Professional Documents
Culture Documents
المقدمة
وصـل اللهـم وسـلِّم علـى سـيدنا الحمـد للـه وسلام علـى عبـاده الذيـن اصطفـىِّ ،
وارض اللهم عن الراشـدين من أصحـاب نبيك والتابعين محمـد وعلـى آلـه الطاهرينَ ،
لـه بإحسـان إلى يـوم الديـن ،وبعد:
قرناء القـرآن ،يشـرحون أحكامـه ،ويُب ِّينون جعـل اللـه أهـل بيت رسـول اللـه
ُ
رسـول اللـه في أمتـه أمانًا ويجسـدون توجيهاتـه فـي الواقـع العملـي ،وخلَّفهـم هديَـهِّ ،
تصحيح مسـارها ي َّم َمت ِوجهتها
َ مـن الضلال ،وعصمة من االنحلال ،وإذا أرادت األمة
نحوهـم التخاذهـم قـدوة حسـنة ،تص ِّحح مـن خاللهم أخطاءهـا ،وت َمي ُر مـن هديِهم ما
يقيم أ َو َد مسـارِها.
ومـا يمارسـه عالَـم اليوم المسـتكبِر مـن همجي ٍة رعناء ضد البشـرية المسـتض َعفة ،وما
نـراه مـن اسـتطالة أنظمـة الشـر علـى المسـلمين ،بل وعلـى ما بقـي من خير في شـعوب
اإلنسـانية بالمسـخ واالنحـراف واالضطهـاد واالسـتغالل خـارج سـياق الفطـرة فإنـه يحتِّـم
علـى شـعوبنا أن تعـود ألصولها األولـى ،ومصادرها الصحيحة ،وقدواتهـا اإليمانية العالمية.
ولعـل أكبـ َر مثـا ٍل صـار ٍخ تتبختـر فيـه هـذه الحضـارة الماديـة قبحـا وإجراما ضد
اإلنسـانية ،هـو هـذا العـدوان السـعودي األمريكـي الصهيونـي الجاهلـي ضـد شـعبنا،
والـذي مـن ضمـن مـا يسـتهدفه بدرجة أساسـية المـرأة ،إما بالقتـل المتع َّمـد ،واإلبادة
قيم المـرأة ومبادئهـا وأخالقها تجفيـف ِ
َ المقصـودة ،أو بالحـرب الناعمـة التـي تحـاول
وشـيم مغايِـر ٍة ومخالفـ ٍة لإلسلام؛ لكي ٍ وشـيمها المحا ِفظـة واسـتبدالها ٍ
بقيـم وأخلاقٍ
مات متينـة فيها. يسـ ُه َل لهـم اقتيـا ُد المجتمعـات واحتوا ُؤهـا ،وتغييـ ُر مـا بقي مـن مق ِّو ٍ
سلاح الحـرب الناعمـة مـن قبـل أن يشـنوا َ اسـتخدم أعـدا ُء األمـة وأعـدا ُء شـعبنا
عدوانهـم الوحشـي الجبـان علـى بلدنـا؛ لغـزو العقـول واألدمغـة ،واحتوائهـا ضمـن
الشـعوب إلى البالهة واالسـتحمار،
َ منظومـات قيميـة وأخالقية تقتاد في نهاية المطاف
وضيا ِع الوِجهة الفاعلة والمن ِتجة ،وبهذا يسـتطيعون االسـتمرار في مشاريعهم التمزيقية
الحـرب الناعمـ ُة جبه َة عـدوانٍ خطير ُ والتدميريـة ،ول َّمـا شـ ُّنوا العـدوا َن ِ
الخشـن كانـت
ـك المجتمع تماس ِ ِ
وإضعـاف ُ أيضـا ،يركِّـز فـي األسـاس علـى تصديع الجبهـة الداخليـة،
18
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
في ملحمة الصمود األسـطورية التي سـطَّرها شـعبُنا خالل أعوام العدوان على شـعبنا.
ِ
تنفيـذ َ
الدخـول إلـى منـذ وقـت مبكـر كانـت المـرأ ُة المنفـ َذ الـذي يحاولـون منـه
ِ
أغراضهـم الدنيئـة ،مسـت ِغلِّين ومشـ ِّجعين حالـة التجهيـل التـي فُر َِض ْت عليهـا من جهة،
وحالـة االنبهـار بالغـرب والتي أصيبـت بها بعض النسـاء من جهة أخـرى ،والالئي وإن
كُـ َّن بعـد ٍد قليـل لكـ َّن تأثي َرهن بقدر اإلمكانـات التي تحرِص المنظمات المشـبوهة على
توفيرهـا ،فتعطيهـن مسـاحة أوسـع للتحرك السـلبي فـي المجتمع.
فـي كلمتـه بمناسـبة اليـوم العالمـي للمـرأة المؤمنـة 20جمـادى اآلخـرة 1435هــ
قـال السـيد عبدالملـك الحوثـي“ :اليـوم تتعـ َّرض المـرأة المسـلمة للتأثيـر باسـتهدافها
ألن تكـون متأثـرة بالمـرأة الغربيـة التـي تختلـف معهـا إلـى حـ ٍّد كبيـر فـي المبـادئ
وفـي القيـم وفـي األخلاق ،المـرأة الغربيـة التـي كانـت إلى حـ ٍّد كبير ضحيـة ،ضحية
لعمـل كبيـر اسـتهدفها بـدءا ،ثـم أرادوا بهـا ومـن خاللهـا أن تكـون هي النمـوذج غير
نمـوذج ال يتوافـق ال مـع دينهـا وال مـع
ٌ المنسـجم وغيـر المتوا ِفـق للمـرأة المسـلمة،
أخالقهـا وال مـع مبادئهـا وال قيمهـا اإلنسـانية ،نحـن نقـول :إن المـرأة الغربيـة كانـت
ضحيـة ،اسـتُ ْه ِدفت من قبـل أولئك المجرمين ،المفسـدين في األرض الذين سـعوا إلى
االنحـراف بالمـرأة عـن دورهـا ومكانتهـا ومقامهـا وكرامتهـا ،وع ِملـوا علـى أن يجعلوا
منهـا ألعوبـة ،وأرخصوهـا إلـى حـ ٍّد كبيـر ،حينمـا أرادوا أن يجعلـوا منهـا مجـرد ألعوبة
لإلغـواء واإلفسـاد ونشـر الرذيلـة والعيـاذ باللـه».
ٌ
اسـتهداف للمرأة فـي الحالة القائمة في عالمنا اإلسلامي، وأضـاف قائلا« :هناك
ٌ
اسـتهداف مؤكَّ ٌد للمـرأة وللرجل جميعا، فـي منطقتنـا العربيـة ،في شـعوب أمتنا ،هناك
واالسـتهداف للمـرأة كذلـك فـي فكرهـا فـي ثقافتهـا فـي قيمها فـي أخالقهـا .. ،تحت
التحضـر والحضـارة والرقـي ،وهي عناويـ ُن زائفة؛ ألن إفسـاد المرأة المسـلمة ُّ عنـوان
بـأي صلـة للحضـارة ،ال ي ُم ُّت بـأي صلة للحضـارة أبدا». ـت ِّ
ال ي ُم ُّ
لقـد فضـح هـذا العـدوا ُن على اليمـن َّكل االدعاءات الغربية ،وكشـف بشـكل ال مرية
فيـه حجـم النفـاق الغربـي تجـاه المـرأة ،التـي ظلـوا يحكـون عـن حقوقهـا ،ويتغنـون
بحريتهـا ،ولكنهـم اليـوم وعلـى مـدار أعـوام عديـدة يشـنون حربـا عدوانيـة عالميـة
تسـتهدفها بالدرجـة األولـى؛ إذ هـم مـن يقـود العـدوان ،ويـز ِّوده بالطائـرات الحديثـة،
19
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
وباألسـلحة المح َّرمة ،وبالدعم السياسـي والغطاء األممي ،وهم يعلمون أ َّن أول الضحايا
فـي هـذا البلـد هي المـرأة ،ومع ذلـك وبينمـا يتحدثون بصخب عـن حقوقها الجنسـية،
يسـلبونها حقَّهـا الوجـودي ،الـذي اسـتهدفته طائراتهـم وصواريخهـم وجميع أسـلحتهم.
هـذا مـا ع َّبـر عنه السـيد القائـد في رسـالته للمرأة بمناسـبة مولـد الزهـراء ،اليوم
العالمـي للمـرأة المسـلمة فـي عـام 1437هــ؛ إذ اعتبـر هـذا العـدوان« :شـاهدا ً أيضـاً
وخـداع الغـرب فيمـا يحكيـه وي ّدعيـه عـن حقـوق المـرأة وحقـوق الطفـل، علـى زيـف ِ
الغـرب يحكـي عـن مظلوميـة المـرأة اليمنيـة التـي ُ ففـي مقابـل البتـرودوالر لـم ي ُع ِـد
هـي اليـوم أكبـر مظلوميـة على وجـه األرض ،بـل إ َّن أمريـكا وبريطانيا وفرنسـا ودوالً
أخـرى هـي التـي تق ِّدم للنظام السـعودي سلاح الفتـك والتدمير بما في ذلك األسـلحة
المح َّرمـة دوليـاً ،مثـل القنابـل العنقوديـة وغيرهـا؛ ليقتل بها أهـل اليمن نسـا ًء وأطفاالً
ورجـاالً بأبشـع صـور اإلجرام وحشـية.
بعض ِ
نشـاط ِ ِ
األخـوات اللواتـي ينظـ ْر َن بإيجابية إلى درس مهـ ٌم ِ
لبعـض وفـي هـذا ٌ
الحقائـق بمـا يفـوق َّكل
َ تكشـف المنظَّمـات أو الـدول الغربيـة؛ إن الوقائـ َع واألحـداثَ ِ
المحـاوالت الراميـة للتزييـف والخـداع؛ وبئـس مـا يفعلـه األعـداء الضالون».
إزاء ذلـك ولـدو ِر المـرأة العظيـم فـي مسـيرة الفطـرة الراشـدة ،وبنـاء المجتمعات
القويـة والملتزِمـة ،التـي تنطلق من مفاهيم القـرآن الكريم الذي عـ َر َض نماذج للكمال
البشـري األنثـوي مـن خلال عدد مـن النسـاء ،فإ َّن مـن المهـم أن تتع َّرف المـرأ ُة في
ِّكل زمـانٍ ومـكانٍ علـى سـيدة نسـاء العالـم ،والتـي هي سـيدة نسـاء هذه األمـة ،والتي
هـي أيضـا سـيدة نسـاء أهـل الجنـة؛ والتـي حـرِص المعتـدون الغربيـون وأدواتُهم من
األنظمـة العميلـة والمنسـاقة مـع مشـاريع الغـرب أن يحرِمـوا الشـعوب مـن التطلع إلى
الكمـاالت البشـرية مـن خالل هـذه القـدوات القرآنيـة الرائدة.
دوافع تأليف وجمع هذا املقرر:
حفزتني عد ٌد من العوامل لجمعِ وإعدا ِد هذا البحث بهذه الصورة األولية ،ومنها:
• التلبيـة لحاجـة املجتمـع اليمنـي ،وقـد جوبِهنـا مـرات كثيرة بضرورة توفير كتيِّ ٍب
يرتجـم للزهـراء ملـن يريـد التعـرف عليهـا مـن أخواتنـا وبناتنـا ال سـيام أولئـك
20
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
أن تكـون ذاتَ وجـه جميـل وصـوت رخيـم تزاحـم الرجـل فـي المكاتـب والمقـرات،
وتضفـي علـى جوها طابع الرومانسـية واللطافـة ،وغير ذلك من األعمـال غير المن ِتجة
وال المفيـدة ،بينمـا أوهموهـا أن التخلُّـف هـو مـا كانـت تقـوم بـه مـن مشـاركة زوجها
المشـاركة المنتجـة في فالحـة األرض ،وتنمية المواشـي ،وغير ذلك مما يعـود بالفائدة
علـى األسـرة والمجتمـع كما تح َّدث عن ذلك الشـهيد القائد حسـين بـدر الدين الحوثي
رضـوان اللـه عليـه فـي ملزمـة (لتحذُن حـذ َو بني إسـرائيل).
لألسـف غ َّيبوهـا وهـي التي أحضرهـا القـرآن الكريم ،وكرِهـوا وجو َدهـا وهي التي
إلـى محضرِهـا ورائحتهـا ،غ َّيبوهـا نموذجـا ومثـاال فحضرت كان يشـتاق النبـي
أمثلـة االنحـراف ،ونمـاذج االتَّسـاخ ،غ َّيبوهـا علمـا ومعرفـة وشـجاعة وجهـادا لتكـون
المـرأة هـي المفتونة بإبراز محاسـنها لذئاب البشـر ،ولصوص الشـرف ،غ َّيبوا كماالتها
الفطريـة واإلنسـانية لتكـون المـرأة الصالحـة هـي امرأة ليلـة الجمعة ،علـى ح ِّد وصف
الدكتـور شـريعتي ،والتـي ال تعنـي شـيئا للرجـل إال فـي تلـك الليلـة ،بينمـا تقضـي بقية
وقتهـا الطويـل فـي القيـل والقـال ،وزراعـة النمائـم وحصـد الشـقاق والطلاق فـي
المجتمع.
لتحضـ َر أنـوا ٌع مختلفة مـن النسـاء ،أكثرها
غ َّيبوهـا عـن الواقـع الحضـاري األصيـل ُ
رواجـا تلـك المـرأة المسـلَّعة جنسـيا بغـرض الربـح المـادي ،وتهييـج السـعار الحيواني،
والتفسـخ
ُّ وإفسـاد الحيـاة االجتماعيـة للشـعوب المسـلمة ،والـزج بها في أسـواق الرذيلة
االجتماعي.
النخـب الدينية جـزءا من هذه المسـؤولية ُ وتتح َّمـل مجتمعاتنـا اإلسلامية بمـا فيها
التقصيريـة حيـث خلطـت فهما إسلاميا بآ َخـ َر من العـادات والتقاليد ،وجعلـوا َّكل ذلك
دينـا يدينـون اللـه بـه ،ف ُح ِر َمـت المرأة مـن حق التعليـم ،حتـى إذا أوجدوا ه َّو ًة واسـعة
والمعاصر وصل المجرمون المنحرِفون إلى بعض النسـوة السـتغالل ِ بيـن جيلهـا القديم
ردة فعلهـا المند ِفعـة والدفـع بهـا فـي االتجاه السـلبي وبما يخدم أعداء اإلسلام.
وكانـت نتيجـة ذلـك اإلفـراط والتفريـط أن تَقَـ َّزم دو ُر المـرأة فـي شـراكتها مـع
وخلـق الحياة الجـا َّدة ،ومظاهرِها الواعية والملتزِمة ،وانخفض سـقف ِ الرجـل فـي صنعِ
طموحـات البعـض منهن إلى مسـتوى سـحيق ،أو شـطحت طموحات البعـض اآلخر إلى
23
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
ٍ
مسـارات مغايـرة للفطرة اإلنسـانية وتعاليـم الدين الحق؛ قصـي ،وانحرفـت إلى
ٍّ مـكانٍ
األمـر الـذي انعكـس سـلبا علـى أداء المجتمـع لوظائفه التـي ينبغي أن يقـوم بها.
لهـذا ال منـاص مـن العـودة إلـى األصالـة اإلسلامية لمواجهـة التحديـات الراهنـة
بوعـي وبصيـر ٍة ،وإدراك لطبيعـة الصـراع والتفاعلات الحضاريـة.
ٍ
توافقـي و َعبْر نفوذٍّ االقتصـادي إال أ َّن قـرار الحكـم فيهـا لـم يكن مركزيا بل كان شـبْ َه
األشـراف مـن رؤسـاء قبائـل قريش.
سـا َه َم ْت المـرأة فـي الحيـاة االقتصاديـة في مكـة رغـم احتقارها من قبـل الذكور
كمـا هـو شـأن العـرب الجاهلييـن ،لكنها اسـتطاعت فـي مكة أن تجِـد لنفسـها مكانًا ما
فـي الحيـاة االجتماعيـة واالقتصاديـة ،وخيـ ُر مثـا ٍل علـى ذلـك مـا كانت عليـه خديجة
بنـت خويلـد ونشـاطُها التجـاري الرائـد ،ومـع ذلـك فهنـاك روايـاتٌ تفيـد أ َّن قريشً ـا
مضـت فيمـا مضـى فيـه الجاهليـون مـن وأد البنـات ،وقتـل األوالد ،ولعـل ذلـك كان
يحـدث فـي األسـر والعوائـل الفقيرة.
إن مدينـ ًة مثـل مكـة مق َّدسـ ًة وعاصمـ ًة للثقافـة الدينيـة والحيـاة الروحيـة للعـرب،
ونشـا ُط أهلهـا هو التجـارة العابرة لألقاليـم المختلفة ذات الثقافات المتعـ ِّددة ،البُ َّد أ ّن
ذلـك جعـل مـن أهلها ذوي معـارف وقـدرات ومهـارات مختلفة.
وكان بنو هاشـم أه َّم أسـر ٍة قرشـية في مكة عند ظهور اإلسلام ،ورغم أن سـلطتهم
الروحيـة ع َّوضتهـم عمـا فاتهـم مـن شـرف المـال ،إال أن هـذا ال ينفـي وجـو َد سـلط ٍة
تنافسـهم ،وتُ ْم ِسـك ببعـض حبال السـلطة التوافقية إن صـح التعبير، ألسـر أخـرى كانت ُ
مثـل بنـي عبـد الـدار ،وبنـي مخـزوم ،وبني عبد شـمس ،ومنهـم بنو أميـة ،وغيرهم.
�أمها خديجة
اختـار اللـه أن يكـون والـ ُد فاطمـة الزهـراء هـو خيـر الخلـق طُ ًّرا ،وسـيد ولـد آدم
شـرف يداني شـرفها ،وهـذا أمر ال تفي جميعـا ،وال أبـوة فـي الدنيا تسـاوي أبوتها ،وال َ
بمقامـه العبـارات وال المجلدات.
بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي جد النبي أما أ ُّمها فهي خديجة ُ
من عقيالت قريش المب ِّرزات ،وأعظمهن شرفاُ ،د ِع َيت في الجاهلية بالطاهرة؛ لشرفها
اختراق حالة الجاهليين الفكرية المحت ِقرةَ وعفتها ،واستطاعت مع قرشيات أخريات
للمرأة ،فصار لهن نشاط تجاري عابر للحدود اإلقليمية.
كان ج ُّدهـا أسـد بـن عبد العـ ّزى أح َد أعضاء حلـف الفضول ،الذي تعاقَـدَتْ بموجبه
25
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
قبائـل وشـخصياتٌ مـن قريـش علـى أن ال يجـدوا بمكـة مظلو ًمـا مـن أهلهـا أو غيرهـم ُ
م َّمـن دخلهـا من سـائر الناس إالّ نصـروه ،وكانوا على َم ْن ظلمه َع ْونًا حتـى تُ َر َّد مظلمتُه،
إنسـاني اسـتيقظ لفطرة حـب العدالة وكراهـة الظلم ،وهو ٍّ وكان ِحلفًـا يُعبِّـر عـن ضميـ ٍر
« :لقـد شـ ِهدْتُ فـي دار عبدالله بـن جدعان الحلـف الـذي قـال فيـه رسـول الله
ـب أ َّن لـي بـه ُح ْمـ َر النعم ،ولو أُدعـى إلى مثلـه في اإلسلام ألَ َج ْب ُت”.
حلفًـا مـا أُ ِح ُّ
تنسـكوا واعتزلوا عبادة األوثان، وكان ابـ ُن ع ّمهـا ورقة بن نوفل بن أسـد أح َد الذين َّ
(((. وهجروا قومهم فتف ّرقوا في البلدان يلتمسـون الحنيفية دين إبراهيم
شـاء اللـه أن تتع َّرف خديجـ ُة على أمان ِة وصدقِ ونُبل الفتى الهاشـمي محمد
لترغـب فـي الزواج منه ،ووجدت سـبيال إلـى مخاطبته بطريقة غير مباشـرة ،فتز َّوجها، َ
أول امـرأة آمنـت بدعوتـه ،وصلَّـت معـه هـي وعلي كانـت هـي َ ولمـا بُ ِعـث
والسـ َن ُد له.
سـنين ال يوجـد لهـم رابع ،وبذلـت أموالها فـي نصرته ،وكانت نعـم العو ُن َّ
أكرمهـا اللـه بـأ ْن جعل من نسـلها فاطمـة الزهراء ،التـي ح ِفظ الله في نسـلها ذرية
،فهـي جـدة آل البيت الكبـرى ،وأمهم األولـى ،ونالت بذلك الرسـول المصطفـى
وأعظم بذلـك من مجد. شـرفا عظي ًمـا ،ومجـدا فخيماِ ،
فـي السـنة العاشـرة مـن البعثـة بعـد خروج بني هاشـم مـن حصار توفيـت
الشِّ ـعب ،أي قبل الهجرة بنحو ثالث سـنين ،وذلك بعد أن عاشـت مع رسـول الله
حوالـي ُربْـعِ قـرنٍ كانت لـه فيها الزوجـ َة الحبيبة ،والسـن َد القوي ،والظهيـ َر الرائع.
ذك َرهـا بعـد أن ماتـت ،ولكثرة ذكـره لها والثنـاء عليها ـس الرسـولثـم لـم ي ْن َ
َـت لـه يو ًمـا :هـل كانـت إالّ عجـوزًا قـد أبدلـك اللـه خي ًرا اسـتُ ِثي َرتْ غيـر ُة عائشـة ،فقال ْ
ـت بـي إذ كفـر النـاس، منهـا ،فغضـب ،وقـال« :ال واللـه مـا أبدلنـي خيـ ًرا منهـا ،آ َم َن ْ
وواسـتْني في مالهـا إذ ح َرمني الناس ،ورزقنـي الله منها وص َّدقَتْنـي إذ كذَّبنـي النـاسَ ،
أوال ًدا دون غيرهـا من النسـاء»(((.
والدتها
ورد فـي القـرآن الكريـم مـا يشـي ُر إلـى قتـلِ بعـض الجاهلييـن أوال َدهـم خشـية
َْ َ َُُْ َْ َ ُ ْ َ ْ ََ ْ
لاق ن ُناإلملاق وخـوف الفقـر ،وفيهـم نزلـت اآليـات﴿ :وال تقتلـوا أوالدكـم خشـية إِم ٍ
َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ َ َ ُ َ َ ً ـم َك َن خ ِْط ًئا َكب ًـم إ َّن َق ْتلَ ُه ْ
َ ْ ُ ُ ُ ْ َ َّ ُ ْ
ِين قتلوا أ ْوالده ْم سـفها سر ال ريا﴾[اإلسـراء﴿ ،]31:قد خ ِ ِ نرزقهـم وإِياك ِ
ضلُّوا َو َما َكنُـوا ُم ْه َتد َ
َ ْ َ َ ْ ْ َ َ َّ ُ َ َ َ َ ُ ُ ُ ْ َ ً َ َ
ِين﴾[األنعـامَ ﴿ ،]140:وال اء ع الل َِّ قـد ـم وحرمـوا ما رزقهـم الل َّ اف ِت بِغيرِ عِل ٍ
ُ
ْ ُ َْ ُ ُ َ َُُْ َْ َ ُ ْ ْ ْ
ك ْـم َوإِيَّ ُاهم﴾[األنعـام .]151:وظاهر لفـظ اآليات النهي الق نـن نرزق تقتلـوا أوالدكـم مِـن إ ِ ٍ
م
عـن جميـع أنـواع قتـل األوالد ذكـو ًرا كانـوا أو إناث ًـا ،وأن جريمـة القتـل كانـت تحـدث
ُ َ َ َّ ْ ُ ُ َ َ ُ ِّ َ َ َ ُ ُ
ش أحده ْم بِاألنثى ظل َوجهه ألسـباب اقتصاديـة ،مخافة الفقـر والفاقة ،إال أن آيـة ﴿وإِذا ب ٍ
ُّ َ َ ْ َ ُ ُّ ُ َ ُ ِّ َ َ ُ ْ ُ ُ َ َ ُ ُ ِ ِـن الْ َق ْ
ارى م َ ـو َكظ ٌ
يـم * َي َت َ
ـو َ ـو ّداً َو ُه َ
ُم ْس َ
اب
ـون أم يدسـه ِف الت ِ ٍ ه ع ه ـك س
ِ م ي أ ه
ِ ِ ب ش ب ا م ِ ءـو س ِن
م م و ِ
َ َْ ُ ُ َ َ َ َ
ون﴾[النحـل ،]59 ،58:تـدل علـى أن الجريمة كانت أيضا بدافـعٍ اجتماعي، أال سـاء مـا يكم
وبسـبب كـون المولـود أنثـى ،حيـث كان والـد البنـت مدفوعـا التخـاذ ذلـك الموقـف
بضغـط وعيِـه المن َحـرِف ،وبضغـط ثقافـة المجتمـع الجاهلية؛ ولهـذا العار الذي يشـعر
َُْ ُ ُ ََ ُ َ َْْ ََ َ َ
ون﴾ يطاله من بـه كان ﴿يتـوارى مِـن القو ِم﴾ ،ويخ ِّير نفسـه بيـن أمرين﴿ ،أيم ِسـكه ع ٍ
ه
ـه ف ُّ َ َ ْ َ ُ ُّ ُ
الت ِاب﴾. المجتمـع﴿ ،أم يدس ِ
لـم تكـن مكـة بمعـزِل عـن ظاهـرة الـوأد ،ويقـال :إن بمكـة جبلا يقـال لـه «أبـو
دالمـة» كانـت قريـش تئـد فيـه البنـات(((.
فـي هـذه األجـواء والثقافـات ُولِـ َدت فاطمـة الزهـراء فـي مجتمـعٍ كان ينظُـر إلى
األنثـى كمـا تقـ َّدم باعتبارها عـا ًرا و ُه ْونا ،وكانت إشـراقة الزهـراء متزا ِمن ًة مع إشـراق ِة
اإلسلام الـذي جـاء ثـورة تغ ِّيـر كثيرا مـن هـذه المفاهيـم والتصـ ُّورات الخاطئة، ِ فجـ ِر
يهـدف إليه إلى تغييـر نظرة المجتمـع بطريق ٍة فعلي ٍة ملموسـ ٍة ،تُثب ُِت يهـدف فيمـا ِ وكان ِ
الحقيقـ َة وتنـ ِّو ُر البصيـرةَ ،وكانـت الزهراء أداة مغ ِّيـرة من أدوات الحكمـة اإللهية لذلك
،بـل أيضا في الواقـع المريـر ،ليـس فـي كونهـا أنثـى يحتفي بهـا وال ُدهـا النبي
بعظيـم دورِهـا الـذي
ِ تسـييدها علـى نسـاء األمـة ،ونسـاء العالميـن ،ونسـاء الجنـة ،ثـم
أنج َزتْـه فـي حيـاة والدها وبعـد وفاته.
((( جواد علي ،المفصل في تاريخ العرب قبل اإلسالم ،ج ،9ص.95 ،94
27
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
تختلـف المصـادر فـي تحديـد عـام والدتهـا؛ فهنـاك مـن يقـول :إنهـا ُولِـدَتْ بعـد
بخمـس سـنوات ،وهنـاك َمـ ْن يقـول :إنهـا ُولِـ َدت قبـل البعثـة بخمـس سـنوات،
ِ البعثـة
وهنـاك مـن يـروي أنهـا ولـدت فـي عـام البعثة ،ويُشـ ِكل علـى أصحـاب القـول األول:
- 1أنهـم يثبِتـون أنهـا تز َّوجـت يف السـنة الثانية للهجرة وسـ ُّنها تسـع سـنوات ،وأنجبت
وسـ ُّنها عرش سـنوات ،وهذا أمـ ٌر يسـت ْب َع ُد حصوله. ول َدهـا الحسـن
تبي أن سـ َّنها كان عنـد الزواج ِّ - 2ال سـيام وهنـاك روايـات عـن أهـل البيـت
مـا بين 15سـنة ،و 18سـنة؛ ففي رواية عن اإلمام القاسـم بن إبراهيـم أن عمرها
عنـد الـزواج كان أربـ َع عشرة سـنة((( ،لكنـه أيضـا يُ ْح َمـل عىل سـن خطبتهـا ،وليس
البنـاء بهـا ،وأن البنـاء مل يتـم إال وهـي يف خمس عرشة سـنة.
- 3وير ِّجـح ذلـك أنـه تـ َّم يف روايـ ٍة تحديـ ُد عمـر زفافهـا تحديـدا دقيقـا ،وهي خمس
ـت وعم ُرهـا ثلاثٌ عشرة سـنة ،وخمسـة أشـهر ،ونصـف((( ،وإذا كانـت قـد توفِّ َي ْ
بنـى بها ((( ،وأن اإلمـام عليـا وعشرون سـنة بحسـب روايـة الباقـر
يف السـنة الثانيـة مـن الهجـرة فهذا يعنـي أن عمرها عند الـزواج كان خمس عرشة
املفصلـة ،وعىل هـذا فالذي سـنة وخمسـة أشـهر تقريبـا كما ُذكِـ َر يف تلـك الرواية َّ
يرت ّجـح أنهـا ُولِـدت يف عـام البعثـة ،أو بعـده بقليـل على أقـل تقدير.
أشـرق على الحياة يوم أشـرق اإلسلام؛ ل َي ْد ِف َن وبهـذا يتبيـن أن نور فاطمة
واألخلاق والتعاملات الفاضلـة ،وي ِئ َد ذلكَ ِـي القيـ َم
اإلسلا ُم َّكل مآثـر الجاهليـة ،ويُ ْحي َ
البشـ َع والمنحـر َِف من المرأة ،ولكأن اإلسلام برسـوله أراد تغييـر هذه النظرة الموقـف ِ َ
المنحرِفـة تجـاه المرأة بالمقـال وبالفعال ،وبالوجدان والسـلوك.
لقـد اختصـت الزهـراء فـي حـال والدتهـا بخصوصيـة إرضـاع أمهـا خديجـة لهـا،
وبرعايـة رسـول اللـه لهـا رعايـة خاصـة وإعدادها إعـدادا خاصا ،ثـم إناطتهـا بأعما ٍل
وأدوا ٍر اسـتثنائية كمـا سـيتبين ذلـك.
((( المؤيدي ،لوامع األنوار ،ج ،3ص.28
((( المؤيـدي ،لوامـع األنـوار ،ج ،3ص28؛ وابن عبدالبر ،االسـتيعاب ،ج ،4ص1893؛ والطبـري ،ذخائر العقبى،
ص.20
((( أبو طالب ،تيسير المطالب ،ص.139
28
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
ن�ش�أتها
قد َمـت فاطمـة إلـى هذه الدنيـا مع قدوم اإلسلام ،وكان العاص بن وائل السـهمي ِ
بأنـه أبتر؛ وهـا هو قد رزقـه الله مولـو ًدا آخر؛ لكنـه أنثى، َ
رسـول اللـه قـد ع َّيـر
َّ َ ْ َ ْ َ َ ْ َ ْ ََ
واألنثـى ممـا تغيـ ُظ الجاهلييـن ،فبشّ ـره اللـه وأعطـاه الكوثـر﴿ ،إِنـا أعطينـاك الكوثر﴾،
مصاديـق عديـدة ،وعلـى رأسـها ذريتـه المباركـة الطيبـة التـي ملأت َ والكوثـر يشـمل
اآلفاق.
ورد مـن معانـي الكوثـر كما سـيأتي :الذريـة الكثيـرة؛ وبالتالي فالزهـراء هي مبدأ
،ويعني الكوثـر أيضا الخير الكوثـر ،أو رمـزه ،أو سـببه الـذي أُ ْع ِط َيه رسـول اللـه
والبركـة ،والكثـرة واالمتلاء وكثـرة الذريـة؛ وبهـذا جعلهـا اللـه محـل البركـة ،وعنـوان
العطـاء ،ومصـدر الذريـة المباركـة ،وأم األبرار الهـداة األعالم.
وكانـت خديجـة أم المؤمنيـن إذا َولَـ َدت ولـدا َدفَ َعتْـه إلـى مـن يُ ْر ِض ُعه ،فل َّمـا ولَدَتْ
ولعـل اللـ َه أراد إكرا َمهـا بذلـك أ َّوالً ،ثـم أيضـا فاطمـ ُة لـم تُ ْر ِض ْعهـا امـرأ ٌة غي ُرهـا(((َّ ،
،فخديج ُة تعلـم أ َّن دعـوة زوجها للخـوف عليهـا مـن غائلـة أعداء النبـي محمـد
إلـى اإلسلام ستسـ ِّبب لهـم المتاعـب ،وتثيـر عليهـم العـداوات؛ ولهـذا مـن األفضل أن
تكـون وليدت ُهـا الجديـدة فـي مأمـنٍ مـن غائلـة تلـك االحتماالت.
نشـأت فاطمـة فـي ِحجـر أ ِّمهـا ،ت ٌ ْر ِض ُعهـا من أخالفهـا ،وتفيـض عليها مـن حنانها،
وفـي رضاعـة األم مـا فيهـا مـن أثـ ٍر جميـلٍ ،وعائـد ٍة حسـنة ،على صحـة هـذه الوليدة
المباركـة ،كمـا هـو معـروف في علـم الطـب اليوم.
،فـي وقت كان نشـأت سلام اللـه عليها على يـد أمها خديجـة ،وأبيها محمد
،وبمسـاعدة ما ِل اإلسلام أيضـا ينشـأ ويظهـر وينمـو علـى يـد الرسـول الكريـم
أمهـا خديجـة وعونهـا؛ ولـكأن اإلسلام والزهراء صنـوان جاءا إلـى الدنيا علـى ميعاد.
ترعرعـت فـي ك َنـف أبويـن طاهريـن ،تحفُّهـا تعاليـم جبريل ،وهـو ر َّواح بهـا غ َّداء
بيت طالمـا مألتْ أجوا َءه نسـماتُ الوحي ،وحطَّت فيه آيـاتُ التنزيل، إلـى والدهـا ،في ٍ
دأب المرسـلين نشـأت وأبوهـا يع ِّوذهـا وذ ِّريَّتَهـا مـن الشـيطان الرجيـم ،وكان ذلـك َ
واألوليـاء المخلصيـن ،ثـم هـو المصطفـى الـذي كان يُ َعـ ِّوذ ولديها الحسـن والحسـين،
ويقـول( :أعيذكمـا بكلمـات اللـه التامـة مـن كل شـيطان وها َّمـة ،ومـن كل عيـنٍ ال ّمة)،
كان يعـ ِّوذ بهمـا إسـماعيل وإسـحاق )(((. ويقـول( :إ ّن إبراهيـم
تغييـرات كبـرى في ٍ ِ
إلحـداث بيـت كان ينطلـق فـي أمـ ٍر جلـل ،ويسـعى نشـأت فـي ٍ
ذلـك العالـم ،وضمـن آثـا ٍر وردو ِد أفعـا ٍل ُم ْؤلِمـ ٍة وقاسـي ٍة ،ورغـم صعوبـة مواقـف أهل
هـذا البيـت و ِعظَـم مسـؤوليتهم؛ إال أنهـا ن ِعمت بحنـانِ قل َبي أبويـن كبيريـن ،ومربِّ َي ْينِ
مربِّ ًيا؟! وهل يشـا ِب ُه عظيميـن ،وهـل هنـاك أعظـ ُم من الرسـول الكريـم محمـد
علـى الزهـراء؟! المـرأة االسـتثنائية التـي ولـد حنـا َن الرسـولأب علـى ٍ حنـا ُن ٍ
،وأم أعلام الهـدى من ذريتـه ،حنا ٌن يعلِّـم الوقا َر ،ويبنـي النفوس، هـي كوثـره
أهل هذا البيت. ويغـذِّي العقـول ،ويُ ِع ُّدهـا ألدوا ٍر عظيمـ ٍة ال يقوى عليها في اإلسلام إال ُ
ـت مـع السـنين أنهـا “لقـد نشـأت نشـأ َة جِـ ٍّد واعتـكاف ،نشـأ َة وقـا ٍر واكتفـاء ،و َعلِ َم ْ
شـرف ال منـازِع فيـه مـن واحـدة مـن بنـات حـواء فيمـن تـراه»((( ،نشـأت في ٍ سلسـل ُة
بيـت ربَّتُـه تاجـر ٌة ذكيـ ٌة ،وعاقلـة حصيفـة ،لهـا عالقاتهـا الواسـعة ،وأموالهـا الطائلـة، ٍ
ورئيـس هـذا البيـت قـد كُلِّـف بمهمـة عظيمـة جليلـة ومق َّدسـة ،وهـي أن يُ ْخـرِج الناس
مـن الظلمـات إلـى النـور ،ويتـر َّدد على هـذا البيـت أصدقـا ُء وصديقـاتُ العائلـة و َم ْن
تربطهـم بـه عالقـاتُ التجـارة والدعـوة.
ت َ َفتَّحـت عيـ ُن فاطمـة مـع تفتُّـ ِح عين اإلسلام ،لت ِج َد هـؤالء تحت ظالل هـذا البيت
الطاهـر ،الـذي بـدأ لتـ ِّوه التبشـي َر بالديـن الحق ،الديـنِ الذي ِمـ ْن شـأنه أن يُثير ح َنق
الظالميـن والمسـتكبرين وكبـراء القـوم في مكة و ُج ِّـل العالم.
َّمـت الزهـراء فـي هـذا البيـت وفي هـذه البيئـة تعلي َمهـا األولـي ،كالقراءة وقـد تعل ِ
والكتابـة ،والحسـاب ،والمعـارف األوليـة ،ف ِمـ ْن أمهـا التاجـرة تتعلَّم الحسـاب ،ورياضة
((( الحوثـي ،المختـار ،ص ،676نقلا عـن تفسـير البرهـان ،لإلمـام الناصـر أبي الفتـح الديلمي؛ وأبـو طالب،
تيسـير المطالـب ،ص148؛ والمرشـد باللـه ،األمالـي اإلثنينيـة ،ص.511
((( العقاد ،فاطمة والفاطميون ،ص.17
30
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
أغلـب سـني عمـره -الـذي كان نزيلا علـى هـذا البيـت َ علـي
األذهـان ،ومـن ٍّ
َّمت السـ ْم َت واله ْد َي والدل(((.تعل ِ األولـى -تتعلَّـم القراءة والكتابة ،ومن الرسـول
آيـات مـن القـرآن، تعلّمـت فـي دار أبويهـا مـا لـم تتعلَّ ْمـه طفلـة غيرهـا فـي مكـةٍ ،
،وسـمعته وعـادات يأباهـا َمـ ْن حولهـم« ،سـمعت القرآن الكريم مـن أبيها النبي ٍ
،وصلَّت بـه ،ووعـت أحـكام فرائضه». مـن بـاب مدينـة علـم المصطفـى علـي
وهـا هـي اآلن تك ُبـر وترى أهل هـذا البيت وهم يتحدثون في أمـر جلل ،ويواجههم
مـن أجلـه كبرا ُء القرشـيين المسـتهزئين ،وتـرى أهل بيتها (أباهـا وأمها وابـ َن ع ِّم أبيها
ـت علـى أصـداء عليـاً) يصلـون (سـبع سـنين) ال يراهـم أحـد إال هـي ،وهـي التـي ن َم ْ
فـي ـت نسـائ َم الهدايـ ِة األولـى ،ونالـت بـركات حضـور جبريـل الوحـي ،وتنف ََّس ْ
صباح مسـاء.
َ بيـت أبيها
الـذي نزلت عليـه آياتٌ تأمر بالقـراءة ،وتحثُّ على وال أسـتبعد أ َّن رسـول اللـه
العلـم ،قـد دفعهـا إلـى معل ٍ
ِّمـات أ ْخ َريـات ،فهنـاك رواية تقـول بأنَّـه جعلها عنـد أ ِّم هانئ
بنـت أبـي طالـب ،لرعايتهـا والقيـام بشـأنها((( ،وتقـول أم سـلمة :إ َّن رسـول اللـه
فـ َّوض أ ْمـ َر ابنتـه الزهـراء إليهـا ،فكانـت تؤ ِّدبهـا ،وتدلُّهـا ،فقالـت“ :وكانت واللـ ِه آ َد َب
وأعـرف منـي باألشـياء كلهـا”((( .وكلمـة األدب تعنـي التعليـم األولـي ،الـذي تدل َ منـي،
عليـه صراحـة كلمـة “أعـرف مني”.
ثـم وهـل هنـاك معلِّـم يفوق معلـم البشـرية جمعـاء تربية وتعليمـا وتنشـئة صالحة،
معلـم للبشـرية؛ ال غـر َو أنهـا بلغت أعظـم ٍ
ِ ـت علـى ِ
يـد فمـا ظ ُّننـا بفتـا ٍة تربَّ ْ
ـت وت َر ْع َر َع ْ
مبلغـا عظيمـا فـي ذلك.
في الهدي والسمت والدل. ((( سيأتي أنها كانت أشبه الناس بأبيها
،ص ،119ومـع أن الروايـة ذكـرت أن ذلـك كان بعد وفـاة خديجة لكننا ((( السـيوطي ،مسـند فاطمـة
نسـتبعد التوقيـت؛ كـون فاطمـة فـي ذلـك الوقـت قـد أصبحـت في سـن العاشـرة تقريبـا ،وهو سـن يكون
فيـه الطفل أقـوم برعاية نفسـه.
((( الطبـري ،دالئـل اإلمامـة ،ص ،81رقـم ،21ورغـم أن الروايـة تحـدد التوقيـت بـأن ذلك حدث فـي المدينة
عنـد زواج أم سـلمة برسـول اللـه ،غيـر أن فاطمـة وقـد أصبحـت يافعـة ال ينسـجم حالهـا وتعليـم اآلداب
والمعـارف األولـى ،ولعـل ذلـك حـدث فـي مكـة عنـد صغـر فاطمـة ،فالتبـس علـى الـرواة التوقيـت فقط.
31
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
سـيدة نسـاء العالميـن ،وسـيدة نسـاء هـذه األمـة ،وسـيدة نسـاء أهـل الجنـة ،وبنت
باب مدينة العلم ،ال يجـوز أن تكون إال مدينـة العلـم ،وزوج علـي محمـد
متعلِّمـة ثـم عالمـة ،ووصـف السـيدة عائشـة لهـا بأنها كانـت أكثر الناس شَ ـبَ ًها برسـول
اللـه فـي هديِـه وسـ ْم ِته و َدلِّه ،كما سـيأتي ،يشـير إلى المرتبـة العالية التـي وصلت إليها
الزهـراء فـي جانـب المعرفة بالهـدي اإللهي.
إن صفـات فاطمـة وأخالقهـا وقيمهـا ومبادئهـا ومواقفهـا العظيمـة التـي اتخذتهـا
موقـف -تشـير إلـى نـو ِع المعـارف القرآنيـة، ٍ نفـس ،ورجاحـ ِة عقـلٍ ،وقـو ِة
بعظمـ ِة ٍ
واألحـكام النبويـة ،واإلعـدادات التربوية والنفسـية التـي تلقَّتها الزهراء علـى ِيد ِ
أعظم
أسـاتذة العالـم علـى َمـ ِّر التاريـخ قاطبة.
ِص ْدقُهـا وشـجاعتُها ،وقـوة نفسـها ،وزهدهـا ،وأدبهـا ،ومعرفتهـا لألشـياء كلهـا ،وح ُّبها
للعمـل ،إلـى درجـة أنهـا كانت (تـ ُدقُّ ال َّد ْر َمـك((( بين يديها حتـى م ِجل َْت يداهـا)((( ،بل نوع
، تربيتهـا ،وطريقـة حياتهـا ومعيشـتها علـى النحو الـذي كان عليه الرسـول الكريم
يشـير إلـى اسـتثنائيتها نشـأة وتعليما وعلما وسـلوكا ووجدانـا وجهادا.
إنهـا نمـوذج المـرأة فـي اإلسلام وفـي اإلنسـانية ،وكيـف يجـب أن تكـون؛ ولهـذا
إعجـاب زوجـة أبيهـا عائشـة ،وكذلـك كانـت مثـار إعجـاب ِ كانـت فـي كل شـيء مثـا َر
األخريـات ،وعليـه فلِ َم ال تكو ُن ُ
بنـت اليوم نشـأة وتعلُّ ًما ووجدانا زوجـات النبـي
كمـا كانـت فاطمـة تلـك البنت الصغيـرة؟!.
جهادها �صغيرة
اإلسلام األولى فـي مكـة ،ورأت أباها ِ َ
ظـروف فـي غضـون ذلـك عاشـت الزهـراء
يـوم يحمـل علـى عاتقه مسـؤولية تبليغ اإلسلام بإصرار عجيـب ،وتعلَّ َم ْت منـه قُ َّوت َه
َّكل ٍ
فـي ذلـك ،وإصـرا َره وأُنْ َسـه باللـه ،واستشـعرت معيـة اللـه لـه ،وذاقـت معه طَ ْعـ َم األلم
ومسـت خشـونة الحيـاة في مرضاته ،بقـدر ما تغلغلت فـي أعماقها لذة فـي سـبيل اللهَّ ،
كابـن مسـعود ،وص َرخـت صرخـة الديـن والعـزة والكرامـة فـي وجـوه أولئـك الطغـاة
أشـرف الخلـق وأطهرِهـم وأكرمهم. ِ الذيـن تجـ َّرأوا علـى إيـذاء
بل إنَّ الرواية تشـي ُر إلى أنَّ رجال أسـرع بإبالغ فاطمة بما عمله المشـركون،
وقص َدهـا دونفمـن هـو ذلـك الرجـل؟ ولمـاذا ذهـب إلـى فاطمـة الصغيـرةَ ،
سـواها مـن الرجـال والنسـاء؟ لتأتـي فتصـرخ فـي وجوههـم ،وتنصـر والِ َدهـا
؟ َ
الرسـول
ليـس مـن المسـتبعد أنّـه بلغ من حرص الزهراء سلام اللـه عليها ،على نصـرة أبيها
بـكل مـا يسـوء وال َدهـا لتأتـي هـي أنثـى صغيرة ،أن كلَّفـت َمـ ْن يُ َبلِّغهـا ِّ الرسـول
الرسـول بمـا لـم يسـتطع الذكـو ُر الكبـا ُر أن يفعلـوه ،وهـذا مـا يجـب أن تع َيـه َ فتنصـ ُر
ُ
كما نصـرت فاطمة أباها، تنص َر إسلا َم محمدفاطمـة اليـوم ،فإنـه بإمكانهـا أن ُ
نصـرة لديـن اللـه الذي جـاء به.
أمـا لمـاذا فاطمـة بالخصـوص وليـس أيًـا مـن اآلخريـن ،فإنـه السـتثنائية فاطمـة
وإيذا َءه ،ورمزيتها في اإلسلام ،حيث كلما أراد األعدا ُء تشـوي َه الرسـول
أو تشـوي َه دينـه جـاءت فاطمـة أو أعلام الهـدى مـن ذريتهـا ليزيلـوا ذلـك اإليـذاء،
ويُصلحـوا ذلك التشـويه.
أعـدل مـا نـراه مـن فاطمـة اليـوم فـي اليمـن صغيـرة وكبيـرة وهـي تقتـدي ومـا َ
بفاطمـة الزهـراء قـو ًة ومبـا َدر ًة وصراخـا فـي وجـه الباطـل ،والطاغـوت ،واالسـتكبار
والعـدوان ،والعلـم والتعليـم!
فـي ذلك الجـو الجاهلي ،بثقافتـه المضادة للمـرأة لكونها أنثى، إن فاطمـة
كانـت رسـالة السـماء إلـى أولئـك األقـوام الذيـن مـا فتئـوا يحتقـرون األنثـى ،فكانـت
«شـكل تحريـر المـرأة فـي هـذا الديـن من الظلـم الجاهلـي ،وارثـة كل مفاخـ ِر أهلها،
وصاحبـة مبـادئِ أسلا ِفها فـي المجتمـع الـذي لـم يكـن يـرى غسـل عـار البنـت إال
يعلم بوأدهـا حيـة ،وأفضـل األصهار الـذي يتمنـاه ُّكل أب هو القبـر ،كان محمد
مـاذا تفعـل بـه يـد القـدر ،وفاطمـة تعـرف مـن تكـون ،ولهـذا وقـف التاريخ مدهوشـا
أمـام تعامـل محمـد مـع ابنتـه الصغيـرة ،وركـع أمـام مديحـه غير العـادي لهـا .معاملة
34
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
قلب
كهـذه ،تعنـي شـيئا أكثـر مـن التدليـل والحـب األبـوي الـذي يمكـن أن يفيض بـه ُ
أب علـى ابنتـه ،أن يق ِّبـل يـ َد ابنتـه ،وابنته الصغيـرة ،هذا التصـ ُّرف يعتَ َب ُر ضربـ ًة ثورية
ٍ
انهالـت علـى العوائـل والعالقـات غير اإلنسـانية للبيئة ،حيـث هناك نبي اإلسلام يقبِّل
يد فاطمـة»(((.
التصـرف يبيـن بوضوح ألعيـن كبار الصحابة وسياسـيي المسـلمين وعامتهم ُ “هـذا
عظمـ َة فاطمـة ،ويعلِّـم َّكل النـاس كيـف يتحـ َّررون مـن العـادات واألوهـام التاريخيـة
والتقليديـة ،ويُ َعلِّـم الرجـل أن يَ ْنـزِل عـن عـرش جبروتـه وتج ُّبـره الفـظّ ،وتفرعنـه أمام
المـرأة ،مشـيرا إلـى المـرأة أن ترتفـع عـن ذلتهـا وحقارتهـا القديمـة والجديـدة ،فـي
كونهـا ألعوبـة فـي الحيـاة ،إلـى قمـة الجلال والعظمة والعفـة اإلنسـانية»(((.
كيـف نفـ ِّرق بيـن مـا هـو عـادة فهـل نتعلـم نحـن الرجـال مـن الرسـول
اجتماعيـة ،ومـا هـو حكـم إسلامي فـي مـا يتعلـق بالمـرأة ،وهـل تتعلـم المـرأة اليـوم
كيـف تتمـ َّرد وتثـور على الصورة الشـائهة والنمط المتَّسـخ الـذي يحاول أعـداء الفطرة
قالـب جنسـي تنتهـي إليـه ترسـي َخه أمامهـا ،بـأن تكـون مجـر َد تسـلية للذكـور ،ومجـرد ٍ
فحولتهـم المحمومـة؟!.
�أ�سما�ؤها و�ألقابها
: قـال اإلمـام الحسـن بـن بـدر الديـن (ت670هــ)“ :وروينـا عـن الصـادق
(لفاطمـة ثمانية أسـماء :الص ِّديقة ،والزهـراء ،والطاهرة ،والزكيـة ،والرضية ،والمرضية،
والبتـول ،وفاطمة)”(((.
أما اسـمها فاطمة فهو مشـتق مـن ال َفطْم بمعنى القطع ،يقـال :فطَ َم ِت األُ ُّم صب َّيها،
الرجـل عـن عادتـه ،إذا قَطَ َعتُـ ُه عنهـا .واسـم (فاطمـة) مشـهو ٌر عنـد العـرب،َ وفطَ ْم ُ
ـت
ومتـدا َو ٌل بينهـم بكثـرة ،وقـد بل َغ عـدد الصحابيـات المسـميات بفاطمـة 24صحابية(((،
شريعتي ،فاطمة هي فاطمة ،ص.142 (((
المرجع السابق. (((
أنوار اليقين في إمامة أمير المؤمنين – خ .- (((
تاج العروس ،مادة فاطمة. (((
35
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
قد م َنعت نفسـها لكـن لشـرعية االسـم فـي حق الزهـراء ،فهذا يعنـي أ ّن فاطمة
ابتـدا ًء مـن مواقعـة المعصيـة ،وكذلـك ِمن كثير مـن األشـياء المباحة ،فمنعهـا الله من
النار انتهـا ًء وجزا ًء.
إن هنـاك خصوصيـة جزائيـة واسـتثنائية تكريميـة مـن الله لهـا تسـلِّط الضوء على
سـبب التسـمية أيضـا؛ إذ أنـه فَطَ َمهـا وفَطَـ َم أوال َدهـا ومح ِّبيهـا مـن النـار ،م َّمـن كان
منهـم علـى التوحيـد واإليمـان ،والعمـل الصالـح؛ فقـد روى اإلمـام الرضـا بسـنده عن
( :إنما ُسـ ِّم َي ِت ابنتـي فاطمة؛ ألن الله تعالـى فَطَ َم َها آبائـه ،قـال :قال رسـول الله
وفَطَـ َم َمـ ْن أحبهـا مـن النـار)((( .وفـي روايـة أخـرى مـن طريـق أهـل البيـت
يَقُـ ْو ُل( :إِنِّ َما ،ق ََالَ :سـ ِم ْع ُت َر ُسـ ْو َل اللَّـ ِه ـي بْـنِ أَبِي طَالِ ٍب عـن اإلمـام َعلِ ِّ
ـي اللَّـ َه َعـ َّز َو َج َّـل ِم ْن ُهـ ْم َاط َمـ َة؛ ألَ َّن اللَّـ َه فَطَ َم َها َو ُذ ِّريَّتَ َهـا ِمـ َن ال َّنـا ِر لِ َمـ ْن لَ ِق َ
ُسـ ِّم َي ْت ف ِ
ـت ِب ِه)(((. بِالتَّ ْو ِح ْي ِـد َوا ِإليْ َمـانِ ِب َمـا ِجئْ ُ
كانـت تسـمية توقيفية ،من اللـه عز وجل، وهـذا يب ّيـن أن التسـمية لفاطمـة
؛ األمر الذي يب ِّين أيضـا أن مولدها كان بعـد نزول الوحي، أوحـى بهـا إلـى نبيـه
وهـو ير ِّجـح مـا تر َّجح سـابقا من أنهـا ُولِ َدت في عـام البعثة.
ـب لقيم الحق وإخلاص ومعرف ٍة فإنـه يعني أنَّه ُم ِح ٌّ ٍ شـك أ َّن َمـ ْن يُ ِح ُّبهـا بصـدقٍ وال َّ
والشـجاعة والعفـاف والشـرف ،ومـكارم األخلاق ،التـي تحلَّـت بهـا الزهرا ُء سلام الله
بحـب خصـال الخير وعقائـد الحـق التي كان عليهـا ،و َمـ ْن يكـون كذلـك فإنـه «يقترن ِّ
ـت إلـى الشـر بصلـة مـن ينطـوي عليهـا قل ُبهـا الطاهـر ،مـع االنقطـاع عـن ِّكل مـا يَ ُم ُّ
الظلـم والبغـي والعـدوان»((( ،وهـذا مـا يؤ ِّهلُه ألن يكـون مفطوما من النار ،ويسـ ِّبب له
ـخط َة للـه تعالى ،ويسـارِع فـي مرضاته. المعاصـي ال ُم ْس ِ
َ ـب
أن يتج َّن َ
ِ
البياض وأ َّمـا لقـب الزهراء :فهو مـن ال ّزهر ،واألَ ْز َه ُر مـن الرجال :األَبيـض ُ
العتيق
ال َّن ِّيـ ُر ال َح َسـ ُن ،وهـو أَحسـن البيـاض ،كأَ َّن لـه بَرِيقـاً ونُـورا ً يُ ْز ِهـ ُر كمـا يُ ْز ِهـ ُر النجم(((،
صحيفة اإلمام الرضا ،ص.89 (((
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص228؛ وينظر الكوفي ،مناقب أمير المؤمنين ،ج ،2ص.188 (((
الكعبي ،سيدة النساء فاطمة الزهراء ،ص.28 - 27 (((
ابن منظور ،لسان العرب ،مادة زهر. (((
36
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
(أنه كان أ ْز َهـ َر اللَّون)، واألنثـى مـن ذلـك :زهـراء .قال ابـن األثير“ :في صفتـه
البيـاض الن ِّير وهو أحسـ ُن األلوان”(((،
ُ األبيـض ال ُم ْسـتَ ِنير ،وال َّز ْهـر وال َّز ْهـرة :
ُ واأل ْز َهـر:
وإذا عرفنـا مشـابهة فاطمـة ألبيهـا اتضـح لنـا بشـكل جيـد مأخـذ تسـميتها أو تلقيبهـا
بالزهراء.
إشـراق نـو ِر إيمانهـا ،وإضاءتـه علـى إيمـان ُ أيضـا“ :ويـرا ُد بـهوقـال ابـن األثيـر ً
”(((. “سـ ِّم َي ْت بالزهـراء؛ ألنهـا زهـرة المصطفـى غيرهـا”((( .وقـال المنـاويُ :
قائلـة: فـي زفافهـا بعـض أزواج النبـي وارتجـزت ُ
ومـــن لهـــا وجـــ ٌه كوجـــ ِه القم ِر فاطمـــ ٌة خيـــ ُر نســـا ِء البشـــ ِر
(((
بـــآي ال ُّز َم ِر
ِ بفضـــلِ من ُخ َّ
ـــص ّـــك اللـــ ُه علـــى ِّكل الـــورى فضل ِ َّ
َـت بالزهـراء؛
ُع ِرف ْ و«يسـتفاد مـن جملـة األحاديـث واألخبـار أ ّن فاطمـة
لجمـال هيئتهـا ،والنور السـاطع فـي ُغ ّرتها ،فهـي ُم ْز ِهرة كالشـمس الضاحية ،ومشـرقة
كالقمر المنيـر»(((.
وأ َّمـا لقـب البتـول :فالبتـل فـي اللغـة هـو القطْـع ،والتبتُّل هـو االنقطاع إلـى الله،
وسـ ِئل ثعلـب وهـو مـن أئمة اللغـة :لِــ َم قيـل لفاطمة بنت
واإلخلاص إليـه إخالصـا(((ُ ،
البتـول؟ فقـال“ :النقطاعهـا عـن نسـاء أَهـل زمانهـا ونسـاء األُمـة رسـول اللـه
عفافًـا وفضلاً ودي ًنـا وحسـبًا”((( .وأضاف صاحب القامـوس :والنقطاعها عـن الدنيا(((،
أ َّمـا الخطَّابـي فقـد قـال“ :فأمـا فاطمـة فإنمـا قيل لهـا البتول؛ ألنهـا منقطعـة القرين
نبلا وشـرفا”((( .وهـو معنـى ما ذكـره ثعلب ،وأضـاف ابن منظـور أيضا“ :وامـرأَة ُمبَتَّلة
فضل؛ مـن ذلك قول األَعشـى: ال َخلْـق أَي م ْنقطعـة ال َخلْـق عـن النسـاء ،لهـا عليهـن ٌ
(((
ِة لـــ ْم ت َـــ َر شَ ْمســـاً وال َز ْم َهرِيرا” ْـــق ِمث ُ
ْـــل ال َم َهـــا ُم َبتَّلـــة ال َخل ِ
وهـي معـانٍ تتوافـق ومـا كانـت عليـه فاطمـة مـن العبـادة للـه ،واإلخلاص لـه،
واالنقطـاع إليـه ،والسـيادة والفضـل علـى نسـاء العالميـن.
ومـا ذكـره البعـض مـن كونهـا ال تحيض ،فهذا لم يصـح في روايات أهـل البيت
حيـث أكّـدت أنهـا كانت تحيـض ويأتيها دم النفـاس ،مثلها مثـل بقية النسـاء((( ،وكذلك
قـول اإلمـام الزمخشـري رحمـه اللـه :إنمـا سـ ِّم َيت بذلـك تشـبيها بمريـملـم يُعج ْبنـي ُ
مدلوالت المعنى اللغوي حاضـر ٌة بقوة في الزهراءِ ِ
المنقطعـة عن الرجـال؛ أل َّن البتـول،
أصالة من دون تشـبيه. فاطمـة
ألقاب
وأمـا ألقـاب الصديقـة ،والطاهـرة ،والزكيـة ،والرضيـة ،والمرضيـة ،فإنهـا ٌ
تشـير إلـى أوصافهـا العظيمـة ،من الصـدق ،والطهـارة ،والـزكاء ،والرضا منهـا وعليها.
الخلقي
و�صفها ِ
شـاء اللـه أن تكـون هـذه األنثـى امتـدا َد أبيهـا ،وتح ِمـل فـي جيناتها أعلام الهدى
فـي أمتـه قائمين بالحـق؛ ولهذا منحها اللـه خصوصي ًة َ
الرسـول الذيـن يخلِّفـون
حتى في ِمشـيتها ،ويمك ُن القوي برسـول الله
ُّ اسـتثنائية أخرى ،أال وهي شَ ـ َب ُهها
والخلقيـة مـن صفـات ِ
والدهـا الرسـو ِل األنـور ،ذي اسـتيحاء شـخصيتها الجسـمانية ِ
. الجبيـن األزهر
جمال هيئتها ،ويشـي بالنور السـاطع من ُغ ّرتهـا ،وهي صفاتٌ ولقـب الزهـراء يبين َ
ت ُل ِقـم َح َجـ ًرا أفوا َه أولئك المستشـرقين الذيـن حاولوا تصوي َرها بأنهـا لم تكن كذلك.
أنـس بـنِ مالـك« :كانت فاطمـة كالقمر ليلة البـدر ،بيضا َء ُمشـ َرب ًة ُح ْمرة، قالـت أ ُّم ِ
لهـا شَ ـع ٌر أسـود ،مـن أشـ ِّد النـاس برسـول اللـه شـبها»((( ،قـال عبداللـه بـن أنـس بـن
مالـك ،أحـد رواة سلسـلة الخبـر ،كانـت واللـه كما قال الشـاعر:
(((
وتغيـــب عنه وهـــو جث ٌْل أَ ْســـ َح ُم قيام شـــعرها
بيضاء تســـحب من ٍ
(((
ليـــل عليهـــا ُمظْلِـــ ُمٌ وكأنـــه فكأنهـــا فيـــه نهـــا ٌر ُمشـــر ٌِق
فاطمة في القر�آن
تح َّدث القرآن الكريم عن الزهراء باعتبارها من أهل بيت نبيها المصطفى
وذوي قرباه ونسائه ،ومن األبرار الزاكين.
ُ ْ
ال ْيـت َ ُ َ ِّ َ ْ َ
َّ َ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ ُ ُ ِّ ْ َ ْ َ
ـم الرجـس أهـل َ ِ ويطهرك - 1يقـول اللـه تعالـى﴿ :إِنمـا ي ِريـد الل َّ ِلذهِـب عنكـم
ً
َت ْط ِهيرا﴾ ،تقـول الروايـات المتكاثـرة :إنـه لمـا أنـزل اللـه هـذه اآلية دعـا النبي
فاطمـة وعليـا والحسـن والحسـين ،فَ َجلَّلَهـم بكسـا ٍء يمانـي ،وقـال( :اللهـم هـؤالء أهـل
مـدة طويلة يأتـي منزل فاطمـة َّكل غدا ٍة بيتـي)((( ،وبعـد نـزول هـذه اآلية مكث
ِ
البيـت ويط ِّه َركم أهل
ـس َ
ليذهـب عنكم ال ِّر ْج َ
َ فيقـول( :الصلاة الصلاة ،إنّما يريـ ُد الله
تطهيرا) (((.
وأمـا الرجـس الـذي أذهبه اللـه عنهـم ،وط َّهرهم منه تطهيـرا ،فهو «الفعـل الردي ُء
النجـس مـن المعاصـي واألدنـاس ،واألسـفاه((( التـي تكـون فـي بعـض النـاس ،فأمـر
الحاكم ،المستدرك ،ج ،3ص ،176رقم 4759؛ وحمزة الجرجاني ،تاريخ جرجان ،ص.170 (((
جثل الشعر :كثر والتف واسو ّد ،واألسحم :األسود. (((
حمزة الجرجاني ،تاريخ جرجان ،ص.170 (((
أخرجـه مالـك ،وأحمـد بـن حنبـل ،ومسـلم ،وأبـو داود ،والترمـذي ،والدارقطنـي ،والحاكـم ،وأبـو الشـيخ، (((
والطبرانـي ،والبيهقـي ،وعبـد بـن حميـد ،وابـن جريـر ،وابـن خزيمـة ،وابـن عسـاكر ،وابن مردويـه ،وابن
المنـذر ،وعامـة المحدثيـن ،ورواه أهـل البيـت بأسـانيدهم إلـى أمير المؤمنين ،والحسـن السـبط ،وفاطمة
الزهـراء ،وابـن عبـاس ،وعبداللـه بـن جعفـر ،وجابـر بـن عبداللـه األنصـاري ،وأنس بـن مالك ،وسـعد بن
أبـي وقـاص ،وغيرهـم( .ينظـر المؤيـدي ،لوامـع األنـوار ،ج ،1ص.)55
ينظر ابن عبدالبر ،االستيعاب ،ج ،4ص1543؛ وينظر المصادر السابقة. (((
جمع سفه. (((
39
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
وأمـر أهـل بيتـه بتقـواه وطاعتـه ،وتـ ْر ِك النجس مـن جميع اللـه سـبحانه النبـي
معصيتـه ،بمـا أذهـب عنهم من كل رجـس أو دنَس ،وب َّعدهم من كل معصيـة ون َجس»(((.
إن هـذه اآليـة تؤكِّـد أ َّن اللـه أراد أن يُذهب عن السـيدة فاطمة الزهـراء وأهل بيتها
َّكل رجـس ،ومـا أراده اللـه كان ،وأكَّـد ذلـك بإرادتـه تطهيرهـم تطهيـ ًرا؛ وبالتالـي فهم
معصومـون عن ارتـكاب اآلثام.
َْ َ َ َ َ ْ ْ َُ ْ َ َ َ ْ َ ْ ُ ََْ َ َ َ ْ َ َّ َ
ِـن ال ِعل ِم فقـل تعال ْوا نـدع أبناءنا
- 2قولـه تعالـى﴿ :فمـن حآجـك فِيـ ِه مِن بع ِد مـا جاءك م
َ ْ َ َّ ْ َ ْ َ ْ َ ُ ُ َْ َ ُ َ
ـنا وأنفسـك ْم ث َّم نب َتهـل ف َنجعل لع َنـة الل ّ َع الكذِب َ
َ َ ُ َ ُ َ َ َ َ ُ َْ
ني﴾[آلِ ِ َوأبناءك ْم َون ِسـاءنا َون ِسـاءك ْم َوأنفس
عمـران ،]61:وت َُسـ َّمى آيـ َة المباهلـة ،عندمـا كابـر نصارى نجـران الحجة الواضحة بشـأن
،أمـر اللـه بدعوتهـم إلـى المباهلـة ،أخـرج مسـلم عـن سـعد نبـي اللـه عيسـى
عل ًّيـا وفاطمة رسـول اللـه ُ َـت آيـ ُة المباهلة ،دعا
بـن أبـي وقـاص ،قـال :ل َّمـا ن َزل ْ
وحسـنا وحسـينا ،وقـال( :هـؤالء أهـل بيتي)((( .وهنـا يتب َّيـن أ َّن القرآن الكريـم ع َّب َر عن
الزهراء بـ(نسـاءنا) ،حيث مثَّلت الزهرا ُء نسـا َء األمة باعتبارها سـ ِّيد َة نسـا ِء هذه األمة،
إطلاق لفظ الجمـع عليها. ُ صح
وأكـ ِر ْم بهـا مـن فضيلـة ومنقبـة ،ولكونها كذلـك َّ
ثـم أيضـا كان «إخـراج عنصـر المـرأة ممثلة بفاطمـة الزهراء صلوات الله وسلامه
عليهـا ،والتـي تعتبـر النمـوذج الفـذ للمـرأة المسـلمة ،فـي أمـر دينـي ومصيـري كهـذا،
مـن شـأنه أن يضـرب ذلـك المفهـوم الجاهلـي البغيـض ،الـذي كان ال يرى للمـرأة أية
قيمـة أو شـأنٍ يُ ْذكَـر ،بـل كانـوا يـرون فيها مصدر شـقاء وبلاء ،ومجلبة للعـار ،ومظنة
للخيانـة؛ فلـم يكـن يتصـور أحـد منهـم أن يـرى المـرأة تشـارك فـي مسـألة حساسـة
وفاصلـة ،بـل ومقدسـة كهذه المسـألة ،فضلاً عن أن تعتبر شـريكة فـي الدعوى ،وفي
الدعـوة إلثباتها»(((.
ُ َّ َ ْ َ ُ ُ ْ َ َ ْ َ ْ ً َّ ْ َ َ َّ َ ْ ُ ْ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ ً
ـرب َومـن يقترِف حسـنة - 3قولـه تعالـى﴿ :قـل ل أسـألكم عليـ ِه أجـرا إِل المـودة ِف الق
ـور َش ُك ٌ
الل َّ َغ ُف ٌ َّ ْ َ ُ َ
ِيهـا ُح ْسـنا ً إ َّن َ
َ
رسـول ور﴾[الشـورى ،]23:روي أنَّهـا ل َّمـا نَ َزل ْ
َـت قالوا :يا ِ ـزد ل ف
ن ِ
((( مجموع كتب ورسائل اإلمام القاسم الرسي ،ج ،2ص ،620مسائل القاسم رقم .202
((( مسلم ،الصحيح ،ج ،4ص ،1870رقم.2404
،ص.27 ((( العاملي ،الحياة السياسية لإلمام الحسن
40
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
(علـي وفاطم ُة وول ُدهمـا)((( ،وذوو اللـهَ ،مـ ْن قرابتُـك الذيـن أَ َم َرنا اللـ ُه بمو ّدتهم؟ قالٌّ :
((( ،وأول تلـك الذريـة ورمزها ونهـر كوثرها هي القربـى هـم ذريـة رسـول اللـه
الزهـراء؛ يقـول فقيـه القـرآن العالـم المجاهـد بـدر الديـن الحوثـي« :والحكمـة فـي
ذلـك أن النـاس إذا أحبوهـم ات َّبعوهـم ،فتعلَّموا منهـم ،واهتدوا بهداهـم ،بخالف ما إذا
أبغضوهـم ،فإنهـم يتباعـدون عنهم ،ويتنكَّرون إلرشـاداتهم ،ويتركـون االقتداء بهم»(((.
- 4هـي مـن األبـرار الذيـن َو َردَتْ آياتُ سـورة اإلنسـان فـي فضلهم ،وما أعـ َّد الل ُه
وقـت إفطارهم لهـم مـن اإلكـرام؛ وذلك ل َّمـا ن َذ َرت مع أهـل بيتها بالصيـام ،فل ّما حان ُ
جاءهـم مسـكين ويتيـم وأسـير يسـألونهم ،فأعطوهـم أقـراص إفطارهـم ،فأنـزل اللـه
ُ َ ِّ َ َ ُ َْ َ َ َ ُ َ َ ُ ً َْ ً َْ َ ُ َ َّ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ ُ َ
شب بِها ع َِبـاد الل َِّ يفج ُرونها شبـون مِـن كأ ٍس كن مِزاجها كفورا * عينـا ي تعالـى﴿ :إِن البـرار ي
ً ْ ً ُ ُ َ َّ ْ َ َ َ ُ َ َ ْ ً َ َ َ ُّ ُ ْ َ ً ُ ْ ُ َ َّ َ َ َ َ ُ َْ
شهُ مسـت ِطريا * َويط ِعمـون الطعـام ع ح ِّبـ ِه مِسـكِينا جيرا* يوفـون بِانلـذ ِر و يافـون يومـا كن تف ِ
ِّ َ ُ ْ َ َ َ ُ ُ ً َّ َ َ ُ َ ُ ُ ً َّ َ ُ ْ ُ ُ ْ ْ ً َ َ
ـزاء َول شـكورا* إِنـا ناف مِـن َّربنا َويتِيمـا َوأ ِسيرا* إِنمـا نط ِعمكـم ل َِوجـ ِه الل َِّ ل ن ِريـد مِنكـم ج
اهـم ب َمـا َص َ ُ ً َ َ َ ُ ُ ُ َ َّ َ َ ْ َ ْ ِ َ َ َّ ُ ْ َ ْ َ ً َ ُ ُ ً َ َ َ ُ ً ََْ َْ ً َ
بروا ِ يومـا ع ُبوسـا قمط ِريـرا* فوقاهـم الل َّ ش ذل ِـك الـوم ولقاهـم نضرة وسورا* وجز
َ َُ ً َ ً َ َ َ َ َ َ َ ْ ً َ َ َْ َ َ ََ َْ ً ُ َّ َ َّ ً َ
ين فِيهـا ع ال َرائ ِِك ل ي َر ْون فِيها شمسـا َول زمه ِريـرا* َودان َِيـة عل ْي ِه ْم ظِللها كئ ِجنـة َوح ِريـرا* مت ِ
َّ يـرا* َق َوار َ َّ َ َ ْ َ َ َ ْ
ت َق َوار َ َ ِّ ـاف َعلَ ًْ ََُ ُ َ ُ ِّ َ ْ ُ ُ ُ َ َ ْ
يـر مِن ف ِض ٍة ِ ِ ن ك اب
ٍ ـو ك أو ة
ٍ ِض ف ـن م ة
ٍ ِي ن آِ ب ـم ه
ِ ي ط ي و * لا ل ِ ذ وذللـت قطوفهـا ت
ً ََُ ُ ً َ ْ ً َ ُ َ َّ َ َْ ُ َ َ َ َ ً ْ َ َ َ َ ً ُْ َ َّ َ َ ْ
قد ُروهـا تقدِيـرا* َويسـق ْون فِيهـا كأسـا كن م َِزاجها زجنَبِيلا* عينا فِيها تسمى سلسـبِيال * ويطوف
ً ُْ ً َ ً َ َ ْ ْ ْ َ ٌ ُّ َ َّ ُ َ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ ُ ْ ُ ْ ُ ً َّ ُ ً َ َ َ َ ْ َ َ َّ َ ْ َ َ
ـم َرأيت ن ِعيمـا َوملاك كبِريا* علي ِهـم ِولان ملدون إِذا رأيتهـم ح ِسـبتهم لؤلؤا منثـورا * وإِذا رأيت ث
َّ َ َ َ ُ ْ َ ُّ ُ ْ َ َ ً َ ُ ً َّ َ َ ُ ْ ٌ َ ْ َ ْ َ ٌ َ ُ ُّ َ َ َ َُ ْ َ ُ ُ ُ
شابا طهـورا * إِن هذا ـاو َر مِـن ف ِض ٍة وسـقاهم ربهم ع ِلهـم ثِياب سـند ٍس خض وإِسـتبق وحلوا أ ِ
س
ُ ً َ َ َ ُ ْ َ َ ََ َ َ ُْ ُ
كم َّم ْشكورا﴾[اإلنسـان ]22 - 5:من سـورة اإلنسـان. كن لكـم جزاء وكن سـعي
نزلـت هـذه اآليـات في أهل البيت هـؤالء((( ،ووصفتهم اآليات بأنهـم أبرار ،ويوفون
بالنـذر ،ويخافـون اليـوم اآلخـر ،ويُطْعمـون الطعـام علـى حاجتـه ،ولوجـه اللـه ،وبغير
خبـر مشـهور مـروي عـن جماعـة مـن الصحابـة ،أخرجـه الحسـكاني مـن طـرق ،وأخرجـه أبـو عبيـد فـي (((
فضائـل القـرآن ،وإسـحاق ،وعبـد بـن حميد ،والحسـن بن سـفيان ،والبغـوي ،والثعلبـي ،والمرشـد بالله من
طريقيـن ،والحاكـم ،وابـن حنبـل ،وابـن المغازلي.
الحوثي ،التيسير في التفسير ،ج ،6ص.365 (((
الحوثي ،التيسير في التفسير ،ج ،6ص.365 (((
رواه اإلمـام الهـادي فـي األحـكام ،والسـيوطي فـي الـدر المنثـور ،وغيرهمـا .ينظـر الحوثي ،التيسـير في (((
التفسـير ج ،7ص.316 - 315
41
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
جـزاء وال شـكور ،وأنهـم يخافـون يومـا عبوسـا قمطريـرا ،ولهـذا جزاهم اللـه بالفضل
العظيـم والخيـر العميم.
إذن الفضـل جاءهـم مـن قبـل أعمالهـم ،حيث بـادروا بأفعـال طيبة وخ ِّيـرة مواكِبة
النفعـاالت اعتقاديـة ،وذات داللـة ضميريـة ،فـي مـا بينهـم وبيـن اللـه عـز وجـل ،من ٍ
الصيـام وإيفـاء النـذر ،والخـوف مـن اللـه واليـوم اآلخـر ،وعذابـه ،وتت ْر َج َمـت هـذه
االعتقـادات إلـى أفعـال سـلوكية ،فأطعمـوا الطعـام علـى حبه؛ لهـذا مدحهـم الله ذلك
المـدح ،وجازاهـم ذلـك الجزاء.
َّ َ ْ َ َ َ
أنـه أعطـاه الكوثـر ،قـال تعالـى﴿ :إِنـا أعط ْينـاك - 5امتـن اللـه علـى نبيـه
َ ْ َ ْ َ َ َ ِّ َ ِّ َ ْ
ـك َوانَـر* إ ِ َّن َشـان َِئ َك ُه َـو األ ْب َت﴾[الكوثـر .]3 - 1:قال اإلمام زيـد“ :الكوثر: الكوثـر* فصـل ل ِرب
هـو الخيـر الكثيـر”((( ،وقـال اإلمام القاسـم بن إبراهيـم“ :الكوثر هو العطـاء األكبر”؛
قـال السـيد المجاهـد بـدر الديـن الحوثـي“ :وهـو عـا ٌّم لنعـم الله التـي أنعم بهـا على
أيضـا أنـه ال مانـع مـن تفسـيره بكثرة الذريـة إلى جانـب ِّكل ما ” .وذكـر ً رسـوله
يشـمله عمـوم اللفظـة مـن المصاديق الكثيـرة(((؛ وال شـك أ َّن الزهراء هي رمـز الكوثر،
و ُمنطَلقُه.
42
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
أنـه غضبُـه مـا أغضبهـا ،فعنـه ،يؤذيـه مـا آذاهـا ،ويُ ِ - 2أنهـا بَضعـة منـه
قـال( :فاطمـ ُة بَضع ٌة منـي ،ف َم ْن أغضبها فقـد أغضبني) ،ويف روايـة أخرى( :فإنَّ ا
هـي بَضعـة مني يُريبُنـي ما أرابها ،ويؤذيني مـا آذاها)((( ،ويف روايـة( :إمنا فاطمة
ِشـجنة مني يبسـطني ما يبسـطها ،ويُ ْقب ُِضنـي ما يُ ْقب ُِضها)(((.
،كما ُكسـر ،أي أنهـا جز ٌء منـه وال َبضعـة بالفتـح :ال ِقطعـة مـن اللحـم ،وقـد ت َ
أ َّن القطعـة مـن اللحـم جـز ٌء منه((( ،والشّ ـجنة بضم الشـين وكسـرها :ال َّر ِحم المشـتبِكة،
وأصلُهـا شُ ـعبة مـن غُصنٍ مـن غصون الشـجرة(((.
وهـذا الحديـث برواياتـه المتعـددة يبيِّـن خطـورة إغضـاب فاطمـة أو إيذائهـا ،أو
،وكان إقباضهـا وأن ذلـك بمثابة إغضاب رسـول اللـه أو إيذائه ،أو إقباضه
بهـذا يُعطـي درسـا عظيمـا وكبيـرا فـي أهميـة االلتـزام بالمبـادئ الدينيـة ،واألحـكام
إغضاب فاطمة سلام الله عليها ُ الشـرعية ،ويُ َحـذِّر مـن خطـورة االنحراف الذي يشـكل
دليلا علـى أنـه انحراف.
صلاح األمة
ُ ؛ لكونِهـا أ َّم ذريتـه الذيـن بهـم كمـا يشـير إلـى رمزيـة فاطمـة
أنهـا قطعـة منـه ،وأن حكـم هـذه المـرأة حكمـه فـي وهدايتهـا ،وأكَّـد الرسـول
مجتمـعٍ كان يُهيـ ُن المـرأ َة ويحت ِق ُرهـا ،ويعتبرهـا عـا ًرا.
بالسـيادة ،فمـرة بأنهـا سـيدة نسـاء هذه األمة ،ومـرة بأنها ُ
الرسـول َ - 3و َصفَهـا
سـيدة نسـاء العاملين ،وثالثـة بأنها سـيدة نسـاء أهـل الجنـة ،ووردت أحاديث كثرية
) ،وأخرجـه المحدثـون ،ومنهـم ابن أبـي عاصم في المعرفـة( ،فصـل إمامـة اإلمـام زيـد بـن علـي
اآلحـاد والمثانـي ،ج ،8ص ،313رقـم ،2624وأبـو نعيـم فـي معرفـة الصحابـة ،ج ،22ص ،206رقـم،6704
والحاكـم فـي المسـتدرك ج ،11ص ،38رقـم ،4713وقـال :صحيـح اإلسـناد ،والطبرانـي فـي الكبيـر ،ج،1
ص ،108رقـم ،183ج ،22ص ،401رقـم ،18853وآخـرون.
ينظر البخاري ،الصحيح ،ج ،3ص ،1361رقم.3510 (((
الحاكـم ،المسـتدرك على الصحيحيـن ،ج ،3ص ،168رقم3734؛ والطبراني ،المعجـم الكبير ،ج ،22ص،405 (((
رقم.1014
ابن األثير ،النهاية في غريب الحديث واألثر ،ج ،1ص.345 (((
لسان العرب ،ج ،13ص ،232مادة شجن. (((
43
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
بذلـك يف كتـب املسـلمني جميعـا((( ،وصار هذا معروفـا عند املسـلمني((( ،وأوصافها
بأنهـا (سـيدة نسـاء املؤمنين)((( ،وأنهـا (سـيدة نسـاء هـذه األمـة)((( ،وأنهـا (سـيدة
ل
بر عـن علـ ِّو مقامهـا ،وأنّهـا تفـ ّردت بهـا؛ لفرادتهـا فض ً نسـاء أهـل الجنـة)((( ،تع ُ ِّ
عملا وإنجازًا. وبركـة ،وتفردهـا ً
إنهـا نمـوذج المـرأة المؤمنـة؛ إذ هي سـيدة نسـاء هـذه األمـة ،وهي نمـوذج المرأة
العالميـة؛ إذ هـي سـيدة نسـاء العالميـن ،وهي نموذج المـرأة التي تبتغـي طريق الجنة؛
إذ هـي سـيدة نسـاء أهـل الجنـة ،فنسـا ُء هـذه األمـة يَجِـ ْدن فـي الزهـراء نموذ َجهـن
القرآنـي ،الـذي ينبغـي التأسـي بـه في جميـع مجـاالت تحركهـا ،وهناك مـن المفاهيم
والقضايـا والمبـادئ اإلنسـانية والفطريـة مـا يجعـل المـرأة العالميـة تجِـد ضالَّتهـا
المنشـودة فـي نمـوذج الزهـراء سلام اللـه عليهـا ،وهنـاك فيهـا سلام اللـه عليهـا من
المواصفـات اإليمانيـة مـا تجـد فيهـا المرأة المؤمنـة التي تبتغـي الجنة طريقهـا إليها.
إنهـا نمـوذج الحريـة والكرامـة والعلـم والعـدل واإلنصـاف والتواضـع واإلنسـانية
واإليثـار والتفضـل وقوة الموقـف ،واعتداد المرأة بكرامتها اإلنسـانية ،وحسـن التربية،
أي نمـوذ ٍج آ َخـر ،وهـي تتوق إلـى جميل أي امـرأ ٍة اليـو َم عـن االتجـاه إلـى ِّ بمـا يغنـي َّ
وقـوي المواقف.
ِّ المبـادئ ،وروعـة العفـاف،
- 4وردت أحاديـثُ كثيرة ت ََض ُعهـا سلام اللـه عليهـا ِضمـ َن أربعِ نسـو ٍة من العـامل فُقْن
نسـاء العـامل خرييـة وأفضليـة مـن أول الدهر إىل آخـره؛ فمنها حديـث عكرمة عن
(أفضل نسـا ِء أهـلِ الجنة :خديجـ ُة ُ
بنت ُ : ابـن عبـاس ،قـال :قال رسـول اللـه
بنـت مزاحـم ،امـرأةبنـت عمـران ،وآسـي ُة ُ محمـد ،ومريـ ُم ُ ٍ ٍ
خويلـد ،وفاطمـ ُة ُ
بنـت
ينظـر ابـن عبدالبـر ،االسـتيعاب ،ج ،4ص1895؛ واإلمام زيد ،مسـند اإلمام زيد ،ص ،362بلفظ “خير نسـاء (((
العالمين”.
الرازي ،أخبار فخ ويحيى بن عبدالله ،ص.60 (((
المرشـد باللـه ،األمالـي اإلثنينيـة ،ص241؛ والبخـاري ،الصحيـح ،ج ،5ص ،2317رقـم 5928؛ ومسـلم، (((
الصحيـح ،ج ،4ص ،1904رقـم.2450
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص241؛ وابن عبدالبر ،االستيعاب ،ج ،4ص.1894 (((
أبـو طالـب ،تيسـير المطالـب ،ص348؛ والبخـاري ،الصحيـح ،ج ،3ص ،1326رقم3426؛ ومسـلم ،الصحيح، (((
ج ،4ص ،1904رقـم.2450
44
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
ير نسـا ِء ( :خ ُ فرعـون) ،وحديـث أنـس بـن مالـك ،قـال :قـال رسـول اللـه
العاملين :مريـم بنـت عمـران ،وآسـية بنت مزاحـم ،وخديجـة بنت خويلـد ،وفاطمة
ري
( :خ ُ بنـت محمـد) ،ومنهـا روايـة عـن أيب هريـرة ،قـال :قـال رسـول اللـه
نسـا ِء العاملين أربـ ٌع :مريـم بنـت عمـران ،وابنـة مزاحـم امـرأة فرعـون ،وخديجة
)(((. بنـت خويلـد ،وفاطمـة بنت محمـد
بنصه على ِّ وبمقارنـة هـذه األحاديـث بمـا قبلهـا فالـذي يتضـح أن الرسـول
هـؤالء األربـع إنمـا أراد التعريـف بأفضل نسـاء الجنـة والعالم كنماذج متعـددة في أمم
خـص فاطمـة بتلـك األوصـاف العظيمـة ،فإنـه إنمـا أراد القـول مختلفـة ،بينمـا حيـن َّ
بأنهـا سـيدة النسـاء فـي هـذا العالم ،وفـي الجنة ،وعلى جميع النسـاء بمـا فيهن أولئك
الثلاث النسـاء الفاضلات ،وهـن مريم وخديجة وآسـية سلام اللـه عليهن.
إنهـا النمـوذج األنثـوي للكمال البشـري ،الـذي يُ ْض َرب مثـاال في القـدوة الصالحة،
نمـوذج الرجـال ،وهـذه المـرأة التـي هـي قطعـة منـه ،نموذج النسـاء، فمحمـد
إنهـا خصوصيـة هـذه األنثـى المصطفاة واسـتثنائيتها.
أحـب النسـاء إليـه إطالقـا ،وهي َم َح َّب ٌة من فضـل الزهـراء ،ويعتربهـا َّ يُ ِّ - 5كان
فاطمة، أحب النسـاء إىل رسـول اللـه نـوع خـاص؛ فعـن بريـدة قـال( :كان ُّ
ومـن الرجـال علي بـن أيب طالـب)((( .ودخـل جميع بن عمري عىل عائشـة فسـألها:
؟ قالـت :فاطمـة ،قـال :قلـت :ف ِمـ َن أحـب إىل رسـول اللـه
أي النسـاء كانـت َّ ُّ
الرجـال؟ قالـت :زوجهـا؛ إذ كان مـا عل ْمتُـه ص َّوا ًمـا ق ّوا ًما(((.
لهذه إ َّن هـذه المح َّبـة التـي حـازت المرتبـة األولـى عند هـذا النبي الكريـم
أحكام
ِ تمسـكه بإجـرا ِء
عندما أعلن ُّ األنثـى الكريمـة هـي التـي َّ
دل عليهـا النبـي
بأحـب الخلـق إلى قلبه وهـي فاطمـة ،عندما قـال( :والله لو سـرقت فاطمة ِّ اللـه حتـى
((( ابن عبدالبر ،االستيعاب ،ج ،4ص،1823 - 1821
((( ابـن عبدالبر ،االسـتيعاب ،ج ،4ص1896؛ والحاكم ،المسـتدرك ،ج ،3ص ،168رقـم ،4735وصححه الذهبي؛
والترمذي ،السـنن ،ج ،14ص ،23رقم.4242
((( ابن عبدالبر ،االسـتيعاب ،ج ،4ص1896؛ والحاكم ،المسـتدرك ،ج ،3ص ،171رقم4744؛ والترمذي ،السـنن
رقم.4242
45
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
أحب
الحـق أقوى مـن ِّ ـت يدهـا) ،وهـو بهـذا يشـير بوضوح إلـى أ َّن َّ بنـت محمـد لقطَ ْع ُ
الخلـق إليـه ،وهـي فاطمـة صلوات اللـه عليها.
يف هديِـه وسـم ِته؛ لـذا كان مـن الطبيعـي أن تكـون َ
الرسـول - 6أشـبهت أباهـا
؛ ألنها كانـت امتدا َده الرشيـف ،ونه َر كوثـره الجاري أحـب النسـاء إىل قلبـه
عبر الزمـن ،وألنهـا بَ ْضعـة منـه ،وغصـ ٌن أزهـر مـن شـجرته ِ
املغدقـة ،وأ ُّم ذريتـه
الطاهـرة ،ووالـد ُة أعلام الهـدى امليامين من أهـل بيته.
ومـن الطبيعـي أن تكـون كذلـك وهـي تشـبهه فـي ِّكل شـيء ،تُشْ ـ ِب ُهه فـي كالمهـا،
وحديثهـا ،وصـدق لهجتها ،وفي سـمتها ،وفي هديها ،وقعودها وجلوسـها ،تقول عائشـة:
مـن فاطمـة» ،وتقـول( :ما ـت أحـ ًدا أشـب َه كال ُمـه وحديثُـه برسـول اللـه «مـا رأيْ ُ
أصـدق لهجـة مـن فاطمـة إال أن يكـون الـذي َولَ َدها)((( ،وفـي رواية: َ ـت أحـ ًدا كان رأيْ ُ
من فاطمة بنت رسـول ـت أحـ ًدا أشـبَ َه َسـ ْمتًا ،و َدلًّ ،و َه ْديا((( برسـول الله (مـا رأيْ ُ
َـت عائشـة مشـابهة فاطمـة ألبيهـا حتـى في اللـه فـي قيامهـا وقعودهـا)((( ،وقـد الحظ ْ
إلى أبيهـا قبيل وفاتـه( :ال والله حالـة المشـي ،قالـت وقـد روت مجـيء فاطمة
)((( ،أو (تمشـي كأن مشـيتها مشـية مـا تخفَـى مشـيتُها عـن مشـية رسـول اللـه
)((( ،هـذه المشـابهة العميقة توحي وتشـير إلى قوة التأثـر واالهتداء رسـول اللـه
. واالقتـداء مـن فاطمـة بأبيها الرسـول
بتعاملات مم َّيـز ٍة وكثيرة ،أراد مـن خاللهـا ترجمـة تلك ٍ خصهـا رسـول اللـه َّ - 7
احترام وتبجيـلٍ فعلي ،فمنها: ٍ الفضائـل القوليـة إىل
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص ،233وابن عبدالبر ،االستيعاب ،ج ،4ص.1895 (((
السـمت :عبـارة عـن الحالـة التـي يكـون عليها اإلنسـان ،مـن السـكينة والوقار وحسـن الطريقة واسـتقامة (((
المنظـر والهيئـة .و الـ َد ُّل :الحالـة التـي يكون عليها اإلنسـان من السـكينة و الوقـار في الهيئـة و المنظر و
الشـمائل .وهـو مقـارب للسـمت .والهدي :السـيرة والهيئـة والطريقة.
الحاكـم ،المسـتدرك ،ج ،4ص ،303رقـم ،7715وقـال الذهبـي :صحيـح؛ والترمـذي ،السـنن ،ج ،14ص،27 (((
رقـم .4246بـاب فضـل فاطمـة؛ وأبـو داود ،السـنن ،ج ،4ص ،523رقـم ،5219بـاب مـا جـاء فـي القيـام.
البخاري ،الصحيح ،ج ،5ص ،2317رقم.5928 (((
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص241؛ وأحمد ،المسند ،ج ،6ص ،282رقم.26456 (((
46
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
أ -أنـه كان إذا دخلـت عليـه قـام إليهـا ،فقبّلهـا ،ور ّحـب بهـا كما كانت هـي تصنع
به(((.
يق ِّبـل فاطمة)، َ
رسـول الله ـت أرى ب -كان يُ َق ِّبلهـا دامئـا ،تقـول عائشـة( :ك ْن ُ
يشـم منهـا رائحـة الجنـة ،فـإذا اشـتاق إىل رائحـة الجنـة شـ َّم وكان
اشـتقت إىل الجنة
ُ ريـح فاطمـة((( ،ويف الحديـث( :فاطمـة حـورا ُء إنسـية ،كلما
ق َّبلْتُها) ( ((.
قـدم إىل بيتهـا آخـ َر النـاس بـه عهـ ًدا ،وإذا قـدم ِ إذا سـافر يجعلُهـا ِ ج -كان
أوال ،فكانـت أول النـاس بـه عهـدا ،كام روى ذلـك ابن عمر ،خلا أنه يف بعض
الروايـات :كان إذا قـدم بـدأ باملسـجد فصلى فيـه ركعتين ،ثـم يـأيت فاطمـة
،ثـم يـأيت أزواجه(((.
إذا بكـت ميسـح الدمـوع مـن عينيهـا بطـرف ثوبـه((( ،واسـتمر على د -كان
صوتهـا «ففتـح عينيـه ،ثم ذلـك حتـى مـرض موتـه؛ إذ ملَّـا بكـت وسـمع
رفـع يـده ،فمسـح خدهـا من الدمـوع»((( .ولعلـه كان يَ ِعـ ُّز عليه أن يراهـا باكية؛
ألنهـا بَ ْضعـة منـه ،وأراد أن يعلِّـم أمتـه أنـه ال يجـوز أن تصنـع أو تفعـل مـا ِم ْن
شـأنه أن يُ ْبكيهـا ،وأن تعمـل هـذه األمة على أن ال تُ ْغ ِض َبها ،وأنـه يجب أن تكون
مع مـا يُ ْسـ ِع ُدها ويُجفِّـف دمو َعها.
هــ -كانـت تضـع خ ّدهـا عىل خـده ،ويف ذات مرة وضعـت خ َّدها عىل خـده ،فبكت
حتـى اخضلَّـت لحيتُه ووج ُهـه بدموعها(((.
رس إليها دون َم ْن سـواها ،وملَّا دنا أجلهو -كان إذا دعاهـا أجلسـها بالقـرب منـه ،وأ ّ
رسه ٍ
بحديث أ َّ دعاهـا إليـه ،فجـاءت (فوضع رأسـه يف ِحجرها سـاعة)َّ ،
وخصهـا
ابن عبدالبر ،االستيعاب ،ج ،4ص.1896 (((
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص.226 (((
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص227؛ والخطيب البغدادي ،تاريخ بغداد ،ج ،5ص ،87رقم.2481 (((
ابن عبدالبر ،االستيعاب ،ج ،4ص.1895 (((
العجري ،إعالم األعالم ،ص.344 (((
أبو العباس الحسني ،المصابيح ،ص.249 (((
أبو العباس الحسني ،المصابيح ،ص.245 (((
47
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
وخصهـا بـه دون نسـائه ،فرأيْ َنها تبيك مرة ،ثم تضحـك أخرى ،ومل إليهـا فقـطَّ ،
مـن خاللها(((. يعل ْمـن سـبب ذلـك إال بعد موته
تحـل عـن الدنيـارسه إليهـا وحدهـا أخربهـا أنـه ُم ْر ِز -ويف ذلـك الحديـث الـذي أ َّ
أول أهـلِ بيتـه لحوقا بـه ،وقـال لها: بشهـا بأنهـا ُ
عما قريـب ،فبكـت ،ثـم ملـا َّ َّ
(أال ترضين أن تكـوين سـيدة نسـاء املؤمنين ،أو نسـاء هـذه األمـة) ضحكـت(((.
ح -وكثيرا مـا ذكَّرهـا بنعمـة السـيادة ،مثـل قولـه لهـا( :أمـا ترضين أن تكـوين
سـيدة .((()..
ط -ولقـد كان حريصـا يف كل مـرة أن تعيـش فاطمـة عىل طريقة أبيهـا ،بعيدة عن
بهـرج الدنيـا وزينتهـا ،وعندمـا رأى على بيتها سـتارة مزيَّنة ومنقوشـة عاد ومل
بإزالتها ،وأرسـلتها إىل أبيهـا يك يبيعها، يدخـل ،فرسعـان مـا بادرت هي
ويتصـ َّد َق بقيمتهـا ،بينما بقيـت قرائ ُبـه األخريـات يَ ِعشْ ـ َن فيام شئن مـن متاع
الدنيـا؛ ألنهـا كانت شـيئا وكُ َّن شـيئا آخر.
بعـد نـزول آيـة التطهير شـهو ًرا على بيتهـا وبيـت علي ي -وتـر َّدد
َّكل غـداة ،يناديهـم( :الصلاة الصلاة ،إمنـا يريـد اللـه ليذهـب عنكـم الرجـس
ويطهركـم تطهيرا)(((.
شعة إىل املسجد ،إال باب عيل وفاطمة (((، ك -وأمر بس ِّد أبواب بيوت الصحابة الـ ُم ْ َ
أبـو العبـاس الحسـني ،المصابيـح ،ص245؛ والمرشـد باللـه ،األمالـي اإلثنينيـة ،ص243 ،242 ،241؛ وابـن (((
عبدالبـر ،االسـتيعاب ،ج ،4ص.1894
المرشـد باللـه ،األمالـي اإلثنينيـة ،ص182 - 181؛ والبخـاري ،الصحيح ،ج ،5ص ،2317رقم 5928؛ ومسـلم، (((
الصحيـح ،ج ،4ص ،1904رقم.2450
المرشـد باللـه ،األمالـي اإلثنينيـة ،ص242 - 241؛ والبخـاري ،الصحيـح ،ج ،5ص ،2317رقـم 5928؛ وابـن (((
عبدالبـر ،االسـتيعاب ،وابـن عبدالبـر ،االسـتيعاب ،ج ،4ص.1894
ابن عبدالبر ،االستيعاب ،ج ،4ص1543؛ وغيره. (((
فـي سـد األبـواب إال بـاب علـي حديـث ابـن عبـاس ،وأنـس بن مالـك ،وابـن عمر ،وسـعد بن أبـي وقاص، (((
،ينظـر الكوفي ،مناقب وجابـر بـن سـمرة ،واالمـام الحسـين ،وجابر بن عبـد الله ،وأميـر المؤمنين
أميـر المؤمنيـن ،ج457 ،2؛ وابـن حنبـل ،المسـند ،ج ،3ص ،439رقـم1429؛ والطبرانـي ،المعجـم األوسـط،
ج ،9ص ،130رقـم4077؛ والطحـاوي ،مشـكل اآلثـار ،ج ،8ص ،106رقـم3040؛ والترمـذي ،سـنن الترمذي،
ج ،5ص ،641رقم.3732
48
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
(كل بنـي أنثـى ألبيهـم إال ابنـي فاطمـة فأنـا وليُّهـم و َع َصبَتُهـم) ،و(إال ولـد فاطمة
فـإين أنـا أبوهم وعصبتهـم)(((.
إن اللـه سـبحانه وتعالـى كـ َّرم فاطمة بأ ْن حفظ اللـه ذرية أبيهـا النبي األكرم
ونسـب منقطـ ٌع يـوم
ٍ (كل َسـ َب ٍب
ُّ : فـي ذريتهـا ،وجعـل َع ِقبـه مـن عقبهـا ،يقـول
أب فإ َّن عصبتهـم ألبيهم ما خلا ولد فاطمة وكل ِ
ولـد ٍ القيامـة مـا خلا سـببي ونسـبيُّ ،
(األنسـاب تنقطـع يـوم القيامـة غيـرُ : فإنـي أنـا أبوهـم وعصبتهـم)((( ،ويقـول
نسـبي وسـببي وصهري)(((.
- 12هـي جـزء مـن الرسـول وقطعـة منـه (بَضعـة)؛ ولـذا كان حكمهـا حكمـه ،ومـن
مصاديـق ذلـك أنـه ملَّا ربط أبو لبابة نفسـه يف املسـجد ،وأقسـم أن ال يحلـه أح ٌد إال
رسـول اللـه ،وجـاءت فاطمـة بعد نـزول توبته لت ُحلَّـه فأىب ،فقال رسـول الله
( :إمنـا فاطمـة مضغـة منـي) ،فحلّته(((.
فضلهـا علمـا ُء الشـيعة بمختلـف مذاهبهـم على جميـع النسـاء حتى على ولهـذا كلِّـه َّ
فضلهـا مـن علمـاء السـنة كثي ٌر مـن المحققين، ،وكذلـك ّ مريـم العـذراء البتـول
ومنهـم التقـي السـبكي ،والجلال السـيوطي ،والبـدر الزركشـي ،والتقـي المقريـزي،
.وذهـب األلوسـي فـي تفسـيره والبلقينـي ،والسـهيلي؛ ألنهـا بّضعـة رسـول اللـه
إلـى أنهـا أفضـل النسـاء المتقدمـات والمتأخـرات على اإلطلاق(((.
علمهــــا
نشـأت الزهـراء في بيت أُ ِّس َ
ـس علـى العلم ،وتن َّزلت فيـه آياتُ القـرآن الكريم ،وفيه
اآليـات اآل ِمـرة بالقـراءة والتعلم ،ومن أ ٍّم كانـت تا ِج َرة ،وللتجـارة مقتضياتُها في وجوب
ينظر :المؤيدي ،لوامع األنوار ،ج ،3ص.29 - 28 (((
أبو نعيم ،معرفة الصحابة ،ج ،1ص ،231رقم.199 (((
ابـن حنبـل ،المسـند ،ج ،4ص ،323رقم18927؛ والطبراني ،المعجم الكبيـر ،ج ،20ص ،25رقم30؛ والحاكم، (((
المسـتدرك ،ج ،3ص ،172رقم .4747
السهيلي ،الروض األنف ،ج ،3ص.440 - 439 (((
دكتور محمد بيومي ،السيدة فاطمة الزهراء ،ص.18 (((
50
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
حـب المعرفـة بعـض المعـارف ،ومـن الطبيعـي أن تنشـأ فاطمـة مفطـور ًة علـى ِّ تعلُّـم ِ
والعلـم ،فهنـاك الكثيـر مـن العوامـل التـي تدفعهـا في هـذا االتجاه؛ إنها سـ ِّيد ُة نسـاء
العالمين ،ونسـاء هذه األمة ،ونسـاء أهل الجنة ،وال سـيادة إال بالسـيادة في العلم أوال.
ومـا روي مـن مشـاركاتها العلميـة ورواياتهـا وآرائهـا وفقهها وخطبهـا واحتجاجاتها
يشـير إلـى علمها الواسـع ،وحصيلتهـا الفائقة ،رغـم معاجلة الموت لها ،بعـد وفاة أبيها،
إذ لـم يُتَـح لهـا إبـدا ُء ما لديها مـن رواية ومعرفـة وعلم كما أتيـح لنسـا ٍء أُ ْخ َريات .غير
أ َّن مشـاركاتها وآراءهـا فـي أهـم القضايـا العلميـة والسياسـية واالجتماعيـة فـي تلـك
أي امـرأ ٍة عالمـ ٍة كانـت الزهـراءَّ ،
وأي ب َّيـن َّ المـدة القصيـرة بعيـد وفـاة النبـي
زوجـ ٍة كان اللـه قـد اختارهـا واصطفاهـا لباب مدينـة العلم.
وال ُدهـا بمـا أنعـم اللـه عليهـا، مواقـف مختلفـة كان يذكِّرهـا الرسـول
َ فـي
فيذكُـ ُر لهـا بـأ َّن زوجها «أعلـم أصحابه باللـه تعالى» ،باإلضافـة إلى كونه أولّهم سـلما،
أن يَ ْعـرِض لها شـخصي َة زوجِهـا العظيم وأكثرهـم حلمـا((( ،وهـو بلا شـك يريـد
ِ
الشـخصيات مـن خاللهـا، مـن خلال أهـم المقاييـس اإلسلامية التـي يق ِّيـم اإلسلا ُم
ومـن خلال أهـم المقاييـس التـي لـدى فاطمـة ،وهـي المشـغوفة بمقاييـس اإلسلام،
فـكان أهـم تلـك المقاييـس هـو «أعلمهـم باللـه تعالى».
َ
وأعرف “ :وكانت واللـه آ َد َب مني، وقـد مـ َّر عـن أ ِّم سـلمة قولُها عن فاطمـة
َ
رسـول الله باألشـياء كلهـا” ،كمـا مـ َّر قول عائشـة ،مـن أنها مـا رأت ِمثْلَها يُشْ ـ ِب ُه
شـك أن المشـابَهة للرسـول فـي فـي كال ِمهـا ،وحدي ِثهـا ،وفـي سـم ِتها ،وهديِهـا ،وال َّ
الحديـث والسـمت والهـدي ال بـد أن يكون لـه عالقة بالجانـب المعرفي كأفضـلِ امرأ ٍة
فـي الناحيـة العلمية. َ
الرسـول تُشْ ـ ِب ُه
عاجلـت المنيـ ُة الزهـراء قبـل أن ت ُ ْز ِهـر ثمـا ُر عل ِمهـا ،وتونِ َـق أشـجار معارفهـا،
فغـادرت الحيـاة وعمرهـا 23سـنة تقريبـا ،قضتهـا فـي ظالل أبيهـا ،الـذي كان مرجع
((( أبـو طالـب ،تيسـير المطالـب ،ص ،140بلفـظ“ :أقدمهـم إسلاما ،وأحسـنهم خلقـا ،وأعلمهم باللـه تعالى”؛
وابـن عبدالبـر ،االسـتيعاب ،ج ،3ص ،1099وفيـه“ :أول أصحابي إسلاما ،وأكثرهم علمـا ،وأعظمهم حلما”،
و “زوجـك سـيد فـي الدنيـا واآلخرة”.
51
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
العالميـن ،و َمـ ْن تخفى بجانب إشـراق ِة هديِه نجـو ُم الهداية؛ إال أن األشـ ُهر القليلة التي
وعلوم بشـكلٍ أثبـت فرادتها ٍ َ
معارف ق ََضتْهـا بعـد وفـاة أبيهـا أظهرت ما كان لديهـا من
وجدارتهـا وسـيادتها علـى نسـاء العالمين.
فـي خطبتهـا التـي أنكـرت فيهـا علـى أبـي بكـر اسـتيال َءه علـى أمالكها فـي فدك،
وأنكـرت علـى المسـلمين تخاذلَهـم عـن نصـرة ابـن عمهـا وزوجهـا فـي تضييـع مبـدأ
ومعارف واسـع ٍة وعميقة ،في سـ ْر ٍد َ علم عظيـم،
،أبانت عـن ٍ واليـة اإلمـام علـي
. وحبـك متقَـن ،ال يمكن اسـتيعابه إال أنه من فاطمة ابنـة النبي الكريم ٍ مرت َجـلٍ ،
فـي تلـك الخطبـة أظهـرت -مـن دقائـق معرفة اللـه ،ومن معانـي القـرآن الكريم،
و ُحسـن التعامل معه ،ومن تفسـيرات التشـريعات اإلسلامية ،ومن طبيعة رسـالة والدها
الكريـم ،ودوره الرسـالي فـي ظـل الظـروف االجتماعيـة والفكريـة ،وأوضـاع العـرب
الثقافيـة واالجتماعيـة والتطـورات الدقيقـة فـي هـذا الجانـب -مـا يُذ ِهل القـارئ لها.
لقـد اسـتدلت بكتـاب اللـه علـى صحـة موقفهـا اسـتدالال فقهيـا متقنـا ،و ُمف ِْحمـا،
ـت أفـكا َر خطبتهـا ،وسلسـلتْها بطريقـة متد ِّرجـة ،أقامـت مـن خلال ذلـك لـوا َء ورت َّ َب ْ
وأفحمـت الخصم ،فـي صورة مؤث ِّـرة ،وق َّد َم ْت فيهـا تقريرا ِ الحجـة ،وأقنعـت المسـت ِمع،
الفكري
َّ تاريخيـا ضافيـا ع َّمـا كان عليـه الصحابـة ثـم مـا أصبحـوا فيـه ،فجمعـت فيـه
والسياسـي واالجتماعـي والتحليلـي ،وأوردت مـن معانـي القـرآن مـع تفصيالت السـنة، َّ
ودقيق توصيـف ،و ُحنك ِة حوار، ِ وحشـدت المعـارف الفقهيـة مـع اللغوية ،بقوة مالحظـة،
وشـديد توبيـخ ،لتأخـذ بأكظامهـم ،وقـد أوردتهـم علـى ِ ٍ
اسـتنهاض، ت ُفضـي إلـى قـوة
مشـهد اآلخـرة المهول.
وفـي تلـك الخطبـة التـي أذاعتهـا فـي نسـاء المهاجريـن واألنصـار يَظْ َهـ ُر عل ُمهـا
القـوي فـي قوة احتجاجهـا على خذالنهم ألحقية أبي الحسـن في أمـر األمة ،وعرضت
ودليل ذلك من القرآن والسـنة، النتيجـة التـي كانوا سـيحصلون عليهـا لو بادروا لذلـكَ ،
ثـم تقييمهـا لنتائج قرارهـم الخاطئ.
أسـلوب زوجهـا اإلمـام فـي نهـج َ إن قـوة أسـلوبها الخطابـي يشـبه إلـى حـد كبيـر
البالغـة ،ولكـن زوجهـا كان قـد اعتـاد اعتلاء المنابـر ،وأنِس مسـالك الخطـب ،و َم ُرن
52
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
علـى ترتيـب أفكارهـا ،بخالفهـا فلم يُ ْع َهـد منها ذلك؛ اللهم إال أن يشـير إلـى أنها كانت
قـد تم َّرسـت علـى إيراد الـدروس والخطب على نسـاء المؤمنين إلى الحـد الذي جعلها
متمكِّنـة بذلك الشـكل الرائع.
كانت تحمـل علما جما ،ولـو امتدت ومـن خلال ذلـك نعـرف «أن الزهـراء
بهـا الحيـاة لـرأى المسـلمون منهـا الكثيـر والكثيـر ممـا تفيـض بـه مـن علومهـا التـي
؛ ألنهـا كانـت فـي حياتـه مـع رسـول اللـه تغـرف مـن أ َخ َذت ْهـا مـن رسـول اللـه
بحـر علمـه ،وتتحـرك فـي خـط أخالقـه ،وتعيـش آفـاق روحانيتـه؛ ولهـذا كانـت بضعة
منـه( ،فاطمـة بضعـة منـي) ،فعقلها بَضعة مـن عقله ،وقلبهـا بَضعة من قلبـه ،وطاقاتها
بَضعـة مـن طاقاتـه ،وروحانيتهـا بَضعة مـن روحانيتـه»(((.
إ ّن معرفـة الزهـراء للـه تعالـى مـن خلا ِل آياتـه ،واسـتيعابَها القـرآ َن بشـكلٍ عميق،
،وقدرتَهـا الفائق َة علـى التعامل مع مصاد ِر التشـريع ووع َيهـا بسـنة وسـيرة أبيهـا
هـذه لمعالجـة الواقـع الذي عاشَ ـتْه بأقوى طريق ٍة ،وأفصـ ِح عبار ٍة ،لهو ٌ
دليـل كبير على
سـيادتها العلميـة على نسـاء العالمين.
ولهذا ولكون الزهراء سـيدة المعارف والعلوم ..ال َغ ْر َو أن وجدنا ذريتها الطاهرين
مـن أئمـة أهـل البيـت الميامين يسـتدلون بأفعالهـا في المسـائل الفقهية؛ فهـذا اإلمام
يقـول مسـتدال( :وقـد كانـت أ ُّمنـا فاطمـة ترى ما تـرى النسـاء فتقضي الباقـر
الصـوم ،وال تقضـي الصلاة)((( ،ورغـم أ َّن الروايـات ت ُْسـ ِند إلى رسـول الله ِ
نفسـه مرة،
عق عن الحسـن والحسـين فـي اليوم وإلـى زوجهـا اإلمـام مـرة أخـرى ،أ َّن كال منهمـا َّ
رؤوسـهما فضـة ،غيـر أ َّن السـجاد زيـن السـابع مـن مولدهمـا ،وتصـ َّدق بـوزنِ شـع ِر ِ
وغيـره أيضـا فـي روايـة يُسـ ِندون فعـل ذلـك إلـى الزهراء مسـتدلين العابديـن
بفعلها علـى سـنية العقيقة(((.
ال مريـة أن كانـت فقيهـة عالمـة ،وقـد سـ ِم َع ْت مـن رسـول اللـه قبـل زوجهـا فـي
،ووج َدها قـد أحلَّت، مسـألة الحـج ،لغيابـه فـي اليمـن ،فلمـا ِ
قـدم ببُـ ْدنِ النبـي
َـت ،ونالـت من الطِّيـب ،فأنكـر زو ُجها ذلك عليهـا؛ إذ ذلك ـت ثيابـا َصبِغـا ،واكتحل ْ
ولب َِس ْ
رسـول اللـه فأحلَلْنـا ِمـن ح ِّجنـا،
ُ يخالـف مـا عليـه المحـرِم للحـج ،فقالـت لـه( :أ َم َرنـا
ُ
رسـول الله ما وجعلناهـا عمـرة) ،فذهـب إلـى رسـول الله مسـتفتيا فيما ذكـ َرت ،فص َّدق
َـت)(((.
قالتـه ،وقـال( :ص َدق َْت ص َدق ْ
ومـن أمـارات فقههـا الشـرعي ،أنهـا لما أنكـرت على أبي بكـر اسـتيال َء عامله على
فـدك ،قالـت( :فـدك بيـدي)((( ،أي أنهـا ذكـرت قضية هامة فـي التقاضـي ،وهو ثبوت
الموضـع ال ُمتَنازَع عليه ،وبالتالي فال يلز ُمها بحكم الشـرع أن تورِد الشـهود ِ يدهـا علـى
ثابـت فيثبـوت ملكي ِتهـا ،ولهـذا كان مـن الخطـأ مطالبتُهـا بالبينـة علـى مـا هو ٌ علـى ِ
يدها.
إن طريقـة محا َّجتهـا ألبـي بكـر وعمـر حـول فـدك ،وحـول ميراثها من رسـول الله
((( ،تـدل علـى رسـو ِخ قد ِمها فـي الفقه ،وطـو ِل باعها في االحتجاج واالسـتدالل.
أمـا علمهـا باألسـاليب التربوية فيكفي أنها ربَّت سـيدي شـباب أهل الجنة ،الحسـن
والحسـين ،لقـد أنشـأت بطريقتهـا التربويـة أعلى مدرسـة مثالية ،تخ ّرج منها الحسـنان
وزينـب؛ ألـم تكـن ت ُ َزفِّـن الحسـن أو تنقِّـز لـه أو ترقِّصـه((( ،وتقـول ملهِمـة لـه القتفـاء
،كانـت تقول له: وعظيـم المثـال ،وهـو جـ ُّده المصطفى ِ جميـلِ النمـوذج،
(((
ليـــس شـــبيهاً بعلـــي وا بأبـــي ِشـــ ْبه النبـــي
وهذا يدل على مهارتها التربوية.
وكانـت تصطحـب أوال َدهـا إلى محـراب عبادتهـا ،وتعلِّمهم أنـواع التهجـد؛ إذ يروي
أجلسـتْه إلى جانب سـجادتها ،وهي تتضـرع إلى الله أن والدته َ اإلمـام الحسـن
قـد أهـل بمـا أهـل بـه رسـول اللـه ،وحج رسـول اللـه قارنـا ،بينما ظاهـر الروايـة تقول: وكان علـي (((
إنهـا حجـت متمتعـة ،ينظـر :أمالـي أحمـد بـن عيسـى ،ج ،1ص370؛ ودرر األحاديـث النبويـة ،ص.84
الحوثي ،المختار ،ص ،252نقال عن الجامع الكافي؛ وأبو العباس الحسني ،المصابيح ،ص.266 (((
البالذري ،أنساب األشراف ،ج ،1ص.519 (((
كلمات متقاربة في المعنى. (((
ابن حنبل ،المسند ،ج ،6ص ،283ط1؛ وابن عساكر ،تاريخ دمشق ،ج ،12ص.7 (((
54
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
، تعالـى ،وتدعـوه ،وذكـرت الروايـات أنها كانـت تعلِّـم أوال َدها ُخطَب رسـول الله
وهمـا لـم يبلغـا الخامسـة ،وكانت تطلـب منهما إعادة ما سـمعاه من خطاب رسـول الله
علـى مسـامعهما ،ثـم يعيدانـه بحضـور أبيهمـا .وأخـذت زينـب معها إلى مسـجد رسـول
ل ّمـا ألقـت خطبتها العصمـاء في مواجهـة الصحابة(((. اللـه
عجـب أن وقفـت زينـب فـي مواجهـة طغيـان يزيـد فـي عاصمـة الخوف َ ولهـذا ال
والجريمـة فـي ذلـك العصر ،لتقول بكل شـجاعة وثبات( :الحمدلله مـا رأينا إال جميال)،
سـيد شـباب أهـل الجنـة ،واثنين مـن أبنائهـا البـررة ،وثمانية وقـد شـ ِه َدت قتـل أخيهـا ِ
عشـر قمـرا مـن أقمار بني هاشـم علـت أرواحهم شـهداء إلـى بارئهـم ،ورأت ذلك بأم
عينهـا صابـرة صامـدة كالجبل األشـم والطـود األعظم ثباتـا ويقينا.
ِ
وتقديسـه ،كمثـل تلـك وتـدل خطبـة الزهـراء العصمـاء واسـتهاللها بتعظيـم اللـه،
الخطبـة التـي ب َدأَتْهـا فـي مواجهـة أبي بكـر( :الحمدللـه على مـا أنعم ،وله الشـكر بما
ألهـم) ،ثـم قالـت( :الممتنـع عـن األبصـار رؤيتُـه ،ومن األلسـن صفتُـه ،ومـن األوهام
اإلحاطـة بـه)((( – علـى مقدرتهـا البالغيـة ،ومهاراتهـا األدبيـة الرائعـة.
ويحكـي التاريـخ عـن الزهـراء فـي حـاالت جوهرية ظ ِفر بهـا من حياتهـا القصيرة
علـم ببعـض المهـارات الهامـة ،مثـل أنهـا كانـت تغـزِل ،وكانـت تغزل أنهـا كانـت علـى ٍ
لنفسـها ولآلخريـن باألجـرة((( ،وهـو أمـ ٌر يشـير إلـى أهميـة كيـف تكـون المـرأة عملا
ومهارة ونشـاطا.
لقـد بلـغ من حنكتهـا وحصافتها السياسـية واالجتماعية أن صارت مستشـارة اإلمام
؛ فـكان هـو والزبيـر حيـن بويـع أبـو بكـر يدخلان عليهـا ف ُيشـاورانِها، علـي
ويتراجعـان فـي أمرهـم ،واتخذوا مـن دارها مق ًّرا لمعارضة السـلطة الجديـدة(((؛ األمر
الـذي اسـتثار السـلطة الجديـدة فقـ َّررت الهجـوم على هـذا البيت.
ويسـ ِّجل التاريـ ُخ علـى نحـ ٍو فريـد أن هذه الفتـاة في عمر السادسـة عشـرة تقريبا
فـي أُ ُحـدَّ ،
وظـل جر ُحـه ينـزِف ،لكنها بفضـل خبرتها ُ
رسـول اللـه أنـه لمـا ُجـرِح
الجراحيـة اسـتطاعت إيقـاف ذلـك النزيـف((( ،وهـذا يشـير إلـى تفوقهـا علـى َمـ ْن
بحضرتهـا فـي هـذه القضية.
وهـي التـي ألهمت أسـماء بنـت عميس في اسـتحداث النعش للجنائـز ،الذي ال زال
يعمـل بـه المسـلمون حتـى اليـوم ،فقد كرِهـت ما كان عليـه وض ُع َحمـلِ الجنائـز؛ لهذا
ألقـت فـي فكـرة أسـماء لتسـتذكِ َر مـا رأتـه فـي الحبشـة ،فكان اسـتحداثُ النعش ألول
مـرة في اإلسلام((( ،وهـذا يـدل علـى فكرها اإلبداعي.
مروياتها الحديثية
، في موضوع الحديث النبوي هناك روايات حديثية ر َوتها هي عن أبيها
بعض الصحابة رغم ِق َص ِر المدة التي قضتها بعد وفاة رسول الله ورواها عنها ُ
ورغم أنها قضتها في عناء وشقاء.
وم َّمـن روى عنهـا متتلمـذا عليهـا زو ُجهـا وأسـتاذها اإلمـام علـي بـن أبـي طالـب
،وزوجتا أبيها عائشـة ،وأم سـلمة ،وأسـماء بنت عميس، ،وول ُدها الحسـين
وأنـس بـن مالـك ،وعبداللـه بن العبـاس ،وعبداللـه بن مسـعود ،وأبو هريرة ،وسـلمة بن
األكـوع ،وغيرهـم .وخـ ّرج أحاديثَهـا جماعـ ُة المح ِّدثيـن ،وأئمتُنـا الخمسـة((( ،وزيـد بـن
(ت298هـ)(((. (ت122هــ) ،والهادي إلـى الحق يحيى بن الحسـين علـي
وممـا روتـه هـو مـا رواه عنها ولدها شـهيد كربلاء ،قالت :خرج رسـول الله
ولعلي خاصة ،وإني رسـول عشـية عرفـة ،فقـال( :إن اللـه باهـى بكم ،وغفر لكم عامـةٍّ ،
أحب
محـاب لقرابتـي ،فقال :إن السـعيد كل السـعيد حق السـعيد مـن َّ ٍ اللـه إليكـم غيـر
عليـا فـي حياتـه وبعـد مماتـه)((( ،وهو أم ٌر يشـير إلى أنها اسـتحضرت أهميـة أن يُ ِحب
ليتخـذوا المواقـف اإليجابيـة في قضيـة الوالية ،كما يشـير النـاس اإلمـا َم عليًـا
ُ
إلـى عظيـم وفائها له.
وروى يزيـد بـن أخـت عبدالملـك النوفلـي ،عـن أبيـه عـن جـده ،قال :دخلـت على
،قـال :فبدأتني بالسلام ،قـال :فقالت :قـال أبي :وهو فاطمـة بنـت رسـول اللـه
وعليـك ثالثـة أيـام فلـه الجنـة ،قـال :فقلـت لها :هـذا في ِ علـي
ذا هـو – أن مـن سـلم َّ
حياتـك وحياتـه؟ أم بعـد موتـه وموتـك؟ قالـت :في حياتنـا وبعد موتنـا»(((.
( :يُ ْح َف ُظ وم َّمـا َر َوت ْـه فـي خطبتهـا فـي مواجهـة الصحابـة ُ
قـول رسـول اللـه
المـر ُء فـي ولده).
،قالت :كان وروى عبداللـه بـن الحسـن عـن جدتـه فاطمة بنت رسـول اللـه
إذا دخل المسـجد ،قال( :بسـم الله والسلام على رسـول الله رسـول الله
،اللهـم اغفـر لـي ذنوبـي ،وافتح لي أبـواب رحمتك)((( .وفـي رواية قالـت( :وإذا خرج
اللهـم اغفر لـي ذنوبـي ،وافتح لي قـال :بسـم اللـه ،والسلام علـى رسـول اللـه
أبـواب فضلك)(((.
وأخـرج ابـن ماجـة بسـنده عـن الحسـين بـن علـي عـن أمـه فاطمـة ،قالـت :قـال
ريـح َغ َمـر((()(((.
نفسـه ،يبيـت وفـي يـده ُ
(أل يلومـن امـر ٌؤ إال َ رسـول اللـهَّ :
المرشـد باللـه ،األمالـي الخميسـية ،ج ،2ص ،130ترقيـم آلـي؛ وابـن أبـي الحديد ،شـرح نهـج البالغة ،ج،9 (((
ص169؛ والطبرانـي ،المعجـم الكبيـر ،ج ،22ص ،415رقـم18878؛ وابـن حنبـل ،فضائـل الصحابـة ،ج،2
ص ،658رقـم.1121
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص.225 (((
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص.239 ،238 (((
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص239؛ ورواه ابن حنبل ،المسند ،ج ،6ص.283 ،282 (((
ريح اللحم وما يعلق باليد من دسمه. (((
ابن ماجة ،سنن ابن ماجة ،ج ،10ص ،162رقم 3421؛ والنوري ،المسند الجامع ج ،20ص.161 (((
57
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
،قالـت: وأخـرج ابـن حنبـل بسـنده عـن الحسـن بـن الحسـن عـن فاطمـة
بلال بـاألذان ،فقـام ليصلـي، فـأكل َع ْرقـا((( ،فجـاء ٌ علـي رسـول اللـه (دخـل َّ
مسـتفأخـذت بثوبـه ،فقلـت :يـا أبه ،أال تتوضـأ؟ فقال :م َّم أتوضـأ يا بنية؟ فقلت :مما ّ
مسـتْه النـا ُر)(((.
أطيـب طعامكـم ما َّ ُ النـار؟ فقـال لـي :أو ليـس
إلـي عمر بنوأخـرج ابـن حنبـل بسـنده عـن الباقـر محمـد بـن علـي ،قـال :كتـب َّ
عبدالعزيـز أن أنسـخ إليـه وصيـة فاطمـة ،وكان فـي وصيتها السـتر الـذي يزعم الناس
دخـل عليهـا فلمـا رآه رجع»(((. أنهـا أحدثتـه ،وأ َّن رسـول اللـه
وممـا روتـه عائشـة عنها حديث معارضة جبريل لرسـول الله بالقرآن ،قالت عائشـة:
إلي رسـول الله فقال( :إن جبرئيـل كان يعارضني بالقرآن ح ّدثتنـي فاطمـة ،قالت :أسـ َّر َّ
َّكل سـنة مـرة ،وأنـه عارضنـي العـام مرتيـن ،وال أراه إال وقـد حضـر أجلـي ،وأنـك أول
أهـل بيتـي لحاقـا بي ،ونعم السـلف أنـا لك) ،قالت :فبكيـت((( ،ثم قـال( :أال ترضين أن
تكوني سـيدة نسـاء هذه األمة ،أو نسـاء العالميـن ،فضك ُْت)(((.
سـلم عنـده لـم يغـادر وفـي روايـ ٍة عـن عائشـة ،قالـت :كان ُ
أزواج النبـي
تمشـي ما تخطئ مشـيتها من مشـية رسـول الله منهـن امـرأة ،فأقبلـت فاطمـة
شـيئا فلمـا رآهـا ر َّحـب بهـا ثم قـال « :مرحبا بابنتي» ،ثم أجلسـها عـن يمينه أو
عـن شـماله ،ثم سـا َّرها فبكـت بكاء شـديدا ،فلما رأى ج َز َعهـا سـا َّرها الثانية فضحكت،
ِ
فضحكـت ،فلما مـن نسـائه بالسـرار ،ثـم أنت تبكـي ُ
رسـول اللـه خص ِ
ـك فقلنـاَّ :
ألفشـي على رسـول اللهَ كنت
؟ قالت :ما ُ قامـت سـألتُها :مـا قال لك رسـول اللـه
عليـك بمالـي عليك من الحـق ل َّمـا حدث ِتني بما ِ ـت
ِّـي قلـت :ع َز ْم ُ
سـ َّره .فل َّمـا توف َ
قـال لـك .فقالـت :أ ّمـا اآلن فنعـم ،أ ّمـا حين سـا َّرني فـي المـرة األولـى فأخبرني «أن
ْـت العظـم ،إذا أكلـت مـا عليـه مـن اللحـم ،وهو أيضـاً :العظـ ُم الذي أُخـ َذ عنه
العـ ْرق :مصـدر قولـك َع َرق ُ (((
اللحـ ُم( .الصحـاح فـي اللغة).
ابن حنبل ،المسند ،ج ،6ص283؛ والنوري ،المسند الجامع ،ج ،161 ،2رقم ( 1128فاطمة بنت محمد). (((
ابن حنبل ،المسند ،ج ،6ص283؛ والنوري ،المسند الجامع ،ج ،20ص.161 (((
يحمل بكاؤها هنا أنه لموت والدها ،كما ورد في روايات أخرى للحديث ،وليس للحاق به. (((
ابن عبدالبر ،االستيعاب ،ج ،4ص.1894 (((
58
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
كان يعارضـه بالقـرآن فـي كل سـنة مـرة ،وأنـه عارضـه العـام مرتيـن، جبريـل
وأنـي ال أدري األجـل قـد اقتـرب ،فاتقـي اللـه واصبـري ،فإنـي نعـم السـلف أنـا لك»،
رأيـت ،فل ّمـا رأى جزعـي سـا َّرني الثانيـة فقـال« :يـا فاطمـة ،أمـا فبكيـت بـكاء الـذي ِ
فضحكـت ضحكـي ُ ترضيـن أن تكونـي سـيدة نسـاء المؤمنيـن أو سـيدة هـذه األمـة ؟»
الذي ِ
رأيـت(((.
ويبـدو ُملْ ِفتًـا أن تكـون أكثـر الروايـات المتعلقـة بها سلام اللـه عليها حـول الدعاء
والمناجـاة للـه سـبحانه وتعالـى ،فهـذا سـويد بـن غفلـة أيضـا ،قـال« :أصابـت عليـا
فسـألتيه ،فأتتـه ،قـال :وكان أتيـت النبـي :لـو ِ خصاصـة ،فقـال لفاطمـة
أل ِّم أيمـن :إن هـذا لـدق عنـده أم أيمـن ،فأتتـه فدقّـت البـاب ،فقـال النبـي
فاطمـة ،ولقـد أتتنـا فـي سـاع ٍة مـا ع َّو َدتْنـا أن تأت َينـا فـي مثلهـا ،قومـي فافتحـي لهـا
ففتحـت البـاب ،فقـال( :يـا فاطمـة ،لقـد أتي ِتنا في سـاع ٍة مـا عودتِنـا أن تأت َينا ُ البـاب،
فـي مثلهـا!!) ،فقالـت :يا رسـول اللـه ،هذه المالئكـة طعا ُمهـا التهليل والتسـبيح والحمد
ٍ
محمد ( :والـذي بعثني بالحـق نبيا ،ما اقتبس فـي آل فمـا طعامنـا؟ فقـال النبـي
شـئت أم ْرنـا لـك بخمسـة أعنـز ،وإن نـا ٌر منـذ ثالثيـن يومـا ،ولقـد أتتنـا أعنـز ،فـإن ِ
كلمـات علَّمكهن ٍ آنفـا) ،فقالـت :علِّمني كلمـات ،علّمنيهـن جبريل ٍ شـئت علمتُـك ِ
،قـال( :قولـي :يـا أول األولين ،ويا آخـر اآلخرين ،ويا ذا القـوة المتين، جبريـل
َـت على علي ويـا راحـم المسـاكين ،ويـا أرحـم الراحميـن) ،قـال :فانص َرف َْت حتـى َد َخل ْ
ـت ِمـ ْن عنـدك إلـى الدنيـا ،وأتيتـك باآلخـرة، قالـت :ذه ْب ُوراءك؟ ْ ِ ،فقـال :مـا
فقـال :خيـر أيامـك ،خير أيامـك»(((.
وأمـا حديـث التسـبيح :فقـد روي بصيغ وألفـاظ متعددة ،ونـورد هنا مثـاال يدل على
بِشَ ـي ٍء ِمـ َن ال َّر ِق ْي ِق، اس ق ََال :أُتِ َي َر ُسـ ْو ُل اللَّ ِه مـا سـواه ،روى طـاووس َعنِ ابْنِ َع َّب ٍ
:انْطَلِ ِقـي إِلَـى َر ُسـ ْو ِل اللَّـ ِه لِف ِ
َاط َمـ َة ـي بْـ ُن أَبِـي طَالِ ٍ
ـب َـال َعلِ ُّ
فَق َ
((( ابـن أبـي عاصـم ،اآلحـاد والمثانـي ،ج ،8ص ،321رقـم2632؛ وأبـو يعلى ،مسـند أبي يعلـى ،ج ،13ص487؛
رقم.6601
((( أبو طالب ،تيسير المطالب ،ص329 - 328؛ والمرشد بالله ،األمالي الخميسية ،ج ،1ص.432 - 431
59
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
فَأَ ِريْـ ِه َمـا ِبيَ ِـد ِك ِمـ ْن أَث َـ ِر ال َّر َحى ِمـ ْن طَ ْحـنِ الشَّ ـ ِعيْرَِ ،وأَ ْخ ِب ِريْ ِه بِـأَ َّن ال َِّذي ِبيَ ِـدي نَ ْح ًوا
ِمـ َن ال َِّـذي ِب َي ِـد ِك ِمـ ْن ُم َعاونتـي إِيَّاك َعلَـى ال َّر َحىَ ،وا ْذكُـرِي لَ ُه ِشـ َّد َة َحالِ َناَ ،و َمـا َعلَ ْي َنا
ِمـ َن ال َّديْـنِ َ ،و َسـلِيْ ِه َمـا ُه َنا ِم ْن َهـ ُؤالَ ِء ال َّر ِقيْ ِـق نَ ْسـتَ ِعيْ ُن ِب ِه َعلَـى ِم ْه َن ِت َنا.
فَ َذكَـ َرتْ َذلِ َـك لَ ُهَ ،وأَ َرتْـ ُه ال َِّذي ِب َي ِد َهـا ،فَأَ ْخ َب َرتْـ ُه أَ َّن ال َِّذي َـت ف ِ
َاط َمـ ُة فَانْطَلَق ْ
ُ ( :و ِّج َه َهـ ُؤالَ ِء ال َّر ِق ْي ُـق ِب َو ْج ِه ـي نَ ْحـ ٌو ِمـ َن ال َِّـذي ِب َي ِد َهـا ،ق ََالَ :ر ُسـ ْو ُل اللَّـ ِه ِب َي ِـد َعلِ ٍّ
ـيكَـذَا َوكَـذَا َوالَ َسـ ِب ْي َل إِلَ ْيـ ِهَ ،ولَ ِكـ ْن َسـأُ ْعلِ ُم ِك َمـا ُهـ َو َخ ْيـ ٌر لَكُـ ْم ِمـ ْن َذلِ َـكَ ،حتَّـى يَأْتِ َ
ـك ِمـ َن اللَّ ْيـلِ ف ََسـ ِّب ِحي اللَّـ َه اش ِـت إِلَـى ِف َر ِ َـال( :إِذَا آ َويْ ِ َـت :نَ َعـ ْم ،فَق َ اللَّـ ُه بِالْ َخ ْيـرِ) ،قَال ْ
�ثَالَثـاً َو�ثَالَثِ ْيـ َنَ ،وا ْح َم ِـد ْي �ثَالَثـاً َو�ثَالَثِ ْيـ َنَ ،وكَ ِّبـرِي أَ ْربَعـاً َو�ثَالَثِ ْيـ َن ،ث ُ َّم قُلِـي :اللَّ ُه َّم َر َّب
ات َو َر َّب الْ َعـ ْر ِش الْ َع ِظ ْي ِمُ ،م َن ِّز َل التَّـ ْو َرا ِة َوا ِإلنْ ِج ْيلِ َوالْ ُف ْرقَـانِ ،فَالِ َق الْ َح ِّب َوال َّن َوى، السـ َم َو ِ
َّ
ـت األَ َّو ُل اط ُم ْسـتَ ِق ْي ٍم ،أَنْ َ اص َي ِت َهـا إِنَّ َك َعلَى ِص َر ٍ آخـ ٌذ ِب َن ِأَ ُعـ ْو ُذ ب َِـك ِمـ ْن شَ ـ ِّر ك ُِّل َدابَّـ ٍة أَنْ َت ِ
ـس بَ ْع َد َك شَ ـي ٌءَ ،وأَنْ َت الْقَا ِهـ ُر فَلَ ْي َس فَ ْوق ََـك أَ َح ٌد، ـت ِ
اآلخـ ُر فَلَ ْي َ ـس قَ ْبل ََـك شَ ـي ٌءَ ،وأَنْ َ فَلَ ْي َ
َـال :فَ َف َعل َْتـس ُد ْونَ َك أَ َحـ ٌد ،اق ِْض َع ِّني ال َّديْـ َنَ ،وأَ ِع ْذنِي ِم َن الْ َف ْقرِ) ،ق َ ـت الْ َب ِ
اطـ ُن فَلَ ْي َ َوأَنْ َ
لا َم، َر ِق ْي ٌـق ،فَا ْختَا َر ِم ْن ُه ْم إِنْ َسـانَاً َعلَى َع ْي ِن ِه فَ َعلَّ َم ُه ا ِإل ْس َ َذلِ َـك ،ث ُـ َّم أَت َى َر ُسـ ْو َل اللَّ ِه
وجـاء بـه إليهم(((.
يجـب علـى فاطمـة اليـوم أن تكـون كفاطمـة الزهـراء علمـا ومعرفـة لهـذا كلِّـه ُ
لتـؤدي دو َرهـا فـي هذه الحيـاة على َ ومهـارات معرفيـة وتربويـة واجتماعيـة وسـلوكية
النحـو الـذي يُ ْرضـي الله تعالى ،ال سـيما في تربيـة األجيال المؤمنـة والمجاهدة ،يقول
ٍ
لشـخص ـت أدري كيـف يُ ْمكـن علـي شـريعتي ناقـدا للتقصيـر فـي هـذا الجانـب« :ل َْس ُ
محـروم مـن نعمـة العلـم ،والكتـاب ،والدراسـة ،والتربيـة ،والفكـر ،والثقافـة، ٍ ٍ
ناقـص
والحضـارة ،والتربيـة االجتماعيـة ،كيـف يمكـن أن يكـون مربيـا لجيـل الغـد»(((.
61
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
جبريـل قُبَيـل مجيئها إليـه ،فاختارت كلمـات جبريل على ُ للتـو ،أو كلمـات علَّمـه إياهـن
أع ُنـ ِز الدنيـا ،وهكـذا المـرأة المجاهـدة تتَّجـه لتغذيـة الـروح أكثـر مـن تغذية الجسـد،
ومـا أرو َع تلـك الكلمـات التـي َح َملَ َهـا جبريـل ،وتعلَّ َمتْهـا فاطمة الزهـراء ،إنهـا( :يا أ ّو َل
األ َّوليـن ،ويـا آخـر اآلخريـن ،ويـا ذا القـوة المتيـن ،ويـا راحـم المسـاكين ،ويـا أرحـم
وسـألها ع َّمـا وراءهـا؟ قالـت: الراحميـن) ،واألروع أنَّهـا ل ّمـا عـادت إلـى علـي
عليهـا قائال( :خير ـت مـن عنـدك إلـى الدنيا ،وأتيتُـك باآلخرة ،فيـر ُّد علي خر ْج ُ
أيامـك ،خيـر أيامـك) ،أوليـس الدعاء للـه ومناجاته تعالى هـو خيـر زاد للمجاهدين؟!.
خادمـا يعينهمـا علـى شـؤون البيت ،وقـد م ُجلـت يداهما، وحيـن طلبـا منـه
أن يعيشـا حيـاة الكفـاح ،وروحيـة النضـال ،ودلَّهمـا علـى ما أراد لهمـا الرسـول
هـو خيـ ٌر لهمـا من خـادم ،دلَّهمـا علـى التسـبيح والتحميـد والتكبير.
فاطمـة بنـت النبـي المجاهد هي التي نـ ّدت بها حالة في إحدى المـرات إلى متاع
يـوم مـن األيـام على عنقهـا ِقالد ًة مـن ذهب، ـت فـي ٍ فوض َع ْ
الدنيـا البسـيط والمبـاحَ ،
مـن نصيبِـه مـن الفـيء ،ول َّمـا زارهـا النبي علـي
كان قـد اشـتراها لهـا ٌّ
النـاس أن يقولـوا :بنـت محمـد ،وعليـك لبـس الجبابـرة)، ُ ورآهـا ،قـال لهـا( :ال يَغ َّرنـك
فمـاذا فعلـت فاطمـة المجاهدة؟.
بنـت النبـي محمـد ،وأنهـا أ ُّم أبيهـا ،وليسـت لقـد اسـتيقظت بسـرعة وتذكَّـرت أنهـا ُ
بنـت الذهـب والفضـة ،وال بنـت الموضـات ،فعـادت بسـرعة لتكون بنـت محمد
(((. ،فقطَ َعتهـا ،وباعتهـا ،واشـترت بهـا رقبـة ،فأعتقتهـاُ ،
فسـ َّر بذلك رسـول اللـه
النبي ؛ ألنـه تأكَّـد أن فاطمـة عـادت لتكـون بالفعـل بنت محمـد سـر
المجاهـد ،وتركـت مـا يحـل لها ويبـاح ،طلبا لعظيم ما عنـد الله ،وحفاظا علـى روحيتها
المحمديـة الجهاديـة الثائـرة الزاهـدة ،عـادت لتكـون بالفعـل كمحمـد ،وبنـت محمـد
،وهكـذا أهـل بيتـه األطهـار المجاهـدون ،كأفضـل وأبهـى بشـر يعرجـون إلـى
مـدارج العليـاء ،ويتسـ َّنمون مواطـ َن الروح الفاضلـة ،وكلّما اجتذبتهم الدنيـا إليها عادوا
إلـى األخـرى مـن بواب ِة إسـعا ِد عبـاد اللـه ،وأعظـ ُم ذلك عتـق الرقاب.
((( الرضا ،صحيفة اإلمام الرضا ،ص.256
62
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
ومنهـا انطلقـت أعظـ ُم سـيدة هاشـمية مـن فتيـات الجهـاد ،وهي زينـب الكبرى.
كان الجهـاد يحتـل مكانـة مق َّدسـة فـي وعـي فاطمـة ،كمـا هو شـأنه في اإلسلام،
ِ
تشـريعات أليسـت هـي القائلـة فـي خطبتهـا فـي وجـه أبـي بكـر ،وهـي تعـ ِّدد ُحكْـ َم
اإلسلام ،فقالـت( :والجهـا َد((( عـ ًزا لإلسلام) ،ويـدل علـى وعيهـا الجهادي أنهـا ق َرنَ ِت
الجهـا َد الـذي منـه القتـال فـي سـبيل اللـه ،بالصبـر ،وباألمـر بالمعـروف ،وتعليل ذلك
بـ(عز اإلسلام).
محمـد كما أرادٍ بنت
ظلَّـت الزهـراء وفيـة ألبيها ولحركتـه الجهادية ،وظلَّـت َ
،بـل ولـكأن العنايـة اإللهيـة أرادت لهـا أن تكـون قريبـة إليه فـي الدنيا واآلخـرة ،وهو
وأول مـن ذلـك الـذي كان يشـتاق إليهـا دائمـا ،ويجعلُهـا ِآخـ َر َمـ ْن يـو ِّدع إذا سـافرَ ،
قـدم ،فكانـت بالفعـل هـي آخـ َر َمـن و َّدعهـم في حياتـه ،وكانت هـي أيضا يسـتقبِل إذا ِ
أول َمـنِ اسـتقبل منهـم فـي اآلخـرة؛ إذ كانـت أول أهـل بيتـه لحاقًـا به. َ
المـرض قبيـل وفاته قالـت :واكرباه لكربك يـا أبتاه ،فقـال :ال كرب ُ ول َّمـا اشـت َّد بـه
علـى أبيـك بعـد اليوم((( ،ولما أسـ ّر إليها أنه سـيغادر الحيـاة بكت ،لكنه ل َّمـا أعلمها أنها
أول الالحقيـن به وأنها سـيدة نسـاء المؤمنين ضحكت(((.
؛ ولهذا ل َّما من َعتْها سـلط ُة ظلـت فاطمـة -كمـا أرادهـا والدهـا ِ -ب ْن َت محمـد،
الخالفـة مـا ن َحلَهـا أبوها فـي فدك ،وميراث َها فـي المدينة وخيبر ،اعتبـ َرت ذلك تفريقا
بيـن فاطمـة وأبيهـا محمد ،فقالـت( :أترث أباك يا ابـن أبي قحافـة وال أرث أبي؟!)((( .
أليسـت هـي فاطمـ َة ِب ْن َت محمـد!! فكيف يريدون محمـدا بال فاطمـة ،وكذلك كيف
؟! يريدونهـا فاطمة بـدون محمد
معطوف على المنصوب قبله ،أي (وجعل الجهاد ع ًزا لإلسالم). (((
أبو العباس الحسني ،المصابيح ،ص.246 (((
المصدر السابق. (((
ابن أبي الحديد ،شرح نهج البالغة ،ج ،16ص.251 (((
64
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
موقفها من ال�شهداء
كانـت سلام اللـه عليهـا تهتم بأمـر المجاهديـن ،وبالشـهداء منهـم ،فل َّما استُشْ ـهِد
عـ ُّم أبيهـا حمـزة بكـت ،فانهلّـت دمـو ُع أبيهـا لبكائهـا((( ،ومعنى ذلـك أنها كانت تشـعر
بحالـة الجهـاد ،وتعاني مـن فقد رجاالت اإلسلام العظماء؛ لكنها لم تكتـف باالنفعاالت
أسـد اللـه عـ ِّم أبيها حمـزة ،بل تح َّركـت في أنشـطة عملية رائعـة تخلِّد الوجدانيـة علـى ِ
قـدوات نموذجي ًة لألجيال المسـلمة. ٍ ذكـرى الشـهداء ،وتقـ ِّدس قضاياهـم ،وتجعلُهم
لقـد كانـت سلا ُم اللـه عليها تأتـي قبو َر الشـهداء غداة ِّكل سـبت ،وكانت تأتـي قبْ َر
حمـزة وتـزوره وتقوم عليـه((( ،بل كانت أيضـا« :تَ ِر ُّمـه وت ُْصلِ ُح ُه”(((.
وحـب
وفـي ذلـك مـا فيـه مـن إحيـاء قضيـة الجهـاد ،وتربيـة األجيـال علـى ح ِّبـه ِّ
االستشـهاد فـي سـبيل اللـه ،ويسـلِّط الضـو َء علـى أهميـة االهتمـام بروضات الشـهداء،
إحيـا ًء لقدسـية الجهـاد ،وفضيلة الشـهادة ،وهكذا يصنـع المربُّون لألجيـال؛ إذ يدلُّونهم
علـى االهتمـام بمـا يربِّـي فيهـم خصـال الكمـال ،وفضائل األعمـال .وإصالحهـا لقبور
الشـهداء ور ُّمهـا لهـا بقـدر مـا يشـير إلـى اهتمامهـا بهـم وبقضيتهـم ،يشـير أيضـا إلى
مهاراتهـا المتنوعـة فـي حياتهـا االجتماعية.
المواقف واألنشـطة واألعمال التـي يتطلَّبها إحيا ُء َ وهكـذا ال تعـ َد ُم المجاهـدة اليوم
قضيـة الشـهداء وما استُشـهِدوا عليـه؛ لكي تكون فاطميـة الوجدان ،زهرائية السـلوك.
مـا ينـ ِّوه بمقامهـا غايـة التنويـه» ،إلـى قولـه« :فحيـث ن َّزلهـا أكـر ُم الخالئق من نفسـه
الكريمـة منزلـة أكرم الخلـق عليه»(((.
لهـا في الحديث المشـهور (فاطم ُة بَضع ٌة منـي) ،أو (فاطم ُة غيـر أن تنزيلـه
أقـل مـن هـذا التنزيـل؛ حيـث ن ّزلهـا هناك كجـزء من نفسـه ،وهو شـجنة منـي) ،ليـس َّ
أن يكـون هـذا النبـي المرسـل ،الـذي ال ينطـق عـن الهـوى ،فهـل أراد الرسـول
وصفـا شـرعيا يترتَّـب عليه أحـكا ٌم أخرى؟
قبـل أن نحـاول اإلجابـة علـى ذلك نجيب على السـؤال القائل :لماذا قـال عنها( :أم
أبيهـا) ،ولـم يقـل( :أمـي) ،أو (أم محمـد) ،أو (أم الرسـول) أو (أم النبـي) ،ويبـدو أنـه
إنمـا أراد القطـع علـى سـؤا ِل االسـتغراب القائل :كيف تكـون أم محمد ،أو أم الرسـول،
وهو فـي الواقـع أبوها؟
إ َّن عالقـ َة فاطمـة بوالدهـا الرسـول عالقة مز َد َوجـة؛ ففيها من الحيثيـات ما جعلها
ابنتـه ،وهـذه هـي الحقيقـة العرفيـة والشـرعية ،وقـد أرادهـا فـي محطـات كثيـرة أن
تكـون ابنتـه كذلـك ،ولكـن فيهـا أيضا مـن الحيثيـات الكثيرة مـا يجعلها بمثابـة أمه ،أو
مثـل أمـه صلوات اللـه عليهـم أجمعين. َ
ِ
وعطـف األمهات كثيـ ٌر مـن تص ُّرفاتهـا معه تشـي ُر إلـى حنانها وعطفهـا عليه كحنانِ
علـى أوالدهـن ،فقـد كانـت تهتـ ُّم بـه اهتمـا َم األ ِّم بولدهـا ،فمنـذ أيـام طفولتهـا كانت
تدفـع عنـه أذى المشـركين ،وتخفّـف آالمـه ،وت َْض ِمـ ُد جرو َحـه ،وتمسـح ال َّدم عـن وجهه
فـي الحـرب ،وإذا عـاد مـن سـف ٍر بـادرت إلـى اسـتقباله واعتنقتـه وق ّبلـت بيـن عينيه،
وكانـت تتأثـر لحالـه وتحنـو عليه(((.
البنـت الصغيـرة ،وهـي تقـف إلـى جانـب أبيهـا البطـل، َ النـاس هـذه
ُ “لقـد شـاهد
تزيـل عنـه األذى ،وتنثـر مقلتاهـا أمـزا َن القلـق علـى مصيره ،وتتحـ َّرك ٍ
بلطف مواسـي ًة
لـه فـي المصاعـب كلِّهـا ،بكلمات وتصرفـات بريئة وحنونـة ،بروعة وجمـال وجالل»(((.
فض َمـدَتْ جروحـه ،و َم َسـ َح ْت عـن وجهـه الـدم(((، فـي غـزوة أحـد أسـرعت إليـه َ
ول َّمـا نـدم المشـركون أنهـم لـم يقضـوا نهائيـا على المسـلمين بعـد هزيمتهـم ،وأزمعوا
العـودة ،نـزل أمـر اللـه للمسـلمين باإلسـراع فـي مواجهتهـم علـى مـا بهم مـن الجراح
وفـراق الشـهداء ،وهنـا بـادرت (أ ُّم أبيهـا) بتجهيز (ولدها) بالسلاح ،وأع َّدتـه له ،كفعل
المؤمنـات اليـوم مـع أبنائهـن وهـن يجه ْزنَهـم إلـى الجبهات.
بأقـراص الخبـز إذا جـاع ،كمـا فعلت يـوم الخنـدق((( ،وفي فتح ِ وكانـت تُ ْقبِـل عليـه
ـت لـه خيمتَـه ،وه َّيـأت لـه مـا ًء لالسـتحمام واالغتسـال ليزيـل عـن جسـده مكـة َض َربَ ْ
غبـار الطريـق ،ويرتـدي ثيابـا نظيفة يخ ُرج بهـا إلى المسـجد الحرام((( كمـا تج ِّه ُز األ ُّم
ول َد ها.
وكان إذا عـاد مـن سـفره بـادر إلى بيتهـا ،فتتلقاه على بـاب البيت ،وتبكـي إذا رأته
رسـول اللـه يُطَ ْم ِئ ُنهـا ،وقد قال لهـا مرة« :ال
ُ َـت ثيابُـه» ،فكان
نصبـا ،قـد اخلولق ْ «شـ ِعثا ِ
بيـت وال َمـ َد ٌر ،وال
تبكـي ،فـإن اللـه قـد بعـث أبـاك بأمـ ٍر ال يبقـى علـى وجـه األرض ٌ
َح َجـ ٌر ،وال َوبَـ ٌر ،وال شَ ـ َع ٌر ،إال أدخلـه اللـه بـه عـزا أو ذال ،حتـى يبلغ حيث بلـغ الليل»(((،
ولكأنـه هنـا يخاطـب بهـذه الكلمات أمهـات المجاهديـن الذيـن يبتغون العـزة من الله
ال مـن أعدائه.
بنت متبسـمة ،إال يـو َم صنعت لها أسـما ُء ُ مـا رئيـت ضاحكة وال ِّ ومنـذ توفـي
ـش قُـ ْر َب وفاتهـا((( ،وسـمعت بلاال يـؤذِّن حتـى إذا بلـغ( :أشـهد أن محمدا عميـس الن ْع َ
رسـول اللـه) شـهقت وسـقطت لوجههـا وغشـي عليها حتـى ظن أنهـا فارقت الحيـاة(((،
وقيـل :إنهـا كمـدت عليـه ،فلـم تلبـث بعـده إال قليلا((( .ويُ ْح َم ُـل أيضـا على أنهـا كمدت
ابن أبي الحديد ،شـرح نهج البالغة ،ج ،15ص35؛ ومسـلم ،الصحيح ،ج ،3ص ،101رقم14111؛ والبالذري، (((
أنسـاب األشـراف ،ج ،1ص324؛ والطبـري ،تاريـخ األمـم والملـوك ،ج ،3ص27؛ والحاكم ،المسـتدرك ،ج،3
ص24؛ وسـبط ابـن الجـوزي ،تذكـرة الخـواص ،ص ،164؛ والهيثمي ،مجمع الزوائـد ،ج ،6ص122
الهيثمي ،مجمع الزوائد ،ج ،10ص.312 (((
األزرقي ،أخبار مكة ،ج ،1ص161؛ والذهبي ،المغازي ،ص.555 (((
الطبراني ،المعجم الكبير ،ج ،22ص.22 (((
الطبراني ،المعجم الكبير ،ج ،22ص.398 (((
الخوارزمي ،مقتل الحسين ،ج ،1ص.77 (((
أبو العباس الحسني ،المصابيح ،ص.267 (((
67
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
علـى مـا أصـاب اإلسلام مـن مخالفـات خطيـرة ،كمـا ذكـر ذلـك الشـهيد القائـد فـي
ملزمـة (يـوم القـدس العالمي).
وكانت تتمثل بعد وفاته بـهذه األبيات:
الخطب
ُ كنت شـــاهدها لم تكثُ ِر لو َ قـــد كان بعـــدك أنبـــا ٌء وهينمـــ ٌة
واختل قو ُمك فاشـــه ْدهم فقد نُ ِكبواَّ ِ
األرض وابلَها إنا فقدنـــاك فقـــ َد
(((
مـــن العيـــون بتهما ٍل له ُســـك ُُب فسوف نبكيك ما ِعشْ ـــنا وما بق َي ْت
هذه مواقف ومصادر توحي بأن فاطمة الزهراء بالفعل هي (أم أبيها).
غيـر أن أمـرا هامـا يجب التركيز عليه فـي مصداق هذا اللقـب ،ولعله هو المقصود
،حيـث تعيدنـا سـببية نـزول (إِنَّـا أَ ْعطَ ْي َن َ
ـاك الْ َك ْوث َـ َر) ،مـن أنهـا نزلـت عليه منـه
حيـن ع َّيـره العـاص بـن وائـل السـهمي بأنـه أبتـر ،ليـس لـه ذكـور ،فرزقـه اللـه هـذه
األنثـى التـي منهـا الذريـة الكثيـرة والمباركـة ،والتـي سـ َّماها القـرآن الكوثـر ،والـذي
يعنـي الكثـرة واالمتلاء والبسـط واالمتـداد والحياة المسـتمرة ،وهذا لـم يحصل إال في
ذريتـه منهـا سلام اللـه عليها.
وقـد ذكـر السـيد العالمة مجـد الدين المؤيدي تفسـيرا لطيفا لكنيتهـا (أم أبيها)؛ إذ
قـال« :وإذا كانـت فاطمـة بمنزلـة األم كان المختـار بمنزلة الولد ،فيكـون عق ُبها كما لو
كانـت أُ ًّمـا لـه صلـوات اللـه عليـه وآله وسـلم ،وأعقبت منـه ،فـإن أوالده حينئـذ أوالدها
ال محالـة ،وهذه دقيقـة جليلة»(((.
( :كل بني أنثـى ينتمـون إلى أبيهـم إال ابني ويشـهد لذلـك قـول رسـول اللـه
فاطمـة فأنـا أبوهمـا وعصبتهمـا) ،وفي روايـة (إال بني فاطمـة فأنا وليهـم وعصبتهم)،
وفـي أخـرى( :إال ولـد فاطمـة فإنـي أنـا أبوهـم وعصبتهم) ،وفـي رواية( :مـا خال ولد
فاطمـة فإني أنـا أبوهـم وعصبتهم)(((.
قـال فـي الـروض النضيـر بعد أن سـاق األخبـار الدالة علـى أب َّوة رسـول الله صلى
« :قـال بعـض المحققين من اللـه عليـه وعلـى آلـه وسـلم لولـد فاطمـة عليهـا و
كالم أئمتنـا أنـه حقيقـة ،وأن حكمـه فـي ذلـك يخالـف ُحكْـ َم غيـره ...
العلمـاء :ظاهـ ُر ِ
( :وأنا عصبتهمـا)”(((. ويـدل علـى كونهـا حقيقـة قولُـه
من ذريـة إبراهيم وقـد جعـل القـرآن الكريـم ولـد البنت عيسـى بن مريـم
ُ ِّ َّ َ ُ َ َ ُ َ ْ َ َ َ َ ُّ َ َ ُ ُ َ َ ُ َ َ َ ُ َ َ َ َ َ ْ
ـارون َوكذل ِك ن ِزي ؛ إذ قـالَ ﴿ :ومِـن ذريتِـ ِه داوود وسـليمان وأيوب ويوسـف وموس وه
ْ
ال ُم ْح ِسنِ َني﴾[األنعام.]84:
إن هـذا هـو تفسـير (أم أبيهـا) ،فتلـك األنثـى التـي ابتـدأت بأنهـا (بنـت محمـد)،
،وليكـون أعلام انتهـت وانتهـى بهـا اإلسلام إلـى أن تكـون (أم أبيهـا) محمـد
الهـدى وأئمـة الجهـاد والتقـى مـن أهل بيته قرنـاء القـرآن ،والثقل األصغر مـن ذريته؛
إذ هـم مـن ذريتها.
في ذريتهـا ،وجعل عقبه مـن عقبها ،وقد وبهـذا يكـون اللـه قد حفـظ ذريته
( :األنسـاب تنقطع يوم القيامة غير نسـبي وسـببي وصهري)(((. قال
وبعد هذا أليست الزهراء (أم أبيها)؟
زوجة علي
لـم تكـن فاطمـة تلـك المرأة التـي صادفَتْها تلـك المميـزاتُ العظيمة وهي تنحشـر
فـي زاويـة مـن بيـت أبيها تعبد اللـه ،وال تريد أن تعالِج شـأنا من شـؤون الحياة ،عازفة
عـن الـزواج ،راغبـة عن مسـؤولية الزوجيـة ،واألمومة؛ ألن تلـك هي الرهبانيـة التي ال
يعرفهـا ديـن أبيهـا ،وهـي نو ٌع مـن أنـواع الهروب مـن المسـؤولية العباديـة والجهادية
في اإلسلام.
لقـد كانـت فاطمـة زوجة وأمـا وحماة مثلمـا كانت بنتـا ألبيها وأما له أيضـا ،وكانت
عضـوة فعالـة فـي مجتمـع اإلسلام؛ لذلـك ال غـر َو أن اسـتحقت أن تصـل إلـى مرتبـة
((( المرجع السابق ،ص.28
((( ابـن حنبل ،المسـند ،ج ،4ص ،323رقـم 18927؛ والطبراني ،المعجم الكبير ،ج ،20ص ،25رقم30؛ والحاكم،
المسـتدرك ،ج ،3ص ،172رقم .4747
69
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
السـيادة علـى نسـاء العالميـن ،وعلى نسـاء األمة ،ونسـاء أهـل الجنة.
خمس
بلغـت الزهـراء فـي المدينـة مبلغ النسـاء الصالحـات للـزواج ،وتجاوز سـنها َ
عشـرة سـنة ،وهنـا لـو بحث الناس حينهـا حق البحث عـن الزوج المناسـب الذي يصلح
،وهـو مـا أمر بـه الله تعالـى ،لتضيف لفاطمـة وتصلـح لـه لمـا وجـدوه إال عليـا
فاطمـة بنـت محمـد إلـى أوصافها الجليلـة( :زوج علي) ،ثـم (أم الحسـنين وزينب).
،غيـر أنهـا فـي كل أن تكـون زوجـة علـي إنـه لجديـر ببنـت محمـد
األحـوال يجـب أن تبقـى (أم أبيهـا) لتكـون أم أبنائـه المياميـن.
لقـد توقـع الكثيـر من الصحابة أن هـذه العقيلة المحمدية ال تصلـح إال لذلك الفتى
منذ وقـت مبكِّر، الطالبـي ،وهـو الفتـى الـذي طالمـا أظلـه ظلال بيـت محمـد
وتغـذَّى فيـه بغـذاء العقـل والـروح بجانـب غـذاء البدن ،ومـا توقَّعـه الكثير فقـد باركه
أيضا.
اللـه ً
فـي ليلـة اإلسـراء فـي السـنة 11مـن البعثـة ،أعلـم اللـه نبيه بـأن خليفته هـو علي
،وأنـه أبـو سـبطيه ،وزوج فاطمـة خيـر نسـاء العالميـن(((؛ ولهـذا مـا إ ْن بلغـت
،ومنهم فاطمـة مبلـغ الزوجـات حتـى بادر إلـى خطبتهـا كبا ُر صحابـة الرسـول
أبـو بكـر ،وعبدالرحمـن بـن عـوف ،وعمـر ،وعـد ٌد مـن أشـراف قريـش((( ،لك َّن رسـول
أخبرهـم أن هـذا الـزواج مـن شـأن العنايـة اإللهيـة ،فقـال لهـم( :أنتظـر اللـه
القضاء) (((.
هـو مـا منـع ويبـدو أن الحيـاء ،وقلـة ذات اليـد ،وتهيُّـب مفاتحـة الرسـول
ُ
رسـول مـن طَـ ْرقِ بـاب المصطفى خاطبا لهذه الشـريفة المطهرة ،ولما ر َّد عليـا
؛ لـذا ح َّرض َ
أشـراف قريـش تأكَّـد أن عليـا هو االختيـار المناسـب لفاطمة اللـه
(((. علـى التحـ ُّرك لخطبـة فاطمة البعـض عليـا
ُ
اإلمام زيد ،مسند اإلمام زيد بن علي ،ص.362 (((
أبو طالب ،اإلفادة ،ص ،20وابن األمير ،الروضة الندية ،ص ،248نقال عن ذخائر العقبى. (((
أبو طالب ،اإلفادة ،ص.20 (((
أمالي أحمد بن عيسى ،ج ،2ص.70 (((
70
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
كان قـد أرسـل رسـائل صريحـة م ّهـدت الطريق لعلي ويبـدو أن رسـول اللـه
،عقـب نـزول أمـر اللـه بتزويـج فاطمة منـه ،فقـد روى عبدالله بن مسـعود عن
أنـه قـال( :إن اللـه أمرنـي أن أز ِّوج فاطمة من علـي )((( ،وروى رسـول اللـه
قـال( :أتانـي َمل ٌَـك، حديـث صحيـ ٍح أن رسـول اللـه ٍ فـي اإلمـام علـي
فقـال :يـا محمـد إن اللـه تعالى يقرأ عليك السلام ،ويقـول لك :إني قـد ز َّوجت فاطم َة
ابنتَـك مـن علـي بـن أبـي طالب في الملأ األعلـى ،فز ِّو ْجها منـه فـي األرض)((( ،وأراد
فيمـا رواه اإلمام أن يب ِّيـن موقفـه فـي ر ِّده لل ُخطَّـاب ،ل َّمـا قـال الرسـول
نفسـه( :إنمـا أنا بشـر مثلكم أتـز َّوج فيكم وأز ِّوجكم ،إال فاطمـة ،فإنها نزل علـي
تزويجهـا من السـماء)(((.
إذن لـم تكـن المسـألة خاضعـة لالختيـار البشـري ،بـل هنـاك عنايـة إلهيـة خاصـة
لمهمـات جسـام ،وأعمـا ٍل عظـام ،إنهـا اسـتثنائية فاطمـة ،وبيتهـا ٍ بهـذا البيـت وتهيِئتـه
الـذي أجـرى اللـه منـه كوثـر المصطفـى ،وأخـرج منـه أعلام الهـدى؛ ليقيمـوا منـار
الحـق ،ويعلنـوا أحـكام القـرآن علـى مـدار األزمان ،إنـه اختيـار الله عز وجـل وقضاؤه
وخيرتـه ،وآيـة كونـه زواجـا إلهيـا جاللـ ُة بسـاطته ،و ِعظَـم أخرويتـه ،إنـه زواج النبييـن
والصديقيـن والمجاهديـن.
((( أبـو طالـب ،تيسـير المطالـب ،ص89؛ والمرشـد باللـه ،األمالـي اإلثنينيـة ،ص229؛ والطبرانـي ،المعجـم
الكبيـر ،ج ،10ص ،156رقـم .10305قـال الهيثمـى فـي مجمـع الزوائـد ،ج ،9ص :204رجالـه ثقـات.
((( صحيفة الرضا ،ص.94
((( أبو طالب ،تيسير المطالب ،ص137؛ وأبو العباس الحسني ،المصابيح ،ص.232
71
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
البعثـة بخمـس سـنوات ،وعليه فسـن زواجها يكون تسـع عشـرة سـنة تقريبـا ،غير أن ما
يترجـح لـدى الباحـث هـو أن عمرهـا عند زواجها كان خمس عشـرة سـنة تقري ًبـا؛ لعد ٍد
مـن األدلـة والقرائن:
ّـاب إلـى ِخطبـة صبيـة صغيـرة ،كمـا لـن يتأ َّخـروا علـى أولً :ألنـه لـن يبـا ِد َر الخط ُ
عقيلـة محمديـة كفاطمـة سـنة أو سـنتين مـن بعـد بلوغهـا خمـس عشـرة سـنة ،وكنا قد
رأينـا كيـف أن كبـا َر أشـراف قريـش بـادروا لخطبتهـا ،وسـارعوا إلـى التشـرف والفوز
. ببنـت النبـي محمـد
ثـم تحـ ِّد ُد بعـض المصـادر الموثوقـة سـ َّنها كمـا تر َّجـح لدينـا ،وهـو خمـس عشـرة
سـنة ،ففـي روايـة عـن اإلمام القاسـم بن إبراهيـم أن عمرها كان أرب َع عشـرة سـنة(((،
لكنـه يح َمـل علـى سـن خطبتها وليس البنـاء بهـا ،وأن البناء لم يتـم إال وهي في خمس
عشـرة سـنة ،وير ِّجـح ذلـك أنه تم فـي رواي ٍة تحديـ ُد عمرها تحديدا دقيقـا ،وهي خمس
ـت وعم ُرها ثالثٌ وعشـرون عشـرة سـنة ،وخمسـة أشـهر ،ونصـف((( ،وإذا كانت قد توفِّ َي ْ
بنـى بهـا فـي السـنة ((( ،وأن اإلمـام عليـا سـنة ،بحسـب روايـة الباقـر
الثانيـة مـن الهجـرة؛ فهـذا يعنـي أن عمرهـا خمـس عشـرة سـنة وخمسـة أشـهر تقريبا
ترجيـح ذلـك قرائ ُن مـ َّر ذكرها في
َ المفصلـة ،وكما أكَّـدَتْ
َّ كمـا ُذكِـ َر فـي تلـك الروايـة
مواضـع متعددة.
خطبهـا فـي صفـر سـنة 2من الهجـرة ،لكنـه بنى بها وهكـذا يكـون اإلمـام
بعـد معركـة بـدر بأربعة أشـهر فـي ذي الحجة(((.
ِخطبتهــا
ليخطـب فاطمـة وكانـت قـد حثَّتـه مـوال ٌة لهـم قائلـة لـه :إن انطلـق اإلمـام
فما يمن ُعك أن تخط َبها؟ قـال :فقل ُْت :وعندي فاطمـة قـد ُخ ِط َبـت إلى رسـول الله
َـت توبِّ ُخنـي حتـى أتيتُـه،
شـي ٌء أتز َّو ُجهـا بـه؟ فقالـت لـي :إن أتيتَـه ز َّوجـك ،فمـا زال ْ
تخطـب فاطمة؟)
ُ ـتبـك ومـا حاجتُـك؟ لعلَّـك جئْ َ ْـت عليـه ،فقـال لـي( :مـا جـاء َ فدخل ُ
قلـت :نعـم يا رسـول اللـه(((.
قـالُ :
هق
ـت عليهـا أيًّـا مـن األغـرام أو التكاليف التـي أ ْر َوال تحكـي الروايـات التـي اطَّلَ ْع ُ
أهـل هـذا الزمـانِ عاداتِهم االجتماعية بها بمـا ص َّعب الزواج وب ّعده ،بل تحكي التيسـير ُ
العفـاف والطهـارة ،وهـو مـا يتناسـب مـع التعاليم التـي أطلقها ِ والتسـهيل لبنـاء ِ
بيـوت
اإلسلام ،وحـثَّ عليها في التيسـير والتسـهيل وقلـة المؤنة.
�إيذانهــا
علـي فاطمـة أتاهـا رسـول اللـه عـن عطـاء بـن أبـي ربـاح ،قـال :لمـا خطـب ٌّ
ِ
ذكـرك» ،فسـكتت ،فخـرج فز َّوجـه بهـا(((. ،فقـال« :إن عليـا قـد
وهـذا درس هـام يجـب أن يتعلَّ َمـه األهلـون عنـد تزويـج بناتهـم ،فعلـى األب أن
يسـتأمر ويشـاور ابنتـه؛ ألن هـذه حياتهـا ،ولهـا الحـق فـي تأميـن حياتها بما يتناسـب
الحـق فـي ترشـيد عمليـة االختيـار والقيـم والمبـادئ اإلسلامية العادلـة ،كمـا للولـي ُّ
يشـاور فاطمة التـي قد أمر علـى ضـوء تلـك المبـادئ أيضـا ،وهذا رسـول اللـه
المرضـي واآلمـن في هذا
َّ الطريـق
َ اللـه عـز وجـل بتزويجهـا ،تعلي ًمـا ألمتـه أن يسـلكوا
الجانـب مـن الحياة.
مهــرهـــا
سـيدة نسـاء العالميـن ،أيتها وهاكـ َّن مقـدار مهـر فاطمـة بنـت رسـول اللـه
هـدي المصطفى في مهر بنته الحوراء ،سـيدة نسـاء الدنيا َ األخـوات والبنـات ،لتعلَ ْمـ َن
أقـل النسـاء مؤنـة ومهـرا ،كمـا ورد عـن الرسـول الكريـم واألخـرى ،وأن البركـة فـي ِّ
الطاهريـن.
هنـاك روايـاتٌ تذكُـر أ َّن مهرهـا كان أربـ َع مئـة مثقـال فضـة((( ،وقيل :اثنتا عشـرة
هـو أنه كان مثقـال ،غيـر أ َّن الصحيـح عنـد أهـل البيت
ً أوقيـة فضـة ،أي 480
اثنتـي عشـر أوقيـة ونصـف أوقيـة ،تبلـغ 500درهـم((( ،والدرهـم هو مثقـال فضة.
هـو أكثر مـا ذكرته كتـب التاريخ وهـذا الصحيـح فـي مرويـات أهـل البيت
أعطهـا قـال لـهِ : ؛ فقـد روي أنـه لمـا جـاء علـي مـن صـداق فاطمـة
شـيئا ،فقـال :مـا أ ِج ُد شـيئا ،قـال :فأين درعـك الحطمية((( ،التـي سـلَّ ْحتُكها؟ فقال :هي
عنـدي((( ،فأمـره ببيعهـا ،فباعهـا باثنتي عشـرة أوقية((( ،وفـي الروايـة الصحيحة أيضا:
أن صداقهـا كان ُجـ ْر َد بُـ ْر ِد ِح َبـ َرة((( ودرع((( ،والـدرع هـو تلـك ال ُحطَميـة ،وبهـذا يتبين
أن الــ ( )12.5أوقيـة ،والتـي تسـاوي خمـس مئـة درهـم هـي مجمـوع ثمـن بيـع ال ُب ْرد
والدرع.
أبـو طالـب ،تيسـير المطالـب ،ص89؛ وأبـو العبـاس الحسـني ،المصابيـح ،ص239؛ وأحمد بن عيسـى ،رأب (((
الصـدع ،ج ،2ص.1020
ينظـر اإلمـام زيـد ،مسـند اإلمام زيد بن علـي ،ص303؛ وأحمد بن عيسـى ،رأب الصـدع ،ج1020 ،981 ،2؛ (((
والمؤيـدي ،لوامع األنـوار ،ج ،3ص.28
دروع تنسـب إلـى رجـل كان يعملهـا ،وقيـل :هـي التـي تَ ْح ِطـ ُم السـيوف أي تكسـرها ،وقيـل هـي العريضـة (((
محـارب كانـوا يعملـون الدروع.
ٍ الثقيلـة ،وقيـل :منسـوبة إلـى بطْـنٍ مـن عبـد القيس يقـال لهم ُحطَ َمـ ُة ب ُن
ابـن منظـور ،لسـان العـرب ،مـادة حطم.
أحمد بن عيسى ،رأب الصدع ،ج ،2ص.1020 (((
أبو يعلى ،مسند أبي يعلى ،ج ،1ص ،362رقم470؛ والهيثمي ،مجمع الزوائد ،ج ،9ص ،332رقم.15211 (((
بـرود حبـرة :ضـرب مـن البرود يمانيـة ،يقال :بـرد حبير ،وبُـ ْر ُد ِح َبـ َرة ،يطلق بالوصـف واإلضافـة ،والحبير (((
مـن البـرود :مـا كان موشـيا مخططـا ،والجـرد من الثيـاب :ما انسـحق والن.
أحمد بن عيسى ،رأب الصدع ج ،2ص ،1024والحوثي ،المختار ،ص.342 (((
74
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
ابنتـه فاطمـة علـى اثنتـي ( :أنكحنـي رسـول اللـه قـال اإلمـام علـي
عشـرة أوقيـة ونصـف مـن الفضـة)(((.
،وهـي سـيدة أدب مـن آداب اإلسلام ،وهـا هـي فاطمـة إن قلـة المهـر ٌ
،كان مه ُرهن ذلك المه َر الـذي لم يتجاو ْز النسـاء ،ومثلُهـا جميـ ُع زوجات النبـي
الــ( )500درهـم((( ،أي بمـا يسـاوي 300ألـف ريـال يمنـي تقريبـا ،إذا كان القـرش
الفرانسـي بــ 8000ريال يمنـي(((.
بخـس المـرأ ِة لحظهـا ،كمـا ليـس وال يعنـي قلـة المهـر بأيـة حـا ٍل مـن األحـوال َ
أي تكريـم لهـا؛ وصـ َد َق اإلمـا ُم المؤيَّـ ُد باللـه أحمـد بـنفـي المغـاالة فـي المهـور ُّ
ز ّوج ابنتـه فاطمـة الحسـين الهارونـي (ت411هــ) إذ يقـول« :وروي أن النبـي
لـم يكن خمـس مئـ ِة درهـم ،وهـي سـيدة النسـاء ،وقـد علمنـا أنه ِ علـى صـداقِ
ليب َخسـها حظها» (((.
ُخطبة العقد
جمعا من أصحابه ليُشْ ـهِر فيهم َعقْـ َد زواج علي من فاطمة جمـع رسـول الله
،فقـال( :الحمدللـه المحمـود بنعمتـه ،المعبـود لقدرتـه ،المطـاع ،وخطـب
لسـلطانه ،المرهـوب مـن عذابـه ،المرغـوب إليـه فيمـا عنـده ،النافـذ أم ُره في سـمائه
وأرضـه ،ثـم إ َّن اللـه عـز وجل أمرنـي أن أز ِّوج فاطمة من علـي ،فقد ز َّوجتُـه على أربعِ
((( اإلمام زيد ،مسند اإلمام زيد بن علي ،ص303؛ والحوثي ،المختار ،ص.240
((( أحمد بن عيسى ،علوم آل محمد ،ج ،2ص.64
((( فـإذا عرفنـا أن نصـاب الفضـة للـزكاة كمـا هـو مقرر فـي الفقه اإلسلامي 200درهـم ،وأنه صـار معروفا
أنـه 16ريـالً فرانسـي إال رب ًعـا ،وإذا افترضنـا أن الريـال الفرانسـي بــ 8000ريـال ،فـإن ذلـك يعنـي أن
الــ( 500درهـم) مهـر فاطمـة تصيـر بــحوالي ( 300ألـف ريـال) تقريبـا ،أما حيـن كان الريال الفرانسـي
بــ( 500ريـال) فـإن مهرهـا هـو (19ألـف ريال) ،ومـع مراعاة انخفاض سـعر الصـرف للعملـة اليمنية هذه
وزمننا هـذا ،فإن هـذه النتيجة األيـام ،والفـارق فـي القـدرة الشـرائية للفضـة بيـن زمـن فاطمـة
تقريبية.
((( المؤيد بالله ،شرح التجريد ،ج ،3ص ،96باب القول فيما يصح أو يفسد من النكاح.
75
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
،ثـم دعـا بطبـق فيه بُسـر ،فقال( :انتهِبـوا) ،وبينمـا كان الحاضـرون ينتهِبون إذ
( :يـا علي أمـا علِ ْم َ
ـت أن الل َه أمرنـي أن أز ِّو َجك فقـال النبـي دخـل علـي
رضيت
ُ : فاطمـة ،فقـد زوجتُكهـا علـى أربعِ مئـ ِة مثقال فضـة إن ِ
رضيْ َت) ،فقـال
( :جمـع اللـه شـملَكما ،وأسـ َعد جدكمـا ،وأخـرج عـن اللـه ورسـوله ،فقـال النبـي
منكمـا كثيـرا طيبـا)((( .قـال أنس :واللـه لقد أخـرج منهمـا الكثير الطيب(((.
جهاز بيتها
مـن المهـم جـدا أن تعـرف المـرأة المسـلمة اليـوم مـا هـو الجهـاز الـذي ُج ِّهـ َز به
وبنـت خيـ ِر النبيين،
بيـت الصديقـة الطاهـرة فاطمـة الزهـراء سـيدة نسـاء العالميـنُ ،
وزوجـ ُة سـيد الوصييـن ،وأم سـيدي شـباب أهـل الجنـة الحسـن والحسـين.
لقـد ُج ِّهـ َز بيتهـا سلام الله عليهـا بخميـلٍ ((( ،و ِق ْربـة من ج ٍِلد للشُّ ـرب ،ووسـادة من
كبش ،كانـا يقلِبان صوفَه ليـف إذ َخـر((( .أما الفراش فقـد كان جل َد ٍ أ َد ٍم (جلـد) حشـ ُوها ُ
فيفترشـانه((( ،وكان هـذا الفـراش لـه عـد ٌد مـن الوظائـف فكانـا ينامـان عليـه الليـل،
ويعلِّقـان عليـه الناضـح فـي النهـار((( ،وربمـا عجنت علـى طرفـه الزهراء كما سـيأتي.
هـذا ال ينافـي مـا تقـدم ،فربمـا تذكـر الـرواة العقـد فـي المبلـغ وغفلـوا عـن الكسـور ،وربما حسـبوا ثمن (((
الـدرع فقـط ،ولـم يحسـب قيمـة بقية األشـياء مثل البـرد الحبـرة ،وغيره ،أو هكذا بـدأ المهر ثـم انتهى بما
يسـاوي 500درهم.
أبـو طالـب ،تيسـير المطالـب ،ص90 - 89؛ وأبـو العبـاس الحسـني ،المصابيـح ،ص233؛ وابـن األميـر، (((
الروضـة النديـة ،ص.248
ابن األمير ،الروضة الندية248 ،؛ وقال :أخرجه القزويني الحاكمي. (((
الخميل :قطيفة ذات أهداب ،وهي كل ثوب له خمل من أي شيء كان. (((
أحمـد بـن عيسـى ،علـوم آل محمـد ،ج ،2ص73؛ وينظـر أحمد ،المسـند ،ج ،2ص ،284رقم778؛ والنسـائي، (((
السـنن الكبـرى ،ج ،5ص ،144رقـم8510؛ والحاكـم ،المسـتدرك ،ج ،6ص ،369رقـم .2705واإلذخـر :نبات
طيـب الرائحة.
ينظـر أحمـد بـن عيسـى ،علـوم آل محمـد ،ج ،2ص ،64رأب الصـدع ،ج ،2ص1024؛ والحوثـي ،المختـار، (((
ص.500
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص229؛ والطبري ،ذخائر العقبى ،ص.35 (((
76
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
وأمـا (موكيـت) بي ِتهـم فلـم يكـن سـوى ر ْمـل مـن بطحـاء الروحـاء (اسـم موضـع)
جـاؤوا بـه فبسـطوه فـي البيـت ،باإلضافـة إلـى كُـو ٍز وجـ َّرة ،ورحـا ٍء ،وسـقاء((( ،وكان
قـد قبـض دراهـم مـن مهرهـا وأمـر بـأن يُشْ ـتَ َرى لهـا طيـب(((. أبوهـا
ل ُيلْ ِق َي عليه َ
الثوب ،ويُ َعل َِّق عليه السقاء(((. بيت علي جانب ِ
و ُعر َِض عو ٌد في ِ
وكان هـذا دأب أبنائهـا مـن أعالم أهل البيت عيهم السلام؛ فهـذا اإلمام يحيى بن
،كان ي ْفتَـرِش بسـاطا َخلِقـا((( ،فقيـل لـه :لو أخذت بسـاطا جديـدا ،فقال: حمـزة
،ج َّه َز ذهب لفعل ُْت ،ولكن لنا أسـوة برسـول الله لو شـئْ ُت أن يكون بسـاطي من ٍ
زوجة سـيد الوصيين بوسـادة من ابنتَـه سـيدة نسـاء العالميـن ،ابنـة رسـول الله
تعجن علـى ناحيـة ،وينامون أ َدم ،حشـ ُوها ليـف ،وإهـاب كبـش ،كانـت فاطمـة
بهـا مـن بطحاء أن يُ ْنثَـر فـي بيتهـم ليلـ َة بنـى علـي علـى ناحيـة ،وأمـر
الروحاء(((.
،لتتعلَّـ َم منـه المـرأة اليـوم دروس العـزة والكرامـة، بيـت فاطمـة هـذا هـو ُ
لمشـاكل
َ حل كبيروكيـف ت ُْص َنـ ُع السـعادة والعظمـة مـن البسـاطة والقناعـة ،وفي ذلـك ٌّ
اجتماعيـ ٍة ج َّمـ ٍة ،نتجـت عـن الصعوبـات التـي َو َض َعتْ َهـا انحرافـاتُ الوعـي االجتماعي
نسـيج األمة وتماسـكها.َ اإلسلامي اليـوم ،وكانـت وال زالـت تُ َهـ ِّدد
والمتواضـع بهـذا الجهـاز كان يبتهِـج سـي ُد األنبيـاء ِ فـي هـذا البيـت البسـيط
والمرسـلين ،وسـي ُد األوصيـاء والمتقيـن ،وفيـه الزهـراء ،سـيدة نسـاء العالميـن ،وفيـه
شـباب أهـلِ الجنـة ،وزينـب الكبـرى ،وأم كلثـوم بنتا الزهـراء ،وهو ِ ُولِـ َد وتربَّـى سـيدا
يوم لعـد ٍد من الشـهور ،إذا خرج ف ْجـ َر ِّكل ٍ البيـت الـذي كان ي ُمـ ُّر عليـه الرسـول
َ
َّ َ ُ ُ ُ ُ ْ َ َ ُ ُ ِّ ْ َ ْ َ
الرجـس أهـل لصلاة الصبـح ،فينـادي( :الصلاة الصلاة ﴿إِنمـا ي ِريـد الل َّ ِلذهِـب عنكـم
ابن حنبل ،المسند ،ج ،2ص ،284رقم778؛ والهيثمي ،مجمع الزوائد ،ج ،9ص ،336رقم .5216 (((
الطبري ،ذخائر العقبى ،ص34؛ وابن حبان ،الصحيح ،ج ،28ص ،429رقم.7070 (((
ابن ماجة ،السنن ،ج ،1ص ،616رقم.1911 (((
بال ًيا غير جديد. (((
صلة اإلخوان- ،خ -الفصل السادس ،مكارم األخالق. (((
77
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
وليمة عر�سها
فـي عـرس فاطمة تلك الوليمـة ،التي ال مراءاة فيهـا وال مكاثرة، علـي
أولـم ٌّ
أفضل الوالئم فـي نظ ِر َمـ ْن َح َض َرها من الصحابة ،كمـا ُر ِو َي عن
وظلَّـت تلـك الوليمـة َ
بنت عميـس((( ،وجابر األنصاري(((.
بعـض الصحابة من ل َي ْر َه َن ِد ْر َعه في شَ ـطْ ِر شـعير((( ،واسـتع َّد ُ ذهـب اإلمـام
علـي كذا،
كبـش ،وقال فلانَّ : علـي ٌ
األنصـار للتعـاون فـي هـذه الوليمـة ،فقـال سـعدَّ :
علـي كـذا((( ،وجمـ َع له ره ٌط مـن األنصـار ُ
آصعا((( مـن ُذ َرة(((. وقـال فلانَّ :
-الحيـس((( ،وهو كان عمـا ُد تلـك الوليمـة كمـا فـي روايـة عند أهل البيـت
طعـا ٌم يُتَّ َخـ ُذ مـن التمـر ،واإلقـط ،والسـمن ،وقد يسـتعاض اإلقـط بالدقيـق أو الفتيت،
وهـو طعـا ٌم كانـت المدينـة تتكفَّـل بمـوا ِّده األساسـية ،كالتمـر ،والسـمن ،أو األقـط،
والفتيـت ،والدقيق.
غيـر أن هنـاك روايـات تُثْب ُِت أن هناك أصنافا أخرى فـي الوليمة ،ومنها الزبيب(((،
الطبري ،ذخائر العقبى ،ص ،33عن الدوالبي (((
الطبـري ،ذخائـر العقبـى ،ص ،34عـن أبـي بكر بن فـارس .والروايـة تقول :إنها أسـماء ،ولكـن يترجح أنها (((
سـلمى أختها كما سـيأتي.
الطبراني ،المعجم الكبير ،ج ،24ص ،145رقم 204040؛ وابن سعد ،الطبقات الكبرى ،ج ،8ص.14 (((
ابن حنبل ،المسند ،ج ،5ص ،359رقم23085؛ والطبري ،ذخائر العقبى ،ص.33 (((
َ
ْـب أ ْصـ ُؤ ٍع بِالْ َه ْمـ َز ِة لِضَ َّم ِة أي عـدد مـن الصيعـان ،حيـث يجمـع صاع علـى أَ ْص ُو ٍع َو ِصي َعـانٍ َ ،وأَ َّمـا ُ
آص ٌع فَ َقل ُ (((
الْـ َوا ِو كَآ ُد ٍر ِفـي أَ ْد ُؤرٍ .ويقـدر الصـاع بأربعـة أمـداد بكـف الرجل المتوسـط.
النسائي ،السنن الكبرى ،ج ،6ص ،73رقم10088؛ والطبري ،ذخائر العقبى ،ص.33 (((
العجري ،إعالم األعالم ،ص.232 (((
الطبري ،ذخائر العقبى ،ص ،34وقال :أخرجه أبو بكر بن فارس. (((
78
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
وورد أن وليمتـه كانـت آصعـا مـن شـعير ،وتمـر ،وحيـس((( ،ويظهـر أن كبـش سـعد
(((
ُ
رسـول اللـه بالال بجلبهـا((( كانـا لحم هـذه الوليمة ،فـي أكثر باإلضافـة إلـى شـا ٍة أ َمـ َر
االحتماالت.
بآصـع((( ،وأ َّن رسـول الله
بعـض الروايـات كميـة المطعومـات فيها ُ وحـ َّددت ُ
دعـا المهاجريـن واألنصـار إلـى وليمـة ابنتـه ،وأدخلهـم دفعـة دفعـة ،وببركتـه
يحضـ ْر جمي ُعهـم ،بل حضر ومعجـز ًة لـه أكلـوا وشـبعوا جميعـا ،وإن كان كمـا يبـدو لـم ُ
َمـ ْن كان قريبـا مـن مـكان الوليمـة في بيت رسـول اللـه(((؛ ألن المدينة كانـت أحياؤها
متوزعـة بيـن منطقتـي العاليـة والسـافلة فيها.
وكانـت هنـاك وليمـة أيضـا خاصـة بالنسـاء خصوصـا نسـاء األنصـار ،فقـد أعطى
آصعـا مـن تمـر وشـعير إلطعـام نسـاء األنصـار منهـا(((. رسـول اللـه
هـذه الوليمـة علـى بسـاطتها وانتمائهـا األصيـل إلـى اإلسلام المحمـدي ،وعلـى
الطريقـة النبويـة لـم يَ ْن َسـها الصحابـة ،ولـم ينسـوا أجواءها الطيبـة ،ورائحتهـا الزكية؛
أطيب منه ،حشـونافقـد قـال جابـر :حضرنـا ُع ْر َس علي وفاطمـة ،فما رأينا ُعرسـا كان َ
البيـت ِطيبـا ،وأُتِ ْي َنـا بتمـر وزبيـب فأكلنا(((.
وبهـذا يظهـر أهميـة التيسـير فـي الوالئـم ،واعتمـاد األطعمـة المتوفرة ،ممـا يوفر
موا َّدهـا بلـ ُد ال ُعـ ْرس نفسـه ،كما يظهـر أهمية التعـاون بين المسـلمين ،وإعانـة بعضهم
بعضـا في مثـل هـذه المناسـبات االجتماعية.
زفـافهــا
بنـات عبدالمطلب ونسـاء المهاجريـن واألنصـار أن يمضين في ِ أمـ َر النبـي
صحبـة فاطمـة وزفافهـا إلـى بيت الزوجيـة ،وأن يفرحـن ويَر ُجـ ْزن ،ويُ َك ِّبـ ْر َن ويُ َح ِّم ْدنَ،
وال يقُلـن مـا ال يرضـي اللـه ،فارتجزت أم سـلمة وعائشـة وحفصة ،ومعاذة أم سـعد بن
بيت مـن ِّكل َر َجزٍ ،ثم يك ِّب ْرن ،إلـى أ ْن َد َخلْ َن الدار(((.معـاذ ،وكانـت النسـوة يُ َر ِّج ْعن أ َّو َل ٍ
أن هـي التـي أمرهـا رسـول اللـه وكانـت أ ُّم أيمـن مـوالة الرسـول
،فل َّمـا صلَّى تد ُخـل مـع فاطمـة ،وتبلِّـغ عليـا بـأن ينتظـر حتـى يأتيه رسـول اللـه
العشـاء أقبـل بركـوة كان فيهـا مـاء ،فدعـا فيهـا ،وقال ما شـاء الله رسـول اللـه
رأسـها ،وبيـن كتفيها، أن يقـول ،وتوضـأ منـه ،ثـم نضـح بهـا بيـن ثديـي فاطمة ،وعلـى ِ
ثـم قـال( :اللهـم إنـي أعيذهـا بـك وذريتهـا مـن الشـيطان الرجيم) ،ثـم نضح بـه عليا
علـى رأسـه ،وبيـن يديـه ،وقـال( :اللهـم إنـي أعيـذه بـك وذ ِّريَّتَه من الشـيطان
الرجيـم)((( ،ثـم دعـا لهـم قائال( :اللهـم بارك فيهمـا ،وبـارك لهما في شـملهما) ،وقال
( :ادخـل علـى أهلـك باسـم اللـه والبركـة)((( ،وتذكـر بعـض الروايـات أنه لعلـي
حيـن جمـع بينهمـا دعـا لهمـا ،ولم يُشْ ـرِك فـي دعائهمـا أحـدا غي َرهمـا ،فدعا لهـا ،ثم
جعـل يدعـو له كمـا دعا لهـا(((.
بأه ِّم مقاييسـها وفي تلك الليلة ل ّما بكت الزهراء لفراق والدها ذكَّرها النبي
فـي الرجـال؛ إذ قـال لهـا( :مـا يبكيك يـا بنية ،قـد ز َّوجتك أقد َمهم إسلاما ،وأحسـ َنهم
ُخلُقًـا ،وأعل َمهـم باللـه تعالـى)((( ،وفـي روايـة( :ز ْو ُجـك سـي ٌد فـي الدنيـا واآلخـرة ،وإنه
أول أصحابـي إسلاما ،وأكث ُرهـم علمـا ،وأعظ ُمهـم حلمـا)((( ،وهـي مقاييـس ومؤ ِّهلات ُ
الكعبـي ،سـيدة النسـاء فاطمة الزهـراء ،ص ،63نقال عن المناقـب ،ج ،3ص354؛ والمجلسـي ،بحار األنوار، (((
ج ،43ص.115
الطبراني ،المعجم الكبير ،ج ،22ص ،409رقم1021؛ والهيثمي ،مجمع الزوائد ،ج ،9ص.206 (((
الطبري ،ذخائر العقبى ،ص33؛ وقال خرجه النسائي ،والدوالبي. (((
ابن عبدالبر ،االستيعاب ،ج ،3ص.1099 (((
أبو طالب ،تيسير المطالب ،ص.140 (((
ابن عبدالبر ،االستيعاب ،ج ،3ص.1099 (((
80
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
فاضلـة تنتمـي لحيـاة اإليمـان والتقـوى ،إنهـا األكثريـة فـي العلـم باللـه ،والسـبق إلى
اإلسلام ،وأحسـنية الخلـق أو أعظميـة الحلم ،وهو مـا يجب أن تجعله فاطمـ ُة ِ
اليوم في
أعلـى قائمـة مقاييسـها فـي الزوج الـذي تريد أن تختـاره شـريكا لحياتها.
فـي صبيحـة العـرس ،وقيـل فـي صبيحـة اليـوم الرابـع وقـد زارهمـا النبـي
:كيـف وجـدْتَ أهلَـك؟ فقـال :نِعـ َم العو ُن علـى طاعة مـن العـرس ،فسـأل عليـا
اللـه ،وسـألها عـن زوجهـا ،فقالـت :خير بعـل ،فقـال( :اللهم اجمـع شـملهما ،وألِّف بين
قلوبهمـا ،واجعلهمـا وذريتهمـا مـن ورثـة جنـة النعيـم ،وارزقهمـا ذريـة طاهـرة طيبـة
مباركـة ،واجعـل فـي ذ ِّريَّتهمـا البركـة ،واجعلهـم أئمـة يهـدون بأمـرك إلـى طاعتـك،
ويأمـرون بمـا يرضيـك)(((.
ودخـل عليهمـا يومـا وهمـا يضحكان فل َّما رأياه سـكتا ،فقال لهما رسـول الله
( :مـا لكمـا كنتمـا تضحـكان ،فلمـا رأيتمانـي سـكتُّما؟) ،فبـا َد َرتْ فاطمـة ،فقالـت :بأبي
أحب إلى رسـول الله : -أنا ُّ أنـت يـا رسـول اللـه ،قـال هذا -وأشـارت إلى علـي
وقالِ :
(أنت ُ
رسـول اللـه فتبسـم
منكَّ ، أحب إلى رسـول الله َ فقلـت :بـل أنا ُّ
ُ ِ
منـك،
( :فاطم ُة وعلـي أع ُّز ِ
منـك) ،وفي روايـة مخاطبا لعلـي ٌّ ابنتـيِ ،
ولـك رقـة الولـد،
علـي منها)(((.
وأنـت أع ُّز َّ
منكَ ، إلـي َ
أحـب َّ
ُّ
((( الكعبـي ،سـيدة نسـاء فاطمـة الزهـراء ،ص66؛ نقلا عـن (مناقـب ابـن شـهر آشـوب ،ج ،3ص ،155وبحار
األنـوار ،ج ،43ص.)117
((( العصامـي ،سـمط النجـوم العوالـي ،ج ،1ص221؛ وقال :أخـرج الرواية األولـى الطبراني ،برجـال الصحيح
عـن ابـن عبـاس ،وأخـرج األخـرى عن أبـي هريـرة أيضا.
81
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
ومـا أجـدر الزوجيـن اليـوم ال سـيما ذينـك المنتمييـن إلـى علـي والزهـراء محبـة
واتباعـا ،مـا أجد َرهمـا أن يكونـا علـى ذات التكريـم والمـودة والمح َّبة و ُح ْسـنِ الصحبة
والمعاشـرة ،مـا أجـدر أن يقابِـل طاعـ َة الزوجـة وحسـ َن تب ُّعلهـا لزوجهـا رحمـ ٌة ومـود ٌة
وتقديـ ٌر وإكـرا ٌم مـن الـزوج؛ وبهـذا تسـتقيم األسـرة ،ويصلُـح المجتمـع ،ويؤ ِّديـان
وظائفهمـا العظيمـة فـي طاعـة اللـه وعبادتـه.
أمام مسـؤوليات جديدة، نفسـها فـي بيت علي لقـد َو َجـدَتْ فاطمة الزهرا ُء َ
؛ وال ريب فـي أنه قد وأول تلـك المسـؤوليات عالقتُهـا مـع زوجهـا اإلمـام علـي
سـادت عالقـة رائعـة بيـن هذيـن الزوجيـن الكريميـن فمـا َعـ َرف التاريـ ُخ فاطمـة إال
وهـي ُم ِطيعـ ٌة لزوجهـا ،موافقـة لهُ ،م ِعينة لـه في طاعة اللـه ،وتؤثِ ُره على نفسـها ،وكان
كلمـا نظـر إليهـا ب َعث َْت في قلبـه السـعادة والحبور.
ذات يـوم :يا أخـرج ابـن عسـاكر عـن أبـي سـعيد الخـدري ،قال :قـال علـي
فاطمـة هـل عنـدك شـيء تغدينيـه؟ قالت :ال ،والـذي أكرم أبـي بالنبوة ،مـا أصبح عندي
ابني هذيـن ،قال :يـا فاطمة شـيء منـذ يوميـن ،إال شـيء أؤثـ ُرك به علـى بطني ،وعلـى َّ
أال أعلم ِتنـي حتـى أبغ َيكـم شـيئا؟ قالت :إني أسـتحيي من الله أن أُكَلِّف ََك مـا ال تقدر عليه،
فخـرج مـن عندهـا واثقـا باللـه َح َسـ َن الظ ِّن به ،وذهـب ليتدبَّر أمـره في تلك السـاعة(((.
تفضـل زو َجهـا علـى نفسـها بل وعلـى ابنيها ،وتسـتحي مـن الله هـذه فاطمـة التـي ِّ
يقـدر عليـه مـن أمـور النفقـة الضروريـة ،فمـا بـال فاطمـة أن تكلفـه مـا تظـن أنـه ال ِ
وتكاليـف ،من حيث يقـدر ومن حيث ال يقـدر ،في أمور َ بمطالـب
َ اليـوم تُ ْر ِهـق زو َجهـا
المالبـس واإلكسسـوارات والموضات؟!.
في فاطمـة سلام اللـه عليها لم تخالـف زو َجها في أمر ،وقـد قالت لزوجها
مـرض موتهـا( :يـا ابـ َن عم مـا عه ْدت َّنـي كاذبـة وال خائنـة ،وال خال ْفتُك منذ عاشـ ْرتَني،
:معـا َذ اللـهِ ،
أنـت أعلـ ُم باللـه وأبـ ُّر وأتقـى وأكـر ُم وأشـ ُّد خوفـا مـن الله، فقـال
مـن أن أوبِّ َخ ِ
ـك بمخالفتي)(((.
وهـي تلـك التـي وصفهـا زو ُجهـا بقولـه( :واللـه مـا أغضبْتُهـا وال أكْ َر ْهتُها علـى أم ٍر
كنت أنظـر إليها ـت لي أمـرا ،ولقد ُ عص ْ
حتـى قب َِضهـا اللـه عـز وجـل ،وال أغض َبتْنـي وال َ
فتكشـف عنـي الهمو َم واألحـزان)(((.
ُ
هـي تلـك التـي ضربـت األمثولـة العاليـة للزوجـة المثاليـة فـي الطاعـة وحسـن
العشـرة ،ورغـم أنهـا كانـت تجـ ُّر الرحـى حتـى تم ُجـل يداهـا ،وتسـتقي بالقربـة حتـى
تؤث ِّـر فـي نحرهـا ،وتكنـس البيـت حتـى تغ َبـ َّر ثيابُهـا ،وتو ِقـد فـي القـدر حتـى تدكـ َن
ثيابهـا((( -فمـا كان يزيدهـا ذلـك إال ألَقـا وصبـرا وتج ُّملا وسـعادة ،ويحق القـول :إنه
لـوال علـي لمـا كانـت فاطمة ،ولـوال فاطمة لمـا كان علي بذلـك النحو الـذي ظهر عليه
فـي التاريـخ إنجـازا ومجـدا وكرامة.
وتسـتمر الزهـراء فـي التقدير العظيم لشـخص زوجهـا ،وال تكتفي باحتـرام زوجها،
،فتحـ ِّدث أبنا َءها بـل تذهـب فـي هـذه الحياة لتنثـر بذور المحبـة لإلمام علـي
،وتروي الحديـث الذي مر وأمـ َة أبيهـا بمـا سـم َعتْ ُه من والدهـا في إكرام علـي
(((. ذكره سـابقًا فـي فضله
لقـد كانـت تحتـرِم وتقـ ِّدر زو َجهـا؛ أوال ألنـه زوجهـا الكريـم ،وبعلُها البطل الشـجاع
وصـي رسـول الله ،وأبـو ذريتـه؛ ولهـذا َوقَف َْت العالـم المجاهـد ،ثـم ألنـه علـي
معـه فـي موضـوع واليـة أمـر األمـة حينما اغتُصـب مقا ُمـه الـذي ع َّينه له اإلسلام.
مواقـف اإلمـام علي
َ وهـا هـي فـي خطبتهـا فـي مواجهـة أبـي بكـر تذكُـ ُر
قائلـة عنـه( :كلَّمـا أوقـدوا للحـرب نـارا ً أطفأها اللـه ،أو نجم قـرن الشـيطان ،أو فغرت
فاغـرة مـن المشـركين ،قـذف أخـاه فـي لهواتهـا ،فمـا ينكفـئ حتـى يَطَـأَ جنا َحهـا
بأخمصـه ،ويُ ْخ ِمـ َد لهبهـا بسـيفه ،مكـدو ًدا فـي ذات اللـه ،مجتهـ ًدا فـي أمر اللـه ،قريبا
مـن رسـول اللـه ،سـي ًدا فـي أوليـاء اللـه ،مشـ ِّمرا ناص ًحـاُ ،مجِـ ًّدا كاد ًحـا ،ال تأخـذه في
اللـه لومة الئـم)(((.
اإلربلي ،كشف الغمة ،ج ،1ص363؛ ومناقب الخوارزمي.247 ، (((
السيوطي ،مسند فاطمة ،نقال عن أبي داود ،والعسكري ،وأبي نعيم ،وعبدالله بن أحمد بن حنبل. (((
وينظر :المرشد بالله ،األمالي الخميسية ،ج ،2ص( 130ترقيم آلي). (((
الشرفي ،الآلليء المضيئة –خ -؛ وابن أبي الحديد ،شرح نهج البالغة ،ج ،16ص.250 (((
83
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
وتقـول عنـه أمـام نسـاء المهاجريـن واألنصـار ،معلِّلـة مـا نقموا بـه عليـه فأزاحوه
عـن حقـه فـي واليـة أمر األمـة( :ومـا نقموا مـن أبي حسـن؟ نقمـوا والله نكير سـيفه،
ونـكال وق ِعـه ،وشـدة وطأته ،وتن ُّمـ َره فـي ذات الله)(((.
َ
هكـذا كانـت الزهـراء تنظـر إلـى زوجها اإلمـام ،وبهـذا كانـت تصفه ،وكانـت تلبي
نـداءه فـي كل وقـت بـدون تأفـف أو تضجـر ،وفـي مـرة مـن المـرات طـرق بيتَهـم
مسـكي ٌن ،يطلـب طعامـا ،فمـا كان منهـا إال أن قالـت:
(((
لـــؤم وال وضاعة
ٍ بـــي مـــن ما َ أمرك ســـم ٌع يـــا ابن عـــ ّم وطاعة
غضبهـا والنعـم الـزوج ،والبعـل ،ال يُ ِ وبالمقابـل فقـد كان أميـر المؤمنيـن
يُ ْك ِر ُههـا علـى شـيء ،ويق ِّد ُرهـا غايـة التقديـر ،وقـد مضـى كال ُمـه فـي ذلـك؛ إذ قـال:
(واللـ ِه مـا أغض ْبتُهـا وال أكر ْهتُهـا على أمـ ٍر حتى قبِضها اللـ ُه ع َّز وجـل)((( ،وحين يراها
وقـد أث َّـر عليهـا التعـب وكثـر ُة العمـل فـي البيـت ،وتتزاحـم عليهـا األعمـال ،يـرِق لهـا،
بخـادم من السـبي يعينهـا ،ولكنها تعود ٍ تذهـب إلـى أبيهـا لعلَّهـا تظفَـ ُر منه
َ ويقتـرح أن
بخيـر الدنيـا ،مـن الدعـاء للـه والمناجـاة ،والتسـبيح ،فيقـول لهـا :خيـر أيامـك ،خيـر
أيامك.
ومـا أجملـه مـن زو ٍج يشـ ُعر بمعانـاة زوجتـه وتعبهـا ،ومـا أجملها من زوجـة ترضى
بمـا قسـم اللـه لهم ،وبقضاء اللـه وخيرته التـي اختارها ألهل بيـت النبي محمد
،ومـا أعدلَـه وهـو يعتبرهـا مصـدر سـعادته ،وانجلاء همومـه وأحزانـه ،وهـو الرجـل
الـذي مـا عـ َرف إال المعانـاة ،واقتحام المعـارك ،ومصاولـة األبطال.
ول َّمـا قالـت لـه( :وال خالفتُـك منـذ عاشـ ْرتَني) ،قـال( :معـاذ اللـه ِ
أنـت أعلـم بالله،
ـك بمخالفتـي)(((.وأبـ ُّر ،وأتقـى ،وأكـرم ،وأشـ ُّد خوفـا مـن اللـه مـن أن أوبِّ َخ ِ
وربمـا اختلفـت الـرؤى والتقديـرات لبعـض األمـور فيجـري بينهمـا مـن االختالف
الراشـد ،والحـوار الهـادئ ،مـا ال يخـرج إلـى اإليـذاء واإلغضـاب ،فتُشَ ـ ِّدد فاطمة على
أبو العباس الحسني ،المصابيح ،ص.269 (((
،ج ،1ص ،179رقم.103 الكوفي ،مناقب أمير المؤمنين (((
اإلربلي ،كشف الغمة ،ج ،1ص363؛ ومناقب الخوارزمي.247 ، (((
الكعبي ،سيدة النساء فاطمة الزهراء ،ص ،68نقال عن مصادره. (((
84
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
تعاونهما
هذا البيت الذي تز َد ِحم فيه الواجبات الشـخصية والشـرعية والمجتمعية والجهادية
هـو البيـت الـذي أبصـار النـاس -خـارج حيطانـه -شـاخصة إليـه ،تنتظر منـه القدوة
الحسـنة ،واألسـوة الطيبة ،وتنتظـر التعليمات تخرج منه في مختلـف المجاالت ،لتقتدي
وتتأسـى؛ وقـد ق َّدم هـذا البيت بالفعـل نموذجا رائعا فـي التعاون بيـن الزوجين.
بـه َّ
ال تمضـي الحيـاة سـليمة مـن األذى إذا لم يكـن هناك تعاون وتفاهـم ونظا ٌم يرتِّب
((( أي كفي .وال َوجد يقال :وجد عليه يجِد َو ْجدا :إذا غضب عليه .يقول لها :كفي عن غضبك.
((( مستدرك نهج البالغة ،ص.77
((( الرضي ،نهج البالغة ،خ ،200ص.395
85
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
ويقيـل ِعثا َرها ،وقد قـ َّدم هذان الزوجان نموذجـا رائعا ِّ
لكل ُ أمو َرهـا ،ويُ ْصلِ ُ
ـح ُم ْع َو َّجهـا،
زوجيـن سـواهما ،فـي ترتيب أمـو ِر بي ِتهما؛ فهـذه الزهراء سـيدة نسـاء العالمين ،وبنت
خير المرسـلين ،وزوج سـيد الوصيين ،وأم سـيدي شـباب أهل الجنة الحسـن والحسين،
ووالـدة الذريـة المباركـة الطيبيـن ،لـم تتأفّـف عـن العمـل ،وعـن معالجة أكبـ ِر األمور
وأصغرِهـا ،وأعظ ِمهـا وأهونِها داخـل بيت زوجها.
وهـا هـي تلـك كانـت تطحـن ،وتسـتقي ،وتعجـن ،وتخبـز ،وتربِّـي األوالد ،وتغـزل
المالبـس ،وتُسـ ِعد زوجها ،وتُ ْكرِم أضيافَهـا ،وتتفقَّد أباها ،وت ُْصلِح أمـره ،وتقوم بأدوارها
الجهاديـة واالجتماعيـة والتعليمية.
على فاطمـة يوما ،وعليها كسـاء ُ
رسـول اللـه أنـه دخل عـن الصـادق
مـن أوبـار اإلبـل ،وهـي تطحن بيدهـا ،وت ُ ْر ِضـع ول َدهـا ،فدمعت عينـاه ،لِ َمـا أبصر بها،
فقـال :يـا بنتـاه ،تع َّجلـي مـرار َة الدنيـا بحلاو ِة اآلخـرة ،فقد أنـزل الله َّ
علـيَ ( :ول ََسـ ْو َف
يُ ْع ِط َ
يـك َربُّ َـك فَتَ ْر َضى) [الضحـى.(((]5 :
ومـع ك َبـ ِر عقلـي هذين الزوجين ،وحسـنِ تعاشُ ـرِهما إال أنه كان ال بد مـن الترتيب
والتنظيـم ،وتحديـد الصالحيـات والمهـام بيـن أعضاء هـذا البيت؛ كان ال بـد من ذلك
ليكونـا نمـوذج التعـاون لبقيـة األزواج ،وأمثولـة الترتيـب والنظام لسـائر األسـر؛ ولهذا
قضـى علـى فاطمـة الزهـراء بخدمـة البيـت ،وقضـى على ثبـت أن رسـول اللـه
بإصلاح مـا كان خار ًجا والقيـام به(((. علـي
وص َـف فيها كانـت الزهـراء تقـوم بأعمـال كثيـرة خدمـة لبيت زوجهـا ،وفـي رواية َ
علـي عملَهـا ،فقـال( :إنها ج َّرت بالرحى حتـى أث َّرت في يدها ،واسـتَق َْت بال ِقربة اإلمـا ُم ٌّ
البيـت حتـى اغبـ ّرت ثيابُهـا ،وأوقـ َد ِت ال ِقـ ْد َر حتـىَ حتـى أث َّـرت فـي نحرِهـا ،وك َن ِ
سـت
دكنـت ثيابهـا ،وأصابهـا مـن ذلـك ضـر)((( ،واشـتهرت الروايـة التـي تصف يدهـا بأنها
،ص 58عن ابـن النجار وابن ((( السـيوطي ،الـدر المنثـور ،ج ،8ص543؛ والسـيوطي ،مسـند فاطمـة
،ج ،1ص64؛ والهنـدي ،كنز العمال ،ج ،12ص،422 مردويـه والديلمـي؛ والخوارزمي ،مقتل الحسـين
رقم.35475
((( الهادي ،يحيى بن الحسين ،األحكام ،ج ،1ص414؛ والحوثي ،المختار ،ص.387
((( السيوطي ،مسند فاطمة ،ص110؛ عن أبي داود ،والعسكري ،وأبي نعيم ،وعبدالله بن أحمد بن حنبل.
86
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
انطلق إلى تفصيـل مـا أجملـه اإلمـا ُم المنصـور باللـه ،وذلـك أن عليـا
ُ وورد
ابـن حنبـل ،المسـند ،ج ،3ص150؛ والهيثمـي ،مجمـع الزوائـد ،ج ،10ص316؛ وابن عسـاكر ،تاريخ دمشـق، (((
ج ،10ص.332
مسند فاطمة للسيوطي ،ص ،103عن أبي نعيم. (((
مسند فاطمة للسيوطي ،ص ،102عن ابن جرير. (((
البالذري ،أنساب األشراف ،ج ،2ص37؛ وابن عبدالبر ،االستيعاب ،ج ،4ص.1894 (((
المنصـور باللـه عبداللـه بـن حمزة ،مجموع رسـائل المنصـور بالله عبداللـه بن حمزة (القسـم الثاني) ،ج،2 (((
ص ،578وصيـة البنات.
87
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
بنت
رجـل يعالـج الصـوف ،فقـال لـه :هل لـك أن تعطينـي جزة من صـوف ،تغزِلهـا لك ُ
َ
الصـوف والشـعي َر ،فقبِلت آصـعٍ مـن شـعير؟ قال :نعـم ،فأعطـاه بثالثـة ُ محمـد
فاطمـة وأطاعـت ،وقامـت إلـى صـا ٍع فطح َنتْه ،وخبزت منه خمسـة أقـراص(((.
وهـذا يبيـن أنهـا سلام اللـه عليهـا اكتسـبت مهـارة رائعـة ،وعملا شـريفا تعملـه
داخـل بيتهـا ،يُ ِـد ُّر عليها وعلى أسـرتها َد ْخال يحفـظ كرامتهم ،ويعالج بعض مشـكالتهم
االقتصاديـة ،وهـذا مـا يجـب أن تسـتنه فاطمـة اليـوم فـي حياتها.
ومـع ذلـك فـإن التاريـخ ال يتركنـا نشـاهد فاطمة تقاسـي التعب لوحدهـا ،رغم أننا
نعلـم أن زوجهـا البطـل الهمـام هـو ذلـك الـذي كانت ت ُْسـرِع به رجلاه نحـو المعارك،
ومصاولـة األقـران ،وتث ُبـت فـي مواقـف الخشـوع والعبـادة وحلقـات العلـم ،وهـو ذلك
الـذي كان مـع رسـول اللـه كظله ،يكتسـب منـه المعـارف والعلوم.
بـل ت ْخ ِب ُرنـا بعـض الروايـات أنـه مـع تلـك المشـاغل ومـع مـا أخـذ علـى نفسـه من
التعـب بمفردهـا داخل
َ التكفـل بشـؤون البيـت مـن خارجـه ،إال أنـه لـم يَتْ ُركْها تقاسـي
البيـت فـي األوقـات التي يمكنـه فيها إعانتها ،بـل تخبرنا أنه كان يطحن معها الشـعير،
وكانـت يـداه تتأثـر بمثـل مـا تتأثـر بـه يداها ،وهـو يديـر معها الرحـى((( ،وهـذا درس
عظيـم لنـا معشـر الرجـال كيـف نكـون مـع زوجاتنـا عملا وتعاونـا وتواضعـا وشـغفا
بالعمـل داخـل البيوت.
،ج ،1ص ،178رقـم103؛ والثعلبـي ،تفسـير الثعلبـي ،سـورة (هـل ((( الكوفـي ،مناقـب أميـر المؤمنيـن
أتى).
((( المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص.232 - 231
88
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
وال َدهـا يُ ْك ِثـر الوصيـة بهـا ،التفتـت إليـه ،وقالت :يا رسـول الله بضعـة الرسـول
علـي يـوم ،وعليهـا يـوم ،ففاضـت عينـا رسـول اللـه بالبـكاء ،وقـال( :اللـه أعلـم حيـث َّ
يجعـل رسـالته ،ذريـة بعضهـا من بعـض والله سـميع عليـم) .
(((
وهكـذا أخلاق أبنـاء النبيين ،وسـادات العالمين ،يشـاطرون َخ َد َمهـم وعبي َدهم في
أنـاس مثلُهـم ،وإذا كان الله قـد ابتالهم بالرق الخدمـة؛ ذلـك أنهـم يعلمـون أن هـؤالء ٌ
لظـروف غيـ ِر عاديـة ،فـإن مـن حقِّهـم أن يعيشـوا فـي بيـوت المسـلمين كمـا يعيـش ٍ
أهـل البيت نموذجا رائعـا للتعامل السـادة عملا ،وملبسـا ،ومأكال ،ومشـربا ،ولهذا ق َّدم ُ
اإلنسـاني الراقـي ،وفـي اإلصابـة البـن حجر العسـقالني أن رسـول اللـه أَ ْخـ َد َم فاطم َة
جاريـ ًة اسـ ُمها فضـة النوبيـة ،فكانـت تشـاط ُرها الخدمة ،فقالـت لها فاطمـة :أتعجنين
أو تخبزيـن؟ فقالـت :بـل أعجن يا سـيدتي ،وأحتطـب .((()...
وبهـذا يتبيـن أن هـذا البيـت كان منظَّمـا ونظيفـا يـؤ ِّدي أهلُـه وظائفَهـم وأعمالَهم
ظل مها َّم
وكل يسـعى في سـبيل تحصيل السـعادة ,والقيام بالواجب ،فـي ِّ فيـه بانتظـامٌّ ،
إلـى البيـت وجـده نظيفًـا أنيقًـا، وواجبـات ِ
منتظمـة ،فـإذا جـاء علـي ٍ محـ َّددة،
حيـث بنـت المصطفـى فيـه ال تعرف الكسـل ،وتحـرص على النظـام ،وعلى إشـاعة ج ٍّو
أنيـق وكريم.
�أناقة ..وب�ساطة
وهـو عائـ ٌد مـن اليمـن ،ولما وتشـدني عجبـا تلـك الروايـة التـي تفيـد أنـه
وصـل مكـة ،وجـد فاطمـة قـد أحلَّت مـن الحج ،ومـا إن دخل البيـت المؤقَّـت في مكة،
حتـى وجـد منهـا ريحا طيبـة((( ،ووجـد الزهراء قد لبسـت ثيابـا َصبِغا ،وقـد اكتحلت(((؛
األمـر الـذي دفعـه للذهـاب لالسـتفتاء إلى رسـول اللـه ،والمهم فـي الرواية أنهـا تفيد
مـا كانـت عليـه فاطمـة مـن أناقـة ونظافـة واعتنـاء بطيبهـا وملبسـها المتواضـع فـي
الخوارزمي ،مقتل الحسين ،ج ،1ص.69 (((
ابن حجر ،اإلصابة ،ج ،8ص ،75ترجمة رقم.11628 (((
أحمد بن عيسى ،علوم آل محمد ،ج ،1ص.370 (((
ابن أبي النجم الصعدي ،درر األحاديث النبوية ،ص.84 (((
89
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
هـذه القيـم والسـلوكات؛ ومتى فـ َّرق المؤمنون والمؤمنـات بين أعمـا ِل البيت واألعمال
الجهاديـة ،وكلهـا ممـا يقـ ِّرب إلـى اللـه ،ويُبت َغـى بهـا وجـ ُه الله عـز وجل؛ وليـس هناك
أسـرة مؤمنـة إال وهـي مق ِّدسـة للعمـل ،مبارِكة لالسـتقامةُ ،مسـرِعة إلى طاعـة الله.
بتلـك الجاللـة التـي ظهـر عليهـا مجاهـدا عظيما، ال يمكـن أن يكـون علـي
وفارسـا شـجاعا ،واثقـا بقدراته القتاليـة ،ووجدانه المعنـوي الروحي العالـي والمندفع
مـع اللـه بلا حـدود ،إذا لـم يكـن لـه مـن السـيدة فاطمـة تلـك الروحيـة المسـانِدة،
واإلعانـة المسـتمرة ،والتهيِئـة المتجـ ِّددة؛ ألن زوجـة المجاهـد والمضحـي ال ُم ْخلِـص ال
ينبغـي لهـا أن تكـون إال منسـجِمة معـه ،ومواكِبة لذلك القـدر من االسـتعداد والتضحية
والفـداء والشـجاعة لديه.
أمـا فاطمـة فكمـا كانـت مـع أبيهـا فـي سـوح الجهـاد فكذلـك كانـت مـع زوجهـا
المجاهـد ،وال شـك أن شـجاعة زوجهـا وبطوالته فـي معركة بدر التي كانـت أول معركة
أظهـرت بطوالتِـه ال ُمد ِهشـة ،ومق ِّوماتـه الجهاديـة الفائقـة ،ال شـك أن تلـك المعركة قد
علـي الـذي أصبح بعـد ذلـك زو ًجا تركـت أثـرا محمـودا فـي قلـب هـذه السـيدة تجـاه ٍّ
لهـا ،وهـو الـزوج الـذي ذكَّرهـا أبوهـا بأهـ ِّم مقوماتـه ليلـة زفافهـا مـن أنه« :أسـبقهم
إلـى اإلسلام ،وأكثرهـم معرفـة باللـه تعالـى ،وأحسـنهم خلقـا أو أعظمهم حلمـا» ،مثل
شـخص واحد فإنه بال شـك سـيكون مصد َر ٍ هـذه الصفـات العظيمـة عندمـا تجتمع في
أي زوجـة فـي الدنيـا فما بالكم بسـيدة النسـاء؟!. اعتـزا ِز ِّ
فارسـها الشـجاع المتفانـي فـي ذات الله ،وقد سـبقت لنتصـو ِر الزهـرا َء وقـد عـاد ُ
أخبـا ُر انتصاراتـه وبطوالتـه إلـى مسـامعها ،كيـف سـت ْح َم ُد اللـ َه أ ْن رزقها اللـه مثل هذا
وآيب منهـا ،وهي تعلـم أنه اليـد اليمنى ذاهـب إلـى المعركـة ٌ
ٌ الـزوج ،ولنتصو ْرهـا وهـو
،والبطـل األول فـي اإلسلام ،كم عسـاها سـتنطلق إلى لوالدهـا الرسـول القائـد
تجهيـ ِز وإعـدا ِد أدواتـه الجهاديـة وعدتـه وعتـاده ،وكم سـتفخر بـزوج مثل هـذا الزوج
العظيم!!.
ومـا أجمـل تقييمهـا ألداء زوجهـا الجهـادي في أيـام والدهـا ،وهي تعـ ِّدد مؤ ِّهالته
اسـتحق بهـا أن يكـون ولـي أمـر المسـلمين ،مـا أجمـل ذلـك التقييـم َّ العظيمـة التـي
وهـو يكتنـز وعيـا عميقا بـدو ِر ومسـؤولي ِة زوجها فـي الجهـاد ،قالت فـي خطبتها تلك:
91
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
(كلمـا أوقـدوا نـارا للحـرب أطفأهـا اللـه ،أو نجـم قرن الشـيطان ،أو فغـرت فاغرة من
المشـركين قـذف أخـاه [تعنـي زوجهـا] فـي لهواتهـا ،فمـا ينكفـئ حتـى يطـأ جناحهـا
بأخمصـه ،ويخمـد لهيبهـا بسـيفه ،مكـدودا فـي ذات اللـه ،مجتهدا فـي أمر اللـه ،قريبا
ناصحـاُ ،م ِج ًّدا كادحا ،ال تأخـذُه في الله مـن رسـول اللـه ،سـيدا في أولياء الله ،مشـ ِّمرا ِ
لومـ ُة الئـم ،وأنتـم فـي رفاهي ٍة مـن العيـش ..تتوكَّفون األخبـار ،وتنكصون عنـد النزال،
وتفـرون من القتـال .((()..
إنهـا بهـذا النـص تعتَبِـ ُر جهـا َد زوجِهـا وقتالَـه ُج َّـل الجهـاد و ُم ْعظَ َمـه ،وهـي تذكِّـر
باألثـ ِر القائـل( :قـام اإلسلام علـى سـيف علـي ،ومـال خديجـة) ،وعلـي هـو زوجهـا،
وخديجـة هـي أمهـا صلـوات اللـه عليهـم جميعـا.
لقـد رأت سلا ُم اللـه عليهـا الطلقـا َء وقـد كثُـر عدي ُدهـم فـي المدينة ،وهـم أولئك
جوانحهـم ِحقـ ًدا قدي ًمـا ،تح َّملـوه فـي قلوبهـم ،يـو َمِ الذيـن ال يزالـون يح ِملـون فـي
جنحـوا عـن المواجهـة الصريحـة لإلسلام إلـى المواجهـة الخفية مـن الداخـل ،ولهذا
رأت أن هـذا التيـار داخـل مجتمـعِ المدينـة ،قـد بات يشـكِّل المر ِّجـح الكبيـ َر لخالفات
عن والية الصحابـة ،ولهـذا ق َّدمـت تفسـيرا جيـدا إلبعـاد زوجهـا المجاهد علـي
أمـر األمـة ،فقالـت( :ومـا نقمـوا من أبي حسـن؟ نقموا والله نكير سـيفه ،ونـكال وقعه،
وشـدة وطأتـه ،وت َ َن ُّمـ َره فـي ذات الله)(((.
لقـد عاشـت الزهـراء ذلـك الجهـاد روحـا وجسـدا ،ولهـذا تـدرك قيمـة التضحيات
وصعوبـة المواقف السـلبية المغايِرة لهـا ،والمخالِفة لمقتضياتها ،روى البخاري ومسـلم
وهشـمت بيضتـه علـى رأسـه، فـي يـوم أحـد ك ُِسـ َرتْ رباعيتُـهِ ، أن رسـول اللـه
ـك الد ُم اسـتطاعت يستمس ِ
ِ ِ
تغسـل ال َّد َم ،ولما لم فكانـت فاطمـة بنت رسـول الله
أن تجـد طريقـة إليقافه(((.
ولمـا وصلـت فاطمـة إلـى أُ ُحـد كان أبوهـا رسـول الله قـد ناولها سـيفه ،وقـال لها:
((( ابن أبي الحديد ،شرح نهج البالغة ،ج ،16ص250؛ والشرفي ،الآلليء المضيئة- ،خ .-
((( أبو العباس الحسني ،المصابيح ،ص.269
((( البخـاري ،الصحيـح ،ج ،5ص ،226رقـم ،113كتاب المغازي؛ ومسـلم ،الصحيـح ،ج ،3ص ،101 ،1416كتاب
الجهاد.
92
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
�أم الح�سنين
تلـك كانـت الزهـرا َء أ َّم أبيهـا ،وزوجـ َة بطـل اإلسلام األول ،فمـاذا عنهـا وهـي أ ُّم
َعلَ َمـي الهـدى ،وسـيدي شـباب أهـل الجنـة ،ومنطَلَـق امتـدا ِد رسـول اللـه وولديـه؟
إ َّن للحسـن والحسـين خصوصيـة شـرعية لـم تكـن لغيرهما؛ حيـث القرآن سـ َّماهما
َ ُ ْ َ َ َ ْْ َ ْ ُ َ ْ َ َ ََ ْ َ ُ ْ َ َ
ـم َون ِسـاءنا فـي قولـه تعالـى﴿ :فقـل تعالـوا نـدع أبناءنـا وأبناءك أبنـا ًء للرسـول
ُ َ ُ َ ُ َ ُ َ َ َ
ـك ْم﴾[آل عمـران ،]61:وتُ ْج ِمـع روايات الشـيعة والسـنة أن رسـول َون ِسـاءك ْم َوأنفسـنا وأنفس
اللـه لـم يُ ْخـرِج إال الحسـن والحسـين ،وأباهمـا ،وأ َّمهمـا ،ليبا ِهـل بهم نصـارى نجران.
َ َ
َ َ ُ َ َّ ٌ َ َ ِّ ِّ َ ُ
ِك ْم﴾[األحـزاب ،]40:فلا تتعـارض وأمـا قولـه تعالـى﴿ :مـا كن ممـد أبـا أح ٍ
ـد مـن رجال
ِّ ِّ َ ُ
ِك ْـم﴾ ،ولـم يقل( :مـن رجالـه) أو (من مـع هـذه اآليـة؛ إذ قـال اللـه تعالـى ﴿مـن رجال
أهـل بيتـه) ،ثـم إ َّن اآليـة نزلت في قصة زيـد بن حارثـة ،وكان الحسـنان حينها صبيين
صغيريـن ،ال تطلـق كلمـة رجـل علـى أي منهما.
ت�سميتهما
سـنة ثلاث مـن الهجـرة فـي شـهر رمضـان((( ،و ُولِ َد الحسـين ُولِـ َد الحسـ ُن
في شـعبان سـنة 4هــ(((.
بسـبب اهتماماته الحربية أراد أن يسـمي تزعـم روايـات أن أميـر المؤمنين
َ
رسـول اللـه فـي تسـميتهما ،بـل بعضهـا أنـه لـم يشـأ أن يسـبِق كليهمـا (حربـا) ،وتنـص ُ
كان يَ ُهـ ُّم مجـرد هـ ٍّم((( غيـر أ َّن تك ُّر َر هذه اإلرادة عند والدة الحسـين بأن يسـ ِّميه حربا
أيضـا كمـا فـي بعـض الروايـات((( ال تسـي ُغه ِفطنة علـي ،وال ينسـجم وقوة انسـياقه مع
اإلرادة المحمديـة واالصطفـاء اإللهي.
،كان قد سـ َّمى الحسـن ومـع ذلـك فهنـاك رواياتٌ تذكُ ُر بأ َّن أمير المؤمنين
حمـزة((( باسـم عمـه الشـهيد حمـزة ،والـذي لـم يمـض علـى استشـهاده سـوى بضعـة
أشـهر ،كمـا تذكـر روايـات أنـه أيضا سـ َّمى الحسـين عند والدتـه باسـم جعفر(((.
أرا َد تسـمية الحسـن باسـم عمه ـح ِصـ ْد ُق تلـك الرواية التي تُثْبِت أنه
ويتر ّج ُ
حمـزة ،حيـث أراد التذكيـر بع ِّمـه حمزة ،والتنويـه بجهاده واستشـهاده ،وتضحيتـهَ ،خلْقًا
للقـدوة الحسـنة ،وإحيـا ًء لجميـل األسـوة ،مـع ترجيحـي أن ذلـك كان مجر َد استحسـانٍ
وإراد ٍة فقـط ،وليـس اتخا َذ قرارٍ ،وأسـتب ِع ُد جـدا أنه كان قد ق َّرر قرارا نهائيا تسـميتَهما
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص501؛ وابن عبدالبر ،االستيعاب ،ج ،1ص.384 - 383 (((
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص503 ،501؛ وابن عبدالبر ،االستيعاب ،ج ،1ص.393 - 392 (((
الرضا ،الصحيفة ،ص466؛ والحوثي ،المختار ،ص.555 (((
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص.511 (((
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص.510 (((
المصدر السابق. (((
94
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
كان أوعـى وأحفـ َظ لحـق رسـول اللـه فـي حربـا ،أو حمـزة؛ ألن اإلمـام عليـا
،وما أجمـل تلك الرواية ولديـه وفـي تسـمي ِتهما ،وهو يعلـ ُم أنهما ابنا رسـول الله
( :بـأي شـي ٍء حيـن سـأله رسـول اللـه التـي أجـاب فيهـا اإلمـام علـي
كنـت ألسـبقَك باسـمه يـا رسـول اللـه) ،فهـذا هـو
سـ َّميْ َت اب َنـك هـذا؟) ،فأجـاب( :مـا ُ
،وهو ِ
منط ُـق أن هذين لرسـول الله منطـق التقديـر واالحتـرام مـن علي ُ
فـي الحقيقة. الولديـن همـا ولـدا رسـو ِل الله
قـد هـ َّم بـأن يسـمي الحسـ َن بـ(حمـزة) ،وربمـا وربمـا بالفعـل كان علـي
تص َّحفـت الروايـ ُة الحقًـا لتصيـر (حربًـا) ،ولكـن مـا يتر َّجـح لـي أيضـا هـو أن تسـمية
عـن إرادة المولـى تبـارك الحسـن والحسـين كانـت تسـمية نـزل بهـا جبريـل
وتعالـى.
وسـوا ٌء ص َّحـت روايـة أنـه كان ي ُهـ ُّم بتسـمية الحسـن بـ(حمـزة) ،أو روايـة أنـه كان
يهـم بتسـميته بـ(حـرب) ،فـإن كليهما يشـير على أية حال إلـى إخالص أميـر المؤمنين
لبطولتـه وشـجاعته وجهـاده العظيـم؛ فهـو القائد العسـكري األول في اإلسلام
باسـم يتفاعـل مـع مقتضيات تلـك الحال، بعـد رسـول اللـه؛ ولهـذا هـ ّم أن يسـمي ابنـه ٍ
َـت أروا ُحهم فـي طريق الحريـة ،وأعظمهم عمه أو ألنـه كان يهتـم بالشـهداء الذيـن َعل ْ
حمـزة؛ لـذا أراد أن يسـميه (حمزة).
انتظـر أمـر اللـه فـي تسـمية وهنـاك روايـات كثيـرة تبيـن أن رسـول اللـه
الحسـن ،فـ(أتـاه جبريـل ،فقـال :يـا محمـد ،الجبـار يقرئـك السلام ،ويقول لك :سـ ِّمه
:ومـا اسـ ُم ِ
ولـد هـارون؟ ،فقـال :شَ ـ َّبر ،قـال باسـم ابـن هـارون ،فقـال
:لسـاني عربـي ،قـال :سـ ِّمه الحسـن ،ولمـا ُولِـد الحسـين تك ّرر األمـر ،إلى أن قـال له:
سـ ِّمه شَ ـبير ،فقـال :لسـاني عربـي ،قال :سـ ِّمه الحسـين)(((.
الهارونيـة مـن موسـوية النبـي محمـد إن هـذه الروايـة تع ِّمـق عالقـة علـي
فـي ذريتـه الطاهـرة ،إنهـا تؤكِّـد منزلته من رسـول الله التي هـي منزلة هارون
مـن موسـى إال فـي النبـوة ،والتي وردت في حديـث المنزلة المتواتر بيـن األمة جمي ًعا،
(أنـت منـي بمنزلـة هـارون مـن موسـى إال أنـه ال بنـي بعـدي) ،فـكأ َّن هارونيـة علـي
متع ِّمقـة وممتـ َّدة من خلال ذريتـه الذين هم فـي عالقتـه برسـول اللـه
،تثبيتـا للحجة علـى هذه األمـة ،وتأكيـدا عليها. ذريـة رسـول اللـه
آداب النفاس
وتشـريعات ما ينبغـي اتخاذه ٍ آداب
فـي حديـث والدة الحسـنين ومـا صاح َبهما مـن ٍ
نموذجـا وطريقـة وسـنة إذا أردنـا صلاح األوالد ،وصلاح دينهـم ،ونيـل بركـة االتبـاع
. واالقتـداء بسـنة رسـول اللـه
بـوالدة الحسـنين اهتمامـا بالغا؛ ففي تُظْهِـر الروايـاتُ اهتمـا َم رسـو ِل اللـه
كل ََّـف عـ َد ًدا مـن النسـوة ،ومنهـن :سـلمى بنت الروايـات مـا يمكـن األخـذ بأنـه
،وأمر أن ال يَ ْسـ ِب ْق َنه عميـس((( ،وعائشـة ،أن يق َبلْـ َن فاطمة في نفاسـها بالحسـن
بشـيء بعـد ذلـك ،وأن يل ُففْـن الوليـد فـي خرقـة بيضـاء ،وأن يَقْـ َرأْ َن بعد وضـع الحمل
فاتحـة الكتـاب ،وآيـة الكرسـي ،وآخر سـورة الحشـر ،وقل هو اللـه أحـد ،والمع َّوذتين(((،
فسـ َّر ْرن الحسـن ،ول َففْنـه فـي ِخرقة صفراء ،ولما جاء رسـول اللـه ليراه وبَّ َخهـن ،وأ َم َر
أن يُل ََّـف فـي ِخرقـ ٍة بيضـاء ،وح ّنكـه ،وقـال( :اللهـم أعيـذه بـك وذريتـه مـن الشـيطان
الرجيـم)((( ،والمشـهور جـدا أنـه أذَّن في أذنه اليمنـى ،وأقام في أذنه اليسـرى((( ،وهو
كأدب مـن آداب الوالدة.
كتب الفقـه اإلسلامي ٍ نصـت علـى اسـتحبابه ُ أمـ ٌر َّ
كثيـرة تلـك الروايـات التـي تسـند إلـى أسـماء بنت عميـس أعماال ومواقـف لها عالقـة بالزهراء ،سـواء في (((
عرسـها ،أو زفافهـا ،أو والدة الحسـن ،أو الحسـين ،وألن أسـماء كانـت فـي تلـك الفتـرة فـي الحبشـة مـع
زوجهـا جعفـر الطيـار بـن أبـي طالـب ،حتـى السـنة السـابعة من الهجـرة؛ فالـذي يترجح هـو أنهـا إما أن
تكـون قـد عـادت قبـل عـود زوجها ،وعايشـت تلك األحـداث المروية عنهـا ،أو أ ّن من عايش تلـك األحداث
فـي الحقيقـة هـي أختهـا سـلمى بنت عميس زوجـة حمزة بـن عبدالمطلب رضـي الله عنه ،ولكـن ل َّما طغت
شـهرة أسـماء بنـت عميـس علـى أختهـا اختلـط األمـر علـى الـرواة األوائـل ،فجـاء َمـ ْن بعدهـم فكتبـوا ما
سمعوه.
صحيفة اإلمام الرضا ،ص466؛ والمرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص509؛ والحوثي ،المختار ،ص.555 (((
المصادر السابقة. (((
المصادر السابقة. (((
96
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
ينظـر الحوثـي ،المختـار ،ص ،556 - 555نقلا عـن صحيفـة اإلمـام الرضـا ،وكان من عـادة الجاهليين أن (((
يطلـوا رأس المولـود بالدم.
ابن عبدالبر ،االستيعاب ،ج ،1ص.383 - 392 (((
المرشد بالله ،األمالي اإلثنينية ،ص.509 (((
الحوثـي ،المختـار ،ص ،676نقلا عـن تفسـير البرهـان ،لإلمـام الناصـر أبي الفتـح الديلمي؛ وأبـو طالب، (((
تيسـير المطالـب ،ص148؛ والمرشـد باللـه ،األمالـي اإلثنينيـة ،ص.511
97
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
تربية �أوالدها
فـي ِص َغـر هـؤالء األوالد يشـير التاريخ إلـى أ ّن فاطمة كانت تهتم بهم ،ففي مسـند
أحمـد أنهـا كانت تُ َنقِّز((( الحسـن بن علـي ،وتقول:
(((
ـــت شـــبي ًها بعلي
ْلس َ بأبـــي شـــبه النبـــي
وفي رواية :أنها كانت تُ َزفِّن للحسن ،أي تُ َرقِّصه ،وأصل ال َّزفْن :اللعب والدفع(((.
ولعـل هـذا األسـلوب اشـتهر وذاع بيـن الصحابـة إلـى درجـة أ َّن أبابكـر بعـد وفـاة َّ
بليـا ٍل ،وعلي يمشـي إلى جنبه م َّر بحسـنِ بن علـي ،وعمره في رسـول اللـه
يلعـب مـع غلمـانٍ فاحتمله علـى رقبته ،وهـو يقول: الثامنـة تقريبـا ،وهـو ُ
(((
ليـــس شـــبيها بعلي وابأبـــي شـــبه النبي
ِ
ترقيـص فاطمة وال يُ ْسـتَ ْب َعد ذلـك مـن أبـي بكـر ،فهـو مـن جه ٍة يشـير إلى اشـتها ِر
وأحـد أنشـطة أسـلوبها التربـوي الرائـد فـي المدينـة ،وكأ ّن المدينـة كانـت أذنـا واعية
لتسـجيل أقـوا ِل وأفعـا ِل فاطمـة وأسـاليبِها ،ومـن جهـة أخرى ،فـإ َّن أبا بكـر كان يعتزم
،ال سـيما وأنـه للتـو متـو ِّرط فـي تلطيـف الجـ ِّو المتوت ِّـر بينـه وبيـن بيـت علـي
،وربمـا أراد أيضا التمهيـ َد بمثل هـذا لتح ُّركِه المؤذي قضيـة واليـة اإلمـام علي
لفاطمـة فـي فدك.
،وتقول له: وفي رواية أنها كانت ترقِّص الحسن
الحق ال َّرســـن
واخلـــع عـــن ّ أشـــ ِب ْه أبـــاك يـــا حســـن
(((
وال ت ُـــوا ِل ذا اإلحـــن واعبـــد إلهـــاً ذا منـــن
وهـي كلمـاتٌ توحـي بأنهـا سلام اللـه عليهـا كانـت تهـدف إلـى زرع االقتـداء في
النقز :هو الوثب صعودا ،والتنقيز :هو التوثيب صعودا. (((
ابن حنبل ،المسند ،ج ،6ص.283 (((
ابـن األثيـر ،النهايـة فـي غريب الحديـث واألثر ،ج ،2ص ،233وقريتنا اسـمها (المزفن) لوجود سـاحة كان (((
النـاس يـؤدون فيهـا رقصـة (البرع) فـي أيام العيـد والغدير.
ابن حنبل ،المسند ،ج ،1ص ،171رقم.40 (((
العاملي ،أعيان الشيعة ،ج ،1ص. 563 (((
98
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
قلـب ولدهـا بأبيـه الوصـي ،وتبنـي فيـه قيمـة اتباع الحـق ،وعظمـة الخالـق المعبود ذا
المنـن ،وإعمـال مبـدأ البـراءة مـن أهـل البغضاء.
لقـد أنشـأت فاطمـة بطريقتهـا التربوية أعلى مدرسـ ٍة مثاليـ ٍة تخ َّرج منها الحسـنان
اصطحـاب أوالدهـا إلـى محـراب عبادتهـا، ِ ،وكانـت تحـرِص علـى وزينـب
أجلسـتْه إلى
أ َّن والدتـه َ وتعلِّمهـم أنـوا َع التبتُّـل والته ُّجـد ،حيـث يـروي الحسـ ُن
جانـب سـجادتها ،وهـي تتضـرع إلـى اللـه وتدعوه.
وهما وذكـرت الروايـات أن الزهـراء كانـت تعلِّـم ولديهـا ُخطب رسـول اللـه
ل ّمـا يبلغـا الخامسـة ،وكانـت تطلب منهمـا إعادة ما سـمعاه من خطاب رسـول الله على
مسـامعها ،ثـم يعيدانه بحضـور أبيهما.
إلـى مسـجد رسـول اللـه عندمـا ألقـت خطبتهـا العصمـاء وأخـذت زينـب
هنـاك(((.
إن اهتمـا َم فاطمـة بولديهـا هـو ترجمـة الهتمام رسـول اللـه بهما؛ إذ همـا وصيتاه
،الـذي سـيمتد إلـى آخـر الدنيـا ،ليخـ ُر َج من العظمـى ،وهمـا منبـع نهـ ِر كوثـرِه
وينصر المسـتضعفين ،ويعي ُد إلى اإلسلام ذريتهـم َمـ ْن يَ ْح ِمل الهـدى ،ويُجا ِهد الطغاةُ ،
قرآنيتَـه ،وروح َّيته.
فـي بعـض أيـام صفيـن رأى اإلمـام علـي ولـده الحسـن يتسـ ّرع إلى خـوض غمار
[أضـ ُّن وأب َخ ُـل]
َـس َ
الحـرب ،فقـال( :املكـوا عنـي هـذا الغلام ،ال يَ ُه ُّدنـي ،فإننـي أنف ُ
بهذيـن [يعنـي الحسـن والحسـين] علـى المـوت؛ لئلا ينقطـع بهمـا نسـل رسـول اللـه
) (((.
بطلـة كربالء ،وكان مولدها في السـنة وكان المولـود الثالـث زينـب العقيلـة
الخامسـة مـن الهجـرة ،وروت عـن أمهـا((( ،قـال السـيد العالمـة الحجـة مجـد الديـن
المؤيـدي« :ولهـا كالم ليزيـد ،وعبيداللـه بـن زيـاد ،يـدل علـى بالغـة ،وعلـم ،وعقـل،
((( محمد تقي المدرسي ،فاطمة قدوة الصديقين ،ص.26
((( الرضي ،نهج البالغة ،خ ،205ص.399
((( أبو طالب ،اإلفادة ،ص.24 ،23
99
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
دورها االجتماعي
لقـد سـجل القـرآن الكريم صـورة ناصعة لنمـوذج دو ٍر واحد مـن أدوار فاطمة وأهل
بيتهـا االجتماعيـة ،وهو يشـير إلى جز ٍء من مهـام هذه الزوجة العظيمـة ،واألم الكريمة،
َـت ذلـك سـورة كاملـة من القـرآن الكريم ،وهي سـورة اإلنسـان ،والالفـت أن تحمل وثَّق ْ
هـذه السـورة اسـ َم اإلنسـان ،الـذي كان فضلا وكرمـا وإحسـانا متشـ ِّخصا فـي فاطمـة
وزوجهـا وأبنائهـا ،وقـد مـ َّر عليهـم مسـتط ِعما اإلنسـا ُن اآل َخـر ،الـذي كان م َّر ًة مسـكينا،
وكان ثانيـة يتي ًمـا ،وكان ثالثـة أسـي ًرا؛ وأل َّن ال ُم ْسـتَطْ ِع َم إنسـا ٌن مهمـا كان موقفـه ،حتـى
لـو كان أسـيرا محاربـا ،فيجـب أن يكـون ال ُمطْ ِع ُم إنسـانا أيضـا ،وهذه القيمة اإلنسـانية
العظيمـة ،هـي القيمـة التـي تحتاجها األمة اليوم بعـد أن عبِث الفكر الوهابي الداعشـي
بكثيـر منهـا ،بـل وعكَسـها أتبـا ُع هـذا الفكـر فـي هـذا الزمـان بشـكلٍ مشـ َّوه ومنفِّر من
اإلسلام ،ومخالـف لمـا كان عليـه رسـول اللـه وأهل بيتـه صلوات اللـه عليهم.
اإلماراتـي علـى اليمـن ،بشـقه التنفيـذي المتمثِّل
َّ األمريكـي
َّ السـعودي
َّ إ َّن العـدوا َن
فـي المدعيـن لإلسلام ،مظهـ ٌر مـن مظاهـر افتقـاد هـؤالء المعتديـن لشـي ٍء من هذه
لدليـل قاطع
القيمـة اإلنسـانية الرائعـة ،ومـا يعملونه بأسـرى الجيـش واللجان الشـعبية ٌ
علـى بُ ْع ِدهـم عـن تعاليـم اللـه وسـنن الصالحيـن من أهـل البيـت ،وعلـى رأس الجميع
فاطمـة الزهـراء سلام اللـه عليها.
ث َّبتـت الزهـراء عناويـن أخـرى فـي أدوارهـا االجتماعيـة ،فلا بـد أنهـا كانـت تعلّم
النسـاء مـا يُشـ ِكل عليهـ ّن مـن األحكام الشـرعية والمعـارف اإللهيـة الضروريـة؛ إذ ورد
((( المؤيدي ،لوامع األنوار ،ج ،3ص.201
((( المؤيدي ،لوامع األنوار ،ج ،3ص.220
((( اإلفادة ،ص.22
100
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
فـي شـرح ابـن أبـي الحديـد أنـه كان يغشـاها نسـا ُء المدينـة وجيـران بيتهـا((( ،ويبـدو
ٍ
طالبـات للعلـم ،ف َي ِج ْدن فاطمـة العالمة وهي أن بيتهـا كان مدرسـة تُ ْقب ُِـل عليها النسـاء
رحـب ال يعـرف الماللة وال السـأم(((. تسـتقبله ّن بصـد ٍر ٍ
تطـ ِّرف القاصديـن إليها ولـم تقتصـر فـي تعليمهـا علـى النسـاء ،بل كانـت
بمـا عندهـا مـن العلـم والمعرفـة؛ فعـن ابن مسـعود ،قـال :جاء رجـل إلـى فاطمة بنت
عنـدك ،فقـال :يـا ابنـة رسـول اللـه ،هـل تـرك رسـول اللـه رسـول اللـه
شـيئاً تط ِّرفينيـه ،فقالـت« :يـا جارية ،هاتـي تلك الحريـرة» ،فطلبتها فلـم تجدها ،وبعد
«ليس مـن المؤمنين َم ْن َ : البحـث عنهـا وجدتهـا فـإذا فيها“ :قال محمـد النبـي
لـم يَأْ َمـ ْن جـا ُره بوائقَـه .و َمـ ْن كان يؤمـن بالله واليـوم اآلخر فال يُـ ْؤ ِذ جـاره .و َم ْن كان
يحب الخ ّيـ َر الحليم المتعفّف، يؤمـن باللـه واليوم اآلخـر فليقل خي ًرا أو يسـكت .إ ّن الله ّ
لحـف .إ ّن الحيـاء مـن اإليمـان ،واإليمـان فـي السـئآل ال ُم ِ
ويبغـض الفاحـش الضنيـن َّ
ـش مـن البـذاء ،والبذاء في النـار»(((. الجنـة ،وإن ال ُف ْح َ
دورهـا االجتماعـي حتى فـي عبادتها ،فقـد كانت تدعو ولـم تنـس الزهـراء
للمؤمنيـن والمؤمنـات ،وال تدعـو لنفسـها ،متحلِّيـ ًة بالخلـق النبـوي العالـي ،واألدب
اإلسلامي الرفيع.
قامت فـي محرابها ـت أُمي فاطمـةقـال« :رأيْ ُ عـن اإلمـام الحسـن
وسـ ِم ْعتُها تدعـو
ليلـة جمعتهـا ،فلـم تـزل راكعـة سـاجدة حتـى ات َّضـح عمـو ُد الصبـحَ ،
للمؤمنيـن والمؤمنـات وتسـ ّميهم ،وتك ِثـر الدعـا َء لهـم ،وال تدعـو لنفسـها بشـيء ،فقلت
لهـا :يـا أُ ّمـاه ،لـم ال تَ ْد ِعيـن لنفسـك كمـا تدعيـن لغيـرك؟ فقالـت :يـا بني ،الجـار ث ّم
الدار»(((.
دورها ال�سيا�سي
دو ٌر رائـ ٌد فـي الدفـاع عـن قضايـا اإلسلام الكبـرى ،وتح ُّر ٌك كان للزهـراء
جـا ٌّد فـي مواجهـة أول انحـراف فـي اإلسلام ،وهـو فـي الحكـم ،حيـث صرخـت بقوة
ملفتـة فـي وجـه السـلطة الجديـدة ،التـي انحرفـت بمسـار الحكـم ع َّمـن اختـاره اللـه،
رسـول اللـه فـي أكثـ َر مـن موقـف ،وال سـيما فـي حادثـة الغديـرُ وع َّمـن أعلـن واليتَـه
خطبة قوية وبليغـة ،أعادت الشـهيرة ،وفـي هـذا خطَ َبت في مسـجد رسـول اللـه
فيها التذكي َر بمشـروع اإلسلام ،وتشـريعاتِه ،وطبيعة رسـالة والدها ،ووالية زوجها ،وما
كان عليـه أصحـاب رسـول اللـه ،ثـم مـا أصبحـوا فيـه ،وتوحـي فقـرات الخطبة وشـدة
لهجتهـا أنهـا اعتبـرت ذلـك خطرا كبيـرا يتهدد اإلسلام.
ولـم تكتـف بذلـك بـل دارت فـي بيـوت األنصـار تح ِّرضهـم علـى الثورة فـي نصرة
الحـق واتخـاذ الموقـف الصحيـح ،وكانـت تعيـب عليهـم سـكونهم ورضوخهـم لسـلطة
األمـر الواقـع ،ومـا فتئـت تحـذِّر الجميـع مـن مغبة السـكوت عن هـذا االنحـراف ،كما
سـيتبين ذلـك مـن خلال خطبها.
102
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
،لكنهـا كانـت ُم ِغيظـة لقلـب فاطمـة ،وملأت قلبهـا األمـر الموكولـة إلـى علـي
غضبـا؛ األمـر الـذي دفعهـا لمقاطعتهـم والتشـنيع عليهـم فـي مجالسـها وخطبهـا ،قال
البخـاري“ :فهجـرت فاطمـة أبـا بكـر فلـم تكلِّمـه ،حتـى توفيـت ،وألجـل ذلـك دفنهـا
علـي ليلا ،ولـم يـؤ ِذ ْن بها أبـا بك ٍر بحسـب رغبتهـا”(((.
زو ُجهـا ٌّ
أهـل البيـت أن أبـا بكـر أخطـأ فـي ذلـك((( ،ومـا أجمـل كالم اإلمـام علـي ويـرى ُ
إذ قـال( :بلـى كانـت فـي أيدينـا فدك مـن كل ما أظلته السـماء ،فشـ ّحت عليها
قـوم آ َخريـن ،ونعـم الحكم للـه)(((.
نفوس ٍ قـوم ،وسـ َخت عنهـا ُ نفـوس ٍ
ُ
،حتـى دخلـت علـى أبي تطـأ ذيولهـا((( ،مـا تخـ ُر ُم ِمشـيَتُها ِمشـي َة((( رسـول اللـه
بكـر ،وهو في حشـد مـن المهاجرين واألنصـار ،فنيطت((( دونهـا ُمالءة((( ،ثـم أنَّ ْت أنَّ ًة
نشـيج((( القـوم ،وهـدأتْ فورت ُهم(((. ُ أجهـش((( لهـا القـو ُم بالبـكاء ،فأمهلت حتى سـ َك َن
بالحمـد والطَّول والمجد، ِ بحمـد َم ْن هو أولىِ ثـم قالـت صلـوات الله عليهاِ :
“أبتدئُ
نعـم
عمـوم ٍ ِ الحمـد للـه علـى مـا أنعـم ،ولـه الشـك ُر بمـا ألهـم ،والثنـا ُء بمـا قـ َّدم ،مـن
جـل عـن اإلحصـا ِء عد ُدها، ابتدأهـا ،وسـبو ِغ آال ٍء أسـداها((( ،وإحسـانِ ِم َنـنٍ واالهـا(((َّ ،
ونـأى عـن المجـازاة أم ُدهـا( ،((1وتفـا َوت عـن اإلدراك أبَ ُدهـا( ،((1واسـتثنى( ((1الشـك َر
بفضائلهـا ،واسـتحمد إلـى الخلق بإجزالهـا( ،((1وث َّنـى بالندب إلـى أمثالها(.((1
اإلخلاص تأويلَها ،وض َّمن َ وأشـهد أن ال إلـه إال هـو وحـده ال شـريك له ،كلم ًة جعـل
القلـوب موصولَهـا ،وأبـان فـي ال ِفكَـر معقولَهـا ،الممتنـع مـن األبصـار رؤيتُـه ،ومـن َ
األلسـن صفتُـه ،ومـن األوهام اإلحاطـ ُة به ،الذي ابتدع األشـيا َء ال من شـي ٍء كان قبلَه،
وأنشـأها بلا احتـذا ٍء امتثلـه ،وفَطَ َرهـا لغيـ ِر فائـد ٍة زا َدتْـه ،إال إظهـا ًرا لقدرتـه ،وداللـ ًة
علـى ربوبيتـه ،وتع ُّبـ ًدا لبريته ،وإعـزازًا ألهـل دعوتِه.
ووضـ َع العقـاب على ثـم جعـل الثـواب علـى طاعتـه حياشـ ًة( ((1لعبـاده إلـى جنتـهَ ،
((( كانت أثوابها طويلة تستر قدميها ،وتضع عليها قدمها عند المشي.
على وجهها وتمامها. ((( أي ما تنقص منها شيئا ،حيث أشبهت مشيتها مشية رسول الله
((( أي ُعلِّق َْت.
((( ال ُمالءة :ال َملحفة وما يُ ْف َرش على السرير.
((( أجهش اإلنسان للبكاء ،إذا تهيأ له ،وجاشت نفسه لذلك.
((( النشيج :تر ُّدد البكاء في الصدر من غير انتحاب.
((( هيجانهم.
((( سبوغ اآلالء :اتساع النعم ،وأسداها :أعطاها.
((( واالها :جعلها متتابعة.
( ((1النأي :البعد .واألمد :الغاية المنت َهى إليها .أي بعد عن المجازاة بالشكر غايتها.
( ((1تباعد عن اإلدراك دهرها المتأبِّد.
( ((1كـذا فـي المصـادر ،ولعلهـا تعنـي :طلـب الثنـاء أو اسـتحقاقه .وفـي هامـش (بالغـات النسـاء) :اسـتثنه:
اسـتحقه.
( ((1طلب منهم الحمد بسبب إجزال النعم وإكمالها عليهم.
( ((1ندبهم إلى تحصيل أمثالها من النعم على اآلخرين.
شت الشيء :إذا ُح ْزتَه إلى حيثُ تَتَ َم َّك ُن منه .وفي رواية :جياشة ،أي حثا وإقباال.( ((1من ُح َ
104
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
معصيتـه ذيـادة((( لعبـاده عن نقمته ،وأشـهد أن أبي محمـ ًدا عب ُده ورسـولُه ،اختاره قبل
أن يتن َّبـأه((( ،واصطفـاه قبـل أن يبتعثـه؛ إذ الخالئـق بالغيـب مكنونـة ،وبسـتر األهاويـل
مصونـة((( ،وبنهايـة العـدم مقرونـة ،عل ًمـا مـن اللـه بعواقـب األمـور ،وإحاطـة منـه
بحـوادث الدهـور ،ومعرفـة منـه بعواقـب المقـدور ،ابتعثـه اللـه إتما ًما لعلمـه ،وعزيمة
علـى إمضـاء حكمـه ،وإنفـاذًا لمقاديـر حتمـه ،فـرأى األمـ َم ِف َرقًـا فـي أديانهـاُ ،ع ُكفًـا
علـى نيرانهـا ،عابـدة ألوثانهـاُ ،من ِكـرة للـه بعد عرفانهـا ،فأنار اللـه بأبي ظُلَ َمهـا ،وف َّرج
قبض
عـن القلـوب بُ َه َمهـا((( ،وجلَّـى عـن األبصـار ُغ َم َمهـا((( ،ثـم قبضـه اللـه عز وجـل َ
ـب ُء((( األوزار ،محفوفًا رأفـ ٍة واختيـار ،ورغبـة عـن تعـب هـذه الـدار ،موضوعـاً عنـه ِع ْ
ملـك جبَّـار ،صلـى الله عليـه وعلى رب غفـار ،فـي جـوار ٍ بالمالئكـة األبـرار ،ورضـوانِ ٍّ
آلـه الط ِّيبيـ َن األخيار.
ـب أمـرِه ونهيِـه((( ،و َح َملـ ُة دي ِنـه ووحيِـه ،وأمنـا ُء اللـه علـى
ثـم أنتـم عبـا َد اللـه نَ ْص ُ
أنفسـكم ،وبلغـاؤه إلـى األمـم ،للـه فيكـم عهـ ٌد ق َّد َمـه إليكـم ،وبق َّيـ ٌة اسـتخلفها عليكـم،
وآي فينا((( منكشـفة سـرائ ُره ،وبرها ٌن متجلِّيـ ٌة ظواه ُره، كتـاب الله ب ِّينـ ٌة بصائ ُرهٌ ،
ومعنـا ُ
قائـ ٌد إلـى الرضـوانِ أتبا َعـه ،مـؤ ٍّد إلـى النجاة أشـيا َعه ،فيه تبيـا ٌن لحجج اللـه المن َّورة،
ومواعظـه ال ُمكـ َّررة ،ومحارِمـه ال ُم َحـذّرة ،وبيناتـه الجاليـة((( ،وجملـه الكافيـة ،ورخصه ِ
المرغوبـة ،وفضائلـه المندوبـة ،وشـرائعه المكتوبة.
ففـرض اللـ ُه اإليمـا َن تطهيـرا لكـم مـن الشـرك ،والصلاة تنزي ًهـا عـن الكبـر،
والصيـام تثبيتًـا لإلخلاص ،والـزكاة تزييـدا في الـرزق ،والحج تشـييدا للديـن ،والعدل
تنسـكًا للقلـوب ،وطاعتَنـا نظا ًمـا للملـة ،وإمامتَنـا أ ْم ًنا مـن الفُرقة ،وح َّبنا ع ًّزا لإلسلام، ُّ
السوق والطرد والدفع واإلبعاد. الذود والذيادةَّ : (((
يجعله نبيا. (((
كانت مستورة عن األهوال بسبب عدمها. (((
ال ُبهمة :الظلمة الشديدة تطبق على القلب ،وتقال لألمر الشديد إذا لم يُ ْهتَ َد لوجه الخالص منه :بهمة. (((
جمع غمة ،يقال لل ِمحنة ال ُمطْبِقة ال ُمظْلِ َمةُ :غ َّمـة. (((
العبء :الثقل. ْ (((
أي نصبكم الله ألوامره ونواهيه. (((
وحجيتهم. تشير إلى ما نزل من آيات القرآن في أهل البيت (((
الم َب ّينة. (((
105
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
والصبـ َر منجـاة ،والقصـاص حقنـا للدمـاء ،والوفـاء بالنـذر تع ُّر ًضـا للمغفـرة ،وتوفيـ َة
شـرب الخمـر تنزي ًهـا عـن الرجس، والنهـي عـن ِ َ المكاييـل والموازيـن تغييـرا للبخسـة،
وتـرك((( السـرقة إيجابـا لل ِعفـة ،وحـ َّرم اللـه عـز وقـذف((( المحصنـات اجتنابـا للّعنـةَ ، ِ
إخالصـا لـه بالربوبيـة ،وجعـل صلـ َة أرحا ِمنـا زيـاد ًة ل ِع َّدتكـم ،وطاعتَنـا ً َ
الشـرك وجـل
نظامـاً لملحمتكـم((( ،واالئتمـا َم بنـا األمـا َن مـن فُرق ِتكـم.
َ َ َ ُ ُ َّ َّ َ َ ُ ُّ ْ ُ َ َ َّ ُ َ
ون﴾[آل عمـران،]102: فاتقـوا اللـه عبـاد اللـه ﴿حـق تقات ِـ ِه وال تموتـن إِال وأنتـم مسـلِم
ْ َ َّ َ َ ْ َ
ِـن ع َِبـا ِده ِ ال ُعل َماء﴾[فاطر،]28:
َ ْ
وأطيعـوه فيمـا أمركـم بـه ،ونهاكم عنـه ،فـ﴿إِنما يشى الل َّ م
واحمـدوا اللـه الـذي بعظمتـه ونـوره يبتغي َمـن فـي السـماوات واألرض إليه الوسـيلة،
قدسـه ،ونحن حجته فـي غيبه ،ونحن ومحل ِ خاصتهُّ ، ونحـن وسـيلَتُه فـي خلقه ،ونحـن ّ
ورثـة أنبيائه».
رسـول ربِّكـم ،وخات َـ ُم أنبيائكـم، ُ ثـم قالـت« :أمـا بعـ ُد :فأنـا فاطمـ ُة ،وأبـي ُم َح َّمـ ٌد
أقولُهـا َعـو ًدا علـى بَـ ْد ٍء ،ومـا أقـول َسـ َرفًا وال شَ ـطَطًا ،وما أنا مـن الكاذبين ،فاسـمعوا
ََ ْ َ َ ُ ْ ُ ٌ ْ
ـم َرسـول مِن وقلـوب راعيـة ،بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم﴿ :لقـد جاءك ٍ بأسـما ٍع واعيـة،
ٌ ْ ْ
ـم بال ُمؤمن َ َ
يـص َ ْ ُ ْ ُ ْ َ ٌ َ ْ َ َ ُّ ْ َ ٌ َ َ ُ
ين َر ُءوف َرح ٌِيم﴾[التوبـة ،]128:فـإن ِِ ِ ك ي ل ع ر
ِ ح ـم تِ ن ع ـا م ه ِ ـ ي ل ع يـز ز
ِ ع م ـك س
أ ِ
نف
ت َ ْعـ ُزو ُه((( تجـدوه أبـي دون نسـائكم ،وأخـا ابـنِ ع ِّمـي دون رجالِكـم ،ولَ ِنعـم ال ُم ْعتَـ َزى
إليـه ،بَلَّـ َغ الرسـالة ،يدعـو إلـى سـبيل ربـه بالحكمـة والموعظـة الحسـنة ،صا ِد ًعـا
بال َّنـذارة ،مائلا عـن َم ْد َر َجـة((( المشـركين ،حائـ ًدا عـن َسـ َن ِنهم((( ،ضاربًـا لث َبجِهـم(((،
وينكـت( ((1األصنام ،حتى انهزم الجمع وولَّوا ال ُّدبُــر، ُ آخـذًا بأكظامهـم((( ،ي ُجـ ُّذ الهام(((،
ونطق زعي ُم الدين ،وخرسـت الليل عن ُصبْ ِحـهَ ، حضه ،وتفـ ّرى((( ُ الحـق((( عـن َم ِ وأسـفر ُّ
شقاشـق((( الشـياطين ،وفُ ْهتُـ ْم((( بكلمـة اإلخلاص ،وكنتـم علـى شـفا ُحفـر ٍة مـن النـار،
وموطـئ األقـدام((( ،تقتاتـون
َ نُ ْهـز َة((( الطامـع ،و َم ْذقَـ َة الشـارب((( ،وقَبْ َسـ َة((( ال َع ْجلان،
ال ِقـ َّد((( ،وتشـربون الطَّـ َرق( ،((1وأنتـم أذلـة خاشـعون( ،((1تخافـون أن يتخطَّفكـم ُ
الناس
مـن حولِكم.
فأنقذكـم اللـه بأبـي ،بعـد اللتيـا والتـي ،وبعدما ُم ِن َ
ـي ِب ُب َهـم( ((1ال ِّرجـال ،وذؤبان (((1
العـرب ،و َمـ َر َد ِة أهـلِ الكتـاب ،كلمـا حشُّ ـوا( ((1نـارا للحـرب ،ون َجـم( ((1قـر ٌن للضاللـة،
وفَ َغـ َرتْ ( ((1فاغـرة مـن المشـركين ،قـذف أخـاه فـي لهواتهـا ،فلا ينكفـئ( ((1حتى يطأ
قريـب
ٌ ِصما َخهـا بأخ ُم ِصـه( ،((1ويُ ْخ ِمـد ل َه َبهـا ب َحـ ِّده ،مكـدو ٌد فـي ذات اللـه تعالـى(،((1
((( أضاء.
((( تشقق.
قشقة :التي يُدلِّيها الفحل المغتلم من اإلبل إذا هاج وهدر فيها. ((( الشِّ ِ
((( فُ ْهتُم وتف َّو ْهتُم بمعنى واحد.
((( أي فرصة الطامع.
((( أي شربته.
((( القبسة :ما تقبضه بيدك.
((( أي في مكان الذلة .وتريد من هذه العبارات األخيرة أنهم كانوا ضعافا مهانين يتخطفهم الناس.
((( ال ِق ُّدَ :سيْ ٌر يُ َق ُّد من ج ٍِلد غير مدبوغ.
( ((1الطرق :الماء الذي خاضته اإلبل ،وبالت فيه.
( ((1الخشوع :أشد الخضوع.
( ((1المراد الحادثة والحويدثة ،كأنهما أمران عظيمان ،أحدهما أعظم من اآلخر.
ـي .والبُهمـة :الفـارس البطـل الشـجاع ال يُ ْهتَدى لوجـه التمكُّن منـه ،ويقال :هو الـذي يعد بمئتي ( ((1منـي :ابتُلِ َ
فارس.
ـت النـار إذا أوقدتهـا ،وأصـل الحش أن يجمـع الوقود من األطـراف إلى الوسـط ،ومتفرق النار ( ((1مـن حششْ ُ
إلـى المعظـم ،ليشـتد توقدها ،وكل مجموع فمحشـوش.
( ((1طلع.
( ((1فغر :فتح ،وفغرت األسد أفواهها إذا فتحتها.
( ((1أي فال ينصرف.
نفسـها .واألخمـص :مـا ال يصيـب األرض مـن باطـن القـدم عنـد المشـي، واألذن ُ
الصمـاخ :ثقـب ُاألذنُ ، (ِّ ((1
والعبـارة تعنـي القهـر والغلبـة علـى أبلـغ وجـه.
( ((1المكدود :من بلغه التعب واألذى .وذاتُ الله :أمره ودينه.
107
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
(((
مـن رسـول اللـه ،سـيد فـي أوليـاء اللـه ،وأنتم فـي رفاهيـة آمنـون وادعـون ،ت َوكَّفون
األخبـار ،وتنك ُُصـون عنـد النـزال(((.
(((
جـل وعـ َّز لرسـوله دار أنبيائـه ،وما عنده لرسـله ،ظهرت َح َسـكَة فلمـا اختـار اللـ ُه َّ
جلبـاب اإلسلام ،واخلولـق ثوبُـه ،وقَ َح َـل((( عظْ ُمـه ،وارتُـثَّ ((( رمي ُمـه، ُ (((
وسـ َم َلالنفـاقَ ،
فنيـق((( المبطليـن ،ف َخطَ َر وظهـر نابـغ((( ،ونطـق كاظـم ،ونبـغ خامـل اآلفكيـن ،وهـ َد َر ُ
رأسـه مـن مصرعـه صار ًخـا بكـم ،فألفاكـم لدعائـه فـي ع َرصاتكـم ،وأَطْلَـ َع الشـيطا ُن َ
مسـتجيبين ،ولغـروره مالحظيـن ،فاسـتنهضكم فوجدكـم خفافًـا ،وأَ ْح َم َسـكم((( فوج َدكم
فوسـ ْمتُم غيـ َر إبلكـم ،و َو َر ْدتُّـم شـرابًا ليـس لكـم( ،((1بـدا َر -زعمتـم -خـوف غضابـاَ َ ،
َ
َ ْ ٌ
يطـة بالكف ِر َ َ ْ َ
ْ َ َ ُ َ َّ َ َ َّ َ ُ َ ْ َ
ين﴾[التوبـة ،]49:هذا والعهد قريب، ِ ِ حالفتنـة﴿ ،أال ِف ال ِفتنـ ِة سـقطوا وإِن جهنم لم ِ
وال َكلْـم رحيـب( ،((1والجـرح ل َّما يندمل ،والرسـول ل َّمـا يُ ْق َبر ،فهيهات منكـم؟ وكيف بكم؟
وكتـاب اللـه بيـن أظهركـم ،زواجـ ُره ظاهـرة ،وأوامـره الئحـة ،ودالئلـه ُ وأنـى تؤفكـون؟
َ ََ ً َّ ْ َ
واضحـة ،أرغبـ ًة عنـه تريـدون؟ أم بغيره تحكمـون؟ فـ﴿بِئـس ل ِلظال ِ ِمين بدال﴾[الكهف،]50:
الاس َ َ َْ ً ََ ََُْ ْ ُ
ـه َو ُه َ َ َ ََْ َ َْ ْ َ
يـن﴾[آل عمـران.]85: ِِ ـو ِف اآلخ َِرة ِ مِـن ﴿ومـن يبتـغِ غير ِ
اإلسلا ِم دِينـا فلـن يقبل مِن
ثـم لـم تلبثـوا إال ريـثَ أن تسـك َن نفْرت ُهـا ،ويَ ْسـل ََس قيا ُدهـا( ،((1ت ُِسـ ُّرون َح ْسـ ًوا فـي
((( تنتظرون.
((( أي تهربون عند الحرب.
((( الحقد.
((( سمل الثوب :إذا خلِق ،وصار باليا.
((( يبس.
رمق من حياة. ((( ُجرِح وارت ُثَّ :إذا بَ ِق َي فيه ٌ
((( خامل ال يؤبَه له.
((( الفنيق :الفحل من اإلبل.
((( أي أغضبكم .وفي رواية :وأحمشكم :حثَّكم.
الكـي .والـورود :حضـور الماء للشـرب ،واإليراد :اإلحضـار .والشِّ ـرب :الح ُّظ من المـاء ،وهما ( ((1ال َو ْسـ ُم :أثـر ّ
كنايتـان عـن أخـذ مـا ليـس لهم بحق مـن اإلمامـة وميـراث النبوة.
( ((1الكلم :الجراح .والرحيب :الواسع.
( ((1نفْـرة الدابـة :ذهابهـا وعدم انقيادها .والسـلِ ُس :السـهل اللين المنقـاد .أي :لم تصبروا إلـى ذهاب أثر تلك
. المصيبـة ،وهي مـوت النبي
108
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
سـرعا َن مـا أحدثتـم ،وعجلان مـا نك َْصتُـم ،وعجلا َن ذا إهالـة((( ،تقولـون :مـات
رسـول الله أ َمتُّـ ْم دي َنه؟! ،هـا إ َّن موتـه ل َخط ٌْب – واللـ ِه -جليل، ُ رسـول اللـه ،ألَ ِئـن مـات
ُ
ـت األرض ل َغ ْي َبتـه ،واكتأبَ ْ
وأظلمـت ُ ِ استوسـع َو ْه ُيـه((( ،واسـت ْن َهر((( فتقُـه ،وفُ ِقـد راتقُـه(((،
َـت األمـوال ،وأُ ِضيـع الجبـال ،وأكـ َد ِت اآلمـال((( ،وأُكِل ْ
ُ خيـر ُة اللـه لمصيبتـه ،وخشَ ـ َع ِت
الحريـم((( ،وأُزِيلَـت ال ُح ْر َمـة((( عنـد مماتـه ،فتلـك نازلـة( ((1أ ْعلَـ َن بهـا ُ
كتـاب اللـه فـي
أفنيتكـم ،ممسـاكم ومصبحكـم ،هتافًـا هتافًـا بأسـماعكم ،ولقبلـه مـا حلَّت بأنبيـاء الله
((( ال َح ْسـو :الشُّ ـرب شـيئا فشـيئا ،واالرتغـاء :شـرب الرغـوة ،وهـي ما يطفـو فوق اللبن مـن الماء المشـوب به،
والمثـل يُضـ َرب لمن يُظ ِه ُر شـيئا ويريـد غيره.
((( الحز :القطع ،وال ُم َدى جمع ُمدية ،وهي السكِّين.
((( اإلهالة :الو َدك إذا أذيب ،يُضْ َر ُب مثال للشيء يُع َّجل قبل أوانه ،أي نكثتم بسرعة وعجلة.
((( الوهي :الخرق الواسع.
((( استنهر :استوسع.
((( الفتق :الشق ،والرتق ضده.
((( أي َّقل خيرها.
((( حريم الرجل :ما يحميه ويقاتل عنه.
((( الحرمة :ما ال يحق انتهاكه.
( ((1النازلة :الشديدة.
109
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
ُّ ُ ُ َ َ َّ َ َ ُ َ َ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ُ َ َّ ٌ َّ ُ ٌ َ ْ َ َ ْ
الرسـل أفإِن مـات أ ْو قتِل انقل ْبتـم ع أعقابِك ْم ورسـلهَ ﴿ ،ومـا ممد إِال َرسـول قد خلت مِن ق ْبلِ ِه
َّ
الشـاك ِر َ َ ْ ً َ َ َ ْ ع َع ِق َب ْيـ ِه َفلَن يَ ُ َّ
ِـب َ َ َ
َ َ َ َ ْ
ين﴾[آل عمـران.]144: ِ ـيج ِزي الل ّ ضر الل ّ شـيئا وس ومـن ينقل
حـق أن تـرِثَ أبـاك يـا ابـ َن أبي وي ًهـا((( معشَ ـ َر المهاجريـن ،أَأُبْتَـ ُّز((( إرث َيـ ْه؟! أباللـ ِه ٌّ
جئت شـيئًا فريًّـا((( ،فدونَكَها مخطوم ًة مرحولـة((( ،تلقاك قحافـة ،وال أرث أ ِب َيـ ْه؟!((( لقـد َ
يـو َم حشْ ـرِك ،ف ِن ْعـ َم ال َح َك ُم الل ُه ،والموعـ ُد القيامة ،والزعي ُم محم ٌد ،وعمـا قليل تنكفئون،
ُ ِّ َ َ ُّ ْ َ َ ٌّ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ َ
ون﴾[األنعـام.”]67 : خ َسـ ُر المبطلون ،و﴿ل ِك نب ٍإ مسـتقر وسـوف تعلم وعنـد السـاعة يَ ْ
ثـم التفتـت صلـوات اللـه عليهـا إلـى األنصـار فقالت“ :يـا معشـ َر النقبـا ِء ،وأعضا َد
ال ِملَّـة ،و َح َصنـة((( اإلسلام ،مـا هـذه ال َفتْـ َرة عـن نصرتـي ،وال ِونْ َيـة((( عـن معونتـي،
يقـول: والسـ َن ُة((( فـي ظُالمتـي؟! أمـا كان رسـول اللـه وال َغ ِميـز ُة((( فـي حقـي؟! ِّ
(المـر ُء يُحفَـ ُظ فـي ولـده)؟!.
أي ًهـا بنـي قَيلـة( ((1أَأُ ْه َضـ ُم تـراثَ أبـي وأنتـم بمـرأى ومسـمع ،تبل ُغكُـم الدعـوة،
ويشـملُ ُك ُم الصـوت ،وفيكـم العـدة والعتـاد ،ولكـم الـدار ،وعندكـم ال ُج َنن ،وأنتـم األُلى
وأهل اإلسلام ،وخيـر ُة الله التي ُ ، نخبـ ُة اللـه التـي انتخـب لدينه ،وأنصا ُر رسـوله
أهل البيت ،ناب ْذت ُـ ُم الع َرب ،وناه ْزت ُـم( ((1ال َع َجم ،وكاف ْحتُـم( ((1ال ُب َهم ،ال نَ ْب َرح انتجـب لنـا َ
أو تبرحـون ،نأمركـم فتأتمـرون ،حتـى اسـتقامت لكـم بنـا الـدار ،واسـتدارت لكـم بنـا
قلت :ويها يا فالن ،وهو تحريض ،وربما أريد به التعجب. أغريت أحدا بشي ٍء َ
َ ((( إذا
((( أأُ ْستَلَب.
للسك ِْت ،مثل (ماليه وسلطانيه) في القرآن الكريم. ((( الهاء في (إرثيه) و(أبيه) َّ
((( الفري :األمر المختلق.
((( الضميـر فـي (فدونكهـا) يعـود لفـدك ،أي :خذهـا ،ومخطومـة مـن الخطـام ،وهـو :كل ما يوضـع في أنف
البعيـر ليُقـاد بـه ،وال َّر ْحـل للناقـة كالسـرج للفـرس .واألمـر بأخذهـا هنـا للتهديد.
تحصـن بهـم اإلسلام ،وفـي روايـة( :حصـون اإلسلام) ،وفـي روايـة أخـرى( :حضَ َنة اإلسلام)، ((( أي الذيـن ّ
وهـم الذيـن يحتضنـون اإلسلام ويحمونـه.
((( ونى في العمل :فتر وضعف وك ََّل وأعيا.
((( الغميزة :ضَ ْعفة في العمل ،و َج ْهلة في العقل.
((( السنة :أول النوم أوالنوم الخفيف.
( ((1أيهاً :بمعنى هيهات .وبنو قيلة :األوس والخزرج .وقيلة بنت كاهل :اسم أم لهم قديمة.
( ((1تقول :نهزت الرمح ونهزت به إذا نخسته ،ونهز المستقي دلوه وبدلوه في البئر إذا حركها لتمتليء.
( ((1المكافحة :هي المواجهة بالقتال وغيره.
110
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
َم َحالَـة((( اإلسلام ،وخض َع ْت ث ُغرة الشـرك ،وسـك َن ْت فـور ُة اإلفك ،و َخ َمدَتْ نيـرا ُن الكفر،
وسـ َك َن ْت نفْـ َر ُة الشـيطان ،وهـ َدأَتْ َوغْـ َر ُة
َـب البلادَ ،
واستوس َـق((( نظـا ُم ال ِّديـن ،و َد َّر َحل ُ َ
الهـ َرج ،فأنـى ِح ْرتُـم بعـد البيـان؟! وأسـ َر ْرتم بعـد اإلعلان؟! ونك َْصتُم بعـد اإلقدام؟! (((
َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ ُّ َ َ ْ
ت َش ْ َّ َ ُ ْ َ ْ َ َ ُ ِّ َ ْ َ ْ ْ
ـوهُ إِن عـن قـوم ﴿نكثـوا أيمانهم من بعـ ِد عه ِدهِم﴾[التوبة﴿ ،]12 :أتشـونهم فالل ّ أحق أن
ُ
ك ُنتـم ُّم ُؤ ِمنِ َني﴾[التوبة.]13:
أحق بالبسـط أال قـد أرى واللـه أ ْن قـد أخلَ ْدت ُّـم إلـى الخفـض((( ،وأبع ْدت ُّـم َمـ ْن هـو ُّ
والقبـض ،وحلِيتُـم ال َّد َعـة((( ،ونجوتـم مـن الضيـق بالسـعة ،ف ُع ْجتُـم((( عـن ال ِّديـن،
َ َ ْ ُ ُ َْ ُ َ
ـروا أنت ْم َومـن ِف األ ْر ِض جتُـ ُم((( الـذي َو َعيْتُـم ،و َد َسـ ْعتُ ُم الذي ت ََسـ َّوغتم((( ،و﴿إِن تكف و َم َج ْ
َ َ ً
ني ح ٌِيد﴾[إبراهيـم.]8: َ َ
َجِيعـا فـإِن الل ّ لغ ِ ٌّ
َّ
قلـت الـذي قلـت ،علـى معرفـة منـي بال َخذْلـ ِة التـي خام َرت ْكـم((( ،وال َغـ ْدرة أال وقـد ُ
ـف اليقيـن ،ولكنهـا فيضـ ُة النفس(،((1 وض ْع ِ
التـي استشـع َرت ْها قلوبُكـم ،و َخـ َو ِر القنـاة(َ ،((1
ومعذرة الحجـة ،فدونكموها( ((1فاحتقبوهـا(ُ ((1مدبِر َة ونَ ْفثَـ ُة( ((1الغيـظ ،وبَثّـ ُة( ((1الصدرِ ،
الظَّ ْهـر((( ،ناكبـ َة الحـق((( ،ناقبـ َة ال ُخ ِّـف((( ،باقيـ َة العـار ،موسـوم ًة((( بشَ ـ َنار((( األبَـد،
ْ َْ َّ
موصولـ ًة بــ َنار اللَّـ ِه الْــ ُموقَ َدة ﴿ال ِتي َت َّطل ُِـع َ َع الفئِ َدة ِ﴾[الهمـزة ،]7 - 6 :فبعيـن اللـه مـا
َ َ َ ْ َ ُ َّ َ َ َ ُ َ َّ ُ َ َ َ َ ُ َ
ون﴾[الشـعراء ،]227:وأنـا ابنـة نذيـ ٍر لكـم تفعلـون﴿ ،وسـيعلم الِيـن ظلمـوا أي منقل ٍ
ـب ينقلِب
َ َ َ ُ َّ ُ َ ُ َ ُ َّ َ
ون﴾[هـود.”]122 - 121 : بيـن يدي عذاب شـديد ،فاعملـوا ﴿إِنا عمِلـون * وانت ِظروا إِنـا منت ِظر
َـت بقـول عمتهـا صفية ،فخ َن َقتْهـا ال َعبْـ َرة ،فتمثَّل ْ ثـم عطفـت علـى قبـر أبيهـا
بنـت عبـد المطلب:
طب كنت شـــاه ْدت َها لم تَكثُ ِر ال ُخ ُ لو َ (((
“قد كان بعـــدك أنبـــا ٌء وهنبثة
واختل قو ُمك فاشـــه ْدهم ف َق ْد نُ ِك ُبوا َّ األرض وابلَهاِ إنا فقدنـــاك فقـــ َد
لمـــا قض ْي َت وحالت دونـــك الكتُ ُب رجال لنا نجـــوى صدورِه ُم أبـــدت ٌ
فـــكل الخيـــ ِر محتَج ُِب ُّ ف ِغ ْب َت عنا جبريـــل باآليـــات يُؤنِ ُســـنا
ُ وكان
عليـــك تنز ُِل من ذي العـــزة ُ
الكتب وكنت نـــو ًرا وبـــ ْد ًرا يُ ْســـتَضا ُء بهَ
م ْذ ِغبْ َت عنا فنحـــن اليوم نُ ْغتَ َص ُب رجـــال واســـتُ ِخ َّف بناٌ تهض َمتْنـــا
َّ
رب
مـــن البريـــة ال ُعجـــ ٌم وال َع ُ وقـــد ُرزِئنا الـــذي لم يُـــ ْرزَه أح ٌد
من العيون بتَ ْهتَانٍ همى َســـر ُِب(((” يت نبكيك ما عشـــنا وما ب ِق ْ فسوف َ
تناولـت حفنة مـن تربة ْ ويُـ ْر َوى أنهـا وقفـت علـى قبـر أبيهـا فجلَّلَتْـه بردائهـا ،ثـم
القبـر فشـ َّمته ،وهـي تقـول قبـل هـذه األبيـات المتق ِّدمة:
(((
أن ال يَشُ ـــ َّم مدا الزمـــان غواليا “ماذا على َمن شَ ـــ َّم ت ُ ْربَـــ َة ٍ
أحمد
(((
خطبتها في ن�ساء المهاجرين والأن�صار في مر�ض موتها
الوجع ،وثقلـت في علتهـا ،اجتمع عندها لمـا اشـتد بفاطمة بنت رسـول اللـه
أصبحـت مـن علتـك يـا ابنة ِ نسـاء مـن نسـاء المهاجريـن واألنصـار ،ف ُقلْـن لهـا :كيـف
ـت واللـ ِه عائفـ ًة((( لدنياكم ،قاليـة((( لرجالكـم ،لفظْتُهم بعد رسـول اللـه؟ قالـت« :أصب ْح ُ
أن ع َج ْمتُهـم((( ،وشَ ـ ِنئتُهم بعـد أن َسـ َب ْرت ُهم((( ،فقب ًحـا لفُلـول الحـد((( ،و َخـ َور القنـاة(((،
ـذاب ُه ّْ َ َْ ْ َ َْ َ َ ْ َ َ َ َّ َ ْ َ ُ ْ َ ُ ُ ُ ْ َ َ َ
ـم ِ ع ال ف
ِ و ـمهِ يل ع الل خطَـل الـرأي(((ِ ﴿ ،لئـس مـا قدمـت لهـم أنفسـهم أن سـخ
ِط وَ
َ ُ َ
ون﴾[المائـدة .]80:ال جـرم((( لقـد قلَّ َدتْ ُهـم رِب َقتَهـا( ،((1وشـ ّنت( ((1عليهـم غارتهـا(،((1 ال
خ ِ
((( نـص هـذه الخطبـة مأخـوذ مـن بالغـات النسـاء البـن طيفـور (ت280هــ) ،ص25 - 23؛ والسـقيفة وفدك
للجوهـري (ت323هــ) ،ص118 - 117؛ ونثـر الـدر لآلبـي (ت421هــ) ،ج ،4ص9 - 8؛ والشـافي لإلمـام
عبداللـه بـن حمـزة (ت614هـ) ،ج ،1ص545؛ وشـرح نهج البالغة البـن أبي الحديد المعتزلـي (ت656هـ)،
ج ،16ص.234 - 233
((( كارهة.
((( مبغضة.
أصلب هو أم رخـو .والمعنـى :نبذت ُهم بعد أن
ـت العـو َد إذا عضَ ضْ تَه ،تنظـ ُر ٌ
((( الع ْجـ ُم :هـو العـض ،يقـال :عج ْم َ
ج ّر بْتُهم.
((( أبغضتُهم بعد أن اختبرت ُهم.
((( تثلُّمه.
((( ضعفُها أو كس ُرها .في بالغات النساء :القنا.
((( فساده.
((( أصله بمعنى ال بد ،أو ال محالة ،فكثر استعماله ،حتى تحول إلى معنى القسم.
( ((1أي مسؤوليتها ،والضمير عائد إلى الوالية.
( ((1ص ّبت.
( ((1في بالغات النساء :وشنت عليهم عارها.
113
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
((( الجـدع :قطـع األنـف ،والعقـر :ضـرب قوائـم البعير بالسـيف ونحوه ،والجملـة دعاء على مـن اغتصب والية
األمر.
((( في السقيفة وفدك ،وفي شرح نهج البالغة :وسحقا للقوم..إلخ.
((( فـي السـقيفة وفـدك ،وفـي نثـر الـدر ،وفي شـرح نهج البالغـة :أيـن زحزحوها .وفـي الشـافي :ويلهم لقد
زحزحوها.
((( الطبِـ ُن :الخبيـر .وفـي السـقيفة وفـدك ،وفـي شـرح نهـج البالغـة :والطيبيـن بأمـر الدنيـا والديـن .وفـي
الشـافي :والطيبيـن ألهـل الدنيـا والديـن.
،وهو الخبير بأمور الدنيا والدين. ((( تريد كيف زحزحوا والية األمر عن اإلمام علي
((( في الشافي :وما نقموا من أبي حسن.
((( شديد.
((( أي غضبه لله.
((( في بالغات النساء :ويا لله.
. ( ((1أي لو كف بعضهم بعضا عن أخذ هذا الزمام (الوالية) الذي أعطاه له رسول الله
( ((1أي وضعه بين ركابه وساقه كما يعتقل الرمح.
سـهل .وفي السـقيفة وفدك ،بلفظ( :العتلقه) ،و(سـيرا سـمجا) .وفي شـرح نهج البالغة :العتلقه. ( ((1سـ َج ًحاً :
وفـي بالغات النسـاء :لـو تكافأوا..الخ.
( ((1ال يجـرح جانبـه ،والخشـاش عـود يجعـل فـي أنف البعير يشـد به الزمام ،وهو مشـتق من خش في الشـيء
إذا دخـل فيـه ،ألنـه يدخـل فـي أنـف البعيـر ،ومنـه الحديـث« :خشـوا بيـن كالمكـم ال إلـه إال اللـه» ،أي:
أدخلـوا ،وفـي الشـافي :ال تنكلِـم خشاشـته .وفـي السـقيفة وفـدك ،وشـرح نهج البالغـة :ال تكلم حشاشـته.
( ((1أي من غير أن يصيبه أذى ،ومنه الحديث( :يؤخذ للضعيف حقه غير متعتع) .وفي الشافي :وال يتتعتع.
( ((1يفيض منه الماء.
( ((1فـي الشـافي :وألوردهـم مـوردا نميـرا تمير ضفتـاه .وفي السـقيفة وفدك ،وفي شـرح نهـج البالغة :منهال
نميـرا فضفاضا يطفـح ضفتاه.
114
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
متحـل منهـم بطائـل ،بعملِـه الباهـر ،ورد ِعـه ٍّ بطانًـا((( قـد تحـ َّرى بهـم الـ َّر ّي((( ،غيـر
ـت عليهـم بـركاتٌ مـن السـماء (واألرض ولكـن كذبـوا)(((، َسـورة السـاغب((( ،ول ُف ِت َح ْ
وسـيأخذهم اللـه بمـا كانـوا يكسـبون.
أال هلُ َّمـ َّن((( فاسـم ْع َن ،ومـا عشـ ِت َّن أراكُـ َّن الدهـ ُر ع َج ًبـا ،إلـى أي لَ َجـأٍ لجـأوا
ْ َ
ير﴾[الحج﴿ ،]13 :بِئس ـو َل َو َِلئْ َس الْ َعش ُ
وأسـندوا(((؟! وبـأي عروة((( تمسـكوا؟! ،و﴿ َِ ئْ َس ال ْ َم ْ
ل
ِ َّ ِّ
ً َّ
ين بَ َدال﴾[الكهـف ،(((]50:اسـتبدلوا واللـ ِه الذُّنابَـى بالقـوا ِدم ،وال َع ُجـ َز بالكاهـل(((، ِلظالِم َ
ِ ل
ـم ُه ُ َ
أال إ َّن ُه ْ (ً ْ ُ َ ُ ُْ ْ ُ َّ َ ُ َ َ ((1َ ْ
ـم فرغ ًمـا ل َمعاطـس قـوم ﴿يسـبون أنهـم ي ِسـنون صنعا﴾[الكهـفِ ﴿ ،]104:
َ ْ َ ِّ َ َ ُّ َ ُ َّ َ َََ َْ َّ َ ْ ُ َ ُْْ ُ َ َ
الـق أحـق أن يت َبـع حهـم ﴿أفمـن يهـدِي إِل كن ال يشـع ُرون﴾[البقرة ،]12:وي َ المف ِسـدون َولــ ِ
((( شبعانين.
((( فـي نثـر الـدر :قـد تحيـز بهم الـري .وفي الشـافي :قـد تح َّبرهم الـري .وفي السـقيفة وفدك ،وشـرح نهج
البالغـة :قـد تحير بهم الـرأي ،ولعلهـا :تخير.
((( سـورة السـاغبِ :حـ َّد ُة الجائـع .وفـي الشـافي :غيـر متحلـي منـه بطائـل ،إال بغمـزة الناهـز ،وردعـة سـورة
السـاغب .وفـي هامشـه :غمـرة الناهـز :الغمـرة الماء الكثيـر كالغميـر ،والناهز :الضـارب بالدلو فـي الماء
ليمتلـئ ،وردعـة سـورة السـاغب :الـردع المنـع ،والسـورة :الحدة ،والسـاغب :الجائـع .وفي السـقيفة وفدك:
غيـر متحـل بطائـل ،إال بغمـر الناهـل ،وروعة سـورة السـاغب .وفـي نثر الدر :غير مسـتحل منـه بطائل ،إال
بغمـر الناهـل ،أو دعـة سـورة السـاغب .وفـي شـرح نهـج البالغـة :إال بغمـر الناهل ،وردعه سـورة السـاغب.
((( زيـادة فـي الشـافي ،وتتمتـه في الشـافي :فأخذناهم بما كانوا يكسـبون .وفي السـقيفة وفدك :من السـماء
واألرض ،وسـيأخذهم اللـه ..إلخ.
((( فـي الشـافي :أال هل ُم ْمـن .وفـي السـقيفة وفـدك ،وشـرح نهـج البالغـة :أال هلـ َّم فاسـتمع ،وما عشـت أراك
الدهـر عجبـه ،وإن تعجـب فقـد أعجبك الحـادث ..إلخ ،وفي نثر الدر :وما عشـت أراك الدهـر عجبا ،وإن
تعجـب فعجب لحـادث ..إلخ.
((( فـي نثـر الـدر :اسـتندوا .وفي الشـافي :إلى أي ركن لجـأوا .وفي السـقيفة وفدك :إلى أي لجـأٍ لجأوا .وفي
شـرح نهج البالغـة :إلى أي لجأٍ اسـتندوا.
((( عروة الدلو :مقبضُ ه.
((( هذه اآلية زيادة في الشافي والسقيفة وفدك.
((( الذنابـى :الذنـب ،والقـوادم :ريـش فـي مقـدم الجنـاح ،والع ُجـز مؤخَّـر الشـيء ،والكاهـل مقـ َّدم الظهـر.
وأذنـاب النـاس أتباعهـم وسـفلتهم ،والمـراد أنهم اسـتبدلوا الذي هو أدنـى ،وهو أبو بكر ،بالـذي هو خير،
. وهـو اإلمـام علي
( ((1أي ذال ألنوفهـم ،مجـاز عـن ذل أنفسـهم ،وهـو دعـاء عليهـم بذلـك .وفـي الشـافي :وبعـدا وسـحقا لقـوم
يحسـبون ..إلـخ.
115
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
َ ُ
ُ ْ ْ َ ْ ُ َ َ َ َ َ
ُْ َ َّ َ َ ِّ َّ َّ َ
ون﴾[يونـس ،]35:أمـا لعم ُرو إل ِهكُـ َّن((( ،لقد أمـن ال ي ِهـد َي إِال أن يهـدى فمـا لكـم كيـف تكم
ـب((( د ًمـا عبيطًـا(((، ـت((( ،ف َن ِظـ َرة((( ريثمـا تُ ْن ِتـج((( ،ثـم احتلِبوهـا((( طلا َع ال َق ْع ِ
لَ ِق َح ْ
وذعافًـا ُم ْم ِقـ ًرا((( ،هنالـك يخسـر المبطلـون ،ويَ ْعر ُِف التالـون ِغ َّب((( ما َّأسـس األولون،
بسـيف صـارم، ٍ نفسـا ،وطامنـوا للفتنـة جأشً ـا(ِ ،((1
وأبشـروا ثـ َّم ِطيبـوا عـن أنفسـكم ً
وبقَـ ْر ٍح( ((1شـامل ،واسـتبداد مـن الظالميـن ،يَـ َد ُع فيئكـم زهيـ ًدا( ،((1و َج ْم َعكـم حصي ًدا،
َ ُ ْ ُ ُ ُ َ ََ ُ ْ ََ َ ُ َ
ـم لهـا كرِهون﴾[هود: ـت عليكـم؟! ﴿أنل ِزمكموهـا وأنت فيـا حسـر ًة لكـم ،وأنّـى بكم وقـد ُع ِّميَ ْ
. أمسـك َْت
،((1(”]28ثـم َ
وفاتها وقبرها
بعـد أن اتخـذت تلـك المواقف القوية ضد السـلطة الجديدة ،ها َجمهـا المرض ،وآن
،مـن أنهـا أول الالحقيـن بـه ،وكانـت قد أن يتحقـق مـا أخبرهـا بـه رسـول اللـه
عافـت الدنيـا أوال لمـوت أبيهـا ،ثـم لحصـو ِل االنحرافـات الخطيـرة فـي حق اإلسلام،
ولهـذا اشـتدت بهـا العلة ،ولحقت برسـول الله بعد سـتة أشـهر ،وعن الباقـر :قال أربعة
وحق بقائه تعالى .وفي السقيفة وفدك :أما لعمري. ((( في نثر الدر :لعمر إلهك ،والمعنىِّ :
((( ح ِبل َْت.
((( النظرة :التأخير في األمر.
((( تلد.
((( هكـذا فـي شـرح نهـج البالغـة .وفي السـقيفة وفـدك :ثـم احتلموها طلاع العقب دمـا عبيـكا ،ولعله حدث
تصحيـف أو تحريـف فـي كل مـن (احتلموهـا – العقـب – عبيـكا) .وفـي بقيـة المصـادر :ثـم احتلبوا.
((( القعب :وعاء ضخم ،والمعنى ملؤه.
((( طريا.
((( يقال :سم ذعاف ،أي مع ِّجل إلى الموت ،وال ُم ْم ِقر :المر.
((( عاقبة.
( ((1طامنوا :خفِّضوا .والجأش :القلب والجنان .وفي شرح نهج البالغة :واطمئنوا.
( ((1القـرح :الدمـل ،كنايـة عـن فسـاد األمـور .وفـي نثـر الـدر ،وشـرح نهـج البالغـة :وبهـرج شـامل ،والهرج:
القتـال واالختلاط ،وأصـل الهـرج :الكثـرة واالتسـاع .وفـي السـقيفة وفـدك :وخـرج شـامل.
( ((1الفيء :المال .والزهيد :القليل.
( ((1فـي السـقيفة وفـدك ،وفـي شـرح نهـج البالغة بعـد اآليـة :والحمد للـه رب العالميـن ،وصالته علـى محمد
خاتـم النبيين ،وسـيد المرسـلين.
116
تلك هي فاطمة الزهراء
فاطمة وابناها الحسن والحسني
بفقده هذين وهـذه الروايـة تبيـن مقـدار الفاجعة التـي تلقَّاها اإلما ُم علـي
الركنيـن ،كمـا تب ِّيـن مقـدار الفـراغ الـذي تركتـه فاطمـة الزهراء فـي حياته سلام الله
عليهمـا ،ومـدى قوة العالقـة بينهما.
ومع ذلك فقد كان سالم الله عليه يزو ُر قبرها في كل أسبوع مرة ،وينشد:
أرى األرض تبقـــى واألخالء تذهب إلى الله أشـــكو ال إلى الناس إنني
(((
ع ِتبْ ُت ولكن ما على الموت ُم ُ
عتب أخالي لـــو غي ُر ِ
الحمـــام أصابكم
وهكـذا طـوى المـوتُ سـيد َة نسـاء العالميـن ،وذهبـت إلـى بارئهـا ليبقـى نموذجها
حيـا خالـدا فـي نسـائنا المجاهـدات العالمـات الالئـي يواجهـن الحياة بكل قـوة وتح ٍّد
وشـموخ مهمـا تكالبـت عليهن األحـداث ،واشـتدت األزمات.
119
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
- 14من مظاهر اهتامم الزهراء بإحياء ثقافة الشهادة هو :زيارة روضات الشهداء،
وترميم وإصالح قبورهم) (.......................................................................
قرارا خاصا بالنبي صلوات الله من عيل - 15كان زواج الزهراء
عليه وآله) (..............................................................................................
- 16ال تستطيع املرأة اليوم أن تجمع بني مسؤوليتها الدينية والجهادية ومسؤوليتها
) (.................................. . الشخصية كزوجة وأم كام كانت الزهراء
ابنته فاطمة بشأن زواجها من عيل فأعلنت موافقتها) (. - 17آمر الرسول
باملاء - 18يف ليلة زفاف فاطمة الزهراء إىل عيل نضحهام رسول الله
ودعا لهام دعاء خاصا) (..........................................................................
يسعد زوجته الزهراء ومينعها من القيام بأي عمل شاق - 19كان اإلمام عيل
يف بيتها) (............................................................................................. .
- 20كان اإلمام عيل رمبا عاون زوجته الزهراء وطحن معها الشعري) (.
- 21أثبت تاريخ الزهراء أنه ال يستقيم للمرأة جها ٌد كامل إال إذا هربت من واقع
حياة الزوجية) (.......................................................................................
زوجته العظيمة ملا ظهر بتلك العطاءات العظيمة - 22لومل يكن لإلمام عيل
واإلنجازات الكبرية) (...............................................................................
كان قد ه ّم بتسمية ولده الحسن ثم الحسني - 23تر َّجح أ َّن اإلمام عليا
(حربا)) (............................................................................................... .
- 24معنى (ما تخرم مشيتها مشية رسول الله) :تختلف مشيتها عن مشية رسول الله
) (.................................................................................................
- 2املرأة الغربية:
أ -ضحيـة للمفسـدين يف األرض ويريـدون من خاللها إفسـاد نسـائنا ب -هي
إحدى أدوات اإلفسـاد ج -تريد هي أن تفسـد نسـاءنا من تلقاء نفسـها
- 3مما يشـهد على زيـف وخـداع مـا يدعيـه الغـرب الكافـر عـن حقوق اإلنسـان
والطفـل واملرأة:
أ -تعاملهم يف العدوان عىل اليمن.
ج -كل ما سبق ب -تعاملهم يف العدوان عىل الشعب الفلسطيني.
عن املرأة املسلمة: - 4حينام ت َّم تغييب منوذج الزهراء
أ -حرضت بدال عنها مناذج مشوهة وفاسدة
ب -ر ّوجوا للمرأة املسلّعة جنسيا ج -كل ما سبق
- 5ساهمت املرأة يف مكة يف الجاهلية بدور اجتامعي واقتصادي:
أ -بشكل كامل ب -بنسبة محدودة ج -مل تساهم بأي يشء.
بخديجة بنت خويلد ريض الله عنها: - 6يف زواج الرسول
أ -هي التي خاطبته بشأن ذلك مبارشة
ابتداء ب -أوعزت إليه بطريقة غري مبارشة ج -خطبها
- 7واحدة من النسوة التاليات ليست أستاذة للزهراء ،وهي:
أ -أم هانئ بنت أيب طالب ج -أم سلمة املخزومية
د -صفية بنت حيي بن أخطب
ليد ابنته الزهراء: - 8لقد كان تقبيل الرسول
أ -حنانـا طبيعيـا مـن أب البنتـه ب -شـيئا أكثر مـن الحـب والتدليـل األبـوي
ج -ال يشء مما سـبق
أن يسمي ابنته بـ(فاطمة) فهذا يعني: - 9كون الله أوحى إىل الرسول
أ -أن تسميتها توقيفية ب -أنها ولدت بعد مبعث الرسول
ج -كل ما سبق
121
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
123
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
مـع ابنتـه س :6اذكـر أهـم ثالثـة إجـراءات تربويـة اسـتخدمها الرسـول
فاطمـة ،ومـا الـذي تسـتفيده أنـت منهـا يف واقعـك العملي؟
مـع ابنتـه س :7كيـف ننشّ ـئ بناتنـا ونربيهـن اقتـداء مبـا عملـه الرسـول
فاطمـة؟ اذكـر أربعـا مـن الخطـوات الالزمـة لذلـك..
س :8كيـف نصرت الزهـراء اإلسلام وهـي صغيرة؟ تحـدث عـن ذلـك ،وعـن ما
ميكـن أن تفعلـه الزهـراء الصغيرة اليـوم؟
س :9ماذا يعني اسم (فاطمة) بالنسبة للزهراء سالم الله عليها؟
، س :10اذكـر ثالثـة آيـات يف القـرآن الكريـم تـدل على فضـل الزهـراء
مبينـا وجـه داللتها.
. من إغضاب ابنته فاطمة س :11علل تحذير الرسول
(سـيدة نسـاء املؤمنين)، أن فاطمـة س :12ملـاذا أخبر الرسـول
و(سـيدة نسـاء هـذه األمـة) ،و(سـيدة نسـاء أهـل الجنـة) ،وكان ميكـن أن
يكتفـي بأنهـا سـيدة نسـاء أهـل الجنـة مثلا؟
بتعاملات مميَّـز ٍة
ٍ ابنتـه فاطمـة خـص رسـول اللـهس :13ملـاذا َّ
وخاصـة؟ واذكـر أربعـا منهـا.
َّ
هـم أوالد الرسـول س :14اذكـر ثالثـة مـن األدلـة على أن أوالد فاطمـة
.
الواسع. س :5هات ثالثة مؤرشات واضحة عىل علم الزهراء
س :16اذكـر حديثين روتهما السـيدة فاطمة الزهـراء عن أبيها صلـوات الله عليه
وآله.
تقتدي فيها زهراء اليوم بها.. س - 17اذكر ثالثة مواقف جهادية للزهراء
مل يكـن أقـل س - 18اذكـر ثالثـة مرجحـات ترجـح أن سـن زواج فاطمـة
مـن 15سـنة تقريبا.
س - 19كيـف كانـت خطبـة علي للزهـراء ؟ ومـاذا نسـتفيد منهـا يف واقعنـا
اليـوم؟ ومـا الخطـوات العمليـة لذلـك؟
125
الفصل األول
فاطمة وابناها الحسن والحسني
س - 20بـم تفسر ظاهرة مغـاالة املهور؟ واقرتح أبرز أربع خطوات عملية لتيسير
الـزواج وتخفيف املهور.
س - 21اكتـب قامئـة وقـارن فيهـا بين الكلفة املاديـة لجهاز بيـت فاطمة
وجهـاز بيـت فاطمـة اليـوم ،وضـع مقرتحـات عمليـة لحـل إشـكالية ارتفـاع
التكلفـة املاديـة لألعراس.
س - 22بـم تصـف زواج الزهـراء بعلي مـن حيـث عالقتهما ببعضهـا؟ وكيف
نسـتفيد منهما مـا يعالج تشـاكس األزواج مـع زوجاتهـم اليوم؟
س - 23مـا أكثر أسـباب الطالق يف مجتمعنـا اليمني؟ واكتـب نصيحتني نصيحتني
لـكل مـن الزوج والزوجة اسـتفدتهام مـن زواج الصديقة الزهـراء باإلمام عيل
؟
بين ابنته فاطمـة وزوجها س - 24مـا الحكـم الـذي قضى به رسـول اللـه
علي ؟ وكيـف نطبقـه يف واقعنـا اليـوم؟ اذكـر الخطوات العمليـة لذلك.
؟ س - 25بم تستدل عىل أناقة ورقي الصديقة الزهراء
س - 26متـى ترفـرف رايات السـعادة على فاطمة اليوم وعيل اليـوم؟ ضع تصورا
عمليا لذلك.
ضع تصـورا للمـرأة اليوم فيه س - 27مـن خلال مـا كانـت عليه الزهـراء
الخطـوات العمليـة للجمع بني مسـؤوليتها الشـخصية والجهادية.
س - 28مـا العقيقـة؟ ومـا حكمهـا؟ ومـا دليـل مرشوعيتهـا؟ ومتـى تكـون؟ وبـأي
يشء تكـون؟
يف تربية س - 29كيـف نرتجـم عمليـا وبالتقنيات الحديثة أسـلوب فاطمـة
أوالدها؟
س - 30اكتـب أبـرز خمـس نقـاط فهمتهـا مـن خطبـة الزهراء يف مسـجد رسـول
،وأبـرز خمـس نقـاط مـن خطبتهـا لنسـاء املهاجريـن واألنصار. اللـه