Professional Documents
Culture Documents
1
المؤلف :جميل حمداوي
الكتاب:المدارس المسرحية الغربية
الطبعة األولى 2020
دار الريف للطبع والنشر اإللكتروني
الناظور -تطوان/المملكة المغربية
الهاتف0536333488/0672354338:
2
اإلهـــــــداء
3
الفهـــرس
اإلهــــداء
الفهرس4......................................................................
مقدمة5.........................................................................
الفصل األول :ماقبل نشأة المدارس المسرحية8.........................
الفصل الثاني :المدارس المسرحية قبل القرن العشرين27............
الفصل الثالث :المدارس المسرحية في القرن العشرين51............
خاتمة97.......................................................................
ثبت المصادر والمراجع99.................................................
4
مقدمـــــــــة
تهدف هذه الدراسة األدبية والنقدية إلى استجالء الجوانب الفكرية
والذهنية و الفنية والجمالية واإليديولوجية لمختلف المدارس
والحركات والتيارات واالتجاهات المسرحية والدرامية في العالم
الغربي بصفة خاصة .والغرض من ذلك هو التأريخ للفن المسرحي
من خالل مدارسه الدرامية بغية التعرف إلى مختلف التوجهات
الفكرية واإليديولوجية التي كانت ترتكز عليها هذه المدارس،
ورصد مختلف الخصائص والسمات الفنية والجمالية التي كان يمتاز
بها فعل التمسرح في هذه التجارب المسرحية إن نظرية ،وإن
ممارسة،وإن إخراجا ،وإن رؤية .ومن هنا ،ينطلق بحثنا من فرضية
رئيسة أال وهي:
لقد عرف المسرح الغربي مجموعة من المدارس والتيارات
والحركات واالتجاهات كان لها دور مهم في تطوير فن المسرح إن
رؤية ،وإن تمسرحا ،وإن تصورا ،وإن تجربة .بمعنى أن المسرح
الغربي قد عرف طفرات جمالية بارزة ،وقفزات فنية الفتة للنظر؛
بفضل ما راكمه من ممارسات ركحية متميزة من جهة ،وما قدمه
من تصورات نظرية رائدة ومهمة من جهة أخرى.
أما من حيث المدارس المسرحية الفنية والجمالية ،فيمكن الحديث
عن مدارس مسرحية عديدة كالمدرسة المسرحية الكالسيكية،
والمدرسة المسرحية الشعبية المرتجلة ،والمدرسة الكروتيسكية،
والمدرسة المسرحية الرومانسية ،والمدرسة المسرحية الواقعية،
والمدرسة المسرحية الطبيعية ،والمدرسة المسرحية الدادائية،
والمدرسة المسرحية المستقبلية ،والمدرسة المسرحية الرمزية،
والمدرسة المسرحية السريالية ،والمدرسة المسرحية الوجودية،
5
والمدرسة المسرحية التسجيلية ،والمدرسة المسرحية العبثية،
والمدرسة الكوميدية السوداء ،ومدارس الفن المسرحي
1
المعاصر...
ومن هنا ،فلقد استعنا بالمنهج التاريخي لرصد مختلف التطورات
التي عرفها المسرح الغربي إن شكال ،وإن مضمونا .كما اعتمدنا
على المنهج الفني والجمالي الستكشاف مجمل الفنيات والجوانب
الدرامية التي تمتاز بها هذه المدارس في تطورها التاريخي .ومن
هنا ،نطرح اإلشكاالت الرئيسة التالية:
كيف تطور المسرح العالمي في أوروبا الغربية ؟ وما أهم المدارس
التي تفرع عنها هذا المسرح؟ وما أهم المكونات والسمات الفكرية
واإليديولوجية والفنية والجمالية التي تمتاز بها هذه المدارس
المسرحية والدرامية؟
هذا ما سوف نتوقف عنده في كتابنا هذا بطريقة بانورامية كلية
وشاملة ،بطريقة تجمع بين التأريخ من جهة ،والتقويم الفكري والفني
والجمالي من جهة أخرى.
ونرجو من هللا عز وجل أن تنال هذه الدراسة إعجاب القراء
األفاضل ،وتنال كذلك رضا الباحثين والعلماء المتخصصين.
ونعتذر عن كل األخطاء التي نكون قد ارتكبناها في هذه الدراسة؛
ألن اإلنسان ضعيف بطبعه ،يعرف بالسهو ،والعجز ،والنسيان،
والتقصير .وهللا نسأل أن يجعل عملنا خالصا لوجهه الكريم ،وهو
الفصل األول:
ما قبل نشأة المدارس المسرحية
- 2اآلية ،85 :سورة اإلسراء ،القرآن الكريم برواية ورش عن نافع عن األزرق.
7
عرف المسرح الغربي مجموعة من التصورات المسرحية النظرية
والممارسات الركحية والدرامية ،قبل أن يتفرع هذا المسرح إلى
مجموعة من المدارس والتيارات واالتجاهات والحركات
واألشكال.وهنا ،يمكن التوقف عند التجارب المسرحية اليونانية،
والرومانية ،واألمازيغية .فضال عن تجارب المسرح في عصر
النهضة في شكل مسرح ديني والهوتي من جهة ،أو مسرح
شكسبيري من جهة أخرى.
المطلب األول :أرسطو وفن المسرح
يعد الفيلسوف اليوناني أرسطو أول منظر عالمي لفن المسرح في
كتابه (فن الشعر)؛ حيث وضع ،ألول مرة ،أسس شعرية المسرح
التراجيدي والكوميدي ،وسن قواعدهما الكالسيكية .وقد عرف
أرسطو التراجيديا ،أو فن المأساة،بقوله ":إن المأساة محاكاة فعل
تام له مدى معلوم؛ ألن الشيء يمكن أن يكون تاما دون أن يكون له
مدى .والتام هو ما له بداية ووسط ونهاية....ولوضع قاعدة عامة في
هذا نقول :إن الطول الكافي هو الذي يسمح لسلسلة من األحداث التي
تتوالى وفقا لالحتمال والضرورة ،وأن تنتقل بالبطل من الشقاوة إلى
النعيم ،أو من النعيم إلى الشقاوة.
أما الشخصيات ،فأمرها يتناول أربع مسائل :األولى أن تكون
فاضلة( )...والمسألة الثانية هي التوافق ....وثالثتها التشابه...
ورابعتها الثبات...
8
في كل مأساة جزء يسمى العقدة ،وجزء آخر هو الحل ،والوقائع
الخارجية عن المأساة وكذلك بعض األحداث الداخلية فيها تكون
غالبا العقدة ،أما الحل فيشمل ماعدا ذلك .وأعني بالعقدة ذلك القسم
من المأساة الذي يبدأ ببدايتها ويستمر حتى الجزء األخير الذي
يصدر التحول إما إلى السعادة وإما إلى الشقاوة ،وأعني بالحل ذلك
3
القسم من المأساة المبتدئ ببداية هذا التحول حتى النهاية".
أما كتاب الكوميديا ألرسطو فلقد ضاع ،ولم يصل إلينا حسب
الباحثين المتتبعين إلنتاج أرسطو.4
ومن أهم أسس التنظير األرسطي لفن المسرح تقسيم المسرحية إلى
أجزاء أساسية :البداية ،والوسط ،والحل ،وتقديم صورة تركيبية
للمسرح ،و تقسيمها إلى مشاهد وفصول .كما أثبت أرسطو أن أي
عمل مسرحي البد أن يرتكز على ثالثة مبادئ كبرى هي :وحدة
الحدث ،ووحدة الزمان ،ووحدة المكان .كما قدم نظرية لألنواع
التراجيديا المسرحية وأنماطها الصغرى ،حينما ميز بين
والكوميديا ،وفصل بين الهزل والجد.
-3انظر أرسطوطاليس :فن الشعر،ترجمة عبد الرحمن بدوي ،دار الثقافة بيروت،
لبنان ،بدون تاريخ.
- 4حاول الباحث المغربي محمد قيسامي ،في كتابه( حوار مع الكوميديا) ،بناء
ماضاع من كوميديا أرسطو؛ حيث ينظر للكوميديا موضوعا ،وبنية ،وشكال ،ولغة،
بعد أن ضاع كتاب الكوميديا ألرسطو ،ولم يبق منه سوى شذرات متفرقة في
مجموعة من الكتب ،وبعض اإلشارات إليه في كتاب(فن الشعر) .ومن ثم ،يستحضر
الباحث النص األرسطي الغائب ،ويبني هذا النص المفقود بواسطة التوثيق من جهة،
والتخييل من جهة أخرى .ولقد اعتمد الباحث في ذلك على كتابة شذرية من ناحية،
وكتابة مسرحية في شكل مقامة من ناحية أخرى .ويعني هذا أن الباحث قد توسل
بلغة إبداعية فلسفية حوارية ،تعتمد على الحلقات والمجالس الليلية مثل :ليالي ألف
ليلة وليلة ،بتشغيل كتابة مسرحية درامية لكتابة نص أرسطو الكوميدي على غرار
الكتابات الفلسفية لدى سقراط ،وأفالطون ،ونيتشه… انظر :محمد قيسامي :حوار مع
الكوميديا ،مطبعة تريفة،بركان ،المغرب1988 ،م.
9
و من أهم نظرياته المسرحية أيضا ما يسمى بنظرية التطهير
النفسي ،ومفاد هذه النظرية أن التراجيديا تقوم على تطهير النفس
البشرية ،بإثارة الخوف والشفقة في نفوس الجمهور. 5ويعني هذا أن
المأساة تسهم في مداواة نفوس المشاهدين شعوريا والشعوريا،
وتطهيرهم من النوازع الشريرة المكبوتة كلها ،بزرع الخوف
والشفقة.أي :تهدف المسرحية إلى تنقية الجمهور من بذور الشر
والدناءة قصد الرقي به إلى مصاف األخيار .ومن هنا ،تعد
التراجيديا وسيلة لعالج اإلنسان نفسيا ووجدانيا وأخالقيا من
االنفعاالت العدائية والغرائز المكبوتة كلها ،وتحرير النفوس اآلدمية
من الشر والتناتو س ،وتوجيهها نحو الفضيلة والسعادة والخير،
وخدمة الصالح العام.
ويعني هذا أن المسرحية ،منذ أن نظر لها أرسطو في كتابه( فن
الشعر) ، 6إما مسرحية تراجيدية ،وإما مسرحية كوميدية ،وإما
مسرحية تراجيكوميدية تجـمع بـين االثنـين .فالتراجيديا عند أرسطو
هي" محاكاة لفعل جاد ،تام في ذاته ،له طول معين ،في لغة ممتعة
ألنها مشفوعة بكل نوع من أنواع التزيين الفني ،كل نوع منها
يمكن أن يرد على انفراد في أجزاء المسرحية؛ وتتم هذه المحاكاة
في شكل درامي ،ال في شكل سردي ،وبأحداث تثير الشفقة
والخوف ،وبذلك يحدث التطهير من مثل هذين االنفعالين " ،وأعني
هنا بـاللغة الممتعة اللغة التي بها وزن ،وإيقاع ،وأقصد بقولي":
يمكن أن يرد على انفراد في أجزاء المسرحية" :أن بعض األجزاء
يعالج باستخدام الشعر وحده ،وبعضها اآلخر باستخدام الغناء".7
14
لالنتباه ،فيسعدهم ذلك كثيرا بسبب ما يبثه العرض من أحزان وآالم
سيكولوجية وعضوية.
بيد أن مايهمأوغسطين في المسرح هو اإلشباع أو االرتواء ،فبعد
اندماج المتفرج في المسرحية ،بمعايشة مآسيها ،واالنسياق وراء
أجوائها الغرامية والرومانسية ،والتلذذ بأحزانها وآالمها المقرفة،
يتحقق لدى المتفرج نوع من اإلشباع الغريزي ،أو نوع من الراحة
النفسية ،سرعان ما تتحول إلى نزيف تراجيدي مؤلم .ومن ثم،
فالمسرح الحقيقي هو الذي يحقق للمتفرج نوعا من اإلشباع
واالرتواء النفسي واألخالقي والبيولوجي ،مثل :تلك النشوة الجنسية
التي يستمتع بها المحبان العاشقان .وبتعبير آخر ،الينبغي أن يقدم
المسرح للجمهور عرضا دراميا ناقصا في مكوناته الفنية والجمالية
والتأثيرية ،فالبد أن يتحقق اإلشباع لدى الراصد المتفرج .وفي هذا
السياق ،يقول أوغسطين ":ذلك هو الحب الذي كنت أكنه لهذه
اآلالم ،والذ ي لم أكن أتوقع أن يمر (الحب) على قلبي وروحي؛
ألنني لم أرد قط رؤية األحزان في األشياء التي أفضل رؤيتها فوق
خشبة المسرح ،ولكنني كنت مرتاحا جدا؛ ألن موضوع المسرحية
التي كانت تعرض أمامي تشعرني باإلشباع ،كما لو أنني أصبت
بحكة جلدية ،فحككت جلدي ،وحققت ذلك اإلشباع ،لكن سرعان ما
يتحول الحك المتكرر إلى جرح ينزف ،فيختلط الدم بالوحل .هذه هي
11
حياتي ،ولكن هل نستطيع أن نسميها حياة؟ يا إلهي!"
11
- Saint Augustin, Confessions, III, 3, trad. D’Arnauld
d'Andilly (1649), établie par O. Barenne, éd. Ph. Sellier,
Gallimard, " Folio ", 1993, p. 89-92.
15
وإذا كان أرسطو صاحب نظرية التطهير القائمة على الخوف
والشفقة ،فإن المنظر المسرحي األمازيغي أوغسطين رائد نظرية
اإلشباع المسرحي القائمة على االرتواء الفني والجمالي.12
ولم يقتصرالمسرح األمازيغي على أبوليوس وترنيوس آفر
وأوغستان فحسب،بل تعدى ذلك إلى يوبا الثاني الذي اعتنى بهذاالفن
عناية فائقة ،فلقدألف كتابه الرائع( تاريخ المسرح) الذي جمع فيه
دراسات شاملة حول الموسيقا والرقص،وقد كتب منه ثمانية عشر
( )18مجلدا.
ويثمن الكثيرمن الباحثين اإلنجازات القيمة التي حققها الملك المثقف
يوباالثاني في مجال الدراما والتمثيل والتكوين المسرحي.فقد قال
بوزياني الدراجي":أما التمثيل ،فقد أسس يوبا أيضا معهدا لتدريسه
في شرشال كذلك.13"...
وقد عني يوبا الثاني أيما عناية بالكوريغرافيا المسرحية الهادفة
والممتعة ،بالجمع بين الرقص والموسيقا والتمثيل ،والدليل على
ذلك أن فقرات كتاب( تاريخ المسرح ) تشير إلى " آالت موسيقية
وقع اختراعها في بلدان مختلفة ،وبرقصات إغريقية وأجنبية،
14
وبالطريقة التي يحسن أن توزع بها األدوار على الممثلين".
فضال عن ذلك ،فقد بنى يوبا الثاني مجموعة من المسارح في
شرشال ،ووليلي ،وليكسوس ،كالمسرح العتيق الذي يوجد في
16
شرشال ،وأمامه تمثال كبير من المرمر يمثل شخصا إمبراطوريا
15
يخطب على جيوشه.
وفي هذا السياق ،يقول اصطيفان أگصيل ":ومن المؤكد أن قيصرية
كان بها مسرح على عهد يوبا الذي كان يحب الفرجات ،والذي كتب
بحثا مسهبا عن الفن الدرامي.والشك أن هذا المسرح هو الذي لم
تندثر خرائبه حتى اآلن .بالرغم من أنها كثيرا ما استعملت
كمحجرة.وكانت الزخارف الفاخرة على جدران خشبة المسرح من
الرخام األبيض ،وهو عبارة عن دثار وعن ثالث مجموعات
متراكبة من األعمدة الكورنثية التي تحمل عمرة غنية ،إلخ...ثم إن
هذه البقايا من طراز يجعلها متينة القرابة بالقطع المعمارية التي
16
عثر عليها بالساحة .فالعهد واحد إذن".
ويعني هذا أن يوبا الثاني كان يحب المسرح كثيرا ،وقد بنى عدة
مسارح لعرض المآسي والمالهي على حد سواء ،وكان يحضر
عروضها الفرجوية ،وكانت المسارح المبنية دائرية أو نصف
دائرية ،منفتحة على الهواء الطلق ،وكانت تبنى في شكل أعمدة
ومدرجات على غرار المسرحين اليوناني والروماني.
ومن مظاهر اهتمام يوبا الثاني بالفن الدرامي تأليفه لكتاب
بعنوان(تاريخ المسرح) ،لكنه ،ويا لألسف! ضاع مع مرور
الزمان ،ولم يصلنا شيء من أوراقه وآثاره .وليس لدينا من ذلك
سوى الشهادة التقريضية التي أدلى بها المؤرخ الفرنسي الكروا
الذي قال في حق يوبا الثاني ":اشتهر يوبا على الخصوص بعلمه
الواسع ،فقد ألف كثيرا من الكتب التي ردد ذكرها القدماء ،وبقي
منها قطع مبثوثة هنا وهناك...
18
اندهش منه القرطاجنيون لما له من معرفة موسوعية في جميع
الفنون والمعارف واآلداب ،فقد كان القرطاجنيون يهتفون به كلما
صعد إلى المسرح ،وهو بدوره يهتف بهم قائال":إني ال أرى في
مدينتكم إال رجاال كرعوا من مناهل الثقافة ،وتبحروا في جميع
العلوم :أخذوا العلم صغارا ،وتحلوا به شبانا ،ودرسوه شيوخا .إن
قرطاج لهي المدرسة المقدسة في مقاطعتينا ،وهي عروس الشعر
في أفريقيا ،وهي أخيرا ملهمة الطبقة التي تلبس الحلة".18
ويمكن القول :إن أفوالي كان شاعرا متنوع األغراض ،يبدع
الشعر الملحمي والشعر الغنائي الوجداني .كما كان كاتبا مسرحيا
غزير اإلنتاج؛ إذ ألف مجموعة من التراجيديات والكوميديات،
مستعمال في ذلك الشعر على غرار المسرحيين اليونانيين
والرومانيين .ويقول أفوالي في إحدى اعترافاته الصريحة":أعترف
بأني أوثر من بين اآلالت شق القصب البسيط أنظم به القصائد في
جميع األغراض المالئمة لروح الملحمة أو فيض الوجدان ،لمرح
الملهاة أو جالل المأساة .وكذلك ال أقصر ال في الهجاء وال في
األحاجي وال أعجز عن مختلف الروايات ،والخطب يثني عليها
البلغاء ،والحوارات يتذوقها الفالسفة ،ثم ماذا بعد هذا كله؟ إني
أنشئ في كل شيء سواء باليونانية أم بالالتينية بنفس األمل
19
ونفس الحماس ونفس األسلوب"
ونفهم من هذا أن قرطاجة كانت عاصمة تامازغا في مجال المسرح
والشعر والثقافة والسياسة إبان المرحلة الالتينية ،وكان البرابرة لهم
باع كبير في مجال الثقافة والفنون المسرحية ،وكان الرومان
والمؤرخون األجانب القدامى والمحدثون والمعاصرون ،باإلضافة
- 18شارل أندري جوليـان :تاريخ إفريقيا الشمالية ،تعريب :محمد مزالي البشير بن
سالمة ،الدار التونسية للنشر 1969م،ص.249:
-19شارل أندري جوليان :نفسه ،ص.252 :
19
إلى المستمزغين ،يعترفون لهم بذلك أيما اعتراف .وأقصد المثقفين
الذين تعلموا اللغة الالتينية باعتبارها لغة رسمية وأداة للتعليم
والتعلم ،ووسيلة للترقية المادية والمعنوية ،وتولي المناصب
اإلدارية ،والسياسية ،والمدنية ،والدينية.
ومن الطبيعي أن يكون جل المتعلمين ينحدرون من طبقة
أرستقراطية مقربة من السلطات الرومانية .وفي هذا السياق ،يقول
شارل أندري جوليان ":وكان الطلبة ينحدرون بصفة عامة من
الطبقة األرستقراطية القاطنة في البلديات .وكان بعض األغنياء
يشمل أحيانا برعايته أحد الشبان البربر النجباء ،فيمكنه من تنمية
ملكاته في قرطاج .ولم يكن هؤالء الشبان جميعهم ،مثال يحتذى في
المواظبة والفضيلة .فكانوا يرتادون المسارح والمالهي
وينغمسون فيما سماه القديس أغسطنيوس متندما" مرجل األهواء
التي يندى لها الجبين" .وكان عدد منهم مثل أغسطنيوس ال يقل
ولوعهم بحبيباتهم عن ولوعهم بالدرس .وكان آخرون يؤلفون
عصابات من المشاغبين ،فيهجمون على قاعات الدرس،
ويشاكسون األستاذ ،ويشيعون الطلبة الوديعين لكما وضربا.
وكان التعليم الذي يقوم به النحاة يزود أفريقية باإلداريين
والمحامين البارعين وبعض الحكام األعالم ،وأشهرهم
سالفيوسجوليانوس أصيل حضر موت (سوسة) وصاحب القانون
األبدي ،ويزودها أيضا برجال كانت ثقافتهم إلى السطحية أقرب
20
منها إلى العمق"
وعلى العموم ،فلقد تأثر المسرح األمازيغي بالمسرح المصري
الفرعوني ذي البعد الكهنوتي والطقوسي والجنائزي .كما تأثر
بالمسرح اليوناني والروماني على مستوى المعمار الهندسي
-20شارل أندري جوليان :نفسه،ص.250-549 :
20
والجمالي من جهة ،وعلى صعيد السينوغرافيا وكتابة المسرحيات
التراجيدية والكوميدية من جهة أخرى ،سواء أكان ذلك قد تحقق -
فعال -باللغة اليونانية أم باللغة الالتينية أم باللغة األمازيغية األفريقية.
21
وفي هذه الفترة بالذات ،يمكن الحديث عن أنواع ثالثة من المسرح
الوسيطي :المسرح المقدس( الديني) ،والمسرح المدنس( مسرح
دنيوي هازل)،والمسرح األخالقي الذي تشرب تعاليم اإلنجيل وقيمه
التهذيبية.
22
وتتمثل أهم مبادئ مسرح عصر النهضة الكالسيكي في احترام مبدأ
المحاكاة الحرفية للواقع ،ورفض الوهم و الالواقع ،والتركيز على
المثال األخالقي والصرامة الجمالية ،والفصل الدقيق بين األجناس
الدرامية الكبرى(التراجيديا /الكوميديا) ،وإظهار الشخصيات
باعتبارها نماذج إنسانية ال على أساس أنهم أفراد أحياء
واقعيون.فضال عن االلتزام بالوحدات األرسطية الثالث ،كوحدة
الحدث ( حدث درامي واحد) ،ووحدة الزمن( حدث يقع في 24
ساعة) ،ووحدة المكان(تجري األحداث المعالجة في مكان درامي
واحد).
ويتنافى عدم االلتزام بهذه القواعد الثالث مع المبدأ الذي
أرساهأرسطو ( المحاكاة) .عالوة على ذلك ،البد من االستسالم
لتجليات العقل وثوابت المنطق والحقيقة الذهنية القريبة ،والتأثير في
الجمهور تطهيرا وتهذيبا ،باستجالب مواقفه وردوده االنفعالية.
ومن مظاهر التجديد التي عرفها المسرح اإليطالي أن العروض
كانت تقدم في فضاءات ركحية موجودة في القاعات ،أو ساحات
القصور ،أو تتخذ شكال مستطيال معلبا (العلبة اإليطالية) ،يستفيد من
جماليات وفنون معمارية الهندسة المسرحية الرومانية.
ومع اكتشاف المنظور التشكيلي ،مال المسرحيون نحو اإليهام
بالواقعية الدرامية على مستوى التصوير السينوغرافي ،و تنويع
الديكور ،وإثراء الفصول الدرامية الخمسة بمشاهد وعروض
مجازية استعارية دخيلة ،تتخلل بين هذه الفصول الدرامية ،وقد
وضع فاصل معماري (غطاء أو ستار) لفصل قاعة الجمهور عن
خشبة التمويه الفني ،ويسمى بالجدار الرابع.
وإلى جانب هذا المسرح الركحي الخشبي ،ظهر فن جديد يعتمد على
الغناء والترنيم والصوت المرتفع الحاد ،وهو فن األوبرا الذي
23
خصصت له مبان فاخرة وفخمة ،تردادها الطبقة األرستقراطية التي
لم تكن تأتي لسماع العروض الغنائية ،بل لكي تجذب أنظار
اآلخرين ،وتتباهى بمكانتها الطبقية واالجتماعية بين السادة
الحاضرين.
وعلى العموم ،صارت األوبرا فنا شعبيا منتشرا في إيطاليا منذ
1600م،وظهرت أيضا الكوميديا الشعبية المرتجلة( كوميديا دي
الرتي ،)dell’arteوكان لها جمهور شعبي واسع فيما بعد ،وقد
بلغت أوجها الفني ونضجها الدرامي بين 1550و1650م.
الفرع الثاني :المسرح اإلنجليزي
لقد تطور المسرح اإلنجليزي في عهد إليزابيت األولى ،في أواخر
القرن السادس عشر؛ إذ أبقى تقاليد المسرح الشعبي في العصور
الوسطى .ومع التطور السياسي واالقتصادي ،وتطور اللغة
اإلنجليزية ،ساهم الهواة الدراميون ،أمثال :توماس كايد(
)THOMAS KYDوكريستوفر مارلو( Christopher
)Marloweفي نهضة المسرح الملحمي الذي بلغ نضجه وازدهاره
مع وليام شكسبير.
وقد اعتمد شكسبير ،في بناء مسرحياته ،على سنيك وبلوتوس،
واستيحاء الكوميديا المرتجلة ،والمزج بين التراجيديا والكوميديا.
كما مزج بين المشهد والرقص والغناء .وكانت عقده الدرامية ممتدة
في الفضاء الزمكاني ،وكان يستقري ،في معظم مسرحياته ،التاريخ
بدل األسطورة .ومن جهة أخرى ،كانت الكوميديات اإلنجليزية
تمتاز بالخاصية الرعوية بامتياز ،وتستعمل عناصر سحرية وغير
عقلية.
24
وقد ظهر رواد دراميون يؤلفون في مجال المسرح بعد وليام
شكسبير( ،)William Shakespeareوالسيما الكاتب اإلنجليزي
بن جنسون( .) Ben Jonson
وبعد وفاة الملكة إليزابيت األولى ،اتخذ المسرح شكال مظلما
وقحا ،ويجسد ذلك بوضوح ماكتبه بن جونسون من مسرحيات
درامية.
وفي 1642م ،أغلقت المسارح ودمرت وخربت بسبب الحروب
األهلية ،بتنفيذ قرار البرلمان الذي انساق وراء ضرورة الغلق تحت
ضغط المتزمتين الصارمين .واستمر هذا الوضع الفني المتردي
غير المحتمل حتى 1660م.
وبعد عودة االستقرار إلى مدن إنجلترا ،أصبح المسرح موجها إلى
نخبة محدودة ،فارتكن الفن الدرامي إلى محاكاة النصوص الفرنسية
واإليطالية .وأعطيت للمرأة ،ألول مرة في تاريخها ،أدوار
تشخيصية مناسبة منذ العصر الوسيط .ومن أهم كتاب هذه المرحلة
وليام كونجريف(.) William Congreve
الفرع الثالث :المسرح اإلسباني
عرف المسرح اإلسباني ،في عصر النهضة ،التطور نفسه الذي
شهده المسرح اإلنجليزي في عهد إليزابيت األولى ،وبالخصوص
في منتصف القرن17م ،مع لوبي دي فيكا( ، ) Lope de Vega
وبيدروكالديرون(.) Pedro Calderon
و قد اقترن هذا المسرح بالتقاليد اإلسبانية القائمة على األفكار
المثالية المرتبطة بالشرف والحق اإللهي المقدس .وكان الجمهور
المثقف هو الذي يفضل هذا النوع من المسرح .لكن هذا المسرح لن
يعرف التطور الذي عرفه المسرح في فرنسا وانجلترا ،بل سرعان
25
ما انطفأت شعلته بسبب هزيمة إسبانيا في معركة أرمادا ،وقيام
محاكم التفتيش ذات التوجه الديني الصارم ،بالوقوف في وجه
المسرح موقفا سلبيا شائنا.
الفرع الرابع :المسرح في القرن18م
كان هن اك القليل من الكتاب الدراميين في فرنسا ،في بداية القرن
الثامن عشر الميالدي ،من يستحق التقدير والتبجيل واالحترام ،
باستثناء الكاتبين المسرحيين :جان فرنسوا رينيارد( – Jean
،)François Regnardوأالن روني لوساج( Alain René
. )Lesage
وقد أعطى مسرح الشارع وساحات األعياد شكال مسرحيا جديدا
يسمى بالمسرح الشعبي .ويبدو أن النصوص المسرحية كانت
تكتب ،في هذا القرن ،لممثلين معينين؛ إذ تفصل النصوص
الدرامية ،وتقاس على مقاسهم وأذواقهم ورغباتهم ،باحترام القواعد
الكالسيكية ،ومراعاة شعرية المحاكاة األرسطية .واشتهرت
نصوص رائعة في هذه الفترة ،مثل :روميو وجولييت ،والملك لير.
ولقد ساهم بعض النقاد -فعال -مع بداية عصر األنوار في تطوير
المسرح ،كفولتير( ،)Voltaireوديدرو( ،)Diderotواآلنسة
كليرون ) Mlle Claironفي فرنسا( ،وليسينج( ) Lessingفي
ألمانيا ،وقد كانت مالحظاتهم النقدية ودعواتهم اإلصالحية عالمات
مضيئة لفن اإلخراج المسرحي.
وخالصة القول ،تعد البدايات المسرحية والدرامية األولى بمثابة
إرهاصات جنينية مهمة ،قد ساهمت ،بشكل من األشكال ،في
انطالق المسرح الغربيفي أداء رسالته التنويرية والتثقيفية والعلمية
والمعرفية والفنية ،والسعي الجاد إلى تطويره ذهنيا ،وفكريا،
26
وإيديولوجيا ،وفنيا ،وجماليا ،ضمن مساره الفني والجمالي
والدرامي ،وتحوله ،بشكل تدريجي ،إلى مدارس وحركات وتيارات
واتجاهات مسرحية لها أطاريح نظرية وفكرية وإيديولوجية من
جهة ،ولها أيضا جوانب فنية وجمالية من جهة أخرى.
الفصل الثاني:
المدارس المسرحية ما قبل القرن العشرين
27
لقد عرف المسرح الغربي ،منذ عصر النهضة إلى غاية نهاية القرن
التاسع عشر الميالدي ،مجموعة من األشكال والتجارب والحركات
والتيارات واالتجاهات المسرحية والدرامية المختلفة ،يمكن التعبير
عنها في صيغة مدارس فنية وجمالية لها مقومات فكرية وذهنية
خاصة بها ،ولها سياقات مرجعية وإيديولوجية تؤطرها على
المستوى الخارجي ،مع التوفر على مجموعة من الجوانب الدرامية
المميزة لكل مدرسة على حدة على النحو التالي:
المطلباألول :المدرسة المسرحية الكالسيكية
تعني الكالسيكية ( ،21 )Le Classicismeفي الفن المسرحي ،تلك
الحركة التي ظهرت في فرنسا في القرن السابع عشر الميالدي،
وامتدت حتى القرن الثامن عشر(1660-1715م) .بمعنى أن
الكالسيكية هي مجمل األعمال الفنية واألدبية الكبرى التي أنتجت
في القرن السابع عشر والثامن عشر الميالديين .كما تعني أيضا
العودة إلى التراثين :اإلغريقي والروماني باعتبارهما قاعدة أساسية
للتربية والحضارة .وقد تميزت بالدفاع عن اإلنسان الفارس النبيل،
واستعمال األسلوب األنيق المهذب ،واالحتكام إلى العقل والمنطق،
21
-Roger Zuber et Micheline Cuénin : Le Classicisme, Paris,
Flammarion, « GF », 1998.
28
ومحاكاة الواقع بصدق .ويعني هذا أنها ركزت كثيرا على مبدأ
المحاكاة باعتباره عنصرا فنيا وجماليا مهما قامت عليه فلسفة
أفالطون وأرسطو بصفة خاصة.
إذا ،تشمل الكالسيكية " األعمال األدبية والفنية الكبرى لكل من
الحضارتين :اليونانية ،والالتينية ،فضال عن أعمال القرن السابع
عشر ،المقررة في المدارس الفرنسية إبان القرنين السادس والسابع
عشر ؛ ألنها أعمال " الطبقة األولى " من الكتاب الذين ينطلقون من
الشعرية األرسطية ،واألدبين اإلغريقي والالتيني ،ومبادئ العقالنية
الديكارتية ،أي الذوق العام ،واحترام األصول والقواعد الشعرية
والنحوية .وفلسفة الجمال القائمة على العقل ،والمحاكاة ،وهذه
جميعها تجسدت باألس اس في الشعر المسرحي الذي له مكانة كبيرة
في الشعرية ألرسطو".22
وتتميز الكالسيكية بمجموعة من الخصائص على مستوى األفكار
واألسلوب كالعقالنية القائمة على الوضوح الفكري ،والموضوعية،
وااللتزام بالقواعد التي تحقق التوازن بين العاطفة والفكر ،بين
المبدع والجمهور ،بين المضمون والشكل؛ وهذا التوازن هو سر
الجمال الفني .فضال عن مشابهة الحقيقة ،بمحاكاة الواقع الخارجي،
وتمثل القيم واألخالق السائدة والموروثة.
وفيما يخص الشكل ،فالبد أن يكون مهذبا ومتأنقا ،أساسه االختيار،
23
والنظام ،والبساطة ،والوضوح ،والقصد إلى العادي.
- 22محمد بنيس :التقليدية ،دار توبقال ،الدار البيضاء ،المغرب ،الطبعة األولى
سنة1989م ،ص.76 :
-23شكري محمد عياد :المذاهب األدبية والنقدية عند العرب والغربيين ،عالم
المعرفة ،الكويت ،العدد ،177الطبعة األولى سنة 1993م ،صص.164-161 :
29
ومن هنا ،يقصد بالمدرسة المسرحية الكالسيكية تلك المدرسة
األكاديمية التي تحترم القواعد الفنية والجمالية التي وضعها أرسطو
في كتابه (فن الشعر) ،وتحافظ عليها بكل صرامة وإتقان ،وتنبني
على الواقعية من جهة ،والتشخيص الدرامي التقليدي من جهة
أخرى .ويعني هذا أن المدرسة الكالسيكية في المسرح هي التي
تسعى إلى تمثيل األشياء بطريقة مباشرة مشخصة موضوعية
وتقليدية.أي :تهتم بمحاكاة الطبيعة واألشياء .وبالتالي ،تتنافى هذه
الحركة مع الحركة الباروكية ( )Baroqueالتي كانت تعنى بالتأنق
التزيينيوالديكوري الزائد ،والمبالغة في الزخرفة البديعية.
ومن هنا ،يقوم الفن المسرحي الكالسيكي على محاكاة التراجيديات
والكوميديات اليونانية الكالسيكية العظيمة والمتميزة فنيا وجماليا،
كما يبدو ذلك جليا عند سوفكلوس ،وأسخيلوس ،ويوربيديس،
وأرستوفان ،باعتبارها مراجع وأعمال فنية وجمالية في مجال
المسرح اإلغريقي الكالسيكي .وتعد المسرحياتاليونانية روعة في
اإلتقان والجمال .وقد اشتغل المسرح الكالسيكي الغربي ،منذ عصر
النهضة ،على محاكاة قيمة الفضيلة ضمن فن التراجيديا من جهة،
ومحاكاة قيمة الرذيلة ضمن فن الكوميديا من جهة أخرى.
وعلى العموم ،فلقد كان الفن المسرحي الكالسيكي 24يهتم بالعقل في
مقابل العواطف واألهواء الذاتية واالنفعالية .ويعتني برسم القيم
وأخالق النبالة ،والتغني بالجمال واإلتقان ،واحترام القواعد الفنية
والجمالية الكالسيكية...
وعليه ،فلقد انطلقت النصوص المسرحية الفرنسية الكالسيكية ،في
بدايتها ،من عدة مبادئ أرسطية ،تتمثل في تقليد الطبيعة ومحاكاتها،
2005.
30
أو تقديم صور فنية منظمة وجيدة عنها ،واحترام العقل وقوانين
الحقيقة المنطقية ،واالبتعاد -قدر اإلمكان -عن الوهم والخيال،
واالستهداء بالوظيفة األخالقية المبنية على اإلرشاد والتوجيه
والتنوير ،وتعليم الناس القيم األخالقية ،وتغيير المجتمع بنشر
الفضيلة ،ودرء الرذيلة ،و احترام مبدأ المحاكاة ،ومراقبة اللياقة
واألدب ،وااللتزام بالوحدات الثالث على مستوى البناء الفني،
وتشكيل العرض المسرحي.
ولم يظهر المسرح الكالسيكي في فرنسا إال في1630م،بظهور
تراجيديات راسين( ) Racineوكورناي(.) Corneilleوكانت
مبادئ المسرح اليوناني تحترم بشدة ،وعندما حاول كورناي ،مثال ،
في مسرحيته ( Le Cidالسيد) ،انتهاك قاعدة المحاكاة ،لم تجزها
األكاديمية الفرنسية مؤسساتيا وفنيا وجماليا ،على الرغم من نجاحها
الباهر .كما كانت المسرحيات الكالسيكية الفرنسية تعتمد على
عرض األساطير ،والحفاظ على البنية الدرامية الموروثة،
واستعمال اإليقاع الكالسيكي الجديد.
ولقد أنتج موليير( ) Molièreهزليات وكوميديات مضحكة
وساخرة ومفارقة ،متأثرا في ذلك بالكوميديا الشعبية اإليطالية
وكوميديات القيم .ويعرف موليير بكونه أكبر ممثل كوميدي في
عصره ،وكان يدير شركة مسرحية تحولت ،بعد موته ،بقرار لويس
الرابع عشر ،إلى الكوميديا الفرنسية التي تعد اليوم أقدم مسرح
وطني في العالم.
وعليه ،يبقى االتجاه الكالسيكي اتجاها مسرحيا ثابتا ،يخضع لقواعد
مدرسية وأكاديمية معينة ،يعبر عن نظام مؤسساتي سياسي
واجتماعي قار وثابت وفق معايير محددة.ولكن اليستطيع هذا
االتجاه التقدم والتطور والسير نحو األمام إال بتكسير تلك القواعد
31
المدرسية من أجل تحقيق الحداثة والتجديد واإلبداع واالبتكار؛ ألن
القواعد تسيج الفن وتطوقه وتقتله بشكل تدريجي ،وتجعله حبيس
القيود الجاهزة .
المسرح الكالسيكي
المطلب الثاني :مدرسة كوميديا دي الرتي
تعد كوميديا دي الرتي ( )La commedia dell'arteمن المدارس
المسرحية الشعبية التي عرفت إبان القرن السادس عشر الميالدي
بإيطاليا .ويتقابل هذا المسرح مع المسرح النبيل المعروف بمسرح
32
العلبة الذي كانت تحضره الطبقة األرستقراطية من المجتمع
اإليطالي في تلك الفترة الزمنية.25
ولقد ارتبط هذه المسرح بمجموعة من الممثلين المرتجلين
المحترفين الذين كانوا يلبسون أقنعة هزلية ومضحكة منذ 1528م.
وبالتالي ،تتسم مواقف هؤالء المرتجلين بالعفوية ،والفطرية،
والسذاجة ،والكياسة ،والذكاء ،والتمكن من الفن الدرامي الساخر.
ويعني هذا أن الكومديا دي الرتي بداية فعلية وحقيقية النطالق
الكوميديا السوداء في العصر الحاضر.
ومن هنا ،تعد الكوميديا دي الرتي من المرتجالت المسرحية التي
تقوم على الميتامسرح ،أو توظيف المسرح داخل المسرح ،أو ما
يسمى أيضا بالتقعير الذي يجعل من الهم المسرحي موضوعا له،
بتحويل قضايا المسرح وشؤونه إلى مادة لالرتجال والحوار العفوي
التلقائي .ويعني هذا أن المرتجالت تعالج فن المسرح عن طريق
33
التمسرح والممارسة المسرحية نصا وعرضا .وبالتالي ،يتناول هذا
الفن هموم المؤلفين المسرحيين ،ومشاكل المخرجين ،ومعاناة
الممثلين ،وغطرسة النقاد ،وردود الجمهور .أي :إن المرتجالت "
نوع من المسرح الذي يتخذ من مادة المسرح موضوعا له .أي :إنه
26
يعالج بعض قضايا المسرح بواسطة فن المسرح نفسه".
ويعني هذا أن نظرية المرتجالت نظرية تنصب على آلية االرتجال
في التعامل مع قضايا الفن بصفة عامة ،وقضايا المسرح بصفة
خاصة ،أو يقصد بها تلك النظرية التي تفضح أسرار الفن
المسرحي ،وتمارس النقد الذاتي تقعيرا وإرصادا.
ولقد انتشرت المرتجالت المسرحية بكثرة في المسرح الغربي ،بعد
تأثرها المباشر بالكوميديا دي الرتي اإليطالية ،وخاصة عند موليير
في ( مرتجلة فرساي)(1663م) ،ومرتجلة (نقد مدرسة النساء)،
و( مرتجلة كوندي)؛ وجان جيرودو في (مرتجلة باريس)
(1937م) ؛وبيراندليلو في مرتجلته( سنرتجل هذا
المساء)(1930م) ؛ ويونيسكو في ( مرتجلة ألما) Alma
(1956م) ؛وكوكتو في (مرتجلة القصر الملكي) (1962م) ؛
وغيرهم...
دون أن ننسى مختلف التداريب االرتجالية لدى كروتوفسكي
وستانسالفسكي وأنطونان أرطو ،وارتجاليات المسرح الحي ،
واالشتغال على الشخصيات من لدن مسرح الشمس(مينوشكين)...
وعلى العموم ،فلقد ظهرت الكوميديا الشعبية المرتجلة( كوميديا دي
الرتي )dell’arteفي إيطاليا ،إبان عصر النهضة ،في شكل
مرتجالت مسرحية شعبية هجائية وانتقادية بغية التعبير عن هموم
- 26مصطفى رمضاني ( :تقديم مسرحية الورشة) ،مسرحية الورشة ،لعبد الحفيظ
مديوني ،مطبعة تريفة بركان ،الطبعة األولى سنة 2007م ،ص.7:
34
الشعب وطموحاته وآالمه بطريقة كوميدية ساخرة ،تستهزئ من قيم
طبقة النبالء ومواضعاتهم المهترئة ،وتفضح استغاللهم البشع
لمختلف الطبقات الشعبية المسحوقة .ويعني هذا أن للنبالء مسرحهم
الفخم والراقي ضمن علبة داخلية مغلقة .وفي المقابل ،كان للشعب
المقهور مسرحهم االرتجالي الذي يدافع عنه ،ويعبر عن رغباته
وتطلعاته الواقعية والمستقبلية .ولقد بلغت هذه الكوميديا الشعبية
االرتجالية أوجها الفني ونضجها الدرامي ما بين 1550و1650م.
بي د أن الكوميديا دي الرتي تبقي مجرد حركة مسرحية شعبية
وفطرية ،تقوم على االرتجال ،وتغيير األقنعة ،وتنقصها الخبرة
األكاديمية والمدرسية ،بتوجيه المسرح وفق قواعد معينة .بمعنى
أنها حركة فنية وجمالية في حاجة ماسة إلى تأطير نظري وتطبيقي
لتنويع الفرجة الدرامية ،وتطويرها وفق أسس علمية وأكاديمية
ومدرسية ناضجة ومصقولة.
35
لوحة تشكيلية تمثل كوميديا دي الرتي
27
- Iehl D, Le Grotesque, Paris, P.U.F., coll. Que sais-je ?, 1993.
36
عدة كاألدب ،28والتشكيل ،والعمارة ،والسينما ،والنحت،والمسرح،
29
والشعر...
ولقد وظف الكروتيسك،باعتباره أسلوبا للتزيين ،في مجال التشكيل
أوال.ثم ،انتقل -بعد ذلك -إلى مجال األدب والفن مع مونتاني
( )Montaigneفي مقاالته ( .)Essaisوقد أصبح هذا المصطلح
شائعا في النقد األدبي والفني .وكانت المسرحيات الكوميدية ،بصفة
خاصة ،توظف الكروتيسك بسبب قوته الفنية والجمالية والتعبيرية
إلثارة المفارقة والسخرية .وكان فرانسوا رابلي ()Rabelais
معروفا بالكتابة الكروتيسكية الساخرة .ولقد استمر فن الكروتيسك
الكوميكي من عصر النهضة حتى القرن العشرين ،وقد استخدمه
كافكابكثرة إلثارة الخوف والرعب لدى المتلقي .بمعنى أن
الكروتيسك أصبح وسيلة فنية وجمالية مهمة لبناء العوالم التخييلية
الساخرة والمفارقة.30
ومن جهة أخرى ،يمكن الحديث عن حركة مسرحية كروتيسكية
بإيطاليا ما بين 1916و1930م مع المسرحي اإليطالي
بيراندللو( )Pirandelloالمعروف بمرتجالته التي وظفت المسرح
داخل المسرح.وبهذا ،يكون الكروتيسك سمة فنية وجمالية تتخلل
جميع الفنون واألجناس األدبية منذ القديم إلى يومنا هذا.
وبتعبير آخر ،اليعني هذا أن المسرح الكروتيسكي مرتبط بمرحلة
زمنية معينة ،بل يلتصق بجميع المراحل الزمنية ،فهو سمة فنية
28
-Astruc R., Vertiges grotesques, esthétiques du choc
comique (roman - théâtre - cinéma), Paris, Honoré Champion,
2012.
29
-Astruc R., Le Renouveau du grotesque dans le roman du
XXe siècle, essai d'anthropologie littéraire, Paris, Classiques
Garnier, 2010.
30
- Iehl D, Le Grotesque, Paris, P.U.F., coll. Que sais-je ?, 1993.
37
وجمالية قد تحضر في مجموعة من األعمال الفنية الدرامية في
عصر من العصور.وربما سيحتاج الفنان المستقبلي إلى هذا الفن
بشكل كبير للتعبير عن عوالمه الذاتية والواقعية والممكنة.
المسرح الكروتيسكي
المطلب الرابع:المدرسة المسرحية الرومانسية
ظهرت المدرسة المسرحية الرومانسية ،في بداية األمر ،في ألمانيا
للتغني بالذات والطبيعة والوجدان ،والدفاع عن الحرية الفردية
واستقالل الشخصية ،والتركيز على الحب والعواطف ،واسترجاع
ذكريات الماضي ،والتوق إلى عالم الغاب ،والهروب من فظاظة
الواقع ،ونشدان السعادة والفضيلة ،والسعي الجاد إلى بناء العوالم
المثالية الممكنة .لذا ،فقد مال الرومانسيون إلى الرواية ،والشعر،
والمسرح ،والموسيقا ،والتشكيل االنطباعي .وكان الغرض من ذلك
هو التعبير عن التجارب الذاتية الناجحة أو الفاشلة في الحب والغرام
والعشق ،ضمن تراجيديات رومانسية تتناغم مع عوالم الموسيقا
38
والفن التشكيلي االنطباعي .وبعد ذلك ،انتقلت الرومانسية إلى فرنسا
وباقي دول أوروبا الغربية.
ولقد تبلورت المدرسة الرومانسية في القرن التاسع عشر الميالدي
مع مجموعة من الرواد الكبار ،أمثال :فيكتور هيجو(، )V . Hugo
وألسكندر دوما ( ، )Alexandre Dumasوألفرد دو موسيه
( ، )Alfred de Mussetوألفرد دوفينيه (،)Alfred de Vigny
وجوته ( ،)Goetheوشيلر(...)Schiller
وترتكز المدرسة الرومانسية ،في المجال المسرحي والدرامي ،على
حرية اإلبداع ،وتكسير الوحدات الثالث ،و الخلط بين األجناس
األدبية وتوحيدها في بوتقة واحدة ،كالمزج بين التراجيدي
والكوميدي ،والجمع بين الشخصيات النبيلة والدنيئة ،و التوليف بين
الضحك والبكاء ،والخلط بين الرفيع والوضيع .فضال عن محاكاة
الذات والطبيعة على حد سواء.
ومن جهة أخرى ،تعد مقدمة كرومويل(1829() Cromwellم)
البداية الفعلية لتأسيس المسرح الرومانسي الثائر على المسرح
الكالسيكي المرتبط بقواعد أرسطو وتعاليم المسرح الروماني؛ حيث
كسر المسرح الرومانسي الوحدات الثالث :وحدة الحدث ،ووحدة
الزمان ،ووحدة المكان ،ضمن رؤية تجديدية وتجريبية على مستوى
التـأليف ،واإلخراج ،والسينوغرافيا المشهدية.31
وينطلق هذا المذهب الرومانسي من فلسفة جان جاك روسو الداعية
إلى العودة إلى الطبيعة ،والثورة على مجتمع المدنية والفساد .كما
يدافع هذا المذهب كثيرا على فن الفرد والشخصية وتشخيص
الذات ،واألخذ بالعاطفة والقلب بدل االسترشاد بالعقل والمنطق .لذا،
- 31نعني بالسينوغرافيا تأثيث الخشبة بالديكور ،واألثاث ،والكتل ،واألحجام،
والرسوم ،واألضواء ،والموسيقا ...
39
تحضر لديهم صور روحانية مجردة تسمو باإلنسان .كما استوحى
هذا المذهب آراء شكسبير الدرامية في الثورة على الوحدات الثالث
المعروفة ،وتنويع النغمات الدرامية والشعرية ،والخلط بين
األجناس.
ولقد انطلقت الرومانسية من ألمانيا مع جوته صاحب مسرحية
(فاوست ) التي تتمحور حول عقد واهم أبرمه فاوست مع الشيطان
الذي اشترى منه روحه مقابل سيطرته على العالم ،بهدف تملك
الغنى والقوة والمعرفة.
وتعد مسرحية ( هرناني1830( ) Hernaniم) لفكتور هيجو
نموذجا رومانسيا تجريبيا بامتياز ،يوضح لنا رؤية هوجو تجاه
المذهب الكالسيكي؛ حيث نجد في هذه المسرحية عقدتين :سياسية
وعاطفية .وتجري أحداث المسرحية في عدة مواقع وأمكنة :تارة في
ساراغوس ،وتارة في جبال أراغون ،وتارة أخرى في إيكس ال
شابيل( . ) Aix- la Chapelleأي :بين فضائي إسبانيا وفرنسا.
وتمتد قصة المسرحية أيضا عبر شهور عدة .كما أن المحاكاة في
هذا العمل الدرامي مهملة .ومن هنا ،نسجل أن هذه المسرحية كانت
بداية فعلية للمسرح الرومانسي.
وينطبق هذا االنزياح التجريبي كذلك على مسرحيته ( روي
بالس1838 ( )Ruy Blasم) .بيد أن مسرحيته ( بورجراف Les
1843( )Burgravesم) قد شكلت ،في حقيقة األمر ،نهاية حادة
للمرحلة الرومانسية.
وما يالحظ على المدرسة الرومانسية أنها بالغت في تمجيد شخصية
الفرد ،واالنطالق من عواطفه الذاتية .كما تخلص مبدعوها وفنانوها
من الواقع المر هاربين حيال عالم الغاب والطبيعة.لذا ،تؤمن
40
الرومانسية بالخيال المجرد والمجنح وعالم المثل األفالطونية،
وااللتصاق باألبراج العاجية أكثر مما تعتني هذه الحركة األدبية
والفنية بالواقع الموضوعي ،أو تهتم بمشاكل اإلنسان في صراعه
مع الذات من جهة ،وصراعه مع الواقع الموضوعي من جهة
أخرى .بمعنى أن الحركة الرومانسية هي حركة خيالية وحالمة
بامتياز ،تعيش على بصمات االنطباعيين الوهمية والمتخيلة
شعوريا والشعوريا.
المسرح الرومانسي
41
ظهرت المدرسة الواقعية رد فعل على المدرسة الرومانسية سنة
1850م .بمعنى أنها حركة فنية وجمالية تعطي األولوية للواقع على
حساب الفكر والمثال.أي :ابتعدت الواقعية عن األبراج الرومانسية
العاجية ،ونأت عن التصورات الذاتية والعاطفية ،واعتنت بتصوير
الواقع الشعبي ،والتعبير عنه فنيا وجماليا.
ومن ثم ،فلقد قد كان هدف المدرسة الواقعية التعبير عن الواقعية
الموضوعية السياسية ،واالجتماعية ،واالقتصادية ،ضمن رؤية
فلسفية اشتراكية وجدلية ،كما يبدو ذلك واضحا عند مجموعة من
المفكرين كبليخانوف ،وهيجل ،وماركس ،وأنجلز ،وجورج لوكاش،
وغيرهم...
ولقد انصبت المدرسة الواقعية على تصوير الطبقات االجتماعية
الصغرى والمتوسطة في صراعها مع الطبقة البورجوازية.لذا ،كان
األدب بصفة عامة ،والمسرح بصفة خاصة ،سالحا لتغيير الواقع
السائد ،باستبداله بواقع اشتراكي أفضل؛ حيث تنتصر فيه الطبقات
العمالية المستغَلة .ولقد عاصرت هذه المدرسة الثورة الصناعية
ونتائجها التي ساهمت فيها كاألزمة االقتصادية والمالية التي أدت
إلى بروز الحركات االستعمارية ،واندالع الحرب العالمية األولى
بعد تكتل األحالف العسكرية وتنافسها على األسواق الحيوية لترويج
اقتصادها.32
وعليه ،يعد المخرج األلماني ساكس ميننجن أول مخرج في تاريخ
المسرح الغربي ،ولقد ساهم في إنتاج الصورة المسرحية التشكيلية
ذات البعد الجمالي التي تشمل كل عمليات العرض المسرحي .وقد
32
-Georges Legros, Michèle Monballin et Isabelle Streel,
Grands courants de la littérature française, Editions
AltioraAverbode, 2007, 64 p., p. 36-38.
42
ثار ميننجن على مقومات المسرح التقليدي والنظم البالية وفكرة
النجومية ،واستبدلها باألسلوب الجماعي في العمل ،وتنويع
المستويات فوق الخشبة تفاديا للرتابة التي تطرحها الخشبة ذات
المستوى الواحد.
ولقد طبق كذلك نظام الصرامة واالنضباط في تدريب الممثلين،
وتوجيه أعضاء فرقته المسرحية .وبالتالي ،فلقد أوجد نظام الممثل
البديل وحركة المجموعات التي تقوم على ممثل بارز يقوم بتأطير
مجموعة من أتباعه .ومن ثم ،فلقد كان لساكس ميننجن تأثير كبير
على الكثير من المخرجين الغربيين ،والسيما الروسي
ستانسالفسكي ،واأللماني راينهاردت ،والبريطاني إرفنج.
ويمتاز ماكس ميننجن بالدقة التاريخية واألصالة الواقعية في التعبير
المسرحي ،والسيما في مسرحيته التاريخية(يوليوس قيصر) التي
حاكى فيها القالب التاريخي الروماني على مستوى السينوغرافيا
والديكور واإلكسسوارات.
وتتميز الحركة المسرحية الواقعية ،على مستوى الـتأليف
المسرحي ،منذ منتصف القرن التاسع عشر الميالدي ،باإلسراف في
استخدام اإلرشادات المسرحية ،فقد بدأنا نرى اإلرشادات منفصلة
ومستقلة عن الحوار ،إما في الصدارة ،وإما بعد أفعال القول ،وإما
بعد أطراف التواصل مباشرة ،وإما داخل الحوار.
وعليه ،فالمسرح الواقعي هو الذي يعكس الواقع بمختلف تناقضاته
الجدلية .ومن ثم ،يبعد العواطف واألهواء واالنفعاالت الذاتية،
ويستبدلها بالحقيقة الواقعية بمختلف أنواعها ،ضمن رؤية تحليلية
تقويمية تنحاز دائما للمعطى الموضوعي الخارجي.
بيد أن الرؤية الواقعية ليست هي الرؤية الوحيدة التي تستطيع أن
تعالج مشاكل اإلنسان والحياة ،فهناك رؤى متعددة تختلف من
43
شخص إلى آخر حسب رؤيته اإليديولوجية واقتناعاته الشخصية.
بمعنى أن تكون هناك رؤية شاملة ومتكاملة حول الموضوع.أي :إذا
كانت للرؤية الرومانسية سلبيات كالتحيز للذات والمثال والطبيعة،
فإن للواقعية سلبياتها أيضا كالتحيز للواقع والمادية والموضوعية
المرجعية .وأكثر من هذا فلقد ركز االتجاه الواقعي كثيرا على
الرواية والقصة القصيرة لالقتراب أكثر من الواقع المتناقض.في
حين ،كانت الرومانسية تقترب من الشعر والموسيقا والمسرح
للتعبير عن هموم المبدعين ولواعجهم وأحاسيسهم ومشاعرهم
المتقدة.
المسرح الواقعي
44
تهدف المدرسة المسرحية الطبيعية التي ظهرت في القرن التاسع
عشر الميالدي إلى تقديم الفرجة كما هي في الطبيعة ،دون
إخضاعها لماهو فني وجمالي كما في المدرسة المسرحية الواقعية.
بمعنى إذا كانت المسرحية تتحدث عن جزار ،فقد تقدمه كما هو في
الطبيعة ،وهو يبيع لحما حقيقيا وطبيعيا .وإذا كان هناك مشهد المرأة
عارية ،فستقدم تلك المرأة عارية كما هي في الطبيعة.
ومن هنا ،تستند المدرسة الطبيعية -التي ظهرت مع إميل زوال
( )Emile Zolaسنة1880م -إلى العلوم البيولوجية ،والفلسفة
وكلود داروين)،(Darwin وأعمال التجريبية،
برنار)،(C.Bernardوتين)...(Taine
ويقرن زوال األدب والفن بالمالحظة والتجريب ،بدراسة الشخصية
في إطارها الزماني والمكاني ،واستعمال التجربة وتكرارها قصد
مالحظة السلوك اإلنساني الذي يخضع لما هو فردي واجتماعي
بغية الوصول إلى الحقيقة والمعرفة الصادقة في فهم الشخصية
وتفسيرها .أي :إن الفن الطبيعي هو الذي ينقل لنا األحداث كما تقع
في الطبيعة .لذا ،ينبغي دراسة آلياتها قصد فهمها وتفسيرها ،بالتحكم
فيها بتغيير العوامل المكانية والظرفية دون إبعاد قوانين الطبيعة.
وهذا كله من أجل معرفة اإلنسان معرفة علمية بسلوكه الفردي
واالجتماعي ،ودراسة أهوائه ونوازعه.
وقد بنيت الدراما الطبيعية على االستقراء السيكولوجي والمالحظة
الموضوعية من أجل إيجاد حلول عالجية لشخصيات مرضية ،كأن
المسرح عالج وشفاء تطهيري لألفراد والجماعات .ومن ثم ،فلقد
تحول المسرح إلى أداة عالجية لكل األدواء والجروح االجتماعية.
وتقدم مسرحيات هذا المذهب الحياة في ثوبها الطبيعيدون تزييف،
أو توهيم ،أو تزيين مبالغ فيه ،ولكن بطريقة فنية مقبولة وهادفة.
45
وتسعى العناصر الدرامية كلها في المسرح الطبيعي إلى تطوير
الفعالية في رسم القيم واألخالق ،كما نجد ذلك في نصوص هنري
بيك(.) Henry Becque
ويعلم الجميع أن المخرج ،بالمفهوم المعاصر ،قد ظهر مع المدرسة
الطبيعية .أما قبل ذلك ،فكانت العملية اإلخراجية يتكلف بها الكاتب
أو الممثل الرئيس .وهكذا ،نجد المخرج يقرأ النص ،فيقدم للممثلين
أو ل عامل الديكور مجموعة من المالحظات والتوجيهات ،ثم يخطط
لمجموعة العرض أسلوبا إخراجيا لتمثله سينوغرافيا ودراماتورجيا،
واالسترشاد به فوق خشبة الركح.
وعلى أي حال ،فلقد فرض تعدد االختصاصات ،والبحث عن
الواقعية الحقيقية ،وتطفل الكتاب على المسرح ،إيجاد مخرج
متخصص في المسرح .ويعد األلماني الدوق جورج الثاني( Duc
-) Georgeالذي كان يسير مسرحه بمينشن -أول مخرج حقيقي
في تاريخ المسرح العالمي؛ إذ كان يتبنى ،في عمله وإخراجه الفني،
أسلوبا سلطويا ،وكان له تأثير كبير في عدة أجيال من المخرجين
الغربيين والعرب على حد سواء.
ويعد أندري أنطوان( ) André Antoineفي فرنسا أول مخرج
مسرحي ،فلقد أخرج عدة مسرحيات طبيعية للمسرح الحر ،وكان
يوجه ممثليه إلى تدقيق التفاصيل ،والسير بهم نحو تقليد وفي وأمين
للحياة الطبيعية ،كما هي في واقعها الحرفي.
ولقد ساهمت الواقعية السيكولوجية في تطوير المسرح ،ودراسة
الشخصية دراسة سيكو -اجتماعية ،والسيما الشخصيات المعقدة
والمركبة مع النرويجي هنريك إبسن( ) Henrik Ibsenوالسويدي
)اللذين يعدان أوغوستشتريندبرغ(August Strindberg
المؤسسين الحقيقيين للمسرح المعاصر.
46
عالوة على ذلك ،فلقد ازدهر المسرح الواقعي في روسيا إبان القرن
18م مع أوسطروفسكي( ) Ostrovskiوجوجول( ،) Gogol
وازداد هيمنة مع نهاية القرن التاسع عشر الميالدي ؛ إذ وجدنا
مجموعة من الطبيعيين أمثال:ليوتولوستوي ،وماكسيم كوركي ،
وأنطوان تشيكوف .عالوة على قسطنطين ستانيسالفسكي الذي أنشأ
مسرح الفن بموسكو ،وطور هذا المخرج طريقة في التمثيل ،تعتمد
على االقتصاد في اإلكسسوارات ،والتمسك بالواقعية الحقيقية في
إظهار العواطف الحقيقية لدى الممثلين .كما قدم مسرحيات طبيعية
عديدة من الصعب حصرها ،دون أن ننسى تشيكوف الذي حقق
نجاحا كبيرا.
ويالحظ على المذهب المسرحي الطبيعي أنه يبعد الجماليات الفنية
في أثناء تقديم العروض المسرحية والدرامية ،مادام يقدم كل شيء
بشكل واقعي طبيعي .بمعنى أن هذا المسرح اليحترم خصائص
التخييل واإليهام ،بل يقدم كل شيء كما هو بطريقة طبيعية وعادية
وعفوية .وال يشبه المدرسة الواقعية التي تغلف الواقع بماهو فني
وجمالي ورمزي .أضف إلى ذلك أن هذه المدرسة المسرحية تبالغ
في تقديم المشاهد اإلباحية الطبيعية كما هي في الواقع الحقيقي،
ويتنافى هذا مع القيم الدينية واألخالق المجتمعية.
47
المسرح الطبيعي
الفرع السابع :المدرسة الرمزية
لقد ظهرت المدرسة الرمزية في أواخر القرن التاسع عشر ،بعد
هزيمة حرب1870م ،وبالضبط في فترة الثورة على القيم
البورجوازية المادية ،متأثرة في ذلك برؤية الموسيقي األلماني
ريشاردفاجنر( .)Richard Wagnerوقد ظهرت هذه الحركة رد
فعل على المدرستين الواقعية واالنطباعية ،وكان هدفها هو التعبير
عن الوجود باستعمال الرمز .ولقد نشطت هذه الحركة الرمزية
بفرنسا ،وبلجيكا ،وروسيا ،ولقد امتدت إلى األدب ،والموسيقا،
والتشكيل ،والرواية ،والمسرح ،والسينما ...ولقد استعمل مصطلح
الرمزية من قبل جان مورياس( .)Jean Moréas
و يرىفاجنر أن الكاتب الموسيقي الدرامي الحقيقي هو الذي يرسم
عالما مثاليا ،وعليه أن يخلق األساطير على غرار المسرح القديم،
48
ويثير العالم الروحي الداخلي للشخصيات المرصودة ،دون التركيز
فقط على المظهر الخارجي.
وكانت لهذه اآلراء أثر كبير في األوساط المثقفة في فرنسا سنة
1880م؛ مما ساهم في إفراز تيار أدبي رمزي يدعو إلى الالمسرح
الذي يعتمد على الروحانيات وتداعي الالشعور ،واستعمال الصور
الرمزية واإليحاءات الحدسية االنزياحية ،بتوظيف إيقاع بطيء،
واستقراء ما هو مضمر في النفس اإلنسانية ،والتمرد عن الواقع
الحسي ،والجنوح نحو الالعقالنية.
ونستحضر في هذا السياق التاريخي نصوص موريس ماتيرلنك(
،) Maurice Maeterlinckو مسرحيات بول كلوديل( Paul
،)Claudelونصوص تشيكوف ،وإبسن،و ستريندبرغ...
ولقد ساهمت أفكار الرمزيين -فعال -في بلورة نظريات المخرج
السويسري أدولف آبيا( ) Adolph Appiaوالمخرج البريطاني
إدوارد غوردون كرايج( ) Edward Gordon Craigاللذين ثارا
على واقعية الديكورات الملونة ،مقترحين عناصر موحية ومجردة ،
باستعمال لعبة اإلضاءة لخلق االنطباعات بدل اإليهام بالواقع.
وفي 1896م ،قام المخرج الرمزي لونيي بو بتركيب مسرحية
ألفريد جاري( ()Alfred Jarryأبو ملكا ) Ubu Roiبطريقة
رمزية مجردة موحية ،مع العلم أن هذه المسرحية الطليعية
التجريبية مهيجة وشاذة.
وعليه ،تتميز الرمزية بالتعبير عن األفكار المجردة ،33واالنفصال
عن الواقع ،واستخدام الرموز للتعبير عن األشياء واألفكار
Belgique, 1998.
49
والمشاعر واألحاسيس ،والتعبير عن الفن بلغة شاعرية ،باستعمال
البالغة البصرية والمرئية الموحية .وكانت الرمزية تؤمن بالفن من
أجل الفن ،واالستهداء بالموسيقا ،واالنسياق وراء األحالم الداخلية،
والميل نحو التضمين واإليحاء والتل ميح ،وتوظيف األشياء واألشكال
واأللوان التي تحمل دالالت سيميائيةورمزية .
ويالحظ أن المسرح الرمزي يبالغ كثيرا في توظيف الرموز
التجريدية بعيدا عن الرؤية الواقعية الواضحة.بمعنى أن المسرحية
تتحول إلى لوحة رمزية معقدة ومركبة وسيميائية بشكل كبير،
تحتاج إلى راصد فقيه وعالم ومتمكن له درايات مهارية واحترافية
وقدرات كفائية من أجل تأويل هذه الرموز وتفكيك دوالها اللغوية
والبصرية.أي :تثور الرمزية على فن المحاكاة ،وتدعو إلى الفن من
أجل الفن ،وهذا غير كاف لبناء فن حقيقي ،فالبد من االنفتاح على
الواقع كذلك.
المسرح الرمزي
50
وخالصة القول ،لقد شهد العالم الغربي من عصر النهضة األوروبية
إلى غاية نهاية القرن التاسع عشر الميالدي مجموعة من المدارس
المسرحية التي كانت بمثابة إفراز حقيقي وطبيعي لواقعها السياسي،
واالقتصادي ،والمجتمعي ،والديني ،والثقافي ،والحضاري .بمعنى
أن المدارس المسرحية كانت تتطور في أوروبا الغربية بتطور
المجتمع على جميع األصعدة والمستويات ،وكانت تتنامى أيضا
بشكل تدريجي وطبيعي بظهور األنساق الفلسفية الكبرى التي كانت
تحرك الواقع بمختلف تجلياته ومظاهره إن نظرية ،وإن ممارسة.
51
الفصل الثالث:
المدارس المسرحية في القرن العشرين
52
لقد عرف القرن العشرون مجموعة من األزمات السياسية
واالقتصادية واالجتماعية والثقافية والفكرية والحضارية التي أدت
إلى ظهور مجموعة من التحالفات العسكرية التي ساهمت في نشوب
حربين عالميتين دمويتين وخطيرتين ،كانت لهما نتائج فظيعة
ووخيمة على أوروبا بصفة خاصة ،واإلنسانية بصفة عامة ،على
جميع األصعدة والمستويات .وقد أفرزت هذه الظروف جميعها
العديد من الحركات المسرحيات المعاصرة في القرن العشرين،
ويمكن حصرها فيما يلي:
الفرع األول :المدرسة المسقبلية
لقد تشكلت الحركة المستقبلية ( )Futurismeفي الفن واألدب مع
فيليبو طوماسومارينيتي ( )Filippo Tommaso Marinettiسنة
1909م ،عندما نشر وثيقته بعنوان (إشهار تكوين مبادئ الحركة
المستقبلية وإعالنها) .ومن ثم ،فلقد ارتبطت الحركة المستقبلية
بالخصوص بالفن التشكيلي أكثر من ارتباطها بالفن المسرحي .ومن
أهم فنانيها في مجال الرسم والتشكيل جياكوموباال ( Giacomo
، )Ballaوأمبرطوبوتشيني( ،)Umberto Boccioniوكارلو
كارا ( ،)Carlo Carràوجينوسيفيريني (،)Gino Severini
ولويجيروسولو(...)Luigi Russolo
إذا ،فالحركة المستقبلية أو المستقبليين ،في مجال التشكيل والدراما،
عبارة عن مدرسة فنية وجمالية وأدبية إيطالية ،انطلقت في باريس
في بداية القرن العشرين ،وبالضبط في سنة 1909م ،على يد فيليبو
توماس مارينيطي( ) Marinettiالذي كان يمجد الحركة،
والمستقبل ،والتقنية ،والحداثة .ويعني هذا أن الحركة قد ثارت على
التقليد الجمالي ،وانفتحت على العالم المعاصر ،فمجدت الحداثة،
53
ودافعت عن الحضارة اآللية ،وانساقت وراء التطور العمراني،
وآمنت بعامل السرعة...
ولقد تأثرت المستقبلية بالتشكيل التكعيبي ،وتقنية التقسيم ،وتهجين
اللوحة باألشكال واإليقاعات واأللوان واألضواء من أجل التعبير
عن إحساس ديناميكي مليء بالطاقة والحيوية ،ومن أجل التعبير
أيضا عن تماثل بين حاالت الروح والبنيات المتعددة للعالم
المرئي.34
وعليه ،فلقد اهتمت المستقبلية بتيمة رئيسة هي المناخ
الحضري.ومن ثم ،فلقد كان انشغالها بالفضاء الدينامي والصناعي
الذي تربع فوق سطح الرقعة التشكيلية .وكان من حق الفنان أن
يحطم القوانين الفيزيائية ،ويتجاوز الواقع.
ولقد استفادت الفنون الجميلة بهذه الحركة ،والسيما المسرح
والتشكيل الذي برع فيه كل من باال( ،) Ballaوبوكشيوني(
،)Boccioniوسيفيريني( .) Severiniأما في روسيا ،فهي حركة
أدبية ظهرت ما قبل الحرب العالمية األولى مع موياكوفسكي(
.)MAIAKOVSKI
وما يالحظ على الحركة المسرحية المستقبلية أنها حركة درامية
تجريبية قد ثارت على مختلف األشكال المسرحية التقليدية ،ونددت
بمبدأ المحاكاة الذي سيج العمل المسرحي في إطار واقعي أو
طبيعي ،دون أن تفتح أمامه أبوابا مشرعة على المستقبل الفني
والجمالي .ولقد ساهمت الحركة المستقبلية في ظهور مدارس
مسرحية تتجاوز ماهو واقعي وموضوعي إلى ماهودادائي،
34
-Karine Cardini et Silvia Contarini (coord.),Le Futurisme et
les avant-gardes littéraires et artistiques au début du
XXe siècle, CRINI, Nantes, 2002, 376 p.
54
وسريالي ،وعبثي ،ووجودي ،وبنائي روسي .ولقد تأثر بيراندللو
وثورنتون وليلدر ()ThorntonNivenWilderبمبادئ الحركة
المستقبلية .35ولقد انتشرت المسرحيات المستقبلية في العشرينيات
من القرن الماضي بتسليط الضوء على النفسية البشرية ،والتركيز
على وجدان اإلنسان الجواني والروحاني ،واستكناه دواخله النفسية
الشعورية والالشعورية بطريقة رمزية وشاعرية وفلسفية
وميتافيزيقية مجردة.فضال عن تصوير حاالت الجنون والهذيان
والهستيريا ،والتركيز على المشاهد الدرامية الصادمة ،كما يبدو
ذلك واضحا في مسرحية (مجانين متجولون).بمعنى أن هذه
المدرسة المسرحية قد انصبت على تصوير الحاالت النفسية
المضطربة عند اإلنسان ،باستخدام االستعارات ،والتشخيص،
والرموز ،والشاعرية المتدفقة .وبهذا ،يكون من الصعب وضع
المسرحيات المستقبلية في بيئات معينة واقعية أو متخيلة ،كما يظهر
ذلك جليا في مسرحية (الملل) ألنجلو رونيوني.
وقد تميزت هذه الحركة المسرحية أيضا بالثورة على العقل
والمنطق ،وتحدي الجمهور واستفزاه بطريقة مباشرة وغير مباشرة،
والميل نحو العدمية بإنكار األخالق والقيم والوجود ،ضمن رؤية
فلسفية عابثة ،ويبدو ذلك واضحا في مسرحيتي (انفجار) و(ليس
هناك كلب) لفرانسيسكو كوانجللو ،ومسرحية (عمل سلبي) لبرونو
كورا وإيميليوستيللي ،ومسرحية (تركيب التركيب)
(ألوان) ومسرحية لجوجليلموجانلليولوسيانونيكاسترو،
المسرح المستقبلي
المطلب الثاني :المدرسة الدادائية
لقد ظهرت الدادائية ( )Le mouvement dadaباعتبارها حركة
ثقافية وفنية وأدبية في بداية القرن العشرين ،وكان ذلك رد فعل
- 36نهاد صليحة :المدارس المسرحية ،ص.36-32:
56
على ويالت الحرب العالمية األولى التي دمرت اإلنسان األوروبي.
ولقد ثارت على العقل الغربي وتقدمه اآللي الذي استلب اإلنسان
الغربي ،وجعلته مشلوال دون رغبة ،أو إرادة ،أو حرية .وبالتالي،
لم يجد له حلوال شفائية لمشاكله الروحية .لذا ،التجأت هذه المدرسة
إلى التغني بالالعقالنية ،والثورة على الواقع الموبوء بالحروب
والدمار والخراب .ولقد ارتبطت هذه الحركة بالرسم والمسرح
والسينما والفوتوغرافيا والنحت على حد سواء ،بعيدا عن المجال
السياسي.
ويعد الشاعر األلماني تريستان تزارا( )Tristan Tzaraأحد
المبلورين لهذا المذهب في فبراير من سنة 1916م إلى جانب
الرسام األلماني هانز آرب( ،)Jean (ou Hans) Arpوالشاعر
المجري ريتشارد هولسنبك( ،)Richard Huelsenbeckوهوجو
بال ( ،)Hugo Ballومارسيل يانكو (، )Marcel Janco
وصوفيا آرب( ،)Sophie Taeuber-Arpبعد أن اجتمعوا
بزيوريخ بسويسرا ،ناقمين على العقل الواعي والحروب الطائشة
التي أرجعت العالم إلى عهد الطفولة ،بهدف إظهار موقفهم بكل
صراحة من هذه الحرب الطاحنة ،وشكل هؤالء المنعزلون عن
الحرب الغاشمة ما يسمى بالحركة الدادية أو الدادائية.37
ولقد وجد هؤالء صعوبة في البحث عن اسم لحركتهم الفنية
والجمالية والتشكيلية والمسرحية ،فقرروا العودة إلى دائرة
المعارف ،فاستعملوا أول كلمتهم تصادفهم هي( الدادائية) التي تعني
بالفرنسية الحصان الخشبي ،أو تحيل على (نعم...نعم) باللغة
الروسية.
-37كلمة دادا كلمة طفولية تقولها األمهات لألطفال عند تعليمهن المشي لهم.
57
ومن هنا ،تهدف الدادائية إلى تحطيم القواعد المألوفة في الفن والعقل
والتفكير ،والميل نحو الشذوذ والغرابة والهدم واالنزياح ،واالنسياق
وراء العدمية والسب والشتم وإنكار القيم ،والتمرد عن جميع
األشكال واألنظمة والمفاهيم الفنية والتشكيلية الموروثة.إنها حركة
الهدم والتفكيك والتخريب ،وليست حركة بناء البدائل الفنية الجديدة.
ومن ثم ،ترفض هذه الحركة مبادئ المنطق ،وتلغي الذاكرة وفكرة
المستقبل ،وقد شارك فنانو الدادائية في إقامة معرض
للكوالجالتشكيلي والمسرحي أشرف عليه ماكس إرنست( Max
)Ernstفي إحدى الحوانيت .وغالبا ،ما كانت اللوحات التشكيلية
التي يرسمها الفنانون الدادائيون تعلوها جمل وعبارات فاضحة
وإيروسية تعبر عن فلسفة الجنون والسخط على الواقع المأساوي
للحرب .ومن هنا ،تعبر الدادائية عن فلسفة الحزن المرير والغضب
الجامح .وقد كسر الفنانون التشكيليون الدادائيون مقاييس الفن
الكالسيكي ،وثاروا على قواعده الفنية والجمالية ومن هنا ،فلقد
رسم مارسيل دوشامب ( )Marcel Duchampلوحة الموناليزا،
وأضاف لها شاربا .في حين ،انشغل كورت شفايتيرز ( Kurt
) Schwittersبجمع القمامة بهدف استعمالها في الرسم والنحت.
أما هاينزريشتر ( ،)Hans Richterفكانت عادته الرسم في الليل
لكي ال يميز بين األلوان التي كان يستخدمها في مرسمه.
بيد أن هذه الحركة التشكيلية الطليعية قد توقفت مباشرة بعد الحرب
العالمية األولى مابين1922و1923م ،بسبب الشعور الملل،
واإلحساس باالشمئزاز والعقم من تلك المحاوالت الفنية والجمالية
المتكررة العديمة الجدوى والفائدة.38
38
- Gérard Durozoi, Dada et les arts rebelles, Paris, Hazan, coll.
« Guide des arts », 2005, 384 p.
58
ويعد األديب الروماني تسارا هو المؤسس الحقيقي لهذا المذهب سنة
1917م ،بعد أن اجتمع بمجموعة من الفنانين واألدباء بزيوريخ
بسويسرا ،ناقمين على العقل الواعي والحروب الطائشة التي
أرجعت العالم إلى عهد الطفولة ،بهدف إظهار موقفهم بكل صراحة
من هذه الحرب الطاحنة ،وشكل هؤالء المنعزلون عن الحرب
الغاشمة حركة الدادائية.39
وعليه ،فلقد شهدت مدينة زيوريخ بسويسرا أول عرض مسرحي
دادائي وعبثي؛ حيث" وقف الفنانون الثالثة على المسرح[تريستان
تزارا(،)Tristan Tzaraو الرسام األلماني هانز آرب( Jean (ou
،)Hans) Arpوالشاعر المجري ريتشارد هولسنبك( Richard
،])Huelsenbeckوأخذوا يحدثون ضجيجا مفزعا مستخدمين
مفاتيح معدنية وصناديق خشبية.واستمروا في ذلك حتى ثارت ثائرة
المتفرجين.بعد ذلك شرع صوت في إلقاء بعض قصائد آرب ،وكان
الصوت يأتي من تحت قبعة بالغة الضخامة على شكل قمح سكر.
بينما أخذ هولسبنك ينشد قصائده في صوت أقرب إلى الصراخ ما
يفتأ يعلو ويغلو ،تصاحبه في إيقاع منتظم دقات تزارا على طبلة
كبيرة .تال ذلك رقصة قام بها هولسبنك وتزارا قلدوا فيها حركات
وأصوات صغار الدببة ،ثم ارتديا جوالين وقبعتين طويلتين ومشيا
40
يتبختران بين المتفرجين".
وعليه ،فالحركة الدادائية في المسرح هي حركة عدمية تنكر القيم
والوجود والعقل والمنطق.بمعنى أنها حركة تفكيكية
وتقويضيةوتشكيكية ،تثور على األشكال المسرحية المتعارف عليها
في أوروبا الغربية ،باسم التجديد والتجريب والتحديث.كما تحمل
-39كلمة دادا كلمة طفولية تقولها األمهات لألطفال عند تعليمهن المشي لهم.
- 40انظر :جورج هوجنيه :روح الدادائية في الرسم ،طبعة .1934
59
رؤية فلسفية ميتافيزيقية عبثية ،بالثورة على الواقع المتردي
والموبوء والمنحط الذي تضاءلت فيه القيم اإلنسانية األصيلة التي
استبدلت بالقيم المادية والكمية التبادلية واالستعمالية.41
ويالحظ على المسرح الدادائي أنه مسرح عدمي وميتافيزيقي
وعبثي ،اليبني اإلنسان كما ينبغي ،بل يقوضه تشظية وعدما،
ويشكك في قيمهووجوده .بمعنى أن الدادائية ليست حركة إصالحية
وأخالقية بنائية ،بل هي حركة مسرحية تقويضية بامتياز.42
المسرح الدادائي
41
- Michel Sanouillet, Dada à Paris, CNRS Éditions, 1965-
2005 ;Laurent Le Bon, Dada, Éditions du Centre Pompidou,
Paris, 2005.
42
- Henri Béhar et Michel Carassou, Dada, histoire d’une
subversion, Fayard, Paris 1990-2005.
60
المطلب الثالث :المدرسة السريالية
لقد ظهرت المدرسة السريالية في القرن العشرين رد فعل على
فلسفة الوعي والعقل والمنطق ،وجاءت أيضا ضد التيار الواقعي
والطبيعي .وامتحت تصورها من سيكولوجية فرويد ،واعتمدت
على الالشعور و العقل الباطن ،باستلهام الذاكرة واألحالم ،والثورة
على القيم السائدة والموروثة .وقد ظهرت هذه الحركة سنة 1919م،
ونضجت في العشرينيات من القرن الماضي .وقد أعلن أندري
بريتون مبادئ الحركة في بيانه سنة 1924م ،باعتبارها حركة أدبية
ومسرحية وفنية وجمالية تتخلص من رقابة الوعي والعقل ،وتتحرر
من قيودهما ،وتتمرد عن القواعد الفنية واألخالقية السائدة في
المجتمع.43
ومن مبادئها التسلح بالالوعي والالعقالنية .وبالتالي ،فالحقيقة هي
التي يعبر عنها العقل الباطن واألحالم ،بالتحرر من سيطرة العقل
والوعي والمنطق .ولقد أعطت هذه المدرسة األهمية الكبرى للنفس
اإلنسانية واستنطاق الالوعي .لذا ،تعتبر الفن نابعا من الفوضى
والهذيان على غرار التحليل السيكولوجي القائم على تداعي المعاني
تداعيا حرا ،بدون رقابة أو محاسبة عقلية واعية من قبل األنا
األعلى.
ومن أهم المنظرين لهذا المذهب األدبي أندريه بريتون( André
)Bretonالكاتب الفرنسي الكبير ،و لويس أراغون( Louis
،)Aragonوفيليب صوبولت(... ) Philippe Soupault
ومن ممثلي السريالية في مجال المسرح والدراما غيوم أبولينير
( )G.Appolinaireفي مسرحيته ( أثداء تيريزيا) ،وروجر
- André Breton, Le Surréalisme et la Peinture, Paris,
43
Gallimard, 1928-1965.
61
فيطراك( )Roger Vitracصاحب مسرحية(ڤيكتور أو أوالد
السلطة) ،وجان كوكتو ( )Jean Cocteauالذي عرف بمسرحية
عنوانها ( اآلباء المفزعون) ،وتسير في االتجاه السريالي الثائر
على الواقع الموجود.
وعليه ،تبحث السريالية عن الحقيقة في عالم الالوعي واألحالم
والكوابيس ،مستعينة بنظريات علم النفس بصفة عامة،ونظريات
سيغموند فرويد بصفة خاصة .ومن ثم ،يتخذ الفنان المسرحي
السريالي قالب الحلم والفانتازيا وسيلة للتعبير عن معاناته الذاتية
والالشعورية.
ويتحول العمل المسرحي ،في العروض الدرامية السريالية ،إلى
إبداع سريالي عبثي قاتم ،قوامه الفانتازيا ،واألحالم ،والهذيان،
والهيستيريا ،والتأرجح بين الوعي والالوعي ،والشعور والالشعور،
والواقع والالواقع...
ويالحظ على السريالية أنها حركة مسرحية بعيدة عن الواقع المادي
الحسي؛ ألنها تتأرجح بين الوعي والالوعي ،بين الشعور
والالشعور .بمعنى أنها حركة مسرحية تعنى باألحالم ،والهذيان،
والجنون ،والهيستيريا ،والذاكرة ،والجنس ،والليبيدو ،والغرائز
الشبقية .
62
مسرحية سريالية
المطلب الرابع:المدرسة التعبيرية
ظهرت الحركة التعبيرية ( )L’expressionnismeبألمانيا في
بداية القرن العشرين ،ولقد ازدهرت ما بين 1910و1925م ،وقد
عايشت مرحلة الحرب العالمية األولى من جهة ،والمرحلة النازية
من جهة أخرى .وهي حركة فنية وجمالية وتشكيلية تشخيصية
( .) figuratifوقد مست التعبيرية جميع المجاالت :األدب ،والفن،
والمسرح ،والسينما ،والتشكيل ،والموسيقا ،والمعمار ،والرقص،
والفوتوغرافيا...ولقد وقف الحزب النازي موقفا سلبيا من التعبيرية،
على أساس أنها حركة فنية مناهضة للظلم واالستبداد والطبقية
المجتمعية.
ومن هنا ،ترفض التعبيرية "مبدأ المحاكاة األرسطية ،وتعنى
بالتعبير عن المشاعر الذاتية في مختلف تناقضاتها وصراعاتها
63
،ويتخذ من هذه الرؤى الذاتية والحاالت النفسية موضوعا مشروعا
لإلبداع الفني"44.
ويعني هذا أن التعبيرية تمتاز " بالذاتية المفرطة ،وتشويه الواقع
عن طريق التبسيط والمبالغة والتفتيت وخلط الواقع دائما بالحلم
والرمز واستخدام نبرة انفعالية عالية ،بحيث تتحول أي رؤية
موضوعية إلى رؤية بالغة الذاتية ،بالغة الغرابة ،وفي أحيان كثيرة
بالغة القبح"45.
ومن هنا ،فلقد تأثرت التعبيرية بالحركة الرومانسية األلمانية التي
كانت تمجد الفرد ،وتؤمن بالحرية ،وتعتني بالذات أو الروح
باعتبارها مصدر الحقائق ،وتنحل من الواقع المادي نحو الغاب
المثالي ،وترجح كفة الخيال على العقل والمنطق ،وتهتم بالعواطف
والمشاعر الفردية واإلنسانية .ومن هنا ،قامت التعبيرية على أكتاف
الرومانسية ،لكنها تختلف معها في رفضها للنظرة المثالية لإلنسان،
واالختالف حول مفهوم فلسفة الجمال .ومن ثم ،فلقد اقترنت أعمال
التعبيريين بالقبح ،والكروتيسك ،والكاريكاتور ،كما يبدو ذلك
واضحا عند الرسام الهولندي فان جوخ ()Vincent van Gogh
الذي كان يرسم لوحات تشكيلية كاريكاتورية جادة إلى حد كبير؛ إذ
يبالغ الفنان التشكيلي في تشويه الواقع وتبسيطه وتفتيته وتحويله إلى
عالم مشوه كاريكاتوري أشبه الضحك والفكاهة الناتجة عن الرؤية
الحزينة أو المرعبة.
ونجد هذا التعبير الكاريكاتوري أيضا عند الفنان التشكيلي
النرويجي إدفارد مانش( )Edvard Munchالذي رسم عدة لوحات
تعبيرية كاريكاتيرية لتشويه اإلنسان وتقزيمه .ففي عمله ( الصراخ)
68
وقد هرب بريشت من الغطرسة النازية سنة 1933م ،فالتجأ إلى
الواليات المتحدة األمريكية ليتخذها مالذا له ،وفضاء للتجريب
المسرحي ،وكتابة مجموعة من النصوص الدرامية التي أخرجها
بعد عودته إلى بلده األصلي.
ولقد كتب بريشت -فعال -في المنفى مجموعة من المسرحيات ضد
النازية .وعندما انتهت الحرب عاد ليستقر بألمانيا الشرقية .وبعد
ذلك ،أسس مسرحه الملحمي في برلين.
ومن التقنيات التي كان يستخدمها ،على مستوى اإلخراج ،تكسير
الجدار الرابع ،وتعليق الالفتات والشعارات السياسية والثورية،
واستعمال الشاشة السينمائية على غرار أستاذه يبسكاتور لنقل
مشاهد واقعية وطبيعية حية من المجتمع .ومن هنا ،يعد بريشت من
أهم رواد المسرح التسجيلي ،أو المسرح الوثائقي ،إلى جانب
پيترڤايسوپيسكاتور ،ويتجلى هذا واضحا في مسرحيته( عظمة
الرايخ الثالث وبؤسه).
ومن المسرحيات التي تؤخذ دليال على تمرد بريخت عن الدراما
التقليدية األرسطية مسرحية( دائرة الطباشير القوقازية) التي تضم
موضوعين :الصراع حول األرض ،ومن هو أحق بملكيتها ؟ هل
هو مالكها الحقيقي بالوراثة الذي ترك األرض بوارا جدباء ،أم
الفالح الذي زرعها وشقي في فلحها وزرعها وتخصيبها
وحصدها؟! وبقي الموضوع األول دون حل ليجيب عنه الجزء
الثاني .أما الموضوع الثاني ،فيتمثل في صراع األم الحقيقية
والمرضعة حول من له الصالحية في التكفل باالبن وتربيته.ألن األم
الحقيقية قد أهملت ابنها بسبب اهتمامها بنفسها وزينتها .ناهيك عن
تهربها من تحمل المسؤوليات الجسيمة التي تستوجبها تربية األبناء.
69
أما الحاضنة ،فقد أرضعت الطفل وغذته وتحملت مسؤوليته حتى
كبر ،وأصبح وسيما جذابا.
وفي األخير ،أرادت األم استرداده .بيد أن الحاضنة قد رفضت ذلك،
وادعت أنها هي األم الحقيقية لالبن .ورفعت القضية إلى القاضي
الذي طالب برسم دائرة بالطباشير ،ووضع الطفل في وسط هذه
الدائرة ،وأمر األم والحاضنة بجذب الولد بشدة ،فمن جذبته بسرعة
كان الولد لها .فجذبته األم بسرعة خاطفة أوشكت أن تقطع يديه،
بينما الحاضنة أبت ذلك عطفا على الولد ،وإشفاقا عليه ،لكي ال
تسيء إليه ،فحكم القاضي للحاضنة ،وحرم األم الحقيقية منه؛ ألنها
ليست أهال بتربية الولد ورعايته والتكفل به.
ويتمثل التجديد المسرحي لدى بريشت أنه الدراماتورجي الوحيد
الذي ثار جذريا على المسرح الغربي األرسطي ،فأسس مسرحا
يسمى بالمسرح الالأرسطي القائم على التغريب ،وتكسير الجدار
الرابع ،واستعمال السينما في المسرح ،واالستعانة بالمسرح الوثائقي
التسجيلي.
70
المسرح البرشتي التسجيلي
المسرح أو األوتشرك مدرسة المطلب السادس:
الريبورتاجي
71
ومن النماذج المسرحية العربية التي تجسد هذا النوع من المسرح ما
كتبه المسرحي المصري نعمان عاشور بعنوان( الناس اللي فوق)؛
حيث يصور أثر الثورة المصرية االشتراكية في المجتمع المصري،
ومدى تغييرها للعقلية األرستقراطية.
تبين لنا هذه المسرحية ،منذ البداية ،أسرة أرستقراطية
مصرية ،تتكون من زوج سرعان ما يغير عقليته اإليديولوجية
الفوقية ،بينما زوجته مازالت تتعلق بالنبالة ،وتتغنى بالغنى والثراء،
وتريد أن تستمر في متابعة حياتها االرستقراطية ،بالركوب في
السيارة الكبيرة الفخمة ،والذهاب إلى النادي .ببيد أن الزوج يرفض
ذلك ،ويمنع زوجته من هذا اإلسراف المادي الذي اليواكب
التغييرات االجتماعية الجديدة.
ومن جهة أخرى ،استطاعت الخادمة الفقيرة التي كانت تشتغل عند
هذه األسرة أن تعلم ابنها إلى أن استكمل دراساته العليا .وفي
األخير ،قرر االبن أن يتزوج من هذه العائلة .وعلى الرغم من ذلك،
فمازال االبن يحس باالنكماش والخجل بسبب مركب النقص
واإلحساس بالذل الناتجين عن التفاوت االجتماعي والطبقي بين
األسرتين .ويعني هذا أن الثورة لم تغير أوضاع المجتمع بشكل
جذري.
" وبذلك يتم للمؤلف تحقيقه أو استطالعه أو ريبورتاجه الدرامي
الذي ظهر في شكل مسرحية ،ولكنه لم يخضع لألصول التقليدية
لهذا الفن ،بل يعتبر ثورة على تلك األصول نابعة عن الهدف الجديد
الذي أصبح المسرح...مسرح األوتشرك يستهدفه ،حيث يرمي
األوتشرك إلى دراسة ظاهرة من الظواهر وتجسيدها في صورة
درامية ،وإن لم نستطع أن نقول :إنها صورة درامية بالمعنى الفني
50
التقليدي للدراما".
ومن ثم ،فمسرح األوتشرك هو مسرح طليعي ،يهدف إلى توثيق
الظواهر االجتماعية والسياسية ،وتحويلها إلى مواد واقعية طبيعية
لمسرح تقريري ريبورتاجي صحفي ،يعتمد على الصدق
-50محمد مندور :األدب ومذاهبه،دار نهضة مصر للطبع والنشر ،الفجالة
القاهرة ،1979،ص.167:
72
الموضوعي ،واكتشاف الحقيقة ،واستقراء األسباب والتجليات
والنتائج بطريقة درامية فعالة.
مسرح الريبورتاج
المطلب السابع :المدارس المسرحية مابعد الحرب
أحس الفنانون ،بعد الحرب العالمية الثانية ،بضرورة إقامة مسرح
مدني وشعبي وملتزم ومندمج بكل طاقاته القصوى في أحضان
الحياة والمدنية .ويمكن أن نعتبر مابين 1947و 1967م سنوات
خصبة في تاريخ مسرح القرن العشرين؛ إذ انتعش المسرح
الشعبي ،والمسرح الملتزم ،ومسرح الالمعقول.
في سنة 1947م ،أنشئ مهرجان أڤينيون( ) Avignonبفرنسا،
يديره جان فيالر( ،) Jean Vilarمحاطا بمجموعة من كبار
الممثلين ،أمثال :آالن كوني( ،) Alain Cunyوجيرار فليب(
Silvia ، )Gérard Philipeوسيلڤيامونفور(
73
،)Monfortوماريا كاساريس( ،)Maria Casarèsوفيليب
نواري( ) ، Philipe Noiretوجان مورو( Moreau Jeanne
،) Moreauوآخرين ،وقد انصهر هؤالء كلهم في بوتقة حركة
إصالح الفن الدرامي نحو ال تركيز مسرحي.
وإذا كان جان فيالر يسعى إلى تأسيس مسرح احتفالي شعبي ،فإن
هناك من كان يخوض في قضايا االلتزام ،وخاصة المذهب
الوجودي ،كما يظهر ذلك جليا عند ألبير كامو( Albert
، )Camusوجان بول سارتر( ،) Jean – Paul Sartreوإيمي
سيزار( ، ) Aimé Césaireوجورج برنانوس( George
، )Bernanosوجان جنيه( .) Jean Genet
وفي سنة 1956م ،عرضت في بريطانيا مسرحية ( سالم األحد)
لجون أسبورن( )John Osborneالتي اتخذت رمزا للشباب
الغاضب لسنوات الخمسينيات.
أما في الواليات المتحدة األمريكية ،فقد اشتهر مسرح الحياة الذي
أنشأه كل من جوديث مالينا( ) Judith Malinaوجوليان بيك(
. Julian Beckويقوم هذا المسرح على قواعد فنية درامية جديدة
قصد تأسيس قطب المعارضة و صالة لالثقافة.
وإذا انتقلنا إلى ألمانيا ،فقد كتب مجموعة من الكتاب عروضا
درامية وثائقية متأثرين في ذلك بــــبريشت( ،) Brechtمركزين
على قضايا سياسية وأخالقية واجتماعية تتعلق بالفرد .وفي هذه
الحالة ،نستحضر مسرحية ( حالة القسيس) التي عرضت سنة
1963م لــــرولفهوخوث( ) Rolf Hochhutالذي يحاكم فيها
الكاتب الصمت المسؤول للبابا پي الثاني عشر( ) Pieإبان
الحرب العالمية الثانية.
74
مسرح أفينيون()festival D’avignon
المطلب الثامن :المدرسة الوجودية
ظهرت المدرسة الوجودية إبان الحرب العالمية الثانية للتشكيك في
القيم الموروثة ،والطعن في األخالق الموجودة ،واالستهانة بالتقاليد
واألعراف التي نشأ عليها اإلنسان األوروبي ،بعد أن كشفت الحرب
زيف هذه المبادئ ،وتدني المثل العليا والقيم األصيلة.
وإذا كانت الفلسفة الكالسيكية تقر منذ أفالطون أن لإلنسان ماهية
تخالف الوجود ،وهذه الماهية هي صفات بشرية عامة مطلقة سبقت
وجوده .ومن ثم ،تحضر هذه الماهية باعتبارها صورا مثالية مجردة
سبقت وجود اإلنسان .فالفلسفة الوجودية مع جان پول سارتر(
75
) Sartreترى ،في المقابل ،أن الوجود هو األصل ،وليس الماهية.
وبذلك ،أنكر سارتر وجود الماهية ،واعتبر الوجود هو مرتكز
الفلسفة الوجودية .ويعني هذا أن اإلنسان عندما يوجد ،يختار حسب
سارتر الماهية التي سيكون عليها :هل سيكون شريرا أم سيكون
طيبا خيرا ؟ وهل سيكون شريفا أم نذال؟ ويمكن له -مادام أنه حر،
وولد حرا -أن يختار الماهية التي يريدها ،وله الحرية التامة في
تغييرها كيفما يشاء .وأساس التفكير عند سارتر هو الوجود مصداقا
لقول ديكارت :أنا أفكر ،إذا ،أنا موجود .ومن ثم ،أنكر سارتر كل
القيم واألخالق المتوارثة ،وأنكر وجود هللا .
وإذا كان فالسفة القرن الثامن عشر قد أنكروا وجود هللا كڤولتير(
)Voltaireالذي اعتبر فكرة هللا خرافة نافعة ؛ إذ قال ڤولتير ":لو
لم يكن هللا الخترعه البشر" ،باعتبار أن وجود اإلنسان مقترن
ميتافيزيقيا بوجود هللا الذي يعد مصدرا للراحة والسعادة لبني
البشر.51
أما سارتر فقد أثبت أن هللا فكرة ضارة ،ينبغي التخلص منها؛ ألنها
تعوق تطور اإلنسان ،وتعرقل مسيرة نموه ،وتحول دون تحرره .
وقد ارتأى أن بعد الحياة اليوجد سوى الموت والعدم ،وأن اإلنسان،
في هذه الحياة ،كممثل مسرحي يؤدي دوره األنطولوجي (
الوجودي) ،وبعد االنتهاء من ذلك الدور يصيبه العدم الالنهائي.
و تنبني الفلسفة الوجودية على ثالثة مرتكزات أساسية هي :الحرية،
والمسؤولية ،وااللتزام .ويعني هذا أن الوجودية فلسفة إنسانية
ملتزمة بامتياز ،تدعو إلى الحرية وممارسة حرية القول والفعل من
خالل حرية الحدث ،وحرية الزمان ،وحرية المكان .ويتمثل شعار
77
ولكن الوجودية التريد أن تسلم لآللهة بهذا التحكم الظالم .ولذلك،
نرى أورست الذي يكاد يمثل سارتر نفسه يثور ضد هذا التحكم،
ويأبى إال أن يخلص اإلنسانية منه حتى ولو ضحى بنفسه في سبيل
هذا الخالص ،فهجر وطنه مصطحبا معه اإليرينيات ،وكان سارتر
52
يؤسس دينا جديدا ،وينهض بعبء الفداء".
ويتمثل التجديد المسرحي في المذهب الوجودي في الثورة على
مواضعات العقل ،واالنزياح عن نواميس المنطق ،والتغني بالحرية
الوجودية التي تتمثل في حرية الفعل ،وحرية المكان ،وحرية
الزمان .ويعد سارتر أول من أدخل القبلة في المسرح الغربي ،وثار
على األخالق والتقاليد ،وزاوج بين أسلوب التهكم القدحي والسجل
اإلباحي بكثرة في مسرحياته .بيد أن مسرحه عدمي وغير أخالقي
بشكل مميز.
المسرح الوجودي
79
ومن الذين تأثروا بهؤالء الدراميين إدوارد ألبي( Edward
) Albeeاألمريكي الذي قدم عروضا ال منطقية وغير مفهومة
على غرار كتاب مسرح الالمعقول األوربي ،كما يشبهه في ذلك
هارولد بينتر( ) Harold Pinterفي مسرحية (العودة) سنة
1964م.
ويالحظ أن مسرح الالمعقول مسرح عدمي وفوضوي وتقويضي
يشكك في كل شيء ،يشك في اإلنسان ،والوجود ،والقيم،
والعقل.بمعنى أنه مسرح سلبي وعبثي بامتياز.
مسرح الالمعقول
80
المطلب العاشر :المدرسة الكوميدية الســـــوداء
ظهرت الكوميديا السوداء في المسرح العالمي في القرن العشرين،
بانتشار الفلسفات والفنون الالعقالنية في الغرب ،كالسريالية،
والدادائية ،والوجودية ،والعبثية ،والعدمية ،والتجريدية ،والتكعيبية،
وانتشار مسرح الالمعقول مع يوجين يونيسكو ،وأداموف ،وصمويل
بيكيت ،وأرابال....
وثمة فرق واضح بين الكوميديا السوداء والكوميديا الساخرة .وإذا
كانت الكوميديا السوداء مبنية على الكوميك الصادم ،وقائمة أيضا
على فلسفة العبث والجنون والهذيان ،وإدانة واقع القهر والتعسف
والجور ،فإن الكوميديا الساخرة نوعان:
أوال ،كوميديا ساذجة تعتمد على الهجاء البذيء ،والضحك المتتابع،
والفكاهة المثيرة ،كما يتجلى ذلك واضحا في مسرح وان مان شاو،
أوفي السكيتشات الهزلية...؛
وثانيا ،كوميديا راقية تعتمد على الصراع الدرامي بين المواقف
والشخصيات والقيم ،كما نجد ذلك في كوميديات موليير المسرحية
واألدبية ،أو نجدها أيضا في الكوميديا المرتجلة...
ولقد وجدت الكوميديا الساخرة منذ الفترة اليونانية مع أريستوفان
الذي كان يستعمل لغة ساخرة في نقده اللذيع ،وهجائه لآلخرين.
واستمرت هذه الكوميديا الهجائية أو الساخرة في أداء أدوارها
االنتقادية عبر مختلف العصور التاريخية ،إما في الغرب ،وإما في
الشرق ،بنقد أوضاع المجتمع ،و محاكاة أراذل الناس ،وتبيان
نواقصهم ،وتشخيص عيوبهم ،ورصد عوراتهم ،وتتبع أخطائهم
وزالتهم .بيد أن هذه الكوميديا الساذجة كان الغرض منها التنكيت،
واإلمتاع ،وإثارة الضحك ،وتغليب جانب التسلية والترفيه على
حساب اإلقناع والفائدة .بل كانت هذه الكوميديا تكرس الوعي
الطبقي السائد في المجتمع ،وتخدم إيديولوجية السلطة أو الفئة أو
الطبقة الحاكمة ،بشكل من األشكال ،مادامت أداة فنية وجمالية
81
تدغدغ عواطف المتفرجين بشكل سلبي ومستلب ،وال تدفعهم إلى
التفكير السليم ،واستخدام العقل لتغيير الواقع .وفي هذا الصدد ،تقول
نهاد صليحة في كتابها( التيارات المسرحية المعاصرة) ":بين مبدأ
إثارة الضحك إلراحة الذهن من التفكير ،أو لصرفه عن التفكير،
ومبدأ إثارة الضحك إلثارة الفكر أو للدعوة إلى التفكير ،تأرجحت
الكوميديا على طول تاريخها الطويل.
فالمبدأ األول تندرج تحته كل العروض الهزلية (الفارس) ،سواء
أكانت مسرحيات كاملة أم اسكتشات ،والتي تستهدف أوال وقبل كل
شيء دغدغة المتفرج ،وإثارة أكبر قدر من الضحك ،حتى تنهكه-
عضليا -إنهاكا كامال ،بحيث ال يصبح قادرا على التفكير في أي
شيء.أي :إنها – إذا كانت جيدة -تنهك جسده لتريح عقله ،أو هي –
إذا كانت سيئة -تنهك جسده ،وتنتهك عقله في الوقت نفسه.
وتحت المبدأ الثاني ،يندرج كل ما نسميه بالكوميديات الراقية التي
ترتفع إلى مستوى األدب المسرحي ،إذ هي ال تعتمد على المفارقات
الصارخة ،سواء في الحركات الجسدية أو المواقف السطحية ،كما
تفعل المسرحيات الهزلية ،بل تحاول إثارة الضحك عن طريق تنبيه
المتفرج إلى مواطن الشذوذ في واقعه االجتماعي واإلنساني ،بحيث
يصبح الضحك انتقادا للواقع ،وتعليقا عليه أمال في إصالحه"53.
في حين ،تعد الكوميديا السوداء ،أو الكوميديا الجديدة ،فلسفة إنسانية
مأساوية ،تعبر عن عبثية الواقع ،واندحار اإلنسان تراجيديا،
وسقوطه قيميا وأخالقيا ووجوديا .وتعبر أيضا عن فلسفة عدمية
مقيتة ،يتقاطع فيها الحلم والجنون ،والوعي والهذيان ،والشعور
والالشعور ،والضحك والبكاء ،والموت والحياة " ،...وإذا كانت
الكوميديا على طول تاريخها احتفاال بالحياة ،ومحاولة لترسيخ
قيمتها واستمراريتها ،وفق مبادئ معروفة ،وفي أطر قيم ثابتة متفق
عليها في المجتمع بصورة عامة ،فإن الكوميديا السوداء ترتكز
أساسا على إحساس عميق بالال جدوى أو العدمية ،وهو إحساس
-53نهاد صليحة :التيارات المسرحية المعاصرة ،ص.135:
82
يتخطى مرحلة اإلحساس بالمأساة أو الفجيعة ،وال يمكن التعبير عنه
إال بالضحك المتشنج الهستيري.
والضحك في هذا النوع من الكوميديا يفتقد تماما السخرية اإليجابية
التي تميز كوميديا النقد االجتماعي ،كما يخلو من اإلحساس بالسعادة
لزوال غمة عابرة ،وهو الذي يميز الضحك الذي تبعثه الكوميديات
الرومانسية ،وهو ال يتضمن حتى ذلك الشعور بالتفوق والتميز الذي
يحسه المتفرج ،وهو يضحك من المآزق التي يتعرض لها أبطال
الهزليات.فالضحك في الكوميديا السوداء تنفيس عضلي عن توتر
عميق مدمر ،ينتج من إدراك المتفرج لموقف بالغ القتامة ،ال أمل
في عالجه ،وال مهرب منه إال بالضحك أو الموت ،أو الجنون"54.
وعلى العموم ،فلقد ظهرت الكوميديا السوداء -أوال -في السينما
على يد المخرج األمريكي جاك سميث في فيلمه( المخلوقات
الملتهبة والحب الطبيعي) ،...ونجدها أيضا عند ألفريد هتشكوك،
وتيم برتون ،وجون واترس ،وجيرار أوري ...ثم ،انتقلت إلى
المسرح على أيدي مجموعة من المبدعين والكتاب والفنانين
المسرحيين ،كان أهمهم :كينيث برنارد ،وتشارلز الدالم ،ورونالد
تافيل ،والمخرج المسرحي جون فاكرو الذي أخرج مسرحيات
هؤالء المبدعين والكتاب ،مثل مسرحية( حياة ليدي جودايفا) التي
قدمت سنة 1966م بشعار مسرح( االستهزاء والتتفيه) .وأسس
تشارلز الدالم فرقة مسرحية سنة 1968م ،تعنى بتقديم عروض في
إطار الكوميديا السوداء ،تسمى بفرقة مسرح االستهزاء .ولكن
يالحظ أن مؤسس هذه الفرقة المسرحية لم ينظر لهذا االتجاه
المسرحي ،كما فعل كثير من المخرجين والمبدعين المسرحيين
مثل :ستانسالفسكي ،أو بريشت ،أو كروتوفسكي ،وأنطونانأرطو،
وغيرهم كثير ،بل نجد عروضه المسرحية هي التي تحمل ،في
طياتها ،مالمح هذا االتجاه المسرحي الجديد فكرة ،وتأثيثا،
وتشخيصا ،وإخراجا.
85
الحقة عانق اإلنسان قدره اليائس في تحد ،وجاء االحتفال بالعدمية
بعد أن تعذر االحتفال بالحياة.وكانت هذه مرحلة ما بعد العبث في
أمريكا التي تبلورت بصورة صارخة في مسرح" االستهزاء
والتتفيه"."57
هذه هي أهم العوامل واألسباب التي كانت وراء ظهور الكوميديا
الصادمة .ناهيك عن انعدام حريات اإلنسان وحقوقه الخاصة
والعامة ،وإحساس اإلنسان المعاصر بالقهر ،والخيبة ،واإلخفاق،
فنتج عن هذا كله وجود ثنائية قاهر ومقهور داخل مجتمع القهر
والجور واإلحباط.
الكوميديا السوداء
87
مشهد من مسرحية لي سينسي ألنطونين أرطو
المطلب الثاني عشر :مدرسة المــــسرح الجديد
ساهمت أفكار أنطونين أرطو حول مسرح القسوة في ظهور
المسرح الجديد في سنوات العقد السادس من القرن العشرين الذي
جسده كل من مسرح مختبر ڤروكالو للبولوني جيرزي
غروتوڤسكي ،وورشة مسرح القسوة لــپيتر بروك( Peter
Ariane ،)Brookو مسرح الشمس آلريان منوشكين(
،) Mnouchkineوالمسرح المفتوح لجوزيف شايكان( Joseph
.)Chaikin
ويرتكز هذا المسرح الجديد على العمل اإلبداعي الجماعي للممثلين
بدل االرتكاز على النص ،وتحضر المشاهد الدرامية بعد أشهر عدة
88
من العمل ،بالتركيز على الحركات واإلشارات واألصوات واللغة
غير الخاضعة للقواعد ،وعلى فضاء غير مألوف وال طبيعي.
ومن النماذج التمثيلية لهذا النوع من المسرح مارات ساد( Marat
)Sadeلپيترڤايس( .)Peter Weiss
89
مسرح أريان مينوشكين
90
مسرح بيتر بروك
92
مجموعة من الممثلين األمريكيين المشهورين ،أمثال :جيمس
داين( ،) James Deanومارلون براندو(،) Marlon Brando
وپول نيومان( ،) Paul Newmanومالرين مونرو( Marilyn
،) Monroeوإليزابيث تايلور(.) Elizabeth Taylor
ول قد اعتمد ستراسبرغ ،في منهجيته الدرامية ،على نظريات
ستالنيسالفسكي( ،)Stanislavskiوأعطى األولوية لإلحساس،
والبحث عن لعبة حية عصبية وطبيعية .وسمحت هذه التقنية في
العمل للممثل كي يتحرر من سيطرة النص والمخرج ،و يرتجل
كالمه ،وأصبح هذا االرتجال -إلى يومنا هذا -مرحلة مهمة في
العمل المسرحي.
عالوة على ذلك ،فلقد ظهرت مسارح جانبية في الواليات المتحدة
األمريكية كمسرح الشارع ،وورشات المسرح الطليعي الذي مثله
فنانون مهمشون اكتفوا بالمسرح الفقير ،وقدموا عروضهم في
المقاهي والكنائس والمالعب.
ولقد بدأ االهتمام في أوروبا وأمريكا باإلخراج المسرحي -فعليا -
في سنوات السبعين من القرن العشرين ،بتطوير السينوغرافيا
المشهدية ،وإعادة قراءة النصوص الكالسيكية في ضوء قراءات
درامية جديدة أدبية ،وسياسية ،واجتماعية،ودراماتورجية.
93
مسرح أوجين أونيل
مسرح أرثورميللر
94
مسرحية تينيسي ويليامز
مسرح الشارع
95
المسرح الفقير
97
الدرامي من جهة ،وعلى مستوى الممارسات والتطبيقات الدرامية
الركحية من جهة أخرى.
98
ثبت المصادر والمراجع
القرآن الكريم برواية ورش عن نافع عن األزرق.
المصادر العامة:
-1أرسطوطاليس :فن الشعر،ترجمة عبد الرحمن بدوي ،دار الثقافة
بيروت ،لبنان ،بدون تاريخ.
-2أرسطو :فن الشعر ،مكتبة المسرح رقم ،3ترجمة وتعليق:
إبراهيم حمادة ،مركز الشارقة لإلبداع الفكري،الشارقة ،اإلمارات
العربية المتحدة.
99
المذاهب األدبية والنقدية عند العرب: شكري محمد عياد-8
الطبعة األولى سنة،177 العدد، الكويت، عالم المعرفة، والغربيين
.م1993
، المغرب، الدار البيضاء، دار توبقال، التقليدية: محمد بنيس-9
.م1989الطبعة األولى سنة
،بركان، مطبعة تريفة، حوار مع الكوميديا: محمد قيسامي-10
.م1988 ،المغرب
مطابع الهيئة، المدارس المسرحية المعاصرة: نهاد صليحة-11
الطبعة األولى سنة، مصر، القاهرة،المصرية العامة للكتاب
.م1986
:المراجع األجنبية
12- A. Génétiot, Le Classicisme, collection
Quadrige chez PUF, 2005.
13- André Breton, Le Surréalisme et la Peinture,
Paris, Gallimard, 1928-1965.
14- Astruc R., Le Renouveau du grotesque dans
le roman du XXe siècle, essai d'anthropologie
littéraire, Paris, Classiques Garnier, 2010.
15- Astruc R., Vertiges grotesques, esthétiques
du choc comique (roman - théâtre - cinéma),
Paris, Honoré Champion, 2012.
16- Georges Legros, Michèle Monballin et Isabelle
Streel, Grands courants de la littérature française,
Editions AltioraAverbode, 2007.
17- Gérard Durozoi, Dada et les arts rebelles,
Paris, Hazan, coll. « Guide des arts », 2005.
100
18- Henri Béhar et Michel Carassou, Dada,
histoire d’une subversion, Fayard, Paris 1990-
2005.
19- Iehl D, Le Grotesque, Paris, P.U.F., coll. Que
sais-je ?, 1993.
20-Karine Cardini et Silvia Contarini (coord.), Le
Futurisme et les avant-gardes littéraires et
artistiques au début du XXe siècle, CRINI, Nantes,
2002.
21- L'Univers. Afrique : Esquisse Générale
De L'Afrique Et Afrique Ancienne. Carthage.
Numidie Et Mauritanie. T. Iii Par M. D'Avezac -
Par M. Dureau De La Malle, Et Par M. J. Yanoski -
Par M. Louis Lacroix, [Edition De 1844] .
22-Maurice Godé, L'Expressionnisme, Paris, PUF,
coll. « Perspectives germaniques », 1999.
23-Michel Sanouillet, Dada à Paris, CNRS
Éditions, 1965-2005 ;Laurent Le Bon, Dada,
Éditions du Centre Pompidou, Paris, 2005.
24-Paul Gorceix (1930-2007), Fin de siècle et
Symbolisme en Belgique, 1998.
25-Roger Zuber et Micheline Cuénin : Le
Classicisme, Paris, Flammarion, « GF », 1998.
26-Saint Augustin, Confessions, III, 3, trad.
D’Arnauld d'Andilly (1649), établie par O.
Barenne, éd. Ph. Sellier, Gallimard, " Folio ", 1993.
:المقاالت
101
-27مصطفى رمضاني ( :تقديم مسرحية الورشة) ،مسرحية
الورشة ،لعبد الحفيظ مديوني ،مطبعة تريفة بركان ،الطبعة األولى
سنة 2007م.
102
السيـــرة العلـــمية:
103
-أستاذ األدب العربي ،ومناهج البحث التربوي ،وعلم النفس
التربوي ،واإلحصاء التربوي ،وعلوم التربية ،والتربية الفنية،
والحضارة األمازيغية ،وديدكتيك التعليم األولي ،والحياة المدرسية
والتشريع التربوي ،واإلدارة التربوية ،والكتابة النسائية...
-أديب ومبدع وناقد وباحث ،يشتغل ضمن رؤية أكاديمية
موسوعية.
-شاعر وقصاص وكاتب مسرحي ،يكتب للصغار والكبار.
-مثل دورا سينمائيا في الفيلم األمازيغي (عسل المرارة) لمنتجه
عبد هللا فركوس ،وإخراج علي الطاهري
-حصل مقاله (نظرية ما بعد االستعمار) على جائزة الموقع
السعودي (األلوكة ).
-حصل على جائزة مؤسسة المثقف العربي (سيدني/أستراليا) لعام
2011م في النقد والدراسات األدبية.
-حصل على جائزة ناجي النعمان األدبية سنة2014م.
-عضو االتحاد العالمي للجامعات والكليات بهولندا.
-رئيس الرابطة العربية للقصة القصيرة جدا.
-رئيس المهرجان العربي للقصة القصيرة جدا.
-رئيس الهيئة العربية لنقاد القصة القصيرة جدا.
-رئيس الهيئة العربية لنقاد الكتابة الشذرية ومبدعيها.
-رئيس جمعية الجسور للبحث في الثقافة والفنون.
-رئيس مختبر المسرح األمازيغي.
104
-عضو الجمعية العربية لنقاد المسرح.
-عضو رابطة األدب اإلسالمي العالمية.
-عضو اتحاد كتاب العرب.
-عضو اتحاد كتاب اإلنترنت العرب.
-عضو اتحاد كتاب المغرب.
-له إسهامات نظرية في التربية ،وفن القصة القصيرة جدا ،وفن
الكتابة الشذرية ،واألدب الرقمي ،والمسرح ،ومناهج النقد األدبي،
والكتابة النسوية ،والبالغة الرحبة...
-باحث في الثقافة األمازيغية المغربية ،والسيما الريفية منها.
-خبير في البيداغوجيا والثقافة األمازيغية واألدب الرقمي.
-ترجمت مقاالته إلى اللغة الفرنسية و اللغة الكردية.
-نشرت كتبه بالمغرب ،والجزائر ،وتونس ،وليبيا ،واألردن،
ولبنان ،والمملكة العربية السعودية ،واإلمارات العربية المتحدة،
والعراق.
-شارك في مهرجانات عربية عدة في كل من :الجزائر ،وتونس،
وليبيا ،ومصر ،واألردن ،ولبنان ،والسعودية ،والبحرين،
واإلمارات العربية المتحدة ،وسلطنة عمان ،وكردستان ،وتركيا...
-مستشار في مجموعة من الصحف والمجالت والجرائد
والدوريات الوطنية والعربية.
-نشر أكثر من ألف ومائتي مقال علمي محكم وغير محكم ،وعددا
كثيرا من المقاالت اإللكترونية .وله ( )176كتاب ورقي ،وأكثر من
105
( )300كتاب إلكتروني منشور في مواقع عدة ،كموقع (جميل
حمداوي) ،وموقع (المثقف) ،وموقع (األلوكة) ،وموقع (أدب فن)...
-ومن أهم كتبه :محاضرات في لسانيات النص ،وسوسيولوجيا
الثقافة ،وميادين علم االجتماع ،وأسس علم االجتماع ،والعوالم
الممكنة بين النظرية والتطبيق ،واألدب الرقمي بين النظرية
والتطبيق ،وفقه النوازل ،ومفهوم الحقيقة في الفكر اإلسالمي،
ومحطات العمل الديدك تيكي ،وتدبير الحياة المدرسية ،وبيداغوجيا
األخطاء ،ونحو تقويم تربوي جديد ،والشذرات بين النظرية
والتطبيق ،والقصة القصيرة جدا بين التنظير والتطبيق ،والرواية
التاريخية ،تصورات تربوية جديدة ،واإلسالم بين الحداثة وما بعد
الحداثة ،ومجزءات التكوين ،ومن سيميوطيقا الذات إلى سيميوطيقا
التوتر ،والتربية الفنية ،ومدخل إلى األدب السعودي ،واإلحصاء
التربوي ،و نظريات النقد األدبي في مرحلة مابعد الحداثة ،ومقومات
القصة القصيرة جدا عند جمال الدين الخضيري ،وأنواع الممثل في
التيارات المسرحية الغربية والعربية ،وفي نظرية الرواية :مقاربات
جديدة ،وأنطولوجيا القصة القصيرة جدا بالمغرب ،والقصيدة
الكونكريتية ،ومن أجل تقنية جديدة لنقد القصة القصيرة جدا ،
والسيميولوجيا بين النظرية والتطبيق ،واإلخراج المسرحي ،ومدخل
إلى السينوغرافيا المسرحية ،والمسرح األمازيغي ،ومسرح الشباب
بالمغرب ،والمدخل إلى اإلخراج المسرحي ،ومسرح الطفل بين
التأليف واإلخراج ،ومسرح األطفال بالمغرب ،ونصوص مسرحية،
ومدخل إلى السينما المغربية ،ومناهج النقد العربي ،والجديد في
التربية والتعليم ،وببليوغرافيا أدب األطفال بالمغرب ،ومدخل إلى
الشعر اإلسالمي ،والمدارس العتيقة بالمغرب ،وأدب األطفال
بالمغرب ،والقصة القصيرة جدا بالمغرب،والقصة القصيرة جدا عند
السعودي علي حسن البطران ،وأعالم الثقافة األمازيغية...
106
-عنوان الباحث :جميل حمداوي ،صندوق البريد،1799
الناظور ،62000المغرب.
-جميل حمداوي ،صندوق البريد ،10372البريد المركزي ،تطوان
،93000المغرب.
-الهاتف النقال0672354338:
-الهاتف المنزلي0536333488:
-اإليميلHamdaouidocteur@gmail.com:
Jamilhamdaoui@yahoo.
107
الغالف الخارجي:
تهدف هذه الدراسة إلى استجالء الجوانب الفكرية والذهنية والفنية
والجمالية واإليديولوجية لمختلف المدارس والحركات والتيارات
واالتجاهات المسرحية والدرامية في العالم الغربي بصفة خاصة.
والغرض من ذلك هو التأريخ للفن المسرحي من خالل مدارسه
الدرامية بغية التعرف إلى مختلف التوجهات الفكرية واإليديولوجية
التي كانت ترتكز عليها هذه المدارس ،ورصد مختلف الخصائص
والسمات الفنية والجمالية التي كان يمتاز بها فعل التمسرح في هذه
التجارب المسرحية إن نظرية ،وإن ممارسة ،وإن إخراجا ،وإن
رؤية.
الثمن30:درهما
108