Professional Documents
Culture Documents
1
تمييز القاعدة القانونية عن غيرها من القواعد المشابهة
كما سبق ورأينا أن القانون علم اجتماعي يعمل على تنظيم الروابط االجتماعية في
المجتمع ،إال أن هذه الروابط االجتماعية ال تمتثل للقانون وحده ،بل توجد إلى جانبه قواعد
سلوك أخرى لها مكانتها في تنظيم المجتمع؛ ومنها قواعد الدين واألخالق وقواعد العادات
والمجامالت.
وعلى الرغم من أن هذه القواعد تشترك مع القانون في تنظيم المجتمع ،إال أنه هناك
ومن أجل معرفة هذه الفوارق ،البد من تحديد كل قاعدة على حدة والعالقة بينها وبين
قواعد القانون.
ان القواعد السلوكية تعمل بدورها على تنظيم المجتمع لكنها ال تصل لمستوى القاعدة
القانونية خاصة من حيث الردع ،وهنا نقصد الردع المادي وليس الردع المعنوي.
لذلك سوف نتناول قواعد األخالق وقواعد الدين وقواعد المجامالت والتقاليد.
2
تعتبر قواعد األخالق عبارة عن مجموعة من القواعد التي تهدف إلى بلوغ الفرد درجة
من الكمال عن طريق حثه على فعل الخير ونهيه عن فعل الشر ،وأمره بالتزام سلوك معين في
كما ذهب جانب من الفقه 2إلى تعريف األخالق على أنها مجموعة من القواعد والمبادئ
التي تحدد ما هو خير وما هو شر في مجتمع من المجتمعات ،ومن ثم وجب اعتبار كل ما هو
شر مخالف لألخالق وكل ما هو خير موافق لها .حيث أن تحديد فكرتي الخير والشر يكون
وبعبارات أخرى ،فقواعد األخالق هي مجموع المبادئ واألفكار التي تستقر في ضمير
الجماعة كحصيلة لتراثها وتاريخها ومعتقداتها الدينية ،وما ينطوي عليه ذلك من أفكار
اجتماعية وسياسية وثقافية واقتصادية .3فهي قواعد تحكم أفعال اإلنسان وتقومها على أساس
ما تشمل عليه من خير وشر ،حيث تأمر على فعل الخير وتنهى عن فعل الشر.
فاألخالق تعتبر قواد سلوك يجب التقيد بها واالمتثال لها بدافع من الشعور الذاتي ،فهي
المثل العليا للخلق القويم والضمير الطاهر ،إذ أنها تمثل ما ينبغي أن يكون عليه اإلنسان من
-1زكريا ابراهيم" :األخالق والمجتمع" ،الدار المصرية للتأليف والترجمة ،سنة ،1996ص .233:
-2غالب علي الداودي :مرجع سابق ،ص.37:
-3فتحي عبد هللا" :مقدمة العلوم القانونية مرجع سابق ص.28 :
3
وإذا كانت قواعد األخالق تشترك مع قواعد القانون في أن كليهما يعمالن على تنظيم
الحياة داخل الجماعة ،وأن كليهما يتصفان بالعمومية والتجريد وكذلك قواعد اجتماعية ،إال انه
-من حيث الهدف :تهدف قواعد األخالق إلى تهذيب اإلنسان وبالتالي فهي تهتم بالنوايا
والبواعث الداخلية .بينما قواعد القانون ال تهتم بالنوايا والبواعث ،وإنما تهتم بالحكم على
-من حيث الجزاء :يقتصر في قواعد األخالق على تأنيب الضمير ،ومن ثم فهو جزاء
إال أن ذلك ال يعني أن القاعدة األخالقية ال تكون قانونية ،بل يمكن أن تكون كذلك ،ومثاله
القاعدة التي ترتب المسؤولية المدنية على من أحدث بخطئه ضررا للغير ،فهذه القاعدة نجد لها
مثيال في األخالق.
كما نجد القانون يأخذ بالنوايا ومثاله ما نص عليه الفصل 231من ق.ل.ع ،إذ ينص على
ما يلي ":كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية ،وهو ال يلزم بما وقع التصريح به فحسب ،بل أيضا
بكل ملحقات االلتزام التي يقررها القانون أو العرف أو اإلنصاف وفقا لما تقتضيه طبيعته".
وكذلك نجد قواعد األخالق في المجال الجنائي ،حيث يعاقب الشخص الذي ال يقدم
المساعدة لشخص آخر في خطر ،وذلك في الفصول 378و 430و 431من القانون الجنائي،
فالفصل األول يعاقب بحبس يتراوح بين سنتين وخمس سنوات من كان يعلم دليال على براءة
متهم محبوس احتياطيا أو مقدم للمحاكمة من أجل جناية أو جنحة ،وسكت عمدا عن اإلدالء
جريمة ،ولحالة الشخص الذي يتهدده خطر غير محدد إذا توفرت الشروط المحددة فيهما.
وكذلك ا لقضاء المغربي سار في هذا التوجه حيث كان حازما في اإلعتداد بمتطلبات
النظام العام و قواعد األخالق ،وذلك في قرار صادر عن الغرفة المدنية بالمجلس األعلى سابقا
(محكمة النقض حاليا) " أن الوصية لفائدة الخليلة تعتبر الغية لمخالفتها لقواعد األخالق والنظام
العام المغ ربي الذي ال يعترف بااللتزامات القائمة على سبب مخالف لألخالق الحميدة ،و
يضيف المجلس األعلى أن مثل هذه الوصية باطلة حتى و إن كان الباعث عليها شريفا
كاإلحسان و االعتراف بالجميل ،ألن الباعث مهما كان شريفا ،ال يمكن أن يبرر السبب غير
من خالل ما سبق يتجلى لنا بوضوح هيمنة القواعد األخالقية على المجال القانوني .وذلك
الدين هو" مجموعة القواعد اإللهية التي ترشد للحق وإلى الخير ،وتضع جزاء يوقع على
من يخالف األمر أو النهي" .ولكن هذا الجزاء ليس دنيويا في غالب األحوال بل هو أخروي
5
ويتمثل الدين في قواعد العبادات وقواعد المعامالت ،فالعبادات تشمل عالقة الفرد باهلل
سبحانه وتعالى ،وتتمثل في الشهادة والصالة والزكاة والحج والصوم .وهذا النوع ال دخل
للقانون فيه إال نادرا .أما المعامالت فتتمثل في عالقة الفرد بغيره من األفراد ،وهي قواعد
تحتوي جميع فروع القانون الوضعي ،كالعالقات ذات الصبغة المالية مثل البيع ،اإليجار،
فقواعد الدين أوسع دائرة من قواعد القانون ،ألنها تشمل عالقة اإلنسان بربه وبغيره.
وإذا كان هناك اتفاق بين القاعدة القانونية والقاعدة الدينية المتمثل في كونهما خطابا موجها
للناس بقواعد ملزمة ومنظمة لسلوكهم فإن هناك اختالفا بين القاعدتين يتجلى فيما يلي:
-من حيث المصدر :القواعد الدينية مصدرها من عند هللا تعالى ،أما القواعد القانونية
-من حيث النطاق :فـإن القاعدة الدينية تعتبر أكثر اتساعا من القاعدة القانونية حيث أنها
تنظم عالقة اإلنسان بربه ،وبنفسه ،وبغيره ،من الناس ،أما في القاعدة القانونية فهي تقتصر
كما أن قواعد الدين تطبق في كل مكان ألنها تخاطب المكلفين بها أينما حلوا وارتحلوا،
-من حيث الهدف :فالقواعد الدينية هدفها عبادة هللا سبحانه وتعالى وذلك باالمتثال إلى
أوامره وتجنب نواهيه ،باإلضافة إلى استقرار المجتمع وتنظيم العالقات بين أفراده .أما
القاعدة القانونية هدفها استقرار المعامالت ،وهي ألجل بلوغ ذلك تقرر أحيانا مبادئ
6
تخالف القاعدة الدينية كما هو الشأن بالنسبة لنظام الفوائد الذي يجيزه القانون إذا كان أحد
الطرفين تاجرا.5
-من حيث الجزاء :فجزاء القواعد الدينية دنيوي مثل القصاص والجلد في الشريعة
اإلسالمية وأخروي يوقعه هللا سبحانه وتعالى ،أما جزاء القاعدة القانونية فتوقعه السلطة
تعتبر قواعد المجامالت قواعد تقوم على التقاليد ،فهي مجموعة من المبادئ يتواتر الناس
على اتباعها في حياتهم اليومية مثل تبادل السالم عند اللقاء ومباركة األعياد ،والعزاء في
الوفاة .ويمكن التمييز بين قواعد المجاملة وقواعد القانون من حيث المصدر والجزاء والغاية.
-من حيث المصدر :فمصادر قواعد المجاملة الناس وتعودهم على اتباع هاته القواعد ،أما
-من حيث الجزاء :الجزاء في قواعد المجامالت يتمثل في استنكار الناس للسلوك
-من حيث الغاية :غاية قواعد العادات والتقاليد هي حصول الود وتقوية روابط المحبة
والقرابة وتطييب الخواطر بين أفراد المجتمع .أما قواعد القانون فغايتها كما سبق القول
هو توفير األمن واالستقرار داخل المجتمع والتوفيق بين مصالح الناس.
-5ينص الفصل 871من ق.ل.ع على ":وفي الحاالت ال تستحق الفوائد إال إذا كانت قد اشترطت كتابة ،ويفترض هذا
االشتراط إذا كان أحد الطرفين تاجرا".
7
القاعدة القانونية وعالقتها ببعض العلوم االجتماعية
بما أن القانون ينظم الروابط التي تنشأ بين األفراد داخل المجتمع ،فهو يدخل ضمن
العلوم االجتماعية من جهة ،ومن جهة أخرى يتأثر بالعلوم االجتماعية والطبيعية المساعدة له.
علم االجتماع هو ذلك العلم الذي يهتم بالسلوك و التفاعل اإلنساني ،حيث يهتم بما يحدث
بين الناس ،و ما يمارسونه من نشاطات بين بعضهم البعض ،كما يهتم بالوقائع و الظواهر
االجتماعية ،و كل المؤسسات االجتماعية ،أما علم االجتماع القانوني أو سوسيولوجيا القانون
يهتم بالمؤسسات والظواهر القانونية ،فيعمل هذا العلم على مساعدة المشرع أثناء صياغته
للقاعدة القانونية ،ووسيلته في ذلك مثال ملء االستمارات القانونية من طرف المواطنين ،تحليل
فمن خالل ذلك يستطيع المشرع أن يطلع على الحياة الواقعية للقانون و مدى التجاوب بينه و
بين المجتمع ،و من ثم التقرير عن مدى التجاوب بين القانون والمجتمع ،و جعل القانون أكثر
مالءمة للواقع.
ومن األمثلة على ذلك الخطة الوطنية إلدماج المرأة في التنمية ،ففي يوم 12مارس
2000نظمت مسيرتان في كل من الدار البيضاء والرباط ،حيث أنه في الدار البيضاء تجمع
أكثر من مليونين من المناهضين لتلك الخطة في مسيرة حاشدة أثارت االنتباه الدولي ،وفي
الرباط تجمع المؤيدون للخطة ،لكن تجمع المؤيدين لم يتجاوز 100ألف ،وبالنظر للمسيرتين
8
أيقن المرا قبون أن غالبية الشعب المغربي ال يريد بديال عن األحكام الشرعية اإلسالمية ،وأنه
علم التاريخ من العلوم القديمة ويتفرع عنه علم تاريخ القانون ،ويهتم هذا األخير بتطور
القاعدة القانونية حيث يعمل على مقارنة القانون الحالي (القانون الوضعي) بالقانون الذي كان
ويرجع إليه الفقه والمهتمون بالقانون عند محاولة تأصيلهم للقاعدة القانونية ومعرفة
المدارس واألنظمة القانونية السابقة ،واالستفادة من تجاربها ،والوقوف على المحطات التي
مرت منها.
والظواهر االقتصادية كالتضخم وارتفاع األسعار وأزمة الطاقة .وبالتالي ،فاالقتصاد يتأثر
بالقانون حيث انه إحدى أدوات السياسة االقتصادية ،فالدولة حينما تريد توجيه االقتصاد أو
توجيه النشاط االقتصادي فإنها تشرع قانونا معينا تحدد فيه األهداف المتوخاة من استراتيجية
الدولة .مثال على ذلك :محاربة التضخم والتي تقتضي بالضرورة نصوصا قانونية تؤطر
9
كما أن القاعدة القانونية أصبحت تتأثر بالتحوالت االقتصادية ،وبما أن الدولة تسعى نحو
توجيه االقتصاد ،فإن السنوات األخيرة عرفت الترسانة القانونية مجموعة التعديالت ومن
التغييرات جلها تعمل على تأهيل المقاوالت ،وتشجيع االستثمار مثال على ذلك قانون الضمانات
يهتم علم السياسة بالحياة السياسية للمجتمع ،وتظهر عالقة القانون بهذا العلم عند تنظيمه
كما يتأثر القانون بالتيارات السياسية التي يضع المشرع قوانينه أو يصدر القاضي أحكامه
.
في ظلها
10
الفصل الثاني :أنواع القاعدة القانونية ومصادرها
11