You are on page 1of 23

‫األنهار وطبيعـــتها القانونية‬

‫(نهر الفرات انموذجاً)‬

‫اء َغ ْي ِر آ ِ‬
‫ون ِفيها أَْنهار ِم ْن م ٍ‬ ‫ِ َِّ‬
‫َس ٍن )‬ ‫َ‬ ‫قال تعالى ‪َ ( :‬مثَ ُل ا ْل َج َّنة التي ُو ِع َد ا ْل ُمتَّقُ َ َ َ ٌ‬
‫سورة محمد ‪ ،‬اآلية‪15 :‬‬

‫أ‪.‬م‪.‬د‪ .‬هالة صالح ألحديثي‬


‫كلية القانون‪ /‬جامعة تكريت‬

‫تمهيد وتقسيمـ ‪:‬‬

‫لقد صنف القانون الدولي العام األنهار إلى نوعين ؛ النوع األول يتمثل ‪ :‬باألنهار الوطنية‬
‫والن وع الث اني يتمث ل ‪ :‬باألنه ار الدولي ة وال تي تُع رف بأنه ا ‪( :‬تل ك األنه ار ال تي تم ر أحواض ها‬
‫بين إقليم أك ثر من دول ة ‪ ،‬أو تل ك ال تي تفص ل بين إقليم دول تين) (‪ ، )1‬ويع د نه را دجل ة والف رات‬
‫والنيل من األنه ار الدولي ة ؛ وتؤك د الدراس ات ب أن ه ذا المص در يتس م بكون ه من أك ثر مص ادر‬
‫المياه عرضه للتلوث واالس تنزاف نتيج ة م روره بأراض ي أك ثر من دول ة وال تي ت ؤدي بالنتيج ة‬
‫إلى تغيير بنوعية وكمي ة المي اه الداخل ة ألي دول ة من دول المج رى الم ائي ‪ ،‬والج دير باإلش ارة‬
‫في ه ذا الس ياق إن الع راق يع د دول ة مص ب لنه ر الف رات ال ذي ينب ع من األراض ي التركية ‪،‬‬
‫وتشكل تركيا المصدر الرئيسي لتغذية النهر بالمياه من خالل روافدها إلى ج انب مي اه األمط ار‬
‫والثل وج وه ذا م ا ح دا بتركي ا إلى التحكم في مج راه األعلى ومنابع ه حيث ق امت بإنش اء العدي د‬
‫من الس دود والخزان ات والمش اريع المائي ة مم ا اث ر س لباً على نوعي ة وكمي ة مي اه نه ر الف رات‬
‫حيث قل منسوب مياه النهر وارتفعت مستويات التلوث وحص لت زي ادة ب درجات ح رارة مياه ه‬ ‫ُ‬
‫وذل ك بس بب المش اريع الكهرومائي ة التركي ة في الحقيق ة لق د ح اولت تركي ا اس تغالل مي اه نه ر‬
‫الفرات بشكل كبير جداً وفي العدي د من المج االت حيث خططت الس تثمار مس احات واس عة من‬
‫األراض ي الزراعي ة على نه ر الف رات تق در بح والي ‪ 1,440,000‬ملي ون وأربعمائ ة وأربعين‬
‫إلف دونم ‪ ،‬فضال عن إنها تخطط ل بيع المي اه ل دول الش رق األوس ط من خالل مش روع أن ابيب‬
‫السالم ‪ ،‬فتركيا ال تعترف بدولية النهرين ( دجلة والفرات ) وتعتبرهم ا حوض ا واح دا وتراهم ا‬
‫نه ران تركي ان وطني ان يخض عان للس يادة التركي ة ‪ ،‬وتطل ق عليهم ا تس مية ( مي اه م ا وراء‬
‫الح دود) ‪ ،‬في حين يع اني الع راق الي وم من أزم ة مائي ة كب يرة بس بب السياس ات المائي ة التركي ة‬

‫() د‪ .‬جعفر عبد السالم ‪ ،‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط ‪ ،1986، 2‬ص‪.722‬‬ ‫‪1‬‬
‫فض الً عن مش كلة التغي ير المن اخي وال تي نجم عنه ا ارتف اع كب ير في درج ات الح رارة وتراج ع‬
‫كبير أيضاً في كميات هطول األمط ار ‪ ،‬مم ا أدى إلى وج ود ع دد كب ير من المن اطق المعرض ة‬
‫للجاف وهذا ما أدى إلى دخول العراق إلى مرحلة يمكن وصفها بالمتأزمة الخطرة ‪.‬‬

‫وعليه فإن مسألة تكييف الطبيعة القانونية لألنهار بصورة عامة ونهر الفرات بالتخصيص‬
‫تعد ضرورية حيث تمكننا هذه الطبيعة من إعطاء الوصف الق انوني الس ليم لألنه ار لكي يتس نى‬
‫لن ا تحدي د طبيع ة حق وق الع راق في مي اه نه ر الف رات ‪ ،‬وه ذا م ا يتطلب من ا تقس يم ه ذا البحث‬
‫وفق الخطة اآلتية ‪:‬‬

‫المطلب األول ‪ :‬التعريف باألنهار‬


‫المطلب الثاني ‪ :‬تكييف الطبيعة القانونية لألنهار‬
‫ثم سنعمل على ختم هذا البحث بخاتمة‪.‬‬

‫المطلب األول‬
‫التعريف باالنهار‬

‫تمهيد وتقسيمـ‬
‫بما أن الحكم على الشيء يعد فرعاً عن تصوره ‪ ،‬لذا فإني سأعمل من خالل هذا‬
‫المطلب على توضيح المقصود بالنهر بشكل عام ‪ ،‬ثم نتطرق إلى تصنيف القانون الدولي العام‬
‫لألنهار ‪ ،‬وبما أن الفقه القانوني يعتمد في الدرجة األساس على معايير خاصة تم الإلرتكان‬
‫إليها من أجل توصيف األنهار لذلك سنعمل على توضيح تلك المعايير‪ ،‬لكي نتمكن من إعطاء‬
‫توصيف قانوني دقيق لنهر الفرات وذلك من خالل الفروع اآلتية ‪-:‬‬

‫الفرع األول‬
‫تعريف مياه األنهار‬
‫مما الشك في ه إن رؤي ة المف اهيم تُع د مس ألة في غاي ة األهمي ة فهي الخط وة األولى ال تي‬
‫س نعمل من خالله ا على تحدي د بعض المص طلحات ذات العالق ة بموض وع البحث كمفه وم‬
‫المياه والنهر وذلك وفق التقسيم اآلتي ‪:‬‬

‫أوال‪ :‬مفهومـ المياه‬


‫يع د الم اء مركب اً كيميائي اً فري داً في نوع ه حيث يتك ون من أتح اد ذرتين من غ از‬
‫الهيدروجين مع ذرة من غاز االوكسجين وللماء خ واص فيزيائي ة وكيميائي ة فري دة تجعل ه من‬
‫أهم المص ادر الطبيعي ة المنتش رة على س طح االرض(‪ )2‬وباطنه ا وفي الغالف الغ ازي ‪ ،‬وه و‬
‫يوج د في ثالث ح االت فيزيائي ة ‪ -‬ص لبة وس ائلة وغازي ة عن د درج ات الح رارة والض غوط‬
‫العادية للكرة االرضية(‪. )3‬‬
‫وت أتي أهمي ة الم اء لالنس ان بع د أوكس جين اله واء مباش رة ‪ ،‬وم ع التق دم بك ل أوج ه اال أن‬
‫القدرة على أيجاد الماء حيث نريد – مالم يكن موجودآ عن قرب ما زالت محدودة(‪.)4‬‬
‫وعليه فإن الماء ُيعد أحد المقومات األساسية للحياة حيث ال يمكن العيش أو التطور من دون‬
‫الماء ذلك الن التقدم والتطور الحضاري والتكنولوجي في أرجاء العالم المختلفة مقترن‬
‫بإمكانية الحصول على الماء واستغالله ؛ ومن أجل ذلك عرف بعض العلماء الحياة بأنها "‬
‫ظاهرة مائية"(‪.)5‬‬
‫من ناحية أخرى يتسم الماء بكونه ( حق ) لكل إنسان ولهذا فقد ذهبت اغلب الدساتير‬
‫الوطنية إلى تنظيم هذه الثروة وبيان أحكام ملكيتها واستغاللها وحمايتها من خطر التلوث‬
‫واالستنزاف ‪ ،‬كما أن أهمية المياه تزداد مع زيادة عدد السكان ومتطلبات التقدم العلمي‬
‫والتكنولوجي الذي فتح أفاقاً جديدة في مجاالت استخدام مياه األنهار في غير شؤون الصيد‬
‫والزراعة والمالحة ؛ كما أصبح للمياه دور كبير في نطاق العالقات الدولية المعاصرة ‪،‬‬
‫وخاصة في منطقة الشرق األوسط التي يرى الباحثون أنها انتقلت من الحقبة النفطية إلى‬
‫الحقبة المائية ! فقد أزاح الماء البترول وأضحى من يسيطر على المياه يستحوذ على حياة‬
‫البشرية ويهدد وجودها كما انه سيؤدي دوراً في المستقبل القريب في توزيع خريطة القوى‬
‫السياسية في منطقة الشرق األوسط ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬المفهوم العام للنهر‬
‫لغة‬ ‫‪.1‬‬
‫الماء إذا جرى في األرض وجعل‬‫ُ‬ ‫ونهََر‬ ‫والنهَ ُر من مجاري المياه ‪ ،‬والجمع ْأنهار‪َ ،‬‬ ‫الن ْه ُر َّ‬
‫َّ‬
‫واستَْنهَ َر َّ‬
‫الن ْه َر إذا أَخذ لمجراهُ موضعاً مكيناً ‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ونهََر َّ‬
‫الن ْه َر َينهَ ُرهُ َن ْهراً‪ :‬أَجراه ‪ْ .‬‬ ‫لنفسه َنهَراً‪َ .‬‬

‫‪ )( 2‬تبلغ مساحة الكرة األرضية حوايل ‪ 510‬مليون كم‪ ، 2‬وتغطي املياه حوايل ‪ 311‬كم‪ ، 2‬أي ما يعادل حوايل ‪ %70.80‬من‬
‫املساحة الكلية للكرة األرضية للمزيد انظر‪ :‬د‪ .‬سامح غرايبة و د‪ .‬حيىي الفرحان ‪ ،‬املدخل إىل العلوم البيئية ‪ ،‬دار الشروق للنشر‬
‫والتوزيع ‪ ،‬عمان ‪،1999،‬ص‪. 36‬د‪ .‬علي حسن موسى ‪،‬التلوث البيئي دار الفكر ‪ ،‬دمشق ‪ ، 2000 ،‬ص‪.277‬‬
‫‪ )( 3‬ترافس واجنر‪ ،‬ترمجة د‪ .‬حممد صابر ‪ ،‬البيئة من حولنا دليل لفهم التلوث وآثاره ‪ ،‬اجلمعية املصرية لنشر املعرفة والثقافة العاملية‪،‬‬
‫القاهرة ‪،‬ط‪،1997 ،1‬ص‪ .29‬د‪ .‬سامح غرايبة ‪ ،‬املصدر السابق‪،‬ص‪ . 273‬د‪ .‬حممد مخيس الزوكه ‪ ،‬البيئة وحماور تدهورها‬
‫وأثارها على صحة اإلنسان ‪ ،‬دار املعرفة اجلامعية ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 2000 ،‬ص ‪. 397‬‬
‫‪ )( 4‬د‪ .‬حممد السيد عبد السالم ‪ ،‬التكنولوجيا والتنمية‪ n‬الزراعية يف الوطن العريب ‪ ،‬الكويت ‪ ،‬عامل املعرفة ‪ ، 1982 ،‬ص ‪.151‬‬
‫‪ . 5‬د‪ .‬إبراهيم سليمان عيسى ‪ ،‬أزمة املياه يف العامل العريب – املشكلة واحللول املمكنة ‪ ،‬دار الكتاب احلديث ‪ ،‬القاهرة ‪ ،1999 ،‬ص‬
‫‪.15‬‬
‫الن ْه ِر‪ .‬وحفرت البئر حتى َن ِه ْر ُ‬
‫ت‬ ‫وحفر البئر حتى َن ِه َر َي ْنهَ ُر أَي بلغ الماء ‪ ،‬وهي مشتقة من َّ‬
‫الماء إذا جرى في األرض وجعل لنفسه َن ْهراً(‪.)6‬‬
‫ُ‬ ‫ونهَر‬
‫فأَنا أ َْنهَ ُر أَي بلغت الماء‪َ .‬‬
‫وعليه فإن النهر يمثل وعاء الماء وقد وردت هذه الكلمة في عدة مواضع بالقرآن الكريم‬
‫َّرَنا‬
‫‪..‬وفَج ْ‬
‫َ‬ ‫(‬ ‫الجنتين‬ ‫صاحب‬ ‫عن‬ ‫تعالى‬ ‫وقوله‬ ‫‪،‬‬ ‫(‪)7‬‬
‫قوله تعالى( ‪ِ ..‬إ َّن اللّهَ ُم ْبتَِلي ُكم بَِنهَ ٍر ‪)..‬‬
‫ِخاَل لَهما َنهرا )(‪ ، )8‬كما وردت عن ثواب المتقين في دار اآلخرة ( ِإ َّن اْلمتَِّقين ِفي جَّن ٍ‬
‫ات‬ ‫َ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ َ ًَ‬
‫َوَنهَ ٍر )(‪.)9‬‬

‫أما كلمة األنهار ‪( -‬جمع) ‪ -‬فقد وردت في القرآن الكريم في (‪ )47‬موضعاً ‪ ،‬مقسمة في‬
‫مجموعتين ‪ ،‬سبعة مرات في الدنيا ‪ ،‬وأربعين مرة في الحديث عن اآلخرة وثواب المتقين‪.‬‬

‫‪ . 2‬اصطالحا‬
‫يقصد بالنهر بصورة عامة تلك " الوحدة المائية التي تتكون من منابع النهر ومجاري‬
‫المياه وما يتصل بها من بحيرات ‪ ،‬وما يسير به مجراه يكون حوضاً واحداً ينتهي في بحر أو‬
‫بحيرة داخلية تسمى المصب ‪ ،‬ويدخل فيه مجاري المياه التي تسير تحت األرض وتكون‬
‫أي المياه الجوفية ‪.‬‬ ‫(‪)10‬‬
‫متصلة بالنهر "‬

‫الفرع الثاني‬
‫التصنيف القانوني الدولي لألنهار‬
‫قبل الولوج في صلب الموضوع البد لنا من اإلشارة إلى أن فكرة التميز بين‬
‫النهر الوطني والنهر الدولي لم تكن معروفة أو متداولة قبل نشوء وظهور مفهوم السيادة ‪،‬‬
‫لذلك لم تكن مياه نهر الفرات تشكل آية مشكلة تذكر قبل معاهدة لوزان لعام ‪)11(1923‬حيث‬
‫كان العراق تحت االحتالل العثماني وكان نهر الفرات من منبعه إلى مصبه تحت السيادة‬
‫العثمانية ‪.‬‬

‫‪ .6‬لإلمام العالمة أبن منظور ‪ ،‬لسان العرب ‪ ،‬ج‪ ،14‬دار إحياء الرتاث العريب ومؤسسة التاريخ العريب ‪ ،‬ط‪ ،3‬بريوت ‪ ،‬ص‬
‫‪302‬ومابعدها‪.‬‬
‫‪ . 7‬سورة البقرة ‪ ،‬اآلية ‪.249 :‬‬
‫‪ . 8‬سورة الكهف ‪ ،‬اآلية ‪.33 :‬‬
‫‪ . 9‬سورة القمر‪ ،‬اآلية ‪.54 :‬‬
‫‪ . 10‬نقالً عن ‪ :‬حممد‪ n‬حافظ غامن ‪ ،‬مبادئ القانون الدويل العام ‪ ،‬دار النهضة ‪ ،‬القاهرة ‪ ،1963 ،‬ص‪.356‬‬
‫‪ . 11‬حول هذا املوضوع أنظر الرابط االلكرتوين ‪ :‬معاهدة لوزان ‪/ar.wikipedia.org/wiki‬‬
‫كما وتجدر اإلشارة إلى أن القانون الدولي العام صنف األنهار إلى نوعين وذلك حسب‬
‫مركزها القانوني ‪ ،‬والسيما أن لكل نوع من هذين النوعيين قواعد خاصة يخضع لها سواء من‬
‫حيث الملكية أو االستغالل أو المالحة وهذا ما سنعمل على توضيحه في السطور القادمة ‪.‬‬
‫النوع األول ‪ :‬األنهار الوطنية‬
‫تعرف األنهار الوطنية بكونها تلك األنهار التي ( لها مجرى مائي يقع من منبعه إلى‬
‫مصبه في إقليم دولة واحدة كنهر بردى في سوريا ونهر البارد في لبنان ونهر السين في‬
‫فرنسا ونهر التايمز في إنكلترا )(‪.)12‬‬
‫ويخضع النهر الوطني لسيادة الدولة التي يجري في إقليمها وعليه فأنها وحدها لها حق‬
‫وفقا لما تقتضيه متطلبات التنمية االقتصادية‪.‬‬ ‫(‪)13‬‬
‫تنظيم االستفادة من مياهه‬
‫النوع الثاني ‪ :‬األنهار الدولية‬
‫لقد برزت أولى اإلشارات إلى مفهوم النهر الدولي في معاهدة باريس للسالم والتي عقدت‬
‫بتأريخ ‪ 30/5/1814‬حيث أوردت تعريف له على أساس أنه ذلك ‪ ( :‬النهر الذي يفصل أو‬
‫يخترق أقاليم دولتين أو أكثر )‪.‬‬
‫ومن خالل التعريف السابق نجد أن المعاهدة مرتكزة على المعيار الجغرافي والسياسي‬
‫على حد السواء إال أن هذه الفكرة لم تستمر بل توالت بعد ذلك المحاوالت الدولية لتحديد‬
‫مفهوم النهر الدولي ‪ ،‬حيث عقد مؤتمر ّفينا عام ‪ 1815‬والذي كان بمثابة حجر األساس‬
‫والسيما انه وضع األحكام العامة القابلة للتطبيق على كل األنهار الدولية حيث أجمعت الدول‬
‫المشتركة فيه على ضرورة تنظيم المالحة في األنهار المشتركة بين أكثر من دولة وذلك عن‬
‫طريق االتفاق المشترك فيما بين الدول المتشاطئة كما أكد المؤتمر على حرية المالحة فضالً‬
‫عن أن هذا المؤتمر تم من خالله تحديد مبادئ إدارة مياه نهر الراين ما بين الدول‬
‫المتشاطئة ‪ ،‬واستمر االهتمام الدولي بقضية المياه المشتركة ‪ ،‬وفي القرن العشرين بدء‬
‫االهتمام يتجه صوب التركيز على معايير أخرى غير الجغرافية والسياسية بل أضحى المعيار‬
‫االقتصادي للنهر يحتل مركز الصدارة باالهتمام ‪ ،‬وهذا ما يمكن االستدالل عليه من خالل‬
‫بيان أستوكهولم لعام ‪ ،1961‬وتوصيات سالزبورغ لعام ‪ ،1961‬وقواعد هلسنكي لعام‬
‫‪ ،1966‬وإ عالن ريودي جانيرو لعام ‪ ،1992‬وتقرير لجنة القانون الدولي لعام ‪1994‬‬
‫وصوالً إلى اتفاقية استخدام المجاري المائية الدولية في األغراض غير المالحية الصادرة عن‬
‫األمم المتحدة لعام ‪ 1997‬والتي ورد فيها تحديد لمفهوم المجرى المائي وذلك من خالل الفقرة‬

‫‪ . 12‬د‪ .‬صبحي أمحد زهري العاديل ‪ ،‬النهر الدويل ‪...‬املفهوم والواقع يف بعض أهنار املشرق العريب ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪،‬‬
‫بريوت ‪ ،2007 ،‬ص ‪99‬ومابعدها‪.‬‬
‫‪ . 13‬د‪ .‬عصام العطية ‪ ،‬القانون الدويل العام ‪ ،‬ط‪ ،6‬بغداد ‪ ،‬بدون سنة نشر ‪ ،‬ص‪.316‬‬
‫(أ) من المادة (‪ )2‬حيث نصت على أن المجرى المائي عبارة عن ‪( :‬شبكة من المياه السطحية‬
‫والجوفية التي تشكل بحكم عالقتها الطبيعية ببعضها البعض كالً واحداً وتتدفق عادة صوب‬
‫نقطة وصول مشتركة)‪.‬‬

‫وق د ح ددت نفس الم ادة ب الفقرة (ب) مفه وم المج رى الم ائي ال دولي والم راد ب ه " أي‬
‫مجرى مائي تقع أجزاءه في دول مختلفة "‪.‬‬
‫أم ا مفه وم دول ة المج رى الم ائي ف ان الم راد به ا " الدول ة ال تي يوج د في إقليمه ا ج زء من‬
‫مجرى مائي دولي أو مستودع للمياه الجوفية عابرة الحدود"(‪.)14‬‬
‫من خالل م ا تق دم ن رى إن ه ذا التعري ف ق د اس توعب المي اه الس طحية والجوفي ة على ح د‬
‫السواء ‪ ،‬حيث أنها قد أدخلت األخيرة – (المياه الجوفية) ‪ -‬في مفه وم المي اه الدولي ة وذل ك لكي‬
‫ينس جم م ع التط ورات العلمي ة ال تي تؤك د وج ود ص لة م ا بين المي اه الس طحية والجوفي ة ‪ ،‬فض الً‬
‫عن أن هنالك مكامن مياه جوفية دولية مشتركة بين أكثر من دولة ‪.‬‬
‫وتأسيسا لما سبق فإن نهر الفرات ُيعد نهراً دولياً حيث تشترك به كل من تركيا وسوريا‬
‫والعراق والسعودية وفقاً لقواعد القانون الدولي والتي توجب تقاسم مياهه ما بين الدول‬
‫المشتركة وذلك طبقاً لقواعد القانون الدولي ‪ ،‬إال أن هذه الحقيقة ال تعترف بها تركيا حيث أنها‬
‫تجد في نهري دجلة والفرات حوضا واحداً وتعتبرهما نهران وطنيان وتطلق على مياههما‬
‫(مياه ما وراء الحدود ) ‪ ،‬وهذا ما ال يمكن للعراق الموافقة عليه حيث أن هذه الفكرة تعمل‬
‫وبشكل كبير على إهدار حقوق العراق المائية كما أنها تعمل على إقرار حقوق لدول أخرى‬
‫بمياه النهرين ‪.‬‬
‫الفرع الثالث‬
‫التعريف بنهر الفرات‬
‫ُيعد نهر الف رات اح د الم وارد الطبيعي ة المهمة في الع راق وبه ذا فق د ك ان الع راق يع د‬
‫من البلدان الغنية بالمياه الداخلية مقارنة بالبلدان المجاورة‪.‬‬
‫وعليه سنعمل من خالل هذا الفرع على تحديد مفهوم نهر الفرات من حيث المدلول‬
‫اللغوي لهذه الكلمة فضالً عن المفاهيم العامة لهذه الكلمة ‪ .‬ومن ثم نتناول بعدها التأصيل‬
‫التاريخي لحقوق أبناء الرافدين بمياه نهر الفرات ‪ ،‬وسيتم ذلك من خالل المقاصد اآلتية ‪-:‬‬

‫المقصد األول‬
‫أوال ‪ :‬مفهوم الفرات لغة‬

‫‪ . 14‬للمزيد راجع ‪ :‬الوثائق الرمسية للجمعية العامة لألمم املتحدة ‪ ،‬قانون استخدام اجملاري املائية الدولية ‪ ،‬الدورة ‪ ،49‬امللحق ‪،10‬‬
‫الوثيقة (‪ )A/49/10‬الفصل الثالث – دال‪.‬‬
‫ستَ ِوي ا ْلبَ ْح َرا ِن َه َذا‬ ‫أشد الماء ُعذوبةً ‪ .‬وفي التنزيل العزيز ‪َ ( :‬و َما يَ ْ‬ ‫رات ‪ُّ :‬‬ ‫فرت ‪ :‬الفُ ُ‬
‫ست َْخ ِر ُجونَ‬ ‫اج َو ِمن ُك ٍّل تَأْ ُكلُونَ لَ ْح ًما طَ ِريًّا َوتَ ْ‬ ‫سائِ ٌغ ش ََرابُهُ َو َه َذا ِم ْل ٌح أُ َج ٌ‬ ‫ب فُ َراتٌ َ‬ ‫ع َْذ ٌ‬
‫ش ُك ُرونَ )(‪ )15‬وقوله‬ ‫ضلِ ِه َولَ َعلَّ ُك ْم تَ ْ‬‫اخ َر لِتَ ْبتَ ُغوا ِمن فَ ْ‬‫سونَ َها َوت ََرى ا ْلفُ ْلكَ فِي ِه َم َو ِ‬ ‫ِح ْليَةً تَ ْلبَ ُ‬
‫اج َو َج َع َل بَ ْينَ ُه َما بَ ْر َز ًخا‬ ‫ب فُ َراتٌ َو َه َذا ِم ْل ٌح أُ َج ٌ‬ ‫تعالى( َوه َُو الَّ ِذي َم َر َج ا ْلبَ ْح َر ْي ِن َه َذا ع َْذ ٌ‬
‫رات ‪ :‬كالواحد ‪ :‬وهو‬ ‫ب ‪ ،‬فهو فُ ُ‬ ‫ت فُروتةً ِإذا َع ُذ َ‬ ‫الماء َيفُُر ُ‬
‫ُ‬ ‫ت‬‫َو ِح ْج ًرا َّم ْح ُجو ًرا) ‪ ،‬وقد فَ ُر َ‬
‫(‪)16‬‬

‫‪(17).‬أسم نهر معروف بالكوفة‬


‫ثانياً ‪ :‬مفاهيم عامة عن نهر الفرات‬
‫لقد ورد ذكر الفرات في القرآن الكريم في عدة مواضع وكلها تدل على العذوبة والنقاء‬
‫ملح أُجاج وجعل بينهما برزخاً وحجراً‬
‫قوله تعالى (مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ُ‬
‫محجوراً)(‪.)18‬‬
‫كما روي عن رسول اهلل (صلى اهلل عليه وسلم) حينما عرج إلى السماء الدنيا وجد عليه‬
‫طردين ماء فقال (صلى اهلل عليه وسلم) لجبريل عليه السالم‬
‫الصالة والسالم نهرين عظيمين ُم َّ‬
‫(ما هذان النهران يا أخي جبريل ‪ ،‬قال هذان النيل والفرات عنصرهما أي أصلهما من الجنة )‬
‫(رواه مسلم )(‪.)19‬‬

‫كما ورد ذكر نهر الفرات في الكت اب المق دس (الق ديم والجدي د) لم ا ل ه من دور حي وي في‬
‫حي اة س كان بالد م ا بين النه رين فج اء في س فر التك وين( ‪ ()14:2‬نه ر يخ رج من ع دن فيس قي‬
‫الجن ة ومن ثم يتش عب فيص ير أربع ة رؤوس اس م اح دها فيش ون واس م الث اني جيج ون وه و‬
‫المحيط بأرض الحبشة كلها والنهر الثالث ح د اق ل وه و الج اري في ش رق أش ور والنه ر الراب ع‬
‫‪(20).‬هو الفرات)‬

‫أما الصابئة المندائيين فإنهم من اشد الديانات تقديساً لنهر الفرات حيث يتم التعميد في‬
‫مياهه لكي يتسنى للشخص الدخول في الديانة المندائية ‪ ،‬فقد جاء في نص من كنزا‬
‫ربا(صغيراً أنا بين المالئكة األثريين طفالً أنا بين النورانيين ولكني أصبحت عظيماً ألني‬

‫‪ . 15‬القرآن الكرمي ‪ :‬سورة فاطر ‪ ،‬اآلية ‪. 12:‬‬


‫‪ . 16‬القرآن الكرمي ‪ :‬سورة الفرقان ‪ ،‬اآلية ‪. 53‬‬
‫‪ .17‬لإلمام العالمة أبن منظور ‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ج‪ ،10‬ص‪.207‬‬
‫‪ . 18‬القرآن الكرمي ‪ :‬سورة الفرقان ‪ ،‬اآلية ‪.53 :‬‬
‫‪. 19‬اهنار اجلنة ‪ ،‬انظر الرابط االلكرتوين ‪www.du3at.com/vb/showthread.php?5576 :‬‬
‫‪ . 20‬كما ورد هنر الفرات يف العديد‪ n‬من املواضع يف الكتاب املقدس ‪ :‬سفر التكوين ‪،18 :15‬سفر التثنية ‪،7 :1‬سفر التثنية ‪:11‬‬
‫‪،24‬سفر يشوع ‪،4 :1‬سفر صموئيل الثاين ‪ ،3 :8‬سفر امللوك الثاين ‪29 :23‬و غيرها‪ .‬انظر الرابط االلكرتوين على املوقع‬
‫اآليت‪: :‬الكتاب املقدس العهد القدمي‬
‫‪http://st-takla.org/pub_oldtest/01_gen.html‬‬
‫‪(21).‬شربت من ثغر الفرات)‬

‫كما وتجدر اإلشارة إلى أن الباحثين اختلفوا حول أصل تسمية هذا المورد المائي ‪ ،‬فمنهم‬
‫من رأى(‪ )22‬أن االسم أطلق نسبة إلى الفراتين األوائل وهم قوم نزحوا من شبه الجزيرة العربية‬
‫وسكنوا ضفاف النهر وأنشئوا حضارة ترتكن على االنتفاع من مياه هذا النهر الذي بفضله‬
‫نشأت أولى الحضارات ‪.‬‬
‫في حين ينسب آخرون التسمية – ( الفرات )‪ -‬إلى لغات الحضارات القديمة التي عاشت‬
‫في هذه البقعة حيث أطلق السومريين عليه أسم (بورا نونو) واآلشوريين ( بورانم ) أي السيل‬
‫العظيم ‪ ،‬وفي اللغة اآلرامية (فروت) ومعناها النمو والخصب(‪ )23‬والسيما أن نهر الفرات‬
‫حينما يمر بين التالل والوديان تنتشر الخضرة وتحيى الحياة في ربوعه ‪ ،‬أما العرب فقد‬
‫أطلقوا على هذا المجرى المائي أسم الفرات نظراً لعذوبة ونقاء هذا المورد المائي ‪ ،‬وعليه فإن‬
‫تسميته بهذا االسم قد تمت من قبل سكان ما بين النهرين!‬
‫ويع د نه ر الف رات واح داً من أهم األنه ار في الع الم نظ راً لم ا يتس م ب ه من أهمي ة تاريخي ه‬
‫حيث تشير الدراسات التاريخي ة إلى إن أول م وطئ ق دم لإلنس ان في الت أريخ ك ان على ض فاف‬
‫ه ذا النهر(‪ ، )24‬ال ذي ينب ع من األج زاء الش مالية الش رقية من األراض ي التركي ة من منطق ة يزي د‬
‫ارتفاعه ا على ‪3000‬م ف وق س طح البح ر ويت ألف النه ر في منابع ه العلي ا من ف رعين رئيس ين‬
‫هما فرات صو ومراد صو اللذان يكونان المجرى الرئيس لنهر الف رات ‪ ،‬وه ذا م ا ح دا بتركي ا‬
‫إلى التحكم في مج راه األعلى ومنابع ه ؛ ويبل غ ط ول النه ر من منبع ه إلى مص به أك ثر من‬
‫‪ 2700‬كيلو متر منها ‪ 420‬كيل و م تر بتركي ا ‪ 680 ،‬كيلوم تر في س وريا ‪ 1200 ،‬كيل و م تر‬
‫ب العراق ‪ ،‬أم ا مس احة حوض ه فتبل غ ح والي (‪ )444000‬كم‪ %40 2‬منه ا في األراض ي‬
‫‪ ،‬ل ذلك ف إن نس بة كب يرة من أبن اء ه ذا البل د وال ذي يطل ق عليهم الف راتين يمث ل نه ر‬ ‫(‪)25‬‬
‫العراقية‬

‫‪ . 21‬انظر الرابط االلكرتوين على املوقع اآليت ‪:‬الفرات – وكيبيديا – املوسوعة‪ n‬احلرة ‪.‬‬
‫‪http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%‬‬
‫‪ . 22‬عز الدين اخلريو ‪ ،‬الفرات يف ظل قواعد القانون الدويل العام ‪ ،‬دار اجليل ‪ ،‬القاهرة ‪ ،1975 ،‬ص‪160‬ومابعدها ‪.‬‬
‫‪ . 23‬أنظر الرابط االلكرتوين على املوقع اآليت ‪ :‬تأريخ هنر الفرات اخلالد‬
‫‪www.ugaidaat.com/Alfurat_alkhaled.htm‬‬
‫‪ . 24‬للمزيد حول هذا املوضوع أنظر ‪ :‬علي حسني صادق ‪ ،‬حقوق العراق املكتسبة يف مياه الفرات ‪ ،‬رسالة ماجستري مقدمة إىل كلية‬
‫القانون ‪ ،‬جامعة بغداد ‪. 1976 ،‬‬
‫‪ . 25‬ومن التقاء هنرا دجلة والفرات يتكون شط العرب عند مدينة كرمة علي ومن مث جيري شط العرب يف األراضي العراقية حىت‬
‫جن‪n‬وب مدين‪n‬ة البص‪n‬رة حبوايل (‪ )21‬كم مث يص‪n‬بح بع‪n‬د ذل‪n‬ك ح‪n‬ىت مص‪n‬به يف اخلليج الع‪n‬ريب وملس‪n‬افة (‪ )80‬كم ح‪n‬داً دولي‪n‬اً بني الع‪n‬راق‬
‫وإي‪n‬ران‪ .‬للمزي‪n‬د‪ n‬انظ‪n‬ر ‪ :‬فالح ش‪n‬اكر أس‪n‬ود ‪ ،‬احلدود العراقي‪n‬ة ‪ -‬اإليراني‪n‬ة ‪ ،‬دراس‪nn‬ة يف املش‪n‬اكل القائم‪n‬ة بني البل‪n‬دين‪ ، n‬مطبع‪nn‬ة الع‪n‬اين ‪،‬‬
‫جامعة بغداد ‪ ، 1970 ،‬ص‪ . 94‬جاسم حمم‪n‬د‪ n‬خل‪n‬ف ‪ ،‬حماض‪n‬رات يف جغرافي‪n‬ة الع‪n‬راق الطبيعي‪n‬ة واالقتص‪n‬ادية والبش‪n‬رية ‪ ،‬الق‪n‬اهرة ‪،‬‬
‫‪ ، 1961‬ص ‪183‬ومابعدها ‪.‬‬
‫الف رات الش ريان الحي وي لحي اتهم وبق ائهم ‪ ،‬فل و نظرن ا إلى اإلحص ائيات الس كانية لوج دنا أن (‬
‫‪ )9128403‬نسمة في العراق يعتم دون على مي اه نه ر الف رات من حيث اس تخدامه في حي اتهم‬
‫اليومي ة المعيش ية وفي الزراع ة والص يد وتربي ة الحيوان ات ‪ ....‬األم ر ال ذي جع ل لهم (حق وق‬
‫ثابتة أصلية ) في مياه نهر الفرات(‪. )26‬‬
‫كم ا ويتس م نه ر الف رات بكون ه نه ر فيض اني غ ير منتظم الجري ان ‪ ،‬ويت دفق ح والي نص ف‬
‫وارده الس نوي خالل فص لي (إبري ل – نيس ان ‪ ،‬م ايو – أي ار ) ح امالً مع ه كمي ات كب يرة من‬
‫‪ ،‬ويتغ ذى ه ذا النه ر في تركي ا من مي اه األمط ار‬ ‫(‪)27‬‬
‫الطمي تبل غ تقريب اً ‪100‬ملي ون طن‬
‫والثل وج ‪ ،‬أم ا فيم ا يتعل ق بمعدل ه الس نوي ال ذي يمكن االرتك ان إلي ه لتحدي د حجم الجري ان‬
‫الط بيعي لنه ر الف رات فإن ه من غ ير الممكن تحدي د ذل ك والس يما أن تركي ا ومن ُذ بداي ة س بعينات‬
‫القرن العشرين قامت بإنش اء سلس لة من الس دود والمنش آت المائي ة وال تي تتس م طاقته ا التخزيني ة‬
‫‪ ،‬كم ا أن مجم وع‬ ‫(‪)28‬‬
‫بكونها تفوق الطاق ة الطبيعي ة لمي اه نه ر الف رات بم ا يزي د عن ثالث م رات‬
‫المي اه المخزون ة بمش روع الك اب وح ده تبل غ ح والي (‪ )90‬ملي ار م‪ 3‬أي ثالث أض عاف ال وارد‬
‫‪ ،‬وهذا ما يتعارض مع النظ ام الق انوني ال ذي يحكم االس تخدام المش ترك لألنه ار‬ ‫(‪)29‬‬
‫المائي للنهر‬
‫الدولي ة وال ذي يف رض ان يك ون اس تخدام المي اه بص ورة عادل ة ومنص فة غ ير ض ارة ب الغير؛‬
‫وعليه ف إن تركيا تعت دي على حق وق ال دول المتش اطئة معه ا دون اك تراث لحق وقهم الثابت ة حيث‬
‫ترى تركيا "إن كال من العراق وس وريا يتمس كان بمفه وم ( الحق وق المكتس بة ) لكليهم ا في مي اه‬
‫نهر الف رات في حين ت رى تركي ا ان مفه وم "الحق وق المكتس بة" ال ذي تتمس ك ب ه ال دولتان م ا ه و‬
‫إال ادع اء واهن يس تخدم لحم ل تركي ا على تص ريف كمي ة أك بر من المي اه ولحمله ا أيض اً على‬
‫تقب ل مث ل ه ذا األس لوب الض يق في التفك ير‪ ،‬كم ا أنه ا تج د ان ه ذا المب دأ والمتمث ل بـ( الحق وق‬
‫المكتسبة ) غير معترف به دولياً"(‪.)30‬‬

‫‪ . 26‬وذلك حسب إحصائية عام ( ‪ ) 2004‬واليت متت اإلشارة إليها يف مؤلف ( حممد‪ n‬دلف امحد ألعبيدي وفواز امحد املوسى ‪ ،‬وادي‬
‫هنر الفرات يف سورية والعراق الطبيعة والسكان ‪ ،‬كتاب منجز من خالل التعاون املشرتك ما بني جامعيت االنبار وحلب ‪، 2009 ،‬‬
‫ص‪.8‬‬
‫‪ . 27‬د‪ .‬إبراهيم سليمان عيسى ‪ ،‬أزمة املياه يف العامل العريب – املشكلة واحللول املمكنة ‪ ،‬دار الكتاب احلديث ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫‪ ،1999‬ص‪.43‬‬
‫‪ . 28‬عبد العزيز املصري ‪ ،‬دراسة حالة حوضي هنري دجلة والفرات ‪ ،‬دراسة قدمت إىل ندوة األسس القانونية الدولية‪ n‬للمياه املشرتكة‬
‫واليت أقيمت حتت رعاية املركز العريب لدراسات املناطق اجلافة واألراضي القاحلة وبالتعاون مع البنك اإلسالمي للتنمية‪ ، n‬دمشق ‪،‬‬
‫‪ ،2002‬ص‪.27‬‬
‫‪ . 29‬د‪ .‬صبحي أمحد زهري العاديل ‪ ،‬النهر الدويل املفهوم والواقع يف بعض أهنار املشرق العريب ‪ ،‬مركز دراسات الوحدة العربية ‪،‬‬
‫بريوت ‪ ،2007 ،‬ص ‪.290‬‬
‫‪ . 30‬دراسة تقدمت هبا وزارة اخلارجية الرتكية ‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص‪.22‬‬
‫مم ا الش ك في ه ان للع راق ح ق في مي اه نه ر الف رات ‪ ،‬إال أن ه ذا الح ق ليس حق اً مكتس باً‬
‫ب ل ه و ح ق أص لي تت وفر في ه ك ل مقوم ات الحق وق األص لية ال تي يت وجب ان تح وي على ك ل‬
‫صور الحماية القانونية ‪ ،‬وهذا ما يقودن ا إلى الق ول ‪ :‬إنن ا نتف ق م ع الج انب ال تركي بتوص يفها‬
‫للحق وق المكتس بة والس يما ان ه ذا الن وع من الحق وق لدي ه قص ور في الحماي ة القانوني ة وه ذا‬
‫مالم نجده في حق العراق األصلي في مياه نهر الفرات‪.‬‬
‫كما ال يفوتنا أن ننوه إلى حقيقة هامة مفادها ؛ أن العديد من الدول المتشاطئة على نهر‬
‫الفرات اعتبرت أن السيطرة على المياه يمثل عنصر هام من عناصر األمن القومي ! لذلك‬
‫تعمل تركيا جاهدة على االستحواذ على أكبر كمية من المياه دون مراعاة الدول المتشاطئة‬
‫األخرى ‪ ،‬حيث أن هذه الفكرة لم تكن وليدة الساعة بل سبقتها العديد من الدراسات فالمهندس‬
‫وليم وليكوكس أعطى دراسة كاملة للدولة العثمانية عن نهر الفرات وأهميته للمناطق‬
‫المتشاطئة وذلك في أواخر القرن التاسع عشر كما أن بريطانيا حينما احتلت العراق وفق‬
‫معاهدة سايكس بيكو أعطت لهذا الموضوع أهمية ضمن خططها اإلستراتيجية في العراق‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)31‬‬
‫وأخذت بعين االعتبار أهمية دراسات وليم وليكوكس‬
‫المقصد الثاني‬
‫التأصيل التاريخي لحقوق أبناء الرافدين بمياه نهر الفرات‬
‫أولت التجربة اإلنسانية في وادي الرافدين أهمية كبيرة لموضوع المياه وذلك إلدراكهم‬
‫ألهميتها البالغة وقد ورد في النصوص المسمارية ما يدل على أن مياه نهر الفرات بالذات‬
‫كانت تعد من العناصر األساسية عند العراقيين القدماء فهي مصدر الحياة ومنبع الخير والبركة‬
‫لذلك فقد خصوها بنوع من التقديس والتعظيم واعتبروها من جملة اآللهة المشتقة من القوى‬
‫‪ .‬وقد أحتل اله المياه المعروف باسم أنكي (‪ )ENKI‬اله المحيط العذب عند‬ ‫(‪)32‬‬
‫الطبيعية‬

‫‪ . 31‬السري ويليام ويلكوكس ‪ ،‬تقرير عن ري العراق ‪ ،‬ترمجة مديرية الري العامة ‪ ،‬مطبعة احلكومة ‪ ،‬بغداد ‪،1937 ،‬ج‪ ،1‬مقدمة‬
‫التقرير‪.‬‬
‫() من احلقائق اليت مت اكتشافها ان الديانة يف بالد ما بني الرافدين أتسمت مببدأ احليوية أي جتسيد الظواهر الكونية والطبيعية هبيئة‬ ‫‪32‬‬

‫آهلة وهذا ما أدى إىل وجود آهلة كثرية ‪ .‬من بينها آهلة املياه حيث وجد الباحثون اآلثار ين رقيماً بابلياً نقش عليه دعاء ديين‬
‫موجه إىل ( نهر الفرات ) الذي حضي بتقديس وتأليه عند السومريني والبابليني وقد جاء فيه ما يأيت ‪:‬‬
‫‪ -‬يا أيها النهر خالق كل شيء حينما حفرتك آهلة العظام ‪.‬‬
‫‪ -‬أقاموا أشياء طيبة على شطئانك ويف طيات غمرك ‪.‬‬
‫‪ -‬بىن أيا ملك الغمر مقامه وانعموا عليه‪ n‬بفيض من املياه ‪.‬‬
‫‪ -‬ال نظري له فيا ايها النهر العظيم أيها النهر اجمليد يا هنر املعابد املقدسة‪. n‬‬
‫‪ -‬مياهك تفرج الغمة فتقبلين برأفة وخذ ما يف بدين وارم به ‪.‬‬
‫‪ -‬على شطئانك وغرقه عند ضفافك وغطى يف أعماقك ‪.‬‬
‫السومريين (‪ ، )33‬مرتبة متقدمة بالنسبة إلى اآللهة األخرى نظراً إلى مكانته السامية إذ كان من‬
‫ضمن اآللهة المهمة التي قامت بخلق كل شيء في هذا العالم (‪)34‬فضالً عن أن هذا اله كانت‬
‫بحوزته النواميس اإللهية وتبعاً لذلك كانت اإللهة األخرى تستشيره في المواقف الصعبة‬
‫وتطلب منه المساعدة (‪.)35‬‬
‫فضالً عن ان بعض التراتيل الدينية كانت تتضمن وصفاً للنهرين التوأمين دجلة‬
‫والفرات هذا إلى جانب ان األدعية واألمنيات كانت توجه إلى إلهة النهر العظيم لتحقيقها فهو‬
‫مصدر الخير والبركة ولم تقتصر أهمية مياه الفرات على ما ذكر بل إن لها أهمية أخرى عند‬
‫وهذا ما تؤكده‬ ‫(‪)36‬‬
‫العراقيين القدماء تمثلت باالعتقاد السائد إنها القاضي الحاكم بين الناس‬
‫فضالً عن ان هذه‬ ‫(‪)37‬‬
‫نصوص المواد القانونية الواردة في التشريعات العراقية القديمة‬
‫‪ ،‬نظراً‬ ‫التشريعات احتوت على مواد قانونية أخرى كثيرة تتعلق بتنظيم المالحة النهرية‬
‫(‪)38‬‬

‫إلى أهميتها فقد أدرك العراقيون القدماء ان بيئتهم الطبيعية قد منحتهم طرق مواصالت طبيعية‬

‫للمزيد راجع ‪ :‬طه باقر وبشري فرنسيس ‪ ،‬اخلليقة واصل الكون ‪ ،‬جملة‪ n‬سومر ‪ ،‬جملد ‪ ، 1949 ، 5‬ص‪ ، 31‬السري وليم ويلكوكس‪، n‬‬
‫تعريب حممد اهلامشي ‪ ،‬من جنة عدن إىل عبور هنر األردن ‪ ،‬الطبعة االنكليزية (‪ ، 1929 ، )3‬ص‪. 34‬‬
‫‪ )( 33‬فوزي رشيد ‪ ،‬الشرائع العراقية القدمية ‪ ،‬وزارة الثقافة واألعالم ‪ ،‬بغداد ‪ ، 1987 ،‬ص‪. 230‬‬
‫() وهذا ما تؤكده أسطورة الخليقة البابلية اليت تعرف بقصيدة اينوما ايلش ‪ Enumaelish‬وتبدأ بوصف الفوضى البدائية حيث‬ ‫‪34‬‬

‫مل تكن األرض وال الكون واآلهلة قد خلقت بعد ‪ ،‬وكل ما كان هناك فقط املياه األزلية وتتضمن مياه البحر املاحلة العنصر املؤنث‬
‫واليت اقرتنت مع مياه احمليط العذبة (ابسو) العنصر املذكر وهذان العنصران ميثالن إهلة العامل األول الذي نتج عن اقرتاهنما أول جيل‬
‫من إهلة وفيما يأيت أجزاء من هذه األسطورة البابلية‪: n‬‬
‫‪ -‬حينما يف العلى مل ينبأ عن السماء (مل تسم باسم)‪. n‬‬
‫‪ -‬ويف الدىن األسفل مل تذكر األرض بأسم‪. n‬‬
‫‪ -‬وحني كانت مياه ابسو املوجود األول والدهم ‪.‬‬
‫‪ -‬واألم تيامه والدة مجيعهم ‪.‬‬
‫‪ -‬ومل يكن قد وجد أي مرعى وال يرى أي شيء حىت هور قصب حينما مل يظهر إىل الوجود أي من إهلة ‪.‬‬
‫‪ -‬ومل يذكر أمساؤهم وال خصصت وظائفهم وأقدارهم ‪.‬‬
‫‪ -‬مث وجد اآلهلة يف وسطهما (وسط ابسو وتيامه) ‪.‬‬
‫‪ )(35‬حول هذا املوضوع راجع ‪ :‬د‪ .‬أمحد سوسة‪ ، n‬ري العراق – هنر الفرات ‪،‬ج‪ ،1‬مطبعة احلكومة ‪ ،‬بغداد ‪ ،1945 ،‬ص ‪.433‬‬
‫‪ )( 36‬عبد الرزاق حممد‪ n‬اسود ‪ ،‬موسوعة العراق السياسية ‪ ،‬ط‪ ، 1‬بريوت ‪ ،‬الدار العربية للموسوعات ‪ ، 1986 ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 99‬‬
‫‪ )( 37‬فمثالً املادة (‪ )2‬من شريعة محورايب تقضي بأن الشخص املتهم باستخدام السحر يلقى يف النهر املقدس‪ (-‬هنر الفرات)‪ -‬فإذا غرق‬
‫من أهتمه كاذباً وعوقب بالقتل ومصادره‬ ‫عد جمرماً وتعطى أمواله ملن اخرب عن جرميته وان طفا ومل يغرق أعترب بريئاً واعترب ْ‬
‫األموال ‪ .‬أما (املادة ‪ ) 132‬من نفس القانون فأهنا أشارت إىل اختبار الزوجة ( االختبار النهري )إلثبات براءهتا من شائعات الناس‬
‫وأحاديثهم حول اهتامها باخليانة الزوجية و كذلك ورد يف قانون أور منو وأشنونا ‪ .‬للمزيد‪ n‬راجع ‪ :‬د‪ .‬عامر سليمان ‪ ،‬القانون يف‬
‫العراق القدمي ‪ ،‬دراسة تارخيية قانونية مقارنة ‪ ،‬وزارة الثقافة واإلعالم ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬ط‪ ، 1987 ، 2‬ص ص ص ص ‪،229 194،‬‬
‫‪.284 ،252‬‬
‫‪ )( 38‬لقد عاجل محورايب هذا املوضوع يف املواد (‪ )240 – 234‬من شريعته فضالً عن وجود بعض األوامر والتعليمات امللكية اليت‬
‫تطرقت إىل هذا املوضوع ‪.‬‬
‫تمثلت بالنهرين العظيمين وروافدهما ‪ ،‬وقد أسهمت هذه المالحة إلى درجة في تحقيق التطور‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)39‬‬
‫واالزدهار الحضاري وديمومته في بالدهم‬
‫والحقيقة التي يجب ذكرها هنا ان هنالك معانقة أبدية بين أبناء الرافدين وبين مياه‬
‫النهرين وهيا مستمرة عبر آالف السنين ‪ ،‬حيث ان النهريين يشكالن أهم التضاريس الطبيعية‬
‫لتلك المنطقة التي شهدت موطن أولى الحضارات وهي بحق( القلب الحقيقي للحضارة ) كما‬
‫ان هذه األرض اقترن اسمها بالنهريين فسميت بالد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا)(‪.)40‬‬
‫ولكن م ا يالح ظ عن د س كان الراف دين أنهم خص وا نه ر الف رات بن وع من التق ديس والتعظيم‬
‫أك ثر من غ يره ! ويع ود الس بب في ذل ك إلى دوره الكب ير الحي وي في حي اتهم فه و النه ر العظيم‬
‫حس ب اعتق ادهم نه ر المعاب د المقدس ة ال تي حفرت ه اآلله ة لتنعم البالد بنعم ة مياه ه فه و مص در‬
‫الرخاء والحياة لذلك تركزت على ضفافه المدنية ومراكز النشاط الحضاري القديم ‪ .‬فض الً عن‬
‫كم ا ك انت هنال ك جمل ة‬ ‫(‪)41‬‬
‫ان لمياه ه أهمي ة ص حية في معالج ة المرض ى وتطه ير االدراق‬
‫عوام ل أخ رى دفعت إلى ه ذا التفض يل كطبيع ة األرض الزراعي ة الموازي ة أو المحيط ة‬
‫بالمجرى وتكون على ذات المستوى وتتسم بالخصوبة بحيث أضحت صالحة للزراعة على مر‬
‫‪ .‬اخض ع الس ومريون نه ر الف رات لس يطرتهم وس خروه ألغراض هم الزراعي ة من‬ ‫(‪)42‬‬
‫العص ور‬
‫خالل بن اء الس دود وش ق الج داول والقن وات ‪ ،‬وق د ح دثنا الت اريخ عن والدة أول ش ريعة قانوني ة‬
‫عرفه ا اإلنس ان س ميت بش ريعة (أور نم و) وال تي اهتمت بحماي ة األراض ي الزراعي ة الواقع ة‬
‫على ضفاف نهر الفرات من الغرق(‪.)43‬‬
‫كما أن مياه نهر الفرات كانت أساساً لحياة الشخص االعتيادي ‪ ،‬نظراً لكونها مرتبطة‬
‫بمعتقداتهم الدينية ‪ ،‬ومن المعتقدات المرتبطة بالديانة أجراء بعض الطقوس الدينية التي يكون‬
‫الماء جزءاً رئيساً فيها حيث يستوجب على المرء للقيام بطقوسه الدينية ان يكون متطهراً وذلك‬
‫من خالل استحمامه حيث تزيل مياه نهر الفرات كل الخطايا فضالً عن ذلك فان الحاجة إلى‬
‫االغتسال للمحافظة على الصحة و الراحة الشخصية ‪ .‬لذا كانت النظافة بالنسبة للبابليين تعد‬
‫‪ ،‬وعليه فأن المياه مثلت الوسيلة الفضلى التي تبعدهم عن النجاسة‬ ‫(‪)44‬‬
‫من مظاهر الورع‬

‫‪ )( 39‬د‪ .‬رضا جواد اهلامشي ‪ ،‬املالحة النهرية يف بالد وادي الرافدين ‪ ،‬جملة سومر ‪ ،‬عدد ‪ ، 1987 ، 37‬ص‪ . 51‬د‪ .‬هورست‬
‫كلينغل ‪ ،‬ترمجة د‪ .‬غازي شريف ‪ ،‬محورايب ملك بابل وعصره ‪ ،‬بغداد ‪ ،‬ط‪ ، 1987 ، 1‬ص‪. 23‬‬
‫‪ . 40‬للمزيد انظر الرابط االلكرتوين ‪www.alnasiriyah.com :‬‬
‫() أنظر هبذا اخلصوص ‪ :‬طه باقر وبشري فرنسيس ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪ . 31‬عادل جاسم ألبيايت ‪ ،‬الفرات وأثره يف تراثنا الشعري‬ ‫‪41‬‬

‫واحلضاري ‪ ،‬جملة‪ n‬أفاق عربية ‪ ،‬العدد ‪ ، 1979 ، 5‬ص ‪. 5‬‬


‫() علي حسني صادق ‪ ،‬حقوق العراق املكتسبة يف مياه الفرات ‪ ،‬رسالة ماجستري مقدمة إىل كلية‪ n‬القانون ‪ ،‬جامعة بغداد ‪،‬‬ ‫‪42‬‬

‫‪ ، 1976‬ص‪. 205‬‬
‫‪ .‬فوزي رشيد ‪ ،‬الشرائع العراقية القدمية ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪. 20‬‬ ‫‪43‬‬
‫(‪)45‬‬
‫والدنس والتي هي عنصر من عناصر الخطيئة لديهم وهذا ما توضحه شعائرهم الدينية‬
‫التي ترتبط طقوسها بمياه الفرات والسيما ان هذه المياه مقدسة لديهم ‪ ،‬لذا تزخر النصوص‬
‫القديمة بقصص مخصصة بتقديس تلك المياه(‪ )46‬والمعروفة (بأدب المياه) والتي في الواقع‬
‫تشغل حيزاً كبيراً بين أدبيات بالد الرافدين شأنها في ذلك شأن جميع األمم القديمة التي سكنت‬
‫‪ ،‬كما أن أبناء الفرات‬ ‫(‪)47‬‬
‫أحواض األنهار وأقامت على ضفافها أعظم الحضارات القديمة‬
‫يتغنون بقصائدهم وأغانيهم بوصف مياه نهر الفرات ‪.‬‬
‫وهك ذا يت بين لن ا إن العراق يين الق دماء ك انوا مهتمين بمي اه نه ر الف رات من خالل ربطه ا‬
‫بمعتق داتهم الديني ة إذ ان مياه ه ش كلت عص ب الحي اة الن ابض ورك يزة للبن اء الحض اري واس اس‬
‫وع دم‬ ‫(‪)49‬‬
‫وتبع اً ل ذلك وجبت عليهم العناي ة بالبيئ ة المائي ة لنه ر الف رات‬ ‫(‪)48‬‬
‫االس تقرار والنم اء‬
‫التج اوز عليه ا الن ذل ك حس ب معتق داتهم ك ان يع د اعت داء على آلهتهم كم ا أن الرابط ة امت دت‬
‫بين أبناء الرافدين ونهر الفرات إلى قيام أبناء الرافدين بإطالق اسم الفرات على أبنائهم‪.‬‬
‫لقد نال أبناء الرافدين ثمرة هذا االهتمام فقد أضحت بالدهم محط أنظار األقوام‬
‫المجاورة والبعيدة عبر الحقب الزمنية نظراً إلى وفرة مياهها وخصب أراضيها(‪ )50‬لذا أستوطن‬
‫اإلنسان في هذه المنطقة منذ بواكير الحياة على هذه األرض لذلك اعتبرت مهداً للجنس‬

‫() راجع هبذا اخلصوص تأليف هاري ساكز ‪ ،‬ترمجة عامر سليمان ‪ ، ،‬قوة أشور ‪ ،‬منشورات اجملمع العلمي العراقي ‪ ،‬بغداد ‪،‬‬ ‫‪44‬‬

‫‪ ، 1999‬ص ‪. 273‬‬
‫() تأليف جورج بويبه مشار ‪ ،‬ترمجة سليم الصويص ‪ ،‬املسؤولية اجلزائية يف األدب األشورية والبابلية ‪ ،‬وزارة الثقافة واألعالم ‪،‬‬ ‫‪45‬‬

‫‪ ، 1981‬بغداد ‪ ،‬ص ‪. 118‬‬


‫() وهذا ما ميكن مشاهدته يف كتاباهتم األدبية ففي إحدى النصوص كتب ما يأيت " إن أمي مطر السماء ‪ ،‬أهنا املاء الذي يروي‬ ‫‪46‬‬

‫أحسن البذور ‪...‬أهنا قناة جتلب املياه الوافرة إىل قنوات اإلرواء ومل يقتصر األمر على الكتابات األدبية بل أن األمثال أيضاً يف أدب‬
‫بالد الرافدين تضمنت ذلك فأحد األمثال يقول " النهر باجتاه الريح جيلب املاء الوفري" يف الواقع هنالك العديد‪ n‬من األمثال‬
‫والقصص املخصصة مبياه وادي الرافدين تزخر هبا أدبيات سكان تلك املنطقة ‪ .‬للمزيد‪ n‬أنظر ‪ :‬د‪ .‬طه باقر ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‬
‫‪.159‬‬
‫() عبد العزيز الياس سلطان اخلاتوين ‪ ،‬أثر البيئة الطبيعية يف تاريخ وحضارة بالد الرافدين ‪ ،‬أطروحة دكتوراه مقدمة إىل جملس كلية‪n‬‬ ‫‪47‬‬

‫اآلداب ‪ /‬قسم اآلثار‪ ،‬جامعة املوصل ‪ ، 2000 ،‬ص‪. 134‬‬


‫() رضا جواد اهلامشي ‪ ،‬مصدر سابق ص ‪. 36‬‬ ‫‪48‬‬

‫() وهذا ما أكدته الرقائم الطينية املكتشفة اليت أشارت إىل عناية البابليني بالبيئة املائية وصيانتها إىل درجة أن محورايب خصص الكثري‬ ‫‪49‬‬

‫من رسائله اإلدارية إىل حكام األقاليم حيثهم فيها على االهتمام بأطراف األهنر والعمل على تطهري اجلداول واألهنر من الرتسبات‬
‫الطموية للمحافظة عليها وإدامتها ‪ .‬كما أهتم الفراتني بشؤون الري فضالً عن استخدامهم منخفضي احلبانية وأبو دبس لدرء‬
‫فيضان هنر الفرات ‪ .‬للمزيد حول هذا املوضوع راجع ‪ :‬د‪ .‬مسعود مصطفى الكتاين ‪ ،‬احليوانات الربية والصيد عرب العصور ‪،‬‬
‫جامعة املوصل ‪ ، 1986 ،‬ص‪ . 228‬طه باقر ‪ ،‬مقدمة يف جغرافية العراق التارخيية ‪ ،‬احللقة الثالثة ‪ ،‬العدد‪ ، 12‬السنة ‪ ، 6‬وزارة‬
‫اإلعالم ‪ ،‬بغداد ‪ 1971 ،‬ص‪ . 33‬د‪ .‬هورست كلنغل ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪ . 117‬صاحب الربيعي ‪ ،‬أزمة حوضي دجلة‬
‫والفرات ‪ :‬وجدلية التناقض بني املياه والتصحر ‪ ،‬دار احلصاد للطباعة والنشر والتوزيع ‪ ،‬دمشق ‪ ،1999 ،‬ص‪.150-149‬‬
‫() يشري الباحثون اجليولوجيني إىل أن أرض العراق يف العصر اجليولوجي الثاين املعروف باسم سيتوزوئيك‪ n‬أي قبل ‪ 30‬مليون سنة‬ ‫‪50‬‬

‫كانت مغمورة مبياه البحر إال انه حدثت تقلصات يف القشرة األرضية أدى إىل نزوح املياه حنو األسفل تاركة وراءها أراضي غرينية‬
‫يف جنوب العراق عرفت خبصوصيتها مما حدا باإلنسان يف اإللف ‪ 6‬ق ‪ .‬م إىل استيطاهنا واستثمارها ‪ .‬حول هذا املوضوع راجع‬
‫الرابط االلكرتوين ‪www.arts.kufauniv.com/Arsehf/lecuter%20teaching/khalid.html :‬‬
‫البشري (‪ )51‬فضالً عن كون أرض الرافدين تعد أول وأشهر أرض زراعية في التاريخ ‪ ،‬حتى‬
‫أنها كانت تسمى بأرض السواد بسبب كثافة الغطاء النباتي الذي يكسب سطحها والغابات‬
‫وذلك بفضل استغالل أبنائها الجيد لمواردهم‬ ‫(‪)52‬‬
‫والبساتين والحقول بلونها األخضر الداكن‬
‫المائية مما جعل بالدهم غنية إلى درجة حملت االسكندر الكبير على التفكير في جعل مدينة‬
‫‪ .‬والحقيقة التي يجب ذكرها هنا‬ ‫(‪)53‬‬
‫بابل ‪ ( -‬التي تقع على ضفاف الفرات ) ‪ -‬عاصمة العالم‬
‫أن هنالك معانقة أبدية بين أبناء الرافدين وبين مياه نهر الفرات تلك المعانقة المستمرة وعبر‬
‫آالف السنين ‪.‬‬
‫والمهم وال عجب أن يستفيد أبناء الرافدين من مياه نهر الفرات إلى درجة كبيرة‬
‫ويسخرونها لتطوير حياتهم من خالل إحياء أرضهم وبذلك فقد اكتسبوا ( حقاً تأريخاً ) موغالً‬
‫بالقدم ال يجوز المساس به ! إال وهو الحق التاريخي باستعمال واستغالل مياه نهر الفرات‬
‫فضالً عن أنهم ( اكتسبوا السبق التاريخي ) دون غيرهم من أبناء الدول المتشاطئة على نهر‬
‫الفرات ‪ ،‬والسيما إذا تم االرتكان إلى معيار أفضلية االستحقاق في الثروات المباحة إذ من‬
‫أحق به(‪.)54‬‬
‫سبق إلى شيء منها فهو ُ‬
‫المطلب الثاني‬
‫تكييف الطبيعة القانونية لالنهار‬
‫في الواقع ان مسألة تحديد الطبيعة القانونية لإلنهار بصورة عامة ونهر الفرات‬
‫بالتخصيص تعد ضرورية حيث تمكننا هذه الطبيعة من اعطاء الوصف القانوني السليم لحقوق‬
‫العراق بمياه نهر الفرات ‪ ،‬وهذا ما يتطلب منا توضيح مفهوم المنقول والعقار فهل ياترى تعد‬
‫االنهار من المنقوالت ام من العقارات ؟‬
‫ولإلجابة عن هذا التساؤل البد لنا من تحديد مفهوم هذان المصطلحان وفق القانون‬
‫المدني العراقي ‪.‬‬
‫المنقـول‪ :‬هو كل شئ يمكن نقله وتحويله دون تلف ‪.‬‬
‫أما العقار‪ :‬فيراد به كل شيء له مستقر ثابت بحيث ال يمكن نقله أو تحويله دون‬
‫تلف (‪. )55‬‬

‫‪ )( 51‬السري ليونارد ويل ‪ ،‬ترمجة امحد عبد الباقي ‪ ،‬وادي الرافدين مهد احلضارة ‪ ،‬مكتبة املثىن ‪ ،‬بغداد ‪ ، 1948 ،‬ص‪. 15‬‬
‫‪ )( 52‬حممد سعيد كتانة ‪ ،‬أحواض أعايل هنري دجلة والفرات وأمهيتها للعراق ‪ ،‬بغداد ‪ ، 1976 ،‬ص‪ . 2‬د‪ .‬سامي سعيد األمحد ‪،‬‬
‫مصدر سابق ‪ ،‬ص‪. 153‬‬
‫‪ )( 53‬السري وليم ويلكوكس ‪ ،‬تقرير عن ري العراق ‪ ،‬مطبعة احلكومة ‪ ،‬بغداد ‪ ، 1937 ،‬ج‪ ، 1‬ص‪. 4‬‬
‫‪ . 54‬د‪ .‬عبد األمري كاظم زاهد املياحي ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص‪.523‬‬
‫‪ )(55‬أنظر نص املادة ( ‪ ) 62‬من القانون املدين العراقي النافذ رقم (‪ )40‬لسنة ‪.1951‬‬
‫لقد اختلف الفقهاء في تكييف الطبيعة القانونية للماء وذلك الن التحاليل العلمية لطبيعة الماء‬
‫تثبت بأن له سمات وخصائص ومميزات عديدة متناقضة ‪ ،‬كما أن هذا االختالف امتد إلى مياه‬
‫التي قيلت بهذا‬ ‫(‪)56‬‬
‫األنهار كوحدة قانونية واحدة وهذا ما سيتم توضيحه من خالل اآلراء‬
‫الصدد‪:‬‬
‫يرى ان مياه االنهار تتسم بكونها جسماً متحركاً غير ثابت منذ‬ ‫(‪)57‬‬
‫فالرأي االول‬
‫خروجه من المنبع حتى وصوله الى المصب ‪ ،‬ومن الصعوبة ايقاف مقاومة اندفاعه لمدة طويلة‬
‫حتى من خالل العقبات الضخمة كالسدود فهي تمتلك طاقة استيعابية محددة ؛ لهذا فقد أُضفى‬
‫عليه سمة ( منقول غير قابل للتملك )‪.‬‬
‫فقد ارتكن الى فكرة اخرى تتمثل بإعتبار مياه االنهار عبارة عن‬ ‫(‪)58‬‬
‫اما الرأي الثاني‬
‫عنصر يتجدد بأستمرار وهذا ما يمنح وجوده طابعاً من الديمومة واالستمرارية بفضل‬
‫ظاهرة تدفق الماء المستمرة من منابعه ولهذا فهو شيء له مستقر ‪ ،‬وعليه فإنه يرى أن‬
‫هذه الصفات تجعله يشترك في سمات العقارات الثابتة غير المنقولة والسيما انه مندمج مع‬
‫االرض التي يجري فوقها وبغيابه ستصاب االرض بالعقم وتصبح جدباء والسيما أنه يعد‬
‫عنصر الملكية االساسي‪.‬‬
‫وانطالقاً من الفرضيات السابقة فإننا نجد أنفسنا نطرح الفكرة اآلتية ‪:‬‬
‫لو فرضنا أن مياه األنهار تُعد من المنقوالت وذلك من خالل إمكانية نقل وتحويل مياه‬ ‫أ‪.‬‬
‫النهر من مكان إلى آخر بواسطة خزانات أو مد سواقي مخصصة لهذا الغرض على‬
‫وفق درجات حرارة معينة من دون أن تتعرض الكمية المنقولة ألي نقص من تبخير‬
‫أو غيره من الحاالت ؛ فإن ذلك ال يمكن أن ينطبق دوما إال بظروف خاصة جداً ‪،‬‬
‫وهذا ما يقودنا إلى القول ‪ :‬إن مياه األنهار ال تعد من المنقوالت وفق المفهوم‬
‫المنصوص عليه في القانون المدني العراقي ‪.‬‬
‫أما إذا اعتبرنا أن المياه تعد من العقارات ‪ ،‬فإننا نجد أنفسنا ننساق نحو تحديد المفهوم‬ ‫ب‪.‬‬
‫القانوني للعقار وكما ذكرنا في أعاله هو ‪ :‬كل شيء له مستقر ثابت ‪ ،‬ونحن نعلم أن المياه‬
‫ليس لها أي مستقر ثابت إذ أنها تبدأ بمنبع وتنتهي بمصب وتمر بدول وداخل الدولة الواحدة‬
‫تمر بأكثر من منطقة ‪ ،‬بجبال وأودية وسهول وتختلف سرعة جريان المياه حسب قربها من‬

‫() راجع باملعىن نفسه حول هذه اآلراء‪ :‬بسام جابر وآخرون ‪ ،‬مشكلة املياه يف الشرق األوسط ‪ ،‬مركز الدراسات اإلسرتاتيجية‪n‬‬ ‫‪56‬‬

‫والبحوث والتوثيق ‪ ،‬بريوت ‪ ، 1994 ،‬ص ‪281‬وما بعدها ‪.‬‬


‫‪57‬‬ ‫)(‬
‫‪P. M.Dupuy Ouenest le droitinterntion del enviroment . R. G. D. I. P. , 1997 ,‬‬
‫‪P. 883 .‬‬
‫‪58‬‬ ‫)(‬
‫‪A. KISS & D. SHELTON Manual of european environmenta law Cambridge‬‬
‫‪University Press 2 edition , 1997 , PP 151 – 153 .‬‬
‫المنبع وطبيعة األرض التي تمر بها‪ ( -‬مستوية ‪ ،‬منحدرة ‪ ،‬متعرجة ) ‪ -‬وهي بهذا ستعمل‬
‫على أحداث تغيرات جيولوجية باألرض وذلك بمرور الزمن ‪ ،‬ونظراً لتعدد استخدامات مياه‬
‫األنهار فأنه من غير الممكن أن نجزم بأن األنهار تعد من العقارات وفق مضمون المادة (‬
‫‪ ) 62‬من القانون المدني العراقي النافذ‪.‬‬
‫من ناحية ثانية لو فرضنا إمكانية تغيير مجرى(‪ )59‬النهر فيا تُرى ما هي النتائج‬
‫المترتبة على ذلك ؟ مما الشك فيه إن هذه الفرضية ممكنة الوقوع إال أن النتائج المترتبة عليها‬
‫ستتمثل بحدوث تغيير جذري بطبيعة ارض المجرى فضالً عن قتل كل الكائنات الحية‬
‫الموجودة فيها ‪ ،‬والسيما إن النهر وارض المجرى يشكالن بحكم عالقتهما الطبيعية بعضهما‬
‫بالبعض كالً واحدا ‪ ،‬وعليه فإن مثل هذا العمل يشكل اعتداء على حق تلك الكائنات في‬
‫ليمنع‬ ‫ض ُل ِ‬
‫الماء َ‬ ‫من ْع فَ ْ‬
‫الوجود‪ ،‬وروي عن الرسول الكريم (صلى اهلل عليه وسلم) انه قال (ال ُي َ‬
‫ِ‬
‫به ال َكألَ)(‪.)60‬‬
‫من ناحية أخرى يثير هذا الموضوع عدة تساؤالت مفاده ‪ ،‬هل ممكن إن تكون األنهار‬
‫ترى تعد األنهار من األشياء الخارجة عن التعامل وذلك بسبب‬
‫محل لحق الملكية ؟ وهل يا ٌ‬
‫طبيعتها أم ماذا ؟‬
‫في الواقع أجاب المشرع المدني العراقي في المادة (‪ ) 61‬عن معيار قابلية الشيء‬
‫للتملك حيث نص على أن ‪ -1 ":‬كل شيء ال يخرج عن التعامل بطبيعته أو بحكم القانون‬
‫يصح أن يكون محالً للحقوق المالية ‪ – 2 .‬واألشياء التي تخرج عن التعامل بطبيعتها هي‬
‫التي ال يستطيع أحد أن يستأثر بحيازتها واألشياء التي تخرج عن التعامل بحكم القانون هي‬
‫التي ال يجيز القانون أن تكون محالً للحقوق المالية " ‪.‬‬
‫يتضح من النص أعاله جملة أمور مفادها ‪:‬‬
‫أن هنالك نوعين من األشياء (‪، )61‬النوع األول أشياء يجوز التعامل بها مثل العقارات‬
‫والسيارات والبساتين وغير ذلك ‪ ،‬وبهذا يصح أن تكون هذه األشياء محالً للحقوق المالية ‪ ،‬أي‬
‫يمكن بيعها وإ يجارها أو هبتها وغير ذلك من الحقوق المالية ‪.‬‬
‫أما النوع الثاني فهي أشياء ال يجوز التعامل بها أي هي أشياء ال تقبل التملك ‪ ،‬أما‬
‫بسبب طبيعتها الخاصة حيث ال يستطيع أي إنسان أن يستأثر بحيازتها بشكل مطلق بل هي‬

‫‪ . 59‬إن مصطلح (مجرى ) يف منجد اللغة العربية يراد به ذلك اجلزء من األرض الذي جتري فيه ماء النهر ‪ ،‬أي مسيل ‪ .‬وهنر ‪ :‬هنراً ‪:‬‬
‫جرى يف األرض وجعل له جمرى من هنر املياه ‪ ،‬أما مجعهُ جما ٍر‪ .‬املنجد يف اللغة العربية املعاصرة ‪ ،‬دار املشرق ‪ ،‬بريوت ‪ ،2000 ،‬ص‬
‫‪.196‬‬
‫‪ . 60‬شهاب الدين امحد بن علي بن حجر العسقالين ‪ ،‬فتح الباري بشرح البخاري ‪ ،‬دار احلديث ‪ ،‬لقاهرة ‪ ،1998 ،‬ص‪40‬وما‬
‫بعدها ‪.‬‬
‫‪ )( 61‬أنظر حول هذا املوضوع ‪ :‬أستاذنا د‪ .‬جعفر ألفضلي ‪ ،‬الوجيز يف العقود املدنية ‪ ،‬مطابع جامعة املوصل ‪ ، 1981 ،‬ص ‪. 65‬‬
‫ذات منفعة عامة للجميع ‪ ،‬وتجدر اإلشارة إلى أن البعض من الفقهاء أطلق على هذه األشياء‬
‫تسمية تراث مشترك لإلنسانية (‪ )62‬كأشعة الشمس والهواء في الجو وأعالي البحار ‪.‬‬
‫ولكن بالرغم من ذلك فأنه يالحظ أن هنالك استثناء لهذه األشياء فقد تكون قابلة للتعامل‬
‫بها متى ما أمكن االستئثار‪ ( -‬الحيازة واإلحراز )‪ -‬بمقدار معين منها كالهواء المضغوط في‬
‫االسطوانات الذي يستخدمه الغواصون أو مياه الشرب التي تباع في القناني أو العبوات‬
‫المعقمة أو قد تتخذ المياه حالة صلبة مثل الثلج وغير ذلك من الصور ‪ .‬وعليه فأنها تكون‬
‫محالً للحقوق المالية أي يمكن بيعها وذلك بسبب تحقق الملكية بالحيازة واإلحراز وما دام البيع‬
‫يعد حقاً من حقوق الملكية فمتى ما ثبت األصل ثبت ما يتفرع عنه(‪.)63‬‬
‫أما النوع الثاني من األشياء الخارجة عن التعامل بحكم القانون وذلك بسبب ورود نص‬
‫خاص يمنع التعامل بها كأموال الدولة واآلثار القديمة مثالً‪.‬‬
‫في الواقع تعد مياه األنهار عنصراً هاماً من عناصر الثروة الوطنية وهي بذلك‬
‫ستخضع لمبدأ سيادة الدولة على أراضيها ومياهها اإلقليمية ؛ على أن يتفق هذا مع الحق‬
‫المماثل لكل دولة متشاطئة مشتركة معها ‪.‬‬
‫من ناحية أخرى يمكن أن يوصف نهر الفرات بكونه عنصر مخصص لمنفعة عامة‬
‫وعليه يمكن القول ‪ :‬إن المـوارد المائية تعد من األموال العامة (‪ )64‬التي ال يمكن أن تكون‬
‫محالً للحقوق المالية بالنسبة للمواطـنين ‪ ،‬وهذا ما أشارت إليه الفقرة (‪ )2‬من المادة (‪ )71‬من‬
‫القانون المدني العراقي حيث نصت على أن " هـذه األموال ال يجوز التـصرف فيها أو الحجر‬
‫عليها أو تملكها بالتقادم "‪.‬‬
‫وعليه فأننا نعتقد أن األنهار عبارة عن عنصر متحرك من عناصر اإلقليم الطبيعية وان‬
‫حركتها مستمرة – ( ديناميكية ) ‪ -‬وعليه يمكن أن توصف على أنها " عقار ذو طبيعة خاصة‬
‫غير قابل للتملك" بعبارة أخرى اكتسب هذا الشيء الخصوصية نتيجة الخصائص التي منحها‬
‫الباري (عز وجل) له ‪ ،‬فهو مادة كونية مخلوقة من قبل الباري عز وجل (وأنزلنا من السماء‬
‫‪ ،‬غير قابل للتملك لكونه مال اهلل ‪ ،‬وأن اإلنسان خليفته في‬ ‫(‪)65‬‬
‫ماء بقدر فأسكناه في األرض )‬
‫ً‬

‫‪ )( 62‬للمزيد‪ n‬من التفصيل أنظر ‪:‬‬


‫‪Churchill, r.& lowe .a.thelaw of the sea , revised edn . Manchester university press,‬‬
‫‪1988,p. 194.‬‬
‫‪.see for example kiss, a.& Shelton .,dinternational environmental law . 1991.p.15 -‬‬
‫‪ . ) 63‬صاحل بن عبد السميع‪ n‬األزهري ‪ ،‬جواهر اإلكليل‪ n‬شرح خمتصر خليل ‪ ،‬مطبعة عبد احلميد حنفي ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬ط ‪ ،1‬بدون سنة‬
‫نشر ‪. 204 /2،‬‬
‫‪ )( 64‬وهذا ما نصت عليه‪ n‬غالبية الدساتري العربية واألجنبية ‪ ،‬فضالً عن أن التشريعات البيئية اخلاصة باملوارد املائية فقد نصت على ذلك‬
‫أيضا ‪ ،‬فاملادة " ‪ " 2‬من نظام رقم ‪ 25‬لسنة ‪ 1967‬اخلاص بصيانة األهنار واملياه العمومية من التلوث – يف العراق نصت على ما‬
‫يأيت ‪ - 1 :‬تعترب مياه عمومية لغرض تطبيق أحكام هذا النظام ‪ :‬مجيع األهنار املوجودة يف العراق وروافدها ‪ -2‬اجلداول والرتع‬
‫والقنوات وفروعها األصلية والثانوية ‪ -3.‬البحريات واالهوار والربك واملستنقعات‪".....‬‬
‫‪ . 65‬سورة املؤمنون ‪ ،‬اآلية ‪.18:‬‬
‫األرض استخلفه الستخدام الماء وليس لتملكه ‪ ،‬ويمكن االستدالل بكتاب اهلل تعالى ‪ُ  :‬قل لِّ َمن‬
‫ق لَ ُكم َّما ِفي‬
‫ض ُقل ِللَّ ِه ‪ ‬وقوله تعالى ‪ُ  :‬ه َو الَّ ِذي َخلَ َ‬
‫(‪)66‬‬
‫ات َواأل َْر ِ‬‫السماو ِ‬ ‫ِ‬
‫َّما في َّ َ َ‬
‫ش ْي ٍء َعِليم‬ ‫اه َّن س ْبع سماو ٍ‬
‫ات َو ُه َو ِب ُك ِّل َ‬ ‫س َّو ُ َ َ َ َ َ‬ ‫استََوى إِلَى َّ‬
‫الس َماء فَ َ‬
‫األَر ِ ِ‬
‫ض َجميعاً ثُ َّم ْ‬ ‫ْ‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)67‬‬
‫‪‬‬
‫كما أن الماء ذي خصائص ذاتية كاملة النفع فال يحتاج كغيره من الموارد الطبيعية‬
‫إلى تدخل العمل البشري لتحويره كي يتغير ويعد جاهزاً لالنتفاع ‪ ،‬فهو في الحقيقة (سلعة‬
‫حرة مخلوقة بخصائص النفع الكاملة ‪ ،‬ال يمكن االستغناء عنها ) ‪ ،‬وعليه يجب إن يكون‬
‫(الماء والكألُ‬
‫ُ‬ ‫مباحاً للجميع وهذا ما نصت عليه المادة (‪ )1234‬من مجلة األحكام العدلية‬
‫شركاء) ‪ ،‬أما المادة (‪ )1237‬من مجلة األحكام‬
‫ُ‬ ‫والنار مباحة والناس في هذه األشياء الثالثة‬
‫العدلية فقد نصت على ما يلي ‪(:‬البحر والبرك الكبيرة مباحة) وعليه فقد تم تعزيز فكرة‬
‫األشياء المباحة ‪ ،‬وهذا ما يقودنا إلى القول ‪ :‬أن مياه نهر الفرات يتوجب اعتبارها ( إرثاً‬
‫طبيعياً مشتركاً ما بين الدول المتشاطئة ) فهو غير مملوك ألقوام مخصوصين ‪ ،‬بل هو إرثا‬
‫مشتركاً أي أن الشركة في هذه الحالة ستكون ( شركة إباحة ال شركة ملك )(‪.)68‬‬
‫فضالً عما تم ذكره فإن المياه تتسم بمعايير خاصة أخرى أضفت عليها أحكام قانونية‬
‫معينة منها ‪:‬‬
‫أنها مما لم يبذل من أجل استحداثها وإ يجاد مجراها أو نقطة تفجرها عمل بشري‬ ‫‪.1‬‬
‫منظم بل هي مصدر طبيعي مثلها مثل باقي الثروات الطبيعية األخرى المباحة ‪.‬‬
‫فهي من‬ ‫(‪)69‬‬
‫تتسم أرض منابعه ‪ ،‬أو مجراه بكونها أرضاً غير مملوكة ملكية تامة‬ ‫‪.2‬‬
‫الثروات الطبيعية ‪.‬‬
‫مما الشك فيه إن عبارة ( أرضاً غير مملوكة ملكية تامة ) قد تثير نوعاً من االلتباس‬
‫والغموض وال سيما لو تم وضعها موضع التطبيق ‪ ،‬فهي تتناقض مع مفهوم سيادة الدولة‬
‫على أراضيها وهذا ما تتمسك به تركيا إزاء مياه نهر الفرات ‪ ،‬ولكي نتمكن من دحض هذه‬
‫الفكرة البد لنا من البحث عن تقسيمات مصادر المياه وفق مجلة األحكام العدلية !‬
‫في الحقيقة إن مجلة األحكام العدلية اتخذت التقسيم الثنائي لمصادر مياه األنهار والمتمثل‬
‫بـ ـ ـ ـ ـ ‪ -:‬أ‪ .‬المياه المكشوفة ب‪ .‬المياه الجوفية ‪ ،‬إال أنها لم ترتب عليها األحكام بل اختارت‬

‫‪ )( 66‬سورة اإلنعام ‪ ،‬اآلية ‪.12:‬‬


‫‪ )( 67‬سورة البقرة ‪ ،‬اآلية ‪.29:‬‬
‫‪ . 68‬سليم‪ n‬رستم باز اللبناين ‪ ،‬شرح اجمللة ‪ ،‬منشورات احلليب احلقوقية ‪ ،‬بريوت ‪ ،‬ط‪ ،3‬بال سنة ‪ ،‬ص‪.676‬‬
‫‪ . 69‬د‪ .‬عبد األمري كاظم زاهد املياحي ‪ ،‬املياه وأحكامها يف الشريعة اإلسالمية – التصور واحللول ‪ ،‬بيت احلكمة ‪ ،‬بغداد ‪،2003 ،‬‬
‫ص‪.33‬‬
‫(‪)70‬‬
‫ترتيب األحكام وفق التقسيم الرباعي وهو نفس النهج الذي اختاره اغلب فقهاء الحنفية‬
‫والمتمثل بـ ـ ـ ــ‪( -:‬أ‪ .‬ماء البحار ب‪ .‬مياه األودية العظام كدجلة والفرات ج‪ .‬وهو ما انفردوا‬
‫به ‪ :‬وهو النهر الداخل في المقاسم – أي جزء من النهر مما يقع داخل إقليم جغرافي (مدينة‬
‫أو إقليم) د‪ .‬الماء المحرز في األواني‪.‬‬
‫كما وتجدر اإلشارة إلى أن قسمة علماء الحنفية استقرت على مناط الملكية وعدمها ‪ ،‬فقد‬
‫يكون مملوكاً ملكاً تاماً ( كالمحرز) أو قد يكون مملوكاً ألشخاص مخصوصين أو قد يكون‬
‫مباحاً أو طبيعي ال ملك ألحد في مائها أو في رقبتها كما ليس ألحد فيها حق خاص ومثّلوا له‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)71‬‬
‫بالبحار واألودية العظام كنهر الفرات‬
‫أما نطاق حق الملكية في ظل القانون المدني العراقي رقم ‪40‬لسنة ‪1951‬فقد تم تحديده‬
‫من خالل المادة (‪ )1048‬مدني عراقي والتي تنص على ما يلي ‪ ( :‬الملك التام من شأنه أن‬
‫يتصرف به المالك ‪ ،‬تصرفاً مطلقاً فيما يملكه ‪ ،‬عيناً ومنفعة واستغالالً ‪ ،‬فينتفع بالعين‬
‫المملوكة بغلتها وثمارها ونتاجها ويتصرف في عينها بجميع التصرفات الجائرة )‪.‬‬
‫أما المادة (‪ )1049‬مدني عراقي فقد نصت على ما يلي ‪ .1( :‬مالك الشيء يملك كل ما‬
‫يعد في حكم العرف من عناصره الجوهرية بحيث ال يمكن فصله عنه دون أن يهلك أو يتلف‬
‫أو يتغير ‪ .2 .‬وملكية األرض ‪ ،‬تشمل ما فوقها علوا وما تحتها سفال إلى الحد المفيد في‬
‫التمتع بها) ‪.‬‬
‫وفي رأينا المتواضع أن النهر الطبيعي ( المشترك ) ال يعد ملك تام لدولة المنبع فحسب‬
‫فهو في اعتقادنا ‪ :‬متردد ما بين الملك والحق الطبيعي المشترك ما بين جميع الدول المتشاطئة‬
‫‪ .‬ولو عدنا إلى العناصر الجوهرية للنهر الطبيعي ‪ ( -‬نهر الفرات ) ‪ -‬ستكون عبارة عن‬
‫‪ -‬ومياه النهر ‪ ،‬كما سيبدأ النهر‬ ‫(‪)72‬‬
‫المجرى أي (األرض التي يسير من خاللها ماء النهر)‬
‫بمنبع طبيعي لينتهي بمصب حيث ستشكل تلك العناصر مع بعضها البعض وحدة طبيعية ‪،‬‬
‫وبذلك فقد اكتسب المجرى حق ذو طبيعة خاصة تتالءم مع معطياته ‪.‬‬
‫ام ا فيم ا يتعل ق بالطبيع ة الخاص ة لنه ر الف رات ف إن التوص يفات الس ابقة س وف تنطب ق علي ه‬
‫فض الً عن ان نه ر الف رات نه ر دولي وليس نه ر وط ني ع ابر للح دود كم ا ت رغب تركي ا‬
‫بتوصيفه ‪ ،‬فهو ثروة طبيعية متحركة وجارية ومشتركة م ا بين ال دول المتش اطئة ل ذلك يت وجب‬
‫التقلي ل من غل و مبـ ــدأ ( سـ ــيادة الدولـ ــة المطلقـ ــة ) على إقليمه ا والس يما بش أن الملكي ات‬
‫المشتركة ‪ ،‬فضالً عن ان هذه الثروة تختلف عن ال ثروة الطبيعي ة الثابت ة الموج ودة تحت س طح‬

‫‪ . 70‬نقالً عن ‪ :‬د‪ .‬عبد األمري كاظم زاهد املياحي ‪ ،‬مصدر سابق ‪ ،‬ص ‪.25‬‬
‫‪ . 71‬املصدر نفسه ‪ ،‬ص ‪.26‬‬
‫‪ . 72‬انظر اهلامش (‪.)18‬‬
‫األرض وال تي تحت اج إلى جه د بش ري الس تخراجها كــ(النف ط) ‪ ،‬وعلي ه ف إن األخ يرة تع د ث روة‬
‫وطني ة ص رفة ال تج ري ع بر الح دود وب ذلك فهي تخض ع للس يادة الوطني ة ‪ ،‬وه ذا م ا يتع ارض‬
‫م ع التوج ه ال تركي ال ذي ي رى بكون ه يملك ح ق الس يادة (المطلق ة) على مي اه نه ر الف رات ال ذي‬
‫ينبع ويتغ ذى على أراض يها ‪ ،‬وب ذلك فق د اعتبرت ه مص دراً وطني اً مث ل النف ط ‪ ،‬وفي ه ذا الس ياق‬
‫ك ان ال رئيس ال تركي الس ابق س ليمان ديميري ل ق د أش ار إلى ذل ك ص راحةً بقول ه ‪ " :‬إذا ك انت‬
‫الثروة الطبيعية في بلدنا ‪ ،‬فلن ا الح ق في اس تعمالها بالطريق ة ال تي نراه ا مناس بة ‪ ،‬وال س يما أن‬
‫المي اه تنب ع في تركي ا وال يمكن ل دول المج رى األدنى أن تعلمن ا كيفي ة اس تعمال ثرواتن ا ؛ هن اك‬
‫منابع نفط في كثير من البلدان العربية ‪ ،‬ونحن ال نتدخل في كيفية استعمالها "(‪.)73‬‬
‫في الواقع إن الثوابت التي تم اإلشارة إليها سابقاً تؤك د ع دم إمكاني ة إج راء المقارن ة م ا بين‬
‫تلك الثروتين(‪ ، )74‬وعليه فإن نهر الفرات ُيع د من (الموارد الطبيعية المشتركة ما بين الدول‬
‫المتشاطئة)‪.‬‬
‫والجدير بالذكر إن هذه الفكرة تتعارض مع التوجه الخاص للبنك الدولي الذي يروج‬
‫لفكرة خصخصة المياه وذلك بوجوب التعامل مع الماء على أنه سلعة اقتصادية ‪ ،‬يمكن‬
‫استثمارها وتجنى األرباح من خاللها ‪ ،‬ولهذا فقد تم تمويل أكثر من ‪ 300‬مشروع خاص‬
‫للمياه في دول العالم النامي بين عامي ‪ ، 2006-1990‬حيث تمنح الشركة الخاصة‬
‫قوانين السوق والربح وحدها والتي‬
‫من خالل ّ‬
‫(‪)75‬‬
‫المستثمرة رخصة تشغيل النظم المائية‬
‫تتجاهل تماماً األهداف واالعتبارات االجتماعية واإلنسانية والتي تعتبر ركيزة هامة من ركائز‬
‫هذه المشروعات ‪.‬‬
‫وفي الواقع فإننا نجد ان الدول والجهات المانحة للمشاريع المائية التركية وجدت بنهر‬
‫الفرات مشروع استثماري جيد والسيما أن منطقة الشرق األوسط تعاني اليوم من مشكلة شح‬
‫المياه فضالً عن التغيرات المناخية المتمثلة بزيادة التصحر نتيجة الجفاف بسبب قلة هطول‬
‫األمطار‪ ،‬وعليه فإذا كان النفط يمثل المورد المسيطر على جيوبوليتكيا الموارد العراقية‬
‫فباإلمكان مقايضته مع حاجة العراق إلى المياه وهذا ما حدا بتلك الجهات إلى استثمار المياه‬
‫بطريقة فضلى تحقق من خاللها اكبر قدر ممكن من المكاسب ‪ ،‬وهذا يتعارض تماماً مع‬
‫مبادئ الشريعة اإلسالمية فقد روي عن رسول اهلل ( صلى اهلل عليه وسلم ) بأنه نهى عن بيع‬
‫الماء وعن بيع فضل الماء وقوله ( صلى اهلل عليه وسلم ) ( المسلمون شركاء في ثالث ‪:‬‬

‫‪ . 73‬طارق اجملذوب ‪ ،‬إشكالية املياه وآثارها والعالقات الرتكية – العربية (الورقة الثانية) ‪ ،‬ورقة عمل قدمت اىل‪ :‬ندوة العالقات‬
‫العربية – الرتكية ‪ :‬حوار مستقبلي ‪ ،‬حبوث ومناقشات الندوة الفكرية اليت نظمها مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بريوت ‪، 1995،‬‬
‫ص‪. 194‬‬
‫‪ . 74‬منصور العاديل ‪ ،‬قانون املياه ‪ ،‬دار النهضة العربية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،1999 ،‬ص ‪.290‬‬
‫‪75‬‬
‫للمزيد حول هذا املوضوع ‪ :‬صفوت عبد السالم ‪ ،‬السياسات التكيفية لصندوق النقد والبنك الدوليني وأثرها على عالج‬
‫االختالالت االقتصادية يف الدول النامية ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬دار النهضة ‪ ،1993 ،‬ص‪ .84‬البنك الدويل ‪ ،‬التقرير السنوي للعام ‪،1998‬‬
‫واشنطن ‪ ،1998 ،‬ص‪. 92‬‬
‫الماء‬
‫ُ‬ ‫من ْع َن ‪:‬‬
‫والنار ‪ ،‬وثمنه حرام ) ‪ ،‬وقوله عليه الصالة والسالم ( ثالث ال ُي َ‬
‫ُ‬ ‫الماء والكألُ‬
‫ُ‬
‫والنار ) ‪.‬‬
‫(‪)76‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أل‬ ‫والك‬
‫الخاتمة ‪:‬‬
‫حقي ق بن ا في الخت ام أن نس جل أهم النت ائج والتوص يات ال تي تم التوص ل إليه ا من خالل ه ذا‬
‫البحث ‪:‬‬
‫ا‪ .‬النتائج‬
‫إن حقوق العراق في مياه نهر الفرات تُعد حقوق أصلية موغلة بالقدم تمتد جذورها‬ ‫‪.1‬‬
‫إلى حوالي‪3000‬سنة ق ‪ .‬م‬
‫مما الشك فيه إن مستقبل العالقات السياسية بين الدول المتشاطئة على نهر الفرات‬ ‫‪.2‬‬
‫يقوم على التعاون اإلقليمي لحل المشكالت التي تواجه إمدادات المياه ‪ ،‬وهذا ما يتطلب من‬
‫جميع الدول المتشاطئة مراعاة بعضها البعض ‪ ،‬وهذا اليعني أننا نتدخل في حق أي دولة في‬
‫أقامة مشروع ما أو التدخل في سيادة أي دولة ‪ ،‬لكن يعنى ذلك عدم وقوع أي ضرر علينا‬
‫والسيما أننا اآلن على عتبة ( العجز المائي )‪.‬‬
‫ان إقامة المشاريع المائية الضخمة من قبل الدول المتشاطئة على نهر الفرات يهدد‬ ‫‪.3‬‬
‫تدفق مياه نهر الفرات إلى العراق ( دولة المصب ) من حيث الكمية والنوعية‪.‬‬

‫تعتبر تركيا نهر الفرات نهر وطني ( قومي ) ينبع من األراضي التركية ولذلك فإن‬ ‫‪.4‬‬
‫لها السيادة اإلقليمية المطلقة بالتصرف في مياه هذا النهر دون االعتداد بحقوق الدول‬
‫المتشاطئة األخرى ‪.‬‬
‫ب‪ .‬التوصيات ‪:‬‬
‫‪ .1‬ضرورة العمل على إقامة " مجموعة إقليمية للمياه تضم الدول المشتركة بمياه نهر‬
‫الفرات" تعمل على تقريب وجهات النظر بين الدول ؛ فضالً عن وجوب التنسيق مابين‬
‫تلك الدول من اجل اتحاد المواقف فيما بينها وإ يجاد الحلول الفضلى لحل المشاكل الناجمة‬
‫من المشاريع المائية التركية والسورية‪.‬‬
‫‪ .2‬ضرورة إن يكون هنالك مباحثات جادة تجرى للتوصل إلى أتفاق مابين الدول‬
‫المتشاطئة على نهر الفرات وذلك لتنظيم استغالل المياه وبالطريقة المثلى وليس بتقسيمها ‪ ،‬مع‬
‫مراعاة أن يعامل األحوج معاملة خاصة ‪ ،‬فضالً عن وجوب مناقشة مجموعة من النقاط والتي‬
‫تتمثل بما يلي ‪:‬‬

‫‪ 76‬مشس الدين بن قيم اجلوزية ‪ ،‬زاد املعاد يف خري العباد ‪ ،‬ط‪ ، 1‬دار ابن اهليثم ‪ ،‬القاهرة ‪ ، 2005 ،‬ج‪ ،4‬ص‪.. 376‬‬
‫يتوجب على المفاوض العراقي مراعاة انتقاء األلفاظ والسيما حينما يتم العمل من‬ ‫أ‪-‬‬
‫خالل المفاوضات على تحديد حقوق العراق المائية والتي يتم التوصل إليها من‬
‫خالل اتفاق إلصدار اتفاقية تتعلق بتنظيم االنتفاع بمياه نهر الفرات في غير شؤون‬
‫المالحة ‪ ،‬على سبيل المثال ‪ :‬نرفض وبشكل قاطع فكرة توصيف نهر الفرات بكونه‬
‫نهر قومي تركي ‪ ،‬كما ال نوافق على مبدأ السيادة المطلقة لتركيا على نهر الفرات‬
‫فهذا المبدأ تراجع دولياً ‪ ،‬ليحل محله مبدأ السيادة المقيدة والسيما إن القانون الدولي‬
‫العام ينص على عدم اإلضرار باآلخرين ‪.‬‬
‫ب‪ -‬ضرورة االلتزام بتبادل المعلومات التفصيلية المتعلقة بهذا المورد المائي المشترك‬
‫كالمعلومات عن أسباب تردي نوعية مياه نهر الفرات ‪ ،‬وانقراض أو التهديد‬
‫بانقراض العديد من األحياء المائية التي كانت تحيى في مياهه الرقراقة العذبة‬
‫والسيما بعد مشروع جنوب شرق األناضول والذي يضم عدداً كبيراً من السدود‪.‬‬
‫ضرورة تثبيت حقيقة غير قابلة للناقش أن للعراق حقوق أصلية في مياه نهر الفرات‬ ‫ت‪-‬‬
‫وان هذه الحقوق ليست منحة من أحد ‪.‬‬
‫ث ‪ -‬ضرورة االتفاق على تشكيل لجنة قانونية وفنية تعمل على دراسة كل المواضيع المتعلقة‬
‫بهذا الموضوع ومن كل الجوانب على سبيل المثال ‪ :‬نوعية مياه النهر ومدى جودتها منسوب‬
‫المياه درجة حرارتها ‪...‬الخ من المواضيع الفنية الهامة ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬يتوجب على الدول المتشاطئة على نهر الفرات ان تعتبر جميع الدول المتشاطئة‬
‫شركاء في النهر ‪ ،‬وهذا ما يستلزم االرتكان إلى القواعد القانونية واألعراف الدولية‬
‫العامة الملزمة لجميع الدول والقابلة للتطبيق على المجاري المائية الدولية كمبدأ حسن‬
‫الجوار وحسن النية وبخاصة االتفاقية األخيرة لعام ‪1997‬الخاصة بقانون استخدام‬
‫المجاري المائية الدولية في األغراض غير المالحية ‪.‬‬
‫يتوجب على الجهات العراقية المعنية بصنع القرار السياسي ربط قضية نهر الفرات‬ ‫‪.5‬‬
‫بالعالقات التجارية واالقتصادية وإ مدادات النفط مع تركيا وسوريا ‪.‬‬
‫يعد ملف المياه العراقية من الملفات الهامة فهو ملف أمن قومي وكذلك أمن غذائي‬ ‫‪.6‬‬
‫وعلى أعلى مستوى لذا يتوجب أن يحتل هذا الملف مركز الصدارة من ضمن القضايا‬
‫الهامة في العراق ‪ ،‬مع التأكيد على أنه ملف غير قابل للمساومات ولن يسمح‬
‫العراقيين ألي دولة من الدول المتشاطئة بإنقاص حقوق العراق المائية أو المساس‬
‫بها ‪.‬‬
‫يت وجب على األعالم الع راقي الم رئي والمس موع االض طالع ب دوره من خالل توعي ة‬ ‫‪.7‬‬
‫المواط نين العراق يين والع الم بخط ورة الوض ع ال راهن ‪ ،‬والس يما ان الع راق الي وم يع انى من‬
‫نقص ح اد في مي اه ال ري والش رب على ح د الس واء مم ا اث ر س لباً على الواق ع البي ئي لمن اطق‬
‫غرب وجنوب العراق‪.‬‬
‫يتوجب على الجهات العراقية المعنية تكثيف الجهود الدولية والتحرك نحو الدول‬ ‫‪.8‬‬
‫والهيئات المانحة للمشاريع المائية في تركيا وسوريا والتي تروم من خالل مشاريعها المائية‬
‫خلق نوع من االحتكار المائي من خالل استثمارها لتلك المشاريع بشكل يحقق لها الربح‬
‫على حساب حقوق العراق المائية ‪.‬‬

You might also like