1 PDF

You might also like

You are on page 1of 160

‫• رئيس جملس اإلدارة •‬

‫وزير الثقافة‬
‫د ‪ .‬رياض نعسان آغا‬

‫• مدير عام هيئة الكتاب •‬


‫حممود عبد الواحد‬
‫• رئيس التحرير •‬
‫د‪ .‬طالب عمران‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫اهليئة اإلستشارية‬
‫أ ‪ .‬هن������اد ش����ري����ف (م���ص���ر)‬
‫د ‪ .‬حسام اخلطيب ( فلسطني)‬
‫أ ‪ .‬عبد السالم البقايل (املغرب)‬
‫د ‪ .‬اهل�����ادي ع���ي���اد (امل���غ���رب)‬
‫د ‪ .‬ق���اس���م ق���اس���م (ل���ب���ن���ان)‬
‫أ ‪ .‬طية اإلب��راه��ي��م (الكويت)‬
‫د ‪ .‬حم��م��ود ك����روم (س���وري���ة)‬
‫وزارة الثقافة يف اجلمهورية العربية السورية‬

‫د ‪ .‬ك���وث���ر ع���ي���اد (ف���رن���س���ا)‬


‫جملة علمية ثقافية شهرية تصدر عن‬

‫• هيئة التحرير •‬
‫د‪ .‬خملص الريس ‪ -‬د‪ .‬هبجت حممد‬
‫د‪ .‬حامد اإلبراهيم ‪ -‬م‪ .‬لينا كيالني‬
‫أ ‪ .‬علي القاسم‬

‫• أمني التحرير •‬
‫رائد حامد‬

‫• التدقيق اللغوي •‬
‫حممد اخلاطر‬

‫• اإلخراج الفين •‬
‫وسيم قدورة‬

‫سعر النسخة ‪ 50‬ل‪.‬س أو مايعادهلا يف البلدان العربية‬


‫توجه كافة املراسالت واملواد باسم رئيس التحرير‬
‫‪www.moc.gov.sy‬‬
‫‪6‬‬ ‫اخليال العلمي أكثر ألوان األدب إثارةً‬
‫‪18‬‬ ‫اخليال العلمي بني األدب والتاريخ‬
‫‪26‬‬ ‫مفهوم االستشراف السياسي يف روايات اخليال العلمي‬
‫‪30‬‬ ‫البيئة الزمانية واملكانية يف أدب اخليال العلمي‬
‫‪38‬‬ ‫خيال أدب اخليال العلمي العربي‪...‬‬
‫‪44‬‬ ‫رحلة يف عامل كتابة اخليال العلمي‬
‫‪52‬‬ ‫إشكالية العالقة بني العلم واألدب‬

‫‪68‬‬ ‫طيور املوت‬


‫‪86‬‬ ‫يوم يف حياة صحفي أمريكي‬
‫يف العام ‪2889‬‬
‫‪102‬‬ ‫هل كنا نعيش يف املريخ ؟‬
‫‪112‬‬ ‫خطوط التطابق بني اخليال العلمي واالكتشافات العلمية‬

‫هناد شريف يف‬


‫‪120‬‬ ‫(أنا وكائنات الفضاء)‬

‫‪128‬‬ ‫بني العلم ‪ ..‬واخليال‬


‫‪138‬‬ ‫تأمالت يف القصص العلمي وإمكان وحدة املعرفة‬

‫جتربيت مع أدب اخليال‬


‫‪148‬‬ ‫العلمي‬

‫‪156‬‬
‫الشك أن اخليال العلمي هو االبن الشرعي لعصر العلم الذي نعيشه‪ ،‬وقد‬
‫ولدت جذوره األوىل مع خيال اإلنسان اجلامح وأبدع األساطري اليت كان ينسجها‬
‫عن خملوقات قادرة على التحول والتجسد‪ ،‬وهي حتاكي البشر وختتلط هبم‬
‫وتشركهم يف مغامراهتا الساحرة‪ ،‬أساطري من حضارات بالد الشام وبالد مابني‬
‫النهرين ومصر واليونان والرومان واهلند والصني وغريها من احلضارات ‪ ..‬ما‬
‫بني مغامرات (الراميانا واملهابارتا) يف اهلند إىل مغامرات آهلة جيل األوليمب‬
‫اإللياذة واألوديسة إىل رسالة الغفران للمعري وآراء أهل املدينة الفاضلة للفارابي‬
‫إىل (حي بن يقظان) البن طفيل حيث انتشرت السري الشعبية وحكايات ألف‬
‫ليلة وليلة وبدأ أدب السري يأخذ دوره بني الناس من (سرية عنرتة) إىل (سرية‬
‫سيف بن ذي يزن) ومحزة البهلوان والظاهر بيربس وغريها…‬
‫ورمبا كان لوقيانوس السوري أول من حكى قصة خيال علمي‪ ،‬عن حرب تقع بني سكان األرض‬
‫وسكان القمر وتاله بعض املبدعني العرب يف احلضارة العربية اإلسالمية‪ ،‬فحي بن يقظان البن‬
‫طفيل تعد بطريقة أو بأخرى – نوعاً من األدب العلمي الرفيع‪ ..‬إضافة لتجارب أخرى…‬
‫وكتب كبلر (سومونيوم) اليت حتدثت عن رحلة إىل القمر‪ ،‬وحكي فرنسيس بيكون عن (اطالنتيك‬
‫اجلديدة) يف القرن السابع عشر‪ ،‬ويف القرن الثامن عشر ختيل (روبرت بالتوك) رحلة إىل أعماق‬
‫أحد الكهوف يدخل بطلها إىل جوف األرض حيث تعيش خملوقات تشبه البشر تطري بأجنحتها‬
‫الكبرية‪ ،‬ويتزوج من امرأة فتـنجب له مثانية أطفال‪ ..‬وكتب النروجيي (نيل كليم) رحلته أيضاً إىل‬
‫ما حتت األرض ‪ ..‬كما كتب (دانيال فو) روايته (روبنسون كروزوم) اليت تأثر فيها بـ (حي بن يقظان‬
‫البن طفيل) وكتب دانيت (الكوميديا اإلهلية) اليت تأثر فيها برسالة الغفران للمعري‪..‬‬
‫ومل تتأصل هذه احملاوالت إال مع جول فرين الفرنسي الذي يعد الرائد احلقيقي ألدب اخليال‬
‫العلمي‪ ،‬مع (هـ‪.‬ج‪.‬ويلز) اإلنكليزي‪ ..‬كتب فرين روايات كثرية من بينها (هكتور سريفاداك) و (رحلة‬
‫إىل جوف األرض) و (‪ 20‬ألف فرسخ حتت املاء) و (مخسة أسابيع يف منطاد) و (من األرض إىل‬
‫القمر) و (سيد العامل) وغريها‪..‬‬
‫كما كتب ويلز (آلة الزمن) وهي أعظم روايات اخليال العلمي وكتب (الغذاء السحري) و (رجال‬
‫القمر األوائل) و (غزاة املريخ) و (الرجل اخلفي) و (اليوتوبيا اجلديدة) و (طعام اآلهلة) و (حرب‬
‫العوامل) وغريها‪..‬‬
‫يف عصر العلم الذي نعيشه يتحتم علينا أن نوجه الطفل للتعلم اجلاد املنتج والعناية بتثقيفه‬
‫وزير الثقافة‬
‫د‪ .‬رياض نعسان آغا‬
‫العلمي وشحن تصوراته وأفكاره بقصص تتحدث عن إجن��ازات العلم الباهرة‪ ،‬ومستقبله‬
‫املضيء‪..‬‬
‫وتقسم مراحل الطفولة إىل أطوار خيتلف يف تقسيم سنني هذه املراحل علماء النفس‪ ،‬إال‬
‫أن الغالبية تتفق إىل أن الطفل بني الثالثة واخلامسة يتميز خبياله اجلامح املقيد يف البيئة اليت‬
‫حييا فيها‪ ..‬ويقلد بأفعاله من حوله‪ ،‬ويقتبس عنهم أعماهلم وحتركاهتم‪...‬‬
‫أما الطفل بني السادسة والتاسعة فخياله يتجاوز نطاق البيئة اليت حييا فيها‪ ،‬وتبدأ عنده‬
‫مرحلة اإلبداع والرتكيب‪ ،‬أما (ما بني العاشرة والرابعة عشرة) فيكون أقرب للواقع املنظم‬
‫والسلوك املرتبط بالقيم‪ ..‬أما بعد سن اخلامسة عشرة حتى الشباب املكتمل فتسيطر عليه‬
‫أحالم اليقظة وتكون خميلته نابضة متفتحة مبدعة‪.‬‬
‫لذلك فتبعاً ألي سن يؤثر اخليال العلمي يف الطفل‪ ،‬ويعرفه على احلقائق العلمية ويزيد من‬
‫مجوح خياله‪ ..‬فالقصة أو الرواية اخليالية‪ ،‬تعطي الطفل طاقة فعالة يف توسيع آفاق اخليال‬
‫عنده وتدريبه على استخدام خميلته وحتريك عناصرها يف األوقات املناسبة الستغالل إبداعها‬
‫اخلالق‪..‬‬
‫وهي أداة تثقيف ذكية متنح األطفال نظرة أكثر مشولية وتفهماً للعلم وإجنازاته وعطاءاته‪.‬‬
‫إن التخيل هو استحضار صور مل يسبق إدراكها من قبل إدراكاً حسياً كامالً‪ ،‬مثل استحضار‬
‫الطفل صورته لنفسه وهو يقود مركبة فضاء أو يلتقي بكائنات عاقلة من كواكب أخرى أو‬
‫ينتصر على بطل العامل يف املصارعة‪ ،‬أو يلعب يف مباراة حامية بكرة القدم مع فريق عاملي‪.‬‬
‫وغري ذلك من الصور اليت ترتبط بالعوامل اليت يتابعها‪ ..‬وهذا يعين بالطبع أن التخيل هو‬
‫رسم صورة ذهنية حتاكي ظواهر عديدة يف الكون‪ ..‬لذلك فاخليال أكثر صفات اإلنسان ألقاً‪،‬‬
‫واإلنسان كائن خيايل‪ ..‬كلما برع يف التخيل‪ ،‬برع يف االبتكار واالخرتاع‪..‬‬
‫وهذا يعين أن العامل واملخرتع والفنان والكاتب املبدع يف أي جمال هو إنسان يتميز بقدرته‬
‫على التخيل ضمن التفاوت اإلنساني بني شخص وآخر‪..‬‬
‫وأذكر مثاالً على أمهية اخليال العلمي ما قاله اسحق عظيموف وهو حيكي عن أمهية هذا‬
‫النوع من األدب حيث يقول ‪ :‬من بني مائة قارئ للخيال العلمي‪ ،‬مخسني على األقل يهتمون‬
‫بالعلم ويتابعونه‪ ،‬ومن بني هؤالء الـخمسني جند مخسة وعشرين طفالً يتابعون ختصصهم‬
‫العلمي ‪ ،‬عشرة من بينهم يتابعون التخصص العايل‪ ،‬ومن بني هؤالء العشرة ينبغ عامل واحد‬
‫على األقل‪ ..‬إذن من بني كل مئة طفل قارئ للخيال العلمي ‪ ،‬سيأتي عامل واحد على األقل‪،‬‬
‫وهذه نسبة جيدة …‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مولد أدبٍ جديد‪:‬‬


‫تعلمنا – هنا يف مصر‪ -‬من جتاربنا السابقة‬
‫واملتعددة أن األدب احلقيقي هو الذي يتعامل‬
‫مع الواقع املعاش‪ ..‬ويبدع يف نقل مالمح من‬
‫حياة الناس وعالقاهتم وصراعاهتم‪ ..‬ويغوص‬
‫يف أعماق نفسياهتم باحثاً عن اجلوهر‪...‬‬
‫وتعلمنا أي��ض�اً أن األدب امللتزم ه��و ذلك‬
‫ال���ذي يطمح يف تغيري ال��واق��ع حن��و األفضل‬
‫واألحسن‪...‬‬ ‫‪6‬‬
‫ويف أوائل القرن احلايل وخالل ربعه األول‬
‫تعرف البعض منا على نوعية حديثة من األدب‬
‫مسيت (ب��األدب العلمي) لكنه اعتربها نوعية‬
‫هناد شريف‬
‫‪2008‬‬ ‫آب ‪/‬آب ‪/‬‬
‫‪2008‬‬ ‫األول ‪-‬‬ ‫العدد‬
‫األول ‪-‬‬ ‫العلمي ‪/‬‬
‫العدد‬ ‫اخليال‬
‫العلمي ‪/‬‬ ‫اخليال‬
‫األدب اجل��دي��د‪ ..‬اخل��ي��ال العلمي‪ ..‬نستطيع‬ ‫ثانوية‪ ..‬أو هي نوع طارىء وهجني‪ ..‬واليرقى‬
‫أن ن��ع��رف أن األص���ل يف ك��ت��اب��ت��ه ي��رج��ع إىل‬ ‫يف قيمته وأمهيته إىل مستوى األدب احلقيقي‬
‫«اخل��ي��ال»‪ ....‬تلك الكلمة القدمية قدم وجود‬ ‫املتداول‪ ..‬ومن ثم يستحق من قارئه االستخفاف‬
‫اإلنسان على ظهر األرض‪ ..‬فاخليال هو القوة‬ ‫أو هو اليقرأ إال للتسلية‪...‬‬
‫الساحرة اليت رافقت تطور البشرية‪ ..‬دافع ًة‪..‬‬ ‫على أن احلال تبدل مع اقرتاب منتصف القرن‬
‫وم��ف��س��رة‪ ..‬وم��ل��ه��م��ة‪ ..‬إن���ه النسمة احملركة‬ ‫(أي أواخر األربعينيات وإىل أوائل الستينيات)‬
‫ألحاسيس الشعراء والكتّاب‪ ..‬إنه روح الفنون‪..‬‬ ‫فقد مسعنا كلمة (أدب اخليال العلمي) ترتدد‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ووقود ملكة اإلبداع واالبتكار‪ ..‬وبالدرجة اليت‬ ‫وتنتشر كثرياً عرب اإلذاعة والسينما والتلفزيون‪..‬‬
‫يُطلق فيها على اإلنسان أنه كائن خيايل‪....‬‬ ‫وتلح على آذاننا وأبصارنا إحلاحاً منقطع النظري‬
‫ومن اخليال نشأت « األساطري»‬ ‫ويف اي��ق��اع ع��ايل القيمة بالغ اجل��اذب��ي��ة‪ ..‬ثم‬
‫إن اجلذور األوىل لقصص اخليال العلمي»‬ ‫سرعان ما اكتشفنا أن هناك عديداً من مؤلفات‬
‫أو لو قلنا أمناطها املبكرة» إمنا كانت نوعاً من‬ ‫اخليال العلمي جيد أغلبنا (متع ًة يف قراءهتا)‬
‫األساطري‪ ..‬على أن هذه األساطري مل تكن جمرد‬ ‫و(فائدة يف التعرف على ما تطرحه من أفكار‬
‫خياالت وأوهام قصصية‪ ..‬وإمنا عدت حماوالت‬ ‫وتنبؤات وحتذيرات)‪...‬‬
‫جادة من اجملتمعات اإلنسانية القدمية‪ ،‬تفسر‬ ‫وهكذا فإن (أدب اخليال العلمي) هو االسم‬
‫هبا وتقيس عليها‪ :‬ظواهر احلياة والطبيعة‬ ‫ال��ذي يُطلق على نوعية جديدة من األدب‪..‬‬
‫وال��ك��ون‪ ..‬أي أن األس��ط��ورة ك��ان��ت من��ط�اً من‬ ‫الأكون مغالياً حني أصفه بأنه (يف يومنا) يعد‬
‫التفكري العلمي لدى اإلنسان القديم‪ ..‬أدت إليه‬ ‫أكثر ألوان األدب إثارة‪ ..‬بينما يعترب كثريون من‬
‫عوامل( الرهبة من اجملهول) إىل جانب( النزعة‬ ‫نقاده ودارس��ي��ه أن جم��رد ظهور (م��ؤل��ف) من‬
‫امللحة إىل املعرفة)‪...‬‬ ‫اخليال العلمي يف بلد ما إمنا هو خطوة حضارية‬
‫هلذا البلد وتألق لفكره وعقليته العلمية‪...‬‬
‫األساطري العربية‪:‬‬ ‫وها حنن مجيعاً ندرك اآلن أن أدب اخليال‬
‫وكل الشعوب لديها كم هائل من أساطريها‬ ‫العلمي اليقل قيمة عن غريه من األدب‪ ..‬وإذا‬
‫القدمية (قدماء املصريني‪ ،‬اإلغريق‪ ،‬الرومان‪،‬‬ ‫كان هذا األدب هو االبن الشرعي لعصر العلم‬
‫اآلشوريني والبابليني‪ ،‬البوذيني‪ ،‬املايا واألزتك‬ ‫الذي نعيشه ‪ -‬وهو كذلك بالفعل ‪ -‬فمن منا‬
‫واالنكا‪ ..‬وغريهم)‪........‬‬ ‫الينشد الدخول إىل قلب العصر والتمتع بكل‬
‫وحن��ن ال��ع��رب لدينا أس��اط�ير اجلاهلية‪..‬‬ ‫مقوماته؟‪...‬‬
‫وأس��اط�ير ص��در اإلس�ل�ام‪ ..‬وأس��اط�ير العصور‬ ‫ودعوني أذكر لكم بعض األرق��ام على وجه‬
‫اإلسالمية التالية مثل‪:‬‬ ‫التحديد حول ميالد هذا األدب ومدى انتشاره‬
‫رس��ال��ة الغفران (امل��ع��ري)‪ ،‬رس��ال��ة ح��ي بن‬ ‫قبل الدخول يف التفاصيل‪:‬‬
‫يقظان (البن طفيل)‪ ،‬آراء أهل املدينة الفاضلة‬ ‫لقد ولد هذا األدب يف فرنسا واجنلرتا منذ‬
‫(للفارابي)‪ ،‬املقامات (للحريري)‪ ،‬كليلة ودمنة‬ ‫‪ 160‬عاماً‪ .‬وبعدئذٍ عُرف يف أمريكا وروسيا‬
‫(لبيدبا الفيلسوف)‪ ..‬ثم أيضاً قصص أبو زيد‬ ‫منذ حنو ‪ 90‬عاماً‪ .‬أم��ا هنا يف مصر (وقبل‬
‫اهل�لايل‪ ،‬قصص عنرته‪ ،‬قصص سيف بن ذي‬ ‫غريها من ال��دول العربية) فقد كتب منذ ‪30‬‬
‫‪7‬‬ ‫يزن‪ ،‬وقصة األمرية ذات اهلمة‪ ..‬وكذلك واألهم‬ ‫عاماً فحسب‪.‬‬
‫فيما ذكرت أساطري «ألف ليلة وليلة» اجملهولة‬
‫املؤلف أو اليت كتب حكاياهتا أكثر من مؤلف‬ ‫اجلذور األوىل‪:‬‬
‫ومن االس��م األول ال��ذي يطلق على نوعية أغلبهم عرب‪...‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫من خوارق وحتدٍ للمألوف يف الطبيعة‪ ..‬وأيضاً‬ ‫وت��ت��م��ي��ز األس���اط�ي�ر خب��ي��اهل��ا اجل���ام���ح أو‬
‫كوصف للكثري من الرتاكيب شبه الكيميائية‪،‬‬ ‫مايُسمى» بالفانتازيا»‪ ..‬وتتمثل يف حلم اإلنسان‬
‫حملاليل جتلب احل��ب‪ ،‬أو تولد الكره‪ ،‬وأخرى‬ ‫بتجاوز احلواجز الزمانية و املكانية (دون أن‬
‫تؤدي إىل املوت الظاهري‪ ،‬وثالثة تقلب اإلنسان‬ ‫يقوم هذا احللم على أي أسس علمية‪ ،‬رياضية‪،‬‬
‫حيواناً‪ ،‬وهكذا‪...‬‬ ‫أو جتريبية)‪ ..‬كما تتمثل يف خماوفه من تدخل‬
‫ويف ق��ص��ة (ع��ب��د اهلل ال��ب�ري وع��ب��د اهلل‬ ‫ق���وى غيبية يف ح��ي��ات��ه (ك��ال��س��ح��ر واألماكن‬
‫ال��ب��ح��ري) وه��ي م��ن قصص أل��ف ليلة وليلة‬ ‫املرصودة واجلن‪ ،‬وكافة املاورائيات من أشياء‬
‫الشهرية جند وصفاً أخّاذاً ململكة البحار‪ ..‬وما‬ ‫ومسميات)‪...‬‬
‫يزخر به قاع البحر من خملوقات ومن خريات‬
‫وعجائب‪ ..‬فيها اق�تراب البأس به من حقائق‬ ‫ألف ليلة وليلة‪:‬‬
‫علمية عرفناها مؤخراً ملا كان جمهوالً آنذاك‬ ‫إن أدب اخليال العلمي» منذ بداياته األوىل»‬
‫عن قاع البحر وعن أعماقه ومستوياته احلافلة‬ ‫وحتى يومنا احلايل‪ ،‬إمنا هو تعبري عن أحالم‬
‫باألسرار‪...‬‬ ‫البشرية وخماوفها (من اجملهول) وبعدئذ (من‬
‫التقدم العلمي يف شتى صوره)‪...‬‬
‫أول الروّاد‪:‬‬ ‫ويف ك��ت��اب « أل��ف ليلة ول��ي��ل��ة» ع��دي��د من‬
‫األمثلة هلذه األح�لام واملخاوف‪ ..‬يف حكايات‬ ‫‪8‬‬
‫وبعد مرحلة اجل��ذور أو البدايات األوىل‪..‬‬ ‫اجلن والعفاريت‪ ،‬واحلصان الطائر‪ ،‬والبساط‬
‫ال��س��ح��ري‪ ،‬وب��ل��ورة ال��رؤي��ا وط��اق��ي��ة اإلخفاء‪ ،‬ن��أت��ي إىل مرحلة احمل����اوالت امل��ب��ك��رة لكتابة‬
‫ومصباح عالء الدين‪ ..‬ومايشمل عليه ذلك كله مايشبه قصص اخليال العلمي‪ ..‬فنجد كثريين‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫عشر امل��ي�لادي‪ ،‬يف مراكش األندلسية كتابه‬ ‫قد سجلوا حماوالهتم املبكرة‪ ..‬من أبرزهم‪:‬‬
‫(رسالة حي بن يقظان) وهو قصة فلسفية حلياة‬ ‫لوسيان السوري‪:‬‬
‫غالم أرضعته ظبية وعاش وحيداً يف جزيرة‬ ‫وهو رجل عاش يف روما ‪ ،‬يف ق ‪ 2‬م‪ ،‬حمامياً‬
‫َّ‬
‫وظل يتنقل يف تدرج عرب سلم املعرفة‬ ‫نائية‪..‬‬ ‫وخطيباً متجوالً‪ ..‬وقد أ ّلف باليونانية القدمية‬
‫حتى اهتدى بذكائه وفطرته ودق��ة مالحظته‬ ‫كتاباً مسّاه ( قصة حقيقية) ويعترب أول حماولة‬
‫إىل‪ ،‬اإلميان باهلل‪ ،‬خالق اخللق ومصدر الوجود‬ ‫قصصية معروفة للسفر إىل القمر‪.‬‬
‫كله‪.‬‬
‫• أبو نصر حممد امللقب بالفارابي ‪:‬‬
‫• توماس مور ‪:‬‬ ‫وهو فيلسوف عربي كتب يف القرن احلادي‬
‫حمام ومف ِّكر اجنليزي كتب مؤلفه ( يوتوبيا)‬ ‫عشرامليالدي‪ ،‬مؤلفه العظيم ( آراء أهل املدينة‬
‫وعاش ‪ ،‬يف ق ‪ 16‬م‪ ،‬متولياً أرفع املناصب حتى‬ ‫الفاضلة) وه��و فلسفة رفيعة ص��ور هبا دولة‬
‫أصبح كبرياً ألمناء امللك هنري الثامن‪ ..‬لكن‬ ‫مثلى حتقق السعادة والرفاهية لشعبها ومتحو‬
‫رفضه االع�ت�راف بشرعية زواج امللك من آن‬ ‫الشرور بينهم‪ ..‬واملَؤَلف يقوم أساساً على علم‬
‫بولني أدى إىل إعدامه باملقصلة‪.‬‬ ‫ومنطق سليمني‪.‬‬

‫‪9‬‬ ‫• يوهانس كيبلر ‪:‬‬ ‫• أبو بكر حممد بن طفيل ‪:‬‬


‫فلكي املاني ألف‪ ،‬يف ق ‪ ( ،17‬سومينيون)‬ ‫الفيلسوف وال��ط��ب��ي��ب وال��ف��ل��ك��ي واألدي���ب‬
‫والشاعر العربي واملفكر املوسوعي مثله مثل وهي قصة رحلة أخرى إىل القمر تعد أكثر ذكاء‬
‫ليوناردو دافنشي‪ ..‬وأل��ف ‪ ،‬يف القرن الثاني يف وصف القمر‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫• فرانسيس بيكون ‪:‬‬
‫فيلسوف اجنليزي كتب ‪ ،‬يف ق‪ 17‬م‪،‬‬
‫قصته( أطالنتس اجلديدة) وحتدث فيها عن‬
‫جمتمع مياثل جمتمع قارة أطالنتس الغارقة‪.‬‬

‫• روبرت بالتوك ‪:‬‬


‫روائي اجنليزي كتب‪ ،‬يف ق ‪18‬م‪ ،‬روايته(بيرت‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫ويلكنز) وقام فيها برحلة إىل أعماق أحد الكهوف‬
‫وانقاد من خالله إىل عامل باطن األرض احلافل‬
‫بأناسه الطائرين‪ ..‬وهناك تزوج بطل الرواية‬
‫م��ن ي��واروك��ي املخلوقة الطائرة وأجن��ب منها‬
‫مثانية أطفال‪.‬‬

‫• نيل كليم ‪:‬‬


‫مفكر نروجيي كتب كذلك‪ ،‬يف ق ‪ 18‬م‪ ،‬روايته‬
‫(رح��ل��ة نيل إىل ع��امل ماحتت األرض) واليت‬
‫نالت شهرة واسعة وطبعت أكثر من ‪ 60‬طبعة‬
‫وترمجت إىل ‪ 13‬لغة‪ ..‬وقد وصف فيها عامل‬
‫جوف كوكبنا األرض بكائناته الشبيهة بالبشر‬
‫وحبيواناته وطبيعته القاسية رغم مجاهلا‪.‬‬

‫• دانيال ديفو ‪:‬‬


‫ك��ات��ب اجنليزي أل��ف ‪ ،‬يف ق ‪ 18‬م‪ ،‬قصة‬
‫(روبنسون ك��روزو) وقد جاءت ومثلها قصص‬
‫(طرزان‪ ،‬الدجار رايس بوروز) و (رحالت جلفر‪ ،‬الغرابة إىل أسفل سطح البحر بـ ‪ 20‬ألف فرسخ‪،‬‬
‫لسويفت) يف كتبها على منط « رسالة حي بن وحول العامل يف ‪ 80‬يوماً‪ ،‬ثم قادهم إىل سطح‬
‫القمر‪ ،‬وهبط هبم إىل باطن األرض‪ ،‬وتسلل هبم‬ ‫يقظان» البن طفيل‪.‬‬
‫بواسطة غواصته» نوتيليس» إىل أعماق البحار‪،‬‬
‫كما ابتكر على ال��ورق سيارة برمائية طائرة‬ ‫البداية احلقيقية‪:‬‬
‫إن آب��اء قصص اخليال العلمي ومؤسسيه وغائصة يف الوقت نفسه‪.‬‬
‫أم��ا القصاص امل���ؤرخ االجن��ل��ي��زي» ه��ـ‪ .‬جـ‪.‬‬ ‫(مبفهومه املعاصر) مها بال منازع وكما يُجمع‬
‫ويلز» فقد كتب لنا(يوتوبيا جديدة)‪ ،‬واخرتع‬ ‫النقاد‪:‬‬
‫‪ -‬الفرنسي» جول فرين» ( ‪( 77/1905 -1828‬آلة الزمن)‪ ،‬وجعل اإلنسان (خفياً)‪ ،‬كما ذهب‬
‫بدوره ( إىل القمر)‪ ،‬ومشى على ثراه‪ ،‬ثم خاض‬ ‫عاماً)‪.‬‬
‫(غزاة املريخ)‪ ،‬وتصور (جناة‬ ‫‪ -‬االجنليزي» هربرت جورج ويلز» ( ‪ -1866‬حرباً مريرة ضد ُ‬ ‫‪10‬‬
‫‪ 80/ 1946‬عاماً) و ومها يعتربان يف الوقت ك��وك��ب األرض مبعجزة م��ن االرت��ط��ام جبرم‬
‫نفسه معجزة قصاصي القرن التاسع عشر‪،‬وقد مساوي شارد ملتهب) ‪...‬‬
‫ومجلة ال��ق��ول ف��إن «ج��ول ف�يرن ووي��ل��ز» ‪..‬‬ ‫قاد « جول فرين» أبطال رواياته يف رحالت بالغة‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫ومنجزاته ورؤاه املستقبلية‪...‬‬
‫وهكذا وصل أدب اخليال العلمي قبيل احلرب‬ ‫إناخليالالعلمياصطالح‬
‫العاملية الثانية إىل أوج ازده���اره يف الواليات‬
‫املتحدة وأوروبا كما بدأ يتلمس طريقه يف آسيا‬
‫يُطلق على ذل��ك النوع‬
‫عرب الكتّاب الروس‪..‬‬ ‫من األدب الروائي الذي‬
‫غري أن وقع احلرب على املثقفني واألدباء يف‬
‫أحن��اء العامل ك��ان ك��ب�يراً‪ ..‬وتعددت ردود الفعل‬
‫يُعاجل بكيفية خيالية‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫السيما فيما يتعلّق بقدرة العلم على صُنع وسائل‬ ‫م����دروس����ة اس��ت��ج��اب��ة‬
‫الدمار مثل القنبلة الذرية‪ ..‬لكن الدور املهم الذي‬
‫أداه أدب اخليال العلمي بعد احلرب ‪ ،‬من كشف‬ ‫اإلنسان لكافة ماحييطه‬
‫ملخاطر العلم وأضرار التقنية العسكرية واحنراف‬
‫بعض العلماء خ��اص � ًة فيما يتعلق باالبتكار‬
‫م���ن ت���ق���دم وت���ط���ور يف‬
‫الشيطاني من أدوات القتل واإلفناء‪ ..‬هذا الدور‬ ‫العلوم وتقنياهتا سواء‬
‫أع��اد الثقة يف جدية وحيوية اخليال العلمي‪..‬‬
‫وعمل على نشره وهتافت الناس عليه‪...‬‬ ‫أكان يف املستقبل القريب‬
‫وم��ن ثم ع��رف ألول م��رة مايسمى (بأندية)‬ ‫أم البعيد أم البعيد جد ًا‬
‫و(مج��اع��ات) اخل��ي��ال العلمي يف ب��ل��دان أوروبا‬
‫وأمريكا‪.‬‬
‫مفهوم األدب اجلديد‬ ‫وأيضاً كما حيلو لبعض باحثي اخليال العلمي‬
‫تُرى ماهو املقصود بأدب اخليال العلمي ؟‬ ‫أن يضيفوا «ماري شيلي» مؤلفة (فرنكنشتاين)‬
‫إن حضارتنا يف ه��ذا العصر ال��ذي نعيشه‬ ‫و «ادج�����ار أالن ب���و» م��ؤل��ف ق��ص��ص الرعب‬
‫ح��ض��ارة علمية ق��ب��ل ك��ل ش����يء‪ ..‬وق���د قفز‬ ‫املعروف و «ادجار رايس بوروز» مؤلف ( طرزان‬
‫اإلنسان قفزات مهولة يف جماالت التقنية‪...‬‬ ‫ابن الغابة)‪ ..‬يكونون معاً بداية الطريق احملددة‬
‫وإن ماحتقق من تقدم خالل األعوام اخلمسني‬ ‫لفن (( قصص اخليال العلمي)) الراسخ وكما‬
‫األخرية (الميكن حصره)‪..‬كما أن الفنان واألديب‬ ‫هو مؤكد لدينا اليوم‪..‬‬
‫بالذات (ال ميكنه جتاهله)‪...‬‬ ‫أو بعبارة أخ��رى فمع منتصف ال��ق��رن ‪19‬‬
‫ويف مقدورنا أن نقول بال مغاالة إن البشرية‬ ‫امل��ي�لادي‪ ..‬ويف أعقاب النهضة ال�تي شهدها‬
‫أص��ب��ح��ت متتلك اآلن ال��ع��دي��د م��ن األدوات‬ ‫العلم والصناعة يف كافة اجمل���االت‪ ..‬ب��رز إىل‬
‫وال��وس��ائ��ل العلمية ال�لازم��ة لتغيري العامل‪...‬‬ ‫الوجود أدب جديد‪ ..‬هو أدب اخليال العلمي‪..‬‬
‫وخالل مراحل التغيري هذه وحتت أفكار جديدة‬
‫كل اجلدة‪ ،‬تكمن «أمجل الرؤى وأروعها»‪...‬‬ ‫االنتشار السريع‪:‬‬
‫ومن ثمَّ فهل مبقدورنا أن نتبني مفهوماً ألدب‬ ‫وإذا كانت البداية احلقيقية قد عُرفت أول‬
‫اخليال العلمي؟‬ ‫ماعرفت يف فرنسا واجن��ل�ترا‪ ..‬ف��إن الذيوع‬
‫وكي أُجيب على هذا التساؤل فقد اخرتت عدداً‬ ‫اجلماهريي واالزده����ار الفعلي ألدب اخليال‬
‫‪11‬‬ ‫من التعريفات لعدد من الدارسني واملمارسني‬ ‫العلمي قد َّ‬
‫مت مع أوائل الثالثينيات يف الواليات‬
‫لكتابة هذا النوع من األدب‪ ..‬نسرتشد هبا ونبين‬ ‫املتحدة األمريكية‪ ..‬وذلك بظهور حنو ‪ 40‬جملة‬
‫حكمنا النهائي على ضوئها‪...‬‬ ‫متخصصة منها جملة (قصص مذهلة)‪ ..‬واليت‬
‫والتعريف األول م��ص��دره الكاتب والناقد‬ ‫نشرت مئات القصص سنوياً مما تتصل بالعلم‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫األمريكي» ج��ي‪.‬أو‪ .‬بيلي» وحي��دد فيه (أن‬
‫القصة العلمية ترتجم املكتشفات واملخرتعات‬
‫وال��ت��ط��ورات التقنية ال�تي ظهرت‪ ،‬أو القريبة‬
‫الظهور‪ ،‬أو احملتمل ظهورها يف املستقبل البعيد‬
‫إىل مشاكل إنسانية ومغامرات درامية)‪.‬‬
‫والتعريف الثاني للناقد والباحث األملاني‬
‫الدكتور «ي‪ .‬هِنْجر» ويقول فيه (إن اخليال‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫العلمي اص��ط�لاح يُطلق على ذل��ك ال��ن��وع من‬
‫األدب ال��روائ��ي ال���ذي يُ��ع��اجل بكيفية خيالية‬
‫مدروسة استجابة اإلنسان لكافة ماحييطه من‬
‫تقدم وتطور يف العلوم وتقنياهتا سواء أكان يف‬
‫املستقبل القريب أم البعيد أم البعيد جداً‪.).‬‬
‫أما ثالث التعاريف فصاحبه كاتب أمريكي هو‬
‫(جروف كونل َ ِين) والذي قدَّم إحدى جمموعاته‬
‫القصصية قائالً ( إن القصة العلمية ليست‬
‫جم��رد مغامرات مثرية تعاجل الفضاء وعوامله‬
‫القصية‪ ،‬أو الوحوش جاحظة العيون‪ ،‬أو األكوان‬
‫السحرية‪ ،‬أو رؤى املستقبل ومفاجآته‪.‬‬
‫فباإلضافة إىل ذلك كله مما تعاجله بالفعل‬
‫جند أن القصة العلمية تتمتع بغريزة تتعلق‬
‫باألفكار والتساؤالت احلائرة عمّن حييطون‬
‫بنا‪ ،‬بل وتتعلق بالعامل على اتساعه)‪.‬‬
‫على أن الروائي الفرنسي (بيري بنوا) مبدع‬
‫رواية (وازن األرواح) يقول يف حواراته مع أحد‬
‫الصحفيني (إن ال��رواي��ة العلمية ليست فقط‬
‫تلك اليت تتخذ االجنازات العلمية واالخرتاعات‬
‫التقنية مضموناً هلا‪ ،‬وإمنا هناك أيضاً الرواية‬
‫اليت تتعرض ملوقف اإلنسان من اآللة حبكم أهنا‬
‫النتاج املباشر للعلم احلديث‪ ،‬وكذلك الرواية‬
‫ال�تي مت��زج عناصر الطبيعة وق��واه��ا داخل‬
‫نسيجها الفين‪ ،‬فالنوعان األخ�ي�ران يتطلبان‬
‫معرفة شاملة وعلماً واسعاً من املبدع‪ ،‬بنظام‬
‫امليكنة وقوانني الطبيعة واألحياء)‪.‬‬
‫القصة النثرية اليت مل تستطع الظهور يف هذا‬ ‫وأم��ا التعريف اخلامس فصاحبه الروائي‬
‫العامل الذي نعرفه‪ ،‬وإمنا هي تقوم على فرض‬ ‫االجنليزي (كينجز يل آمز) وقد ختصص كذلك‬ ‫‪12‬‬
‫أساسه ابتكارات العلم أو التقنية أو مايُسمى‬ ‫يف دراس���ة اخل��ي��ال العلمي ول��ه كتب ع��دة يف‬
‫بالعلم الكاذب أو التقنية الكاذبة‪ ،‬سواء أكانت‬ ‫جماهلا‪ ،‬أحدها بعنوان (خرائط جديدة للجحيم)‬
‫هذه االبتكارات من صُنع البشر أم من صُنع‬ ‫قال فيه‪ :‬إن القصة العلمية هي ذلك النوع من‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪ ..‬من خالل أحداث درامية)‪.‬‬
‫• وبالتايل فإن أدب اخليال العلمي هو (نوع‬
‫من املزج أو املصاحلة بني األدب وبني العلم‪..‬‬
‫ف��األول قائم على اخليال والثاني قائم على‬
‫التجربة واستقراء الواقع واالنتهاء إىل قوانني‬
‫حمددة)‪.‬‬
‫• ف����أدب اخل��ي��ال ال��ع��ل��م��ي ه��و (ن����وع من‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫التوفيق بني النشاط اخليايل والنشاط العلمي‬


‫لإلنسان)‬
‫إنه أدب ( تصور املستقبل) من وجهات نظر‬
‫خمتلفة واجتهادات منطقية متطورة ‪.‬‬
‫إنه األدب الذي ( حيلم باللحظة اليت ينتصر‬
‫فيها اإلنسان) على الشيخوخة مثالً‪ ..‬ومتى‬
‫يقهر األم��راض‪ ..‬ويتحكم يف التعب‪ ..‬وميحو‬
‫األمل‪ ..‬ويتالفى إض��اع��ة ال��وق��ت يف ال��ن��وم أو‬
‫اجللوس لتناول الطعام أو الذهاب إىل دورة‬
‫املياه ‪.‬‬
‫وه��و األدب ال���ذي خي�ترق ب��اط��ن األرض‪..‬‬
‫ويغوص يف أعماق البحار‪ ..‬ويهزم املسافات بني‬
‫الكواكب والنجوم يف أحناء الكون الالهنائية‪..‬‬
‫ثم يف النهاية يعدنا (عقلياً ونفسياً) الستقبال‬
‫كائنات أكثر رقياً( تفد من عوامل قصية) أو أقل‬
‫رقياً( نذهب حنن إليها) أو قد نتفاهم وإياها‬
‫على البُعد عرب موجات بث السلكية غامضة‪.‬‬
‫‪ -‬يصل أدب اخليال العلمي الفرد مباضيه‬
‫وحاضره ومستقبله‪ ..‬بل ويُطلعه يف حتد على‬
‫ماحييطه م��ن غيبيات وظ��واه��ر مبهمة مثل‬
‫(مايُسمى ب��اخل��وارق) كالتخاطر‪ ،‬واألحالم‪،‬‬
‫والتنبؤ‪ ،‬واالستشفاف أي ال��رؤي��ة ع��ن بُعد‪،‬‬
‫والعالج باللمس‪ ،‬إىل آخره‪.‬‬
‫وأدب اخل���ي���ال ال��ع��ل��م��ي ع��ل��ى ال���رغ���م من‬
‫ت��ن��وع توجيهاته ومت��ي��ز موضوعاته ه��و أحد‬
‫أه��م الوسائل املعينة للعقل على فهم العامل‬
‫واستشراف اجملهول منه‪ ..‬وزيادة وعيه بذاته‬ ‫كائنات من خارج األرض نفسها)‪.‬‬
‫‪13‬‬ ‫ومبوقعه التارخيي واحلضاري‪.‬‬ ‫• وهكذا "وعلى ضوء التفسريات السابقة"‬
‫والتوقع واالحتمال أو مانُطلق عليه (احللم‬ ‫ميكننا أن خنرج مبفهوم صريح ألدب اخليال‬
‫العلمي) ه��و جوهر الكتابة يف جم��االت هذا‬ ‫العلمي‪ ،‬فنقول إن��ه (ت��ن��اول ال��ت��ق��دم العلمي‬
‫األدب‪ ..‬الذي يتنبأ مبا هو آت ليحذرنا منه‪ ،‬أو‬ ‫ومنجزات التقنية وتطورها الصاحل منها والضار‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫يفتت ب��اح��ث ث��ال��ث ال��ت��ف��رع��ات اجل��دي��دة إىل‬ ‫ليزيد جرعة األمل يف مستقبل مشرق نقضي‬
‫تفرعات أصغر وأدق فيقول عن تفرع (رحالت‬ ‫فيه على مشاكلنا وعثراتنا وحنل فيه معضالت‬
‫الفضاء) على سبيل امل��ث��ال (الصعود البالغ‬ ‫حياتنا‪ ،‬أو ليَسْخر من عجزنا وضعفنا وحريتنا‬
‫النأي‪ ،‬أو لدى أطراف الكون السحيقة) أويُقسم‬ ‫أمام عناصرالكون الالمتناهية وأسراره املرتاكمة‬
‫(خملوقات الفضاء) إىل املخلوقات املماثلة‬ ‫واليت كلما توصلنا حلل العديد منها فوجئنا أننا‬
‫لتكوين بشر األرض أو القريبة التكوين منهم أو‬ ‫مل منس غري القشور وإن ماتبقى من أبواب‬
‫املختلفة التكوين عنهم اخل اخل‪...‬‬ ‫مغلقة إمنا حيتاج دهوراً من البحث والفحص‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫غري أن التقسيمات التالية هي األكثر قبوالً‬ ‫والدراسة‪.‬‬
‫م��ن الغالبية واألك��ث��ر اع�تراف �اً يف الدراسات‬ ‫بقي قبل أن ن�ترك موضوع تعريفات أدب‬
‫األكادميية‪ ..‬فأدب اخليال العلمي ينقسم إىل‬ ‫اخليال العلمي وما توصلنا إليه من مفهوم هلذا‬
‫نوعني بارزين من القصص مها ‪:‬‬ ‫األدب‪ ،‬أن نتوقف أمام مالحظتني مهمتني ‪:‬‬
‫أ – اخليال العلمي ( املنضبط) ‪ :‬وهو ذلك‬ ‫أوالً‪ :‬أن القصة العلمية مهما تعلقت بالعلم‬
‫القائم على حقائق علمية ثابتة متتد وتستكمل‬ ‫أو التنبؤ‪ ،‬فهي التستطيع‪ ،‬أو جيب أ ّال تستطيع‪-‬‬
‫عن طريق اخليال القائم على فرضيات مدروسة‬ ‫التحرر من كوهنا يف األصل قصة‪ ،‬مبعنى أنه‬
‫ميكن حتقيقها‪.‬‬ ‫البد من توفر عناصر القصة ابتداءً من احلكاية‬
‫ب – اخليال العلمي (اجلامح أو الفنتازي)‪:‬‬ ‫واحلادثة‪ ،‬إىل الشخصية‪ ،‬حبيث اليكون أي من‬
‫وه��و القائم على ص��ور ورؤى بالغة الشطط‬ ‫هذه العناصر مسطحاً أو ذا بُعد واحد‪ ،‬كما هي‬
‫وال��غ��راب��ة وال�ت�ي الت��ق��وم ع��ل��ى أي فرضيات‬ ‫احلال يف كثري من مناذج القصة العلمية‪ ،‬وكي‬
‫م��دروس��ة وإمن��ا مصدرها احل��دس والتخمني‬ ‫نعطها القدرة على البقاء‪.‬‬
‫واخلرافة واملبالغة واإلثارة وما شابه‪.‬‬ ‫ثانياً‪ :‬إن القصة العلمية إذا جاز أن تتعلق‬
‫جـ ‪ -‬وينقسم اخليال العلمي املنضبط بدوره‬ ‫بالعلم التجرييب أو التطبيقي‪ ،‬فال جي��وز أن‬
‫إىل ع��دد م��ن النوعيات ضمن اإلط���ار نفسه‬ ‫تتحرر من العلم اإلنساني أو مانسميه بالعلوم‬
‫الرئيسي وتتحرك من خالله‪ ..‬مثل‪ :‬اليوتوبيا(أو‬ ‫اإلنسانية أو االجتماعية‪ ،‬ف��إن تعلّق القصة‬
‫املدينة الفاضلة) املستقبلية (وما شكل األشياء‬ ‫العلمية بالعلم التطبيقي وحده يفقدها صلتها‬
‫يف ال��زم��ن ال��ق��ادم)‪ ،‬قصص الفضاء‪ ،‬اخليال‬ ‫باإلنسان من حيث هو كائن اجتماعي يأمل‬
‫السياسي‪ ،‬ال��ك��وارث‪ ،‬اخل���وارق‪ ،‬ال��رح�لات يف‬ ‫ويتأمل ويعمل ويُجرب ويشق طريق حياته بكل‬
‫الزمان واملكان‪ ،‬اآلليون (ال��روب��وت) ‪ ،‬العوامل‬ ‫معطياهتا‪.‬‬
‫اجملهولة (ظاهرة وخفية‪ ،‬على األرض أو بعيداً‬
‫عنها)‪.‬‬ ‫تقسيمات اخليال العلمي‪:‬‬
‫أهداف قصص اخليال العلمي‪:‬‬ ‫إن كتّاب هذا األدب والقائمني على البحث‬
‫إن السؤال الذي يطرح نفسه يف املبدأ هو‪:‬‬ ‫والدراسة يف جماالته الخيتلفون يف شأن من‬
‫ه��ل مي��ك��ن ب��ض��رب��ة واح����دة أن يقضي سيف‬ ‫شؤونه قدر اختالفهم حول تقسيماته‪ ..‬فإذا‬
‫الفناء البتار على البشرية كلها؟ أو معظمها؟‬ ‫اكتفى أحد الباحثني» مثالً» باعتبار (قصص‬
‫وذلك بقيام (حرب نووية) مبحض الصدفة ؟؟‬ ‫الفضاء) واح��دة من نوعيات اخليال العلمي‬
‫واإلجابة لألسف ‪ :‬نعم!!!‬ ‫فإن باحثاً آخر يُقسم ذات النوعية إىل تفرعات‬ ‫‪14‬‬
‫هكذا ن��رى أن��ه يُمكن ع��ن طريق «قصص‬ ‫أكثر ختصصاً مثل (كوارث الفضاء) و ( حروب‬
‫اخليال العلمي» وبأسلوهبا الفعال املشوّق‪:‬‬ ‫الفضاء) و (رح�لات الفضاء) و (مستعمرات‬
‫أن نكشف القناع عن أخطار التقدم العلمي‬ ‫الفضاء) و (خملوقات الفضاء) اخل‪ ...‬يف حني‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫وإمنا له أخطاره يف زمن السلم كذلك (رعب‬
‫التلوث القضاء على عنصر الطبيعة‪ ،‬انتشار‬ ‫م����ن أه��������داف قصص‬
‫اآللة وازدياد البطالة‪ ،‬الضوضاء‪،‬الزحام‪ ،‬ثقب‬
‫طبقة األوزون احلامية‪ ،‬مشكلة ال��ف��وارغ من‬ ‫اخليال العلمي مناقشة‬
‫الزجاجات والعلب والصناديق مقابر السيارات‬ ‫موضوعات حيوية مثل‬
‫القدمية وغريها من العدد املستهلكة؟‬
‫ان��ت��ش��ار أم�����راض احل��س��اس��ي��ة إزاء م���واد‬ ‫(اجل����دي����د يف ال��ط��ب‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ومن أهداف قصص اخليال العلمي مناقشة‬


‫الصناعة‪ ...‬اخل)‬
‫والعالج‪ ،‬تعمري الصحارى‬
‫موضوعات حيوية مثل ( اجل��دي��د يف الطب‬ ‫الرمليــــــــة واجلليدية‪،‬‬
‫والعالج‪ ،‬تعمري الصحارى الرملية واجلليدية‪،‬‬
‫استغالل ث��روات البحار واحمليطات‪ ،‬مشكلة‬ ‫استغالل ث��روات البحار‬
‫ال��ط��اق��ة ‪ ،‬مشكلة ال��ط��ع��ام‪ ،‬م��ام��دى إمكانية‬ ‫واحمليطــــــات‪ ،‬مشكلــــــة‬
‫استعمار الكواكب القريبة ومن ثم استغالهلا‬
‫لفائدة البشر؟)‬ ‫الطاقة ‪ ،‬مشكلة الطعام‪،‬‬
‫وأيضاً حيلو لقصص اخليال العلمي أن تثري‬
‫قضايا بالغة الطرافة مثل (هل توجد خملوقات‬
‫مامدى إمكانية استعمار‬
‫غرينا ب��أحن��اء ال��ك��ون؟ ه��ل مب��ق��دورن��ا جتميد‬ ‫الكواكب القريبة ومن ثم‬
‫البشر؟ هل سيسيطر اإلنسان اآليل على صانعه‬
‫البشري؟ هل تكون سينما املستقبل يف قلب‬ ‫استغالهلا لفائدة البشر؟)‬
‫ذاكرة اإلنسان ؟ و متى يظهر اإلنسان الطائر؟‬
‫واإلنسان األخضر؟ واإلنسان السمكه؟ اخل‪.‬‬ ‫والتقين يف جماالت الفتك والدمار واإلبادة‪.‬‬
‫« إحصائية اليونسكو» ‪ %35‬من علماء العامل‬
‫قضايا اجملتمع النامي‪:‬‬ ‫يعملون اليوم مباشرة يف أحباث الفتك والدمار‬
‫يبقى « يف النهاية» أن نطرح على أنفسنا‬ ‫واإلبادة‪.‬‬
‫سؤاالً بالغ األمهية واحليوية هو‪:‬‬ ‫و ‪ %20‬منهم يعملون بطريق غرب مباشر‪ ،‬يف‬
‫« كيف ميكن ألدب اخليال العلمي أن خيدم‬ ‫اخلفاء يف األحباث ذاهتا‪.‬‬
‫قضايا جمتمع نام مثل جمتمعنا‪ ..‬من أين له‬ ‫و ‪ %20‬منهم ي��ع��م��ل��ون يف أحب���اث نصف‬
‫هذه القدرة؟» ولكي نضع اجابتنا يف موضعها‬ ‫سلمية‪،‬كمواد األيروسول الضارة‪.‬‬
‫بدقة وإحكام وحسم منطقي‪ ،‬نطرح بدورنا‬ ‫و ‪ %15‬منهم يعملون يف أحباث سلمية‪ ،‬لكن‬
‫التساؤل التايل‪ »:‬تُ��رى ماالذي يرجوه جمتمع‬ ‫يُستفاد منها أو من نظرياهتا يف احل��روب أو‬
‫نام أكثر من مضاعفة الطاقات و التخصصات‬ ‫االقتتال ( كاملفاعالت النووية السلمية)‬
‫العلمية اخلالقة لديه ‪ .....‬مرة ومرتني وأكثر؟‬ ‫‪ % 90‬مجلة املستفاد منه فيما يُضر ويُهلك‬
‫ودفع مجوع الشعب العادية إىل االهتمام بالعلم‬ ‫اإلنسان‪...‬؟‬
‫‪15‬‬ ‫والتقنية واألخذ مبنجزاهتا وتفهُّم أسرارها‪..‬‬ ‫(( ويبقى ‪ %10‬من علماء اليوم يعملون يف‬
‫وبعدئذ التفوق وبلوغ الذروة يف مضمارها؟»‬ ‫أحباث سلمية صرفة)) ‪.‬‬
‫إن هذا الذي أحدد هو عني مايقوم بأدائه‬ ‫من ناحيةٍ أخرى فإن التقدم العلمي والتقين‬
‫أدب اخليال العلمي وهو واحد من أوىل أهدافه‬ ‫التقتصر أخ��ط��اره على زم��ن احل��رب فحسب‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫غواصة جول فرين اليت جال وصال هبا يف أعماق‬ ‫الرئيسية اليت ينشدها كاتب النوع لبلده‪....‬‬
‫البحار‪ ،‬ورحلة هـ‪.‬ج ‪.‬ويلز اليت قادت أبطاله‬ ‫ف���أدب اخل��ي��ال العلمي كما ذك���رت يشرح‬
‫للهبوط والسري على سطح القمر‪ ،‬والصندوق‬ ‫العلوم ويبسطها وحيث املتلقي على معايشة‬
‫ال��ذي ابتكره ج��ورج ميليز لرؤية األشياء عن‬ ‫األجواء العلمية‪.‬‬
‫بُعد قبل اخرتاع التلفزيون بثمانني عاماً‪ ،‬وقنبلة‬ ‫وب��ي��ن��م��ا حي��ب��ب يف ال��ع��ل��وم ف��ه��و حي���ارب‬
‫ليونيل آتويل اليت تبيد بلداً بأكمله وقد تنبأ‬ ‫احن��راف��اهت��ا ويكشف أخ��ط��ار استخداماهتا‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫بأهواهلا قبل اكتشاف القنبلة الذرية خبمسني‬ ‫ويوجد لدينا الوعي حبدي سالح التقنية النافع‬
‫عاماً‪ ،‬وعشرات غريها من أفكار وتصورات‬ ‫منها والضار‪.‬‬
‫وتنبؤات ك� ّت��اب اخل��ي��ال العلمي ح��ول امليكنة‬ ‫ثم إن أدب اخليال العلمي ميثل انطالقة‬
‫واآلليّني واألشعة املختلفة كالليزر والكيماويات‬ ‫شجاعة ت��ت��ن��اول األف��ك��ار اجل��دي��دة ب��ل وغري‬
‫كإكسري احلياة‪ ،‬ويف الطب واهلندسة والزراعة‬ ‫املألوفة فيخوض غمارها ويناقشها مهما بدت‬
‫وع��ل��وم الفلك وع��ل��وم البحار وع��ل��وم طبقات‬ ‫رؤاها املستقبلية موغلة يف التطرف والنأي عن‬
‫األرض اخل‪ ،‬وقد أدت وغريها إىل توجيه علماء‬ ‫الواقع وامللموس‪.‬‬
‫ومن املنافع الواضحة ألدب اخليال العلمي‬
‫عدة (فيما بعد) إىل كشوفات واخرتاعات بعينها‬
‫(خاص ًة احلديث منه) هو أنه وجد مدخالً إىل‬
‫جنين مثارها اليوم‪.‬‬
‫الفنون التشكيلية‪ .‬حيث ق��ام قسم من خرية‬
‫كذلك فإن أدب اخليال العلمي هو أول من‬
‫الرسامني املعاصرين بنقل املشاعر والتصورات‬
‫يتصدى لثورات العلم الكربى‪ ،‬تلك اليت تغري من‬
‫ع�بر ل��وح��ات ه��ي غ��اي��ة يف اإلب����داع والعجب‬
‫حياة الناس وتقلب كثرياً من املوازين الفكرية‬
‫واالبتكار‪.‬‬
‫واالقتصادية واالجتماعية ويُقرن العصر كله‬
‫وت��ك��م��ن األمه��ي��ة ال��ع��ظ��م��ى ألدب اخليال‬
‫بامسها!! وكما حدث يف القرن التاسع عشر حني‬
‫العلمي يف كونه (جتربة املستقبل) باعتباره‬
‫قامت الثورة الصناعية الكربى وذلك باالنتقال‬ ‫مبحثاً للمصائر االختيارية وحماولة للحد من‬
‫من العمل اليدوي إىل العمل اآليل‪ ،‬وكذا قيام‬ ‫صدمات املستقبل ولو عن طريق التصور‪.‬‬
‫الثورة الذرية يف األربعينيات من القرن العشرين‬ ‫وأعتقد بأنه ليس مبالغة مين عندما أعلن‬
‫مت حتطيم ال��ذرة ومعرفة أسرارها‪،‬فلما‬ ‫حني َّ‬ ‫يف ثقة أن أدب اخل��ي��ال العلمي ق��د ساهم‬
‫بلغنا الربع األخ�ير من القرن العشرين اندلع‬ ‫مسامهة فعّالة يف استمرار وتطور حضارتنا‪،‬‬
‫ماعُرف بثورة االلكرتونيات واملعلومات‪ ....‬واآلن‬ ‫وأمامه ميدان مفتوح على مصراعيه ملزيد من‬
‫فإن كتّاب اخليال العلمي يستعدون ويتحفزون‬ ‫تلك املسامهة‪.‬‬
‫ملواكبة أخطر ثورتني علميتني يشهدمها القرن‬ ‫ويف النهاية أف�لا ينتج من ذل��ك كله بلورة‬
‫احلايل أال ومها (ثورة الذكاء الصناعي) و (ثورة‬ ‫أكيدة وموجات حث دافقة تدفع الشباب إىل‬
‫هندسة الوراثة)‪ ،‬خاص ًة بعد اكتمال اكتشاف‬ ‫التجريب واالختبار والتفكري واالقتناع‪ ،‬إىل أن‬
‫ووضع اجلينيوم البشري‪ ،‬وجناح أشكال عدة‬ ‫يصلوا إىل طريق االبتكار واالخرتاع‪.‬‬
‫لالستنساخ وانطالق مايُسمى اليوم بـ ( ثورة‬ ‫ومبعنى أدق فأدب اخليال العلمي هو أساس‬ ‫‪16‬‬
‫املعاجلة باجلينات)‪ ،‬ومها ثورتان قد تقلبان‬ ‫وطيد ومعروف من األسس اليت تساعد على‬
‫كافة مفاهيمنا عن احلياة وعن الوجود وعن‬ ‫تكوين العلماء وتشحذ طاقاهتم وتوجههم ولو‬
‫شكل األشياء على كوكبنا اجلميل (األرض) ‪.‬‬ ‫من بعيد إىل حلظات إب��داع��ه��م‪ .....‬فلدينا‪:‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫هل تعلم أن جمرة درب التبانة هي جمرة لولبية الشكل هلا أذرع ضخمة عدة تلتف حول نتوء‬
‫مركزي بسماكة ‪ 10,000‬سنة ضوئية‪ .‬ويبلغ قطر االسطوانة حوايل ‪ 100‬ألف سنة ضوئية‬
‫وحتيط هبا غيمة أكرب منها مؤلفة من غاز اهليدروجني معوجة ملتوية عند أطرافها يف شكل‬
‫أنصاف دوائر‪ .‬وتضم هذه اجملرة ماليني النجوم من أنواع خمتلفة‪.‬‬
‫وأفضل األوقات لرؤية درب التبانة من املناطق املعتدلة الواقعة يف نصف الكرة الشمايل هي‬
‫ليايل الصيف الصافية اليت يغيب فيها القمر‪.‬‬
‫وتبدو اجملرة كشريط مضيء غري متناسق يلف السماء من األفق الشمايل الشرقي إىل األفق‬
‫اجلنوبي الغربي‪.‬‬
‫وأن ع��دد النجوم امل��وج��ودة يف جم��رة درب التبانة حسب حسابات الفلكيني بلغت مئات‬
‫املليارات‪ .‬ودرب التبانة هي واحدة من مئات املاليني من اجملرات املشاهبة الواقعة يف جمال رؤية‬
‫التلسكوبات احلديثة‪.‬‬
‫وهل تعلم أن النجم هو جرم مساوي كبري احلجم يتألف من غازات مرتفعة احلرارة جتتمع‬
‫بفعل اجلاذبية وتطلق اشعاعات كهرومغناطيسية وخصوصاً الضوء نتيجة التفاعالت النووية‬
‫اليت حتدث داخل النجم‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫‪Science Fiction‬‬

‫إذا كانت العالقة بني األدب والتاريخ تبدو‬


‫واضحة للدارس وخباصة أهنا كانت باستمرار‬
‫موضع نظر كبار النقاد يف خمتلف التقاليد‬
‫األدبية القومية‪ ،‬فإن صلة اخليال العلمي‪ ،‬وما‬
‫ينجم عنه من أدب‪ ،‬بالتاريخ‪ ،‬صلة إشكالية‬
‫تنطوي على مفارقة واضحة تستدعي شيئاً‬
‫من التأمل العميق يف طبيعتها من جانب ويف‬
‫جتلياهتا من جانب آخر‪.‬‬ ‫‪18‬‬
‫وعلى الرغم من أن أرسطو‪ ،‬املعلم األول‪ ،‬قد‬
‫وقف إىل جانب الشعر عندما جعله شيئاً أكثر‬
‫مسواً وفلسفة من التاريخ ألن الشعر‪ ،‬فيما أكد‪،‬‬ ‫د‪ .‬عبد النيب اصطيف‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫بالتاريخ إشكالية انتهت هبا إىل القطيعة يف‬ ‫مييل إىل التعبري عن العام يف حني إن التاريخ‬
‫اجلنس األدبي املعروف بقصص اخليال العلمي‬ ‫مييل إىل التعبري ع��ن اخل���اص‪ ،‬وألن الشاعر‬
‫‪ ، science fiction‬أو القصة وال��رواي��ة اليت‬ ‫ي��روي م��ا ميكن أن حي��دث يف ح�ين إن املؤرخ‬
‫تستند إىل العلم يف امتداداته االفرتاضية اليت‬ ‫يروي ما حدث (‪ ،)1‬فإن الشعر‪ ،‬بوصفه أداة‬
‫حيكمها اخليال وميضي هبا إىل آف��اق الطموح‬ ‫األدب الرئيسية‪ ،‬غالباً ما الذ بالتاريخ واختذه‬
‫والتطلع اإلن��س��ان��ي ال�تي ت��رض��ي مسعى هذا‬ ‫موضوعاً للملحمة‪ ،‬واملأساة وامللهاة‪ ،‬وعندما‬
‫املخلوق البشري‪ ،‬فيما يتصوره ويتخيله‪ ،‬حنو‬ ‫بات النثر منافساً قوياً للشعر‪ ،‬حذا حذو الشعر‬
‫‪19‬‬ ‫عامل أفضل‪ .‬ومصدر هذه القطيعة أن التاريخ‬ ‫وتبنى التاريخ موضوعاً للرواية التارخيية اليت‬
‫موضعه املاضي يف حني إن موضع قصص اخليال‬ ‫ازدهرت يف معظم التقاليد األدبية القومية يف‬
‫العلمي هو املستقبل‪ ،‬وبينما يستند التاريخ إىل‬ ‫شرق العامل وغربه‪ ،‬مشاله وجنوبه‪.‬‬
‫م��ا يشبه اليقني إىل ح��د بعيد‪ ،‬ألن املاضي‬ ‫ولكن العصر احلديث محل إىل عالقة األدب‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫رحلته املوسومة بـ (رحلة ابن فضالن إىل بالد‬ ‫ال سبيل إىل تغيريه وأقصى ما ميلكه املؤرخ يف‬
‫الرتك والروس والصقالبة) واليت تعود إىل عام‬ ‫التعامل معه إعادة تفسريه‪ ،‬فإن قصص اخليال‬
‫‪921‬م‪ ،‬وتغريه مبكتشفات املستقبل املباشر هلذا‬ ‫العلمي يستند يف الغالب إىل الغيب اجملهول‪،‬‬
‫املاضي‪ ،‬وتطوره ومتضي به إىل آف��اق جديدة‬ ‫ألن املستقبل الذي يتطلع إليه حمكوم بالتطلع‬
‫حمكومة باملمكنات‪ ،‬وتنطلق بوقائعه إىل هنايات‬ ‫اإلن��س��ان��ي إىل ع���امل أف��ض��ل ي��رض��ي طموحه‬
‫خمتلفة حمكومة بالتطلعات اإلنسانية املشروعة‬ ‫وأحالمه‪ ،‬ويف حني يعتمد التاريخ على الواقع‬
‫حنو إقامة عامل من التعاون والتكافل اإلنساني‪.‬‬ ‫املادي والسجالت املدونة لينشئ عامله‪ ،‬يعتمد‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫وإذ حتيي هذا التاريخ‪ /‬املاضي حبلته اجلديدة‪،‬‬ ‫قصص اخليال العلمي على اخليال االفرتاضي‬
‫فإهنا تعزز حضوره باالنتقال باملنجز اجلديد‪،‬‬ ‫احمل��ك��وم باملمكنات امل��ش��روط��ة أس��اس �اً بتغري‬
‫الذي هو رواية أكلة املوتى‪ ،‬إىل عامل الفن السابع‬ ‫األحوال والظروف وحتقق املزيد من اإلجنازات‬
‫الذي يفرد البن فضالن فسحة إنسانية رحبة‬ ‫العلمية والتقنية‪ .‬وأخرياً فإن التاريخ يستند إىل‬
‫جتعل من احمل��ارب الثالث عشر ‪The 13th‬‬ ‫وقائع العلم يف حني إننا جند قصص اخليال‬
‫‪ Warrior‬يبدّد التطيّر الغربي والشرقي معاً من‬ ‫العلمي يستند إىل ممكنات العلم‪.‬‬
‫هذا العدد‪ ،‬بل جيعله أمارة حظ سعيد‪ ،‬وتوفيقاً‬ ‫وب��اخ��ت��ص��ار ش��دي��د ي��ب��دو ال��ت��اري��خ وقصص‬
‫صرحياً‪ ،‬وإجن��ازاً يبعث على الفخر واالعتزاز‪.‬‬ ‫اخليال العلمي على طريف نقيض‪ ،‬أو – إذ شئنا‬
‫إنه باختصار مثال على املسعى الناجح يف توطني‬ ‫استعمال لغة اجمل��از‪ -‬ميضي كل من التاريخ‬
‫املاضي يف احلاضر‪ ،‬والشرق يف الغرب – مثال‬ ‫وقصص اخليال العلمي يف طريق معاكس لآلخر‬
‫حيقق به صاحبه وحدة الزمن اإلنساني‪ ،‬ووحدة‬ ‫وال سبيل إىل التقائهما يف ي��وم‪ ،‬وكيف ميكن‬
‫الكوكب األرضي‪ ،‬ووحدة الكائن البشري‪.‬‬ ‫للشرق أن يلتقي الغرب‪ ،‬أو أن يلتقي الشمال‬
‫وكذلك فإن رواية مايكل كريتون (أكلة املوتى)‬ ‫اجلنوب إال يف فسحة كروية افرتاضية‪ ،‬وبعد‬
‫(‪ )2‬اليت غدت واحدة من أكثر الروايات مبيعاً‬ ‫املضي بعيداً يف الطريق الدائري احملوري الذي‬
‫يف ال���والي���ات امل��ت��ح��دة األم��ري��ك��ي��ة م��ن��ذ ظهور‬ ‫يلف الكرة األرضية‪.‬‬
‫طبعتها األوىل عام ‪ ،1976‬وحتوّهلا الحقاً إىل‬ ‫واحلقيقة أن املثال ال��ذي يُ��راد تقدميه يف‬
‫فيلم بعنوان احملارب الثالث عشر ‪The 13th‬‬ ‫هذه العجالة ينطوي على مفارقة غريبة إذ جند‬
‫‪ Warrior‬ف�تن ال��ن��اس مب��ا ان��ط��وى عليه من‬ ‫أن قصص اخليال العلمي ميضي إىل التاريخ‬
‫مغامرات وشجاعة ونبل وقيم قدّمت يف إطار‬ ‫يستلهمه ويستمد منه ال��وح��ي يف إن��ت��اج عامل‬
‫شائق من ح��وار الثقافات‪ ،‬ميكن أن تعد حبق‬ ‫جيمع ما بني احلقيقة واخل��ي��ال‪ ،‬بني املاضي‬
‫مثاالً واض��ح�اً على ما ميكن أن تنطوي عليه‬ ‫ومستقبله امل��ب��اش��ر‪ ،‬ب�ين اليقني وال��غ��ي��ب‪ ،‬بني‬
‫جتربة التفاعل ال�تي خاضتها مع نص عربي‬ ‫الواقع واملمكن‪ ،‬واأله��م من ذلك كله أنه حييي‬
‫وسيط من تضمنات منهجية بالنسبة للدارس‬ ‫التاريخ‪ /‬املاضي وجيعله حاضراً يف عامل اليوم‪،‬‬
‫املقارن الذي حياول أن يدرسها من وجهة نظر‬ ‫وجيمع بني الشرق والغرب‪ ،‬ويوسع فسحة اللقاء‬
‫أحادية‪ :‬فرنسية أو أمريكية أو أملانية أو سالفية‬ ‫بينهما وجيعلها رحبة مفعمة باألمل يف بناء عامل‬
‫أو ترمجية أو صورية أو غريها‪.‬‬ ‫أفضل للغرب باجتماع املسعى اإلنساني على‬
‫إن هذه الرواية‪ ،‬باستلهامها رسالة ابن فضالن‬ ‫إحقاق احلق وإبطال الباطل والدفاع املستميت‬
‫يف وصف الرحلة إىل بالد الرتك واخلزر والروس‬ ‫عن القيم واملثل اإلنسانية السامية‪.‬‬ ‫‪20‬‬
‫والصقالبة (‪ ،)3‬اليت قام هبا سنة ‪309‬هـ املوافقة‬ ‫وه��ذا املثال هو رواي��ة مايكل كريتون (أكلة‬
‫لـ ‪921‬م على يد الروائي العاملي صاحب رواييت‬ ‫املوتى) ‪ Eaters of the Dead‬اليت تقتحم‬
‫(احلديقة اجلوراسية) (‪،)Jurassic Park‬‬ ‫عامل املاضي امل��دون من جانب ابن فضالن يف‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ينتقل ابن فضالن بني بلداهنا حامالً معه دينه‬ ‫و(العامل املفقود) (‪ )The Lost World‬اللتني‬
‫وعقيدته وقيمه وعاداته وأفكاره املسبقة عن‬ ‫فتنتا املتلقني يف صورهتما امل��ق��روءة‪ ،‬وسحرتا‬
‫اآلخ��ر‪ ،‬وما ينجم عن تنقله هذا من تفاعل يف‬ ‫املشاهدين عندما حتولتا إىل فيلمني رائعني‪،‬‬
‫عقله وروحه ونفسه الين كانت مجيعها يف حالة‬ ‫ومسلسل ( ‪ ) E R‬أو ( غ��رف��ة ال��ط��وارئ )‪،‬‬
‫من التأهب واالستنفار والقلق والتوتر بسبب ما‬ ‫تفرض بطبيعتها ضرورة تبين املنهج املقارن يف‬
‫مر به صاحبها من جتارب ومغامرات وخماطر‬ ‫دراستها‪.‬‬
‫وأهوال‪.‬‬ ‫• فهناك بداية صلتها بنص آخ��ر هو نص‬
‫• وكذلك فإن دارس هذه الرواية ال يستطيع‬ ‫ابن فضالن الذي أفاد مايكل كريتون مما ترجم‬
‫أن يغفل صلتها بالتاريخ‪ ،‬أو أن يَغفل عن وثاقة‬ ‫منه إىل اإلنكليزية ونقله بتحويرات ضئيلة إىل‬
‫صلتها باجلغرافية الطبيعية والبشرية‪ ،‬واحلياة‬ ‫الفصول الثالثة األوىل لروايته أكلة املوتى‪.‬‬
‫السياسية واالجتماعية للشعوب ال�تي تفاعل‬ ‫• ولدينا بعدها ما قيّد به ال��روائ��ي نفسه‬
‫اب��ن فضالن مع أف��راد ومجاعات منها‪ ،‬مثلما‬ ‫من أسلوب فرضه على نفسه يف بقية الرواية‬
‫ال يستطيع أن يتجاهل صلتها بتطور الكائن‬ ‫عندما كتب فصوهلا التالية بأسلوب رسالة ابن‬
‫البشري وطبائعه وع��ادات��ه ال�تي ختضع لتأثري‬ ‫فضالن الذي مضى به إىل الشمال االسكندنايف‬
‫مظاهر الطبيعة املختلفة‪.‬‬ ‫يف باقي رحلته اليت غدت منذئذ رحلة خيالية‪،‬‬
‫• وأخرياً هناك صلة الرواية بوصفها جنساً‬ ‫حتى أنه أضاف إليها تعليقات وحواشي متعاملة‬
‫‪21‬‬ ‫أدبياً رئيسياً بالفن السابع عندما حتوّلت إىل‬ ‫على حنو متطرف ليعزز حماكاته ألسلوب ابن‬
‫فيلم غاية يف اإلثارة واملتعة والتشويق‪.‬‬ ‫فضالن(‪.)4‬‬
‫يستطيع املرء بداية أن يدرس جتربة التفاعل‬ ‫• وفضالً عن ذلك مثة الصلة اليت تنطوي‬
‫بني أكلة املوتى ورسالة ابن فضالن من وجهة‬ ‫عليها الرواية بني األمم والشعوب واألقوام اليت‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫والعمارة واملوسيقا) والفلسفة‪ ،‬والتاريخ‪ ،‬والعلوم‬ ‫نظر املدرسة الفرنسية التقليدية‪ ،‬وخباصة‬
‫االجتماعية (كالسياسة واالقتصاد واالجتماع)‪،‬‬ ‫أهن���ا حت��ق��ق ال��ش��رط�ين ال��ف��رن��س��ي�ين‪ :‬اختالف‬
‫والعلوم‪ ،‬والديانة‪ ،‬وغري ذل��ك‪ .‬وباختصار هو‬ ‫لغيت النصني م��ن ج��ه��ة‪ ،‬ووج���ود صلة فعلية‬
‫مقارنة أدب معني مع أدب آخر أو آداب أخرى‪،‬‬ ‫بني الروائي األمريكي والنص العربي من جهة‬
‫وم��ق��ارن��ة األدب مب��ن��اط��ق أخ���رى م��ن التعبري‬ ‫أخرى (فالرواية جزء من األدب األمريكي املدون‬
‫اإلنساني (‪.)5‬‬ ‫باإلنكليزية‪ ،‬ورس��ال��ة اب��ن فضالن م��ن األدب‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫ألهنا تكاد تكون وَصفة ممتازة لتدبر جتربة‬ ‫العربي امل��دوّن بالعربية‪ ،‬ومايكل كريتون يقرّ‬
‫التفاعل فيها‪ ،‬ألهن��ا ترسم ل��ه ب��وض��وح ودقة‬ ‫باستلهامه لـ رسالة ابن فضالن عندما يشري يف‬
‫اسرتاتيجية قراءته املقارنة هلذه الرواية‪ ،‬وتشكل‬ ‫هناية الرواية إىل مصادره من جهة ص ‪ -180‬ص‬
‫خري دليل له يف هذه القراءة‪ ،‬ولكنها بالتأكيد لن‬ ‫‪ ،181‬من الرواية‪ ،‬وإىل ما أخذه عن هذه املصادر‬
‫تكون كافية لإلحاطة بكل ما تتطلبه الرواية ذاهتا‬ ‫والسيما الرسالة يف ( ملحوظة تتصل حبقائق‬
‫من أدوات منهجية‪ .‬وبعبارة أخرى إن الرصيد‬ ‫أكلة املوتى ) ص ‪ - 182‬ص ‪ 186‬واليت أضافها‬
‫املنهجي للنظريتني الفرنسية واألمريكية‬ ‫إىل الرواية يف طبعتها الثانية اليت ظهرت عام‬
‫اليستطيع أن يغطي استحقاقات الدرس املقارن‬ ‫‪ ،)1992‬وميكنه كذلك إذا ما أراد أن يتدبّر هذه‬
‫هلذا األثر املهم من آثار األدب األمريكي املعاصر‬ ‫الرواية التدبّر النقدي الفعال الذي يغطي نصها‬
‫املتفاعل على حنو عميق مع أثر رائع من روائع‬ ‫وسياقاته‪ ،‬متنها وما يتفاعل معه من متون وما‬
‫أدب الرحلة عند العرب‪.‬‬ ‫يتصل به من حواش وتعليقات‪ ،‬صالهتا بالعلوم‬
‫فهناك أوالً ن��ص اب��ن فضالن امل�ترج��م إىل‬ ‫واملعارف والفنون اإلنسانية املختلفة‪ ،‬أن يعمل‬
‫اإلنكليزية الذي شكل أساس الفصول الثالثة‬ ‫بتوصية هنري رماك‪ ،‬اليت اختزهلا يف تعريفه‬
‫األوىل من نص أكلة املوتى‪ ،‬وما خضع له من‬ ‫للدرس املقارن لألدب‪:‬‬
‫حت���وّالت فرضتها طبيعة ال��رواي��ة م��ن جهة‪،‬‬ ‫األدب املقارن هو دراسة األدب خلف حدود‬ ‫‪22‬‬
‫وطبيعة عملية االستلهام الواعي ال��ذي يوجّه‬ ‫بلد معني‪ ،‬ودراسة العالقات بني األدب من جهة‬
‫عمل الروائي من جهة أخرى‪ ،‬فضالً عن رؤيته‬ ‫ومناطق أخرى من املعرفة واالعتقاد من جهة‬
‫الفنية اليت جيسّدها من خالل األداة اللغوية‬ ‫أخرى وذلك من مثل الفنون (كالرسم والنحت‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫‪Science Fiction‬‬

‫الشماليني واحرتامهم فضالً عن تقديرهم‪ ،‬فإنه‬ ‫املشربة على حنو شامل بأسلوب ابن فضالن‪.‬‬
‫الشك سريى فيها إحباطاً آلفاق توقعات القراء‬ ‫وال ننسى بالطبع ما خضع له نص ابن فضالن‬
‫األمريكيني الذين ألفوا ص��ورة أخ��رى للعربي‬ ‫العربي من حتويرات وحتوّالت على يد املرتجم‬
‫ش ّكلتها رؤية سلبية حمفوزة مبواقف مسبقة من‬ ‫الذي نقله إىل اإلنكليزية يف املقام األول‪.‬‬
‫قضايا الصراع بني الكيان الصهيوني املنزرع يف‬ ‫ومث��ة بعد ذل��ك م��ا خلفته عملية حماكاة‬
‫قلب الوطن العربي والشعب العربي الفلسطيين‪.‬‬ ‫أس��ل��وب اب��ن فضالن م��ن أث��ر يف بقية فصول‬
‫وهذه الصورة‪ ،‬كما رسختها الصحافة الغربية‪،‬‬ ‫ال��رواي��ة‪ ،‬ناجم عن تفاعل الثقافتني العربية‬
‫وأجهزة اإلعالم املرئية واملسموعة‪ ،‬واألجناس‬ ‫واإلنكليزية‪-‬األمريكية يف نفس املؤلف وهو‬
‫األدبية املختلفة‪ ،‬إىل جانب الفن السابع‪ ،‬صورة‬ ‫ينشئ هذه الفصول‪.‬‬
‫بائسة قوامها اإلره���اب‪ ،‬واألصولية‪ ،‬ومعاداة‬ ‫وه���ذا ال��وج��ه م��ن وج���وه التفاعل ال ميكن‬
‫السامية‪ ،‬واجلنب‪ ،‬واجلهل‪ ،‬ومناهضة التحديث‬ ‫تدبّره من جهة إال من خالل ما دعا إليه رينيه‬
‫وال��ت��ق��دم‪ ،‬وم��ع��اداة ال��غ��رب‪ ،‬وال��ث��راء الفاحش‬ ‫إي��ت��ي��ام��ب��ل‪ 6‬م��ن ض����رورة إدخ����ال األسلوبيات‬
‫املصحوب باهلدر والتبذير‪ ،‬والشبق‪ ،‬وازدواج‬ ‫امل��ق��ارن��ة ‪ Comparative stylistics‬يف‬
‫ال��س��ل��وك‪ ،‬واالس��ت��ب��داد‪ ،‬وال��ظ��ل��م‪ ،‬واضطهاد‬ ‫الدرس املقارن لألدب‪ ،‬ودون االستعانة من جهة‬
‫امل��رأة‪ ،‬والتنكر حلقوق اإلنسان وغري ذلك من‬ ‫أخرى مبعطيات املدرسة الرتمجية اليت ترى يف‬
‫القيم السلبية اليت جنحت الدعاية الصهيونية‬ ‫الرتمجة ذاهتا عملية إعادة كتابة ‪rewriting‬‬
‫ومؤيدوها يف ترسيخها يف الوعي الغربي‪.‬‬ ‫خالقة مؤسسة على طبيعة فهم النص األصلي‬
‫ومعنى هذا أن الدارس املقارن للرواية حباجة‬ ‫ِ‬
‫امل�ترج��م‪ /‬أو معيد الكتابة للنص‬ ‫م��ن ج��ان��ب‬
‫إىل ما ميكن أن تقدمه دراسات الصورة‪ ،‬أو علم‬ ‫املرتجَم‪.‬‬
‫الصور ‪ Imagologie‬من رؤى وآراء وأنظار‬ ‫وإذا ما ترك امل��رء قضية اللغة اهلجينة يف‬
‫‪23‬‬ ‫منهجية ليستطيع من خالهلا معاجلة مسألة‬ ‫النص الروائي‪ ،‬وانتقل إىل صورة العربي الوسيط‪،‬‬
‫الصورة املرسومة للعربي يف هذه الرواية‪ ،‬بكل‬ ‫ابن فضالن‪ ،‬اليت يقدمها مايكل كريتون‪ ،‬وهي‬
‫ما تفرضه من تساؤالت تتصل بطبيعة العالقات‬ ‫ص��ورة احمل��ارب الشجاع النبيل ال��ذي يكسب‬
‫العربية‪-‬األمريكية يف خمتلف جوانبها‪ ،‬والدور‬ ‫بتماسكه وأخ�لاق��ه وحكمته قلوب احملاربني‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫‪Science Fiction‬‬
‫اهلشيم‪ ،‬فغدا اسم ابن فضالن ‪ Ibn Fadlan‬على‬ ‫ال��ذي ت��ؤدي��ه ال��والي��ات املتحدة األمريكية يف‬
‫كل لسان‪ ،‬حتى أن ناشراً أمريكياً رأى أن ّ‬
‫يوطن‬ ‫املنطقة العربية على خمتلف املستويات‪ .‬وهناك‬
‫رحلته يف املهجر األمريكي فقام بتقديم كتابه إىل‬ ‫بالطبع عالقة هذه الصورة بصورة العربي البدوي‬
‫قارئ اإلنكليزية حبلّة مغرية يسرت له االنتشار يف‬ ‫القريبة من املزاج الرومانيت‪ ،‬وبصورته اليت رسختها‬
‫طبعة شعبية ‪ Paperback‬محلت عنوان‪ :‬رحلة‬ ‫ال��ل��ي��ايل ال��ع��رب��ي��ة‪ ،‬أو أل��ف ليلة وليلة يف نفوس‬
‫ابن فضالن إىل روسيا‪ :‬رحالة من القرن العاشر من‬ ‫الغربيني‪ ،‬والدور الذي أدّاه االستشراق اخليايل يف‬
‫بغداد إىل هنر الفولغا‪ ،7‬وقام هبا ريتشارد ن‪ .‬فراي‪،‬‬ ‫تشكيل هذه الصور‪.‬‬
‫أستاذ الشرف السابق يف جامعة هارفرد للغات‬ ‫وأخ��ي�راً حن��ن أم���ام ح��ال��ة م��ن ح���االت التلقي‬
‫الشرق األدنى وحضاراته‪ ،‬الذي ترجم الرحلة وعلق‬ ‫االستلهامي لنص أدب��ي عربي كالسي مت��ت يف‬
‫عليها وقدم هلا مبجموعة فصول تيسر تلقيها على‬ ‫جمتمع (بل جمتمعات) غري جمتمعه األصلي‪ ،‬أي‬
‫القارئ وتدخلها إىل منت األدب العاملي املعاصر‪.‬‬ ‫خلف حدود بلده ولغته وثقافته‪ ،‬ويسّرهتا ترمجة‬
‫واخل�لاص��ة أن جت��رب��ة واح���دة حم���دودة كهذه‬ ‫جمتزأة له‪ ،‬أوقدت يف نفس متلقيها جذوة اإلهلام‪،‬‬
‫تنطوي على كل هذه التضمنات املنهجية الغنية‬ ‫فكتب روايته أكلة املوتى‪ ،‬ومت ّكن من خالهلا من‬
‫النامجة عن غنى عملية التفاعل اليت أقامها النص‬ ‫توطني النص العربي يف الثقافة األمريكية خاصة‬
‫األمريكي مع النص العربي‪ ،‬فكيف بآالف التجارب‬ ‫والثقافة الغربية عامة (بعد ترمجة الرواية إىل عدد‬
‫ال�تي ينطوي عليها سفر األدب العربي العريق‪،‬‬ ‫من لغاهتا)‪ ،‬وقد تعزز هذا التوطني بتحويل الرواية‬
‫وال��غ�ني‪ ،‬والضخم؟ إن��ه‪ ،‬ال ري��ب‪ ،‬سيكون نبعاً ال‬ ‫إىل فيلم روائي وسع من دائرة التلقي مثلما عمق‬
‫ينضب من الرؤى املنهجية اليت ستغين‪ ،‬ال حمالة‪،‬‬ ‫فعل التلقي ذاته‪ ،‬عندما جعله تلقياً حياً (بالصوت‬
‫نظريات الدرس املقارن لألدب‪ ،‬أي أدب‪ .‬واإلنسان‬ ‫والصورة) شامالً يسّره الفن السابع‪ .‬ومعنى هذا‬
‫بعد ذلك واح��د‪ ،‬وأدب��ه‪ ،‬مثل فنه‪ ،‬البد أن يكون‬ ‫أننا حباجة من جديد إىل النظرية االستقبالية يف‬
‫واحداً‪.‬‬ ‫الدرس املقارن بكل أبعادها من أجل دراسة هذه‬
‫وك��م ينتظر امل��ق��ارن ال��ع��رب��ي م��ن عمل مضن‬ ‫احلالة من حاالت التلقي االستلهامي وتدبّر هذا‬
‫وطويل ومثابر يف دراس��ة ص�لات األدب العربي‬ ‫اجلانب املهم من جوانب رواية مايكل كريتون‪.‬‬
‫بآداب العامل‪ ،‬وتفحص جتاربه الغنية يف التفاعل‬ ‫لقد بدأ األمر بقراءة‪ ،‬تالها استلهام أنتج رواية‬ ‫‪24‬‬
‫مع هذه اآلداب حتى يستطيع أن يسهم حبق يف‬ ‫جتمع بني الواقع واخليال‪ ،‬بني املاضي ومستقبله‪،‬‬
‫نظريات الدرس املقارن لألدب وأن يسهم الحقاً يف‬ ‫وما لبثت الرواية اجلديدة أن حتولت إىل فيلم‪،‬‬
‫إقامة نظرية عربية يف األدب املقارن؟‪.‬‬ ‫ومت كل ذلك يف ظل انتشار العوملة انتشار النار يف‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫اهلوامش‬
:‫ انظر‬1
Aristotle,
Poetics, Translated, with An Introduction and Notes, by Gerald F. Else (The
University of Michigan Press, Michigan, 1973) pp 32- 33
.3233-.
:‫ انظر‬2
Michael Crichton, Eaters of the Dead : the Manuscript of Ibn Fadlan Relating His
Science Fiction

Experiences with the Northmen in A.D. 922


( Arrow, London, 1997).
.‫م‬1999‫و‬1985 ‫ ونشرهتا دار اهلالل املصرية مرتني يف عامي‬،‫وقد ترمجت الرواية من جانب تيسري كامل‬
‫) ومقدمة مصطفى‬،1999 ،‫ القاهرة‬، ‫ ( دار اهلالل‬2‫ ط‬،‫ ترمجة تيسري كامل‬،‫ أكلة املوتى‬،‫ مايكل كرايتون‬:‫وانظر‬
.)17-9( ‫نبيل للرواية ص ص‬
‫ رسالة ابن فضالن يف وصف الرحلة إىل بالد الرتك‬،‫ أمحد بن فضالن بن العباس بن راشد بن محاد‬:‫ انظر‬3
،‫ بريوت‬،‫ (مكتبة الثقافة العاملية‬2‫ ط‬،‫ حققها وعلق عليها وقدم هلا الدكتور سامي الدهان‬،‫واخلزر والروس والصقالبة‬
.)1987
:‫ يكتب مايكل كريتون يف خامتة كتابه أكلة املوتى مايلي‬4
‫ ولغات أخرى‬،‫ والفرنسية‬،‫ واألملانية‬،‫( وعلى الرغم من أن خمطوطة ابن فضالن بكاملها قد ترمجت إىل الروسية‬
‫ مع‬،‫ لقد حصلت على أجزاء املخطوطة املوجودة وضممتها‬.‫ فإنه مل يرتجم منها إىل اإلنكليزية إال أجزاء فقط‬،‫كثرية‬
‫ وبعدها كتبت بقية الرواية بأسلوب املخطوطة ألمضي‬.‫ يف الفصول الثالثة األوىل لـ أكلة املوتى‬،‫حتويرات ضئيلة فقط‬
‫ وقد أضفت أيضاً تعليقات وبعض احلواشي املتعاملة على‬.‫بابن فضالن يف باقي رحلته اليت غدت اآلن رحلة خيالية‬
:‫ وانظر‬.»‫حنو متطرف‬
Michael Crichton,
Eaters of The Dead:
The Manuscript of Ibn Fadlan, Relating His Experiences with the Northmen in
A.D. 922,
pp. 18485-.
:‫ انظر‬5
Henry H. H. Remak,
( Comparative Literature: Its Definition and Function),
in
Comparative Literature: Method and Perspective,
Revised Edition,
Edited by Newton p. Stallknecht and Horst Frenz,
(Southern Illinois University Press Carbondale and Edwardsville, 1971), pp.1-
57, particularly p. 1.
:‫ انظر‬6
Rene Etiemble,
The Crisis In Comparative Literature,
Translated, and with a Foreword, by Georges Joyaux and Herbert Weisinger,

25
(Michigan State University Press, East Lansing, 1966), p p. 489-.
:‫ انظر‬7
Ibn Fadlan s Journey to Russia:
‘Tenth-century Traveler from Bagdad to the Volga River
Translated with Commentary by Richard N. Frye
Markus Wiener Publishers< Princeton, 2005))
2008 / ‫ آب‬- ‫ العدد األول‬/ ‫اخليال العلمي‬
‫أدب اخل��ي��ال ال��ع��ل��م��ي من� ٌ‬
‫��ط م��ن الكتابة‬
‫عرفه اإلنسان منذ القديم بدافع من غريزة‬
‫حبّ البقاء والسعي للتط ُّلع إىل الغد اجملهول‬
‫وحماولة استبصار املستقبل‪.‬‬
‫فاخليال إذاً هو الوسيلة ال�تي يتسلح هبا‬
‫ّ‬
‫للولوج إىل العوامل اجملهولة ذل��ك أنّ اخليال‬
‫أساسٌ لإلبداع من خمتلف جماالت احلياة‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫ولئن كان اخليال بصفةٍ عامة عماد األدب‬
‫فقد يكون اخليال العلمي دافعاً أقوى للكتابة‬
‫املختصة‪.‬‬
‫وسعياً لدقة البحث نرى لزاماً علينا أن نشري‬
‫إىل أن أدب اخليال العلمي صنف من األدب‬
‫تنضوي حتته أصنافٌ فرعية من بينها الكتابة‬
‫االستشرافية‪.‬‬
‫ت��ن��ض��وي حت���ت ه���ذا ال���ن���وع م���ن الكتابة‬
‫االس��ت��ش��راف��ي��ة أص��ن��اف حت��ت��ي��ة م��ن بينها‪:‬‬
‫االستشراف االجتماعي‪ ،‬االستشراف البيئي‪،‬‬
‫االستشراف السياسي‪.‬‬
‫ورغ��ب��ة يف التعمق يف البحث سنخصص‬
‫دراس��ت��ن��ا ه��ذه للخيال العلمي املختص يف‬
‫االستشراف السياسي‪.‬‬
‫موضوع هذا النمط من األدب هو استبصار‬
‫التحوالت السياسية يف الكون والتشوق إىل ما‬
‫ستكون عليه ح��ال األم��م والشعوب من قادم‬
‫األزمنة ‪،‬منطلقاته املنهجية متعددة لعل أبرزها‬
‫األح�ل�ام الكابوسية فالكوابيس ه��ي إحدى‬
‫الوسائل اليت هبا خيرج كاتب اخليال العلمي من‬
‫واقعه إىل عامل اخليال وهبا يتحرر من ضغوط‬
‫الراهن وينطلق للتعبري بشيء من احلرية عن‬
‫ختوفه من مقبل األيام‪.‬‬
‫وه��و مايعبَّر عنه باالستشراف السياسي‬
‫عن طريق الكوابيس إذ ينطلق فيه الكاتب من‬
‫مداعبة الواقع لريسُم خارطة للمستقبل يبدو‬
‫مرعباً يف ظ ّل سوء استخدام اإلنسان للعلم‬
‫وسعي بعض الناس لالستيالء على مقدرات‬ ‫‪26‬‬
‫غريهم اعتزازاً بسلطتهم وقوهتم‪.‬‬
‫إن الكاتب يف ه��ذا اجمل��ال ه��و مبثابة من‬ ‫د‪ .‬حممد اهلادي عياد‬
‫يأخذ الثمرة ويكسر ن��واهت��ا ليبذر غرسات‬ ‫( تونس)‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫املاضي ذلك ألن اإلنسان يف هذا الكون أصبح‬ ‫للمستقبل‪.‬‬
‫يعيش يف عصر مليء باالفرتاءات والتضليل‪،‬‬ ‫هذا النوع من الكتابة يضع رجال السياسية‬
‫هذه االفرتاءات وهذا التضليل يشكالن اخلمرية‬ ‫يف عالقة تقابل مع من تكون هلم اجلرأة على‬
‫ال�تي حيتاجها ك��ات�بُ االس��ت��ش��راف السياسي‬ ‫احلديث عن األزمان القادمة‪.‬‬
‫ليعجن اخلبز الذي سيقدمه للقارىء‪.‬‬ ‫عالقة التقابل هذه هي ن��واة االستشراف‬
‫ي���رى ب��ع��ض ال��ن��ق��اد أن امل��واج��ه��ة أفضل‬ ‫السياسي خيافها رجل السياسة ويتشوق إليها‬
‫واالصداع باحلقيقة أمام رجال السياسة أجدى‬ ‫الفرد يف اجملتمع‪.‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ألن اخليال عرب الكوابيس من منظورهم نوعُ من‬ ‫واليستطيع أن يسلك هذا الطريق الشائك‬
‫الكذب‪ ،‬جنيبهم بأن التعبري من خالل الكابوس‬ ‫غري املالحظني السياسني واملؤرخني والباحثني‬
‫هو شكل من أشكال التعبري عن احلقيقة‪ ،‬وإمنا‬ ‫يف احلضارات‪.‬‬
‫جلأ الكتاب إىل اخليال عرب الكوابيس للتعبري‬ ‫ي��رس��م ال��س��ي��اس��ي��ون ال���واق���ع السياسي‬
‫عن احلقيقة‪ ،‬احلقيقة اآلنيَّة وتركوا احلديث‬ ‫وخيططون للمستقبل دون إح��س��اس بنبض‬
‫عن الواقع كي اليضللوا القارىء‪.‬‬ ‫احلياة‪ ،‬دون وعي بقانون التطور‪.‬‬
‫هل���ذا امل��ف��ه��وم ت��ك��ون رواي����ة االستشراف‬ ‫أما كاتب اخليال العلمي فيتصور يف كوابيسه‬
‫السياسي جرساً منبهاً ملا يبدو حقيق ًة أوغري‬ ‫التحوالت السياسية القادمة انطالقاً من قلقه‬

‫حقيقة ولكنها متثل حبالً يشدّ م��ن العتمة‬ ‫من واقعه وانتهاءً بتخوفه من األزمنة اآلتية‪.‬‬
‫ليوصلك إىل فهم أعماق األح��داث الكربى يف‬ ‫كوابيسه هذه هلا ج��ذور ضاربة يف الواقع‬
‫الكون وليُطلعك على أدوار املمثلني فيها وهكذا‬ ‫تنهل منه القلق واحلرية واخلوف وهلا أغصان‬
‫قد يكون أدب اخليال العلمي يف االستشراف‬ ‫يعلوها الكاتب ليستبصر املستقبل‪.‬‬
‫‪27‬‬ ‫السياسي أداةً الستكشاف احلقيقة حقيقة‬ ‫ذلك أن احلاضر يبنى على أنقاض املاضي‬
‫الغد!‬ ‫وسيبنى املستقبل على احلاضر‪.‬‬
‫ً‬ ‫ُ‬
‫وحتى اليكون حبثنا نظريا نقدم مناذج من‬ ‫عرف هذا النوع من األدب طريقه للوجود‬
‫ال��غ��رب وال��ش��رق سامهت يف ترسيخ الكتابة‬ ‫إنطالقاً م��ن اخلمسينية األخ�ي�رة م��ن القرن‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫رقماً يف سجالهتا‪ ،‬يف هذه املدينة تنتفي الثقافة‪،‬‬ ‫املختصة يف االستشراف السياسي‪.‬‬
‫ويُحارب الفن وختتفي املكتبات‪.‬‬ ‫لعل األعمال األوىل اليت اهتمت باالستشراف‬
‫ولكي يلتف الشعب ح��ول احل��اك��م يصطنع‬ ‫السياسي يف الغرب وكان هلا دور الريادة هي‪:‬‬
‫هلم من وقت آلخر أحداثاً وينبههم من اخلطر‬ ‫أفضل العوامل املمكنة لـ ‪ H uxley‬عام‪1931‬‬
‫اإلرهابي فيلْتفون حوله واليفكرون يف الثورة‪،‬‬ ‫رواية ‪ 1984‬ألورويل عام ‪.1948‬‬
‫ويصنع احلاكم بطالً خيرجه من املدينة ويصبح‬ ‫بعدها أصبح االستشراف السياسي ختصصاً‬
‫عدواً حياربه‪ ،‬إذ الميكن أن يقع توازن يف املدينة‬ ‫يف الكتابة يف أمريكا وكثر االنتاج فيه‪.‬‬
‫إذا مل يكن لديهم عدو حياربونه‪ ،‬وإن مل يكن هلم‬ ‫ضج هذا التخصص بعد أح��داث ‪ 11‬أيلول‬ ‫نَ ُ‬
‫عدو يصنعون ع��دواً ليحاربوه‪ ،‬والخيفى ما يف‬ ‫فقد ختيل الكتاب أح��داث�اً أك��د الواقع إمكانية‬
‫هذا التلميح من تصريح‪.‬‬ ‫حدوثها وانتشر هذا النوع من الكتابة انتشاراً‬
‫ً‬
‫مل يكن أدب االستشراف السياسي حكرا على‬ ‫ك��ب�يراً يف أوروب���ا‪ ،‬ولعل أب��رز األع��م��ال يف رأينا‬
‫الغرب بل جند أن كتاب اخليال العلمي العرب‬ ‫هو كتاب ‪Glabalia jeon louis Rariffie‬‬
‫ضربوا فيه بسهم فأصابوا‪.‬‬ ‫‪2004‬‬
‫نذكر يف هذا اجملال رواية‪:‬‬ ‫تعرض فيه ه��ذا الكاتب إىل حتليل مفهوم‬
‫‪ -‬رواية مرايا الساعات امليتة للكاتب التونسي‬ ‫اإلرهاب القادم من اخلارج إنطالقاً من تصوره‬
‫مصطفى الكيالني وه��ي رواي��ة صغرية ظهرت‬ ‫ملدينةٍ هلا قوة عظمى وأسلح ُة فتاكة مغطاة بقبة‬
‫ع��ام ‪ 2003‬وت���دور أح��داث��ه��ا ع����ام‪ 2727‬يصور‬ ‫بالستيكية شفافة عظيمة لتحمي شعبها من‬ ‫‪28‬‬
‫فيها صاحبها ال��ع�لاق��ة ب�ين إن��س��ان الشمال‬ ‫خطر اإلرهابيني القادمني من خارجها‪ ،‬أما من‬
‫وإنسان اجلنوب إذ يُجرب الشمال ُ اجلنوب على‬ ‫الداخل أي حتت القبَّة فيوجد شعبُ‪ ،‬بال هوية‪،‬‬
‫قبول النفايات النووية لدفنها يف أراضيه مقابل‬ ‫بال إيديولوجية يفقد فيه الفرد مالحمه ليصبح‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫لن تصمت طويالً‪.‬‬ ‫إغراءات ماديّة وخاصة مقابل االحتفاظ بكرسي‬
‫كما جند يف رسالة أدب اخليال العلمي دعوةً‬ ‫احلكم‪.‬‬
‫هلؤالء السياسيني إىل ضرورة اإلصغاء إىل هذا‬ ‫وي��ت��ل��وث اجل���و يف ب��ل��دان اجل��ن��وب وتنتشر‬
‫األدب واعتماده يف رسم اسرتاتيجية سياسية‬ ‫االشعاعات النووية ويزول األوكسجني من الفضاء‬
‫ملقاومة هذا اخلطر الزاحف على األمة العربية‬ ‫عندها يُصبح التزود باألوكسجني (باحلياة) عن‬
‫حتديداً وعلى الكون بصفة عامة‪.‬‬ ‫طريق قوارير تُثبّتُ فوق ظهور املواطنني‪ ،‬ومن‬
‫إن أدب االستشراف السياسي اليوم هو املقروء‬ ‫يرضى عنه احل��اك��م يبيع ل��ه األوكسجني ومن‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫أكثر من غريه يف أوروبا وأمريكا فالشعوب هناك‬ ‫اليرضى عنه ميوت خنقاً وهكذا يصبح احلاكم‬
‫تتلقف روايات اخليال العلمي تلقفاً‪.‬‬ ‫متحكماً يف احلياة واملوت من يريد احلياة قبل‬
‫ولئن كانت هذه الروايات بصفة عامة مصدر‬ ‫ال���ذل واإله��ان��ة يف ع��امل الوج���ود فيه للثقافة‬
‫إهلام للمخرتعني والعلماء فإهنا بالنسبة للمواطن‬ ‫واملبادىء‪.‬‬
‫تشوق ملا سيكون عليه عامل الغد‪ ،‬وهي بالنسبة‬ ‫ٌ‬ ‫ح��اول الكاتب يف ه��ذه ال��رواي��ة تعرية حكام‬
‫لرجال السياسة وللحكماء منهم خاص ًة العمود‬ ‫بلدان اجلنوب من ناحية وفضح استغالل دول‬
‫الفقري لرسم اسرتاتيجيات املستقبل إستعداداً‬ ‫الشمال لدول اجلنوب‪.‬‬
‫ل�لأزم��ن��ة امل��ق��ب��ل��ة ل��ذل��ك ت���رى ال��س��ي��اس��ي�ين يف‬ ‫كذلك جند رواية كبرية للدكتور طالب عمران‪:‬‬
‫الغرب حييطون أنفسهم ب ٌكتّاب اخليال العلمي‬ ‫هي األزمان املظلمة ظهرت سنة ‪ 2003‬يعرّفها‬
‫ويستشريوهنم يف تصور املستقبل ويستمعون إىل‬ ‫صاحبها بأهنا تصورٌ لقرن بدت مالحمه املرعبة‬
‫آرائهم‪.‬‬ ‫يف الثاني عشر من الشهر التاسع تدور أحداثها‬
‫لقد أدرك السياسيون يف الغرب قيمة اخليال‬ ‫عام ‪.2039‬‬
‫العلمي واالستشراف السياسي فشجّعوه وأحاطوه‬ ‫ميكن أن تصنَّف هذه الرواية على أهنا العمل‬
‫بالرعاية والعناية‪.‬‬ ‫األس��اس ال��ذي رس��م حجر ال��زاوي��ة للكتابة يف‬
‫مل تستمد القوة السياسية العظمى يف العامل‬ ‫أ ْ‬ ‫االس��ت��ش��راف ال��س��ي��اس��ي‪ ،‬معها سيتطور هذا‬
‫اليوم قوهتا من إستشراف رجاهلا للمستقبل‬ ‫التخصص وينمو لنتناوهلا بالبحث والتحليل‪.‬‬
‫فأسسوا إسرتاتيجيات لسيادة العامل واالستيالء‬ ‫إن املرجعية األساسية للكتابة يف االستشراف‬
‫على مقدراته فافتعلوا أحداثاً اختذوها ذريع ًة‬ ‫السياسي ه��ي األح����داث ال�تي يعيشها العامل‬
‫للوصول إىل مصادر ث��روة اآلخ��ري��ن فاستولوا‬ ‫العربي والقلق والرعب واملهانة اليت يعاني منها‬
‫ليضمنوا ألنفسهم التفوق املستمر؟‬ ‫عليها ْ‬ ‫هذا املواطن ‪.‬‬
‫فلنتساءل حنن اليوم ومن هذا املؤمتر بالذات‬ ‫وال بد من مالحظة أن اخليال العلمي حياول‬
‫أين حنن من قراءة أدب اخليال العلمي؟‬ ‫أكثر فأكثر االعتناء باملشاكل السياسية فهو أدب‬
‫ه���ل أول��ي��ن��اه ك���ق���رّاء ون��� ّق���اد ال��ع��ن��اي��ة اليت‬ ‫حامل لرسالة أكيدة وخطرية‪.‬‬
‫يستحقها؟‬ ‫أكيدة ألن على عاتقه اليوم مسؤولية توعية‬
‫هل أوليناه كسياسيني الرعاية الالزمة؟‬ ‫بين قومه ملا يُحاك ضدهم من مؤامرات لسلب‬
‫هل أوليناه ك ُكتّاب العمق ال�لازم والتحليل‬ ‫مكتسباهتم وضرب هويتهم‪.‬‬
‫الدقيق لينافس غريه من أدب اخليال العلمي يف‬ ‫وخ��ط�يرةٍ ألن كالمهم م��وج �هُ أي��ض �اً لرجال‬
‫‪29‬‬ ‫الغرب لريقى إىل مستوى الرسالة الكونية اليت‬ ‫السياسة غايته تنبيههم إىل األخطار احملدقة‬
‫تعتين هبموم اإلنسان حيثُما كان؟‬ ‫ب��األم��ة وك��ش��ف تواطئهم م��ع ال��ق��وة السياسية‬
‫هل أوليناه كناشرين العناية الالزمة إلخراجه‬ ‫العظمى ال�تي تساومهم على ك��رام��ة شعوهبم‬
‫يف ثوب حسن حتى يلقى إقباالً ويغري القارئ؟‬ ‫بالكرسي وتنبههم هذه الرسالة على أن الشعوب‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫قبل احلديث عن أدب اخليال العلمي‪ ،‬أود‬
‫التوقف عند قول لـ مارتن هيدجر جاء فيه‪:‬‬
‫(إن اإلنسان حيمل ثالثة أبعاد‪ ،‬أو كائن ثالثي‬
‫األبعاد املاضي‪ ،‬احلاضر واملستقبل)‪.‬‬
‫فالذاكرة هي وعي يف املاضي‪ ،‬واإلدراك‬
‫احلي هو وعي يف احلاضر‪ ،‬بينما اخليال هو‬
‫وعي يف املستقبل‪.‬‬
‫وبالتايل اختلف علماء النفس حول طبيعة‬
‫اخليال وق��ال بعضهم‪ :‬إن اخليال هو إعادة‬
‫متثل الشيء املدرك‪ ،‬أو إن التخيل هو إدراك‬
‫حسي جديد‪ ،‬بينما اعترب سارتر أن اخليال‬
‫هو إدراك شيء غري موجود‪ ،‬أو التفكري بشيء‬
‫غري موجود وقارن بني اخليال العادي واخليال‬ ‫‪30‬‬
‫املبدع‪ ،‬فاخليال العادي كما أشرت هو جمرد‬
‫إعادة خمففة لصور سبق إدراكها‪ ،‬أما اخليال‬
‫املبدع فهو حماولة من اإلنسان لتجاوز قيود‬ ‫د‪ .‬قاسم قاسم‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫قلنا إن الطريان مت بواسطة اخليال املبدع‪،‬‬
‫وكذلك بساط الريح ومصباح ع�لاء الدين‬
‫وطاقية اإلخفاء‪ ،‬هذه األدوات ماهي إال دليل‬
‫على حماولة اخ�تراق ح��دود املكان والزمان‪،‬‬
‫ورمبا يسأل أحدنا‪ :‬ملاذا كان العقل يف مرحلة‬
‫سبات عميق‪ ،‬أو باألصح يف مرحلة متأخرة‬
‫عن اخليال؟‪.‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫اجل��واب بسيط‪ ،‬إن طفولة البشرية تبدأ‬


‫دائماً باخليال‪ ،‬والعرب وجدوا أنفسهم أهنم‬
‫اخرتقوا املستحيل‪ ،‬وه��ذا مايسمى باملعجزة‬
‫اإلبداعية‪ ،‬هذه املعجزة تعين ما ابتكره اخليال‬
‫م��ن أدوات للسفر قبل ب��س��اط ال��ري��ح‪ ،‬اليت‬
‫ستبقى تدهش العامل‪.‬‬
‫إن اخليال الحيده زمان ومكان‪ ،‬هو سفر‪،‬‬
‫إحب����ار يف ع����وامل ج���دي���دة‪ ،‬ه��و استشراف‬
‫للمستقبل يدفع اإلن��س��ان حن��و البحث عن‬
‫عامل أفضل‪ ،‬وهذا اليعين البحث عن يوتوبيا‬
‫ج��دي��دة‪ ،‬ب��ل املطلوب اخ�ت�راق اجمل��ه��ول‪ ،‬حنو‬
‫مسامهة خيالية‪.‬‬
‫واخليال تركيب واق��ع جديد‪ ،‬وخصوصاً‬
‫العلمي منه ب��اإلض��اف��ة إىل أن���واع أخ���رى –‬
‫السياسي – الرعب – الفنتازيا – اخلرافة‪.‬‬
‫وال��رواي��ة العلمية هي رؤي��ة دوهن��ا صعوبات‬ ‫الزمان واملكان‪.‬‬
‫مجة وخصوصاً الواقع املعيش‪ ،‬فالواقع يشكل‬ ‫إذاً اخليال املبدع هو حماولة لتجاوز قيود‬
‫لإلنسان معاناة تضطره دائ��م�اً للبحث عن‬ ‫ال��زم��ان وامل��ك��ان‪ ،‬فعندما ح��اول عباس ابن‬
‫شكل تعبريي للتخفيف م��ن ثقله‪ ،‬واخليال‬ ‫فرناس الطريان‪ ،‬هل ساعدته بيئته على ذلك؟‬
‫هو خ��روج إجيابي حيث يتطلع اإلنسان عرب‬ ‫رمبا وجود الطري – شكله‪ ،‬لكن الفكرة كانت‬
‫الصورة حلياة جديدة‪ ،‬ورواية اخليال العلمي‬ ‫برأسه وما رآه خارجاً ساعده على إخراجها‪،‬‬
‫تعكس روح العصر‪ ،‬تستنفر ق��وى اإلنسان‬ ‫وه��ك��ذا مجيع العلماء‪ Newton .‬عندما‬
‫وحت��ف��زه حن��و املستقبل وه��و ن��وع ج��دي��د يف‬ ‫شاهد التفاحة تسقط على األرض‪ ،‬اليعين‬
‫عاملنا العربي‪ ،‬وحيتاج إىل وقت طويل لتوضيح‬ ‫أن املشاهدة هي اليت ذهبت إىل إبداع معادلة‬
‫هذا النوع ومقارنته مع األن��واع األخ��رى هذا‬ ‫اجلاذبية‪ ،‬الش��ك أن العامل أو املبدع يتمتع‬
‫مع اإلشارة إىل وجود أمساء المعة وهي على‬ ‫باملالحظة الشديدة ولكن رأسه يكون متوقداً‬
‫سبيل املثال ال احلصر‪:‬‬ ‫واليلزمه سوى بريق ليشتعل‪.‬‬
‫‪31‬‬ ‫(توفيق احلكيم‪ :‬سنة املليون‪ ،‬هناد شريف‪:‬‬ ‫عند ع��ب��اس ب��ن ف��رن��اس‪ ،‬انطلقت فكرة‬
‫قاهر الزمن‪ ،‬مصطفى حممود‪ :‬رج��ل حتت‬ ‫الطريان وهو جتاوز املبدعني حتى بداية القرن‬
‫ال��ص��ف��ر‪ ،‬ص�ب�ري م��وس��ى‪ :‬ال��س��ي��د م��ن حقل‬ ‫العشرين‪ ،‬م��اه��ذه املفارقة العجيبة؟ فهذا‬
‫السبانخ‪ ،‬إيهاب األزه���ري‪ :‬الكوكب امللعون‪،‬‬ ‫اإلنسان مر عليه التاريخ مرور الكرام‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫غ��زاة من الفضاء‪ ،‬طالب عمران (سورية)‪:‬‬
‫نافذة على كوكب احلياة‪ ،‬قاسم قاسم (لبنان)‪:‬‬
‫حدث أن رأى‪ ،‬إدريس اللياني (املغرب)‪.‬‬
‫والش��ك أن أي رواي���ة‪ ،‬إىل أي ن��وع انتمت‬
‫يلزمها تفتيش وجتميع معلومات‪ ،‬لكن الصعوبة‬
‫تكمن يف رواية اخليال العلمي أكثر من غريها‬
‫بسبب اعتمادها على معلومات حمققة أو‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫على ختيل ملستقبل جديد‪ ،‬وبالتايل فالكتابة‬
‫العلمية ليست كتابة للماضي‪ ،‬والهت��دف إىل‬
‫تلمس الواقع كما هو‪ ،‬بل تستمد منه أفكارها‬
‫لتنطلق إىل األمام‪ ،‬ومبا أن احلياة حلم كبري‪،‬‬
‫فالكتابة حبد ذاهتا هي متعة الوصول إىل هذا‬
‫احللم‪ ،‬واملهم أن يتخيل الكاتب‪ ،‬أن ينزع حنو‬
‫احلرية‪ ،‬أن يعرب عن واقع يعيشه‪ .‬إن االنطالق‬
‫يف اخل��ي��ال م��وج��ود يف امل�لاح��م واألساطري‬
‫وال��س�ير‪ ،‬مب��اذا نسمي أل��ف ليلة وليلة‪ ،‬لقد‬
‫نشأت ومت��ي��زت بالسعي إىل اخ�ت�راق حدود‬
‫الزمان واملكان‪ ،‬وعندما كان العقل عاجزاً عن‬
‫اخرتاق املستحيل‪ ،‬جاء اخليال‪ ،‬وذهل اإلنسان‬
‫ووقع يف التساؤل‪ ،‬املهم أن نبدأ أن حناول أدباً‪،‬‬
‫علماً‪ ،‬النفاذ باخليال إىل عامل جديد‪.‬‬
‫والرواية العلمية ختطت بيئتها وبيئة الكاتب‪،‬‬
‫وحلقت يف ع��وامل م��ت��ع��ددة‪ ،‬وص��ار الفضاء‬
‫ملعباً صغرياً أمام التكنولوجيا القادمة‪ ،‬ومتدد‬
‫الواقع إىل حيث الحدود له‪ ،‬فها هي ذي أدوات‬
‫االتصال املعاصرة توفر الذهاب إىل اجلامعات‬
‫البعيدة وتغين الطالب عرب اإلنرتنيت مبعلومات‬
‫ال تتوفر يف مكتبة واح����دة‪ ،‬وب��ال��ت��ايل فإن‬
‫الكشوفات العلمية اآلتية ستحقق تواصالً أكرب‪،‬‬
‫وسيصبح العامل مرئياً ومكشوفاً وأدب اخليال‬
‫العلمي يبقي املكان أكثر التصاقاً باملستقبل‬ ‫يوسف عز الدين عيسى‪ :‬ليلة العاصفة‪،‬‬
‫وتعلقاً بعوامل احلداثة والتكنولوجيا‪ ،‬والتحول‬ ‫راجي عنايت‪ :‬أحالم اليوم حقائق الغد‪ ،‬طيبة‬
‫إىل كتابة اخليال العلمي ترتبط باحلال الواقعة‬ ‫اإلبراهيم (الكويت)‪ :‬اإلنسان الباهت صدرت‬
‫بني داخل اإلنسان وخارجه‪ ،‬والتأتي وحدها‪،‬‬ ‫عام ‪1991‬م‪ ،‬حممد احلبابي (املغرب)‪ :‬إكسري‬
‫هي نتيجة اختمار متعدد‪ :‬حاجة ذاتية ‪ +‬هم‬ ‫احلياة‪ ،‬حممد العشري (مصر)‪ :‬هالة النور‬ ‫‪32‬‬
‫خارجي ‪ +‬قراءة واعية‪.‬‬ ‫‪ ،2002‬أش��رف الفقيه (ال��س��ع��ودي)‪ :‬صائد‬
‫وي�برز أم��ام ه��ذه العناصر الثالثة ارتباك‬ ‫األشباح ‪1997‬م‪ ،‬أنيس منصور (مصر)‪ :‬الذين‬
‫واضح يف البيئة الزمانية واملكانية‪ ،‬فالكاتب‬ ‫ع��ادوا إىل السماء‪ ،‬رؤوف وصفي (مصر)‪:‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫‪Science Fiction‬‬

‫مترين عقلي‪ ،‬فكما حنن حباجة لكي نفكر‬ ‫الذي ينتمي إىل الشرق وحيلق يف أدوات الغرب‬
‫كذلك حنن حباجة لكي نتخيل‪.‬‬ ‫جيد نفسه يف حالة اغرتاب‪ ،‬هذا الكالم صحيح‬
‫واخليال وظيفته التصور‪ ،‬فاإلنسان العادي‬ ‫ألن جمتمعنا منمط وغائي‪ ،‬بينما اجملتمعات‬
‫اليستطيع أن يرسم كرسياً أو طاولة‪ ،‬إال إذا‬ ‫األخ��رى كاجملتمع الياباني مثالً‪ ،‬عوض عن‬
‫ارتسمت أمامه األشياء‪ ،‬بينما احملرتف يقدر‬ ‫هزميته يف احلرب بالتكنولوجيا ومل يبتعد عن‬
‫على تصور األشياء‪ ،‬والذي ميلك خياالً نسبياً‬ ‫طقوسه‪ ،‬فالتكنولوجيا تزور اإلنسان يف بيئته‪،‬‬
‫أع��ل��ى م��ن اآلخ���ر‪ ،‬ي��ذه��ب أح��ي��ان �اً كما فعل‬ ‫واليستطيع اهل��رب منها‪ ،‬ولكن اجملتمعات‬
‫سلفادور دايل إىل عامل األحالم واهلذيان‪ ،‬وأي‬ ‫الغائية حبالة انفصام بني سلوكها ووعيها‪،‬‬
‫إعالن تلفزيوني‪ ،‬ال يأتي إال بعد صداع وحبة‬ ‫كذلك بني وعيها الداخلي املوروث وبني وعيها‬
‫أسربين‪ ،‬ومتطلبات اإلعالنات متعددة والسوق‬ ‫املكتسب‪ ،‬فهناك جدار بني الالوعي والوعي‪،‬‬
‫يستهلك واألفكار األمجل هي األجنح‪.‬‬ ‫وأحياناً يطرح الصحافيون أسئلة‪ :‬أال يعين‬
‫وأدب اخل��ي��ال العلمي م��ن أص��ع��ب أنواع‬ ‫الذهاب إىل أدب اخليال العلمي‪ ،‬هروباً من‬
‫األدب‪ ،‬فاخليال العلمي العربي اليزال ينظر‬ ‫الواقع؟‬
‫إليه كما ينظر إىل أدب األط��ف��ال والفتيان‪،‬‬ ‫إن الكتابة العلمية‪ ،‬ليس هل��ا م��ك��ان يف‬
‫اليوجد حركة أدبية واضحة املعامل‪ ،‬بل هناك‬ ‫وج��دان��ن��ا ب��ل أي��ض �اً يف ذاك��رت��ن��ا‪ ،‬وحماولة‬
‫جتارب ومبادرات فردية‪.‬‬ ‫الوصول إليها تشكل حتدياً يقبله الكاتب أو‬
‫واخل�����ي�����ال ال���ع���ل���م���ي ه����و أدب ال���ق���رن‬ ‫يهرب منه‪ ،‬مادامت الكتابة هي استشراف‪،‬‬
‫العشرين‪ ،‬وقد انطلق عند الكاتب الفرنسي‬ ‫ومبا أن الفضاء أصبح واقعاً جديداً‪ ،‬فقد صار‬
‫‪1757 – 1657 Fontenelle‬م والذي ختيّل‬ ‫لدينا واقعان‪ ،‬مبعنى آخر‪ ،‬إن املكان باملفهوم‬
‫يف روايته (لقاءات يف قمة العامل) وجود حياة‬ ‫البسيط سيتالشى‪ ،‬وق��د ب��دأ بالفعل رعد‬
‫فوق سطح القمر ويقال‪ :‬إن إدغ��ار اآلن بو‪،‬‬ ‫رحالت الفضاء البعيدة‪.‬‬
‫‪33‬‬ ‫أحد األدب��اء الذين بشروا بظهور هذا النوع‬ ‫إن امل��ش��ك��ل��ة يف األس����اس ه��ي االبتكار‪،‬‬
‫والجمال هنا لذكر العديد من األمساء‪.‬‬ ‫واالبتكار ليس ه��روب�اً من ال��واق��ع كما حتلو‬
‫لذلك فاخليال العلمي يقدم طريقاً بديالً‬ ‫التسمية للنقاد‪ ،‬اخليال مترين على التصور‪،‬‬
‫لالهتمامات العامة‪ ،‬ويهدف إىل عرض احلقيقة‬ ‫وكما قال الفيلسوف (كانت)‪ :‬إن الفلسفة هي‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ب��ع��داً اجتماعياً أش��د التصاقاً م��ن الرواية‬ ‫العلمية‪ ،‬وهو يعاجل األفكار االجتماعية‪،‬‬
‫الواقعية عن أدوات وقصص الواقع‪ ،‬ونعين هنا‬ ‫وليس هدف اخليال العلمي التنبؤ باملستقبل‪،‬‬
‫أن بوسع أدب اخليال العملي أن يؤثر باجليل‬ ‫ب��ل حي���اول أن ي��ص��ور لنا املستقبل املمكن‪،‬‬
‫فيقودهم حنو اإلثراء‪.‬‬ ‫وكذلك تستطيع الرواية العلمية أن توضح أو‬
‫هذا على املستوى النظري أما على املستوى‬ ‫تساعد يف فهم التغري االجتماعي والثقايف‪،‬‬
‫العملي‪ ،‬فرواية اخليال العلمي نادرة يف وطننا‬ ‫وبالتايل الدور تنبئي له‪ ،‬فليس باإلمكان فعل‬
‫وس��ب��ب ال��ن��درة ي��ع��ود إىل صعوبة العناصر‬ ‫شيء للمستقبل‪ ،‬كرسالة أدب اخليال العلمي‪،‬‬
‫املؤسسة ألية رواي��ة‪ ،‬وبالتايل اإلرب��اك الذي‬ ‫تتمدد يف تنمية خميلة اإلنسان ومنحه القدرة‬ ‫‪34‬‬
‫حصل عند تركيب املادة العلمية مع الصورة‬ ‫على التفكري باملستقبل‪ ،‬وبوسعه أيضاً حتذير‬
‫الفنية‪ ،‬وإىل سبب هو املناخ الثقايف والضغط‬ ‫الناس وصرف أذهاهنم إىل املخاطر اليت قد‬
‫السياسي ما يدفع الكاتب إىل التبصر بقضايا‬ ‫تكون خافية عليهم‪ ،‬وميتلك اخليال العلمي‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫على املتفوقني‪ ،‬فرأيت أن أقدم هلم تذكرة سفر‬
‫عرب رحلة يف الفضاء اخلارجي‪.‬‬
‫إذاً إن البيئة املكانية الزمانية‪ ،‬خرجت من‬
‫املدرسة ومن فكرة اجلائزة‪.‬‬
‫أما رواي��ة (حدث أن رأى) فلم حتمل اهلم‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الروائي األدبي مبعناه العادي إمنا محلت مهوم‬


‫اإلنسان ومصريه على األرض واجملتمع الذي‬
‫يعيش فيه‪ ،‬والتقنيات اليت يصورها واملخاطر‬
‫ال�تي يتحملها وقلقه يف اكتشاف الكواكب‬
‫اجملهولة‪ ،‬وإمكانية وجود حضارات فضائية‬
‫خمتلفة عن احلياة على األرض‪.‬‬
‫ويف (ل��ع��ن��ة ال���غ���ي���وم) اب��ت��ك��رت طريقة‬
‫تكنولوجية متطورة إلزال��ة التلوث أو الغيوم‬ ‫أكثر التصاقاً مبجتمعه‪.‬‬
‫السوداء‪ ،‬وهي فكرة مأخوذة من بيئة واقعية‬ ‫وسأحاول قراءة جتربيت‬
‫هي تراكم النفايات أمام منزيل إبان احلرب‬ ‫فالرواية تنجز يف املدينة‪ ،‬بغض النظر عن‬
‫اللبنانية‪ ،‬فنقلت الفكرة خارج زماهنا ومكاهنا‬ ‫املستوى العلمي واحل��اف��ز‪ ،‬ف��ال��والدة داخلية‬
‫وعملت على التلوث البيئي ال��ذي حياصر‬ ‫وخارجية‪ ،‬داخلية تأتي جتميعاً لعناصر منذ‬
‫اإلنسان والكرة األرضية وخماطر ذلك على‬ ‫الطفولة ثم حماكاة هذه العناصر اليت تتحول‬
‫ثقب األوزون‪.‬‬ ‫إىل هاجس مع اخلارج‪ ،‬رمبا يكون فارغاً‪ ،‬ال‬
‫‪35‬‬ ‫أما يف رواية (جسد حار) فالفكرة مأخوذة‬ ‫إشارات علمية فيه وقد خرجت رواية (الرحلة)‬
‫من عامل واقعي وهي عن ام��رأة تويف زوجها‬ ‫أوىل أعمايل مكافأة لرفاق الصف‪ ،‬أحببت‬
‫ج���راء ح���ادث س��ي��ارة‪ ،‬ف��ان��زوت ع��ن اجملتمع‬ ‫أن أج��وب معهم الفضاء‪ ،‬لقاء جناحهم يف‬
‫مل��دة ث�لاث س��ن��وات‪ ،‬فحاولت ق��در املستطاع‬ ‫الشهادة‪ ،‬وإذا كان تقليدياً أن يتم توزيع روايات‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫مساعدهتا لكنها كانت تأبي واملثل الشعيب‬
‫ي��ق��ول‪( :‬م���ا ت��ق��ول للمغين غ�ني ح��ت��ى يغين‬
‫لوحده)‪ ،‬أمام إصرارها استوحيت شخصيتها‬
‫ومحلتها إىل بيئة جديدة وأدخلت الضوء الذي‬
‫هو عبارة عن نور داخلي يساعد األرملة على‬
‫رؤية العامل من جديد‪.‬‬
‫ودائماً أطرح السؤال على نفسي‪ ،‬ما الذي‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫دفعين إىل كتابة اخليال العلمي؟ مادامت البيئة‬
‫االجتماعية مليئة بالقصص واحلكايات‪،‬‬
‫فلماذا هذا التعب واللهاث وراء األرقام وابتداع‬
‫ص��ور وح��ك��اي��ا ل��واق��ع ج��دي��د‪ ،‬وبيئة زمانية‬
‫ومكانية جديدة؟ وأع��ود للتساؤل هل ميكن‬
‫لكاتب أن يكتب عمالً بعيداً عن مهوم ومشاكل‬
‫جمتمعه؟‬
‫إن اإلنسان اليوم حماصر بكم هائل من‬
‫األدوات العلمية‪ ،‬وم��ن الي��دخ��ل يف عاملها‬
‫يبق خارج العصر‪ ،‬واليعين ذلك التخلي عن‬
‫اخلصوصية اخلاصة والعامة‪ ،‬ولكن التواصل‬
‫مع متطلبات العصر يشكل ح��اف��زاً لتطوير‬
‫القدرات البشرية‪ ،‬والذي الينفتح على العصر‬
‫أو يأخذ منه قسماً ويرتك القسم الباقي يشبه‬
‫اإلنسان الضائع املتأرجح بني اخلوف والتهور‬
‫وقد قال أرسطو‪ :‬إن الشجاعة هي احلد بني‬
‫اجلنب والتهور‪.‬‬
‫إذاً الشجاعة أن حت��دث نفسك وحتدث‬
‫اجملتمع‪ ،‬لقد ت��غ�يرت أدوات ال��ف��ارس‪ ،‬لكن‬
‫صفاته مل تتغري‪ ،‬والفارس الذي ميتطي العصر‬
‫يشبه عباس بن فرناس بعصر جديد وأدوات‬
‫جديدة‪.‬‬
‫يف هذا اجملال يقول العامل املصري أمحد‬
‫زويل‪ :‬إن حياتنا العلمية فقرية للغاية‪ ،‬وتقرتب‬
‫من الصفر وبالتايل الشعور باإلحباط جراء‬
‫استخفاف القراء ودور النشر هبذا النوع من‬
‫األدب هو ما جعل الكاتب السعودي أشرف‬
‫الفقيه يتوقف عن الكتابة‪.‬‬ ‫‪36‬‬
‫رمب��ا ه��ذا األم��ر جيعلين أطلب اسرتاحة‬
‫فأكتب أحياناً خارج اخليال العلمي‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫من كواكب اجملموعة الشمسية‬

‫الزهرة‬
‫إن كوكب الزهرة كان وال يزال أملع جرم‬
‫مساوي بعد الشمس و القمر‪ ،‬ولعل هذا هو‬
‫السبب يف تسميته بنجمة الصباح تارة وجنمة‬
‫املساء تارة أخرى‪ ،‬تتوفر الزهرة على غالف‬
‫جوي مسيك جدا و كثيف‪ ،‬ما جيعل مشاهدة‬
‫سطحها أم��را صعبا للغاية‪ ،‬و يتكون هذا‬
‫الغالف أساسا من الغاز الكربوني ومحض‬
‫السولفرييك‪ .‬و تعزى احلرارة الالهبة على‬
‫سطحها إىل مفعول البيت ال��زج��اج��ي أو‬
‫االحتباس احل��راري الناتج عن كثافة الغاز‬
‫الكاربوني ال��ذي حييل ه��ذا الكوكب الذي‬
‫تغنى جبماله القدماء إىل جحيم ال يطاق‪.‬‬

‫عطارد‬
‫ع���ط���ارد ه���و أق����رب ك���واك���ب اجملموعة‬
‫الشمسية إىل ال��ش��م��س‪ ،‬وت��غ��ط��ي قشرته‬
‫السطحية الصخرية قلبا هائال من احلديد‪،‬‬
‫و املثري لالنتباه يف هذا الكوكب هو سطحه‬
‫املليء بالفوهات اليت خلفتها النيازك اليت‬
‫اصطدمت به على مر السنني‪ .‬أما بالنسبة‬
‫للغالف اجلوي‪ ،‬فهو جد نادر‪ ،‬ماعدا نسب‬
‫قليلة من اهليدروجني و اهليليوم‪ .‬أما درجات‬
‫احل��راة‪ ،‬فالعليا تسجل يف اجلانب املواجه‬
‫للشمس‪ ،‬يف ح�ين أن اجل��ان��ب املظلم أبرد‬
‫بكثري‪ ،‬و يعود ه��ذا االختالف إىل أمرين‪:‬‬
‫أوهلما بطء دورة عطارد حول حم��وره فهو‬
‫يتمها يف ‪ 59‬يوما أرضيا‪ ،‬وثانيهما انعدام‬
‫الغالف اجلوي أو باألحرى ندرته‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫‪Science Fiction‬‬
‫نتخيل أدب اخليال العلمي‪ ،‬فال نعثر على‬
‫خياالته‪ ،‬وال على آثاره‪ ،‬وال على تياراته‪ ،‬والعلى‬
‫احلاالت النقدية اليت تتبعه‪ ،‬رغم أننا استوردنا‬
‫األدب الروائي واملسرحي من الغرب ‪ ،‬مل نستطع‬
‫أن نقارب أدب اخليال العلمي‪ ،‬كما مل نستطع‬
‫مقاربة أدب ال��رواي��ة البوليسية‪ ،‬وحتى حني‬
‫استوردنا أدب الرواية حاولنا جتذيره‪ ،‬وإجياد‬
‫قرائن له يف الواقع والرتاث‪ ،‬لكن ذلك مل يفلح‬
‫يف توليد نظرية نقدية تقول بأن السرد الروائي‬
‫م��وج��ود يف ال�ت�راث‪ ،‬كما ه��و أل��ف ليلة وليلة‪،‬‬
‫وكما يف قصص الشطار والعيارين‪ ،‬وكما عند‬
‫ابن املقفع أو اجلاحظ هذا اليستقيم كثرياً مع‬
‫نظرية الرواية يف الغرب‪ ،‬لكننا نستطيع أن نعلق‬
‫ونتعالق بكلمة اخليال‪ ،‬حيث اخليال متمايزيف‬ ‫‪38‬‬
‫ألف ليلة وليلة‪ ،‬وهناك يف الرتاث خياالت كثرية‬
‫غريها‪ ،‬كما هي احلال عند ابن طفيل يف « حي‬
‫بن يقظان» وبعض قصص املؤرخني واجلغرافيني‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫اخل���ي���ال‪ ،‬ح�ين يعمد م��ؤل��ف��ه إىل خ��ل��ق عامل‬ ‫العرب واملسلمني‪ ،‬فاملسعودي يف كتابه مروج‬
‫خ��ي��ايل‪ ،‬أو ك��ون ذي طبيعة ج��دي��دة مستعيناً‬ ‫الذهب ومعادن اجلوهر يورد قصة اإلسكندر‬
‫بتقنيات أدبية تتضمن وتنطوي على فرضيات‪،‬‬ ‫الذي سعى إىل اكتشاف أعماق البحر‪ ،‬كما يورد‬
‫أو االس��ت��ن��اد إىل نظريات علمية فيزيائية‪-‬‬ ‫القزويين‪ ،‬حكاية عوج بن عناق القادم من كوكب‬
‫بيولوجية‪ -‬تكنولوجية‪ ،‬أو حتى فلسفية‪ ،‬حيث‬ ‫آخ��ر‪ ،‬يف عجائب املخلوقات‪ ،‬وك��أن الفارابي‬
‫يتخيل املؤلف نتائج هذه الظواهر أو الفرضيات‬ ‫الذي كتب آراء أهل املدينة الفاضلة‪ ،‬والدولة‬
‫والنظريات يف اكتشاف ما ستؤول إليه احلياة‬ ‫املثلى اليت حتقق السعادة‪ ،‬قد سبق اإلنكليزي‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫أو حم���اوالً ط��رح منظومات قيم ج��دي��دة يف‬ ‫توماس مور يف مؤلفه « اليوتوبيا»‬
‫عوامل خمتلفة‪ ،‬ومامييز أدب اخليال العلمي هو‬ ‫إن مؤلفات كهذه مل تكن ألدباء أو علماء بل‬
‫تساوقه مع النظريات العلمية دون اإلستعانة‬ ‫كانت لفالسفة يعرفون ثقافات عصرهم يف‬
‫بقوى سحرية أو فوق طبيعية‪ ،‬كي يتمايز عن‬ ‫العلوم والفنون واآلداب حيث ابن طفيل طبيب‬
‫الفانتازيا كما يقال‪.‬‬ ‫وفلكي‪ ،‬كما كان عمر اخليام عامل رياضيات‪،‬‬
‫فلكياً وش��اع��راً أي��ض �اً‪ ،‬وال��ف��اراب��ي فيلسوف‬
‫مامــــن أدب خيال‬ ‫وموسيقي كما نعرف‪ ،‬وكان الفيلسوف الكندي‬
‫عاملاً بالفيزياء والبصريات‪ ،‬كما كان أول من‬

‫علمي لدينا‪ ،‬رمبا‬ ‫لعب بتشفري اللغة والرسائل كما أن ابن اهليثم‬
‫قد قارب علوم األحياء والتطور وكتب احليوان‬
‫شهرية يف الرتاث كما عند الدمريي واجلاحظ‪،‬‬
‫ألننـــــــا نستهلـك‬ ‫واجل��غ��رايف ال��ق��زوي�ني‪ ،‬وك��أن جابر ب��ن حيان‪،‬‬
‫ت��ط��ارح ن��ظ��ري��ات االس��ت��ن��س��اخ يف األخليمي‪،‬‬
‫نتاجــــات العلـــم‬ ‫وحجر الفالسفة‪ ،‬اخرتاع عربي إسالمي‪ ،‬كذلك‬
‫الصفر واللوغاريتم اجلرب للخوارزمي‪،‬وأعداد‬
‫والن������س������اه������م‬ ‫الكومبيوتر موجودة يف الرياضيات العربية‪-01‬‬
‫‪ .03-02‬وه��ك��ذا يكون اخل��ي��ال متطارحاً يف‬

‫ف��ي��ه ك��م��ا يقال‬ ‫الرتاث اجرتحه علماء وأدباء ومؤرخون ورحالة‬


‫جغرافيون‪ ،‬علينا أن نعرف أن من تطلع إىل‬
‫السماء سكان املنطقة يف حضاراهتم درسوا‬
‫مامن أدب خيال علمي لدينا‪ ،‬رمب��ا ألننا‬ ‫الفلك‪ ،‬كما أهنم تكاشفوا اإلميان‪.‬‬
‫نستهلك نتاجات العلم ‪ ،‬والنساهم فيه كما يقال‪،‬‬ ‫ه��ذه اإلش���ارات التغين والتسمن من جوع‪،‬‬
‫كذلك حنن النرتجم أدب اخليال العلمي‪ ،‬ومل تكن‬ ‫إال أن خيال ألف ليلة وليلة علينا ترصده يف‬
‫النهضة معنية بذلك على قدر كاف رغم املعركة‬ ‫اآلداب العاملية احلديثة يف ال��رواي��ة ( أمريكا‬
‫اليت حصلت يف عشرينيات وثالثينيات القرن‬ ‫اجلنوبية) ويف امل��س��رح‪ ،‬ويف السينما‪ ،‬وحتى‬
‫املاضي‪ ،‬عن نظرية التطور ونظرية اخللق واليت‬ ‫املوسيقى شهرزاد كورساكوف‪ ،‬حتى نتعرف‬
‫هي قائمة اآلن يف أمريكا‪ ،‬وأمام احملاكم بالنسبة‬ ‫على فقر استثمارنا للخيال يف ال�تراث‪ ،‬ورمبا‬
‫‪39‬‬ ‫إىل مناهج التعليم‪ ،‬وألن اخليال يف مفهوم اخللق‬ ‫البناء عليه‪،‬بتفتيق‪ ،‬وتشقيق خيال جديد جمدد‪،‬‬
‫واالبتداع والبدع‪ ،‬قد اليكون لنا ما يستثرينا يف‬ ‫يكون يف صلب اإلبداع‪ ،‬ويكون منه مايدعى أدب‬
‫هكذا أدب قد يصطدم باحملرمات‪ ،‬كما هو حال‬ ‫اخليال العلمي العربي‪!...‬‬
‫العلم يف الغرب‪ ،‬االستنساخ‪ ،‬وكذلك اخلاليا‬ ‫واخليال العلمي نوع من الفن األدبي‪ ،‬يعتمد‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫لوكاس رواي��ة ملك اخل��وامت رواي��ة هاري بوتر‬ ‫اجلذعية‪ ،‬بينما على حساب أنيشتاين فإن‬
‫‪ 1999‬لكاتلني رولينغ السحر وحتول الناس إىل‬ ‫الفيزياء الغربية حتطمت على معضلة احلركة‬
‫متاثيل وحجارة‪ ،‬كما يف بعض ليايل ألف ليلة‬ ‫والسرعة‪ ،‬اليت جتاوزت الصوت‪ ،‬ومل تصل إىل‬
‫وليلة األوىل‪..‬‬ ‫الضوء‪ ،‬ومركبات الفضاء تذهب عرب السنني‬
‫وكأن األدب هو الذي جر العلوم إىل القمر وإىل‬ ‫الضوئية كما يقال‪ ...‬وكما قال الفوازييه املادة‬
‫اخرتاع الغواصة النووية والصواريخ وإىل اخرتاع‬ ‫التفنى والختلق من العدم‪ ،‬هناك جتارب حتويل‬
‫القنبلة ال��ذري��ة لألمريكي اجمل��ري ليوزيالرد‬ ‫املادة إىل طاقة والطاقة إىل مادة‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫يف مشروع ماهناتن عام ‪ 1945‬باالعتماد على‬ ‫ويف اخل��ي��ال العلمي ج��اءت رواي���ة مالئكة‬
‫هريبرت ج��ورج ويلز‪ ،‬ه��ذه األم��ور حباجة إىل‬ ‫وشياطني‪ ،‬ضمن اكتشاف إعدام املادة يف حميط‬
‫حفر وحبث ودراية ألن اخليال يقود العلم وكان‬ ‫كبري‪ ،‬كي ينعدم ماهو داخل احمليط‪ ،‬كما شأن‬
‫أستاذي املفكر إلياس مرقص يقول الواقع أبعد‬ ‫الغموض يف الثقوب السوداء‪ ،‬ونظرية البينغ‬
‫من اخليال حنن نعرف الفن السوريايل وفانتازيا‬ ‫بونغ اإلنفجار الكبري‪ ،‬وكذلك نظرية متدد الكون‬
‫األح�لام ونعود إىل اخليال العلمي فالرئيس‬ ‫أو تقلصه‪ ،‬ونظرية االحتماالت يف قياسات‬
‫األم��ري��ك��ي ري��غ��ان‪ ،‬مس��ى م��ش��روع��ه « حرب‬ ‫حركة النيرتون واأللكرتون يف الذرة هلايزنربغ‪..‬‬
‫النجوم» بعد فيلم جورج لوكاس بست سنوات‬ ‫حنن بعيدون عن كشوفات العلم وعن سريورته‬
‫وأن أوديسه الفضاء كفيلم مولته وكالة الفضاء‬ ‫حتى يف مناهج التعليم‪ ،‬وك��ذل��ك يف ترمجة‬
‫النازا ‪ ..‬ويف أدب اخليال العلمي من الفيزياء‬ ‫املصطلحات‪ ،‬لكن شيئاً ما خيفف عنا ذلك‪،‬‬
‫والزمن والبيولوجيا وعلم اجلينات مافيه‪.‬‬ ‫وهو الكمبيوتر واألنرتنيت والمسوغات لألدباء‬
‫• يف حرب النجوم غرباء من عوامل الفضاء‬ ‫أن اليبدعوا يف أدب اخليال العلمي فحني نشأ‬
‫يزورون األرض هكذا الفيلم جلورج لوكاش ‪.‬‬ ‫هذا األدب يف الغرب‪ ،‬وبدأ سريانو دوبورجوراك‬
‫• التواريخ البديلة مثل ماذا لومل يغزهتلر‬ ‫يف روايته الشهرية « رحلة» عام ‪ 1657‬مل يكن‬
‫روس��ي��ا وال��ع��وامل البديلة‪ ،‬ال��ع��وامل يف كواكب‬ ‫التقدم التكنولوجي يسمح بذلك‪.‬‬
‫أخرى‪ ،‬أو عوامل افرتاضية على الكمبيوترات‪.‬‬ ‫إذ إن ثالمثئة عام بينها وبني اهلبوط على‬
‫• االنتقال اجلزيئي عرب دخ��ول الشخص‬ ‫القمر ‪ ،1969‬كذلك جول فرين يف رواياته وروايته‬
‫إىل آلة مرسلة‪ ،.‬السايرببانك‪ ،‬عامل املتسللني‬ ‫من األرض إىل القمر ‪ 1865‬مل تكن علوم الفلك‬
‫إىل األنظمة والكمبيوترات ‪ ،‬وعامل االستنساخ‬ ‫آنذاك كما جيب أن تكون رواياته « عشرون ألف‬
‫كفيلم ( ماتريكس)‬ ‫فرسخ حتت امل��اء» ومخسة أسابيع يف منطاد‬
‫• اليوتوبيا‪ ،‬الفارابي‪ ،‬توماس مور‪ ،‬والعامل‬ ‫أيضاً‪ ،‬أال نتذكر بساط الريح العربي‪ ،‬وعباس‬
‫الصكوك ‪ 1984‬جورج أورويل‪!..‬‬ ‫بن فرناس يف حلم الطريان‪ ،‬والكاتب الربيطاني‬
‫• ال��ب��ح��ث ع��ن اخل��ل��ود ب��أش��ك��ال متعددة‬ ‫ه��رب��رت ج���ورج وي��ل��ز يف آل��ة ال��زم��ن ‪-1895‬‬
‫اإلح��ي��اء امل��ؤق��ت حفظ اجلثث للعود األبدي‪،‬‬ ‫والرجل اخلفي ‪ ،1897‬وحرب العوامل ‪،1898‬‬
‫مصاصو الدماء فرانكشتاين‪ ،‬رمبا نعود أيضاً‬ ‫ثم علينا أن نذكر الكاتب الروسي الكسي نيكو‬
‫إىل جلجامش البحث عن عشبة اخللود‪ ،‬وأكسري‬ ‫اليفتش تولستوي يف املهندس غارين ‪، 1925‬‬
‫احلياة‪.‬‬ ‫وعامل طريف أللدوس هكسلي األمريكي ‪،1932‬‬
‫• ثم هنالك اخليال العلمي الصعب الذي‬ ‫وربوت واحد ‪ 1950‬اسحق عظيموف الروسي‬ ‫‪40‬‬
‫يلجأ إىل البناء على النظريات العلمية املعقدة‬ ‫األمريكي ثم آل��ة الزمن جل��ورج ب��ال ‪ 1961‬يف‬
‫بدقة فائقة لكن أدب اخليال العلمي الصعب‬ ‫الفيلم‪ ،‬فيلم أوديسا الفضاء ستانلي كوبريك‬
‫ال��ذي يلجأ إىل البناء على النظريات العلمية‬ ‫‪ 1977 1968‬ح��رب النجوم لألمريكي جورج‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫ودائماً ألف ليلة وليلة ‪ ،‬يف رح�لات سندباد‪،‬‬
‫والعنقاء‪ ،،‬وافتح يامسسم‪ ،‬وتعويذات الغرف‪،‬‬
‫واملغائر‪ ،‬والعمالق يف قمقم‪ ،‬فحي بن يقظان‬
‫قبل روبنسون ك��روز ورح�لات جيلفر‪ ،‬وهناك‬
‫فيلم كوكب القردة‪ !..‬واحلاسة السادسة‪!..‬‬
‫وإشكال الرتمجة مردود ألننا ترمجنا الرواية‬
‫البوليسية‪ ،‬ومل ننتج أدباً بوليسياً‪ ،‬هل غياب‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الدميقراطية وحرية ال��رأي خيمدان اخليال‬


‫يف رؤوس وقلوب أدبائنا؟ أم م��اذا؟ بينما يف‬
‫لبنان كانت احلرية والدميقراطية‪ ،‬والتنافد‬
‫والتناضخ مع الغرب واملثاقفة والتناص‪ ،‬إال أن‬
‫كاتباً واح��داً يف اخليال العلمي‪ ،‬هو صديقي‬
‫الدكتور قاسم قاسم الذي أصدر عدة روايات‬
‫على هذا الصعيد‪ ،‬منها الرحلة‪ ،‬وملسة الضوء‪،‬‬
‫جتعله استثناء يؤكد قاعدة ع��دم وج��ود أدب‬
‫خيال علمي‪.‬‬
‫الصديق اآلخر الذي ورطين يف هذه املداخلة‬
‫احملرية واملتعبة ‪ ،‬مداخلة أدب اخليال العلمي‪.‬‬
‫هو روائي اخليال العلمي الدكتور طالب عمران‬
‫يف العديد من رواياته وجمموعاته القصصية‬
‫العابرون خلف الشمس (أكسري احلياة ‪)1974‬‬
‫(واألزم���ان املظلمة) منذ عامني أو ثالثة وهو‬ ‫املعقدة بدقة فائقة لكن أدب اخليال العلمي‬
‫يف اهنمام كلي هبذا األدب لنجيب حمفوظ‪ ،‬أي‬ ‫يعتمد اختالط هذه اجلوانب واملسارات على‬
‫باعرتاف عاملي لديها متخيلوها كابراهيم الكوني‬ ‫أكثر من صعيد‪.‬‬
‫ومجال الغيطاني‪ ،‬لكن لديها بعض متخيليها يف‬ ‫ألن ال��ك��ون حيفز خيالنا والأدري إذا كان‬
‫اخليال العلمي‪ ،‬كنا عند توفيق احلكيم أوالً يف‬ ‫اخليال العلمي يف أدبه قد يسع القليل منه أو‬
‫عمليه ( يف سنة مليون) و (رحلة إىل الغد) ‪-1953‬‬ ‫يستحوذ يف الكتابة على هذا القليل سنذكر‬
‫‪ ،1958‬ومصطفى حم��م��ود كتب (العنكبوت)‬ ‫سوبرمان ‪ ،‬بامتان‪ ،‬بايدرمان‪ ،‬إي تي‪ ،‬حديقة‬
‫‪ ،1964‬وهناد الشريف يف (قاهر الزمن) ‪1966‬‬ ‫الديناصورات‪ ،‬غودزيلال يف الرتمجة‪ ،‬والسينما‬
‫و (سكان العامل الثاني) وأربع روايات ودراسات‬ ‫واألنرتنيت تراث اخليال العلمي العاملي متوفر‬
‫وأحباث يف هذا اجملال‪ ،‬واملغربي حممد احلبابي‬ ‫ملن يريد‪،‬وقسم منه مرتجم‪ ،‬قسم الب��أس به‬
‫كتب ( أكسري احلياة) عام ‪ 1974‬والكويتية طيبة‬ ‫ودين براون يف شيفرة دافذشي يعتمد قانون‬
‫إبراهيم كتبت (ال��رج��ل املتعدد) و ( اإلنسان‬ ‫الشيفرة اللغوي يف ال��رس��ائ��ل ال���ذي ابتدعه‬
‫الباهت) ‪.1991‬‬ ‫الكندي ‪ ،‬والصحافة اإلنكليزية األمرييكية‬
‫‪41‬‬ ‫ً‬
‫وك��أن هناك جيالً جديدا من كتاب اخليال‬ ‫حتدثت عن ذلك‪ ،‬كما حتدثت عن ابن اهليثم يف‬
‫العلمي‪ ،‬مثل العامل اجليولوجي حممد العشري‬ ‫التطور‪ ،‬حنن نعرف اكتشاف ابن النفيس للدورة‬
‫ال��ذي اكتشف لنفسه كوكباً عاشراً وكتب عنه‬ ‫الدموية قبل اإلنكليزي هاريف‪ ،‬هكذا يكون لدينا‬
‫(هالة النور) واملغربي إدريس اللياني‪ ،‬والسعودي‬ ‫امتيازات يف أسس هذا اخليال العلمي يف الرتاث‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫أشرف فقيه يف جمموعتيه (صائد األشباح)‬
‫‪ 1997‬و (حنيناً إىل ال��ن��ج��وم) ‪ 2000‬صفاء‬
‫النجار كتبت روايتها (استقالة ملك املوت) تدور‬
‫حوادثها يف عقل حربة تنتظر حفيدهتا القادمة‬
‫من اخلارج ومعها طفلة مستنسخة منها‪ ،‬وكان‬
‫الفقيه قد تناول االستنساخ يف أعماله‪ ،‬قبيل‬
‫استنساخ النعجة دوللي بسنوات ألن املوضوع‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫كان مطروحاً فنياً وسينمائياً‪ .‬وكان مطروحاً‬
‫علمياً قبيل تنفيذه‪!..‬‬
‫كنت أقول مامن أدب خيال علمي لدينا‪ ،‬قد‬
‫أك��ون خمطئاً ‪ ،‬وأن��ا خمطىء إىل حدٍ ما‪ ،‬وقد‬
‫أكون فعالياً ونكداً إىل حدٍ ما يف هذه املداخلة‬
‫السريعة‪ ،‬ألنين أفتقد النقد األدب��ي لروايات‬
‫اخليال العلمي اليت عثرت عليها وعلى كتاهبا‬
‫ال��ع��رب أي��ض��اً‪ ،‬إمن���ا حن��ن ف��ع�لاً يف التخلف‬
‫العلمي متاماً‪ ،‬حتى على صعيد جماالتنا‪ ،‬ففي‬
‫تسعينيات القرن املاضي كنت أتابع والشاعر‬
‫العلوم احلديثة يف الغرب مل ينقلوا معهم أدب‬ ‫حسن العبد اهلل جملة صفر ال�تي ك��ان يرأس‬
‫اخليال العلمي ‪ ،‬بل ظلت ذائقتهم األدبية يف‬ ‫حتريرها الروائي الياس الديري‪ ،‬وهي جملة‬
‫شعر املتنيب‪ ،‬وشعر احلب‪ ،‬وحتى مرويات ألف‬ ‫علمية بامتياز‪ ،‬ويف العلوم‪ ،‬نال العامل املصري‬
‫ليلة وليلة‪ ،‬ومل جينحوا خبياهلم جتاه اخليال‬ ‫أمحد زويل نوبل‪ ،‬ونال الربادعي يف وكالة الطاقة‬
‫العلمي رغم معرفتنا بالنكتة األمريكية (إن اآلهلة‬ ‫الذرية نوبل أيضاً فلماذا الهنتم هبكذا أدب‪،‬‬
‫كانت تتسلى بالرياضيات) فلماذا اليتسلى‬ ‫يفتح أفق اخليال والرتبية العلمية‪ ،‬ويوسع شهية‬
‫أدباؤنا بإبداع اخليال العلمي ونقادنا لالهتمام‬ ‫القراء كما كانت للحكواتي وأل��ف ليلة وليلة‪،‬‬
‫فيه‪ ،‬مؤخراً حضرت يف املقهى الثقايف‪ ،‬ضمن‬ ‫والسري اهلائلة الرائعة لعنرت وسيف بن ذي يزن‬
‫فعاليات مهرجان الدوحة الثقايف‪ ،‬ن��دوة عن‬ ‫وتغريبة بين هالل وكل الغرائب واخلياالت ‪،‬‬
‫العالقة بني العلم واألدب وكان الدكتور الناقد‬ ‫والعجائب‪ ،‬واجلن املخلوقات اخلفية النورانية‪،‬‬
‫حسام اخلطيب هو املسؤول عنها عن جلنة هتتم‬ ‫وال�تي كان الشعراء يف وادي عبقر يستوحون‬
‫بذلك فتذكرت قول الروائي العاملي نابوكوف‬ ‫شعرهم منها كما قال النابغة عن تدمر وبناء‬
‫صاحب رواية لولينا ( رمبا العلم واألدب زوجان‬ ‫اجلن هلا‪.‬‬
‫خائنان) ولكن الشيء يف العامل يفوقهما مجاالً‬ ‫وخَيّسَ اجلنّ أني قد أذنت هلم‬
‫حني يتفقان‪.‬‬ ‫يبنون تدمر بالصفاح والعمد‪..‬‬
‫لدينا أدباء خيال علمي لكن النقول لدينا أدب‬ ‫ول��س��ن��ا مضطرين إىل ال��ق��ول ع��ن مراكز‬
‫خيال علمي بسبب حداثته وطزاجته‪ ،‬طفولته‬ ‫البحوث العلمية املختربات يف جامعاتنا‪ ،‬حيث‬
‫وبداياته املتعثرة بسبب ال��ظ��روف القاهرة ‪،‬‬ ‫صرح العامل أمحد زويل أهنا مجيعها تصرف أقل‬ ‫‪42‬‬
‫ختلف‪ ،‬أم��ي��ة‪ ،‬غياب البنى العقلية والبحث‬ ‫من معهد واحد أو جامعة واحدة يف اسرائيل‬
‫ال��ع��ل��م��ي‪ ..‬إغ��ي��اب اإلص�ل�اح والدميقراطية‪،‬‬ ‫(وأض���اف) إن حياتنا العلمية فقرية للغاية‪،‬‬
‫وحرية الرأي‪!..‬‬ ‫وتقرتب من الصفر فحتى الطالب الذين درسوا‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫من كواكب اجملموعة الشمسية‬

‫زحـل‬
‫إن كوكب زحل أمجل األج��رام السماوية على‬
‫اإلط�لاق‪ ،‬و ما هو يف الواقع إال فلكة عمالقة‬
‫من الغاز ذات القلب املعدني احملاط باهليدروجني‬
‫و اهلليوم‪ .‬و حلقاته الرائعة احمل�يرة ما هي إال‬
‫ماليني من الصخور اجلليدية اليت انتظمت حوله‬
‫يف م��دار ساحر‪ .‬و ميكن مالحظة ث�لاث منها‬
‫بسهولة بواسطة التلسكوب‪ ،‬و الرابعة كذلك متت‬
‫مشاهدهتا أرضيا‪ ،‬إال أن املعاينة عن قرب تبني‬
‫أهنا مكونة من اآلالف من احللقات الصغرية‪.‬‬
‫رمبا تكون هذه احللقات بقايا قمر كان تابعا‬
‫لزحل و انفجر فيما مضى أو مل يتم تشكله‬
‫أص�ل�ا‪.‬إال أن تارخيها ح��اف��ل‪ ،‬فقدميا‪ ،‬ظنها‬
‫بعض املراقبني طيفا‪ ،‬وهناك من خاهلا قمرا‪ ،‬بل‬
‫وصل اخليال بالبعض إىل تصورها كوكبا توءماً‬
‫لزحل‪.‬‬

‫املريخ‬
‫كوكب املريخ يتميز بلونه األمح��ر ‪ ،‬وترتاوح‬
‫درجة حرارته ما بني ‪ 300‬درجة حرارة مطلقة‬
‫و‪ 145‬درجة حرارة مطلقة ‪ ،‬كما أن طول اليوم‬
‫عليه قريب من طول اليوم على كوكبنا األرض ‪،‬‬
‫ويتم املريخ دورته حول الشمس يف عامني تقريبا‬
‫‪ ،‬وكتلته تساوي عشر كتلة األرض ‪ ،‬إال أن قطره‬
‫يساوي نصف قطر األرض ودرجة احلرارة العالية‬
‫للمريخ جتعلنا نعتقد أن هناك حياة عليه ‪ ،‬وإن‬
‫كانت درجة ال�برودة تصل إىل حوايل ‪ 130‬حتت‬
‫الصفر‪ .‬ونتيجة لصغر املريخ فإن له غالفا جويا‬
‫رقيقا جتعل درج��ة عاكسيته أقل مما هو على‬
‫األرض ‪ ،‬لذا هو أقل ملعانا من الزهرة ‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫اخليال العلمي أدب حديث عُرفت بواكريه‬
‫يف الغرب مع بداية القرن العشرين‪ ،‬جلب إليه‬
‫ظهوره يف أمريكا سنة ‪ 1927‬موجات عنيفة من‬
‫االنتقاد‪.‬‬
‫ولع ّل الطباعة املتدنية هلذا النوع من الكتابة‬
‫سامهت يف ب��ادىء األم��ر يف رفضه وإخراجه‬
‫من حظرية األدب‪ ،‬ومل تتغيّر هذه النظرة إليه‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫إال بعد منتصف القرن العشرين حيث أصبح‬
‫مصدر إهلام للعلماء وباعثاً الستشراف مصري‬
‫اجلنس البشري‪.‬‬
‫وإذا كانت هذه حال الغرب‪ ،‬فماذا عن موقف‬
‫العامل العربي من هذا النمط من األدب الذي‬
‫وُسم منذ السبعينيات باسم أدب اخليال العلمي؟‬
‫هل وقع النظر إليه على أنه أدب جادّ وهادف‬
‫ميكن االستفادة منه ليكون منطلقاً لشحذ اهلمم‬
‫وللسعي حنو األفضل؟‬
‫سنحاول يف هذا البحث دراسة مكانة اخليال‬
‫العلمي العربي يف سياق الثقافة العربية مقارنة‬
‫مع اخليال العلمي يف الغرب‪.‬‬
‫إنه ملن املغري أن يتعرف الباحث اليوم على‬
‫مفهوم اخليال العلمي يف الفكر العربي‪ ،‬وعن‬
‫كيفية تلقي الن ّقاد العرب هلذا النوع من األدب‬
‫الذي فتح فضاءات جديدة لإلبداع‪.‬‬
‫وقد يكون توفيق احلكيم هو أوّل من خصص‬
‫بعض الصفحات يف مقدمة كتابه « الطعام لكل‬
‫فم» عن ضرورة تطوير التعبري الفين وكان ذلك‬
‫سنة ‪ 1963‬إذ اليكون التجديد – يف رأيه‪ -‬إال‬
‫باحلريّة اليت تؤسس لإلبداع يف الفنّ‪.‬‬
‫يقول احلكيم‪:‬‬
‫« التجدد الفين يتلخص يف كلمة ‪ :‬احلرية(‪)...‬‬
‫كل مايهمين هو حرية املعاجلة للموضوع دون‬
‫السجن داخل إطار نوع من األنواع (‪ )...‬حرية‬
‫ال��دخ��ول واخل���روج م��ن احليطان كالعفاريت‪،‬‬
‫دون االلتجاء أحياناً إىل النوافذ واألبواب‪.....‬‬
‫إنّ الذي يعيش داخل قصر الفنّ التقليدي‪ ،‬و‬ ‫‪44‬‬
‫يستظل بسقفه الذهيب يسرتيح وي��ري��ح‪ ...‬إنه‬
‫ضامن النتيجة الطيبة ‪ ...‬ولكن احلرية هي‬
‫د‪ .‬كوثر عياد‬
‫اخلروج إىل العراء (‪ )....‬إنّ من واجب الكاتب‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫أن نصف أقصوصة « العام املليون» اليت كتبها‬ ‫أحياناً حينما يفتح عينا على املاضي الغائر‬
‫‪45‬‬ ‫سنة ‪ 1953‬بأهنا عمل رائد يف أدب االستشراف‬ ‫واحلاضر املستقر‪ ،‬أن يفتح العني األخرى على‬
‫َضحت معامله مع روايته «رحلة إىل عامل‬‫الذي و ُ‬ ‫املستقبل اآلخذ يف التكوين عند األفق ‪»...‬‬
‫الغد» اليت كتبها سنة ‪.1957‬‬ ‫كان احلكيم يتطلع إىل أدب االستشراف الذي‬
‫هذا طرح مل يكن مألوفاً يف الفكر العربي‬ ‫يسائل املستقبل وحياول تصوّر عوامل الغد وميكن‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫آن���ذاك‪ ،‬ومي��ك��ن أن ن��ذك��ر ن���ادرة م��ن روائع‬
‫الكتابة عن املستقبل‬ ‫أدب االس��ت��ش��راف يف مطلع ال��ق��رن العشرين‬
‫للكاتب املصري موسى سالمة بعنوان « مقدمة‬
‫ب���دت ب���ادرة جديدة‬ ‫لطوبى مصرية» ‪ 1926‬طرح العديد من األفكار‬
‫لفتح باب التجديد يف‬ ‫ً‬
‫اجلديدة عن أحسن العوامل املمكنة‪.‬‬
‫كما جند أنّ توفيق احلكيم طرح أيضا بعض‬
‫أدب متقوقع يف أشكاله‬ ‫األفكار االستشرافية يف كتاباته‪ ،‬من ذلك مثالً‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫ختيّل وج��ود غ��ذاء صناعي وكيميائي يقضي‬
‫الكالس���يكية‪ ،‬غري أن‬ ‫على اجمل��اع��ات يف العامل مستقبالً‪ ،‬وم��ن ثم‬
‫على الفقر‪ ،‬إنّ عامل الغد كما ختيّله احلكيم‬
‫هذه البادرة مل حتظ‬ ‫مثقل هبموم اإلنسان وهو يف ذلك يؤسس لنظرة‬
‫بالكثري م���ن القبول‬ ‫مستقبلية تعكس واقع البشرية‪ ،‬على أن احلكيم‬
‫مل يعترب نفسه كاتباً من ُكتّاب اخليال العلمي‬
‫يف األوساط النقدية‬ ‫فالعبارة مل توجد قبل السبعينيات‪ ،‬ولكنّ فكرة‬
‫االستشراف كانت هاجساً يشغله‪ ،‬وهو يذكر‬
‫خاص���ة بع���د ش���يوع‬ ‫يف كتاباته بعض الكتّاب الغربيني الذين كانوا‬
‫مشاهري يف هذا النمط من الكتابة على غرار‬
‫عبارة اخليال العلمي‪،‬‬ ‫(جورج ويلز) ‪.‬‬
‫الكتابة ع��ن املستقبل ب��دت ب���ادرة جديدة‬
‫مل يكن م��وض��وع اجل���دل ح��ول ال��رواي��ة يف‬ ‫لفتح باب التجديد يف أدب متقوقع يف أشكاله‬
‫حدّ ذاهتا‪ ،‬بل كان حول التصنيف‪ ،‬وقد هاجم‬ ‫الكالسيكية‪ ،‬غ�ير أن ه��ذه ال��ب��ادرة مل حتظ‬
‫النقاد العرب هذا النوع من الكتابة واعتربوه‬ ‫بالكثري من القبول يف األوساط النقدية خاصة‬
‫صنفاً غربياً الميتُّ بصلة لثقافتنا وإىل واقعنا‬ ‫بعد ش��ي��وع ع��ب��ارة اخل��ي��ال العلمي‪ ،‬إذ اعترب‬
‫األدبي‪.‬‬ ‫شكالً من أشكال تغريب األدب‪ ،‬فالعبارة هي‬
‫من هؤالء النقاد جند ( جنيب حمفوظ) الذي‬ ‫ترمجة للمفهوم الغربي ‪scientific fiction‬‬
‫كان رائد الكتابة الواقعية الشعبية‪ ،‬فقد صرح‬ ‫‪ / fiction scientifque‬الذي ظهر يف أوروبا‬
‫يف جملّة (اجمللة) أن أدب اخليال العلمي يفتقر‬ ‫يف القرن التاسع عشر قبل أن يبعث األمريكي‬
‫إىل العمق وهو خا ٍو والجدوى منه‪.‬‬ ‫(قرنسباك) مصطلح ‪ science fiction‬سنة‬
‫يقول جنيب حمفوظ‪:‬‬ ‫‪ 1927‬واليت قد ترتجم إىل اللغة العربية بالعلم‬
‫( إنه من الصعب اعتبار هذا النوع من أدب‬ ‫اخليايل‪.‬‬
‫اخليال العلمي أدب��اً ج��اداً ألن األدب اجلاد‪،‬‬ ‫إن عبارة ( اخليال العلمي ) هي اليت أحرجت‬
‫يف نظري يقدّم جتربة إنسانية حيّة‪ ،‬أمّا أدب‬ ‫النقاد العرب‪ ،‬ولعل أهم النقاشات اليت أثريت‬
‫اخليال العلمي فهو يتخيّل أشياء علمية‪ ،‬ويتخيل‬ ‫حول هذا املوضوع ترجع إىل سنة ‪ 1976‬عند‬
‫تأثريها يف اإلنسان يف املستقبل‪ ،‬فإذا حتققت‬ ‫ظهور رواية (الطوفان األزرق) للكاتب املغربي‬
‫مل يعد للعمل األدبي قيمة (‪ )...‬وإذا مل تتحقق‪،‬‬ ‫(عبدالسالم البقايل) الذي صنّف روايته هذه‬ ‫‪46‬‬
‫فقد بقيت خياالً يف خيال‪ ،‬لذا من النادر أن‬ ‫ضمن أدب اخليال العلمي‪ ،‬وكانت تلك الشرارة‬
‫أق��رأ ه��ذا األدب أو أستمتع ب��ه ألن��ه يشغلين‬ ‫األوىل ال�تي أوق���دت ج���دالً ح����ادّاً ب�ين النقاد‬
‫بانفعاالت وتوقعات ثم يُقدّم احلل‪ :‬جمرد كالم‬ ‫العرب‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫يقول اجليار‪( :‬نشري منذ البداية إىل أنّ هذا‬ ‫فارغ النعرف إن كان سيتحقق أم ال‪)1( )...‬‬
‫النوع من اخليال العلمي ليس رواية منفصلة عن‬ ‫فاجأ هذا املوقف القرّاء خاصة بالنظر إىل‬
‫سياق فنّ الرواية العربية‪ ،‬بل هو استمرار له‪،‬‬ ‫مكانة جنيب حمفوظ يف الوسط األدب��ي‪ ،‬هذا‬
‫يأخذ تقنياته وأدواته ويغيّر العناصر املش ّكلة )‬ ‫كالم من شأنه أن يؤثر سلباً على هذا األدب‬
‫صنّف هذا الناقد أدب اخليال العلمي يف‬ ‫الناشىء يف البلدان العربية لذلك ردًّ (عبد‬
‫خانة احل��داث��ة‪ ،‬واع��ت�بر أن لُ��ك� ّل عصر منطاً‬ ‫ال��س�لام البقايل) على ه��ذا امل��وق��ف يف مقال‬
‫من الكتابة‪ ،‬وأن االنتقال من عصر إىل عصر‬ ‫بعنوان ( ال يا أستاذ جنيب‪ ،‬أدب اخليال العلمي‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يصحبه انتقال من منط يف الكتابة إىل آخر‪،‬‬ ‫ليس كالماً فارغاً) أدرج هذا احلوار بني الرجلني‬
‫ويؤكد على أنّ التغيّر طبيعي‪ ،‬وأنّ أدب اخليال‬ ‫يف مقدمة الطبعة الثانية من رواية (الطوفان‬
‫العلمي هو أدب احلداثة واملعاصرة‪.‬‬ ‫األزرق) اليت ُطبعت يف تونس عام ‪ 1986‬وهذا‬
‫يسانده يف هذا الرأي (صربي موسى) الذي‬ ‫جزء من إجابة الكاتب‪:‬‬
‫اعترب أنّ ث��ورة ‪ 1950‬جلبت معها جتديداً يف‬ ‫(إن إلغاء جمال رائع لإلبداع اإلنساني هبذه‬
‫أساليب الكتابة األدبية كان مبثابة ردّ فعل ضدّ‬ ‫السهولة‪ ،‬واحل��دّ من انطالق خيال اإلنسان‬
‫التيار الرومنسي‪ ،‬فأدب اخليال العلمي‪ ،‬حسب‬ ‫اجملنّح الذي ميّزه اهلل به عن سائر الكائنات‬
‫رأيه كان أكثر قرباً من مهوم اإلنسان املعاصر‪،‬‬ ‫(‪ )...‬هلو ظلم كبري من أديب كبري كان أوىل به‬
‫ويرى اجليار أنّ هناك أربعة عوامل تصاحب‬ ‫أن يشجّع على ارتياد ذلك (‪ )...‬والبد أنّ أخانا‬
‫احلداثة وجدها يف أدب اخليال العلمي وهي‪:‬‬ ‫يطلع على روائع أدب اخليال العلمي‬ ‫الكبري مل ّ‬
‫• جتريب اسرتاتيجيات جديدة يف الكتابة‪،‬‬ ‫أو مل يقرأ إال أرْدأه‪ ،‬ولو أ َّنه قرأ ما كتبه (جول‬
‫وهو شيء يدفع الكاتب إىل اإلبداع‪.‬‬ ‫ف�يرن) و (ه��ـ‪.‬ج‪.‬وي��ل��ز) و (أوروي���ل) و (اسحاق‬
‫• جتاوز املواضيع الكالسيكية وإدخال ثورة‬ ‫اسيموف) و (برادبوري) و (كالرك) وغريهم من‬
‫يف الفنّ‪.‬‬ ‫الكتاب الذين ارتفعوا هبذا األدب إىل مستوى‬
‫• خلق وعي جديد‪.‬‬ ‫الفنون الرفيعة لغيَّر رأيه متاماً‪.‬‬
‫• استشراف بعض مظاهر املستقبل انطالقاً‬ ‫(‪ )...‬والقضايا اليت يُعاجلها اخليال العلمي‬
‫من الواقع‪.‬‬ ‫من أشرف قضايا اإلنسانية وأنبلها فهو الذي ّ‬
‫دق‬
‫ً‬
‫ينتسب أدب اخليال العلمي إذا‪ ،‬إىل ظاهرة‬ ‫خطر احلروب العاملية‪ ،‬والتلويث االصطناعي‪،‬‬
‫احلداثة ويطرح العديد من التساؤالت حول‬ ‫واجلوي والبحري والذري وسيطرة اآللة على‬
‫أشكال هذه احلداثة‪.‬‬ ‫اإلن��س��ان واالن��ف��ج��ار ال��ص��ام��ت لقنبلة تزايد‬
‫ي��ذه��ب (م��دح��ت اجل��يّ��ار) إىل ض���رورة أن‬ ‫السكان (‪)2‬‬
‫يكتسب اخليال العلمي العربي أدواته اللسانية‬ ‫لكنّ املوقف الرافض للخيال العلمي مل يُثن‬
‫اخل��اصّ��ة ب��ه‪ ،‬وأن ي��ك��ون س��ج�لاً م��ن التعابري‬ ‫بعض األدب���اء من الكتابة يف ه��ذا النمط من‬
‫اخلاصة به‪ ،‬وهكذا يتجدّد و يُجدد اللغة‪.‬‬ ‫األدب‪ ،‬بل دفع البعض اآلخر إىل تقريب هذا‬
‫والخيفى مايف هذه املقاربة من ث��راء‪ ،‬فهي‬ ‫املفهوم من الناس ففي سنة ‪ 1984‬كتب (مدحت‬
‫تُنبّهنا إىل أن النقد العربي يتوجّب عليه أن يكون‬ ‫اجليار) مقاالً يف جملّة (فصول) عنوانه ‪( :‬جدلية‬
‫أكثر وعياً مبواضيع هذا النوع من األدب وهذا‬ ‫احلداثة يف روايات اخليال العلمي) (‪ )3‬تعرّض‬
‫‪47‬‬ ‫رأي سيؤيده (عزت غنّام) يف أوّل دراسة أكادميية‬ ‫فيه ملسألة احلداثة يف اللغة واألدب العربيني‪،‬‬
‫عربية ألدب اخليال العلمي صدرت عن جامعة‬ ‫وهو مقال على درج��ة كبرية من األمهية ألنه‬
‫(عني مشس) مبصر بعنوان ‪( :‬اإلبداع الفين يف‬ ‫يقدّم أدب اخليال العلمي على أ ّنه جزء اليتجزأ‬
‫قصص اخليال العلمي)‪.‬‬ ‫من األدب العربي ‪ ،‬وانه استمرار له‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫طرف الن ّقاد وحنن نشاطر الباحث ال��رأي‪ ،‬إذ‬ ‫ق��ام صاحب ه��ذه ال��دراس��ة جب��رد ملشاهري‬
‫إنّ ال��دراس��ات اخلاصة ب��أدب اخليال العلمي‬ ‫كتّاب اخليال العلمي يف الغرب‪ ،‬ثمّ درس عيّنات‬
‫حتديداً يف امليدان األكادميي تكاد تكون منعدمة‪،‬‬ ‫من أدب اخليال العلمي العربي دون أن يعرّف‬
‫فأغلب ما ُكتب عن اخليال العلمي ظهر يف شكل‬ ‫مباهيته‪ ،‬غ�ير أ ّن��ه جن��ح يف إب���راز ه��ذا النوع‬
‫مقاالت يف بعض اجمل�لات مثل (العربي) اليت‬ ‫من األدب بوصفه نوعاً من الكتابة ينفتح على‬
‫تنشر من حني آلخر مقاالت عن اخليال العلمي‬ ‫مساءالت ب��ارزة هلا عالقة بعاملنا اليوم‪ ،‬ومبا‬ ‫‪48‬‬
‫العربي واألجنيب مر ّكزة على عدم اهتمام النقد‬ ‫سينجم عنه من تطوّرات واحنرافات‪.‬‬
‫األدبي العربي هبذا النوع من الكتابة ‪،‬فهي اجمللة‬ ‫يبقى اخليال العلمي‪ ،‬حسب هذه الدراسة‪،‬‬
‫الوحيدة‪ -‬تقريباً‪ -‬ال�تي عاجلت املوضوع من‬ ‫يف حاجة إىل مزيد من االهتمام اجل �دّي من‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫تغييبُه‪ ،‬غري أنّ هذا كلّه ليس كافٍ للنهوض هبذا‬ ‫جوانبه املختلفة‪ :‬العلمية واألدبية والتارخيية‬
‫األدب وإ َّنما جيب‪ -‬باإلضافة إىل االهتمام به‬ ‫والسياسية‪.‬‬
‫من حيث هو ظاهرة أدبية خالصة ‪ -‬االهتمام‬ ‫جن��د يف ال���ع���دد‪ 535‬م��ق��االً م��ه �مّ �اً للناقد‬
‫مبا يقدّمه من أفكار جديدة‪.‬‬ ‫أمحد أبي زيد عنوانه ‪ ( :‬اخليال العلمي وعلم‬
‫ففي األوس���اط الغربية مت��ت مؤالفة أدب‬ ‫املستقبل) تساءل فيه الكاتب عن أمهية إدراج‬
‫اخل��ي��ال العلمي م��ع خمتلف م��ي��ادي��ن احلياة‪،‬‬ ‫هذا األدب يف الربامج التعليمية‪.‬‬
‫وأصبح يُنظر إليه على أ ّنه أدبٌ جادٌّ‪.‬‬ ‫يقول الناقد‪:‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يهتم الغربيون اليوم بالبعد الفكري األدبي‬ ‫(ب���ات م��ن ال��ض��روري أن ت��ق��وم السياسات‬
‫والعلمي يف هذا النوع من الكتابة‪.‬‬ ‫التعليمية العربية بتوجيه الطالب حنو قراءة‬
‫فعلى الصعيد االجتماعي ساهم االستشراف‬ ‫األعمال األدبية ذات اخليال العلمي لدفعهم إىل‬
‫ال��ط��وب��اوي يف تأسيس مفهوم للمدن املثالية‬ ‫اخللق واإلبداع والتفكري اجلادّ (‪ )...‬اهتمت دور‬
‫كان له أثر كبري يف تطوير احلياة االجتماعية‬ ‫النشر واهليئات العلمية الغربية بإصدار جمالت‬
‫والسياسية وحتى املعمارية‪ ،‬إذ تأ ّثر فن املعمار‬ ‫متخصصة يف اخليال العلمي س��واء يف شكل‬
‫بشكل املدن الفاضلة من ذلك مثالً ‪ ،‬األشكال‬ ‫قصص أم مقاالت ختاطب ك ّل األعمار‪ ،‬وهذه‬
‫اهلندسية اليت تعتمد على التماثل والتناسق‪.‬‬ ‫مسألة النعطيها يف عاملنا العربي ماتستحقه من‬
‫كما سامهت األفكار النقدية اليت تبلورت يف‬ ‫عناية يف وضع سياساتنا التعليمية وقد يكون‬
‫العديد من الروايات على غرار (حنن اآلخرين)‬ ‫ذل��ك أح��د أس��ب��اب التخلف يف جم��ال الكشف‬
‫ل��ؤج��ان زام��ي��ات�ين (‪ )1920‬يف تطوير الفكر‬ ‫واإلبداع واالخرتاع) (‪)4‬‬
‫السياسي ونبذ الدكتاتوريات‪.‬‬ ‫ويف نفس االجتاه جند (صفات سالمة) تؤ ّكد‬
‫وعلى الصعيد العلمي تدرس وكالة الفضاء‬ ‫ب��دوره��ا على أن أدب اخليال العلمي العربي‬
‫األمريكية (ن��اس��ا) ووك��ال��ة الفضاء األوروبية‬ ‫يستحق اهتماماً أكثر يف األوس���اط الثقافية‬
‫رواي��ات اخليال العلمي حبثاً عن أفكار جديدة‬ ‫العربية وتلّح على ض��رورة إدراج��ه يف املناهج‬
‫لتطوير التقنية‪ ،‬وكانت النتائج ال�تي خرجوا‬ ‫التعليمية يف املدارس واجلامعات‪ ،‬وقد نشرت‬
‫هبا من هذا األدب مذهلة‪ ،‬إذ تبنَّوا الكثري من‬ ‫ه��ذه الكاتبة م��ؤخ��راً م��ق��االً بعنوان‪( :‬تدريس‬
‫التقنيات اليت ختيلها ُكتاب اخليال العلمي‪ ،‬وهي‬ ‫اخليال العلمي ضرورة مستقلبية وليست رفاها)‬
‫اليوم موضوع حبث وجتريب‪.‬‬ ‫وفيه دافعت عن هذا التوجه فقالت‪:‬‬
‫قامت وكالة الفضاء األوروب��ي��ة (إي��زا) سنة‬ ‫(لقد أصبح من ال��ض��روري االهتمام بأدب‬
‫‪ 2001‬بدعوة جمموعة من الباحثني لدراسة‬ ‫اخليال العلمي يف عاملنا العربي‪ ،‬إذ جيب على‬
‫التقنيات اجلديدة ال�تي ختيّلها ُكتّاب اخليال‬ ‫ك��ل م��ؤس��س��ات اجملتمع التعليمية والثقافية‬
‫العلمي هبدف احلصول على اختيار أفكار خيالية‬ ‫واإلع�لام��ي��ة أن تعطي أمه��ي��ة ك�ب�رى للخيال‬
‫جديدة هتمّ ميدان املالحة يف الفضاء وما يتبعه‬ ‫حيث جيب التأكيد من خالل مناهج الدراسة‬
‫من تقنيات لغزوه‪ ،‬وكان اهلدف األساسي إعداد‬ ‫على عمق العالقة بني العلم واخليال العلمي‪،‬‬
‫جرد لألفكار اليت ميكن أن يُوجَّه إليها اهتمام‬ ‫من خ�لال إدراج ه��ذا الفن ال��راق��ي من األدب‬
‫املهندسني يف هذه الوكالة (‪ )...‬وهذه أمر جتري‬ ‫يف املناهج الدراسية يف امل��دارس واجلامعات‬
‫‪49‬‬ ‫أحداثه اليوم‪.‬‬ ‫للوقوف على روائع هذا األدب) (‪)5‬‬
‫وسيقع إعداد دراسة أعمق حول عدد حمددٍ‬ ‫من الواضح إذاً ‪ ،‬أن االهتمام بأدب اخليال‬
‫من هذه التقنيات‪ ،/‬تلك اليت هلا حظوظ أوفر‬ ‫العلمي بدأ يعرف انتشاراً يتزايد مع مرّ األيام‬
‫للتجريب واإلجناز‪.)6( /‬‬ ‫على الساحة األدبية العربية ومل يعد باإلمكان‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫(حنفيات اجلنّة) ( ‪)Fontaines du paradis‬‬ ‫ويف أكتوبر من عام ‪ 2002‬أعدّت الوكالة أهمَّ‬
‫الصادرة عام ‪ 1979‬كانت النتيجة اليت خرجت‬ ‫النتائج اليت توصّل إليها الباحثون يف دراسة‬
‫هبا وكالة (ناسا) من هذه الدراسة هي أن فكرة‬ ‫بعنوان‪( :‬التقنيات اجلديدة يف اخليال العلمي)‬
‫املصعد قد تتحقق يف ظرف ‪ 50‬سنة‪.‬‬ ‫وقع التأكيد فيها على أنّ األدب والفنّ عنصران‬
‫وورد يف خامتة ال��دراس��ة مايلي ‪ ( :‬ميكن‬ ‫ال ينفصالن عن البحث يف اكتشاف الفضاء منذ‬
‫اعتماد هذه الفكرة لتصبح أحسن وسيلة نقل‬ ‫بداياته‪ ،‬ويقومان بدور أساسي يف تطويره (‪)...‬‬
‫إىل الفضاء اخلارجي يف ظرف مخسني سنة )‬ ‫لقد ساعد الفنّانون طيلة اخلمسني سنة املاضية‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫يبدو أنّ اخليال العلمي سبق العلم يف ميادين‬ ‫من البحث يف غزو الفضاء املهندسني املختصني‬
‫عديدة أخرى‪ ،‬من ذلك أيضاً ماختيّله‪Arthur‬‬ ‫على تصوّر خمططاهتم وإجناز مشاريع دراساهتم‬
‫‪ Clarke‬من تواصل عرب األقمار الصناعية يف‬ ‫بفضل ما ختيّلوه من تقنيات‪.‬‬
‫امل��دار الفضائي منذ ‪ 1945‬ويف ‪ 1942‬ختيّل‬ ‫ً‬
‫لقد أبدع الفنانون اليوم أشكاال جديدة من‬
‫(اس��ح��ق أزمي����وف) ‪ Isaac Asimov‬فكرة‬ ‫التعبري مالئمة لتوسّع اإلنسان يف هذا الفضاء‬
‫اإلنسان اآليل قبل أن يُصبح اإلنسان اآليل حقيقة‬ ‫اجلديد استوحوها من مجال الكون وعظمته‪،‬‬
‫يف احلياة اليومية ‪ ،‬ويف ع��ام ‪ 1988‬اكتشف‬ ‫ومن كل مايُمكن من رؤية اإلنسانية تغادر كوكبها‬
‫(شرّيه ‪ c.j.cherryh‬إمكانية االستنساخ قبل‬ ‫العتيق (‪)7‬‬
‫عشر سنوات منْ والدة النعجة «دويل»‬ ‫تُم ّث ُل تقنيات الدفع إحدى العوامل اجلوهرية‬
‫هكذا يبدو أنّ اخليال العلمي يفتح أبواب‬ ‫ملسألة السفر يف الفضاء وامل��ث�يرة للجدل إذ‬
‫االستكشاف ب�ين ماهو حلم ال��ي��وم وم��ا يكون‬ ‫يتوجب إجياد حلول للرتفيع من سرعة املركبات‬
‫واقعاً غداً‪.‬‬ ‫مت طرحها يف‬ ‫الفضائية وهي مسألة كثرياً م��ا ّ‬
‫واجل��دي��ر باملالحظة هو أنّ معظم األفكار‬ ‫روايات اخليال العلمي واليت استقى منها العلماء‬
‫الواردة يف روايات اخليال العلمي يقع االهتمام هبا‬ ‫بعض احللول املستقبلية مثل جهاز الدفع اجلامع‬
‫حتى األفكار الغريبة منها‪ ،‬كلها حتظى باهتمام‬ ‫للهيدروجني ‪collecteur dhydrogène‬‬
‫وتتم دراستها من ذلك مثالً‪ ،‬مسألة تأهيل املريخ‬ ‫‪Système‬الذي ختيّله الري نيفن يف روايته‬
‫ال�تي طرحها إدغ��ار راي��س ب���ورروغ (أم�يرة من‬ ‫(الفضاء اجملهول) (‪)L Espace inconnu‬‬
‫مارس) (‪ )1917‬واليت طوّرها ستانالي روبنسون‬ ‫أو نظام األشرعة الشمسية ال�تي تعتمد على‬
‫يف ثالثيته (مارس األمحر‪ ،‬مارس األزرق‪ ،‬مارس‬ ‫الطاقة الضوئية وهي فكرة جندها حتديداً يف‬
‫األخضر) حيث طرح طرحاً علمياً حول إمكانية‬ ‫روايات بول أندرسون (‪)Unlimited Orbit‬‬
‫تأهيل هذا الكوكب بإذابة الثلج بواسطة قنابل‬ ‫( ‪ )1960‬وآرثر كالرك (‪The Wind form‬‬
‫هيدروجينية وال��رف��ع من درج��ة ح��رارت��ه وهو‬ ‫‪ )1963 »the sun‬إنّ بعض هذه التقنيات من‬
‫ماش ّكل موضوع دراسة جدية ففي سنة ‪1991‬‬ ‫شأهنا أن جتعل السفر بني الكواكب و لرمبا بني‬
‫توصل ثالثة باحثني يف (الناسا) انطالقاً من‬ ‫اجملرات أسرع‪ ،‬فهي واعدة بآمال كربى لتطور‬
‫هذه األفكار إىل أنّ استصالح كوكب مارس ليس‬ ‫حقيقي جيعل من قراءة اخليال العلمي ضرورة‬
‫بالشيء املستحيل‪.‬‬ ‫للتطلّع إىل املستقبل وليس هذيانا رومانسياً ال‬
‫هكذا يُنظرُ اليوم يف الغرب للخيال العلمي‬ ‫أساس له وال ميكن حتقيقه يف الواقع‪.‬‬
‫على أنه منجم لألفكار اهلامّة اليت جيب درسها‬ ‫ً‬
‫وق��د أع���دّت وك��ال��ة (ن��اس��ا) م��ؤخّ��را دراسة‬ ‫‪50‬‬
‫وجتريبها سعياً للتجديد والفاعلية‪.‬‬ ‫مفصّلة حول مصعد الفضاء يربط بني كوكب‬
‫فهل حان الوقت لنا – حنن العرب ‪ -‬لنعتين‬ ‫األرض وفضائه اخلارجي وهي تقنية ختيلها‬
‫أكثر فأكثر هب��ذا النوع من الكتابة ال�تي تبدو‬ ‫أرث��ر كالرك‪ Arthur Clarke‬يف رواي��ت��ه ‪:‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫واعدة أكثر من أي وقت مضى؟‬
‫هل حان الوقت لنشجع أدب اخليال العلمي‬
‫علّنا ب��ه نستطيع أن نؤسس ملستقبل أفضل‬
‫ولوعي أعمق بالعامل وباإلنسان؟‬
‫ختاماً أقرتح عليكم مبادرة جديدة للنهضة‬
‫باخليال العلمي العربي يف ظل وج��ود أقطاب‬
‫هلذا األدب‪.‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وامل�ل�اح���ظ ه���و أنّ أدب اخل���ي���ال العلمي‬


‫العربي مل حي��ظ بعدُ باالهتمام ال�ل�ازم حتى‬
‫يؤسس استقالليته بوصفه نوعاً من الكتابة‬
‫هلا خصوصيتها‪ ،‬فاإلنتاج العربي يف هذا النوع‬
‫املعريف غري منتظم‪ ،‬وطباعته ليست خمتصة يف‬
‫أغلب احلاالت‪.‬‬
‫ماعدا (دار الفكر) واملؤسسة العربية احلديثة‬
‫بالقاهرة ‪،‬أضف إىل ذلك اخللط بني مفهومي‬
‫أدب العجيب والغريب وأدب اخليال العلمي‪،‬‬
‫هذا يدعونا إىل أن نطرح عليكم فكرة تأسيس‬
‫اتفاقية عربية لكتّاب اخل��ي��ال العلمي تضمّ‬
‫خمتلف أشكال التعبري يف هذا امليدان كاألدب‬
‫والنقد والسينما‪،‬ضمن هذه اجلمعية يقع تداول‬
‫خمتلف املواضيع املتعلّقة هبذا الفن من املعرفة‬
‫البشرية‪ ،‬هذا يتطلب عمالً مجاعياً من شأنه أن‬
‫ينظم إنتاج اخليال العلمي مبختلف جماالته‪ ،‬كما‬ ‫ّ‬
‫اهلوامش‪:‬‬ ‫حيتاج إىل تكريس جمهودات كبرية من ُكتّاب هذا‬
‫«الطوفان األزرق» عبدالسالم البقايل مقدمة‬ ‫النمط من األدب الذين كان هلم شرف الرِّيادة‪.‬‬
‫ط‪ /2‬الدار التونسية للنشر ‪ 1986‬ص‪.8:‬‬ ‫كما نقرتح أن يُ � ّق��دم أدب���اء اخل��ي��ال العلمي‬
‫املصدر نفسه‪.‬‬ ‫إنتاجهم إىل هذه اجلمعية وأن يقع إسناد جائزة‬
‫مدحت جيّار‪ :‬جدلية احلداثة واملعاصرة يف‬ ‫ألفضل عمل يف هذا اجملال‪.‬‬
‫رواية اخليال العلمي‪ ،‬جملة (فصول) العدد ‪، 4‬‬ ‫ميكن كذلك أن ينشأ فضاء افرتاضي للقاء‬
‫سبتمرب ‪ 1984‬ص‪.182 :‬‬ ‫واحل���وار بني الكتاب والن ّقاد وال��دارس�ين عرب‬
‫أمح��د أب��و زي���د ‪( :‬اخل��ي��ال العلمي وعلم‬ ‫الشبكة العنكبوتية‪ ،‬كما ميكن التنسيق والتعاون‬
‫املستقبل) ‪ ،‬جملة العربي الكويتية‪ ،‬العدد ‪535 :‬‬ ‫مع اتفاقيات اخليال العلمي األوروبية والكندية‬
‫لسنة ‪ 2003‬ص ‪33-30‬‬ ‫كي يقع تبادل اآلراء والتجارب وتنظيم مؤمترات‬
‫ص��ف��ات س�لام��ة‪ :‬ت��دري��س اخل��ي��ال العلمي‬ ‫مشرتكة‪.‬‬
‫‪51‬‬ ‫ضرورة مستقبلية وليس رفاهاً‪.‬‬ ‫وجيب التعجيل بتكوين هذه االتفاقية حتى‬
‫مشاريع ‪ITsf، http:// www. Itsf.‬‬ ‫تكون حاضرة يف املؤمترات العاملية مثل مؤمتر‬
‫‪.org/project/ French. Html‬‬ ‫«بوريال» يف « كندا»‬
‫‪http://www.itsf.org‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫مثة ثنائية متداولة يف الثقافة العامة هي‬
‫ثنائية العلم واألدب أو (العلمي واألدب��ي)‪ ،‬ويف‬
‫املقابل مثة فصل يف مناهج الدراسة التعليمية‬
‫ك��ان م��وج��وداً يف أوروب���ا لكنه م��ازال قائماً يف‬
‫بالدنا العربية بني ماهو علمي وما هو أدبي‪.‬‬
‫ال بل أن كثرياً من النقاد والكتاب مل يفتأ‬
‫يتحدث عن رج��ال العلم ورج��ال األدب‪ ،‬وعن‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫هنضة علمية وهنضة أدبية‪ ،‬وعن أسلوب علمي‬
‫يف الكتابة وآخ��ر أدب��ي‪ ،‬وع��ن لغة علمية ولغة‬
‫أدبية‪.‬‬
‫والسؤال القائم هنا‪ :‬هل حتيل هذه الثنائية‬
‫إىل وجود خصومة تارخيية بني العلم واألدب أو‬
‫تناقض بينهما أو تضاد؟‬
‫ح��ول ه��ذه اإلشكالية القائمة يف العالقة‬
‫بني العلم واألدب ومه��ا الفرعان األساسيان‬
‫للمعرفة اإلنسانية ودور أدب اخليال العلمي‬
‫يف إقامة منوذج مصاحلة بينهما ستدور هذه‬
‫املسامهة‪...‬‬
‫بدءاً ليس مثة ماحييل يف التاريخ إىل وجود‬
‫خصومة واضحة بني العلم واألدب‪ ،‬فهما منذ‬
‫عهد اليونان على األقل منذ أكثر من ألفي سنة‬
‫طريقان متوازيان وأسلوبان للتعبري اإلنساني عن‬
‫االنشغال بالعامل‪ ،‬وشكالن متكامالن لإلبداع‬
‫املتصل عرب هذه السريورة التارخيية الطويلة‪.‬‬
‫رمب���ا ك���ان ي��ت��ق��دم أح��دمه��ا ع��ل��ى اآلخ���ر أو‬
‫يسبقه لكنه بالتأكيد مل يكن يشكل نقيضاً له‬
‫أو ينفيه‪.‬‬
‫ف��ازده��ار الشعر واألدب يف ظ��ل احلضارة‬
‫العربية اإلس�لام��ي��ة مل يكن يلغي أو يقصي‬
‫االهتمام بالعلم والعلوم‪.‬‬
‫وك��ذل��ك ازده����ار ال��ف��ن واألدب يف حضارة‬
‫اإلغريق مل مينع من تطور الطب والرياضيات‬
‫والعلوم األخرى‪.‬‬
‫وحتى يف ظل العقالنية اجلديدة اليت سادت‬
‫أوروب��ا يف عصر هنضتها األخ�يرة وال�تي فتحت‬ ‫‪52‬‬
‫األب���واب حنو عصر العلم ال��ذي طغى وهيمن‬
‫على ص��ورة تلك املرحلة حتى كاد يتحول إىل‬
‫رائد حامد‬
‫إيديولوجية مقدسة‪ ،‬مل يرتاجع حضور الفن‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫كانت خجولة من قبل تتحدث عن غلبة العلم‬ ‫واألدب وبقي الشعر موجوداً بقوة ومت رفد دوحة‬
‫والتكنولوجيا واندحار األدب والفن إىل هامش‬ ‫األدب بالرواية كجنس أدبي حداثي جديد‪.‬‬
‫احلياة والوجود اإلنساني ألهنما (كما عرب هؤالء)‬ ‫لكن عندما جتلت منجزات العلم بأقوى‬
‫جمرد زخارف خارجية ميكن االستغناء عنها‪.‬‬ ‫صورها يف مطلع القرن العشرين وخلقت هوة‬
‫وقد تكرس هذا االنفصال عملياً بني العلم‬ ‫كبرية يف القوة والسيطرة بني دول وشعوب تقدم‬
‫واألدب يف قيام غالبية ال��دول حتى املهزومني‬ ‫فيها العلم وتتالت فيها االكتشافات والتحوالت‬
‫وك��ذل��ك ال����دول ال��ص��غ�يرة ح��دي��ث��ة االستقالل‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫بإقامة املدرسة احلديثة على أساس الفصل بني‬


‫اختصاصني مها العلمي واألدبي‪.‬‬ ‫إن امل��ع��ول عليه‬
‫ويدل كتاب الروائي اإلجنليزي س‪-‬ب‪-‬سنو –‬
‫الذي صدر يف لندن عام ‪1959‬م وحيمل عنوان‬
‫(الثقافتان) وقصد هبما‪ :‬الثقافة العلمية‪ :‬ممثلة‬
‫بشكل أساسي يف‬
‫بالعلوم التجريبية والطبيعية والثقافة األدبية أو‬
‫(اآلداب) ممثلة بالعلوم اإلنسانية واالجتماعية‪،‬‬
‫ت���ق���دم اإلن���س���ان‬
‫على استمرار هذه اإلشكالية وتعمق أزمتها يف‬
‫جمتمعاتنا املعاصرة‪.‬‬
‫هو العلوم وحدها‬
‫قال سنو يف كتابه ذاك‪ :‬إن املعول عليه بشكل‬
‫أساسي يف تقدم اإلن��س��ان هو العلوم وحدها‬ ‫أم���ا اآلداب وما‬
‫أما اآلداب وما يدور يف فلكها فهي يف أحسن‬
‫احلاالت أمور متأل هبا أوقات الفراغ‪...‬‬ ‫ي����دور يف فلكها‬
‫وحتى املعارضني آلراء (سنو) القاسية مل‬
‫ينكروا وج��ود هذه األزم��ة القائمة يف العالقة‬
‫بني العلم واألدب بل دعوا إىل عالقة أكثر توازناً‬
‫ف��ه��ي يف أحسن‬
‫بينهما من خالل إصالح لغة األدب وجعلها أكثر‬
‫علمية‪ ،‬وهذا ما فعله (أولدس هكسلي) عندما‬
‫احلاالت أمور متأل‬
‫أكد على وجوب العمل كي يعود اللقاء بني العلم‬
‫واألدب من خ�لال قيام األدي��ب بتضمني أدبه‬ ‫هبا أوق��ات الفراغ‬
‫شيئاً من لغة العلم‪...‬‬
‫وق��ال البعض بعد ذل��ك‪ :‬عصرنا هو عصر‬ ‫السريعة يف ميدان (اآلل��ة) ودول أخ��رى فيها‬
‫العلم وعهد الشعر والقصة قد وىل‪...‬‬ ‫حمافظة تباطأت فيها حركة التغري والتجديد‬
‫وكتب آخرون‪ :‬إن الفرق بني العلم واألدب مثل‬ ‫وجتنبت تيار احلداثة الكاسح‪.‬‬
‫الفرق بني األضداد‪.‬‬ ‫عند ذاك بدأت اإلشكالية بالظهور وبدا أن‬
‫وشن كتاب كثريون عرب قرن مضى هجوماً‬ ‫مثة انفصاالً يلوح يف األفق بني العلم واألدب‪،‬‬
‫شديداً على األسلوب األدبي يف الكتابة واهتموا‬ ‫ويف مرحلة احلرب العاملية األوىل وصلت األزمة‬
‫‪53‬‬ ‫لغة األدب بأهنا قاصرة عن اللغة العلمية وملبتسة‬ ‫إىل ذروهت��ا حيث انتصرت ال��دول املتقدمة يف‬
‫غامضة ومليئة باالستطراد واحلشو والقوالب‬ ‫احل��رب عسكرياً وعلمياً على امرباطوريات‬
‫اجلامدة وتقوم على اإلطناب واخليال‪.‬‬ ‫هرمة حمافظة مل خيرتقها تيار احلداثة الصاعد‬
‫وان��ت��ق��دوا ج��ه��ل ال��ك��ث�ير م��ن أدب����اء العصر‬ ‫إال ببطء شديد‪ ،‬ما أدى إىل أن تعلو أصوات‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫أوىل) وإن اإلحساس والعقل مها الشرطان‬ ‫مب��ع��ط��ي��ات ال��ع��ل��م وق��وان��ي��ن��ه األساسية‪.‬‬
‫الضروريان باملقابل لتحقيق املعرفة العلمية‪...‬‬ ‫(فقليلون ه��م األدب���اء ال��ي��وم ال��ذي��ن يعرفون‬
‫وأن ه��ذه املرجعية األفالطونية هي اليت‬ ‫شيئاً عن قانون اجلاذبية أو نظرية النسبية‬
‫أسست ألول زعم عن تباين وانفصال طريف‬ ‫أو مبدأ الالتعيني أو القانون الثاني للديناميكا‬
‫هذه الثنائية‪.‬‬ ‫احلرارية‪...‬إخل)‪.‬‬
‫ً‬
‫ل��ك��ن ال��ص��ح��ي��ح أي���ض���ا ه���و أن (املنطق‬ ‫هبذا ساد االنفصال واالنقطاع يف العالقة‬
‫األرسطي) يف تقييم هذه املسألة كان األكثر‬ ‫بني العلم واألدب وأدى ذلك إىل توهم وجود‬
‫سيادة وانتشاراً عرب التاريخ حتى عصر النهضة‬ ‫خصومة تارخيية بينهما بينما احلقيقة هي‬
‫األوروبية األخرية‪.‬‬ ‫خالف ذلك‪.‬‬
‫حيث بنيت (املرجعية األرسطية) على عالقة‬ ‫صحيح أن مثة ثنائية كانت قائمة تارخيياً‬
‫قوية بني العلم وبني األدب والفن باعتبارمها‬ ‫حدّاها مها العلم واألدب والفن من جهة أخرى‬
‫نوعني متساويني للمعرفة اإلنسانية وميثالن‬ ‫وأن مثة (روح �اً أفالطونية س��ادت يف حدود‬
‫وجهني لعملة واحدة – وكان أرسطو حتدث عن‬ ‫ضيقة كانت تقول إن اإلب��داع مصدره خارج‬
‫قاسم مشرتك جامع بينهما مساه (التصور) –‬ ‫حدود العقل وهو ميثل نشوة المنطقية تفصل‬ ‫‪54‬‬
‫وب��ذل��ك يكون ق��د أس��س نظرة راس��خ��ة هلذه‬ ‫املبدع عن عامل احملسوس‪.‬‬
‫الثنائية مل تستطع األفالطونية حموها أو‬ ‫وإن إب��داع الفن واألدب مشروط مبفارقة‬
‫التأثري عليها تقوم على أساس (واحدية) العلم‬ ‫العقل (واألدب آنذاك كان ميثله الشعر بدرجة‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫الطبيعية والرياضية والفلكية‬ ‫واألدب والفن وق��د جتسدت ه��ذه الواحدية‬
‫وابن يونس الرياضي الفلكي املعروف كان‬ ‫األرسطية يف منوذجني تارخييني بارزين مها‪:‬‬
‫ش��اع��راً غزلياً إل��ي��ه تنسب ق��وان�ين مهمة يف‬ ‫احلضارة العربية اإلسالمية والثاني عصر‬
‫املثلثات وإليه يرجع الفضل يف اخرتاع الرقاص‬ ‫النهضة األوروبي‪.‬‬
‫أو (بندول الساعة) وهو القائل شعراً‪:‬‬
‫أمحل نشـر الريـح عند هبوبه ‬ ‫ِّ‬ ‫أمثلة على (واحدية) العلم واألدب ‪:‬‬
‫رسالـة مشتاق لوجـه حبيبـه‬ ‫يف ال��ن��م��وذج األول ي�برز بشكل جلي متيز‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫بنفسي مـن حتيا النفـوس بقربه‬ ‫العرب يف العصور الوسطى باجلمع بني فروع‬
‫ومن طابت الدنيا بـه وبطيبـه‬ ‫خمتلفة من العلم واألدب‪ ،‬حيث كان يغلب الطابع‬
‫لعمري لقد عطلـت كأسي بعده‬ ‫املوسوعي على علماء ذلك العصر‪ .‬ومن أمثلة‬
‫وغيبتها عنـي لطـول مغيبـه‬ ‫ذلك‪ :‬كتاب اجلرب واملقابلة للخوارزمي الذي مجع‬
‫وجدد وجدي طائف منه الكرى‬ ‫اجلرب واألدب وجعلهما متممني لبعضهما‪ ،‬وكتب‬
‫سرى موهناً يف خفية من رقيبه‬ ‫البريوني اليت تعانق فيها األدب مع الرياضيات‬
‫رمب��ا م��ن ي��ق��رأ مثل ه��ذا الشعر ال��ع��ذب قد‬ ‫والفلك والطبيعيات خاصة كتابه (التفهيم‬
‫يستغرب أن صاحبه يف األصل هو رجل علم ومن‬ ‫ألوائل صناعة التنجيم) حيث يشعر القارئ يف‬
‫الطراز األول‪ ،‬ولكن هذا يف تلك املرحلة كان عادياً‬ ‫هذا الكتاب بلذة األسلوب األدبي ومتعة املادة‬
‫وطبيعياً وبسبب إميان العلماء العرب بأن املعرفة‬ ‫العلمية‪.‬‬
‫كلية واحدة وليس األدب سوى وجه من وجوهها‬ ‫ويقال الشيء نفسه عن مؤلفات‪ :‬البتاني‬
‫املتعددة‪ ،‬وم��ن ه��ؤالء (ال��دي��ن��وري) ال��ذي اشتهر‬ ‫والبوزجاني وابن محزة وأبناء موسى بن شاكر‬
‫باألدب واهلندسة واحلساب والفلك والنبات‪ ،‬وابن‬ ‫وابن مرة والطوسي وابن بدر وغريهم‪.‬‬
‫اهليثم الذي برع يف الرياضيات والبصريات وطبق‬ ‫ومث��ة وج��ه آخ��ر لتكاملية وواح��دي��ة العلم‬
‫اهلندسة على املنطق ووضع رسائله النفيسة بلغة‬ ‫واألدب يف شخصية ال��ع��امل العربي يف ذلك‬
‫رائعة ومجيلة كما هي يف أروع أسفار األدب‪.‬‬ ‫الزمن وهو يدل على مكانة األدب عند هؤالء‬
‫وت��ت��ك��رر ه���ذه ال��ظ��اه��رة يف ع��ص��ر النهضة‬ ‫وبالتايل يف جمتمعاهتم‪ ،‬فقد وص��ل هيامهم‬
‫األوروبي فهذا (دانيت) استخدم معارفه العلمية‬ ‫به إىل احلد الذي جعلهم أو جعل الكثري منهم‬
‫يف عمله األدب���ي امل��ده��ش (الكوميديا اإلهلية)‬ ‫ينظم القوانني الرياضية واملعادالت العويصة‬
‫وت��ش��وس��ر اس��ت��خ��دم العلم اس��ت��خ��دام�اً فنياً يف‬ ‫والظواهر الفلكية واحلاالت الطبية شعراً‪ ،‬كما‬
‫تطوير شخصياته وبايم حتدث عن شعر علمي‬ ‫فعل ابن سينا يف ألفيته الشعرية عن الطب وابن‬
‫وغ��وت��ه ان��ص��رف إىل دراس���ة العلوم الطبيعية‪،‬‬ ‫اليامسني الذي وضع إرجوزة ضمنها علم اجلرب‬
‫وب��روت��ول��د برخيت ك��ان ي��رى أن��ه اليستطيع أن‬ ‫و(ابن اهلائم) الذي صاغ القواعد اجلربية شعراً‬
‫ميارس أعماله الفنية واألدبية مبعزل عن عدد‬ ‫و(عمر اخليام) الشاعر والفيلسوف واألديب ال‬
‫من العلوم ويف مصر يف عهد هنضتها األدبية‬ ‫بل الرياضي والفلكي من الطبقة األوىل والذي‬
‫وال��ف��ك��ري��ة مث��ة أمس����اء ت��ذك��ر هب���ذه الظاهرة‪:‬‬ ‫ألف يف اجلرب والفلك وإليه يرجع الفضل يف‬
‫فالدكتور ابراهيم ناجي هو شاعر وطبيب ومن‬ ‫وض��ع بعض نظريات األع���داد واب��ت��ك��ار طرق‬
‫‪55‬‬ ‫رواد الشعر الرومانسي املعاصر‪ ،‬والدكتور أمحد‬ ‫جديدة يف حل معادالت الدرجة الثانية وبعض‬
‫زكي أبو شادي الشاعر املعروف من مجاعة أبولو‬ ‫أوض���اع ال��درج��ة الثالثة‪ ،‬والكندي والفارابي‬
‫هو عامل بكرتولوجيا يف تربية النحل وبعدمها‬ ‫وابن رشد فعلوا ذلك‪ ،‬فإضافة إىل مآثرهم يف‬
‫جاء د‪.‬حسني فوزي عامل األقيانوغرافيا وأديب‬ ‫الفلسفة واألدب هلم خدمات جليلة يف العلوم‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫الرحالت والباحث التارخيي وأستاذ املوسيقا الفكر شيئاً نادراً بينما كانت القاعدة يف أمثلة‬
‫الغربية‪ ،‬والدكتور أمحد زكي الكاتب واألديب العصور السابقة أن يلتقي العلم واألدب يف‬
‫امل��ع��روف مؤسس جملة العربي الكويتية وهو شخص العامل واملثقف واملفكر والفيلسوف‪.‬‬
‫باألصل عامل كيمياء‪ .‬ومثة أطباء ومهندسون‬
‫ومشتغلون بالعلوم الطبيعية حتولوا إىل أدباء العلم واألدب متايز واختالف ال تناقض أو‬
‫تضاد‪:‬‬ ‫بارزين ومرموقني لدرجة أن كثرياً منهم نسي‬
‫يعرف العلم بأنه مرادف للمعرفة أو جمموعة‬ ‫ال��ن��اس انشغاله األول أو اختصاصه العلمي‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫من املعارف تتصف بالوحدة والتعميم‪ ،‬ومها‬ ‫وعرفوا فيه الشاعر أو الروائي فقط‪.‬‬
‫ومث���ة أمس���اء م��ع��روف��ة يف امل��ش��ه��د الثقايف نوعان‪( :‬علم ص��وري)‪ :‬كاملنطق والرياضيات‪،‬‬
‫واألدب���ي العربي املعاصر مثل ال��دك��ت��ور عبد قضاياه حتليلية خالية من احملتوى الواقعي‬
‫السالم العجيلي األديب والروائي لكنه الطبيب صدقيتها ال تعرف إال مبستوى التحليل‪.‬‬
‫(وع��ل��م جت��ري�بي)‪ :‬مثل ال��ف��ي��زي��اء‪ ،‬قضاياه‬ ‫قبل ذل��ك‪ ،‬وشكيب اجلابري من رواد الرواية‬
‫السورية‪ ...‬ويوسف إدريس ‪ .....‬وعبد الرمحن تركيبية ذات حمتوى واقعي تعرف صدقيتها‬
‫منيف الروائي املعروف هو طبيب أيضاً‪ ،‬ويف باخلربة أو التجربة‪.‬‬
‫أما األدب يف أحد أهم تعريفاته هو‪ :‬كتابة‬ ‫مصر د‪.‬مصطفى حممود طبيب روائ��ي ميثل‬
‫االجت��اه العلمي يف الرواية املصرية‪ ،‬ود‪.‬طالب أو إنشاء ختييلي (ينشئ عاملاً خمرتعاً وخمتلقا)ً‬
‫عمران يف سورية هو روائي وأديب له أكثر من تسود فيه الوظيفة اجلمالية واألدب أساساً هو‬
‫ستني عمالً أدبياً وهو يف األصل أستاذ للفلك فن مجيل يتخذ من اللغة أداة له‪ ،‬ويقول تريي‬
‫ايغلتون‪ :‬األدب معرفة ومعريف أي يقدم نوعاً‬ ‫وعلم التفاضل يف اجلامعة‪.‬‬
‫ويف مصر املهندس ابراهيم الدمرداش والعامل من معرفة العامل‪.‬‬
‫ومثة أجناس أدبية أمهها‪ :‬الشعر الغنائي‪،‬‬ ‫الدكتور عبد احلليم منتصر رج�لا علم‪ ،‬ويف‬
‫نفس الوقت مها أديبان وعضوان يف جممع اللغة امللحمة‪ ،‬املسرحية‪ ،‬السرية‪ ،‬املقالة‪ ،‬والقصة‬
‫العربية يف مصر‪ ،‬والدكتور حممد كامل حسني وتلك األخرية ولدت أنواعاً‪( :‬القصة القصرية‬
‫العامل وطبيب العظام املصري هو أديب وناقد والرواية القصرية والرومانس أو الرواية الطويلة‪،‬‬
‫له من األعمال األدبية رواية (قرية ظاملة) وكتاب واحلكاية)‪.‬‬
‫ً‬
‫وانطالقا من الدالالت واملعاني اليت يقدمها‬ ‫(الشعر العربي والذوق املعاصر)‪ ،‬والدكتورة نوال‬
‫السعداوي الطبيبة وعاملة النفس املعروفة هي ك�لا هذين التعريفني ترتسم ص��ورة متقابلة‬
‫روائية وكاتبة مهمة‪ ،‬وكذلك د‪.‬يوسف السباعي ومتمايزة لكل منهما‪ :‬العلم إدراك عقلي أما‬
‫األديب والكاتب املعروف الذي برع يف استخدام األدب فهو إدراك انفعايل خيايل أي أن‪:‬العلم‪:‬‬
‫القوانني العلمية يف رواياته بشكل كبري خاصة يفهم العامل كما هو موجود بالفعل بينما األدب‬
‫(ب�ين األط�ل�ال) ال�تي حت��دث فيها ع��ن نسبية يفهمه كما يتمنى أن يكون‪.‬‬
‫لذلك يقود العقل العلم وحده بينما يف األدب‬ ‫انشتاين‪ ،‬و(إن��ي راحلة) اليت حتدث فيها عن‬
‫يوجه األدي��ب ويقوده اخليال واحل��دس بشكل‬ ‫قانون احلركة الثالث لنيوتن‪.‬‬
‫ويف ه��ذه احلقبة املعاصرة مثة أمثلة على أس��اس��ي واحل���دس بكافة أش��ك��ال��ه‪( :‬احلسي‬
‫واح��دي��ة العلم واألدب يف بالدنا العربية ويف والعقلي والعاطفي والصويف والفين) اليصلح‬ ‫‪56‬‬
‫الثقافة الغربية أيضاً لكنها اليوم باتت متثل طريقاً للعلم ألن��ه يقدم معرفة بال مقدمات‬
‫االستثناء وليس القاعدة فهذا الزمن هو زمن منطقية هذا بعكس ما يقوله احلدسيون أتباع‬
‫التخصص حيث باتت (املوسوعية) عند رجال هنري برغسون القدامى واجلدد الذين يزعمون‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫بأن احلدس املعريف بأشكاله هو الطريقة املثلى‬
‫العلم إدراك عقلي‬ ‫لتحصيل املعرفة ألن العقل كما يزعم هؤالء‬
‫مازال عاجزاً عن كشف كثري من أسرار الكون‬
‫أما األدب فهــــــــو‬ ‫وأن قدرته حم��دودة‪ ،‬وإن االستدالل والرباهني‬
‫العقلية تسري بطرق تدرجيية بطيئة حنو املعرفة‬

‫إدراك انفعالـــــــي‬ ‫وأن العقل اليكشف إال عن عالقات سطحية‬


‫التنفذ إىل جوهر األشياء وبواطنها‪.‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫هنا ال نقيم حواراً أو جداالً مع (احلدسية)‬


‫خيالـــــــــي‪ ،‬أي أن‬ ‫بل غايتنا القول‪ :‬أن األدب على كل حال يف أحد‬
‫تعريفاته (حالة معرفية) حيتاج إىل احلدس‬
‫العلم يفهم العامل‬ ‫الفين واإلهل��ام أهم ما مييز األدب‪ ،‬ويف اجتاه‬
‫آخر العلم وسيلة واألدب غاية‪.‬‬
‫ك��م��ا ه��و موجود‬ ‫واحلقيقة العلمية ال شخصية بعكس العمل‬
‫الفين واألدب����ي‪ ،‬ففي العمل العلمي اليوجد‬

‫بالفعـــــل بينمــــا‬ ‫ارت��ب��اط ع��ض��وي بينه وب�ي�ن مج��ي��ع العوامل‬


‫وال��ظ��روف الشخصية املتعلقة بكيفية نشأته‬

‫األدب يفهمه كما‬ ‫والشخص الذي ظهر أو تطور على يديه‪.‬‬


‫بينما العمل الفين واألدب��ي مرتبط ارتباطاً‬
‫عضوياً بصاحبه حبيث اليفهم أحدمها فهماً‬
‫يتمنى أن يكون‪.‬‬ ‫ت��ام �اً ب���دون اآلخ���ر‪ .‬وم��ن أه��م أوج���ه التمايز‬
‫واالختالف بني العلم واألدب هو لغة الكتابة‬
‫املطر أو وق��وع الفيضان أو ال���زالزل الحيدث‬ ‫واألس��ل��وب‪ ،‬فاللغة األدب��ي��ة مفعمة باجلناس‬
‫إال إذا توافرت األسباب الطبيعية املؤدية إليه‬ ‫(أو احملسنات البديعية) ومشبعة باألحداث‬
‫وعندما تتوافر تلك األس��ب��اب يكون حدوث‬ ‫التارخيية (اليت تنتمي إىل املاضي) والذكريات‬
‫الظاهرة حتمياً أم��ا الغايات فنحن خنلقها‪،‬‬ ‫والتداعيات وهي تقوم أساساً على قدرة األديب‬
‫حنن عرفنا أن املطر يروي الزرع أما املطر ذاته‬ ‫على إبداع العبارة من املخيلة‪ ،‬لدرجة أن مجالية‬
‫فكان سيسقط سواء روينا به زرعنا أم ال‪ .‬ويورد‬ ‫اللغة األدبية نثراً وشعراً كانت مرتبطة باالبتعاد‬
‫د‪.‬زكريا أمثلة أخرى على لغة األدب املغايرة للغة‬ ‫عن عامل احملسوسات والواقع‪.‬‬
‫العلم من نوع حدثين قليب‪...‬إخل‪.‬‬ ‫لذلك جند أن حديث األدب عن الطبيعة‬
‫إذاً اللغة األدبية كثرية اجملازات ومرتبطة إىل‬ ‫يكون يف حاالت كثرية من خالل تعليل الظواهر‬
‫حد ما برمزية الصوت يف الكلمة ما جيعلها‬ ‫بغاياهتا قياساً على ماحيدث يف عامل اإلنسان‬
‫يف تقنياهتا الفنية تشدد على الوزن واجلناس‬ ‫ويعطي د‪.‬فؤاد زكريا يف كتابه (التفكري العلمي)‬
‫االستهاليل وغريه الذي اليعين شيئاً بلغة العلم‬ ‫أمثلة على ذلك فيقول‪ :‬نسمع يف اللغة األدبية‪:‬‬
‫اليت هي لغة موضوع أوالً وأخرياً وهي أي اللغة‬ ‫يسقط املطر ك��ي ي��روي ال���زرع حيث يضفي‬
‫‪57‬‬ ‫العلمية لغة داللية حمضة هتدف إىل التطابق‬ ‫األديب عالقة محيمة بني األرض والسماء بني‬
‫التام واحملكم بني الدال واملدلول حيث الجيوز‬ ‫نقطة املطر وحبة ال�تراب‪ ،‬بينما يف لغة العلم‬
‫اخلروج عن مواصفات – املوضوع – ألي سبب‬ ‫الطبيعة التعرف غايات بل إن حوادثها كما يقول‬
‫مجايل أو غريه‪.‬‬ ‫(د‪.‬زكريا) حتكمها الضرورة فحسب فسقوط‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫مرتبطة حبقيقة موضوعها الواقعي احلسي‬ ‫لذلك تبدو العبارات األدب��ي��ة غامضة من‬
‫فقط أو ما ينجم عنه من عالقات منطقية‪.‬‬ ‫منظور العلم‪ ،‬بينما يف لغة العلم من غري املقبول‬
‫لذلك كله ساد اعتقاد مبالغ فيه منذ زمن‬ ‫أن ترتك عبارة واح��دة دون حتديد دقيق ومن‬
‫أن أساليب التعبري يف اللغة العلمية غري صاحلة‬
‫تستخدم يف لغة العلوم اإلنسانية واألدب وأن‬
‫موضوعات الدراسة يف األدب هي غريها متاماً‬
‫ملوضوعات الدراسة الطبيعية والعلمية‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫رمب���ا تتغري ك��ث�ير م��ن ه���ذه االستنتاجات‬
‫واألفكار إذا وضع باحلسبان وجود جنس أدبي‬
‫حديث نسبياً هو أدب اخليال العلمي فيه من‬
‫العلم مبقدار مافيه من مالمح األدب‪.‬‬
‫املشرتك بني العلم واألدب‪:‬‬
‫يف فرتة ما من تارخيهم كان العرب يدرجون‬
‫حتت كلمة أدب كل امل��ع��ارف مبا فيها العلوم‬
‫فقد ارتقى وتطور معنى األدب بدءاً من العصر‬
‫األموي عن معاني (الدعوة إىل الطعام) و(اخللق‬
‫احلسن) إىل معنى جديد يساوي الثقافة العامة‬
‫ويتضمن‪ :‬التعليم والتثقيف ويندرج فيه الشعر‬
‫واألخبار والنحو وباقي أشكال املعرفة الالزمة‪.‬‬
‫وبذلك صار العلم متضمناً يف معنى األدب‪،‬‬
‫بعد ذلك استقلت العلوم عن األدب علماً علماً‬
‫وظهرت علوم العربية أي علوم اللغة وبقي األدب‬
‫وحده أخرياً يف داللة الشعر والنثر فقط ما أشري‬
‫إليه بـ(صناعة األدب)‪.‬‬
‫يف ه��ذا اإلط���ار أش��ار إليه اب��ن خ��ل��دون يف‬
‫املقدمة كواحد من العلوم باسم (علم األدب)‪،‬‬
‫وكذلك فعل (التهانوي) يف (كشاف اصطالحات‬
‫الفنون) حيث استعمل نفس املصطلح‪.‬‬
‫والفالسفة وعلماء املعرفة اليوم اليعتربون‬
‫األدب علماً ألنه م��ازال بال نظرية عامة وبال‬
‫مناهج صارمة رغم كل احملاوالت لتلمس نظرية‬
‫لألدب أو نظرية للشعر أو مناهج للنقد ولغريه‬
‫من أشكال الفنون األدبية‪ ،‬وقد حتدث روالن‬
‫بارت الناقد البنيوي الفرنسي يف مخسينيات‬ ‫غري املقبول بقاء قضية غامضة أو ملتبسة‬
‫القرن العشرين يف مراحله األوىل عن إمكانية‬ ‫حتى يف احلاالت االحتمالية يعرب العلم عن هذا‬ ‫‪58‬‬
‫قيام علم األدب وقال إنه سيكون إذا قام علماً‬ ‫االحتمال بدقة من خالل النسبة الرياضية أي‬
‫لألشكال وليس للمضامني‪.‬‬ ‫يستخدم لغة الرياضيات‪.‬‬
‫واليوم مازال العلم واألدب وجهني للمعرفة‬ ‫إذاً اللغة العلمية هي لغة صارمة ودقيقة‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫مثرة التخيل‪.‬‬ ‫اإلن��س��ان��ي��ة لكل منهما شخصيته ومالحمه‬
‫وعامل الفضاء املصري د‪.‬فاروق الباز يقول‪:‬‬ ‫وميزاته‪ ،‬ومثة متشابه ومشرتك بينهما أيضاً‪.‬‬
‫إن األعمال العلمية واالكتشافات بدأت خياالت‬ ‫املشرتك األول‪ :‬هو تشابه حاليت التخييل‬
‫يف أذهان أصحاهبا وهذا مهم للغاية‪ ،‬واخليال‬ ‫أواخليال كعنصر أساسي مييز األدب مع التجريد‬
‫ومن أهم عناصر الفكر عند اإلنسان‪ ،‬والعلماء‬ ‫العلمي الذي هو نتاج لنشاط املخيلة اإلنسانية‬
‫الناجحون (ي��ؤك��د ال��ب��از) ه��م ال��ذي��ن يتمتعون‬ ‫أيضاً مع اختالف القضية أو املوضوع‪.‬‬
‫خبيال خصب ألن العامل حمدود اخليال سوف‬ ‫فاملعروف أن عامل التخييل األدب��ي والفين‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يتدرب على ش��يء اليستطيع اخل��روج منه أو‬ ‫يقدم لنا العامل أو الواقع بصورة خمتلفة صنعها‬
‫تطويره أو إبداع شيء جديد‪.‬‬ ‫عقل املبدع األدي��ب أو الفنان‪ ،‬أي أن��ه املعيار‬
‫واملشرتك الثاني‪ :‬بني العلم واألدب هو ذلك‬ ‫األساس يف عملية اخللق األدبي‪ .‬ويف العلم يف‬
‫الشبه القائم بني اإلحساس اجلمايل الذي ينتاب‬ ‫مرحلة معينة يقوم العامل بوصف الواقع على‬
‫العامل عندما جيمع ما هو مشتت من أفكاره يف‬ ‫ماهو عليه دون أية إضافة من عنده وفيها البد‬
‫حالة النظرية العلمية يف وحدة متآلفة‪ ،‬واجلمال‬ ‫أن يستبعد اخليال من جمال عمله‪.‬‬
‫يف عامل األدب يشكل الوظيفة األهم اليت يؤديها‬ ‫لكنه يف مرحلة أخ��رى الحقة جيد جماالً‬
‫حتى أنه اعترب فناً مجيالً‪.‬‬ ‫خصباً ملمارسة ملكة اخليال يف صميم عمله‬
‫إذاً مثة تداخل وتشابه يف عاملي اخليال األدبي‬ ‫العلمي عندما يلجأ إىل عامل ومهي هو عامل‬
‫واخليال العلمي الذهين اجملرد هو اإلحساس‬ ‫الرموز واملعادالت الرياضية للوصول إىل تصور‬
‫اجلمايل‪ ،‬ألن كليهما يكشف عن مجال وحالة‬ ‫وصيغة علمية حيتاجها يف أحباثه‪.‬‬
‫مجالية‪ ،‬أو خيلق إحساساً مجيالً‪.‬‬ ‫والعامل كما الفنان حيتاج إىل قدر غري قليل‬
‫أما املشرتك الثالث‪ :‬بني العلم واألدب تعرب عنه‬ ‫من اخليال وإعمال املخيلة ليصنع نظريته فهو‬
‫طريقة اهتداء بعض العلماء إىل بعض أفكارهم‬ ‫مهما الحظ وراقب وسجل وأجرى جتارب جنده‬
‫املبدعة (أثناء النوم‪ ،‬يف غفوة‪ ،‬يف حلم يقظة)‬ ‫حني يبدع نظريته حيتاج إىل قفزة تتجاوز كل‬
‫مثال ذلك تفاحة نيوتن‪ ،‬محام أرمخيدس‪ ،‬وهذه‬ ‫تلك الظواهر املشاهدة وتنتقل به إىل عامل‬
‫احلالة من (اإلهل��ام) العلمي تشبه إىل حد ما‬ ‫ذهين جمرد‪.‬‬
‫(الوحي) يف بعض أنواع األدب خاصة يف الشعر‬ ‫والتجريد العلمي ه��ذا ال��ذي ينتجه خيال‬
‫واملوسيقا‪.‬‬ ‫العامل ‪ /‬على أرضية من املنطقية العلمية‪/‬‬
‫ويف احلالتني اإلهلام العلمي والوحي األدبي‬ ‫طبعاً هو عامل من الرموز والتجريدات خيلقها‬
‫واليعين ذلك أن اإلبداع األدبي أو الكشف العلمي‬ ‫العامل بنفسه وتتحول إىل كيانات فعلية غايتها‬
‫يأتي مبعزل عن االنشغال الدائم لألديب أو‬ ‫فهم الظواهر‪ ،‬وتطور العلم حنو (التجريد) هو‬
‫الفنان أو العامل مبوضوعه‪.‬‬ ‫أمر حتمته مصلحة العلم ذاته وحتمه بالتايل‬
‫وامل��ش�ترك ال��راب��ع‪ :‬ه��و مايقابل الوجدان‬ ‫تقدم املعرفة وتقدم اإلنسان‪.‬‬
‫اإلنساني األدبي لألديب من حديث عن وجدان‬ ‫واستفاضة العلم والعامل يف شرح قضاياه‬
‫علمي للعامل‪.‬‬ ‫جعله ينشئ فرعاً موازياً للعلم التجرييب هو‬
‫واملشرتك اخلامس واألخري‪ :‬يكمن يف مسألة‬ ‫العلم الصوري ال��ذي تشكله الرياضيات وهو‬
‫‪59‬‬ ‫املنهج‪ ،‬فإذا كان العلم طريقة يف البحث بناء‬ ‫علم يسبح يف ع��امل من اخليال وم��ن الذهين‬
‫على منهج نظري ففي األدب مثة موهبة فردية‬ ‫اجملرد‪.‬‬
‫لكنها ب��ات��ت م��ع ت��ط��ور ع��ل��وم األدب والفنون‬ ‫وأينشتاين يقول يف أمهية اخليال للعلم‪ ،‬إنه‬
‫مشفوعة مبنهج عقالني علمي أيضاً يرافق‬ ‫أي اخليال أهم من املعرفة ألن املعرفة اخلالقة‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫اجلوفاء وضحية قوالب إنشائية مباشرة غري‬ ‫عملية اخللق الفين واألدبي ويتجلى ذلك يف‬
‫مقنعة للعقل‪.‬‬ ‫عامل القصة والرواية والتنظري حلاالت الشعر‬
‫يف هذا اإلطار دعا د‪.‬أمحد هيكل إىل تأديب‬ ‫احلداثي وغريمها‪.‬‬
‫العلم وتعليم األدب حتى تضيق املسافة بينهما‬
‫حتى يصبحا جناحي اإلنسانية ألن��ه بعلمية‬ ‫لقاء العلم واألدب – واإلمكانيات املقرتحة‬
‫األدب وأدب��ي��ة العلم يتحقق حسب رأي��ه أنبل‬ ‫يف حماولة إلع��ادة ثنائية العلم واألدب إىل‬
‫تصاحل خلري اإلنسان فالتستبعد العقالنية اليت‬ ‫ح��ال��ة التكاملية ب���دالً م��ن دع���اوي التناقض‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫قد تغامر بالبشرية إىل مهاوي املادية املهلكة‬ ‫والتضاد ال�تي س��ادت أوس��اط (الثقافتني) يف‬
‫والتطغى الوجدانية اليت قد جتنح باإلنسانية‬ ‫القرن العشرين ظهرت أصوات أخذت تتعاىل‬
‫إىل متاهات اخليالية املضللة‪ ،‬ودعا إىل املزج‬ ‫تدعو إىل اللقاء بني العلم واألدب مركزة على‬
‫أصالة هذا اللقاء وحسناته‪.‬‬
‫فمنهم من دعا إىل لقاء مباشر بينهما كأن‬
‫أينشتاين يقول‬ ‫جيعل األديب يف أدبه شيئاً من لغة العلم مشرتطاً‬
‫أال يؤدي ذلك إىل تفكك القطعة األدبية‪.‬‬

‫يف أمهية اخليال‬ ‫ومنهم من دعا إىل لقاء غري مباشر من خالل‬
‫إصالح أدوات التعبري وأساليبه‪ ،‬وقد تأسست‬
‫هذه الدعاوى اجلديدة على أرضية أن منبع‬
‫للعل���م‪ ،‬إنه أي‬ ‫الكشف العلمي والعمل الفين واألدبي هو منبع‬
‫واحد وأن كليهما مكمالن لبعضهما وعنصران‬

‫اخلي���ال أه���م‬
‫متوازيان‪ .‬وأن احلياة اليت يوجد فيها العامل‬
‫والفنان واألدي��ب جنباً إىل جنب إذا اقتصرت‬
‫على املعرفة العقلية وح��ده��ا لفقد اإلنسان‬
‫من املعرفة ألن‬ ‫(املتعة) اليت تبعثها املعرفة الشخصية والعالقة‬
‫الباطنة احلميمة وافتقدت احلياة إىل دفء‬

‫املعرفة اخلالقة‬
‫الغنى عنه‪.‬‬
‫وأنه باملقابل لو اقتصرت حياة اإلنسان على‬
‫املعرفة احلدسية (الفنية واألدبية) لكان سيقف‬

‫مث���رة التخيل‪.‬‬ ‫ع��اج��زاً ع��ن فهم الظواهر احمليطة وبالتايل‬


‫السيطرة عليها‪.‬‬
‫وأك��د آخ��رون أيضاً‪ :‬أن لقاء العلم واألدب‬
‫يسمح بعلم أكثر (وضوحاً) وأدب أكثر (عمقاً)‬
‫بني أسلوب علمي متأدب وشكل أدبي متعلم‪،‬‬ ‫وأن العلم سيتحول إىل خ��ادم ل�لأدب إذا بادر‬
‫جيمع ب�ين م��ادة العلم وإط���ار األدب ب�ين دقة‬ ‫األدب وتعلق بالعلم وهتافت عليه‪.‬وأن امتالك‬
‫التفكري ورونق التعبري‪ ،‬والغاية عنده من كل ذلك‬ ‫العامل ناصية الفن واألدب باملقابل جيعله أكثر‬
‫ختليص العلم من اجلفاف وتوجيهه لسعادة‬ ‫رهافة وإنسانية ألن التخصص املفرط قد يؤدي‬ ‫‪60‬‬
‫اإلن��س��ان وإن��ق��اذ األدب م��ن اخل���واء وتوظيفه‬ ‫إىل جفاف الروح‪.‬‬
‫لرفاهية البشرية‪.‬‬ ‫ً‬
‫وأن األدب املعاند ال��ذي سيبقى بعيدا عن‬
‫ً‬
‫ويف نفس االجتاه أيضا كتب جنيب حمفوظ‬ ‫ال��روح العلمية سيقع أس�يراً للبالغة التقليدية‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫جتزأت جتزأت مقومات الشخصية وأية ثقافة‬ ‫يف مقالة له مبجلة العلم بالقاهرة عام ‪1977‬م‬
‫تفصل ب�ين العلم واألدب ه��ي ثقافة مصابة‬ ‫يتحدث عن األديب العلمي ويقول له مهمتان‪:‬‬
‫بانفصام الشخصية‪ ،‬كما قال الدكتور زكريا‬ ‫األوىل هي التنبؤ‪ ،‬اعتماداً على تصور العلماء‬
‫ابراهيم فيلسوف اجلمال املصري‪.‬‬ ‫وال��ت��ش��وي��ق الفعلي واإلث�����ارة ال��ف��ك��ري��ة ويرى‬
‫ورمب��ا يكون التعبري األمج��ل عن حالة هذا‬ ‫(حمفوظ) يف (الدكتور أمحد زكي) منوذجاً هلذا‬
‫اللقاء الطبيعي والضروري بني العلم واألدب‬ ‫األديب العلمي ويتحدث جنيب حمفوظ أيضاً‬
‫هو نشوء وانتشار هذا اجلنس األدبي اجلديد‬ ‫عن أدب العلم – وما سيقدمه من ارتفاع مبوقع‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫املسمى أدب اخليال العلمي‪.‬‬ ‫األدب ووظائفه اإلنسانية‪.‬‬


‫وه��ذا حييى حقي يف مصر يدعو األدباء‬
‫عالقة األدب بالواقع‬ ‫إىل التخلي ع��ن ال��س��ج��ع اللفظي والذهين‬
‫من اخليال األدبي إىل اخليال العلمي‬ ‫واستخدام األسلوب العلمي يف األدب واالبتعاد‬
‫هل يشري ظهور أدب اخليال العلمي يف بعد‬ ‫عن االستطراد واحلشو والتخلي عن القوالب‬
‫م��ن أب��ع��اده إىل وج��ود أزم��ة يف عالقة األدب‬ ‫اللغوية اجلامدة واإلق�لال من حروف العطف‬
‫مع الواقع وه��ل ك��ان اخليال ال��ذي هو جوهر‬ ‫ألن سري الذهن حسب رأيه ليس خطواً متتابعاً‬
‫اإلبداع األدبي ودالته الرئيسية ميثل انفصاالً‬ ‫رتيباً بل توثباً خيرجه من السكون إىل احلركة‪.‬‬
‫عن الواقع؟ أم أن مثة فهماً آخر لعالقة األدب‬ ‫ويف فلسطني يف أواخر الثالثينيات دعا قدري‬
‫بالواقع؟ وهل كان ميكن لألدب أن يبقى إنشاءً‬ ‫حافظ طوقان األديب العربي كي يعنى بقليل‬
‫خيالياً وواقعياً بنفس الوقت؟‬ ‫من الرياضيات فيكسب من ذلك قوة املنطق‬
‫بداي ًة األدب بناء ذهين وإنتاج فكري بدرجة‬ ‫وتنميته يف ملكات الرتتيب وال��دق��ة والنظام‬
‫أوىل أما الواقع فهو معطى حقيقي موضوعي‪.‬‬ ‫واليقبل شيئاً دون متحيص وحبث ودرس ويف‬
‫والتخييل الذي هو جوهر األدب عامل مغاير‬ ‫هذا دعامة ألسلوبه يزيده قوة وبالغة ويساعده‬
‫للواقع‪ -‬الب��ل أن األدب بوصفه كتابة ختيلية‬ ‫على السري يف حبوثه على أس��اس من التفكري‬
‫ي��ن��ش��ىء وخي��ل��ق ع��امل��ه اخل����اص امل��خ��ت��ل��ف يف‬ ‫املنظم والطريقة العلمية الصحيحة‪.‬‬
‫طبيعته‪.‬‬ ‫بذلك فتح كبار الكتاب واألدباء الطريق أمام‬
‫لكن األدب رغم ذلك هو حالة معرفية أي‬ ‫إمكانات لقاء العلم واألدب يف دعوات صرحية‬
‫بقدم بشكل أو بآخر نوعاً من معرفة العامل‪،‬‬ ‫إىل أهل األدب كي يقرتبوا أكثر من العلم واملعرفة‬
‫إذاً البد من مالمسة للواقع وإدراكه حتى حتقق‬ ‫العلمية وامل��ن��اه��ج العلمية وأس��ال��ي��ب الكتابة‬
‫تلك املعرفة املستندة إليه‪.‬‬ ‫العلمية وهذا ما يعنيه احلديث عن تعليم األدب‬
‫لذلك كان اخليال يعين يف معناه التأسيسي‬ ‫أو علمية األدب عند أمح��د هيكل أو األديب‬
‫إع��ادة تشكيل الصور‪ -‬ال�تي هي ص��ور الواقع‬ ‫العلمي أو أدب العلم عند جنيب حمفوظ‪.‬‬
‫أصالً‪ -‬أي إعادة تشكيل الواقع أو بلغة النقد‬ ‫وه���ذا االجت���اه إىل إزال���ة اجل���دار السميك‬
‫احلديثة إعادة إنتاج هلذا الواقع‪.‬‬ ‫املفتعل الفاصل بني وجهي املعرفة اإلنسانية‪،‬‬
‫وفاعلية هذا اخليال يف نطاق املمكنات دون‬ ‫يؤكد حقيقة العالقة العضوية القائمة بني العلم‬
‫املستحيالت‪.‬‬ ‫واألدب فالعلم جيسد منجزات العصر املادية‪،‬‬
‫‪61‬‬ ‫فاإلحياء واحملاكاة واإليهام الذي هو اخليال‬ ‫واألدب والفن يبلوران مالمح العصر الروحية وال‬
‫يف معانيه عند الفالسفة ك��ان اليتعدى هذا‬ ‫انفصال بني املادة والروح أو اجلسد والروح‪.‬‬
‫احلد ‪/‬املمكن‪./‬‬ ‫واملعرفة اإلنسانية ال تتجزأ والنظرة إىل‬
‫ويف جت��ارب األدب جند ص��ورة الواقع اليت‬ ‫ال��وج��ود والثقافة والفكر التتجزأ أيضاً وإذا‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫( واقعية مبتذلة) بل هي عالقة تأثري متبادل‬ ‫كان يقدمها لنا عامل التخييل األدبي والفين‬
‫بينهما‪.‬‬ ‫ه��ي ص���ورة خمتلفة صنعها عقل ال��ف��ن��ان أو‬
‫ولذلك دع��ت املاركسية إىل ختطي األدب‬ ‫األديب املبدع وهي خاضعة العتبارات مجالية‬
‫لالنفعال احلسي مب��ا ي��ف��رزه ال��واق��ع ليدخل‬ ‫ووجدانية أكثر منها موضوعية وهذه الصورة ال‬
‫إىل صلب هذا الواقع باحثاً عما هو جوهري‬ ‫تعرب بالضرورة‪.‬‬
‫ومنوذجي فيه‪ ،‬وعكست ( الواقعية اجلديدة)‬ ‫ع��ن مواجهة مباشرة للواقع ب��ل ع��ن تلك‬
‫هذه النظرة لألدب وعالقته بالواقع‪.‬‬ ‫األخيلة والصور الذاتية اليت أحب ومتنى املبدع‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫إذاً باستثناء الشكالنيني ال���روس الذين‬ ‫أن يرمسها لواقعه‪.‬‬
‫أقاموا قطيعة بني األدب والواقع اعرتفت معظم‬ ‫يف القرن التاسع عشر مع املرحلة الرومانسية‬
‫امل��ذاه��ب األخ���رى بنوع م��ن عالقة األدب مع‬ ‫بدأ األدب يصبح مرادفاً فعلياً ملا هو ختيلي‬
‫الواقع‪.‬‬ ‫ومع ظهور ألوان أدبية استخدمت اخليال بال‬
‫وبقي السؤال عن حجم وطبيعة حضور هذا‬ ‫حدود أو ضوابط ظهرت إشكالية عالقة األدب‬
‫الواقع يف األدب وب��دا جلياً هل��ؤالء كما يقول‬ ‫مع الواقع وبدأ السؤال‪ ( :‬أي خيال) ذلك الذي‬
‫(ايغلتون) أن األدب حني يضم الكثري من الكتابة‬ ‫حيلق به األدب؟‬
‫الوقائعية يقصي قدراً وافراً من التخييل الذي‬ ‫ً‬
‫وهل جيوز لألدب أن ينفصل كليا عن الواقع‬
‫هو ثيمة جوهرية يف األدب‪.‬‬ ‫أي أن يقص جذور صوره أو مرجعيته اإلدراكية‬
‫واألدب أو املتخيل اليستطيع أن يدعي‬ ‫ويفصلها عن الواقع لتصبح نوعاً من اخليال‬
‫االن��ع��زال ع��ن ال��واق��ع ألن مث��ة فضاء سوسيو‬ ‫احملض‪.‬؟‬
‫تارخيياً وجماالَ ثقافياً أنتج فيه ‪ ،‬بذلك يكون‬ ‫وبذلك بدأت تنمو اجتاهات متباينة حول‬
‫األدب منطلقاً من واقع مبعزل عن موقفه من‬ ‫عالقة األدب بالواقع‪ ،‬فالشكالنيون ركزوا على‬
‫هذا الواقع وطريقة تناوله له‪ ،‬وأي نص أدبي‬ ‫طبيعة األدب وعزلوه عن الواقع‪ ،‬واإلبداعيون‬
‫حيمل إىل جانب وج��وده الفين سياقاً ثقافياً‬ ‫أك��دوا على ال��دور االجتماعي لألدب واعتربوا‬
‫اجتماعياً أنتج داخله‪.‬‬ ‫الشاعر مثالً‪ :‬نبياً أو مصلحاً‪ ،‬والبنيويون‪:‬‬
‫وجود هذه املذاهب االجتاهات اليت جعلت‬ ‫اعتربوا األدب بنية لغوية مستقلة ذاتياً منقطعة‬
‫عالقة األدب بالواقع موضوعاً أساسياً يف‬ ‫عن أية مرجعية تتعداها وميداناً مغلقاً ومنطوياً‬
‫رؤاه��ا النظرية يؤكد على أن مثة إشكالية ما‬ ‫على نفسه حيتوي احلياة والواقع يف نظام من‬
‫كانت موجودة يف هذا اجلانب‪.‬‬ ‫العالقات اللغوية‪.‬‬
‫ً‬
‫وهذا السجال كان يشكل واحدا من مشهدية‬ ‫يقول البنيوي الكندي ن��ورث��وروب فراي‪:‬‬
‫املناخات الفكرية اليت رافقت ظهور أدب اخليال‬ ‫«األدب ليس طريقة ملعرفة الواقع إمنا هو نوع‬
‫العلمي يف هناية القرن التاسع عشر ومطلع‬ ‫من احللم الطوباوي اجلمعي الذي يتواصل عرب‬
‫القرن العشرين‪ -‬إضاف ًة إىل أنه كان عصر العلم‬ ‫التاريخ‪.‬‬
‫بامتياز عصر االكتشافات والفتوحات العلمية‪،‬‬ ‫أم��ا املاركسيون فقد ربطوا األدب بالبنية‬
‫ولعل ق��راءة ماكان يسمى بالرومان ( الرواية‬ ‫الكلية للمجتمع اإلنساني وجعلوا له دوراً يف‬
‫الشعبية) واألدب العجائيب وأدب املغامرات‬ ‫عملية التحويل االجتماعي‪.‬‬
‫ونوعية اخل��ي��ال ال��ذي ارت��س��م يف ص��ورة هذا‬ ‫واع�ترف��ت املاركسية ب��أن النشاط األدبي‬ ‫‪62‬‬
‫األدب ومستوى عالقته مع الواقع يدفعنا حنو‬ ‫والفين يتمتع بقدر من االستقالل النسيب عن‬
‫فهم أعمق ملربرات ظهور أدب اخليال العلمي يف‬ ‫الواقع‪ ،‬والواقعية عندهم ليس تصويراً حسياً‬
‫تلك املرحلة‪.‬‬ ‫مباشراً للعامل فهذه حسب رأيهم‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫املغاير عليه أن يشكل رؤي��ة مستقبلية هلذا‬ ‫يقول ر‪.‬م البريس يف تاريخ الرواية احلديثة‪:‬‬
‫الواقع وهنا جند أن من أهم أبعاد العمل الروائي‬ ‫«ول��د أدب احلكاية العلمية يف وق��ت ك��ان فيه‬
‫(كتخييل) هو اقرتاح عامل آخر‪ ،‬وحترر املخيلة‬ ‫الروائيون احلقيقيون ( علماء مجال) يعيشون‬
‫من إسار الواقع اليومي‪.‬‬ ‫على هامش الواقع خالقني بأنفسهم عاملهم‬
‫وهذا بالضبط مافعلته رواية وقصة اخليال‬ ‫اجلمايل واألخالقي اخل��اص فلم يكن أندريه‬
‫العلمي‪ -‬والفرق هو يف منطلق هذه الرؤية ويف‬ ‫جيد والفريجينياوولف وال روبري موزيل ليهتموا‬
‫موضوعها‪.‬‬ ‫بالفيزياء أو بالفلك حتى أهن��م لو سئلوا عن‬
‫فأدب اخليال العلمي‪ -‬حيمل اخليال املبدع‬ ‫امل��س��اف��ة ب�ين األرض وال��ق��م��ر ل��ك��ان جواهبم‬
‫بأوسع معانيه فيبشر باإلجناز العلمي وميهد‬ ‫طريفاً»‪.‬‬
‫السبيل له‪.‬‬ ‫يف احلكاية العلمية اكتشف الذكاء اإلنساني‬
‫ويستقي مادته من حلم اإلنسان وهو حلم‬ ‫أن ال��ع��امل أغ��ن��ى مم��ا ت��ص��ور العقل والواقع‬
‫قديم بالسيطرة على الطبيعة ويطلق العنان‬ ‫أكثر تعقيداً من الرؤية اإلنسانية اليت سادت‬
‫هلذا اخليال فيتصور أشياء جلها يقع يف دائرة‬ ‫يف احلكاية العجائبية الومهية ( الدينية أو‬
‫الطموح أو الفضول اإلنساني‪ ،‬ملعرفة أسرار‬ ‫اخلرافية)‪.‬‬
‫ال��ك��ون ومستقبل ه��ذا ال��ك��ون أو جت��اوز قيود‬ ‫احلكاية العلمية اكتشفت هذا الغنى الذي‬
‫تفرضها القوانني والنواميس‪.‬‬ ‫يزخر به الواقع‪.‬‬
‫وهذا اخليال ليس جمرد هلو عقلي أو سرحة‬ ‫واحلكاية العلمية تلك أو القصة العلمية مل‬
‫يف اجملهول أو شطحات فكرية أو أحالم يف غدٍ‬ ‫تكن سوى املقدمة األوىل ألدب اخليال العلمي‪.‬‬
‫مجيل مرغوب فقط إمنا هو ذلك اإلحساس‬
‫باحلقيقة وال��ق��درة على ال��رؤي��ة الصحيحة‬ ‫دور اخليال يف أدب اخليال العلمي‬
‫‪63‬‬ ‫للمستقبل انطالقاً من فهم عميق للحاضر‪.‬‬ ‫وظيفة التخييل واخليال واخليال يف عامل‬
‫ومثة ميزات متيز اخليال العلمي عن باقي‬ ‫األدب ويف ع��امل ال��رواي��ة على وج��ه التحديد‬
‫أش��ك��ال اخل��ي��ال األدب���ي األخ���رى ب��أن��ه يشكل‬ ‫كجنس أدبي هو أن ينشىء عاملاً مغايراً لعامل‬
‫انطالقة بال ح��دود وحيمل مضموناً خمتلفاً‬ ‫الواقع‪ ،‬مثة واقع يف حلظة حمددة وذلك العامل‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫مثل ( سان سيمون) حرصوا على وضع أساس‬ ‫ويتحرر من سلطيت الزمان واملكان حيث ينطلق‬
‫أيديولوجي لتحويل التقدم والعقل إىل ديانة‬ ‫ح��راً عرب األزمنة الفلكية واألمكنة الفضائية‬
‫ج��دي��دة‪ ،‬وجتلى ذل��ك أي��ض�اً بإنشاء أوغست‬ ‫ومضامينه اجلديدة تدور حول موضوعات من‬
‫ك��ون��ت ع����ام‪ ( 1848‬ال��راب��ط��ة احل���رة للتعليم‬ ‫نوع ‪ :‬غزو الفضاء واكتشاف عوامل مفقودة يف‬
‫الوضعي) ومن خالهلا وجه نداءً إىل احملافظني‬ ‫سطح األرض أو أعماق احمليطات والبحث عن‬
‫يف بريطانيا وإىل قيصر روسيا األكرب والوزير‬ ‫اخللود ومالحقة الظواهر اخلارقة‪ .‬والتحرر‬
‫األول يف الدولة العثمانية أ ّكد فيه « أن الغرب‬ ‫من سلطة الزمان واملكان يف األدب مل يعد حكراً‬
‫هو العرق األفضل املتفوق املتسلط ليس بسبب‬ ‫على أدب اخليال العلمي بعد أن أعلن جيمس‬
‫االص��ط��ف��اء اإلهل���ي كما زع��م��ت الكنيسة بل‬ ‫جويس ومارسيل بروست عن إلغاء أو جتاوز‬
‫األفضل بسبب تفوقه العقالني والتقين»‪....‬‬ ‫هذين البعدين يف تقنية العمل الروائي األدبي‪.‬‬
‫إذاً بات العلم هو صورة العصر يف ذلك القرن‬ ‫إن أدب اخليال العلمي هو إنشاء ختييلي‬
‫وهو الواقع املسيطر املتنامي الذي يطرح نفسه‬ ‫بامتياز البل إنه ختييل نوعي يتضمن معاني‬
‫كمعطى رئيسي وراء حركة اجملتمع والسياسة‬ ‫التنبؤ واالستشراف أي أنه أقرب أنواع اخليال‬
‫وكل شيء‪....‬‬ ‫إىل احلالة املعرفية اليت يتضمنها معنى األدب‬
‫يف هذا الوقت كان األدب يف معظمه بعيداً عن‬ ‫أساساً‪.‬‬
‫هذا الواقع متاماً حيث ازدهر يف القرن الثامن‬
‫عشر ن��وع م��ن األدب امليتافيزيقي العجائيب‬ ‫أدب اخليال العلمي علم أم أدب؟‬
‫الذي كان ينطوي على أنواع أدبية مثل احلكاية‬ ‫ول��د أدب اخليال العلمي من رح��م مرحلة‬
‫واخل��راف��ة والعجائب ت��دور موضوعاته حول‬ ‫تارخيية تقدم فيها العلم وهيمن هيمنة تامة‬
‫الشياطني والسحر واملوت واألشباح ومصاصي‬ ‫على صورة ذلك القرن ( القرن التاسع عشر)‬
‫الدماء والغيالن والعفاريت‪.‬‬ ‫لدرجة أصبح معها املقدس األول الذي تراجعت‬
‫وب��رزت أمس��اء المعة من خ�لال ه��ذا النوع‬ ‫خلفه املقدسات األخ��رى ومن ميكن أن ينسى‬ ‫‪64‬‬
‫م��ن األدب مثل األمل��ان��ي هوفمان واألمريكي‬ ‫معركة ال��داروي��ن��ي��ة م��ع الكنيسة وانتصارها‬
‫إدغ��ار آالن بو وه��وراس وآن رودل��ف وج مونك‬ ‫عليها‪.‬‬
‫صاحب رواية (الراهب) املرعبة‪ -‬وماري شيللي‬ ‫ويف إطار متجيد العلم ظهر نظريون جدد‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫د‪ .‬ف��ؤاد زكريا يقول ‪ :‬هو جسر بني عاملي‬ ‫– صاحبة رواية( فرنكشتاين) املشهورة وبرام‬
‫اإلب��داع لكنه ينتمي بال شك إىل ع��امل األدب‬ ‫ستوكر صاحب ( دراكوال) وآخرون كثر‪.‬‬
‫وحتى من حيث البنية موضوعه خيال علمي‬ ‫ثم ظهر بعد ذلك ( أدب احلكاية أو القصة‬
‫وليس علماً‪.‬‬ ‫العلمية) متأثراً مبناهج علمية جديدة انعكست‬
‫ويقول جون هنتنغتون أستاذ أدب اخليال‬ ‫على األدب بعامة وهي‪ :‬تطورية داروين‪ ،‬ونسبية‬
‫ال��ع��ل��م��ي يف ج��ام��ع��ة روجت�����ز (نيوجرسي)‬ ‫انشتاين وم��ادي��ة م��ارك��س والتحليل النفسي‬
‫األمريكية وجامعة رودايلند‪ :‬هذا األدب يقدم‬ ‫الفرويدي‪.‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫خياالً وليس علماً ورغم ذلك يسمى أدب اخليال‬ ‫وهذه البيئة العلمية هي اليت خلقت شعبية‬
‫العلمي ويقول‪ :‬إن أدب اخليال العلمي التقليدي‬ ‫هذا األدب والتعلق به أكثر من تلك التفاصيل‬
‫النمطي ( ويقصد أعمال اآلباء املؤسسني مثل‬ ‫لتكنولوجيا املستقبل اليت حفلت هبا قصصه‪،‬‬
‫ف�يرن ووي��ل��ز) يتقيد مبا هو حمتمل احلدوث‬ ‫وقد ظهر أدب اخليال العلمي كنوع من التطور‬
‫بينما يتحرر هذا األدب يف صوره احلالية من‬ ‫ألدب احلكاية العلمية وأخ���ذ ينظر إل��ي��ه يف‬
‫هذا القيد‪.‬‬ ‫البداية على أنه فرع من أدب املغامرات أو شكل‬
‫ل��ذل��ك ف���أدب اخل��ي��ال العلمي يف صورته‬ ‫من أشكال األدب العجائيب أو مظهر حديث من‬
‫الراهنة هو أقل آداب اخليال علمية ( حسب‬ ‫القصة الطوباوية التقليدية‪ ،‬لكنه يف حقيقته‬
‫رأيه)‪،‬وذلك ألنه اليدين بشيء حلقائق التجربة‬ ‫كان أدباً خمتلفاً عن تلك األنواع السابقة اختالفاً‬
‫بينما تقبل سلفه (أي اخليال العلمي التقليدي)‬ ‫شديداً يف املنهج والوظيفة االجتماعية‪.‬‬
‫ض��رورات التجربة وأضفى مسحة خيالية من‬ ‫وخب�لاف من نظر إىل أدب اخليال العلمي‬
‫وح��ي تلك التجربة‪ ،‬وي��ق��ول‪ :‬إن أدب اخليال‬ ‫على أنه ظاهرة مرتبطة باالنقالبات االجتماعية‬
‫العلمي يف صورته احلالية يتملص من قوانني‬ ‫املفاجئة نظر إليه آخرون كجزء من نشوء اهتمام‬
‫الطبيعة ويصيغ قوانينه الذاتية فهو يصطنع‬ ‫عام بأشكال ثقافية غري معرتف هبا مثل األدب‬
‫الضرورات األدبية اخليالية ثم ينصاع هلا‪ ،‬وهو‬ ‫الشعيب واألدب العرقي‪.‬‬
‫بذلك يعتقد أن ‪ %95‬من املادة املطبوعة باسم‬ ‫ومل يقتصر أدب اخليال العلمي على القصة‬
‫هذا األدب اليوم المتت له بصلة نسب بسبب‬ ‫والرواية آنذاك بل اقتحم ميدان الشعر واملسرح‬
‫غياب املعرفة الكمية الوضعية( أي العلم)‬ ‫‪ ،‬واملثال األبرز يف شعر اخليال العلمي الشاعر‬
‫للكتاب الذين يكتبونه‬ ‫اإلجنليزي وليم وورد ذورف الذي كتب مقدمة‬
‫لكنه خيتم فيقول‪ :‬يف أدب اخليال العلمي‬ ‫ألحد كتبه عام ‪ 1802‬م تنبأ فيها بظهور أدب‬
‫فهم متحرر ل��ل��ض��رورة‪ -‬وه��ن��ا تكمن أمهية‬ ‫اخليال العلمي‪ ،‬والكاتب األمريكي راي براد‬
‫مايقدمه هذا األدب ( هو هذا النوع من احلرية)‬ ‫بريي الذي كتب مسرحيات اخليال العلمي‪.‬‬
‫فإذا كان العلم يتناول الضرورات فأدب اخليال‬ ‫بعد ه��ذه املقدمة ع��ن الفضاء السوسيو‬
‫العلمي يقدم احلريات‪.‬‬ ‫التارخيي والثقايف الذي ظهر من خالله أدب‬
‫ومث��ة م��ن ي�برر ألدب اخل��ي��ال العلمي هذا‬ ‫اخل��ي��ال العلمي نطرح ال��س��ؤال‪ :‬أدب اخليال‬
‫اخل��روج من صورته النمطية التقليدية وعدم‬ ‫العلمي علم أم أدب‪.‬؟‬
‫التزامه مبنطقية العلم وقوانينه املعروفة حتى‬ ‫مثة آراء خمتلفة يف ه��ذه املسألة فالناقد‬
‫‪65‬‬ ‫اآلن‪ ،‬فهذا ج��ان غاتينيو الباحث يف اخليال‬ ‫املرحوم حممدعزام يقول‪ :‬هو أدب وعلم معاً‬
‫العلمي ي��ق��ول‪ :‬إن ال��رواب��ط م��ع اجل��و العلمي‬ ‫أي االثنني معاً وآخر يقول هو جسر بني عاملي‬
‫مبنطقه وقوانينه أكثر مرونة بالنسبة للكتاب‬ ‫األدب والعلم لكنه ينتمي شكالً إىل عامل األدب‬
‫يف العلوم اإلنسانية لذلك مثة ميل لدى اجليل‬ ‫وموضوعاً إىل عامل العلم‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫املستقبلي‪ ،‬ت��أت��ي الصفحة األك��ث��ر متعة يف‬ ‫اجلديد من كتاب اخليال العلمي باعتبارهم‬
‫احلديث عن هذا األدب وهي مقدار مازود به‬ ‫ميارسون أدب�اً‪ -‬لتوسيع جمال اخليال العلمي‬
‫هذا األدب العلم نفسه باألفكار اليت حتولت‬ ‫ب��دالً من التقيد بأصوله العلمية‪ ،‬فالعلم كما‬
‫فيما بعد إىل ابتكارات واكتشافات‪.‬‬ ‫يقول ( غاتينيو) مل يعد إال أحد مراكز االهتمام‬
‫فجول فرين قدّم يف أدبه أكثر من ‪ 100‬نبوءة‬ ‫ملؤلف اهل��م األس��اس��ي لديه هو ‪ :‬اق�تراح رؤية‬
‫حتققت مجيعاً عدا عشر منها تبني أن أساسها‬ ‫للكون ول��ي��س ال��ب��ق��اء على مت��اس م��ع العامل‬
‫العلمي غري سليم‪ ،‬ومن أهم نبوءاته تلك‪ :‬التنبؤ‬ ‫املعاصر‪ -‬لذلك (يقول غاتينيو) جند أن مكانة‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫باخرتاع الغواصة والطائرة واهلبوط على سطح‬ ‫العلم يف أدب اخليال العلمي قد ضعفت‪.‬‬
‫القمر وقدّم ويلز ‪ 86‬نبوءة علمية حتقق منها ‪75‬‬ ‫إذاً اجلوهري واجلديد يف وظيفة األدب هو‬
‫أمهها ماورد يف رواية( الغذاء السحري) حيث‬ ‫اقرتاح رؤية خمتلفة للكون‪.‬‬
‫نبوءته عن هتجني وتدجني احليوان ووضعه يف‬ ‫وه��ذا حيتاج إىل حرية أوس��ع‪ ،‬حرية جتاه‬
‫خدمة اإلنسان‪.‬‬ ‫العلم نفسه ألن��ه علم ح���دوده ه��ذه اللحظة‬
‫ومن أطرف قصص تلك النبوءات ماحصل‬ ‫الزمنية التارخيية املوقوفة يف احلاضر ورمبا‬
‫مع الكاتب الروائي األمريكي روب��رت هيفلني‬ ‫يكون املختلف املنفلت من منطقية علم احلاضر‬
‫وهو من كتاب اخليال العلمي وكان كاتباً مغموراً‬ ‫هو جزء من علم املستقبل ومنطقه‪ ....‬فالعلم‬
‫يف أواخر الثالثينيات وقد ورد يف عمل روائي له‬ ‫حالة تارخيية تطورية قبل كل شيء‪....‬‬
‫نشره عام ‪ 1941‬أن األمريكيني سوف ينجحون‬ ‫واحلقيقة أن أدب اخليال العلمي هو أدب‬
‫يف إنتاج قنبلة يورانيوم ‪ 235‬وأهنم سوف يلقوهنا‬ ‫أوالً‪ ،‬وهو جنس أدبي من حيث اهلوية واالنتماء‬
‫على مدينة رئيسية من مدن العدو قبل هناية‬ ‫حي��ت��وي ش���روط األدب األس��اس��ي��ة‪ :‬اخليال‬
‫احلرب ووصف هيفيلني بدقة هذا القصف قبل‬ ‫واجلمال يف قالب لغوي تنتمي إىل فن الرواية‬
‫أربع سنوات من حصول أول انفجار نووي فوق‬ ‫أو القصة‪ -‬ومتلك هذه القصة خصوصية يف‬
‫اليابان عام ‪.1945‬‬ ‫عناصرها الفنية وخصوصية يف موضوعها‬
‫وبعد احلرب جاءت االستخبارات الربيطانية‬ ‫أيضاً وهذا الجيعلها علماً أو تنتمي إىل عامل‬
‫واألمريكية إىل هيفيلني الستجوابه واعتقل‬ ‫العلم أو جيعلنا نقول نصفها علم ونصفها‬
‫َّ‬
‫ومطلع على‬ ‫وكان مثة شك أنه عميل لألملان‬ ‫اآلخر أدب فالعلم من حيث املفهوم معرفة قابلة‬
‫تفاصيل األس��رار النووية وبعد حتقيق مطول‬ ‫للتعميم وقابلة لالختبار التجرييب أو املنطقي‬
‫تبني أنه جمرد كاتب خيال علمي ميارس فسحة‬ ‫وتقوم بشكل أساسي على اإلدراك العقلي الذي‬
‫التخيل والتنبؤ‪...‬‬ ‫يسبق التجريد ويؤسس له‪.‬‬
‫كذلك الدكتور طالب عمران وهو من أهم‬ ‫وه���ذا كله أو جله الينطبق على اخليال‬
‫كتاب اخليال العلمي العرب تنبأ عام ‪ 1979‬يف‬ ‫العلمي‪ ،‬لكن هذا اليعين إضعافاً لصلة اخليال‬
‫روايته ( العابرون خلف الشمس) حبدوث سحب‬ ‫العلمي بالعلم فهي صلة قوية وذات خصوصية‬
‫من الدخان املرتاكم لشهور طويلة بعد احلرب‬ ‫فيها من الفرادة والتميُّز ماجيعلها إىل جانب‬
‫النووية وك��ان كأنه يصف الشتاء النووي قبل‬ ‫األدب العلمي‪ -‬وحتى قبله إحدى أروع جتليات‬
‫نشر هذه النظرية يف الدول الغربية بسنوات‪.‬‬ ‫عصر العلم يف األدب وأكثرها إدهاشاً ومتعة‬
‫ويف إحدى رواياته األخرية يف مطلع األلفية‬ ‫إهنا القدرة على جت��اوز علم اللحظة إىل علم‬ ‫‪66‬‬
‫الثالثة تنبأ مبا حصل للعراق وما يعيشه اآلن‪.‬‬ ‫املستقبل املثري‪.‬‬
‫وظيفة هذا األدب وجديده‬ ‫وم��ن وح��ي ه��ذه اخلصوصية ال�تي يتمتع‬
‫ً‬
‫يقدم أدب اخليال العلمي نوعا من املعرفة‬ ‫هبا أدب اخليال العلمي وهي( التنبؤ العلمي)‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫اليوغساليف احملاضر يف الدراما وأدب اخليال‬ ‫أرقى ومثة جدة غريبة مدهشة يف هذه املعرفة‬
‫العلمي‪ -‬يف جامعة (ييل) األمريكية‪.‬‬ ‫املتقدمة وهو بذلك اليثري االفتنان بقدر مايدفع‬
‫إنه أدب اليتساءل عن اإلنسان والعامل كما‬ ‫إىل التفكري‪.‬‬
‫فعلت األسطورة واحلكاية الشعبية بل يتساءل‬ ‫إن��ه ن��وع م��ن األدب التأملي ال���ذي يتناول‬
‫أي إنسان هو؟ ويف أي نوع من العامل؟‬ ‫التقديرات االستقرائية للمستقبل القائمة‬
‫ومثة شيء فريد أيضاً يف هذا األدب وهو‬ ‫أساساً على فرضيات مل تثبت صحتها بعد‪.‬‬
‫القدرة على معاجلة قضايا التساؤالت الكربى‬ ‫إنه أدب تربوي كما يقول ( جون هنتنغتون)‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫حول الوجود والكون يف شكل قصصي أو روائي‪،‬‬ ‫يقدم ماهو أكثر م��ن املتعة إن��ه جيعلنا البل‬
‫وه��ذا مايسميه ( دارك��و سوفن) ( باالغرتاب‬ ‫يربينا على املشاركة يف ختيُّل اجملهول ويعدّنا‬
‫التأملي الكوني) وهو اجلديد األهم فيما قدمه‬ ‫للمستقبل‪ ،‬إنه أدب تربوي مو ٍح باألمل يبشر‬
‫هذا األدب‪.‬‬ ‫حبب االستطالع البشري باخلوف واألمل معاً‪.‬‬
‫وهو بذلك يعارض ذلك االغ�تراب اخلرايف‬ ‫يف هذا اخلوف حيمل أدب اخليال العلمي‬
‫امليتافيزيقي الذي مارسته أنواع أدبية سابقة‬ ‫دور( النذير) ملا حيمله تقدم العلم والتكنولوجيا‬
‫عليه هذا االغ�تراب الكوني الذي هو( جديد)‬ ‫من أخطار هتدد مستقبل اإلنسانية إىل جانب‬
‫ه��ذا األدب مييزه ع��ن ك��ل أن���واع األدب ليس‬ ‫مايقدمه من خري أكيد‪.‬‬
‫امليتافيزيقي والفانتازي فقط بل عن األدب‬ ‫إن أدب اخليال العلمي حيمل ميزة أساسية‬
‫الواقعي أيضاً‪.‬‬ ‫حسب (دارك���و س��وف��ن) األمريكي ذي األصل‬

‫مصادر البحث‬
‫• نظرية األدب تريي ايغلتون‪ ،‬ترمجة ثائر ديب‪ ،‬وزارة الثقافة‪ ،‬دمشق ‪.1995‬‬
‫• التفكري العلمي‪،‬د‪.‬فؤاد زكريا‪ ،‬عامل املعرفة‪ ،‬الكويت ط‪.1988- 3‬‬
‫• بني العلم واألدب قدري حافظ طوقان‪ ،‬مكتبة فلسطني العلمية‪ ،‬القدس‪.1946،‬‬
‫• زواج العلم واألدب‪ ،‬د‪.‬نبيل راغب‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪.1992‬‬
‫• مصطلحات نقدية من الرتاث األدبي العربي‪ -‬حممدعزام‪ -‬وزار ةالثقافة‪ ،‬دمشق ‪.1995‬‬
‫• تاريخ الرواية احلديثة ر‪.‬م ألبريس ‪ ،‬ترمجة جورج سامل‪ ،‬عويدات بريوت ط‪.1982 2‬‬
‫• آفاق أدب اخليال العلمي روبرت سكولز وآخرون ‪ ،‬ترمجة حسن حسني شكري ‪ ،‬اهليئة املصرية العامة للكتاب‬
‫‪.1996‬‬
‫• أدب اخليال العلمي‪ ،‬جان غاتينيو‪ ،‬ترمجة املهندس ميشيل خوري‪ ،‬دار طالس‪ ،‬دمشق ‪.1995‬‬
‫• أدب اخليال العلمي‪ ،‬حممدعزام‪ ،‬دار عالء الدين دمشق‪،‬ط‪.2003، 1‬‬
‫• املوسوعة العربية‪ ،‬اجمللد األول‪ ،‬دمشق هيئة املوسوعة العربية ‪.2000‬‬
‫• موسوعة املورد العربية‪ ،‬منري بعلبكي‪ ،‬دار العلم للماليني ‪ ،‬بريوت‪ ،‬اجمللد األول القسم الثاني‪.‬‬
‫• بني العلم والفن‪ ،‬د‪ .‬حسني مروة‪ ،‬جملة لوتس‪ ،‬تونس عدد ‪.1987/62‬‬
‫• اجتاهات جديدة يف فلسفة العلم‪ ،‬د‪ .‬السيد نفادي – جملة عامل الفكر‪ ،‬الكويت اكتوبر ديسمرب ‪1996‬‬
‫• الفلسفة والعلم‪،‬د‪ .‬عدنان بن ذريل‪ ،‬املعرفة عدد ‪ 390‬مارس ‪.1996‬‬
‫• رواية احلداثة ‪ ،‬حممدعزام‪ ،‬جملة املعرفة عدد(‪ )410‬نوفمرب‪.1997‬‬

‫‪67‬‬ ‫• مصطلح الرواية‪ ،‬د‪ .‬خليل موسى‪ ،‬املعرفة عدد(‪ )510‬آذار ‪.2006‬‬
‫• مقدمة نظرية يف احلكي الروائي‪ ،‬صدّوق نور الدين‪ ،‬املعرفة عدد ‪ 272‬ت‪.1984 1‬‬
‫• فضاء التخييل‪ ،‬حممد سليمان حسن‪ ،‬املعرفة ‪ 469‬ت‪.2002 1‬‬
‫• هل تنتهي الرواية الواقعية يف الثمانينيات‪ ،‬حمي الدين صبحي ( حماضرة يف املؤمتر الثاني عشر الحتاد‬
‫الكتاب العرب)‪ ،‬دمشق نوفمرب تشرين ثاني ‪.1979‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫كيف له أن ينتصر على ذلك اإلحساس الذي‬
‫ينتابه منذ أيام وقد رأى تلك الطيور حتوم حول‬
‫القرية‪ ،‬طيور سوداء كريهة‪ ،‬تتجمع يف اجلهة‬
‫الشرقية‪ ،‬قرب القبور املنتشرة يف السفح اآلخر‬
‫للجبل‪..‬‬
‫كان يشعر أن مثة كارثة ستحدث يف القرية‪،‬‬
‫فمجيء تلك الطيور ال��س��وداء هب��ذه الكثافة‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫وجتمعها حول املقربة ليس حدثاً عادياً‪..‬‬
‫شعرت والدته بوجومه وصمته وميله للعزلة‪..‬‬
‫فاعتقدت أن قلبه خيفق حبب فتاة‪ ،‬حاولت أن‬
‫ختمن من تكون‪ ،‬دون نتيجة‪..‬‬
‫فلم يكن (ليث) يرتك هلا جم��االً للكالم‪ ،‬إذ‬
‫سرعان ما يتناول طعامه ويدخل إىل غرفته‬
‫رافضاً اإلجابة عن أي من أسئلتها املباشرة‪..‬‬
‫اعتاد ليث على الذهاب إىل شرقي القرية‪،‬‬
‫عدة مرات يف اليوم كمراقبة جتمعات الطيور‬
‫وحركاهتا الغريبة وهي تتجمع أحياناً فوق قرب‪،‬‬
‫أو على سياج املقربة‪..‬‬
‫ولكنه يف ذل��ك اليوم رأى شيئاً غريباً يف‬
‫حركاهتا‪ ،‬كان قد ترك احلقل الذي ي��داوم يف‬
‫الذهاب إليه يومياً وتفقد الزرع فيه واالطمئنان‬
‫إىل أن ش��ي��ئ�اً ال حي���دث ف��ي��ه‪ ،‬واجت���ه صوب‬
‫املقربة‪..‬‬
‫شعر أن تلك الطيور الغريبة السوداء تزداد‬
‫حركة ونشاطاً‪ ..‬وهي تطلق أصواهتا الزاعقة‪..‬‬
‫فمشى ببطء حنو أحد جتمعاهتا الكبرية‪..‬‬
‫شعر أن األعشاب واألشواك اليت يف طريقه‪،‬‬
‫تتسلل فيها مئات الزواحف‪ ..‬كان يسمع صوت‬
‫اخلربشة‪ ،‬دون أن يرى شيئاً‪..‬‬
‫ومنا عنده إحساس باخلوف بدأ يكرب شيئاً‬
‫فشيئاً‪ ..‬ملاذا تتحرك هذه الزواحف من حوله‬
‫هب��ذا االض��ط��راب؟ ق��د ت��ك��ون م��ن بينها أفاع‬
‫سامة‪ ..‬ورمبا تلدغه إحداها؟‬
‫هل حلركتها عالقة حبركة الطيور؟ تردد‬
‫يف متابعة سريه‪ ،‬ولكنه شعر بدافع حيثه على‬ ‫قصة من اخليال العلمي‬ ‫‪68‬‬
‫متابعة السري‪ ،‬رغم خوفه الشديد‪..‬‬
‫عاد يسري ببطء‪ ..‬كانت الطيور تتجمع قرب‬
‫د‪ .‬طالب عمران‬
‫ط��رف املقربة بكل كثافتها‪ ،‬ومتكن من متييز‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪ -‬يا أمي‪ ..‬منذ أيام وأنا أتابع هذه الطيور‬ ‫بعض الزواحف اليت تسري حوله‪ ،‬كانت مزجياً‬
‫املتكاثرة حول املقربة‪ ،‬مل أر يف حياتي طيوراً‬ ‫من السحايل واألف��اع��ي املتطاولة والزواحف‬
‫مثلها من قبل‪ ..‬ثم هذه الزواحف اليت تتجمع‬ ‫الشبيهة هبا واليت مل يعرف نوعها‪..‬‬
‫أيضاً صوب مكان جتمع الطيور‪ ..‬وهذا الرجل‬ ‫ش��ع��ر ب��ش��ع��ر رأس����ه ي��ق��ف وه���و ي���رى هذه‬
‫الذي يتأمل‪ ،‬كل ذلك يدفعين ألعرف ما حيدث‪،‬‬ ‫اجلموع املخيفة من احليوانات تتجه صوب‬
‫أو ألح��اول معرفة ما حي��دث‪ ..‬ثم أن الرجل‬ ‫مكان جتمع الطيور‪ ..‬تسمّر يف أرضه‪ ،‬والرعب‬
‫قد يكون من قريتنا وهو حيتاج ملساعدة‪ ،‬وقد‬ ‫يأخذ بأطواقه وصلته فجأة أصوات تأوهات‪..‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ننقذه‪..‬‬ ‫« ياإهلي‪ ..‬أحدهم يتأوه‪ ،‬الصوت يأتي من داخل‬


‫‪ -‬أعلم أنه ليس لفضولك حدّ‪ ،‬سأرافقك‪،‬‬ ‫املقربة‪»..‬‬
‫بشرط أن ال تقرتب كثرياً وستطيعين حني آمرك‬ ‫‪ -‬آه‪..‬آه‪ ..‬النجدة‪..‬‬
‫باالبتعاد‪..‬‬ ‫مت��ت��م‪ - :‬إن���ه يف ورط����ة‪ ..‬جي��ب أن أسرع‬
‫‪ -‬سأفعل يا أمي‪..‬‬ ‫لنجدته‪..‬‬
‫‪ -‬حسناً‪ ..‬هيا يا بين‪..‬‬ ‫ولكنه مسع صوتاً صارخاً وراءه‪ - :‬إياك أن‬
‫ك��ان س��ور امل��ق�برة حيجب مت��ام�اً م��ا جيري‬ ‫تذهب إىل هناك يا ليث ‪..‬توقف‪..‬‬
‫للرجل‪ ..‬وهذا ما دعا ليث وأمه إىل النفوذ إىل‬ ‫انتفض مذهوالً ‪ - :‬أمي أنت هنا؟‬
‫داخل السور من فتحة فيه‪ ،‬على بعد أمتار من‬ ‫‪ -‬أنا أتابعك منذ الصبح يابين‪ ..‬أردت أن‬
‫مكان جتمع الطيور‪..‬‬ ‫أع��رف سبب انشغالك وش���رودك‪ ،‬اعتقدتك‬
‫ك��ان هناك رج��ل مرمي على ش��اه��دة قرب‪،‬‬ ‫عاشقاً‪ ..‬ولكين فوجئت اليوم مبا يشغلك‪..‬‬
‫والطيور حت��وم حوله وينقض بعضها عليه‪،‬‬ ‫‪ -‬هناك رجل يتأمل يا أم��اه‪ ..‬قد استطيع‬
‫ينقره يف أمكنة خمتلفة وهو يتأوه ويتوجع‪..‬‬ ‫مساعدته‪..‬‬
‫ومل يتمكن ليث أو والدته من معرفة سبب‬ ‫‪ -‬ف��ات األوان يا ب�ني‪ ..‬إن��ه رج��ل فضويل‬
‫جتمع الزواحف‪ ..‬كان من الواضح أن الزواحف‬ ‫مثلك‪ ،‬ويبدو أنه جتاوز احلدّ‍ املسموح به‪..‬‬
‫جت��د م��ن��ف��ذاً هل��ا يف األرض‪ ،‬ال يظهر على‬ ‫‪ -‬ماذا تقولني يا أماه؟ مل أفهم شيئاً‪..‬‬
‫السطح‪..‬‬ ‫‪ -‬سأحكي لك كل ما أفهمه‪ ..‬ولكن لنعد‬
‫ً‬
‫ومل يكن واضحا إن كانت هناك عالقة بني‬ ‫إىل البيت‪..‬‬
‫الطيور السوداء وتلك الزواحف‪..‬‬ ‫ك��ان ال��ص��راخ ي�ت�ردّد‪ - :‬آه‪ ..‬النجدة‪ ..‬إهنا‬
‫راق��ب ليث خب��وف ما جي��ري للرجل الذي‬ ‫تقتلين‪ ..‬آه‪..‬‬
‫أزالت مناقري الطيور شكل مالحمه‪ ..‬وكان من‬ ‫‪ -‬أماه‪ ..‬مل ميت الرجل بعد‪..‬‬
‫السهل التأكد أنه ميوت‪..‬‬ ‫‪ -‬بالتأكيد إصاباته قاتلة‪ ..‬وال فائدة من‬
‫شدته أمه يبتعد‪ ،‬ولكنه ظ ّل واقفاً يتأمل ما‬ ‫املغامرة باالقرتاب منه‪ ..‬انظر إىل الطيور إهنا‬
‫جيري برعب‪ ..‬كأن جسمه قد تيبس‪..‬‬ ‫تتحرك باضطراب‪ ..‬ومازالت الزواحف تتجه‬
‫شعرت األم‪ ،‬أن ولدها الوحيد ليس يف حالة‬ ‫حنو املكان ‪..‬‬
‫طبيعية‪ ،‬وأهن��ا جيب أن تبذل جهداً إضافياً‬ ‫‪ -‬أرجوك يا أماه أريد أن أرى ما حيدث‪..‬‬
‫إلبعاده عن املقربة واملشاهد املذهلة اليت جتري‬ ‫‪ -‬ال يا بين‪ ..‬ال ختالفين‪ ،‬يف هذا الرأي‪،‬‬
‫‪69‬‬ ‫فيها‪ ..‬فبدأت تسحبه بكل قوة وهي تدعو اهلل‬ ‫سيكون ذلك خطراً عليك‬
‫يف سرها أن يساعدها‪..‬‬ ‫‪ -‬سأكون حذراً‪ ..‬ولكن جيب أن أعرف ما‬
‫وي��ب��دو أن الطيور ش��ع��رت هب��م��ا‪ ،‬فاجتهت‬ ‫حيدث‪ ..‬لن أقرتب كثرياً‪..‬‬
‫بضعة أسراب حتوم حوهلما‪..‬‬ ‫‪ -‬لن يكون ذلك سهالً عليك‪..‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫‪ -‬خري يا أم ليث؟ أراك تسندين ليث‪..‬‬ ‫‪ -‬هيا يا ليث‪ ..‬حترك‪ ..‬يبدو أننا نتعرض‬
‫‪ -‬إنه متعب قليالً‪..‬‬ ‫خلطر شديد‪ ..‬الطيور حتوم حولنا‪ ..‬هيا يا بين‬
‫‪ -‬أراك قادمة من هذا االجتاه‪ ..‬أنت وليث‪..‬‬ ‫‪ ..‬تعال سأسحبك إىل اخلارج‪..‬‬
‫إنه ليس اجتاه األرض اليت يعتين هبا ليث‪ ..‬هل‬ ‫ردّد بضعف ‪ - :‬أنا أرجتف يا أماه‪ ..‬لست‬
‫اشرتى قطعة أرض أخرى يف هذه اجلهة؟‬ ‫أدري ما حيدث يل‪..‬‬
‫‪ -‬ال‪ ..‬كان يعاين فقط‪..‬‬ ‫‪ -‬جيب أن نذهب يا ب�ني‪ ،‬قبل أن تنقض‬
‫‪ -‬أرض أبي سامي؟‬ ‫علينا الطيور مبناقريها‪..‬‬
‫‪ -‬تقريباً‪ ..‬إىل أين تتجه اآلن؟ كأنك متشي‬ ‫‪ -‬أنا أحاول يا أماه‪ ..‬أنا أحاول‪ ..‬آه‪..‬‬
‫يف اجتاه املقربة‪..‬‬ ‫‪.. -‬ه��ه‪ ..‬أصبحنا خ��ارج السور‪ ..‬هيا‪..‬‬
‫‪ -‬ال أخ��ف��ي��ك ي��ا أم ل��ي��ث‪ ،‬إن�ن�ي أن���وي أن‬ ‫تشدد يا بين بدأت الطيور تبتعد‪ ..‬كأهنا أتت‬
‫أصيد بعض تلك الطيور ال��س��وداء‪ ،‬رمب��ا كان‬ ‫لتطردنا خ���ارج امل��ق�برة ف��ق��ط‪ ..‬إهن��ا ال تنوي‬
‫حلمها شهياً‪ ..‬إهنا كثرية من السهل أن نصيب‬ ‫مهامجتنا خارج املقربة‪ ..‬هيا يا ليث‪ ..‬هيا‪..‬‬
‫بعضها‪..‬‬ ‫‪ -‬حسناً يا أماه‪..‬‬
‫‪ -‬ال أعتقد أن حلوم تلك الطيور صاحلة‬ ‫بدا هلا شديد التعب ‪ ،‬كأن ما رآه قد بعث يف‬
‫لألكل‪ ..‬إهن��ا تأكل احليوانات الزاحفة ورمبا‬ ‫قلبه الرعب‪ ((..‬مسكني يا بين كاد فضولك أن‬
‫حيوانات أخرى سامة‪..‬‬ ‫يقتلك‪ ..‬احلمد هلل جنحت يف إنقاذك يف الوقت‬ ‫‪70‬‬
‫‪ -‬ولكن تلك الطيور ليست جارحة‪ ،‬فلماذا‬ ‫املناسب‪)) ..‬‬
‫تأكل الزواحف؟‬ ‫مسعت ص��وت سعال التفتت ل�ترى سردار‬
‫‪ -‬ال أدري مل أر طرياً منها عن قرب‪ ..‬يبدو‬ ‫العامل يف القصر الكبري‪:‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪ -‬ه��و يتجه ص��وب��ن��ا‪ ..‬ق��د هتامجنا حنن‬ ‫ك��ل منها حبجم ال��دج��اج��ة‪ ،‬ول��ك��ن اجلناحني‬
‫أيضاً‪..‬‬ ‫طويالن وعريضان‪..‬‬
‫قالت األم بثقة ‪ - :‬مل نسبب هلا األذى‪ ..‬لن‬ ‫‪ -‬استودعكما اهلل إذن‪ ..‬سأذهب للصيد‪..‬‬
‫هتامجنا‪..‬‬ ‫بندقييت حمشوة‪ ،‬واحلزام مملوء بالرصاص‪..‬‬
‫‪ -‬يبدو أن جرأته قد خانته ه��ذه املرة‪..‬‬ ‫‪ -‬ال بأس‪ ..‬ولكن انتبه جيداً‪..‬‬
‫مسكني‪ ،‬ال��دم��اء تسيل على وج��ه��ه ويديه‪..‬‬ ‫ابتعد الرجل عنهما قال ليث معلّقاً‪:‬‬
‫ومازالت الطيور تالحقه‪..‬‬ ‫‪ -‬كأن جيب أن انتبه جيداً أنا أيضاً‪ ..‬ولكن‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪ -‬بدأنا نقرتب من القرية‪ ..‬أس��رع قليالً‬ ‫يا أماه أليس من خطر عليه وهو يقرتب من تلك‬
‫ياليث‪ ،‬ال جيب أن نرتك له فرصة لالحتماء‬ ‫الطيور؟‬
‫بنا‪ ..‬قد يؤذينا ذلك‪..‬‬ ‫‪ -‬اجل��رأة تلغي مكامن اخلطر‪ ..‬لو كانت‬
‫قال ليث وهو حيرّك جسمه ‪ - :‬احلمد للّه‬ ‫هذه اجلرأة ضد الظلم‪ ،‬وضد من يسببه‪..‬‬
‫عادت إيل قواي‪ ..‬استطيع الركض‪..‬‬ ‫‪ -‬أتعتربين ج��رأة ذل��ك الرجل إجيابية يا‬
‫‪ -‬اركض إذن واسبقين إىل البيت‪..‬‬ ‫أماه؟‬
‫‪ -‬ال‪ ..‬سأظل برفقتك‪..‬‬ ‫‪ -‬إهن��ا ج��رأة سلبية بالطبع‪ ،‬إن��ه يستغل‬
‫ً‬
‫ك���ان س����ردار ي��ص��رخ م��ت��أمل �ا وه���و يناوش‬ ‫جتمعات الطيور‪ ،‬ليقتل بعضها من أج��ل أن‬
‫الطيور‪:‬‬ ‫يبيع حلومها‪ ،‬دون أن يتأكد من أن تلك اللحوم‬
‫‪ -‬ابتعدي أيتها الطيور القاتلة ‪..‬‬ ‫صاحلة لألكل‪..‬‬
‫وحني رأى ليث وأمّه يقرتبان من مكانه توسّل‬ ‫‪ -‬قد هتامجه الطيور‪ ،‬وتفعل به ما فعلت‬
‫إليهما ‪ - :‬حتى ال��رص��اص ال يؤثر فيها‪..‬‬ ‫بذلك ال��رج��ل املصلوب على ش��اه��دة القرب‪..‬‬
‫ساعدني يا ليث‪ ،‬ساعديين يا خالة‪..‬‬ ‫والسيما وأنه قد يعرض بعضها للقتل‪..‬‬
‫ق��ال��ت األم ‪ - :‬ال سلطة لنا عليها‪ ..‬قد‬ ‫‪ -‬رمبا‪ ..‬عجل يا بين‪ ،‬جيب أن نصل البيت‬
‫هتامجنا حنن أيضاً‪..‬‬ ‫بسرعة‪ ..‬مل أجهز الطعام بعد‪..‬‬
‫قال ليث ‪ - :‬إهنا تبتعد يا أم��اه‪ ،‬يبدو أهنا‬ ‫‪ -‬لست جائعاً‪ ،‬وقد ال أستطيع أن أتناول‬
‫اكتفت مبا فعلته به‪..‬‬ ‫شيئاً‪..‬‬
‫كان سردار يبكي ‪ - :‬اعتقدت العملية سهلة‪،‬‬ ‫‪ -‬عندما ترتاح‪ ،‬وتنسى قليالً ما شاهدته‬
‫بضع طلقات ستكون كافية لصيد عدد منها‪،‬‬ ‫اليوم‪ ..‬قد تشعر باجلوع‪..‬‬
‫وقد يبتعد بعضها هرباً من الرصاص ‪ ..‬ولكن‬ ‫‪ -‬ال أظن أن ذلك سيحدث يل‪..‬‬
‫ما جرى كان غريباً‪ ..‬رغم جتمعاهتا الكبرية‪،‬‬ ‫وصلتهما أصوات طلقات الرصاص فقالت‬
‫مل استطع إصابة أحدها كأهنا حمصنة ضد‬ ‫األم ‪:‬‬
‫الرصاص‪..‬آه‪..‬‬ ‫‪ -‬بدأ ذلك املتهور يطلق النار عليها‪ ،‬ترى‬
‫‪ -‬مل ختف من الرصاص؟‬ ‫هل سينجح باصطياد بعضها؟‬
‫‪ -‬ال يا ليث‪ ..‬اندفع بعضها حنوي يهامجين‬ ‫‪ -‬كان جيب أن ننصحه ونؤكد عليه بعدم‬
‫بأجنحته وم��ن��اق�يره‪..‬آه‪ ..‬كانت مناقري حادة‬ ‫استخدام بندقيته‪ ..‬ليست طيوراً عادية‪..‬‬
‫اخرتقت حتى عظم اجلمجمة‪ ..‬آه‪..‬‬ ‫مههمت وهي تقول وهي هتز رأسها بغموض‬
‫‪71‬‬ ‫قالت األم ‪ - :‬هون عليك يا رجل‪ ،‬وامحد‬ ‫‪ - :‬إهنا طيور املوت يا بين‪..‬‬
‫اهلل على أن تلك الطيور اكتفت مبا فعلته بك‬ ‫ك��ان س���ردار ي��ص��رخ م��ن بعيد وه��و يطلق‬
‫حتى اآلن‪ ..‬لو مل هترب‪ ،‬لقتلتك وجرّدت حلمك‬ ‫ال���رص���اص حم�����اوالً أن ي��ه��رب م��ن��ه��ا‪ ،‬وهي‬
‫عن عظمك‪..‬‬ ‫تالحقه‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫ورمبا كان جيب أن أوقظك يا ليث‪ ،‬وأنت تغرق‬ ‫ساعدت أم ليث الرجل يف الوصول إىل‬
‫يف كوابيس مرعبة بالتأكيد‪..‬‬ ‫بيته مع ابنها‪ ،‬واجتهت وليث حنو البيت وهي‬
‫اسرتد أنفاسه ‪ - :‬كأن بيتنا غرق يف حبر من‬ ‫مستغربة‪ ،‬قلقة على ما ميكن أن حي��دث يف‬
‫األفاعي‪ ..‬والطيور السوداء حتوّم حوله‪..‬‬ ‫القرية‪..‬‬
‫‪ -‬كان تأثرك كبرياً وأن��ت تتابع جتمعات‬ ‫ت��ل��ك ال��ط��ي��ور ال���س���وداء أت���ت إىل املنطقة‬
‫تلك الطيور منذ أيام من الطبيعي أن حتلم هبا‪،‬‬ ‫مدفوعة بغريزة غامضة‪ ،‬لفعل شيء ما‪ ..‬مازال‬
‫وتراها يف كوابيسك‪ ..‬خذ اشرب املاء واغسل‬ ‫جمهوالً‪..‬‬
‫وجهك‪ ..‬الطعام جاهز‪..‬‬ ‫أسرعت يف إع��داد الطعام بعدما اطمأنت‬
‫‪ -‬حسناً يا أمي‪..‬‬ ‫إىل ليث‪ ،‬الذي بدا مذهوالً شارداً وهو يتمدد‬
‫‪ -‬يعلم اهلل أية كارثة تنتظر قريتنا هذه‪..‬‬ ‫على سريره‪..‬‬
‫كان ليث يشعر برعب من األيام املقبلة‪ ،‬مل‬ ‫شعر أن��ه متعب كثرياً‪ ،‬وأن��ه سينام بعمق‪..‬‬
‫تكن تلك طيوراً عادية وقد قاومت الرصاص‪..‬‬ ‫وس��رع��ان م��ا غ��ف��ا‪ ..‬وتناوشته أح�لام غريبة‬
‫‪ -‬ترى ما أخبار ذلك الصياد يا أماه؟‬ ‫عن طيور جائعة هتاجم الناس وتقتلهم وجترد‬
‫‪ -‬إنه مصاب يف عدة مناطق من جسمه‪ ،‬قد‬ ‫جثثهم من اللحم‪..‬‬
‫ينجح طبيب املستوصف يف عالجه‪..‬‬ ‫ورأى أفاعي كثرية تنساب يف طرقات القرية‬
‫‪ -‬ت��ل��ك ال��ط��ي��ور ظ��ه��رت لسبب م���ا‪ ..‬وال‬ ‫تسبب ال��ذع��ر واخل���وف ل��دى ال��ن��اس‪ ..‬كانت‬
‫أعتقدها عدوانية إ ّال مع البعض ‪..‬‬ ‫غرفته تسبح يف حبر من األفاعي‪ ،‬وقد اجته‬
‫مسعا طرقاً على الباب‪..‬‬ ‫بعضها يتسلق أرجل السرير ويصل إىل جسمه‬
‫تساءل ليث ‪ - :‬من ال��ذي ي��زورن��ا يف هذا‬ ‫املمدد‪..‬‬ ‫‪72‬‬
‫الوقت؟‬ ‫انسابت فوقه والرعب يأخذ به ‪ ..‬فصرخ‬
‫قالت األم ‪ - :‬سأفتح الباب‪..‬‬ ‫وهنض من نومه مرعوباً‪..‬كانت أمّه إىل جانبه‪:‬‬
‫كانت زوج��ة س��ردار تقف أم��ام الباب وهي‬ ‫‪ -‬أشفقت عليك وقد رأيتك تغفو بسرعة‪..‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪ -‬سأزوركم وليث يف السهرة‪ ،‬وأرجو أن يكون‬ ‫ترجتف ‪:‬‬


‫قد عاد لطبيعته‪..‬‬ ‫‪ -‬ما الذي جيري لزوجي يا أم ليث؟ أرجوك‬
‫‪ -‬أرجو ذل��ك‪..‬وإن كنت شديدة اخلوف من‬ ‫أوضحي يل ما جرى له‪ ..‬إنه يتصرف بغرابة‪،‬‬
‫استمرار هذا الوضع املرتدي له‪..‬‬ ‫وحيكي عبارات غري مفهومة‪..‬‬
‫‪ -‬تشربني الشاي؟‬ ‫‪ -‬رمبا من تأثري إصاباته‪..‬‬
‫‪ -‬ال‪ ..‬ش��ك��راً ل��ك جي��ب أن أذه���ب‪ ..‬األوالد‬ ‫أفسحت الطريق أمامها لتدخل ‪ ..‬كانت‬
‫لوحدهم‪..‬‬ ‫تبكي بصمت ‪..‬‬
‫‪ -‬ال تقلقي‪ ،‬سيعود كل شيء إىل طبيعته بإذن‬ ‫‪ -‬أكاد أجن‪ ..‬إنه غري طبيعي‪ ..‬كأنه شخص‬
‫اهلل‪..‬‬ ‫آخر‪..‬‬
‫أوصلتها إىل ال��ب��اب حم��اول��ة ان هت��دّئ من‬ ‫‪ -‬ح��اول صيد بعض الطيور املتجمعة يف‬
‫خماوفها ‪..‬‬ ‫ش��رق القرية‪ ،‬فهامجته وأبعدته عن مكاهنا‪،‬‬
‫‪ -‬مل نعرف بعد من ذلك الرجل الذي مزقته‬ ‫رمبا سبب له هذا نوعاً من االنكسار وهو صياد‬
‫الطيور؟‬ ‫حمرتف‪ ..‬أمل يعاجل الطبيب جراحه؟‬
‫‪ -‬سنعرف ذلك‪ ،‬ال تقلق‪..‬‬ ‫‪ -‬ضمدّها ل��ه‪ ..‬وأع��ط��اه بعض املضادات‬
‫‪ -‬ليتين اق�ترب��ت أك��ث��ر م��ن م��ك��ان جتمعات‬ ‫احليوية وامل��ق��وي��ات‪ ..‬ولكنه ه��اج بعد ذهاب‬
‫الطيور وال��زواح��ف‪ ،‬ألع��رف على األق��ل الصلة‬ ‫الطبيب وض��رب األوالد دون م�ب�رر‪ ..‬وحاول‬
‫بينهما‪ ..‬وبني ذلك الرجل‪..‬‬ ‫ضربي أنا أيضاً‪..‬‬
‫‪ -‬ذل��ك الرجل غلبه الفضول‪ ،‬فاجته حنو‬ ‫‪ -‬سيهدأ‪ ،‬ال تقلقي‪ ..‬مازال ما جرى ماثالً‬
‫‪73‬‬ ‫املقربة يتأمل جمموعات الطيور وبالغ يف جرأته‬ ‫أمامه‪..‬‬
‫فاقرتب منها أكثر من الالزم‪ ،‬ورمبا ناوشها‪..‬‬ ‫‪ -‬أغلقت عليه باب غرفة النوم وجئت ألتمس‬
‫‪ -‬أع��ت��ق��د – إن ص��ح��ت ه���ذه ال��ق��ص��ة كما‬ ‫العون منك ومن ليث وأنتما من أحضره‪ ..‬وأنقذه‬
‫تتخيلينها‪ -‬أن الرجل سبب األذى لتلك الطيور‪..‬‬ ‫من تلك الطيور‪..‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫الناس ياليث‪ ..‬ملاذا أنت قلق هلذه الدرجة؟ هل‬ ‫ورمبا هاجم بعضها‪ ..‬فلم هتامجنا الطيور‬
‫صدقت حكاية أمي عن الطيور اليت تأتي إذا‬ ‫حني تراجعنا‪ ،‬وح�ين تراجع الصياد مبتعداً‬
‫اشتدت آثام الناس وكثرت شرورهم؟‬ ‫أيضاً‪..‬‬
‫‪ -‬ليس ظهور هذه الطيور عادياً يا زينة‪..‬‬ ‫‪ -‬رمبا قد تكون حمقاً‪ ،‬ولكن بالتأكيد ذلك‬
‫أترين طرقات القرية خالية‪ ،‬ومل نر أح��داً يف‬ ‫الرجل املصلوب على شاهدة القرب يف املقربة‪،‬‬
‫طريقنا‪..‬‬ ‫كان سيىء النية جتاه الطيور‪..‬‬
‫‪ -‬رمبا أثرت تلك اإلشاعات على الناس ‪..‬‬ ‫‪ -‬أنا أوافقك يف هذا يا أماه‪..‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫فتحت البوابة‪ - :‬ادخ��ل يا ليث‪ ..‬يبدو أن‬ ‫طرق الباب من جديد ‪:‬‬
‫أمحد ليس وحده‪..‬‬ ‫ً‬
‫تساءل ليث ‪ -:‬ومن هذا الزائر أيضا‪.‬؟‪.‬‬
‫‪ -‬جيد إنك بكرت يف العودة يا زينة‪ ..‬لدي‬ ‫فتح الباب وصرخ مستغرباً‪ - :‬إهنا أخيت‬
‫ضيف‪ ..‬كيف حالك يا ليث؟ ادخل بسرعة‪..‬‬ ‫(زينة)‪..‬‬
‫ملاذا أنت مرتدد؟‬ ‫دخلت زينة ملهوفة ‪:‬‬
‫ك��ان ضيف أمح��د قد أت��ى من املدينة‪ ،‬كان‬ ‫‪ -‬احلمد هلل أنتما خبري ؟‬
‫أستاذاً يف اجلامعة‪ ..‬ومعه زوجته‪..‬‬ ‫‪ -‬ملاذا؟ أتتوقعني أن أكون يف وضع صحي‬
‫‪ -‬إنه صديق قديم‪ ،‬وستشعر حنوه باأللفة‬ ‫سيىء؟‬
‫سريعاً‪..‬‬ ‫‪ -‬الناس يتكلمون ح��ول مهامجة الطيور‬
‫‪ -‬هذه زينة زوجيت ‪ ،‬تعرفها؟‬ ‫السوداء لكما أنت وليث‪ ،‬وذلك الصياد‪ ..‬لقد‬
‫‪ -‬رأيتها مرة واحدة‪..‬‬ ‫بالغوا يف احلديث عن إصابات قاتلة‪..‬‬
‫‪ -‬إنه الدكتور خمتار‪ ،‬أختصاصي يف علم‬ ‫‪ -‬ليس األمر هكذا‪ ،‬سأحكي لك‪..‬‬
‫احليوان‪ ،‬يدرس يف اجلامعة‪ ..‬والسيدة (رنا)‬ ‫ه �دّأت أم ليث ابنتها‪ ،‬وطلبت من ليث أن‬
‫زوجته‪ ..‬هي تعمل يف اجلامعة‪ ،‬يف خمابر كلية‬ ‫يرافقها يف ال��ع��ودة إىل بيتها‪ ..‬ويف الطريق‬
‫العلوم‪ ..‬ليث‪ ،‬أخو زينة‪ ،‬وهو مهندس زراعي‪..‬‬ ‫خ�يّ��ل لليث أن��ه يسمع رف��ي��ف أج��ن��ح��ة‪ ..‬نظر‬
‫قال الدكتور خمتار ‪ - :‬رنا قائمة باألعمال‪،‬‬ ‫حوله متمعناً‪ ،‬فلم ير شيئاً‪ ..‬وشعرت أخته‬
‫تعمل معي يف القسم‪..‬‬ ‫باضطرابه‪ ..‬ولكنها خافت أن تسأله عن سر‬
‫تبادل األصدقاء احلديث‪ ،‬وعرف ليث أن‬ ‫هذا االضطراب‪ ..‬لوال أن ليثاً سأهلا‪:‬‬
‫سبب حضور الدكتور خمتار إىل القرية‪ ،‬يعود‬ ‫‪ -‬أال تسمعني رفيف طيور؟‬
‫إىل جتمعات الطيور السوداء‪ ..‬وقد حكى ليث‬ ‫‪ -‬ال‪..‬أب���داً يبدو أن��ك مازلت متأثرا بتلك‬
‫ً‬
‫كيف بدأ يراقب التجمعات قبل أيام‪..‬‬ ‫الطيور‪ ،‬حتى أنك تتخيل وجودها يف القرية‪.‬؟‪.‬‬
‫وك��ي��ف ازدادت ك��ث��اف��ة أع���داده���ا سريعا‪ً،‬‬ ‫‪ -‬زوجك يف البيت؟‬
‫واستوطنت امل��ق�برة الشرقية للقرية‪ ،‬وحكى‬ ‫ً‬
‫‪ -‬نعم‪ ..‬أتريد أن تزورنا‪ ،‬سيسعد كثريا‪ ..‬كان‬
‫بالتفصيل ما جرى له يف الصباح‪ ،‬مع والدته‬ ‫صديقك الوحيد من قبل‪..‬‬
‫وكيف هامجت الطيور الصياد‪ ،‬ومزقت رجالً‬ ‫‪ -‬أتسمعني يا زينة؟‬
‫غريباً داخل املقربة‪..‬‬ ‫كان هناك رفيف طيور فعالً‪..‬‬
‫وحكى عن ال��زواح��ف املختلفة‪ ،‬واجتاهها‬ ‫‪ -‬ماذا؟ رمبا كانت دجاجة تقفز من مكان‬
‫صوب مكان جتمعات الطيور‪ ..‬وسط استغراب‬ ‫آلخر‪..‬‬ ‫‪74‬‬
‫من حوله‪..‬‬ ‫ً‬
‫‪ -‬أشعر أن شيئا غريبا سيحدث يف هذه‬ ‫ً‬
‫ً‬
‫‪ -‬إهنا ليست طيورا عادية يف رأيك؟‬ ‫القرية ‪..‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ..‬هكذا أعتقد‪..‬‬ ‫ً‬
‫‪ -‬مل تكن الطيور أب��دا مصدر خطر على‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪ -‬أنا ال أعرف شخصية الرجل ‪ ..‬ولكن الطيور‬ ‫‪ -‬قد نذهب غداً إىل ذلك املكان‪ ،‬أريد أن‬
‫كانت تنهش فيه وهو يتأوه صارخاً طالباً النجدة‪..‬‬ ‫أدرسها على الطبيعة‪..‬‬
‫‪ -‬ومل يستطع ولدك إنقاذه‪..‬‬ ‫‪ -‬ولكنها تشكل خطراً شديداً‪..‬‬
‫‪ -‬كيف؟ أعداد هائلة من الطيور ذات املناقري‬ ‫قالت رنا ‪ - :‬خمتار يعرف كيف يتعامل مع‬
‫احلادة‪ ،‬كانت حتوم حولنا حمذرة‪..‬‬ ‫احليوانات ‪ ،‬ال تقلق ياأستاذ ليث‪..‬‬
‫اندفع ليث حنو أمّه ‪ - :‬خري يا أماه؟‬ ‫‪ -‬ستكونني معنا يارنا‪ ..‬قد أحتاجك‪..‬‬
‫‪ -‬جئت أخرياً يا بين؟‪ ..‬صاحب املصنع مشال‬ ‫‪ -‬بالطبع سأرافقكم‪ ..‬هل خطرت على‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫القرية مفقود‪ ..‬وهؤالء يبحثون عنه‪ ..‬وقد مروا‬ ‫بالك فكرة إبعادي؟‬
‫على بيوت القرية يسألون أصحاهبا عنه‪ ،‬وبالصدفة‬ ‫ً‬
‫‪ -‬رمبا بسبب توقعي أن تكون طيورا أشد‬
‫طرقوا الباب علي‪..‬‬ ‫خطراً مما نتوقع‪..‬‬
‫‪ -‬هو ولدك ياخالة؟‬ ‫‪ -‬ولكنها مل هتاجم ليثاً ووالدته حني ابتعدا‪..‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ..‬باستطاعتكم أن تسألوه‪..‬‬ ‫وكذلك ذلك الصياد‪..‬‬
‫‪ -‬أرأيت وجه الرجل جيداً يا سيّدي ؟‬ ‫‪ -‬معك حق‪..‬‬
‫‪ -‬ليس جيداً‪ ،‬مل يكن قريباً منا‪..‬‬ ‫‪ -‬مسعت رفيف طيور وأنا قادم إىل هنا‪..‬‬
‫قالت زينة ‪ - :‬مل يكن رفيفاً ملحوظاً‪ ..‬رمبا‬
‫طري أهلي يتحرك‪ ،‬أو طري ليلي عابر‪..‬‬
‫‪ -‬على كل ح��ال سنبكر يف الصباح‪ ..‬يف‬
‫الذهاب إىل هناك‪..‬‬
‫‪ -‬والسيما وأن��ه يف الليل تكون الزواحف‬
‫أكثر خطراً‪ ..‬ألننا مضطرون لعدم استخدام‬
‫اإلض��اءة‪ ،‬إن وافقنا مجيعاً على الذهاب ليالً‬
‫إىل املقربة‪..‬‬
‫‪ -‬ال‪ ..‬الداعي لذلك‪ ..‬يف النهار سنرى كل‬
‫شيء وقد تكون دراستنا أجدى هلذه األحياء‪..‬‬
‫هنض ليث ‪ -:‬حسناً فرصة سعيدة يا دكتور‬
‫خمتار ويا سيدة رنا‪ ،‬أنا مضطر للذهاب اآلن‪،‬‬
‫أمي وحدها‪..‬‬
‫‪ -‬حسناً‪ ..‬نلتقي يف الصباح إذن‪..‬‬
‫قال أمحد ‪ - :‬جهز نفسك جيداً‪ ..‬واشرح‬
‫األمر لوالدتك‪ ..‬مع السالمة‪..‬‬

‫س���ار ل��ي��ث يف ط��ري��ق ال���ع���ودة‪ ،‬وه���و يشعر‬


‫باخلوف‪ ..‬بتكرر مساعه صوت رفيف الطيور‪،‬‬
‫دون أن يرى شيئاً‪..‬‬
‫‪75‬‬ ‫وه��و يقرتب م��ن البيت شعر أن أشخاصاً‬
‫كثريين يتجمعون أمام باب البيت ‪ ،‬ووالدته تقف‬
‫على الباب‪..‬‬
‫‪ -‬متأكدة يا سيدتي‪..‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫يصيب أحدها‪..‬‬ ‫‪ -‬ومل تستطع أن هترع لنجدته؟‬


‫ف ّكر ليث مستغرباً ‪ - :‬ترى ما هو سبب‬ ‫‪ -‬كانت الطيور كثيفة العدد‪ ..‬وقد حامت‬
‫انتقاء الطيور لذلك الرجل ؟‪..‬‬ ‫حولنا مهددة من االقرتاب‪..‬‬
‫تشاوروا مجيعاً ‪ - :‬جيب أن نذهب مجيعاً‬ ‫سألتهم أمّ ليث ‪ - :‬كيف ج��رى واقتادته‬
‫ملعاينة األمر يف املقربة‪ ،‬قد ال يكون سيدي هو‬ ‫الطيور إىل هناك؟‬
‫املصاب‪..‬‬ ‫ً‬
‫أجاب أحدهم ‪ - :‬تقول سيدتي‪ ،‬إن عددا من‬ ‫‪76‬‬
‫‪ -‬ولكن ملاذا مل يعد حتى اآلن‪ ..‬حبثنا عنه‬ ‫الطيور حام حول البيت‪ ،‬فخرج سيدي يتفقد‬
‫يف كل مكان وأخربنا دوريات الشرطة باختفائه‬ ‫السبب‪ ..‬ويبدو أن الطيور دفعته للحاق هبا‪..‬‬
‫دون أثر‪ ..‬فتجندوا للبحث عنه‪..‬‬ ‫أطلق عليها عدداً من العيارات النارية‪ ،‬دون أن‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫الطيور من النار‪..‬‬
‫‪ -‬عن إذنك يا خالة‪..‬‬
‫‪ -‬أمتنى لكم التوفيق‪ ..‬ولكن احذروا غضب‬
‫الطيور وال تثريوها‪..‬‬
‫‪ -‬البعض منّا ميلك بنادق سريعة الطلقات‪،‬‬
‫لن هندأ حتى نعرف مكان وجود سيدي‪ ..‬ولن‬
‫خناف تلك الطيور أيضاً‪..‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫شعر ليث بأنه جيب أن يلحق هبم‪ ،‬لوال إصرار‬


‫والدته على إبقائه‪ ..‬ولكنه مل يكن مرتاحاً‪..‬‬
‫ومل يكن يف القرية هواتف بني منازهلا‪ ،‬ليخرب‬
‫أمحد مبا جيري لعلّه وخمتار يذهبان خلف تلك‬
‫اجلموع‪ ..‬ولكن شيئاً آخر حصل دفعه للذهاب‪،‬‬
‫هو بنفسه ليستكشف األمر‪ ..‬كان شيئاً غريباً‬
‫غري مفهوم ‪..‬‬
‫وه��و م��ع أم��ه يقضيان الليل يف املنزل‪،‬‬
‫يشعران مبجيء الطيور ورواح��ه��ا‪ ،‬وحتكي له‬
‫أمه عن أسرار املصنع الضخم املقام على النهر‪،‬‬
‫وعن بيوت الصفيح املقامة أيضاً حوله واليت‬
‫تعجّ بالعمال‪ ،‬ال��ذي��ن مي��ارس��ون عملهم حتت‬
‫حراسة مشددة ‪..‬‬
‫‪ -‬لقد ع��ادت الطيور يا أم��اه‪ ..‬إهنا حتوم‬
‫حول بيتنا‪..‬‬
‫‪ -‬يف األمر سرّ يا ليث‪..‬‬
‫‪ -‬رمبا هي تريدنا أن نتبعها‪ ،‬انظري إىل‬
‫ذلك الطري إنه حيط على النافذة‪..‬‬
‫‪ -‬إنه يستدعينا‪..‬‬
‫‪ -‬ماذا تقولني؟‬
‫‪ -‬كأنه يريدنا أن نتبعه‪..‬‬
‫‪ -‬يف ه��ذا الليل ح��ال��ك ال���س���واد‪ ..‬أشعر‬
‫باخلوف يا أماه‪..‬‬ ‫‪ -‬لنذهب إىل هناك لنتأكد من شخصيته‪..‬‬
‫‪ -‬جي��ب أن تطرد اخل��وف ي��ا ل��ي��ث‪ ..‬هذه‬ ‫هل تذهب معنا يا أستاذ؟‬
‫الطيور لن تؤذينا‪ ،‬إهنا يف مهمة خاصة‪ ،‬رمبا‬ ‫وقفت أمّ ليث أمامهم جب��رأة وثقة ‪ - :‬ال‬
‫كان علينا أن نساعدها‪ ..‬سأرتدي ثياب اخلروج‬ ‫يستطيع الذهاب معكم‪ ،‬إنه متعب عمل كثرياً‬
‫بسرعة‪..‬‬ ‫اليوم‪..‬‬
‫‪77‬‬ ‫ً‬
‫‪ -‬وأنا أيضا‪ ..‬هل سنأخذ البندقية؟‬ ‫قال احد الرجال ‪ - :‬أنا أعرف الطريق جيداً‬
‫‪ -‬هذا أفضل ‪ ..‬قد حنتاجها‪..‬‬ ‫يا مجاعة‪ ..‬ال داعي ألن نتعب األستاذ أيضاً‪..‬‬
‫وبالفعل كان سرب الطيور يتحرك يف اجتاه‬ ‫‪ -‬هيا بنا‪ ،‬وزعوا املشاعل على اجلميع‪..‬‬
‫طريق اخل��روج من القرية‪ ،‬وق��د حلق به ليث‬ ‫‪ -‬نعم‪ ..‬حتى نتبني طريقنا جيداً‪ ،‬قد ختاف‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫ووالدته‪ ..‬وهو حيمل مشعالً من النفط‪ ،‬على‬
‫عادة أهايل القرية حني يتحركون يف الليل‪..‬‬
‫طار السرب ومها يتبعانه‪ ،‬حتى خرجا من‬
‫القرية‪ ،‬شعر ليث باطمئنان إىل تلك الطيور‪،‬‬
‫ووالدته حتدثه أن اختيار الطيور هلما‪ ،‬يعين أن‬
‫عنصر الطهارة واخلري فيهما سيحميهما من‬
‫األذى‪..‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫حطت الطيور قرب أكواخ التوتياء‪ ،‬وحني‬ ‫ّ‬
‫اقرتبا من املكان رأيا لدهشتهما رجالً جرحياً‬
‫يئن‪..‬‬
‫‪ -‬أسرع يا ليث‪..‬‬
‫‪ -‬الطيور تتوقف قرب تلك الشجرة‪..‬‬
‫‪ -‬ال تلق ب��االً إليها اآلن‪ ،‬لنسرع إلنقاذ‬
‫الرجل‪..‬‬
‫كان الرجل يئن ‪ -‬أنا أموت‪..‬‬
‫كان مصاباً جبراح يف صدره ورجليه‪ ،‬والدم‬
‫ينزف من عدة أمكنة‪ ..‬اقرتب ليث باملشعل ثمّ‬
‫سأل أمّه ‪:‬‬
‫‪ -‬أتعرفينه؟‬
‫‪ -‬ال‪ ..‬مل أر وجهه من قبل‪ ،‬إنه ليس من‬
‫قريتنا‪ ..‬جيب أن نسعفه فوراً‪..‬‬
‫‪ -‬وكيف يا أماه‪ ..‬مستوصف القرية مغلق‬
‫اآلن‪ ..‬إهنا الواحدة بعد منتصف الليل‪..‬‬
‫‪ -‬سنأخذه إىل منزل أختك زينة‪..‬‬
‫‪ -‬وماذا تستطيع زينة أن تفعل له؟‬
‫‪ -‬قلت يل أن هناك طبيباً وزوج��ت��ه أتيا‬
‫ل��دراس��ة ال��ط��ي��ور‪ ..‬ق��د ي��ع��رف ك��ي��ف نسعف‬
‫الرجل‪ ..‬هيا ال تضيع الوقت‪..‬‬
‫‪ -‬إنه ثقيل الوزن‪..‬‬
‫ع���اد ال��رج��ل ي��ئ �نّ ‪ - :‬آه‪ ..‬أن���ا أم���وت‪..‬‬
‫أموت‪..‬‬
‫قالت أمّ ليث ‪ - :‬ال تقلق سنحاول إسعافك‬
‫بسرعة‪ ..‬ضعه هنا‪ ..‬سأحاول إيقاف النزيف‬
‫من جراحه قبل أن حنمله إىل القرية‪..‬‬
‫عادت الطيور ترفرف بقوّة ‪ ..‬مهس ليث ‪:‬‬ ‫‪78‬‬
‫‪ -‬كأن الطيور قلقة يا أماه‪..‬‬
‫‪ -‬رمبا كانت قلقة على حياة الرجل‪ ..‬ترى‬
‫من يكون؟ وملاذا هتتم الطيور به إىل هذا احلد؟‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫توجّها حنو ليث ووالدته ‪ - :‬ضعا الرجل‬ ‫البد وأن��ه رجل طيب‪ ..‬أصيب يف معركته مع‬
‫هنا‪ ..‬وانصرفا‪.‬‬ ‫الشر‪..‬‬
‫‪ -‬هل ستسعفونه؟‬ ‫‪ -‬أنت تبالغني كثرياً‪ ..‬يف احلديث عن هذه‬
‫‪ -‬نعم أيتها ال��ع��ج��وز‪ ،‬سنتوىل أم���ره‪ ..‬ال‬ ‫الطيور‪ ،‬كأهنا كائنات عاقلة‪ ،‬تفهم ما جيري‬
‫تقلقي‪..‬‬ ‫حوهلا‪..‬‬
‫سأهلم ليث ‪ - :‬ومن أنتم؟‬ ‫‪ -‬خذ قطعة القماش هذه وبللها من مياه‬
‫‪ -‬ال ش���أن ل��ك هب����ذا‪ ..‬ه��ي��ا ان��ص��رف��ا يف‬ ‫النهر‪..‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫احلال‪..‬‬ ‫ً‬
‫‪ -‬أليست مياها ملوثة؟‬
‫وش��ع��ر ليث ب��ال��رع��ب وه��و يسمع أحدهم‬ ‫‪ -‬التلوث ي��زداد يف اجلهة األخ��رى حيث‬
‫يهمس خلفهما ‪ - :‬هل نقتلهما؟‬ ‫ينفث املصنع مسومه بغزارة هناك‪ ..‬هيا يا ليث‬
‫وصله جواب الرجل ‪ - :‬ال داعي لذلك‪..‬‬ ‫عجل‪..‬‬
‫‪ -‬األفضل أن تستجوهبما يا سيدي‪ ..‬رمبا‬ ‫حاولت أم ليث جهدها أن توقف نزيف‬
‫كانا على معرفة بالرجل ويعلمان أين يعمل‪ ..‬قد‬ ‫جراح الرجل الذي بدأ يغيب عن الوعي‪ ..‬وقد‬
‫يثريان الناس ضدنا‪..‬‬ ‫جنحت اخل���رق املبللة يف وق��ف ن��زي��ف جراح‬
‫كان ليث ميشي خلف أمه وهو ينصت برعب‬ ‫الصدر‪ ،‬ولكنها مل تستطع إيقاف نزيف الدماء‬
‫حلديث الرجال الغرباء ‪..‬مس��ع وقع أقدامهم‬ ‫من رجليه‪ ..‬لذلك عمدت األم إىل ربط فخذيه‬
‫وهي تقرتب منه ومن والدته من جديد ‪..‬ثم‬ ‫بقوة‪ ،‬لتمنع انسكاب الدم‪..‬‬
‫مسع صوتاً صاعقاً‪:‬‬ ‫ومها يف عملهما‪ ..‬مسعا رفرفة الطيور من‬
‫‪ -‬هل تعرفان الرجل؟‬ ‫حوهلما ت��زداد بشكل كبري ‪ ..‬فنظرا بقلق إىل‬
‫قال ليث حم��اوالً التماسك ‪ - :‬ال‪ ..‬عثرنا‬ ‫جهتها فرأياها تتحرك مبتعدة‪..‬‬
‫عليه بالصدفة‪ ..‬وأشفقنا على حالته‪..‬‬ ‫‪ -‬كأمنا أدّت مهمتها وذهبت‪..‬‬
‫‪ -‬وكيف عثرمتا عليه؟ مل��اذا تتجوالن يف‬ ‫‪ -‬هل تستطيع محله وحدك يا ليث؟‬
‫الليل؟‪0‬‬ ‫‪ -‬ليس ضخم اجلثة‪ ،‬لن يتعبين كثرياً‪..‬‬
‫‪ -‬كنّا يف أرضنا‪ ،‬وعدنا متأخرين‪..‬‬ ‫‪ -‬هيا يا ولدي لنسرع يف جتاه القرية‪..‬‬
‫‪ -‬وأين تقع أرضكما هذه؟‬ ‫مسعا اصواتاً ‪ ..‬كان بعض الناس يقرتبون‬
‫ّ‬
‫قالت األم ‪ -:‬ليست بعيدة إنها يف اجتاه‬ ‫منهما‪..‬قالت األم ‪:‬‬
‫الشمال‪..‬‬ ‫‪ -‬سيساعدوننا يف نقل اجلريح‪ ..‬احلمد‬
‫عاد ليث يقول‪ - :‬الرجل حباجة إلسعاف‬ ‫هلل‪..‬‬
‫سريع‪ ،‬نزف دماء كثرية‪..‬‬ ‫وفجأة أحاطت هبما البنادق ‪..‬كانوا رجاالً‬
‫‪ -‬ال عالقة لكما به‪ ..‬سنتوىل أمره‪..‬‬ ‫مدججني بالبنادق ‪:‬‬
‫ومس��ع ليث رفرفة الطيور املقرتبة فشعر‬ ‫‪ -‬قفا بال حركة‪ ..‬أحيطوا هبما يا رجال‪..‬‬
‫بالراحة‪..‬ارتبك الغرباء‪:‬‬ ‫‪ -‬ماذا تريدون؟‬
‫‪ -‬هذه الطيور تتكاثر يا سيدي‪ ..‬هل أطلق‬ ‫‪ -‬إىل أين حتمالن هذا الرجل؟‬
‫عليها النار؟‬ ‫‪ -‬إىل القرية‪ ،‬إنه جريح جيب إسعافه‪..‬‬
‫‪79‬‬ ‫‪ -‬ح��اول��وا مناوشتها إلب��ع��اده��ا‪ ..‬ال داعي‬ ‫ق��ال احدهم بصوت مرتبك ‪ -:‬إن��ه نفس‬
‫لصوت الرصاص اآلن‪..‬‬ ‫الرجل يا سيدي‪..‬‬
‫مهست األم ‪ - :‬كأهنم ال يكرتثون مبوت الرجل‬ ‫‪ -‬ملاذا مل ميت ذلك اللعني؟‬
‫وحياته‪ ..‬رمبا كانوا هم من تسببوا يف إصابته ‪..‬‬ ‫‪ -‬وماذا سنفعل؟‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫مسرعاً ليساعد ليث‪.‬‬ ‫شعر ليث بالذعر‪ - :‬كأهنم حراس املصنع؟‬
‫قال ليث ‪ - :‬هل ميكن أن توقظ الدكتور‬ ‫تركومها يبتعدان ‪ ..‬وظلّت أصواهتم تصل‬
‫خمتار؟ قد يساعدنا يف إسعافه‪..‬‬ ‫إليهما‪..‬‬
‫‪ -‬إنه ليس طبيباً‪ ،‬ولكن قد يعرف بعض‬ ‫‪ -‬الطيور ت��زداد‪ ،‬وهي عنيدة يا سيدي‪..‬‬
‫اإلس��ع��اف��ات األول���ي���ة‪ ..‬مل����اذا ال ن��أخ��ذه إىل‬ ‫هل أطلق النار؟‬
‫املستوصف‪.‬؟‪.‬‬ ‫‪ -‬قلت لك ال‪ ..‬حاولوا من جديد معها‪..‬‬
‫‪ -‬إنه مغلق‪ ..‬والطبيب يف املدينة‪ ..‬اليوم هو‬ ‫أبعدوها فقط ‪..‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫اخلميس يا أمحد‪..‬‬ ‫مهس ليث‪ :‬الطيور تتجمع‪ ،‬إهن��ا تناوشهم‬
‫‪ -‬معك حق‪ ..‬مل أنتبه‪ ،‬سأوقظ خمتار‪..‬‬ ‫اآلن‪..‬‬
‫وحضر خمتار سريعاً وحني عاين الرجل‬ ‫ك���ان ي��ص��رخ هب��م ‪ :‬أط��ل��ق��وا ال��ن��ار عليها‪..‬‬
‫قال‪:‬‬ ‫اقتلوها‪..‬‬
‫‪ -‬من حظه أن (رنا) عملت يف التمريض يف‬ ‫‪ -‬ال ي���ؤث���ر هب���ا ال����رص����اص‪ ..‬آه‪ ..‬إهنا‬
‫وقت احلرب‪ ،‬وهي حتمل حقيبة إسعافها‪ ،‬يف‬ ‫هتامجنا‪..‬‬
‫أي رحلة دراسة أو حبث‪ ..‬تعايل يا رنا‪ ..‬لنرى‬ ‫‪ -‬لنبتعد بسرعة‪..‬‬
‫ما ميكن عمله‪..‬‬ ‫‪ -‬إهنا معركة حقيقية ياأماه‪..‬‬
‫قالت رنا بعد معاينته ‪ - :‬حيتاج لنقل دم‬ ‫ق��ال��ت األم ‪ :‬تلك الطيور ل��ن تسمح هلم‬
‫سريع‪..‬جيب معرفة زمرة دمه أوالً‪..‬‬ ‫االبتعاد بالرجل‪ ..‬إهنا هتاجم من حيمله‪..‬‬
‫‪ -‬قد حيمل بطاقة عليها زمرة دمه‪ ..‬هل‬ ‫ً‬
‫‪ -‬سبحان اهلل‪ ..‬ما حيدث يبدو خرافيا‪..‬‬
‫فتشتموه؟‬ ‫ازدادت هجمات الطيور‪ ،‬وازدادت طلقات‬
‫‪ -‬هذه بطاقة باللغة االنكليزية‪ ..‬إهنا من‬ ‫الرصاص عليها‪ ،‬ومل تكن تبايل هبذا الرصاص‬
‫نقابة الصحافيني‪..‬‬ ‫املنهمر‪ ،‬كأهنا مرسلة يف سبيل غاية جيب أن‬
‫‪ -‬بطاقة دولية‪ ..‬احلمد هلل زمرة دمه هنا‪..‬‬ ‫تنفذها‪..‬‬
‫إهنا ( آ إجيابي ‪) A‬‬ ‫مل يكن أمام أولئك الرجال وقد بدأت الطيور‬
‫ابتسمت رن��ا ‪ - :‬زم��رة دم��ي‪ ،‬سأنقل إليه‬ ‫تنهش أجسامهم سوى حماولة اهل��رب ومعهم‬
‫ال��دم‪ ..‬حتتاج جروحه إىل ضمادات أخرى‪..‬‬ ‫ذلك الرجل املصاب‪ ..‬ومل تتوقف الطيور‪..‬‬
‫ضمدت بطريقة بدائية‪..‬‬ ‫وأخرياً ختلّوا عنه واندفعوا يصرخون من‬
‫‪ -‬أنا لست خبرية يا ابنيت‪..‬‬ ‫األمل والطيور تنقض عليهم بإصرار غريب‪..‬‬
‫‪ -‬ولكنك ذكية واعية‪ ،‬خاصة بطريقة إيقاف‬ ‫اس��ت��غ��ل ل��ي��ث ه��رهب��م‪ ،‬ل��ي��ح��اول م��ن جديد‬
‫تدفق الدم من جروح رجليه‪..‬‬ ‫إسعاف الرجل‪ ..‬كان قلبه ينبض بضعف‪ ،‬وقد‬
‫متكنت الدكتورة (رن��ا) من إسعاف الرجل‬ ‫شعر ليث أن��ه سيموت إذا مل يسعف فوراً‪..‬‬
‫امل��ص��اب‪ ..‬ال��ذي ب��دأ يتقلب م��ت��أوه�اً‪ ..‬وسط‬ ‫وهكذا محله مبساعدة أمه واجتها حنو القرية‪،‬‬
‫دهشة من حوله‪ ..‬كان من الواضح عليه أنه‬ ‫حنو بيت زينة أخت ليث‪..‬وطرقا الباب ‪..‬وبعد‬
‫لن يعود إىل وعيه سريعاً‪ ..‬وإمنا حيتاج لوقت‬ ‫حلظات فتحت زينة ‪:‬‬
‫إضايف حتى يتمكن من الكالم‪..‬‬ ‫ً‬
‫‪ -‬ليث‪ ..‬آه لست وحيدا‪ ،‬كيف حالك يا‬
‫وحني اطمأنت أم ليث على حالته‪ ،‬استأذنت‬ ‫أمّاه ؟ من هذا الذي حتمله؟‬ ‫‪80‬‬
‫وليث يف العودة إىل البيت للنوم لبعض الوقت‪،‬‬ ‫‪ -‬إنه رجل جريح له قصة‪ ..‬حيتاج إلسعاف‬
‫والسيما أن ما حدث قد أرهقها وأتعبها‪ ..‬لذلك‬ ‫فوري‪..‬‬
‫فقد غفت سريعاً هي وليث‪..‬‬ ‫صرخت زينة تنادي زوجها ال��ذي حضر‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫ويف الصباح أيقظت ليث‪ ،‬ليتناول إفطاره‬
‫قبل الذهاب إىل بيت أخته‪..‬قال لبث ‪:‬‬
‫‪ -‬الدكتور خمتار وزوجته يرغبان بالذهاب‬
‫إىل املقربة‪ ،‬لدراسة جتمعات الطيور عن كثب‪..‬‬
‫‪ -‬لن يستطيعا االقرتاب كثرياً‪ ..‬إهنا طيور‬
‫ليست سهلة‪..‬‬
‫‪ -‬ولكنهما قد يستطيعان التعامل معها‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫جيداً‪..‬‬
‫‪ -‬هل سرتافقهما؟‬
‫‪ -‬أمتنى ذلك‪ ،‬وإن كنت لست متأكداً‪..‬‬
‫‪ -‬انتبه لنفسك جيداً‪ ..‬هه‪ ..‬هيا سنذهب‬
‫لالطمئنان على اجلريح‪..‬‬
‫كان الرجل الغريب قد أفاق من غيبوبته وقد‬
‫اسرتد قوته قليالً‪ ..‬بعدما سهرت رنا وخمتار‬
‫طوال الليل قربه‪..‬‬
‫اختذت اجملموعة مسارها حنو املقربة‪ ،‬وقد‬ ‫كان صحفياً حيقق يف موضوع تلوث البيئة‬
‫رأوا سكان القرية يرمقوهنم بفضول غريب‬ ‫يف املنطقة‪ ،‬ويبدو أنه جتاوز احلدود يف حواراته‬
‫وخوف‪ ..‬وحاملا وصلوا احلقول اجملاورة املقربة‪،‬‬ ‫مع العمال واملوظفني يف إدارات املصنع‪ ،‬مما‬
‫ب���دأت جم��م��وع��ات ال��ط��ي��ور تظهر هل��م‪ ،‬ورأوا‬ ‫استدعى األمر لتصفيته‪..‬‬
‫لدهشتهم عدة جثث جمردة من اللحوم‪ ،‬ملقاة‬ ‫طعنوه يف جسمه وألقوه بعيداً‪ ،‬ألنه اكتشف‬
‫على الطريق‪ ..‬والناس يفرون مبتعدين عنها‪..‬‬ ‫الكثري من أسرارهم‪ ..‬ويبدو أن تلك الطيور قد‬
‫‪ -‬ماذا جيري يا ابا صاحل؟‬ ‫اكتشفته‪ ،‬وحامت حول بيت ليث إلنقاذه‪..‬‬
‫‪ -‬مل تتعرف بعد على أصحاهبا وإن كان من‬ ‫كان الوضع يزداد تشابكاً وتعقيداً‪ ،‬من أين‬
‫األرجح أن تكون جثثاً لغرباء عن القرية‪ ..‬تلك‬ ‫أت��ت تلك الطيور؟ ومل��اذا تقتل البعض وتنقذ‬
‫الطيور يا ليث تبدو عنيدة وشرسة‪ ..‬ولكنها ال‬ ‫البعض ؟ م��اذا ستفعل يف املستقبل؟ من هي‬
‫هتاجم سوى البعض ‪ ،‬إهنا ختتار بغريزهتا على‬ ‫ضحيتها التالية بني أشرار املنطقة؟‬
‫ما يبدو‪..‬‬ ‫أ ّكد خمتار ‪ - :‬ستبدأ جولتنا بعد قليل‪ ،‬من‬
‫‪ -‬وذلك الرجل يف املقربة يا أبا صاحل؟ هل‬ ‫سريافقنا عليه االلتزام بتعليماتنا متاماً‪ ..‬مهما‬
‫تعرفوا عليه؟‬ ‫اشتد عليه ضغط األسئلة‪..‬‬
‫‪ -‬كان أحد أصحاب املصنع‪ ،‬كانوا يلقبونه‬ ‫قال أمحد‪ -‬بالطبع‪ ..‬أنتما خمتصان بدراسة‬
‫باجلالد‪..‬‬ ‫مثل هذه األحياء‪ ..‬تعرفان عنها ما مل يعرفه‬
‫‪ -‬اجلالد؟‬ ‫اجلميع‪ ..‬سرتافقنا يا ليث؟‬
‫‪ -‬ن��ع��م ل��ك��ث��رة ع��س��ف��ه وط��غ��ي��ان��ه وظلمه‬ ‫‪ -‬نعم‪..‬نعم‪..‬‬
‫للعمال‪..‬‬ ‫قالت األم ‪ -:‬سأبقى أنا وزينة هنا للعناية‬
‫‪81‬‬ ‫‪ -‬لذلك املصنع أكثر من مالك؟‬ ‫باملصاب‪ ،‬قد يستيقظ من نومه؟‬
‫‪ -‬إهنم أربعة‪ ..‬عدا عن شركاء سريني من‬ ‫‪ -‬البأس‪ ..‬سنذهب حنن األربعة مسلحني‬
‫كبار موظفي الدولة‪..‬‬ ‫بالبنادق وأجهزة البحث‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫‪ -‬ليس مصنعاً صغريا‪ ..‬إنه مجلة مصانع معا‪..‬‬ ‫‪ -‬رافقتكم السالمة‪..‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫‪ -‬س��أق�ترب م��ن م��ك��ان جتمعاهتا أللتقط‬ ‫‪ -‬م��ع��ك ح��ق ي��ا أس��ت��اذ أمح����د‪ ..‬إىل أين‬
‫الصور‪..‬‬ ‫تتجهون؟ خري؟‬
‫‪ -‬سأرافقك انتظري قليالً‪..‬‬ ‫‪ -‬نستطلع ما جيري فقط‪..‬‬
‫مهس ليث‪ - :‬مطمئن يا أمحد؟‬ ‫‪ - -‬وهذه البنادق؟‬
‫‪ -‬إليهما؟ بالطبع‪ ..‬لو صدقت والدتك يا‬ ‫‪ -‬للدفاع عن أنفسنا إذا لزم األمر‪..‬‬
‫ليث حول هذه الطيور‪ ،‬فلن تسبب األذى هلما‪،‬‬ ‫‪ -‬ال ينفع الرصاص مع هذه الطيور‪ ..‬إن‬
‫ألن خمتاراً ورن��ا‪ ،‬إنسانان رائعان‪ ،‬ال يعرفان‬ ‫كان اخلطر يأتي منها كما تقول‪..‬‬
‫سوى احملبة واخلري للناس‪ ..‬ال تقلق عليها‪..‬‬ ‫‪ -‬ال ‪ ..‬مل أقصدها بالذات‪..‬‬
‫‪ -‬إهنما يدخالن ضمن جتمعات الطيور‪،‬‬ ‫‪ -‬أمتنى لكم التوفيق‪ ،‬وإن كان من بينكم‬
‫دون أن تكرتث هبما‪ ..‬أحد الطيور حيط على‬ ‫شخص تكرهه الطيور‪ ،‬فلن ترتكه حياً‪..‬‬
‫رأس خمتار‪ ..‬خمتار ميسكه ‪ ،‬ثم يرتكه‪..‬يا إهلي‬ ‫ابتعدوا عن أبي صاحل ومن معه وقد حلظوا‬
‫‪..‬‬ ‫أنّ الطيور تتجمع بكثرة على بعد منهم ‪..‬‬
‫كان خمتار منشغال وزوجته يف أشياء تبدو‬ ‫‪ -‬ال��زواح��ف م��ازال��ت تتحرك إىل مكان‬
‫مذهلة ال تصدّق ‪:‬‬ ‫جتمع الطيور‪ ..‬إهنا تندفع بسرعة حنو ذلك‬
‫‪ -‬أترين يا رنا إىل أين تتجه الزواحف؟‬ ‫املوضع‪..‬‬
‫‪ -‬إهنا تدخل ضمن نفق طويل‪ ..‬وختتفي‪..‬‬ ‫‪ -‬ماذا ستفعل يا خمتار؟ هل نأخذ عينة‬
‫إىل أين يؤدي ذلك النفق‪..‬‬ ‫منها؟‬
‫‪ -‬ليس نفقاً كبرياً‪ ..‬ميكننا الولوج فيه‪ ..‬ال‬ ‫‪ -‬ال‪ ..‬جيب أن نفهم الوضع أوالً يا رنا‪ ..‬بدا‬
‫نستطيع مع األسف معرفة إىل أين ينتهي‪..‬‬ ‫األمر يف منتهى الغرابة‪..‬‬ ‫‪82‬‬
‫‪ -‬وماذا ستفعل اآلن؟‬ ‫قال ليث ‪ - :‬تسميها أمي طيور املوت‪ ..‬تأتي‬
‫‪ -‬ه��ذه الطيور ال تنتمي إىل أي��ة فصيلة‬ ‫حني يكثر الشر والفساد‪ ،‬لتستأصل جذوره‪..‬‬
‫معروفة‪ ،‬حتى عيوهنا تتوهج كاجلمر‪ ،‬ليست‬ ‫‪ -‬ليست طيوراً عادية إذن؟ ماذا تفعلني يا رنا؟‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪ -‬جروحه كثرية يف وجهه ويديه يف أطرافه‬ ‫طيوراً عادية فعالً‪..‬‬
‫كلها‪..‬‬ ‫‪ -‬أصدقت ما قالته أم ليث عنها؟‬
‫اندفعا صوب الرجل املتوجّع ‪:‬‬ ‫‪ -‬رمب��ا‪ ..‬فما السبب الذي جيعلها هتاجم‬
‫‪ -‬خري ماالذي جرى؟ هامجته الطيور‪..‬؟ إ ّنه‬ ‫الناس الذين يرتكبون املعاصي واآلث��ام حبق‬
‫(عابد)‪ ..‬البد وأنه حترش هبا‪..‬‬ ‫غريهم؟‬
‫‪ -‬حاول صيدها‪ ..‬أطلق عليها الكثري من‬ ‫‪ -‬هل نعود إذن؟ مل��اذا ال نأخذ أح��د هذه‬
‫الرصاص‪..‬‬ ‫الطيور معنا‪ ،‬نضعه يف قفص ونطبق عليه‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪ -‬إنه ينزف‪..‬‬ ‫التجارب؟‬


‫‪ -‬احلمد هلل أنه مل ميت‪ ..‬ملاذا حترش هبا؟‬ ‫‪ -‬ال يا رنا‪ ..‬ال تفكري بذلك‪ ..‬طيور مرسلة‬
‫وانضمت رنا وخمتار إليهما ‪..‬قالت رنا ‪:‬‬ ‫مبهمة‪ ..‬قد يسبب ذلك لنا األذى‪ ..‬هيا بنا نعود‬
‫‪ -‬سأضمد جراحه‪ ..‬ابتعدي قليالً عنه‪..‬‬ ‫إىل ليث وأمحد‪..‬‬
‫علّق ليث هامساً ‪ - :‬إهنا طبيبة‪..‬‬ ‫أوقفته مذهولة ‪ - :‬انظر يا خمتار‪ ..‬ماذا‬
‫كان يتأوه ‪ - :‬آه‪ ..‬أكاد أموت‪..‬‬ ‫ترى هناك؟‬
‫شرح أمحد هلما الوضع ‪ - :‬إنه صياد من‬ ‫كان قرباً بصندوق رخامي مزخرف وكانت‬
‫القرية اجمل���اورة‪ ..‬وجدها فرصة لصيد هذه‬ ‫الزواحف تدخل حتت صندوقه و من بينها أفاع‬
‫الطيور ‪..‬كان حيلم بالثراء‪ ..‬احلمد هلل مل تقض‬ ‫ضخمة‪..‬‬
‫عليه‪ ..‬وإن كانت إصابته خطرية‪ ..‬أتستطيعني‬ ‫‪ -‬ال ختايف‪ ..‬ليست تلك الزواحف يف وضع‬
‫عالجه يا دكتورة‪.‬؟‪.‬‬ ‫ح��ر‪ ،‬تبدو مسرية أي��ض�اً كالطيور‪ ..‬إهن��ا غري‬
‫‪ -‬بعدما انتهي من هذا الرجل‪..‬‬ ‫مؤذية ‪..‬‬
‫ك��ان الوضع أشبه حبكاية خرافية كانت‬ ‫اقرتبا حبذر ق��رأا شاهدة القرب كان ألحد‬
‫الطيور كأهنا رسل انتقام أرسلت إىل املنطقة‪..‬‬ ‫املالكني الكبار‪ ..‬مقرون امسه باآلغا‪..‬‬
‫وكان املصنع يف ذلك الوقت يعيش أحداثاً‬ ‫‪ -‬ماذا تفعل الزواحف يف داخل القرب؟‬
‫أخ��رى‪ ..‬فلقد اجتمع أصحابه مع شركائهم‪،‬‬ ‫‪ -‬هناك فتحة كبرية‪ ..‬إهنا تسحب الكفن‬
‫مل��ن��اق��ش��ة رح��ي��ل زم��ي��ل��ه��م امل��ف��اج��ئ‪ ،‬امللقب‬ ‫وخترجه‪ ،‬ثم تتغلغل فيه‪..‬‬
‫باجلالد‪..‬‬ ‫‪ -‬كأهنا خترب بقايا جثة صاحب القرب‪..‬‬
‫ً‬
‫وقرروا أخريا االستنجاد بالشرطة يف الناحية‬ ‫رمب��ا تفعل ال��زواح��ف ببعض القبور ما تفعله‬
‫القريبة‪ ..‬وحضرت فعالً قوة من الشرطة بقيادة‬ ‫هنا‪ ..‬أمر يف غاية الغرابة‪ ..‬لنخرج من هنا‬
‫ضابط ذي رتبة عالية‪..‬‬ ‫يارنا‪ ..‬ما حيدث ليس له عالقة بأحباثنا‪ ..‬إنه‬
‫‪ -‬درست هذه القوة من الشرطة ما حيدث‪،‬‬ ‫خارج حدود املنطق العلمي‪..‬‬
‫وحاولت مهامجة الطيور‪ ،‬إال أن الطيور الغريبة‬ ‫قالت متنهدة بذهول ‪ -:‬معك حق‪..‬‬
‫ص��دهت��ا وس��ب��ب��ت ل��ب��ع��ض أف���راده���ا إصابات‬ ‫على بعد من ليث وأمحد كانت هناك امرأة‬
‫خطرية‪..‬‬ ‫تصرخ متفجّعة ‪:‬‬
‫ويف بيت (زينة) حكى الصحايف حكايته‬ ‫‪ -‬ل��ي��ت�ني اس��ت��ط��ي��ع أن أف��ق��أ ع��ي��ون تلك‬
‫مع أصحاب املصنع‪ ،‬وقد اكتشف ما يقومون‬ ‫الطيور‪..‬‬
‫‪83‬‬ ‫ب��ه م��ن إن��ت��اج م��واد غذائية ملوثة‪ ،‬ع��دا عن‬ ‫‪ -‬ابتعدي عنها‪ ..‬إهنا شرسة‪ ..‬عنيدة‪..‬‬
‫النفايات الغازية والسائلة اليت يطلقها مصنعهم‬ ‫‪ -‬كيف فعلت بزوجي ما فعلته ‪..‬كيف؟‬
‫الضخم‪..‬‬ ‫‪ -‬احلمد هلل أهنا مل تقتله‪ ..‬هو املخطئ‪..‬‬
‫ك��ان ما يفعله أولئك ال��ن��اس‪ ،‬من استعباد‬ ‫ساعدونا يا ناس‪ ..‬الرجل مصاب‪..‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫بالطبع‪ ،‬ليستخدم املراهم اليت أعطيتها له‬ ‫لعماهلم‪ ،‬أيضاً سبباً من األسباب اليت جعلته‬
‫‪..‬وحيضر ال��دواء من صيدلية املدينة‪ ،‬بأسرع‬ ‫يتجرأ عليهم داخل املصنع ويتهمهم بالفساد‬
‫وقت‪..‬‬ ‫واجل��ش��ع‪ ،‬معتمداً على أن اب��ن عمه هو أحد‬
‫‪ -‬س��أف��ع��ل ذل����ك‪ ..‬أط���ال اهلل ع��م��رك يا‬ ‫شركائهم‪ ،‬ولن ميسوه بأذى من أجل قريبه‪..‬‬
‫دكتورة‪..‬‬ ‫ولكن ذل��ك مل حيمه‪ ،‬فقد ح��اول��وا قتله‬
‫‪ -‬أحضرت احلمار‪..‬‬ ‫ببساطة ودون أن يكرتث ابن عمه أيضاً بالدفاع‬
‫‪ -‬سنساعدك يف تثبيته عليه‪..‬‬ ‫عنه‪..‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫ظلت الطيور‪ ،‬تقوم بواجبها الغريب‪ ،‬يف‬ ‫أم��ا ليث وخم��ت��ار ورن���ا وأمح���د‪ ،‬فكانوا‬
‫مهامجة بعض الناس‪ ..‬وتكاثرت اجلثث‪ ،‬اليت‬ ‫مازالوا حيومون حول املقربة‪ ،‬يتأملون ما جيري‬
‫تعرف عليها سكان القرية فيما بعد‪ ،‬وكانت‬ ‫باستغراب كبري‪..‬‬
‫ألن��اس متسلطني مستغلني‪ ،‬عرفوا بالقسوة‬ ‫‪ -‬ما الذي ستفعلونه اآلن؟‬
‫والبطش واجلشع‪..‬‬ ‫‪ -‬أعتقد أننا سنبقى هنا‪ ،‬نتأمل ما حيدث‬
‫وشعر الناس بالراحة‪ ،‬ألن هناك من أتى‬ ‫وقد خرجت الطيور – متاماً‪ -‬عن صمتها‪ ،‬إهنا‬
‫ليخلصهم من ظلم مستغليهم وظالّمهم‪..‬‬ ‫تنفذ رسالتها بقوة مذهلة‪..‬‬
‫وظلت طيور املوت تفد إىل املنطقة‪ ،‬وامتدت‬ ‫‪ -‬أتعتقد أهنا تنفذ رسالة ما؟‬
‫أسراهبا إىل املناطق اجملاورة‪ ..‬وظلت مساحات‬ ‫‪ -‬بالطبع‪ ..‬طيور املوت ترسل عندما يكثر‬
‫وجودها تكرب شيئاً فشيئاً‪..‬‬ ‫الشر وال��ف��س��اد‪ ..‬ترسل لتستأصل الشر من‬
‫جذوره‪ ،‬هكذا يقولون عنها‪..‬‬
‫‪ -‬أمر ال يصدق فعالً‪ ..‬وأنا مقتنع متاماً أهنا‬
‫ليست طيوراً من رتب الطيور املعروفة‪ ،‬رمبا‬
‫كانت قادمة من عامل آخر‪..‬‬
‫‪ -‬خ��ارج عاملنا؟ معقول؟ ك��م يبدو األمر‬
‫خرافياً‪..‬‬
‫‪ -‬هل أستطيع أن انقله اآلن يادكتورة؟‬
‫‪ -‬بالطبع‪ ..‬قد يساعدك الناس يف نقله‪..‬‬
‫سنبقى هنا ملعاجلة املصابني اجلدد‪..‬‬
‫‪ -‬بارك اهلل فيك‪..‬‬
‫‪ -‬آه‪ ..‬ليتين مل أفعل ما فعلت‪ ..‬اعتقدهتا‬
‫طيوراً عادية وعدت نفسي مببالغ طائلة لقاء‬
‫صيدها‪..‬‬
‫‪ -‬سأنقلك إىل هناك‪ ،‬سأحضر احلمار إنه‬
‫يف أرضي اجملاورة‪..‬‬
‫‪ -‬سنعتين به حتى تعود‪..‬‬
‫‪ -‬لن أتأخر‪..‬‬
‫‪ -‬ملاذا أطلقت هذا العدد الكبري من الطلقات‪،‬‬ ‫‪84‬‬
‫مادمت قد اكتشفت أن الرصاص ال يؤثر هبا؟‬
‫‪ -‬قاتل اهلل الطمع ماذا أفعل؟‬
‫‪ -‬هل تتحسن حالته يا دكتورة‪.‬؟‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫الثعابني‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫أطول أنواع احليات هي األصلة أو الثعبان املتشبك الذي يعيش يف جنوب شرقي آسيا‪ ،‬ويصل‬
‫طوله إىل عشرة أمتار ومثله األناكوندا يف أمريكا اجلنوبية اليت قد يبلغ طوهلا بني ‪ 8‬و‪ 9‬أمتار ‪.‬‬
‫وأقصر نوع هي حية (( اخليط)) يف جزر اهلند الغربية اليت ال يزيد طوهلا على ‪ 12‬سم‪ .‬جسم‬
‫احلية الطويل يشمل الذنب املوصول يف اجلسم بطريقة ال نكاد نفرقها واهليكل العظمي سلسلة‬
‫من قفص صدري طويل قد يبلغ عدد أضالعه ‪ 400‬ضلع متتد األحشاء الداخلية على طوله‬
‫‪ .‬وميكن للفم أن يفتح واسعا وذلك لتمكني احلية من ابتالع الفريسة وضمن الفم أسنان حادة‬
‫بعضها قد يكون ساما ولسان األفعى طويل وقد يكون مشعبا واللسان يندفع خارج الفم كالسهم‬
‫ثم يرجع إىل الداخل باستمرار حتى عندما يكون الفم مغلقا ألن للحية فتحة يف الفك األعلى‬
‫خيرج منها اللسان والسبب يف ذلك هو أن اللسان حيل حمل األنف فيلتقط الرائحة وحيملها إىل‬
‫عضو داخل الفم مييز بني الروائح املختلفة وهبذه الطريقة تستطيع احلية أن حتس بوجود طعام‬
‫أو أعداء أو أنثى أو حية أخرى منافسة‪.‬‬

‫‪85‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫يعيش الناس يف القرن التاسع والعشرين‬
‫يف أرض تزخّر بالعجائب األبدية‪ ،‬رغم أهنم ال‬
‫يدركون ذل��ك‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬فبينما أسقمهم‬
‫الضجر من األعاجيب حوهلم‪ ،‬تراهم يظهرون‬
‫ف��ت��وراً وقلة اك�تراث جت��اه أي ش��يء يأتيهم به‬
‫التطور يوماً بعد ي��وم‪ .‬كل ه��ذا يبدو طبيعياً‬
‫فحسب‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫لو أهنم قارنوا حاهلم باملاضي فاألجدى هبم‬
‫أن يقدّروا ما مت ِّثله حضارتنا‪ ،‬ويدركوا الطريق‬
‫الذي شقته‪ .‬فما عساه يكون أفضل من مدننا‬
‫احلديثة ذات الشوارع اليت يبلغ عرض الواحد‬
‫منها مائة ياردة‪ 1‬وناطحات السحاب اليت يبلغ‬
‫ارتفاعها ألف قدم‪ ،‬واليت ميكن مساواة درجة‬
‫احل��رارة فيها بشكل دائ��م‪ ،‬والسماء اليت تعجُّ‬
‫بآالف السيارات واحلافالت الطائرة! باملقارنة‬
‫م��ع ه��ذه امل���دن ال�تي ق��د ي��ق��در ت��ع��داد سكان‬
‫الواحدة منها بعشرة ماليني نسمة‪ ،‬فأين كانت‬
‫تلك القرى واملقاطعات قبل ألف عام‪ ،‬باريس‬
‫القدمية‪ ،‬لندن ونيويورك العتيقة‪ ،‬كلها كانت‬
‫مدناً موحلة سيئة التهوية جتتازها مركبات آلية‬
‫غريبة تسري باجلرّ العضلي تسحبها اخليول! –‬
‫أجل! اخليول! ذلك ال يصدّق!‬
‫ل��و أهن��م ت��ذك��روا صناعة السفن البخارية‬
‫والسكك احلديدية اليت تفيض باألخطاء‪ ،‬لو‬
‫تذكروا ح��وادث االصطدام اليت كانت تقع هلا‬
‫وبطء حركتها‪ ،‬فكم سيقدّرُ املسافرون القطارات‬
‫الطائرة‪ ،‬وال سيما تلك األنابيب ال�تي تعمل‬
‫باهلواء املضغوط املمدودة يف قيعان احمليطات‪،‬‬
‫واليت تنقلهم بسرعة تصل إىل ألف ميل*‪ 2‬يف‬
‫الساعة! ألن يستمتعوا بالتلفون‪ ،‬والتلفون الرائي‬
‫بشكل أفضل لو أهنم استحضروا يف ذاكرهتم أن‬
‫آباءَنا كان يقتصر هبم األمر على استخدام ذلك‬
‫اجلهاز ال��ذي أك��ل الدهر عليه وش��رب والذي‬
‫امسوه التيليغراف؟‬
‫إن��ه أم��ر غاية يف الغرابة‪ .‬فهذه التحوالت‬ ‫قصة من اخليال العلمي‬ ‫‪86‬‬
‫امل��ده��ش��ة ت��رت��ك��ز ع��ل��ى م��ب��ادئ ك���ان أسالفنا‬
‫تأليف‪ :‬جول فرين‬
‫‪- 1‬الياردة تساوي ‪ 91،44‬سم‬ ‫ترمجة‪ :‬توفيق حممد السهلي‬
‫‪- 2‬امليل = ‪ 1760‬ياردة‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫إىل معدالت االهتزاز اليت متيّز هذه القوى عن‬ ‫يعرفوهنا متام املعرفة‪ ،‬رغم أهنم‪ -‬إذا جاز القول‪-‬‬
‫بعضها بعضاً‪ .‬واألدعى للدهشة بشكل خاص أن‬ ‫مل يستفيدوا منها احل��رارة والبخار والكهرباء‬
‫طريقة التحول بشكل مباشر من قوة إىل أخرى‬ ‫قدمية ق��دم البشرية‪ .‬مع اق�تراب هناية القرن‬
‫وطريقة توليد قوة بدون أخرى مل يتم اكتشافها‬ ‫التاسع عشر‪ ،‬أمل يعلن املتبحرون يف العلم بأنَّ‬
‫إ َّال مؤخراً‪.‬‬ ‫الفرق الوحيد بني القوى الفيزيائية والكيميائية‬
‫وهكذا ك��ان‪ -‬رغ��م ذل��ك‪ -‬أن ج��رت األشياء‬ ‫يكمن يف املعدالت اخلاصة لتذبذب اجلزيئات يف‬
‫‪87‬‬ ‫وتتطلب األمر الوصول إىل العام ‪ ،2790‬أي قبل‬
‫مائة ع��ام‪ ،‬حتى جن��ح الشهري أوزوال���د نيري يف‬
‫اجلو؟‬
‫رغ��م أن اإلن��س��ان حقق قفزة كبرية ج��داً أ َ ّال‬
‫حتقيق ذلك‪.‬‬ ‫وه��ي التعرف على العالقة املتبادلة ب�ين كل‬
‫يا له من صاحب فضل ذي أيادٍ بيضاء على‬ ‫هاتيك القوى‪ ،‬لكنَّ األمر غري املعقول أنه مضى‬
‫اإلنسانية‪ ،‬ذلك الرجل العظيم! لقد كان إجنازه‪-‬‬ ‫وقت طويل جداً حتى استطاع اإلنسان التوصل‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫جيالً يتلوه جيل بقي خالهلا مبنى اهلريالد يف‬ ‫وهو عمل عبقري‪ -‬أبو كل اإلجنازات! فقد‬
‫نيويورك على ال���دوام إرث �اً حصرياً يف عائلة‬ ‫أنتج عمله كوكبة من املخرتعني تُوِّجَتْ بعالِمنا‬
‫بينيت نفسها‪ .‬قبل مائيت عام‪ ،‬عندما مت نقل‬ ‫ال��ف� ّ�ذ جيمس ج��اك��س��ون ف��ل��ه ن��دي��ن بالفضل‬
‫حكومة االحتاد من واشنطن إىل سنرتوبوليس‬ ‫بالبطاريات اجلديدة اليت يقوم بعضها بتكثيف‬
‫قامت اجلريدة باللحاق باحلكومة – هذا إذا‬ ‫طاقة أشعة الشمس يف حني يقوم بعضها اآلخر‬
‫مل تكن احلكومة هي اليت حلقت باجلريدة –‬ ‫بتكثيف الطاقة الكهربائية املختزنة يف مركز‬
‫واختذت امسها اجلديد‪ .‬إيرث هريالد–‪.‬‬ ‫كوكبنا األرضي وغريها كذلك‪ ،‬كتلك اليت تقوم‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫أي كان أن يتخيل بأن املؤسسة‬ ‫ال جيب على ٍّ‬ ‫جبمع وتكثيف الطاقة اليت تتولد من أي مصدر‪،‬‬
‫قد تدهورت حتت إدارة فرانسيس بينيت‪ .‬كال!‬ ‫سواء كان شالالت املياه أو الرياح أو األهنار‪.‬‬
‫بل بالعكس‪ ،‬فقد منحها مديرها اجلديد حيوية‬ ‫وال يقل ما ندين به من فضل على اخرتاعه‬
‫متكافِئة وق��وة داف��ع��ة باستحداثه للصحافة‬ ‫للجهاز احمل���وِّل ال��ذي يقوم بضغطة على زر‬
‫التلفونية‪.‬‬ ‫بسيط باستدعاء الطاقة الكامنة يف البطاريات‬
‫ي��ع��رف اجلميع ذل��ك النظام ال���ذي أصبح‬ ‫ويطلقها على شكل ح��رارة أو ضوء أو كهرباء‬
‫ممكناً من خالل االنتشار غري املعقول للتلفون‪.‬‬ ‫أو طاقة حركية وذل��ك بعد إجنازها أي عمل‬
‫فصبيحة كل يوم وبدالً من أن يتم طبع اجلريدة‬ ‫حنتاج إليه‪.‬‬
‫كما يف األي���ام الغابرة جت��د ج��ري��دة ال��ـ إيرث‬ ‫أج���ل‪ ،‬لقد ك��ان ذل��ك ال��ي��وم ال���ذي مت فيه‬
‫هرالد (منطوقة)‪ .‬فمن خالل حمادثة سريعة‬ ‫التوصل إىل هذين اجلهازين هو بدء التأريخ‬
‫مع صحفي أو شخصية سياسية أو عالِم يتسنَّى‬ ‫احلقيقي للتطور‪ .‬لقد منحا اإلنسانية طاقة‬
‫للمشرتكني أن يعرفوا أي ش��يء يهمهم‪ .‬أما‬ ‫تكاد تكون بغري حدود‪.‬‬
‫بالنسبة إىل أولئك الذين يشرتون رقماً فردياً‬ ‫فمن خ�لال ختفيف ب��رودة الشتاء الكئيبة‬
‫ببضعة قروش فهم يعملون أن بوسعهم معرفة‬ ‫بإعادة حرارة الصيف الزائدة إليه نرى أهنما‬
‫نسخة اليوم من اجلريدة من خالل العدد الذي‬ ‫أحدثا ثورة يف جمال الزراعة‪ .‬ومن خالل تأمني‬
‫ال حيصى من الغرف اخلاصة الغراموفونية‪1‬‬ ‫القوى احملركة لألجهزة املستخدمة يف املالحة‬
‫هذا التجديد الذي قام به فرانسيس بينيت‬ ‫مكنا التجارة من حتقيق وثبة رائعة حنو‬ ‫اجلوية َّ‬
‫أعاد حياة جديدة للجريدة العتيقة‪ ،‬ففي بضعة‬ ‫األم���ام‪ .‬وهلما ندين بالفضل باإلنتاج الدائم‬
‫أشهر بلغ عدد مشرتكيها مخسة ومثانني مليون‬ ‫للكهرباء بدون البطاريات أو اآلالت‪ ،‬وللضوء‬
‫شخص يف ح�ين ارت��ف��ع��ت ث���روة م��دي��ره��ا إىل‬ ‫بدون اخرتاق أو توهج ‪ ،‬وأخرياً ملصدر الطاقة‬
‫ثالمثائة مليون دوالر ووصلت منذ ذاك احلني‬ ‫الذي ال ينضب والذي ضاعف اإلنتاج الصناعي‬
‫فصاعداً حداً أبعد من ذلك بكثري‪.‬‬ ‫مائة مرة‪.‬‬
‫وبفضل ثروته كان قادراً على تشييد مكتبه‬ ‫حسنٌ جداً إذاً! كل هذه األعاجيب‪ ،‬سنلتقيها‬
‫اجلديد – وه��و ص��رحٌ هائل الضخامة بأربع‬ ‫يف مبنى للمكاتب ليس له مثيل – وهو املبنى‬
‫واجهات طول الواحدة منها ميالن وسقفه يقع‬ ‫املسمى (إيرث هريالد) والذي افتتح مؤخراً يف‬
‫حتت راي��ة االحت��اد الرائعة بنجومها اخلمس‬ ‫اجلادة رقم ‪.16823‬‬
‫والسبعني‪.‬‬ ‫ل��و ك��ان ملؤسس مبنى ج��ري��دة اهل�يرال��د يف‬
‫فرانسيس بينيت‪ ،‬ملك الصحفيني‪ ،‬رمبا كان‬ ‫نيويورك‪- ،‬غوردون بينيت‪ -‬أن يولد مرة ثانية‬ ‫‪88‬‬
‫أجدى به أن يكون ملك القارتني األمريكيتني إذا ما‬ ‫اليوم فماذا عساه يقول عند رؤيته هلذا القصر‬
‫كان لسكان القارتني أن يقبلوا بوجود ملك عليهم‪.‬‬ ‫املبين باملرمر وال��ذه��ب وال���ذي يعود لسليله‬
‫الشهري فرانسيس بينيت؟ ثالثون جيالً مرت‬
‫‪ - 1‬نسبة إىل الفرامرفوت= احلاكي‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫تناول غذائنا‪ ...‬فقط عرب التنفس)‬ ‫هل تشكون يف ذلك؟ لكنَّ السفراء املخولني‬
‫واآلن‪ ،‬إذا أردمت أن تعرفوا ك ّل ما يدخل يف‬ ‫من كل دولة بل حتى وزراءنا أنفسهم يتقاطرون‬
‫تركيب يوم ما يف حياة مدير صحيفة اإليرث‬ ‫إليه وحيتشدون عند بابه ع َّلهم يبيعون نصيحة‬
‫هريالد فرمبا عليكم أن تتجشموا عناء متابعته‬ ‫أو حيصلون على موافقته أو يتضرعون من أجل‬
‫يف عملياته املتنوعة إىل أبعد احل��دود – هذا‬ ‫احلصول على دعم تقدمه صحيفته اجلبارة‪.‬‬
‫اليوم حتديداً‪ ،‬الواقع يف اخلامس والعشرين من‬ ‫لنحصي العلماء الذين شجعهم أو الفنانني الذين‬
‫متوز السنة احلالية‪.2889 ،‬‬ ‫يوظفهم واملخرتعني الذين ميوهلم! لقد كانت‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫صباح ذل��ك ال��ي��وم أف��اق فرانسيس بينيت‬ ‫مَلكيَّته طويلة ومملة ومتعبة‪ ،‬عمل وكلل دون‬
‫متكدر امل���زاج بعض ال��ش��يء لقد مضت اآلن‬ ‫فرتة اسرتاحة وقطعاً مل يكن بوسع أي شخص‬
‫مثانية أيام على وجود زوجته يف فرنسا وكان‬ ‫يف األزمنة الغابرة أن ينجز عمالً يومياً طويالً‬
‫يشعر بشيء من الوحدة‪.‬‬ ‫ومضجراً ومتعباً ومتواصالً إىل أقصى احلدود!‬
‫ه��ل ميكن تصديق ذل��ك؟ لقد مضى على‬ ‫لكن حلسن احلظ فإنَّ إلنسان العصر احلايل‬
‫زواجهما عشر سنوات وهذه املرة األوىل اليت‬ ‫بنية جسدية أكثر متانة وذلك بفضل العناية‬
‫تقضي فيها السيدة إيديث بينيت ذات اجلمال‬ ‫الصحية والتمارين الرياضية‪ ،‬يف حني ارتفع‬
‫األخاذ كل هذه املدة الطويلة بعيداً عن زوجها‪.‬‬ ‫معدل عمر اإلنسان من سبعة وثالثني عاماً‬
‫فيومان أو ثالثة تكفيها عادة لقضاء رحالهتا‬ ‫ليصل اآلن إىل مثانية وستني عاماً‪ ،‬وذلك أيضاً‬
‫املتكررة إىل أوروبا وخاصة باريس‪ ،‬حيث ذهبت‬ ‫بفضل األغذية املع ّقمة‪ ،‬بينما ننتظر االكتشاف‬
‫لشراء قبعاهتا‪.‬‬ ‫املغذي الذي سيم ِّكننا من‬
‫التايل‪( :‬أال وهو اهلواء ّ‬

‫‪89‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫النائمة أسرع بالقفز من سريره ودخل غرفة‬ ‫وحاملا استيقظ ش ّغل فرانسيس بينيت جهاز‬
‫املالبس اآللية‪.‬‬ ‫اهل��ات��ف – ال��رائ��ي خاصَّته واملتصل ُة أسالكه‬
‫بعد دقيقتني‪ ،‬ودون احلاجة إىل خادم خاص‬ ‫باملنزل الذي ميلكه يف الـ تشامبس إليستيه‪.‬‬
‫باملساعدة على ارت���داء امل�لاب��س قامت اآللة‬ ‫اهلاتف‪ ،‬الذي جاءه اهلاتف الرائي (تيليفوت)‬
‫بتجريده من ثيابه‪ ،‬وتغسيله‪ ،‬وحالقة ذقنه‬ ‫مكمالً‪ ،‬هو أحد األشياء األخرى اليت تعترب من‬
‫وإلباسه حذاءه ومالبسه‪ ،‬وتزرير أزراره من قمة‬ ‫فتوحات زماننا! على الرغم من أن إرسال الكالم‬
‫رأسه حتى أمخص قدميه‪ ،‬على عتبة مكتبه‪.‬‬ ‫عرب التيار الكهربائي كان شيئاً قدمياً جداً أصالً‪،‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫يوم العمل بالنسبة إليه كان سيبدأ‪.‬‬ ‫إ َّال أنَّ إرسال الصورة مل يصبح حقيقة واقعة إال‬
‫ق�����اع�����ة ك���� َّت����اب‬ ‫منذ أمد قصري‪ .‬لقد‬
‫ال��رواي��ات املسلسلة‬ ‫كان اكتشافاً مثيناً‪،‬‬
‫ك���ان���ت أول غرفة‬ ‫ومل يكن فرانسيس‬
‫يدخلها فرانسيس‬ ‫بينيت بأي حا ٍل من‬
‫ك�������ان�������ت ت���ل���ك‬ ‫األح�����وال الشخص‬
‫ال��غ��رف��ة ك��ب�يرة جداً‬ ‫الوحيد ال��ذي يدعو‬
‫تعلوها قبة ضخمة‬ ‫مل�����خ��ت��رع اجل����ه����از‬
‫ن��ص��ف ش��ف��اف��ة‪ .‬يف‬ ‫ب����ال��ب�رك����ة‪ ،‬عندما‬
‫إح���دى ال���زواي���ا كان‬ ‫شاهد زوجته تظهر‬
‫ك��ث�ير م���ن األدوات‬ ‫يف ش��اش��ة اهلاتف‬
‫التلفزيونية يقوم من‬ ‫ال��رائ��ي‪ ،‬رغ��م البون‬
‫خالهلا الكتّاب املائة‬ ‫الشاسع بينهما‪.‬‬
‫امل��وج��ودون يف مبنى‬ ‫ي��ا هل��ا م��ن رؤية‬
‫اهلريالد ايرث بقصِّ‬ ‫سارة! كانت السيدة‬
‫م���ائ���ة ف��ص��ل املائة‬ ‫ب���ي���ن���ي���ت ال ت�����زال‬
‫قصة رومانسية على‬ ‫يف ال��س��ري��ر تشعر‬
‫م���س���امِ���ع اجلمهور‬ ‫بالتعب ق��ل��ي�لاً بعد‬
‫احملموم‪،‬‬ ‫ل���ي���ل���ة أم������س ال�ت�ي‬
‫وب����ي����ن����م����ا ك����ان‬ ‫قضتها يف املسرح‬
‫ف��ران��س��ي��س بينيت‬ ‫أو الرقص‪ .‬ورغم أن‬
‫جي�����ول ب���ب���ص���ره يف‬ ‫ال��وق��ت ش��ارف على‬
‫أرج�����اء ال��ق��اع��ة ملح‬ ‫م��ن��ت��ص��ف الظهرية‬
‫أحد الكتاب وقد اقتنص لنفسه مخس دقائق‬ ‫حيث هي‪ ،‬إ َّال أن رأسها الساحر كان موءوداً‬
‫من الراحة فبادره بينيت قائالً‪( :‬حسنٌ جداً‬ ‫يف نسيج وسادهتا املخرّم‪ .‬لكنها كانت تتقلب‪..‬‬
‫يا عزيزي‪ ،‬حسن جداً‪ ،‬هذا الفصل األخري من‬ ‫وشفتاها تتحركان‪ ..‬ال شك أهنا كانت حتلم؟‪..‬‬
‫فصولك! ذلك املشهد الذي تناقش فيه الفتاة‬ ‫ن��ع��م! ك��ان��ت حت��ل��م‪ ...‬وان��ب��ج�سَ اس���مٌ م��ن بني‬
‫القروية م��ع معجبها بعض مشاكل الفلسفة‬ ‫شفتيها‪( ..‬فرانسيس‪ ...‬عزيزي فرانسيس‪)...‬‬ ‫‪90‬‬
‫التجاوزية يُظهر قوة مالحظة غاية يف الدقة!‬ ‫وكان أن أضفى امسه املنطوق بذلك الصوت‬
‫مت تصوير ال��ع��ادات االجتماعية‬ ‫مل يسبق أن َّ‬ ‫العذب ملس ًة من السعادة على مزاج فرانسيس‬
‫الريفية مبثل هذا الوضوح! استمر على هذا‬ ‫بينيت‪ .‬وملّا مل تكن به رغبة يف إيقاظ اجلميلة‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫جيري ب ّثه هو مراحلها األساسية فقط وهذه‬ ‫النحو يا عزيزي آرتشيبالد وحظاً طيباً أمتناه‬
‫يتم احلصول عليها عرب التصوير الفوتوغرايف‬ ‫لك‪ .‬عشرة آالف مشرتك جديد منذ البارحة!‪.‬‬
‫املكثف‪.‬‬ ‫شكراً لك!)‬
‫وأخ��ذ فرانسيس بينيت يستفسر من أحد‬ ‫وتابع فرانسيس كالمه ملتفتاً ناحية موظف‬
‫املراسلني الفلكيني العشرة عن خدمة كانت‬ ‫آخر من موظفيه‪( :‬السيد جون الست)‪ ..‬لست‬
‫تتنامى بسبب االكتشافات األخ�يرة يف عامل‬ ‫راضياً متام الرضى عن عملك!‬
‫النجوم‪.‬‬ ‫قصتك ميتة ال حياة فيها من أي نوع! أنت‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪ -‬حسنٌ يا كاش‪ .‬ماذا لديك؟‬ ‫يف عجلة من أمرك لتصل إىل اخلامتة! حسناً!‬
‫‪ -‬ب��رق��ي��ات م��ص��ورة م��ن ع��ط��ارد والزهرة‬ ‫وم��اذا خبصوص كل ه��ذا التوثيق؟ عليك أن‬
‫واملريخ سيدي‬ ‫تشرِّح يا ج��ون الن��ت عليك أن ت��ش�رِّح‪ .‬فليس‬
‫‪ -‬مثري لالهتمام‪ ،‬وما هي أخبار األخري؟‬ ‫بالقلم يكتب املرء هذه األيام بل باملِبْضع! فكل‬
‫‪ -‬ن��ع��م! ث���ورة يف اإلم�براط��وري��ة املركزية‪،‬‬ ‫فع ٍل يف احلياة الواقعية يأتي نتاجاً لتتابع األفكار‬
‫دعماً للرجعيني الليرباليني ضد اجلمهوريني‬ ‫اهلاربة‪ ،‬وجيب سردها وعرضها حبرص إلجياد‬
‫احملافظني‪.‬‬ ‫كائن حي! فليس مثة ما هو أسهل من استخدام‬
‫‪ -‬إذاً مثلنا متاما‪ ،‬وماذا عن املشرتي؟‬
‫ً‬ ‫التنويم املغناطيسي الكهربائي الذي يضاعف‬
‫‪ -‬ال ش��يء حتى اآلن! مل نتمكن م��ن فهم‬ ‫الشخص امل��ن�وَّم ويفصم شخصيته الثنائية!‬
‫اإلشارات اخلاصة بسكان املشرتي‪ ،‬لعل إشاراتنا‬ ‫راقب نفسك حتيا يا جون الست ياعزيزي! ق ِّلد‬
‫مل تصلهم؟ ‪.....‬‬ ‫زميلك الذي كنت أهنئه للتو أدخل نفسك يف‬
‫‪ -‬ذل��ك ه��و عملك وأن��ا أمحلك املسؤولية‬ ‫حالة تنويم مغنطيسي‪ ...‬م��اذا؟‪( .‬أنت توشك‬
‫يا سيد كاش! أجاب السيد فرانسيس بينيت‬ ‫على االنتهاء من كتابتها‪ ،‬كما تقول؟‪ ..‬ليست‬
‫مبدياً قدراً كبرياً من االمتعاض قبل أن ميضي‬ ‫جيدة بالقدر الكايف بعد‪ ..‬ليست جيدة مبا‬
‫يف جولته ويدخل غرفة التحرير العلمي‪.‬‬ ‫يكفي!)‬
‫وهناك داخل تلك الغرفة كان ثالثون عاملاً‬ ‫وبعد أن ق��ام بتلقني ه��ذا ال���درس الصغري‬
‫منكبّني فوق أجهزة الكمبيوتر مستغرقني يف‬ ‫واصل فرانسيس بينيت جولته التفتيشية وتابع‬
‫م��ع��ادالت من ال��درج��ة مخسة وتسعني‪ .‬بعض‬ ‫مسريه حتى دخل غرفة احملررين‪ .‬كان حمرروه‬
‫ُّ‬
‫يستلذون مبعادالت الالهناية اجلربية‬ ‫هؤالء كانوا‬ ‫األلف واخلمسمائة اجلالسون أمام نفس العدد‬
‫ً‬
‫والفضاء ذي األربعة والعشرين بُعْدا مثل طفل‬ ‫من أجهزة اهلاتف ينقلون إىل املشرتكني األخبار‬
‫يف الصف االبتدائي يتعامل مع قواعد احلساب‬ ‫اليت توافدت إليهم هذه الليلة من أركان األرض‬
‫األربع‪.‬‬ ‫األربعة‪.‬‬
‫كان وَ ْق �عُ دخ��ول فرانسيس بينيت غرفتهم‬ ‫لطاملا مت وصف تنظيم هذه اخلدمة اليت‬
‫كسقوط قذيفة متفجرة بينهم‪.‬‬ ‫ليس هل��ا مثيل‪ ،‬ف��إض��اف��ة إىل ج��ه��از اهلاتف‬
‫‪ -‬حسناً يا سادة‪ ،‬ما هذا الذي أخربوني به؟‬ ‫اخلاص‪ ،‬يوجد أمام املراسل الصحفي سلسلة‬
‫ال ج��واب من املشرتي؟ إن األم��ر دائماً نفسه!‬ ‫من احمل �وِّالت املركزية تتيح له االتصال هبذا‬
‫انظر هنا يا كوريل‪ ،‬يبدو يل أنه قد مضى عليك‬ ‫اخلط أو ذاك من خطوط اهلاتف الرائي حبيث‬
‫‪91‬‬ ‫عشرون عاماً وأنت منكبٌّ يف العمل على ذلك‬ ‫ال يتسنى للمشرتكني احل��ص��ول ع��ل��ى اخلرب‬
‫الكوكب‪...‬‬ ‫فقط بل وصور أحداثه أيضاً‪ .‬وعندما يتعلق‬
‫أجاب العامل‪ ..:‬وماذا تتوقع يا سيدي؟‬ ‫األمر بعدة حقائق خمتلفة‪ ،‬وهي أشياء حدثت‬
‫علومنا النظرية ال تزال قاصرة وترتك لنا‬ ‫يف املاضي بالنسبة إىل وقت وصفها ف��إنَّ ما‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫مأهول بالسكان؟‬ ‫املزيد لرتغب يف اكتشافه‪ ،‬وحتى بتلسكوباتنا‬
‫‪ -‬على أي ح��ال ‪ -‬سيد بينيت ‪ -‬ظاهرياً‬ ‫اليت يبلغ طول الواحد منها ميلني‪...‬‬
‫هو يتجه حنونا‪ .‬لكنْ من يعرف إذا كان على‬ ‫‪ -‬أتسمع ذاك ي��ا ب�ير؟ قاطعه فرانسيس‬
‫اجلانب اآلخر‪...‬؟‬ ‫بينيت خماطباً جاركوريل‪.‬‬
‫‪ -‬ح��س��ن �اً‪ ..‬ه��ن��اك ط��ري��ق��ة بسيطة جداً‬ ‫‪ -‬علم النظريات يرتك لنا املزيد لنرغب يف‬
‫الكتشاف األمر‪..‬‬ ‫اكتشافه!‪ ...‬ذلك ختصُّصُك‪ ..‬ختصّصُك يا‬
‫‪-‬أال وهي‪..‬؟‬ ‫عزيزي! ضع نظارتك على عينيك‪ ،‬اللعنة عليك‬
‫‪-‬أن جنعل القمر يدوِّر وجهه‬ ‫خذها! ضع نظارتك على عينيك!‬
‫ويف ذل��ك ال��ي��وم ب��ال��ذات عكف العلماء يف‬ ‫وبعدها استدار حنو كوريل وهو يقول‪:‬‬
‫مصنع بينيت على اجياد الوسائل امليكانيكية‬ ‫‪ -‬لكنْ وق��د أخفقتَ يف احلصول على رد‬
‫لتدوير وج��ه قمرنا املظلم ليصبح مبواجهة‬ ‫من املشرتي‪ ،‬أال تتلقى أية نتائج من القمر بأي‬
‫األرض‪.‬‬ ‫معدل؟‬
‫على العموم كان لدى فرانسيس بينيت سبب‬ ‫‪ -‬ال ليس بعد يا سيدي بينيت‬
‫ليحسَّ ب��ال��رض��ى‪ .‬فقد متكن أح��د الفلكيني‬ ‫‪ -‬حسن ‪ ..‬هذه امل��رة ال تستطيع أن تضع‬
‫يف جريدة الـايرث هريالد من حتديد عناصر‬ ‫اللوم على علم النظريات!‬
‫الكوكب اجل��دي��د غانديين‪ .‬إن��ه يبعد مسافة‬ ‫فالقمر أقرب من املريخ بستمائة مرة‪ ،‬ومع‬
‫‪ 12841348284623‬مرتاً وسبعة ديسيميرتات‪،‬‬ ‫ذلك فخدمة األخبار مع املريخ تعمل بانتظام‪.‬‬
‫وهو يتم دوران��ه حول لشمس كل (‪ )572‬سنة‬ ‫ال يُ �عْ � َق��ل أن ن��ع��زو املشكلة إىل حاجتنا إىل‬
‫و‪ 194‬يوماً و(‪ )43‬دقيقة و(‪ )9.8‬ثانية وقد شعر‬ ‫تلسكوبات‪..‬‬
‫فرانسيس بينيت بالبهجة ملثل هذه الدّقة‪.‬‬
‫ج��ي��د‪ ..‬أس��رع��وا وأخ�ب�روا خ��دم��ة التقارير‬
‫‪ -‬كال‪ ،‬إن ما حنتاج إليه هم السّكان أجاب‬
‫كوريل وقد رمست على وجهه ابتسامة صغرية‬
‫‪92‬‬
‫الصحفية ع��ن ذل��ك‪ .‬فأنتم تعلمون م��ا يكنُّه‬ ‫ل��ع��امل متبحّر ذي ع��ق��ل حم��ش��و ب��ك��ل م��ا هو‬
‫اجلمهور من محاس هلذه القضايا الفلكية‪ .‬أنا‬ ‫غامض‪.‬‬
‫أتوق لرؤية هذه األخبار يف عدد اليوم!‪.‬‬ ‫‪ -‬أجت��رؤ على أن تقول يل إن القمر غري‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وب��ص��ورة ف� َّ�ذة للغاية اخت��ذت بعض الوسائل‬ ‫وقبل أن يغادر غرفة املراسلني حت �وَّل إىل‬
‫الدعائية املعروضة على اجلماهري شكالً جديداً‬ ‫موضوع آخر مع جمموعة خاصة من املختصني‬
‫متاماً‪ ،‬وكانت نتيجة براءة اخرتاع مت شراؤها‬ ‫بإجراء املقابالت الصحفية وأخذ خياطب أحد‬
‫مببلغ ق��دره ثالثة دوالرات من شخص حاذق‬ ‫هؤالء ممن يتعاملون مع املشاهري‪ :‬لقد قابلتَ‬
‫مات منذ ذلك احلني من اجلوع‪.‬‬ ‫الرئيس ويل كوكس؟‬
‫وه��ي عبارة عن عالمات هائلة الضخامة‬ ‫‪ -‬أجل سيد بينيت‪ ،‬أنا أقوم بنشر املعلومات‬
‫معكوسة على الغيوم‪ ،‬وهي من االتساع مبكان‬ ‫اليت مفادها أنه يعاني بالتأكيد توسُّعاً يف املعدة‬
‫حبيث ميكن مشاهدهتا يف مجيع أرجاء البالد‪،‬‬ ‫وأ َّن��ه خيضع لعملية على مراحل من الرتوية‬
‫وانطالقاً من ذلك املعرض مت توظيف ألفٍ من‬ ‫األنبوبية جت��ري حتت أش��د إج���راءات العناية‬
‫أجهزة اإلسقاط اليت تعمل بال توقف على إرسال‬ ‫الفائقة‪.‬‬
‫هذه اإلعالنات املدهشة إىل الغيوم حيث يعاد‬ ‫‪ -‬ممتاز وماذا عن قضية تشامبلن الس ّفاح؟‬
‫طبعها باأللوان على تلك األيقونات السماوية‪.‬‬ ‫ه��ل ال��ت��ق��ي��ت��م احمل � َّل��ف�ين ال��ذي��ن سيحضرون‬
‫لكن يف ذلك اليوم عندما دخل فرانسيس‬ ‫حماكمته؟‬
‫بينيت قاعة الدعاية وج��د العمال التقنيني‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬وكلهم أمجعوا على أنه مذنب‪ ،‬حتى أنه‬
‫واق��ف�ين إىل جانب أج��ه��زة اإلس��ق��اط املتوقفة‬ ‫لن تكون هناك حاجة إىل تقديم ملف القضية‬
‫وقد َطوَوا أذرعهم‪ .‬سأهلم عما جيري‪ ..‬اإلجابة‬ ‫أمامهم‪ ،‬فاملتَّهم سوف يُعدم قبل صدور احلكم‬
‫الوحيدة ال�تي تلقاها كانت من أحدهم حيث‬ ‫حبقه‪.‬‬
‫أشار بإصبعه إىل السماء‪.‬‬ ‫‪ -‬ممتاز‪ ،‬رائع!‬
‫‪ -‬أج��ل‪ ..‬إن��ه ي��وم مشمس‪ ،‬مس��اؤه صافية‬ ‫ويف القاعة التالية كان هناك معرض ضخم‬
‫‪93‬‬ ‫متتم بينيت‪- ...‬هلذا ال نستطيع احلصول على‬
‫أي دعاية جوية‪ ،‬ما ال��ذي ينبغي فعله حيال‬
‫طوله حنو ربع ميل مكرَّسٌ ألغراض الدعاية‪،‬‬
‫ورمبا بوسع املرء أن يتخيل جيداً ما جيب أن‬
‫ذلك؟ إذا مل يكن هناك أي مطر فباستطاعتنا‬ ‫تكون عليه الدعاية لصحيفة مثل ال��ـ إيرث‬
‫إنتاجه! لكننا لسنا حباجة إىل املطر‪ ،‬فما حنتاج‬ ‫هريالد‪ .‬لقد كان ذلك املعرض يدر على صاحبه‬
‫إليه هو الغيوم!‬ ‫ما معدله ثالثة ماليني دوالر يف اليوم‪ .‬يف الواقع‪،‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬بعض الغيوم ناصعة البياض! أجاب‬
‫رئيس العمال الفنيِّني‪.‬‬
‫‪ -‬حسنٌ سيد سيمون مارك‪ ،‬من األجدى بك‬
‫االتصال باحملررين العلميّني يف قسم خدمات‬
‫األرص���اد اجل��وي��ة‪ .‬ميكنك أن تقول هل��م على‬
‫لساني بأن بوسعهم أن يشغلوا أنفسهم مبسألة‬
‫السحب االصطناعية‪ ،‬إ ْذ ال ميكن إطالقاً أن‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫نكون حتت رمحة الطقس اجلميل‪.‬‬
‫بعد انتهائه من جولته التفتيشية على األقسام‬
‫املختلفة لصحيفته توجه فرانسيس بينيت إىل‬
‫قاعة االستقبال حيث وجد بانتظاره السفراء‬
‫وال����وزراء امل��خ�وّل�ين امل ُ�نْ�تَ�دَب�ين ل��دى احلكومة‬
‫األمريكية‪ :‬لقد جاء هؤالء السادة طلباً للنُّصح‬
‫من هذا املدير ك ِّلي السَّطوة‪ .‬وبينما كان يدخل‬
‫القاعة ألفاهُم يتحاورون بنقاش تغلب عليه‬
‫احليوية‪.‬‬
‫‪ -‬اع���ذرن���ي س��ع��ادة ال��س��ف�ير ك���ان السفري‬
‫الفرنسي خياطب سفري روسيا‪ ..‬ولكين ال أرى‬
‫ما يستوجب التغيري يف خريطة أوروبا‪ ،‬فأن يكون‬
‫الشمال للسالف فذلك أمر نوافق عليه! لكن أن‬
‫يكون اجلنوب لالتني‪ !..‬حدودنا املشرتكة على‬
‫طول هنر الراين تبدو مرضية متاماً‪ ..‬افهمين‬
‫ب��وض��وح‪ ،‬حكومتنا س��وف تقاوم بالتأكيد أي‬
‫حماولة ميكن القيام هبا ضدُ والتِنا املعينني يف‬
‫روما ومدريد وفيّينا!‬
‫‪ -‬أحسنت ق��والً تدخل فرانسيس بينيت‬
‫مقاطعاً النقاش‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا‪ ،‬سيدي السفري الروسي‪ ،‬ألستَ قانعاً‬
‫بإمرباطوريتكم العظيمة‪ ،‬اليت متتد من ضفاف‬
‫الراين حتى حدود الصني؟ تلك اإلمرباطورية‬
‫مرتامية الشُّطآن اليت يستحمُّ عليها احمليط‬
‫املتجمد الشمايل‪ ،‬واألطلسي‪ ،‬والبحر األسود‬
‫ومضيق البوسفور واحمليط اهلندي!‬
‫وع���دا ع��ن ذل���ك‪ ،‬م��ا نفع ال��ت��ه��دي��دات؟ هل‬
‫باإلمكان شن أي حرب مع ما لدينا من أسلحة‬ ‫‪94‬‬
‫حديثة؟! ه��ذه القذائف امل��زودة مب��واد خانقة‬
‫وال�تي ميكن إرساهلا مسافة مائة ميل‪ ،‬وهذه‬
‫الصواعق الكهربائية اليت يبلغ طوهلا ستني ميالً‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪ -‬سيد بينيت‪ ،‬تعرف أن مبدأ مونرو يقول‬ ‫واليت تستطيع إفناء جنود جيش كامل بضربة‬
‫إن كل أمريكا لألمريكيني‪ ،‬وال شيء غري أمريكا‪،‬‬ ‫واح��دة‪ ،‬وه��ذه املقذوفات امل��زودة مبيكروبات‬
‫وليس‪...‬‬ ‫الطاعون وال��ك��ول�يرا واحل��م��ى الصفراء واليت‬
‫‪ -‬لكنَّ إنكلرتا جمرد واحدة من مستعمراتنا‪،‬‬ ‫تستطيع القضاء على أمة بكاملها خالل بضع‬
‫إحدى أفضلها‪ .‬إياك أن تعوّل على تصور أننا‬ ‫ساعات؟‬
‫ميكن أن نتنازل عنها‪.‬‬ ‫‪ -‬حنن ندرك ذلك سيد بينيت أجابه السفري‬
‫‪ -‬هل ترفض‪...‬؟‪..‬‬ ‫الروسي‪.‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪ -‬نعم أرف��ض‪ ،‬وإذا أحلحت فسوف جنعل‬ ‫‪ -‬لكننا أحرار فيما نود أن نفعل؟‪..‬فبينما‬
‫منها مربراً للحرب دون احلاجة إىل اللجوء إىل‬ ‫نرتاجع أمام الصينيني على حدودنا الشرقية‪،‬‬
‫أكثر من مقابلة صحفية جيريها أحد مراسلينا‬ ‫جيب علينا‪ -‬بأي مثن‪ -‬أن حناول فعل شيء ما‬
‫‪ -‬إذاً هذه النهاية أجاب القنصل اإلنكليزي‬ ‫باجتاه الغرب‪..‬‬
‫وقد غلبه شعور بالقهر‪ .‬اململكة املتحدة وكندا‬ ‫‪ -‬ه��ل ه��ذا ك��ل م��ا هنالك س��ي��دي؟ أجاب‬
‫وبريطانيا اجلديدة ملك لألمريكيني‪ ،‬واهلند‬ ‫فرانسيس بينيت بنربة مُطمئِنة ‪ .. -‬حسناً!‬
‫للروس وأسرتاليا ونيوزيالندا ألصحاهبا! إنكلرتا‬ ‫مبا أن تكاثر الصينيني آخذ بالتحول إىل شيء‬
‫تبقى؟‪...‬‬‫كانت تضم كل ذلك حتت لوائها فماذا َّ‬ ‫خطر ي��ه��دد ال��ع��امل‪ ،‬ف��س��وف من���ارس ضغطاً‬
‫ال شيء‪.‬‬ ‫على ابن السماء‪ ،‬كل ما عليه ببساطة هو أن‬
‫‪ -‬ال ش��يء ي��ا س��ي��دي؟ س��ارع��ه فرانسيس‬ ‫يفرض حدّاً أقصى من الوالدات على رعاياه ال‬
‫بينيت باإلجابة‪.‬‬ ‫يتجاوزها أحد وإ َّال كان عقابه املوت! هل طفل‬
‫‪ -‬وماذا عن جبل طارق؟‬ ‫واحد بالشيء األكثر من الالزم؟‬
‫عند تلك اللحظة دقت الساعة الثانية عشرة‪،‬‬ ‫ه��ذا سينقصُ ع��دد اآلب���اء‪ ..‬ذل��ك سيبقي‬
‫وما كان من مدير الـإيرث هريالد إ َّال أن أهنى‬ ‫األمور متوازنة‪.‬‬
‫مقابلة ضيوفه بإمياءة وغ��ادر القاعة ليجلس‬ ‫‪ -‬وأنت يا سيدي تابع مدير الـ إيرث هريالد‬
‫يف كرسيّ متدحْرج على سكة‪ .‬وخالل دقائق‬ ‫كالمه خماطباً القنصل الربيطاني كيف يل أن‬
‫معدودة وصل إىل غرفة الطعام الواقعة على‬ ‫أسدي خدمة لك؟‬
‫بعد نصف ميل يف الطرف البعيد من مكتبه‪.‬‬ ‫‪ -‬ميكنك أن ختدمين بقدر كبري سيد بينيت‬
‫كانت طاولة الطعام حمضرة‪ ،‬فسارع للجلوس‬ ‫أجاب ذلك املسؤول‪ .‬يكفي أن تقوم صحيفتك‬
‫إىل املائدة‪ .‬يف متناول يده كانت هناك سلسلة‬ ‫بفتح محلة ملصلحتنا‪..‬‬
‫من الصنابري‪ ،‬وأمامه كان السطح املنحين جلهاز‬ ‫‪ -‬وألي غرض؟‬
‫التلفون– الرائي‪ ،‬والذي بدت يف شاشته غرف ُة‬ ‫‪ -‬فقط لالحتجاج على قيام الواليات املتحدة‬
‫امل��ائ��دة يف بيته يف ب��اري��س‪ .‬لقد جهز السيد‬ ‫بضم أراضي بريطانيا العظمى‪..‬‬
‫والسيدة بينيت نفسيهما لتَناول طعام الغذاء‬ ‫‪ -‬ذل��ك فحسبْ؟! ص��اح فرانسيس بينيت‬
‫يف نفس الوقت – فال شيء أكثر إثارة للسرور‬ ‫متعجباً‪ ،‬وهز كتفيه قائالً‪ :‬إهنا عملية استيالء‬
‫من أن يكونا وجهاً لوجه رغم املسافة بينهما‪،‬‬ ‫مضى عليها مائة ومخسون عاماً بالفعل! لكنْ‬
‫كل منهما اآلخر ويتحادثا عرب جهاز‬ ‫وأن يشاهد ٌّ‬ ‫أيها النبالء اإلنكليز أل��ن تستسلموا حلقيقة‬
‫‪95‬‬ ‫اهلاتف الرائي‪.‬‬ ‫أنه من خالل جمازاة عادلة لألحداث السابقة‬
‫لكن الغرفة يف باريس كانت ال تزال خالية‪.‬‬ ‫أصبح بلدكم مستعمرة أمريكية؟ ذلك جنون‬
‫‪ -‬لقد تأخرت إديث‪ .‬قال فرانسيس بينيت‬ ‫مطبق! كيف حلكومتك أن تظن أنه عليَّ أن أشن‬
‫يف نفسه‪.‬‬ ‫محلة كونيّة شعواء؟‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪(-‬أين وجهتنا يا سيدي؟) سأل سائق السيارة‬ ‫آوه‪ ..‬يا لدقة مواعيد النساء! كل شيء يتطور‬
‫الطائرة‪.‬‬ ‫إ َّال ذلك!‬
‫‪(-‬دع�ني أنظر حلظة‪ ..‬ما زال لدي متسع‬ ‫وبعد هذه اخلاطرة الغاية يف الدقة أدار أحد‬
‫من ال��وق��ت‪ )..‬ردَّ فرانسيس بينيت‪« .‬خذني‬ ‫الصنابري‪.‬‬
‫إىل مصانعي اخلاصة بالبطاريات (املراكم) يف‬ ‫وك��أم��ث��ال��ه م��ن ال��ن��اس ال��ذي��ن يعيشون يف‬
‫نياغارا‪».‬‬ ‫حببوحة ه��ذه األي���ام‪ ،‬وب��ع��د أن هجر الطبخ‬
‫انطلقت السيارة الطائرة بسرعة يف الفضاء‬ ‫املنزيل‪ ،‬فرانسيس بينيت هو أحد املشرتكني‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫بسرعة تقارب أربعمائة ميل يف الساعة‪ ،‬تلك‬ ‫يف مجعية تأمني طلبات الطعام للمنازل‪ ،‬واليت‬
‫السيارة ال�تي متثل ج��ه��ازاً يرتكز بشكل رائع‬ ‫تقوم بتوزيع أطباق أللف صنف من األطعمة عرب‬
‫على مبدأ «أثقل من اهلواء» وحتته كان مشهد‬ ‫شبكة من األنابيب اليت تعمل باهلواء املضغوط‪.‬‬
‫البلدات وقد انتثرت أرصفتها املتحركة اليت‬ ‫ومما ال شك فيه أن هذا النظام باهظ التكلفة‪،‬‬
‫حتمل املسافرين على طول الشوارع‪ ،‬والريفُ‬ ‫غري أن طهوه أفضل وله األفضلية لكونه قد‬
‫املغطى‪ .‬بشبكة من األس�لاك الكهربائية اليت‬ ‫أوقف ذلك السباق الذي يقف له شعر الرأس‬
‫بدت أشبه بشبكة عنكبوتية عمالقة‪.‬‬ ‫بني الطهاة من كال اجلنسني‪.‬‬
‫وخالل نصف ساعة وصل فرانسيس بينيت‬ ‫وهكذا‪ ،‬وليس ب��دون ش��يء من الندم‪ ،‬كان‬
‫إىل مصانعه يف نياجارا حيث كان يبيع أو يؤجِّر‬ ‫فرانسيس بينيت يتناول الغداء وحيداً‪ .‬وبينما‬
‫الطاقة للمستهلكني بعد توليدها باستخدام قوة‬ ‫كان يوشك على االنتهاء من ارتشاف القهوة‬
‫الشالالت‪ .‬وبعدها وبانتهاء زيارته‪ ،‬عاد أدراجه‬ ‫ظهرت السيدة بينيت على شاشة اهلاتف الرائي‬
‫إىل سينرتوبوليس ماراً يف فيالدلفيا وبوسطن‬ ‫بعد عودهتا من خارج املنزل‪.‬‬
‫ون��ي��وي��ورك حيث أنزلته السيارة الطائرة يف‬ ‫‪ -‬أين كنتِ عزيزتي إيديث؟ سأهلا فرانسيس‬
‫منزله عند الساعة اخلامسة تقريباً‪.‬‬ ‫بينيت‪.‬‬
‫ك��ان��ت ق��اع��ة االن��ت��ظ��ار ال��ـ «إي���رث هريالد‪،‬‬ ‫‪ -‬ماذا أجابت السيدة بينيت‪ .‬هل انتهيت!‪..‬‬
‫مكتظة‪ .‬لقد ك��ان هناك ترقب حريص على‬ ‫ال ب��د وأن��ي ق��د ت��أخ��رت أليس ك��ذل��ك؟‪ ..‬أين‬
‫ع��ودة فرانسيس بينيت إىل مجهوره اليومي‬ ‫كنت؟ طبعاً كنتُ مع خيَّاطيت‪ ..‬قبعات هذه‬
‫من مقدّمي الطلبات وأصحاب أفكار املشاريع‪.‬‬ ‫السنة تأخذ األلباب! تكاد ال تكون قبعات على‬
‫بني ه��ؤالء ك��ان خمرتعو العاصمة املتهالكون‬ ‫اإلطالق‪ ..‬إهنا قباب! أنا غفلت عن مرور الوقت‬
‫على اكتساب املال والشهرة‪ ،‬وموظفو الدعاية‬ ‫بعض الشيء‪.‬‬
‫يف الشركة مبا لديهم من مشاريع ليقرتحوها‬ ‫‪ -‬بعض الشيء عزيزتي؟ لقد غفلت عن‬
‫– لَ َكمْ هو رائع أن يصغي املرء هلم‪ .‬ومن بني‬ ‫مروره كثرياً جداً حتى انتهيتُ من غدائي‪.‬‬
‫هذه االقرتاحات واملشاريع كان عليه أن خيتار‪،‬‬ ‫‪ -‬حسناً‪ ،‬إذاً أس��رع يا عزيزي‪ ..‬أس��رع إىل‬
‫ويرفض السيئ منها‪ ،‬ويدرس بتمعن تلك اليت‬ ‫عملك أجابت السيدة بينت ال تزال هناك زيارة‬
‫تلفها الشكوك‪ ،‬ويبدي ترحيبه باجليد منها‪.‬‬ ‫عليّ القيام هبا إىل مصفف شعري ومل يكن هذا‬
‫وسرعان ما ختلص من أولئك الذين مل يكن‬ ‫املصفف إ َّال وورم سباير الشهري‪ ،‬نفس الشخص‬
‫حبوزهتم إ ّال خمططات عدمية النفع أو غري‬ ‫صاحب التعليق السديد جداً والقائل‪ :‬ما املرأةُ‬
‫قابلة للتطبيق‪ .‬أحدهم كان يزعم أنه سيحقق‬ ‫إ َّال مسألة شكل!‬ ‫‪96‬‬
‫هنضة يف عامل الرسم وهو الفن الذي احندر‬ ‫قبَّل فرانسيس بينيت وجنة السيدة بينيت‬
‫أيّما احندار حتى بات يف طي النسيان واإلمهال‬ ‫على شاشة اهلاتف الرائي وتوجه إىل النافذة‬
‫إىل درج���ة أن ل��وح��ة «أجن��ي��ل��وس» ‪angelos‬‬ ‫حيث كانت سيارته الطائرة بانتظاره‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪ -‬سيدي‪ .‬بدأ ذلك الشاب كالمه‪ .‬رغم أن‬ ‫للفنان ميليه ‪ mellet‬بيعت مببلغ خبس مل‬
‫ع��دد العناصر ك��ان يُ� َق�دَّر يف املاضي خبمسة‬ ‫يتجاوز مخسة عشر فرنكاً وذلك بفضل التطور‬
‫وسبعني إ َّال أن العدد قد مت تقليصه إىل ثالثة‪،‬‬ ‫يف التصوير امللون الذي اخرتع يف هناية القرن‬
‫كما تدرك ذلك دومنا ريب؟‬ ‫العشرين على يد الياباني الذي كان امسه على‬
‫‪ -‬بشكل رائع أجاب فرانسيس بينيت‪.‬‬ ‫كل لسان – أروزيوا ريوتشي نيتثومي ساجنيو‬
‫‪ -‬حسناً يا سيدي‪ ،‬أنا وصلت إىل احلد الذي‬ ‫كامبوزكيو باسكي كيو؟ وأحد هؤالء أيضاً أمل‬
‫ميكنين من تقليص العدد ثالثة إىل واحد‪ .‬ولو‬ ‫يكتشف العُصية (بكترييا عصوية الشكل) البيو‬
‫مل أفلس لكنت ق��د جنحت يف غضون ثالثة‬ ‫– جينية‪ ،‬اليت ميكنها – بعد إدخاهلا يف تركيب‬
‫أسابيع‪.‬‬ ‫اجلسم البشري – أن جتعل اإلنسان خالداً؟‬
‫‪ -‬وبعدها؟‬ ‫وهذا الرجل كذلك‪ ،‬اختصاصي يف الكيمياء‪،‬‬
‫‪ -‬عندها‪ ،‬سيدي‪ ،‬سأكون قد اكتشف بالفعل‬ ‫أمل يكتشف مادة جديدة تدعى نيهيليوم مثن‬
‫املطلق‬ ‫الغرام الواحد منها يساوي فقط ثالثة ماليني‬
‫‪ -‬وما هي نتائج ذلك االكتشاف؟‬ ‫دوالر؟ وذلك الرجل‪ ..‬طبيب جريء إىل أبعد‬
‫‪ -‬سيجعل ذل��ك االكتشاف من خلق كافة‬ ‫ملرض‬
‫ٍ‬ ‫احلدود‪ ،‬أمل يكن يزعم أنه اكتشف عالجاً‬
‫أشكال املادة أمراً هيناً احلجر واخلشب واملعدن‬ ‫من أمراض الرشح يف الرأس؟‪.‬‬
‫واأللياف‪..‬‬ ‫كل ه��ؤالء احلاملني مت تشييعهم إىل الباب‬
‫ً‬
‫‪ -‬أيعين قولك إنك ستكون قادرا على تركيب‬ ‫على الفور‪.‬‬
‫‪97‬‬ ‫كائن بشري؟‬ ‫ً‬
‫قلة من الباقني تلقوا ترحيبا أفضل‪ ،‬وكان‬
‫‪ -‬بشكل ك��ام��ل‪ ..‬ال��ش��يء الوحيد الناقص‬ ‫األبرز يف تلقي الرتحيب بينهم شابٌّ ذو جبهة‬
‫سيكون الروح!‪.‬‬ ‫عريضة د ّل��ت على متتعه ب��درج��ة عالية من‬
‫‪ -‬ذلك فقط! كان جواب بينيت التهكمي‪،‬‬ ‫الذكاء‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫ال��ذي قام رغم ذلك بتعيني الشاب رئيساً‬
‫لقسم التحرير العلمي يف جريدته‪.‬‬
‫خمرتع ثا ٍن اعتمد بعض التجارب القدمية‬
‫كأساس لعمله واليت يعود تارخيها إىل القرن‬
‫التاسع عشر ومت تكرارها كثرياً منذ ذلك احلني‪،‬‬
‫كانت لديه فكرة نقل مدينة بكاملها ووضعها يف‬
‫حي سكين واحد‪ .‬فقد اقرتح‪ ،‬كعرض توضيحي‪،‬‬ ‫ٍّ‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫بلدة (ساف) الواقعة على بعد مخسة عشر ميالً‬
‫من شاطئ البحر‪ ،‬فبعد نقلها على سكك إىل‬
‫الشاطئ سيحوهلا إىل منتجع ساحلي‪ .‬وهذا من‬
‫شأنه أن يضاعف بشكل هائل قيمة األرض اليت‬
‫نقلت إليها واألرض اليت سيتم البناء فوقها‪.‬‬
‫وبعدما أعجبته الفكرة وافق فراسيس بينيث‬
‫على أن يشارك بنصف أسهم املشروع‪.‬‬
‫‪ -‬أت��ع��رف ي��ا س��ي��دي (ق���ال م��ت��ق�دّم ثالث)‬
‫أن��ه‪ ،‬وبفضل بطارياتنا الشمسية واألرضية‬
‫وحموالتنا املركزية أصبح مبستطاعنا أن جنعل‬
‫فصول السنة متساوية‪ .‬وأنا لدي اقرتاح بالقيام‬
‫مبا هو أفضل من ذلك‪ .‬فبقيامنا بتحويل جزء‬
‫من الطاقة اليت بأيدينا إىل حرارة ونقلها إىل‬
‫املنطقتني القطبيتني ميكننا أن نذيب اجلليد‪..‬‬
‫‪ -‬اترك خططك معي وعد بعد أسبوع أجابه‬
‫فرانسيس بينيت‪ .‬أخرياً جاء عامل متبحر رابع‬
‫باألنباء ال�تي مفادها أن إح��دى املسائل اليت‬
‫أوجدت العامل بكامله كانت على شفري احلل يف‬
‫ذلك املساء بالتحديد‪.‬‬
‫فكما هو معروف جيداً‪ ،‬قام الدكتور ناثانييل‬
‫فيثبورن قبل ق��رن من الزمن ب��إج��راء جتربة‬
‫جريئة ح��ازت انتباه ال��ن��اس‪ .‬وباعتباره أحد‬
‫املؤيدين املقتنعني بفكرة السُّباتْ البشري –‬
‫وهي إمكانية إيقاف الوظائف احليوية جلسم‬
‫اإلنسان ثم إعادة إيقاظها بعد مدة من الزمن‬
‫– قرر إج��راء اختبار ملدى جناعة الفكر على‬
‫نفسه وبعد أن قام بواسطة وصيّة هولوغرافية‬
‫(صورة ثالثية األبعاد) بوصف العمليات الالزمة‬ ‫‪98‬‬
‫إلعادته إىل احلياة بعد مائة عام وصوالً إىل ذلك‬
‫اليوم‪ ،‬عمدَ إىل تعريض جسمه لربودة وصلت‬
‫حتى درجة ‪ 172‬درجة (‪ 278‬فهرهنايت) حتت‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫فحص النبض‪ ،‬وهو مشابه لتلك األدوات اليت‬ ‫الصفر حبيث بات يف حالة سباتية جممدة‪ ،‬ومت‬
‫تقيس شدة الزالزل‪.‬‬ ‫بعدها وضعه يف قرب وإغالقه عليه طوال الفرتة‬
‫‪ -‬ممتاز!‪ ..‬وشهيتك؟‬ ‫احملددة‪.‬‬
‫‪ -‬آخ!‬ ‫اآلن وقد حان الوقت يف ذلك اليوم بالتحديد‪،‬‬
‫‪ -‬أوه‪ ..‬معدتك! معدتك ليست على ما‬ ‫اخلامس والعشرين من متوز ‪ ،2889‬وهو تاريخ‬
‫يرام!‪ – ..‬إهنا تتقادم يف العمر‪ .‬أعين معدتك!‪..‬‬ ‫انتهاء املدة املعينة‪ ،‬كان فرانسيس بينيت قد‬
‫البد أن نستبدل لك هبا معدة أخرى جديدة!‬ ‫تلقى للتو عرضاً مبتابعة التجربة يف إحدى‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪ -‬سننظر يف األمر أجاب فرانسيس بينيت‪.‬‬ ‫الغرف يف مبنى جريدة الـ ايرث هريالد حيث‬
‫‪ -‬ويف هذه األثناء يا دكتور ستتناول طعام‬ ‫كان اجلميع ينتظر حلظة البعث على أحرّ من‬
‫العشاء معي‪.‬‬ ‫اجلمر‪ ،‬فهناك ميكن إبقاء اجلمهور على إطالع‬
‫مت إجراء االتصال عرب‬ ‫خالل تناول الطعام ّ‬ ‫مبا جيري حلظة بلحظة‪.‬‬
‫جهاز اهلاتف الرائي بباريس‪.‬‬ ‫مت قبول االقرتاح‪ ،‬وملا كانت العملية لن حتدث‬
‫كانت السيدة بينيت جتلس إىل طاولتها هذه‬ ‫حتى العاشرة من ذلك املساء خرج فرانسيس‬
‫املرة‪ ،‬وكان مذاق طعام العشاء لذيذاً ال سيما‬ ‫بينيت للتمدد على ك��رس��ي م��ري��ح يف غرفة‬
‫مع نكات الدكتور سام‪ ،‬اليت أضفت على املكان‬ ‫الفحص‪ .‬وبعدها‪ ،‬وبلمسة على أحد األزرار‪،‬‬
‫جواً من احليوية واحلماس‪ .‬وما إن بدأ الكالم‬ ‫أصبح على اتصال بغرفة املوسيقا املركزية‪.‬‬
‫حتى كاد ينتهي‪.‬‬ ‫يا له من إحساس ساحر ذاك الذي أحس به‪،‬‬
‫‪-‬متى تتوقعني ال��ع��ودة إىل سينرتو بوليس‬ ‫بعد يوم عمل حافل‪ ،‬يف تلك املؤلفات املوسيقية‬
‫عزيزتي إديث؟ سأل فرانسيس‬ ‫اليت أجنزها أعظم مؤلفينا‪ ،‬والقائمة كما يعرف‬
‫‪ -‬سأبدأ العودة هذه اللحظة‪.‬‬ ‫اجلميع‪ ،‬على سلسلة م��ن امل��ع��ادالت اجلربية‬
‫‪ -‬من خالل أنبوب أو على منت قطار طائر؟‬ ‫املتناغمة اللذيذة‪.‬‬
‫‪ -‬عرب أنبوب‪.‬‬ ‫أطفئت األنوار يف الغرفة وانغمس فرانسيس‬
‫‪ -‬إذاً متى تصلني هنا؟‬ ‫بينيت‪ ،‬الذي مل يعد يرى حتى جسمه‪ ،‬يف حالة‬
‫‪ -‬عند الساعة الثانية عشرة إ َّال دقيقة هذا‬ ‫اسرتخاء نصف نومي‪ .‬لكن أحد األب��واب فتح‬
‫املساء‪.‬‬ ‫فجأة‪.‬‬
‫‪ -‬بتوقيت باريس؟‬ ‫‪ -‬من هناك؟ سأل بينيت وهو يلمس جهاز‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬ال‍!‪ ..‬بل بتوقيت سينرتوبوليس‪.‬‬ ‫التحويل الكهربائي املثبَّت حتت يده‪.‬‬
‫‪ -‬إىل اللقاء إذاً‪ ،‬واأله��م من ذل��ك كله أ َّال‬ ‫ويف احل��ال‪ ،‬وبتأثري التيار الكهربائي الذي‬
‫تتأخري عن موعد األنبوب!‬ ‫تو َّلد يف اجلو‪ ،‬بات هواء الغرفة مضيئاً‪.‬‬
‫ه��ذه األن��اب��ي��ب امل��م��دودة حت��ت امل���اء‪ ،‬واليت‬ ‫‪ -‬أوه‪ ،‬أهذا أنت يا دكتور؟ سأل بينيت‪.‬‬
‫يسافر عربها امل��رء من باريس خ�لال مائتني‬ ‫‪ -‬أنا بذاته أج��اب الدكتور سام ال��ذي جاء‬
‫ومخ��س وتسعني دقيقة‪ ،‬هي بالتأكيد أفضل‬ ‫للقيام بزيارته اليومية (ولدفع اشرتاكه السنوي‬
‫بكثري من القطارات الطائرة‪ ،‬اليت ال تتجاوز‬ ‫يف الصحيفة)‪ .‬كيف احلال؟‬
‫سرعتها ستمائة ميل يف الساعة‪.‬‬ ‫‪ -‬جيد!‬
‫‪99‬‬ ‫كان الطبيب قد غادر‪ ،‬بعد أن وعد حبضور‬ ‫‪ -‬أمتنى األفضل لنرَ لسانك؟‬
‫عملية بعث زميله ناثانييل فيثبورن من حالة‬ ‫نظر الطبيب إىل لسانه من خالل جمهر‪.‬‬
‫التجميد احل��ي��وي‪ .‬دخ��ل فرانسيس بينيت‬ ‫‪ -‬جيد‪ ..‬ونبضك؟‬
‫إىل غرفة مكتبه اخل��اص هو يأمل يف سحب‬ ‫أخ��ذ الطبيب يفحص نبض بينيت جبهاز‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫حساباته اليومية‪ .‬لقد كانت عملية ضخمة تلقى ن��داءً بضرورة احلضور إىل غرفة إجراء‬
‫وال سيما عندما يتعلق ذل��ك بشركة جتارية التجارب‪ .‬انطلق إىل هناك على الفور حيث‬
‫يرتفع مستوى اإلنفاق اخلاص هبا إىل مثامنائة استقبله حشد كبري من العلماء‪ ،‬الذين انضم إليهم‬

‫‪Science Fiction‬‬

‫ألف دوالر كل يوم! حلسن‬


‫احل�����ظ ف���ذل���ك األم����ر‬
‫ب���ات ش��ي��ئ�اً س��ه�لاً جداً‬
‫بفضل التطور احلاصل‬
‫يف اآلالت احل���دي���ث���ة‪،‬‬
‫فبمساعدة كمبيوتر ذي‬
‫م��ف��ات��ي��ح ك��ه��رب��ائ��ي��ة أشبه‬
‫مبفاتيح البيانو سرعان ما أ َّ‬
‫مت‬ ‫‪100‬‬
‫فرانسيس املهمة‪.‬‬
‫لقد حان الوقت‪ .‬فما كاد ينتهي‬
‫من ملس آخر زر يف آلة حساب الربح حتى‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫اخل�ب�راء يف التجميد احل��ي��وي ي��س�يرون بعيداً‬ ‫الدكتور سامْ‪.‬‬
‫حاملني نعشهم اجلنائزي‪.‬‬ ‫ك��ان جسم ناثانييل فيثبورن ه��ن��اك على‬
‫ع��اد فرانسيس بينيت إىل غرفته يتبعه‬ ‫ال��ن��ع��ش‪ ،‬م��وض��وع �اً ع��ل��ى ح��ام��ل�ين خشبيَّيْن‬
‫الدكتور سام‪ ،‬وبينما بدا عليه اإلهناك بعد يو ٍم‬ ‫مزدوجي األرجل‪ ،‬يف وسط الغرفة‪.‬‬
‫حافل للغاية نصحه الطبيب باالستحمام قبل‬ ‫كان جهاز اهلاتف الرائي يف حالة التشغيل‪.‬‬
‫اخللود إىل النوم‪.‬‬ ‫كل العامل سيكون ق��ادراً على متابعة مراحل‬
‫ً‬
‫‪ -‬أن����ت حم���ق مت���ام���ا ي���ا دك����ت����ور‪ ...‬ذلك‬ ‫العملية املتنوعة‪.‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫سينعشين‪...‬‬ ‫ُ‬
‫مت فتح ال��ت��اب��وت‪ ..‬وأخ���رج جسد ثاثانييل‬
‫‪ -‬سينعشك سيد بينيت وإذا أحببت سوف‬ ‫فيثبورن‪ ..‬حيث كان ال ي��زال أشبه باملومياء‪،‬‬
‫أطلب محاماً لك يف طريقي للخروج‪..‬‬ ‫قاسياً مص َفرَّ ال��ل��ون‪ ،‬وج��اف �اً‪ .‬ب��دا كأنه مثل‬
‫‪ -‬ال داع��ي لذلك يا دك��ت��ور‪ .‬فهناك دائماً‬ ‫اخل���ش���ب‪ ..‬مت ت��ع��ري��ض��ه ل���ل���ح���رارة‪ ..‬للتيار‬
‫مح��ام موجود يف املكتب‪ ،‬وأن��ا ال أحتاج حتى‬ ‫الكهربائي‪ ..‬ال نتيجة‪ ..‬إن��ه يف حالة تنويم‬
‫إىل جتشم عناء مغادرة غرفيت لالستحمام‪.‬‬ ‫مغنطيسي‪ ..‬كان حتت تأثري االحياء‪.‬‬
‫انظر‪ ،‬فبمجرد الضغط على زر‪ ،‬سيبدأ ذلك‬ ‫ال شيء يستطيع التغلب على تلك احلالة من‬
‫احلمام بالتحرك‪ ،‬وسوف تراه يأتي إيلّ بنفسه‬ ‫التخشُّب املفرط الصالبة‪.‬‬
‫وقد عدِّلت درجة حرارة املاء لتصل إىل مخس‬ ‫‪ -‬حسنٌ يا دكتور سام؟ أخذ فراسيس بينيت‬
‫وستني درجة‪.‬‬ ‫يسأل‪.‬‬
‫ً‬
‫ك��ان فرانسيس بينيت قد ضغط ت��وا على‬ ‫بدأ الطبيب ينحين فوق اجلثمان املسجّى‬
‫الزر‪.‬‬ ‫ويفحصه حبرص شديد‪ ..‬ثم عمد إىل حقنه‪،‬‬
‫بدأ االثنان يسمعان صوتاً هادراً أخذ يتعاىل‬ ‫حبقنة حتت اجللد‪ ،‬ببضع قطرات من إكسري‬
‫ويتصاعد‪ ..‬ث��م ُفتح أح��د األب����واب‪ ،‬ث��م ظهر‬ ‫ب��روان سيكوارد الشهري وال��ذي بات يستخدم‬
‫احلمّام وهو يسري على سكة خاصة‪...‬‬ ‫مرة أخرى‪ ..‬لكنَّ املومياء كانت أكثر حتنُّطاً من‬
‫ي��ا إهل���ي‪ ..‬بينما ك��ان الدكتور س��ام يغطي‬ ‫السابق‪.‬‬
‫عينيه‪ ،‬تعالت بضع صيحات خافتة مذعورة من‬ ‫‪ -‬أوه حسناً أج��اب الدكتور س��ام‪ .‬أظ��ن أن‬
‫داخل احلمام‪...‬‬ ‫عملية التجميد احليوي قد طالت أكثر مما‬
‫ل��ق��د ك��ان��ت ال��س��ي��دة بينيت داخ���ل حجرة‬ ‫ينبغي‪!.‬‬
‫احل��م��ام‪ ،‬ال�تي ع��ادت هبا إىل منزهلا يف مبنى‬ ‫‪ -‬أوه!‬
‫املكتبة‪ ،‬خالل األنبوب القادم عرب مياه احمليط‬ ‫‪.. -‬وأن ناثانييل فيثبورن قد مات‪.‬‬
‫األطلنطي‪ ،‬قبل نصف ساعة‪.‬‬ ‫‪ -‬مات؟‬
‫يف اليوم التايل‪ ،‬يف السادس والعشرين من‬ ‫‪ -‬ميت مثل أي ميت آخر!‬
‫مت��وز ‪ 2889‬ب��دأ مدير االي��رث هريالد جولته‬ ‫‪ -‬كم مضى على موته؟‬
‫اليت متتد اثين عشر ميالً يف مكتبه‪ .‬ويف ذلك‬ ‫‪ -‬منذ متى؟‪ ..‬أجاب الدكتور سام‪ ..‬لكنْ‪..‬‬
‫املساء وعندما شغل آلة حساب الربح اخلاصة‬ ‫مائة عام – أيْ منذ أن خطرَت بباله الفكرة‬
‫به كانت أرباحه ذلك اليوم مائتني ومخسني ألف‬ ‫البائسة بتجميد نفسه حبّاً خالصاً بالعلم‪.‬‬
‫‪101‬‬ ‫دوالر‪ ،‬أي مخسني ألف دوالر زي��ادة عن اليوم‬ ‫‪ -‬إذاً‪ ،‬ال ت��زال تلك الطريقة حباجة إىل‬
‫الذي سبق‪.‬‬ ‫استكمال نواقصها‪.‬ع َّلق فرانسيس بينيت‪.‬‬
‫لَ َكمْ هو جَيدٌ‪ .‬ذلك العمل‪ ..‬عمل الصحفي‬ ‫‪ -‬استكمال النواقص هي الكلمة املناسبة‬
‫يف هناية القرن التاسع والعشرين !‬ ‫أج��اب الدكتور سام بينما كان موكب العلماء‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪102‬‬
‫د‪ .‬خملص عبد احلليم الريس‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫اجلنوبية ( أنتاركتيكا ) وأن ه��ذا احلجر‬ ‫حجر أق��ام الدنيا ومل يقعدها وهز العامل‬
‫أتى إلينا هكذا مباشرة من املريخ ‪ ،‬وإىل هنا‬ ‫أمجع !! وتساءل اجلميع ما سر هذه الضجة‬
‫ال يوجد فـي األمر شيءٌ جديد يثري الفكر فكل‬ ‫العامليـة ؟ وما سر هذا احلجر ؟ ومن أين أتى؟‬
‫يوم يسقط على األرض آالف من اجلسيمات‬ ‫وعلى م��اذا يوحي اكتشافه اآلن ؟!! ‪ ..‬وأتى‬
‫الصغرية من شهب ون��ي��ازك خمتلفة األحجام‬ ‫اجلواب مبنتهى البساطة والسهولة بأنه هدية‬
‫واألوزان واألنواع‪ ..‬ترتاوح حجومها ما بني حبة‬ ‫املريخ لألرض !! ‪ ..‬نعم أتى من املريخ؟ وهنا‬
‫ال��رم��ل وح��ج��ارة متوسطة وص��خ��ور ضخمة ‪،‬‬ ‫تواترت األسئلـة ‪ :‬كيف ؟ ومتى؟ وأين؟ ومن؟‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫رمبا بلغت كتلها بضع مئات أو ألوف األطنان‪،‬‬ ‫وم��ا ه��ي قصته ‪..‬؟ لعله حجر رشيد حيمل‬
‫وكأن األرض تستحم باستمرار بزخات ال هتدأ‬ ‫رس��ال��ة مرخيية لنا ؟ وآن األوان لفتح تلك‬
‫من تلك املقذوفات الكونية اخلطرة ‪ ....‬لكن‬ ‫الرسالة وقراءهتا ‪ .‬وها حنن نفتح ملف نشأة‬
‫الغالف اجلوي األرضي حيمينا بإذن اهلل منها‬ ‫احلياة يف منظومتنا الشمسية!!‬
‫بإحراق معظمها باالحتكاك مع جزيئات اهلواء‬ ‫إن فكرة فتح ملف هذا احلجر تعين حقيق ًة‬
‫أثناء اجتيازها له ‪ ..‬أما يف حالتنا اجلديدة هذه‬ ‫فتح سجل تاريخ وجودنا حنن البشر يف هذا‬
‫فاألمر يتضمن شيئاً جديداً ‪ ..‬وهو أن احلجر‬ ‫الكون ‪ ..‬س ِِج ٌل عاشته خاليانا احلية يف بدايات‬
‫حيتوي أدل��ة تثبت وج��ود حياة قدمية سـادت‬ ‫نشأهتا‪ ،‬أي أن األم��ر يتعلق بوجودنا مباشرة‬
‫ذل��ك الكوكب األمح��ر يف ي��وم من األي��ام ‪ .‬وأن‬ ‫حنن البشر على وجه التحديد ‪ .‬وهنا ميكننا‬
‫سطحه ك��ان يزخر ب��أن��واع عديدة من أشكال‬ ‫أن نتساءل ما دور كوكب املريخ هبذا األمر ؟؟‬
‫احلياة ‪ ،‬وقـد شوهد يف احلجر فعالً وجود‬ ‫لعل حدسنا يوحي لنـا ب��أن املريخ رمب��ا كان‬
‫بقايا أنواع من الكائنات بالغة الصغر كانت حية‬ ‫موطننا األول ‪ ...‬وها هم بعض علماء الفيزياء‬
‫وماتت منذ زمن بعيد وتلك الكائنات الدقيقة‬ ‫والبيولوجيا ومن محلة جائزة نوبل يصرحون‬
‫سكنت شقوق الصخور ومنها تلك الصخرة‪..‬‬ ‫بثقة عالية ومنهم العامل (ريتشارد زار) األستاذ‬
‫وأن تلك الكائنات مل تلبـث أن اندثرت إثر وقوع‬ ‫جبامعة ستانفورد األمريكية ‪ ،‬رائ��د يف علوم‬
‫ح��دث كارثي م��روع ‪ ..‬وه��ذا احل��دث إم��ا وقع‬ ‫كيمياء الليزر وصاحب طريقة القياس الطيفي‬
‫بشكل مفاجيء أو بالتدريج ‪ .‬وتلك البقايا هي‬ ‫الكتلي بالتأين ال��ل��ي��زري‪ ..‬ص��رح يف مؤمتر‬
‫لتكوينات دقيقة ج��داً هلا بُنى تشبه نوعاً من‬ ‫صحفي يف عام ‪ 1996‬أن حياتنا رمبا بدأت‬
‫(البكترييا) ‪ .‬وشوهد يف العينات املدروسة بدقة‬ ‫على املريخ وتساءل بقوله ‪:‬‬
‫عالية وهي شرائح رقيقة من احلجر املرخيي‬ ‫ً‬
‫(من يستطيع القول بأننا لسنا مجيعا من‬
‫بقايا إحفورية لبكترييا وبعض املركبات اليت ال‬ ‫املريخ) ‪.‬‬
‫ميكن أن تنتج إال من فعل كيانات حية ‪ ،‬فقد‬ ‫وأهنى حديثه بالقول ‪:‬‬
‫شوهد فيه كريـات الكربونات ( وهي مركبات‬ ‫(إن ف��ك��رة وج���ود ح��ي��اة على امل��ري��خ تبدو‬
‫مكونة من األوكسجني والكربون مع الكالسيوم‬ ‫معقولة)‬
‫أو احلديد أو املاغنسيوم)‪ ،‬وحتتوي هذه الكريات‬ ‫وق��ال العامل الكوني الدكتور ك��ارل ساغان‬
‫الكربونية بداخلها آثار بقايا مواد هيدروكربونات‬ ‫أحد أعظم علماء الفضاء يف ناسا ‪:‬‬
‫عطرية عديدة احللقات تشبه تلك اليت تنتج عن‬ ‫(إن على أية بعثة تزور املريخ إنعام النظر عن‬
‫‪103‬‬ ‫حتلل وتفكك الكائنات احلية على أرضنا ‪ ،‬كما‬ ‫كثب يف إهرام املريخ املغرية)‬
‫حتتوي على معادن مغناطيسية (ماغنيتيت)‬ ‫يف ال��س��اب��ع م��ن ش��ه��ر آب م��ن ع���ام ‪1996‬‬
‫صنعتها جسيمـات حية شبيهة بالبكترييـا ‪ ،‬كما‬ ‫أُعلِنَ أن حجراً نيزكياً مت العثور عليه يف القارة‬
‫أمكن العثور يف داخل تلك الكريات على مركبات‬ ‫القطبية‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫عضوية يبدو أهن��ا تكونت من‬
‫غاز امليثان وهو غاز تنتجه بعض‬
‫األح��ي��اء اجمل��ه��ري��ة على األرض‪،‬‬
‫واحلقيقة أن مثـل ه��ذه الكريات‬
‫الكربونية وما بداخلها ال ميكن أن‬
‫تتشكل أو أن تنشأ إال بوجود املاء‬
‫قطعاً ‪ .‬وبسبب بعده املناسب عن‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫الشمس وتطوره املتقدم واستقرار‬
‫وضعه البيئي آن��ذاك ح��دث على‬
‫سطحه نـوعٌ من التكاثر احليوي‬
‫احل��ي بطريقة ان��ق��س��ام اخلاليا‬
‫وج���دَت دالئل‬ ‫الوحيدة ‪ ،‬وهكذا ِ‬
‫تشري إىل حـدوث نشاط بيولوجي‬
‫ق��دي��م س��اد آون���ة ال ب��أس هب��ا من‬
‫ال��زم��ن على سطح ذل��ك الكوكب‬
‫األمحر احلزيـن ‪..‬‬
‫هنا نقف قليالً لتجميع أوراقنا‬
‫املتناثرة وإع��ادة صياغة املوضوع‬
‫م���ن ال��ب��داي��ة ‪ .‬خ��اص��ة أن تلك‬
‫األدلة ختربنا إىل أننا قطعاً لسنا‬
‫وحدنا يف هذا العامل‪ ..‬وأن للمريخ‬
‫عالقة بأصلنا ‪ .‬وه��ذا الكشـف‬
‫فتح األذه��ان على حقيقة مذهلة‬
‫وهي أن حياة زاخرة أشرقت فيما‬
‫م��ض��ى يف امل��ري��خ حينما كانـت‬
‫البيئة على سطحه صديقة للحياة‬
‫وأكثر من مالئِمة هلا‪ ،‬فاملاء كان‬
‫متوفراً بغزارة وسطحه مشغوالً‬
‫بالبحريات الواسعة واألهنار اهلادرة‬
‫م��ع ه��ط��والت م��ط��ري��ة ال هت���دأ ‪،‬‬
‫وتبخر م��اء ال يتوقف ‪ ،‬ويدعم‬
‫هذا الرأي ما يشاهد على سطحه‬
‫من قنـوات مائية جافة متعرجة‬
‫وقيعان جافة لبحريات وأهن���ار ‪،‬‬
‫يؤكد اجلغرافيون أهنا نُحتت بفعل‬ ‫‪104‬‬
‫حركة سائل ما‪ ..‬ثم اندثرت تلك‬
‫احلياة على سطحه‪ ،‬لعل الدفيئة‬
‫احلرارية كانت وراء كارثة املريخ ‪،‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫حيث أدت لتبخر مياهه وتطاير جزيئات خبار‬
‫املاء يف جوه الغازي ومن ثم حتررها إىل الفضاء‬
‫اخل��ارج��ي وك��ان ذل��ك قبل ثالثة باليني سنة‬
‫‪ ...‬وهكذا زالـت حياة كانت مزدهرة ومتطورة‬
‫على سطحه قبل ازدهارها على سطح األرض‬
‫(لكوهنا أقرب إلـى الشمس وملتهبة آنذاك ) ‪ ،‬أي‬
‫مل تكن بوادر احلياة قد بدأت على األرض فعالً‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫‪ ..‬ومل تكن صديقـة للحياة حينها ‪ .‬واالحتمال‬


‫اآلخ��ر للكارثة املرخيية هو ص��دم جسم كبري‬
‫بسطح املريخ أدى الح�تراق غاباته واستهالك‬
‫معظم أوكسجني ج��وه‪ .‬ما سبب خلالً حياتياً‬
‫وبيولوجياً أدي��ا ل��زوال أسباب احلياة يف ذلك‬
‫الكوكب األزرق الذي غدا كوكباً أمحر حزين‪.‬‬
‫لكن ما هو الدليل على أن هذا احلجر أتى فعالً‬
‫من املريخ ؟ واجل���واب هو ‪ِ :‬‬
‫وج �دَ بالفحوص‬
‫والتحاليل الفائقة الدقة أن نسب العناصر‬
‫الداخلة يف تركيبه تتطابق مع تلك املوجودة‬
‫فعالً على سطح املريخ واليت كشفتها األجهزة‬
‫املرسلة له و اليت محلتها له املركبات الفضائية‬
‫مثل املركبة فايكنغ ‪ ،‬كما أمكن بتطبيق تقنية‬
‫العـد اإلشعاعـي من ُ‬
‫حتدِيدَ عمر هذا احلجر ‪،‬‬
‫ووجدَ أنه يقارب ‪ 4،5‬باليني سنة وهو يقارب‬ ‫ِ‬
‫عمر أرضنا‪ .‬ومت تعيني كتلة هذا احلجر فكانت‬
‫‪ 1،416‬كيلو غرام تقريباً وحجمه مياثل حبة‬
‫احلجر االسم ( ‪، ) ALH 84001‬‬ ‫البطاطس الصغرية ‪.‬‬
‫كشفت الدراسات والتحاليل أن هذا احلجر‬
‫انفصل عن املريخ وانطلق من سطحه بشكل‬ ‫قصة العثور على احلجر‬
‫يف خريف عام ‪ 1984‬انطلقت جمموعة من شظية نتيجة حدوث اصطدام كارثي بني جسم‬
‫ص��ائ��دي األح��ج��ار النيزكية األمريكيني ومن مس��اوي واملريخ ‪ ،‬وبقي هذا احلجر ي��دور يف‬
‫بينهم العاملة روبرتا سكور يف رحلتهم إىل القارة الفضاء حول الشمس ملدة رمبا وصلت خلمسة‬
‫القطبية اجلنوبية ‪ ،‬وخ�لال حبثهم وتنقيبهم عشر مليون سنة‪ ،‬وأخ�يراً ارتطم باألرض قبل‬
‫حقالً جليدياً واسعاً وإذ بآخر املطاف وبالصدفة حنو ‪ 13‬ألف سنة واستقر على سطحها وبقي‬
‫الحظت العاملة روبرتا صخرة خضراء اللون حمفوظـاً يف اجلليد طيلة ه��ذه ال��ف�ترة دون‬
‫أمامها مباشـرة ومتوضعة فوق اجلليد األبيض‪ ،‬أن يتعرض لعوامل التعرية اجلوية األرضية‬
‫‪105‬‬ ‫وبعد نقلها إىل مدينة هيوستون األمريكية املعروفة ‪ ،‬إىل أن اكتشفته العاملة روبرتا سكور‬
‫أجريت على شرائح منها ( رقائق ) عديداً وزمالؤها ‪.‬‬
‫على ضوء اكتشاف آث��ار احلياة املبكرة يف‬ ‫من التحاليل والفحوص والدراسات‪ ،‬وتبني أن‬
‫منشأ هذا احلجر هو كوكب املريخ وأُعطي هذا احلجر املرخيي ميكننا أن نتساءل ‪ :‬ترى هل‬
‫ُ‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫نشأت بذور احلياة هناك مبا‬
‫فيها بذور حياتنـا حنن البشر؟؟‪،‬‬
‫ث��م انتقلـت ل�لأرض ع��ن طريق‬
‫مثل تلك الصخور الطائرة أم‬
‫أهنا تطايرت مع هوائه املتحرر‬
‫م��ن ج��وه إب���ان ح���دوث الكارثة‬
‫املرخييـة !! ‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫تشري آخ��ر معطيات العلوم‬
‫احلديثة إىل أن نشـأة احلياة على‬
‫األرض رمبا بدأت فعالً بوصول‬
‫مثل تلك البذور الكونية املسافرة‬
‫هبدوء عرب الفضاء بدفع الضوء‬
‫هل��ا ‪ ،‬وم���ن ث��م اخت���ذت األرض‬
‫موطناً هلا حينما وج��دت فيها‬
‫ظروفاً مالئمة لنموها وتطورها‬
‫وتكاثرها ‪ .‬ففي األرض ماء وغذاء‬
‫ودفء ومحاية وحساء عضوي‬
‫ومح���وض أمينية ونيوكليدات‬
‫من عمر األرض ذاهت��ا ‪ .‬ج��زء منها يف املريخ‬ ‫‪ ..‬ف���أخ���ذت ب��ال��ن��م��و والتطور‬
‫والباقي على األرض ‪ .‬ويعتقد البعض جازماً أن‬ ‫والتكائر و أسست ممالكها احلياتية احليوانية‬
‫بدا آت احلياة جلميع املخلوقات التـي ظهرت‬ ‫(الزواحفية والثديية) والنباتية ‪ .‬وهكذا منت‬
‫على سطح األرض تعود يف أصلها للمريخ ‪ ،‬ومن‬ ‫احلياة على األرض ودبت على سطحها كائنـات‬
‫ثم تابعت مسرية حياهتـا على األرض‬ ‫ح��ي��ة مج��ي��ل��ة ع��ن��دم��ا غ���دت ظ����روف األرض‬
‫مواتية لبزوغ احلياة على سطحها ‪ ،‬متيَّز كل‬
‫سيناريو آخر يفرتض‬ ‫خملوق حي ظهر على سطحها بامتالكه سجالً‬
‫ظهور حياة متقدمة ن��وع�اً م��ا على سطح‬ ‫أرشيفيـاً منضـداً من بٌنى حياتية دقيقة جداً‬
‫املريخ ‪ ،‬لكن أهلها مل يكونوا يتمتعون ببنية قوية‬ ‫بشكل شرائط هي شرائط ال ( د ن) الوراثية‬
‫‪ ،‬وأغلب الظن أن كياناهتم كانت مائيـة شفافة‬ ‫‪ ،‬وختتزن كل ن��واة يف كل خلية حية بداخلها‬
‫هيوليـة ضعيفة وحيدة اجلنس وال��ن��وع ‪ ،‬ما‬ ‫تلك الشرائط املذهلة ‪ .‬فهي تتضمن خريطة‬
‫يعين أنه إذا ما أُجريــت الحقـاً على بقاياهم أية‬ ‫كامل جسم الكائن احلي ‪ .‬كما أن هلا خاصة‬
‫حبوث فلن يوجـد هلم أي أثر بيولوجـي يذكر‪.‬‬ ‫االن��ق��س��ام والنسخ وت��ك��رار ال���ذات (التوالد)‪،‬‬
‫وتكاثرهم كان يتم باالنقسام املتناظر أملرآتي‬ ‫واألعجب من ذلك هو اكتشاف إمكانية نسخ‬
‫املباشر معطياً كائنات وحيدة النوع واجلنس‬ ‫الكائن منها بطرق خمربية ‪ ..‬وعندما وصلت‬
‫أي مل يكن فيه ذكـورة أو أنوثة‪ ،‬وبالتايل كان‬ ‫تلك البذور إىل األرض شكلت بأمر اهلل شرائط‬
‫جلميعهم نفس الشكل والبنية ونفس التالفيف‬ ‫ال ( د ن أ ) وتبلورت يف طني األرض اليت‬ ‫‪106‬‬
‫املخية ونفس الدرجة من الذكاء‪ ..‬فقد كانوا‬ ‫ص��ارت بيئتها مهيأة لرعاية احلياة تشكلت‬
‫يتمتعون بذكــــاء فطري ع��الٍ‪ ،‬وعاملهم يشبه‬ ‫خاليا أجسادنا وكانت من الرقي والتطور مبا‬
‫حلد ما عامل النمل أو عامل النحل‪ ،‬ولعل السبب‬ ‫يوحي على أن نشأهتا احتاجت فرتة زمنية أطول‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫كوكبهم أو أن جرماً مساوياً يقرتب من كوكبهم‬ ‫يف ضعف بنيتهم هو ضعف قوة جاذبية ذلك‬
‫ليصطدم به‪ )..‬فأعدوا عدة اهلرب ملغادرته‬ ‫الكوكب إذ ت��ع��ادل كتلته عُ��ش��ر كتلة األرض‬
‫وهجره وجهزوا مراكب فضائية لذلك األمر ‪،‬‬ ‫وحجمـه أصغـر بكثري م��ن حجمهـا إذ يبلغ‬
‫ولعلهم أرسلوا بعضـاً من بذور احلياة وبعضاً‬ ‫قطره (‪ 7392‬كيلومرتاً ) فقط ‪ ،‬يف حني يبلغ‬
‫من مواطنيهم لألرض ‪ .‬وعلى األرض وجـدت‬ ‫قطـر األرض ( ‪ 12800‬كيلومرتا ) وكذلك جوه‬
‫تلك البذور ومواطنوهـم القادمون املاء والبحار‬ ‫الغازي مل يكن كثيفاً بل كان رقيقاً يعاني من‬
‫والغذاء وحساء احلموض اآلمينية والنوكيدات‬ ‫اخنفاض كبري يف الضغط ما يسمح حبدوث‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫فنهلوا منها ‪ ..‬وبأمـر اللـه شكلت البذور خاليا‬ ‫تفريغ كهربائي عربه فأصبح مشبعاً بآثار أشعة‬
‫حية منفردة ( وح��ي��دات خاليا وال�تي مازال‬ ‫ليزر ‪ ،‬وفعالً رصد من عدة عقود آث��اراً ملثل‬
‫الكثري منها باقياً إىل اآلن ‪ )..‬نشـأ منها فيما‬ ‫هذه األشعة يف أجوائه مما أكسب جوه اللون‬
‫بعد ممالك حياتية واسعة حيوانية ( زاحفية‬ ‫األمح���ر‪ ..‬فهذا الكوكب احل��زي��ن يستحم يف‬
‫وثديية ) ونباتية ‪ ،‬أم��ا مواطنوهم القادمون‬ ‫كل صباح له يف حبر من اإلشعاع الليزري ‪.‬‬
‫إىل األرض فبعدما تأقلمت بنيتهم مع بيئتها‬ ‫واحلقيقة أن هذا الكوكب عانـى حتوالت بيئة‬

‫ودخلت عناصرها وسوائلها وأمالحها وموادها‬ ‫أو تلوثية كثرية بسبب تعرضه لتغريات مناخية‬
‫العضوية و عواملها يف بنيتهم تطورت شرائط‬ ‫وتكوينية غري مرحب هبا بيولوجياً‪ ..‬لكن رمبا‬
‫ألـ ( دن ا ) لديهم وصار لبنيتهم تركيب عضوي‬ ‫لبعض من تلك الكائنات شبـه البشرية قدر‬
‫ٍ‬ ‫كان‬
‫‪107‬‬ ‫أرضي حتكمه تلك الشرائط احليوية بصرامة‪،‬‬ ‫كبري من الذكاء واحلكمة والعلم حبيث أدركت‬
‫وانشطر اجلنس الواحد جلنسني فكان الذكر‬ ‫أو عرفت يف يوم من األيام ما سيحل بكوكبهم‬
‫واألنثى وتغريت طريقة التكاثر وصارت بالتزاوج‬ ‫الحقاً من كوارث ( مثل أثر الدفيئة على جوهم‬
‫االقرتاني اجلنسي وبالتقاء خلية نطفية ذكريـة‬ ‫ومائهم أو اكتشفوا أن تلوثاً بكتريياً وقع يف‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫الصدفـة‬ ‫وخلية بويضة أنثويـة‪ ..‬وظهرت أنـواع متعددة‬
‫فأوهلا صخرة هلا وجه إنسان بكل تفاصيله‪،‬‬ ‫م��ن ج��ـ��دود البشر األرض��ي�ين األوائ����ل الذين‬
‫وه���ذا يذكرنا بالنصب ال��ت��ذك��اري الصخري‬ ‫استمر تناسلهـم إىل أن ظهر اإلنسان العاقل‬
‫يف أمريكا يف والي��ة نيو هامبشاير لرؤوسها‬ ‫احلايل الذي جعله اهلل يف أحسن تقويم‪ .‬فمن‬
‫والذين حنتت يف صخرة هائلة متاثيل رؤوس‬ ‫جو املريخ بداءته ويف طيـن األرض ومائها كانت‬
‫رؤسائهـم‪.‬‬ ‫نشأته ‪ ،‬كوـَّن اإلنسان العاقـل ساللة بشرية‬
‫وثانيها وج���ود إه��رام��ات بعضها مخاسي‬ ‫عضوية على درج��ة عالية من الذكـاء وصار‬
‫الوجوه وأخ��رى رباعية الوجوه عرض قاعدة‬ ‫ٌ‬
‫وخيال وإرادةٌ واختيار ‪..‬‬ ‫لتلك العضوية فكرٌ‬
‫أكربها هـو ( ‪ ) 3‬كيلومرتات وارتفاعها كيلومرت‬ ‫وغ��دت تنفـذ قدرهـا بنفسها بنشاط حـركي‬
‫واحد وهو أكرب من أهرام سومر ومصر واملكسيك‬ ‫دؤوب ال يهدأ ‪..‬‬
‫وتبـدو متآكلة وقدمية ‪.‬‬ ‫وجدَت على‬ ‫أثارت االكتشافات احلديثة اليت ِ‬ ‫‪108‬‬
‫والثالثة هي عبارة عن صخرة هلا شكل قنـاع‬ ‫سطح املريخ الدهشة والذهول ورمبا اخلوف‬
‫مياثل متاماً قناعاً مصنوعاً يف العـراق يف الفرتة‬ ‫ف��اآلث��ار املكتشفة على سطحه ال ميكن أن‬
‫ما بني ( ‪ 4000 BC‬ـ ‪. ) 5900‬‬ ‫تكون عشوائية أو فوضوية أو تشكلت مبحض‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫إذن هبط اإلنسان من عُال وانبثق يف الكون‬


‫امل��ادي الرباعي األبعاد وأع��ادت خاليا جسده‬
‫ترتيب نفسها لتتالءم مع البيئة اجلديدة اليت‬
‫حلت هبا ‪ ،‬وخاليا جسدنا اليوم ليست كما‬
‫كانت عليه قدميـاً لدى األجداد األوائل‪ ،‬بعضهم‬
‫يقول إهنا تطورت‪ ،‬والبعض اآلخ��ر يقول إهنا‬
‫نشأت من طفرة ‪ .‬لكن ال��ذي الش��ك فيه هو‬
‫أن تلك الشرائط مل تأت عشوائياً أو بالصدفة‬
‫بل أت��ت بتنظيم وتصميم رائـع ال يقدر على‬
‫صنعه خملوق ‪ ،‬وحنن عندما نقول خلية نكون‬
‫قد قلنا كوناً فاخللية الواحدة حتى انبثقت يف‬
‫الكون لزمها نشوء هذا الكون ولزمها زمن عمر‬
‫الكون نفسه ‪ ،‬وحقيقة أن عمر األرض هـو ‪4،5‬‬
‫باليني سنة ال يفسر أو يغطي الفرتة الزمنية‬
‫الطويلة اليت لزمت الكتمـال عضوية أجسادنـا‬
‫‪109‬‬ ‫وتطور خاليانا لتصبح على ه��ذا القدر من‬
‫الرقي التطوري وخاصة خاليا الدماغ واملخ‬
‫‪ ...‬وهذه احلقيقة تنبهنا إىل أن بدايات تشكل على سطح املريخ وحلت ضيفة عليه تطورت‬
‫خاليا أجسادنا رمبا كانت يف زاوية ما من الكون وشكلت بـذوراً كونية وكائنات حية متطورة صار‬
‫قبل املرحلة املرخيية ‪ ،‬وعندما حطت رحاهلا لبعض منها تالفيف خمية راقية ضمت خاليا‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫أجسادها نوعـاً من التصميمات البنيوية‬
‫حتمل يف طياهتا أرشيفاً وراث��ي�اً وعلى درجة‬
‫عالية من التنظيم ‪ .‬وعندمـا هبط اجلميع‬
‫إىل األرض تنفسوا هواءها وشربوا من مائها‬
‫وتغذوا من مثارها وتأقلموا مع بيئاهتـا ظهرت‬
‫احليوانات والنباتات من البذور الكونية وظهرت‬
‫سالالت اإلنسان من الكائنات املرخييـة الذكية‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫وتتابعت األمور حتى ظهر اإلنسان العاقل ‪...‬‬
‫فكنا ‪.‬‬
‫أجدادنا نشؤوا هناك ‪ ..‬وجذورنا وأصلنا من‬
‫هناك ‪ ..‬هناك يف املريخ ‪ ( ...‬بذوراً و كائنات)‬
‫‪ ،..‬يقول الدكتور دونالد جولدمسيث ‪ ،‬مؤلف‬
‫كتاب ( البحث عن حياة على املريخ ) حنن‬
‫أبـداً لـم نكن وحدنا يف هذا الكون‪ ،‬والكتاب‬
‫املقدس لدى املسلمني يقول بوجود عوامل أخرى‬
‫تضم عديداً من املخلوقات اليت ال ميكن للبشر‬
‫معرفتها ( العاملني =‪ ) UNIVERSES‬والعلم‬
‫كشف وج��ود م��واد عضوية بني النجوم وعلى‬
‫املريخ ‪ ،‬ما يوحي بأن حياتنا نشأت ذات مرة‬
‫على املريـخ ‪،‬‬

‫وها قد بدأت مركباتنا الفضائية ومسابرنا‬


‫تعود ملوضع نشأتنا البيولوجية األوىل‪ ..‬فشيء‬
‫ما يدفعنا حنوك ‪ ..‬لعله احلنني إىل موطن‬
‫ب��داي��ة ب��داءت��ن��ا وس��ق��وط رأس��ن��ا ه��ن��اك على‬
‫سطحك ‪ ،‬وسوف نصلحك أيها الكوكب الغايل‬
‫احلنون ال��ذي ضم يف ي��وم من األي��ام بداءات‬
‫نشأتنا ورعى انبثاق وجودنا فـي أحضانه ورأى‬
‫أجدادنا النور على سطحه‪ ،‬ورمسوا على وجهك‬
‫صورة وجههم ‪ ،‬وقلدهم الفراعنة وحنتـوا وجه‬
‫فرعون يف متثال أبي اهل��ول يف جيزة مصر ‪،‬‬
‫وحفر األج��داد يف صخرك إهراماهتم وتبعهم‬
‫الفراعنة واملكسيكيون وبنـوا أهرامـات مثلهم ‪.‬‬
‫لعل تلك الصروح هي منارات ملركبات فضائية‬
‫كانت جتوب الفضاء قدمياً‪ ..‬خاصة أنه اكتشف‬ ‫‪110‬‬
‫ت��وزع هندسي جنمي يف أح��د أب���راج السماء‬
‫مياثل متاماً هندسة توزع أهرامات اجليزة كما‬
‫كان يبدو عليه هذا الربج قبل عشرة آالف سنة‪،‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫واالحتفاظ هبا ومينع جتمده ثانية ‪ ،‬ما سيسمح‬ ‫وقد مت التوصل لذلك األمر باستخدام حاسوب‬
‫بوجود مياه سائلة ‪ ،‬والغريـب يف املوضوع هو أن‬ ‫فلكي فائق وبإعطاء أب��راج السماء فيه حركة‬
‫الغاز الذي يؤذي طبقة األوزون اجلوية يف أرضنا‬ ‫تراجعيـة ‪ ،‬فبدى الربج والسماء كما كانـا عليه‬
‫سيكون هو ال��دواء الناجع جلو املريخ آن��ذاك ‪،‬‬ ‫قبل عشرة آالف سنة ‪ .‬واألغرب من ذلك هو‬
‫ذل��ك الغاز هو الكلورو فلوروكربونات ‪ .‬ولكي‬ ‫العثـور على مومياء فرعونية حمنطة يبدو أهنا‬
‫يتم التحويل التام من غالف جـوي مشبع بغاز‬ ‫ملخلوق غري أرضي عاش قبل عشرة آالف سنة ‪،‬‬
‫ثاني أوكسيد الكربون إىل غالف جوي مشبع‬ ‫أي يف فرتة وجود ذلك الربج السماوي ‪ .‬والغريب‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫بغاز األوكسجني الصديـق للحياة جيـب حتطيم‬ ‫يف األمر هو أن االستخبارات السوفيتية هي من‬
‫الروابط اليت متسك باألوكسجني يف الرتبة‪ ،‬ألنه‬ ‫قام بتلـك األحباث يف حينها ‪.‬‬
‫ال حيتمل أن تكون مجيع غازاته قد هربت كلها‬ ‫حلظة أن رأى الناس صورة التقطتها مركبة‬
‫للفضاء اخلارجي ألن معظمها مُتحد كيميائياً‬ ‫الفضاء املدارية ( فايكنغ ) لصخرة مرخيية‬
‫بصخور سطح الكوكب‪ .‬كما جيب إدخـال آالت‬ ‫تبدو عليها مالمح تشبه وجه إنسان ترسخ يف‬
‫ذاتية التكاثر تسمى النباتات ( مثل الطحالب أو‬ ‫اعتقادهم أن جنساً بشرياً عاش على سطح هذا‬
‫األشنيات ) ‪ .‬حيث ستمتص غاز الكربون وتطلـق‬ ‫الكوكب و أن هذا اجلنس البشري املرخيي كان‬
‫غاز األوكسجني يف اجلو ‪ ..‬رافعة درجة حرارة‬ ‫على درجة عالية من الذكاء حبيث ترك خلفه‬
‫اجلليد ‪ ..‬وحمررة اجلو املرخيي القديم من أسره‬ ‫عدة آثار هائلة تدل على رقيِّه الفكري والنفسي‬
‫الطويل ‪ ..‬وأخرياً حنصل على حميط بيئة حيوية‬ ‫‪ ،‬ويف يوم من األيام أدرك هؤالء املرخييون بقرب‬
‫مرخيية شبيهة مبثيلتها على األرض وال سيما‬ ‫انتهاء إقامتهم على املريخ ‪ ،‬وأن كارثة قادمة‬
‫أن يومه يساوي يوم األرض وهو ( ‪ )24‬ساعة ‪.‬‬ ‫ستحل بكوكبهم ‪ ،‬فقاموا بتنفيذ هذه التصاميم‬
‫إن تكلفة ذلك املشروع ال تزيد بأي حال عن‬ ‫الصخرية ليقولوا ملن سيأتي أو مير باملريخ بأن‬
‫تكاليف تقنيات الدمار اليت أجنزها اإلنسان‬ ‫بشراً أذكياء كانوا هنا ذات يوم ‪ ...‬انبثقوا على‬
‫على األرض ‪ ،‬وم��ن خ�لال األحب���اث ِ‬
‫وج���دَ أن‬ ‫سطحه وعاشوا بسعادة وهذا الوجه يلقي حتية‬
‫بإمكان بعض اجلراثيم األرضية أن تعيش على‬ ‫وداع ‪ ،‬واإلهرامات هي حمطات ومنارات إرشاد‬
‫املريخ بكل ترحاب وسهولة ألهنا متأقلمة للعيش‬ ‫ألجياهلم إذا ما حاولـوا يوماً العودة لكوكبهم‬
‫يف بيئات أشد قسوة من البيئة املرخيية‪ .‬وهناك‬ ‫األم ‪ ..‬وستبقى تلك املعامل إىل حينها لوحات‬
‫ميكنها القيام مبهمات تساعد اإلنسان يف إحياء‬ ‫تذكارية ‪ ،...‬فاملريخ اآلن هو ع��امل ميت يف‬
‫الكوكب األم إلعادة جوه ومائـه ‪.‬‬ ‫انتظار من يوقظه ‪.‬‬
‫سيعيد العلماء يف املستقبل للمريخ جوه وماءه‬
‫وسيعود نصف جنة عدن ماء وخضرة ومجال‬ ‫إيقاظ املريخ‬
‫وسيغدو املريخ موئل احملبني والعشاق ونزالً يؤمه‬ ‫مع مرور الزمن سيعتقد الكثري من أحفادنا‬
‫العرسان لقضاء شهـر العسل ‪ ،‬وسيبُنى على‬ ‫حنن البشر أن بإمكاهنم بعث احلياة يف ذلك‬
‫سطحه مستعمرات تُ��زود مباء نقي وأوكسجني‬ ‫العامل امليت ‪ ،‬وأن جيعلوه شبيهاً باألرض اليت‬
‫صافٍ يضخ هلا من األرض عرب أنابيب من أشعـة‬ ‫هم ساكنوها ‪ ،‬وأفكار العلماء احلاليون ( منذ‬
‫ليزر موسعة القطر ومقساة اجل��وان��ب وكأهنا‬ ‫اآلن ) هي غزيرة يف هذا املنحى ‪ ،‬ويعتقدون‬
‫‪111‬‬ ‫أنبوب نقل (‪ )PIPE LINE‬وما أحالم العلماء‬ ‫أنه يكفي تدفئة هـذا الكوكب فيتسامى غاز‬
‫سوى حدس وإهلام ‪ ...‬وصحيح أهنا ليست بعيدة‬ ‫الكربون من قممه القطبية وتطلق حمتواها‬
‫عن اخليال لكنهم حيققوهنا أخرياً‪ .‬وسيسعد هبا‬ ‫م��ن غ��از ثاني أكسيد الكربون ‪ ،‬وه��ذا الغاز‬
‫القادمون من بعدنا ‪.‬‬ ‫س��وف يعمل على امتصـاص ح��رارة الشمس‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫العلم واخليال العلمي ينهضان معاً مبهمة‬
‫استكشاف الفضاء والزمن واحلياة والكون‪ ،‬وموقع‬
‫وعينا البشري يف هذا الكون‪ ،‬وكالمها يؤدي هذا‬
‫العمل على حنو مرض يتوخى التشجيع املتبادل‪،‬‬
‫فاالزدهار العلمي الذي حدث يف العقود األخرية‬
‫ساعد على الربط بني اخليال العلمي وأحدث‬
‫مبتكرات العلم‪ ،‬والتأمل الطويل واخليال يسهمان‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫معاً يف استثارة فضولنا‪ ،‬وذلك أن اإلنسان هو‬
‫املخلوق الوحيد الذي وهب اخليال‪ ،‬ومنح القدرة‬
‫على تصور ماال وجود له‪ ،‬وزود بعقل ميكنه أن‬
‫يقهر الزمان واملكان‪ ،‬وخيلق أشياء مل يكن هلا‬
‫وجود من قبل قط‪ ،‬فهو يوسع بذلك حدود العلم‬
‫وميد آفاقه‪ ،‬فليس للعمل إذن وجود بدون خيال‪،‬‬
‫ولو كان املرء يف املاضي‪ ،‬أي قبل حوايل مخسني‬
‫عاماً مثالً‪ ،‬من متابعي قصص اخليال العلمي‪،‬‬
‫فلعله ينظر إىل بعض ماحيدث يف جمال البحث‬
‫العلمي اليوم‪ ،‬وكأنه حتقيق لتنبؤات قرأ عنها يف‬
‫املاضي ضمن حكايات خيالية مسلية‪ ،‬فمن كان‬
‫يتوقع يف أوائل اخلمسينيات أن يهبط اإلنسان‬
‫فوق القمر‪ ،‬وأن يصبح السفر إىل الفضاء أمراً‬
‫مألوفاً ؟ ومن كان يتوقع عندما قرأ رواية «آلة‬
‫ال��زم��ن» ( ‪ )Time Machine‬تلك القصة‬
‫اخليالية امل��ث�يرة‪ ،‬أن يصبح موضوع السفر يف‬
‫الزمن قضية يبحثها الفيزيائيون ‪ ،‬وجيدون هلا‬
‫نظريات واملعادالت الرياضية‪.‬‬

‫قصص اخليال العلمي‬


‫ي��ع��رف ق��ص��ص اخل��ي��ال العلمي ب��أن��ه ذلك‬
‫الضرب من الرواية الذي يعرض لتيارات التغيري‬
‫يف العلم ويف اجملتمع‪ ،‬فهو يهتم بنقد النماذج‬
‫العلمية الثابتة وتوسيع نطاقها‪ ،‬وإع��ادة النظر‬
‫فيها واختاذ هنج ثوري إزاءها‪ ،‬وهدفه هو العمل‬
‫على حتويل زاوية النظر إىل تلك النماذج حبيث‬
‫تغدو أكثر جتاوباً وتوافقاً مع الطبيعة‪ ،‬وحسبما‬
‫ينطوي عليه التعريف‪ ،‬فإن اخليال العلمي الرفيع‬ ‫‪112‬‬
‫املستوى حيث العمل باستمرار على مواصلة‬
‫استكشافه ملعاني الواقع‪ ،‬فهو يعيب به أال يفرتض‬
‫م ‪ .‬وهدان وهدان‬
‫ثبوت األوض���اع الراهنة أو مج��وده��ا‪ ،‬لذلك أن‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫اليقتصر هدفه على تسلية القارىء أو الرتويح‬
‫عنه‪ ،‬بل يتعداه إىل التبشري والتبوء بالتطورات‬
‫العلمية والتقنية وال��دع��وة إليها واحل��ث على‬
‫حتقيقها‪ ،‬وأدب اخليال العلمي ال��ذي يضم يف‬
‫أوسع معانيه املخيلة واخليال املبدع‪ ،‬والذي يبشر‬
‫باإلجناز العلمي‪ ،‬وميهد له السبيل‪ ،‬قديم قدم‬
‫البشرية‪ ،‬وهو يستقي مادته شأن األساطري من‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫حلم اإلنسان القديم يف السيطرة على الطبيعة‪،‬‬


‫يف عملية ابتكار األدوات واألساليب التقنية‪ -‬أياً‬
‫كانت درج��ة بساطتها‪ -‬خيتلط احللم بالعقل‬
‫واخليال باحلساب الدقيق‪ ،‬وليس من السهل‬
‫دائماً التمييز بني هذا وذاك‪.‬‬

‫اخليال العلمي والتقدم التكنولوجي‬


‫ولئن كان أحد األه��داف الرئيسية للتطوير‬
‫التكنولوجي حتسني وسائل اإلنتاج من أجل زيادة‬
‫العائد فإنه يبدو للوهلة األوىل هدفاً عملياً‬
‫حمضاً العالقة له باخليال أو اإلبداع‪ ،‬فإن هذه‬
‫ليست إال قطرة سطحية حيث أن ك��ل إجناز‬
‫تقين تسبقه مرحلة أوىل على درج��ة بالغة من‬
‫األمهية‪ ،‬هي املرحلة اليت جيري فيها البحث عن‬
‫كافة احللول املمكنة ملشكلة معينة انطالقاً من‬
‫أقصى قدر ميكن احلصول عليه من معلومات‪،‬‬
‫األم��ر ال��ذي يتيح لألفكار أن تتبلور ‪ ،‬ويف هذه‬
‫املرحلة ي��ك��ون للحدس واخل��ي��ال واإلب����داع من‬
‫األمهية مايفوق أمهية التقنية احملضة‪ ،‬وقد لعب‬
‫هذا اخليال الطليق دوره يف اخرتاع العجلة بقدر‬
‫مالعبه يف تشييد األهرامات املصرية‪ ،‬أو يف إنتاج‬ ‫النموذج القائم أو ال��رؤي��ة السائدة للعامل قد‬
‫أول طائرة فوق صوتية‪.‬‬ ‫انبعثت من املاضي‪ ،‬وال تليب إال مقتضيات هذا‬
‫وقد أثبت تاريخ التقدم التكنولوجي أن اخليال‬ ‫املاضي‪ ،‬ولذلك فإن هناك حاجة ماسة إىل طرق‬
‫مادعمته املعارف العلمية اليكف عن بذر بذور‬ ‫جديدة ملعاجلة احلاضر الذي اليكف عن التطور‪،‬‬
‫األفكار اجلديدة والتصورات املبدعة األصلية‪،‬‬ ‫ناهيك عن املستقبل‪.‬‬
‫وقد اتضح من الدراسات أنه لصنع أية آلة يراد‬ ‫ولقصص اخليال العلمي قواعدها اخلاصة‬
‫هلا أن تلقى رواج �اً جتارياً‪ ،‬البد من أن يدرس‬ ‫به‪ ،‬وملا كان يعين بتلمس آفاق جديدة للعلم ‪،‬فهو‬
‫‪113‬‬ ‫مسبقاً مابني مخسني وستني فكرة جديدة على‬ ‫يعد مبثابة مرآة تعكس أحدث اإلجنازات يف هذا‬
‫األق��ل‪ ،‬ذلك هو اجملال الذي يستطيع فيه أدب‬ ‫اجملال‪ ،‬بل أنه يستطيع يف بعض األحيان أن يزود‬
‫اخليال العلمي أن ينهض بدور حاسم يف اإلبداع‬ ‫العلم بأفكار يستثمرها وحييلها إىل ابتكارات‬
‫التكنولوجي‪ ،‬دور اليتمثل يف تقديم أفكار دقيقة‬ ‫واكتشافات جديدة‪ ،‬ذلك أن أدب اخليال العلمي‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫احلال يف مضمار املعاجلة اإللكرتونية للمعلومات‪،‬‬ ‫أو حلول علمية يتمخض عنها خيال الكاتب‬
‫ال��ت�ي ق��ل��م��ا ي��س��ت��غ��ل م��ؤل��ف��و اخل���ي���ال العلمي‬ ‫بقدر مايتمثل يف حث الباحثني واملهندسني على‬
‫موضوعاهتا يف الوقت الذي تسخر فيه خلدمة‬ ‫إجياد حلول جديدة حبق‪.‬‬
‫العلم والتكنولوجيا على نطاق واس��ع‪ ،‬وعندما‬ ‫ويف قصة « جسر القطب الشمايل» اليت نشرت‬
‫اليسمح مستوى التطور التكنولوجي الذي بلغته‬ ‫عام ‪ 1941‬ذكر كاتبها الكسندر كازانتشيف النفق‬
‫حضارة ما بإجناز مشروعات معينة ‪ ،‬فإننا نعترب‬ ‫العائم‪ ،‬وعلى الرغم من أنه اليوجد يف الوقت‬
‫تلك املشروعات وليدة اخليال العلمي‪ ،‬فقبل ظهور‬ ‫احل��اض��ر نفق مي��ر ع�بر القطب ال��ش��م��ايل‪ ،‬فإن‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫الطائرات بأربعة قرون كان ليوناردو دافنشي قد‬ ‫املهندسني اليابانيني حياولون بناء ه��ذا النفق‬
‫صمم أول منوذج آللة طائرة‪ ،‬ومل يكن مشروعه‬ ‫ل��رب��ط ج��زي��رت��ي « ه��ون��ش��و» وه��وك��اي��دو» ‪ ،‬كما‬
‫يف نظر معارضيه إال « يوتوبيا» تكنولوجية‪ ،‬إذ مل‬ ‫أن مشروع بناء نفق حتت مياه حبر املانش قد‬
‫يكن باستطاعة أحد أن يشرح كيف ميكن أن تُدار‬ ‫انتهى‪ ،‬ويف قصة « اجلزيرة املشتعلة» اليت نشرت‬
‫مروحة طائرة بالنظر إىل أن احملركات مل خترتع‬ ‫عام ‪ 1939‬لنفس الكاتب الكسندر كازانتشيف‬
‫إال بعد ذلك بزمن طويل‪.‬‬ ‫ج��اءت فكرة اس��ت��خ��دام امل���واد فائقة التوصيل‬
‫وكانت تلك هي الرحالت الفضائية منذ ماال‬ ‫(‪ )Supereonductors‬يف خزان الطاقة‪.‬‬
‫يزيد على بضع عشرات من السنني‪ ،‬فلما مل‬ ‫أما كاتب اخليال العلمي شريانودي بريجراك‬
‫يكن التطور التكنولوجي قد بلغ احلد الذي بلغه‬ ‫فقد وضع تصميماً ملصابيح على شكل بالونات‬
‫اليوم‪ ،‬كان من احملال أن تصنع صواريخ متلك من‬ ‫مضيئة تنبىء بظهور املصابيح الكهربائية بعد‬
‫قوة الدفع ما يكفي للوصول إىل الفضاء‪ ،‬غري أن‬ ‫ذلك بزمن طويل‪ ،‬وكذلك وصف عميد أدب اخليال‬
‫أدب اخليال العلمي كان قد تنبأ بالدور احلاسم‬ ‫العلمي األمريكي (هوغو جرينزياك) يف رواياته‬
‫للصاروخ‪ ،‬يشهد بذلك ماعمد إليه جون فرين‬ ‫طريقة عمل جهاز تلفزيوني يف وقت مل يكن فيه‬
‫( أحد رواد اخليال العلمي) من تزويد مركبته‬ ‫هذا االخرتاع قد خطر على بال أحد بعد‪ ،‬وهذا‬
‫القمرية بعدة صواريخ مساعدة‪.‬‬ ‫اليعين‪ ،‬وهذا اليعين أن كل تنبؤات اخليال العلمي‬
‫قد حتققت‪ ،‬وال أهنا سوف تتحقق بالضرورة يوماً‬
‫الرحالت الفضائية من اخليال إىل الواقع‬ ‫ما‪ ،‬وكذلك ينبغي لنا أال خنلط بني هذه التنبؤات‬
‫أما الفضاء اخلارجي الذي كان جماالً مفضالً‬ ‫وبني التوقعات العلمية اليت تستند إىل قوانني‬
‫من جماالت نشاط اخليال العلمي‪ ،‬فنحن نقيم فيه‬ ‫دقيقة‪ ،‬كتوقعات (مندليف) (‪ )1907-1834‬مثالً‬
‫اليوم معامل ومراكز أحباث‪ ،‬بل وورشا تقنية‪ ،‬ومل‬ ‫بشأن وجود عناصر كيماوية جمهولة‪ ،‬أو اكتشاف‬
‫يعد رواد الفضاء شخصيات يف قصص اخليال‬ ‫(كاليد تومر) لكوكب بلوتو عام ‪ 1930‬الذي كان‬
‫العلمي‪ ،‬وإمنا هم باحثون ومهندسون يعملون يف‬ ‫قد توقع وجود وموقعه قبل ذلك خبمس عشرة‬
‫مضمار تقنيات الفضاء اجلديدة‪ ،‬وقد اقرتح أحد‬ ‫عشرة سنة تقريباً عامل الفلك األمريكي لوريل‬
‫أساتذة الفيزياء على تالمذته املبتدئني أن يصمموا‬ ‫ع��ام ‪ 1930‬ال��ذي ك��ان قد توقع وج��وده وموقعه‬
‫مشروعاً ملستوطنة فضائية‪ ،‬وكانت النتائج األولية‬ ‫قبل ذلك خبمس عشرة سنة تقريباً عامل الفلك‬
‫هلذه احملاولة يف جمال اخليال العلمي مشجعة‬ ‫األمريكي لوريل ( ‪.)1916-1855‬‬
‫إىل درج��ة أن األستاذ شرع يف إج��راء حسابات‬
‫جدية بشأهنا‪ ،‬وترتب على ذلك أن علماء الفضاء‬ ‫تكنولوجيا العصر تتجاوز اخليال‬ ‫‪114‬‬
‫وبلغ التقدم العلمي والتكنولوجي من السرعة يعرفون اآلن اخلربة والدراية واملواد اخلام الالزمة‬
‫أحياناً ماجيعل اخليال العلمي عاجزاً عن التنبؤ لبناء مستوطنة فضائية‪ ،‬ورمبا يشكل الروس يف‬
‫بالثورات التكنولوجية بل وعن متابعتها ‪ ،‬تلك هي بناء حمطات فضائية ‪ ،‬وتوصل األمريكيون إىل‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫صنع مركبة الفضاء املكوكية‪ ،‬اخلطوة األوىل يف‬
‫اجتاه بناء أول مستوطنة فضائية صورها الكاتب‬
‫آرث��ر س��ي ك�لارك يف رواي��ت��ه « موعد م��ع راما»‬
‫(‪. )Rendez Vous With Rama‬‬
‫أم��ا الكاتب الربيطاني املعروف آرث��ر كالرك‬
‫فقد عرض يف أحد أعماله اليت كتبها بعد احلرب‬
‫العاملية الثانية مباشرة لفكرة وضع قمر صناعي‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ي��دور بسرعة دوران األرض‪ ،‬يف م��دار يقع على‬


‫ارتفاع ثالثني ألف كيلو مرت من األرض لغرض‬
‫استخدامه يف االتصاالت الالسلكية‪ ،‬ويف إعادة‬
‫ب��ث ب��رام��ج ال��رادي��و وال��ت��ل��ف��زي��ون‪ ،‬وك��ان��ت قصة‬
‫قسطنطني تسيولكوفسكي بعنوان ( خارج الكرة‬
‫األرضية) اليت نشرت يف بداية القرن املنصرم‪،‬‬
‫تتضمن من األفكار العلمية الصحيحة ماجعلها‬
‫تصلح أساساً لعلوم املالحة الفضائية‪.‬‬
‫وكتب دي بريجرال ( ‪ )1655 -1619‬قصتني‬
‫مه��ا ‪ :‬ال��ت��اري��خ الفكاهي ل���دول وإمرباطوريات‬
‫القمر (‪Histore comique des Etats et‬‬
‫‪ )Empires de la Lune‬والتاريخ الفكاهي‬
‫ل���دول وإم�ب�راط���وري���ات ال��ش��م��س (‪Histoire‬‬
‫‪comique des Etats et Empiirs du‬‬
‫‪ )Soleil‬والقصتان اعتربتا ن��وع�اً م��ن اجلنون‬
‫وختيالت األطفال يف ذلك الوقت‪ ،‬ففيهما حديث‬
‫عن الصواريخ متعددة املراحل اليت تتخذ وسيلة‬
‫للتنقل بني الكواكب‪ ،‬فضالً عن ان��ع��دام الوزن‬
‫واهل��ب��وط باملظالت وال��ق��ول ب��أن جسم اإلنسان‬
‫مكون من خاليا‪.‬‬

‫الروبوت واخليال العلمي‬


‫والواقع أنه ينبغي أال ننسى أن كتب اخليال‬
‫العلمي كثرياً ماكانت بشري بتطورات تكنولوجية‬
‫تالية‪ ،‬ويف الوقت احلاضر‪ ،‬حيث تعدُّ الروبوتية‬
‫(‪ )Robotics‬واح��داً من جم��االت التكنولوجيا‬
‫الطليعية‪ ،‬وجيدر بالذكر أن كلمة (‪ )Robot‬هي‬
‫‪115‬‬ ‫لفظة مشتقة من كلمة ( ‪ )Robota‬التشيكية‬
‫ومعناها (عمل) وق��د صاغها الكاتب الروائي‬
‫التشيكي ك��اري��ل تشابيك ( ‪ )1938-1890‬يف‬
‫روايته ( ‪)Rossums Universal Robots‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫‪ )Robotics‬حيث حيدد القوانني الثالثة اليت‬ ‫اليت نشرت ألول مرة يف مدينة براغ عام ‪.1921‬‬
‫حتكم عمل الروبوت وهي‪:‬‬ ‫وتقع أحداث الرواية يف املستقبل على جزيرة‬
‫اليصح لروبوت أن يلحق األذى بإنسان‪ ،‬أو أن‬ ‫جيري فيها إنتاج الروبوتات وبيعها كعمال أو‬
‫يتسبب له يف ضرر المتناعه عن إتيان عمل ما‪.‬‬ ‫خدم أو جلود‪ ،‬ثم أطلقت اللفظة بعد ذلك على‬
‫جيب على الروبوت أن يصدع لألوامر اليت‬ ‫أي جهاز قادر على ممارسة قسط من (التفكري)‪،‬‬
‫يصدرها إليه اإلنسان ما مل يكن يف ذلك تعارض‬ ‫ويستطيع أن يؤدي أعماالً تكرارية بسيطة كان‬
‫مع القانون األول‪.‬‬ ‫أداؤها وقفاً على اإلنسان من قبل‪.‬‬
‫جي��ب ع��ل��ى ال���روب���وت أن ي��ت��وىل بنفسه أم‬ ‫ويف البداية كانت طريقة تناول كتاب اخليال‬
‫احملافظة على (حياته) مادام ذلك اليتعارض مع‬ ‫العلمي ملوضوع الروبوتات تعكس قلق اجملتمع‪،‬‬
‫القانون األول والثاني‪.‬‬ ‫إن مل يكن خوفه من التطورات التكنولوجية‬
‫أما يف عامل الواقع فقد أصبحت الروبوتات‬ ‫السريعة‪ ،‬فكثرياً ماكانت الروبوتات األوىل تصور‬
‫على درجة من الدقة والتعقيد اليكاد يصدقها‬ ‫على أهن��ا مسوخ مروعة تنزع إىل التمرد على‬
‫العقل‪ ،‬وقد رفعت عن كاهل اإلنسان عدداً كبرياً‬ ‫خمرتعيها‪ ،‬وتعيث يف األرض ف��س��اداً وسفكاً‬
‫من األعمال التكرارية الرتيبة‪ ،‬أو تتسم باخلطر‬ ‫للدماء ‪ ،‬غري أنه مع تعود اجملتمع على التقدم‬
‫أو التلوث‪.‬‬ ‫التكنولوجي‪ ،‬وألفته أياه‪ ،‬بدأت الروبوتات تصور‬ ‫‪116‬‬
‫ويف قصص اخليال العلمي احلديث‪ ،‬يتيح‬ ‫مبزيد من التفهم والتعاطف‪ ،‬وق��د جتلى هذا‬
‫موضوع الروبوتات للكتاب فرصة إمعان النظر يف‬ ‫التحول يف كتاب ذاع صيته للكاتب األمريكي‬
‫احملتويات العلمية والفلسفية واألخالقية للذكاء‬ ‫(أسحق أزمي��وف) عنوانه (‪Three Laws of‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫التوصل على إنتاج أول جمهر بعشرات السنني‪،‬‬ ‫الصناعي (‪)Artificial Intelligenece:Al‬‬
‫وقبل أكثر من قرنني من حتقيق كل من باستري‬ ‫من ذلك مثالً‪ ،‬أنه يف قصة من قصص اخليال‬
‫ومتنيكوف تلك االكتشافات ال�تي هنض عليها‬ ‫العلمي ينهمك روبوتان‪ ،‬وقد تركا على رف أثناء‬
‫علم امليكروبيولوجيا‪.‬‬ ‫فرتة توقف عن العمل‪ ،‬يف مناقشة فلسفية تنتهي‬
‫وت���دور قصة الكاتب السوفيييت الكسندر‬ ‫هبما إىل اسم ( اإلنسان) ينطبق على الروبوت‬
‫بيايايف ( رأس الربوفسور دوويل) اليت تشرت عام‬ ‫أكثر من انطباقه على اإلنسان نفسه‪.‬‬
‫‪ 1925‬حول إمكانية زرع األعضاء البشرية‪ ،‬وبعد‬
‫عدة عقود من ذلك التاريخ أثار عامل سوفيييت‬ ‫أشعة الليزر يف اخليال العلمي‬
‫يُدعى «بريو تشونينكو» دهشة العامل حني زرع‬ ‫وأشعة الليزر كانت أحد املوضوعات األثرية‬
‫رأس كلب يف جسد كلب آخ��ر‪ ،‬واآلن أصبحت‬ ‫يف أدب اخليال العلمي‪ ،‬وقد تنبأ هبا أحد الكتاب‬
‫عملية زرع األعضاء أم��راً مألوفاً يكاد حيدث‬ ‫السوفييت‪ ،‬وأصبحت ال��ي��وم تقطع الفوالذ‪،‬‬
‫كل يوم‪ ،‬وقد وقف العامل مشدوهاً أمام عمليات‬ ‫وتلحم السبائك الصلبة يف املصنع‪ ،‬وتستخدم يف‬
‫زرع القلب اليت أجراها الدكتور كرستيان برنارد‪،‬‬ ‫جماالت عديدة يذكر منها الطب واملواصالت‬
‫وتناول الكاتب السوفيييت الكسندر بيلياييف يف‬ ‫السلكية والالسلكية‪ ،‬وهي تبشر اآلن بتطورات‬
‫قصته ( بني احلياة واملوت) عام ‪ 1926‬مسألة‬ ‫مل يسبق هلا مثيل يف جمايل العلم التكنولوجيا‪،‬‬
‫إدامة احلياة بوسائط طبية (‪)Anaabioses‬‬ ‫وتنطوي يف الوقت نفسه على إمكانيات تدمريية‬
‫وأول من ع��رض إمكانية (إع���ادة احلياة ) ملن‬ ‫الختطر ألحد على بال‪.‬‬
‫هم يف نزع املوت هو كاتب سوفيييت آخر يدعى‬ ‫اخليال العلمي والطب‬
‫‪117‬‬ ‫يوري لوجوشن يف قصته (مولد املعجزات) عام‬ ‫ً‬
‫وحتى جمال الطب مل يكن بعيدا عن اخليال‬
‫‪ ، 1939‬وهكذا فإىل الكاتبني يرجع فضل التنبؤ‬ ‫العلمي فلقد أك��د سريانو دي ب�يرج��راك كاتب‬
‫بتقنيات اإلنعاش اليت أصبحت اآلن أمراً شائعاً‪.‬‬ ‫اخل��ي��ال العلمي وج���ود امل��ي��ك��روب��ات يف الدم‪،‬‬
‫اليت أصبحت اآلن أمراً شائعاً‪.‬‬ ‫وم��ق��اوم��ة األج��س��ام امل��ض��ادة هل��ا‪ ،‬وذل���ك قبل‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫بنجاح يف عشرات املعامل املستقلة حيث توىل‬ ‫ختاطر األفكار‬
‫جهاز حاسب مهمة مضاهاة ال��رس��وم‪ ،‬ورمبا‬ ‫إن كتب اخليال العلمي اجلادة تدور قصصها‬
‫تكون بعض البحوث احلديثة اليت جتري على‬ ‫حول نظريات علمية واقعية‪ ،‬وحت��اول التكهُّن‬
‫الوعي البشري هي حقاً البحث العلمي يف القرن‬ ‫بتأثريها على اجملتمع يف املستقبل بإبراز هذه‬
‫احلايل يف جمال تالقي اخلواطر‪.‬‬ ‫اآلراء بشكل واقعي مقبول من الناحية النفسية‬
‫لقد أصبح من الواضح اليوم ضرورة ربط حركة‬ ‫على األق��ل‪ ،‬وإن مل يكن من الناحية املنطقية‪،‬‬
‫الواقع بتطورات العلم من جانب‪ ،‬وتنبؤات اخليال‬ ‫ولكن هناك اجلانب اآلخر من القصص العلمي‬
‫العلمي من جانب آخ��ر فاالرتقاء إىل مستوى‬ ‫ال���ذي ليس أس��اس �اً علمياً م��ع��روف�اً كظاهرة‬
‫مهام القرن احلادي والعشرين وحتدياته يتطلب‬ ‫ختاطر األفكار بني شخصني (‪)Telepathy‬‬
‫إسهام الفنون والعلوم على السواء‪ ،‬وكتاب اخليال‬ ‫لكنه أصبح يف ذهن الناس حقيقة علمية لكثرة‬
‫العلمي يعرضون ل��دراس��ة ع��دد م��ن مشكالت‬ ‫م��اأب��رز يف كتب القصص‪ ،‬وجهود العلم فيما‬
‫يتعلق باستكشاف قدرات العقل البشري ليست‬
‫املستقبل مثل االكتظاظ السكاني‪ ،‬وذكاء العقول‬
‫بعيدة كل البعد عن مواكبة حتديات اخليال‬
‫اإللكرتونية‪ ،‬والفناء النووي بدرجة من العمق‬
‫العلمي‪ ،‬ففي منتصف سبعينيات القرن املاضي‬
‫ودقة التفاصيل جتعلهم جديرين بثناء املختصني‬
‫عمد اثنان من علماء الفيزياء مبعهد ستانفورد‬
‫يف إجراء البحوث املستقبلية وتكرميهم‪ ،‬وميكن‬
‫للبحوث إىل إج��راء جت��ارب دقيقة حول تالقي‬
‫االستفادة من طابع التأثري الشخصي املباشر‬
‫اخلواطر (‪ )Telepathy‬حيث يطلب من أحد‬
‫الذي هو مسة من مسات أدب اخليال العلمي يف‬ ‫الوسطاء أن يرسم صورة ملوقع بعيد (يراه) من‬
‫تركيز االنتباه اليوم على آفاق املستقبل‪ ،‬فعامل‬ ‫عيين وسيط آخر موجود يف ذلك املوقع‪ ،‬ومل‬
‫الغد كما يتصوره كاتب اخليال العلمي املعاصر‬ ‫يكن أي من الوسيطني يعرف سلفاً املوقع الذي‬
‫هو عامل تكون فيه رحالت الفضاء أمراً مألوفاً‪،‬‬
‫وتوجد حضارات يتخاطب فيها الناس بتالقي‬
‫ستتم زي��ارت��ه‪ ،‬إذ إن احل��اس��ب اإلل��ك�ترون��ي هو‬
‫الذي اختار هذه املواقع‪ ،‬وكذلك فإنه لضمان‬
‫‪118‬‬
‫اخلواطر دون وساطة من إشارات حسية ‪،‬فهل‬ ‫موضوعية النتائج‪ ،‬عهد مبضاهاة الرسوم على‬
‫ميكن اعتبار هذه التصورات حتديات مشروعة‬ ‫حمكمني اليعرفون أي الرمسني قصد به هذا‬
‫للعلم‪ ،‬أم هي جمرد أوهام وختيالت؟‪...‬‬ ‫املوقع أو ذاك‪ ،‬وقد أعيد إج��راء هذه التجربة‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫البيئة ومفهومها وعالقتها باإلنسان‬

‫البيئة لفظة شائعة االستخدام يرتبط مدلوهلا بنمط‬


‫العالقة بينها وبني مستخدمها فنقول‪ -:‬البيئة الزراعية‪،‬‬
‫والبيئة الصناعية‪ ،‬والبيئة الصحية‪ ،‬والبيئة االجتماعية‬
‫والبيئة الثقافية‪ ،‬والسياسية‪ ....‬ويعنى ذل��ك عالقة‬
‫النشاطات البشرية املتعلقة هبذه اجملاالت‪...‬‬
‫وقد ترمجت كلمة ‪ Ecology‬إىل اللغة العربية بعبارة‬
‫«علم البيئة» اليت وضعها العامل األملاني ارنست هيجل‬
‫‪ Ernest Haeckel‬ع��ام ‪1866‬م بعد دم��ج كلمتني‬
‫يونانيتني مه��ا ‪ Oikes‬ومعناها مسكن‪ ،‬و ‪Logos‬‬
‫ومعناها علم وعرفها بأهنا «العلم ال��ذي ي��درس عالقة‬
‫الكائنات احلية بالوسط الذي تعيش فيه ويهتم هذا العلم‬
‫بالكائنات احلية وتغذيتها‪ ،‬وطرق معيشتها ووجودها يف‬
‫جمتمعات أو جتمعات سكنية أو شعوب‪ ،‬كما يتضمن أيضاَ‬
‫دراسة العوامل غري احلية مثل خصائص املناخ (احلرارة‪،‬‬
‫الرطوبة‪ ،‬اإلشعاعات‪ ،‬غازات املياه واهلواء) واخلصائص‬
‫الفيزيائية والكيميائية لألرض واملاء واهلواء‪.‬‬
‫ويتفق العلماء يف الوقت احلاضر على أن مفهوم البيئة‬
‫يشمل مجيع الظروف والعوامل اخلارجية اليت تعيش‬
‫فيها الكائنات احلية وتؤثر يف العمليات اليت تقوم هبا‪.‬‬
‫فالبيئة بالنسبة لإلنسان‪« -‬اإلطار الذي يعيش فيه والذي‬
‫حيتوي على الرتبة واملاء واهلواء وما يتضمنه كل عنصر‬
‫من هذه العناصر الثالثة من مكونات مجادية‪ ،‬وكائنات‬
‫تنبض باحلياة‪ .‬وما يسود هذا اإلطار من مظاهر شتى‬
‫‪119‬‬ ‫من طقس ومناخ ورياح وأمطار وجاذبية و مغناطيسية‪..‬‬
‫اخل ومن عالقات متبادلة بني هذه العناصر‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫‪Science Fiction‬‬
‫رمب��ا ك��ان هن��اد شريف أح��د األوائ���ل الذين‬
‫كتبوا يف اخل��ي��ال العلمي يف ال��وط��ن العربي‪،‬‬
‫وتعد روايته قاهر الزمن إحدى أهم الروايات‬
‫اليت صدرت يف السبعينيات وقد أخرجها كمال‬
‫الشيخ للسينما ومل يصل الفيلم إىل املستوى‬
‫املعرب عن التقنية الرفيعة يف الرواية‪.‬‬
‫ورمبا كانت جمموعته (أنا وكائنات الفضاء)‬
‫اليت ص��درت عن كتاب اليوم يف القاهرة هي‬
‫العمل اخل��اص له بعد قاهر ال��زم��ن‪ ،‬و‪ :‬رقم‬
‫‪ 4‬يأمركم‪ ،‬والزيتونة‪ ،‬وسكان العامل الثاني‪،‬‬
‫واملاسات الزيتونية‪.‬‬
‫وتضم اجملموعة عشر قصص كلها تدور‬
‫حول كائنات العوامل األخرى لذلك عنون هناد‬
‫شريف جمموعته باسم (أنا وكائنات الفضاء)‬
‫وهو عنوان خيتلف عن عناوين القصص داخل‬
‫اجملموعة يف قصته (ام���رأة يف طبق طائر)‬
‫حيث يلتقي طلعت الشربيين بفتاة تشده إليها‬
‫بوجهها العذب وشخصيتها اجلذابة اجلميلة‪.‬‬ ‫‪120‬‬
‫فيالحقها حتى يصل إىل جسم على شكل طبق‬
‫طائر تدفعه الفتاة إىل داخله ليجد جمموعة‬ ‫د‪ .‬حامد إبراهيم‬
‫من الفتيات يشبهنها شبهاً تاماً كأهنن أخواهتا‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ح��روب نووية عاملية فيما بني شعوبكم وهي‬ ‫التوائم وحي��س أن أوام��ره��ا تصله عن طريق‬
‫إن قامت الت��دم��ر األرض فقط وإمن��ا املعدن‬ ‫ت��وارد اخلواطر‪ ،‬ويقوم حبقن بعض الكائنات‬
‫الغازي الذي حنتاجه‪ ...‬وبان األسى يف نغمتها‬ ‫احمل��ددة اليت تدب فيها احلياة تقول له وهي‬
‫ال��واه��ن��ة وه��ي حت��دث طلعت الشربيين كما‬ ‫تشكره مسين صاحبة ال�لا اس��م القادمة من‬
‫فعلنا مع األطلنطيني الذين بلغوا أعلى درجات‬ ‫بعيد‪ ،‬بعيد ج��داً أو لتسمين املالحة الكونية‬
‫الرقي وملسوا درجات العدوانية يف وقت واحد‬ ‫من الدولة املوحدة على الكوكب جانيمينر أحد‬
‫فمحوناهم وأبدنا قارهتم‪ ،‬وحضارهتم اجلائرة‬ ‫أقمار املشرتي يقول هلا الفلكي طلعت الشربيين‪:‬‬
‫قبل أكثر من ستة آالف عام‪ ...‬ويتساءل الفلكي‬ ‫وفيم قدومكم إىل أرضنا؟‬
‫وكيف؟‬ ‫جتيبه يف مكان آخ��ر‪ :‬إن ك��ل رحلة كونية‬
‫جتيب الفتاة‪ :‬أطلقنا عليهم مائيت صاروخ‬ ‫نقوم هبا إىل كوكبكم تكلفنا الكثري من اجلهد‪...‬‬
‫نرتوني أهلكت مجوعهم وأفنتهم يف ملح البصر‪،‬‬ ‫األرض حتتوى يف مناطق منها معدن غازي أنتم‬
‫لكنها مل مت��س ت��راب األرض بسوء والمست‬ ‫مل تكتشفوه بعد لوجوده يف املناطق القطبية‬
‫شعوباً بدائية مساملة جت��اور ه��ؤالء العمالقة‬ ‫وحدها‪ ...‬بينما ميثل لدينا لب حياتنا‪...‬حنن‬
‫املستبدين‪.‬‬ ‫دائمو البحث عنه يف الكواكب احمليطة‪ ...‬اليت‬
‫وقبل أن يغادر الفلكي الطبق الطائر قبض‬ ‫تصلها سفننا الكونية مبجرد أن تفد إىل كوكبنا‬
‫بشدة على يدي صاحبة الال اسم‪...‬‬ ‫بينما خيلو منه املريخ والزهرة وعطارد ويف‬
‫آه لو بقيت هذه املخلوقة على أرضي‪ ...‬لو‬ ‫اجلانب اآلخر الحيتويه زحل وال أوران��وس أو‬
‫‪121‬‬ ‫أمدت أهلي بعضاً من تعقل قومها ومن حكمتهم‬ ‫نبتون‪ ...‬ثم حتكي له الفتاة عن شعب جانيميد‬
‫واتزاهنم!‬ ‫وتقول له‪:‬‬
‫ويف قصة (وتوقفت عقارب الساعة) جترى‬ ‫ماتكدسونه من سالح كفيل بتدمري الكوكب‬
‫مقابلة مع أحد االختصاصيني حول موضوع‬ ‫عشرين م��رة‪ ،‬هدفنا من مراقبتكم منع قيام‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫ورقابتها‬ ‫تزايد‬
‫األط����ب����اق‬
‫الصارمة‪...‬‬
‫ال�����ط�����ائ�����رة‬
‫وي�����ق�����دم�����ون‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫يف جــــــــــــــــــو‬
‫ال��ن��ص��ح ل��ه بعدم‬
‫األرض ويؤكـــــــــد‬
‫إكمال مشروع عقل‬
‫االختصاصي أنه يؤمن‬
‫العقول ويبينون له أهنم‬
‫متاماً بوجود كائنات عاقلة‬
‫من الكوكب دوش الواقع يف‬
‫يف ال��ك��ون وك��ان ذل��ك يف ‪31‬‬
‫طرف اجملرة‪.‬‬
‫آب ‪2506‬م أي بعد حوايل ‪501‬‬
‫وجيتمع العلماء إلقرار عملية‬
‫عاماً من اآلن‪ ...‬هذا االعرتاف من‬
‫التخلص اجل��زئ��ي م��ن احلاسبات‬
‫قبله جيعل الكائنات العاقلة تلتقي به‬
‫اإللكرتونية وحتدث كوارث يف البالد‪...‬‬
‫وحت��ذره من بناء حاسوب مركزي مطاع‬
‫ألن احلواسيب تستخدم يف كل مكان وبدوهنا‬
‫الذي مسوه عقل العقول‪ ...‬وجتيبه الكائنات‬
‫حتدث حوادث خطرية‪...‬وتكثر حوادث النسيان‬
‫األرضية عن سبب التحذير‪( :‬أفخاخ الكائنات‬
‫ب�ين العلماء ال��ذي��ن ك��ان��وا يعتمدون حواسيب‬
‫األرض��ي��ة ب��دأت منذ أول نشأهتا متساوية أو‬
‫تذكرهم مبا جيب أن يعملوه طوال اليوم وكيف‬
‫متشاهبة ث��م ت���درج بعضها واخ��ت��ل��ف بعضها‬
‫تتخلص حضارتنا من أجسام معدنية دقيقة‬
‫اآلخ��ر يف أسلوب معيشته عن بقية الكائنات‬
‫بريئة ترتبص هبا يف حتد؟‬
‫احلية مما يالئم تسيده وبروزه على ماعداه من‬
‫ويف قصة (الكوكب الغامض) يصمم العامل‬
‫خملوقات ودواب‪ ...‬وظلت غالبية أفخاخ البشر‬
‫مسيح الفاضلي بعد دراسته لكوكب وافد ضمن‬
‫والتزال دون الكفاية املطلوبة ودون النبوغ األمثل‬
‫جمال الرصد أن يعرف نوعية احلياة على هذا‬
‫وب��دالً من تنمية ه��ذه األف��خ��اخ استعيض عن‬
‫الكوكب ويساعده يف ذلك صديقه زاهر رغم أنه‬
‫ذلك بإحلاق أفخاخ أخرى صناعية هبا وتوضح‬
‫اليرضى عن التجربة اليت يرغب بإجرائها‪...‬‬
‫املخلوقات استخدامات احلاسب اإللكرتوني يف‬
‫ماكادت ساعات النهار تشد رحاهلا أمام ملكة‬
‫األرض ثم حدثه عن احلضارة النوشية اليت‬
‫الليل حتى كان االثنان جيلسان متقابلني إىل‬
‫تسبق احل��ض��ارة األرض��ي��ة ب��ـ (‪ )19‬أل��ف عام‬
‫اجل��ه��از ال��ع��م�لاق إلرس����ال م��وج��ات االنتقال‬
‫أرضي وكيف عرفوا احلاسبات وبنفس الرتتيب‬
‫الفكري عرب األثري بواسطة الذبذبات الالسلكية‬
‫من جيل بدائي حتى اجليل املتطور املتفوق‪.‬‬
‫فائقة القصر اليت يبثها‪ ،‬تناول مسيح القناع‬
‫ويؤكد له أحد الكائنات‪ :‬احلاسبات الختلق‬
‫املصنوع من رقائق معدن خفيف واملزود بواجهة‬
‫والت��ب��ت��ك��ر والت���ب���دع وه���ي المت��ل��ك املشاعر‬
‫زجاجية مسيكة وسلكني عريضني عند األذنني‬
‫واألحاسيس على اإلطالق‪ ...‬لقد فقد النوشيون‬
‫وآخر مزدوج عند الفم والذي تزينه جمموعة‬
‫من املكثفات وبؤر احلساسية‪ ...‬ويبدأ اجلهاز‬
‫القدرة على العدو والتصرف التلقائي واضمحلت‬ ‫‪122‬‬
‫طاقاهتم الذهنية بينما ازداد اعتمادهم على‬
‫بالعمل وزاهر يعبث مبؤشرات التحكم‪.‬‬
‫اآللة وأصبحوا صاغرين حيال قدراهتا وأوامرها‬
‫وت��ض��اء ملبة مح��راء وي���دوي أزي��ز حمركات‬
‫بل حتولوا عبيداً أذالء خاضعني لتصرفاهتا‬
‫كهربائية‪ .‬الكوكب يف املواجهة منطقة جبلية‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫يف وهن البداية ثم بسرعة متزايدة حتى اختفى‬ ‫مت�لأ جم���ال ال��رؤي��ة وب���دا وك���أن ق���وى خفية‬
‫خ�لال عشر دقائق خملفاً مكانه م��لء ملعقة‬ ‫متسلطة تسري يف عنف خالل السارية البارزة‬
‫من مسحوق ناصع البياض‪ ...‬أخذ الصندوق‬ ‫من السقف الالمع‪ ...‬إىل الفضاء إىل أعماق‬
‫املعدني األسود الذي وجد بني خملفات الطبق‬ ‫الكون‪ ...‬يتسلل صوت أجوف من مسيح خلف‬
‫الطائر إىل املخترب وفحصه جيوكيميائي ولغوي‬ ‫القناع وكأنه صادر عن بئر سحيقة‪ :‬إني أقرتب‬
‫ويكتشف أن ن��وع امل��ع��دن غ�ير م��ع��روف على‬ ‫أرى السحب املرتاكمة تغلفه‪ ...‬أقف على حافة‬
‫األرض‪ ...‬أما الكتابة املوجودة فكانت‪ :‬حنن‬ ‫الوادي تتدافع على مقربة مين سيول عارمة من‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ننشد صداقتكم‪ .‬وهي بلغة هريوغليفية‪ ...‬أما‬ ‫املياه والثلج والطني‪...‬وبقايا أشجار وأجزاء من‬
‫بقية الكلمات السلفية واليت على األرجح تفسر‬ ‫حيوانات عمالقة‪.‬‬
‫اسم ومكان الكوكب مصدر الرسالة فجار حالياً‬ ‫حياول العثور على خملوقات تشبه البشر‪...‬‬
‫دراستها للتوصل إىل مدلوهلا‪:‬‬ ‫ولكنه يرى قروداً عليا تشبه اإلنسان‪ ...‬التعرف‬
‫يف قصة (لقاء مع حفيدة خوفو) يأتي أناس‬ ‫الزراعة وال اللغة وال النار‪ ...‬مل يتوصلوا لشيء‬
‫جمهولون من بينهم فتاة إىل قرية نائية يبحثون‬ ‫إال لإلمساك بعظام منتزعة من جثث حيوانات‬
‫فيها عن آث��ار يتابعهم طبيب متخرج حديثاً‬ ‫ميتة حياول مسيح أن يصل إىل الزعيم ومبوجة‬
‫بفضول واستغراب وينشغل عن عروسه زميلة‬ ‫فكرية هائلة ينفذ إىل خمه البدائي ويبدأ يبث‬
‫دراسته يف حماولة لكشف سرهم‪...‬‬ ‫له كيف تشعل النار‪ ...‬حيك الزعيم مستجيباً‬
‫يكتشفون أنه يتابعهم فيطلبون مساعدته يف‬ ‫حجرين حتى تنطلق ش��رارة ويولد أول قبس‬
‫شراء أغراض حيث يذهب والفتاة إىل السوق‬ ‫يف الكوكب البدائي‪ ...‬يقفز رجال القبيلة من‬
‫ليشرتي أشياء غريبة‪ ...‬وينشد حنو الفتاة‬ ‫اخل��وف ويتصاحيون يف زجم��رة حيوانية ثم‬
‫وحني يريها صورة عروسه تقول له إهنا هيسكا‬ ‫يدفعون الزعيم إىل النار حيث يلتهب جسمه‬
‫األمرية هيسكا‪ ...‬مل تكمل كالمها حيث تقبض‬ ‫ويصل اللهب إىل مسيح الذي يكون على اتصال‬
‫ذراع وحشية عليها وتسحبها إىل السيارة تاركة‬ ‫مبوجاته الفكرية مع الزعيم‪ :‬إنين أشوى إنين‬
‫الطبيب يف ح�يرة‪ ...‬ولكنه يصمم على متابعة‬ ‫أموت‪.‬‬
‫هؤالء الغرباء حتى يتوهوا منه‪ ...‬ليبحث يف‬ ‫لقد كانت أمامهم أع��وام طويلة ليكتشفوا‬
‫املنطقة ال�تي اخ��ت��ف��وا فيها ث��م يسمع صوت‬ ‫النار لوال حتشرج صوت مسيح وقد أمسكت‬
‫ترتيل متناغم يتتبع الصوت القادم من أعماق‬ ‫نريان مبهمة يف مالبسه‪ ...‬ودوى انفجاران هزا‬
‫غار أخفته تبة وشراذم من الصبار وشجريات‬ ‫البناء فقد اح�ترق املكثفان الضخمان لتزايد‬
‫املر الصحراوية وخلف التبة جيد السيارتني‬ ‫طاقتهما‪ ...‬ودوت صرخة أمل فظيعة وسقط‬
‫فيتسلل إىل داخل الغار فيجدهم جيتمعون حول‬ ‫جسد يتلوى وهوى حيمل أبشع قسمات وجه‬
‫تابوت يقفز أمامهم شاهراً بلطته وحني يتبني‬ ‫أكلته النريان‪.‬‬
‫من يف التابوت جيد أهنا فتاة مثل خطيبته متاماً‬ ‫ويف قصته (سر القادم من أعلى) يكتشف‬
‫حيكون هلم أهنم قادمون من قمر ي��دور حول‬ ‫األط��ف��ال يف بلدة نائية طبقاً ط��ائ��راً حمطماً‬
‫أورانوس وأهنم بال رئات وأن أجدادهم خرجوا‬ ‫فيه كائن صغري مصاب‪ ،‬دمه لونه غريب وجلد‬
‫من األرض إىل ذلك اجل��رم البعيد قبل آالف‬ ‫جسمه غري ع��ادي ول��دى اجتماع الناس اكتظ‬
‫‪123‬‬ ‫السنني وقد أصابت الفتاة أمريهتم هيسكا –‬ ‫حوله أكثر من أربعني رجالً وطفلتني انطلق نوع‬
‫حساسية من جراء تسلل ذرات األكسجني إىل‬ ‫خمضر من األخب��رة عدمية الرائحة يتصاعد‬
‫بشرهتا قبل ثالثني عاماً فوضعوها يف تابوت‬ ‫من أحن��اء غالف الكائن الكوني القزم أو من‬
‫ألن املصل الذي كانوا حيملونه صد احلساسية‬ ‫أعماقه وعلى األثر أخذ قوامه يتقلص وينكمش‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫سقوف‪ ...‬تعاىل الطنني وازدادت احلرارة بفعل‬ ‫قد تفجرت قوالبه نتيجه ارتطامه بالصخر‪.‬‬
‫تزاحم الكرات الضوئية‪ ...‬نفذت كرة الضوء‬ ‫وقد ع��ادت سفينتهم بعد تلك امل��دة ومعها‬
‫ذاهتا عرب كرة يف جدار املبنى انزلقت خالل ممر‬ ‫املصل لعالج األم�يرة املتجمدة‪ ...‬وبني دهشة‬
‫أنبوبي ‪ ...‬حطت على مصطبة تضم فقاعات‪.‬‬ ‫الطبيب واستغرابه شق شعاع ضوء رفيع عنق‬
‫استقرت عليها والتصقت وظهر بعض االنبعاج‬ ‫األم�ي�رة ووض���ع ق��ال��ب صغري يف حجم قالب‬
‫يف أسفلها وتتالت فقرات أخطر تقرير يف تاريخ‬ ‫الشوكوالته ويف أعقاب ساعة زمنية كاملة كانت‬
‫الكوكب الربتقايل السابح يف طرف جمرة درب‬ ‫األم�يرة تأخذ طريقها إىل طبق طائر اندفع‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫التبانة‪ ...‬حتققنا من وجود أجسام من كائنات‬ ‫حملقاً يف اجلو ثم خمتفياً بسرعة خارقة‪.‬‬
‫يف الكوكب الثالث من جمموعة الشمس أجسام‬ ‫يف (ع�ي�ن ال��س��م��اء) تتهم إح���دى الفتيات‬
‫معدنية هلا دروع ثقيلة متينة حمكمة بزوائد على‬ ‫بارتكاب جرمية قتل ولكن قريبها ال��ذي مل‬
‫جانبيها ورأس يف األعلى بعضهم يسعى وحده‬ ‫يقتنع بصحة االهتام يطلع صديقه الفلكي على‬
‫وبعضهم اآلخر مع آخرين يف طابور طويل‪...‬‬ ‫القضية فيحاول هذا من خالل بث الرسائل‬
‫وه��ذه الكائنات تنفث غ��ازات ض��ارة وتصدر‬ ‫الالسلكية بينه وب�ين سكان كوكب بعيد عن‬
‫عنها ذبذبات صوتية مزعجة هذا هو تقريرنا‬ ‫األرض الوصول إىل احلقيقة وعند التحريات‬
‫األويل عنها ونقوم بإعداد تفاصيل أكثر إثارة‬ ‫يتمكن سكان الكوكب البعيد من معرفة تفاصيل‬
‫عن كائنات مصفحة وانفجارات مريبة تشبه‬ ‫ارتكاب اجلرمية فيصفوهنا للفلكي الشاب الذي‬
‫النباتات العمالقة وتصل السماء‪ ...‬ما يؤذن‬ ‫يقدمها للمحكمة لتظهر براءة الفتاة‪.‬‬
‫بقرب انشطار الكوكب‪.‬‬ ‫ويف (وجهان لعملة واحدة) يتخيل الكاتب أن‬
‫ويف قصة (اللقاء الرهيب) يكتشف الرواد‬ ‫العلماء العرب وصلوا سنة ‪1999‬م إىل كوكب‬
‫الذين حيطون فوق كوكب يدور حول جنم يف‬ ‫املشرتي يف سفينة فضائية متطورة تقع يف أسر‬
‫حافة اجمل��رة حياة عاقلة ف��وق ذل��ك الكوكب‪.‬‬ ‫كائنات هالمية غامضة تعيش يف جوه وتبدأ‬
‫يصطحب قائد رحلتهم كائناً قصري القامة إىل‬ ‫هذه الكائنات بإجراء االختبارات على اإلنسان‬
‫ممرات وسراديب حتت األرض قبل أن يدخله‬ ‫القادم من األرض‪.‬‬
‫إىل قاعة ضخمة هبا حاسب ملح القائد عدداً‬ ‫ويف ق��ص��ة (ت��ق��ري��ر ع��اج��ل) ج��س��م غريب‬
‫من الكائنات اليت تلبس أردي��ة فريوزية ويغلب‬ ‫يتحرك بعد طول سكون وهو أشبه جبذر شجرة‬
‫على أطرافها السواد ل��دى اليدين والقدمني‬ ‫مقلوب يبدو مسيكاً مدبباً م��ن أعلى يطول‬
‫كما أحس القائد ارتفاعاً يف حرارة جو القاعة‬ ‫بارتفاع قامتني ‪...‬أزرق بنفسجياً متلؤه الزوائد‬
‫تفرس يف املخلوق الواقف قبالته كان رأسه ميثل‬ ‫والنتوءات العصبية البالغة احلساسية‪...‬انطلقت‬
‫ثلث حجمه تقريباً رأس ضخم أصلع بعظام‬ ‫من قمة اجلذر كرة من ضوء غريب كأهنا دائرة‬
‫جبهة بارزة أما الوجه فكانت مالحمه وقسماته‬ ‫نورانية احندرت بعيداً عن الصخرة اليت تثبت‬
‫لوجه طفل مل يتعد عامه العاشر وصغرياً للغاية‬ ‫هبا اجل��ذر‪ ...‬وما إن بلغت اجلانب املقابل من‬
‫بالنسبة ملساحة الرأس كأنه السرة يف هناية مثرة‬ ‫اجلبل حتى انكشف أمامها منظر فريد حبر‬
‫برتقال‪ ...‬جلس‪ ...‬جبانب احلاسب الضخم‬ ‫مياهه الثقيلة محراء ساكنة بال موج فال رياح أو‬
‫وبدأت يداه تعبثان ب��أزراره حيث صدر صوت‬ ‫هواء والجو فوقه باملرة شاطئه إمسنيت بنته يد‬
‫فحيح ثم تكونت على احلاسب أشكال حروف‬ ‫فنان‪ ...‬اختارت الكرة أحد املسارات على يسار‬ ‫‪124‬‬
‫عربية وبدا حوار بني القائد وسكان الكوكب عن‬ ‫البحر واندفعت إليه كما يندفع الشهاب‪...‬‬
‫طريق العقل اإللكرتوني‪ :‬شعبنا يرصد األرض‬ ‫وم��اك��ادت تصل إىل هناية املسار حتى أقبلت‬
‫منذ آالف السنني بآالت رصد عظيمة ويعرف‬ ‫على مايشبه جتمعاً مهوالً من قباب شاهقة بال‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫ويتعرف القائد على سكان الكوكب أجسامنا‬
‫مثل أجسامكم وقد خلت الزائدة الدودية املرارة‬
‫الطحال امل��ري اللوزتني األسنان كما ضمرت‬
‫املعدة ألن الطهو لدينا ممتد ومعظمه لني مثل‬
‫األلبان والسوائل‪.‬‬
‫ويعرف القائد تفاصيل املأساة اليت عاناها‬
‫شعب الكوكب األزرق منذ آالف السنني حيث‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ب��دأت تنفذ م��ادة مشسهم وقل ال��دفء وعمت‬


‫الربودة وتسرب األوكسجني إىل السطح ما سبب‬
‫الشيخوخة املبكرة ونفذ األيدروجني إىل الفضاء‬
‫اخلارجي وفيما وراء جدار بلوري كانت ترقد‬
‫عشرات األجساد مبا يشبه السبات الكامل وقد‬
‫غطتها غالالت رقيقة‪ ...‬حنن من تبقى حياً‬
‫وال دراية لنا بتشغيل أجهزة الالسلكي ‪ ...‬أنتم‬
‫األمل لنا‪ ،‬األمل املتبقي يف مساعدتنا لنهيئ‬
‫إمكانية احل��ي��اة على كوكبنا م��ن جديد هذه‬
‫عشرة أشرطة تسجيل هبا كل ما تريدون معرفته‬
‫عنا وعن مهمتنا وهبا خطة هجرة مجاعية لو‬
‫مسحتم لنا إىل كوكبكم أو كوكب آخر ينقذنا‪...‬‬
‫وي��ودع الكائن القائد األرض��ي وتقلع السفينة‬
‫بروادها والعواطف جياشة مبحنة كوكب عمته‬
‫كارثة نفاذ مادة مشسه الساطعة‪.‬‬
‫إن قصص هناد شريف‪ ...‬متميزة بأسلوهبا‬
‫وخياهلا اجملنح وه��و يؤكد فيها أن الكائنات‬
‫العاقلة ال�تي ت��زور األرض بأطباقها الطائرة‬
‫وأجسامها املشطورة هي كائنات وديعة مساملة‪،‬‬
‫تريد للبشر أن يسموا بفكرهم عن األنانية‬
‫واحلروب الطاحنة وتطوير األسلحة الفتاكة‪...‬‬
‫ورس��ل األرض إىل الكواكب األخ��رى‪ ،‬جيب أن‬
‫يكونوا كذلك رسل حمبة وسالم وتعاون‪..‬‬
‫فمكان جرم جانيعيد حيتاجون معدناً غازياً‬
‫يف منطقة القطب بعد نفاذه من جرمهم الذي‬
‫يدور حول املشرتي‪ ...‬وقد قضوا على سكان‬
‫األطلنطيد القدماء الذين بلغوا أسوأ درجات‬
‫‪125‬‬ ‫العدوانية يف اخرتاعهم أسلحة فتاكة كانت‬
‫ستدمر اخرتاعهم قبل آالف السنني وسكان‬
‫الكثري عنكم وقد مت لنا حل رموز ثالث لغات الكوكب نونى الواقع يف طرف اجملرة يف قصة‬
‫تتحدثوهنا هي العربية‪ ،‬اليونانية‪ ،‬الفارسية أخرى أيضاً حيذرون البشر من مغبة سيطرة‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫وتساعد خملوقات كوكب بعيد يف كشف‬ ‫العقول اإللكرتونية على املخ البشري فيما‬
‫جرمية وتربئة متهمة كما يساعد طبيب بشري‬ ‫بعد‪ ،‬أو أن يعتمدوا كلياً عليها وحني حياول‬
‫خملوقات كوكب بعيد يف إنقاذ حياة مالحي‬ ‫تطوير القدرة العقلية لسكان كوكب وافد ضمن‬
‫سفينة فضاء قادمة من كوكب بعيد‪ ...‬كما‬ ‫جم��ال الرصد ليقفز هبم لثالثة ماليني عام‬
‫يصمم رواد ف��ض��اء ش��ج��ع��ان ع��ل��ى مساعدة‬ ‫ويعرفهم وهم البدائيون على سر النار حيرتق‬
‫شعب منكوب يف كوكب يدور حول الشمس يف‬ ‫وتنفجر مكثفات جهاز الطاقة الفكرية ألن‬
‫طرف اجمل��رة مع نفاذ م��ادة الشمس تدرجيياً‬ ‫التطور بالتدريج وليس دفعة واحدة‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫ولكن هناك استثناءات أيضاً فالفكر احلقري ‪/‬‬ ‫وحياول األطفال يف قصة أخرى مساعدة‬
‫زاح‪ /‬يقدم تقريراً عن البشر الذين يعيشون‬ ‫كائن حتطم طبقه الطائر ولكن الفضول الزائد‬
‫يف األرض بأهنم كائنات بدائية حتتاج لتطوير‬ ‫لدى البالغني جيعله ينتهي وينكمش وخيتفي‬
‫عقوهلا لتسلك مسلك السالم واحملبة وتقتل‬ ‫تاركاً مادة بيضاء كأهنا رماد احرتاقه وحياول‬
‫غريزهتا العدوانية أما بالنسبة للكائنات اليت‬ ‫طبيب يف قرية نائية معرفة سر الكائنات‬
‫تعيش يف جو املشرتي‪ ،‬فالبشر جراثيم بدائية‬ ‫ال��ق��ادم��ة م��ن أع��ل��ى ليكتشف أهن���ا قدمت‬
‫يعكف علماء الكوكب على دراستها ودراسة‬ ‫لألرض بعد ثالثني عاماً من قدومها األول‬
‫سلوكها‪.‬‬ ‫إلنقاذ األمرية النائمة يف تابوت حمكم حبقنها‬
‫إهنا قصص جينح فيها خيال مبدع لكاتب فنان‬ ‫جبرعات ضد حساسيتها لألوكسجني وأهنم‬
‫يعرف منهج كتابة اخليال العلمي وخيلص له دون‬ ‫من قمر يدور حول كوكب أورانوس وهلم صلة‬
‫أن يقحم اخلرافة والالمنطق يف أحداث قصصه‪.‬‬ ‫قرابة بسكان األرض‪.‬‬

‫‪126‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫‪Science Fiction‬‬

‫النعامة‬
‫كثري من الطيور ال يضع إال بيضة واحدة يف موسم‬
‫التناسل ويشمل هذا العديد من الطيور اليت تعتين‬
‫بصغارها مع رهط من صغار أمثاهلا مثل األطيش‬
‫وطيور األوك ومثة طيور تضع عددا كبريا من البيوض‬
‫مثل أنثى احلجل اليت قد تضع عددا كبرياً من البيوض‬
‫تصل إىل ‪ 16‬بيضة ومن الطبيعي أن هذه البيوض‬
‫ال تفقس كلها وتنمو وتصبح بالغة وإال لكانت غزت‬
‫العامل منذ زم��ن بعيد فقط هي الصيصان القوية‬
‫اليت تعيش وهذا ما يساعد على إبقاء الصنف سليما‬
‫ومتكنه من البقاء‪ .‬ومعظم طيور احلدائق تضع ‪ 4‬أو‬
‫‪ 5‬بيضات مثل أبو احلن والسنونو والسمن والدوري‬
‫والنعامة أكرب طري يف العامل واليت تضع أكرب البيوض‬
‫حجما وقد تضع ‪ 12‬بيضة كال منها اكرب من بيضة‬
‫الدجاج بـ ‪ 24‬مرة ‪ .‬وأصغر بيضة هي اليت تضعها‬
‫أنثى عصفور النحل الطنان وهو أصغر عصفور وطول‬
‫البيضة حوايل سنتيمرت وتضع األنثى إثنتني منها ‪.‬‬
‫واأللبطروس املتجول وهو صاحب أطول جناحني بني‬
‫الطيور قاطبة ال يضع إال بيضة بينما تضع الدعويقة‬
‫وغريها من العصافري الصغرية بني ‪ 7‬و ‪ 11‬بيضة‪.‬‬
‫وعدد البيوض اليت يضعها الطري تتوقف على توفر‬
‫الغذاء فبعض أنواع البوم ال تضع بيوضا إال إذا كان‬
‫هناك من الفئران وحشرات احلقل ما يكفي لغذاء‬
‫الصغار وهناك العديد من الطيور حتضن صغارها‬
‫‪127‬‬ ‫حتى تكرب وإذا كان الغذاء وفريا ولدت فوجا آخر ويف‬
‫سين اإلقبال قد تلد ثالثة أفواج‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫يف مطلع القرن‪ ،‬بل رمبا قبل ذلك بقليل‪ ،‬بدأ‬
‫العامل‪ -‬الذي هو الغرب حتديداً آنذاك‪ -‬ينشغل‬
‫بالقضية املشرتكة للعلم واألدب‪ ،‬وكان املفكرون‬
‫واألدباء هم الذين تو ّلوا لفت النظر إىل املغامرة‬
‫العلمية املذهلة اليت كان العامل (الغرب) خيوض‬
‫غمارها يف السنوات األوىل من القرن العشرين‬
‫إذ مت��ت االك��ت��ش��اف��ات ال��ط��ب��ي��ة والفيزيائية‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫مت معها إجناز‬‫والكيميائية واهلندسية وغريها‪ ،‬و ّ‬
‫تطبيقات مثرية جداً (آنذاك) والسيما يف اجملال‬
‫التكنولوجي (التقاني) والصناعي‪ ،‬فكان هناك‬
‫املذياع واهلاتف والسيارة والطيارة وغريذلك‪.‬‬
‫وقد عمل مفكرون وعلماء وأدباء كبار باجتاه‬
‫ختيّل مستقبل العامل من خالل التقدم العلمي‬
‫املتسارع‪ ،‬وسبق إىل ذل��ك رائ��ده��م الفرنسي‬
‫جول فرين‪)1828-1905( jules Vernes‬‬
‫‪،‬ثم هـ‪.‬ج‪.‬ولز ‪)1866-1946( H.G.Wells‬‬
‫(‪ ،)2‬ولكن املسألة ظلت تدور إىل حد بعيد يف‬
‫فلك الكرة األرضية وحميطاهتا ومدارها‪ /‬إىل‬
‫أن بدأت تتبلور فكرة غزو الفضاء يف منتصف‬
‫القرن العشرين‪ ،‬واختذت املغامرة العلمية طابعاً‬
‫جديداً رمبا ميثل توق اإلنسان إىل اخلروج من‬
‫احملابس (مصطلح أبي العالء املعري) العديدة‬
‫ال�ت�ي حت���دُّ ط��م��وح��ه وت��ق��ي��د أجنحته وأمهها‬
‫حم��ب��س اجل��س��د‪ ،‬وحم��ب��س��ا ال��زم��ان واملكان‪،‬‬
‫وساعدت اإلمكانات املتصاعدة لغزو الفضاء‬
‫(أي التحرر من قيد املكان األرض��ي والزمان‬
‫النسيب) على بروز توقعات كربى بشأن طبيعة‬
‫الكون خ��ارج الكرة األرضية‪ ،‬وتوقعات وجود‬
‫كائنات حية بأشكال خمتلفة ف��وق الكواكب‬
‫الساحبة يف الفضاء‪ ،‬وكان هـ‪.‬ج‪.‬ولز قد سبق‬
‫إىل هذا التصور‪ ،‬وهكذا بدأ االرحتال العلمي‬
‫الواقعي واخليال املواكب له من إطار الكوكب‬
‫األرضي وغرائبه إىل عوامل الفضاء املطلق وغري‬
‫احملدود واملفعم بالغرائب والعجائب واملفاجآت‬
‫املدهشة‪ ،‬ونشأت بالتدريج قصص الفضاء‬ ‫‪128‬‬
‫القصرية والطويلة‪ ،‬املبنية على ارتياد الكواكب‬
‫والرتحال بني النجوم واستكمال اكتشاف العوامل‬
‫د‪.‬حسام اخلطيب‬
‫اجملهولة‪ ،‬وذلك تعبرياً عن شعور عاملي عام بأن‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫هي (مسلسالت الفضاء ‪، )space opera‬‬ ‫اإلنسانية تنتقل م��ن ط��ور احمل��ب��س األرضي‬
‫ومثاهلا رواية آيزاك أزميوف ‪Isaac Asimov‬‬ ‫إىل ط��ور االن��ط�لاق��ة الكونية‪ ،‬وتتخلص من‬
‫اليت ترصد التغيُّرات الكربى املرتقبة يف احلياة‬ ‫قيود كثرية كانت تعترب يف املاضي قدراً هنائياً‬
‫‪129‬‬ ‫البشرية ومنها اهنيار إمرباطورية األرض وانبثاق‬ ‫وح��واج��ز يستحيل ختطيها حتى م��ن خالل‬
‫إمرباطورية كونية جديدة على أنقاضها قائمة‬ ‫شحطات(الشطحات) اخليال الفانتازي املنفلت‬
‫على االرتياد واملغامرة وجتاوز احلدود والسدود‪،‬‬ ‫من أي قيد‪ ،‬وقد جنم عن ذلك اجتاه يف اخليال‬
‫وقد تنوعت قصص اخليال العلمي وانتشرت‬ ‫العلمي اكتسب بالتدريج تسمية اصطالحية‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫رمال املريخ ‪ ،Sands of Mars‬تأليف أرثر‬ ‫ع��ل��ى م��س��ت��وى ال��ع��امل ك��ل��ه‪ ،‬وك���ان حمركها‬
‫كلريك ِ‪.Arthur Clarke‬‬ ‫األس��اس��ي امل��غ��ام��رة املطلقة والتغيري وهتيئة‬
‫ولقد تطور قصص اخليال العلمي تطوراً‬ ‫البشرية إلمكان االلتقاء مبخلوقات وكائنات‬
‫مذهالً خالل النصف الثاني من القرن العشرين‬ ‫حية على الكواكب الساحبة يف الفضاء‪ ،‬التكون‬
‫ومثل بالتدريج نوعاً كتابياً هجيناً ال هو أدب‬ ‫بالضرورة شبيهة باإلنسان حجماً أو شكالً‬
‫خالص والهو علم خالص ‪ ،‬فإذا كانت روايات‬ ‫أو تصرفاً أو مقدرة‪ ،‬ولكنها يف الوقت نفسه‬
‫هـ‪.‬ج‪.‬ولز اليت تعترب أساس أدب اخليال العلمي‬ ‫ليست بالضرورة معادية لإلنسان ‪ ،‬وإن كانت‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫أقرب إىل النواحي الفكرية واألدبية من ناحية‬ ‫فرصة الصراع واحلروب الكونية قائمة دائماً‪،‬‬
‫املوقف وزاوي��ة العرض واهل��دف البعيد‪ ،‬على‬ ‫على حنو مارمسته برباعة فائقة رواية هـ‪.‬ج‪.‬ولز‬
‫الرغم من مضموهنا العلمي‪ ،‬أو العلمي املفرتض‪،‬‬ ‫املبكرة حتت عنوان‪ :‬حرب العوامل ‪War of‬‬
‫أو العلمي الكاذب ‪ ، pseudo- scientific‬فإن‬ ‫‪ the Worlds‬وه��ي تتخيل غ��زو خملوقات‬
‫روايات آيزاك أزميوف واملدرسة املعاصرة(‪)3‬‬ ‫املريخ للكرة األرضية‪.‬‬
‫يف اخليال العلمي هي رواي��ات تقف متاماً يف‬ ‫والندري إذا كان قصص اخليال العلمي قد‬
‫منطقة األع���راف بني مملكيت األدب والعلم‪،‬‬ ‫قام بدور ولو بسيط جداً‪ -‬يف تشجيع املغامرة‬
‫وبوجه خاص حدثت النقلة يف قصص اخليال‬ ‫العلمية‪ ،‬متمثلة يف (وك��ال��ة الفضاء املركزية‬
‫العلمي بعد غزو الفضاء يف الستينيات وازداد‬ ‫األمريكية ‪ ، )NASA‬على تركيز جهودها‬
‫االتكاء على مضمونه العلمي‪ ،‬وأصبح توجيهه‬ ‫باجتاه املريخ‪ ،‬إضافة إىل السبب األساسي طبعاً‬
‫واضحاً متاماً باجتاه اإلمي��ان بقدرة اإلنسان‬ ‫وهو قربه النسيب من األرض‪ ،‬فمنذ منتصف‬
‫على مواجهة احلضارات املفرتضة فوق الكواكب‬ ‫التسعينيات أعلن عن االستعداد إلرسال العربة‬
‫األخ����رى‪ ،‬ط��م��أن��ة ال��ن��اس ع��ل��ى م��ص�ير الكرة‬ ‫اآللية القديرة (‪ )Pathfinder‬إىل املريخ‪ ،‬من‬
‫األرض��ي��ة وأه��م من ذل��ك كله تصوٌّر التغريات‬ ‫أجل تلقي املعلومات والصور الدقيقة من فوق‬
‫الصارخة ال�تي حتدثها االكتشافات العلمية‬ ‫سطح هذا الكوكب الذي التفت إليه كتاب روايات‬
‫املتسارعة على مستوى احل��ي��اة االجتماعية‬ ‫الفضاء أكثر من غريه‪ ،‬وبدأت التكهنات بشأن‬
‫العامة (تغري اجملتمعات وسلوكياهتا) وكذلك‬ ‫احلياة فوق املريخ وإمكانات السفر إليه‪ ،‬فمع‬
‫على مستوى احلياة الفردية (أي نفسية الفرد)‬ ‫(ولز) تذكر مغامرة أبطال رواية جون كارتر من‬
‫والبيولوجية (أي الرتكيبة اجلسدية الداخلية)‪،‬‬ ‫املريخ ‪ john Carter of Mars‬اليت أراد هلا‬
‫وقد تطور هذا اهلدف تطوراً عظيماً مع تقدم‬ ‫مؤلفها إدغار رايس بوروز ‪E.R.Buroughs‬‬
‫أحباث اهلندسة الوراثية واالستنساخ يف أواخر‬ ‫أن تكون إطالقاً ألجنحة اإلنسان املغامر من‬
‫ال��ق��رن العشرين وازدادت مواكبته العلمية‬ ‫عقاهلا باجتاه الغريب الالهنائي والالحمدود‪،‬‬
‫للمغامرة التقانية‪.‬‬ ‫ليس من ناحية املكان فقط ولكن من ناحية‬
‫ومن املالحظ أن تقدم أدب اخليال العلمي‬ ‫طريقة العيش وأس��ال��ي��ب ال��ع��م��ران ودينامية‬
‫كان دائماً باجتاه مزيد من االتكاء على املادة‬ ‫التصرف‪ ،‬حبيث ميكن أن تكون حياة الكواكب‬
‫العلمية ومنجزاهتا واالنطالق منها إىل نطاقات‬ ‫شديدة االختالف عن أساسيات حياة الكرة‬
‫ومغامرات أوسع بكثري‪ ،‬إال أن تقنيتها العامة‬ ‫األرض��ي��ة‪ ،‬ب��ل إن األم��ر بلغ باخليال العلمي‬
‫كانت تتخذ شكل جنس أدب��ي قصصي على‬ ‫درج��ة تصور ش��روط بيولوجية خمتلفة ميكن‬ ‫‪130‬‬
‫منط الرواية أو القصة القصرية‪ ،‬ثم املسلسالت‬ ‫أن يتكيف معها اإلنسان كأن ينتج األوكسجني‬
‫التلفازية اجملسمة اليت وسعت من شعبية هذا‬ ‫من النباتات ويؤمن استمرار احلياة‪ ،‬وهنا أيضاً‬
‫اجلنس املهجن من اإلنتاج األدب��ي‪ ،‬وجعلته يف‬ ‫جرت املغامرة فوق كوكب املريخ من خالل قصة‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫اخليال املوغل يف املغامرة‪ ،‬ومستعني بالتقنيات‬ ‫إط��ار العامل املصنع على األق��ل منافساً خطرياً‬
‫احل��دي��ث��ة احل��اس��وب��ي��ة وال��س��م��ع��ي��ة والبصرية‬ ‫للقصص األدب��ي احمل��ض وكذلك للمسلسالت‬
‫مستعص كل االستعصاء على‬ ‫ٍ‬ ‫واحلركية‪ ،‬ورمبا‬ ‫األدب��ي��ة احل��واري��ة؛ وليس بعيداً ع��ن احلقيقة‬
‫ال��ت��ح��دي��دات احلالية ملقومات اإلن��ت��اج األدبي‬ ‫اإلش����ارة إىل أن ش��ي��وع ه���ذا ال��ف��ن أص��ب��ح من‬
‫وتصنيفاته‪ ،‬وما يؤكد هذه التوقعات أن الغالبية‬ ‫عوامل هتميش املؤسسة األدبية يف الغرب‪ ،‬ولكن‬
‫العظمى من املربزين يف اخليال العلمي ينتمون‬ ‫يف الوقت نفسه ينبغي االع�تراف أن تطور هذا‬
‫إىل دنيا العلم وليس إىل دنيا األدب ‪،‬كما تؤكد‬ ‫اإلنتاج القصصي ‪ ،‬شأنه شأن أي تطور بيولوجي‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫فالنتينا إيفاشيفا‪:‬‬ ‫مهجّن‪ ،‬قد ساعد مساعدة قوية على تقويض‬


‫(فمثالً ‪ ،‬اإلنكليزي آرث��ر كلريك ‪Arthur‬‬ ‫وتناقض‬
‫ٍ‬ ‫النظريات التقليدية بوجود هوةٍ التُردم‬
‫‪ Clarke‬عمالق اخليال العلمي‪ -‬كما يطلقون‬ ‫أصويل ‪ fundamental‬بني العلم واألدب‪ ،‬وقد‬
‫عليه يف بريطانيا وال��والي��ات املتحدة‪ -‬هو من‬ ‫عمل هذا اإلنتاج‪ ،‬رمبا أكثر من أي عامل آخر‪،‬‬
‫الفلكيني ال��رواد وع��امل من علماء الرياضيات‪،‬‬
‫فضالً ع��ن أن��ه أل��ف أرب��ع�ين كتاباً أو أكثر من‬
‫كتب اخليال العلمي‪ ،‬وه��ذا األمريكي (اسحق‬ ‫م���ن امل�ل�اح���ظ أن‬
‫عظيموف) ‪ Isac Asimov‬عامل مشهور من‬
‫علماء الكيمياء احليوية‪ ،‬وهذا فريد هويل ‪Fred‬‬ ‫تقــــدم أدب اخليال‬
‫العلمي ك��ان دائم ًا‬
‫‪ Hoyle‬ع��امل فلكي مشهور وع��امل من علماء‬
‫الفيزياء الفلكية ‪ ،‬ثم النمساوي أوتو فريش ‪otto‬‬
‫‪ Frisch‬واألمريكي ليوسزيالرد ‪Leo Szilard‬‬
‫مها عاملا ال��ذرة‪ ،‬أما الكاتب البولندي املشهور‬ ‫ب��اجت��اه م��زي��د من‬
‫ستانسلو ليم ‪ Stanslo lem‬فهو فيلسوف‪،‬‬
‫وأما كاتب اخليال العلمي السوفياتي الرائد إيفان‬ ‫االتكــــاء على املادة‬
‫يفرميوف ‪ ivan Yefremov‬فكان حيمل درجة‬
‫الدكتوراه يف علم البيولوجيا وكان عامل حفريات‬ ‫العلمية ومنجزاهتا‬
‫نباتية ‪، Paleontologist‬ويكاد يكون كل كتّاب‬
‫اخليال العلمي قد مارسوا تدريباً علمياً (‪)4‬‬
‫والشك أن اخليال العلمي يشكل جسراً مهماً‬
‫واالنطالق منها إىل‬
‫يف العالقة بني العلم واألدب‪ ،‬ولكن مؤشرات‬
‫تطوراته تدل على أنه انتقل من جو الوساطة‬
‫نطاقات ومغامرات‬
‫الفكرية ال�تي س��ادت نشأته األوىل إىل إمعان‬
‫يف االرت��ب��اط ب��امل��ادة العلمية ومتابعة املغامرة‬
‫أوس����������ع ب��ك��ث�ير‬
‫التكنولوجية‪ ،‬كما يستفاد من احلكم السابق‬
‫الذي يشمل كتّاب أمريكا وأوروبا‪ ،‬وكأنه مل يعد‬ ‫على متهيد الطريق ل��ردم اهل��وة بني الثقافتني‬
‫جسراً بني ثقافتني بقدر ما أصبح امتداداً شبه‬ ‫العلمية األدبية وعلى دمج اخليال العلمي باخليال‬
‫‪131‬‬ ‫أدبي (شكالً) ملضمون علمي ذي طبيعة مواكبة‬ ‫األدبي‪.‬‬
‫أو استباقية للعلم والسيما يف جماالت الفضاء‬ ‫وتشري ال��دالئ��ل إىل إمكان ب��زوغ تيار كتابي‬
‫والبيولوجيا واهلندسة والفيزياء والتقانة بوجه‬ ‫خالص ذي طبيعة علم ‪ -‬أدبية مستند إىل املنجزات‬
‫عام‪ ،‬ويزداد تدرجيياً اعتماده على التخصص‬ ‫التكنولوجية والعلمية‪ ،‬ومنطلق منها إىل آفاق‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫هتافت اجليل الناشىء على ثقب اجلسد بغية‬ ‫العلمي النوعي‪ ،‬مع االعرتاف باملقابل أنه يزداد‬
‫ال��ت��ف��رد م��ن خ�لال تشويه اجل��س��د أو إف���راده‬ ‫أيضاً اهتماماً بتنمية الوعي الفردي باملعرفة‬
‫بالوشم ‪ ،tattoo‬وسد األذنني من خالل جهاز‬ ‫العلمية وإبراز مقدرة اإلنسان على التكيف مع‬
‫االستماع الصغري جداً ‪ Ipod‬الذي يضم آالف‬ ‫معطيات املغامرة العلمية املتوالدة؛ وهذا طبعاً‬
‫األغنيات واألحلان كما ميكن أن يضم منشورات‬ ‫ليس هدفاً بعيداً عن وظيفة األدب‪.‬‬
‫بصرية‪ ،‬وكذلك أصبحت الصورة (من خالل‬ ‫ومعنى كل ما تقدم أن مدار النقاش أعاله كان‬
‫اهل��ات��ف واحل��اس��وب وال��ت��ل��ف��از) وسيلة إلغاء‬ ‫حمصوراً باكتشاف ‪-‬ورمب��ا تأسيس‪ -‬العالقة‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫التواصل البشري املباشر‪ ،‬إخل‪....‬‬ ‫الكامنة واملنتظرة بني األدب والعلم بوصفهما‬
‫وجي��ب أال يفهم مصطلح (اجل��ي��ل التائه)‬ ‫نظامني مستقلني يف إط���ار وح���دة املعرفة‪،‬‬
‫مبعناه احل��ريف‪ ،‬فهذا جمرد تصنيف لظاهرة‬ ‫وذل��ك من خ�لال التحديدات ‪definitions‬‬
‫الغربة الروحية املتزايدة لدى األجيال اجلديدة‬ ‫القائمة حتى اآلن‪ ،‬مع احتمال تغيُّر املعطيات‬
‫م��ن خ�ل�ال ال��ت��ع��ام��ل م��ع ال��ف��ض��اء اإللكرتوني‬ ‫األساسية تبعاً لتقدم مغامرات العلم وتطور‬
‫املفتوح‪ ،‬واإلنرتنيت بوجه خاص‪ ،‬وسهولة التفرد‬ ‫املغامرة الفانتازية احلديثة يف القصص األدبي‬
‫واالغ��ت�راب ع��ن اجملتمع م��ن خ�لال األجهزة‬ ‫املعاصر إىل تقارب بني العلم واألدب وتفاعل‬
‫التقانية ال�تي ت��ت��واىل يومياً ويصغر حجمها‬ ‫بني اخليال األدبي واخليال العلمي باجتاه وحدة‬
‫وي���زداد بشكل هائل حمتواها ومقدرهتا اليت‬ ‫املعرفة اإلنسانية أو تكاملها على األقل‪ ،‬وهذه‬
‫تساعد على االغرتاب والتفكك‪ ،‬ومن املعروف‬ ‫هي الرسالة اليت ما زلنا ننادي هبا منذ عقدين‬
‫أن ه��ذا اجليل ي��زداد تعلقاً وجبة بعد وجبة‬ ‫من السنني على األقل بوصفها اخليار األفضل‬
‫باإلنرتنت والفضاء اإللكرتوني وكذلك بقصص‬ ‫ملستقبل وحدة املعرفة وتعميقها أفقياً وشاقولياً‬
‫ومسلسالت اخليال العلمي اليت تقدم دائماً يف‬ ‫أيضاً‪.‬‬
‫جدول مغامراهتا تساؤالت تشكيكية متداخلة‬
‫حول ماهية املخلوق البشري ومصريه وموقعه‬ ‫درس من تطورات القصص العلمي يف الغرب‬
‫يف لوحة تقنية الفضاء اإللكرتوني‪ ،‬وهنا مكمن‬ ‫يف اآلونة األخرية ظهرت كمية تفوق احلصر‬
‫اخلوف الذي يتزايد مع مقدرة أدوات التصفح‬ ‫من كتب ودراسات تعاجل مظاهر تغريات احلياة‬
‫على ارت��ي��اد اآلف��اق البعيدة من خ�لال أبسط‬ ‫البشرية يف الفضاء اإللكرتوني وشبكة اإلنرتنت‪،‬‬
‫اجلهود‪.‬‬ ‫وم��ن أشهرها كتابان من تأليف ش�يري تركل‬
‫بل إن بعض الناس يعيشون يف جمال العوامل‬ ‫‪ )5( Sherry Turkel‬أح��اط��ا بأساسيات‬
‫اليت يقدمها مؤلف مثل م��ارك دري ‪Marck‬‬ ‫هذا املوضوع إحاطة شاملة‪ ،‬على أن نتذكر أن‬
‫‪ Derry‬يف رواية (ختطي السرعة والتسارع ‪E‬‬ ‫شريي ترِكل ليست وحدها يف امليدان‪ ،‬ومتثل‬
‫‪ )scape Velocity‬على أننا جيب أال ننسى‬ ‫هذه الدراسات تفاوتاً يف املوقف من تطورات‬
‫أن كتب اخليال العلمي اليت نطالعها واليت تقدم‬ ‫الفضاء اإللكرتوني املفتوح ‪، Cyberspace‬‬
‫صورة خميفة للفضاء اإللكرتوني تكون أحياناً‬ ‫وترتاوح مواقفها بني التفاؤل املفرط والتحذير‬
‫من صنع أناس بعيدين نسبياً عن جمال الثقافة‬ ‫املتوجس‪.‬‬
‫احلاسوبية‪ ،‬وقد يكونون على جهل تام بالسربانية‪،‬‬ ‫وق��د أص��ب��ح مصطلح التحكم اإللكرتوني‬
‫وهؤالء الكتاب يقدمون لنا عروضاً خميفة ليس‬ ‫‪ Cybernetics‬م��ث��ار ج��دل وخم���اوف حول‬ ‫‪132‬‬
‫على أساس أهنم يطرقون أبواباً جديدة يف جمال‬ ‫مستقبل جيل جديد تائه ومتفكك األواصر‬
‫أتقنوه ويعرفونه جيداً‪ ،‬ولكن من خالل رغبة يف‬ ‫يف حماولته احلفاظ على التواصل املفقود يف‬
‫تقديم اجلديد والغريب واملروّع‪.‬‬ ‫الغرب مع منجزات املاضي‪ ،‬ويزيد من وطأته‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫تتمثل يف متابعة أخ��ب��ار الدهاليز الغامضة‬ ‫وهذا األمر يقرهبم من الفانتازيا األدبية‪.‬‬
‫وال��غ��ي�لان واجل���ان والعجائب املستوحاة من‬ ‫وهكذا نرى أن سرديات اخليال العلمي كانت‬
‫تاريخ بعض العقائد املسيحية واليهودية وبعض‬ ‫دائماً جاهزة للتنافس على املدهش والعجيب‬
‫الديانات األخرى‪.‬‬ ‫وغري املألوف من خالل أية إشارة أو بادرة تفتح‬
‫وم��ع ذل��ك ب��دأت ب��وادر السبق إىل مايُشبه‬ ‫األف��ق للمغامرة املدهشة واملغرقة يف الغرابة‬
‫اإلن�ترن��ت يف أواخ��ر السبعينيات يف الواليات‬ ‫وأح��ي��ان�اً يف التوجس كما ه��و ش��أن كثري من‬
‫املتحدة أي قبيل تبلور مفهوم اإلنرتنت بعقد من‬ ‫الروايات األدبية املعاصرة‪.‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الزمن‪ ،‬وحبلول عام ‪ 1979‬استطاع سول جاف‬ ‫إن ق���ام���وس امل��ت��ل��ص��ص�ين ‪Hackers‬‬
‫‪ ، saul jaffe‬التلميذ حينئذ يف جامعة روجترز‬ ‫‪ Dictionary‬الينكر أن القصص العلمي هو‬
‫‪ Rutjers‬أن يتوصل إىل نظام لالتصال بني‬ ‫مفهوم أصيل ‪ ،‬بل إنه يشري إىل ف��روع نوعية‬
‫مجاعات مؤيدي اخليال العلمي يتجاوز طرق‬ ‫من اخليال العلمي على أهن��ا أشبه بضاحية‬
‫االتصال اهلاتفي والربيدي اليت كانت مكلفة يف‬ ‫من ضواحي واق��ع اجملتمع ال��ذي أنبت العامل‬
‫ذلك احلني‪.‬‬ ‫االت��ص��ايل للشابكة (إن�ترن��ت)‪ ،‬وه��ن��اك ُكتاب‬
‫وبعد ذلك استقر مركز هذا النظام يف جامعة‬ ‫عديدون يعرتفون أن مصادر إحيائهم تستند إىل‬
‫روجترز اليت أصبحت منذ الثمانينيات وحتى‬ ‫جملة غرائب التماثل ‪ ، Analog‬وأن هوايتهم‬

‫‪133‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫ال��ذي عقد ع��ام ‪ 1992‬يف مدينة أورالن���دو‪-‬‬ ‫اآلن املقر الرئيسي جلماعة ‪Comunity‬‬
‫فلوريدا أصبح للجماعة دليل خاص ‪Genie‬‬ ‫اخليال العلمي االفرتاضي‪ ،‬واستمرت بعد ذلك‬
‫وشعار موحد على بطاقات تعريف احملرتفني‬ ‫حماوالت التوصل إىل تقنية متطورة لتأسيس‬
‫واألن��ص��ار‪ ،‬الذين س��ادت بينهم م��ودات متينة‬ ‫شبكة اتصاالت شبه هاتفية بني أعضاء هذه‬
‫وكأهنم أصدقاء قدامى أو أبناء أس��رة واحدة‬ ‫اجلماعة من خالل ربط حاسب رئيسي بعدة‬
‫يلتقون بعد فراق‪.‬‬ ‫ح��واس��ي��ب تسهل االت��ص��ال وت��وف��ر التكاليف‬
‫ومتيزت هذه اجلماعة بالرتكيز على تطوير‬ ‫اهلاتفية الباهظة‪.‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫أساليب تقنية للتواصل والعمل املشرتك‪ ،‬وهكذا‬ ‫وهكذا نالحظ أن مجاعة أنصار اخليال‬
‫من خالل الوسائط اإللكرتونية أصبحت لديهم‬ ‫العلمي كانت تتشكل بالتدريج وتتواصل بشكل‬
‫نشرات منتظمة وآليات حوار مفتوحة وزهيدة‬ ‫رئيسي من خالل االستفادة من تقدم االتصال‬

‫إن تطور اخل��ي��ال العلمي يف ال��والي��ات املتحدة وك��ذل��ك يف‬


‫بريطانيا وأملانيا مل يتم من خالل اجلهود االتصالية الفردية‬
‫وإمن��ا من خ�لال ت��آزر مجاعات أنصار اخليال العلمي حبيث‬
‫ك �وّن��وا ت��ي��ار ًا عملي ًا م��ت��آزر ًا أصبحت ل��ه مكانته يف اجملتمع‬

‫الكلفة تناولت فيما تناولته موضوعات مهمة‬ ‫احلاسوبي املمهد لإلنرتنت‪.‬‬


‫يف اجملتمع األمريكي مثل املؤسسة العسكرية‬ ‫ومن هنا نفهم أن تطور اخليال العلمي يف‬
‫وتربية احليوانات األليفة وس��ردي��ات اخليال‬ ‫الواليات املتحدة وكذلك يف بريطانيا وأملانيا‬
‫العلمي والفانتازيا‪ ،‬وبالتدريج تنوعت موضوعات‬ ‫مل يتم من خ�لال اجلهود االتصالية الفردية‬
‫اهتماماهتم وتفرعت عنها موضوعات عديدة‬ ‫وإمنا من خالل تآزر مجاعات أنصار اخليال‬
‫أخرى‪ ،‬وطوروا بعد ذلك وسائل اتصال متشابكة‬ ‫العلمي حبيث كوّنوا تياراً عملياً متآزراً أصبحت‬
‫مع منظومة بريد إلكرتوني خاصة هبم وغري‬ ‫له مكانته يف اجملتمع‪ ،‬وك��ان يتألف من كتاب‬
‫مكلفة (خارج نطاق االنرتنت) وأصبحت فيما‬ ‫حمرتفني وجمموعة كبرية من اهل��واة واألنصار‬
‫بعد تطور وسائل محاية أخالقياهتا من ناحية‬ ‫ح��رص��ت على ال��ت��واص��ل وال���ت���آزر‪ ،‬ومل تفتها‬
‫االبتعاد عن اللغة البذيئة والتدخالت الفضولية‪،‬‬ ‫االستفادة من وسائل االتصال املذهلة اليت توالت‬
‫والرتكيز على اح�ترام حقوق امللكية الفكرية‬ ‫مع تطور اإلنرتنت‪ ،‬كما مل تنس أن تظل وفيّة‬
‫مت االتفاق مع شركة‬‫فيما بينهم إخل‪ ...‬وأخرياً ّ‬ ‫للطرق التقليدية لتيارات اجملتمع العلمي (مثل‪:‬‬
‫جنرال إلكرتيك لتوفري خطوط االتصال الالزمة‬ ‫املؤمترات واجلمعيات والروابط) يف طريقها إىل‬
‫والرقابة على أخالقيات االتصال‪ ،‬وهكذا وفرت‬ ‫تكوين تيار ثقايف اجتماعي له شارته اخلاصة‬
‫هذه الوسائل التقنية اخلاصة جداً فرصة طيبة‬ ‫ويتمتع بالقوة والتماسك‪ ،‬ويُشكل ج��زءاً من‬
‫لتشكيل ثقافة نوعية حملرتيف اخليال العلمي‬ ‫قوى الضغط ‪ Pressure Groups‬الفكري‬ ‫‪134‬‬
‫وأنصاره وأجياله الصاعدة وبالطبع استدعت‬ ‫أو االحرتايف أو السياسي اليت متيز اجملتمعات‬
‫احلاجة تنظيم املؤمترات واللقاءات الشاملة‪،‬‬ ‫املتقدمة يف الغرب والسيما يف أمريكا‪.‬‬
‫م��ا أدى إىل اب��ت��داع ش��ارت خاصة باألعضاء‬ ‫ويف املؤمتر العام لسرديات اخليال العلمي‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫املتحدة والسيما مغامرات غ��زو الفضاء يف‬ ‫واألنصار‪ ،‬وتزويدهم برموز اتصاالت خاصة‬
‫أواخ��ر الستينيات من القرن امل��اض��ي‪ ،‬برزت‬ ‫و ّف��رت الجتماعاهتم وقتاً وكلفة‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫موجة جديدة من املغامرين يف جماالت قصص‬ ‫تشكلت مجعية كتّاب اخليال العلمي والفانتازيا‬
‫اخليال العلمي‪ ،‬بلغت ذروهتا يف النصف الثاني‬ ‫يف أمريكا‪ SFWA‬وتفرعت عنها جمموعات‬
‫م��ن الستينيات (‪ )1969-1967‬ول��ك��ن هذه‬ ‫ختصص دقيق‪ ،‬ثم تطورت مالمح ثقافة نوعية‬
‫الطفرة مل تغيّر الكثري يف طبيعة اإلنتاج وآلياته‪،‬‬ ‫خاص ًة هل��ذا اجلنس من الكتابة وتالها تنوع‬
‫إال أهنا أنتجت أعماالً جيدة مبدعة من خالل‬ ‫فرعي يف اهتمامات اجملموعات املنضوية يف‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫مواكبتها لوقائع غزو الفضاء‪ ،‬وأيضاً من خالل‬ ‫هذه الشبكة الواسعة‪ ،‬وحرصاً على متاسك‬
‫االرتفاع باخليال من جلبة اآلالت وامليكانيك إىل‬ ‫اجلماعة عمل قادهتا على اختيار األوقات امليتة‬
‫اآلفاق القصيّة النائية املستوحات من انطالقة‬ ‫للتواصل املنظم فيما بني أفرادها‪ ،‬مثل منتصف‬
‫غزو الفضاء‪ ،‬وابتداء من هذه الفرتة بدأ التنافس‬ ‫الليل أي حني يفرغ كل مشارك من التزاماته‬
‫بني منجزات التقانة وهتوميات اخليال العلمي‪،‬‬ ‫األخ��رى ويقل الضغط على خطوط االتصال‬
‫وأصبح صعباً على منشورات اخليال العلمي أن‬ ‫واالل��ت��زام عندهم ه��و ال��ت��زام إىل درج��ة أهنم‬
‫تستمر يف سوق الكتاب املطبوع ملدى طويل ألن‬ ‫أحياناً يشبهون أنفسهم بعصابة من املثقفني‬
‫التحقق السريع لألحالم والفانتازيا جرّد هذه‬ ‫الرواد املغرتّين بأنفسهم واملشغولني باحلروب‬
‫األعمال نسبياً من بريقها فلم تُعدّ خياالً‪.‬‬ ‫الالهبة للدفاع عن كياهنم‪ ،‬واملالحظ أنه ابتداء‬
‫إال أن هذا الواقع أثار حتديات أصيلة وازدادت‬ ‫من مخيسينيات القرن املاضي ب��دأت تدخل‬
‫محاسة املقبلني على نادي اخليال العلمي‪ ،‬كما‬ ‫يف قوائم األمس��اء الالمعة نساء كثريات مثل‬
‫ب��دأ يظهر تطور إجيابي ملموس يف اإلسهام‬ ‫س��وزان شاورتز ‪ Suzan Shwartz‬وجوانا‬
‫السائد يف ه��ذا امل��ض��م��ار‪ ،‬وب���دأ يرتفع عدد‬ ‫رَس ‪ )6( Joanna Russ‬ومن الكتاب الذكور‬
‫النساء اللواتي يظفرن بلقب (ضيف الشرف‬ ‫الالمعون يف هذا اجملال الكاتب جيم ماكدونالد‬
‫‪ )Guest of Honor‬والشهادات األخرى اليت‬ ‫‪ jim Macdonald‬وباتريك نيلسون هايدن‬
‫ابتدعها جمتمع اخليال العلمي كما لوحظ بدء‬ ‫‪ ،Patrick Nielson Hayden‬وكذلك‬
‫تعاون الزوجات واألزواج يف الكتابة واحلصول‬ ‫سرتاشنسكي ٍ ‪ Straczynaki‬الذي جنح يف‬
‫على لقب ضيف الشرف مناصفة بني الطرفني‪،‬‬ ‫مغامرة إنشاء حمطة تلفازية للجماعة‪ ،‬وفيما‬
‫وه��ذا يؤكد متاسك اجلماعة‪ ،‬ويذكر يف هذا‬ ‫بعد تنافس الالمعني منهم يف إن��ش��اء موقع‬
‫اجملال كيت وهللم ‪ Kate Wilhelm‬وزوجها‬ ‫إلكرتوني للنواحي املختلفة إلنتاجهم‪.‬‬
‫دامون نايت ‪ ، Damon Knight‬وبالتدريج‬ ‫كما عملت إدارة اجلماعة على جتهيز أكثر‬
‫ت��ب��ل��ورت ش���روط اخ��ت��ي��ار ض��ي��وف ال��ش��رف يف‬ ‫م��ن دليل ألمسائهم وختصصاهتم وجماالت‬
‫املؤمترات الكربى اليت تعقدها مجاعة اخليال‬ ‫إسهامهم يف ال��ن��ش��اط امل��ش�ترك جلماعتهم‪،‬‬
‫العلمي‪ ،‬وصححت هذه الشروط لتجمع بني‬ ‫مت كثري من هذه االجن��ازات من خالل تنسيق‬ ‫و ّ‬
‫معياري الكم والكيف يف تقييم اإلن��ت��اج‪ ،‬كما‬ ‫اجلهود الفردية فيما بينهم‪.‬‬
‫تبلورت ش��روط أخ��رى للحصول على جائزة‬
‫اخليال العلمي ‪ ، Hugo‬اليت أصبحت فيما‬ ‫موجات من التغري‬
‫‪135‬‬ ‫بعد مقياساً للتميّز‪.‬‬ ‫بفضل دخ���ول عناصر ش��اب��ة م��ن خرجيي‬
‫ويف أواخر الستينيات حتديداً وعلى امتداد‬ ‫اجلامعات وسهولة اخن��راط هذه العناصر يف‬
‫سبعينيات القرن املاضي ظهرت تغريات كربى‪،‬‬ ‫مجهورية اخليال العلمي‪ ،‬وكذلك بفضل مواكبة‬
‫م��ن أمهها ازدي���اد إق��ب��ال النساء على تأليف‬ ‫اجلماعة للتطورات التقانية الكربى يف الواليات‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫التأليف أو من ناحية التسويق‪ ،‬إذ دخ��ل إنتاج‬ ‫ال َقصص العلمي (‪ ،)7‬واستلهام مكتشفات‬
‫القصص العلمي يف صلب جتارة األسواق واملخازن‬ ‫الفضاء يف إب���داع خ��ي��االت ج��دي��دة‪ ،‬منها مثالً‬
‫الكربى يف الواليات املتحدة ثم يف الغرب وأصبح له‬ ‫االنطالق من واقع الوصول إىل القمر ومشية نيل‬
‫واجهات خاصة وجذب اجليل الناشىء‪ ،‬كما جذب‬ ‫أرمسرتونغ ‪ Neil Armstrong‬على سطحه‪،‬‬
‫إليه كتاباً وعلماء بارزين‪ ،‬وكان ملسلسل ستار ترك‬ ‫وقد أهلمت هذه الواقعة قصصاً عديدة ترتاوح بني‬
‫‪ Stra Trek‬أثر بالغ يف اجتذاب مجهور الناشئة‬ ‫اخليال والواقع يف تصور إمكان استعمار الفضاء‬
‫بالذات حتى أن مؤمترات القصص العلمي أخذت‬ ‫واكتشاف طبيعته‪ ،‬وبالطبع هذا شعور إنساني‬
‫بالتدريج تضيق بأمواج الشبيبة املتحمسة‪ ،‬ويف‬ ‫مشرتك ولكنه يف بالد مثل أمريكا‪ ،‬وإىل درجة‬
‫كل يوم يضيف دخول الشبيبة إىل حلبة القصص‬ ‫ما أوروب��ا الغربية‪ ،‬يُعد امتداداً طموحاً ملوجات‬
‫العلمي دماء جديدة‪ ،‬والسيما من خالل الرتبية‬ ‫االستعمار االستيطاني األوروبي للكرة األرضية‪،‬‬
‫احلاسوبية واإللكرتونية اليت ي��زداد فيها بشكل‬ ‫وجيب أن نتذكر هنا أن بنية اجملتمع األمريكي‬
‫واض��ح متكن العنصر الشبابي م��ن التطورات‬ ‫هي أصالً بنية أنكلوسكسونية قامت على أساس‬
‫احلاسوبية املتسارعة والتقانات املتوالدة يومياً‬ ‫املغامرة االستيطانية (الكولونيالية)‪ ،‬وكانت‬
‫واخلياالت اليت ماتلبث أن حتقق واقعاً مثل ملح‬ ‫الفلسفة اإلنكليزية مع األدب اإلنكليزي أساساً‬
‫البصر‪.‬‬ ‫لبنية اإلنتاج الفكري واألدبي يف الواليات املتحدة‬
‫والدرس املستفاد من العرض التارخيي السابق‬ ‫على الرغم من تعدد أع��راق ولغات املهاجرين‪،‬‬
‫هو أن تصاعد هيمنة قصص اخليال العلمي مل‬ ‫ولكن ه��ذه ال���دور انعكس رأس���اً على عقب يف‬
‫يتم فقط بفضل االخرتاعات واالرتيادات املتدفقة‬ ‫النصف الثاني من القرن العشرين إذ تبلور اجتاه‬
‫يف جماالت العلوم والتقانة‪ ،‬وإمنا اكتسب مكانة‬ ‫أمريكي فكري‪ /‬أدبي‪/‬فين‪/‬سينمائي‪ /‬اجتماعي‪/‬‬
‫خاصة يف ثقافات الدول املصنعة متناسباً طرداً‬ ‫وحربي أيضاً معتد بذاته‪ ،‬وأخذ يفرض سلطانه‬
‫مع سرعة االكتشافات العلمية والفضائية بوجه‬ ‫على بريطانيا وأوروب��ا وسائر أصقاع العامل من‬
‫خ��اص‪ ،‬إال أن أمريكا متيزت بوضع اجتماعي‬ ‫خ�لال اهليمنة املالية والصناعية والعسكرية‪،‬‬
‫مميز هو التماسك احلريف للفئات واجلماعات‬ ‫وينطبق بقدر وافٍ على القصص العلمي الذي‬ ‫‪136‬‬
‫املتخصصة وقلب التنافس ال��ف��ردي إىل تآز ٍر‬ ‫بدأه جول فرين ‪ jule Verne‬يف فرنسا‪ ،‬تبلور يف‬
‫مج��اع��ي جنحت فيه مج��اع��ة أن��ص��ار القصص‬ ‫بريطانيا وأوروبا بوجه عام ثم بلغ أوجه وسلطانه‬
‫العلمي جناحاً باهراً‪.‬‬ ‫يف الواليات املتحدة األمريكية سواء من ناحية‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫اهلوامش‬
‫‪The Sands of Mars‬‬ ‫يبدو لنا مصطلح اخليال العلمي غري دقيق‬
‫ال��رج��ل ال���ذي ب��اع القمر‪ ،‬هاينلني‪،1950،‬‬ ‫ألنه الينطبق على كثري من احلاالت‪ ،‬واملقصود‬
‫‪R.Heinlin :The man Who sold The‬‬ ‫مبصطلح ‪ Science Fiction‬هو القصص‬
‫‪Moon‬‬ ‫العلمي (بفتح القاف) لتمييز السرد األدبي عن‬
‫فالنتينا إيفاشيفا‪ :‬على أبواب القرن احلادي‬ ‫السرد العلمي‪ ،‬وباملناسبة كلمة قصص هي أقرب‬
‫والعشرين‪ ،‬الثورة التكنولوجية واألدب‪ ،‬ترمجة‪.‬‬ ‫كلمة عربية إىل كلمة ‪ Ficion‬اإلنكليزية اليت‬
‫عبداحلميد سليم‪ ،‬القاهرة‪ ،‬اهليئة املصرية‬ ‫حتمل مدلوالً شامالً يغطي كل أشكال السرد ‪،‬‬
‫العامة للكتاب ‪ 36 :1986‬ومل أتدخل يف لغة‬ ‫وقد عزّت ترمجتها على الكتّاب واملؤلفني العرب‬
‫الرتمجة‪ ،‬ويعود الكتاب األصلي إىل عام ‪.1978‬‬ ‫حتى اآلن‪ ،‬ونقرتح التقيد برتمجتها إىل كلمة‬
‫‪Turkel، sherry : life on the screen‬‬ ‫قصص‪.‬‬
‫‪identity in the age of internet. New‬‬ ‫من املستحسن تذكري القارىء بأهم روايات‬
‫‪1995 ،York، Touchstone Books‬‬ ‫ولز املتعلقة هبذه املوضوع‪:‬‬
‫‪The Second self : computers‬‬ ‫آلة الزمن ‪. The Tim Machine1865‬‬
‫‪and the Human Spirit. New York‬‬ ‫ح��رب ال��ع��وامل‪The War of the 1889‬‬
‫‪.1984 .Simon and Schuster‬‬ ‫‪.Worlds‬‬
‫ان��ظ��ر ال��ف��ص��ل اخل���ام���س ب��ع��ن��وان ‪The :‬‬ ‫أوائل الرجال على سطح القمر ‪The 1901‬‬
‫‪ Women Were Always Here‬من‬ ‫‪.First Men in The Moon‬‬
‫كتاب‪:‬‬ ‫اجملموعة القصصية‪ :‬بلد العميان‪1911‬‬
‫‪Bacon smith، Camille: Science‬‬ ‫‪.The Country of The Blind‬‬
‫‪Fiction Culture university Of‬‬ ‫من أهم الروايات املبكرة يف هذا اجملال (أي‬
‫‪137‬‬ ‫‪Pennsylvania press، Philadelphia‬‬ ‫يف أعقاب احلرب العاملية الثانية مباشرة)‪:‬‬
‫‪107-95 :2000‬‬ ‫كهوف الفوالذ‪ ،‬أزميوف‪Asimov: ، 1954 ،‬‬
‫(‪ )7‬للتفصيل راج��ع‪Science Fiction :‬‬ ‫‪.The caves of Steel‬‬
‫‪ Culture‬سابق‪.‬‬ ‫رمال املريخ ‪ ،‬كلريك ‪A. Clarke: ،1951‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫إن جنساً أدبياً جديداً نسبياً أخ��ذ يزدهر‬
‫يف اآلون��ة األخ�يرة وهو ( أدب اخليال العلمي)‬
‫(‪ ، )Science Fiction‬والناشئة أكثر من‬
‫سواهم مَ��ن يقبلون على ق��راءت��ه‪ ،‬ول��و أن هذا‬
‫اجلنس األدب��ي أخذ يُالقي رواج �اً لدى الناس‬
‫عموماً ‪،‬فيقبلون عليه بينما يشكل هلم سلماً‬
‫يرتقون به إىل آف��اق أوس��ع من اخليال والعلم‪،‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫وم��امي��ك��ن أن خيبئه املستقبل م��ن كشوفات‬
‫واخرتاعات‪.‬‬
‫وإذا ما وقعت عني امل��رء على هذا العنوان‬
‫الرباق (اخليال العلمي) تشكل لديه الدافع ألن‬
‫يتناول الكتاب ليطلع على ما فيه من بعض‬
‫املعطيات اليت يراها إجنازات على أرض الواقع‬
‫هي جزء من حياته املعاصرة‪ ،‬إذاً فحياتنا مبا‬
‫أصبح فيها من تطور علمي نشهده يوماً بعد‬
‫آخر شكلت حافزاً ألي منا ألن يقبل ببساطة‬
‫على تلك الكتب اليت تكشف جانب العلم مضافاً‬
‫إليه اخليال‪ ،‬وحمموالً على أجنحة اإلنسان اليت‬
‫التنتهي‪.‬‬
‫ويف اآلون���ة األخ�ي�رة ب��دأن��ا نلحظ ن��وع�اً من‬
‫التسابق بني الكتّاب يف هذا االجتاه وكأنه نوع‬
‫من التجديد أو التحديث ألدب األطفال‪.‬‬
‫ونقف هنا لنتساءل‪ :‬هل إجنازات العلم اهلائلة‬
‫واملذهلة واليت تسجل قفزات كبرية يوماً بعد آخر‬
‫تفرض مثل هذا التوجه يف األدب؟ أم أن هناك‬
‫هدفاً عند الكتّاب لكي يأخذوا منجزات العلم‬
‫وقد كانت أحالماً وخياالت وإذا هبا على أرض‬
‫الواقع ليقفزوا منها إىل مسافات أبعد؟‬
‫ونتساءل أيضاً‪ :‬هل ميكن أن نستغين بأدب‬
‫اخليال العلمي عن األدب اخليايل واألسطوري‬
‫وأدب احلكايات الشعبية‪ ،‬واخلرافات واملوروثات‬
‫اخل‪..‬؟‬
‫قبل كل شيء جيب أن حندد هدف الكاتب‬
‫وقبل أن حندد شروط هذا اجلنس األدبي فما‬
‫اهلدف ياتُرى؟‬ ‫‪138‬‬
‫ولو حللنا كلميت‪ ( :‬خيال‪ -‬علمي) فسنقول‪:‬‬
‫هل اهلدف هو (اخليال) ومبا خيلقه من سحابات‬
‫م‪ .‬لينا كيالني‬
‫ملونة‪ ،‬ومايطلقه يف ذهن القارىء من مساحات‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫واملشتغلني بالعلم م��ن خ�لال ماليني املاليني‬ ‫حتلق ب��ه إىل ع��امل س��ح��ري؟‪ ..‬إذا ك��ان األمر‬
‫من صفحات الكتب‪ ،‬والنشرات‪ ،‬واملوسوعات‪،‬‬ ‫كذلك فال شك أن هذا الرتاث الضخم من آداب‬
‫ووس��ائ��ل اإلع�ل�ام واإلن�ترن��ت أي��ض�اً وه��ي أكثر‬ ‫الشعوب يف األساطري‪ ،‬واحلكايات‪ ،‬واخلرافات‪،‬‬
‫ثقة وحماكاة للحقيقة العلمية‪ ،‬وهم يراعون يف‬ ‫وغريها حيقق ماهندف إليه بطريقة أو بأخرى‪،‬‬
‫الوقت ذاته أسلوباً مبسطاً شائقاً يصلون من‬ ‫سواء تناولناه كما هو من مصادره أو أدخلنا عليه‬
‫خالله إىل أفكار الناس‪.‬‬ ‫إسقاطات وتغيريات تتناسب مع العصر‪.‬‬
‫إذاً فاملقصود ب��ـ ( اخل��ي��ال العلمي) شيء‬ ‫وإذا ك��ان اهل��دف هو (العلم) فاألمر يتعلق‬
‫‪139‬‬ ‫خمتلف ع��ن ه���ذا وذاك‪ ،‬ول���و أن���ه م��زي��ج من‬ ‫بالعلماء إذاً أو باملطلعني على أسرار العلم والذين‬
‫الطرفني‪ -‬أع�ني اخليال من جهة‪ ،‬واحلقائق‬ ‫يريدون أن يطلقوا قذائفهم الصغرية يف عقول‬
‫العلمية من جهة أخرى‪.‬‬ ‫الناس لتأخذ مسارها حنو الصعود واإلجناز‬
‫أما عن (اخليال) فهذا أساسي هنا‪ ،‬ألنه‬ ‫أكثر فأكثر‪ ،‬وهذا ما يقوم به كثري من العلماء‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫فنقول هلم‪ :‬ماأدواتكم؟‪ ..‬وما مفهوم أدب اخليال‬ ‫املفتاح السحري ملا ميكن أن نسميه ( أدب‬
‫العلمي عندكم؟‪ ..‬ما املقادير اليت متزجون هبا‬ ‫اخليال العلمي)‪ ،‬وتأتي احلقيقة العلمية اليت‬
‫ب�ين العلم واخل��ي��ال وأيهما أرج����ح؟‪ ..‬م��ن أين‬ ‫رمبا تكون طيفاً مل يتضح بعد‪ ،‬أو بذرة صغرية‬
‫تأتون مبصطلحاتكم العلمية لكل فرع من فروع‬ ‫مل تشق طريقها حنو النور‪ ،‬أو هي مولود ميكن‬
‫العلم؟‪ ..‬أتبتكروهنا أم تأخذوهنا من املعاجم؟‪..‬‬ ‫أن تنتج عن عدة حقائق علمية‪ ،‬إال أنه الميكن‬
‫وهل العامل اخليايل الذي ختلقونه مبنياً كلياً‬ ‫االستغناء عن هذه األرضية العلمية بشكل أو‬
‫ع��ل��ى احلقيقة ال��ع��ل��م��ي��ة؟‪ ..‬أو أن��ك��م تكتفون‬ ‫بآخر ‪ ..‬فلوال حم��اوالت الطريان اليت أخفقت‬
‫باصطياد بديهة علمية‪ ،‬أو حقيقة شائعة‬ ‫أو الناجحة مل��ا تنبأ ( ج��ول ف�يرن) بالطائرة‬
‫ومعروفة ث��م يكون العمل األدب����ي؟‪ ..‬فارتياد‬ ‫وبالصاروخ‪ ،‬ولوال اهتمام كتّاب وفنانني عظام‬
‫الفضاء مثالً أو اهلبوط على سطح القمر أصبح‬ ‫بلب املنطلقات العلمية وجوهرها مل��ا حتقق‬
‫معروفاً جداً‪ ،‬ولكن هل تُراعى الشروط املناسبة‬ ‫اخليال الذي نشدوه من خالل أعماهلم‪.‬‬
‫هلذه املعلومة أو احلقيقة العلمية حبيث يغدو‬ ‫حنن إذاً أمام جنس جديد نسبياً من األدب‬
‫العمل األدبي غري متناقض مع نفسه؟‪ ..‬صحيح‬ ‫يالقي اهتماماً من الكتّاب‪ ،‬وإقباالً من اجلمهور‬
‫أن هذا مشوق‪ ،‬ولكن ما أكثر التناقضات اليت قد‬ ‫هو ( أدب اخليال العلمي) بعد أن ك��ان نادراً‬
‫حيملها هذا العامل املتخيل أو املبتكر قياساً إىل‬ ‫وقليالً‪ ،‬إذ على مدى عشرات السنني مل يفرز‬
‫احلقائق‪ ..‬ولو عرضنا هذا العمل األدبي على‬ ‫ه��ذا ال��ن��وع أك��ث��ر م��ن ( ج��ول ف�ي�رن)‪ ،‬هربرت‬
‫عامل اختصاصي لقال‪ :‬إن هذا غري ممكن ‪..‬‬ ‫جورج ويلز (‪ ،)H.G.Wells‬والدوس هكسلي‪،‬‬
‫أو هو مستحيل‪ ..‬ألن هذه البديهة أو املعلومة‬ ‫وآخرين قلة غريهم حتى يف عاملنا العربي‪ ،‬أما‬
‫مرتبطة بسلسلة من احلقائق تزداد عمقاً كلما‬ ‫اآلن فقد كثر من يتناولون هذا األدب سواء يف‬
‫أوغلنا فيها‪ ،‬إال أن كتب اخليال العلمي يف مطلع‬ ‫الغرب أم يف بالدنا‪ ،‬ولو أهنم لدينا بنسبة أقل‬
‫القرن املاضي واليت جاءت على ضوء الكشوفات‬ ‫بكثري مما هي عليه يف الغرب‪.‬‬ ‫‪140‬‬
‫العلمية‪ ،‬كان خيال األديب فيها متكامالً‪ ،‬فاحللم‬ ‫فما األدوات الفنية اليت ميكن أن تستخدم‬
‫واخليال مها أساس العلم‪ ،‬واالحتفاظ باحللم‬ ‫يف هذا النوع من األدب؟‪ ..‬هذا سؤال ميكن أن‬
‫إمنا هو يف صاحل تطور البشرية‪.‬‬ ‫نوجهه للذين ميارسون أدب اخليال العلمي‪،‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫املدرسية‪ ،‬واللياقة يف السلوك حسب الظروف‬ ‫ولو أردنا املقارنة بني ماتوفر لدينا من أدب‬
‫مبا اليتنافى مع املفهوم األساسي وهو احلرية‪.‬‬ ‫اخليال العلمي العاملي ومافيه من متاسك من‬
‫ولو أردنا أن حندد منطلقات واضحة ألدب‬ ‫حيث املعلوماتية ‪،‬لنقارن بينه وبني هذه الطريق‬
‫اخليال العلمي لقلنا‪ :‬إن على الكاتب أن يُواكب‬ ‫اليت انفتحت أمامنا عريضة واسعة واألقالم‬
‫التقدم احلضاري يف حماولة الستدعاء رؤى‬ ‫قبل األقدام تسعى يف التنافس عليها الضطررنا‬
‫مستقبلية تكون أكثر جرأة مما هو قائم‪ /‬ولقلنا‬ ‫إىل ال��وق��وف عند بعض احملطات يف حماولة‬
‫أيضاً‪ :‬إن هذا االستدعاء لروح قرن جديد قادم‬ ‫لسرب ما يقدم يف الوطن العربي على أنه خيال‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫الينجح دون ثقافة علمية أصيلة جتنح بالكاتب‬ ‫علمي‪ ،‬ولنحدد قواعد وأسساً ثابتة هلذا اجلنس‬
‫إىل رؤى حقيقية أبعد ماتكون عن القص اخليايل‬ ‫األدبي ال ينبغي أن خيرج الكاتب عنها حبال من‬
‫األحوال‪.‬‬
‫يف عاملنــــا العربي‬ ‫صحيح أن العلم هو أيضاً خيال ولوال هذا‬
‫اخليال ملا وضع العلم فرضياته اليت وصلت بنا‬

‫مازلنــــا نستغـرب‬ ‫إىل ماوصلنا إليه لكن املنهج العلمي ضروري‬


‫فيما لو استخدمنا املنجزات العلمية احلديثة‬
‫مادة لألدب‪ ،‬فال جيوز هنا للكاتب أن يفرتض‬
‫ه�������ذا اجل���ن���س‬ ‫أسباباً أو خيلق أحداثاً أو يتوصل إىل نتائج ال‬
‫يقرها املنهج العلمي لئال نضلل ال��ق��ارىء‪ ،‬أو‬
‫األدبـــي‪ ،‬والنظرة‬ ‫نناقض ماهو قائم علمياً أو مايلقن يف املدارس‪،‬‬
‫وم���ن ج��ه��ة أخ���رى ف���إن علينا أن ن��غ��ذي هذا‬
‫إل��ي��ه الخت��ل��و من‬ ‫االجت��اه وهو الربط بني العلم واإلب��داع حبيث‬
‫يكون اخليال يف هذا االجتاه خياالً علمياً فعالً‬

‫االس��ت��ه��ج��ـ��ـ��ـ��ان‬ ‫وليس أشكاالً من التخيل والعوامل الومهية‪ ،‬ولعل‬


‫أبرز شروط اخليال العلمي هو أن يتوافق مع‬
‫النظريات العلمية الصحيحة والدقيقة أيضاً‬
‫الذي لن يكون واقعاً يف حال من األح��وال‪ ،‬ولو‬ ‫خاصة أن أب��واب اخليال العلمي التقف عند‬
‫احن���رف ال��ك��ات��ب يف ه���ذا االجت����اه ب��ع��ي��داً عن‬ ‫عتبات الفضاء فقط بل تتعداها إىل مناطق‬
‫مصداقية العلم نتيجة ضعف الثقافة العلمية‬ ‫أخرى يكون فيها اإلنسان‪ ،‬والنبات‪ ،‬واحلشرات‪،‬‬
‫لكانت اإلشارة واجبة هنا إىل ماقد ينجم عن مثل‬ ‫وال��غ��اب��ات‪ ،‬والبحار‪ ،‬واجل��ب��ال‪ ،‬وغريها الكثري‬
‫هذه األعمال من خطورة على النشء واملتلقي أياً‬ ‫موضوعاً هلذه األعمال األدبية‪.‬‬
‫كان‪ ،‬ألن دور األدب على تنوع أجناسه هو فاعل‬ ‫وإذا أصبح أدب األط��ف��ال بوصفه مفهوماً‬
‫ومؤثر يف اجملتمعات اإلنسانية‪.‬‬ ‫عاملياً خيرتق العلم من خالل اخليال العلمي فإن‬
‫ولو تعرضنا إىل أمساء أدبية بعينها حققت‬ ‫النجاح الساحق لكتب من هذا النوع هو سبب‬
‫مصداقية كبرية يف جمال أدب اخليال العلمي‬ ‫يف تقريب العلم إىل األذهان‪ ،‬إضافة ملا فيه من‬
‫لذكرنا يف هذا السياق الكاتب الروسي ( إسحق‬ ‫خيال وتشويق‪.‬‬
‫‪141‬‬ ‫عظيموف) الذي كان عامل طبيعة قبل أن يكون‬ ‫ً‬
‫لقد أصبح باإلمكان إذا تسريب قيم جديدة‬
‫كاتباً‪ ،‬واعتربنا الفرنسي(جول فرين) مؤسساً أو‬ ‫معاصرة كالعالقة مع التكنولوجيا احلديثة ‪ ،‬أو‬
‫أباً للخيال العلمي عندما جاءت رواياته الشهرية‬ ‫البيئة‪ ،‬أو التعامل يف جمتمعات كثيفة السكان‬
‫ب��ت��ن��ب��ؤات علمية أص��ب��ح��ت حقيقة ب��ع��د قرن‬ ‫تقتضي م��راع��اة أن��ظ��م��ة ال��س�ير‪ ،‬والعالقات‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫كامل م��ن ال��زم��ن‪ ،‬والننسى أي��ض�اً هكسلي‬
‫إن نظــــــــم التعليم‬ ‫وويلز وغريمها ممن ختيلوا مايقع اآلن حتت‬
‫السمع والبصر‪.‬‬
‫العربيـــــــة التأخذ‬ ‫ً‬
‫لقد وضع هؤالء مجيعاً تصورا ملستقبل حياة‬
‫اإلن��س��ان على ض��وء العلم وكشوفاته ونتيجة‬
‫ب���ع�ي�ن االع���ت���ب���ار‬ ‫التقدم التكنولوجي‪ ،‬فإذا بأدب اخليال العلمي‬
‫يرتافق مبسميات عدة كأدب التنبؤ باملستقبل‪،‬‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫ضرورة الرتكيز على‬ ‫وأدب األفكار‪ ،‬أو أدب التغيري‪ ،‬هذا األدب الذي‬
‫اليقوم إال على أساس الفرضيات العلمية قابلة‬
‫اخل��ي��ال واإلب����داع‬ ‫التحقيق ولو كان هذا نظرياً فإذا به جينح هبا‬
‫إىل ابتكارات واكتشافات واخ�تراع��ات علمية‬
‫عند النشء‪ ،‬بل إن‬ ‫جديدة‪ ،‬وما يؤكد هذا هو كتب اخليال العلمي‬
‫اليت حتدثت عن غزو الفضاء ومركباته‪ ،‬والغوص‬

‫الثغــــــرات القائمة‬ ‫إىل أعماق البحار واحمليطات‪ ،‬والوصول إىل علم‬


‫االستنساخ واجلينات وخلق سالالت جديدة من‬

‫يف تــــــــــلك النظم‬ ‫احل��ي��وان‪ ،‬وت��ط��ور علم ال���ذرة‪ ،‬وعلم الزراعة‪،‬‬


‫وغريها حتى ك��ادت تتالشى احل��دود الفاصلة‬

‫جتعــل العثـــــــــــور‬
‫بني اخليال والعلم على ضوء ماهو قائم اآلن‬
‫من تطور علمي وتكنولوجي هائل يكاد يكون‬

‫على املوهوبني أمر ًا‬


‫أق��رب إىل اخليال منه إىل احلقيقة‪،‬هذا وقد‬
‫أسس بعض العلماء نظرياهتم على تلك التنبؤات‬

‫استثنائي ًا اليتكـــرر‬
‫فكانت أساساً إلجن��ازات معاصرة كان اخليال‬
‫العلمي فيها حافزاً هلؤالء العلماء‪.‬‬
‫فهل نستطيع القول بعد كل ه��ذا‪ :‬إن أدب‬
‫يقومون بطبع الكتب وتوزيعها سواء أكانوا دوراً‬ ‫اخليال العلمي أصبح ض��رورة مستقبلية تُعد‬
‫خاصة للنشر أم مؤسسات ثقافية‪ ،‬إذ إن هذه‬ ‫اإلن��س��ان لتقبل التطور القائم وماسيأتي به‬
‫النظرة الدونية إىل هذا اجلنس األدب��ي جتعل‬ ‫املستقبل؟ أو إنه ضرورة من حيث تنمية اخليال‬
‫جم���االت نشر أدب اخل��ي��ال العلمي حمدودة‬ ‫البشري بوصفه مدخالً لإلبداع؟ أظن أن هذا‬
‫ومتواضعة‪ ،‬والتقع ضمن أولويات النشر عموماً‬ ‫سؤال مشروع مادامت هناك دول متقدمة تدرج‬
‫ال��ذي م��ازال يعتمد كثرياً على ال�تراث العربي‬ ‫أدب اخليال العلمي يف مناهجها الدراسية‪،‬‬
‫والعاملي من خ�لال امل�ترمج��ات‪ ،‬وعلى قصص‬ ‫وجتعله ختصصاً علمياً أكادميياً يف جامعاهتا‪،‬‬
‫احل��ي��وان��ات وغ�يره��ا ب��اك��ت��ف��اء غ�ير م�ب�رر ببث‬ ‫وتُدخله يف دراس��ات املستقبل االسرتاتيجية‪،‬‬
‫منظومة القيم املتعارف عليها كالقيم اإلنسانية‪،‬‬ ‫س���ؤال م��ش��روع وم�ب�رر إذا كنا الن��ري��د صدمة‬
‫واألخ�لاق��ي��ة‪ ،‬والتعليمية ال�ترب��وي��ة والدينية‪،‬‬ ‫املستقبل ألجيالنا‪.‬‬
‫واجلمالية‪ ،‬وغريها كثري دون التعرض إىل القيم‬ ‫أما حنن يف عاملنا العربي فمازلنا نستغرب‬ ‫‪142‬‬
‫املعاصرة اليت ب��دأت تفرض نفسها بقوة على‬ ‫هذا اجلنس األدب��ي‪ ،‬والنظرة إليه الختلو من‬
‫جمتمعاتنا كما على أغلب جمتمعات العامل‪.‬‬ ‫االستهجان‪ ..‬هذا بالنسبة ملن يدرسون األدب‬
‫أما مَنُ يقومون بالعملية اإلبداعية ذاهتا من‬ ‫ويقيمونه أو ينقدونه وحتى الناشرين الذين‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫كتّاب وأدب��اء فهم يقعون يف م��أزق حيال هذا‬
‫اجلنس األدب��ي حبيث خترج أعماهلم املمهورة‬
‫بتسمية ( أدب اخليال العلمي) أقل مما جيب‬
‫أن تكون عليه‪ ،‬وه��ذا امل��أزق أو هذه األزم��ة ال‬
‫تتشكل إال عند غياب الثقافة العلمية من ناحية‬
‫واجلرأة على الكتابة يف هذا اجلنس األدبي من‬
‫ناحية أخرى‪.‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ً‬
‫فلو أن كاتبا ما اعتمد معلومة علمية ما‪،‬‬
‫فوظفها يف عمل أدب��ي على أن يكون من أدب‬
‫اخليال العلمي لكان مطالباً بأن جينح باملعلومة‬
‫إىل أف��ق آخ��ر ه��و دقيق وصحيح‪ ،‬وق��اب��ل ألن‬
‫يؤسس إىل اكتشاف علمي جديد يكون اخليال‬
‫يف العملية اإلبداعية منطلقاً له‪ ،‬وهنا جتدر‬
‫اإلشارة إىل اللبس احلاصل بني تقديم املعلومة‬
‫العلمية ذاهتا بتبسيط وبأسلوب خيايل‪ ،‬وبني‬
‫األدب الذي يؤسس للخيال العلمي‪.‬‬
‫وكثرية هي التجارب اليت أخذت تظهر مؤخراً‬
‫يف عاملنا العربي على أهن��ا م��ن أدب اخليال‬
‫العلمي‪ ،‬بينما هي يف الواقع مقاربات قد تكون‬
‫مغلوطة أحياناً من واقع علمي قائم يسلط عليه‬
‫الضوء ال أكثر‪.‬‬
‫ثم إن على كاتب اخليال العلمي مهمة أخرى‬
‫الت��ق��ل أمه��ي��ة ع��ن مصداقيته العلمية‪ ،‬وهي‬
‫وض��وح الرؤية واأليديولوجيا اليت تبنى عليها‬
‫تلك الكتابات العلمية‪ ،‬فمَنْ ق��ال‪ :‬إن اخليال‬
‫العلمي اليبلور اجت��اه �اً فكرياً وأيديولوجياً‬
‫مايدعمه مسار العلم وخمرتعاته ؟ أمل ميهد‬
‫اكتشاف البارود وصنع السالح على اختالف‬
‫أنواعه وأشكاله لثقافة احلروب وهيمنة القوي‬
‫على الضعيف؟ أمل ميهد كتاب (ع��امل جريء‬
‫شجاع) هلكسلي منذ منتصف القرن املاضي إىل‬
‫تعزيز فكرة( السوبر م��ان) أو اإلنسان الغربي‬
‫املتفوق؟ مثلهما كثري‪ ..‬إذاً فهذه الكتابات العلمية‬
‫على اختالف آفاقها ورؤاها تنبثق من منطلقات‬
‫‪143‬‬ ‫فكرية‪ ،‬ومبادىء يؤمن هبا الكاتب فيكون اخليال‬
‫من خالهلا رؤي��ة‪ ،‬وهذا ماحصل مع ( هربرت‬
‫جورج ويلز) الذي كان يؤمن باالشرتاكية والدولة‬
‫العاملية‪ ،‬واخليال العلمي اليعدو أن يكون انطالقة‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫إن نظم التعليم العربية التأخذ بعني االعتبار‬ ‫خليال صانعه إمن��ا هو أيضاً إط�لاق لفكر‬
‫ضرورة الرتكيز على اخليال واإلبداع عند النشء‪،‬‬ ‫قارئه يصل به إىل أفق آخر‪ ،‬مثل ذلك الصيب‬
‫بل إن الثغرات القائمة يف تلك النظم جتعل‬ ‫ال��ذي استبدل بألعاب طفولته ألعاباً أخرى‬
‫العثور على املوهوبني أم��راً استثنائياً اليتكرر‬ ‫م��ن صنعه وم��ن وح��ي خياله ال���ذي شحذته‬ ‫‪144‬‬
‫كثرياً بني أطفالنا يف امل��دارس ‪ ،‬ومن هنا تأتي‬ ‫كتب اخليال العلمي‪ ،‬فإذا هو واحد من علماء‬
‫أمهية إعادة النظر يف النظم التعليمية والرتبوية‬ ‫ال��ع��امل ‪ ،‬إن��ه (ب��ول أل��ن) أح��د مؤسسي شركة‬
‫يف عاملنا العربي مع األخذ بعني االعتبار مواكبة‬ ‫(مايكروسوفت)‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫بينما ه��و يقع يف حيز اخل��راف��ة أو األسطورة‬ ‫العلوم احلديثة‪ ،‬وعلوم التكنولوجيا بشكل خاص‬
‫ول��و أن األس��ط��ورة ذاهت��ا حتمل يف داخلها بذرة‬ ‫لتهيئة أجيال من املبدعني والعلماء‪.‬‬
‫علمية‪ ،‬فاخليال العلمي هو ذلك الذي ينضبط‬ ‫والنغفل يف هذا السياق ضرورة التطرق إىل‬
‫فعالً بالقواعد العلمية‪ ،‬فاجلاذبية األرضية مثالً‬ ‫املوضوعات املعاصرة ومستجداهتا يف حماولة‬
‫الميكن إلغاؤها إال ضمن شروط علمية معينة‪..‬‬ ‫لتقريب املفاهيم اجلديدة من األطفال والناشئة‪،‬‬
‫فلو افرتضنا أننا يف مكان خ��ال م��ن اجلاذبية‬ ‫وهي مستجدات تستدعي املداخلة واخرتاق عامل‬
‫األرض��ي��ة دون أن نشري إىل ش��روط انتفاء هذه‬ ‫الطفل لتقريب هذه األحداث إىل عامله حتى اليظل‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫اجلاذبية ملا كان هذا من اخليال العلمي ألن هذا‬ ‫غريباً اليفهم مايدور حوله‪.‬‬
‫األخري اليأتي من فراغ بل من واقع العلوم اليت بني‬ ‫ولعلي سأكون أكثر جرأة ووضوحاً يف تناول أدب‬
‫أيدينا‪ ،‬واستشراف املستقبل يقوم بناءً على ماتشري‬ ‫اخليال العلمي يف عاملنا العربي فأقول‪ :‬إن هناك‬
‫إليه التقنية العلمية القائمة‪ ،‬فعندما طرح (جول‬ ‫أمساء أدبية يعتربها بعضهم من ضمن كتاب أدب‬
‫فرين) أفكاره اخليالية كانت غري قابلة للتصديق‬ ‫اخليال العلمي‪ ،‬بينما هم يف واقع األمر ليسوا على‬
‫بالنسبة للعامة‪ ،‬يف حني اعتمدها العلماء نقطة‬ ‫عالقة بالعلم وأحياناً ليسوا على عالقة باخليال‪.‬‬
‫أبعد يف مراحل أحباثهم وعلومهم واستطاعوا بعد‬ ‫فمفهوم أدب اخليال العلمي يف عاملنا العربي‪-‬‬
‫عقود أن يصلوا إليها منطلقني من نظريات البحث‬ ‫كما سبق وذكرت‪ -‬اليزال غامضاً مبهماً بالنسبة‬
‫العلمي وتطبيقاته‪.‬‬ ‫لكثريين من الكتاب‪ ،‬أو من الراصدين ملسرية هذا‬
‫املطلع على العلوم‪ ،‬والذي يواكب من‬ ‫فالكاتب ّ‬ ‫اجلنس األدب��ي‪ ،‬ف��إذا هم يصنفون أعماالً حتت‬
‫خ�لال ثقافته خطوات العلماء هو األق��در على‬ ‫مسمى أدب اخليال العلمي بينما هي يف الواقع‬
‫إعمال اخليال والتساؤل حول إمكانية الذهاب‬ ‫تكاد تكون هتوميات‪ ،‬وأفكاراً ساذجة حاول كتّاهبا‬
‫باملخرتعات والكشوفات العلمية إىل أبعد نقطة‬ ‫وضعها ضمن إطار من التشويق مبا يوحي أهنا‬
‫هلا‪ ،‬فإذا بالعامل يتلقف تلك األسئلة وكأنه يردد‬ ‫خيال علمي‪ ،‬بينما ه��ي يف حقيقة األم��ر دون‬
‫لنفسه‪ :‬أجل ‪ ..‬هل ميكن حتقيق هذا فعالً ضمن‬ ‫أساس علمي‪ ،‬وليست أكثر من أدب إثارة‪.‬‬
‫ش��روط مابني ي��دي م��ن معطيات؟ وإذا باحللم‬ ‫ول��و رصدنا األع��م��ال ال�تي تقع يف حيز أدب‬
‫وآفاق اخليال تتصل بالعلم ليصبح اخليال حقيقة‪،‬‬ ‫اخل��ي��ال العلمي ه���ذا ل��ك��ان ال��ت��س��اؤل أك�ب�ر‪ :‬ما‬
‫ولتكون احلقيقة مفتاحاً للخيال من جديد ‪ ،‬وهذا‬ ‫املوضوعات اليت يتناولوهنا ويصنفوهنا على أساس‬
‫ماحصل بالفعل مع خم�ترع الصواريخ احلديثة‬ ‫اخليال العلمي؟‬
‫واستلهاماته من مؤلفات (ج��ول ف�يرن) يف أوائل‬ ‫وإذا كان أدب اخليال العلمي اليلقى اهتماماً‬
‫القرن املاضي‪.‬‬ ‫واسعاً يف عاملنا العربي فذلك ألن بعض كتّابه‬
‫إن أمهية اخليال العلمي تتحقق عند معرفة‬ ‫اليكتبون أدب خيال علمي حقيقي كما جيري يف‬
‫م��ا إذا ك��ان م��ن املمكن حتويل ه��ذا اخل��ي��ال إىل‬ ‫الغرب‪ ،‬ولو أهنم يف الغرب يبالغون يف شطحات‬
‫حقيقة‪ ،‬وهل���ذا السبب ك��ان ال��ك��ات��ب األمريكي‬ ‫اخليال لكنها تبقى ذات بذرة علمية صحيحة‪،‬‬
‫الشهري (مايكل كرايتون) يضمّن مؤلفاته أمساء‬ ‫فقصة فيلم (جوراسيك ب��ارك) قامت على هذا‬
‫امل��راج��ع العلمية والبحثية ال�تي استقى منها‬ ‫األساس‪.‬‬
‫معلوماته وبنى قصصه ح��وهل��ا‪ ،‬وهل��ذا السبب‬ ‫وألدب اخليال العلمي دور يُضاف إىل فتح‬
‫‪145‬‬ ‫أيضاً يقومون يف أمريكا باالهتمام بأدب اخليال‬ ‫آفاق اخليال عن طريق العلم‪ ،‬وهو حتديد موقف‬
‫العلمي بوصفه واح��داً من أهم األجناس األدبية‬ ‫أخالقي من الفكرة أو النظرية العلمية القابلة‬
‫لغرض إط�لاع ال��ن��اس على ال��ع��ل��وم‪ ،‬وس�بر مدى‬ ‫للتطبيق اليت يدور حوهلا العمل‪.‬‬
‫محاستهم حنوها أو تفاعلهم معها‪ ،‬وعلى أساس‬ ‫بعضهم يرى أن كل غرائيب هو خيال علمي‪،‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫مل��اذا ال ُن��ح��ل أدب‬
‫اخل��ي��ال العلمي‬
‫جليل الشباب من‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫أبنائنا حمل ألغاز‬
‫اجليب والقصص‬
‫إليها العلم مبا يُشكل تربة خصبة جداً إلعمال‬
‫اخل��ي��ال يف أي م��ن تلك اجمل����االت‪ :‬الفضاء‪،‬‬ ‫ال����ب����ول����ي����س����ي‬
‫االستنساخ‪،‬املخرتعات احلديثة‪ ،‬اخل‪...‬؟!‬
‫وإذ أع��ود إىل عاملنا العربي أت��س��اءل‪ :‬ملاذا‬ ‫ال��رخ��ي��ص ال��ذي‬
‫النُحل أدب اخليال العلمي جليل الشباب من‬
‫أبنائنا حمل ألغاز اجليب والقصص البوليسي‬
‫الرخيص ال��ذي يقبلون عليه؟ فنقدم هلم أدباً‬
‫ي��ق��ب��ل��ون عليه؟‬
‫جاداً ورصيناً‪ ،‬نرفقه بندوات ومؤمترات للتعريف‬
‫به‪ ،‬وتقريب فكرته من الشباب‪ ،‬فهو أكثر إمتاعاً‬ ‫ذلك ونتيجة له تصدر قوانني متويل الربامج‬
‫وبثاً للسعادة من غريه من القصص‪ ،‬ألن مثل‬ ‫التعليمية‪ ،‬فإذا كان هذا مايفعلونه يف أمريكا‬
‫هذه األعمال األدبية هي حبد ذاهتا حتتوي على‬ ‫فإهنم الشك يأخذون أدب اخليال العلمي على‬
‫اإلثارة والتشويق‪ ،‬وتقوم على علم يفوق اخليال‪،‬‬ ‫حممل اجلد ألنه بالتايل يقوم على علم حقيقي‬
‫بل إنه يفتح أبواب اخليال على مصراعيها لدى‬ ‫وعلى رؤى تنبؤية‪.‬‬
‫جيل الشباب من اجلنسني والذي يبحث دوماً عن‬ ‫وللغاية ذاهت��ا يدعى كثري من أدب��اء اخليال‬
‫اإلثارة و املغامرة والتشويق إما من خالل القص‬ ‫العلمي إىل مؤمترات علمية ألهنم أصحاب رؤية‬
‫البوليسي السخيف‪ ،‬أو القصص العاطفية اليت‬ ‫تصنع الطريق حنو مستقبل اإلنسانية‪.‬‬
‫تقبل عليها الشابات‪.‬‬ ‫وم��ا أغنى أدب اخل��ي��ال العلمي يف الغرب‬
‫إن الثقافة العلمية ش��رط ض��روري إلنتاج‬ ‫ويف أم�يرك��ا حت���دي���داً‪ ،‬وج��ع��ل��ه ي��زده��ر كانت‬
‫خيال علمي‪ ..‬وهذا اجلنس األدب��ي قد أصبح‬ ‫السينما اليت جسدته يف أفضل صوره‪ ،‬ومابالنا‬
‫ضرورة معاصرة الترفاً أو تسلية‪ ،‬وعلى ُكتّابنا‬ ‫بالتقنيات احلديثة ال�تي خدمته‪ ،‬وزادت من‬
‫ون ّقادنا أن يكونوا أكثر انفتاحاً وجتاوباً حياله‪،‬‬ ‫إهباره‪ ،‬وجعلت كل األفكار والشطحات اخليالية‬
‫وأن نعمل مجيعاً ليكون لنا بصمة واضحة يف‬ ‫قادرة أن تتجسد على شكل صورة؟! فهو إذاً مل‬
‫ه��ذا اجمل��ال والسيما أن عاملنا العربي يزخر‬ ‫يفتح فقط آفاق اخليال بل أضاف إليها خياالً‬ ‫‪146‬‬
‫بالكثري م��ن ال��ط��اق��ات‪ ،‬وبالكثري م��ن الكتّاب‬ ‫فوق خيال عن طريق السينما املبهرة اليت تفتح‬
‫واألدب��اء واملبدعني‪ ،‬فنحن نريد أن نعرف هذا‬ ‫اخليال أصالً‪ ،‬ومابالنا إذاً وحنن منلك الصور‬
‫اجلنس األدبي من خاللنا ال مرتمجاً عن غرينا‪.‬‬ ‫للكون‪ ،‬واملعلومات اجلديدة املبهرة اليت وصل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫‪Science Fiction‬‬

‫ما هو اإلعصار‪..‬‬
‫«اإلعصار» هو عاصفة حلزونية استوائية حتدث‬
‫يف احمليط األطلنطي وهو االسم املعروف لألنظمة‬
‫منخفضة الضغط اليت تتطور يف املدارين‪.‬‬
‫ويطلق على األعاصري احللزونية االستوائية اليت‬
‫يكون أقصى حد لرياحها السطحية أقل من ‪ ۱۹‬مرتاً‬
‫يف الثانية «املنخفضات االستوائية»‪.‬‬
‫وعند وصول األعاصري احللزونية االستوائية لرياح‬
‫ال تقل عن ‪ ۱۷‬مرتاً يف الثانية يطلق عليها عاصفة‬
‫استوائية ويف حالة وص��ول ال��ري��اح إىل ‪ ۳۳‬م�تراً يف‬
‫الثانية يطلق عليها إعصار‪.‬‬
‫تتكون األعاصري يف املناطق االستوائية حيث تكون‬
‫هناك مياه دافئة «ال تقل عن ‪ ۲۷‬درجة مئوية» وهواء‬
‫رطب ورياح استوائية متقاربة‪.‬‬
‫وتبدأ معظم األع��اص�ير األطلنطية من الساحل‬
‫الغربي ألفريقيا وتبدأ كعواصف رعدية تنتقل فوق‬
‫املياه الدافئة االستوائية ملياه احمليط‪.‬‬
‫وتصل العواصف الرعدية إىل وضع اإلعصار على‬
‫مراحل متعددة‪ ،‬أوال منخفض استوائي وسحب دائرية‬
‫وأمطار مع سرعة رياح تقل عن ‪ ۳۸‬ميالً يف الساعة‪،‬‬
‫وتبلغ سرعة رياح العاصفة االستوائية من ‪ ۳۹‬إىل ‪۷۳‬‬
‫ميالً يف الساعة‪ ،‬أما اإلعصار فتكون سرعته أكثر من‬
‫‪ ۷۴‬ميالً يف الساعة وقد يستغرق األمر من ساعات إىل‬
‫عدة أيام لكي تتطور العاصفة الرعدية إىل إعصار‪.‬‬
‫ووج��د املتخصصون أن ك�لا م��ن م��دة األعاصري‬
‫‪147‬‬ ‫امل��داري��ة وسرعة الرياح ال�تي تثريها زاد بنسبة ‪۵۰‬‬
‫باملائة مع ارتفاع متوسط درجة حرارة سطح احمليطات‬
‫املدارية‪.‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫«يبدأ العلم من حيث تنتهي الفلسفة‪ ،‬ويبدأ‬
‫اخليال العلمي من حيث ينتهي العلم»‬
‫فالفلسفة قدمياً كانت وسيلة من وسائل‬
‫التفكري العلمي‪ ،‬ومع تقدم العلوم برز لون جديد‬
‫مجع بني العلم واألدب وكان حلقة الوصل بني‬
‫الفلسفة من حيث كوهنا أسلوباً من أساليب‬
‫التفكري العلمي وبني العلم من حيث كونه تطبيقاً‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫لألفكار الفلسفية والعلمية لتتحول بعد ذك إىل‬
‫حقائق علمية‪ .‬هذا اللون اجلديد عرف باسم‬
‫«أدب اخليال العلمي»‪.‬‬
‫ك��ن��ت أك��ت��ب ت��ل��ك ال��ن��وع��ي��ة م���ن القصص‬
‫بتلقائية املبتدئ احملب للمغامرة دون أن أعرف‬
‫تسميتها وكثرياً ما كنت أطلق عليها اسم القصة‬
‫العلمية‪ .‬حصلت على بعض اجلوائز يف املدرسة‬
‫واجلامعة لكن كان ينقصين شيء مهم يف تلك‬
‫الفرتة املبكرة من حياتي‪ ...‬هل ما أكتبه يعد‬
‫أدب �اً أم ال؟ وك��ان علي أن أحبث عمن يوجهين‬
‫إىل الطريق الصحيح‪ ،‬ووجدت ما كنت أنشده‬
‫يف مكتبة أخي األكرب جمموعة قصصية بعنوان‬
‫«رقم ‪ 4‬يأمركم» تأليف هناد شريف‪.‬‬
‫ع��ك��ف��ت ع��ل��ى ق���راءهت���ا ف����إذا هب���ا ت��ش��ع يف‬
‫نفسي بعض األش��ي��اء مل أك��ن أدرك��ه��ا يف تلك‬
‫املرحلة املبكرة ج��داً من حياتي يف منتصف‬
‫السبعينيات‪ .‬فأنا أكتب نفس النوعية ولكن‬
‫ينقصين الكثري بالتأكيد هناك أدوات ينبغي أن‬
‫أمتلكها لكي أكتب هذه النوعية‪ .‬لذلك كان علي‬
‫أن أقوم هبذه اخلطوة املهمة واليت غريت جمرى‬
‫حياتي وه��ي مقابلة األس��ت��اذ هن��اد شريف‪...‬‬
‫وقد أرشدني أحد األصدقاء «د‪ .‬عبادة كحيلة»‬
‫أستاذ التاريخ جبامعة القاهرة الذي كان وقتئذ‬
‫يعمل هبيئة الكتاب على مكان عمله باجمللس‬
‫األعلى للثقافة‪.‬‬
‫استقبلين بوجهه البشوش‪ ،‬طيب القسمات‬
‫وابتسامته ال��ودودة‪ ،‬مل يستطع الشعر األبيض‬
‫الذي برأسه أن خيفي الشباب الذي بداخله‪،‬‬ ‫‪148‬‬
‫وانتبهت إىل صوته‪ :‬ختيل معي يا صالح أنك‬
‫تعيش يف سنة ‪3000‬م هل ستجد نفس األشياء‬
‫صالح معاطي‬
‫واملشاكل اليت يعاني منها البشر اليوم؟ وإذا‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫باجمللس األعلى للثقافة بالزمالك إىل بيته‬ ‫انتقلت للعيش على ظهر كوكب آخر ماذا سيكون‬
‫بالدقي‪ ،‬لتتحول عالقتنا إىل صداقة تزداد‬ ‫شكل احلياة هل ستجد كائنات يشبهوهنا هل‬
‫قوة ومتانة يوماً بعد يوم‪ .‬وتالحقت عرب األيام‬ ‫سنتعامل معهم؟‬
‫جلساتي إل��ي��ه‪ ...‬كنت أن��ص��ت إىل ك��ل كلمة‬ ‫واستيقظت بداخلي نوازع متباينة‪ ،‬وراحت‬
‫يقوهلا‪ ،‬وأنتبه إىل حركة يديه ومالمح وجهه‬ ‫أفكاري تتبلور وترتكز‪ ،‬بينما تداعت خواطري‬
‫‪149‬‬ ‫وهي تتقبض وتنبسط‪ ،‬فشعرت أني أدخل معه‬ ‫إىل بعيد‪ ...‬إىل قراءات شغلتين منذ أعوام يف‬
‫عاملاً مبهراً جذاباً‪ ،‬أو أنين أرى الكون بأثره أمام‬ ‫جمال اخليال العلمي‪ ،‬تلك النوعية احملببة إىل‬
‫عيين من اجملرات والنجوم والكواكب إىل الذرات‬ ‫نفسي واليت طاملا حلمت بالتعبري من خالهلا‪.‬‬
‫واإللكرتونات والدقائق املتناهية يف الصغر‪ ،‬من‬ ‫وامتدت بيننا اللقاءات بعد ذلك من مكتبه‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬
‫إىل م��ع��ادن ن��ف��ي��س��ة‪ .‬وجن���د أن «احلاسبات‬ ‫الديناصورات والعظايا والوحوش الضخمة‬
‫اإلل��ك�ترون��ي��ة» تستمد أص��وهل��ا م��ن أسطورة‬ ‫إىل البكترييا والفريوسات واحليوانات األولية‪،‬‬
‫الكاهنة «دلفي» ال��ق��ادرة على التنبؤ وليست‬ ‫م��ن هب��اء الفضاء ال��واس��ع العريض إىل ظلمة‬
‫«آلة الزمن» إال صياغة جديدة لعقيدة التناسخ‬ ‫قيعان البحار واحمليطات‪ .‬وبدأت أقرأ يف هذا‬
‫اليت تقول بأن األرواح تنتقل من جسد جلسد‬ ‫اجملال بشكل منتظم‪ ..‬وراحت مناقشاتنا تدور‬
‫ومن عصر إىل عصر‪ .‬وأشعة الليزر اليت تزخر‬ ‫حول ما قرأته‪.‬‬
‫هبا رواي��ات اخليال العلمي‪ ،‬جندها يف مجيع‬ ‫ترجع أصول أدب اخليال العلمي إىل العصور‬
‫األساطري القدمية على شكل آهلة تطلق الربق‬ ‫القدمية‪ ،‬فإذا عدنا بأذهاننا إىل املاضي البعيد‬
‫ووح��وش تومض عيوهنا بأشعة غريبة حترق‬ ‫الكتشفنا أن مانطلق عليه اليوم اسم اخليال‬
‫كل من يتعرض هلا‪ .‬أما فكرة الطريان فتمتد‬
‫جذورها من األساطري اهلندية اليت حتكي عن‬
‫العلمي مت��ت��د ج����ذوره األوىل إىل األساطري‬
‫والفلكلور وخم��اط��ب��ة األرواح «واخليمياء»‪.‬‬ ‫‪150‬‬
‫اآلهلة اجملنحة وحيوانات ما قبل التاريخ كالتنني‬ ‫واخليمياء هي شكل بدائي من أشكال الكيمياء‬
‫الطائر واجل��واد اجملنح وغريها‪ .‬والميكن أن‬ ‫ميتزج فيه العلم بالسحر والفلسفة‪ ،‬هبدف‬
‫ننسى البطل الكرييت «إيكاروس» الذي يعد أول‬ ‫إطالة عمر اإلنسان وحتويل املعادن اخلسيسة‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫العامل جل��ورج هوبيتز – آث��ار ال��زائ�لات هلانز‬ ‫رائد فضاء ينطلق يف اجلو بواسطة األجنحة‬
‫فيشر – يقظة األطلنتس لبول فيغال‪.‬‬ ‫اليت صنعها له أبوه ديدالوس الذي كان حناتاً‬
‫كما استحوذ القمر على أفكار القدماء منذ‬ ‫ومعمارياً وخمرتعاً أيضاً‪ ،‬وحيكي رواة األساطري‬
‫فجر التاريخ فراحوا يتطلعون إليه حماولني‬ ‫أن دي��دال��وس ك��ان يبث احل��رك��ة واحل��ي��اة يف‬
‫ك��ش��ف ال��غ��م��وض ال����ذي يكتنف ه���ذا التابع‬ ‫متاثيله‪ ،‬وهذه تعترب نبوءة أخرى لظهور «اإلنسان‬
‫األرضي وهو خيرج هلم كل ليلة لينري ظالمهم‬ ‫اآليل»‪.‬‬
‫ويلهم الشعراء بأفكار قصائدهم‪ .‬فمنذ واحد‬ ‫يف البدء ياتي الفكر واخليال ثم تأتي بعد‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫وعشرين قرناً أصدر الكاتب اليوناني الساخر‬ ‫ذلك احلسابات العلمية واإلجناز ليتوج الفكر‪.‬‬
‫«رجييد مونتاس» كتاباَ عن السفر إىل القمر‬ ‫وأدب اخليال العلمي الذي يضم يف أوسع معانيه‬
‫على جناحي بطة بيد أن أعظم شخصية يف‬ ‫املخيلة واخليال واإلبداع الذي يبشر باإلجناز‬
‫جمال التنبؤ العلمي كانت شخصية «سريانو دي‬ ‫العلمي‪.‬‬
‫برجراك» (‪ ،)1655-1619‬فالقصتان اللتان‬ ‫هذا األدب قديم قدم البشرية وهو يستقي‬
‫كتبهما منذ ما يقرب من‪ 350‬سنة مها التاريخ‬ ‫مادته من حلم اإلنسان القديم يف السيطرة على‬
‫الفكاهي لدول وإمرباطوريات القمر – والتاريخ‬ ‫الطبيعة‪ .‬وعلى ذلك ميكن أن نفسر الرسومات‬
‫الفكاهي ل��دول وإمرباطوريات الشمس ليستا‬ ‫اليت وجدت على جدران الكهوف واليت مازالت‬
‫مليئتني بالسخرية الالذعة فحسب‪ ،‬بل جند‬ ‫تثري اإلعجاب حبيويتها وواقعيتها بأهنا رؤية‬
‫فيهما حديثاً عن ص��واري��خ متعددة الطوابق‬ ‫اإلنسان القديم للمستقبل‪.‬‬
‫تتخذ وسيلة للتنقل بني الكواكب‪ ،‬وفكرة انعدام‬ ‫كذلك فإن مجيع الكائنات اليت تقطن الكواكب‪،‬‬
‫ال��وزن واهل��ب��وط باملظالت قبل اخ�تراع املظلة‬ ‫كما تصورها مؤلفو اخليال العلمي مستمدة من‬
‫بوقت طويل‪ .‬باإلضافة إىل ذلك أكد سريانو دي‬ ‫الوحوش األسطورية اليت كانت تسكن األرض‬
‫برجراك يف قصتيه القول بأن جسم اإلنسان‬ ‫وانقرضت‪ .‬ولكن السؤال الذي جيب أن يتبادر‬
‫مكون من خاليا وأن امليكروبات توجد يف الدم‪،‬‬ ‫إىل ذهن كاتب اخليال العلمي هو «ماذا حيدث‬
‫كما توجد أجسام مضادة تقاوم هذه امليكروبات‬ ‫لو» ولكي جييب كاتب اخليال العلمي على هذا‬
‫يف الدم‪ ،‬وذلك قبل توصل «ليفنجوك» إىل إنتاج‬ ‫السؤال عليه أن يكتب مئات القصص اليت تتناول‬
‫أول جمهر بعشرات السنني‪ ،‬وقبل أكثر من‬ ‫املستقبل والظواهر الكونية الغريبة واخلوارق‬
‫قرنني من حتقيق «باستري» لتلك االكتشافات‬ ‫وم��دن املستقبل واليوتوبيات وحتكم اآلالت‬
‫اليت هنض هبا علم «امليكروبولوجيا»‪.‬‬ ‫وارتياد الفضاء والعوامل اخلفية‪ .‬ومن خالل‬
‫وقبل ظهور الطائرات بأربعة قرون على يد‬ ‫دراسة كاتب اخليال العلمي إلجنازات العلم يف‬
‫«اإلخوان رايت» كان ليوناردو دافنشي «قد صمم‬ ‫املاضي ميكنه استشراف املستقبل مستنداً على‬
‫أول منوذج لطائرة بالرغم من أن احملركات مل‬ ‫حقيقة علمية حماوالً أن يقيم هلا دراسة ذهنية‬
‫تكن قد اخرتعت بعد‪ ،‬وتصف رواي��ة «الوهم»‬ ‫ملا ميكن أن تكون عليه هذه احلقيقة العلمية يف‬
‫لكبلر ع��ام ‪ 1620‬وه��ي تعترب أول رواي���ة من‬ ‫الزمن القادم‪.‬‬
‫اخليال العلمي كيف أن املسافر يف الفضاء‬ ‫أول حديث ع��ن ال��ع��وامل اخلفية ج��اء عند‬
‫خيرج من اهلواء إىل الفراغ بعد ‪ 150‬كيلومرتاً‬ ‫أف�لاط��ون يف كتابه «ألتيماوس» حيث يتكلم‬
‫‪151‬‬ ‫حيث جيذبه القمر إليه‪ ،‬ويعترب هذا الوصف‬ ‫ع��ن «األطلنتيد»‪ ،‬أو ال��ق��ارة املفقودة واصفاً‬
‫استباقاً لقانون اجلاذبية الذي اكتشفه نيوتن‪.‬‬ ‫تلك احلضارة البائدة وعاداهتا والكتابات حول‬
‫ويعترب الكاتب الفرنسي «فونتل» ‪-1657‬‬ ‫األطلنتيد تلك القارة الضائعة بإمرباطوريتها‬
‫‪ 1757‬ال��ذي ع��اش مائة ع��ام م��ن رواد كتاب‬ ‫الزائلة كثرية منها على سبيل املثال‪ ...‬مفتاح‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫اليوم فيستخدم بشكل كبري يف صناعات الفضاء‬ ‫اخليال العلمي األوائ���ل‪ ،‬وم��ن أه��م رواياته‬
‫والطريان‪ ،‬وكان فرين قد أوحى باستخدام هذا‬ ‫«لقاءات يف قمة العامل» اليت نشرها عام ‪1686‬م‬
‫امل��ع��دن ملالءمته‪ .‬كذلك اخ��ت��ار ف�يرن إلطالق‬ ‫الذي أكد فيها أن هناك حياة فوق سطح القمر‬
‫القذيفة م��ن امل��دف��ع مكاناً ف��وق إح��دى تالل‬ ‫والكواكب األخرى لقد عاش فونتل بداية عصر‬
‫والية فلوريدا ومن العجيب أن هذا املكان يقع‬ ‫العلم‪ ،‬ففي أوائل القرن السابع عشر بدأ ت قلة‬
‫يف منطقة كيب كندي اليت أطلقت منها أمريكا‬ ‫من الشعراء يف تفهم وحبث ظواهر الكون‪.‬‬
‫ال��ص��اروخ إىل القمر ع��ام ‪1969‬م‪ .‬وه��ذا أمر‬ ‫وهكذا نرى أن العلم هو العنصر األساسي‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫من أمور عديدة تنبأ هبا فرين يف روايته جاءت‬ ‫الذي يستند إليه أدب اخليال العلمي‪ ،‬فهو املادة‬
‫مطابقة لربنامج الفضاء األمريكي‪.‬‬ ‫اخلام هلذا اللون من األدب لذلك الميكن أن ينشأ‬
‫ويف رواي��ة «آل��ة الزمن» لويلز يتحدث ويلز‬ ‫أدب اخليال العلمي يف جمتمع ال يعرتف بالعلم‪.‬‬
‫فيها عن البعد الرابع ويقصد به الزمن‪ ،‬وأن كل‬ ‫ومل يأخذ أدب اخليال العلمي هذا الشكل الذي‬
‫جسم حقيقي البد أن يكون له امتداد يف أربعة‬ ‫عليه اآلن إال يف القرنني السابع عشر والثامن‬
‫اجتاهات طول وعرض ومسك وبقاء زمين‪ ،‬ثم‬ ‫عشر عندما بدأت العلوم الطبيعية تتطور وبعد‬
‫خيرتع آلة ميكن االنتقال هبا عرب الزمن‪ ،‬ويف‬ ‫قيام الثورة الصناعية يف فرنسا وظهور اآللة‬
‫روايته «حرب الكواكب» يوجه ويلز إنذاراً بأننا‬ ‫البخارية واملطبعة واكتشاف الكهرباء‪.‬‬
‫لسنا وحدنا يف الكون وأن هناك حياة فوق‬ ‫وتكاثرت يف القرن الثامن عشر الروايات‬
‫الكواكب األخرى تنذر بتدمري البشرية‪.‬‬ ‫اخليالية ال�تي تتناول القمر وتنادي بالفكرة‬
‫ويف ع��ام ‪1923‬م تظهر رواي���ة «ع��امل رائع‬ ‫القدمية اليت طاملا أحلت على الكتاب واملفكرين‬
‫جديد» للكاتب أل��دوس هكسلي‪ ،‬تتنبأ بفكرة‬ ‫للصعود عليه وسرب أغ��واره‪ ،‬فالتنبؤ بالصعود‬
‫أطفال األنابيب قبل ظهورها بأكثر من مخسني‬ ‫إىل القمر تكرر يف كتاب إدج��ار راي��س بوروز‬
‫عاماً هبدف إحداث تغيريات يف عوامل الوراثة‬ ‫مبتدع شخصية طرزان وكذلك فعل آرثر كونان‬
‫للتحكم يف إنتاج فئات من البشر ذات صفات‬ ‫دوي��ل مبتدع شخصية شرلوك هوملز عندما‬
‫خاصة حسب الطلب‪ ،‬ويقسم اجملتمع إىل فئات‬ ‫جعل أبطاله يسافرون يف أوائل القرن العشرين‬
‫عادية تقوم بأداء األعمال الروتينية والحتتاج‬ ‫إىل القمر‪.‬‬
‫إىل كفاءة عقلية وآخرين من العباقرة القادرين‬ ‫حتى جميء عبقرية اخليال العلمي واألب‬
‫على اإلبداع وتويل املهام القيادية‪.‬‬ ‫الروحي هلا «جول فرين» عندما صدرت روايته‬
‫ويف ع���ام ‪1925‬م ص����درت رواي����ة «رأس‬ ‫األوىل «م��ن األرض إىل القمر» ع��ام ‪1865‬م‬
‫الربوفسور دوي��ل» للكاتب ال��روس��ي ألكسندر‬ ‫واليت تنبأ فيها بالدور احلاسم للصاروخ من‬
‫بلياييف‪ ،‬وت��دور أح��داث القصة حول إمكانية‬ ‫تزويد مركبته القمرية بعدة صواريخ مساعدة‬
‫زراع���ة األع��ض��اء البشرية ونقلها م��ن جسم‬ ‫مستخدماً أسلوب البحث العلمي واحلقائق‬
‫إىل آخ��ر‪ ...‬أما اآلن فأصبحت عملية زراعة‬ ‫العلمية اليت ينطلق منها‪ ،‬لضبط احلسابات‬
‫األعضاء أمراً مألوفاً حيدث كل يوم‪.‬‬ ‫الالزمة إلطالق املدفع حيث حيتاج األمر إىل‬
‫كلمة «روبوت» هي من ابتكار الكاتب التشيكي‬ ‫سرعة معينة النطالق القذيفة كي تتحرر من‬
‫املعروف «كاريل تشابيك» ‪1938-1890‬م‪ ،‬وقد‬ ‫قبضة اجلاذبية األرضية وهي سبعة أميال يف‬
‫شاع استعماهلا منذ القرن الثامن عشر وكانت‬ ‫الثانية‪ ،‬وقد اختار فرين معدن األملونيوم ليضع‬ ‫‪152‬‬
‫تشري إىل أعمال السخرة يف مزارع اإلقطاعيني‬ ‫فيه القذيفة اليت ستنطلق إىل القمر وفيها رواد‬
‫والنبالء وكانت تعين العامل‪ ،‬أو الذي يقوم بأداء‬ ‫الفضاء‪.‬‬
‫العمل‪ .‬ثم شاع استعماهلا مرة أخرى بعد عام‬ ‫ً‬
‫وك��ان األملونيوم ن��ادرا يف ذل��ك الوقت‪ ،‬أما‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫ملشكلة التضخم السكاني‪.‬‬ ‫‪1923‬م عل أثر ظهور مسرحية «إنسان روسو‬


‫إن التقدم العلمي والتكنولوجي يبلغ من‬ ‫اآليل» ل��ك��ارل تشابيك وأصبحت تطلق على‬
‫السرعة ما جيعل اخليال العلمي عاجزاً عن‬ ‫اآلالت املعقدة‪(.‬مسرحية إنسان روسوم اآليل –‬
‫التنبؤ باملستقبل‪ ،‬لذلك جند كتاب اخليال العلمي‬ ‫كارل تشابيك – سلسلة املسرح العاملي – ‪.)160‬‬
‫يف حرية ملا يصادفونه من صعوبات متزايدة يف‬ ‫وقد تناول كتاب اخليال العلمي «الروبوت» من‬
‫العثور على موضوعات تصلح أن نطلق عليها‬ ‫أكثر من زاوي��ة‪ ،‬فالبعض راح��وا ينظرون إليه‬
‫«خيال علمي» بل إن هناك موضوعات تركت‬ ‫نظرة مليئة باحلذر واخل��وف والقلق للتطور‬
‫اخليال العلمي وأصبحت تتناول يف القصص‬ ‫السريع واملتالحق يف تكنولوجيا اإلنسان اآليل‪.‬‬
‫واملسرحيات ال�تي ال تنتمي إىل أدب اخليال‬ ‫فكثرياً ماكانت الروبوتات تصور على أهنا مسوخ‬
‫العلمي‪ ،‬ك��ال��روب��وت فشركات ال��روب��وت تنتج‬ ‫مروعة تنزع إىل التمرد على خمرتعيها وتعيث‬
‫أجياالً تستطيع القيام بأعمال خرافية ورواد‬ ‫يف األرض فساداً‪ ،‬ورمبا يكون هذا إسقاطاً على‬
‫الفضاء يف عصرنا صاروا باحثني ومهندسني‬ ‫مترد اإلنسان على ربه الذي خلقه‪.‬‬
‫وعلماء يعملون يف مضمار أحباث الفضاء‪.‬‬ ‫أم��ا «آرث���ر ك�ل�ارك» وه��و م��ن أش��ه��ر كتاب‬
‫أما يف الوطن العربي فنجد أن أدب اخليال‬ ‫اخليال العلمي يف العصر احلديث فإنه يصور‬
‫العلمي بدأ يف مصر منذ اخلمسينيات‪ ،‬حيث‬ ‫يف روايته «موعد مع راما» مستوطنة فضائية‬
‫كتب توفيق احلكيم قصة يف سنة مليون‪،‬‬ ‫يقطنها غري البشر‪ ،‬وقد التقط الفكرة عامل‬
‫‪153‬‬ ‫ال�ت�ي ص���درت ال��ع��ام ‪1953‬م‪ ،‬ث��م مسرحيته‬ ‫الفيزياء «جريارد أونيل» الذي يعمل يف جامعة‬
‫رحلة إىل الغد ‪1958‬م‪ ،‬ثم مسرحيته لو رجع‬ ‫برنستون ويعكف حالياً على صنع مستوطنة‬
‫الشباب وتاله يوسف عز الدين عيسى بكتابة‬ ‫فضائية عمالقة تتخذ مداراً حول األرض ميكن‬
‫جمموعة متثيليات إذاع��ي��ة ب��دأ تقدميها من‬ ‫أن يعيش عليها جمموعة من سكان األرض كحل‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬


‫شريف عرفت كيف يفكر ويتأمل ويبدع فال‬ ‫اإلذاعة املصرية منذ العام ‪1957‬م‪ ،‬ويف أعوام‬
‫شيء مير من أمامه مروراً عابراً بل لكل شيء‬ ‫الستينيات من القرن املاضي كتب مصطفى‬
‫داللته وقيمته‪ ...‬وقدمت جمموعيت القصصية‬ ‫حممود روايته العنكبوت (‪1964‬م) ورجل حتت‬
‫األوىل أن��ق��ذوا ه��ذا ال��ك��وك��ب (‪1986‬م)‪ ،‬ثم‬ ‫الصفر (‪1967‬م)‪ ،‬أما هناد شريف فقد وضع‬
‫الثانية‪ :‬العمر مخس دقائق (‪ ،)1992‬بنت‬ ‫على عاتقه االجتاه حنو هذا اجملال والتخصص‬
‫احلاوي عام ‪1997‬م‪ ،‬فمسرحية عائلة السيد‬ ‫فيه ورسم حدوده فكتب لنا روايته قاهر الزمن‬
‫رقم ‪ 1‬ع��ام‪1999‬م‪ ،‬ثم رواي�تي الكوكب اجلنة‬ ‫(‪ )1966‬وأخذ عنها اجلائزة األوىل من نادي‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫عام ‪2000‬م وجمموعة بدرية باخللطة السرية‬ ‫القصة مبصر ع��ام ‪1969‬م‪ ...‬وه��ي تتناول‬
‫ع��ام ‪2002‬م وجمموعة عيون آينشتني عام‬ ‫فكرة التربيد والفكرة تبدأ من إحساس بطل‬
‫‪2006‬م‪.‬‬ ‫الرواية الدكتور حليم صربون بأننا قادمون إىل‬
‫وهناك من الكتاب من طرقوا أدب اخليال‬ ‫عصر مليء باملسؤوليات واألعباء وهروباً من‬
‫العلمي بالكتابة فيه كنوع من التجربة فال ننسى‬ ‫معاناة هذا العصر فإن السبات الطويل ميكن‬
‫رواية «السيد من حقل السبانخ» لصربي موسى‬ ‫أن حيل الكثري من املشكالت اليت نعانيها يف‬
‫وال مسرحية امليت احلي لسعد مكاوي‪.‬‬ ‫عصرنا‪ ...‬ثم تلتها رواية سكان العامل الثاني‬
‫وظ��ه��رت أمس����اء أخ����رى ف��ق��دم��ت أميمة‬ ‫ال�تي تبدأ باختفاء جمموعة م��ن العلماء يف‬
‫خفاجي روايتها‪ :‬جرمية عامل ‪1992‬م ويضاف‬ ‫ظروف غامضة وظهورهم بعد عشرين عاماً‬
‫إىل ذلك بعض من كتاب أدب اخليال العلمي‬ ‫وقد أنشؤوا مدينتهم األسطورية يف قاع احمليط‬
‫لألطفال والناشئة مثل‪ :‬د‪.‬نبيل ف��اروق الذي‬ ‫وقد استطاعت مدينة القاع أن حتقق لإلنسان‬
‫كتب عشرات القصص ضمن سلسلة رجال‬ ‫كل ألوان التقدم من أجل رفاهيته وأمنه‪ ...‬أما‬
‫املستحيل وجمدي صابر وحسام العقاد وهشام‬ ‫جمموعة أنا وكائنات الفضاء فإهنا تأخذنا إىل‬
‫الصياد‪ ،‬وحممد عبد اهلادي‪.‬‬ ‫عوامل أخرى فتشاهد كائنات هلا صفات آدمية‬
‫هذا باإلضافة إىل عدد من الكتاب العرب‬ ‫ونساء حسناوات أمجل كثرياً من أهل األرض‬
‫منهم كمحمد عبد العزيز احلبابي مغربي وله‬ ‫فنتعرف على امرأة يف طبق طائر ونلتقي مع‬
‫رواي���ة‪ :‬اكسري احلياة وعبد السالم البقايل‬ ‫حفيدة خوفو ومندوبة فوق العادة وغريها مثل‬
‫مغربي وقاسم اخلطاط عراقي وأمحد افزارن‬ ‫الذي حتدى اإلعصار ورواية الشيء ومسرحية‬
‫مغربي وموفق يس حممود عراقي وله جمموعة‬ ‫أحزان السيد مكرر ورواية باإلمجاع ونداء لولو‬
‫قصص أهنا تنبض باحلياة (‪1987‬م)‪ ،‬كما أن‬ ‫السري وابن النجوم وحتت اجملهر فهي قصص‬
‫هناك طيبة أمح��د اإلب��راه��ي��م (كويتية) هلا‬ ‫مبنية على حقائق علمية ولكنها تفيض إنسانية‬
‫رواية اإلنسان الباهت العام (‪1992‬م) ومجال‬ ‫وأدب�اً فاللغة عند هناد شريف لغة حية مرنة‬
‫عبد امللك وهو سوداني وله جمموعة قصص‬ ‫تتفاعل معها منذ السطر األول وكأنه يعطينا‬
‫اجلواد األسود (‪1994‬م)‪ ،‬وأعتذر ملن مل أذكره‬ ‫الفكرة العلمية يف حقنة خفية التشعر بإبرهتا‬
‫وأنا واثق من أن هناك مبدعني يف جمال أدب‬ ‫ويعطيها لك طبيب حاذق‪...‬‬
‫اخليال العلمي على قدر كبري من اإلبداع لكننا‬ ‫وبدأت آفاق هذا األدب تتسع يوماً بعد يوم‬
‫مع األسف مل نقرأ هلم ألسباب كثرية اليتسع‬ ‫فعرفت الدكتور طالب عمران من سورية بداية‬
‫اجملال لذكرها ولعل هذا امللتقى أن يسمح لنا‬ ‫من ثقب يف ج��دار الزمن فالثبات اجلليدي‬ ‫‪154‬‬
‫أن نتعرف وأن نتواصل وأن جتمعنا الصداقة‬ ‫وأحزان السندباد وتلك الليلة املاطرة والعابرون‬
‫قبل أي ش����يء‪ ...‬ف��امل�لاح��ظ أن ك��ت��اب هذه‬ ‫خلف الشمس وغريها وسعدت كثرياً بكتابة‬
‫النوعية يتزايدون يوماً بعد يوم وهذه عالمة‬ ‫املهم خفايا النفس البشرية‪....‬وبقربي من هناد‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫جيدة ولكن ما يعطل أدب اخليال العلمي اآلن‬
‫ويؤخر مسريته هو عدم وجود حركة نقدية جادة‬
‫تقوم بتشريح األعمال وحتليلها‪ ...‬كذلك عزوف‬
‫بعض الناشرين عن نشر هذه النوعية املهمة‬
‫على اعتبار أهنا نوع من الرتف أو التسلية‪...‬‬
‫واألخطر من ذلك عدم اعرتاف كثري من جهات‬
‫اإلنتاج اإلذاع��ي والتلفزيوني هبذه النوعية من‬
‫‪Science Fiction‬‬

‫األعمال إما ألهنا مكلفة إنتاجياً أو على اعتبار‬


‫أن املشاهد العربي لن يستوعبها‪ ...‬ومن املهم‬
‫أن نفرق بني ما يكتب للكبار وما يكتب للصغار‬
‫بالنسبة ألدب اخليال العلمي‪.‬‬
‫لقد جعلين هن��اد شريف حقاً أهتم بكل‬
‫شيء‪ ،‬ال أترك صغرية وال كبرية إال وتأملتها‬
‫وأم��ع��ن��ت النظر ف��ي��ه��ا‪ ...‬أع��ط��ان��ي جتربته‬
‫خالصة مصفاة‪ ،‬ومنحين خرباته بكل صدق‬
‫وأم��ان��ة‪ .‬وق��ف جبانيب يساعدني ويشجعين‬
‫ويعنفين أحياناً إذا أخطأت‪ ،‬وال أنسى حينما‬
‫كان يقول يل‪:‬‬
‫الفرق بيين وبني غريي من األدباء أن بعضهم‬
‫قد يشري لك إىل الطريق لتمشي فيه ولكنين‬
‫سوف آخذك من يدك لنعرب سوياً الطريق‪..‬‬
‫لقد وج��دت يف هن��اد شريف األب واألخ‬
‫والصديق‪ ،‬وجدت فيه العامل كما وجد فيه‬
‫األديب‪ .‬وأكثر ما وجدته فيه‪ ...‬اإلنسان‪...‬‬
‫وقبل أن أترك مكاني أود أن أشكر األديب‬
‫الدكتور طالب عمران الذي مهد لنا هذا اللقاء‬
‫املهم الذي تأخر كثرياً فهو يعترب نواة حقيقية‬
‫الحتاد جيمع كتاب أدب اخليال العلمي العرب‬
‫وأنا واثق أن هذا اللقاء سيفتح آفاقاً كبرية أمام‬
‫كتاب هذه النوعية من األدب اليت تتحدث بلغة‬
‫العصر وتنقل اجملتمعات إىل املستقبل وهتيئ‬
‫سبل التفكري العلمي‪.‬‬
‫وكلمة أوجهها للشباب العربي حافظوا على‬
‫‪155‬‬ ‫لغتنا العربية وأرجو أال تأخذكم االكتشافات‬
‫العلمية عن املشاعر والقيم مع احلفاظ على‬
‫هويتنا العربية وقيمنا الدينية وثقوا جيداً من‬
‫أننا نكتب أدباً قبل أن نكتب علماً‪..‬وشكراً‪.‬‬
‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬
‫قصة ‪ :‬د‪ .‬طالب عمران‬
‫رسوم ‪ :‬حسام وهب‬
‫قال النسر العجوز وهو حيدث حفيده الفرخ‪:‬‬
‫‪ -‬كانت أيامنا ممتعة يا بين كنا يومها ننطلق بكل طاقاتنا يف الفضاء‬
‫العايل نطري لساعات طويلة‪ ،‬ونعود بالطرائد والفرائس الضخمة يف‬
‫مناقرينا وخمالبنا احلادة الصلبة‪ ،‬كانت الطرائد تنتشر يف املروج والغابات‬
‫وعلى ضفة النهر الكبري غزالنا ريانة وأرانب برية ومحالن وأفاعي‪ ..‬ولكن‬
‫تلك اجلنة اليت أمتعتنا يوما بظالهلا وثرواهتا الغضة الشهية‪ ،‬اندثرت‬
‫وأصبحت أثرا بعد عني‪..‬‬

‫قال الصغري‪ - :‬وكيف تغريت تلك السهول اجلميلة‬


‫اخلضراء وانقلبت إىل مناطق جرداء مقفرة؟‬
‫قال العجوز‪ - :‬إهنا احلرب يا بين‪ ،‬اليت أشغلها اإلنسان‪،‬‬
‫يعتدي فيها بآلياته املتطورة على اآلمنني فيدمر املدن‬
‫والقرى‪.‬‬
‫‪ -‬وما أسباب تلك احلرب؟‬
‫‪ -‬أسباب تافهة‪ ،‬أنانية‪ ،‬حقد‪ ،‬حسد‪ ،‬طمع‪ .... ،‬آه يا بين‪ :‬طيور كبرية اتساع أجنحتها أضفاف‬
‫اتساع جناحي‪ ...‬كانت متطر القرى واملدن بالقنابل‪..‬‬
‫صرخ الصغري وهو يشري للسهل املنبسط أمامه‪:‬‬
‫‪ -‬انظر يا جدي‪ ...‬الناس يتجمعون ويقودون آلياهتم عرب السهل‪ ..‬ترى ماذا يفعلون؟‬

‫‪ -‬إهنم حيرثون األرض‪ ..،‬إياك أن تقرتب من مواشيهم ودواهبم‪ ،‬إهنم من أهايل القرى‪ ،‬الذين ال‬
‫ميكن االنفالت من أفخاخهم املتينة‪....‬‬
‫‪ -‬إن احلمالن الصغرية البيضاء تبدو لذيذة الطعم أليس كذلك يا جدي؟‬
‫‪ -‬حذار يا بين‪ ،‬لقد أقمنا معاهدة – حنن معشر النسور‪ -‬تنصّ أن ال تقرتب من مواشي أهايل‬
‫القرى‪ ،‬وأن يقتصر صيدنا يف هذه املناطق على األفاعي‪...‬‬
‫عاد الصغري يسأل جده العجوز بعد فرتة من الزمن‪:‬‬
‫‪ -‬ومل��اذا حيرثون األرض هبذه العناية‪ ..‬وينظفوهنا من األعشاب والكتل الصخرية والركام‪...‬‬
‫سيعيدون زراعتها من جديد؟‬
‫تأمله اجلد هنيهة ثم قال‪ - :‬نعم يا بين‪ ،‬سيعيدون زراع��ة األرض من جديد تأمل تصميمهم‬
‫وإصرارهم على حتدي الصعاب‪ ...‬إهنم شجعان‪ ،‬استطاعوا تلقني احملتل دروسا قاسية‪ ،‬حتى‬
‫أجلوا أساطيله عن احمليط‪ ..‬وأعادوا لوطنهم البهاء واإلشراق‪..‬‬
‫انتصروا عليه بفضل مقاومتهم وتعاوهنم وتضحياهتم‪ ،‬على الرغم من أنه فاقهم عدة‪ ..‬وعددا‪...‬‬

‫رفرف الصغري جبناحيه وهو يتأمل بنظره احلاد‬


‫األراضي املمتدة يف السهل املنبسط أمامه‪...‬‬
‫د‪ .‬طالب عمران‬

‫‪Science Fiction‬‬
‫التنوع احليوي يف كوكب األرض تنوع فريد‪ ،‬مازال الباحثون يكتشفون اجلديد كل فرتة‪..‬‬
‫إنه تنوع يف الرب‪ ..‬وتنوع آخر يف البحر مازال خيفي الكثري من األس��رار‪ ..‬أحياناً تدفع‬
‫الصدفة الباحث املتابع إىل اكتشاف أنواع جديدة مل ترد يف قواميس علماء احلياة فينكب‬
‫على دراسة هذه األنواع‪ ،‬ويكتشف الكثري من أسرارها‪..‬‬
‫ً‬
‫ويف البحر ي��زداد اإلنسان اكتشافاً ألس��راره الكثرية مع الزمن اعتمادا على التقنية‬
‫املتطورة اليت يزداد اإلنسان اعتماداً عليها يوماً بعد يوم‪..‬‬
‫يزداد التطور العلمي‪ ،‬واالعتماد على مكتسبات العلم يف التنمية وحصار اجلوع واملرض‪،‬‬
‫ولكن هذا االعتماد جعل البعض يبالغون فيه نتيجة اجلشع املتزايد يف اللهاث وراء املال‬
‫على حساب قيم اإلنسان وأخالقه‪..‬‬
‫والعقل أمانة‪ ،‬أعطاه اهلل سبحانه وتعاىل لإلنسان ليستخدمه يف اخلري ‪ .‬وليس يف‬
‫استنباط آالت الدمار والفتك‪ ،‬كما يفعل يف هذا العصر الذي زاوج فيه اإلنسان بني‬
‫استخدام العلم خلري اإلنسان وحل مشاكله‪ ،‬وبني استخدامه الخرتاع أجهزة الدمار والفتك‬
‫بأخيه اإلنسان‪..‬‬
‫حمميات زراعية التطبق فيها األصول العلمية املنضبطة يف زراعة اخلضار يف غري‬
‫موامسها تتخم باملواد اهلرمونية والكيماويات اليت جتعل إنتاجها الزراعي بال طعم وال‬
‫لون‪ ..‬فقط أحجام كبرية منتفخة يف داخلها يكمن املرض واألذى‪..‬‬
‫مداجن تنتشر تسمن طيورها باهلرمونات والعلف املخلوط مبساحيق وخالئط حيوانية‬
‫مغذية‪ ،‬جتعل الدجاج مثالً يزيد حجمه ووزنه خالل أيام قليلة بشكل مذهل‪..‬‬
‫ومزارع أبقار ينحو أصحاهبا نفس االجتاه باالعتماد على اهلرمونات واملنشطات لتسمني‬
‫األبقار والعجول بعلف خملوط باملواد احليوانية اليت مل يتعود البقر على تناوهلا خالل‬
‫حياته عرب ماليني السنني‪..‬‬
‫وهذا ماسبب خلالً يف األمحاض النووية‪ ،‬وأدى ملرض جنون البقر‪ ،‬الذي انتشر يف‬
‫بعض مناطق أوروبا نتيجة جشع أصحاب املزارع لتسمني األبقار بشكل سريع وذحبها‬
‫وتعليبها وتصديرها‪..‬‬
‫إنه العصر الذي نعيش فيه والذي جيعل اإلنسان من خالل اجلشع واللهاث وراء املال‪،‬‬
‫خيلو من أي رادع أخالقي ليؤثر سلباً على حياة البشر اآلخرين‪ ..‬ويسبب هلم املوت‬
‫والدمار أحياناً‪..‬‬ ‫‪160‬‬

‫اخليال العلمي ‪ /‬العدد األول ‪ -‬آب ‪2008 /‬‬

You might also like