬ ‫تفاوتـت الروايـات والمصـادر حول تحديد سـن زواج فاطمـة‬
‫التـي تر ِّجـح أنهـا ُز ِّوجـت فـي السـنة الثانيـة مـن الهجـرة‪ ،‬بينمـا تحـ ِّدد سـ َّن والدتهـا‬
‫بالسـنة الخامسـة للبعثـة‪ ،‬وهـذا يعنـي أنهـا تزوجـت وعمرهـا تسـع سـنوات تقريبـا‪،‬‬
‫‪ ،‬وعمرهـا عشـر سـنوات‪ ،‬وهنـاك روايـاتٌ تجعـل والدتهـا قبل‬ ‫وأنجبـت الحسـن‬

‫((( أبـو طالـب‪ ،‬تيسـير المطالـب‪ ،‬ص‪89‬؛ والمرشـد باللـه‪ ،‬األمالـي اإلثنينيـة‪ ،‬ص‪229‬؛ والطبرانـي‪ ،‬المعجـم‬
‫الكبيـر‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪ ،156‬رقـم‪ .10305‬قـال الهيثمـى فـي مجمـع الزوائـد‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪ :204‬رجالـه ثقـات‪.‬‬
‫((( صحيفة الرضا‪ ،‬ص‪.94‬‬
‫((( أبو طالب‪ ،‬تيسير المطالب‪ ،‬ص‪137‬؛ وأبو العباس الحسني‪ ،‬المصابيح‪ ،‬ص‪.232‬‬
‫‪71‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫البعثـة بخمـس سـنوات‪ ،‬وعليه فسـن زواجها يكون تسـع عشـرة سـنة تقريبـا‪ ،‬غير أن ما‬
‫يترجـح لـدى الباحـث هـو أن عمرهـا عند زواجها كان خمس عشـرة سـنة تقري ًبـا؛ لعد ٍد‬
‫مـن األدلـة والقرائن‪:‬‬
‫ّـاب إلـى ِخطبـة صبيـة صغيـرة‪ ،‬كمـا لـن يتأ َّخـروا علـى‬ ‫أولً ‪ :‬ألنـه لـن يبـا ِد َر الخط ُ‬
‫عقيلـة محمديـة كفاطمـة سـنة أو سـنتين مـن بعـد بلوغهـا خمـس عشـرة سـنة‪ ،‬وكنا قد‬
‫رأينـا كيـف أن كبـا َر أشـراف قريـش بـادروا لخطبتهـا‪ ،‬وسـارعوا إلـى التشـرف والفوز‬
‫‪.‬‬ ‫ببنـت النبـي محمـد‬
‫ثـم تحـ ِّد ُد بعـض المصـادر الموثوقـة سـ َّنها كمـا تر َّجـح لدينـا‪ ،‬وهـو خمـس عشـرة‬
‫سـنة‪ ،‬ففـي روايـة عـن اإلمام القاسـم بن إبراهيـم أن عمرها كان أرب َع عشـرة سـنة(((‪،‬‬
‫لكنـه يح َمـل علـى سـن خطبتها وليس البنـاء بهـا‪ ،‬وأن البناء لم يتـم إال وهي في خمس‬
‫عشـرة سـنة‪ ،‬وير ِّجـح ذلـك أنه تم فـي رواي ٍة تحديـ ُد عمرها تحديدا دقيقـا‪ ،‬وهي خمس‬
‫ـت وعم ُرها ثالثٌ وعشـرون‬ ‫عشـرة سـنة‪ ،‬وخمسـة أشـهر‪ ،‬ونصـف(((‪ ،‬وإذا كانت قد توفِّ َي ْ‬
‫بنـى بهـا فـي السـنة‬ ‫(((‪ ،‬وأن اإلمـام عليـا‬ ‫سـنة‪ ،‬بحسـب روايـة الباقـر‬
‫الثانيـة مـن الهجـرة؛ فهـذا يعنـي أن عمرهـا خمـس عشـرة سـنة وخمسـة أشـهر تقريبا‬
‫ترجيـح ذلـك قرائ ُن مـ َّر ذكرها في‬
‫َ‬ ‫المفصلـة‪ ،‬وكما أكَّـدَتْ‬
‫َّ‬ ‫كمـا ُذكِـ َر فـي تلـك الروايـة‬
‫مواضـع متعددة‪.‬‬
‫خطبهـا فـي صفـر سـنة ‪ 2‬من الهجـرة‪ ،‬لكنـه بنى بها‬ ‫وهكـذا يكـون اإلمـام‬
‫بعـد معركـة بـدر بأربعة أشـهر فـي ذي الحجة(((‪.‬‬

‫المؤيدي‪ ،‬لوامع األنوار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.28‬‬ ‫(((‬


‫ابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪1893‬؛ والطبري‪ ،‬ذخائر العقبى‪ ،‬ص‪.26‬‬ ‫(((‬
‫أبو طالب‪ ،‬تيسير المطالب‪ ،‬ص‪.139‬‬ ‫(((‬
‫أبـو طالـب‪ ،‬اإلفـادة‪ ،‬ص‪20‬؛ ويقـارن أبـو العبـاس الحسـني‪ ،‬المصابيـح عـن اإلمـام القاسـم بـن إبراهيم‪،‬‬ ‫(((‬
‫ص‪.232‬‬
‫‪72‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ِخطبتهــا‬
‫ليخطـب فاطمـة وكانـت قـد حثَّتـه مـوال ٌة لهـم قائلـة لـه‪ :‬إن‬ ‫انطلـق اإلمـام‬
‫فما يمن ُعك أن تخط َبها؟ قـال‪ :‬فقل ُْت‪ :‬وعندي‬ ‫فاطمـة قـد ُخ ِط َبـت إلى رسـول الله‬
‫َـت توبِّ ُخنـي حتـى أتيتُـه‪،‬‬
‫شـي ٌء أتز َّو ُجهـا بـه؟ فقالـت لـي‪ :‬إن أتيتَـه ز َّوجـك‪ ،‬فمـا زال ْ‬
‫تخطـب فاطمة؟)‬
‫ُ‬ ‫ـت‬‫بـك ومـا حاجتُـك؟ لعلَّـك جئْ َ‬ ‫ْـت عليـه‪ ،‬فقـال لـي‪( :‬مـا جـاء َ‬ ‫فدخل ُ‬
‫قلـت‪ :‬نعـم يا رسـول اللـه(((‪.‬‬
‫قـال‪ُ :‬‬
‫هق‬
‫ـت عليهـا أيًّـا مـن األغـرام أو التكاليف التـي أ ْر َ‬‫وال تحكـي الروايـات التـي اطَّلَ ْع ُ‬
‫أهـل هـذا الزمـانِ عاداتِهم االجتماعية بها بمـا ص َّعب الزواج وب ّعده‪ ،‬بل تحكي التيسـير‬ ‫ُ‬
‫العفـاف والطهـارة‪ ،‬وهـو مـا يتناسـب مـع التعاليم التـي أطلقها‬ ‫ِ‬ ‫والتسـهيل لبنـاء ِ‬
‫بيـوت‬
‫اإلسلام‪ ،‬وحـثَّ عليها في التيسـير والتسـهيل وقلـة المؤنة‪.‬‬

‫�إيذانهــا‬
‫علـي فاطمـة أتاهـا رسـول اللـه‬ ‫عـن عطـاء بـن أبـي ربـاح‪ ،‬قـال‪ :‬لمـا خطـب ٌّ‬
‫ِ‬
‫ذكـرك»‪ ،‬فسـكتت‪ ،‬فخـرج فز َّوجـه بهـا(((‪.‬‬ ‫‪ ،‬فقـال‪« :‬إن عليـا قـد‬
‫وهـذا درس هـام يجـب أن يتعلَّ َمـه األهلـون عنـد تزويـج بناتهـم‪ ،‬فعلـى األب أن‬
‫يسـتأمر ويشـاور ابنتـه؛ ألن هـذه حياتهـا‪ ،‬ولهـا الحـق فـي تأميـن حياتها بما يتناسـب‬
‫الحـق فـي ترشـيد عمليـة االختيـار‬ ‫والقيـم والمبـادئ اإلسلامية العادلـة‪ ،‬كمـا للولـي ُّ‬
‫يشـاور فاطمة التـي قد أمر‬ ‫علـى ضـوء تلـك المبـادئ أيضـا‪ ،‬وهذا رسـول اللـه‬
‫المرضـي واآلمـن في هذا‬
‫َّ‬ ‫الطريـق‬
‫َ‬ ‫اللـه عـز وجـل بتزويجهـا‪ ،‬تعلي ًمـا ألمتـه أن يسـلكوا‬
‫الجانـب مـن الحياة‪.‬‬

‫((( أحمد بن عيسى‪ ،‬رأب الصدع (األمالي)‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.1020‬‬


‫((( الطبـري‪ ،‬ذخائـر العقبـى‪ ،‬ص‪33 ،29‬؛ وابـن سـعد‪ ،‬الطبقـات الكبـرى‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪20‬؛ وسـبط ابـن الجـوزي‪،‬‬
‫تذكـرة الخـواص‪ ،‬ص‪.308‬‬
‫‪73‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫مهــرهـــا‬
‫سـيدة نسـاء العالميـن‪ ،‬أيتها‬ ‫وهاكـ َّن مقـدار مهـر فاطمـة بنـت رسـول اللـه‬
‫هـدي المصطفى في مهر بنته الحوراء‪ ،‬سـيدة نسـاء الدنيا‬ ‫َ‬ ‫األخـوات والبنـات‪ ،‬لتعلَ ْمـ َن‬
‫أقـل النسـاء مؤنـة ومهـرا‪ ،‬كمـا ورد عـن الرسـول الكريـم‬ ‫واألخـرى‪ ،‬وأن البركـة فـي ِّ‬
‫الطاهريـن‪.‬‬
‫هنـاك روايـاتٌ تذكُـر أ َّن مهرهـا كان أربـ َع مئـة مثقـال فضـة(((‪ ،‬وقيل‪ :‬اثنتا عشـرة‬
‫هـو أنه كان‬ ‫مثقـال‪ ،‬غيـر أ َّن الصحيـح عنـد أهـل البيت‬
‫ً‬ ‫أوقيـة فضـة‪ ،‬أي ‪480‬‬
‫اثنتـي عشـر أوقيـة ونصـف أوقيـة‪ ،‬تبلـغ ‪ 500‬درهـم(((‪ ،‬والدرهـم هو مثقـال فضة‪.‬‬
‫هـو أكثر مـا ذكرته كتـب التاريخ‬ ‫وهـذا الصحيـح فـي مرويـات أهـل البيت‬
‫أعطهـا‬ ‫قـال لـه‪ِ :‬‬ ‫؛ فقـد روي أنـه لمـا جـاء علـي‬ ‫مـن صـداق فاطمـة‬
‫شـيئا‪ ،‬فقـال‪ :‬مـا أ ِج ُد شـيئا‪ ،‬قـال‪ :‬فأين درعـك الحطمية(((‪ ،‬التـي سـلَّ ْحتُكها؟ فقال‪ :‬هي‬
‫عنـدي(((‪ ،‬فأمـره ببيعهـا‪ ،‬فباعهـا باثنتي عشـرة أوقية(((‪ ،‬وفـي الروايـة الصحيحة أيضا‪:‬‬
‫أن صداقهـا كان ُجـ ْر َد بُـ ْر ِد ِح َبـ َرة((( ودرع(((‪ ،‬والـدرع هـو تلـك ال ُحطَميـة‪ ،‬وبهـذا يتبين‬
‫أن الــ (‪ )12.5‬أوقيـة‪ ،‬والتـي تسـاوي خمـس مئـة درهـم هـي مجمـوع ثمـن بيـع ال ُب ْرد‬
‫والدرع‪.‬‬

‫أبـو طالـب‪ ،‬تيسـير المطالـب‪ ،‬ص‪89‬؛ وأبـو العبـاس الحسـني‪ ،‬المصابيـح‪ ،‬ص‪239‬؛ وأحمد بن عيسـى‪ ،‬رأب‬ ‫(((‬
‫الصـدع‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.1020‬‬
‫ينظـر اإلمـام زيـد‪ ،‬مسـند اإلمام زيد بن علـي‪ ،‬ص‪303‬؛ وأحمد بن عيسـى‪ ،‬رأب الصـدع‪ ،‬ج‪1020 ،981 ،2‬؛‬ ‫(((‬
‫والمؤيـدي‪ ،‬لوامع األنـوار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.28‬‬
‫دروع تنسـب إلـى رجـل كان يعملهـا‪ ،‬وقيـل‪ :‬هـي التـي تَ ْح ِطـ ُم السـيوف أي تكسـرها‪ ،‬وقيـل هـي العريضـة‬ ‫(((‬
‫محـارب كانـوا يعملـون الدروع‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫الثقيلـة‪ ،‬وقيـل‪ :‬منسـوبة إلـى بطْـنٍ مـن عبـد القيس يقـال لهم ُحطَ َمـ ُة ب ُن‬
‫ابـن منظـور‪ ،‬لسـان العـرب‪ ،‬مـادة حطم‪.‬‬
‫أحمد بن عيسى‪ ،‬رأب الصدع‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.1020‬‬ ‫(((‬
‫أبو يعلى‪ ،‬مسند أبي يعلى‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،362‬رقم‪470‬؛ والهيثمي‪ ،‬مجمع الزوائد‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪ ،332‬رقم‪.15211‬‬ ‫(((‬
‫بـرود حبـرة‪ :‬ضـرب مـن البرود يمانيـة‪ ،‬يقال‪ :‬بـرد حبير‪ ،‬وبُـ ْر ُد ِح َبـ َرة‪ ،‬يطلق بالوصـف واإلضافـة‪ ،‬والحبير‬ ‫(((‬
‫مـن البـرود‪ :‬مـا كان موشـيا مخططـا‪ ،‬والجـرد من الثيـاب‪ :‬ما انسـحق والن‪.‬‬
‫أحمد بن عيسى‪ ،‬رأب الصدع ج‪ ،2‬ص‪ ،1024‬والحوثي‪ ،‬المختار‪ ،‬ص‪.342‬‬ ‫(((‬
‫‪74‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ابنتـه فاطمـة علـى اثنتـي‬ ‫‪( :‬أنكحنـي رسـول اللـه‬ ‫قـال اإلمـام علـي‬
‫عشـرة أوقيـة ونصـف مـن الفضـة)(((‪.‬‬
‫‪ ،‬وهـي سـيدة‬ ‫أدب مـن آداب اإلسلام‪ ،‬وهـا هـي فاطمـة‬ ‫إن قلـة المهـر ٌ‬
‫‪ ،‬كان مه ُرهن ذلك المه َر الـذي لم يتجاو ْز‬ ‫النسـاء‪ ،‬ومثلُهـا جميـ ُع زوجات النبـي‬
‫الــ(‪ )500‬درهـم(((‪ ،‬أي بمـا يسـاوي ‪ 300‬ألـف ريـال يمنـي تقريبـا‪ ،‬إذا كان القـرش‬
‫الفرانسـي بــ‪ 8000‬ريال يمنـي(((‪.‬‬
‫بخـس المـرأ ِة لحظهـا‪ ،‬كمـا ليـس‬ ‫وال يعنـي قلـة المهـر بأيـة حـا ٍل مـن األحـوال َ‬
‫أي تكريـم لهـا؛ وصـ َد َق اإلمـا ُم المؤيَّـ ُد باللـه أحمـد بـن‬‫فـي المغـاالة فـي المهـور ُّ‬
‫ز ّوج ابنتـه فاطمـة‬ ‫الحسـين الهارونـي (ت‪411‬هــ) إذ يقـول‪« :‬وروي أن النبـي‬
‫لـم يكن‬ ‫خمـس مئـ ِة درهـم‪ ،‬وهـي سـيدة النسـاء‪ ،‬وقـد علمنـا أنه‬ ‫ِ‬ ‫علـى صـداقِ‬
‫ليب َخسـها حظها» (((‪.‬‬

‫ُخطبة العقد‬
‫جمعا من أصحابه ليُشْ ـهِر فيهم َعقْـ َد زواج علي من فاطمة‬ ‫جمـع رسـول الله‬
‫‪ ،‬فقـال‪( :‬الحمدللـه المحمـود بنعمتـه‪ ،‬المعبـود لقدرتـه‪ ،‬المطـاع‬ ‫‪ ،‬وخطـب‬
‫لسـلطانه‪ ،‬المرهـوب مـن عذابـه‪ ،‬المرغـوب إليـه فيمـا عنـده‪ ،‬النافـذ أم ُره في سـمائه‬
‫وأرضـه‪ ،‬ثـم إ َّن اللـه عـز وجل أمرنـي أن أز ِّوج فاطمة من علـي‪ ،‬فقد ز َّوجتُـه على أربعِ‬
‫((( اإلمام زيد‪ ،‬مسند اإلمام زيد بن علي‪ ،‬ص‪303‬؛ والحوثي‪ ،‬المختار‪ ،‬ص‪.240‬‬
‫((( أحمد بن عيسى‪ ،‬علوم آل محمد‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.64‬‬
‫((( فـإذا عرفنـا أن نصـاب الفضـة للـزكاة كمـا هـو مقرر فـي الفقه اإلسلامي ‪ 200‬درهـم‪ ،‬وأنه صـار معروفا‬
‫أنـه ‪ 16‬ريـالً فرانسـي إال رب ًعـا‪ ،‬وإذا افترضنـا أن الريـال الفرانسـي بــ‪ 8000‬ريـال‪ ،‬فـإن ذلـك يعنـي أن‬
‫الــ(‪ 500‬درهـم) مهـر فاطمـة تصيـر بــحوالي (‪ 300‬ألـف ريـال) تقريبـا‪ ،‬أما حيـن كان الريال الفرانسـي‬
‫بــ(‪ 500‬ريـال) فـإن مهرهـا هـو (‪19‬ألـف ريال)‪ ،‬ومـع مراعاة انخفاض سـعر الصـرف للعملـة اليمنية هذه‬
‫وزمننا هـذا‪ ،‬فإن هـذه النتيجة‬ ‫األيـام‪ ،‬والفـارق فـي القـدرة الشـرائية للفضـة بيـن زمـن فاطمـة‬
‫تقريبية‪.‬‬
‫((( المؤيد بالله‪ ،‬شرح التجريد‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،96‬باب القول فيما يصح أو يفسد من النكاح‪.‬‬
‫‪75‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫غائبا في حاجة الرسـول‬ ‫علي)‪ ،‬وكان علي‬


‫مئـة مثقـال فضـة ‪ ،‬إن رضي بذلـك ٌّ‬
‫(((‬

‫‪ ،‬ثـم دعـا بطبـق فيه بُسـر‪ ،‬فقال‪( :‬انتهِبـوا)‪ ،‬وبينمـا كان الحاضـرون ينتهِبون إذ‬
‫‪( :‬يـا علي أمـا علِ ْم َ‬
‫ـت أن الل َه أمرنـي أن أز ِّو َجك‬ ‫فقـال النبـي‬ ‫دخـل علـي‬
‫رضيت‬
‫ُ‬ ‫‪:‬‬ ‫فاطمـة‪ ،‬فقـد زوجتُكهـا علـى أربعِ مئـ ِة مثقال فضـة إن ِ‬
‫رضيْ َت)‪ ،‬فقـال‬
‫‪( :‬جمـع اللـه شـملَكما‪ ،‬وأسـ َعد جدكمـا‪ ،‬وأخـرج‬ ‫عـن اللـه ورسـوله‪ ،‬فقـال النبـي‬
‫منكمـا كثيـرا طيبـا)(((‪ .‬قـال أنس‪ :‬واللـه لقد أخـرج منهمـا الكثير الطيب(((‪.‬‬

‫جهاز بيتها‬
‫مـن المهـم جـدا أن تعـرف المـرأة المسـلمة اليـوم مـا هـو الجهـاز الـذي ُج ِّهـ َز به‬
‫وبنـت خيـ ِر النبيين‪،‬‬
‫بيـت الصديقـة الطاهـرة فاطمـة الزهـراء سـيدة نسـاء العالميـن‪ُ ،‬‬
‫وزوجـ ُة سـيد الوصييـن‪ ،‬وأم سـيدي شـباب أهـل الجنـة الحسـن والحسـين‪.‬‬
‫لقـد ُج ِّهـ َز بيتهـا سلام الله عليهـا بخميـلٍ (((‪ ،‬و ِق ْربـة من ج ٍِلد للشُّ ـرب‪ ،‬ووسـادة من‬
‫كبش‪ ،‬كانـا يقلِبان صوفَه‬ ‫ليـف إذ َخـر(((‪ .‬أما الفراش فقـد كان جل َد ٍ‬ ‫أ َد ٍم (جلـد) حشـ ُوها ُ‬
‫فيفترشـانه(((‪ ،‬وكان هـذا الفـراش لـه عـد ٌد مـن الوظائـف فكانـا ينامـان عليـه الليـل‪،‬‬
‫ويعلِّقـان عليـه الناضـح فـي النهـار(((‪ ،‬وربمـا عجنت علـى طرفـه الزهراء كما سـيأتي‪.‬‬
‫هـذا ال ينافـي مـا تقـدم‪ ،‬فربمـا تذكـر الـرواة العقـد فـي المبلـغ وغفلـوا عـن الكسـور‪ ،‬وربما حسـبوا ثمن‬ ‫(((‬
‫الـدرع فقـط‪ ،‬ولـم يحسـب قيمـة بقية األشـياء مثل البـرد الحبـرة‪ ،‬وغيره‪ ،‬أو هكذا بـدأ المهر ثـم انتهى بما‬
‫يسـاوي ‪ 500‬درهم‪.‬‬
‫أبـو طالـب‪ ،‬تيسـير المطالـب‪ ،‬ص‪90 - 89‬؛ وأبـو العبـاس الحسـني‪ ،‬المصابيـح‪ ،‬ص‪233‬؛ وابـن األميـر‪،‬‬ ‫(((‬
‫الروضـة النديـة‪ ،‬ص‪.248‬‬
‫ابن األمير‪ ،‬الروضة الندية‪248 ،‬؛ وقال‪ :‬أخرجه القزويني الحاكمي‪.‬‬ ‫(((‬
‫الخميل‪ :‬قطيفة ذات أهداب‪ ،‬وهي كل ثوب له خمل من أي شيء كان‪.‬‬ ‫(((‬
‫أحمـد بـن عيسـى‪ ،‬علـوم آل محمـد‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪73‬؛ وينظـر أحمد‪ ،‬المسـند‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،284‬رقم‪778‬؛ والنسـائي‪،‬‬ ‫(((‬
‫السـنن الكبـرى‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ،144‬رقـم‪8510‬؛ والحاكـم‪ ،‬المسـتدرك‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،369‬رقـم ‪ .2705‬واإلذخـر‪ :‬نبات‬
‫طيـب الرائحة‪.‬‬
‫ينظـر أحمـد بـن عيسـى‪ ،‬علـوم آل محمـد‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،64‬رأب الصـدع‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪1024‬؛ والحوثـي‪ ،‬المختـار‪،‬‬ ‫(((‬
‫ص‪.500‬‬
‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪229‬؛ والطبري‪ ،‬ذخائر العقبى‪ ،‬ص‪.35‬‬ ‫(((‬
‫‪76‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫وأمـا (موكيـت) بي ِتهـم فلـم يكـن سـوى ر ْمـل مـن بطحـاء الروحـاء (اسـم موضـع)‬
‫جـاؤوا بـه فبسـطوه فـي البيـت‪ ،‬باإلضافـة إلـى كُـو ٍز وجـ َّرة‪ ،‬ورحـا ٍء‪ ،‬وسـقاء(((‪ ،‬وكان‬
‫قـد قبـض دراهـم مـن مهرهـا وأمـر بـأن يُشْ ـتَ َرى لهـا طيـب(((‪.‬‬ ‫أبوهـا‬
‫ل ُيلْ ِق َي عليه َ‬
‫الثوب‪ ،‬ويُ َعل َِّق عليه السقاء(((‪.‬‬ ‫بيت علي‬ ‫جانب ِ‬
‫و ُعر َِض عو ٌد في ِ‬
‫وكان هـذا دأب أبنائهـا مـن أعالم أهل البيت عيهم السلام؛ فهـذا اإلمام يحيى بن‬
‫‪ ،‬كان ي ْفتَـرِش بسـاطا َخلِقـا(((‪ ،‬فقيـل لـه‪ :‬لو أخذت بسـاطا جديـدا‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫حمـزة‬
‫‪ ،‬ج َّه َز‬ ‫ذهب لفعل ُْت‪ ،‬ولكن لنا أسـوة برسـول الله‬ ‫لو شـئْ ُت أن يكون بسـاطي من ٍ‬
‫زوجة سـيد الوصيين بوسـادة من‬ ‫ابنتَـه سـيدة نسـاء العالميـن‪ ،‬ابنـة رسـول الله‬
‫تعجن علـى ناحيـة‪ ،‬وينامون‬ ‫أ َدم‪ ،‬حشـ ُوها ليـف‪ ،‬وإهـاب كبـش‪ ،‬كانـت فاطمـة‬
‫بهـا مـن بطحاء‬ ‫أن يُ ْنثَـر فـي بيتهـم ليلـ َة بنـى علـي‬ ‫علـى ناحيـة‪ ،‬وأمـر‬
‫الروحاء(((‪.‬‬
‫‪ ،‬لتتعلَّـ َم منـه المـرأة اليـوم دروس العـزة والكرامـة‪،‬‬ ‫بيـت فاطمـة‬ ‫هـذا هـو ُ‬
‫لمشـاكل‬
‫َ‬ ‫حل كبير‬‫وكيـف ت ُْص َنـ ُع السـعادة والعظمـة مـن البسـاطة والقناعـة‪ ،‬وفي ذلـك ٌّ‬
‫اجتماعيـ ٍة ج َّمـ ٍة‪ ،‬نتجـت عـن الصعوبـات التـي َو َض َعتْ َهـا انحرافـاتُ الوعـي االجتماعي‬
‫نسـيج األمة وتماسـكها‪.‬‬‫َ‬ ‫اإلسلامي اليـوم‪ ،‬وكانـت وال زالـت تُ َهـ ِّدد‬
‫والمتواضـع بهـذا الجهـاز كان يبتهِـج سـي ُد األنبيـاء‬ ‫ِ‬ ‫فـي هـذا البيـت البسـيط‬
‫والمرسـلين‪ ،‬وسـي ُد األوصيـاء والمتقيـن‪ ،‬وفيـه الزهـراء‪ ،‬سـيدة نسـاء العالميـن‪ ،‬وفيـه‬
‫شـباب أهـلِ الجنـة‪ ،‬وزينـب الكبـرى‪ ،‬وأم كلثـوم بنتا الزهـراء‪ ،‬وهو‬ ‫ِ‬ ‫ُولِـ َد وتربَّـى سـيدا‬
‫يوم لعـد ٍد من الشـهور‪ ،‬إذا خرج‬ ‫ف ْجـ َر ِّكل ٍ‬ ‫البيـت الـذي كان ي ُمـ ُّر عليـه الرسـول‬
‫َ‬
‫َّ َ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ ُ ُ ِّ ْ َ ْ َ‬
‫الرجـس أهـل‬ ‫لصلاة الصبـح‪ ،‬فينـادي‪( :‬الصلاة الصلاة ﴿إِنمـا ي ِريـد الل َّ ِلذهِـب عنكـم‬

‫ابن حنبل‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،284‬رقم‪778‬؛ والهيثمي‪ ،‬مجمع الزوائد‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪ ،336‬رقم ‪.5216‬‬ ‫(((‬
‫الطبري‪ ،‬ذخائر العقبى‪ ،‬ص‪34‬؛ وابن حبان‪ ،‬الصحيح‪ ،‬ج‪ ،28‬ص‪ ،429‬رقم‪.7070‬‬ ‫(((‬
‫ابن ماجة‪ ،‬السنن‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،616‬رقم‪.1911‬‬ ‫(((‬
‫بال ًيا غير جديد‪.‬‬ ‫(((‬
‫صلة اإلخوان‪- ،‬خ ‪ -‬الفصل السادس‪ ،‬مكارم األخالق‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪77‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬


‫ـت َويُ َط ِّه َرك ْـم َت ْط ِهريا﴾[األحـزاب‪ ،)]33:‬وهـو البيـت الـذي لكرامـة اللـه أمـر بسـ ِّد ِ‬
‫أبواب‬ ‫َْ‬
‫الي ِ‬
‫بيـوت الصحابـة ال ُمشْ ـ َر َع ِة إلـى المسـجد إال بابـه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فهـل تـرون أيهـا األزواج ‪ ..‬وهـل تريـن أيتهـا الزوجـات ‪ ..‬هـذا الجهـاز المتواضـع‬
‫ق َُصـ َر بهـذا البيـت عـن أن يبلـغ قمـة الشـرف‪ ،‬وغاية السـعادة؟!‪.‬‬

‫وليمة عر�سها‬
‫فـي عـرس فاطمة تلك الوليمـة‪ ،‬التي ال مراءاة فيهـا وال مكاثرة‪،‬‬ ‫علـي‬
‫أولـم ٌّ‬
‫أفضل الوالئم فـي نظ ِر َمـ ْن َح َض َرها من الصحابة‪ ،‬كمـا ُر ِو َي عن‬
‫وظلَّـت تلـك الوليمـة َ‬
‫بنت عميـس(((‪ ،‬وجابر األنصاري(((‪.‬‬
‫بعـض الصحابة من‬ ‫ل َي ْر َه َن ِد ْر َعه في شَ ـطْ ِر شـعير(((‪ ،‬واسـتع َّد ُ‬ ‫ذهـب اإلمـام‬
‫علـي كذا‪،‬‬
‫كبـش‪ ،‬وقال فلان‪َّ :‬‬ ‫علـي ٌ‬
‫األنصـار للتعـاون فـي هـذه الوليمـة‪ ،‬فقـال سـعد‪َّ :‬‬
‫علـي كـذا(((‪ ،‬وجمـ َع له ره ٌط مـن األنصـار ُ‬
‫آصعا((( مـن ُذ َرة(((‪.‬‬ ‫وقـال فلان‪َّ :‬‬
‫‪ -‬الحيـس(((‪ ،‬وهو‬ ‫كان عمـا ُد تلـك الوليمـة كمـا فـي روايـة عند أهل البيـت‬
‫طعـا ٌم يُتَّ َخـ ُذ مـن التمـر‪ ،‬واإلقـط‪ ،‬والسـمن‪ ،‬وقد يسـتعاض اإلقـط بالدقيـق أو الفتيت‪،‬‬
‫وهـو طعـا ٌم كانـت المدينـة تتكفَّـل بمـوا ِّده األساسـية‪ ،‬كالتمـر‪ ،‬والسـمن‪ ،‬أو األقـط‪،‬‬
‫والفتيـت‪ ،‬والدقيق‪.‬‬
‫غيـر أن هنـاك روايـات تُثْب ُِت أن هناك أصنافا أخرى فـي الوليمة‪ ،‬ومنها الزبيب(((‪،‬‬
‫الطبري‪ ،‬ذخائر العقبى‪ ،‬ص‪ ،33‬عن الدوالبي‬ ‫(((‬
‫الطبـري‪ ،‬ذخائـر العقبـى‪ ،‬ص‪ ،34‬عـن أبـي بكر بن فـارس‪ .‬والروايـة تقول‪ :‬إنها أسـماء‪ ،‬ولكـن يترجح أنها‬ ‫(((‬
‫سـلمى أختها كما سـيأتي‪.‬‬
‫الطبراني‪ ،‬المعجم الكبير‪ ،‬ج‪ ،24‬ص‪ ،145‬رقم ‪204040‬؛ وابن سعد‪ ،‬الطبقات الكبرى‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.14‬‬ ‫(((‬
‫ابن حنبل‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ،359‬رقم‪23085‬؛ والطبري‪ ،‬ذخائر العقبى‪ ،‬ص‪.33‬‬ ‫(((‬
‫َ‬
‫ْـب أ ْصـ ُؤ ٍع بِالْ َه ْمـ َز ِة لِضَ َّم ِة‬ ‫أي عـدد مـن الصيعـان‪ ،‬حيـث يجمـع صاع علـى أَ ْص ُو ٍع َو ِصي َعـانٍ ‪َ ،‬وأَ َّمـا ُ‬
‫آص ٌع فَ َقل ُ‬ ‫(((‬
‫الْـ َوا ِو كَآ ُد ٍر ِفـي أَ ْد ُؤرٍ‪ .‬ويقـدر الصـاع بأربعـة أمـداد بكـف الرجل المتوسـط‪.‬‬
‫النسائي‪ ،‬السنن الكبرى‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪ ،73‬رقم‪10088‬؛ والطبري‪ ،‬ذخائر العقبى‪ ،‬ص‪.33‬‬ ‫(((‬
‫العجري‪ ،‬إعالم األعالم‪ ،‬ص‪.232‬‬ ‫(((‬
‫الطبري‪ ،‬ذخائر العقبى‪ ،‬ص‪ ،34‬وقال‪ :‬أخرجه أبو بكر بن فارس‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪78‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫وورد أن وليمتـه كانـت آصعـا مـن شـعير‪ ،‬وتمـر‪ ،‬وحيـس(((‪ ،‬ويظهـر أن كبـش سـعد‬
‫(((‬

‫ُ‬
‫رسـول اللـه بالال بجلبهـا((( كانـا لحم هـذه الوليمة‪ ،‬فـي أكثر‬ ‫باإلضافـة إلـى شـا ٍة أ َمـ َر‬
‫االحتماالت‪.‬‬
‫بآصـع(((‪ ،‬وأ َّن رسـول الله‬
‫بعـض الروايـات كميـة المطعومـات فيها ُ‬ ‫وحـ َّددت ُ‬
‫دعـا المهاجريـن واألنصـار إلـى وليمـة ابنتـه‪ ،‬وأدخلهـم دفعـة دفعـة‪ ،‬وببركتـه‬
‫يحضـ ْر جمي ُعهـم‪ ،‬بل حضر‬ ‫ومعجـز ًة لـه أكلـوا وشـبعوا جميعـا‪ ،‬وإن كان كمـا يبـدو لـم ُ‬
‫َمـ ْن كان قريبـا مـن مـكان الوليمـة في بيت رسـول اللـه(((؛ ألن المدينة كانـت أحياؤها‬
‫متوزعـة بيـن منطقتـي العاليـة والسـافلة فيها‪.‬‬
‫وكانـت هنـاك وليمـة أيضـا خاصـة بالنسـاء خصوصـا نسـاء األنصـار‪ ،‬فقـد أعطى‬
‫آصعـا مـن تمـر وشـعير إلطعـام نسـاء األنصـار منهـا(((‪.‬‬ ‫رسـول اللـه‬
‫هـذه الوليمـة علـى بسـاطتها وانتمائهـا األصيـل إلـى اإلسلام المحمـدي‪ ،‬وعلـى‬
‫الطريقـة النبويـة لـم يَ ْن َسـها الصحابـة‪ ،‬ولـم ينسـوا أجواءها الطيبـة‪ ،‬ورائحتهـا الزكية؛‬
‫أطيب منه‪ ،‬حشـونا‬‫فقـد قـال جابـر‪ :‬حضرنـا ُع ْر َس علي وفاطمـة‪ ،‬فما رأينا ُعرسـا كان َ‬
‫البيـت ِطيبـا‪ ،‬وأُتِ ْي َنـا بتمـر وزبيـب فأكلنا(((‪.‬‬
‫وبهـذا يظهـر أهميـة التيسـير فـي الوالئـم‪ ،‬واعتمـاد األطعمـة المتوفرة‪ ،‬ممـا يوفر‬
‫موا َّدهـا بلـ ُد ال ُعـ ْرس نفسـه‪ ،‬كما يظهـر أهمية التعـاون بين المسـلمين‪ ،‬وإعانـة بعضهم‬
‫بعضـا في مثـل هـذه المناسـبات االجتماعية‪.‬‬

‫الطبري‪ ،‬ذخائر العقبى‪ ،‬ص‪ ،33‬عن الدوالبي‪.‬‬ ‫(((‬


‫ابن حنبل‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ،359‬رقم‪23085‬؛ والطبري‪ ،‬ذخائر العقبى‪ ،‬ص‪.33‬‬ ‫(((‬
‫الطبراني‪ ،‬المعجم الكبير‪ ،‬ج‪ ،22‬ص‪ ،411‬رقم ‪1022‬؛ والهيثمي‪ ،‬مجمع الزوائد‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.209‬‬ ‫(((‬
‫المصدران السابقان‪.‬‬ ‫(((‬
‫المصدران السابقان‪.‬‬ ‫(((‬
‫العصامي‪ ،‬سمط النجوم العوالي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.220‬‬ ‫(((‬
‫الطبري‪ ،‬ذخائر العقبى‪ ،‬ص‪ ،34‬عن أبي بكر بن فارس‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪79‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫زفـافهــا‬
‫بنـات عبدالمطلب ونسـاء المهاجريـن واألنصـار أن يمضين في‬ ‫ِ‬ ‫أمـ َر النبـي‬
‫صحبـة فاطمـة وزفافهـا إلـى بيت الزوجيـة‪ ،‬وأن يفرحـن ويَر ُجـ ْزن‪ ،‬ويُ َك ِّبـ ْر َن ويُ َح ِّم ْدنَ‪،‬‬
‫وال يقُلـن مـا ال يرضـي اللـه‪ ،‬فارتجزت أم سـلمة وعائشـة وحفصة‪ ،‬ومعاذة أم سـعد بن‬
‫بيت مـن ِّكل َر َجزٍ‪ ،‬ثم يك ِّب ْرن‪ ،‬إلـى أ ْن َد َخلْ َن الدار(((‪.‬‬‫معـاذ‪ ،‬وكانـت النسـوة يُ َر ِّج ْعن أ َّو َل ٍ‬
‫أن‬ ‫هـي التـي أمرهـا رسـول اللـه‬ ‫وكانـت أ ُّم أيمـن مـوالة الرسـول‬
‫‪ ،‬فل َّمـا صلَّى‬ ‫تد ُخـل مـع فاطمـة‪ ،‬وتبلِّـغ عليـا بـأن ينتظـر حتـى يأتيه رسـول اللـه‬
‫العشـاء أقبـل بركـوة كان فيهـا مـاء‪ ،‬فدعـا فيهـا‪ ،‬وقال ما شـاء الله‬ ‫رسـول اللـه‬
‫رأسـها‪ ،‬وبيـن كتفيها‪،‬‬ ‫أن يقـول‪ ،‬وتوضـأ منـه‪ ،‬ثـم نضـح بهـا بيـن ثديـي فاطمة‪ ،‬وعلـى ِ‬
‫ثـم قـال‪( :‬اللهـم إنـي أعيذهـا بـك وذريتهـا مـن الشـيطان الرجيم)‪ ،‬ثـم نضح بـه عليا‬
‫علـى رأسـه‪ ،‬وبيـن يديـه‪ ،‬وقـال‪( :‬اللهـم إنـي أعيـذه بـك وذ ِّريَّتَه من الشـيطان‬
‫الرجيـم)(((‪ ،‬ثـم دعـا لهـم قائال‪( :‬اللهـم بارك فيهمـا‪ ،‬وبـارك لهما في شـملهما)‪ ،‬وقال‬
‫‪( :‬ادخـل علـى أهلـك باسـم اللـه والبركـة)(((‪ ،‬وتذكـر بعـض الروايـات أنه‬ ‫لعلـي‬
‫حيـن جمـع بينهمـا دعـا لهمـا‪ ،‬ولم يُشْ ـرِك فـي دعائهمـا أحـدا غي َرهمـا‪ ،‬فدعا لهـا‪ ،‬ثم‬
‫جعـل يدعـو له كمـا دعا لهـا(((‪.‬‬
‫بأه ِّم مقاييسـها‬ ‫وفي تلك الليلة ل ّما بكت الزهراء لفراق والدها ذكَّرها النبي‬
‫فـي الرجـال؛ إذ قـال لهـا‪( :‬مـا يبكيك يـا بنية‪ ،‬قـد ز َّوجتك أقد َمهم إسلاما‪ ،‬وأحسـ َنهم‬
‫ُخلُقًـا‪ ،‬وأعل َمهـم باللـه تعالـى)(((‪ ،‬وفـي روايـة‪( :‬ز ْو ُجـك سـي ٌد فـي الدنيـا واآلخـرة‪ ،‬وإنه‬
‫أول أصحابـي إسلاما‪ ،‬وأكث ُرهـم علمـا‪ ،‬وأعظ ُمهـم حلمـا)(((‪ ،‬وهـي مقاييـس ومؤ ِّهلات‬ ‫ُ‬

‫الكعبـي‪ ،‬سـيدة النسـاء فاطمة الزهـراء‪ ،‬ص‪ ،63‬نقال عن المناقـب‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪354‬؛ والمجلسـي‪ ،‬بحار األنوار‪،‬‬ ‫(((‬
‫ج‪ ،43‬ص‪.115‬‬
‫الطبراني‪ ،‬المعجم الكبير‪ ،‬ج‪ ،22‬ص‪ ،409‬رقم‪1021‬؛ والهيثمي‪ ،‬مجمع الزوائد‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.206‬‬ ‫(((‬
‫الطبري‪ ،‬ذخائر العقبى‪ ،‬ص‪33‬؛ وقال خرجه النسائي‪ ،‬والدوالبي‪.‬‬ ‫(((‬
‫ابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.1099‬‬ ‫(((‬
‫أبو طالب‪ ،‬تيسير المطالب‪ ،‬ص‪.140‬‬ ‫(((‬
‫ابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.1099‬‬ ‫(((‬
‫‪80‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫فاضلـة تنتمـي لحيـاة اإليمـان والتقـوى‪ ،‬إنهـا األكثريـة فـي العلـم باللـه‪ ،‬والسـبق إلى‬
‫اإلسلام‪ ،‬وأحسـنية الخلـق أو أعظميـة الحلم‪ ،‬وهو مـا يجب أن تجعله فاطمـ ُة ِ‬
‫اليوم في‬
‫أعلـى قائمـة مقاييسـها فـي الزوج الـذي تريد أن تختـاره شـريكا لحياتها‪.‬‬
‫فـي صبيحـة العـرس‪ ،‬وقيـل فـي صبيحـة اليـوم الرابـع‬ ‫وقـد زارهمـا النبـي‬
‫‪ :‬كيـف وجـدْتَ أهلَـك؟ فقـال‪ :‬نِعـ َم العو ُن علـى طاعة‬ ‫مـن العـرس‪ ،‬فسـأل عليـا‬
‫اللـه‪ ،‬وسـألها عـن زوجهـا‪ ،‬فقالـت‪ :‬خير بعـل‪ ،‬فقـال‪( :‬اللهم اجمـع شـملهما‪ ،‬وألِّف بين‬
‫قلوبهمـا‪ ،‬واجعلهمـا وذريتهمـا مـن ورثـة جنـة النعيـم‪ ،‬وارزقهمـا ذريـة طاهـرة طيبـة‬
‫مباركـة‪ ،‬واجعـل فـي ذ ِّريَّتهمـا البركـة‪ ،‬واجعلهـم أئمـة يهـدون بأمـرك إلـى طاعتـك‪،‬‬
‫ويأمـرون بمـا يرضيـك)(((‪.‬‬
‫ودخـل عليهمـا يومـا وهمـا يضحكان فل َّما رأياه سـكتا‪ ،‬فقال لهما رسـول الله‬
‫‪( :‬مـا لكمـا كنتمـا تضحـكان‪ ،‬فلمـا رأيتمانـي سـكتُّما؟)‪ ،‬فبـا َد َرتْ فاطمـة‪ ،‬فقالـت‪ :‬بأبي‬
‫أحب إلى رسـول الله‬‫‪ : -‬أنا ُّ‬ ‫أنـت يـا رسـول اللـه‪ ،‬قـال هذا ‪ -‬وأشـارت إلى علـي‬
‫وقال‪ِ :‬‬
‫(أنت‬ ‫ُ‬
‫رسـول اللـه‬ ‫فتبسـم‬
‫منك‪َّ ،‬‬ ‫أحب إلى رسـول الله َ‬ ‫فقلـت‪ :‬بـل أنا ُّ‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫منـك‪،‬‬
‫‪( :‬فاطم ُة‬ ‫وعلـي أع ُّز ِ‬
‫منـك)‪ ،‬وفي روايـة مخاطبا لعلـي‬ ‫ٌّ‬ ‫ابنتـي‪ِ ،‬‬
‫ولـك رقـة الولـد‪،‬‬
‫علـي منها)(((‪.‬‬
‫وأنـت أع ُّز َّ‬
‫منك‪َ ،‬‬ ‫إلـي َ‬
‫أحـب َّ‬
‫ُّ‬

‫الزوجية �إكرام وتقدير و�شراكة‬


‫علـي والزهـراء اآل َخـر منهمـا‪ ،‬وهمـا جميعـا قـد بلغـا فـي الفضل‬‫أن يُكْـرِم ٌّكل مـن ٍّ‬
‫والمجـد غايتيـه فهـذا تكليـف شـريف وعظيم‪ ،‬وسـؤد ٌد يشـ ِّرف صاحبـه‪ ،‬ال يَ ِق ُّـل عن أن‬
‫فكل فيـه كلفة‪ ،‬حتى ال يقـال‪ :‬إنه من السـهل أن يُ ْكرِم‬
‫بعضهمـا‪ٌّ ،‬‬
‫يكـرم زوجـان عاديـان َ‬
‫علـي فاطمـة والعكـس‪ ،‬وهما مـن ِعليـة األمة‪ ،‬وخيـر الخلق‪.‬‬

‫((( الكعبـي‪ ،‬سـيدة نسـاء فاطمـة الزهـراء‪ ،‬ص‪66‬؛ نقلا عـن (مناقـب ابـن شـهر آشـوب‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،155‬وبحار‬
‫األنـوار‪ ،‬ج‪ ،43‬ص‪.)117‬‬
‫((( العصامـي‪ ،‬سـمط النجـوم العوالـي‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪221‬؛ وقال‪ :‬أخـرج الرواية األولـى الطبراني‪ ،‬برجـال الصحيح‬
‫عـن ابـن عبـاس‪ ،‬وأخـرج األخـرى عن أبـي هريـرة أيضا‪.‬‬
‫‪81‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ومـا أجـدر الزوجيـن اليـوم ال سـيما ذينـك المنتمييـن إلـى علـي والزهـراء محبـة‬
‫واتباعـا‪ ،‬مـا أجد َرهمـا أن يكونـا علـى ذات التكريـم والمـودة والمح َّبة و ُح ْسـنِ الصحبة‬
‫والمعاشـرة‪ ،‬مـا أجـدر أن يقابِـل طاعـ َة الزوجـة وحسـ َن تب ُّعلهـا لزوجهـا رحمـ ٌة ومـود ٌة‬
‫وتقديـ ٌر وإكـرا ٌم مـن الـزوج؛ وبهـذا تسـتقيم األسـرة‪ ،‬ويصلُـح المجتمـع‪ ،‬ويؤ ِّديـان‬
‫وظائفهمـا العظيمـة فـي طاعـة اللـه وعبادتـه‪.‬‬
‫أمام مسـؤوليات جديدة‪،‬‬ ‫نفسـها فـي بيت علي‬ ‫لقـد َو َجـدَتْ فاطمة الزهرا ُء َ‬
‫؛ وال ريب فـي أنه قد‬ ‫وأول تلـك المسـؤوليات عالقتُهـا مـع زوجهـا اإلمـام علـي‬
‫سـادت عالقـة رائعـة بيـن هذيـن الزوجيـن الكريميـن فمـا َعـ َرف التاريـ ُخ فاطمـة إال‬
‫وهـي ُم ِطيعـ ٌة لزوجهـا‪ ،‬موافقـة له‪ُ ،‬م ِعينة لـه في طاعة اللـه‪ ،‬وتؤثِ ُره على نفسـها‪ ،‬وكان‬
‫كلمـا نظـر إليهـا ب َعث َْت في قلبـه السـعادة والحبور‪.‬‬
‫ذات يـوم‪ :‬يا‬ ‫أخـرج ابـن عسـاكر عـن أبـي سـعيد الخـدري‪ ،‬قال‪ :‬قـال علـي‬
‫فاطمـة هـل عنـدك شـيء تغدينيـه؟ قالت‪ :‬ال‪ ،‬والـذي أكرم أبـي بالنبوة‪ ،‬مـا أصبح عندي‬
‫ابني هذيـن‪ ،‬قال‪ :‬يـا فاطمة‬ ‫شـيء منـذ يوميـن‪ ،‬إال شـيء أؤثـ ُرك به علـى بطني‪ ،‬وعلـى َّ‬
‫أال أعلم ِتنـي حتـى أبغ َيكـم شـيئا؟ قالت‪ :‬إني أسـتحيي من الله أن أُكَلِّف ََك مـا ال تقدر عليه‪،‬‬
‫فخـرج مـن عندهـا واثقـا باللـه َح َسـ َن الظ ِّن به‪ ،‬وذهـب ليتدبَّر أمـره في تلك السـاعة(((‪.‬‬
‫تفضـل زو َجهـا علـى نفسـها بل وعلـى ابنيها‪ ،‬وتسـتحي مـن الله‬ ‫هـذه فاطمـة التـي ِّ‬
‫يقـدر عليـه مـن أمـور النفقـة الضروريـة‪ ،‬فمـا بـال فاطمـة‬ ‫أن تكلفـه مـا تظـن أنـه ال ِ‬
‫وتكاليـف‪ ،‬من حيث يقـدر ومن حيث ال يقـدر‪ ،‬في أمور‬ ‫َ‬ ‫بمطالـب‬
‫َ‬ ‫اليـوم تُ ْر ِهـق زو َجهـا‬
‫المالبـس واإلكسسـوارات والموضات؟!‪.‬‬
‫في‬ ‫فاطمـة سلام اللـه عليها لم تخالـف زو َجها في أمر‪ ،‬وقـد قالت لزوجها‬
‫مـرض موتهـا‪( :‬يـا ابـ َن عم مـا عه ْدت َّنـي كاذبـة وال خائنـة‪ ،‬وال خال ْفتُك منذ عاشـ ْرتَني‪،‬‬
‫‪ :‬معـا َذ اللـه‪ِ ،‬‬
‫أنـت أعلـ ُم باللـه وأبـ ُّر وأتقـى وأكـر ُم وأشـ ُّد خوفـا مـن الله‪،‬‬ ‫فقـال‬
‫مـن أن أوبِّ َخ ِ‬
‫ـك بمخالفتي)(((‪.‬‬

‫((( ابن األمير‪ ،‬الروضة الندية‪ ،‬ص‪.252‬‬


‫((( الكعبي‪ ،‬سيدة النساء فاطمة الزهراء‪ ،‬ص‪ ،68‬نقال عن مصادره‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫وهـي تلـك التـي وصفهـا زو ُجهـا بقولـه‪( :‬واللـه مـا أغضبْتُهـا وال أكْ َر ْهتُها علـى أم ٍر‬
‫كنت أنظـر إليها‬ ‫ـت لي أمـرا‪ ،‬ولقد ُ‬ ‫عص ْ‬
‫حتـى قب َِضهـا اللـه عـز وجـل‪ ،‬وال أغض َبتْنـي وال َ‬
‫فتكشـف عنـي الهمو َم واألحـزان)(((‪.‬‬
‫ُ‬
‫هـي تلـك التـي ضربـت األمثولـة العاليـة للزوجـة المثاليـة فـي الطاعـة وحسـن‬
‫العشـرة‪ ،‬ورغـم أنهـا كانـت تجـ ُّر الرحـى حتـى تم ُجـل يداهـا‪ ،‬وتسـتقي بالقربـة حتـى‬
‫تؤث ِّـر فـي نحرهـا‪ ،‬وتكنـس البيـت حتـى تغ َبـ َّر ثيابُهـا‪ ،‬وتو ِقـد فـي القـدر حتـى تدكـ َن‬
‫ثيابهـا((( ‪ -‬فمـا كان يزيدهـا ذلـك إال ألَقـا وصبـرا وتج ُّملا وسـعادة‪ ،‬ويحق القـول‪ :‬إنه‬
‫لـوال علـي لمـا كانـت فاطمة‪ ،‬ولـوال فاطمة لمـا كان علي بذلـك النحو الـذي ظهر عليه‬
‫فـي التاريـخ إنجـازا ومجـدا وكرامة‪.‬‬
‫وتسـتمر الزهـراء فـي التقدير العظيم لشـخص زوجهـا‪ ،‬وال تكتفي باحتـرام زوجها‪،‬‬
‫‪ ،‬فتحـ ِّدث أبنا َءها‬ ‫بـل تذهـب فـي هـذه الحياة لتنثـر بذور المحبـة لإلمام علـي‬
‫‪ ،‬وتروي الحديـث الذي مر‬ ‫وأمـ َة أبيهـا بمـا سـم َعتْ ُه من والدهـا في إكرام علـي‬
‫(((‪.‬‬ ‫ذكره سـابقًا فـي فضله‬
‫لقـد كانـت تحتـرِم وتقـ ِّدر زو َجهـا؛ أوال ألنـه زوجهـا الكريـم‪ ،‬وبعلُها البطل الشـجاع‬
‫وصـي رسـول الله‪ ،‬وأبـو ذريتـه؛ ولهـذا َوقَف َْت‬ ‫العالـم المجاهـد‪ ،‬ثـم ألنـه علـي‬
‫معـه فـي موضـوع واليـة أمـر األمـة حينما اغتُصـب مقا ُمـه الـذي ع َّينه له اإلسلام‪.‬‬
‫مواقـف اإلمـام علي‬
‫َ‬ ‫وهـا هـي فـي خطبتهـا فـي مواجهـة أبـي بكـر تذكُـ ُر‬
‫قائلـة عنـه‪( :‬كلَّمـا أوقـدوا للحـرب نـارا ً أطفأها اللـه‪ ،‬أو نجم قـرن الشـيطان‪ ،‬أو فغرت‬
‫فاغـرة مـن المشـركين‪ ،‬قـذف أخـاه فـي لهواتهـا‪ ،‬فمـا ينكفـئ حتـى يَطَـأَ جنا َحهـا‬
‫بأخمصـه‪ ،‬ويُ ْخ ِمـ َد لهبهـا بسـيفه‪ ،‬مكـدو ًدا فـي ذات اللـه‪ ،‬مجتهـ ًدا فـي أمر اللـه‪ ،‬قريبا‬
‫مـن رسـول اللـه‪ ،‬سـي ًدا فـي أوليـاء اللـه‪ ،‬مشـ ِّمرا ناص ًحـا‪ُ ،‬مجِـ ًّدا كاد ًحـا‪ ،‬ال تأخـذه في‬
‫اللـه لومة الئـم)(((‪.‬‬
‫اإلربلي‪ ،‬كشف الغمة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪363‬؛ ومناقب الخوارزمي‪.247 ،‬‬ ‫(((‬
‫السيوطي‪ ،‬مسند فاطمة‪ ،‬نقال عن أبي داود‪ ،‬والعسكري‪ ،‬وأبي نعيم‪ ،‬وعبدالله بن أحمد بن حنبل‪.‬‬ ‫(((‬
‫وينظر‪ :‬المرشد بالله‪ ،‬األمالي الخميسية‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪( 130‬ترقيم آلي)‪.‬‬ ‫(((‬
‫الشرفي‪ ،‬الآلليء المضيئة –خ ‪-‬؛ وابن أبي الحديد‪ ،‬شرح نهج البالغة‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪.250‬‬ ‫(((‬
‫‪83‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫وتقـول عنـه أمـام نسـاء المهاجريـن واألنصـار‪ ،‬معلِّلـة مـا نقموا بـه عليـه فأزاحوه‬
‫عـن حقـه فـي واليـة أمر األمـة‪( :‬ومـا نقموا مـن أبي حسـن؟ نقمـوا والله نكير سـيفه‪،‬‬
‫ونـكال وق ِعـه‪ ،‬وشـدة وطأته‪ ،‬وتن ُّمـ َره فـي ذات الله)(((‪.‬‬
‫َ‬
‫هكـذا كانـت الزهـراء تنظـر إلـى زوجها اإلمـام‪ ،‬وبهـذا كانـت تصفه‪ ،‬وكانـت تلبي‬
‫نـداءه فـي كل وقـت بـدون تأفـف أو تضجـر‪ ،‬وفـي مـرة مـن المـرات طـرق بيتَهـم‬
‫مسـكي ٌن‪ ،‬يطلـب طعامـا‪ ،‬فمـا كان منهـا إال أن قالـت‪:‬‬
‫(((‬
‫لـــؤم وال وضاعة‬
‫ٍ‬ ‫بـــي مـــن‬ ‫ما َ‬ ‫أمرك ســـم ٌع يـــا ابن عـــ ّم وطاعة‬
‫غضبهـا وال‬‫نعـم الـزوج‪ ،‬والبعـل‪ ،‬ال يُ ِ‬ ‫وبالمقابـل فقـد كان أميـر المؤمنيـن‬
‫يُ ْك ِر ُههـا علـى شـيء‪ ،‬ويق ِّد ُرهـا غايـة التقديـر‪ ،‬وقـد مضـى كال ُمـه فـي ذلـك؛ إذ قـال‪:‬‬
‫(واللـ ِه مـا أغض ْبتُهـا وال أكر ْهتُهـا على أمـ ٍر حتى قبِضها اللـ ُه ع َّز وجـل)(((‪ ،‬وحين يراها‬
‫وقـد أث َّـر عليهـا التعـب وكثـر ُة العمـل فـي البيـت‪ ،‬وتتزاحـم عليهـا األعمـال‪ ،‬يـرِق لهـا‪،‬‬
‫بخـادم من السـبي يعينهـا‪ ،‬ولكنها تعود‬ ‫ٍ‬ ‫تذهـب إلـى أبيهـا لعلَّهـا تظفَـ ُر منه‬
‫َ‬ ‫ويقتـرح أن‬
‫بخيـر الدنيـا‪ ،‬مـن الدعـاء للـه والمناجـاة‪ ،‬والتسـبيح‪ ،‬فيقـول لهـا‪ :‬خيـر أيامـك‪ ،‬خيـر‬
‫أيامك‪.‬‬
‫ومـا أجملـه مـن زو ٍج يشـ ُعر بمعانـاة زوجتـه وتعبهـا‪ ،‬ومـا أجملها من زوجـة ترضى‬
‫بمـا قسـم اللـه لهم‪ ،‬وبقضاء اللـه وخيرته التـي اختارها ألهل بيـت النبي محمد‬
‫‪ ،‬ومـا أعدلَـه وهـو يعتبرهـا مصـدر سـعادته‪ ،‬وانجلاء همومـه وأحزانـه‪ ،‬وهـو الرجـل‬
‫الـذي مـا عـ َرف إال المعانـاة‪ ،‬واقتحام المعـارك‪ ،‬ومصاولـة األبطال‪.‬‬
‫ول َّمـا قالـت لـه‪( :‬وال خالفتُـك منـذ عاشـ ْرتَني)‪ ،‬قـال‪( :‬معـاذ اللـه ِ‬
‫أنـت أعلـم بالله‪،‬‬
‫ـك بمخالفتـي)(((‪.‬‬‫وأبـ ُّر‪ ،‬وأتقـى‪ ،‬وأكـرم‪ ،‬وأشـ ُّد خوفـا مـن اللـه مـن أن أوبِّ َخ ِ‬
‫وربمـا اختلفـت الـرؤى والتقديـرات لبعـض األمـور فيجـري بينهمـا مـن االختالف‬
‫الراشـد‪ ،‬والحـوار الهـادئ‪ ،‬مـا ال يخـرج إلـى اإليـذاء واإلغضـاب‪ ،‬فتُشَ ـ ِّدد فاطمة على‬
‫أبو العباس الحسني‪ ،‬المصابيح‪ ،‬ص‪.269‬‬ ‫(((‬
‫‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،179‬رقم‪.103‬‬ ‫الكوفي‪ ،‬مناقب أمير المؤمنين‬ ‫(((‬
‫اإلربلي‪ ،‬كشف الغمة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪363‬؛ ومناقب الخوارزمي‪.247 ،‬‬ ‫(((‬
‫الكعبي‪ ،‬سيدة النساء فاطمة الزهراء‪ ،‬ص‪ ،68‬نقال عن مصادره‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪84‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫موقفهـا‪ ،‬فلا يملِـك إال أن يُ ْك ِر َمهـا ويسـكُت أن يُجيبَهـا بشـيء‪.‬‬


‫وكالمـه لهـا بعـد مـوت أبيهـا عنـد اغتصـاب فَ َدك يشـير إلى إجاللـه لهـا؛ إذ يقول‪:‬‬
‫(نَ ْه ِنهـي عـن َو ْج ِـدك((( يـا ابنـة الصفـوة‪ ،‬وبقيـة النبـوة)(((‪ ،‬ول َّمـا دفنها ذهـب إلى قبر‬
‫رسـول اللـه يناجيـه‪ ،‬ويقـول لـه‪( :‬السلام عليك يا رسـول الله عنـي وعن ابنتـك النازلة‬
‫رسـول اللـه عـن صفيتـك صبـري‪َّ ،‬‬
‫ورق‬ ‫َ‬ ‫قـل يـا‬
‫فـي جـوارك‪ ،‬والسـريعة اللحـاق بـك‪َّ ،‬‬
‫بعظيـم فرقتك‪ ،‬وفـاد ِح مصيب ِتك‪ ،‬موض ُع تعـ ٍّز ‪ ..‬فلقد‬
‫ِ‬ ‫التأسـي لـي‬
‫َ‬ ‫عنهـا تجلّـدي‪ ،‬إال أن‬
‫اسـتُ ْر ِج َع ِت الوديعـة‪ ،‬وأُ ِخـذَت الرهينـة‪ ،‬أمـا حزني فسـرمد‪ ،‬وأمـا ليلي فمسـ َّهد)(((‪.‬‬
‫مبلـغ فقده وحزنـه وسـهره على شـريكة حياته‪،‬‬ ‫وهكـذا يصـف اإلمـام علـي‬
‫ومعينتـه علـى أداء جهـاده العظيم‪.‬‬
‫ولهـذا ال غـر َو أن كانـت السـعادة العميقـة‪ ،‬والحـب الغامـر‪ ،‬والمشـاعر الزوجيـة‬
‫الصادقـة‪ ،‬هـي السـائدة في ذلـك البيت‪ ،‬وأعالم السـعادة هـي المرفرِفة علـى أنحائه‪،‬‬
‫علـى عظيـم المسـؤوليات‪ ،‬وكبيـر المصاعـب والمهمات‪ ،‬التـي كان يتحملهـا ذلك البيت‬
‫بعـض مظاهرِها‬
‫رجـاال ونسـاء‪ ،‬تلـك السـعادة الغامـرة بالمحبة الفائضة هـي التي َو َجد َ‬
‫ٍ‬
‫لحديث كان‬ ‫بيـت فاطمة‪ ،‬فوجدهما يضحـكان‪،‬‬ ‫ذاتَ يـوم وقد دخل َ‬ ‫ُ‬
‫رسـول اللـه‬
‫‪ ،‬كمـا تقدم‪.‬‬ ‫أحـب إلى رسـول الله‬
‫منهمـا حـول أيُّهمـا ُّ‬

‫تعاونهما‬
‫هذا البيت الذي تز َد ِحم فيه الواجبات الشـخصية والشـرعية والمجتمعية والجهادية‬
‫هـو البيـت الـذي أبصـار النـاس ‪ -‬خـارج حيطانـه ‪ -‬شـاخصة إليـه‪ ،‬تنتظر منـه القدوة‬
‫الحسـنة‪ ،‬واألسـوة الطيبة‪ ،‬وتنتظـر التعليمات تخرج منه في مختلـف المجاالت‪ ،‬لتقتدي‬
‫وتتأسـى؛ وقـد ق َّدم هـذا البيت بالفعـل نموذجا رائعا فـي التعاون بيـن الزوجين‪.‬‬
‫بـه َّ‬
‫ال تمضـي الحيـاة سـليمة مـن األذى إذا لم يكـن هناك تعاون وتفاهـم ونظا ٌم يرتِّب‬

‫((( أي كفي‪ .‬وال َوجد يقال‪ :‬وجد عليه يجِد َو ْجدا‪ :‬إذا غضب عليه‪ .‬يقول لها‪ :‬كفي عن غضبك‪.‬‬
‫((( مستدرك نهج البالغة‪ ،‬ص‪.77‬‬
‫((( الرضي‪ ،‬نهج البالغة‪ ،‬خ‪ ،200‬ص‪.395‬‬
‫‪85‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ويقيـل ِعثا َرها‪ ،‬وقد قـ َّدم هذان الزوجان نموذجـا رائعا ِّ‬
‫لكل‬ ‫ُ‬ ‫أمو َرهـا‪ ،‬ويُ ْصلِ ُ‬
‫ـح ُم ْع َو َّجهـا‪،‬‬
‫زوجيـن سـواهما‪ ،‬فـي ترتيب أمـو ِر بي ِتهما؛ فهـذه الزهراء سـيدة نسـاء العالمين‪ ،‬وبنت‬
‫خير المرسـلين‪ ،‬وزوج سـيد الوصيين‪ ،‬وأم سـيدي شـباب أهل الجنة الحسـن والحسين‪،‬‬
‫ووالـدة الذريـة المباركـة الطيبيـن‪ ،‬لـم تتأفّـف عـن العمـل‪ ،‬وعـن معالجة أكبـ ِر األمور‬
‫وأصغرِهـا‪ ،‬وأعظ ِمهـا وأهونِها داخـل بيت زوجها‪.‬‬
‫وهـا هـي تلـك كانـت تطحـن‪ ،‬وتسـتقي‪ ،‬وتعجـن‪ ،‬وتخبـز‪ ،‬وتربِّـي األوالد‪ ،‬وتغـزل‬
‫المالبـس‪ ،‬وتُسـ ِعد زوجها‪ ،‬وتُ ْكرِم أضيافَهـا‪ ،‬وتتفقَّد أباها‪ ،‬وت ُْصلِح أمـره‪ ،‬وتقوم بأدوارها‬
‫الجهاديـة واالجتماعيـة والتعليمية‪.‬‬
‫على فاطمـة يوما‪ ،‬وعليها كسـاء‬ ‫ُ‬
‫رسـول اللـه‬ ‫أنـه دخل‬ ‫عـن الصـادق‬
‫مـن أوبـار اإلبـل‪ ،‬وهـي تطحن بيدهـا‪ ،‬وت ُ ْر ِضـع ول َدهـا‪ ،‬فدمعت عينـاه‪ ،‬لِ َمـا أبصر بها‪،‬‬
‫فقـال‪ :‬يـا بنتـاه‪ ،‬تع َّجلـي مـرار َة الدنيـا بحلاو ِة اآلخـرة‪ ،‬فقد أنـزل الله َّ‬
‫علـي‪َ ( :‬ول ََسـ ْو َف‬
‫يُ ْع ِط َ‬
‫يـك َربُّ َـك فَتَ ْر َضى) [الضحـى‪.(((]5 :‬‬
‫ومـع ك َبـ ِر عقلـي هذين الزوجين‪ ،‬وحسـنِ تعاشُ ـرِهما إال أنه كان ال بد مـن الترتيب‬
‫والتنظيـم‪ ،‬وتحديـد الصالحيـات والمهـام بيـن أعضاء هـذا البيت؛ كان ال بـد من ذلك‬
‫ليكونـا نمـوذج التعـاون لبقيـة األزواج‪ ،‬وأمثولـة الترتيـب والنظام لسـائر األسـر؛ ولهذا‬
‫قضـى علـى فاطمـة الزهـراء بخدمـة البيـت‪ ،‬وقضـى على‬ ‫ثبـت أن رسـول اللـه‬
‫بإصلاح مـا كان خار ًجا والقيـام به(((‪.‬‬ ‫علـي‬
‫وص َـف فيها‬ ‫كانـت الزهـراء تقـوم بأعمـال كثيـرة خدمـة لبيت زوجهـا‪ ،‬وفـي رواية َ‬
‫علـي عملَهـا‪ ،‬فقـال‪( :‬إنها ج َّرت بالرحى حتـى أث َّرت في يدها‪ ،‬واسـتَق َْت بال ِقربة‬ ‫اإلمـا ُم ٌّ‬
‫البيـت حتـى اغبـ ّرت ثيابُهـا‪ ،‬وأوقـ َد ِت ال ِقـ ْد َر حتـى‬‫َ‬ ‫حتـى أث َّـرت فـي نحرِهـا‪ ،‬وك َن ِ‬
‫سـت‬
‫دكنـت ثيابهـا‪ ،‬وأصابهـا مـن ذلـك ضـر)(((‪ ،‬واشـتهرت الروايـة التـي تصف يدهـا بأنها‬

‫‪ ،‬ص‪ 58‬عن ابـن النجار وابن‬ ‫((( السـيوطي‪ ،‬الـدر المنثـور‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪543‬؛ والسـيوطي‪ ،‬مسـند فاطمـة‬
‫‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪64‬؛ والهنـدي‪ ،‬كنز العمال‪ ،‬ج‪ ،12‬ص‪،422‬‬ ‫مردويـه والديلمـي؛ والخوارزمي‪ ،‬مقتل الحسـين‬
‫رقم‪.35475‬‬
‫((( الهادي‪ ،‬يحيى بن الحسين‪ ،‬األحكام‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪414‬؛ والحوثي‪ ،‬المختار‪ ،‬ص‪.387‬‬
‫((( السيوطي‪ ،‬مسند فاطمة‪ ،‬ص‪110‬؛ عن أبي داود‪ ،‬والعسكري‪ ،‬وأبي نعيم‪ ،‬وعبدالله بن أحمد بن حنبل‪.‬‬
‫‪86‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫مجلـت من أثـر الرحـى والطحن‪.‬‬


‫وكانـت إلـى جانـب العمـل تربِّـي أوالدهـا‪ ،‬وربمـا كانـت تطحـن وصبيهـا يبكـي(((‪،‬‬
‫أن تذهب إلـى أبيها قائال لها‪( :‬فسـليه يعطيك‬ ‫ولهـذا اقتـرح عليهـا زوجهـا علي‬
‫خادمـا‪ ،‬يقيـك الرحـى‪ ،‬وحـ َّر التنـور)(((؛ ألنـه كان قد جهدهـا الطحـن والعمل(((‪.‬‬
‫وفـي إطـار إصلاح عالقـة األم بالزوجـة‪ ،‬وهـو المشـ ِكل الـذي لـم ْ‬
‫ينجح فيـه كثير‬
‫معادلة متوازنـة تنظِّم عالقـة العمل بين‬ ‫علـي‬
‫رسـم اإلمـا ُم ٌّ‬ ‫مـن أزواج عصرنـا‪َ ،‬‬
‫زوجتـه وأمـه؛ إذ قـال ألمـه فاطمـة بنـت أسـد‪( :‬أكفـي فاطمـة بنـت رسـول الله‬
‫وتكفيـك ما كان داخلا من العجـن والطحن وغير‬ ‫ِ‬ ‫مـا كان خارجـا مـن السـقي وغيره‪،‬‬
‫ذلك)(((‪.‬‬
‫وهـذا فيـه عظـة لنـا بأن نرسـم عالقـة تعاونية واضحـة وط ِّيبـة بيـن األم والزوجة‪،‬‬
‫ونضـع معادلـة عادلـة تحفظ للـزو ِج ِب َّره بأ ِّمه ووالديه‪ ،‬وحسـ َن معاشـرتِه لزوجته‪ ،‬وعلى‬
‫الزوجـ ِة أن تُعيـ َن زو َجهـا علـى البِـ ِّر بأمـه‪ ،‬وعلـى األم أن تسـا ِعد اب َنهـا علـى حسـن‬
‫معاشـرة زوجته‪.‬‬
‫ظـروف أظهـرت فاطمة في مسـتوى عا ٍل مـن تقدير‬ ‫ٌ‬ ‫ومـع ذلـك فقـد كانـت هناك‬
‫‪( :‬وقد كانـت أ ُّمنا فاطمة‬ ‫العمـل والمبـادرة إليـه‪ ،‬يقول اإلمام عبداللـه بن حمزة‬
‫وتخدم البيـت‪ ،‬وبذلك قضـى عليها‬ ‫تغـزِل لنفسـها‪ ،‬وباألجـرة‪ ،‬وتطحـن النفقـة‪ِ ،‬‬
‫‪ ،‬وال شـرف أعظـم مـن شـرفها‪ ،‬وال كرم على اللـه يـوازي كرمها)(((‪،‬‬ ‫رسـول اللـه‬
‫ْ‬ ‫َ َ َ َ ً ََ َ‬ ‫َ َ ْ َ ْ َ ُ َ ْ ً ِّ َّ َ َ َ‬
‫ـال إِنَّ ِن م َِن ال ُم ْسـلِ ِم َني﴾[ف ُِّصلَت‪.]33:‬‬ ‫ـن قوال ممـن دع إِل الل َِّ وع ِمـل ص ِ‬
‫الا وق‬ ‫﴿ومـن أحس‬

‫انطلق إلى‬ ‫تفصيـل مـا أجملـه اإلمـا ُم المنصـور باللـه‪ ،‬وذلـك أن عليـا‬
‫ُ‬ ‫وورد‬
‫ابـن حنبـل‪ ،‬المسـند‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪150‬؛ والهيثمـي‪ ،‬مجمـع الزوائـد‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪316‬؛ وابن عسـاكر‪ ،‬تاريخ دمشـق‪،‬‬ ‫(((‬
‫ج‪ ،10‬ص‪.332‬‬
‫مسند فاطمة للسيوطي‪ ،‬ص‪ ،103‬عن أبي نعيم‪.‬‬ ‫(((‬
‫مسند فاطمة للسيوطي‪ ،‬ص‪ ،102‬عن ابن جرير‪.‬‬ ‫(((‬
‫البالذري‪ ،‬أنساب األشراف‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪37‬؛ وابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.1894‬‬ ‫(((‬
‫المنصـور باللـه عبداللـه بـن حمزة‪ ،‬مجموع رسـائل المنصـور بالله عبداللـه بن حمزة (القسـم الثاني)‪ ،‬ج‪،2‬‬ ‫(((‬
‫ص‪ ،578‬وصيـة البنات‪.‬‬
‫‪87‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫بنت‬
‫رجـل يعالـج الصـوف‪ ،‬فقـال لـه‪ :‬هل لـك أن تعطينـي جزة من صـوف‪ ،‬تغزِلهـا لك ُ‬
‫َ‬
‫الصـوف والشـعي َر‪ ،‬فقبِلت‬ ‫آصـعٍ مـن شـعير؟ قال‪ :‬نعـم‪ ،‬فأعطـاه‬ ‫بثالثـة ُ‬ ‫محمـد‬
‫فاطمـة وأطاعـت‪ ،‬وقامـت إلـى صـا ٍع فطح َنتْه‪ ،‬وخبزت منه خمسـة أقـراص(((‪.‬‬
‫وهـذا يبيـن أنهـا سلام اللـه عليهـا اكتسـبت مهـارة رائعـة‪ ،‬وعملا شـريفا تعملـه‬
‫داخـل بيتهـا‪ ،‬يُ ِـد ُّر عليها وعلى أسـرتها َد ْخال يحفـظ كرامتهم‪ ،‬ويعالج بعض مشـكالتهم‬
‫االقتصاديـة‪ ،‬وهـذا مـا يجـب أن تسـتنه فاطمـة اليـوم فـي حياتها‪.‬‬
‫ومـع ذلـك فـإن التاريـخ ال يتركنـا نشـاهد فاطمة تقاسـي التعب لوحدهـا‪ ،‬رغم أننا‬
‫نعلـم أن زوجهـا البطـل الهمـام هـو ذلـك الـذي كانت ت ُْسـرِع به رجلاه نحـو المعارك‪،‬‬
‫ومصاولـة األقـران‪ ،‬وتث ُبـت فـي مواقـف الخشـوع والعبـادة وحلقـات العلـم‪ ،‬وهـو ذلك‬
‫الـذي كان مـع رسـول اللـه كظله‪ ،‬يكتسـب منـه المعـارف والعلوم‪.‬‬
‫بـل ت ْخ ِب ُرنـا بعـض الروايـات أنـه مـع تلـك المشـاغل ومـع مـا أخـذ علـى نفسـه من‬
‫التعـب بمفردهـا داخل‬
‫َ‬ ‫التكفـل بشـؤون البيـت مـن خارجـه‪ ،‬إال أنـه لـم يَتْ ُركْها تقاسـي‬
‫البيـت فـي األوقـات التي يمكنـه فيها إعانتها‪ ،‬بـل تخبرنا أنه كان يطحن معها الشـعير‪،‬‬
‫وكانـت يـداه تتأثـر بمثـل مـا تتأثـر بـه يداها‪ ،‬وهـو يديـر معها الرحـى(((‪ ،‬وهـذا درس‬
‫عظيـم لنـا معشـر الرجـال كيـف نكـون مـع زوجاتنـا عملا وتعاونـا وتواضعـا وشـغفا‬
‫بالعمـل داخـل البيوت‪.‬‬

‫خادمة البيت �سيدة فيه‬


‫إن هـذا البيـت هـو الـذي منعـه رسـول الله مـن خـا ِد ٍم فـي أول اإلسلام؛ إذ كانت‬
‫ال زالـت حاجـة المسـلمين ماسـة إلـى الخـادم والخاد َمين‪ ،‬غيـر أنه في آخـر األمر ل َّما‬
‫امـرأة نوبيـة‬ ‫سـبيا فـي إحـدى الغـزوات تخ ّيـر منـه رسـول اللـه‬ ‫أصـاب‬
‫تسـمى فضـة‪ ،‬فذهـب بهـا إلى فاطمـة‪ ،‬وأوصاها بهـا خيـرا‪ ،‬وأن ال تضربَهـا‪ ،‬ولما رأت‬

‫‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،178‬رقـم‪103‬؛ والثعلبـي‪ ،‬تفسـير الثعلبـي‪ ،‬سـورة (هـل‬ ‫((( الكوفـي‪ ،‬مناقـب أميـر المؤمنيـن‬
‫أتى)‪.‬‬
‫((( المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪.232 - 231‬‬
‫‪88‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫وال َدهـا يُ ْك ِثـر الوصيـة بهـا‪ ،‬التفتـت إليـه‪ ،‬وقالت‪ :‬يا رسـول الله‬ ‫بضعـة الرسـول‬
‫علـي يـوم‪ ،‬وعليهـا يـوم‪ ،‬ففاضـت عينـا رسـول اللـه بالبـكاء‪ ،‬وقـال‪( :‬اللـه أعلـم حيـث‬ ‫َّ‬
‫يجعـل رسـالته‪ ،‬ذريـة بعضهـا من بعـض والله سـميع عليـم) ‪.‬‬
‫(((‬

‫وهكـذا أخلاق أبنـاء النبيين‪ ،‬وسـادات العالمين‪ ،‬يشـاطرون َخ َد َمهـم وعبي َدهم في‬
‫أنـاس مثلُهـم‪ ،‬وإذا كان الله قـد ابتالهم بالرق‬ ‫الخدمـة؛ ذلـك أنهـم يعلمـون أن هـؤالء ٌ‬
‫لظـروف غيـ ِر عاديـة‪ ،‬فـإن مـن حقِّهـم أن يعيشـوا فـي بيـوت المسـلمين كمـا يعيـش‬ ‫ٍ‬
‫أهـل البيت نموذجا رائعـا للتعامل‬ ‫السـادة عملا‪ ،‬وملبسـا‪ ،‬ومأكال‪ ،‬ومشـربا‪ ،‬ولهذا ق َّدم ُ‬
‫اإلنسـاني الراقـي‪ ،‬وفـي اإلصابـة البـن حجر العسـقالني أن رسـول اللـه أَ ْخـ َد َم فاطم َة‬
‫جاريـ ًة اسـ ُمها فضـة النوبيـة‪ ،‬فكانـت تشـاط ُرها الخدمة‪ ،‬فقالـت لها فاطمـة‪ :‬أتعجنين‬
‫أو تخبزيـن؟ فقالـت‪ :‬بـل أعجن يا سـيدتي‪ ،‬وأحتطـب ‪.((()...‬‬
‫وبهـذا يتبيـن أن هـذا البيـت كان منظَّمـا ونظيفـا يـؤ ِّدي أهلُـه وظائفَهـم وأعمالَهم‬
‫ظل مها َّم‬
‫وكل يسـعى في سـبيل تحصيل السـعادة‪ ,‬والقيام بالواجب‪ ،‬فـي ِّ‬ ‫فيـه بانتظـام‪ٌّ ،‬‬
‫إلـى البيـت وجـده نظيفًـا أنيقًـا‪،‬‬ ‫وواجبـات ِ‬
‫منتظمـة‪ ،‬فـإذا جـاء علـي‬ ‫ٍ‬ ‫محـ َّددة‪،‬‬
‫حيـث بنـت المصطفـى فيـه ال تعرف الكسـل‪ ،‬وتحـرص على النظـام‪ ،‬وعلى إشـاعة ج ٍّو‬
‫أنيـق وكريم‪.‬‬

‫�أناقة ‪ ..‬وب�ساطة‬
‫وهـو عائـ ٌد مـن اليمـن‪ ،‬ولما‬ ‫وتشـدني عجبـا تلـك الروايـة التـي تفيـد أنـه‬
‫وصـل مكـة‪ ،‬وجـد فاطمـة قـد أحلَّت مـن الحج‪ ،‬ومـا إن دخل البيـت المؤقَّـت في مكة‪،‬‬
‫حتـى وجـد منهـا ريحا طيبـة(((‪ ،‬ووجـد الزهراء قد لبسـت ثيابـا َصبِغا‪ ،‬وقـد اكتحلت(((؛‬
‫األمـر الـذي دفعـه للذهـاب لالسـتفتاء إلى رسـول اللـه‪ ،‬والمهم فـي الرواية أنهـا تفيد‬
‫مـا كانـت عليـه فاطمـة مـن أناقـة ونظافـة واعتنـاء بطيبهـا وملبسـها المتواضـع فـي‬
‫الخوارزمي‪ ،‬مقتل الحسين‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.69‬‬ ‫(((‬
‫ابن حجر‪ ،‬اإلصابة‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪ ،75‬ترجمة رقم‪.11628‬‬ ‫(((‬
‫أحمد بن عيسى‪ ،‬علوم آل محمد‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.370‬‬ ‫(((‬
‫ابن أبي النجم الصعدي‪ ،‬درر األحاديث النبوية‪ ،‬ص‪.84‬‬ ‫(((‬
‫‪89‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫سـفرها‪ ،‬فكيـف بهـا في حلهـا نظافـة وأناقـة وجماال؟!‪.‬‬


‫إن ذلـك يشـير إلـى حـرص فاطمـة الزهـراء علـى إشـاعة جـو األناقـة والنظافـة‬
‫والسـعادة‪ ،‬حتـى فـي أوقـات السـفر‪ ،‬فلهـذا ال غرابـة أن حفَّت السـعاد ُة والبهجـ ُة بهذا‬
‫البيـت الطاهـر مـن كل اتجـاه‪.‬‬

‫زوجة المجاهد مجاهدة‬


‫إن مـا يجـب أن تعيـه (فاطمـة اليـوم) و(علـي اليـوم) أنـه باتبـاع التعاليـم اإللهية‪،‬‬
‫واالقتـداء بنمـوذج أهـل البيـت فكـرا وتعاملا وأخالقـا وقيمـا وتربيـة يمكنهمـا تكوين‬
‫األسـرة التـي يتخـ َّرج منهـا األوالد الصالحـون الذيـن يعـون واقعهـم وواجباتهـم‪،‬‬
‫ومسـؤولياتهم‪ ،‬ويقـ ِّدرون الجهـاد واألمـر بالمعـروف‪ ،‬والنهـي عـن المنكـر‪ ،‬إنهم بذلك‬
‫يسـتطيعون أن يوجِـدوا جسـو َر المـودة الوطيـدة‪ ،‬بتأييـد اللـه وتوفيقـه‪ ،‬فلا يسـتطيع‬
‫الشـيطا ُن أن ِ‬
‫يهد َمهـا‪ ،‬بـل ال يملِـك كيـ ُده إال أن ينهـا َر أمامهـا‪.‬‬
‫حينمـا يكـون اإلسلا ُم فكـر ًة وقيمـا ووجدانـا وسـلوكا هـو المسـ ِّير لشـؤون البيـت‪،‬‬
‫وكل يسـعى في مسـؤولياته في عالقة‬ ‫وحينمـا تكـون الواجبـات والمسـؤوليات واضحة‪ٌّ ،‬‬
‫وكل يريـد أن يتقـرب إلـى اللـه بخدمـة اآلخـر‪ ،‬فـإن‬ ‫متوازنـة‪ ،‬وتسـود روح التعـاون‪ٌّ ،‬‬
‫النتيجـة هـي السـعادة والبهجـة والسـرور‪ ،‬ولـن يكـون أبـدا بيـن مفـردات تلـك العائلة‬
‫موقـف شـاذٌّ‪ ،‬وال حالـ ٌة نا َّدة‪ ،‬ولـن يصل األمر بهـم البتة‬‫ٌ‬ ‫وذلـك البيـت كلمـة نافـرة‪ ،‬وال‬
‫إلـى أبغـض الحلال إلـى اللـه‪ ،‬وهـو الطالق‪.‬‬
‫مخطئـة تلـك المـرأة التـي تظـن أنـه ال يسـتقيم لهـا جهـا ٌد إال إذا هربت مـن واقع‬
‫وتنصلـت عن شـريف المسـؤولية في هذا االتجـاه‪ ،‬واعتبـرت واجباتها‬ ‫حيـاة الزوجيـة‪ّ ،‬‬
‫الجهـادي‪ ،‬وواقع‬ ‫الزوجيـة عائقـا لهـا عن القيـام بالجهـاد؛ ألن نمـوذج فاطمة‬
‫حياتهـا الزوجيـة‪ ،‬أكبـ ُر دليـل علـى خطأ ذلـك المسـلك‪ ،‬وضحالة ذلـك الفهم‪.‬‬
‫ِ‬
‫المجاهـد‪ ،‬وأ َّم أوال ٍد‬ ‫لقـد كانـت فاطمـة بنت النبي المجاهد‪ ،‬وزو َجـة الوصي القائد‬
‫صـاروا أئمـة المجاهديـن وسـادة الشـهداء‪ ،‬وكانـت تتحـ َّرك علـى ذلـك النحو‪ ،‬وترسـم‬
‫تلـك العالقـة المتوازنـة بيـن الجهـاد والعمـل المنزلـي‪ ،‬وكانـت تتصـل بالله مـن خالل‬
‫‪90‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫هـذه القيـم والسـلوكات؛ ومتى فـ َّرق المؤمنون والمؤمنـات بين أعمـا ِل البيت واألعمال‬
‫الجهاديـة‪ ،‬وكلهـا ممـا يقـ ِّرب إلـى اللـه‪ ،‬ويُبت َغـى بهـا وجـ ُه الله عـز وجل؛ وليـس هناك‬
‫أسـرة مؤمنـة إال وهـي مق ِّدسـة للعمـل‪ ،‬مبارِكة لالسـتقامة‪ُ ،‬مسـرِعة إلى طاعـة الله‪.‬‬
‫بتلـك الجاللـة التـي ظهـر عليهـا مجاهـدا عظيما‪،‬‬ ‫ال يمكـن أن يكـون علـي‬
‫وفارسـا شـجاعا‪ ،‬واثقـا بقدراته القتاليـة‪ ،‬ووجدانه المعنـوي الروحي العالـي والمندفع‬
‫مـع اللـه بلا حـدود‪ ،‬إذا لـم يكـن لـه مـن السـيدة فاطمـة تلـك الروحيـة المسـانِدة‪،‬‬
‫واإلعانـة المسـتمرة‪ ،‬والتهيِئـة المتجـ ِّددة؛ ألن زوجـة المجاهـد والمضحـي ال ُم ْخلِـص ال‬
‫ينبغـي لهـا أن تكـون إال منسـجِمة معـه‪ ،‬ومواكِبة لذلك القـدر من االسـتعداد والتضحية‬
‫والفـداء والشـجاعة لديه‪.‬‬
‫أمـا فاطمـة فكمـا كانـت مـع أبيهـا فـي سـوح الجهـاد فكذلـك كانـت مـع زوجهـا‬
‫المجاهـد‪ ،‬وال شـك أن شـجاعة زوجهـا وبطوالته فـي معركة بدر التي كانـت أول معركة‬
‫أظهـرت بطوالتِـه ال ُمد ِهشـة‪ ،‬ومق ِّوماتـه الجهاديـة الفائقـة‪ ،‬ال شـك أن تلـك المعركة قد‬
‫علـي الـذي أصبح بعـد ذلـك زو ًجا‬ ‫تركـت أثـرا محمـودا فـي قلـب هـذه السـيدة تجـاه ٍّ‬
‫لهـا‪ ،‬وهـو الـزوج الـذي ذكَّرهـا أبوهـا بأهـ ِّم مقوماتـه ليلـة زفافهـا مـن أنه‪« :‬أسـبقهم‬
‫إلـى اإلسلام‪ ،‬وأكثرهـم معرفـة باللـه تعالـى‪ ،‬وأحسـنهم خلقـا أو أعظمهم حلمـا»‪ ،‬مثل‬
‫شـخص واحد فإنه بال شـك سـيكون مصد َر‬ ‫ٍ‬ ‫هـذه الصفـات العظيمـة عندمـا تجتمع في‬
‫أي زوجـة فـي الدنيـا فما بالكم بسـيدة النسـاء؟!‪.‬‬ ‫اعتـزا ِز ِّ‬
‫فارسـها الشـجاع المتفانـي فـي ذات الله‪ ،‬وقد سـبقت‬ ‫لنتصـو ِر الزهـرا َء وقـد عـاد ُ‬
‫أخبـا ُر انتصاراتـه وبطوالتـه إلـى مسـامعها‪ ،‬كيـف سـت ْح َم ُد اللـ َه أ ْن رزقها اللـه مثل هذا‬
‫وآيب منهـا‪ ،‬وهي تعلـم أنه اليـد اليمنى‬ ‫ذاهـب إلـى المعركـة ٌ‬
‫ٌ‬ ‫الـزوج‪ ،‬ولنتصو ْرهـا وهـو‬
‫‪ ،‬والبطـل األول فـي اإلسلام‪ ،‬كم عسـاها سـتنطلق إلى‬ ‫لوالدهـا الرسـول القائـد‬
‫تجهيـ ِز وإعـدا ِد أدواتـه الجهاديـة وعدتـه وعتـاده‪ ،‬وكم سـتفخر بـزوج مثل هـذا الزوج‬
‫العظيم!!‪.‬‬
‫ومـا أجمـل تقييمهـا ألداء زوجهـا الجهـادي في أيـام والدهـا‪ ،‬وهي تعـ ِّدد مؤ ِّهالته‬
‫اسـتحق بهـا أن يكـون ولـي أمـر المسـلمين‪ ،‬مـا أجمـل ذلـك التقييـم‬ ‫َّ‬ ‫العظيمـة التـي‬
‫وهـو يكتنـز وعيـا عميقا بـدو ِر ومسـؤولي ِة زوجها فـي الجهـاد‪ ،‬قالت فـي خطبتها تلك‪:‬‬
‫‪91‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫(كلمـا أوقـدوا نـارا للحـرب أطفأهـا اللـه‪ ،‬أو نجـم قرن الشـيطان‪ ،‬أو فغـرت فاغرة من‬
‫المشـركين قـذف أخـاه [تعنـي زوجهـا] فـي لهواتهـا‪ ،‬فمـا ينكفـئ حتـى يطـأ جناحهـا‬
‫بأخمصـه‪ ،‬ويخمـد لهيبهـا بسـيفه‪ ،‬مكـدودا فـي ذات اللـه‪ ،‬مجتهدا فـي أمر اللـه‪ ،‬قريبا‬
‫ناصحـا‪ُ ،‬م ِج ًّدا كادحا‪ ،‬ال تأخـذُه في الله‬ ‫مـن رسـول اللـه‪ ،‬سـيدا في أولياء الله‪ ،‬مشـ ِّمرا ِ‬
‫لومـ ُة الئـم‪ ،‬وأنتـم فـي رفاهي ٍة مـن العيـش ‪ ..‬تتوكَّفون األخبـار‪ ،‬وتنكصون عنـد النزال‪،‬‬
‫وتفـرون من القتـال ‪.((()..‬‬
‫إنهـا بهـذا النـص تعتَبِـ ُر جهـا َد زوجِهـا وقتالَـه ُج َّـل الجهـاد و ُم ْعظَ َمـه‪ ،‬وهـي تذكِّـر‬
‫باألثـ ِر القائـل‪( :‬قـام اإلسلام علـى سـيف علـي‪ ،‬ومـال خديجـة)‪ ،‬وعلـي هـو زوجهـا‪،‬‬
‫وخديجـة هـي أمهـا صلـوات اللـه عليهـم جميعـا‪.‬‬
‫لقـد رأت سلا ُم اللـه عليهـا الطلقـا َء وقـد كثُـر عدي ُدهـم فـي المدينة‪ ،‬وهـم أولئك‬
‫جوانحهـم ِحقـ ًدا قدي ًمـا‪ ،‬تح َّملـوه فـي قلوبهـم‪ ،‬يـو َم‬‫ِ‬ ‫الذيـن ال يزالـون يح ِملـون فـي‬
‫جنحـوا عـن المواجهـة الصريحـة لإلسلام إلـى المواجهـة الخفية مـن الداخـل‪ ،‬ولهذا‬
‫رأت أن هـذا التيـار داخـل مجتمـعِ المدينـة‪ ،‬قـد بات يشـكِّل المر ِّجـح الكبيـ َر لخالفات‬
‫عن والية‬ ‫الصحابـة‪ ،‬ولهـذا ق َّدمـت تفسـيرا جيـدا إلبعـاد زوجهـا المجاهد علـي‬
‫أمـر األمـة‪ ،‬فقالـت‪( :‬ومـا نقمـوا من أبي حسـن؟ نقموا والله نكير سـيفه‪ ،‬ونـكال وقعه‪،‬‬
‫وشـدة وطأتـه‪ ،‬وت َ َن ُّمـ َره فـي ذات الله)(((‪.‬‬
‫لقـد عاشـت الزهـراء ذلـك الجهـاد روحـا وجسـدا‪ ،‬ولهـذا تـدرك قيمـة التضحيات‬
‫وصعوبـة المواقف السـلبية المغايِرة لهـا‪ ،‬والمخالِفة لمقتضياتها‪ ،‬روى البخاري ومسـلم‬
‫وهشـمت بيضتـه علـى رأسـه‪،‬‬ ‫فـي يـوم أحـد ك ُِسـ َرتْ رباعيتُـه‪ِ ،‬‬ ‫أن رسـول اللـه‬
‫ـك الد ُم اسـتطاعت‬ ‫يستمس ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تغسـل ال َّد َم‪ ،‬ولما لم‬ ‫فكانـت فاطمـة بنت رسـول الله‬
‫أن تجـد طريقـة إليقافه(((‪.‬‬
‫ولمـا وصلـت فاطمـة إلـى أُ ُحـد كان أبوهـا رسـول الله قـد ناولها سـيفه‪ ،‬وقـال لها‪:‬‬

‫((( ابن أبي الحديد‪ ،‬شرح نهج البالغة‪ ،‬ج‪ ،16‬ص‪250‬؛ والشرفي‪ ،‬الآلليء المضيئة‪- ،‬خ ‪.-‬‬
‫((( أبو العباس الحسني‪ ،‬المصابيح‪ ،‬ص‪.269‬‬
‫((( البخـاري‪ ،‬الصحيـح‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‪ ،226‬رقـم ‪ ،113‬كتاب المغازي؛ ومسـلم‪ ،‬الصحيـح‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪ ،101 ،1416‬كتاب‬
‫الجهاد‪.‬‬
‫‪92‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫‪ ،‬وقال‪:‬‬ ‫(اغسـلي عـن هـذا د َمـه يـا بنيـة)‪ ،‬وناولها علـي‬


‫بلئيـــم‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫برعديـــد وال‬ ‫فلســـت‬
‫ُ‬ ‫الســـيف غيـــ َر ذميم‬
‫َ‬ ‫أفاط ُم هاك‬
‫رحيـــم‬
‫ِ‬ ‫ومرضـــا ِة ٍّ‬
‫رب بالعبـــاد‬ ‫أبليت فـــي نص ِر ٍ‬
‫أحمد‬ ‫أفاطـــ ُم قد ُ‬
‫(((‬
‫حميم‬
‫ِ‬ ‫كأس‬
‫عبدالدار َ‬ ‫ســـقى َآل ِ‬ ‫القوم عنـــه فإنه‬
‫أميطـــي دمـــا َء ِ‬
‫ولمـا انتقـل الرسـول إلى الرفيق األعلى‪ ،‬واسـتأثر بعـض الصحابة بواليـة أمر األمة‬
‫‪ ،‬أطلقـت الزهـراء صيحـات جهاديـة‪ ،‬علَّمـت المسـلمين كيف‬ ‫دون أهـل البيـت‬
‫يثـورون علـى حـكام األمـر الواقـع‪ ،‬وكيف ينحـازون إلى الحـق‪ ،‬حتى أمام كبـار القوم؛‬
‫الحق مـن الخلق أيـ ُة هوادة‪.‬‬
‫إذ ليـس بيـن فاطمـة وبيـن َم ْن يتجـاو ُز َّ‬
‫أعلنـت مـن خلال خطبهـا أمـام المسـلمين‪ ،‬وأمـام نسـاء المهاجرين‪ ،‬ثـورة فكرية‬
‫ل َّخصـت المشـروع اإلسلامي الذي جـاء به أبوهـا‪ ،‬وكأنها تريـد التذكير به ل َّمـا اتخذوا‬
‫مواقـف منا ِهضـة لـه وتتناقـض معـه فـي موضـو ِع واليـة األمـر‪ ،‬وثـارت ثائرتهـا ضـد‬
‫انحرافـة السـقيفة‪ ،‬وانتقدتهـا نقـدا قويـا والذعـا وصارمـا‪ ،‬واسـتمرت فـي موقفهـا‬
‫المتشـدد مـن السـلطة الجديـدة حتـى جاءهـا المـوت‪ ،‬كمـا سـيأتي الحقا‪.‬‬
‫وهكـذا فلتكـن النسـاء المجاهـدات مواقـف وسـلوكا ووجدانا في مواقـف الحق‪ ،‬ال‬
‫ي َخفْـن فـي الله لومـة الئم‪.‬‬

‫�أم الح�سنين‬
‫تلـك كانـت الزهـرا َء أ َّم أبيهـا‪ ،‬وزوجـ َة بطـل اإلسلام األول‪ ،‬فمـاذا عنهـا وهـي أ ُّم‬
‫َعلَ َمـي الهـدى‪ ،‬وسـيدي شـباب أهـل الجنـة‪ ،‬ومنطَلَـق امتـدا ِد رسـول اللـه وولديـه؟‬
‫إ َّن للحسـن والحسـين خصوصيـة شـرعية لـم تكـن لغيرهما؛ حيـث القرآن سـ َّماهما‬
‫َ ُ ْ َ َ َ ْْ َ ْ ُ َ ْ َ َ ََ ْ َ ُ ْ َ َ‬
‫ـم َون ِسـاءنا‬ ‫فـي قولـه تعالـى‪﴿ :‬فقـل تعالـوا نـدع أبناءنـا وأبناءك‬ ‫أبنـا ًء للرسـول‬
‫ُ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ َ َ‬ ‫َ‬
‫ـك ْم﴾[آل عمـران‪ ،]61:‬وتُ ْج ِمـع روايات الشـيعة والسـنة أن رسـول‬ ‫َون ِسـاءك ْم َوأنفسـنا وأنفس‬
‫اللـه لـم يُ ْخـرِج إال الحسـن والحسـين‪ ،‬وأباهمـا‪ ،‬وأ َّمهمـا‪ ،‬ليبا ِهـل بهم نصـارى نجران‪.‬‬

‫((( الواقدي‪ ،‬المغازي‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.249‬‬


‫‪93‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫َ َ ُ َ َّ ٌ َ َ ِّ ِّ َ ُ‬
‫ِك ْم﴾[األحـزاب‪ ،]40:‬فلا تتعـارض‬ ‫وأمـا قولـه تعالـى‪﴿ :‬مـا كن ممـد أبـا أح ٍ‬
‫ـد مـن رجال‬
‫ِّ ِّ َ ُ‬
‫ِك ْـم﴾‪ ،‬ولـم يقل‪( :‬مـن رجالـه) أو (من‬ ‫مـع هـذه اآليـة؛ إذ قـال اللـه تعالـى ﴿مـن رجال‬
‫أهـل بيتـه)‪ ،‬ثـم إ َّن اآليـة نزلت في قصة زيـد بن حارثـة‪ ،‬وكان الحسـنان حينها صبيين‬
‫صغيريـن‪ ،‬ال تطلـق كلمـة رجـل علـى أي منهما‪.‬‬

‫ت�سميتهما‬
‫سـنة ثلاث مـن الهجـرة فـي شـهر رمضـان(((‪ ،‬و ُولِ َد الحسـين‬ ‫ُولِـ َد الحسـ ُن‬
‫في شـعبان سـنة ‪4‬هــ(((‪.‬‬
‫بسـبب اهتماماته الحربية أراد أن يسـمي‬ ‫تزعـم روايـات أن أميـر المؤمنين‬
‫َ‬
‫رسـول اللـه فـي تسـميتهما‪ ،‬بـل‬ ‫بعضهـا أنـه لـم يشـأ أن يسـبِق‬ ‫كليهمـا (حربـا)‪ ،‬وتنـص ُ‬
‫كان يَ ُهـ ُّم مجـرد هـ ٍّم((( غيـر أ َّن تك ُّر َر هذه اإلرادة عند والدة الحسـين بأن يسـ ِّميه حربا‬
‫أيضـا كمـا فـي بعـض الروايـات((( ال تسـي ُغه ِفطنة علـي‪ ،‬وال ينسـجم وقوة انسـياقه مع‬
‫اإلرادة المحمديـة واالصطفـاء اإللهي‪.‬‬
‫‪ ،‬كان قد سـ َّمى الحسـن‬ ‫ومـع ذلـك فهنـاك رواياتٌ تذكُ ُر بأ َّن أمير المؤمنين‬
‫حمـزة((( باسـم عمـه الشـهيد حمـزة‪ ،‬والـذي لـم يمـض علـى استشـهاده سـوى بضعـة‬
‫أشـهر‪ ،‬كمـا تذكـر روايـات أنـه أيضا سـ َّمى الحسـين عند والدتـه باسـم جعفر(((‪.‬‬
‫أرا َد تسـمية الحسـن باسـم عمه‬ ‫ـح ِصـ ْد ُق تلـك الرواية التي تُثْبِت أنه‬
‫ويتر ّج ُ‬
‫حمـزة‪ ،‬حيـث أراد التذكيـر بع ِّمـه حمزة‪ ،‬والتنويـه بجهاده واستشـهاده‪ ،‬وتضحيتـه‪َ ،‬خلْقًا‬
‫للقـدوة الحسـنة‪ ،‬وإحيـا ًء لجميـل األسـوة‪ ،‬مـع ترجيحـي أن ذلـك كان مجر َد استحسـانٍ‬
‫وإراد ٍة فقـط‪ ،‬وليـس اتخا َذ قرارٍ‪ ،‬وأسـتب ِع ُد جـدا أنه كان قد ق َّرر قرارا نهائيا تسـميتَهما‬
‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪501‬؛ وابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.384 - 383‬‬ ‫(((‬
‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪503 ،501‬؛ وابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.393 - 392‬‬ ‫(((‬
‫الرضا‪ ،‬الصحيفة‪ ،‬ص‪466‬؛ والحوثي‪ ،‬المختار‪ ،‬ص‪.555‬‬ ‫(((‬
‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪.511‬‬ ‫(((‬
‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪.510‬‬ ‫(((‬
‫المصدر السابق‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪94‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫كان أوعـى وأحفـ َظ لحـق رسـول اللـه فـي‬ ‫حربـا‪ ،‬أو حمـزة؛ ألن اإلمـام عليـا‬
‫‪ ،‬وما أجمـل تلك الرواية‬ ‫ولديـه وفـي تسـمي ِتهما‪ ،‬وهو يعلـ ُم أنهما ابنا رسـول الله‬
‫‪( :‬بـأي شـي ٍء‬ ‫حيـن سـأله رسـول اللـه‬ ‫التـي أجـاب فيهـا اإلمـام علـي‬
‫كنـت ألسـبقَك باسـمه يـا رسـول اللـه)‪ ،‬فهـذا هـو‬
‫سـ َّميْ َت اب َنـك هـذا؟)‪ ،‬فأجـاب‪( :‬مـا ُ‬
‫‪ ،‬وهو ِ‬
‫منط ُـق أن هذين‬ ‫لرسـول الله‬ ‫منطـق التقديـر واالحتـرام مـن علي‬ ‫ُ‬
‫فـي الحقيقة‪.‬‬ ‫الولديـن همـا ولـدا رسـو ِل الله‬
‫قـد هـ َّم بـأن يسـمي الحسـ َن بـ(حمـزة)‪ ،‬وربمـا‬ ‫وربمـا بالفعـل كان علـي‬
‫تص َّحفـت الروايـ ُة الحقًـا لتصيـر (حربًـا)‪ ،‬ولكـن مـا يتر َّجـح لـي أيضـا هـو أن تسـمية‬
‫عـن إرادة المولـى تبـارك‬ ‫الحسـن والحسـين كانـت تسـمية نـزل بهـا جبريـل‬
‫وتعالـى‪.‬‬
‫وسـوا ٌء ص َّحـت روايـة أنـه كان ي ُهـ ُّم بتسـمية الحسـن بـ(حمـزة)‪ ،‬أو روايـة أنـه كان‬
‫يهـم بتسـميته بـ(حـرب)‪ ،‬فـإن كليهما يشـير على أية حال إلـى إخالص أميـر المؤمنين‬
‫لبطولتـه وشـجاعته وجهـاده العظيـم؛ فهـو القائد العسـكري األول في اإلسلام‬
‫باسـم يتفاعـل مـع مقتضيات تلـك الحال‪،‬‬ ‫بعـد رسـول اللـه؛ ولهـذا هـ ّم أن يسـمي ابنـه ٍ‬
‫َـت أروا ُحهم فـي طريق الحريـة‪ ،‬وأعظمهم عمه‬ ‫أو ألنـه كان يهتـم بالشـهداء الذيـن َعل ْ‬
‫حمـزة؛ لـذا أراد أن يسـميه (حمزة)‪.‬‬
‫انتظـر أمـر اللـه فـي تسـمية‬ ‫وهنـاك روايـات كثيـرة تبيـن أن رسـول اللـه‬
‫الحسـن‪ ،‬فـ(أتـاه جبريـل‪ ،‬فقـال‪ :‬يـا محمـد‪ ،‬الجبـار يقرئـك السلام‪ ،‬ويقول لك‪ :‬سـ ِّمه‬
‫‪ :‬ومـا اسـ ُم ِ‬
‫ولـد هـارون؟‪ ،‬فقـال‪ :‬شَ ـ َّبر‪ ،‬قـال‬ ‫باسـم ابـن هـارون‪ ،‬فقـال‬
‫‪ :‬لسـاني عربـي‪ ،‬قـال‪ :‬سـ ِّمه الحسـن‪ ،‬ولمـا ُولِـد الحسـين تك ّرر األمـر‪ ،‬إلى أن قـال له‪:‬‬
‫سـ ِّمه شَ ـبير‪ ،‬فقـال‪ :‬لسـاني عربـي‪ ،‬قال‪ :‬سـ ِّمه الحسـين)(((‪.‬‬
‫الهارونيـة مـن موسـوية النبـي محمـد‬ ‫إن هـذه الروايـة تع ِّمـق عالقـة علـي‬
‫فـي ذريتـه الطاهـرة‪ ،‬إنهـا تؤكِّـد منزلته من رسـول الله التي هـي منزلة هارون‬

‫((( الرضا‪ ،‬الصحيفة‪ ،‬ص‪466‬؛ والحوثي‪ ،‬المختار‪ ،‬ص‪.556 - 555‬‬


‫‪95‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫مـن موسـى إال فـي النبـوة‪ ،‬والتي وردت في حديـث المنزلة المتواتر بيـن األمة جمي ًعا‪،‬‬
‫(أنـت منـي بمنزلـة هـارون مـن موسـى إال أنـه ال بنـي بعـدي)‪ ،‬فـكأ َّن هارونيـة علـي‬
‫متع ِّمقـة وممتـ َّدة من خلال ذريتـه الذين هم‬ ‫فـي عالقتـه برسـول اللـه‬
‫‪ ،‬تثبيتـا للحجة علـى هذه األمـة‪ ،‬وتأكيـدا عليها‪.‬‬ ‫ذريـة رسـول اللـه‬
‫آداب النفاس‬
‫وتشـريعات ما ينبغـي اتخاذه‬ ‫ٍ‬ ‫آداب‬
‫فـي حديـث والدة الحسـنين ومـا صاح َبهما مـن ٍ‬
‫نموذجـا وطريقـة وسـنة إذا أردنـا صلاح األوالد‪ ،‬وصلاح دينهـم‪ ،‬ونيـل بركـة االتبـاع‬
‫‪.‬‬ ‫واالقتـداء بسـنة رسـول اللـه‬
‫بـوالدة الحسـنين اهتمامـا بالغا؛ ففي‬ ‫تُظْهِـر الروايـاتُ اهتمـا َم رسـو ِل اللـه‬
‫كل ََّـف عـ َد ًدا مـن النسـوة‪ ،‬ومنهـن‪ :‬سـلمى بنت‬ ‫الروايـات مـا يمكـن األخـذ بأنـه‬
‫‪ ،‬وأمر أن ال يَ ْسـ ِب ْق َنه‬ ‫عميـس(((‪ ،‬وعائشـة‪ ،‬أن يق َبلْـ َن فاطمة في نفاسـها بالحسـن‬
‫بشـيء بعـد ذلـك‪ ،‬وأن يل ُففْـن الوليـد فـي خرقـة بيضـاء‪ ،‬وأن يَقْـ َرأْ َن بعد وضـع الحمل‬
‫فاتحـة الكتـاب‪ ،‬وآيـة الكرسـي‪ ،‬وآخر سـورة الحشـر‪ ،‬وقل هو اللـه أحـد‪ ،‬والمع َّوذتين(((‪،‬‬
‫فسـ َّر ْرن الحسـن‪ ،‬ول َففْنـه فـي ِخرقة صفراء‪ ،‬ولما جاء رسـول اللـه ليراه وبَّ َخهـن‪ ،‬وأ َم َر‬
‫أن يُل ََّـف فـي ِخرقـ ٍة بيضـاء‪ ،‬وح ّنكـه‪ ،‬وقـال‪( :‬اللهـم أعيـذه بـك وذريتـه مـن الشـيطان‬
‫الرجيـم)(((‪ ،‬والمشـهور جـدا أنـه أذَّن في أذنه اليمنـى‪ ،‬وأقام في أذنه اليسـرى(((‪ ،‬وهو‬
‫كأدب مـن آداب الوالدة‪.‬‬
‫كتب الفقـه اإلسلامي ٍ‬ ‫نصـت علـى اسـتحبابه ُ‬ ‫أمـ ٌر َّ‬
‫كثيـرة تلـك الروايـات التـي تسـند إلـى أسـماء بنت عميـس أعماال ومواقـف لها عالقـة بالزهراء‪ ،‬سـواء في‬ ‫(((‬
‫عرسـها‪ ،‬أو زفافهـا‪ ،‬أو والدة الحسـن‪ ،‬أو الحسـين‪ ،‬وألن أسـماء كانـت فـي تلـك الفتـرة فـي الحبشـة مـع‬
‫زوجهـا جعفـر الطيـار بـن أبـي طالـب‪ ،‬حتـى السـنة السـابعة من الهجـرة؛ فالـذي يترجح هـو أنهـا إما أن‬
‫تكـون قـد عـادت قبـل عـود زوجها‪ ،‬وعايشـت تلك األحـداث المروية عنهـا‪ ،‬أو أ ّن من عايش تلـك األحداث‬
‫فـي الحقيقـة هـي أختهـا سـلمى بنت عميس زوجـة حمزة بـن عبدالمطلب رضـي الله عنه‪ ،‬ولكـن ل َّما طغت‬
‫شـهرة أسـماء بنـت عميـس علـى أختهـا اختلـط األمـر علـى الـرواة األوائـل‪ ،‬فجـاء َمـ ْن بعدهـم فكتبـوا ما‬
‫سمعوه‪.‬‬
‫صحيفة اإلمام الرضا‪ ،‬ص‪466‬؛ والمرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪509‬؛ والحوثي‪ ،‬المختار‪ ،‬ص‪.555‬‬ ‫(((‬
‫المصادر السابقة‪.‬‬ ‫(((‬
‫المصادر السابقة‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪96‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫العقيقة ووقت الت�سمية‬


‫فـي اليـوم السـابع مـن والدة الحسـن سـ ّماه رسـول الله بذلـك االسـم‪ ،‬وكذلك فعل‬
‫وعـق عـن ٍّكل منهما بكبشَ ـ ْين أملَ َح ْين‪ ،‬فأعطـى القابلة فَ ْخـ َذ ٍ‬
‫كبش‪،‬‬ ‫فـي الحسـين أخيـه‪َّ ،‬‬
‫رأسـه‪ ،‬وت ََصـ َّدق بـوزن الشـعر ورِقا (فضـة)‪ ،‬وطلى رأسـه بال َخلـوق (الطيب)‪ ،‬ثم‬ ‫وحل ََـق َ‬
‫قـال‪ :‬يـا أسـماء‪ ،‬الـدم فعـل الجاهليـة(((‪ .‬ثـم فعل مع الحسـين كمـا فعل مـع أخيه(((‪.‬‬
‫إ َّن وليمـة العقيقـة التـي ينبغـي أن يُ ْد َعى إليها األقـارب‪ ،‬والفقرا ُء‪ ،‬والمسـاكي ُن‪ ،‬من‬
‫السـنن التـي تـكاد أن تكـون مهجـورة‪ ،‬وال سـيما في حـق المولـودة األنثى؛ وهـو األمر‬
‫‪( :‬كل مولـود مرتَ َهـ ٌن‬ ‫الـذي ينبغـي االلتفـات إليـه وإحيـاؤه؛ إذ قـال رسـول اللـه‬
‫بعقيقته)‪.‬‬
‫جاءت الزهرا ُء بالحسـن ثم بالحسـين إلى رسـول الله وطل َب ْت منه أن يُ ْن ِحلَهما‪،‬‬ ‫ول َّما ِ‬
‫فقـال عـن الحسـن‪( :‬نَ َحلْتُـه المهابـ َة والحيـا َء‪ ،‬ون َحل ُْت حسـينا الشـجاعة والجـود‪ ،‬وهما‬
‫سـيدا شـباب أهـل الجنـة‪َ ،‬مـ ْن أح َّبهمـا فبح ِّبـي أ َح َّبهمـا‪ ،‬و َمـ ْن أبغضهما أو بغـى عليهما‬
‫فببغضـي أبغضهما)(((‪.‬‬
‫إنـه لمـن المهـم تهيئة األجواء الصحيـة والبيئـة اإليمانية لألوالد ليتربَّـوا في ظال ِل‬
‫حيـا ٍة روحيـ ٍة مسـا ِعدة علـى القـرب مـن اللـه وطاعتـه‪ ،‬والبعد عـن الشـيطان وات ِّباعه‪،‬‬
‫يع ِّوذ الحسـن والحسـين‬ ‫نصيب؛ ولهذا كان‬ ‫ٍ‬ ‫أي ح ٍّظ وال‬
‫وحتـى ال يكـو َن لـه فيهِم ُّ‬
‫‪ ،‬ويقـول‪( :‬أعيذكمـا بكلمـات اللـه التامـة مـن كل شـيطان وهامـة‪ ،‬ومـن كل عيـن‬
‫وإسـحاق )(((‪ ،‬فهل‬ ‫َ‬ ‫إسـماعيل‬
‫َ‬ ‫كان يعـ ِّو ُذ بهمـا‬ ‫ُ‬
‫ويقـول‪( :‬إن إبراهيـ َم‬ ‫ال َّمـة)‪،‬‬
‫تعـ ِّوذون أوالدكـم أيهـا المحبون والمحبـات لفاطمة؟‬

‫ينظـر الحوثـي‪ ،‬المختـار‪ ،‬ص‪ ،556 - 555‬نقلا عـن صحيفـة اإلمـام الرضـا‪ ،‬وكان من عـادة الجاهليين أن‬ ‫(((‬
‫يطلـوا رأس المولـود بالدم‪.‬‬
‫ابن عبدالبر‪ ،‬االستيعاب‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.383 - 392‬‬ ‫(((‬
‫المرشد بالله‪ ،‬األمالي اإلثنينية‪ ،‬ص‪.509‬‬ ‫(((‬
‫الحوثـي‪ ،‬المختـار‪ ،‬ص‪ ،676‬نقلا عـن تفسـير البرهـان‪ ،‬لإلمـام الناصـر أبي الفتـح الديلمي؛ وأبـو طالب‪،‬‬ ‫(((‬
‫تيسـير المطالـب‪ ،‬ص‪148‬؛ والمرشـد باللـه‪ ،‬األمالـي اإلثنينيـة‪ ،‬ص‪.511‬‬
‫‪97‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫تربية �أوالدها‬
‫فـي ِص َغـر هـؤالء األوالد يشـير التاريخ إلـى أ ّن فاطمة كانت تهتم بهم‪ ،‬ففي مسـند‬
‫أحمـد أنهـا كانت تُ َنقِّز((( الحسـن بن علـي ‪ ،‬وتقول‪:‬‬
‫(((‬
‫ـــت شـــبي ًها بعلي‬
‫ْلس َ‬ ‫بأبـــي شـــبه النبـــي‬
‫وفي رواية‪ :‬أنها كانت تُ َزفِّن للحسن‪ ،‬أي تُ َرقِّصه‪ ،‬وأصل ال َّزفْن‪ :‬اللعب والدفع(((‪.‬‬
‫ولعـل هـذا األسـلوب اشـتهر وذاع بيـن الصحابـة إلـى درجـة أ َّن أبابكـر بعـد وفـاة‬ ‫َّ‬
‫بليـا ٍل‪ ،‬وعلي يمشـي إلى جنبه م َّر بحسـنِ بن علـي ‪ ،‬وعمره في‬ ‫رسـول اللـه‬
‫يلعـب مـع غلمـانٍ فاحتمله علـى رقبته‪ ،‬وهـو يقول‪:‬‬ ‫الثامنـة تقريبـا‪ ،‬وهـو ُ‬
‫(((‬
‫ليـــس شـــبيها بعلي‬ ‫وابأبـــي شـــبه النبي‬
‫ِ‬
‫ترقيـص فاطمة‬ ‫وال يُ ْسـتَ ْب َعد ذلـك مـن أبـي بكـر‪ ،‬فهـو مـن جه ٍة يشـير إلى اشـتها ِر‬
‫وأحـد أنشـطة أسـلوبها التربـوي الرائـد فـي المدينـة‪ ،‬وكأ ّن المدينـة كانـت أذنـا واعية‬
‫لتسـجيل أقـوا ِل وأفعـا ِل فاطمـة وأسـاليبِها‪ ،‬ومـن جهـة أخرى‪ ،‬فـإ َّن أبا بكـر كان يعتزم‬
‫‪ ،‬ال سـيما وأنـه للتـو متـو ِّرط فـي‬ ‫تلطيـف الجـ ِّو المتوت ِّـر بينـه وبيـن بيـت علـي‬
‫‪ ،‬وربمـا أراد أيضا التمهيـ َد بمثل هـذا لتح ُّركِه المؤذي‬ ‫قضيـة واليـة اإلمـام علي‬
‫لفاطمـة فـي فدك‪.‬‬
‫‪ ،‬وتقول له‪:‬‬ ‫وفي رواية أنها كانت ترقِّص الحسن‬
‫الحق ال َّرســـن‬
‫واخلـــع عـــن ّ‬ ‫أشـــ ِب ْه أبـــاك يـــا حســـن‬
‫(((‬
‫وال ت ُـــوا ِل ذا اإلحـــن‬ ‫واعبـــد إلهـــاً ذا منـــن‬
‫وهـي كلمـاتٌ توحـي بأنهـا سلام اللـه عليهـا كانـت تهـدف إلـى زرع االقتـداء في‬
‫النقز‪ :‬هو الوثب صعودا‪ ،‬والتنقيز‪ :‬هو التوثيب صعودا‪.‬‬ ‫(((‬
‫ابن حنبل‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ ،6‬ص‪.283‬‬ ‫(((‬
‫ابـن األثيـر‪ ،‬النهايـة فـي غريب الحديـث واألثر‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪ ،233‬وقريتنا اسـمها (المزفن) لوجود سـاحة كان‬ ‫(((‬
‫النـاس يـؤدون فيهـا رقصـة (البرع) فـي أيام العيـد والغدير‪.‬‬
‫ابن حنبل‪ ،‬المسند‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪ ،171‬رقم‪.40‬‬ ‫(((‬
‫العاملي‪ ،‬أعيان الشيعة‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪. 563‬‬ ‫(((‬
‫‪98‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫قلـب ولدهـا بأبيـه الوصـي‪ ،‬وتبنـي فيـه قيمـة اتباع الحـق‪ ،‬وعظمـة الخالـق المعبود ذا‬
‫المنـن‪ ،‬وإعمـال مبـدأ البـراءة مـن أهـل البغضاء‪.‬‬
‫لقـد أنشـأت فاطمـة بطريقتهـا التربوية أعلى مدرسـ ٍة مثاليـ ٍة تخ َّرج منها الحسـنان‬
‫اصطحـاب أوالدهـا إلـى محـراب عبادتهـا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫‪ ،‬وكانـت تحـرِص علـى‬ ‫وزينـب‬
‫أجلسـتْه إلى‬
‫أ َّن والدتـه َ‬ ‫وتعلِّمهـم أنـوا َع التبتُّـل والته ُّجـد‪ ،‬حيـث يـروي الحسـ ُن‬
‫جانـب سـجادتها‪ ،‬وهـي تتضـرع إلـى اللـه وتدعوه‪.‬‬
‫وهما‬ ‫وذكـرت الروايـات أن الزهـراء كانـت تعلِّـم ولديهـا ُخطب رسـول اللـه‬
‫ل ّمـا يبلغـا الخامسـة‪ ،‬وكانـت تطلب منهمـا إعادة ما سـمعاه من خطاب رسـول الله على‬
‫مسـامعها‪ ،‬ثـم يعيدانه بحضـور أبيهما‪.‬‬
‫إلـى مسـجد رسـول اللـه عندمـا ألقـت خطبتهـا العصمـاء‬ ‫وأخـذت زينـب‬
‫هنـاك(((‪.‬‬
‫إن اهتمـا َم فاطمـة بولديهـا هـو ترجمـة الهتمام رسـول اللـه بهما؛ إذ همـا وصيتاه‬
‫‪ ،‬الـذي سـيمتد إلـى آخـر الدنيـا‪ ،‬ليخـ ُر َج من‬ ‫العظمـى‪ ،‬وهمـا منبـع نهـ ِر كوثـرِه‬
‫وينصر المسـتضعفين‪ ،‬ويعي ُد إلى اإلسلام‬ ‫ذريتهـم َمـ ْن يَ ْح ِمل الهـدى‪ ،‬ويُجا ِهد الطغاة‪ُ ،‬‬
‫قرآنيتَـه‪ ،‬وروح َّيته‪.‬‬
‫فـي بعـض أيـام صفيـن رأى اإلمـام علـي ولـده الحسـن يتسـ ّرع إلى خـوض غمار‬
‫[أضـ ُّن وأب َخ ُـل]‬
‫َـس َ‬
‫الحـرب‪ ،‬فقـال‪( :‬املكـوا عنـي هـذا الغلام‪ ،‬ال يَ ُه ُّدنـي‪ ،‬فإننـي أنف ُ‬
‫بهذيـن [يعنـي الحسـن والحسـين] علـى المـوت؛ لئلا ينقطـع بهمـا نسـل رسـول اللـه‬
‫) (((‪.‬‬
‫بطلـة كربالء‪ ،‬وكان مولدها في السـنة‬ ‫وكان المولـود الثالـث زينـب العقيلـة‬
‫الخامسـة مـن الهجـرة‪ ،‬وروت عـن أمهـا(((‪ ،‬قـال السـيد العالمـة الحجـة مجـد الديـن‬
‫المؤيـدي‪« :‬ولهـا كالم ليزيـد‪ ،‬وعبيداللـه بـن زيـاد ‪ ،‬يـدل علـى بالغـة‪ ،‬وعلـم‪ ،‬وعقـل‪،‬‬
‫((( محمد تقي المدرسي‪ ،‬فاطمة قدوة الصديقين‪ ،‬ص‪.26‬‬
‫((( الرضي‪ ،‬نهج البالغة‪ ،‬خ‪ ،205‬ص‪.399‬‬
‫((( أبو طالب‪ ،‬اإلفادة‪ ،‬ص‪.24 ،23‬‬
‫‪99‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ورباطـة جـأش‪ ،‬وقـوة جنـان؛ وال غـرو فالثمـرة من الشـجرة»(((‪.‬‬


‫ثـم ابنتهـا الثانيـة وهـي السـيدة أُ ّم كلثوم رضوان اللـه عليها‪ ،‬وقد ولـدت بعد أختها‬
‫بعـام واحد وقيـل‪ :‬بعامين(((‪.‬‬
‫المحسن‪ ،‬ذكر اإلمام أبو طالب أنه درج صغي ًرا(((‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وأما ابنها األخير فهو‬

‫دورها االجتماعي‬
‫لقـد سـجل القـرآن الكريم صـورة ناصعة لنمـوذج دو ٍر واحد مـن أدوار فاطمة وأهل‬
‫بيتهـا االجتماعيـة‪ ،‬وهو يشـير إلى جز ٍء من مهـام هذه الزوجة العظيمـة‪ ،‬واألم الكريمة‪،‬‬
‫َـت ذلـك سـورة كاملـة من القـرآن الكريم‪ ،‬وهي سـورة اإلنسـان‪ ،‬والالفـت أن تحمل‬ ‫وثَّق ْ‬
‫هـذه السـورة اسـ َم اإلنسـان‪ ،‬الـذي كان فضلا وكرمـا وإحسـانا متشـ ِّخصا فـي فاطمـة‬
‫وزوجهـا وأبنائهـا‪ ،‬وقـد مـ َّر عليهـم مسـتط ِعما اإلنسـا ُن اآل َخـر‪ ،‬الـذي كان م َّر ًة مسـكينا‪،‬‬
‫وكان ثانيـة يتي ًمـا‪ ،‬وكان ثالثـة أسـي ًرا؛ وأل َّن ال ُم ْسـتَطْ ِع َم إنسـا ٌن مهمـا كان موقفـه‪ ،‬حتـى‬
‫لـو كان أسـيرا محاربـا‪ ،‬فيجـب أن يكـون ال ُمطْ ِع ُم إنسـانا أيضـا‪ ،‬وهذه القيمة اإلنسـانية‬
‫العظيمـة‪ ،‬هـي القيمـة التـي تحتاجها األمة اليوم بعـد أن عبِث الفكر الوهابي الداعشـي‬
‫بكثيـر منهـا‪ ،‬بـل وعكَسـها أتبـا ُع هـذا الفكـر فـي هـذا الزمـان بشـكلٍ مشـ َّوه ومنفِّر من‬
‫اإلسلام‪ ،‬ومخالـف لمـا كان عليـه رسـول اللـه وأهل بيتـه صلوات اللـه عليهم‪.‬‬
‫اإلماراتـي علـى اليمـن‪ ،‬بشـقه التنفيـذي المتمثِّل‬
‫َّ‬ ‫األمريكـي‬
‫َّ‬ ‫السـعودي‬
‫َّ‬ ‫إ َّن العـدوا َن‬
‫فـي المدعيـن لإلسلام‪ ،‬مظهـ ٌر مـن مظاهـر افتقـاد هـؤالء المعتديـن لشـي ٍء من هذه‬
‫لدليـل قاطع‬
‫القيمـة اإلنسـانية الرائعـة‪ ،‬ومـا يعملونه بأسـرى الجيـش واللجان الشـعبية ٌ‬
‫علـى بُ ْع ِدهـم عـن تعاليـم اللـه وسـنن الصالحيـن من أهـل البيـت‪ ،‬وعلـى رأس الجميع‬
‫فاطمـة الزهـراء سلام اللـه عليها‪.‬‬
‫ث َّبتـت الزهـراء عناويـن أخـرى فـي أدوارهـا االجتماعيـة‪ ،‬فلا بـد أنهـا كانـت تعلّم‬
‫النسـاء مـا يُشـ ِكل عليهـ ّن مـن األحكام الشـرعية والمعـارف اإللهيـة الضروريـة؛ إذ ورد‬
‫((( المؤيدي‪ ،‬لوامع األنوار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.201‬‬
‫((( المؤيدي‪ ،‬لوامع األنوار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.220‬‬
‫((( اإلفادة‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫‪100‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫فـي شـرح ابـن أبـي الحديـد أنـه كان يغشـاها نسـا ُء المدينـة وجيـران بيتهـا(((‪ ،‬ويبـدو‬
‫ٍ‬
‫طالبـات للعلـم‪ ،‬ف َي ِج ْدن فاطمـة العالمة وهي‬ ‫أن بيتهـا كان مدرسـة تُ ْقب ُِـل عليها النسـاء‬
‫رحـب ال يعـرف الماللة وال السـأم(((‪.‬‬ ‫تسـتقبله ّن بصـد ٍر ٍ‬
‫تطـ ِّرف القاصديـن إليها‬ ‫ولـم تقتصـر فـي تعليمهـا علـى النسـاء‪ ،‬بل كانـت‬
‫بمـا عندهـا مـن العلـم والمعرفـة؛ فعـن ابن مسـعود‪ ،‬قـال‪ :‬جاء رجـل إلـى فاطمة بنت‬
‫عنـدك‬ ‫‪ ،‬فقـال‪ :‬يـا ابنـة رسـول اللـه‪ ،‬هـل تـرك رسـول اللـه‬ ‫رسـول اللـه‬
‫شـيئاً تط ِّرفينيـه‪ ،‬فقالـت‪« :‬يـا جارية‪ ،‬هاتـي تلك الحريـرة»‪ ،‬فطلبتها فلـم تجدها‪ ،‬وبعد‬
‫«ليس مـن المؤمنين َم ْن‬ ‫‪َ :‬‬ ‫البحـث عنهـا وجدتهـا فـإذا فيها‪“ :‬قال محمـد النبـي‬
‫لـم يَأْ َمـ ْن جـا ُره بوائقَـه‪ .‬و َمـ ْن كان يؤمـن بالله واليـوم اآلخر فال يُـ ْؤ ِذ جـاره‪ .‬و َم ْن كان‬
‫يحب الخ ّيـ َر الحليم المتعفّف‪،‬‬ ‫يؤمـن باللـه واليوم اآلخـر فليقل خي ًرا أو يسـكت‪ .‬إ ّن الله ّ‬
‫لحـف‪ .‬إ ّن الحيـاء مـن اإليمـان‪ ،‬واإليمـان فـي‬ ‫السـئآل ال ُم ِ‬
‫ويبغـض الفاحـش الضنيـن َّ‬
‫ـش مـن البـذاء‪ ،‬والبذاء في النـار»(((‪.‬‬ ‫الجنـة‪ ،‬وإن ال ُف ْح َ‬
‫دورهـا االجتماعـي حتى فـي عبادتها‪ ،‬فقـد كانت تدعو‬ ‫ولـم تنـس الزهـراء‬
‫للمؤمنيـن والمؤمنـات‪ ،‬وال تدعـو لنفسـها‪ ،‬متحلِّيـ ًة بالخلـق النبـوي العالـي‪ ،‬واألدب‬
‫اإلسلامي الرفيع‪.‬‬
‫قامت فـي محرابها‬ ‫ـت أُمي فاطمـة‬‫قـال‪« :‬رأيْ ُ‬ ‫عـن اإلمـام الحسـن‬
‫وسـ ِم ْعتُها تدعـو‬
‫ليلـة جمعتهـا‪ ،‬فلـم تـزل راكعـة سـاجدة حتـى ات َّضـح عمـو ُد الصبـح‪َ ،‬‬
‫للمؤمنيـن والمؤمنـات وتسـ ّميهم‪ ،‬وتك ِثـر الدعـا َء لهـم‪ ،‬وال تدعـو لنفسـها بشـيء‪ ،‬فقلت‬
‫لهـا‪ :‬يـا أُ ّمـاه‪ ،‬لـم ال تَ ْد ِعيـن لنفسـك كمـا تدعيـن لغيـرك؟ فقالـت ‪ :‬يـا بني ‪ ،‬الجـار ث ّم‬
‫الدار»(((‪.‬‬

‫ابن أبي الحديد‪ ،‬شرح نهج البالغة‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.193‬‬ ‫(((‬


‫الكعبي‪ ،‬سيدة النساء فاطمة الزهراء‪ ،‬ص‪.76‬‬ ‫(((‬
‫الكعبـي‪ ،‬سـيدة النسـاء فاطمـة الزهـراء‪ ،‬ص‪ ،77‬نقال عن مصـادره‪ ،‬منها‪ :‬المعجـم الكبير‪ ،‬ودالئـل اإلمامة‪،‬‬ ‫(((‬
‫السـنة للبغوي‪.‬‬
‫فـي البخاري‪ ،‬ومسـلم‪ ،‬ومصابيـح ُ‬ ‫وقطعـة مـن حديـث الرسـول‬
‫الكعبـي‪ ،‬سـيدة النسـاء فاطمـة الزهـراء‪ ،‬ص‪ ،82 - 81‬نقلا عـن الشـيخ الصـدوق‪ ،‬علـل الشـرائع‪ ،‬ودالئـل‬ ‫(((‬
‫اإلمامـة‪.‬‬
‫‪101‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫دورها ال�سيا�سي‬
‫دو ٌر رائـ ٌد فـي الدفـاع عـن قضايـا اإلسلام الكبـرى‪ ،‬وتح ُّر ٌك‬ ‫كان للزهـراء‬
‫جـا ٌّد فـي مواجهـة أول انحـراف فـي اإلسلام‪ ،‬وهـو فـي الحكـم‪ ،‬حيـث صرخـت بقوة‬
‫ملفتـة فـي وجـه السـلطة الجديـدة‪ ،‬التـي انحرفـت بمسـار الحكـم ع َّمـن اختـاره اللـه‪،‬‬
‫رسـول اللـه فـي أكثـ َر مـن موقـف‪ ،‬وال سـيما فـي حادثـة الغديـر‬‫ُ‬ ‫وع َّمـن أعلـن واليتَـه‬
‫خطبة قوية وبليغـة‪ ،‬أعادت‬ ‫الشـهيرة‪ ،‬وفـي هـذا خطَ َبت في مسـجد رسـول اللـه‬
‫فيها التذكي َر بمشـروع اإلسلام‪ ،‬وتشـريعاتِه‪ ،‬وطبيعة رسـالة والدها‪ ،‬ووالية زوجها‪ ،‬وما‬
‫كان عليـه أصحـاب رسـول اللـه‪ ،‬ثـم مـا أصبحـوا فيـه‪ ،‬وتوحـي فقـرات الخطبة وشـدة‬
‫لهجتهـا أنهـا اعتبـرت ذلـك خطرا كبيـرا يتهدد اإلسلام‪.‬‬
‫ولـم تكتـف بذلـك بـل دارت فـي بيـوت األنصـار تح ِّرضهـم علـى الثورة فـي نصرة‬
‫الحـق واتخـاذ الموقـف الصحيـح‪ ،‬وكانـت تعيـب عليهـم سـكونهم ورضوخهـم لسـلطة‬
‫األمـر الواقـع‪ ،‬ومـا فتئـت تحـذِّر الجميـع مـن مغبة السـكوت عن هـذا االنحـراف‪ ،‬كما‬
‫سـيتبين ذلـك مـن خلال خطبها‪.‬‬

‫فدك نحلتها من �أبيها‬


‫سـارعت السـلطة الجديـدة إلـى توجيـه ضربـة سياسـية واقتصاديـة ألهـل البيـت‬
‫ل َّمـا أرسـلت جنودهـا لالسـتيالء علـى فدك‪ ،‬وهـي القرية التي كان رسـول الله‬
‫؛ األمـر الذي اسـتدعى فاطمـة أن تذهب إلى‬ ‫قـد أنحلهـا البنتـه فاطمـة‬
‫موقـف أبي بكر الذي‬
‫َ‬ ‫هـذه السـلطة للمطالبـة بإطالق حقها في فـدك‪ ،‬وكادت أن تُلِي َن‬
‫كتـب لهـا وثيقـة اسـترجاع لنحلتهـا لـوال أ َّن عمر رفض ذلـك ومـ َّزق الوثيقة‪.‬‬
‫ولـم تكَـ ْد تمـر تلـك القضية حتى و َّجهت تلك السـلطة ضربة أخرى‪ ،‬وهي االسـتيالء‬
‫مـرام‬
‫فـي المدينـة وخيبـر؛ وكانـت تلـك الخطـوات ذات ٍ‬ ‫علـى أمـوال الرسـول‬
‫وأغـراض سياسـية أكثـر منهـا اقتصاديـة‪ ،‬تخـدم الفكرة الرئيسـة‪ ،‬وهـي تق ُّمصهم والية‬

‫‪102‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫‪ ،‬لكنهـا كانـت ُم ِغيظـة لقلـب فاطمـة‪ ،‬وملأت قلبهـا‬ ‫األمـر الموكولـة إلـى علـي‬
‫غضبـا؛ األمـر الـذي دفعهـا لمقاطعتهـم والتشـنيع عليهـم فـي مجالسـها وخطبهـا‪ ،‬قال‬
‫البخـاري‪“ :‬فهجـرت فاطمـة أبـا بكـر فلـم تكلِّمـه‪ ،‬حتـى توفيـت‪ ،‬وألجـل ذلـك دفنهـا‬
‫علـي ليلا‪ ،‬ولـم يـؤ ِذ ْن بها أبـا بك ٍر بحسـب رغبتهـا”(((‪.‬‬
‫زو ُجهـا ٌّ‬
‫أهـل البيـت أن أبـا بكـر أخطـأ فـي ذلـك(((‪ ،‬ومـا أجمـل كالم اإلمـام علـي‬ ‫ويـرى ُ‬
‫إذ قـال‪( :‬بلـى كانـت فـي أيدينـا فدك مـن كل ما أظلته السـماء‪ ،‬فشـ ّحت عليها‬
‫قـوم آ َخريـن‪ ،‬ونعـم الحكم للـه)(((‪.‬‬
‫نفوس ٍ‬ ‫قـوم‪ ،‬وسـ َخت عنهـا ُ‬ ‫نفـوس ٍ‬
‫ُ‬

‫خطبتها ب�ش�أن الإمامة وفدك في م�سجد ر�سول اهلل‬


‫تسـمى هـذه الخطبـة بالخطبـة الكبـرى(((‪ ،‬وهـي التـي ذكـرت فيهـا الزهرا ُء سلام‬
‫فـدك وموقفَهـا من الخالفـة ومـن خـذالن المهاجرين واألنصـار لها‪.‬‬ ‫اللـه عليهـا أمـ َر ٍ‬
‫إجما ُع أبي بكـر م ْن َعها فدكًا‪،‬‬ ‫تقـول الروايـة‪ :‬لمـا بلغ فاطمة بنت رسـول اللـه‬
‫الثـت ِخمارهـا(((‪ ،‬واشـتَ َمل َْت بجِلبابها(((‪ ،‬وأقبلت فـي لُ َم ٍة((( من َح َف َدتها((( ونسـا ِء قومها‪،‬‬
‫البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪3998 ،3508 ،2996 ،1998،2926‬؛ والحوثي‪ ،‬المختار‪ ،‬ص‪.200‬‬ ‫(((‬
‫الحوثي‪ ،‬المختار‪ ،‬ص‪ ،252‬نقال عن الجامع الكافي‪.‬‬ ‫(((‬
‫الرضي‪ ،‬نهج البالغة‪ ،‬خطبة رقم‪.284‬‬ ‫(((‬
‫هـذه الروايـة عـن الخطبـة مسـتخلَصة مـن الروايـة التـي رواهـا اإلمـام المنصـور باللـه الحسـن بـن بدر‬ ‫(((‬
‫الديـن (ت‪670‬هــ) فـي كتابـه (أنـوار اليقيـن) عـن طريـق السـيد اإلمـام يحيـى بـن الحسـين بن زيد بن‬
‫نصها عـن ِ‬
‫خمس‬ ‫‪ ،‬هذا وقـد تم تحقيـق ِّ‬ ‫علـي‪ ،‬عـن أبيـه‪ ،‬عـن جـده‪ ،‬عـن عمته زينـب بنت علـي‬
‫ٍ‬
‫مخطوطـات مختلفـة لـ(أنـوار اليقيـن)‪ ،‬ثـم تـ َّم مقارنتهـا بمـا ورد فـي المصـادر األخـرى مثـل (بالغـات‬
‫النسـاء) البـن طيفـور البغدادي (ت‪280‬هـ)‪ ،‬و(السـقيفة وفـدك) للجوهري (ت‪323‬هـ)‪ ،‬و(نثـر الدر) لآلبي‬
‫(ت‪421‬هــ)‪ ،‬و(شـرح نهـج البالغـة) البـن أبي الحديـد المعتزلـي (ت‪656‬هـ)‪ ،‬وتـم إضافة مـا زاد في تلك‬
‫المصـادر األخـرى ممـا يفيـد معانـي جديدة‪.‬‬
‫الثـت خمارهـا‪ :‬أدارت خمارهـا علـى رأسـها‪ ،‬والخمـار‪ :‬مـا يسـتر بـه اإلنسـان رأسـه أو أي عضـو منـه فـي‬ ‫(((‬
‫أعالي جسـده‪.‬‬
‫الجلبـاب‪ :‬القميـص‪ ،‬والثـوب المشـتمل علـى الجسـد كلـه‪ ،‬والخمـار‪ ،‬و مـا يلبـس فـوق الثيـاب كالملحفـة و‬ ‫(((‬
‫الملاءة تشـتمل بهـا المـرأة‪.‬‬
‫لُ َمة‪ ،‬على وزن ث ُ َبة‪ :‬جماعة من الناس‪ ،‬ومنه اشتقاق الوليمة‪.‬‬ ‫(((‬
‫الحفدة‪ ،‬جمع حافد‪ :‬العون والخادم وولد الولد‪ ،‬والمقصود هنا‪ :‬أعوانها وخدمها‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪103‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫‪ ،‬حتـى دخلـت علـى أبي‬ ‫تطـأ ذيولهـا(((‪ ،‬مـا تخـ ُر ُم ِمشـيَتُها ِمشـي َة((( رسـول اللـه‬
‫بكـر‪ ،‬وهو في حشـد مـن المهاجرين واألنصـار‪ ،‬فنيطت((( دونهـا ُمالءة(((‪ ،‬ثـم أنَّ ْت أنَّ ًة‬
‫نشـيج((( القـوم‪ ،‬وهـدأتْ فورت ُهم(((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫أجهـش((( لهـا القـو ُم بالبـكاء‪ ،‬فأمهلت حتى سـ َك َن‬
‫بالحمـد والطَّول والمجد‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بحمـد َم ْن هو أولى‬‫ِ‬ ‫ثـم قالـت صلـوات الله عليها‪ِ :‬‬
‫“أبتدئُ‬
‫نعـم‬
‫عمـوم ٍ‬ ‫ِ‬ ‫الحمـد للـه علـى مـا أنعـم‪ ،‬ولـه الشـك ُر بمـا ألهـم‪ ،‬والثنـا ُء بمـا قـ َّدم‪ ،‬مـن‬
‫جـل عـن اإلحصـا ِء عد ُدها‪،‬‬ ‫ابتدأهـا‪ ،‬وسـبو ِغ آال ٍء أسـداها(((‪ ،‬وإحسـانِ ِم َنـنٍ واالهـا(((‪َّ ،‬‬
‫ونـأى عـن المجـازاة أم ُدهـا(‪ ،((1‬وتفـا َوت عـن اإلدراك أبَ ُدهـا(‪ ،((1‬واسـتثنى(‪ ((1‬الشـك َر‬
‫بفضائلهـا‪ ،‬واسـتحمد إلـى الخلق بإجزالهـا(‪ ،((1‬وث َّنـى بالندب إلـى أمثالها(‪.((1‬‬
‫اإلخلاص تأويلَها‪ ،‬وض َّمن‬ ‫َ‬ ‫وأشـهد أن ال إلـه إال هـو وحـده ال شـريك له‪ ،‬كلم ًة جعـل‬
‫القلـوب موصولَهـا‪ ،‬وأبـان فـي ال ِفكَـر معقولَهـا‪ ،‬الممتنـع مـن األبصـار رؤيتُـه‪ ،‬ومـن‬ ‫َ‬
‫األلسـن صفتُـه‪ ،‬ومـن األوهام اإلحاطـ ُة به‪ ،‬الذي ابتدع األشـيا َء ال من شـي ٍء كان قبلَه‪،‬‬
‫وأنشـأها بلا احتـذا ٍء امتثلـه‪ ،‬وفَطَ َرهـا لغيـ ِر فائـد ٍة زا َدتْـه‪ ،‬إال إظهـا ًرا لقدرتـه‪ ،‬وداللـ ًة‬
‫علـى ربوبيتـه‪ ،‬وتع ُّبـ ًدا لبريته‪ ،‬وإعـزازًا ألهـل دعوتِه‪.‬‬
‫ووضـ َع العقـاب على‬ ‫ثـم جعـل الثـواب علـى طاعتـه حياشـ ًة(‪ ((1‬لعبـاده إلـى جنتـه‪َ ،‬‬
‫((( كانت أثوابها طويلة تستر قدميها‪ ،‬وتضع عليها قدمها عند المشي‪.‬‬
‫على وجهها وتمامها‪.‬‬ ‫((( أي ما تنقص منها شيئا‪ ،‬حيث أشبهت مشيتها مشية رسول الله‬
‫((( أي ُعلِّق َْت‪.‬‬
‫((( ال ُمالءة‪ :‬ال َملحفة وما يُ ْف َرش على السرير‪.‬‬
‫((( أجهش اإلنسان للبكاء‪ ،‬إذا تهيأ له‪ ،‬وجاشت نفسه لذلك‪.‬‬
‫((( النشيج‪ :‬تر ُّدد البكاء في الصدر من غير انتحاب‪.‬‬
‫((( هيجانهم‪.‬‬
‫((( سبوغ اآلالء‪ :‬اتساع النعم‪ ،‬وأسداها‪ :‬أعطاها‪.‬‬
‫((( واالها‪ :‬جعلها متتابعة‪.‬‬
‫(‪ ((1‬النأي‪ :‬البعد‪ .‬واألمد‪ :‬الغاية المنت َهى إليها‪ .‬أي بعد عن المجازاة بالشكر غايتها‪.‬‬
‫(‪ ((1‬تباعد عن اإلدراك دهرها المتأبِّد‪.‬‬
‫(‪ ((1‬كـذا فـي المصـادر‪ ،‬ولعلهـا تعنـي‪ :‬طلـب الثنـاء أو اسـتحقاقه‪ .‬وفـي هامـش (بالغـات النسـاء)‪ :‬اسـتثنه‪:‬‬
‫اسـتحقه‪.‬‬
‫(‪ ((1‬طلب منهم الحمد بسبب إجزال النعم وإكمالها عليهم‪.‬‬
‫(‪ ((1‬ندبهم إلى تحصيل أمثالها من النعم على اآلخرين‪.‬‬
‫شت الشيء‪ :‬إذا ُح ْزتَه إلى حيثُ تَتَ َم َّك ُن منه‪ .‬وفي رواية‪ :‬جياشة‪ ،‬أي حثا وإقباال‪.‬‬‫(‪ ((1‬من ُح َ‬
‫‪104‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫معصيتـه ذيـادة((( لعبـاده عن نقمته‪ ،‬وأشـهد أن أبي محمـ ًدا عب ُده ورسـولُه‪ ،‬اختاره قبل‬
‫أن يتن َّبـأه(((‪ ،‬واصطفـاه قبـل أن يبتعثـه؛ إذ الخالئـق بالغيـب مكنونـة‪ ،‬وبسـتر األهاويـل‬
‫مصونـة(((‪ ،‬وبنهايـة العـدم مقرونـة‪ ،‬عل ًمـا مـن اللـه بعواقـب األمـور‪ ،‬وإحاطـة منـه‬
‫بحـوادث الدهـور‪ ،‬ومعرفـة منـه بعواقـب المقـدور‪ ،‬ابتعثـه اللـه إتما ًما لعلمـه‪ ،‬وعزيمة‬
‫علـى إمضـاء حكمـه‪ ،‬وإنفـاذًا لمقاديـر حتمـه‪ ،‬فـرأى األمـ َم ِف َرقًـا فـي أديانهـا‪ُ ،‬ع ُكفًـا‬
‫علـى نيرانهـا‪ ،‬عابـدة ألوثانهـا‪ُ ،‬من ِكـرة للـه بعد عرفانهـا‪ ،‬فأنار اللـه بأبي ظُلَ َمهـا‪ ،‬وف َّرج‬
‫قبض‬
‫عـن القلـوب بُ َه َمهـا(((‪ ،‬وجلَّـى عـن األبصـار ُغ َم َمهـا(((‪ ،‬ثـم قبضـه اللـه عز وجـل َ‬
‫ـب ُء((( األوزار‪ ،‬محفوفًا‬ ‫رأفـ ٍة واختيـار‪ ،‬ورغبـة عـن تعـب هـذه الـدار‪ ،‬موضوعـاً عنـه ِع ْ‬
‫ملـك جبَّـار‪ ،‬صلـى الله عليـه وعلى‬ ‫رب غفـار‪ ،‬فـي جـوار ٍ‬ ‫بالمالئكـة األبـرار‪ ،‬ورضـوانِ ٍّ‬
‫آلـه الط ِّيبيـ َن األخيار‪.‬‬
‫ـب أمـرِه ونهيِـه(((‪ ،‬و َح َملـ ُة دي ِنـه ووحيِـه‪ ،‬وأمنـا ُء اللـه علـى‬
‫ثـم أنتـم عبـا َد اللـه نَ ْص ُ‬
‫أنفسـكم‪ ،‬وبلغـاؤه إلـى األمـم‪ ،‬للـه فيكـم عهـ ٌد ق َّد َمـه إليكـم‪ ،‬وبق َّيـ ٌة اسـتخلفها عليكـم‪،‬‬
‫وآي فينا((( منكشـفة سـرائ ُره‪ ،‬وبرها ٌن متجلِّيـ ٌة ظواه ُره‪،‬‬ ‫كتـاب الله ب ِّينـ ٌة بصائ ُره‪ٌ ،‬‬
‫ومعنـا ُ‬
‫قائـ ٌد إلـى الرضـوانِ أتبا َعـه‪ ،‬مـؤ ٍّد إلـى النجاة أشـيا َعه‪ ،‬فيه تبيـا ٌن لحجج اللـه المن َّورة‪،‬‬
‫ومواعظـه ال ُمكـ َّررة‪ ،‬ومحارِمـه ال ُم َحـذّرة‪ ،‬وبيناتـه الجاليـة(((‪ ،‬وجملـه الكافيـة‪ ،‬ورخصه‬ ‫ِ‬
‫المرغوبـة‪ ،‬وفضائلـه المندوبـة‪ ،‬وشـرائعه المكتوبة‪.‬‬
‫ففـرض اللـ ُه اإليمـا َن تطهيـرا لكـم مـن الشـرك‪ ،‬والصلاة تنزي ًهـا عـن الكبـر‪،‬‬
‫والصيـام تثبيتًـا لإلخلاص‪ ،‬والـزكاة تزييـدا في الـرزق‪ ،‬والحج تشـييدا للديـن‪ ،‬والعدل‬
‫تنسـكًا للقلـوب‪ ،‬وطاعتَنـا نظا ًمـا للملـة‪ ،‬وإمامتَنـا أ ْم ًنا مـن الفُرقة‪ ،‬وح َّبنا ع ًّزا لإلسلام‪،‬‬ ‫ُّ‬
‫السوق والطرد والدفع واإلبعاد‪.‬‬ ‫الذود والذيادة‪َّ :‬‬ ‫(((‬
‫يجعله نبيا‪.‬‬ ‫(((‬
‫كانت مستورة عن األهوال بسبب عدمها‪.‬‬ ‫(((‬
‫ال ُبهمة‪ :‬الظلمة الشديدة تطبق على القلب‪ ،‬وتقال لألمر الشديد إذا لم يُ ْهتَ َد لوجه الخالص منه‪ :‬بهمة‪.‬‬ ‫(((‬
‫جمع غمة‪ ،‬يقال لل ِمحنة ال ُمطْبِقة ال ُمظْلِ َمة‪ُ :‬غ َّمـة‪.‬‬ ‫(((‬
‫العبء‪ :‬الثقل‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫(((‬
‫أي نصبكم الله ألوامره ونواهيه‪.‬‬ ‫(((‬
‫وحجيتهم‪.‬‬ ‫تشير إلى ما نزل من آيات القرآن في أهل البيت‬ ‫(((‬
‫الم َب ّينة‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪105‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫والصبـ َر منجـاة‪ ،‬والقصـاص حقنـا للدمـاء‪ ،‬والوفـاء بالنـذر تع ُّر ًضـا للمغفـرة‪ ،‬وتوفيـ َة‬
‫شـرب الخمـر تنزي ًهـا عـن الرجس‪،‬‬ ‫والنهـي عـن ِ‬ ‫َ‬ ‫المكاييـل والموازيـن تغييـرا للبخسـة‪،‬‬
‫وتـرك((( السـرقة إيجابـا لل ِعفـة‪ ،‬وحـ َّرم اللـه عـز‬ ‫وقـذف((( المحصنـات اجتنابـا للّعنـة‪َ ،‬‬ ‫ِ‬
‫إخالصـا لـه بالربوبيـة‪ ،‬وجعـل صلـ َة أرحا ِمنـا زيـاد ًة ل ِع َّدتكـم‪ ،‬وطاعتَنـا‬ ‫ً‬ ‫َ‬
‫الشـرك‬ ‫وجـل‬
‫نظامـاً لملحمتكـم(((‪ ،‬واالئتمـا َم بنـا األمـا َن مـن فُرق ِتكـم‪.‬‬
‫َ َ َ ُ ُ َّ َّ َ َ ُ ُّ ْ ُ َ‬ ‫َ َّ ُ َ‬
‫ون﴾[آل عمـران‪،]102:‬‬ ‫فاتقـوا اللـه عبـاد اللـه ﴿حـق تقات ِـ ِه وال تموتـن إِال وأنتـم مسـلِم‬
‫ْ َ‬ ‫َّ َ َ ْ َ‬
‫ِـن ع َِبـا ِده ِ ال ُعل َماء﴾[فاطر‪،]28:‬‬
‫َ ْ‬
‫وأطيعـوه فيمـا أمركـم بـه‪ ،‬ونهاكم عنـه‪ ،‬فـ﴿إِنما يشى الل َّ م‬
‫واحمـدوا اللـه الـذي بعظمتـه ونـوره يبتغي َمـن فـي السـماوات واألرض إليه الوسـيلة‪،‬‬
‫قدسـه‪ ،‬ونحن حجته فـي غيبه‪ ،‬ونحن‬ ‫ومحل ِ‬ ‫خاصته‪ُّ ،‬‬ ‫ونحـن وسـيلَتُه فـي خلقه‪ ،‬ونحـن ّ‬
‫ورثـة أنبيائه»‪.‬‬
‫رسـول ربِّكـم‪ ،‬وخات َـ ُم أنبيائكـم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ثـم قالـت‪« :‬أمـا بعـ ُد‪ :‬فأنـا فاطمـ ُة‪ ،‬وأبـي ُم َح َّمـ ٌد‬
‫أقولُهـا َعـو ًدا علـى بَـ ْد ٍء‪ ،‬ومـا أقـول َسـ َرفًا وال شَ ـطَطًا‪ ،‬وما أنا مـن الكاذبين‪ ،‬فاسـمعوا‬
‫ََ ْ َ َ ُ ْ ُ ٌ ْ‬
‫ـم َرسـول مِن‬ ‫وقلـوب راعيـة‪ ،‬بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم‪﴿ :‬لقـد جاءك‬ ‫ٍ‬ ‫بأسـما ٍع واعيـة‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ـم بال ُمؤمن َ‬ ‫َ‬
‫يـص َ ْ ُ ْ‬ ‫ُ ْ َ ٌ َ ْ َ َ ُّ ْ َ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ين َر ُءوف َرح ٌِيم﴾[التوبـة‪ ،]128:‬فـإن‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ر‬
‫ِ‬ ‫ح‬ ‫ـم‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ع‬ ‫ـا‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ِ‬ ‫ـ‬ ‫ي‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫يـز‬ ‫ز‬
‫ِ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ـك‬ ‫س‬
‫أ ِ‬
‫نف‬
‫ت َ ْعـ ُزو ُه((( تجـدوه أبـي دون نسـائكم‪ ،‬وأخـا ابـنِ ع ِّمـي دون رجالِكـم‪ ،‬ولَ ِنعـم ال ُم ْعتَـ َزى‬
‫إليـه‪ ،‬بَلَّـ َغ الرسـالة‪ ،‬يدعـو إلـى سـبيل ربـه بالحكمـة والموعظـة الحسـنة‪ ،‬صا ِد ًعـا‬
‫بال َّنـذارة‪ ،‬مائلا عـن َم ْد َر َجـة((( المشـركين‪ ،‬حائـ ًدا عـن َسـ َن ِنهم(((‪ ،‬ضاربًـا لث َبجِهـم(((‪،‬‬
‫وينكـت(‪ ((1‬األصنام‪ ،‬حتى انهزم الجمع وولَّوا ال ُّدبُــر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫آخـذًا بأكظامهـم(((‪ ،‬ي ُجـ ُّذ الهام(((‪،‬‬

‫((( معطوف على شرب الخمر‪.‬‬


‫((( معطوف على (النهي عن شرب الخمر) منصوب مثله‪.‬‬
‫((( نظاما الجتماعكم‪ ،‬والملحمة في غير هذا‪ :‬اجتماع القوم للحرب‪.‬‬
‫((( تنسبوه‪.‬‬
‫((( المدرجة‪ :‬المذهب والمسلك‪.‬‬
‫((( مائال عن طريقتهم‪.‬‬
‫((( ث َبج الشي ِء‪ :‬وسطه ومعظمه‪.‬‬
‫((( أي بمخرج أنفاسهم‪ ،‬يقال‪ :‬أخذ بكظمه‪ ،‬إذا خنقه وض َّيق عليه نفَسه‪.‬‬
‫((( يقطع الرؤوس‪.‬‬
‫(‪ ((1‬نكت الشيء‪ :‬ألقاه على وجهه‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ونطق زعي ُم الدين‪ ،‬وخرسـت‬ ‫الليل عن ُصبْ ِحـه‪َ ،‬‬ ‫حضه‪ ،‬وتفـ ّرى((( ُ‬ ‫الحـق((( عـن َم ِ‬ ‫وأسـفر ُّ‬
‫شقاشـق((( الشـياطين‪ ،‬وفُ ْهتُـ ْم((( بكلمـة اإلخلاص‪ ،‬وكنتـم علـى شـفا ُحفـر ٍة مـن النـار‪،‬‬
‫وموطـئ األقـدام(((‪ ،‬تقتاتـون‬
‫َ‬ ‫نُ ْهـز َة((( الطامـع‪ ،‬و َم ْذقَـ َة الشـارب(((‪ ،‬وقَبْ َسـ َة((( ال َع ْجلان‪،‬‬
‫ال ِقـ َّد(((‪ ،‬وتشـربون الطَّـ َرق(‪ ،((1‬وأنتـم أذلـة خاشـعون(‪ ،((1‬تخافـون أن يتخطَّفكـم ُ‬
‫الناس‬
‫مـن حولِكم‪.‬‬
‫فأنقذكـم اللـه بأبـي‪ ،‬بعـد اللتيـا والتـي ‪ ،‬وبعدما ُم ِن َ‬
‫ـي ِب ُب َهـم(‪ ((1‬ال ِّرجـال‪ ،‬وذؤبان‬ ‫(‪((1‬‬

‫العـرب‪ ،‬و َمـ َر َد ِة أهـلِ الكتـاب‪ ،‬كلمـا حشُّ ـوا(‪ ((1‬نـارا للحـرب‪ ،‬ون َجـم(‪ ((1‬قـر ٌن للضاللـة‪،‬‬
‫وفَ َغـ َرتْ (‪ ((1‬فاغـرة مـن المشـركين‪ ،‬قـذف أخـاه فـي لهواتهـا‪ ،‬فلا ينكفـئ(‪ ((1‬حتى يطأ‬
‫قريـب‬
‫ٌ‬ ‫ِصما َخهـا بأخ ُم ِصـه(‪ ،((1‬ويُ ْخ ِمـد ل َه َبهـا ب َحـ ِّده‪ ،‬مكـدو ٌد فـي ذات اللـه تعالـى(‪،((1‬‬

‫((( أضاء‪.‬‬
‫((( تشقق‪.‬‬
‫قشقة‪ :‬التي يُدلِّيها الفحل المغتلم من اإلبل إذا هاج وهدر فيها‪.‬‬ ‫((( الشِّ ِ‬
‫((( فُ ْهتُم وتف َّو ْهتُم بمعنى واحد‪.‬‬
‫((( أي فرصة الطامع‪.‬‬
‫((( أي شربته‪.‬‬
‫((( القبسة‪ :‬ما تقبضه بيدك‪.‬‬
‫((( أي في مكان الذلة‪ .‬وتريد من هذه العبارات األخيرة أنهم كانوا ضعافا مهانين يتخطفهم الناس‪.‬‬
‫((( ال ِق ُّد‪َ :‬سيْ ٌر يُ َق ُّد من ج ٍِلد غير مدبوغ‪.‬‬
‫(‪ ((1‬الطرق‪ :‬الماء الذي خاضته اإلبل‪ ،‬وبالت فيه‪.‬‬
‫(‪ ((1‬الخشوع‪ :‬أشد الخضوع‪.‬‬
‫(‪ ((1‬المراد الحادثة والحويدثة‪ ،‬كأنهما أمران عظيمان‪ ،‬أحدهما أعظم من اآلخر‪.‬‬
‫ـي‪ .‬والبُهمـة‪ :‬الفـارس البطـل الشـجاع ال يُ ْهتَدى لوجـه التمكُّن منـه‪ ،‬ويقال‪ :‬هو الـذي يعد بمئتي‬ ‫(‪ ((1‬منـي‪ :‬ابتُلِ َ‬
‫فارس‪.‬‬
‫ـت النـار إذا أوقدتهـا‪ ،‬وأصـل الحش أن يجمـع الوقود من األطـراف إلى الوسـط‪ ،‬ومتفرق النار‬ ‫(‪ ((1‬مـن حششْ ُ‬
‫إلـى المعظـم‪ ،‬ليشـتد توقدها‪ ،‬وكل مجموع فمحشـوش‪.‬‬
‫(‪ ((1‬طلع‪.‬‬
‫(‪ ((1‬فغر‪ :‬فتح‪ ،‬وفغرت األسد أفواهها إذا فتحتها‪.‬‬
‫(‪ ((1‬أي فال ينصرف‪.‬‬
‫نفسـها‪ .‬واألخمـص‪ :‬مـا ال يصيـب األرض مـن باطـن القـدم عنـد المشـي‪،‬‬ ‫واألذن ُ‬
‫الصمـاخ‪ :‬ثقـب ُاألذن‪ُ ،‬‬ ‫(‪ِّ ((1‬‬
‫والعبـارة تعنـي القهـر والغلبـة علـى أبلـغ وجـه‪.‬‬
‫(‪ ((1‬المكدود‪ :‬من بلغه التعب واألذى‪ .‬وذاتُ الله‪ :‬أمره ودينه‪.‬‬
‫‪107‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫(((‬
‫مـن رسـول اللـه‪ ،‬سـيد فـي أوليـاء اللـه‪ ،‬وأنتم فـي رفاهيـة آمنـون وادعـون‪ ،‬ت َوكَّفون‬
‫األخبـار‪ ،‬وتنك ُُصـون عنـد النـزال(((‪.‬‬
‫(((‬
‫جـل وعـ َّز لرسـوله دار أنبيائـه‪ ،‬وما عنده لرسـله‪ ،‬ظهرت َح َسـكَة‬ ‫فلمـا اختـار اللـ ُه َّ‬
‫جلبـاب اإلسلام‪ ،‬واخلولـق ثوبُـه‪ ،‬وقَ َح َـل((( عظْ ُمـه‪ ،‬وارتُـثَّ ((( رمي ُمـه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫(((‬
‫وسـ َم َل‬‫النفـاق‪َ ،‬‬
‫فنيـق((( المبطليـن‪ ،‬ف َخطَ َر‬ ‫وظهـر نابـغ(((‪ ،‬ونطـق كاظـم‪ ،‬ونبـغ خامـل اآلفكيـن‪ ،‬وهـ َد َر ُ‬
‫رأسـه مـن مصرعـه صار ًخـا بكـم‪ ،‬فألفاكـم لدعائـه‬ ‫فـي ع َرصاتكـم‪ ،‬وأَطْلَـ َع الشـيطا ُن َ‬
‫مسـتجيبين‪ ،‬ولغـروره مالحظيـن‪ ،‬فاسـتنهضكم فوجدكـم خفافًـا‪ ،‬وأَ ْح َم َسـكم((( فوج َدكم‬
‫فوسـ ْمتُم غيـ َر إبلكـم‪ ،‬و َو َر ْدتُّـم شـرابًا ليـس لكـم(‪ ،((1‬بـدا َر ‪ -‬زعمتـم ‪ -‬خـوف‬ ‫غضابـا‪َ َ ،‬‬
‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫يطـة بالكف ِر َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ْ َ َ ُ َ َّ َ َ َّ َ ُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ين﴾[التوبـة‪ ،]49:‬هذا والعهد قريب‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ح‬‫الفتنـة‪﴿ ،‬أال ِف ال ِفتنـ ِة سـقطوا وإِن جهنم لم ِ‬
‫وال َكلْـم رحيـب(‪ ،((1‬والجـرح ل َّما يندمل‪ ،‬والرسـول ل َّمـا يُ ْق َبر‪ ،‬فهيهات منكـم؟ وكيف بكم؟‬
‫وكتـاب اللـه بيـن أظهركـم‪ ،‬زواجـ ُره ظاهـرة‪ ،‬وأوامـره الئحـة‪ ،‬ودالئلـه‬ ‫ُ‬ ‫وأنـى تؤفكـون؟‬
‫َ ََ ً‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ‬
‫واضحـة‪ ،‬أرغبـ ًة عنـه تريـدون؟ أم بغيره تحكمـون؟ فـ﴿بِئـس ل ِلظال ِ ِمين بدال﴾[الكهف‪،]50:‬‬
‫الاس َ‬ ‫َ َْ‬ ‫ً ََ ََُْ ْ ُ‬
‫ـه َو ُه َ‬ ‫َ َ ََْ َ َْ ْ َ‬
‫يـن﴾[آل عمـران‪.]85:‬‬ ‫ِِ‬ ‫ـو ِف اآلخ َِرة ِ مِـن‬ ‫﴿ومـن يبتـغِ غير ِ‬
‫اإلسلا ِم دِينـا فلـن يقبل مِن‬
‫ثـم لـم تلبثـوا إال ريـثَ أن تسـك َن نفْرت ُهـا‪ ،‬ويَ ْسـل ََس قيا ُدهـا(‪ ،((1‬ت ُِسـ ُّرون َح ْسـ ًوا فـي‬

‫((( تنتظرون‪.‬‬
‫((( أي تهربون عند الحرب‪.‬‬
‫((( الحقد‪.‬‬
‫((( سمل الثوب‪ :‬إذا خلِق‪ ،‬وصار باليا‪.‬‬
‫((( يبس‪.‬‬
‫رمق من حياة‪.‬‬ ‫((( ُجرِح وارت ُثَّ ‪ :‬إذا بَ ِق َي فيه ٌ‬
‫((( خامل ال يؤبَه له‪.‬‬
‫((( الفنيق‪ :‬الفحل من اإلبل‪.‬‬
‫((( أي أغضبكم‪ .‬وفي رواية‪ :‬وأحمشكم‪ :‬حثَّكم‪.‬‬
‫الكـي‪ .‬والـورود‪ :‬حضـور الماء للشـرب‪ ،‬واإليراد‪ :‬اإلحضـار‪ .‬والشِّ ـرب‪ :‬الح ُّظ من المـاء‪ ،‬وهما‬ ‫(‪ ((1‬ال َو ْسـ ُم‪ :‬أثـر ّ‬
‫كنايتـان عـن أخـذ مـا ليـس لهم بحق مـن اإلمامـة وميـراث النبوة‪.‬‬
‫(‪ ((1‬الكلم‪ :‬الجراح‪ .‬والرحيب‪ :‬الواسع‪.‬‬
‫(‪ ((1‬نفْـرة الدابـة‪ :‬ذهابهـا وعدم انقيادها‪ .‬والسـلِ ُس‪ :‬السـهل اللين المنقـاد‪ .‬أي‪ :‬لم تصبروا إلـى ذهاب أثر تلك‬
‫‪.‬‬ ‫المصيبـة‪ ،‬وهي مـوت النبي‬
‫‪108‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫مثـل َحـ ِّز ال ُمـ َدى(((‪ ،‬حتـى زعمتـم أ ْن ال إرثَ لنـا َ‬


‫أهـل‬ ‫ارتغـاء(((‪ ،‬ونصبـ ُر منكـم علـى ِّ‬
‫كتـاب اللـه‪ ،‬ونبذتمـوه وراء ظهوركم؛ إذ يقـول الله‬ ‫تركتـم َ‬ ‫البيـت‪ ،‬أفعلـى محمـد‬
‫ُ َ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قص من‬ ‫تبـارك وتعالـى‪َ ﴿ :‬و َو ِرث سـل ْي َمان د ُاوود﴾[النمـل‪ ،]16:‬وقـال اللـه عـز وجـل فيمـا َّ‬
‫َُْ َ‬ ‫َّ ُ َ َ ّ ً َ ُ َ َ ُ ْ‬ ‫ََ ْ‬
‫وب﴾[مريـم‪- 5:‬‬ ‫آل يعق‬
‫ـرث مِـن ِ‬ ‫ني وي ِ‬ ‫خبـر يحيـى بـن زكريـا‪﴿ :‬فهـب ِل مِـن لنـك و ِلـا * ي ِرث ِ‬
‫َ‬ ‫َُ ْ ُ ْ َ ْ َ َ ْ ُ ُ ْ َ ْ َ َ ْ‬
‫ـاب الل َِّ﴾[األحـزاب‪ ،]6:‬وقال‪:‬‬
‫ـض ِف ك ِت ِ‬‫ام بعضهـم أول بِبع ٍ‬ ‫‪ ،]6‬وقـال عـز ذكـره‪﴿ :‬وأولـو الرح ِ‬
‫ُ َ َ َْ ُ ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِّ‬ ‫ْ َ‬‫ُ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ َّ َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ي﴾[النسـاء‪ ،]11:‬وقال‪﴿ :‬كتِـب عليكم إِذا‬ ‫ـر مِثل حظ األنثي ِ‬ ‫﴿ي ِ‬
‫وصيكـم الل ّ ِف أوالدِكـم ل ِذلك ِ‬
‫ّ ً َ ْ‬
‫ـروف َحقـا َع ال ُم َّتق َ‬ ‫َ َ‬‫ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ً ْ‬
‫َ َ ْ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫َ َ َ َ َ ُ ُ َ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ني﴾‬ ‫ِ‬ ‫ـن َواألق َربِين بِالمع ُ ِ‬
‫حضر أحدكـم المـوت إِن تـرك خيرا الو ِصيـة ل ِلو ِالي ِ‬
‫أفخصكم الله بآي ٍة‬
‫َّ‬ ‫رح َم بيننـا‪،‬‬‫حـق وال إ ْرثَ لـي مـن أبي‪ ،‬وال ِ‬ ‫[البقـرة‪ ،]180:‬وزعمتـم أ ْن ال َّ‬
‫ـت أنا وأبي من‬ ‫(أهل ملتيـن ال يتوارثون)؟‪ ،‬أو ْلس ُ‬ ‫منهـا؟ أم تقولون‪ُ :‬‬ ‫أخـرج نبيـه‬
‫؟!‪ ،‬أفحك َم‬ ‫أهـل ملـة واحدة؟!‪ ،‬لعلكـم أعل ُم بخصوص القـرآن وعمومه من النبـي‬
‫ون﴾[المائـدة‪.]50:‬‬ ‫ُ ْ ً ِّ َ ْ ُ ُ َ‬ ‫ـن م َ‬
‫ِـن الل ّ حكما لقـومٍ يوق ِن‬ ‫الجاهليـة تبغـون‪َ ﴿ ،‬و َم ْن َأ ْح َس ُ‬

‫سـرعا َن مـا أحدثتـم‪ ،‬وعجلان مـا نك َْصتُـم‪ ،‬وعجلا َن ذا إهالـة(((‪ ،‬تقولـون‪ :‬مـات‬
‫رسـول الله أ َمتُّـ ْم دي َنه؟!‪ ،‬هـا إ َّن موتـه ل َخط ٌْب – واللـ ِه ‪ -‬جليل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫رسـول اللـه‪ ،‬ألَ ِئـن مـات‬
‫ُ‬
‫ـت‬ ‫األرض ل َغ ْي َبتـه‪ ،‬واكتأبَ ْ‬
‫وأظلمـت ُ‬ ‫ِ‬ ‫استوسـع َو ْه ُيـه(((‪ ،‬واسـت ْن َهر((( فتقُـه‪ ،‬وفُ ِقـد راتقُـه(((‪،‬‬
‫َـت األمـوال‪ ،‬وأُ ِضيـع‬ ‫الجبـال‪ ،‬وأكـ َد ِت اآلمـال(((‪ ،‬وأُكِل ْ‬
‫ُ‬ ‫خيـر ُة اللـه لمصيبتـه‪ ،‬وخشَ ـ َع ِت‬
‫الحريـم(((‪ ،‬وأُزِيلَـت ال ُح ْر َمـة((( عنـد مماتـه‪ ،‬فتلـك نازلـة(‪ ((1‬أ ْعلَـ َن بهـا ُ‬
‫كتـاب اللـه فـي‬
‫أفنيتكـم‪ ،‬ممسـاكم ومصبحكـم‪ ،‬هتافًـا هتافًـا بأسـماعكم‪ ،‬ولقبلـه مـا حلَّت بأنبيـاء الله‬

‫((( ال َح ْسـو‪ :‬الشُّ ـرب شـيئا فشـيئا‪ ،‬واالرتغـاء‪ :‬شـرب الرغـوة‪ ،‬وهـي ما يطفـو فوق اللبن مـن الماء المشـوب به‪،‬‬
‫والمثـل يُضـ َرب لمن يُظ ِه ُر شـيئا ويريـد غيره‪.‬‬
‫((( الحز‪ :‬القطع‪ ،‬وال ُم َدى جمع ُمدية‪ ،‬وهي السكِّين‪.‬‬
‫((( اإلهالة‪ :‬الو َدك إذا أذيب‪ ،‬يُضْ َر ُب مثال للشيء يُع َّجل قبل أوانه‪ ،‬أي نكثتم بسرعة وعجلة‪.‬‬
‫((( الوهي‪ :‬الخرق الواسع‪.‬‬
‫((( استنهر‪ :‬استوسع‪.‬‬
‫((( الفتق‪ :‬الشق‪ ،‬والرتق ضده‪.‬‬
‫((( أي َّقل خيرها‪.‬‬
‫((( حريم الرجل‪ :‬ما يحميه ويقاتل عنه‪.‬‬
‫((( الحرمة‪ :‬ما ال يحق انتهاكه‪.‬‬
‫(‪ ((1‬النازلة‪ :‬الشديدة‪.‬‬
‫‪109‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ُّ ُ ُ َ َ َّ َ َ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َّ ٌ َّ ُ ٌ َ ْ َ َ ْ‬
‫الرسـل أفإِن مـات أ ْو قتِل انقل ْبتـم ع أعقابِك ْم‬ ‫ورسـله‪َ ﴿ ،‬ومـا ممد إِال َرسـول قد خلت مِن ق ْبلِ ِه‬
‫َّ‬
‫الشـاك ِر َ‬ ‫َ ْ ً َ َ َ ْ‬ ‫ع َع ِق َب ْيـ ِه َفلَن يَ ُ َّ‬
‫ِـب َ َ َ‬
‫َ َ َ َ ْ‬
‫ين﴾[آل عمـران‪.]144:‬‬ ‫ِ‬ ‫ـيج ِزي الل ّ‬ ‫ضر الل ّ شـيئا وس‬ ‫ومـن ينقل‬
‫حـق أن تـرِثَ أبـاك يـا ابـ َن أبي‬ ‫وي ًهـا((( معشَ ـ َر المهاجريـن‪ ،‬أَأُبْتَـ ُّز((( إرث َيـ ْه؟! أباللـ ِه ٌّ‬
‫جئت شـيئًا فريًّـا(((‪ ،‬فدونَكَها مخطوم ًة مرحولـة(((‪ ،‬تلقاك‬ ‫قحافـة‪ ،‬وال أرث أ ِب َيـ ْه؟!((( لقـد َ‬
‫يـو َم حشْ ـرِك‪ ،‬ف ِن ْعـ َم ال َح َك ُم الل ُه‪ ،‬والموعـ ُد القيامة‪ ،‬والزعي ُم محم ٌد‪ ،‬وعمـا قليل تنكفئون‪،‬‬
‫ُ ِّ َ َ ُّ ْ َ َ ٌّ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ‬
‫ون﴾[األنعـام‪.”]67 :‬‬ ‫خ َسـ ُر المبطلون‪ ،‬و﴿ل ِك نب ٍإ مسـتقر وسـوف تعلم‬ ‫وعنـد السـاعة يَ ْ‬
‫ثـم التفتـت صلـوات اللـه عليهـا إلـى األنصـار فقالت‪“ :‬يـا معشـ َر النقبـا ِء‪ ،‬وأعضا َد‬
‫ال ِملَّـة‪ ،‬و َح َصنـة((( اإلسلام‪ ،‬مـا هـذه ال َفتْـ َرة عـن نصرتـي‪ ،‬وال ِونْ َيـة((( عـن معونتـي‪،‬‬
‫يقـول‪:‬‬ ‫والسـ َن ُة((( فـي ظُالمتـي؟! أمـا كان رسـول اللـه‬ ‫وال َغ ِميـز ُة((( فـي حقـي؟! ِّ‬
‫(المـر ُء يُحفَـ ُظ فـي ولـده)؟!‪.‬‬
‫أي ًهـا بنـي قَيلـة(‪ ((1‬أَأُ ْه َضـ ُم تـراثَ أبـي وأنتـم بمـرأى ومسـمع‪ ،‬تبل ُغكُـم الدعـوة‪،‬‬
‫ويشـملُ ُك ُم الصـوت‪ ،‬وفيكـم العـدة والعتـاد‪ ،‬ولكـم الـدار‪ ،‬وعندكـم ال ُج َنن‪ ،‬وأنتـم األُلى‬
‫وأهل اإلسلام‪ ،‬وخيـر ُة الله التي‬ ‫‪ُ ،‬‬ ‫نخبـ ُة اللـه التـي انتخـب لدينه‪ ،‬وأنصا ُر رسـوله‬
‫أهل البيت‪ ،‬ناب ْذت ُـ ُم الع َرب‪ ،‬وناه ْزت ُـم(‪ ((1‬ال َع َجم‪ ،‬وكاف ْحتُـم(‪ ((1‬ال ُب َهم‪ ،‬ال نَ ْب َرح‬ ‫انتجـب لنـا َ‬
‫أو تبرحـون‪ ،‬نأمركـم فتأتمـرون‪ ،‬حتـى اسـتقامت لكـم بنـا الـدار‪ ،‬واسـتدارت لكـم بنـا‬
‫قلت‪ :‬ويها يا فالن‪ ،‬وهو تحريض‪ ،‬وربما أريد به التعجب‪.‬‬ ‫أغريت أحدا بشي ٍء َ‬
‫َ‬ ‫((( إذا‬
‫((( أأُ ْستَلَب‪.‬‬
‫للسك ِْت‪ ،‬مثل (ماليه وسلطانيه) في القرآن الكريم‪.‬‬ ‫((( الهاء في (إرثيه) و(أبيه) َّ‬
‫((( الفري‪ :‬األمر المختلق‪.‬‬
‫((( الضميـر فـي (فدونكهـا) يعـود لفـدك‪ ،‬أي‪ :‬خذهـا‪ ،‬ومخطومـة مـن الخطـام‪ ،‬وهـو‪ :‬كل ما يوضـع في أنف‬
‫البعيـر ليُقـاد بـه‪ ،‬وال َّر ْحـل للناقـة كالسـرج للفـرس‪ .‬واألمـر بأخذهـا هنـا للتهديد‪.‬‬
‫تحصـن بهـم اإلسلام‪ ،‬وفـي روايـة‪( :‬حصـون اإلسلام)‪ ،‬وفـي روايـة أخـرى‪( :‬حضَ َنة اإلسلام)‪،‬‬ ‫((( أي الذيـن ّ‬
‫وهـم الذيـن يحتضنـون اإلسلام ويحمونـه‪.‬‬
‫((( ونى في العمل‪ :‬فتر وضعف وك ََّل وأعيا‪.‬‬
‫((( الغميزة‪ :‬ضَ ْعفة في العمل‪ ،‬و َج ْهلة في العقل‪.‬‬
‫((( السنة‪ :‬أول النوم أوالنوم الخفيف‪.‬‬
‫(‪ ((1‬أيهاً‪ :‬بمعنى هيهات‪ .‬وبنو قيلة‪ :‬األوس والخزرج‪ .‬وقيلة بنت كاهل‪ :‬اسم أم لهم قديمة‪.‬‬
‫(‪ ((1‬تقول‪ :‬نهزت الرمح ونهزت به إذا نخسته‪ ،‬ونهز المستقي دلوه وبدلوه في البئر إذا حركها لتمتليء‪.‬‬
‫(‪ ((1‬المكافحة‪ :‬هي المواجهة بالقتال وغيره‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫َم َحالَـة((( اإلسلام‪ ،‬وخض َع ْت ث ُغرة الشـرك‪ ،‬وسـك َن ْت فـور ُة اإلفك‪ ،‬و َخ َمدَتْ نيـرا ُن الكفر‪،‬‬
‫وسـ َك َن ْت نفْـ َر ُة الشـيطان‪ ،‬وهـ َدأَتْ َوغْـ َر ُة‬
‫َـب البلاد‪َ ،‬‬
‫واستوس َـق((( نظـا ُم ال ِّديـن‪ ،‬و َد َّر َحل ُ‬ ‫َ‬
‫الهـ َرج ‪ ،‬فأنـى ِح ْرتُـم بعـد البيـان؟! وأسـ َر ْرتم بعـد اإلعلان؟! ونك َْصتُم بعـد اإلقدام؟!‬ ‫(((‬
‫َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ ُّ َ َ ْ‬
‫ت َش ْ‬ ‫َّ َ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ِّ َ ْ َ ْ ْ‬
‫ـوهُ إِن‬ ‫عـن قـوم ﴿نكثـوا أيمانهم من بعـ ِد عه ِدهِم﴾[التوبة‪﴿ ،]12 :‬أتشـونهم فالل ّ أحق أن‬
‫ُ‬
‫ك ُنتـم ُّم ُؤ ِمنِ َني﴾[التوبة‪.]13:‬‬
‫أحق بالبسـط‬ ‫أال قـد أرى واللـه أ ْن قـد أخلَ ْدت ُّـم إلـى الخفـض(((‪ ،‬وأبع ْدت ُّـم َمـ ْن هـو ُّ‬
‫والقبـض‪ ،‬وحلِيتُـم ال َّد َعـة(((‪ ،‬ونجوتـم مـن الضيـق بالسـعة‪ ،‬ف ُع ْجتُـم((( عـن ال ِّديـن‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ ْ ُ ُ َْ ُ َ‬
‫ـروا أنت ْم َومـن ِف األ ْر ِض‬ ‫جتُـ ُم((( الـذي َو َعيْتُـم‪ ،‬و َد َسـ ْعتُ ُم الذي ت ََسـ َّوغتم(((‪ ،‬و﴿إِن تكف‬ ‫و َم َج ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬
‫ني ح ٌِيد﴾[إبراهيـم‪.]8:‬‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َجِيعـا فـإِن الل ّ لغ ِ ٌّ‬
‫َّ‬

‫قلـت الـذي قلـت‪ ،‬علـى معرفـة منـي بال َخذْلـ ِة التـي خام َرت ْكـم(((‪ ،‬وال َغـ ْدرة‬ ‫أال وقـد ُ‬
‫ـف اليقيـن‪ ،‬ولكنهـا فيضـ ُة النفس(‪،((1‬‬ ‫وض ْع ِ‬
‫التـي استشـع َرت ْها قلوبُكـم‪ ،‬و َخـ َو ِر القنـاة(‪َ ،((1‬‬
‫ومعذرة الحجـة‪ ،‬فدونكموها(‪ ((1‬فاحتقبوهـا(‪ُ ((1‬مدبِر َة‬ ‫ونَ ْفثَـ ُة(‪ ((1‬الغيـظ‪ ،‬وبَثّـ ُة(‪ ((1‬الصدر‪ِ ،‬‬

‫((( ال َمحالَـةُ‪ :‬ال َبكَـ َر ُة العظيمـ ُة التـي تسـتقي بهـا ُ‬


‫اإلبـل‪ .‬اسـتُعيرت لإلسلام‪ ،‬وكأن لـه بَكَـرة تـدور‪ ،‬تعبيـرا عـن‬
‫صلاح أمـوره‪ ،‬واسـتقامتها‪.‬‬
‫((( استوسق الشيء‪ :‬اجتمع وانضم بعضه إلى بعض‪.‬‬
‫((( الوغرة‪ :‬الوقدة‪ ،‬والهرج‪ :‬الفتنة والقتل‪.‬‬
‫((( أخلد إليه‪ :‬ركن ومال‪ .‬والخَفض‪ :‬سعة العيش‪.‬‬
‫((( الراحة‪.‬‬
‫((( عاج عن األمر‪ :‬انصرف عنه‪.‬‬
‫الشراب من فيه‪ :‬رمى به‪.‬‬ ‫َ‬ ‫مج‬‫((( َّ‬
‫((( الدسع‪ :‬القيء والدفع‪ .‬وتس َّوغ الشيء‪ :‬شربه بسهولة‪.‬‬
‫((( الخذلة‪ :‬ترك النصر‪ .‬وخا َم َرتكم‪ :‬خالَطَتكم‪.‬‬
‫(‪ ((1‬الخور‪ :‬الضعف‪ .‬والقناة‪ :‬صعدة الرمح‪ .‬والمراد‪ :‬ضعف النفس عن الصبر على الشدة‪.‬‬
‫(‪ ((1‬المراد إظهار ما كان في النفس مكتوما‪.‬‬
‫(‪ ((1‬النفثة‪ :‬النفخة‪.‬‬
‫(‪ ((1‬البث‪ :‬النشر واإلظهار‪ ،‬والهم الذي ال يقدر صاحبه على كتمانه فيبثه‪.‬‬
‫‪ ،‬كاإلمامـة‪ ،‬واإلرث‪،‬‬ ‫(‪ ((1‬أي فخذوهـا‪ ،‬والضميـر يرجـع لألشـياء التـي هي من حـق فاطمة وزوجهـا علي‬
‫والنحلة‪.‬‬
‫(‪ ((1‬احتقب اإلثم‪ :‬جمعه‪.‬‬
‫‪111‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫الظَّ ْهـر(((‪ ،‬ناكبـ َة الحـق(((‪ ،‬ناقبـ َة ال ُخ ِّـف(((‪ ،‬باقيـ َة العـار‪ ،‬موسـوم ًة((( بشَ ـ َنار((( األبَـد‪،‬‬
‫ْ َْ‬ ‫َّ‬
‫موصولـ ًة بــ َنار اللَّـ ِه الْــ ُموقَ َدة ﴿ال ِتي َت َّطل ُِـع َ َع الفئِ َدة ِ﴾[الهمـزة‪ ،]7 - 6 :‬فبعيـن اللـه مـا‬
‫َ َ َ ْ َ ُ َّ َ َ َ ُ َ َّ ُ َ َ َ َ ُ َ‬
‫ون﴾[الشـعراء‪ ،]227:‬وأنـا ابنـة نذيـ ٍر لكـم‬ ‫تفعلـون‪﴿ ،‬وسـيعلم الِيـن ظلمـوا أي منقل ٍ‬
‫ـب ينقلِب‬
‫َ َ َ ُ َّ ُ َ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ َ‬
‫ون﴾[هـود‪.”]122 - 121 :‬‬ ‫بيـن يدي عذاب شـديد‪ ،‬فاعملـوا ﴿إِنا عمِلـون * وانت ِظروا إِنـا منت ِظر‬

‫َـت بقـول عمتهـا صفية‬ ‫‪ ،‬فخ َن َقتْهـا ال َعبْـ َرة‪ ،‬فتمثَّل ْ‬ ‫ثـم عطفـت علـى قبـر أبيهـا‬
‫بنـت عبـد المطلب‪:‬‬
‫طب‬ ‫كنت شـــاه ْدت َها لم تَكثُ ِر ال ُخ ُ‬ ‫لو َ‬ ‫(((‬
‫“قد كان بعـــدك أنبـــا ٌء وهنبثة‬
‫واختل قو ُمك فاشـــه ْدهم ف َق ْد نُ ِك ُبوا‬ ‫َّ‬ ‫األرض وابلَها‬‫ِ‬ ‫إنا فقدنـــاك فقـــ َد‬
‫لمـــا قض ْي َت وحالت دونـــك الكتُ ُب‬ ‫رجال لنا نجـــوى صدورِه ُم‬ ‫أبـــدت ٌ‬
‫فـــكل الخيـــ ِر محتَج ُِب‬ ‫ُّ‬ ‫ف ِغ ْب َت عنا‬ ‫جبريـــل باآليـــات يُؤنِ ُســـنا‬
‫ُ‬ ‫وكان‬
‫عليـــك تنز ُِل من ذي العـــزة ُ‬
‫الكتب‬ ‫وكنت نـــو ًرا وبـــ ْد ًرا يُ ْســـتَضا ُء به‬‫َ‬
‫م ْذ ِغبْ َت عنا فنحـــن اليوم نُ ْغتَ َص ُب‬ ‫رجـــال واســـتُ ِخ َّف بنا‬‫ٌ‬ ‫تهض َمتْنـــا‬
‫َّ‬
‫رب‬
‫مـــن البريـــة ال ُعجـــ ٌم وال َع ُ‬ ‫وقـــد ُرزِئنا الـــذي لم يُـــ ْرزَه أح ٌد‬
‫من العيون بتَ ْهتَانٍ همى َســـر ُِب(((”‬ ‫يت‬ ‫نبكيك ما عشـــنا وما ب ِق ْ‬ ‫فسوف َ‬
‫تناولـت حفنة مـن تربة‬ ‫ْ‬ ‫ويُـ ْر َوى أنهـا وقفـت علـى قبـر أبيهـا فجلَّلَتْـه بردائهـا‪ ،‬ثـم‬
‫القبـر فشـ َّمته‪ ،‬وهـي تقـول قبـل هـذه األبيـات المتق ِّدمة‪:‬‬
‫(((‬
‫أن ال يَشُ ـــ َّم مدا الزمـــان غواليا‬ ‫“ماذا على َمن شَ ـــ َّم ت ُ ْربَـــ َة ٍ‬
‫أحمد‬

‫من اإلدبار‪ ،‬وهو ضد اإلقبال‪.‬‬ ‫(((‬


‫من نكبه‪ :‬إذا ن َّحاه وأبعده‪.‬‬ ‫(((‬
‫ال َّنقَب‪ :‬رقة خف البعير‪.‬‬ ‫(((‬
‫أي ُم ْعلَ َمة بسمة أو عالمة‪.‬‬ ‫(((‬
‫الشنار‪ :‬العيب والعار‪.‬‬ ‫(((‬
‫الهنبثة واحدة الهنابث‪ ،‬وهي‪ :‬األمو ُر الشداد المختلفة‪.‬‬ ‫(((‬
‫التهتـان‪ :‬مطـر يفتـر ثـم يعود‪ .‬وهمى‪ :‬سـال‪ .‬وسـرب الما ُء‪ :‬سـال‪ ،‬فهو َسـر ُِب‪ ،‬ورفعه على القطـع‪ ،‬وأنه خبر‬ ‫(((‬
‫مبتـدأ محـذوف‪ ،‬تقديـره‪ :‬هو سـرب‪ ،‬وفي روايـة‪ :‬بتهما ٍل له ُسـك ُُب‪.‬‬
‫الغوالي‪ ،‬جمع غالية‪ ،‬وهي‪ :‬أخالط من الطِّيب كالمسك والعنبر‪.‬‬ ‫(((‬
‫‪112‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫األيام ُعـــ ْد َن لياليا»‬


‫ِ‬ ‫ُص َّب ْت علـــى‬ ‫مصائـــب لـــو أنّها‬
‫ٌ‬ ‫علـــي‬
‫ًّ‬ ‫ـــت‬
‫ُصبَّ ْ‬
‫أكثـ َر باك ًيـا وال باكية من‬ ‫ُ‬
‫رسـول اللـه‬ ‫فلـم يُـ َر بعـد اليـوم الـذي قُبِـض فيـه‬
‫ـت فيه الزهراء هـذه الخطبـة‪ ،‬وارت َّجت المدينة‪ ،‬وصـاح الناس‪،‬‬ ‫ذلـك اليـوم الـذي خطَ َب ْ‬
‫وبعـض دو ِر المهاجريـن واألنصـار‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫وارتفعـت األصـواتُ مـن دور بنـي عبـد المطلـب‪،‬‬‫ِ‬
‫عبـد المطلـب فأخـذ بيدهـا‪ ،‬ور َّدها إلـى منزلها‪.‬‬ ‫العبـاس بـ ُن ِ‬
‫ُ‬ ‫وجـاء‬

‫(((‬
‫خطبتها في ن�ساء المهاجرين والأن�صار في مر�ض موتها‬
‫الوجع‪ ،‬وثقلـت في علتهـا‪ ،‬اجتمع عندها‬ ‫لمـا اشـتد بفاطمة بنت رسـول اللـه‬
‫أصبحـت مـن علتـك يـا ابنة‬ ‫ِ‬ ‫نسـاء مـن نسـاء المهاجريـن واألنصـار‪ ،‬ف ُقلْـن لهـا‪ :‬كيـف‬
‫ـت واللـ ِه عائفـ ًة((( لدنياكم‪ ،‬قاليـة((( لرجالكـم‪ ،‬لفظْتُهم بعد‬ ‫رسـول اللـه؟ قالـت‪« :‬أصب ْح ُ‬
‫أن ع َج ْمتُهـم(((‪ ،‬وشَ ـ ِنئتُهم بعـد أن َسـ َب ْرت ُهم(((‪ ،‬فقب ًحـا لفُلـول الحـد(((‪ ،‬و َخـ َور القنـاة(((‪،‬‬
‫ـذاب ُه ْ‬‫ّ َ َْ ْ َ َْ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ َّ َ ْ َ ُ ْ َ ُ ُ ُ ْ َ َ َ‬
‫ـم‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫ال‬ ‫ف‬
‫ِ‬ ‫و‬ ‫ـم‬‫ه‬‫ِ‬ ‫ي‬‫ل‬ ‫ع‬ ‫الل‬ ‫خطَـل الـرأي(((‪ِ ﴿ ،‬لئـس مـا قدمـت لهـم أنفسـهم أن سـخ‬
‫ِط‬ ‫وَ‬
‫َ ُ َ‬
‫ون﴾[المائـدة‪ .]80:‬ال جـرم((( لقـد قلَّ َدتْ ُهـم رِب َقتَهـا(‪ ،((1‬وشـ ّنت(‪ ((1‬عليهـم غارتهـا(‪،((1‬‬ ‫ال‬
‫خ ِ‬

‫((( نـص هـذه الخطبـة مأخـوذ مـن بالغـات النسـاء البـن طيفـور (ت‪280‬هــ)‪ ،‬ص‪25 - 23‬؛ والسـقيفة وفدك‬
‫للجوهـري (ت‪323‬هــ)‪ ،‬ص‪118 - 117‬؛ ونثـر الـدر لآلبـي (ت‪421‬هــ)‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪9 - 8‬؛ والشـافي لإلمـام‬
‫عبداللـه بـن حمـزة (ت‪614‬هـ)‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪545‬؛ وشـرح نهج البالغة البـن أبي الحديد المعتزلـي (ت‪656‬هـ)‪،‬‬
‫ج‪ ،16‬ص‪.234 - 233‬‬
‫((( كارهة‪.‬‬
‫((( مبغضة‪.‬‬
‫أصلب هو أم رخـو‪ .‬والمعنـى‪ :‬نبذت ُهم بعد أن‬
‫ـت العـو َد إذا عضَ ضْ تَه‪ ،‬تنظـ ُر ٌ‬
‫((( الع ْجـ ُم‪ :‬هـو العـض‪ ،‬يقـال‪ :‬عج ْم َ‬
‫ج ّر بْتُهم‪.‬‬
‫((( أبغضتُهم بعد أن اختبرت ُهم‪.‬‬
‫((( تثلُّمه‪.‬‬
‫((( ضعفُها أو كس ُرها‪ .‬في بالغات النساء‪ :‬القنا‪.‬‬
‫((( فساده‪.‬‬
‫((( أصله بمعنى ال بد‪ ،‬أو ال محالة‪ ،‬فكثر استعماله‪ ،‬حتى تحول إلى معنى القسم‪.‬‬
‫(‪ ((1‬أي مسؤوليتها‪ ،‬والضمير عائد إلى الوالية‪.‬‬
‫(‪ ((1‬ص ّبت‪.‬‬
‫(‪ ((1‬في بالغات النساء‪ :‬وشنت عليهم عارها‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ف َج ْد ًعـا وعقـ ًرا((( وبُعـ ًدا((( للقـوم الظالميـن‪.‬‬


‫وي َحهـم أنَّـــى((( زحزحوهـا عـن رواسـي الرسـالة‪ ،‬وقواعـد النبـوة‪ ،‬ومهبـط الروح‬
‫ْ‬ ‫((( َ َ َ َ ُ َ ْ‬
‫سر ُان ال ُمبِ ُني﴾[الزمر‪.]15:‬‬
‫الُ َْ‬ ‫األميـن‪ ،‬والطبِـن((( بأمـور الدنيـا والديـن؟!! ‪﴿ ،‬أل ذل ِك هـو‬
‫ومـا الـذي نقمـوا((( مـن أبـي الحسـن؟! نقمـوا واللـ ِه منـه نكيـ َر((( سـيفه‪ ،‬وشـد َة‬
‫ونـكال وقع ِتـه‪ ،‬وتن ُّمـ َره فـي ذات اللـه(((‪ ،‬وتاللـه((( لو تكافُّـوا(‪ ((1‬عن ٍ‬
‫زمـام نبذه‬ ‫َ‬ ‫وطأتِـه‪،‬‬
‫العتقلـه(‪ ،((1‬ولسـار بهـم سـي ًرا َسـ َج ًحا(‪ ،((1‬ال يُ ْكلَـم ِخشاشُ ـه(‪،((1‬‬ ‫إليـه رسـول اللـه‬
‫فضفاضـا(‪ ،((1‬تَطْف َُح َضفَّتـاه(‪ ،((1‬وألصدرهم‬ ‫ً‬ ‫منهلا رويًّـا‬
‫ً‬ ‫وال يُتَ ْعتَـ ُع(‪ ((1‬راك ُبـه‪ ،‬وألوردهـم‬

‫((( الجـدع‪ :‬قطـع األنـف‪ ،‬والعقـر‪ :‬ضـرب قوائـم البعير بالسـيف ونحوه‪ ،‬والجملـة دعاء على مـن اغتصب والية‬
‫األمر‪.‬‬
‫((( في السقيفة وفدك‪ ،‬وفي شرح نهج البالغة‪ :‬وسحقا للقوم‪..‬إلخ‪.‬‬
‫((( فـي السـقيفة وفـدك‪ ،‬وفـي نثـر الـدر‪ ،‬وفي شـرح نهج البالغـة‪ :‬أيـن زحزحوها‪ .‬وفـي الشـافي‪ :‬ويلهم لقد‬
‫زحزحوها‪.‬‬
‫((( الطبِـ ُن‪ :‬الخبيـر‪ .‬وفـي السـقيفة وفـدك‪ ،‬وفـي شـرح نهـج البالغـة‪ :‬والطيبيـن بأمـر الدنيـا والديـن‪ .‬وفـي‬
‫الشـافي‪ :‬والطيبيـن ألهـل الدنيـا والديـن‪.‬‬
‫‪ ،‬وهو الخبير بأمور الدنيا والدين‪.‬‬ ‫((( تريد كيف زحزحوا والية األمر عن اإلمام علي‬
‫((( في الشافي‪ :‬وما نقموا من أبي حسن‪.‬‬
‫((( شديد‪.‬‬
‫((( أي غضبه لله‪.‬‬
‫((( في بالغات النساء‪ :‬ويا لله‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬أي لو كف بعضهم بعضا عن أخذ هذا الزمام (الوالية) الذي أعطاه له رسول الله‬
‫(‪ ((1‬أي وضعه بين ركابه وساقه كما يعتقل الرمح‪.‬‬
‫سـهل‪ .‬وفي السـقيفة وفدك‪ ،‬بلفظ‪( :‬العتلقه)‪ ،‬و(سـيرا سـمجا)‪ .‬وفي شـرح نهج البالغة‪ :‬العتلقه‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬سـ َج ًحا‪ً :‬‬
‫وفـي بالغات النسـاء‪ :‬لـو تكافأوا‪..‬الخ‪.‬‬
‫(‪ ((1‬ال يجـرح جانبـه‪ ،‬والخشـاش عـود يجعـل فـي أنف البعير يشـد به الزمام‪ ،‬وهو مشـتق من خش في الشـيء‬
‫إذا دخـل فيـه‪ ،‬ألنـه يدخـل فـي أنـف البعيـر‪ ،‬ومنـه الحديـث‪« :‬خشـوا بيـن كالمكـم ال إلـه إال اللـه»‪ ،‬أي‪:‬‬
‫أدخلـوا‪ ،‬وفـي الشـافي‪ :‬ال تنكلِـم خشاشـته‪ .‬وفـي السـقيفة وفـدك‪ ،‬وشـرح نهج البالغـة‪ :‬ال تكلم حشاشـته‪.‬‬
‫(‪ ((1‬أي من غير أن يصيبه أذى‪ ،‬ومنه الحديث‪( :‬يؤخذ للضعيف حقه غير متعتع)‪ .‬وفي الشافي‪ :‬وال يتتعتع‪.‬‬
‫(‪ ((1‬يفيض منه الماء‪.‬‬
‫(‪ ((1‬فـي الشـافي‪ :‬وألوردهـم مـوردا نميـرا تمير ضفتـاه‪ .‬وفي السـقيفة وفدك‪ ،‬وفي شـرح نهـج البالغة‪ :‬منهال‬
‫نميـرا فضفاضا يطفـح ضفتاه‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫متحـل منهـم بطائـل‪ ،‬بعملِـه الباهـر‪ ،‬ورد ِعـه‬ ‫ٍّ‬ ‫بطانًـا((( قـد تحـ َّرى بهـم الـ َّر ّي(((‪ ،‬غيـر‬
‫ـت عليهـم بـركاتٌ مـن السـماء (واألرض ولكـن كذبـوا)(((‪،‬‬ ‫َسـورة السـاغب(((‪ ،‬ول ُف ِت َح ْ‬
‫وسـيأخذهم اللـه بمـا كانـوا يكسـبون‪.‬‬
‫أال هلُ َّمـ َّن((( فاسـم ْع َن‪ ،‬ومـا عشـ ِت َّن أراكُـ َّن الدهـ ُر ع َج ًبـا‪ ،‬إلـى أي لَ َجـأٍ لجـأوا‬
‫ْ َ‬
‫ير﴾[الحج‪﴿ ،]13 :‬بِئس‬ ‫ـو َل َو َِلئْ َس الْ َعش ُ‬
‫وأسـندوا(((؟! وبـأي عروة((( تمسـكوا؟!‪ ،‬و﴿ َِ ئْ َس ال ْ َم ْ‬
‫ل‬
‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِّ‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫ين بَ َدال﴾[الكهـف‪ ،(((]50:‬اسـتبدلوا واللـ ِه الذُّنابَـى بالقـوا ِدم‪ ،‬وال َع ُجـ َز بالكاهـل(((‪،‬‬ ‫ِلظالِم َ‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫ـم ُه ُ‬ ‫َ‬
‫أال إ َّن ُه ْ‬ ‫(‪ً ْ ُ َ ُ ُْ ْ ُ َّ َ ُ َ َ ((1‬‬‫َ‬ ‫ْ‬
‫ـم‬ ‫فرغ ًمـا ل َمعاطـس قـوم ﴿يسـبون أنهـم ي ِسـنون صنعا﴾[الكهـف‪ِ ﴿ ،]104:‬‬
‫َ ْ َ ِّ َ َ ُّ َ ُ َّ َ‬ ‫َََ َْ‬ ‫َّ َ ْ ُ َ‬ ‫ُْْ ُ َ َ‬
‫الـق أحـق أن يت َبـع‬ ‫حهـم ﴿أفمـن يهـدِي إِل‬ ‫كن ال يشـع ُرون﴾[البقرة‪ ،]12:‬وي َ‬ ‫المف ِسـدون َولــ ِ‬

‫((( شبعانين‪.‬‬
‫((( فـي نثـر الـدر‪ :‬قـد تحيـز بهم الـري‪ .‬وفي الشـافي‪ :‬قـد تح َّبرهم الـري‪ .‬وفي السـقيفة وفدك‪ ،‬وشـرح نهج‬
‫البالغـة‪ :‬قـد تحير بهم الـرأي‪ ،‬ولعلهـا‪ :‬تخير‪.‬‬
‫((( سـورة السـاغب‪ِ :‬حـ َّد ُة الجائـع‪ .‬وفـي الشـافي‪ :‬غيـر متحلـي منـه بطائـل‪ ،‬إال بغمـزة الناهـز‪ ،‬وردعـة سـورة‬
‫السـاغب‪ .‬وفـي هامشـه‪ :‬غمـرة الناهـز‪ :‬الغمـرة الماء الكثيـر كالغميـر‪ ،‬والناهز‪ :‬الضـارب بالدلو فـي الماء‬
‫ليمتلـئ‪ ،‬وردعـة سـورة السـاغب‪ :‬الـردع المنـع‪ ،‬والسـورة‪ :‬الحدة‪ ،‬والسـاغب‪ :‬الجائـع‪ .‬وفي السـقيفة وفدك‪:‬‬
‫غيـر متحـل بطائـل‪ ،‬إال بغمـر الناهـل‪ ،‬وروعة سـورة السـاغب‪ .‬وفـي نثر الدر‪ :‬غير مسـتحل منـه بطائل‪ ،‬إال‬
‫بغمـر الناهـل‪ ،‬أو دعـة سـورة السـاغب‪ .‬وفـي شـرح نهـج البالغـة‪ :‬إال بغمـر الناهل‪ ،‬وردعه سـورة السـاغب‪.‬‬
‫((( زيـادة فـي الشـافي‪ ،‬وتتمتـه في الشـافي‪ :‬فأخذناهم بما كانوا يكسـبون‪ .‬وفي السـقيفة وفدك‪ :‬من السـماء‬
‫واألرض‪ ،‬وسـيأخذهم اللـه ‪ ..‬إلخ‪.‬‬
‫((( فـي الشـافي‪ :‬أال هل ُم ْمـن‪ .‬وفـي السـقيفة وفـدك‪ ،‬وشـرح نهـج البالغـة‪ :‬أال هلـ َّم فاسـتمع‪ ،‬وما عشـت أراك‬
‫الدهـر عجبـه‪ ،‬وإن تعجـب فقـد أعجبك الحـادث ‪ ..‬إلخ‪ ،‬وفي نثر الدر‪ :‬وما عشـت أراك الدهـر عجبا‪ ،‬وإن‬
‫تعجـب فعجب لحـادث ‪..‬إلخ‪.‬‬
‫((( فـي نثـر الـدر‪ :‬اسـتندوا‪ .‬وفي الشـافي‪ :‬إلى أي ركن لجـأوا‪ .‬وفي السـقيفة وفدك‪ :‬إلى أي لجـأٍ لجأوا‪ .‬وفي‬
‫شـرح نهج البالغـة‪ :‬إلى أي لجأٍ اسـتندوا‪.‬‬
‫((( عروة الدلو‪ :‬مقبضُ ه‪.‬‬
‫((( هذه اآلية زيادة في الشافي والسقيفة وفدك‪.‬‬
‫((( الذنابـى‪ :‬الذنـب‪ ،‬والقـوادم‪ :‬ريـش فـي مقـدم الجنـاح‪ ،‬والع ُجـز مؤخَّـر الشـيء‪ ،‬والكاهـل مقـ َّدم الظهـر‪.‬‬
‫وأذنـاب النـاس أتباعهـم وسـفلتهم‪ ،‬والمـراد أنهم اسـتبدلوا الذي هو أدنـى‪ ،‬وهو أبو بكر‪ ،‬بالـذي هو خير‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫وهـو اإلمـام علي‬
‫(‪ ((1‬أي ذال ألنوفهـم‪ ،‬مجـاز عـن ذل أنفسـهم‪ ،‬وهـو دعـاء عليهـم بذلـك‪ .‬وفـي الشـافي‪ :‬وبعـدا وسـحقا لقـوم‬
‫يحسـبون ‪ ..‬إلـخ‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫َ ُ‬
‫ُ ْ ْ َ ْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ُْ َ‬ ‫َّ َ‬ ‫َ ِّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬
‫ون﴾[يونـس‪ ،]35:‬أمـا لعم ُرو إل ِهكُـ َّن(((‪ ،‬لقد‬ ‫أمـن ال ي ِهـد َي إِال أن يهـدى فمـا لكـم كيـف تكم‬
‫ـب((( د ًمـا عبيطًـا(((‪،‬‬ ‫ـت(((‪ ،‬ف َن ِظـ َرة((( ريثمـا تُ ْن ِتـج(((‪ ،‬ثـم احتلِبوهـا((( طلا َع ال َق ْع ِ‬
‫لَ ِق َح ْ‬
‫وذعافًـا ُم ْم ِقـ ًرا(((‪ ،‬هنالـك يخسـر المبطلـون‪ ،‬ويَ ْعر ُِف التالـون ِغ َّب((( ما َّأسـس األولون‪،‬‬
‫بسـيف صـارم‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫نفسـا‪ ،‬وطامنـوا للفتنـة جأشً ـا(‪ِ ،((1‬‬
‫وأبشـروا‬ ‫ثـ َّم ِطيبـوا عـن أنفسـكم ً‬
‫وبقَـ ْر ٍح(‪ ((1‬شـامل‪ ،‬واسـتبداد مـن الظالميـن‪ ،‬يَـ َد ُع فيئكـم زهيـ ًدا(‪ ،((1‬و َج ْم َعكـم حصي ًدا‪،‬‬
‫َ ُ ْ ُ ُ ُ َ ََ ُ ْ ََ َ ُ َ‬
‫ـم لهـا كرِهون﴾[هود‪:‬‬ ‫ـت عليكـم؟! ﴿أنل ِزمكموهـا وأنت‬ ‫فيـا حسـر ًة لكـم‪ ،‬وأنّـى بكم وقـد ُع ِّميَ ْ‬
‫‪.‬‬ ‫أمسـك َْت‬
‫‪ ،((1(”]28‬ثـم َ‬

‫وفاتها وقبرها‬
‫بعـد أن اتخـذت تلـك المواقف القوية ضد السـلطة الجديدة‪ ،‬ها َجمهـا المرض‪ ،‬وآن‬
‫‪ ،‬مـن أنهـا أول الالحقيـن بـه‪ ،‬وكانـت قد‬ ‫أن يتحقـق مـا أخبرهـا بـه رسـول اللـه‬
‫عافـت الدنيـا أوال لمـوت أبيهـا‪ ،‬ثـم لحصـو ِل االنحرافـات الخطيـرة فـي حق اإلسلام‪،‬‬
‫ولهـذا اشـتدت بهـا العلة‪ ،‬ولحقت برسـول الله بعد سـتة أشـهر‪ ،‬وعن الباقـر‪ :‬قال أربعة‬
‫وحق بقائه تعالى‪ .‬وفي السقيفة وفدك‪ :‬أما لعمري‪.‬‬ ‫((( في نثر الدر‪ :‬لعمر إلهك‪ ،‬والمعنى‪ِّ :‬‬
‫((( ح ِبل َْت‪.‬‬
‫((( النظرة‪ :‬التأخير في األمر‪.‬‬
‫((( تلد‪.‬‬
‫((( هكـذا فـي شـرح نهـج البالغـة‪ .‬وفي السـقيفة وفـدك‪ :‬ثـم احتلموها طلاع العقب دمـا عبيـكا‪ ،‬ولعله حدث‬
‫تصحيـف أو تحريـف فـي كل مـن (احتلموهـا – العقـب – عبيـكا)‪ .‬وفـي بقيـة المصـادر‪ :‬ثـم احتلبوا‪.‬‬
‫((( القعب‪ :‬وعاء ضخم‪ ،‬والمعنى ملؤه‪.‬‬
‫((( طريا‪.‬‬
‫((( يقال‪ :‬سم ذعاف‪ ،‬أي مع ِّجل إلى الموت‪ ،‬وال ُم ْم ِقر‪ :‬المر‪.‬‬
‫((( عاقبة‪.‬‬
‫(‪ ((1‬طامنوا‪ :‬خفِّضوا‪ .‬والجأش‪ :‬القلب والجنان‪ .‬وفي شرح نهج البالغة‪ :‬واطمئنوا‪.‬‬
‫(‪ ((1‬القـرح‪ :‬الدمـل‪ ،‬كنايـة عـن فسـاد األمـور‪ .‬وفـي نثـر الـدر‪ ،‬وشـرح نهـج البالغـة‪ :‬وبهـرج شـامل‪ ،‬والهرج‪:‬‬
‫القتـال واالختلاط‪ ،‬وأصـل الهـرج‪ :‬الكثـرة واالتسـاع‪ .‬وفـي السـقيفة وفـدك‪ :‬وخـرج شـامل‪.‬‬
‫(‪ ((1‬الفيء‪ :‬المال‪ .‬والزهيد‪ :‬القليل‪.‬‬
‫(‪ ((1‬فـي السـقيفة وفـدك‪ ،‬وفـي شـرح نهـج البالغة بعـد اآليـة‪ :‬والحمد للـه رب العالميـن‪ ،‬وصالته علـى محمد‬
‫خاتـم النبيين‪ ،‬وسـيد المرسـلين‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫أشـهر‪ ،‬وقيـل أقل مـن ذلـك‪ ،‬أو أكثر(((‪.‬‬


‫توصلـت مع أسـماء بنـت عميس إلـى ابتـداع فكـرة النعش‪،‬‬ ‫فـي مرضهـا كانـت قـد َّ‬
‫نعش في اإلسلام‪ ،‬وأوصت أسـماء‬ ‫ولمـا ُج ِّهـز لهـا ابتسـمت‪ ،‬فكانـت أول مـن ُص ِنـع لها ٌ‬
‫(((‪ ،‬كمـا أوصـت أن تُ ْدفَـ َن سـ ًّرا‪ ،‬وال يـؤ َذ َن بهـا‬ ‫إذا ماتـت أن تغسـلها مـع علـي‬
‫ـس‬
‫وخاصتـه‪ ،‬وك َّبـر خ ْم َ‬‫َّ‬ ‫أبوبكـر وعمـر(((‪ ،‬وبعـد أن صلَّـى عليهـا اإلمـام علـي‬
‫تكبيـرات‪ ،‬دفنهـا ليال(((‪.‬‬
‫حدثت‬‫ُدفنـت سلام اللـه عليهـا بالبقيع ليلاً‪ ،‬بوصيـة منهـا‪ ،‬و ُر َّش قب ُرها وقبو ٌر اسـتُ ِ‬
‫‪ ،‬حيـث ُد ِفـن بجوارهـا‬ ‫حولـه(((‪ ،‬وقبرهـا فـي البقيـع فـي مقبـرة أهـل البيـت‬
‫‪ ،‬وآخـرون مـن ذريتهـا‪.‬‬ ‫سـبطها الحسـن‬
‫قب َرها‪ ،‬وهو يقول‪:‬‬ ‫ولما ماتت سالم الله عليها‪ ،‬دخل علي‬
‫وكل الـــذي دون الممـــات قليـــل‬ ‫لـــكل اجتمـــا ٍع من خليليـــن فرقة‬
‫ِّ‬
‫(((‬
‫دليـــل علـــى أن ال يـــدوم خليل‬
‫ٌ‬ ‫افتقـــادي فاطما بعـــد ٍ‬
‫أحمد‬ ‫َ‬ ‫وإن‬
‫ٍ‬
‫بثلاث‪ ،‬وهو‬ ‫قبـل موته‬ ‫َ‬
‫رسـول اللـه‬ ‫سـمعت‬
‫ُ‬ ‫وعـن جابـر بـن عبداللـه‪ ،‬قـال‪:‬‬
‫بريحانتـي مـن الدنيـا‪ ،‬فعن‬
‫َّ‬ ‫يقـول لعلـي‪( :‬سلام اللـه عليـك أبـا الريحانتيـن‪ ،‬أوصيـك‬
‫‪ ،‬قـال علي‪:‬‬ ‫قليـلٍ ينهـ ُّد ركنـاك‪ ،‬واللـه خليفتـي عليـك)‪ ،‬فلمـا قبـض رسـول اللـه‬
‫قـال علي‬ ‫‪ ،‬فلمـا ماتـت فاطمة‬ ‫ركنـي الـذي قـال رسـول الله‬
‫هـذا أحـ ُد َّ‬
‫(((‪.‬‬ ‫‪ :‬هـذا الركـن الثانـي الـذي قـال لي رسـول اللـه‬

‫المؤيدي‪ ،‬لوامع األنوار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.32 - 31‬‬ ‫(((‬


‫المؤيـدي‪ ،‬لوامـع األنـوار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪32‬؛ والعجـري‪ ،‬إعلام األعلام‪ ،‬ص‪351‬؛ وابن عبدالبر‪ ،‬االسـتيعاب‪ ،‬ج‪،4‬‬ ‫(((‬
‫‪.1897‬‬
‫البخاري‪ ،‬الصحيح‪ ،‬رقم‪3998 ،3508 ،2996 ،1998،2926‬؛ والعجري‪ ،‬المختار‪ ،‬ص‪.200‬‬ ‫(((‬
‫أحمد بن عيسى‪ ،‬علوم آل محمد‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.440‬‬ ‫(((‬
‫المؤيدي‪ ،‬لوامع األنوار‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪.32‬‬ ‫(((‬
‫أبو العباس الحسني‪ ،‬المصابيح‪ ،‬ص‪.270‬‬ ‫(((‬
‫أبو طالب‪ ،‬تيسير المطالب‪ ،‬ص‪.138‬‬ ‫(((‬
‫‪117‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫بفقده هذين‬ ‫وهـذه الروايـة تبيـن مقـدار الفاجعة التـي تلقَّاها اإلما ُم علـي‬
‫الركنيـن‪ ،‬كمـا تب ِّيـن مقـدار الفـراغ الـذي تركتـه فاطمـة الزهراء فـي حياته سلام الله‬
‫عليهمـا‪ ،‬ومـدى قوة العالقـة بينهما‪.‬‬
‫ومع ذلك فقد كان سالم الله عليه يزو ُر قبرها في كل أسبوع مرة‪ ،‬وينشد‪:‬‬
‫أرى األرض تبقـــى واألخالء تذهب‬ ‫إلى الله أشـــكو ال إلى الناس إنني‬
‫(((‬
‫ع ِتبْ ُت ولكن ما على الموت ُم ُ‬
‫عتب‬ ‫أخالي لـــو غي ُر ِ‬
‫الحمـــام أصابكم‬
‫وهكـذا طـوى المـوتُ سـيد َة نسـاء العالميـن‪ ،‬وذهبـت إلـى بارئهـا ليبقـى نموذجها‬
‫حيـا خالـدا فـي نسـائنا المجاهـدات العالمـات الالئـي يواجهـن الحياة بكل قـوة وتح ٍّد‬
‫وشـموخ مهمـا تكالبـت عليهن األحـداث‪ ،‬واشـتدت األزمات‪.‬‬

‫((( أبو طالب‪ ،‬تيسير المطالب‪ ،‬ص‪.138‬‬


‫‪118‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫تكاليف ون�شاطات الف�صل الأول‬


‫أوال‪ :‬ضـع عالمـة (صـح) أمـام العبـارة الصحيحـة‪ ،‬وعالمـة (خطـأ) أمـام‬
‫العبـارة الخطـأ‪ ،‬مـع تصحيـح الخطـإ إن وجـد‪:‬‬
‫‪ - 1‬ال مخرج ألمتنا أمام ما تعانيه اليوم من استهداف لجميع أفرادها وال سيام املرأة‬
‫إال بقطع الصلة باملايض متاما واالهتامم بالحارض ‪) (................................‬‬
‫‪ - 2‬لقد أغىل املفسدون يف األرض قيمة املرأة وباتت تتصدر املشهد العاملي يف‬
‫مختلف املجاالت‪) (...................................................................................‬‬
‫‪ - 3‬بينام يتحدث الغرب الكافر عن حقوق املرأة الجنسية هم يسلبون حق املرأة‬
‫اليمني الوجودي‪) (................................................................................. .‬‬
‫‪ - 4‬تنتمي خديجة بنت خويلد أم الزهراء نسبا إىل بني عبد الدار بن قيص‪) ( .‬‬
‫خري أزواجه جميعا‪) (......... .‬‬ ‫أن زوجته خديجة‬ ‫نص الرسول‬ ‫‪ّ -5‬‬
‫‪ - 6‬من الطبيعي أن تتعلم الزهراء الحساب من أمها التاجرة‪) (...................... .‬‬
‫فأرسعت‬ ‫‪ - 7‬ذات مرة سمعت الزهراء عتاة املرشكني يتآمرون عىل النبي‬
‫تخرب أباها باكية‪) (................................................................................. .‬‬
‫الطيبة والطاهرة‪) (........................................ .‬‬ ‫‪ - 8‬من أسامء الزهراء‬
‫بـ(الزهراء)؛ لجامل هيئتها‪ ،‬والنور الساطع‬ ‫‪ُ - 9‬ع ِرف َْت فاطمة بنت الرسول‬
‫يف ُغ ّرتها‪) (........................................................................................... .‬‬
‫‪ - 10‬فاطمة سيدة نساء أهل الجنة لكن إغضابها ال يعترب كإغضاب الرسول‬
‫؛ ألنه كان نبيا‪) (......................................................................................‬‬
‫وعمرها ‪ 32‬عاما تقريبا‪) (...................................‬‬ ‫‪ - 11‬توفيت الزهراء‬
‫‪ - 12‬مام تحدثت فيه الزهراء يف خطبتها يف محرض املهاجرين واألنصار طبيعة‬
‫‪) (............................................................... .‬‬ ‫رسالة والدها الرسول‬
‫للقالدة من الذهب‪ ،‬ومل‬ ‫لبس ابنته فاطمة‬ ‫‪ - 13‬أقر رسول الله‬
‫يعرتض عليها‪) (...................................................................................... .‬‬

‫‪119‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫‪ - 14‬من مظاهر اهتامم الزهراء بإحياء ثقافة الشهادة هو‪ :‬زيارة روضات الشهداء‪،‬‬
‫وترميم وإصالح قبورهم‪) (.......................................................................‬‬
‫قرارا خاصا بالنبي صلوات الله‬ ‫من عيل‬ ‫‪ - 15‬كان زواج الزهراء‬
‫عليه وآله‪) (..............................................................................................‬‬
‫‪ - 16‬ال تستطيع املرأة اليوم أن تجمع بني مسؤوليتها الدينية والجهادية ومسؤوليتها‬
‫‪) (.................................. .‬‬ ‫الشخصية كزوجة وأم كام كانت الزهراء‬
‫ابنته فاطمة بشأن زواجها من عيل فأعلنت موافقتها‪) (.‬‬ ‫‪ - 17‬آمر الرسول‬
‫باملاء‬ ‫‪ - 18‬يف ليلة زفاف فاطمة الزهراء إىل عيل نضحهام رسول الله‬
‫ودعا لهام دعاء خاصا‪) (..........................................................................‬‬
‫يسعد زوجته الزهراء ومينعها من القيام بأي عمل شاق‬ ‫‪ - 19‬كان اإلمام عيل‬
‫يف بيتها‪) (............................................................................................. .‬‬
‫‪ - 20‬كان اإلمام عيل رمبا عاون زوجته الزهراء وطحن معها الشعري‪) (.‬‬
‫‪ - 21‬أثبت تاريخ الزهراء أنه ال يستقيم للمرأة جها ٌد كامل إال إذا هربت من واقع‬
‫حياة الزوجية‪) (.......................................................................................‬‬
‫زوجته العظيمة ملا ظهر بتلك العطاءات العظيمة‬ ‫‪ - 22‬لومل يكن لإلمام عيل‬
‫واإلنجازات الكبرية‪) (...............................................................................‬‬
‫كان قد ه ّم بتسمية ولده الحسن ثم الحسني‬ ‫‪ - 23‬تر َّجح أ َّن اإلمام عليا‬
‫(حربا)‪) (............................................................................................... .‬‬
‫‪ - 24‬معنى (ما تخرم مشيتها مشية رسول الله)‪ :‬تختلف مشيتها عن مشية رسول الله‬
‫‪) (.................................................................................................‬‬

‫ثانيا‪ :‬ضع دائرة حول اإلجابة الصحيحة يف ما ييل‪:‬‬


‫‪ - 1‬تؤثـر النسـوة املتأثـرات بالفكـر الغريب املادي سـلبيا يف الواقـع عىل الرغم من‬
‫قلة أعدادهن بسـبب‪:‬‬
‫أ ‪ -‬اإلمكانـات التـي يتـم تزويدهن بها ب ‪ -‬خرباتهن العلمية واملعرفية الواسـعة‬
‫ج ‪ -‬سـقف حرياتهن العايل‬
‫‪120‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫‪ - 2‬املرأة الغربية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬ضحيـة للمفسـدين يف األرض ويريـدون من خاللها إفسـاد نسـائنا ب ‪ -‬هي‬
‫إحدى أدوات اإلفسـاد ج ‪ -‬تريد هي أن تفسـد نسـاءنا من تلقاء نفسـها‬
‫‪ - 3‬مما يشـهد على زيـف وخـداع مـا يدعيـه الغـرب الكافـر عـن حقوق اإلنسـان‬
‫والطفـل واملرأة‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تعاملهم يف العدوان عىل اليمن‪.‬‬
‫ج ‪ -‬كل ما سبق‬ ‫ب ‪ -‬تعاملهم يف العدوان عىل الشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫عن املرأة املسلمة‪:‬‬ ‫‪ - 4‬حينام ت َّم تغييب منوذج الزهراء‬
‫أ ‪ -‬حرضت بدال عنها مناذج مشوهة وفاسدة‬
‫ب ‪ -‬ر ّوجوا للمرأة املسلّعة جنسيا ج ‪ -‬كل ما سبق‬
‫‪ - 5‬ساهمت املرأة يف مكة يف الجاهلية بدور اجتامعي واقتصادي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬بشكل كامل ب ‪ -‬بنسبة محدودة ج ‪ -‬مل تساهم بأي يشء‪.‬‬
‫بخديجة بنت خويلد ريض الله عنها‪:‬‬ ‫‪ - 6‬يف زواج الرسول‬
‫أ ‪ -‬هي التي خاطبته بشأن ذلك مبارشة‬
‫ابتداء‬ ‫ب ‪ -‬أوعزت إليه بطريقة غري مبارشة ج ‪ -‬خطبها‬
‫‪ - 7‬واحدة من النسوة التاليات ليست أستاذة للزهراء‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أم هانئ بنت أيب طالب ج ‪ -‬أم سلمة املخزومية‬
‫د ‪ -‬صفية بنت حيي بن أخطب‬
‫ليد ابنته الزهراء‪:‬‬ ‫‪ - 8‬لقد كان تقبيل الرسول‬
‫أ ‪ -‬حنانـا طبيعيـا مـن أب البنتـه ب ‪ -‬شـيئا أكثر مـن الحـب والتدليـل األبـوي‬
‫ج ‪ -‬ال يشء مما سـبق‬
‫أن يسمي ابنته بـ(فاطمة) فهذا يعني‪:‬‬ ‫‪ - 9‬كون الله أوحى إىل الرسول‬
‫أ ‪ -‬أن تسميتها توقيفية ب ‪ -‬أنها ولدت بعد مبعث الرسول‬
‫ج ‪ -‬كل ما سبق‬

‫‪121‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫‪ - 10‬س ِّميَ ْت (فاطمة) بـ(البتول)‪:‬‬


‫أ ‪ -‬لعظيم عبادتها لله وانقطاعها إليه‬
‫نفاس ج ‪ -‬تشبي ًها لها مبريم البتول‬ ‫حيض وال ٍ‬ ‫ب ‪ -‬لكونها مل يأتها د ُم ٍ‬
‫‪:‬‬ ‫بعد وفاة الرسول‬ ‫‪ - 11‬معاجلة املوت للزهراء‬
‫أ ‪ -‬أتاح التع ُّر َف عىل شخصيتها العلمية بشكل كامل‬
‫ب ‪ -‬مل يتح التعرف عىل شخصيتها العلمية بشكل كامل ج ‪ -‬ال يشء مام سبق‬
‫‪ - 12‬املعلـوم التاريخيـة التي تذكر أن الزهراء كانت تغزل الثياب لنفسـها ولآلخرين‬
‫باألجرة تفيدنا يف‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أهمية االكتفاء الذايت يف امللبس ب ‪ -‬قدسية العمل‬
‫ج ‪ -‬كل ما سبق صحيح‬
‫بين خمـس أعنـز‬ ‫ابنتـه فاطمـة‬ ‫خير رسـول اللـه‬
‫‪ - 13‬ذات مـرة ّ‬
‫فاختـارت‪:‬‬ ‫وكلمات جـاء بهـن جربيـل‬
‫أ ‪ -‬الخمسة األعنز ب ‪ -‬الكلامت التي أىت بهن جربيل‬
‫ج ‪ -‬ال يشء مام سبق‬
‫‪ - 14‬من مظاهر جهاد الزهراء ومشاركتها العملية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬خروجها مع أبيها وزوجها يف فتح مكة ب ‪ -‬دورها يف معركة أحد‬
‫ج ‪ -‬كل ما سبق‬
‫يحـرص أن تكـون الزهـراء آخر من يودعه يف سـفره إىل‬ ‫‪ - 15‬كان الرسـول‬
‫الجهاد وأول من يسـتقبله‪:‬‬
‫أ ‪ -‬للحفاظ عىل روحيتها الجهادية ب ‪ -‬لكونها ابنته ج ‪ -‬ال يشء مام سبق‬
‫البنته الزهراء بـ(أم أبيها) هو‪:‬‬ ‫‪ - 16‬السبب األهم يف تسمية الرسول‬
‫أ ‪ -‬كونهـا كانـت تعطـف عليـه مثـل األم ب ‪ -‬كونهـا كانـت تجهـزه للجهـاد كما‬
‫تجهـز األم ابنهـا ج ‪ -‬ليكـون أوالدهـا أوالدا لـه‬
‫‪ - 17‬كان (موكيت) بيت الزهراء عبارة عن‪:‬‬
‫أ ‪ -‬جلود فاخرة من الشام ب ‪ -‬قطن متواضع من اليمن‬
‫ج ‪ -‬رمل من بطحاء وادي الروحاء‬
‫‪122‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫أنه‪:‬‬ ‫‪ - 18‬من مميزات وليمة عرس فاطمة الزهراء‬


‫أ ‪ -‬ال مراءاة فيها وال مكاثرة ب ‪ -‬مل يكن فيها طعام الحيس‬
‫ج ‪ -‬كانت وليمة خاصة بالرجال‬
‫‪ - 19‬تتحول الحياة الزوجية إىل جحيم إذا‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مل يكن هناك تعاون وتفاهم ونظا ٌم‬
‫ب ‪ -‬بخل الزوج يف اإلنفاق عىل الكامليات‬
‫ج ‪ -‬كان الزوج قويا والزوجة قوية‬
‫‪ - 20‬إحدى العبارات التالية غري صحيحة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬كانت الزهراء رمبا تطحن وصبيها يبيك‬
‫ب ‪ -‬كانت الزهراء تعاون زوجها يف نفقة واحتياجات بيتهام‬
‫بإعطاء ابنته الزهراء خادما‬ ‫ج ‪ -‬سارع رسول الله‬
‫قد‪:‬‬ ‫‪ - 21‬كان رسول الله‬
‫أ ‪ -‬منع أوال عليا وفاطمة من أي خادم أو خادمة‬
‫ب ‪ -‬منحهام خادمة نوبية اسمها فضة ج ‪ -‬كل ما سبق صحيح‬
‫قد‪:‬‬ ‫‪ - 22‬كان اإلمام عيل‬
‫أ ‪ -‬سـ َّمى ولـده الحسـن باسـم عمـه حمـزة ب ‪ -‬قـد هـ َّم بتسـمية ولده الحسـن‬
‫باسـم عمـه حمـزة ج ‪ -‬مل يسـم ولـده الحسـن باسـم عمـه حمـزة ومل يهـ َّم‬
‫بذلك‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫‪ - 23‬حينام ولد الحسن‬
‫أ ‪ -‬أذّن رسـول اللـه يف أذنـه اليمنـى ب ‪ -‬أذّن رسـول اللـه يف أذنـه اليسرى‬
‫وأقـام يف اليمنـى ج ‪ -‬أذَّن رسـول اللـه يف أذنـه اليمنـى وأقـام يف اليسرى‬
‫‪ - 24‬تضمنت خطبة الزهراء يف املهاجرين واألنصار‪:‬‬
‫أ ‪ -‬مبرشوع اإلسالم‪ ،‬وترشيعاتِه ب ‪ -‬طبيعة رسالة والدها ووالية زوجها‬
‫ج ‪ -‬كل ما سبق‪.‬‬

‫‪123‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫ثالثا‪ :‬أكمل الفراغات التالية بالعبارات املناسبة‪:‬‬


‫‪( :‬وقد كانت أ ُّمنا فاطمة ‪........................‬‬ ‫‪ - 1‬قال اإلمام عبدالله بن حمزة‬
‫‪.................................................................................................................... .‬‬
‫)‪.‬‬ ‫وبذلك قىض عليها رسول الله‬
‫‪( :‬ففرض الل ُه‬ ‫يف خطبتها يف مسجد رسول الله‬ ‫‪ - 2‬قالت الزهراء‬
‫اإلميا َن تطهريا لكم من الرشك‪................................................................... ،‬‬
‫‪ ..............................................................................................‬ع ًّزا لإلسالم)‪.‬‬
‫‪( :‬فلام اختار الل ُه‬ ‫يف خطبتها يف مسجد رسول الله‬ ‫‪ - 3‬قالت الزهراء‬
‫جل وع َّز لرسوله دار أنبيائه‪ ،‬وما عنده لرسله‪ ،‬ظهرت ‪.....................................‬‬ ‫َّ‬
‫‪....................................................................................................................‬‬
‫غضابا)‪.‬‬ ‫‪ .........................................................................................‬فوج َدكم َ‬
‫لنساء املهاجرين واألنصار قبل موتها‪( :‬أصب ْح ُت والل ِه ‪...‬‬ ‫‪ - 4‬قالت الزهراء‬
‫‪....................................................................................................................‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫﴿لبئ َس َما ق َّد َمت ل ُه ْم أنف ُس ُه ْم أن َسخ َط ُ َ ْ ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫اب ُه ْم خا ِل ُدون﴾[املائدة‪.)]80:‬‬ ‫َ‬
‫للا علي ِهم و ِف العذ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬

‫رابعا‪ :‬أجب عن األسئلة التالية‪:‬‬


‫س‪ :1‬كيـف تعامـل املفسـدون يف األرض مـع املـرأة الغربيـة؟ ومـاذا أرادوا مـن‬
‫خاللهـا؟‬
‫س‪ :2‬ملـاذا تـ ّم تغييـب فاطمة الزهـراء عن املناهـج التعليمية يف اليمـن يف الفرتة‬
‫املاضية؟‬
‫س‪ :3‬برأيـك مـن املسـؤول عن عدم حصـول املرأة عىل حقهـا يف التعليم املضبوط‬
‫بالشرع؟ واكتـب الخطوات العملية التـي تعطيها هذا الحق؟‬
‫ويجعلها سـيدة‬ ‫س‪ :4‬مـا الحكمـة يف أن يهـب الله فاطمة الزهراء للرسـول‬
‫للنسـاء يف مجتمـع كان يحتقر املـرأة ويقتلها؟‬
‫س‪ :5‬اذكـر ثالثـة مرجحـات تربهـن أن الزهـراء ولـدت يف سـنة مبعـث والدهـا‬
‫تقريبا‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫تلك هي فاطمة الزهراء‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫مـع ابنتـه‬ ‫س‪ :6‬اذكـر أهـم ثالثـة إجـراءات تربويـة اسـتخدمها الرسـول‬
‫فاطمـة‪ ،‬ومـا الـذي تسـتفيده أنـت منهـا يف واقعـك العملي؟‬
‫مـع ابنتـه‬ ‫س‪ :7‬كيـف ننشّ ـئ بناتنـا ونربيهـن اقتـداء مبـا عملـه الرسـول‬
‫فاطمـة؟ اذكـر أربعـا مـن الخطـوات الالزمـة لذلـك‪..‬‬
‫س‪ :8‬كيـف نصرت الزهـراء اإلسلام وهـي صغيرة؟ تحـدث عـن ذلـك‪ ،‬وعـن ما‬
‫ميكـن أن تفعلـه الزهـراء الصغيرة اليـوم؟‬
‫س‪ :9‬ماذا يعني اسم (فاطمة) بالنسبة للزهراء سالم الله عليها؟‬
‫‪،‬‬ ‫س‪ :10‬اذكـر ثالثـة آيـات يف القـرآن الكريـم تـدل على فضـل الزهـراء‬
‫مبينـا وجـه داللتها‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫من إغضاب ابنته فاطمة‬ ‫س‪ :11‬علل تحذير الرسول‬
‫(سـيدة نسـاء املؤمنين)‪،‬‬ ‫أن فاطمـة‬ ‫س‪ :12‬ملـاذا أخبر الرسـول‬
‫و(سـيدة نسـاء هـذه األمـة)‪ ،‬و(سـيدة نسـاء أهـل الجنـة)‪ ،‬وكان ميكـن أن‬
‫يكتفـي بأنهـا سـيدة نسـاء أهـل الجنـة مثلا؟‬
‫بتعاملات مميَّـز ٍة‬
‫ٍ‬ ‫ابنتـه فاطمـة‬ ‫خـص رسـول اللـه‬‫س‪ :13‬ملـاذا َّ‬
‫وخاصـة؟ واذكـر أربعـا منهـا‪.‬‬
‫َّ‬
‫هـم أوالد الرسـول‬ ‫س‪ :14‬اذكـر ثالثـة مـن األدلـة على أن أوالد فاطمـة‬
‫‪.‬‬
‫الواسع‪.‬‬ ‫س‪ :5‬هات ثالثة مؤرشات واضحة عىل علم الزهراء‬
‫س‪ :16‬اذكـر حديثين روتهما السـيدة فاطمة الزهـراء عن أبيها صلـوات الله عليه‬
‫وآله‪.‬‬
‫تقتدي فيها زهراء اليوم بها‪..‬‬ ‫س‪ - 17‬اذكر ثالثة مواقف جهادية للزهراء‬
‫مل يكـن أقـل‬ ‫س‪ - 18‬اذكـر ثالثـة مرجحـات ترجـح أن سـن زواج فاطمـة‬
‫مـن ‪ 15‬سـنة تقريبا‪.‬‬
‫س‪ - 19‬كيـف كانـت خطبـة علي للزهـراء ؟ ومـاذا نسـتفيد منهـا يف واقعنـا‬
‫اليـوم؟ ومـا الخطـوات العمليـة لذلـك؟‬
‫‪125‬‬
‫الفصل األول‬
‫فاطمة وابناها الحسن والحسني‬

‫س‪ - 20‬بـم تفسر ظاهرة مغـاالة املهور؟ واقرتح أبرز أربع خطوات عملية لتيسير‬
‫الـزواج وتخفيف املهور‪.‬‬
‫س‪ - 21‬اكتـب قامئـة وقـارن فيهـا بين الكلفة املاديـة لجهاز بيـت فاطمة‬
‫وجهـاز بيـت فاطمـة اليـوم‪ ،‬وضـع مقرتحـات عمليـة لحـل إشـكالية ارتفـاع‬
‫التكلفـة املاديـة لألعراس‪.‬‬
‫س‪ - 22‬بـم تصـف زواج الزهـراء بعلي مـن حيـث عالقتهما ببعضهـا؟ وكيف‬
‫نسـتفيد منهما مـا يعالج تشـاكس األزواج مـع زوجاتهـم اليوم؟‬
‫س‪ - 23‬مـا أكثر أسـباب الطالق يف مجتمعنـا اليمني؟ واكتـب نصيحتني نصيحتني‬
‫لـكل مـن الزوج والزوجة اسـتفدتهام مـن زواج الصديقة الزهـراء باإلمام عيل‬
‫؟‬
‫بين ابنته فاطمـة وزوجها‬ ‫س‪ - 24‬مـا الحكـم الـذي قضى به رسـول اللـه‬
‫علي ؟ وكيـف نطبقـه يف واقعنـا اليـوم؟ اذكـر الخطوات العمليـة لذلك‪.‬‬
‫؟‬ ‫س‪ - 25‬بم تستدل عىل أناقة ورقي الصديقة الزهراء‬
‫س‪ - 26‬متـى ترفـرف رايات السـعادة على فاطمة اليوم وعيل اليـوم؟ ضع تصورا‬
‫عمليا لذلك‪.‬‬
‫ضع تصـورا للمـرأة اليوم فيه‬ ‫س‪ - 27‬مـن خلال مـا كانـت عليه الزهـراء‬
‫الخطـوات العمليـة للجمع بني مسـؤوليتها الشـخصية والجهادية‪.‬‬
‫س‪ - 28‬مـا العقيقـة؟ ومـا حكمهـا؟ ومـا دليـل مرشوعيتهـا؟ ومتـى تكـون؟ وبـأي‬
‫يشء تكـون؟‬
‫يف تربية‬ ‫س‪ - 29‬كيـف نرتجـم عمليـا وبالتقنيات الحديثة أسـلوب فاطمـة‬
‫أوالدها؟‬
‫س‪ - 30‬اكتـب أبـرز خمـس نقـاط فهمتهـا مـن خطبـة الزهراء يف مسـجد رسـول‬
‫‪ ،‬وأبـرز خمـس نقـاط مـن خطبتهـا لنسـاء املهاجريـن واألنصار‪.‬‬ ‫اللـه‬

‫متت األسئلة بعون الله وتوفيقه‬


‫‪126‬‬

You might also like