You are on page 1of 3

‫الحملة العثمانية على العراق ‪941‬هـ ‪1534 -‬م‬

‫كان نصوح أفندي السالحي‪ ،‬الشهير بمطراقي زاده‪ ،‬فارسا ً ومؤرخــا ً ورحالــة‪ ،‬رافق‬
‫السلطان سليم األول في حملته على الشام ومصر ‪/927 – 926‬ـ ‪1517 – 1516‬م‪،‬‬
‫كما رافق السلطان سليمان القانوني في حمالته على العراق‪ ،‬والدولة الصفوية بإيران‬
‫‪1536 /943‬م‪ .‬وعرف عنه تسجيل وقائع الحمالت العسكرية التي شارك فيها‪.‬‬

‫وبصــفته مؤرخـا ً عثمانيـا ً «رســميا ً» فقد ذكر أن الســلطان القــانوني قد انتــوى دخــول‬
‫العــراق من أجل إبطــال محــاوالت الشــاه طهماسب ابن إســماعيل الصــفوي‪ ،‬لنشر‬
‫المذهب الشيعي في العراق بدالً من المذهب السني‪.‬‬

‫رسم مؤرخنا صور حية لتحرك موكب الجيش العثماني تحت قيادة سليمان القــانوني‪،‬‬
‫وكبـار قادته واألعيــان‪ ،‬وكتــائب الخيالــة‪ ،‬حيث خـرج الجميع من اســكدار عــبر آســيا‬
‫الصغرى‪ ،‬مــروراً بســيواس و أرزنجــان‪ ،‬حــتى وصل المــوكب العثمــاني إلى تــبريز‬
‫حيث أمر الســلطان بنصب خيمته األرجوانيــة‪ ،‬وبــدأ أمــراء المنــاطق المجــاورة في‬
‫إعالن والئهم للعثمانيين‪.‬‬

‫بعد ذلك توجه الجيش العثماني إلى همذان وجبال قره خان التي وصفها مطراقي زاده‬
‫بأنه «ال يمكن اجتيازها إال بشق األنفس‪ ،‬فقد كانت كل صخرة تشبه رأس غول‪ ،‬وكل‬
‫عين ماء فيها تحاكي عين ثور»‪.‬‬

‫وعلى رغم ذلك فقد نجح العثمانيون في تسلقها واجتيازهــا‪ ،‬وبلغ ذلك الشــاه طهماسب‬
‫فجمع كبار دولته وقادته ليستثير حماستهم ويحذرهم من العثمانيين‪ .‬غير أن مطــراقي‬
‫زاده‪ ،‬المؤرخ الرسمي للعثمانيين‪ ،‬ذكر أنهم جاوبوه بأن ال قبل لهم بالسـلطان سـليمان‬
‫القــانوني‪ ،‬األمر الــذي لم يعجب الشــاه فــدعاهم إلى إبــداء الجلد والشــجاعة‪ ،‬قبل أن‬
‫يتحرك بجيشه إلى منطقة قريبة من همذان‪.‬‬

‫تحرك السلطان العثماني نحو همذان‪ ،‬ليجد الشــاه الفارسي قد فر بقواته إلى أصــفهان‪،‬‬
‫ثم إلى منطقة سهل علي‪ ،‬ففضل العثمانيون قضاء الشــتاء في همــذان‪ ،‬قبل التوجه إلى‬
‫بغداد‪.‬‬

‫عندما بلغت أســماع محمد خـان أمـير بغـداد من قبل الشــاه الصـفوي‪ ،‬اقــتراب جحافل‬
‫العثمانيين‪ ،‬سارع بتقديم فروض الطاعة والوالء‪ ،‬وعلى رغم قبول السلطان القــانوني‬
‫ذلك‪ ،‬فـإن هـواجس الخـوف من انتقــام العثمـانيين راودت محمد خـان‪ ،‬فاســتقر عزمه‬
‫على الفرار برفقة جنوده من بغداد إلى البصرة‪ ،‬ومنها إلى مقر الشاه طهماسب‪.‬‬

‫على أية حال‪ ،‬تقــدم العثمــانيون إلى بغــداد‪ ،‬حيث وصل الســلطان وقادته عند ضــريح‬
‫اإلمــام أبي حنيفة النعمــان في ربيع اآلخر ‪ 941‬تشــرين األول (أكتــوبر) ‪1534‬م‪.‬‬
‫وعندما حل الربيع‪ ،‬شرعت القوات العثمانية في حمالت تأديب لفلول القــوات الموالية‬
‫للشاه الصفوي‪.‬‬

‫على أن مطــراقي زاده يخبرنا أن الســلطان ســليمان القــانوني أمر كــذلك برفع حــال‬
‫الطوارئ في أرجاء الدولة العثمانية كافة‪ ،‬وخصوصا ً في المواني البحرية‪ .‬إلى درجة‬
‫انه أمر خـــير الـــدين قائد األســـطول العثمـــاني بـــالبحر المتوسط «بمراقبة الســـفن‬
‫اإلفرنجية»‪ .‬إذ كــان يخشى من أن يــؤدي التحــالف بين الصــفويينـ والقــوى األوروبية‬
‫باألخيرة إلى مهاجمة المواني واألراضيـ العثمانية‪.‬‬

‫ولم يكتف سليمان القانوني بذلك‪ ،‬بل أرسل إلى أحمد خـان حــاكم األقــاليم العثمانية في‬
‫هنغاريا ورومانيا بسرعة إرسال الجنــود لمســاندة حملته ضد الصــفويين‪،‬ـ كما لم ينس‬
‫تذكيره بإعداد الطبول والفرق الموسيقية لالحتفال بالنصر العثماني المرتقب‪.‬‬

‫ويصف مطــراقي زاده بالتفصــيل دخــول الســلطان العثمــاني إلى بغــداد‪ ،‬حيث هب‬
‫المشايخ والزهاد والعلماء والسادات واألشراف لمقابلته وكـذا سـكان المدينة «كالسـيل‬
‫الجارف»‪ .‬بمجرد دخول سليمان القانوني إلى بغداد‪ ،‬ارتفعت الخطبة وضربت السكة‬
‫باسمه‪ ،‬وجرى إبطال القوانين الصفوية السابقة كافة‪ ،‬ثم بدأ القــانوني زيــارة أضــرحة‬
‫ومدافن الشيوخ والعلماء قبل أن يتوجه لزيارة مقــام اإلمــام الحســين (رضي هللا عنه)‪.‬‬
‫ولدى عودته إلى بغداد‪ ،‬استقبل رسل محمد باشا أمير ديار بكر الذين أفادوا بأن الشــاه‬
‫الصــفوي قد شن هجومه على تــبريز وســلطانية و همــذان‪ .‬فاتحه الجيش العثمــاني‬
‫لمحاربته بــالقرب من أربيــل‪ ،‬حيث تمكن من القبض على أميرها الكــردي أردشــير‬
‫الذي كان مواليا ً للشاه طهماسب‪.‬‬

‫بعد ذلك أرسل الســـلطان العثمـــاني للشـــاه الصـــفوي رســـالة تهديد فحواها انه قـــادم‬
‫لالســتيالء على أقاليمه وضــمها لدولة العثمــانيين‪ .‬كما أرسل إلى ســليمان باشا والى‬
‫مصــر‪ ،‬الــذي خــرج بعــده آالف من المحــاربين لالنضــمام إلى ســليمان القــانوني في‬
‫العراق‪.‬‬

‫بدأت جحافل العثمانيين في مطاردة الشاه طهماسب‪ ،‬الذي لم يجد مفراً من الهرب إلى‬
‫تبريز‪ ،‬وهناك أخذ – من دون جــدوى – في حث أمرائه وقادته على ضـرورة الثبــات‬
‫في وجه العثمــانيين‪ .‬وبعــدما وجد منهم انصــرافا ً عن ذلــك‪ ،‬لجأ إلى محاولة اســتخدام‬
‫الخــداع والحيلة مع الســلطان العثمــاني‪ ،‬فتظــاهر باألسف وطلب الرحمــة‪ ،‬وأرسل له‬
‫رسالة يدعو فيها إلى إقرار الصــلح بين الصــفويين والعثمــانيين‪ ،‬على أن تظل عــراق‬
‫العجم (كرمنشــاه‪ ،‬همــذان‪ ،‬الــري‪ ،‬أصــفهان) تحت ســيطرته‪ ،‬وأن يســتحوذ الســلطان‬
‫العثماني على عراق العرب (أرض السواد)‪.‬‬

‫غير أن سليمان القانوني‪ ،‬الذي كان يدرك قوته‪ ،‬ويــدرك أن الــدائرة دارت على الشــاه‬
‫الصفوي‪ ،‬رفض ذلك العرض‪ ،‬عاقداً العزم على مطاردته والتخلص منــه‪ ،‬خصوصـا ً‬
‫بعد أن قام األخير بإعمــال القتل في تجــار مدينة تــبريز الــذين تعــاملوا مع العثمــانيين‪.‬‬
‫وهكــذا اســتمرت مطــاردة طهماسب من تــبريز إلى وان‪ ،‬غــير أن الشــاه الصــفوي‬
‫وأعوانه حققوا نصراً كبيراً على قوة عثمانية مطاردة في مضيق حــيران بــالقرب من‬
‫قلعة واستان‪.‬‬

‫استشاط السلطان سليمان القانوني غضبا ً لهزيمة قواته‪ ،‬وقــرر إرســال قــوات عثمانية‬
‫إلى واستان‪ ،‬غير أن حلول الشتاء دفعه إلى ترك قوات كافية لمطاردة الشاه وحصاره‬
‫الــذي تقوضت أركــان دولتــه‪ ،‬بينما عــاد الســلطان العثمــاني بقواته إلى ديــار بكــر‪،‬‬
‫وبحسب مطــراقي زاده‪ ،‬فقد خــرجت من هنــاك البيانــات العســكرية العثمانية الــتي‬
‫أفاضت في ذكر االنجــازات العســكرية لهــذه الحملــة‪ ،‬كما جــرى تكــريم قــادة الجيش‬
‫العثماني‪ ،‬ووزراء السلطان‪.‬‬

‫قبل أن يعود السلطان سليمان القانوني إلى بغداد لتأكيد الســيطرة العثمانية عليها‪ .‬وبعد‬
‫أن نجحت الحملة العثمانية في إقصـــاء الشـــاه الصـــفوي طهماسب عن بغـــداد‪ ،‬وعن‬
‫الكثير من المدن واألقاليم التي نجح العثمانيون في ضمها‪ ،‬قفل سليمان القانوني عائــداً‬
‫إلى اسطنبول مفضالً عدم مطاردة الشاه في األراضي اإليرانية‪.‬‬

‫وفي النهاية‪ ،‬فــإن كتابــات نصــوح الســالحي أو مطــراقي زاده تكتسب أهمية تاريخية‬
‫فائقة لكونه شاهد عيان على الحرب العثمانية الصفوية في العراق ‪941‬هـ ‪1534 -‬م‪،‬‬
‫األمر الـــذي جعله يـــذكر كل تفاصـــيل رحلة الجيش العثمـــاني منذ تحركه من منطقة‬
‫اسكدار (أمام اسطنبول) مـروراً بمـدن آسـيا الصــغرى وشـمال الشــام والعـراق حــتى‬
‫بغداد‪ ،‬ثم عودة الجيش العثماني مرة أخرى في اسكدار‪.‬‬

‫ولم يكتف مطــراقي زاده بــذلك‪ ،‬بل وصف بالتفصــيل تحــرك الجيش العثمــاني بين‬
‫المــدن‪ ،‬وكــذا المســافات الموجــودة بينهــا‪ ،‬فض ـالً عن شــرحه التضــاريسـ كافة الــتي‬
‫شاهدها‪ .‬وعلى رغم كونه مؤرخا ً «رسميا ً» بالغ في مدح السلطان سليمان القانوني و‬
‫اإلشادة بالجيش العثماني‪ ،‬ومهاجمة الشاه الصفوي طهماسب والمذهب الشــيعي‪ ،‬فــإن‬
‫ذلك كــان ذا فائــدة من ناحية أخــرى‪ ،‬إذ تمكن من االطالع‪ ،‬ومن ثم اإليــراد في كتابه‬
‫للكثير من الرســائل المتبادلة بين العــاهلين العثمــاني و الصــفوي‪ ،‬وهو األمر الــذي لم‬
‫يكن متوافراً في أية مصادر تاريخية معاصرة‪.‬‬

You might also like