You are on page 1of 400

‫ليس للمساء إخوة‬

‫‪ ‬‬
‫‪1981‬‬
‫‪ ‬‬
‫ووّزع باليد أوائل ‪1973‬‬
‫ُخطّ باليد ُ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ليس للمساء إخوة ‪1 -‬‬
‫(‪)1968‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪I‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬في هذه القرية‬
‫أقحوانات المساء‬
‫ُ‬ ‫تُنسى‬
‫مرتجفةً خلف األبواب‪.‬‬
‫في هذه القرية التي تستيقظ‬
‫لتشرب المطر‬
‫انكسرت في يدي زجاجةُ العالم‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪II‬‬
‫‪ ‬‬
‫هذه المياه‬
‫فتح أقنيةَ الليل في الجسد‪.‬‬
‫تَ ُ‬
‫هذه المياه وهذه المراكب‬
‫ٍ‬
‫عميان‬ ‫نقود‬
‫ُ‬
‫أنفسهم على أرصفة الضوء‬
‫نسوا َ‬
‫ونسوا‬
‫أن يرفعوا شبكة العمر‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪III‬‬
‫‪ ‬‬
‫صارخ لتقابلوا اعتزاالتكم‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بقميص‬ ‫ستخرجون‬
‫في الليل أو في النهار‬
‫ستخرجون‬
‫كل واحد اعتزاالتِه‬ ‫وعلى ٍ‬
‫حدة يقابل ُّ‬
‫ينقّب طويالً في الحقول‬
‫وال يجد كنز حياته‬
‫في الليل أو في النهار‬
‫المحيطات بدالتِكم‬
‫ُ‬ ‫ستثقب‬
‫وتبحثون عبثًا عن إبرة الشمس‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪IV‬‬
‫‪ ‬‬
‫إعرف ّأنك لن تجعل من الشمس حبيبةً‬
‫ْ‬
‫كثير الثقوب‪M‬‬ ‫كنت في ٍ‬
‫رداء ِ‬ ‫وإ ْن َ‬
‫وأنك‬
‫ّ‬
‫دلف فوق ساقية الروح ببطء‬
‫حين تَ ُ‬
‫الماء الضائع‬
‫َ‬ ‫ستكون‬
‫قضبانا كثيرة الذكريات‪.‬‬
‫ً‬ ‫أنفاسك في الفضاء‬
‫َ‬ ‫وحين ترصف‬
‫أنت‬
‫ولو كانت لك نجمةٌ صغيرة‬
‫أحيانا حياتَهُ‬
‫ً‬ ‫فتح اللي ُل‬
‫ولو َ‬
‫ألعواد ثقابك‬
‫غير الضوء طريقًا‬
‫ستأخذ َ‬
‫ُّ‬
‫وتطل في وقت غير مناسب على نافذة العالم‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪V‬‬
‫‪ ‬‬
‫بعيدا‬
‫ب تطير ً‬ ‫الح ّ‬
‫فراشةُ ُ‬
‫وعطلةٌ قصيرة على كفّها‬
‫مفاتيحها‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫لكن يدي أضاعت‬
‫أتدلَّى‬
‫فوق سور األسماء‬
‫وغيمةٌ تشبه اليد‬
‫قميص الشتاء‪.‬‬
‫َ‬ ‫ترفع‪  ‬لي‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪VI‬‬
‫‪ ‬‬
‫بعيدا عن السقوف الحميمة‬
‫ً‬
‫جميعُ األمطار ال تغسل مظالتنا‬
‫والنهارات الناسية مظلَّتَها في يد الليل‬
‫ُ‬
‫تقذف بنفسها من مطل ِ‬
‫ق نافذة‬
‫خاتم نومها‪.‬‬
‫لتستخرج َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪VII‬‬
‫‪ ‬‬
‫ٍ‬
‫محطة في األرض‬ ‫من ِّ‬
‫كل‬
‫العربات مقبلة‬
‫ُ‬
‫كأسماء واضحة في ملفّات التعاسة‪،‬‬
‫والنهار‬
‫سوق المرايا‬
‫مما ينبغي‬
‫جدران مزهرة أكثر ّ‬
‫ٌ‬
‫والعيون غيوم‬
‫ُ‬
‫سقطت‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪VIII‬‬
‫‪ ‬‬
‫شرايين الذهول‬
‫ُ‬ ‫يدك تنمو‬
‫في َ‬
‫وتغترب‬
‫للمارة‬
‫تلوح ّ‬
‫يدك التي ّ‬
‫َ‬
‫كالرسائل‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪IX‬‬
‫‪ ‬‬
‫الوحيد يلمعُ بيننا‬ ‫ِ‬
‫الصمت هو‬ ‫وعاء‬ ‫أن‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫مع ّ‬
‫أعرفك ّأيها العالم‬
‫َ‬
‫ّأيها العجوز القميء في صحن ذاكرتي‪.‬‬
‫أتقدم بخطى مبعثرة‬
‫وإ ّني‪ ،‬إذ ّ‬
‫مودتك المقفلة‪،‬‬
‫إلى أبواب ّ‬
‫أن المفاتيح‬
‫ناسيا ّ‬
‫ال أكون ً‬
‫نعثر عليها في أشواقنا‬
‫التي ُ‬
‫هي المفاتيح الخطأ‪.‬‬
‫ٍ‬
‫مجار من التأسف‬ ‫أعرف أية‬
‫ُ‬
‫أيام َك‬
‫ُ‬
‫أن ك ّل شيء مضى اآلن‬ ‫مع ّ‬
‫ولم يعد يتدلّى بيننا‬
‫غير عشبة الماضي الجافّة‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪X‬‬
‫‪ ‬‬
‫ب‬
‫الح ّ‬
‫ّإنها محاولةُ الدخول في عنق ُ‬
‫الذي يندلق خارج فمي‬
‫ٍ‬
‫نجمة‬ ‫أو التقاطُ‬
‫مخربة في صندوق األمل‬ ‫ٍ‬
‫كساعة َّ‬
‫ثم الوقوف‬
‫وااللتفات نحو‬
‫ُ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫مزرعة شحيحة البصر‬
‫تعبر فيها الفصول‬
‫ٍ‬
‫بقليل من التعاسة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪XI‬‬
‫‪ ‬‬
‫كنت تعبر أمكنةً واسعة‬
‫بينما َ‬
‫ب‬
‫الح ّ‬
‫ثمةَ شيء يشبه ُ‬ ‫كان ّ‬
‫رك‬
‫يتذ ّك َ‬
‫أما اآلن‬
‫ّ‬
‫شوارع غير مدثَّرة‬
‫َ‬ ‫قطعت‬
‫َ‬ ‫وقد‬
‫عت أرصفةً كثيرة‬
‫وود َ‬
‫ّ‬
‫فاألمل‬
‫إليك عند ك ّل خطوة‬
‫ث َ‬ ‫التحد َ‬
‫ّ‬ ‫الذي أراد‬
‫يكف عن النداء‪.‬‬
‫ّ‬
‫أنت‬
‫َ‬
‫حسب َّأنه َ‬
‫عبر ك ّل االشياء‬ ‫َ‬ ‫يا من‬
‫جلست وقتًا أطول‬
‫َ‬
‫في مقهى الماضي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪XII‬‬
‫‪ ‬‬
‫األيام‬
‫بأن ّ‬‫اإلعتراف ّ‬
‫ُ‬ ‫ينبغي‬
‫مي ٍ‬
‫تة‬ ‫ترسو كضفادع ّ‬
‫ِ‬
‫االبتسامات موجعةً‬ ‫وتجع ُل‬
‫أمام البحيرات‪،‬‬
‫المحبة‬
‫ّ‬ ‫وأن‬
‫ّ‬
‫ملح أزرق‬
‫ٌ‬
‫وحيدا‬
‫ً‬ ‫ملح يسقطُ اآلن‬
‫ٌ‬
‫وأزرق‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪XIII‬‬
‫‪ ‬‬
‫إذن‬
‫ْ‬
‫رأيت نفسي‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫كمعطف ٍ‬
‫مثقل بأوحال النهار‬
‫صباغ المساء‬
‫أقف أمام ّ‬
‫ُ‬
‫المقفل‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫ليس للمساء إخوة‪2 -‬‬
‫(‪)1980 – 1973‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫مرحلة أولى‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫كيف يكون هذا الشوق‬
‫خارج بحيرته؟‬
‫َ‬ ‫كضفدع‬
‫ٍ‬
‫رماد في السماء؟‬
‫النهار ٌ‬
‫ُ‬ ‫كيف هذا‬
‫غصنا؟‬
‫ً‬ ‫تحرك‬
‫وهذه العاصفة في الرأس كيف ال ّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪I‬‬
‫‪ ‬‬
‫ما فائدةُ الوثوب إلى الغابات‬
‫وإ طعام الغزالة النحيلة‬
‫عصافير الدهشة‬
‫ُ‬ ‫حين تسقط‬
‫ٍ‬
‫كخشبة من بناية قديمة؟‬
‫االسود تحت األبراج‬
‫ُ‬ ‫النمو‬
‫أنا ُّ‬
‫الكونية ترعاني‬
‫ّ‬ ‫والحيوانات‬
‫ُ‬
‫الصبي الذي يدخل‬
‫ُّ‬ ‫لست‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫العائلة في المساء‬ ‫برج‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫نجمة أقرأ تحتها حياتي‬ ‫أبحث عن‬
‫ُ‬
‫أرتقي سلّ َم الضوء‬
‫أهب ورقةَ نقدي األخيرة‬
‫ُ‬
‫لليد المعروقة‬
‫فوق جسر القلب‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪II‬‬
‫‪ ‬‬
‫هؤالء الّذين يتوقون العودة‬
‫وليس لهم قطار‬
‫وال نجمة‬
‫يغني‪،‬‬
‫وال حتّى صرصار في طريقهم ّ‬
‫رت كنزةُ أحالمهم‬
‫الّذين ّك ْ‬
‫ِ‬
‫ارتطام المرآة على الحجر‪،‬‬ ‫صوت‬
‫ُ‬ ‫ولحياتِهم‬
‫موت المسافات‬
‫َ‬ ‫مرات كثيرة سيعرفون‬‫ّ‬
‫ويكتشفون العالم‬
‫بال طريق‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪III‬‬
‫‪ ‬‬
‫المحبة اليابسة‬
‫ّ‬ ‫تغرق في ِ‬
‫بئر‬ ‫ُ‬
‫سكران‬
‫تخطف مرفأ؟‬
‫َ‬ ‫للمارة كي‬
‫ماذا تقول ّ‬
‫نهارك دفعةً واحدة‬
‫َ‬ ‫شربت‬
‫َ‬
‫تقدم نشوتك‬
‫رقصنا في الساحة ولم ّ‬
‫مياهنا إلى حدودها‬
‫رفعنا َ‬
‫ْ‬
‫وأنت تف ّكر في صحراء يدك‬
‫َ‬
‫بعها‬
‫ْ‬
‫الحرية‬
‫وجهك ال رايةَ ّ‬
‫َ‬ ‫وارفع‬
‫ْ‬ ‫بعها‬
‫لك ْ‬
‫قلنا َ‬
‫قل هذه شجرتي‬
‫ْ‬
‫وأنا أرغب في عريها‬
‫كت إبرةَ األلم‬
‫حر َ‬
‫لكنك ّ‬
‫ّ‬
‫جميعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ت حياكةَ‪  ‬يأسنا‬
‫وأعد َ‬
‫ْ‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪IV‬‬
‫‪ ‬‬
‫نقاء مالح‬
‫الرغبة ٌ‬
‫مرايا عاريةُ الظهر‬
‫عشبةُ التجاويف‬
‫ميتة في فمي‪.‬‬
‫قريةُ ّ‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪V‬‬
‫‪ ‬‬
‫القروية‪:‬‬
‫ّ‬ ‫تقول القابلة‬
‫لدت في زاوية البيت‬
‫ُو َ‬
‫بين قمر النعاس والعيون المطفأة‬
‫كانت األزهار صغيرة‬
‫عجوزا‬
‫ً‬ ‫الطريق‬
‫ُ‬
‫وشجرةُ الرحمة ُّ‬
‫تهتز في النهر‬
‫حيث الغصون و العصافير‬
‫نفسها مكسورة‪.‬‬
‫ترى َ‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪VI‬‬
‫‪ ‬‬
‫العشق َم َّرةً أسقط المالك‬
‫ُ‬
‫في وجهي‬
‫حمل أصابعه و خرج‬
‫إلى الموت‬
‫يربط عنقَه بوردة‬
‫وخرج من العمر حصان‬
‫أنهى سباق الرغبة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪VII‬‬
‫‪ ‬‬
‫جلس المنظّرون والع ّشاق والسكارى واألموات‬
‫يحيون ذكرى األرض القديمة‬
‫هيكلُهم على كلس الجدار‬
‫حطامهم على المفارق‬
‫ينتظرون زهرة الخدر‬
‫من حجارة العيون‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪VIII‬‬
‫‪ ‬‬
‫نقّبوا عن ظالل رؤوسكم‬
‫وتفيأوا‬
‫ّ‬
‫الزمن جفّف القلوب‬
‫وال بئر غير عيوننا‬
‫حب‪.‬‬
‫ندفن فيها وجوهَ من ُن ّ‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪IX‬‬
‫‪ ‬‬
‫أي زمن سيأتي‬
‫ُّ‬
‫بقميص أبيض؟‬
‫أي درب ستأتي‬
‫ّ‬
‫ونلعب مع األطفال؟‬
‫أي خروف‬ ‫ّ‬
‫نطعمه أيدينا؟‬
‫أي حلم‬‫ّ‬
‫وكلّنا على قارعة الطريق‬
‫نلملم انهيار الوجوه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪X‬‬
‫‪ ‬‬
‫يصعد الليل إلى الحلم‬
‫ُ‬
‫غصن الشوق‬
‫َ‬ ‫و نحن نرسم‬
‫يصعد النوم إلى الثمر‬
‫ونحن نوقظ زهر النشوة‪.‬‬
‫هكذا بخطو ٍة أولى‬
‫ب‬‫الح ّ‬
‫ُيستنزف ُ‬
‫تلوح‬
‫وأصابعه الحمراء ّ‬
‫وال ترى القتلى‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪XI‬‬
‫‪ ‬‬
‫ماذا على الّذين مثلي أن يفعلوا‬
‫وأصغر فراشة‬
‫ُ‬
‫أكثر دهشة؟‬
‫هي ُ‬
‫الدائرةُ نفسها‬
‫المشهد‪ ،‬النافذة‪ ،‬الوجه‪.‬‬
‫فارغا‬
‫ً‬ ‫سأخرج‬
‫حتى من قميص قلبي‬
‫ٍ‬
‫وبرصاصة وحيدة ُّ‬
‫أطل على الصمت‬
‫أبدا‪.‬‬
‫هذا الهدف المتراقص ً‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪XII‬‬
‫‪ ‬‬
‫هناك مشروعُ قصيدة‬
‫ضفّة‬
‫السمك الواجف في رأسي‪.‬‬
‫َ‬ ‫أفرش عليها‬
‫ُ‬
‫اذهبي‬
‫يا امرأة سوداء على بابي يا مراكب‬
‫اذهبي‬
‫أحالمي كافية ألغلق هذا الباب‬
‫وأنام‬
‫مياهي كافية‬
‫ألغرق‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪XIII‬‬
‫‪ ‬‬
‫طريق آخر‬
‫ٌ‬ ‫يجب أن يكون هناك‬
‫إلى الغابة‬
‫عيني و األشجار‬
‫َّ‬ ‫الوتر المشدود بين‬
‫ُ‬
‫على وشك االنقصاف‪M.‬‬
‫ّأيتها الكلمات يا غابتي‬
‫يا شجرتي اليابسة في فمي‬
‫على طول الطريق سوا ٍ‬
‫ق و أزهار‬
‫حجارةٌ لمن تعبوا‬
‫قمر للّيل‬
‫شمس للنهار ٌ‬‫ٌ‬
‫عصفور يسلّي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وليس على حروفك‬
‫طريق آخر‬
‫ٌ‬ ‫يجب أن يكون هناك‬
‫األصوات أقفاص‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪IVX‬‬
‫‪ ‬‬
‫ُّ‬
‫أود أن أعلّق قلبي على جبيني‬
‫اسم طفلها على مريوله‬
‫األم َ‬
‫كما تعلّق ُ‬
‫ُّ‬
‫أود أن أكتب رغبتي على الثلج‬
‫محبتي‪.‬‬
‫وعلى رمل البحر ّ‬
‫في العيون في العيون‬
‫الشمس تثلج‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫مرحلة ثانية‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ٍ‬
‫كعود يابس‬ ‫الطريق تنكسر‬
‫ُ‬ ‫ها هي‬
‫وعلى أعلى جبال القلب‬
‫نفسها‬
‫البيضاء َ‬
‫ُ‬ ‫الخراف‬
‫ُ‬ ‫تجمع‬
‫وتعود إلى الحظيرة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪I‬‬
‫‪ ‬‬
‫قبالةَ البحر أو الجدار‬
‫الدفاع عن نفسي‬
‫َ‬ ‫أريد‬
‫ُ‬
‫بك ّل الرعب‬
‫ال بالصراخ‬
‫مر طويالً‬ ‫َّ‬
‫ألن الوقت َّ‬
‫وال أعرف‬
‫الصراخ ال يزال‪.‬‬
‫ُ‬ ‫إذا‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪II‬‬
‫‪ ‬‬
‫طاهرا هذا الوجه‬
‫ً‬ ‫مهما بدا‬
‫ّإنه ملعب العائلة‪.‬‬
‫الذكرى ثلج‬
‫الوقوف فوقه طويالً‬
‫ُ‬ ‫ال ُيضمن‬
‫إرحل‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪III‬‬
‫‪ ‬‬
‫أقعد مع الحطّابين‬
‫سأذهب إلى الغابة ُ‬
‫ُ‬
‫وبفأس دهشتهم‬
‫أقطعُ أحالمي وألقيها في النار‪.‬‬
‫طابون‪:‬‬
‫يقول الح ّ‬
‫اليابس ُيقطع‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪IV‬‬
‫‪ ‬‬
‫إذا سقط نجم‬
‫عالمةُ شؤم‬
‫سقطت شجرة‬
‫ْ‬ ‫إذا‬
‫موت‬
‫سقطت في وجهي ّأيها النورس‬
‫َ‬ ‫إذا‬
‫فألني‬
‫ّ‬
‫أدرت غروبي صوب الشرق‬
‫ُ‬
‫ومضيت في مياهي‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪V‬‬
‫‪ ‬‬
‫أزقّةُ ّأيامي مليئةٌ بالزجاج‬
‫حافيا في عمري‪.‬‬
‫يركض عمري ً‬‫ُ‬ ‫صبي‬
‫ّ‬ ‫ومثل‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪VI‬‬
‫‪ ‬‬
‫أحم ُل ذهولي‬
‫جنون الحلقات‬
‫َ‬ ‫مخترقًا‬
‫األبدية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تنزف حربةُ‬
‫ُ‬ ‫في وجهي‬
‫أنا نظيف‬
‫البياض يكسوني‬
‫ُ‬
‫أمشي على طريق أبيض‬
‫كرسي أبيض‬
‫ّ‬ ‫أقعد على‬
‫أحالم ناصعة‬
‫ٌ‬
‫نسيان ناصع‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫مرحلة ثالثة‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫نتسلّق ضحكاتنا‬
‫جدا‪.‬‬
‫شاهق ً‬
‫ُ‬ ‫ألن صراخنا‬
‫ّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪I‬‬
‫‪ ‬‬
‫غير الكلمات واللون األحمر‬
‫لم َي ُع ْد في دمي ُ‬
‫اطردني‬
‫ْ‬ ‫قناع الرحمة و‬
‫البس َ‬ ‫ْ‬
‫غير لهاثك‪.‬‬
‫يشتاق صمتي َ‬
‫جئت تقطف‬
‫جئت تقول ماذا َ‬ ‫جئت تفعل ماذا َ‬ ‫ماذا َ‬
‫غ كاألبله؟‬
‫يا زارع اليباس كي يكلّم الفرا َ‬
‫أصغر من جنين‬
‫ُ‬ ‫حديقتي‬
‫ِ‬
‫ورقة السهو‬ ‫غير‬
‫ليس فيها ُ‬
‫نبتت في غيابك‪.‬‬
‫ْ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪II‬‬
‫‪ ‬‬
‫أنتم قميص المجاعة‪.‬‬
‫األس َو ِد وصارت‬
‫أقدامنا في ْ‬
‫غرقت ُ‬‫ْ‬ ‫عمرنا القصير‪.‬‬ ‫َّ‬
‫فاسود ُ‬ ‫دلقتم محابر وجوهكم على ّأول النهار‬
‫صالحةً للكتابة‪  .‬بها وقّعنا على الطرقات أحصنة جديدة‪.‬‬
‫نسل االحالم‪ .‬ما عاد العالم يسع‪.‬‬
‫أوقفوا َ‬
‫ضجيجا هائالً‪ ،‬قرقعةَ عظام‪ ،‬األحالم ترفس نفسها‪ ،‬تنهق‪ ،‬تفترس‪ ،‬تروث‪.‬‬
‫ً‬ ‫أسمعُ‬
‫وانبرت زهرةُ األزمنة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫أو ِقفوا َ‬
‫نسل األحالم‪َ .‬كثَُر الروث‬
‫أسميكم‪.‬‬ ‫ٍّ‬
‫على صدر كل منكم زهرة الزمان‪ .‬أحار كيف ّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪III‬‬
‫‪ ‬‬
‫سيدتي في الفضاء الكئيب‬
‫ّ‬
‫إلي‬
‫ال تُرجعي وجهي َّ‬
‫ال تتدفّقي نحوي كاألنهار‬
‫ال تندلقي كالبراميل‬
‫نصف اشمئزازي‬
‫ُ‬ ‫الحريةُ‬
‫ّ‬
‫والرهينة نصفي اآلخر‬
‫ُّ‬
‫وكل أوالدي الموت‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪IV‬‬
‫‪ ‬‬
‫مجنونا يا ُحّبي‬
‫ً‬ ‫شرسا يا‬
‫ً‬ ‫قاطع الطرق يا‬
‫َ‬ ‫يا‬
‫ممرا لرحيلي‬
‫دع ًّ‬
‫ْ‬
‫بعيدا مع ورق الشجر أستلقي‬
‫دعني ً‬
‫على حجر يمكنني أن أقعد‬
‫أغني‬
‫مع صرصار أستطيع أن ّ‬
‫لنملة أقرأُ قصائدي‬
‫وثغر كام ٌل للغروب‬
‫ثالث ابتسامات من الفجر ٌ‬
‫ُ‬ ‫في ِم َزق ثوبي‬
‫على رؤوس أصابعي قطيعٌ غريب‬
‫ال يعود من البراري‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪V‬‬
‫‪ ‬‬
‫قاطعا حدائق الوجوه‬
‫ً‬ ‫أخرج إلى تس ّكعي‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫رائحةُ الصمت برتقالة‬
‫قطار سريع‪.‬‬
‫وشيخوخة الوعي ٌ‬
‫‪ ‬‬
‫أيَّهُ لقاء الحزن أيَّهُ لقاء ِ‬
‫الحلم يا قطرات الطريق؟‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪VI‬‬
‫‪ ‬‬
‫الورد ابني الحبيب ورجع و قال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫مر‬
‫َّ‬
‫أزرق األرض‬
‫َ‬ ‫خلّصني يا‬
‫أبيض الفراشة‬‫َ‬ ‫يا‬
‫يؤنث ن ْف َسه‪.‬‬
‫المكان ّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪VII‬‬
‫‪ ‬‬
‫األيام األخيرة‬
‫األيام األولى في رقصة ّ‬
‫اشتبكي معي يا حشائش ّ‬
‫مترمدة‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫أشعةٌ‬
‫في كال عنقينا َّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪VIII‬‬
‫‪ ‬‬
‫صف المسافرين إلى النهار‬
‫ّ‬ ‫تقف في آخر‬
‫ُ‬
‫العاشق الوحيد‬
‫َ‬ ‫نفسك‬
‫َ‬ ‫ريد أن ترى‬
‫وتُ ُ‬
‫اعترف َّ‬
‫أن القطار انكسر‬ ‫ْ‬
‫وحيد على الرصيف‬
‫ٌ‬ ‫وأن َك‬
‫ّ‬
‫الحمى برودةٌ كئيبة‬
‫شوقُك ّ‬
‫وأسنان َك حين تبتسم ال تضيء‬
‫ُ‬
‫فمك‪.‬‬
‫حتى َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪IX‬‬
‫‪ ‬‬
‫األبراج المبلّلة بالضوء تطفو على كتفي‬
‫ّإنه شروق سخيف‬
‫بدايةُ ّأول يوم في مصنع العالم‬
‫وجهي يقتله ظلُّه‬
‫على الشرفة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪X‬‬
‫‪ ‬‬
‫أي شيء للعصافير في شجرة التفاح كي ترحل‬
‫قولوا َّ‬
‫خبز في أشواقها‬
‫ٌ‬
‫يأسر خطواتي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪XI‬‬
‫‪ ‬‬
‫وأنت‬
‫َ‬ ‫إلى جاد وسيمون وغادة‪،‬‬
‫اسمك؟ ال أعرف‬
‫َ‬ ‫ما‬
‫وأنت تسرع؟‬
‫َ‬ ‫كحبة س ّكر‬
‫وجهك تحت شتاء آذار يذوب ّ‬
‫َ‬ ‫لكن ألم َأر‬
‫ومرةً قعدنا؟‬
‫َّ‬
‫الزغب ينبت في وجوهنا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫غدا‪ .‬زقزقنا‪.‬‬
‫أمنا تطيرون ً‬
‫قالت ّ‬
‫نتأمل أقدامنا الصغيرة‪.‬‬ ‫وها على الثلج نقعد ّ‬
‫ما هذا الواقع من فم السماء‪ ‬كأنه لنا؟‬
‫قالوا جاء يزيح الصخر يفتح الباب‪ِ .‬‬
‫انخفضوا انخفضنا‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ارتطام جسده‪ .‬رأينا تفتُّ َح جراحه‪.‬‬
‫َ‬ ‫سمعنا‬
‫أبدا لئال ُيقفل نبعُ الرغبة‪.‬‬
‫أمس جرحك ً‬
‫وقلت‪ :‬لن ّ‬
‫ُ‬
‫قطن ينفشه‬
‫وعين غادة ٌ‬
‫ُ‬ ‫عينه في الفضاء غيمة‪.‬‬
‫وضع جاد عينه في الماء صارت سمكة‪ .‬سيمون ُ‬
‫الحزن‪.‬‬
‫انتهاء الزيارة‪.‬‬
‫َ‬ ‫أعلن‬
‫اب َ‬ ‫البو ُ‬
‫كنا التقينا‪ .‬دخل ّ‬
‫ّ‬
‫علي في الشوارع؟‬
‫مطرا أحمر ينزل َّ‬ ‫كيف تصيرين هكذا ً‬
‫وعبأتْها‪.‬‬
‫جيوبا للزبيب ّ‬
‫ً‬ ‫عملت لها‬
‫ْ‬ ‫غزلت لي كنزةً بيضاء‬
‫ْ‬ ‫أمي‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫وخطرت أمامك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لبستُها‬
‫إلي من بيروت في جيبه‪ .‬اقتسمناها وركضنا في‬
‫ضيفوه برتقالةً حملها َّ‬‫مرةً زار المدينة‪ّ .‬‬
‫أبي ّ‬
‫البساتين‪.‬‬
‫ِ‬
‫منقادك وأنت في العش ال أجد‪.‬‬ ‫أضعها في‬ ‫ٍ‬
‫برتقال‬ ‫حب ِة ٍ‬
‫قمح‪ ،‬بذر ِة‬ ‫ٍ‬
‫زبيبة‪ّ ،‬‬ ‫أبحث عن‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫كيف يصير أهل القرى من دون قمح هكذا؟‬
‫جاء الشتاء يمزج البرد بالذكرى‬
‫غير غطاء‪.‬‬
‫وها نحن ال نريد َ‬
‫‪ ‬‬
‫المياه المياه‬
‫‪ ‬‬
‫نشيد ‪1983‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ُرفرف‬
‫ُ‬ ‫أ‬
‫قفص أو غابة‬
‫ألن هذا ٌ‬ ‫ال ّ‬
‫ألن الريح تضربني‬
‫بل ّ‬
‫كثير و األجنحة مستجيبة‬
‫الهواء ٌ‬
‫ُ‬
‫ولكن‬
‫ْ‬
‫بقاعٌ كلّها هذه البقاع‬
‫‪ ‬‬
‫ٍ‬
‫منحن على النهر‬
‫ال أريد الجلوس‬
‫ٍ‬
‫منحن‬
‫ال أريد الوقوف‬
‫ماء وسقسقةٌ‬
‫ٌ‬
‫وماء‬
‫للجذوع الهرمة‬
‫جمعٌ سائر في الظالم‬
‫ْ‬
‫وصمت‬
‫‪ ‬‬
‫ددا‬
‫مم ً‬
‫كنت صيفًا َّ‬
‫في البدء ُ‬
‫ق على الغصون‬ ‫صمي معلّ ٌ‬
‫ورأس َخ ْ‬
‫ُ‬
‫كنت مائتًا جميالً في سفينة‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫غريب على أرخبيل‬ ‫ٍ‬
‫نسيان‬ ‫ثلج‬
‫َ‬
‫وأرمي‬
‫خواتم الوعود اآلن‬
‫َ‬
‫أتثاءب من الزهر إلى الزهر‬
‫ُ‬
‫أرمي الخواتم‬
‫وأنام‬
‫‪ ‬‬
‫اعرف ماذا أفعل بها‬
‫ُ‬ ‫عندي فََر ٌس ال‬
‫أمتطيها‬
‫ألتسلَّى‬
‫ال ماء هنا‬
‫ال جذوع‬
‫ال َج ْمع‬
‫وهم‬
‫مجرد ْ‬
‫بل َّ‬
‫وال وقت لتقول الوداع‬
‫‪ ‬‬
‫الذين عرفتُهُ ْم‬
‫كل َ‬ ‫ُّ‬
‫ماتوا‬
‫وكل من أعرفُهُ يموت‬‫ُّ‬
‫سما ًكا‬
‫كنت َّ‬
‫هنا في جزيرة الفجر ُ‬
‫يرث القصب‬
‫سائس‬
‫ٌ‬ ‫في الصباح‬
‫أقعد‬
‫وفي المساء ُ‬
‫أراقب الغروب‬
‫ُ‬
‫الخبز عن رأسي‬
‫َ‬ ‫سود تنقر‬
‫طيور ٌ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬
‫باإلعدام‬ ‫محكوم‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫يمامة ثلجيَّة‬ ‫وبذكرى‬
‫َّ‬
‫الحب طيلة الشتاء‬ ‫ت لها‬
‫ر َش ْش ُ‬
‫‪ ‬‬
‫كنا وحيدين في الغابة‬
‫ّ‬
‫هناك ما نقوله‬
‫َ‬ ‫لم يكن‬
‫ونظرنا في السماء‬
‫ْ‬ ‫صمتْنا‬
‫َ‬
‫هذه مدينة الموتى‬
‫بعيني المظلمتين أراهم‬
‫َّ‬ ‫أنا‬
‫الممر‬
‫ّ‬ ‫يمألون‬
‫متهد ٌل‬
‫ّ‬
‫عيناي مفقوءتان‬
‫وأرى‬
‫السفلي‬
‫ّ‬ ‫العالم‬
‫َ‬ ‫وأنتظر‬
‫ُ‬
‫ظل الجدار‬‫في ِّ‬
‫هذه عصاي‬
‫حيةٌ مستقيمة‬
‫ّ‬
‫فتحت لي طريقًا‬
‫والرمح في يدي‬
‫ُ‬ ‫وفي رحلتي الطويلة‬
‫الصوت‬
‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬
‫نقي)‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫(كمياه كثيرة ونحاس ّ‬
‫وميت‪...‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬‬
‫بيلسانا عاشقًا في حقل أبي‬
‫ً‬ ‫كنت‬
‫ُ‬
‫قرية في وسط الرذاذ‬ ‫كنت‬
‫ُ‬
‫أِ‬
‫ُط ُّل عليها من مفر ٍ‬
‫ق قديم‬
‫السواقي اجتمعت اآلن في وجهي‬
‫واألطفال عادوا إلى البيوت‬
‫ماذا في هذه الجبال إ ًذا‬
‫غير أن يجري النهر‬
‫أن ِ‬
‫أفس َح الطريق للعابر الغريب‬
‫أغسل الحصى‬
‫َ‬
‫صًبا‬
‫أترك على الحفافي قَ َ‬
‫وأمضي‬
‫‪ ‬‬
‫المياهُ المياه‬
‫الجهات موحشة‬
‫وكثيرة‬
‫‪ ‬‬
‫مليئا هكذا‬
‫أعود إلى أهلي ً‬
‫ُ‬ ‫كيف‬
‫َ‬
‫بالهبوب‬
‫الطيور المهاجرة‬
‫َ‬ ‫أنتظر‬
‫ُ‬
‫ألعيد محبَّتي إلى الجبال‬
‫َ‬
‫سأغادر‬
‫لكني أعود‬
‫ّ‬
‫ألُلقي حطبي‬
‫نهارا آخر‬
‫الغابة وهبتني ً‬
‫استضافني البطيء الزاحف على األوراق‬
‫السري‬
‫السم ُن ّ‬
‫ومر ّ‬‫ّ‬
‫فوق رأسي‬
‫مليئا بالغيوم‬
‫َّانا ً‬
‫كنت ري ً‬
‫ُ‬
‫فانحنيت على نبعي‬
‫ُ‬
‫ودلقت الدموع‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫نامت أورور على ٍ‬
‫حقل يباس‬ ‫ْ‬
‫جسدا يصعد إلى السماء‬
‫ولم َتر ً‬
‫ملحا يمشي‬
‫وال ً‬
‫رأت أورور غير ٍ‬
‫أقدام‬ ‫ما ْ‬
‫ُ َ‬
‫وملح في البحر‬
‫ٍ‬
‫‪ ‬‬
‫البحر‬
‫َ‬ ‫لو َّ‬
‫ان هذا‬
‫مبلّل‬
‫يابس حقًّا‬ ‫لو َّ‬
‫ان هذا الخشب اليابس ٌ‬
‫بماذا‬
‫يمسح اإلنسان نفسه لينام؟‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫النسر جناحيه على النبع القديم‬
‫ُ‬ ‫طوى‬
‫عائدا إلى النعاس‬
‫ً‬
‫عصفورة حكيمة‬
‫أن ما رآه‬
‫تعرف ّ‬
‫ُ‬
‫غابرا‬
‫حزنا ً‬
‫كان ً‬
‫‪ ‬‬
‫في الجبال‬
‫عشب كاسد‬
‫ٌ‬
‫‪ ‬‬
‫وحيدا تحت المطر‬
‫ً‬ ‫ها أنا أمشي‬
‫وحيدا وأهتف‬
‫ً‬ ‫‪:‬أمشي‬
‫هذي هي األرض‪ ،‬هذي هي األرض‬
‫مولود جديد‬
‫يتعرض اآلن للهواء‬
‫ّ‬
‫‪ ‬‬
‫المقدس‬
‫البوابة يا امرأة المزالج يا صاحبة القفل ّ‬
‫(يا حارسة ّ‬
‫سيدك في داخلي ّإنه في داخلي‬
‫ماء ّ‬
‫فليمض إلى األرض‬ ‫ْ‬
‫وطأت المدينةَ الموفُورة‬
‫ُ‬
‫غابةَ ِ‬
‫الظ ِّل الوارف‬
‫والمياه األولى‬
‫الخضراء المتباعدةَ الركبتين‬
‫َ‬
‫ارتفعت معي ُّ‬
‫كل األسماك‬ ‫ْ‬ ‫ارتفعت‬
‫ُ‬ ‫وعندما‬
‫الغمر زال عن البحر وجهُ المرح‬
‫ُ‬ ‫اضطرب‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫واستبد الهلع‬
‫باألنهار العالية)‬
‫‪ ‬‬
‫قطرةً قطرة‬
‫ينزل الموتى على بابي‬
‫ومركب يتوقّف ألجلي تحت الشمس‬
‫ٌ‬
‫وجالية فقيرة من الرعشات‬
‫تعود إلى الرمل‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫األبدي‬
‫ّ‬ ‫أيها الماء‬
‫المغسول في نهر الخلود‬
‫ُ‬ ‫أنا‬
‫(كنت جميالً كغابة‬
‫أبيض كالشمس في الماء‬
‫أرعى َغنمي على رأس الجبل‬
‫وأمام الجميلة‬
‫َ‬
‫يبتعد عن النبع‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫كنهر‬
‫فارقت الحياة)‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫(أنا اآلن الريشةُ الزرقاء‬
‫يتركها العصفور للشوك)‬
‫‪ ‬‬
‫رميت إبرةَ الرعب كطاووس صغير‬
‫ُ‬
‫فطر عاشق‬ ‫أنا ٌ‬
‫َّهم‬
‫تحت الس ْ‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫شيء هنا‬
‫َ‬ ‫ال‬
‫غير عشب الصمت‬
‫ال شيء ُ‬
‫غزالن غفلتي‬
‫َ‬ ‫لماذا ْأنهَ ُر‬
‫الخراف‬
‫ُ‬ ‫فلترع هذه‬
‫َ‬ ‫على مهل‬
‫فلترع‬
‫َ‬ ‫على ٍ‬
‫مهل‬
‫ق‬‫وتَ ْستَْل ِ‬
‫لست الغنم لكني‬
‫لست الراعي و ُ‬ ‫ُ‬
‫أحنو على المياه‬
‫جرتي في العين‬
‫تركت َّ‬
‫ُ‬
‫ت‬
‫ورجع ُ‬
‫ْ‬
‫علي طويالً‬
‫الشمس أشرقت َّ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫وأرسلت ثغائي كلهُ‬
‫ُ‬
‫َخَزفًا إلى الجبال‬
‫‪ ‬‬
‫الشبكة‬
‫نفسها من الملح‬
‫تصفّي َ‬
‫ماذا ينفعُ أن أرمي محبَّتي على الماء‬
‫ض مالئكتي لألحالم‬‫أن اُ َع ِّر َ‬
‫ليلي للمالئكة‬
‫إناء عشقي‬
‫أفتح َ‬
‫أن َ‬
‫ْ‬
‫وأُفسد سهوي‬
‫‪ ‬‬
‫الزمن يشفي وجهَهُ‬
‫ُ‬
‫ببطء‬
‫الشوق عن شواطئي‬
‫َ‬ ‫ويمسح‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫ٍ‬
‫هواء مستعمل‬ ‫رجل في‬
‫يقعد ويف ّكر في الحيوانات‬
‫‪ ‬‬
‫‪1985‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫إَّنهُ رم ٌل مشبوه‬
‫تحت سماء حقيقية‬
‫يقدم برتقالةَ رأسه‬
‫وشاعر ّ‬
‫بوهيمي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ألول‬
‫بقليل من الكلمات َّ‬
‫‪ ‬‬
‫رج ٌل آخر‬
‫ُ‬
‫يحاول كتابةَ القصائد‬
‫وأمطار غزيرة‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫شيء من هذا القبيل‬
‫‪ ‬‬
‫لم أحلم مطلقاً َّ‬
‫بأن ذلك قد يحدث‪:‬‬
‫مجموعة هائلة من السنوات‬
‫علي أن أُبيدها‬
‫و ّ‬
‫بمطرقة!‬
‫ص َل فجأة‬ ‫ُّ‬
‫كل هذا َو َ‬
‫جميع رماده‬ ‫ٍ‬
‫بلحظة‬ ‫كبركان يجب أن أعزل‬
‫َ‬
‫ولست آسفاً‬
‫ُ‬
‫لكنني ضجران‬
‫وتعبت يدي‪.‬‬
‫ْ‬
‫سنوات!‬
‫سنوات!‬
‫ٍ‬
‫مالك أو ذبابة‬ ‫ساللم ال تنتهي اللتقاط‬
‫أيَّام وحيتان‬
‫مدعوين ومطابخ ورؤوس نيئة أو مشويَّة‬ ‫ّ‬ ‫غير‬
‫َب َشٌر ُ‬
‫ٍ‬
‫رجال ومزابل‬ ‫وآالت‬
‫ُ‬ ‫وفروج‬
‫ٌ‬
‫ال يمكن وضعها كلَّها اآلن في طابور‬
‫وهرس أصابعها‪.‬‬
‫ْ‬
‫لذلك‬
‫الرؤيا باردة‬
‫وينبغي الصراخ بشيء آخر‬
‫األرواح تافهة‬
‫يمكنك أن تثقل أجنحتها باألسراب االنتحارية‬
‫أو تطلق عليها مصارعي السومو‬
‫وتتفرج‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫على الجبال‬
‫‪ ‬‬
‫على الجبال التي‬
‫الثلج بنعله الجديد لهبوطها‬
‫يضحي ُ‬ ‫ّ‬ ‫ال‬
‫يسلَّم ُ‬
‫بريد الحماقات اليوميَّة‪ ،‬قسراً‪،‬‬
‫لقلوب مفتوحة كقعر سفينة‪-‬‬
‫(جان جيونو َّ‬
‫يتذكر أكثر المساعي مهانةً‬
‫وتلقيح الناس ضد السموم بتسميمهم قليالً َّ‬
‫كل يوم‪،‬‬
‫إدوارد توماس َّ‬
‫يتفحص الجبهة تحت مطر بارد و ناعم‬
‫حائراً هل يبقى قرب النافذة‬
‫أم على السلَّم حيث يأتي تحطُّمه في الطبقة السفلى‬
‫بشكل أفضل‪،‬‬
‫وجوه روبرت موزيل تجمع بين رافائيل وأنثى الخنزير‬
‫وهو متأكد َّ‬
‫أن المرء يمشي‬
‫بعد سالسل الحراس‬
‫كأي سائح) –‬
‫ّ‬
‫على الجبال إذن‬
‫حيث تُسلَّم جميع الرسائل لغير أصحابها‪،‬‬
‫ٍ‬
‫خصيات صغيرة جائز ِة ترضية‪،‬‬ ‫مع‬
‫تجمعت‬ ‫يالحظ َّ‬
‫أن الغوغاء َّ‬ ‫َ‬
‫بفعل اللواط‬
‫البشري والسالم المح ّشش باستمرار‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫وأن تشريح الحنان‬
‫يتم بال دم‪.‬‬
‫ُّ‬
‫‪ ‬‬
‫الشوارع تنام هكذا‪:‬‬
‫ثالثة مليارات نعل في خبطة واحدة‬
‫الخارجي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫جماجم لالستعمال‬
‫ُ‬ ‫تحركها‬
‫ّ‬
‫مراكز عبادة ُبنيت مناصفة‬
‫ُ‬
‫بين عرق الرجال والمومسات‪،‬‬
‫فلوريسانات أوتوماتيكية من أقدام العبيد‬
‫ٌ‬
‫فوق مكاتب الرؤساء‪،‬‬
‫تناسلية‬
‫ّ‬ ‫سماوات بأعضاء‬
‫ٌ‬
‫وآلهة‬
‫بسكر رخيص‪.‬‬‫تنتف َشعرها َّ‬
‫‪ ‬‬
‫على الجبال؟‬
‫‪ ‬‬
‫أي جبال؟‬
‫ّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫العمل اليومي‬
‫‪ ‬‬
‫هاي أنت‬
‫تعال‬
‫لن نفعل شيئاً اليوم‬
‫الشمس مملَّة والمطر رتيب‬
‫وليس لي َجلَ ٌد حتى الرتداء قبَّعتي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫هاي أنت‬
‫تقل إنك مستعجل‬
‫ال ْ‬
‫وصائب حتماً كالطلقة‬
‫ألغيت َّ‬
‫كل الرحلة‬ ‫َ‬ ‫لن تخسر شيئاً إذا‬
‫يمكنك أن تستغني عن اهلل‬
‫وتكلّمني‬
‫هل كان عليك أن تتعلَّم ك ّل الكلمات‬
‫لتقول فقط‬
‫وداعاً أيها األصدقاء؟‬
‫ساعدني قليالً‬
‫لالستلقاء على هذا الرصيف‬
‫ومنع العبور إلى تلك البقعة‬
‫ساعدني فقط‬
‫يمر الهواء‪.‬‬
‫لكي َّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫في شارع الكسليك‬
‫‪ ‬‬
‫ٍ‬
‫ريش وحده فى الفضاء‪ .‬ريش‪ ،‬وحده‪.‬‬ ‫في شارع الكسليك‪ .‬تحت غيمة‪ .‬مع‬
‫األصدقاء ُّ‬
‫رشوا الحمام‪ .‬نظروا إلى الشتاء‪ .‬وضعوا كتباً على المنضدة‪ .‬وناموا‪.‬‬
‫الشمس تتدلَّى أيضاً‬
‫يجب إسعافها بالمخدرات‪ ،‬كفيرونيك الفرنسية‬
‫ليل بكامله المتصاص شارع الكسليك من دمي‬
‫ليل لفأر‬
‫ٍ‬
‫بلحظة بين فخذيها‪.‬‬ ‫قدموس مجذافاً يقطع السين‬ ‫يقضم الحوانيت ويجعل‬
‫َ‬
‫في شارع الكسليك أربعة رجال يراقبونني‬
‫وقمر غير مكتمل‬
‫عمالها يرفعون األحجار‬
‫بنايات ال يزال َّ‬
‫والشوارع تتدلَّى‬
‫يجب إسعافها بالنظرات‪ ،‬كاليونانية الضائعة في ساحة سينداغما‪َّ ،‬‬
‫مخدرة وحزينة‬
‫وأنا أمتص أرسطو من دمها‬
‫ط ليلعب بالكونيا‪.‬‬
‫وأُرسل سقرا َ‬
‫رجل وراء امرأة واحدة‪ .‬أربعة آالف مسلَّح‪َّ ،‬‬
‫ألن ذكراً وأنثى يقذفان من أحشائهما‬ ‫أربعة آالف ُ‬
‫مدينة‬
‫يتمدد‪ ،‬يسيل فوق أربع خفَّانات‪.‬‬
‫ألن مصرياً كان يرتجف‪َّ ،‬‬
‫َّ‬
‫لبنان‪ ،‬لبنان‪ُّ ،‬‬
‫تظن أننا ال نرى‪.‬‬
‫مالحةٌ دموية‪ .‬سياحةُ جلود‪.‬‬
‫شفاهٌ تلثم دوالراً على قفا أميركا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كعشب حنون‪ .‬ينحني ويذهب‬ ‫نفسه في الماء‪ .‬يذوب‬
‫الذي يرتجف يضعُ َ‬
‫وكمين‪.‬‬
‫يترك وراءه ساعةَ يد‪َّ ،‬‬
‫لبنان‪ ،‬لبنان‪ ،‬وراءك ارتجافات مهجورة‪.‬‬
‫مستودع ٍ‬
‫جثث في عينيك‪ ،‬وشحاذاً يتبعه كلب على‬ ‫َ‬ ‫مدفع في أنفك‪،‬‬
‫خرطوم ٍ‬ ‫أرى‬
‫َ‬
‫صلعتك‪.‬‬
‫انصرف‪.‬‬
‫ْ‬ ‫لبنان‪ ،‬هذا دوالر لك‪،‬‬
‫أريد عطوساً‪ .‬يجب أن أسحب لبنان من صدري‪.‬‬
‫في شارع الكسليك‪ ،‬أتثاءب أحياناً‪.‬‬
‫الليلة عيد القديس جاورجيوس‪ ،‬ذهبنا إليه في مرسيدس ‪ ،180‬وضعنا له ليرتين‪ ،‬وعدنا لنطعم‬
‫القطط‪.‬‬
‫مريو ُل ٍ‬
‫طفل على الحبل‪ .‬وشاحنات جنود‪.‬‬
‫َّ‬
‫وتتبخر‪ ،‬بال صوت‪.‬‬ ‫أجساد تعرق‬
‫ٌ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫رأيت رفاقي‬
‫‪ ‬‬
‫رأيت رفاقي متعبين يمشون كأبطأ السواقي‬
‫ُ‬
‫يستعيرون قصباً نحيالً ُّ‬
‫ويغنون إللهاء خيباتهم‬
‫يصرخون أحياناً‬
‫إلعادة دمهم الذي َّ‬
‫يتنزه في الشوارع‬
‫ويحفرون ثقوباً‬
‫لنوم المتأخرين من عروقهم‪.‬‬
‫رأيت رفاقي يجلسون أياماً على الكراسي ليسلُّوا أرواحهم الضجرة على الطاوالت‬
‫ٍ‬
‫بصعوبة تنفُّ َسهم بسلك الهواء ويرسلون‬ ‫يوصلون‬
‫شيفرةَ ٍ‬
‫حياة غير مسموعة‬
‫المتجولون مع الفجر قطعةً قطعة‬
‫ِّ‬
‫مغسولين كيفما كان بأيدي السجناء‬
‫الذين ضربوا حارس المحطَّة وسافروا بال حقيبة‬
‫استلقوا صامتين‬
‫في ارتعاشات منحرفة‬
‫نخزوا شرايينهم وفرشوا السجائر في طريقهم‬
‫الدرج ومن الدرج إلى الباب‬
‫من الباب إلى َ‬
‫يبرر خطوة إضافية‪.‬‬
‫غير واجدين ما ِّ‬
‫عرفتُهم من عيونهم‬
‫من وقوفها الطويل في الشتاء البطيء‬
‫رأيت خصالت شعرهم حمائم‬‫ُ‬
‫جانبي‬
‫ّ‬ ‫وجبينهم كزقاق‬
‫هادىء‪.‬‬
‫سمعتهم ينادون أصواتهم لتعود من الهواء‬
‫ورأيت ظاللهم تغفو‬
‫على حائط بسيط‪.‬‬
‫َّ‬
‫مخنثون‬
‫قديسون‬
‫ّ‬
‫غرقى وسكارى‬
‫جاؤوا من السهول والغابات لنسف القطار‬
‫التقوا حكماء وأحجاراً ونبتات مضحكة‬
‫تحسَّسوا لحم بعضهم بعضاً‬
‫ارتطموا بأضالعهم‬
‫َّ‬
‫وتفككوا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫محاولة للوصول إلى بيروت من بيروت‬
‫‪ ‬‬
‫قصيدة إلى سركون بولص‬
‫‪ ‬‬
‫ألمسد‬
‫ّ‬ ‫علي أن أخرج اليوم‬
‫هل كان َّ‬
‫بأصابعي الصغيرة قذيفةَ األعداء‬
‫أن أذهب في طريق يذوب إسفلتها مستعيداً‬
‫ال منجمه الذين تناثروا‬
‫عم َ‬
‫َّ‬
‫بديناميت‬
‫وبوهميين قدامى‬
‫ّ‬ ‫مستعيداً عميانه‪،‬‬
‫انسالخ األرض عن جلدها‬
‫َ‬ ‫يراقبون‬
‫كقرصان محروق‬
‫علي أن أخرج ألذهب ِ‬
‫إليك‬ ‫هل كان َّ‬
‫ويدي المتعانقتين‬
‫َّ‬ ‫وقدمي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫بعد موت آخر أرساغي‪،‬‬
‫الرصاص قبل المساء‬ ‫ق عليهما‬ ‫كعريسين أ ِ‬
‫ُطل َ‬
‫ُ‬
‫دت من أسلحتي جميعها في ٍ‬
‫واد‬ ‫بعد أن ُج ِّر ُ‬
‫يلعب فيه المغول‪M،‬‬
‫إليك اآلن‪ ،‬أحاول أن أذهب ِ‬
‫إليك‬ ‫وأذهب ِ‬
‫بما بقي لي‪:‬‬
‫ُّ‬
‫فك مدروزة بالرصاص‬
‫صبت عالمةً للجنود في وقت فراغهم‬‫ُن ْ‬
‫رأس يوضع عادةً فوق كتفين كفلّينة تقاوم حوتاً في رأس َّ‬
‫صنارة‬ ‫ٌ‬
‫ذراعٌ ال تستطيع التلويح‬
‫قريةٌ بعيدة‪ ،‬بعيدة جداً‬
‫انبثقت ذات يوم من دخان السطوح‬
‫ْ‬
‫وشجرة‬
‫ابتسامات الغربان‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تزينها‬
‫ّ‬
‫‪ ‬‬
‫أحاول أن أذهب ِ‬
‫إليك‬
‫وذلك ال يستدعي سوى رحلة بسيطة‪:‬‬
‫ِ‬
‫نزهة رصاصة‬
‫بين التباريس وشارع الحمراء‬
‫لكن ضفَّتيك مفصولتان‪ M‬ببحر المع من المتفجرات‬
‫َّ‬
‫وحراس بابك يركلونني‪ ،‬فأتدحرج‬
‫ّ‬
‫أتدحرج‬
‫بال قرار‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فرس على الباب‬
‫‪ ‬‬
‫هل يجب أن يطول هذا إلى ما ال نهاية؟‬
‫الهواء‬
‫اإلشارة األبدية‬
‫فلتت خلسةً مني؟‬
‫واليد التي ْ‬
‫‪ ‬‬
‫في البدء‪،‬‬
‫ماذا كنت أريد في البدء‬
‫ٍ‬
‫بحياة‬ ‫غرة‬
‫حين أُخذت على حين َّ‬
‫ال تزال تلطم حوافرها على بابي‬
‫رأيت‪ ،‬أو ظننت أني أرى‬
‫ُ‬ ‫حين‬
‫رمالً‬
‫قلت‬
‫سيكون في آخر المطاف لؤلؤةً ُ‬
‫ونمت من التعب أخيراً‬
‫ُ‬
‫على ظهر باخرة‬
‫تنقل حمولةَ عظامي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ننت‬
‫ُج ُ‬
‫ننت ثم‬
‫وج ُ‬‫ُ‬
‫ننت‬
‫ُج ُ‬
‫دوره التدحرج‬
‫كواحد َّ‬
‫في تفسُّخات األرض‬
‫ٍ‬
‫مهمل‬ ‫ٍ‬
‫أطلس‬ ‫ٍ‬
‫كجمجمة في‬
‫كمني مقذوف‬
‫ٍ‬ ‫وسحري‬
‫ٍّ‬
‫وفيه جمجمة!‬
‫هل كان يجب أن يطول هذا إلى ما ال نهاية؟‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫على بعد خطوة‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫بضربة س ّك ٍ‬
‫ين حاد‬
‫المرة‬
‫ربما ينشطر الغشاء هذه َّ‬
‫وتخرج الخيو ُل من دمي‬
‫مهملَة‬ ‫ٍ‬
‫العروق مستلقية كجريمة َ‬
‫ُ‬
‫وعلى ُبعد خطوة‬
‫حدث المعجزات‬
‫انزالق بسيط يمكن أن ُي َ‬
‫فالمعجزات‬
‫زلَّة قدم‪.‬‬
‫على ُبعد خطوة‬
‫المعمل فوق القناة‬
‫فيه إصالحات بال نهاية‬
‫وسكارى تحت الرذاذ‬
‫يعبثون بأصابعهم‬
‫على بعد خطوة‬
‫عاهرة الميناء‬
‫ثياب التاريخ‬
‫حيث تغتسل ُ‬
‫وتُنشر على الحافة‬
‫وجميعُ الرجال يرفعون البنادق‬
‫لوضع نقطة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫المشهد‬
‫‪ ‬‬
‫هذا هو المشهد‬
‫مع شيء من اإلثارة المرأة‬
‫تحبل في وسط الشارع‬
‫ورأس على الرصيف ال يتسلَّمه أحد‬
‫وبين وقت وآخر‬
‫يد‬
‫فارغة‬
‫وسائق يحاول‬
‫تحريك فمه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫صدفة‬
‫‪ ‬‬
‫هكذا صدفة‬
‫رج ٌل مبلول يقف على الساحل‬
‫رجل عاد أخيراً‬
‫من محاولة يائسة لشفاء النمور‬
‫من داء الغابات‬
‫قرصان‬
‫أراد االستيالء على النحاس‬
‫ٍ‬
‫حيوانات منقرضة‬ ‫ومداواةَ‬
‫هندي أحمر‬
‫ٌ‬
‫َّ‬
‫يتذكر صيحات‬
‫وريشاً ملَّوناً‪،‬‬
‫هكذا ببساطة‬
‫يعوض خساراته‬ ‫رجل ّ‬
‫بالوقوف قليالً‬
‫دكان مقفل‪.‬‬‫أمام َّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫البحث عن عميل‬
‫‪ ‬‬
‫قطار عائد من الحرب‬
‫وأيضاً ٌ‬
‫ٍ‬
‫بجثث أُجالسها‬
‫ونحتسي القهوة‪M.‬‬
‫هناك عميل بين المسافرين‬
‫يجب أن أجده في الحال‬
‫عميل يأخذني فوراً إلى رأس العالم‬
‫كل شيء‬‫يتم ُّ‬
‫في هذه اللحظة يجب أن َّ‬
‫انفجار يودي بالعجالت‬
‫ٌ‬
‫أو يوقف سلحفاةَ الدماغ‬
‫العنيدة‬
‫الجندي إلى يميني‬
‫ُّ‬ ‫وهذا‬
‫وامرأة تسحب نفسها‬
‫وتدخل المرحاض‬
‫والبصارة ثانيةً‬
‫َّ‬
‫والخطوط و الحالزين‪.‬‬
‫اآلن فوراً‬
‫مع الجثث‬
‫والقهقهات‪M.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫مهما شرحوا‬
‫‪ ‬‬
‫مهما شرحوا لي‬
‫هناك مجموعة أخيرة من األصدقاء تتدلَّى فوق السور‬
‫شحَّا ٌذ يمشي‬
‫شمس بارز ِة العظام‬
‫ٍ‬ ‫تحت‬
‫يد نحيلة‬
‫ٌ‬
‫في ٍ‬
‫يوم معزول‪.‬‬
‫خشبي‬
‫ّ‬ ‫سطح‬
‫ٍ‬ ‫ملقى تحت‬
‫الفضاء ً‬
‫وعشر بطَّ ٍ‬
‫ات تنام منذ األمس‬ ‫ُ‬
‫في ضو ٍء ضعيف‬
‫وقطَّة سوداء َّ‬
‫تتأمل األجساد‬
‫المربوطةَ بالشجر‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫محطة الشمال‬
‫‪ ‬‬
‫مهربون بياقات بيضاء‬
‫ِّ‬
‫تحت ثلج ناعم‬
‫ومعطَّلة اآلن قشرة األرض ومحطَّة الشمال‬
‫حيث كان يجب أن نذهب‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫أمام صفَّارة القطار‬
‫لتجف‪،‬‬
‫ّ‬ ‫محيطات منشورة‬
‫ٌ‬
‫بالكاد أسمعُ هذا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫قليل من األرواح‬
‫‪ ‬‬
‫ال شيء يوجب الذهاب الى الغابة‬
‫ربما األفضل أن أتوقَّف كالحيوان اللطيف‬
‫ألشم رائحةَ الهواء‪،‬‬
‫َّ‬
‫وال شيء يوجب الذهاب الى البحر‬
‫أردت أن تطعم العائلة أو‬
‫َ‬ ‫إذا‬
‫ترسل التحيات‪،‬‬
‫َ‬
‫الصنوج كانت كافية‬
‫ُ‬
‫مع قليل‪ ‬من النار‬
‫واألرواح‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫همي‬
‫كان ّ‬
‫‪ ‬‬
‫همي أن أصطاد‬
‫كان ّ‬
‫بف ّكي السفلى‬
‫هرةَ األلوهة‬
‫َّ‬
‫وأُوقف ضربات المنجم فوق رأسي‬
‫حيث تعرق مالئكةٌ مهجَّرة‬
‫كعمال مضحكين‪،‬‬
‫َّ‬
‫عوض ذلك‬
‫أفيض بالجثث‬
‫ٍ‬
‫لهرمونات‬ ‫باحثاً عن ٍ‬
‫دواء‬
‫مزو ٍ‬
‫دة برماح‬ ‫َّ‬
‫وجزء من ذاكرتي‬
‫ٌ‬
‫أسقف َّ‬
‫يتمخط‬
‫ٍ‬
‫كجمجمة تنخرها ذبابة‬ ‫يفتحني‬
‫فتى مائل‬ ‫جمجمة ً‬
‫إلى شجرة اإلعدام‬
‫طويالً غائماً مبلَّالً‬
‫ٍ‬
‫بكسل‬
‫ٍ‬
‫بدم‬
‫أكثر بطئاً من السهول‬
‫وكل نبضة من جسده‬‫ُّ‬
‫المتنزهين في الحديقة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تعانق‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫دخان أبيض‬
‫‪ ‬‬
‫ماء يسقط على الجسر‬
‫ٌ‬
‫ولبوءات‬
‫في دفن الشتاء‬
‫والهواء يتابع السير إلى المقهى‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫الحمام يأتي اليوم‬
‫وسنذهب لرؤية المداخن‬
‫نقي بحيث تُمكن رؤية العظام‪:‬‬
‫الدم ٌّ‬
‫ُ‬
‫كائنات مالحة في وعاء‬
‫ودخان أبيض‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫صداع بسيط‬
‫‪ ‬‬
‫بعد الخطوات الخفيفة و االبتسامة‬
‫التي أرسلتُها على ك ّل حال‬
‫مستعمل‬ ‫ٍ‬
‫هواء‬ ‫في‬
‫َ‬
‫يوم آخر‪،‬‬
‫ٌ‬
‫القميص على يدي طوال الوقت‬
‫عظام النهار‬
‫و ُ‬
‫هذه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ي‬
‫يوم عاد ٌّ‬
‫إنه ٌ‬
‫عامة‬ ‫ٍ‬
‫حديقة َّ‬ ‫زجاجةٌ مكسورة في‬
‫مهمل‬
‫يوم َ‬
‫فقط ٌ‬
‫كصداع بسيط‪.‬‬
‫ٍ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫جيد‬
‫ّ‬
‫‪ ‬‬
‫أجلس بني ٍ‬
‫َّة واضحة ومشروعة‬
‫إلى فنجان قهوة‬
‫األمور الشخصيَّة َّ‬
‫تتمشى‬
‫وما تبقَّى يجلب اليأس‪،‬‬
‫البرازيلي في النهاية‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫البن‬
‫جيد‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫طيب‬
‫نهار ّ‬
‫‪ ‬‬
‫السكرتيرة األلوفة‬
‫تترجَّل من قميصها‬
‫العامل النشيط‬
‫ُّ‬
‫يصب مصنعاً‬
‫في كأسه‪،‬‬
‫طيب‬‫نهار ّ‬
‫إنه ٌ‬
‫ذهبت إلى مصر‬
‫ْ‬ ‫خالة امرأتي‬
‫وعادت!‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫وصل الحديد‬
‫‪ ‬‬
‫اطمأننت أخيراً‪،‬‬
‫ُ‬
‫حياتي تأخذ اتجاهها الصحيح‬
‫وقبولي في معمل الصْلب‬
‫شهادة على حسن سلوكي‪،‬‬
‫رافعةُ السيكسويالت تُثبت لي هذا بإصبعها‬
‫ومطارقها تؤ ّكد‬
‫عدم خيانتي‪.‬‬
‫َ‬
‫إفعل شيئاً أرجوك‬
‫ْ‬
‫ص َل الحديد‪،‬‬‫َو َ‬
‫حديد ُيصهَر ثانيةٌ‬
‫ٌ‬
‫لتحويله إلى سكاكين‬
‫ٍ‬
‫كخس طازج‪.‬‬ ‫فالشوارع ستُ َفرم‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫الليلة‬
‫‪ ‬‬
‫الليلة‬
‫ثياب نظيفة تأخذ وجهةً مخطئة‬
‫ٌ‬
‫وبحر يتوارى‬
‫ٌ‬
‫كسبَّاح‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫هذه الليلة‬
‫يفر من األرض‬ ‫الشبيهة ٍ‬
‫بجبل ُّ‬
‫كم من الحيوانات كانت ستنتسب إلى رائحتي‬
‫كنت‬
‫وكم ُ‬
‫ُّ‬
‫سأعض الفجر‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫واضح ومختصر‬
‫‪ ‬‬
‫كنت صبوراً جداً‬
‫ُ‬
‫ألتقبَّل تلك الحركات‬
‫بحذ ٍ‬
‫اء نظيف‬
‫ٍ‬
‫مليء بالقناني‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ورأس‬
‫‪ ‬‬
‫في األدغال‬
‫بندقية َّ‬
‫مسنة‬
‫وثعلب واضح ومختصر‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫الطريق إلى الحيوان‬
‫‪ ‬‬
‫أعرف على األق ّل من حذائي‬
‫ًّ‬
‫أن المطاردة ال تزال طويلة‬
‫لكني لن َّ‬
‫أكف عن رشق هذا الحيوان بالماء والحجارة‬
‫سالح آخر‬
‫ٍ‬ ‫وربما سأبحث عن‬
‫كالتظاهر بالموت‬
‫أو التلويح بجثَّة ٍ‬
‫ثور ّبري يرعى في عظامي‬
‫أو أية حيلة أخرى‬
‫كمعاودة الهبوط إلى الغابة‬
‫والتغلغل في النمور والشرايين‬
‫أو النوم‬
‫قرب أحمال القصب‬
‫وافتراس الوقت بالغناء‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫التحدث إلى الخيول‬
‫‪ ‬‬
‫كان عبثاً أن أُفهم األحصنة‬
‫َّ‬
‫أن السباق مخجل في هذه المنحدرات‬
‫اليومي‬
‫ّ‬ ‫وأني أفلست تماماً من القمح‬
‫والماء‬
‫للذكرى‬
‫علف الصداقة‬
‫وعبثاً أرمي َ‬
‫وأدعُ رأسي خفيفاً كنسمة تذهب إلى الشاطئ‬
‫سنونوات مهاجرة‬
‫ٌ‬ ‫الطرقات‬
‫ُ‬ ‫فيما‬
‫ويجب أن ألقّم البنادق الصطياد المهاجرين‪،‬‬
‫علي أن أنام أو أنهض‬
‫ولم يكن َّ‬
‫ألعرف َّ‬
‫أن الشمس‬
‫ال تتعثر بالدالفين‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫هذا ما يحدث‬
‫‪ ‬‬
‫مرةً أخرى‬
‫السرير َّ‬
‫ُ‬
‫أنتشر في النهار كالشظايا‪،‬‬
‫َ‬ ‫قبل أن‬
‫يحدث دائماً‪:‬‬
‫طع‬‫نشيج متق ّ‬
‫ٌ‬
‫قنوات من المصل على الظهور‬
‫ٌ‬
‫قبالةَ َّ‬
‫دكان التبغ حيث يمكن‬
‫تأمل األضالع الناجمة‬
‫ُّ‬
‫عن تداخل الشوارع‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫غراب األبدية‬
‫‪ ‬‬
‫اصطياد غراب األبديَّة‬
‫َ‬ ‫يوم قَّ ُ‬
‫ررت‬
‫أن هذه الغابة ليست من عاداتي‬‫جيداً َّ‬
‫أفهمتُهم ّ‬
‫َّ‬
‫وأن في فمي طيوراً‬
‫تنقد النمل األصفر والكآبة‪،‬‬
‫ورميت خطواتي في النهر‬
‫ُ‬
‫ألغسل عني الفضاء‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫السفر إلى أثينا‬
‫‪ ‬‬
‫كانت تمطر وننتظر البواشق‬
‫نقرر متابعةَ الطريق‬
‫قبل أن ّ‬
‫إلى صديقين في أثينا‪:‬‬
‫جاد وسركون‪.‬‬
‫أحدهم يصرخ في وجهي‬
‫مطلوب قَ َد ٌم شاغرة‬
‫للحدائق العامة‪،‬‬
‫عم ٌل كام ٌل بال معاش‬
‫أخذت فرصةً وها أنا ذاهب إلى أصدقائي‬
‫ُ‬
‫يقال هناك أكروبول‬
‫يتَّسع لثالثة سكيرين‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫تحية لقدمي‬
‫‪ ‬‬
‫جالس‬
‫قدمي‪:‬‬
‫ّ‬ ‫أتأمل‬
‫َّ‬
‫قميص مستعجلة‬
‫ٌ‬ ‫خربتها‬
‫أدغا ٌل َّ‬
‫روحي‬
‫ّ‬ ‫منتجع‬
‫ٍ‬ ‫أظافُر ملساء في‬
‫تستقبل ذئاباً تخرج تباعاً‬
‫من أفواه الماشية‪:‬‬
‫إنها خدعة ُّ‬
‫للتودد‬
‫ليتحمل اثنان أنهما شبيهان‬
‫َّ‬
‫يتَّجهان معاً وفي الوقت نفسه‬
‫إلى طريدة الغد‪،‬‬
‫إلى الحافة التي ال يمكن هبوطها على مهل‪،‬‬
‫أي لحظة‬
‫الغد المرفوس في ّ‬
‫بمؤخرة الماضي‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫بأذناب ضربتْه طويالً‬
‫تلوح في الهواء‬
‫وهي ّ‬
‫وبقدمين‬
‫َّ‬
‫تستعدان لجولة‬
‫في دماء الطريق‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫أال يمكنني أن أزهو‬
‫قدمي هنا‪ ،‬أمامي‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ألن‬
‫وصديقتان!‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫الحفلة‬
‫‪ ‬‬
‫بما أني أصبحت جاهزاً لألعراس‬
‫مثل َّ‬
‫إوزة على طبق‬
‫ِ‬
‫فلتبدأ الحفلة اآلن‬
‫ِ‬
‫ليرقص القتلة و اللواطيون‬
‫مع الملوك و القديسين‬
‫العرس بدالً من الكهنة‬ ‫العاهرات هذا‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ولتبارك‬
‫َ‬
‫ليكون لهذه الليلة نسل جميل‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫لتبدأ الحفلة‬
‫فأنا جاهز تماماً‬
‫كالصناديق‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫الحي الغامض‬
‫ّ‬
‫‪ ‬‬
‫عجل‬
‫على َ‬
‫وبفتَّاحة العلب في يدي‬
‫يخرج المزيد من الرغوة‪:‬‬
‫ُ‬
‫رجا ٌل يمشون‬
‫ٍ‬
‫كتمرين ضعيف على البيانو‬
‫أنهار تنتظر عند البَّوابة‬
‫ٌ‬
‫وضلوع‬
‫كمظلَّة‪.‬‬
‫تفتح ِ‬
‫في الشارع نهار غائم‬
‫وبقعٌ من األسبوع الماضي‪،‬‬
‫إنهم ذاهبون في جنازة‬
‫هذا األحد‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫كان يمكن‬
‫‪ ‬‬
‫كان يمكن أن يحدث شيء ما‬
‫كالظ ّل‪ ،‬مثالً‬
‫أو ضربة ثوب‬
‫فضاء ِقلق‬
‫ٍ‬ ‫في‬
‫‪ ‬‬
‫كان يمكن للنهار أن يذهب في ك ّل اتجاه‬
‫كمدفع رشاش‬
‫ِ‬
‫وأن نقف‬
‫كرداء‬
‫يلقي نظرةً على الميناء‬
‫‪ ‬‬
‫حم ٍام ساخن‬
‫بعد َّ‬
‫سيد شارل‪.‬‬
‫نهار رائع يا ّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫بينكم‬
‫‪ ‬‬
‫في هذه األيام‬
‫لصاً‬
‫أجد ّ‬
‫أحاول أن َ‬
‫يأخذ َّ‬
‫كل شيء دون أن يوقظني‬
‫ضمان أكيد لآلخر ِة‬
‫ٍ‬ ‫أبحث عن‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫كأتون جديد مثالً‬
‫ماضي أو‬
‫َّ‬ ‫فحم‬
‫يبدد َ‬‫ّ‬
‫امرأة‬
‫أرشو بها من يعاند تدلّي جسدي‪،‬‬
‫في هذه األيام‬
‫ٍ‬
‫مشنقة عشيقة‬ ‫ِ‬
‫الخالية من‬
‫أريد أن أعرف فقط‬
‫كيف ألوك ألسنةَ الساعات كلَّها‬
‫لحظةً لحظة‬
‫ومع ذلك تفتح فمي في الصباح كلمةٌ لطيفة‬
‫ورمح‬
‫يدأب في تشطيب هوائي‪.‬‬
‫لص‬
‫ّ‬
‫لص محترم‬
‫أليس بينكم ُّ‬
‫يا سادة؟‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫السهر مع شارل شهوان‬
‫‪ ‬‬
‫بعد محاوالت كثيرة‬
‫ريف بكامل سكاَّنه‬
‫وسقوط ٍ‬
‫ِ‬
‫العالم َّ‬
‫مجدداً‬ ‫ُ‬
‫وصديق‬
‫أربط معه بقية النهار بشرفة‬
‫صديق يضع عادة ساحالً‬
‫ٌ‬
‫في جيبه‬
‫بين مجموعة من اآلالم‬
‫والقصائد‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫لكننا‬
‫ونحن نعبر الجسر‬
‫ك ديناصور‬ ‫عثرنا على ف ّ‬
‫ِ‬
‫وحذاء متس ّك ٍع يتابع السير‬
‫بعد توقُّف صاحبه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫مهمة محدّدة‬
‫‪ ‬‬
‫إنها عربةُ زنوج‬
‫تنقل كسيحاً من "اإلنكا" إلى نيويورك‪،‬‬
‫شارع‬
‫ٍ‬ ‫تغص بالطبول وسط‬
‫عربة ُّ‬
‫بالمتسولين‬
‫ّ‬ ‫يغص‬
‫ُّ‬
‫وأضواء تكشف بهدوء‬
‫المارة‪.‬‬
‫أحذية ّ‬
‫‪ ‬‬
‫مهمة َّ‬
‫محددة‪:‬‬ ‫َّ‬
‫جنرال بقدمين‬
‫يتعقَّب آثار قدم واحدة‬
‫في ٍ‬
‫ليل مخص ٍ‬
‫َّص أصالً‬
‫للزواحف‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫البحيرة األيروتيكية‬
‫‪ ‬‬
‫سقطت من السماء‬
‫ُ‬
‫مع َّ‬
‫أن هذه الحركة ليست موسيقية‬
‫سأمضي الليلة في الخارج‬
‫مع نجوم جديدة‬
‫ربما‪.‬‬
‫أنا‪ ،‬وديع‪،‬‬
‫أجلس كسلطعون على الرصيف‬
‫ُ‬
‫منتظراً أصدقائي‪،‬‬
‫اجتزت بحيرةَ اهلل‬
‫ُ‬
‫اإليروتيكية‬
‫واستلقيت‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫اإلقامة‬
‫‪ ‬‬
‫في الغرفة الوحيدة التي ال تتكلَّم اليونانية في أثينا‬
‫أمام بحر‬
‫يأتي زبده من ِ‬
‫لهاث غريق‬ ‫ُ‬
‫ريت‬
‫أنتظر باخرة ْك ْ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫المحملة بفتى‬
‫َّ‬
‫يتحول إلى برميل راكي‬
‫َّ‬
‫أو نملةً‬
‫مجانية‬
‫ّ‬ ‫ذهبت بتذكر ٍة‬
‫ْ‬
‫إلى سان فرانسيسكو في رأس صديقي‪.‬‬
‫في الرقم ‪ 75‬من شارع إيبيرو اليوناني‪-‬‬
‫َّ‬
‫المؤجر مع ابتسامة شهرية‬
‫المسماة آريتي تسيتزاس‬
‫ّ‬ ‫من المرأة‬
‫المولودة خصيصاً لنصب الكمائن على باب جيبي‪-‬‬
‫أكملت تدريبات االنتظار‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫معركة مات فيها جميع الجنود‬ ‫ٍ‬
‫كحصان يقف حائراً بعد‬
‫حبر معاهدة السالم‬
‫يتأمل َ‬
‫وال يفهم‪،‬‬
‫أقف كسائق صهريج ضخم‬
‫يرى فرساً تحت الدواليب‬
‫تحاول أن َّ‬
‫تتذكر‪َ ،‬ب ْعد‪ ،‬سطرين من أشعار الفروسية‪.‬‬
‫هل هي اإلقامة اذاً؟‬
‫إذا كانت اإلقامة‬
‫حسناً تكون‪:‬‬
‫اإلقامة‬
‫الموسيقي إليبيرو‬
‫ّ‬ ‫في االسم‬
‫ٍ‬
‫كمصران بالمهاجرين‬ ‫المحشو‬
‫ّ‬
‫والذي تعبره مع الفالسفة‬
‫شاحنات البطيخ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫أفهم أحيا ًنا‬
‫‪ ‬‬
‫أفهم أحياناً‬
‫ُ‬
‫ماذا يحدث بعد الصالة‪:‬‬
‫مالك يذهب طيراناً‬
‫إذا سبقه الباص‬
‫ومؤمنون مصابون بالغرغرينة‬
‫يرتاحون على الصخور‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫إذا كان الشرفاء وحدهم يدخلون َّ‬
‫الجنة‬
‫ماذا لو َّ‬
‫تهيجوا؟‬
‫ليس ممنوعاً طبعاً ارتجاف قضيب على نفقته الخاصة‬
‫أم أنكم تريدون‬
‫أن يتحمل اهللُ النفقات؟‪M‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫بالسما‬
‫‪ ‬‬
‫أوصدت النوافذ واألبواب‪ ،‬هراء‪ .‬الحياة ُّ‬
‫تنش أيضاً من الجدران‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫افترض‬
‫ْ‬
‫الفقري‪ .‬عروق يجب أن َّ‬
‫تتنزه‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫يجدر بي أن أَنزل لمسح جْلد الطاوالت وإ يجاد دعامة لعمودي‬
‫بشري‪ .‬كريَّات مسروقة في الليل وموضوعة‪ M‬في قساطل‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫دم‬
‫السما‪ .‬تقريباً ٌ‬
‫سماسرةُ ْب ْ‬
‫سواء كان الوقت يوم الشكر أو يوم السعال‪ ،‬العالم هادئ كآلة حالقة أمام المرآة‪.‬‬
‫كالتبول على التنك‪ .‬وفي الخارج‪ ،‬مجموعة من مصارعي الثيران تُفرغ‬
‫ُّ‬ ‫الوالدات مقذوفة بتهذيب‬
‫مثاناتها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫دعوة إلى الرقص‬
‫‪ ‬‬
‫أرغب أن يخرج من هذه القصيدة كلب‬
‫ُ‬
‫أتملَّقه بعظم‪ ،‬بحلمة راقصة‬
‫ُّ‬
‫تستعد للمضاجعة‪ ،‬بصور أكثر الكلبات شبقاً في التاريخ‬ ‫أغريه بحرف ناعم‪ ،‬بواو كذنب كلبة‬
‫كلب أو أية تسلية أخرى حتى نهاية القصيدة‬
‫ماذا يمكن أن أفعل غير هذا؟‬
‫أجذب الرب من رقبته وأدعوه إلى الرقص؟‬
‫مالبس داخلية؟‬ ‫ِ‬
‫زوجات السفراء‬ ‫أحيك‬
‫َ‬
‫أبني مصنعاً لدعم االقتصاد‪ M‬الوطني؟‪M‬‬
‫مطبعةَ مستندات سرية لخدمة الحكومة؟‬
‫أم أطلّق زوجتي؟‬
‫اسمع‪ ،‬أيمكن أن يطلّق الرجل امرأته اذا كتب قصيدة وخرج منها كلب؟‬
‫ْ‬
‫أرغب إذن أن يخرج كلب‬
‫ففي قصيدة سابقة خرج العالم‬
‫المصح‬
‫ّ‬ ‫أقنعته بالعودة إلى‬
‫َ‬
‫َو َع َدني‪ ،‬ولم يذهب‬
‫واستعملت َّ‬
‫كل الكلمات البحرية ولم تعلق سمكة‬ ‫ُ‬
‫بماذا يفيد الورق‬
‫فليخرج الكلب‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫كمين أخير‬
‫‪ ‬‬
‫لن أتوقَّع شيئاً‬
‫ِ‬
‫فليذهب القطار‬
‫ُّ‬
‫كل شيء با ٍ‬
‫ق‬
‫صراخ طفلي بين الجدران‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حتى‬
‫جار يزورني‪M‬‬
‫هناك ٌ‬
‫لشرب القهوة أو‬
‫إلبادة النهار‬
‫وبعد ذلك جمي ٌل‬
‫أن أذهب إلى النوم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫خاتمة‬
‫‪ ‬‬
‫أردت أن أرسله في ٍ‬
‫يوم محتشد‪:‬‬ ‫ُ‬ ‫كل ما‬‫هذا ُّ‬
‫قنينة وقبَّعة‬
‫لرجل‬
‫مات قبل لحظة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫مقعد راكب غادر الباص‬
‫‪ ‬‬
‫‪1987‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫حياة‬
‫‪ ‬‬
‫إلي يدها‬ ‫ُّ‬
‫تمتد َّ‬
‫باحثةً في أحشائي‬
‫عن مدينة‬
‫دراجة‬
‫راكب َّ‬
‫ٌ‬ ‫ولد أرعن‪،‬‬
‫وأنا ٌ‬
‫يهرب زنزاناته في الليل‬
‫ِّ‬
‫مخمورا‬
‫ً‬ ‫يمشي‬
‫مجنونا منذ الصباح على ذراعه‬
‫ً‬ ‫حامالً رجالً‬
‫مصح‬
‫ّ‬ ‫ذاهبا نحو‬
‫ً‬
‫ظا من كل ماضيه بـ‪ :‬أحشاء‬
‫محتف ً‬
‫ومفتاح‬
‫ال يجد له بيتًا‪،‬‬
‫الرحلةُ وضعتْه هنا‬
‫لينظر إلى الشجر‬
‫ط منها ورقتان‬
‫ولتسق َ‬
‫على كتفه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫البواخر راسية في الميناء‬
‫‪ ‬‬
‫البواخر راسية في الميناء‬
‫العبو ورق‪ ،‬نشارة خشب‪ ،‬أمواج‬
‫الحمالين‬
‫وقططٌ صغيرة تنظر إلى َّ‬
‫‪ ‬‬
‫نوعٌ نادر من االرتعاشات يقف في هذا الشارع‬
‫تمر الصنارات في اتجاه البحر‪ ،‬تبدأ المعامل في العواء‬
‫في الصباح مثالً‪ ،‬حين ُّ‬
‫ثيابهن‬
‫ّ‬ ‫ترتدي النساء‬
‫ورجال األعمال‬
‫محمرا وراءهم‬
‫ًّ‬ ‫الذين تركوا الشارع‬
‫الفرش‬
‫يبتسمون لسمكة كبيرة نائمة على ْ‬
‫الهواء ُّ‬
‫يهب اآلن‬
‫أمر غريب!‬
‫ٌ‬
‫كلب على الباب‬
‫السري‪ ،‬هنا‪ ،‬حيث يستلقي ٌ‬
‫ربما في الملجأ ِّ‬
‫دور التلَّة‬
‫رأينا ذلك الرجل يلعب َ‬
‫التي تنظر إلى البحر‬
‫‪ ‬‬
‫أمام البواخر‬
‫أمام البستان الجميل‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫أعتقد أن المروحة تدور يا ألن غينسبرغ‬
‫‪ ‬‬
‫إسمع يا ألن‬
‫ْ‬
‫أنا على الرصيف وقد نفد تبغي‬
‫عيني وأغمضهما‬‫َّ‬ ‫أفتح‬
‫ُ‬
‫وأحيانا أستعيد تلك الليلة حين مسحنا اللعاب عن أفواه األموات‬
‫ً‬
‫معا‬
‫ثم نزلنا السلّم ً‬
‫وتمشينا على البحر‬
‫‪ ‬‬
‫المروحة تدور اآلن‬
‫ركبتي‬
‫َّ‬ ‫تنم َل‬
‫مراقبا ُّ‬
‫ً‬ ‫وأحب أن أعتقد الهواء سنونوة لطيفة وأنا أسند نفسي على الزواية‬
‫ّ‬
‫المروحة تدور اآلن في رأسي يا ألن‬
‫وفمي الذي يشبه كشك جرائد‬
‫يتحلَّى بالصمت‬
‫ٍ‬
‫أسنان ماتت فيه كما يموت الحيوان‬ ‫بضعُ‬
‫وحدث أني في أحد األيام‬
‫اكتشفت الصبر تحت شجرة‬
‫ُ‬
‫َّ‬
‫وتحدثت عن الروح في عربة بسيطة‬
‫ونحن نسير بمحاذاة النهر‬
‫‪ ‬‬
‫الدخان يا ألن‬
‫ُ‬
‫ات جميلة!‬ ‫الدخان‪َّ ،‬‬
‫ورن ٌ‬
‫وفي الجهة األخرى‪ ،‬على الشاطئ‬
‫الرم ُل يقف وحده‬
‫حجرا‬
‫ك ً‬‫وأحيانا تُخرج له األسما ُ‬
‫ً‬
‫ليجلس عليه‪،‬‬
‫منظر الئق؟‬
‫ٌ‬ ‫هل هذا‬
‫يوم قتيل‬
‫في يدي ٌ‬
‫وأريد أن أدفنه بهدوء‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫نقطة بعيدة‬
‫‪ ‬‬
‫ملح قليل ينام‬
‫ٌ‬
‫في يدي التي أستمتع بصمتها الدائم‬
‫ملح‬
‫بحرا‬ ‫َّ‬
‫كأن يدي كانت في الماضي ً‬
‫ورأسي‬
‫الموجود معي اآلن‬
‫قارة بعيدة‬
‫يم ّشط شعره في َّ‬
‫‪ ‬‬
‫أحالم‬
‫بعد منتصف الليل‬
‫في قرية‬
‫‪ ‬‬
‫عابر في شارع بسيط‬
‫ٌ‬
‫فيه َّ‬
‫دكان‬
‫ونقطة بعيدة‬
‫أعتقد أنها مقعد‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ظله‬
‫‪ ‬‬
‫ينحدر ظلُّه مع سيل طويل‬
‫متدفقًا من قرى بعيدة‬
‫يف ّكر في جذع شجرة ربما‬
‫نهري‬ ‫صياد ٍ‬
‫سمك‬ ‫أو ّ‬
‫ّ‬
‫فقدت رأسها‬
‫ْ‬ ‫يوقف ُّ‬
‫تقدمه المجنون نحو محبة‪ ‬‬
‫أيضا‪،‬‬
‫اليوم ً‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫يتدفَّق ً‬
‫بعيدا‬
‫ناظرا صوب حياته مثل حريق‬
‫ً‬
‫َّ‬
‫شب فجأةً في نزهة‪،‬‬
‫وينحدر ظلُّه‬
‫بضع نسائم على التلَّة‬
‫َ‬ ‫يوقظ‬
‫وينحدر‬
‫في قرية مجهولة‬
‫تماما‬
‫قرية مجهولة ً‬
‫ال يشعر بها َّ‬
‫سكانها حتى باللمس‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫هادئا إلى المرآة‬
‫أذهب ً‬
‫‪ ‬‬
‫إلي‬
‫عم ٌل ناعم أن تنظر َّ‬
‫وتبتسم إذا ابتسمت‬
‫وأرجوك ال تقرع الباب‬
‫إني واقف على النافذة أتأمل الجسر‬
‫‪ ‬‬
‫العم ُل الشريف‪ ،‬أنا فعلته اليوم‪:‬‬
‫نظرت إلى البحر‪.‬‬
‫ُ‬
‫ناسا معطَّلين‬
‫رأيت في الشارع ً‬ ‫ُ‬
‫دخلت الحانة‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫ٍ‬
‫برأس س ّكير‬ ‫وخرجت‬
‫ُ‬ ‫شربت قنينة بيرة‪،‬‬
‫ُ‬
‫عصفورا‬
‫ً‬ ‫متصورا أن اهلل كان في األصل‬
‫ً‬
‫يزقزق للشعوب‬
‫إذا كانت األمكنة ترقص في الخارج‬
‫لماذا ال تذهب وترقص معها‬
‫تحب الموسيقى؟‪M‬‬
‫أال ّ‬
‫صفوف من البط‬
‫ٌ‬
‫أريد أن أراها‬
‫مدعو‬
‫ّ‬ ‫وأنا‬
‫مدعو اليوم‬
‫ٌّ‬
‫كي أمشي كالدمية‬
‫ومن فتحات ثوبي يخرج لحم‬
‫يمكنك أن ترى مثله عند َّ‬
‫الجزار‬
‫ألو ُح به ِّ‬
‫وأفكر َّ‬
‫أن العالم‬ ‫ّ‬
‫ظمةٌ ليمشي‬‫ربما تنقصه ع ْ‬
‫هادئا إلى المرآة‬
‫أذهب ً‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫وأم ّشطُ شعري‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫أمتعة رخيصة‬
‫‪ ‬‬
‫في هذه اللحظة‬
‫وأنا أتحدث مع المساء كعاملَين خارجين من مصنع‬
‫يظهر أمامي مستقبل غريب‬
‫يكفي أن أنظر إليه حتى‬
‫يتدلَّى في الوديان‪،‬‬
‫‪ ‬‬
‫في هذه اللحظة مستقبل يتدلَّى‬
‫سليما‬
‫أرسم له شبكةً في الوادي ليصل ً‬ ‫ُ‬
‫أو على األقل حقيبته التي أنا فيها‬
‫وهكذا أصل‬
‫ظمةً ساخنةً تخرج من ثكنة و َّ‬
‫تتنزه‬ ‫عْ‬
‫تخبرني عن حياتها‬
‫عن جلدها النادر‬
‫وأطفالها المولودين في الغربة مني‬
‫ترسل لي كل مساء كلماتها حافية من بلد بعيد‬
‫لتسألني‪ :‬ماذا ستفعل الليلة‬
‫ماذا ستفعل الليلة يا وديع‬
‫بحياتي!‬
‫‪ ‬‬
‫ومن فمي الذي تستلقي فيه صرخات‬
‫الذي تستلقي فيه أمتعة رخيصة‬
‫تخرج كلمة وداع صغيرة‬
‫ال يسمعها حتى الجالسون في أذني‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫نزهة المساء‬
‫‪ ‬‬
‫غالبا‬
‫ً‬
‫وأنا أسير على إسفلت من ف ْحم العابرين‬
‫تأخذني نجمةٌ بيدي في نزهة المساء‬
‫الوقت الذي يجرفون فيه النهار‬
‫‪ ‬‬
‫نجمةٌ بين جبلين مطفأين‪:‬‬
‫وذهبت‬
‫ُ‬ ‫فقيرين في حانة يريدان أن يؤوياني‪،‬‬
‫وها أنا‬
‫ٍّ‬
‫مصح فوقه نجمة!‬ ‫في‬
‫‪ ‬‬
‫علي أن أمشي كل هذا الوقت ألصل إلى هنا؟‬
‫هل كان َّ‬
‫ولماذا؟‬
‫العمال مسوقًا بسوط؟‬
‫ألم يكن أبي يتبع َّ‬
‫المروضة في رأسي‬
‫َّ‬ ‫ألنزه الكالب غير‬
‫لماذا إذن خرجت ّ‬
‫بينما حياتي تموت من الجوع‬
‫وأطفالي ينظرون صامتين‬
‫‪ ‬‬
‫إنني‪ ،‬بالكاد‪ ،‬أقود عمياني إلى البحر‪.‬‬
‫سنوات كثيرة‪ ،‬ومكان‬
‫ٌ‬
‫يرقص فيه المجانين مع الغرقى على ضوء سيكارة‬
‫‪ ‬‬
‫الصمت كنزي الوحيد‬
‫ويده المرتجفة وراء الباب تقودني بلمسها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫العودة‬
‫‪ ‬‬
‫الباب وحده في الليل‬
‫والليل في العاصفة‬
‫والعاصفة نحلةٌ تحوم حول ذراعي‬
‫وذراعي مستندة‬
‫على سطح سفينة‬
‫إلي‬
‫وصلت َّ‬
‫ْ‬ ‫بدأت زحفها منذ أول ريح حتى‬
‫ذراعٌ ْ‬
‫أخيرا‬
‫وصلت ً‬
‫ُ‬ ‫وبما أني‬
‫وصلت إلى قريتي‬
‫ُ‬ ‫بما أني‬
‫قلبا‬
‫في صندوق كان ً‬
‫الحمال الذي رافقني كرصاصة‬
‫أشكر َّ‬
‫ُ‬
‫تخاوت اآلن مع الجرح‬
‫وأتأم ُل درفتين خشبيتين‬
‫َّ‬
‫تنزالن إلى الوادي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫الريح تعبث بشعري‬
‫‪ ‬‬
‫الريح تعبث ب َشعري‬
‫وأنا بين ضفتين أرسل لألولى يدي اليمنى وللثانية يدي اليسرى‬
‫كتفي – هكذا ببساطة‬
‫لكنهما تخرجان من ّ‬
‫وتختفيان!‬
‫‪ ‬‬
‫رأس‬
‫ٌ‬
‫تماما‬
‫(ليس غريقًا ً‬
‫تماما)‬
‫وفي الوقت نفسه غريق ً‬
‫تعبث الريح بشعره األسود‬
‫ُ‬
‫جالبةً من الجبال ربما‪ ،‬أو من السواحل‬
‫يحدق بي‬
‫غريبا ّ‬
‫ً‬ ‫سم ًكا‬
‫كتشف أنه رأسي!‬
‫ُ‬ ‫وأ‬
‫المهم اآلن‬
‫ّ‬ ‫ولكن‬
‫أين ذراعاي؟‬
‫أحدكم‬
‫هل رأى ُ‬
‫أو أصطاد بالصدفة‬
‫شيئا يسبح كالذراع؟‬
‫ً‬
‫‪ ‬‬
‫صحراء‬
‫‪ ‬‬
‫فعلت يدي واجباتها‬
‫ْ‬ ‫مع ذلك‬
‫وكدحت كالحفَّار في صحراء‬
‫ْ‬
‫أهرب الرمال التي كانت في الماضي أمواتًا‬
‫وبينما ّ‬
‫تغرز أظافرها في كتفي وتعيدني إلى صوابي‬
‫إلى تاريخها المصنوع من طحن اللحوم‬
‫وإ لى ذراع الهدنة‬
‫في جزيرة ُّ‬
‫تهب عليها رياح الجرحى‬
‫الطعام للجنود‬
‫َ‬ ‫حاملةً‬
‫‪ ‬‬
‫جمعت ثروتي بالغزو و الحيلة‬
‫ُ‬
‫عقدا طويالً من الآللئ‬
‫ودحرجت ً‬
‫ُ‬
‫وصل إلى عنق الحياة‬
‫َ‬ ‫حتى‬
‫تقدمي يا حياة هذا ِ‬
‫لك‬ ‫أقول لها تعالي‪َّ ،‬‬
‫لؤلؤ نادر من خليج بعيد ال تعرفينه‪ ،‬وهو ِ‬
‫لك أنت تعالي‬ ‫ٌ‬
‫وتهرب مني‬
‫لؤلؤا وتهرب مني!‬
‫ألمعُ لها ً‬
‫حياةً ّ‬
‫‪ ‬‬
‫صحراء شاسعة‬
‫ليس فيها أحياء وال أموات‬
‫وعلي أن أتابع الحفر حتى يأتي ميت!‬
‫َّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫النهار في رحلته الوحيدة‬
‫‪ ‬‬
‫قبل أن تأخذني الرحلةُ بصبرها الطويل ألمشي معها‬
‫على ٍ‬
‫خيط بين جبلين شاهقين‬
‫كانت الحياة ال تزال في كهف‬
‫تنتظرني َّ‬
‫ألفك أزرارها‬
‫نهر الجنون‪،‬‬
‫وأمتص حلمتيها اللتين يجري فيهما ُ‬
‫َّ‬
‫‪ ‬‬
‫وبينما المنارة تختارني وحدي‬
‫وتجند لي أضواءها منذ ماليين السنين‬
‫ّ‬
‫أن الفندق الذي َّ‬
‫فجرته قذيفةٌ هذا الصباح‬ ‫اكتشفت َّ‬
‫ُ‬
‫نائما فيه!‬
‫كنت ً‬‫ُ‬
‫أركض وراءها‬
‫ُ‬ ‫ريشةٌ شاردة في الفضاء‪،‬‬
‫تتحول إلى طير!‬
‫قبل أن َّ‬
‫‪ ‬‬
‫سك ُانها‬ ‫ٍ‬
‫ساعة َهجرها َّ‬ ‫وفي‬
‫َ‬
‫ونقلت أمتعتُها في سفينة مع الفجر‬
‫ُ‬
‫حملت الحقيبة وخرجت‬
‫ُ‬
‫إلى اإلبرة‬
‫التي تخيط جْل َد عميانها بالطريق‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫بلدان غريبة‬
‫‪ ‬‬
‫هناك بلدان غريبة تنبت خلسةً في رأسي‬
‫بلدان تستيقظ من ليل طويل وتفرك عيونها‬
‫ٌ‬
‫بدهشة أعمى وحيد من سنوات‬
‫غريق إلى ساحله‬
‫ٌ‬ ‫وصل فجأةً‬
‫َ‬
‫رأيت عالمتي‬
‫ُ‬ ‫َّ‬
‫وأتخي ُل أني‬
‫الحفَر التي تركتها البلدان بعد رحيلها‪ ،‬وهناك‬
‫في ُ‬
‫حمالة‬
‫أيام أصل إليها على َّ‬‫ٌ‬
‫تقريبا في فمي‬
‫ً‬ ‫ومقاهي المدن جميعها‬
‫وفيها رعاة بقر‬
‫كرسي المقهى‬
‫ّ‬ ‫نسيت معطفي على‬‫ُ‬ ‫ورغم أني‬
‫فإني مع ذلك أرتديه اآلن في الشارع‬
‫خرافية‬
‫ّ‬ ‫والمطر كلمة‬
‫ُ‬
‫واألمكنةُ تعني‪ :‬مغول ورائي‬
‫وألني طردت نفسي من َّ‬
‫جنة الكلمات‬
‫إلى صمت يقف في منتصف الطريق ٍ‬
‫كيد مبتورة‬
‫أحاول أن أتملَّق باإلشارة َ‬
‫عود كبريت‬
‫مترددا بين أن يضيء أو يبقى في علبته‬
‫ً‬
‫إلي إيقاعُ الحياة من بعيد‬
‫وبينما يصل َّ‬
‫كأصوات طبول في أفريقيا‬
‫أتأم ُل المدن التي مات جميع َّ‬
‫سكانها بالصبر‬ ‫َّ‬
‫وأتابع الطريق‬
‫بزر قميصي‪.‬‬
‫عابثًا ّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫أحاول‬
‫‪ ‬‬
‫أحاول‬
‫ذراع أخرى‬
‫ٍ‬ ‫باليد التي خرجت مني إلى‬
‫أن أوقف سيارة تأخذني في هذا الليل‬
‫إلى بيتي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫ضمير الغائب‬
‫‪ ‬‬
‫وداعا وخرج‬
‫ً‬ ‫بعدما قال‬
‫بقي منه ٌّ‬
‫ظل صغير تصنعه لمبةُ البيت‬
‫فمشى وراءه‪.‬‬
‫اجتاز البوابة ثم‪ ،‬فجأة‪ ،‬أطفأوا الضوء‬
‫ففقد طريقه‪.‬‬
‫في الصباح‬
‫حين فتحت الخادمة النافذة‬
‫رأت ظالًّ ينام‬
‫وحده على اإلسفلت‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫النظرة‬
‫‪ ‬‬
‫كان يقعد على الدرجة السفلى‪ ،‬ينظر إلى الثلج ينزل أمام رواقه‬
‫ينظر إلى الطريق‬
‫متبينا سيارات سريعة‬
‫ً‬
‫راكب ما‬
‫ٌ‬ ‫يلوح له‬
‫آمالً أن ّ‬
‫واحد منها وينظر إليه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أن تتوقف سيارة‪ ،‬ينزل‬
‫َّ‬
‫تذكر فجأة ثلج ماضيه‪ ،‬حين كانت حياته في ذاك الليل‬
‫تجلس في الوسط‪ ،‬بين المقعد والكرات الصغيرة على الزجاج‬
‫وهم أن ُيحضر بطَّانيته‬
‫قارصا‪َّ ،‬‬
‫ً‬ ‫هواء‬
‫ً‬
‫َّ‬
‫تذكر‬
‫َّ‬
‫لكن قلبه كان يقول له‬
‫راكبا سينزل اآلن‪ ،‬ويتَّجه إليه‪.‬‬
‫إن ً‬ ‫َّ‬
‫في الصباح‪ ،‬لعب األوالد طويالً بكرات الثلج أمامه‬
‫ناصعا‬
‫ً‬ ‫وكان‬
‫وبعينين مفتوحتين‪ ،‬تمثاله‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫الهجرة‬
‫‪ ‬‬
‫حين ذهبوا لم يقفلوا أبوابهم بالمفاتيح‬
‫تعود أن يزورهم‬
‫ماء في الجرن‪ ،‬للبلبل والكلب الغريب الذي ّ‬
‫أيضا ً‬
‫تركوا ً‬
‫وبقي على طاوالتهم خبز‪ ،‬وإ بريق‪ ،‬وعلبة سردين‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫شيئا قبل أن يذهبوا‬
‫لم يقولوا ً‬
‫لكن صمتهم كان كعقد زواج َّ‬
‫مقدس‬ ‫َّ‬
‫مع الباب‪ ،‬مع الكرسي‪ ،‬مع البلبل واإلبريق والخبز المتروك على الطاولة‪.‬‬
‫الطريق التي شعرت وحدها بأقدامهم ال تذكر أنها رأتهم بعد ذلك‬
‫لكنها تتذكر ذات نهار‬
‫تنمل من الصباح إلى المساء بقمح يتدحرج عليه‬
‫أن جسدها ِّ‬
‫أبوابا تخرج من حيطانها وتسافر‪،‬‬ ‫ورأت في ٍ‬
‫يوم آخر ً‬
‫ويذكر البحر‬
‫َّ‬
‫أن قافلة من السردين كانت تتخبَّط فيه وتمضي‬
‫إلى جهة مجهولة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ويقول الذين بقوا في القرية‬
‫غريبا كان يأتي كل مساء‬
‫ً‬ ‫إ َّن ً‬
‫كلبا‬
‫ويعوي أمام بيوتهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ذاك المساء‪ ،‬على حجر‬
‫‪ ‬‬
‫العما ُل المتعبون‪ ،‬ظالل الحمائم‪ ،‬المالبس على الحبال البعيدة‪.‬‬ ‫كان ُّ‬
‫كل شيء في منتهى الرقة‪َّ .‬‬
‫أيضا كانت رقيقة معه ذاك المساء‪ .‬مشى معها إلى أقرب حجر‪ ،‬وقعد‪.‬‬ ‫شعر أن حياته ً‬
‫تذكر آخر أغنية تعلِّمها في المدرسة‪ ،‬ورقص مع الشارع مع حديد المحالت المقفلة‪ ،‬وبالطات‬
‫َّ‬
‫الرصيف‪ ،‬التي كانت تخرج من طينها القديم وتبتسم‪.‬‬
‫مشى مع القيثارات‬
‫التي رقصت معه َّ‬
‫كل الليل حتى‬
‫ضلوعه‪.‬‬
‫َ‬ ‫ت‬‫أصبح ْ‬
‫َ‬
‫على شعره نسمة هواء‪.‬‬
‫في عينيه نجوم في عنقه عقد‪.‬‬
‫هم أن يقول ألحد قربه‪ :‬هذا العقد هدية من عيد ميالدي‪.‬‬
‫َّ‬
‫لكنه التفت إلى الحجر الوحيد‬
‫لَ َم َسهُ بلطف‬
‫وأغمض عينيه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫رفقة‬
‫‪ ‬‬
‫كان ال يخرج إالَّ في األيام المشمسة ليكون له رفيق‪:‬‬
‫دائما‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫ظله الذي يتبعه ً‬
‫َّ‬
‫ليتحدث إليه‪ ،‬ليبتسم له‪.‬‬ ‫ينظر وراءه‬
‫يلتفت بخفَّ ٍة لئال يغافله على َدَرج ويتسلَّل إلى بيت‬
‫مشوقة لئال يضجر منه هذا‬ ‫يخبره حكايات ِّ‬
‫الظ ّل ويهرب‪،‬‬
‫في الصباح ُي ِع ُّد كوبين من الحليب‪ ،‬على الغداء ُي ِع ُّد صحنين‪،‬‬
‫وكان يعود إلى بيته عند غياب الشمس‬
‫يقعد على حجر‬
‫ويبكي حتى الصباح‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫الحشد‬
‫‪ ‬‬
‫تلمس قماش المقعد وعرف أنه ليس وحده‬
‫َّ‬
‫وهم أن ِّ‬
‫يغني‪،‬‬ ‫بفرح غريب َّ‬
‫ٍ‬ ‫أحس‬
‫َّ‬
‫ألول مرة يشعر بجسد هذا المقعد‪،‬‬
‫َّ‬
‫باأليدي التي صنعته وربما هي معه اآلن‪،‬‬
‫بالحمالين الذين أوصلوه إلى الغرفة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫بالمدينة التي جاء منها‪،‬‬
‫بالذين جلسوا عليه من عهد بعيد‪،‬‬
‫واحدا بعد واحد‪،‬‬
‫ً‬ ‫وها هم جميعهم‪،‬‬
‫يدخلون‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫نظر إلى يديه‪ ،‬ثم إلى الحشد‬
‫فإلى المقعد ٍ‬
‫بلوم شديد وخرج‬
‫صافقًا الباب وراءه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫المتعبون‬
‫‪ ‬‬
‫المتعبون يجلسون في الساحة‬‫َ‬
‫متجولين‬
‫ّ‬ ‫ينصتون إلى عبور النسمات‪ ،‬التي كانت في األرجح بائعين‬
‫أو متس ّكعين‪ ،‬فقدوا أقدامهم‬
‫‪ ‬‬
‫للمتعبين ساحة‬
‫بالطاتها‪ ،‬مع األيام‪ ،‬اكتسبت صفات إنسانية‬
‫واحد منهم‬
‫ٌ‬ ‫حتى أنها إذا غاب‬
‫تبكي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫يوما بعد يوم‬ ‫المتعبون في الساحة‪ ،‬وجوههم ُّ‬
‫ترق ً‬
‫و َشعرهم يلين‬
‫في هواء الليل و األضواء الخفيفة‪،‬‬
‫أيضا‬ ‫وحين ينظرون إلى بعضهم ُّ‬
‫ترق عيونهم ً‬
‫زجاجا‬
‫ً‬ ‫إلى درجة أنهم يظنون أنفسهم‬
‫وينكسرون‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫الربيع أخضر‪ ،‬السماء زرقاء‬
‫‪ ‬‬
‫ال يمكنه فعل شيء‬
‫الهرة وحدها تجلس قربه‬
‫َّ‬
‫يدغدغها‪ ،‬يداعب صوفها الناعم‪ ،‬يقول لها كلمة‬
‫شيئا ولكن فقط كي يسمع صوته‪.‬‬
‫ال تعني ً‬
‫شعاع ضعيف يدخل غرفته ويقعد على الكنبة‬
‫يبقى لحظة قرب ساقه‪ ،‬ثم يرحل‬
‫وبين وقت و آخر تنتابه هبَّات هواء‬
‫ال يعرف إن كان عليه أن يستعملها لقول شيء ما‬
‫أو للتنفُّس‬
‫العالمة الوحيدة للحياة في الخارج بقعةُ رطوبة صغيرة على الحائط‬
‫لكن‪ ،‬معه تبغ لهذا النهار‬
‫غليونا‬
‫ً‬ ‫يدخن‬
‫أيضا صورة في محفظته ّ‬
‫ً‬
‫يمكنه أن يستعيض عن الحياة بالصور‪ ،‬وراح ِّ‬
‫يغني‪:‬‬
‫الربيع أخضر‪ ،‬السماء زرقاء‬
‫في الصباح تطلع الشمس في الليل يطلع القمر‬
‫الجهات أربع و الفصول أربعة‬
‫ومن الجهات والفصول تأتي األرانب والرياح والغناء‬
‫وعلى التلَّة حجر‪ ،‬على التلَّة حجر‪.‬‬
‫هرته بحنان‬
‫ثم لمس َّ‬
‫داعب صوفها الناعم‬
‫وعاد إلى النوم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫خطوة ناقصة‬
‫‪ ‬‬
‫يحرك قدميه قليالً حتى يصل‪.‬‬
‫المقهى في الزاوية‪ .‬يكفي أن ِّ‬
‫َّ‬
‫تقدم خطوة ووقف‪ .‬السماء صافية والنجوم‬
‫عذبة إلى درجة أنها ال تنظر إليه‪،‬‬
‫شق حجر‬
‫وفي الساحة ال شيء‪ ،‬فقط عشبة صغيرة في ّ‬
‫وقف يتأمل ورقها الخجول‬
‫متأكدا أنها ال تعرف حتى اسمه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ومشى‪،‬‬
‫‪ ‬‬
‫شيء كالصراخ يدخل أذنيه‬
‫بشريا‬
‫ً‬ ‫ضلعا‬
‫ً‬ ‫ورغم أنه يعرف أن اإلسفلت ليس‬
‫رفع قدمه‪.‬‬
‫ثم ضحك‬
‫أنهار من عينيه‬
‫كثيرا حتى جرت ٌ‬‫ضحك ً‬
‫فيها ظالل أشجار وأسماك وبيوت‬
‫وعجائز ينقلون كراسيهم إلى الشمس أمام الباب‪،‬‬
‫ضحك حتى غابت قدمه وغاب اإلسفلت‬
‫وصدى "صباح الخير"‬
‫من آخر الخارجين من المقهى‪M.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫مقعد راكب غادر الباص‬
‫‪ ‬‬
‫ذاهبا إلى المقهى للقاء األصدقاء‬
‫ناظرا إلى قدمي‪ً ،‬‬
‫وداعا أيها اهلل‪ ،‬إني أمشي ً‬
‫ً‬
‫أصعد درجتين وأجلس‬‫ُ‬ ‫وداعا‪ ،‬إني أشيخ‪ ،‬المقهى في الساحة‪،‬‬
‫ً‬
‫المسجلة تغني اآلن وحدها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫سمعت كارمينا بورانا ومشيت‪،‬‬
‫ُ‬
‫الشباك المغلق‬
‫قرب ّ‬
‫مطر خفيف على الزجاج‪ ،‬مطر خفيف على الميناء المقابل‬
‫وداعا‪ ،‬الساعة الرابعة‪ ،‬معي موعد مع أصدقائي‬
‫ً‬
‫أصعد درجتين‪ ،‬وأجلس‬
‫ُ‬
‫البراد‬
‫فما على فم‪ ،‬ورديين خارجين من َّ‬‫نضحك فاتحين ً‬
‫تجرها الكالب‪ ،‬مع جلود الماعز‬
‫زحافات ّ‬‫من األسكيمو مع الدببة‪ ،‬من األسكيمو مع َّ‬
‫فما على فم‪ ،‬كمتناكحين‬
‫ً‬
‫متزوجين الضحكات اإللهية‪ ،‬الكلمات غير المفهومة‪ M،‬األجنحةَ التي لبستها المالئكة‪ ،‬وطارت‬
‫متزوجين خمسة سنتمترات من الهواء‬
‫تسبح فيها أفواهنا‪ ،‬مالئكةً جديدة‪ ،‬طيارين ساقطين بمضادات‬
‫قطعا من األشباح‪ ،‬آلهة متروكة على األدراج‬ ‫اوراقًا روحية َّ‬
‫ممزقة‪ً ،‬‬
‫إبر الكلمات‪ ،‬الخيوط من عروقنا المنسوجة بقياسات غير دقيقة‬ ‫َّ‬
‫نتحدث ساحبين من أفواهنا َ‬
‫ونذهب في الشوارع منشرحين اننا َّ‬
‫تحدثنا‪ ،‬ورمينا برتقاالً من النوافذ‪ ،‬وسمعنا الصمت المرتجف‬
‫للطرقات‬
‫أننا تعاركنا مع صاحب المقهى‪ M،‬تعاركنا مع سائق الصهريج‪ ،‬تعاركنا مع اهلل‪ ،‬وخرجنا‬
‫شارل بلحيته الشقراء ككوز تين‪ ،‬ببنطلونه المصنوع‪ M‬ليتَّسع لناس آخرين ال يجدهم‬
‫عباس برأسه المصبوب في المعتقالت‪M‬‬
‫ماري بجسدها النازل من جبال الثلج‪ ،‬وعلى وشك أن يذوب‬
‫هاربا من حميدة العجوز‪ ،‬ليستمني بحريَّة‬
‫عبده بغرفته الجديدة‪ً ،‬‬
‫عقل بحبه الضائع‪ ،‬بإيزادورا‪ ،‬بوجع ظهره‪ ،‬بالـ "آر‪ .‬بي‪ .‬جي" التي سقطت أمامه‬
‫ضاحكين ضاحكين ضاحكين‬
‫نرفع أيدينا في الفضاء‪ ،‬نخفضها إلى األرض‪ ،‬نعيدها إلى جيوبنا‬
‫ُّ‬
‫نصب على أنفسنا الماء لنستفيد من أجسادنا‬
‫المارة‪،‬‬ ‫وبر ناعم َّ‬
‫يتحدث مع َّ‬ ‫َّادات تحت الشتاء‪ٌ ،‬‬
‫سج ٌ‬
‫قاطرات منبثقة من العورات‬
‫وص َل الباص اإللهي‪ ،‬وصلت حقائبنا‬
‫معا‪َ :‬‬
‫ونصرخ ً‬
‫حقائب حقائب حقائب‪ ،‬حقائبنا ضائعة بينها فلندخل المقهى‬
‫ُنجلس معنا على الطاولة وبر أجسادنا‪ ،‬نجلس لحانا‪،‬‬
‫معاركنا استمناءاتنا غلَّة نهارنا من بيع قطع مغشوشة من التخيُّالت‬
‫تغني على النوافذ‬
‫ممالك بيضاء ّ‬
‫أبديةٌ في الممشى‪ ،‬أبدية مربوطة بخيط‬
‫ليمر الهواء‪،‬‬
‫الكرسي قليالً َّ‬
‫َّ‬ ‫ونرجع‬
‫ُ‬
‫وداعا‬
‫ً‬
‫وداعا أيها اهلل‬
‫ً‬
‫وداعا بعينيك اللتين تترصدانني من وراء الباب‪،‬‬
‫ً‬ ‫علي‪،‬‬
‫يمر بيننا‪ ،‬بالماء الذي دلقتَه َّ‬
‫بالهواء الذي ُّ‬
‫بفمك األزرق‪ ،‬بنظَّارتيك المصنوعتين عند "نظَّارات الحكيم الطبية"‪،‬‬
‫ويديك اللتين تقوالن‪ M‬لي‪ :‬هذا هو الطريق‬
‫وداعا‬
‫ً‬ ‫وداعا بمعصميك الجميلين‪ ،‬بساعتك التي تشير إلى وقت مجهول‪ ،‬الساعة الرابعة اآلن‪،‬‬
‫ً‬
‫عظمي محروق ُيسند ركبتيه بيديه‪ ،‬وكنبةٌ يخرج‬
‫ٌّ‬ ‫شبطين‪ 6 ،‬كانون األول ‪ ،1962‬أبي –هيك ٌل‬
‫منها الدخان‬
‫الكوة‬
‫شعاع قمر يدخل من َّ‬
‫وعلى المائدة سمكة غير ملموسة‪ ،‬قنينة عرق فارغة‪ ،‬ورقة لوز أمام الباب‬
‫كنت أزن ‪ 40‬كيلو مع الورقة التي أكتب عليها الشعر‬
‫‪ 40‬كيلو مع ابتسامتك‪ ،‬مع نظرتك‪ ،‬مع يدك على كتفي‪،‬‬
‫مع سمكتك على الطاولة‪ ،‬مع لحمك المحروق‬
‫‪ 40‬كيلو مع دخانك‬
‫عرق على جبهته‬
‫الجنة ينطلق‪ ،‬نقطةُ َ‬
‫جواد ّ‬
‫"صان بوت" تبحر إلى الرنكا‪ ،‬تمشي على البحر قرب السمك‪" ،‬صان بوت" الشمس الخشبية‬
‫المسافرة‬
‫يد يتحرك خنصرها قليالً‪ ،‬ويعود إلى مكانه‬
‫تودعها ٌ‬‫ّ‬
‫نمرر أصابعنا على شعرنا‪ ،‬نضرب دماغ الوقت قبالتنا على الحائط‬ ‫نتحرك في مقاعدنا‪ّ ،‬‬
‫َّ‬
‫قمصانا مفتوحة على الصدر‪ ،‬ننظر إلى بعضنا ونبتسم‬
‫ً‬ ‫مرتدين‬
‫ننظر إلى العابرين الذين يشبهوننا‬
‫جالسين وسط دخان السكائر‪ ،‬جالسين أو واقفين أو عابرين‪ ،‬آكلين حجارة الشارع‪ ،‬آكلين الشرفات‬
‫من أمام السيارات‪ ،‬من أمام عربة التوقُّعات التي توقفت عندنا‬
‫عاليا وصارخين‬
‫حاملين رأس المحبة ً‬
‫أمعاء أرض طويلة مرمية على حوافي الطرقات‬
‫ُ‬ ‫شرايين محطَّمة‪،‬‬
‫وصدورا تلبس القمصان‬
‫ً‬ ‫قطعا هوائية‪ ،‬هياكل سفن‪ ،‬أيدياً وأرجالً‬
‫أبراجا‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫حاملين سواحل‪،‬‬
‫سنتمترا‬
‫ً‬ ‫وقدم ِك يا أمي التي تقيس ‪20‬‬
‫ُ‬
‫لك شقيق أبي سنة ‪ ،1957‬وال تزالين ترتدينه اآلن‬‫حذاؤك الذي صنعه ِ‬‫ِ‬
‫تقصها لي؟‬ ‫ِ‬
‫أظافرك الطويلة وأنت تنتظرين أن يبتسم وديع لتسأليه‪ :‬هل ّ‬
‫ركبتاك الزاحفتان على الشوك والحجارة نحو ضريح قديسة‪،‬‬
‫ليتوقف أبي عن الس ْكر‬
‫خرجت منه ذات يوم حامالً عينين‬
‫ُ‬ ‫فستانك الوحيد كأنه الصق بجسدك‪ ،‬جسدك المترهل الذي‬
‫وأصابع بالكاد تحتمل الهواء‬
‫َ‬ ‫صغيرتين‬
‫مادا يدي تحت نقاط المطر لسيارات سريعة‬
‫ً‬
‫ذاهبا إلى باريس باألوتوستوب‬
‫ً‬
‫أقنع صاحب المقهى بلغة فرنسية ركيكة‬
‫‪Une bouteille d’Arak extra‬‬
‫لقاء ترويقة مجانية‬
‫نائما تحت مواقف الباصات في ثلج كانون الثاني‬
‫ً‬
‫عجوزا يسعلون طوال الليل ويذهبون بالدقائق إلى‬
‫ً‬ ‫نائما في مأوى العجزة‪ ،‬مع مئة وخمسين‬
‫ً‬
‫المراحيض‬
‫على نهر السين‪ ،‬مع ورق الشجر على المقاهد‬
‫وقارئا على جذوع الشجر‪:‬‬
‫ً‬ ‫راميا أغراضها قطعة وراء قطعة‪،‬‬
‫على الطريق مع حقيبة كبيرة‪ً ،‬‬
‫"الصيد ممنوع"‪M‬‬
‫أخيرا على الحدود اإلسبانية‪،‬‬
‫في هندايا‪ ،‬بيدين فارغتين ً‬
‫وتنقصني عشرون بيزيتا للوصول إلى مدريد‬
‫وداعا‬
‫ً‬
‫الكنبة قرب الباب‪ ،‬القنينة على الطاولة‪ ،‬اهلل في السماء‪ ،‬أبي في القبر‪ ،‬الثلج على الجبل‬
‫إلي من مكان‬
‫غناء يصل َّ‬
‫مغمى عليه في الشارع‪ ،‬الحياة جالسة مع صديقها وراء الصخرة‪ٌ ،‬‬
‫ً‬ ‫الوقت‬
‫بعيد‬
‫بضمادات عتيقة من الضلوع‪ ،‬ملفوفين بعروق مسروقة‪ ،‬بجلود‬
‫َّ‬ ‫نمشي حاملين أجسادنا‪ ،‬ملفوفين‬
‫ناعمة ناجية من الحروب‬
‫ِّ‬
‫ونحدق في الحيطان‬ ‫جسدا أمام جسد‬
‫نضع ً‬
‫كأسا أخرى‬
‫هاي‪ ،‬لويس‪ ،‬أعطنا ً‬
‫غدا‬
‫سركون سيكتب الليلة مئة قصيدة‪ ،‬جاد سيكتب رواية كاملة عن الحرب اللبنانية ويهاجر ً‬
‫صباحا إلى ملبورن‬
‫ً‬
‫كأسا يا لويس‬
‫أعطنا ً‬
‫سيتحول بعد قليل إلى قطة لطيفة‪ ،‬العميان سيبصرون‪ ،‬األبدية ستدلّي أثداءها وتقول‪ M‬خذوا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الدماغ‬
‫سيقدم شفتيه‪ ،‬هذه الكرة األرضية ستصبح من مسروقاتنا الخاصة‬
‫أخيرا ّ‬
‫اهلل ً‬
‫كأسا‬
‫سأصبح مل ًكا يا لويس اعطني ً‬
‫ملياً في عورتي‬
‫برجي هو برج السرطان‪ ،‬عندما أستيقظ أجد نفسي في العالم من جديد وأنظر ّ‬
‫تقريبا‬
‫ً‬ ‫أم ّشط شعري وأخسر منه عشر شعرات‬
‫برجي هو برج السرطان‪ ،‬برج بال َشعر‪ ،‬بيد صغيرة بالكاد تزحف على األرض‪ ،‬بعينين شبه‬
‫مرئيتين تؤديان خدمتهما اإلجبارية على الصخور‬
‫أحتفظُ بمنظر سفينة تبتعد‪ ،‬بأصداف ابتسامات غريقة‪،‬‬
‫بعيون عميان منسية على الرمل‬
‫أحتفظ ٍ‬
‫بليال فقيرة تأتي إليها الرياح بالصدفة‬
‫أنت ال تفهم كل هذا‬
‫ولكن يا لويس َ‬
‫قل لي‪ :‬لماذا ال تدع صديقي يسند قدميه المتعبتين على زجاج مقهاك وهو بعد قليل سيتابع‬
‫فقط ْ‬
‫المشي كل حياته‬
‫اسمعي يا أمي مريم العذراء اسمعي يا أمي فرنجيه‪ ،‬أنا ال أحب لويس‬
‫الياس صديقي‪ ،‬شعيا صديقي‪ ،‬لكني ال أحب لويس‬
‫المطر ينزل على النافذة‬
‫في الخارج أواني زهور‪ ،‬كنبةٌ أعتقد أنها تبلّلت‬
‫على المقعد كتلة صغيرة‪ ،‬أعتقد َّأنها َّ‬
‫هرة‬
‫للمارة‬ ‫واقف في شارع صغير‪ُّ ،‬‬
‫أمد يدي َّ‬
‫أنت تعرف يا جاد‪ ،‬كان ينقصنا ربع ليرة للوصول إلى ساحة البرج‬
‫مبسط أمام كلية اآلداب‪ ،‬قرب بائع فستق سوداني‪ ،‬أبيع "ليس للمساء‬
‫مبسطٌ في شارع الحمراء‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫إخوة"‬
‫صباحا‬
‫ً‬ ‫وبعد ذلك المعامل في أوستراليا‪ ،‬النهوض في الرابعة‬
‫وانتظار الباص‪ ،‬والوقوف‪ M‬تسعة أشهر أمام آلة في مصنع هولدن لجمع تذكرة العودة إلى بيروت‬
‫ثم ‪1975‬‬
‫للمسنين‬
‫ّ‬ ‫بائعا االسعافات األولية‬
‫وحقيبة أمشي بها بين قرية وقرية ً‬
‫قوموا نبحث عن مقهى آخر‬
‫كراس ُّ‬
‫تطل على البحر‬ ‫ٍ‬ ‫حجري جميل‪ ،‬فيه‬
‫ّ‬ ‫"داون تاون" بناء‬
‫نجلس‬
‫ونضع إصبعين على البار‪،‬‬
‫وداعا إني أشيخ‬
‫ً‬
‫يوما أن تلعب الجمباز‬
‫معي في صدري ضلوع ضعيفة‪ ،‬كانت ترغب ً‬
‫معي رأس بكامل تجاويفه‬
‫معي يدان صامتتان أرافقهما كل النهار‪ ،‬ثم نتصافح ونذهب إلى النوم‬
‫عاما بهذه األعضاء؟‬
‫ماذا يفعل كسو ٌل على مدى أربعين ً‬
‫وداعا‬
‫ً‬
‫القمر على الماء‪َ ،‬ر ُج ٌل على الطريق‪ ،‬وشاحنة مسرعة‬
‫نمشي كتفًا على كتف‪ ،‬مصطدمين بأنفاس عمياء‬
‫راكضون راكضون راكضون‬
‫حاملون الحقائب‪ ،‬حاملون األوالد والنساء‪ ،‬الطاوالت والكراسي و المزهريات‪ ،‬وراكضون‬
‫متسابقون بأقدام نحيلة‪ ،‬بجذوع أشجار مكسورة‪ ،‬وما الداعي؟ مناسبة متواضعة‪ :‬الحياة‬
‫وداعا‪ ،‬النافذة أمامي ُّ‬
‫تطل على الميناء‪ ،‬ومغلقة منذ البارحة‬ ‫ً‬
‫المطر خفيف وجميل‪ ،‬الكنبة في الخارج‪ ،‬األبدية في الممشى‪،‬‬
‫يدي على الطاولة‬
‫سنتمترا‬
‫ً‬ ‫قَ َد ُم أمي تقيس ‪20‬‬
‫وداعا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬‬
‫بسبب غيمة على األرجح‬
‫‪ ‬‬
‫‪1992‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ظالل‬
‫‪ ‬‬
‫زحلوا نحو ِ‬
‫الماء‬ ‫َ‬
‫منحدرين من جبالهم ظالالً ناعمةً‬
‫العشب‪.‬‬ ‫َّ‬
‫لئال يوقظوا ُ‬
‫ِ‪M‬‬
‫الحقول‬ ‫ت على‬‫مر ْ‬
‫حين َّ‬
‫خياالتُهم َ‬
‫ونام هناك‬
‫بعضها َ‬ ‫ُ‬ ‫فارقَهُ ْم‬
‫ت‬
‫طْ‬ ‫ِ‬
‫بالصخور وانمغ َ‬ ‫ت‬ ‫وخياالت َّ‬
‫تشبثَ ْ‬ ‫ٌ‬
‫وأعادتْهم إليها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫زحلوا حتَّى وصلوا‬
‫إلى ِ‬
‫الماء ُمنهكين‬
‫تبحث عن إبر ٍة‬
‫ُ‬ ‫الشمس‬ ‫وفوقَهم ِ‬
‫كانت‬
‫ُ‬
‫صلَهُم بالظالل‪.‬‬
‫عيد َو ْ‬
‫لتُ َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫نظرة‬
‫‪ ‬‬
‫عيونهُ ْم و يمشون‬
‫َ‬ ‫يتركون‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫كئين على نظرات قديمة‬‫متَّ َ‬
‫صمت‬
‫ٌ‬ ‫سج ًى على أجسادهم‬
‫ُم ّ‬
‫نسائم موتى‬
‫ُ‬ ‫ُمسجَّاةٌ‬
‫ت‬
‫ُبيد ْ‬ ‫ٍ‬
‫أمكنة أ َ‬ ‫أرواح‬
‫ُ‬
‫غيم‬
‫مر ٌ‬‫وفي بالهم إذا َّ‬
‫المطر على حقولهم البعيدة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ينز ُل‬
‫‪ ‬‬
‫يمشون‬
‫َ‬
‫وحين يتعبون يفرشون نظرةً‬
‫َ‬
‫وينامون‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫زنابق‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫الساحات َو ْح َدها‬ ‫الموت يرقص في‬ ‫ُ‬ ‫لم يكن‬
‫ب الزهور‬ ‫بل قُْر َ‬
‫والحَبق‬ ‫ِ‬ ‫الديك ِ‬‫ِ‬ ‫قرب عر ِ‬
‫وفم السمك َ‬ ‫ف‬ ‫ُْ‬
‫الع ْين‬ ‫ِ‬
‫ويمشي مع ماء َ‬
‫إلى طاوالتهم‪.‬‬
‫يرقص‬
‫ُ‬ ‫الموت‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫ِ‬
‫الساحات كانوا‬ ‫وفي‬
‫ِ‬
‫باألسفلت‬ ‫يمتزجون‬
‫َ‬
‫الزهور ِ‬
‫تحملُهُ ْم‬ ‫ِ‬ ‫ون على‬
‫والم ْن َحُن َ‬
‫ُ‬
‫قات إلى فوق‬
‫الطلَ ُ‬
‫ِ‬
‫الفضاء‬ ‫ويصيرون في‬
‫َ‬
‫زنابق‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫الموتى نيام‬
‫‪ ‬‬
‫كانوا عراةً‬
‫أوالد‬
‫ٌ‬ ‫ولهم‬
‫عر ُهم في المساء‬
‫يدغدغون َش َ‬
‫َ‬
‫وينامون‬
‫بسطاء‬
‫َ‬ ‫كانوا عراةً و‬
‫مين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النهار ُم ْبتَس َ‬ ‫طوال‬
‫َ‬ ‫قون‬
‫يعر َ‬
‫َ‬
‫وفي عودتهم يقفون أمام الواجهات‬
‫ثيابا ألوالدهم‬
‫يقيسون بأنظارهم ً‬
‫َ‬
‫ويمشون‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬ ‫كانوا َّ‬
‫خطوتي ِن ويلم َ‬
‫سون‬ ‫ْ‬ ‫يتقدمون‬
‫جذوع الشجر‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫الفجر‬ ‫ِ‬
‫نسمة‬ ‫قبل‬
‫َ‬
‫غصون‬
‫ٌ‬ ‫وتحت نظراتهم تُثْ ِم ُر‬
‫َ‬
‫كانون الثاني‬‫َ‬ ‫ثلج‬
‫في ِ‬
‫وكانت مناجلُهم ُّ‬
‫تحن إلى الحقول‪M‬‬
‫دائما لندائهم‬
‫بين القُرى ُمتأهًِّبا ً‬
‫والهواء َ‬
‫ُ‬
‫ضلوع‬
‫ٍ‬ ‫قمحهُم إلى‬
‫تحو َل ُ‬
‫حين فجاةً َّ‬
‫َ‬
‫شبا ينمو على أجسادهم‪.‬‬
‫النسيم ُع ً‬
‫ُ‬ ‫وصار‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫كانوا عراةً‬
‫الشمس ُك َّل مساء‬ ‫ِ‬
‫وكانت‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الحريري الخفيف‬
‫َّ‬ ‫ُتر ُّد غ َ‬
‫طاءها‬
‫على أرواحهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫فجرا‬
‫الموت‪ً ،‬‬
‫‪ ‬‬
‫الشمس‬
‫ُ‬ ‫تطلع‬
‫َ‬ ‫قبل أن‬
‫أبوابهم َ‬ ‫يفتحون َ‬
‫َ‬
‫رفتي ِن‬ ‫يفتحون َّ‬
‫الد ْ‬
‫الشمس كلُّها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لتدخل‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الفجر‬ ‫النسيم في‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الزهور في الفجر‬ ‫قي‬
‫َس ُ‬
‫فجرا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ُح ُّ‬
‫ب الحياة ً‬
‫وفجرا‬
‫ً‬
‫دخل شعاعٌ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫خشب الباب‬ ‫من بين‬
‫أبيض‬
‫َ‬ ‫زيحا‬
‫وصنع ً‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫رموش مغلقة‪.‬‬ ‫على‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫زيارة ليلية‬
‫‪ ‬‬
‫برون أطفالَهم حكايات‬
‫كانوا ُي ْخ َ‬
‫والزرع‬ ‫ِ‬
‫الحارس‬ ‫ِ‬
‫المالك‬ ‫عن‬
‫ْ‬
‫جاء هذا الصباح‬ ‫ِ‬
‫والبلبل الذي َ‬
‫وغنى في شجر ِة التوت‪ ،‬على شبَّاكهم‬‫َّ‬
‫ُيخبرونهم عن ِعَن ٍب‬
‫سيبيعونه و يشترون‬
‫ثيابا جديدة‬
‫لهم ً‬
‫عن ٍ‬
‫كنز‬
‫تحت وسادتهم إذا ناموا‪،‬‬
‫غدا َ‬ ‫يكون ً‬
‫صلُوا‬ ‫َّ‬
‫لكنهُم َو َ‬
‫ِ‬
‫الحكايات‬ ‫قطعوا‬
‫حمراء على الجدار‬
‫َ‬ ‫بقعا‬
‫تركوا ً‬
‫وخ َرجوا‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫صيادون‬
‫‪ ‬‬
‫تدرُبوا‬
‫بعضا َّ‬
‫بعضهُم ً‬
‫َ‬ ‫أن ُي ْسِقطوا‬
‫قبل ْ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫سنوات طويلةً‬
‫على ص ْي ِد ِ‬
‫الح ِ‬
‫جال‬ ‫َ‬
‫على َر ْمي الحصى في الفضاء‬
‫ون ْق ِشها بالرصاص‬ ‫َ‬
‫الجوانح‬
‫ِ‬ ‫تدربوا على َنتْ ِ‬
‫ف‬ ‫َّ ُ‬
‫وج ْعِلها مكانس‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫سواعدهم‬ ‫وحاولوا في‬
‫ٍ‬
‫ريش‬ ‫ع‬
‫َز ْر َ‬
‫طيورا‬
‫ً‬ ‫ليصيروا‬
‫وتساقطوا‬
‫الطيور‪.‬‬
‫ْ‬ ‫مثل‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫سماء سرية‬
‫‪ ‬‬
‫َو َج ُدوهُ‬
‫وم ْنَب ِس َ‬
‫طة‬ ‫زرقاء ُ‬
‫ُ‬ ‫يدهُ‬
‫ُ‬
‫كجناح َو ْر ٍ‬
‫وار‬ ‫ِ‬
‫مفتوح قليالً‬
‫ٌ‬ ‫وفمهُ‬
‫ُ‬
‫يريد‬
‫كان ُ‬ ‫َّ‬
‫كأنهُ َ‬
‫أن ِّ‬
‫يغني‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫شيء على العتبة‬
‫‪ ‬‬
‫كان ميِّتًا َّ‬
‫لكنهُ كان‬
‫ُي ِح ُّس أناملَهُم على جبهتِ ِه‬
‫ط الدار‬
‫أسَبلوهُ وس َ‬
‫ْ‬
‫وكان‬
‫َ‬ ‫ٍ‬
‫فراش استأجروهُ‬ ‫على‬
‫ب أن يشتري مثلَهُ‪،‬‬ ‫ُي ِح ُّ‬
‫ثيابا‬
‫أسبلوهُ وألبسوهُ ً‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫واجهات المدينة‬ ‫رأى مثلها في‬
‫وحين حملوه‬‫َ‬
‫البيت‬
‫َ‬ ‫يغادر‬
‫ُ‬ ‫ترك وهو‬ ‫َ‬
‫غريبا على العتبة‬
‫ً‬ ‫شيئا‬
‫ً‬
‫وكانوا ُكلَّما دخلوا‬
‫يعرفون السبب‪.‬‬
‫َ‬ ‫يرتجفون وال‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫ورقة‬
‫‪ ‬‬
‫َح َملوه صامتِين‬
‫ِ‬
‫الساحة‬ ‫وتركوهُ هناك‪ ،‬في‬
‫في َح ْق ِل الص ِ‬
‫ُّلبان والشواهد‬
‫رفاق ِه‬
‫الفسيحة مع ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الساحة‬ ‫في‬
‫النائمين‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫"سأعود‪،‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪:‬‬
‫ِ‬
‫أصيص الزهور"‬ ‫تحت‬
‫المفتاح َ‬
‫ُ‬
‫وورقةٌ منها كانت‬
‫ال تزال في ِيده‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫عائد‬
‫‪ ‬‬
‫استلقَى‬
‫تحت السقف‬
‫نصفُهُ َ‬
‫تحت السماء‪.‬‬
‫ونصفُهُ َ‬
‫كثيرون‬
‫َ‬ ‫تحلَّ َ‬
‫ق حولَهُ‬
‫اليوم عاد‬
‫َ‬
‫جاؤوا به ملَ َّوًنا ِ‬
‫بالدم والتراب‬ ‫ُ‬
‫أسبلُوه على الشرفةِ‬
‫َْ ُ‬
‫وكانت نقاطُ ماء‬
‫ٍ‬
‫غيمة‬ ‫تنز ُل من‬
‫على قدميه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫كلمات‬
‫‪ ‬‬
‫الكلمات التي قالَها‬
‫ُ‬
‫الخزانة‪ ،‬على ِ‬
‫األس َّر ِة‪ ،‬والجدار‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المقاعد‪ ،‬في‬ ‫على‬
‫البيت‬
‫َ‬ ‫جلَُبوا خادمةً نظَّفَ ِت‬
‫األثاث واألواني‪ M‬والحجارة‬‫َ‬ ‫نظَّفَ ِت‬
‫الء‬ ‫ِ‬
‫جلَُبوا ط ً‬
‫جلَبوا أصواتًا جديدةً‬
‫يسمعونها‪.‬‬
‫َ‬ ‫وظلُّوا‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫غياب‬
‫‪ ‬‬
‫ذاك النهار‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫سنديانة الساحة‬ ‫تحت‬
‫َ‬
‫فارغين‪،‬‬
‫ْ‬ ‫حجريان‬
‫ّ‬ ‫ظ َّل فقط مقعدان‬‫َ‬
‫ِ‬
‫صامتَْين‬ ‫كانا‬
‫ينظران إلى بعضهما‬
‫وي ْد َمعان‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫شجرة‬
‫‪ ‬‬
‫ولمس‬
‫َ‬ ‫خطوتين‬
‫ْ‬ ‫َم َشى‬
‫زرعها البارحةَ‬
‫َ‬ ‫نبتةً‬
‫خرج َن ْسغٌ من يديه إلى عرو ِقها‬
‫َ‬
‫أوراق إلى غصونها‬
‫ٌ‬ ‫ت من عينيه‬ ‫خرج ْ‬
‫َ‬
‫أراد العودة‬
‫وحين َ‬
‫َ‬
‫مكانهُ‪،‬‬
‫لم َي ْب َر ْح َ‬
‫تحولَتا‬
‫كانت قدماهُ َّ‬
‫جذورا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫رحيل‬
‫‪ ‬‬
‫لمس باب ِ‬
‫البيت وخرج‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫أنفاسهِ‬
‫الق ْف ِل بعض ِ‬
‫تار ًكا على ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫ينظران إليه‪:‬‬ ‫رآهما‬
‫ُ‬
‫اء الليل‬
‫يحبس خلفَهُ ُع َو َ‬
‫ُ‬ ‫القف ُل الذي كان‬
‫الصباح‬
‫ُ‬ ‫والباب الذي كان‬
‫ُ‬
‫يطلعُ من شقو ِق ِه‪،‬‬
‫رآهما يتحلَّالن ويعودان‬ ‫ُ‬
‫صدَئة‬‫ق وكتلةً ِ‬ ‫يباسا على الطري ِ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫الجبال‬ ‫الحيطان ترجعُ إلى‬
‫َ‬ ‫ورأى‬
‫أحجارا وحيدةً وحزينة‬
‫ً‬
‫تعود‬
‫السطح ُ‬
‫ِ‬ ‫والم ْح َدلَةَ على‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫صخرةً في غابة بعيدة‬
‫دمعتين في الشتاء‬
‫ْ‬ ‫والسقف الذي َي ْد َمعُ‬
‫َ‬
‫ف يائس‪.‬‬ ‫مثل جر ٍ‬
‫يهط ُل َ ُ ْ‬
‫‪ ‬‬
‫ورحل‬
‫َ‬ ‫لمس باب ِ‬
‫البيت‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫تار ًكا زهرةً في ِ‬
‫فتحة القفل‬
‫السطح غيمةً‬
‫ِ‬ ‫وفوق‬
‫َ‬
‫من نظراتِ ِه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫إذا‬
‫‪ ‬‬
‫آخر ما رآه‬ ‫ُ‬
‫ود َعتْهُ على ِ‬
‫الباب‬ ‫ِه َّرةٌ َّ‬
‫عاد‬
‫الذي أقفلَهُ ثَُّم َ‬
‫وفتحهُ‬
‫َ‬
‫الجيران كالعادة‬
‫ُ‬ ‫ليدخل‬
‫َ‬
‫إذا جاؤوا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫ذاك النهار‬
‫‪ ‬‬
‫ون حجارةَ بيتِ ِه‬ ‫حين كانوا َي ْج ُرفُ َ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أعضاءهُ وذكرياته من ُركامها‬ ‫أن َي ُنق َل حتَّى‬
‫َ‬ ‫لم يكن له ْ‬
‫كان حياتَهُ‬
‫ذاك‪َ ،‬‬ ‫الركام َ‬
‫ُ‬
‫ت حياتُهُ به‬
‫وارتطم ْ‬
‫َ‬
‫ذاك النهار‬ ‫ِ‬
‫في ُج ْرف َ‬
‫مراراً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫يجرفون الثلوج‬
‫َ‬ ‫َّامهُ كما‬
‫يجرفون أي َ‬
‫َ‬ ‫كانوا‬
‫تذوب‬
‫ُ‬ ‫وناس و حقو ٌل‬
‫ٌ‬
‫ويدمعها‬
‫في عينيه َ‬
‫نقطةً نقطة‬
‫الزيت‬ ‫ِ‬
‫خابية ْ‬ ‫البيت‪ ،‬على ِ‬
‫الم ْع َو ِل‪ ،‬على‬ ‫أغراض ِ‬
‫ِ‬ ‫على‬
‫وكان‬ ‫الصباح‬ ‫جر ِة ِ‬
‫الماء التي مألَها هذا‬ ‫وعلى َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫باردا‪.‬‬
‫ماء ً‬‫سيسقيهم ً‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫رفاق‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫الشرفة‬ ‫جلس على‬ ‫َ‬
‫ريح‬
‫أصابع ٍ‬
‫َ‬ ‫يصافح‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ُمحاوالً ْ‬
‫تَْلهو ب َش ْع ِر ِه‪،‬‬
‫يد‬
‫قال‪ٌ :‬‬‫َ‬
‫الريح الوردةَ‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫هز ْ‬ ‫حين َّ‬
‫َ‬
‫قال‪ :‬نظرةٌ‬
‫السماء َ‬
‫ُ‬ ‫حين ابرقَ ِت‬‫َ‬
‫وقال ال ُب َّد بسمة‬
‫َ‬
‫ذات ٍ‬
‫يوم في الهواء‬ ‫ت من ٍ‬
‫ثغر َ‬ ‫افلتَ ْ‬
‫اآلن‬ ‫ِ‬
‫وقد تَص ُل َ‬
‫وتجلس معي‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫الشرفة‬ ‫جلس على‬ ‫َ‬
‫وجوها‬
‫ً‬ ‫يستعيد‬
‫َ‬ ‫ُمحاوالً أن‬
‫ِ‬
‫حواليه‬ ‫ليمألَ‬
‫المقاعد الفارغة‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫قال‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫الركن‬ ‫شبيهتي ِن‪َ :‬‬
‫الحَبقَةُ في‬ ‫ْ‬ ‫قال كانتا‬
‫َ‬
‫وأمهُ‬
‫ُّ‬
‫‪ ‬‬
‫ون بينهما‬ ‫الناس ُي َمي ُِّز َ‬
‫كان ُ‬ ‫ما َ‬
‫ألم ِه‬ ‫ِ‬
‫الخير ِّ‬ ‫صباح‬
‫َ‬ ‫يقولون‬
‫َ‬
‫ُّ‬
‫ترد الحبقةُ‬
‫ِ‬
‫للحبقة‬ ‫يقولون‬
‫َ‬
‫أمهُ‬ ‫ُّ‬
‫ترد ُّ‬
‫‪ ‬‬
‫عروق‬
‫ٌ‬ ‫كان في يديها‬
‫كل الذي َ‬ ‫وقال‪ :‬ما ُّ‬
‫وش من نباتِها‬‫بل ُش ُر ٌ‬
‫ورقتين‬
‫ْ‬ ‫وكانت راحتاها‬
‫زهرتين‬
‫ْ‬ ‫عيناها‬
‫تفوح‬
‫ُ‬ ‫الحي‬
‫ِّ‬ ‫تمر في‬‫وحين ُّ‬
‫َ‬
‫ِ‪M‬‬
‫الحقول من ثيابِها‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫كل‬
‫‪ ‬‬
‫والدهُ و الشجرة‬
‫توأمين‪ُ :‬‬
‫ْ‬ ‫وقال كانا‬
‫ذراعهُ عليها‬
‫َ‬ ‫ُيلقي‬
‫غصنها عليه‬
‫َ‬ ‫وتُلقي‬

‫حين تراهُ‬
‫تخضر َ‬
‫ُّ‬
‫يمرض‬
‫ُ‬ ‫حين‬
‫وتصفر َ‬
‫ُّ‬
‫الريح‬
‫ُ‬ ‫وإ ذا ضربتْها‬
‫صيبهُ رجفة‪.‬‬
‫تُ ُ‬
‫‪ ‬‬
‫قال ومشى‬ ‫َ‬
‫ب ِ‬
‫الباب‬ ‫ص ْو َ‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫لف سيكارةً‬
‫ومضى‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫حياة‬
‫‪ ‬‬
‫الوقت‬
‫َ‬ ‫تقريبا‪ِّ ،‬‬
‫يبد ُد‬ ‫ً‬ ‫كان‪،‬‬
‫َ‬
‫إناء‬
‫رسم ً‬ ‫َ‬
‫رسم زهرةً في اإلناء‬
‫َ‬
‫عطر من الورقة‪،‬‬‫وطلع ٌ‬
‫َ‬
‫كوب ماء‬
‫َ‬ ‫رسم‬
‫َ‬
‫شرب رشفةً‬
‫َ‬
‫وسقى الزهرة‪،‬‬
‫رسم غرفةً‬
‫َ‬
‫سريرا‬ ‫ِ‬
‫الغرفة‬ ‫وضع في‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ونام‬
‫استفاق‬
‫َ‬ ‫وحين‬
‫َ‬ ‫‪...‬‬
‫بحرا‬
‫رسم ً‬
‫َ‬
‫بحرا عميقًا‬
‫ً‬
‫وغ ِر َ‬
‫ق‪.‬‬ ‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫وجهه‬
‫‪ ‬‬
‫رسم وجهَهُ ورآه‬
‫َ‬
‫آخر‬
‫يشبهُ وجهًا َ‬
‫ومالمح‬
‫َ‬ ‫طا‬
‫أضاف خطو ً‬
‫َ‬
‫تعر ٍ‬
‫جات‬ ‫أضاف ُّ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫ساحات‬
‫طر ٍ‬
‫قات‬ ‫ُُ‬
‫ق الورقةَ‬ ‫‪َّ ...‬‬
‫مز َ‬
‫واختفى‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫أسماء الموتى‬
‫‪ ‬‬
‫أسماء موتاه‬
‫َ‬ ‫أصابع ِيد ِه َّ‬
‫وعد‬ ‫َ‬ ‫أسبل‬
‫َ‬
‫أصابع ِيد ِه األخرى‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫وعد‬
‫ِ‬
‫األلوان حواليه‬ ‫عدد‬
‫أضاف َ‬‫َ‬
‫أمام البيت‬ ‫ِ‬
‫غصون الشجرة َ‬‫َ‬
‫ِ‬
‫الدرب‬ ‫نبات‬
‫َ‬
‫أوراق الغابة‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫ينام‬
‫وقبل أن َ‬
‫‪َ ...‬‬
‫اسمه‪.‬‬
‫أضاف َ‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫غريق‬
‫‪ ‬‬
‫يدهُ‬
‫رفع َ‬
‫َ‬
‫يريد‬
‫كان ُ‬‫كأنهُ َ‬ ‫َّ‬
‫يقول كلمة‪.‬‬
‫أن َ‬ ‫ْ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫معهم‬
‫‪ ‬‬
‫راه ْم‬ ‫ِ‬
‫ندى من قُ ُ‬
‫تركوا في الساحة ً‬
‫ِ‬
‫الجبل‪،‬‬ ‫وراء‬ ‫واختفوا‬
‫َ‬
‫ريش دجاج‬‫زيت‪َ ،‬‬‫ط ٍ‬ ‫ورق َخ ٍّس‪ ،‬نقا َ‬
‫َ‬
‫َت‬
‫ونسائم تباطأ ْ‬
‫َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫من ظالله ْم‪.‬‬
‫حملوا غاللَهُ ْم من الجبال‬
‫فلشوها على األسفلت‬
‫باعوها‬
‫ُ‬
‫وعادوا‪،‬‬
‫ِ‬
‫الساحة طار‬ ‫والريش الذي تركوهُ في‬
‫ُ‬
‫وعاد معهم‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫أمي‬
‫‪ ‬‬
‫ِ ٍ‬
‫آخر نقطة ماء في َدْل ِوها على َ‬
‫الحَبقَة‬ ‫ت َ‬ ‫وضع ْ‬
‫َ‬
‫ونامت قُْرَبها‬
‫ِ‬
‫وجاءت الشمس‬ ‫القمر‬
‫عب َر ُ‬ ‫َ‬
‫ت نائمةً‬ ‫وظلَّ ْ‬
‫يسمعون صوتَها ُك َّل صباح‬
‫َ‬ ‫الذين كانوا‬
‫لفنجان قهو ٍة‬
‫ِ‬
‫لم يسمعوا صوتَها‬
‫ِ‪M‬‬
‫الحقول‬ ‫ط ْيحاتِ ِه ْم‪ ،‬نادوها من‬
‫نادوها من ُس َ‬
‫لم يسمعوا صوتَها‬
‫وحين جاؤوا‬
‫َ‬
‫كانت نقطةُ ٍ‬
‫ماء ال تزا ُل‬
‫وتزحف‬
‫ُ‬ ‫تَْر َش ُح من ِيدها‬
‫إلى الحبقة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫أبي‬
‫‪ ‬‬
‫يصير وجهُهُ غابةً‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫قبل ْ‬
‫َ‬
‫كثير على يديه‪،‬‬
‫شجر ٌ‬
‫َم َّر ٌ‬
‫ِ‬
‫كالدروب التي‬ ‫كان‬
‫َ‬
‫وينظر إليها‬
‫ُ‬ ‫َي ْق ُع ُد على ُسلَّ ِم ِه‬
‫كحجار ِة بيتِ ِه التي ُّ‬
‫ظنوا َّأنها ستمي ُل‬
‫وأيضا‬
‫ً‬ ‫كع ْش ٍب‬‫ورقيقًا ُ‬
‫ق المهاجرة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كالبواش ِ‬
‫‪ ‬‬
‫تحو َل‬
‫أن َّ‬
‫قبل ْ‬
‫شيئا َ‬‫لم َي ُق ْل ً‬
‫وجهه غابةً‬
‫بيضاء‬
‫َ‬ ‫صارت‬
‫ْ‬ ‫شجرات قليلةٌ منها‬
‫ٌ‬ ‫فقط‬
‫الجبل الم ِ‬
‫قابل كان يرحل‬ ‫ِ‬ ‫الثلج على‬
‫حين ُ‬‫َ‬
‫ُ‬
‫جذورها وطلع‬
‫َ‬ ‫ت‬‫وشجرات َم َّد ْ‬
‫ٌ‬
‫صغير من ترابِ ِه‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫َد ْغ ٌل‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫بيننا‬
‫‪ ‬‬
‫ين‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين طافح َ‬ ‫ين حالم َ‬
‫نجلس صامت َ‬ ‫ُ‬
‫َّ‬
‫ق الل ْو ِز بيننا‬ ‫صفِّ ُ‬
‫ق كأورا ِ‬ ‫ٍ‬
‫بأفكار تُ َ‬
‫ِ‬
‫الطاولة‬ ‫واحدا على‬
‫ً‬ ‫واحدا‬
‫ً‬ ‫أعضاءنا ونصفُّها‬ ‫ك‬ ‫ُن ِّ‬
‫فك ُ‬
‫َ‬
‫الو َسط‬
‫العيون في َ‬
‫َ‬
‫األصابع على الحافَّة‬
‫َ‬
‫ون بيننا‬
‫يتجولُ َ‬
‫القلوب َخ َد ًما َّ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األبواب‬ ‫أحالما تدخ ُل من‬ ‫ونستضيف‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫وأحالما من ِ‬
‫ثقوب الجدار‬ ‫ً‬
‫ٍ‬
‫لضيوف‬ ‫ون ِع ُّد مأدبةً‬
‫ُ‬
‫عائدين‬
‫َ‬ ‫يتدفَّ َ‬
‫قون‬
‫ِ‬
‫الموت إلينا‪.‬‬ ‫من‬
‫‪ ‬‬
‫ق‬ ‫يوم‪ ،‬قَ َس ٌم أالَّ ِ‬
‫نفتر َ‬ ‫ذات ٍ‬‫كان بيننا‪َ ،‬‬‫َ‬
‫األبواب والنواف َذ‬
‫َ‬ ‫شر ْعنا‬‫َّ‬
‫والنسيم‬
‫َ‬ ‫والمارةَ‬
‫َّ‬ ‫الجيران‬
‫َ‬ ‫َد َع ْونا‬
‫تدخل‬
‫َ‬ ‫الع ْش ِب كي‬
‫ورطوبةَ ُ‬
‫وتتدفَّأَ عندنا‪،‬‬
‫قلب لَ ْو ٍز‬
‫كان بيننا ُ‬
‫َ‬
‫اقتسمناهُ على الطريق‬
‫ودخْلنا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫ذكرى صياد سمك‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫البحر ُسكارى‬ ‫صْلنا إلى‬‫َو َ‬
‫ِ‬
‫بخياالت ُسفُ ٍن وسمك‬ ‫ُم َز َّو ِد َ‬
‫ين‬
‫وارتمينا على الصخر ِة التي‬
‫قبل يومين‬
‫َ‬
‫صرعوا رفيقنا عليها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ُكَّنا صامتِين‬
‫أكياسنا‬
‫َ‬ ‫ثَُّم َفلَ ْشنا‬
‫الصنانير‬
‫َ‬ ‫ورمينا‬
‫ْ‬
‫بعضها‬
‫أن َ‬ ‫رميناها على َع َج ٍل حتَّى َّ‬
‫نسيناهُ بال طُ ْعٍم وأخرجنا سم ًكا‬
‫ِ‬
‫بخيط ٍ‬
‫دم‬ ‫ت دماؤهُ‬‫طْ‬‫اختل َ‬
‫ِ‬
‫والبحر‬ ‫الليلة بين الصخر ِة‬‫تلك ِ‬ ‫ُم ْسَب ٍل من ُذ َ‬
‫يصطاد السمك‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫ُكَّنا ُسكارى‬

‫وق ْفنا على الصخر ِة التي َ‬


‫ص َرعوا رفيقَنا عليها‬
‫اصطدنا سم ًكا‬
‫ْ‬
‫َّ‬
‫وغن ْينا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫مكان الوردة‬
‫‪ ‬‬
‫وصْلنا‬ ‫ِ‬
‫تقريبا مع الليل َ‬ ‫ً‬
‫أمام الباب‪،‬‬
‫أغراضنا َ‬ ‫َ‬ ‫وأنزْلنا‬
‫َ‬
‫أمام بيتِنا‬
‫تقريبا َ‬‫ً‬
‫أمام ذكرى حجار ٍة‬ ‫َ‬
‫وماء‪،‬‬
‫‪ ‬‬
‫أغراضنا‬
‫َ‬ ‫أنزْلنا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الوردة‬ ‫مكان‬ ‫َش َم ْمنا‬
‫َ‬
‫ونِ ْمنا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫وجهة‬
‫‪ ‬‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫الحبا ُل في اتِّ ِ‬
‫تَبِعتْنا ِ‬
‫غسيل َنس ْيناهُ‬ ‫البحر‪ ،‬مع‬ ‫جاه‬ ‫َ‬
‫منشورا عليها‬
‫ً‬
‫رفاق‬
‫ٌ‬ ‫و َكبا َّ‬
‫منا‬
‫شجر التِّ ِ‬
‫ين‬ ‫بين ِ‬ ‫َ‬
‫وتحت الرفوف‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫والباب‪،‬‬ ‫العتََب ِة‬
‫بين َ‬ ‫رفاق َ‬ ‫ٌ‬ ‫َكبا‬
‫وتر ْكنا‬
‫مشينا َ‬
‫ْ‬
‫ثيابا‬ ‫الح ِ‬‫على ِ‬
‫بال ً‬
‫ِ‬
‫ألجسادنا‬ ‫الجدران ِق َ‬
‫ط ًعا كانت‬ ‫ِ‬ ‫وعلى‬
‫البحر‬
‫َ‬ ‫وحين د َخْلنا‬
‫َ‬
‫ف‬ ‫ِ‬
‫حراش ُ‬ ‫ِ‬
‫لبعضنا‬ ‫ت‬‫نبتَ ْ‬
‫ِ‬
‫بالصخور‬ ‫َّث‬
‫وبعضنا تشب َ‬
‫ُ‬
‫ص َدفًا‪.‬‬
‫وصار َ‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫بقع زيت‬
‫‪ ‬‬
‫النسائم النائمةَ‬
‫َ‬ ‫لم ُنو ِق ِظ‬
‫مشينا‬
‫فقط ْ‬
‫رافقُنا ِمْل ُح الفجر‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬
‫وأصوات الكالب‪،‬‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫بكاملها هناك‬ ‫َتر ْكنا ُجَز ًرا‬
‫ٍ‬
‫آللهة‬ ‫وجذوعا مكسورةً‬ ‫ِ‬
‫األقبية‬ ‫ٍ‬
‫مالئكة في‬ ‫وفَ ْح َم‬
‫ً‬
‫وأبديةً ثكلى‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ت معنا على ثيابِنا‬ ‫زيت َم َش ْ‬ ‫بقَع ٍ‬
‫ُ ُ‬
‫و َش ْح ُم أحالم‬
‫عربات ُم َخلَّ َعةٌ‬
‫ٌ‬ ‫قلوب ِ‬
‫بعضنا‬ ‫وكان في ِ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫ومواش نافقةٌ‪،‬‬
‫الكالب حتَّى ِغ ْبنا‬
‫ِ‬ ‫أصوات‬
‫ُ‬ ‫رافقتنا‬
‫تحت ِ‬
‫أقدامنا‬ ‫ِ‬
‫الدروب‪َ ،‬‬ ‫وعلى‬
‫نادرا‬
‫نوعا ً‬
‫اكتشفنا ً‬
‫من األنين‪.‬‬
‫أنت‬
‫اي‪َ ،‬‬‫َه ْ‬
‫ت‬
‫صْل ُ‬‫اآلن َو َ‬
‫ها أنا َ‬
‫ٍ‬
‫فاكهة لم تَ ْس َم ْع بها‬ ‫مثل‬
‫طازجا َ‬ ‫جديدا‬
‫ً‬
‫ً‬
‫اع ِطني سيكارة‪،‬‬‫ْ‬
‫حكايات غريبة‬
‫ٌ‬ ‫معي‬
‫ِ‬
‫ومعار َك ومزهريَّات‬ ‫ٍ‬
‫ملوك‬ ‫عن‬
‫بالص ْدفَة‬
‫ُّ‬ ‫الرياح‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫شعوب اكتشفَتْها‬ ‫عن‬
‫ِ‬
‫وأسماك أرواح‬
‫ِ‬
‫الرمال‬ ‫على‬
‫أنت َو ْح َد ْك‬
‫لك َ‬ ‫حكايات َ‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫اعطني سيكارة‪،‬‬
‫ِ‬
‫السنوات‬ ‫أيضا تال ٌل من‬
‫ومعي ً‬
‫أبيعها‬
‫أريد أن َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫محيطات‬ ‫تال ٌل ُم ْش ِرفَةٌ على‬
‫الحيتان‬
‫ُ‬ ‫يرقص فيها‬
‫ُ‬
‫الغ ْرقَى‬
‫مع َ‬
‫ٍ‬
‫منتجعات‬ ‫بناء‬ ‫ُم ْش ِرفَةٌ على ُخْل ٍ‬
‫يمكن فيها ُ‬
‫ُ‬ ‫جان‬
‫ٍ‬
‫جميلة‬ ‫ٍ‬
‫ألعمار أخرى‪،‬‬
‫تال ٌل‪ ،‬تال ٌل‬
‫شئت‬
‫ْإدفَ ْع ما َ‬
‫وخ ْذها‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لم ُنو ِقظ النائم َ‬
‫ين ولم َن ُق ْل كلمةً‬
‫ِ‬
‫لألبواب‬ ‫ِ‬
‫الكلمات األخيرةَ‬ ‫فقط ِ‬
‫سم ْعنا‬
‫التي كانت ُّ‬
‫تئز عند دخولنا وخروجنا‬
‫ومشينا‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫الحائط‬ ‫ص َو ًرا على‬
‫تر ْكنا ُ‬
‫ِ‬
‫الزاوية‬ ‫ٍ‬
‫زيتون في‬ ‫رائحةَ‬
‫التبغ‬ ‫ِ‬
‫المناش ِر َم ْش ُكوكةً مع ِ‬ ‫ٍ‬
‫حكايات على‬ ‫أعضاء‬
‫َ‬
‫ورأس َك يا رياض الذي صار‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫نيازك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫واثبين‬ ‫ين‬ ‫َّ ِ‬ ‫َّ ِ‬
‫َ‬ ‫ين ُم َخلع َ‬‫ُمقَطع َ‬
‫الشوارع‬
‫ِ‬ ‫على ع َّك ٍ‬
‫ازات في‬ ‫ُ‬
‫نغادر‬ ‫وحين‬ ‫نذهب‬ ‫حيث‬ ‫ٍ‬
‫ناقصة ُ‬ ‫ٍ‬
‫بأعضاء‬ ‫ص ُل‬ ‫َن ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫أعضاء‬ ‫بعض‬ ‫ك‬‫نتر ُ‬
‫َ‬
‫وأقدام‬
‫ٌ‬ ‫عيون‬
‫ٌ‬ ‫لنا‬
‫ال تزا ُل هناك‬
‫الدروب بنا‬
‫ُ‬ ‫تشعر‬
‫ُ‬ ‫حين نمشي‪ ،‬ال‬
‫لذلك‪َ ،‬‬‫َ‬
‫تكون في ٍ‬
‫مكان آخر‬ ‫ُ‬ ‫مطر‬
‫انهمر ٌ‬
‫َ‬ ‫وإذا‬
‫عيون‬
‫ٌ‬ ‫تَ ْد َمعُ‬
‫اعطني سيكارة‬
‫من ُّ‬
‫الد ِ‬
‫خان تُولَ ُد اآللهة‬
‫والبهاء‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والسماوات‬
‫ُ‬ ‫الكنوز‬
‫ُ‬ ‫تُولَ ُد‬
‫شوقي صديقي‬
‫سيصير ِس َّكةَ حديد‬
‫ُ‬
‫بعد ٍ‬
‫قليل‬ ‫َّ‬
‫لكنهُ َ‬
‫أشرب سيكارةً معه‬‫َ‬ ‫ذلك أن‬
‫قبل َ‬ ‫أريد فقط َ‬
‫ُ‬
‫رأس ِه َع ْب َر "سيدنهام"‬
‫تمر في ِ‬ ‫قطارات ِس ْ‬
‫يدني ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫كل‬
‫ينفجر اعطني سيكارةً‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وهو على وشك أن‬
‫ون َز َل‬ ‫ِ‬
‫الجبال َ‬ ‫وخض ُر الذي رمى بندقيَّتَهُ في‬
‫ْ‬
‫صار رسالةً بال عنوان‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫ينقلونهُ من بريد إلى بريد‬
‫َ‬
‫وال ي ِ‬
‫صل‪،‬‬ ‫َ‬
‫الطريق‬
‫ُ‬ ‫خان تُولَ ُد‬ ‫من ُّ‬
‫الد ِ‬
‫البيوت‬
‫ُ‬ ‫العناوين و‬
‫ُ‬ ‫تُولَ ُد‬
‫وأصحابها‬
‫ُ‬
‫الدخان يولَ ُد اهلل ِ‬
‫هات‬ ‫ُ‬ ‫من ُّ ُ ُ‬
‫سيكارةً‬
‫التبغ عن ِ‬
‫مناش ِرنا‬ ‫ضابا من ِ‬ ‫ُ ِ‬ ‫سأ ُْر ِس ُل َ‬
‫أعود ه ً‬ ‫حين‬
‫لك َ‬
‫ض‬‫وب ْي ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سالل فاكهة َ‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫أحالم‬ ‫بوب‬ ‫ٍ‬
‫دجاجات ُنربِّيها على ُح ِ‬ ‫من‬
‫َ‬
‫أيضا‬
‫بعضها ً‬‫لك َ‬ ‫كنوزا سأ ُْر ِس ُل َ‬
‫وتبيض ً‬ ‫ُ‬
‫اختر ْعنا‬
‫يوم َ‬ ‫وذات ٍ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫للصمت‬ ‫عروقًا‬
‫ِ‬
‫الدروب‬ ‫ِ‬
‫أجساد‬ ‫م َش ْينا َن ُش ُّكها في‬
‫أزرار الطُّ ُر ِ‬
‫ق‬ ‫َ‬ ‫قارص ِلُنَب ِّك َل‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫هواء‬ ‫م َش ْينا في‬
‫يرتجف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫صدورها‬ ‫وكان لَ ْح ُم‬
‫َ‬
‫مام عيونِنا‬
‫أ َ‬
‫الجسور أحشاء ٍ‬
‫حياة‬ ‫ِ‬ ‫تحت‬
‫رأينا َ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫عيون‬ ‫وشظايا‬
‫تبحث عن نظراتِها‬‫ُ‬
‫إس َم ْع‪ ،‬رأينا الحياةَ‬
‫ْ‬
‫تحت شجر ٍة‬ ‫ترتجف َ‬
‫ُ‬
‫قميصهُ‬
‫َ‬ ‫يخلع‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫بعضنا ْ‬
‫ُ‬ ‫وه َّم‬
‫َ‬
‫ويغطِّيها‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الهواء‬ ‫وكان‬ ‫ٍ‬
‫عارية‬ ‫ٍ‬
‫بصدور‬ ‫م َش ْينا‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫صديقَنا‬
‫ٍ‬
‫بزهور‬ ‫يأتينا‬
‫ويلعب ب َش ْع ِرنا‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫نظرات‬ ‫الهواء يحم ُل لنا‬ ‫كان‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أصحابها‬
‫ُ‬ ‫َّعها‬
‫ضي َ‬
‫قون في الشفق‪.‬‬ ‫وه ْم ِّ‬
‫يحد َ‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫أساور معنا شوارعُ معنا ظالل‬
‫ُ‬ ‫معنا‬
‫صب‬‫هواء و قَ َ‬
‫ٌ‬ ‫معنا‬
‫ادات حنين‬
‫وضم ُ‬
‫َّ‬ ‫ص َو ٍر‬
‫حفيف ُ‬
‫ُ‬ ‫وفي حقائبِنا‬
‫تركض من ٍ‬
‫جبل إلى جبل‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫أصوات‬ ‫وع َّك ُ‬
‫ازات‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫َم َش ْينا‬
‫أمام الباب‬
‫لوز َ‬‫وكانت ورقةُ ٍ‬
‫نظرنا إليها‬
‫ْ‬
‫وتاب ْعنا‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫فوق ِ‬
‫سهل برتقال‬ ‫الغ ْي َمتَْي ِن َ‬
‫أنيس بعينيه َ‬ ‫ُ‬
‫تصير‬ ‫ِ‬
‫الماضية َن ْح َو أن‬ ‫أصابع ِه‬
‫ِ‬ ‫ق‬‫بعرو ِ‬
‫َ‬
‫أقالما ناشفةً‬
‫ً‬
‫وبقمح أحالم‬
‫ِ‬
‫فم ِه‪،‬‬
‫ي ْنقُ ُدها طير عن ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫ف ِ‬
‫عليه ُك َّل الطريق‬ ‫عز َ‬ ‫بع ٍ‬
‫ود َ‬ ‫َّان ُ‬
‫وغس ُ‬‫َ‬
‫أوتاره‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫صارت الشوارعُ َ‬ ‫حتى َ‬
‫‪ ‬‬
‫غير‬
‫لم يكن عندنا ُ‬
‫ٍ‬
‫وزيتون‬ ‫تبغ‬ ‫ِ‬
‫رائحة ٍ‬
‫ومض ْينا‬
‫َ‬ ‫حمْلناها على ثيابِنا‬ ‫َ‬
‫خفيفين‬
‫َ‬ ‫َم َش ْينا‬
‫لئالَّ ُن ْز ِع َج ندى الطري ِ‬
‫ق‬
‫صًنا‬‫ولم َن ْح ِن ُغ ْ‬
‫النسيم‬
‫َ‬ ‫لم ُنو ِق ِظ‬
‫األصدقاء لم َن ُق ْل كلمة‬
‫َ‬ ‫لم ُن َو ِّد ِع‬
‫‪ ‬‬
‫فقط‬
‫َم َش ْينا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫ميتة‬
‫لحظات ِّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ ‬‬
‫يح ُجُبها‬
‫إما ْ‬
‫لسببين‪َّ :‬‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫الشمس تختفي فقط‬ ‫أشعةُ‬
‫فوق البيت‪َّ .‬‬
‫تعبر َ‬
‫أن غيمةً ُ‬‫أعتقد َّ‬
‫ُ‬ ‫فجأةً‪.‬‬ ‫إختفى الشعاعُ‬
‫تعبر‪.‬‬ ‫األرجح َّ‬
‫أن غيمةً ُ‬ ‫ُ‬ ‫اآلن صباح‪،‬‬
‫أن َ‬‫الوقت ليالً‪ .‬وبما َّ‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫ُ‬ ‫الغيم أو‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫الواحد‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫درجة َّ‬ ‫أتأم َل المطر‪ .‬الحياةُ جميلةٌ إلى‬
‫حينئذ أستطيعُ من نافذتي أن َّ‬ ‫ٍ‬ ‫قريبا ستُ ْم ِط ُر‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُربَّما ً‬
‫يذوب‬ ‫ِ‬
‫الفضاء‬ ‫كوكبا في‬ ‫وأظن َّ‬
‫أن‬ ‫ُّ‬ ‫مائي‪،‬‬
‫يتأم َل المطر‪ُ .‬برجي ٌّ‬ ‫أن َّ‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫الظروف‪ْ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ساعدتْهُ‬
‫َ‬ ‫يستطيعُ‪ ،‬إذا‬
‫وأتقدم إلى النافذة‪ .‬أفتح الزجاج وأنظر إلى السي ِ‬
‫َّارات‬ ‫َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫لطيف احملُهُ‬
‫ٌ‬ ‫أحيانا ويسي ُل هنا أمامي‪َ .‬و ْه ٌم‬ ‫ً‬
‫ض ُح‬ ‫المتْ َعبِين‪ .‬لماذا‬ ‫ِ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫وي ْن َ‬
‫أحيانا َ‬
‫ً‬ ‫أتعب‬
‫ُ‬ ‫كنت‬
‫الع َّمال؟ أنا نفسي ُ‬ ‫يتعب هؤالء ُ‬ ‫ُ‬ ‫والع َّمال ُ‬ ‫الجاف ُ‬ ‫واالسفلت‬
‫وشيء‬ ‫مقيت‪ ،‬ال بل ُم ْخ ِج ٌل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الجباه‬ ‫ق‬
‫واستريح سنوات‪َ .‬ع َر ُ‬ ‫بعد ذلك‬‫أندم َ‬ ‫ق‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫كنت ُ‬ ‫لكنني ُ‬ ‫الع َر ُ‬
‫مني َ‬
‫بارا خفيفًا‪ِ .‬ه َّرةٌ نائمةٌ في‬ ‫وراءها ُغ ً‬
‫َ‬ ‫ك‬‫ق نفسك‪ .‬تَ ُم ُّر سيَّارةٌ وتتر ُ‬ ‫النوم لتعري ِ‬‫تنهض من ِ‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫مقزٌز ْ‬‫ِّ‬
‫وأعود ببطء‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ق النافذةَ‬‫ُغِل ُ‬
‫ضهُما‪ .‬أ ْ‬ ‫تفتح عينيها ثَُّم تُ ْغ ِم ْ‬ ‫ِ‬
‫الزاوية ُ‬
‫‪ ‬‬
‫أجلس هنا على ال َكَنَب ِة أو َّ‬
‫أتمشى‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ببهاء ُكلِّ ٍّي وأنا‬ ‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫أعيش ُك َّل‬
‫َ‬ ‫أيضا سأستريح‪ .‬يمكنني أن‬ ‫اليوم ً‬
‫َ‬
‫ذلك قد‬
‫بعد َ‬
‫اليوم تكفي‪َ .‬‬ ‫الحياة في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ساعات من‬ ‫ٍ‬ ‫خمس‬ ‫وأنظر إلى الجدران‪ .‬أربعُ أو‬ ‫ِ‬
‫البالط‬ ‫على‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ق وأعود‪.‬‬ ‫بالصدفَ ِة‪ ،‬أشتري ِّقنينةَ َع َر ٍ‬ ‫ْ‬ ‫أصدقاء‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫المدينة‪ ،‬ألتقي‬ ‫أخرج‪َّ ،‬‬
‫أتمشى قليالً في‬ ‫ُ‬
‫لرجل يمشي في الشارع‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ق‪ ،‬قشعريرةٌ مفاجئةٌ‬ ‫موت صدي ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫غريب‪،‬‬ ‫شيء بغتةً‪ .‬زيارةُ‬ ‫ٍ‬ ‫أي‬
‫يحدث ُّ‬
‫ُ‬ ‫قد‬
‫ِ‬
‫حوض‬ ‫الشرفة‪ ،‬أُلقي نظرةً على‬ ‫ِ‬ ‫أخرج إلى‬ ‫وحينئذ لن يتغي ََّر شيء‪ .‬قد‬ ‫ٍ‬ ‫بمحض الصدفة‪.‬‬‫ِ‬ ‫هكذا‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫كشيء‬ ‫مد‬
‫مستدير وجا ٌ‬ ‫ملمح في وجهي‪ .‬وجهي‬ ‫ٌ‬ ‫الزهور وأدخ ُل من جديد‪ .‬قد أبتسم وقد ال َّ‬
‫يتبد ُل‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫أفتح فمي‬ ‫كمنقاد ٍ‬ ‫ِ‬ ‫أخذ شكله نهائيًّا‪ ،‬وأنفي ُم ْستَِد ٌ‬
‫وحين ُ‬ ‫َ‬ ‫عيناي سوداوان‪.‬‬ ‫َ‬ ‫طير مقصوص‪M.‬‬ ‫ق قليالً‬
‫أس َم ُعها أنا‬
‫أحيانا ال ْ‬ ‫ً‬ ‫كلمات قليلة‪ .‬قليلةٌ وخافتةٌ حتَّى َّأنني‬ ‫ٌ‬ ‫أيضا‬
‫لهاث بسيط‪ُ .‬ربَّما ً‬ ‫يخرج منه ٌ‬ ‫ُ‬
‫أبدا ما أقوله‪.‬‬ ‫الواقع ليس عندي ً‬‫ِ‬ ‫نفسي‪ .‬في‬
‫كالما في ُك ِّل َّ‬
‫مرة‬ ‫ِ‬
‫أعرف لماذا عليهم أن ينتظروا ً‬ ‫ُ‬ ‫طرا للكالم‪ .‬ال‬ ‫ض ًّ‬ ‫رارا ُم ْ‬
‫أجد نفسي م ً‬ ‫ذلك ُ‬‫مع َ‬
‫أحد‬
‫صاب ٌ‬ ‫ت ُي ُ‬ ‫صامت‪ ،‬وإ ذا تَ َكلَّ َم ْ‬
‫ٌ‬ ‫صديق‬
‫ٌ‬ ‫أن الحياةَ‬ ‫إلي َّ‬
‫خي ُل َّ‬‫أمرض‪ُ .‬ي َّ‬ ‫ُ‬ ‫يجلسون معي‪ ،‬وبعد ذلك‬ ‫ِ‬
‫مات لهذا السبب‪.‬‬ ‫أعرف صديقًا َ‬‫ُ‬ ‫بالسرطان‪.‬‬
‫البشر يتكلَّمون؟‬ ‫َ‬ ‫تموت َّ‬
‫ألن‬ ‫هل الحياةُ مريضةٌ هكذا بسبب األصوات؟ تمرض و ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إلي َّ‬
‫أن‬ ‫خي ُل َّ‬ ‫ذلك ُي َّ‬
‫ب َشعري‪ .‬مسافةٌ قصيرةٌ‪ ،‬مع َ‬ ‫النوم وغرفة الجلوس ترتفعُ يدي لترتِّ َ‬ ‫غرفة ِ‬ ‫بين‬
‫ُم ِّر ُر يدي‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أي شيء للوصول إلى مقعد‪ .‬أ َ‬ ‫ويجب فع ُل ِّ‬ ‫ُ‬ ‫تقطعها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫شاحنات سريعةً وأصواتًا غريبةً‬
‫ترتفع إليه‪َ .‬شعري طوي ٌل‪ ،‬و َك ُك ِّل الذين‬ ‫ٍ‬
‫بسهولة أن‬ ‫يمكنها‬
‫شيئا ُ‬ ‫على َشعري‪ ،‬وهي التي ال تحم ُل ً‬
‫َ‬
‫أجمل هكذا‪،‬‬‫َ‬ ‫العالم‬
‫ُ‬ ‫يصبح‬
‫ُ‬ ‫دائما ليبقى صديقي‪.‬‬ ‫ُم ِّر ُر يدي عليه ً‬ ‫َّث في الليل‪ ،‬غير ِّأني أ َ‬ ‫ينامون يتشع ُ‬
‫َ‬
‫أعضاؤك‬
‫َ‬ ‫حين تُ ِحب َ‬
‫ُّك‬ ‫القلب مع األعضاء الصديقة‪َ .‬‬
‫ِ‬ ‫قريب من ِ‬ ‫ٌ‬ ‫العالم‬
‫ُ‬ ‫الش ْع ُر صديقًا‪.‬‬ ‫يكون َّ‬ ‫ُ‬ ‫حين‬
‫شيئا ُم َحبًَّبا‪.‬‬
‫تكون تجمعُ ً‬ ‫ُ‬ ‫الغبار‪،‬‬
‫َ‬ ‫أظافر َك التي تجمعُ‬ ‫ُ‬ ‫عدد األعداء‪ .‬حتَّى‬ ‫ينقص ُ‬ ‫ُ‬
‫تنام في‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫واألسفلت والسيَّارات‪ ،‬والقطةُ ُ‬ ‫ُ‬ ‫نفسهُ ْم‬
‫العما ُل أ َ‬ ‫أتقد ُم خطوتين وأص ُل إلى النافذة‪ .‬ال يزا ُل َّ‬
‫ِ‬ ‫أصوات تَ ِ‬
‫يبدون‬
‫َ‬ ‫أصوات جميلة‪ .‬حتَّى ُ‬
‫الناس‬ ‫ٌ‬ ‫وأشعر َّأنها‬ ‫ُ‬ ‫وراء الزجاج‬ ‫إلي من‬ ‫ص ُل َّ‬ ‫ٌ‬ ‫الزاوية‪.‬‬
‫قيقين من بعيد‪.‬‬ ‫ر ِ‬
‫لفعل شيء‪ .‬يمكنني على األرجح أن‬ ‫مضطرا ِ‬ ‫ولست‬ ‫ٍ‬
‫شيء‬ ‫ليس في نيَّتي فع ُل‬
‫ًّ‬ ‫ُ‬ ‫ماذا سأفع ُل اليوم؟ َ‬
‫النهار في َّأوِل ِه‬ ‫ُ‬ ‫الناس في الشارع‪ .‬ال يزا ُل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫هؤالء‬ ‫وراء الزجاج‪ ،‬مع‬ ‫ِ‬ ‫أعِق َد صداقةً‪ ،‬من هنا من‬ ‫ْ‬
‫الزهور‪،‬‬ ‫الشرفة وأسقي‬ ‫ِ‬ ‫أخرج إلى‬ ‫يجب أن‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫دقائق من الصداقة تكفي اليوم‪ .‬بعد ذلك ُ‬ ‫َ‬ ‫وبضعُ‬
‫وأجلب ِّقنينةَ عرق‪.‬‬ ‫ِ‬
‫المدينة‬ ‫أتمشى قليالً في‬ ‫ويجب‪ ،‬ربما‪ ،‬أن َّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫شارع طويل‪ُ .‬ي َم ِّر ُر‬ ‫ٍ‬ ‫ويعق ُد صداقةً مع‬ ‫النافذةُ م ْق َفلَةٌ وأنا رج ُل قصير وراءها‪ ،‬طولُه ‪ 165‬سنتيمترا ِ‬
‫ً‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬
‫ويرميه في القمامة‪ .‬رج ٌل هادئٌ‪ ،‬حتَّى‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫يده بين ٍ‬
‫ببطء‬ ‫عر ِه‪ ،‬وما يسقطُ منه يحملُهُ‬ ‫وآخر على َش ِ‬ ‫َ‬ ‫وقت‬ ‫َُ َ‬
‫يلف سيكارتَهُ على ٍ‬ ‫ليسهو أو ليستريح‪ُّ .‬‬ ‫والمطبخ يتوقَّ ُ ِ‬ ‫غرفة ِ‬ ‫ِ‬
‫مهل‪ ،‬يشي ُل‬ ‫رارا ْ‬ ‫فم ً‬ ‫ِ‬ ‫النوم‬ ‫َّأنهُ َ‬
‫بين‬
‫وي ْش ِعلُها‪.‬‬ ‫طرفيها‪ ،‬ينظر إلى الوالَّ ِ‬
‫رأسهُ ُ‬
‫يخفض َ‬ ‫ُ‬ ‫عة لحظةً‪ ،‬ثَُّم‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫الزائد من‬
‫َ‬ ‫التبغ‬
‫َ‬
‫أيضا‬ ‫ٍ‬ ‫السابعة‪ِ .‬‬ ‫ِ‬ ‫ت في طبقتِها‬
‫الناس ً‬ ‫فوق يبدو لي كمالك‪ُ .‬‬ ‫هندي ُ‬ ‫ٌّ‬ ‫عام ٌل‬ ‫أصبح ْ‬
‫َ‬ ‫العمارةُ أمامي‬
‫مكنني تَ َخُّي ُل هجر ٍة من ِ‬
‫دون‬ ‫أعرف لماذا ال ُي ُ‬ ‫ُ‬ ‫بهون المالئكةَ من بعيد‪ ،‬ال سيَّما المهاجرون‪ .‬ال‬ ‫ُي ْش َ‬
‫فون على ُب ْع ِد‬ ‫وأحيانا يتوقَّ َ‬ ‫ً‬ ‫يحملون أمتعتَهُ ْم ويمشون‪.‬‬ ‫َ‬ ‫الع َّمال‪ .‬الذين‬ ‫خصوصا هجرةُ ُ‬ ‫ً‬ ‫مالك‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ون سيكارةً‪ ،‬ويعودون إلى بيوتِ ِه ْم‪.‬‬ ‫الباب‪ ،‬يلفُّ َ‬ ‫خطوات من ِ‬
‫الكنبة على‬ ‫ِ‬ ‫أنظر إلى‬ ‫خار العال ِ‬ ‫الب ِ‬
‫الزجاج من فمي وأتراجعُ خطوةً‪ُ .‬‬ ‫ِ‬ ‫ق على‬ ‫ُم ِّر ُر إصبعي على ُ‬ ‫أَ‬
‫مكنني أن‬ ‫وي ُ‬ ‫اليوم أنا وحدي ُ‬ ‫يزورونني‪ M‬جلسوا عليها‪َ .‬‬ ‫َ‬ ‫األصدقاء الذين كانوا‬
‫ُ‬ ‫يميني‪ .‬ال تزا ُل ذاتَها‪.‬‬
‫وقلت‬ ‫ض‬‫الع ْر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫جمهورها الوحيد‪ .‬بيني وبينها صداقةٌ قديمة‪ُ ،‬م ْذ لمحتُها في زاوية صالة َ‬ ‫َ‬ ‫أكون‬
‫َ‬
‫إلي‪ .‬ال تزا ُل هنا في مكانِها‪ُ .‬ربَّما‬ ‫وجاء بها َّ‬ ‫َ‬ ‫ف‬‫ط ٍ‬ ‫أكثر‪ ،‬فحملَها بلُ ْ‬ ‫أدفع َ‬ ‫للبائع ال أستطيعُ أن َ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫هؤالء‬ ‫تقريبا‪ ،‬وصديقتي‪ M‬مع‬ ‫المكان ذاتِ ِه‬
‫ِ‬ ‫لكنها في‬ ‫انزاحت قليالً حين ارتمى عليها األصدقاء‪َّ ،‬‬
‫ً‬
‫خار الزجاج‪.‬‬ ‫الم ْبهَِم الذي َر َس َمتْهُ يدي على ُب ِ‬ ‫ِّ‬
‫الع َّمال‪ ،‬ومع هذا الخط ُ‬ ‫ُ‬
‫إليه‪ ،‬وأرتمي على المقعد‪.‬‬ ‫صديق آخر‪ ...‬أنظر ِ‬ ‫آخر‬ ‫ٌّ‬ ‫ًّ‬
‫ُ‬ ‫ٌ ُ‬ ‫آخر‪ :‬خط ُ‬ ‫وأرسم خطا َ‬ ‫ُ‬ ‫أقترب‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫يركض في الضباب‪ ،‬ثم يتالشون‪ .‬أرفعُ‬ ‫ُ‬ ‫بس ْر َع ٍة َك َم ْن‬
‫هون ُ‬
‫يتمو َ‬ ‫أصدقاء‪َّ ،‬‬
‫لكنهُ ْم َّ‬ ‫ُ‬ ‫جاج نافذتي‬‫على ُز ِ‬
‫الريح‬ ‫ضربتْها‬ ‫ٍ‬
‫صنوبر‬ ‫المْلتَِوَية‪ .‬تبدو كشجر ِة‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫أصابعها ُ‬ ‫َ‬ ‫وأتأم ُل‬
‫َّ‬ ‫األريكة أمامي‪،‬‬ ‫أض ُعها على‬ ‫قدمي‪َ .‬‬
‫ٍ‬ ‫اآلن وصمتُها ِّ‬ ‫ت ُم ْح َد ْو ِدَبةً‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬
‫الركض‬ ‫طويل من‬ ‫يذكرانني ٍ‬
‫بعمر‬ ‫جمودها َ‬ ‫ُ‬ ‫سنوات‪ ،‬حتَّى تيب َ‬
‫َّس ْ‬
‫أح ِملَها في ِ‬
‫آخر‬ ‫أن ْ‬ ‫غير ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫وراء مجهول ُمخيف‪ .‬كانت رفيقتي الوحيدة‪ .‬ولم أكاف ْئها بشيء َ‬
‫ٍ‬
‫َ‬ ‫والصخ ِب‬
‫َ‬
‫اللذ ِة البائسة‪ .‬قَ َد ٌم غريبةُ‬
‫الفراش‪ ،‬وغالبا ما حرمتُها من هذه َّ‬
‫ََ ْ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬ ‫كان في‬
‫وأضعها كيفما َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الليل‬
‫أصحابها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ت‬‫وغاد َر ْ‬
‫َ‬ ‫ت‬‫أقداما كثيرةً ملَّ ْ‬
‫أعرف ً‬‫ُ‬ ‫ِ‬
‫درجة َّأنها لم تفارقني وال يوم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫اإلخالص‪ ،‬إلى‬
‫األقدام تستريح‪ ،‬سوى‬ ‫تلك‬
‫ت فجاةً على الطريق‪ .‬كانت َ‬ ‫ِ‬
‫المرض‪ ،‬أو انفصلَ ْ‬ ‫ت عنهم بحج ِ‬
‫َّة‬ ‫انقطع ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫عالمات‬ ‫اآلن‪ ،‬ال تزا ُل معي‪ ،‬وهذه عالمةٌ من‬ ‫ت َّ‬ ‫قدمي ظلَّ ْ‬
‫تقريبا َ‬
‫ً‬ ‫ِّسةُ‬
‫المتََيب َ‬
‫وفيةً و ُم ْنهَ َكة‪ .‬وهي ُ‬
‫القداسة‪.‬‬
‫وأتأملُها طويالً‪ .‬لم أكن‬ ‫ِّت عليها وأالطفُها‬
‫الناعم‪ .‬أرب ُ‬ ‫وبرها‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُم ِّر ُر يدي على هذه القَ َدم وأُدغدعُ َ‬ ‫أَ‬
‫ألو ِل َّ‬
‫مرة‪ .‬ماذا‬ ‫أشعر بها ِّ‬ ‫وكثير االزدراء‪ .‬اآلن َّ‬
‫كأنني ُ‬ ‫َ‬ ‫دائما ُم ْستَ ْع ِجالً‬
‫كنت ً‬ ‫أي ٍ‬
‫يوم‪ُ .‬‬ ‫صديقَها في ِّ‬
‫ت برف ٍ‬
‫ق‬ ‫مشي ُ‬
‫ت‪ْ ،‬‬ ‫دون أن يدري؟ وق ْف ُ‬‫عاما َ‬‫أربعين ً‬
‫َ‬ ‫أن عاشقةً تبعتْهُ‬ ‫يكتشف فجأةً َّ‬
‫ُ‬ ‫واحد حين‬
‫ٌ‬ ‫يفع ُل‬
‫وجلبت تبغي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قدمي‪،‬‬
‫َّ‬ ‫على‬
‫‪ ‬‬
‫مشيت أولى خطواتي وكانت قدماي ِ‬
‫حافَيتَْين‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫بيت من تُراب‪،‬‬ ‫أرض ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫البعيدة‪ ،‬على‬ ‫ِ‬
‫القرية‬ ‫تلك‬
‫في َ‬
‫َ‬
‫كان‬ ‫بلحم ِه ْم‪َّ ،‬‬‫يتعرفوا إليها ِ‬ ‫ِ‬ ‫لتو ِه ْم إلى‬ ‫لم يكن أبي من المؤمنين َّ‬
‫لكنهُ َ‬ ‫األرض أن َّ‬ ‫الواصلين ِّ‬
‫َ‬ ‫بأن على‬
‫ت‬ ‫أعرف َّ‬
‫أن األحذيةَ التي أرتديها هي أحذيةُ إخوتي‪ ،‬بعدما لُ ِّم َع ْ‬ ‫ُ‬ ‫كنت‬
‫شراء حذاء‪ُ .‬‬‫ِ‬ ‫عاجزا عن‬
‫ً‬
‫يكون‬
‫َ‬ ‫طا للسعادة‪ :‬أن‬ ‫هناك َش ْر ً‬
‫َ‬ ‫أعتقد َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫سعيدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫لكنني لم أكن‬ ‫أبتسم‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫كنت‬
‫وأضيفت إليها مسامير‪ُ .‬‬
‫واحد‬ ‫يفرح‬ ‫كيف يمكن أن‬‫بأحذية عتيقة‪َ .‬‬‫ٍ‬ ‫أناسا ُسعداء‬ ‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫أعرف ً‬‫ُ‬ ‫جديدا‪ .‬ال‬
‫ً‬ ‫ترتديه‬ ‫الحذاء الذي‬
‫ُ‬
‫بسبب أحذيتِ ِه ْم‪ .‬وال‬
‫ِ‬ ‫يموتون‬
‫َ‬ ‫وناس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بسبب أحذيت ِه ْم‪ٌ .‬‬ ‫باكرا‬
‫يشيخون ً‬
‫َ‬ ‫ناس‬
‫هناك مثالً ٌ‬
‫َ‬ ‫وحذاؤهُ قديم؟‬
‫نكر َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫شك َّ‬
‫أيضا‪ .‬وأنا ال أستطيعُ أن أ َ‬ ‫بسبب أحذيتها ً‬ ‫ت‬‫ُبيد ْ‬
‫ت أو أ َ‬ ‫انقرض ْ‬
‫َ‬ ‫شعوبا‬
‫ً‬ ‫التاريخ‬
‫ِ‬ ‫أن في‬
‫اليوم‪ ،‬وخجلي‪ ،‬وضعفي‪،‬‬
‫الباكر‪ ،‬وحزني َ‬ ‫ِ‬ ‫كبير في حياتي‪ :‬في حزني‬
‫تأثير ٌ‬
‫أحذيةَ إخوتي كان لها ٌ‬
‫وتشردي‪ ،‬ونومي على‬
‫ُّ‬ ‫سببا في هجري المدرسة‪،‬‬ ‫شك كانت ً‬‫ب والحياة‪ .‬وال َّ‬ ‫الح ِّ‬
‫وفشلي في ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغرفة‬ ‫وحيدا في هذه‬
‫ً‬ ‫نحول جسدي وتوقُّف ُن ُم ِّو طولي‪ ،‬وفي جلوسي َ‬
‫اآلن‬ ‫ِ‬ ‫الطرقات‪ .‬حتَّى في‬
‫أقف على‬ ‫ٍ‬
‫وحينئذ أستطيعُ أن َ‬ ‫غيمة قد تُ ْم ِط ُر‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫غيمة على األرجح‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بسبب‬ ‫غاب عنها الشعاعُ‪،‬‬‫التي َ‬
‫وأتأم َل المطر‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫النافذة‬
‫‪ ‬‬
‫أجساد ناعمةٌ‬ ‫تلك األشع ِ‬
‫َّة‬ ‫لكل َ‬‫ت يدي عليه‪ .‬كانت ِّ‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬ ‫وم َّر ْر ُ‬
‫ت هذه الغرفة لم يدخل شعاعٌ إال َ‬ ‫ُم ْذ َس َك ْن ُ‬
‫وحين‬ ‫ٍ‬
‫سفينة في الميناء المقابل‪،‬‬ ‫ضوء‬ ‫كان‬ ‫ملمس ِه‪َّ .‬‬
‫شعاع من ِ‬ ‫أعرف ُك َّل‬ ‫ونحيلة‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫مرةً َ‬ ‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫كنت‬
‫لكنني ُ‬
‫ٍ‬
‫بعيدة‪،‬‬ ‫ألنها سفينةٌ فيها مهاجرون؟ ناس يرحلون إلى ٍ‬
‫بالد‬ ‫بوحدة غريبة‪ .‬هل َّ‬ ‫ٍ‬ ‫شعرت‬
‫ُ‬ ‫اختفى‬
‫َ‬ ‫ٌ‬
‫ِ‬ ‫المقاعد الخلفي ِ‬
‫ِ‬
‫آخر نظر ٍة إلى البيوت؟ ٌ‬
‫ناس َكَن ُسوا‬ ‫يصعدون إلى السطح ُلي ْرسلوا َ‬‫َ‬ ‫َّة أو‬ ‫يجلسون على‬
‫َ‬
‫قرب ِ‬
‫الباب ورحلوا؟‬ ‫ثم انتزعوا عشبةً من ٍّ‬
‫شق َ‬ ‫الحوض‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫وسقَوا‬
‫البيت َ‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫تنظر‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫شيء هادئٌ‪ ،‬حتَّى َّ‬ ‫بدخانِها‪ُ ،‬ك ُّل‬
‫الشارع ال ُ‬
‫ِ‬ ‫زاوية‬ ‫الهرةُ الصغيرةُ في‬ ‫ت ُ‬
‫أشعلت سيكارةً ولَهَ ْو ُ‬ ‫ُ‬
‫خرجت ستهبطُ‪.‬‬ ‫دارا وإ ذا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الغرفة من ُذ سنوات‪ ،‬وبِ ُّ‬ ‫ٍ‬ ‫إلي‪ُ .‬ك ُّل‬
‫ُ‬ ‫أعتقد نفسي ج ً‬
‫ُ‬ ‫ت‬ ‫شيء هادئٌ في هذه‬ ‫ّ‬
‫الجسد‬ ‫ب َّ‬
‫أن هذا‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫حديد الغرفة من عظامي‪َّ .‬‬ ‫ِّ‬
‫أحيانا أفك ُر َّ‬
‫َ‬ ‫لكن عظامي رقيقةٌ وهشةٌ و ال َر ْي َ‬ ‫َ‬ ‫أن‬ ‫ً‬
‫أزيزها أو أرى‬
‫أسمع َ‬ ‫أن‬ ‫ٍ‬
‫َ‬ ‫دون ْ‬‫العظام سنوات َ‬‫ُ‬ ‫ت معي هذه‬ ‫كيف َم َش ْ‬
‫بدعائم أخرى‪َ .‬‬
‫َ‬ ‫محمو ٌل‬
‫تماما‪ ،‬ولذلك َي ِخ ُّ‬
‫ف وزني‪.‬‬ ‫وحيد ً‬
‫ٌ‬ ‫المفاجئ على الطُّ ُرقات؟ غير ِّأني‬
‫َ‬ ‫انهيارها‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫إلي وكان من‬
‫ينظرون َّ‬
‫َ‬ ‫كنت طفالً حين أوصلتُهُ إلى القبر‪َّ .‬‬
‫لكنهُ ْم كانوا‬ ‫اآلن؟ ُ‬ ‫لماذا َّ‬
‫أتذك ُر أبي َ‬
‫شيئا من أجلي‪ .‬لم يقولوا لي‬ ‫اعتقدت َّأنهُ ْم ُي ِحبُّونني لم يفعلوا ً‬
‫ُ‬ ‫الذين‬
‫أشيخ أمامهم‪ .‬هؤالء َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫اللياقة أن‬
‫الجثمان إلى القبر‪.‬‬
‫َ‬ ‫ت معهم‬ ‫قون بي حتَّى طالت قامتي َ‬
‫وح َمْل ُ‬ ‫وألعب مع األوالد‪ .‬ظلُّوا ِّ‬
‫يحد َ‬ ‫َ‬ ‫أذهب‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫ْ‬
‫ناعم اعتادوهُ في‬ ‫ٍ‬
‫كلحاف ٍ‬ ‫الغطاء على الموتى بهدو ٍء‬ ‫أن ُّ‬
‫يردوا‬
‫َ‬ ‫طفًا ْ‬
‫أكثر لُ ْ‬
‫أليس َ‬
‫كان ُم ْقفَالً بمسامير‪َ .‬‬
‫بيوتِ ِه ْم؟‬
‫‪ ‬‬
‫ت من الدم‪،‬‬ ‫فرغ ْ‬
‫يد َ‬ ‫إلي َّأنها ٌ‬
‫لكن ُي َخَّي ُل َّ‬ ‫ِ‬
‫ُح ِّر َك يدي قليالً‪ْ .‬‬
‫أن أ َ‬ ‫التبغ على الطاولة أمامي ويكفي‪ْ M‬‬ ‫علبةُ ِ‬
‫الحركة بخفَّ ِة من َّ‬
‫تأك َد له َّأنهُ‬
‫ِ‬ ‫ون عن‬ ‫الع َّما ُل أمامي ال يكفُّ َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫أحيانا فبزخم حركة قديمة‪ُ .‬‬ ‫ً‬ ‫ك‬‫تتحر ُ‬
‫وإ ْذ َّ‬
‫ِ‬
‫للرجل عادةً‬ ‫شيء جميل‪َّ ،‬‬
‫وأن‬ ‫المتحركةَ‬ ‫األعضاء‬ ‫أقنع نفسي َّ‬
‫بأن‬ ‫يستأثر ِ‬
‫ٌ‬ ‫ِّ‬ ‫َ‬ ‫حاولت أن َ‬‫ُ‬ ‫بدم الحياة‪.‬‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫رتيب‬ ‫ض ٍّخ‪ ،‬هكذا مع ٍ‬
‫سائل‬ ‫مقيت أن تكون َ ِ‬ ‫نقي‪َّ .‬‬
‫مثل آلة َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫شيء‬
‫ٌ‬ ‫لكنهُ‬ ‫دم ٌّ‬ ‫عروقًا صغيرةً يجري فيها ٌ‬
‫شيء ليفعلَهُ‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ٌ‬ ‫عندهُ‬
‫ليس َ‬ ‫ُكل العمر‪ ،‬كمن َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪3‬‬
‫‪ ‬‬
‫األثاث صديقي‪.‬‬
‫َ‬ ‫أتحر َك من مكاني‪ .‬نظرةٌ صغيرةٌ قد تجع ُل هذا‬ ‫غير أن َّ‬ ‫ِ‬
‫الغرفة من ِ‬ ‫أنظر إلى ِ‬
‫أثاث‬ ‫ُ‬
‫وينظرون إلى الحيطان‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يجلسون هنا‪ ،‬على الكنبة‪،‬‬ ‫اليوم باألصدقاء‪ .‬كانوا‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫أهجس َ‬
‫ُ‬ ‫أعرف لماذا‬‫ُ‬ ‫ال‬
‫وجوههُ ْم كذلك‪َّ ،‬‬
‫كأنهُ ْم حين رحلوا‬ ‫إلي ِّأني أرى‬
‫وي َخَّي ُل َّ‬ ‫ِّ‬
‫َ‬ ‫نظراتُهُ ْم ال تزا ُل عالقةً على الطالء‪ُ ،‬‬
‫أيضا على الحيطان‪.‬‬
‫ت هي ً‬ ‫فعِلقَ ْ‬
‫وجوههُ ْم لتتفقَّ َدها َ‬
‫َ‬ ‫تركوا نظراتِ ِه ْم‪ ،‬وأرسلوا‬
‫‪ ‬‬
‫مكان نظروا إليه‪.‬‬ ‫آخر ٍ‬ ‫ٍ‬
‫سنوات جالسةً بهدو ٍء في ِ‬ ‫عيونهُ ْم‬ ‫وبِقَي ْ‬
‫ت‬
‫ُ‬ ‫ناسا رحلوا َ‬
‫ت في حياتي ً‬ ‫َع َر ْف ُ‬
‫ٍ‬
‫واحد في‬ ‫ذهب ُك ُّل‬ ‫مثل َج ْمهََر ٍة التقَ ْ‬
‫ت ُمصادفةً في احتفال‪ ،‬ثَُّم َ‬ ‫ناسا تعاملوا مع اعضائهم َ‬‫ت ً‬ ‫َع َر ْف ُ‬
‫يوما مع‬ ‫ِ‬
‫والساحات َّ‬
‫تجلس ً‬ ‫ُ‬ ‫أعضاء كثيرةٌ‪ ،‬كانت‬
‫ٌ‬ ‫تتوزعُ‬ ‫الشوارع‬
‫ِ‬ ‫األدراج وفي‬
‫ِ‬ ‫طريق‪ .‬على‬
‫بعضها َّ‬
‫كأنهُ‬ ‫ُ‬ ‫وأعضاء تبتسم‪.‬‬
‫ً‬ ‫وأعضاء غافيةً‬
‫ً‬ ‫أعضاء ضائعةً‬
‫ً‬ ‫رأيت‬
‫ُ‬ ‫ت وغادرتْهُ ْم‪.‬‬ ‫أصحابِها ثَُّم َكُب َر ْ‬
‫وحدها على‬
‫وأرجالً تمشي َ‬
‫ُ‬ ‫تسهر من ِ‬
‫دون أصحابها‬ ‫ُ‬ ‫عيونا‬
‫ً‬ ‫التقيت‬
‫ُ‬ ‫وبعضها يموت‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُوِل َد ِّ‬
‫للتو‬
‫أصحابها‬ ‫ت‬‫غادر ْ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫فاها تتكلَّ ُم َ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫َ‬ ‫وأنفاسا ونظرات َ‬
‫ً‬ ‫كلمات‬ ‫التقيت‬
‫ُ‬ ‫وحدها مع العابرين‪.‬‬ ‫الط ُرقات وش ً‬
‫ٍ‬
‫كائنات جديدة‪.‬‬ ‫ت‬
‫وتحولَ ْ‬
‫َّ‬
‫‪ ‬‬
‫وأشعر‬
‫ُ‬ ‫الخاصةَ‪،‬‬
‫َّ‬ ‫وبدأت حياتَها‬
‫ْ‬ ‫ت من ماضيها‬ ‫انسحب ْ‬
‫َ‬ ‫أشياء‬
‫َ‬ ‫جالس اآلن‪ .‬مع‬
‫ٌ‬ ‫َّإنني مع هذه الكائنات‬
‫يوما إلى‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫االنسحاب ِّ‬ ‫كأن أعضائي على ِ‬ ‫َّ‬
‫أنظر ً‬‫أيضا حياتَها‪ .‬في أيَّة حال‪ ،‬لم ْ‬
‫مني لتبدأَ هي ً‬ ‫وشك‬
‫ليجلس‬ ‫نائم‬ ‫بعضها ِّ‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫كشيء لصي ٍ‬
‫َ‬ ‫مني وأنا ٌ‬ ‫ُ‬ ‫يخرج‬
‫ُ‬ ‫باستقاللها‪.‬‬ ‫دائما تتمتعُ‬
‫ق بي بل كانت ً‬ ‫أعضائي‬
‫حين أستيقظُ في الصباح‪ ،‬أقضي‬ ‫ويتمشى في الشارع‪ٍ َّ .‬‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫ومرات‪َ ،‬‬ ‫بعضها‬
‫يخرج ُ‬
‫ُ‬ ‫الشرفة‪.‬‬ ‫على‬
‫أجدهُ‪.‬‬
‫وأحيانا ال ُ‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫مفقود‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫عضو‬ ‫ِ‬
‫البحث عن‬ ‫نهاري في‬
‫‪ ‬‬
‫سنوات‬
‫ٌ‬ ‫الخارج ال يزا ُل نفسهُ‪ :‬الحرب‪ِّ .‬إني محاطٌ ٍ‬
‫بقتل فظيع‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ك يدي وتَ ْكبِ ُس ِز َّر الراديو‪.‬‬ ‫تتحر ُ‬
‫َّ‬
‫َ‬
‫اآلن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ناس كثيرون يمشون َ‬ ‫جسدا سويًّا‪ٌ .‬‬ ‫الجدران‪ً ،‬‬ ‫كيف ال أزا ُل هنا‪ ،‬بين‬ ‫أعرف َ‬ ‫ُ‬ ‫بالجثث وال‬ ‫مليئةٌ‬
‫األرجح نسوها‪ ،‬بل‬ ‫ألنهُم على‬ ‫ِ‬
‫المفقودة َّ‬ ‫ليس عن أعضائهم‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫الخارج بأعضاء ناقصة‪ ،‬باحثين َ‬ ‫ِ‬ ‫في‬
‫ٍ‬
‫أمكنة ال‬ ‫بحاجة إلى تلك األعضاء َّ‬
‫ألنهُ ْم تناثروا معها في‬ ‫ٍ‬ ‫وناس كثيرون لم يعودوا‬ ‫ِ‬
‫عن لقمة خبز‪ٌ .‬‬
‫َّاؤهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يعرفونها ُه ْم وال أحب ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫وبالنسيان‬ ‫ِ‬
‫البنايات‬ ‫ِ‬
‫وبإسمنت‬ ‫ِ‬
‫بالغبار الذي ال ُيرى‬ ‫مكان‪ ،‬نثرةً نثرة‪ُ ،‬متَّ ِحدين‬
‫أكثر من ٍ‬ ‫انتشروا في َ‬
‫ت َّأني‬ ‫جسدا كامالً‪ ،‬وما َح ِس ْب ُ‬
‫الواقع‪ ،‬ال أزا ُل ً‬
‫ِ‬ ‫عضوا‪َّ .‬إنني‪ ،‬في‬
‫ً‬ ‫عضوا‬
‫ً‬ ‫أتلم ُس أعضائي‬ ‫الرهيب‪َّ ...‬‬
‫أفق ْدهُ إالَّ في األحالم‪.‬‬
‫َّام لم ِ‬ ‫فقدتُهُ مع األي ِ‬
‫‪ ‬‬
‫ٍ‬
‫معمل‬ ‫ِ‬
‫الساحل أعم ُل في‬ ‫كنت في الشمال‪ .‬في ٍ‬
‫قرية على‬ ‫أسكن هنا‪ُ .‬‬ ‫الحرب لم أكن‬ ‫حين بدأ ِت‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫الليمون إلى البيت‪.‬‬ ‫بين ِ‬
‫شجر‬ ‫وأعود في المساء َ‬
‫ُ‬ ‫للسماد‪،‬‬
‫وي ْع ُدل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫تلك القريةُ على التلَّ ِة الصغير ِة كانت تبدو لي َ‬
‫أن يحط في الماء َ‬ ‫نورس على وشك ْ‬ ‫مثل‬ ‫َ‬
‫بالبحر والسماء‪.‬‬‫ِ‬ ‫للتحد ِث إلى أصحابها من َكثَْر ِة ما هي مأخوذةٌ‬ ‫ُّ‬ ‫تجد وقتًا‬‫القرميد لم تكن ُ‬
‫ُ‬ ‫سطوحها‬
‫ُ‬
‫الشجر‬ ‫أعتقد َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫واألصابع المدلّلَة‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالنظرات‬ ‫وحدها‬
‫ت َ‬ ‫استأثر ْ‬ ‫وأشجار الحدائ ِ‬
‫ق‬ ‫ِ‬
‫الجدران‬ ‫أحجار‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يحدقون في السماءِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كنت أراهم ِّ َ‬ ‫والمطر ينز ُل استجابةً لهم‪ُ .‬‬‫ُ‬ ‫ويثْم ُر‪ ،‬هناك‪ ،‬بفعل نظراتهم‪،‬‬ ‫كان ينمو ُ‬ ‫َ‬
‫ذات ٍ‬
‫يوم مع‬ ‫كأنهم كانوا َ‬ ‫كأنهُ ْم أصدقاؤها‪َّ .‬‬‫تمر بهم أليفةً وواضحةً َّ‬ ‫والرياح ُّ‬
‫ُ‬ ‫ويعرفون نوايا الغيوم‪.‬‬
‫َ‬
‫أسرار حياتِهم‪.‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫الدرب‬ ‫رفاق طريق‪ ،‬وتبادلوا على‬ ‫َ‬ ‫الرياح‬
‫ِ‬
‫‪ ‬‬
‫بعضهم‬
‫ويحصدون َ‬
‫َ‬ ‫بعضهم في الشمال‪،‬‬
‫َ‬ ‫يحصدون‬
‫َ‬ ‫أسماء قتلى وجرحى‪َّ .‬إنهم‬
‫َ‬ ‫صوت المذيعةُ ينق ُل‬
‫ُ‬
‫قبل أي ٍ‬
‫َّام كانوا رفاقًا‪.‬‬ ‫الم ُدن‪َ .‬‬
‫بعضهم في ُ‬ ‫َ‬ ‫ويحصدون‬
‫َ‬ ‫بعضهم في الجبال‪،‬‬
‫ويحصدون َ‬
‫َ‬ ‫في الجنوب‪،‬‬
‫جين بالسالح‪.‬‬ ‫يتالقون َّ‬ ‫وشربوا القهوةَ وتواعدوا ِ‬ ‫بعضا ِ‬
‫مدج َ‬ ‫َ‬ ‫للقاء األحد المقبل وفجأةً‬ ‫بعضهُ ْم ً‬ ‫زاروا َ‬
‫أسماء جثثهم‪ ،‬وتُنهي بأغنية‪.‬‬
‫َ‬ ‫وجثثًا‪ .‬المذيعةُ تنق ُل‬
‫أعداء ُ‬
‫ً‬ ‫يتقابلون‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫أن ناسا هناك ماتوا سحالً على الطُّر ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِّإني ُمحاظٌ‬
‫قات‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫منظر الخارج‪ .‬أخبروني َّ ً ُ‬ ‫َ‬ ‫بجدران تقيني‬
‫تحت‬ ‫ِ‬
‫وزغاريد أخريات‪ ،‬ثَُّم َر َم ْو ُه ْم َ‬ ‫بكاء ٍ‬
‫نساء‬ ‫ط ِ‬ ‫الشوارع وس َ‬ ‫وج ُّروهم في‬ ‫ٍ‬
‫ِ‬ ‫ربطوهم بسيَّارات َ‬
‫كثيرا جرى على‬
‫وبكاء ً‬ ‫ً‬ ‫كثيرا‬ ‫ط َدٍم منهم على األسفلت‪ .‬أخبروني َّ‬
‫أن موتًا ً‬ ‫بعد أن تركوا خي َ‬ ‫ِ‬
‫الجسر َ‬
‫المفجوعين‬ ‫أن َي َر ْوها‪َّ ،‬‬
‫لكن‬ ‫ٍ‬
‫بشرية يستطيعُ ُك ُّل‬ ‫ٍ‬ ‫قات‪ ،‬حتَّى تفتَّ َح‬‫الطُّر ِ‬
‫َ‬ ‫العابرين ْ‬
‫َ‬ ‫زهور‬ ‫األسفلت عن‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ون فيها رائحةَ الزهور‪.‬‬ ‫يشم َ‬
‫وحد ُه ْم ُّ‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫دون أن يطلبوا دمعةً أو كلمةَ وداع‪ .‬الَّذين‬
‫الذين غادروني من َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مثل هذه الرائحة‪ .‬هؤالء َ‬
‫أحيانا َ‬ ‫ً‬ ‫أشم‬
‫ُّ‬
‫انسحبوا بخفَّ ٍة من حياتي‪َّ ،‬‬
‫كأن ورقةً صغيرةً سقطت في الماء‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫جوع‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫رصاص وضحايا‬ ‫كان أبي ُي َح ِّدثُني عن الحروب‪ .‬أخبرني عن ضحايا‬ ‫حين َ‬‫كنت طفالً َ‬ ‫ُ‬
‫والمدن وال‬
‫َ‬ ‫يجوبون القُرى‬
‫َ‬ ‫جوع‬
‫ٍ‬ ‫شردي‬ ‫َّاء لدفنهم‪ ،‬وعن ُم َّ‬
‫وضحايا َم َرض‪ .‬عن موتى لم يجدوا أحب ً‬
‫متسوالً خائبا من ٍ‬
‫بيت‬ ‫ِ‬
‫الخامسة‬ ‫نفسهُ في ُع ْم ِر‬ ‫ٍ‬
‫بلقمة‪ .‬قال لي َّإنهُ كان‬
‫ً‬ ‫ِّ‬ ‫ووجد َ‬
‫َ‬ ‫واحدا منهم‪،‬‬
‫ً‬ ‫ظ ْو َن‬
‫يح َ‬
‫التهامها‪.‬‬ ‫ليستطيع‬ ‫ِ‬
‫بالحجر‬ ‫يطحنها‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عظمة‬ ‫ِ‬
‫الغابات عن‬ ‫إلى بيت‪ ،‬وباحثًا في‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫انظر إليه‪.‬‬
‫غير أن َ‬
‫كان أبي يخبرني عن الحروب‪ .‬و لم أكن افع ُل َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ ‬‬
‫والع َّما ُل‬
‫نفسه ُ‬ ‫تقريبا‪ .‬أُطفئُ الراديو وأُلقي نظرةً إلى الخارج‪ .‬الشارعُ ُ‬ ‫ً‬ ‫والنصف‬
‫ُ‬ ‫الساعةُ العاشرةُ‬
‫َّة‪ُ ،‬هناك‪،‬‬ ‫القرية الشمالي ِ‬
‫ِ‬ ‫شك في‬‫المطر وال َّ‬ ‫ِ‬ ‫انحباس‬ ‫أظنها ستُ ْم ِطر‪َ .‬‬
‫طال‬ ‫أنفسهُ ْم وبضعُ غيوم‪ُّ .‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يعرفون نوايا‬ ‫أسرار الرياح وكانوا‬ ‫ذين أخذوا‬ ‫ِ َّ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫لكن‪َ ،‬ك ْم َبق َي منهم هؤالء ال َ‬ ‫ينتظرون هطولَهُ‪ْ .‬‬
‫َ‬
‫آالف من‬ ‫ٌ‬ ‫ب‬‫أسماء الجثث‪ .‬وال َر ْي َ‬
‫َ‬ ‫تلك المذيعةُ تنق ُل‬ ‫بدأت َ‬‫اآلالف هاجروا ُم ْذ ْ‬ ‫ِ‪M‬‬ ‫عشرات‬
‫ُ‬ ‫الغيوم؟‬
‫مر ٍة وحملوها بحسر ٍة إلى ٍ‬
‫بلدان‬ ‫ألو ِل َّ‬ ‫ِ‬
‫الحقائب َّ‬ ‫جلد‬
‫األشجار لمسوا َ‬ ‫ذين كانت أصابعهم تُ َدلِّ ُل‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫ال َ‬
‫وح َّملوها‬ ‫ِ‬ ‫بجانب ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬
‫الحَبق‪َ ،‬‬ ‫حوض َ‬ ‫ب‬‫الباب وقُْر َ‬ ‫ين‬
‫ص َو َر ُهم ُم ْبتَسم َ‬
‫قاسية ومجهولة‪ .‬وضعوا فيها ُ‬
‫ض ْوا‪.‬‬ ‫أنفاس ُ ِ‬
‫ِ‬
‫وم َ‬
‫الغ َرف‪ ،‬وأرسلوا نظرةً أخيرةً َ‬ ‫بعض‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫وعراةً إلى ُم ُد ٍن‬
‫قبل الرحيل‪ .‬وصلوا ُحفاةً ُ‬ ‫الرتداء أحذيتِ ِه ْم َ‬
‫ِ‬ ‫الوقت‬
‫َ‬ ‫ناسا لم يجدوا‬ ‫أن ً‬ ‫أخبروني َّ‬
‫وصل فجاةً‬‫َ‬ ‫الموت‬
‫َ‬ ‫وصل فجاةً وهم نيام‪ ،‬وإ َّن‬ ‫َ‬ ‫الموت‬
‫َ‬ ‫إن‬ ‫العراء ِ‬
‫للنوم معه‪ .‬قالوا َّ‬ ‫َ‬ ‫وصادقُوا‬
‫َ‬ ‫وقرى‬
‫ً‬
‫تمطر عليهم وعلى حقولهم‪.‬‬ ‫قبل ٍ‬
‫يوم‬ ‫ٍ‬
‫وصل فجأةً من سماء كانت َ‬ ‫َ‬ ‫الموت‬
‫َ‬ ‫بثياب أصدقاء‪ ،‬وإ َّن‬ ‫ِ‬
‫ُ‬
‫ودروبا كثيرةً ال‬
‫ً‬ ‫دون خطو ٍة‪،‬‬ ‫وناسا كثيرين سقطوا من ِ‬ ‫ً‬ ‫بعد خطو ٍة‪،‬‬
‫كثيرين سقطوا َ‬‫َ‬ ‫ناسا‬
‫إن ً‬ ‫وقالوا َّ‬
‫الرعب ورحْل َن بدونهم‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫األس َّر ِة من ِش َّد ِة‬
‫نسين أطفالَه َّن على ِ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ناك‪ ،‬واُ َّمهات ْ َ‬
‫أنينا ُه َ‬‫تزا ُل تسمعُ ً‬
‫‪ ‬‬
‫وربَّما ستَ ْذ ِر ُ‬
‫ف‬ ‫بلدان فيها م ِ‬ ‫ِ‬
‫سماء ٍ‬ ‫أظنها ستُ ْم ِط ُر‪.‬‬
‫ُّ‬
‫رون‪ُ ،‬‬
‫هاج َ‬ ‫ُ‬ ‫األرجح من‬
‫ِ‬ ‫الغيوم تأتي من بعيد‪ .‬على‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أشواق ِه ْم‪.‬‬ ‫شيء من‬ ‫ِ‬
‫البيوت‬ ‫فوق‬
‫المهاجرين‪ ،‬وفي تباطُؤها َ‬ ‫أنفاس‬ ‫دموع ِه ْم‪ .‬تَلَب ُ‬
‫ِ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُّدها يشبهُ‬ ‫بعض‬ ‫هنا َ‬
‫أظنها ستُ ْم ِط ُر‪.‬‬
‫ُّ‬
‫‪ ‬‬
‫ٍ‬
‫ألعاب‪ ،‬ف ُكَّنا‬ ‫ثمن‬
‫الفقير‪ ،‬لم يكن معه ُ‬
‫ُ‬ ‫المفضلة‪ .‬أبي‪ ،‬الفالَّ ُح‬
‫َّ‬ ‫المطر لعبتَنا‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫صغارا َ‬
‫ً‬ ‫حين ُكَّنا‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫األرض‬ ‫بين‬
‫أغراضنا‪ .‬ولم تكن َ‬
‫َ‬ ‫والغصون كانت‬
‫ُ‬ ‫والفراشات‬
‫ُ‬ ‫والثلج‬
‫ُ‬ ‫الماء‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بأغراض الطبيعة‪.‬‬ ‫نلعب‬
‫ُ‬
‫و بيننا ِق ْس َمة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫غياب‬ ‫كان خوفًا من‬‫ذلك َ‬
‫أن َ‬‫أعرف َّ‬ ‫ينهرني عن َع ِّد النجوم‪َ .‬‬
‫اآلن‬
‫ُ‬ ‫كان أبي ُ‬ ‫أعرف لماذا َ‬
‫ُ‬ ‫لم أكن‬
‫ليس ُك ُّل الرفا ِ‬ ‫ِ‬
‫كبيرا منهم ال ُب َّد ً‬
‫يوما‬ ‫عددا ً‬
‫وأن ً‬ ‫سيحضرون‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫دائما‬
‫ق ً‬ ‫أن َ‬ ‫يعلم ْ‬
‫أحد رفاقي‪ .‬كان ُ‬
‫دون رفيق‪ .‬كان‬ ‫ات عديدةً من ِ‬ ‫مر ٍ‬ ‫ِ‬
‫للعراء‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫المفتوحة‬ ‫ِ‬
‫العالية‬ ‫ِ‬
‫الخيمة‬ ‫تلك‬
‫سأنام‪ ،‬في َ‬ ‫سيغيب‪َّ ،‬‬
‫وأنني‬
‫ُ‬
‫ص ُّور‪.‬‬ ‫وي ِحبُّني َ‬
‫فوق التَ َ‬ ‫أعماق مشاعري‪ُ ،‬‬ ‫َ‬ ‫يعرف‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫بالتأكيد‬ ‫أبي‬
‫‪ ‬‬
‫بحري‪،‬‬
‫ٍّ‬ ‫صخر‬ ‫ٍ‬ ‫قناطر‪ ،‬على‬
‫َ‬ ‫فوق‬
‫ب شاطئ‪ .‬بيتُنا الذي استأجرناهُ ُم َع َّمٌر َ‬ ‫ذلك قُْر َ‬
‫كان َ‬‫حين افتر ْقنا‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫وشجر ِه‪ ،‬ومع ُسلَّ ِم ِه‬
‫ِ‬ ‫َّي َع ِة‪ ،‬مع بيتِ ِه‬
‫ظ َّل فوق‪ ،‬في الض ْ‬ ‫أهل البيت‪ .‬أبي َ‬ ‫واحدا من ِ‬‫ً‬ ‫كان‬
‫والبحر َ‬
‫ُ‬
‫المدينة علَّها ُ‬
‫تقف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القرية اآلتيةَ من‬ ‫الس ْفلى ُك َّل مساء‪ُ ،‬م ْنتَ ِظ ًرا بوسطةَ‬
‫يقعد على درجتِ ِه ُّ‬
‫الخشبي ُ‬
‫ِّ‬
‫ٍ‬
‫منتظر‪،‬‬ ‫لسنوات‪ ،‬ال َيرى غير ٍ‬
‫رجل‬ ‫ٍ‬ ‫السلَّ َم َ‬
‫ظ َّل‪،‬‬ ‫أوالد ِه‪َّ .‬‬
‫ِ‬ ‫على المفر ِ‬
‫َ‬ ‫ذاك ُ‬
‫لكن َ‬ ‫أح ُد‬
‫ق وينز ُل منها َ‬
‫ودخان سيكارة‪.‬‬
‫َ‬
‫الدخان‬
‫ُ‬ ‫و‬ ‫كثيف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫دخان‬
‫ٌ‬ ‫تصاعد من بيتنا‬
‫َ‬ ‫مر ٍة‪ ،‬كان ذلك على الشاطئ‪ .‬ثَُّم‬ ‫ودعتُهُ ِ‬
‫آلخر َّ‬ ‫حين َّ‬
‫َ‬
‫نظرةً أخيرةً‬ ‫ألقيت‬
‫ُ‬ ‫تو‬ ‫ص ِع ْد ُ‬
‫وصار أبي هيكالً عظميًّا أسود‪َ ...‬‬
‫َ‬ ‫لحم محروق‪.‬‬ ‫كانت له رائحةُ ٍ‬
‫حطب الحياة‪.‬‬
‫َ‬ ‫ومضيت حامالً وحدي‬
‫ُ‬ ‫فحم ِه‪،‬‬
‫على ِ‬
‫نظن َّ‬
‫أن‬ ‫بعض األصدقاء‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وكنت‪ ،‬أنا و‬
‫ُ‬ ‫أيضا‪.‬‬
‫براعم ً‬
‫َ‬ ‫أعتقد ِّأني ُ‬
‫كنت أحم ُل‬ ‫ُ‬ ‫حطب الحياة؟ ال‪،‬‬
‫َ‬
‫ظلِّ ُل ً‬
‫مكانا جميالً‪ .‬كان لنا أه ٌل آخرون‪ :‬األحالم‪ .‬وفي‪M‬‬ ‫ِ‬
‫البراعم وتُ َ‬ ‫تلك‬
‫ستخرج من َ‬
‫ُ‬ ‫شجرةً وارفةً‬
‫ك‪ ،‬في ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مثل‬
‫يصطادها‪ ،‬وكانت هي تسقطُ‪َ ،‬‬
‫ُ‬ ‫خفي‪ ،‬من‬
‫مكان ٍّ‬ ‫حين ُكَّنا نمشي مع أحالمنا‪َ ،‬‬
‫كان هنا َ‬
‫جميعا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫أهلنا‬
‫ً‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ ‬‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫ويرشوهُ‬ ‫حون‬
‫سمادا من المفترض أن يحمله الفال َ‬ ‫ً‬ ‫الوقت‬ ‫ك‬
‫يضخ في ذل َ‬ ‫األسمدة‬ ‫كان مصنعُ‬
‫ِ‬
‫البيوت‬ ‫نحو‬ ‫وكانت األشجار‪َ ،‬ك ُك ِّل ٍ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وغصونها مائلةٌ َ‬‫ُ‬ ‫غذاءها‪،‬‬
‫َ‬ ‫تنتظر‬
‫ُ‬ ‫سنة‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫حقول الزيتون‪.‬‬ ‫على‬
‫اإلهراءات‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كانت‬ ‫حبةً َّ‬
‫حبةً في‬ ‫المواسم ينز ُل َّ‬ ‫وصول أصحابِها‪ .‬لكن فيما كان أم ُل‬ ‫َ‪M‬‬ ‫تترقَّ ُ‬
‫ب‬
‫ِ‬
‫الحرب وفي‬ ‫ِ‬
‫الهجران وفي‪M‬‬ ‫سقوط أصحابِها في‬ ‫ِ‬ ‫واألشجار تسقطُ مع‬ ‫الحقو ُل تُ ْه َج ُر حقالً حقالً‪،‬‬
‫ُ‬
‫رويدا ‪ ،‬وتَْيَبس‪.‬‬
‫ً‬ ‫رويدا‪M‬‬
‫ً‬ ‫حضنتْها‪ُ M‬م ْذ كانت صغيرةً‪ ،‬وتنحني‪M‬‬ ‫َ‬ ‫تمد رؤوسها نحو ٍ‬
‫بيوت‬ ‫الموت‪ُّ .‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جنب مع‬‫جنبا إلى ٍ‬ ‫بشري ً‬ ‫نبض‬
‫النبات‪ٌ ،‬‬ ‫ق َّ‬ ‫آخر يجري‪ M‬في عرو ِ‬ ‫ِ‬
‫ٌّ‬ ‫نبض ُ‬ ‫ثمةَ ٌ‬ ‫كان َّ‬
‫الحقول َ‬ ‫ك‬
‫في تل َ‬
‫ينظر‬
‫حين ُ‬ ‫تفاهم‪َ ,‬‬
‫ك كان بينها وبين الناس ُ‬ ‫العشب واألشوا ُ‪M‬‬
‫ُ‬ ‫وروح الشمس والتراب‪ .‬حتَّى‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫الن ْس ِغ‬
‫الناس‬ ‫األرجح ِ‬ ‫ِ‬
‫يغمض ُ‬ ‫ُ‬ ‫حين‬
‫تنام َ‬ ‫االشجار ُ‬
‫ُ‪M‬‬ ‫كانت‬ ‫ِ‬ ‫عيون نبتة‪ .‬وعلى‬
‫ُ‬ ‫السماء ترتفعُ معه‬ ‫أحد ُه ْم إلى‬
‫ُ‬
‫لمس أيديهم‪ .‬كانت حياتُهم‬ ‫ان‪ ،‬الوحيدةُ في البراري‪ ،‬سعادتُها تأتي من ِ‬ ‫عيونهم‪ .‬وزهرةُ َّ‬
‫اللز ِ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫والدات‬ ‫تتكر ُر والداتُهُ ْم مع‬ ‫ِ‬
‫بحاالت أرزاقهم‪َّ ،‬‬ ‫تَعني فرح ٍ‬
‫نبتة و َشَب َع خروف‪ ،‬وتختلطُ حاالتُهم‪M‬‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫بعض من أجسادهم‪.‬‬ ‫واللبن والنعناعُ ٌ‬ ‫الخضار‪،‬‬‫ون ُم ِّو َ‬ ‫ِ‬
‫وانعقاد الزهر ُ‬ ‫المواشي‬
‫ُ‬
‫شجر يجوعُ‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫حبوبا‪َّ M‬‬ ‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫هناك ٌ‬
‫َ‬ ‫يضخ ذكرى من الماضي‪ .‬وكان‬ ‫كأنهُ‬ ‫ً‬ ‫يضخ‬ ‫السماد‬ ‫كان مصنعُ‬
‫الوصول‪،‬‬
‫َ‬ ‫يستطيعون‬
‫َ‬ ‫ناسا ال‬
‫منتظرا ً‬
‫ً‬ ‫وشجر ِ‬
‫يقاو ُم‬ ‫ٌ‪M‬‬ ‫وشجر ُي ْذَب ُح‪،‬‬
‫ٌ‪M‬‬ ‫ق‪،‬‬
‫وشجر ُي ْح َر ُ‬
‫ٌ‪M‬‬ ‫وشجر َي ْيَب ُس‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وناسا رحلوا إلى ٍ‬
‫بلدان بعيدة‪.‬‬ ‫ق‪ً ،‬‬ ‫وناسا سقطوا على الطري ِ‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫بحياة السماد‪ .‬وكانت تلك‬ ‫كأنها تتمتَّعُ َ‬
‫وحدها‬ ‫يوما بعد يوم‪َّ ،‬‬ ‫بو ِ‬
‫تكبر ً‬
‫المصنع ُع ْشَبةٌ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ابة‬ ‫على َّ‬
‫إليه وأنا أغادر‪.‬‬ ‫نظرت ِ‬ ‫آخر ما‬
‫ُ‬ ‫العشبةُ َ‬
‫روز ٍة بالرصاص؟‬
‫ق َم ْد َ‬ ‫مثل ِ‬
‫الفتة طري ٍ‪M‬‬ ‫ص ِدَئةً َ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ولكن لماذا َّ‬
‫تلك اللحظات من أيَّام تبدو لي َ‬ ‫أتذكر َ‬ ‫ْ‬
‫الغرفة الصغير ِة على ٍ‬ ‫ِ‬
‫كنبة‪ .‬وما عدا ذلك نوعٌ من أنواع الوهم‪.‬‬ ‫اآلن‪ ،‬في هذه‬ ‫َّإنني ُهنا َ‬
‫ط ِء على ظاللهم‪.‬‬ ‫بالو ْ‬
‫عابرين َ‬
‫َ‬ ‫إيقاف‬
‫َ‬ ‫الماضي؟ َك َم ْن يحاو ُل‬
‫ِ‬
‫الساعة‬ ‫عقارب‬ ‫وبعض غيوم‪ .‬ال شيء تغي ََّر من ُذ الصباح‪ ،‬فقط‬ ‫أنفسهُ ْم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫الع َّما ُل ُ‬
‫نفسها‪ُ ،‬‬ ‫النافذةُ ُ‬
‫اسحب من‬ ‫ُمشطُ َشعري‪.‬‬ ‫أقترب من المرآة‪ .‬أ ِّ‬ ‫ِ‬
‫الغرفة‪.‬‬ ‫أتمشى قليالً في‬ ‫ت بضع دقائق‪َّ M.‬‬ ‫َّ‬
‫تقد َم ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫شعرتي ِن وأُلقيهما في القُمامة‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫الم ْش ِط‬‫ِ‬
‫فيدا‪ .‬أين الشعاع؟ قب َل ٍ‬
‫قليل‬ ‫شيئا ُم ً‬
‫أفعل ً‬
‫يجب أن َ‬ ‫وكان يجب أن أقُصَّها‪ .‬كان ُ‬ ‫َ‬ ‫أظافري‪ M‬طويلةٌ‬
‫ق إلى َح ْبوه‪ ،‬إلى طفولتِ ِه األولى في بيتي‪.‬‬ ‫نظرت بشو ٍ‬ ‫ُ‬ ‫يلمس جسدي‪.‬‬ ‫ويكاد ُ‬ ‫ُ‬ ‫كان َّ‬
‫يتقد ُم نحوي‬ ‫َ‬
‫أظنها ستُ ْم ِط ُر‪.‬‬
‫غيوم‪ُّ .‬‬‫ٌ‬
‫ِ‬
‫السماء‬ ‫أنظر من النافذة‪ .‬في‬ ‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫محاولة وصل ضفّتين بصوت‬
‫‪ ‬‬
‫‪1997‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫يدي‬
‫وعاء في َّ‬
‫ٌ‬
‫ينتظر‬
‫حين تمطر السماء‬
‫أظن يخرج الموتى‬
‫ُّ‬
‫ليشربوا‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫أعشاش عالية‬
‫‪ ‬‬
‫شجرا باسقاً‬ ‫ِ‬
‫الذين ألفناهم ً‬
‫صاروا ًّ‬
‫قشا حين حزنوا‬
‫‪ ‬‬
‫العصافير ورفعتهم‬
‫ُ‬ ‫ونزلت‬
‫ِ‬
‫بمناقيدها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫غيوم‬
‫‪ ‬‬
‫الذين جرفتهم المياه إلى الوادي‬
‫غيوما‪،‬‬
‫ً‬ ‫ارتفعوا‬
‫لم يمطروا‬
‫وقفوا فوق‬
‫نظروا إلى األرض‬
‫َّ‬
‫وتبددوا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫أقدام‬
‫‪ ‬‬
‫أيضا‬
‫هناك ً‬
‫موتى تفجَّروا‬
‫ونزلوا أشعةً بيضاء على أشجارهم‬
‫‪ ‬‬
‫يوم كانوا نائمين‬
‫حدث ذلك فجأةً َ‬
‫مطمئنين في ترابهم‪،‬‬
‫يوم فتحوا عيونهم ورأوا‬
‫أشياء غريبة تمشي في حقولهم‬
‫ً‬
‫على قدمين مثل ناس‬
‫من عصور غابرة‬
‫‪ ‬‬
‫يوم فتحوا عيونهم‬
‫َ‬
‫وأخرجوها من الظالم‬
‫وتفجروا‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫إرث الموتى‬
‫‪ ‬‬
‫طلعوا من تحت التراب‬
‫وعادوا‬
‫‪ ‬‬
‫فقط ليرسموا ابتسامة‬
‫نسوا أن يتركوها لنا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫فضاء‬
‫‪ ‬‬
‫ت يداه راسمتين‬
‫َعلَ ْ‬
‫مشطورا‪:‬‬
‫ً‬ ‫قمرا‬
‫ً‬
‫لم يكمل دائرته‬
‫فراغا فوق‬
‫ً‬ ‫ترك‬
‫َ‬
‫لينفذ منه القلب‬
‫إلى فضائه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫تكوين‬
‫‪ ‬‬
‫بالفضاء النحيل الباقي بين يديه‬
‫كونا‪،‬‬
‫ول أن يعيد ً‬
‫حا َ‬
‫ر َس َم بدمعة نجمة‬
‫قمرا‬
‫بنظرة ً‬
‫شمسا بلمسة‬
‫ً‬
‫‪ ‬‬
‫وحين أغمض عينه مشى الناس‬
‫إلى أعمالهم‬
‫على رصيف جفنه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫َبلَل‬
‫‪ ‬‬
‫هازئا‬
‫ً‬ ‫َر َح َل‬
‫كمن يتبلَّل في شتاء‬
‫ويخلع ن ْف َسه‬
‫عوض أن يخلع قميصه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫أحالم أخرى‬
‫ٌ‬
‫‪ ‬‬
‫يوما فوق جسده‬
‫روحه أن يبقى أربعين ً‬
‫أعطي ُ‬‫َ‬
‫كي يحقّق في فضائه األخير‬
‫أحالما خابت على أرضه‬
‫ً‬
‫‪ ‬‬
‫لكنه‬
‫رفرف لحظةً‬
‫َ‬
‫ومضى‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫ِظل‬
‫‪ ‬‬
‫نسمتُه األخيرة‬
‫ت وراءه على َّ‬
‫الد َرج‬ ‫َجَر ْ‬
‫ونامت معه قرب عشبة‬
‫بين َح َجرين‬
‫‪ ‬‬
‫وغيمةٌ عابرة‬
‫تركت ظالً خفيفًا‬
‫على وجهه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫حديقة‬
‫‪ ‬‬
‫مرات عديدة‬ ‫قتلوه ّ‬
‫ع‬ ‫حتى َّ‬
‫توز َ‬
‫جثثًا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫لم يكن يحصي شواهده‬
‫كان فقط َّ‬
‫يتنزه‬
‫في حديقته الخلفية‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫نزهة ذاك اليوم‬
‫‪ ‬‬
‫غاد َر ظلَّت على قفل الباب أصابعُ يديه‬
‫يوم َ‬
‫َ‬
‫على الرصيف قدماه‬
‫فوق اإلسفلت طبقة من جلده‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫هل هذه نزهة أم موت؟‬
‫سألوا‪،‬‬
‫وحين رفع ذراعيه قالوا‬
‫يريد الطيران‬
‫يلوح‬
‫لكنه كان ّ‬
‫لوجهه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫جنازة إلهية‬
‫‪ ‬‬
‫اليد التي أخذت طفلها إلى القبر‬
‫عروقُها أمطرت‬
‫عميانا على الحجر‬
‫ً‬
‫‪ ‬‬
‫وعينان فوق‬
‫رفرفتا قليالً‬
‫وانضمتا إلى الماء‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫الحياة هناك‬
‫‪ ‬‬
‫دفنت طفلها هناك وانتظرت سنوات‬
‫ْ‬
‫لتنام قربه‬
‫وحين وضعوها في ذاك التراب‬
‫يوما‬
‫صار عمرها ً‬
‫وكان هو صار‬
‫عجوزا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫زهور‬
‫‪ ‬‬
‫وضعت زهرةً في وسط الدار‬
‫ْ‬
‫وزهرةً في الزاوية‬
‫وأخريات على الجدران‬
‫في الممشى في غرفة الطعام في المطبخ في غرف النوم‬
‫‪ ‬‬
‫وذات يوم على السرير‬
‫نبتت زهرة غريبة‬
‫لها عينان مغمضتان‬
‫وفم نصف مفتوح‬
‫ٌ‬
‫ينتظر قطرة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫سرية‬
‫زهرة ّ‬
‫‪ ‬‬
‫قبل أن يأخذها النوم‬
‫إلى ساحاته الصامتة‬
‫قلَّ ْ‬
‫مت اظافرها‬
‫ورمت نثراتها في حوض الزهور‬
‫‪ ‬‬
‫وفي الصباح‬
‫نبتت في الحوض‬
‫يد صغيرة‪.‬‬
‫ٌ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫مكانهم‬
‫‪ ‬‬
‫طات على هذه الطريق‬
‫ليس للنسيان مح ّ‬
‫اليد التي لمست عابرين منذ أجيال‬
‫تلمسهم اآلن مرةً أخرى‬
‫وغبارهم ينزل من جديد‬
‫ُ‬
‫تحت أقدامهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫فارسا وجاء‬
‫ً‬ ‫كانوا يريدون‬
‫سريعا تار ًكا‬
‫ً‬ ‫عب َر‬
‫َ‬
‫نسيما على قمصانهم‪،‬‬‫ً‬
‫من ظلّه سقط شيء على الطريق‬
‫ومذذاك‬
‫يدور الماشون في مكانهم على اإلسفلت‬
‫مسمرون‬
‫والجالسون َّ‬
‫في مقاعدهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫بالد‬
‫‪ ‬‬
‫أخذت اسمها من الماء‬
‫وسالت‬
‫والزبد الذي رأيناه على الموج‬
‫ُ‬
‫ناسها‬
‫كان َ‬
‫والعشب على الكثبان‬
‫ُ‬
‫ضلوعهم‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫بالد‬
‫ٌ‬
‫ُّ‬
‫كل رجالها يغادرون‬
‫َّ‬
‫يقترن‬ ‫لذلك كانت نساؤها‬
‫باألشجار‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫انتظار‬
‫‪ ‬‬
‫سحبنا ظاللنا عن الطرقات‬
‫ونص ْبنا كمائننا‪:‬‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫اآلن ننتظر‬
‫رؤى‬
‫ً‬ ‫كي نصطاد‬
‫تصعد لتصطاف في األرواح‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫الطريق‬
‫‪ ‬‬
‫أخيرا‬ ‫َّ‬
‫سلمتنا المياهُ أسرارها ً‬
‫لكننا كنا على حافة الشالل‬
‫فانحدرنا رذا ًذا‬
‫مرسلين للنباتات نعومة سقوطنا‬
‫‪ ‬‬
‫كنا في الحقل‬
‫نكمن لعصافير تطير وتحطّ‬
‫في غابات رؤوسنا‬
‫الغيوم َّ‬
‫كنا أطلقنا رصاصاتنا‬ ‫ُ‬ ‫وحين رفعتْنا‬
‫فأُُصبنا‬
‫وانحدرنا‬
‫طا‬
‫نقا ً‬
‫‪ ‬‬
‫نغني‬
‫تقريبا ّ‬
‫ً‬ ‫كنا‬
‫لق‬
‫تع ُ‬
‫ق أصواتنا ربما ْ‬‫دب َ‬
‫صلي ْ‬‫َن ْ‬
‫رقصات عليها‬
‫ٌ‬
‫ربما غابرون مقيمون في الهواء يأتون‬
‫ويرافقوننا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫سر الماء‬
‫أخ ْذنا َّ‬
‫طه‬
‫سقو َ‬
‫نثار مراياه‬
‫َ‬
‫حيث كانت تعبر مسرعةً‬
‫كسور بيوتنا‬
‫ُ‬
‫دروبا كاألمعاء‬
‫ً‬ ‫أيضا‬
‫رأينا ً‬
‫يمر فيها الناس كالفاكهة‬
‫ُّ‬
‫صْلنا‬
‫وحين َو َ‬
‫َ‬
‫كنا فقدنا الرؤية‬
‫وسمعنا تنفُّس العشب‬
‫في أجسادنا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫رغبة‬
‫‪ ‬‬
‫مجرد رغبة‬
‫كانت فقط َّ‬
‫أن نحمل مظالّتنا ونبتسم تحت المطر‬
‫أن نلعب قليالً في الشوارع‬
‫نثارا‬
‫ونترك على الرصيف ً‬
‫َ‬
‫من زجاجة العالم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫إعادة اإلرث‬
‫‪ ‬‬
‫اآلن‬
‫نعيد صمتنا وأصواتنا‬
‫إلى مكانها األول‬
‫أحد‬
‫حيث ال َيسمع ٌ‬
‫حتى لهاثَه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫استعادة شخص ذائب‬
‫‪ ‬‬
‫تحدثت إليه طويالً‪ ،‬ثم ذاب!‬
‫ُ‬ ‫شخصا‬
‫ً‬ ‫هذه البحيرة ليست ماء‪ .‬كانت‬
‫النظر إلى ماء بل استعادةَ شخص ذائب‪.‬‬
‫َ‬ ‫وال أحاول اآلن‬
‫كيف يصير الناس هكذا بحيرات‪ ،‬يعلوها ورق الشجر والطحلب؟!‬
‫قطرةً قطرة ينزل الموتى على بابي‬
‫ومركب يتوقف من أجلي تحت الشمس‬
‫ٌ‬
‫وجالية فقيرة من الرعشات تعود إلى الرمل‪.‬‬
‫ارتعشت قليالً‪ .‬ثم ُجننت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لم أرتجف‪ .‬لكني ُجننت‪ .‬الماء بارد لكني لم أرتجف‪ .‬فقط‬
‫بشريا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ضلعا‬
‫ً‬ ‫عينا‪ .‬على الضفَّة غصن‪ ،‬كان‬
‫على سطح البحيرة ورقة‪ ،‬كانت ً‬
‫أحاول اآلن َج ْم َع األوراق والغصون‪ .‬أحاول جمع شخص كنت أحبُّه‪.‬‬
‫وحطبا ليشعلوا مواقدهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫مر كثيرون من هنا‪ ،‬جمعوا ورقًا‬
‫لكن َّ‬
‫يتم جمع أعضاء كاملة‪ .‬كثير منها احترق‪.‬‬‫جمعُ شخص‪ .‬لن َّ‬‫أبدا ْ‬
‫يتم ً‬
‫لن َّ‬
‫أحبه‪ .‬على األحبَّاء أن يعودوا إذا ناديتهم‪ .‬عليهم أن‬
‫شخصا كنت ّ‬
‫ً‬ ‫مع ذلك ال َّ‬
‫بد من أن أعيد‬
‫إنسانا حين‬
‫ً‬ ‫طحلبا… على الطحلب أن يصير‬
‫ً‬ ‫يعودوا ولو كانوا ماء‪ .‬لو كانوا أمواتًا‪ .‬لو كانوا‬
‫عفنا‪ .‬عليه أن يعود صديقًا ولو مات منذ ألف عام‪.‬‬
‫مترهالً‪ ،‬لو ً‬
‫ّ‬ ‫تستدعيه‪ .‬ويأتي لو مبلَّالً‪ ،‬لو‬
‫يجب أن تكون هناك طريقة ما لجمع الناس عن الضفاف‪ .‬طريقة إلعادة األوراق واألغصان‬
‫بشرا‪.‬‬
‫الطافية على البحيرات‪ً ،‬‬
‫علي أن َّ‬
‫أسد الفراغ بين مفاصلها كي أوقف ارتجافاتها‬ ‫لم أرتجف‪ .‬األعضاء ارتجفت‪ .‬وكان َّ‬
‫وتهدأ‪.‬‬
‫لسد الفراغ بينهما!‬
‫أحتاج إلى ردم ّ‬
‫ُ‬ ‫ولكن‪ ،‬كم طويلةٌ المسافةُ بين مفصلين! وكم‬
‫كم هي طويلة المسافة بين ضلع وضلع!‬
‫‪ ‬‬
‫وتأخرت عن السيل‪.‬‬
‫ْ‬ ‫نزلت‪،‬‬
‫ْ‬ ‫بطيئا‪ ،‬مثل آخر نقطة ماء‬
‫أجري ً‬
‫رويدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫رويدا‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫وأتبخر‬ ‫بطيئا زاحفًا لاللتحاق بالجريان‪،‬‬
‫أجري ً‬
‫لن أصل‪ .‬بعضي سيصير في الفضاء‪ .‬وبعضي سيغرق في األرض‪.‬‬
‫تأخرت عن رفاقي ولن أصل‪ .‬أزحف لكني لن أصل‪.‬‬ ‫ُ‬
‫طعٌ مني أفقدها‪ ،‬وقطعٌ ترافقني منهَ َكة‪ ،‬وقطع تصير هباء‪.‬‬
‫قَ‬
‫أي شيء مني سيصل؟!‬
‫وصلت‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫حتى إذا‬
‫ينقد بعضي‪ .‬ونم ٌل يأكل بعضي‪ .‬وبعضي للعشب والحصى‬
‫طير ُ‬‫حولي عشب وحصى وتراب‪ٌ .‬‬
‫والتراب‪.‬‬
‫بطيئا بين إبرتين‪ ،‬تخيطان‬
‫بطيئا وفوقي يصعد خيطٌ مني‪ ،‬وتحتي ينزل خيط مني‪ .‬أجري ً‬
‫أجري ً‬
‫عدمي‪.‬‬
‫ونزلت‪ .‬هل أنا الباحث عن شخص ذائب أم أنا الذائب؟ أم أني‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كنت في غيمة‬
‫آخر نقطة‪ُ .‬‬
‫نزلت َ‬
‫ُ‬
‫ذبت مثله؟‬
‫من كثرة البحث عن ذوبانه‪ُ ،‬‬
‫وصرت‪ ،‬عوض أن أبحث عنه‪ ،‬أبحث عني!‬ ‫ُ‬
‫أشخاصا‪ .‬هؤالء‪ ،‬على األرجح‪ ،‬لم‬
‫ً‬ ‫بعض ما بقي مني يرى‬
‫ُ‬ ‫أشخاصا عابرين‪.‬‬
‫ً‬ ‫أرى على الطريق‬
‫شخصا أحبُّوه‪ .‬أم أنهم فقدوه‪ ،‬ومع ذلك يكملون الطريق؟!‬
‫ً‬ ‫يفقدوا‬
‫شخصا نحبُّه‪ .‬ألم نكن نمشي ال على قدمينا‬
‫ً‬ ‫ال أعرف كيف ال تتوقف أرجلنا عن المشي حين نفقد‬
‫بل على قدميه؟ ألم تكن النزهة كلها من أجله؟ ألم يكن هو النزهة؟‬
‫شخصا‪ ،‬توقفت‪ .‬كان هو الماشي وأنا تابعه‪.‬‬
‫ً‬ ‫شخصا! أنا‪ ،‬حين فقدت‬
‫ً‬ ‫واحد إذا فقد‬
‫ٌ‬ ‫كيف يمشي‬
‫تع ْد لي قدمان‪.‬‬ ‫َّ‬
‫كنت الماشي فيه‪.‬و حين توقف‪ ،‬لم ُ‬
‫‪ ‬‬
‫علي باألحرى أن أعيد أوالً نفسي؟‬
‫شخصا ذاب؟ أليس َّ‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫وأتبخر‪ .‬كيف إذن سأُعيد‬ ‫وزاحف‬
‫ٌ‬ ‫تأخرت‬
‫ُ‬
‫ضلع على ضفَّة؟‬
‫ٍ‬ ‫أن أعود على األقل قطرةَ ماء كاملة‪ ،‬تنزل على ورقة‪ ،‬على عين‪ ،‬على‬
‫شخصا‪ ،‬أن أكون على األقل من ماء البحيرة؟‬
‫ً‬ ‫علي‪ ،‬لكي أُخرج من الطحلب‬
‫أليس َّ‬
‫مشوشة من عين شيء ال هو‬ ‫تأخرت ولن أصل‪ُّ .‬‬
‫كل ما أفعله أني أرى‪ ،‬أرى من بعيد‪ .‬رؤيةٌ َّ‬ ‫ُ‬
‫غيمة‪ ،‬وال هو ماء‪ ،‬وال جماد وال بخار‪.‬‬
‫إني‪ ،‬إذن‪ ،‬ال أرى‪.‬‬
‫شخصا ولن أعيده…‬ ‫مجرد خيال‪ .‬عتمةٌ تستجدي عتمة‪ .‬ولن أرى ولن أصل ولن أستعيد‬ ‫ُّ‬
‫كل هذا َّ‬
‫ً‬
‫إني‪ ،‬فقط‪ ،‬أحاول أن أزحف‪ .‬أحاول أن ألحق برفاقي‪.‬‬
‫جدا‪.‬‬
‫لكنهم صاروا بعيدين‪ ،‬بعيدين ً‬
‫‪ ‬‬
‫ذاب أو ربما كنت أنا الذائب‪ .‬اآلن‪ ،‬حتى وال‬
‫شخصا يبحث عن شخص َ‬ ‫ً‬ ‫كنت في الماضي‬
‫ربما ُ‬
‫ف به نفسي حين‬ ‫أعر ُ‬ ‫ٍ‬
‫أبحث عن إسم ّ‬
‫ُ‬ ‫تماهي المرعب بين الماء والبخار والشخص‪،‬‬
‫َّ‬ ‫قطرة‪ .‬وفي‬
‫ارسل لي من هناك‬ ‫حتما على نتوء‪.‬‬ ‫َّ‬
‫ْ‬ ‫ألتقي النمل والعشب والطير‪ .‬أنت الزاحف مثلي‪ ،‬ستتوقف ً‬
‫سأسمي نفسي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫نداء‪ ،‬وبه‬
‫متماه بين ماء وجماد وبخار‪ .‬مع ذلك لي مفاصل!‬
‫ومفاصلي بينها فراغات‪ .‬ترتطم المياهُ بها‪ ،‬ترتطم الرياح بها‪ ،‬ويرتطم الناس‪.‬‬
‫ناس كثيرون يعبرون اآلن بين مفاصلي‪ .‬ال أعرف من أين يأتون وال إلى أين يذهبون‪ .‬لكنهم‬ ‫ٌ‬
‫يرتطمون بعظامي‪.‬‬
‫مرة‪ ،‬ناس التقيتُهم مرات‪ ،‬وناس لم ِ‬
‫ألتقهم… لكنهم يتدفَّقون اآلن‪ ،‬ويدقُّون على‬ ‫ناس التقيتُهم َّ‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫عظامي‪.‬‬
‫علي أن أفتح هذه العظام لكي يدخلوا‪.‬‬
‫َّ‬
‫بابا!‬
‫لو كانت هذه العظام ً‬
‫من أين جاؤوا؟!‬
‫لحما‪.‬‬
‫دما و ً‬ ‫ُّ‬
‫أظن أن الذين ننظر إليهم يدخلون في أجسادنا َع ْب َر عيوننا ويصيرون ً‬
‫وبعضهم يصير من المارة التائهين بين مفاصلنا‪.‬‬
‫طرقات على عظامنا‪.‬‬
‫ونستمر‪ ،‬هكذا‪ ،‬نسمع َ‬
‫ُّ‬ ‫…‬
‫‪ ‬‬
‫إني أسمع اآلن دقَّات ماء‬
‫وعلي أن أفتح‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫في النفَق… في الع ْظمة‬
‫‪ ‬‬
‫قريبا ينتهي الوقت‪.‬‬
‫ً‬
‫الرياح تقترب من الجدار الهائل‪ .‬وهناك ستكبو‪.‬‬
‫أخيرا سترتاح‪.‬‬
‫سريعا وانتهى السباق‪ .‬الرياح ً‬ ‫ً‬ ‫عبرت‬
‫ْ‬
‫ارتطاما على األرض!‬
‫ً‬ ‫أنتظر تدلّيه‪ ،‬سقوطه‬
‫ُ‬ ‫تفتَّق الوقت‪ .‬لم يعد معلَّقًا إال بقطبة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫تبدأ الحياة في اليوم األخير‪.‬‬
‫غير يوم تتدفق كلها إليه‬ ‫األيام كثيرة‪ ،‬لكن الحياة قليلة‪َّ .‬‬
‫تتأجل من يوم إلى يوم‪ .‬وحين ال يبقى ُ‬
‫علَّها تحيا فيه… وهكذا تبدأ الحياة‪ ،‬فقط حين انتهائها‪.‬‬
‫أبدا!‬
‫ولذلك‪ ،‬لن تعاش الحياة ً‬
‫بأي فعل‬
‫وبأي شيء أبدأها هذه الحياة؟ مع َمن؟ كيف؟ ّ‬
‫ّ‬ ‫نهار واحد بعد‪ ،‬ماذا أفعل؟ أبدأ الحياة؟‬
‫لدي ٌ‬‫َّ‬
‫أي كالم؟‬
‫و ّ‬
‫أحدا ماذا أقول له؟‬
‫التقيت ً‬
‫ُ‬ ‫ف أن‬
‫صد َ‬
‫وإ ذا َ‬
‫أودعها؟ كيف أحيا موت الحياة؟!‬‫قلت و استجاب‪ ،‬كيف أعيش حياةً ّ‬‫اآلن أبدأ بك حياتي؟ وإ ذا ُ‬
‫جدا ليمألوا نهاراتهم‪ .‬عليهم‪ ،‬على األقل‪،‬‬
‫باكرا ً‬
‫جدا‪ .‬على الراحلين أن يستيقظوا ً‬
‫باكرا ً‬
‫استيقظت ً‬
‫ُ‬
‫أن يروا الفجر قبل أن يذهبوا‪.‬‬
‫نثارا‪.‬‬
‫أودعهم‪ ،‬وأصير مثلهم ً‬ ‫نثار ٍ‬
‫بشر عاشوا قبل آالف السنين‪ّ ،‬‬ ‫في فضاء هذه الغرفة ُ‬
‫الكونية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫مجرات بعيدة‪ .‬الوشوشات‬
‫عبر التيه الفضائي‪ ،‬من َّ‬
‫إلي ْ‬
‫نبض الكواكب الذي وصل َّ‬ ‫أودع َ‬ ‫ّ‬
‫إلي‪.‬‬
‫فضاء هائالً ليصل َّ‬
‫ً‬ ‫القاطع بصمت‬
‫َ‬ ‫الهواء المولود من ماليين السنين‪،‬‬
‫َ‬ ‫غبار النجوم‪،‬‬
‫َ‬
‫عيون‬
‫َ‬ ‫الصور الكراسي المرايا الساعات‪،‬‬
‫َ‬ ‫أودع شهقات البراكين‪ ،‬رذا َذ المستنقعات البعيدة‪.‬‬
‫ّ‬
‫المرمية كيفما كان على البالط‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أطفالي‪ ،‬أحذيتَهم‬
‫أودع األمواج التي تخترق جسدي‪ ،‬الذبذبات اآلتية من أقدم مكان‪ ،‬من االرتطام العظيم!‬
‫ّ‬
‫كل شيء بي‪ ،‬لكي أصير في النهاية‬ ‫كل هذا الوقت‪ ،‬ويرتطم ُّ‬ ‫علي أن أرتطم بنفسي َّ‬
‫هل كان َّ‬
‫َ‬
‫الضاج‪ ،‬صوتًا؟‬
‫ّ‬ ‫فريسة صامتة؟ ألم يكن في وسعي‪ ،‬من زمان‪ ،‬أن أخفّف عن هذا العالم‬
‫الكون‪ ،‬يجب أن يرتاح‪ .‬على األصوات كلّها أن تصمت‪.‬‬
‫آه‪ ،‬الهدوء!‬
‫لن أستطيع وصف نهار‪ ،‬لن أستطيع وصف شيء‪ .‬الكالم خيانة‪.‬‬
‫في النهار األخير ال يتكلّمون‪ .‬فقط يصمتون و يغادرون‪.‬‬
‫الصوت الوحيد‪.‬‬
‫َ‬ ‫أيضا‪ .‬وكنا‪ ،‬مع تململ ترابها تحت الشمس و الرياح‪،‬‬
‫تلك السهوب كانت صامتة ً‬
‫أسرارا من العظام‪.‬‬
‫ً‬ ‫غير أننا‪ ،‬بتلك الحركة الرتيبة في هدأة الموت‪ ،‬اقتنصنا‬
‫كيف كان لنا‪ ،‬نحن البسطاء المرميين في أشداق المتاهات‪ ،‬أن نخترع أماكن تحمينا؟ كيف كان لنا‬
‫نستمر إلى اليوم!‬
‫َّ‬ ‫أن‬
‫وأعوادا يابسة أنقذتنا‪.‬‬
‫ً‬ ‫عظام ماشية‬
‫َ‬ ‫لم نكن من جنس الخلود‪َّ .‬‬
‫لكن‬
‫ليست الحياة من كان يحمينا‪ ،‬بل الموت‪.‬‬
‫مزجنا والداتنا بالعشب‪ .‬وتحت تلك السنابل النحيلة تفيأت أرضنا‪.‬‬
‫لم نرتد مالبس وحلى وقالَّدات‪َّ .‬‬
‫لكن أنفاسنا كانت ثيابنا وزينتنا‪ .‬كنا عراة‪ .‬والحطب المنبثق من‬
‫يابسا‪ ،‬لذلك كان قابالً لالشتعال‪.‬‬
‫لهاثنا أدفأنا… كان لهاثًا ً‬
‫مقاعد للضيوف‪.‬‬
‫َ‬ ‫وتحت النار كانت لنا احتفاالت‪ .‬نفرد لها‪ ،‬في مسامنا‪،‬‬
‫السري‪ ،‬في العتمة‪ ،‬في‬
‫الحياة كانت تحت جلودنا‪ ،‬ال في الخارج‪ .‬وهكذا عشنا الحياة في مكمنها ّ‬
‫الرحم قبل أن تولد‪.‬‬
‫احتفاالتنا كانت تقام في العروق ال في الساحات‪ .‬بيوتنا في خيال المكان‪ .‬قوافلنا في الرأس ال‬
‫على الدروب…‪M‬‬
‫عشنا عدم الوالدة‪ :‬طفولتنا كانت هناك‪ ،‬وشبابنا وشيخوختنا‪ .‬وتقابلنا مع الحياة مرةً واحدة‪ ،‬أمام‬
‫باب الموت‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫َّ‬
‫ويسد جوعه‪ .‬من نسل تلك‬ ‫ظمة‪ ،‬ليطحنها بحجر‬
‫كان أبي في الحرب يبحث في البراري عن ع ْ‬
‫ظمة مطحونة‪.‬‬
‫كنت ابن ع ْ‬
‫واحدا منهم‪ُ .‬‬
‫ً‬ ‫كنت‬
‫العظام المطحونة خرج أطفال‪ُ ،‬‬
‫ظمة‪ ،‬ينفتح اآلن َنفَق‪ ،‬فيه برارٍ وحيوانات‪ ،‬وفيه أبي يمشي من جديد‪ ،‬في البراري‪.‬‬
‫في الع ْ‬
‫ظمة‪.‬‬ ‫يدا بيد‪ ،‬نبحث عن ع ْ‬
‫يمشي‪ ،‬وأنا معه ً‬
‫بعيدين‪.‬‬
‫أخيرا‪ ،‬كنا صرنا َ‬
‫ظمة‪ .‬وحين رأيناها ً‬ ‫ظمة‪ ،‬ونبحث عن ع ْ‬ ‫نمشي في قلب ع ْ‬
‫وناس يبحثون عن عظام‪.‬‬‫ظمتين‪ ،‬فيهما َنفَق‪ٌ ،‬‬‫… كنا صرنا ع ْ‬
‫األم‬
‫ظمة‪ .‬وضعني أبي في النقطة التي ال تُرى في التالفيف‪ ،‬في غبرة الفراغ‪ِّ ،‬‬ ‫مشيت في نفق الع ْ‬
‫ُ‬
‫األولى لحياة العظام‪.‬‬
‫المادين‬
‫أدير رأسي اآلن وأنظر‪ :‬إلى الضائعين في نخاع العظام‪ ،‬إلى الواقفين على أرصفتها‪ ،‬إلى ّ‬
‫ظمتهم‬
‫أيديهم الستعطاء مخرج‪ ،‬إلى الموتى بكهرباء الروح‪ ،‬إلى الباحثين عن حجر ليطحنوا ع ْ‬
‫لتوهم… وال يعرفون ماذا يفعلون‪.‬‬
‫ويأكلوها‪ ،‬إلى الداخلين ّ‬
‫فتحت معبري‪ .‬كان الفراغ هو الطريق‪ .‬كان الفراغ‬
‫ُ‬ ‫نخاع العظام‬
‫َ‬ ‫رميت‬
‫ُ‬ ‫أدير رأسي و أنظر‪ :‬حين‬
‫هو الحجر‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫خارج ألجلب لها حلوى‪ .‬سأذهب إلى‬
‫ٌ‬ ‫أودعها‪ .‬سأذهب إلى الموت كأني‬
‫طفلتي تنام قربي‪ .‬لن ّ‬
‫الموت كأني ذاهب إلى َّ‬
‫دكان‪.‬‬
‫وصلت على ذراعي أبي إلى حانوت‪.‬‬‫ُ‬ ‫صغيرا حين‬
‫ً‬ ‫كنت‬
‫قلب قطعة ُس َّكر‪.‬‬ ‫ولعبت َّ‬
‫كل ذاك النهار‪ ،‬في ِ‬ ‫ُ‬ ‫دخل وقال‪ :‬هذا ابني اعطوه حلوى…‬
‫لكن لماذا أستعيد طفولتي كالداخل إلى الحياة وأنا الخارج منها؟ وما جدوى استدعائها وال مكان‬
‫ق في النافذة‪ ،‬علَّهم يمشون على‬
‫أحد ُ‬
‫طيف؟ كل الشعوب‪ ،‬حتى التي انقرضت‪ ،‬تقيم هنا‪ّ .‬‬ ‫حتى ل َ‬
‫نظرتي ويخرجون… شرايين الغرفة يجب أن تستريح!‬
‫خراف أنفاسهم ويأكلون…‪M‬‬
‫َ‬ ‫كسور عيونهم‪ .‬والذين بقوا‪ ،‬يعلّقون‬
‫ُ‬ ‫الذين خرجوا‪ ،‬على الجدران‬
‫سأمشي على نظرتي‪ ،‬إلى النافذة‪ ،‬وأختفي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫تمرين‬ ‫تمرين على دخول الحياة‪ .‬الحياة ليست سوى‬ ‫ٍ‬ ‫غير‬
‫تلك األيام‪ ،‬التي ذهبت اآلن‪ ،‬لم تكن َ‬
‫ٍ‬
‫دخول إليها‪ .‬غير أنها تنتهي هناك‪ ،‬وال ندخل‪.‬‬
‫ال نعيش إالَّ ُّ‬
‫التمرن على العيش‪ .‬نحيا‪ ،‬فقط‪ ،‬في قَْبل الوالدة‪ .‬في الشرايين التي لم تتش ّكل بعد‪ .‬في‬
‫التكون والعدم‪ .‬على‬
‫الحد‪ ،‬بين ُّ‬
‫الوجه الذي بال مالمح‪ .‬داخل هالمية األمعاء وظالمها‪ .‬نعيش على ّ‬
‫نهم بالخروج نتشظَّى‪ ،‬كجرم‪ ،‬في المتاهة‪.‬‬ ‫الباب‪ .‬وحين ُّ‬
‫عدمها‪ .‬ال أكتب عن ضوء بل عن عتمة‪ .‬ال‬ ‫لذلك ال َّ‬
‫أتحدث اآلن عن حياة‪ .‬ال أصف والدةً بل َ‬
‫نسميه‬ ‫َّ‬
‫أتذكر ما كان‪ ،‬بل ما كان ُيفترض أن يكون… االفتراض‪ ،‬هذا ربما‪ ،‬على األرجح‪ ،‬ما ّ‬
‫حياتنا‪.‬‬
‫… واليقين الوحيد‪ ،‬على األرجح‪ ،‬وداعها‪.‬‬
‫لحظات قليلة‪ ،‬ويكون لي اليقين األول!‬
‫سأقيم احتفال العروق‪ .‬أستقبل المنبثقين فجأة في التيه‪ ،‬وأرقص معهم‪.‬‬
‫سر أبي‪ .‬إلى النفق‪ .‬أرمي األحشاء‪ .‬أبتسم… وأمضي‪.‬‬
‫ظمة‪ .‬إلى ّ‬
‫ثم أعود إلى الع ْ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وصل ضفَّتين بصوت‬
‫محاولة ْ‬
‫‪ ‬‬
‫شيئا‬
‫كنت تريد ً‬ ‫أخوات إلى الحمامات في فضاء الغرفة‪َ .‬‬
‫وأضفت َ‬
‫َ‪M‬‬ ‫طلبت تبغاً‬
‫َ‬ ‫شيئا يطير‪،‬‬
‫كنت تريد ً‬
‫َ‬
‫ت‬‫لكن نقطة الدم التي خرجت منك‪ ،‬ظلَّ ْ‬
‫فرميت نفسك عبر الزجاج‪َّ .‬‬
‫َ‬ ‫شيئا يخرج من النافذة‪،‬‬
‫يطير ً‬
‫في الداخل‪.‬‬
‫تحدق طويالً في الجدران كي‬
‫كنت ّ‬ ‫ُ َّ‬
‫وثالث بطات تنام أمام بيتك‪َ ،‬‬ ‫أنت الذي اآلن في مكان آخر‬
‫اسمع صوتي‪ M،‬صوتي من هذا المكان‪،‬‬
‫ْ‬ ‫تسمع أصوات آبائك المعلَّقين‪ .‬دعني إذن َّ‬
‫أتحدث إليك‪،‬‬
‫الذي هو صوتك من المكان اآلخر‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫وبعضهم َّ‬
‫ظل صامتًا وهم يرافقوننا إلى مكاننا األخير‪ .‬أخذونا في‬ ‫ُ‬ ‫بعضهم‬
‫ُ‬ ‫ناح‬
‫ساعةَ عرفوا َ‬
‫الحي فيك‪ ،‬وأنظر إليك أنت‬
‫ُّ‬ ‫إلي أنا‬
‫كنت تنظر َّ‬
‫صندوق‪ ،‬محمولَين بثماني أيد وبنظرات كثيرة‪َ .‬‬
‫في‪ .‬تريد أن تبتسم لي‪ ،‬وأريد أن أبكيك‪ .‬لكننا صمتنا‪ ،‬وتركناهم يدفنوننا هناك‪.‬‬
‫الميت َّ‬
‫المتحدث مع‬
‫ّ‬ ‫الحي‬
‫ُّ‬ ‫نحن اللذين يتكلمان مع نفسيهما اآلن‪ ،‬أنت من هناك وأنا من هنا‪ ،‬نحن الواحد‪:‬‬
‫غير الذكرى؟‬‫ذاته الميتة‪ ،‬ماذا لدينا َب ْع ُد ُ‬
‫أخيرا ونام على بابنا‪.‬‬
‫ط‪ .‬غير أننا‪ ،‬من كثرة ما حلمنا به‪ ،‬جاء ً‬ ‫لم يكن عند أهلنا ب ّ‬
‫لكنك كنت تغادر‪.‬‬
‫تماما‪ .‬على‬ ‫َّ‬
‫تماما وليس في الخارج ً‬ ‫دما‪ .‬الدم ظل في الداخل‪ .‬ليس في الداخل ً‬ ‫وصلوا ولم يروا ً‬
‫حافتهما‪ .‬على الزجاج‪ .‬على الحافة التي ما كانت في الخارج وال كانت في الداخل‪.‬‬
‫تجزع سأطعمها‪ .‬في‬
‫ْ‬ ‫وثالث بطَّات تنام أمام بيتك‪ .‬ال‬
‫ُ‬ ‫بعيدا‬
‫تهتم بدم‪ .‬النائم ً‬
‫أنت النائم اآلن وال ُّ‬
‫حالما بها‪.‬‬
‫وحيدا في المدينة ً‬
‫ً‬ ‫كنت تمشي‬
‫الخزانة حبوب‪ .‬اشتريتها أنت ذات مساء‪ ،‬حين َ‬
‫وجاءت‪.‬‬
‫أيضا‪ ،‬لم َتر دمك‪.‬‬
‫لكنها‪ ،‬هي ً‬
‫وجاء غيرها‪ .‬الناس واألشجار والطيور‪ ،‬ولم يروا دمك‪ .‬أوصلوك إلى قبرك‪ ،‬وعادوا‪.‬‬
‫حملوك ألنك ال تستطيع أن تصل وحدك‪.‬‬
‫وأهالوا فوقك التراب لتختفي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫لدت في الزاوية‪ ،‬وأقصى رحلة كانت من الجدار إلى الجدار‪.‬‬
‫أمضيت حياتك‪ُ .‬و َ‬
‫َ‬ ‫بين هذه الجدران‬
‫‪ ‬‬
‫شيئ ا آخر‪ .‬صراخك لم يكن إال نداء لهذا الشيء في الخارج‪ .‬لكي تخرج‪ ،‬ولو نقطة دم‬
‫كنت تريد ً‬‫َ‬
‫واحدة‪ ،‬من النافذة‪.‬‬
‫لم تكن تنادي منذ والدتك غير الموت!‬
‫شيئا دليالً على أنك ال تزال تراني‪.‬‬
‫اعطني كأس ماء‪ .‬ظمآن أريد ان أشرب‪ .‬اعطني فقط ً‬
‫عيناك مغمضتان‪ .‬فوقهما تراب‪ .‬عيناك فراغان‪.‬‬
‫ورائي‪ .‬المليء ال يعبره صوت وال ضوء‪.‬‬
‫َّ‬ ‫تراني بفراغين وتسمعني بفراغين‪ .‬فراغك سامعي‬
‫إلي‪.‬‬
‫اسمعني إذن وانظر َّ‬
‫ظالَّ داخل جدران فارغة‪ .‬وخروجهما األول كان إلى‬
‫تراني بفراغين وتسمعني بفراغين‪ .‬فراغان َ‬
‫الموت‪.‬‬
‫الموت؟ عرفنا إذن‪ :‬الخارج‪ ،‬هذا هو الموت!‬
‫نحب موتًا بال مالئكة‪ .‬معنا رماد‪ ،‬نتسلَّى‬
‫أين المالئكة؟ قولوا للمالئكة أن تأتي ها نحن وصلنا‪ .‬ال ُّ‬
‫شقيقات حمامات كانت في‬
‫ُ‬ ‫أرواح حمامات‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كل األبدية‪ .‬يخفق جناح مالك فتطير نثرات‪ ،‬تطير‬‫به َّ‬
‫ك فنطعمه همسات‪ ،‬نطعمه نظرات‪ ،‬ونتسلّى‪ ...‬فلتأت المالئكة نحن‬ ‫تلك الغرفة‪ .‬ويحطُّ مال ٌ‬
‫وصلنا‪.‬‬
‫معنا رماد‪ ،‬نتسلَّى َّ‬
‫كل األبدية‪.‬‬
‫أيضا كانت موتى!‬ ‫وصْلنا‪َّ ...‬‬
‫لكن المالئكة ً‬ ‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫عاما‪ ،‬كان هذا إ ًذا هو الزمن!‬
‫ثمانية وأربعون ً‬
‫الفم الذي قبَّلناه تحت غيمة سريعة‪.‬‬
‫عنق األبدية‪ ،‬الذي حسبناه عناقًا طويالً‪َ .‬‬
‫كان هذا َ‬
‫أيضا في‬
‫أمنا‪ .‬مطر بقي في الزاوية‪ ،‬قرب العتبة‪ ،‬بقي هو ً‬ ‫مطر من جلد ّ‬‫حين ُولدنا‪ ،‬انهمر ٌ‬
‫َ‬
‫يخصها وحدها‪ ،‬يروي حقلها‬
‫ُّ‬ ‫مطرا‬
‫الداخل‪ .‬لم يره الذين كانوا في الخارج‪ ،‬وال الذين دخلوا‪ .‬كان ً‬
‫الداخلي‪ ،‬الذي ال يراه أحد‪.‬‬
‫مطرا‬
‫أيضا‪ .‬على الناس‪ ،‬على الخشب‪ ،‬على الشجر‪ ...‬لكنه كان ً‬
‫مطر ً‬‫وحين كنا نغادر‪ ،‬انهمر ٌ‬
‫جدا‪.‬‬
‫بعيدا ً‬
‫بعيدا‪ً ،‬‬
‫ً‬
‫يسمونه حياة‪.‬‬
‫كان ينهمر هناك‪ ،‬في البعيد‪ ،‬في المكان الذي ُّ‬
‫عاما!‬
‫هذا هو الزمن إ ًذا‪ ،‬هذه هي األبدية‪ :‬ثمانية وأربعون ً‬
‫وقبل ذلك عدم‪ ،‬وبعد ذلك عدم‪.‬‬
‫ها نحن اآلن عدمان يتحدثان‪ .‬فراغان يحاوالن أن يمتلئا بأصوات‪.‬‬
‫ض َّم صمتك إلى صمتي علَّهما يصيران صوتًا‪.‬‬
‫ض َّم صوتك إلى صوتي‪ُ .‬‬ ‫ُ‬
‫العدم هو نحن اآلن‪ .‬إنه نحن‪ .‬ال شيء آخر‪.‬‬
‫حدثني عن صوتك األول‪ ،‬عن لعبتك األولى‪ ،‬عن ذراعك الصغيرة حول عنق أمك‪ ،‬عن حذائك‬
‫ّ‬
‫اصنع أصواتًا‪ ،‬امأل هذا العدم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ث‪،‬‬ ‫في الحقول‪َّ M...‬‬
‫تحد ْ‬
‫حم َل الحطب عن ظهرها أمام باب الفرن‪ ،‬وبعد دقائق‬
‫ألقت ْ‬
‫صراخا‪ْ .‬‬ ‫ً‬ ‫أمنا كان صوتنا األول‬
‫تقول ُّ‬
‫سمعت َّأول صوت من أصواتنا‪.‬‬
‫ْ‬
‫قال الذين حواليها‪ :‬مبروك‪ .‬ووصل إليها كالمهم‪ ،‬من بين رذاذ جسدها‪ ،‬مثل قوس قزح كانت تراه‬
‫في الشتاء‪.‬‬
‫عز الصيف‪ ،‬ومع ذلك كانت تمطر!‬ ‫ُولدنا في تموز‪ ،‬في ّ‬
‫يخصها وحدها‪ .‬وكان َي ِع ُدها بزهور وثمار‪ ...‬أما نحن‪ ،‬ف ُكّنا نبكي‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫مطرا‬
‫لكنه كان ً‬
‫إليك نظرتي األولى‪ ،‬كمن ينظر في الصباح إلى مرآة و يمشي‪.‬‬ ‫نظرت َ‬
‫ُ‬ ‫وحينذاك‬
‫‪ ‬‬
‫جسرا من األصوات يوصلني بنفسي‪ .‬ضفَّتان‬
‫صنع ً‬
‫ليس عندي ما أقوله‪ .‬فقط أريد أن أتكلم‪ ،‬أن أ َ‬
‫وصلَهما بصوت‪.‬‬
‫متباعدتان أحاول ْ‬
‫نوجهها إلى أحد‪.‬‬
‫أصوات ال ّ‬
‫ٌ‬ ‫دائما‪.‬‬
‫أصوات ال غير‪ .‬هكذا هي اآلن‪ ،‬هكذا كانت ً‬
‫ٌ‬ ‫الكلمات أصوات‪.‬‬
‫وتقريبا‬
‫ً‬ ‫نحن ال نكلّم اآلخرين‪ .‬نكلّم فقط أنفسنا‪ .‬اآلخرون شيء بعيد وغريب‪ ،‬ال نراه وال نعرفه‪،‬‬
‫موجودا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ليس‬
‫لم يكن الكالم غير عزلة‪ ،‬لم يكن غير صمت‪.‬‬
‫أكرر عزلتي‪ ...‬ولكن‪ ،‬ماذا يقول لنفسه من هو ميت؟!‬ ‫مع ذلك أريد أن أتكلَّم اآلن‪ ،‬أريد أن ِّ‬
‫إنهما اآلن هنا‪ ،‬الذاكرة التي أوصدت وراءها الباب‪ ،‬والنسيان الواقف على العتبة‪ .‬هنا يتحلَّقان‬
‫وأكتب كي َّ‬
‫أتذكر جسد هذا‬ ‫ُ‬ ‫حول طيف روح‪ ،‬سقط الروح من النافذة والقاه طيفه إلى الباب‪.‬‬
‫أن كان لي وبر على جسدي ال أعرف أين صار‪ .‬كي َّ‬
‫أتذكر‬ ‫أن كان لي جسد‪ْ .‬‬ ‫الروح‪ .‬كي َّ‬
‫أتذكر ْ‬
‫وبر ال جسد‪ ،‬وأني لم أفعل طوال أيامي سوى البحث عن جسدي‪.‬‬ ‫أن ما كان لي هو ٌ‬ ‫باألحرى َّ‬
‫يستمرون في الحياة ما داموا يبحثون عن‬
‫ُّ‬ ‫أحيانا شعور بأن البشر يعيشون بال جسد‪.‬‬
‫ً‬ ‫يخالجني‬
‫جسدهم‪ ،‬وحين ييأسون من العثور عليه يموتون‪.‬‬
‫ث روحي عن جسدي‬ ‫طافحا بالروح لكني كنت بال جسد‪َ .‬ب َح َ‬
‫ً‬ ‫أنا‪ ،‬نفسي‪ ،‬عشت بال جسد‪ .‬كنت‬
‫يابسا يبحث عن قطرة‪ .‬وحين‬ ‫وحيدا‪َّ ،‬‬
‫روحا ً‬ ‫ظل هباء‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫مجنونا‪ .‬و ظ ّل‬
‫ً‬ ‫طويالً‪ .‬مشى أعرج ضاالً‬
‫دم يقال إنه يسري في األجساد! َّ‬
‫لكن قطرة الدم‬ ‫رمى نفسه من النافذة كان فقط لرؤية قطرة دم‪ٌ .‬‬
‫ظلَّت فوق‪ ،‬على الحافة‪ ،‬بين الداخل و الخارج‪ ،‬على الحدود التي ليست ألحد‪.‬‬
‫شيئا يخرج من النافذة‪.‬‬
‫شيئا يطير‪ً ،‬‬
‫كنت أريد ً‬
‫غريبا كان يلتصق بي‪.‬‬
‫ً‬ ‫شيئا‬ ‫لم يكن لي جسد‪َّ .‬‬
‫لكن ً‬
‫هل كان ذاك الغريب جسدي؟‬
‫ضحكتك الخارجة من عظمتين فارغتين ستكون أجمل ما‬
‫َ‬ ‫ظمتي َّ‬
‫فك ْينا ونضحك‪.‬‬ ‫لنفتح ع ْ‬
‫ْ‬ ‫فلنضحك‪،‬‬
‫ْ‬
‫النص‪ِّ ،‬‬
‫صدقني‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫في هذا‬

‫ميت‪ .‬لكن حين أريدك حيًّا يجب أن تحيا‪ .‬الكتَّاب ّ‬


‫يحركون‬ ‫النص‪ ،‬وإ نك بطل ّ‬
‫ّ‬ ‫أنت بطل هذا‬
‫َ‬
‫ضيق‬
‫تقل إن النعش ّ‬‫تتحرك كما أريد حتى لو كنت ميتًا‪ .‬ال ْ‬
‫شخوصهم كما يريدون‪ ،‬وعليك أن َّ‬
‫ترابا‪ .‬على الكتَّاب أن ّ‬
‫يحركوا التراب ويوسعوا النعوش‪ .‬وعليهم أن يعيدوا األموات إلى‬ ‫وصرت ً‬
‫َ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫الحياة ً‬
‫غصنا فوق رأسه بسيف‪.‬‬
‫ً‬ ‫قطعت حياتك بعصبية‪ ،‬كمن يقطع‬‫َ‬ ‫دائما‪.‬‬
‫متمردا ً‬
‫ً‬ ‫كنت‬
‫َ‬
‫وكنا‪ ،‬أنت و أنا‪ ،‬في جبهتين‪ :‬علينا أن نتقاتل بشراسة‪ ،‬وأن نتفاوض بخداع‪ .‬ولم نصل إلى سالم‪،‬‬
‫وال إلى هدنة‪.‬‬
‫عد ِّوي‪ ،‬وكان عداؤنا لنفسنا أشرس من عدائنا‬
‫أنت ميت أمامي اآلن وأريدك أن تعترف بأنك كنت ُ‬
‫لآلخرين‪.‬‬
‫عجزت عن قتلهم‪ .‬ولكن كيف تنسى نفسك؟ أمامك ٌّ‬
‫حل‬ ‫َ‬ ‫اآلخرون شيء آخر‪ .‬يمكنك أن تنساهم إذا‬
‫وحيد‪ :‬أن تقتلها!‬
‫وقتلتَها‪.‬‬
‫فلنضحك إذن أمام هذا االنتصار‪ .‬أمام قطرة الدم الخفيَّة‪.‬‬
‫ْ‬
‫مقفل‪M.‬‬ ‫َّ‬
‫ولنتذكر جسدنا الذي كان ملفوفًا بجلد َ‬
‫الداخلي المرعب! وأف ّكر اآلن كيف كان الدم يبصر طريقه في العروق! وكيف‬
‫ُّ‬ ‫ظالمنا‬
‫ُ‬ ‫جسدنا‪،‬‬
‫ُ‬
‫شيئا!‬
‫عاشت هذه األحشاء سنوات من دون أن ترى ً‬
‫الظالم والضوء اللذان‬
‫ُ‬ ‫ظالمه وضوؤه قاتاله‪.‬‬
‫ُ‬ ‫جسدنا كان قتيالً‪ .‬قتي ٌل بعماه‪ ،‬وقتيل برغبة الرؤية‪.‬‬
‫كوة‪.‬‬
‫سكينا‪ ،‬لفتح َّ‬
‫ً‬ ‫يستدعيان‪ ،‬كالهما‪،‬‬
‫الكوة التي فتحتها أنت بنفسك‪.‬‬
‫الكوة أراك اآلن‪ّ .‬‬
‫من هذه َّ‬
‫ضوءا‪ :‬للجلد‪،‬‬
‫ً‬ ‫ضوءا ولألحشاء رؤية‪ ....‬وأشعلت‬
‫ً‬ ‫تتحمل ظالمك الداخلي‪ .‬كنت تريد للدم‬
‫لم َّ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫والدم‪ ،‬واألحشاء‪ ،‬وللموت ً‬
‫رفاقنا كانوا يصفون األمل بالضوء‪ .‬يقولون "ضوء األمل"‪ .‬أما أنت فاخترت ضوء الموت‪.‬‬
‫يصر على اختراع‬
‫صدى! كمن ُّ‬
‫ً‬ ‫اخترعوا صفات لك ّل شيء‪ ،‬وأرادوها حلوةً وبليغة‪ ،‬وأن يكون لها‬
‫صوت‪ ،‬لخطوات ٍ‬
‫ناس غابوا‪.‬‬
‫في البدء كانت صفات‪ M،‬وكان علينا نحن أن نخترع أشياء تنطبق عليها‪.‬‬
‫مجرد ُنعوت!‬
‫كونا من َّ‬
‫كان علينا أن نخلق ً‬
‫كونا‪ ،‬ووضعنا فيه حياة‪ .‬لكن ما َج َم َعنا ليست الحياة بل الموت‪ .‬الحياة كانت للتفرقة‪.‬‬
‫وخلقنا ً‬
‫مرة حين متنا‪.‬‬
‫ألول َّ‬
‫وتصالحنا َّ‬
‫لست أبحث اآلن عن ضوء الحياة‪ .‬ال‪ .‬بل عن نار تدفئ‪.‬‬
‫ُ‬
‫نارا‪ .‬أريد أن أب ّكل أزرار قمصانها‪.‬‬
‫في السماء أرواح ترتجف من البرد‪ .‬أريد أن أشعل لها ً‬
‫نحبك‪.‬‬
‫صراخا قليالً‪ .‬وبهذا الصراخ قلنا ذات يوم للحياة ّ‬
‫ً‬ ‫كنا نملك‬
‫مشينا نبحث عن أصدقاء‪ ،‬عن ناس عن نبات عن حجارة‪ ،‬نلهج لهم بحبنا‪ .‬مشينا حتى تفلَّع قلبنا‪.‬‬
‫حبنا؟‬
‫رأينا أمكنة لكل شيء‪ .‬للنمل للشجر للطير لألرض للنجوم‪ ...‬أين مكان ّ‬
‫الحب أين ُن ْسكن هذا الحيوان؟ تخلَّ َع ْ‬
‫ت أكتافنا‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫أين َنضعُ هذا‬
‫الشوارع كلَّها األمكنةَ كلَّها وكلُّها مألى‪ .‬األرض امتألت قبل وصولنا وصار ما نحمله بال‬
‫َ‬ ‫مشينا‬
‫وه ُمه‪ .‬صار هو‪،‬‬
‫ومكاننا ْ‬
‫ُ‬ ‫وه ُمنا‬
‫وهم مكانه‪ .‬مكا ُنهُ ْ‬
‫لحملنا‪ ،‬صرنا َ‬
‫مكان‪ .‬صرنا المكان الوحيد ْ‬
‫وهما‪.‬‬
‫ونحن‪ ،‬والمكان‪ً ،‬‬
‫أرضا َحلَْلنا فيها‪.‬‬
‫ً‬ ‫في البدء كان الوهم‪ .‬والوهم صار‬
‫وهم الوالدة‪.‬‬
‫الحب َولَ َد َ‬
‫ّ‬ ‫ووهم‬
‫ُ‬ ‫الحب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وهم‬
‫ووهم الرغبة َولَد َ‬‫ُ‬ ‫وهم الرغبة‪.‬‬
‫َو ْه ُم األرض َولَ َد َ‬
‫ووهم النسيان َولَ َد العزلة‪...‬‬
‫ُ‬ ‫وهم النسيان‪.‬‬
‫ووهم الحياة َولَ َد َ‬
‫ُ‬ ‫وهم الحياة‪.‬‬
‫ووهم الوالدة َولَ َد َ‬
‫ُ‬
‫الحب إلى وهم الحياة أربعة عشر‬
‫ّ‬ ‫وهما‪ .‬ومن وهم‬
‫الحب أربعة عشر ً‬
‫ّ‬ ‫ومن َو ْهم األرض إلى وهم‬
‫وهما‪...‬‬
‫وهما‪ .‬ومن وهم الحياة إلى العزلة أربعة عشر ً‬
‫ً‬
‫جسدا َّ‬
‫وحل فينا‪.‬‬ ‫في البدء كان الوهم‪ .‬والوهم صار ً‬
‫شبرا نحو‬ ‫َّ‬
‫جسدا جميالً‪ .‬كنت تنامين على األرض لئال يقال ارتفعت ً‬
‫آه مونيك‪ ،‬يا واهبة األوهام ً‬
‫األوهام‪ ،‬بل لكي تنزل هي إليك‪.‬‬
‫وكانت تنزل‪ .‬تغسل عينيك‪ ،‬فمك‪ ،‬عنقك‪ ،‬صدرك‪ ،‬عانتك‪ ،‬ساقيك‪ ...‬فتنامين نظيفة‪.‬‬
‫يا مونيك التي كانت تنام على األرض أين أنت اآلن؟ أنا تحت مترين عن األرض‪ ،‬وتحت‬
‫عظامي حصاةٌ تزعجني‪ .‬قولي ألحد كي ُيزيح هذه الحصاة أريد أن أنام‪.‬‬
‫ب قليل‪ .‬مشينا بقامات قصيرة في شوارع طويلة‪ ،‬وكنا بالكاد ُنرى‪.‬‬ ‫كثيرا‪ ،‬باحثين عن ُح ّ‬
‫مشينا ً‬
‫ب يطيل قاماتنا‪.‬‬ ‫الح ُّ‬
‫نريد ُحبًّا‪ ،‬صرخنا‪ُ ،‬‬
‫رور أطفاالً‪.‬‬
‫مزالجها‪ ،‬وأو ُ‬
‫َ‬ ‫بوابتها‪ ،‬غادةَ‬
‫مفتاح َّ‬
‫َ‬ ‫المقدس‪ ،‬هدى‬ ‫أعطتنا دال ُل قفلها َّ‬
‫مكانا‪.‬‬
‫المقدس يا حارسة البوابة يا امرأة المزالج يا ّأم األطفال‪ ،‬نريد ُحبًّا‪ ،‬نريد ً‬ ‫يا صاحبة القفل َّ‬
‫ليستبد الهَلَعُ باألنهار العالية‪ .‬أريد قليالً من الماء‪ .‬فقط لئالَّ تموت‬
‫َّ‬ ‫الغ ْم ُر‬
‫فلترتفع المياهُ ليضطرب َ‬
‫هذه األسماك في حوضي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫إنني ميت كفاية‪ ،‬ومعي الوقت كي أنسج األحالم‪ .‬ميت كفاية كي أخترع الحياة التي كنت أريدها‪.‬‬
‫أيضا‪،‬‬
‫ليس جميالً يا وديع أن تستلقي هكذا في األبدية من دون أن تحلم‪ .‬ليس جميالً‪ ،‬في الموت ً‬
‫أالَّ تعيش الحياةَ التي كنت تشتهيها‪.‬‬
‫هاد في فضائك الواسع‪ ،‬في‬
‫الضيق‪ .‬وتَ َ‬
‫ّ‬ ‫الكوكب‬
‫َ‬ ‫األرض‬
‫َ‬ ‫الموت فسيح‪ ،‬يتَّسع لكل شيء‪َ .‬‬
‫انس‬
‫واضحك طويالً‪.‬‬
‫ْ‬ ‫عدمك‪.‬‬
‫العدم فسيح‪ .‬وتستطيع أن َّ‬
‫تمد فيه ضحكتك إلى األبد‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫نص الغياب‬
‫ُّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪1999‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫أهجرها‬
‫إنها الكلمات األخيرة‪ ]...‬وها أنا ْ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫هل أقول الوداع للكتابة؟‬
‫أقول الوداع‪.‬‬
‫حوار الكتابة حوار الصمت‪ .‬زمن الكتابة زمن الغياب‪ .‬مكان الكتابة عدم المكان‪.‬‬
‫أيضا‪ .‬في المقلب‬
‫ال حياة بالكلمات‪ .‬الحياة قد تكون هناك‪ ،‬خارجها‪ .‬هناك قد يكون اآلخرون‪ ،‬وأنا ً‬
‫ص‪.‬‬
‫الن ِّ‬
‫اآلخر من الكالم‪ ،‬خارج َ‬
‫الكتابة غياب الحياة‪ .‬الحياة قد نصادفها بالمشي‪ ،‬قد نصادفها بالجلوس‪ ،‬تحت شجرة أو على‬
‫بقبلة أو برصاصة‪ ،‬لكن ليس بالكتابة‪.‬‬‫رصيف‪ .‬ربما تأتي سهوا‪ٍ ،‬‬
‫ً‬
‫مجنونا باحثًا عن الحياة‪ .‬تسميم الكلمات‬
‫ً‬ ‫أ ُّ‬
‫َرش على هذا الثوب الذي أرتديه ُس ًّما للكلمات وأركض‬
‫هو الطريق القويم‪ .‬موت الكلمات هو كلمة الحياة األولى‪ .‬لثغها األول‪.‬‬
‫يا طالعةً من فمي ِ‬
‫إنك تقتلينني!‬
‫َّ‬
‫المتوهم‬ ‫النير إلى لجَّة‬
‫طب هذا القتل‪ .‬بالرمي من السطح ّ‬ ‫ليس بخنجر الخيانة وحده بل بسيف الش ْ‬
‫الغامض المستحيل‪ .‬بوقد النار في القلب واألعضاء‪ ،‬وتوزيع المفاصل‪ M‬في الشتات‪.‬‬
‫مشي على الغيم‪ ،‬والسقوطُ رذا ًذا‪.‬‬
‫ٌ‬
‫دخو ٌل في غرفة الموت‪ ،‬فيما الحياة تلعب على الطرقات‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫النصوص حمائم جافلة تطير من‬
‫ُ‬ ‫اش ألرواح الكلمات‪.‬‬ ‫في رحلة الصيد الطويلة لم أكن غير َّ‬
‫كش ٍ‬
‫أمام المؤلِّفين‪.‬‬
‫دربا ال بيت على جوانبها‪ ،‬وال شيء في خاتمة المطاف‪ُّ .‬‬
‫يمد حبال مشانق للسائرين‪.‬‬ ‫سراب ُّ‬
‫يمد ً‬ ‫ٌ‬
‫علي أنا النحيل أن أبقى معلَّقًا بهذه الحبال‪ ،‬ال ّ‬
‫ميتًا وال حيًّا؟ نحي ٌل ال‬ ‫دمت عرفت‪ ،‬لماذا َّ‬ ‫وما ُ‬
‫عد قليالً من يد الحياة!‬ ‫الحْب ُل‪ ،‬ومعلَّ ٌ‬
‫ق ْأب َ‬ ‫ُيميتني َ‬
‫علي أن أبقى فريسةَ ما ال ُيستساغُ أن يكون صاحب الوليمة؟‬
‫أنا الذي ال ُيستساغ لقمةً‪ ،‬لماذا َّ‬
‫منتظرا حياةً تطلع من شقوق الكلمات‪.‬‬
‫ً‬ ‫ق على ورقة‪،‬‬‫ق على حبل‪ ،‬معلَّ ٌ‬
‫معلَّ ٌ‬
‫أعرف كتَّ ًابا ماتوا على الحروف‪ ،‬وكتَّ ًابا ماتوا على‬
‫ُ‬ ‫طلعت إلى كتَّابها من هناك‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ال أعرف حياةً‬
‫النقاط‪ ،‬وكتَّاباً ماتوا على هامش الورقة‪ ...‬ماذا أنتظر من الكلمات؟ أريد البياض‪.‬‬
‫الميت وال‬
‫ص‪ .‬ال ّ‬ ‫ٍ‬
‫غياب بَِن ٍّ‬ ‫ِ‬
‫استحضار‬ ‫إمكان‬ ‫صحيحا‬ ‫َّ‬
‫متوهمة‪ ،‬الكتابة‪ .‬ليس‬ ‫متوهم عن ٍ‬
‫حياة‬ ‫َّ‬ ‫بحث‬
‫ٌ‬
‫ُ‬ ‫ً‬
‫والموت عدم‪ ،‬ال يمكن‬ ‫ُ‬ ‫عد ٌم‬
‫الغياب َ‬
‫ُ‬ ‫صحيحا ما اعتقدتُه في رحلة هذا الوهم الطويلة‪.‬‬
‫ً‬ ‫الحي‪ .‬ليس‬
‫ّ‬
‫غيابا‪ ،‬نصير موتًا‪ ،‬في رحلة هذا الوهم‪.‬‬
‫استحضارهما‪ .‬نصير ً‬
‫مرادف للموت‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫الكتابة‪،‬‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫والكلمات تبني بيتًا‪ ،‬أكون‬ ‫جسدا‪،‬‬
‫الخيال ً‬
‫َ‬ ‫وجودا من خيال‪َّ .‬‬
‫أن التخيُّل ُيحي ُل‬ ‫ً‬ ‫أظن أني سأبني‬‫كنت ُّ‬ ‫ُ‬
‫فيه ال قُبالتَهُ‪.‬‬
‫مشيت في اللغة بحثًا عن موطني‪ ،‬حتى‬‫ُ‬ ‫انكسرت في وهمها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مشيت طويالً في خيال اللغة‪ ،‬حتى‬
‫ُ‬
‫سكنت إال في الغياب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وألن اللغة كانت هي موطني‪ ،‬فإني ما‬
‫اكتشفت أني أبحث عن وهم‪ّ .‬‬
‫ُ‬
‫بعيدا‪ .‬أتذ ّك ُر‬
‫خرجت من فمي‪ ،‬وروحي‪ ،‬وغابت ً‬ ‫ْ‬ ‫لم أكن غير ك ّش ٍ‬
‫اش ألرواح الكلمات‪ .‬تلك التي‬
‫إلي‬
‫التفتت َّ‬
‫ْ‬ ‫عيونا خرجت فجأة‪،‬‬
‫ً‬ ‫القصي‪ M.‬أتذكر منها‬
‫ّ‬ ‫منها اآلن النقطة األخيرة الواهية في األفق‬
‫طا دقيقًا َر َس َمه هذا‬
‫سريعا‪ .‬أتذ ّكر ري ًشا تناثر بطلقات‪ ،‬وري ًشا مستعجالً للهرب‪ ،‬وخ ً‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫بلوم وغابت‬
‫وامحى بلحظة‪.‬‬
‫الهروب في الفضاء‪ّ ،‬‬
‫لم أكن غير ك ّش ٍ‬
‫اش فاشل ألرواح الكلمات‪.‬‬
‫كأنما ِظ ٌّل ذهب‪ ،‬وال‬
‫ال مكان للكلمات‪ ،‬إنها حالة غياب‪ .‬حالة استحالة‪ .‬تأتي كانما ِظ ٌّل أتى وتذهب ّ‬
‫وجه لها أو قامة أو مكان‪.‬‬
‫ظال ٌل‪ ،‬ظالل‪ ،‬و ال أثر‪.‬‬
‫أي شيء‪.‬‬
‫كلمات كثيرة‪ ،‬ولكن ُيستحا ُل قو ُل ّ‬
‫ٌ‬
‫دائما‪ ،‬لكن ال صاحب له‪ ،‬وال مقعد‪ ،‬وال معبر‪ ،‬وال كالم مع العابرين‪.‬‬ ‫ٌّ‬
‫يمر ً‬ ‫أحيانا‪ُّ ،‬‬
‫ً‬ ‫يمر‬
‫ظل ُّ‬
‫الكالم هو خيانة المكان‪.‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫والمكان هو خيانة الكالم ً‬
‫ِ‬
‫فألمض إذن‪ .‬ال كالم وال مكان لي‪.‬‬
‫ِ‬
‫فألمض‪.‬‬ ‫خائنا‪،‬‬ ‫ًّ‬
‫كالما ً‬
‫كنت ً‬ ‫كنت ظال‪ُ ،‬‬‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫سيسقطني‪.‬‬
‫أي سهم ُ‬
‫ألن َّ‬ ‫ِ‬
‫فألمش بال رغبة فوق هذا الجسر النحيل َّ‬ ‫الرغبات ُّ‬
‫ترتد على أصحابها‪.‬‬
‫طرائدها‪َ ،‬يسقطون الواحد تلو اآلخر َّ‬
‫كأنما العبور‬ ‫ُ‬ ‫هبوب نسيم‪ .‬صائدو الرغبات‬
‫ُ‬ ‫أي سهم وربما‬‫ُّ‬
‫فقط لغير الراغبين‪.‬‬
‫سليما‪ .‬الحمولة تزيد من ثقلي‪ ،‬فيهوي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫فارغا‪ ،‬ربما أص ُل ً‬
‫ً‬ ‫ببطء‪ ،‬بال رغبة‪ .‬فألمش‬ ‫فألمش‪ ،‬ولكن‬
‫سريعا هذا الجسر‪.‬‬
‫ً‬
‫أيضا!‬
‫يتجردوا‪ ،‬ال من ثيابهم وحدها بل من نفوسهم ً‬
‫على الذين يريدون العبور أن َّ‬
‫‪ ...‬لذلك‪ ،‬ال عبور‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫عني فوق هذا الجسر‪َّ .‬‬
‫لكن الصوت لم‬ ‫ٍ‬
‫صوت ليعبر ّ‬ ‫إرسال‬
‫َ‬ ‫العبور بالكلمات‪:‬‬ ‫كنت‪ ،‬فقط‪ ،‬أحاول‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫يرتد‪ ،‬ليقتلني!‬
‫يكن يعبر‪ ،‬وكان صداه ّ‬
‫ت حين أُرسل‬
‫مي ٌ‬
‫دائما‪ .‬كنت مجموعة موتى‪ :‬ضحيةَ كل صوت وكل صدى‪ّ .‬‬ ‫ميتًا ً‬
‫تقريبا ّ‬
‫ً‬ ‫كنت‬
‫ُ‬
‫كثيرا‪ ...‬واآلن أريد الصمت‪ ،‬أريد أن‬
‫مت ً‬‫كثيرا‪ُّ ،‬‬
‫وميت حين أتلقّى صداه‪ .‬وألني تكلمت ً‬
‫الكالم ّ‬
‫أحيا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫يدي ووجهي وروحي؟‬ ‫عيني‪ ،‬وغير َّ‬
‫َّ‬ ‫الميت!‪ ...‬ماذا ال أرى غير‬‫أضعُ أمامي المرآة وأنظر‪ ،‬أنا ّ‬
‫قرب الضباب‪ .‬الجنون قرب الماء‪ .‬الغناء تحت‬
‫عر َ‬ ‫وارتطام الفضاء بها‪ .‬ال َش ُ‬
‫ُ‬ ‫النسمات هناك‪،‬‬
‫ُ‬
‫النائس في‬
‫ُ‬ ‫الضوء‬
‫ُ‬ ‫الدم مع اآلية‪.‬‬
‫الغيمة‪ .‬البحر فوق القلب‪ .‬النبع ناحيةَ الغبار‪ .‬الوقت مع الحجر‪ُ .‬‬
‫خيمة الثعبان‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫موازيا طرفيه‪ ،‬متجر ًدا من ك ّل ٍ‬
‫ثقل حتى‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫مرعوبا‪،‬‬
‫ً‬ ‫ور الجسر‪َ ،‬حِذ ًرا‬
‫عب َ‬
‫وحده ُ‬
‫صوتي هناك يحاول َ‬
‫من صداه‪ ...‬يحاول‪ ،‬علَّه يعبر‪.‬‬
‫صوتي هناك وأنا هنا‪.‬‬
‫حتى لو عبر‪ ،‬هو هناك وأنا هنا‪ .‬مفصوالن‪ M‬مقطوعان مقطَّعان ال كالم بيننا وال قرابة وال نظرة‪.‬‬
‫كان ذات ٍ‬
‫يوم‪ ،‬ربما‪ ،‬صوتي‪ .‬لكنه وحده هناك‪ ،‬على ذاك الجسر‪ ،‬ووحدي هنا‪ ،‬في خيمة الثعبان‪.‬‬
‫كل المسافة‪ُّ ،‬‬
‫كل‬ ‫لكأن الوقوف هو ُّ‬
‫لكأن الخطوة األولى هي األخيرة‪َّ .‬‬
‫ال عبور‪ ،‬حتى بالكلمات! َّ‬
‫الطريق!‬
‫الصوت والثعبان‪ .‬لعبا على التالل‪ ،‬تراشقا بنقاط الندى التي تكاد ال تُرى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كانا‪ ،‬ذات يوم‪ ،‬رفيقين‪،‬‬
‫َّ‬
‫فاسترده الفضاء!‬ ‫الصوت نقطة‪،‬‬
‫َ‬ ‫كان الصوت والثعبان رفيقين يتراشقان بالندى‪ ...‬وأصابت‬
‫وحيدا هناك‪ .‬وكانت دموعه تنزل‪ ،‬تقطع المسافات النائية‪ ،‬إلى فم الثعبان‪.‬‬
‫ً‬ ‫عاش‬
‫معا!‪.‬‬
‫ويقتُالن ً‬
‫معا‪َ ،‬‬
‫للصوت رفيق واحد‪ :‬الثعبان‪ .‬يلعبان ً‬
‫‪ ‬‬
‫يا طالعةً‪ ،‬رديئةً‪ ،‬من فمي‪.‬‬
‫يا طالعةً لكي تلعبي مع الثعبان وتقتليني‪.‬‬
‫ندى‪ .‬على العشب في حديقتي الخلفية‪.‬‬‫لدي ً‬‫َّ‬
‫همسا‪ .‬فربما‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫همسا‪ .‬واقتال ً‬
‫والعبا ً‬
‫ليكن تراشقكما بالندى في الليل‪ .‬فال يراك الفضاء فيستدعيك‪َ .‬‬
‫ْ‬
‫الجيران يريدون أن يناموا‪.‬‬
‫حياء الوقت‪ ،‬فيمشي بين‬
‫َ‬ ‫طلق‬ ‫كنا ننام تحت صوف الهندباء‪ ،‬ننام صامتين‪ .‬عوض األصوات ُن ْ‬
‫ميتة‪.‬‬
‫خمرا من حناجر عصافير ّ‬‫النعوش و الذاكرة‪ .‬وعلّنا نطير‪ ،‬نشرب ً‬
‫اآلن‪ ،‬خيمةُ الثعبان‪ .‬الغصن اليابس أمامها‪ ،‬من بقايا غابة سحيقة‪ ،‬يفتح و ي ِ‬
‫غلق الباب‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫جنوب الرماد‪ ،‬المشنقةُ التي احتفظت بالقميص!‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الخراب‬ ‫اآلن شما ُل‬
‫الغصن أعلى قليالً من قامتي‪ .‬لذلك لن أصطدم به‪ ،‬سأدخل‪ ،‬من دون أن أحني رأسي‪.‬‬
‫وقت المنسحب على ٍ‬
‫مهل من اللحم‪ .‬الذي ُيرمى و‬ ‫وقت البياض في الجسد‪ُ .‬‬‫وقت العظام‪ُ .‬‬ ‫اآلن ُ‬
‫وقت العدم بال غبار‪.‬‬
‫وقت غبار العدم‪ُ .‬‬ ‫شاهدا وحده أنه كان‪ ،‬أنه لم يكن‪ُ .‬‬
‫ً‬ ‫ينزوي‪،‬‬
‫المنسحب بخفّ ٍة من يد الوقت‪ ،‬من طيف المكان‪ ،‬من ظ ّل المالك‪.‬‬
‫ُ‬
‫الحد الذي ال تطاله‬
‫ناصعا‪ ،‬إلى ّ‬
‫ً‬ ‫أبيض‪،‬‬
‫َ‬ ‫المنسحب من الحقل‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫عيون غريبة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بحبوب‬ ‫الذي كان سنبلةً‬
‫حد العدم‪.‬‬
‫الرؤية‪ ،‬إلى ّ‬
‫الجه َر به‪ .‬تبحث له عن‬
‫معدم‪ ،‬تريد ْ‬
‫حائر َ‬
‫هيولي لزج‪ٌ ،‬‬
‫ٌّ‬ ‫شيء‬
‫ٌ‬ ‫لم يكن لدى العظام كالم‪ .‬كان هناك‬
‫لغة علَّه يحيا فيها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫في ذاك المكان النائي‪ .‬على سرير صغير‪ ،‬بدأت حيرةُ العظام‪ .‬هناك بدأ َخَر ُسها و بحثُها عن لغة‪.‬‬
‫في ذاك المكان حيث اللغة لم تكن ُولدت بعد‪ ،‬و حيث كانت شجرة‪ ،‬تَسقط أوراقُها واحدةً بعد‬
‫أخرى‪ ،‬بصمت‪.‬‬
‫طريق‬
‫ُ‬ ‫لم يكن للكلمات مكان‪ ..‬في البدء لم يكن كالم‪ ،‬كان الصمت‪ .‬وحين انبثقت الكلمات بدأ‬
‫الموت‪.‬‬
‫أحم ُل اآلن هذه العظام الحائرة البيضاء‪ ،‬وأرميها في صمتها األول‪.‬‬
‫أضعها في انعدام اللغة‪ ،‬في السرير الصغير‪.‬‬
‫ُرسل في الجهات‪،‬‬ ‫كل ما تعلَّمتُه من كلمات‪ ،‬ما رفعتُه من آبار األجداد‪ ،‬ما َ‬
‫برق و ما انحجب وما أ َ‬ ‫ُّ‬
‫أعيده إلى صمته‪.‬‬
‫قميصا تحت‬
‫ً‬ ‫أفرش لها‬
‫ُ‬ ‫أمد إشارات يدي إلى األصوات التي صارت بعيدة‪ ،‬وأُعيدها إلى الحنجرة‪.‬‬‫ُّ‬
‫صوف الهندباء‪ ،‬وأنام قربها‪.‬‬
‫النيام والموتى الورق‪ ،‬ويتبادلون األدوار‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الضيق‪ ،‬حيث يلعب‬
‫ّ‬ ‫في هذا المكان‬
‫‪ ‬‬
‫َّ‬
‫متوهم‪.‬‬ ‫بحث‬ ‫َّ‬
‫متوهم عن الزمن‪ ،‬عن الحياة‪ ،‬عن الحريَّة‪ٌ ...‬‬ ‫بحث‬ ‫َّ‬
‫متوهم عن المكان‪ ،‬الكتابة‪ٌ .‬‬ ‫بحث‬
‫ٌ‬
‫‪ ‬‬
‫َّ‬
‫المتوهم‪.‬‬ ‫مسكنها في مكان آخر‪ .‬على الحافة‪ .‬في‬
‫ُ‬ ‫الكتابة ال تسكن في الحياة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫الكتابة مسكنها وراء الباب‪ .‬تطرق لكن ال ُيفتح لها‪ .‬ربما ألن ال أحد في الداخل‪ .‬ربما َّ‬
‫ألن الداخل‬
‫ألن ال داخل‪.‬‬
‫فراغ‪ .‬ربما ْ‬
‫أين الحياةُ و المكان والزمان؟ إذا كانت في الخارج لماذا‪ ،‬ونحن في الخارج‪ ،‬ال نراها؟ وإ ذا كانت‬
‫في الداخل لماذا ال ينفتح الباب؟‬
‫بحثت في الكتابة طويالً عن الحياة ولم أجدها‪ .‬لم أجد الحياة وال الزمن وال‬
‫ُ‬ ‫أنا الكاتب أعترف‪:‬‬
‫المكان وال الحرية‪ .‬الحرية؟‬
‫بديهي أن ال حرية‪ .‬الحرية؟ كيف تكون حرية ما دام ال حياة؟ نخترعهما‪ ،‬قالوا‪ .‬صحيح‪ ،‬وها‬
‫ٌ‬
‫أيضا‪ ،‬للحياة‪.‬‬
‫مواد وهمية غير قابلة‪ ،‬هي ً‬
‫نحن نخترعهما‪ .‬ولكن من ّ‬
‫اكتشفت هذا الوهم‪ ،‬هذه الكذبة‪ ،‬لماذا أكتب؟‬
‫ُ‬ ‫دمت‬
‫دمت عرفت‪ ،‬ما ُ‬
‫لماذا أكتب إذن؟ ما ُ‬
‫علي‪ ،‬على األرجح‪ ،‬أن أعيد تركيب نفسي‪ .‬أف ّككها قطعةً قطعة‪ ،‬أرمي اللعين منها وأُر ّكبها من‬ ‫َّ‬
‫جديد‪ .‬لو أن النفس آلة‪ ،‬لو أني فقط أرى ِق َ‬
‫ط َعها‪.‬‬
‫وأبحث عن آلة! تائهٌ ومنهوب‪ M.‬نهبتني الريح وأريد استرداد ممتلكاتي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تائهٌ في العاصفة‬
‫أريد الحلية التي َوهبتْها لي أمي‪ .‬أريد الطير الذي جلبه لي أبي‪ .‬أريد ريشة الروح‪ ،‬حدقةَ الفضاء‬
‫حليب الحجر الذي كان يدفق من نظرتي‪.‬‬ ‫َ‬ ‫أمام الباب‪،‬‬
‫وإ ذا كانت هذه كلُّها من المنهوبات‪ ،‬ألم تكن لي في الماضي على األقل نفسي؟‬
‫اآلن إ ًذا أريدها‪.‬‬
‫وإ ن لم تكن لي‪ ،‬أريد زهرة‪ ،‬لجثمانها‪.‬‬
‫قدمي فصار لي‪ ،‬نجمةَ الوعود إذ‬
‫َّ‬ ‫علق على‬
‫غبارها الذي َ‬
‫الدرب األولى‪َ ،‬‬
‫َ‬ ‫أريد استرداد ممتلكاتي‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بحنان وال أزال أنتظر‬ ‫نائم تحت لوزة‪ .‬ممتلكاتي‪ :‬نظراتي التي أرسلتُها‬
‫الغروب وأنا ٌ‬
‫ُ‬ ‫يأتي‬
‫ريحا ُّ‬
‫ترتد‬ ‫تحول ً‬ ‫ٍ‬
‫بنسيم خفيف‪ ،‬ثم َّ‬ ‫كمانا‪ ،‬لهاثي الذي امتزج‬
‫ظنوها ً‬ ‫عودتها‪ ،‬يدي التي العابرون ّ‬
‫إلي وتنهبني‪.‬‬
‫اآلن َّ‬
‫كم الساعة اآلن؟‬
‫الحفََر التي تركتها ضواري النظرات ستبقى‬
‫أن ُ‬‫أعرف أن المرضى في الغروب يهلوسون هكذا‪َّ .‬‬
‫ُ‬
‫وأن رصاصة الجنون‪ ،‬ورصاصة الحكمة‪ ،‬كالهما تصيبان المقتل نفسه‪.‬‬‫فارغة‪َّ .‬‬
‫األرض‬
‫ُ‬ ‫لم أكن في الماضي أعرف َّ‬
‫كل هذا‪ .‬كانت األرض مستديرة‪ ،‬ال أرى مقلبها‪ .‬اآلن‬
‫صحراء شاسعة‪ ،‬وقواف ُل طويلةٌ من البشر والشجر والبغال‪ ،‬موتى فوقها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مستطيلة‪،‬‬
‫خطٌّ ٍ‬
‫واه في البعيد‪ ،‬خيطٌ مشنوق‪ ،‬أريد عبوره‪ .‬وكلَّما خرج من الخيط نس ٌل‪ ،‬ظننتُه أوالدي‪.‬‬
‫كرسي قديم‪،‬‬ ‫المرمي على‬ ‫تحدثني الذاكرة عن األرض أنا العاري‪ُّ ،‬‬
‫فأمد يدي إلى معطفها‬ ‫أحيانا ّ‬
‫ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وأحاول أن أتدثّر به‪.‬‬
‫ُجرب أن أقنع نفسي بأني‪ ،‬من هذه الخيوط البالية‪ ،‬سأصنع كنزةً ألوالدي‪.‬‬
‫أ ّ‬
‫البرد؟ فليجتمعوا اآلن في طابور‪ ،‬والمقيمون‪ M‬في الحرارة في طابور آخر‪ :‬يجب‬
‫أين المقيمون‪ M‬في ْ‬
‫ْفر ُز الناس وحراراتهم‪ ،‬يجب خلق التوازن بين صقيع البشرية وحرارتها‪.‬‬
‫التوازن بين المعطف والكنزة المكرورة‪ .‬وإ الّ األرض ستقع‪.‬‬
‫المسرح‬
‫ِّ‬ ‫كالم للريح‪ ،‬للنظرة‪ ،‬للظ ّل‪ ،‬للثعبان‪ .‬للخيط‬
‫كالم بكالم‪ .‬فقط كالم قليل لالجدوى كثيرة‪ٌ .‬‬
‫ٌ‬
‫نسلَه‪ ،‬للمشنقة المحتفظة بالقميص‪.‬‬
‫كالم للذين ال يسمعون‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫صِد‬
‫النعش في الصباح اعطني الغيمةَ إلى الوسادة‪ .‬طُ َّل من الشبَّاك واقطع رأس الزنبقة‪ِ .‬‬
‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫اعطني‬
‫المجنون المنحني على النبع‪.‬‬
‫َ‬ ‫ص ِد‬
‫الثوب الخائن في الفضاء‪ِ .‬‬
‫َ‬
‫ق األسلوب‪ .‬فظِّ ْع باألصول والمنطق‬‫وشر ْدها‪ .‬اخن ِ‬ ‫عنق اللعة‪ .‬أ َْر ِ‬
‫هب الكلمات‪َ ،‬ش ْرِذ ْمها ِّ‬ ‫إقطع َ‬
‫ْ‬
‫الج َمل‪ ،‬وارمهما في النهر‪.‬‬
‫الصوت إلى الحديقة‪ ،‬خذه في نزهة‪ ،‬مع ُ‬
‫َ‬ ‫وبأعدائهما‪ .‬خذ‬
‫‪ ‬‬
‫يظن آباؤها وأمهاتها أنهم سيداعبونها كاألطفال‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫بكلمات َبعد‪ .‬كلمات ُّ‬ ‫بطن اللغة تحبل‬
‫ع َ‬ ‫ال‪ ،‬ال‪َ .‬د ْ‬
‫يغسلون وجهها ويمشطون شعرها ويجلبون لها األلعاب‪ ...‬دع آباء اللغة وأمهاتها يحلمون بأوالد‪،‬‬
‫الوهم‬
‫َ‬ ‫دعهم على مهلهم يعرفون‪ .‬دع‬‫تخر ْبها‪ .‬فبطن اللغة حاب ٌل بكلمات تولد ميتة‪ْ ،‬‬
‫هذه سعادتهم ال ّ‬
‫واترك للَّغة شأنها‪ :‬التالقح من الصمت واالستحالة‪ ،‬من الغياب والغيبوبة‪ ،‬من‬
‫ْ‬ ‫ُيسعد قلوبهم‪،‬‬
‫الموت والموت‪.‬‬
‫الخصوصي الذي ال ُيرى‪ ،‬ال ُيقال‪ ،‬ال ُيفعل‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫العتمةُ وحدها قد تكون الحياة‪،‬‬
‫آن َعَبرتا‬
‫علي قَ ْف ُل األبواب وإ سدال الستائر وإ طفاء األضواء لكي تكون لي حياةٌ ولغة؟ َ‬
‫هل كان َّ‬
‫العتبة واختلطتا مع خارجين كثيرين‪ ،‬فقدتُهما‪ ...‬لكني‪ ،‬حقًا‪ ،‬لم أكن أجدهما في الداخل‪ .‬ظننتُهما‬
‫حانة أو تحت شجرة أو على رصيف‪ .‬ولم تكونا ال في الخارج وال في الداخل‪.‬‬ ‫في الخارج‪ ،‬في ٍ‬
‫أين الحياة و اللغة إ ًذا؟‬
‫‪ ‬‬
‫الرنات تجري في الفضاء وتختفي‪.‬‬
‫واقف تحتها‪ ،‬أسمع ّ‬
‫ٌ‬ ‫الساعة ُّ‬
‫تدق دقّاتها وأنا‬
‫ثابت في المكان وثابت في‬
‫ُشيعه وحسب‪ٌ .‬‬ ‫واقف تحت الساعة‪ .‬ال أجري مع الرنين بل أسمعه وأ ّ‬
‫ٌ‬
‫أميز بينها‪ .‬األولى شبيهةُ الثانية شبيهةُ األلف شبيهةُ المليون‪.‬‬
‫ات متواصلة سريعة ال ّ‬
‫رن ٌ‬
‫الوقت‪ّ .‬‬
‫واقف في ساحة األصوات في موج األصداء‬ ‫ٌ‬ ‫وأنا تحت الرنة األولى شبيهي تحت كل الرنين‪.‬‬
‫جامد‪.‬‬
‫يحطُّ على رأسي طير كما يحطُّ على تمثال ويطير‪ .‬تلمسني سمكةٌ وتمضي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ال مكان للمشاعر كي تذهب إليه‪ .‬ال فسحة لتحريك العواطف‪ .‬ال مسافة بين الجدران‪.‬‬
‫وال مكان للكلمات وال زمان كي تتحرك أو تحيا‪.‬‬
‫لنصب هذه‬
‫لكن ال قصب يكفي ْ‬
‫أيضا نحاول أن نبني بهما ملجأ؟ ْ‬
‫هل المكان والزمان وهمان ً‬
‫الخيمة‪ .‬لذلك نقعد ونعزف موتًا للهواء‪.‬‬
‫تعبر الريح تاركةً موتى على أبوابنا‪ .‬ننادي من الداخل يائسين‪ :‬من سيطمر موتانا؟ أجدادنا‬
‫يزودونهم بالذهب‬
‫نهارا لحفر حوض يزرعون فيه موتاهم‪ّ .‬‬ ‫األوائل كانوا يدقّون الصخر ليالً ً‬
‫ومن يطمر‬
‫والمال كي يدفعوا أجرة السفر إلى الخلود‪ .‬نحن موتانا على األبواب َمن يطمرهم؟ َ‬
‫ٍ‬
‫طبقات طبقات‪ ،‬حتى صار هذا‬ ‫َّ‬
‫الممددين منذ مئات السنين فوق اإلسمنت‪،‬‬ ‫موتانا في هذه الغرفة‪،‬‬
‫نتاج جبلة األموات‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫البناء كله من مادة الموت‪ ،‬وصرنا‪ ،‬نحن‪َ ،‬‬
‫حادا يخترق العظام واللحم البالي‪َ ،‬علِّي‬ ‫أحاول أن أ َّ‬
‫ُطل برأسي من فوق الردم‪ .‬أن أُرسل صوتًا ً‬
‫ألمح ما وراءها‪ .‬فقط بوصة‪ ،‬بوصةٌ واحدةٌ مضاءة‪ ،‬وراء هذا الموت‪ ،‬تكفي‪.‬‬
‫ألنم بالراحة نفسها التي للقطعان‪ .‬التي‬ ‫ِّ‬
‫كفن السماء ينزل على الغرفة ويغطيني‪ْ .‬‬
‫لكن‪ ،‬فَألََن ْم‪ُ .‬‬
‫قعد ومن أجل‬ ‫الم َ‬
‫ألنم من أجل الجرح الذي ال يستطيع الحراك‪ .‬من أجل الحلم ُ‬
‫للجماد‪ ،‬للرماد‪ْ .‬‬
‫بعيدا‪،‬‬
‫أذهب ً‬ ‫ألنم بتواضع وال‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ْ‬ ‫ألنم وأتدث ْر بما تبقى على الطاوالت والكراسي من موتى‪ْ .‬‬
‫النسيان‪ْ .‬‬
‫فأظن أني حي‪.‬‬ ‫َّ‬
‫َسمعها تخرج من بين الفكوك العظمية المتناثرة لموتى‪،‬‬
‫هناك كلمات تطلع من تحت التراب‪ ،‬أ ُ‬
‫َّ‬
‫يتسن لها‪ ،‬في الحياة‪،‬‬ ‫لتقدم قبلةً لم‬
‫ُدفنوا من ألف عام‪ .‬فكوك تعوم فوق الثرى لتقول كلمة‪ .‬وفكوك ّ‬
‫تقدمها‪.‬‬
‫أن ّ‬
‫عظام تخرج لتضحك‪ ،‬وعظام تخرج لتلعب‪ ،‬وعظام لتتفقَّد أمكنتها األولى‪ M،‬وعظام لتجيل نظرها‬
‫ٌ‬
‫علَّها ترى األرض التي عاشت فوقها‪ ،‬ولم تكن تراها‪.‬‬
‫أصحابها يفعلون فوق التراب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تخرج العظام من تحت التراب كي تفعل ما لم يكن‬
‫ُطل على العالم‪َ .‬علِّي أفعل اليوم ما سأخرج من تحت‬
‫ظمة‪ ،‬أحاول أن أ َّ‬
‫الكوة‪ ،‬من الع ْ‬
‫من هذه َّ‬
‫التراب كي أفعله بعد ألف عام‪َ .‬علِّي أضحك اآلن وألعب و أرى األرض‪ ،‬وأقول الكلمة التي‬
‫أرغب في قولها‪ ،‬وأطبع قبلتي على فم الحياة‪.‬‬
‫قَُب ٌل كثيرة مطبوعةٌ على موتي‪ .‬لكنني أريد قبلة واحدة للحياة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫ويوجد المكان‪ .‬قبلةُ الشبق الجميل‪َّ ،‬‬
‫رنةُ‬ ‫الزمن الضائع‬
‫َ‬ ‫الحلم يشفي من مرض الكالم‪ .‬يجد‬ ‫قيل‪،‬‬
‫ُ‬
‫وعين النهر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ساعة النبع الباهرة‪،‬‬
‫ُ‬
‫أثاث بيتنا‬
‫وقيل‪ ،‬مهما خبا الحلم في العتمة مهما ُهزم في الضوء سيصير ذات يوم‪ ،‬فََر َسنا‪َ ،‬‬
‫وعظامنا‪.‬‬
‫َ‬ ‫وكسوةَ ِجْلِدنا‪ .‬سيصير لَ ْح َمنا نفسه‪،‬‬
‫وه ٌم آخر يضاف إلى تراث الشعوب‪ .‬كلمةٌ أخرى خائنةٌ في اللغة‪ .‬خيمةٌ منكسرة‪ ،‬يحتمي بها‬
‫ْ‬
‫كل مقاتليه منكسرون‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫طويلة ُّ‬ ‫ٍ‬
‫حروب‬ ‫تاريخ‬
‫ِ‬ ‫المهزومون‪ ،‬في‬
‫عمياء فال تراني وأنا ألقي مصيري بين السنابك‪.‬‬
‫َ‬ ‫األحالم‬
‫ُ‬ ‫‪ ...‬لتكن‬
‫كائن‬ ‫ق األحالم رايتي وأنا أخوض هذه المعركة‪ ،‬فأ ِ‬
‫َص َل إلى الهزيمة وليس برفقتي ٌ‬ ‫خن ُ‬
‫وليكن ْ‬
‫بريء‪.‬‬
‫اب باألحالم والكلمات‪ ،‬ويسقطون تحتها‪ .‬ينهزمون باألسلحة التي يحاربون بها‪.‬‬ ‫يحارب الكتَّ ُ‬
‫نفسها‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫يموتون في معركة أعداؤهم فيها هم ذواتُهم ُ‬
‫اب بأطياف َح َمام األحالم‪ .‬بزجاج الكالم الشفَّاف‪ ،‬المشظَّى في أفواههم‪ .‬حين يتلفّظون‬ ‫ينهزم الكتَّ ُ‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫اب يبتلعون الزجاج‪.‬‬ ‫جرحون‪ ،‬يختنقون‪ ...‬حين يتكلم الكتَّ ُ‬ ‫بكلمة ُي َ‬
‫كتبت بضع كلمات عليها‪ ،‬محاوالً بها أن أهزم التاريخ!‬ ‫ُ‬ ‫أحم ُل ثنيةَ ورقة‪،‬‬
‫وأجعل‬
‫َ‬ ‫وعدم آبائي وأجدادي‪،‬‬
‫َ‬ ‫ثنية ورقة‪ ،‬أحاول بها أن أوجد المكان والزمان‪ .‬أن أمحو عدمي‪،‬‬
‫وعظامهم تعود‪ ،‬وفكوكهم المبعثرة تلتحم‪.‬‬
‫َ‬ ‫أحالمهم تولد وتلعب معهم‪،‬‬
‫ثنية ورقة!‬
‫سفن تبحر على‬
‫نغني‪ٌ ،‬‬
‫ت ثم التقطناها ونحن ّ‬ ‫ٍ‬
‫أمكنة َش َر َد ْ‬ ‫والطية قصور ممالكنا‪ ،‬سبايا‬
‫ّ‬ ‫الطية‬
‫وبين ّ‬
‫األشرعة حتى ال يكون بعدنا بحر‪.‬‬‫ِ‬ ‫ولهيب َش ِّي‬ ‫لعاب رغباتنا‪،‬‬
‫ُ‬
‫غيم بعيد‪ ،‬نحطّمه بأحجار عيوننا‪.‬‬
‫وهم‪ٌ ،‬‬ ‫ثنيةُ ورقة‪ ،‬ثنية ْ‬
‫فليرأف الكتَّ ُ‬
‫اب بحياتهم‪ ،‬هذا الطائر الذي يحاول أن يلمسهم فيقتلونه‪.‬‬
‫ليرأفوا بحياتهم فال يأخذوا البريء إلى المشنقة‪.‬‬
‫فورا إلى المعركة‪ .‬حتى أننا لم ندعها تقطف‬
‫كان يمكن أن نأخذ حياتنا في نزهة‪ .‬لكننا أخذناها ً‬
‫زهورا كي يكون لها رفاق تحت الكفن‪.‬‬
‫ً‬ ‫عن الطريق‬
‫كان يمكن أن نتسلّح بالجنون‪ .‬أن نقتل العقل لننجو‪.‬‬
‫وحيوانات هانئة‪ .‬ولم نسمع الشجر يصرخ تحت فؤوس الحطَّابين‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫رأينا في طريقنا مجانين سعداء‬
‫يئنون وهم يقطعون الشجر‪.‬‬ ‫بل سمعنا الحطَّابين ُّ‬
‫تطواف األرض معها من دون ذاكرة الوصول‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫كان يمكن قت ُل الذاكرة ومرافقة الطيور‪.‬‬
‫كان يمكن قتل ذاكرة الرغبة‪ ،‬ذاكرة المكان‪ ،‬ذاكرة الخالص‪ ،‬ذاكرة السعادة‪ ،‬ذاكرة التاريخ‪...‬‬
‫وذاكرة الحياة!‪.‬‬
‫وعيش الحياة نفسها‪ .‬كما هي‪ .‬من دون هواجس اختراع‬ ‫ُ‬ ‫كان يمكن قتل ذاكرة البحث عن الحياة‬
‫أوهام لتغييرها‪ ،‬وال ألوان لتجميلها‪ ،‬وال أطر الحتوائها‪ ،‬وال مكابح النجرافها الفظيع‪.‬‬
‫كان يمكن عيش طوفان الحياة َّ‬
‫بلذة‪ ،‬فقط لو استسلمنا له صامتين‪ ،‬بال مقاومة و ال كالم و ال‬
‫أحالم‪.‬‬
‫ال يحيا سوى الذين نسوا لغة أجدادهم‪ .‬الذين كسروا زجاج الذاكرة وارتموا في النهر‪ .‬الذين نسفوا‬
‫المالجئ المقدسة وساروا في المتاهة‪.‬‬
‫ال يحيا سوى الذي رموا آباءهم في اآلبار‪.‬‬
‫شيئا‪.‬‬
‫أحدا في البئر ولم أكسر ً‬ ‫لم ِ‬
‫ارم ً‬
‫ميت إ ًذا؟‬
‫هل أنا ّ‬
‫‪ ‬‬
‫عميقًا في العتمة‪ ،‬عميقًا في الحفرة‪ ،‬تعيش البذرة بالصمت‪ .‬الصمت ينميها‪ ،‬الصمت يحفظ لها‬
‫طل على الضوء حتى يحترق‪.‬‬ ‫طل برعم منها على األصوات حتى ييبس‪ ،‬ما أن ُي َّ‬ ‫الحياة‪ .‬ما أن ُي َّ‬
‫ٌ‬
‫في هذه الحياة الداخلية كان يجب العيش بال عين‪ ،‬بال فم وال أُ ُذ ٍن وال يد‪ .‬األشياء تكبر وتصغر‬
‫بال إيماءة من أحد‪ .‬بإيماءة العتمة وحدها‪ ،‬العتمة التي ال تومئ‪.‬‬
‫دائما تنهار‪ .‬ليست األيدي هناك‬
‫حاولت أن أبني بيتًا وتكون لي حديقة‪ .‬لكن الحجارة كانت ً‬
‫ُ‬ ‫هناك‬
‫سهوا ترتفع‪ ،‬و إرادة البناء تهدمها‪.‬‬
‫ما يبني بيوتًا‪ .‬هي ً‬
‫بهمس ال ُيسمع‪ ،‬بإشار ٍة ال تُرى‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫كانت لي خيو ٌل هناك‪ ،‬تأخذني في المجاهل الجميلة‪ .‬تناديني‬
‫ميتًا بحوافرها‪.‬‬
‫سقطت ّ‬
‫ُ‬ ‫أردت سياسة خيولي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫وآن‬
‫فأمتطيها‪َ ....‬‬
‫اختراعنا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عميقًا في العتمة‪ ،‬هناك المكان‪ .‬حيث نحن الحديقة و البيت‪ .‬واآلخرون‬
‫هناك نحن‪ ،‬وآالتُنا الخفيَّة الغريبة التي تفقّس الغرباء‪.‬‬
‫بشرا غير حقيقيين‪ ،‬لنلهو معهم‪،‬‬
‫ممر لآلخرين من هناك‪ .‬فقط نخلقهم و ندفنهم‪ .‬نخترعهم ً‬ ‫ال َّ‬
‫ليكونوا لُ َعًبا فقط‪ ،‬ثم ندفنهم‪.‬‬
‫أيضا‪ .‬في هذا المكان المعتم العميق‪ ،‬حيث‬
‫اختراع نفسي ً‬
‫َ‬ ‫باآللة ذاتها التي تخترع الغرباء أُحاو ُل‬
‫ال إشارة لوالدة وال لموت‪ .‬حيث ال إشارة‪ ،‬حتى لمكان‪.‬‬
‫مكان ٍ‬
‫بعيد منا‪ ،‬وتعيش في‬ ‫لكن‪ ،‬اآلخرون وحدهم يمكن اختراعهم‪ ،‬أما ذاتُنا فال‪ .‬هي تولد في ٍ‬ ‫ْ‬
‫مكان ٍ‬
‫بعيد وتموت في مكان بعيد‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫أعيننا على اتساعها إال‬
‫اقتربت‪ ،‬أن نلمحها‪ .‬نعيش قبالتها مغمضين‪ ،‬وال تنفتح ُ‬
‫ْ‬ ‫أحيانا‪ ،‬إذا‬
‫ً‬ ‫يمكن‪،‬‬
‫آن تقول الوداع‪.‬‬
‫َ‬
‫هل الكلمة هذه‪ ،‬هل قو ُل الوداع هو ما يجعلنا نرى؟‬
‫كل الحوار ُّ‬
‫وكل الحضور؟ ك ُل الزمان والمكان والحياة؟ هل هذه هي‬ ‫هل هذه الكلمة وحدها هي ُّ‬
‫ص كلُّه؟‬ ‫الكتابةُ كلُّها َ‬
‫والن ُّ‬
‫غير غيابهم؟‬ ‫يكتب الكتَّ ُ‬
‫اب َ‬ ‫ُ‬ ‫إذن‪ ،‬ال‬
‫ْ‬
‫ال يعيشون إالّ غياب مكانهم وغياب زمانهم؟‬
‫مجر ُد انعكاس الغياب؟‬
‫و الرؤية‪ ،‬هل هي َّ‬
‫وجودا من هذا العدم؟‬
‫ً‬ ‫إذن‬
‫نبني ْ‬
‫كيف لنا أن َ‬
‫غيابا؟‬
‫حضورا ال ً‬ ‫ً‬ ‫كيف للكتَّاب أن يكتبوا‬
‫وجودا؟‬
‫ً‬ ‫يظنونه‬ ‫متوهٍم ٍ‬
‫لعدم ُّ‬ ‫َّ‬ ‫داخلي‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫لمعان‬ ‫مجر ُد‬
‫كل هذا الذي يرونه‪َّ ،‬‬ ‫وما يرونه‪ُّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫وهِم وجودهم و‬
‫حقيقة عدمهم؟‬ ‫غير ْ‬
‫غير موتهم؟ َ‬
‫اب ال يكتبون َ‬ ‫أن الكتَّ َ‬
‫هل يعني هذا‪ ،‬باألحرى‪َّ ،‬‬
‫‪ ...‬وإ ًذا‪ ،‬هل الكتَّ ُ‬
‫اب حقًا موجودون؟‬
‫ٍ‬
‫صور‬ ‫ٍ‬
‫صور لغرباء‪،‬‬ ‫غير‬
‫اختراع أنفسهم‪ .‬فال يخترعون َ‬
‫َ‬ ‫باآللة الغريبة ذاتها يحاول الكتَّ ُ‬
‫اب‬
‫لغائبين‪.‬‬
‫غيابهم‪.‬‬ ‫الكتابةُ ال شيء إ ًذا سوى كتابة الغياب‪ .‬الكتَّا ُ‬
‫ب هم‪ُ :‬‬
‫‪ ‬‬
‫أغسل وجهي‪َ ،‬علِّي أصحو من هذا الغياب‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ألنزل إلى أسفل النبع و‬
‫ْ‬
‫فشردت و ضاعت مني‪.‬‬
‫ْ‬ ‫جدا‪ ،‬أعلى من هذا الفضاء الذي لي‪،‬‬
‫عاليا ً‬
‫أطلقت أوهامي ً‬‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫فألنزل إلى أسفل‬
‫ْ‬ ‫تعد لي‪.‬‬
‫لم أكن أملك غير هذه األوهام‪ .‬وحدها كانت ملكي‪ .‬لكن حتى هي لم ْ‬
‫وأغسل وجهي‪.‬‬
‫ْ‬ ‫النبع‬
‫على البشر أن يحتفظوا بأوهامهم‪ ،‬أن يداروها فال تغادرهم‪ .‬سيحتاجون إليها لكي تؤنسهم‪.‬‬
‫على البشر أالّ يزجروا أوهامهم‪َ .‬فْليحضنوها بحنان‪ ،‬وإ ال ماذا يبقى لهم؟‬
‫ظ بها لكي تكون لنا حياة‪.‬‬
‫األوهام حياتُنا‪ .‬فلنحتف ْ‬
‫وكل األرض شجرتي‪.‬‬ ‫خلت نفسي الطير َّ‬ ‫صغيرا وطار بي‪ ،‬حتى ُ‬ ‫الوهم‬ ‫سباني‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫نهارا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫صف َّ‬‫المناخات و تقليم العوا ِ‬
‫ِ‬
‫وعملت ليالً ً‬
‫ُ‬ ‫األدغال‬ ‫الجبال ومجاهل‬ ‫نتوءات‬ ‫وجز‬ ‫َ‬ ‫تقويم‬
‫َ‬ ‫أردت‬
‫ُ‬
‫وسعيدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫موهوما‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫األرض‬ ‫على ترويض‬
‫لكن وهمي كان يسعدني‪.‬‬ ‫مت َّ‬ ‫ُهز ُ‬
‫صريع يأسي‪.‬‬
‫َ‬ ‫ت‬
‫أعد أقنع نفسي بوهمي‪ ،‬خرر ُ‬
‫آن لم ْ‬‫وهم‪َ ،‬‬
‫أن وهمي ٌ‬ ‫اكتشفت َّ‬
‫ُ‬ ‫وآن‬
‫َ‬
‫الوهم إ ًذا هو السعادة‪ .‬والحقيقة هي اليأس‪.‬‬‫ُ‬
‫َّ‬
‫أوهاما‪ ،‬وإ ال كيف‬ ‫لنخترع‬
‫ْ‬ ‫َّ‬
‫لنبحث عن وهم آخر كلما ضاع وهم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ظ بأوهامنا وْل ِ‬
‫نز ْدها‪.‬‬ ‫فلنحتف ْ‬
‫ً‬
‫كل هذا الوقت!‬ ‫يمضي ُّ‬
‫فلنقدسه‪.‬‬
‫الوهم نعمتُنا‪ ،‬إلهُنا الوحيد‪ّ ،‬‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬

‫وهمهم‪.‬‬
‫الناس‪ُ ،‬ه ْم ُ‬
‫ُ‬
‫‪ ‬‬
‫فلتخرج على األق ّل كلمةٌ من فمي‪ ،‬وتدلّني إلى الطريق‪.‬‬
‫ْ‬ ‫بعد ك ّل هذا الدوران في فراغ‪،‬‬
‫علي أن أغسل وجهي‪.‬‬ ‫لتسب ْقني وتَ ُدلَّني إلى النبع‪ ،‬حيث َّ‬
‫علي أن أرى‪ ،‬منفذاً إذا كان يجب‬
‫كوةً إذا كان َّ‬
‫لتفتح َّ‬
‫ْ‬ ‫ظمة‪.‬‬ ‫لتنطلق كلمةٌ َّ‬
‫حادة من فمي وتثقب الع ْ‬ ‫ْ‬
‫إن هناك عبور‪.‬‬
‫دربا ْ‬
‫أن أخرج‪ً ،‬‬
‫ت‬ ‫كلمات ال تُحصى درات في فراغ‪ .‬لو ر ِ‬
‫صفَ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫كلمات كثيرة خرجت من فمي‪ .‬لكن‪ ،‬ما جدواها؟‬ ‫ٌ‬
‫ُ‬
‫لكنت أملك جبالً‪ .‬ولكن من رماد‪.‬‬
‫ُ‬
‫المرمدةُ هذه؟ ما دام الرماد ال يدفئ‪ ،‬ال يضيء‪ ،‬ال يصلح لبناء غرفة‪ ،‬وال‬
‫َّ‬ ‫ما جدوى جبال الكتَّاب‬
‫للمشي عليه‪.‬‬
‫أليس على الكتَّاب و الناس أن يتدفأوا بصمتهم؟ أن يعرفوا أن الصمت هو غرفتهم الوحيدة‪،‬‬
‫الصمت َّ‬
‫المقدس‪ ،‬وينامون عراةً‬ ‫َ‬ ‫إذن يهدمون هذا الهيكل‪ ،‬هذا‬
‫ووراءها ال حديقة وال طريق؟ لماذا ْ‬
‫في الكالم‪ ،‬مرتجفين من البرد وخائبين وخجولين؟‬
‫وتتعرض أنفسهم‬
‫َّ‬ ‫حين يتكلَّم الناس يبردون‪ ،‬يمرضون‪ .‬تتفتَّق المعاطف التي سترت أرواحهم‪،‬‬
‫ألوبئة الهواء وعوراتُهم للعوام‪.‬‬
‫ٍ‬
‫هلوسات وسرطانات‪ .‬يسكنون فيها وتسكن فيهم‬ ‫أمراضا‪ .‬يرصفون‬ ‫حين يتكلَّم الناس يرصفون‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫مستعمرات لألصوات‪ .‬سبايا‬ ‫مدنهم َّ‬
‫وسك ُانها تحت نير ظلم الكلمات‪ .‬تصير‬ ‫مدنا‪ .‬وتصير ُ‬ ‫ويبنون ً‬
‫عدمون جميعهم‬
‫وي َ‬
‫للنطق‪ ،‬وسبايا للرؤية‪ ،‬وسبايا للكتابة‪ .‬تصير ك ّل التعابير في محاكم التفتيش‪ُ .‬‬
‫في ساحات الكالم‪ .‬في الساحة التي قالوا فيها كلماتهم‪ ،‬والساحة التي ظلّوا فيها صامتين‪.‬‬
‫ده َستْها حتى قبل أن تولد‪.‬‬ ‫ده َستْها قبل أن ننطق بها‪َ ،‬‬
‫حوافرها فوق كلماتنا‪َ .‬‬
‫ُ‬ ‫ت‬
‫مر ْ‬
‫جحافل كثيرة َّ‬
‫المغزوة‪ ،‬اللغةَ المسبيَّة‪،‬‬ ‫غير الممعوس من أصوات األجداد‪ .‬نقول اللغةَ‬ ‫َّ‬
‫َّ‬ ‫لذلك حين نتكلم ال نقول َ‬
‫أصوات ناقصة‪ ،‬وغريبة‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫غير‬
‫غير حشرجات‪ُ ،‬‬ ‫اللغةَ القتيلةَ التي ال يطلع من حنجرتها ُ‬
‫حين نتكلم‪ ،‬نرصف جثثًا‪.‬‬
‫ليست لدينا لغة‪ .‬لدينا حشرجات‪ ،‬من ٍ‬
‫لغة قتيلة‪ ،‬غابرة‪.‬‬
‫زحفت إلينا من موتانا‪ ،‬عبر المتاهات‪ ،‬عبر آالف السنين‪ ،‬غامضةً وغريبة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫شبهُ أصوات‬
‫ليست لدينا لغة‪ .‬ولذلك ال اتصال مع اآلخرين‪ .‬ال اتصال مع ذواتنا‪.‬‬
‫وإ ذا كنا ال نتّصل‪ ،‬ال نتالقح‪ ،‬كيف تكون لنا والدة؟‬
‫ٍ‬
‫ميتات متكررة‪ ،‬ال نتاج والدات؟ ولن تكون لنا لغة‪ ،‬لن تكون لنا حياة‪ ،‬إالّ‬ ‫هل نحن إ ًذا نتاج‬
‫بانبعاث القتلى؟‬
‫ألن تكون لنا لغتنا و حياتنا إالّ إذا أعدنا الحياة إلى الذين قتلناهم‪ ،‬وقتلتهم اللغة‪ ،‬وقتلهم التاريخ؟‬
‫الحلم بالنوم األبدي؟‬
‫َ‬ ‫يجدد‬
‫لكن‪ ،‬أليس في هذا االنبعاث ذاته ما ّ‬
‫‪ ‬‬
‫قبضت عليها وأنا أقفز فوق النهر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫هناك أحالم‪ ،‬أحالم صغيرة‪،‬‬
‫حاولت التقاط البقايا الحارقة لذاتي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫نثار هذه النار‪.‬‬
‫طعُ أحالمي كانت َ‬‫تقريبا مشتعالً‪ ،‬و ِق َ‬
‫ً‬ ‫كنت أقفز‬
‫ُ‬
‫شكالُ به صورةَ ٍ‬
‫طير فوق نهر‪.‬‬ ‫رمادا بعد‪ ،‬م ِّ‬ ‫يصر‬
‫ُ‬ ‫ً‬ ‫الجمر الذي لم ْ‬
‫َ‬
‫المرجو‪ ،‬الموهوم‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫لم أكن أنا القافز فوق النهر بل الصورة‪ .‬الشبهُ المتخيَّل‪،‬‬
‫صفيح روحي على الصحراء‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لمعان‬ ‫ولم يكن هذا النهر من ماء‪ ،‬بل من‬
‫ومن كان واقفًا في هذا المكان ليس أنا‪ .‬وال‬
‫ريش ورجاء ط ّل‪َ .‬‬‫ٍ‬ ‫حلم‬
‫ال ماء هنا وال طير‪ .‬فقط ُ‬
‫شبهي وال ظلّي‪ .‬والرطوبةُ هذه‪ ،‬العفونةُ هذه‪ ،‬ليست نداي‪ .‬والمتطاير‪ ،‬فوق‪ ،‬ليس جناحي‪.‬‬
‫ٍ‬
‫كلمات‬ ‫ب من‬ ‫شيء آخر‪َّ ،‬‬
‫مرك ٌ‬ ‫هذا الشخص الذي ترونه اآلن‪ ،‬الذي تقرأونه هنا‪ ،‬ليس أنا‪ .‬هو‬
‫ٌ‬
‫الة ٍ‬
‫لغة مريضة‪.‬‬ ‫حم ِ‬
‫ص َل إلى هنا‪ ،‬هكذا بالصدفة‪ ،‬على َّ‬
‫صفت خطأً بعضها فوق بعض‪َ .‬و َ‬
‫قديمة ُر ْ‬
‫ذاهبا إلى ٍ‬
‫مكان آخر‪ ،‬إلى الحقول‪ ،‬إلى‬ ‫ص َل إلى المرض‪ ،‬إلى المستشفى و المختبرات‪ ،‬وكان ً‬
‫َو َ‬
‫ويغني‪.‬‬
‫يشرب نبي ًذا ّ‬
‫َ‬ ‫الشواطئ‪ ،‬إلى المقاهي كي‬
‫رقصا‬
‫ً‬ ‫ظنه أن األصوات تولد للغناء ال للصراخ‪ .‬للنشيد ال للحشرجة‪ .‬وأ َّن الدروب تطلب‬
‫كان في ّ‬
‫عبورا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ال‬
‫يتم بال حركة‪،‬‬
‫العبور ُّ‬
‫ُ‬ ‫المشي يحدث وحده ونحن جالسون أو نيام‪.‬‬ ‫الطريق ال للمشي بل للنوم‪.‬‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ظن‬
‫ُ‬
‫من دون انتقال‪ ،‬من دون يقظة‪.‬‬
‫تعب‬
‫وي َ‬ ‫ظن أنه جاء من أجل أن يقعد ال من أجل أن يمشي‪ .‬إذا كان عليه أن يمشي َّ‬
‫كل الوقت ُ‬ ‫َّ‬
‫كافيا للوالدة‪ .‬ثمة خطأ حدث بال شك‪،‬‬
‫مبر ًرا ً‬
‫المشي ليس ّ‬
‫ُ‬ ‫قدميه هكذا بال جدوى‪ ،‬لماذا إذن يجيء؟‬
‫وولَّ َد سلسلةً طويلة من األحداث الخطأ‪ .‬في البدء لم تكن الكلمة إذن‪ ،‬وال اهلل‪ ،‬بل كان الخطأ‪.‬‬
‫والخطأ ولَّد أخطاء‪ ،‬كان منها الكون‪.‬‬
‫الكون صورتُه‪ .‬أين هو أريد‬
‫ُ‬ ‫كونا بهذا النقص الرهيب؟ قيل‬‫أحد كلّ ُّي الكمال أن يخلق ً‬ ‫كيف يمكن ٌ‬
‫إن كان فعالً بكل هذه البشاعة!‬
‫أن اراه‪ ،‬أريد أن أعرف ْ‬
‫أرض حائرةٌ ال تعرف‬
‫ٌ‬ ‫ومكلِّمنا‪ ،‬وفي حنجرته قنبلةٌ تكاد تنفجر‪،‬‬
‫الخطأ انبثاقُنا ومكاننا‪ .‬إنه لغتُنا ُ‬
‫كيف ستدفن س ّكانها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫نائما كي‬
‫ولست ً‬
‫ُ‬ ‫سقطت في النهر‪،‬‬
‫ْ‬ ‫أعبر هذا الجسر‪ .‬الكلمات التي أرسلتُها كي تعبر عني‬
‫علي أن َ‬
‫َّ‬
‫يعبر حلمي عني‪.‬‬
‫صْل ٍح بين اإلقامة والعبور‪ ،‬بين الجسر والسقوط‪ ،‬بين الكالم والماء؟‬
‫كيف يمكن ع ْقد ُ‬
‫ٍ‬
‫كائنات تأتي وتذهب مثل‬ ‫جديدا‪،‬‬
‫ً‬ ‫كونا‬
‫علي أن أعبر‪ ،‬أو أن تكون لي ريشة الممسوسين فأرسم ً‬ ‫َّ‬
‫ترث وال تورث‪.‬‬
‫نسيم‪ ،‬ال آباء لها وال أوالد‪ ،‬ال ُ‬
‫منتشيا‬
‫ً‬ ‫ريشة ممسوسين ترسم اللهبة الرائعة لعدم استدعاء شيء‪ ،‬فيأتي على بريقها ُّ‬
‫كل شيء‬
‫بالمجيء والنسيان‪.‬‬
‫مرئي وجميل‪ .‬أنت‬
‫ّ‬ ‫غير‬
‫لمسا خفيفًا فينفتح‪ ،‬تلمسه فينغلق‪ ،‬وأنت فيه ُ‬
‫باب خفيف‪ ،‬تلمسه ً‬ ‫كون له ٌ‬
‫ٌ‬
‫مرئي فال تزيد رؤيةُ نفسك من حمولتك‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وغير‬
‫ُ‬ ‫فيه خفيف فال ُيتعبك َح ْم ُل ذاتك‪،‬‬
‫سويا‪ .‬ال أخضر‬
‫كون ال عقل له وليس ً‬ ‫بريشة الممسوسين وحدهم‪ ،‬ال بريشة األسوياء والعقالء‪ٌ .‬‬
‫لون تحت ثِ ْق ِل ٍ‬
‫لون آخر إذا َعَب َر عليه‪ .‬أبيض كي ال‬ ‫أبيض كي ال يرزح ٌ‬
‫ُ‬ ‫وال أصفر وال أحمر‪.‬‬
‫تذكر ألوان‪ .‬كي ال يكون ُّ‬
‫تذك ُر عبور‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫يكون ُ‬
‫كون ممسوسين‪ .‬ال هدف لهم إن أقاموا وإ ن عبروا‪ .‬ممسوسين ال أصوات لهم‪ ،‬كي ال يرتطم‬ ‫ُ‬
‫صوت هذا بصوت ذاك‪ .‬كي تبقى الساحةُ فارغةً‪ ،‬صامتة وجميلة‪ .‬ممسوسين ال يرسلون أصواتًا‪،‬‬‫ُ‬
‫كي ال يكون لهم في الفضاء أوالد‪.‬‬
‫أثر وال إرث‪.‬‬
‫كي ال يبقى لهم ٌ‬
‫ويخلق لغتَه بنفسه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫بال اصوات‪ ،‬لئال يرث اآلتون لغةَ الراحلين‪ .‬فيتحرر اآلتي من كالم الذاهب‬
‫أي عبء‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫براحة ألنه لم يترك َّ‬ ‫والراح ُل يذهب‬
‫يكون آباء‪.‬‬
‫َ‬ ‫ابن أحد‪ ،‬وال‬
‫أحد َ‬
‫لئال يكون ٌ‬
‫كون يأتيك خلسةً دون أن تراه‪ ،‬وتذهب منه خلسةً دون أن يراك‪.‬‬
‫ٌ‬
‫شخص آخر‪ ،‬نظرات‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫في الرؤية مرافقة‪،‬‬
‫ضيوف ال تتوقَّع مجيئهم وبيتك فارغ‪ .‬في الرؤية واجبات‪ ،‬خجل‪ ،‬إدانة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫في الرؤية‬
‫طيًبا ونحيالً يقعد تحت شجرة ويضحك‪ .‬يمتزج بالنسيم‪،‬‬
‫ممسوسا‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫كونا‬
‫أرسم بريشة الممسوسين ً‬ ‫ُ‬
‫يبتسم‪ ،‬ويموت‪.‬‬
‫كون ال ُيرسم ٍ‬
‫بحبر مرئي‪ ،‬بل بالبياض‪ ...‬ولذلك لن ُيرسم‪ ،‬ولن يكون‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫‪ ‬‬
‫ماذا نفعل بما ورثناه من كلمات؟ أين نضع َّ‬
‫كل هؤالء العجزة وبيتُنا ال يتَّسع حتى لنا؟‬
‫كيف نحفر المقبرة العظمى وأين؟‬
‫يبق مكان؟ أم َّ‬
‫أن علينا‪ ،‬بهذه الكلمات‬ ‫األرض والفضاء مزدحمان باألصوات‪ .‬أين نحفر ولم َ‬
‫نفسها‪ ،‬أن نحفر المقابر للكلمات؟‬
‫الكون‬
‫َ‬ ‫كلمات نحن خليطها‪ ،‬أطفالها‪ ،‬لقطاؤها‪ .‬كيف نحفر لها القبر وال ننام فيه؟ أم أن ذاك‬
‫ٌ‬
‫المرسوم بريشة النسيم‪ ،‬شرطُ وجوده موتُنا؟‬
‫َ‬ ‫الجميل‪،‬‬
‫يمر خفيفًا هكذا‪ ،‬بال انتظار‪.‬‬
‫لتكن لنا إذن نعمةُ نسيان الجمال‪ ،‬نعمة موت األحالم‪ .‬الوقت ّ‬
‫لتكن لنا نعمة اليأس‪ ،‬نعمة رضى الطيور المخذولة‪ ،‬العالية والبعيدة‪ ،‬النائية عن التطلّع إلى‬
‫الوليمة‪ .‬ليكن لنا جمال الفريسة‪ ،‬رضى العجز عن اإلفتراس‪ ،‬مسحة الجمال األخيرة للضحية‪،‬‬
‫بسمةُ قبول الدم‪.‬‬
‫افترار‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫لنستهجن العادةَ التاريخية السمجة‪،‬‬ ‫لنقلب المقاييس‪ ،‬فَُنِق ْم للنصر َن ْدًبا وللهزيمة زغاريد‪.‬‬
‫ِ‬
‫شعارا لمهرجان‬ ‫ط الساقطة من العيون عالمةً للغبطة‪،‬‬ ‫وقت الفرح‪ ،‬جاعلين النقا َ‬‫بسمة َ‬ ‫ٍ‬ ‫الثغر عن‬
‫ً‬
‫االنقالب العظيم على التكوين‪.‬‬
‫أخطاء تكوينها‪.‬‬
‫َ‬ ‫السيئة التي أثبتت‪ ،‬على مدى التاريخ‪،‬‬
‫كيمياء الروح‪ ،‬هذه التركيبة ّ‬
‫َ‬ ‫نغير‬
‫ّ‬
‫ورفض الحياة قمةَ‬ ‫ِ‬
‫العذابات صديقات‪،‬‬ ‫العمل مضيعةً للوقت‪،‬‬
‫َ‬ ‫إنجازا‪،‬‬
‫ً‬ ‫الكسل‬
‫َ‬ ‫نجعل الفشل هدفًا‪،‬‬
‫َ‬
‫عيش الحياة‪.‬‬
‫نقلب كيمياء الروح‪ ،‬فيتقلَّص ُ‬
‫عدد األعداء‪.‬‬
‫نحفر المقبرة العظمى‪ ،‬ونحتفل بمهرجان اإلنقالب العظيم على التكوين‪.‬‬
‫رقيق عوض الدم الصارخ‬
‫ٌ‬ ‫وعشب‬
‫ٌ‬ ‫صامت‬
‫ٌ‬ ‫شجر‬
‫نقلب كيمياءنا إلى نبات‪ ،‬فيصير في داخلنا ٌ‬
‫حجر يمكن الجلوس عليه‪.‬‬
‫جمادا هذه الكيمياء‪ ،‬فيصير ثمة ٌ‬
‫ً‬ ‫واستفحال العروق‪ .‬نقلبها‬
‫ٍ‬
‫عظيم هذا على شريعة التكوين!‬ ‫أي ٍ‬
‫نصر‬ ‫جمادا! ُّ‬ ‫نحول أنفسنا‬
‫ً‬ ‫إننا ّ‬
‫‪ ‬‬
‫الرداء نفسه الذي حمله أبي‪ ،‬نفسه الذي‬ ‫ِ‬
‫الكلمات وآخ ُذها معي رفيقةَ الطريق‪.‬‬ ‫ق أ ُّ‬
‫َلف‬ ‫ٍ‬
‫برداء عتي ٍ‬
‫ُ‬
‫حمله أجدادي‪.‬‬
‫فما فتخرج َّ‬
‫حبةُ جليد‪ ،‬أقول سمكةً فتخرج أفعى‪،‬‬ ‫أقول رفيقًا فيخرج من الرداء قاطعُ طريق‪ ،‬أقول ً‬
‫حلما فيتدلَّى مشنوق‪...‬‬
‫قلبا فيخرج قبر‪ ،‬أقول ً‬
‫أقول ً‬
‫هل الكلمات‪ ،‬إ ًذا‪ ،‬داللةُ نقيضها؟ فقط رغبةُ ٍ‬
‫قول دفينة‪ ،‬ما أن تخرج حتى تصير فعالً آخر‪ ،‬ال‬
‫عالقة له بالقول وال بالرغبة؟‬
‫غير طيفها‪ ،‬وما ننطق‬ ‫ٍ‬
‫كائنات َّ‬
‫حيةً ذات يوم‪ ،‬ثم ماتت‪ ،‬ونحن اليوم ال نرى َ‬ ‫الكلمات‬
‫ُ‬ ‫هل كانت هذه‬
‫شبح روحها الهائمة؟‬
‫به هو فقط ُ‬
‫أعتقد أنها‬
‫َ‬ ‫إلي و‬
‫تصل َّ‬
‫َ‬ ‫زحفت هذه األطياف‪ ،‬عبر آالف السنين‪ ،‬في الوحل و النار‪ ،‬كي‬ ‫ْ‬ ‫كيف‬
‫حي ويخرج من فمي‬ ‫جاءت لكي تبني حياتي؟ واآلن‪ ،‬هل أنا اآلن أتكلَّم موتًا أم حياةً؟ هل أنا ٌّ‬
‫ت وما يخرج من فمي هو لثغ الحياة؟‬
‫مي ٌ‬
‫موت؟ أم ّ‬
‫أياما كثيرةً من الموت‪ .‬أحاول‬‫رصفت ً‬
‫ُ‬ ‫أبني حياةً بعدما‬
‫بالحجارة القليلة التي في فمي أحاول أن َ‬
‫دليل نقيضها‪ .‬حين تخرج من فمي ال تكون رغبةً في القول بل ِف ْع َل‬ ‫ٍ‬
‫كلمات ال تكون َ‬ ‫أن أخترع‬
‫جسدا وأرى‬ ‫الرغبة‪ .‬أحاول حين أقول سمكةً أن تأتي سمكة‪ ،‬حين أقول رفيقًا أن تصير رغبتي ً‬
‫إلي بائع الزهور‪.‬‬
‫قلبا أن يأتي َّ‬
‫الرفيق‪ ،‬وحين أقول ً‬
‫أيضا؟‬
‫وتغيير كيمياء الناطقين بها ً‬
‫ُ‬ ‫تغيير كيمياء الكلمات‪،‬‬
‫ولكن‪ ،‬لكي يكون ذلك‪ ،‬أال يجب ُ‬
‫النثار الباقي من ذواتنا المحطَّمة؟‬ ‫أم َّ‬
‫أن اللغة ليست هي الرغبة‪ ،‬وال الفعل‪ ،‬بل ُ‬
‫كسور نفسي‪ .‬لكنه ال الهمس وال الصراخ‪ .‬ال‬
‫َ‬ ‫آمن لهذا النثار‪ٍ ،‬‬
‫مكان يحفظُ لي‬ ‫مكان ٍ‬‫أبحث عن ٍ‬ ‫ُ‬
‫اللغة وال طيفها‪ .‬الالتوق و الالذكرى‪ .‬ماذا يكون إذن‪ ،‬هذا المكان اآلمن لنثار الذات وعظامها‪،‬‬
‫غير القبر؟‬
‫َّ‬
‫والمذنبات البائسة في‬ ‫الهمس ألن الهمس لن ُيسمع في ضجيج االرتطام الفظيع للنجوم‬
‫َ‬ ‫هو ليس‬
‫حي‪ .‬وال اللغة وال طيفها‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬ ‫ِ َّ‬
‫القلب‪ .‬وليس الصرخات ألن هذه االنفجارات‪ ،‬كلها‪ ،‬لن تسفر عن كائن ّ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫وال التوق وال الذكرى‪ ،‬ألن هذه ماتت ً‬
‫ألن ال لغة كي تكشف عوراته؟‬ ‫هل المكان اآلمن إ ًذا هو فقط‪ ،‬المكان الصامت؟ الصامت والجميل ْ‬
‫الكلمات توجدها؟ هل الجمال إ ًذا ال شيء‬
‫ُ‬ ‫ألن ال عورات إنما‬ ‫َّ‬
‫ألن العورات ال تظهر إالّ بالكالم؟ ْ‬
‫جمال المكان‪ ،‬إنما جمال العدم؟‬
‫َ‬ ‫سوى الصمت؟ ولذلك هو ليس‬
‫عدما‪ .‬أريد الجمال‪.‬‬
‫إمنحوني ً‬
‫كلمات أخرى‪ ،‬تص ُل اللغةُ الناعمةُ مثل ريش عصفور‪ ،‬ترتطم بي وال تؤذيني‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫هناك قد أسمع‬
‫انعدام الجاذبية‪ ،‬مترنحةً سابحةً خاليةً من ثقلها‪.‬‬
‫َ‬ ‫غ‪،‬‬
‫تصل نبرةُ الكالم بال نبرة‪ ،‬تدخل الفرا َ‬
‫هناك قد أسمع أصواتًا جارحة‪ ،‬آتيةً من وهم األمكنة األولى‪ ،‬لكنها تصل فاقدةً شفراتها‪ ،‬فاقدةً‬
‫علي مرور النسيم الخفيف‪.‬‬‫وتمر َّ‬
‫معناها‪ُّ ،‬‬
‫تتوحد معانيها‪ ،‬تصير اللغةَ الجميلة‪ :‬لغة عدم الوجود‪.‬‬
‫حين تدخل الكلمات إلى هناك ّ‬
‫‪ ‬‬
‫أشباح في اللغة‪ .‬قتلى قدامى‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مساءات ترتجف في الكالم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ثمة‬
‫انهيارات في مخارج األصوات‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫في الحناجر انحدارات‪.‬‬
‫تسجل‬
‫ومن يشفع بالساقطين في هذه االنزالقات‪ M‬سوى آخر األحجار في الوادي؟ األحجار التي ّ‬
‫َ‬
‫وصولهم بالدم‪.‬‬
‫دم واضح‪.‬‬ ‫موت أكيد في الكالم‪ٌ .‬‬‫هناك ٌ‬
‫وأجساد مستلقية عليها‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫واد وأحجار‪،‬‬ ‫هناك ٍ‬
‫هناك قت ٌل‪ ،‬قت ٌل فظيعٌ‪ ،‬في اللغة‪.‬‬
‫إننا ُنقيم في مجزرة!‬
‫الجزارين‪.‬‬
‫وكلّما تكلمنا ازداد عدد ّ‬
‫فلنصمت‪َّ ،‬‬
‫عل أحجار‬ ‫ْ‬ ‫فلنصمت إذن‪َّ ،‬‬
‫عل الصمت يقلّل من األعداء‪ ،‬علّه يقلّل من هذا الموت‪.‬‬ ‫ْ‬
‫الوادي تبقى بيضاء‪.‬‬
‫بهي‪ ،‬في‬
‫وجود ّ‬
‫ٌ‬ ‫في الصمت األبيض نضع كرسيًّا أبيض ونجلس غير مرئيين‪ .‬في انعدام الرؤية‬
‫انعدام الصوت لغتُنا‪.‬‬
‫حين ال نرى اآلخرين يكونون جميلين حقًا‪ .‬حين ال يتكلمون‪ ،‬نفهمهم‪.‬‬
‫وجود َّ‬
‫موحد ولغةٌ موحَّدة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫في غياب الرؤية و الكالم‪،‬‬
‫جدا البكماء‪ .‬فهل من أجل البشاعة‪ ،‬والضباب‪،‬‬
‫إنهم رائعون حقًا هؤالء الغائبون‪ .‬وواضحون ً‬
‫نحضر ونتكلم؟‬
‫شيئا‪ ،‬في زجاجة الوقت الفارغة‪.‬‬
‫يعبئ ً‬
‫في الساحة‪ ،‬في المساء‪َ ،‬من ينفخ في زجاجة‪ ،‬من يريد أن ّ‬
‫مجنون في الساحة‪ ،‬يريد أن يمأل زجاجةَ الوقت بلهاثه!‬
‫ٌ‬ ‫واحد‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫الرؤية في الصوت‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الساحة في‬ ‫بخار في الزجاجة المكسورة‪ ،‬في‬
‫بخار في الوقت‪ٌ ،‬‬‫ٌ‬
‫رفيف نظراتنا وهي تختفي في الفضاء‪.‬‬
‫َ‬ ‫وبهذا البخار على الزجاج نرسم عالمنا‪ ،‬أصدقاءنا‪،‬‬
‫وريح عاتية‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫بخار‪،‬‬
‫ٍ‬
‫قطرات نحيلة‪ ،‬ويتبددون‪.‬‬ ‫الذين لهم لهاث‪َ ،‬ينزلون‬
‫عدمهم‪.‬‬
‫الذين هم لهاث‪ ،‬ال يعيشون رطوبتهم‪ ،‬وما يتنفسونه‪ُ :‬‬
‫ٍ‬
‫أصوات وحشرجات‪ .‬وإ ذا كان هناك موتى في‬ ‫بخارا‪ .‬ليكن ُب ْك ٌم ال أزيز‬
‫لكن ليس ً‬‫عمى ْ‬
‫ً‬ ‫ليكن‬
‫ْ‬
‫تطل علينا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫شرفات ُّ‬ ‫دم أبيض‪ ،‬دم ٍ‬
‫نوم عميق‪ ،‬بال أبواب‪ ،‬وال‬ ‫ُ‬ ‫دم آخر‪ٌ .‬‬ ‫الهواء‪ ،‬فليكن لهم ٌ‬
‫دائما‪ ،‬نحاول مزج روحنا بالهواء‪ ،‬علَّنا نرتفع‪ ،‬ونغيب‪.‬‬ ‫كنا‪ً ،‬‬
‫ٍ‬
‫حركة أخرى ألجسادنا‪ ،‬نلتقطها في الفضاء‪.‬‬ ‫فيزياء‬ ‫َّ‬
‫عل هناك‬
‫َ‬
‫تفوقت على عناصرنا‪ ،‬ليس في االنتصار على‬
‫كنا نحاول أن نقلّد الطيور‪ ،‬تلك التي عناصرها َّ‬‫ّ‬
‫ثقل الجسد وحده‪ ،‬بل في إلغاء المكان‪ ،‬والذاكرة‪ ،‬والوقت‪.‬‬
‫سريعا في ٍ‬
‫غبار خفيف‪.‬‬ ‫ً‬ ‫إذا كان هناك موتى في الهواء‪ ،‬فالطيور ال تراهم‪ .‬تعبرهم‪ ،‬كمن يعبر‬
‫نتنفسهم‪ .‬نرى عبرهم‪ .‬وال نحادثهم فحسب‪ ،‬بل ننطق بلسانهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الموتى يجلسون معنا‪.‬‬
‫انفصلت وغابت عنا‪ .‬إنهم نحن‪ ،‬أجسادنا وأرواحنا‪ .‬وإ ذا كان علينا أن‬
‫ْ‬ ‫كيانات مستقلّةٌ‬
‫ٌ‬ ‫ليس للموتى‬
‫فلنمش بهدوء نحو الموت‪ ...‬ال يموت الموتى‪ ،‬إالَّ بموتنا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ُنميتهم حقًا‪،‬‬
‫‪ ‬‬
‫القمح الكاسد الذي نراه اآلن بين أيدينا‪َ .‬ز َر ْعنا و حصدنا واآلن‬
‫َ‬ ‫َز َر ْعنا‪ ،‬على مدى آالف السنين‪،‬‬
‫فلنعترف بكسادنا و َن ُع ْد إلى البيت‪َ .‬لن ُع ْد‪ ،‬متواضعين‪ ،‬إلى عدمنا‪.‬‬
‫ْ‬ ‫وقت العودة‪ ،‬وقت الغروب‪.‬‬
‫ال بذور أخرى كي نحرث هذه األرض من جديد ونزرعها‪ .‬فلنعترف بفساد الزرع و فساد‬
‫نودعها براحة‪.‬‬‫جلوسا أمام هذه الحقول‪ ،‬كي ّ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫ولنمض أيامنا األخيرة‬ ‫األرض‪،‬‬
‫أخيرا بالفشل‪.‬‬
‫فلنعترف بفشلنا‪ .‬على البشرية أن تعترف ً‬
‫ْ‬
‫طبقات من الجدران؟ جدار المكان‪ ،‬جدار الذاكرة‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫رصف‬ ‫هل كان ُّ‬
‫كل هذا التاريخ فقط من أجل ْ‬
‫جدار الكالم‪ ،‬جدار الحلم‪ ،‬جدار الحب‪ ،‬جدار الذات‪ ،‬جدار اآلخر‪ ،‬جدار الحضور؟‪...‬‬
‫ٍ‬
‫حيطان فقط؟‬ ‫ائي‬ ‫هل ّ َّ‬
‫كنا‪ ،‬كل هذه السنين‪ّ ،‬بن ّ‬
‫مدنيةُ األرض فبنينا حيطاننا في التحضُّر‪.‬‬ ‫لدت َّ‬‫لدت وحشةُ األرض فبنينا حيطاننا في البراري‪ُ .‬و ْ‬ ‫ُو ْ‬
‫حيطانا َّ‬
‫كحلوها بالدم‪ُ .‬و َلد األنبياء فأقفلوا ساحاتنا مالئينها بردم‬ ‫ً‬ ‫ُو َلد الملوك فهدموا بيوتنا وبنوا منها‬
‫أجمل زهرةَ في األرض‪.‬‬
‫َ‬ ‫األرواح‪ ،‬وداهسين زهرة ُك ْفرنا‪،‬‬
‫ولنترك على أحد األحجار عالمة‪ ،‬حتى إذا عدنا‪،‬‬
‫ْ‬ ‫رد ًما‪.‬‬
‫فلنستسلم إذن لهذا الجرف‪ ،‬ما دمنا صرنا ْ‬
‫ْ‬
‫نعرف أين نبيت‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫حملت حقائبها ومشت‪ ،‬في الرحلة األخيرة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫قبيلة الروح راحلة‪،‬‬
‫رحلةٌ لم يبق فيها غير آخر المهزومين‪ .‬بعض ناسها ماتوا‪ ،‬وبعض ناسها قُتلوا‪ ،‬واآلخرون‬
‫تبق ماشية لها وال بغال وال كالب‪ .‬قبيلة الروح انقرضت‪.‬‬
‫هجروها‪ ،‬ولم َ‬
‫سحر‬
‫وتغني‪ ،‬وينزل من نظراتها ٌ‬
‫َمن كان هنا يشهد أنها كانت جميلة‪ .‬ترقص تحت ضوء الشموع ّ‬
‫رحلت‪ ،‬ولم يعد عندنا حتى ضيوف‪.‬‬
‫ْ‬ ‫على الضيوف‪َ .‬من كان هنا يشهد‪َّ ،‬‬
‫لكن القبيلة‬
‫قبيلة الروح َّ‬
‫ودعت آخر أصدقائها‪ ،‬القابعين في الزوايا‪ ،‬وغابت‪.‬‬
‫أسجل على األق ّل آخر خطواتها‪ ،‬آخر نظراتها‪ ،‬لكنني فشلت‪،‬‬
‫علي‪ ،‬أنا القابع في زاوية‪ ،‬أن ّ‬
‫وكان َّ‬
‫حتى في تسجيل هذا الغياب‪.‬‬
‫حاضر وال الغياب يمكن التقاطه‪ .‬ال يمكن حتى وصفه أو كتابته‪ .‬كيف إذن أكتب‬
‫ٌ‬ ‫ال الحضور‬
‫نص الغياب؟‬
‫َّ‬
‫غائبا؟ والقابعون في‬
‫غيابه؟ كيف يعجز حتى عن أن يكون ً‬‫العاجز عن الحضور َ‬ ‫ُ‬ ‫كيف يصف‬
‫الزوايا هل عليهم‪ ،‬كما الظانون أنهم في الساحات‪ ،‬أن يشهدوا فقط للعدم بالصمت؟‬
‫إننا ُنقيم مأدبة عامرة للعدم‪ ،‬ال يأكل هو منها‪ ،‬وال نحن نأكل!‬
‫أيضا؟‬
‫أحد ً‬
‫لكن‪ ،‬أليس الوجود هو الوجبة الدسمة التي ال يأكل منها ٌ‬
‫وواجب‬
‫َ‬ ‫روحها‪،‬‬
‫صنارتَها‪ .‬ما اعتقدتْه َ‬ ‫عمها‪َّ ،‬‬
‫طعامها كان طُ َ‬
‫َ‬ ‫رحلت جائعة‪ .‬ما اعتقدتْه‬
‫ْ‬ ‫قبيلة الروح‬
‫إقامتها‪ ،‬كان ُس َّمها‪ .‬قبيلة الروح ماتت مسمومة‪ ،‬ماتت كالسمك‪ ،‬معلَّقةً فوق مائها‪ .‬قبيلة الروح‬
‫ماتت في الهواء‪.‬‬
‫نجرها‪ ،‬ال‬
‫لكن علينا أن َّ‬
‫الميتةَ ْ‬
‫نجر معنا بغالنا المفصودةَ الروح‪ّ ،‬‬
‫ماتت القبيلةُ فلنتابع المشي‪ُّ .‬‬
‫ألن ال شيء نفعله على الطريق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ظا بذكرى‪ ،‬بل ْ‬‫لحمولة وال احتفا ً‬
‫بجر البغال‪.‬‬
‫نمشي‪ ...‬ونتسلّى ّ‬
‫‪ ‬‬
‫نحضر‪ ،‬كيف نحيا؟‪....‬‬
‫زمانا‪ ،‬كيف ْ‬
‫مكانا‪ً ،‬‬
‫نغير فيزياءنا‪ ،‬كيف نجد ً‬
‫نغير كيمياءنا‪ ،‬كيف ّ‬‫كيف ّ‬
‫وإ ْن تكن هذه كلّها مستحيلة‪ ،‬ماذا نفعل كي نغيب؟‬
‫وحجة الفعل‬
‫حجة الكالم ّ‬ ‫ُجرده من ّ‬
‫َقبض على الوهم األول الذي وضعني هنا‪ ،‬وأضعه أمامي‪ .‬أ ّ‬‫أ ُ‬
‫وحجة تركيبي بعناصره‪ .‬أف ّككه من عناصر وهمه وأُر ّكبه من عناصر وهمي‪ .‬أَجع ُل مبتدأه يصير‬
‫ّ‬
‫خبري‪ .‬أمحو رغبتَه في انتهائي‪ ،‬وأرسم رغبتي‪.‬‬
‫ُغير كيميائي وفيزيائي‪ .‬وكالوهم الخفيف الجميل أصير خفيفًا وجميالً‪ .‬ال‬
‫بالوهم الخفيف الجميل أ ّ‬
‫ظل ينوء‬‫حمل على كتفي‪ ،‬وال في روحي‪ .‬لذلك يمكنني أن أطير‪ ،‬يمكنني أن أعلو‪ ،‬وال يكون لي ٌّ‬
‫ْ‬
‫تحته شيء‪ ،‬وال لون يثقل على ٍ‬
‫لون آخر‪.‬‬
‫ُغير بالوهم فيزيائي وكيميائي‪ ،‬وأطير‪.‬‬ ‫أ ّ‬
‫َّ‬
‫عصيةٌ على الرؤية‬ ‫ٍ‬
‫أرض لم تعد لي شراكةٌ فيها وال مكان‪ .‬أجنحةٌ‬ ‫فلتخف ِ‬
‫ق األجنحةُ وتَ ْع ُل‪ ،‬فوق‬
‫ٍ‬
‫ورغبة أكثر‬ ‫بجنون ٍ‬
‫هائل‬ ‫ٍ‬ ‫خارج فيزياء العين وكيمياء الفضاء‪ .‬مقذوفةٌ‬ ‫هواء كي تطير‪.‬‬ ‫وال تتوسَّل‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫مجرد‬ ‫كنت ُّ‬
‫أظنها َّ‬ ‫رغبات ُ‬
‫ٌ‬ ‫تكوين بكامله‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫تاريخ ينفجر‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫ماليين السنين وتنفجر اآلن‪.‬‬
‫َ‬ ‫قنت‬
‫هوالً ُح ْ‬
‫مجرات‪.‬‬‫أشياء صغيرة في القلب‪ ،‬وإ ذا بها َّ‬
‫عاليا بال كالم بال نظر ٍة بال رسالة‪ .‬الكالم والنظر ً‬
‫أيضا أصابهما االنفجار وتغيَّرت‬ ‫أعلو ً‬
‫عناصرهما‪ .‬لم يعد الفم واألذن شرط الكالم‪ ،‬وال العين شرط النظرة‪ .‬لم تعد األحرف شرط‬
‫ف َّ‬ ‫متلق وم ِ‬
‫كل‬ ‫رس ٌل شرط اللغة‪ .‬امتزجت اللغةُ والعين واألُذن بالهواء‪َ .‬جَر َ‬ ‫الكتابة‪ ،‬وال أن يكون ٍّ ُ‬
‫لون وال‬
‫يعد ٌ‬‫األلوان والمسافات‪ ،‬فلم ْ‬
‫ُ‬ ‫النقيض بنقيضه‪ ،‬واختلطت‬
‫ُ‬ ‫جنون هائل‪ ،‬حتى امتزج‬
‫ٌ‬ ‫شيء‬
‫بدء وال منتهى‪ ،‬ال أعداء وال‬ ‫ُّ‬
‫مسافة‪ ،‬واستدار المستطيل‪ ،‬فصار الكل في مركز الدائرة‪ ،‬ال َ‬
‫أصدقاء‪ ،‬تعانق القتلى مع قاتليهم‪ ،‬فال موتى وال أحياء‪ ،‬نزل الجميعُ إلى مركز الدائرة‪ ،‬رقصوا في‬
‫ٍ‬
‫حلقة واحدة وطاروا‪.‬‬
‫العناصر كلُّها‪ ،‬الناس والنبات والحيوان واألحالم‬
‫ُ‬ ‫كل شيء هنا في رأسي‪ .‬اتَّ َح َد ِت‬ ‫تساوى ُّ‬
‫والحار والناخز‬
‫ُّ‬ ‫والميت والحاضر والغائب والبارد‬
‫ّ‬ ‫الحي‬
‫ُّ‬ ‫واألوهام‪ .‬صار الجميع سواسية‪،‬‬
‫الخالق وهمي‬
‫َ‬ ‫غلب‬
‫لكني فعلت‪ .‬وهمي َ‬ ‫يساو ِه ْم ّ‬
‫ركبتُهم ساويتُهم‪ .‬خالقُهم لم ِ‬ ‫فككتُهم َّ‬
‫والمختفي‪َّ .‬‬
‫غلب األرض‪.‬‬‫َ‬
‫منتصرا على ثقل عناصري وثقل التاريخ وثقل‪ M‬المكان وثقل‪ M‬األشياء‪ .‬أطير بعناصر‬
‫ً‬ ‫أطير خفيفًا‪،‬‬
‫تعد لي شراكة فيها‪ .‬أرض غلبتُها‬ ‫ٍ‬
‫أرض لم ْ‬ ‫رغبتي‪ :‬بغياب الرغبة وغياب العناصر‪ .‬خفيفًا فوق‬
‫األرض‬
‫َ‬ ‫غلبت‬
‫ُ‬ ‫وجعلها تدور في جاذبيتي‪.‬‬
‫بوهمي‪ ،‬بتغيير عناصرها‪ ،‬بتجريدها من جاذبيتها ْ‬
‫كوكبا في رأسي‪ ،‬ال في األفالك‪.‬‬
‫ً‬ ‫بجعلها‬
‫منتصرا على التكوين‪.‬‬
‫ً‬ ‫أطير خفيفًا‬
‫أعد وريثهم وال عادوا نسلي‪ .‬أطير وأنظر إلى‬
‫اندثرت‪ .‬فوق بشر لم ْ‬
‫ْ‬ ‫أسبح في الفضاء‪ ،‬فوق ٍ‬
‫بلدان‬ ‫ُ‬
‫الطائر َبعد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الصحراء تحتي‪ .‬إلى غياب األمكنة‪ .‬إلى استحالة أن ينزل‬
‫أطير أطير‪ ،‬وأبتعد‪.‬‬
‫ممحوة‪ ...‬وأختفي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫أصير نقطةً‬
‫‪ ‬‬
‫ُغبار‬
‫‪ ‬‬
‫‪2001‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫الغباريون‬
‫ّ‬
‫‪ ‬‬
‫غبارا وها نحن نكمل حياةَ الغبار‪.‬‬
‫الطرقات وهاّبون وحدنا‪ .‬األرض صارت ً‬
‫ُ‬ ‫مقفرةٌ‬
‫إننا نكمل حياة غبار األرض‪ .‬هذا الذي يجب أن يكمل حياتَه أحد‪ ،‬وها نحن نفعل‪.‬‬
‫ال نكمل حياة األرض بل حياة غبارنا‪ .‬ال نكمل حياة بل موتًا‪ .‬جئنا لنرافق الغبار في هبوبه‬
‫األخير‪ ،‬نحمله إلى مثواه‪ ،‬وننام معه‪.‬‬
‫األرض ال يشبهنا‪ .‬إنه نقيضنا ونحن أنقاضه‪ .‬وما جئنا لنكمل تلك األرض بل لننقضها‪ .‬ما‬
‫َ‬ ‫ما كان‬
‫جئنا لنكمل بل لننقض‪.‬‬
‫متدينين فليس للغبار غير الهباء‪.‬‬
‫غباريون بال دين وال ّ‬
‫ّ‬ ‫ال دين قبلنا ال دين بعدنا ال دين لنا‪.‬‬
‫البنوة‪ .‬إننا‬
‫األبوة وفراغ َّ‬
‫ُمه وال َولَ ُده‪ .‬في فراغ َّ‬
‫سابحون في فراغ‪ .‬في الفضاء الذي ال األرض أ ُّ‬
‫ذاهبون إلى إلهنا‪ ،‬إلى العدم‪.‬‬
‫شيئا‬
‫غبارا‪ ،‬ما كان ً‬
‫شيئا قبل أن يصير ً‬
‫الغباريون‪ ،‬و هذا ما رأيناه في هبوبنا‪ ،‬هذا ما كان ً‬
‫ّ‬ ‫نحن‬
‫قبل أن نصير نحن الغبار‪:‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫جمال العابر‬
‫‪ ‬‬
‫غبارا قليالً‪ ،‬سرعان ما يختفي‪.‬‬
‫ثقل ظ ّل‪ .‬ربما ً‬
‫سريعا جميلون‪ .‬ال يتركون َ‬
‫ً‬ ‫العابرون‬
‫األكثر جماالً بيننا‪ ،‬المتخلّي عن حضوره‪ .‬التارك فسحةً نظيفة بشغور مقعده‪ .‬جماالً في الهواء‬
‫صفاء في التراب بمساحته غير المزروعة‪ .‬األكثر جماالً بيننا‪ :‬الغائب‪.‬‬‫ً‬ ‫بغياب صوته‪.‬‬
‫يذريه‪ُ .‬م َذٍّر نفسه في‬ ‫َّ ٍ‬
‫قاطعُ المكان وقاطع الوقت بخفة ال تترك للمكان أن يسبيه وال للوقت ان ّ‬
‫قمحا لحقل سواه‪ .‬المنسحب من شرط المشي للوصول‪.‬‬ ‫تبنا لبيدره وال ً‬ ‫الهبوب السريع غير تارك ً‬
‫المنسحب من الوصول‪.‬‬
‫مكانا لخطيئة‪ .‬غير مقترف خطيئة‪ ،‬غير‬ ‫ٍ‬
‫كمالك مهاجر‪ .‬غير تارك إقامة قد تكون ً‬ ‫سريعا‬ ‫العابر‬
‫ً‬
‫مقترف إقامة‪.‬‬
‫سريعا بال أثر‬
‫ً‬ ‫سريعا تحت شمس ال تمسُّه‪ ،‬تحت مطر ال يبلّله‪ ،‬فوق تراب ال يبقى منه أثر عليه‪.‬‬ ‫ً‬
‫وال إرث وال ميراث‪.‬‬
‫يتشرب عادات‪ .‬ال لغة له وال عادات وال معلمين وال‬ ‫لم ُيقم كفايةً كي يتعلَّم لغة‪ .‬لم ُيقم كي َّ‬
‫عابر فوق اللغة‪ ،‬فوق العادات‪ ،‬فوق المراتب واألسماء واالقتداء‪.‬‬‫تالميذ‪ٌ .‬‬
‫بال اسم‪ ،‬فوق النداء والمناداة‪.‬‬
‫وفوق اإليماءات‪ ،‬إال إيماءة العبور‪.‬‬
‫وبال صوت‪ ،‬ألن الصوت ثق ٌل في الهواء‪.‬‬
‫ألن الصوت قد يرتطم بآخر‪ .‬قد يسحق صوتًا آخر في الفضاء‪ .‬قد يزعج النسمات‪.‬‬
‫وبال رغبة‪ .‬ألن الرغبة إقامة‪ ،‬ثبات‪.‬‬
‫سريعا جميلون‪ .‬ال يقيمون في مكان كي يتركوا فيه بشاعة‪ .‬ال يبقون وقتًا يكفي لترك‬
‫ً‬ ‫العابرون‬
‫بقعة في ذاكرة المقيمين‪.‬‬
‫بقعا على قماش ذاكرتنا ال نعرف كيف نمحوها‪.‬‬
‫الذين أقاموا طويالً معنا تركوا ً‬
‫بقعٌ مؤلمة‪ ،‬أينما كان على المقاعد‪ ،‬بحيث لم يعد يمكننا الجلوس‪.‬‬
‫يحولون أثاث بيوتنا إلى ِق ٍ‬
‫طع منهم‪ .‬بحيث نجلس‪ ،‬إذا جلسنا‪،‬‬ ‫المقيمون طويالً يسلبون مقاعدنا‪ّ .‬‬
‫على ضلوعهم‪ ،‬على عظامهم‪.‬‬
‫أحدا وال أحد يسحقهم‪ .‬ال يطأون على كائنات‬
‫يسحق المقيمون المقيمين‪ .‬أما العابرون فال يسحقون ً‬
‫خطوا على أرض‪ .‬حتى الهواء ال يلمحهم غير لحظة‪.‬‬ ‫وال ُيثقلون ً‬
‫إيمان واحد لهم‪ :‬العبور‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫بال قلق وال ندم وال آلهة وال أتباع‪.‬‬
‫مخربو المشنقة المصنوعة من‬
‫المتخلّون عن األمكنة واألوطان واآلباء والبنين‪ .‬كاسرو القيد‪ّ .‬‬
‫حديد المكان والزمان واالنتماء‪.‬‬
‫وهما‪.‬‬
‫إنهم يتساقطون‪ ،‬الواحد تلو اآلخر‪ ،‬المتشبثون باإلقامة‪ .‬يتساقطون بأوطانهم التي صارت ً‬
‫عبئا‪ .‬بايماناتهم التي تقتلنا‪ ،‬وتقتلهم‪ ،‬وتقتل‪M‬‬
‫بأبوتهم التي صارت ً‬
‫كذبا‪َّ .‬‬
‫بانتماءاتهم التي صارت ً‬
‫الحياة‪.‬‬
‫نمجد عبورها بسرعة‪ ،‬أن‬
‫نمجد الحياة‪ ،‬أن ّ‬
‫العابرون ال ضحايا لهم‪ .‬هل لذلك بات علينا‪ ،‬كي ّ‬
‫نمجد االنتحار؟‬
‫ّ‬
‫بخفَّ ِة خفقة الطير وانفتاح النسمة للجناح‪ .‬بخفة انفتاح هواء العبور واندمال هواء االنطالق‪.‬‬
‫سريعا‪ ،‬كلحظة انقصاف‪.‬‬
‫ً‬ ‫عابرون‬
‫شميم خاطف‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫لهم من العصفور صوت‪ ،‬من الغصن نظرة‪ ،‬من الزهرة‬
‫عصافيرهم للغناء والرحيل‪ ،‬ال للسجن في أقفاص أو تأبيدها َّ‬
‫محنطةً في واجهات‪ .‬طيورهم الروح‬
‫المسافرة‪ ،‬ال الريش المقيم‪.‬‬
‫وزهورهم العبق الشارد خارج اإلناء‪.‬‬
‫سوى المرتحلين‪ ،‬والالمبالين‪ ،‬والعابثين باإلقامة‪ ،‬والممسوسين‪ ،‬والموتى‪َ ،‬من كان سيكتشف جمال‬
‫العبور؟‬
‫وأيةُ لحظة تكتشف الحياةَ أكثر من لحظة الغياب عنها؟‬
‫ّ‬
‫هل لذلك تجب مصادقةُ الرحيل أكثر من مصادقة اإلقامة؟‬
‫تمرينا على جمال الرحيل؟‬
‫ً‬ ‫وهل‪ ،‬لذلك‪ ،‬على حياتنا أن تكون‪ ،‬فقط‪،‬‬
‫شيئا ولم يستأثر بهم شيء‪ .‬الذين خطوا‬
‫أجملنا الراحلون‪ .‬أجملنا المنتحرون‪ .‬الذين لم يريدوا ً‬
‫خطوةً واحدة في النهر كانت كافية الكتشاف المياه‪.‬‬
‫أجملنا الذين ليسوا بيننا‪ .‬الذين غادرونا خفيفين‪ ،‬تاركين‪ ،‬بتواضع‪ ،‬مقاعدهم لناس قد يأتون اآلن‪،‬‬
‫إلى هذه الحفلة‪.‬‬
‫مقعدا!‬
‫حفلةٌ سخيفة‪ ،‬ورغم ذلك ال يترك المتشبثون باإلقامة ً‬
‫لكن ِل َم المقاعد‪ ،‬ما دام المحتفلون يبدأون ضيوفًا وينتهون أعداء؟‬
‫ق الوليمة‪.‬‬ ‫لنمض إذن‪ ،‬بخفَّة‪ ،‬قبل أن تلتهمنا الخناجر‪ ،‬قبل أن نصير َ‬
‫طب َ‬ ‫ِ‬
‫المغادرة‪.‬‬
‫َ‬ ‫سريعا‪ ،‬يصير الجما ُل هو‬ ‫لحظةُ الوصول إلى االحتفال هي ُّ‬
‫كل جمال االحتفال‪ .‬وبعدها‪،‬‬
‫ً‬
‫دائما‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الخطوة المغادرة‪ ،‬هي األجمل ً‬
‫أيضا‪ .‬ألن الذكرى‬
‫فلنشي ْع معهم ذكراهم ً‬
‫ّ‬ ‫الراحلون يمتزجون بالنسيم‪ .‬وإ ذ نقف نحن‪ ،‬لتشييعهم‪،‬‬
‫جمادا‪.‬‬
‫ً‬ ‫تعيق رحيلهم‪ ،‬تعيدهم إلى مكانهم‪ ،‬تجعلهم‬
‫الذاكرة تعيق الراغبين في الموت‪ .‬وتجعل الراغبين في الحياة موتى‪.‬‬
‫فلندفنها إذن‪.‬‬
‫نغني‪.‬‬
‫لندفن الذاكرة ونحن ّ‬
‫ِّ‬
‫فلنغن ونرقص‪.‬‬ ‫إنها حفلة سخيفة في إية حال‪ ،‬ولكن بما أننا وصلنا‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ثوان‪ ،‬قد نكون فيها جميلين‪.‬‬
‫لكن أجملنا سيبقى‪ :‬الغائب‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫منفى اللغة‬
‫‪ ‬‬
‫إذا كانت اللغة وطننا حقًّا‪ ،‬فإننا نعيش في منفى‪M.‬‬
‫أليست هي ما نتحدث به مع أنفسنا ال مع اآلخرين؟ وال يكون لنا تواصل ال مع ذاتنا وال مع‬
‫اآلخر؟‬
‫شأن خاص ال شأن عام‪ .‬نتكلم كي نقتنع فال نقتنع‪ .‬كي يقتنع اآلخرون بنا فال يقتنعون‪ .‬اللغة‬
‫اللغة ٌ‬
‫نأي ال اقتراب‪.‬‬
‫ٌ‬
‫المتكلمون ينفون أنفسهم‪.‬‬
‫والخروج من المنفى‪ M‬هو الخروج من اللغة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫اللغة هي أصوات موتى‪ .‬وهكذا نرصف جثثًا‪.‬‬
‫الكالم الحي كان كالم اإلنسان األول‪ .‬األول‪ ،‬قبل أن يتكلم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ُّ‬
‫ظل أن نكون‬
‫‪ ‬‬
‫فتر الشمس‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األغصان َ‬
‫َ‬ ‫إقطع‬
‫ِ‬ ‫اضرب الشجرةَ فتسقط الظالل‪.‬‬ ‫تيأس‪.‬‬
‫هي ظالل‪ ،‬هي ظالل‪ .‬ال ْ‬
‫لكن‪ ،‬هل يجب قطع الشجرة من جذورها؟ أم االكتفاء بذكرى ضوء؟‬
‫الذكرى تكاد تكون َّ‬
‫كل وجودنا‪ .‬غير أننا نقطع األغصان ونبقى الظالل‪.‬‬
‫وفي هذا السباق من يصل إلى الغروب أوالً‪ ،‬الشخص أم ظلُّه؟‬
‫نتسابق‪ ،‬نحن وذكرانا‪ ،‬ثم نرتطم بعضنا ببعض ونختفي‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ونحل بعد ذلك في وحل األحياء‪.‬‬ ‫غبارا ميتًا‪.‬‬
‫نصير ً‬
‫وح ٌل لم نشأ أن نصنعه‪ .‬وال أن نكون فيه‪ .‬وال أن نتركه لغيرنا‪ .‬وال أن نراه‪.‬‬
‫ْ‬
‫هي ظالل‪ ،‬ظالل‪.‬‬
‫إقطع الشجرة‪.‬‬
‫ِ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫الرغبة‬
‫‪ ‬‬
‫ُمسقطُ الرغبات بلغ الهدف‪ .‬فال رغبة في مشي بعد‪ ،‬وال في وصول‪M.‬‬
‫أليس الوصول هو التخلّي عن رغبة الوصول؟ أن تصير بال رغبة في شيء‪ ،‬فقط المقعد الصغير‬
‫الذي تجلس عليه ربما‪ ،‬أو الشجرة أمامك‪ ،‬أو الفراغ الذي بال مقعد و ال شجر؟‬
‫أليس الوصول أن تبقى حيث أنت؟ أن يكون هدفك مكانك بالضبط‪ ،‬حيث أنت هنا و اآلن؟‬
‫أن تتجاوز الرغبة‪ ،‬أليس هذا هو العبور العظيم؟‬
‫الرغبات تفسد النزهات‪ .‬ال يعود أصحابها يرون جماالت الطريق‪ .‬تصير عيونهم في مكان آخر‪.‬‬
‫في مكان الرغبة‪ ،‬التي ال تستقر في مكان‪ .‬الرغبة الالمكان لها‪ .‬يصيرون في الغائب‪ ،‬المستلَب‪،‬‬
‫غير الموجود‪ .‬يصيرون في الالمكان‪.‬‬
‫الملغي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الراغبون يقيمون في‬
‫هل يمكن بناء بيت في غياب‪ ،‬وضع كرسي في عدم؟‬
‫جروحا‪ .‬هل يجوز وضع مقعد في جرح؟‬ ‫ً‬ ‫حفرا في الروح‪ ،‬تصنع‬
‫الرغبات تصنع ً‬
‫دما اآلن‪ ،‬لم تبلغ مستواها‬
‫حفرتْها الرغبات على مدى التاريخ‪ ،‬وتسيل منا ً‬
‫إذا كانت الجروح التي َ‬
‫مطلوبا إذن صنع طوفان جديد من جروحنا أم َد ْمل الجروح؟‬
‫ً‬ ‫بعد وال هدفها‪ ،‬أيكون‬
‫هل يجب تهشيم الروح والجسد في الممرات نحو الرغبات المستحيلة‪ ،‬أم الجلوس والتمتّع بمشاهد‬
‫الطريق؟‬
‫أيجب طلب غائب أم الفرح بعدم حضوره؟‬
‫وإ ن كان لن يأتي‪ ،‬ولن نصل إليه‪ ،‬هل نعيش غياب انتظاره أو نعيش حضورنا في غيابه؟‬
‫خفي في الجلوس‪.‬‬
‫ثمة رقص على الدرب ال يراه الراكضون‪ .‬رقص يعرفه الجالسون‪ .‬ثمة رقص ّ‬ ‫ّ‬
‫الضاجون طرشى ضجيجهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الساكنون يسمعون وحدهم األغنية‪.‬‬
‫أوتارا‬
‫في السكون غناء جميل‪ .‬في الصمت دهشة أصوات‪ .‬حين تجلس وتصمت تكون تخترع ً‬
‫جديدة‪.‬‬
‫ووالدات‪ ،‬ال تصرخ حين تولد‪.‬‬
‫وميتات‪ ،‬ال تأسف إذ تموت‪.‬‬
‫ورقصات‪ ،‬تنتشي من سكونها‪.‬‬
‫الدروب وهي على مقاعدها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ومسافات‪ ،‬تقطع‬
‫ومزهريات‪ ،‬تعبق من فراغها‪.‬‬
‫ّ‬
‫في السكون أرض جديدة‪ .‬والسماء تبزغ من العيون المغمضة‪.‬‬
‫َّ‬
‫لتستظل الشجر‪.‬‬ ‫خرج نقاطُ ٍ‬
‫دم كراسيها‬ ‫أحيانا ينشر الجرح صيفه على البيوت‪ ،‬فتُ ِ‬
‫ً‬
‫أحيانا‬
‫ً‬ ‫أحيانا‪ ،‬ييبس الدم على الباب‪،‬‬
‫ً‬ ‫أحيانا تَخرج نقاطٌ إلى النزهات وال تعود إلى العروق‪.‬‬
‫ً‬
‫أبدا‬
‫ودائم ا ينزل في غير مكانه‪ :‬على تراب‪ ،‬على حجر‪ ،‬على جلد‪ ،‬على قماش‪ ،‬وليس ً‬ ‫ً‬ ‫يضيع‪،‬‬
‫على هدفه‪ .‬فهدف الدم‪ ،‬على األرجح‪ ،‬ليس الخروج‪ ،‬بل البقاء في مكانه‪.‬‬
‫بلوغا‪ ،‬إنه ضياع‪.‬‬
‫الخروج من مكان ليس نزهة‪ ،‬ليس ً‬
‫تشردنا على الدروب‪ ،‬وتترك‬ ‫ًّ‬
‫والرغبات التي تُخرجنا من بيوتنا ال تمنحنا ظال وال نزهة‪ .‬النزهات ّ‬
‫عظاما في المجاهل‪.‬‬
‫ً‬ ‫منا‬
‫تكن؟‬
‫هل أقول ال ترغب؟ وكيف يكون ذاك؟ أليس كمن يقول ال ْ‬
‫لكن‪ ،‬أبالرغبة كون أو يولد الكون خلسةً في غيابها؟‬
‫فراغ عظيم؟‬
‫ٍ‬ ‫ويمتد في‬
‫ّ‬ ‫هل يقيم الكون في الرغبة‪ ،‬أم يبدأ من النقطة التي بعدها‪ ،‬من الفسحة‪،‬‬
‫أن تكون حقًا‪ ،‬هو أن تسعى إلى ملء نفسك بالكون أم أن تفرغه منك؟‬
‫والهدف‪ ،‬هل تبلغه إن سعيت إليه أم إذا ألغيته؟‬
‫أال تكون وصلت إذ تلغي األهداف؟‬
‫ولدت أطفاالً مشاكسين‪ .‬وتركض أنت‪،‬‬
‫ْ‬ ‫بلغت رغبةً تلد لك رغبات‪ .‬فالرغبة إن ُبلغت تكاثرت‪.‬‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫تركض وال تبلغهم‪ ،‬إلى أن تلفظ األنفاس‪.‬‬
‫تلهث على الدروب‪.‬‬
‫ْ‬ ‫اقعد‪ .‬ال‬
‫ْ‬
‫تصل‪.‬‬
‫ْ‬ ‫إلغ الدرب‪،‬‬
‫ِ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫المعرفة‬
‫‪ ‬‬
‫هل نطمئن إذ نعرف أم نزداد قلقًا؟‬
‫أفي المعرفة أمل أم يأس؟‬
‫هل هي طريق خالص أم طريق هالك؟‬
‫افتراضا؟ وسواء كان هذا أو ذاك‪ ،‬هل يقود إلى‬
‫ً‬ ‫يقينا أم ًّ‬
‫شكا؟ حقيقة أم‬ ‫ولكن أوالً‪ ،‬هل نمتلك ً‬
‫الخالص؟‬
‫إنما‪ ....‬أي خالص؟‬
‫كلما ازددنا معرفة ازددنا ًّ‬
‫شكا‪ ،‬فكل معرفة شك‪.‬‬
‫ومن يعرف أكثر يقلق أكثر‪ ،‬وييأس أكثر‪ ،‬ويهلك أكثر‪.‬‬
‫لكأن الجهل‬
‫لكأن التفاؤل ليس سوى الجهل‪ .‬حتى ّ‬
‫كل معرفة جديدة شك جديد ويأس جديد‪ .‬حتى ّ‬
‫هو الخالص!‬
‫تتبدى عتمات‪ ،‬مجاهل‪ .‬والذين يدخلون‬
‫المعرفة ليست ضوء النفق‪ .‬شعاعٌ ما أن يكشف عتمةً حتى ّ‬
‫والموت في عتمة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫غير العتمات‪،‬‬
‫نفق معرفتهم ليس أمامهم ُ‬
‫الجاهل ال يدخل األنفاق وال يحتاج إلى ضوء‪ .‬يبرئه جهله‪ ،‬فيموت على مدخل النفق‪ ،‬في الضوء‪.‬‬
‫ويقتل القتلة‬
‫هل الجهل هو الضوء‪ ،‬والمعرفة العتمة؟ وهل بسبب المعرفة ينتحر المنتحرون َ‬
‫ويموت الذين ال يجرؤون على اإلنتحار أو القتل في الزاوية الصامتة من وحدتهم؟‬
‫وحدتهم التي جعلوا فيها زاوية للكالم‪ ،‬وزاوية لوداع الكالم؟‬
‫‪ ‬‬
‫كل معرفة جهل‪ ،‬كل جهل يقين‪.‬‬
‫كل معرفة قلق‪ ،‬كل جهل اطمئنان‪.‬‬
‫يوحدهما‪ ،‬هو الهالك‪.‬‬
‫ما يلغي فروقهما‪ ،‬ما ّ‬
‫غير أن العارف يهلك في قلق معرفته‪ ،‬أما الجاهل فيهلك في اطمئنان الجهل‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫االنشقاق‬
‫‪ ‬‬
‫تدوس في طريقها َّ‬
‫كل شيء‪ ،‬القافلة‪ .‬تمعسه بصمت‪ ،‬بعمى‪.‬‬
‫الضيق للسهو أو النوم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫َسيل الجماعة جارف‪ .‬قافلة الجماعة ماعسة‪ .‬تسحق الفرد ومأواه‬
‫كيف يمكن إنقاذ الزهرة الداخلية في هذا الجرف؟‬
‫هذا البهاء اليتيم كيف يمكن إنقاذه؟‬
‫الطافي يحيا‪ .‬الغارق يموت‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لموجة أن تنفصل عن بحرها وتسكن وحدها على الشاطئ؟ هل لنقطة ماء منعزلة أن‬ ‫لكن هل‬
‫تحتقظ بلؤلؤة األعماق؟‬
‫اآلخرون ليسوا جحيمنا فحسب‪ .‬اآلخرون هم َع َدمنا‪.‬‬
‫الموت هو اآلخر‪ .‬الضحايا صنيع الجماعات‪ .‬أما الحياة النحيلة فتكمن في العتمة العميقة ألرواح‬
‫المنعزلين‪.‬‬
‫ثمة جمال‪ ،‬ينبثق من الشرود‪.‬‬
‫كان ّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫اإلنحراف‬
‫‪ ‬‬
‫سرية جميلة‪ ،‬في مقابل حضارة ُيستحال إحصاء جثثها‪.‬‬‫المنحرفون أبدعوا ِقَيمنا‪ ،‬أودعونا حضارةً ّ‬
‫المنحرفون‪ ،‬الذين ماتوا في المصحات أو في السجون‪ ،‬هم آباؤنا الحقيقيون‪M.‬‬
‫األسوياء جرفهم النهر‪ .‬غير األسوياء ظلّوا على الشاطئ‪.‬‬
‫هناك بالضبط‪ ،‬على الرمل و الحصى‪ ،‬مقاعدنا‪ ،‬ال في النهر‪.‬‬
‫إذا خرج من الماء مقعد‪ ،‬سرعان ما يسيل‪.‬‬
‫مقاعدنا على الشاطئ‪ ،‬نجلس عليها‪ ....‬أما الماء‪ُّ ،‬‬
‫فنمد له أقدامنا‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫حطبا لفظه السيل إلى الضفاف‪ ،‬ورقًا‪ِ ،‬خرقًا‪ ،‬مزقًا ساقطة من الثوب‪.‬‬
‫صّنفوا هامشيين‪ً ،‬‬ ‫ُ‬
‫صّنفوا للنبذ‪ ،‬للرمي‪ ،‬للخلع من قماش المدعوين‪ ،‬للمنع من الوليمة‪.‬‬
‫ُ‬
‫صّنفوا للحرق‪.‬‬ ‫ُ‬
‫لكن‪ ،‬ها هو العالم يختنق‪ .‬إذ كيف يتنفّس العالم بال هامشه؟‬
‫المنبوذون هم رئة الحياة‪.‬‬
‫قلب الحياة‪ ،‬هو الهامش‪.‬‬
‫هل نخرج من قلب العالم؟‬
‫مليئا بالدماء‪.‬‬
‫نخرج‪ ،‬ما دام ً‬
‫الملوحة للبعيد‪ ،‬في ال َشعر المتطاير‪ ،‬في العين الالنهائية االمتداد‪.‬‬
‫نسكن في اليد ّ‬
‫النسيمي‪ ،‬السابح في الهواء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حينذاك نكون في القلب‪ .‬القلب األبيض‪،‬‬
‫في نقاء الفراغ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫منشق معزول‪ ،‬اسمه االختالل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫في قلب الحياة ِعرق للحق والخير والجمال‪ ،‬عرق‬
‫العرق خفيفين‪ ،‬صامتين‪ ،‬لئال يتفتّق ِ‬
‫العرق ويفسد‪ .‬لئال ينفتح على العروق‬ ‫يمشي المختلّون في ِ‬
‫وسرية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الضيقة جميلة‬
‫ّ‬ ‫األخرى‪ ،‬الدموية‪ .‬لكي تبقى الدرب‬
‫أرواحنا الصامتة الحزينة هي الجميلون في السر‪ .‬الماشون في عرق االختالل‪.‬‬
‫أرواحنا الجميلة‪ ،‬هي المختلّون‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫نسف الكتلة الهائلة التي َّ‬
‫تكدست مع الزمن‬ ‫ُ‬ ‫وشق طريق جديدة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بات علينا تخريب هذه الطريق‬
‫واحدا للحياة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ونهجا‬
‫ً‬ ‫واحدا‬
‫ً‬ ‫مفهوما‬
‫ً‬ ‫والعادة واستقرت في عقولنا‬
‫واجبا ابتداع عصر مغاير‪.‬‬
‫ً‬ ‫صار‬
‫أليس على العصور أن تتغير‪ ،‬على األقل كما تتغير جلود الحيَّات؟‬
‫تاريخ بأكمله‪ ،‬قاد إلى إلغاء التاريخ!‬
‫تاريخ جماعي ألغي تاريخ الفرد‪ .‬وتاريخ فردي ألغى تاريخ الحياة مع الجماعة‪.‬‬
‫رؤية واحدة‪ ،‬طريق مشتركة‪ ،‬قطعت أرجل المنحرفين عنها‪ ،‬معست المتباطئين‪ ،‬اقتلعت أعين‬
‫الناظرين في مكان آخر‪.‬‬
‫ضحية خداعه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والمصب‬
‫ّ‬ ‫خادعا‪،‬‬
‫ً‬ ‫كان النبع‬
‫والمصب بالنفايات والجثث‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مصب واحد لتاريخ بأكمله‪ .‬بحيث امتأل النبع‬
‫ّ‬ ‫نبعٌ واحد و‬
‫ومصب جديدين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫واجبا ابتداع نبع‬
‫ً‬ ‫بات‬
‫‪ ‬‬
‫سالم للمناطق النائمة في الدماغ‪ ،‬الوادعة كالفراغ‪ ،‬المسحورة كالعدم‪.‬‬
‫ٌ‬
‫سالم للخاليا التي لم تستيقظ بعد‪ .‬إنها خاليا السالم‪.‬‬
‫ٌ‬
‫التاريخ يشهد على أن كل خلية جديدة تستيقظ‪ ،‬تبتكر طريقة موت جديدة‪.‬‬
‫هذا العقل يكاد يفني األرض‪.‬‬
‫سالم لخالياه المنحرفة‪ ،‬سالم للجنون‪.‬‬
‫ٌ‬
‫تجب إعادة ابتكار األدغال‬
‫وبناء عصر آخر يضع مداميكه المنبوذون‪ ،‬وتحرسه أرواح المجانين‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫المنفى‬
‫‪ ‬‬
‫منفي‪M.‬‬
‫كائن عاقل؟ صفة ناقصة‪ .‬ما عادت دقيقة‪ .‬اإلنسان كائن ّ‬
‫اإلنسان ٌ‬
‫صعبا تحديد موطن للناس‪ .‬المنفى اتسع‪ .‬األرض كلها صارت منفى‪.‬‬
‫ً‬ ‫بات‬
‫ما عاد هناك وطن‪ .‬هذه تسمية أضحت من التراث‪ .‬من الذاكرة اآلفلة‪ .‬البشر يقيمون في منفى ال‬
‫في وطن‪.‬‬
‫الكل كلِّيي النفي‪ :‬منفيين في الخارج ومنفيين‬
‫فردي‪ .‬صار ُّ‬‫ّ‬ ‫جماعي ومنفى‬
‫ّ‬ ‫كان في الماضي منفى‬
‫في الداخل ومنفيين في الجماعة ومنفيين في الذات‪.‬‬
‫لم تبق في الخارج أية إشارة إلى أن هذا المكان‪ ،‬أو ذاك‪ ،‬هو مكاننا‪.‬‬
‫وال في الداخل إشارة إلى أن الذات ال تزال تخصُّنا‪.‬‬
‫صعبا‪ ،‬بل مستحيالً على المرء تحديد ذاته‪ ،‬فكيف تحديد مكانه؟‬
‫ً‬ ‫صار‬
‫ُّ‬
‫التحدث عن مكان؟‬ ‫إذا الذات نفسها منفيَّة‪ ،‬هل يمكن‬
‫مشي ال يحتفظ بأي مكان‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫دفق راكض يطوي األمكنة‪.‬‬
‫سي ٌل من الخطى على بالط بارد‪ٌ .‬‬
‫التشعبات كلها ولذلك ال تسير‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تتشعب على‬
‫تشعبات‪ .‬وخطوات ّ‬‫ال درب‪ .‬فقط ّ‬
‫تتمدد عليها‪ .‬درب العودة إلى مكان أليف‪ ،‬بشوق و بطء وفرح‪،‬‬
‫لم يبق لألقدام طريق تألفه وزاوية ّ‬
‫ممحوة‪ .‬محتها الخطوات الراكضة وموت األلفة واستحالة العودة‪ .‬محاها‬
‫َّ‬ ‫ما عادت ممكنة‪ .‬صارت‬
‫غياب المكان‪.‬‬
‫المكان الذي غاب كمساحة‪ ،‬وغاب كحضور‪.‬‬
‫حاضرا مع آخرين‪ ،‬ال بينهم وال فيهم‪ .‬لم يعد لديك كالم لهم ولم يعد‬
‫ً‬ ‫ممكنا‪ ،‬بعد‪ ،‬أن تكون‬
‫ً‬ ‫ليس‬
‫مت ال تتكلم إال مع ذاتك ولو ظننتهم يصغون‪ .‬وإ ن تكلّموا ال تسمع إال‬
‫لديهم كالم لك‪ .‬إذا تكلّ َ‬
‫صوتك ولو اعتقدوا أنك تصغي‪ .‬ال تكون إال فيك ولو كنت في جمهرة‪ .‬وال يكونون معك ولو‬
‫منفيا وليسوا إال منفيين‪.‬‬
‫لست إال ً‬
‫كنت بينهم‪َ ...‬‬
‫ومنفي في الداخل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫منفي في الخارج‬
‫ومنفي في الناس‪ٌّ .‬‬‫ٌّ‬ ‫منفي في المكان‬
‫ٌّ‬
‫مثلّث المنفى‪ :‬منفى المكان ومنفى اآلخر ومنفى الذات‪.‬‬
‫وطنا لك؟ ُق ْل‪ .‬هل ذاتك مسكن؟‬
‫هل تجد ذاتك ً‬
‫هل بينكما لغة؟ أأنتما متفاهمان؟ أليفان؟ تنامان على سرير واحد؟ تترافقان على الطريق؟‬
‫إني ال أرى غير عداء وخيانة‪.‬‬
‫الذات ال تخلص لصاحبها‪ ،‬الذات تخون‪ .‬ال ترافقه‪ ،‬تهجره‪ ،‬ال تنقذه‪ ،‬ترديه‪.‬‬
‫ال أرى غير ُبعد وغياب‪.‬‬
‫ال أرى رفاقًا سوى اآلفلين‪ .‬ال رفاق إال الموتى‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫غابت األمكنة وغاب سكانها‪ .‬لم يعد ثمة مكان وال قاطنوه‪ .‬صار خطأ ما تعلمناه عن مفهومي‬
‫المكان والزمان‪ ،‬وعن اإلقامة واالغتراب‪ .‬تغيَّر كل شيء‪ .‬انقلبت الحياة واإلنسان واألشياء على‬
‫دخلت في ٍ‬
‫خلط فوضوي حتى اإللغاء‪ .‬إلغاء المكان وإ لغاء الزمان وإ لغاء‬ ‫ْ‬ ‫مفاهيمها وعلى نفسها‪.‬‬
‫اآلخر وإ لغاء الذات‪.‬‬
‫كلي‪ .‬دخل الكل في الغياب‪.‬‬
‫دخل الكل في منفى ّ‬
‫التزاما بالركام‪.‬‬
‫ً‬ ‫جماعيا‪ ،‬لو لم يكن‬
‫ً‬ ‫وكان هذا الغياب سيكون جميالً لو لم يكن جرفًا‬
‫فردانية اختيار اإللغاء‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كان جميالً لو للغائب خصوصية غيابه‪ ،‬وللملغي‬
‫نصر على الحضور‪ .‬للمنفى الخاص نصر على االنتماء‪ .‬للغياب والمنفى نصر‬
‫فللغياب االختياري ٌ‬
‫على الجماعة واالستيعاب واالمتصاص‪.‬‬
‫رفاق إال اآلفلين‪ ،‬لو ليس له رفاق‬
‫ٌ‬ ‫المنفي بذاته ولو ليس له‬
‫ّ‬ ‫نادرا‪ .‬يفوز‬
‫نصرا ً‬
‫هكذا‪ ،‬يكون المنفى ً‬
‫إال الموتى‪.‬‬
‫هكذا يكون للفرد حضور‪.‬‬
‫هكذا ال يكون للفرد حضور إال بغيابه!‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫األلم‬
‫‪ ‬‬
‫إن أمكن تعريف التاريخ يمكن القول‪ :‬إنه تاريخ األلم‪.‬‬
‫ألم الفرد وألم الجماعة‪ .‬ألم االرتباط وألم االنشطار‪ .‬ألم الذات من اآلخر وألمها من ذاتها‪ .‬ألم‬
‫الناس وألم األرض‪ .‬فاألرض‪ ،‬مثلما تتألم المخلوقات منها‪ ،‬تتألم هي من المخلوقات‪ ...‬وعلى هذه‬
‫الجروح المتبادلة تُرصف عمارة التاريخ‪.‬‬
‫ونمت على هذا الصوت‪ .‬كأنها‬
‫ْ‬ ‫نت‬
‫تكو ْ‬
‫منذ الفجر األول كان األلم‪ .‬قامت األرض على صرخته‪ّ .‬‬
‫من دونه لم تكن‪ .‬كأن األرض تكونت من فاجعة‪ ،‬من خطأ‪ .‬كأن ما يلد‪ ،‬وما ينمي‪ ،‬وما يفرض‬
‫االستمرار‪ ،‬هو الخطأ‪.‬‬
‫وكأن األرض‪ ،‬لو كانت فرحة‪ ،‬لتبددت!‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ال عمر لغير األلم‪ ،‬وقد يكون هذا ما يعنيه الخلود ً‬
‫ُّ‬
‫ويصح كذلك‪ :‬خطأ الخلود‪.‬‬ ‫خلود الخطأ‪.‬‬
‫هل يحتاج تاريخ األلم إلى براهين؟ التاريخ َّ‬
‫قدم البراهين بنفسه‪ ،‬والفلسفات واآلداب والفنون‬
‫والمسيرة كلها فعلت ذلك بجدارة‪ .‬ربما يحتاج تاريخ األلم إلى شيء آخر‪ :‬نقضه‪ .‬ربما لمحو األلم‬
‫ينبغي محو التاريخ! أو فعل ما يمكن‪ :‬وقف هذا الركض في مسيرة سمجة‪ ،‬والجلوس للتفرج على‬
‫الطريق‪ ،‬والضحك‪.‬‬
‫هل كان يمكن‪ ،‬بجنون ما‪ ،‬االنقالب على هذه المسيرة وبدء تاريخ معاكس؟ هل كان يمكن‪ ،‬في‬
‫وقت مبارك‪ ،‬ساعةُ ٍ‬
‫غفلة عظيمة؟‬ ‫يمر في األزمان ٌ‬ ‫لحظة انحراف‪ ،‬تغيير الدرب؟ ألم ّ‬
‫ممكنا‪ ،‬في لحظة ما من التاريخ المديد‪ ،‬انتصار المجانين على العقالء؟ الفوضويين‪ M‬على‬
‫ً‬ ‫ألم يكن‬
‫المنضبطين؟ الجالسين على األرصفة على محتلّي الدروب؟‬
‫ممكنا أن تكون األرض ساحة احتفال؟ أن تكون األمكنة حلبات رقص؟ أكان مستحيالً‪،‬‬
‫ً‬ ‫ألم يكن‬
‫حقًا‪ ،‬القضاء على األلم؟‬
‫ولو حدث ذلك‪ ،‬كيف ستكون األرض؟ ألن تفرح حينذاك بوجودها وترقص؟‬
‫لكن خطأ ما يحكم األرض ومخلوقاتها‪ .‬خطأ كبير‪ ،‬هائل‪ ،‬بحيث ال تمكن مقاومته‪.‬‬
‫يجرها إلى التدافع والصراع‪ ،‬إلى اقتراف خطيئة‬
‫يجر البشرية إلى أخطاء‪ّ .‬‬
‫خطأ يحكم األرض و ُّ‬
‫الطموح‪ ،‬إلى اإلثم واأللم‪.‬‬
‫فالطموح ليس سوى إضافة ألم وإ ثم‪ :‬ألم للذات وإ ثم لآلخر‪ .‬إذ على سكينة الذات تطأ خطاه وعلى‬
‫ُّ‬
‫يخض صفاء النفس ويع ّكر ماءها‪ .‬يوحل الذات‪ ،‬فتصير ال ماء وال‬ ‫اآلخر ُّ‬
‫يشق دربه‪ .‬الطموح‬
‫ترابا وإ ما ماء‪ .‬ألم الوحل الفاقد كينونتَْيه‪.‬‬
‫ألم الوحل الطامح إلى أن يكون إما ً‬‫ترابا‪ .‬تصير َ‬
‫ً‬
‫الطموح صفة الناقص‪ .‬أما الممتلئ فيهدأ ويجلس‪.‬‬
‫وكل ذاهب‪.‬‬ ‫كل ٍ‬
‫آت يؤلم‪ُّ ،‬‬ ‫ُّ‬
‫ما يلتصق ألم‪ ،‬وما ينسلخ ألم‪.‬‬
‫النقطة التي تسقط عليك تنزل من ألمها األول‪ ،‬والنقطة التي تتبخر تذهب إلى ألمها الثاني‪.‬‬
‫على جلدة الروح بقع آالم من الناس الذين التصقوا‪ ،‬ومن الناس الذين انسلخوا‪ ،‬ومن األشياء‬
‫واألفكار والرغبات واالنهزامات واالنتصارات‪.‬‬
‫ولكن‪ ،‬من يحلم بأن يهزم اآلخر في النهاية‪ ،‬الناس أم آالمهم؟‬
‫خاليا من البقع؟‬
‫من يحلم بأنه ذاهب إلى مثواه ً‬
‫أخيرا ليس الجسد النظيف وال الروح الصافية‪ .‬ما سيصل هو الوشم‪.‬‬
‫ما سيصل ً‬
‫بقعة كبيرة من اآلالم واآلثام‪ ،‬تُحمل وتوضع في حفرة‪.‬‬
‫وكان جميالً حقًا لو سمح الخطأ بصواب واحد‪ :‬أن تلقي نظرة أخيرة على بقعتك السوداء‪،‬‬
‫وتضحك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫النسيان‬
‫‪ ‬‬
‫ذاكرة أم حياة؟ شقاء أم نسيان؟‬
‫سؤال يقرن الموت بالذاكرة والسعادة بالنسيان‪ ...‬لكن‪ ،‬أليس هذا هو جواب الوجود‪ ،‬الحا ّل محل‬
‫ب "الوجود"؟‬‫وه َ‬
‫"الفكر" الواهم ْ‬
‫أنا أنسى‪ ،‬إذن أنا موجود!‬
‫جواب جديد‪ ،‬بعد تاريخ طويل من إلغاء الوجود بالفكر والذاكرة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫سعادة النسيان‪:‬‬
‫للنسيان خفة طيران في قلب السعادة لن تكون مطلقًا للذاكرة الرازحة تحت أثقال‪ .‬خفة رمي الثقل‬
‫ومحو اللطخات الستقبال الصفاء‪.‬‬
‫سعادة اللحظة‪ ،‬إذ ترمي عنها ما قبلها وما بعدها‪ .‬ما علق بها وأعادها إلى غيرها‪ .‬فصلها عن‬
‫ذاتها‪ .‬جعلها لحظةَ آخر ال لحظة ذات‪ .‬شطبها‪.‬‬
‫يخدش الالحق‪.‬‬
‫يخدشها‪ ،‬وال ترسل ما ّ‬ ‫سعادة اللحظة التي ال تستقبل من السابق ما ّ‬
‫الماقبل ثق ٌل على اآلن‪ ،‬والمابعد ثقل‪ .‬الماقبل والمابعد‪ ،‬إذ يحالّن في اآلن‪ ،‬يميتانه‪.‬‬
‫ما كان هو اآلن موت‪ ،‬وما سيأتي‪.‬‬
‫الحياة هي‪ :‬اآلن‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫مأساة الذاكرة‪:‬‬
‫قد ال ُيفرح ُّ‬
‫التذك ُر والتذكير أن الحقد‪ ،‬الثأر‪ ،‬القتل‪ ...‬بنات ذاكرة‪.‬‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫غير أن الذاكرة تفظع أكثر‪ :‬تقتل صاحبها ً‬
‫ت حاضره‪.‬‬ ‫مي ُ‬ ‫ظل ماضيه‪ُّ ،‬‬
‫ظل غيره‪ ،‬قتي ُل ذاته‪ّ ،‬‬ ‫المتذ ّكر هو ُّ‬
‫حين نتذكر نصير الموتى‪.‬‬
‫المتذكرون هم موتى موتاهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫شقاء ذاكرة السعادة‪:‬‬
‫ال تتذ ّك ْر غزالةً اختفت في األدغال‪ ،‬ذلك لن يجعلك غير فاقد غزاالت أخرى تعبر اآلن أمامك‪.‬‬
‫وال تطارد الذي غاب‪ ،‬ذلك يجعلك ذا شقاءين‪ :‬شقاء الغياب وشقاء المطاردة‪.‬‬
‫اقعد في الغابة‪ ،‬بال سالح‪ ،‬وال تفكير في غنيمة‪ .‬حينذاك ستأتي الغزالن وتأكل من يدك‪.‬‬
‫ْ‬
‫ربحت هناءك‪.‬‬
‫َ‬ ‫وإ ن لم تأت‪ ،‬تكون على األقل‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ذاكرة الرغبة‪:‬‬
‫من يرغب يصير ضحية رغبته‪ .‬ومن يطلب استحضار رغبة غربت يصير ضحيتين‪ :‬ضحية‬
‫الرغبة وضحية ذكراها‪.‬‬
‫الذين بال رغبات هم األحياء حقًا‪.‬‬
‫ال شيء يقتلهم وال يتركون ضحايا‪.‬‬
‫سر المتالكه‪ ،‬هو‪ :‬رفضه‪.‬‬‫العالم سصير لهم إذ يأنفونه‪ .‬فالعالم‪ ،‬الذي ال ُيملك‪ ،‬له ٌّ‬
‫عاليا‪ ،‬فوق‪ ،‬الذين بال رغبات‪ .‬ومن أجنحتهم ينزل نثار العالم‪.‬‬ ‫يطيرون ً‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ذاكرة المكان‪:‬‬
‫وهل تكون هنا وأنت تتذكر هناك؟‬
‫جئت منه مضى‪ ،‬الذي تذهب إليه لم يأت‪ .‬المكان هو‪ ،‬فقط‪ ،‬هنا‪.‬‬
‫المكان الذي َ‬
‫لكنك ٍ‬
‫ماش‪ .‬وما هو هنا يصير هناك‪.‬‬
‫إذن طريق بال مكان‪ .‬إذن المكان‪ :‬نسيان األمكنة‪.‬‬
‫نسيت المكان‪ ،‬هل تبقى في منفى؟‬
‫َ‬ ‫إن صدف أن‬
‫ْ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ذاكرة التاريخ‪:‬‬
‫محشوا فينا‪.‬‬
‫ً‬ ‫نحن لسنا ذاتنا‪ .‬نحن التاريخ‬
‫نتاج أفكار السلف‪ ،‬تعاليمه‪ ،‬قواعده‪ ،‬قيوده‪ ،‬زنزانته‪.‬‬
‫سجاننا وجالَّدنا‪.‬‬
‫التاريخ َّ‬
‫وإ ن كان لهذا الجالد حف ٌل فرح‪ ،‬فنحن فيه الدمى المتحركة‪ .‬إن كان هذا الملك يلعب الشطرنج‪،‬‬
‫فنحن بيادقه‪.‬‬
‫متلبسيننا‪.‬‬
‫نحن لسنا نحن‪ .‬نحن هم ّ‬
‫حي فينا ونحن موتى فيه‪.‬‬
‫من مات لم يمت‪ .‬إنه ٌّ‬
‫وتر عدمك‪.‬‬
‫انظر في وجهك‪َ .‬تر ذاكرته و كينونته‪َ ،‬‬
‫فإن أردت أن ترى التاريخ ْ‬
‫اخلعه عنك‪ ،‬إن أردت أن تكون‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ذاكرة اآلباء والبنين‪:‬‬
‫منذ والدتهم نبدأ بنفيهم عن ذاتهم‪ُّ .‬‬
‫ندق فيهم مسامير ذاكرتنا وندرزهم بصور الموتى‪.‬‬
‫منذ والدتهم نبدأ بقتلهم‪.‬‬
‫نقتل أبناءنا مثلما آباؤنا قتلونا‪ .‬نمنحهم إرث الذاكرة التي ألغتنا وستلغيهم‪ .‬نفتح لهم بوابة المملكة‪،‬‬
‫باب السجن‪ ،‬ونمنحهم القيد والبيدق‪.‬‬
‫نمنحهم البيت الذي يتمشى فيه األموات‪.‬‬
‫من يحب أوالده ال يورثهم صورته‪ ،‬ال يهديهم ذاته‪ ،‬ال يترك لهم ذاكرة‪.‬‬
‫من يحب أوالده يمنحهم النسيان‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ذاكرة الوصول‪:‬‬
‫ُّأم الشقاءات‪ ،‬فكرة الوصول‪ .‬إذ ال وصول‪ ،‬ال نقطة‪ ،‬ال مقعد‪ ،‬على الطريق‪.‬‬
‫ليس المشي ما ُيتعب‪ ،‬بل فكرة الهدف‪.‬‬
‫رنات خطواتك‪.‬‬ ‫آن تؤخذ بها‪ ،‬يفوتك الزهر على الدرب وشدو الطير وجمال ّ‬
‫الهدف يسرق منك النزهة وال يمنحك ذاته‪ .‬كلما اقتربت منه ابتعد‪ ،‬كلما أطللت عليه غاب‪.‬‬
‫امح ذاكرة الوصول وتمتَّ ْع بالمشي‪.‬‬
‫ُ‬
‫وانس الدرب‪.‬‬
‫انس الهدف َ‬ ‫انس‪َ .‬‬‫بل َ‬
‫للنسيان خفة محو الطريق‪ ،‬وتأبيد لحظة عدم السير‪.‬‬
‫أنا أف ّكر إذن أنا موجود؟‬
‫ال‪ .‬أنا أنسى إذن أنا موجود‪.‬‬
‫النسيان‪ ،‬هذا هو الوجود‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫الصمت‬
‫‪ ‬‬
‫لماذا أمضى نيتشه سنواته األخيرة صامتًا منعزالً؟ هل أراد أن يقول إن الصمت هو أعلى درجات‬
‫الكالم؟ التعبير األفصح عن ال جدوى التخاطب؟ أن ينفي إمكان التواصل بين الذات واآلخر؟ بين‬
‫يأسا من اللغة ذاتها‪ ،‬من محموالتها ومدلوالتها وتناقضاتها‬
‫الفرد والجماعة؟ هل كان صمته ً‬
‫معا؟ أم أن الصمت هو االحتفاء الوحيد المتاح بالحياة‪ ،‬والتشييعُ‬
‫ومصبها ً‬
‫ّ‬ ‫وخياناتها‪ ،‬من نبعها‬
‫يودعها بإخالص؟‬
‫الالئق لمن يريد أن ّ‬
‫لماذا صمت نيتشه كل تلك السنوات؟ ولماذا غادر رامبو الكلمات؟ والكثيرون غيرهما لماذا‬
‫وضعوا هذا َّ‬
‫الحد المرعب بين اللغة وخرسها‪ ،‬بين الذات واآلخر‪ ،‬بين الحياة وعدمها‪ ،‬بين اإلقامة‬
‫وشطب الوجود‪ ،‬هذا الكائن الصغير الوحيد بين عدمين؟‬
‫والصمت‬
‫ُ‬ ‫حد‪ ،‬أو نقيض‪ ،‬بين الصمت والكالم؟ أال يكون الكالم في الغالب أخرس‬ ‫ولكن‪ ،‬هل من ٍّ‬
‫أيضا؟ أين‬ ‫َّ‬
‫ضاجة ً‬ ‫في الغالب مطلوق اللسان؟ أليس السكوت لغة داخلية ضاجَّة والقو ُل أصواتًا‬
‫الحدود إذن؟‬
‫هباء واحد يجمع الصامتين والمتكلمين‪ ،‬ما معنى أن نختار الصمت وأن نختار‬
‫إن ٌ‬ ‫وإ ْن ال حدود‪ْ ،‬‬
‫الكالم؟ ما الفارق إن تكلَّمنا أو صمتنا؟‬
‫غير َّ‬
‫أن الصمت يخفّف الثقل؟‬
‫كلَّما نقص صوت‪ ،‬أعتقد أن األرض تشعر براحة‪.‬‬
‫الذين يصمتون يرتفعون عن األرض قليالً‪ ،‬ال تعود أقدامهم وأجسادهم ملتصقة بها‪ .‬الذين‬
‫يتم إال بالعزلة‪.‬‬ ‫يصمتون ينسحبون من جمهرة األرض كي يحتفوا بذاتهم‪َّ .‬‬
‫كأن االحتفاء بالذات ال ُّ‬
‫َّ‬
‫كأن االحتفاء بالحياة ال يكون إال بالصمت‪.‬‬
‫فردي‪ ،‬بال شريك‪ ،‬هذا الذي تقف فيه‬
‫ّ‬ ‫أال يمكن الواحد أن يحتفي بذاته مع اآلخرين؟ إنه احتفاء‬
‫وتغني‪ .‬تختلي بروعتها‪ ،‬بخوائها‪ ،‬وتنتشي‪ .‬يخرج من صمتها النشيد الجميل‬
‫الذات أمام نفسها ّ‬
‫شيئا‪ ،‬ال تراوغه الكلمات‪ ،‬ال يحكي وال ُيسمع‪.‬‬
‫النقي‪ .‬النشيد الذي ال يقول ً‬
‫ّ‬ ‫السري‪،‬‬
‫ّ‬ ‫البدئي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫النادر‪،‬‬
‫الذات تحتفي بغيابها عن اآلخر‪ .‬الذات تحتفي بالغياب‪.‬‬
‫هل هو االختفاء إذن ما ُيطرب له؟ هل هو الخواء ما تقام له االحتفاالت؟‬
‫هل االحتفاء هو االختفاء؟‬
‫بصمت الشجر والحجر تطرب األرض وبصخب البشر تمرض‪ .‬بالسكون تورق وتزهر‬
‫صحيحا ما تعلَّمناه‪ .‬جوهر الحياة ليس الحركة بل ربما السكون‪ .‬المياه‬
‫ً‬ ‫وبالضجيج تموت‪ .‬ليس‬
‫الماء حياةً إال إذا رقد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫المتخبطة الهادرة ال تقيم وال تحيي إنما تجرف وتقتل‪ .‬ال ُيطلع‬
‫ّ‬
‫الحد بين الذات واآلخر‪ ،‬بين الخارج والداخل‪ ،‬على‬ ‫على الحافَّة‪ ،‬على ّ‬
‫الحد‪ ،‬يمكن أن نكون‪ .‬على ّ‬
‫الحد الضئيل النحيل المسنون كشفرة‪.‬‬
‫العتبة‪ .‬هناك قد تكون حياتنا على ّ‬
‫الممحوة‪ .‬النقطة التي تكاد ال تُرى‪ ،‬بين احتضار‬
‫َّ‬ ‫الحياة‪ ،‬على األرجح‪ ،‬تبدأ من النقطة الصغيرة‬
‫الصوت ووالدة الصمت‪ .‬بين انتهاء الكالم وبدء السكون‪.‬‬
‫العالم المعاد‬
‫ُ‬ ‫تخصنا‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫هناك ينتهي التناسل الخارجي ويبدأ التناسل الداخلي‪ .‬تبدأ والدة الحياة التي‬
‫تركيبه‪ ،‬المستحيل أن يكون في ٍ‬
‫مكان آخر‪.‬‬
‫الممحوة يولد كوننا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫في النقطة‬
‫على الشفير‪ ،‬حيث لحظة االنبثاق ولحظة السقوط توأم‪ .‬حيث الوالدة واالحتضار واحد‪ .‬حيث‬
‫جدا‪ ،‬على رأس شفرة‪.‬‬
‫الوجود والعدم في نقطة نحيلة ً‬
‫ولكن‪ ،‬من يقوى على الحياة هناك؟‬
‫من يستطيع أن يحيا على شفرة؟ أن ُينجي لحظة والدته من لحظة موته؟‬
‫واألرض‪ ،‬هل لذلك َّ‬
‫مكدسة بالجثث؟‬
‫فلنصمت قليالً‪ .‬أصواتنا أودت بنا إلى هنا‪ ،‬إلى هذا الجحيم‪ .‬إلى القتلى الساقطين بالكلمات‪،‬‬
‫َّ‬
‫المعذبين في زنزانات الكالم المقفلة‪ .‬المشنوقين باستحالة وصول‪M‬‬ ‫بالخطابات‪ ،‬بالشعارات‪ .‬إلى‬
‫صمت وال فضاء كالم‪.‬‬‫ٍ‬ ‫سقف‬
‫َ‬ ‫الصوت‪ .‬المرميين في فراغات حائرة‪ ،‬حيث ال‬
‫أيضا‪ .‬صحيح‪ .‬لكنهم يتوحدون مع ذواتهم على خشبة االنتحار‪.‬‬
‫الصامتون منتحرون ً‬
‫لو يصمت العالم الضاجُّ‪ ،‬قليالً‪ .‬ماذا يحدث لو صمت العالم؟ لو اختفى ضجيج البشر لحظة؟ أما‬
‫فتوتها‪ ،‬بعض صحتها؟‬
‫كانت األرض تستعيد بعض َّ‬
‫هذه األصوات تنشر األمراض‪.‬‬
‫إذا كان هناك من يريد فعالً أن ينقذ البشرية فليأمرها بالصمت‪.‬‬
‫ص واحد‪ ،‬يخلّصها من الضجيج‪.‬‬ ‫غير مخلِّ ٍ‬
‫األرض ال تفتقد َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫المنتحرون‬
‫‪ ‬‬
‫مقتحمو الحواجز والمخاوف والمحرمات‪ ،‬فاتحو عتمة النفق ببرق عبورهم‪ ،‬المنتحرون‪ ،‬قديسونا‪.‬‬
‫الذين لم تسعهم الحياة‪ ،‬ففتحوا فسحة في الموت‪.‬‬
‫لم يملكوا حياة‪ ،‬فملكوا موتًا‪.‬‬
‫تعالَوا عن هبة‪ ،‬عن ضيافة حدثت بالصدفة‪ ،‬عن مائدة كانوا هم طبقها‪ ،‬وصفقوا الباب وراءهم و‬
‫غادروا‪.‬‬
‫تركوا المقاعد و ثرثرات الوعود‪ ،‬وذهبوا إلى صمتهم‪.‬‬
‫أذابوا ملح الروح ودفعوه إلى الشالل‪ ،‬رموا خبز الخالص لألسماك‪ ،‬أسكتوا الحفيف الشرس‬
‫للدماغ‪ ،‬وسكنوا‪.‬‬
‫هناك خبل ما‪ ،‬قالوا‪ ،‬جاء بنا إلى هنا‪ ،‬وخبل سيأخذنا‪ ،‬فلنذهب بأنفسنا‪ ،‬لنكن نحن الخبل‪.‬‬
‫وعلى أطراف عبورهم كانت تُرى فراشات سوداء‪ ،‬كان ُيرى خبل البقاء‪.‬‬
‫تركوا للفَ َعلَة أن يرثوا ويورثوا‪ ،‬وذهبوا إلى الخواء‪ .‬الخواء الواقف في األعلى‪ ،‬فوق كل إرث و‬
‫كل ُملك‪.‬‬
‫الخواء المظلم المخيف‪ ،‬الذي أضاءه عبورهم وجعله صديقًا‪.‬‬
‫للمنتحرين زاوية‪ ،‬مقعد يستريحون عليه‪ ،‬في الفراغ‪.‬‬
‫ولهم بيت هناك‪ ،‬وشجر‪ ،‬وأرض ال يعرفها أحد‪.‬‬
‫لهم ُسطيحة في العدم‪ ،‬ال يستطيع الجلوس عليها غير الموتى‪ .‬وياسمينة عالية أمام بيتهم‪ ،‬ال‬
‫شم زهرها إال إذا صاروا هواء‪.‬‬
‫يمكنهم َّ‬
‫للمنتحرين غنم َّ‬
‫ضل‪ ،‬ويذهبون ليرعوه‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫وهناك يحتفلون بعرسهم‪ ،‬بال عروس وال عريس وال أبناء‪ .‬يحتفلون باستحالة التزاوج‪ ،‬بغروب‬
‫النسل‪ ،‬باألرض المنقرضة‪.‬‬
‫وكلما سقط واحد منهم في الماء ولدت موجة‪ ،‬وكلما هوى واحد في فضاء هبَّت نسمة‪ .‬المنتحرون‬
‫ورياحا جديدة‪.‬‬
‫ً‬ ‫بحارا‬
‫يبتكرون ً‬
‫شيئا في العدم‪.‬‬
‫ومن الحبل إذ يتدلون‪ ،‬يمألون المسافة الفارغة بين السقف والبالط‪ .‬يضعون ً‬
‫والجثة حين يحملها الحاملون‪ ،‬يجدون ما اعتقدوه وراءهم يمشي أمامهم‪ .‬يجدون الجثة الميتة تسبق‬
‫الجسد الحي‪ ،‬والماضي يمشي بعد المستقبل‪ ،‬والموت يتقدم على الحياة‪ .‬يجدون الحياة في الجثة ال‬
‫في الجسد‪.‬‬
‫ال ينتحر غير من طفح بالحياة‪ .‬من طفحت فيه الحياة فاندلقت‪.‬‬
‫وال ينتحر غير من يعلو على الموت‪ .‬من يسوده‪.‬‬
‫المنتحر يهب الموت معنى‪ .‬ويدحره‪.‬‬
‫من ينتحر يترك لطختين‪ ،‬واحدة على وجه الحياة وأخرى على وجه الموت‪ .‬يترك آثار سيادة‪.‬‬
‫وهل هناك سيادة غير هذه؟‬
‫لكن السيادة ليست مطلب المنتحرين‪ .‬المحو مطلبهم‪ .‬محو سيادة الحياة وسيادة الموت‪ .‬سيادة من‬
‫جاء بهم وسيادة من يذهب بهم‪ .‬سيادة اآلخر وسيادة الذات‪.‬‬
‫حرية‪.‬‬
‫المحو الذي هو سيادة وجود‪ ،‬فعل ّ‬
‫قديسونا‪ ،‬سادة المحو‪ ،‬سادة الخواء‪.‬‬
‫المنتحرون ّ‬
‫خالصا‬
‫ً‬ ‫وإ ذ يسلّمون روحهم للخواء ال‪  ‬يكونون يسلّمون حياة بل إدانة‪ .‬وال جثة بل اسم قاتل‪ .‬وال‬
‫بل هباء‪.‬‬
‫إذ يسلّمون أنفاسهم يسلمون الفراغ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫ق الهواء‬
‫َرتْ ُ‬
‫‪ ‬‬
‫‪2006‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ِ‬
‫إكمال كلمة‬ ‫محاول ُة لَ ْحِم أحرف‪ ،‬محاول ُة‬
‫‪ ‬‬
‫خسرت معها في‬
‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫وأغشها لعلّي أربح شوطاً معها هذه التي‬ ‫ّإني ألعب اآلن‪ .‬ألعب مع الكلمات‬
‫علي‪ .‬ما بيني وبينها اليوم هو غير ما‬ ‫َّ‬
‫الماضي كل األشواط‪ .‬ألعب معها وأضحك عليها وتضحك ّ‬
‫مجرد لعبة‪.‬‬
‫جديتها وصارت ّ‬ ‫كان باألمس‪ .‬سقط وقارها وفقدت ّ‬
‫إن البشر سيصيرون جميعهم ألعاباً تسير بكبس أزرار‪ .‬ال ُّ‬
‫أظن ّأني سأعيش إلى ذاك الوقت‬ ‫يقال َّ‬
‫اخترت ما قد يجعلني لعبة‬
‫ُ‬ ‫الذي أصير فيه لعبة كاملة‪ّ .‬إني اآلن لعبة ناقصة‪ ،‬نصف لعبة‪ ،‬ولهذا‬
‫كاملة‪ :‬الكلمات‪.‬‬
‫ستحركهم! ورحمةً على‪ . . .‬ال ليس‬
‫ّ‬ ‫سيصير الناس ألعاباً‪ .‬شيء جميل‪ .‬يا لمتعة األزرار التي‬
‫رحمة على المشاعر‪ ،‬فهي جعلتهم دائماً بؤساء‪.‬‬
‫محصنون‪ ،‬هكذا مغلَقون على اآلخر الذي كان يسطو على أحاسيسهم‪ ،‬على‬ ‫َّ‬ ‫بال مشاعر‪ ،‬هكذا‬
‫تمتد إلى عروقهم وتفسد دمهم‪ ،‬على الكلمات التي ما كانت تقال إالَّ لتُسقط قتلى‬
‫األيدي التي كانت ُّ‬
‫في روحهم‪ . . .‬سيصيرون ألعاباً‪ ،‬فيا لروعة الجماد الذي سيصيرونه!‪.‬‬
‫لن أعيش إلى ذاك الوقت‪ ،‬لن أعيش تلك الروعة‪ .‬ال تزال هناك ٍ‬
‫أيد وكلمات ُّ‬
‫تمتد إلى عروقي‬
‫علي أن أصافح‬
‫علي أن أخرج من هذه المعركة بأق ّل دم ممكن‪َّ .‬‬
‫وتُسقط قتلى في روحي‪ .‬مع ذلك َّ‬
‫ربما أجعلها صديقة‪.‬‬ ‫األيدي بأيَّة حيلة‪ ،‬وأن أستدرج الكلمات للَّعب وهي ترفع خنجرها َّ‬
‫علي‪ .‬هكذا ّ‬
‫خرجت قتيالً‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ربما أخرج من هذه المعركة غير قاتل‪ ،‬ولو‬ ‫ربما أكسب استراحة‪ .‬هكذا ّ‬ ‫هكذا ّ‬
‫‪.‬أيتها العمود الجميل‪ ،‬السلَّم الرائع إلى مجهول رائع‪ .‬تسلّقي‬ ‫"ألف" أريد أن ألعب ِ‬
‫معك ّ‬ ‫تعالي يا ِ‬
‫علي وأتسلَّق عليك‪ ،‬علَّنا‪ّ ،‬أيتها المبتدأ‪ُّ ،‬‬
‫نطل على نهاية جميلة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬ ‫َّ‬
‫فلنكمل لعبته برقة لم يكن يملكها‪ ،‬علنا نضفي على‬
‫ْ‬ ‫فلنلعب‪ .‬البدء كان لعبة والبادئ كان العباً‪.‬‬
‫ْ‬
‫وجهها جماالً‪.‬‬
‫ِ‬
‫شريكك‪ .‬ارمي لي الطابة‪ّ ،‬إنها تحت وسادتك‪ ،‬فنتقاذفها‬ ‫بهاء ملتفّاً على ذاته أنا‬
‫وتعالي يا "باء"‪ .‬يا ً‬
‫إن لم يقذفه بقدميه‪.‬‬
‫مسرورين‪ .‬الطابة كنزك‪ ،‬وال سرور لمالك الكنز ْ‬
‫أريد أن ألعب مع األحرف‪ .‬هي مثلي وحيدة وتحتاج إلى من يسلّيها‪.‬‬
‫أريد أن أكون صديق التي أسيء إليها منذ أن تعلَّم الناس النطق‪ ،‬صديق التي ُو ْ‬
‫لدت لتلعب‪،‬‬
‫الجدية والصرامة والمآتم والقتل‪.‬‬
‫فجروها إلى ّ‬‫ُّ‬
‫مرةً واحدة‬
‫ولدت بريئة عودي إلى براءتك‪َّ ،‬‬
‫ْ‬ ‫فلنلعب يا كلمات يا قاتلة ناطقيها وسامعيها‪ .‬يا من‬
‫كرمى للمقتولين بك‪ .‬عودي بريئة يا كلمات والعبي‪ .‬أنا قتيلك وأريد أن ألعب معك‪ .‬أنا القتيل‬
‫وأريد أن ألعب‪ .‬أريد أن ألعب‪.‬‬
‫حاولت أن‬
‫ُ‬ ‫وقلت لها كوني لي‪ .‬لم تكن‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فت‬
‫مرةً أمام لعبة توقّ ُ‬
‫مررت َّ‬
‫ُ‬ ‫زمان من زمان‪ ،‬حين‬ ‫ٍ‬ ‫من‬
‫وفشلت أيضاً‪ .‬أليس‬
‫ُ‬ ‫حاولت أن أجعل نسيانها ونسيان كلماتي لعبةً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫يكون قولي لها لعبةً‪ .‬لم يكن‪.‬‬
‫في األرض ألعاب؟ اعطوني واحدة‪ .‬ماذا أقول للذي يقال ّإنه هناك ويسأل األموات ماذا فعلتم في‬
‫عشت بال لعبة؟ وإ ْن قال خلقتُكم ألعاباً لماذا لم تلعب؟! بماذا أجيب؟ اعطوني لعبة‬
‫ُ‬ ‫الحياة؟ أأقول له‬
‫حجج كثيرة أفحمه بها إالّ واحدة‪ ،‬فاعطوني لعبة‪.‬‬ ‫ٌ‬ ‫لدي‬
‫لدقيقة واحدة‪ ،‬فأنا َّ‬
‫كنت كذوباً‬
‫مني‪ُ .‬‬‫دمع غائبين‪ ،‬كان ذلك كذباً ّ‬
‫مرةً َ‬
‫هوذا الغيم أتى فأهالً يا صديقي‪ .‬لم يكن مطرك َّ‬
‫تعال اآلن يا‬
‫يحدقون في الشفق‪َ .‬‬‫لهاث بعيدين‪ ،‬وإ ّنك نظرات ضيَّعها أصحابها وهم ّ‬
‫ُ‬ ‫قلت ّإنك‬
‫جداً‪ُ .‬‬
‫صديقي ّإنك غيم‪ ،‬غيم فقط‪ ،‬وهذا جميل جداً‪.‬‬
‫ابن‬
‫بأني اخترعت أكاذيب كثيرة من الكلمات‪ .‬ما قلتُه وما كتبته لم يكن سوى كذب‪ٌ .‬‬ ‫أعترف اآلن ّ‬
‫لقيطٌ لمخي ٍ‬
‫َّلة مجنونة‪ .‬ما قلته وكتبته كان خيانة لبراءة الكلمات‪ ،‬هذه التي أطالبها بالبراءة وأمارس‬
‫العهر معها‪.‬‬
‫قلت يثمر من‬
‫ظلمت الشجر حين ُ‬‫ُ‬ ‫وظلمت ريش الطيور ونشارة الخشب‪.‬‬‫ُ‬ ‫ظلمت الغيم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫أعدت عظامهم إلى الحياة‪ ،‬والحياةَ حين‬
‫ُ‬ ‫وظلمت الموتى حين‬
‫ُ‬ ‫والجبال إذ ألبستُها أقداماً‪.‬‬
‫َ‬ ‫النظرات‪،‬‬
‫أعدتُها إلى الموتى‪.‬‬
‫علي أن‬
‫لت‪ ،‬وكان َّ‬ ‫ظننت وما ِ‬
‫أم ُ‬ ‫ُ‬ ‫ظلمت الناس واألشياء والحياة‪ .‬هؤالء كانوا شيئاً آخر غير ما‬‫ُ‬
‫علي أن أعرفهم كما هم‪ ،‬ال كما أرغب‪ ،‬وأن أحبَّهم‪.‬‬ ‫أعرف ذلك‪ .‬كان َّ‬
‫أن اللعب ال يكون جميالً إالَّ بين‬‫بعيد وأنا أعرف اآلن َّ‬
‫تعال ّأيها الغيم أريد أن ألعب معك‪ .‬أنت ٌ‬
‫بعيدين‪ .‬الجمال هو البعيد‪ ،‬البعيد فقط‪ .‬فلنلعب أيُّها الغيم يا حيلتي الوحيدة الباقية في البعيد‪ ،‬بعدما‬
‫مني كثيراً‪.‬‬
‫اقتربت األرض ّ‬
‫مني األرض فرأيت أحشاءها‪ .‬رأيت دمها وبولها وبرازها‪ .‬التصقت األرض بي فأغماني‬
‫اقتربت ّ‬
‫العفن‪.‬‬
‫أيُّها البعيد يا صديقي‪ .‬يا صديقي أيُّها البعيد‪.‬‬
‫مثل عصفور ينقد نقدةً واحدة ويطير‪ ،‬هكذا كنت أريد حياتي‪.‬‬
‫اعتقدت ّأني مقيم فيه‪ ،‬ووهم كلمات‬
‫ُ‬ ‫وهم أرض حسبتُها ملكي‪ ،‬ووهم مكان‬ ‫وهم‪ْ :‬‬ ‫وكنت موقوف‪ْ M‬‬‫ُ‬
‫ٍ‬
‫وجود ظننته نفسي‪.‬‬ ‫تخيلت ّأني أنا فاعلها‪ ،‬ووهم‬
‫ُ‬ ‫ظننت ّأني أنا قائلها‪ ،‬ووهم أفعال‬
‫ُ‬
‫فلتعد مستديرة لعلّي َّ‬
‫أتوهم بعد شيئاً جميالً في مقلبها ال أراه‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫استطالت األرض‬
‫وكل شيء مكشوف أمامي‪ .‬أريد شيئاً مختبئاً‪ ،‬أريد استعادة جمال الغائب‪.‬‬ ‫جالس اآلن ُّ‬ ‫ٌ‬
‫يا مقلب األرض ُع ْد‪ .‬أريد أن أمضي فيك ما بقي من وقتي‪.‬‬
‫ربما سقطت‬
‫سالم سالم على الغيم هناك‪ .‬على شجر قد يكون موجوداً فيه وال أراه‪ .‬على أوراق ّ‬
‫ٌ‬
‫سالم سالم على البعيد‪ .‬على‬
‫منه في أرض بعيدة‪ .‬على نقاطه التي نزلت على نهر وغابت‪ٌ .‬‬
‫المدرسي‪ .‬على اللعبة التي لم أملكها‪ .‬على قلب اللوز الذي سقط من يدي فهرستْه الدواليب‬
‫ّ‬ ‫دفتري‬
‫سالم على الحياة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫واختفى‪. . .‬‬
‫ك يدي وألعب بأصابعها‪ .‬أال تزالين يا أصابع صديقة؟‬ ‫أمس ُ‬
‫بنصر سبابة‪ . . .‬يا لهول ما تعلَّمناه! يا لهراء التسميات التي أفسدت طفولتنا‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫خنصر‬
‫ٌ‬
‫بك ألتقيه ك ّل‬
‫أنت هناك‪ ،‬ما اسمك؟ كان على األرض شبيه َ‬ ‫أرى اآلن جمعاً من الموتى‪ .‬هاي‪َ ،‬‬
‫أحب أن أسمع صوتك‪ .‬كان صوتك‬ ‫وكنت ُّ‬
‫ُ‬ ‫مرةً مع ّأننا مشينا كتفاً إلى كتف‬
‫يوم‪ .‬لم تكلّمني َّ‬
‫سيؤنسني وصوتي سيؤنسك في ذاك الشارع الذي كان ُّ‬
‫كل من فيه وحيداً‪.‬‬
‫ألست أمي؟! أقسم َّأن ِك ِ‬
‫أنت‪ ،‬ولو َّ‬
‫ان نظراتك باردة وجوفاء‬ ‫ِ‬ ‫وأنت‪ِ ،‬‬
‫أنت الوحيدة في الزاوية هناك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ّ‬
‫أمي؟!‬
‫كأنك ال تعرفينني‪َ .‬أنسيتني يا ّ‬
‫ّ‬
‫كأن الكون عاد إلى بدئه‪َّ .‬‬
‫كأن الحياة اكتملت أخيراً‪.‬‬ ‫بخار فوق بخار‪َّ .‬‬
‫ٌ‬
‫أُنقّب في البخار أُنقّب في الموتى أريد أن أرى ضلعي‪ .‬كان لي ضلع‪َّ ،‬‬
‫أتذكر‪ ،‬فأين صار؟ كان لي‬
‫ضلع وأحبُّه‪ ،‬أريد أن أراه‪.‬‬
‫اسهر معي بعد هذه الليلة‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ابق معي‪.‬‬
‫يا هذياني الجميل يا إلهي‪َ ،‬‬
‫الضمادات‪ ،‬ويشعلون القماش لكي نراهم‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ّإني أرى الموتى‪ .‬أرى الموتى واألحياء في‬
‫هو هراء‪ ،‬هراء يا كلمات‪ .‬فهؤالء حين ال يرون مرآتي أكون ال أراهم‪َّ ،‬‬
‫ألن األشياء صارت‬
‫ورائي ال أمامي‪.‬‬
‫ُّ‬
‫تنحل تراباً يا فحيح‬ ‫فلنلعب يا "حاء" يا حرباء يا حياتي‪ .‬يا "حاء" يا "فاء" يا حفيف الضلوع إذ‬
‫ْ‬
‫سمي وموتي‪ ،‬هذه هي سروتي‪ ،‬سدرتي‪ ،‬يائي‪.‬‬ ‫األفاعي‪ .‬يا "سين" يا "ميم" يا ّ‬
‫مني‪ .‬األرض اقتربت كثيراً‪.‬‬
‫لقد اقتربت األرض ّ‬
‫قلت أختزن للموت شيئاً خفيفاً طائراً علَّه يرفع معه عيني‪،‬‬‫قلت أختزنك في نظراتي ّأيها الغيم‪ُ .‬‬
‫ُ‬
‫تلك التي رأت فقتلتْها رؤاها‪.‬‬
‫علي أالَّ أرى؟‬
‫كانت الرؤية قاتلة أيضاً‪ ،‬هل كان ينبغي َّ‬
‫ليس العمى هو المتاهة بل الرؤية‪ .‬الرؤية يا بورخيس‪ ،‬الرؤية‪ .‬النظرات تقودنا من متاهة إلى‬
‫متاهة‪ُّ .‬‬
‫وكل نظرة تقتل ما تراه‪ ،‬وتقود إلى شيء آخر تقتله نظرةٌ أخرى‪ .‬األشياء ضحايا النظرات‬
‫يا بورخيس‪.‬‬
‫حياً كان فقط في المقلب اآلخر الذي ال أراه‪ .‬غير‬
‫تلت كثيراً‪ .‬ما بقي ّ‬ ‫تلت كثيراً وقُ ُ‬
‫رأيت كثيراً فَقَ ُ‬
‫ُ‬
‫انبسطت‪ ،‬وصار ُّ‬
‫كل ما فيها قتيالً‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫أن األرض‬‫َّ‬
‫مرئي لكي‬
‫ّ‬ ‫وأنت أيضاً لم يعد فيك شيء غير‬
‫َ‬ ‫ّأيها البعيد يا صديقي‪ ،‬يا صديقي ّأيها البعيد‪،‬‬
‫أوأنت أيضاً يا صديقي؟‬
‫َ‬ ‫ُي ْحييني؟‬
‫طير اآلن وحطَّ على شجرة أمامي‪ .‬إلى هنا‪ ،‬إلى حديقة صغيرة معزولة صامتة‬ ‫طير جاء‪ .‬جاء ٌ‬ ‫ٌ‬
‫جاء طير‪ ،‬فيا للحياة الجميلة!‬
‫حي إذن‪ّ ،‬إني خارج النظر‪ ،‬فيا للحياة الجميلة!‬
‫إلي‪ّ ،‬إني ٌّ‬‫حط لحظةً وطار‪ .‬لم ينظر َّ‬ ‫جاء طير َّ‬
‫ٌ‬
‫كنت ميتاً دائماً؟‬
‫لكن حياتي كانت كلّها نظرات‪ ،‬فهل ُ‬ ‫َّ‬
‫العين شيئاً رائعاً‬
‫َ‬ ‫ظننت‬
‫ُ‬ ‫كنت كذوباً‪.‬‬
‫دمع عيون‪ُ ،‬‬
‫مطرك َ‬
‫َ‬ ‫هوذا الغيم أتى فأهالً يا صديقي‪ .‬لم يكن‬
‫أنت أعمى ولذلك تُ ْحيي‪ .‬أستعيد اآلن‬ ‫ُّ‬
‫وأحب اآلن عماك‪َ .‬‬ ‫فاخترعت لك عيوناً‪ّ .‬إنك أعمى‬
‫ُ‬ ‫وأحبك‪،‬‬
‫ّ‬
‫علي في الشوارع‪ .‬نقاطٌ كثيرة وكانت بمنديل تُمحى‪ .‬وذاك المحو‪ ،‬ذاك المحو‬
‫نزلت َّ‬
‫ْ‬ ‫نقاطك التي‬
‫على األرجح‪ ،‬كان حياتي‪.‬‬
‫نحبها أن‬
‫أكرر كتابتها‪ .‬على الكلمات التي ّ‬
‫أحببت هذه الجملة ولذلك ّ‬
‫ُ‬ ‫األشياء ضحايا النظرات‪.‬‬
‫ألنها تمنحنا‬
‫نرددها دائماً ّ‬
‫تبقى دائماً في أفواهنا وأن نعيد كتابتها مراراً على الورق‪ .‬علينا أن ّ‬
‫وبأننا ال نزال نستطيع قول شيء نحبُّه‪ .‬الكلمات التي‬
‫كلمات حبيبة ّ‬
‫ٌ‬ ‫شعوراً َّ‬
‫بأن الحياة ال تزال فيها‬
‫بأننا حقّاً موجودون‪. .‬‬
‫وبعزة القول‪ M.‬الكلمات التي نحبُّها تجعلنا نشعر ّ‬
‫نحبُّها تجعلنا نشعر بالكرامة ّ‬
‫‪ .‬األشياء ضحايا النظرات‪ ،‬األشياء ضحايا النظرات‪.‬‬
‫أكتب فقط لكي أتسلّى‪ .‬أقول الكلمات لكي أتسلّى‪َّ .‬‬
‫وألن هذه الكتابة لعبة زائفة وللرمي في القمامة‪،‬‬
‫أبدد الوقت بها‪ .‬يمكنني أن أكتب ك ّل شيء‬
‫أبدد معانيها وأنا ّ‬
‫يمكنني أن أنتصر عليها‪ .‬يمكنني أن ّ‬
‫بحرية‪ ،‬وأن أسلخ جلد الكلمات عن عظمها‪ ،‬وأن‬‫أي شيء‪ .‬أن أكتب سخافاتي ّ‬ ‫من دون أن أقول َّ‬
‫أحرف القول وأربك المعنى‪ ...‬يمكنني أخيراً أن أخرج من هذا السجن المع ّذب الرهيب الذي‬
‫ّ‬
‫قضيت فيه وقضى الجميع كلَّ‬
‫ُ‬ ‫هوية الجميع‪ ،‬والذي‬
‫ويحدد ّ‬
‫ّ‬ ‫يفرض وجود معنى لك ّل شيء‪،‬‬
‫أعمارهم‪.‬‬
‫الخروج من المعنى‪ ،‬هذا بالضبط ما أريده‪.‬‬
‫تسعه األرض فخرج‪.‬‬ ‫اليوم مات صديقي‪ .‬كان شاسعاً‪ ،‬لم ْ‬
‫مت اليوم يا كالماً يا صديقي‪.‬‬ ‫اليوم مات صديقي يا كالماً‪َّ .‬‬
‫ما أقوله اآلن َر ْجعُ خطاك‪ .‬أقول ِظلَّك أيُّها الكالم يا صديقي‪ .‬أقول غيابك‪ .‬الغياب لغتي‪.‬‬
‫صديقي؟ َمن صديقي؟ هل كان لي حقّاً أصدقاء؟‬
‫مروا في حياتنا وغادرونا‪.‬‬
‫كانوا على األرجح نتاج نظرات‪ ،‬هؤالء الذين ُّ‬
‫كانت دروبنا أيضاً‪ ،‬ومقاعدنا‪ ،‬نتاج نظرات‪.‬‬
‫الرؤية ترمي‪ .‬العمى يحمينا‪.‬‬
‫كاتب في أستراليا يكتب عن‬
‫ٌ‬ ‫صديق‬
‫ٌ‬ ‫والكل ميت أو سيموت‪ِ ،‬ل َم التوقّف هنا؟ لي‬
‫ُّ‬ ‫َّ‬
‫لكن كثيرين ماتوا‬
‫الحمير؛ عن األموات منها وعن األحياء‪ .‬أحببتُه‪ُّ .‬‬
‫فكل الكتَّاب يكتبون عن البشر وهو يكتب عن‬
‫ألنه كتب‬ ‫لكني لم أسمع َّ‬
‫أن حماراً رفس واحداً ّ‬ ‫الحمير‪ .‬الذين يكتبون عن‪  ‬البشر يرفسهم البشر‪ّ ،‬‬
‫المعرفي‪ ،‬مسالم‬ ‫ألن الحمير ال تقرأ‪ ،‬وهذا برهان آخر على َّ‬
‫أن العمى‪ ،‬العمى‬ ‫عنه‪ .‬ذلك‪ ،‬ببساطة‪َّ ،‬‬
‫ّ‬
‫وغباؤه جميل‪ :‬ال يرمي وال يرفس‪َّ . . .‬‬
‫لكن الذين ال يقرأون من البشر يرفسون أيضاً‪ ،‬والقارئون‬
‫يفعلون الفعل نفسه‪ .‬فهل يعني هذا َّ‬
‫أن الرفس‪ ،‬بسبب وبغير سبب‪ ،‬هو صفة مالزمة للبشر كيفما‬
‫كانوا‪َّ ،‬‬
‫وأن الدنيا تبقى بألف خير طالما فيها حمير؟‬
‫أحب الحمير؟ هل‬ ‫أحب البشر أم ُّ‬ ‫مستأجر في سيدني ومحتار‪ :‬هل ُّ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬
‫منزل‬ ‫قاعد اآلن في‬
‫ت‪ .‬أنا ٌ‬ ‫احتَْر ُ‬
‫محبتي نحو حيوان على وشك أن‬ ‫أحول ّ‬ ‫أحب البشر وأتغاضى عن رفساتهم كما كنت دائماً أم ّ‬ ‫أبقى ُّ‬
‫اتجهت‬
‫ْ‬ ‫لكن ِل َم الحيرة؟ فلطالما‬
‫فتياً ولم أعد أراه منذ ذاك الحين؟ ْ‬
‫ينقرض‪ ،‬عرفتُه حين كنت ّ‬
‫محبتي نحو الغائبين والمنقرضين‪ ،‬ولطالما كان المنسيُّون والمنبوذون وحدهم أصدقائي‪ِ .‬ل َم الحيرة‬ ‫ّ‬
‫عض‪ِ .‬ل َم‬
‫في ُّ‬‫عض ُ‬ ‫وعاضها وقاضمها والواقف منتظراً حتى َي َّ‬ ‫ُّ‬ ‫رافسها‬
‫ُ‬ ‫واألشياء كلُّها اآلن لي سواء‪:‬‬
‫لدي‪ ،‬وها أنا ال أريد سوى فقط أن أنساها كلَّها‪ ،‬وأمضي‪.‬‬ ‫الحيرة‪ ،‬ك ّل األشياء تساوت َّ‬
‫عالم آخر‪ ،‬هل فيه حمير؟‬
‫ولكن أمضي إلى أين؟ إلى العالم اآلخر؟ وإ ْن هناك ٌ‬
‫ْ‬
‫يتوزعون بين هؤالء وأولئك‪ .‬لم أسمع أحداً يقول َّ‬
‫إن في‬ ‫وناس ّ‬
‫يقال فيه مالئكة وشياطين فقط‪ٌ ،‬‬
‫العالم اآلخر حميراً‪ .‬إلى أين تذهب الحمير إذن؟ أال يجب أن يبقى الرفاق رفاقاً في الحياة والموت‬
‫الحمير حتى ذليلة؟‬
‫َ‬ ‫مما في عالمنا فال يستقبل‬
‫أن في العالم اآلخر عنصرية أشرس ّ‬ ‫معاً‪ ،‬أم َّ‬
‫فأي حمار يرغب أن يكون في عالم كذاك؟‬‫هذه عنصرية واهلل ال تُحتمل‪ُّ .‬‬
‫أحب أن أمضي إلى حيث تمضي الحمير‪.‬‬ ‫أحب أن أمضي ولكن ليس إلى هناك‪ُّ .‬‬ ‫ُّ‬
‫مني‪ ،‬والشياطين‬ ‫ٍ‬
‫باعتقاد ّأنها أكثر طهارة ّ‬ ‫ال ُّ‬
‫أحب المالئكة وال الشياطين‪ .‬فالمالئكة ستستقبلني‬
‫علي‪ .‬لن أذهب‬
‫مني‪ ،‬وكالهما مخطئان ومع ذلك سيستأسدان َّ‬ ‫ٍ‬
‫باعتقاد ّأنها أكثر نجاسة ّ‬ ‫ستستقبلني‬
‫إلى العالم اآلخر‪ .‬خذوني إلى حيث تذهب الحمير‪.‬‬
‫بحواء كي يتسلَّى‪ .‬وقيل سقطا في اختبار "التفّاحة" فجيء بهما إلى‬
‫كان آدم ضجراً‪ ،‬قيل‪ ،‬فجيء ّ‬
‫البشري الخرف!‬
‫ِّ‬ ‫األرض‪ ...‬يا للعقل‬
‫أرض يمكن أن يزرع؟‬ ‫ٍ‬ ‫بور كهذا ّأيةَ‬
‫فاءتني بها يا عقالً خرفاً‪ .‬عق ٌل ٌ‬
‫أريد أن ألتهم التفّاحة التهاماً ْ‬
‫المحرم‪ ،‬وما نفعه؟‬
‫َّ‬ ‫وأي زرع هذا‬
‫ُّ‬
‫زوار هذه األرض القاحلة‪ ،‬ازرعوا تفّاحاً كثيراً َو ُكلوه كلَّه‪ .‬بذلك‪ ،‬ربما‪ ،‬قد ّ‬
‫تغيرون‬ ‫اسمعوني يا َّ‬
‫مبدأ األرض المؤسَّس على اليباب‪ ،‬ومبدأ الخالص المؤسَّس على الجوع‪ ،‬ومبدأ الفضيلة المؤسَّس‬
‫الحلمي المؤسَّس على إلغاء عالم اليقظة‪ . . .‬بذلك‪ ،‬ربما‪ ،‬تخلقون‬
‫ّ‬ ‫على النسك‪ ،‬ومبدأ العالم اآلخر‬
‫الحياة حقّاً‪.‬‬
‫اسمعوني و ُكلوا‪ ،‬وال تسمعوا زارع التفّاح للزينة والعقاب‪ .‬هذه أرضكم ال أرضه‪ ،‬ازرعوها‬
‫ومن ُيبقي في أرضه بوصةً بال زرع وأكل‪ُ ،‬يبقي في رأسه فجوة من الدماغ الخرف‪.‬‬ ‫وكلوا‪َ .‬‬
‫ّأيتها األرض الجميلة أين ِ‬
‫كنت؟‬
‫استسلمت لدعاة اليباب؟‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أزرعك جماالً لماذا‬ ‫كنت أستطيع أن‬
‫حين ُ‬
‫عنك؟‬‫وضللت ِ‬
‫ُ‬ ‫تبعت الخرافة‬
‫ُ‬ ‫لماذا‬
‫وكذب ّأني اآلن أتسلَّى‪ّ .‬إني أتألّم‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫كذباً بكذب كان ذاك كلُّه‪.‬‬
‫ب مع األرض فهي طابة كبيرة عليه‪ ،‬وإ ْن لعب مع‬ ‫ِ‬ ‫َّ‬
‫إن لَع َ‬
‫َم ْن ذا الذي يمكنه أن يتسلى؟ هذا هراء‪ْ .‬‬
‫ذاته فهي صغيرة وتنزلق من بين يديه‪ ،‬ولن يمسكها أبداً‪.‬‬
‫مسك وال الذات‪ ،‬وال النظرات التي نرسلها لإلمساك بشيء في العالم ستعود إلينا‪.‬‬‫ال العالم ُي َ‬
‫األول ضاللنا‪ ،‬والثانية‬
‫مما ينبغي‪َّ .‬‬ ‫ِّ‬ ‫ُّ‬
‫والذات أضيق ّ‬
‫ُ‬ ‫مما ينبغي‬
‫ضالون ومضللون‪ .‬العالم أوسع ّ‬
‫ضالَّتنا‪.‬‬
‫واألرض ُمل َكه‪ .‬كانا يتبادالن‬
‫ُ‬ ‫لك ذاته‬
‫ضال ٌل بضالل‪ .‬قبل الرؤية كان اإلنسان على األرجح ُم َ‬
‫والظن‪ .‬وذاك العمى‪ ،‬ما كان أجمله!‬
‫ّ‬ ‫يظنان ذلك‪ .‬وكانا أعميين في التبادل‬
‫الملك أو ّ‬
‫ُ‬
‫أميز بينها وبين جلدي‪.‬‬
‫ابتعدت وها األرض تلتصق بي أخيراً‪ .‬تلتصق حتى ّأني لم أعد ّ‬
‫ُ‬ ‫ابتعدت‬
‫ُ‬
‫وصرت بال جلد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أخذت جلدي ولم تعطني جلدها‪ .‬التصقت األرض بي‬
‫ْ‬
‫يجب أن أتكلّم‪ .‬ما قلتُه وما كتبته في الماضي لم يكن كالماً‪ .‬ما قلته وما كتبته كان صمتاً‪.‬‬
‫لكنه لم يكن سوى صمت‪ .‬أشعر اآلن يجب أن أقول شيئاً‪ .‬يجب أن أتكلّم‪،‬‬ ‫قلت كثيراً وكتبت كثيراً ّ‬ ‫ُ‬
‫ال يجوز أن أذهب من دون كالم‪.‬‬
‫ألنه أطعمني وأدفأني‪ .‬يجب‬
‫أتحدث مع الغابة‪ .‬أن أقول للشجر شكراً على األق ّل‪ّ ،‬‬
‫علي‪ ،‬ربما‪ ،‬أن ّ‬
‫َّ‬
‫وعلي‪ ،‬وللسماء‪ ،‬والنظرة‪ .‬شيئاً لإلسفلت‪ ،‬للرحلة‪،‬‬
‫َّ‬ ‫أن أقول شيئاً للتراب‪ ،‬وللغيم الذي أمطر عليه‬
‫أمي على الحبقة‪،‬‬‫للكلب الغريب‪ .‬يجب أن أقول شيئاً لنقطة الماء األخيرة التي نزلت من دلو ّ‬
‫وللدرجة السفلى التي قعد عليها أبي‪ ،‬وللدمى التي ابتهج بها أطفالي‪ .‬يجب أن أقول شيئاً للرمل‪،‬‬
‫ظمة التي كانت تنقص العالم كي يمشي‪ .‬شيئاً للجبال العالية‪ ،‬وللشبكة التي‬
‫لجزيرة الجرحى‪ ،‬للع ْ‬
‫رسمتُها النهيار ّأيامي لكي تصل إلى الوادي سليمة‪.‬‬
‫ولكن أين هو؟ وماذا أقول؟‬
‫ْ‬ ‫يجب أن أقول شيئاً ألحد‪.‬‬
‫صمت أيضاً‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫إذن‪ .‬كان ذاك صمتاً‪ ،‬وهذا‬
‫صمت ْ‬
‫ٌ‬
‫هناك بقعة بعيدة‪ ،‬بعيدة‪ُّ ،‬‬
‫أحب أن أراها‪.‬‬
‫مزهوة‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫ظالل‬ ‫والتفاتات‬ ‫مرة ثانية‪ .‬قمر ونجوم‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ُ‬ ‫هشت‪ ،‬أريد أن أراه ّ‬
‫ود ُ‬ ‫مرة ُ‬
‫ألول ّ‬
‫عصفور رأيته َّ‬
‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫قصبة مجنونة‪.‬‬ ‫بعيد يأتي من‬
‫وصوت‪ٌ  ‬‬
‫ٌ‬
‫موتى في قطار‪ ،‬بقايا نظرات‪ ،‬وذبابة تحوم حول ذراعي‪.‬‬
‫وواحد يقول "آه"!‬
‫ٌ‬ ‫زر قميص ضائع‪،‬‬ ‫ورقة منسيَّة‪ُّ ،‬‬
‫هؤالء هم‪ ،‬هؤالء من أريد أن أقول لهم شيئاً‪.‬‬
‫والعشب إذ يرتبك‪.‬‬
‫ُ‬
‫أتحدث مع االرتباك‪. . .‬‬
‫أريد أن ّ‬
‫علي من غيمة‪.‬‬
‫واقف في الشارع في منتصف الليل‪ ،‬ونقطة ماء نزلت َّ‬
‫ٌ‬
‫السماء ترسل إشارةً رطبة إلى مرضاها‪.‬‬
‫إلي َّ‬
‫ظانةً ّأني عينها؟‬ ‫أم ّأنها نظرة أخرى ضائعة في الفضاء‪ ،‬ولجأت َّ‬
‫عيني من زمان‪ ،‬وال تزال نظراتي األولى تبحث عنهما وال‬
‫َّ‬ ‫فقدت‬
‫ُ‬ ‫ّإنني أعمى‪ ،‬أعمى‪ ،‬يا نقطة‪.‬‬
‫ٍ‬
‫لمعان قديم في ذاكرتي‪ .‬فنحن الذين تحت‪ ،‬يا آتية من‬ ‫تجدهما‪ .‬ما ُّ‬
‫أظن ّأني أراه ليس سوى ترسُّب‬
‫فوق‪ ،‬ال نرى غير ذكرى‪ ،‬وال نسمع غير ذكرى‪ ،‬وال نقول غير ذكرى‪ .‬نحن يا صديقتي لسنا‬
‫نحن‪ .‬نحن ذكرى أنفسنا‪ّ .‬إننا فقط ذكرى‪.‬‬
‫إلي ؟‬
‫رت وعادت َّ‬ ‫أمي َّ‬
‫تبخ ْ‬ ‫أم ّأنها نقطة الماء التي نزلت على حبقة ّ‬
‫لدي فقط وهمي‪ .‬وهذا يصنع الخرافات‪،‬‬
‫لدي وال أ ُّم‪ .‬ال عين وال نظرة‪َّ .‬‬
‫ولماذا تعود؟ فال حبقة َّ‬
‫وخنجر األحالم زهرةً جميلة في الجرح‪.‬‬
‫َ‬ ‫ويصنع المعجزات‪ .‬يجعل الفراغ يمطر‪ ،‬واليباب يثمر‪،‬‬
‫صنع األرض‪ ،‬وصنع السماء‪ّ .‬إنه أفق اإلنسان وعمقه‪ ،‬امتداده وعلُُّوه ورجاؤه‬
‫َ‬ ‫وهو على األرجح‬
‫وإ يمانه‪ .‬فهل يعجز صانع المعجزات هذا عن إسقاط نقطة ماء من غيمة على رجل واقف في‬
‫وهمي؟ لم يعجز‪ ،‬وقد‬ ‫رجل وهمي في ٍ‬
‫ليل‬ ‫ماء وهمي على ٍ‬‫الشارع؟ هل يعجز وهم عن إسقاط ٍ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ٌ‬
‫ولست في الشارع!‬
‫ُ‬ ‫علي وال غيمة في السماء‬
‫وسقطت تلك النقطة َّ‬
‫ْ‬ ‫فعل‪،‬‬
‫هذا‪ ،‬تماماً‪ ،‬مثلما كنت أنسى معطفي في المقاهي‪ ،‬ومع ذلك أكون أرتديه وأنا عائد إلى بيتي‪.‬‬
‫كاسر المقاييس ومحطّم‬
‫ُ‬ ‫فما أبهاك ّأيها الوهم! أنت الجمال الوحيد‪ .‬المنتصر األوحد على البشاعة‪.‬‬
‫ومكو ُن ما ال‬ ‫خالق ما ال ُيخلَق‬ ‫ِ‬
‫والسماء رأساً على عقب‪.‬‬ ‫ِ‬
‫األرض رأساً على عقب‪،‬‬ ‫قالب‬
‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫المبادئ‪ُ .‬‬
‫يكون‪ . . .‬ما أبهاك ّأيها الوهم‪ ،‬يا إلهي‪.‬‬
‫لكنه مات هو أيضاً‪.‬‬
‫كان وهماً جميالً‪ّ ،‬‬
‫تحمل هذا؟!‬
‫أمشي اآلن بال إله‪ .‬أمشي بال وهم‪ .‬محاطٌ بالحقيقة من ك ّل جانب‪ ،‬فمن يقوى على ُّ‬
‫وصرت أتعب من المشي حتّى في بيتي‪ .‬الحقيقة التي تُتعب‬
‫ُ‬ ‫عجزت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫شخت‪ .‬ربما لذلك‬
‫ُ‬ ‫ربما لذلك‬
‫أرواحنا تجعلنا عاجزين‪ ،‬أيضاً‪ ،‬عن االنتقال من غرفة إلى غرفة‪.‬‬
‫يا "ميم" يا "شين" يا "ياء" عودي والتحمي‪ ،‬فلَعلّ َي أمشي‪.‬‬
‫بالتحام األحرف تلتحم الضلوع أيضاً‪ .‬فضلوع الناس ليست سوى أحرف‪ ،‬تنتظر من يلحمها لكي‬
‫تصير شخصاً يمشي‪.‬‬
‫أنظر‪ ‬‬
‫زرعت نبتة‪ .‬وستصير النبتة شجرة ُ‬ ‫ُ‬ ‫زرعت اليوم نبتة في سيدني‪ .‬ضلوعٌ مف ّككة ومع ذلك‬
‫ُ‬
‫يشم رائحة أصابعي‪.‬‬ ‫إليها وأرحل‪َّ ،‬‬
‫لكن الهواء سيبقى‪ ،‬إذ يلمسها‪ُّ ،‬‬
‫فافرح بهذا الخلود يا وديع‪ .‬الخلود الذي هو ذكرى رائحة‪ ،‬خيا ُل ٍيد في التراب‪ .‬الخلود الذي هو‬
‫ْ‬
‫صمت ورق‪.‬‬‫ُ‬ ‫عبور هواء‪،‬‬
‫ُ‬
‫ولكن بالتحام األحرف تلتحم الضلوع‪ ،‬فجيئوا‬ ‫ْ‬ ‫افرح بهذا الوهم الذي هو أيضاً ضلوعٌ مف ّككة‪.‬‬
‫ْ‬
‫باألحرف كي نلحمها‪ .‬الحموا "الواو" و "الهاء" و "الميم"‪ .‬الحموا "الخاء" و"الالم" و"الواو" و "الدال"‪.‬‬
‫الحموا ضلوع الوهم وضلوع‪ M‬الخلود‪ ،‬فتصير شخصين مثلنا‪ ،‬يزوراننا في الليالي‪ ،‬ونشرب معهما‬
‫العرق ونلعب الورق‪.‬‬
‫ثم نذهب‬ ‫ٍ‬
‫والحموا "الشين" و "الجيم" و "الراء" و "التاء"‪ .‬السعادة هي أن ننظر إلى شجرة زرعناها‪ّ ،‬‬
‫إلى النوم‪.‬‬
‫األحرف وأ ُّ‬
‫ُعد المائدة‪ :‬الوهم والخلود ضيفاي‪.‬‬ ‫َ‬ ‫ألحم‬
‫ُ‬
‫ليتقمروا‪ .‬يستلقون تحت ضوء القمر ويخبرون بعضهم‬
‫في الليالي المقمرة يسعد الموتى‪ .‬يخرجون َّ‬
‫حكايات‪ .‬يعيدون على مسامع أنفسهم حكاياتهم األولى هناك‪ ،‬حين كانوا يستلقون تحت ضوء‬
‫ليتشمسوا‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الشمس‬
‫الجن والعفاريت واألشباح‬
‫ال يخرج الموتى في النهارات من مقابرهم‪ .‬الضوء الساطع هو ضوء ّ‬
‫المخيفة‪ .‬عالم الشمس مرعب وقاتل وهم يريدون سالماً وطمأنينة‪.‬‬
‫يخرج الموتى في الليالي ليستعيدوا حكايات لم يعد ينزف قتالها دماً وال عاد الموت يرعبهم‪.‬‬
‫مطمئنة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫يستعيدون وجوههم التي سقطت برعب هناك‪ ،‬وتسقط اآلن في بالهم‬
‫فت إلى موتى كثيرين‪ .‬جالستُهم طويالً حين كانوا أحياء‪ ،‬وجالستهم طويالً بعدما صاروا‬ ‫تعر ُ‬
‫َّ‬
‫سمعت لغةً غريبة من الموتى‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫لكني‬
‫وتحدثنا كثيراً‪ّ . . .‬‬
‫ّ‬ ‫موتى‪ .‬قعدنا وشربنا وأكلنا معاً‬
‫أعرف لماذا فهمتُها أكثر مما فهمت لغة األحياء‪.‬‬
‫قلت لكم ما قاله لي الموتى‪ .‬يجب أن تدخلوا في الموت مثلي‪ ،‬وتجالسوا الموتى‪،‬‬
‫لن تفهموا لو ُ‬
‫لكي تفهموا‪.‬‬
‫مرةً مع العدم؟ هل تعلَّمتم لغة العدم وسمعتم ماذا يقول؟‬
‫هل جلستم ّ‬
‫لعدمي إذن أن يوصل إلى الممتلئين بالحياة كالماً مفهوماً؟ كيف يقنعهم َّ‬
‫بأن الكلمات‬ ‫ٍّ‬ ‫كيف‬
‫مخلوقات أخرى غير ما يعتقدون‪ ،‬لها طبائعها وأمزجتها ومفاهيمها التي لن تخطر لهم على بال؟‬
‫شبحية متقلّبة خبيثة ومفترسة‪ .‬تكون تمضغهم في الوقت الذي يعتقدون ّأنهم ينطقونها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مخلوقات‬
‫يظنون ّأنهم يحيون بها‪،‬‬
‫وتكون تُضلّلهم في الوقت الذي يعتقدون ّأنها الطريق‪ .‬وتقتلهم حين ّ‬
‫ويحيون إذ يمحونها‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ونقص ال أداة‬ ‫ط ٍع‬ ‫كيف لميت أن ُيفهم األحياء لغة الموتى؟ كيف يقنعهم مثالً َّ‬
‫بأن "الواو" أداة ق ْ‬
‫وص ٍل أال يكون مكتمالً بذاته‬
‫إن لم يكن موصوالً؟‪ M‬وإ ذ يكون بال ْ‬ ‫وصل وإ ضافة؟ فهل ينقطع شيء ْ‬ ‫ْ‬
‫فيأتي تطلُّب الوصل لكي يجعله ناقصاً؟‬
‫وهل يقتنع األحياء َّ‬
‫بأن "الكاف" التي قيل لهم ّإنها للتشبُّه ّإنما هي لمحو الشبيه؟ إذ كيف ال ُيمحى‬
‫إن‬
‫إن كانت شبيهة سواها؟ كيف يكون هو‪ْ ،‬‬ ‫إن ُشّبه بآخر؟ كيف تكون له خصوصية مالمح ْ‬ ‫وجهٌ ْ‬
‫افتراس للشبيه ال إحياء في َشَبه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫مفترس أيضاً‪ ،‬فالتشبيه‬
‫ٌ‬ ‫حرف‬
‫ٌ‬ ‫كان آخر؟ "الكاف"‬
‫لن يفهم األحياء معاني الكلمات التي اعتادوا نطقها‪ .‬لن يفهموها إالّ إذا اكتسبوا طبائع الموتى‪.‬‬
‫فالذين صاروا هناك فهموا اللغة كلّها‪ ،‬ولن يفهمها الذين هنا إالّ إذا نسفوها كلَّها وأدركوا ّأنها لغة‬
‫موتى ال لغة أحياء‪.‬‬
‫أدركت َّ‬
‫أن لغة حياتي‬ ‫ُ‬ ‫ّإنني أدرك تماماً عجز الناطقين وعجز السامعين‪ .‬فأنا كنت مثلهم‪ ،‬إلى أن‬
‫هي لغة موتي‪.‬‬
‫وص ٍل وأداة تشبيه‪ .‬أفهم عجز الجميع َّ‬
‫ألن‬ ‫ف ْ‬ ‫حر َ‬ ‫أفهم عجز الجميع‪َّ ،‬‬
‫ألن الجميع يريد أن يكون ْ‬
‫طع قدرة‪ ،‬والتشبُّه اضمحالل والفرادة وجود‪.‬‬
‫عجز والق ْ‬
‫الجميع يريد أن يكون الجميع‪ .‬فالوصل ٌ‬
‫ولذلك ال وجود‪ ،‬وال قدرة‪ ،‬إالّ لناسفي هذه اللغة‪ .‬ال وجود وال قدرة إالّ لجحافل المتمردين‪.‬‬
‫‪ . . .‬وهؤالء هم‪ ،‬هؤالء هم القتلى‪ ،‬الذين لغة حياتهم هي لغة موتهم‪.‬‬
‫اقترب ّأيها الغيم يا لهاثنا‪ .‬يريد الموتى أن يضعوا فيك كائنات جديدة‪.‬‬
‫ْ‬
‫فاقترب ّأيها الغيم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫يريد الموتى أن يصنعوا سماء أخرى‪،‬‬
‫تتكون النطفة من شفَّافَين‪ .‬من خفيفَين‬
‫بانخطاف الدخول في الهواء واالندماج في الندى‪ ،‬يولدون‪َّ .‬‬
‫ال مرئيَّين‪ .‬ال يقسوان لئالّ ُيلمسا فيضيعان في ٍيد أخرى‪ .‬وال ُيريان لئالّ يذوبا في نظر‪.‬‬
‫ك مهاجر‪.‬‬
‫اقترب يا غيم‪ ،‬هناك مال ٌ‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫لمالك مهاجر؟!‬ ‫فاقترب‪ .‬أال مكان في الفضاء‬
‫ْ‬ ‫ك مهاجر يا غيم يبحث عن مكان‪،‬‬ ‫مال ٌ‬
‫قال لي أبي‪ :‬تعلَّ ْم من الشجر‪ ،‬فأنت سنديانة مقيمة‪ . . .‬أريد الهواء يا أبي أريد هبوب الريح‪.‬‬
‫ألمس الشجر وأبتعد‪ ،‬ألمس الوجوه وأختفي‪.‬‬
‫ُ‬
‫شارد ال رفاق لي‪ .‬الشجر ُم َسلِّ َّي وليس رفيقي‪ M.‬بين ٍ‬
‫قفز‬ ‫ٌ‬ ‫إقامتي الفضاء الشاسع‪ ،‬إقامتي الالمكان‪.‬‬
‫وقفز أالعب أوراقه‪ ،‬ليس رفيقي وال سلفي وال نسلي‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫والوجوه ليست محفظتي‪ .‬ليس لي محفظة يا أبي‪ .‬ال أحتفظ بشيء‪ ،‬ال الوجوه وال غيرها‪ .‬فأنا‬
‫ٌّ‬
‫هاب وليس ورائي سوى غبار‪.‬‬
‫ثم نذهب إلى النوم‪.‬‬
‫ال‪ ،‬ال‪ ،‬ليست الحياة الجميلة شجرة زرعناها‪ ،‬ننظر إليها ّ‬
‫الحياة الجميلة هي الهواء الذي يلمس الشجر‪ ،‬ويمضي‪.‬‬
‫يت نبأً من بيروت ّأني ميت‪ .‬لم أكن أعرف ّأني ميت حتى تلقَّ ُ‬
‫يت نبأ موتي‬ ‫وأنا في سيدني تلقَّ ُ‬
‫أجبت‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ثم‬
‫فوجئت واحترت‪ّ . . .‬‬
‫ُ‬ ‫فعرفت‪ .‬اتصلوا بي وسألوني‪ :‬هل أنت ميت حقّاً كما قيل لنا؟‬
‫نعم‪.‬‬
‫حياً أو‬
‫كنت ّ‬
‫ال يعرف الواحد ّأنه ميت حتى يخبره سواه‪ .‬الموت خبر‪ ،‬ويصير حالةً بالمعرفة‪ُ .‬‬
‫عرفت ُم ُّ‬
‫ت‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫أظن‪ ،‬وحين‬
‫إلي نبأ موتي في الرابعة فجراً‪ .‬لم يكن ليالً وال نهاراً‪ .‬كان وقتاً خارج العتمة وخارج‬
‫وصل َّ‬
‫وهيولي حالة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫هيولي مكان‬
‫َّ‬ ‫هيولي وقت‪ .‬وكان‬
‫َّ‬ ‫الضوء‪ .‬لم يكن وقتاً كان‬
‫الالمرئي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫رأيت جمال‬
‫ُ‬ ‫ورأيت روعة ما ال ُيرى‪.‬‬
‫ُ‬ ‫نظرت من النافذة‬
‫ُ‬
‫أيقنت جمال لمس الفراغ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وفي تحسُّس غيابي‪،‬‬
‫يخدش نظراً وال يطلب رؤية‪ .‬ال يسعى إلى عين وال‬
‫الالمرئي كم هو رائع! ال ّ‬
‫ّ‬ ‫كم هو رائع هذا‬
‫سعي لكي تراه‪ .‬ال تحتاج الرؤية إلى عين لكي تمتلئ بروعته‪.‬‬
‫العين تحتاج إلى ٍ‬
‫نظرت من النافذة‪ .‬ال غيم وال شجر‪ .‬أين أنت ّأيها الغيم أريد أن أ ُْو ِدع فيك آخر أنفاسي‪َ .‬نفَ ٌس‬
‫ُ‬
‫ربما يصير‬ ‫ربما يصير عيناً تلتقي بنظرتها‪ّ .‬‬ ‫ماء ذات يوم وينزل على شجرة‪ّ .‬‬ ‫ربما يصير ً‬‫ّ‬
‫كنت أريد حياتي‪.‬‬
‫عصفوراً‪ ،‬ينقد نقدةً ويطير‪ ،‬كما ُ‬
‫تعال يا غيم أريد أن أ ُْو ِدع فيك آخر أسراري‪ :‬أنا الغراب الذي أرسله نوح ولم َي ُع ْد‪ .‬الغراب الذي‬
‫َ‬
‫صار الجهة الخامسة‪ ،‬ويبحثون عنها وال يجدونها‪.‬‬
‫تعلَّ ْم من الشجر‪ ،‬قال أبي‪ .‬أين الشجر يا أبي أين اإلقامة؟ السماء إذ تنجلي تأخذ مالمحها معها‪.‬‬
‫نقاؤها فراغها‪ .‬النقاء هو الفراغ يا أبي‪ .‬اإلقامة امتالء‪.‬‬
‫صي المالمح‪ ،‬أريد إرباك الفراغ‪.‬‬
‫أريد غيماً محيِّراً متقلّباً‪ ،‬غيماً َع َّ‬
‫أريد اختراق الفراغ وإ رباكه‪ .‬جعله حائراً قلقاً كاالمتالء‪ .‬أريد مساواة االمتالء بالفراغ والوجود‬
‫بالعدم‪.‬‬
‫هكذا‪ ،‬على األق ّل‪ ،‬يجلس الحاضرون والغائبون معاً‪ ،‬ويتسامرون طوال الوقت‪ ،‬إلى األبد‪.‬‬
‫هكذا ال يرغب الحاضرون في امتالء‪ ،‬فيخفُّون كريش‪ .‬وال يرغب الغائبون في حضور‪ ،‬فيبقون‬
‫هواء‪.‬‬
‫كون جميل‪.‬‬
‫هكذا تلتقي الخفقة بنفسها‪ ،‬ويولد ٌ‬
‫وألد منهما كوني؟‬
‫ولست هواء‪ .‬كيف أجمع حضوري بغيابي ُ‬ ‫ُ‬ ‫الهث ضائع‪ ،‬ليس لي ريش‬‫ٌ‬ ‫راكض‬
‫ٌ‬
‫حطام‬
‫ُ‬ ‫وغرقت فيه‪ .‬الفم الذي قال كالماً كثيراً سحقه‬
‫ْ‬ ‫دمها‬
‫أثقلَها ُ‬
‫الحياة التي نزفت دماً كثيراً َ‬
‫كالمه‪ .‬الرئة التي لهثت كثيراً اختنقت تحت ركام لهاثها‪.‬‬
‫كيف أجعل من الغرق والحطام واالختناق كوناً؟‬
‫في البعيد خشبة‪ ،‬هذا أمل الغرقى‪ .‬في البعيد غيم‪ ،‬هذا أملي‪.‬‬
‫ُع ْدتُ ْم؟ أهالً بكم ّأيها الموتى‪ .‬هل اصطدتم شيئاً في هذه الرحلة؟ أوقدوا النار إذن‪ ،‬أريد أن أشارك‬
‫في الوليمة‪ .‬هل كان نائماً‪ ،‬مختبئاً أم جافالً هذا اإلله الذي اصطدتموه؟ وقولوا‪ِ ،‬‬
‫صفوا لي مالمح‬
‫وجهه وهو ينتظر الرصاصة‪ .‬هل خاف؟ هل بان الرعب عليه؟ وهل كان رعبه شبيهاً برعبكم‬
‫أمام رصاصه؟‬
‫أوقدوا النار أريد أن آكل وأشرب وأسكر معكم‪ .‬أريد أن أشرب نخبكم يا صيَّادي اآللهة في‬
‫السيد ويشمخ‬
‫مجاهل العدم‪ ،‬في رحلة االنقالب العظيم‪ ،‬حيث يحيا القتيل ويموت القاتل‪ ،‬وينحني ّ‬
‫َّ‬
‫الرعيةُ اهللَ واهللُ الرعية‪.‬‬ ‫العبد‪ ،‬وتصير‬
‫خذوا كلوا‪ . . .‬هذا هو الجسد الذي جعلكم جائعين‪.‬‬
‫الحد وسينفجر‪ .‬ستكون لألرض مائدة عامرة من أجساد‬‫سينفجر البركان قريباً‪ .‬وصلت النار إلى ّ‬
‫المشردون‬
‫َّ‬ ‫والجن‪ ،‬ويجد‬
‫ّ‬ ‫والقديسون واآللهة‪ ،‬وتُطبخ العفاريت والشياطين‬
‫ّ‬ ‫مشويَّة‪ .‬ستُطهى المالئكة‬
‫ضعت فجأةً أمامهم‪.‬‬
‫ْ‬ ‫في األرض والجائعون أطباقاً ُو‬
‫للمنسيين على األرض‪ .‬فالبركان اقترب انفجاره‪ ،‬وسيشبع الجوعى من فحم‬
‫ّ‬ ‫سيكون احتفال كبير‬
‫األرض أخيراً‪.‬‬
‫مني كثيراً وأريد أن‬
‫هارب من فم األرض‪ .‬األرض اقتربت ّ‬‫ٌ‬ ‫الهث ال درب لي وال وجهة‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫راكض‬
‫ٌ‬
‫إن أتى بماذا‬
‫ظلمت الموتى كيف يستقبلونني؟ والغيم ْ‬
‫ُ‬ ‫ظلمت ريش الطيور فكيف أطير؟‬
‫ُ‬ ‫أبتعد‪.‬‬
‫إن تخيَّلتُه كيف أقيم فيه؟‬
‫والوهم ْ‬
‫ْ‬ ‫ألعب معه؟‬
‫نظرت إليها كيف تعرفني؟‬
‫ُ‬ ‫الهث كيف تؤويني الكلمات؟ واألشياء إذا‬ ‫ٌ‬ ‫راكض‬
‫ٌ‬
‫اخترقت‬
‫ُ‬ ‫ك االرتباك وهو ُمربكي؟ وإ ْن‪ ،‬بالوهم‪،‬‬‫ثت إليه؟ وكيف أُرب ُ‬
‫تحد ُ‬
‫إن ّ‬ ‫وماذا أقول لالرتباك ْ‬
‫غ وأربكتُه‪ ،‬فهل يمكن حقّاً أن أساويه باالمتالء؟‬ ‫الفرا َ‬
‫لقد اقتربت األرض‪.‬‬
‫مني كثيراً‪.‬‬
‫اقتربت األرض ّ‬
‫األرض اقتربت من الفراغ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫الصوت‬
‫‪ ‬‬
‫وصاحبه يجري‬
‫ُ‬ ‫بودي أن أكتب رواية عن صوت‪ ،‬خرج ذات يوم من فم وضاع في الفضاء‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وراءه علَّه يعثر عليه‪.‬‬
‫لكن ال يموت‪.‬‬
‫إن الصوت ال يموت‪ ،‬يخفت في الهواء رويداً رويداً‪ْ ،‬‬ ‫يقال َّ‬
‫بودي لو أكتب رواية‬
‫بعض حياة هناك‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫عن ذاك الذي ال يزال فيه‬
‫وعن هيام صاحبه‬
‫مرةً أخرى‪.‬‬
‫للقائه ّ‬
‫‪ ‬‬
‫ذات يوم قال شيئاً غريباً‬
‫وتموج قولُه في الفضاء وضاع‬
‫َّ‬
‫وضاع هو وراءه‬
‫َ‬
‫طبقةً بعد ٍ‬
‫طبقة مرتطماً بهواء وبقايا أصوات‬
‫ممحواً وراء قوله‬
‫ّ‬
‫غير عارف أين صوته‬
‫وال عارفاً ماذا قال‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫الصرخة‬
‫‪ ‬‬
‫ثم‬
‫وهامت في الفضاء ّ‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫شخص وهو يموت‪،‬‬ ‫بودي أن أكتب رواية عن صرخة ٍ خرجت من ِفم‬ ‫ّ‬
‫عادت تبحث عنه‬
‫خرجت منه‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫صرخة تريد الرجوع إلى الفم الذي‬
‫الجاف‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إلى رحمها‪ ،‬نبعها‬
‫بودي أن أكتب عن صرخة تعود إلى صاحبها الميت وتعرف ماذا كان يريد أن يقول‬
‫ّ‬
‫ميت لصرخته‬
‫بودي أن أعرف ماذا يقول ٌ‬
‫ّ‬
‫وماذا تقول الصرخة للفضاء‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫حيرة الذاهب‬
‫‪ ‬‬
‫قدم وال يد وال قلب وال أحشاء‪ .‬قال سأكون خفيفاً هكذا‪ ،‬وراح‪.‬‬
‫ترك أعضاءه ومضى‪ .‬بال َ‬
‫الريح التي لعبت ب َشعره ذات يوم تلعب اآلن بفراغه‪.‬‬
‫خفيف حتّى اإلنهاك من مشقَّة الخفَّة‪ .‬تائهٌ حتّى الط ْفح بكثرة تشعُّبات الفراغ‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ال‪ ،‬ما هكذا‪ ،‬قال‪ .‬ما هكذا يكون الضجر الشريف‬
‫وم َّد فراغاً منه إلى الوراء‪ ،‬كما كان ُّ‬
‫يمد يداً‪ ،‬اللتقاط شيء‬ ‫َ‬
‫تجويف نظرة‬
‫َ‬ ‫َم َّد‬
‫ُّل صوت‪.‬‬ ‫َم َّد تخي َ‬
‫بعيد جداً‪ ،‬األمام بعيد جداً‪ .‬ال عودة‪ ،‬ال وصول‪.‬‬
‫الوراء ٌ‬
‫لكنه ليس ذاهباً إلى مكان‬
‫ّ‬
‫أعضاء وال يشعر ّأنه خفيف‬
‫ً‬ ‫وال يذكر ّأنه ترك‬
‫لم يكن ضجراً من مكان وال مكان له كي يتركه وال مقصد كي يذهب إليه‬
‫ولم ينتبه إلى نظرة خرجت منه إلى ناحية أخرى‬
‫ٍ‬
‫صوت له‬ ‫خيال‬
‫َ‬ ‫وال‬
‫مد فراغ‪.‬‬
‫وال يقوى على ّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫العشبة‬
‫‪ ‬‬
‫يريد أن يعود‪ .‬في حائط بيته عشبة صغيرة يريد أن يعود ويراها‪.‬‬
‫شق ذاك الجدار‪ .‬الجدار الذي رصف أحجاره حجراً‬
‫وروح الوصل بينهما في ّ‬
‫ُ‬ ‫حارسةُ الحجرين‬
‫فراغ صغير‪.‬‬
‫ٍ‬ ‫ونبتت في غفلة‬
‫ْ‬ ‫وجدت روحاً‪،‬‬
‫ْ‬ ‫لكنها‬
‫لصق حجر‪ ،‬حريصاً على عدم ترك فراغ‪ّ .‬‬
‫َ‬
‫إلى ابنة ذاك الفراغ‪ ،‬إلى ابنة تلك الغفلة‪ ،‬يريد أن يعود‪.‬‬
‫ال يشتاق إلى بيت‪ .‬ال يشتاق إلى أحد‪.‬‬
‫يريد فقط أن يعود‬
‫ليرى العشبة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫الورقة‬
‫‪ ‬‬
‫كتب شيئاً على ورقة‪ ،‬كي ال ينسى‬
‫شيء ما كان يريد أن يفعله‬
‫ٌ‬
‫وال يتذ ّكره اآلن‪.‬‬
‫كتب شيئاً بأحرف كبيرة‪ ،‬ووضع الورقة حيث كان يجلس‪.‬‬
‫يريد أن يعود ويقرأها‬
‫يريد أن يفعل ذاك الشيء‬
‫أو يعرف على األق ّل‬
‫ما هو‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫شيء‬
‫‪ ‬‬
‫إلى لويزا وجبران رومانوس‪ ،‬اللذين جلبا لي من لبنان قنينة َع َرق فاخر‪ ،‬وأكتب اآلن وأنا‬
‫أحتسيها‪.‬‬
‫أريد أن أقول لكما شيئاً‬
‫عن العشبة التي امتزجت بالروح‬
‫عن المالك الذي وقف اليوم أمام بابي‪ ،‬وشيئاً عن األرض‬
‫خرجت‪ ،‬ال تزال نائمة في بيتي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫التي كانت‪ ،‬حين‬
‫أريد أن أخبركما كيف تولد كواكب جديدة في الروح‪ .‬وكيف‪ ،‬في ك ّل ارتداد نظرة‪ ،‬يأتي عصفور‬
‫وينقد الكواكب‬
‫كيف الكواكب هي طعام العصافير حين ُّ‬
‫نرشها من نظراتنا‪ ،‬وكيف‬
‫َم َّر ِظ ٌّل على زهرتي في الحوض‪.‬‬
‫يا لويزا وجبران‬
‫أريد أن أقول لكما شيئاً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫نسمة‬
‫‪ ‬‬
‫بوده أن يتبع نسمة‪.‬‬
‫تمر عليه‪ ،‬كان ّ‬
‫حين كانت النسائم ال تزال ُّ‬
‫وعبور سريعٌ لك ّل األمكنة‬
‫ٌ‬ ‫فيها شيء من الجبال والسهول والوديان‪،‬‬
‫بوده‬
‫وشيء من رائحة جسده كان ّ‬
‫لو يعرف إلى أين تذهب‪.‬‬
‫مرت عليه‬
‫نسائم كثيرة َّ‬
‫تركت بقايا صغيرة ألرواح مسافات بعيدة‬ ‫ْ‬
‫يد َّلوحت على ميناء‬ ‫ٌ‬
‫ملمح ِظ ٍّل من عروقها‬
‫ُ‬ ‫ص َل إليه‬
‫َو َ‬
‫ميت لغبار‬
‫ونفَ ٌس ٌ‬ ‫َ‬
‫يوم على ٍيد تزرع زهرة‪.‬‬‫َحطَّ ذات ٍ‬
‫مرت عليه‬
‫نسمات َّ‬
‫ٌ‬
‫نثار من لهاث أجداده‬
‫فيها على األرجح ٌ‬
‫وعلى األرجح هما معاً اآلن‪ ،‬لهاثهم ولهاثه‪ ،‬يتسامران في التيه‬
‫ماحيين الزمن‪.‬‬
‫مازجين معاً أقصى الغابر وأدنى الحاضر‪َ ،‬‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫شبطين ‪ 18‬أيلول ‪ ،1837‬الساعة ‪ 12‬و ‪ 14‬دقيقة ظهراً‪ :‬ماذا حدث في تلك اللحظة؟‬
‫ربما ارتفعت صرخة‪ ،‬ال يعرف‬
‫صوت كأسين‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫ربما َّ‬
‫رن‬ ‫ّ‬
‫لكن ما حدث في تلك اللحظة ممزوج اآلن برائحة جسده‬
‫ّ‬
‫نسيمه‪.‬‬
‫ويعرفه بالتأكيد ُ‬
‫ٍ‬
‫متماه‪ ،‬هواء‬ ‫ممزوج في الك ّل ُّ‬
‫الكل ممزوج فيه‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ُّ‬
‫يهب من تيه إلى تيه‪ ،‬من فراغ إلى فراغ‬
‫وفيه أيضاً ذات يوم ستمتزج أرواح أوالده وأحفاده‬
‫الذين رآهم والذين لم يرهم‪ ،‬الذين عرفوه والذين لم يعرفوه‬
‫خليقةٌ بأسرها في نسمة‬
‫كل ما ُخلق قبل ُّ‬
‫وكل ما ُيخلق بعد‬ ‫ُّ‬
‫عميان خرسان طرشان في هواء‬‫ٌ‬
‫من ٍ‬
‫تيه إلى تيه‬
‫من فراغ إلى فراغ‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪  ‬‬
‫نظرته‬
‫‪ ‬‬
‫نظرته األخيرة ظلَّت هناك‪ ،‬عالقةً على شيء ال يتذ ّكره‬
‫روح مكانها‬
‫ربما امتصَّها ُ‬‫ّ‬
‫ونقَ َدها‪،‬‬ ‫َّ‬
‫طير َ‬
‫أو حط ٌ‬
‫ولكن‬
‫ْ‬ ‫بوده أن يتفقّدها‬
‫ّ‬
‫الفضاء الشاسع الرهيب‪ ،‬البؤبؤ البعيد أيضاً وفي ٍ‬
‫مكان آخر‪ ،‬والكائن المجهول الذي قد تكون‬ ‫ُ‬
‫صارت ُملكه‪.‬‬
‫قديماً كان يرى أمواتاً يعودون‪ ،‬ويتم ّشون أمام بيوتهم‬
‫يتلمسون أحجار الجدران‪ ،‬جذوع الشجر‬ ‫ّ‬
‫كأنهم يسقون الزهور‪ ،‬ويقتلعون‪ M‬العشب الذي نما في غيابهم‪.‬‬
‫ومثل ّ‬
‫لو َّ‬
‫ان أحداً يراه عائداً‬
‫مكان نظرته‬
‫َ‬ ‫ويتلمس‬
‫ّ‬
‫أو‬
‫لو يبقى الطقس معتدالً هناك‬
‫البرد‬
‫فال ترتجف نظرته من ْ‬
‫الحر‬
‫وال تيبس من ّ‬
‫أمطرت فخفيفاً‬
‫ْ‬ ‫وإ ْن‬
‫لئالّ تغرق‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫الجهة‬
‫‪ ‬‬
‫يا حارس الفضاء الشاسع الجهات‪ ،‬كم جهةً يمكنك أن تحرس؟‬
‫ستفلت منك بالتأكيد ريشةٌ على األق ّل‬
‫وتذهب على هواها‬
‫ستنتصر نثرةٌ عليك‪.‬‬
‫ي‬
‫السر ّ‬
‫الضيق ّ‬ ‫ّ‬ ‫الممر‬
‫ّ‬ ‫يا ريشتي الصغيرة دلّيني إلى‬
‫أريد أن أتبعك‬
‫ت‬ ‫ِ‬
‫وحارسه‪ ،‬يا ريشتي التي نف َذ ْ‬ ‫ِ‬
‫الفضاء‬ ‫يا ُمربكةَ‬
‫من جهة إرباك الوهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫نقطة‬
‫‪ ‬‬
‫انظر‪ ،‬هناك نقطة!‬ ‫ْ‬
‫ملياً‪ ،‬في البعيد هناك‪ ،‬نعم بالتأكيد ّإنها نقطة‬
‫انظر ّ‬ ‫ْ‬
‫أن هذه هي التي نبحث عنها‬ ‫وأظن َّ‬
‫ُّ‬
‫كنت سترميه في النار‬
‫الريش الذي َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ارتد‬
‫ولنذهب إليها‪.‬‬
‫ْ‬
‫وتتموهان فيها‬
‫َّ‬ ‫تتموه فيهما‬
‫نقطةٌ بين غمامتين‪َّ ،‬‬
‫منا في ذاك اليوم‬
‫أظن ّأنها هي الصرخة التي خرجت ّ‬
‫لكني ّ‬
‫ّ‬
‫نجت منه نثرة‪،‬‬
‫القلب الذي ْ‬
‫ُ‬ ‫أو‬
‫بالتأكيد هي البصيص الذي عال مع دخان رمادنا‬
‫منا‪.‬‬
‫حياً ّ‬
‫حامالً شيئاً ال يزال ّ‬
‫فلنذهب إليها‪ّ ،‬إني أراها‬
‫ّإنها بالتأكيد‬
‫هناك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫الذي‬
‫‪ ‬‬
‫الذي قتلوه ودفنوه‬
‫ألنه أكل ثمرة‬
‫ّ‬
‫العظمي‬
‫ّ‬ ‫ت هيكلُه‬
‫َنَب َ‬
‫وصار شجرة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫حين أراد القاعد أن يمشي‬
‫‪ ‬‬
‫واثب من مكان إلى مكان‬
‫ٌ‬
‫بندقيةً ومحاوالً‬
‫حامالً ّ‬
‫يحول حلمه إلى طير‬
‫أن ّ‬
‫إلى فراشة‪ ،‬ذبابة‪ ،‬صرصار‬
‫حذاء‬
‫ً‬ ‫حامالً شبكةً‪ ،‬صفّاقةً‪،‬‬
‫لكي يقتله‪.‬‬
‫يركض من مكان إلى مكان صافقاًُ هنا وهناك‬
‫فتنبت فراشة‬
‫ُ‬ ‫يقتل ذبابةً‬
‫يقتل فراشةً فينبت طير‪.‬‬
‫حلمه في الريح‬
‫قذفه ُ‬
‫كان جالساً‪ ،‬فأراد مشياً‬
‫وضاع‬
‫َحِل َم المسافات‬
‫ففقد األمكنة‪.‬‬
‫أي شيء في طريقه‬
‫واثب حامالً َّ‬
‫ٌ‬
‫كي يقتل الحلم‬
‫ويستعيد المكان‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ذبابة الطريق‬
‫‪ ‬‬
‫منسياً هناك‬
‫ّ‬ ‫بقي‬
‫الطريق كلَّه‬
‫َ‬ ‫منسي‪،‬‬
‫ٌّ‬ ‫ومشى‪ ،‬وهو‬
‫َعَب َر المسافة كلَّها من دون أن يبرح مكانه‬
‫وتسلَّى طوال الطريق‬
‫مع ذبابة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ُّ‬
‫يمد يداً‬
‫‪ ‬‬
‫ُّ‬
‫يستل شعاعاً ويضعه في جيبه‪،‬‬ ‫مع وصول الفجر‬
‫ماذا إذا بكى الليل وطلب ضوءاً؟‪ ‬‬
‫ويوزعه على الفقراء؟‬
‫الفجر لكي يسرقه ّ‬
‫ُ‬ ‫يمر‬
‫ألم َّ‬
‫مع وصول الليل يسرق شعرةً سوداء منه‬
‫ويجره‪ ،‬إذا َح َرن‪.‬‬
‫َّ‬ ‫ليربطها بالفجر التالي‬
‫مقعد‬
‫وفي النهار ٌ‬
‫النتظار الليل وانتظار الفجر‪،‬‬
‫ريح ُّ‬
‫يمد يده‬ ‫وحين تصل ٌ‬
‫ويرى كوناً بأكمله في المسافة الضئيلة‬
‫بين إصبعه والهواء‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ي‬
‫سر ّ‬
‫طير ّ‬
‫ٌ‬
‫‪ ‬‬
‫ليس هذا اختالل نظر‬
‫تحو ُل الغبش في عينيه إلى طير‪.‬‬
‫ّإنما ُّ‬
‫كانت األرض ناساً وتراباً‬
‫فحولها إلى طيور‪،‬‬
‫َّ‬
‫أخذ من العين غبشاً‬
‫فضاء‬
‫ً‬ ‫ومن الوهم‬
‫واخترع طيراً‬
‫أحد على مطاردته وال‬
‫ال يقوى ٌ‬
‫على رؤيته‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫المرافق الغريب‬
‫‪ ‬‬
‫المرافق الغريب الذي ال نعرفه‬
‫اقتلع خطواتنا من أقدامنا ورماها في النهر‬
‫صارت أقدامنا في مكان‬
‫وخطواتنا في مكان آخر يتقاذفها ماء‬
‫ال نعرفه أيضاً‪.‬‬
‫َمن جاء بالمرافق إلينا َمن قال نريد رفيقاً؟‬
‫ت هكذا فجأةً من تيه‬‫َنَب َ‬
‫ٍ‬
‫سؤال قد يكون‬ ‫تيه الرحلة أو ِ‬
‫تيه‬ ‫ِ‬
‫ٍ‬
‫واحد يمشي بيننا‬ ‫خرج من ِفم‬
‫فقال "رفيقاً"‬
‫ويقصد عطش المسافة‪ ،‬أو االستراحة‪.‬‬
‫لكن ما حدث َّ‬
‫أن الرفيق جاء‬ ‫َّ‬
‫رمى خطواتنا في النهر‬
‫واختفى‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫النبع‬
‫‪ ‬‬
‫حين سألوه عن الماء تحت قدميه‬
‫ق التعب‬
‫قال ّإنه َع َر ُ‬
‫فهو من زمان يبحث عن نبع‬
‫يجده إالّ‬
‫ولم ْ‬
‫في جسده‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫المفتاح‬
‫‪ ‬‬
‫أخذ مفتاحه ورماه‬
‫على الحافّة‬
‫وصار ُّ‬
‫كل الذين يريدون أن يخرجوا يضيعون‬
‫أو ينزلقون‬
‫في الهاوية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫في الحديقة في الليل‬
‫‪ ‬‬
‫في الليل في الحديقة ُّ‬
‫يلف سيجارة‬
‫من ناحية الضوء تبدو له قصاصات التبغ في الورقة رجاالً‬
‫منحنين في الحقول‬
‫نحيلين يزرعون تبغاً‪.‬‬
‫يشعل عود ثقاب ويرى‬
‫فالّحين سيشتعلون‬
‫يطفئه‪ ،‬يعيد تبغ سيجارته إلى العلبة‬
‫وينظر حواليه فال يرى أحداً‬
‫ال ناساً ال حقوالً ال تبغاً‬
‫في الحديقة‬
‫في الليل‬
‫وحده‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫شخص في الرماد‬
‫ٌ‬
‫‪ ‬‬
‫قال رأى في الرماد يداً‪ ،‬فماً‪ ،‬عيناً‬
‫يداً تريد أن تصافحه‬
‫فماً يطلب قبلة‬
‫وعيناً تنظر إليه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫حين كانوا يحرقون الجثّة‬
‫رآه كلَّه في الدخان‪:‬‬
‫يولد من رحم أمه‪ ،‬يحبو على البالط‪ ،‬يزرع زهوراً ويتم ّشى في الحديقة‪ ،‬ويضيع خياله بين‬
‫العمال الراكضين في الشوارع‪.‬‬
‫َّ‬
‫‪ ‬‬
‫رأى يده وفمه وعينه في الرماد‬
‫ورآه كلَّه في دخانه‪،‬‬
‫وحين كان الرماد جسداً‬
‫لم يكن يرى شيئاً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫نسم ُة طير غريب‬
‫‪ ‬‬
‫النسمة التي على جناحيه ليست من هواء الفضاء‬
‫ّإنها من ٍ‬
‫طير غريب‬
‫َعَب َر ذات يوم في ذاكرته‪.‬‬
‫طير يعبر اآلن أيضاً‬
‫ٌ‬
‫يراه‬
‫سريعاً‬
‫ويختفي‪.‬‬
‫يمر‬
‫ّإنه ّ‬
‫ِ‬
‫باندفاعة غائب‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫مكان الحائط‬
‫‪ ‬‬
‫ٍ‬
‫قطعة في مكان‪ ،‬فعادت وجمعت‬ ‫مزقوها قطعاً قطعاً ورموا َّ‬
‫كل‬ ‫بودي أن أكتب عن صور ٍة لميت‪َّ ،‬‬
‫ّ‬
‫نفسها صورةً كاملة‪.‬‬
‫قت نتفاً‪ ،‬وعاد صاحبها من الموت كي يلحمها‪،‬‬ ‫بودي أن أكتب عن صور ٍة َّ‬
‫تمز ْ‬ ‫ّ‬
‫توزع في أمكنة كثيرة‬ ‫َّ‬
‫ويعود صورةَ ٍ‬
‫جسد كاملة‪.‬‬ ‫ُّ ٍ‬
‫َ‬ ‫كل نتفة منه في مكان‪ ،‬تبحث عن نتفة منه‪ ،‬لكي يجمع ُنتَفَهُ‬
‫يد َو ْهٍم هنا‪َ ،‬و ْه َم ٍ‬
‫عين هناك‬ ‫ُّ‬
‫يمد َ‬
‫جسد ٍ‬
‫وهم كامل‪.‬‬ ‫تف أوهام‪ ،‬ليجمع َ‬ ‫ُّ‬
‫يمد ُن َ‬
‫‪ ‬‬
‫َجِّردوا الحائط من ك ّل الصور‪ ،‬قال‪ِّ ،‬‬
‫ومزقوها‪ ،‬فهي ستلتحم‪ ،‬وتعود كلّها إلى الحائط‬
‫نتِّفوا أسالفكم وارموهم قطعةً قطعة‪ ،‬سيبقون مقيمين فيكم‪.‬‬
‫قال هذا‪ ،‬ومضى يجمع نتفةً من هنا ونتفة من هناك‬
‫لح َم الصورة‬
‫معيداً ْ‬
‫وعارفاً تماماً‬
‫مكان الحائط‪.‬‬
‫َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫على حجر‬
‫‪ ‬‬
‫ثت مع‬ ‫وعدت وأنا في مكاني‪َّ .‬‬
‫تحد ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُّ‬
‫ومت‬ ‫عت‬ ‫ت ِ‬
‫وض ُ‬ ‫أبارحه‪ .‬جْل ُ‬
‫ْ‬ ‫أعود أخيراً من مكان إلى ٍ‬
‫مكان لم‬
‫مجر ٍ‬
‫ات وأنا أطرش‪ .‬رأيت موتى وأنا أعمى‪ .‬وفي طريقي‬ ‫صهيل َّ‬
‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫الغيم وأنا أخرس‪.‬‬
‫وحاولت ترتيبها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫جت على منعطفات‪،‬‬ ‫عر ُ‬‫َّ‬
‫كان األعمى أعمى والرائي لم يكن موجوداً‪ .‬استعار األعمى َو ْه َم الرؤية من غير الموجود‪،‬‬
‫كون من عمى الرؤية‪ .‬كون ترتِّبه‬
‫وه َم رؤية األعمى‪ ،‬وحاوال معاً ترتيب ٍ‬ ‫غير الموجود ْ‬
‫واستعار ُ‬
‫عيون وآذان من كواكب ال عيون لها وال آذان‪ .‬كون يرتِّبه ويسمعه ويراه‬ ‫ٌ‬ ‫ٍ‬
‫أياد متخيَّلة‪ .‬توضع فيه‬
‫عدم وجوده‪.‬‬
‫ُ‬
‫أمر عليها‪ ،‬ومن‬
‫أعود أخيراً من ذاك الكون الذي لم أكن فيه وال بارحتُه‪ .‬أعود من منعطفات لم َّ‬
‫كواكب لم تكن هناك‪ ،‬إلى أرض ليست هنا‪.‬‬
‫لحمت ضلوعاً‬
‫ُ‬ ‫ذاهب وخيا ُل ٍ‬
‫عائد وخيا ُل مقيم‪ .‬ومن هذه الخياالت‬ ‫ٍ‬ ‫عدت‪ .‬خيا ُل‬
‫ُ‬ ‫كنت هناك‪ ،‬وال‬
‫ال ُ‬
‫ولحمت حروفاً وجعلتُها جسدي وكلماتي‪ . . .‬وها أنا أجلس اآلن كائناً كامالً تقريباً‪ ،‬آكل وأشرب‬
‫ُ‬
‫كائنات صغيرة تقفز فوق أسيجة التخيُّالت‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وأتم ّشى في الحديقة‪ ،‬وتحرس كينونتي‬
‫جالس اآلن في الحديقة وأرى أشجاراً وعشباً ونملة تتسلَّق جذع شجرة‬ ‫ٌ‬ ‫فرح كبير ّأني‬
‫يغمرني ٌ‬
‫جار لي‪ .‬هذا يعني ّأني في حياة حقيقية‪:‬‬‫فرح ّأني أسمع اآلن صوتاً في بيت ٍ‬
‫أمامي‪ .‬ويغمرني ٌ‬
‫الحياة التي فيها شجر ونمل وأصوات‪.‬‬
‫ُّل‬
‫التصورات إليها‪ .‬األمكنة التي وهبتني تخي َ‬
‫ُّ‬ ‫تصورات خطواتها أعيد‬
‫المسافات التي أعارتني ُّ‬
‫الوهمية وأسكن مع النمل والشجر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السكن فيها أعيد إليها كراسيها وبيوتها‪ .‬أعود من الكواكب‬
‫أسكن مع الصوت الذي يخرج من نافذة الجيران‪ ،‬ومع رؤية الخطوات في الشارع‪ ،‬والعصفور‬
‫الحقيقية!‬
‫ّ‬ ‫الذي يأتي ليسرق طعام كلبتي وأهتف‪ّ :‬إنني في الحياة‬
‫أعيد الكراسي إلى الكواكب‪ ،‬وأجلس على حجر في الحديقة‪.‬‬
‫تبارح هذا الحجر‪.‬‬
‫ْ‬ ‫ّإنها نهاية رحلة الوهم‪ ،‬التي لم‬
‫ومن النهاية هذه‪ ،‬أبدأ تعلُّم معنى أن تكون على األرض نملة تعيش معي‪ ،‬أو أكون أعيش مع‬
‫أتفوه بكلمة‪ .‬وأن تكون قدمي هي‬
‫نملة‪ .‬وأن تكون أصوات الجيران خارجة أيضاً من فمي ولو لم َّ‬
‫التي تخطو خطى الماشين في الشوارع‪ ،‬ولو إلى هاويتي‪.‬‬
‫وبقيت على جوانبها نملة وشجرة‬
‫ْ‪M‬‬ ‫انتهت‪،‬‬
‫ْ‬ ‫نهايةُ رحلة‪ ،‬لم تبتدئ أصالً‪ .‬وأحاول بدأها‪ ،‬لكنها‬
‫وعصفور‪ ،‬ورج ٌل يجلس في الحديقة‪ ،‬وينظر إلى نملة‪.‬‬
‫صاحبها أن يبدأ‪ ،‬من نملة!‬
‫ُ‬ ‫رحلةٌ يحاول‬
‫غفلت عنها‬
‫ُ‬ ‫الحقيقية البسيطة التي‬
‫ّ‬ ‫حقيقية‪ .‬يا لهذه الحياة‬
‫ّ‬ ‫حقيقي‪ ،‬وجذع شجرة‬
‫ّ‬ ‫حقيقية‪ ،‬وتسلُّ ٌ‬
‫ق‬ ‫ّ‬ ‫نملةٌ‬
‫فعلي أن أبدأ من هنا‪ ،‬من النملة‪.‬‬
‫حقيقياً‪َّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫حياً‬
‫طويالً! وإ ذا كان في مقدوري أن أكون‪ ،‬بعد‪ّ ،‬‬
‫رصف‬
‫َ‬ ‫وحاولت‬
‫ُ‬ ‫كرسياً في هواء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ووضعت‬
‫ُ‪M‬‬ ‫مجرات‪ ،‬نسوراً ال تأبه بنمل‪،‬‬
‫اخترعت أشجاراً في َّ‬
‫ُ‬
‫أحجار على غيم‪.‬‬
‫ال‪ ،‬ليس هذا بيتاً للعقالء‪ .‬فليس عاقالً من ال يعيش مع نملة‪.‬‬
‫قلت ّإنها‬
‫أي غيم أتى؟ فال غيم هناك وال حتّى سماء‪ .‬والنظرة التي ُ‬ ‫الغيم أتى فأهالً يا صديقي؟ ُّ‬
‫محجري‪ .‬والنافذة التي اعتقدتُها ُّ‬
‫تطل على كون‬ ‫َّ‬ ‫فراغ في‬
‫ٍ‬ ‫تبحث عن عين‪ ،‬لم تكن سوى َح َو ِل‬
‫شق ٍ‬
‫جدار في ذاكرتي‪.‬‬ ‫جديد‪ ،‬كانت َّ‬
‫ٍ‬
‫أحجار من الذاكرة‪ .‬فقط هذه األرض العتيقة‪ ،‬وأريد أن‬ ‫ف‬‫ص ُ‬ ‫كون جديد‪ُّ .‬‬
‫كل األكوان الجديدة َر ْ‬ ‫ال ٌ‬
‫وأجلس عليه‪.‬‬
‫َ‬ ‫أعود إليها‪ ،‬إلى الحجر الذي وضعه َّأو ُل إنسان‪،‬‬
‫بودي أن أكتب رواية عن موت التخيُّالت‪ .‬عن الصرخة التي ال تعود إلى صاحبها‪ ،‬والصوت‬ ‫ّ‬
‫صاحبه عنه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الذي ال يبحث‬
‫حقيقية‪ ،‬ويعيش مع‬
‫ّ‬ ‫حقيقي‪ ،‬في حديقة‬
‫ّ‬ ‫كرسي‬
‫ّ‬ ‫حقيقي‪ ،‬يجلس على‬
‫ّ‬ ‫بودي أن أكتب فقط عن شخص‬ ‫ّ‬
‫حقيقيتين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫شجرة ونملة‬
‫األحالم تقتل الحدائق‪ ،‬وتقتل األحجار والجالسين عليها‪.‬‬
‫يتحرك أبداً من مكانه‬
‫بودي أن أكتب عن حجر‪ ،‬ال َّ‬
‫ّ‬
‫وعن شخص‬
‫مطمئناً‬
‫ّ‬ ‫يجلس‬
‫على ذاك الحجر‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫تركيب آخر لحياة وديع سعادة]‬
‫‪ ‬‬
‫‪2006‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫مر ظلُّه على كائنات جديدة‬
‫َّ‬
‫ال أسماء لها وال أشكال‬
‫لدت‬ ‫َّ‬
‫لكنها ُو ْ‬
‫هكذا سهواً‬
‫ٍ‬
‫نقطة غريبة‬ ‫في‬
‫بين الحقيقة والوهم‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫تركيب آخر لحياة وديع سعادة‬
‫ٌ‬

‫إلي أريجها من دون أن َّ‬


‫أمد يدي‬ ‫يأتي َّ‬
‫بمجرد نظرة تكون‬
‫َّ‬
‫فراشات غريبة وتحوم عليها‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وبنقر ٍة صغيرة على طاولتي تولد‬
‫عطر يمشي‬
‫ال قَ َدم بيننا بل ٌ‬
‫هواء أُش ّكله كوناً جديداً‬
‫ٌ‬ ‫ليس بيننا كون‪ ،‬فقط‬
‫زراً من سهوي وأُب ّك ُل أعضاء‬‫آخ ُذ ّ‬
‫أب ّك ُل أرضاً وشموساً وكواكب‬
‫أب ّك ُل سهوات‪.‬‬
‫يمر في بالي مجيء‪.‬‬
‫"تعال"‪ ،‬فقط ُّ‬
‫َ‬ ‫ال أقول‬
‫أرض بال مسافات‬
‫ٌ‬
‫والسماء إذ تمطر فليست مشيئةَ غيومها‪ّ ،‬إنها مشيئة بالي‬
‫والذين خلقوني تواروا والذين في بالي يولدون‬
‫وليس في كوني تفّاحة‪ ،‬وال أفعى‪ ،‬وال إله‬
‫ب‪ ،‬قطعةً قطعة‪ ،‬على ٍ‬
‫مهل‪ ،‬كوني‬ ‫أر ّك ُ‬
‫وناس بال‬ ‫وأرض ٍ‬
‫بال‬ ‫ُ‬ ‫فراشات ٍ‬
‫بال‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫وكائنات أُلغيها‬
‫ٌ‬ ‫طلقها في الساحات‪،‬‬
‫كائنات جديدة أُ ْ‬
‫ٌ‬
‫وظائف األعضاء‪ ،‬ووظائف حامليها‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُغير‬
‫وأ ّ‬
‫علي أن تكون لي قَ َد ٌم ألمشيها‬
‫أرض بال مسافات‪ ،‬وليس َّ‬
‫ٌ‬
‫األرض بالنظرة‬
‫َ‬ ‫عين تجلب لي‬‫ٌ‬
‫علي كي يكون لي ُّ‬
‫كل شيء‪.‬‬ ‫واجب َّ‬
‫ٌ‬ ‫يد ألقطف زهراً‪ .‬ال شيء‬ ‫وليس واجباً أن تكون لي ٌ‬
‫ها َّ‬
‫إن يدي تف ّكك أصابعها‪ ،‬وقلبي يف ّكك شرايينه‪ ،‬وعيني تف ّكك َح َدقتها‬
‫شرايين بال‪ ،‬وفي عيني َح َدقةَ بال‬
‫َ‬ ‫أصابِع بال‪ ،‬وفي قلبي‬
‫ََِ‪M‬‬ ‫أضعُ في يدي‬
‫بال وعلى األرض كائنات ٍ‬
‫بال جديدة‬ ‫زمن ٍ‬
‫وفي نهاري َ‬
‫كل الرغبات بعدم الرغبة‪.‬‬ ‫عصت على البال‪ ،‬ألتقطُ َّ‬‫ْ‬ ‫وإ ذا الرغبات‬
‫ليس النبع بيننا وال المجرى‪ ،‬وال مسافة بيني وبين البحر‬
‫علي أن أجري لكي أصل‬
‫مني‪ ،‬وليس َّ‬
‫والبحر ّ‬
‫ُ‬ ‫مني‬
‫يولد النبعُ ّ‬
‫هناك هو هنا‬
‫ألتفت إليها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫واألرض األخرى تمشي قبالتي وال‬
‫كنت بمحاذاة األنهار أنتظر مائي‬
‫لم أكن أجري في نهر‪ُ .‬‬
‫أجلس على ال مكان‪ ،‬وال يجلس معي زمن‬
‫يوم قديم وجلس في يدي‪ ،‬أُعيده إلى أرضه القديمة‪.‬‬
‫وإ ذا جاء ٌ‬
‫قعدت على خريطة بالي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وجلست‪.‬‬
‫ُ‬ ‫رسمت ال مكاني‬
‫ُ‬
‫ال منعطفات وال طرقات‬
‫ُطلق عصافيري في الفضاء تبقى في قلبي‬ ‫وإ ْذ أ ُ‬
‫والمكان بال‬
‫َ‬ ‫والصوت با ٌل‬
‫َ‬ ‫الفضاء با ٌل‬
‫َ‬ ‫ألن‬
‫ذلك ّ‬
‫األيام في الوقت‪ ،‬بل في حديقة بالي‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُنزه‬
‫وألني ال أ ّ‬
‫علي‪ ،‬الشروق والغروب هما هنا تحت رمشي‪.‬‬ ‫يا عيني التي وحدها تشرق َّ‬
‫عين وفي ظ ّل انفتاحها‪ ،‬وليس في ظ ّل الشموس البعيدة‬ ‫ِ‬
‫إغماضة ٍ‬ ‫أُقيم في ظ ّل‬
‫ويا عشباً مولوداً من خطواتي أعيش تحت أوراقك‬
‫ومجرات‬
‫َّ‬ ‫ٍ‬
‫أراض‬ ‫وتعيش معي‬
‫وتغني‪.‬‬
‫مخلوقات ّ‬
‫ٌ‬ ‫وترقص‬
‫الجسر وليس الماشون عليه‬
‫ُ‬ ‫واقف هنا‪ ،‬حيث يعبر‬
‫ٌ‬
‫يكفي أن أقف‪ ،‬لكي أصل‪.‬‬
‫الجسر بي ويعرف وجهتي‪ ،‬يعرف أن ال وجهة لي إالّ الوقوف‬
‫ُ‬ ‫يعبر‬
‫المدى في عيني واألرض في قدمي‬
‫احتجت إلى رفاق‪ ،‬هم تحت جفني‬
‫ُ‬ ‫وإ ن‬
‫الكون حتى يصير حدقتي‬
‫ُ‬ ‫يتقلَّص‬
‫طلق خرافها إلى كون‪ ،‬مراعيه رؤية‬
‫ويدي ت ْ‬
‫يكفي أن تنظر حتّى تشبع‬
‫ويكفي أالّ تنظر‪ ،‬لئالّ تجوع‪.‬‬
‫وصلت إلى كون الوقوف‪M‬‬
‫ُ‬ ‫صرت هنا‪ .‬مشيت كثيراً حتّى‬‫ُ‬ ‫مشيت كثيراً حتّى‬
‫ُ‬ ‫لكني‬
‫ّ‬
‫إلى الحياة التي بقَ َدٍم حرنة‪ ،‬ويأتي الكون إليها‪.‬‬
‫األرض في قدمي والمدى في عيني‪ ،‬ما حاجتي إلى المشي؟‬
‫صمت‪ ،‬بهاء‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫سكون‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وقوف‪،‬‬
‫ٌ‬
‫بخار ٍ‬
‫سهو يضوع‬ ‫مر ظلّي على هواء؟ ذلك ُ ٍ‬
‫أريج بال يسبح‪ ،‬ذلك ُ‬ ‫مر ظلّي على شجرة؟ هل َّ‬ ‫هل َّ‬
‫غيومي التي تمطر مائي‬
‫ُوزعُ منه في الساحات‪ ،‬على كائناتي الجديدة‬
‫وأ ّ‬
‫مقاعد ألطفالي‪.‬‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫تصطف‬ ‫على النظرات التي‬
‫ها هو الكون يجلس أخيراً على َح َج ِر نظرتي‬
‫كوني الصغير الخفيف الذي يسعه حجر‪ ،‬وتحمله نظرة‪.‬‬
‫فاراً‪ ،‬كي أستريح على حجر‬ ‫ٍ‬
‫آت من هناك‪ّ ،‬‬
‫ٍ‬
‫آت من الذي كان فسيحاً كي أجلس على نقطة‬
‫على شيء نحيل‪ ،‬ال هناك فيه وال هنا‪.‬‬
‫آت من مساحات‪ ،‬لكثرة ما كانت شاسعة لم أكن أرى شيئاً منها‬ ‫ٍ‬
‫أعرف َّ‬
‫كل س ّكانها‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫إلى ح َد ٍ‬
‫قة صغيرة‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫عيون كثيرة‬ ‫آت من‬ ‫ٍ‬
‫لكي أجلس في عيني‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫يد أخرى‬
‫ٌ‬

‫ٍ‬
‫بقبضة وأصابع‬ ‫يد‬
‫الذي كانت له ٌ‬
‫وتريد أن تلتقط َّ‬
‫كل األشياء‬
‫يد أخرى اآلن‬
‫له ٌ‬
‫مزهوةً‬
‫َّ‬ ‫ترفع‬
‫قبضةَ فراغها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ ‬‬
‫عين أخرى‬
‫ٌ‬

‫بالثقوب التي انبثقت من ِ‬


‫تيهه‬
‫يرى‪،‬‬
‫عينه اآلن ثقب ٍ‬
‫تيه‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ك تدور في إغماضتها‪.‬‬
‫وأفال ٌ‬

‫لم يكن يريد من عينه سوى‬


‫إغماضة‬
‫دروب للعابرين‬
‫ٌ‬ ‫رمو ُشها‬
‫أحد‬
‫وإ ذا انزلق ٌ‬
‫يسقط في َح َدقته‪.‬‬
‫عين تحفظ أحياءه وأمواته‬
‫ٌ‬
‫وهي مغمضة‪،‬‬
‫وإ ْن هي في الماضي أرادت رؤية الكون فعلى جفنها اليوم‬
‫غبار ك ّل األكوان‬
‫ُ‬
‫غدت‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫أمكنة وأزمنة وقد‬ ‫غبار‬
‫ُ‬
‫نقطة‬
‫على جفنه‪.‬‬

‫فقط غبار‬
‫ولم يكن يريد سوى هذه النقطة‬
‫في عينه المغمضة‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫كائنات أخرى‬
‫ٌ‬

‫من نسيمه العابر تولد كائنات‬


‫َّ‬
‫نسيميةٌ ال مكان لها‬
‫ولها األحجام واألشكال كلُّها كي‬
‫تكون لها ُّ‬
‫كل األمكنة‪.‬‬

‫ض نفسه بالفراغ‬
‫رو َ‬
‫الفضاء الذي َّ‬
‫طيوره‪،‬‬
‫َ‬ ‫ق‬
‫خلَ َ‬
‫أشجارها‬
‫َ‬ ‫خلقت‬
‫ْ‬ ‫واألرض التي َّ‬
‫حدقت طويالً في يبابها حتى‬ ‫ُ‬
‫طيور فضائه‬
‫َ‬ ‫تؤوي‬
‫ريشاً ال ُيرى‬
‫وأجنحةً ال تحتاج إلى هواء‪.‬‬

‫أرض جديدة تدور في قلبه‬


‫ٌ‬
‫وفي نسيمه عابرون جدد‬
‫دروب الرياح القديمة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ال تعرفهم‬
‫عابرون بال شكل وال ِظ ّل‬
‫وإ ْن أرادوا إقامة‬
‫ففي نفسه ثقوب‬
‫تكفي‬
‫لسكناهم النحيلة‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫لثغٌ على الحافَّة‬

‫اآلن‬
‫لثغه‪،‬‬
‫يبدأ ُ‬
‫تأتأةٌ خارج الكلمات‬
‫والغابةُ التي ينظر إليها ويريد أن يقول‪ M‬لها شيئاً‬
‫تلملم أشجارها وتنأى‬
‫األولين‬
‫عن ذكرى ناسها َّ‬
‫وحيواناتها األولى‪.‬‬

‫ومقاطع مسافات‬ ‫يتأتىء مقاطع ٍ‬


‫لغة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ويستعين بالفراغ الذي حواليه كي يت ّكئ عليه‬
‫وبالعصا التي قصَّبها في نومه‬
‫َ‬
‫كي يمشي‪.‬‬

‫لثغٌ على الحافَّة‬


‫نقطةٌ نحيلةٌ فقط‬
‫كي يعبر‬
‫أو يسقط‪.‬‬

‫ويريد‬
‫أن يضع لغةً على الحافَّة‬ ‫ْ‬
‫أن يضع أُ ُذناً‬
‫ْ‬
‫في النقطة‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫تقريباً‬

‫تقريباً‬
‫اتَّكأَ‬
‫على نسمة‬
‫هوائي‬ ‫وأسبل بالَهُ على ٍ‬
‫زمن‬ ‫َ‬
‫ّ‬
‫مديد‪.‬‬

‫تقريباً‬
‫اتَّكأَ على خيال‬
‫يحوك قمصاناً للفراغ حتّى إذا‬
‫امتألَ ال يبرد‪.‬‬

‫تقريباً على ِ‬
‫وشك‬
‫أن يقول شيئاً‬
‫على وشك أن ينظر إلى شيء‪.‬‬

‫تقريباً‬
‫على وشك أن يهجر البال والخيال‬
‫ويتّكئ‬
‫على عماه‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫ذكرى هواء‬

‫ال يعرف من أين‬


‫في غياب الهواء‬
‫يأتي لهاثه‪،‬‬
‫ربما هي ذكرى هواء‬ ‫ّ‬
‫تمر اآلن في رئته‪.‬‬
‫ُّ‬

‫تمر في الرئة أيضاً‬


‫الذكرى ُّ‬
‫واللهاث أحياناً ليس هواء‬
‫ُ‬
‫بل ذكرى‬
‫والداخلون والخارجون مع لهاثه ليسوا أهله وال‬
‫زو ٌار عابرون‬
‫مقيمين بل َّ‬
‫وال ُيقيم في لهاثه بل‬
‫في عبورهم‪.‬‬

‫ال يعرف من أين يأتي لهاثه وال أين يقيم‬

‫الهواء َعَبرهُ‬
‫ُ‬
‫وهو‬
‫َعَب َر المقيمين فيه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫الرحلة‬

‫إليه فوراً‬
‫نقلة وال رفّ ٍة‬
‫بال ٍ‬
‫التراب والشجرة والفضاء‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫كأنه ألغى‬

‫يظن َّأنه فيه‬


‫ُّ‬
‫تحرك سيضيع‬
‫إن َّ‬
‫ْ‬
‫إن خطا‬
‫ْ‬
‫لن يصل‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫لُ َغتُه‬

‫لغتُه ذكرى لهاث‬


‫محمي‬
‫ٌّ‬
‫في صمته‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫اللغة‬

‫المنادى يصغي َّإنها الريح‬


‫َ‬ ‫ال المنادي ينادي وال‬
‫َّ‬
‫تتحدث مع عبورها‬
‫ويرمي كالماً في الريح‬
‫ال كي يقول‪ M‬شيئاً بل‬
‫كي َّ‬
‫تتفكك مفاص ُل الكلمات‬
‫وتندثر‪.‬‬

‫اللغةُ هي نثارها‬
‫الكالم هو‬
‫ُ‬
‫ُّ‬
‫تبد ُد الصوت‪.‬‬

‫في اندثار األحرف‬


‫في الريح‬
‫اللغة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ضوء آخر‬
‫ٌ‬

‫على الجبل العالي أغمض عينيه‬


‫ال يريد ضوءاً قديماً مشى آالف السنين كي يصل إليه‬
‫أغمض عينيه وانحدر‬
‫إلى الوادي‬
‫حيث الغور ال يكتسب ضوءه من الشمس بل‬
‫ق ٍ‬
‫حجر في حجر‪.‬‬ ‫من تحدي ِ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫قال‬

‫قال سيعيد تركيب حياته كي تُ ْشبه النسيم‬


‫وتتناسب مع األشكال واألحجام كلّها‪،‬‬
‫َ‬
‫أعضاء وأفكاراً وأهالً وأمكنة‬
‫ً‬ ‫رمى‬
‫رمى جسداً وقمصاناً‬
‫كر خيطان نفسه َّ‬
‫وبك َل حياتَه‬ ‫َّ‬
‫بِ ِز ِّر ريح‬
‫ودخل ثقوباً‬
‫َ‬
‫دخل ظالماً‬
‫َ‬
‫وما عاد رأى كيف يعيد‬
‫حياكةَ نفسه‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫وقفت‬
‫ُ‬ ‫في المكان حيث‬

‫واقف في انتظار ٍ‬
‫أحد وسوطُ العبور‬ ‫ٌ‬ ‫أحد أحداً‪ ،‬وحيث الجميع‬
‫في المكان الذي ال يعرف فيه ٌ‬
‫يضربه لكي يمشي‬
‫لكني أنتظر رفيقي‪.‬‬
‫وقلت سأمشي‪ّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫وقفت أنا أيضاً‬
‫ُ‬

‫أساطير األرض األولى‪،‬‬


‫ُ‬ ‫في المكان الذي رسمتْه‬
‫وقفت‬
‫ُ‬ ‫وشي أجساد المخلوقات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫في عيون اآللهة الحمراء ومش ّكات مشاويهم وفي قرون الشياطين‬
‫والناس تنبت من جمر‬
‫ُ‬ ‫في مكان البدء حيث الكون ينزل من براكين‬
‫وقفت منتظراً رفيقي‬
‫ُ‬
‫األول‬
‫بخار الخلق َّ‬
‫مني ُ‬ ‫يتصبَّب ّ‬
‫ومموهاً بضباب الخلق الثاني‬
‫َّ‬
‫وقلت سأكمل الرحلة‪ ،‬سأمشي‬
‫ُ‬
‫وصول رفيق‬
‫َ‬ ‫واقف أنتظر‬
‫ٌ‬ ‫لكني‬
‫أنتظر‬
‫ُ‬ ‫واقف‬
‫ٌ‬
‫وصولي‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫كوكب جديد‬
‫ٌ‬

‫كوكب جديد يدور‬


‫في رأسه‬
‫وفيه مخلوقات غريبة‬
‫كأن ليس فيها سوى نسيم‬ ‫أجساد ْ‬
‫ٌ‬
‫كس ُح ٍب ليست آتيةً من ماء‬
‫عيون ُ‬
‫ٌ‬
‫وال ذاهبة إلى نهر‬
‫قلوب كشطآن‬
‫ٌ‬
‫َّ‬
‫تتمدد عليها أرواح ناعسة‬
‫فلتت من عذابات تاريخ طويل‬
‫كأنما ْ‬
‫ّ‬
‫وجاءت‬
‫لتستريح‪.‬‬

‫كوكب جديد في رأسه‬


‫ٌ‬
‫يصاحب مخلوقاته الغريبة‬
‫ُ‬ ‫وال يعرف كيف‬
‫وال كيف يهجرها‪،‬‬
‫ينظر إليه مشغوفاً‬
‫ينظر إليه حائراً‬
‫ويسند رأسه على وسادة‬
‫وينام‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ارتدادات هواء‬

‫الصوت يراه‬
‫َ‬ ‫عوض أن يسمع‬ ‫َ‬
‫آتياً‪ ،‬على ُع ّكاز‪ ،‬من أماكن بعيدة‬
‫تَ ِعباً‬
‫يوزعها على آذان‬
‫على كتفه حموالت كالم يريد أن ّ‬
‫آذان ترى‬
‫وعلى دروبه ٌ‬
‫وال تسمع‪.‬‬

‫عوض أن يرى الطريق يسمعها‬


‫َ‬
‫صدى بعيد‪،‬‬
‫ً‬ ‫مثل‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫كأنه يمشي على ارتدادات هواء‬
‫َّ‬
‫وكأن األرض ليست تراباً‬
‫بل صوت‪.‬‬

‫تراب يسمعه وال يراه‬


‫ٌ‬
‫وصوت يراه وال يسمعه‬
‫ٌ‬
‫َّ‬
‫كأنما ال يسمع غير خرسه‬
‫وال يرى غير عماه‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫الوصول‬

‫يرمي قطعةً ويمشي خطوة‬


‫الحمولةُ الثقيلة تعيق سيره‬
‫تعيق وصولَه‪،‬‬
‫يرمي ِق َ‬
‫طعاً عن كتفه‬
‫طعاً من جسده‬ ‫ِق َ‬
‫من قلبه من عينه من رأسه من ذاكرته‬
‫ويمشي‪،‬‬
‫كلَّما رمى قطعة مشى خطوة‬
‫وحين صار فارغاً تماماً‬
‫صل‪.‬‬
‫َو َ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ير‬
‫لم َ‬

‫صل قبله‬
‫الذي أخذه إلى الطريق َو َ‬
‫والذي أخذه إلى الحافَّة َّ‬
‫تأخر عنه‬
‫يمشي وحده وال يعرف‬
‫ومن رماه‬
‫َخ َذه َ‬
‫َم ْن أ َ‬
‫واجتاز الحافَّة‬
‫َ‬ ‫الطريق‬
‫َ‬ ‫اجتاز‬
‫َ‬
‫ظ َر من الطريق ونظر من الهاوية‬ ‫ون َ‬
‫َ‬
‫ولم َير أحداً‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫يطأ على ذكرى ِظ ّل‬

‫يطأ على ذكرى ِظ ّل‬


‫محاوالً ج ْذَبه خياالً بعد خيال‬
‫األول‬
‫كي يعيد حياةً ماتت إلى سريرها َّ‬
‫ت إلى بدء دورانها‪.‬‬
‫وأرضاً أَ َفلَ ْ‬

‫يجذب ِظ َّل حياته خيطاً خيطاً‬


‫محاوالً حياكة القميص الذي‬
‫ذات يوم‬
‫أراد أن يغطّي الحياةَ به‬
‫تحت الجسر‪ ،‬هناك‪ ،‬حين هجرها َّ‬
‫سك ُانها‬
‫ونامت عاريةً في الجليد‪.‬‬

‫ِظ ٌّل‬
‫يعيد حياكتَه قميصاً‬
‫يعيد حياكته حياةً‬
‫زر َو ْرد‬
‫ويضع في القميص َّ‬
‫حتّى إذا عاد رأى الحياة‬
‫يهديها وردة‪.‬‬

‫ٌّ‬
‫ظل‬
‫ينام هناك‬
‫ٍ‬
‫تراب بعيد‪.‬‬ ‫على‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫المسجى أمامي‬
‫َّ‬

‫مني‬
‫الميت المسجَّى أمامي قطعةٌ ّ‬
‫أنت قريبي‬
‫رأيتُه ذات يوم صدفةً وقال‪َ :‬‬
‫وأراه اآلن بعد غياب طويل‬
‫مسج ًى على سريري‪.‬‬
‫ّ‬

‫قال‪ :‬قريبي‬
‫كنت رأيتُه قبل القول وال رأيتُه َبعده‬
‫وما ُ‬
‫َّ‬
‫لكن قوله جعلني منه‬
‫وصرت مذ ذاك‬
‫ُ‬
‫قطعةً من غائب‪.‬‬

‫قال ومشى‬
‫واستمعت ومشيت‬
‫ُ‬
‫وكانت خطواتنا مشياً في غياب‬
‫أطأُ على غيابه ويطأ على غيابي‬
‫حتى التقينا‪:‬‬
‫قطعتين‬
‫من غياب‬
‫َّ‬
‫مسجاتين على سرير‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫ِم ْث َل ظنون‬

‫التراب غيماً‬
‫َ‬ ‫ظ َّن‬
‫َ‬
‫ويبس‬
‫َ‬ ‫ط‬
‫سق َ‬
‫ناس كانوا يعبرون‬ ‫ِ‬
‫بلهاث ٍ‬ ‫محتفظاً من الفضاء‬
‫في صحارى حارقة‪.‬‬
‫أيادي ُدفنت تحت التراب‬
‫َ‬ ‫الشجر‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫ظن‬
‫في حروب قديمة‬
‫ٍ‬
‫كلمات كان القتلى يريدون قولها وهم يحتضرون‪.‬‬ ‫والعشب‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫نظرات موتى‬ ‫َّ‬
‫ظن العصافير‬
‫تبحث عن عيونها‬
‫واألحجار رؤوساً‬
‫َ‬
‫تبحث عن أجسادها‬

‫َّ‬
‫وظن‬
‫ما ُّ‬
‫يظنه‬
‫ظنوناً‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫َمزارعُ أخرى‬

‫قال ستمطر‪ ،‬ستمطر كثيراً‬


‫جالس ينتظر المطر‬
‫ٌ‬ ‫ومذ قال وهو‬
‫عين على الفضاء‬
‫ٌ‬
‫وعين على التراب‬
‫ٌ‬
‫انفصلت عيناه‬
‫ْ‬ ‫حتَّى‬
‫واحدةٌ في األرض وأخرى في السماء ولم يعد يرى‬
‫فضاء‬
‫ً‬ ‫ال غيماً وال‬
‫وال تراباً‪.‬‬

‫قال سأزرع نباتاً جديداً‬


‫ال يحتاج إلى تراب وال إلى ماء‬
‫وزرع ِظالًّ‬
‫َ‬ ‫َد َخ َل في خياله‬
‫ومذ ذاك وهو ينام‬
‫في ِظ ّل خيال‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫قال‪ . . .‬أيضاً‬

‫مرةً أخرى قال‬


‫َّ‬
‫سأعيد تركيب حياتي‬
‫َخلَ َع يداً ووضع مكانها زهرة‬
‫خلع عيناً ووضع مكانها ثمرة‬
‫خلع قدماً ووضع مكانها شجرة‬
‫خلع فماً‪ ،‬أُ ُذناً‪ ،‬قلباً‪ ،‬رئة‪...‬‬
‫ومشى في حديقته الجديدة‬
‫يبحث عن نفسه‬
‫وال يجدها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫في التراب‬

‫في الحديقة شيء مثل خيال‬


‫يمشي‬
‫يبحث عن شيء مثل خيال‬
‫ط منه في التراب وهو يزرع بذوراً‬
‫سق َ‬
‫وضاع‪.‬‬
‫في التراب خيال‬
‫زارع خيال‬
‫ضاع من ُم ٍ‬
‫َ‬
‫ٍ‬
‫تراب‬ ‫في‬
‫خيال‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫يريد النمل أن يعبر‬

‫ض ْعهُ هنا على الحجر الذي كان رأساً‬


‫َ‬
‫هذا الرأس كي يصير حجراً أيضاً‪،‬‬
‫محجرها‬
‫َ‬ ‫العين في ثقب اإلبرة الذي كان أصالً‬
‫َ‬ ‫ض ِع‬
‫َو َ‬
‫الكون في بيت عنكبوت‪،‬‬
‫َ‬ ‫وتضع‬
‫َ‬ ‫وخرجت منه لتحيك خيوطاً‬
‫ْ‬
‫تأبه لليد بل ار ِمها‬
‫وال ْ‬
‫في القمامة هناك‬
‫جبلت تراباً‪،‬‬
‫ْ‬ ‫مع اليد األولى التي‬
‫وأخرج أذنيك من َس َم ِعهما‬
‫ْ‬
‫األصم‬
‫ّ‬ ‫إلى الفضاء‬
‫وقدميك من الطريق‪،‬‬
‫يريد النم ُل أن يعبر‬
‫ويغني‬
‫ّ‬
‫وال يريد أن يسمعه‬
‫أو يراه‬
‫أو يلمسه‬
‫أحد‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫أ ِ‬
‫َقفل الباب أيضاً‬

‫أ ِ‬
‫َقفل الباب أيضاً‬
‫منك وتضيع‬
‫أعضاء َ‬
‫ٌ‬ ‫قد تخرج‬
‫تغافلك وتخرج إلى الشارع‬
‫أعضاء لعابر مجهول‪،‬‬
‫ً‬ ‫وتصير‬
‫فاألعضاء تلزمها أَقفا ٌل‬
‫كي تبقى لصاحبها‪.‬‬

‫أ ِ‬
‫َقفل الباب‬
‫المجهول الذي‬
‫َ‬ ‫وإ الّ تصير‬
‫عبر على ٍ‬
‫غفلة أمام بيتك‬ ‫َ ََ‬
‫واختفى‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ...‬واغل ِ‬
‫ق الرموش‬

‫العين في نزهة‬ ‫وال ِ‬


‫تأخذ‬
‫َ‬
‫فهي تضيع أيضاً وال تعود تراك‬
‫تتبع عابرين مسرعين أو‬
‫تدخل في حدقة أعمى‬
‫تنبش ذكريات رؤاه التي‬
‫لست فيها‬
‫أنت َ‬‫َ‬
‫فال تكون في الحضور وال في الغياب‪.‬‬

‫دع عينك في مكانها‬


‫ْ‬
‫واغل ِ‬
‫ق الرموش‬
‫قد ترى عابرين كثيرين على جفنك‬
‫وكوناً بأكمله‬
‫في عماك‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫الطريق‬

‫عبورك‪،‬‬ ‫َّ‬
‫الظل الذي رسمه‬ ‫امح كذلك‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫الطريق رسماً لدروب‬
‫َ‬ ‫ظننت‬
‫َ‬
‫والمشي خطواً على رسوم‪،‬‬
‫َ‬
‫َّ‬
‫لكن الطريق لم تكن خطوات‬
‫َّ‬
‫الظل‬ ‫كانت‬
‫الممحو‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪ ‬‬
‫المجرات‬
‫ّ‬ ‫نوم‬

‫مال على ٍ‬
‫بال‪ ،‬ونام‬ ‫َ‬
‫َغ َم َر أراضي بعيدة‬
‫في كواكب بعيدة‬
‫بزغت على وسادته ًّ‬
‫وغنى لها‬ ‫ْ‬
‫كي تغفو‬
‫غطَّى بلحافه َّ‬
‫مجرات باردة‬
‫مجرات جائعة تبكي على سريره‬
‫َّ‬
‫بحث لها عن نار‬
‫َ‬
‫بحث لها عن طعام‬
‫َ‬
‫في بهو مطبخ عتيق كان ذاكرتَه‪،‬‬
‫ات على زنده‬ ‫يهز لمجر ٍ‬
‫وما زال إلى اآلن ُّ‬
‫ّ‬
‫علَّها تصمت‬
‫وتنام‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫َج ْمعُ نثار كلمة‬

‫ٍ‬
‫كلمات في الهواء وراح يلعب بها‪ ،‬مثل بالونات‬ ‫أطلق‬
‫َ‬
‫انفجرت‬
‫ْ‬ ‫ُّ‬
‫يشدها ويرخيها‪ ...‬حتى‬
‫أحرف وما عاد يعرف‬
‫ٌ‬ ‫أحرف بأحرف وضاعت‬
‫ٌ‬ ‫واختلطت‬
‫ْ‬
‫األحرف وال كيف‬
‫َ‬ ‫كيف يجمع‬
‫ينطق بكلمة‪.‬‬

‫الكالم َج ْمعُ ٍ‬
‫نثار‪ ،‬قال في قلبه‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫أعضاء لمجهولين ضائعين‪،‬‬ ‫لَ ْح ُم‬
‫ومذ ذاك وهو يحاول‬
‫ق بالونات‬
‫رتْ َ‬
‫َّ‬
‫ممزقة‬
‫في الهواء‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫أين الحديقة؟ أين البيت؟‬

‫زرع ما كان يحلم به من أشجار وخضار‬


‫َ‬
‫في حديقة شاسعة‬
‫وحين حان قطافها‬
‫خرجت من كتفه عوض اليد نسمةٌ وقالت‪:‬‬
‫ْ‬
‫أريد أن ألعب في الحديقة‪،‬‬
‫األشجار والخضار‬
‫َ‬ ‫غادر‬
‫َ‬
‫وترك النسمةَ تلعب‪.‬‬
‫َ‬

‫قال أَبني بيتاً‬


‫ُغ َرفاً تكون حدائق ألحالمي‬
‫بنى غرفاً كثيرة‬
‫وحين دخل ضاع‬
‫وما عاد يعرف أين البيت‬
‫وال أين الحديقة‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫ذاكرةُ طير‬

‫ووضعها‪ M‬في رأسه‬ ‫طير‬ ‫َّ‬


‫واستل ذاكرةَ ٍ‬ ‫ظ َر إلى الفضاء‬
‫َن َ‬
‫َ‬
‫وقارات‬
‫جاب بلداناً َّ‬
‫َ‬
‫حقوالً وتالالً وودياناً وغابات‬
‫بيضهُ في أمكنة كثيرة‬
‫ووض َع َ‬
‫َ‬
‫حطَّ فيها لحظةً‬
‫وما عاد‪.‬‬

‫طير مهاجر‬ ‫َّ‬


‫واستل ذاكرةَ ٍ‬ ‫نظر إلى الفضاء‬
‫وكان َّ‬
‫كل مساء‬
‫الطير إلى بيته وينام في سريره‬
‫ُ‬ ‫يأوي‬
‫ويبقى هو‬
‫يطير في الفضاء‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫خطوطٌ أخرى‬

‫ارسم نفسك نهراً‪َ ،‬و ِس ْل‬


‫ْ‬
‫َّ‬
‫شيء منك لعشب الحافة‪ ،‬شيء للحصى‪ ،‬شيء للبحر وشيء للبخار‬ ‫ٌ‬
‫رسمك للماء‬
‫َ‬ ‫ِس ْل مع خطوط‬
‫مائك الذي حاد عن الطوفان وال سفينة له وال نوح‬
‫ِ‬
‫الماء الذي شرد‬
‫رسم َك‬
‫وانتظر َ‬
‫َ‬
‫كي يعرف مجراه‪،‬‬
‫ارسمه‬
‫ْ‬
‫العشب خطوطاً منه‬
‫َ‬ ‫وامنح‬
‫ِ‬
‫ربَّما على الحافَّة عشب كان يرغب أن يكون كائناً آخر‬
‫وامنح خطوطاً للحصى‬
‫ْ‬
‫قد تكون للحصى رغبةٌ أن يمشي‬
‫وخطوطاً للبحر‬
‫قد تكون له رغبةٌ في أمواج جديدة‬
‫وخطوطاً للبخار‬
‫بخارك يريد أن يعود إليك‬
‫َ‬ ‫ربَّما‬
‫وال يعرف الطريق‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫تنس الشجرة الصغيرة‬
‫وال َ‬

‫تنس شجرة صغيرة‬


‫وال َ‬
‫ماء‪،‬‬
‫زرعتَها قبل أن تصير ً‬
‫لقِّ ْحها بمائك اآلخر‬
‫علَّها هي أيضاً تريد أن تصير كائناً آخر‬
‫علَّها تريد نسالً غير نسل الثمرة األولى‪ ،‬غير النسل المعلَّق على الغصون‬
‫لقِّحها بمائك الراكض‬
‫علَّها تريد عوض الثمار أطفاالً يركضون‬
‫ويلعبون حولها‪.‬‬

‫لألشجار أيضاً رغبة في المشي والسفر‬


‫األمهات في أطفال‬
‫ولها رغبةُ َّ‬
‫ال يموتون في مكانهم‪،‬‬
‫جذور الشجر بمائك اآلخر‬
‫َ‬ ‫ِّل‬
‫قَب ْ‬
‫ودعها تخرج من التراب‬
‫ْ‬
‫وتمشي‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫س َع َل ومضى‬
‫َ‬

‫َس َع َل ومضى‬
‫وجرى سعالُه وراءه‬
‫حامالً تاريخاً من الدخان‬
‫ٍ‬
‫هواء كان يختاره‬ ‫تاريخاً من‬
‫هو‬
‫لحياته‪.‬‬

‫جرى سعالُه وراءه كي يذ ّكره‬


‫ٍ‬
‫أنفاس أخرى كانت تخرج مع سعاله‬ ‫ِ‬
‫بصمت‬
‫وكي يقول له‬
‫َّ‬
‫إن لثغاً ما خرج من ذاك الصمت‬
‫ال يعرف ما هو‬
‫رحلت‬
‫ْ‬ ‫ٍ‬
‫أنفاس‬ ‫لثغٌ خرج هكذا فجأةً من‬
‫فما عاد َنفَساً‬
‫وال صار كلمة‪.‬‬

‫جرى سعاله يبحث عنه‬


‫لكنه َس َع َل‬
‫وغاب‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫ال في التراب وال في مناقيد الطيور‬

‫الطيور من عينيه‬
‫ُ‬ ‫عرفتْه‬
‫اللتين ال يزال يعيش فيهما نمل‪،‬‬
‫قال سأعيد تركيب حياتي ولكن‬
‫ظ َّل نم ٌل ُّ‬
‫يدب فيها‬ ‫َ‬
‫جيداً حين كانت تبحث عن طعام في حديقته‪.‬‬
‫تعرفه العصافير ّ‬

‫هواء‬
‫ً‬ ‫نفسه‬
‫أراد أن يخرج من تراب ويش ّك َل َ‬
‫قسم منه‬
‫طار ٌ‬
‫ظ َّل في التراب‬
‫وقسم َ‬
‫ٌ‬
‫قسم عال ولم يعد يراه‬
‫ٌ‬
‫وقسم غاص ولم يعد يجده‪،‬‬
‫ٌ‬
‫وحين أراد استعادة أعضائه القديمة كانت تناثرت‬
‫وما عاد رأى نمالً في التراب‬
‫وال نمالً في عينيه‬
‫وال في مناقيد الطيور‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫كان هناك‬

‫ص َع َد عالياً على نسيان‬


‫َ‬
‫طيف قديم‬
‫ٌ‬ ‫مر‬
‫وحين َّ‬
‫وعاد‬
‫َ‬ ‫انزلق على ذكرى‬
‫َ‬
‫إلى الهاوية‪.‬‬

‫ص ْنع غير راغبين في ُعلُّو‬ ‫ُّ‬


‫كانت الساللم كلها من ُ‬
‫يحركون أقدامهم‬
‫صنع ناسين كيف ّ‬ ‫ومن ُ‬
‫وكان هو قاعداً معهم‬
‫صامتاً مثلهم‬
‫بال حكاية وال ذكرى‬
‫يمر مثل ذبابة عابرة‬
‫والزمن ُّ‬
‫ال يلتفت إليها أحد‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫حيرة اليد‬

‫يفتح يده ويرى قوافل مشاة‬


‫تعبر في عروقها‪،‬‬
‫إلى أين يذهبون؟‬
‫إلى قلبه؟‬
‫أم إلى الجدران واألبواب حين يلمسها؟‬

‫هل‬
‫إذا لمس األشياء‬
‫غادره إليها الساكنون في عروقه؟‬
‫ال يعرف‬
‫ويحار‬
‫هل يلمس شيئاً‬
‫أم يبقي يده‬
‫في الفراغ؟‬

‫‪ ‬‬
‫حاالت اآلخر‬

‫غادرت‪ ،‬فأُسبل ذكرى يد‬


‫ْ‬ ‫مكان ٍيد‬
‫َ‬ ‫أحاول أن أُسبل جناحاً‬
‫أُسب ُل ما تبقَّى في مكان اليد‪ ،‬ثغرةً في كتف‪َّ ،‬‬
‫هوةً في العظام‬
‫هوة في العظام وأطير‬
‫أُسب ُل َّ‬
‫كوطواط‬
‫غائصاً أكثر فأكثر‬
‫في عتمة عظامي‪.‬‬

‫أُسبل ذكرى نظرة‬


‫غادرت‬
‫ْ‬ ‫مكان ٍ‬
‫عين‬ ‫َ‬
‫ذكرى مكان‬
‫غادر‬ ‫مكان ٍ‬
‫مكان َ‬ ‫َ‬
‫وأرى كائناتي شاردةً في براري شاسعة‬
‫ال تصل النظرةُ إلى حوافرها البعيدة وأناديها‪ :‬تعالي‬
‫تعالي يا كائناتي‬
‫نت براريك الشاسعة من نقطة صغيرة‬‫كو ُ‬
‫َّ‬
‫عودي إلى النقطة الصغيرة التي كانت‬
‫في قلبي‪.‬‬

‫أُسب ُل ذكرى يد وذكرى عين وذكرى مكان‬


‫بعض عظامهم‬
‫َ‬ ‫أُسبل شطآناً للغرقى اآلتين من ٍ‬
‫بحار تركت أسما ُكها‬
‫أُسبل للحياة األخرى للغرقى مكاناً على الحصى‬
‫الحصى األبيض حيث كان مكانهم‬
‫حيث كانت حياتهم وضحكتهم وملمس أقدامهم الناعمة قبل أن تأخذهم البحار‬
‫أُسب ُل للمشدوهين بالفضاء حجراً على األرض‬
‫للساعين وراء نار الجبل خيمةً لمبيتهم‬
‫وللمأخوذين بالنجمة الغريبة أُسبل ضوءاً خفيفاً من أجسادهم‬
‫وظالًّ‬
‫كي يستريحوا‪.‬‬

‫مني‬
‫يخرج الموتى ّ‬
‫وكذا األحياء‬
‫حي‬ ‫ُّ َّ‬
‫الحي أنه ّ‬ ‫ويرتطم بعضهم ببعض وال يعود يعرف‬
‫وال الميت َّأنه ميت‪.‬‬
‫يدخ ُل الموتى بي‬
‫وكذا األحياء‬
‫ويختلط بعضهم ببعض وال أعود أعرف أحيائي من أمواتي‬
‫حي أو ميت‪.‬‬
‫وال إذا أنا ٌّ‬
‫ك‬
‫يختلط الموتى واألحياء بي وأرتب ُ‬
‫باحثاً عن مقاعد لهم‬
‫وعن صحون‬
‫وال أعرف كم عددهم وماذا يأكلون‪.‬‬
‫ضيوف كثيرون‬
‫ٌ‬ ‫في‬
‫َّ‬
‫من التاريخ كلّه‬
‫أكرمهم على مائدتي‪،‬‬
‫وال أعرف كيف ّ‬
‫أقدم طعاماً؟‬ ‫ٍ‬
‫غائبة كيف ّ‬ ‫ٍ‬
‫بيد‬
‫وكيف أرى ضيوفاً ٍ‬
‫بعين غائبة‬
‫ُجلس أحداً‬
‫وكيف أ ُ‬
‫على ٍ‬
‫مكان غائب؟‬

‫ّإني في وليمة‬
‫شخص آخر على األرجح‬‫ٌ‬ ‫الضيوف إليها‬
‫َ‬ ‫دعا‬
‫صرت ذاك اآلخر الذي يسبل فراغاً‬
‫ُ‬ ‫وعلى األرجح‬
‫ويلقّ ُم فراغاً لفراغ‬
‫يسبل شطآناً وأحجاراً وجباالً ونجوماً وناراً وظالالً‬
‫لم يرها‬
‫ولم يقعد عليها‬
‫سوى الفراغ‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫أغنية الحافَّة‬

‫ض َع قدمه على النقطة األخيرة للحافَّة وراح ّ‬


‫يغني‬ ‫َو َ‬
‫ستمر على جسده‬ ‫ُّ‬ ‫لنسمة العدم األولى التي‬
‫وللفضاء الذي كان فارغاً‬
‫وسيمتلئ به اآلن‪.‬‬

‫يغني‪:‬‬
‫طأَ على النقطة األخيرة وراح ّ‬
‫َو َ‬
‫في الفجر تطلع الشمس وفي المغيب تغيب‬
‫والسنةُ فصو ٌل أربعة‬
‫فيا للحياة الجميلة‪،‬‬
‫إن لم تكن غيوم‬
‫ضوء ْ‬
‫ٌ‬ ‫النهار‬
‫ُ‬
‫والليل عتمة‬
‫فيا للحياة الجميلة‪،‬‬
‫وللناس بيوت‬
‫والساكنون فيها مهما مشوا‬
‫ال يصلون إلى الباب‬
‫فيا للبيوت الجميلة‪.‬‬

‫وغنى ِ‬
‫لمزق ثوبه‬ ‫ض َع قدمه على الحافَّة ّ‬
‫َو َ‬
‫التي لمح فيها ذات يوم ابتسامةً للفجر‬
‫وثغراً كامالً للغروب‬
‫ولحياته التي رآها مثل حريق‬
‫َّ‬
‫شب فجأةً في نزهة‪.‬‬

‫ض َع قدمه على النقطة األخيرة للحافَّة وراح ّ‬


‫يغني‬ ‫َو َ‬
‫للخطوة التالية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
 
‫لم يكن هو الذي َم َّر‬
‫وال ظلُّه‬
‫على كائنات جديدة‬
‫فقط كانا واقفين‬
‫في نقطة غريبة‬
‫بال كائنات‬
‫‪ ‬‬
‫من أخذ النظرة التي تركتُها أمام الباب؟‬

‫‪2011‬‬

‫ماء‬
‫ماء كثير‬
‫ٌ‬
‫يدفق في شراييني‬
‫وال مركب‪.‬‬

‫في قلبي بحر‬


‫وجمهور‪ M‬من الغرقى‪.M‬‬
‫بقليل من الحطب‬
‫بقليل من الدخان‬

‫بقليل من الحطب‬
‫ُحيي اآلن ذكرى الشجر‬
‫أْ‬
‫ذكرى غابات كثيرة نبتت في ذاك الماضي‪ M‬في رأسي‬
‫وكنت طيورها‪M‬‬
‫ُ‬
‫وحطَّابها‪M‬‬
‫والمشتعلين في مواقدها‪.‬‬
‫شجر أحاول اآلن بقليل من الحطب إحياء ذكراه‬
‫ٌ‬
‫ملون حطَّ على غصن أمامي وطار‪M‬‬‫ذكرى طير َّ‬
‫استلقيت قربها‪ M‬قليالً‬
‫ُ‬ ‫ذكرى ُس ْحلية على صخرة ليتني‬
‫ذكرى ثمار حسبتُها أفئدةً‬
‫ٍ‬
‫وأفئدة حسبتُها ثماراً وقطفتُها‬
‫وإ لى اآلن ال أعرف ماذا أفعل‬
‫بدم تلك الغصون‪.‬‬

‫بقليل من الحطب المتبقّي في قلبي‬


‫أُشعل سيجارة‬
‫وأرى في دخانها رفاقي‬
‫الذين ماتوا سكارى على الطرقات‬
‫الذين عبروا النهر بلحظة واقتادوا اليباس في تجوالهم كي يكون لهم رفيق‪M‬‬
‫الذين نخزوا في عروقهم‪ M‬أخيلةً َّ‬
‫عل الدم الضجر في شرايينهم‪ M‬ال يبقى وحيداً في الليل الطويل‬
‫رفاقي‪M‬‬
‫الذين في عيونهم طرقات‬
‫وقطارات‪M‬‬
‫ال تتوقف في محطَّة‬
‫الذين تركوا المفاتيح في الداخل وصفقوا الباب ومشوا‪M‬‬
‫وفي بحار نظراتهم‪ُ M‬ولدت أسماك غريبة‬
‫َّ‬
‫وصنارات‬
‫رموها‬
‫واصطادوا عيونهم‪.‬‬

‫ٍ‬
‫ماض بعيد‬ ‫من الحطب المتبقّي من غابات‬
‫أُشعل سيجارة‬
‫وأُحاول أن أختبئ تحت دخانها‬
‫ُخبئ معي موتى‪ M‬ال ُي ْحصون‬
‫وأ ّ‬
‫أحياء كي ال يموتوا‬
‫ً‬ ‫ُخبئ‬
‫ُخبئ موتى وأ ّ‬
‫تحت دخان سيجارة أ ّ‬
‫أُحاول أن أطرد الموت‬
‫بدخان‪.‬‬

‫بالحطب المتبقّي‬
‫بالدخان المتبقّي‬
‫ُحيي ذكرى شجر وناس‬‫أْ‬
‫تعانقوا‬
‫وصاروا‪ M‬دخاناً‪.‬‬
‫رأيت أيضاً‬
‫ُ‬

‫رأيت شجراً تضربه الرياح ويسقط‪M‬‬


‫ُ‬ ‫أيضاً‬
‫شجراً في العروق‪M‬‬
‫شجراً في الدم‪.‬‬
‫رأيت أصابع تحاول أن تصير غصوناً‬
‫ُ‬
‫وتهوي‬
‫وعيوناً تريد أن تصير ثماراً‬
‫للعابرين وللطيور‪M‬‬

‫ورأيت ورقة‬
‫تنام‬
‫في الزاوية‪.‬‬
‫تلك المسافة‬

‫هل تتذكرون‬
‫تلك المسافة الطويلة التي مشيناها‬
‫كي نقعد على حجر؟‬
‫المسافة الطويلة كي نطرد‬
‫الذئاب التي تأكل الخراف في قلوبنا‪ M‬وكي‬
‫َ‬
‫نبقى أبرياء من دم األرض‬
‫ودم المسافة؟‬

‫هل تتذكرون العصافير‪M‬‬


‫التي أردنا ذات يوم أن تكون بيننا وبينها قربى‬
‫فزقزقنا‬
‫وانهمر الرصاص علينا؟‬

‫تلك المسافة‬
‫تلك المسافة الطويلة نحو خروف‬
‫نحو عصفور‬
‫نحو حجر‪.‬‬
‫الخ َيال‬ ‫ال ِ‬
‫تأخذ الخيل إليه وال َ‬

‫أ ِ‬
‫َعد الماء إلى النبع وال تُزعج الغيم‬
‫وال تُ ِّ‬
‫صل‪ ،‬ال تُقلق الموتى‬
‫دعهم في ترابهم يستريحون‬‫ْ‬
‫وإ ْن انهمر مطر فخفِّف من لهاثك‬
‫لهاثُك يصعد غيماً إلى الفضاء ويمطر‪M‬‬
‫والمطر يوحل التراب‬
‫ويزعج الموتى‪.‬‬

‫الخَيال‬ ‫أ ِ‬
‫َعد الماء إلى النبع وال تأخذ الخيل إليه وال التخيُّل وال َ‬
‫جرة مكسورة‬
‫النبع َّ‬
‫ال ماء فيها‬
‫فاذهب بال ماء وال خيل وال َخَيال‪.‬‬
‫ْ‬
‫الحكاية‬

‫الحكاية أَن ال حكاية‬


‫تلك التي قالها القبطان كانت خرافة‬
‫كي يسلِّي المسافرين في المحيط المديد‬
‫والحكايةُ األخرى كانت خرافة أيضاً‬
‫كي يسلِّي الذين يغرقون‪.‬‬

‫أن ال أحد في البستان‬


‫الحكاية ْ‬
‫وال أحد في الخيمة‬
‫ومن كان ينام ويزرع‪ M‬كان خياالً‬
‫لكن قيل ذلك‬
‫ال خيمة وال بستان ْ‬
‫يظن الشجر َّ‬
‫أن له ظالً‬ ‫كي َّ‬
‫ويظن التراب‬
‫ّ‬
‫َّأنه أ ُّم‪.‬‬

‫َن ال أ َُّم‬
‫الحكاية أ ْ‬
‫وال قبطان وال مركب وال ِظ َّل‬
‫وال حكاية‪.‬‬
‫رفيقان‬

‫ماء‬ ‫َّ‬
‫وظن نفسه ً‬ ‫رأى وجهه في النهر‬
‫وجرى‬
‫وجرت معه ورقة يابسة‪.‬‬

‫رفيقان‬
‫واحد يسافر‪ M‬في النظرة‬
‫ٌ‬
‫وواحد يسافر في العمى ويسأالن‬
‫لحم؟ هل الماء شجرة؟‬
‫هل الماء ٌ‬

‫رفيقان‬
‫ذائب وورقة يابسة‬
‫وجهٌ ٌ‬
‫يعلوان معاً ويهبطان معاً ويرتطمان‬
‫بصخور‪ُّ M‬‬
‫تظن الورقةُ أنها شجر‬
‫ُّ‬
‫ويظن هو أنها عظامه‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫يا جاك كيرواك‬

‫كثير من األخطاء في اإلشارات واألسماء على الطريق يا جاك كيرواك‪M‬‬


‫األسهم المشيرة إلى أمكنة‬
‫توصل إلى أمكنة أخرى‬
‫واليافطات‪ M‬المكتوب عليها ينابيع‬
‫صحارى‪.‬‬

‫ماذا جرى يا جاك كي أرى السهل حوتاً يريد أن يبتلعني‬


‫والفراشةَ جداراً؟‬
‫وهل السنونوة التي سقطت ميتةً أمامي‬
‫كانت تعبر كي ترسم الطريق‪ M‬أم كي‬
‫تمحو العبور؟‬

‫إنزع اليافطات عن الطريق‬


‫يا جاك‪ ،‬يا جاك‪ِ ،‬‬
‫إلغ الينابيع والغابات واألمكنة‬
‫ِ‬
‫الممر الذي بال إشارات وال أسماء‬
‫ِّ‬ ‫دلَّني فقط إلى‬
‫أريد أن أعبر‪.‬‬
‫كي تشرب الذبابة‬

‫وضع نقطة ماء في صحن‬


‫َ‬
‫كي تشرب الذبابة‬
‫وسلَّم نفسه للريح كي تأخذه الفراشات‪.‬‬

‫سلَّم نفسه للريح‬


‫فالتقطته الذبابة‬
‫وعاد إلى المكان الذي طار منه‪.‬‬
‫كي يقول‬

‫مئات الصفحات كي يقول العشبةُ ماتت‬


‫القمر نام‪،‬‬
‫كي يقول ُ‬
‫مئات الصفحات كي يقول ُخ ِذ الشمعة‬
‫إنها في الزاوية هناك‪ ،‬مطفأة‬
‫شئت أو أ ِ‬
‫َبقها مطفأة وإ ْن شئت‬ ‫إن َ‬ ‫ِ‬
‫أشعْلها بأنفاسك ْ‬
‫ْار ِمها‪،‬‬
‫مئات الصفحات كي يقول عود ثقاب‬
‫اشتعل‬
‫ْ‬ ‫كي يقول‬
‫كي ُيخفض الدرجة قليالً كي يستطيع‬
‫أن ينزل‪،‬‬
‫مئات الصفحات كي يقول رأى نملة‬
‫كي يقول رأى خشبة‬
‫وكي يوهم نفسه أنه أنقذ الغريق‪،‬‬
‫مئات الصفحات كي يقول‬
‫غرقت وال أرى شيئاً‬
‫ُ‬
‫كي يتسامر مع طحلب‪ ،‬مع فراغ‬
‫كي يرى السفن وهي تهوي‪M‬‬
‫والغرقى‪ M‬يصرخون‬
‫وكي َّ‬
‫يلف سيجارة وهو ينظر إلى األمواج‪،‬‬
‫مئات الصفحات كي يعتذر من صرصار‬
‫وطأه ذات يوم بقدمه‬
‫كي يقول للعريشة أمام بابه شكراً‬
‫وشكراً للكلب الذي كان‬
‫يلوح له بذنبه‪.‬‬
‫ّ‬

‫مئات الصفحات‬
‫مئات الصفحات‬
‫كي يقول كلمة‬
‫وال يقولها‪.‬‬
‫ِّلوحوا بالحطبة‬

‫هذه الحقول المحروقة كانت حقولكم‬


‫انظروا‬
‫وانبشوا في الرماد‬
‫قد تعثرون على وجوه كانت لكم‪.‬‬

‫الحطبة هناك‬
‫مزارع مكسورة‬
‫ٍ‬ ‫يد‬
‫ُ‬
‫والفحمة‬
‫حدقة عين‬
‫انظروا بالفحمة ِّلوحوا بالحطبة‬
‫واجعلوا الورقة اليابسة لساناً ونادوا‬
‫عابر هناك‬
‫شبح ٌ‬
‫فربَّما ٌ‬
‫يرى في رماد سيجارته مزارعي تبغ‬
‫ويطفئها‪.‬‬
‫الشوارع تعرفه من حذائه‬

‫بين اإلسفلت وبينه‬


‫عمر من المشي‬
‫ٌ‬
‫لديه أسمال‬
‫وحذاء‬
‫قديم َّ‬
‫لكنه صار أليفاً مع قدميه‬ ‫ٌ‬
‫والشوارع‪ M‬ال تعرفه‬
‫إالَّ به‪.‬‬
‫لدي حلم‬
‫َّ‬

‫حلم يا مارتن لوثر كينغ‬


‫لدي ٌ‬
‫َّ‬
‫حلم صغير‬‫ٌ‬
‫أن أُعيد إلى األرملة فلسها‬
‫ْ‬
‫وحلم‬
‫أن أقعد مع الكسيح‬
‫ْ‬
‫يمر هواء لطيف‬
‫وأن َّ‬
‫ْ‬
‫بين قدميه المشلولتين والبالطة التي يقعد عليها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫كان جميالً‬

‫كان جميالً منكم أن تحيُّوهم‪ M‬وهم ُّ‬


‫يشدون الحبال‬
‫كي يربطوا شرايينهم‪ M‬بالشجر‬
‫أن تنظروا إليهم على األقل‬
‫كي تروا عروق التعب‬
‫وتعرفوا كيف‬
‫تأتي الثمار إلى موائدكم‪.‬‬

‫كان جميالً أن يكون بينكم وبينهم‪ M‬نظرة‬


‫الدمع من بعيد‬
‫َ‬ ‫كي تروا‪ ،‬على األقل‪،‬‬
‫كي تعرفوا‬
‫ماذا يفعل الدمع في التراب‬
‫ماذا يفعل الدمع في األرض‪.‬‬
‫نم ٌل على الجدار‬

‫حجر آخر في الجدار؟‬


‫ٌ‬
‫بل أحجار‬
‫الزهري"‬
‫ّ‬ ‫أيُّها "الطوفان‬

‫لكن ال يزال نم ٌل‬


‫يتسلَّق عليها‪.‬‬
‫المروحة ال تدور‬

‫المروحة ال تدور يا ألن غينسبرغ‬


‫هواء يدور في رأسي‬
‫ً‬ ‫كان ذاك‬
‫حْل َم هواء‬
‫يحرك المروحة‪.‬‬
‫ال ِّ‬
‫حجار‬
‫وبسام َّ‬
‫إلى سركون بولص َّ‬

‫اعطني رداءك يا سركون‬


‫بردت‬
‫ُ‬
‫أَدفئني قليالً بترابك‬
‫َنعش هذا التراب يا بسَّام‬
‫وأ ْ‬
‫ادلق عليه‬
‫ْ‬
‫كأسك‪.‬‬

‫قطار بعد‪ ،‬اصعدا قبل أن يمضي‬ ‫َّ‬


‫على المحطة ٌ‬
‫نذهب معاً في نزهة‬
‫نرى الغابات‪ ،‬نرى البطَّ في البحيرات‪ ،‬نرى البيوت وكيف‬
‫تطويها المسافات‬
‫وتطوي‪ M‬الساكنين فيها‬
‫قطار بعد‬
‫ال يزال ٌ‪M‬‬
‫وبعده تقفل المحطَّة‬
‫اصعدا‬
‫فإن مضى هذا القطار‬
‫ْ‬
‫أين نقضي هذه الليلة؟‬

‫َّإنه القطار األخير‪ ،‬اصعدا‬


‫قد نذهب في نزهة‬
‫قد نرى ذاك النبع الذي حلمنا به طويالً‬
‫ينبثق من المياه الجوفيَّة ألحالمنا‬
‫اصعد يا سركون‬
‫ْ‬
‫يمر هذا القطار في مدينتك‬
‫قد ُّ‬
‫اصعد يا بسَّام‬
‫ْ‬
‫قد نرى مروة‪.‬‬

‫ُد َّل النقط َة إلى الطريق‬

‫ُخ ْذها‬
‫رجاء وار ِمها في النهر‬
‫ً‬ ‫ُخ ْذها‬
‫هذه النقطة التي ضيَّعت طريقها‬
‫ت على كتفي‪.‬‬ ‫َّ‬
‫وحط ْ‬
‫ُخذها‬
‫سيفتقدها النهر‬
‫سيكون البحر ناقصاً‪ M‬من دونها‬
‫ُخذها‬
‫مني‬
‫الشجر أَولى بها ّ‬
‫العشب أَولى‬
‫وقد يكون هناك عصفور‬
‫يبحث اآلن‬
‫عن نقطة ماء‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫اإلشارة‬

‫بشبه ٍيد َّلو َح‬


‫ِ‬
‫تلوح له من بعيد‬
‫إلشارة ّ‬
‫ومضى‬
‫صافقاً وراءه حياته‬
‫ٍ‬
‫كباب مخلوع‪.‬‬

‫ترك األهل واألصدقاء ومشى‬


‫ترك الحديقة‪ ،‬النعناع‪ ،‬الحبقة‬
‫النبتةَ الصغيرة التي كانت‬
‫حين تسمع وقع خطاه تبتسم‪.‬‬

‫ترك الباب مخلوعاً‬


‫ومشى‬
‫نحو اإلشارة‬
‫األخيرة‬
‫للدخان‪.‬‬
‫يحن الغصن‬
‫عرفت كيف ُّ‬
‫ُ‬

‫عرفت كيف الشجرة ُّ‬


‫تحن‬ ‫ُ‬
‫إلى غصنها المتخ ّشب‬
‫عرفت أيضاً‬
‫ُ‬ ‫لكن‬
‫الغصن‬
‫ُ‬ ‫كيف ُّ‬
‫يحن‬
‫إلى الخشبة‪.‬‬

‫اسم ُه‬
‫عب َر َ‬
‫الذي َ‬
‫مر من هنا‬
‫اسمهُ على الحائط كي يتذ ّكر‪ M‬العابرون أنه َّ‬
‫َ‬ ‫كتب‬
‫َ‬
‫اسمهُ وذهب‬
‫َ‬ ‫كتب‬
‫َ‬
‫وحين عاد‬
‫حاول عبثاً أن َّ‬
‫يتذكر‪M‬‬
‫من هو هذا االسم المكتوب على الحائط‪.‬‬

‫مكان الورقة‬
‫قعد طويالً هناك‬
‫تحت الشجرة‬
‫وكان ُّ‬
‫يظن نفسه غابة‪.‬‬
‫حطَّت عصافير كثيرة‬
‫وطيور‪ M‬غريبة‬
‫على غصونه‬
‫وعلى ترابه مشت سحليات‪ ،‬ومشى نمل‪ ،‬واستلقى ناس‪ ،‬وغفا عشب‪.‬‬

‫َّ‬
‫وظن نفسه غابة‬ ‫قعد تحت الشجرة‬
‫في الربيع ُيزهر وفي الشتاء يرتجف‪M‬‬
‫وفي الخريف‬
‫سقطت ورقة‬
‫وقعدت مكانه‬

‫غياب‬

‫ظن ًّأنه هو ذاك الماشي في الشارع‬


‫َّ‬
‫وقف وناداه ‪ :‬هاي‪ ،‬أريد أن أقول شيئاً‬
‫َ‬
‫لكنه لم يلتفت‬
‫وغاب‪.‬‬
‫َّ‬
‫ظن نفسه هو ذاك الجالس في الحديقة‬
‫وقف ومشى إليه‬
‫َ‬
‫ومشى الجالس في الحديقة‬
‫وغاب‪.‬‬

‫المارة كلَّهم هو‬


‫أن َّ‬ ‫ظن َّ‬
‫َّ‬
‫وصاح بهم ‪ :‬هاي‪ ،‬أريد أن أقول شيئاً‬
‫لكنهم غابوا كلُّهم‬
‫َّ‬
‫وغاب هو‬
‫أي شيء‪.‬‬
‫يقل َّ‬
‫ولم ْ‬

‫يد على الحافَّة‬


‫ٌ‬

‫يد على الحافَّة‬


‫ٌ‬
‫ويد في الفضاء‬‫ٌ‬
‫ويغني‬
‫ّ‬
‫راسماً بلهاثه القبر الذي ُّ‬
‫يحب أن ينام فيه‪.‬‬

‫يغني للهواء الذي رافقه على الطرقات‬


‫ّ‬
‫للبجعة الجائعة التي نظرت إليه ورمى لها لقمة‬
‫وللبحيرة‬
‫في ذاك المساء‬
‫واألسماك التي تسبح فيها‪.‬‬

‫يضع يداً على الحافَّة ويداً في الفضاء ّ‬


‫ويغني‬
‫لرمل‬
‫دفنت فيه الحياةُ َّ‬
‫كل موتاها‪M‬‬ ‫ْ‬
‫يغني ِ‬
‫لم ْعول‬ ‫ّ‬
‫حفر طويالً في ذاك الرمل علَّه‬
‫يجد موتى ال يزالون يتنفسُّون‬
‫يغني لصحراء‬
‫ّ‬
‫يغني لموتى‪.‬‬
‫ّ‬

‫يد على الحافَّة ٌ‬


‫ويد في الفضاء وغناء‬ ‫ٌ‬
‫وقبر من لهاث‬
‫ٌ‬
‫تبدده الريح‪.‬‬
‫ّ‬

‫يمشي يمشي‬

‫يمشي باحثاً عن بحر‬


‫موجه مع السمك‬
‫يرقص ُ‬
‫عن صحراء‬
‫يغني رملُها مع الريح‬
‫ّ‬
‫األول والصحراء األولى‬
‫باحثاً عن البحر َّ‬
‫وعن حقول‬
‫أوراق أشجارها عيون مزارعين‬
‫وعيون فالَّحيها أوراق‪ M‬شجر‬
‫وعن عين‬
‫هي عيون الجميع‪.‬‬
‫يمشي يمشي وال يرى بحراً‬
‫ال يسمع غناء‬
‫ال يرى رقصاً‬
‫ال حقوالً وال مزارعين‬
‫يمشي‬
‫يمشي‬
‫بال عين‬
‫وال قدم‬
‫وال مكان‪.‬‬

‫بالكاد تتسع لعين شخص ولهاثه‬

‫الهواء من رئتيه‬
‫والماء من عينيه‬
‫ما حاجته إلى الخارج؟‬
‫من لهاثه يأتي الهواء ومن دمعه الماء‬
‫وإ ن أراد طعاماً‬
‫في حديقة باله خضار وثمار‪.‬‬

‫أقفل الباب وقعد‬


‫مشيحاً بوجهه عن خياالت ناس‬
‫تعبر أمام بيته‬
‫عن خياالت عصافير‪M‬‬
‫ُّ‬
‫تدق على نافذته‬
‫ماذا سيطعم العصافير‪ M‬وإ لى أين سيدعو الناس؟‬
‫إن أراد عصفور قمحاً من أين يأتي به؟‬
‫وإ ن دخل ناس‬
‫أين يجلسون؟‬

‫غرفة صغيرة ومقفلة‬


‫بالكاد تتسع لعين شخص‬
‫ولهاثه‪.‬‬

‫في مكانه‬

‫رصف حجراً فوق حجر تاركاً فراغاً‬


‫كي تتنفَّس األحجار‬
‫روح‪ ،‬قال‬
‫في الحجر ٌ‬
‫وقد تكون بين حجر وحجر‬
‫عشبة تريد أن تنبت‪.‬‬

‫نظر إلى الشجرة وقال‬


‫روح في المسافة بينه وبين الشجرة‬
‫قد تكون ٌ‬
‫والنظرة قد تعيقها‬
‫فأغمض عينيه‪.‬‬

‫مشى‬
‫عائداً‬
‫وقال‬
‫روح أيضاً‬
‫في اإلسفلت ٌ‬
‫رفع قدمه عن اإلسفلت‬
‫وبقي في مكانه‪.‬‬

‫الجهة تُحنيه‪ ،‬الجهات ترفعه‬

‫ضربته الريح من اليمين‬


‫فانحنى يساراً‬
‫ضربته الريح من اليسار‬
‫فانحنى يميناً‬
‫ضربته من الوراء فانحنى‪ M‬إلى األمام‬
‫ضربته من األمام فانحنى‪ M‬إلى الوراء‬
‫وحين ضربته من كل الجهات‬
‫ارتفع‪.‬‬

‫الطريق إلى البيت‬

‫هذه هي الدرب التي توصل إلى بيتي‪ ،‬قال‬


‫ومشى‬
‫يتبيَّن خطواته من قمر بعيد‬
‫يتبيَّن دربه من ذكرى‪M‬‬
‫يشم رائحة زهور‪M‬‬
‫وأحياناً ُّ‬
‫كانت على جانبي الطريق‪ M‬إلى بيته‪.‬‬

‫قال هذه هي الدرب ومشى‬


‫حين يظهر القمر يخطو‪ M‬خطوة‬
‫وحين يحجبه الغيم يضيع‪،‬‬
‫لكن هذه هي الدرب‪ ،‬قال‬
‫ورائحة الزهور التي في ذاكرتي ستدلُّني‬
‫ومشى‬
‫ومشى‬
‫ومشى‪.‬‬

‫حقول في الرأس‬

‫لديه تبغ وخمر‪ M‬لهذه الليلة‬


‫فيا للسالم في قلبه!‬

‫صب كأساً َّ‬


‫ولف سيجارة وراح‬ ‫َّ‬
‫إلى الحقول‬
‫يزرع تبغاً ويقطّر‪ M‬عنباً‬
‫ويوزع‪ M‬لضيوف‬
‫ّ‬
‫يدقّون على بابه‪.‬‬

‫لديه تبغ وخمر‪ M‬وال يحتاج إلى أكثر‬


‫كي يشعر بسالم‬
‫ويخترع حقوالً‬
‫ويحضر‪ M‬ضيوفاً‪.‬‬
‫ُ‬

‫يده‬

‫تذريها الريح إن َعلَت‬


‫يده ّ‬
‫وإ ن انخفضت يخفيها التراب‬

‫يد عالقة في جسد‬


‫عليه أن يلحق بها‬
‫وال يعرف إلى أين تذهب‪.‬‬
‫للريح أطفال أيضاً‬

‫للريح أطفال أيضاً‬


‫تشرذمهم‪ M‬على امتداد عبورها‬
‫وتتركهم‪ M‬وحيدين‪.‬‬

‫للريح أطفال على الطرقات‪M‬‬


‫هالميون‪ ،‬عراة ويتامى‪M‬‬
‫ّ‬
‫للمارة كي يروهم‬
‫يلوحون َّ‬ ‫ّ‬
‫هباءهم‬ ‫َّ‬
‫عل نظرات العابرين تكسو َ‬
‫فتصير‪ M‬لهم أجساد‬
‫وي َر ْون‪.‬‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫أخفض الصوت‬

‫الصوت أرجوك‪M‬‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫أخفض‬
‫أريد أن أسمع السكون ماذا يقول‬
‫ربما يقول‪ :‬تعا َل‬
‫وأريد أن أتبعه‪.‬‬

‫رأيت السنونوة؟‬
‫هل َ‬
‫رأيت السنونوة ؟‬
‫َ‬ ‫هل‬
‫ُّ‬
‫أظنها ستعبر من هنا‬
‫ت ريش يشبهها‬
‫على جسدي َنَب َ‬
‫نبتت سنونوات‪ M‬تريد رفيقاً‬
‫ْ‬
‫وال تحطُّ على غصن حين تطير‪.‬‬

‫من أخذ النظرة؟‬

‫من أخذ النظرة التي تركتُها‪ M‬أمام الباب قبل أن أنام؟‬


‫النظرة التي‬
‫طوال الليل‬
‫حاولت أن أخلق لها عيناً‪.‬‬
‫ُ‬

‫نظرة بال عين أتت‬


‫ووقفت على بابي‬
‫ْ‬
‫في قلبي أحداق كثيرة لعيون‬
‫نبشتُها حدقة حدقة‬
‫ولم أجد عيناً لهذه النظرة‪.‬‬

‫نظرة غريبة أتت في الليل‬


‫ونامت أمام الباب‬
‫وفي الفجر‬
‫عيني‬
‫َّ‬ ‫فتحت‬
‫ُ‬ ‫حين‬
‫غابت‪.‬‬

‫ذكرى ماء‬

‫بين الماء وبينه ذكرى نهر‬


‫ذكرى وديان كثيرة‬
‫ٍ‬
‫وبحر شاسع‪.‬‬

‫بين الماء وبينه ذكرى حقول‬


‫ذكرى شجر وعشب وتراب‬
‫وفالَّحين‬
‫ترتطم معاولهم‪M‬‬
‫في قلبه‪.‬‬

‫بينه وبين الماء سطوح من تراب‬


‫وقرويُّون يحدلون السطوح‬
‫بينه وبين الماء‬
‫سطوح بيوت بعيدة‪.‬‬

‫بين الماء وبينه سماء‬


‫هطلت فجأةً‬
‫ْ‬
‫وتركت في قلبه بحاراً‬
‫ْ‬
‫تركت سفناً‪ ،‬أسماكاً في ِشباك صيَّادين‬
‫ْ‬
‫ميتة‬
‫تركت أسماكاً صغيرة ّ‬
‫ْ‬
‫تعود إلى الشاطىء‪.‬‬

‫ال ِ‬
‫ترم شيئاً في القمامة‬

‫ليست ثمرة يابسة هذه التي رميتَها في القمامة يا وديع‬


‫بل هي قلب‬
‫قلب كان معلَّقاً في شجرة‬
‫تأتي العصافير‪ M‬وتنقد منه‬
‫ويمتص رحيقه‬
‫ُّ‬ ‫يأتي النحل‬
‫يسرح عليه النمل‬
‫حتى يبس‬
‫وسقط على التراب‪.‬‬

‫ال ِ‬
‫ترم شيئاً في القمامة يا وديع‬
‫قد يكون ما ترميه رفيقاً يريد أن يبقى معك‬
‫ُّ‬
‫التحدث إليك‬ ‫قد يكون فماً يريد‬
‫ال ِ‬
‫ترم شيئاً‬
‫قد يكون ما ترميه‬
‫قلبك‪.‬‬

‫ضجيج‬

‫في قلبه ضجيج‬


‫َّ‬
‫كأن مسافرين يحتفلون في حافلة‬
‫في قلبه‬
‫وال يعرف حافلة وال مسافرين‬
‫وال يدري‬
‫َّ‬
‫أن في قلبه طريقاً‪.‬‬

‫ضجيج ضجيج‬
‫ٌ‬
‫كأن شاحنة تتسلَّق جباالً‬
‫َّ‬
‫في قلبه‪.‬‬
‫خطوة واحدة‬

‫خطوة واحدة بعد‪ ،‬قال‬


‫ألرى ماذا وراء هذا الجبل‬
‫خطوة واحدة تكفي‬
‫وصلت‬
‫ُ‬ ‫ألنني تقريباً‬
‫تقريباً سأرى‪.‬‬

‫خطوة واحدة‪ ،‬قال‬


‫كي أنتهي من مشي سنوات‬
‫من رغبة سنوات‬
‫في رؤية ماذا وراء جبل‪.‬‬

‫خطوة واحدة‬
‫واحدة فقط‬
‫كان عليه أن يمشيها بعد‬
‫كي يرى‪.‬‬
‫للدم شتاء أيضاً‬

‫للدم شتاء أيضاً‬


‫وإ الَّ من أين ُّ‬
‫كل هذا النهر؟‬
‫للدم غيوم ملبَّدة ومطر‬
‫وج ْرف‬
‫ُ‬
‫ُج ْرف كاسح في العروق‪M‬‬
‫وعلى األرض‪.‬‬

‫ضفاف كانت هنا‬


‫ٌ‬
‫ومقاعد على الضفاف‬
‫يغني‬
‫وعلى الشجرة عصفور كان ّ‬
‫وعجوز على مقعد‬
‫كان يصغي إليه‪.‬‬

‫غرق‬

‫ماء‬
‫ق ً‬ ‫َدلَ َ‬
‫ماء كثيراً‬
‫ً‬
‫وغرق في الماء‪.‬‬
‫َّ‬
‫ظن روحه قماشة‬
‫وأراد أن يغسلها‪.‬‬

‫مرةً قال‬

‫مرةً قال‪ :‬ليس للمساء إخوة‬


‫ومشى كثيراً‬
‫في الشوارع‪ ،‬في الدروب المقفرة‪ ،‬في الغابات‬
‫كي يجلب أخاً للمساء‪.‬‬

‫المساء بال أخ ومشى‪M‬‬


‫ُ‬ ‫قال‬
‫المارة‬ ‫ِّ‬
‫محدقاً في َّ‬
‫ِّ‬
‫محدقاً في الشجر‬
‫ِّ‬
‫محدقاً في التراب‬
‫ِّ‬
‫محدقاً في المساء الذي‬
‫نام وحيداً‪.‬‬

‫حجر‬

‫ال يعرف كيف رصفت ُّ‬


‫كل هذه البلدان في قلبه‬ ‫ُ‬
‫وليس لديه غير بيت صغير‪M‬‬
‫وحجر‪.‬‬

‫من بلد إلى بلد‬


‫من ريح إلى ريح‬
‫وال يعرف كيف في هذا الهبوب‬
‫ال تزال عيناه تحمالن‬
‫حجراً‪.‬‬
‫أريد لحظة بعد‬

‫سمعتُه‬
‫نعم سمعتُه هذا الجرس ُّ‬
‫يدق في رأسي فأَوق ْفه‬
‫أريد أن أنام‪.‬‬

‫أَوقف الجرس أرجوك‬


‫أريد لحظة بعد‬
‫أودع الذي زارني في الحلم‬
‫كي ّ‬
‫وكي أشكر لحافي‪.‬‬

‫يافطات‬
‫يافطات كثيرة على الطرقات‬
‫يافطات ُّ‬
‫تدل إلى مدن‬
‫يافطات ُّ‬
‫تدل إلى شوارع‪M‬‬
‫يافطات ُّ‬
‫تدل إلى مصانع‪ ،‬إلى مؤسسات‪ ،‬إلى دكاكين‪ ،‬إلى بيوت‪...‬‬
‫يافطات كثيرة مألى بأسماء‬
‫ويمشي‬
‫باحثاً عن يافطة‬
‫فارغة‪.‬‬
‫قُ ْل للعابر أن يعود‬
‫نَس َي هنا ِظلَّه‬

‫(‪)2012‬‬

‫الطريق‬

‫‪...‬وحين نأى هدأت الريح‪.‬‬


‫كان في العاصفة‪ .‬مقتلَعا ً مخلَّعا ً مشلَّعاً‪ .‬رأسه في مكان‪ ،‬يده في مكان‪ ،‬قلبه في مكان‪ ،‬وعبثا ً ح اول‬
‫جمع أعضائه‪.‬‬
‫لم يكن له اسم‪ .‬س َّماه بعضهم "منحرفاً" ألن ال طريق له‪ ،‬وس َّماه بعض هم "هابّ اً" ألن ال مقع د ل ه‪،‬‬
‫ألن ك َّل شظيَّة منه في مكان‪ .‬ك انت ل ه أس ماء كث يرة اس تحال جمعه ا في‬ ‫وس َّماه بعضهم "غباراً" َّ‬
‫اسم‪ .‬كانت له أسماء كثيرة‪ ،‬ولم يكن له اسم‪.‬‬
‫ّ‬
‫متكس رة‬ ‫الذي بال اسم كان في العاصفة وكانت ت رتطم ب ه طي ور ميْت ة تحمله ا الري اح وغص ٌ‬
‫ون‬
‫وجم ٌع مرتجف ال يعرفه‪.‬‬
‫سمع أصواتا ً تصرخ‪" :‬أيها العالم ! أيها العالم !"‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ولمس ْته جموع‪ ،‬لمسه العالَم‪ ،‬ولم تخرج منه أيَّة ق َّوة‪.‬‬
‫لم يكن ه و الس يّد‪ ،‬لم يكن ه و المص طفى‪ .‬ك ان المرتج فَ مثلهم في ال ريح‪ .‬وبالك اد خ رج من ه‬
‫جئت ألنقض‪ ،‬بل أنا النقصان واألنقاض والنقيض"‪ .‬وضيَّع صوته‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫جئت ألُكمل وال‬
‫ُ‬ ‫صوت‪ " :‬ما‬
‫ولم يبحث عنه‪ ،‬وال بحث عنه أحد‪.‬‬
‫الذي لم يكن سيّداً‪ ،‬وبال اسم وال صوت‪ ،‬كان يتحدث فقط في قلبه‪.‬‬
‫َّ‬
‫قال أنا بال اسم كي أك ون ك َّل األس ماء‪ ،‬وبأعض اء متن اثرة في ك ل مك ان كي تك ون ك لُّ األمكن ة‬
‫ي أنا أيضا ً أن أجيب؟ وإن كب ا ك ائن في أي مك ان‪،‬‬ ‫مكاني‪ .‬إن نادى أح ٌد أحداً‪ ،‬أينما كان‪ ،‬أليس عل َّ‬
‫أال يجب أن يكون مني شيء هناك كي أحنو عليه؟‬
‫قال أنا الكائن هناك‪ ،‬وأنا المن ادي هن اك‪ ،‬وأن ا المجيب والح اني‪ .‬والغص ن المنكس ر أم امي ك ان‬
‫ضلعا ً مني والطير الميْت المرتطم بي كان بعض حي اتي‪ .‬ك ل الغص ون في الش جر هي ض لوعي‬
‫أيض اً‪ ،‬والطي ور على األرض وفي الج ّو إخ وتي‪ .‬واألحج ار‪ ،‬هن ا وهن اك‪ ،‬عظ ا ٌم لي لم يكتم ل‬
‫نموها‪ ،‬فهل أتن َّكر لعظامي؟‬
‫ُّ‬
‫هبَّ المنح رف ح امالً مع ه الش جر والطي ور والعظ ام‪ .‬ال إلى أرض‪ ،‬ال إلى مك ان‪ .‬هبَّ إلى‬
‫الشساعة‪ ،‬إلى كل األمكنة‪ ،‬محموالً بالعاصفة‪ ،‬وحامالً السكينة‪ :‬س كينة الش جر إذ يمتلئ ب التراب‪.‬‬
‫العظم إذ يفرغ من الجسد‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫سكينة الطير إذ يمتلئ بالفضاء‪ .‬سكينة‬
‫هبَّ عاصفاً‪ ،‬لكن أينما عصفت الريح به كانت السكينة في قلبه‪.‬‬
‫مثلهم‪ ،‬نعم‪ ،‬كان مرتجفاً‪ ،‬لكنَّه ح َّول االرتجاف إلى سكينة‪ .‬ففي أمكنة هناك ك ان ه دوء‪ ،‬وش ظاياه‬
‫التي هناك جلبت الهدوء إلى شظاياه التي هنا‪.‬‬
‫ك ال يراه أحد‪ ،‬يجعل المقيمين هناك هنا‪ ،‬والمقيمين هنا هناك‪.‬‬ ‫ثمة ْ‬
‫سل ٌ‬
‫وهو كان هنا‪ ،‬ومقيما ً هناك‪ .‬وكان هناك‪ ،‬ومقيما ً هنا‪.‬‬
‫تدع النب َع يغفو‪ .‬رُشَّ على وجهك من مائه قليالً فيص حو‪ .‬وتص حو مع ه الجب ال والودي ان ال تي‬ ‫ال ِ‬
‫أوصلته إليك‪.‬‬
‫ُخ ِذ القطرة بيدك فيصحو الغيم وتصحو السماء‪.‬‬
‫وإن رأيتَ سحْ لية ال تنهرْ ها‪ ،‬اتبعْها‪ ،‬فقد تأخذك إلى الكنز‪ .‬كلُّ ما تبحث عن ه ه و ال ش يء‪ ،‬س وى‬ ‫ْ‬
‫و ْكر السكينة‪.‬‬
‫ً‬
‫ورش م اء على وجه ه‪ .‬رشَّ غيم ا‪ ،‬رشَّ س ماء‪ .‬وض اع وجه ه في الفض اء‬ ‫ًّ‬ ‫ض َع ي ده في النب ع‬‫َو َ‬
‫وانتظر نقطة‪ ،‬كي تعيد وجهه إليه‪.‬‬
‫ثمة أكثر من وجه في الغيمة‪ .‬ثمة أكثر من غيمة في الوجه‪.‬‬
‫وحاول أن يرى‪.‬‬
‫ير‪ .‬نظر إلى تحت‪ ،‬ولم ي َر‪ .‬وحين أغمض عينيه رأى‪ :‬سحْ لية ميْتة‪.‬‬ ‫نظر إلى فوق‪ ،‬ولم َ‬
‫كان ذلك في الماضي البعيد‪ ،‬حين كان نبع وش جر وغيم وس ماء وأرض‪ .‬ك ان ذل ك في الماض ي‪،‬‬
‫حين كانت عيون‪.‬‬
‫وحين كان للسحْ لية و ْكر‪.‬‬
‫كان ذلك حين كانت دروب‪ ،‬وحين كان يمكن أن ينح رف المنح رفُ عنه ا‪ .‬وحين ك انت غص ون‬
‫األشجار ضلوعاً‪ ،‬والمنكسر منها‪ ،‬حتى في غابات األمازون‪ ،‬عظامك‪.‬‬
‫كان ذلك في الماضي البعيد‪ ،‬الذي لم يكن‪.‬‬

‫هبَّ "الهابُّ " واصطدمت به جموع‪ ،‬ولم يلتفت إليه أحد‪ .‬لم يس أله أح د س ؤاالً‪ ،‬ال عن المحب ة‪ ،‬ال‬
‫عن الزواج‪ ،‬ال عن األوالد‪...‬لم يكن المصطفى وال السيّد‪ ،‬وال سفينة له وال هيكل وال تالميذ‪ .‬ول و‬
‫أن الهبوب يجرف ك َّل شيء‪ ،‬األسئلةَ‬ ‫سألوه ما كان سيجيب‪ .‬لم يكن يعرف جواباً‪ .‬كان يعرف فقط َّ‬
‫واألجوبة والكالم‪ ،‬ويصمت‪.‬‬
‫ْ‬
‫وسقطت ورقة من شجرة أمامه‪ .‬انتظ َر‪ ،‬ع َّل ال ريح‬ ‫كان طفالً في حقل حين هبَّت عليه أ َّول ريح‪،‬‬
‫تعود‪ ،‬وتعيد الورقة إلى الشجرة‪.‬‬
‫ثم رأى الشجرة كلَّها تهوي‪.‬‬
‫ي حقل‪.‬‬ ‫ثم لم يعد يرى أ َّ‬
‫وما بقي للبستان ّي أن يفع ل غ ير ج ْم ع األوراق وكس ور الش جر‪ .‬م ا بقي للبس تان ّي أن يفع ل غ ير‬
‫إحراق بستانه‪.‬‬
‫وتيقَّن‪ ،‬حينذاك‪ ،‬أن ما يراه في البعيد‪ ،‬أن ما يسعى إليه‪ ،‬هو الدخان‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫لكن‪ ،‬في ذاك الدخان ورق وش جر‪ .‬في ذاك ال دخان حق ول‪ .‬في ذاك ال دخان ه و حين ك ان طفالً‪،‬‬ ‫ْ‬
‫وهو حين كبر‪ ...‬إنه‪ ،‬اآلن‪ ،‬في ذاك الدخان‪.‬‬
‫إنه هناك‪ ،‬في الدخان الذي يراه في البعيد‪.‬‬
‫إن لم يكن‬ ‫ك معه أيضا ً ناسٌ هناك‪ .‬فالناس ليسوا هنا وهو ليس هنا‪ .‬فأين يكون وأين يكونون ْ‬ ‫وال ش َّ‬
‫هناك؟‬
‫ولكن‪ ،‬أين الهناك؟‬ ‫ْ‬
‫ً‬
‫الناس والحقول في كأسك واشربْهما‪ .‬وصُبَّ نفسك أيضا واشربْها‪.‬‬ ‫َ‬ ‫صُبَّ‬
‫صُبَّ الناس والحقول ونفسك في عينيك واغمضهما‪ ،‬وإال يض يع الن اس وتض يع الحق ول وتض يع‬
‫أنت‪.‬‬
‫صُبَّ الدخان‪.‬‬
‫وقلْ للسحْ لية التي ماتت قبل أن تصل إلى وكرها‪ :‬ال كنز في الوكر‪.‬‬
‫أغان على الغصون‪ ،‬فلع َّل األشجار تغنّي‪.‬‬‫ٍ‬ ‫وافرشْ شريط‬
‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫رأيت أوراق ا تص فق‪ ،‬وغص ونا تطل ع من الرم اد‪ ،‬وت رقص‪ ...‬هن اك‪ ،‬في‬ ‫ُ‬ ‫رأيت شجراً يفتح فمه‪.‬‬
‫ُ‬
‫البعيد‪ ،‬حيث كان يستلقي قلبي‪.‬‬
‫أريد قدما ً لهذا القلب‪ .‬هذا القلب يريد أن يرقص مع الشجر‪.‬‬
‫التراب في شرايينك واختر ْع قدماً‪ .‬صُبَّ ترابا ً واختر ْع شجراً ورقصاً‪.‬‬
‫َ‬ ‫صُبَّ‬
‫فإن تر َّمد الشجر‪ ،‬قد تبزغ نبتة من ترابك‪ .‬قد تبزغ شجرة‪.‬‬ ‫ً‬
‫صُبَّ ترابا‪ْ .‬‬
‫ُّ‬
‫وإن خلوتَ من شريط غناء‪ ،‬قد يأتي عصفور يحط عليها‪ ،‬ويغنّي‪.‬‬ ‫ْ‬

‫بعضهم س َّماه "المنحرف"‪ .‬بعضهم س َّماه "الغبار"‪ .‬وبعضهم س َّماه "الماحي"‪...‬‬


‫محا "الماحي" قدمه ومضى بال قدم‪.‬‬
‫لم تكن هناك طريق‪ .‬استنسخَ من حذائه طريقاً‪.‬‬
‫لم يكن هناك شجر‪ .‬استنس َخ من ضلوعه جذوعا ً وأغصاناً‪ .‬ومن أنفاسه استنس خ ريح ا ً عائ دة‪ ،‬كي‬
‫تعيد الورقة إلى الشجرة‪.‬‬
‫ألن الريح لم تَعُد ولم تُ ِعد الورقة إلى غص نها‪...‬‬
‫حين رأى الريح تُسقط الورقة أمامه انتظر وبكى‪َّ ،‬‬
‫ألن دموعه لم تكن حينذاك مطراً‪ ،‬فلع َّل الورقة كانت شربت قبل أن تموت‪.‬‬ ‫ويحزن اآلن َّ‬
‫ق ميْت‪.‬‬ ‫صُبَّ دمعا ً في كأسك صُبَّ مطراً على ور ٍ‬
‫صُبَّ شجراً‪ ،‬من ضلوعك‪.‬‬

‫استنس َخ طريقا ً من حذائه‪.‬‬


‫وطوى الطريق‪ ،‬طيَّة طيَّة‪ ،‬ووضعها في جيبه‪.‬‬
‫وصار‪ ،‬عوض أن يمشي على الطريق‪ ،‬يمشي في ثنايا ردائه‪.‬‬
‫لم تكن هناك طريق‪ ،‬وال حذاء له وال ثوب‪ .‬لكن قال ذلك كي يكون له مشي‪.‬‬
‫لم يكن له شيء‪ .‬كان له القول فقط‪ .‬كان له القول‪ ،‬والمشي في القول‪.‬‬
‫وقط َع الدروب كلَّها مشيا ً على الكالم‪.‬‬
‫تلفظ الكلمة األخيرة‪ ،‬ال تقلْ الكلمة التي في آخر الطريق‪ .‬قد يس معها أح د في أ َّول الطري ق وال‬ ‫ال ِ‬
‫يعود يمشي‪.‬‬
‫ُّ‬
‫ش عليها‪ .‬هكذا يخف ح ْملك‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫وإذ تطوي الطريق وتضعها في جيبك‪ ،‬تيقن أن ال أحد ما ٍ‬
‫وهكذا ال تزعج الماشين‪.‬‬
‫وإن أردتَ رفيقاً‪ ،‬فأيُّ رفيق أعز من وحدتك؟‬
‫ُّ‬ ‫ْ‬
‫امش على اللهاث الذي يخرج من فمك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫امش على الكالم‪.‬‬‫ِ‬
‫وسترى في لهاثك طريقاً‪ ،‬وشجراً أيضا‪ً.‬‬
‫امش على الطريق المطويَّة في جيبك‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫امش في ثنايا ردائك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬
‫بين لهاثك وثوبك طريق‪ ،‬ويمكنك أن تمشي عليها العمر كله‪.‬‬

‫ال َمقعد‬
‫مشى ناظراً إلى فوق‪ ،‬إلى الغيم الذي يعبر‪ ،‬وقال في قلبه‪ :‬إنهم يعبرون أيضا ً هناك‪.‬‬
‫هناك أيضا ً فوق من يمشي‪ ،‬وال مقعد له‪.‬‬
‫ولكن من هم هؤالء الذين طلعوا من ماء ويمشون فوق؟ ال ش َّ‬
‫ك بينهم أنفاسُ غرقى‪.‬‬
‫ُم َّد نظرةً إليهم‪ُ ،‬م َّد كرسيّاً‪ ،‬فلعلَّهم متعبون‪.‬‬
‫مشى خافضا ً رأسه‪ .‬ال يريد أن يرى أنفاس غرقى في الفضاء‪ .‬مش ى خافض ا ً رأس ه‪ ،‬وانتاب ه حُبٌّ‬
‫هائل للتراب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ما في قلبي على األرجح هو تراب إذا وليس دما‪ ،‬قال‪ ،‬ومشى‪.‬‬

‫ْ‬
‫ابحث في التراب حبَّةً حبَّة‪ ،‬قد تجد نفسك‪ ،‬أو على األق ّل قطعةً منك‪.‬‬
‫قد تجد قطعة من أجدادك‪ ،‬ومن أحفادك الذين لم يولدوا بعد‪.‬‬
‫ابحث في التراب قد ترى أصدقاء‪ ،‬وقد تتع ًّرف إلى نا ٍ‬
‫س ال تعرفهم‪.‬‬ ‫ْ‬
‫انبشْ التراب الذي في قلبك‪ ،‬ستجد كثيرين م دفونين هن اك‪ ،‬ينتظ رون أن يص ل ِمعْول ك إليهم كي‬
‫يحيوا‪.‬‬

‫تعب وأراد أن يجلس‪.‬‬ ‫َ‬


‫كفم‬
‫ٍ‬ ‫رة‬ ‫ثغ‬ ‫ذو‬ ‫ر‬ ‫حج‬ ‫ه‪.‬‬ ‫نفس‬ ‫يندب‬ ‫ر‬‫و‬‫َّ‬ ‫مك‬ ‫حجر‬ ‫يمشي‪.‬‬ ‫أن‬ ‫يريد‬ ‫مستطيل‬ ‫ر‬
‫ٌ‬ ‫حج‬ ‫أحجار‪.‬‬ ‫الطريق‬ ‫على‬
‫يريد أن يقول شيئاً‪ .‬حجر مائل يستنجد بحجر آخر‪...‬‬
‫أحجار في جوفها شرايين‪ ،‬في جوفها دم‪ ...‬هل يجلس على دم؟!‬
‫ابسط نظرتك على األرض واجلسْ عليها‪.‬‬ ‫ْ‬
‫استرحْ في عينيك‪.‬‬
‫في العيون مقاعد‪ .‬اسحبْ كرسيّا ً من عينك واقع ْد عليه‪.‬‬
‫قديماً‪ ،‬م َّر متعبون كثيرون وقعدوا في عينه‪ .‬استراحوا قليالً من سفر طويل‪ ،‬ثم تابعوا المشي على‬
‫نظرته‪.‬‬
‫ً‬
‫من محجرها وتصير طريقا‪ .‬وحين يتعب الماشون‪ ،‬كان‬ ‫العينُ‬ ‫في ذاك الوقت كان يمكن أن تخرج‬
‫يمكن أن تعود إلى محجرها وتصير بيتا‪ً.‬‬
‫كان يمكن تلك العين أن تؤوي آالف المتعبين‪ ،‬وآالف الضالّين‪ ،‬في محجره ا الص غير‪ ،‬وأن تق ّدم‬
‫لهم طعاما ً وشرابا ً من شرايينها التي ال تُرى‪.‬‬
‫األحجار ليست مقاعد‪ ،‬وعلى حوافي العين رمل‪ ،‬قد يكون من الدموع‪ .‬من دم وع المتع بين ال ذين‬
‫يمشون ك ًّل حياتهم وال يجدون مقعداً‪.‬‬
‫تابع المشي‪ .‬ال تجلسْ على رمل‪ .‬ال تجلسْ على دمع‪.‬‬ ‫هيَّا‪ِ ،‬‬
‫وافترضْ أخذتَ كرسيّا من عينك وجلست‪ .‬أليس كلُّ الذين تنظر إليهم يجلسون علي ه؟ فه ل تجلس‬‫ً‬
‫على جالسين؟!‬
‫امش‪ ،‬ال مقع د ل ك في‬
‫ِ‬ ‫ً‬
‫هم أخذوا المقعد قبلك‪ .‬فبمج ّرد أن نظرتَ إليهم صار المقعد في عين ك لهم‪.‬‬
‫عينك وال مقعد لك على الطريق‪.‬‬
‫امش‪.‬‬
‫ِ‬
‫َّ‬
‫عابر آخر‪ ،‬فلعلك تقعد وتستريح فيها‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫عينُ‬ ‫إليك‬ ‫تنظر‬ ‫أن‬ ‫وانتظرْ‬

‫العيون أيضا ً‬

‫يعبرون‪ ،‬أفراداً وجموعاً‪ ،‬وال أحد ينظر إليه‪.‬‬


‫إن لم تحطَّ على ناس؟!‬ ‫ُّ‬
‫تحط النظرة ْ‬ ‫إلى أين تذهب نظراتهم‪ ،‬ال يعرف‪ .‬أين‬
‫أن من ُّ‬
‫يئن هناك هي العيون‪.‬‬ ‫يسمع أنينا ً تحت األقدام‪ .‬ويعتقد َّ‬
‫انتشل العيونَ من التراب وضعْها على الغصون‪ ،‬فاألشجار تريد أيضا ً أن تنظر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫انتشلها وضعْها على الحجارة‪ ،‬فربما الحجارة تريد أن تمشي وينقصها النظر‪ ،‬أو على األق ّل تري د‬ ‫ْ‬
‫أن ترى من يقعد عليها‪.‬‬
‫ليس عدالً أن ال يكون للنظرات مكان‪.‬‬
‫ليس عدالً أن ال تعرف العيون إلى أين تذهب نظراتها‪.‬‬
‫وإن احترتَ إلى أين ترسل نظرة فضعْها على الطريق‪ .‬قد يمرُّ أعمى ويكون في حاجة إليها‪.‬‬
‫قال هذا والجموع تعبر وال أحد يلتفت إليه‪.‬‬
‫نظرات‪ ،‬يتيمة‪ ،‬في فضاء فارغ‪.‬‬
‫تمنَّى لو يخلق لها أباً‪ ،‬أ ّماً‪ ،‬أخاً‪ ،‬رفيقا‪...‬‬
‫ً‬
‫ير رحْ ماً‪.‬‬
‫نظ َر‪ ،‬ولم َ‬
‫ير‪.‬‬
‫نظ َر‪ ،‬ولم َ‬
‫كأنه كان هو العابرين‪.‬‬
‫ومثلهم لم يعرف إلى أين تذهب نظرته‪.‬‬

‫الظ ّل‬
‫ِ‬
‫ك ِظالًّ هنا فيه لهاثه‪.‬‬
‫اخرجْ وقُلْ للعابر أن يعود‪ .‬تَ َر َ‬
‫ظ ٌّل فيه شوارع‪ .‬فيه مسافات‪ .‬فيه جبال ووديان وذكريات‬
‫وفيه ناسٌ علقوا به وهو يعبر في محاذاتهم‪.‬‬
‫َم َّر على الحدائق‪ ،‬وصار فيه زهور‪َ .‬م َّر في الشوارع‪ ،‬وصار في ه ن اس‪َ .‬م َّر في اللي الي‪ ،‬وص ار‬
‫فيه قمر‪َ .‬م َّر في النهارات‪ ،‬وصار فيه شمس‪َ .‬م َّر على المقابر‪ ،‬وصار فيه موتى‪.‬‬
‫وناس ظلّه‪ ،‬وقمر ظلّه‪ ،‬وشمس ظلّه‪ ،‬وموتى ظله‪...‬‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫قلْ للعابر أن يعود ويجمع زهور ظلّه‪،‬‬
‫قلْ له َّ‬
‫إن الحدائق‬
‫والقمر‬
‫والشمس‬
‫واألحياء والموتى‬
‫في ظلّه‪.‬‬

‫لهاث العابر‬
‫وبعضه شارداً في الفضاء‪.‬‬
‫َ‬ ‫ترك العابر بعض لهاثه مم َّدداً على الدروب‪،‬‬
‫ٌ‬
‫لهاث يطأ عليه المارَّة‬
‫ولهاث يجهد كي يصير غيمة‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫ترك العابر لهاثا ً يمشي في الشوارع مع األقدام‪ ،‬أو يصير تحتها ترابا ً‬
‫ولهاثا ً يمشي مع الهواء‪ ،‬يرتطم بأشجار وبنايات‪ ،‬بقطارات وسفن‪ ،‬يعلو ويهبط‪ ،‬يهبط ويعل و‪ ،‬وال‬
‫يصير غيمة‪.‬‬

‫انحرف عن الطريق‪ .‬لهاثك فيه ناسٌ فال تد ْع أقداما ً تطأ عليهم‬


‫ْ‬
‫ْ‬
‫تترك لهاثك فيها فيشرد‪.‬‬ ‫ْ‬
‫وانحرف عن الفضاء‪ .‬للفضاء رئة شاردة ال‬

‫امش كأنك ميْت‬


‫ِ‬ ‫امش ْ‬
‫كأن ال لهاث لك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فال يشرّد الفضا ُء لهاثك‬
‫وال أحد يطأ عليه‪.‬‬

‫الذي غرق‬
‫الذي غرق في الماء صار سحابة‬
‫ثم نزل قطرةً قطرة‬
‫والسابحون في البحر يسبحون فيه‪.‬‬

‫النائمون على الحافَّة‬


‫النائمون على الحافَّة جميلون‬
‫ال النهار لهم وال الطريق‬
‫ليس عليهم أن يروا وال أن يمشوا‬
‫النائمون على الحافَّة‬
‫وصلوا‪.‬‬

‫كانت على الطرقات شاحنات تص ُّم اآلذان‬


‫وشوارع ومفارق يدورون فيها عميانا ً‬
‫كانوا يبحثون عن مكان‪ ،‬ال إشارة له‬
‫يبحثون عن طريق‪ ،‬ال مفرق لها وال عالمة‬
‫فناموا على الحافَّة‬
‫ووصلوا‬
‫في نومهم‪.‬‬

‫دقُّوا على بابه وقالوا‬


‫دقُّوا على بابه وقالوا‪ :‬نحم ل ل ك ش فاء م دى الحي اة‪ ،‬وأبدي ةً أيض اً‪ ،‬ال تغل ق الب اب‪ ،‬دعن ا ن دخل‬
‫ونعطك الدواء‪.‬‬
‫ِ‬
‫أن شفاءه وخلوده موصولين بغرباء مارّين في هذا الشارع‪.‬‬ ‫ما كان يعرف َّ‬
‫أن شفاءه وخلوده ر ْهن طرق ٍة على الباب‪.‬‬ ‫ما كان يعرف َّ‬
‫في بيتي موتى كثيرون‪ ،‬قال‪ ،‬ومرضى كثيرون‪ .‬هل يكفي دواؤكم ك َّل هؤالء؟‬
‫لم يغلق الباب‪ .‬كانت في الحوض زهرة فنظر إليها‪ ،‬وإلى ورقة يابسة‪.‬‬
‫ينظرون إليه‪ ،‬وينظر إلى الورقة والزهرة‪.‬‬
‫يتكلمون‪ ،‬والزهرة والورقة صامتتان‪.‬‬
‫ولم يكن يسمع كالما ً بل صمتاً‪.‬‬
‫ثم أقفل الباب‬
‫وعاد إلى مرضه‬
‫وموته‪.‬‬

‫انظر إلى الجبل‬


‫ْ‬
‫انظرْ إلى الجبل‪ ،‬حيث يستلقي خروف خرج اليوم من عينك ونام هناك‬
‫خروف ُولد تحت جفنيك‪ ،‬من لقاح أضواء غريبة‬
‫وأكل عشبا ً كثيراً كان يطلع من قلبك‪.‬‬

‫وناج الخروف‬
‫ِ‬ ‫انظرْ إلى الجبل‬
‫وم ّس ْد صوفه بنظراتك‬
‫ً‬
‫وإن يبس العشب هناك أوصلْ شرايينك بتراب الجبل‪ ،‬واطع ْمه عشبا من قلبك‪.‬‬ ‫ْ‬
‫انظرْ إلى الجبل‪ .‬و ُد َّل الذئاب إلى طريق أخرى ال تمرُّ أمام خروفك‬
‫نائ ٌم وصغير‬
‫فد ْعه ينم‪.‬‬

‫انظرْ إلى الجبل‬


‫وال تد ْع نظرتك تذهب إلى هناك من دون أن تح ّملها طعاما ً‬
‫إلى العصفور الذي كان في صدرك‬
‫ارسلْ له قمحاً‪ ،‬من دموع تجفَّفت وصارت حبوبا للعصافير‬
‫ً‬
‫وارسلْ للنحل زهوراً‪ ،‬كانت حدقات‬
‫وللشجر جذوراً‪ ،‬كانت شرايين‪.‬‬
‫انظرْ‬
‫إلى الجبل‪.‬‬

‫النسائم التي م َّرتْ‬


‫النسائم التي مر ْ‬
‫َّت في رئتيه كانت لها أسماء‬
‫أسما ُء مد ٍن وقرى وشوارع وصحارى وغابات‬
‫وأسما ُء ناس‬
‫يتنفَّسون بقربه‪.‬‬

‫أمكنة كثيرة في رئتيه‬


‫وناسٌ كثيرون‬
‫دخلوا مع الهواء ثم غابوا‬
‫وما تنفًّسه‬
‫كان غيابهم‪.‬‬

‫ما في صدره كان رئات العابرين‬


‫ولم يكن يتنفَّس الهواء‬
‫بل العبور‪.‬‬

‫ير الغزالة‬
‫الذي مات ولم َ‬
‫الغزالة ستأتي إلى النبع‪ ،‬قال مراراً‬
‫الغزالة ستخرج من رأسي وتشرب‬
‫لم يعد في رأسي ماء‬
‫فاخرجي يا غزالة‪.‬‬

‫انتظ َر الغزالة ستين عاما ً على النبع‬


‫أراد فقط أن يراها‬
‫هذه التي جالت طويالً في خياله و َرعَتْ‬
‫عشب رأسه‪.‬‬
‫َ‬

‫النائم على الرصيف‬


‫النائم على الرصيف يفتح عينيه بين وقت وآخر‬
‫يح ّدق بي‬
‫ويتمتم‪ :‬أال تعرفني؟‬
‫كنت أمشي؟‬ ‫ألستَ أنا حين ُ‬
‫ألم نعبر األرض معاً؟ مرَّات على األقدام ومرَّات في سهونا عن األرض؟‬
‫ألم نغرق في النهر معاً؟‬
‫رفعت أقدا َمنا عن األرض وغي ْ‬
‫َّرت ُوجهاتنا؟‬ ‫ْ‬ ‫والنمال التي كانت على الدروب‪ ،‬كم مرَّة‬

‫أنظ ُر إلى النائم على الرصيف‬


‫وال أعود أمشي‬
‫ي‬
‫وينظر النائم على الرصيف إل َّ‬
‫ويعود إلى النوم‪.‬‬

‫يبحث عن خشب‬
‫ْ‬
‫دخلت دروب كثيرة في عروقه وسالت مع دمه‬
‫ْ‬
‫دخلت جبال‪ ،‬وسالت‬
‫في دمه طوفان‬
‫ويبحث في عروقه عن خشب‬
‫كي يبني سفينة‪.‬‬

‫الرحلة‬
‫ق في صدره‬ ‫ض َع الطري َ‬
‫َو َ‬
‫ومشى عليها طوال العمر‪.‬‬
‫اذهب إلى الغابة‬
‫ْ‬
‫اذهبْ مع الهواء إلى الغابة‬
‫نِ ْم على ورقة‪ ،‬ادخلْ في أريج زهرة‪ ،‬واذهبْ مع النسيم إلى الغابة‬
‫الطير الذي م َّر أمام بيتك ولم تطعمه‬
‫إن كان مات‬‫إن كان جائعاً‪ْ ،‬‬
‫تفقَّ ْده ْ‬
‫تفقَّ ِد األشجار التي قلتَ إنها ضلوعك‬
‫و ُع َّد كم منها انكسر‬
‫وتفقَّ ْد مجرى النهر الذي حفرتَه في خيالك كي تسقيها‪.‬‬

‫اذهبْ إلى الغابة‬


‫أكيد هناك من هو في انتظارك‬
‫ربما غصن يريد أن يراك‬
‫ربما عشبة تريد أن تتح َّدث إليك‬
‫استلق على نسمة‬
‫ِ‬
‫نِ ْم على ورقة‬
‫واذهب إلى الغابة‪.‬‬

‫كلمة فقط‪ ،‬أو إشارة‬


‫كلمة‪ ،‬كلمة فقط‬
‫أو إشارة‬
‫تموجات الصوت‬ ‫ً‬
‫كي أرى بيتا في ُّ‬
‫و َمقعداً في عروق اليد التي تلوّح‪.‬‬

‫كلمة أو إشارة‬
‫كي يقعد هذا الحشد الواقف في قلبي‪.‬‬

‫كيف؟‬
‫كيف للسابح أن يصل‬
‫غرق؟‬
‫والبحر يَ َ‬
‫غيوم‬
‫في عيونه غيوم‬
‫ويح ّدق في األرض‬
‫علَّها تمطر‪.‬‬
‫برقَّة من يحمل طفالً‬
‫برقَّة من يحمل طفالً‬
‫يحاول أن يجعل ذراعه نسمة‪.‬‬
‫الحطب في نزهة‬
‫َ‬ ‫ُخذ‬
‫ض ْع يدك في يد الحطب المحروق‬
‫ْ‬
‫وخذه في نزهة‬
‫ْ‬
‫خذه إلى الغابة كي يرى أهله‬
‫كي يرى أوالده الذين ُولدوا بعد رحيله‬
‫ْ‬
‫ض ْع يدك في يد الحطب المحروق وخذه إلى النهر‬
‫يريد أن يشرب‪.‬‬

‫ق على بابه‬
‫الرياح تد ُّ‬
‫ق على بابه‬‫الرياح تد ُّ‬
‫كي تسأل ربما لماذا تأ َّخر اليوم عن الهبوب معها‪،‬‬
‫كان تقريبا ً هواء‬
‫كان تقريبا ً رياحا ً‬
‫ال مكان له غير الهبوب‬
‫وال رفيق‬
‫ال الشجر ال الحجر ال التراب‬
‫كان تقريبا ً رفيق الفضاء‬
‫الفارغ‪.‬‬

‫ق الرياح على بابه‬ ‫تد ُّ‬


‫على باب قلبه الذي خلعته الرياح‬
‫ْ‬
‫ودخلت‬
‫ولم تج ْد أحدا‪ً.‬‬

‫تحاول أن ترفع يداً‬

‫للطريق رئة‬
‫وعيون‬
‫ودقَّات قلب‪.‬‬
‫للطريق دقَّات قلب مت َعبة‬
‫ورئة‬
‫مألى بغبار الدعسات‬
‫وعيون‬
‫تنظر إلى الماشين عليها وتدمع‬
‫تحت أقدامهم‪.‬‬

‫للطريق رئة ُّ‬


‫تئن تحت ثقل الخطى‬
‫وعيون تفقأها األقدام‬
‫وذراع مكسورة‬
‫ومع ذلك تحاول أن ترفع يداً‬
‫كي تحيّي العابرين‪.‬‬

‫ال‬
‫ق على الباب‬‫ال تد َّ‬
‫امش‬
‫ِ‬
‫ق على الباب أيضا ً‬
‫َمن في الداخل يد ُّ‬
‫وال أحد يفتح له‪.‬‬

‫رفاق‬
‫لديك ما يكفي من ذكريات‬
‫كي يكون معك رفاق على هذا الحجر‬
‫اقع ْد‬
‫و َسلِّه ْم بالقصص‬
‫فهم مثلك شاخوا‬
‫وضجرون‬
‫قُصَّ عليهم حكاية المسافات‬
‫التي مهما مشت‬
‫تبقى في مكانها‬
‫الجن الذي يلتهم أطفال القلب‬‫ّ‬ ‫أخبرْ هم عن‬
‫عن القلب الذي مهما َحبِ َل‬
‫يبقى عاقراً‬
‫ح ّد ْثهم عن العشب الذي له عيون‬
‫وعن التراب األعمى‬
‫عن الرياح التي كانت تريد أن تقول شيئا ً‬
‫ولم تقلْ‬
‫وعن الفراشة البيضاء الصغيرة التي دقَّت على بابك في ذاك الشتاء‬
‫كي تدخل وتتدفأ‪.‬‬

‫لديك رفاق على هذا الحجر‬


‫ال تد ْعهم يضجرون‬
‫أخبرْ هم عن الخراف التي بال ٍ‬
‫راع‬
‫وعن الراعي الذي بال خراف‬
‫والخراف التي تعرف الطريق‬
‫ِ‬ ‫عن الراعي الذي ض َّل‬
‫أخبرْ هم حكاية الذئب‬
‫وحكاية القبَّرة‬
‫وحكاية الغول‬
‫وإن لم يكن لهؤالء حكايات فاختر ْعها‬ ‫ْ‬
‫اختر ْع حكايات‬
‫اختر ْع ذئابا ً وجنّا ً وخرافا ً ورعيانا ً وفراشات‬
‫رفاقك مثلك شاخوا‬
‫ويقعدون على حجر صغير‬
‫اختر ْع لهم مسافات‪.‬‬

‫سفَ ٌر مع الدخان‬
‫في الرقم عشرة من شارع "لوريكيت" في سيدني‬
‫أد ّخنُ اآلن سيكارة وأقول‪:‬‬
‫فعلت عمالً رائعا ً اليوم‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ونظرت إلى الدخان‪.‬‬ ‫أخرجت من فمي دخانا ً‬
‫ُ‬

‫الدخان عم ٌل جميل‬
‫وعم ٌل جميل هو النظر‬
‫وأنا لد َّ‬
‫ي كالهما‪ ،‬فيا لجمال حياتي!‬

‫ُ‬
‫ظننت أن الفم موقدة مطفأة‬ ‫كنت مخطئا ً حين‬
‫ُ‬
‫أو فقط للكالم‬
‫وأن النظر ليس إنجازاً رائعا‪ً.‬‬
‫ُ‬
‫اعتقدت أني‬ ‫كنت مخطئا ً حين‬ ‫ُ‬
‫في هذه الغرفة الضيّقة‬
‫ليس في وسعي أن أنتشر في كل الشارع بدخاني ونظراتي‬
‫ومخطئا ً كذلك‬
‫ي‬‫حاولت أن أنزع ذراع َّ‬ ‫ُ‬ ‫حين‬
‫وأضع مكانهما ريشا ً‬
‫كي أصير عصفوراً‬
‫وأن أنزع بعد ذلك الريش‬
‫كي أصير نسيماً‪.‬‬

‫كان يمكنني أن أفعل ك َّل ذلك‬


‫في الدخان الذي يخرج من فمي‬
‫وفي النظرة التي تتبع الدخان‪.‬‬

‫كأنَّ‬
‫في رأسي غيم‬
‫َّ‬
‫كأن رأسي يريد أن يمطر‬
‫كأن ترابا ً في رأسي عطشان‬‫َّ‬
‫كأن بالداً في رأسي ال يصل إليها المطر‬ ‫َّ‬
‫كأن في رأسي مسافرين عطاشى‬ ‫َّ‬
‫وسنونوات‬
‫تريد أن تشرب‬
‫َّ‬
‫كأن فالَّحين تفقدوا أباريقهم‬ ‫َّ‬
‫ووجدوها فارغة‬
‫كأن بحراً في مكان ما َّ‬
‫جف‬ ‫َّ‬
‫وأسماكه تبحث عن ماء‬
‫َّ‬
‫وكأن المسافة‬
‫بين الرأس واألرض‬
‫تتطلَّب نهراً في الرأس كي تُ ْعبَر‪.‬‬

‫كان‬
‫كان بو ّدي أن أكتب أغنية‬
‫كي يتسلَّى بها المسافرون في الطريق الطويل‬
‫المسافرون الضجرون من السفر‬
‫ومن الطريق‪.‬‬

‫كان بو ّدي أن أُوصل المسافرين إلى محطَّاتهم‬


‫ت يقطع المسافات عنهم‬ ‫بصو ٍ‬
‫وهم نيام‪.‬‬

‫كان بو ّدي أن أكتب أغنية‬


‫أن أجد كلمات‬
‫تقتل الضجر‬
‫كلمات‬
‫تقتل الطريق‬

‫رغبة‬
‫في فمي رغبة مالحة‬
‫وال أعرف كيف أبصقها‪.‬‬
‫إنْ مشيتَ أو قعدتَ‬
‫الماء أعلى من الرصيف‬
‫إن مشيتَ‬‫ْ‬
‫أو قعدتَ‬
‫ستغرق‪.‬‬

‫ير طريقاً‪ ،‬لم يق ْل كلمة‬


‫لم َ‬
‫كلُّ ما رآه كان مشهداً واحداً‪ :‬قلبه‬
‫مسافة طويلة‬
‫طويلة ولم تكن‬
‫غير دوران في قلبه‪.‬‬

‫جاءت الريح وأخذته وهو جالس في قلبه‬


‫لم ي َر طريقا ً‬
‫لم يقلْ كلمة‬
‫بحث عن طريق‬ ‫َ‬
‫عن كلمات‬
‫عن عيون‬
‫وذهب أعمى‬‫َ‬
‫وصامتا‪ً.‬‬

You might also like