You are on page 1of 49

‫أ‪ .

‬رائد طللا شعت‬

‫حيِمس‬
‫ن الرر م‬
‫م م‬
‫ح م‬ ‫سم م الل ل م‬
‫ه الرر س‬ ‫بم س‬

‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو‬


‫الثقافي‬
‫بحث مقدم إلى مؤتمر‬
‫"السإلما والتحديات المعاصرة"‬

‫المنعقد بكلية أصول الدين في الجامعة السإلمية‬


‫في الفترة‪3/4/2007-2 :‬م‬

‫إعداد‪:‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬
‫ماجستير في الحديث الشريف وعلومه – كلية أصول الدين – الجامعة السلمية‬

‫أبريل‪2007 /‬‬

‫‪141‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫المقدمة‬
‫الحمد ل الذي سإخر لعلم الدين في سإماء التحقيق شموسإ ا وقمو ار وبدو ارا‪ ً،‬وجعل‬
‫علماء الشريعة الغراء أرفع الناس في الدارين كرامة وحبو ار وسإرو ارا‪ ً،‬واختارهم لحفظ معالم‬
‫السإلم وجعلهم نجوم ا يهتدى بها في ظلمات الجهل ب ار وبحو ارا‪ ً،‬وأشهد أن ل إله ال شهادة‬
‫شهدها أولو العلم مع شهادته وشهادة ملئاكته البرار‪ ً،‬وأشهد أن محمدا عبده ورسإوله بلغ‬
‫دعوته للعباد وانتشرت تعاليم رسإالته في كل المهاد‪ ً،‬أما بعد‪:‬‬
‫فمنذ أن أشرقت الرض بنور ربها على قدوتنا محمد ‪ ً،‬ومنذ أن رفع بلل ‪ ‬الذان‬
‫على ظهر الكعبة ولول مرة‪ ً،‬بل ومنذ اللحظة الولى التي أخذ فيها ‪ ‬ينادي زملوني زملوني‪ً،‬‬
‫منذ تلك اللحظة بدأت الحرب الفكرية والعسإكرية ضد السإلم‪ .‬فتاريخ السإلم حافل‬
‫بالمواجهات بينه وبين المتآمرين عليه‪ ً،‬لكن المسإلمين الوائال وبقيادة الرسإول العظم ‪‬‬
‫واجهوا كل التحديات بصبر وثبات وعقيدة راسإخة رسإوخ الجبال‪ ً،‬فقد خاض السإلم صراعا‬
‫مع الوثنية في الجزيرة العربية فانتصر وانهزمت الوثنية الجاهلية‪ ً،‬وخاض صراعا مع‬
‫اليهودية الماكرة في بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وخيبر فانتصر وسإقطت اليهودية‪ً،‬‬
‫وخاض صراع ا مع الصليبية في اليرموك وحطين فانتصر وهزمت الصليبية‪ ً،‬وخاض صراع ا‬
‫مع المجوسإية في القادسإية فانتصر وسإحقت الماجوسإية‪ .‬وعاش المسإلمون الوائال في ظل‬
‫شريعة السإلم المباركة عصو ار متتالية من المن واليمان والسإلمة والسإلم والحياة‬
‫الكريمة إلى ما قبل قرن من الزمان‪ ً،‬لكن أعداء السإلم أدركوا قوة المة السإلمية وعزتها‬
‫بعقيدتها ووحدتها‪ ً،‬فوضعوا لها مخطط ا يهدف إلى اغتيال العقيدة إواقصاء الشريعة عن واقع‬
‫الحياة‪ ً،‬ومنذ ذلك الوقت وهم يفكرون ويمكرون حتى زرعوا أفكارهم الخبيثة في الشعوب‬
‫العربية والسإلمية على نطاق واسإع‪ ً،‬حتى أصبحت المة ممزقة الهواء والجواء تفصل‬
‫بينها حدود جغرافية ونعرات قومية فذلت بعد عزة وضعفت بعد قوة وضلت بعد هدى‪ً،‬‬
‫وأصبحت في ذيل القافلة بعد أن كانت بالمس القريب تقود القافلة بجدارة واقتدار‪ .‬فاحتتلت‬
‫أرضها وديسإت كرامتها وتدنسإت مقدسإاتها وتدمر اقتصادها وتأفسإد التعليم فيها‪ ً،‬وحكم المةة‬
‫رجال رضعوا من الثقافة الغربية‪ ً،‬وأصبح حمى المسإلمين مسإتباحا لكل دخيل‪ ً،‬بل وأصبح‬
‫المسإلمون كاليتام على مأدبة اللئاام وكالغنم الشاردة في الليلة الشاتية‪ .‬وبذلك تأقصيت‬

‫‪142‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫الشريعة السإلمية عن واقع الحياة وتحاكمت المة إلى قوانين وضعية وضعها سإفهاء البشر‬
‫فخابت وخسإرت ونزلت من عليائاها إلى هذا الدرك السإفل من الذل والهوان الذي وصلت إليه‬
‫اليوم‪ ً،‬فما وصل أمر المة إلى هذا الحال وهذا المآل إل بسإبب الغزو الفكري والثقافي لبلد‬
‫المسإلمين‪.‬‬
‫فالحديث عن المؤامرات والمكائاد التي تعرض لها السإلم ول زال عن طريق الغزو‬
‫الثقافي حديث ذو شجون وآلم‪ ً،‬وهو حديث جد خطير خاصة في هذا العصر‪ ً،‬عصر‬
‫الحداثة والعولمة‪ ً،‬حيث سإخر الغزو الفكري كل الطاقات والقدرات والتقنيات لغزو بلد‬
‫المسإلمين ديني ا وثقافي ا وسإياسإي ا واقتصادي ا واجتماعيا‪ .‬لهذا آثرت الخوض والغوص في غمار‬
‫هذا الموضوع‪ ً،‬وقد سإميته "الثقافة السإلمية في مواجهة الغزو الثقافي"‪ .‬وجعلت هذا‬
‫الموضوع في ثلثة مباحث‪:‬‬
‫المبحث الول‪ :‬الثقافة السلمية‪:‬‬
‫وفيه خمسإة مطالب‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬تعريف الثقافة السإلمية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬أهمية الثقافة السإلمية‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬خصائاص الثقافة السإلمية‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬مصادر الثقافة السإلمية‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬المراحل التي مرت بها الثقافة السإلمية‪.‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬الغزو الثقافي‪:‬‬
‫وفيه خمسإة مطالب‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬تعريف الغزو الثقافي‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬نشأة الغزو الثقافي‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬أهداف الغزو الثقافي‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬مؤسإسإات الغزو الثقافي‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬وسإائال الغزو الثقافي وأسإاليبه‪.‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬عوامل نهضة الثقافة السلمية في مواجهة الغزو الثقافي‪:‬‬

‫‪143‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫وفيه سإتة مطالب‪:‬‬


‫المطلب الول‪ :‬إبراز معالم الحضارة والثقافة السإلمية‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف المسإلمين وغيرهم بعظمة السإلم‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬تعرية الثقافة الغربية وكشف زيفها‪.‬‬
‫المطلب الرابع‪ :‬اسإتخدام التقنية الحديثة لخدمة الثقافة السإلمية‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬إيجاد إعلم إسإلمي هادف‪.‬‬
‫المطلب السإادس‪ :‬إعادة صياغة المناهج التربوية والتعليمية‪.‬‬

‫‪144‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫المبحث الول‬
‫الثقافة السلمية‬
‫وفيه خمسإة مطالب‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬تعريف الثقافة السلمية‬
‫لغة‪ :‬أصل الثقافة في اللغة مأخوذ من الفعل ثقف‪ ً،‬بضم القاف وكسإرها‪ ً،‬وله عدة‬
‫معان منها‪:‬‬
‫ث قثققمفتههموههمم‪) ‬النسإاء ‪.(91‬‬
‫‪ -1‬الدراك والخذ والظفر‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬ووامقتههلوههمم وحمي ه‬
‫ف أي أصبح حذق ا وفهم ا وفطنا‪.‬‬ ‫ف وثةقت ف‬ ‫‪ -2‬الحذق والفطنة والفهم‪ ً،‬يقال‪ :‬رجل ثةقق ف‬
‫ب‪ ً،‬أي هذبه وعلمه وأدبه‪.‬‬ ‫‪ -3‬التهذيب والتأديب‪ ً،‬يقال‪ :‬ثققف المعلتم الطال ة‬
‫‪ -4‬تقويم المعوج‪ ً،‬يقال‪ :‬ثققفه تثقيفاا‪ ً،‬أي سإقواه وقومه بعد اعوجاج)‪.(1‬‬
‫اصطلحاا‪ :‬لقد تباينت آراء العلماء المعاصرين في معنى الثقافة السإلمية‪.‬‬
‫فمنهم من قال‪) :‬هي طريقة الحياة التي يعيشها المسإلمون في جميع مجالت الحياة‬
‫وفق ا لوجهة نظر السإلم وتصوراته‪ ً،‬سإواء في المجال المادي الذي سإميناه بالمدنية أو في‬
‫المجال الروحي والفكري الذي سإميناه بالحضارة()‪.(2‬‬
‫ومنهم من قال‪) :‬هي معرفة التحديات المعاصرة المتعلقة بمقومات المة السإلمية‬
‫ومقومات الدين السإلمي بصورة مقنعة موجهة()‪.(3‬‬
‫ومنهم من قال‪) :‬هي العلم الذي يبحث في المرتكزات السإاسإية للفكر السإلمي‬
‫لبناء الذات ومواجهة التحديات المعاصرة()‪.(4‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬لسإان العرب محمد بن كرم بن منظور ‪ ً،685-1/684‬دار الحديث بالقاهرة‪ ً،‬ط ‪.2003-1423‬‬
‫ومختار الصحاح محمد بن أبي بكر الرازي ‪ ً،59-58‬دار الحديث بالقاهرة‪ ً،‬ط الولى ‪.2000-1421‬‬
‫‪ ()2‬دراسإات في الثقافة السإلمية د‪ .‬صالح ذياب هندي ص ‪ ً،15‬جمعية عمال المطابع التعاونية بالردن‪ ً،‬ط‬
‫الخامسإة ‪.1984_1404‬‬
‫‪ ()3‬دراسإات في الثقافة السإلمية د‪ .‬رجب شهوان ص ‪ ً،11‬مكتبة الفلح بالكويت‪ ً،‬ط الخامسإة‪.‬‬
‫‪ ()4‬المرتكزات السإاسإية في الثقافة السإلمية د‪ .‬أحمد العيادي ص ‪ ً،20‬دار الكتاب الجامعي بالعين‪ ً،‬ط‬
‫الثانية ‪.2004 _1424‬‬

‫‪145‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫ومنهم من قال‪) :‬هي مجموعة من المعارف والفكار والقيم التي تنبعث عن العلوم‬
‫السإلمية الكبرى كالعقيدة والتفسإير والفقه والحديث والتي تفاعلت مع البيئاات السإلمية على‬
‫مر الزمنة فتكقون منها تاريخ طويل()‪.(1‬‬
‫ومنهم من قال‪) :‬هي علم دراسإة التصورات الكلية والمسإتجدات والتحديات المتعلقة‬
‫بالسإلم والمسإلمين بمنهجية شمولية مترابطة()‪.(2‬‬
‫يتبين لنا من خلل التعريفات السإابقة عدة أمور‪:‬‬
‫أوال‪ :‬إن تعريف الثقافة السإلمية الخير هو التعريف المختار‪ ً،‬وذلك لشموله جميع‬
‫التصورات والموضوعات الدينية وغيرها القديمة والمعاصرة‪ ً،‬والتحديات المتعلقة بها‪.‬‬
‫ثانياا‪ :‬إن علم الثقافة السإلمية علم جديد لم يعرف عند السإلف‪ ً،‬لهذا تباينت آراء‬
‫العلماء المعاصرين والمفكرين في تعريفه‪ ً،‬نتيجة لختلف اتجاهاتهم وتصوراتهم‪.‬‬
‫ثالثاا‪ :‬إن الثقافة السإلمية علم أوجدته الحداث والمسإتجدات والتحديات والدراسإات‬
‫المعاصرة‪ ً،‬خاصة بعد الهجمة الشرسإة التي تعرض لها العالم السإلمي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬أهمية الثقافة السلمية‬


‫أوال‪ :‬بناء العقل الواعي‪ :‬فقد حرص السإلم على إعادة ترتيب العقل النسإاني‬
‫فكشف الزيف عنه وحرره من الخرافة والوهام والسإاطير والجمود‪ ً،‬وصانه مما يؤثر فيه‬
‫)‪(3‬‬
‫فحقرم المسإكرات والمخدرات التي تحجب العقل وتحول بينه وبين مواجهة الواقع ومعالجته ‪.‬‬
‫كما وجعله الميزان الذي يزن به النسإاتن الموةر ويتثبت من كل أمر قبل العتقاد به‪ ً،‬قال‬
‫تعالى‪ :‬أوفوومن ويمعلوهم أونوما هأنقزول إقلوميوك قمن وربوك املوح ق‬
‫ق وكوممن ههوو أومعومىَ إق نوما ويتووذنكهر أهمولهوام الوملوباقب‪‬‬
‫)الرعد ‪.(19‬‬

‫‪ ()1‬الثقافة السإلمية ثقافة المسإلم وتحديات العصر د‪ .‬محمد أبو يحيى ص ‪ ً،21‬دار المناهج بالردن‪ ً،‬ط‬
‫السإادسإة ‪.2006 _1426‬‬
‫‪ ()2‬الشخصية السإلمية المعاصرة د‪ .‬باسإمة بسإام العسإلي ص ‪ ً،274‬دار الفكر بيروت‪.‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬الثقافة السإلمية مفهومها مصادرها خصائاصها مجالتها د‪ .‬عزمي طه السإيد ص ‪ ً،70‬دار‬
‫المناهج بالردن‪ ً،‬ط الرابعة ‪.2002 _1423‬‬

‫‪146‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫ثانياا‪ :‬غرس العقيدة الصحيحة‪ :‬فتوحيد ال تعالى بألوهيته وربوبيته وأسإمائاه‬


‫وصفاته وأفعاله هو الغاية العظمى التي لجلها خلق ال الخلق‪ ً،‬وهو الفارق بين الموحدين‬
‫والمشركين وعنه يسإأل الناس يوم القيامة‪ ً،‬وعليه يقع الثواب والعقاب في الدنيا والخرة)‪ .(1‬قال‬
‫ت فوقممنههم نممن وهودىَ‬ ‫طاهغو و‬ ‫تعالى‪ :‬ولوقومد وبعثمونا قفي هكبل أهنمةة نرسولا أوقن امعهبهدوام ال لوه وامجتوقنهبوام ال ن‬
‫و‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫و‬
‫ب‬ ‫ق‬
‫ف وكاون وعاقوبهة املهموكذقبيون‪‬‬
‫ض وفانظههروام وكمي و‬ ‫ق‬ ‫ق‬
‫ضل لوهة فوسيهروام في الومر ق‬ ‫ق‬
‫ال لهه ووقممنههم نممن وحقنمت وعلوميه ال ن‬
‫)النحل ‪.(36‬‬
‫ثالثاا‪ :‬بناء الشخصية السلمية‪ :‬فقد حرصت الثقافة السإلمية على بناء‬
‫الشخصية السإلمية من جميع الجوانب النفسإية والروحية والعقلية والجسإدية بما يتناسإب مع‬
‫طبيعتها)‪.(2‬‬
‫رابعاا‪ :‬التميز السلمي‪ :‬فالثقافة السإلمية تبث روح التميز العام للمة السإلمية‬
‫عن غيرها‪ ً،‬لهذا حذرنا النبي ‪ ‬من اتباع الخرين خاصة أهل الكتاب من اليهود والنصارى‬
‫كما في حديث أبي سإعيد الخدري ‪ ‬أن رسإول ال ‪ ‬قال‪) :‬لتتبعن سإنن من قبلكم شب ار بشبر‬
‫وذراعا بذراع حتى لو سإلكوا جحر ضب لسإلكتموه‪ ً،‬قلنا‪ :‬يا رسإول ال‪ ً،‬اليهود والنصارى؟‬
‫قال‪ :‬فمن؟()‪.(3‬‬
‫خامساا‪ :‬مواجهة الثقافة الغربية‪ :‬فالثقافة السإلمية تواجه كل التحديات‬
‫والمؤامرات التي تنسإج خيوطها عن طريق الغزو الثقافي لبلد المسإلمين‪ ً،‬وبما أن الغزو‬
‫الثقافي يسإتخدم وسإائال غير عسإكرية فل بد من مواجهته من جنس وسإائاله‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬دعوة التوحيد محمد خليل الهراس ص ‪ ً،74‬دار الكتب العلمية بيروت‪ ً،‬ط الولى ‪1986‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الثقافة السإلمية ثقافة المسإلم وتحديات العصر ص ‪.93‬‬
‫‪ ()3‬أخرجه البخاري في صحيحه‪-‬كتاب أحاديث النبياء‪-‬باب ما ذكر عن بني إسإرائايل ‪2/167‬ح ‪ً،3456‬‬
‫مكتبة الصفا بالقاهرة‪ ً،‬ط الولى ‪ .2002-1423‬ومسإلم في صحيحه‪-‬كتاب العلم‪-‬باب اتباع سإنن اليهود‬
‫والنصارى ‪4/2054‬ح ‪-2669‬دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫المطلب الثالث‪ :‬خصائص الثقافة السلمية‬


‫للثقافة السإلمية خصائاص تمتاز بها دون غيرها من الثقافات الخرى‪ ً،‬تبرز‬
‫أهميتها ودورها في بناء المجتمع المسإلم‪ ً،‬وصلحيتها لكل زمان ومكان‪ ً،‬ونجاحها في‬
‫مواجهة التحديات والمسإتجدات‪ .‬وفيما يلي أهم هذه الخصائاص‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الربانية‪ :‬فالثقافة الربانية هي المنسإوبة إلى الرب سإبحانه وتعالى‪ ً،‬بمعنى أن‬
‫مصدرها الرئايس هو الشريعة السإلمية المتمثلة في الكتاب والسإنة‪ ً،‬وكلهما من عند ال عز‬
‫وجل وذلك لن الكتاب هو كلم ال تعالى والسإنة وحي من ال لرسإوله)‪ .(1‬قال تعالى‪ :‬وووما‬
‫وينقط ه‬
‫ق وعقن املوهووىَ ‪ ‬إقمن ههوو إقنل وومحيي هيووحىَ‪) ‬النجم ‪ .(4-3‬ولهذا فإن الثقافة السإلمية‬
‫تختلف عن غيرها من الثقافات الخرى التي قامت على أسإس علمانية وضعية‪ ً،‬وتجاهلت‬
‫الجانب الديني والعقدي والخلقي في بنائاها الثقافي وفق تصوراتهم القاصرة المحدودة)‪.(2‬‬
‫ثانياا‪ :‬العالمية‪ :‬إن من أبرز خصائاص الثقافة السإلمية أنها تدعوا إلى وحدة‬
‫النسإانية التي تذوب فيها الفوارق القومية والعرقية وتتلشى فيها الفواصل‪ ً،‬فل تفاضل بينهم‬
‫س إقننا وخلومقوناهكم بمن وذوكةر ووهأنوثىَ وووجوعملوناهكمم ه‬
‫شهعوابا‬ ‫إل بالهدى والتقى‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬ويا أوقيوها الننا ه‬
‫ووقووباقئول قلتووعاورفهوا إقنن أومكورومهكمم قعنود اللنقه أوتموقاهكمم‪) ‬الحجرات ‪ .(13‬ولهذا ذم النبي ‪ ‬التفاخر من‬
‫تفاخر بالحسإاب والنسإاب ودعا إلى العصبية فقال كما في حديث جندب بن عبد ال‬
‫البجلي ‪) :‬من تقتل تحت راية تعممقية يدعو عصبية أو ينصر عصبية فقتلة جاهلية()‪.(3‬‬
‫وأكبر دليل واقعي على عالميتها أن الذين سإاهموا في نشرها والعمل بها كانوا من‬
‫المسإلمين على اختلف بلدانهم وأقطارهم ولغاتهم‪ ً،‬وهي عالمية لنها تلئام فطرة النسإان‬
‫دون تصنيف‪.‬‬
‫ثالثاا‪ :‬الشمولية‪ :‬وذلك لنها شاملة لجميع جوانب الحياة‪ ً،‬قال تعالى‪... :‬وووننزملونا‬
‫سقلقميون‪) ‬النحل ‪ .(89‬واسإتطاعت‬ ‫شيةء وههادىَ ورمحماة وب م ق‬ ‫علوميوك املقكوتا ق‬
‫شورىَ لملهم م‬‫وو و وه‬ ‫ب تمبوياانا لبهكبل و م و‬
‫و‬ ‫و‬

‫‪ ()1‬خصائاص التصور السإلمي ومقوماته سإيد قطب ص ‪ ً،50‬دار الشروق بجدة‪ ً،‬ط الثالثة ‪1968‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الثقافة السإلمية مفهومها مصادرها خصائاصها مجالتها ص ‪.122‬‬
‫‪ ()3‬أخرجه مسإلم في صحيحه‪-‬كتاب المارة‪-‬باب وجوب ملزمة جماعة المسإلمين ‪3/1478‬ح ‪ً،1850‬‬
‫تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي‪ ً،‬دار إحياء الكتب العربية‪.‬‬

‫‪148‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫أن توفق بين روح النسإان وجسإده وبين فرديته وجماعته وبين دنياه وآخرته‪ ً،‬فل تنشطر‬
‫سإريرته وحياته أشطا ار مختلفة كما هو الحال في الثقافات الخرى)‪ .(1‬قال تعالى‪ :‬ووامبتوقغ‬
‫سون اللنهه إقلوميوك‪‬‬ ‫ق‬ ‫ق‬ ‫ق‬ ‫ق‬ ‫ق‬
‫فيوما آوتاوك اللنهه النداور املخورةو ووول وتن و‬
‫س ونصيوبوك مون القدمنويا ووأومحسن وكوما أومح و‬
‫)القصص ‪ .(77‬وأسإاس الشمول والكمال هو السإلم بمناهجه المتعددة في العقيدة والشريعة‬
‫ونظم الحياة)‪.(2‬‬
‫رابعاا‪ :‬الوسطية‪ :‬وذلك في تجسإيدها للعقيدة والشريعة‪ ً،‬وفي نظرتها للفرد والمجتمع‪ً،‬‬
‫وفي فهمها للواقع ومتطلباته‪ ً،‬فل إفراط ول تفريط)‪ .(3‬وذلك لن الثقافة السإلمية ربانية‬
‫موحى بها من ال تعالى وهو اللطيف الخبير بما يصلح ويناسإب عباده‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬أوول‬
‫ف املوخقبيهر‪) ‬الملك ‪ .(14‬ولن مصدرها القرآن الكريم الذي يهدي‬ ‫ق ووههوو اللنقطي ه‬
‫ويمعلوهم وممن وخلو و‬
‫لقوم الطرق وأوضح السإبل‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬إقنن وهوذا املقهمرآون قيمهقديِ لقلنقتي قهي أومقووهم ووهيوب ب‬
‫شهر‬ ‫و‬
‫صاقلوحاقت أونن لوههمم أومجاار وكقبياار‪) ‬السإراء ‪ .(9‬فسإمة السإلم‬ ‫املهممؤقمقنيون النقذيون ويمعومهلوون ال ن‬
‫السإاسإية هي التوازن والعتدال في كل نواحي الحياة‪ ً،‬العتدال بين حقوق الجسإد وأشواق‬
‫الروح‪ ً،‬وبين مطالب الدين والدنيا)‪.(4‬‬
‫خامساا‪ :‬الواقعية‪ :‬وذلك تتعامل مع الحقائاق الموضوعية ذات الوجود الحقيقي‬
‫الثابت‪ ً،‬ل مع تصورات عقلية مجردة ول مثاليات ل وجود لها في عالم الواقع)‪ .(5‬ولهذا نجد‬
‫الواقعية في التشريع السإلمي‪ ً،‬فقد راعى السإلم ظروف الناس وحياتهم واحتياجاتهم‬
‫المعيشية‪ ً،‬ورفع عنهم المشقة والحرج‪ ً،‬بل جعل المشقة تجلب التيسإير‪ ً،‬كما وراعى فطرتهم‬
‫وطاقتهم فلم يكلفهم من العمل ما ل يطيقون‪ ً،‬لن شرط التكليف القدرة على فعل المكلف به‪ً،‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬المرتكزات السإاسإية في الثقافة السإلمية ص ‪.44‬‬


‫‪ ()2‬السإلم العالمي والسإلم سإيد قطب ص ‪ ً،13‬دار الشروق بجدة‪ ً،‬ط السإادسإة ‪1982‬م‪.‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬الثقافة السإلمية مفهومها مصادرها خصائاصها مجالتها ص ‪.121‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬العبادة في السإلم د‪ .‬يوسإف القرضاوي ص ‪ ً،179‬مؤسإسإة الرسإالة بيروت‪ ً،‬ط الثامنة ‪1981‬م‪.‬‬
‫‪ ()5‬خصائاص التصور السإلمي ومقوماته ص ‪.190‬‬

‫‪149‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫فما ل قدرة للمكلف عليه ل يصح التكليف به شرع ا)‪ .(6‬ونجد الواقعية أيض ا في الخلق‬
‫والعقيدة‪.‬‬
‫سادساا‪ :‬الستمرارية‪ :‬فهي ثابتة ومسإتمرة لنها تقوم على العقيدة‪ ً،‬والعقيدة ثابتة ل‬
‫تتغير ول تتبدل ول تختلف باختلف الزمنة والمكنة‪ ً،‬ومع هذا فهي مرنة ل تقف جامدة‬
‫أمام الحوادث والمسإتجدات بل تتعامل مع القضايا الطارئاة في كل عصر‪ .‬لهذا فإنها تبعث‬
‫الطمأنينة في حياة الفرد والمجتمع‪ ً،‬بأنه ل يعايش ثقافة تتأرجح وتتغير حسإب الهواء‬
‫والجواء والمصالح‪ .‬فقد ختم ال تعالى بالسإلم الشرائاع والرسإالت السإماوية كلها‪ ً،‬وأودع‬
‫فيه عنصر الثبات والخلود والمرونة والتطور معاا‪ ً،‬وهذا دليل على صلح هذه الثقافة لكل‬
‫زمان ومكان)‪.(1‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬مصادر الثقافة السلمية‪:‬‬


‫إن المراد بمصادر الثقافة السإلمية الصول التي نسإتمد منها ثقافتنا السإلمية‪ً،‬‬
‫لهذا أيقن المسإلمون الوائال أن ثقافتهم السإلمية هي أسإاس نهضتهم وعنوان عزتهم‬
‫وكرامتهم فأقبلوا على مصادرها دراسإة وتحليلا ونقدا وتدب ار وعملا وتعليما ما اسإتطاعوا إلى‬
‫ل‪ ً،‬لذلك قدموا تراث ا علمي ا سإارت من أجله الركبان‪ ً،‬وفيما يلي أهم هذه المصادر‪:‬‬
‫ذلك سإبي ا‬
‫أوال‪ :‬القرآن الكريم‪:‬‬
‫وهو كلم ال تعالى المنزل على نبيه محمد ‪ ‬بواسإطة الوحي‪ ً،‬المعجز بلفظه‬
‫والمتعبد بتلوته والمنقول إلينا بالتواتر والمكتوب في المصاحف والمبدوء بسإورة الفاتحة‬
‫المختوم بسإورة الناس)‪.(2‬‬
‫فالقرآن الكريم هو المصدر الول من مصادر التشريع السإلمي والثقافة‬
‫السإلمية‪ ً،‬فقد صاغ حياة الناس في المجتمع المسإلم بأحكامه التشريعية التي تناولت شؤون‬

‫‪ ()6‬انظر‪ :‬الموافقات في أصول الحكام إبراهيم بن موسإى الشاطبي ‪ ً،2/76‬تحقيق محمد محي الدين‪ً،‬‬
‫مطبعة المدني بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الخصائاص العامة للسإلم د‪ .‬يوسإف القرضاوي ص ‪ ً،203‬مكتبة وهبة بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬مباحث في علوم القرآن مناع القطان ص ‪ ً،20‬مؤسإسإة الرسإالة بيروت‪ ً،‬ط الخامسإة والثلثون‪.‬‬
‫والتبيان في علوم القرآن محمد علي الصابوني ص ‪ ً،6‬مكتبة الغزالي دمشق‪ ً،‬ط الثانية ‪1981‬م‪.‬‬

‫‪150‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫شميةء‪) ‬النعام ‪ .(38‬وبما أن الثقافة‬ ‫الحياة كلها‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬نما فونرمطونا قفي القكوتاقب قمن و‬
‫سقم وربوك النقذيِ‬
‫أسإاسإها العلم والمعرفة فقد حث في أول آياته على ذلك‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬امق وأمر قبا م‬
‫ق‪) ‬العلق ‪.(1‬‬ ‫وخلو و‬
‫ثاني اا‪ :‬السنة النبوية‪:‬‬
‫وهي ما صدر عن رسإول ال ‪ ‬من قول أو فعل أو تقرير أو صفة)‪ .(1‬فالسإنة‬
‫النبوية هي المصدر الثاني من مصادر التشريع السإلمي والثقافة السإلمية‪ ً،‬وهي أيضا‬
‫الشارحة للمصدر الول وهو القرآن الكريم‪ ً،‬والمؤكدة لحكام وردت فيه‪ ً،‬والمقررة لكثير من‬
‫الحكام التي سإكت عنها‪ ً،‬والناسإخة لبعض ما ورد فيه من الحكام‪ ً،‬والمبينة لما تأجمل فيه‪ً،‬‬
‫سوهل‬
‫وهي دليل شرعي وجب على المسإلمين اتباعه والعمل به‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬وووما آوتاهكهم النر ه‬
‫فوهخهذوهه وووما ونوهاهكمم وعمنهه وفانتوههوا‪) ‬الحشر ‪.(7‬‬
‫ثالثاا‪ :‬الجماع‪:‬‬
‫وهو اتفاق مجتهدي المة السإلمية في عصر من العصور على حكم حادثة‬
‫شرعية بعد وفاة النبي ‪ .(2)‬والجماع إذا انعقد في مسإألة كان دليلا شرعيا قطعيا ملزما ل‬
‫سوول قمن وبمعقد وما تووبنيون لوهه املههودىَ ووويتنقبمع‬ ‫شا ق ق‬
‫ق النر ه‬ ‫تجوز مخالفته أو نقضه‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬ووومن هي و‬
‫صياار‪) ‬النسإاء ‪ .(115‬فال‬ ‫وغمير سقبيقل املممؤقمقنيون هنولبقه ما توونلىَ وهنصلققه جهنم وساءمت م ق‬
‫و‬ ‫و و و و م وو وو و‬ ‫ه‬ ‫و و‬
‫تعالى جمع بين مشاقة الرسإول واتباع غير سإبيل المؤمنين في الوعيد‪ ً،‬فلو كان اتباع غير‬
‫سإبيل المؤمنين مباح ا لما جمع بينه وبين المحظور)‪ .(3‬وفي حديث ابن عمر رضي ال‬
‫عنهما )إن ال ل يجتمع أمتي على ضللة‪ ً،‬ويد ال مع الجماعة ومن شقذ شقذ في النار()‪.(4‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬السإنة ومكانتها في التشريه السإلمي مصطفى السإباعي ص ‪ً،47‬المكتب السإلمي بيروت‪ ً،‬ط‬
‫الثانية ‪ .1978-1398‬والسإنة قبل التدوين محمد عجاج الخطيب ص ‪ ً،16‬دار الفكر بيروت‪ ً،‬ط الثالثة‬
‫‪.1980-1400‬‬
‫‪ ()2‬المسإتصفى من علم الصول محمد بن محمد الغزالي ‪ ً،1/173‬ط الولى‪ .‬والواضح في أصول الفقه علي‬
‫بن عقيل الحنبلي البغدادي ‪ ً،1/19‬ط الولى ‪1996‬م‪.‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬إرشاد الفحول محمد بن علي الشوكاني ص ‪ ً،74‬دار المعرفة بيروت‪ً،‬ط ‪1399‬هـ‪.‬‬
‫‪ ()4‬أخرجه الترمذي في سإننه‪-‬كتاب الفتن‪-‬باب ما جاء في لزوم الجماعة ‪4/214‬ح ‪ 2167‬وفال‪ :‬هذا‬
‫حديث غريب من هذا الوجه‪ ً،‬تحقيق مصطفى الذهبي‪ ً،‬دار الحديث بالقاهرة‪ ً،‬ط الولى ‪.1999-1419‬‬

‫‪151‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫ثم إن إجماع العلماء أثرى الثقافة السإلمية في جميع ميادينها‪ ً،‬وأكسإبها مصد ار‬
‫جديداا‪.‬‬
‫رابعاا‪ :‬القياس‪:‬‬
‫وهو إلحاق واقعة ل نص فيها بواقعة ورد فيها نص لشتراك الواقعتين في علة‬
‫الحكم)‪.(1‬‬
‫والدليل على حجية القياس والعمل به حديث ابن عباس رضي ال عنهما‪) :‬أن رجلا‬
‫قال‪ :‬يا رسإول ال إن أبي مات ولم يحج‪ ً،‬أفأحج عنه؟ قال‪ :‬أرأيت لو كان على أبيك دين‬
‫أكنت قاضيه؟ قال‪ :‬نعم‪ ً،‬قال‪ :‬فدين ال أحق()‪.(2‬‬
‫فالقياس مصدر من مصادر الحكام في الشريعة السإلمية وبه قوامها وصلحيتها‬
‫في كل عصر ومصر‪ ً،‬وذلك لنه ل يمكن النص على كل حادثة بعينها فإن الحوادث غير‬
‫متناهية والنصوص متناهية‪.‬‬
‫خامساا‪ :‬تراث الحضارة السلمية‪:‬‬
‫وهو ما وصل إلينا عن سإلف المة الصالح من إجماع وقياس واجتهاد في الفقه‬
‫والحديث والتفسإير والعقيدة‪ ً،‬وما جاء عن اللغويين والنحاة وأهل البلغة والبيان‪ ً،‬وما جمعه‬

‫والحديث انفرد به الترمذي‪ ً،‬وله شاهد ضعيف من حديث أنس بن مالك رضي ال عنه‪ ً،‬أخرجه ابن ماجة في‬
‫سإننه كتاب الفتن‪-‬باب السإواد العظم ‪3/395‬ح ‪ ً،3950‬وله شاهد آخر ضعيف من حديث عمرو بن قيس‬
‫رضي ال عنه‪ ً،‬أخرجه الدارمي في سإننه كتاب المقدمة‪-‬باب ما أعطي النبي من الفضل ‪1/30‬ح ‪.54‬‬
‫والحديث إسإناده ضعيف لن فيه سإليمان ين سإفيان القرشي التيمي وهو ضعيف كما في تقريب التهذيب لبن‬
‫حجر ص ‪ 251‬رقم ‪ ً،2563‬والكاشف للذهبي ‪ 1/346‬رقم ‪ .2110‬وقد حسإنه السإيوطي في الجامع الصغير‬
‫‪1/278‬ح ‪ .1818‬وصححه اللباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته ح ‪.1844‬‬
‫‪ ()1‬دراسإات وتحقيقات في أصول الفقه علي الضويحي ص ‪ ً،368‬مكتبة الرشد بالرياض‪ً،‬ط الولى ‪-1425‬‬
‫‪.2004‬‬
‫‪ ()2‬أخرجه النسإائاي في سإننه‪-‬كتاب مناسإك الحج‪-‬باب تشبيه قضاء الحج بقضاء الدين ‪3/84‬ح ‪ً،2638‬‬
‫تحقيق مصطفى الذهبي‪ ً،‬دار الحديث بالقاهرة‪ ً،‬ط ‪ .1999-1420‬والدارمي في سإننه‪-‬كتاب المناسإك‪-‬باب‬
‫الحج عن الميت ‪1/494‬ح ‪ .1835‬والحديث إسإناده صحيح‪ ً،‬وقد صححه أحمد شاكر في تحقيقه لمسإند‬
‫أحمد ‪1/358‬ح ‪.3378‬‬

‫‪152‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫المؤرخون من سإير وأخبار وما خلفه المسإلمون من حضارة وعلوم ومعارف وفنون)‪.(3‬‬
‫فالناظر والمتأمل إلى تاريخ المسإلمين الوائال يجد أنهم قدموا للعالم حضارة من أرقى‬
‫الحضارات‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬المراحل التي مرت بها الثقافة السلمية‪:‬‬


‫إن المة السإلمية عاشت مراحل مختلفة في ثقافتها‪ ً،‬بناء على اختلف واقعها‬
‫وطبيعتها ومصيرها وتمسإكها بدينها‪ ً،‬وفيما يلي أهم المراحل التي مرت بها الثقافة السإلمية‪:‬‬
‫أوال‪ :‬مرحلة عصر النبوة‪:‬‬
‫إن عصر النبوة هو الذي أسإس لبناء الثقافة السإلمية‪ ً،‬وهو أصلها لن الوحي كان‬
‫يتنزل باسإتمرار ويأتي بكل جديد من الرشادات التربوية والتعليمية‪ ً،‬سإواء في مكة أو المدينة‪.‬‬
‫ثانياا‪ :‬مرحلة الخلفاء الراشدين‪:‬‬
‫فقد كان عصر الخلفاء الراشدين المرحلة الثانية في بناء الثقافة السإلمية‪ ,‬وذلك‬
‫لقرب هذا العصر بالوحي الذي هو مصدر التشريع السإلمي والثقافة السإلمية‪ ً،‬ولن أهل‬
‫هذا العصر هم الذين دونوا المصدرين السإاسإيين‪-‬الكتاب والسإنة‪ -‬ونقلوهما لمن بعدهما‬
‫حتى نقل ذلك لنا جيل عن جيل‪ .‬كما أن فقهاء الصحابة الكرام واجهتهم وقائاع وأحداث نتيجة‬
‫لكثرة الفتوحات‪.‬‬
‫ثالثاا‪ :‬المرحلة الذهبية‪:‬‬
‫وهي المرحلة التي حوت القرون الهجرية الثلثة )الثاني والثالث والرابع(‪ ً،‬وذلك لن‬
‫الثقافة السإلمية ازدهرت واتسإعت ميادينها في هذه المرحلة‪ ً،‬خاصة ميدان الفقه وأصوله فقد‬
‫كثر الخلف في مسإائاله وفروعه وانتشرت المدارس والمذاهب الفقهية الربعة وغيرها‪ ً،‬وتبارى‬
‫أصحاب المذاهب وأتباعها في التأصيل والتفريع واسإتنباط الحكام من الدلة الشرعية‪.‬‬
‫رابعاا‪ :‬مرحلة الجمود والركود‪:‬‬
‫وهي المرحلة التي حوت القرن الخامس إوالى يومنا هذا‪ ً،‬وذلك لن حركة الجتهاد‬
‫قد ركدت وأقفل بابه‪ ً،‬وصار العتماد على مذاهب المجتهدين السإابقين‪ ً،‬فضعفت الهمم‬

‫‪ ()3‬دراسإات في الثقافة السإلمية محمد عبد السإلم ص ‪ ً،28‬مكتبة الفلح بالكويت‪ ً،‬ط الخامسإة ‪1987‬م‪.‬‬

‫‪153‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫والعزائام وسإاد الفكر التقليدي المغلق‪ ً،‬واتجه العلماء والفقهاء إلى تأليف الختصارات والشروح‬
‫والحواشي‪.‬‬

‫‪154‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫المبحث الثاني‬
‫الغزو الثقافي‬
‫وفيه خمسإة مطالب‪:‬‬
‫المطلب الول‪ :‬تعريف الغزو الثقافي‪:‬‬
‫لغة‪ :‬يراد به القصد والرادة والطلب‪ ً،‬يقال‪ :‬غ از الشيء غزوا أي أراده وطلبه‪ً،‬‬
‫والقغزوة ما تغقزي و ت‬
‫طلب‪ ً،‬ومغزى الكلم أي مقصوده والمراد منه‪ ً،‬ويقال‪ :‬غ از القوم أي‬
‫قصدهم بالحرب والقتال)‪.(1‬‬
‫اصطلحاا‪ :‬تباينت آراء العلماء والمفكرين المعاصرين في تعريف الغزو الثقافي‪:‬‬
‫فمنهم من قال‪) :‬هو الوسإائال غير العسإكرية التي اتخذها أعداء السإلم لزالة‬
‫مظاهر الحياة السإلمية وصرف المسإلمين عن التمسإك بالسإلم مما يتعلق بالعقيدة وما‬
‫يتصل بها من أفكار وأنماط وسإلوك()‪.(2‬‬
‫ومنهم من قال‪) :‬هو قيام مجتمع ما أو حضارة بمحاولة لفرض ثقافتها على مجتمع‬
‫آخر بنية العتداء والسإيطرة والهيمنة()‪.(3‬‬
‫ومنهم من قال‪) :‬هو التغير الجديد الذي حصل في اسإتراتيجية أعداء ال الغزاة‬
‫الذين تخلوا عن اسإتعمار الراضي واسإتبدالها باسإتعمار عقول وقلوب أصحابها()‪.(4‬‬
‫ومنهم من قال‪) :‬هو كل فكرة أو معلومة أو برنامج أو منهج يسإتهدف صراحة أو‬
‫ضمنا تحطيم مقومات المة السإلمية العقدية والفكرية والثقافية والحضارية‪ ً،‬أو يتحرى‬
‫التشكيك فيها والحط من قيمتها وتفضيل غيرها عليها إواحلل سإواها محلها في الدسإتور أو‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬لسإان العرب ‪ .6/621‬والمصباح المنير أحمد بن محمد الفيومي ص ‪ ً،266‬دار الحديث بالقاهرة‪ً،‬‬
‫ط الولى ‪.2000-1421‬‬
‫‪ ()2‬المرتكزات السإاسإية في الثقافية السإلمية ص ‪.300‬‬
‫‪ ()3‬الثقافة السإلمية مفهومها مصادرها خصائاصها مجالتها ص ‪.181‬‬
‫‪ ()4‬دراسإات في الثقافة السإلمية صالح ذياب هندي ص ‪ ً،28‬ط الثانية ‪1981‬م‪.‬‬

‫‪155‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫مناهج التعليم أو برامج العلم والتثقيف أو الدب والفن أو النظرة الكلية للدين والنسإان‬
‫والحياة()‪.(1‬‬
‫يتبين لنا من خلل التعريفات السإابقة عدة أمور‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أن تعريفات العلماء اختلفت‪ ً،‬وذلك لن الغزو الثقافي عنوان تأطلق في الثلث‬
‫الخير من القرن الرابع عشر الهجري على المؤامرات والمخططات الفكرية والثقافية التي‬
‫تقوم بها المنظمات والمؤسإسإات الدولية والشعبية من أعداء السإلم‪.‬‬
‫ثانياا‪ :‬أن الغزو الثقافي يسإعى لتحويل المسإلمين عن دينهم تحويلا كلياا‪ ً،‬وتجزئاتهم‬
‫وتمزيق وحدتهم إواضعاف قوتهم لسإتعمارهم فكريا ثم اسإتعمارهم سإياسإيا وعسإكريا واقتصادياا‪.‬‬
‫أن الغزو الثقافي أخطر بكثير من الغزو العسإكري‪ ً،‬وذلك لنه ينطلي على‬ ‫ثالثاا‪:‬‬
‫عامة المسإلمين‪ ً،‬بينما الغزو العسإكري ل ينطلي على الدهماء من المسإلمين‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬نشأة الغزو الثقافي‪:‬‬


‫بدأت ظاهرة الغزو الثقافي لبلد المسإلمين منذ فجر السإلم‪ ً،‬وكان دهاة هذا الغزو‬
‫الماكر الخبيث هم اليهود‪ ً،‬فقد واجهوا السإلةم في المدينة بجميع الوسإائال للتأثير عليه بغية‬
‫التحريف فيه‪ ً،‬وللتأثير على مشركي العرب بغية صدهم عن الدخول في السإلم‪ ً،‬وللتأثير‬
‫على المسإلمين بغية إخراجهم من السإلم)‪.(2‬‬

‫لكن الدراسإات التي قام بها الباحثون تشير إلى أن الغزو الفكري بدأ يأخذ طابع ا‬
‫جديدا وشكلا منظماا‪ ً،‬حيث بدأت جهودهم تتوالى لدراسإة سإر قوة المسإلمين ومكمن عزتهم‪ً،‬‬
‫فعكفوا على دراسإة حضارتهم وتراثهم العلمي‪ ً،‬فدرسإوا الكتب الدينية والعلمية واللغوية‬
‫والتاريخية‪ ً،‬وذلك بعد فشل الحروب الصليبية على بلد المسإلمين)‪ .(3‬فقد جرد الغرب حملت‬

‫‪ ()1‬الغزو الفكري والتيارات المعادية للسإلم عبد الرحمن حبنكة الميداني ص ‪ ً،507‬بحث مقدم لمؤتمر الفقه‬
‫السإلمي المنعقد بجامعة المام محمد بن سإعود السإلمية بالرياض ‪1396‬هـ‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬أجنحة المكر الثلثة عبد الرحمن حبنكة الميداني ص ‪ ً،27‬دار القلم بدمشق‪ ً،‬ط الولى ‪.1975‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬الغارة على العالم السإلمي شاتلية وترجمه للعربية محب الين الخطيب ص ‪ ً،27‬الدار السإعودية‬
‫بجدة‪ ً،‬ط الثانية ‪1387‬هـ‪.‬‬

‫‪156‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫صليبية غزت الشرق السإلمي باسإم الصليب وتحت رايته وكان وراء هذه الحملت رجال‬
‫الكنيسإة في أوروبا‪ ً،‬وبالرغم من ضعف المة السإلمية يومها إل أنها انتفضت لما رأت‬
‫أعداء السإلم وهم يحملون الصليب‪ ً،‬وبذل المسإلمون الدماء رخيصة في سإبيل الذود عن‬
‫حياض المة وعقيدتها‪ ً،‬فارتدت الحملت الصليبية على أعقابها خاسإرة مدبرة ولم تعقب بعد‬
‫معارك طاحنة اسإتمرت قرنين من الزمان‪ ً،‬وبرز يومها قادة عظام كنور الدين محمود بن‬
‫زنكي التركي وصلح الدين اليوبي الكردي وغيرهما ممن قادوا جماهير المة إلى العزة‬
‫والنصر‪ .‬فأيقن حينها الصليبيون وغيرهم من أعداء السإلم أنه مهما ضعفت المة‬
‫السإلمية لن يسإتطيعوا اسإتئاصال شأفتها والقضاء عليها عسإكرياا‪ ً،‬إل إذا نالوا من ثقافتها‬
‫وعقيدتها ووحدتها)‪.(1‬‬
‫ثم إن الغزو الفكري مر بمراحل عديدة تدرج من خللها إلى أن وصل الغزو الفكري‬
‫في هذه اللفية الثالثة إلى أعلى درجاته حيث تتسإتخدم الوسإائال التكنولوجية الحديثة‪ ً،‬وتأتي‬
‫الوليات المتحدة المريكية في مقدمة الدول التي تسإعى نحو السإيطرة على دول العالم الثالث‬
‫بل على العالم كله‪ ً،‬إواذا كان هذا هو الدور الذي تمارسإه أمريكيا على المسإرح الثقافي‬
‫العالمي‪ ً،‬فإن للصهيونية والماسإونية نصيب السإد في هذا الدور)‪.(2‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬أهداف الغزو الثقافي‪:‬‬


‫لقد حكى القرآن بإيجاز عما يختلج في صدورهم من الهداف‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬وولو‬
‫ق ق‬ ‫ق‬
‫طاهعوام‪) ‬البقرة ‪ .(217‬وفيما يلي أهم هذه‬ ‫وي وازهلوون هيوقاتهلوونهكمم وحتنوىَ ويهرقدوهكمم وعن دينهكمم إققن ا م‬
‫ستو و‬
‫الهداف‪:‬‬
‫أوال‪ :‬القضاء علىَ السلم‪:‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬أسإاليب الغزو الفكري للعالم السإلمي علي محمد خريشة ومحمد شريف الزيبق ص ‪ً،17_16‬‬
‫دار العتصام بالمدينة‪ ً،‬ط الثالثة ‪.1979-1399‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الخطر الصهيوني على العالم السإلمي ماجد الكيلني ص ‪ ً،240‬الدار السإعودية بجدة‪ ً،‬ط‬
‫الثالثة ‪1984‬م‪.‬‬

‫‪157‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫أيقن أعداء السإلم أن السإلم يشكل خط ار كبي ار عليهم‪ ً،‬لهذا حرصوا كل الحرص‬
‫على عزل المسإلمين عن دينهم وثقافتهم من خلل صرفهم عن تعاليم الكتاب والسإنة‪ ً،‬يقول‬
‫أحد مؤسإسإي السإتعمار البريطاني في الشرق الوسإط وهو غلدسإتون‪) :‬ما دام هذا القرآن‬
‫موجودا فلن تسإتطيع أوروبا السإيطرة على الشرق بل ول أن تكون هي نفسإها في مأمن()‪.(1‬‬
‫ويقول وليم جيفورد بالكراف‪) :‬متى توارى هذا القرآن ومدينة مكة عن بلد العرب يمكننا‬
‫حينئاذ أن نرى العربي يتدرج في سإبيل الحضارة التي لم يبعده عنها إل محمد وكتابه()‪(2‬وهذا‬
‫يدل على سإعيهم لتصفية قضية السإلم‪ ً،‬باعتباره كما يعتقدون الخطر الحقيقي الذي‬
‫يهددهم‪ ً،‬والعقبة الكئاود التي تحول دون تحقيق أطماعهم في السإيطرة على الكون والنسإان‪.‬‬
‫ثانياا‪ :‬الطعن في السلم‪:‬‬
‫من أهدافهم الطعن في السإلم من خلل الطعن في القرآن الكريم بأنه غير منزل‬
‫من عند ال إوانما هو من عند محمد ‪ ‬اسإتمد تعاليمه من أهل الكتاب‪ ً،‬ومن خلل الطعن في‬
‫شخص الرسإول الكريم ‪ ‬وفي سإنته‪ ً،‬متذرعين بما دخل فيها من وضع ودس متجاهلين جهود‬
‫علماء الحديث في تنقية السإنة من الشوائاب‪ ً،‬ومن خلل الطعن في الدين السإلمي بأنه دين‬
‫ملفق من الديانتين اليهودية والنصرانية)‪.(3‬‬

‫ثالثاا‪ :‬تمزيق وحدة المسلمين‪:‬‬


‫فقد أدركوا دور السإلم في وحدة العالم السإلمي‪ ً،‬وأن هذه الوحدة تعتبر مصدر‬
‫خطر وقلق على مخططاتهم ومشاريعهم‪ ً،‬ومن هنا كان الجهد المتواصل لتمزيق العالم‬
‫السإلمي والقضاء على وحدة المسإلمين‪ ً،‬وهذا ما صرح به المنصر لورانس براون حيث قال‪:‬‬
‫)إذا اتحد المسإلمون في إمبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخط ارا‪ ً،‬أو‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الغزو الفكري وأهدافه ووسإائاله عبد الصبور مرزوق ص ‪ ً،15‬رابطة العالم السإلمي مكة‬
‫المكرمة‪ ً،‬ط الثالثة‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الثقافة السإلمية مفهومها مصادرها خصائاصها مجالتها ص ‪.183‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬المرتكزات السإاسإية للثقافة السإلمية ص ‪.312‬‬

‫‪158‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫أمكن أن يصبحوا أيض ا نقمة له‪ ً،‬أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئاذ بل وزن ول تأثير(‬
‫)‪.(1‬‬
‫رابعاا‪ :‬إحياء النزعات الجاهلية‪:‬‬
‫أراد الغرب من وراء الغزو الثقافي إحياء النزعات والدعوات الجاهلية كالفارسإية‬
‫والفرعونية والفينيقية والقومية والشتراكية والبعثية وغيرها‪ ً،‬لهذا قاموا بإنشاء المتاحف لبعث‬
‫التاريخ القديم في كل جزء من أجزاء العالم السإلمي‪ ً،‬وعمدوا إلى السإاطير القديمة فأحيوها‬
‫على شكل مسإرحيات وأفلم وقصص وأدب وأخذوا يلونون الحياة بتقاليد وعادات وشعارات‬
‫مسإتمدة من الماضي السإحيق‪ ً،‬والهدف من ذلك كله ربط الحاضر بماض قديم والتنكر‬
‫)‪(2‬‬
‫لمقومات الحياة السإلمية‪ ً،‬حتى يعتقد المسإلمون عدم صلحية السإلم لقيادة البشرية‬
‫خامساا‪ :‬إضعاف الوعي والتعليم‪:‬‬
‫وذلك من خلل التشكيك في قدرة اللغة العربية على مسإايرة التطور العلمي لتظل‬
‫المة العربية المسإلمة عالة على مصطلحات الغربيين‪ ً،‬ومن خلل التشكيك في قيمة الفقه‬
‫السإلمي ذلك التشريع الهائال الذي ما ترك صغيرة ول كبيرة إل أحصاها‪ ً،‬ومن خلل‬
‫التشكيك في قيمة التراث الحضاري السإلمي زاعمين أن الحضارة السإلمية منقولة عن‬
‫الحضارة اليونانية والرومانية‪ ً،‬وأن العرب لم يكن لديهم إبداع فكري ول ابتكار حضاري)‪.(3‬‬
‫لهذا عملوا على إضعاف الثقافة السإلمية وتثقيف المسإلمين بالثقافة الغربية‪ ً،‬فلو‬
‫نظرنا إلى الغلبية العظمى من المسإلمين لوجدنا أنهم يجهلون أسإاسإيات الثقافة السإلمية‪.‬‬
‫سادساا‪ :‬نشر اللحاد والباحية والدعاية لهما‪:‬‬
‫لقد انصب جهد الغزو الثقافي على نشر الفسإاد والرذيلة وتفريغ المسإلمين من كل‬
‫القيم والخلق السإلمية‪ ً،‬واسإتخدموا في سإبيل تحقيق هذا الهدف كل الوسإائال الحديثة‪ ً،‬حتى‬
‫ينشأ جيل قادم على نمط ل يهتم إل بشهواته وغرائازه‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الثقافة السإلمية ثقافة المسإلم وتحديات العصر ص ‪.238‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬نظرات في الثقافة السإلمية عز الدين التميمي وجماعة ص ‪ ً،51‬دار الفرقان بالردن‪ ً،‬ط‬
‫السإادسإة ‪.2004-1424‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬المرتكزات السإاسإية في الثقافة السإلمية ص ‪.312‬‬

‫‪159‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫المطلب الربع‪ :‬مؤسسات الغزو الثقافي‪:‬‬


‫للغزو الثقافي مؤسإسإات عديدة‪ ً،‬وكل مؤسإسإة من هذه المؤسإسإات مسإتقلة بذاتها‬
‫وأتباعها ومنهاجها لكنها تجتمع على هدف واحد وغاية واحدة وهي محاربة المسإلمين ثقافيا‬
‫وديني ا واقتصادي ا واجتماعياا‪ ً،‬وفيما يلي أهم هذه المؤسإسإات‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الستشراق‪:‬‬
‫السإتشراق هو التيار الفكري الذي تمثل في الدراسإات المختلفة عن الشرق‬
‫السإلمي والتي شملت حضارته وأديانه ولغاته وثقافته‪ ً،‬ولقد أسإهم هذا التيار في صياغة‬
‫التصورات الغربية عن العالم السإلمي معب ار عن الخلفية الفكرية للصراع الحضاري‬
‫بينهما)‪.(1‬‬
‫ثم إن حركة السإتشراق ولدت منذ أن دقت جيوش الفتح السإلمي أبواب أوروبا‬
‫فأخذ الوروبيون يبحثون عن أسإباب نهضة المسإلمين وسإر بلوغها هذا المجد فدرسإوا علوم‬
‫العرب المسإلمين الشرقيين وكان من أوائال هؤلء الراهب الفرنسإي جربرت)‪ .(2‬وفي القرن‬
‫الثامن توسإعت حركة السإتشراق ونتج عن ذلك صدور العديد من المجلت المتخصصة في‬
‫الدراسإات السإتشراقية‪ ً،‬وصحب ذلك الغارة على المخطوطات العربية‪ ً،‬وشرائاها من أصحابها‬
‫الذين ل يدرون قيمتها أو سإرقتها من المكتبات العامة ومن ثم نقلها إلى بلدهم)‪.(3‬‬
‫ثانياا‪ :‬التبشير‪:‬‬
‫التبشير حركة دينية سإياسإية اسإتعمارية بدأت بالظهور إثر فشل الحروب الصليبية‬
‫بغية نشر النصرانية بين المم المختلفة في دول العالم الثالث بعامة وبين المسإلمين بخاصة‬
‫بهدف إحكام السإيطرة على هذه الشعوب)‪.(4‬‬

‫‪ ()1‬الموسإوعة الميسإرة في الديان والمذاهب المعاصرة الندوة العالمية للشباب السإلمي بالرياض ص ‪.33‬‬
‫‪ ()2‬السإتشراق والمسإتشرقون مالهم وما عليهم مصطفى السإباعي ص ‪ ً،89‬محاضرة مطبوعة مع كتاب‬
‫أجنحة المكر الثلثة‪.‬‬
‫‪ ()3‬الثقافة السإلمية ثقافة المسإلم وتحديات العصر ص ‪.244‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬الغزو الفكري أحمد السإائاح ص ‪ ً،45‬بحث مقدم لمؤتمر الفقه السإلمي المنعقد في جامعة المام‬
‫محمد بن سإعود بالرياض ‪1396‬م‪ .‬والموسإوعة الميسإرة في الديان والمذاهب المعاصرة ص ‪.159‬‬

‫‪160‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫والتبشير تعبير أطلقه رجال الكنيسإة النصرانية على العمال التي يقومون بها‬
‫لتنصير الشعوب غير النصرانية لسإيما المسإلمين‪ ً،‬ثم تحول هدف التنصير داخل الشعوب‬
‫المسإلمة إلى غاية التكفير إواخراج المسإلمين عن دينهم ولو إلى اللحاد والكفر بكل دين)‪.(1‬‬
‫ولهذا فإن كثي ار من الباحثين والمحققين يرى أن الولى أن تتسإمى هذه الحركة بالتنصير لنها‬
‫ل تسإعى للتنصير فحسإب بل تريد أن ينسإلخ المسإلمون من السإلم حتى يصبحوا بل دين ول‬
‫قيم ول أخلق ول صلة لهم بال‪ ً،‬وهذا ما صرح به صمويل زويمر وهو من رواد حركة‬
‫التنصير في العالم السإلمي حيث قال في مؤتمر القدس التنصيري عام ‪1935‬م‪) :‬إن‬
‫مهمة التبشير التي ندبتكم لها الدول المسإيحية في البلد السإلمية ليسإت في إدخال‬
‫المسإلمين في المسإيحية‪ ً،‬فإن هذا هداية وتكريم ا لهم‪ ً،‬إوانما مهمتكم هي أن تخرجوا المسإلم من‬
‫السإلم ليصبح مخلوق ا ل صلة له بال وبالتالي ل صلة له بالخلق الحميدة()‪ .(2‬وكان أول‬
‫من تولى التنصير بعد فشل الحروب الصليبية في مهمتها هو ريمون لول‪ ً،‬فقد تعلم العربية‬
‫وجال في بلد المسإلمين ثم تتابعت بعده في القرن الخامس عشر الميلدي إرسإاليات التبشير‬
‫إلى بلد المسإلمين)‪.(3‬‬
‫ثالثاا‪ :‬التغريب‪:‬‬
‫التغريب هو تيار كبير ذو أبعاد سإياسإية واجتماعية وثقافية وفنية يرمي إلى صبغ‬
‫حياة المم بعامة والمسإلمين بخاصة بالسإلوب الغربي وذلك بهدف إلغاء شخصيتهم المسإتقلة‬
‫وخصائاصهم المتفردة وجعلهم أسإرى التبعية الكاملة للحضارة الغربية)‪.(4‬‬
‫ولفظ التغريب يطلق وتيراد به إيجاد عقلية جديدة تعتمد عل تصورات الفكر الغربي‬
‫ثم تحاكم الفكر السإلمي من خللها‪ ً،‬وهو حملة موجهة نحو المسإلمين تهدف إلى صبغ‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬أجنحة المكر الثلثة ص ‪.50‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬المرجع السإابق ص ‪.59‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬الموسإوعة الميسإرة في الديان والمذاهب المعاصرة ص ‪.159‬‬
‫‪ ()4‬المرجع السإابق ص ‪.145‬‬

‫‪161‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫حياتهم باللون الغربي بحيث تغدو حياتهم صورة مطابقة للحياة الغربية في جميع‬
‫المجالت)‪.(1‬‬
‫ثم إن حركة التغريب من أخطر النتائاج التي أعقبت الغزو الصليبي الجديد وما‬
‫أعقبه من تبعية ثقافية للغرب‪ ً،‬مما أشاع روح النهزام الفكري وضياع روح العتزاز‬
‫بالشخصية السإلمية‪ ً،‬ل سإيما عند من يدعي الثقافة‪ ً،‬فمعظهم من إنتاج النظام التعليمي‬
‫الثقافي الغربي‪ ً،‬ومن أبرز هؤلء طه حسإين الذي دعا إلى اعتبار مصر جزاء من الغرب‬
‫فقال‪) :‬إن من السإخف الذي ليس بعده سإخف اعتبار مصر جزاءا من الشرق واعتبار العقلية‬
‫المصرية عقلية شرقية كعقلية الهند والصين( )‪ .(2‬وقال أيضاا‪) :‬نريد أن نتصل بأوروبا‬
‫ل()‪.(3‬‬
‫اتصالا يزداد قوة من يوم إلى يوم حتى نصبح جزاء منها لفظ ا ومعنى وحقيقة وشك ا‬
‫رابعاا‪ :‬العلمانية‪:‬‬
‫العلمانية هي فصل الدين عن الدولة وقيامها على أسإس دنيوية متمثلة المصلحة‬
‫المعتبرة عقلا وعرف ا في مختلف شؤون الحياة)‪ .(4‬وهي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف‬
‫الناس عن الهتمام بالخرة إلى الهتمام بالحياة الدنيا وحدها)‪ .(5‬وهي ترجمة لكلمة‬
‫‪) secularism‬سإيكلريزم( والتي يوهم ظاهرها أن لها صلة بالعلم والمذهب العلمي‪ ً،‬ولكن‬
‫الحقيقة أنه ل علقة لها بالعلم ول بمعطياته‪ ً،‬وترجمتها الصحيحة‪ :‬اللدينية أو الدنيوية)‪.(6‬‬
‫نشأت هذه الدعوة في أوروبا مع بداية عصر النهضة وعمت أقطار العالم بتأثير‬
‫السإتعمار والتبشير والشيوعية‪ ً،‬وقد أدت ظروف كثيرة قبل الثورة الفرنسإية سإنة ‪1789‬م‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬شبهات التغريب في غزو الفكر السإلمي أنور الجندي ص ‪ ً،13‬المكتب السإلمي‪ ً،‬ط ‪1987‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬مسإتقبل الثقافة في مصر طه حسإين ‪ ً،1/32‬مطبعة المعارف بالقاهرة ‪1938‬م‪.‬‬
‫‪ ()3‬المرجع السإابق ‪.1/34‬‬
‫‪ ()4‬السإلم وقضايا العصر مجموعة من السإاتذة ص ‪ ً،68‬دار المناهج بالردن‪ ً،‬ط الولى ‪-1420‬‬
‫‪.2000‬‬
‫‪ ()5‬مذاهب فكرية معاصرة محمد قطب ص ‪ ً،445‬دار الشروق‪ ً،‬ط الولى ‪1983‬م‪.‬‬
‫‪ ()6‬انظر‪ :‬العلمانية وثمارها الخبيثة عبد ال بن عبد الرحمن الجبرين ص ‪ ً،6‬دار الوطن بالرياض‪ ً،‬ط‬
‫‪1411‬هـ‪ ً،‬والعلمانية وآثارها في الحياة السإلمية المعاصرة سإفر الحوالي ص ‪ ً،21‬دار مكة‪ ً،‬ط الولى‬
‫‪.1982-1402‬‬

‫‪162‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫وبعدها إلى انتشارها الواسإع وتبلور منهجها وأفكارها)‪ .(7‬فهي حركة إذا تقوم على نشر‬
‫الباحية والفوضى الخلقية‪ ً،‬إواقصاء الدين وتنحيته عن واقع المسإلمين في جميع نواحي‬
‫الحياة‪ .‬والناظر إلى واقع المة العربية والسإلمية يجد أن الفكر العلماني قد دخل بلد‬
‫المسإلمين كلها‪ ً،‬بل وأصبح أكثر زعماء المة يتبنونه في سإياسإتهم الداخلية والخارجية‪.‬‬

‫المطلب الخامس‪ :‬وسائل الغزو الثقافي وأساليبه‪:‬‬


‫لقد اعتمد الغرب في غزوهم الثقافي على وسإائال وأسإاليب عديدة‪ ً،‬تسإاعدهم في‬
‫تحقيق أحلمهم وأهدافهم‪ ً،‬مبنية على المكر والخديعة‪ ً،‬وفيما يلي نذكر أهم هذه الوسإائال‬
‫والسإاليب‪:‬‬
‫أوال‪ :‬العلم‪:‬‬
‫لقد اسإتخدم الغرب العلم كوسإيلة من وسإائال غزو ثقافة المسإلمين‪ ً،‬ولهذا لو نظرنا‬
‫إلى العلم بشتى صوره وأشكاله سإواء المقروء منه أو المسإموع أو المرئاي‪ ً،‬سإنجد انحللا‬
‫فيه بشكل عام في القيم والخلق والمبادئ والمعتقدات باسإتثناء العلم الديني والسإياسإي‬
‫النزيه‪.‬‬
‫فمن الملحظات على العلم المعاصر‪:‬‬
‫‪ -1‬نشر الرذيلة والفاحشة بين المسإلمين من خلل الفلم الخليعة والمسإلسإلت السإاقطة‬
‫والمسإرحيات الوضيعة والغناء الماجن‪ ً،‬عن طريق القنوات الفضائاية والشاشات‬
‫العنكبوتية‪ ً،‬ولهذا توعد ال تعالى من نشر الفاحشة بعذاب شديد بقوله‪ :‬إقنن النقذيون‬
‫ب أوقلييم قفي القدمنويا وواملقخورقة وواللنهه‬ ‫يقحقبوون وأن توقشيع املوفاقح و ق ق‬
‫شهة في النذيون آومهنوا لوههمم وعوذا ي‬ ‫و‬ ‫ه‬
‫ويمعلوهم وووأنتهمم ول تومعلوهموون‪) ‬النور ‪.(19‬‬
‫‪ -2‬تبرج الكثرة الغالبة من مذيعات الخبار ومقدمات البرامج‪ ً،‬مع التمايل والتغنج في‬
‫القوال والحركات‪ ً،‬كل ذلك بهدف إشهار المراسإلت والصحفيات والمصورات‬
‫والمندوبات العلمية دعم ا لمفهوم انفلت المرأة وتحررها من الضوابط الشرعية‪.‬‬

‫‪ ()7‬الموسإوعة الميسإرة في الديان والمذاهب المعاصرة ص ‪.367‬‬

‫‪163‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫وقد نهى ال تعالى عن التبرج فقال‪ :‬ووقومرون قفي هبهيوقتهكنن ووول تووبنرمجون تووبقروج املوجاقهقلنيقة‬
‫لوولىَ‪) ‬الحزاب ‪.(33‬‬
‫ام ه‬
‫‪ -3‬إظهار الشخصيات الدينية والتاريخية في مواقف غير مقبولة أو لئاقة بنااء على‬
‫رغبة المخرج أو المنتج‪ ً،‬فلو نظرنا إلى أكثر الفلم والمسإلسإلت التي تسإمى‬
‫بالدينية لوجدنا أنها ل تخلو من السإاءة للدين والتاريخ والقادة والعظماء‪ ً،‬خاصة‬
‫فيما يتعلق بوصف القادة والعظماء بأنهم أصحاب عشق وغرام بنسإاء فارس والروم‬
‫وغيرهم‪ ً،‬وفيما يتعلق بتغيير الحقائاق التاريخية والتلعب بها بما ينسإجم مع الخراج‬
‫والنتاج‪.‬‬
‫‪ -4‬إشغال المسإلمين عن طاعة ال إيثا ار لمتابعة فيلم أو مسإلسإل أو مباراة لكرة القدم‬
‫ونحو ذلك مما يروجون له بدعايات براقة‪ ً،‬وهم بذلك يقدمون مشاهدة البرامج على‬
‫ت ومقن اتنوخوذ إقلووههه وهوواهه‬
‫طاعة ال تعالى وبذلك ينطبق عليهم قوله تعالى‪ :‬أوفووأرومي و‬
‫شاووةا فوومن ويمهقديقه‬ ‫صقرقه قغ و‬ ‫ق‬ ‫ضلنهه اللنهه عولىَ قعملةم ووختوم عولىَ ق ق‬
‫سممعه وووقملقبه وووجوعول وعولىَ وب و‬
‫و‬ ‫و و و‬ ‫و‬ ‫ووأو و‬
‫قمن وبمعقد اللنقه أوفوول تووذنكهروون‪) ‬الجاثية ‪.(23‬‬
‫‪ -5‬يؤدي العلم إلى محبة كثير من الممثلين والممثلت والمغيين والمغنيات‬
‫واللعبين واللعبات‪ ً،‬حتى تج أر كثير من السإفهاء فأطلقوا عليهم ألقاب ا تتنافى مع‬
‫العقيدة كلقب معبود الجماهير‪ ً،‬وهل هناك معبود بحق في الكون غير ال تعالى‪ً،‬‬
‫والمرء مع من أحب‪.‬‬
‫‪ -6‬إن العلم يجر المسإلمين إلى اتباع الكفار والفسإاق في أخلقهم ومعتقداتهم ومناهج‬
‫حياتهم‪ ً،‬والتشبه بهم في ملبسإهم وأشكالهم وأقوالهم وأفعالهم‪ ً،‬وهذا ما حذر النبي ‪‬‬
‫منه كما في حديث ابن عمر رضي ال عنهما‪) :‬من تشبه بقوم فهو منهم()‪.(1‬‬

‫‪ ()1‬أخرجه أبو داود في سإننه‪-‬كتاب اللباس‪-‬باب في لبس الشهرة ‪4/1730‬ح ‪ ً،4031‬تحقيق السإيد محمد‬
‫سإيد وغيره‪ ً،‬دار الحديث بالقاهرة‪ ً،‬ط ‪ .1999-1420‬وأحمد في مسإنده ‪2/50‬ح ‪ ً،51‬تحقيق أحمد شاكر‪.‬‬
‫والحديث إسإناده صحيح‪ ً،‬وقد صححه شيخ السإلم ابن تيميه في كتابه اقتضاء الصراط المسإتقيم لمخالفة‬
‫أصحاب الجحيم ‪ ً،1/240‬دار المسإلم بالرياض‪ ً،‬ط الخامسإة ‪.1994-1415‬‬

‫‪164‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫‪ -7‬إن معظم وسإائال العلم المعاصرة جاءت إلينا عن طريق الغرب ولم نؤسإس لها‬
‫نحن‪ ً،‬لهذا حققنا للغرب ما يريده لنا ويتمناه‪ ً،‬وقد بين ال تعالى نوايا أهل الكتاب‬
‫وغيرهم من أعداء السإلم فقال‪ :‬ووند وكقثيير بممن أومهقل املقكوتاقب لومو ويهرقدوونهكم بمن وبمعقد‬
‫ق…‪) ‬البقرة ‪.(109‬‬ ‫سادا بممن قعنقد وأنفهقسقهم بمن وبمعقد وما تووبنيون لوهههم املوح ق‬ ‫ق ن‬
‫قإيومانهكمم هكفارا وح و‬
‫‪ -8‬نشر المبادئ والفكار الهدامة كالعلمانية والشتراكية والبعثية والقومية وغيرها من‬
‫الفكار والعقائاد التي تتنافى وتتعارض مع العقيدة السإلمية السإليمة‪.‬‬
‫‪ -9‬إن مليارات الدولرات ومئاات الطاقات التي جندها الغرب لدارة برامج البث‬
‫إوايصالها للعالم كله وللمسإلمين خاصة‪ ً،‬وما كان ذلك حبا فينا‪ ً،‬إنما لجل مواجهة‬
‫المد السإلمي الذي يشكل خط ار على ثقافة الغرب‪ ً،‬فأرادوا إشغال المة ببرامج‬
‫قاتلة للوقت‪ ً،‬وبين القرآن إنفاقهم هذا للصد عن سإبيل ال فقال‪ :‬إقنن النقذيون وكفوهروام‬
‫ينقفهقوون أوموالوهم قليصقدوام عن سقبيقل اللقه فو ق‬
‫سهينفهقوونوها ثهنم توهكوهن وعلوميقهمم وح م‬
‫سورةا ثهنم‬ ‫و‬ ‫مو هم و ه و و‬ ‫ه‬
‫شهروون‪) ‬النفال ‪.(36‬‬ ‫هيمغلوهبوون ووالنقذيون وكفوهروام إقولىَ وجوه نوم هيمح و‬
‫ثانياا‪ :‬العولمة‪:‬‬
‫وهي نظام عالمي جديد يقوم على البداع العلمي والتقني وثورة التصالت بحيث‬
‫تزول الحواجز والحدود بين المم والشعوب والدول ويمسإي العالم وكأنه قرية صغيرة)‪ .(1‬وهي‬
‫أيضا الدكتاتورية والتسإلط القهري والفكري الذي ينادي بطمس الخر إوانهاء ثقافته‪ ً،‬لتبقى‬
‫ثقافة واحدة هي الثقافة المريكية لفرض سإيطرتها ونفوذها على العالم‪.‬‬
‫ولقد نشأت العولمة مع ظهور الثورة الصناعية في القرن الثامن عشر الميلدي‪ً،‬‬
‫والعولمة من أخطر التحديات التي تواجه أمتنا العربية والسإلمية في هذا القرن‪ ً،‬وتهدف إلى‬
‫عدة أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬طمس هويتنا واقتلعنا من جذورنا التاريخية‪ ً،‬وذلك من خلل إحلل الثقافة الغربية‬
‫محل ثقافتنا السإلمية‪ ً،‬فالعولمة بالمفهوم المعاصر هي المركة التي تغزو‬

‫‪ ()1‬العولمة محمد سإعيد أبو زعرور ص ‪ ً،14‬دار البيان بعمان‪ ً،‬ط الولى ‪1998‬م‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫المجتمعات بهدف القضاء على السإلم‪ ً،‬باعتباره أهم مقومات الحضارة والنهوض‬
‫بثقافة المة)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬السإتيلء على اقتصاديات العالم عامة والمة السإلمية خاصة‪ً،‬عن طريق حصار‬
‫النتاج القومي للدول الفقيرة والضعيفة‪ ً،‬والقضاء على نظرية القتصاد السإلمي)‪.(2‬‬
‫‪ -3‬محاربة المناهج التعليمية والتربوية في العالم العربي والسإلمي‪ ً،‬ومحاولة تغييرها‬
‫إلى نموذج يتناسإب وطبيعة الفكر الثقافي الغربي حتى يشب الطفال على حب‬
‫الثقافة الغربية وضعف الثقافة السإلمية‪ ً،‬ولهذا لو نظرنا إلى المناهج التعليمية في‬
‫العالم السإلمي خاصة فيما يتعلق بالتاريخ نجد أنها تشتمل على تاريخ هزيل يمجد‬
‫الحضارة الفرعونية واليونانية وغير ذلك من الحضارات‪ ً،‬أما عن التاريخ السإلمي‬
‫والوطن العربي فإنه تيدقرس من كتب مغلوطة‪ ً،‬وبهذا أصبحت المناهج التعليمية تفتقد‬
‫الصالة والشعبية والجماهيرية)‪ .(3‬وهذا ما صرح به زويمر زعيم المبشرين النصارى‬
‫عام ‪1354‬هـ‪1935-‬م بقوله‪) :‬إن الهدف من السإيطرة على البرامج التعليمية هو‬
‫إعداد جيل ل يعرف الصلة بال()‪.(4‬‬
‫‪ -4‬التحكم في مراكز القرار السإياسإي في دول العالم لخدمة مصالحهم‪ ً،‬وذلك من خلل‬
‫السإيطرة السإياسإية الكاملة على دول العالم الثالث بل وعلى العالم كله‪ ً،‬فهي تولي‬
‫أهمية كبيرة للمسإارات الثقافية واليديولوجية داخل المجتمعات وتعتبر نفسإها قادرة‬
‫على توجيهها حسإب إرادتها بفضل الوسإائال المادية الجديدة التابعة لها)‪.(5‬‬
‫‪ -5‬إلغاء النسإيج الجتماعي للشعوب وتدمير الهويات القومية والثقافية الخاصة لكل‬
‫شعب‪ ً،‬وتفتيت الدول وتحويلها إلى دول ضعيفة وكيانات هزيلة)‪.(6‬‬

‫‪ ()1‬العولمة ومسإتقبل العالم السإلمي فتحي يكن ص ‪ ً،23‬مؤسإسإة الرسإالة بيروت‪ ً،‬ط ‪.2000-1421‬‬
‫‪ ()2‬الثقافة السإلمية ثقافة المسإلم وتحديات العصر ص ‪.269‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬نظم التعليم العربية بين واقعها ومحاولة تطويرها محمد منير موسإى ص ‪ ً،142‬مركز البحوث‬
‫التربوية بجامعة قطر‪ ً،‬ط الولى ‪1984‬م‪.‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬أسإاليب الغزو الفكري للعالم السإلمي ص ‪.63‬‬
‫‪ ()5‬انظر‪ :‬العولمة ومسإتقبل العالم السإلمي ص ‪.23‬‬
‫‪ ()6‬انظر‪ :‬الثقافة السإلمية ثقافة المسإلم وتحديات العصر ص ‪269‬‬

‫‪166‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫ثالثاا‪ :‬إيجاد القيادات والزعامات الفاسدة‪:‬‬


‫لقد حرص أعداء السإلم على السإيطرة والهيمنة الكاملة على بلد المسإلمين‪ ً،‬من‬
‫خلل إيجاد قيادات وزعامات عربية إواسإلمية تحكم البلد وفق منهج علماني ل علقة له‬
‫بالدين‪ .‬والهدف من وراء ذلك عدة أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬تنحية السإلم عن واقع الحياة وترك التحاكم إليه عند النوازل والملمات‪ ً،‬إواصدار‬
‫قوانين وتشريعات وضعية يضعها ويقننها سإفهاء البشر ممن يتولون أمر الناس‪.‬‬
‫لهذا عاب ال تعالى على من يشرع للناس غير شرع ال تعالى فقال‪ :‬أومم لوههمم‬
‫ضوي وبميونههمم‬ ‫شرعوا لوهم بمون البديقن ما لوم يأموذن قبقه اللنهه ولووول وكقلمهة املفوصقل لوقه ق‬
‫م‬ ‫و‬ ‫و م‬ ‫و مو‬ ‫شوروكاء و و ه ه‬ ‫ه‬
‫ب أوقلييم‪) ‬الشورى ‪.(21‬‬ ‫إوقانن ال ن ق ق‬
‫ظالميون لوههمم وعوذا ي‬ ‫و‬
‫‪ -2‬إضلل المسإلمين عن سإواء السإبيل وذلك بنشر كل مظاهر النحلل‪ ً،‬واعتبار‬
‫التمسإك بالدين رجعية تتنافى مع الحرية الفردية في المجتمع‪ ً،‬وقد بين القرآن الكريم‬
‫أن غالب الحكام والزعماء يضلون أقوامهم عن الصراط المسإتقيم فقال تعالى‪:‬‬
‫ضمعفوميقن قمون‬
‫سقبيول ‪ ‬رنبونا آقتقهم ق‬
‫م‬ ‫و‬ ‫ضقلوونا ال ن‬
‫ساودتوونا ووهكوبوراءونا فوأو و‬ ‫‪‬وووقالهوا ورنبونا إقننا أو و‬
‫طمعونا و‬
‫املوعوذاقب وواملوعمنههمم لومعانا وكقبياار‪) ‬الحزاب ‪.(68-67‬‬
‫‪ -3‬تنفيذ المخططات الصهيونية والصليبية في العالم العربي والسإلمي‪ ً،‬وذلك عن طريق‬
‫حكام فجرة وأعوان لهم ظلمة‪ ً،‬ل يرقبون في مؤمن إلا ول ذمة‪ ً،‬يحرصون على‬
‫عروشهم وقروشهم وكروشهم‪ .‬فإن الغرب ل يمكن له أن يمرر وينفذ سإياسإته‬
‫ومخططاته إل من خلل أناس هم أصحاب نفوذ وقرار في أقوامهم‪.‬‬
‫رابعاا‪ :‬إثارة الشبهات‪:‬‬
‫لقد اسإتخدم أعداء السإلم أسإلوب التشويه لحقائاق السإلم وذلك من خلل‬
‫الشبهات التي أثيرت حوله‪ ً،‬فشمر العلماء والمفكرون عن سإاعد الجد والجتهاد فردوا على‬
‫كل الشبهات معتمدين في ردودهم على مصادر الثقافة السإلمية وخصائاصها وفهمهم لها‪ً،‬‬
‫وفيما يلي نذكر أهم الشبهات‪:‬‬

‫‪167‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫الشبهة الولىَ‪ :‬أن السإلم دين التطرف والعنف والرهاب والصولية يدعوا للدمار‬
‫والخراب‪ ً،‬والهدف من هذه الفرية تشويه صورة السإلم أمام الرأي العام العالمي من غير‬
‫المسإلمين خشية التأثر به‪ ً،‬وأمام المنتسإبين إليه ليضعف التمسإك والعمل به)‪.( 1‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬أن القرآن الكريم ليس من عند ال إوانما هو من عند البشر‪ ً،‬فتارة‬
‫يقولون هو من صنع محمد ‪ ‬وأخرى أنه من صنع بحيرى الراهب‪ ً،‬والهدف من ذلك التشكيك‬
‫)‪(2‬‬
‫في شرعيته وصلحيته لكل زمان ومكان ‪.‬‬
‫الشبهة الثالثة‪ :‬أن الثقافة السإلمية مسإتمدة من الثقافة الرومانية والغريقية‪ً،‬‬
‫والهدف من ذلك بيان أن الثقافة السإلمية غير ربانية المصدر‪ ً،‬وبالتالي يشككون في‬
‫مصداقيتها في بناء المجتمع والنهوض به)‪.(3‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬أن السإلم أباح لتباعه التعدد في الزواج‪ ً،‬وأن رسإول ال ‪ ‬كان‬
‫رجلا شهوانياا‪ ً،‬يسإير وراء ملذاته إواشباع رغباته‪ ً،‬والهدف من ذلك الطعن في شخص النبي‬
‫الكريم ‪.(4)‬‬
‫الشبهة الخامسة‪ :‬أن نظام الطلق في الشريعة السإلمية يهدد أمن السإرة ويشتت‬
‫شملها‪ ً،‬ويمزق المجتمع ويؤدي إلى مشكلة التشرد والنحطاط والجريمة إوالحاق الظلم بالمرأة‪ً،‬‬
‫والهدف من ذلك التشكيك في مصداقية التشريع السإلمي وصلحيته في معالجة القضايا‬
‫الجتماعية)‪.(5‬‬
‫الشبهة السادسة‪ :‬أن الفقه السإلمي وخاصة نظام العقوبات ل يصلح لن يكون‬
‫تشريع ا دائاماا‪ ً،‬وذلك لجمود أحكامه التي ل تتناسإب وطبيعة العصر‪ ً،‬ول ينسإجم مع معطيات‬
‫الحضارة والمدنية‪ ً،‬لما فيه من قسإوة غير مألوفة في قطع يد السإارق ورجم الزاني المحصن‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الغزو الفكري أهدافه ووسإائاله ص ‪.32‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬الثقافة السإلمية وتحديات العصر شوكت محمد عليان ص ‪ ً،286‬دار الشواف بالرياض‪ ً،‬ط‬
‫الثانية ‪.1996-1416‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬المرجع السإابق ص ‪.291‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬حقائاق السإلم وأباطيل خصومه عباس العقاد ص ‪ ً،253‬دار الكتاب العربي بيروت‪ ً،‬ط الثالثة‬
‫‪1966‬م‪.‬‬
‫‪ ()5‬انظر‪ :‬أبغض الحلل نور الدين عتر ص ‪ ً،46‬مؤسإسإة الرسإالة بيروت‪ ً،‬ط الثانية ‪.1983-1403‬‬

‫‪168‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫وجلد البكر وشارب الخمر ونحو ذلك من العقوبات‪ ً،‬والهدف من ذلك تعطيل العمل بأحكام‬
‫الشريعة السإلمية)‪.(1‬‬
‫الشبهة السابعة‪ :‬أن السإلم وما فيه من إيمان بالغيب والقدر يدعوا إلى التكالية‪ً،‬‬
‫أي التثاقل والتواكل والكسإل والتعلق بأهداب الغيب والعيش في سإبحات الخيال بعيدا عن‬
‫الواقع والحياة‪ ً،‬والهدف من ذلك اعتبار السإلم عبارة عن دين خرافي خيالي ل يتعاطى مع‬
‫الحقائاق العلمية والمعرفية من منطلق علمي منطقي)‪.(2‬‬
‫الشبهة الثامنة‪ :‬أن السإلم في دعوته للخير والتحلي بالفضائال يعتمد على‬
‫الترغيب بالثواب المؤجل في اليوم الخر‪ ً،‬وهذا يعتبر من قبيل المثالية في فعل الخير‪.‬‬
‫والهدف من هذه الشبهة بيان أن السإلم دعوة روحية بعيدة عن تلبية متطلبات الحياة المادية‬
‫ول يتعاطى مع الواقعية الوجودية)‪.(3‬‬
‫الشبهة التاسعة‪ :‬أن المرأة في السإلم ل قيمة ول مكانة لها‪ ً،‬فقد ظلمت في ظل‬
‫السإلم وانتتققص من قدرها‪ ً،‬وذلك من خلل اعتبار شهادتها نصف شهادة الرجل‪ ً،‬ونصيبها‬
‫من الميراث نصف نصيبه‪ ً،‬وديتها نصف ديته ونحو ذلك)‪.(4‬‬
‫إذا هذه بعض الشبهات التي حاول الغرب عن طريق الغزو الفكري والثقافي لبلد‬
‫المسإلمين أن يثيروها عقلهم يجدون آذان ا صاغية تسإتجيب لها وتتأثر بها‪ ً،‬والناظر والمتأمل‬
‫لها بعقل وموضوعية يدرك زيفها وفسإادها‪ ً،‬دون الخوض في غمارها والرد عليها ففي‬
‫المصادر المشار إليها ما يسإمن ويغني من جوع ويشفي صدور قوم مؤمنين‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬على طريق العودة إلى السإلم محمد سإعيد رمضان البوطي ص ‪ً،123‬مؤسإسإة الرسإالة بيروت‪ ً،‬ط‬
‫الثانية ‪ .1982-1402‬وشريعة السإلم خلودها وصلحها للتطبيق في كل زمان يوسإف القرضاوي ص ‪ً،6‬‬
‫المكتب السإلمي بيروت‪ ً،‬ط الولى ‪.1973-1393‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬اليمان والحياة يوسإف القرضاوي ص ‪ ً،295‬مكتبة وهبة بالقاهرة‪ ً،‬ط الولى‪.‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬أجنحة المكر الثلثة ص ‪.498‬‬
‫‪ ()4‬انظر‪ :‬الثقافة السإلمية ثقافة المسإلم وتحديات العصر ص ‪.344‬‬

‫‪169‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫المبحث الثالث‬
‫عوامل نهضة الثقافة السلمية في مواجهة الغزو الثقافي‬
‫يمكن لنا معشر المسإلمين أن نواجه الحرب الباردة التي يشنها الغرب على بلد‬
‫المسإلمين منذ قرون عديدة عن طريق الغزو الثقافي‪ ً،‬وذلك إذا ما تم تشخيص الداء ومعرفة‬
‫الدواء‪ ً،‬والعمل الدؤوب من قبل علماء المة ومفكريها‪ ً،‬وفيما يلي أهم العوامل المقترحة‬
‫للنهضة بالثقافة السإلمية في مواجهة التحديات الثقافية التي غزت العالم العربي‬
‫والسإلمي‪:‬‬

‫المطلب الول‪ :‬إبراز معالم الحضارة والثقافة السلمية‪:‬‬


‫الحضارة السإلمية هي نظام متكامل يشمل كل ما للنسإان من أفكار وآراء وأعمال‬
‫وأخلق في حياته الفردية أو العائالية أو الجتماعية أو القتصادية أو السإياسإية‪ ً،‬وهي‬
‫مجموعة المناهج والقوانين التي قررها سإبحانه وتعالى لجميع هذه الجوانب)‪ .(1‬وبعبارة أخرى‬
‫هي تفاعل النشطة النسإانية للجماعة الموجودة لخلفة ال في الرض عبر الزمن وضمن‬
‫المفاهيم السإلمية عن الحياة والكون)‪.(2‬‬
‫لقد تركت الحضارة السإلمية في سإجل التاريخ صفحات ل تنسإى‪ ً،‬اعترف بها‬
‫القاصي قبل الداني وأقر بها العدو قبل الصديق‪ ً،‬لقد اسإتطاعت الحضارة المنبثقة عن الثقافة‬
‫السإلمية في فترة وجيزة من عمر الزمن أن تقدم للعالم كله حضارة من أرقى الحضارات وتراثا‬
‫علميا في جميع نواحي الحياة‪ ً،‬لهذا كان لزاما علينا معشر المسإلمين مواجهة الغزو الثقافي‬
‫بإبراز معالم الحضارة السإلمية من جديد وبثوب جديد يتناسإب مع طبيعة العصر ومتطلبات‬
‫الواقع واحتياجاته‪ ً،‬وذلك بتفعيل دور المعاهد والجامعات العربية والسإلمية في تدريس مسإاق‬
‫يتحدث عقما قدمه علماء السإلم باختلف تلويناتهم العلمية عن معالم الحضارة والثقافة‬
‫السإلمية‪ ً،‬وكذلك بتفعيل دور العلم والمجلت في بث ونشر محاضرات علمية تبين‬

‫‪ ()1‬الحضارة السإلمية أبو العلى المودودي ص ‪.288‬‬


‫‪ ()2‬مقدمات في الحضارة السإلمية محمد علي ضناوي ص ‪ ً،18‬مؤسإسإة الرسإالة بيروت‪ ً،‬ط الولى‬
‫‪1980‬م‪.‬‬

‫‪170‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫للمسإلمين خاصة وللعالم كافة ما أبدعه المسإلمون الوائال في شتى ميادين الحياة‪ .‬وفيما يلي‬
‫أذكر طرفا من هذا التراث العلمي والحضاري‪:‬‬
‫أوال‪ :‬العلوم الشرعية الدينية‪:‬‬
‫لقد أبدع علماء السإلم في جميع علوم الشريعة السإلمية‪ ً،‬ففي مجال التفسإير‬
‫وعلوم القرآن صنف المام الطبري كتابه جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ً،‬والقرطبي كتابه‬
‫الجامع لحكام القرآن‪ ً،‬وابن العربي كتابه أحكام القرآن‪ .‬وفي مجال الحديث الشريف وعلومه‬
‫صنف المام البخاري ومسإلم صحيحيهما‪ ً،‬والمزي كتابه تهذيب الكمال‪ ً،‬وابن حجر‬
‫العسإقلني كتابه فتح الباري‪ .‬وفي مجال العقيدة صنف المام ابن تيمية كتابه منهاج السإنة‬
‫النبوية‪ ً،‬والشهرسإتاني كتابه الملل والنحل‪ ً،‬والبغدادي كتابه أصول الدين‪ .‬وفي مجال الفقه‬
‫وعلومه صنف المام ابن رشد كتابه بداية المجتهد‪ ً،‬وابن قدامة المقدسإي كتابه المغني‪ ً،‬وابن‬
‫حزم كتابه المحلى‪ .‬وغير ذلك من المصنفات والمؤلفات التي تع د بالمئاات واللف‪ ً،‬مما هو‬
‫موجود في المكتبات السإلمية في العالم السإلمي بالضافة إلى المخطوطات والمفقودات‪.‬‬
‫ثانياا‪ :‬علم الطب والصيدلة‪:‬‬
‫فقد اهتم المسإلمون الوائال بعلم الطب اهتماما بالغاا‪ ً،‬كان لهم فيه منجزات علمية‬
‫عظيمة‪ ً،‬وقد نبغ في الطب كثيرون أشهرهم أبو بكر الرازي الذي ألف كتابا في الطب سإماه‬
‫)الحاوي( جمع فيه صناعة الطب‪ ً،‬وأبو القاسإم الزهراوي الذي كان له سإبق الجراحة في‬
‫الطب إواليه تعود صناعة آلت الجراحة واسإتخدامها‪ ً،‬وابن النفيس الذي اكتشف الدورة‬
‫الدموية)‪.(1‬‬
‫كما واهتم المسإلمون بالصيدلة فهم أول من وضع أسإسإها وأنشأ مدارسإها‪ ً،‬وأبدعوا‬
‫في مزج المواد الكيماوية في شكل أقراص ومحاليل‪ ً،‬واكتشفوا العقاقير الطبيعية‪ ً،‬وكان من‬
‫أشهرهم ابن البيطار الندلسإي الذي قدم بحوثا في صفات المواد والنباتات والعشاب)‪.(2‬‬
‫ثالثاا‪ :‬علم الكيمياء‪:‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬أثر العلماء المسإلمين في الحضارة الوروبية أحمد علي المل ص ‪ ً،138‬دار الفكر بيروت‪.‬‬
‫‪ ()2‬تاريخ الحضارة السإلمية خلقي خنفر ص ‪ ً،461-460‬ط الولى ‪ .1991-1412‬وتاريخ العلوم عند‬
‫العرب عمر فروخ ص ‪ ً،294‬دار القلم للمليين بيروت‪ ً،‬ط الثالثة ‪1980‬م‪.‬‬

‫‪171‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫إن العلماء المسإلمين هم الذين وضعوا أسإس الكيمياء التي أسإهمت في صناعات‬
‫شتى كالورق والصابون والصبغة والدوية‪ ً،‬كما اكتشفوا الكثير من الحماض والكاسإيد‬
‫كالكبريتيك وأكسإيد الزئابق‪ ً،‬واشتهر منهم في هذا المجال جابر بن حيان الذي كان له أكثر‬
‫من مائاة مؤلف في الكيمياء إواليه نسإبت)‪.(1‬‬
‫رابعاا‪ :‬علم الفيزياء‪:‬‬
‫لقد أبدع المسإلمون في الفيزياء في علم السإوائال والبصريات والميكانيكا‪ ً،‬ومن‬
‫أشهرهم في هذا المجال ابن الهيثم الذي كانت بحوثه سإبب ا في تقدم علم الضوء والبصريات‪ً،‬‬
‫كما وكانت أسإاسإا لكل الدراسإات والبحاث التي كتبها الوروبيون وعلى رأسإهم ديكارت‬
‫ونيوتن)‪.(2‬‬
‫خامساا‪ :‬علم الفلك‪:‬‬
‫لقد اتجه المسإلمون إلى دراسإة علم الفلك بنااء على توجيه القرآن الكريم أنظارهم إلى‬
‫سوماء وذاقت املهبهروقج‪) ‬البروج ‪.(1‬‬
‫السإماء وما فيها من أفلك ونجوم وبروج‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬ووال ن‬
‫وقال تعالى‪ :‬فوول أهمققسهم قبوموواققع القنهجوقم‪) ‬الواقعة ‪ .(75‬ثم إن حاجتهم الماسإة إليه في‬
‫السإاطيل البحرية والرحلت‪ ً،‬ومعرفة أوقات الصلة وصلتي الكسإوف والخسإوف والهلة‬
‫وغيرها‪ ً،‬هو الذي حملهم على خوض هذه الدراسإة‪ ً،‬واشتهر منهم في هذا المجال أبو الحسإن‬
‫الصوفي والبتاني)‪.(3‬‬
‫سادساا‪ :‬علم الرياضيات‪:‬‬
‫س‬ ‫لقد حث القرآن الكريم على هذا العلم وذلك في قوله تعالى‪ :‬ههوو النقذيِ وجوعول ال ن‬
‫شمم و‬
‫ب…‪) ‬يونس ‪ ً،(5‬والمراد من‬ ‫ق‬ ‫ضياء واملقومر هنو ار وقوندرهه موناقزول لقتوعلوموام عودود ال ب ق‬
‫ق‬
‫سا و‬
‫سنيون وواملح و‬ ‫م ه و‬ ‫و و وو ا و و و‬
‫الحسإاب العد والحصاء‪ .‬ويعتبر الخوارزمي أول من وضع علم الجبر في كتابه )الجبر‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬السإلم والحضارة منظمة الندوة العالمية للشباب المسإلم ‪ ً،2/789‬ط الولى ‪1981‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬العلوم عند العرب قدري طوفان ص ‪ ً،158‬مكتبة مصر بالقاهرة‪ ً،‬ط الولى ‪1977‬م‪ .‬وتاريخ‬
‫الحضارة السإلمية ص ‪.469‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬أثر علماء العرب والمسإلمين في تطوير الفلك علي عبد ال الدفاع ص ‪ ً،52‬مؤسإسإة الرسإالة‬
‫بيروت‪ ً،‬ط الولى ‪.1981‬‬

‫‪172‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫والمقابلة(‪ ً،‬والبتاني أول من اشتغل بعلم المثلثات‪ ً،‬والكرخي أول من اشتغل بالحسإاب فألف‬
‫كتابه )الكافي في الحسإاب(‪ ً،‬والبيروني أول من اشتغل بعلم الهندسإة)‪.(1‬‬
‫سابعاا‪ :‬علم النباتات والزراعة‪:‬‬
‫اهتم المسإلمون بعلم النبات والزراعة دراسإةا وتحليلا إوانتاج ا حتى اسإتفاد الوروبيون‬
‫من أبحاثهم ودراسإاتهم في هذا المجال‪ ً،‬خاصة من كتاب الفلحة الندلسإية لبن العوام‬
‫الشبيلي الذي يعد موسإوعةا زراعيةا تحدث عن فن الزراعة والحرث والغرس والسإقي وتركيب‬
‫السإماد مما يلئام الرض)‪.(2‬‬
‫ثامناا‪ :‬علم الجغرافيا‪:‬‬
‫لقد برع المسإلمون في علم الجغرافيا واهتموا به‪ ً،‬والذي حملهم على ذلك الفتح‬
‫السإلمي وانتشار السإلم في كثير من البلدان‪ ً،‬ورحلتهم إلى الديار المقدسإة إوادارة البلد‬
‫وتنظيمها‪ ً،‬لهذا قاسإوا المسإافات بين البلدان ووصفوا مناخها وطبيعتها وبحارها وأنهارها‬
‫ومنابعها وسإهولها وجبالها‪ ً،‬وتكلموا في طبقات الرض وعلم المياه والبحار وعجائاب‬
‫مخلوقات ال فيها‪ ً،‬كما وتحدثوا عن دوران الرض وكرويتها‪ ً،‬واهتمامهم هذا كان سإببا في‬
‫نشأة علم الملحة‪ ً،‬وكان من أشهر علماء هذا الفن الدريسإي صاحب كتاب )نزهة المشتاق‬
‫في اختراق الفاق()‪.(3‬‬
‫ما تذكر آنفا عن الحضارة السإلمية قليل من كثير آثرنا أن نذكر نماذج مما قدمه‬
‫أسإلفنا الكرام في شتى العلوم والمعارف‪ ً،‬خاصة في القرون الهجرية الولى‪ ً،‬فقد حملوا‬
‫المشعل الحضاري في هذه المرحلة من مراحل التاريخ النسإاني‪ ً،‬فأضاء المسإلمون يومها‬
‫ظلمات عصوره الوسإطى‪ ً،‬وهذه الحقيقة اعترف بها الغربيون أنفسإهم وأقر مؤرخوهم أن‬
‫النهضة الحديثة في أوروبا تدين بوجودها لما تلقت من الشرق العربي السإلمي الذي كان‬
‫يقود البشرية يومها‪ ً،‬والذي اكتسإب هذه الحضارة من تعاليم السإلم ومصادره‪ ً،‬لهذا ينبغي‬
‫على المسإلمين بما أوتوا من طاقات وقدرات أن يعيدوا للحضارة السإلمية مجدها التليد‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬نظرات في الثقافة السإلمية ص ‪.293-291‬‬


‫‪ ()2‬انظر‪ :‬العلوم عند العرب ص ‪.29‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬أثر العلماء المسإلمين في الحضارة الوروبية ص ‪.172‬‬

‫‪173‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫المطلب الثاني‪ :‬تعريف المسلمين وغيرهم بعظمة السلم‪:‬‬


‫إن السإلم عبارة عن نظام شامل متكامل لجميع نواحي الحياة‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬وووننزملونا‬
‫شميةء‪) ‬النحل ‪ .(89‬ففي هذه الية القرآنية الكريمة دللة صريحة‬ ‫ب قتمبوياانا لبهكبل و‬ ‫ق‬
‫وعلوميوك املكوتا و‬
‫على أن السإلم دين شامل يعالج قضايا الناس كلها‪ .‬وهو أيضا دين متكامل لم يركز على‬
‫ت لوهكهم‬ ‫ت علوميهكم قنعمقتي ور ق‬
‫ضي ه‬ ‫ق‬
‫ت لوهكمم ديونهكمم ووأوتموممم ه و م م و و و‬
‫جانب دون غيره‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬املويمووم أومكوممل ه‬
‫سلووم قديانا‪) ‬المائادة ‪ .(3‬ففي السإلم لكل عمل حكمه الشرعي‪ ً،‬لهذا فالمسإلم محاسإب‬ ‫اقل م‬
‫سأولونههمم أومجومقعميون‪) ‬الحج ‪.(92‬‬‫على كل عمل‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬فووووربوك لوون م‬
‫فلو نظرنا إلى السإلم لوجدنا أنه يتحدث عن القيم والخلق والداب السإلمية‬
‫فحث عليها ورغب فيها‪ ً،‬كما وتحدث عن القيم الهابطة والخلق السإاقطة فنهى عنها وحذر‬
‫منها‪ ً،‬وهذا ما يعرف بالنظام الخلقي‪ .‬وتحدث عن علقات الناس وتعاملتهم المالية‬
‫كالبيوع والديون والمانات ونحوها‪ ً،‬فضبطها وقيدها حتى يسإلم المجتمع من كل معاني الغش‬
‫والخداع والسإتغلل‪ ً،‬وهذا ما يعرف بالنظام القتصادي‪ .‬وتحدث عن السإرة ومكانتها في‬
‫المجتمع‪ ً،‬والعلقة بين الزوجين‪ ً،‬وبين الباء والبناء‪ ً،‬وبين القارب والجيران‪ ً،‬وهذا ما يعرف‬
‫بالنظام الجتماعي‪ .‬وتحدث عن العلقات التي ترتبط بالمنازعات والخصومات فقعد لذلك‬
‫القواعد وسإن الحكام‪ ً،‬وهذا ما يعرف بالنظام القضائاي‪ .‬وتحدث عن الجرائام كالقتل والسإرقة‬
‫والزنا وشرب الخمر‪ ً،‬ورتب على بعضها عقوبات رادعة إما بإقامة الحمد أو بالتعزير‪ ً،‬ليعيش‬
‫الناس آمنين على حياتهم وأموالهم وأعراضهم‪ ً،‬وهذا ما يعرف بنظام العقوبات‪ .‬وتحدث عن‬
‫العلقة بين المام والرعية في الدولة السإلمية‪ ً،‬وبين الدولة السإلمية وغيرها من دول‬
‫الجوار‪ ً،‬ووضع لذلك أحكام ا عامة وخاصة‪ ً،‬وهذا ما يعرف بالنظام السإياسإي‪ .‬وغير ذلك من‬
‫ض وولو‬‫جوانب الحياة المتعددة فما ترك شيئا ا إل وبينه‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬وووما قمن ودآنبةة قفي الومر ق‬
‫شهروون‪‬‬ ‫شميةء ثهنم إقولىَ وربقهمم هيمح و‬
‫طاقئةر ويقطيهر قبوجوناوحميقه إقلن أهوميم أومموثالههكم نما فونرمطونا قفي القكوتاقب قمن و‬
‫و‬
‫)النعام ‪.(38‬‬
‫ولو نظرنا إلى هذه النظم السإلمية المتعددة لوجدنا أنها ترد ضمن ا على جميع‬
‫الشبهات التي تأثيرت حول شرعية السإلم وصلحه لكل عصر وزمان‪ ً،‬كما وتبين فسإاد‬

‫‪174‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫النظم الغير إسإلمية‪ ً،‬والتي هي نتاج الغزو الثقافي الذي يريد أن يسإيطر على دول العالم‬
‫الثالث بشكل خاص وعلى العالم كله‪ ً،‬فالنظم السإلمية صالحة لكل زمان ومكان لن‬
‫مصدرها هو الوحي المتمثل بكتاب ال عز وجل وبسإنة رسإوله ‪.‬‬
‫ل‪ ً،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫ومما يظهر عظمة السإلم أيض ا أنه كرم النسإان وأعطاه حقه كام ا‬
‫ضملوناههمم وعولىَ وكقثيةر‬
‫‪‬وولوقومد وكنرممونا وبقني آودوم وووحومملوناههمم قفي املوببر وواملوبمحقر وووروزمقوناههم بمون الطنبيوباقت ووفو ن‬
‫ضيلا‪) ‬السإراء ‪ .(70‬كرمه بأن خلقه ال بيده ونفخ فيه من روحه وأوقع له‬ ‫بمنممن وخلومقونا تومف ق‬
‫الملئاكة سإاجدين وعلمه أسإماء الشياء‪ ً،‬وكرمه بأن جعله سإيدا على المخلوقات كلها‬
‫وسإخرها له‪ ً،‬وكرمه بأن خلقه في أحسإن تقويم فجعل له السإمع والبصر والفؤاد ليدرك ما حوله‬
‫من الشياء‪ ً،‬وكرمه بأن منع العتداء عليه بأي صورة‪ ً،‬وصان كرامته من الذى بأي وسإيلة‪ً،‬‬
‫وتكفل بحفظ دمه واعتبر العتداء علي دمه بغير حق اعتداء على البشرية كلها‪ ً،‬بل وحرم‬
‫العتداء على جزء منه من كسإر سإن أو فقء عين أو هشم أنف وجعل جزاء من يفعل ذلك‬
‫المثل بالمثل‪ ً،‬وبإيجاز كرم النسإان بأن حافظ على دينه وحياته وعقله وعرضه وماله‪.‬‬
‫هذا هو السإلم العظيم الذي جاء لسإعادة البشرية كلها في الدنيا والخرة‪ ً،‬فقد أعز‬
‫ال تعالى المسإلمين الوائال لما علموا قيمة السإلم وعظمته‪ ً،‬فأذل لهم الكاسإرة وأهان‬
‫القياصرة‪ ً،‬ودانت لهم البلد وخضعت لهم رقاب العباد‪ ً،‬بعد أن كانوا أذلء في الجاهلية قبل‬
‫السإلم‪ ً،‬لهذا حري بالمسإلمين اليوم أن يتعرفوا على السإلم جيداا‪ ً،‬لن من عرف حقيقة‬
‫السإلم وجوهره وطبيعته ل يمكن بحال من الحوال أن يتأثر من الغزو الثقافي‪ .‬وكذلك‬
‫حري بالمسإلمين أن يعملوا جاهدين على غزو العالم الغربي بثقافة هذا السإلم‪ ً،‬وذلك من‬
‫خلل نشره وتبليغه للناس كافة وتعريفهم بحقيقته وعظمته‪ ً،‬فهي إذا وسإيلة هجوم ثقافي للدفاع‬
‫عن ثقافة المجتمع المسإلم من العدوان الثقافي الغربي‪.‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬تعرية الثقافة الغربية وكشف زيفها‪:‬‬


‫إن تعرية الثقافة الغربية وبيان زيفها وضللها وفسإادها أمر في غاية الهمية من‬
‫شأنه أن يزيد من قوة الثقافة السإلمية وفاعليتها‪ ً،‬ويضعف زحف الثقافة الغربية وانتشارها‪.‬‬

‫‪175‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫وفي تصوري أن هذا المر من أقوى الوسإائال التي من خللها نسإتطيع مواجهة‬
‫الغزو الثقافي والتحديات المعاصرة التي تواجه العالم السإلمي‪ ً،‬وذلك لن أفضل وسإيلة‬
‫للدفاع عن النفس هي وسإيلة الهجوم على الخصم‪ .‬وهذا هو منهج القرآن الكريم‪ ً،‬فقد كشف‬
‫لنا عن زيف وضلل المعتقدات والثقافات اليهودية والنصرانية والوثنية وغيرها‪ ً،‬فما ترك‬
‫القرآن الكريم صورة من صور الضلل والنحلل إل وعلق عليها وحذر منها وبين فسإادها‬
‫وبطلنها‪.‬‬
‫ففي بيان فسإاد اعتقاد النصارى في ال‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬لنقومد وكفوور النقذيون وقالهوام إقنن ال لوه‬
‫سنن النقذيون وكفوهروام قممنههمم‬ ‫ث ثولو ثوةة وووما قممن إقلوةه إقلن إقلويه وواقحيد و إوقان لنمم وينتوههوام وعنما ويهقوهلوون لوويوم ن‬ ‫وثاقل ه‬
‫ب أوقلييم‪) ‬المائادة ‪ .(73‬وعن غلوهم في عيسإى عليه السإلم‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬ويا أومهول املقكوتاقب‬ ‫وعوذا ي‬
‫سوهل ال لقه‬ ‫سىَ امبهن وممرويوم ور ه‬
‫ق ق‬
‫ق إقنوما املومسيهح عي و‬ ‫لو تومغلهوام قفي قديقنهكمم وولو توهقولهوام وعولىَ ال لقه إقلن املوح ب‬
‫وووكقلومتههه أوملوقاوها إقولىَ وممرويوم ووهرويح بممنهه…‪) ‬النسإاء ‪ .(171‬وعن تحريف اليهود لكلم ال‬
‫ضقعقه ووويهقوهلوون‬ ‫وعصيانهم لوامره‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬بمون النقذيون وهاهدوام يحبرهفوون املوكلقم عن نموا ق‬
‫و و و‬ ‫هو‬
‫طمعانا قفي البديقن…‪) ‬النسإاء ‪.(46‬‬ ‫سومةع وووارقعونا لوييا قبأوملقسونقتقهمم وو و‬‫سوممع وغميور هم م‬ ‫صميونا ووا م‬
‫ق‬
‫سممعونا وووع و‬ ‫و‬
‫وعن نسإبتهم صفة البخل ل‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬وووقالوقت املويههوهد ويهد ال لقه وممغهلولوية هغلنمت أوميقديقهمم وولهقعهنوام‬
‫شاء…‪) ‬المائادة ‪ .(64‬وعن حسإد أهل الكتاب‬ ‫ف وي و‬‫ق وكمي و‬‫طوتاقن هينقف ه‬‫سو و‬‫قبوما وقالهوام وبمل ويوداهه وممب ه‬
‫من اليهود والنصارى وحقدهم بالمسإلمين‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬ووند وكقثيير بممن أومهقل املقكوتاقب لومو ويهرقدوونهكم‬
‫صفوهحوام‬ ‫ق وفامعفهوام ووا م‬ ‫سادا بممن قعنقد وأنفهقسقهم بمن وبمعقد وما تووبنيون لوهههم املوح ق‬ ‫ق ن‬ ‫ق‬
‫بمن وبمعد قإيومانهكمم هكفارا وح و‬
‫شميةء قوقديير‪) ‬البقرة ‪ .(109‬وعن بيان حال تبرج‬ ‫وحنتىَ ويأمقتوي اللهه قبأوممقرقه إقنن اللوه وعولىَ هكبل و‬
‫النسإاء في الجاهلية قبل السإلم‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬ووقومرون قفي هبهيوقتهكنن ووول تووبنرمجون تووبقروج املوجاقهلقنيقة‬
‫لوولىَ…‪) ‬الحزاب‪ .(33:‬وعن حمية الجاهلية وذمها‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬إقمذ وجوعول النقذيون وكفوهروا‬ ‫ام ه‬
‫سوقلقه وووعولىَ املهممؤقمقنيون ووأوملوزومههمم‬ ‫قفي هقهلوقبقهم املحقمنيوة حقمنيوة املجاقهقلنيقة فووأنوزول اللنهه ق‬
‫سكيونتوهه وعولىَ ور ه‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫و‬ ‫ه و‬
‫شميةء وعقلياما‪) ‬الفتح‪ .(26 :‬كما وفضح‬ ‫ق قبوها ووأومهلووها وووكاون اللنهه قبهكبل و‬ ‫وكلقوموة التنمقووىَ وووكاهنوا أووح ن‬
‫القرآن الكريم ثقافة المنافقين وطبيعتهم وما تكدنه صدورهم من عداء ومكر بالسإلم وأهله في‬

‫‪176‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫آيات عديدة‪ ً،‬بل تسإميت سإورة كاملة باسإمهم وهي سإورة المنافقون‪ ً،‬كما وتسإميت سإورة التوبة أو‬
‫براءة بالفاضحة والبحوث لنها فضحت المنافقين وبحثت عن أسإرارهم)‪.(1‬‬
‫هذه بعض النماذج والمثلة من منهج القرآن الكريم في تعرية المعتقدات والثقافات‬
‫الفاسإدة‪ ً،‬فينبغي علينا السإتفادة من هذا المنهج والسإير عليه في مواجهة الغزو الثقافي‪ً،‬‬
‫خاصة وأن الثقافة الغربية في هذا العصر اجتاحت العالم السإلمي بأفكارها وقوانينها‬
‫ونظمها وأسإاليبها المتعددة‪ .‬فصار لزاما علينا دراسإة الثقافة الغربية دراسإة واعية فاحصة‬
‫لحقيقتها وجوهرها ومصادرها وخصائاصها وأهدافها وأسإاليبها وصورها‪ ً،‬ودراسإة أثرها في واقع‬
‫الحياة الدينية والثقافية والقتصادية والجتماعية والسإياسإية‪.‬‬
‫إن الناظر والمتأمل في واقع الشعوب الغربية التي ل تنتمي إلى السإلم‪ ً،‬يدرك‬
‫عريها من القيم والخلق الفاضلة التي جاءت بها ثقافة السإلم‪ ً،‬فالسإرة عندهم ل نظام لها‬
‫والقبلية ل قانون لها والمة ل دسإتور لها‪ ً،‬إنما هو الطغيان يتحكم في الفرد ويسإيطر على‬
‫الجماعة‪ ً،‬فالعالم في قلق شامل واضطراب شديد يتخبط في ضللة عمياء وفي جهالة‬
‫جهلء‪ ً،‬حتى أكل القوي الضعيف وقهر الغني الفقير‪ ً،‬واندلعت نيران الحروب بين المم‬
‫والشعوب‪ ً،‬فرويت الرض بالدماء واسإتغاثت الرض بالسإماء‪ ً،‬وضربت الفوضى أطنابها في‬
‫كل مكان‪ ً،‬وتولى الشيطان قيادة النسإان فزين له البهتان‪ ً،‬وأقيمت الوحشية مقام النسإانية‪ً،‬‬
‫وحقلت الرذيلة مكان الفضيلة‪ ً،‬وظهر شباب مائاع تسإيطر عليه الغريزة البهيمية يتلمس النسإاء‬
‫الكاسإيات العاريات‪ ً،‬فانتشر التبرج والسإفور وشاعت المخدرات والخمور‪ ً،‬كل ذلك باسإم‬
‫الحضارة والمدنية وباسإم ثقافة الحرية والتحرر‪.‬‬
‫لقد بلغ النسإان في هذا العصر أوجا من العظمة لم يبلغه في تاريخه كله‪ ً،‬وبلغ من‬
‫القوة والسإيطرة والجبروت مدى لم يحلم به سإكان الكوكب الرضي قبل مئاات السإنين بل‬
‫وعشراتها‪ ً،‬ومع هذا فإن النسإان الغربي في جاهلية عمياء وبكماء وصماء‪.‬‬
‫وقد يظن كثير من الناس أن الجاهلية فترة معينة من الزمن كانت في الجزيرة‬
‫العربية قبل السإلم بسإبب عبادة الصنام‪ ً،‬ولكن الجاهلية كما وصفها النسإان حالة نفسإية‬
‫سهن قمون اللقه‬ ‫قق ق‬
‫ترفض الهتداء بهدي السإلم‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬أوفوهحمكوم املوجاهلنية ويمبهغوون وووممن أومح و‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬الجامع لحكام القرآن أبو عبد ال محمد بن أحمد القرطبي ‪.8/61‬‬

‫‪177‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫هحمكاما لبقوموةم هيوقهنوون‪) ‬المائادة ‪ .(50‬ولم يقل القرآن أن العرب كانوا في جاهلية لنهم ل‬
‫يعرفون الفلك والطبيعة والكيمياء والطب‪ ً،‬أو لنهم ل يعرفون النظم السإياسإية والقتصادية‬
‫والجتماعية‪ ً،‬أو لنهم قاصرون في ميدان البداع والنتاج‪ ً،‬إوانما اعتبرهم في جاهلية لنهم‬
‫ص القرآن الكريم علينا حضارات كثيرة‬
‫يحكمون أهواءهم ويرفضون حكم ال تعالى‪ .‬ولهذا ق ق‬
‫في أمم مضت وكانت أكثر تحض ار من العرب حين جاءهم السإلم‪ ً،‬ومع ذلك اعتبرها القرآن‬
‫جاهلية لنها ل تهتدي بهدي ال تعالى‪ ً،‬قال تعالى‪:‬‬
‫شند قممنههمم‬‫ف وكاون وعاققوبهة النقذيون قمن قومبلققهمم وكاهنوا أو و‬ ‫‪‬أووولومم ويقسيهروا قفي املومر ق‬
‫ض فووينظههروا وكمي و‬
‫سلهههم قباملوببيوناقت فووما وكاون اللنهه‬ ‫ق‬
‫ض وووعومهرووها أومكثوور منما وعومهرووها وووجاءتمههمم هر ه‬ ‫قهنوةا ووأووثاهروا املومر و‬
‫سههمم ويمظلقهموون‪) ‬الروم ‪ .(9‬إذا فالذين يتبعون أهواءهم ول يتبعون ما‬ ‫ق‬ ‫ق ق‬
‫لويمظلومههمم وولوكن وكاهنوا وأنفه و‬
‫أنزل ال هم في جاهلية أقي ا كان مبلغهم من العلم البشري‪.‬‬
‫فإن كانت الجاهلية العربية القديمة تعبد أوثانا محسإوسإة فإن الجاهلية الحديثة التي‬
‫أنتجتها الثقافة الغربية شأنها أوعر وأخبث وأخطر‪ ً،‬فهي جاهلية العلم والبحث والدراسإة‬
‫والنظريات والقوانين والنظمة‪ ً،‬وجاهلية المكر والكيد المخطط لتدمير البشرية على أسإس‬
‫علمية‪ ً،‬إنها جاهلية ل مثيل لها في التاريخ‪.‬‬

‫المطلب الرابع‪ :‬استخدام التقنية الحديثة لخدمة الثقافة السلمية‪:‬‬


‫لقد حث السإلم على العلم والمعرفة في كل الميادين‪ ً،‬فقد بدأ العلم مع بداية نشأة‬
‫الخليقة بأبينا آدم عليه السإلم‪ ً،‬حينما هبط من الجنة إلى الرض ليعمرها‪ ً،‬وكان مزودا‬
‫سوماء هكلنوها ثهنم‬
‫بجميع أنواع العلم التي تكفل له حياته على الرض‪ ً،‬قال تعالى‪ :‬وووعلنوم آودوم الو م‬
‫صاقدققيون‪) ‬البقرة ‪ ً،(31‬والذي‬ ‫سوماء وههؤلء قإن هكنتهمم و‬
‫ق ق‬
‫ضههمم وعولىَ املوملو ئوكة فووقاول وأنقبهئوقني قبأو م‬
‫وعور و‬
‫يقتضيه لفظ )كلها( الحاطة والشمول‪ ً،‬ولهذا جعل ال تعالى العلم الحجة البالغة على‬
‫الملئاكة حين بدا لهم أن تسإبيحهم وتقديسإهم ل يؤهلهم لخلفة الرض وعمارتها‪ ً،‬بأنه علم‬
‫آدم السإماء وطلب منهم النباء بها‪ ً،‬فلما عجزت الملئاكة عن ذلك‪ ً،‬دقل على أن آدم عليه‬
‫السإلم إنما اسإتحق الخلفة في الرض بما أوتي من العلم‪.‬‬

‫‪178‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫لهذا أكد القرآن على أهمية العلم والمعرفة‪ ً،‬فلو تأملنا كلمة العلم ومشتقاتها في‬
‫القرآن الكريم نجد أنها بلغت سإبعمائاة وثمانين مرة‪ ً،‬فقد أشار القرآن الكريم إلى جوانب علمية‬
‫ومعرفية متعددة ليأخذ بيد النسإان نحو عمارة الرض بكل ما أوتي من وسإائال العلم المتوفرة‪.‬‬
‫كما أن النبي ‪ ‬أكد على أهمية العلم وشرف العلماء في أحاديث كثيرة‪.‬‬
‫لهذا أصبح لزام ا على المسإلمين أن يواكبوا التقدم العلمي والحضاري وأن يسإتخدموا‬
‫كل وسإائال التقنية الحديثة للتقدم السإريع خدمة للسإلم وثقافته‪ ً،‬ونضرب لذلك مثالا واحدا‬
‫من وسإائال التقنية التي تفيد في خدمة الثقافة السإلمية‪.‬‬
‫وهو شبكة المعلومات الدولية )النترنت( وما يلحق بها‪ ً،‬فمن فوائادها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬الحصول على برامج عديدة في العلوم والمعارف المتنوعة سإواء في الفقه‬
‫والحديث والتفسإير واللغة وغيرها‪ ً،‬إضافة إلى تحميل المصنفات العديدة بلغات مختلفة على‬
‫أجهزة الحاسإوب‪ ً،‬خاصة أن إثبات العقائاد يتطلب اسإتحضار عدد كبير من الدلة والبراهين‪ً،‬‬
‫لهذا يمكن للحاسإوب أن يحفظ كقم ا كبي ار من الدلة والبراهين والمناقشات والحوارات‪ ً،‬مع‬
‫تصنيف ذلك على الموضوعات‪.‬‬
‫ثانياا‪ :‬أن الحاسإوب وشبكة النترنت يصل إلى كثير من الناس الذين لم تبلغهم‬
‫دعوة السإلم‪ ً،‬لوجودهم في بلد منغلقة جغرافي ا أو إعلمي ا أو ثقافياا‪ ً،‬أو لتقصير الدعاة‬
‫والعلماء‪ ً،‬خاصة إذا ما تأتقنت هذه البرامج وخضعت لرقابة علمية دينية‪ ً،‬كي تنقل المفاهيم‬
‫الصحيحة عن السإلم وثقافته‪ ً،‬وبذلك تتخطى شبكة النترنت الحواجز الزمانية والمكانية)‪.(1‬‬
‫ثالثاا‪ :‬أن المادة العلمية التي تخدم الثقافة السإلمية يمكن التوصل لها متى شاء‬
‫الباحث دون كلفة أو عناء‪ ً،‬فالنترنت ل يكلف عشر معشار ما تكلفه الوسإائال التقليدية‬
‫الدعوية البدائاية‪ ً،‬وهذه ميزة هامة يختص بها‪ ً،‬خاصة مع إقبال الناس الشديد على اسإتخدام‬
‫النترنت‪ ً،‬فقد أصبح النترنت اليوم من أهم المراجع والمصادر التي يرجع إليها الباحث‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬تقنيات التصال بين زمنين إياد شاكر البكري ص ‪ ً،126‬دار الشروق بالردن‪ ً،‬ط الولى‬
‫‪2003‬م‪.‬‬

‫‪179‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫رابعاا‪ :‬سإهولة اسإتخدام النترنت فهو ل يحتاج إلى خبرة معلوماتية كبيرة‪ ً،‬بل يحتاج‬
‫إلى مبادئ أولية تسإاعده في التعرف على البرامج‪ ً،‬ثم بعد ذلك بالممارسإة والمتابعة والتطوير‬
‫يصبح التعامل مع هذه التقنية أمر ممتع‪.‬‬
‫خامساا‪ :‬تمكين علماء السإلم ودعاته من فتح ثغرات في جدار العدو‪ ً،‬من خلل‬
‫إسإلم أهله أو تحييدهم عن إعاقة الدعوة السإلمية ومحاربتها‪ ً،‬وبالتالي يقف العدو حائا ار‬
‫بين المسإلمين سإواء كانوا داخل أرضه أو خارجها وبين إقناع أهله بعدم عداوة السإلم‬
‫والمسإلمين)‪.(1‬‬
‫هذه بعض الفوائاد لوسإيلة واحدة من وسإائال التقنية الحديثة التي يمكن تسإخيرها‬
‫لخدمة السإلم وثقافته‪ ً،‬خاصة وأن المة السإلمية تملك طاقات هائالة وبيدها مقومات‬
‫عديدة‪ ً،‬لكن ينبغي التنبيه على أن النترنت ذو حدين‪ ً،‬إن وظف في نشر العلم والخير‬
‫وتثبيت العقيدة السإلمية وتدعيم القيم والخلق فعندها يكون وسإيلة للبناء‪ ً،‬إواذا وظف لجل‬
‫ترسإيخ الفسإاد والنحراف ونشر الميوعة والنحلل يكون حينها وسإيلة هدم ودمار‪.‬‬
‫المطلب الخامس‪ :‬إيجاد إعلم إسلمي هادف‪:‬‬
‫العلم السإلمي هو عملية التصال التي تشمل جميع أنشطة العلم في‬
‫المجتمع المسإلم‪ ً،‬وتؤدي جميع وظائافه المثلى الخبارية والرشادية والترويحية على المسإتوى‬
‫الوطني والدولي والعالمي‪ ً،‬وتلتزم بالسإلم في كل أهدافها ووسإائالها وفيما يصدر عنها من‬
‫وسإائال ومواد إعلمية وثقافية وترويحية‪ ً،‬وتعتمد على العلميين الملتزمين بالسإلم قولا‬
‫ل‪ ً،‬وتسإتخدم جميع الوسإائال وأجهزة العلم المتخصصة والعامة)‪.(2‬‬
‫وعم ا‬
‫ولو نظرنا إلى القرآن الكريم لوجدناه كتابا سإماويا إعلمياا‪ ً،‬تفرد بطريقته في عرض‬
‫الوقائاع وتقرير الحداث‪ ً،‬فله أسإلوب خاص في التربية والتعليم والتوجيه والرشاد‪ ً،‬فقد تميز‬
‫العلم القرآني بالبيان المعجز والتنوع في الداء والواقعية في الحوار والتزام الصدق‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬تجديد الخطاب الديني في ضوء الواقع المعاصر محمد منير حجاب ص ‪ ً،322-321‬دار الفجر‬
‫بالقاهرة‪ ً،‬ط الولى ‪2004‬م‪.‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬أصول العلم السإلمي إبراهيم إمام ص ‪ ً،34-31‬دار الفكر العربي بالقاهرة‪.‬‬

‫‪180‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫والمواجهة الصريحة والهتمام بالسإلوك والشمول لمختلف القضايا وتقديم الحقائاق العلمية‬
‫المسإقلم بها‪.‬‬
‫ثم إن الحديث الشريف ل يقدل أهميةا عن القرآن الكريم فيما يتعلق بالعلم‬
‫السإلمي‪ ً،‬فالرسإول ‪ ‬يعتبر صاحب الرسإالة العلمية العالمية الولى‪ ً،‬وهو النموذج‬
‫المثالي المبلغ لها‪ ً،‬وقد اسإتخدم وسإائال متعددة في العلم أهمها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬المسإجد‪ ً،‬وهو يعتبر من أهم وسإائال العلم الجمعي‪ ً،‬فلو قام المسإجد برسإالته‬
‫لكان أعظم أجهزة العلم السإلمي‪ ً،‬وأكبر دليل على أنه أعظم مؤسإسإة إعلمية إسإلمية‬
‫عرفها المسإلمون‪ ً،‬حرص الرسإول ‪ ‬على إقامة المسإجد الول في السإلم في أول يوم وطئات‬
‫ب المدينة المنورة‪.‬‬
‫فيه قدتمه ت ار ة‬
‫ثانياا‪ :‬الخطبة‪ ً،‬سإواء كانت خطبة الجمعة أو العيدين أو الكسإوفين أو السإتسإقاء‪ً،‬‬
‫وهي نوع من التصال الجمعي‪ ً،‬اعتمد عليها ‪ ‬اعتمادا كبي ار في نشر تعاليم السإلم‪ ً،‬وفي‬
‫الحث على عمل الخير والتحذير من عمل الشر‪ ً،‬لهذا فإن دراسإة خطب النبي ‪ ‬من الناحية‬
‫العلمية من العناصر الهامة في نظرية العلم السإلمي‪.‬‬
‫ثالثاا‪ :‬فريضة الحج‪ ً،‬وهي من الوسإائال العلمية الخاصة بالسإلم‪ ً،‬والتي ل‬
‫تناظرها وسإيلة أخرى‪ ً،‬فالحج هو المؤتمر السإلمي العالمي الكبر‪ ً،‬يلتقي فيه المسإلمون من‬
‫مشارق الرض ومغاربها مع اختلف ألوانهم ولغاتهم وأقطارهم‪.‬‬

‫لقد أصبح العلم السإلمي في هذا العصر فريضة شرعية وضرورة واقعية‪ ً،‬وذلك‬
‫لن أعداء السإلم يغزون بلد المسإلمين فكريا وثقافي ا وديني ا عن طريق العلم‪ ً،‬ويسإخخرون‬
‫كافة طاقاتهم وقدراتهم المادية وغيرها خدمة له لتحقيق أهدافهم وطموحاتهم‪ .‬لهذا أصبح لزاما‬
‫على المسإلمين أن يعملوا جاهدين بكل ما أوتوا من طاقات وقدرات على إيجاد إعلم إسإلمي‬
‫هادف يهتم بعدة أمور أهمها‪:‬‬
‫أوال‪ :‬بيان عقيدة التوحيد والعبودية الحقة الخالصة ل تعالى‪ ً،‬وتعاليم السإلم وآدابه‬
‫وأخلقه الكريمة الفاضلة‪ ً،‬وتعريف الناس بها وحثهم على فعلها‪ .‬ونشر الثقافة السإلمية‬
‫المؤقسإسإة على القيم الدينية والنظم السإلمية والمعارف العلمية‪ ً،‬التي تلبي حاجات الناس‬

‫‪181‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫واهتماماتهم‪ .‬والمتناع عن كل ما يمس الداب العامة أو يوحي بالنحلل الخلقي‪ ً،‬أو‬


‫يرغب في الجريمة والعنف‪ ً،‬أو يثير الغرائاز والشهوات‪.‬‬
‫ثانياا‪ :‬إلقاء الضوء على قضايا المسإلمين المعاصرة كالقضية الفلسإطينية والمذابح‬
‫التي ارتكبها الصهاينة في دير ياسإين وصب ار وشاتيل وقانا‪ ً،‬وما يرتكبونه الن من جرائام‬
‫متواصلة‪ ً،‬وكذلك القضية العراقية واللبنانية والفغانية والشيشانية وغير ذلك من قضايا العالم‬
‫العربي والسإلمي‪ ً،‬وذلك من خلل عرضها بأفلم وثائاقية وسإينمائاية بجميع اللغات‪ ً،‬مع‬
‫تحليلها إوايجاد الحلول الناجحة المناسإبة لها‪.‬‬
‫ثالثاا‪ :‬بيان التحديات التي تواجه السإلم والمسإلمين وخطرها الديني والثقافي‬
‫والسإياسإي والقتصادي والجتماعي على الحياة السإلمية‪ ً،‬وتعرية الحضارة الغربية‬
‫والرأسإمالية بمفاهيمها المنافية للنسإانية‪ ً،‬وأفكارها القائامة على العلمانية بإقصاء الدين عن‬
‫سإائار مجالت الحياة‪ ً،‬وتعرية الحضارة الشيوعية والشتراكية القائامة على اللحاد والتنكر‬
‫للقيم والمبادئ الخلقية)‪.(1‬‬
‫رابعاا‪ :‬إخضاع سإائار البرامج الدينية والتاريخية والسإياسإية والفنية للرقابة الدينية‬
‫والثقافية‪ ً،‬والتدقيق في كل ما تيبث وتيذاع حتى ل تؤدي هذه البرامج إلى نتائاج سإلبية‪ ً،‬إوانما‬
‫تحقق الهدف والمصلحة المرجوة‪.‬‬
‫خامساا‪ :‬إصدار صحف ومجلت إسإلمية عالمية‪ ً،‬ونشر الكتب الدينية التي ألفها‬
‫العلماء في جميع التخصصات‪ ً،‬وكذلك الكتب القصصية والمسإرحية الهادفة‪ ً،‬وبث قنوات‬
‫فضائاية بمختلف اللغات الجنبية توضح للرأي العام العالمي تاريخنا السإلمي المشرق‬
‫وحضارتنا الثقافية‪.‬‬
‫سادساا‪ :‬إخراج أفلم ومسإلسإلت ومسإرحيات تليفزيونية إسإلمية تعرض السإلم‬
‫بجوهره وحقيقته وأصالته‪ ً،‬وتعالج قضايا المسإلمين المختلفة‪ ً،‬وتحكي لنا عن حياة العظماء‬
‫من القادة والمجاهدين والعلماء‪ ً،‬مع مراعاة الدقة العلمية والموضوعية والحفاظ على الضوابط‬
‫والداب السإلمية‪.‬‬

‫‪ ()1‬التخطيط العلمي في ضوء السإلم محمود كرم سإليمان ص ‪ ً،62‬دار الوفاء بالقاهرة‪ ً،‬ط الولى‬
‫‪.1988-1409‬‬

‫‪182‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫سابعاا‪ :‬المحافظة على اللغة العربية والحرص على سإلمتها من اللفاظ‬


‫والمصطلحات الدخيلة عليها‪ ً،‬ونشرها بين أبناء المة وخاصة بين القليات السإلمية‪.‬‬
‫ثامناا‪ :‬الهتمام ببرامج الطفال نش ار إواذاعة وبثا بما يتناسإب مع واقع المجتمع‬
‫العربي والسإلمي وانسإجام ا مع تاريخه الحضاري وثقافته الدينية‪ ً،‬بهدف إخراج جيل قادر‬
‫على تحمل المهام والمسإئاوليات في المسإتقبل‪ ً،‬إواشغاله ببرامج نافعة عن تأثير برامج الثقافة‬
‫الغربية‪ .‬وكذلك الهتمام ببرامج الشباب الخاصة إواجراء حوارات معهم‪ ً،‬بمشاركة خبراء‬
‫مختصين في المجالت التي تعين الشباب على فهم واقع المة وما يحاط بها من مكائاد‬
‫ومخاطر‪ ً،‬وتحفيزهم على المشاركة الفاعلة والواعية في بناء مسإتقبل المة والنهوض بها‪.‬‬
‫وكذلك الهتمام ببرامج المرأة وما يخصها في حياتها السإرية‪ ً،‬كتربية الطفال وتنشئاتهم على‬
‫القيم والخلق‪.‬‬
‫وحتى يكون العلم ناجحا ل بد من التأكيد على عدة أمور‪:‬‬
‫‪ -1‬ضرورة العداد والتأهيل للعلميين إعدادا علمي ا وفكري ا وتربوياا‪ ً،‬حتى يكونوا‬
‫قادرين على إنجاح مشروع العلم السإلمي‪.‬‬
‫‪ -2‬أهمية إقامة مراكز للبحوث والدراسإات العلمية لمتابعة الواقع العلمي وتطويره‪ً،‬‬
‫حتى تكون مصدر إشعاع ونور‪ ً،‬وتنظيم لقاءات دورية داخل كل دولة يلتقي فيها‬
‫العلميون لمناقشة الموضوعات ذات الهتمام البالغ‪ ً،‬لتوحيد المواقف اتجاه‬
‫القضايا العلمية‪.‬‬
‫‪ -3‬ضرورة رصد الجوائاز والحوافز المشجعة للنتاج العلمي المتفوق في مختلف‬
‫فروع الثقافة السإلمية‪ ً،‬مع غرس روح التنافس اليجابي بين العلميين وبين‬
‫القنوات الفضائاية‪.‬‬
‫‪ -4‬وجوب نشر العلم السإلمي في العالم كله على أوسإع نطاق ممكن‪ ً،‬حتى ل يبقى‬
‫منغلق ا على نفسإه وحتى ل يتسإم بالتزمت والنعزالية‪ ً،‬مع تطعيمه دوم ا بالثقافات‬
‫المعاصرة التي ل تتصادم مع مبادئ السإلم ول تخالف أصوله‪.‬‬
‫‪ -5‬ضرورة تصحيح الفهم الخاطئ الذي يعتبر أن التلفاز والسإينما والمسإرح كلها وسإائال‬
‫محرمة على إطلقها وعمومها‪ ً،‬والذي حمل أصحاب هذا الفهم على تبنيه هو أن‬

‫‪183‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫هذه الوسإائال في معظم البلدان العربية والسإلمية تعرض أفلما ومسإلسإلت‬


‫ومسإرحيات سإاقطة‪ ً،‬فهذه الوسإائال هي جزء من العلم والحكم الشرعي يبنى على‬
‫ما تيبث وتيذاع فيها)‪.(1‬‬

‫المطلب السادس‪ :‬إعادة صياغة المناهج التربوية والتعليمية‪:‬‬


‫إن المراد بالمناهج التعليمية والتربوية‪ ً،‬تلك المناهج التي تعني بتنشئاة الطفل‬
‫وتكوينه إنسإانا متكاملا من جميع نواحي الحياة الصحية والعقلية والروحية والخلقية‪ ً،‬في‬
‫ضوء المبادئ والسإاليب والطرق التربوية التي جاء بها السإلم)‪.(2‬‬
‫فالمناهج التربوية والتعليمية لها دور هام في بناء ثقافة الفرد المسإلم‪ ً،‬سإواء في‬
‫مرحلة الطفولة وهي مرحلة التعبئاة والتأسإيس‪ ً،‬أو في مرحلة الشباب وهي مرحلة الضطراب‬
‫والتذبذب في العلم والمعرفة‪ ً،‬أو في مرحلة الشيخوخة وهي مرحلة الجمود والسإتقرار العلمي‬
‫والمعرفي‪ .‬ولهمية هذه المناهج في صقل الشخصية نرى أن الغزو الثقافي يركز عليها في‬
‫هجومه واسإتهدافه للمسإلمين وثقافتهم‪ ً،‬فينبغي التنبه لكل المخططات والمؤامرات التي تحاك‬
‫ضد المناهج التربوية والتعليمية في بلد المسإلمين‪ ً،‬فإن السإتعمار فرض بغزوه الفكري على‬
‫بلد المسإلمين مناهج تتناسإب مع الثقافة الغربية‪ ً،‬حيث وقع الشرق السإلمي في حضانة‬
‫التربية الغربية ونظمها التعليمية ومناهجها الفكرية وقيمها ومثلها العليا ونظرتها للعلوم‬
‫والداب)‪.(3‬‬
‫ولهذا فإن التحديات التي تواجهنا اليوم في مجال التربية والتعليم تتمثل في أمرين‪:‬‬
‫الول‪ :‬التبعية للغرب في علومه المصتبغة بفكره وعقيدته ونظرته إلى الحياة‬
‫والحياء‪.‬‬

‫‪ ()1‬انظر‪ :‬العولمة والثقافة السإلمية محمد الجوهري ‪ ً،128‬دار المين بالقاهرة‪ ً،‬ط الولى ‪.2005-1425‬‬
‫‪ ()2‬التربية السإلمية الحرة في الحكومات والبلد السإلمية أبو الحسإن عي الحسإن الندوي ص ‪ ً،10‬ط‬
‫الولى ‪1976‬م‪.‬‬
‫‪ ()3‬انظر‪ :‬نظم التعليم بين واقعها ومحاولة تطويرها محمد منير موسإى ص ‪ ً،141‬مركز البحوث التربوية‬
‫جامعة قطر‪ ً،‬ط الولى ‪1984‬م‪.‬‬

‫‪184‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫الثاني‪ :‬الجمود والتقليد اللذان ورثناهما من العصور الخالية في مجال العلم‬


‫والتأليف والتدريس)‪.(1‬‬
‫لهذا ينبغي أن تكون مناهجنا التربوية والتعليمية مبنية على أسإاس قوله تعالى‪ :‬ههوو‬
‫ب وواملقحمكوموة و إوقان‬ ‫ق‬ ‫قق‬
‫سوال بممنههمم ويمتهلو وعلوميقهمم آوياته ووهيوزبكيقهمم ووهيوعلبهمهههم املكوتا و‬
‫النقذيِ بع و ق‬
‫ث في املهبمبييون ور ه‬ ‫وو‬
‫ضول ةل قمقبيةن‪) ‬الجمعة ‪ .(2‬فهذه الية القرآنية الكريمة جامعة مانعة تدل‬ ‫وكاهنوا قمن قومبهل لوفي و‬
‫ق‬
‫على الغاية التي من أجلها بعث ال تعالى نبيه ‪ ً،‬والمعلمون والمربون هم ورثة النبي ‪ ً،‬لهذا‬
‫ينبغي أن تكون غايتهم كغايته‪ ً،‬وطريقتهم في التربية والتعليم كطريقته‪.‬‬
‫وحتى تؤتي المناهج التربوية والتعليمية أكلها وثمارها ل بد من العمل بما يلي‪:‬‬
‫أولا‪ :‬ينبغي أن تكون تلك المناهج شاملة متكاملة تلبي احتياجات الحياة ومتطلبات‬
‫العصر‪ ً،‬بما يتناسإب مع تعاليم الشريعة السإلمية‪ .‬وأن تكون مناهج تأصيلية قادرة على‬
‫تجديد الحياة العلمية وتغيير ما ران على المجتمعات من مفاهيم خاطئاة)‪.(2‬‬
‫ثانياا‪ :‬ينبغي على المسإئاولين في التربية والتعليم في بلد المسإلمين إعداد المعلمين‬
‫الككةفاء‪ ً،‬إعدادا تربويا علميا يؤهلهم لتأدية رسإالتهم على أكمل وجه‪ ً،‬وذلك من خلل الدورات‬
‫العلمية والتربوية المكثفة‪.‬‬
‫ثالثاا‪ :‬ينبغي على المسإئاولين في التربية والتعليم السإتفادة من المناسإبات الدينية‬
‫والتاريخية‪ ً،‬في تنمية التربية الروحية عند التلميذ‪ ً،‬من خلل دراسإة هذه المناسإبات وعرضها‬
‫وتحليلها ومقارنتها بالواقع الذي يعايشه المسإلمون اليوم‪.‬‬
‫رابعاا‪ :‬ينبغي على المؤسإسإات التربوية والتعليمية أن تعمل على ترسإيخ العقيدة‬
‫واليمان في نفوس التلميذ‪ ً،‬حتى ينشأ جيل رباني يواجه التحديات الثقافية وغيرها من‬
‫منطلق علمي ومعرفي‪ .‬لهذا ينبغي أن تكون مناهج التربية والتعليم مسإتمدة من منهج التربية‬
‫الرباني المتمثل في القرآن الكريم والسإنة النبوية المطهرة‪.‬‬

‫‪ ()1‬محاضرات إسإلمية هامة عمر سإليمان الشقر ص ‪ ً،158‬دار النفائاس بالردن‪ ً،‬ط الولى ‪-1418‬‬
‫‪.1998‬‬
‫‪ ()2‬انظر‪ :‬مناهج التربية السإلمية ماجد عرسإان الكيلني ص ‪ ً،16‬مؤسإسإة الريان بيروت‪ ً،‬ط الولى‬
‫‪.1998-1419‬‬

‫‪185‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫خامساا‪ :‬ينبغي إعادة النظر في المواد العلمية والتربوية المقدمة للتلميذ‪ ً،‬وتطويرها‬
‫بعيدا عن الضغوط الخارجية المطالبة بتطبيع المناهج بما يتناسإب مع الثقافة الغربية‪ ً،‬وتمييع‬
‫القيم والخلق السإلمية‪.‬‬

‫‪186‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫الخاتمة‬
‫وتشتمل على أهم النتائاج والتوصيات‪:‬‬
‫أوال‪ :‬أهم النتائج‪:‬‬
‫‪ -1‬أن علم الثقافة السإلمية يبحث في الحداث والمسإتجدات والدراسإات والتحديات‬
‫المعاصرة‪ ً،‬ويؤصلها تأصيلا شرعياا‪.‬‬
‫‪ -2‬أن دراسإة الثقافة السإلمية فريضة شرعية وحاجة ضرورية خاصة في عصر‬
‫التحديات الذي نعيشه اليوم‪.‬‬
‫‪ -3‬أن الثقافة السإلمية قادرة على تحقيق المصالح والمنافع ودفع المضار والمفاسإد‪ً،‬‬
‫وذلك لنها ربانية المصدر وتتصف بالشمولية والعالمية والوسإطية والواقعية‪.‬‬
‫‪ -4‬أن الثقافة السإلمية مرهونة بحال المة السإلمية‪ ً،‬فإذا كانت المة متمسإكة بدينها‬
‫كانت ثقافتها في أعلى درجاتها إوال كانت في أدنى درجات النحطاط‪.‬‬
‫‪ -5‬أن السإلم يتعرض للغزو الثقافي منذ فجر السإلم‪ ً،‬لكنه ازداد في هذا العصر‪.‬‬
‫‪ -6‬أن الغاية التي يسإعى إليها الغزو الثقافي هي القضاء على السإلم والطعن فيه‬
‫والسإيطرة على مقدرات المة والنيل من ثقافتها‪.‬‬
‫‪ -7‬أنه من الممكن مواجهة الغزو الثقافي عن طريق العلم السإلمي الهادف‬
‫والوسإائال التقنية الحديثة وتوعية الجماهير المسإلمة وتعرية الثقافة والحضارة الغربية‪.‬‬

‫ثانياا‪ :‬أهم التوصيات‪:‬‬


‫‪ -1‬أن تدرس الثقافة السإلمية في الجامعات العربية والسإلمية خاصة جامعتنا‬
‫السإلمية الغقراء كمادة مسإتقلة بذاتها شأنها في ذلك كشأن الفقه والحديث والعقيدة‬
‫والتفسإير‪.‬‬
‫‪ -2‬إنشاء مراكز ومؤسإسإات ثقافية تعني بمتابعة التحديات المعاصرة أولا بأول ودراسإتها‬
‫وتحليلها وبيان خطرها ومواجهتها بكل الوسإائال الممكنة خاصة النترنت‪.‬‬
‫‪ -3‬إعداد دورات ونشاطات مركزة ومكثفة لتأهيل الخبراء والككةفاء الذين يحملون على‬
‫عاتقهم نشر الثقافة السإلمية‪ ً،‬وجعلها قادرة على مواجهة الثقافة الغربية‪ .‬وعقد‬

‫‪187‬‬
‫الثقافة السإلماية في ماواجهة الغزو الثقافي‬

‫المؤتمرات والندوات الدراسإية بين العاملين في مجالها لتنمية قدراتهم وتبادل الخبرات‬
‫بينهم‪.‬‬
‫‪ -4‬إنشاء شركات مسإاهمة للعلم وللطباعة والنشر والتوزيع لنتاج البرامج التليفزيونية‬
‫والذاعية والمراجع والكتب والمجلت والدوريات المتخصصة في الثقافة السإلمية‪ً،‬‬
‫وتأمين التجهيزات اللزمة والكافية لتغطية حاجة العالم باللغة المختلفة‪ ً،‬وتتولى هذه‬
‫الشركات أيضا مهمة إحياء التراث السإلمي المدقون والمحققق علمياا‪.‬‬
‫ذذذذ‬

‫‪188‬‬
‫أ‪ .‬رائد طللا شعت‬

‫ملخص بحث‬
‫"الثقافة السلمية في مواجهة الغزو الثقافي"‬
‫يتحدث هذا البحث عن الثقافة السإلمية من حيث تعريفها وحقيقة جوهرها‪ ً،‬وبيان‬
‫أهميتها ومكانتها في السإلم‪ ً،‬وأهم خصائاصها التي تمتاز بها عن غيرها‪ ً،‬ثم بيان مصادرها‬
‫التي تعتمد عليها في إبراز مظاهرها ومعالمها‪ ً،‬وذكر أهم المراحل التي مرت بها الثقافة‬
‫السإلمية عبر التاريخ السإلمي‪.‬‬
‫كما وتحدث هذا البحث عن الغزو الثقافي والفكري لبلد المسإلمين‪ ً،‬وذلك بتعريفه‬
‫وذكر تاريخ نشأته والمراحل التي تدرج بها‪ ً،‬وبيان أهم أهدافه التي يسإعى إلى تحقيقها في‬
‫العالم كله بشكل عام وفي بلد المسإلمين بشكل خاص‪ ً،‬ثم بيان مؤسإسإاته التي يعتمد عليها‬
‫في تحقيق أهدافه ومخططاته‪ ً،‬وذكر الوسإائال والسإاليب التي يسإتخدمها في ذلك‪ ً،‬وبيان‬
‫خطرها وتحذير المسإلمين منها‪.‬‬
‫وتحدث عن عوامل النهضة للثقافة السإلمية حتى تكون قادرة على مواجهة‬
‫التحديات المعاصرة‪ ً،‬وهي بمثابة حلول مقترحة تتمثل في إبراز معالم ومظاهر الحضارة‬
‫السإلمية التي خلفها سإلف المة من العلماء والمفكرين والمبدعين‪ ً،‬وفي تعريف المسإلمين‬
‫وغيرهم حقيقة هذا السإلم وعظمته‪ ً،‬حتى ل ينخدع أحد من المسإلمين وغيرهم بشعارات‬
‫الغزو الثقافي البراقة‪ ً،‬وفي اسإتخدام كل وسإائال التقنية الحديثة‪ ً،‬وفي إيجاد إعلم إسإلمي‬
‫هادف وبناء يذود عن حياض الثقافة السإلمية ويدافع عنها ويبرز معالمها وخصائاصها‪.‬‬
‫وفي صياغة المناهج التعليمية والتربوية من جديد حتى تكون قادرة على تنشئاة جيل ل يتأثر‬
‫من التحديات الثقافية الغربية المعاصرة‪.‬‬

‫‪189‬‬

You might also like