You are on page 1of 42

‫أوالً ‪ :‬أصول الدعوة ‪:‬‬

‫‪ .1‬تعريف الدعوة إلى هللا تعالى‪:‬‬


‫الدعوة لغة‪ :‬من دعا بالشيء‪ ،‬دعواً‪ ،‬ودعوة‪ ،‬أي‪ :‬طلب إحضاره‪.‬‬
‫ودعوت اهلل‪ :‬أدعوه‪ ،‬دعاءً‪ ،‬أي‪ :‬ابتهلت إليه بالسؤال‪ ،‬ورغبت‪ %‬فيما عنده من اخلري‪.‬‬
‫والدعوة‪ %:‬مأخوذة من الدعاء‪ ،‬وهو النداء جلمع الناس على أمر ما‪ ،‬وحثهم على العمل له‪.‬‬

‫والدعوة قد تكون إلى قضية يراد إثباتها أو الدفاع عنها حقاً كانت أم باطالً‪:‬‬
‫ب إِيَلَّ مِم َّا يَ‪ْ % %‬دعُونَيِن إِلَْي ‪%ِ %‬ه}‪ ،‬ومنه ‪%%‬ا‪:‬‬
‫َح ُّ‬
‫ب ال ِّس‪ْ % %‬ج ُن أ َ‬
‫‪%‬ال َر ِّ‬
‫فمن ال ‪%%‬دعوة إىل الباط ‪%%‬ل‪{ :‬قَ ‪َ %‬‬
‫«أبدعوى اجلاهلية وأنا بني أظهركم »‪.‬‬
‫ومن الدعوة إىل احلق‪ :‬قوله تعاىل‪{ :‬لَهُ َد ْع َوةُ احْلَ ِّق}‪ ،‬وقول‪%‬ه ‪ ‬يف كتاب‪%‬ه إىل هرق‪%%‬ل‪:‬‬
‫{ويَ‪%%‬ا َق‪%ْ %‬وِم َم‪%%‬ا يِل أ َْدعُ‪%%‬و ُك ْم إِىَل‬
‫(أدعوك بدعاية اإلسالم) أي دعوته‪ ،‬وقال مؤمن آل فرعون‪َ :‬‬
‫َّج ِاة َوتَ ْدعُونَيِن إِىَل النَّا ِر}‪.‬‬
‫الن َ‬
‫وأما الدعوة إلى اهلل تعالى في االصطالح فلها عدة تعريفات‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أوالً‪ /‬قيل هي‪( :‬تبليغ اإلسالم للناس‪ ،‬وتعليمه إياهم‪ ،‬وتطبيقه يف واقع احلياة)‪.‬‬
‫ثانياً‪ /‬وقيل هي‪( :‬البيان والتبليغ هلذا الدين‪ ،‬أصوالً ‪ ،‬وأركاناً ‪ ،‬وتكاليف ‪ ،‬واحلث عليه ‪،‬‬
‫والرتغيب فيه )‪.‬‬
‫ثالثاً‪ /‬وقيل الدعوة‪ :‬هي ( العلم الذي تعرف به كافة احملاوالت الفنية املتعددة‪ ،‬الرامية إىل‬
‫تبليغ الناس اإلسالم‪ ،‬مما حوى عقيدةً‪ ،‬وشريعة‪ ،‬وأخالقاً )‪.‬‬
‫حكم الدعوة إلى اهلل‪:‬‬
‫السنّة النبوية‪ %‬الشريفة‪ ،‬حكم تَبليغ ال ّدعوة إىل اهلل؛ ِ‬
‫ومن‬ ‫لقد أوضح القرآن الكرمي‪ ،‬وبيَّنت ُّ‬
‫ُ َ‬
‫قسم العلماء هذا احلُكم إىل قسمنْي ‪:‬‬ ‫ِخالل نُصوص الكتاب ُّ‬
‫والسنة‪َّ ،‬‬
‫واملرسلني‪ ،‬مث العلماء الذين ِفقهوا‬
‫َ‬ ‫القسم األول‪ :‬إ ّن ال ّدعوة إىل اهلل َف ْرض َعنْي على األنبياء‬
‫عرفوا على َشرائعه‪.‬‬‫دين اهلل‪ ،‬ووقفوا على أحكامه‪ ،‬وتَ َّ‬
‫األمة فيما بَينهم على األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪،‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬تعاون مَج يع أفراد ّ‬
‫حق َلدى مَج يع املسلمني‪ ،‬و َف ْرض كِفاية إذا قام به البَعض َسقط اإلمث عن اجلَميع‪ّ .‬أما‬‫وهو ّ‬
‫ميع مسؤولون ويأمثون عن هذا‬
‫َّناصح فيما بينها‪ ،‬فإ ّن اجلَ َ‬
‫األمة عن الت ُ‬
‫إن تقاعست ّ‬
‫التقاعس‪%.‬‬
‫‪ .2‬أدلة وجوب الدعوة إلى هللا تعالى‪:‬‬
‫وردت عدة أدلة على وجوب الدعوة إىل اهلل تعاىل يف كتاب اهلل وسنة رسوله ‪، ‬‬
‫وذلك على النحو اآليت‪:‬‬
‫أوالً ‪ /‬األدلة من الكتاب ‪:‬‬
‫ونذكر منها‪:‬‬
‫‪ -1‬قال تعاىل‪  :‬ولتكن منكم أمة يدعون‪ %‬إىل اخلري ويأمرون باملعروف وينهون‪ %‬عن‬
‫املنكر وأولئك هم املفلحون‪ .‬ويف قوله‪  :‬ولتكن ‪ ‬أمر ظاهره الوجوب‬
‫بعض يأمرون باملعروف‬ ‫‪ - 2‬قال تعاىل‪  :‬واملؤمنون واملؤمنات‪ %‬بعضهم أولياء ٍ‬
‫وينهون‪ %‬عن املنكر ويقيمون الصالة‪  %‬ويف اآلية‪ :‬أطلق مسمى اإلميان على من قام باألمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬فمن مل يقم به ال يستحق أن يكون‪ %‬من املؤمنني‬
‫‪ - 3‬قال تعاىل ‪  :‬لُعن الذين كفروا من بين إسرائيل على لسان داود وعيسى بن‬
‫مرمي ذلك مبا عصوا‪ %‬وكانوا يعتدون كانوا ال يتناهون‪ %‬عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا‬
‫يفعلون ‪ ‬وهذه اآلية شددت على املقصرين بشأن‪ %‬الدعوة‪ %‬إىل اهلل‪ ،‬وعللت‬
‫استحقاقهم اللعنة برتكهم النهي عن املنكر‬
‫‪ - 4‬قال تعاىل‪  :‬فلما نسوا ما ذكروا به أجنينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا‬
‫الذين ظلموا بعذاب بئيس مبا كانوا يفسقون ‪ ‬وهذه اآلية بينت‪ %‬أن الناجني ما حتققت‬
‫هلم النجاة إال بالنهي عن السوء ‪ ،‬وهو ما يؤكد أمر الوجوب‬
‫‪ - 5‬قال تعاىل‪  :‬وتعاونوا على الرب والتقوى‪ %‬وال تعاونوا على اإلمث والعدوان ‪،‬‬
‫واألمر الوارد يف هذه اآلية يفيد وجوب احلث على التعاون‪ %،‬وما قيام الداعية‪ %‬بواجبه جتاه‬
‫املدعو مادياً ومعنوياً‪ %‬إال صورة واضحة للتعاون الذي حثت عليه اآلية ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬األدلة من السنة‬
‫استدل العلماء على وجوب الدعوة إىل اهلل بأحاديث كثرية نذكر منها‪:‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪-2-‬‬
‫‪ - 1‬عن حذيفة بن اليمان أن النيب ‪ ‬قال ‪ « :‬والذي نفسي بيده لتَ ُأم ُر َّن‬
‫باملعروف ولَتَنهو َّن عن املنكر أو لّي ِ‬
‫وش َك َّن اهلل أن يبعث عليكم عقاباً من عنده مث لَتَدعُنَّه فال‬‫ُ‬ ‫َُ‬
‫يستجيب لكم » رواه اإلمام أمحد بإسناد صحيح‬
‫‪ -2‬عن أنس قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم « جاهدوا الكفار بأيديكم‬
‫وألسنتكم‪ %‬وأموالكم » رواه النسائي وصححه األلباين‪.‬‬
‫ويالحظ أن صيغة األمر الواردة يف األحاديث السابقة تدل على الوجوب ‪.‬‬
‫‪ - 3‬أهداف الدعوة إلى هللا ‪:‬‬
‫أهداف الدعوة إىل كثرية منها‪:‬‬
‫‪ .1‬بيان الحق والبالغ المبين‪:‬‬
‫َنزلْنَ‪%%‬ا‬
‫{وأ َ‬
‫ك}‪ ،‬وق‪%%‬ال تع‪%%‬اىل ‪َ :‬‬ ‫‪%‬ك ِمن َّربِّ َ‬
‫ول َبلِّ ْغ َم‪%%‬ا أُن‪ِ %‬ز َل إِلَْي‪َ %‬‬ ‫ق‪%%‬ال تع‪%%‬اىل ‪{ :‬يَ‪%%‬ا أَيُّ َ‪%‬ه‪%‬ا َّ‬
‫الر ُس‪ُ %‬‬
‫َّاس َما نُِّز َل إِلَْي ِه ْم َولَ َعلَّ ُه ْم َيَت َف َّك ُرو َن}‪ ،‬وقال ‪(: ‬بلغوا عين ولو آية)‪.‬‬ ‫الذ ْكَر لِتَُبنِّي َ لِلن ِ‬ ‫إِلَْي َ‬
‫ك ِّ‬
‫‪ .2‬الدعوة إلى االستجابة للدعوة وامتثالها قوالً وعمالً‪:‬‬
‫‪%‬ل أ َُّم ٍة َّرس ‪%‬والً أ َِن ْاعب ‪%ُ %‬دواْ اللّ‪%%‬ه و ِ‬
‫{ولََق‪ْ %‬د َب َع ْثنَ‪%%‬ا يِف ُك‪ِّ %‬‬
‫وت}‪ ،‬مفت‪%%‬اح دع‪%%‬وة‬ ‫اجتَنبُ‪%%‬واْ‪ %‬الطَّاغُ َ‬
‫ََ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ون}‪. %‬‬‫َطيع ِ‬ ‫ِ‬ ‫{اعبُ ُدواْ اللَّهَ َما لَ ُكم ِّم ْن إِلٍَه َغْيُرهُ}‪َّ ،‬‬
‫{ات ُقوا‪ %‬اللَّهَ َوأ ُ‬ ‫األنبياء‪ْ %:‬‬
‫‪ .3‬التبشير واإلنذار‪:‬‬
‫ه ‪%%‬و مفت ‪%%‬اح النفس‪ %‬اإلنس ‪%%‬انية فهي جمبول ‪%%‬ة على طلب اخلري ل ‪%%‬ذاهتا‪ ،‬ودف ‪%%‬ع الش ‪%%‬ر عنه ‪%%‬ا‪،‬‬
‫ين}‪ ،‬ق ‪%%‬ال ‪( :‬مثلي ومث ‪%%‬ل م ‪%%‬ا بعث ‪%%‬ين اهلل ب ‪%%‬ه‪،‬‬ ‫ِِ‬ ‫{وم‪%%‬ا نُر ِس ‪%‬ل الْمرس ‪%‬لِ َ ِ‬
‫ني إالَّ ُمبَ ِّش ‪ِ %‬ر َ‬
‫ين َو ُمن ‪%%‬ذر َ‬ ‫َ َ ْ ُ ُْ َ‬
‫كمث‪%% %‬ل رج ‪%%‬ل أتى قوم ‪% %‬اً‪ ،‬فق‪%% %‬ال‪ :‬ي‪%% %‬ا ق‪%% %‬وم إين رأيت اجليش بعي‪%% %‬ين‪ ،‬وإين أن‪%% %‬ا الن‪%% %‬ذير العري ‪%%‬ان‪،‬‬
‫فالنج ‪%%‬اء النج ‪%%‬اء‪ ،‬فأطاع‪% %‬ه‪ %‬طائف ‪%%‬ة من قوم ‪%%‬ه‪ ،‬ف ‪%%‬أدجلوا وانطلق ‪%%‬وا على مهلهم فنج ‪%%‬وا‪ ،‬وكذبت ‪%%‬ه‬
‫طائفة منهم فأصبحوا مكاهنم فصبّحهم اجليش فأهلكهم واجتاحهم‪ ،‬فذلك مثل من أطاعين‬
‫فاتبع ما جئت به‪ ،‬ومثل من عصاين وكذب مبا جئت به من احلق) متفق عليه‪.‬‬
‫‪ .4‬إصالح النفوس وتزكيتها‪:‬‬
‫ني َر ُس‪% % %‬واًل ِّمْن ُه ْم َيْتلُ ‪%% %‬و َعلَْي ِه ْم آيَاتِ ‪%ِ % %‬ه َويُ ‪َ% %‬ز ِّكي ِه ْم‬ ‫ِ‬
‫‪%‬اىل‪{:‬ه‪%َ % %‬و الَّذي َب َع َ‬
‫ث يِف اأْل ُِّميِّ َ‬ ‫ُ‬ ‫ق ‪%% %‬ال تع ‪% %‬‬
‫ضاَل ٍل ُّمبِ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ني}‪.‬‬ ‫ْمةَ َوإِن َكانُوا من َقْب ُل لَفي َ‬ ‫َويُ َعلِّ ُم ُه ُم الْكتَ َ‬
‫اب َواحْل ك َ‬

‫‪X‬‬ ‫‪-3-‬‬
‫‪ .5‬إقامة الحجة واإلعذار إلى اهلل بأداء األمانة‪:‬‬

‫الر ُس ‪ِ %‬ل َو َك‪%%‬ا َن اللّ ‪%%‬هُ‬ ‫ين لِئَالَّ يَ ُك‪%%‬و َن لِلن ِ‬


‫َّاس َعلَى اللّ ‪%ِ %‬ه ُح َّجةٌ َب ْع‪%َ %‬د ُّ‬ ‫ِِ‬
‫ين َو ُمن ‪%%‬ذر َ‬‫{ر ُس ‪%‬الً ُّمبَ ِّش ‪ِ %‬ر َ‬‫ُّ‬
‫يم‪%‬ا}‪ ،‬وأتب‪%%‬اع الرس‪%%‬ل خيلف‪%%‬وهنم يف ه‪%%‬ذه املهم‪%%‬ة‪{ :‬قُ‪%ْ %‬ل َ‪%‬ه ِ‪%‬ذ ِه َس ‪%‬بِيلِي أ َْدعُ‪%%‬و إِىَل اللّ‪%ِ %‬ه‬ ‫َع ِزي‪%ً %‬زا َح ِك ً‪%‬‬
‫اب ِّمن َقْبلِ‪%ِ % %‬ه لََ‪%‬ق ‪%%‬الُوا َربَّنَ ‪%%‬ا لَ ‪%ْ %‬واَل‬
‫‪%‬اهم بِع‪َ % %‬ذ ٍ‬ ‫ِ ٍ‬
‫َعلَى بَص ‪َ % %‬رية أَنَ ‪% %‬اْ َو َم ِن اتََّب َعيِن ‪َ ،}...‬‬
‫{ولَ‪%ْ % %‬و أَنَّا أ َْهلَكْنَ‪َ ُ % %‬‬
‫أَرس ْلت إِلَينا رسواًل َفنتَّبِع آياتِك ِمن َقب ِل أَن ن ِ‬
‫َّذ َّل َوخَن َْزى}‪.‬‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ َ َْ َ ُ َ َ َ َ‬
‫‪ - 4‬فضل الدعوة إلى هللا تعالى‪:‬‬
‫ورد يف فضل الدعوة والدعاة آيات وأحاديث كثرية‪ ،‬ومن ذلك ‪:‬‬
‫أ – إن قول الدعاة أحسن األقوال‪ ،‬وإن كالمهم في التبليغ أفضل الكالم‪:.‬‬
‫‪%‬ل‬ ‫ِ َّ ِ ِ‬ ‫مِم‬
‫َح َس‪ُ % %‬ن َق ‪%ْ %‬والً َّْن َد َع ‪%%‬ا إىَل الله َو َعم‪َ %‬‬
‫ق ‪%%‬ال ج ‪%%‬ل جالل ‪%%‬ه يف س ‪%%‬ورة فص ‪%%‬لت ‪َ (( :‬و َم ْن أ ْ‬
‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫صاحِل اً َوقَ َ‬
‫ال إِنَّيِن م َن الْ ُم ْسلم َ‬
‫ني )) ‪.‬‬ ‫َ‬
‫ج ‪ -‬أن أجرهم مستمر ومثوبتهم دائمة‪:‬‬
‫ملا رواه مسلم وأصحاب السنن عن رسول اهلل ‪ ،‬أنه قال‪ «:‬من دع‪%%‬اء إىل ه‪%%‬دى‬
‫كان له من األجر مثل أجور من اتبعه‪ %‬ال ينقص ذلك من أجورهم شيئاً‪. »)..‬‬
‫د ‪ -‬أنهم خير هذه األمة على اإلطالق‪:‬‬
‫َّاس تَ‪%‬أْمرو َ‪%‬ن بِ‪%‬الْمعر ِ‬ ‫ُخ ِرج ِ‬ ‫ٍ‬
‫وف‬ ‫َ ُْ‬ ‫ت للن ِ ُ ُ‬ ‫لقوله تعاىل يف سورة آل عمران‪ُ :‬كْنتُ ْم َخْيَر أ َُّمة أ ْ‪ْ َ %‬‬
‫َوَتْن َه ْو َن َع ِن الْ ُمْن َك ِر َو ُت ْؤ ِمنُو َن بِاللَّ ِه‪. ..‬‬
‫هـ ‪ -‬أنهم هم المفلحون والسعداء في الدنيا واآلخرة‪:‬‬
‫لقول ‪%%‬ه س ‪%%‬بحانه يف س ‪%%‬ورة آل عم ‪%%‬ران‪َ :‬ولْتَ ُك ْن ِمْن ُك ْم أ َُّمةٌ يَ‪ْ % %‬دعُو َ‪%‬ن إِىَل اخْلَرْيِ َويَ ‪%‬أْ ُم ُرو َن‬
‫ك ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُحو َن‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بِالْ َم ْع ُروف َو َيْن َه ْو َن َع ِن الْ ُمْن َك ِر َوأُولَئِ َ‬
‫و ‪ -‬أن اهلل سبحانه يشملهم برحمته الغامرة ويخصهم بنعمته الفائقة‪:‬‬
‫ض‪ُ %‬ه ْم‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪%‬ات َب ْع ُ‬
‫ويدل على ذلك قوله عز وج‪%‬ل يف س‪%‬ورة التوب‪%‬ة‪َ  :‬والْ ُم ْؤمنُ‪%‬و َن َوالْ ُم ْؤمنَ ُ‬
‫ص ‪% %‬ال َة َويُ ْؤتُ‪%% %‬و َ‪%‬ن َّ‬ ‫وف َو َيْن َ‪%‬ه‪%ْ %‬و َن َع ِن الْ ُمْن َك‪ِ % %‬ر َويُِق ُ‪%‬‬
‫ض ي ‪% %‬أْمرو َ‪%‬ن بِ‪%% %‬الْمعر ِ‬ ‫ِ‬
‫الز َك‪%%‬ا َة‬ ‫يم ‪%%‬و َ‪%‬ن ال َّ‬ ‫َ ُْ‬ ‫أ َْوليَ‪%% %‬اءُ َب ْع ٍ َ ُ ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َويُ ِطيعُو َ‪%‬ن اللَّهَ َو َر ُسولَهُ أُولَئِ َ‬
‫يم ‪.‬‬ ‫ك َسَي ْرمَحُ ُه ُم اللَّهُ إ َّن اللَّهَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬

‫‪ – 5‬أركان الدعوة إلى هللا‪:‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪-4-‬‬
‫أركان الدعوة إىل اهلل أربعة هي‪( :‬الداعية‪ ،‬املدعو‪ ،‬املدعو إليه)‪.‬‬
‫الركن األول‪ :‬الداعية‪:‬‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫الداعية في اللغة‪ :‬هو من يدعو إىل دين أو فكرة‪.‬‬
‫داع‪.‬‬
‫والدعاة‪ :‬قوم يدعون إىل بيعة هدى أو ضاللة‪ ،‬واحدهم ٍ‬
‫ورجل داعية‪ :‬إذا كان يدعو الناس إىل دين‪ ،‬أو بدعة‪ ،‬وأدخلت اهلاء فيه للمبالغة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الداعية‪ :‬صريخ اخليل يف احلروب‪ ،‬لدعائه من يستصرخه‪ .‬يقال‪ :‬أجيبوا داعية‬
‫اخليل ‪.‬‬
‫والداعية في االصطالح هو‪ ( :‬املبلغ لإلسالم‪ ،‬واملعلم له‪ ،‬والساعي‪ %‬إىل تطبيقه )‪.‬‬
‫فضله‪:‬‬
‫للداعية فضائل كثرية منها‪:‬‬
‫‪ /1‬إنه خري هذه األمة منزلة ورفعة‪:‬‬
‫َّاس تَأْمرو َن بِالْمعر ِ‬ ‫وذلك لقوله تعاىل‪ُ (( :‬كْنتم خير أ َُّم ٍة أُخ ِرج ِ‬
‫وف َوَتْن َه ْو َن َع ِن‬ ‫َ ُْ‬ ‫ت للن ِ ُ ُ‬ ‫ْ َ ْ‬ ‫ُ ْ ََْ‬
‫الْ ُمْن َك ِر َو ُت ْؤ ِمنُو َن بِاللَّ ِه ))‪.‬‬
‫‪ /2‬إنه من أهل الفالح يف الدنيا واآلخرة‪:‬‬
‫وذلك لقوله تعاىل‪ (( :‬ولْت ُكن ِمْن ُكم أ َُّمةٌ ي ْدعو َن إِىَل اخْل ِ ويأْمرو َن بِالْمعر ِ‬
‫وف َو َيْن َه ْو َن َع ِن‬ ‫َ ُْ‬ ‫َرْي َ َ ُ ُ‬ ‫ََ ْ ْ َ ُ‬
‫ك ُه ُم الْ ُم ْفلِ ُحو َن))‪.‬‬‫الْ ُمْن َك ِر َوأُولَئِ َ‬
‫‪ /3‬إن اهلل عز وجل يشمله برمحته وخيصه بنعمته‪:‬‬
‫ض يأْمرو َن بِالْمعر ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وف‬ ‫َ ُْ‬ ‫ض ُه ْم أ َْوليَاءُ َب ْع ٍ َ ُ ُ‬ ‫ات َب ْع ُ‬
‫وذلك لقوله تعاىل‪َ (( :‬والْ ُم ْؤمنُو َن َوالْ ُم ْؤمنَ ُ‬
‫ِ‬
‫ك‬‫الز َكا َة َويُ ِطيعُو َ‪%‬ن اللَّهَ َو َر ُسولَهُ أُولَئِ َ‬
‫الصال َة َويُ ْؤتُو َ‪%‬ن َّ‬
‫يمو َن َّ‬ ‫َو َيْن َه ْو َن َع ِن الْ ُمْن َك ِر َويُق ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم))‪.‬‬‫َسَي ْرمَحُ ُه ُم اللَّهُ إ َّن اللَّهَ َع ِز ٌيز َحك ٌ‬
‫‪ /4‬إن أجره مستمر ومثوبته دائمة‪:‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪-5-‬‬
‫لقولوه صلى اهلل عليه وسلم‪ ":‬من دعا إىل هدى كان له من األجر مثل أجور من اتبعه ال‬
‫ينقص‪ %‬ذلك من أجورهم شيئاً"‪.‬‬
‫واجباته‪:‬‬
‫واجبات الداعية‪ %‬إىل اهلل كثرية منها‪:‬‬
‫‪ /1‬أن يتحلى بالعلم والعمل معاً‪ ،‬ليكون من الداعيني إىل اهلل على بصرية‪ :‬لقوله تعاىل‪:‬‬
‫((قُل ه ِذ ِه سبِيلِي أ َْدعو إِىَل اللَّ ِه علَى ب ِ‬
‫ص َري ٍة‪ %‬أَنَا َو َم ِن اتََّب َعيِن َو ُسْب َحا َن اللَّ ِه َو َما أَنَا ِم َن‬ ‫َ َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ َ‬
‫ِ‬
‫الْ ُم ْش ِرك َ‬
‫ني))‪.‬‬
‫‪ /2‬أن يعرف األصول الثابتة للدعوة‪ :‬لئال ينحرف عنها نتيجة ملا قد يقابله من عقبات‬
‫أثناء دعوته‪.‬‬
‫‪ /3‬أن يكون‪ %‬عارفاً بأحوال الناس خبرياً مبا يدور يف جمتمعه‪ ،‬ألن الدواء حُي دد بناءً على‬
‫معرفة الداء‪.‬‬
‫‪ /4‬أنه ال جيوز له استخدام الوسائل املمنوعة يف دعوته‪ :‬ألنه ال ميكن أن يصل الداعية‪ %‬إىل‬
‫احلق عن طريق الباطل مهما كان مزيناً ومزخرفاً‪ ،‬وقد كان بعض الناس ممن ينسب‪ %‬للدعاة‬
‫يف الزمن املاضي يكذبون على رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ويضعون عليه األحاديث‬
‫بقصد ترغيب الناس يف العبادة‪ ،‬فإذا اعرتض‪ %‬عليهم أح ٌد قالوا‪ :‬حنن نكذب له ال عليه‪.‬‬
‫والعلماء مل جيوزوا هذا النوع من الكذب حبال‪ ،‬مع ما فيه من ترغيب العوام‪ %‬يف العمل‬
‫بالسنة‪.‬‬
‫‪ /5‬خمالطة الناس يف جمتمعه والتعرف على أحواهلم‪ :‬ألنه كلما كان الداعية‪ %‬حمبوباً لدى‬

‫اصرِب ْ َن ْف َس َ‬
‫ك‬ ‫تعاىل‪((:‬و ْ‬
‫َ‬ ‫الناس كانت استجابتهم لدعوته أكرب واجتماعهم حوله أكثر قال‬
‫َّ ِ‬
‫اك َعْن ُه ْم))‪ ،‬وقال صلى‬ ‫ين يَ ْدعُو َن َربَّ ُهم بِالْغَ َد ِاة َوالْ َع ِش ِّي يُِر ُ‬
‫يدو َن َو ْج َههُ َواَل َت ْع ُد َعْينَ َ‪%‬‬ ‫َم َع الذ َ‬
‫اهلل عليه وسلم‪ ":‬املسلم الذي خيالط الناس ويصرب على أذاهم خري من املسلم الذي ال‬

‫‪X‬‬ ‫‪-6-‬‬
‫خيالط الناس وال يصرب على أذاهم " رواه أمحد‪.‬‬
‫‪ /6‬أن يكون‪ %‬حريصاً على هداية من يدعوه‪ ،‬حريصاً على إميانه ساعياً يف ذلك بكل سبيل‪:‬‬
‫وقد وصف اهلل سبحانه وتعاىل نبيه باحلرص على هداية الناس‪ ،‬قال تعاىل‪(( :‬لََق ْد َجاء ُك ْم‬
‫وف َّر ِحيم))‪.‬‬ ‫ِِ‬
‫يص َعلَْي ُكم بِالْ ُم ْؤمن َ‬
‫ني َر ُؤ ٌ‬ ‫ُّم َح ِر ٌ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ول ِّم ْن أَن ُفس ُك ْم َع ِز ٌيز َعلَْيه َما َعنت ْ‬
‫َر ُس ٌ‬
‫‪ /7‬الص ‪%% % %‬رب على حتم ‪%% % %‬ل األذى يف ال ‪%% % %‬دعوة إىل اهلل‪ :‬فطري ‪%% % %‬ق ال ‪%% % %‬دعوة إىل اهلل ليس مفروش‪% % %‬اً‬
‫بالري‪%%‬احني‪ ،‬والب‪%%‬د في‪%%‬ه من االبتالء‪ ،‬ل‪%%‬ذلك ك‪%%‬ان من أوائ‪%%‬ل م‪%%‬ا ن‪%%‬زل على الن‪%%‬يب ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه‬
‫وس ‪%%‬لم األم ‪%%‬ر بالص ‪%%‬رب مقرون‪% %‬اً بال ‪%%‬دعوة إىل اهلل كم ‪%%‬ا يف قول ‪%%‬ه تع ‪%%‬اىل‪ ((:‬يَ ‪%%‬ا أَيُّ َه‪%%‬ا الْ ُم‪%%‬دَّثُِّر* قُ ْم‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ص ‪%‬رِب ْ))‬
‫ك فَا ْ‬ ‫‪%‬اه ُج ْر* َواَل مَتْنُن تَ ْس ‪%‬تَكْثُِر* َولَربِّ َ‬
‫الر ْ‪%‬ج َ‪%‬ز فَ ‪ْ %‬‬ ‫ك فَ َكِّب ْر* َوثِيَابَ‪َ %‬‬
‫‪%‬ك فَطَ ِّه ْر* َو ُّ‬ ‫فَأَن ‪%%‬ذ ْر* َو َربَّ َ‬
‫املدثر ‪ ،7-1‬فال ب ‪%%‬د لل ‪%%‬داعي إىل اهلل من التحلي بالص ‪%%‬رب ألن ‪%%‬ه ال ب ‪%%‬د وأن ي ‪%%‬ؤذى يف دعوت ‪%%‬ه‬
‫فك‪%%‬ل الرس‪%‬ل ق‪%‬د ع‪%%‬ودوا‪ ،‬وق‪%%‬د ق‪%‬ال ورق‪%‬ة بن نوف‪%%‬ل للن‪%‬يب ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم‪":‬مل ي‪%‬أيت رج‪%‬ل‬
‫مبث ‪%%‬ل م ‪%%‬ا جئت ب ‪%%‬ه إال ع ‪%%‬ودي"‪ ،‬وق ‪%%‬ال ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم‪ " :‬أش ‪%%‬د الن ‪%%‬اس بالءً األنبي ‪%%‬اء مث‬
‫األمثل فاألمثل "‪.‬‬
‫‪ /8‬احتس‪%% %‬اب أج‪%% %‬ر ال‪%% %‬دعوة إىل اهلل‪ :‬جيب على ال‪%% %‬داعي إىل اهلل أن يك‪%% %‬ون حمتس‪%% %‬باً ال يطلب‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫على دعوته أجراً قال تعاىل‪((:‬قُ ْ‪%‬ل َم‪%‬ا أَ ْس‪%‬أَلُ ُك ْم َعلَْي ِ‪%‬ه ِم ْن أ ْ‪%‬‬
‫ني))‪ ،‬وح‪%‬ىت‬ ‫َج ٍر َو َم‪%‬ا أَنَ‪%‬ا م َن الْ ُمتَ َكلِّف َ‬
‫‪%‬وا‪((:‬و َم‪ % %‬ا‪%‬‬
‫ال يتهم يف دعوت‪%% %‬ه وأن‪%% %‬ه مل ي‪%% %‬دع إال لل‪%% %‬دنيا ول‪%% %‬ذلك أم‪%% %‬ر اهلل مجي‪%% %‬ع رس‪%% %‬له أن يقول‪َ % %‬‬
‫ني))‪ ،‬وأتب‪%%‬اع الرس‪%%‬ل واألنبي‪%‬اء‪ %‬جيب أن‬ ‫ِ‬ ‫ي إِاَّل َعلَى َر ِّ‬
‫ب الْ َع‪%%‬الَم َ‬ ‫أَ ْس‪%‬أَلُ ُك ْم َعلَْي ِ‪%‬ه ِم ْن أ ْ‪%‬‬
‫َج ٍر إِ ْن أ ْ‪%‬‬
‫َج ِر َ‬
‫يتأسوا هبم يف دعوهتم إىل اهلل فتكون‪ %‬دعوهتم إىل اهلل من أج‪%%‬ل دين‪%%‬ه واحتس‪%%‬اباً هلل‪ ،‬وهبذا جتد‬
‫دعوهتم القبول وتنتفي عنهم الظنة ويكونون بعيدين عن الشبهة‪.‬‬
‫‪ /9‬الدعوة إىل اهلل يف كل وقت ويف مجيع أحواله وظروفه‪ :‬وهذا كان منهج مجيع رسل اهلل‬
‫عز وجل‪ ،‬كما قال اهلل تعاىل حاكياً عن نوح عليه السالم‪((:‬قال ريب إين دعوت قومي ليالً‬
‫وهناراً‪ ،))....‬وق ‪%%‬ال عن يوس ‪%%‬ف علي ‪%%‬ه الس ‪%%‬الم‪ (( :‬ي ‪%%‬ا ص ‪%%‬احيب الس ‪%%‬جن))‪ ،‬كم ‪%%‬ا ك ‪%%‬ان الن ‪%%‬يب‬

‫‪X‬‬ ‫‪-7-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم داعياً إىل اهلل عز وجل يف مجيع أوقاته‪.‬‬
‫‪ /10‬االس ‪%%‬تمرار على ال ‪%%‬دعوة‪ %‬إىل اهلل وإن مل يس ‪%%‬تجب أح ‪%%‬د‪ :‬ق ‪%%‬ال الن ‪%%‬ووي‪ :‬ال يس ‪%%‬قط عن‬
‫املكل‪%%‬ف األم‪%%‬ر ب‪%%‬املعروف والنهي عن املنك‪%%‬ر لكون‪%%‬ه ال يفي‪%%‬د يف ظن‪%%‬ه‪ ،‬ب‪%%‬ل جيب علي‪%%‬ه فعل‪%%‬ه ف‪%%‬إن‬
‫مسلم‪ .‬‬ ‫الذكرى تنفع املؤمنني فإن الذي عليه األمر والنهي‪ %‬ال القبول " شرح‬
‫صفاته‪:‬‬
‫من أهم الصفات اليت ينبغي أن يتحلى هبا الداعية إىل اهلل تعاىل ‪:‬‬

‫‪ .1‬اإلخالص ‪ ،‬ألن العمل ال يصح وال يقبل إال به ‪.‬‬


‫‪ .2‬ق‪%%‬وة الص‪%%‬لة باهلل ‪ ، ‬وذل‪%%‬ك من خالل احملافظ‪%%‬ة الش‪%%‬ديدة على الف‪%%‬رائض ‪ ،‬واإلكث‪%%‬ار‬
‫من النوافل ‪ ،‬واللجوء إىل اهلل ‪ ، ‬على كل حال‪.‬‬
‫‪ .3‬العلم ‪ ،‬الذي به تصح الني‪%‬ة‪ ،‬واملنهج‪ ،‬وأهم العل‪%‬وم ال‪%‬يت حيتاجه‪%‬ا الداعي‪%‬ة إىل اهلل ‪،‬‬
‫باجلد‬
‫علم الكت‪%% % %‬اب‪ %‬والس‪%% % %‬نة‪ ،‬وم‪%% % %‬ا يتف‪%% % %‬رع ويتص‪%% % %‬ل هبما‪ ،‬وحتص‪%% % %‬يل العلم ال يتم إال ِّ‬
‫واحلرص علي ‪%%‬ه ‪ ،‬والس ‪%%‬ؤال عن ‪%%‬ه كم ‪%%‬ا ك ‪%%‬ان ح ‪%%‬ال س ‪%%‬لفنا الص ‪%%‬احل ال ‪%%‬ذين ض ‪%%‬ربوا أروع‬
‫األمثل ‪%% %‬ة وأعظمه ‪%% %‬ا يف ذل ‪%% %‬ك األم ‪%% %‬ر‪.‬كم ‪%% %‬ا أن العلم حيت ‪%% %‬اج إىل س ‪%% %‬رعة العم ‪%% %‬ل ب ‪%% %‬ه‪،‬‬
‫واالس‪%% %‬تجابة ألوام‪%% %‬ره‪ ،‬واالنته‪%% %‬اء‪ %‬عن نواهي‪%% %‬ه‪ ،‬وإال أص‪%% %‬بح اإلنس‪%% %‬ان ب‪%% %‬ه ‪ ‬كمث ل‬
‫‪.‬‬ ‫الحمار يحمل أسفارا‬
‫الورع والتقوى‪ ،‬وذلك ألن الداعية‪ %‬حمل نظر املدعوين وقدوهتم‪.‬‬ ‫‪.4‬‬
‫االستشارة‪ %،‬ألن اآلراء عندما جتتمع تنضج وخترج بصورة جيدة وقليلة األخطاء‪.‬‬ ‫‪.5‬‬
‫احلرص واملبادرة إىل األمر باملعروف‪ ،‬والنهي عن املنكر‪ ،‬والدعوة إىل اهلل ‪.‬‬ ‫‪.6‬‬
‫املداومة‪ %‬على العمل واحملافظة عليه‪.‬‬ ‫‪.7‬‬
‫الفطنة والفراسة‪.‬‬ ‫‪.8‬‬
‫التفاؤل ‪ ،‬الثقة بنصر اهلل ‪ ، ‬وحسن الظن به‪.‬‬ ‫‪.9‬‬
‫حسن السمت‪.‬‬ ‫‪.10‬‬
‫حسن استغالل الفرص واملواقف‪.%‬‬ ‫‪.11‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪-8-‬‬
‫‪ .12‬فصاحة اللسان‪.‬‬
‫‪ .13‬احلرص على طلب العلم‪ ،‬والتحلي بآدابه‪ ،‬وطلب العلم له آداب ينبغي على الداعي‪%‬ة‪%‬‬
‫احملافظة عليها والتمسك هبا ومراعاهتا‪.‬‬
‫‪ .14‬حس‪%%‬ن اخلل‪%%‬ق‪ ،‬ألن‪%%‬ه من أعظم م‪%%‬ا جيذب املدعوين إىل الداعي‪%%‬ة‪ ،‬وإىل العم‪%%‬ل مبا ي‪%%‬دعو‬
‫إليه‪ ،‬وحسن اخللق يشمل عدة فروع‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الصرب‪.‬‬
‫ب ‪ -‬اجلود ‪.‬‬
‫ج ‪ -‬التواضع‪.‬‬
‫د ‪ -‬احللم واألناة‪. %‬‬
‫هـ ‪ -‬العفو‪%.‬‬
‫و ‪ -‬الرفق واللني ‪.‬‬
‫ز ‪ -‬الوفاء‪.‬‬
‫ح ‪ -‬احلياء‪.‬‬
‫ط ‪ -‬احرتام الكبري‪.‬‬
‫ي ‪ -‬الرمحة‪.‬‬
‫ك‪ -‬احلرص على النظافة ‪.‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪-9-‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬المدعو‪:‬‬
‫تعريفه‪:‬‬
‫إن كلمة ( المدعو )‪ ،‬مشتقة من دعاه يدعوه ‪ ،‬فهو مدعو‪ .‬إذن فهو اسم مفعول‪،‬‬
‫مشتق من أصل الكلمة ( دعا )‪.‬‬
‫والمدعو في االصطالح‪( :‬هو اإلنسان‪ %‬املخاطب‪ %‬بدعوة اإلسالم)‪%.‬‬
‫وعلى ضوء ذلك التعريف نستطيع نذكر جمموعة من القواعد العامة اليت تتعلق‬
‫باملدعو على النحو اآليت‪:‬‬
‫أوالً‪ /‬املدعوون‪ %‬إىل اهلل ‪ ، ‬هم الناس مجيعاً ‪ ،‬إذ يقول اهلل ‪ { : ‬وما أرسلناك إال‬
‫كافة للناس بشيراً ونذيراً }‪ ،‬إذن فينبغي‪ %‬للداعية إىل اهلل ‪ ، ‬أن يتوجه بدعوته للناس‬
‫مجيعاً ويعرضها عليهم ويبلغهم إياها من غري استثناء ألحد منهم ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ /‬يدخل ضمن املدعوين ‪ :‬اجلن ‪ ،‬إذ جند أن رسول اهلل ‪ ، ‬توجه هلم بالدعوة‪،‬‬
‫وخاطبهم هبا ‪ ،‬وذلك ألهنم مطالبون باإلميان باهلل ‪ ، ‬وبرسوله ‪ ،‬والعمل بشريعته ‪،‬‬
‫يقول اهلل ‪ {: ‬وما خلقت الجن واإلنس إال ليعبدون }‪ ،‬ويقول ‪ {:‬يا معشر‬
‫الجن واإلنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا‬
‫}‪ ،‬ويقول ‪ {:‬وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا‬
‫أنصتوا ‪ ،‬فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين * قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من‬
‫بعد موسى مصدقاً لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم * يا قومنا أجيبوا‬
‫داعي اهلل وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم }‬
‫حقوقه‪:‬‬
‫للمدعو حقوق كثرية منها‪:‬‬
‫‪ /1‬أن ي‪%%‬ؤتى‪ %‬وي‪%%‬دعى‪ :‬أي أن ال‪%%‬داعي‪ %‬يأتي‪%%‬ه وي‪%%‬دعوه إىل اهلل تع‪%%‬اىل وال جيلس ال‪%%‬داعي‪ %‬يف بيت‪%%‬ه‬
‫وينتظر جميء الناس إليه‪ ،‬وهكذا كان يفعل الداعي‪ %‬األول نبينا الكرمي صلى اهلل عليه وس‪%‬لم‪،‬‬
‫يأيت جمالس قريش ويدعوهم وخيرج إىل القبائل يف منازهلا يف موسم قدومها مك‪%%‬ة وي‪%%‬دعوهم‬
‫ويذهب إىل مالقاة من يقدم إىل مك‪%%‬ة ي‪%%‬دعوه‪ .‬فق‪%%‬د ج‪%%‬اء يف س‪%%‬رية ابن هش‪%%‬ام‪" :‬فك‪%%‬ان رس‪%%‬ول‬
‫اهلل ص‪%%‬لى اهلل علي‪%%‬ه وس‪%%‬لم يع‪%%‬رض نفس‪%%‬ه يف املواس‪%%‬م‪ ،‬إذا ك‪%%‬انت‪ ،‬على قبائ‪%%‬ل الع‪%%‬رب ي‪%%‬دعوهم‬
‫إىل اهلل‪ ،‬وخيربهم ان‪%%‬ه ن‪%%‬يب مرس‪%%‬ل ويس‪%%‬أهلم أن يص‪%%‬دقوه ومينع‪%%‬وه ح‪%%‬ىت ي‪%%‬بني عن اهلل م‪%%‬ا بعث‪%%‬ه ب‪%%‬ه‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 10 -‬‬


‫فيقف على منازل القبائل من الع‪%%‬رب فيق‪%%‬ول‪" :‬ي‪%%‬ا ب‪%‬ين فالن إين رس‪%%‬ول اهلل إليكم ي‪%%‬أمركم أن‬
‫تعبدوا اهلل وال تشركوا به شيئاً وأن ختلع‪%%‬وا م‪%%‬ا تعب‪%%‬دون‪ %‬من دون‪%%‬ه ه‪%%‬ذه األن‪%%‬داد وأن تؤمن‪%%‬وا‪ %‬يب‬
‫وتصدقوا يب ومتنعوين حىت أبني عن اهلل ما بعث‪%‬ين ب‪%‬ه"‪ ،‬وك‪%%‬ان ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%%‬لم ال يس‪%‬مع‬
‫بق ‪%%‬ادم إىل مك ‪%%‬ة من الع ‪%%‬رب ل ‪%%‬ه اس ‪%%‬م وش ‪%%‬رف إال تص ‪%%‬دى ل ‪%%‬ه ف ‪%%‬دعاه إىل اهلل وع ‪%%‬رض علي ‪%%‬ه م ‪%%‬ا‬
‫عن‪%% %‬ده"‪ .‬ومل يكت‪%% %‬ف ص‪%% %‬لى اهلل علي‪%% %‬ه وس‪%% %‬لم بأه‪%% %‬ل مك‪%% %‬ة ومن ك‪%% %‬ان يأتيه‪%% %‬ا وإمنا ي‪%% %‬ذهب إىل‬
‫خارجها ذهب إىل الطائف يدعو أهلها "فلما انتهى‪ %‬إىل الطائف عمد إىل نفر من ثقيف هم‬
‫يومئ ‪%%‬ذ س ‪%%‬ادة ثقي ‪%%‬ف وأش ‪%%‬رافهم فجلس إليهم رس ‪%%‬ول اهلل ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم ف ‪%%‬دعاهم إىل‬
‫اهلل‪."..‬‬
‫‪ /2‬أن ال يستهني ب‪%%‬ه الداعي‪%%‬ة‪ :‬وال جيوز للداعي‪%%‬ة أن يستص‪%%‬غر ش‪%%‬أن‪ %‬أي إنس‪%%‬ان أو أن يس‪%%‬تهني‬
‫به فال يدعوه‪ ،‬ألن من حق كل إنس‪%%‬ان أن ي‪%%‬دعى‪ ،‬وق‪%‬د يك‪%‬ون‪ %‬ه‪%‬ذا ال‪%‬ذي ال يقيم ل‪%‬ه الداعي‪%%‬ة‬
‫وزناً س‪%%‬يكون‪ %‬ل‪%%‬ه عن‪%‬د اهلل وزن كب‪%‬ري خبدمت‪%‬ه لإلس‪%‬الم وال‪%%‬دعوة إلي‪%%‬ه‪ ،‬وهك‪%%‬ذا ك‪%‬ان رس‪%‬ول اهلل‬
‫ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم ي ‪%%‬دعو ك ‪%%‬ل إنس ‪%%‬ان يلق ‪%%‬اه أو ي ‪%%‬ذهب إلي ‪%%‬ه‪ .‬ج ‪%%‬اء يف الس ‪%%‬رية‪ %‬النبوي ‪%‬ة‪ %‬أن‬
‫الرس ‪%%‬ول ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم بع ‪%%‬د أن ع ‪%%‬رض نفس ‪%%‬ه الكرمية على قبائ ‪%%‬ل الع ‪%%‬رب ال ‪%%‬يت وافت‬
‫املوس‪%%‬م يف مك‪%%‬ة وك‪%%‬ان ذل‪%%‬ك قب‪%%‬ل اهلج‪%%‬رة بنح‪%%‬و ثالث س‪%%‬نوات‪ ،‬ومل يس‪%%‬تجب ل‪%%‬ه منهم أح‪%%‬د‪،‬‬
‫لقي س‪%%‬تة نف‪%%‬ر من اخلزرج عن‪%%‬د العقب‪%%‬ة من م‪%%‬ىن وهم حيلق‪%%‬ون رؤوس‪%%‬هم‪ ،‬فجلس إليهم رس‪%%‬ول‬
‫اهلل صلى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم ف‪%‬دعاهم اىل اهلل وق‪%‬رأ عليهم الق‪%%‬رآن فاس‪%%‬تجابوا هلل ولرس‪%‬وله وآمن‪%‬وا‪%‬‬
‫مث رجع ‪%%‬وا إىل ق ‪%%‬ومهم باملدين ‪%%‬ة وذك ‪%%‬روا هلم رس ‪%%‬ول اهلل ص ‪%%‬لى اهلل علي ‪%%‬ه وس ‪%%‬لم "ودع ‪%%‬وهم إىل‬
‫االس ‪%%‬تالم‪ %‬ففش ‪%%‬ا فيهم ح ‪%%‬ىت مل يب ‪%%‬ق دار من دور األنص ‪%%‬ار إال فيه ‪%%‬ا ذك ‪%%‬ر رس ‪%%‬ول اهلل ص ‪%%‬لى اهلل‬
‫عليه وسلم"‪ ،‬فرسول اهلل ص‪%‬لى اهلل علي‪%‬ه وس‪%‬لم مل يستص‪%‬غر ش‪%‬أن أولئ‪%‬ك الس‪%‬تة وهم حيلق‪%‬ون‬
‫رؤوس ‪%%‬هم بع ‪%%‬د أن مل يس ‪%%‬تجب ل ‪%%‬ه أح ‪%%‬د من القبائ ‪%%‬ل النازل ‪%%‬ة ح ‪%%‬وايل مك ‪%%‬ة ومل يق ‪%%‬ل يف نفس ‪%%‬ه‬
‫الكرمية‪ :‬أي أم‪%%‬ل يف ه‪%%‬ؤالء املش‪%%‬غولني حبل‪%%‬ق رؤوس‪%%‬هم‪ .‬مث إن أولئ‪%%‬ك الس‪%%‬تة ك‪%%‬انوا هم ال‪%%‬دعاة‬
‫األول إىل اإلس ‪%% %‬الم‪ %‬يف املدين ‪%% %‬ة‪ ،‬فعلى ال ‪%% %‬داعي‪ %‬أن يقت ‪%% %‬دي هبدي رس ‪%% %‬ول اهلل ص ‪%% %‬لى اهلل علي‪%% %‬ه‬
‫وس‪%%‬لم‪ ،‬وال يس‪%%‬تهني بأح‪%%‬د فيزه‪%%‬د يف دعوت‪%%‬ه فق‪%%‬د يك‪%%‬ون اخلري الكث‪%%‬ري على ي‪%%‬د ه‪%%‬ذا ال‪%%‬ذي ال‬
‫يرى فيه خرياً اآلن‪.‬‬
‫‪ /3‬احلرص على نصح املدعو رجاء هدايته‪:‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 11 -‬‬


‫على الداعية إىل اهلل تعاىل أن يكون‪ %‬ناصحا للمدعو‪ ،‬وحيرص على هدايته يف مجيع‬
‫األحوال‪ ،‬وليتذكر يف ذلك أسوته و قدوته نبينا حممد‪ , ‬فقد كان رحيما وشفيقا للناس‪،‬‬
‫حريصا على هدايتهم وإنقاذهم من الضالل إىل اهلدى‪ ،‬ومن ظلمات الكفر إىل نور‬
‫اإلميان‪.‬‬
‫‪ /4‬اختيار أنسب الوسائل واألساليب‪ %‬املالئمة‪ %‬يف دعوته مع املدعو‪:‬‬
‫إن اختيار انسب الوسائل واألسلوب املالئم مع املدعو من صميم عمل الدعاة‪,‬‬
‫وذلك أن املدعويني خيتلف أنواعهم‪ ،‬فمنهم األطباء‪ %‬ومنهم أصحاب العلم ومنهم احملامى‬
‫واملهندس‪ ,‬فكل هؤالء ختتلف أساليب ووسائل مواجهتهم‪.‬‬
‫و أحيانا حيتاج الداعي‪ %‬إىل أسلوب املقارنة‪ %‬بني الدعوة اإلسالمية والدعوات األخرى‪،‬‬
‫و أسلوب الرد على الشبهات واملفرتيات‪ %،‬وأسلوب الرتبية واإلعداد‪ ،‬وأسلوب الرتغيب‬
‫والرتهيب‪ ،‬وغري ذلك‪ .‬وهذا يسهل على الداعي‪ %‬إذا حدد له طبقة من املدعوين قبل أن‬
‫‪ ‬‬
‫يبدأ العمل الدعوى‪.‬‬
‫واجباته‪:‬‬
‫للمدعو واجبات كثرية منها‪:‬‬
‫أن يستجيب للحق‪ :‬وأهنم إذا فعلوا فقد سلكوا سبيل الفوز والفالح‪ ،‬لقوله تعاىل‪1/ :‬‬
‫((إمنا كان قول املؤمنني إذا دعوا إىل اهلل ورسوله أن يقولوا‪ %‬مسعنا وأطعنا‪ %‬وأولئك هم‬
‫املفلحون))ولنا‪ %‬يف التاريخ عرب كثرية ومناذج واضحة ‪ ،‬فالصديق رضي اهلل عنه استجاب‬
‫فوراً ومل يتلكأ‪ ،‬والسحرة امنوا‪ %‬برب موسى وكانت استجابتهم سريعة بعد أن تبني هلم‬
‫‪.‬احلق‪  ‬قال تعاىل‪(( :‬إنا أمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر ))‬
‫‪ -‬وهناك‪ %‬بعض املدعوين يستجيب ببطء كاستجابة طلقاء مكة وعلى رأسهم أبو‬
‫سفيان‪ %‬وزوجته هند بنت عتبة‪ ،‬وهناك من ال يستجيب أبدا كأيب جهل وأيب هلب‬
‫وغريمها ‪.‬‬
‫‪ /2‬أن يقوم بالتطبيق ‪ ،‬فبعد مساع احلق و القناعة به‪،‬عليه أن يطبق ما هو مطلوب منه‪،‬‬ ‫‪ ‬‬

‫الن اإلميان يتبعه‪ %‬العمل قال تعاىل ‪....(( :‬إال الذين امنوا وعملوا الصاحلات ‪.))....‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 12 -‬‬


‫أصناف المدعوين ‪:‬‬
‫وهم مجهور الدعوة فيعرف الداعي أصناف املدعوين‪ %‬وطبائعهم وظروفهم وأحواهلم‬
‫ومستوياهتم العلمية واالجتماعية ليختار هلم من األساليب أجنعها ومن الطرق أنفعها ومن‬
‫املوضوعات‪ %‬أنسبها‪ ،‬ويدل على ذلك قوله تعاىل‪{ :‬قُ ْل َه ِذ ِه َسبِيلِي أ َْدعُو إِىَل اللَّ ِه َعلَى‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ٍ‬
‫ني} يوسف ‪ ،108‬والبصرية‬ ‫بَص َرية‪ %‬أَنَا َو َم ِن اتََّب َعيِن َو ُسْب َحا َن اللَّه َو َما أَنَا م َن الْ ُم ْش ِرك َ‬
‫مبعناها العام هي العلم والفهم فتتناول هذه األمور الثالثة يف حق الداعية‪.‬‬
‫واملدعوون‪ %‬أصناف كثرية ‪ ،‬وسنتطرق هنا إىل احلديث عن أصناف املسلمني وغري‬
‫املسلمني‪.‬‬
‫أ‪ /‬أصناف املسلمني‪:‬‬
‫املسلمون خمتلفون‪ ،‬وحبسب اختالفهم‪ ،‬واختالف مداركهم‪ ،‬وأعماهلم‪ ،‬ختتلف أحكام‬
‫دعوهتم كما يلي‪:‬‬
‫‪ - 1‬من عنده نقص يف اإلميان وجهل باألحكام‪:‬‬
‫نصرب على أذاه وندعوه‪ ،‬ونعلِّمه بالرفق التام واللني‪ ،‬واإلرشاد بلطف‪ ،‬كما فعل النيب ‪-‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬مع األعرايب‪.‬‬
‫ول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم‬ ‫عن أنس رضي اهلل عنه قال‪ :‬بينَما حَنْن يِف املس ِج ِد مع رس ِ‬
‫َْ َ ُ َ ْ َ َ َ ُ‬
‫ال أصحاب رس ِ‬ ‫ِِ‬
‫ول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫ول يِف املَ ْسجد‪َ ،‬ف َق َ ْ َ ُ َ ُ‬ ‫أعَرايِب ٌّ‪َ ،‬ف َق َام َيبُ ُ‬
‫‪ -‬إ ْذ َجاءَ ْ‬
‫ول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪« :-‬ال ُت ْز ِر ُموهُ‪َ ،‬دعُوهُ»‪.‬‬ ‫وسلم ‪َ :-‬م ْه َم ْه‪ .‬قال‪ :‬قال َر ُس ُ‬
‫ال‪.‬‬ ‫َفَتَر ُكوهُ َحىَّت بَ َ‬
‫صلُ ُح‬ ‫ِ‬ ‫ول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬دعاه َف َق َال لَه‪ِ ِ َّ :‬‬ ‫مُثَّ َّ‬
‫«إن َهذه املَ َساج َد ال تَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ََ ُ‬ ‫إن َر ُس َ‬
‫آن»‪ْ %.‬أو‬ ‫الة‪ ،‬وقِراء ِة ال ُقر ِ‬ ‫لِشي ٍء ِمن ه َذا البو ِل وال ال َق َذ ِر‪ ،‬إمَّنَا ِهي لِ ِذ ْك ِر اهلل عَّز وج َّل‪ ،‬و َّ ِ‬
‫الص َ َ َ ْ‬ ‫َ ََ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ ْ َ َْ َ‬
‫ول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬قال‪ :‬فَ َأمَر َر ُجالً ِم َن ال َق ْوِم‪ ،‬فَ َجاءَ بِ َدلْ ٍو ِم ْن‬ ‫َك َما قال َر ُس ُ‬
‫َم ٍاء‪ ،‬فَ َشنَّهُ َعلَْي ِه‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪ - 2‬من عنده نقص يف اإلميان وعلم باألحكام‪:‬‬
‫فهذا يدعى باحلكمة واملوعظة احلسنة ويدعى له؛ ليزيد إميانه فيطيع ربه‪ ،‬ويتوب من‬
‫معصيته‪%.‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 13 -‬‬


‫ال‪:‬‬ ‫ىت َشابّاً أَتَى النَّيِب َّ ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ ،-‬ف َق َ‬ ‫َع ْن أَيب أ َُم َامةَ رضي اهلل عنه قَ َ َّ‬
‫ال‪ :‬إن فَ ً‬
‫«ادنُ ْه» فَ َدنَا‬ ‫ال‪ْ :‬‬ ‫الزىَن ‪ ،‬فَأَ ْقبَ َل ال َق ْو ُم َعلَْي ِه َفَز َجُروهُ‪ ،‬قَالُوا‪َ :‬م ْه َم ْه‪َ ،‬ف َق َ‬ ‫ول اهلل‪ ،‬ائْ َذ ْن ِيل بِ ِّ‬ ‫يَا َر ُس َ‬
‫«واَل‬
‫ال‪َ :‬‬ ‫ال‪ :‬اَل َواهلل َج َعلَيِن اهلل فِ َداءَ َك‪ ،‬قَ َ‬ ‫ك؟» قَ َ‬ ‫ال‪« :‬أَحُتِ بُّهُ أل ُِّم َ‬‫س‪ ،‬قَ َ‬ ‫ِ ِ‬
‫مْنهُ قَريبًا‪ ،‬قَ َال‪ :‬فَ َجلَ َ‬
‫ول اهلل َج َعلَيِن اهلل‬ ‫ال‪ :‬اَل َواهلل يَا َر ُس َ‬ ‫ك؟»‪.‬قَ َ‬ ‫ال‪« :‬أََفتُ ِحبُّهُ ِال ْبنَتِ َ‬ ‫َّاس حُيِ بُّونَهُ أل َُّم َهاهِتِ ْم»‪ ،‬قَ َ‬
‫الن ُ‬
‫ال‪ :‬اَل َواهلل َج َعلَيِن اهلل‬ ‫ك؟» قَ َ‬ ‫ُختِ َ‬ ‫ِ‬
‫ال‪« :‬أََفتُحبُّهُ أل ْ‬ ‫َّاس حُيِ بُّونَهُ لَِبنَاهِتِ ْم»‪ ،‬قَ َ‬
‫«وال الن ُ‬ ‫ف َداءَ َك‪ ،‬قَ َال‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ِ‬ ‫َخ َواهِت ْم»‪ ،‬قَ َ‬ ‫فِ َداء َك‪ ،‬قَ َال‪« :‬وال الن ِ‬
‫ال‪ :‬اَل َواهلل َج َعلَيِن‬ ‫ك؟» قَ َ‬ ‫ال‪« :‬أََفتُ ِحبُّهُ ل َع َّمتِ َ‬ ‫َّاس حُي بُّونَهُ أل َ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خِل‬ ‫ِ هِتِ‬ ‫اهلل فِ َداءَ َك‪ ،‬قَ َ‬
‫ال‪ :‬اَل َواهلل‬ ‫ك؟» قَ َ‬ ‫َّاس حُيِ بُّونَهُ ل َع َّما ْم»‪ ،‬قَ َال‪« :‬أََفتُ ِحبُّهُ َالَتِ َ‬ ‫«وال الن ُ‬ ‫ال‪َ :‬‬
‫ض َع يَ َدهُ َعلَْي ِه َوقَ َال‪":‬اللَّ ُه َّم‬‫ال‪َ :‬ف َو َ‬ ‫َّاس حُيِ بُّونَهُ خِلَااَل هِتِ ْم"‪ ،‬قَ َ‬
‫‪":‬واَل الن ُ‬ ‫ال َ‬ ‫َج َعلَيِن اهلل فِ َداءَ َك‪ ،‬قَ َ‬
‫ت إىَل َش ْي ٍء‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ك ال َفىَت َي ْلتَف ُ‬
‫ِ‬
‫ص ْن َف ْر َجهُ"‪.‬قال‪َ :‬فلَ ْم يَ ُك ْن َب ْع ُد َذل َ‬ ‫ا ْغ ِف ْر َذ ْنبَهُ‪َ ،‬وطَ ِّه ْر َق ْلبَهُ‪َ ،‬و َح ِّ‬
‫أخرجه أمحد‪.‬‬
‫‪ - 3‬من عنده قوة يف اإلميان وجهل باألحكام‪:‬‬
‫فهذا يدعى مباشرة ببيان احلكم الشرعي‪ ،‬وبيان خطر اقرتاف املعاصي‪ ،‬وإزالة املنكر الذي‬
‫ول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪َ -‬رأى‬ ‫أن َر ُس َ‬‫اس َر ِضي اهلل َعْن ُهما َّ‬ ‫وقع فيه‪ :‬عن ابْ ِن َعبّ ٍ‬
‫َ‬
‫أح ُد ُك ْم إىَل مَج َْر ٍة ِمن نا ٍر‬ ‫ال‪ِ :‬‬ ‫ِ‬ ‫َخامَت اً ِم ْن َذ َه ٍ‬
‫«ي ْعم ُد َ‬ ‫ب يِف يَد َر ُج ٍل‪َ ،‬فَنَز َعهُ فَطََر َحهُ َوقَ َ َ‬
‫َفيجعلُها يِف ي ِد ِه»‪ ،‬فَِق ِ‬
‫ول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ُ :-‬خ ْذ‬ ‫ب َر ُس ُ‬ ‫يل ل َّلر ُج ِل َب ْع َد َما َذ َه َ‬ ‫َ‬ ‫َ َْ َ َ‬
‫ول اهلل ‪ -‬صلى اهلل عليه‬ ‫آخ ُذهُ أبَداً َوقَ ْد طََر َحهُ َر ُس ُ‬ ‫ال‪ :‬ال‪َ ،‬واهلل ال ُ‬ ‫ك ا ْنتَ ِف ْع بِِه‪ ،‬قَ َ‬‫َخامَتَ َ‬
‫وسلم ‪ .-‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪ - 4‬من عنده قوة يف اإلميان وعلم باألحكام‪:‬‬
‫فهذا ليس له عذر‪ ،‬يُْن َكر عليه بقوة‪ ،‬ويُ َعامل معاملة أشد مما سبق؛ لئال يكون قدوة لغريه‬
‫يف املعصية‪ %،‬كما اعتزل النيب ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الثالثة‪ %‬الذين ُخلِّفوا يف غزوة تبوك‬
‫مخسني ليلة‪ ،‬وأمر الناس هبجرهم ملا تركوا اخلروج لغزوة تبوك مع كمال إمياهنم وعلمهم‪،‬‬
‫وال عذر هلم‪ ،‬حىت تاب اهلل عليهم‪ ،‬وهم هالل بن أمية‪ ،‬ومرارة بن الربيع‪ ،‬وكعب ابن‬
‫مالك رضي اهلل عنهم‪ ،‬والقصة مفصلة يف الصحيحني‪.‬‬
‫ِ َّ ِ‬
‫ت‬ ‫ض مِب َا َر ُحبَ ْ‬‫ت َعلَْي ِه ُم اأْل َْر ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫ين ُخلِّ ُفوا َحىَّت إِ َذا َ‬ ‫{و َعلَى الثَّاَل ثَ ‪%‬ة الذ َ‬ ‫قال اهلل تعاىل‪َ :‬‬
‫اب َعلَْي ِه ْم لِيَتُوبُوا إِ َّن اللَّهَ ُه َو‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ت َعلَْي ِه ْم أَْن ُف ُس ُه ْم َوظَنُّوا‪ %‬أَ ْن اَل َم ْل َجأَ م َن اللَّه إِاَّل إِلَْيه مُثَّ تَ َ‬ ‫ضاقَ ْ‬‫َو َ‬
‫يم (‪[ })118‬التوبة‪.]118%/‬‬ ‫الت ََّّواب َّ ِ‬
‫الرح ُ‬ ‫ُ‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 14 -‬‬


‫ومما ال شك فيه أن كل صنف مما سبق له مسات خاصة قد ختتلف عن اآلخرين‪ ،‬مما‬
‫يرتتب‪ %‬عليه أن خيتار الداعية‪ %‬إىل اهلل ‪ ، ‬مع كل صنف ما يناسبه من الوسائل واألساليب‬
‫الدعوية اليت تؤثر فيه ‪ ،‬كما أن كل صنف له حقوق ومسؤوليات جتاه الداعية‪ %‬قد ختتلف‬
‫عن اآلخر ‪.‬‬
‫ب‪ /‬أهل الكتاب‪.‬‬
‫ج‪ /‬املشركون‪.‬‬
‫سمات بعض المدعوين‪:‬‬
‫‪ .1‬سرعة استجابة املؤمن للموعظة والتذكري‪.‬‬
‫‪ .2‬من مسات املدعوين بشكل عام‪ :‬طلب املزيد من اخلري‪.‬‬
‫‪ .3‬من مسات النساء‪ :‬شدة العاطفة عندهن‪ ،‬وسرعة التأثر‪.‬‬
‫‪ .4‬من مسات املأل الغالبة‪ :‬التكرب ‪ ،‬وشدة التعلق بالدنيا‪.‬‬
‫‪ .5‬من مسات اليهود ‪ :‬شدة اخلصام واللجج ‪.‬‬
‫‪ .6‬من مسات األعراب‪ :‬اجلفاء‪ ،‬وعدم االهتمام باملظهر‪ ،‬ورفع الصوت‪،‬‬
‫واجلرأة والعجلة‪.‬‬
‫‪ .7‬خوف الكفار وشدة عدائهم للدعوة وصاحبها‪.‬‬
‫الركن الثالث‪ :‬المدعو إليه‪:‬‬
‫وهو موضوع الدعوة‪ ،‬واملقصود به اإلسالم‪ %،‬فالداعية‪ %‬ال يدعي إال إىل اإلسالم‪%‬‬
‫وهو سبيل اهلل وصراطه املستقيم الذي يأمر بالتوحيد باهلل واإلميان به‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬تعريف اإلسالم‪:‬‬
‫اإلسالم يف اللغة‪ :‬مشتق من االستسالم‪ ، %‬وهو اخلضوع‪ %‬واالنقياد ‪ .‬‬
‫ويف االصطالح‪ :‬له إطالقان‪ :‬عام ‪ ،‬وخاص‪.‬‬
‫فأما األول ( وهو املعىن العام )‪ :‬فيطلق على مجيع ما أرسل به املرسلون من لدن آدم إىل‬
‫خامتهم املختار عليه الصالة والسالم‪.‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 15 -‬‬


‫وأما المعنى الخاص ‪ :‬فهو الدين الذي جاء به حممد صلى اهلل عليه وسلم من عند ربه‬
‫فختم اهلل به الرساالت‪ ،‬كما ختم بصاحبه النبوات‪ %،‬وهو دين اهلل الذي ال يقبل غريه وال‬
‫يرضى بسواه‪. %‬‬
‫ردا على سؤال‬‫وأفضل تعريف لإلسالم هو تعريف رسول اهلل ـ صلوات اهلل وسالمه عليه ـ ّ‬
‫جربيل عليه السالم ‪ ،‬حني قال ‪":‬اإلسالم أن تشهد أن ال إله إال اهلل وأن حممدا رسول اهلل‪،‬‬
‫وتقيم الصالة ‪ ،‬وتؤيت الزكاة‪ ،‬وتصوم رمضان وحتج البيت إن استطعت إليه سبيالً‪ ،‬قال‬
‫صدقت ‪"...‬‬
‫وقد مجع هذا الدين يف طياته عقيدة صحيحة‪ ،‬وشريعة كاملة‪ ،‬يف ثوب من مكارم‬
‫األخالق‪ ،‬فكان حبق دين اهلل احلق وما سواه فضرب من الباطل ‪.‬‬
‫خصائص اإلسالم‪:‬‬
‫اختص دين اإلسالم خبصائص كثرية ‪ ،‬وامتاز مبزايا عديدة تتجلى يف كليات‬
‫أحكامه وجزئياهتا ‪ ،‬ومن أبرز هذه اخلصائص‪:‬‬
‫‪ /1‬قدسية املصدر ( الربانية)‪:‬‬
‫فاإلسالم مصدره ومنهجه وأحكامه ‪ ،‬كل ذلك من عند اهلل ‪ ،‬فهو وحيه إىل رسوله‬
‫الكرمي ‪ ،‬وهذا أكرب فارق بينه وبني ما عداه من األديان‪.‬‬
‫‪ /2‬الشمـولية‪:‬‬
‫فهو دين شامل جلميع شؤون احلياة وسلوك اإلنسان ‪ ،‬وهذا الشمول ال يقبل االستثناء وال‬
‫التخصيص‪ %،‬بل هو كامل تام بكل ما حتمله الشمولية من معىن‪.‬‬
‫لقد نظم اإلسالم عالقة العبد بربه‪ ،‬وعالقته بالناس‪ ،‬وعالقته حبكامه والعكس‪ ،‬وعالقته‬
‫بالكون‪ %‬حوله‪ ،‬وبني له ورتب له حياته قبل املمات وبعد الوفاة ‪.‬‬
‫‪ /3‬العمـوم‪:‬‬
‫من البدهيات يف اإلسالم‪ %‬أنه جاء لعموم البشر وكافة اخللق‪ ،‬وليس هو لطائفة معينة‪%،‬‬
‫وال جلنس دون جنس‪ .‬‬
‫وهذا العموم كما يشمل األجناس كذلك يشمل األماكن واألزمان‪ %،‬فهو دين اهلل لكل‬
‫اخللق يف كل مكان وإىل أن تقوم الساعة؛ ولذلك فقد شرعه اهلل تعاىل صاحلا هلذا العموم‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 16 -‬‬


‫يفي حباجات الناس‪ ،‬وحيقق مصاحلهم‪ ،‬وال يتخلف عن أي مستوى يعيشونه‪ %‬يف جمتمعاهتم‪،‬‬
‫وهذا واضح من خالل واقع الشريعة وطبيعة‪ %‬مبادئها ومناهجها وأحكامها ‪،‬ومن مث جاء‬
‫اإلسالم‪ %‬شامال كامال‪.‬‬

‫هذه كانت إطاللة‪ %‬سريعة على خصائص اإلسالم الذي هو موضوع الدعوة‪ ،‬والواجب‪%‬‬
‫على الدعاة أن يبينوا للناس هذه اجلوانب‪ %‬من عظمة هذا الدين‪ ،‬وجيعلوا ذلك أصل دعوهتم‬
‫فإن أكثر اخللق غافلون عن معرفة اإلسالم جاهلون به‪ ،‬ولو عرف الناس اإلسالم‪ %‬حق‬
‫معرفته لدخلوا فيه أفواجا كما خرجوا منه ـ‬
‫مصادر الدعوة إلى اهلل‪:‬‬
‫مصادر الدعوة إىل اهلل مخسة وهي ‪:‬‬
‫‪ -1‬القرآن الكرمي‬
‫‪ -2‬السنة النبوية الشريفة‬
‫‪ -3‬السرية النبوية‪ %‬املطهرة‬
‫‪ -4‬سرية اخللفاء الراشدين‬
‫‪ -5‬وقائع العلماء والدعاة يف ضوء تلك املصادر‬
‫المصدر األول‪ :‬القرآن الكريم‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬يف اللغة ‪ :‬القرآن ‪ :‬مصدر َقرأ يقرأ ‪ ،‬وقيل يف أصول اشتقاقه غري ذلك ‪.‬‬
‫كالعلم ‪ ،‬كما أن‬
‫وقد ُ خص بالكتاب املنزل على حممد –صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬فصار له َ‬
‫واإلجنيل على عيسى صلى اهلل عليهما وسلم ‪.‬‬
‫َ‬ ‫التوراَة‪ %‬ملا أنزل على موسى ‪،‬‬
‫أيضا ‪ ،‬وأصله مصدر كذلك ‪ ،‬مث مسي به النظم الكرمي تسمية‬ ‫ويقال للقرآن ‪ :‬فرقان ً‬
‫مفروق بعضه‬
‫ٌ‬ ‫للمفعول أو الفاعل باملصدر ‪ ،‬باعتبار أنه كالم فارق بني احلق والباطل ‪ ،‬أو‬
‫عن بعض يف النزول ‪ ،‬أو يف السور واآليات‪.‬‬
‫وفي االصطالح‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 17 -‬‬


‫اختلفت أساليب العلماء يف تعريف القرآن الكرمي يف االصطالح‪ ،‬فذهب بعضهم إىل‬
‫االختصار واإلجياز‪ ،‬وذهب آخرون إىل التفصيل‪ %‬واإلطناب‪ ،‬ولعل من أقصر ما ميكن أن‬
‫يعرف به أنه‪: ‬‬
‫" كالم اهلل عز وجل ‪ ،‬املنزل على رسوله –صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬املنقول‪ %‬عنه بالتواتر‪،‬‬
‫املتعبد بتالوته‪.‬‬

‫خصائص القرآن الكريم‪:‬‬


‫مجيعا‪ ‬‬
‫‪ - 1‬الربانية‪ :‬وهي نسبة إىل الرب سبحانه وتعاىل ‪ ،‬وهي أهم اخلصائص‪ %‬ومصدرها ً‬
‫وإليها ترجع اخلصائص األخرى‬
‫‪ -2‬الكمال ‪ :‬وهي مبعىن " اخللو عن النقص والعيب" ‪ ،‬وهي أثر للخصيصة األوىل‬
‫الربانية" فكالم اهلل عز وجل املنزه عن كل نقص وعيب كامل أيضا ‪ ،‬قال ‪  ( :‬وإنَّه‬
‫تنزيل من حكيم )‬‫الباطل من بني يديه وال من َ خ ْلفه ‪ٌ ،‬‬
‫ُ‬ ‫لكتاب عزيز ال يأْتيه‬
‫‪ -3‬الوضوح‪ :‬وهي" اإلبانة " ويقابلها" الغموض"‬
‫‪ -4‬الشمول‪ :‬وهي " اإلحاطة " ‪ ،‬فالقرآن شامل جلميع ما حيتاج إليه اإلنسان يف دنياه‬
‫وأخراه ‪ ،‬ألنه جاء لسعادته يف الدنيا واآلخرة ‪ ،‬وهذا ما يعرب عنه بعضهم‪ :‬بالشمول‬
‫املوضوعي ‪ ،‬وهو شامل جلميع الناس من زمنه –صلى اهلل عليه وسلم – إىل يوم القيامة ‪،‬‬
‫مجيعا أينما كانوا ‪ ،‬وهو ما يعرب عنه بعضهم‪ :‬بالشمول الزماين واملكاين ‪.‬‬ ‫وموجه إليهم ً‬
‫مشريا إىل هذه اخلصيصة‪ ( :‬ما َفرطنا يف الكتاب من شيء )‬ ‫قال تعاىل ً‬
‫‪  - 5‬التوازن‪ :‬وهي" االنسجام" وائتالف بني أجزاء الشيء ويقابلها‪ " :‬التنافر‬
‫واالختالف" ‪ ،‬ويعرب عنها بعضهم " بالوسطية" نسبة إىل الوسط‪.‬‬
‫وال يشرتط يف توازن الشيء التساوي بني أجزائه ‪ ،‬وإمنا يكفي‪ %‬االعتدال واالنسجام فيما‬
‫كما ‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بينها ‪ ،‬كما يقال عن الدم يف جسم اإلنسان إنَّه متوازن مع اختالف نسبة تركيباته ً‬
‫والتوازن خصيصة متعلقةٌ خبصيصة‪ %‬الشمول ومكملةٌ هلا ‪ ،‬فال يظهر مجال الشمول إال‬
‫بالتوازن‪%.‬‬
‫‪ -6‬العملية‪ :‬وهي ‪ ( :‬صالحية الشيء للتطبيق والعمل به يف كل زمان ومكان) وهذه‬
‫اخلصيصة‪ُ %‬تعد مثرةَّ ونتيجة جلميع اخلصائص‪ %‬السابقة‪ ، %‬فلوالها مل تكن هذه اخلصيصة ‪.‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 18 -‬‬


‫‪ -7‬اإلعجاز‪ :‬وهو"إظهار عجز البشر بتحديهم باإلتيان مبثله شكال ومضمونا‪ ،‬وميكن‬
‫أمجال أوجه إعجاز القرآن يف عدة وجوه منها‪:‬‬
‫‪ ‬أ‪ -‬اإلعجاز البياين‬
‫ب‪ -‬اإلعجاز التشريعي‪%‬‬
‫ج –‪  ‬اإلعجاز اإلخباري‪ (  ‬الغيبيب )‬
‫د‪  -‬اإلعجاز العلمي ‪.‬‬
‫مجيعا بأن‪ %‬يأتوا مبثله ‪ ،‬وذلك على ثالث‬‫فقد حتدى القرآن الكرمي الناس ً‬
‫مراحل على رأي مجهور العلماء ‪ ،‬وعلى أربع مراحل على قول بعضهم‬
‫قال تعاىل ‪( :‬أم يقولون‪ %‬افرتاه ‪ ،‬قل فأتوا‪ %‬بسورة مثله ‪ ،‬وادعوا من استطعتم من دون اهلل‬
‫إن كنتم صادقني )‬
‫هذا وال يزال هذا التحدي سائر املفعول إىل يوم القيامة ‪ ،‬وال يزال العلماء يكتشفون‪%‬‬
‫أوجها إعجازية فيه ‪ ،‬كل حبسب إمكاناته وختصصه‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪ -8 ‬الثبوت القطعي‪ :‬وتعين ( اتَّصال سند نقل القرآن الكرمي وروايته بالنيب –صلى اهلل‬
‫عليه وسلم‪ -‬دون انقطاع على وجه متواتر قطعي ال يداخله شك إىل يومنا هذا ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من وجود القراءات املشهورة واآلحاد ‪ ،‬اليت يستفاد منها يف التفسري واستنباط‬
‫يثبت يف‬
‫األحكام ‪ ،‬فقد أمجعت األمة على وجوب جتريد القرآن عنها عند مجعه ‪ ،‬فلم ‪%ْ  ‬‬
‫املصحف إال املتواتر املقطوع بثبوته ‪.‬‬
‫‪ -9‬احلفظ‪ :‬وتعين ( السالمة من التحريف ‪ ،‬والزيادة والنقص‪) %‬‬
‫‪  ‬فقد حفظ اهلل عز وجل هذا القرآن من أي تغيري أو تبديل ‪ ،‬وذلك بتهيئة من يهتم به‬
‫ويرعاه من أول يوم أنزل إىل يومنا هذا‪ ،‬قال تعاىل ‪( :‬إنا َحنن نزلنا‪  ‬الذكر ‪ ،‬وإّنا له‬
‫حلافظون )‬
‫‪ ‬المصدر الثاني‪ :‬السنة النبوية الشريفة‬
‫تعريف السنة‪:‬‬
‫يف اللغة‪ :‬تطلق السنة على معان كثرية يف اللغة منها ( الطريقة )‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 19 -‬‬


‫يف االصطالح‪ :‬تعددت تعريفاهتا تبعا الختصاص املعرفني ‪ ،‬فهنا ك تعريف للمحدثني‪،‬‬
‫وآخر للفقهاء‪ ،‬وثالث لألصوليني‪ ،‬والتعريف املناسب ملقام ذكر املصادر واألدلة هو‬
‫تعريف األصوليني للسنة‪.‬‬
‫وهو (ما صدر عن النيب صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬من فعل أو قول أو تقرير )‬
‫والسنة النبوية بالنسبة للداعية‪ %‬هي طريقة رسول اهلل – صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬يف الدعوة‪%،‬‬
‫قل هذه سبيلي أدعوا‬‫عليها يعتمد يف دعوته ‪ ،‬ومنها يستقي‪ %‬ما دام متبعا له‪ ،‬قال تعاىل‪ْ (:‬‬
‫إىل اهلل على بصرية أنا و من اّتبعين )‪.‬‬

‫خصائص السنة النبوية‬


‫‪ – 1‬أهنا نوع من الوحي‪ :‬فالسنة وإن كانت‪ :‬ما صدر عن رسول اهلل – صلى اهلل عليه‬
‫وسلم – فإمنا هي شكل من أشكال الوحي قال تعاىل‪ (:‬وما ينطق عن اهلوى أن هو إال‬
‫وحي يوحى )‪.‬‬
‫‪ -2‬اتصال السند‪ ،‬وهو خصيصة من خصائص األمة اإلسالمية‪ ،‬حيث ال جتد األمم‬
‫سندا متصال ألقوال أنبيائها‪ %‬ورسلها عليهم الصالة‪ %‬والسالم ‪ ،‬وإمنا هي أقوال‬
‫األخرى اليوم ً‬
‫يرويها بعض علماءهم وأحبارهم ورهباهنم عنهم دون اتصال ‪.‬‬
‫‪ – 3‬احلفظ من الضياع ‪.‬‬
‫‪ – 4‬العصمة من اخلطأ يف التشريع ‪ .‬وذلك ألن السنة وحي ‪ ،‬والوحي منزه عن ‪ ‬اخلطأ‪،‬‬
‫وجاء يف احلديث الشريف عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص – رضي اهلل عنهما – قوله –‬
‫صلى اهلل عليه وسلم –حني أذن له بكتابة‪ %‬احلديث‪ " :‬اكتب ‪ ،‬فو الذي نفسي بيده ‪ ،‬ما‬
‫خيرج منه إال احلق ) ‪.‬‬
‫المصدر الثالث‪ :‬السيرة النبوية المطهرة‬
‫السرية النبوية هي‪ :‬تاريخ حياة النيب –صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬وبيان طريقته فيها‪ .‬ألن‬
‫السرية النبوية يف اللغة ‪ :‬الطريقة ‪ ،‬واحلالة اليت يكون‪ %‬عليها اإلنسان وغريه ‪ ،‬يقال‪ :‬قرأت‬
‫سرية فالن ‪ :‬أي تاريخ حياته ‪ ،‬ومجعها‪  ‬سري ‪ ، ،‬كما تشمل مشائله وغزواته ‪ ،‬ومجيع‬
‫حتركاته الدعوية ‪ ،‬وتكون‪ %‬السرية من هذا الوجه أعم من السنة النبوية يف اصطالح‬
‫األصوليني‪.‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 20 -‬‬


‫وملا كان الرسول –صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬الداعي ‪ ‬األول هلذا اإلسالم ‪ ،‬كانت سريته‬
‫أوسع مصدر عملي للدعاة ‪،‬وكان الكتاب والسنة أوسع املصادر النظرية هلم ‪ .‬‬
‫المصدر الرابع‪ :‬سيرة الخلفاء الراشدين‪:‬‬
‫اخللفاء الراشدون بعده عليه السالم الذين أُمجع على وصفهم بذلك أربعة‪ ،‬هم على‬
‫الرتتيب‪ :‬أبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلي رضي اهلل عنهم ‪.‬‬
‫مجيعا‪.‬‬
‫وهؤالء األئمة األربعة اخللفاء الراشدون أفضل الصحابة رضوان اهلل عليهم ً‬
‫وملكانة‪ %‬هؤالء اخللفاء من رسول اهلل عليه السالم‪  ‬وخالفتهم الراشدة كانت سنتهم متبعة‬
‫كسنة رسول اهلل عليه السالم والسيما فيما اتفقوا‪ %‬عليه من ّسنن ‪ ،‬وسنوه للناس من‬
‫بعدهم‬
‫وقد كان لسريهتم وسنتهم هذه املكانة‪ %‬اخلاصة ‪ ،‬ألهنم كانوا إذا عرضت هلم قضية ‪ ،‬نظروا‬
‫يف كتاب اهلل وسنة رسول اهلل –صلى اهلل عليه وسلم‪  ‬فإن وجدوا فيها شيئًا أخذوا به وإن‬
‫مل جيدوا ‪ ،‬شاوروا‪  ‬من حوهلم من كبار صحابة رسول اهلل عليه السالم ‪( .‬وخري مثال‬
‫قتال مانعي الزكاة وغريها )‬
‫امتدادا طبيعيا لسنة رسول اهلل عليه السالم‪  ‬وسريته ‪ ،‬وتطبي ًقا‪%‬‬
‫فكانت سنتهم وسريهتم ً‬
‫عمليا ملنهج اهلل ورسوله‬
‫ولعل حكمة اعتبار سنتهم كسنة رسول اهلل عليه وسلم يف اإلتباع‪ ، %‬أال تقتصر أسوة‬
‫املؤمنني على النيب املعصوم‪ %‬عليه السالم وإمنا تشمل خلفاؤه الراشدون من بعده ‪ ،‬وحىت ال‬
‫يتوهم متوهم أن إمكانية تطبيق اإلسالم‪ %‬تطبي ًقا صحيحا ال تكون إال يف زمن رسول عليه‬
‫وسلم وتتوقف بوفاته ‪ ،‬فقامت احلجة بسنتهم وسريهتم كما قامت بسنة رسول اهلل عليه‬
‫السالم إىل يوم القيامة ‪.‬‬
‫المصدر الخامس‪ :‬وقائع العلماء والدعاة في ضوء تلك المصادر‬
‫هاما من مصادر‬
‫مصدرا ً‬
‫ً‬ ‫تعد جتارب العلماء والدعاة‪ ، %‬وتصرفاُهتم يف الوقائع الدعوية‬
‫تطبيقات عملية‬
‫ٌ‬ ‫الداعية‪، %‬يعيُنه على فهم املصادر السابقة ‪ ،‬واستنباط‪ %‬األحكام منها ‪ ،‬ألهنا‬
‫ملنهج اهلل ورسوله‪.‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 21 -‬‬


‫مصدرا َتبعيًا يستفاد منه يف‬
‫ً‬ ‫ومع أمهية هذه الوقائع وعظيم فائدهتا ‪ ،‬فإهنا اجتهادات تٌعد‬
‫ضوء املصادر األصلية السابقة ‪ ،‬ألهنا اجتهادات بشرية ُختطئ ُوتصيب‪ %‬فإذا أمجع العلماء‬
‫على التعامل مع واقعة ما بشكل حمدد ‪ ،‬كان عملهم حجة بسبب ‪ ‬اإلمجاع ‪ ،‬وإن‬
‫فت آراؤهم واجتهاداُهتم فيها ‪ ،‬كانت آراء اجتهادية ُتنري الطريق لغريهم ‪ ،‬ولو أصابوا‬ ‫اختلَ ْ‬
‫واحدا – كما هو شأهنم يف االجتهادات الفقهية ‪.‬‬‫أجرا ً‬ ‫فيها ً‬
‫وأحكاما ثابتة ‪ ،‬وإمنا هي جبانب‬
‫ً‬ ‫نصوصا جامدة ‪ ،‬أو أعماال‬
‫ً‬ ‫فليست الدعوة اإلسالمية‬
‫واستنباطات علمية وموازنات دقيقة‬
‫ٌ‪%‬‬ ‫النصوص الشرعية واألحكام الفقهية أفهام بشرية ‪،‬‬
‫الحيسنها إال أهلها‪ .‬وهم العلماء ورثة األنبياء عليهم الصالة‪ %‬والسالم ‪ ،‬فقد ‪،‬جاء يف‬
‫ُ‬
‫احلديث ‪ " :‬العلماء ورثة األنبياء "‬
‫وإن أوىل العلماء باالستفادة من وقائعهم وتصرفاهتم فيها‪ :‬الصحابة الكرام‪  ‬رضوان اهلل‬
‫عليهم ‪ ،‬ألهنم أعلم الناس باملنهج الرباين ‪ ،‬واألسلوب احلكيم ‪ ،‬وذلك لصحبتهم لرسول‬
‫وجعل هلم منزلة خاصة‬
‫َ‬ ‫اهلل عليه السالم ومعايشتهم لسريته الدعوية ‪ ،‬مما جعلهم خري الناس‬
‫قول الصحايب حجة‪  ‬ودليال ‪.‬‬
‫جعل بعضهم َ‬
‫عند علماء األمة ‪،‬حىت‪َ  ‬‬
‫مث يأيت بعدهم التابعون هلم بإحسان من علماء القرون األوىل ‪ ،‬الذي أخذوا عن الصحابة‬
‫واهتدوا‪ %‬هبديهم ‪.‬مث يأيت‪  ‬من بعدهم علماء األمة ودعاهتا على خمتلف العصور ‪ ،‬الذين ال‬
‫مجيعا عن املسلمني خري اجلزاء‪.‬‬
‫ختلوا األمة من أمثاهلم ‪ ،‬جزاهم اهلل ً‬
‫ومع االعرتاف‪ %‬بأولوية وأمهية وقائع علماء السلف ودعاهتم ‪ ،‬فإنه ال ينبغي للدعاة‪  ‬أن‬
‫يزهدوا بوقائع علماء السلف ودعاهتم ‪ ،‬فإنه ال ينبغي للدعاة أن يزهدوا بوقائع علماء‪ ‬‬
‫عصرهم ‪ ،‬وجتارب الدعاة املعاصرين ‪ ،‬فقد يكون‪ %‬فيها من الوقائع واألحداث ما يشابه‬
‫وقائع العصر الذي يعيشون فيه ‪ ،‬وما هو أكثر مطابقة هلا ‪ ،‬فكلما تقاربت العصور‬
‫تشاهبت الوقائع واألحداث فيها ‪ ،‬والعلماء املوثَّقون‪ %‬يف كل عصر‪ ،‬هم أدرى الناس‬
‫باحتياجات عصرهم‪ ،‬وباألساليب النافعة فيه ‪ ،‬فال يغين شيء عن شيء ‪.‬‬
‫‪ ‬ومن ذلك االطالع على سرية الشيخني وجهودمها الدعوية (ابن باز ‪ ،‬ابن عثيمني‪،‬‬
‫وغريمها)‪.‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 22 -‬‬


‫‪ - 10‬أساليب الدعوة إلى هللا‪:‬‬
‫تعريف األسلوب‪:‬‬
‫يف اللغة‪ :‬الطريق ‪ ،‬واملذهب‪ %،‬يقال‪ :‬سلكت أسلوب فالن يف كذا‪ :‬طريقته ومذهبه‪،‬‬
‫وطريقة الكاتب‪ %‬يف كتابته‪.‬‬
‫ويف االصطالح‪ ( :‬الطرق اليت يسلكها الداعي يف دعوته )‪.‬‬
‫نماذج من أساليب الدعوة ‪:‬‬
‫تعود األساليب في مجملها إلى ثالث مجموعات ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫‪ .1‬مجموعة األساليب التي تحرك الشعور والوجدان‪ ،‬و اليت مبجموعها متثل‬
‫املنهج العاطفي‪ %،‬كأسلوب الوعظ والتذكري ‪ ،‬وأسلوب الرتغيب والرتهيب‪،%‬‬
‫وأسلوب حتريك العاطفة‪ %‬اإلميانية وهتييجها‪ ،‬وأسلوب الدعاء للمدعو‪.‬‬
‫‪ .2‬مجموعة األساليب التي تدعو إلى التفكر والتدبر واالعتبار‪ ،‬واليت‬
‫مبجموعها متثل املنهج العقلي‪ ،‬كأسلوب املقارنة بني احلسن والقبيح‪، %‬‬
‫وأسلوب التشبيه‪ %،‬وأسلوب املناظرة‪ ،‬وأسلوب التوضيح والتعليل العقلي‪،‬‬
‫وأسلوب الرد على الشبهات‪.‬‬
‫‪ .3‬مجموعة األساليب التي تعتمد على الحس والتجارب اإلنسانية ‪ ،‬واليت‬
‫مبجموعها متثل املنهج احلسي ‪ ،‬كأسلوب القدوة احلسنة ‪ ،‬وأسلوب ذكر‬
‫الداعية جتاربه وما يظهر عليه‪ ،‬وأسلوب حتفيظ املدعو ‪ ،‬وأسلوب اإلحسان‬
‫للمدعوين ومساعدهتم‪.‬‬
‫‪ .4‬األساليب العامة ‪ ،‬واليت تشمل األساليب السابقة ‪ ،‬أو بعضها ‪ ،‬كأسلوب‬
‫اخلطابة‪ ،‬وأسلوب القصص‪ ، %‬وأسلوب التعليم ‪ ،‬وأسلوب السؤال واجلواب‪.‬‬
‫و لكثرة األساليب وتنوعها؛‪ %‬ينبغي للداعية‪ %‬إىل اهلل ‪: ‬‬
‫‪ -‬اختيار األسلوب المناسب للمدعوين‪ ،‬وذلك بالنظر إىل حاهلم وزماهنم‬
‫ومكاهنم‪ ،‬فمثالً جند أن رسول اهلل ‪ ، ‬يستخدم أسلوب الرفق واللني يف بعض‬
‫املواقف‪ ،‬ويف مواقف أخرى يستعمل الشدة والقسوة‪ ، %‬وذلك حلاجة املدعو يف‬
‫هذه احلال ملثل هذا األسلوب‪.‬‬
‫‪ -‬التنويع بين هذه األساليب وطرحها ‪ ،‬وذلك ألن املدعو فيه ثالث ركائز‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 23 -‬‬


‫العاطفة والعقل واإلحساس ‪ ،‬فالداعية املوفق الذي يستخدم األساليب اليت تشبع‬
‫الركائز الثالث بشكل متوازن ومتناسق ‪.‬‬
‫وسائل الدعوة إلى هللا تعالى ‪:‬‬

‫تعريف الوسائل‪:‬‬
‫يف اللغة هي‪ :‬ما يُتوصل ويُتقرب به إىل الشيء ‪ ،‬توسل إىل ربه بوسيلة أي تقرب‬
‫إليه بعمل‪ ،‬وهي الواسلة‪ ،‬والواصلة‪ ،‬و القرىب‪ ،‬ومجعها وسائل و ُو ُسل‪ ،‬يقول اهلل ‪:‬‬
‫{أولئـك الـذيـن يدعـون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيـهم أقرب}‪.‬‬
‫ويف االصطالح‪ :‬ما يتوصل به الداعية‪ %‬إىل تطبيق مناهج الدعوة من أمور معنوية أو‬
‫مادية)‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هي ما يستعني به الداعية على تبليغ الدعوة من أشياء وأمور‪.‬‬
‫أنواع وسائل الدعوة إلى هللا تعالى ‪:‬‬
‫نستطيع أن نقسم الوسائل إلى نوعين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫‪ - 1‬الوسائل املادية‪ :‬وهي مجيع األدوات احملسوسة‪ ،‬كالقول‪ ،‬والعمل‪.‬‬
‫‪ - 2‬الوسائل املعنوية‪ :‬كالصالة‪ ،‬والدعاء‪ ،‬والتخطيط‪ ،‬والتنظيم ‪.‬‬
‫وأيضاً للوسائل تقسيم آخر ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫‪ - 1‬الوسائل األصلية‪ :‬كالقول‪ ،‬والعمل ‪.‬‬
‫‪ - 2‬الوسائل املساعدة‪ :‬كاملنرب‪ ،‬ومكرب الصوت‪ .‬واللباس ‪ ،‬واستغالل املواقف‬
‫والفرص‪ ،‬والنظر للمدعو أثناء احلديث معه‪ ،‬ووسائل اإلعالم بأنواعها‪%.‬‬
‫ومما ينبغي‪ %‬التنبيه عليه أن استخدام الوسائل‪ ،‬والسعي يف حتصيلها وإتقاهنا‪ ،‬ال‬
‫يتعارض مع التوكل على اهلل ‪. ‬‬
‫وينبغي للداعية إلى اهلل ‪ ، ‬عند اختيار الوسيلة مراعاة القواعد اآلتية ‪:‬‬
‫‪ - 1‬أن الوسائل هلا حكم الغايات ‪ ،‬فلذا ال بد من مشروعية الوسيلة‪.‬‬
‫‪ - 2‬درء املفاسد مقدم على جلب املصاحل ‪.‬‬
‫‪ - 3‬دفع أعظم املفسدتني باحتمال أدنامها‪.‬‬
‫‪ - 4‬اإلتيان بأعظم املصلحتني إذا مل ميكنا معاً‪.‬‬
‫موضوعات الدعوة إلى هللا تعالى‪:‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 24 -‬‬


‫ميكن القول أن موضوعات الدعوة تدور حول التقسيم‪ %‬اآليت‪:‬‬
‫‪ - 1‬العقيدة‪. %‬‬
‫‪ -2‬الشريعة ‪.‬‬
‫‪ – 3‬األخالق ‪.‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 25 -‬‬


‫‪ - 15‬قضايا دعوية ‪:‬‬
‫هناك جمموعة من القضايا اليت ينبغي‪ %‬التنبيه‪ %‬عليها وهي ‪:‬‬
‫أوالً ‪ /‬ضرورة االعتماد على الكتاب والسنة في اختيار الموضوعات ودعوة‬
‫اآلخرين ‪ ،‬والبعد عن اهلوى وامليول الشخصية ‪.‬‬
‫ثانيا ً‪ /‬التدرج ‪ :‬يف الدعوة مع الناس ‪ ،‬فمثالً اخلمر حرمت على مراحل ‪ ....‬وهكذا‬
‫يؤخذ الناس بالتدرج ‪.‬‬
‫ومن التدرج ترتيب موضوعات الدعوة حسب أمهيتها الشرعية ‪ ،‬فال يُقدم موضوع‬
‫على آخر ‪ ،‬هو أهم منه‪ .‬هذا وإن األصل يف أوليات الدعوة الذي جيب على الدعاة‬
‫االلتزام به هو ما يأيت ‪:‬‬
‫‪ - 1‬التوحيد وقضايا العقيدة ‪.‬‬
‫‪ - 2‬أركان اإلسالم ‪ ،‬وخاصة منها الصالة‪ ، %‬وما يتصل هبا من أحكام‬
‫كالغسل والوضوء‪.‬‬
‫‪ - 3‬مث تأيت بقية املوضوعات‪ %‬على حسب أمهيتها وتقدمي الشارع هلا ‪.‬‬
‫ثالثا‪ /‬البعد عن التعصب ‪:‬‬
‫فالتعصب لألشياء ‪ -‬معها‪ ،‬أو ضدها ‪ -‬سلباً ‪ ،‬أو إجياباً‪ -‬إىل درجة جتعل الناس ‪،‬‬
‫يصابون‪ %‬بنوع من اخلوف الشديد من هجوم املتعصبني ‪ ،‬ضدهم ‪ ،‬أو معهم ‪ ،‬إذا كان‬
‫هناك خطأ حصل ‪ ،‬أو واقع سيء قائم ينبغي إزالته ‪ ،‬وال شك أن هذا يؤدي إىل عدم‬
‫اإلقدام واملبادرة ‪ ،‬واالعرتاف باخلطأ ونقده ‪ ،‬واملطالبة بالعودة للحق واتباعه ‪.‬‬
‫رابعا ‪ /‬إنزال الناس منازهلم ‪ ،‬فهذا من القواعد الكبرية اليت كان النيب ‪ ، ‬يراعيها‪%‬‬
‫ويتعامل هبا مع املدعوين‪ ، %‬كأيب سفيان‪ ، %‬وزيد اخليل ‪ ،‬وغريهم كثري ‪. ...‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 26 -‬‬


‫ثانيا ً ‪ /‬مقرر الحسبة‬
‫‪ .1‬تعريف الحسبة لغة واصطالحاً‪:‬‬
‫االحتساب لغة له عدة معان‪ ،‬منها‪ :‬طلب األجر‪ ،‬واالختبار‪ ،‬واإلنكار‪ ،‬والظن‪ ،‬واالعت‪%%‬داد‪،‬‬
‫()‬
‫واالكتفاء‪. 1 %‬‬
‫()‬
‫أما يف االصطالح فقد عرفه العلماء بعدة تعريفات ‪ . 2‬من أشهرها تعريف اإلمام املاوردي‬
‫والقاضي أيب يعلى احلنبلي‪ ،‬حيث يقوالن‪ ( :‬احلسبة‪ :‬هي أمر باملعروف إذا ظهر تركه‪،‬‬
‫()‬
‫وهني عن املنكر إذا ظهر فعله ) ‪. 3‬‬
‫‪ .2‬أركان الحسبة ‪:‬‬
‫أركان احلسبة أربعة ‪ :‬كما ذكر ذلك الغزايل ‪ -‬رمحه اهلل – فقال ‪ :‬إن أركان‬
‫واحملتسب عليه‪ ،‬واحملتسب فيه‪ ،‬ونفس االحتساب‪.‬‬
‫َ‬ ‫احلسبة أربعة‪ :‬احملتسب‪%،‬‬
‫المحتسب ‪ :‬اسم فاعل من احتسب‪ ،‬ويقصد به القائم باحلسبة‪.‬‬‫ِ‬ ‫‪.1‬‬
‫وقد اشترط الفقهاء في المحتسب‪ :‬اإلسالم‪ %‬والتكليف‪ %‬والعلم والعدالة والقدرة‬
‫البدنية‬
‫واإلذن من اإلمام والذكورة‪.‬‬
‫‪ .2‬المحتَسب عليه‪ :‬وهو من تقع عليه احلسبة بأمره باملعروف أو هنيه عن‬
‫املنكر‪   .‬‬
‫‪ .3‬المحتَسب فيه‪ :‬وهو املعروف الذي يؤمر به‪ ،‬أو املنكر الذي يُنهى عنه‪.‬‬
‫‪ .4‬المحتسب به‪ :‬واملراد به الوسيلة اليت حيتسب هبا احملتسب على الناس‪ ،‬وقد يشار‬
‫إليها يف كتب احلسبة مبراتب‪ %‬االحتساب‪ .‬وهي أوالً التنبيه والتذكري‪ ،‬مث الوعظ‬
‫والتخويف من اهلل‪ ،‬مث الزجر والتأنيب واإلغالظ بالقول‪ ،‬مث التغيري باليد‪ ،‬مث إيقاع‬
‫العقوبة بالنكال والضرب‪ ،‬مث االستعداء ورفع األمر إىل احلاكم‪.‬‬

‫() انظر ‪ :‬احلسبة ( تعريفها ‪ ،‬ومشروعيتها ‪ ،‬وحكمها ‪ ، ) ،‬الدكتور ‪ /‬فضل إهلي ‪ ،‬ص‪ ، 7-5‬الطبعة األوىل‬ ‫‪1‬‬

‫‪1410‬هـ‪ ،‬ط إدارة ترمجان اإلسالم‪ ،‬باكستان ‪.‬‬


‫() للزيادة انظر‪ :‬املرجع السابق‪ ،‬ص‪. 16-7‬‬ ‫‪2‬‬

‫() األحكام السلطانية‪ ،‬لإلمام املاوردي‪ ،‬ص‪ ، 240‬الطبعة األوىل ‪1327‬هـ ‪ ،‬ط شركة ومطبعة مصطفى البايب احلليب ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫القاهرة‪ .‬واألحكام السلطانية‪ ،‬للقاضي أيب يعلى‪ %‬احلنبلي‪ ،‬ص‪ ،284‬طبعة ‪1403‬هـ ‪ ،‬ط دار الكتب العلمية‪ %،‬بريوت‪.‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 27 -‬‬


‫وأمثِّل هلذه األركان مبثال‪ ،‬فأقول‪ :‬لو أن رجالً ال حيضر الصالة يف املسجد فوعظه‬
‫رجل على ما فعل‪.‬‬
‫ٌ‬
‫ِ‬
‫فالمحتسب‪ :‬هو الواعظ‪.‬‬
‫واحملتسب‪ %‬عليه‪ :‬هو الرجل التارك للصالة يف املسجد‪.‬‬
‫واحملتسب‪ %‬فيه‪ :‬هو ترك الصالة‪ %‬يف املسجد‪.‬‬
‫واحملتسب‪ %‬به‪ :‬هو الوعظ‪.‬‬

‫‪ .3‬حكم الحسبة‪ ،‬ومكانتها‪ ،‬ونوعية فرضها‪:‬‬


‫شرعت احلسبة طريقاً لإلرشاد واهلداية والتوجيه إىل ما فيه اخلري ومنع الضرر ‪ .‬وقد‬
‫حبب اهلل إىل عباده اخلري وأمرهم بأن يدعوا إليه ‪ ،‬وكره إليهم املنكر والفسوق‪ %‬والعصيان‪%‬‬
‫وهناهم عنه ‪ ،‬كما أمرهم مبنع غريهم من اقرتافه ‪ ،‬وأمرهم بالتعاون‪ %‬على الرب فقال تعاىل ‪:‬‬
‫‪ ‬وتعاونوا على البر والتقوى ‪ ،‬وال تعاونوا على اإلثم والعدوان ‪ . ‬وقال جل شأنه‬
‫‪  :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر‬
‫وأولئك هم المفلحون ‪.‬‬
‫الحكم التكليفي‪ :‬احلسبة واجبة يف اجلملة من حيث هي ‪ ،‬ال بالنظر إىل متعلقها إذ‬
‫إهنا قد تتعلق بواجب يؤمر به ‪ ،‬أو مندوب يطلب عمله ‪ ،‬أو حرام ينهى عنه ‪ ،‬فإذا تعلقت‬
‫بواجب أو حرام فوجوهبا حينئذ على القادر عليها ظاهر ‪ ،‬وإذا تعلقت مبندوب أو مبكروه‬
‫فال تكون‪ %‬حينئذ واجبة ‪ ،‬بل تكون أمرا مستحبا مندوبا إليه تبعا ملتعلقها ‪ ،‬إذ الغرض منها‬
‫الطاعة واالمتثال ‪ ،‬واالمتثال يف ذلك ليس واجبا بل أمرا مستحبا ‪ ،‬فتكون الوسيلة إليه‬
‫كذلك أمرا مستحبا ‪ .‬وقد يرتتب‪ %‬عليها من املفسدة ما جيعل اإلقدام عليها داخال يف‬
‫احملظور املنهي عنه فتكون حراما ‪.‬‬
‫والحكمة من مشروعية الحسبة ‪:‬‬
‫أن الناس ال يزالون ‪ -‬يف خمتلف العصور ‪ -‬يف حاجة إىل من يعلمهم إذا جهلوا ‪،‬‬
‫ويذكرهم إذا نسوا ‪ ،‬وجيادهلم إذا ضلوا ‪ ،‬ويكف بأسهم إذا أضلوا ‪ ،‬وإذا سهل تعليم‬
‫اجلاهل ‪ ،‬وتذكري الناسي ‪ ،‬فإن جدال الضال وكف بأس املضل ال يستطيعهما إال ذو‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 28 -‬‬


‫بصرية‪ %‬وحكمة وبيان‪ . %‬لذلك شرعت احلسبة‪.‬‬
‫ومن أفضل ما استدل به على مشروعية احلسبة قوله سبحانه ‪  :‬ولتكن منكم أمة‬
‫يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ‪‬‬
‫(آل عمران‪ ، )104/‬وقوله سبحانه ‪  :‬والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض‬
‫يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصالة ويؤتون الزكاة ويطيعون اهلل‬
‫ورسوله أولئك سيرحمهم اهلل إن اهلل عزيز حكيم ‪( ‬التوبة‪.)71/‬‬
‫ووالية االحتساب نوعان ‪:‬‬
‫‪ -‬والية أصلية مستحدثة من الشرع‪.‬‬
‫‪ -‬ووالية مستمدة وهي الوالية‪ %‬اليت يستمدها من عهد إليه يف ذلك من اخلليفة أو األمري‪،‬‬
‫وهو احملتسب‪%.‬‬

‫‪ .4‬مقارنة الحسبة بالواليات األخرى ‪:‬‬


‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية – رمحه اهلل تعاىل – (ومجيع الواليات اإلسالمية‪ %‬إمنا‬
‫مقصودها األمر باملعروف والنهى عن املنكر سواء ىف ذلك والية احلرب الكربى مثل نيابة‬
‫السلطنة والصغرى مثل والية الشرطة ووالية احلكم أو والية املال وهى والية الدواوين‬
‫املالية‪ %‬ووالية احلسبة ) ( ) ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫و احلسبة مرتفعة عن أحكام القضاة‪ %‬من وجهني‪ ،‬ومقصورة عنها من وجهني‪،‬‬


‫وزائدة عليها من وجهين أحدهما‪ :‬يوافق يف جواز االستعداء‪ ،‬ومساع دعوى املستعدي‬
‫علية من حقوق اآلدميني‪ ،‬يف ثالثة أنواع‪ %‬فقط‪:‬‬
‫األول‪ :‬النجش‪ ،‬والتطفيف يف كيل ‪ ،‬أو وزن‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬الغش‪ ،‬والتدليس‪ %‬يف بيع‪ ،‬أو مثن‪.‬‬
‫والثالث‪ : %‬املطل بالدين ‪ ،‬مع املكنة‪.‬‬
‫واختص هبذه الثالثة دون غريها‪ ،‬لتعلقها باملنكر الظاهر الذي نصب له‪ ،‬ألنه‬
‫موضوع منصب احلسبة يف عرف الواليات‪.‬‬
‫والوجه الثاني الذي يوافق فيه ‪ :‬إلزام املدعى‪ %‬عليه اخلروج من احلق املدعى‪ %‬به ‪،‬‬
‫() – احلسبة ‪ ،‬ص‪. 66‬‬ ‫‪1‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 29 -‬‬


‫وهذا عام يف مجيع احلقوق ‪ ،‬وإمنا هو خاص يف احلقوق اليت جاز له مساع الدعوى فيها إذا‬
‫وجبت باإلقرار واملكنة‪ %‬واليسار ‪ ،‬فيلزم املقر املوسر اخلروج منها ‪ ،‬ألن يف تأخريها منكراً‬
‫هو منصوب إلزالته ‪ ،‬وأما الوجهان يف قصورها عن القضاة ‪:‬‬
‫فال يسمع عموم الدعاوي اخلارجة عن ظاهر املنكرات ‪ ،‬يف العقود ‪ ،‬واملعامالت‪، %‬‬
‫وسائر احلقوق ‪ ،‬إال أن يفوض ذلك إليه بنص صريح يزيد على منصب احلسبة ‪ ،‬فيكون‪%‬‬
‫قاضياً وحمتسباً ‪ ،‬فيشرتط فيه شروط القضاء ‪ ،‬ويقتصر على احلقوق املعرتف هبا ‪ ،‬خبالف‬
‫ما جحد الحتياجه لسماع البينات واألميان وليس منصبه‪. %‬‬
‫والوجهان الزائدان له على األحكام ‪ :‬فتعرضه لوجوه املعروف واملنكر ‪ ،‬وإن مل ينه‬
‫إليه ‪ ،‬خبالف القاضي ‪ ،‬وله من السالطة واحلماية يف املنكرات ما ليس للقضاة ‪ ،‬ألن‬
‫موضوعه الرهبة ‪ ،‬وموضوع القضاء النصفة‪ ، %‬وهو باألناة‪ %‬والوقار أوىل ‪ ،‬فإن خرج‬
‫القاضي إىل السالطة خرج عن منصبه الذي وليه ‪ ،‬وتشابه احلسبة والية الظامل من‬
‫وجهني‪ ،‬وختالفها من وجهني ‪.‬‬
‫فتشاهبها يف ‪ :‬الرهبة ‪ ،‬وجواز التعرض لإلطالع ‪.‬‬
‫وختالفها ‪ :‬أن موضع والية املظامل فيما عجز عنه القضاة ‪ ،‬فرتبة املظامل أعلى ‪،‬‬
‫ولوايل املظامل أن يوقع للقضاة واحملتسبة‪ . %‬واحملتسب ال يوقع ألحد منهما ‪ .‬وجيوز لوايل‬
‫املظامل أن حيكم وليس للمحتسب أن حيكم ‪.‬‬

‫‪ .5‬شبهات حول الحسبة ‪:‬‬


‫هناك جمموعة من الشبهات ( ) ‪ .‬اليت تثار حول احلسبة ‪ ،‬سأعرضها والرد عليها‬
‫‪1‬‬

‫بالتفصيل‪ ،‬وهي على النحو اآليت ‪:‬‬


‫الشبهة األولى ‪ (( :‬وجوب ترك االحتساب بحجة تعارضه مع الحرية الشخصية‬
‫))‬
‫يقول بعض الناس ‪ " :‬جيب علينا أن نرتك الناس وشأهنم وال نتدخل يف شؤوهنم‬
‫اخلاصة بأمرهم باملعروف الذي ال يرغبون يف فعله ‪ ،‬وهنيهم عن املنكر الذي يرغبون‬
‫فيه ‪ ،‬ألن هذا يتعارض مع احلرية الشخصية الثابتة‪ %‬يف اإلسالم"‪%.‬‬
‫‪1‬‬
‫() ‪ -‬كتاب شبهات حول األمر باملعروف والنهى عن املنكر ‪ ،‬الدكتور ‪/‬فضل إهلى‪.‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 30 -‬‬


‫ويستدل هؤالء على صحة رأيهم بقوله عز وجل‪  :‬ال إكراه في الدين قد تبين‬
‫ّ‬
‫الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن باهلل فقد استمسك بالعروة الوثقى‬
‫ال انفصام لها واهلل سميع عليم ‪. ‬‬
‫أوالً‪ :‬عدم وجود (( الحرية الشخصية )) المزعومة ‪.‬‬
‫لنا أن نسأل أصحاب هذا القول ‪ :‬أين تلك (( احلرية الشخصية )) املزعومة‪ %‬؟ أيف‬
‫مشارق األرض أم يف مغارهبا ؟هل وجدمتوها يف أنظمة شرقية أم يف أنظمة غربية ؟ كال ‪،‬‬
‫ال عند هؤالء ‪ ،‬وال عند أولئك ‪ .‬يُطالب املرء باخلضوع واالمتثال لقواعد و أنظمة على‬
‫رغم أنفه حيثما حل وارحتل‪.‬‬
‫هل يُسمح ألحد يف الشرق أو الغرب أن يعرب التقاطع واإلشارة محراء ؟ هل يُعطى‬
‫يف الغرب ألحد حق بناء بيت مباله الذي اكتسبه‪ %‬بكد جبينه على األرض اليت اشرتاها‪%‬‬
‫خبالص ماله كيفما شاء من غري مراعاة الضوابط اليت وضعتها أمانة تلك املدينة اليت هو‬
‫وأمر ‪ ،‬ليس له أن ميلك بيتاً‪.‬‬
‫فيها ؟ و األمر يف الشرق أدهى ّ‬
‫ثانياً ‪ :‬المفهوم اإلسالمي للحرية الشخصية ‪:‬‬
‫احلرية الشخصية اليت منحها اإلسالم للعباد هي أنه أخرج العباد من عبودية العباد ‪،‬‬
‫وال يعين هذا إخراجهم من عبودية رب العباد ‪ ،‬ما أحسن ما عرب القرآن الكرمي عن هذا ‪:‬‬
‫‪ ‬ضرب اهلل مثالً رجالً فيه شركاء متشاكسون ورجالً سلماً لرجل هل يستويان مثالً‬
‫الحمد هلل بل أكثرهم ال يعلمون ‪. ‬‬
‫فاملطلوب يف اإلسالم أن يتحرر العبد من كل من سوى اهلل ويصري عبداً منقاداً‬
‫مطيعاً مستسلماً هلل الواحد اخلالق املالك املدبر ‪ .‬وهذا ما عرّب عنه الصحايب اجلليل ربعي‬
‫بن عامر ‪ ، ‬جميباً على سؤال رستم بقوله ‪ ( :‬اهلل ابتعثنا‪ ، %‬واهلل جاء بنا لنخرج من شاء‬
‫من عبادة العباد إىل عبادة اهلل )‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬الخطأ في فهم اآلية‪  :‬ال إكراه في الدين ‪:‬‬
‫ليس معىن اآلية بأن للناس كلهم فعل ما يشاءون وترك ما يشاءون ‪ ،‬وليس ألحد‬
‫إلزامهم على فعل اخلري الذي تركوه أو اجتناب الشر الذي فعلوه ‪ ،‬بل املراد باآلية – واهلل‬
‫أعلم بالصواب – كما يقول احلافظ ابن كثري ‪ ( :‬أي ال تكرهوا‪ %‬أحداً على الدخول يف‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 31 -‬‬


‫اإلسالم‪.) %‬‬
‫رجح كثري من املفسرين بأن‪ %‬هذا احلكم‬
‫وحىت هذا ليس لغري املسلمني كلّهم بل ّ‬
‫خاص بأهل الكتاب ومن شاهبهم‪ .‬وأما عبدة األوثان من مشركي العرب ومن شاهبهم فال‬
‫يُقبَل منهم إالّ اإلسالم أو القتال معهم ‪.‬‬

‫رابعاً ‪ :‬ثبوت وجوب الحسبة بنصوص الكتاب والسنة ‪:‬‬


‫إن هؤالء أخذوا آية واحدة وحاولوا تأويلها وفق أهوائهم وجتاهلوا تلك النصوص‪%‬‬
‫الكثرية الصرحية الواضحة اليت ال ترتك جماالً للشك والرتدد يف فرضيّة احلسبة‪ .‬أين هؤالء‬
‫من تلك النصوص‪ %‬اليت وردت فيها صيغة أمر للقيام باالحتساب‪ ،‬وصيغة هني للمنع عن‬
‫تركه ؟ وذلك مثل قوله تعاىل‪  :‬ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون‬
‫بالمعروف و ينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون‪ ،‬ومثل قوله ‪ « : ‬مروا‬
‫باملعروف واهنوا عن املنكر قبل أن تدعوا فال يُستجاب لكم »‪ .‬ومثل قوله‪ « :‬ال مينعن‬
‫رجالً منكم خمافة الناس أن يتكلّم باحلق إذا رآه وعلمه»‪.‬‬
‫خامساً ‪ :‬تشريع الحدود والتعزيرات ينقض هذه الشبهة ‪:‬‬
‫ماذا سيكون موقف هؤالء من احلدود والتعزيرات اليت ُش ِرعت ملعاقبة مرتكيب بعض‬
‫اجلرائم ؟ أيردون تلك النصوص‪ %‬الثابتة الصرحية اليت جاء فيها بياهنا ؟ ‪.‬‬
‫ومن تلك النصوص‪ -‬على سبيل املثال – ما جاء فيها من عقوبة‪ %‬الزاين ‪ « :‬البكر بالبكر‬
‫جلد مائة ونفي سنة ‪ ،‬والثّيب‪ %‬بالثيب جلد مائة والرجم »‪.‬‬

‫الشبهة الثانية‪ (( :‬ترك األمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث ال يضرنا ضالل‬
‫الضالين))‬
‫يقول بعض الناس‪ :‬ال جيب علينا األمر باملعروف والنهي‪ %‬عن املنكر حيث أمرنا اهلل‬
‫تعاىل باالهتمام بأنفسنا وبّني أنه ال يضرنا ضالل اآلخرين واستدلوا على ذلك بقوله تعاىل‪:‬‬
‫‪ ‬يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم ال يضركم من ضل إذا اهتديتم ‪.‬‬
‫الرد على الشبهة من جانبين ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬كشف النقاب عن حقيقة الشبهة من اآلية نفسها ‪:‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 32 -‬‬


‫لو تدبر أصحاب هذه الشبهة يف اآلية نفسها ملا نطقوا هبا ‪ .‬اشرتط اهلل تعاىل لعدم‬
‫إصابة الضرر بسبب ضالل اآلخرين أن يكون‪ %‬الشخص مهتدياً حيث قال تعاىل ‪  :‬ال‬
‫ضل إذا اهتديتم ‪ . ‬وال يصري الشخص مهتدياً إالّ إذا أدى ما أوجبه اهلل‬
‫يضركم من ّ‬
‫عليه ‪ .‬وممّا أوجب عليه أن يأمر باملعروف وينهي‪ %‬عن املنكر ‪ .‬فالذي ال يقوم هبذا ال يكون‬
‫مهتدياً ألن فوات الشرط يستلزم فوات املشروط ‪ .‬وقد بنّي هذا بعض الصحابة والتابعني‬
‫وكثري من املفسرين والعلماء القدامى واملتأخرين ‪.‬‬
‫فعلى سبيل املثال فقد نقل اإلمام ابن جرير الطربي عن حذيفة رضي اهلل عنه يف‬
‫تفسري هذه اآلية أنه قال‪ ( :‬إذا أمرمت وهنيتم )‪ ،‬كما نقل اإلمام الطربي عن سعيد بن‬
‫املسيب يف تفسري اآلية أنه قال ‪ ( :‬إذا أمرت باملعروف ‪ ،‬وهنيت عن املنكر ‪ ،‬ال يضرك من‬
‫ضل إذا اهتديت )‪.‬‬
‫ثانياً‪ :‬تفنيد الشبهة بالنصوص األخرى ‪:‬‬
‫وردت نصوص كثرية يف الكتاب والسنة تبنّي أنه مما جيب على الصاحلني جتاه أعمال‬
‫اآلخرين السيئة تذكريهم ومنعهم عنها‪ .‬وإن مل يفعلوا هذا يوشك أن ينزل عليهم غضب‬
‫اهلل فيدعونه فال يستجيب هلم‪.‬‬
‫ومن تلك النصوص قوله تعاىل‪  :‬وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض‬
‫ٍ‬
‫حديث غيره‪ .‬وإما ينسينك الشيطان فال تقعد بعد الذكرى‬ ‫عنهم حتى يخوضوا في‬
‫مع القوم الظالمين‪ .‬وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم‬
‫يتقون‪.‬‬

‫الشبهة الثالثة‪ (( :‬ترك الحسبة بسبب التقصير والنقص ))‬


‫يقول بعض الناس ‪ ( :‬حيث ال نقوم بكل ما أ ُِمرنا به وال جنتنب كل ماهُن ينا عنه ‪،‬‬
‫لذا جيب علينا أن هنتم بأنفسنا‪ %‬بدل أمر اآلخرين باملعروف وهنيهم عن املنكر )‪.‬واحتج‬
‫أصحاب هذا القول باملنقول واملعقول ‪.‬‬
‫أما املنقول فقالوا‪ :‬ذم اهلل تعاىل من أمر الناس باملعروف ونسي نفسه‪ ،‬وذلك يف قوله‬
‫تعاىل ‪  :‬أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفال تعقلون ‪.‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 33 -‬‬


‫وقوله تعاىل‪  :‬ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما ال تفعلون كبر مقتاً عند اهلل أن تقولوا‬
‫ما ال تفعلون ‪.‬‬
‫كما بنّي رسول اهلل ‪ ‬سوء عاقبة هؤالء ‪ ،‬فقد روى اإلمام البخاري عن أسامة‬
‫رضي اهلل عنه قال ‪ :‬مسعت من رسول ‪ ‬يقول ‪ « :‬جُي اء بالرجل فيُطرح يف النار فيطحن‬
‫فيها كما يطحن احلمار برحاه ‪ ،‬فيطيف به أهل النار فيقولون ‪ :‬أي فالن ! ألست كنت‬
‫تأمر باملعروف وتنهى عن املنكر ؟ فيقول ‪ :‬إين كنت آمر باملعروف وال أفعله ‪ ،‬وأهنى عن‬
‫املنكر وأفعله »‪.‬‬
‫وأما املعقول‪ %‬فقالوا‪ :‬فاقد الشيء ال يعطيه‪ .‬من يستجيب ملن يأمر مبعروف و ال‬
‫يأتيه‪ %،‬وينهى عن منكر ويأتيه؟‬
‫الرد على هذه الشبهة‪:‬‬
‫أوالً‪ /‬سبب الذم هو ‪ :‬ترك المعروف وليس األمر بالمعروف ‪:‬‬
‫هناك واجبان ‪:‬‬
‫‪ .1‬األمر باملعروف والنهي عن املنكر ‪.‬‬
‫‪ .2‬فعل املعروف وترك املنكر ‪.‬‬
‫وإن النصوص اليت احتج هبا أصحاب هذه الشبهة ليس فيها ذم بسبب القيام‬
‫بالواجب األول بل فيها ذم بسبب ترك القيام‪ %‬بالواجب الثاين‪ .‬مل يُنكر فيها بسبب أمر‬
‫الناس بالرب ‪ ،‬وهنيهم عن املنكر ‪ ،‬والتلفظ بالقول الطيب ‪ ،‬بل إمنا أُنكر فيها بسبب نسيان‬
‫األنفس ‪ ،‬وترك املعروف وارتكاب املنكر ‪ ،‬وعدم الفعل وفق القول الطيب‪.‬‬
‫فعلى سبيل املثال هناك طالب جنح يف مادة (( التفسري )) ورسب يف مادة‬
‫(( احلديث)) هل يُعقل توجيه اللوم بسبب النجاح يف مادة التفسري ؟ إمنا يُالم بسبب‬
‫رسوبه يف مادة احلديث ‪.‬‬
‫ثانياً ‪ :‬ترك أحد الواجبين ليس مبرراً لترك الواجب الثاني ‪:‬‬
‫إن الواجبني اللذين ذكرنامها ليس أحدمها شرطاً للثاين فيكون ترك أحدمها مربراً‬
‫لرتك الثاين ‪.‬‬
‫يقول اإلمام النووي بأسلوب آخر‪ (( :‬قال العلماء ‪ :‬وال يُشرتط يف اآلمر والناهي‪ %‬أن‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 34 -‬‬


‫يكون‪ %‬كامل احلال ممتثالً ما يأمر به جمتنباً ما هنى عنه ‪ ،‬بل عليه األمر وإن كان خمالً مبا‬
‫يأمر به ‪ ،‬والنهي و إن كان متلبِّساً مبا ينهى‪ %‬عنه فإنه جيب عليه شيئان ‪ :‬أن يأمر نفسه‬
‫أخل بأحدمها كيف يُباح له اإلخالل باآلخرة ))‪.‬‬ ‫وينهاها‪ ، %‬ويأمر غريه وينهاه فإذا َّ‬
‫ثالثاً ‪ :‬األخذ بهذا القول يؤدي إلى تعطيل االحتساب ‪:‬‬
‫لو اشرتطنا لآلمر والناهي‪ %‬أن يكون‪ %‬فاعالً لكل ما أُمر به وجمتنباً‪ %‬كل ما هُن ي عنه لن‬
‫جتد من يقوم باالحتساب ‪ ،‬وهبذا يتعطّل هذا الواجب العظيم ‪ .‬وقد نّبه علماء األمة إىل‬
‫هذا األمر ‪ ،‬فقال سعيد بن جبري ‪ ( :‬لو كان املرء ال يأمر باملعروف وال ينهى عن املنكر‬
‫حىت ال يكون‪ %‬فيه شيء ما أمر أحد مبعروف وال هنى عن منكر )‪.‬‬
‫رابعاً ‪ :‬عدم جدوى احتساب غير الكامل ليس بأمر دائم ‪:‬‬
‫ال شك أن دعوة الكامل أش ّد وقعاً يف النفوس وأكثر استجابة من دعوة غري امللتزم‬
‫لكن القول بأن دعوة غري الكامل أو احتسابه عدمي اجلدوى دائماً غري صحيح ‪.‬‬
‫كم من أنبياء اهلل الكاملني امللتزمني مل تؤثر دعوهتم يف أقرب أقارهبم ‪ .‬مل يستجب لنداء‬
‫رسول اهلل نوح عليه السالم ابنه ‪ ،‬كما مل يستفد من دعوة خليل اهلل إبراهيم عليه السالم‬
‫حيول نصح أكمل خلق اهلل‬ ‫أبوه ‪ ،‬ومل تقبل قول نيب اهلل لوط عليه السالم زوجته ‪ ،‬كما مل ِّ‬
‫عمه أبا طالب إىل اإلسالم ‪.‬‬‫تعاىل حممد ( ووعظه ِّ‬
‫وكم من أنبياء اهلل الكاملني دعوا أقوامهم فما آمن معهم إال قليل ‪ ،‬بل منهم من مل‬
‫يؤمن به أحد‪ ،‬وعلى العكس من هذا كم من أصحاب الدعوات الفاسدة – املخالفني‬
‫ألقواهلم بأفعاهلم – نرى هلم أتباعاً كثريين وكم من دعاة حرمة اإلنسان وحريته جيدون‬
‫أنصاراً كثريين مع أهنم من أشد الناس انتهاكاً حلرمته وحريته وكم من محاة حلقوق العمال‬
‫والشعوب – على حسب زعمهم – وهلم أتباع كثريون رغم كوهنم من أكثر الناس‬
‫هضماً حلقوقهم ‪.‬‬
‫فخالصة القول ليس ألحد أن يرتك األمر باملعروف والنهي‪ %‬عن املنكر حبجة أن‬
‫املقصر حيث اليفيد فيه من هو أحسن منه‬
‫ّ‬ ‫احتسابه ال يفيد بسبب‪ %‬تقصريه‪ %‬فلرمبا يفيد‬
‫حاالً ‪.‬‬
‫تنبيه ‪:‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 35 -‬‬


‫ال يُفهم مبا ذُكر بأننا ال نرى بأساً يف ترك املعروف وفعل املنكر لآلمر باملعروف‬
‫والناهي عن املنكر ‪ ،‬بل نؤكد أنه جيب عليه فعل املعروف وترك املنكر ‪ ،‬و أنه يعرض‬
‫نفسه لغضب اهلل تعاىل عند التساهل يف هذا ‪ .‬ونقرر أيضاً بأنه ينبغي‪ %‬أن يكون‪ %‬أول فاعل‬
‫ملا يأمر به‪ ،‬وأول تارك ملا ينهى عنه كما كان رسولنا حممد صلى اهلل عليه وسلم‪.‬‬
‫غاية ما يف األمر أن فعل املعروف وترك املنكر ليس شرطاً لألمر باملعروف والنهي‪ %‬عن‬
‫املنكر ‪ ،‬فال يُقال ملن أمر باملعروف ومل يفعله أو هنى عن املنكر وفعله ‪ (( :‬ال تأمر‬
‫باملعروف وال تنه عن املنكر ))‪ ،‬بل نقول له ‪ (( :‬استمر يف األمر باملعروف والنهي عن‬
‫املنكر ‪ ،‬واتق اهلل تعاىل يف نفسك فمرها باملعروف واهنها عن املنكر ))‪.‬‬

‫الشبهة الرابعة ‪(( :‬ترك االحتساب بسبب عدم استجابة الناس ))‬
‫يقول بعض الناس ‪ ( :‬ينبغي أن ال نضيع جهودنا و أوقاتنا يف أمر الناس باملعروف‬
‫وهنيهم عن املنكر حيث إهنم ال يستجيبون‪.) %‬‬
‫الرد على الشبهة ‪:‬‬
‫أوالً ‪ :‬ال يُشترط لوجوب االحتساب قبول الناس ‪:‬‬
‫مل يشرتط اهلل تعاىل وال رسوله لوجوب األمر باملعروف والنهي عن املنكر استجابة‬
‫الناس ‪ ،‬بل أوجب اهلل تعاىل على نبيه الكرمي وعلى أمته تبليغ الناس أوامره ونواهيه‪ %‬سواء‬
‫استجابوا‪ %‬أم مل يستجيبوا ‪ .‬وقد وردت نصوص كثرية تبنّي هذا ‪ .‬منها على سبيل املثال‬
‫قوله تعاىل ‪  :‬فإن تولوا فإنما عليه ما ُح ّمل و عليكم ما ُح ّملتم وإن تطيعوه تهتدوا‬
‫وما على الرسول إال البالغ المبين ‪.‬‬
‫ومنها قوله تعاىل ‪ :‬فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنما عليك البالغ ‪. ‬‬
‫ثانياً ‪ :‬الحكم على الناس بعدم االستجابة من األمور الغيبية ‪:‬‬
‫إن احلكم على الناس بأهنم ال يستفيدون من األمر باملعروف والنهي عن املنكر من‬
‫األمور الغيبية‪ %‬اليت ال يعرفها إال العليم اخلبري ‪ .‬إن قلوب العباد بني إصبعني من أصابع رب‬
‫العباد ‪ ،‬يقلّبها مىت شاء وكيف ما شاء ‪ .‬وما أسهل على اهلل تعاىل تقليبها ‪.‬‬
‫فقد روى اإلمام مسلم عن عبداهلل بن عمرو بن العاص رضي اهلل عنهما قال ‪ :‬إنه‬
‫مسع رسول اهلل يقول ‪ (( :‬إن قلوب بين آدم كلها بني إصبعني من أصابع الرمحن كقلب‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 36 -‬‬


‫واحد يصرفه حيث شاء))‪.‬‬
‫وقد شبّه رسول اهلل ( سهولة تصريف قلوب العباد بتقليب ريشة بأرض فالة ‪.‬‬
‫فقد روى اإلمام ابن ماجه عن أيب موسى األشعري رضي اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل‬
‫‪ « : ‬مثل القلب مثل الريشة ‪ ،‬تقلّبها الرياح بفالة‪.» %‬‬
‫وكم من أشخاص يراهم الناس من أتقى الناس فيتحولّون إىل أفسق الناس ‪ ،‬وكم‬
‫من أفسق الناس يأتيهم املوت وهم من أتقى الناس ‪ .‬هذه حقيقة نقرؤها يف سري الناس ‪،‬‬
‫ونشاهدها يف حياتنا اليومية‪ ، %‬وبيّنها‪ %‬الصادق املصدوق الناطق بالوحي بقوله ‪ « : ‬إن‬
‫العبد ليعمل _ فيما يرى الناس – عمل أهل اجلنة ‪ ،‬وأنه من أهل النار‪ ،‬ويعمل _ فيما‬
‫يرى الناس – عمل أهل النار ‪ ،‬وهو من أهل اجلنة ‪ ،‬و إمنا األعمال خبواتيمها‪. » %‬‬
‫فإذا كان البشر جيهل خواتيم اآلخرين فكيف يسوغ له أن يفرتض أهنم ال جييبون‪،‬‬
‫ويرتك األمر باملعروف والنهي عن املنكر استناداً‪ %‬إىل هذا االفرتاض؟‬
‫ثالثاً ‪ :‬وجوب التأسي بالرسول الكريم في هذا األمر ‪:‬‬
‫جعل اهلل تعاىل يف رسوله الكرمي أسوة لنا حيث يقول عز من قائل ‪  :‬لقد كان‬
‫لكم في رسول اهلل أسوة حسنة لمن كان يرجو اهلل واليوم اآلخر وذكر اهلل كثيراً‪‬‬
‫فلنا أن نسأل أصحاب هذه الشبهة ‪ :‬هل ترك األمر باملعروف والنهي عن املنكر نظراً لعدم‬
‫استجابة الناس ؟‬
‫كال ‪ ،‬بل استمر صلوات اهلل وسالمه عليه يف ذلك يف أشد األحوال وأصعبها راجياً‬
‫من اهلل هداية املخاطبني ‪ ،‬بل هداية أجياهلم القادمة إن مل يستجب اجليل املوجود ‪.‬‬
‫وسريته الطاهرة تدل على هذا ‪.‬‬

‫‪ .7‬نماذج من احتساب النبي ‪: ‬‬


‫قد جعل اهلل تعاىل االحتساب شعار هذه األمة ومناط خرييتها‪ ،‬فقال تعاىل‪ُ  :‬كنتُ ْم‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 37 -‬‬


‫َّاس تَأْمرو َن بِالْمعر ِ‬ ‫َخير أ َُّم ٍة أُ ْخ ِرج ْ ِ‬
‫وف َوَت ْن َه ْو َن َع ِن ال ُْمن َكر ‪[ ‬آل عمران‪،]110 :‬‬ ‫َ ُْ‬ ‫ت للن ِ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫وأبان عز وجل أن القيام‪ %‬به عنوان‪ %‬السعادة وبوابة‪ %‬الفالح‪ ،‬وأن تركه سبيل استحقاق‬
‫لعنته‪ ،‬والطرد من رمحته فقال آمراً به‪َ  :‬ولْتَ ُكن ِّمن ُك ْم أ َُّمةٌ يَ ْدعُو َن إلَى الْ َخ ْي ِر َويَأ ُْم ُرو َن‬
‫ك ُه ُم ال ُْم ْفلِ ُحو َن ‪[ ‬آل عمران‪ ،]104 :‬وقال عز‬ ‫بِالمعر ِ‬
‫وف َو َي ْن َه ْو َن َع ِن ال ُْمن َك ِر َوأ ُْولَئِ َ‬ ‫َ ُْ‬
‫ان داو ِ‬ ‫ِ‬ ‫من قائل‪  :‬لُ ِعن الَّ ِذين َك َفروا ِمن بنِي ْ ِ‬
‫يسى ابْ ِن َم ْريَ َم‬ ‫ود َوع َ‬ ‫سِ َُ َ‬ ‫يل َعلَى ل َ‬ ‫إس َرائ َ‬ ‫َ َ ُ َْ‬
‫س َما َكانُوا‬ ‫ِ‬
‫اه ْو َن َعن ُّمن َك ٍر َف َعلُوهُ لَب ْئ َ‬ ‫ص ْوا َّو َكانُوا َي ْعتَ ُدو َن * َكانُوا ال َيَتنَ َ‬ ‫ك بِ َما َع َ‬‫ذَلِ َ‬
‫[املائدة‪.]79 - 78 :‬‬ ‫َي ْف َعلُو َن ‪‬‬

‫وأوضح النيب الكرمي ‪ ‬أن القيام‪ %‬به شر ٌط للنجاة‪ ،‬وأن اإلعراض عنه ٌ‬
‫سبب‬
‫ض للعقوبة‪ ،‬وحرما ٌن من إجابة الدعوة فقال ‪« :‬مثل القائم على حدود‬
‫وتعر ٌ‬
‫للهالك‪ُّ ،‬‬
‫اهلل والواقع فيها‪ ،‬كمثل قوم استهموا‪ %‬على سفينة‪ ،‬فأصاب بعضهم أعالها وبعضهم‬
‫أسفلها‪ ،‬فكان الذين يف أسفلها إذا استقوا من املاء مروا على من فوقهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬لو أنَّا‬
‫خرقنا يف نصيبنا‪ %‬خرقاً ومل ِ‬
‫نؤذ من فوقنا‪ ،‬فإن يرتكوهم وما أرادوا هلكوا مجيعاً‪ ،‬وإن‬
‫أخذوا على أيديهم جنوا وجنوا مجيعاً»‪ ،‬وقال ‪ « :‬والذي نفسي بيده! لتأمرن باملعروف‬
‫ولتنهو َّن عن املنكر أو ليوشكن اهلل أن يبعث عليكم عقاباً منه‪ ،‬مث تدعونه فال يستجاب‬
‫ُ‬
‫لكم»‪.‬‬
‫وأمام ذلك الرتغيب‪ %‬العظيم والتهديد الشديد بادر املصلحون على امتداد تاريخ األمة‬
‫الطويل على اختالف مواقعهم إىل االحتساب يف كافة مستويات اجملتمع وطبقاته‪ %،‬ولكثرة‬
‫الشواهد وسعتها فسأكتفي‪ %‬بذكر بعض ذلك من خالل سرية النيب ‪ ‬وحياته العطرة‪ ،‬من‬
‫خالل ما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬احتساب النبي ‪ ‬في محيطه األسري‪:‬‬
‫مل ُت ْل ِه املهام اجلسام اليت كانت موكلة بنبينا‪ %‬الكرمي ‪ ‬من تعليم الناس الكتاب‪%‬‬
‫واحلكمة‪ ،‬وتدبري شؤون‪ %‬األمة‪ ،‬ومواجهة األخطار احملدقة هبا‪ ،‬واالنكسار بني يدي ربه آناء‬
‫الليل وأطراف النهار ـ مل تلهه ‪ ‬عن تربية أسرته الكبرية‪ ،‬وتوجيهها إىل االبتعاد عما‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 38 -‬‬


‫غضب‪ %‬رهبا‪ ،‬وحيول بينها وبني الظفر برمحته ـ عز وجل ـ وإحسانه‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬ما روت‬ ‫ي ِ‬
‫ُ‬
‫علي النيب ‪ ‬ويف البيت‪ %‬قَِرام فيه صور‪َّ ،‬‬
‫فتلون‬ ‫عائشة ـ رضي اهلل عنها ـ قالت‪« :‬دخل َّ‬
‫وجهه‪ ،‬مث تناول السرت فهتكه‪ ،‬وقال ‪ : -‬إن من أشد الناس عذاباً يوم القيامة‪ %‬الذين‬
‫يصورون‪ %‬هذه الصور»‪ ،‬وما روته ـ رضي اهلل عنها ـ قالت‪ :‬قلت للنيب ‪ :‬حسبك من‬ ‫ِّ‬
‫قلت كلمة لو مزجت مباء البحر ملزجته‪،‬‬ ‫صفية كذا وكذا ‪ -‬تعين قصرية ‪ -‬فقال‪« :‬لقد ِ‬
‫وحكيت له إنساناً‪ ،‬فقال‪ :‬ما أحب أين حكيت إنساناً وأن يل كذا وكذا»‪ ،‬وما‬ ‫ُ‪%‬‬ ‫قالت‪:‬‬
‫رواه خادمه أنس ـ رضي اهلل عنه ـ قال‪« :‬بلِّغ صفية أن حفصة قالت‪ :‬بنت يهودي‪،‬‬
‫فبكت‪ ،‬فدخل عليها النيب ‪ ، ‬وهي تبكي‪ ،‬فقال‪ :‬ما يبكيك؟ فقالت‪ :‬قالت يل حفصة‪:‬‬
‫ففيم‬
‫إين بنت يهودي‪ ،‬فقال النيب ‪ : ‬إنك البنة نيب‪ ،‬وإن عمك لنيب‪ ،‬وإنك لتحت نيب؛ َ‬
‫تفخر عليك؟! مث قال‪ :‬اتقي اهلل يا حفصة!»‪.‬‬
‫‪ .2‬احتساب النبي ‪ ، ‬على أصحابه المحيطين به‪:‬‬
‫عُيِن رسول اهلل ‪ ‬بتزكية أصحابه الكرام ‪ -‬رضوان‪ %‬اهلل عليهم أمجعني ‪ -‬وخباصة‬
‫القريبني منه‪ ،‬املكثرين من خلطته‪ ،‬وعمل على تنقيتهم من املعاصي والذنوب‪ ،‬وحتليتهم‬
‫بالفضائل من أعمال القلوب واجلوارح‪ ،‬مبادراً إىل هنيهم عن كل خطأ يراه عليهم أو زلة‬
‫وحكمة تبين دون أن هتدم‪،‬‬‫ٍ‬ ‫يستجرهم إليها الشيطان برفق ولني ينبتان‪ %‬احملبة‪ %‬دون تنفري‪،‬‬
‫ومن ذلك ما رواه أبو ذر ‪ ‬قال‪ « :‬إين ساببت رجالً فعرَّي ته بأمه‪ ،‬فقال يل النيب ‪ : ‬يا‬
‫أبا ذر! أعريته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية‪ ،‬إخوانكم َخ َولُكم‪ ،‬جعلهم اهلل حتت أيديكم؛‬
‫فمن كان أخوه حتت يده فليطعمه مما يأكل‪ ،‬وليلبسه مما يلبس‪ ،‬وال تكلفوهم ما يغلبهم‪،‬‬
‫فإن كلفتموهم فأعينوهم»‪%‬‬
‫وحديث عائشة ‪ -‬رضي اهلل تعاىل عنها ‪ -‬حني أ ََه َّم قريشاً شأ ُ‪%‬ن املرأة املخزومية اليت‬
‫سرقت‪ ،‬فقالوا‪ :‬ومن يكلم فيها رسول اهلل ‪ ‬؟! فقالوا‪ :‬ومن جيرتئ عليه إال أسامة بن‬
‫ب رسول اهلل ‪ ‬؟ فكلمه أسامة‪ ،‬فقال رسول اهلل ‪« :‬أتشفع يف ٍ‬
‫حد من‬ ‫زيد‪ِ ،‬ح ُّ‬
‫حدود اهلل؟! مث قام فخطب‪ ،‬مث قال‪ :‬إمنا أهلك الذين قبلكم أهنم كانوا إذا سرق فيهم‬
‫الشريف تركوه‪ ،‬وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه احلد‪ ،‬وأَمْي اهلل! لو أن فاطمة بنت‬
‫حممد سرقت لقطعت يدها»‪.‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 39 -‬‬


‫وحديث أيب مسعود البدري ـ رضي اهلل عنه ـ قال‪« :‬كنت أضرب غالماً يل‬
‫اعلم أبا مسعود! فلم أفهم الصوت من الغضب‪ %،‬قال‪:‬‬ ‫بالسوط‪ ،‬فسمعت صوتاً من خلفي‪ْ :‬‬
‫فلما دنا مين إذا هو رسول اهلل ‪ ، ‬فإذا هو يقول‪ :‬اعلم أبا مسعود! اعلم أبا مسعود!‬
‫قال‪ :‬فألقيت السوط من يدي‪ ،‬فقال‪ :‬اعلم أبا مسعود أن اهلل أقدر عليك منك على هذا‬
‫الغالم!‪ %‬قال‪ :‬فقلت‪ :‬ال أضرب مملوكاً بعده أبداً»‪.‬‬
‫‪ .3‬احتساب النبي ‪ ‬على ذوي الفضل من العلماء والعُبَّاد‪:‬‬
‫ألهل العلم وأرباب الطاعة واملستكثرين‪ %‬من العبادة شأن رفيع‪ ،‬ومنزلة سامقة يف‬
‫هذه األمة‪ ،‬ولكن ذلك مل حَيُ ْل بني النيب ‪ ‬وبني اإلنكار عليهم‪ ،‬ومواجهة أحدهم حينما‬
‫يقع يف خطأ أو يصدر منه زلل دون أن يُن ِزهلم ذلك عن رتبهم أو حيط من أقدارهم‪ ،‬ومن‬
‫شواهد ذلك‪ :‬حديث جابر ‪« : ‬أن معاذ بن جبل ‪، ‬كان يصلي مع النيب ‪ ، ‬مث‬
‫يأيت قومه فيصلي هبم الصالة‪ ،‬فقرأ هبم البقرة‪ ،‬قال‪َ :‬فتَ َج َّوز رجل فصلى صالة خفيفة‪،‬‬
‫النيب ‪ ، ‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل!‬
‫الرجل‪ ،‬فأتى‪َّ %‬‬
‫َ‬ ‫فبلغ ذلك معاذاً‪ ،‬فقال‪ :‬إنه منافق‪ ،‬فبلغ ذلك‬
‫إنَّا قوم نعمل بأيدينا‪ ،‬ونسقي بنواضحنا‪ ،‬وإن معاذاً صلى بنا البارحة‪ ،‬فقرأ البقرة‬
‫َّم ِ‬
‫س‬ ‫{والش ْ‬
‫فتجوزت‪ ،‬فزعم أين منافق‪ ،‬فقال النيب ‪ : ‬يا معاذ! أفتَّان أنت؟ (ثالثاً)‪ ،‬اقرأ‪َ :‬‬ ‫َّ‬
‫ك األ َْعلَى}‪[ %‬األعلى‪ ،]1 :‬وحنوها» ‪.‬‬
‫اس َم َربِّ َ‬
‫{سبِّ ِح ْ‬
‫اها} [الشمس‪ ،]1 :‬و َ‬
‫ض َح َ‬ ‫َو ُ‬
‫«زوجين أيب امرأة‪ ،‬فجاء‬
‫وحديث عبد اهلل بن عمرو ـ رضي اهلل عنهما ـ قال‪َّ :‬‬
‫يزورها‪ ،‬فقال‪ :‬كيف ترين بعلك؟ فقالت‪ :‬نِ ْعم الرجل من رجل! ال ينام الليل وال يفطر‬
‫زو ْجتك امرأ ًة من املسلمني فعض ْلتَها‪ ،‬قال‪ :‬فجعلت ال ألتفت إىل‬ ‫النهار‪ .‬فوقع يب‪ ،‬وقال‪َّ :‬‬
‫قوله؛ مما أرى عندي من القوة‪ %‬واالجتهاد‪ ،‬فبلغ ذلك النيب ‪ ، ‬فقال‪ :‬لكين أنا أقوم وأنام‪،‬‬
‫وأصوم وأفطر‪ ،‬فقم ومن‪ ،‬وصم وأفطر! قال‪ :‬صم من كل شهر ثالثة أيام‪ ،‬فقلت‪ :‬أنا أقوى‬
‫من ذلك‪ ،‬قال‪ :‬صم صوم داود ـ عليه السالم ـ صم يوماً وأفطر يوماً‪ ،‬قلت‪ :‬أنا أقوى من‬
‫ذلك‪ .‬قال‪ :‬اقرأ القرآن يف كل شهر‪ ،‬مث انتهى إىل مخس عشرة وأنا أقول‪ :‬أنا أقوى من‬
‫ذلك»‪.‬‬
‫‪ .4‬احتساب النبي ‪ ‬على األمراء وأصحاب الواليات‪:‬‬
‫عقد النيب ‪ ، ‬ألوية اإلمارة جلماعة من أصحابه الكرام‪  %‬ممن َّ‬
‫توسم فيهم القدرة‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 40 -‬‬


‫على القيادة‪ ،‬وسياسة اآلخرين‪ ،‬والقيام‪ %‬باملهام املوكلة إليهم بإتقان وأمانة‪ ،‬ولكن توليته‬
‫‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ -‬لتلك الفئة املتميزة‪ ،‬وثقته الكرمية هبا مل حَتُ ْل بينه وبني أن ينكر‬
‫وخمالفة لنهج الصواب‪ ،‬ومن ذلك حديث علي ‪: ‬‬ ‫ٍ‬ ‫على أحدهم ما قد يقع منه من خطأ‬
‫أن النيب ‪ ، ‬بعث جيشاً وأ ََّمر عليهم رجالً‪ ،‬فأوقد ناراً‪ ،‬وقال‪ :‬ادخلوها! فأرادوا أن‬
‫يدخلوها‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬إمنا فررنا منها‪ ،‬فذكروا للنيب ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ ،-‬فقال‬
‫للذين أرادوا أن يدخلوها‪ :‬لو دخلوها مل يزالوا فيها إىل يوم القيامة‪ ،‬وقال لآلخرين‪ :‬ال‬
‫ٍ‬
‫معصية‪ ،‬إمنا الطاعة يف املعروف» ‪.‬‬ ‫طاعة يف‬
‫وحديث أيب محيد الساعدي ‪ ، ‬قال‪ « :‬استعمل رسول اهلل ‪ ،‬رجالً على‬
‫دعى ابن الْلَّْتبِيَّة؛‪ %‬فلما جاء حاسبه‪ ،‬قال‪ :‬هذا مالُكم‪ ،‬وهذا هدية‪ ،‬فقال‬
‫صدقات بين سلي ٍم يُ َ‬
‫رسول اهلل ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪ :-‬فهالَّ جلست يف بيت أبيك وأمك حىت تأتيك هديتك‬
‫إن كنت صادقاً! مث خطبنا‪ ،‬فحمد اهلل وأثىن عليه‪ ،‬مث قال‪ :‬أما بعد‪ :‬فإين أستعمل الرجل‬
‫منكم على العمل مما والَّين اهلل‪ ،‬فيأيت فيقول‪ :‬هذا مالكم وهذا هدية أُهديت يل! أفال‬
‫جلس يف بيت أبيه وأمه حىت تأتيه‪ %‬هديته؟! ِ‬
‫واهلل ال يأخذ أحد منكم شيئاً بغري حقه إال لقي‬
‫اهلل حيمله يوم القيامة‪ ،‬فألعرفن أحداً منكم لقي اهلل حيمل بعرياً له ُر َغاء‪ ،‬أو بقرة هلا ُخ َوار‪،‬‬
‫أو شاة َتْي َعر‪ ،‬مث رفع يده حىت ُرئي بياض إبطه يقول‪ :‬اللهم هل بلَّغت‪ ،‬بَ َ‬
‫صر عيين ومَسْ َع‬
‫أذين»‪.‬‬
‫‪ .5‬احتساب النبي ‪ ، ‬على عامة المجتمع‪:‬‬
‫مل حَتُ ْل مشاغل النيب ‪ ، ‬العظيمة وأعماله اجلسيمة بينه وبني االحتساب على فئات‬
‫داع لذلك‪ ،‬ومن الشواهد‪ %:‬حديث أيب هريرة‬ ‫اجملتمع قليلة املخالطة له ‪ ، ‬حني حيصل ٍ‬
‫مر على صْبر ِة ٍ‬
‫طعام‪ ،‬فأدخل يده فيها‪ ،‬فنالت أصابعُه بلالً‪،‬‬ ‫‪« ، ‬أن رسول اهلل ‪َّ ، ‬‬
‫َُ‬
‫فقال‪ :‬ما هذا يا صاحب الطعام؟! قال‪ :‬أصابته السماء يا رسول اهلل! قال‪ :‬أفال جعلته فوق‬
‫غش فليس مين» ‪.‬‬
‫الطعام؛ كي يراه الناس؟! من َّ‬
‫وحديث سلمة بن األكوع‪« ،  %‬أن رجالً أكل عند رسول اهلل ‪ ، ‬بشماله‪،‬‬
‫فقال‪ُ :‬كل بيمينك! قال‪ :‬ال أستطيع‪ ،‬قال‪ :‬ال استطعت‪ .‬ما منعه إال ِ‬
‫الكرْب ‪ ،‬قال‪ :‬فما رفعها‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫‪X‬‬ ‫‪- 41 -‬‬
‫إىل فيه»‬
‫وحديث ابن عباس ـ رضي اهلل عنهما ـ «أن رسول اهلل ‪ ‬رأى خامتاً من ذهب يف‬
‫يد رجل فنزعه فطرحه‪ ،‬وقال‪ :‬يعمد أحدكم إىل مجرة من نار فيجعلها يف يده؟ فقيل‬
‫للرجل بعدما ذهب رسول اهلل ‪ :‬خذ خامتك انتفع به‪ ،‬قال‪ :‬ال ِ‬
‫واهلل! ال آخذه أبداً وقد‬
‫طرحه رسول اهلل ‪. » ‬‬
‫وحديث عبد اهلل بن جعفر ـ رضي اهلل عنهما ـ أن رسول اهلل ‪« :‬دخل حائطاً‬
‫حن‪ ،‬وذرفت عيناه‪ ،‬فأتاه النيب ‪‬‬ ‫النيب ‪َّ ‬‬
‫مجل‪ ،‬فلما رأى َّ‬ ‫لرجل من األنصار‪ ،‬فإذا ٌ‬
‫رب هذا اجلمل؟ ملن هذا اجلمل؟ فجاء فىت من األنصار‬ ‫فمسح ِذ ْفَراه فسكت‪ ،‬فقال‪َ :‬م ْن ُّ‬
‫فقال‪ :‬يل يا رسول اهلل! فقال‪ :‬أفال تتقي اهلل يف هذه البهيمة اليت ملَّكك اهلل إياها؟ فإنه‬
‫إيل أنك جتيعه وتُ ْدئِبُه»‪.‬‬
‫شكا َّ‬
‫مكوناً‬
‫وباجلملة‪ :‬فقد كانت احلسبة والقيام باألمر باملعروف والنهي‪ %‬عن املنكر ِّ‬
‫أساساً من مكونات شخصية النيب ‪ ، ‬مل تفارقه يف كل أدواره ومواقفه‪ ،‬ويف كافة‬
‫ِصالته وعالقاته‪ ،‬ويف مجيع مواقع وجوده‪ ،‬وهو موضع عظيم للتأسي واالقتداء فهمه‬
‫الصحابة الكرام ومارسوه يف عامة أحواهلم وأدوارهم حىت يف احلاالت اخلاصة؛ كحداثة‬
‫اإلسالم‪ %‬كما يف قصة الطفيل بن عمرو الدوسي‪ ،‬الذي من حني أسلم خرج مسرعاً إىل‬
‫قومه داعياً هلم وحمتسباً عليهم‪ ،‬حىت أقلع عن الشرك واملنكرات معه من قبيلته دوس العدد‬
‫الغفري ‪ ،‬وكحاالت املرض الشديد كما يف قصة عمر ـ رضي اهلل عنه ـ حني دخل عليه يف‬
‫شاب يعوده‪ ،‬فلم يلهه فراش املوت والتفكري يف كيفية تدبري شأن‪ %‬الدولة من‬
‫مرض موته ٌ‬
‫بعده أن يأمر الفىت برفع اإلزار وترك اإلسبال‪.‬‬

‫‪‬‬

‫‪X‬‬ ‫‪- 42 -‬‬

You might also like