You are on page 1of 3

‫ملخص فلسفة الرياضيات‬

‫مقدمة وطرح المشكلة‪ :‬اذا كان الفضول العلمي عموما يطمح الى الوقوف على النتائج المتصفة بالدقة و اليقين فإنه سيجد في الرياضيات المجال‬
‫الخصب ألنها تعتبر مفاهيم عقلية مجردة يحتل فيها العقل مكانة كبرى فإذا كانت الرياضيات على هذا القدر من الوصف فما هو مفهومها؟‬
‫ومضوعها ؟واصلها ؟وهل هي صادقة و يقينية في كل األحوال ؟‬

‫اصطالحا‪ :‬هي علم الكميات المجردة القابلة للقياس و التقدير"التكميم"‬ ‫لغة‪:‬من الفعل روضّ أي د ّرب و مرّن‬ ‫‪ 1-‬مفهوم الرياضيات‪:‬‬

‫‪ 2-‬موضوعها ‪ :‬تدرس نوعين من الكم‪-:‬الكم المتصل‪(:‬علم الهندسة)‪ :‬الذي يوجد بين وحداته و أشكاله اتصاال مثل الخط الدائرة ‪...‬‬

‫‪-‬الكم المنفصل (علم الجبر ) الذي يوجد بين وحداته انفصاال مثل األعداد‬

‫‪-3‬أصل المفاهيم الرياضية ‪:‬‬


‫أ‪ .‬المذهب العقلي والمثالي ‪ :‬يرى أنصار هذا المذهب أمثال أفالطون ‪ ،‬ديكارت ‪... ،‬أن أصل المفاهيم الرياضية عقلي فهي نابعة منه وموجودة فيه‬
‫قبليا بعيدا عن كل تجربة حسية ‪.‬‬

‫البرهنة ‪ :‬فالعقل ابتكرها واستنبطها من مبادئه الفطرية التي تتميز بالبداهة والوضوح ودليلهم على ذلك أننا إذا تصفحنا تلك المعرفة وجدناها‬
‫تتصف بمميزات منها المطلقية والضرورة والكلية وهي مميزات خالصة موجودة في المعرفة الرياضية وتتعذر في غيرها من العلوم التي تنسب‬
‫إلى التجربة ومن األمثلة التي تؤكد ذلك أن الطبيعة ال تحتوي على األعداد بل على كثرة من األشياء المادية ‪ ،‬كما أن المكان الهندسي الذي يوصف‬
‫أنه فراغ متجانس ال يشبه في شيء المكان الحسي ‪ ،‬نفس الشيء يقال عن النقطة ‪ ،‬الدائرة ‪ ،‬الكسر ‪ ... ،‬ون أشهر رواد هذا المذهب أفالطون الذي‬
‫يقول ‪ ":‬إن المعطيات الرياضية األولية توجد في عالم المثل فالخطوط واألعداد واألشكال توجد في العقل وتكون واحدة وثابتة وأزلية ‪".‬‬

‫أما ديكارت يرى أن المعاني الرياضية هي أفكار فطرية أودعها هللا فينا منذ البداية و أن هذه األفكار تتميز بالبساطة والبداهة واليقين ولما كان‬
‫العقل هو أعدل قسمة بين الناس فإن الناس جميعا يشتركون في المفاهيم العقلية حيث يقيمون عليها استنتاجهم كما أنهم بإمكانهم الوصول إليها ‪.‬‬

‫النقد ‪ :‬لو كانت المعاني الرياضية فطرية لتساوى فيها بالعلم جميع الناس لكن الواقع يؤكد أن الطفل الصغير ال يستطيع أن يميز بين العدد والشيء‬
‫المعدود‪ M‬إال من خالل المحسوس كما أن تاريخ الرياضيات يؤكد أنها نشأت نشأة حسية ‪.‬‬

‫ب‪ .‬المذهب الحسي التجريبي ‪ :‬يرى أنصار هذا المذهب أن المفاهيم الرياضية أصلها تجريبي حسي شأنها شأن كل المعارف اإلنسانية وأن العقل‬
‫مجرد صفحة بيضاء عاكسة ومسجلة كما هو في الواقع والرياضيات قبل أن تصبح علما عقليا قطعت مرحلة كلها تجريبية ويشهد على ذلك أن‬
‫العلوم الرياضية المادية هي التي تطورت قبل غيره فالهندسة كفن قائم بذاته سبقت الحساب والجبر ألنها أقرب إلى التجربة ويظهر أن المفاهيم‬
‫الرياضية أكثر تدريجا أخذت نشأتها من األشكال المحسوسة مثل ‪ :‬األهرامات وإن تاريخ الرياضيات يبين أن تجربة مسح األراضي التي كان‬
‫يمارسها قدماء المصريون أدت إلى نشوء الهندسة يقولون ‪" :‬إن القضايا الرياضية التي هي أفكار مركبة ليست سوى مدركات بسيطة وهي عبارة‬
‫عن تعميمات مصدرها التجربة " يقول جون لوك ‪ " :‬إن الخطوط والدوائر التي يحملها كل واحد منا في ذهنه هي مجرد نسخ للخطوط والدوائر‬
‫التي عرفها في التجربة ‪".‬‬

‫النقد ‪ :‬لو كانت المعاني الرياضية مأخوذة من التجربة الحسية لتغيرت وتبدلت مثل العلوم األخرى وهذا ما ال نجده في المعاني الرياضية التي‬
‫هي ثابتة فاألدلة المقدمة ال تدل إال على أن التجربة كانت حافزا للعقل على تجريد المعاني الرياضية كما أن هناك الكثير من المفاهيم الرياضية ال‬
‫يوجد ما يقابلها في الواقع الحسي مثل ‪ :‬الصفر ‪ ،‬الالنهائي ‪ ،‬الجذر ‪ ،‬الكسر ‪....،‬‬

‫تركيب ‪ :‬إن تاريخ الرياضيات يبين أنها لم تنشأ دفعة واحدة فقد بدأت حسية تجريبية ثم تطورت وأصبحت مفاهيم استنتاجيه مجردة بل تعبر على‬
‫أعلى مراتب التجربة باستعمال الصفر واألعداد الخيالية ‪ ،‬الالنهائي ‪... ،‬‬

‫يقول سارطون ‪ " :‬إن معاني الرياضيات قبل أن تكون عقلية محضة كانت حسية واقعية وذلك وفق منطق التدرج والتمرحل من مرحلة الملموس‬
‫إلى مرحلة التعقل المجرد ‪".‬‬

‫‪ 4‬الرياضيات كنسق مجرد ‪ :‬هل تضمن الصحة و اليقين في كل األحوال ؟‪  ‬فهل المفاهيم الرياضية مطلقة في اليقين أم نسبية؟‬
‫الموقف االول ‪( :‬المفاهيم الرياضية مطلقة في اليقين)‪:‬يذهب أنصارا لرياضيات الكالسيكية (اإلقليدية) للتأكيد على مسلمة أساسية مضمونها أن‬
‫نتائج الرياضيات هي نتائج مطلقة في اليقين ‪،‬انطالقا من المبادئ التي تعتمدها وأساليب البرهنة التي ال تقبل الشك‪.‬‬

‫الحجج ‪ :‬صدق المفاهيم الرياضية متوقف على اعتمادها فكرة البداهة‪ ،‬والبديهية‪ M‬هي قضية يقينية بذاتها ال تحتاج إلى برهان ألنها تدخل في نسيج‬
‫الفكر البشري‪ ،‬ومن أهم البديهيات التي اعتمدها إقليدس نجد "الكل أكبر من الجزء"‪" ،‬طرح نسب متساوية من نسب متساوية يؤدي إلى الحصول‬
‫على نسب متساوية حتما" كما أكد ديكارت على قيمة البداهة في بناء المنهج الرياضي ويتجلى ذلك من خالل قوله " ال أتقبل شيئا على أنه صحيح‬
‫إال إذا كان بديهيا"‬

‫أكد سبينوزا أنه ال يمكن الشك في فكرة البداهة ألن الشك في البديهية‪ M‬يعني الشك في مبادئ العقل الفطرية ‪،‬ومادام الجميع ملزم على اإليمان‬
‫بصدق المبادئ العقلية فإن الجميع ملزم بالتصديق بالبداهة‪ " ،‬البديهية‪ M‬هي معيار الصدق والكذب"‬

‫صدق المفاهيم الرياضية مرتبط بطريقة التعريف الرياضي الذي اعتمده إقليدس‪ " ،‬التعريف التحليلي‪،‬التعريف التركيبي" والتعريف هو القول‬
‫الشارح لمفهوم الشيء ‪،‬يتم بذكر الخصائص الجوهرية للشيء‪ .‬ومن بين التعريفات الرياضية نجد أن المثلث هو الشكل الناتج عن تقاطع ثالث‬
‫مستقيمات فيما بينها‪ ،‬والمستقيم هو مجموعة نقاط على استقامة واحدة ‪،‬والنقطة هي ما ليس له طول وال عرض وال ارتفاع‪ .‬والذي يثبت صدق‬
‫المفاهيم الرياضية هو أنه ال أحد يتمكن من إبطال أي تعريف قدمه إقليدس‪.‬‬

‫أ ّكد باسكال على صدق و مطلقية المفاهيم الرياضية من خالل قوله‪" :‬الهندسة هي الوحيدة من العلوم اإلنسانية التي تنتج براهين معصومة من‬
‫الخطأ"‪.‬‬

‫أصبحت الرياضيات لغة لكل العلوم قال أوغست كونت "‪" :‬الرياضيات هي اآللة الضرورية لكل علم" وهذا يعني أن الفيزياء مثال أرادت أن تعتمد‬
‫المنهج الرياضي قصد بلوغ اليقين الذي حققته الرياضيات‪.‬‬

‫‪ -‬النقد‪:‬على الرغم من أهمية طرح هؤالء إال أنّ الرياضيات هي إبداع إنساني ومن غير المعقول أن ينتج العقل النسبي مفاهيم مطلقة ‪،‬إن‬
‫الرياضيات الكالسيكية حتى وإن بدت يقينية فإن يقينها فقط منطقي " االنسجام بين المقدمات والنتائج" وهذا اليقين فنده الواقع الذي يتميز بالتغيير‪M.‬‬

‫الموقف الثاني‪( :‬المفاهيم الرياضية نسبية في اليقين)‪ :‬يذهب أنصار الرياضيات المعاصرة للتأكيد على‪،‬أن ظهور النسق األكسيومي حطم فكرة‬
‫البداهة وأصبحت كل القضايا الرياضية مجرد أوليات نسبية قابلة للنقاش وهذا ما جعل الرياضيات قادرة على مسايرة تطور العلم‪.‬‬

‫الحجج‪ :‬ظهور النسق األكسيومي جعل من الرياضيات تتميز بتعدد‪ M‬األنساق والتعدد يعني النسبية في اليقين وهذا ما أكده بولفان من خالل قوله‪" :‬‬
‫إن كثرة األنظمة في الهندسة لدليل على أن الرياضيات ليست فيها حقائق مطلقة"‪ .‬وهذا التعدد‪ M‬تجلى من خالل نسق العالم الروسي لوباتشوفيسكي‬
‫الذي افترض المكان أنه مقعر ومن ذلك استنتج أنه من نقطة خارج المستقيم يمكن أن يمر عدد ال نهائي من المستقيمات الموازية‪،‬وأن مجموع‬
‫زوايا المثلث أقل من زاويتين قائمتين‪ M.‬كذلك التعدد‪ M‬تجلى مع العالم األلماني ريمان الذي افترض أن المكان محدب ومن ذلك غير التعريف الذي‬
‫قدمه إقليدس عن المستقيم حيث أكد أنه مجموعة من النقط تنتهي لتشكل دائرة‪ .‬واستنتج أنه من نقطة خارج المستقيم ال يمكن أن نمرر أي مستقيم‬
‫موازي‪،‬كما أن مجموع زوايا المثلث أكبر من ‪ 180‬درجة‪.‬‬

‫انتقد روبير بالنشي المبادئ الثالث للهندسة اإلقليدية حيث أكد أن التعريفات هي لغوية ال عالقة لها بالحقيقة الرياضية ‪،‬وال يمكن الحكم عليها أنها‬
‫صادقة أو خاطئة ‪،‬ألنها تصف المكان الهندسي كما هو موجود حسيا في الواقع وهي بذلك تشبه التعريفات في العلوم الطبيعية‪،‬كما انتقد أيضا من‬
‫خالل كتابه األكسيوماتيك فكرة البداهة فاعتبرها خاطئة (الكل أكبر من الجزء) إذ يقول‪" :‬‬
‫لمتعدالرياضياتاليومتتحدثعنالمنطلقاتالرياضيةباعتبارهامبادئبديهيةألنهافيالحقيقةمجردافتراضاتنابعةالختيارالعقاللرياضيالحر"‬

‫إذا كانت الرموز الرياضية المعتمدة في حساب المساحات تقريبية فإنه من غير المعقول أن تكون النتائج الرياضية مطلقة ‪3,14= 22/7‬‬
‫بالتقريب‪.‬‬

‫النقد‪ :‬لكن إذا كان النسق األكسيومي قد تجاوز النسق اإلقليدي فلماذا الزال الفكر اإلنساني يعتمد الهندسة اإلقليدية في البحث الحديث ‪،‬إن تحطيم‬
‫فكرة البداهة ال يعد تحطيم القيمة و مطلقية الرياضيات ‪،‬إنما تجاهال لقيمة مبادئ العقل الفطرية ‪،‬ومادامت تلك المبادئ صادقة تغير الزمان والمكان‬
‫‪،‬فمن غير المعقول تحطيم فكرة البداهة‪.‬‬
‫التركيب‪:‬كتوفيق بين الطرحين يمكن التأكيد‪ M‬أن المفاهيم الرياضية ليست مطلقة دوما كما أنها ليست نسبية بصفة دائمة‪،‬إنما هي يقينية من حيث‬
‫المنهج وأساليب البرهنة‪،‬وهذا الصدق يفرضه االنسجام بين المبادئ والنتائج‪،‬وهي نسبية من حيث النتائج من جهة ثانية‪ ،‬إذ نجد المفاهيم الرياضية‬
‫هي مطلقة إذا نظرنا إليها من زاوية الهندسة اإلقليدية ‪،‬ونسبية إذا نظرنا إليها من زاوية النسق األكسيومي‪.‬‬

‫خاتمة‪ :‬ختاما لقول يمكن التأكيد أن المفاهيم الرياضية تتميز بالدقة واليقين المطلق وهذا ما جعلها لغة لكل العلوم ألنها تعتمد‪ M‬مبادئ انطباق الفكر‬
‫مع ذاته (الهوية‪،‬عدم التناقض والثالث المرفوع) كما أن الرياضيات علم مجرد ال يبحث عن صدقه من الواقع‪.‬باعتبار أن نتائجها دقيقة ويقينية إال‬
‫أن ارتباطها بالمجال الحسي يفقدها هذه الصفة فتصبح تقريبية احتمالية وبعيدة‪ M‬عن الصدق هذا يجعلنا نقول أن لليقين الرياضي حدود وانه ليس يقينا‬
‫مطلقا يقول اينشتاين" أن قضايا الرياضيات بقدر ما ترتبط بالواقع بقدر ما تكون غير يقينية وتكون يقينية بقدر ما تكون غير مرتبطة بالواقع "‬

‫‪ :-‬دافع عن األطروحة التالية ‪":‬إن أزمة اليقين في الرياضيات وتعدد أنساقها ال يفقدها قيمتها"‬ ‫االسئلة ‪:‬‬

‫‪ -‬دافع عن األطروحة القائلة‪":‬إن أصل المفاهيم الرياضية هو العقل"‬

‫‪ -‬يعتقد العقليون أن المفاهيم الرياضية عقلية‪،‬في حين يعتقد التجريبيون أنها حسية‪ -‬حلل و ناقش‬

You might also like