Professional Documents
Culture Documents
يعالج كتاب االقتصاد السياسي للتخلف وأسباب التخلف األساسية للمفكرين "بول باران" و
"ايف الكوست" ظاهرة أضحت تعاني منها أكثرية ساحقة من شعوب العالم والمتمثلة أساسا
فيما بات يعرف ب"التخلف العام" كواقعة أو حدث راهن اختلطت وتعاقبت أسبابه منذ قرون .
مبرزان أن رأس المال الغربي قد فشل في تحسين األحوال المعاشية لمعظم سكان المناطق
المتخلفة ؛ محققا منجزات تركت أثرها العميق على األوضاع االجتماعية والسياسية في هذه
المناطق ؛ مدخال إليها وبسرعة مذهلة جميع االضطرابات االقتصادية واالجتماعية الكامنة في
النظام الرأسمالي ؛ فنجح في تعطيل كل ما كان متبقيا من التماسك "االقطاعي" في المجتمعات
المتخلفة ؛ وأحل تعاقدات التجارة مكان "العالقات األبوية" المتوارثة خالل قرون؛ ووجه
األنظمة االقتصادية القائمة على االكتفاء الذاتي جزئيا أو كليا في البلدان الزراعية نحو انتاج
البضائع السوقية وربط مصيرها االقتصادي بتقلبات السوق العالمية وبتحركات األسعار
المحمومة على الصعيد العالمي .
وقد ركز الكاتبان في عرضهما لألسباب الكبرى والرئيسة التي أدت إلى فقدان وجود "بذور"
النمو وندرة فرص االستثمار في البلدان التي هي اليوم في عداد البلدان المتخلفة على هذه
النقاط األساسية :
.1اقتصار أمر استبدال جمود "التبعية االقطاعية" بعقالنية السوق الرأسمالية على تحرير
مؤسسات االستغالل القديم ذات الطابع االقطاعي ؛ ولكون هذه المجتمعات المتخلفة
تقوم على االمتيازات ؛ راحت هذه الطبقة البورجوازية الهزيلة الفتية تعقد الصفقات
السياسية واالقتصادية مع األسياد االقطاعيين المحليين ؛ أو مع األقوياء من
الرأسماليين األجانب ؛ فانصب كل تطور الصناعة والتجارة في المناطق المتأخرة خالل
المائة عام األخيرة في قالب االحتكار فكانت النتيجة مزيجا اقتصاديا وسياسيا يجمع
أسوأ سمات كال العالمين _االقطاعي و الرأسمالي_ يعرقل بنجاح جميع إمكانات النمو
االقتصادي .
.2معظم االَالت والمعدات التي استقدمت مع انتقال رأس المال والرأسمالية لهذه البلدان ؛
كانت تعمل لمصلحة أصحابها األجانب ؛ أو على األقل هذا ما كان يعتقده السكان
األصليون ؛ فالتخلف الموروث وفقر البالد لم يتح حتى للطبقات الوسطى فرصة تجميع
القوى االقتصادية ولم يوفر لها ما يلزم من عمق في الرؤيا وثقة بالنفس لالضطالع
بدور قيادي في المجتمع بخالف الطبقات الوسطى الصاعدة اقتصاديا في البلدان
كفرنسا وانجلترا والتي أفرزت نظرة عقالنية جديدة شاملة للعالم واجهت بها باعتزاز
ضبابية القرون الوسطى المرتبطة بالعهد االقطاعي .
.3إن الطلب المحدود على السلع التجهيزية يحول دون قيام صناعة اَلية أو تجهيزية ؛
وهكذا يلجأ البلد إلى استيراد المنتجات الزراعية المحلية والمواد األولية المرتبطة
باألسواق العالمية والتي تصبح في معظمها مجاال لعمل األجانب الذين لهم صلة أوثق
بمصادر االنتاج األجنبي .
.4إن رأسمالي البلدان المتخلفة تربوا على الحصول على مردود سريع وعلى مجازفات
كبيرة ؛ ولكنها قصيرة المدى ؛ تدر أرباحا طائلة ؛ لذلك فإن تجميد األموال في مشاريع
ال تدر األرباح إال بعد سنوات أمر مجهول ومستهجن .
.5إن الفالحون في البلدان المتخلفة عاجزون تماما عن دفع التكاليف الضرورية لزيادة
انتاجية األرض ؛ إلى جانب كون قطع األرض التي يملكونها ال تشجع لصغر حجمها
على احداث هذه التحسينات أصال ؛ إلى جانب غالء أسعار المعدات المستوردة .
.6ارتباط التبادل التجاري بقيام سيطرة سياسية تحول دون تنمية اقتصادية فعلية في البلد
التابع .
.7استخدام وسائل ضغط غير اقتصادية ؛ مكن فئة قليلة من أن تنتزع لنفسها امتيازات
فاحشة ؛ ومن أن تحافظ على أشكال من السيطرة االجتماعية ال تتالئم واقتصاد
عصري .
.8إن أغلب المشاريع التي أنجزتها الدول المستعمرة في البلدان المستعمرة ؛ من طرق و
مرافئ وخطوط لسكك الحديد لم يكن القصد منها في الواقع تهيئة ظروف تطور حقيقي
في هذه البلدان بقدر ما كانت عبارة عن الوسائل التي تتمكن البلدان المتقدمة
بواسطتها من استغالل قسم من موارد البلدان المستعمرة .
.9سيادة مبدأ االحتكار لمنع ظهور منافسين يمكن لهم أن يلعبوا دورا في خلق حيوية
داخل هذه البلدان _القضاء على مبادئ التبادل الحر والمشروع الحر _ وفقدان البنى
االجتماعية المالئمة لمثل هذا الوجود "رواد المشاريع" و"المنظمين" وانتشار الشلل
فيها من قبيل استعباد الفالحين واحتكار األرباح التجارية من قبل أرستقراطيات
اقطاعية ...
هكذا يتبين إذا وفق رأي الكاتبين أن توسع البلدان المتقدمة ؛ في العالم؛ لم يكن من نتائجه
غرس بذور اقتصاد متقدم ؛ فقد كان على كل حال ؛ مرحلة من أكثر المراحل أهمية في التطور
التاريخي للبلدان المتخلفة اليوم ؛ إلى جانب أنه أحدث تفككا في هذه البنى االقتصادية
واالجتماعية التقليدية التي كانت في البلدان المتخلفة ؛ جامدة منذ وقت بعيد لحد ما ؛ وتظل كل
من البنى االحتكارية في السوق ؛ وقلة االدخار ؛ وعدم وجود الوفورات الخارجية ؛ والتناقض
بين العقالنية االجتماعية والفردية ؛ وفقدان البورجوازية ؛ والضعف العسكري ؛ والتبعية
السياسية واالقتصادية ؛ ونشوء أقلية تتمتع بامتيازات تفكك البنى التقليدية ؛ وضيق قطاع
االقتصاد العصري ؛ وتطور غير موافق وال مالئم "لشروط التبادل الدولي" ولسوق رؤوس
األموال ؛ و النمو السكاني المتسارع ؛ أبرز األسباب والعراقيل التي تعترض طريق التوسع و
النمو االقتصادي المنظم في البلدان المتخلفة .