Professional Documents
Culture Documents
الأنهار وطبيعـــتها القانونية - نهر الفرات انموذجاً
الأنهار وطبيعـــتها القانونية - نهر الفرات انموذجاً
اء َغ ْي ِر آ ِ
ون ِفيها أَْنهار ِم ْن م ٍ ِ َِّ
َس ٍن ) َ قال تعالى َ ( :مثَ ُل ا ْل َج َّنة التي ُو ِع َد ا ْل ُمتَّقُ َ َ َ ٌ
سورة محمد ،اآلية15 :
لقد صنف القانون الدولي العام األنهار إلى نوعين ؛ النوع األول يتمثل :باألنهار الوطنية
والن وع الث اني يتمث ل :باألنه ار الدولي ة وال تي تُع رف بأنه ا ( :تل ك األنه ار ال تي تم ر أحواض ها
بين إقليم أك ثر من دول ة ،أو تل ك ال تي تفص ل بين إقليم دول تين) ( ، )1ويع د نه را دجل ة والف رات
والنيل من األنه ار الدولي ة ؛ وتؤك د الدراس ات ب أن ه ذا المص در يتس م بكون ه من أك ثر مص ادر
المياه عرضه للتلوث واالس تنزاف نتيج ة م روره بأراض ي أك ثر من دول ة وال تي ت ؤدي بالنتيج ة
إلى تغيير بنوعية وكمي ة المي اه الداخل ة ألي دول ة من دول المج رى الم ائي ،والج دير باإلش ارة
في ه ذا الس ياق إن الع راق يع د دول ة مص ب لنه ر الف رات ال ذي ينب ع من األراض ي التركية ،
وتشكل تركيا المصدر الرئيسي لتغذية النهر بالمياه من خالل روافدها إلى ج انب مي اه األمط ار
والثل وج وه ذا م ا ح دا بتركي ا إلى التحكم في مج راه األعلى ومنابع ه حيث ق امت بإنش اء العدي د
من الس دود والخزان ات والمش اريع المائي ة مم ا اث ر س لباً على نوعي ة وكمي ة مي اه نه ر الف رات
حيث قل منسوب مياه النهر وارتفعت مستويات التلوث وحص لت زي ادة ب درجات ح رارة مياه ه ُ
وذل ك بس بب المش اريع الكهرومائي ة التركي ة في الحقيق ة لق د ح اولت تركي ا اس تغالل مي اه نه ر
الفرات بشكل كبير جداً وفي العدي د من المج االت حيث خططت الس تثمار مس احات واس عة من
األراض ي الزراعي ة على نه ر الف رات تق در بح والي 1,440,000ملي ون وأربعمائ ة وأربعين
إلف دونم ،فضال عن إنها تخطط ل بيع المي اه ل دول الش رق األوس ط من خالل مش روع أن ابيب
السالم ،فتركيا ال تعترف بدولية النهرين ( دجلة والفرات ) وتعتبرهم ا حوض ا واح دا وتراهم ا
نه ران تركي ان وطني ان يخض عان للس يادة التركي ة ،وتطل ق عليهم ا تس مية ( مي اه م ا وراء
الح دود) ،في حين يع اني الع راق الي وم من أزم ة مائي ة كب يرة بس بب السياس ات المائي ة التركي ة
() د .جعفر عبد السالم ،مبادئ القانون الدويل العام ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،ط ،1986، 2ص.722 1
فض الً عن مش كلة التغي ير المن اخي وال تي نجم عنه ا ارتف اع كب ير في درج ات الح رارة وتراج ع
كبير أيضاً في كميات هطول األمط ار ،مم ا أدى إلى وج ود ع دد كب ير من المن اطق المعرض ة
للجاف وهذا ما أدى إلى دخول العراق إلى مرحلة يمكن وصفها بالمتأزمة الخطرة .
وعليه فإن مسألة تكييف الطبيعة القانونية لألنهار بصورة عامة ونهر الفرات بالتخصيص
تعد ضرورية حيث تمكننا هذه الطبيعة من إعطاء الوصف الق انوني الس ليم لألنه ار لكي يتس نى
لن ا تحدي د طبيع ة حق وق الع راق في مي اه نه ر الف رات ،وه ذا م ا يتطلب من ا تقس يم ه ذا البحث
وفق الخطة اآلتية :
المطلب األول
التعريف باالنهار
تمهيد وتقسيمـ
بما أن الحكم على الشيء يعد فرعاً عن تصوره ،لذا فإني سأعمل من خالل هذا
المطلب على توضيح المقصود بالنهر بشكل عام ،ثم نتطرق إلى تصنيف القانون الدولي العام
لألنهار ،وبما أن الفقه القانوني يعتمد في الدرجة األساس على معايير خاصة تم الإلرتكان
إليها من أجل توصيف األنهار لذلك سنعمل على توضيح تلك المعايير ،لكي نتمكن من إعطاء
توصيف قانوني دقيق لنهر الفرات وذلك من خالل الفروع اآلتية -:
الفرع األول
تعريف مياه األنهار
مما الشك في ه إن رؤي ة المف اهيم تُع د مس ألة في غاي ة األهمي ة فهي الخط وة األولى ال تي
س نعمل من خالله ا على تحدي د بعض المص طلحات ذات العالق ة بموض وع البحث كمفه وم
المياه والنهر وذلك وفق التقسيم اآلتي :
)( 2تبلغ مساحة الكرة األرضية حوايل 510مليون كم ، 2وتغطي املياه حوايل 311كم ، 2أي ما يعادل حوايل %70.80من
املساحة الكلية للكرة األرضية للمزيد انظر :د .سامح غرايبة و د .حيىي الفرحان ،املدخل إىل العلوم البيئية ،دار الشروق للنشر
والتوزيع ،عمان ،1999،ص. 36د .علي حسن موسى ،التلوث البيئي دار الفكر ،دمشق ، 2000 ،ص.277
)( 3ترافس واجنر ،ترمجة د .حممد صابر ،البيئة من حولنا دليل لفهم التلوث وآثاره ،اجلمعية املصرية لنشر املعرفة والثقافة العاملية،
القاهرة ،ط،1997 ،1ص .29د .سامح غرايبة ،املصدر السابق،ص . 273د .حممد مخيس الزوكه ،البيئة وحماور تدهورها
وأثارها على صحة اإلنسان ،دار املعرفة اجلامعية ،القاهرة ، 2000 ،ص . 397
)( 4د .حممد السيد عبد السالم ،التكنولوجيا والتنمية nالزراعية يف الوطن العريب ،الكويت ،عامل املعرفة ، 1982 ،ص .151
. 5د .إبراهيم سليمان عيسى ،أزمة املياه يف العامل العريب – املشكلة واحللول املمكنة ،دار الكتاب احلديث ،القاهرة ،1999 ،ص
.15
الن ْه ِر .وحفرت البئر حتى َن ِه ْر ُ
ت وحفر البئر حتى َن ِه َر َي ْنهَ ُر أَي بلغ الماء ،وهي مشتقة من َّ
الماء إذا جرى في األرض وجعل لنفسه َن ْهراً(.)6
ُ ونهَر
فأَنا أ َْنهَ ُر أَي بلغت الماءَ .
وعليه فإن النهر يمثل وعاء الماء وقد وردت هذه الكلمة في عدة مواضع بالقرآن الكريم
َّرَنا
..وفَج ْ
َ ( الجنتين صاحب عن تعالى وقوله ، ()7
قوله تعالى( ِ ..إ َّن اللّهَ ُم ْبتَِلي ُكم بَِنهَ ٍر )..
ِخاَل لَهما َنهرا )( ، )8كما وردت عن ثواب المتقين في دار اآلخرة ( ِإ َّن اْلمتَِّقين ِفي جَّن ٍ
ات َ ُ َ ُ َ ًَ
َوَنهَ ٍر )(.)9
أما كلمة األنهار ( -جمع) -فقد وردت في القرآن الكريم في ( )47موضعاً ،مقسمة في
مجموعتين ،سبعة مرات في الدنيا ،وأربعين مرة في الحديث عن اآلخرة وثواب المتقين.
. 2اصطالحا
يقصد بالنهر بصورة عامة تلك " الوحدة المائية التي تتكون من منابع النهر ومجاري
المياه وما يتصل بها من بحيرات ،وما يسير به مجراه يكون حوضاً واحداً ينتهي في بحر أو
بحيرة داخلية تسمى المصب ،ويدخل فيه مجاري المياه التي تسير تحت األرض وتكون
أي المياه الجوفية . ()10
متصلة بالنهر "
الفرع الثاني
التصنيف القانوني الدولي لألنهار
قبل الولوج في صلب الموضوع البد لنا من اإلشارة إلى أن فكرة التميز بين
النهر الوطني والنهر الدولي لم تكن معروفة أو متداولة قبل نشوء وظهور مفهوم السيادة ،
لذلك لم تكن مياه نهر الفرات تشكل آية مشكلة تذكر قبل معاهدة لوزان لعام )11(1923حيث
كان العراق تحت االحتالل العثماني وكان نهر الفرات من منبعه إلى مصبه تحت السيادة
العثمانية .
.6لإلمام العالمة أبن منظور ،لسان العرب ،ج ،14دار إحياء الرتاث العريب ومؤسسة التاريخ العريب ،ط ،3بريوت ،ص
302ومابعدها.
. 7سورة البقرة ،اآلية .249 :
. 8سورة الكهف ،اآلية .33 :
. 9سورة القمر ،اآلية .54 :
. 10نقالً عن :حممد nحافظ غامن ،مبادئ القانون الدويل العام ،دار النهضة ،القاهرة ،1963 ،ص.356
. 11حول هذا املوضوع أنظر الرابط االلكرتوين :معاهدة لوزان /ar.wikipedia.org/wiki
كما وتجدر اإلشارة إلى أن القانون الدولي العام صنف األنهار إلى نوعين وذلك حسب
مركزها القانوني ،والسيما أن لكل نوع من هذين النوعيين قواعد خاصة يخضع لها سواء من
حيث الملكية أو االستغالل أو المالحة وهذا ما سنعمل على توضيحه في السطور القادمة .
النوع األول :األنهار الوطنية
تعرف األنهار الوطنية بكونها تلك األنهار التي ( لها مجرى مائي يقع من منبعه إلى
مصبه في إقليم دولة واحدة كنهر بردى في سوريا ونهر البارد في لبنان ونهر السين في
فرنسا ونهر التايمز في إنكلترا )(.)12
ويخضع النهر الوطني لسيادة الدولة التي يجري في إقليمها وعليه فأنها وحدها لها حق
وفقا لما تقتضيه متطلبات التنمية االقتصادية. ()13
تنظيم االستفادة من مياهه
النوع الثاني :األنهار الدولية
لقد برزت أولى اإلشارات إلى مفهوم النهر الدولي في معاهدة باريس للسالم والتي عقدت
بتأريخ 30/5/1814حيث أوردت تعريف له على أساس أنه ذلك ( :النهر الذي يفصل أو
يخترق أقاليم دولتين أو أكثر ).
ومن خالل التعريف السابق نجد أن المعاهدة مرتكزة على المعيار الجغرافي والسياسي
على حد السواء إال أن هذه الفكرة لم تستمر بل توالت بعد ذلك المحاوالت الدولية لتحديد
مفهوم النهر الدولي ،حيث عقد مؤتمر ّفينا عام 1815والذي كان بمثابة حجر األساس
والسيما انه وضع األحكام العامة القابلة للتطبيق على كل األنهار الدولية حيث أجمعت الدول
المشتركة فيه على ضرورة تنظيم المالحة في األنهار المشتركة بين أكثر من دولة وذلك عن
طريق االتفاق المشترك فيما بين الدول المتشاطئة كما أكد المؤتمر على حرية المالحة فضالً
عن أن هذا المؤتمر تم من خالله تحديد مبادئ إدارة مياه نهر الراين ما بين الدول
المتشاطئة ،واستمر االهتمام الدولي بقضية المياه المشتركة ،وفي القرن العشرين بدء
االهتمام يتجه صوب التركيز على معايير أخرى غير الجغرافية والسياسية بل أضحى المعيار
االقتصادي للنهر يحتل مركز الصدارة باالهتمام ،وهذا ما يمكن االستدالل عليه من خالل
بيان أستوكهولم لعام ،1961وتوصيات سالزبورغ لعام ،1961وقواعد هلسنكي لعام
،1966وإ عالن ريودي جانيرو لعام ،1992وتقرير لجنة القانون الدولي لعام 1994
وصوالً إلى اتفاقية استخدام المجاري المائية الدولية في األغراض غير المالحية الصادرة عن
األمم المتحدة لعام 1997والتي ورد فيها تحديد لمفهوم المجرى المائي وذلك من خالل الفقرة
. 12د .صبحي أمحد زهري العاديل ،النهر الدويل ...املفهوم والواقع يف بعض أهنار املشرق العريب ،مركز دراسات الوحدة العربية ،
بريوت ،2007 ،ص 99ومابعدها.
. 13د .عصام العطية ،القانون الدويل العام ،ط ،6بغداد ،بدون سنة نشر ،ص.316
(أ) من المادة ( )2حيث نصت على أن المجرى المائي عبارة عن ( :شبكة من المياه السطحية
والجوفية التي تشكل بحكم عالقتها الطبيعية ببعضها البعض كالً واحداً وتتدفق عادة صوب
نقطة وصول مشتركة).
وق د ح ددت نفس الم ادة ب الفقرة (ب) مفه وم المج رى الم ائي ال دولي والم راد ب ه " أي
مجرى مائي تقع أجزاءه في دول مختلفة ".
أم ا مفه وم دول ة المج رى الم ائي ف ان الم راد به ا " الدول ة ال تي يوج د في إقليمه ا ج زء من
مجرى مائي دولي أو مستودع للمياه الجوفية عابرة الحدود"(.)14
من خالل م ا تق دم ن رى إن ه ذا التعري ف ق د اس توعب المي اه الس طحية والجوفي ة على ح د
السواء ،حيث أنها قد أدخلت األخيرة – (المياه الجوفية) -في مفه وم المي اه الدولي ة وذل ك لكي
ينس جم م ع التط ورات العلمي ة ال تي تؤك د وج ود ص لة م ا بين المي اه الس طحية والجوفي ة ،فض الً
عن أن هنالك مكامن مياه جوفية دولية مشتركة بين أكثر من دولة .
وتأسيسا لما سبق فإن نهر الفرات ُيعد نهراً دولياً حيث تشترك به كل من تركيا وسوريا
والعراق والسعودية وفقاً لقواعد القانون الدولي والتي توجب تقاسم مياهه ما بين الدول
المشتركة وذلك طبقاً لقواعد القانون الدولي ،إال أن هذه الحقيقة ال تعترف بها تركيا حيث أنها
تجد في نهري دجلة والفرات حوضا واحداً وتعتبرهما نهران وطنيان وتطلق على مياههما
(مياه ما وراء الحدود ) ،وهذا ما ال يمكن للعراق الموافقة عليه حيث أن هذه الفكرة تعمل
وبشكل كبير على إهدار حقوق العراق المائية كما أنها تعمل على إقرار حقوق لدول أخرى
بمياه النهرين .
الفرع الثالث
التعريف بنهر الفرات
ُيعد نهر الف رات اح د الم وارد الطبيعي ة المهمة في الع راق وبه ذا فق د ك ان الع راق يع د
من البلدان الغنية بالمياه الداخلية مقارنة بالبلدان المجاورة.
وعليه سنعمل من خالل هذا الفرع على تحديد مفهوم نهر الفرات من حيث المدلول
اللغوي لهذه الكلمة فضالً عن المفاهيم العامة لهذه الكلمة .ومن ثم نتناول بعدها التأصيل
التاريخي لحقوق أبناء الرافدين بمياه نهر الفرات ،وسيتم ذلك من خالل المقاصد اآلتية -:
المقصد األول
أوال :مفهوم الفرات لغة
. 14للمزيد راجع :الوثائق الرمسية للجمعية العامة لألمم املتحدة ،قانون استخدام اجملاري املائية الدولية ،الدورة ،49امللحق ،10
الوثيقة ( )A/49/10الفصل الثالث – دال.
ستَ ِوي ا ْلبَ ْح َرا ِن َه َذا أشد الماء ُعذوبةً .وفي التنزيل العزيز َ ( :و َما يَ ْ رات ُّ : فرت :الفُ ُ
ست َْخ ِر ُجونَ اج َو ِمن ُك ٍّل تَأْ ُكلُونَ لَ ْح ًما طَ ِريًّا َوتَ ْ سائِ ٌغ ش ََرابُهُ َو َه َذا ِم ْل ٌح أُ َج ٌ ب فُ َراتٌ َ ع َْذ ٌ
ش ُك ُرونَ )( )15وقوله ضلِ ِه َولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْاخ َر لِتَ ْبتَ ُغوا ِمن فَ ْسونَ َها َوت ََرى ا ْلفُ ْلكَ فِي ِه َم َو ِ ِح ْليَةً تَ ْلبَ ُ
اج َو َج َع َل بَ ْينَ ُه َما بَ ْر َز ًخا ب فُ َراتٌ َو َه َذا ِم ْل ٌح أُ َج ٌ تعالى( َوه َُو الَّ ِذي َم َر َج ا ْلبَ ْح َر ْي ِن َه َذا ع َْذ ٌ
رات :كالواحد :وهو ب ،فهو فُ ُ ت فُروتةً ِإذا َع ُذ َ الماء َيفُُر ُ
ُ تَو ِح ْج ًرا َّم ْح ُجو ًرا) ،وقد فَ ُر َ
()16
كما ورد ذكر نهر الفرات في الكت اب المق دس (الق ديم والجدي د) لم ا ل ه من دور حي وي في
حي اة س كان بالد م ا بين النه رين فج اء في س فر التك وين( ()14:2نه ر يخ رج من ع دن فيس قي
الجن ة ومن ثم يتش عب فيص ير أربع ة رؤوس اس م اح دها فيش ون واس م الث اني جيج ون وه و
المحيط بأرض الحبشة كلها والنهر الثالث ح د اق ل وه و الج اري في ش رق أش ور والنه ر الراب ع
(20).هو الفرات)
أما الصابئة المندائيين فإنهم من اشد الديانات تقديساً لنهر الفرات حيث يتم التعميد في
مياهه لكي يتسنى للشخص الدخول في الديانة المندائية ،فقد جاء في نص من كنزا
ربا(صغيراً أنا بين المالئكة األثريين طفالً أنا بين النورانيين ولكني أصبحت عظيماً ألني
كما وتجدر اإلشارة إلى أن الباحثين اختلفوا حول أصل تسمية هذا المورد المائي ،فمنهم
من رأى( )22أن االسم أطلق نسبة إلى الفراتين األوائل وهم قوم نزحوا من شبه الجزيرة العربية
وسكنوا ضفاف النهر وأنشئوا حضارة ترتكن على االنتفاع من مياه هذا النهر الذي بفضله
نشأت أولى الحضارات .
في حين ينسب آخرون التسمية – ( الفرات ) -إلى لغات الحضارات القديمة التي عاشت
في هذه البقعة حيث أطلق السومريين عليه أسم (بورا نونو) واآلشوريين ( بورانم ) أي السيل
العظيم ،وفي اللغة اآلرامية (فروت) ومعناها النمو والخصب( )23والسيما أن نهر الفرات
حينما يمر بين التالل والوديان تنتشر الخضرة وتحيى الحياة في ربوعه ،أما العرب فقد
أطلقوا على هذا المجرى المائي أسم الفرات نظراً لعذوبة ونقاء هذا المورد المائي ،وعليه فإن
تسميته بهذا االسم قد تمت من قبل سكان ما بين النهرين!
ويع د نه ر الف رات واح داً من أهم األنه ار في الع الم نظ راً لم ا يتس م ب ه من أهمي ة تاريخي ه
حيث تشير الدراسات التاريخي ة إلى إن أول م وطئ ق دم لإلنس ان في الت أريخ ك ان على ض فاف
ه ذا النهر( ، )24ال ذي ينب ع من األج زاء الش مالية الش رقية من األراض ي التركي ة من منطق ة يزي د
ارتفاعه ا على 3000م ف وق س طح البح ر ويت ألف النه ر في منابع ه العلي ا من ف رعين رئيس ين
هما فرات صو ومراد صو اللذان يكونان المجرى الرئيس لنهر الف رات ،وه ذا م ا ح دا بتركي ا
إلى التحكم في مج راه األعلى ومنابع ه ؛ ويبل غ ط ول النه ر من منبع ه إلى مص به أك ثر من
2700كيلو متر منها 420كيل و م تر بتركي ا 680 ،كيلوم تر في س وريا 1200 ،كيل و م تر
ب العراق ،أم ا مس احة حوض ه فتبل غ ح والي ( )444000كم %40 2منه ا في األراض ي
،ل ذلك ف إن نس بة كب يرة من أبن اء ه ذا البل د وال ذي يطل ق عليهم الف راتين يمث ل نه ر ()25
العراقية
. 21انظر الرابط االلكرتوين على املوقع اآليت :الفرات – وكيبيديا – املوسوعة nاحلرة .
http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%
. 22عز الدين اخلريو ،الفرات يف ظل قواعد القانون الدويل العام ،دار اجليل ،القاهرة ،1975 ،ص160ومابعدها .
. 23أنظر الرابط االلكرتوين على املوقع اآليت :تأريخ هنر الفرات اخلالد
www.ugaidaat.com/Alfurat_alkhaled.htm
. 24للمزيد حول هذا املوضوع أنظر :علي حسني صادق ،حقوق العراق املكتسبة يف مياه الفرات ،رسالة ماجستري مقدمة إىل كلية
القانون ،جامعة بغداد . 1976 ،
. 25ومن التقاء هنرا دجلة والفرات يتكون شط العرب عند مدينة كرمة علي ومن مث جيري شط العرب يف األراضي العراقية حىت
جنnوب مدينnة البصnرة حبوايل ( )21كم مث يصnبح بعnد ذلnك حnىت مصnبه يف اخلليج العnريب وملسnافة ( )80كم حnداً دوليnاً بني العnراق
وإيnران .للمزيnد nانظnر :فالح شnاكر أسnود ،احلدود العراقيnة -اإليرانيnة ،دراسnnة يف املشnاكل القائمnة بني البلnدين ، nمطبعnnة العnاين ،
جامعة بغداد ، 1970 ،ص . 94جاسم حممnد nخلnف ،حماضnرات يف جغرافيnة العnراق الطبيعيnة واالقتصnادية والبشnرية ،القnاهرة ،
، 1961ص 183ومابعدها .
الف رات الش ريان الحي وي لحي اتهم وبق ائهم ،فل و نظرن ا إلى اإلحص ائيات الس كانية لوج دنا أن (
)9128403نسمة في العراق يعتم دون على مي اه نه ر الف رات من حيث اس تخدامه في حي اتهم
اليومي ة المعيش ية وفي الزراع ة والص يد وتربي ة الحيوان ات ....األم ر ال ذي جع ل لهم (حق وق
ثابتة أصلية ) في مياه نهر الفرات(. )26
كم ا ويتس م نه ر الف رات بكون ه نه ر فيض اني غ ير منتظم الجري ان ،ويت دفق ح والي نص ف
وارده الس نوي خالل فص لي (إبري ل – نيس ان ،م ايو – أي ار ) ح امالً مع ه كمي ات كب يرة من
،ويتغ ذى ه ذا النه ر في تركي ا من مي اه األمط ار ()27
الطمي تبل غ تقريب اً 100ملي ون طن
والثل وج ،أم ا فيم ا يتعل ق بمعدل ه الس نوي ال ذي يمكن االرتك ان إلي ه لتحدي د حجم الجري ان
الط بيعي لنه ر الف رات فإن ه من غ ير الممكن تحدي د ذل ك والس يما أن تركي ا ومن ُذ بداي ة س بعينات
القرن العشرين قامت بإنش اء سلس لة من الس دود والمنش آت المائي ة وال تي تتس م طاقته ا التخزيني ة
،كم ا أن مجم وع ()28
بكونها تفوق الطاق ة الطبيعي ة لمي اه نه ر الف رات بم ا يزي د عن ثالث م رات
المي اه المخزون ة بمش روع الك اب وح ده تبل غ ح والي ( )90ملي ار م 3أي ثالث أض عاف ال وارد
،وهذا ما يتعارض مع النظ ام الق انوني ال ذي يحكم االس تخدام المش ترك لألنه ار ()29
المائي للنهر
الدولي ة وال ذي يف رض ان يك ون اس تخدام المي اه بص ورة عادل ة ومنص فة غ ير ض ارة ب الغير؛
وعليه ف إن تركيا تعت دي على حق وق ال دول المتش اطئة معه ا دون اك تراث لحق وقهم الثابت ة حيث
ترى تركيا "إن كال من العراق وس وريا يتمس كان بمفه وم ( الحق وق المكتس بة ) لكليهم ا في مي اه
نهر الف رات في حين ت رى تركي ا ان مفه وم "الحق وق المكتس بة" ال ذي تتمس ك ب ه ال دولتان م ا ه و
إال ادع اء واهن يس تخدم لحم ل تركي ا على تص ريف كمي ة أك بر من المي اه ولحمله ا أيض اً على
تقب ل مث ل ه ذا األس لوب الض يق في التفك ير ،كم ا أنه ا تج د ان ه ذا المب دأ والمتمث ل بـ( الحق وق
المكتسبة ) غير معترف به دولياً"(.)30
. 26وذلك حسب إحصائية عام ( ) 2004واليت متت اإلشارة إليها يف مؤلف ( حممد nدلف امحد ألعبيدي وفواز امحد املوسى ،وادي
هنر الفرات يف سورية والعراق الطبيعة والسكان ،كتاب منجز من خالل التعاون املشرتك ما بني جامعيت االنبار وحلب ، 2009 ،
ص.8
. 27د .إبراهيم سليمان عيسى ،أزمة املياه يف العامل العريب – املشكلة واحللول املمكنة ،دار الكتاب احلديث ،القاهرة ،ط،1
،1999ص.43
. 28عبد العزيز املصري ،دراسة حالة حوضي هنري دجلة والفرات ،دراسة قدمت إىل ندوة األسس القانونية الدولية nللمياه املشرتكة
واليت أقيمت حتت رعاية املركز العريب لدراسات املناطق اجلافة واألراضي القاحلة وبالتعاون مع البنك اإلسالمي للتنمية ، nدمشق ،
،2002ص.27
. 29د .صبحي أمحد زهري العاديل ،النهر الدويل املفهوم والواقع يف بعض أهنار املشرق العريب ،مركز دراسات الوحدة العربية ،
بريوت ،2007 ،ص .290
. 30دراسة تقدمت هبا وزارة اخلارجية الرتكية ،املصدر السابق ،ص.22
مم ا الش ك في ه ان للع راق ح ق في مي اه نه ر الف رات ،إال أن ه ذا الح ق ليس حق اً مكتس باً
ب ل ه و ح ق أص لي تت وفر في ه ك ل مقوم ات الحق وق األص لية ال تي يت وجب ان تح وي على ك ل
صور الحماية القانونية ،وهذا ما يقودن ا إلى الق ول :إنن ا نتف ق م ع الج انب ال تركي بتوص يفها
للحق وق المكتس بة والس يما ان ه ذا الن وع من الحق وق لدي ه قص ور في الحماي ة القانوني ة وه ذا
مالم نجده في حق العراق األصلي في مياه نهر الفرات.
كما ال يفوتنا أن ننوه إلى حقيقة هامة مفادها ؛ أن العديد من الدول المتشاطئة على نهر
الفرات اعتبرت أن السيطرة على المياه يمثل عنصر هام من عناصر األمن القومي ! لذلك
تعمل تركيا جاهدة على االستحواذ على أكبر كمية من المياه دون مراعاة الدول المتشاطئة
األخرى ،حيث أن هذه الفكرة لم تكن وليدة الساعة بل سبقتها العديد من الدراسات فالمهندس
وليم وليكوكس أعطى دراسة كاملة للدولة العثمانية عن نهر الفرات وأهميته للمناطق
المتشاطئة وذلك في أواخر القرن التاسع عشر كما أن بريطانيا حينما احتلت العراق وفق
معاهدة سايكس بيكو أعطت لهذا الموضوع أهمية ضمن خططها اإلستراتيجية في العراق
. ()31
وأخذت بعين االعتبار أهمية دراسات وليم وليكوكس
المقصد الثاني
التأصيل التاريخي لحقوق أبناء الرافدين بمياه نهر الفرات
أولت التجربة اإلنسانية في وادي الرافدين أهمية كبيرة لموضوع المياه وذلك إلدراكهم
ألهميتها البالغة وقد ورد في النصوص المسمارية ما يدل على أن مياه نهر الفرات بالذات
كانت تعد من العناصر األساسية عند العراقيين القدماء فهي مصدر الحياة ومنبع الخير والبركة
لذلك فقد خصوها بنوع من التقديس والتعظيم واعتبروها من جملة اآللهة المشتقة من القوى
.وقد أحتل اله المياه المعروف باسم أنكي ( )ENKIاله المحيط العذب عند ()32
الطبيعية
. 31السري ويليام ويلكوكس ،تقرير عن ري العراق ،ترمجة مديرية الري العامة ،مطبعة احلكومة ،بغداد ،1937 ،ج ،1مقدمة
التقرير.
() من احلقائق اليت مت اكتشافها ان الديانة يف بالد ما بني الرافدين أتسمت مببدأ احليوية أي جتسيد الظواهر الكونية والطبيعية هبيئة 32
آهلة وهذا ما أدى إىل وجود آهلة كثرية .من بينها آهلة املياه حيث وجد الباحثون اآلثار ين رقيماً بابلياً نقش عليه دعاء ديين
موجه إىل ( نهر الفرات ) الذي حضي بتقديس وتأليه عند السومريني والبابليني وقد جاء فيه ما يأيت :
-يا أيها النهر خالق كل شيء حينما حفرتك آهلة العظام .
-أقاموا أشياء طيبة على شطئانك ويف طيات غمرك .
-بىن أيا ملك الغمر مقامه وانعموا عليه nبفيض من املياه .
-ال نظري له فيا ايها النهر العظيم أيها النهر اجمليد يا هنر املعابد املقدسة. n
-مياهك تفرج الغمة فتقبلين برأفة وخذ ما يف بدين وارم به .
-على شطئانك وغرقه عند ضفافك وغطى يف أعماقك .
السومريين ( ، )33مرتبة متقدمة بالنسبة إلى اآللهة األخرى نظراً إلى مكانته السامية إذ كان من
ضمن اآللهة المهمة التي قامت بخلق كل شيء في هذا العالم ()34فضالً عن أن هذا اله كانت
بحوزته النواميس اإللهية وتبعاً لذلك كانت اإللهة األخرى تستشيره في المواقف الصعبة
وتطلب منه المساعدة (.)35
فضالً عن ان بعض التراتيل الدينية كانت تتضمن وصفاً للنهرين التوأمين دجلة
والفرات هذا إلى جانب ان األدعية واألمنيات كانت توجه إلى إلهة النهر العظيم لتحقيقها فهو
مصدر الخير والبركة ولم تقتصر أهمية مياه الفرات على ما ذكر بل إن لها أهمية أخرى عند
وهذا ما تؤكده ()36
العراقيين القدماء تمثلت باالعتقاد السائد إنها القاضي الحاكم بين الناس
فضالً عن ان هذه ()37
نصوص المواد القانونية الواردة في التشريعات العراقية القديمة
،نظراً التشريعات احتوت على مواد قانونية أخرى كثيرة تتعلق بتنظيم المالحة النهرية
()38
إلى أهميتها فقد أدرك العراقيون القدماء ان بيئتهم الطبيعية قد منحتهم طرق مواصالت طبيعية
للمزيد راجع :طه باقر وبشري فرنسيس ،اخلليقة واصل الكون ،جملة nسومر ،جملد ، 1949 ، 5ص ، 31السري وليم ويلكوكس، n
تعريب حممد اهلامشي ،من جنة عدن إىل عبور هنر األردن ،الطبعة االنكليزية ( ، 1929 ، )3ص. 34
)( 33فوزي رشيد ،الشرائع العراقية القدمية ،وزارة الثقافة واألعالم ،بغداد ، 1987 ،ص. 230
() وهذا ما تؤكده أسطورة الخليقة البابلية اليت تعرف بقصيدة اينوما ايلش Enumaelishوتبدأ بوصف الفوضى البدائية حيث 34
مل تكن األرض وال الكون واآلهلة قد خلقت بعد ،وكل ما كان هناك فقط املياه األزلية وتتضمن مياه البحر املاحلة العنصر املؤنث
واليت اقرتنت مع مياه احمليط العذبة (ابسو) العنصر املذكر وهذان العنصران ميثالن إهلة العامل األول الذي نتج عن اقرتاهنما أول جيل
من إهلة وفيما يأيت أجزاء من هذه األسطورة البابلية: n
-حينما يف العلى مل ينبأ عن السماء (مل تسم باسم). n
-ويف الدىن األسفل مل تذكر األرض بأسم. n
-وحني كانت مياه ابسو املوجود األول والدهم .
-واألم تيامه والدة مجيعهم .
-ومل يكن قد وجد أي مرعى وال يرى أي شيء حىت هور قصب حينما مل يظهر إىل الوجود أي من إهلة .
-ومل يذكر أمساؤهم وال خصصت وظائفهم وأقدارهم .
-مث وجد اآلهلة يف وسطهما (وسط ابسو وتيامه) .
)(35حول هذا املوضوع راجع :د .أمحد سوسة ، nري العراق – هنر الفرات ،ج ،1مطبعة احلكومة ،بغداد ،1945 ،ص .433
)( 36عبد الرزاق حممد nاسود ،موسوعة العراق السياسية ،ط ، 1بريوت ،الدار العربية للموسوعات ، 1986 ،ج ، 1ص. 99
)( 37فمثالً املادة ( )2من شريعة محورايب تقضي بأن الشخص املتهم باستخدام السحر يلقى يف النهر املقدس (-هنر الفرات) -فإذا غرق
من أهتمه كاذباً وعوقب بالقتل ومصادره عد جمرماً وتعطى أمواله ملن اخرب عن جرميته وان طفا ومل يغرق أعترب بريئاً واعترب ْ
األموال .أما (املادة ) 132من نفس القانون فأهنا أشارت إىل اختبار الزوجة ( االختبار النهري )إلثبات براءهتا من شائعات الناس
وأحاديثهم حول اهتامها باخليانة الزوجية و كذلك ورد يف قانون أور منو وأشنونا .للمزيد nراجع :د .عامر سليمان ،القانون يف
العراق القدمي ،دراسة تارخيية قانونية مقارنة ،وزارة الثقافة واإلعالم ،بغداد ،ط ، 1987 ، 2ص ص ص ص ،229 194،
.284 ،252
)( 38لقد عاجل محورايب هذا املوضوع يف املواد ( )240 – 234من شريعته فضالً عن وجود بعض األوامر والتعليمات امللكية اليت
تطرقت إىل هذا املوضوع .
تمثلت بالنهرين العظيمين وروافدهما ،وقد أسهمت هذه المالحة إلى درجة في تحقيق التطور
. ()39
واالزدهار الحضاري وديمومته في بالدهم
والحقيقة التي يجب ذكرها هنا ان هنالك معانقة أبدية بين أبناء الرافدين وبين مياه
النهرين وهيا مستمرة عبر آالف السنين ،حيث ان النهريين يشكالن أهم التضاريس الطبيعية
لتلك المنطقة التي شهدت موطن أولى الحضارات وهي بحق( القلب الحقيقي للحضارة ) كما
ان هذه األرض اقترن اسمها بالنهريين فسميت بالد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا)(.)40
ولكن م ا يالح ظ عن د س كان الراف دين أنهم خص وا نه ر الف رات بن وع من التق ديس والتعظيم
أك ثر من غ يره ! ويع ود الس بب في ذل ك إلى دوره الكب ير الحي وي في حي اتهم فه و النه ر العظيم
حس ب اعتق ادهم نه ر المعاب د المقدس ة ال تي حفرت ه اآلله ة لتنعم البالد بنعم ة مياه ه فه و مص در
الرخاء والحياة لذلك تركزت على ضفافه المدنية ومراكز النشاط الحضاري القديم .فض الً عن
كم ا ك انت هنال ك جمل ة ()41
ان لمياه ه أهمي ة ص حية في معالج ة المرض ى وتطه ير االدراق
عوام ل أخ رى دفعت إلى ه ذا التفض يل كطبيع ة األرض الزراعي ة الموازي ة أو المحيط ة
بالمجرى وتكون على ذات المستوى وتتسم بالخصوبة بحيث أضحت صالحة للزراعة على مر
.اخض ع الس ومريون نه ر الف رات لس يطرتهم وس خروه ألغراض هم الزراعي ة من ()42
العص ور
خالل بن اء الس دود وش ق الج داول والقن وات ،وق د ح دثنا الت اريخ عن والدة أول ش ريعة قانوني ة
عرفه ا اإلنس ان س ميت بش ريعة (أور نم و) وال تي اهتمت بحماي ة األراض ي الزراعي ة الواقع ة
على ضفاف نهر الفرات من الغرق(.)43
كما أن مياه نهر الفرات كانت أساساً لحياة الشخص االعتيادي ،نظراً لكونها مرتبطة
بمعتقداتهم الدينية ،ومن المعتقدات المرتبطة بالديانة أجراء بعض الطقوس الدينية التي يكون
الماء جزءاً رئيساً فيها حيث يستوجب على المرء للقيام بطقوسه الدينية ان يكون متطهراً وذلك
من خالل استحمامه حيث تزيل مياه نهر الفرات كل الخطايا فضالً عن ذلك فان الحاجة إلى
االغتسال للمحافظة على الصحة و الراحة الشخصية .لذا كانت النظافة بالنسبة للبابليين تعد
،وعليه فأن المياه مثلت الوسيلة الفضلى التي تبعدهم عن النجاسة ()44
من مظاهر الورع
)( 39د .رضا جواد اهلامشي ،املالحة النهرية يف بالد وادي الرافدين ،جملة سومر ،عدد ، 1987 ، 37ص . 51د .هورست
كلينغل ،ترمجة د .غازي شريف ،محورايب ملك بابل وعصره ،بغداد ،ط ، 1987 ، 1ص. 23
. 40للمزيد انظر الرابط االلكرتوين www.alnasiriyah.com :
() أنظر هبذا اخلصوص :طه باقر وبشري فرنسيس ،مصدر سابق ،ص . 31عادل جاسم ألبيايت ،الفرات وأثره يف تراثنا الشعري 41
، 1976ص. 205
.فوزي رشيد ،الشرائع العراقية القدمية ،مصدر سابق ،ص. 20 43
()45
والدنس والتي هي عنصر من عناصر الخطيئة لديهم وهذا ما توضحه شعائرهم الدينية
التي ترتبط طقوسها بمياه الفرات والسيما ان هذه المياه مقدسة لديهم ،لذا تزخر النصوص
القديمة بقصص مخصصة بتقديس تلك المياه( )46والمعروفة (بأدب المياه) والتي في الواقع
تشغل حيزاً كبيراً بين أدبيات بالد الرافدين شأنها في ذلك شأن جميع األمم القديمة التي سكنت
،كما أن أبناء الفرات ()47
أحواض األنهار وأقامت على ضفافها أعظم الحضارات القديمة
يتغنون بقصائدهم وأغانيهم بوصف مياه نهر الفرات .
وهك ذا يت بين لن ا إن العراق يين الق دماء ك انوا مهتمين بمي اه نه ر الف رات من خالل ربطه ا
بمعتق داتهم الديني ة إذ ان مياه ه ش كلت عص ب الحي اة الن ابض ورك يزة للبن اء الحض اري واس اس
وع دم ()49
وتبع اً ل ذلك وجبت عليهم العناي ة بالبيئ ة المائي ة لنه ر الف رات ()48
االس تقرار والنم اء
التج اوز عليه ا الن ذل ك حس ب معتق داتهم ك ان يع د اعت داء على آلهتهم كم ا أن الرابط ة امت دت
بين أبناء الرافدين ونهر الفرات إلى قيام أبناء الرافدين بإطالق اسم الفرات على أبنائهم.
لقد نال أبناء الرافدين ثمرة هذا االهتمام فقد أضحت بالدهم محط أنظار األقوام
المجاورة والبعيدة عبر الحقب الزمنية نظراً إلى وفرة مياهها وخصب أراضيها( )50لذا أستوطن
اإلنسان في هذه المنطقة منذ بواكير الحياة على هذه األرض لذلك اعتبرت مهداً للجنس
() راجع هبذا اخلصوص تأليف هاري ساكز ،ترمجة عامر سليمان ، ،قوة أشور ،منشورات اجملمع العلمي العراقي ،بغداد ، 44
، 1999ص . 273
() تأليف جورج بويبه مشار ،ترمجة سليم الصويص ،املسؤولية اجلزائية يف األدب األشورية والبابلية ،وزارة الثقافة واألعالم ، 45
أحسن البذور ...أهنا قناة جتلب املياه الوافرة إىل قنوات اإلرواء ومل يقتصر األمر على الكتابات األدبية بل أن األمثال أيضاً يف أدب
بالد الرافدين تضمنت ذلك فأحد األمثال يقول " النهر باجتاه الريح جيلب املاء الوفري" يف الواقع هنالك العديد nمن األمثال
والقصص املخصصة مبياه وادي الرافدين تزخر هبا أدبيات سكان تلك املنطقة .للمزيد nأنظر :د .طه باقر ،مصدر سابق ،ص
.159
() عبد العزيز الياس سلطان اخلاتوين ،أثر البيئة الطبيعية يف تاريخ وحضارة بالد الرافدين ،أطروحة دكتوراه مقدمة إىل جملس كليةn 47
() وهذا ما أكدته الرقائم الطينية املكتشفة اليت أشارت إىل عناية البابليني بالبيئة املائية وصيانتها إىل درجة أن محورايب خصص الكثري 49
من رسائله اإلدارية إىل حكام األقاليم حيثهم فيها على االهتمام بأطراف األهنر والعمل على تطهري اجلداول واألهنر من الرتسبات
الطموية للمحافظة عليها وإدامتها .كما أهتم الفراتني بشؤون الري فضالً عن استخدامهم منخفضي احلبانية وأبو دبس لدرء
فيضان هنر الفرات .للمزيد حول هذا املوضوع راجع :د .مسعود مصطفى الكتاين ،احليوانات الربية والصيد عرب العصور ،
جامعة املوصل ، 1986 ،ص . 228طه باقر ،مقدمة يف جغرافية العراق التارخيية ،احللقة الثالثة ،العدد ، 12السنة ، 6وزارة
اإلعالم ،بغداد 1971 ،ص . 33د .هورست كلنغل ،مصدر سابق ،ص . 117صاحب الربيعي ،أزمة حوضي دجلة
والفرات :وجدلية التناقض بني املياه والتصحر ،دار احلصاد للطباعة والنشر والتوزيع ،دمشق ،1999 ،ص.150-149
() يشري الباحثون اجليولوجيني إىل أن أرض العراق يف العصر اجليولوجي الثاين املعروف باسم سيتوزوئيك nأي قبل 30مليون سنة 50
كانت مغمورة مبياه البحر إال انه حدثت تقلصات يف القشرة األرضية أدى إىل نزوح املياه حنو األسفل تاركة وراءها أراضي غرينية
يف جنوب العراق عرفت خبصوصيتها مما حدا باإلنسان يف اإللف 6ق .م إىل استيطاهنا واستثمارها .حول هذا املوضوع راجع
الرابط االلكرتوين www.arts.kufauniv.com/Arsehf/lecuter%20teaching/khalid.html :
البشري ( )51فضالً عن كون أرض الرافدين تعد أول وأشهر أرض زراعية في التاريخ ،حتى
أنها كانت تسمى بأرض السواد بسبب كثافة الغطاء النباتي الذي يكسب سطحها والغابات
وذلك بفضل استغالل أبنائها الجيد لمواردهم ()52
والبساتين والحقول بلونها األخضر الداكن
المائية مما جعل بالدهم غنية إلى درجة حملت االسكندر الكبير على التفكير في جعل مدينة
.والحقيقة التي يجب ذكرها هنا ()53
بابل ( -التي تقع على ضفاف الفرات ) -عاصمة العالم
أن هنالك معانقة أبدية بين أبناء الرافدين وبين مياه نهر الفرات تلك المعانقة المستمرة وعبر
آالف السنين .
والمهم وال عجب أن يستفيد أبناء الرافدين من مياه نهر الفرات إلى درجة كبيرة
ويسخرونها لتطوير حياتهم من خالل إحياء أرضهم وبذلك فقد اكتسبوا ( حقاً تأريخاً ) موغالً
بالقدم ال يجوز المساس به ! إال وهو الحق التاريخي باستعمال واستغالل مياه نهر الفرات
فضالً عن أنهم ( اكتسبوا السبق التاريخي ) دون غيرهم من أبناء الدول المتشاطئة على نهر
الفرات ،والسيما إذا تم االرتكان إلى معيار أفضلية االستحقاق في الثروات المباحة إذ من
أحق به(.)54
سبق إلى شيء منها فهو ُ
المطلب الثاني
تكييف الطبيعة القانونية لالنهار
في الواقع ان مسألة تحديد الطبيعة القانونية لإلنهار بصورة عامة ونهر الفرات
بالتخصيص تعد ضرورية حيث تمكننا هذه الطبيعة من اعطاء الوصف القانوني السليم لحقوق
العراق بمياه نهر الفرات ،وهذا ما يتطلب منا توضيح مفهوم المنقول والعقار فهل ياترى تعد
االنهار من المنقوالت ام من العقارات ؟
ولإلجابة عن هذا التساؤل البد لنا من تحديد مفهوم هذان المصطلحان وفق القانون
المدني العراقي .
المنقـول :هو كل شئ يمكن نقله وتحويله دون تلف .
أما العقار :فيراد به كل شيء له مستقر ثابت بحيث ال يمكن نقله أو تحويله دون
تلف (. )55
)( 51السري ليونارد ويل ،ترمجة امحد عبد الباقي ،وادي الرافدين مهد احلضارة ،مكتبة املثىن ،بغداد ، 1948 ،ص. 15
)( 52حممد سعيد كتانة ،أحواض أعايل هنري دجلة والفرات وأمهيتها للعراق ،بغداد ، 1976 ،ص . 2د .سامي سعيد األمحد ،
مصدر سابق ،ص. 153
)( 53السري وليم ويلكوكس ،تقرير عن ري العراق ،مطبعة احلكومة ،بغداد ، 1937 ،ج ، 1ص. 4
. 54د .عبد األمري كاظم زاهد املياحي ،مصدر سابق ،ص.523
)(55أنظر نص املادة ( ) 62من القانون املدين العراقي النافذ رقم ( )40لسنة .1951
لقد اختلف الفقهاء في تكييف الطبيعة القانونية للماء وذلك الن التحاليل العلمية لطبيعة الماء
تثبت بأن له سمات وخصائص ومميزات عديدة متناقضة ،كما أن هذا االختالف امتد إلى مياه
التي قيلت بهذا ()56
األنهار كوحدة قانونية واحدة وهذا ما سيتم توضيحه من خالل اآلراء
الصدد:
يرى ان مياه االنهار تتسم بكونها جسماً متحركاً غير ثابت منذ ()57
فالرأي االول
خروجه من المنبع حتى وصوله الى المصب ،ومن الصعوبة ايقاف مقاومة اندفاعه لمدة طويلة
حتى من خالل العقبات الضخمة كالسدود فهي تمتلك طاقة استيعابية محددة ؛ لهذا فقد أُضفى
عليه سمة ( منقول غير قابل للتملك ).
فقد ارتكن الى فكرة اخرى تتمثل بإعتبار مياه االنهار عبارة عن ()58
اما الرأي الثاني
عنصر يتجدد بأستمرار وهذا ما يمنح وجوده طابعاً من الديمومة واالستمرارية بفضل
ظاهرة تدفق الماء المستمرة من منابعه ولهذا فهو شيء له مستقر ،وعليه فإنه يرى أن
هذه الصفات تجعله يشترك في سمات العقارات الثابتة غير المنقولة والسيما انه مندمج مع
االرض التي يجري فوقها وبغيابه ستصاب االرض بالعقم وتصبح جدباء والسيما أنه يعد
عنصر الملكية االساسي.
وانطالقاً من الفرضيات السابقة فإننا نجد أنفسنا نطرح الفكرة اآلتية :
لو فرضنا أن مياه األنهار تُعد من المنقوالت وذلك من خالل إمكانية نقل وتحويل مياه أ.
النهر من مكان إلى آخر بواسطة خزانات أو مد سواقي مخصصة لهذا الغرض على
وفق درجات حرارة معينة من دون أن تتعرض الكمية المنقولة ألي نقص من تبخير
أو غيره من الحاالت ؛ فإن ذلك ال يمكن أن ينطبق دوما إال بظروف خاصة جداً ،
وهذا ما يقودنا إلى القول :إن مياه األنهار ال تعد من المنقوالت وفق المفهوم
المنصوص عليه في القانون المدني العراقي .
أما إذا اعتبرنا أن المياه تعد من العقارات ،فإننا نجد أنفسنا ننساق نحو تحديد المفهوم ب.
القانوني للعقار وكما ذكرنا في أعاله هو :كل شيء له مستقر ثابت ،ونحن نعلم أن المياه
ليس لها أي مستقر ثابت إذ أنها تبدأ بمنبع وتنتهي بمصب وتمر بدول وداخل الدولة الواحدة
تمر بأكثر من منطقة ،بجبال وأودية وسهول وتختلف سرعة جريان المياه حسب قربها من
() راجع باملعىن نفسه حول هذه اآلراء :بسام جابر وآخرون ،مشكلة املياه يف الشرق األوسط ،مركز الدراسات اإلسرتاتيجيةn 56
. 59إن مصطلح (مجرى ) يف منجد اللغة العربية يراد به ذلك اجلزء من األرض الذي جتري فيه ماء النهر ،أي مسيل .وهنر :هنراً :
جرى يف األرض وجعل له جمرى من هنر املياه ،أما مجعهُ جما ٍر .املنجد يف اللغة العربية املعاصرة ،دار املشرق ،بريوت ،2000 ،ص
.196
. 60شهاب الدين امحد بن علي بن حجر العسقالين ،فتح الباري بشرح البخاري ،دار احلديث ،لقاهرة ،1998 ،ص40وما
بعدها .
)( 61أنظر حول هذا املوضوع :أستاذنا د .جعفر ألفضلي ،الوجيز يف العقود املدنية ،مطابع جامعة املوصل ، 1981 ،ص . 65
ذات منفعة عامة للجميع ،وتجدر اإلشارة إلى أن البعض من الفقهاء أطلق على هذه األشياء
تسمية تراث مشترك لإلنسانية ( )62كأشعة الشمس والهواء في الجو وأعالي البحار .
ولكن بالرغم من ذلك فأنه يالحظ أن هنالك استثناء لهذه األشياء فقد تكون قابلة للتعامل
بها متى ما أمكن االستئثار ( -الحيازة واإلحراز ) -بمقدار معين منها كالهواء المضغوط في
االسطوانات الذي يستخدمه الغواصون أو مياه الشرب التي تباع في القناني أو العبوات
المعقمة أو قد تتخذ المياه حالة صلبة مثل الثلج وغير ذلك من الصور .وعليه فأنها تكون
محالً للحقوق المالية أي يمكن بيعها وذلك بسبب تحقق الملكية بالحيازة واإلحراز وما دام البيع
يعد حقاً من حقوق الملكية فمتى ما ثبت األصل ثبت ما يتفرع عنه(.)63
أما النوع الثاني من األشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون وذلك بسبب ورود نص
خاص يمنع التعامل بها كأموال الدولة واآلثار القديمة مثالً.
في الواقع تعد مياه األنهار عنصراً هاماً من عناصر الثروة الوطنية وهي بذلك
ستخضع لمبدأ سيادة الدولة على أراضيها ومياهها اإلقليمية ؛ على أن يتفق هذا مع الحق
المماثل لكل دولة متشاطئة مشتركة معها .
من ناحية أخرى يمكن أن يوصف نهر الفرات بكونه عنصر مخصص لمنفعة عامة
وعليه يمكن القول :إن المـوارد المائية تعد من األموال العامة ( )64التي ال يمكن أن تكون
محالً للحقوق المالية بالنسبة للمواطـنين ،وهذا ما أشارت إليه الفقرة ( )2من المادة ( )71من
القانون المدني العراقي حيث نصت على أن " هـذه األموال ال يجوز التـصرف فيها أو الحجر
عليها أو تملكها بالتقادم ".
وعليه فأننا نعتقد أن األنهار عبارة عن عنصر متحرك من عناصر اإلقليم الطبيعية وان
حركتها مستمرة – ( ديناميكية ) -وعليه يمكن أن توصف على أنها " عقار ذو طبيعة خاصة
غير قابل للتملك" بعبارة أخرى اكتسب هذا الشيء الخصوصية نتيجة الخصائص التي منحها
الباري (عز وجل) له ،فهو مادة كونية مخلوقة من قبل الباري عز وجل (وأنزلنا من السماء
،غير قابل للتملك لكونه مال اهلل ،وأن اإلنسان خليفته في ()65
ماء بقدر فأسكناه في األرض )
ً
. 70نقالً عن :د .عبد األمري كاظم زاهد املياحي ،مصدر سابق ،ص .25
. 71املصدر نفسه ،ص .26
. 72انظر اهلامش (.)18
األرض وال تي تحت اج إلى جه د بش ري الس تخراجها كــ(النف ط) ،وعلي ه ف إن األخ يرة تع د ث روة
وطني ة ص رفة ال تج ري ع بر الح دود وب ذلك فهي تخض ع للس يادة الوطني ة ،وه ذا م ا يتع ارض
م ع التوج ه ال تركي ال ذي ي رى بكون ه يملك ح ق الس يادة (المطلق ة) على مي اه نه ر الف رات ال ذي
ينبع ويتغ ذى على أراض يها ،وب ذلك فق د اعتبرت ه مص دراً وطني اً مث ل النف ط ،وفي ه ذا الس ياق
ك ان ال رئيس ال تركي الس ابق س ليمان ديميري ل ق د أش ار إلى ذل ك ص راحةً بقول ه " :إذا ك انت
الثروة الطبيعية في بلدنا ،فلن ا الح ق في اس تعمالها بالطريق ة ال تي نراه ا مناس بة ،وال س يما أن
المي اه تنب ع في تركي ا وال يمكن ل دول المج رى األدنى أن تعلمن ا كيفي ة اس تعمال ثرواتن ا ؛ هن اك
منابع نفط في كثير من البلدان العربية ،ونحن ال نتدخل في كيفية استعمالها "(.)73
في الواقع إن الثوابت التي تم اإلشارة إليها سابقاً تؤك د ع دم إمكاني ة إج راء المقارن ة م ا بين
تلك الثروتين( ، )74وعليه فإن نهر الفرات ُيع د من (الموارد الطبيعية المشتركة ما بين الدول
المتشاطئة).
والجدير بالذكر إن هذه الفكرة تتعارض مع التوجه الخاص للبنك الدولي الذي يروج
لفكرة خصخصة المياه وذلك بوجوب التعامل مع الماء على أنه سلعة اقتصادية ،يمكن
استثمارها وتجنى األرباح من خاللها ،ولهذا فقد تم تمويل أكثر من 300مشروع خاص
للمياه في دول العالم النامي بين عامي ، 2006-1990حيث تمنح الشركة الخاصة
قوانين السوق والربح وحدها والتي
من خالل ّ
()75
المستثمرة رخصة تشغيل النظم المائية
تتجاهل تماماً األهداف واالعتبارات االجتماعية واإلنسانية والتي تعتبر ركيزة هامة من ركائز
هذه المشروعات .
وفي الواقع فإننا نجد ان الدول والجهات المانحة للمشاريع المائية التركية وجدت بنهر
الفرات مشروع استثماري جيد والسيما أن منطقة الشرق األوسط تعاني اليوم من مشكلة شح
المياه فضالً عن التغيرات المناخية المتمثلة بزيادة التصحر نتيجة الجفاف بسبب قلة هطول
األمطار ،وعليه فإذا كان النفط يمثل المورد المسيطر على جيوبوليتكيا الموارد العراقية
فباإلمكان مقايضته مع حاجة العراق إلى المياه وهذا ما حدا بتلك الجهات إلى استثمار المياه
بطريقة فضلى تحقق من خاللها اكبر قدر ممكن من المكاسب ،وهذا يتعارض تماماً مع
مبادئ الشريعة اإلسالمية فقد روي عن رسول اهلل ( صلى اهلل عليه وسلم ) بأنه نهى عن بيع
الماء وعن بيع فضل الماء وقوله ( صلى اهلل عليه وسلم ) ( المسلمون شركاء في ثالث :
. 73طارق اجملذوب ،إشكالية املياه وآثارها والعالقات الرتكية – العربية (الورقة الثانية) ،ورقة عمل قدمت اىل :ندوة العالقات
العربية – الرتكية :حوار مستقبلي ،حبوث ومناقشات الندوة الفكرية اليت نظمها مركز دراسات الوحدة العربية ،بريوت ، 1995،
ص. 194
. 74منصور العاديل ،قانون املياه ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1999 ،ص .290
75
للمزيد حول هذا املوضوع :صفوت عبد السالم ،السياسات التكيفية لصندوق النقد والبنك الدوليني وأثرها على عالج
االختالالت االقتصادية يف الدول النامية ،القاهرة ،دار النهضة ،1993 ،ص .84البنك الدويل ،التقرير السنوي للعام ،1998
واشنطن ،1998 ،ص. 92
الماء
ُ من ْع َن :
والنار ،وثمنه حرام ) ،وقوله عليه الصالة والسالم ( ثالث ال ُي َ
ُ الماء والكألُ
ُ
والنار ) .
()76
ُ ُ
أل والك
الخاتمة :
حقي ق بن ا في الخت ام أن نس جل أهم النت ائج والتوص يات ال تي تم التوص ل إليه ا من خالل ه ذا
البحث :
ا .النتائج
إن حقوق العراق في مياه نهر الفرات تُعد حقوق أصلية موغلة بالقدم تمتد جذورها .1
إلى حوالي3000سنة ق .م
مما الشك فيه إن مستقبل العالقات السياسية بين الدول المتشاطئة على نهر الفرات .2
يقوم على التعاون اإلقليمي لحل المشكالت التي تواجه إمدادات المياه ،وهذا ما يتطلب من
جميع الدول المتشاطئة مراعاة بعضها البعض ،وهذا اليعني أننا نتدخل في حق أي دولة في
أقامة مشروع ما أو التدخل في سيادة أي دولة ،لكن يعنى ذلك عدم وقوع أي ضرر علينا
والسيما أننا اآلن على عتبة ( العجز المائي ).
ان إقامة المشاريع المائية الضخمة من قبل الدول المتشاطئة على نهر الفرات يهدد .3
تدفق مياه نهر الفرات إلى العراق ( دولة المصب ) من حيث الكمية والنوعية.
تعتبر تركيا نهر الفرات نهر وطني ( قومي ) ينبع من األراضي التركية ولذلك فإن .4
لها السيادة اإلقليمية المطلقة بالتصرف في مياه هذا النهر دون االعتداد بحقوق الدول
المتشاطئة األخرى .
ب .التوصيات :
.1ضرورة العمل على إقامة " مجموعة إقليمية للمياه تضم الدول المشتركة بمياه نهر
الفرات" تعمل على تقريب وجهات النظر بين الدول ؛ فضالً عن وجوب التنسيق مابين
تلك الدول من اجل اتحاد المواقف فيما بينها وإ يجاد الحلول الفضلى لحل المشاكل الناجمة
من المشاريع المائية التركية والسورية.
.2ضرورة إن يكون هنالك مباحثات جادة تجرى للتوصل إلى أتفاق مابين الدول
المتشاطئة على نهر الفرات وذلك لتنظيم استغالل المياه وبالطريقة المثلى وليس بتقسيمها ،مع
مراعاة أن يعامل األحوج معاملة خاصة ،فضالً عن وجوب مناقشة مجموعة من النقاط والتي
تتمثل بما يلي :
76مشس الدين بن قيم اجلوزية ،زاد املعاد يف خري العباد ،ط ، 1دار ابن اهليثم ،القاهرة ، 2005 ،ج ،4ص.. 376
يتوجب على المفاوض العراقي مراعاة انتقاء األلفاظ والسيما حينما يتم العمل من أ-
خالل المفاوضات على تحديد حقوق العراق المائية والتي يتم التوصل إليها من
خالل اتفاق إلصدار اتفاقية تتعلق بتنظيم االنتفاع بمياه نهر الفرات في غير شؤون
المالحة ،على سبيل المثال :نرفض وبشكل قاطع فكرة توصيف نهر الفرات بكونه
نهر قومي تركي ،كما ال نوافق على مبدأ السيادة المطلقة لتركيا على نهر الفرات
فهذا المبدأ تراجع دولياً ،ليحل محله مبدأ السيادة المقيدة والسيما إن القانون الدولي
العام ينص على عدم اإلضرار باآلخرين .
ب -ضرورة االلتزام بتبادل المعلومات التفصيلية المتعلقة بهذا المورد المائي المشترك
كالمعلومات عن أسباب تردي نوعية مياه نهر الفرات ،وانقراض أو التهديد
بانقراض العديد من األحياء المائية التي كانت تحيى في مياهه الرقراقة العذبة
والسيما بعد مشروع جنوب شرق األناضول والذي يضم عدداً كبيراً من السدود.
ضرورة تثبيت حقيقة غير قابلة للناقش أن للعراق حقوق أصلية في مياه نهر الفرات ت-
وان هذه الحقوق ليست منحة من أحد .
ث -ضرورة االتفاق على تشكيل لجنة قانونية وفنية تعمل على دراسة كل المواضيع المتعلقة
بهذا الموضوع ومن كل الجوانب على سبيل المثال :نوعية مياه النهر ومدى جودتها منسوب
المياه درجة حرارتها ...الخ من المواضيع الفنية الهامة .
ج -يتوجب على الدول المتشاطئة على نهر الفرات ان تعتبر جميع الدول المتشاطئة
شركاء في النهر ،وهذا ما يستلزم االرتكان إلى القواعد القانونية واألعراف الدولية
العامة الملزمة لجميع الدول والقابلة للتطبيق على المجاري المائية الدولية كمبدأ حسن
الجوار وحسن النية وبخاصة االتفاقية األخيرة لعام 1997الخاصة بقانون استخدام
المجاري المائية الدولية في األغراض غير المالحية .
يتوجب على الجهات العراقية المعنية بصنع القرار السياسي ربط قضية نهر الفرات .5
بالعالقات التجارية واالقتصادية وإ مدادات النفط مع تركيا وسوريا .
يعد ملف المياه العراقية من الملفات الهامة فهو ملف أمن قومي وكذلك أمن غذائي .6
وعلى أعلى مستوى لذا يتوجب أن يحتل هذا الملف مركز الصدارة من ضمن القضايا
الهامة في العراق ،مع التأكيد على أنه ملف غير قابل للمساومات ولن يسمح
العراقيين ألي دولة من الدول المتشاطئة بإنقاص حقوق العراق المائية أو المساس
بها .
يت وجب على األعالم الع راقي الم رئي والمس موع االض طالع ب دوره من خالل توعي ة .7
المواط نين العراق يين والع الم بخط ورة الوض ع ال راهن ،والس يما ان الع راق الي وم يع انى من
نقص ح اد في مي اه ال ري والش رب على ح د الس واء مم ا اث ر س لباً على الواق ع البي ئي لمن اطق
غرب وجنوب العراق.
يتوجب على الجهات العراقية المعنية تكثيف الجهود الدولية والتحرك نحو الدول .8
والهيئات المانحة للمشاريع المائية في تركيا وسوريا والتي تروم من خالل مشاريعها المائية
خلق نوع من االحتكار المائي من خالل استثمارها لتلك المشاريع بشكل يحقق لها الربح
على حساب حقوق العراق المائية .