Professional Documents
Culture Documents
حيِمس
ن الرر م
م م
ح م سم م الل ل م
ه الرر س بم س
إعداد:
أ .رائد طللا شعت
ماجستير في الحديث الشريف وعلومه – كلية أصول الدين – الجامعة السلمية
أبريل2007 /
141
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
المقدمة
الحمد ل الذي سإخر لعلم الدين في سإماء التحقيق شموسإ ا وقمو ار وبدو ارا ً،وجعل
علماء الشريعة الغراء أرفع الناس في الدارين كرامة وحبو ار وسإرو ارا ً،واختارهم لحفظ معالم
السإلم وجعلهم نجوم ا يهتدى بها في ظلمات الجهل ب ار وبحو ارا ً،وأشهد أن ل إله ال شهادة
شهدها أولو العلم مع شهادته وشهادة ملئاكته البرار ً،وأشهد أن محمدا عبده ورسإوله بلغ
دعوته للعباد وانتشرت تعاليم رسإالته في كل المهاد ً،أما بعد:
فمنذ أن أشرقت الرض بنور ربها على قدوتنا محمد ً،ومنذ أن رفع بلل الذان
على ظهر الكعبة ولول مرة ً،بل ومنذ اللحظة الولى التي أخذ فيها ينادي زملوني زملونيً،
منذ تلك اللحظة بدأت الحرب الفكرية والعسإكرية ضد السإلم .فتاريخ السإلم حافل
بالمواجهات بينه وبين المتآمرين عليه ً،لكن المسإلمين الوائال وبقيادة الرسإول العظم
واجهوا كل التحديات بصبر وثبات وعقيدة راسإخة رسإوخ الجبال ً،فقد خاض السإلم صراعا
مع الوثنية في الجزيرة العربية فانتصر وانهزمت الوثنية الجاهلية ً،وخاض صراعا مع
اليهودية الماكرة في بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وخيبر فانتصر وسإقطت اليهوديةً،
وخاض صراع ا مع الصليبية في اليرموك وحطين فانتصر وهزمت الصليبية ً،وخاض صراع ا
مع المجوسإية في القادسإية فانتصر وسإحقت الماجوسإية .وعاش المسإلمون الوائال في ظل
شريعة السإلم المباركة عصو ار متتالية من المن واليمان والسإلمة والسإلم والحياة
الكريمة إلى ما قبل قرن من الزمان ً،لكن أعداء السإلم أدركوا قوة المة السإلمية وعزتها
بعقيدتها ووحدتها ً،فوضعوا لها مخطط ا يهدف إلى اغتيال العقيدة إواقصاء الشريعة عن واقع
الحياة ً،ومنذ ذلك الوقت وهم يفكرون ويمكرون حتى زرعوا أفكارهم الخبيثة في الشعوب
العربية والسإلمية على نطاق واسإع ً،حتى أصبحت المة ممزقة الهواء والجواء تفصل
بينها حدود جغرافية ونعرات قومية فذلت بعد عزة وضعفت بعد قوة وضلت بعد هدىً،
وأصبحت في ذيل القافلة بعد أن كانت بالمس القريب تقود القافلة بجدارة واقتدار .فاحتتلت
أرضها وديسإت كرامتها وتدنسإت مقدسإاتها وتدمر اقتصادها وتأفسإد التعليم فيها ً،وحكم المةة
رجال رضعوا من الثقافة الغربية ً،وأصبح حمى المسإلمين مسإتباحا لكل دخيل ً،بل وأصبح
المسإلمون كاليتام على مأدبة اللئاام وكالغنم الشاردة في الليلة الشاتية .وبذلك تأقصيت
142
أ .رائد طللا شعت
الشريعة السإلمية عن واقع الحياة وتحاكمت المة إلى قوانين وضعية وضعها سإفهاء البشر
فخابت وخسإرت ونزلت من عليائاها إلى هذا الدرك السإفل من الذل والهوان الذي وصلت إليه
اليوم ً،فما وصل أمر المة إلى هذا الحال وهذا المآل إل بسإبب الغزو الفكري والثقافي لبلد
المسإلمين.
فالحديث عن المؤامرات والمكائاد التي تعرض لها السإلم ول زال عن طريق الغزو
الثقافي حديث ذو شجون وآلم ً،وهو حديث جد خطير خاصة في هذا العصر ً،عصر
الحداثة والعولمة ً،حيث سإخر الغزو الفكري كل الطاقات والقدرات والتقنيات لغزو بلد
المسإلمين ديني ا وثقافي ا وسإياسإي ا واقتصادي ا واجتماعيا .لهذا آثرت الخوض والغوص في غمار
هذا الموضوع ً،وقد سإميته "الثقافة السإلمية في مواجهة الغزو الثقافي" .وجعلت هذا
الموضوع في ثلثة مباحث:
المبحث الول :الثقافة السلمية:
وفيه خمسإة مطالب:
المطلب الول :تعريف الثقافة السإلمية.
المطلب الثاني :أهمية الثقافة السإلمية.
المطلب الثالث :خصائاص الثقافة السإلمية.
المطلب الرابع :مصادر الثقافة السإلمية.
المطلب الخامس :المراحل التي مرت بها الثقافة السإلمية.
المبحث الثاني :الغزو الثقافي:
وفيه خمسإة مطالب:
المطلب الول :تعريف الغزو الثقافي.
المطلب الثاني :نشأة الغزو الثقافي.
المطلب الثالث :أهداف الغزو الثقافي.
المطلب الرابع :مؤسإسإات الغزو الثقافي.
المطلب الخامس :وسإائال الغزو الثقافي وأسإاليبه.
المبحث الثالث :عوامل نهضة الثقافة السلمية في مواجهة الغزو الثقافي:
143
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
144
أ .رائد طللا شعت
المبحث الول
الثقافة السلمية
وفيه خمسإة مطالب:
المطلب الول :تعريف الثقافة السلمية
لغة :أصل الثقافة في اللغة مأخوذ من الفعل ثقف ً،بضم القاف وكسإرها ً،وله عدة
معان منها:
ث قثققمفتههموههمم) النسإاء .(91
-1الدراك والخذ والظفر ً،قال تعالى :ووامقتههلوههمم وحمي ه
ف أي أصبح حذق ا وفهم ا وفطنا. ف وثةقت ف -2الحذق والفطنة والفهم ً،يقال :رجل ثةقق ف
ب ً،أي هذبه وعلمه وأدبه. -3التهذيب والتأديب ً،يقال :ثققف المعلتم الطال ة
-4تقويم المعوج ً،يقال :ثققفه تثقيفاا ً،أي سإقواه وقومه بعد اعوجاج).(1
اصطلحاا :لقد تباينت آراء العلماء المعاصرين في معنى الثقافة السإلمية.
فمنهم من قال) :هي طريقة الحياة التي يعيشها المسإلمون في جميع مجالت الحياة
وفق ا لوجهة نظر السإلم وتصوراته ً،سإواء في المجال المادي الذي سإميناه بالمدنية أو في
المجال الروحي والفكري الذي سإميناه بالحضارة().(2
ومنهم من قال) :هي معرفة التحديات المعاصرة المتعلقة بمقومات المة السإلمية
ومقومات الدين السإلمي بصورة مقنعة موجهة().(3
ومنهم من قال) :هي العلم الذي يبحث في المرتكزات السإاسإية للفكر السإلمي
لبناء الذات ومواجهة التحديات المعاصرة().(4
()1انظر :لسإان العرب محمد بن كرم بن منظور ً،685-1/684دار الحديث بالقاهرة ً،ط .2003-1423
ومختار الصحاح محمد بن أبي بكر الرازي ً،59-58دار الحديث بالقاهرة ً،ط الولى .2000-1421
()2دراسإات في الثقافة السإلمية د .صالح ذياب هندي ص ً،15جمعية عمال المطابع التعاونية بالردن ً،ط
الخامسإة .1984_1404
()3دراسإات في الثقافة السإلمية د .رجب شهوان ص ً،11مكتبة الفلح بالكويت ً،ط الخامسإة.
()4المرتكزات السإاسإية في الثقافة السإلمية د .أحمد العيادي ص ً،20دار الكتاب الجامعي بالعين ً،ط
الثانية .2004 _1424
145
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
ومنهم من قال) :هي مجموعة من المعارف والفكار والقيم التي تنبعث عن العلوم
السإلمية الكبرى كالعقيدة والتفسإير والفقه والحديث والتي تفاعلت مع البيئاات السإلمية على
مر الزمنة فتكقون منها تاريخ طويل().(1
ومنهم من قال) :هي علم دراسإة التصورات الكلية والمسإتجدات والتحديات المتعلقة
بالسإلم والمسإلمين بمنهجية شمولية مترابطة().(2
يتبين لنا من خلل التعريفات السإابقة عدة أمور:
أوال :إن تعريف الثقافة السإلمية الخير هو التعريف المختار ً،وذلك لشموله جميع
التصورات والموضوعات الدينية وغيرها القديمة والمعاصرة ً،والتحديات المتعلقة بها.
ثانياا :إن علم الثقافة السإلمية علم جديد لم يعرف عند السإلف ً،لهذا تباينت آراء
العلماء المعاصرين والمفكرين في تعريفه ً،نتيجة لختلف اتجاهاتهم وتصوراتهم.
ثالثاا :إن الثقافة السإلمية علم أوجدته الحداث والمسإتجدات والتحديات والدراسإات
المعاصرة ً،خاصة بعد الهجمة الشرسإة التي تعرض لها العالم السإلمي.
()1الثقافة السإلمية ثقافة المسإلم وتحديات العصر د .محمد أبو يحيى ص ً،21دار المناهج بالردن ً،ط
السإادسإة .2006 _1426
()2الشخصية السإلمية المعاصرة د .باسإمة بسإام العسإلي ص ً،274دار الفكر بيروت.
()3انظر :الثقافة السإلمية مفهومها مصادرها خصائاصها مجالتها د .عزمي طه السإيد ص ً،70دار
المناهج بالردن ً،ط الرابعة .2002 _1423
146
أ .رائد طللا شعت
()1انظر :دعوة التوحيد محمد خليل الهراس ص ً،74دار الكتب العلمية بيروت ً،ط الولى 1986م.
()2انظر :الثقافة السإلمية ثقافة المسإلم وتحديات العصر ص .93
()3أخرجه البخاري في صحيحه-كتاب أحاديث النبياء-باب ما ذكر عن بني إسإرائايل 2/167ح ً،3456
مكتبة الصفا بالقاهرة ً،ط الولى .2002-1423ومسإلم في صحيحه-كتاب العلم-باب اتباع سإنن اليهود
والنصارى 4/2054ح -2669دار إحياء الكتب العربية.
147
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
()1خصائاص التصور السإلمي ومقوماته سإيد قطب ص ً،50دار الشروق بجدة ً،ط الثالثة 1968م.
()2انظر :الثقافة السإلمية مفهومها مصادرها خصائاصها مجالتها ص .122
()3أخرجه مسإلم في صحيحه-كتاب المارة-باب وجوب ملزمة جماعة المسإلمين 3/1478ح ً،1850
تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ً،دار إحياء الكتب العربية.
148
أ .رائد طللا شعت
أن توفق بين روح النسإان وجسإده وبين فرديته وجماعته وبين دنياه وآخرته ً،فل تنشطر
سإريرته وحياته أشطا ار مختلفة كما هو الحال في الثقافات الخرى) .(1قال تعالى :ووامبتوقغ
سون اللنهه إقلوميوك ق ق ق ق ق
فيوما آوتاوك اللنهه النداور املخورةو ووول وتن و
س ونصيوبوك مون القدمنويا ووأومحسن وكوما أومح و
)القصص .(77وأسإاس الشمول والكمال هو السإلم بمناهجه المتعددة في العقيدة والشريعة
ونظم الحياة).(2
رابعاا :الوسطية :وذلك في تجسإيدها للعقيدة والشريعة ً،وفي نظرتها للفرد والمجتمعً،
وفي فهمها للواقع ومتطلباته ً،فل إفراط ول تفريط) .(3وذلك لن الثقافة السإلمية ربانية
موحى بها من ال تعالى وهو اللطيف الخبير بما يصلح ويناسإب عباده ً،قال تعالى :أوول
ف املوخقبيهر) الملك .(14ولن مصدرها القرآن الكريم الذي يهدي ق ووههوو اللنقطي ه
ويمعلوهم وممن وخلو و
لقوم الطرق وأوضح السإبل ً،قال تعالى :إقنن وهوذا املقهمرآون قيمهقديِ لقلنقتي قهي أومقووهم ووهيوب ب
شهر و
صاقلوحاقت أونن لوههمم أومجاار وكقبياار) السإراء .(9فسإمة السإلم املهممؤقمقنيون النقذيون ويمعومهلوون ال ن
السإاسإية هي التوازن والعتدال في كل نواحي الحياة ً،العتدال بين حقوق الجسإد وأشواق
الروح ً،وبين مطالب الدين والدنيا).(4
خامساا :الواقعية :وذلك تتعامل مع الحقائاق الموضوعية ذات الوجود الحقيقي
الثابت ً،ل مع تصورات عقلية مجردة ول مثاليات ل وجود لها في عالم الواقع) .(5ولهذا نجد
الواقعية في التشريع السإلمي ً،فقد راعى السإلم ظروف الناس وحياتهم واحتياجاتهم
المعيشية ً،ورفع عنهم المشقة والحرج ً،بل جعل المشقة تجلب التيسإير ً،كما وراعى فطرتهم
وطاقتهم فلم يكلفهم من العمل ما ل يطيقون ً،لن شرط التكليف القدرة على فعل المكلف بهً،
149
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
فما ل قدرة للمكلف عليه ل يصح التكليف به شرع ا) .(6ونجد الواقعية أيض ا في الخلق
والعقيدة.
سادساا :الستمرارية :فهي ثابتة ومسإتمرة لنها تقوم على العقيدة ً،والعقيدة ثابتة ل
تتغير ول تتبدل ول تختلف باختلف الزمنة والمكنة ً،ومع هذا فهي مرنة ل تقف جامدة
أمام الحوادث والمسإتجدات بل تتعامل مع القضايا الطارئاة في كل عصر .لهذا فإنها تبعث
الطمأنينة في حياة الفرد والمجتمع ً،بأنه ل يعايش ثقافة تتأرجح وتتغير حسإب الهواء
والجواء والمصالح .فقد ختم ال تعالى بالسإلم الشرائاع والرسإالت السإماوية كلها ً،وأودع
فيه عنصر الثبات والخلود والمرونة والتطور معاا ً،وهذا دليل على صلح هذه الثقافة لكل
زمان ومكان).(1
()6انظر :الموافقات في أصول الحكام إبراهيم بن موسإى الشاطبي ً،2/76تحقيق محمد محي الدينً،
مطبعة المدني بالقاهرة.
()1انظر :الخصائاص العامة للسإلم د .يوسإف القرضاوي ص ً،203مكتبة وهبة بالقاهرة.
()2انظر :مباحث في علوم القرآن مناع القطان ص ً،20مؤسإسإة الرسإالة بيروت ً،ط الخامسإة والثلثون.
والتبيان في علوم القرآن محمد علي الصابوني ص ً،6مكتبة الغزالي دمشق ً،ط الثانية 1981م.
150
أ .رائد طللا شعت
شميةء) النعام .(38وبما أن الثقافة الحياة كلها ً،قال تعالى :نما فونرمطونا قفي القكوتاقب قمن و
سقم وربوك النقذيِ
أسإاسإها العلم والمعرفة فقد حث في أول آياته على ذلك ً،قال تعالى :امق وأمر قبا م
ق) العلق .(1 وخلو و
ثاني اا :السنة النبوية:
وهي ما صدر عن رسإول ال من قول أو فعل أو تقرير أو صفة) .(1فالسإنة
النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع السإلمي والثقافة السإلمية ً،وهي أيضا
الشارحة للمصدر الول وهو القرآن الكريم ً،والمؤكدة لحكام وردت فيه ً،والمقررة لكثير من
الحكام التي سإكت عنها ً،والناسإخة لبعض ما ورد فيه من الحكام ً،والمبينة لما تأجمل فيهً،
سوهل
وهي دليل شرعي وجب على المسإلمين اتباعه والعمل به ً،قال تعالى :وووما آوتاهكهم النر ه
فوهخهذوهه وووما ونوهاهكمم وعمنهه وفانتوههوا) الحشر .(7
ثالثاا :الجماع:
وهو اتفاق مجتهدي المة السإلمية في عصر من العصور على حكم حادثة
شرعية بعد وفاة النبي .(2)والجماع إذا انعقد في مسإألة كان دليلا شرعيا قطعيا ملزما ل
سوول قمن وبمعقد وما تووبنيون لوهه املههودىَ ووويتنقبمع شا ق ق
ق النر ه تجوز مخالفته أو نقضه ً،قال تعالى :ووومن هي و
صياار) النسإاء .(115فال وغمير سقبيقل املممؤقمقنيون هنولبقه ما توونلىَ وهنصلققه جهنم وساءمت م ق
و و و و و م وو وو و ه و و
تعالى جمع بين مشاقة الرسإول واتباع غير سإبيل المؤمنين في الوعيد ً،فلو كان اتباع غير
سإبيل المؤمنين مباح ا لما جمع بينه وبين المحظور) .(3وفي حديث ابن عمر رضي ال
عنهما )إن ال ل يجتمع أمتي على ضللة ً،ويد ال مع الجماعة ومن شقذ شقذ في النار().(4
()1انظر :السإنة ومكانتها في التشريه السإلمي مصطفى السإباعي ص ً،47المكتب السإلمي بيروت ً،ط
الثانية .1978-1398والسإنة قبل التدوين محمد عجاج الخطيب ص ً،16دار الفكر بيروت ً،ط الثالثة
.1980-1400
()2المسإتصفى من علم الصول محمد بن محمد الغزالي ً،1/173ط الولى .والواضح في أصول الفقه علي
بن عقيل الحنبلي البغدادي ً،1/19ط الولى 1996م.
()3انظر :إرشاد الفحول محمد بن علي الشوكاني ص ً،74دار المعرفة بيروتً،ط 1399هـ.
()4أخرجه الترمذي في سإننه-كتاب الفتن-باب ما جاء في لزوم الجماعة 4/214ح 2167وفال :هذا
حديث غريب من هذا الوجه ً،تحقيق مصطفى الذهبي ً،دار الحديث بالقاهرة ً،ط الولى .1999-1419
151
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
ثم إن إجماع العلماء أثرى الثقافة السإلمية في جميع ميادينها ً،وأكسإبها مصد ار
جديداا.
رابعاا :القياس:
وهو إلحاق واقعة ل نص فيها بواقعة ورد فيها نص لشتراك الواقعتين في علة
الحكم).(1
والدليل على حجية القياس والعمل به حديث ابن عباس رضي ال عنهما) :أن رجلا
قال :يا رسإول ال إن أبي مات ولم يحج ً،أفأحج عنه؟ قال :أرأيت لو كان على أبيك دين
أكنت قاضيه؟ قال :نعم ً،قال :فدين ال أحق().(2
فالقياس مصدر من مصادر الحكام في الشريعة السإلمية وبه قوامها وصلحيتها
في كل عصر ومصر ً،وذلك لنه ل يمكن النص على كل حادثة بعينها فإن الحوادث غير
متناهية والنصوص متناهية.
خامساا :تراث الحضارة السلمية:
وهو ما وصل إلينا عن سإلف المة الصالح من إجماع وقياس واجتهاد في الفقه
والحديث والتفسإير والعقيدة ً،وما جاء عن اللغويين والنحاة وأهل البلغة والبيان ً،وما جمعه
والحديث انفرد به الترمذي ً،وله شاهد ضعيف من حديث أنس بن مالك رضي ال عنه ً،أخرجه ابن ماجة في
سإننه كتاب الفتن-باب السإواد العظم 3/395ح ً،3950وله شاهد آخر ضعيف من حديث عمرو بن قيس
رضي ال عنه ً،أخرجه الدارمي في سإننه كتاب المقدمة-باب ما أعطي النبي من الفضل 1/30ح .54
والحديث إسإناده ضعيف لن فيه سإليمان ين سإفيان القرشي التيمي وهو ضعيف كما في تقريب التهذيب لبن
حجر ص 251رقم ً،2563والكاشف للذهبي 1/346رقم .2110وقد حسإنه السإيوطي في الجامع الصغير
1/278ح .1818وصححه اللباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته ح .1844
()1دراسإات وتحقيقات في أصول الفقه علي الضويحي ص ً،368مكتبة الرشد بالرياضً،ط الولى -1425
.2004
()2أخرجه النسإائاي في سإننه-كتاب مناسإك الحج-باب تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين 3/84ح ً،2638
تحقيق مصطفى الذهبي ً،دار الحديث بالقاهرة ً،ط .1999-1420والدارمي في سإننه-كتاب المناسإك-باب
الحج عن الميت 1/494ح .1835والحديث إسإناده صحيح ً،وقد صححه أحمد شاكر في تحقيقه لمسإند
أحمد 1/358ح .3378
152
أ .رائد طللا شعت
المؤرخون من سإير وأخبار وما خلفه المسإلمون من حضارة وعلوم ومعارف وفنون).(3
فالناظر والمتأمل إلى تاريخ المسإلمين الوائال يجد أنهم قدموا للعالم حضارة من أرقى
الحضارات.
()3دراسإات في الثقافة السإلمية محمد عبد السإلم ص ً،28مكتبة الفلح بالكويت ً،ط الخامسإة 1987م.
153
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
والعزائام وسإاد الفكر التقليدي المغلق ً،واتجه العلماء والفقهاء إلى تأليف الختصارات والشروح
والحواشي.
154
أ .رائد طللا شعت
المبحث الثاني
الغزو الثقافي
وفيه خمسإة مطالب:
المطلب الول :تعريف الغزو الثقافي:
لغة :يراد به القصد والرادة والطلب ً،يقال :غ از الشيء غزوا أي أراده وطلبهً،
والقغزوة ما تغقزي و ت
طلب ً،ومغزى الكلم أي مقصوده والمراد منه ً،ويقال :غ از القوم أي
قصدهم بالحرب والقتال).(1
اصطلحاا :تباينت آراء العلماء والمفكرين المعاصرين في تعريف الغزو الثقافي:
فمنهم من قال) :هو الوسإائال غير العسإكرية التي اتخذها أعداء السإلم لزالة
مظاهر الحياة السإلمية وصرف المسإلمين عن التمسإك بالسإلم مما يتعلق بالعقيدة وما
يتصل بها من أفكار وأنماط وسإلوك().(2
ومنهم من قال) :هو قيام مجتمع ما أو حضارة بمحاولة لفرض ثقافتها على مجتمع
آخر بنية العتداء والسإيطرة والهيمنة().(3
ومنهم من قال) :هو التغير الجديد الذي حصل في اسإتراتيجية أعداء ال الغزاة
الذين تخلوا عن اسإتعمار الراضي واسإتبدالها باسإتعمار عقول وقلوب أصحابها().(4
ومنهم من قال) :هو كل فكرة أو معلومة أو برنامج أو منهج يسإتهدف صراحة أو
ضمنا تحطيم مقومات المة السإلمية العقدية والفكرية والثقافية والحضارية ً،أو يتحرى
التشكيك فيها والحط من قيمتها وتفضيل غيرها عليها إواحلل سإواها محلها في الدسإتور أو
()1انظر :لسإان العرب .6/621والمصباح المنير أحمد بن محمد الفيومي ص ً،266دار الحديث بالقاهرةً،
ط الولى .2000-1421
()2المرتكزات السإاسإية في الثقافية السإلمية ص .300
()3الثقافة السإلمية مفهومها مصادرها خصائاصها مجالتها ص .181
()4دراسإات في الثقافة السإلمية صالح ذياب هندي ص ً،28ط الثانية 1981م.
155
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
مناهج التعليم أو برامج العلم والتثقيف أو الدب والفن أو النظرة الكلية للدين والنسإان
والحياة().(1
يتبين لنا من خلل التعريفات السإابقة عدة أمور:
أوال :أن تعريفات العلماء اختلفت ً،وذلك لن الغزو الثقافي عنوان تأطلق في الثلث
الخير من القرن الرابع عشر الهجري على المؤامرات والمخططات الفكرية والثقافية التي
تقوم بها المنظمات والمؤسإسإات الدولية والشعبية من أعداء السإلم.
ثانياا :أن الغزو الثقافي يسإعى لتحويل المسإلمين عن دينهم تحويلا كلياا ً،وتجزئاتهم
وتمزيق وحدتهم إواضعاف قوتهم لسإتعمارهم فكريا ثم اسإتعمارهم سإياسإيا وعسإكريا واقتصادياا.
أن الغزو الثقافي أخطر بكثير من الغزو العسإكري ً،وذلك لنه ينطلي على ثالثاا:
عامة المسإلمين ً،بينما الغزو العسإكري ل ينطلي على الدهماء من المسإلمين.
لكن الدراسإات التي قام بها الباحثون تشير إلى أن الغزو الفكري بدأ يأخذ طابع ا
جديدا وشكلا منظماا ً،حيث بدأت جهودهم تتوالى لدراسإة سإر قوة المسإلمين ومكمن عزتهمً،
فعكفوا على دراسإة حضارتهم وتراثهم العلمي ً،فدرسإوا الكتب الدينية والعلمية واللغوية
والتاريخية ً،وذلك بعد فشل الحروب الصليبية على بلد المسإلمين) .(3فقد جرد الغرب حملت
()1الغزو الفكري والتيارات المعادية للسإلم عبد الرحمن حبنكة الميداني ص ً،507بحث مقدم لمؤتمر الفقه
السإلمي المنعقد بجامعة المام محمد بن سإعود السإلمية بالرياض 1396هـ.
()2انظر :أجنحة المكر الثلثة عبد الرحمن حبنكة الميداني ص ً،27دار القلم بدمشق ً،ط الولى .1975
()3انظر :الغارة على العالم السإلمي شاتلية وترجمه للعربية محب الين الخطيب ص ً،27الدار السإعودية
بجدة ً،ط الثانية 1387هـ.
156
أ .رائد طللا شعت
صليبية غزت الشرق السإلمي باسإم الصليب وتحت رايته وكان وراء هذه الحملت رجال
الكنيسإة في أوروبا ً،وبالرغم من ضعف المة السإلمية يومها إل أنها انتفضت لما رأت
أعداء السإلم وهم يحملون الصليب ً،وبذل المسإلمون الدماء رخيصة في سإبيل الذود عن
حياض المة وعقيدتها ً،فارتدت الحملت الصليبية على أعقابها خاسإرة مدبرة ولم تعقب بعد
معارك طاحنة اسإتمرت قرنين من الزمان ً،وبرز يومها قادة عظام كنور الدين محمود بن
زنكي التركي وصلح الدين اليوبي الكردي وغيرهما ممن قادوا جماهير المة إلى العزة
والنصر .فأيقن حينها الصليبيون وغيرهم من أعداء السإلم أنه مهما ضعفت المة
السإلمية لن يسإتطيعوا اسإتئاصال شأفتها والقضاء عليها عسإكرياا ً،إل إذا نالوا من ثقافتها
وعقيدتها ووحدتها).(1
ثم إن الغزو الفكري مر بمراحل عديدة تدرج من خللها إلى أن وصل الغزو الفكري
في هذه اللفية الثالثة إلى أعلى درجاته حيث تتسإتخدم الوسإائال التكنولوجية الحديثة ً،وتأتي
الوليات المتحدة المريكية في مقدمة الدول التي تسإعى نحو السإيطرة على دول العالم الثالث
بل على العالم كله ً،إواذا كان هذا هو الدور الذي تمارسإه أمريكيا على المسإرح الثقافي
العالمي ً،فإن للصهيونية والماسإونية نصيب السإد في هذا الدور).(2
()1انظر :أسإاليب الغزو الفكري للعالم السإلمي علي محمد خريشة ومحمد شريف الزيبق ص ً،17_16
دار العتصام بالمدينة ً،ط الثالثة .1979-1399
()2انظر :الخطر الصهيوني على العالم السإلمي ماجد الكيلني ص ً،240الدار السإعودية بجدة ً،ط
الثالثة 1984م.
157
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
أيقن أعداء السإلم أن السإلم يشكل خط ار كبي ار عليهم ً،لهذا حرصوا كل الحرص
على عزل المسإلمين عن دينهم وثقافتهم من خلل صرفهم عن تعاليم الكتاب والسإنة ً،يقول
أحد مؤسإسإي السإتعمار البريطاني في الشرق الوسإط وهو غلدسإتون) :ما دام هذا القرآن
موجودا فلن تسإتطيع أوروبا السإيطرة على الشرق بل ول أن تكون هي نفسإها في مأمن().(1
ويقول وليم جيفورد بالكراف) :متى توارى هذا القرآن ومدينة مكة عن بلد العرب يمكننا
حينئاذ أن نرى العربي يتدرج في سإبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إل محمد وكتابه()(2وهذا
يدل على سإعيهم لتصفية قضية السإلم ً،باعتباره كما يعتقدون الخطر الحقيقي الذي
يهددهم ً،والعقبة الكئاود التي تحول دون تحقيق أطماعهم في السإيطرة على الكون والنسإان.
ثانياا :الطعن في السلم:
من أهدافهم الطعن في السإلم من خلل الطعن في القرآن الكريم بأنه غير منزل
من عند ال إوانما هو من عند محمد اسإتمد تعاليمه من أهل الكتاب ً،ومن خلل الطعن في
شخص الرسإول الكريم وفي سإنته ً،متذرعين بما دخل فيها من وضع ودس متجاهلين جهود
علماء الحديث في تنقية السإنة من الشوائاب ً،ومن خلل الطعن في الدين السإلمي بأنه دين
ملفق من الديانتين اليهودية والنصرانية).(3
()1انظر :الغزو الفكري وأهدافه ووسإائاله عبد الصبور مرزوق ص ً،15رابطة العالم السإلمي مكة
المكرمة ً،ط الثالثة.
()2انظر :الثقافة السإلمية مفهومها مصادرها خصائاصها مجالتها ص .183
()3انظر :المرتكزات السإاسإية للثقافة السإلمية ص .312
158
أ .رائد طللا شعت
أمكن أن يصبحوا أيض ا نقمة له ً،أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئاذ بل وزن ول تأثير(
).(1
رابعاا :إحياء النزعات الجاهلية:
أراد الغرب من وراء الغزو الثقافي إحياء النزعات والدعوات الجاهلية كالفارسإية
والفرعونية والفينيقية والقومية والشتراكية والبعثية وغيرها ً،لهذا قاموا بإنشاء المتاحف لبعث
التاريخ القديم في كل جزء من أجزاء العالم السإلمي ً،وعمدوا إلى السإاطير القديمة فأحيوها
على شكل مسإرحيات وأفلم وقصص وأدب وأخذوا يلونون الحياة بتقاليد وعادات وشعارات
مسإتمدة من الماضي السإحيق ً،والهدف من ذلك كله ربط الحاضر بماض قديم والتنكر
)(2
لمقومات الحياة السإلمية ً،حتى يعتقد المسإلمون عدم صلحية السإلم لقيادة البشرية
خامساا :إضعاف الوعي والتعليم:
وذلك من خلل التشكيك في قدرة اللغة العربية على مسإايرة التطور العلمي لتظل
المة العربية المسإلمة عالة على مصطلحات الغربيين ً،ومن خلل التشكيك في قيمة الفقه
السإلمي ذلك التشريع الهائال الذي ما ترك صغيرة ول كبيرة إل أحصاها ً،ومن خلل
التشكيك في قيمة التراث الحضاري السإلمي زاعمين أن الحضارة السإلمية منقولة عن
الحضارة اليونانية والرومانية ً،وأن العرب لم يكن لديهم إبداع فكري ول ابتكار حضاري).(3
لهذا عملوا على إضعاف الثقافة السإلمية وتثقيف المسإلمين بالثقافة الغربية ً،فلو
نظرنا إلى الغلبية العظمى من المسإلمين لوجدنا أنهم يجهلون أسإاسإيات الثقافة السإلمية.
سادساا :نشر اللحاد والباحية والدعاية لهما:
لقد انصب جهد الغزو الثقافي على نشر الفسإاد والرذيلة وتفريغ المسإلمين من كل
القيم والخلق السإلمية ً،واسإتخدموا في سإبيل تحقيق هذا الهدف كل الوسإائال الحديثة ً،حتى
ينشأ جيل قادم على نمط ل يهتم إل بشهواته وغرائازه.
159
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
()1الموسإوعة الميسإرة في الديان والمذاهب المعاصرة الندوة العالمية للشباب السإلمي بالرياض ص .33
()2السإتشراق والمسإتشرقون مالهم وما عليهم مصطفى السإباعي ص ً،89محاضرة مطبوعة مع كتاب
أجنحة المكر الثلثة.
()3الثقافة السإلمية ثقافة المسإلم وتحديات العصر ص .244
()4انظر :الغزو الفكري أحمد السإائاح ص ً،45بحث مقدم لمؤتمر الفقه السإلمي المنعقد في جامعة المام
محمد بن سإعود بالرياض 1396م .والموسإوعة الميسإرة في الديان والمذاهب المعاصرة ص .159
160
أ .رائد طللا شعت
والتبشير تعبير أطلقه رجال الكنيسإة النصرانية على العمال التي يقومون بها
لتنصير الشعوب غير النصرانية لسإيما المسإلمين ً،ثم تحول هدف التنصير داخل الشعوب
المسإلمة إلى غاية التكفير إواخراج المسإلمين عن دينهم ولو إلى اللحاد والكفر بكل دين).(1
ولهذا فإن كثي ار من الباحثين والمحققين يرى أن الولى أن تتسإمى هذه الحركة بالتنصير لنها
ل تسإعى للتنصير فحسإب بل تريد أن ينسإلخ المسإلمون من السإلم حتى يصبحوا بل دين ول
قيم ول أخلق ول صلة لهم بال ً،وهذا ما صرح به صمويل زويمر وهو من رواد حركة
التنصير في العالم السإلمي حيث قال في مؤتمر القدس التنصيري عام 1935م) :إن
مهمة التبشير التي ندبتكم لها الدول المسإيحية في البلد السإلمية ليسإت في إدخال
المسإلمين في المسإيحية ً،فإن هذا هداية وتكريم ا لهم ً،إوانما مهمتكم هي أن تخرجوا المسإلم من
السإلم ليصبح مخلوق ا ل صلة له بال وبالتالي ل صلة له بالخلق الحميدة() .(2وكان أول
من تولى التنصير بعد فشل الحروب الصليبية في مهمتها هو ريمون لول ً،فقد تعلم العربية
وجال في بلد المسإلمين ثم تتابعت بعده في القرن الخامس عشر الميلدي إرسإاليات التبشير
إلى بلد المسإلمين).(3
ثالثاا :التغريب:
التغريب هو تيار كبير ذو أبعاد سإياسإية واجتماعية وثقافية وفنية يرمي إلى صبغ
حياة المم بعامة والمسإلمين بخاصة بالسإلوب الغربي وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المسإتقلة
وخصائاصهم المتفردة وجعلهم أسإرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية).(4
ولفظ التغريب يطلق وتيراد به إيجاد عقلية جديدة تعتمد عل تصورات الفكر الغربي
ثم تحاكم الفكر السإلمي من خللها ً،وهو حملة موجهة نحو المسإلمين تهدف إلى صبغ
161
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
حياتهم باللون الغربي بحيث تغدو حياتهم صورة مطابقة للحياة الغربية في جميع
المجالت).(1
ثم إن حركة التغريب من أخطر النتائاج التي أعقبت الغزو الصليبي الجديد وما
أعقبه من تبعية ثقافية للغرب ً،مما أشاع روح النهزام الفكري وضياع روح العتزاز
بالشخصية السإلمية ً،ل سإيما عند من يدعي الثقافة ً،فمعظهم من إنتاج النظام التعليمي
الثقافي الغربي ً،ومن أبرز هؤلء طه حسإين الذي دعا إلى اعتبار مصر جزاء من الغرب
فقال) :إن من السإخف الذي ليس بعده سإخف اعتبار مصر جزاءا من الشرق واعتبار العقلية
المصرية عقلية شرقية كعقلية الهند والصين( ) .(2وقال أيضاا) :نريد أن نتصل بأوروبا
ل().(3
اتصالا يزداد قوة من يوم إلى يوم حتى نصبح جزاء منها لفظ ا ومعنى وحقيقة وشك ا
رابعاا :العلمانية:
العلمانية هي فصل الدين عن الدولة وقيامها على أسإس دنيوية متمثلة المصلحة
المعتبرة عقلا وعرف ا في مختلف شؤون الحياة) .(4وهي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف
الناس عن الهتمام بالخرة إلى الهتمام بالحياة الدنيا وحدها) .(5وهي ترجمة لكلمة
) secularismسإيكلريزم( والتي يوهم ظاهرها أن لها صلة بالعلم والمذهب العلمي ً،ولكن
الحقيقة أنه ل علقة لها بالعلم ول بمعطياته ً،وترجمتها الصحيحة :اللدينية أو الدنيوية).(6
نشأت هذه الدعوة في أوروبا مع بداية عصر النهضة وعمت أقطار العالم بتأثير
السإتعمار والتبشير والشيوعية ً،وقد أدت ظروف كثيرة قبل الثورة الفرنسإية سإنة 1789م
()1انظر :شبهات التغريب في غزو الفكر السإلمي أنور الجندي ص ً،13المكتب السإلمي ً،ط 1987م.
()2مسإتقبل الثقافة في مصر طه حسإين ً،1/32مطبعة المعارف بالقاهرة 1938م.
()3المرجع السإابق .1/34
()4السإلم وقضايا العصر مجموعة من السإاتذة ص ً،68دار المناهج بالردن ً،ط الولى -1420
.2000
()5مذاهب فكرية معاصرة محمد قطب ص ً،445دار الشروق ً،ط الولى 1983م.
()6انظر :العلمانية وثمارها الخبيثة عبد ال بن عبد الرحمن الجبرين ص ً،6دار الوطن بالرياض ً،ط
1411هـ ً،والعلمانية وآثارها في الحياة السإلمية المعاصرة سإفر الحوالي ص ً،21دار مكة ً،ط الولى
.1982-1402
162
أ .رائد طللا شعت
وبعدها إلى انتشارها الواسإع وتبلور منهجها وأفكارها) .(7فهي حركة إذا تقوم على نشر
الباحية والفوضى الخلقية ً،إواقصاء الدين وتنحيته عن واقع المسإلمين في جميع نواحي
الحياة .والناظر إلى واقع المة العربية والسإلمية يجد أن الفكر العلماني قد دخل بلد
المسإلمين كلها ً،بل وأصبح أكثر زعماء المة يتبنونه في سإياسإتهم الداخلية والخارجية.
163
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
وقد نهى ال تعالى عن التبرج فقال :ووقومرون قفي هبهيوقتهكنن ووول تووبنرمجون تووبقروج املوجاقهقلنيقة
لوولىَ) الحزاب .(33
ام ه
-3إظهار الشخصيات الدينية والتاريخية في مواقف غير مقبولة أو لئاقة بنااء على
رغبة المخرج أو المنتج ً،فلو نظرنا إلى أكثر الفلم والمسإلسإلت التي تسإمى
بالدينية لوجدنا أنها ل تخلو من السإاءة للدين والتاريخ والقادة والعظماء ً،خاصة
فيما يتعلق بوصف القادة والعظماء بأنهم أصحاب عشق وغرام بنسإاء فارس والروم
وغيرهم ً،وفيما يتعلق بتغيير الحقائاق التاريخية والتلعب بها بما ينسإجم مع الخراج
والنتاج.
-4إشغال المسإلمين عن طاعة ال إيثا ار لمتابعة فيلم أو مسإلسإل أو مباراة لكرة القدم
ونحو ذلك مما يروجون له بدعايات براقة ً،وهم بذلك يقدمون مشاهدة البرامج على
ت ومقن اتنوخوذ إقلووههه وهوواهه
طاعة ال تعالى وبذلك ينطبق عليهم قوله تعالى :أوفووأرومي و
شاووةا فوومن ويمهقديقه صقرقه قغ و ق ضلنهه اللنهه عولىَ قعملةم ووختوم عولىَ ق ق
سممعه وووقملقبه وووجوعول وعولىَ وب و
و و و و و ووأو و
قمن وبمعقد اللنقه أوفوول تووذنكهروون) الجاثية .(23
-5يؤدي العلم إلى محبة كثير من الممثلين والممثلت والمغيين والمغنيات
واللعبين واللعبات ً،حتى تج أر كثير من السإفهاء فأطلقوا عليهم ألقاب ا تتنافى مع
العقيدة كلقب معبود الجماهير ً،وهل هناك معبود بحق في الكون غير ال تعالىً،
والمرء مع من أحب.
-6إن العلم يجر المسإلمين إلى اتباع الكفار والفسإاق في أخلقهم ومعتقداتهم ومناهج
حياتهم ً،والتشبه بهم في ملبسإهم وأشكالهم وأقوالهم وأفعالهم ً،وهذا ما حذر النبي
منه كما في حديث ابن عمر رضي ال عنهما) :من تشبه بقوم فهو منهم().(1
()1أخرجه أبو داود في سإننه-كتاب اللباس-باب في لبس الشهرة 4/1730ح ً،4031تحقيق السإيد محمد
سإيد وغيره ً،دار الحديث بالقاهرة ً،ط .1999-1420وأحمد في مسإنده 2/50ح ً،51تحقيق أحمد شاكر.
والحديث إسإناده صحيح ً،وقد صححه شيخ السإلم ابن تيميه في كتابه اقتضاء الصراط المسإتقيم لمخالفة
أصحاب الجحيم ً،1/240دار المسإلم بالرياض ً،ط الخامسإة .1994-1415
164
أ .رائد طللا شعت
-7إن معظم وسإائال العلم المعاصرة جاءت إلينا عن طريق الغرب ولم نؤسإس لها
نحن ً،لهذا حققنا للغرب ما يريده لنا ويتمناه ً،وقد بين ال تعالى نوايا أهل الكتاب
وغيرهم من أعداء السإلم فقال :ووند وكقثيير بممن أومهقل املقكوتاقب لومو ويهرقدوونهكم بمن وبمعقد
ق…) البقرة .(109 سادا بممن قعنقد وأنفهقسقهم بمن وبمعقد وما تووبنيون لوهههم املوح ق ق ن
قإيومانهكمم هكفارا وح و
-8نشر المبادئ والفكار الهدامة كالعلمانية والشتراكية والبعثية والقومية وغيرها من
الفكار والعقائاد التي تتنافى وتتعارض مع العقيدة السإلمية السإليمة.
-9إن مليارات الدولرات ومئاات الطاقات التي جندها الغرب لدارة برامج البث
إوايصالها للعالم كله وللمسإلمين خاصة ً،وما كان ذلك حبا فينا ً،إنما لجل مواجهة
المد السإلمي الذي يشكل خط ار على ثقافة الغرب ً،فأرادوا إشغال المة ببرامج
قاتلة للوقت ً،وبين القرآن إنفاقهم هذا للصد عن سإبيل ال فقال :إقنن النقذيون وكفوهروام
ينقفهقوون أوموالوهم قليصقدوام عن سقبيقل اللقه فو ق
سهينفهقوونوها ثهنم توهكوهن وعلوميقهمم وح م
سورةا ثهنم و مو هم و ه و و ه
شهروون) النفال .(36 هيمغلوهبوون ووالنقذيون وكفوهروام إقولىَ وجوه نوم هيمح و
ثانياا :العولمة:
وهي نظام عالمي جديد يقوم على البداع العلمي والتقني وثورة التصالت بحيث
تزول الحواجز والحدود بين المم والشعوب والدول ويمسإي العالم وكأنه قرية صغيرة) .(1وهي
أيضا الدكتاتورية والتسإلط القهري والفكري الذي ينادي بطمس الخر إوانهاء ثقافته ً،لتبقى
ثقافة واحدة هي الثقافة المريكية لفرض سإيطرتها ونفوذها على العالم.
ولقد نشأت العولمة مع ظهور الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر الميلديً،
والعولمة من أخطر التحديات التي تواجه أمتنا العربية والسإلمية في هذا القرن ً،وتهدف إلى
عدة أمور:
-1طمس هويتنا واقتلعنا من جذورنا التاريخية ً،وذلك من خلل إحلل الثقافة الغربية
محل ثقافتنا السإلمية ً،فالعولمة بالمفهوم المعاصر هي المركة التي تغزو
()1العولمة محمد سإعيد أبو زعرور ص ً،14دار البيان بعمان ً،ط الولى 1998م.
165
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
المجتمعات بهدف القضاء على السإلم ً،باعتباره أهم مقومات الحضارة والنهوض
بثقافة المة).(1
-2السإتيلء على اقتصاديات العالم عامة والمة السإلمية خاصةً،عن طريق حصار
النتاج القومي للدول الفقيرة والضعيفة ً،والقضاء على نظرية القتصاد السإلمي).(2
-3محاربة المناهج التعليمية والتربوية في العالم العربي والسإلمي ً،ومحاولة تغييرها
إلى نموذج يتناسإب وطبيعة الفكر الثقافي الغربي حتى يشب الطفال على حب
الثقافة الغربية وضعف الثقافة السإلمية ً،ولهذا لو نظرنا إلى المناهج التعليمية في
العالم السإلمي خاصة فيما يتعلق بالتاريخ نجد أنها تشتمل على تاريخ هزيل يمجد
الحضارة الفرعونية واليونانية وغير ذلك من الحضارات ً،أما عن التاريخ السإلمي
والوطن العربي فإنه تيدقرس من كتب مغلوطة ً،وبهذا أصبحت المناهج التعليمية تفتقد
الصالة والشعبية والجماهيرية) .(3وهذا ما صرح به زويمر زعيم المبشرين النصارى
عام 1354هـ1935-م بقوله) :إن الهدف من السإيطرة على البرامج التعليمية هو
إعداد جيل ل يعرف الصلة بال().(4
-4التحكم في مراكز القرار السإياسإي في دول العالم لخدمة مصالحهم ً،وذلك من خلل
السإيطرة السإياسإية الكاملة على دول العالم الثالث بل وعلى العالم كله ً،فهي تولي
أهمية كبيرة للمسإارات الثقافية واليديولوجية داخل المجتمعات وتعتبر نفسإها قادرة
على توجيهها حسإب إرادتها بفضل الوسإائال المادية الجديدة التابعة لها).(5
-5إلغاء النسإيج الجتماعي للشعوب وتدمير الهويات القومية والثقافية الخاصة لكل
شعب ً،وتفتيت الدول وتحويلها إلى دول ضعيفة وكيانات هزيلة).(6
()1العولمة ومسإتقبل العالم السإلمي فتحي يكن ص ً،23مؤسإسإة الرسإالة بيروت ً،ط .2000-1421
()2الثقافة السإلمية ثقافة المسإلم وتحديات العصر ص .269
()3انظر :نظم التعليم العربية بين واقعها ومحاولة تطويرها محمد منير موسإى ص ً،142مركز البحوث
التربوية بجامعة قطر ً،ط الولى 1984م.
()4انظر :أسإاليب الغزو الفكري للعالم السإلمي ص .63
()5انظر :العولمة ومسإتقبل العالم السإلمي ص .23
()6انظر :الثقافة السإلمية ثقافة المسإلم وتحديات العصر ص 269
166
أ .رائد طللا شعت
167
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
الشبهة الولىَ :أن السإلم دين التطرف والعنف والرهاب والصولية يدعوا للدمار
والخراب ً،والهدف من هذه الفرية تشويه صورة السإلم أمام الرأي العام العالمي من غير
المسإلمين خشية التأثر به ً،وأمام المنتسإبين إليه ليضعف التمسإك والعمل به).( 1
الشبهة الثانية :أن القرآن الكريم ليس من عند ال إوانما هو من عند البشر ً،فتارة
يقولون هو من صنع محمد وأخرى أنه من صنع بحيرى الراهب ً،والهدف من ذلك التشكيك
)(2
في شرعيته وصلحيته لكل زمان ومكان .
الشبهة الثالثة :أن الثقافة السإلمية مسإتمدة من الثقافة الرومانية والغريقيةً،
والهدف من ذلك بيان أن الثقافة السإلمية غير ربانية المصدر ً،وبالتالي يشككون في
مصداقيتها في بناء المجتمع والنهوض به).(3
الشبهة الرابعة :أن السإلم أباح لتباعه التعدد في الزواج ً،وأن رسإول ال كان
رجلا شهوانياا ً،يسإير وراء ملذاته إواشباع رغباته ً،والهدف من ذلك الطعن في شخص النبي
الكريم .(4)
الشبهة الخامسة :أن نظام الطلق في الشريعة السإلمية يهدد أمن السإرة ويشتت
شملها ً،ويمزق المجتمع ويؤدي إلى مشكلة التشرد والنحطاط والجريمة إوالحاق الظلم بالمرأةً،
والهدف من ذلك التشكيك في مصداقية التشريع السإلمي وصلحيته في معالجة القضايا
الجتماعية).(5
الشبهة السادسة :أن الفقه السإلمي وخاصة نظام العقوبات ل يصلح لن يكون
تشريع ا دائاماا ً،وذلك لجمود أحكامه التي ل تتناسإب وطبيعة العصر ً،ول ينسإجم مع معطيات
الحضارة والمدنية ً،لما فيه من قسإوة غير مألوفة في قطع يد السإارق ورجم الزاني المحصن
168
أ .رائد طللا شعت
وجلد البكر وشارب الخمر ونحو ذلك من العقوبات ً،والهدف من ذلك تعطيل العمل بأحكام
الشريعة السإلمية).(1
الشبهة السابعة :أن السإلم وما فيه من إيمان بالغيب والقدر يدعوا إلى التكاليةً،
أي التثاقل والتواكل والكسإل والتعلق بأهداب الغيب والعيش في سإبحات الخيال بعيدا عن
الواقع والحياة ً،والهدف من ذلك اعتبار السإلم عبارة عن دين خرافي خيالي ل يتعاطى مع
الحقائاق العلمية والمعرفية من منطلق علمي منطقي).(2
الشبهة الثامنة :أن السإلم في دعوته للخير والتحلي بالفضائال يعتمد على
الترغيب بالثواب المؤجل في اليوم الخر ً،وهذا يعتبر من قبيل المثالية في فعل الخير.
والهدف من هذه الشبهة بيان أن السإلم دعوة روحية بعيدة عن تلبية متطلبات الحياة المادية
ول يتعاطى مع الواقعية الوجودية).(3
الشبهة التاسعة :أن المرأة في السإلم ل قيمة ول مكانة لها ً،فقد ظلمت في ظل
السإلم وانتتققص من قدرها ً،وذلك من خلل اعتبار شهادتها نصف شهادة الرجل ً،ونصيبها
من الميراث نصف نصيبه ً،وديتها نصف ديته ونحو ذلك).(4
إذا هذه بعض الشبهات التي حاول الغرب عن طريق الغزو الفكري والثقافي لبلد
المسإلمين أن يثيروها عقلهم يجدون آذان ا صاغية تسإتجيب لها وتتأثر بها ً،والناظر والمتأمل
لها بعقل وموضوعية يدرك زيفها وفسإادها ً،دون الخوض في غمارها والرد عليها ففي
المصادر المشار إليها ما يسإمن ويغني من جوع ويشفي صدور قوم مؤمنين.
()1انظر :على طريق العودة إلى السإلم محمد سإعيد رمضان البوطي ص ً،123مؤسإسإة الرسإالة بيروت ً،ط
الثانية .1982-1402وشريعة السإلم خلودها وصلحها للتطبيق في كل زمان يوسإف القرضاوي ص ً،6
المكتب السإلمي بيروت ً،ط الولى .1973-1393
()2انظر :اليمان والحياة يوسإف القرضاوي ص ً،295مكتبة وهبة بالقاهرة ً،ط الولى.
()3انظر :أجنحة المكر الثلثة ص .498
()4انظر :الثقافة السإلمية ثقافة المسإلم وتحديات العصر ص .344
169
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
المبحث الثالث
عوامل نهضة الثقافة السلمية في مواجهة الغزو الثقافي
يمكن لنا معشر المسإلمين أن نواجه الحرب الباردة التي يشنها الغرب على بلد
المسإلمين منذ قرون عديدة عن طريق الغزو الثقافي ً،وذلك إذا ما تم تشخيص الداء ومعرفة
الدواء ً،والعمل الدؤوب من قبل علماء المة ومفكريها ً،وفيما يلي أهم العوامل المقترحة
للنهضة بالثقافة السإلمية في مواجهة التحديات الثقافية التي غزت العالم العربي
والسإلمي:
170
أ .رائد طللا شعت
للمسإلمين خاصة وللعالم كافة ما أبدعه المسإلمون الوائال في شتى ميادين الحياة .وفيما يلي
أذكر طرفا من هذا التراث العلمي والحضاري:
أوال :العلوم الشرعية الدينية:
لقد أبدع علماء السإلم في جميع علوم الشريعة السإلمية ً،ففي مجال التفسإير
وعلوم القرآن صنف المام الطبري كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن ً،والقرطبي كتابه
الجامع لحكام القرآن ً،وابن العربي كتابه أحكام القرآن .وفي مجال الحديث الشريف وعلومه
صنف المام البخاري ومسإلم صحيحيهما ً،والمزي كتابه تهذيب الكمال ً،وابن حجر
العسإقلني كتابه فتح الباري .وفي مجال العقيدة صنف المام ابن تيمية كتابه منهاج السإنة
النبوية ً،والشهرسإتاني كتابه الملل والنحل ً،والبغدادي كتابه أصول الدين .وفي مجال الفقه
وعلومه صنف المام ابن رشد كتابه بداية المجتهد ً،وابن قدامة المقدسإي كتابه المغني ً،وابن
حزم كتابه المحلى .وغير ذلك من المصنفات والمؤلفات التي تع د بالمئاات واللف ً،مما هو
موجود في المكتبات السإلمية في العالم السإلمي بالضافة إلى المخطوطات والمفقودات.
ثانياا :علم الطب والصيدلة:
فقد اهتم المسإلمون الوائال بعلم الطب اهتماما بالغاا ً،كان لهم فيه منجزات علمية
عظيمة ً،وقد نبغ في الطب كثيرون أشهرهم أبو بكر الرازي الذي ألف كتابا في الطب سإماه
)الحاوي( جمع فيه صناعة الطب ً،وأبو القاسإم الزهراوي الذي كان له سإبق الجراحة في
الطب إواليه تعود صناعة آلت الجراحة واسإتخدامها ً،وابن النفيس الذي اكتشف الدورة
الدموية).(1
كما واهتم المسإلمون بالصيدلة فهم أول من وضع أسإسإها وأنشأ مدارسإها ً،وأبدعوا
في مزج المواد الكيماوية في شكل أقراص ومحاليل ً،واكتشفوا العقاقير الطبيعية ً،وكان من
أشهرهم ابن البيطار الندلسإي الذي قدم بحوثا في صفات المواد والنباتات والعشاب).(2
ثالثاا :علم الكيمياء:
()1انظر :أثر العلماء المسإلمين في الحضارة الوروبية أحمد علي المل ص ً،138دار الفكر بيروت.
()2تاريخ الحضارة السإلمية خلقي خنفر ص ً،461-460ط الولى .1991-1412وتاريخ العلوم عند
العرب عمر فروخ ص ً،294دار القلم للمليين بيروت ً،ط الثالثة 1980م.
171
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
إن العلماء المسإلمين هم الذين وضعوا أسإس الكيمياء التي أسإهمت في صناعات
شتى كالورق والصابون والصبغة والدوية ً،كما اكتشفوا الكثير من الحماض والكاسإيد
كالكبريتيك وأكسإيد الزئابق ً،واشتهر منهم في هذا المجال جابر بن حيان الذي كان له أكثر
من مائاة مؤلف في الكيمياء إواليه نسإبت).(1
رابعاا :علم الفيزياء:
لقد أبدع المسإلمون في الفيزياء في علم السإوائال والبصريات والميكانيكا ً،ومن
أشهرهم في هذا المجال ابن الهيثم الذي كانت بحوثه سإبب ا في تقدم علم الضوء والبصرياتً،
كما وكانت أسإاسإا لكل الدراسإات والبحاث التي كتبها الوروبيون وعلى رأسإهم ديكارت
ونيوتن).(2
خامساا :علم الفلك:
لقد اتجه المسإلمون إلى دراسإة علم الفلك بنااء على توجيه القرآن الكريم أنظارهم إلى
سوماء وذاقت املهبهروقج) البروج .(1
السإماء وما فيها من أفلك ونجوم وبروج ً،قال تعالى :ووال ن
وقال تعالى :فوول أهمققسهم قبوموواققع القنهجوقم) الواقعة .(75ثم إن حاجتهم الماسإة إليه في
السإاطيل البحرية والرحلت ً،ومعرفة أوقات الصلة وصلتي الكسإوف والخسإوف والهلة
وغيرها ً،هو الذي حملهم على خوض هذه الدراسإة ً،واشتهر منهم في هذا المجال أبو الحسإن
الصوفي والبتاني).(3
سادساا :علم الرياضيات:
س لقد حث القرآن الكريم على هذا العلم وذلك في قوله تعالى :ههوو النقذيِ وجوعول ال ن
شمم و
ب…) يونس ً،(5والمراد من ق ضياء واملقومر هنو ار وقوندرهه موناقزول لقتوعلوموام عودود ال ب ق
ق
سا و
سنيون وواملح و م ه و و و وو ا و و و
الحسإاب العد والحصاء .ويعتبر الخوارزمي أول من وضع علم الجبر في كتابه )الجبر
()1انظر :السإلم والحضارة منظمة الندوة العالمية للشباب المسإلم ً،2/789ط الولى 1981م.
()2انظر :العلوم عند العرب قدري طوفان ص ً،158مكتبة مصر بالقاهرة ً،ط الولى 1977م .وتاريخ
الحضارة السإلمية ص .469
()3انظر :أثر علماء العرب والمسإلمين في تطوير الفلك علي عبد ال الدفاع ص ً،52مؤسإسإة الرسإالة
بيروت ً،ط الولى .1981
172
أ .رائد طللا شعت
والمقابلة( ً،والبتاني أول من اشتغل بعلم المثلثات ً،والكرخي أول من اشتغل بالحسإاب فألف
كتابه )الكافي في الحسإاب( ً،والبيروني أول من اشتغل بعلم الهندسإة).(1
سابعاا :علم النباتات والزراعة:
اهتم المسإلمون بعلم النبات والزراعة دراسإةا وتحليلا إوانتاج ا حتى اسإتفاد الوروبيون
من أبحاثهم ودراسإاتهم في هذا المجال ً،خاصة من كتاب الفلحة الندلسإية لبن العوام
الشبيلي الذي يعد موسإوعةا زراعيةا تحدث عن فن الزراعة والحرث والغرس والسإقي وتركيب
السإماد مما يلئام الرض).(2
ثامناا :علم الجغرافيا:
لقد برع المسإلمون في علم الجغرافيا واهتموا به ً،والذي حملهم على ذلك الفتح
السإلمي وانتشار السإلم في كثير من البلدان ً،ورحلتهم إلى الديار المقدسإة إوادارة البلد
وتنظيمها ً،لهذا قاسإوا المسإافات بين البلدان ووصفوا مناخها وطبيعتها وبحارها وأنهارها
ومنابعها وسإهولها وجبالها ً،وتكلموا في طبقات الرض وعلم المياه والبحار وعجائاب
مخلوقات ال فيها ً،كما وتحدثوا عن دوران الرض وكرويتها ً،واهتمامهم هذا كان سإببا في
نشأة علم الملحة ً،وكان من أشهر علماء هذا الفن الدريسإي صاحب كتاب )نزهة المشتاق
في اختراق الفاق().(3
ما تذكر آنفا عن الحضارة السإلمية قليل من كثير آثرنا أن نذكر نماذج مما قدمه
أسإلفنا الكرام في شتى العلوم والمعارف ً،خاصة في القرون الهجرية الولى ً،فقد حملوا
المشعل الحضاري في هذه المرحلة من مراحل التاريخ النسإاني ً،فأضاء المسإلمون يومها
ظلمات عصوره الوسإطى ً،وهذه الحقيقة اعترف بها الغربيون أنفسإهم وأقر مؤرخوهم أن
النهضة الحديثة في أوروبا تدين بوجودها لما تلقت من الشرق العربي السإلمي الذي كان
يقود البشرية يومها ً،والذي اكتسإب هذه الحضارة من تعاليم السإلم ومصادره ً،لهذا ينبغي
على المسإلمين بما أوتوا من طاقات وقدرات أن يعيدوا للحضارة السإلمية مجدها التليد.
173
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
174
أ .رائد طللا شعت
النظم الغير إسإلمية ً،والتي هي نتاج الغزو الثقافي الذي يريد أن يسإيطر على دول العالم
الثالث بشكل خاص وعلى العالم كله ً،فالنظم السإلمية صالحة لكل زمان ومكان لن
مصدرها هو الوحي المتمثل بكتاب ال عز وجل وبسإنة رسإوله .
ل ً،قال تعالى: ومما يظهر عظمة السإلم أيض ا أنه كرم النسإان وأعطاه حقه كام ا
ضملوناههمم وعولىَ وكقثيةر
وولوقومد وكنرممونا وبقني آودوم وووحومملوناههمم قفي املوببر وواملوبمحقر وووروزمقوناههم بمون الطنبيوباقت ووفو ن
ضيلا) السإراء .(70كرمه بأن خلقه ال بيده ونفخ فيه من روحه وأوقع له بمنممن وخلومقونا تومف ق
الملئاكة سإاجدين وعلمه أسإماء الشياء ً،وكرمه بأن جعله سإيدا على المخلوقات كلها
وسإخرها له ً،وكرمه بأن خلقه في أحسإن تقويم فجعل له السإمع والبصر والفؤاد ليدرك ما حوله
من الشياء ً،وكرمه بأن منع العتداء عليه بأي صورة ً،وصان كرامته من الذى بأي وسإيلةً،
وتكفل بحفظ دمه واعتبر العتداء علي دمه بغير حق اعتداء على البشرية كلها ً،بل وحرم
العتداء على جزء منه من كسإر سإن أو فقء عين أو هشم أنف وجعل جزاء من يفعل ذلك
المثل بالمثل ً،وبإيجاز كرم النسإان بأن حافظ على دينه وحياته وعقله وعرضه وماله.
هذا هو السإلم العظيم الذي جاء لسإعادة البشرية كلها في الدنيا والخرة ً،فقد أعز
ال تعالى المسإلمين الوائال لما علموا قيمة السإلم وعظمته ً،فأذل لهم الكاسإرة وأهان
القياصرة ً،ودانت لهم البلد وخضعت لهم رقاب العباد ً،بعد أن كانوا أذلء في الجاهلية قبل
السإلم ً،لهذا حري بالمسإلمين اليوم أن يتعرفوا على السإلم جيداا ً،لن من عرف حقيقة
السإلم وجوهره وطبيعته ل يمكن بحال من الحوال أن يتأثر من الغزو الثقافي .وكذلك
حري بالمسإلمين أن يعملوا جاهدين على غزو العالم الغربي بثقافة هذا السإلم ً،وذلك من
خلل نشره وتبليغه للناس كافة وتعريفهم بحقيقته وعظمته ً،فهي إذا وسإيلة هجوم ثقافي للدفاع
عن ثقافة المجتمع المسإلم من العدوان الثقافي الغربي.
175
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
وفي تصوري أن هذا المر من أقوى الوسإائال التي من خللها نسإتطيع مواجهة
الغزو الثقافي والتحديات المعاصرة التي تواجه العالم السإلمي ً،وذلك لن أفضل وسإيلة
للدفاع عن النفس هي وسإيلة الهجوم على الخصم .وهذا هو منهج القرآن الكريم ً،فقد كشف
لنا عن زيف وضلل المعتقدات والثقافات اليهودية والنصرانية والوثنية وغيرها ً،فما ترك
القرآن الكريم صورة من صور الضلل والنحلل إل وعلق عليها وحذر منها وبين فسإادها
وبطلنها.
ففي بيان فسإاد اعتقاد النصارى في ال ً،قال تعالى :لنقومد وكفوور النقذيون وقالهوام إقنن ال لوه
سنن النقذيون وكفوهروام قممنههمم ث ثولو ثوةة وووما قممن إقلوةه إقلن إقلويه وواقحيد و إوقان لنمم وينتوههوام وعنما ويهقوهلوون لوويوم ن وثاقل ه
ب أوقلييم) المائادة .(73وعن غلوهم في عيسإى عليه السإلم ً،قال تعالى :ويا أومهول املقكوتاقب وعوذا ي
سوهل ال لقه سىَ امبهن وممرويوم ور ه
ق ق
ق إقنوما املومسيهح عي و لو تومغلهوام قفي قديقنهكمم وولو توهقولهوام وعولىَ ال لقه إقلن املوح ب
وووكقلومتههه أوملوقاوها إقولىَ وممرويوم ووهرويح بممنهه…) النسإاء .(171وعن تحريف اليهود لكلم ال
ضقعقه ووويهقوهلوون وعصيانهم لوامره ً،قال تعالى :بمون النقذيون وهاهدوام يحبرهفوون املوكلقم عن نموا ق
و و و هو
طمعانا قفي البديقن…) النسإاء .(46 سومةع وووارقعونا لوييا قبأوملقسونقتقهمم وو وسوممع وغميور هم م صميونا ووا م
ق
سممعونا وووع و و
وعن نسإبتهم صفة البخل ل ً،قال تعالى :وووقالوقت املويههوهد ويهد ال لقه وممغهلولوية هغلنمت أوميقديقهمم وولهقعهنوام
شاء…) المائادة .(64وعن حسإد أهل الكتاب ف وي وق وكمي وطوتاقن هينقف هسو وقبوما وقالهوام وبمل ويوداهه وممب ه
من اليهود والنصارى وحقدهم بالمسإلمين ً،قال تعالى :ووند وكقثيير بممن أومهقل املقكوتاقب لومو ويهرقدوونهكم
صفوهحوام ق وفامعفهوام ووا م سادا بممن قعنقد وأنفهقسقهم بمن وبمعقد وما تووبنيون لوهههم املوح ق ق ن ق
بمن وبمعد قإيومانهكمم هكفارا وح و
شميةء قوقديير) البقرة .(109وعن بيان حال تبرج وحنتىَ ويأمقتوي اللهه قبأوممقرقه إقنن اللوه وعولىَ هكبل و
النسإاء في الجاهلية قبل السإلم ً،قال تعالى :ووقومرون قفي هبهيوقتهكنن ووول تووبنرمجون تووبقروج املوجاقهلقنيقة
لوولىَ…) الحزاب .(33:وعن حمية الجاهلية وذمها ً،قال تعالى :إقمذ وجوعول النقذيون وكفوهروا ام ه
سوقلقه وووعولىَ املهممؤقمقنيون ووأوملوزومههمم قفي هقهلوقبقهم املحقمنيوة حقمنيوة املجاقهقلنيقة فووأنوزول اللنهه ق
سكيونتوهه وعولىَ ور ه و و و ه و
شميةء وعقلياما) الفتح .(26 :كما وفضح ق قبوها ووأومهلووها وووكاون اللنهه قبهكبل و وكلقوموة التنمقووىَ وووكاهنوا أووح ن
القرآن الكريم ثقافة المنافقين وطبيعتهم وما تكدنه صدورهم من عداء ومكر بالسإلم وأهله في
176
أ .رائد طللا شعت
آيات عديدة ً،بل تسإميت سإورة كاملة باسإمهم وهي سإورة المنافقون ً،كما وتسإميت سإورة التوبة أو
براءة بالفاضحة والبحوث لنها فضحت المنافقين وبحثت عن أسإرارهم).(1
هذه بعض النماذج والمثلة من منهج القرآن الكريم في تعرية المعتقدات والثقافات
الفاسإدة ً،فينبغي علينا السإتفادة من هذا المنهج والسإير عليه في مواجهة الغزو الثقافيً،
خاصة وأن الثقافة الغربية في هذا العصر اجتاحت العالم السإلمي بأفكارها وقوانينها
ونظمها وأسإاليبها المتعددة .فصار لزاما علينا دراسإة الثقافة الغربية دراسإة واعية فاحصة
لحقيقتها وجوهرها ومصادرها وخصائاصها وأهدافها وأسإاليبها وصورها ً،ودراسإة أثرها في واقع
الحياة الدينية والثقافية والقتصادية والجتماعية والسإياسإية.
إن الناظر والمتأمل في واقع الشعوب الغربية التي ل تنتمي إلى السإلم ً،يدرك
عريها من القيم والخلق الفاضلة التي جاءت بها ثقافة السإلم ً،فالسإرة عندهم ل نظام لها
والقبلية ل قانون لها والمة ل دسإتور لها ً،إنما هو الطغيان يتحكم في الفرد ويسإيطر على
الجماعة ً،فالعالم في قلق شامل واضطراب شديد يتخبط في ضللة عمياء وفي جهالة
جهلء ً،حتى أكل القوي الضعيف وقهر الغني الفقير ً،واندلعت نيران الحروب بين المم
والشعوب ً،فرويت الرض بالدماء واسإتغاثت الرض بالسإماء ً،وضربت الفوضى أطنابها في
كل مكان ً،وتولى الشيطان قيادة النسإان فزين له البهتان ً،وأقيمت الوحشية مقام النسإانيةً،
وحقلت الرذيلة مكان الفضيلة ً،وظهر شباب مائاع تسإيطر عليه الغريزة البهيمية يتلمس النسإاء
الكاسإيات العاريات ً،فانتشر التبرج والسإفور وشاعت المخدرات والخمور ً،كل ذلك باسإم
الحضارة والمدنية وباسإم ثقافة الحرية والتحرر.
لقد بلغ النسإان في هذا العصر أوجا من العظمة لم يبلغه في تاريخه كله ً،وبلغ من
القوة والسإيطرة والجبروت مدى لم يحلم به سإكان الكوكب الرضي قبل مئاات السإنين بل
وعشراتها ً،ومع هذا فإن النسإان الغربي في جاهلية عمياء وبكماء وصماء.
وقد يظن كثير من الناس أن الجاهلية فترة معينة من الزمن كانت في الجزيرة
العربية قبل السإلم بسإبب عبادة الصنام ً،ولكن الجاهلية كما وصفها النسإان حالة نفسإية
سهن قمون اللقه قق ق
ترفض الهتداء بهدي السإلم ً،قال تعالى :أوفوهحمكوم املوجاهلنية ويمبهغوون وووممن أومح و
()1انظر :الجامع لحكام القرآن أبو عبد ال محمد بن أحمد القرطبي .8/61
177
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
هحمكاما لبقوموةم هيوقهنوون) المائادة .(50ولم يقل القرآن أن العرب كانوا في جاهلية لنهم ل
يعرفون الفلك والطبيعة والكيمياء والطب ً،أو لنهم ل يعرفون النظم السإياسإية والقتصادية
والجتماعية ً،أو لنهم قاصرون في ميدان البداع والنتاج ً،إوانما اعتبرهم في جاهلية لنهم
ص القرآن الكريم علينا حضارات كثيرة
يحكمون أهواءهم ويرفضون حكم ال تعالى .ولهذا ق ق
في أمم مضت وكانت أكثر تحض ار من العرب حين جاءهم السإلم ً،ومع ذلك اعتبرها القرآن
جاهلية لنها ل تهتدي بهدي ال تعالى ً،قال تعالى:
شند قممنههممف وكاون وعاققوبهة النقذيون قمن قومبلققهمم وكاهنوا أو و أووولومم ويقسيهروا قفي املومر ق
ض فووينظههروا وكمي و
سلهههم قباملوببيوناقت فووما وكاون اللنهه ق
ض وووعومهرووها أومكثوور منما وعومهرووها وووجاءتمههمم هر ه قهنوةا ووأووثاهروا املومر و
سههمم ويمظلقهموون) الروم .(9إذا فالذين يتبعون أهواءهم ول يتبعون ما ق ق ق
لويمظلومههمم وولوكن وكاهنوا وأنفه و
أنزل ال هم في جاهلية أقي ا كان مبلغهم من العلم البشري.
فإن كانت الجاهلية العربية القديمة تعبد أوثانا محسإوسإة فإن الجاهلية الحديثة التي
أنتجتها الثقافة الغربية شأنها أوعر وأخبث وأخطر ً،فهي جاهلية العلم والبحث والدراسإة
والنظريات والقوانين والنظمة ً،وجاهلية المكر والكيد المخطط لتدمير البشرية على أسإس
علمية ً،إنها جاهلية ل مثيل لها في التاريخ.
178
أ .رائد طللا شعت
لهذا أكد القرآن على أهمية العلم والمعرفة ً،فلو تأملنا كلمة العلم ومشتقاتها في
القرآن الكريم نجد أنها بلغت سإبعمائاة وثمانين مرة ً،فقد أشار القرآن الكريم إلى جوانب علمية
ومعرفية متعددة ليأخذ بيد النسإان نحو عمارة الرض بكل ما أوتي من وسإائال العلم المتوفرة.
كما أن النبي أكد على أهمية العلم وشرف العلماء في أحاديث كثيرة.
لهذا أصبح لزام ا على المسإلمين أن يواكبوا التقدم العلمي والحضاري وأن يسإتخدموا
كل وسإائال التقنية الحديثة للتقدم السإريع خدمة للسإلم وثقافته ً،ونضرب لذلك مثالا واحدا
من وسإائال التقنية التي تفيد في خدمة الثقافة السإلمية.
وهو شبكة المعلومات الدولية )النترنت( وما يلحق بها ً،فمن فوائادها:
أوال :الحصول على برامج عديدة في العلوم والمعارف المتنوعة سإواء في الفقه
والحديث والتفسإير واللغة وغيرها ً،إضافة إلى تحميل المصنفات العديدة بلغات مختلفة على
أجهزة الحاسإوب ً،خاصة أن إثبات العقائاد يتطلب اسإتحضار عدد كبير من الدلة والبراهينً،
لهذا يمكن للحاسإوب أن يحفظ كقم ا كبي ار من الدلة والبراهين والمناقشات والحوارات ً،مع
تصنيف ذلك على الموضوعات.
ثانياا :أن الحاسإوب وشبكة النترنت يصل إلى كثير من الناس الذين لم تبلغهم
دعوة السإلم ً،لوجودهم في بلد منغلقة جغرافي ا أو إعلمي ا أو ثقافياا ً،أو لتقصير الدعاة
والعلماء ً،خاصة إذا ما تأتقنت هذه البرامج وخضعت لرقابة علمية دينية ً،كي تنقل المفاهيم
الصحيحة عن السإلم وثقافته ً،وبذلك تتخطى شبكة النترنت الحواجز الزمانية والمكانية).(1
ثالثاا :أن المادة العلمية التي تخدم الثقافة السإلمية يمكن التوصل لها متى شاء
الباحث دون كلفة أو عناء ً،فالنترنت ل يكلف عشر معشار ما تكلفه الوسإائال التقليدية
الدعوية البدائاية ً،وهذه ميزة هامة يختص بها ً،خاصة مع إقبال الناس الشديد على اسإتخدام
النترنت ً،فقد أصبح النترنت اليوم من أهم المراجع والمصادر التي يرجع إليها الباحث.
()1انظر :تقنيات التصال بين زمنين إياد شاكر البكري ص ً،126دار الشروق بالردن ً،ط الولى
2003م.
179
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
رابعاا :سإهولة اسإتخدام النترنت فهو ل يحتاج إلى خبرة معلوماتية كبيرة ً،بل يحتاج
إلى مبادئ أولية تسإاعده في التعرف على البرامج ً،ثم بعد ذلك بالممارسإة والمتابعة والتطوير
يصبح التعامل مع هذه التقنية أمر ممتع.
خامساا :تمكين علماء السإلم ودعاته من فتح ثغرات في جدار العدو ً،من خلل
إسإلم أهله أو تحييدهم عن إعاقة الدعوة السإلمية ومحاربتها ً،وبالتالي يقف العدو حائا ار
بين المسإلمين سإواء كانوا داخل أرضه أو خارجها وبين إقناع أهله بعدم عداوة السإلم
والمسإلمين).(1
هذه بعض الفوائاد لوسإيلة واحدة من وسإائال التقنية الحديثة التي يمكن تسإخيرها
لخدمة السإلم وثقافته ً،خاصة وأن المة السإلمية تملك طاقات هائالة وبيدها مقومات
عديدة ً،لكن ينبغي التنبيه على أن النترنت ذو حدين ً،إن وظف في نشر العلم والخير
وتثبيت العقيدة السإلمية وتدعيم القيم والخلق فعندها يكون وسإيلة للبناء ً،إواذا وظف لجل
ترسإيخ الفسإاد والنحراف ونشر الميوعة والنحلل يكون حينها وسإيلة هدم ودمار.
المطلب الخامس :إيجاد إعلم إسلمي هادف:
العلم السإلمي هو عملية التصال التي تشمل جميع أنشطة العلم في
المجتمع المسإلم ً،وتؤدي جميع وظائافه المثلى الخبارية والرشادية والترويحية على المسإتوى
الوطني والدولي والعالمي ً،وتلتزم بالسإلم في كل أهدافها ووسإائالها وفيما يصدر عنها من
وسإائال ومواد إعلمية وثقافية وترويحية ً،وتعتمد على العلميين الملتزمين بالسإلم قولا
ل ً،وتسإتخدم جميع الوسإائال وأجهزة العلم المتخصصة والعامة).(2
وعم ا
ولو نظرنا إلى القرآن الكريم لوجدناه كتابا سإماويا إعلمياا ً،تفرد بطريقته في عرض
الوقائاع وتقرير الحداث ً،فله أسإلوب خاص في التربية والتعليم والتوجيه والرشاد ً،فقد تميز
العلم القرآني بالبيان المعجز والتنوع في الداء والواقعية في الحوار والتزام الصدق
()1انظر :تجديد الخطاب الديني في ضوء الواقع المعاصر محمد منير حجاب ص ً،322-321دار الفجر
بالقاهرة ً،ط الولى 2004م.
()2انظر :أصول العلم السإلمي إبراهيم إمام ص ً،34-31دار الفكر العربي بالقاهرة.
180
أ .رائد طللا شعت
والمواجهة الصريحة والهتمام بالسإلوك والشمول لمختلف القضايا وتقديم الحقائاق العلمية
المسإقلم بها.
ثم إن الحديث الشريف ل يقدل أهميةا عن القرآن الكريم فيما يتعلق بالعلم
السإلمي ً،فالرسإول يعتبر صاحب الرسإالة العلمية العالمية الولى ً،وهو النموذج
المثالي المبلغ لها ً،وقد اسإتخدم وسإائال متعددة في العلم أهمها:
أوال :المسإجد ً،وهو يعتبر من أهم وسإائال العلم الجمعي ً،فلو قام المسإجد برسإالته
لكان أعظم أجهزة العلم السإلمي ً،وأكبر دليل على أنه أعظم مؤسإسإة إعلمية إسإلمية
عرفها المسإلمون ً،حرص الرسإول على إقامة المسإجد الول في السإلم في أول يوم وطئات
ب المدينة المنورة.
فيه قدتمه ت ار ة
ثانياا :الخطبة ً،سإواء كانت خطبة الجمعة أو العيدين أو الكسإوفين أو السإتسإقاءً،
وهي نوع من التصال الجمعي ً،اعتمد عليها اعتمادا كبي ار في نشر تعاليم السإلم ً،وفي
الحث على عمل الخير والتحذير من عمل الشر ً،لهذا فإن دراسإة خطب النبي من الناحية
العلمية من العناصر الهامة في نظرية العلم السإلمي.
ثالثاا :فريضة الحج ً،وهي من الوسإائال العلمية الخاصة بالسإلم ً،والتي ل
تناظرها وسإيلة أخرى ً،فالحج هو المؤتمر السإلمي العالمي الكبر ً،يلتقي فيه المسإلمون من
مشارق الرض ومغاربها مع اختلف ألوانهم ولغاتهم وأقطارهم.
لقد أصبح العلم السإلمي في هذا العصر فريضة شرعية وضرورة واقعية ً،وذلك
لن أعداء السإلم يغزون بلد المسإلمين فكريا وثقافي ا وديني ا عن طريق العلم ً،ويسإخخرون
كافة طاقاتهم وقدراتهم المادية وغيرها خدمة له لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم .لهذا أصبح لزاما
على المسإلمين أن يعملوا جاهدين بكل ما أوتوا من طاقات وقدرات على إيجاد إعلم إسإلمي
هادف يهتم بعدة أمور أهمها:
أوال :بيان عقيدة التوحيد والعبودية الحقة الخالصة ل تعالى ً،وتعاليم السإلم وآدابه
وأخلقه الكريمة الفاضلة ً،وتعريف الناس بها وحثهم على فعلها .ونشر الثقافة السإلمية
المؤقسإسإة على القيم الدينية والنظم السإلمية والمعارف العلمية ً،التي تلبي حاجات الناس
181
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
()1التخطيط العلمي في ضوء السإلم محمود كرم سإليمان ص ً،62دار الوفاء بالقاهرة ً،ط الولى
.1988-1409
182
أ .رائد طللا شعت
183
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
()1انظر :العولمة والثقافة السإلمية محمد الجوهري ً،128دار المين بالقاهرة ً،ط الولى .2005-1425
()2التربية السإلمية الحرة في الحكومات والبلد السإلمية أبو الحسإن عي الحسإن الندوي ص ً،10ط
الولى 1976م.
()3انظر :نظم التعليم بين واقعها ومحاولة تطويرها محمد منير موسإى ص ً،141مركز البحوث التربوية
جامعة قطر ً،ط الولى 1984م.
184
أ .رائد طللا شعت
()1محاضرات إسإلمية هامة عمر سإليمان الشقر ص ً،158دار النفائاس بالردن ً،ط الولى -1418
.1998
()2انظر :مناهج التربية السإلمية ماجد عرسإان الكيلني ص ً،16مؤسإسإة الريان بيروت ً،ط الولى
.1998-1419
185
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
خامساا :ينبغي إعادة النظر في المواد العلمية والتربوية المقدمة للتلميذ ً،وتطويرها
بعيدا عن الضغوط الخارجية المطالبة بتطبيع المناهج بما يتناسإب مع الثقافة الغربية ً،وتمييع
القيم والخلق السإلمية.
186
أ .رائد طللا شعت
الخاتمة
وتشتمل على أهم النتائاج والتوصيات:
أوال :أهم النتائج:
-1أن علم الثقافة السإلمية يبحث في الحداث والمسإتجدات والدراسإات والتحديات
المعاصرة ً،ويؤصلها تأصيلا شرعياا.
-2أن دراسإة الثقافة السإلمية فريضة شرعية وحاجة ضرورية خاصة في عصر
التحديات الذي نعيشه اليوم.
-3أن الثقافة السإلمية قادرة على تحقيق المصالح والمنافع ودفع المضار والمفاسإدً،
وذلك لنها ربانية المصدر وتتصف بالشمولية والعالمية والوسإطية والواقعية.
-4أن الثقافة السإلمية مرهونة بحال المة السإلمية ً،فإذا كانت المة متمسإكة بدينها
كانت ثقافتها في أعلى درجاتها إوال كانت في أدنى درجات النحطاط.
-5أن السإلم يتعرض للغزو الثقافي منذ فجر السإلم ً،لكنه ازداد في هذا العصر.
-6أن الغاية التي يسإعى إليها الغزو الثقافي هي القضاء على السإلم والطعن فيه
والسإيطرة على مقدرات المة والنيل من ثقافتها.
-7أنه من الممكن مواجهة الغزو الثقافي عن طريق العلم السإلمي الهادف
والوسإائال التقنية الحديثة وتوعية الجماهير المسإلمة وتعرية الثقافة والحضارة الغربية.
187
الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي
المؤتمرات والندوات الدراسإية بين العاملين في مجالها لتنمية قدراتهم وتبادل الخبرات
بينهم.
-4إنشاء شركات مسإاهمة للعلم وللطباعة والنشر والتوزيع لنتاج البرامج التليفزيونية
والذاعية والمراجع والكتب والمجلت والدوريات المتخصصة في الثقافة السإلميةً،
وتأمين التجهيزات اللزمة والكافية لتغطية حاجة العالم باللغة المختلفة ً،وتتولى هذه
الشركات أيضا مهمة إحياء التراث السإلمي المدقون والمحققق علمياا.
ذذذذ
188
أ .رائد طللا شعت
ملخص بحث
"الثقافة السلمية في مواجهة الغزو الثقافي"
يتحدث هذا البحث عن الثقافة السإلمية من حيث تعريفها وحقيقة جوهرها ً،وبيان
أهميتها ومكانتها في السإلم ً،وأهم خصائاصها التي تمتاز بها عن غيرها ً،ثم بيان مصادرها
التي تعتمد عليها في إبراز مظاهرها ومعالمها ً،وذكر أهم المراحل التي مرت بها الثقافة
السإلمية عبر التاريخ السإلمي.
كما وتحدث هذا البحث عن الغزو الثقافي والفكري لبلد المسإلمين ً،وذلك بتعريفه
وذكر تاريخ نشأته والمراحل التي تدرج بها ً،وبيان أهم أهدافه التي يسإعى إلى تحقيقها في
العالم كله بشكل عام وفي بلد المسإلمين بشكل خاص ً،ثم بيان مؤسإسإاته التي يعتمد عليها
في تحقيق أهدافه ومخططاته ً،وذكر الوسإائال والسإاليب التي يسإتخدمها في ذلك ً،وبيان
خطرها وتحذير المسإلمين منها.
وتحدث عن عوامل النهضة للثقافة السإلمية حتى تكون قادرة على مواجهة
التحديات المعاصرة ً،وهي بمثابة حلول مقترحة تتمثل في إبراز معالم ومظاهر الحضارة
السإلمية التي خلفها سإلف المة من العلماء والمفكرين والمبدعين ً،وفي تعريف المسإلمين
وغيرهم حقيقة هذا السإلم وعظمته ً،حتى ل ينخدع أحد من المسإلمين وغيرهم بشعارات
الغزو الثقافي البراقة ً،وفي اسإتخدام كل وسإائال التقنية الحديثة ً،وفي إيجاد إعلم إسإلمي
هادف وبناء يذود عن حياض الثقافة السإلمية ويدافع عنها ويبرز معالمها وخصائاصها.
وفي صياغة المناهج التعليمية والتربوية من جديد حتى تكون قادرة على تنشئاة جيل ل يتأثر
من التحديات الثقافية الغربية المعاصرة.
189