You are on page 1of 11

‫القطاع البنكي والنموذج التنموي الجديد‬

‫نور الدين فريش‬


‫باحث في قانون الأعمال‬

‫هسبريس‬

‫أكد جلالة الملك بتاريخ ‪ 13‬أكتوبر ‪ 2017‬بمناسبة ترؤس جلالته لافتتاح‬


‫الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية العاشرة‬
‫أن‪" :‬المغاربة اليوم يحتاجون للتنمية المتوازنة والمنصفة‪ ،‬التي تضمن‬
‫الكرامة للجميع وتوفر الدخل وفرص الشغل‪ ،‬وخاصة للشباب‪ ،‬وتساهم‬
‫في الاطمئنان والاستقرار‪ ،‬والاندماج في الحياة المهنية والعائلية‬
‫والاجتماعية‪ ،‬التي يطمح إليها كل مواطن"‪ ،‬فرغم التقدم الذي حققه‬
‫المغرب إلا أن النموذج التنموي بصيغته الحالية في نظر جلالته "لم يعد‬
‫قادرا" على الحد من الفوارق بين الفئات ومن التفاوتات المجالية‪ ،‬وعلى‬
‫تحقيق العدالة الاجتماعية‪ ،‬وبالتالي فقد أصبح لزاما إعادة النظر فيه من‬
‫أجل إرساء دعامات نموذج تنموي جديد يتجاوز جميع العراقيل التي تعيق‬
‫تطور النموذج الحالي‪ ،‬بمعالجة مختلف نقاط الضعف والاختلالات التي‬
‫أبانت عنها هذه التجربة‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن النموذج التنموي الحالي كان يأخذ قوته من دعم‬
‫الاستهلاك كأداة للنمو الاقتصادي‪ ،‬وظهر ذلك جليا من خلال حجم‬
‫القروض الممنوحة‪ ،‬التي وإن حققت نتائج جيدة في سنوات قليلة فإنها‬
‫سرعان ما اصطدمت بغياب مقومات الاستدامة‪ ،‬وهو السبب نفسه في‬
‫فشل العديد من الاقتصاديات الأوروبية التي بالغت في الاعتماد على‬
‫دعم الاستهلاك بإغراق الأسر في الديون التي شكلت عبئا عليها دون أن‬
‫تكون أداة للتنمية‪.‬‬
‫وقد أكد البنك الدولي في تقرير له أن "المستوى المعيشي للمغاربة‬
‫يعادل حاليا نظيره لدى الفرنسيين لسنة ‪ 1950‬ولدى الإيطاليين في سنة‬
‫‪ ،1955‬والإسبان في ‪ ،1960‬والبرتغاليين في ‪ ،"1965‬كما دعا في التقرير‬
‫نفسه المغرب إلى تعزيز العقد الاجتماعي‪ ،‬المؤسس على النهوض‬
‫بمجتمع منفتح‪ ،‬وإعادة تركيز الدولة على مهامها السيادية‪ ،‬وتنمية‬
‫الرأسمال البشري‪ ،‬وتعزيز الرأسمال الاجتماعي‪.‬‬
‫ومن هذا المنطلق يقول مؤسس البنكي الدولي‪Jean-Pierre ،‬‬
‫‪ ، Chauffour‬إن خارطة الطريق لبناء نموذج تنموي جديد بالمغرب تحاول‬
‫وصف السياسة والشروط الاقتصادية من شأنها تنشيط قدرات النمو‬
‫بالمغرب‪ ،‬لكن الأهم بنظره هو شعور كل مواطن بأنه مطالب‬
‫بالمساهمة في تنمية بلاده‪ ،‬وجعل المؤسسات أكثر إدماجية والنهوض‬
‫بتساوي الفرص الا قتصادية‪ ،‬فضلا عن تعزيز الثقة بين الأشخاص‪،‬‬
‫والحاجة لمسار تشاوري يخول لكل الفرقاء المناقشة والتفاهم حول‬
‫انتظاراتهم بالنسبة للبلاد بحلول سنة ‪.2040‬‬
‫وبات من اللازم جعل البعد المجالي ركيزة أساسا للنموذج التنموي‬
‫الجديد قصد حل جل المعضلات الاجتماعية والاقتصادية والتأسيس‬
‫لعدالة مجالية تكون قادرة على تحقيق استدامة النموذج الوطني في‬
‫الإصلاح وفي الاستقرار‪ ،‬واستثمار إمكانيات كل جهة أو إقليم‪ ،‬وإحداث‬
‫توزيع عادل للثروات‪ ،‬والتخفيف من ثقل تمركز إنتاج الثروات في جهة أو‬
‫جهات بعينها‪.‬‬
‫كما أكد الأستاذ خالد الشرقاوي السموني أن "تشجيع الاستثمار الوطني‬
‫والأجنبي والاهتمام بالفئات الهشة يمكن أن يعطي للعدالة الاجتماعية‬
‫والمجالية مفهومها وبعدها ومدلولها الحقيقي العملي‪ .‬فمثلا تشغيل‬
‫الشباب والقضاء على العطالة لن يتحققا إلا من خلال وضع استراتيجية‬
‫واضحة المعالم على مستوى كل جهة‪ ،‬لأن ترسيخ نظام الجهوية‬
‫المتقدمة قد يمكن من بناء علاقات جديدة بين الإدارة والمواطن‪ ،‬مبنية‬
‫على القرب والإصغاء والشفافية والجودة والسرعة في الإنجاز"‪.‬‬
‫في حين يرى الأستاذ عبد اللطيف برحو أن "الهدف الأساسي من صياغة‬
‫أي نموذج تنموي هو العمل على واجهتين أساسيتين‪ :‬آليات إنتاج الثروة‬
‫المضافة‪ ،‬ثم آليات توزيع الثروة وثمار النمو‬ ‫ُ‬ ‫والقيمة الاقتصادية‬
‫الاقتصادي‪ .‬وهذا ما يفترض وجود نسق ‪ système‬سياسي واقتصادي‬
‫واجتماعي ملائم يسمح بتطور اقتصادي واضح‪ ،‬وباستفادة مختلف‬
‫الفئات الاجتماعية والقطاعات الاقتصادية والمجالات الترابية بشكل‬
‫منصف من ثمار التنمية ومن القيمة المضافة التي تنتجها الدولة"‪.‬‬
‫وبناء عليه‪ ،‬ولأن جلالة الملك أكد خلال خطابه السامي إلى الأمة‬
‫بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب بتاريخ ‪ 20‬غشت ‪ 2019‬أن المرحلة‬
‫المقبلة "مرحلة المسؤولية والإقلاع الشامل"‪ ،‬فإن بناء النموذج التنموي‬
‫الجديد رهين بالا عتماد على المقومات والقدرات الاقتصادية‪ ،‬التي‬
‫يمتلكها المغرب‪ ،‬وبمدى قدرته على تحفيز مختلف القطاعات (الفلاحة‪،‬‬
‫الصناعة‪ ،‬الخدمات‪ ،‬والمهن الحرة‪ ،)...‬ثم الاهتمام بشكل أكبر بالاقتصاد‬
‫الاجتماعي والتضامني والتشغيل والمقاولات الذاتية‪ ،‬التي تعد من بين‬
‫الروافد الأساسية للتنمية في عدد من الاقتصاديات الصاعدة‪.‬‬
‫ووعيا من جلالة الملك بأهمية كل الفرقاء في إرساء دعامات نموذج‬
‫تنموي جديد‪ ،‬فقد شكل الخطاب الذي ألقاه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى‬
‫من السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة بتاريخ ‪11‬‬
‫أكتوبر ‪ 2019‬لحظة تاريخية‪ ،‬ودعوة صريحة لهؤلاء لتحمل مسؤولياتهم‬
‫بغية إنجاح النموذج التنموي الجديد‪ ،‬وركز جلالته على القطاع البنكي‬
‫باعتباره المحرك الرئيس للاقتصاد الوطني من أجل تحقيق تنمية‬
‫اقتصادية اجتماعية شاملة‪ ،‬فالمرحلة الجديدة حسب جلالته‪" :‬تبدأ من‬
‫الآن‪ ،‬وتتطلب انخراط الجميع‪ ،‬بالمزيد من الثقة والتعاون‪ ،‬والوحدة‬
‫والتعبئة واليقظة‪ ،‬بعيدا عن الصراعات الفارغة‪ ،‬وتضييع الوقت‬
‫والطاقات"‪.‬‬
‫فمهما بلغ صواب القرارات المتخذة‪ ،‬وجودة المشاريع المبرمجة‪ ،‬فإن‬
‫تنفيذها يبقى رهينا بتوفر الموارد الكافية لتمويلها يضيف جلالة الملك‪.‬‬
‫فالمغرب اليوم يتوفر على قطاع بنكي متميز تمكن من تبوء مكانة هامة‬
‫على الصعيد الإفريقي‪ ،‬ويساهم في دعم وصمود الاقتصاد الوطني‪،‬‬
‫لكن هذا الأمر لا يجعلنا ننكر أن الانطباع السائد على هذا القطاع لدى‬
‫عموم المتعاملين معه‪ ،‬كونه يبحث عن الربح السريع والمضمون دون‬
‫اعتماد مبدأ المجازفة أحيانا‪ ،‬وهو ما أكده الخطاب الملكي‪ ،‬الذي وجه‬
‫دعوة صريحة لهذا القطاع إلى المزيد من الالتزام‪ ،‬والانخراط الإيجابي في‬
‫دينامية التنمية‪ ،‬التي تعيشها بلادنا‪ ،‬لاسيما تمويل الاستثمار‪ ،‬ودعم‬
‫الأنشطة المنتجة والمدرة للشغل والدخل‪.‬‬
‫كما دعا جلالته الأبناك‪ ،‬إضافة إلى الدعم والتمويل الذي توفره‬
‫للمقاولات الكبرى‪ ،‬لتعزيز دورها التنموي‪ ،‬وخاصة من خلال تبسيط‬
‫وتسهيل عملية الولوج للقروض‪ ،‬والانفتاح أكثر على أصحاب المقاولات‬
‫الذاتية‪ ،‬وتمويل الشركات الصغرى والمتوسطة‪...‬‬
‫وبناء على كل ما سبق‪ ،‬فإننا نتساءل‪ ،‬إلى أي حد استطاع القطاع البنكي‬
‫المغربي المساهمة في التنمية الاقتصادية؟ وتمويل المقاولات الصغرى‬
‫والمتوسطة؟ وما هي معيقات تمويل هذه الأخيرة؟‬
‫كل هذه التساؤلات وغيرها سنحاول الإجابة عنها من خلال تقسيم‬
‫الموضوع إلى مطلبين نعالج في أولهما دور القطاع البنكي في تحقيق‬
‫التنمية الاقتصادية‪ ،‬على أن نخصص ثانيهما للحديث عن دور هذا القطاع‬
‫في تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة‪ ،‬خاتمين الموضوع بتقديم‬
‫مجموعة من التوصيات‪.‬‬
‫المطلب الأول‪ :‬دور القطاع البنكي في تحقيق التنمية الاقتصادية‬
‫تشكل البنوك أحد الدعامات الأساسية للنشاط الاقتصادي والمحرك‬
‫الأساس له‪ ،‬نظرا لاتصالها الوثيق بالحياة الاقتصادية من شتى نواحيها‪،‬‬
‫أضف لعلاقاتها المتصلة بالحكومات والأفراد عن طريق تقديم مختلف‬
‫الخدمات للفرقاء الاقتصاديين‪.‬‬
‫فالبنوك تلعب دورا رياديا في الحياة الاقتصادية المعاصرة‪ ،‬لما تضطلع‬
‫به من دور هام في تنشيط ودعم حركية الاقتصاد الوطني‪ ،‬بحيث عرفت‬
‫عملياتها نموا ملموسا تجاوز حدود الوظيفة التقليدية التي كانت تنحصر‬
‫في عمليات القرض‪ ،‬إلى توزيع الائتمان‪ ،‬بل غدت أداة فاعلة في تشجيع‬
‫سياسة الادخار وضبط توازن السوق المالي‪ ،‬وخاصة في الحالة التي‬
‫تعرف فيها هذه الأسواق حالة من الانكماش والتضخم‪.‬‬
‫ومعلوم أن البنوك المغربية تقود تعاملات مالية كبرى عبر أفريقيا‪،‬‬
‫وتملك في الوقت الحالي شراكات وحصصا في أزيد من ‪ 20‬دولة‬
‫إفريقية معظمها غرب القارة‪ ،‬الأمر الذي يمهد لزيادة حضور استثمارات‬
‫الشركات المغربية في الدول الإفريقية‪ ،‬على اعتبار أن هذه البنوك تعد‬
‫بوابة عبور للشركات المغربية الكبيرة والمتوسطة للحصول على فرص‬
‫استثمارية في الأسواق الافريقية الواعدة‪.‬‬
‫وبذلك نج حت البنوك المغربية في تحقيق ما يقرب ثلث إجمالي أرباحها‬
‫من الشركات التابعة في جميع أنحاء أفريقيا‪.‬‬
‫فنجاح النموذج التنموي الجديد يمر عبر انخراط القطاع البنكي‪ ،‬لما لهذا‬
‫الانخراط من تأثير إيجابي على التنمية الاقتصادية‪ ،‬حيث يمكن إبراز بعض‬
‫الأهداف الأساسية التي تنبني عليها خطة هذه الأخيرة فيما يلي‪:‬‬
‫زيادة الدخل القومي‪.‬‬
‫رفع مستوى المعيشة‪.‬‬
‫تقليل التفاوت في الدخول والثروات‪.‬‬
‫تقديم التمويل اللازم للقطاعات الاقتصادية‪.‬‬
‫وغني عن البيان أنه عند طرح قضية التنمية الاقتصادية في أي مجتمع‪،‬‬
‫فإن الأمر يرتبط بشكل تلقائي بطرح القضايا المتعلقة بتمويلها‪ ،‬من حيث‬
‫الأساليب والأجهزة‪ ،‬وعلى وجه الخصوص الدور الذي يمكن أن تلعبه‬
‫الإدارة السليمة للقطاع البنكي للاضطلاع بهذا العبء‪ ،‬ومدى إمكانيته‬
‫في تغيير أوضاعه وسياساته بما يمكنه من التكيف مع الأوضاع‬
‫المطلوبة لتنمية المجتمع‪ ،‬ونظرا لكون الطلب على خدمات البنوك طلبا‬
‫مشتقا من حاجة التنمية الاقتصادية‪ ،‬فبذلك يمكن القول إنه كلما اتسعت‬
‫حدود التنمية زادت الحاجة إلى وجود نظام بنكي أكثر تطورا وأوسع‬
‫خدمات‪.‬‬
‫وحرصا من المشرع المغربي على ضمان الاستقرار والاستمرارية للدورة‬
‫المالية والاقتصادية بما يكفل تمكين القطاع البنكي من القيام بدوره في‬
‫تعبئة المدخرات وتوزيع الائتمانات بالشكل الذي يحقق التنمية‬
‫الاقتصادية والاجتماعية لمختلف مكونات الاقتصاد المغربي‪ ،‬فإن‬
‫مسلسل إصلاح المنظومة القانونية الخاصة به قد عرف تطورا مهما‪ ،‬فقد‬
‫تجلت أولى بوادره بإحداث البنك المخزني المغربي بموجب اتفاقية‬
‫الجزيرة الخضراء (الخزيرات) المبرمة في ‪ 7‬أبريل ‪ ،1906‬والمعدل‬
‫بمقتضى الظهير الشريف رقم ‪ 1.59.233‬حيث صار يحمل اسم بنك‬
‫المغرب‪ ،‬لتتوالى التشريعات والقوانين المؤطرة للقطاع البنكي وعلى‬
‫رأسها الظهير الشريف رقم ‪ 1.05.38‬الصادر بتنفيذ القانون رقم ‪76.03‬‬
‫الذي هو بمثابة قانون أساسي لبنك المغرب‪ ،‬وبتاريخ ‪ 6‬يوليوز ‪ 1993‬صدر‬
‫الظهير الشريف رقم ‪ 1.93.147‬وبتاريخ ‪ 14‬فبراير ‪ 2006‬صدر القانون رقم‬
‫‪ 34.03‬المتعلق بمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها‪،‬‬
‫والمعدل بمقتضى الظهير الشريف رقم ‪ 1.14.193‬الصادر بتاريخ ‪24‬‬
‫دجنبر ‪ 2014‬بتنفيذ القانون رقم ‪ 103.12‬المتعلق بمؤسسات الائتمان‬
‫والهيئات المعتبرة في حكمها‪.‬‬
‫وتظهر أهمية البنوك في‪:‬‬
‫المساهمة في زيادة الناتج الاجمالي‪.‬‬
‫المساهمة في إدخال وتوطين التقنيات البنكية الحديثة من الصراف‬
‫الآلي والحسابات البنكية المتطورة‪.‬‬
‫جذب جزء كبير من الأموال المدخرة خارج القطاع البنكي وإدخالها في‬
‫الدورة الاقتصادية‪.‬‬
‫تأمين القروض اللازمة سواء كانت قصيرة أو متوسطة أو بعيدة المدى‪،‬‬
‫للعمل في القطاع الصناعي والتجاري والخدماتي‪ ،‬بحيث تساهم في‬
‫إحداث ومواكبة مشاريع استثمارية جديدة‪.‬‬
‫المساهمة في حل معضلة البطالة‪.‬‬
‫وإذا كان هذا فيما يتعلق بدور القطاع البنكي في التنمية الاقتصادية‪،‬‬
‫فهل استطاع هذا القطاع فعلا القيام بالدور المنتظر منه لتمويل‬
‫المقاولات الصغرى والمتوسطة؟ وما هي المعيقات التي تواجه هذه‬
‫العملية (التمويل)؟‬
‫هذه الأسئلة وغيرها سنحاول معالجتها من خلال المطلب الثاني‪.‬‬
‫المطلب الثاني‪ :‬دور القطاع البنكي في تمويل المقاولات الصغرى‬
‫والمتوسطة‬
‫حث جلالة الملك من خلال خطابه بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من‬
‫السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية العاشرة القطاع البنكي‬
‫المغربي على المزيد من الالتزام والانخراط الإيجابي في دينامية التنمية‬
‫التي تعيشها بلادنا‪ ،‬وعلى وجه الخصوص دعم الاستثمار ودعم الأنشطة‬
‫المدرة للشغل والدخل‪ ،‬فجلالة الملك كان واضحا من خلال خطابه على‬
‫أنه آن الأوان للقطاع البنكي إضافة إلى التمويل الذي يوفره للمقاولات‬
‫الكبرى‪ ،‬إلى تعزيز دوره التنموي‪ ،‬وذلك من خلال تبسيط عمليات الولوج‬
‫للقروض‪ ،‬والانفتاح على أصحاب المقاولات الذاتية‪ ،‬وتمويل الشركات‬
‫الصغرى والمتوسطة‪ ،‬فتمويل هذه الأخيرة‪ ،‬يعد ركيزة أساسية لضمان‬
‫التنمية والنمو الاقتصاديين وتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي‪.‬‬
‫غير أن تمويل الاقتصاد بصفة عامة يتوقف على تعبئة الادخار‪ ،‬وتأمين‬
‫استغلال الموارد المعبأة‪ ،‬تبعا للسياسة النقدية والمالية للدولة‪ ،‬خاصة‬
‫بالنسبة للمقاولات الصغرى والمتوسطة والتي تشكل أساس النسيج‬
‫الاقتصادي المغربي والتي تعاني من مشكل الوصول إلى التمويل‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وقد تزايد الاهتمام بالمقاولات الصغرى والمتوسطة‪ ،‬خاصة بعد‬
‫الشروع في تطبيق سياسة الخوصصة التي انتهجتها الحكومة المغربية‬
‫بموجب القانون رقم ‪ ، 39-89‬قصد عصرنة الاقتصاد المغربي عن طريق‬
‫الانفتاح على الاقتصاد العالمي والمساهمة بشكل أوسع في المبادلات‬
‫التجارية الدولية وتحسين النتائج الصناعية والمالية للمنشآت ومضاعفة‬
‫الاستثمارا ت التي من شأنها خلق مناصب شغل وكفاءات جديدة‪ ،‬مما‬
‫أدى إلى اتباع سياسة خاصة بهذه الشركات سنة ‪ ،2002‬أعطت لمسألة‬
‫التمويل أهمية قصوى بغية إنعاش هذا الصنف من الشركات‪ ،‬والرفع من‬
‫قدراتها التنافسية‪ ،‬وأيضا قصد إصلاح الخلل الذي تجلى في عدم تناسب‬
‫عدد تلك المقاولات مع مساهمتها في الناتج الداخلي الخام‪ ،‬حيث مثلت‬
‫أكثر من ‪ % 95‬من مجموع المقاولات‪ ،‬ولم تساهم إلا بأقل من ‪ ،%20‬في‬
‫حين أنه في بعض الدول تصل المساهمة إلى أكثر من ‪.%50‬‬
‫وعليه‪ ،‬نجد أن موضوع تمويل المقاولات الصغرى والمتوسطة له أهمية‬
‫بالغة‪ ،‬للعديد من الاعتبارات نوردها كالتالي‪:‬‬
‫تعد المقاولة اليوم أداة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية‪ ،‬وأداؤها لهذه‬
‫الأدوار الحيوية رهين بمدى قدرتها على التمويل‪ ،‬خاصة بالنسبة‬
‫للمقاولات الصغرى والمتوسطة التي تعاني من هاجس ضعف الموارد‬
‫الذاتية وصعوبة الوصول إلى المصادر التمويلية الخارجية‪.‬‬
‫تعمد وتحتفظ المقاولات الصغرى والمتوسطة بمستوى تشغيلها من‬
‫خلال فترات الانتعاش الاقتصادي‪.‬‬
‫وتأسيسا على ما سبق‪ ،‬فإن تلبية المقاولات الصغرى والمتوسطة‬
‫للحاجيات المتعددة للدولة والأفراد رهين بتجاوز جل الكبوات والمعيقات‬
‫التي تحول دون تنميتها وتطورها‪.‬‬
‫ورغم المجهودات المبذولة من قبل القطاع البنكي ودوره الفعال في‬
‫تمويل الاقتصاد‪ ،‬بفضل قدرته على جمع المدخرات وتوظيفها‪ ،‬فالملاحظ‬
‫أن القروض البنكية ظلت قاصرة عن تمويل المقاولات‪ ،‬وذلك راجع في‬
‫نظرنا إلى الإكراهات التي تواجه البنوك في تمويل المقاولات ذات‬
‫الموارد الذاتية الضعيفة‪ ،‬والبنية المالية والمحاسبية الهشة‪ ،‬والضمانات‬
‫الضعيفة والمنعدمة أحيانا‪ ،‬فالبنوك تأخذ في حسبانها المردودية واحترام‬
‫القواعد الاحترازية‪ ،‬فالائتمان البنكي ما هو إلا نتيجة طبيعية للودائع التي‬
‫تتلقاها المؤسسات البنكية من مختلف زبنائها‪ ،‬وعليه فإنها تتاجر في‬
‫غالب الأحيان في أموال ليست لها‪ ،‬وإنما هي موضوعة لديها على سبيل‬
‫الوديعة يمكن في أي وقت استرجاعها من أصحابها‪ ،‬وهو الأمر الذي قد‬
‫تكون ينعس سلبا عليها‪ ،‬وذلك حينما يبادر المودعين على سحب‬
‫ودائعهم من البنوك نتيجة ظهور بعض الصعوبات أو الأزمات المالية‬
‫التي قد تعصف أو تهدد استمرار ية الحياة التجارية لهذه المؤسسات‪،‬‬
‫الأمر الذي يجعلها تقتصر على تمويل المقاولات المهيكلة ذات الوضعية‬
‫المالية السليمة من جهة‪ ،‬والضمانات الكافية من جهة أخرى‪.‬‬
‫إن غياب الشفافية‪ ،‬وتقديم طلبات قروض غير مستوفية للشروط‬
‫المطلوبة‪ ،‬وإخفاء الوضعية الحقيقية للمقاولة‪ ،‬أضف إلى ذلك ضعف‬
‫تجربة بعض المقاولين‪ ،‬وتركيز البنوك على المردودية والضمانات‬
‫ومحاولتها تجنب المخاطرة‪ ،‬إضافة لتشكي بعض المقاولين من عدم‬
‫تقديم البنوك للاستشارات والمعلومات الضرورية‪ ،‬والتكلفة المرتفعة‬
‫للتمويل نظرا لنسب الفائدة المرتفعة‪ ،‬كلها أسباب أدت إلى زعزعة الثقة‬
‫بين المؤسسات البنكية والمقاولات الصغرى والمتوسطة‪ ،‬وأثرت على‬
‫حجم التمويلات الموجهة لهذه الأخيرة‪ ،‬لذلك بات على القطاع البنكي‬
‫الانسجام مع الدعوة الملكية الصريحة بإضفاء مرونة أكثر كقطاع مواطن‪،‬‬
‫وذلك من خلال إعطاء الأولوية للضمانات المرتبطة بالمشروع الممول‪،‬‬
‫مع السرعة في دراستها‪ ،‬ومحاولة خلق علاقة رابح رابح مع زبنائها‪ ،‬وذلك‬
‫في انسجام تام مع المخطط الذي دعا إليه جلالة الملك‪ ،‬وأعطاه‬
‫التوجيهات التالية‪:‬‬
‫أولا‪ :‬تمكين أكبر عدد من الشباب المؤهل‪ ،‬حاملي المشاريع‪ ،‬المنتمين‬
‫لمختلف الفئات الاجتماعية‪ ،‬من الحصول على قروض بنكية‪ ،‬لإطلاق‬
‫مشاريعهم‪ ،‬وتقديم الدعم لهم‪ ،‬لضمان أكبر نسبة من النجاح‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة‪ ،‬العاملة في مجال التصدير‪،‬‬
‫وخاصة نحو إفريقيا‪ ،‬والاستفادة من القيمة المضافة للاقتصاد الوطني‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تسهيل ولوج عموم المواطنين للخدمات البنكية‪ ،‬والاستفادة من‬
‫فرص الاندماج المهني والاقتصادي‪ ،‬خاصة بالنسبة للعاملين في القطاع‬
‫غير المنظم‪.‬‬
‫كما دعا جلالة الملك الأبناك إلى مواصلة جهودها واستثمار التكنولوجيا‬
‫الحديثة‪ ،‬والابتكارات المالية‪ ،‬وذلك بغية توسيع قاعدة المستفيدين من‬
‫الخدمات البنكية والتمويلية‪ ،‬في جو يتسم بخدمة المصالح المتبادلة بين‬
‫الطرفين‪ ،‬في توازن وإنصاف تامين للدفع بعجلة التنمية‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق فإن نجاح النموذج التنموي الجديد رهين بالانخراط‬
‫التام للقطاع البنكي‪ ،‬وتعزيز الثقة بين المقرض (البنك) والمقترض‬
‫(الزبون أو المقاولة)‪ ،‬كما بات لزاما على المستفيدين من القروض تحمل‬
‫مسؤولياتهم والوفاء بالتزاماتهم‪ ،‬للمساهمة في عملية التنمية‪.‬‬
‫خاتمة‬
‫إن معالجة موضوع من هذا الحجم كموضوع القطاع البنكي والنموذج‬
‫التنموي الجديد ليس بالأمر الهين‪ ،‬نظرا لشساعة مجاله‪ ،‬لذلك حاولنا‬
‫لم س أبرز الإشكالات التي تحيط به‪ ،‬لنخلص في الأخير إلى مجموعة من‬
‫التوصيات نرى أنه من الواجب الأخذ بها لانخراط بناء من القطاع البنكي‬
‫في إنجاح النموذج التنموي الجديد‪ ،‬نذكر منها‪:‬‬
‫ضرورة خلق علاقة تطبعها الثقة بين القطاع البنكي والمقاولات الصغرى‬
‫والمتوسطة‪.‬‬
‫تبسيط مس اطر الاستفادة من القروض بالنسبة للمقاولات الصغرى‬
‫والمتوسطة‪ ،‬وخلق علاقة رابح‪-‬رابح بين هذه الأخيرة والقطاع البنكي‪.‬‬
‫تسقيف الحد الأقصى لنسب الفائدة المطبقة على القروض الممنوحة‬
‫للمقاولات الصغرى والمتوسطة‪ ،‬مع اعتماد نظام المنافسة بين‬
‫المؤسسات البنكية في تطبيق أسعار الفائدة على القروض تحت الحد‬
‫المسقف‪.‬‬
‫اعتماد عنصر التكوين المستمر لخلق كفاءات بمقدورها تنمية كفاءة‬
‫المقاولات الصغيرة والمتوسطة‪ ،‬وتمكينها من التقدم نحو مصاف‬
‫المقاولات الكبرى المهيكلة‪.‬‬
‫تشجيع المقاولات المغربية على الاستثمار في إفريقيا‪ ،‬مع مواكبتها من‬
‫طرف القطاع البنكي‪.‬‬
‫خلق لجان مشتركة بين الحكومة والقطاع البنكي والاتحاد العام لمقاولات‬
‫المغرب وبعض الكفاءات والخبرات الوطنية‪ ،‬قصد تتبع عمليات تمويل‬
‫المقاولات الصغرى والمتوسطة‪ ،‬وتقديم الاستشارات والإرشادات التي‬
‫من شأنها أن تساهم في تطويرها ووقايتها من الأزمات‪.‬‬
‫ضبط المقاولات الصغرى والمتوسطة لمحاسبتها بشكل دقيق‪-‬ووفق‬
‫المقتضيات القانونية الجاري بها العمل‪-‬يكشف المعطيات الحقيقية‬
‫لوضعيتها المالية‪ ،‬قصد تشجيع البنوك على منحها القروض المطلوبة‪.‬‬
‫خلق شراكات بين الشركات الكبرى والمقاولات الصغرى والمتوسطة‪،‬‬
‫بشكل يسهم في استفادة هذه الأخيرة من التجربة والمعاملات‪ ،‬وتشجيع‬
‫البنوك على تمويلها‪.‬‬
‫ضرورة مواكبة المقاولات الصغرى والمتوسطة لمختلف التطورات‬
‫التكنولوجية ومعايير ومتطلبات إدارة الجودة الشاملة الهادفة إلى‬
‫تحسين وتطوير أدائها بصفة مستمرة والرفع من إنتاجيتها بتكاليف أقل‬
‫والتأقلم مع الشروط التي تفرضها آليات وميكانزمات السوق‪.‬‬
‫إن معاناة الشركات والمقاولات الوطنية من تأخير الحصول على‬
‫مستحقاتها وديونها على الدولة يؤدي إلى عدم قدرتها على الوفاء‬
‫بالتزاماتها المالية اتجاه الأبناك المدينة‪ ،‬الأمر الذي يستوجب انخراط‬
‫الحكومة لتقليص آجال الوفاء بهذه الديون‪.‬‬
‫وضع تدابير حمائية واضحة وشفافة وقانونية ضد الاستيراد غير المشروع‬
‫المتمثل في إغراق السوق المغربية بشكل مبالغ فيه بالسلع والبضائع‬
‫الأمر الذي يهدد بإلحاق الضرر بالإنتاج الوطني‪.‬‬
‫إعطاء ا لأولوية للشركات والمقاولات الوطنية وخاصة الصغرى‬
‫والمتوسطة والصغيرة جدا في المشاريع العمومية حسب نوعية وحجم‬
‫الصفقات‪.‬‬
‫وضع نظام خاص بهدف التوزيع العادل والشفاف للمشاريع العمومية‬
‫على الشركات والمقاولات الوطنية بكل أشكالها بعيدا عن نظام‬
‫المناقصات غير العادل الم عمول به اليوم في ظل المنافسة القوية من‬
‫قبل الشركات الأجنبية التي لها حق المشاركة والتي تجعل مقاولاتنا‬
‫الوطنية غير قادرة بل وعاجزة أحيانا على مواجهة قوة منافستها‪ ،‬بما لها‬
‫من قدرات مالية واستثمارية ضخمة‪.‬‬

You might also like