You are on page 1of 1

‫مواقف التسامح عبر التاريخ‬

‫للّتس اُم ح َم واق ِف ّثابت ِة في الت اريخ اإلس المي واإلنس اني ِم ن ج اِنب اإلق رار ب أَّن الَبش ر ُم ختلفين ِبطبِع هم‬
‫وفي َم ظهِر هم وأوضاِع هم وُلغاِتهم وُس لوِك هم وِق َيِم هم‪ ،‬وَلهم الحّق في احترام إنسانَّيتهم‪ ،‬والعيش الُم شترك‬
‫َم عهم في ِو ئام‪ .‬والَّتسامح ال َيتحَّقق باالعتقاد َفحسب‪ ،‬بل بالَّتطبيق والُم ماَر سة والتزام الَم واِق ف اإلنسانَّية‬
‫واألخالقي ة الس امية‪ .‬فِم ن الَم واِق ف المش هورِة على س بيل المثال في ت اريخ الّتس امح اإلنس اني ما َس َّجلته‬
‫الَّتجرب ة الّر ومانّي ة ِم ن ُم مارسات إنسانّية‪ ،‬والُم تمّثلة في إصدار َم رسوم ميالنو في إيطاليا عام ‪313‬م‪،‬‬

‫وال ذي ُع ِر ف ِع ند الُم ؤِّر خين بَم رس وم الّتس امح َم ع المس يحيين‪ ،‬وَم ع ال ديانات األخ رى‪ ،‬وه و َم وِق ٌف‬
‫تاريخي َيضمن حِّر ية ُم مارسة الَّش عاِئر الدينية‪ ،‬وُيعلن َر سمّيًا نبذ الُعنف وِخ طاب الكراهّي ة‪ .‬وَو َّث ق تاريخ‬
‫ال تراث اإلس المي َم واق ف إنس انّية ثابت ة ُتؤكد َتس امح الُم س لمين َم ع الّش عوب األخ رى على الُم س توى‬
‫الّنظ ري والَعملي‪ ،‬حيُث َتناَو ل اإلس الم قيمة الّتس امح َنص ًا وواِق عًا‪ُ ،‬ترِش د إلى ذل ك الَع دي د ِم ن اآلي ات‬
‫البِّينات الّد اعي ة إلى الّتس امح َك َد ْفع الَّس ِّيئة بال س نة ِم ثال منط وق اآلي ة الكريمة‪ْ ...( :‬د و ِباْل َنِة‬
‫َو َي َر ُء َن َح َس‬ ‫َح‬
‫الَّس ِّيَئَة أولئ ك َلُهْم ُع ْقَبى ال َّد اِر ) ‪ ،‬وق د ق ّد م الَّن بي علي ه الّص الة والّس الم ِم ن خالل س يرته الّش ريفة أمثل ًة‬
‫تطبيقّيًة وَع ملية في ُم مارسة هذه القيمة‪ ،‬وظَّلت ِتلك القيمة ِس مة ِم ن ِس مات حضارة اإلسالم‪ِ ،‬م نها ِقّص ته‬
‫مع ما اص طلح عليهم بالُّطلق اء ِم ن ق ريش إّب ان فتح مكة‪َ ،‬ح يث أَّم َنهم على أنفِس هم ‪ ،‬وَع فى َع نهم‬
‫وس اَم َح هم َر غم ما َلِح ق ه ِم نهم ِم ن إي ذاء‪ ،‬وُيس تخلص ِم ن ه ذا الَم وق ف دروس وِع َب ر عن أبعاد التس امح‬
‫الَّنبوي‪ ،‬فكان نموذجًا حّيًا للعفو والَم غفرة‪ .‬وِم ن أمثل ٍة ُم ماِثل ٍة عن ُح ضور المفهوم اإلنساني للَّتسامح في‬
‫الُم جتمع الُم سلم‪ ،‬ما جاء في قَّص ة َو فد َنجران الَم سيحي حيُث أنزَلهم الَّر سول عليه الَّص الة والَّس الم في‬
‫الَم سجد‪ ،‬ولّم ا حان وقت َص التهم‪ ،‬سمح َلهم بالَّص الة في المسجد‪ ،‬فكانوا ُيص ّلون في جانب منه‪ ،‬ولّم ا‬
‫حاوروه‪ ،‬حاوَر هم بِس عة صدر ورحابة فِك ر‪ ،‬وجادَلهم بالتي هي أحسن‪ ،‬ولم ُيكرههم على الدخول في‬
‫اإلسالم‪ ،‬بل َت رك لهم الحرية في االختيار‪ ،‬وِبنفس ِب روح األخوة اإلنسانّية كان عهد الَّص حابة ِر ضوان‬
‫اهلل عليهم امت دادًا للَه دي الَّنب وي في الُم عامل ة بقيم التس امح مع الُم س لمين ومع غ يِر هم‪ .‬وفي َع ص ر‬
‫الَّتنوير‪ِ ،‬خ الل القرن الثامن عشر للميالد‪ ،‬سادْت ِم ن ِق بل الُم فكرين َم واقف الَّد عوة إلى َع دم اضطهاد أي‬
‫إنسان‪ ،‬وهي نابعة أساس ًا ِم ن فكرة الَّتسامح ِبأبعاِد ها وِق َيمها كحاجة إنسانّية تأَّسست على مبدأ إنساني‪،‬‬
‫جوهره أَّال أحد َيملك الحقيقة الُم طلقة‪ ،‬وهذا ُم ؤّد اه ضرورة اإليمان باالختالف‪ ،‬وضرورة الّتواصل بين‬
‫اإلنس ان وأخي ه اإلنس ان في إط ار القب ول ب اآلخر‪ .‬فقيمة الَّتس امح في الت اريخ اإلنس اني واإلس المي َع بر‬
‫المواف ق الّس ابقة‪ ،‬هي ِم ن َتجِّلي ات الَّنزعة اإلنس انَّية الَخ َّالق ة‪ِ ،‬تل ك النزعة الُم نبِع ثة ِم ن الِفط رة الَّسليمة‪،‬‬
‫وِبقدر ما يظهر الَّتسامح َنواِز ع الخير في الذات ِبقدِر ما َتسمو العالقة َم ع اآلخر‪.‬‬

You might also like