You are on page 1of 358

‫‪ /‬ماريا فالتورتا‬ ‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله‬

‫‪Il Poema Dell' Uomo-Dio / Maria Valtorta‬‬


‫‪The Poem Of The Man-God‬‬

‫بالفرنسية‪( :‬اإلنجيل كما أوحي به ّ‬


‫إلي)‬
‫‪L'Évangile tel qu'il m'a été révélé‬‬

‫الجزء األول‬

‫{التهيئة}‬

‫ترجمه إلى اللغة العربية ‪ :‬فيكتور مصلح‬

‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬

‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 1 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫(فهرس اجلزء األول)‬

‫(مقدمة)‬ ‫‪‬‬

‫(حملة عن سرية حياة املرتجم)‬ ‫‪‬‬

‫(مدخل)‬ ‫‪‬‬

‫(هتيئة)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 1 -‬ميكن تسمية مرمي اثنية بكر اآلب)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 2 -‬يواكيم وحنة ينذرون للرب)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 3 -‬حنة تصلي يف اهليكل وهللا يستجيب لصالهتا)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 4 -‬يواكيم كان قد تزوج حكمة هللا احملتواة يف قلب املرأة البارة)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 5 -‬حنة تعلن أمومتها بنشيد)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 6 -‬اخلالية من كل عيب مل تغب أبداً عن ذاكرة هللا)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 7 -‬والدة مرمي العذراء)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 8 -‬تبدو نفسها مجيلة وال عيب فيها كما كانت يف فكر هللا)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 9 -‬بعد ثالث سنوات ستكونني هنا‪ ،‬اي زنبقيت)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 10 -‬ها هي الطفلة الكاملة بقلب محامة)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 11 -‬اي فرحي كيف تعرفني هذه األمور املقدسة؟ من يقول ِ‬
‫لك ذلك)‬ ‫‪‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 2 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول ‪( 12 -‬أمل يضع االبن حكمته ذاهتا على شفيت والدته)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 13 -‬تقدمة مرمي للهيكل)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 14 -‬العذراء األبدية ال تفكر إال أبمر واحد‪ :‬أن توجه قلبها إىل هللا)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 15 -‬موت يواكيم وحنة)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 16 -‬يفرتض ِ‬


‫فيك أن تكوين أم املسيح)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 17 -‬كانت ترى جمدداًكل ما كانت روحها قد رأته يف هللا)‬ ‫‪‬‬

‫ألنك ِ‬
‫وثقت ابهلل‪ .‬وستبوحني له‬ ‫عروسك وسيكون قديساً ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(سيمنحك هللا‬ ‫اجلزء األول ‪18 -‬‬ ‫‪‬‬
‫ِ‬
‫بنذرك)‬

‫اجلزء األول ‪( 19 -‬يوسف املختار عروساً للعذراء)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 20 -‬زواج العذراء ويوسف)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 21 -‬وضع يوسف مثل "خامت على خامت" مثل رئيس املالئكة على عتبة الفردوس)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 22 -‬العروسان ي ِ‬


‫صالن إىل الناصرة)‬ ‫‪‬‬
‫َ‬
‫اجلزء األول ‪( 23 -‬البشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 24 -‬معصية حواء األوىل)‬ ‫‪‬‬

‫مار َست الطاعة يف كل املناسبات)‬


‫اجلزء األول ‪( 25 -‬حواء اجلديدة َ‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 26 -‬كلمة أخرى حول شرح اخلطيئة األصلية)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 27 -‬إعالم يوسف خبرب َحبَل أليصاابت)‬ ‫‪‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 3 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ِ‬
‫عروسك)‬ ‫ِ‬
‫ساحتك أمام‬ ‫اجلزء األول ‪( 28 -‬دعي يل أمر تربئة‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 29 -‬مرمي ويوسف ميضيان إىل أورشليم)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 30 -‬من أورشليم إىل بيت زكراي)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 31 -‬ال تتخلوا أبداً عن محاية الصالة)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 32 -‬وصول مرمي إىل بيت زكراي)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 33 -‬مرمي تبوح ابالسم ألليصاابت)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 34 -‬مرمي تتحدث عن ابنها)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 35 -‬جيب أن جتعلنا عطية هللا أفضل على الدوام)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 36 -‬والدة املعمدان)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 37 -‬يتفتح األمل مثل زهرة ملن يتكئ برأسه على صدري الوالدي)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 38 -‬ختـ ـ ــان املعمـ ـ ـ ـ ـ ــدان)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 39 -‬هيِئُوا أنفسكم الستقبال النور)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 40 -‬تقدمة املعمدان إىل اهليكل)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 41 -‬لو كان يوسف أقل قداسة ملا َمنَ َحهُ هللا نوره)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 42 -‬مرمي الناصرية تتفاهم مع يوسف)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 43 -‬اتركوا للرب مهمة اإلعالن لكم عن ُخدَّامه)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 44 -‬منشور اإلحصاء)‬ ‫‪‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 4 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول ‪( 45 -‬أن حنب يعين إرضاء من حنب مبا يتجاوز اإلحساس واملنفعة)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 46 -‬السـ ـ ـ ــفر إىل بيت حلم)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 47 -‬ميـالد يس ـ ــوع ربن ـ ـ ــا)‬ ‫‪‬‬

‫افتديت املرأة أبموميت اإلهلية)‬


‫ُ‬ ‫اجلزء األول ‪( 48 -‬أان‪ ،‬مرمي‪ ،‬قد‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 49 -‬ع ـبـ ـ ــادة الـ ـ ـ ـ ـ ــرعــاة)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 50 -‬عند الرعاة توجد كل الصفات الالزمة ليكونوا عابدي الكلمة)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 51 -‬زايرة زكراي)‬ ‫‪‬‬

‫املكرسة)‬
‫اجلزء األول ‪( 52 -‬يوسف حيمي كذلك النفوس َّ‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 53 -‬تقدمة يسوع إىل اهليكل)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 54 -‬العَِرب اليت تنبثق من املشهد السابق)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 55 -‬هدهدة العذراء)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 56 -‬سجود اجملوس الثالثة)‬ ‫‪‬‬

‫(أتمالت يف إميان اجملوس)‬


‫اجلزء األول ‪ُّ 57 -‬‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 58 -‬اهل ـ ــروب إل ــى مص ـ ــر)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 59 -‬كان األمل رفيقنا األمني‪ ،‬وقد َّاَّتَ َذ خمتلف األشكال وكل األمساء)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 60 -‬العائلة املقدسة يف مصر)‬ ‫‪‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 5 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اعى النظام)‬
‫اجلزء األول ‪( 61 -‬يف هذا البيت يُر َ‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 62 -‬الدرس األول يف العمل ليسوع)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 63 -‬مل أشأ التخلص من قواعد النمو بصخب)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 64 -‬مرمي معلمة يسوع ويوضاس ويعقوب)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 65 -‬حتضري ثياب سن الرشد ليسوع)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 66 -‬االنطالق من الناصرة لالحتفال ببلوغ يسوع سن الرشد)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 67 -‬امتحان رشد يسوع يف اهليكل)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 68 -‬نقاش يسوع مع علماء اهليكل)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 69 -‬أمل مرمي لدى اختفاء يسوع)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 70 -‬وفاة القديس يوسف)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 71 -‬بوفاة يوسف‪ ،‬اختَََربت مرمي أملاً حاداً)‬ ‫‪‬‬

‫اجلزء األول ‪( 72 -‬خالصة احلياة اخلفية)‬ ‫‪‬‬

‫‪ ---‬هناية فهرس اجلزء األول ‪---‬‬

‫‪( ---------------‬عودة إىل بداية الفهرس) ‪---------------‬‬


‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 6 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫(املقدمة)‬

‫ُولِ َدت ماراي فالتورات يف كازرته (إيطاليا) يف ‪ 14‬آذار (مارس) ‪ .1897‬كانت االبنة الوحيدة‬
‫لنائب قائد كتيبة فرسان‪ ،‬هو جوزيف فالتورات املولود يف مانتوفا عام ‪ ،1862‬وملدرسة لغة فرنسية هي‬
‫إيزيس فيورافانزي املولودة يف كرميوان عام ‪.1861‬‬

‫مل تكن قد جتاوزت شهرها الثامن عشر عندما اضطر والداها لإلقامة مع ابنتهما يف مشايل‬
‫إيطاليا‪ .‬استقرا أوالً يف فاينزا‪ ،‬وبعد عدة سنوات انتقال إىل ميالنو حيث أدخالها دار حضانة عند‬
‫راهبات األورسولني‪ .‬وهنا بدت عليها أوىل عالئم الدعوة‪ :‬أرادت أن تكرس نفسها للسيد املسيح ابألمل‬
‫الذي اختارته برضاها بدافع احملبة‪.‬‬

‫يف السابعة من عمرها‪ ،‬وكانت ما تزال يف ميالنو‪ ،‬دخلت املدرسة االبتدائية عند الراهبات‬
‫املرسيليّات‪ ،‬حيث انلت نعمة التثبيت املقدس عام ‪ 1905‬على يد الكردينال أندريه فراري‪ .‬واتبعت‬
‫بعدها دراستها يف مدرسة فوغريا العامة حيث استقرت العائلة يف عام ‪ .1907‬ويف كاستيجيو احتفلت‬
‫مبناولتها األوىل عام ‪.1908‬‬

‫يف عام ‪ 1909‬وبضغط من والدهتا الصارمة جداً انتسبت إىل معهد بيانكوين دي مونزا‪ ،‬حيث‬
‫متيزت بذكائها املتوقد جداً وشخصيتها الصلبة جداً‪ .‬ولقد كانت جد موهوبة يف املواد األدبية‪ ،‬بينما‬
‫مل تفلح يف مادة الرايضيات‪ .‬وبعد جهد جهيد ومثابرة مضنية استطاعت احلصول على الدبلوم ابلعلوم‬
‫التقنية‪ ،‬اليت فرضت عليها والدهتا دراستها‪ .‬وعلى الرغم من ذلك كانت مراتحة إىل املعهد ولكن والدهتا‬
‫أرادت بعد أربع سنوات إخراجها منه‪ .‬هنا توجهت ماراي بصالة حارة إىل الباري تعاىل الذي أانر مرة‬
‫أخرى بصريهتا بشأن مستقبلها‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 7 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يف هذه األثناء‪ ،‬تقاعد والدها ألسباب صحية‪ ،‬وذهبت العائلة الصغرية لتحىي يف فلورنسا حيث‬
‫ُخطبت ماراي لشاب خلوق‪ ،‬اضطرت فيما بعد لفك خطوبتها منه بسبب طباع والدهتا السيئة‪ .‬وبعد‬
‫فرتة من األزمة احلادة‪ ،‬وهبها الرب عام ‪ 1916‬إشارة كاشفة أخرى‪ ،‬ويف عام ‪ 1917‬اخنرطت يف‬
‫العسكري كل اهتمامها وبسخاء‪،‬‬
‫ّ‬ ‫السامرايت حيث منحت اجلنود يف مشفى فلورنسا‬
‫ّ‬ ‫صفوف املمرضات‬
‫خالل مثانية عشر شهراً‪.‬‬

‫يف ‪ 17‬آذار ‪ ،1920‬وبينما هي سائرة بصحبة والدهتا يف الشارع‪ ،‬ضرهبا أحد املتطرفني على‬
‫ظهرها بقضيب حديدي ضربة تركت على جسدها أوىل عالئم عاهتها املستقبلية‪.‬‬

‫بعد أن الزمت الفراش مدة ثالثة أشهر‪ ،‬مضت يف تشرين األول من نفس العام‪ ،‬مع والديها‪،‬‬
‫إىل رجييو دي كاالبراي‪ ،‬حيث أقامت حوايل السنتني عند أقرابء هلا من أمها من عائلة بلفانيت‪ ،‬ميلكون‬
‫شـبكة من الفنادق‪ .‬كانت هذه الفرتة الطويلة اليت قضتها يف هذه املدينة الساحلية اجلميلة يف جنوب‬
‫إيطاليا‪ ،‬غنية ابلتجارب اليت أثرت يف روحها ولكنها يف الوقت نفسه متيزت ابلنفور من والدهتا اليت‬
‫كانت تعارض عروض زواج جديدة‪ .‬عادت بعدها ماراي إىل فلورنسا ‪-‬وكان ذلك عام ‪-1922‬‬
‫وأقامت فيها عامني آخرين حافلني بذكرايت مؤملة‪.‬‬

‫يف عام ‪ 1924‬كان االنتقال النهائي إىل فيارجييو الذي شكل بداية حياة جديدة تتوق إىل‬
‫صعود متواصل حنو هللا‪ .‬والتزمت سراً‪ ،‬بسبب رفض والدهتا‪ ،‬جبميع املمارسات الروحية‪ ،‬وبذلك جنحت‬
‫يف االخنراط يف العمل الكاثوليكي‪ .‬وحبماسها الدائم ورغبتها العارمة يف بذل الذات‪ ،‬فقد وهبت نفسها‬
‫للمحبة الرحيمة يف عام ‪ ،1925‬ويف عام ‪ ،1931‬وبعد إعالهنا نذورها‪ ،‬أرادت بنية اثبتة أن هتب‬
‫نفسها أيضاً للعدالة اإلهلية‪.‬‬

‫بسبب تفاقم مرضها‪ ،‬اضطرت ملالزمة الفراش بشكل هنائي اعتباراً من أول نيسان ‪ 1934‬وها‬
‫هي منذ اآلن آلة طيعة بني يدي الرب‪ .‬ويف السنة التالية وصلت إليها ماراي ديشيويت اليت بقيت مرافقتها‬
‫األمينة‪ ،‬واليت مل ترتكها طوال حياهتا‪ .‬ويف هذه األثناء تلقت ماراي صفعة أمل مربحة بوفاة والدها الذي‬
‫كانت حتبه وتعتربه األفضل بني الرجال‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 8 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يف عام ‪ 1942‬زارها كاهن ورع وتقي‪ ،‬وكان من املرسلني‪ ،‬هو األب روموالد‪ .‬م‪ .‬ميغليوريين من‬
‫رهبنة خدام مرمي‪ ،‬الذي اَّتذته مرشدها الروحي مدة أربع سنوات‪ .‬ويف عام ‪ 1943‬يف السنة ذاهتا‬
‫اليت توفيت خالهلا والدهتا‪ ،‬بدأت ماراي فالتورات رسالتها ككاتبة‪.‬‬

‫انتقلت ماراي من كتابة سريهتا الذاتية اليت كتبتها حسب إمكانياهتا بطلب من األب ميغليوريين‬
‫إىل "اإلمالءات" و "الرؤى" اليت صرحت بتلقيها عن طريق الوحي‪ .‬على الرغم من آالمها املربحة‬
‫ومالزمتها الفراش‪ ،‬كانت تكتب بيدها‪ ،‬ومن احملاولة األوىل‪ ،‬دون مراجعة‪ ،‬دون اكرتاث ابلوقت حّت‬
‫ولو كان ليالً‪ ،‬ودون اإلحساس إطالقاً ابالنزعاج من مقاطعات عرضية‪ ،‬مع حمافظتها الدائمة على‬
‫مظهرها الطبيعي‪ .‬ومل تكن ترجع إال إىل الكتاب املقدس وكتاب التعليم املسيحي للبااب بيوس العاشر‬
‫للتحقق‪.‬‬

‫ومنذ العام ‪ 1943‬حّت العام ‪ 1947‬كانت فورة عطائها اليت بدأت َّتبو بعدها تدرجيياً حّت‬
‫عام ‪ 1953‬حيث أمتت ماراي كتابة ‪ 15000‬مخسة عشر ألف صفحة دفرت كانت عبارة عن تعليقات‬
‫حول الكتاب املقدس ودراسات عقائدية‪ ،‬رواايت عن املسيحيني األوائل والشهداء‪ .‬مؤلفات عن‬
‫التقوى‪ ،‬عدا عدد من صفحات الصحيفة الروحية‪ .‬إال أن ثلثي نتاج ماراي فالتورات األدي تقريباً كان‬
‫مكرساً لعمل هائل هو سرية حياة السيد املسيح‪.‬‬

‫بعد أن وهبت كل شيء هلل‪ ،‬حّت ذكاءها الشخصي‪ ،‬بدأت ماراي ابالنطواء تدرجيياً خالل عدة‬
‫سنوات بشكل من أشكال العزلة النفسية حّت اليوم الذي انطفأت فيه جذوهتا‪ ،‬وكأهنا تطيع قول‬
‫الكاهن الذي دعي عند نزاعها األخري‪ ،‬فصلى هبذه العبارة‪" :‬اذهيب أيتها الروح املسيحية من هذا‬
‫العامل‪ ".‬وكان ذلك يوم ‪ 21‬تشرين األول (أكتوبر) ‪ ،1961‬وكانت قد تركت للذكرى اجلملة التالية‪:‬‬
‫«لقد َّتلصت من اآلالم ولكنين سأستمر يف احلب‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 9 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫جرت مراسم اجلنازة يف رعية سان بولني يوم ‪ 14‬تشرين األول (أكتوبر) صباحاً وببساطة شديدة‬
‫حسب رغبتها‪ ،‬وبعدها مباشرة جرى دفن جثماهنا يف مقربة فيارجييو‪ .‬ولكن يف ‪ 2‬متوز (يوليو) ‪1973‬‬
‫جرى نقل رفاهتا إىل املدفن اخلاص يف فلورنسا يف الكنيسة التابعة لدير سانتيسيما أنونزايات الكبري‪.‬‬

‫إن أهم أعماهلا حول حياة السيد املسيح كتبت بدءاً من العام ‪ 1944‬وحّت ‪ 1947‬ابستثناء‬
‫بعض الفصول ُدونت يف السنوات التالية‪ .‬وقد نشرت يف إيطاليا عام ‪ 1956‬حتت عنوان‪" :‬قصيدة‬
‫الرجل اإلله" "‪ ."IL POEMA DELL UOMO DIO‬وقد ظهرت يف أربعة أجزاء‬
‫كبرية‪ ،‬مث تلتها طبعة جديدة منقحة يف عشرة أجزاء مع تعليقات الهوتية ومذهبية لألب كونراد‪ .‬م‪.‬‬
‫بريت‪ ،‬من رهبنة خدام مرمي‪ ،‬وقد أعيد طبعه ابستمرار‪ ،‬وكان يوزع دون أية دعاية ومع ذلك فقد انتشر‬
‫بشكل واسع يف إيطاليا ويف كل العامل‪.‬‬

‫ويف عام ‪ ،1971‬قرأ مدرس فرنسي‪ ،‬السيد فليكس سوفاج ‪FELIX SAUVAGE‬‬
‫كتاب‪ ،"IL POEMA DELL` UOMO DIO" :‬وأحس ابندفاع لرتمجته إىل لغته‬
‫األم‪ .‬ومن بون أودمري حيث كان يقطن‪ ،‬كان يعلمنا ابستمرار عن تطورات عمله‪ ،‬ويلتمس إبحلاح أن‬
‫نتخذ قراران ابلنشر‪ ،‬ذلك أنه كان طاعناً ابلسن‪ .‬مل يكن حيدثنا عن نفسه إال حينما يطمئننا عن‬
‫إمكانياته معلماً إايان أنه أهنى دراسة الفلسفة والالهوت وأمضى حياته كلها يف التدريس‪.‬‬

‫يف كانون األول (ديسمرب) ‪ ،1976‬قصدان النورماندي لتسلم الرتمجة الفرنسية لألجزاء العشرة‬
‫اليت كتبها السيد سوفاج خبط يده‪ .‬ومل نبدأ بتفحصها إال بعد حني‪ .‬وقد الحظنا ضرورة مراجعتها‪ .‬إن‬
‫هذه الرتمجة‪ ،‬رغم اإلسهاب يف إصالحها‪ ،‬فهي جديرة ابالهتمام ألن رجالً مسناً قد أجنزها بدافع من‬
‫إميان كان جيدد فيه شبابه‪.‬‬

‫بكل أسف‪ ،‬مل يتمكن فيليكس سوفاج من رؤية العمل املرتجم وقد نشر‪ ،‬إذ قد تويف يف ‪16‬‬
‫أيلول (سبتمرب) ‪ 1978‬عن عمر يناهز ‪ 87‬عاماً‪ .‬ولقد احرتمنا رغبته األكيدة بعدم إضافة أية‬
‫مالحظات تفسريية وتعليقات على نص ماراي فالتورات‪ ،‬وإبراز طبيعة العمل من خالل عنوانه ذاته‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 10 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وإننا لنعلم قراءان أنه بشأن كل شرح واستقصاء‪ ،‬فإن مالحظات الطبعة اإليطالية تبقى هي‬
‫املعتمدة‪ .‬أما فيما خيص طبيعة العمل‪ ،‬فإننا على قناعة اتمة أبنه واحد من أعظم اإلحياءات اخلاصة‪،‬‬
‫ومع ذلك فقد حظيت هذه اإلحياءات مبوافقة الالهوت الكاثوليكي‪ ،‬كوهنا ظهورات ممكنة‪ ،‬ملحقة‬
‫ابلوحي العام‪ ،‬جديرة ابإلميان اإلنساين‪ ،‬ومينحها هللا ألشخاص معينني للمنفعة الروحية لكل الناس‪.‬‬

‫نسأل قراءان املعذرة لبعض اهلنات يف الطبعة الفرنسية األوىل هذه‪.‬‬

‫‪ISOLA DEL LIRI (ITALIE) 12 OCTOBRE 1979‬‬

‫إميليو بيزاين‬

‫‪EMILIO PISANI‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 11 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫(حملة عن سرية حياة املرتجم)‬

‫هو فيكتور أبن اخلوري إبراهيم ُمصلح‪ ،‬من مواليد ‪ 1952‬دمشق ‪ -‬سورية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أمضى املرحلة االبتدائية يف مدرسة اآلابء اللعازريني (دمشق ‪ -‬سوراي)‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫أمضى املرحلة اإلعدادية كإكلرييكي يف إكلرييكية دير ال ُـمخلص (صيدا ‪ -‬لبنان) وأهنى بعدها‬ ‫‪‬‬

‫سنة األبتداء (االستعداد للنذور الرهبانية) يف الدير ذاته‪.‬‬

‫أمضى املرحلة الثانوية يف مدرسة العِناية (دمشق ‪ -‬سوراي)‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫تعل َم اللغة الفرنسية على أيدي أساتذة فرنسيني‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫شارك بتأسيس مركز التعليم املسيحي لطالب املرحلة الثانوية بصفة عضو ِ‬
‫مؤسس‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪‬‬

‫كان عضواً فاعالً يف األخوية ال َـمرميية بدمشق‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫ساه َم إبعطاء دروس التعليم املسيحي يف املراكز الكنَسية ال ُـمهتَّمة بطُالب املرحلة االبتدائية‪.‬‬
‫َ‬ ‫‪‬‬

‫عضو يف أخوايت عائالت مرمي‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫شغل مناصب عدة يف مجعية القديس منصور اخلريية بدمشق‪.‬‬


‫َ‬ ‫‪‬‬

‫َشَرع برتمجة كتاب قصيدة اإلنسان‪-‬اإلله (اإلجنيل كما أوحي به إيل) ملاراي فالتورات من اللغة‬ ‫‪‬‬

‫ص َحه بقراءته األب ميشيل زمار الذي كان‬ ‫الفرنسية إىل اللغة العربية يف عام ‪ 2000‬بعد أن نَ َ‬
‫وقتها يف زايرة إىل سورية قادماً من الوالايت املتحدة األمريكية‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 12 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ص َل على النسخة الفرنسية اليت يعكف على ترمجتها عن طريق شقيقه األب أنطون مصلح‬‫َح َ‬ ‫‪‬‬

‫الذي كان مقيماً آنذاك يف روما إيطاليا للتخصص يف احلق الكنسي‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 13 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫(مدخل)‬

‫يف البدء كان الكلمة‪ ،‬والكلمة كان لدى هللا‪ ،‬والكلمة هو هللا‪.‬‬
‫كان منذ البدء لدى هللا‪ ،‬به كان كل شيء‪ ،‬وبغريه ما كان شيء‪.‬‬
‫هو احلياة لكل موجود واحلياة نور الناس‪ ،‬والنور يشرق يف الظلمات وال تغشاه الظلمات‪.‬‬
‫ظهر رسول من لدن هللا امسه يوحنا‪.‬‬
‫جاء شاهداً ليشهد للنور فيؤمن على يده مجيع الناس‪ .‬مل يكن هو النور بل شاهداً للنور‪.‬‬
‫الكلمة هو النور احلق الذي ينري كل إنسان‪.‬‬
‫كان قادماً إىل العامل‪ .‬وكان يف العامل‪ ،‬وبه كان العامل‪ ،‬ومل يعرفه العامل‪.‬‬
‫جاء إىل بيته فما قبله أهل بيته‪ .‬أما الذين قبلوه فقد أوالهم أن يصريوا أبناء هللا‪ ،‬هم الذين آمنوا‬
‫ابمسه‪.‬‬
‫وهو ليس من دم وال من رغبة ذي حلم وال من رغبة رجل‪ ،‬بل هللا ولده‪.‬‬
‫والكلمة صار بشراً فسكن بيننا فرأينا جمده‪ ،‬جمد االبن الواحد الذي أتى من لدن اآلب ملؤه‬
‫النعمة واحلق‪.‬‬
‫شهد له يوحنا فهتف‪« :‬هذا الذي قلت فيه إن الذي أييت بعدي قد تقدمين ألنه كان قبلي‪».‬‬
‫ومن ملئه نلنا أبمجعنا نعمةً على نعمة‪.‬‬
‫ألن الشريعة أتتنا على يد موسى وأما النعمة واحلق‪ ،‬قد بلغا إلينا على يد يسوع املسيح‪.‬‬
‫ما من أحد رأى هللا‪ ،‬االبن الوحيد الذي يف حضن اآلب هو الذي أخرب عنه‪.‬‬

‫(يوحنا ‪)18 – 1 / 1‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 14 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫(التـهـيئــة)‬

‫«الرب قناين يف أول طريقه من قبل أعماله منذ البدء» (أمثال ‪)22 / 8‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 15 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -1‬ميكن تَسمية مرمي اثنية بِ ْكر اآلب)‬

‫‪1944 / 08 / 22‬‬

‫أيمرين يسوع‪:‬‬

‫«خذي دفرتاً جديداً‪ ،‬اكتيب على الورقة األوىل‪ :‬إمالء السادس عشر من آب (أغسطس) ‪،1944‬‬
‫ففي هذا الكتاب سنتكلّم عنها‪».‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫«اكتيب هذا فقط‪ :‬القيمة الكبرية للطهارة هي اليت أاتحت ألحشاء إنسانة أن تتسع ملن ال‬
‫يوسع‪ ،‬ذلك ألن طهارهتا مطلقة‪ ،‬هي أعظم طهارة ميكن خلليقة هللا أن متلكها‪.‬‬

‫لقد احندر الثالوث األقدس بكل كماله وسكن فيها أبقانيمه الثالثة‪ ،‬واتسع‪ ،‬وهو الالمتناهي‪،‬‬
‫يف مساحة صغرية ‪-‬مل تعد ضيقة‪ ،‬ذلك أن حمبة العذراء واإلرادة اإلهلية وسعا هذه املساحة حّت‬
‫أصبحت مساء‪ -.‬وجتلى مبميزاته‪:‬‬

‫اآلب‪ ،‬مع كونه اخلالق‪ ،‬جدد عمل اليوم السادس القتناء "فتاة" حقيقية‪ ،‬جديرة به‪ ،‬لكمال‬
‫التشابه‪ .‬فإن مالمح هللا كانت مطبوعة يف مرمي بوضوح ونقاء مل يـَ ُف ْقه إال ما كان لبكر اآلب‪ .‬ميكننا‬
‫وعرفَت كيف حتافظ عليه‪ ،‬جبدارهتا ألن تكون عروس‬ ‫ِ‬
‫تسمية مرمي اثنية بكر اآلب للكمال الذي ُمن َحته َ‬
‫وأم هللا‪ ،‬وملكة السماء‪ ،‬إهنا يف املرتبة الثانية بعد ابن اآلب‪ ،‬ويف املقام الثاين يف فكره األبدي‪ ،‬ألنه‪،‬‬
‫أبدايً‪ ،‬يفرح هبا‪.‬‬

‫االبن‪ ،‬كونه أيضاً "ابناً" هلا‪ ،‬فقد لقنها‪ ،‬بسر النعمة‪ ،‬حقيقته وحكمته عندما كان ما يزال بذرة‬
‫تنمو يف أحشائها‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 16 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫الروح القدس‪ ،‬بظهوره بني الناس يف عنصرة سابقة ألواهنا‪ ،‬يف عنصرة مستدمية‪َ :‬حمبَّة يف "اليت"‬
‫أحبَّها‪ ،‬عزاء للناس‪ ،‬من أجل مثرة أحشائها‪ ،‬تقديساً أبمومة القدوس‪.‬‬
‫َ‬
‫كي يتجلى للعامل ابهليئة اجلديدة والكاملة اليت افتَـتَحت زمن الفداء‪ ،‬مل خيرت هللا جنماً من السماء‬
‫عرشاً له‪ ،‬وال قصر ملك جبار إلقامته‪ ،‬كما مل يرغب يف أجنحة املالئكة لتطأها قدماه‪ ،‬لقد أراد‬
‫أحشاء بال عيب‪.‬‬

‫حواء أيضاً كانت قد ُخلِ َقت بال عيب‪ ،‬ولكنها أرادت تلقائياً أن تفسد نفسها يف الوقت الذي‬
‫كانت موجودة يف عامل نقي‪ ،‬بينما عاشت مرمي يف عامل فاسد‪ ،‬ال يرتدد يف جرح طهارته أبدىن فكرة‬
‫وشاه َدت منها أشكاالً وألواانً واألكثر فظاعة‪،‬‬
‫موجهة حنو اخلطيئة‪ .‬لقد كانت تعلم بوجود اخلطيئة َ‬
‫رأهتا كلها حّت األبشع واألفظع‪ :‬قتل هللا‪ .‬ولكنها َعرفَتها لتكفر عنها‪ ،‬ولتكون على مدى الدهور تلك‬
‫اليت ترأف ابخلطأة وتصلي من أجل فدائهم‪.‬‬
‫أطلعك عليها ألش ّدد عز ِ‬
‫ميتك‪ِ ،‬‬
‫أنت وآخرين‬ ‫ِ‬ ‫«سوف تكون هذه الفكرة املدخل حلقائق أخرى مق ّدسة‬
‫كثريين‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 17 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫للرب)‬
‫‪( -2‬يواكيم وحنة يَن ُذرون ّ‬
‫‪1944 / 08 / 22‬‬

‫أرى منزالً من الداخل‪ ،‬وامرأة يف سن متقدمة نوعاً ما جالسة أمام نول‪ .‬لدى رؤيتها‪ ،‬بشعرها‬
‫الذي كان حالك السواد يوماً وأصبح اآلن رمادايً‪ ،‬وبوجهها اخلايل من التجاعيد‪ ،‬إّنا جتلله رصانة‬
‫مكتسبة عرب السنني جتعلين أمخن عمرها بني اخلمسني واخلامسة واخلمسني‪ ،‬ليس أكثر‪.‬‬
‫َ‬
‫أراها حتيك‪ .‬الغرفة مضاءة بنور يَلِج من الباب ال ُـمطل على مبقلة واسعة‪ ،‬ومع ذلك هي أمالك‬
‫صغرية ألهنا متتد بتموجات تنتهي إىل منحدر أخضر‪ .‬إهنا مجيلة‪ ،‬تلك املرأة‪ ،‬مبالحمها العربانية اخلالصة‪،‬‬
‫لست أدري ملاذا تذكرانين بعيين املعمدان‪ .‬أما نظرهتا فنظرة نبيلة كاليت مللكة‬
‫فعيناها سوداوان عميقتان‪ُ ،‬‬
‫ومفعمة حناانً‪ ،‬كما لو أن وشاحاً الزوردايً ينتشر على بريق نظرة نسر‪ .‬نظرة وديعة تشوهبا مسحة حزن‬
‫خفيفة كما لو كانت تفكر أبشياء فُِق َدت منها‪ .‬لون بشرهتا مييل إىل السمرة‪ .‬الفم عريض قليالً ولكنه‬
‫مرسوم إبتقان‪ ،‬له تعبري صارم ولكن دون قسوة‪ .‬األنف طويل دقيق ومنعكف قليالً عند القاعدة‪ ،‬أنف‬
‫معقوف ومتناغم بشكل جيد مع العينني‪ .‬إهنا ممتلئة ولكنها ليست بدينة‪ ،‬كبرية احلجم ولكنها متناسقة‬
‫جيداً‪ ،‬هذا ما ميكن َّتمينه وهي جالسة‪.‬‬

‫خييل إيل أهنا حتيك سجادة أو ستاراً‪ ،‬واملكوكات املتعددة األلوان تنزلق بسرعة عرب حلمة كستنائية‬
‫غامقة‪ ،‬يُظ ِهر اجلزء املنتهي منها تداخالً متماوجاً من الرسوم والزخارف بشكل الورود‪ ،‬يتقاطع فيها‬
‫األخضر واألصفر واألمحر وكذلك الالزورد ابنعكاسات النحاس‪ ،‬وتتمازج بشكل فسيفسائي‪.‬‬

‫ترتدي املرأة ثوابً بسيطاً للغاية وغامقاً‪ .‬إنه بنفسجي مييل إىل احلمرة‪ ،‬ويبدو أن ألوانه مستعارة‬
‫من زهور "البانسيه"‪( .‬زهرة الثالوث أو بنفسج الثالوث)‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 18 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫سمع طرقاً على الباب فتنهض‪ .‬قامتها ابلفعل كبرية‪ .‬تفتح‪ .‬تسأهلا امرأة‪« :‬حنة‪ ،‬هال أعطيتين‬
‫تَ َ‬
‫تك ألمألها ِ‬
‫لك؟»‬ ‫جر ِ‬

‫جتلب املرأة معها طفالً يف اخلامسة من عمره‪ ،‬يتمسك برداء حنة مباشرة‪ ،‬فتداعبه وهي ماضية‬
‫إىل غرفة أخرى لتجلب منها جرة حناسية مجيلة‪ .‬تعطيها للزائرة وهي تقول هلا‪« :‬إن ِ‬
‫ك طيبة دائماً مع‬
‫ـك اآلن والذين سيكونون‪ ،‬مغبوطة ِ‬
‫أنت!»‬ ‫ِ‬
‫وأبوالدك الذيـن ل ِ‬ ‫حنة العجوز‪ ،‬كاف ِ‬
‫ـأك هللا بصغريك هذا‬
‫وتتنهد حنة‪.‬‬

‫تنظر املرأة إليها‪ ،‬غري عاملة مبا تقول بعد ذلك التنهد‪ .‬ولكي َّتفف من األمل الذي مخَّنَتهُ تقول‪:‬‬
‫ـك؛ هكذا سـأنتهي بسرعة أكرب من ملء عدة جرار وأابريق‬ ‫لك حـلفـا إذا مل يكن هذا يـزعج ِ‬ ‫«سـأترك ِ‬
‫ِ‬
‫لك‪».‬‬

‫ط حلفـا كثرياً لبقائه‪ ،‬وقد عرف السبب‪ .‬فحاملا تذهب والدته تلف حنة ذراعها حول عنقه‪،‬‬ ‫اغتَـبَ َ‬
‫وحتمله إىل اجلنينة وترفعه ليطال دالية عنب حباته مسراء كالزبرجد وتقول له‪ُ « :‬كل‪ُ ،‬كل‪ ،‬إنه لذيذ‪».‬‬
‫وتعود لتطبع قبالهتا على كامل وجهه الصغري امللطخ بعصري العنب الذي يفرط حباته بنهم‪ .‬مث تضحك‬
‫وتضحك وتبدو فجأة أكثر شباابً بصفي اللؤلؤ اللذين يزينان فمها ابلفرح املشع على وجهها ماسحاً‬
‫أثر السنني‪ ،‬وذلك عندما يقول هلا الطفل‪« :‬واآلن ماذا ستعطيين؟» وينظر إليها حمملقاً بعينيه الرماديتني‬
‫بلون الالزورد القامت‪.‬‬

‫أعطيتك‪...‬‬
‫َ‬ ‫أعطيتك‪ ...‬إذا‬
‫َ‬ ‫تضحك مازحة وتنحين طاوية ركبتيها وتقول‪« :‬ماذا ستعطيين إذا‬
‫احزر ماذا؟»‬
‫ِ‬
‫أعطيك قبالت اي‬ ‫تضج أسارير الطفل بضحكة وتصفيق وهو يقول‪« :‬قُبالت‪ ...‬قُبالت‪...‬‬
‫حنة اجلميلة‪ ،‬حنة الطيبة‪ ،‬حنة أمي!‪»...‬‬

‫وعندما تسمعه يقول‪« :‬حنة أمي» تصرخ صرخة فرح وحنان‪ ،‬وتضمه إىل صدرها قائلة‪« :‬أيها‬
‫الفرح الثمني‪ ،‬الثمني‪ ،‬الثمني!» وبعد كل كلمة مثني تطبع قبلة على وجنتيه احلمراوين‪ .‬مث يتجهان إىل‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 19 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫لك اي‬
‫لك اي هباء حنة املسكينة‪َ ،‬‬ ‫أحد الرفوف حيث ُخي ِرجان طبقاً من احللوى ابلعسل «لقد َ‬
‫صنَعتُها َ‬
‫من حتبين كثرياً! ولكن قل يل كم حتبين؟»‬

‫ويفكر الطفل مبا يثري اهتمامه أكثر مث جييب‪« :‬مثل هيكل الرب»‪ .‬تعود حنة فتقبل عينيه اللتني‬
‫تضجان ابحلياة وشفتيه الورديتني‪ ،‬والطفل يتمسح هبا كقطة صغرية‪ .‬وأمه تروح وترجع ابجلرة ممتلئة‬
‫وتضحك دون أن تقول كلمة‪ .‬وتدعهما يف فيض مشاعرمها‪.‬‬

‫أسه شعر أبيض‪،‬‬ ‫يصل إىل اجلنينة رجل طاعن ابلسن‪ ،‬أصغر حجماً قليالً من حنة‪ ،‬يغطي ر َ‬
‫وحيد وجهه املشرق إطار من حلية مربعة وعينان الزورديتان كالفريوز بني رمشني كستناويني فاحتني‬
‫مييالن إىل اللون األشقر‪ ،‬وثوبه بين داكن‪.‬‬

‫مل تره حنة ألن ظهرها كان ابجتاه املدخل‪ ،‬فيمسكها من كتفيها قائالً‪« :‬وال شيء يل؟» تدور‬
‫لك‬
‫عملك؟» ويف الوقت ذاته ميسكه الطفل من ركبتيه ويشدمها قائالً‪َ « :‬‬
‫َ‬ ‫أأهنيت‬
‫َ‬ ‫حنة قائلة‪« :‬يواكيم‪،‬‬
‫لك أيضاً‪ ».‬وعندما ينحين الرجل املسن ويقبله‪ ،‬يلف الطفل ذراعيه حول عنقه ويداعب حليته‬ ‫أيضاً‪َ ،‬‬
‫بيديه الصغريتني ويعانقه‪.‬‬

‫حيصل يواكيم أيضاً على هديته‪ .‬وها هو أيخذ من خلف ظهره بيده اليسرى تفاحة ملمعة‬
‫لك‪ ،‬فلن تستطيع أكلها‬‫كفاكهة خزفية ويقول للطفل الذي ميد لـه يديه بلهفة‪« :‬انتظر حّت أقطعها َ‬
‫هكذا‪ .‬إهنا أكرب منك‪ ».‬وبسكني حيملها يف نطاقه‪ ،‬سكني بستاين‪ ،‬يقطعها لـه شرائح ولقم‪ .‬يبدو‬
‫وكأنه يعطي نقدات لعصفور يف العش‪ ،‬لطاملا يضع القطع بعناية يف الفم الصغري الذي ال يتوقف عن‬
‫املضغ‪.‬‬

‫«انظر يواكيم‪ ،‬اي هلاتني العينني‪ ،‬أليستا كقطعتني من حبر اجلليل عندما يسدل نسيم الليل وشاحاً‬
‫من الغمام على السماء؟» تتكلم حنة وهي تشد بيدها على كتف زوجها وتتكئ عليه بلطف‪ :‬حركة‬
‫توحي حبب زوجة عميق‪ ،‬حب ال تشوبه شائبة بعد سنوات عديدة من الزواج‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 20 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وينظر يواكيم إليها حبب‪ ،‬ويعرب عن مشاعره قائالً‪« :‬إهنما مجيلتان جداً! وهذا الشعر اجملعد؟‬
‫أليس بلون القمح اليانع؟ انظري داخله إىل هذا املزيج من الذهب والنحاس‪».‬‬

‫لكنت أردته هكذا‪ ،‬هباتني العينني وهذا الشعر‪ »...‬وتنحين حنة حّت‬
‫«آه! لو كان لدينا ابن ُ‬
‫جتثو‪ ،‬وتُقبل هاتني العينني الرماديتني الالزورديتني بتنهد‪.‬‬

‫يتنهد يواكيم أيضاً ولكنه يريد مواساهتا‪ .‬يضع يده على شعر حنة اجملعد واألبيض‪ ،‬ويقول هلا‪:‬‬
‫«جيب أال نفقد األمل‪ .‬ال شيء غري مستطاع لدى هللا‪ ،‬وطاملا حنن أحياء فإن فرصة املعجزة قائمة‪،‬‬
‫خاصة عندما حنب هللا وحنب بعضنا‪ ».‬ويشدد يواكيم على الكلمات األخرية هذه‪.‬‬

‫أما حنة فتصمت بتواضع وتطأطئ رأسها لتخفي دمعتني‪ ،‬وحده حلفا الصغري يلحظهما‪ .‬كانت‬
‫مفاجأة مؤملة أن يرى صديقته الكبرية تبكي كما حيصل له أحياانً‪ .‬فريفع يده الصغرية وميسح دمعتيها‪.‬‬
‫ك ِ‬
‫أنت يل‪».‬‬ ‫«ال تبكي اي حنة! إننا مع ذلك سعداء‪ ،‬أان على األقل‪ ،‬ألن ِ‬

‫أسأت إىل هللا لذلك جعل‬


‫ُ‬ ‫لك الطفل‪ ...‬أظنين‬
‫بك‪ ،‬ولكنين مل أجنب َ‬
‫«وأان أيضاً سعيدة َ‬
‫أحشائي غري خصيبة‪».‬‬

‫أنت كلية القداسة؟ فلنذهب‪ ،‬من أجل ذلك‪ ،‬مرة أخرى إىل‬ ‫«اي زوجيت! كيف تسيئني إىل هللا و ِ‬
‫لك كما حصل لسارة‪...‬‬ ‫اهليكل‪ ،‬ليس فقط من أجل عيد املظال‪ .‬ولنصل صالة طويلة‪ ...‬وقد حيصل ِ‬
‫وحلنة زوجة ألقانة اللتني انتظرات طويالً حّت ظنتا نفسيهما مغضوابً عليهما بسبب العقم‪ .‬بينما على‬
‫العكس‪ ،‬فقد كان يتهيأ هلما يف مساء هللا ابن قديس‪ .‬ابتسمي أيتها الزوجة العزيزة‪ .‬إن مه ِ‬
‫ك يؤملين أكثر‬
‫بكثري من كوين دون َخلَف‪ ...‬وسوف أنخذ حلفا معنا وجنعله يصلي‪ ،‬فهو بريء وسيسمع هللا صالته‬
‫وصالتنا ويستجيب لدعواتنا‪».‬‬

‫«نـعم‪ ،‬ولننـذر للـرب أن يكـون ولدنـا لـه إذا مـا َوَهبَنـا إيـاه‪ ...‬آه لـو أسـمع مـن ينـاديـين "ماما"!»‬
‫ِ‬
‫أانديك هكذا‪».‬‬ ‫أما حلفا الـم ِ‬
‫شاهد املندهش والربيء فيقول‪« :‬أان‬ ‫ُ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 21 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أنت‪ ،‬أما أان فال ولد يل‪»...‬‬
‫لك أماً َ‬
‫«نعم اي فرحي‪ ،‬اي حبييب‪ ...‬ولكن َ‬
‫وتتوقف الرؤاي‪.‬‬

‫كنت راغبة هبا‪.‬‬


‫أيقنت أن هبذه الرؤاي تبدأ دورة والدة مرمي‪ .‬أان مبتهجة‪ ،‬وكم ُ‬
‫ُ‬
‫عين إذاً‪ .‬سيكون هذا عزاء لكل حمنت ِ‬
‫ك‪».‬‬ ‫األم تقول يل‪« :‬ابنيت! اكتيب ّ‬
‫مسعت ّ‬
‫ُ‬ ‫قبل أن أبدأ الكتابة‬
‫ّ‬
‫ض َعت يدها على رأسي مبداعبة لطيفة‪ .‬بعدئذ بدأت الرؤاي‪ .‬إ ّّنا يف البدء‪ ،‬وإىل أن‬‫وبينما كانت تقوهلا َو َ‬
‫األم‪،‬‬
‫املسن‪ ،‬مل أكن أستطيع إدراك أنّين أمام والدة ّ‬
‫ّ‬ ‫وصلت إىل املرحلة اليت مل أعد أمسع فيها اسم الرجل‬
‫ُ‬
‫وأهنا كانت خبصوص نعمة والدهتا‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 22 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -3‬حنة تصلي يف اهليكل وهللا يستجيب لصالهتا)‬

‫‪1944 / 08 / 23‬‬

‫قبل أن أُاتبِع سأُبدي مالحظة‪.‬‬

‫األقل‪ ،‬خمتلفة كثرياً‪ .‬املبقلة‬


‫يبدو يل أ ّن البيت ليس بيت الناصرة الذي أعرفه جيّداً‪ .‬الغرفة‪ ،‬على ّ‬
‫ذاهتا أكرب‪ ،‬وأكثر من ذلك‪ ،‬تُـ َرى حقول ليست كثرية‪ ،‬إ ّّنا يوجد البعض منها‪ .‬وفيما بعد‪ ،‬بعد زواج مرمي‪،‬‬
‫مل يعد هناك سوى احلديقة‪ ،‬كبرية إ ّّنا بدون أيّة إضافة‪ .‬وهذه الغرفة اليت رأيتُها‪ ،‬مل أرها قط يف الرؤى األخرى‪.‬‬
‫مل أكن أدري إذا ما كان من املفروض أن أُف ّكر أ ّن أهل مرمي‪ ،‬ألسباب ماليّة‪ ،‬قد ختلّصوا من جزء من‬
‫أمالكهم‪ ،‬أو إذا كانت مرمي‪ ،‬بعد مغادرهتا اهليكل‪ ،‬قد أتت إىل منزل آخر‪ ،‬من املمكن أن يكون يوسف قد‬
‫ق ّدمهُ هلا‪ .‬مل أعد أذكر إذا ما كان يف الرؤى السابقة أو يف التعليمات اليت تل ّقيتُها قد وردت إشارة مؤكدة‬
‫إين‬
‫خاص بسبب ما قيل يل‪ّ ،‬‬ ‫الوالدي ذاته‪ .‬إ ّن رأسي تعب ج ّداً‪ ،‬بشكل ّ‬
‫ّ‬ ‫إىل أ ّن بيت الناصرة كان البيت‬
‫تلح ويف نفسي يبقى النور‪ّ .‬أما التفاصيل‬
‫أنسى الكلّمات بسرعة‪ ،‬على الرغم من أ ّن األوامر املعطاة يل كانت ّ‬
‫اضطررت بعد ساعة أو ساعتني إىل ترديد ما مسعتهُ‪ ،‬ال أعود أذكر سوى مجلة أو‬
‫ُ‬ ‫فتمحى مباشرة‪ .‬وإذا ما‬
‫بكل كياين‪ .‬اإلمالءات أتل ّقاها‬
‫مجلتني األكثر أمهيّة‪ ،‬بينما تبقى الرؤى حيّة يف نفسي ألنّين أكون قد رأيتُها ّ‬
‫بينما الرؤى جيب أن أُدركها‪ ،‬لذا تبقى حيّة يف فكري الذي جيهد يف تسجيلها بشكل دائم‪.‬‬

‫إين أبدأ أرى وأكتب‪.‬‬


‫كنت آمل تل ّقي تفسري عن رؤاي األمس‪ .‬يف احلقيقة الشيء‪ّ ..‬‬
‫ُ‬

‫خارج أسوار أورشليم‪ ،‬على الرواي وسط الزيتون يوجد حشد كبري‪ .‬حتسبها سوقاً كبرياً‪ ،‬إّنا بال‬
‫بسطات وال حمالت‪ ،‬فال أصوات مساسرة وابئعني هناك‪ ،‬كما ليست هناك ألعاب‪ .‬بل هناك جمموعة‬
‫من اخليام املصنوعة من الصوف اخلام‪ ،‬ولكنها ابلتأكيد غري نفوذة‪ .‬إهنا مبسوطة على أواتد مثبتة يف‬
‫األرض‪ ،‬ومربوطة إىل أواتد من األغصان اخلضراء تشكل زينة غضة‪ .‬فضالً عن ذلك هناك خيام أخرى‬
‫مؤلفة من أغصان مثبتة يف األرض‪ ،‬فتبدو وكأهنا معارض خضراء صغرية‪ ،‬حتت كل منها أانس من كل‬
‫األعمار والظروف يتكلمون هبدوء يف خلوة ال يعكر صفوها سوى صرخات طفل‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 23 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ط املساء‪ ،‬وأنوار مصابيح الزيت الصغرية أضحت تعكس هنا وهناك أشعتها على هذا املخيم‬
‫َهبَ َ‬
‫الغريب‪ .‬حول األنوار هناك عائالت تتناول طعامها جالسة على األرض‪ ،‬واألمهات يرضعن صغارهن‪.‬‬
‫أطفال كثريون تعبون أتخذهم سنة النوم وهم ال يزالون ميسكون بكسرة خبز بني أصابعهم الصغرية‬
‫الوردية‪ ،‬ويرتكون رؤوسهم لتتدىل على صدور أمهاهتم كما الفراخ حتت جناحي األم الدجاجة‪ ،‬وتكمل‬
‫األمهات التهام الطعام‪ ،‬حسب استطاعتهن‪ ،‬ابليد الباقية حرة‪ ،‬بينما تشد كل منهن ابليد األخرى‬
‫طفلها إىل صدرها‪.‬‬

‫وابملقابل‪ ،‬هناك عائالت مل تبدأ عشاءها بعد‪ ،‬ويتجاذب أفرادها أطراف احلديث يف "شبه‬
‫العتمة" هذا من الغسق‪ ،‬ابنتظار جتهيز الطعام‪ .‬انر تشتعل هنا‪ ،‬وانر هناك‪ ،‬تنهمك حوهلا النساء‪.‬‬
‫هزازة بطيئة كأهنا أغنية حزينة هتز لطفل أتخر يف نومه‪.‬‬

‫يف األعايل مساء مجيلة صافية أتخذ شيئاً فشيئاً صبغة الزورد قامتة‪ ،‬وقد أصبَ َحت وكأهنا وشاح‬
‫كبري من املخمل احلريري األسود الالزوردي يثبت عليها هبدوء كل من الفنانني وصانعي الديكور غري‬
‫املرئيني جواهر مشعة‪ ،‬بعضها منفرد والبعض اآلخر ضمن جمموعات تشكل أشكاالً هندسية غريبة‬
‫يسطع من بينها الدب األصغر يف شكل يشبه العربة اليت يبقى زمامها مرتبطاً ابألرض‪ ،‬بعد أن تتحرر‬
‫َضرَمت كل نرياهنا‪.‬‬
‫من نري الثريان‪ .‬أما النجمة القطبية فقد أ َ‬
‫كت أنه تشرين األول (أكتوبر)‪ ،‬ألن صوت رجل غليظاً قد قاهلا‪« :‬تشرين مجيل‪ ،‬اندراً ما‬
‫أدر ُ‬
‫رأينا مثله!»‬

‫هي ذي حنة قادمة من أحد املخيمات ويداها مليئتان أبشياء ممدودة على رغيف كبري ومنبسط‬
‫ك حلفا بتنورهتا وهو ي ِ‬
‫سمعها صوته الطفويل‪ .‬يواكيم‬ ‫أمس َ‬
‫ُ‬ ‫كإحدى شطائران ويقوم مقام الصينية‪ ،‬وقد َ‬
‫على عتبة كوخ من أوراق الشجر‪ ،‬يتكلم مع رجل يف الثالثني من عمره‪ ،‬حيييه حلفا من بعيد بصوته‬
‫احلاد‪« :‬اباب»‪ .‬وعندما يَرى يواكيم حنة قادمة‪ ،‬يُسرع يف إانرة أحد املصابيح‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 24 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫متر حنة مثل ملكة وسط صفوف األكواخ‪ .‬هيئة ملكية ولكنها مع ذلك متواضعة‪ .‬إهنا ال تتعاىل‬
‫أو تتفاخر على أحد‪ .‬ها هي تُن ِهض طفل إحدى الفقريات املعدمات وقد تعثر مبشية خاطئة ووقع‬
‫فمس َحته لـه وواسته وأعادته‬
‫متاماً عند قدمي حنة‪ .‬لقد كان وجهه الصغري معفراً ابلرتاب وكان يتذمر‪َ .‬‬
‫هرعت إليه‪ ،‬فبادرهتا حنة‪« :‬آه! ال شيء! إنين مسرورة ألن هذا مل يؤذه‪ .‬إنه طفل مجيل!‬
‫إىل أمه اليت َ‬
‫كم عمره؟»‬

‫«ثالث سنوات‪ .‬إنه قبل األخري وخالل فرتة قريبة سوف ألد طفالً جديداً‪ .‬يل ستة أوالد‪ .‬اآلن‬
‫أرغب بطفلة‪ ...‬كثري على أم طفلة واحدة‪»...‬‬
‫ِ‬
‫منحك العلي عزاء كبرياً‪ ».‬وتتنهد حنة‪.‬‬ ‫«لقد‬

‫وقالت األخرى‪« :‬نعم أان فقرية‪ ،‬ولكن أوالدان هم سروران‪ ،‬واألكرب سناً منهم يساعدوننا اآلن‬
‫أنت اي سيديت (وكانت قد الحظَت أن كل شيء يشري إىل أن ظروف حنة أفضل من‬ ‫يف العمل‪ ،‬أما ِ‬
‫ظروفها كثرياً) فكم من األوالد ِ‬
‫لديك؟»‬

‫«ال أوالد‪».‬‬
‫لديك أوالد؟ وهذا أليس اب ِ‬
‫نك؟»‬ ‫«ليس ِ‬

‫«ال‪ ،‬إنه ابن جارة طيبة‪ ،‬إنه عزائي‪».‬‬


‫ِ‬
‫أوالدك؟ أ َْم‪»...‬‬ ‫«هل مات‬

‫«مل أرزق بطفل‪».‬‬

‫«آه!» وتنظر إليها الفقرية إبشفاق‪.‬‬

‫حتييها حنة وتتنهد مث تعود إىل كوخها‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 25 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ودردشت معها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫التقيت سيدة فقرية‪ ،‬أُماً لستة أوالد‪،‬‬
‫ُ‬ ‫جعلتك تنتظر‪ ،‬اي يواكيم‪ .‬لقد‬
‫َ‬ ‫«لقد‬
‫تصور! عما قليل سوف يولد هلا طفل آخر‪».‬‬

‫يتنهد يواكيم‪.‬‬

‫والد حلفا ينادي صغريه فريد عليه قائالً‪« :‬إنين ابق مع حنة ملساعدهتا‪ ».‬فيشرع اجلميع‬
‫ابلضحك‪.‬‬

‫«دعه‪ ،‬إنه ال يزعج أحداً‪ .‬فهو مل يصبح بعد حتت وصاية الشريعة‪ .‬إ ْن هنا أو هناك فهو ليس‬
‫وجتلس حاضنة الطفل‪ ،‬مث تعطيه فطرية‪ ،‬يبدو يل أهنا مسك‬
‫سوى عصفور صغري أيكل‪ ».‬تقوهلا حنة َ‬
‫مقلي‪ .‬أراها منهمكة يف عمل ما قبل أن تعطيه إايها‪ ،‬رمبا تنزع احلسك‪ ،‬مث أعطَت زوجها وأكلَت‬
‫هي يف النهاية‪.‬‬

‫لقد أضحت جنوم الليل كالنمل‪ ،‬وازدادت األنوار يف املخيم‪ .‬مث انطفأت أنوار كثرية تدرجيياً؛‬
‫لقد كانت تلك مصابيح أولئك الذين أكلوا أوالً‪ ،‬وها هم ينصرفون اآلن إىل النوم‪ .‬وكذلك األصوات‪،‬‬
‫سمع مثل‬ ‫فقد خفتت تدرجيياً‪ .‬سكتت صرخات األطفال ما عدا صوت طفل مل يُفطَم بعد‪ ،‬فما زال يُ َ‬
‫نعجة تبحث عن حليب أمها‪ .‬وهتب أنفاس الليل على األشياء واألشخاص منومة األشجان‬
‫والذكرايت‪ ،‬اآلمال واألحقاد‪ ،‬وقد حيدث العكس‪ ،‬حيث تفيق كلها ابلقدر الذي حيمل هلم النوم‬
‫واحللم من اهلدوء‪.‬‬

‫حلمت هذه الليلة أنين‬


‫تقول حنة لزوجها بينما هي هتز حلفا الذي بدأ يغفو بني ذراعيها‪ُ « :‬‬
‫سآيت إىل املدينة املقدسة يف العام املقبل من أجل عيدين بدل عيد واحد‪ .‬وسيكون أحدمها تقدمي‬
‫ولدي للهيكل‪ .‬آه! اي يواكيم!‪»...‬‬
‫«الرجاء‪ ،‬الرجاء اي حنة! أمل تعلمي شيئاً آخر؟ أمل يكلم الرب ِ‬
‫قلبك سراً؟»‬

‫«كال‪ ،‬ال شيء‪ ،‬جمرد حلم‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 26 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«غداً هو اليوم األخري لالبتهال‪ .‬ها إن التقادم كلها قُدمت‪ ،‬ولكننا سنجددها غداً أيضاً‪،‬‬
‫وحنتفل هبا‪ ،‬وسنغلب هللا أبمانة حبّنا‪ .‬أعتقد أنه سيحدث ِ‬
‫لك متاماً كالذي حصل حلنة اليت أللقانة‪».‬‬

‫«لتكن تلك إرادة الرب‪ ...‬وألمتكن بسرعة من مساع صوت يقول يل‪" :‬اذهيب بسالم‪ .‬إله‬
‫وهبك النعمة اليت ِ‬
‫كنت تطلبينها منه"‪».‬‬ ‫إسرائيل قد ِ‬

‫ِ‬
‫أحشائك‪ .‬سيكون صوت‬ ‫فسينبئك هبا ِ‬
‫طفلك أثناء العودة‪ ،‬وألول مرة يف‬ ‫ِ‬ ‫«إذا حصلَت النعمة‬
‫الرباءة‪ ،‬وابلتايل صوت هللا!»‬

‫ووضعته على فراش‬


‫ت كل شيء اآلن يف ليل املخيم‪ .‬وأخ َذت حنة حلفا إىل الكوخ اجملاور‪َ ،‬‬‫ص َم َ‬
‫َ‬
‫القش حيث ينام أخوته الصغار‪ ،‬مث عادت لتنام قرب يواكيم وقد انطفأ سراجهم الصغري أيضاً الذي‬
‫كان واحداً من جنوم األرض األواخر‪ .‬ومل يبق سوى جنوم قبة السماء‪ ،‬وكانت يف أهبى حلة‪ ،‬لتسهر‬
‫على النائمني‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 27 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -4‬يواكيم كان قد تزوج حكمة هللا احملتواة يف قلب املرأة البارة)‬

‫‪1944 / 08 / 23‬‬

‫يقول يل يسوع‪:‬‬

‫«األبرار هم دائماً حكماء‪ :‬إهنم أصدقاء هللا‪ ،‬حييون بصحبته‪ ،‬وهو يعلمهم‪ ،‬هو‪ ،‬احلكمة‬
‫الالمتناهية‪ .‬أجدادي كانوا أبراراً‪ ،‬إذاً كانوا ميلكون احلكمة‪ .‬يف احلقيقة كانوا يستطيعون التعبري عما‬
‫وحبثت عنها منذ نعومة‬
‫ُ‬ ‫يقوله الكتاب عندما يتغّن مبجد احلكمة يف السفر الذي حيمل امسها‪" :‬أحببتُها‬
‫وعزمت على اَّتاذها عروسة يل‪".‬‬‫ُ‬ ‫أظفاري‪،‬‬

‫كانت حنة ابنة هارون هي املرأة الشجاعة اليت تكلم عنها أجدادان‪ .‬ويواكيم املتحدر من ساللة‬
‫امللك داود مل يكن ليبحث عن الغّن والرفاه بقدر حبثه عن الفضيلة‪ .‬وحنة كانت تتحلى مبزية عظمى‪،‬‬
‫فيها جتتمع كل املزااي يف ابقة عطرة لتشكل حقيقة وحيدة‪ ،‬أمجل احلقائق‪ :‬الفضيلة‪ .‬فضيلة حقيقية‬
‫ظهر أمام عرش هللا‪ .‬إذاً فيواكيم قد تزوج احلكمة مرتني‪" ،‬حببها أكثر من أية امرأة أخرى"‪:‬‬
‫جديـرة أبن تَ َ‬
‫حكمة هللا احملتواة يف قلب املرأة البارة‪ .‬حنة بنت هارون مل تطلب سوى أن تقرن حياهتا حبياة رجل‬
‫مستقيم‪ ،‬موقِنة ومتأكِدة أبن االستقامة هي مسرة العائلة‪ .‬ولكي تكون رمز املرأة الشجاعة‪ ،‬مل يكن‬
‫ينقصها سوى اتج األطفال‪ ،‬جمد العروس‪ ،‬مقوم الزواج الذي تكلم عنه سـليمان‪ .‬والكتمال سـعادهتا‬
‫مل يكن ينقصها سوى البنني‪ ،‬زهـرات الشـجرة املتحدة ابلشجرة القريبة حيث تنتج وفرة مثار جديدة‬
‫فتنصهر فيها شيمتان يف واحدة‪ ،‬ذلك أن الزوج مل يراوده الشعور خبيبة األمل ولو ملرة واحدة‪.‬‬

‫َّمت يف السن‪ ،‬زوجة يواكيم منذ أمد بعيد‪ ،‬كانت ابستمرار وعلى الدوام "زوجة‬ ‫حنة اليت تقد َ‬
‫شبابه وفرحه‪ ،‬النعجة احملبوبة والغزالة الطيبة"‪ ،‬اليت ظل توددها حمافظاً على نداوته كما يف ليلة العرس‪،‬‬
‫ومضفياً املتعة على حناهنا مع احملافظة عليه نضراًكوردة بللها الندى ومتأججة مثل انر تتغذى ابستمرار‪.‬‬
‫كذلك كاان يف حمنتهما بعدم اإلجناب يتبادالن "كلمات املواساة يف مهومهما وحزهنما"‪ .‬وعليهما قامت‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 28 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫احلكمة األزلية‪ :‬عندما حانت الساعة بعد أن متت هتيئتهما مدى حياهتما‪ ،‬أانرمها يف أحالم الليل‬
‫جرس القصيدة املمجدة اليت ستولد منهما‪ ،‬واليت هي مرمي الكلية القداسة‪ ،‬أمي‪.‬‬

‫إذا كاان يف تواضعهما مل يقفا عند هذا احللم‪ ،‬فقد كان قلبامها رغم ذلك خيفقان ابألمل عند‬
‫مساعهما أول صوت نطق بوعد هللا‪ .‬ها هو التأكيد يف كلمات يواكيم‪" :‬الرجاء‪ ،‬الرجاء‪ ،‬سنغلب هللا‬
‫بوفاء حبنا"‪.‬‬

‫كاان حيلمان بولد‪ ،‬فناال أم هللا‪ .‬يبدو أن كلمات سفر احلكمة قد كتبَت عنهما‪" :‬سأبلغ هبا‬
‫اجملد أمام الشعب‪ ...‬هبا سأحصل على اخللود وسأترك ِذكراً يل أبدايً للذين سيأتون بعدي"‪ .‬ولكن‬
‫للحصول على كل هذا كان ال بد هلما من بلوغ رفعة فضيلة حقيقية‪ ،‬غري قابلة للتبدل‪ ،‬حيث ال‬
‫تطاهلا أية انئبة‪ .‬فضيلة اإلميان‪ ،‬فضيلة احملبة‪ ،‬فضيلة الرجاء‪ ،‬وفضيلة العفاف‪.‬‬

‫عفة الزوجني! كاان ميلكاهنا‪ ،‬إذ من غري الضروري البقاء يف حالة العزوبية لبلوغ العفة‪ .‬فاألزواج‬
‫العفيفون حترسهم املالئكة‪ ،‬ومنهم أييت النسل الصاحل‪ ،‬األبناء الذين يتخذون من فضيلة ذويهم قاعدة‬
‫حياهتم‪.‬‬

‫ولكن أين هم اآلن؟ يف هذا الوقت‪ ،‬مل تعد تَرى من يريد أطفاالً‪ ،‬واألنكى من ذلك مل يعودوا‬
‫ودنس‪.‬‬
‫يتقبلون العفة؛ إذاً أستطيع القول أبن احلب قد انتُهك ُ‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 29 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -5‬حنّة تعلن أمومتها بنشيد)‬

‫‪1944 / 08 / 24‬‬

‫أرى بيت يواكيم وحنة من جديد‪ .‬ال تغيري من الداخل سوى جمموعة أغصان مقطوفة من شجر‬
‫احلديقة‪ ،‬تكسوها الزهور‪ ،‬موضوعة هنا وهناك يف آنية‪ .‬سحابة ابقات تتدرج ألواهنا من بياض الثلج‬
‫حّت امحرار املرجان‪.‬‬

‫عمل حنة أيضاً قد اختلف قليالً‪ ،‬فالنول أصغر من السابق‪ ،‬وهي حتيك أنسجة مجيلة من‬
‫الكتان‪ ،‬وتغين وهي حتـرك قدمها حسب إيقاع األغنية‪ .‬تغين وتبتسم ملن؟ لنفسها‪ ،‬لرؤى يف داخلها‪.‬‬
‫األغنية بطيئة‪ ،‬ولكنها مع ذلك فَ ِر َحة‪ .‬لقد كتبتُها على حدة ألحصل عليها كاملة‪ ،‬ذلك أهنا ترددها‬
‫عدة مرات‪ ،‬ألهنا جتد فيها غبطة عارمة‪ .‬وهي يف كل مرة تؤديها بقوة أكرب وثقة أكثر‪ ،‬كما لو أهنا‬
‫وجدت إيقاعها يف قلبها‪ .‬يف البدء كانت تتمتمها بصوت خافت‪ ،‬مث‪ ،‬وبثقة أكثر أصب َحت ترتلها‬ ‫َ‬
‫بصوت أعلى وسرعة أكرب‪ .‬كتبتُها ألهنا مجيلة جداً رغم بساطتها‪:‬‬

‫"اجملد للرب القادر على كل شيء‪ ،‬الذي أحب نسل داود‪ .‬اجملد للرب‪.‬‬
‫أعظم نعمة منذ تكوين السماء قد زارتين‪.‬‬
‫الغرسة العتيقة أنبتت غصناً جديداً‪ ،‬فأان مغبوطة‪.‬‬
‫من أجل عيد األنوار نثر الرجاء بذوره؛‬
‫اجلو العابق يف شهر نيسان (أبريل) رآها تنتش‪.‬‬
‫جسدي يف الربيع كشجرة اللوز املزهرة‪.‬‬
‫يشعر يف خريف العمر أنه حيمل مثاره‪،‬‬
‫على هذا الغصن وردة‪ ،‬هي الثمرة األكثر حالوة‪.‬‬
‫جنمة تتألأل‪ ،‬حياة جديدة بريئة‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 30 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫إهنا سرور البيت‪ ،‬سرور العروس والعروسة‪.‬‬
‫التسبيح هلل‪ ،‬للرب الذي ترأف ي‪.‬‬
‫نوره أعلَن يل‪ :‬جنمة أتيت ِ‬
‫إليك‪.‬‬ ‫َ‬
‫لك ستكون مثرة الغرسة‪.‬‬ ‫اجملد‪ ،‬اجملد! ِ‬
‫الثمرة األوىل واألخرية‪ ،‬القديسة والنقية‪ ،‬وهي عطية من عند الرب‪.‬‬
‫لك ستكون‪ ،‬وهبا سيحل الفرح والسالم يف األرض‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فخيطك سيحبك نسيج الطفل‪.‬‬ ‫َ‬ ‫طر أيها املكوك‪،‬‬
‫سيولد! وستصعد أغنية قليب حنو هللا اببتهاج‪.‬‬
‫يدخل يواكيم عندما هتم إبعادة األغنية للمرة الرابعة‪« .‬هل ِ‬
‫أنت سعيدة اي حنة؟ تبدين يل‬
‫كعصفور يغرد يف الربيع‪ .‬ما هذه األغنية؟ مل أمسع أحداً يرددها قط‪ .‬من أين مصدرها؟»‬

‫وهنضت حنة متجهة صوب زوجها ضاحكة‪ .‬إهنا تبدو أكثر شباابً وأكثر‬
‫«من قليب اي يواكيم»‪َ .‬‬
‫مجاالً وإشراقاً‪.‬‬
‫ِ‬
‫أعهدك شاعرة‪ ».‬قاهلا زوجها وهو ينظر إليها بدهشة عارمة‪ .‬ال ميكن التخمني أبهنما‬ ‫«مل‬
‫أتيت من آخر احلديقة لدى مساعي إاي ِك‬
‫عروسان مسنان‪ .‬يف نظراهتما حنان عروسني شابني‪« .‬لقد ُ‬
‫ِ‬
‫صوتك كيمامة عاشقة‪ .‬فهل تعيدين إنشادها من أجلي؟»‬ ‫تغنني‪ .‬منذ سنوات مل أمسع‬

‫أنت ذلك‪ .‬إن أبناء إسرائيل كانوا دائماً يضمنون‬ ‫لك حّت ولو مل تطلب َ‬ ‫كنت سأعيدها َ‬ ‫« ُ‬
‫نت هذا النشيد العناية ابلتعبري‬
‫ض َّم ُ‬
‫أانشيدهم اهلتافات احلقيقية لرجائهم‪ ،‬ألفراحهم‪ ،‬ولشدائدهم‪ .‬وقد َ‬
‫لك‪ .‬نعم‪ ،‬حّت إبعادته لنفسي‪ ،‬إن األمر لَ َعظيم لدرجة أنين رغم أتكدي يبدو‬ ‫عن فرح كبري لنفسي و َ‬
‫يل وكأنه ال يُصدَّق‪ ».‬وتعيد النشيد‪ ،‬ولكن ما أن تصل إىل املقطع القائل‪" :‬على هذا الغصن زهرة‪،‬‬
‫هي الثمرة األكثر حالوة‪ ،‬إهنا جنمة‪ "...‬حّت يرجتف صوهتا الرانن ‪ Contralto‬بداية مث يتكسر‪.‬‬
‫وبدموع الفرح يف عينيها تنظر إىل يواكيم وترفع يديها وتصرخ‪« :‬أان أم اي حبييب!» وهترع ملتجئة إىل‬
‫صدره بني ذراعيه اللذين يبسطهما ليحيط هبما زوجته السعيدة‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 31 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫إنه أطهر وأسعد عناق رأيته يف حيايت‪ .‬إنه طاهر ومتأجج يف طهارته‪ .‬مث العتاب الرقيق ويده‬
‫تتخلل شعر حنة الرمادي‪« :‬وَمل تقويل يل هذا؟»‬

‫أصبحت أماً‪ ...‬ابحلقيقة مل أكن‬


‫ُ‬ ‫«هذا ألنين أردت التأكد أوالً‪ .‬عجوز مثلي‪ ...‬وأعرف أنين‬
‫لك خيبة أمل أ ََمر من كل سابقاهتا‪ .‬هذا أنين منذ هناية‬
‫أستطيع التصديق‪ ...‬لذلك مل أشأ أن أسبب َ‬
‫كانون األول (ديسمرب) وأان أشعر أن أحشـائي تتجدد‪ ،‬وأن غصناً جديداً ينبت‪ .‬أمـا اآلن فعلى هـذا‬
‫أيت‪ ،‬إنه نسيج للقادم القريب‪».‬‬
‫الغـصن مثـرة‪ .‬هذا أكيد‪ ...‬أر َ‬
‫«أليس هذا الكتان هو الذي اشرتيتِه من أورشليم يف تشرين األول (أكتوبر)؟»‬

‫كنت أرجو‪ :‬ففي اليوم األخري‪ ،‬عندما كنا نصلي يف‬ ‫«نعم‪ ،‬وقد غزلتُه أثناء االنتظار والرجاء‪ُ ...‬‬
‫سمح المرأة أن تقف فيه‪ ،‬وقد كان الوقت متأخراً‪ ...‬هل تذكر أنين‬ ‫املعبد‪ ،‬يف أقرب مكان لبيت هللا يُ َ‬
‫كنت أقول‪" :‬مهالً‪ ،‬مهالً قليالً"‪ .‬ذلك ألنين مل أكن أستطيع انتزاع نفسي من ذلك املكان قبل حصويل‬ ‫ُ‬
‫كنت أشعر مبيل‬‫على النعمة‪ .‬وهكذا‪ ،‬يف الظلمة اليت كانت قد خي َمت داخل املكان املقدس‪ ،‬حيث ُ‬
‫أيت نوراً‪ ،‬بل وميض نور‬ ‫شديد من كل نفسي النتزاع كلمة "نعم" من هللا الذي كان حاضراً هناك‪ ،‬ر ُ‬
‫رائع مير‪ ،‬مشرقاً وانعماًكضوء القمر‪ ،‬ومع ذلك كان حيمل معه بريق كل آللئ األرض وجواهرها‪ .‬كان‬
‫يبدو يل أنه جنمة مثينة من الوشاح املقدس‪ ،‬من النجوم اليت حتت أقدام الشاروبيم‪ ،‬وقد أفلتت واَّتذت‬
‫روعة الضوء فائق الطبيعة‪ ...‬كان يبدو يل أهنا أبعد من الوشاح املقدس‪ ،‬من اجملد نفسه‪ ،‬شعلة انر‬
‫سريعة أتت ابجتاهي وقالت بصوت مساوي وهي َّترتق اهلواء‪" :‬ما طلبتِه ستنالينه"‪ .‬هلذا أان أ ِ‬
‫ُنشد‪:‬‬
‫إليك"‪ .‬أي ابن سيكون ابننا؟ هذا الذي يتجلى مثل نور جنمة يف اهليكل وهو يقول‪:‬‬ ‫"جنمة ستأيت ِ‬
‫نظرت إيل وكأنين حنة زوجة ألقاان جديدة‪.‬‬ ‫أصبت الرؤية عندما َ‬‫َ‬ ‫ك قد‬ ‫"ها أنذا" يف عيد األنوار؟ وأظن َ‬
‫تُرى ماذا سنسمي مولودان الذي أشعر به يف أحشائي انعماً كوشوشة جدول‪ ،‬الذي يكلمين خبفقات‬
‫قلبه الصغري مثل ميامة أ ِ‬
‫ُمسكها بعناية يف كفي؟»‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 32 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«إذا كان صبياً سنسميه صموئيل‪ ،‬أما إذا كانت بنتاً فنسميها جنمة‪ ،‬الكلمة اليت ِ‬
‫أهنيت هبا‬
‫أصبحت أابً‪ ،‬والشكل الذي َّاَّتَ َذته لتتجلى يف ظلمة اهليكل‬ ‫نش ِ‬
‫ـيدك لتمنحيين سـرور معـرفيت أنين‬
‫ُ‬
‫املقدسة‪».‬‬

‫لست أدري‪ ،‬أظن‪ ،‬أظنها ستكون بنتاً‪ .‬يبدو يل أن مالطفات انعمة مثل‬ ‫«جنمة‪ ،‬جنمتنا‪ .‬نعم‪ُ ،‬‬
‫لست أعاين منه‪ .‬إهنا‬
‫لست أشعر ابحلمل‪ُ ،‬‬ ‫هذه ال ميكن أن تتأتى إال من طفلة انعمة جداً‪ .‬ابلفعل‪ُ ،‬‬
‫كنت األخت الصغرية للمالئكة القديسني‪،‬‬ ‫هي اليت حتملين على درب من الالزورد والزهور كما لو ُ‬
‫كنت أمسَع ما يُقال للنساء عن أمل احلمل ابألطفال‪.‬‬
‫أصبحت بعيدة‪ ...‬غالباً ما ُ‬
‫وكما لو أن األرض قد َ‬
‫إال أنين‪ ،‬على العكس من ذلك‪ ،‬مل أخترب أملاً‪ .‬أشعر أبنين قوية‪ ،‬شابة نضرة أكثر من اليوم الذي‬
‫وهبتك فيه عذرييت‪ ،‬يف فرتة الشباب البعيدة‪ .‬ابنة هللا ‪-‬ذلك أهنا من هللا أكثر مما هي منا‪ ،‬هذه الزهرة‬
‫َ‬
‫املتفتحة على جذع جاف‪ -.‬فهي ال تسـبب أملـاً ألمهـا‪ ،‬ال حتمل هلا سوى السالم والربكة‪ :‬مثار هللا‬
‫أبيها احلقيقي‪».‬‬

‫«إذاً سوف نسميها مرمي‪ .‬جنمة حبران‪ ،‬لؤلؤة‪ ،‬سعادة‪ .‬إنه اسم أول أعظم امرأة إلسرائيل‪ .‬فهي‬
‫لن تسـيء أبـداً للـرب‪ ،‬ولـه وحـده سـتنشد قصيدة حياهتا‪ ،‬إذ إهنا قد ُوِهبَت لـه "قرابانً" قبل أن تولد‪».‬‬

‫«إهنا تقدمتنا له‪ ،‬نعم‪ .‬صبياً كان أم بنتاً‪ ،‬عندما ستكون قد َمنَ َحتنا الفرح طيلة سنوات ثالث‪،‬‬
‫سنهب مولودان للرب وحنن أيضاً معه قرابني جملد هللا‪».‬‬

‫مل أعد أرى أو أمسع شيئاً‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 33 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -6‬اخلالية من كل عيب مل تغب أبداً عن ذاكرة هللا)‬

‫‪1944 / 08 / 24‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫«بعد أن أانرهتُما احلكمة يف أحالم الليل‪ ،‬نزلَت‪ ،‬هي نفسها‪" ،‬انبثاقاً من قدرة هللا ومن جمد‬
‫الكلي القدرة"‪ ،‬وصارت وعداً للمدعوة عاقراً‪ .‬الذي كان يُرى آنذاك زمن الفداء قريباً جداً ‪-‬أان املسيح‬
‫حفيد حنة‪ -‬اجرتح املعجزات على العاقرات واملرضى‪ ،‬على املصابني ومن تسكنهم الشياطني‪ ،‬على‬
‫كل ويالت األرض‪.‬‬

‫ولكن يف تلك األثناء‪ ،‬يف غمرة فرح احلصول على أم‪ ،‬تراين أمهس كلمة خمبأة يف عتمة اهليكل‬
‫الذي حوى آمال إسرائيل‪ ،‬اهليكل الذي أصبَح منذ اآلن يف حدود وجوده‪ ،‬ألن اهليكل اجلديد احلقيقي‬
‫الذي مل يعد حيوي آمال شعب وحسب‪ ،‬بل يقني اجلنة ألمم األرض قاطبة عرب تعاقب الدهور‪ ،‬إىل‬
‫هناية العامل‪ ،‬قد أصبح على وشك جتليه على األرض‪ .‬هذا "الوعد" جيرتح معجزة إعادة أحشاء العاقر‬
‫خصيبة‪ ،‬يعطيين أماً ليست ذات طبيعة كاملة فقط كما هو مفرتض أن يكون حبكم والدهتا من أبوين‬
‫قديسني‪ ،‬ليست ذات نفس صاحلة فقط مثل كثريين غريها‪ ،‬مع تطور لصالحها مستمر ابستعدادات‬
‫إرادهتا الرائعة‪ ،‬وليست جسداً طاهراً فقط‪ ،‬ولكنها وحدها بني املخلوقات مجيعها كانت تتمتع بنفس‬
‫ال شائبة فيها‪.‬‬

‫أيت خلق هللا املستمر لألرواح‪ .‬واآلن‪ ،‬فكري ما ميكن أن يكون مجال هذه الروح اليت‬ ‫لقد ر ِ‬
‫كانت ذات إيثار لدى اآلب قبل أن يوجد الزمن‪ ،‬هذه النفس اليت كانت متعة الثالوث األقدس الذي‬
‫َحتََّرق شوقاً ليزينها مبواهبه ليجعل منها هبة لنفسه‪ .‬أيتها الكلية القداسة اليت َخلَ َقها هللا لنفسه‪ ،‬ومث‬
‫اببتسامتك ِ‬
‫بدأت تقديس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أضحيت أصل اخلالص‪ .‬أيتها اجلنة احلية‪،‬‬ ‫ِ‬
‫حبملك املخلص‬ ‫خلالص البشر!‬
‫األرض‪ .‬النفس اليت ُخلِ َقت لتكون نفس أم هللا! عندما انبثقت شرارة احلياة هذه ابرتعاشة احلب‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 34 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫الثالثي املضطرمة جداً‪ ،‬اخترب املالئكة فرحاً غري عادي‪ ،‬إذ مل يكن الفردوس قد رأى نوراً أكثر توقداً‪...‬‬
‫كوريقات زهرة مساوية‪ ،‬وريقات غري مادية ومثينة بدت مثل جوهرة وشعلة‪ ،‬واليت كانت نفحة من هللا‬
‫نزلَت لتحيي جسداً بشكل خمتلف عن اآلخرين‪ ،‬اليت نزلَت تتوهج بشدة مل تستطع معها اخلطيئة أن‬
‫متسها‪ ،‬فاجتازت املسافات واستقرت يف أحشاء مقدسة‪.‬‬

‫أصبحت لألرض زهرهتا‪ ،‬دون علمها‪ ،‬الزهرة احلقيقية‪ ،‬الزهرة الوحيدة ذات التفتح األبدي‪ :‬زنبق‬
‫َ‬
‫وورد وبنفسج وايمسني ودوار مشس‪ ،‬مجيعها منصهرة معاً‪ ،‬ومعها كل زهور األرض‪ ،‬يف زهرة واحدة‪،‬‬
‫مرمي‪ ،‬اليت فيها تتحد كل الفضائل وكل النِعم‪ .‬يف نيسان (أبريل) بدت أرض فلسطني كبستان كبري‬
‫حيث أضحت العطور واأللوان هبة رائعة لقلوب البشر‪ .‬ولكن الوردة األمجل واألهبى كانت ما تزال‬
‫جمهولة‪ ،‬كانت ما تزال تتفتح هلل يف سر األحشاء الوالدي‪ ،‬فقد كان احلب ميأل قلب أمي منذ اللحظة‬
‫األوىل للحبل هبا‪ .‬إهنا فقط اللحظة اليت أعطت فيها الكرمة دمها ليُصنَع منه اخلمر‪ ،‬وعندما مأل عصري‬
‫ابتسمت‪ ،‬هلل أوالً‪ ،‬مث للبشر‪ ،‬قائلة هبذه االبتسامة فائقة الوصف‪:‬‬
‫العنب احللو والقوي األجواء واألنوف َ‬
‫"ها هي الكرمة اليت ستَطرح العنقود املعد للعصر ليصبح الدواء األزيل آلالمكم‪ ،‬ها هي ذي‪ ،‬إهنا‬
‫بينكم"‪.‬‬

‫لت‪" :‬مأل احلب قلب مرمي منذ اللحظة األوىل للحبل هبا"‪ .‬من ذا الذي مينح النفس النور‬ ‫لقد قُ ُ‬
‫واملعرفة؟ إهنا النعمة‪ .‬ومن جيعلهما خيتفيان؟ اخلطيئة األصلية واخلطيئة املميتة‪.‬‬

‫مرمي اخلالية من كل عيب مل تغب أبداً عن ذاكرة هللا‪ ،‬عن جواره وحبه ونوره وحكمته‪ .‬لقد‬
‫اسـتطاعت إذن أن تدرك وحتب عندما مل تكن سوى جسد يتشكل حول روح طاهرة نزيهة استمرت‬
‫يف احلب‪.‬‬
‫ِ‬
‫أجعلك تتأملني ابلروح أغوار البتولية يف مرمي‪ .‬ستختربين يف ذلك ُدواراً مساوايً‪،‬‬ ‫فيما بعد‪ ،‬سوف‬
‫جعلتك تتأملني أزليتنا‪ .‬اآلن الحظي كيف أن محل خليقة "خالية من كل عيب يسبب‬ ‫ِ‬ ‫كما عندما‬
‫ابتعادها عن هللا" يف األحشاء‪ ،‬ميكنه أن مينح األم اليت حبلَت هبا طبيعياً فقط وبشرايً‪ ،‬ذكاءً فائقاً‪،‬‬
‫وفعلياً نبوة‪ .‬إهنا نبوة ابنتها اليت أعلنَتها "ابنة هللا"‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 35 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫َّتيلي كيف كانت ستبقى حالة األبوين األولني النقيني لو كان ُولِد هلما أبناء أنقياء حسب‬
‫مشيئة هللا‪ .‬انظروا أيها الناس الذين تدعون الطموح إىل الكمال وأنتم برذائلكم تتوجهون إىل الشيطان‪،‬‬
‫هناك وسيلة قائمة للوصول إىل الكمال‪ :‬معرفة اإلفالت من سيطرة الشيطان املشؤومة لِتَ َدعوا هلل أمر‬
‫تنظيم احلياة واملعرفة واخلري دون الرغبة يف شيء آخر غري الذي أعطاكموه هللا ‪-‬وكان هذا أقل قليالً‬
‫من الالهناية‪ -‬لتتمكنوا من التوالد والنمو ابستمرار حنو الكمال‪ ،‬أبناء بشراً ابجلسد وأوالد فطنة ابلروح‪،‬‬
‫يعين منتصرين وقادرين‪ ،‬يعين عمالقة يف مواجهة الشيطان الذي كان سيبقى مسمراً يف األرض آالف‬
‫القرون قبل الساعة اليت سيصبح فيها هكذا‪ ،‬ومعه كل الشر الكامن فيه‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 36 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -7‬والدة مرمي العذراء)‬

‫‪1944 / 08 / 26‬‬

‫أرى حنة َّترج من املبقلة‪ ،‬تتكئ على ذراع إحدى قريباهتا ابلتأكيد‪ ،‬فهي تشبهها‪ .‬إهنا جسيمة‬
‫وتبدو متعبة‪ ،‬قد يكون ذلك من أتثري احلرارة‪ ،‬كاليت تنهكين متاماً‪.‬‬

‫وإن تكن احلديقة مظللة‪ ،‬إال أن اهلواء حارق ومزعج‪ ،‬إنه مثل حد السكني على عجينة طرية‬
‫وحارة‪ ،‬إنه ثقيل حتت مساء الزوردية لدرجة أن الغبار ال ُـمعلَّق يف اهلواء يُعتم قليالً‪ .‬ال بد أنه اجلفاف‬
‫منذ أمد‪ ،‬ذلك أن األرض غري املروية قد حتولت فيها الرتبة متاماً إىل غبار شبه أبيض‪ ،‬بياض مييل إىل‬
‫الزهر امللوث‪ ،‬بينما هي يف األصل كستناوية غامقة‪ ،‬إهنا ابلفعل كذلك حول املزروعات املروية على‬
‫طول األرض املنبَ ِسطة حيث تنمو اخلضار‪ ،‬وأيضاً حول الورود واليامسني والزهور األخرى املنتشرة أمام‬
‫صد‪ ،‬وحّت‬ ‫وعلى جانيب العرائش اجلميلة اليت تقسم البستان حّت بداية احلقول حيث الشوفان قد ح ِ‬
‫ُ‬
‫العشب الذي يشري إىل حدود امللكية قد َجف وقُطع‪ ،‬فال جتد العشب املخضوضر والكثيف إال على‬
‫احلدود فقط حيث نبتت شجريات سياج من الشوك الربي‪ ،‬مزينة بفاكهتها اليت تشبه الياقوت‪ ،‬وهناك‬
‫توجد بعض العنزات مع راعيها الصغري‪ ،‬حبثاً عن املرعى والظل‪.‬‬

‫يواكيم حول َمساكِب اخلضار والزيتون بصحبة رجلني يساعدانه‪ .‬ورغم تقدمه يف السن فهو‬
‫نشيط‪ ،‬يستمتع ابلعمل‪ .‬إهنم يف هذه األثناء يفتحون جماري مياه على طول حدود احلقل إليصال املاء‬
‫للمزروعات العطشى‪ .‬واملاء أيخذ طريقه‪ ،‬مزبداً عرب العشب واألرض العطشى مشكالً حلقات تبدو‬
‫للوهلة األوىل وكأهنا من الكريستال األصفر‪ ،‬مث ال تعدو أكثر من دوائر قامتة من الرتاب الرطب حول‬
‫جذوع الكروم والزيتون املثقلة ابحلِمل‪.‬‬

‫َع ْرب العريشة املظللة‪ ،‬حيث تطن حنالت ذهبية شرهة لعصري حبات العنب الشقراء‪ ،‬تتوجه حنة‬
‫بتؤدة صوب يواكيم الذي ما أن يراها حّت يهرع للقائها‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 37 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫« ِ‬
‫أأتيت إىل هنا؟»‬

‫«املنزل حار كالفرن‪».‬‬

‫«وتعانني منه؟»‬

‫«معاانيت الوحيدة هي من حلظات احلمل األخرية‪ ،‬إهنا معاانة مجيع املخلوقات‪ ،‬بشراً وحيواانت‪.‬‬
‫مكوثك يف هذا اجلو احلار‪ ،‬اي يواكيم‪».‬‬
‫َ‬ ‫ال تطل‬

‫«إن املاء الذي متنيناه منذ زمن بعيد والذي بدا وشيكاً منذ ثالثة أايم‪ ،‬مل أيت بعد‪ ،‬والقرية‬
‫فتحت أقنية للري‪ :‬معاجلة بسيطة للمزروعات‬
‫ُ‬ ‫تشتعل‪ .‬من حسن حظنا أن لدينا نبعاً يتدفق غزيراً‪ .‬لقد‬
‫اليت جفت أوراقها وغطاها الغبار‪ ،‬ولكن هذا ال يعدو أكثر من محاية هلا من املوت‪ .‬ليتها متطر!‪»...‬‬
‫ويتفحص يواكيم أعماق السماء يعروه قلق مجيع الفالحني‪ ،‬بينما حنة تستخدم مروحة تبدو مصنوعة‬
‫من أوراق النخيل اجلافة تتخللها خيوط ملونة جتعلها متماسكة‪.‬‬

‫تقول القريبة‪« :‬هناك عند حرمون الكبري ترتاكض غيمات بسرعة‪ .‬الريح قادمة من الشمال‪،‬‬
‫سيربد اجلو‪ ،‬وقد يهطل املطر‪».‬‬

‫«منذ ثالثة أايم والريح هتب مث تسكن عند ظهور القمر‪ .‬سيتكرر املشهد نفسه‪ ».‬لقد ثبطَت‬
‫عزمية يواكيم‪.‬‬

‫تقول حنة‪« :‬لنعد للمنزل‪ .‬هنا أيضاً نشعر بضيق يف التنفس‪ ،‬مث أظن أنه من األفضل لنا أن‬
‫نعود!‪ »...‬وتبدو أكثر شحوابً بسبب اصفرار جيتاح وجهها‪.‬‬

‫«أتتألمني؟»‬

‫حت النعمة‪ ،‬والذي‬ ‫ِ‬


‫«ال‪ ،‬بل إنين أخترب السالم العظيم الذي اختربتُه يف اهليكل‪ ،‬عندما ُمن ُ‬
‫مت أنين سأصبح أماً‪ .‬إنه مثل اخنطاف الروح أو نشوهتا‪ .‬إنه فقط نعاس‬ ‫ِ‬
‫شعرت به أيضاً عندما َعل ُ‬
‫ُ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 38 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أحببتك‬
‫َ‬ ‫جسدي بسيط بينما تتهلل النفس وتسكن يف سالم ال ميكن تشبيهه أبي شيء بشري‪ .‬لقد‬
‫وقلت لنفسي‪" :‬إنين زوجة رجل صاحل"‪ ،‬انتابين شعور ابلسالم‪ ،‬وكذلك‬ ‫بيتك ُ‬ ‫دخلت َ‬‫ُ‬ ‫اي يواكيم‪ ،‬ويوم‬
‫لك‪ .‬ولكن هذا السالم الذي أختربه‬ ‫ك املتبصر يهتم بشؤون حنة اليت هي بكليتها َ‬ ‫يف كل مرة كان حب َ‬
‫اآلن خمتلف‪ .‬انظُر‪ :‬أعتقد أنه سالم‪ ،‬كالذي على طريقة الزيت الذي ينتشر بلطف‪ ،‬كان من املفروض‬
‫أنه اجتاح نفس يعقوب أبينا بعد حلمهُ ابملالئكة‪ ،‬وبشكل حّت أفضل‪ ،‬إنه يشبه سالم حاملَي اسم‬
‫طوبيا املمتع عندما ظَ َهر هلما روفائيل‪ .‬إنه يتغلغل يف أعمـاقي‪ ،‬وكلما تذوقتُه يكرب ويكرب ابطراد‪ ،‬وكأنين‬
‫حصلت فيها على هذا‬
‫ُ‬ ‫لست أدري ملاذا‪ ،‬منذ اللحظة اليت‬
‫حممولة يف جماالت السماء الالزوردية‪ ...‬و ُ‬
‫الفرح اهلادئ يف القلب‪ُ ،‬ولِ َدت ترتيلة يف قليب‪" :‬ترتيلة طوبيا"‪ .‬تبدو يل أهنا ُكتِبَت من أجل هذه‬
‫الساعة‪ ...‬من أجل هذا الفرح‪ ...‬ألرض إسرائيل اليت تستقبلها‪ ...‬ألورشليم اخلاطئة اليت حصلَت‬
‫اآلن على املغفرة‪ ...‬ولكن‪- ...‬ال تسخر من هذاين أم‪ -‬فعندما أقول‪" :‬اشكر الرب على كل اخلري‬
‫فيك"‪ .‬أعتقد أن الذي سيعيد بناء هيكل هللا‬ ‫كك األزيل لكي يعيد بناء هيكله َ‬ ‫منحك إايه‪ ،‬وابر َ‬
‫َ‬ ‫الذي‬
‫احلقيقي يف أورشليم هو هذا االبن الذي سيولد‪ ...‬كما أعتقد أن القدر مل يتنبأ عن املدينة املقدسة‪،‬‬
‫بل عن هذا الكائن الذي سيولد مين يف قول الرتتيلة‪" :‬ستضيئني بنور المع‪ ،‬كل شعوب األرض‬
‫ِ‬
‫أرضك كأرض‬ ‫فيك الرب وحيفظون‬ ‫إليك حاملة اهلدااي‪ ،‬سيعبدون ِ‬ ‫أمامك‪ ،‬واألمم ستأيت ِ‬ ‫ِ‬ ‫ستنحين‬
‫ِ‬
‫أببنائك ألهنم سيكونون مجيعاً‬ ‫فيك سوف يستغيثون ابالسم العظيم‪ .‬ستكونني مغبوطة‬ ‫مقدسة‪ ،‬ألن ِ‬
‫ِ‬
‫بسالمك!‪ "...‬واألوىل‬ ‫ونك ويسعدون‬‫مباركني‪ ،‬وسيجتمعون أمام الرب‪ .‬مغبوطون هم الذين سيحب ِ‬
‫َ‬
‫اليت ستفرح هي أان والدهتا املغبوطة‪.‬‬

‫عند قوهلا هذه الكلمات يتغري لون حنة وتشرق مثل كائن انتقل من نور القمر إىل انر كبرية أو‬
‫العكس‪ .‬وتنهمر دمعات انعمة على طول خديها‪ .‬مل تلحظها‪ ،‬وتبتسم لسعادهتا‪ ،‬وأثناء كالمها تتجه‬
‫سمعاهنا بصمت وقد أتثرا كثرياً‪.‬‬
‫صوب املنزل بني زوجها وقريبتها اللذين يَ َ‬
‫كضت وتزامحَت عرب السماء‪ ،‬وأظلَم السهل‪،‬‬‫يُسرعون ألن الغيوم املدفوعة برايح شديدة‪ ،‬ر َ‬
‫اضطرب معلناً هبوب العاصفة‪ .‬وعند وصوهلم إىل عتبة املنزل ميزق السماء أول برق بسهمه األزرق‪،‬‬
‫و َ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 39 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وتعيد زجمرة ضربة الرعد األوىل لألذهان صوت الطبل الضخم وهو خيتلط أبصوات أوىل القطرات‬
‫املنهمرة على األوراق احملروقة‪.‬‬

‫يعود اجلميع وتنسحب حنة بينما يبقى يواكيم عند العتبة ليلتقي مساعديه ويتكلم عن املياه‬
‫املنتظرة‪ ،‬وهي بركة لألرض العطشى‪ .‬ولكن الفرح امتزج ابخلوف من عاصفة رهيبة أن هتب مرافقة‬
‫سحق العنب والزيتون كما حتت حجر‬ ‫ابلربد‪« .‬إذا متزقت الغيوم الكثيفة‪ ،‬سيُ َ‬
‫السحب احململة ََ‬
‫للربق و ُّ‬
‫الرحى‪ .‬الويل لنا‪».‬‬

‫وينتاب يواكيم هم آخر بعدئذ‪ ،‬هم زوجته اليت حان موعد وضعها‪ .‬لقد َزفَّت إليه القريبة بشرى‬
‫عدم أتمل حنة هنائياً‪ .‬ولكنه مضط ِرب‪ََّ .‬ت ُرج القريبة ونساء أخرايت‪ ،‬بينهن أم حلفا‪ ،‬من غرفة حنة‬
‫لِيَعِدن أبوعية حتوي املاء الساخن وألبسة داخلية جمففة على النار اليت هتدر فرحاً وروعة يف موقد وسط‬
‫املطبخ الكبري‪ ،‬ويواكيم يسأل كل واحدة بدورها عن األخبار‪ ،‬ولكنه ال يطمئن ملا يقلن‪ .‬حّت عدم‬
‫مسعت قوالً مفاده أن‬
‫ُ‬ ‫صراخ حنة يقلقه‪« :‬أان رجل‪ ،‬ومل أحضر والدة قط‪ ،‬ولكنين أذكر جيداً أنين‬
‫انعدام األمل عالمة سيئة‪».‬‬

‫أقبَ َل الليل مسبوقاً بعاصفة هوجاء‪ ،‬غريبة الشكل‪ :‬سيول‪ ،‬رايح وبرق‪ ،‬كلها جمتمعة‪ ،‬ما عدا‬
‫الربد الذي سقط بعيداً‪.‬‬
‫ََ‬
‫ظ أحد الغلمان هذه الشدة فقال معلناً‪« :‬ميكننا القول أبن إبليس قد خرج من جحيمه‬ ‫الح َ‬
‫َ‬
‫مع رهط شياطينه‪ .‬انظر إىل هذه السحب السوداء! كأن هبا رائحة كربيت منتشرة يف اجلو‪ ،‬وهذا‬
‫الصفري املشؤوم وكأنه صراخ العويل واللعنة‪ .‬نعم‪ ،‬إن هذا املساء ملخيف!»‬

‫ضحك الغالم اآلخر وجييبه‪« :‬فريسة أخرى قد أفلتَت منه‪ ،‬أو إن ميخائيل قد ضربه بصاعقة‬
‫يَ َ‬
‫شطرت قرنه وذنَبه وأحرقتهما‪».‬‬
‫من عند هللا َ‬
‫ومتر امرأة مسرعة وهي هتتف‪« :‬يواكيم‪ ،‬سيولد! لقد مر كل شيء بيسر وسعادة!» وتغيب وهي‬
‫حتمل جرة بني يديها‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 40 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وفجأة هتب العاصفة بعد ضربة صاعقة أخرية‪ ،‬كانت شديدة لدرجة أهنا رمت الرجال الثالثة‬
‫فالتصقوا ابجلدار؛ وقد تَـَرَكت على واجهة املنزل يف أرض احلديقة ذكرى وأثراً‪ :‬حفرة سوداء تدخن‪ .‬يف‬
‫هذه األثناء يتسلل عرب ابب غرفة حنة صوت وليد وكأنه صوت (ترغلة) ميامة تناغي ألول مرة بدل‬
‫الصياح‪ .‬وبنفس الوقت يَبسط قوس قزح عظيم وشاحاً نصف دائري على امتداد السماء‪َ .‬خي ُرج أو‬
‫ابألحرى يبدو وكأنه َخي ُرج من قمة حرمون اليت قَـبَّـلَتها الشمس فبدت بلون مرمر أبيض بياض وردة من‬
‫أروع الورود‪ .‬ويرتفع إىل مساء أيلول (سبتمرب) الصافية جداً‪ ،‬مروراً أبجواء منقاة من كل شائبة‪ ،‬ليحوم‬
‫ظهر جهة اجلنوب بني شجريت تني وجبل آخر أيضاً‪ ،‬وتبدو هنايته‬ ‫فوق هضاب اجلليل والسهل الذي يَ َ‬
‫وكأهنا تستقر يف طرف األفق حيث سلسلة جبال منحدرة تضع حداً جملال الرؤية‪.‬‬

‫«اي له من مشهد مل نر مثله قط»‬

‫«انظروا‪ ،‬انظروا!»‬

‫ظهرت‪ ،‬بينما الشمس‬


‫«يبدو اآلن وكأنه حييط بكل أرض إسرائيل‪ ،‬ولكن انظروا‪ ،‬ها هي جنمة َ‬
‫مل تغب بعد‪ .‬اي هلا من جنمة! إهنا تلمع مثل ماسة عظيمة!‪»...‬‬

‫«والقمر‪ ،‬ها هو القمر‪ .‬إنه بدر التمام مع أن املفروض أنه سيكتمل بعد ثالثة أايم‪ .‬ولكن‬
‫انظروا‪ ،‬اي هلا من روعة!»‬

‫تُقبِل النساء فرحات حيملن رضيعاً وردي اللون يف فوط بيضاء‪.‬‬

‫إهنا مرمي‪ ،‬األم! مرمي الصغرية جداً حبيث تستطيع النوم بني ذراعي طفل‪ .‬مرمي ليست أطول من‬
‫الذراع‪ ،‬رأسها صغري عاجي مييل قليالً إىل اللون الوردي‪ ،‬وشفتان قرمزيتان مل تعودا تبكيان ولكنهما‬
‫شرعتا يف عملية مص غريزي‪ ،‬إال أهنما صغرياتن لدرجة ال ميكن معها رؤية كيف ستستطيعان التقاط‬
‫"احللمة"‪ ،‬أنف صغري بني خدين مدورين‪ ،‬وعندما تفتح عينيها تبدوان كقطعيت مساء‪ ،‬إهنما نقطتان‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 41 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫نقيتان بلون الالزورد‪ ،‬تنظران وال تراين بني رمشني دقيقني وبلون أشقر يكاد يكون وردايً لكثرة شقرته‪.‬‬
‫حّت الشعرات الصغريات على الرأس املدور‪ ،‬فهي شقراء وردية‪ ،‬بلون بعض أنواع العسل األبيض‪.‬‬

‫أما األذانن فمحاراتن ورديتان شفافتان وكاملتان‪ .‬وأما اليدان‪ ...‬ما هذان الشيئان الصغريان‬
‫املتحركان يف اهلواء واملتوجهان حنو الفم؟ إهنما اآلن مغلقتان كربعمي ورد نديني تفتق كأسامها اخلضراوان‬
‫ليُظهرا حريرمها الوردي الباهت؛ أما ومها مفتوحتان فكأهنما جوهراتن عاجيتان أو مرمريتان وتكادان‬
‫تكوانن ورديتني‪ ،‬أبظافر من األحجار الكرمية فاحتة‪ .‬فكيف ستستطيعان مسح الدموع الكثرية؟‬

‫الرجالن‪ ،‬أين مها؟ ليستا اآلن سوى قدمني صغريتني َّتتفيان يف قماط كتاين‪ .‬ولكن ها هي‬ ‫وِ‬
‫القريبة جتلس وتكشفهما‪ .‬آه! من هاتني القدمني الصغريتني! أربعة سنتيمرتات‪ ،‬وابطنهما حماراتن بلون‬
‫املرجان‪ ،‬وظاهرمها أيضاً حمارة مثل ثلج معرق ابلالزورد‪ .‬واألصابع وال أروع‪ ،‬إهنا كمنحواتت قزمة‬
‫مكللة أيضاً حبراشف كأحجار كرمية مضيئة‪ .‬ولكن كيف ستجد ِرجال اللعبة هذه األحذية الصغرية‬
‫الرجالن الصغرياتن لدرجة تدعو للتساؤل‪ :‬ترى كيف ستساعداهنا‬ ‫عندما متشي أوىل خطواهتما؟ هااتن ِ‬
‫على الوقوف؟ وكيف ستسريان على الدرب القاسية وتتحمالن آالماً مجة حتت الصليب؟‬

‫أما اآلن فكل هذا يف حكم اجملهول‪ ،‬والكل يضحك ويبتسم لرؤية ساقني صغريتني تتحركان‬
‫وتتخبطان‪ ،‬والفخذين املنمنمني اللذين بربربتهما يشكالن مع البطن غمازات وثنيات‪ ،‬أما العنق فينبثق‬
‫عن صدر صغري كامل األوصاف‪ .‬وحتت احلرير األبيض الناصع تُرى حركات التنفس‪ ،‬وإذا ما أُسنِد‬
‫سمع ضرابت القلب الصغري‪ ...‬قلب صغري ولكنه‬ ‫الفم لتقبيلها كما فعل األب الذي مأله احلبور‪ ،‬تُ َ‬
‫أمجل ما حوت األرض عرب العصور‪ ،‬القلب البشري الوحيد الذي ال عيب فيه‪.‬‬

‫أما الظَّهر‪ ،‬فها هي الطفلة تُقلَب لتَظهر احنناءة اخلاصرتني مث الكتفني املربربني والرقبة الوردية‪.‬‬
‫وأما رأسها الصغري فإنه ينتصب ليشكل قوساً مع العمود الفقري‪ ،‬إنه مثل رأس عصفور ينظر حوله‬
‫إىل عامل جديد يكتشفه‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 42 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫تصرخ بشكل بدا وكأنه احتجاج على عرضها هكذا وهي الطاهرة العفيفة يف نظر الكثريين‪،‬‬
‫هي اليت لن تُرى عارية بعد اآلن‪ ،‬العذراء القديسة املنزهة عن كل عيب‪ .‬غطوا‪ ،‬غطوا برعم الزنبق هذا‬
‫الذي لن ينكشف أبداً على هذه األرض والذي سيعطي زهرته األمجل مع بقائه برعماً‪ .‬ففي السماء‬
‫فقط ستتفتح بتالت زنبقة هللا الثالوث‪ ،‬فهناك يف األعايل‪ ،‬الوجود لغبار اخلطيئة الذي ميكنه انتهاك‬
‫حرمة هذه الرباءة عن غري قصد‪ ،‬وألن‪ ،‬هناك يف األعايل سوف يُستقبَل حتت نظر السماء كلها من‬
‫هو‪ ،‬مع كونه اآلن خمتبئاً لبضع سنوات يف قلب نقي طاهر‪ ،‬سيسكن فيها فيما بعد‪ :‬أابً وابناً وعروساً‪.‬‬

‫ها هي من جديد ضمن اللفائف‪ ،‬بني ذراعي أبيها األرضي الذي تشبهه‪ ،‬إهنا ال تشبهه اآلن‬
‫ألهنا ما تزال مشروع كائن بشري‪ ،‬فأان أريد القول أبهنا ستشبهه عندما تصبح امرأة‪ .‬إهنا مل أتخذ شيئاً‬
‫من صفات أمها اجلسدية‪ ،‬أما من أبيها فقد أخذت الصبغة ولون العينني وكذلك الشعر الذي‪ ،‬رغم‬
‫ستدل من احلاجبني‪ ،‬أخ َذت‬ ‫بياضه يف الوقت احلاضر‪ ،‬إال أنه كان أشقراً يف املاضي ابلتأكيد كما يُ َ‬
‫منه املالمح اليت تبدو عليها أكثر كماالً وأكثر نقاء‪ ،‬ألهنا امرأة‪ ،‬وهذه املرأة ابلذات! أخ َذت منه‬
‫االبتسامة والنظرة واحلركات والقامة‪ .‬وعندما أفكر ابلسيد املسيح كما أراه‪ِ ،‬أجد أن حنة قد أورثَت‬
‫حفيدها قامتها ولون بشـرهتا العاجي القامت‪ .‬مل تكن ملرمي مهابة حنة ‪-‬النخلة الشاخمة واملرنة‪ -‬إّنا لطف‬
‫أبيها‪.‬‬

‫ما زالت النساء يتكلمن عن العاصفة وأعجوبة القمر والنجمة وعن قوس قزح العمالق‪ ،‬بينما‬
‫دخلن مع يواكيم غرفة األم السعيدة‪ ،‬ويُعِدن هلا املولودة الصغرية‪.‬‬
‫يَ ُ‬
‫تضحك حنة يف سرها وتقول لنفسها‪« :‬إهنا النجمة‪ ،‬فعالمتها يف السماء‪ .‬مرمي هي قوس قزح‬
‫السالم! مرمي جنميت! مرمي هي القمر الالمع! مرمي هي جوهرتنا!»‬

‫«ستسمينها مرمي؟»‬

‫«نعم مرمي‪ ،‬جنمة‪ ،‬جوهرة‪ ،‬نور‪ ،‬وسالم‪»...‬‬

‫«ولكن هذا االسم يعين أيضاً مرارة‪ ...‬أال َّتشني أن حيمل هلا الشقاء؟»‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 43 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«هللا معها‪ .‬هي لـه قبل أن تُولَد‪ ،‬وسيقودها يف طرقه‪ ،‬وكل مرارة سوف تتحول إىل عسل‬
‫ك‪ ...‬وبعد وقت قليل ستصبحني بكل ِ‬
‫يتك هلل‪»...‬‬ ‫فردوسي‪ .‬اآلن ِ‬
‫أنت عند أم ِ‬

‫أصبحت أماً‪ ،‬وملرمي ابنتها‪.‬‬


‫وانتهت الرؤاي عند أول غفوة حلنة اليت َ‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 44 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -8‬تبدو نفسها مجيلة وال عيب فيها كما كانت يف فكر هللا)‬

‫‪1944 / 08 / 27‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬
‫ِ‬
‫ألمحلك معي إىل مساء أتمل بتولية‬ ‫«اهنضي بسرعة اي صديقيت الصغرية‪ .‬فإن ي رغبة متأججة‬
‫قت من اآلب للتو‪ ،‬حواء صغرية ما‬ ‫نت خلِ ِ‬
‫ِ‬
‫مرمي الفردوسية‪ .‬سوف َّترجني منها بنفس ندية كما لو ُك ُ‬
‫ك ستتعمقني يف رائعة هللا‪ .‬ستخرجني منها‬ ‫زالت جتهل أمر اجلسد‪ .‬ستخرجني منها بنفس مشرقة ألن ِ‬
‫ك ستدركني كم يعرف هللا أن حيب‪ .‬الكالم عن احلَبَل مبرمي املنزهة عن كل عيب‪،‬‬‫بكيان يفيض حباً ألن ِ‬
‫هذا يعين الغوص يف الالزورد‪ ،‬يف النور‪ ،‬ويف احلب‪ .‬تعايل واقرأي أجمادها يف كتاب األجداد‪.‬‬

‫صنعين يف أصل الكائنات‬ ‫"الرب قناين أول طريقه من قبل أعماله منذ البدء قبل اخلليقة‪ .‬لقد َ‬
‫قبل أن َُّتلق األرض‪ .‬عندما مل تكن اللجج بعد قد صاغين‪ .‬عندما مل تكن الينابيع احلية قد تدفقت‪،‬‬
‫دت‪ .‬عندما مل‬ ‫ِ‬
‫مشخت بكتلتها الضخمة ومل تكن التالل قد تعرضت للشمس‪ُ ،‬ول ُ‬ ‫واجلبال مل تكن قد َ‬
‫كنت حاضرة بينما كان يهيئ السماء!‬ ‫كنت أان‪ .‬لقد ُ‬‫يكن هللا قد صنع األرض واألهنار وحمور العامل‪ُ ،‬‬
‫وصنَ َع‬
‫صَر اللجج حتت قبة السماء بفعل قانون اثبت‪ ،‬وأكد ثبات القبة السماوية يف األعايل‪َ ،‬‬ ‫عندما َح َ‬
‫ينابيع املياه احلية‪ ،‬عندما كان يثبِت حدود البحار ويقرر قوانني ُكتَل مياهها‪ ،‬وعندما أ ََمر املياه أال‬
‫كنت ألعـب‬
‫كنت أنـا معـه لتنـظيم كل األمـور‪ُ ،‬‬ ‫تتجاوز حدودها؛ وعندمـا كان يرمي أسـاسـات األرض ُ‬
‫وسـط الكون بفرح ال متناه‪."...‬‬

‫لقد عزومت هذا الكالم إىل احلكمة‪ ،‬بينما كان يعنيها هي‪ :‬األم كلية البهاء‪ ،‬كلية القداسة‪.‬‬
‫بت أن تكتيب أول بيت من هذا النشيد‬ ‫ِ ِ‬
‫العذراء أم احلكمة اليت هي أان ابلذات‪ ،‬أان الذي أكلمك‪َ .‬رغ ُ‬
‫يف رأس الكتاب الذي يتكلم عنها ليعرف اجلميع ويعلموا أهنا سلوى هللا وفرحه‪ ،‬هي سبب مسرة هللا‬
‫الواحد والثالوث الثابتة والكاملة واحلميمية‪ ،‬هللا الذي يسوسكم وحيبكم يف الوقت الذي كان اإلنسان‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 45 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫سبب حزنه‪ .‬لقد كانت سبب َّتليد اجلنس البشري الذي استحق السحق عند أول جتربة‪ .‬إهنا سبب‬
‫حصولكم على الغفران‪.‬‬

‫امتالك مرمي للحصول منها على احلب‪ .‬آه! إنه ألمر يستحق عناء خلق اإلنسان وجعله َحي َىي‬
‫وتقرير مساحمته‪ ،‬كل هذا من أجل احلصول على العذراء اجلميلة‪ ،‬العذراء القديسة‪ ،‬العذراء املنزهة عن‬
‫كل عيب‪ ،‬العذراء املقتناة ابحلب‪ ،‬االبنة احملبوبة جداً‪ ،‬األم كلية الطهارة‪ ،‬العروسة احملبوبة! لقد َوَهبَكم‬
‫هللا عطاايه‪ ،‬وهو على استعداد ألن يهبكم ابستمرار ليمتلك اخلليقة اليت تصنع لـه هبجته‪ ،‬مشس مشسه‪،‬‬
‫زهرة بستانه‪ ،‬ويستمر عطاؤه لكم عن طريقها‪ ،‬بناء على طلبها‪ ،‬ملسرهتا‪ ،‬ذلك أن مسرهتا ستذوب يف‬
‫مسرة هللا وتعظمها ابلومضات املتأللئة ابلنور‪ ،‬نور اجلنة العظيم‪ ،‬وكل ومضة هي هبة للكون‪ ،‬للجنس‬
‫البشري‪ ،‬للمغبوطني أنفسهم الذين يستجيبون بنداء متأللئ ابهللليلواي لكل معجزة من قبل هللا جيرتحها‬
‫بسبب رغبة هللا الثالوث رؤية ابتسامة مسرة العذراء ال ُـمش ِرقة‪.‬‬

‫لقد أراد هللا أن يقيم َملِ َكاً على العامل الذي خل َقه من العدم‪ .‬ملكاً يكون بطبيعته املادية األول‬
‫بني كل املخلوقات املنبثقة من املادة وهي نفسها مادية‪ .‬ملكاً يكون أقل من اإلله قليالً بطبيعته‬
‫الروحية‪ ،‬متحداً ابلنعمة كما كانت براءته يف يومه األول‪ .‬ولكن الفطنة الفائقة‪ ،‬اليت تَعلَم كل األحداث‬
‫األكثر بُعداً يف أعماق الدهور‪ ،‬واليت تكتشف دائماً كل ما كان‪ ،‬وما هو كائن‪ ،‬وما سوف يكون ‪-‬‬
‫وبينما هي تتأمل املاضي وتالحظ احلاضر‪ ،‬تراها تتعمق بنظرها يف املستقبل البعيد جداً دون أن تغفل‬
‫أو جتهل كيف ستكون ميتة اإلنسان األخري‪ ،‬كل ذلك دون اختالط أو توقف‪ -‬مل جتهل أبداً أن امللك‬
‫الذي توقـ َعتهُ‪ ،‬الذي ُخلِ َق ليكون ِشبه إهلي إىل جانب هللا يف السماء‪ ،‬وارث اآلب‪ ،‬الذي يصبح ابلغاً‬
‫يف مملكته بعد أن َحي َىي يف بيت والدته ‪-‬األرض اليت تَ َش َّكل منها‪ -‬مل جتهل أنه طوال فرتة طفولته كابن‬
‫األزيل‪ ،‬أثناء إقامته األرضية‪ ،‬كان سريتكب ضد ذاته جرمية قتل النعمة يف نفسه وسرقة التواري عن‬
‫السماء‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 46 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ملاذا إذن َخلَ َقها؟ تساءل الكثريون بكل أتكيد‪ .‬هل كنتم تفضلون عدم وجودها؟ أمل تكن‬
‫تستحق لذاهتا ابلرغم من فقرها وعريها وشظف عيشها الذي سببه شركم‪ ،‬ألن َحت َىي هذا اليوم األرضي‬
‫للتعرف واإلعجاب ابجلمال الالمتناهي الذي نَ َشَرته يد هللا يف الكون؟‬

‫صـنَ َع هذه النجوم والكواكب السيارة اليت تنتقل كاألسهم ُخمَ ِططة قُـبَّة السماء أو تتقدم ببطء‬
‫ملـن َ‬
‫جلي‪ ،‬ولكنه مهيب يف جري النيازك واهبة إايكم أنواراً وفصوالً‪ ،‬وهي هتبكم أبزليتها وثباهتا‪ ،‬ابلرغم‬
‫من تغري شكلها املستمر‪ ،‬صفحة للقراءة عن الالزورد كل مساء وكل شهر وكل سنة؟ وكأهنا تريد أن‬
‫تقول لكم‪ :‬انسوا السجن‪ ،‬دعوا جانباً إعالانتكم املليئة أبشياء قامتة‪ ،‬عفنة‪ ،‬وسخة‪ ،‬سامة‪ ،‬كاذبة‪،‬‬
‫امسوا‪ ،‬أقله ابلنظر‪ ،‬صوب حرية تتجاوز حدود السماوات‪ ،‬اجعلوا أرواحكم مساوية‬ ‫جمدفة‪ ،‬ومفسدة‪ ،‬و ْ‬
‫ابلتطلع إىل الكثري من السكينة‪ ،‬اخزنوا لكم مؤونة من النور لتحملوها إىل سجنكم املظلم‪ ،‬اقرأوا الكلمة‬
‫اليت نكتبها بينما نرتل الرتتيلة الفلكية‪ ،‬أكثر تناغماً من تلك اليت ترافقها أراغن الكاتدرائية‪ ،‬الكلمة‬
‫اليت يكتبها أتلقنا‪ ،‬اليت يكتبها حبنا ألنه حاضر دائماً ابلنسبة لنا ذلك الذي منحنا مسرة الوجود‪،‬‬
‫وحنن حنبه ألنه منحنا هذا الوجود‪ ،‬هذا التألق‪ ،‬هذه احلركة‪ ،‬هذه احلرية وهذا السناء وسط هذه السماء‬
‫املليئة ابلعذوبة اليت نرى أبعد منها مساء أكثر رفعة وسناء‪ :‬اجلنة‪ .‬إنه كياننا الذي جيعلنا نتمم اجلزء‬
‫الثاين من وصية احلب‪ ،‬حببكم أنتم ابعتباركم كوننا املستقبلي‪ ،‬حببكم ابملوهبة اليت نعطيكموها أبن نؤمن‬
‫لكم التوجيه والنور‪ ،‬احلرارة والسناء‪ .‬اقرأوا الكلمة اليت نوجهها إليكم‪ ،‬فهي اليت تُل ِهم نشيدان وأتلقنا‬
‫ومسرتنا‪" :‬هللا"‪.‬‬

‫صنَ َع هذا الالزورد السائل‪ ،‬مرآة السماء‪ ،‬الطريق إىل األرض‪ ،‬بسمة املياه‪ ،‬صوت‬ ‫ملن تراه َ‬
‫األمواج‪ ،‬وأيضاً الكلمة اليت‪ ،‬بشنشنة احلرير وضحكات األطفال الوادعة‪ ،‬بتنهيدات املسنني الذين‬
‫يتذكرون ويبكون‪ ،‬بصفعات العنف ونطحات القرون‪ ،‬ابخلوارق والزجمرات‪ ،‬ال تتوقف عن الكالم وتقول‬
‫دائماً‪" :‬هللا"؟ البحر ابلنسبة لكم كالسماوات والكواكب ومعه البحريات واألهنار واجلداول والغدران‬
‫والينابيع املشرقة‪ ،‬كل ما يصلح لنقلكم وتغذيتكم‪ ،‬ليشفي غليلكم ويطهركم‪ ،‬واليت َّتدمكم بينما هي‬
‫َّتدم اخلالق‪ ،‬دون اخلروج من جماريها لتغمركم كما تستحقون‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 47 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫صنَ َع هذا العدد الذي ال حيصى من أنواع احليواانت اليت هي زهور تطري وتغين‪ ،‬وهي‬
‫ملن تراه َ‬
‫مبثابة اخلدام تركض وتعمل ألجلكم‪ ،‬وتغذيكم وتبهجكم أنتم ملوك اخلليقة؟‬

‫صنَ َع هذا العدد الذي ال حيصى من أنواع املزروعات والزهور اليت تشبه الفراشات‬ ‫ملن تراه َ‬
‫واجلواهر‪ ،‬عصافري اثبتة‪ ،‬مثاراً تبدو كعقود أو مصاغاً من الآللئ‪ ،‬سجادات ألرجلكم وراحة لرؤوسكم‪،‬‬
‫اسرتاحات ومنافع‪ ،‬مسرة للروح واألعضاء واحلواس‪ :‬النظر والشم؟‬

‫صنَ َع املعادن يف أعماق األرض‪ ،‬واألمالح املنحلة يف الينابيع اليت تغلي منها أو اجلامدة‪:‬‬
‫ملن تراه َ‬
‫الكربيت‪ ،‬اليود‪ ،‬الربوم‪ ...‬إ ْن مل يكن ليتمتع هبا أحد غري هللا‪ ،‬هو ابن هلل‪ ،‬وهو كائن فريد‪ :‬اإلنسان؟‬
‫ٍ‬
‫مكتف بذاته‪ .‬وأتمله هو‬ ‫ال ميكن لشيء أن يكون ضرورايً ال غّن عنه ملسرة هللا وحاجته‪ ،‬إنه‬
‫غبطته وغذاؤه وحياته وراحته‪ .‬اخلليقة قاطبة مل تستطع أن تضيف ذرة واحدة إىل مسرته الالمنتهية‪،‬‬
‫صنَـ َعهُ خلليقته‪ ،‬لذاك الذي أراد جعله َملِك كل األشياء املخلوقة‪،‬‬
‫لبهائه وحياته وقدرته‪ .‬كل هذا قد َ‬
‫لإلنسان‪.‬‬

‫لكي تروا هذا الكم من األعمال اإلهلية وتشكروه على القدرة اليت منحكموها‪ ،‬فذلك يستحق‬
‫أن حتيوا‪ .‬وجيب أن تعرتفوا جبميل َمْن ِحكم احلياة‪ .‬هذا ما جيب أن يكون حّت ولو مل تكونوا قد افتُديتم‬
‫إال يف آخر األزمان‪ .‬ابلفعل‪ ،‬على الرغم من أنكم‪ ،‬اي من كنتم من األوائل‪ ،‬وكنتم كل مبفرده خمالً‬
‫ابألمانة‪ ،‬متكرباً‪ ،‬فاجراً وقاتالً‪ ،‬على الرغم من كل هذا‪ ،‬فقد َمنَ َح ُكم هللا أن تستمتعوا جبمال الكون‪،‬‬
‫وعاملَ ُكم كما لو كنتم صاحلني‪ ،‬أبناء بـََرَرة ُمينحون ويُ َّلقنون كل شيء لتصبح حياهتم ألطف وأسلم‪ .‬كل‬
‫َ‬
‫ما تعلمونه قد عرفتموه بواسطة نور هللا‪ .‬وكل ما تكتشفونه فبموجب إيعاز من هللا‪ ،‬يف اخلري‪ .‬وكل‬
‫املعارف األخرى اليت حتمل شارة الشر فإهنا متأتية من الشر األعظم‪ :‬إبليس‪.‬‬

‫الذكاء العظيم الذي ال جيهل شيئاً وكان يعرف قبل وجود اإلنسان أنه سيكون مبحض إرادته‬
‫سارقاً وقاتالً‪ .‬ومبا أن الصالح األبدي ال حدود لصالحه‪ ،‬فقد فَ َّك ُ‬
‫رت بوسيلة لتدمري اخلطيئة قبل أن‬
‫توجد اخلطيئة‪ .‬والوسيلة هذه هي‪ :‬أان‪ ،‬الكلمة‪ .‬أما األداة اليت جعلَت من الوسيلة أداة فاعلة فهي‪:‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 48 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫مرمي‪ .‬والعذراء قد ُخلِ َقت يف فكر هللا السامي‪ .‬وكل األشياء ُخلِ َقت من أجلي وبواسطيت‪ ،‬أان ابن اآلب‬
‫احلبيب‪.‬‬

‫فرش حتت قدمي‪ ،‬قدمي امللك اإلهلي‪ ،‬سجادات وجواهر مل‬ ‫أان كملك‪ ،‬كان من املفروض أن تُ َ‬
‫فرش ومل توجد يف أي قصر ملكي بعد‪ ،‬وأن تصدح أانشيد وأصوات‪ ،‬وأن حييط ي‪ ،‬بوجودي‪ ،‬خدام‬ ‫تُ َ‬
‫مل يكونوا ألي ملك غريي‪ ،‬ومن الزهور واألحجار الكرمية كل ما هو األكثر عظمة واألكثر روعة‪ ،‬كل‬
‫ما هو لطيف وممتع‪ ،‬كل ما ميكن أن ُجي َّن من فكر هللا‪ .‬إّنا كان جيب أن أكون ابجلسد وليس روحاً‬
‫فقط‪ ...‬أن أكون ابجلسد ألخلص اجلسد وألمسو به برفعه إىل السماء قبل األوان بقرون‪ ،‬ذلك أن‬
‫اجلسد الذي تسكنه الروح هو رائعة هللا‪ ،‬وألجله ُخلِ َقت السماوات‪.‬‬

‫ولكي ألبس جسداً كان ال بد يل من أُم‪ .‬وألكون هللا كان ال بد يل من أب يكون هو هللا‪.‬‬
‫هذا هو السبب الذي جعل هللا خيلق عروسه ويقول هلا‪" :‬تعايل معي‪ ،‬إىل جانيب‪ ،‬وانظري كل ما أفعله‬
‫ِ‬
‫ابتسامتك فلتمأل السماء ولتعطي‬ ‫البننا‪ .‬انظري وافرحي‪ ،‬أيتها العذراء األبدية‪ ،‬الطفل األبدي‪ ،‬أما‬
‫إليك وأر ِاك كما ستكونني‪ ،‬أيتها املرأة‬ ‫املالئكة النغمة األصلية ولتُـعلِم اجلنة التناغم السماوي‪ .‬أنظر ِ‬
‫َ‬
‫لست اآلن سوى روح‪ :‬الروح الذي أُسُّر به‪ .‬أنظُر ِ‬
‫إليك وأمنح الزورد‬ ‫أنت ِ‬ ‫املنزهة عن كل عيب‪ ،‬و ِ‬
‫َ‬
‫ارك للوردة الشبيهة‬‫بياضك للزانبق‪ ،‬وامحر ِ‬‫شعرك للبذرة املقدسة‪ ،‬و ِ‬ ‫تك للبحر وقبة السماء‪ ،‬ولون ِ‬ ‫نظر ِ‬
‫أسنانك الصغرية‪ .‬أصنع توت األرض (الفريز) اللذيذ حينما أنظر إىل‬ ‫ِ‬ ‫ببشر ِ‬
‫تك احلريرية‪ ،‬والآللئ هي‬
‫ِ‬
‫أفكارك املستقبلية ومساع‬ ‫نشيدك ويف اليمامة ِ‬
‫أنينك‪ .‬بقراءة‬ ‫ِ‬ ‫فمك‪ ،‬وأضع يف حنجرة البالبل أنغام‬‫ِ‬
‫ألجلك ستكون العوامل كالتسايل إىل‬‫ِ‬ ‫قلبك أحصل على شكل ودليل اخلليقة‪ .‬تعايل اي فرحي‪،‬‬ ‫ضرابت ِ‬
‫ألجلك هي أكاليل النجوم‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ابتسامتك‪،‬‬ ‫أن تصبحي يف فكري النور املرتاقص‪ ،‬ها هي العوامل من أجل‬
‫لنفسك من جنوم درب التبانة وشاحاً‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قدميك العذبتني‪ ،‬فاصنعي‬ ‫وأطواق الكواكب‪ ،‬القمر حتت‬
‫لدك وتكون مبثابة الوسادة‬‫لك‪ .‬تعايل ومتتعي برؤية األزهار اليت ستسلي و ِ‬ ‫النجوم والكواكب السيارة ِ‬
‫أحشائك‪ .‬تعايل وأتملي خلق القطعان والنعاج‪ ،‬خلق النسور واحلمام‪ .‬كوين بقري عندما أصنع‬ ‫ِ‬ ‫البن‬
‫أبدر القمح وأزرع‬ ‫أنصب اجلبال وأغطيها ابلثلج والغاابت‪ ،‬عندما ُ‬ ‫أحواض البحار واألهنار‪ ،‬عندما ُ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 49 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫لك اي غصين الذي سيحمل العنقود القرابين‪.‬‬ ‫لك اي سالمي‪ .‬الكرمة ِ‬ ‫األشجار والكروم والزيتون ِ‬
‫اركضي‪ ،‬طريي‪ ،‬وابتهجي اي مجيليت‪ ،‬وهيئي الكون الذي ُخيلَق من ساعة لساعة ليحبين‪ ،‬أيتها احملبة‪،‬‬
‫اببتسامتك اي أم ابين وملكة جنيت‪ ،‬اي حب ِ‬
‫إهلك"‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وليصبح امجل‬
‫وأيضاً برؤية اخلطأ‪ ،‬واإلعجاب ابملنزهة عن اخلطأ‪" :‬تعايل إيل ِ‬
‫أنت اي من تغيبني مرارة املعصية‬
‫معك سوف أنتقم من الشيطان"‪.‬‬‫البشرية والفسق البشري مع إبليس واجلحود اآلدمي‪ِ .‬‬

‫هللا‪ ،‬األب اخلالق‪َ ،‬خلَق الرجل واملرأة بشريعة حب كاملة لدرجة ال ميكنكم معها أبي شكل‬
‫إدراك مدى كماهلا‪ .‬وسيضل بكم التفكري إذا ما حاولتم معرفة وضع اجلنس البشري لو مل خيضع‬
‫اإلنسان لتوجيهات الشيطان‪.‬‬

‫أتملي النبااتت بثمارها وبذورها‪ .‬هل تقوم ابلزراعة واحلصول على الثمار نتيجة فسق أو بفعل‬
‫تلقيح من مائة مجاع؟ أبداً‪ .‬بل َخي ُرج غبار الطلع من الزهرة الذكر‪ ،‬وبتوجيه من جمموعة قوانني نيزكية‬
‫ومغناطيسية يتجه صوب مبيض الزهرة األنثى اليت تتفتح‪ ،‬تستقبله وتُنتِج‪ .‬إهنا ال تقبل النجاسة لرتفضها‬
‫فيما بعد كما تفعلون أنتم لتعودوا فتختربون اإلحساس ذاته يف اليوم التايل‪ ،‬فهي إذ تُنتِج ال تعود تُ ِزهر‬
‫حّت املوسم التايل‪ ،‬وإن أزهرت فذلك بغرض التوالد‪.‬‬

‫أتملي احليواانت‪ ،‬كل احليواانت‪ .‬هل رأيت قَط ذكراً وأنثى يتجه الواحد صوب اآلخر هبدف‬
‫عناق عقيم وعالقة جنسة؟ أبداً‪ .‬ال من قريب وال من بعيد‪ ،‬ابلطريان كان أو ابلزحف‪ ،‬ابلقفز أو‬
‫نجز طقوس اإللقاح دون متلص منها ابلوقوف عند حدود اللذة‪ ،‬ولكنها تنجزها حّت‬ ‫ابجلري؛ بل إهنا تُ ِ‬
‫النهاية اجلادة واملقدسة الستمرار اجلنس‪ ،‬وهو اهلدف الوحيد منها‪ .‬أما اإلنسان‪ ،‬شبه اإلله بطبيعته‬
‫اإلهلية ابلنعمة اليت َوَهبتُها لـه كاملة‪ ،‬فقد كان من املفروض أن يَقبَل فقط لنفس اهلدف الفعل احليواين‬
‫الذي يفرض نفسه منذ هبطتم درجة يف التصنيف احليواين‪.‬‬

‫ذمت إبليس كمعلم‪ ،‬وأردمتوه معلماً‪ ،‬وما زلتم‬


‫إنكم ال تتصرفون مثل النبااتت واحليواانت‪ ،‬لقد اَّت ُ‬
‫تريدونه كذلك‪ .‬واألفعال اليت تقومون هبا تليق بذاك املعلم الذي أردمتوه‪ .‬بينما لو كنتم ُخملِصني هلل‪،‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 50 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫لكنتم نلتم مسرة احلصول على األطفال بشكل قدسي بدون أمل‪ ،‬دون أن تستسلموا لعالقات فاحشة‬
‫وخمزية‪ ،‬عالقات جتهلها احليواانت ذاهتا‪ ،‬احليواانت اليت ال تتمتع بنفس عاقلة وروحانية‪.‬‬

‫أراد هللا أن يقابل الرجل واملرأة اللذين أفسدمها الشيطان‪ ،‬ابإلنسان املولود من امرأة َرفَـ َعها هللا‬
‫بشكل فائق‪ ،‬لدرجة احلَبَل والوالدة دون أن تعرف َر ُجالً‪ ،‬زهرة تلد زهرة دوّنا حاجة إىل تلقيح مادي‪،‬‬
‫ولكنها تصبح أُماً بفعل قبلة وحيدة من الشمس على كأس الزنبقة مرمي الذي مل ُميَس‪.‬‬

‫انتقام هللا!‬

‫تك هذه الطفلة الصغرية! قبل أن جتعل من‬ ‫حقدك أيها الشيطان بينما هي تُولَد‪ .‬لقد َغلَبَ َ‬
‫َ‬ ‫انفث‬
‫كنت املقهور وهي املنتصرة‪ .‬ألف جيش منظم يف احلرب ال يستطيعون‬ ‫نفسك متمرداً ومراوغاً ِ‬
‫ومفسداً‪َ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ‬
‫فسد‬‫تروسك‪ ،‬أيها الـم ِ‬
‫َ‬ ‫تك‪ .‬فاألسلحة تسقط من أيدي الرجال عندما تُقابِل‬ ‫شيئاً يف مواجهة قدر َ‬
‫ُ‬
‫الدائم‪ ،‬وليس هناك ريح قوية كفاية لتبدد نتانة نـَ َفسك‪ .‬ومع ذلك فكعب قدم هذه الطفلة‪ ،‬الوردي‬
‫مثل قلب زهرة الكاميليا الوردية الناعمة والطرية‪ ،‬لدرجة أن احلرير يبدو خشناً إذا ما قورن هبا‪ ،‬الصغري‬
‫جداً لدرجة أنه يستطيع الدخول يف كأس خزامى ‪ Tulipe‬وأن جيعل من هذا السندس النبايت حذاء‪،‬‬
‫أنت‬
‫جيعلك هترب َ‬‫َ‬ ‫كهفك‪ .‬ها إن جمرد صراخها وهي وليدة‬ ‫َ‬ ‫وحيبسك يف‬
‫َ‬ ‫يسحقك دون خوف‬ ‫َ‬ ‫ها هو‬
‫فأنت مقهور‪ .‬وامسها ونظرهتا وطهارهتا‬‫نتانتك‪َ .‬‬
‫َ‬ ‫الذي ال يهاب اجليوش‪ ،‬وها إن نـَ َفسها يطهر رائحة‬
‫جحرك اجلهنمي‪ ،‬أيها‬
‫َ‬ ‫وحتبسك يف‬
‫َ‬ ‫رك يف األرض‬ ‫َّترتقك وتسم َ‬
‫َ‬ ‫ُهم‪ :‬الرمح واحلجر والصاعقة اليت‬
‫ع من هللا فرحة كونه أابً لكل البشر املخلوقني‪.‬‬ ‫امللعون الذي انتَـَز َ‬
‫حماوالتك إفساد الذين ُخلِقوا يف حالة الرباءة‪ ،‬حبملهم على القران واحلبل من خالل‬
‫َ‬ ‫ابطلة هي‬
‫حيل فاسقة‪ ،‬مانعاً هللا من أن مينح خليقته احملبوبة أوالداً حسب قواعد‪ ،‬لو مت احرتامها‪ ،‬لصانت يف‬
‫األرض توازانً بني اجلنس والنسل قادراً أن مينع احلروب بني األمم والشقاء يف العائالت‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 51 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يف الطاعة يعرفون احلب ابلطبع‪ ،‬وحيصلون عليه‪ ،‬يف االمتالك الكامل واهلادئ هلذا االنبثاق من‬
‫هللا الذي نزل من فائق الطبيعة ليَختَِرب به اجلسد أيضاً فرحاً مقدساً‪ ،‬وهو املتحد ابلروح‪ ،‬وقد َخلَ َقهُ‬
‫من َخلَ َق الروح ذاته‪.‬‬

‫واآلن‪ ،‬أيها البشر‪ ،‬ما طبيعة حبكم‪ ،‬بل ما طبيعة جمموع أنواع احلب عندكم؟ إنه‪ ،‬مهما كان‬
‫النوع الذي ينتمي إليه‪ ،‬إما فسق أيخذ شكل حب وإما خوف غري قابل للشفاء من فقدان حب‬
‫القرين بسبب فسقه واآلخرين‪ .‬مل تعودوا متأكدين من امتالك قلب الزوج أو الزوجة أبداً‪ ،‬منذ أن‬
‫اجتاح الفسق العامل‪ .‬وترجتفون وتبكون وتصبحون جمانني بسبب الغرية‪ ،‬بل قَـتَـلَة أحياانً ابالنتقام‪،‬‬
‫بسبب خيانة‪ ،‬ويف حاالت أخرى ايئسني ومصابني بفقدان اإلرادة واخلبل‪.‬‬

‫هذا ما فعلتَهُ أيها الشيطان أببناء هللا‪ .‬أولئك الذين َخ َدعتَهم وكانوا سيعرفون فرح احلصول على‬
‫هزمتك‬
‫َ‬ ‫أبناء بدون أمل‪ ،‬والذين كانوا سيختربون فرح أهنم ُولِدوا دون اخلوف من املوت‪ .‬أما اآلن فقد‬
‫امرأة‪ ،‬بل املرأة اليت سيعود منذ الساعة كل من حيبها ليصبح من هللا‪ ،‬وينتصر على التجارب ليستطيع‬
‫احملافظة على طهارته دون عيب‪ .‬أما النساء فسيحصلن على تشجيعها‪ ،‬وستصبح هي منذ اآلن‬
‫فصاعداً لألزواج دليالً ولألموات أُماً‪ .‬وبفضلها سيصبح لذيذاً املوت على هذا الصدر الذي حيميهم‬
‫منك أيها امللعون‪ ،‬ويدافع عنهم عند صدور أحكام هللا‪.‬‬ ‫َ‬
‫ت والدة ابن العذراء ووالدة أمه يف السماء‪ .‬لقد‬‫ماراي فالتورات‪ ،‬اي صوت هللا اهلامس‪ ،‬لقد رأي ِ‬
‫ِ‬
‫عاينت إذاً أن ال وجود آلالم الوالدة واملوت خارج اخلطيئة‪ .‬ولكن إذا كان كمال املواهب اإلهلية قد‬
‫صان الفائقة الرباءة أم هللا‪ ،‬فقد كان سيمنح كل املتحدرين من األبوين األولني‪ ،‬لو كاان بقيا بريئني‬
‫وابين هللا‪ ،‬نعمة التوالد دون أمل ‪-‬كما كان مفرتضاً ملعرفتهم التزاوج واحلبل بال فسق‪ -‬واملوت دون قلق‪.‬‬

‫أثر هللا السامي من انتقام إبليس كان يف َمحل كمال اخلليقة احملبوبة إىل الكمال الفائق الذي‪،‬‬
‫أقله يف خليقة واحدة‪ ،‬قد أبطَ َل كل ذكرى للبشرية قابلة ألن تعطي دفعاً لسم إبليس‪ .‬وهكذا كان‪،‬‬
‫غري وجه الروح يف نشوة‬
‫أن جاء االبن إىل العامل‪ ،‬ليس على أثر عالقة بشرية عفيفة‪ ،‬بل بعناق إهلي َّ‬
‫النار‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 52 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫بتولية العذراء!‬

‫تعايل أتملي أعماق هذه البتولية‪ ،‬اليت جتعل التأمل فيها ُحي ِدث دوار اهلوة اليت ال قرار هلا! ماذا‬
‫ُرغ َمت عليها ألن رجالً مل يتزوجها؟ أقل من ال شيء‪ .‬ماذا تكون بتولية من أرادت‬ ‫تكون بتولية امرأة أ ِ‬
‫أن تكون عذراء لتكون هلل ولكنها ال تعرف أن تكون كذلك إال ابجلسد وليس ابلروح‪ ،‬حيث إهنا‬
‫ترتك جماالً ألفكار كثرية غريبة تتسرب إليها‪ ،‬كما تداعب وتتقبل مداعبة األفكار البشرية؟ إهنا بداية‬
‫كوهنا يرقة بتولية‪ ،‬ولكن ذلك ما يزال قليالً جداً‪ .‬وماذا تكون بتولية حبيسة‪ ،‬انسكة ال حتىي إال من‬
‫هللا؟ الكثري‪ ...‬ولكنها مل تصل أبداً إىل البتولية الكاملة إذا ما قورنت ببتولية أ ّمي‪.‬‬

‫تواطؤ ال شعوري موجود دائماً حّت لدى أكثر الناس قداسة‪ :‬إنه متأصل يف الروح مع اخلطيئة‪،‬‬
‫وهو الذي تعمل املعمودية على التحرير منه‪ ،‬إهنا حترران منه‪ ،‬ولكن لدى العذراء‪ ،‬ال أثر للتواطؤ مع‬
‫اخلطيئة‪ .‬وتبدو نفسها مجيلة ونقية كما كانت يف فكر هللا‪ ،‬جامعة يف ذاهتا كل النِ َعم‪ .‬هذه هي العذراء‬
‫وردت يف فكر هللا وكما ُحبِل هبا‪ ،‬كذلك ستبقى أبداً‪ .‬هكذا ُكلِلت‬‫الوحيدة‪ ،‬الكاملة‪ ،‬املكتملة‪ :‬فكما َ‬
‫وستبقى ُمكلَّلة لألبد‪ .‬إهنا العذراء‪ ،‬عمق عدم املساس والطهارة والنعمة‪ ،‬اليت تتالشى يف هذا العمق‬
‫الذي انبث َقت منه يف هللا‪ ،‬عدم مساس وطهارة ونعمة مطلقة‪.‬‬

‫املمتهنة‪ ،‬أقام جنمة الكمال هذه يف‬


‫هذا هو انتقام هللا الثالوث والواحد‪ .‬خبالف كل املخلوقات َ‬
‫مقابل الفضول الفاسد‪ ،‬هذه الرزينة اليت ال يشفي غليلها سوى حب هللا‪ ،‬يف مقابل علوم الشر‪ .‬وكما‬
‫أن األرملة املنفصلة عن زوجها مبوته ال تكون يف بتولية كاملة‪ ،‬كذلك املعمودية ال تُعيد للبشر البتولية‬
‫الكاملة اليت كانت لألبوين األولني قبل اخلطيئة‪ .‬ندبة دائمة مؤملة ال تُنسى‪ ،‬وهي دوماً يف وضع قابل‬
‫إلعادة اجلرح‪ ،‬مثلها يف ذلك مثل أمراض كثرية يف ظروف معينة تعود الفريوسات فيها فاعلة نشيطة؛‬
‫هذه اجلاهلة السامية‪ ،‬فهي ال جتهل احلب املنحط فقط‪ ،‬وال احلب الذي وهبه هللا للزوجني اآلدميني‬
‫فقط‪ ،‬بل أكثر أيضاً‪ .‬إهنا جتهل احلرارة املؤذية‪ ،‬إرث اخلطيئة‪ .‬ليس لديها سوى احلكمة اجملمدة‬
‫واملتوهجة معاً للحب اإلهلي‪ .‬النار اليت جتمد اجلسد لتجعل منه مرآة كاملة للهيكل الذي يتزوج فيه‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 53 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫هللا عذراء وال يتنازل أبداً‪ ،‬ألن كماله يُغلِف اليت هي‪ ،‬كما يليق بعروسة أقل بدرجة فقط من العروس‪،‬‬
‫خاضعة لـه كامرأة‪ ،‬ولكنها شبيهة به بدون عيب‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 54 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -9‬بعد ثالث سنوات ستكونني هنا‪ ،‬اي زنبقيت)‬

‫‪1944 / 08 / 28‬‬

‫إين أرى يواكيم وحنة مع زكراي وأليصاابت خيرجون من منزل يف أورشليم‪ ،‬من املؤكد أنه منزل‬
‫أصدقاء أو أقرابء‪ .‬إهنم يتوجهون صوب اهليكل للمشاركة يف طقوس التطهري‪.‬‬

‫الطفلة بني يدي حنة مقمطة بشكل جيد‪ ،‬يلفها غطاء صويف خفيف املفروض أنه انعم ودافئ‪.‬‬
‫إهنا حتمل وليدهتا الصغرية بعناية ابلغة وحب ال يوصف‪ ،‬وتراقبها وهي ترفع طرف الغطاء الناعم والدافئ‬
‫بني آونة وأخرى َلرتى ما إذا كانت مرمي تتنفس بشكل جيد‪ ،‬مث تعود لتغطيها فتحميها وتقيها من‬
‫اهلواء البارد يف يوم مجيل من أايم الشتاء‪ ،‬ولكنه يوم ابرد!‬

‫كانت أليصاابت حتمل رزماً بني يديها‪ .‬ويواكيم جير َمحَلني كبريين انصعي البياض مربوطني‬
‫حببل‪ ،‬إهنما أكثر من َمحَلني‪ ،‬إهنما ابألحرى خروفان‪ .‬مل يكن زكراي حيمل شيئاً‪ .‬إنه وسيم جداً يف ثوبه‬
‫نت قد رأيتهُ عند‬
‫ظهر من خالل معطفه الصويف األبيض الثقيل‪ .‬زكراي أكثر شباابً مما ُك ُ‬ ‫الكتاين الذي يَ َ‬
‫والدة املعمدان‪ ،‬وهو بكامل قوته‪ .‬أليصاابت أيضاً يف سن انضجة ولكنها تبدو نضرة‪ .‬ويف كل مرة‬
‫كانت حنة تنظر إىل الطفلة‪ ،‬كانت تنحين بنشوة على الوجه الصغري النائم‪ ،‬وهي أيضاً كانت مجيلة‬
‫جداً بثوهبا الالزوردي املائل إىل البنفسجي القامت‪ ،‬ووشاحها الذي يغطي رأسها وينزل على كتفيها‬
‫وعلى املعطف األغمق لوانً من الثوب‪.‬‬

‫كان يواكيم وحنة بشكل خاص مهيبني يف ثياب العيد‪ .‬على غري عادته‪ ،‬مل يكن يواكيم مرتدايً‬
‫جلبابه الكستنائي الداكن‪ ،‬بل ثوابً طويالً أمحر داكناً ‪-‬كما يُطلَق عليه اليوم لون أمحر القديس‬
‫يوسف‪ -‬أما أهداب معطفه فجديدة ومجيلة‪ ،‬وعلى رأسه نوع من الوشاح املستطيل احملاط بشريط‬
‫دائري من اجللد‪ .‬كل ثيابه كانت جديدة وانعمة‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 55 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫حنة! آه! ال تلبس ثوهبا الداكن اليوم! بل هي ترتدي ثوابً أصفر فاحتاً جداً‪ ،‬يشبه لون عاج‬
‫عتيق‪ ،‬تشده على اخلصر وحول العنق واألكمام بشريطة تبدو من الذهب والفضة‪ ،‬كما تغطي رأسها‬
‫بوشـاح رقيق جداً حّت يبدو كأنه مدمقس‪ ،‬ومثبَّت على جبهتها بشرحية نفيسة‪ .‬ويف عنقها عقد‬
‫مصاغ‪ ،‬ويف معصمها أساور‪ .‬حّت لَتَحسبها ملكة حقيقية ملهابتها وهي ترتدي الثوب‪ ،‬خاصة املعطف‬
‫األصفر الفاتح حباشيته املوشاة برسومات بديعة‪ .‬لوانً على لون‪.‬‬
‫كنت يومئذ طفلة صغرية‪ ،‬إال أنين أتذك ِ‬
‫رك‬ ‫فافك‪ِ ،‬‬
‫تقول هلا أليصاابت‪« :‬يبدو يل وكأين أرا ِك يوم ز ِ‬
‫جيداً‪ ،‬كم ِ‬
‫كنت مجيلة وسعيدة!»‬

‫املظهر يف هذا‬
‫أظهر بنفس ذاك َ‬ ‫أردت أن َ‬
‫«ولكنين اآلن أان كذلك‪ ،‬بل أان أكثر من ذلك‪ ،‬لقد ُ‬
‫احتفظت به ليوم العيد هذا‪ ...‬وأان ال أمل يل ابرتداء ثياي هذه يف يوم كهذا بعد‪»...‬‬
‫ُ‬ ‫االحتفال‪ ،‬لقد‬
‫تقول أليصاابت بتنهد‪« :‬لقد أحب ِ‬
‫ك الرب كثرياً‪».‬‬

‫أحب ما لدي‪ ،‬هذه الزهرة‪ ...‬زهريت‪».‬‬ ‫له‬ ‫م‬ ‫«ألجل ذلك أُقَ ِ‬
‫د‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫صدرك عندما تزف الساعة؟»‬ ‫«كيف ستستطيعني انتزاعها من‬

‫«أتذكر أهنا مل تكن وأن الرب أعطانيها‪ .‬سأكون أكثر سعادة يف تلك الساعة‪ ،‬عندما أعلَم أهنا‬
‫يف اهليكل‪ ،‬سأقول لنفسي‪" :‬إهنا تصلي عند خيمة اتبوت العهد‪ ،‬ستصلي إلله إسرائيل من أجل‬
‫والدهتا أيضاً"‪ .‬سأشعر ابلسالم‪ ،‬بل سأخترب سالماً أعظم وأان أقول لنفسي‪" :‬إهنا لـه بكاملها‪ ،‬وعندما‬
‫ال يعود العجوزان اللذان تَـلَ َّقياها من السماء يف الوجود يبقى‪ ،‬هو األزيل‪ ،‬أابها"‪ .‬ثقي ي‪ ،‬إنين متأكدة‬
‫زرعها يف‬
‫أبن هذه الطفلة ليست لنا‪ ،‬لسنا ّنلكها‪ ،‬فأان مل أكن يف وضع أستطيع معه شيئاً‪ ...‬هو َ‬
‫أحشائي‪ ،‬هبة إهلية‪ ،‬ليمسح دموعي ويثبت رجاءان وصالتنا‪ .‬إذاً هي لـه‪ .‬أما حنن فلسنا سوى حراس‬
‫سعداء‪ ...‬فليتمجد امسه!»‬

‫ها ُهم وقد وصلوا أمام جدران اهليكل‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 56 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«عندما متضون إىل البوابة‪ ،‬سأذهب أان ألخرب الكاهن‪ ،‬مث أعود‪ ».‬قاهلا زكراي وغاب خلف‬
‫قنطرة‪ ،‬هي مدخل إىل ساحة كبرية حماطة أبروقة‪.‬‬

‫ثت عن ذلك سابقاً‪-‬‬ ‫كنت قد حتد ُ‬


‫لست أدري ما إذا ُ‬
‫اتبَ َع اجلَّمع التقدم عرب شرفات متتالية ‪ُ -‬‬
‫إن سور اهليكل على مستوايت خمتلفة‪ ،‬ولكنه يتواىل صعوداً مبسطحات متتالية أكثر ارتفاعاً الواحدة‬
‫عن األخرى‪ .‬وكل شرفة يُرت َقى إليها بِ َد َرجات وهي حماطة بساحات وأروقة ومداخل رائعة من الرخام‬
‫والربونز والذهب‪.‬‬

‫قبل الوصول إىل مكان االلتقاء‪ ،‬توقَّفوا ليُخ ِرجوا من الرزم األشياء اليت ُجلبَت‪ :‬فطائر كما يبدو‬
‫يل‪ ،‬كبرية ومنبسطة والسمن فيها وفري‪ .‬طحني أبيض ومحامتان يف قفص‪ ،‬وقطعتا فضة كبرياتن‪ :‬إنه‬
‫نوع من العملة الثقيلة‪ ،‬لدرجة أنه كان من حسن احلظ آنئذ أنه مل يكن هناك جيوب وإال لكانت هذه‬
‫العملة تثقبها ابستمرار‪.‬‬

‫ها هي بوابة نيكانور ‪ Nicanore‬اجلميلة‪ ،‬إهنا رائعة‪ ،‬كتلة مشغولة ابلربونز وملبسة ابلفضة‪.‬‬
‫وها هو زكراي إىل جانب أحد الكهنة‪ ،‬جليل بثوبه الكتاين‪ .‬تتلقف حنة رشة املاء‪ ،‬أظنها مياه التطهري‪،‬‬
‫مث متتثل لألمر ابلتقدم ابجتاه هيكل الذابئح‪.‬‬

‫أخ َذهتا اليصاابت وبَِقيَت خارجاً بينما َد َخ َل يواكيم خلف‬


‫مل تعد الطفلة بني يدي والدهتا‪ ،‬لقد َ‬
‫أغمضت عيين‬
‫ُ‬ ‫ففعلت كما يف تطهري مرمي‪:‬‬‫ُ‬ ‫زوجته جاراً بشكل عكسي َمحَالً ابئساً يثغو‪ .‬أما أان‪...‬‬
‫لكي ال أرى تلك املذحبة‪.‬‬

‫تطهَرت حنة‪.‬‬
‫اآلن َّ‬

‫س زكراي بكلمات لصديقه الذي َِمس َعها وابتَ َسم‪ .‬مث حلق هذا األخري اجلَّمع الذي انتظَم ُمهنِئاً‬ ‫َمهَ َ‬
‫األب واألم بفرحتهما وإمياهنما ابلوعود‪ ،‬وتَقبُّل احلَ َمل الثاين والطحني والفطائر‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 57 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫مكرسة للرب؟ بركته سرتافقها وترافقكم كذلك‪ .‬ها هي حنة أخرى تصل‪،‬‬ ‫«هذه الفتاة إذن َّ‬
‫ستكون واحدة من معلماهتا‪ ،‬إهنا حنة اليت لفانوئيل ‪ Phanuel‬من سبط عازر‪ .‬تعايل أيتها املرأة‪،‬‬
‫استك يف القداسة كقرابن‬ ‫فهذه الطفلة تُقدَّم للهيكل وسوف تصبحني معلمتها‪ ،‬وستنمو حتت حر ِ‬
‫تسبيح‪».‬‬

‫حنة اليت لفانويل‪ ،‬املتسربلة األبيض بشكل كامل‪ ،‬تداعب الطفلة اليت استيقظَت وهي تنظر‬
‫بعينيها الربيئتني واملندهشتني إىل كل هذا البياض‪ ،‬إىل كل هذا الذهب الذي يلمع حتت الشمس‪.‬‬

‫املفروض أن االحتفال انتهى‪ ،‬ومع ذلك مل َأر طقوساً خاصة لتقدمة مرمي‪ .‬قد يكون البوح‬
‫بذلك للكاهن وابألخص هلل قرب املوضع املقدس كافياً‪.‬‬

‫أيت النور العام املاضي‪».‬‬


‫ذهب هناك حيث ر ُ‬ ‫تقول حنة‪« :‬أود لو أ ِ‬
‫ُقرب التقادم للهيكل‪ ،‬وأَ َ‬
‫يذهب اجلميع برفقة حنة اليت لفانوئيل‪ .‬إال أهنم مل يَلِجوا داخل اهليكل‪ ،‬وهذا أمر مفروغ منه‬
‫بوجود نساء وطفلة‪ .‬مل يذهبوا إىل املكان الذي قَدَّمت فيه مرمي ابنها‪ .‬إّنا قرب الباب املفتوح على‬
‫مصراعيه ينظرون إىل الداخل شبه املظلم‪ ،‬حيث تنطلق أصداء حناجر شاابت يف تراتيل عذبة‪ ،‬وحيث‬
‫ذهباً على رؤوس َرتلَني أبوشحة بيضاء‪َ :‬رتلَي زنبق حقيقيني‪.‬‬‫تضيء أنوار نفيسة تنشر نوراً ُم َّ‬

‫«بعد سنوات ثالث ستكونني هنا أيضاً اي زنبقيت‪ ».‬هذا هو الوعد الذي نَطََقت به حنة وكان‬
‫موجهاً ملرمي اليت تنظر إىل الداخل كاملسحورة‪ ،‬مشدوهة ومبتسمة للرتاتيل املنبعثة ببطء‪.‬‬

‫فهمت‪ ،‬إهنا طفلة رائعة‪ ،‬ستكون عزيزة على قليب كما‬


‫تقول حنة اليت لفانوئيل‪« :‬يبدو يل أهنا َ‬
‫أعدك بذلك أيتها األُم‪ ،‬إذا ما ُكتِب يل عُمر‪».‬‬
‫لو أهنا ابنيت احلقيقية‪ِ .‬‬

‫املكرسات‪ .‬وسأكون أان أيضاً‬


‫جييب زكراي‪« :‬ستكونني هنا اي امرأة‪ ،‬وستستقبلينها بني الفتيات َّ‬
‫هنا‪ ،‬أريد أن أكون هنا يف ذلك اليوم ألطلب منها أن تصلي من أجلنا منذ دخوهلا‪ »...‬مث ينظر إىل‬
‫زوجته اليت تدرك قوله وتتنهد‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 58 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ينتهي االحتفال‪ ،‬وتنسحب حنة اليت لفانوئيل بينما خيرج الباقون من اهليكل يتحدثون فيما‬
‫بينهم‪.‬‬

‫كنت على استعداد ليس فقط لتقدمي أفضل َمحَلني عندي‪ ،‬بل ألن أقدمها‬
‫أَمسَع يواكيم يقول‪ُ « :‬‬
‫كلها ألجل هذه الفرحة‪ ،‬ولتسبيح الرب‪».‬‬

‫مل أعد أرى شيئاً‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 59 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -10‬ها هي الطفلة الكاملة بقلب محامة)‬

‫‪1944 / 08 / 28‬‬

‫يتحدث يسوع‪:‬‬

‫«يقول سليمان يف سفر احلكمة‪" :‬إذا كان أحدكم صغرياً جداً فليأت إيل‪ ".‬يف احلقيقة‪ ،‬من‬
‫قلعته من أسوار مدينته كانت احلكمة األزلية تقول للطفلة األزلية‪" :‬تعايل إيل" وكان يتحرق المتالكها‪.‬‬
‫وقد قال ابن هذه الطفلة الكلية الطهر فيما بعد‪" :‬دعوا األطفال أيتون إيل ألن ملثل هؤالء ملكوت‬
‫السماوات‪ ،‬ومن مل يرجع ويصبح كاألطفال فلن جيد له مكاانً يف مملكيت"‪.‬‬

‫تتالقى األصوات‪ ،‬فبينما كان صوت السماء ينادي مرمي الصغرية جداً‪" :‬تعايل إيل"‪ ،‬كان صوت‬
‫اإلنسان يقول ويفكر أبمه أثناء قوله‪" :‬تعالوا إيل إذا عرفتم أن تكونوا أطفاالً صغاراً"‪.‬‬

‫أعطيكم املثال أبمي‪.‬‬

‫ها هي الطفلة الكاملة بقلب محامة والبسيطة والطاهرة‪ :‬وهي اليت مل تستطع السنوات وال‬
‫رفضت مرمي هذا االحتكاك‪،‬‬
‫االحتكاك ابلعامل أن متسها برببرية الفساد وال بطرقها امللتوية والكاذبة‪ .‬لقد َ‬
‫فتعالوا إيل وأنتم متعنون النظر إليها‪.‬‬

‫نت‪ ،‬اي من ترينها‪ ،‬قويل يل‪ :‬هل اختل َفت نظرهتا الطفولية اآلن عن نظرهتا يوم رأيتِها عند‬ ‫أ ِ‬
‫الصليب‪ ،‬أو يف غبطة العنصرة‪ ،‬أو ساعة ظَلَّ َل جفناها عيين الغزالة يف رقادها األخري؟ ال‪ ...‬فهنا نظرة‬
‫طوبة ألم بيت‬‫الطفل احلائرة املندهشة‪ ،‬وبعدها ستكون نظرة البشارة املندهشة واملوقرة‪ ،‬ومث النظرة امل َّ‬
‫حلم‪ ،‬وبعدها النظرة اهلائمة لتلميذيت األوىل الفائقة السناء‪ ،‬مث النظرة املمزقة للمتألمة يف اجللجلة‪ ،‬ومن‬
‫مث نظرة القيامة والعنصرة ال ُـم ِش َّعة‪ ،‬وأخرياً النظرة املوشحة للنعاس االنتشائي للرؤاي األخرية‪ .‬إّنا كان‬
‫أغمضتها على آخر ضوء بعد رؤية أفراح كثرية وأهوال‬ ‫فتحتها على أول رؤية كما َ‬ ‫كذلك أن عينها اليت َ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 60 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫كثرية‪ ،‬بقيَت صافية طاهرة‪ ،‬هدب السماء اهلادئ الذي يشع دائماً وبنفس القدر حتت جبهة مرمي‪.‬‬
‫فالغضب والكذب والكربايء والنجاسة واحلقد والفضول‪ ،‬كل هذا مل يستطع أن ميسها بغيومه الداكنة‬
‫أبداً‪.‬‬

‫إهنا العني اليت تنظر إىل هللا حبب وسط البكاء والضحك‪ ،‬واليت من أجل حمبة هللا تالطف‬
‫وتسامح وتتحمل كل شيء‪ ،‬وحمبتها هلل جعلَتها منيعة يف مواجهة هجمات الشر الذي استخدم العني‬
‫كثرياً لينفذ إىل القلب‪ .‬إهنا العني الطاهرة الوديعة واملباركة اليت ميلكها األطهار والقديسون واحملبوبون‬
‫من هللا‪.‬‬

‫عينك‬
‫فجسدك كله نري‪ ،‬ولكن إذا كانت َ‬‫َ‬ ‫عينك طاهرة‬
‫لقد قُلتُها‪" :‬العني نور اجلسد‪ ،‬إذا كانت َ‬
‫فجسدك كله يكون مظلماً"‪ .‬فالقديسون مجيعاًكانت هلم هذه العني اليت هي نور للنفس وخالص‬ ‫َ‬ ‫شريرة‬
‫للجسد ألهنم‪ ،‬على مثال مرمي‪ ،‬مل ينظروا خالل حياهتم كلها إال إىل هللا‪ ،‬بل أكثر من ذلك أيضاً فإهنم‬
‫كانوا دائمي التذكر هلل‪.‬‬
‫لك‪ ،‬أيتها الصوت اهلامس‪ ،‬معّن هذه العبارة األخرية اليت قلتها ِ‬
‫لك‪».‬‬ ‫فيما بعد سأشرح ِ‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 61 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬
‫‪( -11‬اي فرحي كيف تعرفني هذه األمور املقدسة؟ من يقول ِ‬
‫لك ذلك؟)‬

‫‪1944 / 08 / 29‬‬

‫لت أرى حنة‪ ،‬منذ أمس مساء أراها هكذا‪ ،‬جالسة عند طرف عريشة مظللة‪ ،‬منهمكة يف‬‫ما ز ُ‬
‫شغل خياطة‪ .‬إهنا متشحة بلون رمادي‪ .‬لباسها بسيط جداً وفضفاض‪ ،‬قد يكون هذا بسبب احلرارة‬
‫الشديدة‪.‬‬

‫شاهد حصادون حيصدون الشعري‪ .‬ولكنه ليس يف مومسه كالذي‬ ‫عند الطرف اآلخر للعريشة‪ ،‬يُ َ‬
‫حيصد للمرة األوىل‪ ،‬ذلك أن العنب آخذ ابلتلون بلون الذهب‪ ،‬وشجرة تفاح كبرية تكشف‪ ،‬من‬
‫خالل أوراقها القامتة‪ ،‬عن مثراهتا اآلخذة ابلتلون ألواانًكاشفة كشمع أصفر وأمحر‪ .‬مث حقل القمح‪ ،‬هو‬
‫اآلخر مل يعد سوى قش يتموج وسطه كما اللهب املنثور‪ ،‬وتنتصب اثبتة وبال حراك ترجناانت خمططة‬
‫كنجمة‪ ،‬والزوردية كشمس الشرق‪.‬‬

‫من خالل ظالل العريشة تُقبِل مرمي الصغرية جداً‪ ،‬ولكنها اآلن مفعمة نشاطاً وثقة‪ ،‬مشيتها ال‬
‫تعرف الرتدد‪ ،‬وحذاؤها األبيض ال يتعثر وسط احلجارة‪ .‬لقد بدأَت اآلن متشي مشية احلمام اللطيفة‬
‫املتموجة قليالً‪ .‬إهنا بيضاء ابلكامل كزغلول محام‪ ،‬تلبس ثوابًكتانياً صغرياً يصل حّت الكعب‪ ،‬فضفاضاً‬
‫ومثبتاً عند العنق بشريطة زرقاء مساوية‪ ،‬وأكمامه صغرية قصرية تكشف عن زنديها الورديني الربيلني‬
‫(املربربني)‪ ،‬أما شعرها احلريري الكاشف بلون العسل‪ ،‬غري اجملعد كثرياً‪ ،‬إّنا املتماوج بشكل خفيف‪،‬‬
‫وينتهي بعقدة‪ ،‬وأما عيناها فبلون السماء‪ ،‬وتبدو بوجهها اللطيف‪ ،‬الوردي قليالً والباسم وكأهنا مالك‬
‫صغري‪ ،‬حّت النسمة املتغلغلة يف األكمام العريضة‪ ،‬واليت تنفخ ثوهبا الكتاين عند األكتاف فهي تساهم‬
‫يف إضفاء هيئة املالك الصغري عليها‪ ،‬أبجنحته نصف املفتوحة استعداداً للطريان‪ .‬إهنا حتمل يف يديها‬
‫منثوراً وزهوراً أخرى مما ينبت وسط القمح ال أعرف أمساءها‪ .‬متشي‪ ،‬وعندما تصبح قريبة من والدهتا‬
‫تركض مسافة قصرية‪ ،‬تصرخ صرخة فرح‪ ،‬ومثل ميامة صغرية توقف طرياهنا عند ركبيت والدهتا اليت‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 62 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫تباعدمها قليالً الستقباهلا‪ .‬عندها‪ ،‬تضع أمها الشغل جانباً لكيال تصاب بوخز إبرة‪ ،‬ومتد ذراعيها‬
‫لتحتضنها‪.‬‬

‫انتهت الرؤاي هنا ليلة أمس‪ّ .‬أما هذا الصباح فقد عادت لتتواصل على الشكل التايل‪:‬‬

‫«ماما! ماما!» وترمتي اليمامة الصغرية البيضاء يف عش حضن أمها‪ِ ،‬رجالها الصغرياتن على‬
‫العشب القصري ووجهها الصغري على صدر أمها‪ .‬مل يعد يُرى منها سوى ذهب شعرها املنري على عنقها‬
‫الصغري‪ ،‬وتنحين حنة لتقبلها حبب‪ .‬مث ترفع اليمامة الصغرية رأسها لتقدم الزهور ألمها‪ ،‬إهنا مجيعها‬
‫لوالدهتا‪ ،‬ومع كل زهرة تروي قصة ََّتَيَّـلَتها‪.‬‬

‫هذه الزهرة الكبرية بلون الالزورد هي جنمة هبطت من السماء لتحمل لوالدهتا قبلة الرب‪ .‬وها‬
‫هي تضم هذه الزهرة السماوية الصغرية إىل قلبها بقوة‪ ،‬وجتد فيها طعم هللا‪.‬‬

‫ب‬ ‫أما هذه األخرى‪ ،‬ذات اللون الالزوردي األفتح كما لون عيين أبيها‪ ،‬فهي حتمل وريقات ُكتِ‬
‫َ‬
‫عليها أن الرب حيب أابها كثرياً بسبب صالحه‪.‬‬

‫وهذه الصغرية‪ ،‬الصغرية جداً‪ ،‬فقد َو َج َدهتا وحيدة‪ ،‬وامسها أذن الفأر (نبات ذات أزهار كثرية‬
‫صنعها الرب ليقول ملرمي إنه حيبها كثرياً‪.‬‬
‫وصغرية) وقد َ‬
‫أما هذه الزهرات احلمراوات‪ ،‬فهل تعرف أمي ما هي؟ إهنا قطع من ثوب امللك داود مغمسة‬
‫بدم أعداء إسرائيل ومتناثرة على أرض املعركة واالنتصار‪ .‬لقد ُخلِ َقت من نتف الثوب امللوكي ذاته‬
‫املمزق أثناء املعركة البطولية من أجل الرب‪.‬‬
‫َّ‬

‫صنِ َعت من سبع قطع حريرية تنظر إىل السماء‬ ‫ولكن هذه الزهرة البيضاء اللطيفة‪ ،‬يبدو أهنا ُ‬
‫ممتلئة عطوراً‪ ،‬وقد نبتَت هنا قرب النبع ‪-‬كان والدها هو الذي قطفها هلا من بني األشواك‪ -‬وهذه قد‬
‫صنِ َعت من ثوب امللك سليمان الذي لبسه يف الشهر ذاته الذي ُولِ َدت فيه ابنة أخيه منذ سنوات‬‫ُ‬
‫كثرية ‪-‬آه! كم من السنوات! كم من السنوات!‪ -‬سنوات كثرية مضت‪ ،‬وقد سار آنئذ بروعة بياض‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 63 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ثوبه أمام مجوع إسرائيل احملتشدة أمام اتبوت العهد واخليمة‪ ،‬مغتبطاً للسحابة اليت عادت لتحف مبجده‬
‫أنش َد ترتيلة وصالة فرحه‪« :‬أريد أن أكون على الدوام مثل هذه الزهرة ومثل امللك احلكيم‪ ،‬أريد‬
‫وقد َ‬
‫أن أنشد حيايت كلها ترتيلة وصالة قرب خيمة اتبوت العهد‪ ».‬هكذا تنهي مرمي كالمها بفمها الصغري‪.‬‬
‫لك؟ ِ‬
‫أبوك؟»‬ ‫«اي فرحي! كيف ِ‬
‫عرفت هذه األمور املقدسة؟ من قاهلا ِ‬

‫لست أعرف من يكون‪ .‬يبدو يل أين أعرفها منذ أمد بعيد جداً‪ .‬ولكن قد يكون أحدهم‬ ‫«ال‪ُ .‬‬
‫يرويها يل وأان ال أراه‪ .‬قد يكون مالكاً ُم َكلَّفاً من قبل هللا أبن يُكلِم الناس الطيبني‪ .‬أماه‪ ،‬هل تروين‬
‫يل املزيد؟»‬

‫«آه! اي ابنيت! أية قصة تريدين معرفتها بعد؟»‬

‫رسم آنئذ لتخليد ذلك املشهد‪ .‬كانت ظالل‬ ‫يت أن تُ َ‬


‫أتخذ مرمي تفكر جبدية وعمق‪ .‬ولَ َك ْم متن ُ‬
‫أفكارها تنعكس على تقاسيم وجهها الطفويل‪ .‬ابتسامات وتنهدات‪ ،‬وأشعة مشس وظالل ُس ُحب‪،‬‬
‫كلها جتلت أثناء تفكريها بتاريخ إسرائيل‪ .‬مث َّتتار‪« :‬أود أيضاً أن أعرف ما قاله جربائيل لدانيال فجاء‬
‫خالله الوعد ابملسيح‪».‬‬

‫َخ َذت تستمع إبمعان‪ ،‬عيناها مغمضتان‪ ،‬تردد ببطء الكلمات اليت تقوهلا والدهتا وكأهنا ترددها‬
‫وأ َ‬
‫لـتحفظها جـيداً‪ .‬وعندما أهنَت حنة كالمهـا سـألَتها‪« :‬كم من الوقت يلـزم بعـد للحصـول على‬
‫عمـانوئيل؟»‬

‫«حوايل ثالثني عاماً تقريباً‪ ،‬اي حبيبيت‪».‬‬

‫كنت أصلي كثرياً‪ ،‬كثرياً‪ ،‬كثرياً‪ ،‬هناراً‬


‫«اي له من زمن بعد! وسأكون يف اهليكل‪ ...‬قويل يل‪ :‬إذا ُ‬
‫وليالً‪ ،‬وليالً وهناراً‪ ،‬هلذا اهلدف‪ ،‬مع كوين أرغب أال أكون‪ ،‬مدة حيايت كلها‪ ،‬إال من هللا‪ ،‬فهل مين‬
‫علي األزيل بنعمة أن أعطي ماسيا لشعبه بشكل مسبق؟»‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 64 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«ال أدري‪ ،‬اي حمبوبيت‪ .‬النيب قال‪" :‬سبعون عاماً" وأظن أن النبوءة ال تكذب‪ ،‬ولكن الرب كلي‬
‫ـاهد رمش صغريهتا الذهيب تلمـع فيه دمعـة كالـدرة‪ ،‬فتبـادر مسرعة ابلقول‪« :‬أعتقد‬ ‫الصالح‪ ».‬مث تُش ِ‬
‫ِ‬
‫لصالتك‪».‬‬ ‫ك إذا ِ‬
‫كنت تصلني كثرياً‪ ،‬كثرياً‪ ،‬كثرياً فسيستجيب الرب‬ ‫أن ِ‬

‫تعود االبتسامة لتضيء الوجه الصغري الذي ارتفع بتؤدة صوب والدهتا‪ ،‬وإشراقة الشمس اليت‬
‫مرت بني غصنني رطبني جعلَت الدموع املتوقفة تلمع كما قطرات الندى العالقة على القصبات الدقيقة‪.‬‬

‫«إذاً فسأصلي وسأجعل نفسي عذراء دائمة ألجل هذا‪».‬‬

‫«ولكن‪ ،‬هل تعرفني ماذا يعين هذا؟»‬

‫«أجل‪ .‬هذا يعين أال أعرف حب َر ُجل‪ ،‬بل حب هللا فقط‪ .‬يعين أال أفكر إال ابلرب‪ .‬هذا يعين‬
‫البقاء طفلة ابجلسد ومالكاً ابلقلب‪ .‬هذا يعين أال أرى بعيين غري هللا‪ ،‬وأال أمسع أبذين سواه‪ ،‬وأال أنطق‬
‫بفمي بغري تسـبحته‪ ،‬وأال تكون يداي إال لتقدمي ذايت لـه كقرابن‪ ،‬وأال تكون رجـالي إال التباعه‬
‫بسـرعة‪ ،‬وأال تكون يل حياة أو يكون يل قلب إال لتقدميهما له‪».‬‬
‫لك أطفال‪ ،‬و ِ‬
‫أنت اليت حتبني الصغار كثرياً‪ ،‬احلمالن وزغاليل‬ ‫ت! ولكن لن يكون ِ‬ ‫«بوِرْك ِ‬
‫احلمام‪ ...‬هل تعرفني ذلك؟ إن الطفل ابلنسبة للمرأة كاحلَ َمل الصغري األبيض ذي الصوف اجملعد‪ ،‬أو‬
‫كزغلول احلمام ذي الريش احلريري واملنقار املرجاين‪ ،‬إنه حمبوب‪ُ ،‬مشبَع ابل ُقبالت على الدوام‪ ،‬وهو‬
‫ِ‬
‫يناديك‪" :‬ماما"‪».‬‬ ‫الذي تطربني لسماعه‬
‫«ال يهم‪ .‬سأكون من هللا‪ .‬ويف اهليكل سأجهد يف الصالة‪ .‬وقد ِ‬
‫أشاهد يوماً عمانوئيل‪ .‬فالعذراء‬
‫اليت يفرتض أن تكون أمه كما قال النيب العظيم‪ ،‬جيب أن تكون قد ُولِ َدت وأن تكون اآلن يف اهليكل‪...‬‬
‫سأصبح رفيقتها‪ ...‬بل خادمتها‪ .‬آه! نعم‪ ،‬لو أنين أستطيع التعرف عليها‪ ،‬بواسطة النور اإلهلي‪ ،‬أريد‬
‫أن أخدم هذه املغبوطة! فتحمل يل ابنها فيما بعد‪ ،‬أتخذين إىل ابنها وأخدمه هو أيضاً‪ .‬تصوري اي‬
‫أمي!‪ ...‬أن أخدم املاسيا!‪ »...‬إن محاس مرمي يفوق الوصف‪ ،‬فهي متحمسة هلذه الفكرة اليت تسمو‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 65 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫هبا فتجعلها تتالشى‪ .‬بيديها املتصالبتني على صدرها ورأسها املنحين قليالً إىل األمام تبدو متأججة‬
‫سيسمح يل‬
‫َ‬ ‫كلياً وكأهنا إعادة طفولية لعذراء البشارة اليت رأيتها (يف فلورنسا)‪ .‬مث تتابع‪« :‬ولكن هل‬
‫ملك إسرائيل‪ ،‬مسيح هللا‪ ،‬أن أخدمه؟»‬

‫«بدون شك‪ .‬أمل يقل سليمان امللك‪" :‬ستكون هناك ستون ملكة ومثانون عروسة أخرى‪ ،‬وعدد‬
‫أيت‪ ،‬سيكون يف قصر امللك عدد ال حيصى من العذارى خيدمن الرب‪».‬‬‫ال حيصى من الشاابت"؟ أر ِ‬

‫أيت إذاً أنه جيب أن أكون عذراء؟ جيب أن أكوهنا‪ .‬إذا كان هو الذي أراد أن تكون‬ ‫«آه! أر ِ‬
‫أمه عذراء‪ ،‬فهذا يعين أنه حيب البتولية أكثر من أي أمر آخر‪ .‬أريد أن حيبين‪ ،‬أان خادمته‪ ،‬من أجل‬
‫كنت أريد أن أكون خاطئة‪،‬‬
‫البتولية اليت جتعلين شبيهة قليالً أبمه احملبوبة جداً‪ ...‬نعم‪ ،‬هذا ما أبتغيه‪ُ ...‬‬
‫خاطئة كبرية جداً‪ ،‬لو مل أكن أخاف من ارتكاب اخلطيئة جتاه الرب‪ ...‬قويل يل اي أمي‪ ،‬هل ميكنين‬
‫أن أكون خاطئة من أجل حب هللا؟»‬

‫لست أفهم‪».‬‬
‫«ولكن ما الذي تقولينه‪ ،‬اي كنزي؟ ُ‬
‫«أريد القول‪ :‬أن أرتكب اخلطيئة بغية احلصول على حمبة هللا الذي يصبح ُخمَلِصاً‪ .‬الضال خيلص‪.‬‬
‫أليس كذلك؟ أريد أن أخلص بواسطة املخلص ألحظى بنظرة حبه‪ .‬من أجل هذا أريد ارتكاب‬
‫اخلطيئة‪ .‬ولكن دوّنا الوقوع يف اخلطااي اليت تثري امشئزازه‪ .‬فكيف سيستطيع َّتليصي إذا مل أضل؟»‬

‫ذُ ِهلَت حنة ومل تعد تعرف ما تقول‪.‬‬

‫يُقبِل يواكيم لنجدهتا ماشياً على العشب‪ ،‬فيقرتب دون صوت خلف صف من شتالت الكروم‬
‫ك حتبينه وال تريدين حمبة أحد غريه‪ .‬هلذا ِ‬
‫أنت اآلن‬ ‫ك مسبقاً ألنه يعرف أن ِ‬‫ويقول هلا‪« :‬لقد أحب ِ‬
‫خملَّصة‪ .‬وتستطيعني أن تكوين عذراء‪ ،‬كما تريدين‪».‬‬

‫ونظرت إليه بعينيها اللتني كنجمتني مشعتني‬


‫«أصحيح هذا اي أي؟» والتص َقت مرمي بركبتيه َ‬
‫تشبهان لدرجة كبرية عيين أبيها‪ .‬وهي اآلن تطري فرحاً هلذا األمل الذي أحياه فيها‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 66 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫حاو َل‬ ‫ِ‬
‫جلبت لك فرخ عصفور الدوري هذا الذي َ‬ ‫ُ‬ ‫«يف احلقيقة‪ ،‬اي حيب الصغري‪ .‬انظري‪ ،‬لقد‬
‫الطريان ألول مرة قرب النبع‪ .‬كان إبمكاين أن أتركه يذهب‪ .‬ولكن جناحيه الضعيفني‪ ،‬وساقيه النحيلتني‬
‫جداً مل تكن قادرة على محله من جديد‪ ،‬وال أن جتعله يتمالك نفسه على احلجارة الزلقة عند فوهة‬
‫ِ‬
‫أعطيك إايه لتفعلي به ما‬ ‫اجلب‪ .‬كان سيقع يف املاء‪ .‬مل أنتظر وقوع هذه البلية‪ ،‬فحملتُه‪ ،‬وها أنذا‬
‫ُنقذ قبل أن يتعرض للخطر‪ .‬وهذا ابلذات هو ما فعله هللا ِ‬
‫معك‪ .‬واآلن قويل‬ ‫تشائني‪ .‬هو ابلفعل قد أ ِ‬
‫كنت سأحبه‬
‫أحببت فـرخ الـدوري عـندما أنقذتُـه قبل أن يقـع‪ ،‬أم ابألحرى ُ‬
‫ُ‬ ‫يل اي مرمي‪ :‬هل أكون قد‬
‫أكثر لو سحبتُه من اخلطر بعد الوقوع فيه؟»‬

‫«لقد أحببتَه اآلن بشكل أفضل‪ ،‬وذلك بعدم السماح أبن يهلك يف املياه الباردة‪».‬‬
‫ك أكثر إذ خل ِ‬
‫صك قبل ارتكاب اخلطيئة‪».‬‬ ‫«إذاً! فاهلل قد أحب ِ‬

‫مثلك‪ .‬الرب قد أحبنا بشكل‬


‫«سأحبه إذاً بكل قواي‪ .‬اي فرخ الدوري الصغري اجلميل سأكون َ‬
‫أنت يف الغابة‪ ،‬وأان‬
‫كك تذهب‪ .‬وسرتتل َ‬ ‫بك اآلن مث أتر َ‬
‫متشابه عندما وهبَنا اخلالص هدية‪ ...‬سأعتين َ‬
‫دت به للذين ينتظرونه"‪ .‬آه! اي أي‪ ،‬مّت‬
‫يف اهليكل التسبيح هلل‪ .‬وسنقول‪" :‬أرسل‪ ،‬أرسل الذي َو َع َ‬
‫ستأخذين إىل اهليكل؟»‬
‫ملك ترك ِ‬
‫أبيك؟»‬ ‫«قريباً اي لؤلؤيت‪ ،‬ولكن ألن يؤ ِ‬

‫ك ستأيت لزايريت‪ ...‬مث إذا مل يسبب هذا األمل‪ ،‬فأي تضحية تكون؟»‬
‫«كثرياً! ولكن َ‬
‫«هل ستذكريننا؟»‬

‫«دائما‪ .‬بعد الصالة من أجـل عمـانوئيل‪ ،‬سأصلي من أجلكم‪ .‬ليمنحكم هللا الفرح والعمر‬
‫املديد‪ ...‬إىل اليوم الذي سيصبح فيه هو املخلص‪ .‬ومن مث أطلب إليه أن أيخذكم ويقودكم إىل أورشليم‬
‫السماء‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 67 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يضم مرمي بقوة بني ذراعيه‪.‬‬
‫وتتالشى الرؤاي على صورة يواكيم ّ‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 68 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -12‬أمل يضع االبن حكمته ذاهتا على شفيت والدته؟)‬

‫‪1944 / 08 / 29‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫«إين أمسع تعليقات أساتذة املماحكة‪" :‬كيف تستطيع طفلة مل تتجاوز عامها الثالث أن تتكلم‬
‫هكذا؟ إهنا مبالغة‪ ".‬أال يفكرون أبهنم جيعلون مين أان أيضاً ظاهرة فريدة حني ينسبون إىل طفوليت‬
‫سلوك البالغني‪.‬‬

‫َّدت الكنيسة سن السابعة‬ ‫ال يتأتى الذكاء جلميع الناس ابلطريقة ذاهتا ويف العمر نفسه‪ .‬لقد حد َ‬
‫لبداية حتمل املسؤولية‪ ،‬ألنه العمر الذي يستطيع فيه الطفل‪ ،‬حّت ولو كان متخلفاً‪ ،‬أن مييز‪ ،‬أقله‬
‫بشكل بدائي‪ ،‬بني اخلري والشر‪ .‬ولكن هناك أطفاالً يستطيعون التمييز قبل هذه السن بكثري‪ ،‬بل‬
‫وفرض ذواهتم وإرادهتم حبجة متطورة مبا فيه الكفاية‪ .‬فاألطفال‪" :‬إمييلدا المربتيين‪ ،‬وروز دي فيتريبِه‪،‬‬
‫ونيللي أورغان‪ ،‬ونينوليتا" أكرب مثال لكم اي جهابذة التشدد يقودكم إىل االقتناع أبن أمي استطاعت‬
‫أن تفكر وتتكلم ابلطريقة إايها‪ .‬مل أورد سوى أربعة أمساء ال على التعيني من بني ألوف األطفال‬
‫القديسني الذين يقطنون جنيت بعد أن فكروا كالبالغني على األرض على مدى قليل أو كثري من‬
‫السنوات‪.‬‬

‫ما تراه يكون الرشد؟ إنه هبة من هللا‪ .‬يستطيع أن مينحها ابملقدار الذي يشاء وملن يشاء ومّت‬
‫يشاء‪ .‬فالرشد هو أيضاً من األمور اليت جتعلنا نتشبه ابهلل أكثر‪ :‬إنه روح موهوب ابلذكاء والرشد‪.‬‬
‫فالرشد والذكاء مها من املواهب اجملانية املمنوحة لإلنسان يف اجلنة األرضية‪ ،‬وكم كانت حيوية النعمة‬
‫غري املنقوصة والفاعلة حني كانت ال تزال حية يف نفس األبوين األولني!‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 69 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫جاء يف سفر يشوع بن سرياخ‪" :‬كل حكمة إّنا هي من لدن الرب اإلله‪ ،‬وقد كانت لديه على‬
‫الدوام قبل كل الدهور"‪ .‬أية حكمة إذاًكان ميلكها البشر لو ظلوا أبناء هللا؟‬

‫الثغرات احلاصلة يف ذكائكم هي الثمرة الطبيعية للسقطة اليت ارتُ ِكبَت ضد النعمة والشرف‪.‬‬
‫وبفقدان النعمة أُبعِ َدت احلكمة عدة قرون مثل نيزك خيتبئ داخل ضبابية عمالقة‪ ،‬فلم تعد تصلكم‬
‫ابنعكاسات صافية‪ ،‬ولكن عرب قتامات تصبح أكثر كثافة دائماً بفعل إخاللكم املتكرر ابألمانة‪.‬‬

‫مث أتى املسيح وأعاد النعمة إليكم هبة عظمى من حمبة هللا‪ .‬ولكن هل جتيدون احلفاظ على هذه‬
‫اجلوهرة نقية طاهرة؟ أبداً‪ .‬فعندما ال حتطموهنا إبرادتكم الشخصية ابرتكاب اخلطيئة‪ ،‬تلطخوهنا خبطااي‬
‫مستدمية‪ ،‬مع كوهنا أقل فداحة‪ :‬إمهال‪ ،‬تعلقات دنسة مبيول‪ ،‬وإن مل تكن مرتبطة مباشرة ابلرذائل‬
‫الرئيسية السبع‪ ،‬فإهنا تُب ِهت صفاء نور النعمة وفعاليتها‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬ولتعتيم الوضوح الرائع للذكاء‬
‫الذي َمنَ َحهُ هللا لألبوين األولني‪ ،‬كانت قرون وقرون من الفساد قد فَـ َعلَت فعلها يف إضعاف القوى‬
‫اجلسدية والقدرات العقلية‪.‬‬

‫إال أن مرمي مل تكن فقط الطاهرة‪ ،‬حواء اجلديدة اليت ُخلِ َقت اثنية ملسرة هللا‪ ،‬بل كانت حواء‬
‫الفائقة‪ ،‬رائعة الباري تعاىل‪ ،‬كانت املمتلئة نعمة‪ ،‬إهنا أم الكلمة يف فكر هللا‪.‬‬

‫يقول يشوع بن سرياخ‪" :‬نبع احلكمة هي الكلمة"‪ .‬أمل يضع االبن حكمته الذاتية على شفيت‬
‫والدته؟‬

‫إذا كانت شفتا نيب ُمكلَّف بقول كلمات يوحي هبا إليه الكلمة‪ ،‬الذي هو احلكمة ذاهتا‪ ،‬لينقلها‬
‫فرتض أهنا‬
‫للبشر‪ ،‬قد طُهرات جبمرة متأججة‪ ،‬فهل َحي ُجب احلب عن عروسته اليت ما تزال طفلة‪ ،‬واليت يُ ََ‬
‫ستحمل الكلمة يف أحشائها‪ ،‬دقة ورفعة اللغة؟ فاألمر مل يعد متعلقاً بطفلة‪ ،‬وفيما بعد ابمرأة‪ ،‬ولكنه‬
‫يتعلق خبليقة مساوية مندجمة حبكمة هللا ونوره العظيم‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 70 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ليست املعجزة قائمة يف الذكاء اخلارق الذي ظَ َهَر لدى مرمي منذ الطفولة‪ ،‬كما كان فيما بعد‬
‫يف أان؛ إّنا املعجزة هي يف فعل احتواء الذكاء الالمتناهي الذي كان يكمن فيها دون أن يُب ِهر اجلموع‬
‫أو يثري االنتباه الشيطاين‪.‬‬

‫سوف أتكلم أيضاً عن هذا املوضوع الذي يدخل يف تصنيف "الذكرايت" اليت حيتفظ هبا‬
‫القديسون عن هللا‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 71 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -13‬تقدمة مرمي للهيكل)‬

‫‪1944 / 08 / 30‬‬

‫أرى مرمي بني أبيها وأمها يسريون يف شوارع أورشليم‪.‬‬

‫يتوقف املارة ملشاهدة الطفلة اجلميلة ابللباس األبيض بياض الثلج‪ ،‬املتدثِرة شاالً رقيقاً جداً‪،‬‬
‫يبدو يل برسومه من أوراق وزهور وتكاثف ألوان يف أرضيته أنه نفسه الذي كانت حنة ترتديه يوم‬
‫تطهريها‪ .‬الفرق فقط هو أن حنة حينما ارتدته مل يتجاوز نطاقها‪ ،‬بينما‪ ،‬وهو على مرمي‪ ،‬يصل إىل‬
‫األرض‪ ،‬ويلفها وشاح أبيض رقيق ومضيء بسحر اندر‪.‬‬

‫لون شعرها األشقر املنسرح على كتفيها وعلى عنقها الرهيف يشـف من خالل األرضية الرقيقة‬
‫للغاية‪ ،‬حيث ال رسوم على الوشاح املثبت عند اجلبهة بشريطة بلون زرقة السماء فاحتة جداً حيث‬
‫كانت أمها قد طََّرَزت عليها زانبق صغرية فضية‪.‬‬

‫الثوب‪ ،‬كما سبق وقلنا‪ ،‬أبيض انصع ويصل إىل األرض‪ ،‬وعندما تسري‪ ،‬ابلكاد ميكن رؤية‬
‫قدميها الصغريتني يف حذائها األبيض‪ .‬أما يداها الصغرياتن فتبدوان كتوجيي "مغنولية" ََّت ُرجان من‬
‫ُك َّمني طويلني‪ .‬وهكذا‪ ،‬فما عدا اإلطار األزرق يف الشريطة اليت على جبهتها‪ ،‬ال لون سوى األبيض‪،‬‬
‫وكأن مرمي تلبس الثلج‪.‬‬

‫أما يواكيم وحنة‪ ،‬فيواكيم يرتدي ثوب يوم التطهري ذاته وحنة ترتدي البنفسجي الداكن جداً‪.‬‬
‫حّت املعطف الذي يغطي رأسها فهو بلون بنفسجي داكن‪ ،‬وقد كان منسدالً على عينيها‪ ،‬عيين أم‬
‫مسكينة‪ ،‬احلمراوين من كثرة البكاء‪ ،‬بينما مها ال تريدان البكاء‪ ،‬كما ال تريدان أن يـََرى أحد الدموع‬
‫فيهما‪ ،‬ولكنهما مل تستطيعا اإلحجام عن البكاء حتت غطاء املعطف‪ .‬واحلَ َذر هذا كان من املارة‪،‬‬
‫وحّت من يواكيم صاحب العني الصافية يف العادة‪ ،‬واملغرورقة اليوم واملعكرة بسبب الدموع اليت انسكبَت‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 72 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫منها وما زالت تسيل‪ .‬وهو يسري منحنياً كثرياً حتت وشاح أُعِد كعمامة هلا جناحان يتدليان على مدى‬
‫وجهه‪ .‬يبدو يواكيم اآلن عجوزاً للغاية‪ ،‬حّت ليظنه من يراه جد أو حّت جد والد الطفلة الصغرية جداً‬
‫اليت ميسكها بيده‪ .‬احلزن على فقداهنا جعل مشية األب املسكني متثاقلة‪ ،‬واإلعياء البادي على كل‬
‫مظهره جعله يبدو وكأنه كرب عشرين سنة‪ .‬أما وجهه املنهك واحلزين فال جيعله يبدو هرماً فقط‪ ،‬بل‬
‫وكأنه وجه مريض‪ .‬والفم يرتعش قليالً بني ثنييت جلد ظاهرتني اليوم جبالء على طريف األنف‪.‬‬

‫حياول االثنان إخفاء دموعهما‪ ،‬ولكن حّت ولو جنحا مع أغلب الناس‪ ،‬فإن ذلك كان مستحيالً‬
‫مع مرمي‪ ،‬فإهنا‪ ،‬بسبب قامتها الصغرية‪ ،‬تنظر من أسفل لألعلى‪ ،‬وبشكل متناوب إىل أبيها وإىل أمها‪.‬‬
‫ومها حياوالن االبتسام بشفاه مرتعشة‪ ،‬ويشدان أيديهما بقوة أكثر على يدي مرمي الصغريتني كلما‬
‫نَظََرت إليهما مبتسمة‪ .‬كانت تلح عليهما فكرة «ها هي مرة أخرى على األقل نرى فيها هذه‬
‫االبتسامة‪».‬‬

‫يسريون ببطء وتؤدة وكأهنم يريدون إطالة مسافة الطريق قدر املستطاع‪ ،‬فكانوا يتذرعون أبتفه‬
‫األسباب للتوقف‪ ...‬ولكن ال بد هلذه املسافة مهما طالت أن تنتهي أخرياً! إهنا حبق على وشك أن‬
‫أجه َشت حنة وشدت على يد مرمي‬ ‫تنتهي‪ .‬ها هو حائط سور اهليكل يف هناية هذه الطريق الصاعدة؛ َ‬
‫الصغرية بقوة‪.‬‬

‫صدر صوت يقول‪« :‬حنة‪ ،‬أيتها احملبوبة‪ ،‬أان‬ ‫من حتت قنطرة منخفضة عند تقاطع طرق يَ ُ‬
‫معك!» فأليصاابت اليت كانت تنتظرها ابلتأكيد تالقيها وتضمها إىل صدرها‪ .‬ومبا أن حنة كانت‬ ‫ِ‬
‫تبكي فقد قالت هلا‪« :‬تعايل‪ ،‬تعايل ندخل قليالً إىل هذا املنزل‪ ،‬اي صديقيت‪ ،‬ومن مث نذهب معاً‪ .‬زكراي‬
‫هنا‪».‬‬

‫دخلون مجيعاً إىل غرفة منخفضة السقف ومظلمة‪ ،‬تلمع فيها انر كبرية‪ ،‬فتنسحب املعلمة‪،‬‬
‫يَ ُ‬
‫وهي ابلتأكيد صديقة أليصاابت‪ ،‬أما حنة فال تعرفها‪ ،‬تنسحب أبدب موفرة للجماعة بعض احلرية‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 73 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أخ َذت حنة تشرح موقفها من خالل دموعها‪« :‬ال تظين أنين اندمة‪ ،‬أو أنين أعطي الرب كنزي‬
‫أبسف‪ ...‬ولكنه القلب‪ ...‬آه! قليب! كم َخيتَرب من اآلالم‪ ،‬قليب هذا العجوز الذي سيعود اآلن إىل‬
‫كنت تشعرين بذلك‪»...‬‬ ‫عزلته ووحدته‪ ،‬عزلة األم اليت ال ولد هلا ووحدهتا‪ ...‬لو ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وحدتك‪ .‬مرمي‬ ‫أنك امرأة صاحلة والرب سيعز ِ‬
‫يك يف‬ ‫«إين أدرك ذلك متاماً‪ ،‬اي حنيت‪ ...‬إال ِ‬
‫ستصلي هلل كي مينح السالم لوالدهتا‪ ،‬أليس كذلك؟»‬

‫داعب مرمي يدي والدهتا وتقبلهما‪ ،‬مث متررمها على وجهها لتداعباه‪ ،‬أما حنة فتشد على الوجه‬ ‫تُ ِ‬
‫الصغري بيديها وتقبله‪ ،‬تقبله‪ ،‬إهنا مل تشبع منه تقبيالً بعد‪.‬‬

‫دخل زكراي ويُلقي السالم‪« :‬سالم الرب على األبرار‪ ».‬فيجيبه يواكيم‪« :‬نعم‪ ،‬اطلُب لنا‬ ‫يَ ُ‬
‫صعد اجلبل‪ ،‬ولكننا لن جند تقدمة‬‫السالم‪ ،‬فقلوبنا ترتعد من تقدميها‪ .‬إهنا كتقدمة ابراهيم عندما كان يَ َ‬
‫أخرى نفتديها هبا‪ .‬وحنن طبعاً ال نريد ذلك ألننا أوفياء هلل‪ .‬ولكننا نتأمل‪ ،‬اي زكراي‪ ،‬اي كاهن الرب‪،‬‬
‫افهمنا وال تستنكر ذلك‪».‬‬

‫«أبداً؛ بل على العكس‪ ،‬فإن أملكما الذي يعرف أال يتعدى احلدود املسموح هبا‪ ،‬وال حيملكما‬
‫إىل الكفر‪ ،‬يـُ َعلمين حب الباري تعاىل‪ .‬ولكن اطمئنا فإن املعلمة حنة ستهتم بزهرة داود وهارون هذه‬
‫أميا اهتمام‪ .‬فاآلن هي الزنبقة الوحيدة يف اهليكل املتحدرة من نسل داود املقدس‪ .‬سنهتم هبا كما‬
‫جبوهرة َملَكية‪ .‬فمع أنه قد بـَلَ َغ ملء الزمان‪ ،‬ويفرتض ابألمهات املتحدرات من نسل داود تكريس‬
‫بناهتن للهيكل‪ ،‬ألنه من عذراء من أصل داود سيخرج املاسيا‪ ،‬وبسبب قلة اإلميان‪ ،‬فاألمكنة املخصصة‬
‫للعذارى قد أصبَ َحت خالية‪ .‬هناك القليالت جداً يف اهليكل‪ ،‬وليس فيهن واحدة من أصل ملوكي‬
‫منذ أن َخَر َجت سارة اليت ألليشع لتتزوج منذ ثالث سنوات‪ .‬صحيح أنه يلزمنا ست "مخسيات"‬
‫‪ Lustres‬بعد لنصل إىل العهد‪ ،‬إّنا‪ ...‬ال أبس‪ .‬أنمل أن تكون مرمي هي األوىل من بني عذارى‬
‫كثريات من نسل داود أمام احلجاب املقدس‪ ...‬مث‪ ...‬من يدري؟‪ »...‬مل يضف زكراي شيئاً آخر‪،‬‬
‫ولكنه ينظر إىل مرمي وهو مستغرق يف التفكري‪ ،‬مث يتابع‪« :‬وأان أيضاً سأسهر عليها‪ .‬أان كاهن‪ ،‬ويل‬
‫حق الدخول‪ .‬سأستغل ذلك من أجل هذا املالك‪ .‬وكذلك أليصاابت ستأيت كثرياً لرؤيتها‪»...‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 74 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«آه! بكل أتكيد! أان يف حاجة ماسة إىل هللا‪ ،‬وسوف آيت ألطلب من هذه الطفلة أن حتمل‬
‫طلبايت إىل األزيل‪».‬‬
‫تتمالك حنة نفسها‪ ،‬ولكي ترفع من معنوايهتا تردف أليصاابت‪« :‬أليس هذا وشاح زو ِ‬
‫اجك؟‬
‫طت طرحة جديدة؟»‬‫ك قد خ ِ‬ ‫أو أن ِ‬
‫ُ‬
‫إنه وشاحي‪ ،‬وسأكرسه معها للرب‪ .‬مل أعد أرى جيداً‪ ...‬مث إن َد ْخلَنا قد شح كثرياً بسبب‬
‫َّرت هلا فقط‬
‫فحض ُ‬
‫الضرائب من جهة ونوائب الدهر من اجلهة األخرى‪ .‬مل أستطع زايدة املصاريف‪َ ،‬‬
‫جهازاً فخماً إلقامتها يف بيت الرب‪ ،‬وملا بعد ذلك‪ ...‬ذلك أنين أعتقد أبين لن أُلبِسها أان نفسي يف‬
‫احتفاالت زفافها‪ ...‬بينما أريد أن تكون يد أمها دائماً‪ ،‬حّت وهي ابردة وقاصرة‪ ،‬هي اليت تزينها‬
‫لعرسها‪ ،‬واليت تنسج هلا بياضات وثياب العرس‪».‬‬

‫«آه! ملاذا هذه األفكار التعيسة؟»‬

‫«أان عجوز اي نسيبيت‪ .‬مل أشعر بعجزي يوماً كما أشعر به اآلن حتت وطأة هذا األمل‪ .‬آخر قوى‬
‫للح َمل هبا وتغذيتها‪ ،‬واآلن‪ ...‬اآلن‪ ...‬أمل فقداهنا يعصف هبذه القوى‬
‫حيايت قد وهبتُها هلذه الزهرة‪َ ،‬‬
‫األخرية ويبددها‪».‬‬

‫«جيب أال تقويل هذا أمام يواكيم‪».‬‬

‫أحىي لزوجي‪».‬‬ ‫ِ‬


‫«إنك على حق‪ .‬سأفكر أن َ‬
‫يتظاهر يواكيم أبنه مل يسمع شيئاً وأن انتباهه منصب على زكراي‪ ،‬ولكنه َِمسع وأطلَق زفرة عميقة‬
‫َ‬
‫واغرورقت عيناه ابلدموع‪.‬‬

‫يقول زكراي‪« :‬حنن اآلن ابلضبط بني الساعة الثالثة والسادسة‪ ،‬أظن أن وقت الذهاب قد حان‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 75 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ينهضون الرتداء معاطفهم واالنطالق‪ .‬إّنا قبل خروجهم تركع مرمي عند العتبة وذراعاها‬
‫مفتوحتان‪ :‬شاروبيم صغري يتوسل‪« :‬أي! أمي! امنحاين بركتكما!»‬
‫مل تَ ِ‬
‫بك هذه الشُّجاعة الصغرية‪ ،‬ولكن شفتيها ترتعشان وصوهتا‪ ،‬املتكسر بنشيج مكتوم‪ ،‬يبدو‬
‫عليه أكثر من أي وقت مضى أنني ميامة مرتعش‪ .‬ويشحب وجهها‪ ،‬أما عيناها فقد محلتا نظرة قلق‬
‫سلمته هلل‪ ،‬وتتعاظم بقوة لدرجة الالمعقول‪ ،‬ودوّنا معاانة يف األعماق‪ ،‬ذلك ما سوف أشاهده فيما‬
‫بعد على اجللجلة وأمام القرب‪.‬‬

‫يُبا ِركها األبوان ويقبالهنا مرة واثنتني بل حّت عشر مرات‪ ،‬ذلك أهنما مل يكوان ليستطيعا أن‬
‫يشبَعا منها‪ .‬تبكي أليصاابت بصمت‪ ،‬وزكراي الذي مل يكن يريد إظهار ذلك أتثر أتثراً عميقاً‪ .‬خيرجون‬
‫حسب الرتتيب السابق‪ ،‬مرمي بني أمها وأبيها‪ ،‬وأمامهم زكراي وزوجته‪ .‬وها هم داخل أسوار اهليكل‪.‬‬

‫فاصعدوا إىل الشرفة الكبرية‪».‬‬


‫«سأمضي إىل كبري الكهنة‪ ،‬أما أنتم َ‬
‫جيتازون ثالث ساحات وثالثة أروقة‪ ،‬وها هم عند أسفل مكعب كبري من املرمر املتوج ابلذهب‪.‬‬
‫وكل قبة حمدبة كنصف برتقالة ضخمة تسطع حتت الشمس اليت هي اآلن‪ ،‬عند الظهرية‪ ،‬تُ ِ‬
‫سقط‬
‫أشعتها مباشرة على ابحة كبرية حميطة ببناء مهيب‪ ،‬ومتأل أشعتها السطح الكبري والسلم األثري الذي‬
‫يؤدي إىل اهليكل‪ .‬فقط رواق اهليكل املقابل للسلم اخلارجي‪ ،‬على طول الواجهة‪ ،‬هو يف الظل‪ ،‬وكذلك‬
‫بوابة الربونز والذهب العمالقة فهي أكثر عتمة ومهابة ولكنها تتباين مع أضواء كثرية‪.‬‬

‫ظهر مرمي كأكثر ما يكون بياض الثلج حتت هذه الشمس الكبرية‪ .‬ها هي عند أسفل السلم‬ ‫تَ َ‬
‫بني أبيها وأمها‪ .‬كم تراها َّتفق قلوب الثالثة! وأليصاابت جبانب حنة‪ ،‬ولكنها متأخرة عنها مقدار‬
‫نصف خطوة‪.‬‬

‫صوت إعصار فضي الرنة‪ ،‬مث يَدور الباب على مفصالته وكأنه صوت إنذار من قيثارة‪ ،‬بينما‬
‫ظهر القسم الداخلي من اهليكل مبصابيحه‪ ،‬ويتقدم موكب ابجتاه‬ ‫الباب يَدور على كرات برونزية‪ .‬ويَ َ‬
‫الباب‪ ،‬قادماً من العمق‪ ،‬موكب مهيب يرافقه عزف أبواق فضية وغيوم من البخور واألنوار‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 76 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ظهر أحدهم‪ ،‬يفرتض أنه كبري الكهنة‪ .‬عجوز جليل بلباس كتاين انعم‬ ‫عند العتبة‪ ،‬يف املقدمة يَ َ‬
‫جداً‪ ،‬وفوقه جلباب كتاين أيضاً ولكنه أقصر منه‪ ،‬وفوقهما أيضا حلة ‪ .Chasuble‬شيء وسط‬
‫بني بدلة القداس ولباس الشمامسة مع تعدد ابأللوان‪ :‬ذهب وأرجوان‪ ،‬بنفسجي وأبيض‪ ،‬تتداخل معاً‬
‫وتلمع كأحجار كرمية حتت الشمس؛ وفوق كل هذا جوهراتن حقيقيتان تلمعان أيضاً حبيوية أكثر على‬
‫مستوى الكتفني‪ ،‬قد تكوانن عروتني مع فصني مثينني‪ .‬وعلى صدره لوحة متأللئة ابجلواهر وحممولة‬
‫بسلسلة ذهبية‪ .‬مناجد وتزيينات أخرى تلمع يف أسفل اجللباب القصري‪ ،‬والذهب يربق على اجلبهة يف‬
‫القسم األعلى لقلنسوة تذكرين بتلك اليت يعتمرها الكهنة األورثوذكسيون‪ ،‬ولكنها مدورة بدل أن تكون‬
‫مروسة كاليت للكهنة الكاثوليكيني‪.‬‬

‫ويتقدم الشخص املهيب مبفرده إىل األمام حّت بداية السلم اخلارجي يف نور الشمس املذهبة‬
‫اليت جتعله أكثر روعة‪ .‬ينتظر اآلخرون برتتيب دائري خارج الباب‪ ،‬حتت الرواق املظلل‪ .‬إىل اليسار‬
‫هناك جمموعة من الفتيات ابللباس األبيض‪ ،‬مع املعلمة حنة ونساء أخرايت مسنات‪ ،‬وهن ابلتأكيد‬
‫معلمات‪.‬‬

‫ينظر كبري الكهنة إىل الصغرية ويبتسم‪ .‬كانت تبدو لـه صغرية جداً عند أسفل هذا السلم اخلليق‬
‫هبيكل مصري! يرفع يديه إىل السماء مصلياً‪ ،‬فيحين اجلميع رؤوسهم‪ ،‬متالشني أمام جاللة الكهنوت‬
‫املتحدة ابجلاللة األزلية‪ .‬مث يشري إىل مرمي‪.‬‬

‫وتصعد‪ ،‬وكاملسحورة املفتونة ترتقي الدرجات‪ .‬تبتسم‪ .‬تبتسم لظل اهليكل‬ ‫ِ‬
‫تن َفصل عن والديها َ‬
‫حيث ينسدل احلجاب الثمني‪ ...‬إهنا اآلن يف أعلى السلم‪ ،‬عند قدمي كبري الكهنة الذي يضع يديه‬
‫على رأسها‪ .‬لقد قُبِلَت الذبيحة‪ .‬هل حوى اهليكل قبالً قرابانً أطهر منها؟‬

‫مث يَلتَ ِفت واضعاً يده على كتفها‪ ،‬كما لو كان يبغي أن يقودها إىل املذبح‪ ،‬وهي احلَ َمل الذي‬
‫دخلها يسأهلا‪« :‬اي مرمي بنت داود هل هذه هي‬ ‫بغري عيب‪ ،‬يقودها إىل ابب اهليكل‪ ،‬وقبل أن ي ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫رغبتك؟»‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 77 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫جتيبه بـ نعم فضية الرنة‪ .‬فيهتف‪« :‬ادخلي إذن وسريي حبضوري وكوين كاملة‪».‬‬

‫تدخل مرمي وتبتلعها الظلمة‪ ،‬مث تتبعها جمموعة العذارى واملعلمات تليهن مجاعة الالويني‬
‫فتحجبها أكثر‪ ،‬مث تفصلها‪.‬‬

‫مل تعد هناك‪ ...‬يدور اآلن الباب على مفصالته بصوت متناغم‪ ،‬وتضيق فتحته رويداً‪ ،‬رويداً‪،‬‬
‫اتركة جماالً لرؤية املوكب الذي يتجه صوب األقداس‪ .‬مل يعد اآلن هناك سوى شق يتالشى‪ ،‬مث ال‬
‫أصبحت يف احلرم‪.‬‬
‫شيء‪ ،‬وأخرياً لقد َ‬
‫ولدى آخر صوت للمفصالت اجمللجلة‪ ،‬جييب صوت العجوزين الذي جيهش‪ ،‬وبصرخة واحدة‪:‬‬
‫«مرمي! ابنيت!» مث أبنينني متقاطعني‪« :‬حنة!» «يواكيم!» وخيتتمان‪« :‬لنمجد الرب الذي قَبِلَها يف‬
‫بيته‪ ،‬ويقودها على طريقه‪».‬‬

‫هكذا انتهى كل شيء‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 78 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫توجه قلبها إىل هللا)‬


‫‪( -14‬العذراء األبديّة ال تف ّكر ّإال أبمر واحد‪ :‬أن ّ‬
‫‪1944 / 08 / 30‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫«قال كبري الكهنة‪" :‬سريي حبضوري وكوين كاملة"‪ .‬ومل يكن كبري الكهنة يَعلَم أنه يُكلِم املرأة‬
‫اليت بكماهلا مل تكن أدىن من أحد غري هللا‪ .‬إال أنه كان يتكلم ابسم هللا‪ ،‬هلذا السبب كان األمر الذي‬
‫أعطاه مقدساً‪ .‬إنه مقدس على الدوام‪ ،‬وخاصة ابلنسبة لليت كانت ممتلئة حكمة‪.‬‬

‫لقد استَ َح َّقت مرمي أن "تبادرها احلكمة وتتجلى هلا أوالً" ألهنا "منذ البداية سهرت على ابهبا‪،‬‬
‫ورغبة منها يف أن تتثقف‪ ،‬للحب‪ ،‬أرادت أن تكون طاهرة للحصول على احلب الكامل‪ ،‬وتستحق أن‬
‫متتلك احلكمة كمعلِمة هلا‪".‬‬

‫بسبب تواضعها‪ ،‬مل تعلم أهنا امتلكتها قبل أن تولد‪ ،‬وأن احتادها ابحلكمة مل يكن يؤدي سوى‬
‫إىل استمرار دقات قلبها اإلهلية يف اجلنة‪ .‬مل تستطع تصور ذلك‪ .‬وعندما قال هللا هلا كلمات رائعة يف‬
‫اض َعت ملا جال يف فكرها‪ ،‬ابعتباره خواطر كربايء‪ ،‬وبرفعها قلباً نقياً حنو هللا‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫سكون قلبها‪ ،‬تو َ‬
‫خادمتك‪ ،‬اي رب!"‬
‫َ‬ ‫"ارحم‬

‫آه! ابحلقيقة إن احلكيمة حبق‪ ،‬العذراء األبدية‪ ،‬مل تكن تفكر منذ مطلع يومها سوى "بتوجيه‬
‫قلبها للرب منذ فجر حياهتا‪ ،‬والسهر للرب يف الصالة حبضوره تعاىل" طالبة الغفران لضعف قلبها كما‬
‫كانت تعتقد‪ ،‬بوحي من تواضعها‪ ،‬دون علمها أبهنا تستبق طلبات الغفران للخطأة‪ ،‬وذلك هو ما‬
‫فَـ َعلَتهُ فيما بعد‪ ،‬أمام الصليب‪ ،‬يف الوقت ذاته مع ابنها الذي ميوت‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 79 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫"عندما يشاء الرب العظيم‪ ،‬فيما بعد‪ ،‬ستمتلئ من روح الذكاء" وتُد ِرك حينئذ رسالتها السامية‪.‬‬
‫أما اآلن فإهنا ليست سوى فتاة صغرية يف سالم اهليكل املقدس تعقد و"تعيد عقد" أحاديثها ومودهتا‬
‫وذكرايهتا مع هللا بشكل وثيق أكثر فأكثر‪.‬‬

‫هذا للجميع‪.‬‬

‫ك بقوله؟ "سريي حبضوري‪ ،‬وكوين لذلك‬ ‫خيص ِ‬


‫لك‪ ،‬اي ماريّيت الصغرية‪ ،‬أليس لدى املعلّم ما ّ‬ ‫أما ِ‬
‫احلب‪ ،‬كاملة يف اجلود وكاملة يف العذاب‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫كاملة"‪ .‬أ َ ِ‬
‫ُع ّدل قليالً اجلملة املق ّدسة‪ ،‬وأجعلها أمراً لك‪ .‬كاملة يف ّ‬
‫يتعمدون جتاهله‪ ،‬أل ّن األمل شيء مقيت‬
‫وأتملي مبا جيهله الكثريون أو ّ‬‫األم‪ّ .‬‬
‫مرة أخرى إىل ّ‬ ‫انظري ّ‬
‫لقصورهم ونفوسهم‪ ...‬فاألمل قد رافق مرمي منذ الساعات األوىل حلياهتا‪ .‬أن تكوين كاملة كما كانت هي يعين‬
‫لك إحساس كامل‪ .‬لذلك جيب أن يكون أمل التضحية أكثر فاعليّة‪ ،‬ألجل ذلك أيضاً كانت‬ ‫أن يكون ِ‬
‫احلب ميتلك احلكمة‪ ،‬ومن ميتلك احلكمة‬
‫احلب‪ ،‬ومن ميتلك ّ‬ ‫استحقاقاته أكثر‪ .‬من ميتلك الطهارة ميتلك ّ‬
‫يضحي بنفسه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ميتلك اجلود والبطولة‪ ،‬ألنّه يَعلَم من أجل َمن ّ‬
‫قتلك‪ ،‬فاهلل ِ‬
‫حّت ِ‬ ‫ِ‬ ‫نفسك حّت ولو حَن الصليب ِ‬
‫معك‪».‬‬ ‫سحقك أو ّ‬ ‫ظهرك أو‬ ‫ََ‬ ‫ِ ّ‬ ‫ارفعي‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 80 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -15‬موت يواكيم وحنّة)‬

‫‪1944 / 08 / 31‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫«مثل غسق الشتاء السريع حيث الغيوم يف السماء ترتاكم بفعل الرايح الثلجية‪ ،‬كذلك أقبَ َل‬
‫ي سريعاً‪ ،‬منذ أن ثَبتَت مشسهم لتسطع أمام حجاب اهليكل املقدس‪.‬‬ ‫ليل حياة جد َّ‬
‫ولكن أما قيل‪" :‬احلكمة تنفخ احلياة يف أبنائها‪ ،‬حتمي الذين يبحثون عنها‪ ...‬من حيبها حيب‬
‫احلياة‪ ،‬ومن يسهر من أجلها ينعم ابلسالم‪ ،‬ومن ميتلكها يرث احلياة‪ ...‬من خيدمها يطع القدوس‪،‬‬
‫ومن حيبها يصبح حمبوابً من هللا‪ ...‬من يؤمن هبا يرثها إراثً اثبتاً ولنسله من بعده‪ ،‬فرتافقه يف التجربة‪.‬‬
‫إهنا بداية تنتقيه‪ ،‬مث ترسل لـه خوفاً وذعراً وجتارب‪ ،‬وسوط أتديبه ليشكله‪ ،‬إىل أن َّتتربه يف أفكاره‬
‫وتصبح أهالً للوثوق به‪ .‬ولكن‪ ،‬بعد ذلك ترسخه‪ ،‬تعود إليه بدروب مستقيمة وتسعده‪ .‬تكشف له‬
‫عن أسرارها‪ ،‬تضع فيه كنوز العلم والذكاء يف صدر العدالة"؟‬

‫نعم‪ ،‬لقد قيل هذا كله‪ُ .‬كتُب احلكمة تناسب كل الذين جيدون فيها ِمرآة تصرفاهتم ودليالً هلم‪،‬‬
‫طت ابحلكماء اآليلني‬ ‫ِ‬
‫ولكن طوىب ملن ميكن التعرف إليهم من بني العاشقني الروحيني للحكمة‪ .‬لقد أُح ُ‬
‫للموت من أهلي‪ .‬حنة‪ ،‬يواكيم‪ ،‬يوسف‪ ،‬زكراي وأيضاً أليصاابت ومن مث املعمدان؛ أليسوا حكماء‬
‫لست أتكلم عن أمي حيث جتد احلكمة مقر إقامتها‪.‬‬
‫حقيقيني؟ ُ‬
‫أوحت احلكمة ألجدادي شكل حياة يرضي هللا‪ ،‬مثل خيمة حتمي من‬ ‫ِ‬
‫من املهد إىل اللحد‪َ ،‬‬
‫َسورة العناصر اهلائجة‪ ،‬لقد محتهم من خطر اخلطيئة‪ .‬خمافة هللا املقدسة هي يف جذور شجرة احلكمة‬
‫اليت ترتفع بكل أغصاهنا لتالقي يف قمتها احلب اهلادئ يف سالمها‪ ،‬احلب الساكن يف أماهنا‪ ،‬احلب‬
‫الواثق يف إخالصها‪ ،‬احلب املخلص يف قوهتا‪ ،‬احلب الكامل الكرمي احملرك للقديسني‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 81 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫جاء يف سفر اجلامعة ‪" :Ecclesiastique‬من حيب احلكمة حيب احلياة وميتلكها ابلوراثة"‪.‬‬
‫ولكن هذا يتعلق بكالمي‪" :‬من يُهلِك حياته من أجل حيب خيلصها"‪ .‬هذا ألن املسألة ليست مسألة‬
‫حياة تعيسة على هذه األرض ولكنها مسألة حياة أبدية‪ ،‬وليست مسرات ساعة بل إّنا هي مسرات‬
‫ال هناية هلا"‪.‬‬

‫أحبَّها يواكيم وحنة فكانت معهم يف جتارهبم‪ .‬كم منكم‪ ،‬دون أن يكون كامل‬ ‫ِ‬
‫ضمن هذا املعّن‪َ ،‬‬
‫السوء‪ ،‬ال يتقبل ما يبكيه أو ما يؤمله! كم من التجارب ال جتد يف طريقها هؤالء الصاحلني الذين‬
‫يستحقون أن تكون مرمي ابنتهم!‬

‫االضطهاد السياسي الذي طََرَد ُمها من أرض داود وأف َقَرُمها دون قياس‪ .‬احلزن املتأيت من رؤية‬
‫السنوات متضي دون أن تقول هلما زهرة‪" :‬أان استمرار لكما"‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬اخلوف احلاصل هلما يف‬
‫سن متقدمة كان أتكيداً على أهنما لن يـََراي تَـ َفتُّح املرأة فيها‪ .‬ومن مث وجوب انتزاعها من قلبيهما حلملها‬
‫إىل هيكل هللا‪ ،‬وأيضاً العيش يف سكون ثقيل‪ ،‬بينما كاان قد تَـ َع َّودا على غناء ميامتهما الصغرية‪ ،‬على‬
‫صوت خطواهتا القصرية‪ ،‬على ضحكات وقبالت ابنتهم‪ ...‬مث انتظار ساعة هللا مع ذكرايهتا‪ ،‬وأيضاً‪،‬‬
‫وأيضاً أمراض ومصائب وأهوال الطقس ووقاحة املتنفذين‪ .‬كلها إصاابت قذائف كثرية يف القلعة‬
‫الضعيفة لرخائهم املتواضع‪ .‬ليس هذا كل شيء‪ :‬فالذكرى املضنية لطفلتهما البعيدة واليت بقيَت وحيدة‬
‫ومسكينة‪ ،‬واليت رغم عنايتهما وتضحيتهما مل يبق هلا سوى بقية خريات أبوية‪ .‬وأبية حالة سوف جتدها‬
‫ومنتَ ِظرة عودهتا؟ خماوف‪ ،‬هلع‪ ،‬اختبارات وجتارب‪ ،‬وأمانة‪،‬‬ ‫هملَة‪ُ ،‬مغلَ َقة ُ‬
‫إذا ما بقيَت لسنوات أيضاً ُم َ‬
‫أمانة‪ ،‬أمانة هلل‪ .‬التجربة األقوى‪ :‬احتجاب سلوى وجود ابنتهما إىل جانبهما عند أفول حياهتما‪.‬‬

‫ولكن األوالد ينتمون هلل قبل انتمائهم لذويهم‪ .‬وكل ابن يستطيع قول ما قُلتُه لوالديت‪" :‬أال‬
‫تعلمني أنه ينبغي يل أن أكون يف ما هو ألي السماوي؟" وجيب على كل أب وكل أم‪ ،‬ملعرفة السلوك‬
‫الذي عليه أن يراعيه‪ ،‬أن ينظر إىل مرمي ويوسف يف اهليكل‪ ،‬وإىل يواكيم وحنة يف بيت الناصرة الذي‬
‫خييم عليه الفراغ واحلزن كل يوم أكثر من الذي سبقه‪ ،‬إال أن شيئاً واحداً فقط ال يضعف أبداً‪ ،‬بل ال‬
‫يتوقف عن النمو‪ :‬قداسة قلبني‪ ،‬بل قداسة احتادمها‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 82 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ماذا بقي ليواكيم العجوز وحنة املفجوعة إلانرة الليايل الطويلة الصامتة لعجوزين ينتظران املوت؟‬
‫الثياب الصغرية‪ ،‬األحذية األوىل‪ ،‬األلعاب البسيطة اليت كانت كلها لصغريهتما البعيدة جداً‪ ،‬ومن مث‬
‫أمتمت واجيب‪ ،‬واجب احلب جتاه‬
‫الذكرايت‪ ،‬الذكرايت‪ ،‬ومعها سالم آت ليقول هلما‪" :‬أان أأتمل ولكنين ُ‬
‫هللا"‪.‬‬

‫حينئذ يُش ِرق فَـَرح فائق اإلدراك بنور مساوي مل يعرفه بشر‪ ،‬وال خيبو بفعل وقوعه على جفون‬
‫ذابلة‪ ،‬على عينني أوشكتا أن متوات‪ .‬ولكنه‪ ،‬يف الساعة األخرية‪ ،‬يَسطَع أكثر‪ ،‬وينري حقائق كل زمن‬
‫ظهر وجودها إال عرب‬‫حياهتما احملفوظة يف أعماق نفسيهما مغلقاً عليها كالفراشات يف شرانقها‪ ،‬ال يَ َ‬
‫حركات لطيفة انمجة عن ملعان خفيف؛ إال أهنا اآلن تفتح أجنحتها الشمسية وتُظ ِهر الكلمات اليت‬
‫تزينها‪ .‬وتنطفئ احلياة يف معرفة مستقبل سعيد هلما والبنتهما‪ ،‬بينما تتفتح على شفاههما مباركة أخرية‬
‫ومتجيد هلل‪.‬‬

‫هكذا كانت وفاة جدي كما استحقتها حياهتما املقدسة‪ .‬بسبب قداستهما استحقا أن يكوان‬
‫صال على الرؤية الكاملة‬ ‫أول حارسني حملبوبة هللا‪ .‬فقط حني أتت الشمس لتنري أفول حياهتما‪َ ،‬ح َ‬
‫للنعمة اليت َمنَ َح ُهما إايها هللا‪ .‬بسبب قداستهما مل َّتترب حنة آالم الوالدة‪ ،‬بل هي َولَ َدت املنزهة عن‬
‫كل عيب بنشوة بعد احلمل هبا‪.‬‬

‫ابلنسبة لكليهما‪ ،‬مل يذوقا سكرات املوت‪ ،‬إّنا مخول احلياة اليت َخبَت كما َّتبو جنمة عند قيام‬
‫ص َل عليه يوسف‪،‬‬‫الشمس يف الفجر‪ .‬وإن مل حيصال على عزاء امتالكي‪ ،‬أان احلكمة املتجسدة‪ ،‬كما َح َ‬
‫كنت موجوداً إىل جانبهما بشكل غري مرئي‪ ،‬منحنياً على وسادهتما أمهس هلما كلمات رائعة‬ ‫فقد ُ‬
‫ألنومهما يف السالم ابنتظار الظفر‪.‬‬

‫قد يقول قائل‪" :‬ملاذا مل يتألما يف الوالدة واملوت طاملا مها من أبناء آدم؟" أجيب‪" :‬إذا كان‬
‫املعمدان‪ ،‬ابن آدم‪ ،‬وهو الذي قد ُحبِ َل به ابخلطيئة األصلية‪ ،‬قد تقدس جملرد اقرتابه وأمه مين‪ ،‬وأان بعد‬
‫يف أحشاء أمي‪ ،‬قبل والدته‪ ،‬أفال حتصل األم القديسة على نعمة من كلية القداسة اليت مل ميسها عيب‪،‬‬
‫ِمن اليت كانت خاصة هللا‪ ،‬وقد كانت حتمل هللا معها يف روحها شبه اإلهلية ويف قلبها الذي ما زال‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 83 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫جنينياً غري منفصل عن هللا منذ اللحظة اليت فَ َّكر فيها اآلب هبا‪ ،‬واليت ُحبِ َل هبا يف أحشاء عادت‬
‫لتمتلك هللا يف ملء السماء ألبدية سعيدة‪".‬؟‬

‫هلذا أجيب‪" :‬استقامة الضمري تؤمن ميتة صافية‪ ،‬وصلوات القديسني حترز لكم ميتة مشاهبة"‪.‬‬

‫انكش َفت أمامهما يف حلظة املوت‬


‫لقد تَـَرَك يواكيم وحنة خلفهما حياة مستقيمة بكاملها‪َ .‬‬
‫ابنوراما هادئة‪ ،‬كطريق توصلهما إىل السماء‪ .‬فقد كانت هلما القديسة يف حالة صالة أمام اتبوت عهد‬
‫هللا‪ .‬كانت تصلي من أجل والديها البعيدين عنها‪ ،‬واللذين يُعتََربان ابلنسبة هلا يف مرتبة مباشـرة بعد‬
‫هللا‪ ،‬اخلري األعظم‪ ،‬إال أهنما حمبوابن كما تريد الشريعة والقلب البشري‪ ،‬ولكنه حب كامل بشكل فائق‬
‫للطبيعة‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 84 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬
‫‪( -16‬يفرتض ِ‬
‫فيك أن تكوين ّأم املسيح)‬

‫‪1944 / 09 / 02‬‬

‫ُنريت نفسي استعداداً للرؤاي‪ .‬مل أر شيئاً آخر سوى‪:‬‬


‫مساء أمس اجلمعة فقط أ َ‬

‫مرمي فتية‪ ،‬عمرها حوايل اثين عشر عاماً على األكثر‪ ،‬مل تعد لوجهها الصغري مسة الطفولة الدائرية‪،‬‬
‫ولكن التطاول املرتسم على وجهها يقود للتخمني أبهنا امرأة‪ ،‬وشعرها مل يعد منسرحاً على عنقها‬
‫مج َع اآلن يف ضفريتني كبريتني من الذهب الفاتح ‪-‬إنه فاتح لدرجة أنه يبدو‬ ‫بتقصيبات خفيفة‪ ،‬ولكنه ُِ‬
‫صالن إىل الوركني‪ .‬والوجه أكثر رزانة وأكثر نضجاً مع‬ ‫ممزوجاً ابلفضة‪ -‬مشلوحتني على الكتفني وتَ ِ‬
‫كونه وجه طفلة مجيلة وطاهرة‪ .‬إهنا ترتدي األبيض ابلكامل‪ ،‬وهي َّتيط يف غرفة صغرية جداً وبيضاء‪.‬‬
‫ومن خالل النافذة املفتوحة ميكن رؤية بناء اهليكل املركزي الضخم‪ ،‬وكذلك أدراج الساحات الصغرية‬
‫املنحدرة واألروقة‪ ،‬وخلف حائط السور تُـَرى املدينة بشوارعها وبيوهتا وحدائقها‪ ،‬ويف البعيد تلوح قمة‬
‫جبل الزيتون احملدَّبة‪.‬‬

‫إهنا َّتيط وترتل بصوت خافت‪ .‬ال أدري إذا كانت ترتيلة مقدسة‪ .‬ها هي‪:‬‬

‫«كما على صفحة مياه مضيئة كاملرآة‪ ،‬هناك جنمة‪،‬‬


‫تتألأل وتتجلى يف أعماق قليب‪،‬‬
‫تسكنين دائماً منذ طفوليت‪،‬‬
‫وبكل عذوبة‪ ،‬تقودين حبب‪.‬‬
‫إهنا ترتيلة يف أعماق قليب‪،‬‬
‫ولكن من أين ميكن هلا أن أتيت؟‬
‫أنت ال تعرفها أيها اإلنسان‪،‬‬
‫إهنا أتيت من حيث القدوس يقيم‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 85 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وأان أنظر إىل جنميت املشرقة‪،‬‬
‫رافضة كل شيء سواها‪،‬‬
‫حّت ولو كان األكثر نعومة ومثناً‪.‬‬
‫ليس يل سوى إشراقتها العذبة‪ ،‬فهي يل بكليتها‪.‬‬
‫لقد َمحَلَتين من أعايل السماء‪،‬‬
‫جنمة أبحشاء أم‪.‬‬
‫أر ِاك اي صورة اآلب اجمليدة‪،‬‬
‫تعيشني اآلن يف داخلي‪ ،‬إّنا وراء احلُ ُجب‪.‬‬
‫مّت ستمنَحين‪ ،‬أيها اآلب القدوس‪ ،‬الشرف‪،‬‬
‫ألكون خادمة املخلص املتواضعة؟‬
‫أرسل لنا املسيح‪.‬‬ ‫أرسل من السماء‪ِ ،‬‬ ‫ِ‬
‫وتَـ َقبَّل تقدمة مرمي‪».‬‬

‫وتصمت مرمي وتبتسم وتتنهد‪ ،‬مث جتثو على ركبتيها للصالة‪ ،‬ويصبح وجهها الصغري كتلة ضياء‪،‬‬
‫ويرتفع نظرها صوب الزورد مساء صيف رائع‪ ،‬ويبدو أن أنوار السماء كلها قد انسحبت إليها وتوهجت‬
‫هبا‪ .‬أو ابألصح‪ ،‬يبدو أن مشساً خمتبئة يف أعماقها أتججت أبنوارها وأانرت الثلج املائل قليالً إىل‬
‫الوردي يف بشرة مرمي‪ ،‬ومن مث تناثرت على كل األشياء وعلى الشمس اليت تنري األرض مع مباركتها‬
‫ووعدها بكثري من اخلري‪.‬‬

‫وبينما هتم مرمي ابلنهوض بعد صالة احلب‪ ،‬تَثبُت على وجهها إشراقة االخنطاف‪ .‬ويف هذه‬
‫اللحظة تدخل العجوز حنة اليت لفانوئيل‪ .‬وتقف مرتددة‪ ،‬أو على األقل مندهشة من فعل ومظهر مرمي‬
‫مث تناديها‪« :‬مرمي»‪ .‬وتلتفت الشابة اببتسامة خمتلفة‪ ،‬ولكنها دائماً مجيلة جداً‪ ،‬وتلقي التحية‪« :‬حنة‪،‬‬
‫السالم ِ‬
‫لك»‪.‬‬
‫ِ‬
‫كفايتك أبداً يف الصالة؟»‬ ‫« ِ‬
‫أكنت تُصلني؟ أال تبلغني‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 86 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ميكنك تصور كم أشعر به قريباً مين‪ ،‬بل‬‫ِ‬ ‫«إن الصالة تكفيين‪ ،‬ولكنين أتكلم مع هللا‪ .‬حنة‪ ،‬ال‬
‫أكثر من قريب‪ :‬يف قليب‪ .‬ليغفر يل هللا كربايئي هذا‪ .‬إال أنين أبداً مل أشعر بنفسي وحيدة‪ .‬أترين؟ هنا‪،‬‬
‫يف هذا البيت الذي من ذهب وثلج‪ ،‬خلف احلجاب املزدوج‪ ،‬يوجد قدس األقداس‪ .‬وال تستطيع عني‪،‬‬
‫لست يف‬
‫إن مل تكن عني كبري الكهنة أن تتوقف عند مذبح االستغفار‪ ،‬حيث يقيم جمد الرب‪ .‬ولكنين ُ‬
‫حاجة إىل النظر إىل هذا احلجاب املزدوج املطرز الذي جتله نفسي بكل احرتام‪ ،‬والذي هتزه موجات‬
‫نشر تصاعد البخور الثمني‪ ،‬كما لو أنين أرغب يف اخرتاق نسيجه‬ ‫تراتيل العذارى والالويني‪ ،‬والذي يَ ُ‬
‫كي أرى البينة اليت تتألق خلفه‪ .‬بكل أتكيد أنظر إليه! ال َّتشي أال أنظر إليه ابحرتام‪ ،‬كابنة إسرائيل‪.‬‬
‫لك اآلن‪ .‬إنين أنظـر إليـه‪ ،‬وليس هناك خادم‬ ‫ال َّتشي أن يعميين الكربايء وجيعلين أفكر مبا أقوله ِ‬
‫اقتنعت أبنين أقل شأانً من‬
‫ُ‬ ‫متواضع من شعب هللا ينظر إىل بيت الرب أبكثر تواضعاً مين‪ ،‬أان اليت‬
‫اجلميع‪ .‬ولكنين ماذا أرى؟ حجاابً‪ .‬وماذا أَّتيل خلف احلجاب؟ اتبوت العهد‪ .‬وماذا يف اتبوت‬
‫هت نظري إىل أعماق قليب أرى هللا الذي يتألق مبجد حبه يقول يل‪" :‬أان‬ ‫العهد؟‪ ...‬ولكين إذا وج ُ‬
‫ك"‪ .‬وأذوب ألجتدد مع كل خفقة من قليب يف هذه القبلة املتبادلة‪...‬‬ ‫أحب ِ‬
‫ك"‪ .‬وأان أقول لـه‪" :‬أحب َ‬
‫أان‪ ،‬فيما بينكن‪ ،‬أيتها املعلمات والزميالت العزيزات‪ ،‬ولكن دائرة انر تعزلين عنكن‪ .‬ضمن هذه‬
‫الدائرة‪ :‬هللا وأان‪ .‬إين أراكن من خالل انر هللا‪ ،‬وهكذا أحبكن‪ ...‬ولكنين ال أستطيع أن أحبكن حبسب‬
‫اجلسد‪ ،‬كما ال أستطيع أن أحب أحداً حبسب اجلسد‪ .‬إن حيب الوحيد هو هذا الذي حيبين وحبسب‬
‫الروح‪ .‬أعرف مصريي‪ ،‬الشريعة املتوارثة يف إسرائيل تريد أن جتعل من كل عذراء عروسة‪ ،‬ومن كل‬
‫عروسة أماً‪ .‬ولكين‪ ،‬أان اليت حتت الشريعة أطيع الصوت الذي يقول يل‪" :‬أر ِ‬
‫يدك"‪ .‬عذراء أان وسأبقى‬
‫كذلك‪ .‬أما كيف سأستطيع؟ فإن هذا الصوت‪ ،‬الوجود غري املرئي إىل جانيب‪ ،‬سيمدين ابلعون‪ ،‬ألنه‬
‫لست خائفة‪.‬‬
‫هو الذي يريد ذلك‪ .‬وأان ُ‬
‫مل يعد يل أب وال أم‪ ...‬وما من أحد‪ ،‬سوى األزيل‪ ،‬يعرف أبي نوع من األمل أضناين ما أصابين‬
‫بشرايً‪ .‬كان أملـاً فظيعاً‪ ،‬بل أكثر من فظيع‪ .‬واآلن لـيس يل سوى هللا‪ ،‬لذلك أطيعهُ طاعة عمياء‪...‬‬
‫كنت سأفعل ذلك حّت بغري رضى األب أو األم‪ ،‬ألن الصوت يُعلِمين َّ‬
‫أن َمن يريد اتباعه‪ ،‬عليه جتاوز‬ ‫ُ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 87 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أوامر األهل؛ دورايت احلرس اليت تدور بعشق حول اجلدران اليت حتمي ابنتهم اليت يريدون أن يقودوها‬
‫كنت‬
‫إىل السعادة بطريقتهم ُهم‪ .‬دون أن يَعلَموا أن هنـاك طرقاً أخـرى تقود إىل السعادة الالمتناهية‪ُ ...‬‬
‫كنت سأترك‬
‫سأترك الثياب واملعطف ألحلق ابلصوت الذي يقول يل‪" :‬تعايل اي حمبوبيت‪ ،‬اي عروسيت"‪ُ .‬‬
‫كنت سأحتدى املوت‬‫كنت سأبكي الضطراري خمالفة األمر‪ ،‬ألين ُ‬ ‫كل شئ‪ .‬وآللئ دموعي‪ ،‬إذ إنين ُ‬
‫ألحلق ابلصوت الذي يناديين‪ .‬كانوا سيقولون هلم إن هناك ما هو أعظم من حب أب وأم‪ ،‬بل وأعذب‬
‫أيضاً‪ ،‬إنه صوت هللا‪ .‬ولكن إرادته حتررين اآلن أيضاً من روابط العطف البنوي‪ ،‬عدا عن ذلك‪ ،‬مل‬
‫يكوان ليحبساين‪ ،‬فقد كان أبواي صاحلني وكان هللا حيدثهما يف أعماق قلبيهما كما يكلمين‪ .‬كاان‬
‫سيتبعان طريق احلق والعدل‪ .‬عندما أفكر هبما‪ ،‬أرامها يف الراحة األبدية إىل جانب اآلابء‪ ،‬وأان أتعجل‬
‫بتضحييت قدوم املاسيا الذي سيَفتَح هلما أبواب السماء‪ .‬على األرض أان واقفة‪ ،‬أو ابألحرى هللا هو‬
‫الذي يوجه خادمته ابإليعاز أبوامره‪ ،‬وأان أنفذها‪ ،‬ألن سعاديت تكمن يف تنفيذها‪ .‬وحني أتيت الساعة‬
‫سأبوح لعروسي ابلسر‪ ...‬وهو سوف يتقبله‪».‬‬

‫ك سوف تو ِاجهني ُحب َر ُجل‪،‬‬


‫«ولكن اي مرمي‪ ...‬ما نوع الكلمات اليت ستجدينها إلقناعه؟ فإن ِ‬
‫وكذلك الشريعة واحلياة‪».‬‬

‫«سيكون هللا معي‪ ...‬وهو الذي سيفتح قلب عروسي للنور‪ ...‬سوف تفقد احلياة شوكة‬
‫األحاسيس‪ ،‬وتصبح زهـرة طاهرة تفوح منها عطور احملبة‪ .‬أما الشريعة‪ ...‬حنة‪ ،‬ال تقويل عين جمدفة‪،‬‬
‫ولكنين أعتقد أن الشريعة ستتغري‪ .‬ومن يفعل ذلك إذا كانت إهلية؟ الذي وحده ميتلك القدرة على‬
‫لك‪ .‬فعند قراءيت سفر دانيال َشع يف داخلي نور‬ ‫ذلك‪ :‬هللا‪ .‬والزمن قريب أكثر مما تتصورين‪ ،‬أقوهلا ِ‬
‫آت من مركز قليب وروحي‪ ،‬وقد أُد ِرك معّن كلماته السرية‪ .‬هل ستُختصر األسابيع السبعون‪ ،‬أو‬ ‫عظيم ٍ‬
‫يتغري عدد السنوات بسبب صلوات املستقيمني؟ ال‪ .‬فالنبوءات ال تكذب‪ .‬إّنا لن تكون الدورة‬
‫سمع‬ ‫ِ‬
‫الشمسية هي مقياس زمن النبوءة‪ ،‬بل الدورة القمرية‪ .‬لذلك أقول لك‪" :‬قريبة هي الساعة اليت يُ َ‬
‫فيها بكاء وليد العذراء‪".‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 88 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫آه! كم أرغب أن خيربين هذا النور الذي حيبين ويقول يل أشياء كثرية أين هي العذراء املغبوطة‬
‫اليت ستلد ابن هللا وماسيا شعبه! وأان أسري إليها ولو حافية‪ ،‬وأقطع األرض‪ ،‬فال الربد وال الثلج وال‬
‫ِ‬
‫خادمتك‬ ‫الغبار وال القيظ وال الضواري وال اجلوع سيوقفين قبل الوصول إليها ألقول هلا‪" :‬امنحي‬
‫وخادمة خدام املسيح أن حتىي حتت سقف ِ‬
‫بيتك‪ .‬سأدير الرحى واملعصرة‪ ،‬اجعليين أ ََمة يف املعصرة أو‬
‫ابنك‪ ،‬أو يف املطبخ أو حّت يف الفرن‪ ...‬حيثما تريدين ولكن‬ ‫لقطيعك‪ ،‬اجعليين أغسل أقمطة ِ‬
‫ِ‬ ‫راعية‬
‫فقط اقبليين"‪ .‬لو أين أراها! لو أين أَمسَع صوهتا! لو أين أحظى بنظرة منها! وإذا مل تقبل ي فسأكون‬
‫مستجدية على ابهبا أعيش من احلسنات‪ ،‬وأحتمل السخرايت دون سقف‪ ،‬وأعرض نفسي للقر واحلر‬
‫عرب‪ ...‬قد أحصل‬ ‫الشديد‪ ،‬فقط لكي أمسع صوت املاسيا الطفل وصدى ضحكاته‪ ،‬ومن مث رؤيته يَ ُ‬
‫رت خبوار َّقويت‬
‫وش َع ُ‬
‫ف اجلوع مبعديت َ‬ ‫ص َ‬
‫منه يوماً على كسرة خبز على سبيل احلسنة‪ ...‬آه! حينئذ لو َع َ‬
‫بعد صوم طويل‪ ،‬فلن آكل تلك الكسرة من اخلبز‪ ،‬بل سأضمها بقوة إىل قليب مثل كنز وجواهر‪،‬‬
‫وأقبلها ألشم عطر يد املسيح‪ ،‬ولن أشعر جبوع وال برد‪ ،‬ألن هذا التالمس سيمنحين النشوة والدفء‪،‬‬
‫النشوة والغذاء‪»...‬‬
‫أنت أُم املسيح‪ِ ،‬‬
‫أنت اي من حتبينه إىل هذه الدرجة‪ .‬أألجل هذا تريدين‬ ‫«املفروض أن تكوين ِ‬
‫البقاء عذراء؟»‬

‫لست أجرؤ على رفع نظري إىل اجملد‪ .‬وألجل هذا أريد‬ ‫لست سوى بؤس وغبار‪ .‬و ُ‬ ‫«آه! ال‪ .‬أان ُ‬
‫النظر إىل أعماق قليب أكثر من نظري إىل احلجاب املزدوج‪ ،‬حيث أعلم أن يهوه غري املنظور موجود‬
‫خلفه‪ .‬فهناك إله سيناء اجلبار؛ وهنا يف داخلي أرى أابان‪ ،‬وجهاً يتألق ابحلب‪ ،‬يبتسم يل ويباركين ألنين‬
‫صغرية كفرخ عصفور حيمله اهلواء دون أن يشعر بوزنه‪ ،‬وضعيفة كقصبة زنبق الوادي الربي الذي ال‬
‫يعرف سوى أن يُ ِزهر ويـُ َع ِطر‪ ،‬وال يقابل اهلواء بغري نعومة قوته العطرة والطاهرة‪ .‬اي هللا‪ ،‬اي نسمة حيب‪،‬‬
‫ال ليس يل هذا الطموح‪ ،‬أما الذي سيولد من هللا ومن عذراء فلن يرضى هذا الكلي قدسه إال ابليت‬
‫لت الشريعة يف‬‫اختارها يف السماء أُماً لـه‪ ،‬واليت حتدثه يف األرض عن أبيه السماوي‪ :‬الطهارة‪ .‬فلو أتم ِ‬
‫هذا‪ ،‬ولو كان املشرعون الذين ابلغوا يف دقائق تعاليمهم‪ ،‬لو أداروا أرواحهم صوب آفاق أكثر مسواً‪،‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 89 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وغاصوا يف أعماق الفائق الطبيعة‪ ،‬اتركني جانباً البشري والنافع‪ ،‬انسني اهلدف العظيم من أحباثهم‪،‬‬
‫فقد كان يتوجب توجيه تعاليمهم بشكل خاص صوب الطهـارة كي جيدها ملك إسرائيل عند قدومه‪،‬‬
‫مع شجرة زيتون حمب السالم وسعف خنل ِ‬
‫املنتصر؛ انشروا زانبق‪ ،‬وزانبق‪ ،‬وزانبق…‬

‫َكم ِمن الدم جيب أن يُراق ليفتدينا املخلص! كم! آالف وآالف من اجلروح رآها اشعيا على‬
‫جسد رجل اآلالم‪ ،‬ها إن وابالً من الدم يتساقط مثل قطرات إانء مسامي‪ .‬ليت هذا الدم اإلهلي ال‬
‫الع ِطَرة اليت تتقبله وتستقبله لتنشره على مرضى‬‫يتساقط حيث الكفر والتجديف‪ ،‬إّنا يف كؤوس الطهارة َ‬
‫النفوس‪ ،‬على النفوس اجملذومة‪ ،‬على كل الذين ماتوا يف سبيل هللا‪ .‬قَ ِدموا زانبق‪ ،‬قَ ِدموا زانبق ملسح‬
‫عرق ودموع املسيح‪ ،‬مع ثوب بتالت طاهرة أبيض! قَ ِدموا زانبق‪ ،‬قَ ِدموا الزانبق من أجل اضطرام حرارة‬
‫ظمأك؟ أين ستكون اليت تتخضب‬ ‫حتملك؟ أو اليت سرتوي َ‬ ‫َ‬ ‫شهادته! آه! أين ستكون الزنبقة اليت‬
‫جسدك الذي أريق دمه كله؟ آه! أيها املسيح!‬ ‫َ‬ ‫أتك متوت؟ أين اليت ستبكي على‬‫بدمك ومتوت أملاً إذا ر َ‬
‫َ‬
‫آه! أيها املسيح! واحسراته!‪ »...‬وتصمت مرمي ذائبة يف البكاء منهارة‪.‬‬

‫تصمت حنة بعض الوقت مث تقول بصوهتا املشرق‪ ،‬بصوت امرأة عجوز متأثرة‪« :‬هل هناك‬
‫أشياء أخرى تُـ َعلِمينيها‪ ،‬اي مرمي؟»‬
‫تعود مرمي إىل يقظتها‪ .‬وتظن يف تواضعها أن معلمتها تلومها‪ ،‬فتقول‪« :‬آه! أان آسفة! ِ‬
‫أنت‬
‫حرصت كثرياً على أال‬
‫ُ‬ ‫معلمة وأان جمرد ال شيء مسكينة‪ ،‬ولكن هذا الكالم قد فاض من قليب‪ .‬ولقد‬
‫فتجاوزت كلميت احلدود‪ .‬ال تقيمي‬ ‫ذت‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫أقوله‪ .‬ولكنه مثل هنر يف عنفه املتزايد حيطم السدود‪ .‬لقد أُخ ُ‬
‫وزانً لكالمي‪ ،‬وال هتتمي لتخميين‪ .‬كان من املفروض أن تبقى الكلمات السرية يف طي الكتمان ضمن‬
‫القلب الذي ابرَكه هللا بصالحه‪ .‬أان أعرف ذلك‪ ،‬ولكن هذا احلضور غري املرئي ي ِ‬
‫سكرين بعذوبته‪...‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫خلادمتك الصغرية!»‬ ‫حنة اغفري‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 90 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫تضمها حنة بقوة إىل صدرها ويرتعش وجه العجوز اجملعد بكليته ويلمع مع البكاء‪ ،‬فتتسلل‬
‫الدموع بني التجعدات كما تفعل املياه على األرض املتضارسة قبل أن تتحول إىل حبرية ترجتف‪ .‬ولكن‬
‫املعلمة العجوز ال تثري ضحكاً‪ :‬ففي القريب العاجل‪ ،‬ستُبدي أعظم اإلجالل‪.‬‬

‫مرمي بني ذراعيها‪ ،‬وجهها الصغري على صدر املعلمة العجوز‪ ...‬وهكذا ينتهي كل شيء‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 91 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫كل ما كانت روحها قد رأته يف هللا)‬


‫‪( -17‬كانت ترى جم ّدداً ّ‬
‫‪1944 / 09 / 02‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫«كانت مرمي تتذكر هللا‪ .‬كانت حتلم ابهلل‪ .‬كانت تعتقد أهنا حتلم‪ .‬بينما مل تكن تقوم سوى‬
‫إبعادة رؤية كل ما كانت روحها قد رأته يف أتلق مساء هللا‪ ،‬يف اللحظة اليت ُخلِ َقت فيها لالحتاد ابجلسد‬
‫الذي ُحبِ َل به على األرض‪ .‬كانت تقتسم مع هللا صفة من صفاته‪ ،‬ولو بطريقة متفاوتة جداً‪ ،‬كما‬
‫تقتضيه العدالة‪ ،‬صفة التذكر‪ ،‬الرؤية والتوقع بفضل ذكاء قادر وكامل‪ ،‬ألن اخلطيئة مل تكن قد َجَر َحتها‪.‬‬

‫لقد ُخلِ َق اإلنسان على صورة هللا كمثاله‪ ،‬وإحدى صفات التشبه هذه تكمن يف إمكانية الروح‬
‫على التذكر‪ ،‬على الرؤية وعلى التوقع‪ .‬هذا ما يفسر إمكانية قراءة املسـتقبل‪ ،‬هذه القدرة اليت ُمت َارس‬
‫مبشيئة هللا‪ ،‬غالباً بطريقة مباشرة‪ ،‬وأحياانً بتذكر يقوم كالشمس‪ ،‬يف ذات صبح‪ ،‬منرياً نقطة حمددة من‬
‫أفق الدهور‪ ،‬حمفوظة غالباً يف قلب هللا‪ .‬إهنا أسرار أكثر مسواً من أن تستطيعوا فهمها ابلكامل‪.‬‬

‫ولكن تصوروا‪ ،‬هذا الذكاء اخلارق‪ ،‬هذا الفكر الذي يعرف كل شيء‪ ،‬وهذه العني اليت ترى‬
‫كل شيء‪ ،‬وهذا الذي خلقكم بفعل إرادته‪ ،‬وبنفحة من حبه الالمتناهي جبعلكم أبناءه أبصلكم‪،‬‬
‫وكذلك أبناءه مبصريكم‪ ،‬فهل يستطيع إعطاءكم شيئاً خمتلفاً عنه؟ إنه يعطيكموه جبزء ال متناه يف الصغر‪،‬‬
‫ألن اخلليقة ال تستطيع أن تستوعب اخلالق‪ ،‬ولكن هذه القسمة اتمة وكاملة رغم صغرها الالمتناهي‪.‬‬

‫اي للكنز‪ ،‬الذكاء الذي مينحه هللا لإلنسان‪ ،‬آلدم! واخلطيئة قد قلصته‪ ،‬ولكن تضحييت قد أعادته‬
‫وعلمه‪ .‬آه! سناء النفس البشرية املتحدة بنعمة هللا‪،‬‬ ‫إىل ما كان عليه‪ ،‬وفَـتَحت روائع الذكاء‪ ،‬أهنره‪ِ ،‬‬
‫َ‬
‫مقتسمة معه سعة معارفه!‪ ...‬النفس البشرية املتحدة ابهلل بواسطة النعمة‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 92 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ال يوجد شكل آخر للمعرفة‪ .‬فليتذكر ذلك أولئك الذين يبحثون بفضول عن األسرار اليت‬
‫تتجاوز القدرات البشرية‪ ،‬إن كل معرفة من هذا النوع ال أتيت من نفس يف حالة النعمة‪ ،‬ال ميكن أن‬
‫أتيت إال من الشيطان ‪-‬وكل نفس تتصدى لشريعة هللا حيث األوامر واضحة جداً ليست يف حالة‬
‫نسب فيه إىل الرباهني اإلنسانية‪ ،‬وال متاثلها‬
‫النعمة‪ -‬ومن الصعب أن متاثل احلقيقة يف املقياس الذي تُ َ‬
‫نسب فيه إىل فائق البشر‪ ،‬ألن الشيطان هو أبو الكذب وجير معه ما استطاع‬ ‫أبداً يف املقياس الذي تُ َ‬
‫على درب الكذب‪ .‬ال توجد طريقة أخرى ملعرفة احلقيقة غري تلك املتأتية من عند هللا‪ .‬إنه يكلمنا‪،‬‬
‫ويقول ويعيد إىل ذاكرتنا‪ ،‬كما األب يعيد إىل ذهن ابنه ذكرى تتعلق ابملنزل األبوي‪ ،‬ويقول لنا‪" :‬هل‬
‫رحيلك؟ هل‬
‫َ‬ ‫لتك عند‬
‫ومسعت ذاك؟ هل تذكر يوم قب َ‬
‫َ‬ ‫أيت هذا‬
‫فعلت الشيء الفالين معي‪ ،‬ر َ‬ ‫تذكر يوم َ‬
‫روحك البكر املخلوقة حديثاً والطاهرة أيضاً‬
‫َ‬ ‫أيت الشمس ألول مرة تسطع من وجهي على‬ ‫تذكر يوم ر َ‬
‫كت خبفقان حب‬ ‫منك فيما بعد؟ هل تتذكر يوم أدر َ‬‫انتقصت َ‬‫ألهنا خارجة للتو مين‪ ،‬والشوائب اليت َ‬
‫قلبك ما هو احلب؟ ما هو سر كياننا وتصرفنا؟" وهنا حيث تتوقف القدرة احملدودة لإلنسان يف‬ ‫من َ‬
‫حالة النعمة‪ ،‬هو ذا روح العلم الذي يُ ِثقف يتحدث‪.‬‬

‫المتالك الروح‪ ،‬ال بد من النعمة‪ ،‬والمتالك احلقيقة والعلم ال بد من النعمة‪ ،‬لوجود األب مع‬
‫الذات ال بد من النعمة‪ .‬إهنا اخليمة اليت يُقيم فيها األقانيم الثالثة سكنهم‪ ،‬مكان االسـتغفار حيث‬
‫يُقيم األزيل ويتكلم‪ ،‬ليس من قلب سحابة‪ ،‬ولكن ابلكشف عن وجهه إىل ابنه الويف‪.‬‬

‫القديسون يعيدون استذكار هللا‪ ،‬الكلمات املسموعة يف الفكر اخلالق‪ ،‬اليت حيييها الصالح يف‬
‫قلوهبم لرتفعهم كالنسور يف أتمل احلقيقة ويف معرفة الزمن‪.‬‬

‫كانت مرمي املمتلئة نعمة‪ .‬كل النعمة‪ ،‬الواحدة والثالوث‪ ،‬كانت فيها‪ .‬كل النعمة‪ ،‬الواحدة‬
‫والثالوث كانت هتيئها كعروسة حلفل العرس‪ ،‬كسرير الزفاف من أجل ذريتها‪ ،‬كإهلية من أجل أمومتها‬
‫ورسالتها‪ .‬وهي اليت ََّتتَتِم دائرة البنوة يف العهد القدمي وتَفتَتِح دائرة "الناطقة ابسم هللا" يف العهد اجلديد‪.‬‬

‫اتبوت العهد احلقيقي لكلمة هللا‪ ،‬وهي تنظر إىل أحشائها اليت مل ميسها أحد منذ األزل‪ ،‬كانت‬
‫تكتشف كلمات العلم األزيل وقد خطتها يد هللا على قلبها املنزه عن كل عيب‪ ،‬وتتذكر مثل كل‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 93 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫القديسني أهنا َِمس َعتها عندما كوهنا هللا اآلب‪ ،‬اخلالق كل ذي حياة‪ ،‬مع نفسها غري املائتة‪ .‬وإذا مل تتذكر‬
‫كل شيء عن رسالتها املستقبلية‪ ،‬فَلِ َسبب هو أن هللا يرتك يف كل كمال إنساين ثغرات‪ ،‬مردها إىل‬
‫احلكمة اإلهلية‪ ،‬وهي مبثابة الصالح خلليقته‪ ،‬ألهنا تقدم هلا فرصاً لالستحقاق‪ .‬كان على مرمي‪ ،‬حواء‬
‫الثانية‪ ،‬أن تكتسب حصتها من االستحقاق لتكون أم املسيح بصدق نيتها األمينة‪ ،‬تلك النية الصادقة‬
‫اليت أرادها هللا حّت من قبل املسيح ليجعل منه فادايً‪.‬‬

‫روح مرمي كانت يف السماء‪ .‬وأخالقها وجسدها على األرض‪ ،‬وكان عليها أن تطأ بقدميها‬
‫األرض واجلسد لتصل إىل الروح الذي يوحدها ابلروح األمسى يف عناق خصيب‪.‬‬

‫لست‬
‫كراي‪ُ ،‬‬‫كنت أف ّكر يف رؤية إعالن موت األهل من قبل ز ّ‬ ‫مالحظة شخصيّة‪ :‬طوال يوم أمس‪ُ ،‬‬
‫كنت أف ّكر‪ ،‬على طريقيت‪ ،‬كيف سيُعالِج يسوع نقطة «تذ ّكر هللا من قبل الق ّديسني»‪.‬‬
‫أدري ملاذا‪ .‬وكذلك ُ‬
‫قلت لنفسي‪« :‬سيقال اآلن إ ّن مرمي يتيمة»‪ .‬وكان قليب يعتصر‪ ...‬كان‬
‫وهذا الصباح‪ ،‬عندما بَ َدأَت الرؤاي‪ُ ،‬‬
‫ظننت أن أرى‬
‫ُ‬ ‫وأحسست به‪ .‬ابلعكس‪ ،‬مل تكن الرؤاي كما‬
‫ُ‬ ‫األايم األخرية هو نفسه الذي اختربتُهُ‬
‫حزن ّ‬
‫حّت بتلميح بسيط‪.‬‬
‫وأمسع‪ ،‬وال ّ‬

‫حّت ختمني بسيط لنقطة معيّنة‪.‬‬


‫قلت لنفسي‪ :‬ال شيء يف أعماقي أنتظره وال ّ‬
‫ألين ُ‬
‫هذا كان عزائي‪ّ ،‬‬
‫املرة القادمة‪ .‬ابلفعل‪ ،‬لن يتوقّف عن‬
‫حّت ّ‬‫املستمر‪ّ ...‬‬
‫ّ‬ ‫كل شيء أييت ابلضبط من معني آخر‪ .‬يتوقّف خويف‬
‫ّ‬
‫مرافقيت ذلك اخلوف من أن أضلّل نفسي وأضلّل اآلخرين‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 94 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬
‫وثقت ابهلل‪ .‬وستبوحني له ب ِ‬
‫نذرك)‬ ‫عروسك وسيكون ق ّديساً ِ‬
‫ألنك ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫(سيمنحك هللا‬ ‫‪-18‬‬
‫‪1944 / 09 / 03‬‬
‫اي هلا من ليلة جهنمية! يبدو أن الشياطني قد أخذوا حقاً فرصتهم على األرض‪ .‬قصف م ِ‬
‫ـدافع‪،‬‬ ‫َ‬
‫كل هذا‪ ،‬كان الوجود العذب ملرمي‬ ‫رعود‪ ،‬برق‪ ،‬خطر خوف‪ ،‬معاانة وجودي على سرير ليس يل‪ ،‬ويف وسط ّ‬
‫كزهرة لطيفة بيضاء وسط النريان وال ِـم َحن‪ ،‬ولكنها أكرب سناً قليالً مما ُ‬
‫كنت قد رأيتُها عليه يف رؤاي األمس‪،‬‬
‫بضفائرها الشقراء على كتفيها‪ ،‬ولباسها األبيض وابتسامتها العذبة واملتأملة‪ .‬ابتسامة داخلية متيل صوب‬
‫أمضيت الليلة يف مقارنة هذه الرؤاي بنشوهتا مع الوحشية املنتشرة يف العامل‪،‬‬
‫ُ‬ ‫السر اجمليد الذي قَبِلَتهُ يف قلبها‪.‬‬
‫وإبعادة التفكري بكلّماهتا اليت قالَتها أمس صباحاً‪ ،‬ترتيلة حمبة ُُتيي يف مقابل حقد ميِّزق…‬

‫عدت إليه أرى هذا املشهد‪:‬‬


‫وها أان ذا هذا الصباح يف صمت غرفيت الذي ُ‬

‫ما زالَت مرمي يف اهليكل‪ ،‬ويف هذه اللحظة َّترج من اهليكل مع العذارى األخرايت‪.‬‬

‫ال بد أن هناك احتفاالً‪ ،‬ألن رائحة البخور تنتشر يف جو غسق مجيل أمحر‪ ،‬وكأن اخلريف قد‬
‫َسبَّق جميئه‪ ،‬فالسماء كئيبة نوعاً ما‪ ،‬كما يف شهر تشرين األول (أكتوبر)‪ ،‬صافية تنحين على حدائق‬
‫أورشليم‪ ،‬حيث اصفرار األوراق اليت ستقع قريباً تضع بصماهتا الصفراء‪-‬احلمراء الفاحتة يف أخضر‬
‫الزيتون الفضي‪.‬‬

‫الثلة‪ ،‬سرب الفتيات‪ ،‬روض عذارى جتتزن الباحة الصغرية من اخللف‪ ،‬يصعدن املدرجات وميشني‬
‫عرب رواق صغري ليدخلن إىل ابحة أخرى أقل روعة‪ ،‬مربعة وليس هلا سوى منفذ واحد قد دخلن منه‪،‬‬
‫ويفرتض أنه املخصص ليؤدي إىل املساكن الصغرية للعذارى العامالت يف اهليكل‪ ،‬ذلك أن كل شابة‬
‫كح َمامة إىل عشها‪ ،‬مثل َمحَامات طائرة تتفرق بعد أن كانت جمتمعة‪ .‬كثريات منهن‪،‬‬
‫تتوجه إىل غرفتها َ‬
‫بل ميكنين القول مجيعهن يتحدثن إىل بعضهن قبل االفرتاق بصوت خافت‪ ،‬لكنه َمرِح‪ .‬أما مرمي فهي‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 95 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫صامتة‪ ،‬فقط قبل أن تفارق األخرايت حتييهن مبودة‪ ،‬مث تتوجه إىل غرفتها الصغرية الواقعة يف إحدى‬
‫الزوااي إىل اليمني‪.‬‬

‫وهناك وافتها معلمة ليست ابلعجوز مثل حنة اليت لفانوئيل‪ ،‬ولكنها مع ذلك مسنة‪« :‬مرمي‪،‬‬
‫ِ‬
‫ينتظرك‪».‬‬ ‫كبري الكهنة‬

‫تنظر مرمي إليها بشيء من الدهشة‪ ،‬ولكن من غري أن تطرح سؤاالً‪ .‬جتيب فقط‪« :‬سأذهب‬
‫إليه يف احلال‪».‬‬

‫لست أدري إذا ما كانت تنتمي إىل منزل الكاهن أم هي جزء من سكن‬ ‫تدخل غرفة كبرية‪ُ ،‬‬
‫النساء العامالت يف املعبد‪ ،‬كل ما أعرفه هو أهنا واسعة‪ ،‬جيدة اإلانرة والرتتيب‪ ،‬وأن زكراي وحنة اليت‬
‫لفانوئيل موجودان فيها مع كبري الكهنة بلباسه الفاخر‪.‬‬

‫لدى وصوهلا إىل العتبة‪ ،‬تنحين مـريـم لألرض‪ ،‬وال تتقـدم إال حينمـا يقـول هلـا كبيـر الكهنـة‪:‬‬
‫«تقدمي اي مرمي‪ ،‬ال َّتايف‪ ».‬فتنتصب وتتقدم ببطء‪ ،‬ليس لقلة محاس منها‪ ،‬بل إّنا ابلفطرة‪ ،‬مبهابة‬
‫لست أعلم ما نوعها‪ ،‬جتعلها تبدو أكثر نضجاً كامرأة‪.‬‬
‫ُ‬
‫تبتسم هلا حنة لتشجعها‪ ،‬أما زكراي فيحييها‪« :‬السالم ِ‬
‫لك اي ابنة العم‪».‬‬

‫ينظُر إليها الكاهن إبمعان‪ ،‬مث يقول لزكراي‪« :‬إن أصل داود وهارون واضح عليها‪.‬‬

‫ك تَنمني كل يوم ابلعلم والنعمة يف عيين‬ ‫لطفك‪ .‬وأعرف أن ِ‬


‫صالحك و ِ‬‫ِ‬ ‫أيتها الفتاة‪ ،‬أان أعرف‬
‫ك زهرة هيكل هللا‪،‬‬ ‫قلبك أعذب الكلمات‪ .‬أعرف أن ِ‬ ‫هللا والناس‪ .‬كما أعرف أن صوت هللا يهمس يف ِ‬
‫ِ‬
‫حياتك مع خبور كل‬ ‫ِ‬
‫وجودك هنا‪ .‬وأريد أن يستمر فوح عطر‬ ‫وأن شاروبيماً اثلثاً موجود أمام البينة منذ‬
‫ِ‬
‫أصبحت امرأة‪ ،‬وجيب على‬ ‫يوم جديد‪ .‬ولكن الشريعة هلا كالم آخر‪ .‬مل تعودي فتاة صغرية‪ ،‬بل لقد‬
‫كل امرأة يف إسرائيل أن تتزوج لتحمل ابنها للرب‪ .‬ستتبعني أوامر الشريعة‪ .‬ال َّتايف وال يعلون ِ‬
‫ك امحرار‪.‬‬
‫أتمر أبن يعطى كل رجل امرأة من أصله‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إن جذورك امللكية نصب عيين‪ .‬سوف حتميك الشريعة اليت ُ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 96 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫كنت عازماً على العمل هبا أان‪ ،‬لكي ال ُميَس‬
‫ذاته‪ .‬ولكن حّت ولو مل تكن هذه العبارة موجودة‪ ،‬فقد ُ‬
‫أصلك نفسه يصلح ألن يكون زوجاً ِ‬
‫لك اي مرمي؟»‬ ‫ِ‬ ‫نبل ِ‬
‫دمك‪ .‬أال تعرفني رجالً من‬

‫ملعت على رموشها أول ماسة‪ ،‬وبصوت مرجتف‬


‫ترفع مرمي وجهاً عاله االمحرار من اخلجل‪ ،‬و َ‬
‫جتيب‪« :‬ال أعرف أحداً‪».‬‬

‫فيقول زكراي‪« :‬ال ميكن أن تعرف أحداً‪ ،‬طاملا أهنا أتت إىل هنا صغرية جداً‪ ،‬كما أن نسل داود‬
‫قد اضطُهدوا كثرياً‪ ،‬وتشتتوا‪ ،‬ومل تتمكن أفرعه املختلفة من االجتماع واالحتاد لتورق النخلة امللكية‪».‬‬

‫«إذاً سوف نرتك اخليار هلل‪».‬‬

‫وتنس ِكب حّت تصل إىل فمها املرتعش‪ ،‬وتنظر مرمي إىل‬
‫وتَفلُت دموعها احملبوسة حّت اآلن‪َ ،‬‬
‫معلمتها نظرة توسل‪.‬‬

‫وتسارع حنة لتقدمي العون هلا بقوهلا‪« :‬لقد َعَزَمت مرمي على أن تقف نفسها للرب‪ ،‬جملده‬
‫وخالص إسرائيل منذ نعومة أظفارها‪ .‬أما اآلن فقد ارتبطَت بنذر‪»...‬‬
‫ِ‬
‫دموعك إذن هلذا السبب هي؟ وليست ملخالفة الشريعة؟»‬ ‫«‬

‫أطيعك اي كاهن هللا»‪.‬‬


‫َ‬ ‫«أجل‪ ،‬هلذا السبب‪ ...‬وليست ألمر آخر‪ .‬فأان‬
‫ِ‬
‫نفسك للبتولية؟»‬ ‫عنك‪ .‬منذ كم من السنوات ِ‬
‫نذرت‬ ‫«إن هذا ليؤكد كل ما قيل يل ِ‬

‫كنت موهوبة للرب‪».‬‬


‫«منذ سنوات طويلة جداً‪ ،‬على ما أظن‪ .‬قبل أن آيت إىل اهليكل ُ‬
‫ألست ِ‬
‫أنت الطفلة الصغرية اليت أتت إيل منذ اثين عشر شتاء لتطلب مين الدخول‬ ‫«ولكن‪ِ ،‬‬
‫إىل اهليكل؟»‬

‫«أان هي‪».‬‬

‫كنت ِملكاً هلل؟»‬


‫ك حينذاك ِ‬
‫ميكنك القول إذن إن ِ‬
‫ِ‬ ‫«فكيف‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 97 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫بدأت‬ ‫ِ‬
‫دت وال كيف ُ‬ ‫نظرت إىل الوراء‪ ،‬أجد نفسي منذورة هلل‪ ...‬فأان ال أتذكر حلظة ُول ُ‬
‫«إذا ُ‬
‫وهبت‬
‫ابنتك"‪ ...‬ولكنين أذكر‪ ،‬دون أن أدري مّت بدأ هذا‪ ،‬أنين ُ‬ ‫أحب أمي وأقول ألي‪" :‬اي أي أان َ‬
‫عرفت نطقها‪ ،‬أو مع أول‬
‫عرفت إعطاءها‪ ،‬أو أول كلمة ُ‬ ‫قليب هلل‪ .‬ميكن أن يكون هذا مع أول قبلة ُ‬
‫عرفت القيام هبا‪ ...‬نعم‪ ،‬فمثالً‪ :‬أعتقد أن أول تذكار حب يل أجده يف أول خطوة واثقة‬ ‫خطوة ُ‬
‫خطوُهتا‪ ...‬أما منزيل‪ ،‬فقد كانت له حديقة مليئة ابلزهور‪ ،‬وملحق به بستان وحقول‪ ...‬ويف هناية هذا‬
‫كله‪ ،‬كان هناك نبع يف أسفل األكمة‪ ،‬وكان يتدفق من صخرة على شكل مغارة‪ ...‬وقد كانت مليئة‬
‫ابلعشب الطويل والناعم الذي يتدىل من كل اجلوانب كشالالت خضراء تبدو وكأهنا تبكي‪ .‬ابلفعل‬
‫فإن الوريقات اخلفيفة‪ ،‬األوراق اليت تشبه التطريز‪ ،‬كلها كانت حتمل قطريات ماء كانت بدورها تُ ِ‬
‫صدر‬
‫عند تسـاقطهـا أصوات أجراس صغرية‪ .‬وكان النبع يغين‪ .‬وكانت العصافري مقيمة على أشجار الزيتون‬
‫ومحَامات بيضاوات كانت أتيت لتغتسل يف مرآة النبع‬ ‫والتفاح املتواجدة على املنحدر فوق النبع‪َ ،‬‬
‫وضعت قليب كله يف هللا‪ ،‬وما عدا أمي وأي‪ ،‬أثناء حياهتما‬
‫ُ‬ ‫الصافية‪ .‬مل أكن ألتذكر كل شيء ألنين‬
‫ك اآلن جعلتين أفكر بكل هذه األمور‪ ،‬أيها‬ ‫وبعد وفاهتما‪ ،‬مل يتعلق قليب أبي شيء أرضي‪ ...‬ولكن َ‬
‫وهبت نفسي هلل‪ ...‬وهذه هي ذكرايت السنوات‬ ‫الكاهن‪ ...‬فقد كان متوجباً علي البحث عن "مّت" ُ‬
‫األوىل اليت تعود إىل ذهين‪.‬‬

‫كنت أمسَع صواتً أعذب من غناء املاء والعصافري يقول يل‪:‬‬ ‫ِ‬
‫كنت أُحب تلك املغارة‪ ،‬ألنين منها ُ‬‫ُ‬
‫كنت أتالشى‬ ‫ِ‬
‫كنت أرى فيها إشارة الرب‪ .‬و ُ‬ ‫كنت أُحب النقاط املاسية البهية ألنين ُ‬
‫"تعايل اي حمبوبيت"‪ُ .‬‬
‫حني أقول لنفسي‪" :‬اي روحي‪ ،‬هل ترين كم هو عظيم ِ‬
‫إهلك؟ فالذي َج َع َل أرز لبنان لريح الشمال‪،‬‬
‫كنت أحب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َج َع َل هذه الوريقات اليت تنثين حتت ثقل ذاببة لفرح عينيك وسجادة لقدمك الصغرية"‪ُ .‬‬
‫صمت األشياء الطاهرة هذا‪ :‬النسمة اخلفيفة‪ ،‬واملياه ابنعكاساهتا الفضية‪ ،‬ونظافة طيور احلَمام‪...‬‬
‫سهر على تلك املغارة وكأنه ينهمر من أشجار التفاح والزيتون‪ ،‬اترة على‬ ‫ِ‬
‫كنت أُحب السالم الذي يَ َ‬
‫ُ‬
‫لست أدري‪ ،‬يبدو أن الصوت كان يقول يل‪ ،‬نعم كان‬ ‫شكل زهر‪ ،‬وطوراً حممالً ابلفاكهة الثمينة‪ ...‬و ُ‬
‫أنت اي مياميت"‪ ...‬عذب هو حب األب‬ ‫أنت اي شجرة الزيتون الرائعة؛ تعايل ِ‬‫يقول يل أان‪" :‬تعايل‪ِ ،‬‬
‫واألم‪ ...‬وعذب هو صوهتما الذي كان يناديين‪ ...‬ولكن هذا الصوت! هذا الصوت! آه! أعتقد أن‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 98 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫لست أدري كيف‬ ‫تلك (حواء) اليت ارت َكبَت اإلمث كانت تسمعه هكذا يف الفردوس األرضي‪ ،‬و ُ‬
‫استطاعت تفضيل صوت الفحيح على صوت احلب هذا‪ ،‬كيف ميكنها أن ترغب مبعرفة ليست هللا‪...‬‬ ‫َ‬
‫وبشفيت اللتني مل تكوان تعرفان بعد سوى حليب أمي‪ ،‬بقليب الذي كان قد َس ِكر ابلعسل السماوي‪،‬‬
‫لك‪ .‬ولن ميتلك جسدي معل ٌم سو َاك‪ ،‬أنت ري‪ ،‬كما لن يكون لروحي‬ ‫قلت آنئذ‪" :‬ها أان ذا آيت‪ ،‬إين َ‬
‫ُ‬
‫حب آخر"‪ ...‬وحينما قُلتُها‪ ،‬كان يبدو يل أنين أردد أشياء قيلت سابقاً‪ ،‬وأمارس شعائر قد مورست‬
‫كنت أعرف حرارة حبه‪ ،‬وكان نَظَري قد مترس على‬‫سابقاً‪ ،‬مل يكن العروس الذي اخرتته غريباً ألنين ُ‬
‫لست أدري‪ .‬حتماً خارج احلياة‬
‫نوره‪ ،‬كما أن قدريت على احلب كانت قد ّنت بني ذراعيه‪ .‬مّت؟‪ُ ...‬‬
‫كنت أمتلكه على الدوام‪ ،‬وأنه كذلك كان ميتلكين‪،‬‬
‫احلاضرة‪ .‬أقول هذا ألن إحساساًكان خيامرين أبنين ُ‬
‫دت إال ألنه هو نفسه أراد ذلك لفرح روحه وروحي…‬ ‫ِ‬
‫وأنين ما ُوج ُ‬
‫اآلن‪ ،‬أان رهن الطاعة أيها الكاهن‪ .‬ولكن قل يل كيف جيب أن أتصـرف‪ ...‬مل يعد يل أب وال‬
‫أنت مرشدي»‪.‬‬ ‫أم‪ ،‬فكن َ‬
‫وثقت به‪ ،‬وسوف تبوحني له ِ‬
‫بنذرك»‪.‬‬ ‫ك ِ‬ ‫مينحك هللا العروس‪ ،‬عروساً قديساً ألن ِ‬
‫ِ‬ ‫«سوف‬

‫«هل سيوافق؟»‬
‫ـبك‪ .‬اذهيب اآلن ولري ِ‬
‫افقك هللا على‬ ‫«أمتّن ذلك‪ .‬صلي أيتها الفتـاة لكي يســتطيع تفهم قل ِ‬
‫الدوام‪».‬‬

‫وتنسحب مرمي مع حنة‪ ،‬ويبقى زكراي مع الكاهن‪.‬‬

‫وهكذا تنتهي الرؤاي‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 99 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -19‬يوسف املختار عروساً للعذراء)‬

‫‪1944 / 09 / 04‬‬

‫أرى غرفة فاخرة مزينة جيداً بستائر وسجاد وموبيليا مطعمة‪ .‬يفرتض أن تكون جزءاً من اهليكل‪،‬‬
‫فإن كهنة متواجدون فيها‪ ،‬ومن ضمنهم زكراي وكثري من الرجال أبعمار ترتاوح بني العشرين واخلمسني‬
‫سنة تقريباً‪.‬‬

‫إهنم يتكلمون هبدوء فيما بينهم‪ ،‬ولكن املناقشة حمتدمة‪ .‬يبدو عليهم القلق ألمر أجهله‪ .‬كان‬
‫اجلميع بثياب العيد‪ ،‬ثياب جديدة أو أقله جمددة‪ ،‬كما لو أهنم أتوا من أجل عيد‪ .‬كثريون منهم نـََزعوا‬
‫العمامات اليت تغطي رؤوسهم‪ ،‬وآخرون تركوها على رؤوسهم‪ ،‬خاصة كبار السن منهم‪ ،‬يف الوقت‬
‫ظهر رؤوس الشباب عارية يكسو بعضها شعر أشقر داكن‪ ،‬والبعض اآلخر شعر بين‪ ،‬والبعض‬ ‫الذي تَ َ‬
‫اآلخر شعر أسود‪ ،‬بينما واحد فقط شعره أمحر حناسي‪ .‬شعر األغلبية قصري‪ ،‬إال أن هناك البعض قد‬
‫أرخوا شعورهم حّت األكتاف‪ .‬يبدو أن اجلميع ال يعرفون بعضهم بعضاً‪ ،‬إذ إهنم ينظرون إىل بعضهم‬
‫بفضول‪ .‬ولكنهم يبدون أقرابء ألن أمراً واحداً يشغلهم مجيعاً‪.‬‬

‫يف إحدى الزوااي أرى يوسف يتحدث إىل عجوز إّنا يتمتع بصحة جيدة‪ ،‬يوسف يقارب‬
‫الثالثني من عمره‪ ،‬وهو وسيم ذو شعر قصري وكثيف‪ ،‬مييل لونه إىل البين‪-‬الكستنائي‪ ،‬كذلك اللحية‬
‫والشارابن اليت تغطي ذقناً مجيالً وخدين بلون بين مييل إىل االمحرار‪ ،‬وليس كاآلخرين ذوي اللون البين‬
‫املائل إىل الزيتوين‪ .‬وعيناه داكنتان مجيلتان وغائراتن‪ ،‬جاداتن جداً حّت ميكن القول إهنما حزينتان‬
‫قليالً‪ ،‬ومع ذلك فحني يبتسم‪ ،‬كما يفعل اآلن‪ ،‬فإهنما تُ ِعربان عن الفرح والشباب‪ .‬وهو يرتدي ثوابً‬
‫كستنائياً فاحتاً‪ .‬إن مظهره بسيط ولكنه الئق جداً‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 100 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫دخل رهط من الشباب الالويني وأيخذون أماكنهم برتتيب بني الباب ومنضدة طويلة وضيقة‬ ‫يَ ُ‬
‫جانب اجلدار الذي يوجد يف وسطه ابب مفتوح على الدوام‪ ،‬إّنا تغطيه فقط ستارة تعلو عن األرض‬
‫مسافة عشرين سنتيمرتاً وتغطي املدخل‪.‬‬

‫َحيتَ ِدم فضول اجلميع بشكل خاص حينما تزيح الستارة يَد لتفسح الطريق لالوي حيمل بني يديه‬
‫حزمة من األغصان اجلافة وقد ُو ِض َع فوقها بشكل لطيف غصن مزهر‪ .‬ندف خفيفة لبتالت بيضاء‬
‫ابلكاد تتلون ابلزهر الذي يتوهج اعتباراً من الوسط أبكثر فأكثر نعومة حّت طرف البتالت اخلفيفة‪.‬‬
‫يضع الالوي حزمة األغصان على الطاولة حبذر ونعومة‪ ،‬لكي ال خيرب هذا الغصن املزهر بشكل‬
‫عجائيب وسط أغصان كثرية جافة‪.‬‬

‫ينتَ ِشر صوت يف القاعة‪ ،‬وتتطاول الرقاب وترتكز النظرات لريوا أفضل‪ .‬زكراي نفسه مع الكهنة‬
‫األقرب إىل الطاولة حياول أن يـََرى‪ ،‬ولكنه ال يرى شيئاً‪ .‬أما يوسف فبالكاد يلقي نظرة من زاويته إىل‬
‫حزمة األغصان‪ ،‬وعندما يقول له ُحمَ ِدثه شيئاً‪ ،‬يقوم حبركة تعين‪« :‬غري معقول!» ويبتسم‪.‬‬

‫يعلو صوت بوق خلف الستار‪ .‬وخييم صمت مطبق‪ ،‬وأيخذ اجلميع مواقعهم برتتيب مجيل‪،‬‬
‫الوجه صوب الفتحة اليت تنكشف جيداً‪ ،‬فقد أزيح الستار ودخل كبري الكهنة حماطاً آبخرين كبار‪.‬‬
‫ينحين اجلميع احنناءة كبرية‪ ،‬ويذهب الكاهن إىل جانب الطاولة ويتكلم وهو ما يزال منتصباً‪« :‬أيها‬
‫الرجال املتحدرون من أصل داود‪ ،‬اي من لبيتم ندائي وأتيتم‪ ...‬أنصتوا‪ .‬لقد تكلم الرب له التسبيح‪،‬‬
‫ومن جمده سقط شعاع كشمس الربيع وأعطى احلياة لغصن جاف‪ ،‬وقد أزهر بشكل عجائيب‪ ،‬بينما مل‬
‫يزهر عود على األرض يف مثل هذا الوقت‪ ،‬اليوم األخري من العنصرة‪ ،‬بينما الثلج املتساقط على قمم‬
‫جبل يهوذا مل يذب بعد‪ .‬هذا هو البياض الوحيد بني صهيون وبيت عنيا‪ .‬لقد تكلم هللا جاعالً نفسه‬
‫َّ‬
‫استحقت أن‬ ‫أابً وسنداً لعذراء داود اليت ال محاية هلا إاله‪ .‬الطفلة املقدسة‪ ،‬جمد اهليكل وجمد أصلها‪،‬‬
‫تكون كلمة هللا هي الدالة على اسم الزوج املرضي عنه لدى األزيل‪ .‬ابحلقيقة‪ ،‬إن هذا البار هو خمتار‬
‫هللا‪ ،‬ليكون سند العذراء الغالية جداً إىل قلبه! كذلك حزننا على فقداهنا َّتف وطأته‪ ،‬فإن مصريها‬
‫كزوجة مل يعد يشغل ابلنا‪ .‬فإىل الذي اختاره هللا نعهد بكل أمان ابلعذراء اليت حلَّت عليها بركة هللا‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 101 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وبركتنا‪ .‬واسم هذا العروس هو يوسف بن يعقوب من بيت حلم من سبط داود‪ ،‬جنار يف الناصرة التابعة‬
‫أيمرك‪».‬‬
‫للجليل‪ .‬تقدم اي يوسف‪ ،‬فكبري الكهنة هو الذي َ‬

‫أصوات كثرية‪ ،‬رؤوس تتلفت‪ ،‬أيد وعيون تشري‪ ،‬خيبات أمل ورضى‪ .‬وهناك خاصة بني من هم‬
‫األكرب سناً من عليهم أن يفرحوا لعدم وقوع هذا املصري عليهم‪.‬‬

‫يعرتي يوسف امحرار وإحراج ويتقدم‪ .‬مث يدنو من الطاولة يف مواجهة الكاهن الذي حيييه‬
‫ابحرتام‪.‬‬

‫«تعالوا مجيعاً وانظروا االسم املكتوب على الغصن‪ ،‬وليأخذ كل منكم غصنه ليتأكد من عدم‬
‫وجود أي تالعب‪».‬‬

‫يطيع الرجال وينظرون إىل الغصن الذي ميسكه كبري الكهنة بكل لطف‪ .‬مث أيخذ كل غصنه‪.‬‬
‫البعض يكسره والبعض اآلخر حيتفظ به‪ .‬وينظر اجلميع إىل يوسف‪ ،‬منهم من ينظر بصمت‪ ،‬ومنهم‬
‫لك اي‬
‫قلت َ‬‫من يهنئه‪ .‬أما العجوز صغري القد الذي كان حيادثه يف بداية اجللسة فيقول لـه‪« :‬لقد ُ‬
‫يوسف‪ ،‬إن من لديه الشعور أبنه األقل أتكداً هو الذي يكسب الشوط‪ ».‬أما اآلن فلقد خرج اجلميع‪.‬‬

‫يعطي كبري الكهنة الغصن املزهر ليوسف‪ ،‬مث يربت على كتفه وهو يقول‪« :‬العروسة اليت أعطاكها‬
‫أنت تعرف ذلك‪ .‬إال أهنا َمس َكن كل الفضائل‪ .‬كن أهالً هلا على الدوام‪.‬‬
‫هللا ليست غنية مادايً‪ ،‬و َ‬
‫أنت اي‬
‫أنت اي يوسف‪ .‬أما َ‬ ‫فليس يف إسرائيل زهرة أمجل منها وأطهر‪ ...‬اخرجوا اآلن مجيعكم‪ ،‬وابق َ‬
‫ك قريب العروسة فاذهب وهاهتا‪».‬‬ ‫زكراي‪ ،‬فبما أن َ‬
‫سدل الستار اثنية على الباب‪.‬‬
‫َخي ُرج اجلميع ما عدا كبري الكهنة ويوسف‪ .‬مث يُ َ‬
‫يقف يوسف بتواضع أمام الكاهن اجلليل‪ .‬متر حلظة صمت‪ ،‬مث يقول لـه‪« :‬ينبغي ملرمي أن تبوح‬
‫قطعتهُ على نفسها‪ .‬كن عوانً هلا يف حيائها‪ .‬كن طيباً معها فهي جد طيبة‪».‬‬
‫لك ابلنذر الذي َ‬
‫َ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 102 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«سوف أضع كل إمكانيايت يف خدمتها‪ ،‬ولن تصعب علي تضحية من أجلها‪ .‬كن على يقني‬
‫من ذلك‪».‬‬

‫تدخل مرمي مع زكراي وحنة اليت لفانوئيل‪.‬‬


‫يقول الكاهن‪« :‬تعايل اي مرمي‪ ،‬فهذا هو العروس الذي اختاره هللا ِ‬
‫لك‪ .‬إنه يوسف الناصري‪.‬‬
‫ِ‬
‫مدينتك‪ .‬أترككما اآلن‪ .‬فليبارككما هللا‪ ،‬وليحفظكما الرب‪ ،‬وليظهر لكما وجهه‬ ‫ستعودين إذاً إىل‬
‫ولريمحكما دائماً‪ .‬ليلتفت إليكما وليمنحكما السالم‪».‬‬

‫َخي ُرج زكراي لريافق الكاهن بينما حنة هتنئ العروس وَّترج أيضاً‪.‬‬

‫يقف اخلطيبان يف مواجهة بعضهما‪ .‬يعرتي مرمي امحرار ورأسها منحن‪ .‬وكذلك يوسف يعرتيه‬
‫القليل من االمحرار‪ ،‬ينظر إليها ويبحث عن كلمات يقوهلا ليبدأ احلديث‪ .‬أخرياً جيدها ويشرق وجهه‬
‫أيتك يف السابق صغرية جداً‪ ،‬كان ِ‬
‫عمرك ال يتجاوز أايماً‪...‬‬ ‫لك اي مرمي‪ .‬ر ِ‬ ‫اببتسامة‪ .‬يقول‪« :‬سالم ِ‬
‫ك كثرياً‪ .‬لقد كان صديقها الصغري‪ ،‬فعمره اآلن‬ ‫يك‪ ،‬وحفيد أخي حلفا كان حيب أم ِ‬ ‫كنت صديق أب ِ‬
‫ُ‬
‫لدت بعد‪ ،‬كان هو ال يزال صغرياً جداً‪ ،‬ولكنه‬ ‫ال يتجاوز الثماين عشرة سنة‪ ،‬وعندما مل تكوين قد و ِ‬
‫ت إىل هنا‬ ‫ك أتي ِ‬ ‫ك احلزينة اليت كانت حتبه بكل جوارحها‪ِ .‬‬
‫أنت ال تعرفيننا ألن ِ‬ ‫كان يثلج صدر أم ِ‬
‫ك اجلميع كثرياً‪ ،‬ويتحدثون عن مرمي الصغرية اليت جاءت والدهتا‬ ‫صغرية جداً‪ .‬ولكن يف الناصرة حيب ِ‬
‫والدتك‪ ...‬اجلميع يذكرها بسبب‬ ‫ِ‬ ‫معجزة من الرب أعادت أحشاء العاقر مزهرة‪ ...‬وأان أتذكر عشية‬
‫كسر ضرابت الصاعقة وال قصبة‬ ‫أعجوبة املطر القوي الذي أن َق َذ احملصول‪ ،‬والعاصفة القوية حيث مل تَ ِ‬
‫خلنج بري واحدة‪ ،‬وقد انتهت بقوس قزح مل نر يف حياتنا أعظم منه وال أمجل‪ .‬مث‪ ...‬من ال يتذكر‬
‫كنت زهرة قادمة من السماء‪ ،‬كان معجباً‬ ‫يك للجريان‪ ...‬كما لو ِ‬ ‫يؤرجحك وهو ير ِ‬
‫ِ‬ ‫فرحة يواكيم؟ كان‬
‫بك ويريد أن يُطلِع اجلميع على هذا اإلعجاب‪ .‬أب عجوز وسعيد‪ ،‬مات وهو يتحدث عن مرمي‬ ‫ِ‬
‫اجلميلة جداً والطيبة جداً واليت كانت كلماهتا مفعمة نعمة وحكمة‪ ...‬لقد كان حمقاً إبعجابه ِ‬
‫بك‬
‫ك؟ فقد كانت متأل احلي حيث كان ِ‬
‫بيتك ابألانشيد‪.‬‬ ‫منك! أما أم ِ‬
‫وبقوله إنه ال يوجد من هي أمجل ِ‬
‫ترضعك‪ .‬وأان من صنَع ِ‬
‫لك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حتملك‪ ،‬كنا حنسبها قربة يف الربيع‪ ،‬وكذلك حينما كانت‬ ‫وعندما كانت‬
‫ََ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 103 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫املهد‪ ،‬سريراً صغرياً مزيناً بورود حمفورة‪ ،‬متاماً كما أرادته أم ِ‬
‫ك‪ .‬قد يكون ما يزال يف بيتكم املغلق‪ ...‬أان‬ ‫ُ‬
‫كنت أعمل آنئذ‪ ...‬من كان حيسب‬ ‫ِ ِ‬
‫كنت أان أتعلم مهنة‪ .‬لقد ُ‬
‫كبري السن اي مرمي‪ .‬عندما ولدت أنت‪ُ ،‬‬
‫أبويك اآلن أكثر سعادة ألننا كنا أصدقاء‪ .‬لقد دفَنت ِ‬
‫أابك‬ ‫لك عروساً؟ قد تكون وفاة ِ‬ ‫أنين سأصبح ِ‬
‫َ ُ‬
‫بيدي‪ ،‬وبكيتُهُ بقلب خملص ألنه كان معلماً صاحلاً حليايت‪».‬‬

‫ترفع مرمي وجهها ببطء وتؤدة وهي مطمئنة أكثر فأكثر لسماع يوسف يكلمها هكذا‪ .‬فعندما‬
‫ابتسمت‪ ،‬وعندما كلَّ َمها عن أبيها مدَّت لـه يدها وقالت‪« :‬شكراً اي يوسف‪».‬‬
‫كلَّ َمها عن السرير َ‬
‫كلمة شكر خجولة ومفعمة لطفاً‪.‬‬

‫أيخذ يوسف بني يديه‪ ،‬يدي النجار القصريتني والقويتني‪ ،‬يد ايمسينة صغرية‪ ،‬ويداعبها حبنان‬
‫دون الكف عن حماولة طمأنتها‪ .‬رمبا كان ينتظر كلمات أخرى‪ ،‬ولكن مرمي تصمت من جديد‪ .‬فيتابع‬
‫أنت تعرفينه‪ ،‬سليم كله‪ ،‬ما عدا القسم الذي ُه ِد َم أبمر احلاكم الستبدال الدرب بشارع‬
‫هو‪« :‬البيت‪ِ ،‬‬
‫همل قليالً‪ .‬أقول ما تبقى‪ ،‬ألن مرض‬ ‫ِ‬
‫من أجل العرابت الرومانية‪ .‬أما احلقول‪ ،‬فما تبقى لك منها ُم َ‬
‫أبيك‪ ،‬كما تعرفني‪ ،‬جعلهُ يبيع قسماً كبرياً من األمالك‪ .‬لقد مضى أكثر من ثالث سنوات مل َتر فيها‬ ‫ِ‬
‫الكروم وال األشجار مقص بستاين‪ ،‬وكذلك األرض صلبة وغري حمروثة‪ .‬ولكن األشجار اليت ر ِ‬
‫أتك‬
‫ِ‬
‫مسحت فسأهتم أان هبا من اآلن فصاعداً‪».‬‬ ‫صغرية جداً مل تزل يف مكاهنا‪ ،‬وإذا‬

‫بعملك‪».‬‬
‫َ‬ ‫ك مشغول‬
‫لك‪ ،‬اي يوسف‪ ،‬ولكن َ‬
‫«شكراً َ‬
‫ِ‬
‫حديقتك يف الساعات األوىل واألخرية من النهار‪ .‬يف هذا الوقت يطول‬ ‫«سوف أعمل يف‬
‫لك‪ .‬انظري‪ ،‬إنه غصن من شجرة اللوز املالمسة‬‫النهار‪ .‬أريد أن أرتب كل شيء قبل الربيع إرضاء ِ‬
‫أردت قطفه‪- ...‬ميكن الدخول من كل اجلهات من السياج الذي ُخ ِر َق‪ ،‬ولكين سأصلحه‬ ‫للمنزل‪ُ .‬‬
‫كنت أريد قطف هذا الغصن يف حال كان االختيار سيقع علي ‪-‬مل يكن يل أمل‬ ‫وأجعله صلباً متيناً‪ُ -‬‬
‫يت الدعوة فقط ألهنا صادرة عن الكاهن‪ ،‬وليس رغبة يف الزواج‪-.‬‬ ‫يف ذلك ألنين انصري‪ ،‬وقد لب ُ‬
‫ِ‬
‫حديقتك‪ .‬ها هو اي مرمي‪.‬‬ ‫لك على زهرة من‬‫ك ستُسرين حلصو ِ‬ ‫قطفتُه إذاً‪ ،‬كما قلت‪ ،‬اعتقاداً مين أن ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لك معه قليب الذي مل يزهر حّت اآلن إال للرب‪ ،‬وها هو يزهر اآلن ِ‬
‫لك اي عروسيت‪».‬‬ ‫أقدم ِ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 104 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫شعرت ابألمان‬
‫أتخذ مرمي الغصن‪ .‬إهنا متأثرة‪ ،‬وتنظر إىل يوسف بطمأنينة وإشراقة سعادة‪ .‬لقد َ‬
‫وهبت نفسي ابلكامل‬
‫عندما قال هلا‪« :‬أان انصري‪ ».‬فأصبح وجهها أكثر إشراقاً وتَ َش َّج َعت‪« :‬أان أيضاً ُ‬
‫أخربك بذلك‪»...‬‬ ‫لست أدري ما إذا كان كبري الكهنة قد َ‬ ‫هلل اي يوسف‪ُ .‬‬
‫ِ‬
‫نفسك‪ ،‬وأن‬ ‫بنذرك الذي قطعتِ ِه على‬
‫وإنك ستبوحني يل ِ‬ ‫ك طيبة وطاهرة ِ‬‫«لقد قال يل فقط إن ِ‬
‫ِ‬
‫رغباتك‪ .‬أان‬ ‫ِ‬
‫يسعدك يف كل‬ ‫معك‪ .‬تكلمي اي مرمي‪ .‬فيوسف الذي أصبح ِ‬
‫لك يريد أن‬ ‫أكون طيباً ِ‬
‫ََ‬
‫ك حبسب اجلسد‪ .‬بل أحب ِ‬
‫ك حبسب روحي‪ ،‬أيتها الطفلة القديسة اليت منحنيها هللا! اعتربيين‬ ‫لست أحب ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ألخيك‪».‬‬ ‫األب واألخ وليس فقط الزوج‪ .‬ثقي ي كما ِ‬
‫أببيك‪ ،‬اطمئين يل كما‬

‫ست نفسي للرب‪ .‬أان أعلم أن هذا األمر غري وارد يف إسرائيل‪،‬‬‫كنت طفلة صغرية كر ُ‬‫«منذ ُ‬
‫مسعت صواتً يطلب مين بتولييت بتضحية حب من أجل قدوم املاسيا الذي تنتظره إسرائيل منذ‬
‫ولكنين ُ‬
‫أمد بعيد‪ ...‬فليس كثرياً ألجل ذلك أن أضحي بفرح األمومة!‪»...‬‬

‫ينظر يوسف إليها ملياً‪ ،‬كما لو كان يريد قراءة أعماق قلبها‪ ،‬مث يقول هلا وهو ميسك يديها‬
‫الصغريتني اللتني ما زالتا متسكان بني أصابعهما الغصن املزهر‪« :‬أان أيضاً‪ ،‬سأضم تضحييت إىل‬
‫ِ‬
‫تضحيتك‪ ،‬وبعفتنا معاً َسنُـ َعِرب لألزيل عن حب جم‪ ،‬حب كبري ملعطي املخلص قريباً لكل األرض‪،‬‬
‫ماحناً إايان رؤية نوره يضيء العامل‪ .‬تعايل اي مرمي‪ ،‬ولنذهب أمام بيته ولنقسم أبن حنب بعضنا كما‬
‫لك‪ ،‬يف ِ‬
‫بيتك إن كنت تفضلني‬ ‫يتحاب املالئكة فيما بينهم‪ .‬مث سأذهب إىل الناصرة أهيئ كل شيء ِ‬
‫ذلك‪ ،‬أو يف أي مكان آخر‪ ،‬لو ِ‬
‫أردت‪».‬‬

‫«يف منزيل‪ ...‬كانت هناك مغارة يف العمق‪ ...‬هل ما زالت هناك؟»‬

‫لك واحدة أخرى هادئة ومنعشة‪ ،‬تستطيعني‬ ‫لك‪ ...‬ولكنين سأبين ِ‬ ‫«ما زالت إال أهنا مل تعد ِ‬
‫اللجوء إليها يف الساعات األكثر حرارة من النهار‪ .‬سأجعلها حبجم تلك‪ .‬مث قويل يل‪ :‬من اليت تريدينها‬
‫مرافِقة ِ‬
‫لك؟»‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 105 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«ال أحـد‪ .‬فأنـا ال أخاف‪ .‬أُم حلفا اليت تزورين على الدوام ترافقين قليالً أثناء النهار‪ .‬أما يف‬
‫الليل‪ ،‬فأفضل البقاء وحيدة‪ ،‬لن يلحق ي أي أذى‪».‬‬
‫ِ‬
‫آلخذك؟»‬ ‫«مث أان موجود اآلن هناك‪ ...‬مّت تريدين أن أحضر‬

‫شئت اي يوسف‪».‬‬
‫«مّت َ‬
‫يدك أن جتديه كما‬‫أحضر حاملا يصبح البيت مرتباً‪ .‬لن أغري من ترتيبه شيئاً‪ .‬أر ِ‬
‫«إذاً‪ ،‬سوف ُ‬
‫ِ‬
‫ليستقبلك دون حزن‪ .‬تعايل اي مرمي‪.‬‬ ‫ك‪ .‬ولكنين أود أن متأله الشمس‪ ،‬كما أريده نظيفاً جداً‬ ‫تَـرَكته أم ِ‬
‫َ ُ‬
‫فلنذهب لنقول له تعاىل إننا حنمده‪».‬‬

‫مل أعد أرى شيئاً‪ ،‬ولكن الشعور ابألمان الذي اختَََربته مرمي بقي أثره يف قليب‪...‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 106 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -20‬زواج العذراء ويوسف)‬

‫‪1944 / 09 / 05‬‬

‫اي جلمال مرمي بثياب العرس بني زميالهتا ومعلماهتا اللوايت حيتفلن هبا! وقد كانت أليصاابت‬
‫بينهن‪.‬‬

‫لباسها أبكمله كان من الكتان الناصع البياض‪ ،‬احلريري الناعم‪ ،‬حّت لكأنه من احلرير النفيس‪.‬‬
‫صنِ َع أبكمله من ميداليات متصلة ببعضها حبلقات‬‫والنطاق من الذهب والفضـة املشـغولني ابل ُـمنَـ َّقـش؛ ُ‬
‫صغرية‪ ،‬وكل ميداليـة هي عبارة عن زخرفـة من خيوط الذهب على دخيلة فضية‪ ،‬أصبحت بـُنية بفعل‬
‫الزمن‪ .‬إهنا طويلة‪ ،‬وهي ما تزال شابة صغرية‪ ،‬وقد كان النطاق يشد خصرها النحيل فتتدىل من األمام‬
‫امليداليات الثالث األخريات‪ .‬تغوص بني ثنيات الثوب الفضفاض جداً ذي الرفل (الذيل) القصري‪،‬‬
‫بقدر ما هي طويلة‪ ...‬ويف قدميها الصغريتني حذاء من اجللد األبيض الناصع تزينه حلقات فضية‪.‬‬

‫الوَريدات الذهبية ذات الزخارف السلكية الفضية‪ ،‬تتخذ‬‫صر الثوب بسلسال من ُ‬ ‫عند العنق‪ُ ،‬حي َ‬
‫صيغة وروح النطاق‪ ،‬إّنا بشكل مصغر‪ ،‬ومير عرب التخرميات الواسعة يف حفرة العنق الواسعة ليجمع‬
‫الثنيات فتشكل نوعاً من الكشكش‪ .‬عنق مرمي يظهر من خالل بياض الثنيات مع كياسة ساق ال َقبة‬
‫املغلفة بنسيج شفاف مثني‪ ،‬ويبدو أكثر نعومة وبياضاً‪ :‬ساق زنبق يتفتح بوجه زنبقي أكثر شحوابً من‬
‫التأثر وأكثر طهراً‪ .‬وجه ذبيحة قرابن طاهرة جداً‪.‬‬

‫ص ِفف بدقة جبدائل نصف معقودة مبشابك مثينة من الفضة‬ ‫مل يعد شعرها على كتفيها‪ .‬لقد ُ‬
‫الضاربة إىل اللون البين‪ ،‬واملشغولة بتزيينات سلكية تُـثَـبِتها ابتداء من القمة‪ .‬وشاح أمها موضوع على‬
‫هذه اجلدائل‪ ،‬ويعود ليتدىل ُمشكالً ثنيات حلوة حتت شريطة القصب النفيسة اليت تشد اجلبهة الناصعة‬
‫البياض وينزل حّت الوركني‪ ،‬ويتجاوزمها ألن مرمي مل تكن بطول أمها؛ بينما كان على حنة يتوقف عند‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 107 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫النطاق‪ .‬مل تضع شيئاً يف يديها‪ ،‬أما يف معصميها فأساور والدهتا اليت تكاد تقع أرضاً لو حركتهما‬
‫نتيجة نعومة قبضتيها من جهة‪ ،‬ووزن األساور اليت انزل َقت حّت أعلى اليدين‪ ،‬من اجلهة األخرى‪.‬‬

‫تنظر رفيقاهتا إليها من كافة االجتاهات إبعجاب‪ ،‬أصواهتن مثل زقزقة العصافري املرحة بطلباهتن‬
‫وهتافات اإلعجاب‪.‬‬
‫«هل كان هذا ألم ِ‬
‫ك؟»‬

‫«قدمي حقيقي؟»‬

‫«كم هو مجيل هذا النطاق‪ ،‬سارة!»‬

‫«وهذا الوشاح اي سوسن؟ انظري إىل هذه الدقة وهذه الزانبق املطرزة على احلبكة!»‬
‫«أريين األساور اي مرمي! هل كانت لو ِ‬
‫الدتك؟»‬

‫«أمي‪ ،‬كانت تلبسها‪ .‬إّنا هي يف األصل ألم أي يواكيم‪».‬‬

‫«آه! انظري‪ .‬فيها خامت سليمان متشابك مع سعف خنل صغرية وأغصان زيتون‪ ،‬تتخللها زانبق‬
‫وزهور‪ .‬آه! من أجنََز هذا العمل العظيم والدقيق هلذه الدرجة؟»‬

‫فتقول مرمي ُم َف ِسرة‪« :‬إهنا من بيت داود‪ .‬تتناقل النساء هذه احللي من جيل جليل‪ ،‬تلبسها عند‬
‫الزواج‪ ،‬مث تنتقل ابإلرث‪».‬‬
‫«حقاً! إن ِ‬
‫ك فتاة وارثة‪»...‬‬
‫«هل جلَب ِ‬
‫لك كل شيء من الناصرة؟»‬ ‫َ َ‬

‫«كال‪ .‬عندما ماتت أمي‪ ،‬محلَت نسيبيت هذا اجلهاز إىل بيتها لتحفظه من التلف‪ .‬وقد جلبَتهُ‬
‫يل اآلن‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 108 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ِ‬
‫لصديقاتك‪».‬‬ ‫«أين هو؟ أين هو؟ أريه‬

‫مل تعرف مرمي كيف تتصرف‪ ...‬أرادت أن تكون ُجم ِاملة‪ ،‬ولكنها أرادت كذلك أال َُّتَ ِرب ترتيب‬
‫كل أغراضها املرتبة يف صناديق ثالثة ثقيلة‪ .‬تتدخل املعلمات ملساعدهتا‪« :‬العروس على وشك الوصول‪.‬‬
‫فالوقت ليس وقت بعثرة‪ .‬اتركنها‪ ،‬إنكن تتعبنها‪ ،‬اذهنب وهيئن أنفسكن‪».‬‬

‫يبتعد سرب املثرثرات بقليل من االستياء‪ .‬وأصبح ابستطاعة مرمي أن تفرح هبدوء مع معلماهتا‬
‫اللوايت ميدحنها ويباركنها‪.‬‬

‫تدنو أيضاً أليصاابت‪ .‬تتأثر مرمي وتبكي عندما تناديها حنة اليت لفانوئيل‪« :‬ابنيت» وتُـ َقبِلها‬
‫ليست هنا‪ ،‬ومع ذلك فهي‬ ‫ِ‬
‫إبحساس الوالدة احلقيقي‪ .‬وتقول هلا أليصاابت‪« :‬اي مرمي‪ ،‬إن أمك َ‬
‫لك مداعبتها‪،‬‬ ‫روحك‪ .‬انظري‪ :‬إن ما تلبسينه من آاثرها يعيد ِ‬ ‫ِ‬ ‫موجودة‪ .‬روحها تتهلل فرحاً قرب‬
‫أتيت فيه إىل اهليكل‪ ،‬قالت يل‪" :‬لقد‬ ‫وجتدين فيه أيضاً طعم قبالهتا‪ ...‬منذ زمن‪ ،‬يف اليوم ذاته الذي ِ‬
‫أت هلا ثياب وجهاز عرسها‪ .‬أريد أن أكون أان من ينسج هلا الكتان وخييط أثواب العروس‪ ،‬كي ال‬ ‫هي ُ‬
‫كنت أعتين هبا‪ ،‬كانت تود مداعبة‬ ‫أكون غائبة يوم فرحها‪ ".‬وهل تدرين؟ يف أواخر أايمها‪ ،‬عندما ُ‬
‫ابك األوىل كل مساء‪ ،‬وكذلك األثواب اليت تلبسني اآلن‪ .‬كانت تقول‪" :‬أشم فيها رائحة ايمسني‬ ‫أثو ِ‬
‫جبهتك! إهنا‬‫ِ‬ ‫صغرييت‪ ،‬وأريد أن حتس فيها قبلة أمها‪ ".‬كم من القبالت يف هذا الوشاح الذي يظلل‬
‫أكثر من اخليوط!‪ ...‬وعندما ستلبسني الثياب اليت خاطتها‪ ،‬فكري أن نصيب الصنعة فيها أقل من‬
‫ك‪،‬‬‫الدك أثناء ساعات النكبة ذاهتا من أجل حب ِ‬ ‫ك‪ .‬وهذه العقود‪ ...‬قد أنقذها و ِ‬ ‫نصيب حب أم ِ‬
‫لست يتيمة ألن ِ‬
‫أهلك‬ ‫لك كما يليق أبمرية من نسل داود‪ ،‬يف ساعة كهذه‪ .‬كوين سعيدة اي مرمي‪ِ .‬‬ ‫لتجم ِ‬
‫لك األب واألم‪ ،‬كم هو عظيم!‪»...‬‬‫ديك عروس هو ِ‬ ‫معك‪ .‬ول ِ‬ ‫ِ‬

‫«آه! نعم! ابحلقيقة! إن مما ال شك فيه‪ ،‬هو أنين ال أستطيع التشكي منه‪ .‬ففي أقل من شهرين‬
‫جاء مرتني إىل هنا‪ ،‬واليوم أييت للمرة الثالثة متحدايً املطر والرايح ليسألين عن أوامري‪ ...‬تصوري‪:‬‬
‫أوامري! أان املرأة املسكينة‪ ،‬وكم أان أصغر منه! ومع ذلك مل يرفض يل طلباً‪ .‬حّت إنه ال ينتظر أن‬
‫أَطلُب‪ .‬يبدو أن مالكاً ينقل إليه رغبايت‪ ،‬فيحدثين عنها حّت قبل أن أفتح فمي‪ .‬ففي املرة األخرية قال‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 109 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ميكنك ذلك لو ِ‬
‫أردت‪ .‬وسآيت‬ ‫ِ‬ ‫لك الوالدي‪ .‬مبا أن ِ‬
‫ك الوريثة‪،‬‬ ‫ك تفضلني اإلقامة يف منز ِ‬ ‫يل‪" :‬مرمي‪ ،‬أظن ِ‬
‫لك‪ .‬إّنا فقط للحفاظ على العرف والتقاليد‪ ،‬ستمضني أسبوعاً يف بيت حلفا‪ ،‬أخي‪ .‬إن‬ ‫أان إىل منز ِ‬
‫ِ‬
‫ليوصلك إىل املنزل‪ ".‬أليس هذا لطفاً منه؟ ال‬ ‫ك كثرياً‪ .‬وعشية العرس ينطلق املوكب من هناك‬ ‫مرمي حتب ِ‬
‫يهمه أبداً أن يقول الناس إن بيته ال يعجبين‪ ...‬بينما أان فقد كان بيته يعجبين على الدوام بسببه هو‪،‬‬
‫ضل منزيل‪ ...‬بسبب الذكرايت‪ ...‬آه! إن يوسف لطيب!»‬ ‫فهو طيب جداً‪ .‬ولكنين‪ ،‬بكل أتكيد‪ ...‬أُفَ ِ‬

‫نذرك؟ مل تُعلِميين بعد عن ذلك‪».‬‬


‫«ماذا قال عن ِ‬

‫«مل يبد أي اعرتاض‪ .‬ولكنه عندما عرف األسباب قال‪" :‬سأضم تضحييت إىل تضح ِ‬
‫يتك"‪».‬‬ ‫ُ‬
‫فقالت حنة اليت لفانوئيل‪« :‬حقاً إنه شاب قديس‪».‬‬

‫يف هذه اللحظة يدخل "الشاب القديس" بصحبة زكراي‪ .‬إنه رائع حقاً‪ .‬ابللباس الكامل األصفر‬
‫الذهيب‪ ،‬الذي يبدو فيه كملك شرقي‪ .‬نطاق خالب حيمل حمفظة نقوده وخنجره‪ ،‬األوىل من اجللد‬
‫بتوشيات ذهبية‪ ،‬واآلخر أيضاً يف غمد جلدي خبطوط ذهبية‪ .‬على رأسه عمامة‪ ،‬كسوة رأس منسوجة‬
‫كقبعة‪ ،‬تشبه تلك اليت ما تزال تلبسها بعض شعوب أفريقيا‪ ،‬البدو مثالً‪ ،‬مثبتة يف مكاهنا حبلقة ذهبية‬
‫دقيقة ترتبط هبا طاقات من اآلس‪ .‬ويلبس معطفاً جديداً أبهداب يتدثر به جبالل‪ .‬عيناه تطفحان‬
‫سروراً‪ .‬وبني يديه ابقات من اآلس املزهر‪.‬‬
‫يلقي التحية‪« :‬السالم ِ‬
‫لك اي عروسيت! السالم للجميع!» وبعد أن يردوا عليه التحية‪ ،‬يتابع‪:‬‬
‫لك اآلس الذي ينبت قرب‬ ‫حديقتك‪ .‬وفكرت أن أمحل ِ‬
‫ِ‬ ‫فرحك يوم محلت ِ‬
‫لك الغصن من‬ ‫ِ‬ ‫أيت‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫«ر ُ‬
‫املغارة اليت حتبني‪ .‬كنت أريد أن أمحل ِ‬
‫إليك زهوراً بدأَت تتفتح قرب البيت‪ ،‬ولكن الزهور ال تدوم‬ ‫ُ‬
‫لك اي حمبوبيت سوى‬ ‫إليك سوى أشواك‪ ،‬بينما ال أريد أن أقدم ِ‬
‫طوال أايم السفر‪ ...‬مل تكن لتصل ِ‬
‫ِ‬
‫أرجلك عليها دون أية‬ ‫الزهور‪ ،‬وأريد أن أفرش ِ‬
‫لك الطريق زهوراً انعمة وعطرة لكي تستطيعي وضع‬
‫قذارة أو مضايقة‪».‬‬

‫استطعت إيصاهلا وهي ندية هكذا؟»‬


‫َ‬ ‫أنت طيب! إّنا كيف‬
‫لك‪ ،‬كم َ‬
‫«آه! الشكر َ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 110 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ووضعت داخلها األغصان اليت ما زال الزهر فيها بعد على‬
‫ُ‬ ‫طت مزهرية إىل السرج‬‫«لقد َربَ ُ‬
‫ِ‬
‫جبهتك إبكليل الزهر رمز الطهارة‬ ‫َّحت طوال الطريق‪ .‬ها هي اي مرمي‪ ،‬ولتتزين‬‫شكل براعم‪ .‬وقد تفت َ‬
‫ورمز الزوجة‪ ،‬ولكن طهارته أدىن كثرياً من طهارة ِ‬
‫قلبك‪».‬‬

‫تزين أليصاابت مع املعلمات مرمي إبكليل الزهور‪ .‬تشكلنه بتثبيته على احللقة النفيسة اليت متنطق‬
‫جبهتها ابلتناوب‪ ،‬طاقة آس بيضاء مث وردة بيضاء أ ُِخ َذت من مزهرية موجودة على صندوق‪ ...‬وهكذا‪.‬‬
‫أصبَ َحت مرمي اآلن جاهزة الرتداء معطفها الفضفاض لوضعه على أكتافها‪ ،‬إال أن عروسها يتحرك‬
‫ويساعدها على تثبيت املعطف يف أعلى الكتفني بدبوسني فضيني‪ .‬وترتب املعلمات الثنيات برعاية‬
‫وحب‪.‬‬

‫لست أدري ماذا‪ ،‬يقول يوسف بعد أن يتنحى مع مرمي‬ ‫أصبح كل شيء جاهزاً‪ .‬أثناء انتظار ُ‬
‫رت به‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫قلت لك إنين أشاركك به‪ ،‬ولكنين كلما فك ُ‬ ‫رت بنذرك طوال هذا الوقت‪ ،‬ولقد ُ‬ ‫قليالً‪« :‬لقد فك ُ‬
‫ِ‬
‫لست أستحق بعد‬ ‫أُد ِرك أن النذر املؤقت ال يكفي حّت ولو جتدد عدة مرات‪ .‬لقد فهمتك اي مرمي‪ُ .‬‬
‫كلمة النور‪ ،‬إال أن مهساً أاتين‪ .‬وهذا ما جعلَين أقرأ سرِك‪ ،‬أقله يف خطوطه األكثر قوة‪ .‬أان جاهل‬
‫مسكني‪ ،‬اي مرمي‪ .‬أان عامل مسكني‪ .‬ال أعرف احلروف وال أملك الكنز‪ .‬إال أنين أضع كنزي عند‬
‫بك‪ ،‬اي عذراء هللا‪" ،‬األخت عروسيت‪ ،‬احلديقة‬ ‫قدميك لألبد‪ :‬عفيت الـمطلَ َقة؛ ألكون أهالً للبقاء بقر ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬
‫ب النشـيد وهو ينظر‬ ‫املغلقة‪ ،‬الينبوع املختوم"‪ ،‬كما قال أحد األجـداد الذي ميكن أن يكـون قد َكتَ َ‬
‫أنت‪ ...‬وسأكون البستاين يف بستان العطور هذا‪ ،‬حيث توجد الثمار األكثر قيمة‪ ،‬ومن حيث‬ ‫إليك ِ‬‫ِ‬
‫وداعتك اي عروسيت‪ ،‬اليت اجتاحت روحي برب ِ‬
‫اءتك‪ ،‬أيتها اجلميلة‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫يتدفق نبع ماء احلياة ابندفاع عذب‪:‬‬
‫ِ‬
‫مبجملك ُحب‬ ‫قلبك هو الذي يشع‪ِ ،‬‬
‫أنت اي من‬ ‫اجلميلة أكثر من الفجر‪ ،‬الشمس املشعة‪ ،‬ذلك أن ِ‬
‫ِ‬
‫بتضحيتك كامرأة‪ .‬تعايل اي حمبوبيت‪ ».‬ميسك بيدها‬ ‫إلهلك وللعامل الذي تريدين أن تعطيه املخلص‬ ‫ِ‬
‫بلطف ويقودها إىل الباب‪ .‬يتبعهما اجلميع‪ ،‬ويف اخلارج تُقبل رفيقاهتا لتنضممن إىل االحتفال‪ ،‬بلباس‬
‫أبيض ابلكامل‪ ،‬وكذلك ابلوشاح‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 111 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ميضون عرب الساحات واألروقة وسط اجلموع اليت تراقبهم‪ ،‬إىل مكان ليس ابهليكل‪ ،‬ولكنه يبدو‬
‫أنه غرفة مكرسة للعبادة‪ .‬ابلفعل‪ ،‬هناك مصابيح وقرطاس كما يف اجملامع‪ .‬يتقدم العروسان حّت ي ِ‬
‫صال‬ ‫َ‬
‫إىل َمقرأ مرتفع‪ ،‬نوع من املنابر‪ ،‬وينتظران‪ .‬ويصطف اآلخرون خلفهما‪ .‬كهنة آخرون وبعض الفضوليني‬
‫يف الداخل‪.‬‬

‫ويدخل كبري الكهنة بشكل احتفايل‪.‬‬

‫ويدور اهلمس بني الفضوليني‪« :‬أهو الذي سيزوجهما؟»‬

‫«نعم‪ ،‬فهي من أصل ملكي وكهنويت‪ ،‬زهرة داود وهارون‪ .‬العروسة هي إحدى عذارى اهليكل‪.‬‬
‫وعروسها من نسل داود‪».‬‬

‫يضع الكاهن يد العروسة اليمّن يف يد عروسها ويباركهما مبهابة‪« :‬فليكن إله إبراهيم وإسحق‬
‫ويعقوب معكما‪ ،‬ليوحدكما وحيقق بكما بركته إبعطائكما سالمه وخلفاًكثرياً وحياة طويلة وميتة صاحلة‬
‫يف أحضان إبراهيم‪ ».‬مث ينسحب بشكل احتفايل كما دخل‪.‬‬

‫يتبادالن الوعود‪ ،‬فمرمي هي اآلن زوجة يوسف‪.‬‬

‫خيرج اجلميع بشكل منتظم ويذهبون إىل غرفة يُكتَب فيها عقد الزواج ويُعلَن أن مرمي وريثة يواكيم‬
‫بن داود وحنة بنت هارون قد َدفَـ َعت "دوطة" لزوجها بيتها مع ملحقاته وجهازها اخلاص وأشياء أخرى‬
‫وِرثَتها عن أبيها‪.‬‬

‫وينتهي كل شيء‪.‬‬

‫َخي ُرج العروسان إىل الباحة‪ ،‬مث يتوجهان إىل املخرج‪ ،‬جانب مقر النساء العامالت يف اهليكل‪.‬‬
‫عربة ثقيلة مرتبة جيداًكانت يف انتظارمها‪ .‬إهنا مغطاة بنسيج؛ وصناديق مرمي الثقيلة هي اآلن داخلها‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 112 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫صعد مرمي مع أليصاابت‪ ،‬وجتلسان‬ ‫وداع وقبالت ودموع‪ ،‬مباركات ونصائح وتوصيات‪ ،‬مث تَ َ‬
‫داخل العربة‪ ،‬بينما جيلس يوسف وزكراي على املقعد األمامي‪ .‬لقد خلعوا معاطف االحتفال وتدثروا‬
‫مجيعاً عباءات داكنة‪ .‬متضي العربة‪ ،‬جيرها حصان كبري داكن اللون مبشيته الثقيلة‪ .‬تبتعد جدران اهليكل‪،‬‬
‫مث أسـوار املدينة‪ ،‬وها هي القرية اجملددة الندية واملزهرة أبوائل مشس الربيع‪ ،‬القمح املرتفع شرباً على‬
‫األقل‪ ،‬وهو يبدو بلون الزمرد أبوراقه الفتية اليت تتماوج بفعل نسمة خفيفة حتمل عطر زهر الدراق‬
‫والتفاح واملشمش اهلندي والنعناع الربي‪.‬‬

‫تبكي مرمي هبدوء خلف الستار الذي كانت تزحيه من وقت آلخر لتنظر إىل اهليكل الذي‬
‫أضحى بعيداً‪ ،‬واملدينة اليت تركتها‪.‬‬

‫وهكذا تنتهي الرؤاي‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 113 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -21‬وضع يوسف مثل "خامت على خامت" مثل رئيس املالئكة على عتبة الفردوس)‬

‫‪1944 / 09 / 05‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫أنش َد مدائحها؟ "يف احلكمة يوجد ابلفعل روح الذكاء‪،‬‬ ‫«ماذا جاء يف سفر احلكمة عندما َ‬
‫مقدساً‪ ،‬وحيداً‪ِ ،‬‬
‫متعدداً‪ ،‬واثقباً"‪ .‬ويستمر يف تعداد صفاهتا‪ ،‬وخيتتم هبذه العبارات‪..." :‬تستطيع كل‬
‫شيء وتتوقع كل شيء وتستوعب كل النفوس‪ ،‬ذكية‪ ،‬طاهرة‪ ،‬واثقبة الفكر‪ .‬احلكمة تَلِج كل شيء‬
‫بطهرها‪ ،‬إهنا فيض (نفحة) من روح هللا‪ ...‬إذ ليس فيها ما هو غري طاهر‪ ...‬إهنا صورة عن الصالح‬
‫اإلهلي‪ .‬مع كوهنا وحيدة‪ ،‬فإن وحدهتا تستطيع كل شيء؛ ومع كوهنا غري قابلة للتبدل‪ ،‬فهي جتدد كل‬
‫األشياء‪ .‬إهنا تتحد أبرواح القديسني وتشكل أصدقاء هللا واألنبياء‪".‬‬

‫أيت كيف أن يوسف‪ ،‬ليس بثقافته البشرية‪ ،‬بل إّنا مبعرفته فائقة الطبيعة‪ ،‬عرف القراءة يف‬ ‫ر ِ‬
‫الكتاب املختوم للعذراء املنزهة عن كل عيب‪ ،‬وكيف يالمس برؤيته احلقائق النبوية برؤية سر فائق‬
‫البشر‪ ،‬حيث ال يـََرى اآلخرون سوى فضيلة كربى‪ .‬مشرابً هبذه احلكمة اليت تنبعث من فضيلة هللا‪،‬‬
‫واليت هي انبثاق من القدرة الكلية‪ ،‬يتوجه بروح مطمئن وواثق يف حبر سر النعمة هذا الذي هو مرمي‪،‬‬
‫يلتقي هبا يف مبادلة روحية‪ ،‬حيث مل تتكلم الشفاه‪ ،‬بل كاان نفسني يتبادالن احلديث يف صمت األرواح‬
‫املقدس‪ ،‬حيث ال يسمعان سوى صوت هللا الذي ال يستقبله سوى املرضيني لدى هللا‪ ،‬ألهنم خيدمونه‬
‫إبخالص وهم ممتلئون منه‪.‬‬

‫حكمة البار اليت تنمو ابالحتاد وحبضور كلية النعمة‪ ،‬هتيئه للولوج يف أسرار هللا األكثر مسواً‬
‫ليستطيع محايتها والدفاع عنها ضد الشراك البشرية أو الشيطانية‪ .‬وقد كان كل هذا فرصة له للتجدد‪.‬‬
‫لقد َج َعلَت من البار قديساً‪ ،‬ومن القديس حارساً لعروسة هللا وابنه‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 114 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫دون رفع خامت هللا‪ ،‬وهو العفيف الذي حيمل اآلن عفته إىل البطولة املالئكية‪ ،‬استطاع قـراءة‬
‫فصح عنه لفطنته‪ ،‬إال أنه أعظم‬‫الكلمة النارية املكتوبة على املاسة البتولية إبصبع هللا‪ ،‬وقرأ عليها ما مل يُ َ‬
‫كثرياً مما قرأه موسى على األلواح احلجرية‪ .‬ولكي ال تَبتَ ِذل عني دنيوية السر‪ ،‬وضع نفسه خامتاً على‬
‫اخلامت‪ ،‬رئيس مالئكة على عتبة الفردوس الذي جيد فيه األزيل متعته "متمشياً مع نسمة املساء"‪،‬‬
‫ومتحداثً إىل اليت هي ُحبه‪ ،‬غابة الزنبق املزهر‪ ،‬النسمة املعطرة ابألريج‪ ،‬النسمة الصباحية الندية‪ ،‬النجمة‬
‫البهية‪ ،‬متعة هللا‪ .‬حواء اجلديدة موجودة هنا أمامه‪ ،‬هي ليست عظماً من عظامه‪ ،‬وال حلماً من حلمه‪،‬‬
‫ولكنها شريكة حياته‪ ،‬اتبوت عهد هللا احلي الذي توىل الوصاية عليه‪ ،‬والذي يتوجب عليه إعادته إىل‬
‫هللا فيما بعد طاهراًكما استلمه‪.‬‬

‫"عروسة هللا"‪ .‬هكذا كان مكتوابً يف هذا الكتاب السري يف الصفحات غري املدنسة‪ ...‬وعندما‬
‫عصف له الشك ابالختبار آبالمه املربحة‪ ،‬كرجل‪ ،‬وكخادم هلل‪ ،‬أتمل كإنسان يف العامل‪ ،‬النتهاك‬
‫القدسيات ابلشك‪ .‬إّنا هذا كان اختبار املستقبل‪ .‬أما يف الوقت احلاضر‪ ،‬يف زمن النعمة‪ ،‬فإنه يرى‬
‫ويضع نفسه يف اخلدمة احلقيقية هلل‪ .‬إّنا بعدئذ ستأيت عاصفة االختبار‪ ،‬كما لكل القديسني‪ ،‬ليجتازوا‬
‫االمتحان ويصبحوا معاوين هللا‪.‬‬

‫"مر هارون أخاك أبن ال يدخل القدس يف كل وقت‪ ،‬إىل داخل‬ ‫ماذا جاء يف سفر األحبار؟ ُ‬
‫احلجاب‪ ،‬إىل أمام الغشاء الذي يغطي اتبوت العهد‪ ،‬لكيال ميوت‪ ،‬ألين ٍ‬
‫متجل يف الغمام فوق الغشاء‪،‬‬
‫قل له أال يدخل قبل أن يقوم هبذه األفعال‪ :‬ي ِ‬
‫قدم عجالً من البقر كذبيحة للخطااي‪ ،‬وكبشاً للمحرقة‪،‬‬‫ُ‬
‫ويعود ليلبس قميصاً من الكتان‪ ،‬وابلسراويل الكتانية سيسرت عريه‪".‬‬

‫ابحلقيقة‪ ،‬يدخل يوسف‪ ،‬عندما يريد هللا‪ ،‬وابلقدر الذي يريده‪ ،‬إىل قدس أقداس هللا‪ ،‬وراء‬
‫احلجاب الذي يغطي اتبوت العهد الذي يرفرف فوقه روح هللا‪ ،‬ويقدم نفسه‪ ،‬وسيقدم احلمل حمرقة‬
‫عن خطيئة العامل وكفارة عن هذه اخلطيئة‪ .‬ويقوم هبذا وهو يرتدي الكتان على جسده الذي أماته‬
‫بنذره لي ِ‬
‫بطل الغرائز اليت انتصرت يوماً يف بداية الزمان‪ ،‬خملة أبوامر هللا لإلنسان‪ ،‬وستداس اآلن يف‬‫ُ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 115 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫االبن ويف األم ويف األب الومهي‪ ،‬ليعيد الناس إىل النعمة‪ ،‬وليعود هلل حقه على اإلنسان‪ .‬لقد فَـ َع َل ذلك‬
‫بعفته الدائمة‪.‬‬

‫أمل يكن يوسف يف اجللجلة؟ أيبدو لكم أنه مل يكن بني املشاركني يف عملية الفداء؟ احلق أقول‬
‫لكم إنه كان أول املوجودين‪ ،‬لذلك فهو عظيم يف عيين هللا‪ .‬عظيم ابلتضحية والصرب والثبات واإلميان‪.‬‬
‫وأي إميان أعظم من إميان الذي آمن دون أن يرى معجزات ماسيا؟‬

‫كل التقريظ (الثناء) ألي الومهي‪ ،‬املثل األعلى لكم ملا ينقصكم على األغلب‪ :‬الطهارة‬
‫واإلخالص‪ ،‬واحلب الكامل‪ .‬للذي قَـَرأَ بشكل رائع الكتاب املختوم‪ُ ،‬متثقفاً ابحلكمة ليعرف كيفية‬
‫إدراك أسرار النعمة‪ .‬ذاك الذي اختاره هللا ليحمي خالص العامل ضد مكائد كل األعداء‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 116 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬
‫‪( -22‬العروسان ي ِ‬
‫صالن إىل الناصرة)‬ ‫َ‬
‫‪1944 / 09 / 06‬‬

‫متتد مساء شهر شباط (فرباير) الدافئ واألكثر زرقة على رواي اجلليل‪ .‬الرواي اللطيفة اليت مل أرها‬
‫دت فيها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كنت قد ُول ُ‬
‫أبداً يف مرحلة طفولة العذراء بدت وكأن املشهد كان مألوفاً ابلنسبة يل‪ ،‬كما لو ُ‬
‫الطريق الرئيسية املبللة بفعل أمطار سبق هطوهلا ‪-‬رمبا تكون قد هطلت يف الليلة السابقة‪-‬‬
‫ليست موحلة وال مغربة‪ .‬إهنا منتظمة ونظيفة كما لو كانت شارعاً يف مدينة‪ ،‬وهي متتد بني سياجني‬
‫من الزعرور املزهر‪ .‬إهنا مثل سطح ثلجي يضوع منها عطر املر واخلشب‪ ،‬مقطعة حبسب جمموعات‬
‫كبرية من الصبار ذات األوراق الضخمة واملسطحة‪ ،‬أبشواكها املنتصبة‪ ،‬ومزينة مبجموعة كبرية من‬
‫الثمار غري املألوفة اليت نبتت بشكل عشوائي على أطراف األوراق‪ .‬شكلها ولوهنا يوحيان إيل أبعماق‬
‫البحار بكل ما فيها من مدخات ِ‬
‫(شعاب مرجانية) وقناديل حبر وحيواانت أخرى من األعماق املائية‪.‬‬

‫فيما بعد األسيجة ‪-‬اليت تقوم مقام احلدود للملكيات‪ ،‬واليت متتد يف كل االجتاهات‪ ،‬مشكلة‬
‫رسوماً هندسية غريبة‪ ،‬منحنيات وزوااي‪ ،‬متوازايت أضالع ومعينات ومربعات وأنصاف دوائر ومثلثات‬
‫حادة أو منفرجة الزاوية غري معقولة‪ ،‬إنه رسم موشى كله ابألبيض كشريطة متبدلة ُمدت هكذا‪ ،‬للمتعة‪،‬‬
‫على طول احلقول‪ ،‬وعليها يطري مئات العصافري من كل نوع‪ ،‬وتزقزق وتصدح بفرح احلب وبناء‬
‫األعشاش‪ -‬وبعد األسيجة أتيت احلقول مع القمح والعشب‪ ،‬وهو اآلن أطول من القمح يف جبل يهوذا‬
‫واملروج املزهرة‪ ،‬وعليها ‪-‬ابلتجاوب مع غيوم السماء اخلفيفة اليت يضفي عليها الغسق صبغات من‬
‫الزهر والليلك الفاتح‪ ،‬والبنفسج والدفلة‪ ،‬وعني اهلر الالزوردي واملرجان الربتقايل‪ -‬مئات ومئات من‬
‫ُس ُحب األشجار املثمرة‪ :‬بيضاء ومحراء مع كل الدرجات البَينية‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 117 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫مع نسيم املساء اخلفيف‪ ،‬ترفرف وتقع طالئع بتالت األشجار املزهرة‪ ،‬وكأهنا أسراب من‬
‫الفراشات أثناء البحث عن غبار الطلع على أزهار القرية‪ .‬ومن شجرة إىل أخرى ضفائر كرمة عارية‬
‫إال من قممها حيث تلفح الشمس أكثر‪ ،‬إنه التفتح الربيء‪ ،‬املندهش‪ ،‬اخلافق للوريقات األوىل‪.‬‬

‫تنام الشمس مطمئنة يف السماء العذبة بزرقتها اليت جيعلها النور أكثر إشراقاً‪ ،‬كما جيعل ثلج‬
‫حرمون والقمم البعيدة األخرى تلمع من البعيد‪.‬‬

‫عربة تسري على الطريق‪ .‬إهنا هي اليت حتمل يوسف ومرمي مع األنسباء‪ .‬انتهت الرحلة‪.‬‬

‫تنظر مرمي نظرة متلهفة تروم هبا معرفة‪ ،‬بل التحقق من كل ما تراه وال تتذكره‪ ،‬وتبتسم عندما‬
‫تعود إحدى الذكرايت غري احملددة وتتوقف عند هذه أو تلك من األشياء‪ ،‬عند نقطة معينة‪ ،‬أليصاابت‬
‫ومعها زكراي ويوسف يساعدوهنا على التذكر بتحديد هذه القمة أو تلك‪ ،‬هذه الدار أو تلك‪ .‬من هنا‬
‫تبدأ البيوت‪ ،‬فالناصرة تظهر اآلن ممتدة على سفح الرابية‪.‬‬

‫ظهر بيوهتا الصغرية البيضاء واسعة‬‫لفحتها مشس املغيب من جهة اليسار‪ ،‬تَ َ‬ ‫املدينة اليت َ‬
‫ومنخفضة‪ ،‬تعلوها سطوح ملونة ابلوردي‪ .‬بعضها‪ ،‬اليت تلفحها الشمس ابلكامل‪ ،‬تبدو مضاءة وكأنه‬
‫احلريق‪ ،‬وذلك المحرار الواجهة بسبب الشمس اليت جتعل املياه تلمع‪ ،‬مياه القنوات واآلابر املنخفضة‬
‫غري املسورة‪ ،‬واليت َّترج منها الدالء للمنازل واملرشات للمبقلة‪.‬‬

‫يقف األطفال والنساء على قارعة الطريق‪ ،‬ينظرون إىل العربة وحييون يوسف الذي يعرفه اجلميع‪.‬‬
‫ولكنهم يبقون بعدها يف نوع من اخلشوع والرهبة أمام الثالثة اآلخرين‪.‬‬

‫لدى دخوهلم فعلياً إىل املدينة‪ ،‬مل تعد هناك حرية وال خوف‪ .‬كثريون من كل األعمار يتواجدون‬
‫عند أول البلدة حتت قوس ريفي من الزهور واألوراق‪ ،‬ومل تكد العربة تظهر من خلف منعطف آخر‬
‫منزل ريفي شذ عن الصف‪ ،‬حّت علت كرة من اهلتاف احلاد؛ الناس يهزون السعف والباقات‪ .‬إهنم‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 118 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫نساء وشاابت وأطفال الناصرة حييون العروسة‪ .‬أما الرجال فيقفون برزانة أكثر خلف السياج املهتز‬
‫والضاج‪ ،‬وحييون برصانة ووقار‪.‬‬

‫كشف العربة قبل الوصول إىل البلدة‪ ،‬فالشمس مل تعد مزعجة‪ ،‬وهكذا يتاح ملرمي أن ترى جيداً‬ ‫تُ َ‬
‫مسقط رأسها‪ .‬تبدو مرمي مجيلة مثل زهرة‪ ،‬بيضاء وشقراء مثل مالك‪ ،‬تبتسم بطيبة لألطفال الذين‬
‫يرشقوهنا ابلزهور ويرسلون هلا القبالت‪ ،‬وللفتيات من عمرها اللوايت ينادينها ابمسها‪ ،‬كذلك للعروسات‬
‫نشدة‪ .‬مث تنحين أمام الرجال‪ ،‬خاصة أمام أحدهم‬ ‫واألمهات والعجائز اللوايت يباركنها أبصواهتن الـم ِ‬
‫ُ‬
‫الذي رمبا كان احلاخام أو الشخصية الرئيسية يف البلدة‪.‬‬

‫عتربوا هذا القدوم‬


‫تتقدم العربة بتمهل على الطريق الرئيسية‪ ،‬يتبعها قسم كبري من احلشد الذين ا َ‬
‫ابلنسبة هلم حداثً‪.‬‬

‫لك اي مرمي» يقوهلا يوسف مشرياً ابلسوط إىل منزل صغري موجود متاماً يف أسفل‬ ‫«ها هو منز ِ‬
‫سفح هضبة‪ ،‬وله من اخللف حديقة مجيلة واسعة‪ ،‬مليئة ابلزهور‪ ،‬وتنتهي بشجرة زيتون صغرية‪ .‬وأبعد‬
‫من ذلك قليالً السياج املعتاد من الزعرور والدفل الذي يـُ َعني حدود امللكية‪.‬‬

‫لك منها القليل فقط‬ ‫يقول زكراي‪« :‬احلقول اليت كانت يوماً ليواكيم أكرب من ذلك‪ ،‬وقد بقي ِ‬
‫الدك كان طويالً ومكلفاً‪ ،‬وكذلك مصاريف اإلصالحات كثرية التكاليف‪ ،‬وآخرها ما‬ ‫ألن مرض و ِ‬
‫أُتلِف من قِبل روما‪ .‬أرأي ِ‬
‫ت الطريق وقد طُ ِم َست معامل امللحقات الثالث األساسيات‪ ،‬وكذلك املنزل‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صغر؟ ولتوسيعه دون حتمل تكاليف ابهظة استخدمنا جزءاً من اهلضبة‪ُ ،‬ح ِفَرت كمغارة كان‬ ‫وقد َ‬
‫أنت فستتصرفني حسب ما ترينه مناسباً‪».‬‬‫يواكيم حيفظ فيها مؤونته‪ ،‬وحنة تضع فيها مصنوعاهتا‪ .‬أما ِ‬

‫«آه! وإن يكن صغرياً‪ ،‬ال يهم! هذا يكفيين دائماً‪ .‬سوف أعمل‪»...‬‬
‫جييب يوسف‪« :‬ال اي مرمي‪ ،‬فأان من سيعمل‪ ،‬أما ِ‬
‫أنت فلن تقومي سوى أبعمال البيت من‬
‫ِ‬
‫بعملك‪».‬‬ ‫ِ‬
‫زوجك‪ .‬فال تذليين‬ ‫غسيل وخياطة‪ .‬إنين شاب وقوي‪ ،‬وأان‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 119 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«سأفعل ما تريد‪».‬‬
‫ِ‬
‫فرغباتك ستكون قانوانً‪ ،‬ولكن‬ ‫«نعم‪ ،‬يف هذا املوضوع‪ ،‬هذه هي إراديت‪ .‬أما يف ابقي األمور‬
‫ليس يف هذا األمر ابلذات‪».‬‬
‫يِ‬
‫صلُون‪ ،‬تتوقف العربة‪.‬‬‫َ‬
‫كان رجالن وامرأاتن بكل وقار‪ ،‬ومها بني األربعني واخلمسني من العمر‪ ،‬قرب الباب مع عدد‬
‫كبري من األطفال والشباب‪.‬‬
‫ِ‬
‫ليمنحك هللا السالم اي مرمي» يقوهلا الرجل األكرب سناً‪ ،‬وتدنو امرأة من مرمي تعانقها وتقبلها‪.‬‬ ‫«‬

‫يقول يوسف‪« :‬هذا أخي حلفا‪ ،‬وهذه مرمي زوجته‪ ،‬وهؤالء أوالدمها‪ ،‬وقد جاءوا خصيصاً‬
‫لك لو ِ‬
‫أردت‪».‬‬ ‫لك إن منزهلم هو منز ِ‬
‫بك‪ ،‬وليقولوا ِ‬
‫لالحتفال ِ‬

‫تقول مرمي زوجة حلفا‪« :‬نعم‪ ،‬تعايل اي مرمي‪ ،‬إذا كان العيش وحيدة يضن ِ‬
‫يك‪ .‬الريف مجيل يف‬
‫الربيع‪ ،‬ومنزلنا وسط احلقول املزهرة‪ .‬وستكونني ِ‬
‫أنت فيه أمجل زهرة‪».‬‬

‫أشكرك اي مرمي‪ .‬سوف آيت بكل سرور بني احلني واحلني‪ ،‬دون اإلساءة لعرف الزواج‪ .‬ولكنين‬ ‫« ِ‬
‫نسيت مالحمه‪ ...‬أما اآلن‬
‫ُ‬ ‫كنت صغرية جداً عندما غادرتُه‪ ،‬وقد‬
‫أرغب كثرياً رؤية واستكشاف منزيل‪ُ .‬‬
‫وقد وجدتُه‪ ...‬فيبدو يل أين أالقي أمي اليت أضعتُها‪ ،‬وأي احملبوب‪ ،‬أالقي صدى كلماهتما‪ ...‬وعطر‬
‫آخر تنهيدة هلما‪ .‬يبدو أين مل أعد يتيمة‪ ،‬ألنين أمتلك حويل عناق اجلدران‪ ...‬افهميين اي مرمي‪ ».‬وهنا‬
‫فضح صوت مرمي أتثرها‪ ،‬وتتألأل الدموع على أهداهبا‪.‬‬‫يَ َ‬
‫جتيب مرمي اليت حللفا‪« :‬كما تريدين اي حبيبيت‪ .‬ولكين أر ِ‬
‫يدك أن حتسي ي كأخت ِ‬
‫لك وصديقة‬
‫لك إىل حد ما‪ ،‬فأان أكرب ِ‬
‫منك سناً‪».‬‬ ‫وكأم ِ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 120 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ِ‬
‫والدتك‪.‬‬ ‫رت ساعة‬ ‫يك اي مرمي‪ .‬أان سارة صديقة أم ِ‬
‫تقرتب املرأة األخرى‪« :‬أحي ِ‬
‫ض ُ‬‫ك‪ ،‬ولقد َح َ‬
‫ك سأفعله ِ‬
‫لك لو‬ ‫ك‪ .‬وما كنت أفعله ألم ِ‬ ‫وهذا هو حلفا‪ ،‬ابين الصغري حلفا وهو الصديق األكرب ألم ِ‬
‫ُ‬
‫لك هي اآلن لنا‪ .‬ولكن لو ِ‬
‫أردت اجمليء فتستطيعني‬ ‫بيتك‪ ،‬وحقو ِ‬ ‫ِ‬
‫أردت‪ .‬أترين؟ إن بييت هو األقرب إىل ِ‬
‫ذلك يف أية ساعة تشائني‪ ،‬وسنجعل لذلك ممراً يف السياج فنكون معاً مع بقائنا كل يف بيته‪ .‬وهذا هو‬
‫زوجي‪».‬‬

‫«أشكركم مجيعاً وعلى كل شيء‪ ،‬من أجل كل صنيع أردمت أن تسدوه ألهلي وتريدون أن تسدوه‬
‫يل‪ .‬فليبارككم هللا الكلي القدرة‪».‬‬

‫أتعرف على بيت الناصرة الصغري كما‬ ‫أُن ِزلَت الصناديق الثقيلة وأ ِ‬
‫ُدخلَت إىل البيت‪ .‬يدخلون‪ ،‬و َّ‬
‫هو فيما بعد أثناء حياة يسوع‪.‬‬

‫أيخذ يوسف مرمي من يدها ‪-‬حركة طبيعية واعتيادية‪ -‬ويدخالن هكذا‪ .‬وعند العتبة يقول هلا‪:‬‬
‫لك صديق آخر‬ ‫لك فال يكن ِ‬ ‫يعرتضك أو حيصل ِ‬
‫ِ‬ ‫«واآلن‪ ،‬على هذه العتبة أريد ِ‬
‫منك وعداً‪ :‬أي شيء‬
‫أو م ِ‬
‫ساعد تلتجئني إليه إال يوسف‪ .‬وكذلك أال َّتفي ِ‬
‫أملك ألي سبب من األسباب‪ .‬أان بِ ُكلييت حتت‬ ‫ُ‬
‫فك‪ ،‬تذكري هذا‪ ،‬وهنا سيكمن فرحي يف أن أجعل در ِ‬
‫بك سعادة‪ ،‬ومبا أن السعادة ليست دائماً‬ ‫تصر ِ‬
‫يف متناول يدان‪ ،‬فعلى األقل أن أجعلها ِ‬
‫لك هادئة وأمينة‪».‬‬

‫أعدك بذلك اي يوسف‪».‬‬


‫« َ‬

‫وتُفتَح األبواب والنوافذ لتدخل الشمس املائلة للغروب بفضول‪.‬‬

‫َّتلع مرمي اآلن املعطف والوشاح‪ ،‬ذلك أهنا ما تزال بثوب العرس ماعدا زهور اآلس‪ .‬مث َّترج‬
‫إىل احلديقة املزهرة‪ .‬تنظر وتبتسم‪ ،‬ويدها ما تزال يف يد يوسف‪ ،‬تدور حول احلديقة‪ .‬تبدو وكأهنا‬
‫استعادت ملكية مكان فَـ َق َدتهُ سابقاً‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 121 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫رت هذه احلفرة لتجميع مياه املطر‪ ،‬ألن الكروم‬ ‫يدهلا يوسف على أعماله‪« :‬أترين؟ هنا َح َف ُ‬
‫وزرعت أشجار التفاح‬
‫ُ‬ ‫قصصت أغصاهنا القدمية لتنتعش‪.‬‬‫ُ‬ ‫عطشى دائماً‪ .‬أما شجرة الزيتون هذه‪ ،‬فقد‬
‫زرعت أشجار التني‪ ،‬فهذه عندما ستنمو سوف حتمي املنزل من‬ ‫هذه ألن اثنتني كانتا قد ماتتا‪ ،‬وهنا ُ‬
‫لت فقط احلوامل املهرتئة كما‬‫حرقة الشمس ومن النظرات الفضولية‪ .‬هنا العريشة القدمية‪ ،‬وقد بد ُ‬
‫أعملت املقص يف الكروم‪ ،‬سوف تعطي الكثري من العنب‪ ،‬هذا ما أمتناه‪ .‬وهنا‪ ،‬انظري» ويقودها‬ ‫ُ‬
‫ودعَّمتُها‪ ،‬وعندما‬
‫رت مغارة صغرية َ‬ ‫مفتخراً إىل املنحدر خلف املنزل‪ ،‬وهو حدود احلديقة‪« ،‬وهنا َح َف ُ‬
‫ينمو هذه الزرع الصغري‪ ،‬ستصبح حبجم تلك اليت كانت ِ‬
‫لك سابقاً تقريباً‪ .‬إال أنه مل يعد هناك نبع‪...‬‬
‫ِ‬
‫لرؤيتك‪».‬‬ ‫ولكين سأعمل على جلب سلسال ماء‪ .‬وسأعمل يف ليايل الصيف الطويلة عندما سآيت‬

‫فيقول حلفا‪« :‬ولكن كيف؟ ألن تتزوجا هذا الصيف؟»‬

‫«ال‪ ،‬فمرمي ترغب يف إخاطة األغطية الصوفية‪ ،‬الشيء الوحيد الذي يفتقده اجلهاز‪ .‬وأان سعيد‪.‬‬
‫انتظرت سنة أو أكثر‪ .‬وأثناء ذلك ستتعود على املنزل‪»...‬‬
‫ُ‬ ‫فمرمي ما تزال شابة‪ ،‬وال يهم إن‬

‫لت إىل اآلن‪ .‬أتساءل إذا ما كان هناك من هو على‬


‫كنت دائماً خمتلفاً عن اآلخرين‪ ،‬وما ز َ‬
‫«آه! َ‬
‫أنت تنتظر أشهراً!‪»...‬‬
‫غري عجل لتصبح زهرة مثل مرمي زوجة له‪ ،‬و َ‬
‫فيجيب يوسف اببتسامة عذبة‪« :‬كلما طال انتظار الفرحة جاء طعمها أحلى وألذ‪».‬‬

‫يرفع األخ كتفيه ويسأل‪« :‬مّت تفكر ابلزفاف؟»‬

‫«عندما تبلغ مرمي السادسة عشرة‪ .‬بعد عيد املظال‪ .‬وستكون أمسيات الشتاء أعذب ابلنسبة‬
‫لعروسني جديدين!‪»...‬‬

‫ويبتسم اثنية وهو ينظر إىل مرمي نظرة انتظار سري مليئة عذوبة وعفة أخوية لطيفة‪ .‬مث يتابع‪:‬‬
‫«ها هنا الغرفة‪ ،‬داخل األكمة‪ .‬إذا ِ‬
‫رغبت فسأجعلها مشغلي عندما آيت‪ ،‬فهي متصلة ابملنزل‪ ،‬ولكنها‬
‫كنت مع ذلك تريدين غري هذا‪»...‬‬‫ليست داخله‪ ،‬وهكذا لن يكون هناك ضجة وال فوضى‪ .‬أما إذا ِ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 122 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«ال اي يوسف‪ ،‬هكذا سيكون جيداً جداً‪».‬‬

‫دخالن إىل املنزل وينريان املصابيح‪.‬‬


‫يَ ُ‬
‫يقول يوسف‪« :‬مرمي تعبة‪ ،‬فلندعها تراتح مع األنسباء‪».‬‬

‫حييي اجلميع وينصرفون‪ .‬يبقى يوسف لبضع دقائق أخرى‪ ،‬يتحدث إىل زكراي بصوت منخفض‪.‬‬
‫أنت؟ أان مسرور ألهنا ست ِ‬
‫عينك‬ ‫عندك لبعض الوقت‪ ،‬أمسرورة ِ‬ ‫نسيبك أليصاابت ِ‬‫ِ‬ ‫«سوف يدع‬
‫كي‪ ...‬تصبحي ربة منزل عظيمة‪ .‬معها سوف تنظمني كل شيء حسب ِ‬
‫ذوقك وترتبني املوبيليا‪،‬‬
‫ِ‬
‫ملساعدتك‪ .‬معها ستستطيعني أتمني الصوف وكل ما يلزم‪ ،‬وأان من سيتوىل أمر‬ ‫وسوف آيت كل مساء‬
‫ِ‬
‫وعدت أن تلتجئي إيل يف كل شيء‪ .‬إىل اللقاء اي مرمي‪ .‬انمي أول ليلة كامرأة‬ ‫املصاريف‪ .‬تذكري ِ‬
‫أنك‬
‫لك مالك هللا هادائً‪ .‬وليكن الرب ِ‬
‫معك على الدوام‪».‬‬ ‫بيتك‪ ،‬وليجعله ِ‬
‫يف هذا البيت الذي هو ِ‬

‫أنت أيضاً حتت جناح مالك هللا‪ .‬شكراً اي يوسف على كل‬‫«إىل اللقاء اي يوسف‪ ،‬فلتكن َ‬
‫ك‪».‬‬‫شيء‪ .‬بقدر استطاعيت‪ ،‬سوف أجعل حيب متجاوابً مع حب َ‬
‫حييي يوسف األنسباء وخيرج‪ .‬ويف الوقت ذاته تنتهي الرؤاي‪.‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫وبكل العذوبة والطالوة خارج‬ ‫ِ‬


‫يسوعك هبدوء‬ ‫ِ‬
‫محلك‬ ‫انتهت الدورة (فرتة ما قبل البشارة)‪ ،‬وقد‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫غصت يف هذه‬ ‫األايم‪ .‬وكطفل صغري يلبس الصوف الناعم وهو موضوع على وسادات وثرية‪،‬‬ ‫صخب هذه ّ‬
‫مروعة بوحشيّة الناس الذين يتباغضون بدل أن يتحابّوا‪ .‬مل تكوين‬ ‫الرؤى السعيدة كي ال تشعري ِ‬
‫وأنت َّ‬
‫ُتمل أشياء كثرية‪ ،‬وال أريد أن متويت ألنّين أهتم بـ «الناطقة بلساين»‪ .‬سوف يزول من العامل‬
‫لتستطيعي ّ‬
‫السبب الذي من أجله تتعذب الضحااي بكل اليأس‪ .‬وابلنسبة ِ‬
‫لك أيضاً‪ ،‬اي ماراي‪ ،‬سينتهي زمن األمل املريع‪.‬‬ ‫ّ‬
‫أنت ضحية‪ .‬ولكن جزءاً من ِ‬
‫آملك‬ ‫ِ‬
‫أحاسيسك الشخصية‪ .‬لن تتوقّفي عن األمل‪ِ :‬‬ ‫ألسباب كثرية تنتهك‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 123 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫قلت ملرمي اجملدليّة ساعة موهتا‪" :‬اسرتحيي‪ ،‬حان وقت‬
‫سيتوقّف‪ .‬وبعدها سيأيت اليوم الذي أقول فيه كما ُ‬
‫أشواكك‪ .‬لقد حان وقت الورود‪ .‬اسرتحيي وانتظري‪ .‬أابر ِ‬
‫كك اي مباركة‪".‬‬ ‫ِ‬ ‫اسرت ِ‬
‫احتك‪ .‬أعطين‬

‫لك ذلك‪ ،‬وكان وعداً مين‪ ،‬ومل تدركيه عندما حان الوقت الذي تغوصني فيه‪ ،‬تتدحرجني‪،‬‬ ‫قلت ِ‬
‫ُ‬
‫احلب الذي هو أان‬ ‫ِ‬
‫أكرر لك ذلك اآلن بفرح ال خيتربه إالّ ّ‬ ‫مكبّلة‪ ،‬مغطّاة ابألشواك يف أعمق الظلمات‪ّ ...‬‬
‫لك اآلن‪ :‬زمن التضحية انتهى‪ .‬وأان الذي أعرف أقول‬ ‫عندما أريد أن أوقف األمل عن احملبوبة‪ .‬هذا ما أقوله ِ‬
‫بت يل فيها‬‫لك من أجل العامل الذي ال يعرف‪ ،‬ألجل إيطاليا وفيارجييو‪ ،‬ألجل هذه البلدة الصغرية اليت جلَ ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫يتك سيسيليا‬ ‫املخصص للمحرقات من أجل تضحياهتم‪ .‬عندما أر ِ‬ ‫أتملي معَن هذه الكلّمات‪ -‬الشكر‬
‫ّ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫مشربة بعطوري اليت َج َذبَت بروائحها الزوج والصهر واخل ّدام واألهل واألصدقاء‪.‬‬ ‫الزوجة البتول ُ ِ‬
‫قلت لك ّإهنا ّ‬
‫لك‪ ،‬أان الذي أعرف‪ ،‬عن دور سيسيليا يف هذا العامل‬ ‫فعلت ذلك دون أن تعلمي‪ ،‬ولكنّين أقول ِ‬ ‫وأنت قد ِ‬ ‫ِ‬
‫أدركوا‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الذي أصبح جمنوانً‪ .‬أنت ممتلئة مين‪ ،‬من كلميت ؛ لقد محلت رغبايت وسط الناس‪ ،‬واألفضل منهم َ‬
‫ضلة واحملبوبة‬‫وطنك أبكمله‪ ،‬واألمكنة املف ّ‬ ‫ِ‬ ‫يدمر‬ ‫ِ‬
‫وبعدك‪ ،‬أيّتها الضحيّة‪ ،‬كثريون‪ ،‬كثريون خرجوا‪ ،‬وإذا مل ّ‬
‫استمري أيضاً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ونشاطك‪ .‬شكراً أيّتها املباركة‪ .‬إ ّّنا‬ ‫لديك‪ ،‬فذلك ألن كثرياً من القرابني قُ ِّدمت بعد مثَ ِ‬
‫لك‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وأننت أيتها الضحااي‪ ،‬مثّن هذا االفتداء‪.‬‬
‫أمس احلاجة ألنقذ األرض‪ ،‬ألفتديها‪ّ .‬‬ ‫فأان يف ّ‬
‫ِ‬
‫ترفعك دائماً أكثر إىل مستوى إدراك علم احلياة‬ ‫احلكمة اليت تث ّقف الق ّديسني وتث ّق ِ‬
‫فك بتعليم مباشر‪،‬‬
‫ك يف مقر احلكمة وابقي فيها‬‫خيمتك قرب بيت الرب‪ .‬اغرسي أواتد خيمت ِ‬ ‫ِ‬ ‫وممارستها‪ .‬فانصيب ِ‬
‫أنت أيضاً‬
‫ِ‬
‫وسيجعلك يف مأمن‬ ‫وال خترجي‪ .‬سرتاتحني ُتت محاية الرب الذي ِ‬
‫حيبك كعصفور وسط األغصان املزهرة‪،‬‬
‫من كل سوء األحوال الروحية‪ ،‬وستكونني يف نور جمد هللا من حيث ستهبط ِ‬
‫إليك كلمات السالم واحلقيقة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫اذهيب بسالم‪ .‬أابر ِ‬
‫كك اي مباركة‪».‬‬

‫وبعد ذلك مباشرة تقول مرمي‪:‬‬

‫الرب‬
‫تتذمري من ّ‬ ‫األم يف عيدها‪ .‬سلسلة هدااي‪ .‬وإن كان بينها بعض األشواك‪ ،‬ال ّ‬
‫«إىل ماري هديّة ّ‬
‫ِ‬
‫ووجدت‬ ‫كل أمل سيلقى سلواه‪".‬‬ ‫ب القليلني ج ّداً‪ِ ُ .‬‬ ‫ِ‬
‫قلت لك يف البداية‪" :‬اكتيب عين‪ .‬و ّ‬ ‫َح َّ‬
‫الذي أحبّك كما أ َ‬
‫لك لزمن االضطراابت هذا‪ .‬فنحن ال هنتم فقط ابلروح‪ ،‬ولكننا‬ ‫أن هذا حقيقي‪ .‬هذه اهلدية كانت حمفوظة ِ‬
‫نعرف أن نعري اهتماماً للمادة اليت ليست أبداً مالكة‪ ،‬بل خادمة مفيدة للروح لتتيح له اجناز رسالته‪ .‬كوين‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 124 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ِ‬
‫يهدهدك‬ ‫البشري الودود‪ ،‬والذي‬ ‫حّت ابملعَن‬ ‫عارفة جلميل الباري تعاىل‪ ،‬الذي هو ابلنسبة ِ‬
‫ّ‬ ‫لك ابحلقيقة أب ّ‬
‫سر سنوايت األوىل‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يروعك‪ .‬أحبّيين دائماً أكثر‪ ،‬لقد محلتك معي يف ّ‬
‫ابطخنطافات عذبة‪ ،‬ليزيل عنك ما سوف ّ‬
‫وأحيب هللا اآلب‪ ،‬هللا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل شيء عن الـ "ماما"‪ .‬أحبّيين كابنة وكأخت لك يف مصريك كضحيّة‪ّ .‬‬ ‫اآلن تعرفني ّ‬
‫يدي بركة اآلب واالبن والروح القدس‪ ،‬ولتأخذ عطر‬ ‫االبن‪ ،‬وهللا الروح القدس يف كمال احلب‪ .‬ولتمر عرب ّ‬
‫عليك‪ .‬كوين سعيدة بشكل فائق الطبيعة‪».‬‬‫األم‪ ،‬ولتنزل وتستقر ِ‬‫لك‪ ،‬حب ّ‬ ‫حيب ِ‬

‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬


‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 125 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -23‬البشـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــارة)‬

‫‪1944 / 03 / 08‬‬

‫هذا ما أراه‪ :‬مرمي شابة صغرية مراهقة ‪-‬مظهرها يدل على أهنا مل تتجاوز اخلامسة عشرة‪ -‬يف‬
‫غرفة صغرية مستطيلة‪ ،‬غرفة مناسبة حبق لصبية‪.‬‬

‫إىل جانب اجلدار األطول يوجد السرير‪ :‬مرقد منخفض دون جوانب‪ ،‬مغطى حبصر أو سجاد‪،‬‬
‫وكأهنا ممدودة على طاولة أو حصرية قصب‪ .‬إهنا ابحلقيقة متصلبة وال تشكل احنناءات كما حيصل‬
‫على أسرتنا‪ .‬وعلى اجلدار اآلخر رف‪ ،‬عليه مصباح زيت ولفافات رق وأعمال خياطة مطوية بعناية‬
‫وكأهنا تطريز‪ .‬وإىل اجلانب‪ ،‬من جهة الباب املفتوح على احلديقة واملغطى بستار حيركه هواء خفيف‪،‬‬
‫جتلس العذراء على كرسي صغري‪.‬‬

‫إهنا تغزل كتاانً انصع البياض وانعماً كاحلرير‪ .‬ويداها الصغرياتن األقل بياضاً قليالً من الكتان‬
‫تديران املغزل برشاقة‪ .‬والوجه الصغري الفيت مجيل جداً‪ ،‬هبي ابحنناءته اخلفيفة وابتسامته الرقيقة كما لو‬
‫كانت تداعب أو تتبع فكرة عذبة‪.‬‬

‫صمت عميق يف البيت الصغري واحلديقة‪ .‬سالم عميق على وجه مرمي كما يف حميطها‪ .‬سالم‬
‫وترتيب‪ .‬كل شيء نظيف ومرتب واجلو العام متواضع يف مظهره ويف األاثث‪ ،‬متاماً كما يف صومعة‪،‬‬
‫مع شيء من التقشف‪ ،‬ولكنه بنفس الوقت ملوكي بسبب الصفاء والعناية اليت هبا ُرتِبت األقمشة على‬
‫السرير‪ ،‬واللفافات واملصباح وإانء النحاس الصغري قرب املصباح‪ ،‬واحلاوي حزمة من األغصان املزهرة‪،‬‬
‫لست أدري‪ ،‬ولكنها ابلتأكيد أغصان أشجار مثمرة ذات أزهار متيل قليالً‬‫أغصان دراق أم إجاص‪ُ ،‬‬
‫إىل اللون الزهري‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 126 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫نشد بصوت منخفض‪ ،‬مث ترفع الصوت قليالً‪ .‬ليس ذاك اإلنشاد العظيم‪ ،‬ولكنه صوت‬ ‫مرمي تُ ِ‬
‫يرتدد يف الغرفة الصغرية حيث حيس املرء وكأن نـَ ْفسها ترتعش‪ .‬ال أفهم الكالم‪ ،‬فهو ابلتأكيد كالم‬
‫كت أنه رمبا من الرتاتيل املقدسة أو قد يكون مزموراً‪ .‬وقد‬
‫عربي‪ .‬ولكن مبا أهنا تردد كثرياً «يهوه» أدر ُ‬
‫تكون مرمي تتذكر تراتيل اهليكل‪ ،‬وقد تكون الذكرى عذبة‪ ،‬ذلك أهنا تضع يديها اللتني حتمل هبما‬
‫اخليط واملغزل على صدرها وترفع رأسها وتسنده من اخللف إىل اجلدار؛ وجهها يشع أبلوان حية‪،‬‬
‫لست أدري ما هي‪ ،‬وقد أصبحتا أكثر إشعاعاً ببكاء مكبوت‪ ،‬لكنه‬ ‫وعيناها اتئهتان مع فكرة عذبة ُ‬
‫جيعلهما تبدوان أكرب‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فعيناها تضحكان وتبتسمان لفكرة تتبعها فتعزهلا عن حميطها‪ .‬يربز‬
‫وجه مرمي من الثوب األبيض البسيط جداً واملورد‪ ،‬وقد ِخيط بضفائر كأهنا التاج حول رأسها‪ ،‬حّت‬
‫لتحسبها زهرة مجيلة‪.‬‬

‫خادمك حيمل السالم إىل‬ ‫بدل النشيد بصالة‪« :‬أيها الرب السامي‪ ،‬ال تتأخر يف إرسال‬ ‫تست ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مسيحك‪ .‬أيها اآلب القدوس‪َ ،‬هب‬ ‫أوجد الزمن املناسب والعذراء الطاهرة واملخصبة جمليء‬‫األرض‪ِ .‬‬
‫َ‬
‫وعدلك على األرض‪ ،‬وأن‬‫َ‬ ‫خادمتك أن َهتِب حياهتا هلذا اهلدف‪ .‬هبين أال أموت قبل أن أرى َ‬
‫نورك‬ ‫َ‬
‫خادمتك‬
‫َ‬ ‫أرى الفداء حمققاً‪ .‬أيها اآلب القدوس أرسل إىل األرض َمن َج َع َل األنبياء يتأوهون‪ ،‬أرسل إىل‬
‫إقامتك‪ ،‬فإن أبوابه ستكون قد فُتِ َحت بواسطة‬
‫َ‬ ‫الفادي‪َ .‬هب يل ساعة انتهاء يومي أن يُفتَح يل مكان‬
‫ـرونك‪ .‬تعـال‬
‫ـونك‪ .‬تعـال‪ ،‬تعـال اي روح الـرب‪ ،‬تعـال إىل املـؤمنني الذين ينتظ َ‬
‫مسيحك لكل الذين يرج َ‬
‫َ‬
‫اي أمـري السالم!‪ »...‬وتبقى هكذا ال تعي لنفسها‪.‬‬

‫يتحرك الستار بقوة أكرب كما لو أن أحداً من اخلارج ُحي ِدث تيار هواء أو يهزه ليبعده‪ .‬ويَلِج نور‬
‫أبيض وكأنه من الآللئ أو من الفضة الصرف جيعل اجلدران املائلة إىل االصفرار أكثر إشراقاً‪ ،‬وجيعل‬
‫ألوان األقمشة أكثر حيوية‪ ،‬وجيعل وجه مرمي املرتفع أكثر روحانية‪ .‬يف قلب هذا النور‪ ،‬ودون أن‬
‫تكشف السجادة عن السر الذي يتم ‪-‬حّت إهنا مل تعد هتتز‪ ،‬بل تدلت جامدة على الدعامات‪ ،‬وكأهنا‬
‫ظهر رئيس املالئكة جاثياً‪.‬‬
‫جدار يعزل الداخل عن اخلارج‪ -‬يف قلب هذا النور يَ َ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 127 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫بكل أتكيد‪ ،‬كان ال بد من أن يتخذ مظهراً بشرايً‪ ،‬ولكن مظهره هذا يفوق الشكل البشري‪.‬‬
‫من أي نوع من األجساد تشكل هذا الوجه البهي الساطع؟ ما جوهر املادة اليت صنعهُ هللا منها ليجعل‬
‫أحاسيس العذراء تدركه؟ وحده هللا ميتلك جواهر املواد هذه ويستخدمها بشكل اتم‪ .‬إنه وجه‪ ،‬جسم‪،‬‬
‫عيون‪ ،‬فم‪ ،‬شعر‪ ،‬ويدان كاليت لنا‪ ،‬ولكنه ليس من مادتنا الكامدة غري النفوذة‪ .‬إنه نور أخذ لون اجلسد‬
‫والعيون والشعر والشفاه‪ ،‬نور يتحرك ويضحك وينظر ويتكلم‪.‬‬
‫لك اي مرمي‪ ،‬اي ممتلئة نعمة‪ ،‬السالم ِ‬
‫لك!» صوت يتمتع ابنسجام عذب مثل الآللئ‬ ‫«السالم ِ‬
‫اليت تتساقط على معدن مثني‪.‬‬

‫ترتعش مرمي وَّتفض عينيها‪ ،‬ترتعش أكثر عندما ترى هذا املخلوق النوراين جاثياً على بُعد مرت‬
‫منها تقريباً‪ ،‬ذراعاه متصالبتان على صدره وينظر إليها ابحرتام ال متناه‪.‬‬
‫تنتَ ِ‬
‫صب مرمي واقفة وتلتصق ابجلدار‪ .‬يشحب لوهنا‪ ،‬مث يعلوها امحرار‪ .‬وجهها يُ ِعرب عن دهشة‬
‫وذهول‪ .‬تضم يديها بشكل ال شعوري إىل صدرها وَّتبئهما يف كميها الطويلني‪ .‬تنحين قليالً لتخفي‬
‫ما أمكنها من جسدها‪ .‬عادة حياء حلو‪.‬‬
‫معك! ِ‬
‫أنت مباركة بني كل النساء‪».‬‬ ‫«ال‪ .‬ال َّتايف فالرب ِ‬

‫رسل ِمن قِبَل هللا أم ِمن قِبَل‬


‫ويستمر خوف مرمي‪ .‬فمن أين أتى هذا غري العادي؟ هل هو ُم َ‬
‫الشيطان املخادع؟‬
‫«ال َّتايف اي مرمي!» يكررها رئيس املالئكة‪« .‬أان جربائيل مالك هللا‪ .‬وقد أرسلين هللا ِ‬
‫لك‪ .‬ال‬
‫أنت حتبلني وتلدين ابناً وتسمينه يسوع‪ .‬هذا سيكون عظيماً وابن‬ ‫نلت نعمة لدى هللا‪ ،‬وها ِ‬ ‫َّتايف فقد ِ‬
‫العلي يدعى‪ ،‬سيكون كذلك حبق‪ ،‬وسيعطيه الرب اإلله عرش داود أبيه وميلك إىل األبد على آل‬
‫يعقوب‪ ،‬ولن يكون مللكه انقضاء‪ .‬أد ِركي أيتها العذراء القديسة‪ ،‬حمبوبة الرب وابنته املباركة‪ ،‬واملدعوة‬
‫لتكوين أم ابنه‪ ،‬أي ابن ست ِ‬
‫نجبني‪».‬‬ ‫ُ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 128 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«كيف سيكون هذا وأان ال أعرف رجالً؟ هل رفض الرب اإلله تقدمة خادمته‪ ،‬وال يريدين أن‬
‫أبقى عذراء َحمبَّة به؟»‬
‫«ال‪ ،‬لن يكون بفعل بشر أن تصبحي أُماً اي مرمي‪ِ .‬‬
‫فأنت العذراء األزلية‪ ،‬قديسة هللا‪ .‬والروح‬
‫منك يدعى القدوس‪ ،‬قدوس هو وابن هللا‪ .‬وكل‬ ‫لك‪ .‬لذلك فاملولود ِ‬‫عليك وقوة العلي تظل ِ‬
‫القدس حيل ِ‬
‫شيء مستطاع لدى الرب إهلنا‪ .‬وها إن أليصاابت العاقر قد َمحَلَت يف شيخوختها اببن سيكون النيب‬
‫وذكرها يدوم بني األمم مرتبطاً ِ‬
‫ابمسك مثل‬ ‫البنك‪ .‬فالرب قد مسح عنها العار‪ِ ،‬‬‫الذي يهيئ الطريق ِ‬
‫وسك‪ ،‬وحّت هناية الدهور تطوبكما مجيع األمم بسبب حلول نعمة الرب‬ ‫ارتباط اسم خليقته بقد ِ‬
‫اسطتك‪ .‬أليصاابت هي اآلن يف شهرها‬ ‫أنت بشكل خاص‪ ،‬وقد حلَّت على األمم بو ِ‬ ‫وعليك ِ‬
‫ِ‬ ‫عليكما‪،‬‬
‫أنت‪ ..‬ال شيء غري مستطاع لدى‬ ‫ببهجتك ِ‬
‫ِ‬ ‫ومحلها يثري فرحها‪ ،‬وسيثريه أكثر عندما تعلم‬
‫السادس‪َ ،‬‬
‫هللا اي مرمي املمتلئة نعمة‪ .‬ماذا ينبغي يل أن أقول لري؟ ال تضطري ألية فكرة‪ .‬الرب يسهر على‬
‫ِ‬
‫كلمتك!»‬ ‫مصاحلك إذا ِ‬
‫وثقت به‪ .‬والعامل والسماء واألزيل ينتظرون‬ ‫ِ‬

‫تقول مرمي‪ ،‬وهي اآلن بدورها‪ ،‬ذراعاها متصالبتان على صدرها وقد احننت احنناءة كبرية‪« :‬ها‬
‫لك‪».‬‬
‫أان ذا أمة للرب‪ ،‬وليكن يل حبسب قو َ‬
‫يشع املالك فَرحاً‪َ .‬خي َشع ألنه ابلتأكيد يرى روح هللا انزالً على العذراء املنحنية يف قبوهلا‪ .‬مث‬
‫خيتفي دون حتريك السجادة الستارة اليت يرتكها منسدلة على السر املقدس‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 129 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -24‬معصية حواء األوىل)‬

‫‪1944 / 03 / 05‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫أمل يُكتَب يف سفر التكوين إن هللا قد منح اإلنسان السيادة على كل شيء ما عدا هللا ومالئكته؟‬
‫أمل يكتب فيه أبنه خلَق املرأة لتكون شريكة الرجل ت ِ‬
‫قامسهُ فرحه والسيطرة على الكائنات احلية؟ أمل‬‫ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ُ َ‬
‫يُكتَب فيه أهنما كاان يستطيعان أن أيكال من كل ما يف اجلنة ما عدا شجرة معرفة اخلري والشر؟ هل‬
‫سألتم أنفسكم عن هذا‪ ،‬أنتم اي من تلهثون وراء أمور كثرية اتفهة وال تعرفون أن تسألوا أنفسكم عن‬
‫احلقائق السماوية؟‬

‫لو كانت نفسكم نشيطة‪ ،‬كنتم ستقولون إهنا عندما تكون يف حالة النعمة‪ ،‬فهي كالزهرة بني‬
‫يدي مالككم‪ ،‬عندما تكونون يف حالة النعمة‪ ،‬فهي تشبه زهرة تتلقى قبلة الشمس‪ ،‬منتعشة ابلندى‬
‫بفعل الروح القدس الذي يدفئها وينريها‪ ،‬ويسقيها وجيملها ابألنوار السماوية‪ .‬كم من احلقائق َّتربكم‬
‫عنها نفسكم لو كنتم جتيدون احلوار معها؟ لو كنتم حتبوهنا كما حيبها الذي مينحكم الشبه مع هللا‬
‫والذي هو الروح مبا أن نفسكم هي روح‪ .‬أية صديقة عظيمة جتدون يف أنفسكم لو أحببتموها بدل‬
‫وسنية‪ ،‬كنتم ستستطيعون حمادثتها عن األمور السماوية‪ ،‬أنتم‬‫خيانتها حّت القتل؟ أية صديقة عظيمة َ‬
‫اي من تتوقون إىل الكالم وتفسدون الواحد اآلخر بصداقاتكم‪ .‬هذه الصداقات‪ ،‬إن مل تكن شائنة ‪-‬‬
‫وهذا ما حيدث أحياانً‪ -‬فهي تكون تقريباً دائماً غري ذات جدوى‪ ،‬وال تعطي الفرصة للتعبري عن ذاهتا‬
‫إال بسيل من الكلمات الباطلة والضارة‪ ،‬والدنيوية على الدوام‪.‬‬

‫أمل أقل‪" :‬من حيبين حيفظ كالمي‪ ،‬وأي حيبه‪ ،‬وإليه أنيت‪ ،‬وعنده جنعل مقامنا؟" النفس يف حالة‬
‫النعمة متتلك احلب‪ ،‬وابمتالكها احلب متتلك هللا‪ ،‬أي اآلب الذي حيفظها‪ ،‬واالبن الذي يسوسها‪،‬‬
‫والروح الذي ينريها‪ .‬حينئذ متتلك املعرفة والعلم واحلكمة‪ .‬متتلك النور‪ .‬فكروا إذاً‪ ،‬أية حماورات رائعة‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 130 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫تستطيع ربط نفسكم بكم؟ إهنا هي‪ ،‬تلك احملاورات اليت مألت سكون السجون‪ ،‬صمت الزنزاانت‪،‬‬
‫صمت الصومعات‪ ،‬وسكوت املتقني العاجزين‪ .‬إهنا هي اليت قوت املساجني يف انتظار الشهادة‪،‬‬
‫والنساك يف البحث عن احلقيقة‪ ،‬واملتوحدين التواقني إىل معرفة مسبقة عن هللا‪ ،‬وتقوى العاجزين‬
‫للرضوخ‪ ،‬ولكن ماذا أقول يف حبهم لصليبهم؟‬

‫لو كنتم تعرفون سؤال نفسكم لكانت حتدثكم عن الداللة احلقيقية والدقيقة‪ ،‬الواسعة وسع العامل‬
‫"ليسيطر اإلنسان على كل شيء‪ ،‬على مستوى حاالته‬ ‫ِ‬ ‫سيطر" واليت هي كالتايل‪:‬‬ ‫هلذه العبارة "أن ي ِ‬
‫ُ‬
‫الثالث‪ :‬احلالة الدنيا‪ ،‬احليوانية‪ .‬احلالة الوسطى‪ ،‬األخالقية‪ .‬واحلالة السامية‪ ،‬الروحية‪ .‬وأهنا كلها توصله‬
‫إىل هناية واحدة‪ :‬امتالك هللا‪ ".‬امتالكه عن طريق استحقاقه بواسطة هذه السيطرة املطلقة اليت جتعل‬
‫كل قوى األان خاضعة‪ ،‬بل وخادمة هلذا اهلدف الوحيد‪ :‬استحقاق امتالك هللا‪ .‬وستقول لكم إن هللا‬
‫َمنَ َع معرفة اخلري والشر‪ ،‬ألنه قد َمنَ َح اخلري جماانً خلليقته‪ ،‬أما الشر‪ ،‬فلم يرد أن تعرفوه‪ ،‬ألنه مثرة لذيذة‬
‫يف احللق‪ ،‬ولكنها ما أن تصل بعصريها إىل الدم حّت حتمل احلرارة القاتلة وتؤدي إىل عطش ِ‬
‫حمتدم‬
‫لدرجة أنه كلما شرب أحد من هذا العصري الكاذب عطش أكثر‪.‬‬
‫سوف تعرتضون‪" :‬ملاذا وضعه فيها؟" وملاذا؟ ألن الشر قوة ِ‬
‫وج َدت بذاهتا بشكل آين‪ ،‬كما كثري‬ ‫َ ََ‬
‫من اآلالم اليت تصيب األجسام األكثر سالمة‪.‬‬

‫لوسيفوروس مثالً كان مالكاً‪ ،‬وكان األكثر مجاالً وهباء بني املالئكة‪ .‬كان روحاً كامالً‪ ،‬ولكنه‬
‫فقط أدىن مرتبة من هللا‪ .‬ومع ذلك ُولِ َدت يف كيانه النوراين أخبرة الكربايء اليت مل يبددها‪ ،‬بل على‬
‫العكس كثَّـ َفها أبن حضنَها‪ .‬ومن هذا االحتضان ولد الشر‪ .‬وقد كان موجوداً قبل أن يوجد اإلنسان‪.‬‬
‫وطََرَد هللا ذلك امللعون الذي حضن الشر ودنس اجلنة‪ ،‬خارج الفردوس‪ .‬إال أنه بقي احلاضن األزيل‬
‫للشر‪ .‬ومبا أنه مل يعد إبمكانه تدنيس الفردوس‪ ،‬فقد دنَّس األرض‪.‬‬

‫فهذا النبات الرمزي يستخدم للكشف عن هذه احلقيقة‪ .‬قال هللا للرجل واملرأة‪" :‬تعرفان كل‬
‫أسرار اخلليقة‪ ،‬ولكن ال تتعداي على حقي أبن أكون خالق اإلنسان‪ .‬وإلكثار اجلنس البشري سيكفيكم‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 131 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫حيب الذي يسري فيكم بدون فجور‪ ،‬وبفورة احملبة فقط سوف ُخيلَق آدميو اجلنس البشري اجلدد‪.‬‬
‫أعطيكم كل شيء وال أحتفظ سوى بسر تكوين اإلنسان‪".‬‬

‫أراد الشيطان أن يسلب اإلنسان بكارة الذكاء تلك‪ ،‬وبلسانه‪ ،‬لسان احلية‪ ،‬مدح وداعب أعضاء‬
‫وعيين حواء إبحداث ردود فعل وإاثرة مل يكن األبوان األوالن يعرفاهنا‪ ،‬ألن املكر مل يكن قد مسمها‬
‫بعد‪.‬‬

‫حواء "رأت"‪ .‬وعندما رأت أرادت أن جترب‪ .‬فكان استيقاظ اجلسد‪ .‬آه! لو اندت هللا! لو‬
‫َجَرت إليه لتقول له‪" :‬أبيت‪ ،‬أان مريضة‪ .‬مداهنات احلية أاثرت يف االضطراب‪ ".‬لكان األب طهرها‬
‫وشفاها من سورهتا‪ ،‬وكما كان قد بث فيها احلياة‪ ،‬كان ابستطاعته أن يبث فيها براءة جديدة أبن‬
‫جيعلها تنسى سم احلية‪ ،‬وحّت أبن يضع فيها مقت احلية‪ ،‬مثل الذين‪ ،‬بعد إصابتهم مبرض ما وشفائهم‬
‫منه‪ ،‬حيتفظون ابمشئزاز غريزي جتاه هذا املرض‪ .‬ولكن حواء مل تتوجه لآلب‪ :‬بل توجهت صوب احلية‪،‬‬
‫وقد استعذبت هذا اإلحساس‪" :‬وبرؤيتها أن مثر الشجرة كان لذيذاً لألكل‪ ،‬مجيالً للعينني‪ ،‬حسناً‬
‫للنظر‪ ،‬قطفته وأكلَت منه‪".‬‬
‫مث "أدرَكت"‪ ،‬وكان اخلبث قد اخرتق أحشاءها بلسعته‪ .‬فرأت بعينني جديدتني‪َِ ،‬‬
‫ومس َعت أبذنني‬ ‫َ‬
‫جديدتني أخالق وأصوات البهائم‪ ،‬ورغبَت هبا رغبة جمنونة‪ .‬بدأت اخلطيئة وحيدة وأكملتها مع‬
‫شريكها‪ .‬لذا جاء احلكم على املرأة أعظم‪.‬‬

‫بواسطتها أصبح الرجل متمرداً على هللا وعرف الفجور واملوت‪ .‬بسببها مل تعد له السيطرة على‬
‫ملكاته الثالث‪ :‬ملكة الروح‪ :‬ألنه مسح للروح مبخالفة أمر هللا؛ ملكة السلوك األخالقي‪ :‬ألنه مسح‬
‫لألهواء أبن تتملكه؛ وملكة اجلسد‪ :‬ألنه احندر به إىل مستوى قوانني غرائز البهائم‪ .‬تقول حواء‪" :‬احلية‬
‫ت منها"‪ .‬وحينذاك ترتبط الشهوة الثالثية مبمالك‬ ‫أغوتين"‪ ،‬ويقول آدم‪" :‬املرأة أعطتين الثمرة وأان أكل ُ‬
‫اإلنسان الثالث‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 132 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ما من شيء غري النعمة يستطيع أن ينجح يف َّتفيف وطأة قبضة هذا الوحش عدمي الرمحة‪.‬‬
‫وإذا كانت حيوية‪ ،‬حيوية جداً‪ ،‬وتظل دوماً أكثر حيوية إبرادة االبن الويف‪ ،‬فستتوصل إىل ذبح الوحش‬
‫وإىل عدم بقاء ما َّتشاه‪ .‬ال طغاة داخليون‪ :‬املعرفة واجلسد واألهواء‪ .‬وال طغاة خارجيون‪ :‬العامل وجبابرة‬
‫العامل‪ .‬ال اضطهاد وال موت‪ .‬فكما قال بولس الرسول‪" :‬أان ال أخاف أايً من هذه األشياء‪ ،‬وال أحرص‬
‫على حيايت أكثر من ذايت إّنا فقط كي تتم رساليت والكهنوت الذي تلقيته من الرب يسوع ألشهد‬
‫إلجنيل نعمة هللا‪»".‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 133 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫كل املناسبات)‬
‫مار َست الطاعة يف ّ‬
‫‪( -25‬حواء اجلديدة َ‬
‫‪1944 / 03 / 08‬‬

‫تقول مرمي‪:‬‬

‫امتألت فرحاً‪ -‬فُتِ َح قليب كزنبقة‬


‫ُ‬ ‫كت الرسالة اليت دعاين هللا إليها‬ ‫أدر ُ‬
‫«يف الفرح ‪-‬وألنين ما أن َ‬
‫غرس فيها بذرة الرب‪.‬‬ ‫مغلقة‪ ،‬وتدفق منه الدم الذي أصبح أرضاً تُ َ‬
‫فرح األمومة‪:‬‬

‫ست نفسي هلل منذ طفوليت األوىل‪ ،‬ذلك أن نوره تعاىل قد كشف يل كوضح النهار‬ ‫كنت قد كر ُ‬‫ُ‬
‫أردت‪ ،‬على قدر استطاعيت‪ ،‬حمو بصمات الشيطان عين‪ .‬مل أكن أعلم أنين‬ ‫سبب شقاء العامل‪ ،‬وقد ُ‬
‫بال عيب‪ ،‬كما مل أكن أستطيع أن أفكر هبذا‪ ،‬فمجرد التفكري هبذا االمتياز كان سيصبح َّتميناً وكربايء‪.‬‬
‫دت من أبوين بشريني‪ ،‬مل يكن مسموحاً يل أن أفكر أنين أان املختارة املدعوة ألكون دون‬ ‫ِ‬
‫ومبا أنين ُول ُ‬
‫عيب‪ .‬كان روح هللا قد أطلعين على أمل اآلب أمام فساد حواء اليت أرادت أن تتخبط وتنحدر فتهبط‬
‫كنت أمحل يف نفسي الرغبة يف تلطيف هذا‬ ‫من مستوى خليقة النعمة إىل مستوى املخلوقات الدنيا‪ُ .‬‬
‫األمل‪ ،‬وذلك أبن ينمو جسدي وفق طهارة مالئكية‪ ،‬مع إراديت أبن أحافظ على نفسي من أن تُنتَـ َهك‬
‫أفكاري ورغبايت‪ ،‬وكذلك أن أحافظ عليها يف عالقايت البشرية‪ .‬فخفقان قليب كان هلل فقط‪ ،‬وله فقط‬
‫كنت أملك قرار التضحية أبال‬
‫كياين أبكمله‪ .‬ولكن حّت ولو مل تكن يف حرارة اجلسد املتأججة‪ ،‬فقد ُ‬
‫أصبح أماً‪.‬‬

‫األمومة‪ ،‬بعيداً عن كل ما حيط من قدرها اآلن‪ ،‬كانت ممنوحة أيضاً حلواء من اآلب اخلالق‪.‬‬
‫أمومة عذبة وطاهرة‪ ،‬دون وطأة األحاسيس! لقد اختََربُهتا! كم افتَـ َقَرت حواء برفضها هذا الغّن! أكثر‬
‫من كوهنا غري آيلة للموت‪ .‬وال يكن ذلك ابدايً لكم كأنه مبالغة‪ .‬يسوعي‪ ،‬وأان معه‪ ،‬عرفنا مخول‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 134 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫كت أخذين النوم‪ .‬أما هو فقد عرفه حكماً وحشياً عليه ابملوت‪.‬‬ ‫ِ‬
‫املوت‪ .‬أان عرفته لطيفاً‪ ،‬إذ عندما أُهن ُ‬
‫أدرَكنا املوت‪ .‬ولكن األمومة دون االنتهاك أبي شكل‪ ،‬فلي فقط‪ ،‬أان حواء اجلديدة‪ ،‬لكي‬ ‫فنحن أيضاً َ‬
‫ُح ِدث العامل عن مدى عذوبة مصري املرأة اليت كانت مدعوة ألن تصبح أُماً بدون أمل‬ ‫أستطيع أن أ َ‬
‫اجلسد‪ .‬والرغبة هبذه األمومة الطاهرة كان ممكناً أن توجد‪ ،‬وقد ُوِج َدت ابلفعل يف العذراء اليت كانت‬
‫بكل كياهنا هلل‪ ،‬فهذه األمومة هي جمد املرأة‪.‬‬

‫لو فكرمت بعدئذ مبدى سرور املرأة حني تصبح أماً عند اإلسرائيليني‪ ،‬لكنتم متنيتم بشكل أفضل‬
‫رضيت هبا إبقبايل على نذر نفسي هلذا احلرمان‪ .‬أما اآلن فقد َمنَ َح الصالح األزيل‬ ‫ُ‬ ‫التضحية اليت‬
‫اختربت‬
‫ُ‬ ‫خلادمته هذه النعمة دون أن ينزع عين الرباءة اليت لَبِستُها ألكون زهرة على عرشه‪ .‬وأان قد‬
‫غبطة َسنية ابمتالك الفرح املزدوج لكوين أم إنسان وكوين أمة هللا آبن معاً‪.‬‬

‫فرح كوين أان اليت هبا السالم وصل السماء ابألرض‪.‬‬

‫آه! الرغبة هبذا السالم‪ ،‬حملبة هللا والقريب ومعرفة أنه بواسطيت‪ ،‬أان اخلادمة املسكينة للكلي‬
‫القدرة‪ ،‬كان قد أتى هذا السالم للعامل! أقول‪" :‬أال أيها الناس‪ ،‬ال تعودوا تبكون بعد‪ .‬فأان أمحل السر‬
‫الذي جيعلكم سعداء‪ .‬ال أستطيع البوح به لكم ألنه راسخ يف‪ ،‬يف قليب‪ ،‬مثلما َح َوت أحشائي ابن هللا‬
‫دون مس‪ .‬ولكين اآلن أمحله وسطكم‪ ،‬وكل ساعة متر تدين اللحظة اليت ترونه فيها وتعرفون امسه‬
‫القدوس‪".‬‬

‫فرح إعطاء الفرح هلل‪ :‬فرح مؤمنة إبهلها الذي أصبَحَ سعيداً‪.‬‬

‫أظهَر يسوعي اخلطيئة‬


‫آه! اي لنزع مرارة معصية حواء وكربايئها ومرارة كفرها من قلب هللا! لقد َ‬
‫وت هذه اخلطيئة ابلسري بعكس مراحل السقوط‪.‬‬
‫اليت دنس الزوجان األوالن نفسيهما هبا‪ .‬ولقد َحمَ ُ‬
‫بداية اخلطيئة كانت يف عدم الطاعة‪ .‬قال هللا‪" :‬ال أتكال وال تلمسا هذه الشجرة‪ ".‬لقد كان‬
‫ابستطاعة الرجل واملرأة‪َ ،‬ملِ َكي اخلليقة‪ ،‬ملس كل شيء وأكل كل شيء ما عدا تلك الشجرة‪ ،‬ألن هللا‬
‫أراد أن جيعل املالئكة فقط أمسى منهما‪ ،‬ومها مل أيخذا منعه هذا بعني االعتبار‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 135 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫الشجرة‪ :‬الواسطة اليت هبا اختَََرب هللا طاعة أبنائه‪ .‬ما هي الطاعة ألوامر هللا؟ إنه اخلري‪ ،‬ألن هللا‬
‫ال أيمر إال ابخلري‪ .‬وما هي املعصية؟ إهنا الشر‪ ،‬ألهنا تبث يف النفس مشاعر العصيان‪ ،‬وهي األرضية‬
‫املالئمة لعمل الشيطان‪.‬‬

‫وتدنو حواء من الشجرة اليت كان من املفروض أن هترب منها لتنال اخلري‪ ،‬بينما جماورهتا‪ ،‬على‬
‫منجذبة بفضول سخيف لرؤية ما هبا من خصوصية‪ ،‬وابلطيش‬ ‫العكس منحتها الشر‪ .‬ذهبت إليها ِ‬
‫َ‬ ‫ََ َ‬
‫الذي جعلَها حتكم أبن أمر هللا غري ذي جدوى‪ ،‬ألهنا قوية وطاهرة‪ ،‬ملكة عدن‪ ،‬حيث كل شيء‬
‫حتت تصرفها‪ ،‬وحيث ال شيء ميكنه أن يؤذيها‪ .‬معصيتها هذه ستكون سبب دمارها‪ ،‬املعصية اليت‬
‫أصبَ َحت اآلن مخرية الكربايء‪.‬‬

‫ضلِل الذي اغتنم فرصة عدم خربهتا‪ ،‬سذاجة عدم خربهتا‬ ‫ِ‬
‫إىل جانب النبات‪ُ ،‬وج َد املغوي ال ُـم َ‬
‫لك ذلك‬ ‫كعذراء‪ ،‬ضعف عدم خربهتا‪ ،‬و َغ َّّن أغنية الكذب‪" :‬أتؤمنني بوجود الشر؟ أبداً‪ .‬لقد قال هللا ِ‬
‫ليبقيك خادمة جلربوته‪ .‬أتظنان نفسيكما َملِ َكني؟ ال‪ ،‬فإنكما لستما حّت وال حرين كاحليوان الربي‬ ‫ِ‬
‫سمح به لكما‪ .‬لقد أ َِذ َن له أن يصبح خالقاً مثل هللا‪ ،‬فهو‬
‫الذي جعلَهُ حيب حباً حقيقياً‪ ،‬وذاك ما مل يَ َ‬
‫سمح به لكما‪ .‬هذه املسرة‬ ‫يتوالد ويصبح له أبناء‪ ،‬ويرى عائلته تنمو وفق مرامه‪ .‬األمر الذي مل يَ َ‬
‫مرفوضة ابلنسبة لكما‪ ،‬فما نفع كونكما رجالً وامرأة إذاً‪ ،‬إذا كان مفروضاً عليكما العيش هكذا؟ كوان‬
‫آهلة‪ .‬فأنتما حّت اآلن مل تعرفا مسرة أن تكوان اثنني يف جسد واحد وََّتلقا منكما اثلثاً وأكثر‪ .‬ال تؤمنا‬
‫نشئان عائالت جديدة‪ ،‬وأبن يدعكم لتكونوا آابء‬ ‫بوعود هللا أبن تستمتعا بذريتكما برؤية أوالدكما ي ِ‬
‫ُ‬
‫وأمهات‪ ،‬لقد أعطاكما شبه حياة‪ .‬فاحلياة احلقيقية هي معرفة قوانني احلياة‪ .‬هي إذن أن تصبحا شبيهي‬
‫لك؟"‬
‫اآلهلة وأن تستطيعا القول هلل‪" :‬حنن مساواين َ‬
‫وتستمر الغواية ألن حواء مل تكن متلك اإلرادة يف طردها‪ ،‬بل ابألحرى َر ِغبَت يف اتباعها ومعرفة‬
‫ما مل يكن خيص البشر‪ .‬وها هي ذي الشجرة احملرمة تصبح املميتة حبق للجنس البشري‪ ،‬ألنه من‬
‫أغصاهنا أ ُِخ َذ مثر املعرفة املر اآليت من الشيطان‪ .‬وقد أصبَ َحت املرأة أنثى‪ ،‬ومع مخرية املعرفة الشيطانية‬
‫ُفس َدت‪ ،‬والروح حط من قدره‪ .‬وها‬ ‫يف قلبها مضت إىل آدم لتفسده‪ .‬هكذا اجلسد احندر‪ ،‬واألخالق أ ِ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 136 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫مها قد عرفا األمل وموت الروح اجملرد من النعمة واجلسد اجملرد من الالموت‪ .‬ومن جرح حواء ُولِ َد األمل‬
‫الذي لن يزول حّت موت آخر زوج على األرض‪.‬‬

‫ب هللا مين أن أكون‬ ‫أطعت‪ .‬طَلَ َ‬


‫ُ‬ ‫أطعت‪ .‬يف كل الظروف‬ ‫ُ‬ ‫يت درب اخلاطئني ابلعكس‪.‬‬ ‫َم َش ُ‬
‫ب‬‫أحببت البتولية اليت جعلَتين طاهرة مثل املرأة األوىل قبل معرفة الشيطان‪ ،‬طَلَ َ‬
‫ُ‬ ‫أطعت‪ .‬بعد أن‬
‫عذراء‪ُ .‬‬
‫أطعت‪ ،‬رافعة الزواج إىل هذه الدرجة من الطهارة اليت كانت يف فكر هللا‬ ‫ُ‬ ‫مين هللا أن أكون عروسة‪.‬‬
‫عندما َخلَ َق األبوين األولني‪ .‬مقتَنِعة أبن قدري هو الوحدة يف الزواج واحتقار القريب لعقمي املقدس‪،‬‬
‫أيقنت أن هذا ممكن وأن هذه الكلمة أتت من هللا‪،‬‬ ‫أطعت‪ .‬و ُ‬ ‫ُ‬ ‫حينئذ طلب هللا مين أن أصبح أماً‪.‬‬
‫كنت مغمورة ابلسالم‪.‬‬
‫وأنين لدى مساعي إايها ُ‬
‫كنت أستحق ذلك"‪ .‬كما مل أقل لنفسي‪" :‬اآلن سينظر العامل إيل إبعجاب‬ ‫مل أفكر أبداً‪" :‬أان ُ‬
‫تالشيت يف التواضع‪ .‬وتدفَّـ َقت املسرة يف قليب‬
‫ُ‬ ‫أصبحت شبيهة ابهلل بوالديت جسد هللا"‪ .‬بل قد‬
‫ُ‬ ‫ألنين‬
‫أصبحت حماصرة‪ ،‬مغلفة ابألمل كاألغصان التف حوهلا‬
‫ُ‬ ‫كعود مزهر‪ .‬ولكنه اكتظ مباشرة أبشواك حادة و‬
‫اللبالب‪ .‬أمل معاانة الزوج‪ :‬إنه املعصرة يف أحشاء الفرح‪ .‬أمل آالم ابين‪ :‬تلك هي األشواك وسط فرحي‪.‬‬
‫كفرت حبيايت‬
‫رضيت ابألمل والتالشي وأبن أكون أ ََمة‪ .‬لقد ُ‬
‫ُ‬ ‫فحواء أرادت االستمتاع والنصر واحلرية‪ .‬وأان‬
‫املستقرة‪ ،‬بتقدير الزوج وحبرييت الشخصية‪ .‬ومل أحتفظ لنفسي بشيء‪.‬‬

‫أصبحت أ ََمة الرب جبسدي وسلوكي وروحي‪ ،‬ابتكايل عليه‪ ،‬ليس فقط ألجل البتولية‪ ،‬ولكن‬ ‫ُ‬
‫للدفاع عن شريف‪ ،‬لتعزية زوجي‪ ،‬من أجل أن حيمله إىل مسو الزواج بشكل جيعل منا اللذين يُعيدان‬
‫قلت‪:‬‬
‫قت إرادة الرب من أجلي‪ ،‬من أجل زوجي ومن أجل ابين‪ُ .‬‬ ‫للرجل واملرأة اعتبارمها املفقود‪ .‬عانَ ُ‬
‫"نعم" ألجلنا حنن الثالثة‪ ،‬واثقة أبن هللا ال يكذب بوعده أن يسعفين يف أملي كعروسة تَرى أنه قد‬
‫ُح ِك َم عليها أبهنا مذنبة‪ ،‬كأم تَرى أهنا َحتبَل لتدفع اببنها إىل اآلالم‪.‬‬

‫قلت "نعم"‪ .‬نعم‪ .‬وهذا يكفي‪ .‬وهذه "النعم" حمت "ال" حواء ألمر هللا‪" .‬نعم‪ ،‬اي رب‪ ،‬كما‬ ‫ُ‬
‫أنت‪ .‬نعم‪،‬‬
‫شئت‪ ،‬سأأتمل ملا تريده َ‬
‫أنت َ‬‫سأحىي كما تشاء‪ .‬سأستمتع إن َ‬ ‫َ‬ ‫تشاء‪ ،‬سأعرف ما تريد‪.‬‬
‫إليك‪ .‬نعم‪،‬‬
‫شعاعك أُماً وحّت اللحظة اليت انديتين فيها َ‬
‫َ‬ ‫دائماً نعم‪ ،‬ري‪ ،‬منذ اللحظة اليت َج َعلَين فيها‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 137 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫دائماً نعم‪ .‬كل أصوات اجلسد‪ ،‬كل احنناءات إحساسي حتت ثقل هذه النَّعم الدائمة اليت هي يل‪.‬‬
‫املروضة‬
‫إليك‪ ،‬ولكنها السيدة على كل األان َّ‬ ‫وكما على قاعدة ماسية‪ ،‬روحي تنقصها األجنحة لتطري َ‬
‫خلدمتك يف األمل‪ .‬ولكن ابتسم اي هللا وكن سعيداً‪ ،‬فلقد غُلِبَت اخلطيئة‪،‬‬
‫َ‬ ‫خلدمتك يف الفرح‪،‬‬
‫َ‬ ‫واخلاضعة‬
‫ضت‪ ،‬طُِر َحت حتت كعيب‪ ،‬غُ ِسلَت بدموعي‪ُ ،‬ه ِد َمت بطاعيت‪ .‬ومن أحشائي ستنبت‬ ‫انتُ ِز َعت‪ ،‬قُـ ِو َ‬
‫الشجرة اجلديدة‪ ،‬ستحمل الثمرة اليت تعرف كل الشر لتتأمل به بذاهتا وتعطي كل اخلري‪ .‬إليها أييت كل‬
‫البشر‪ ،‬وسأكون سعيدة لو يقطفوهنا‪ ،‬حّت ولو مل يفكروا أهنا مين نبتت‪ ،‬ليخلص البشر ويكون هللا‬
‫حمبوابً‪ ،‬وليجعل من خادمته ما يتم عمله أبرض تنتصب فيها شجرة‪ :‬درجة سلم من أجل الصعود‪".‬‬

‫ليصعد عليها اآلخرون إىل هللا‪ .‬لو داسوا‬ ‫ِ‬


‫ماراي‪ :‬جيب عليك دائماً معرفة أن تكوين درجة سلم َ‬
‫علينا‪ ،‬ال يهم‪ .‬على أن ينجحوا يف الذهاب إىل الصليب‪ .‬إهنا الشجرة اجلديدة اليت حتمل مثرة معرفة‬
‫اخلري والشر‪ .‬ابلفعل‪ ،‬إنه يقول لإلنسان ما هو شر وما هو خري ليعرف االختيار والعيش‪ ،‬كما يعرف‬
‫يف الوقت ذاته أن يصبح ترايقاً يشفي الذين تسمموا ابلشر الذي أرادوا تذوقه‪ .‬قلبنا حتت أقدام البشر‬
‫ليزداد عدد املخلصني‪ ،‬ولكي ال يكون دم يسوعي قد أريق دون أن يثمر‪ .‬هذا هو قَ َدر خادمات هللا‪.‬‬
‫إّنا بعد ذلك‪ ،‬نستحق أن نَقبَل يف أحشائنا الذبيحة املقدسة‪ ،‬وعند أقدام الصليب اجملبول بدمه‬
‫لك ألجل خالص العامل‪.‬‬ ‫وبدموعنا نستطيع القول‪" :‬ها هي أيها اآلب‪ ،‬الذبيحة املنزهة اليت نقرهبا َ‬
‫ك‪".‬‬
‫احفظنا اي رب ذائبتَني فيها‪ ،‬وابستحقاقاهتا الالمتناهية‪ ،‬امنحنا بركت َ‬
‫أمنحك توددي‪ .‬اسرتحيي اي ابنيت‪ ،‬الرب ِ‬
‫معك‪».‬‬ ‫ِ‬ ‫وأان‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 138 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -26‬كلمة أخرى حول شرح اخلطيئة األصلية)‬

‫‪1944 / 03 / 08‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫«جيب أن تُـبَ ِدد كلمة أمي كل تردد حّت يف فكر أكثر الناس تشبثاً ابلشكليات‪.‬‬

‫ويوجد منهم الكثري! يريدون أن مينطقوا األمور اإلهلية مبا هو مادي‪ ،‬مبقاييسهم البشرية‪ ،‬ويزعمون‬
‫أنه من املفروض أن مينطقها هللا كذلك‪ .‬إّنا على العكس‪ ،‬إنه مجيل جداً التفكري أبن هللا يفكر بطريقة‬
‫فائقة البشر لدرجة عظيمة وال هنائية‪ .‬كذلك هو رائع ومناسب التفكري‪ ،‬ليس حسب الرؤية البشرية‬
‫ولكن حسب الروح‪ ،‬واتباع هللا‪ .‬وعدم اإلرساء حيث يتعلق فكركم اإلنساين الذي هو أيضاً من قبيل‬
‫الكربايء‪ ،‬ألنه افرتاض الكمال يف الروح البشري‪ .‬وابلعكس‪ ،‬خبصوص الكمال‪ ،‬ليس هناك سوى‬
‫الفكر اإلهلي‪ ،‬يستطيع لو أراد وارأتى أنه من املفيد أن يفعل‪ ،‬أن ينزل ويصبح كلمة يف فكر وعلى‬
‫شفاه إحدى خملوقاته املنبوذة من العامل‪ ،‬ألهنا يف نظر العامل جاهلة وبال قيمة وحمدودة وصبيانية وسخيفة‪.‬‬

‫حتب احلكمة أن تفقد كربايء الروح اجتاهها‪ ،‬وأن تنتَ ِشر على املنبوذين من العامل الذين ال أفكار‬
‫مكتسبة ابلثقافة‪ ،‬ولكنهم يفيضون حباً وطهارة‪ ،‬وهم عظماء برغبتهم يف‬ ‫َ‬ ‫شخصية هلم وال مذاهب‬
‫خدمة هللا بعد العمل على معرفته وحبه‪ ،‬وبعد استحقاقهم معرفته حببهم إايه بكل قوهتم‪ .‬الحظوا أيها‬
‫الناس يف فاتيما ‪ Fatima‬يف لورد ‪ Lourde‬يف غوادي لوي ‪ Guadeloupe‬يف كارافاجيو‬
‫‪ Caravagio‬يف سالييت ‪ ،Salette‬ففي كل مكان حدثَت ظهورات حقيقية ومقدسة‪ ،‬الذين رأوا‪،‬‬
‫الذين كانوا مدعوين للرؤية‪ ،‬هم خملوقات مسكينة‪ ،‬وهم من انحية السن والثقافة والشروط بني أكثر‬
‫الناس تواضعاً‪ .‬وهلؤالء املغمورين‪ ،‬هلؤالء الالشيء تظهر النعمة لتجعل منهم ُر ُسلها‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 139 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫كنت خاطئاً جداً‬
‫ماذا ينبغي للبشر إذن أن يفعلوا؟ أن ينحنوا مثل العشار ويقولوا‪" :‬ري‪ ،‬لقد ُ‬
‫لصالحك الذي يعزيين بواسطة هذه املخلوقات ومينحين‬ ‫َ‬ ‫أنت‬
‫أعرفك‪ .‬مبارك َ‬
‫َ‬ ‫وغري أهل ألستحق أن‬
‫سنداً مساوايً ودليالً وعربة وأمالً ابلسالم"‪ .‬وأال يقولوا‪" :‬ولكن ال! إهنم حمكوم عليهم‪ ،‬هراطقة! غري‬
‫ممكن!" كيف يكون هذا غري ممكن؟ كائن موهوب قليالً يصبح عاملاً يف علوم هللا؟ ملاذا ال ميكن؟ أمل‬
‫ُنطق اخلرس وأفتح أعني العميان وأجعل الصم يسمعون‬ ‫أُقِم املوتى وأشف اجملانني وأعاجل الصرعى؟ أمل أ ِ‬
‫وأمنح الذكاء للمعوقني؟ أمل أطرد الشياطني كذلك وآمر األمساك أبن تقفز إىل الشباك واخلبز أن يكثر‬
‫واملاء أن يصبح مخراً والعاصفة أن هتدأ واملاء أن يتصلب ويصبح كسطح مرصوف؟ فما هو غري املمكن‬
‫لدى هللا؟‬

‫جيرتح هللا املعجزات بواسطة ُخدامه‬ ‫حّت قبل أن يصبح هللا‪ :‬املسيح ابن هللا‪ ،‬فيما بينكم‪ ،‬أمل َِ‬
‫الذين يتصرفون ابمسه؟ أمل َّتصب أحشاء ساراي العاقر اليت إلبراهيم لتصبح سارة وتلد يف شيخوختها‬
‫اسحق الذي أ ُِعد ليكون الذي أُب ِرم امليثاق معه؟ أمل تتحول مياه النيل إىل دماء ومتتلئ ابحليواانت‬
‫النجسة أبمر موسى؟ وبكلمته كذلك‪ ،‬أمل تنفق احليواانت ابلطاعون‪ ،‬أما تقرحت أجساد الرجال‬
‫ُطفئَت األنوار فأظلمت ثالثة‬ ‫ص َدت السنابل وتكسرت بربد مكتسح‪ ،‬وج ِردت األشجار ابجلراد وأ ِ‬ ‫وح ِ‬
‫ُ‬ ‫ََ‬ ‫ُ‬
‫وشق البحر ليمر إسرائيل‪ ،‬وحتلت املياه ال ُـمرة؟ ونـََزل املن والسلوى‬‫أايم وطاح املوت ابملواليد اجلدد‪ُ ،‬‬
‫بغزارة؟ أمل تتدفق كذلك املياه بغزارة من الصخرة الصماء؟ وكذلك يشوع‪ ،‬أمل يوقِف الشمس يف كبد‬
‫السماء؟ وداود الفيت أمل جيندل العمالق؟ وإيليا أمل يكثر الطحني والزيت ويُِقم ابن أرملة صرفة‬
‫‪Sorepta‬؟ أمل ينزل املطر بناء على طلبه على األرض القاحلة؟ أمل تنزل انر السماء على احملرقة؟‬
‫والعهد اجلديد أليس غابة صغرية مزهرة‪ ،‬حيث كل زهرة فيه معجزة؟ فمن لديه القدرة إذن على اجرتاح‬
‫املعجزات؟ مث ما هو غري املمكن لدى هللا؟ من مثل هللا؟‬

‫احنُوا رؤوسكم واعبُدوا‪ .‬زمن احلصاد الكبري قد اقرتب‪ ،‬وكل شيء جيب أن يكون مكشوفاً قبل‬
‫أن ينقضي وجود البشر‪ ،‬كل شيء‪ :‬النبوءات الالحقة للمسيح وتلك اليت قبله‪ ،‬والرمزية منها والتوراتية‬
‫كنت أان أُعلِمكم بنقطة ما تزال غري مشروحة‬ ‫اليت ابتدأت منذ الكلمات األوىل لسفر التكوين‪ .‬وإذا ُ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 140 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫حّت اآلن‪ ،‬فتقبلوا هذه املوهبة واقطفوا مثارها وليس اإلدانة‪ .‬ال تفعلوا مثل يهود زمن حيايت اآليلة‬
‫للموت الذين أرادوا إغالق قلوهبم يف وجه تعاليمي‪ ،‬ولعدم قدرهتم على مساوايت يف فهم األسرار‬
‫اعتربوين مدعياً وكافراً‪.‬‬
‫واحلقائق فائقة الطبيعة‪َ ،‬‬
‫قلت‪" :‬شجرة استعارية"‪ ،‬أما اآلن فأقول‪" :‬شجرة رمزية"‪ .‬قد تدركون أفضل‪ .‬فالرمز فيها‬
‫لقد ُ‬
‫تعامل فيها ابنا هللا (آدم وحواء) معها ميكن إدراك ميوهلم إذا ما كانت‬
‫واضح‪ :‬حبسب الطريقة اليت َ‬
‫صوب اخلري أم صوب الشر‪ .‬مثل املاء امللكي يف اختبار الذهب‪ ،‬وميزان الصائغ الذي يعطي الزنة‬
‫ابلقرياط‪ ،‬كذلك هذا النبات‪ ،‬كونه أصبح "رسالة" ألمر هللا ابلنسبة هلما‪ ،‬فقد أعطى مقدار طهارة‬
‫آدم وحواء‪.‬‬

‫أمسع اآلن اعرتاضاتكم‪ :‬أمل تكن اإلدانة متطرفة؟ والسبيل املتبع حلصوهلا سخيفاً؟‬

‫ال‪ .‬فإذا اقرتفتم هذه املعصية يف الوقت الراهن‪ ،‬أنتم اي من أخذمت عنهما هذا اإلرث‪ ،‬فسيكون‬
‫ذلك أخف وطأة مما كان ابلنسبة هلما‪ .‬فإنكم قد افتُديتم ي‪ ،‬إال أن سم الشيطان يبقى دائماً متأهباً‬
‫للتدفق من جديد‪ .‬إنه مثل أمراض كثرية مل يزل مفعوهلا متاماً من الدم‪ .‬فهما‪ ،‬أي األبوان األوالن‪ ،‬كاان‬
‫حتت ملكة النعمة قبل أن يفقدا نضارهتما بفقدان احلظوة‪ .‬كاان إذن أقوى‪ ،‬كاان مدعومني أكثر ابلنعمة‪،‬‬
‫ويف داخلهما نبع براءة وحب‪ .‬كانت مواهب هللا اليت وهبهما إايها ال هنائية‪ ،‬فكان سقوطهما ابلتايل‬
‫أعظم على الرغم من هذه املواهب‪.‬‬

‫والثمرة املقدمة واملأكولة هي أيضاً رمزية‪ .‬كانت مثرة جتربة أرادا خوضها بتحريض شيطاين ضد‬
‫كنت أحبهما‬
‫عت الناس عن احلب‪ ،‬بل أردته فقط أن يكون دون مكر‪ .‬وكما ُ‬ ‫أمر هللا‪ .‬مل أكن قد َمنَ ُ‬
‫حباً مقدساً من حيث اجلوهر‪ ،‬فقد كان من الواجب عليهما أن حيبا بعضهما مبودة مقدسة حبيث ال‬
‫تدع جماالً للشهوة تدنسها‪.‬‬

‫جيب أال ننسى أن النعمة نور‪ ،‬ومن ميتلكها يعرف أن مييز ما هو مفيد وجيد للمعرفة‪ .‬ولقد‬
‫وعرفَت أن تسلك بقداسة‪.‬‬‫َعرفَت املمتلئة نعمة كل شيء ألهنا َّنَت ابحلكمة‪ ،‬احلكمة اليت هي نعمة‪َ ،‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 141 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫حواء إذن كانت تعرف ما هو جيد هلا أن تعرفه‪ ،‬ال أكثر‪ ،‬ألنه عبث أن تعرف ما هو غري جيد‪ .‬مل‬
‫تؤمن بكالم هللا ومل تكن وفية لوعدها له ابلطاعة‪َ .‬آمنَت ابلشيطان‪ ،‬أخلَ َفت بوعدها‪َ ،‬ور ِغبَت يف‬
‫معرفة ما هو غري جيد‪ ،‬وأحبته دون تبكيت ضمري؛ احلب الذي منحتُها إايه على درجة من القداسة‪،‬‬
‫متر َغت يف الوحل والقمامة‪ ،‬بينما كان‬‫وهي َج َعلَته أمراً فاسداً‪ ،‬أمراً منحطاً‪ ،‬إهنا مالك ساقط‪َّ ،‬‬
‫ابستطاعتها أن جتري سعيدة بني أزهار الفردوس األرضي‪ ،‬وأن ترى ساللتها تزهر حوهلا كنبات مكسو‬
‫ابألزهار دون جر أوراقها يف احلمأة‪.‬‬

‫س ّدوا آذاهنم‪.‬‬ ‫ِ‬


‫ال تكونوا مثل أولئك األطفال احلمقى الذين أُت ّدث عنهم يف اإلجنيل‪َ :‬مسعوا الغناء فَ َ‬
‫َِمسعوا الطبل فلم يرقصوا‪َِ .‬مسعوا البكاء فأرادوا أن يضحكوا‪ .‬ال تكونوا ضيّقي األفق‪ ،‬وال انكري اجلميل‪.‬‬
‫تقبّلوا‪ ،‬تقبّلوا النور دون خبث وإبذعان دون هت ّكم وال تشكيك‪.‬‬

‫مت كثرياً يف هذا املوضوع‪ِ ،‬ألُف ِهمكم إىل أيّة درجة جيب أن تكونوا عاريف اجلميل للذي مات‬
‫تكلّ ُ‬
‫أردت أن أكلّمكم يف هذا الوقت من التهيئة‬ ‫ُ‬ ‫ليوصلكم إىل السماء‪ ،‬وللتغلب على الشهوة الشيطانيّة‪،‬‬
‫اإلهلي إىل املذبح‪،‬‬
‫ّ‬ ‫عما كان احللقة األوىل من السلسلة اليت هبا ُج ّر كلمة هللا إىل املوت‪ ،‬احلَ َمل‬
‫للفصح ّ‬
‫حواء متسممني بنفحة وكلمة الشيطان‪.‬‬
‫أردت الكالم ألنّه يف الوقت احلاضر تسعون يف املائة منكم يشبهون ّ‬
‫ُ‬
‫فإنّكم ال تعيشون لتحبّوا بعضكم بعضاً ولكن لتشبعوا‪ .‬ال ُتيون للسماء بل للوحل‪ .‬مل تعودوا خملوقات‬
‫ري‪ ،‬ولكنّكم كالكالب دون نفس ودون فكر‪ .‬لقد قتلتم النفس وأفسدمت الفكر‪.‬‬
‫وحس فك ّ‬‫تتميّزون بنفس ّ‬
‫أؤكد لكم حب ّق أ ّن الوحوش يفوقونكم شرفاً وحبّاً‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 142 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -27‬إعالم يوسف خبرب َحبَل أليصاابت)‬

‫‪1944 / 03 / 25‬‬

‫ظهر بيت الناصرة‪ ،‬حيث كانت مرمي‪ .‬مرمي شابة كما كانت يوم ظَ َهَر هلا مالك هللا‪ .‬ال شيء‬ ‫يَ َ‬
‫مثل رؤيتها ميأل نفسي من عطر البتولية يف هذا املقام‪ ،‬من العطر املالئكي الذي ما زال يضج يف الغرفة‬
‫ف فيها جبناحيه الذهبيتني‪ ،‬من العطر اإلهلي الذي تركز كله على مرمي ليجعل منها أماً‪ ،‬الذي‬‫اليت َر َفر َ‬
‫ابت اآلن يفوح منها‪.‬‬

‫الوقت مساء‪ ،‬ذلك أن الظالل بدأت جتتاح الغرفة اليت كان نور عظيم قد هبط عليها من‬
‫السماء قبل حني‪.‬‬

‫مرمي جاثية قرب سريرها تصلي‪ ،‬ذراعاها متصالبتان على صدرها‪ ،‬رأسها منحن إىل األرض‪ .‬إهنا‬
‫ما تزال ترتدي الثياب اليت كانت ترتديها أثناء البشارة‪ .‬وكل شيء على حاله‪ :‬الغصن املزهر يف‬
‫مزهريتها‪ ،‬األاثث بنفس الرتتيب‪ .‬فقط الغزالة واملغزل كاان موضوعني يف إحدى الزوااي مع ريشة مشاقة‬
‫اآلخر‪.‬‬
‫للواحدة واخليط الالمع الذي َكر من َ‬
‫وتنهض بوجه مشع وثغر ابسم‪ ،‬ولكن دمعة تتألأل يف عينها الالزوردية‪.‬‬ ‫تنهي مرمي صالهتا‪َ ،‬‬
‫أتخذ مصباح الزيت وتشعله حبجر صوان‪ .‬وتبدي اهتماماً ليكون كل شيء يف الغرفة مرتباً‪ .‬ترتب‬
‫غطاء الفراش الذي كان يف غري وضعه الصحيح‪ .‬تضيف املاء للمزهرية حيث الغصن املزهر‪ ،‬وحتملها‬
‫إىل اخلارج‪ ،‬إىل رطوبة الليل‪ .‬مث تعود‪ .‬أتخذ غطاء اخلزانة املطرز واملصباح ال ُـمنار وَّترج مغلقة الباب‪.‬‬
‫أيت وداع يسوع‬‫متشي بضعة خطوات يف احلديقة الصغرية على مدى املنزل‪ ،‬وتدخل إىل الغرفة حيث ر ُ‬
‫ومرمي‪ .‬أعرفها رغم غياب بعض األغراض اليت كانت موجودة آنذاك‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 143 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫تغيب مرمي يف غرفة جماورة صغرية حاملة معها املصباح‪ ،‬وأبقى أان هنا برفقة شغلها فقط املوضوع‬
‫على زاوية الطاولة‪ .‬أمسع الوقع اخلفيف خلطى مرمي اليت تذهب وجتيء‪ ،‬أمسعها حترك املاء يف غسيل‬
‫شيء ما‪ ،‬مث تقطع حطباً إىل أجزاء صغرية‪ ،‬عرفت أنه حطب من خالل الصوت الذي تصدره‪.‬‬
‫وأالحظ أهنا تشعل النار‪.‬‬

‫مث تعود لتخرج إىل احلديقة وتدخل اثنية حاملة تفاحاً وخضاراً‪ .‬تضع التفاحات على الطاولة‬
‫يف صينية معدنية منقوشة يدوايً‪ :‬تبدو يل من النحاس احملفور‪ ،‬تعود إىل املطبخ (فهذه الغرفة هي حتماً‬
‫املطبخ) يرتسم اآلن هلب املوقد بفرح من خالل الباب املفتوح ويراقص الظالل على اجلدار‪.‬‬

‫وبعد مضي وقت قصري تعود مرمي حاملة قطعة خبز أمسر وفنجان حليب حار‪ .‬جتلس وتغمس‬
‫قطع اخلبز يف احلليب‪ .‬أتكلها على مهل‪ .‬مث ترتك نصف فنجاهنا وتدخل من جديد إىل املطبخ لتعود‬
‫حاملة خضاراً تسكب عليها الزيت لتأكلها مع اخلبز‪ .‬بعد شرب احلليب أتخذ تفاحة وأتكلها؛ إهنا‬
‫وجبة فتاة صغرية‪ .‬أتكل مرمي مث تفكر وتبتسم خلاطرة داخلية‪ .‬تنهض وتدير عينيها صوب اجلدران اليت‬
‫تبدو وكأهنا تبثها سراً‪ .‬وكانت من وقت آلخر تبدو مبظهر جاد‪ ،‬تكاد تكون حزينة‪ ،‬مث تعود االبتسامة‪.‬‬

‫سمع طرق على الباب‪ ،‬تنهض مرمي وتفتح‪ .‬يدخل يوسف‪ .‬يتبادالن التحية‪ ،‬مث جيلس يوسف‬ ‫يُ َ‬
‫على كرسي صغري مقابل مرمي على اجلهة األخرى للطاولة‪.‬‬

‫يوسف رجل وسيم بكل عنفوان الشباب‪ .‬كان ابن مخس وثالثني سنة على األغلب‪ ،‬بشعره‬
‫الكستنائي الغامق‪ ،‬وحليته ابللون ذاته حتيط بوجه متناسق ذي العينني الوديعتني ابللون الكستنائي‬
‫املائل إىل السواد‪ .‬اجلبهة عريضة وملساء‪ ،‬األنف صغري حمدب قليالً‪ ،‬اخلدان مكوران ابللون األمسر إّنا‬
‫ليس الزيتوين‪ ،‬والوجنتان فيهما ورديتان‪ .‬هو ليس ضخماً جداً ولكن صحته جيدة وهو قوي‪.‬‬

‫قبل أن جيلس خيلع معطفه (وهو األول الذي أراه هبذا الشكل) كان شكله مدوراً مقفالً عند‬
‫العنق مبشبك أو شيء من هذا القبيل‪ ،‬مع قَـبة‪ .‬وهو بين فاتح ومن قماش غري نفوذ من احلرير املصوف‪،‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 144 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يشبه عباءة ابن اجلبل املخصصة للحماية من عوامل الطقس الرديئة‪ .‬قبل أن جيلس يعطي مرمي بيضتني‬
‫وعنقود عنب‪ ،‬ليس طازجاً متاماً‪ ،‬ولكنه حمفوظ جيداً‪.‬‬

‫يبتسم قائالً‪« :‬لقد جلبوه يل من قاان‪ ،‬أما البيضتان فقد أعطانيهما قائد املائة مقابل إصالح‬
‫لهم مريض‪ .‬إهنما طازجتان‪َ ،‬جلَبَهما من قن الدجاج الذي يف‬ ‫ِ‬
‫عربته‪ .‬كانت َع َجلَة منها معطلة وعام ُ‬
‫ِ‬
‫فسينفعانك‪».‬‬ ‫بيته‪ .‬اشربيهما‬

‫أكلت اآلن‪».‬‬
‫«غداً اي يوسف‪ ،‬فقد ُ‬
‫ِ‬
‫فيمكنك أكله‪ ،‬إنه طيب‪ ،‬لذيذ كالعسل‪ ،‬لقد محلتهُ بعناية كي ال أتلفهُ كلية‪،‬‬ ‫«أما العنب‬
‫أتيت من بيت قائد املائة‬ ‫ِ‬
‫فهناك غريه‪ ،‬سأجلب لك غداً سلة صغرية‪ .‬مل أستطع هذا املساء ألنين ُ‬
‫مباشرة‪».‬‬

‫تتعش بعد‪».‬‬
‫فأنت إذن مل َّ‬
‫«آه! َ‬
‫«ال‪ ،‬إّنا ال يهم‪».‬‬

‫تنهض مرمي مباشرة وتذهب إىل املطبخ لتعود حاملة احلليب مع زيتون وجنب‪ .‬مث تقول‪« :‬ليس‬
‫لدي شيء آخر‪ ،‬خذ بيضة‪».‬‬

‫يرفض يوسف‪ ،‬فالبيضتان ملرمي‪ .‬أيكل بشهية‪ ،‬خبزاً مع اجلنب‪ ،‬ويشرب احلليب الذي ما يزال‬
‫فاتراً‪ .‬مث أيخذ تفاحة من يدها‪ .‬وينتهي العشاء‪.‬‬

‫أتخذ مرمي تطريزها بعد أن ترفع الصحون عن املائدة‪ .‬يساعدها يوسف الذي يبقى يف املطبخ‬
‫بينما تعود هي‪ .‬أمسعه يتحرك أثناء إعادة كل شيء إىل مكانه‪ ،‬مث يزكي النار ألن األمسية ابردة‪.‬‬

‫حينما يعود تشكره مرمي‪ ،‬ويتحداثن‪ .‬يروي يوسف كيف أمضى يومه‪ .‬يتكلم عن أوالد أخيه‪.‬‬
‫يبدي اهتمامه بشغل مرمي وأزهارها‪ .‬ويعدها جبلب أزهار مجيلة جداً وعده هبا قائد املائة‪« :‬زهور غري‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 145 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وعدين بشتالت منها‪ .‬واآلن‪ ،‬مبا أن القمر مالئم فسوف‬
‫موجودة عندان‪ .‬لقد جلبَها من روما‪ .‬وقد َ‬
‫أزرعها ِ‬
‫لك‪ .‬إن ألواهنا مجيلة ورائحتها عطرة جداً‪ .‬لقد رأيتُها الصيف املاضي‪ ،‬فهي تزهر يف الصيف‪.‬‬
‫لك كل املنزل‪ .‬سأمتكن من زراعتها وتطعيمها‪ ،‬فالقمر مالئم‪ .‬إنه الوقت املناسب‪».‬‬ ‫سوف تعطر ِ‬

‫تبتسم مرمي وتشكره‪ .‬خييم صمت‪ .‬ينظر يوسف إىل رأس مرمي األشقر‪ ،‬املنكب على التطريز‬
‫نظرة حب مالئكي‪ .‬بكل أتكيد‪ ،‬لو نظر مالك إىل امرأة حبب الزوج ملا كان نظر إليها غري هكذا‪.‬‬

‫مرمي‪ ،‬كما لو أهنا اَّتذت قراراً‪ ،‬تضع التطريز على صدرها وتقول‪« :‬يوسف‪ ،‬لدي شيء آخر‬
‫لك‪ .‬كما تعلم ليس لدي شيء أقوله مبا أنين أعيش يف خلوة‪ ،‬ولكنين اليوم أمحل بُشرى‪ .‬لقد‬ ‫أقوله َ‬
‫مت أن نسيبتنا أليصاابت زوجة زكراي تنتظر مولوداً‪»...‬‬‫ِ‬
‫َعل ُ‬
‫حيملق يوسف ويقول‪« :‬أيف هذا العمر؟»‬

‫جتيب مرمي مبتسمة‪« :‬يف هذا العمر‪ .‬الرب قادر على كل شيء‪ ،‬وقد شاء أن مينح هذه الفرحة‬
‫لنسيبتنا‪».‬‬
‫«كيف ِ‬
‫عرفت هذا؟ مث هل النبأ أكيد؟»‬

‫«لقد جاء مرسال ممن ال يعرفون الكذب‪ .‬إين أرغب يف الذهاب إىل أليصاابت أخدمها وأخربها‬
‫مسحت يل بذلك‪»...‬‬
‫َ‬ ‫أبنين أشاركها سرورها‪ .‬لو‬
‫ِ‬
‫خادمك‪ .‬كل ما تعملينه جيد‪ .‬مّت تودين الذهاب؟»‬ ‫«مرمي‪ ،‬إن ِ‬
‫ك عروسيت‪ ،‬وأان‬

‫«يف أقرب وقت‪ .‬ولكنين سأقيم هناك أشهراً أبكملها‪».‬‬

‫ببيتك واحلديقة‪ .‬سوف جتدين‬ ‫ِ‬


‫انتظارك‪ .‬اذهيب مطمئنة‪ ،‬وسأهتم ِ‬ ‫«وأان سوف أعد األايم يف‬
‫ِ‬
‫بنفسك‪ .‬إّنا‪ ...‬انتظري‪ ،‬علي أن أذهب قبل عيد الفصح إىل‬ ‫زهورك مجيلة كما لو ِ‬
‫كنت هتتمني هبا‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫فسأصحبك إىل هناك‪،‬‬ ‫ِ‬
‫انتظرت بضعة أايم‪،‬‬ ‫أورشليم ألشرتي بعض احلاجيات الضرورية لعملي‪ .‬إذا‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 146 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ليس أبعد‪ ،‬إذ جيب أن أعود بسرعة‪ .‬ولكننا نستطيع أن نرتافق حّت هذا احلد‪ .‬سأكون أكثر اطمئناانً‬
‫ِ‬
‫ملالقاتك‪».‬‬ ‫ك ِ‬
‫لست وحيدة على الطرقات‪ .‬وعند العودة ستعلمينين آليت‬ ‫إذا علمت أبن ِ‬
‫ُ‬

‫عنك األمل‪ .‬إين أصلي إليه دائماً‬


‫فليكافئك الرب بربكاته‪ ،‬وليبعد َ‬
‫َ‬ ‫ك طيب جداً اي يوسف‪.‬‬
‫«إن َ‬
‫من أجل ذلك‪».‬‬

‫ويبتسم العروسان العفيفان بطريقة مالئكية‪ .‬وخييم الصمت برهة مث ينهض يوسف ويرتدي‬
‫معطفه ويضع قبعته على رأسه‪ .‬مث حييي مرمي اليت هنضت بدورها وينصرف‪.‬‬

‫تنظر إليه مرمي وهو خيرج‪ ،‬وتُطلِق زفرة كأن هبا غماً‪ ،‬مث ترفع عينيها إىل السماء وتصلي ابلتأكيد‪.‬‬

‫تُغلِق الباب‪ ،‬تطوي الشغل‪ ،‬وتذهب إىل املطبخ‪ .‬تطفئ النار أو تغطيها‪ .‬وتنظر لرتى إذا ما‬
‫كان كل شيء مرتباً يف مكانه‪ .‬أتخذ املصباح وَّترج ُمغلِقة الباب‪ .‬حتمي بيدها الشعلة املرتاقصة يف‬
‫رايح الليل الباردة‪ .‬وتدخل إىل غرفتها وتصلي أيضاً‪.‬‬

‫هكذا تنتهي الرؤاي‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 147 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬
‫ِ‬
‫عروسك)‬ ‫ِ‬
‫ساحتك أمام‬ ‫‪( -28‬دعي يل أمر تربئة‬

‫‪1944 / 03 / 25‬‬

‫تقول مرمي‪:‬‬

‫«أيتها االبنة احلبيبة‪ ،‬عندما انتهت النشوة اليت مألتين بفرح ال ميكن التعبري عنه‪ ،‬عادت‬
‫وخزت قليب املغمور‬
‫أحاسيسي لتتفتح على األشياء األرضية‪ .‬أوىل األفكار الواخزة كشوك زهرة‪ ،‬اليت َ‬
‫بزهور احلب اإلهلي الذي أصبح عروسي منذ زمن‪ ،‬كانت فكرة يوسف‪.‬‬

‫وهبت حيب ابلفعل حلارسي القديس املتيقظ‪ .‬منذ اللحظة اليت أرادتين فيها املشيئة اإلهلية‪،‬‬
‫لقد ُ‬
‫نت من التعرف إليه وتثمني قداسة هذا البار‪ .‬فباحتادي‬ ‫من خالل كلمة الكاهن‪ ،‬عروسة ليوسف‪ ،‬متك ُ‬
‫أضعت‪ .‬كان تعويضاً‬‫ُ‬ ‫أحسست بزوال وحديت كيتيمة‪ ،‬ومل أعد أحتسر على اهليكل‪ ،‬امللجأ الذي‬
‫ُ‬ ‫به‪،‬‬
‫كنت أحس ابألمان كما جبانب الكاهن‪ .‬لقد هوى كل تردد‪ ،‬ليس‬ ‫يل عن عذوبة أي الغائب‪ .‬بقربه ُ‬
‫كت أن أي تردد وأي‬ ‫كنت قد أدر ُ‬‫هوى وحسب بل نُسي‪ ،‬لقد ابتعد كلياً عن قليب‪ ،‬قلب عذراء‪ُ .‬‬
‫فكنت أكثر اطمئناانً عليها‬
‫ُ‬ ‫عهدت إليه ببتولييت‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َّتوف مل يكن ليجد لـه طريقاً حيال يوسف الذي‬
‫من طفل يف أحضان أمه‪.‬‬

‫كنت أحبث عن الكلمات ألنقل لـه اخلرب‪ .‬إن هذا البحث‬


‫كيف سأخربه اآلن أنين سأصبح أماً؟ ُ‬
‫صعب‪ .‬مل أكن أريد أن أتبجح بنعمة هللا‪ ،‬كما مل أكن أستطيع أن أبرر أموميت أبية طريقة غري القول‪:‬‬
‫"الرب أحبين من بني سائر النساء وجعل مين‪ ،‬أان خادمته‪ ،‬عروسة له"‪ .‬أو أن أغشه إبخفاء حاليت‪،‬‬
‫وهذا ما مل أكن أريده أيضاً‪.‬‬
‫ولكنين‪ ،‬بينما كنت أصلي‪ ،‬قال يل الروح القدس الذي مألين‪" :‬اصميت ِ‬
‫أنت‪ ،‬واتركي يل االهتمام‬ ‫ُ‬
‫كنت دائمة االتكال على هللا‪ ،‬كما ترتك الوردة‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بتسوية وضعك مع عروسك‪ ".‬مّت؟ كيف؟ مل أسأله‪ُ .‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 148 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫نفسها للماء الذي حيملها‪ .‬مل يرتكين األزيل أبداً دون عون منه‪ .‬لقد ساندتين يده ومحتين وقادتين إىل‬
‫هنا‪ .‬وسوف يفعل ذلك اآلن‪.‬‬

‫اي ابنيت‪ ،‬كم هو مجيل ومؤاس اإلميان ابألزيل‪ ،‬هللا الصاحل! يتقبلنا بني ذراعيه مثل مهد‪ .‬حيملنا‬
‫مثل مركب إىل شاطئ اخلري املضيء‪ ،‬يدفئ قلوبنا‪ ،‬يعزينا ويغذينا‪ ،‬مينحنا الراحة واملسرة ويهبنا النور‬
‫ويهدينا‪ .‬فالثقة ابهلل هي كل شيء ملن يثق به‪ :‬يعطيه ذاته‪.‬‬

‫محلت ثقيت كخليقة إىل كلي الكمال‪ .‬اآلن أستطيع فعل ذلك ألن هللا يف‪ .‬يف البدء‬ ‫هذا املساء ُ‬
‫كنت احملبوبة كثرياً لكوين املنزهة‬
‫كنت أثق ثقة اخلليقة املسكينة اليت كنتُها‪ :‬دائماً ال شيء‪ ،‬حّت ولو ُ‬
‫ُ‬
‫عن كل عيب‪ .‬إال أنين اآلن أملك ثقة إهلية ألن هللا يف‪ :‬عروسي‪ ،‬ابين! اي هلا من فرحة! أن أحتد ابهلل‪.‬‬
‫أنت‬
‫وحدك الذي يف‪ ،‬كن َ‬ ‫أنت َ‬ ‫"أنت‪َ ،‬‬
‫لتمكين من القول له‪َ :‬‬‫ليس جملدي ولكن حملبته يف وحدة اتمة و ُّ‬
‫بكمالك اإلهلي كل ما أفعله أان‪".‬‬
‫َ‬ ‫الفاعل‬

‫لكنت جترأت أن أبوح ليوسف بوجه منخفض لألرض‪" :‬لقد‬ ‫لو مل يقل يل هو نفسه‪" :‬اصميت" ُ‬
‫حل الروح يف وأان أمحل اآلن بذرة هللا‪ ".‬وكان هو سيصدقين‪ ،‬ألنه كان ي ِ‬
‫قد ُرين‪ ،‬وألنه‪ ،‬ككل الذين ال‬‫ُ‬
‫نت قد جتاوزت‬
‫يكذبون أبداً‪ ،‬ال ميكنه االعتقاد أن اآلخرين يكذبون‪ .‬نعم‪ ،‬لكي أجنبه األمل املقبل‪ ،‬ك ُ‬
‫أطعت األمر اإلهلي‪ .‬وخالل أشهر‪ ،‬ابتداء من هذه‬
‫امشئزازي من أن أنسب لنفسي فخراًكهذا‪ .‬ولكنين ُ‬
‫اللحظة‪ ،‬أحس أبول جرح يدمي قليب‪.‬‬

‫أوىل آالمي‪ ،‬لكوين املختارة للمشاركة يف الفداء‪ ،‬قد قدمتُها هلل وحتملتُها‪ ،‬ألعطيكم قاعدة‬
‫للسلوك يف أوقات األمل املماثلة‪ ،‬عندما يتوجب عليكم الصمت يف ظرف حادث يضعكم يف جو غري‬
‫مالئم أمام من حيبكم‪.‬‬

‫دعوا هلل مهمة احلفاظ على مسعتكم واملشاعر اليت متأل قلوبكم‪ .‬استحقوا‪ ،‬حبياة مقدسة‪ ،‬محاية‬
‫هللا‪ ،‬مث اذهبوا بسالم مطمئنني حّت ولو كان العامل كله ضدكم‪ ،‬فسيدافع هو عنكم لدى من حيبكم‪،‬‬
‫وسيُظ ِهر احلقيقة‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 149 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اسرتحيي اآلن اي ابنيت‪ ،‬وكوين ابنيت ابستمرار‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 150 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -29‬مرمي ويوسف ميضيان إىل أورشليم)‬

‫‪1944 / 03 / 27‬‬

‫إنين أشاهد حلظة االنطالق للمضي إىل القديسة أليصاابت‪ .‬لقد أتى يوسف ألخذ مرمي‪ ،‬جالباً‬
‫معه محارين رماديني‪ ،‬أحدمها له واآلخر ملرمي‪.‬‬

‫كت منه أنه معد حلمل‬


‫كان على أحد احلمارين سرج عادي وقد أضيف إليه ترتيب غريب‪ ،‬أدر ُ‬
‫األمتعة‪ .‬إنه عبارة عن حامل لألمتعة أضاف إليه يوسف صندوقاً خشبياً‪ :‬حقيبة كما نسميها اآلن‪،‬‬
‫أحس وكأن مرمي تشكر يوسف حبرارة على‬ ‫َمحَلَها إىل مرمي لتضع فيها مالبسها فتحميها من املطر‪ُّ .‬‬
‫هديته‪ ،‬وهي َُّترِج كل ما كانت قد جهزته يف صرة لرتتبه فيها‪.‬‬

‫يُغلِقان ابب املنزل وينطلقان‪ ...‬إنه الفجر‪ ،‬فأان أرى الشفق يضفي على الشرق اللون الوردي‪.‬‬

‫ما تزال الناصرة انئمة‪ .‬مل يلتق املسافران الصباحيان سوى بِر ٍاع يدفع أمامه عنزاته اليت َّتب‪،‬‬
‫مالصقة الواحدة لألخرى ومرتاصة يف أكثر من موضع‪ ،‬حّت لكأن الواحدة تتداخل يف األخرى وهي‬
‫تثغو‪ .‬احلمالن أيضاً تثغو أكثر من األخرايت أبصواهتا احلادة‪ ،‬لقد كانت تبغي البحث عن الضرع‬
‫الوالدي‪ .‬إال أن األمهات تسرع صوب املرعى وتدعوها للخب بثغائها األقوى‪.‬‬

‫تنظر مرمي وتبتسم بعد أن تتوقف لتفسح اجملال للقطيع ليمر‪ ،‬تنحين‪ ،‬وهي على سرجها‪،‬‬
‫لتداعب احليواانت اللطيفة بلمس ظهرها‪ .‬وعندما يصل الراعي‪ ،‬حامالً بني ذراعيه َمحَالً ُولِد لتوه‪،‬‬
‫ويتوقف ليلقي التحية‪ ،‬تبتسم مرمي وهي تداعب فم احلمل الوردي الذي يثغو بدون جدوى‪ .‬تقول‬
‫كك‪ ،‬ال‪ ،‬اي صغري‪ ».‬ابلفعل فقد كانت األم حتك‬ ‫ك‪ ،‬إهنا ال ترت َ‬
‫مرمي‪« :‬إنه يبحث عن أمه‪ .‬ها هي أم َ‬
‫جسدها ابلراعي وتنتصب لتلعق فم وليدها‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 151 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫مير القطيع حمداثً صواتًكصوت املطر على األوراق‪ ،‬مثرياً خلفه الغبار بقوائمه الصغرية اليت تسرع‬
‫وترتك نقشاً من آاثرها على أرض الدرب‪.‬‬

‫يتابع يوسف ومرمي طريقهما‪ .‬يوسف يرتدي معطفه ومرمي تتدثر بشال خمطَّط‪ ،‬فالصبيحة رطبة‪.‬‬

‫مع ذلك‪ ،‬ها مها وسط القرية يسريان الواحد إىل جانب اآلخر‪ .‬يتحداثن قليالً‪ ،‬فيوسف يفكر‬
‫يف أعماله‪ ،‬ومرمي تتبع خواطرها مستغ ِرقة‪ ،‬تبتسم هلا وملا حييط هبا‪ .‬تنظر إىل يوسف أحياانً وقد ظلَّل‬
‫وجهها وشاح من احلزن؛ مث تعود االبتسامة حّت وهي تنظر إىل عروسها املتيقظ الذي يتكلم قليالً وال‬
‫يفتح فمه إال لكي يسأل مرمي إذا كانت مراتحة‪ ،‬أو هي حباجة إىل شيء ما‪.‬‬

‫يَظ َهر اآلن على الطريق أانس آخرون‪ ،‬خاصة يف جوار بعض البلدات أو عند التقاطع‪ .‬ولكنهما‬
‫لجلة‬
‫ال يكرتاثن لألشخاص الذين يلتقياهنم‪ .‬إهنما ماضيان على دابتيهما اللتني َّتبان حمدثتني صوت َج َ‬
‫قوي‪ ،‬ومل يقفا إال مرة واحدة يف ظل غابة صغرية ليأكال بعض اخلبز والزيتون ويشراب من نبع تتدفق‬
‫املياه فيه من مغارة‪ .‬عليهما التوقف مرة أخرى لالحتماء من املطر املتساقط بغزارة وعنف من غيمة‬
‫مكفهرة جداً‪.‬‬

‫احتَ َميا يف ظل رابية‪ ،‬حتت نتوء صخرة حتميهما من قطرات املطر الكبرية‪ .‬ولكن يوسف يصر‬
‫بشدة على أن تلبس مرمي معطفه الصويف غري النفوذ‪ ،‬حيث يسيل املاء عليه دون أن يبللها‪ .‬وكان ال‬
‫بد ملرمي من أن تتنازل أمام إصرار عروسها الذي‪ ،‬لكي يُطَمئِنها على مصريه‪ ،‬يضع على رأسه وكتفيه‬
‫غطاء رمادايً كان على السرج‪ ،‬وهو على األرجح‪ ،‬غطاء احلمار‪ .‬تشبه مرمي اآلن أخاً صغرياً‪ ،‬ابلقبعة‬
‫اليت حتيط بوجهها واملعطف الكستنائي ال ُـمح َكم عند الرقبة والذي يغلفها ابلكامل‪.‬‬

‫يتوقف املطر الغزير ليبدأ رذاذ مزعج‪ .‬ويتابع اإلثنان مسريمها على الطريق اليت أصبَ َحت موحلة‪.‬‬
‫ولكنه الربيع‪ ،‬وبعد برهة تبدأ الشمس جبعل الدرب أسهل‪ .‬واملطيتان تركضان اآلن بنشاط أكثر على‬
‫الطريق‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 152 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫مل أعد أرى شيئاً ألن الرؤاي تتوقف هنا‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 153 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -30‬من أورشليم إىل بيت زكراي)‬

‫‪1944 / 03 / 28‬‬

‫فت عليها بشوارعها وأبواهبا‪.‬‬


‫تعر ُ‬
‫حنن يف أورشليم‪ .‬وقد َّ‬
‫ترك يوسف فيه احلمار يوم‬
‫فت على اإلسطبل الذي َ‬ ‫تعر ُ‬
‫يتوجه العروسان أوالً إىل اهليكل‪ ،‬وقد َّ‬
‫التعارف يف اهليكل‪ .‬واآلن أيضاً‪ ،‬هو يرتك املطيتني بعد العناية هبما‪ ،‬وميضي بصحبة مرمي لتقدمي فروض‬
‫عبادهتما هلل‪.‬‬

‫مث َخي ُرجان‪ ،‬وتذهب مرمي مع يوسف إىل منزل أصحاب هلما كما يبدو‪ ،‬حيث يستعيدا‬
‫نشاطهما‪ ،‬وتراتح مرمي ريثما يعود يوسف مع عجوز قصري القامة‪« :‬هذا الرجل يسافر على طر ِ‬
‫يقك‬
‫ِ‬
‫نسيبتك‪ .‬ثقي به‪ ،‬فأان أعرفه‪».‬‬ ‫صلي إىل‬ ‫ِ‬
‫مبفردك لتَ ِ‬ ‫ذاهتا‪ .‬وستبقى مسافة قصرية جداً تقطعينها‬

‫أيخذان مطيتيهما ويرافق يوسف مرمي حّت ابب املدينة (هو ابب آخر غري ذاك الذي دخال‬
‫منه)‪ .‬يتصافحان ومتضي مرمي وحدها مع العجوز الذي يتكلم بقدر ما كان يوسف صمواتً‪ ،‬ويبدي‬
‫اهتماماً أبلف شيء‪ .‬ومرمي جتيب بصرب‪.‬‬

‫لقد أصبح الصندوق الذي كان حمموالً على مطية يوسف حمموالً اآلن على مقدمة سرج مطية‬
‫مرمي‪ ،‬كذلك املعطف مل يعد معها‪ ،‬وحّت شاهلا‪ ،‬فقد طوته ووضعته فوق الصندوق‪ .‬إهنا مجيلة جداً‬
‫بثوهبا األزرق السماوي الداكن ووشاحها األبيض الذي حيميها من الشمس‪ .‬كم هي مجيلة!‬

‫كان َمسَع العجوز ثقيالً‪ ،‬على ما يبدو‪ ،‬ألن مرمي كانت تضطر لرفع صوهتا كثرياً كي يسمعها‪،‬‬
‫وهي اليت كانت ال تتكلم إال بصوت خافت‪ .‬أما اآلن فقد انتهى‪ ،‬لقد أفرغ جعبته من األسئلة‬
‫واألخبار‪ ،‬وها هو يغفو على السرج اتركاً القيادة ملطيته اليت تعرف الطريق جيداً‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 154 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫تغتنم مرمي فرصة اهلدنة هذه لتستجمع أفكارها وتصلي‪ .‬إهنا حتماً صالة ترّنها بصوت خافت‬
‫وهي تنظر إىل السماء الالزوردية واضعة ذراعها على صدرها‪ .‬وابنفعال الروح يرتسم على وجهها نور‬
‫وغبطة‪.‬‬

‫مل أعد أرى شيئاً‪.‬‬

‫مكثت كاألمس واألم إىل جانيب‪ ،‬أراها يف داخلي على درجة من الصفاء‬
‫ُ‬ ‫اآلن وقد توقَّـ َفت الرؤاي فقد‬
‫وردي فاتح‪ ،‬ممتلئان قليالً ولكن بعذوبة ممتعة‪ ،‬فمها‬ ‫ِ‬
‫حّت إنّين أستطيع أن أصفها‪ :‬خ ّداها بلون ّ‬ ‫والوضوح‪ّ ،‬‬
‫الصغري أمحر زاه‪ ،‬وعيناها الزرقاوان تتألّقان ُتت حاجبيها الشقراوين الداكنني‪.‬‬

‫ميكنين الكالم عن شعرها الذي فُ ِر َق عند قمة الرأس وهو يتدىل بشكل ممتع جبدالت ثالث من ّ‬
‫كل‬
‫الرباق خلف الوشاح الذي‬
‫كل من األذنني الصغريتني‪ ،‬مثّ ختتفي بلوهنا األشقر الذهيب ّ‬
‫حّت تغطي نصف ّ‬ ‫جهة ّ‬
‫الفردوسي‪ ،‬ومعطفها على رأسها‪ ،‬معطف خفيف كوشاح وهو‬
‫ّ‬ ‫يغطّي رأسها‪( .‬أراها ابلفعل بثوب من احلرير‬
‫مع ذلك غري شفاف ومن قماش الثوب نفسه‪).‬‬

‫ميكنين القول إ ّن ثوهبا حمصور عند رقبتها مبش ّد ينزلق منه حبل عُ ِق َد طرفاه عند أسفل العنق‪ ،‬كما‬
‫ويتدىل على اجلانبني‬
‫ّ‬ ‫ُش َّد الثوب عند اخلصر حببل أغلظ من األول‪ ،‬ولكنّه من احلرير األبيض كذلك‪،‬‬
‫بشرابتني‪.‬‬
‫ّ‬
‫مدورة‬
‫املضي يف القول إ ّن ثوهبا احملصور عند العنق واخلصر ينثين عند الصدر سبع ثنيات ّ‬
‫ّ‬ ‫كما ميكنين‬
‫قليالً‪ ،‬تش ّكل الزينة الوحيدة لثوهبا العفيف‪.‬‬

‫وكذلك إبمكاين التح ّدث عن انطباع الع ّفة املنبعث من مظهر مرمي‪ ،‬من تقاسيمها الرقيقة واملتناغمة‬
‫اليت جتعل منها امرأة مالئكيّة‪.‬‬

‫لتصوري إىل أيّة درجة َج َعلوها تتأملّ‪ ،‬وأتساءل كيف كان من املمكن عدم‬ ‫نظرت إليها أأت ّمل ّ‬
‫ُ‬ ‫وكلّما‬
‫حّت يف مظهرها اجلسماينّ‪ .‬أنظر إليها وأمسع صيحات اجللجلة‬ ‫اإلشفاق عليها‪ ،‬عذبة هي ولطيفة ورقيقة ّ‬
‫كل اللعنات اليت تل ّقتها لكوهنا أ ُّم احملكوم عليه‪ .‬أراها مجيلة‬ ‫ِ‬
‫ومـا ُو ّجه إليها من سخرية وهتريج‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫املأساوي ساعة النزاع‪ ،‬واألسى الذي‬
‫ّ‬ ‫وهادئة اآلن‪ ،‬إالّ أ ّن مظهرها احلايل ال ميكنه أن ميحو ذكرى وجهها‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 155 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫كنت أرغب لو أالطفها وأقبّل وجنتيها الورديتّني برقّة‬
‫عرب عنه يف بيت أورشليم بعد موت يسوع‪ُ .‬‬ ‫كان يُ ِّ‬
‫يف…‬‫شديدة‪ ،‬ألنتزع بقبليت ذكرى دموعها املقيمة فيها مثل إقامتها ّ‬
‫ال ميكنين تصديق مدى السالم الذي مينحه وجودها إىل جانيب‪ .‬ختامرين فكرة أن مويت وأان أراها‬
‫سوف يكون بعذوبة‪ ،‬بل أكثر من أكثر ساعات احلياة عذوبة‪ .‬يف اآلونة األخرية‪ ،‬عندما مل أعد أراها هكذا‬
‫ّمت لغياهبا كما لغياب ّأم يل‪ .‬يعاودين اآلن اإلحساس ابلفرح فائق الوصف الذي مل يفارقين‬
‫بشكل كامل‪ ،‬أتل ُ‬
‫طيلة كانون األول (ديسمرب) وأوائل ّأايم كانون الثاين (يناير)‪ .‬فأان سعيدة رغم وشاح األمل الذي َعتَّم صفو‬
‫متزقات اآلالم‪.‬‬
‫هنائي برؤية ّ‬

‫ث منذ احلادي عشر من شباط (فرباير)‪ ،‬عشيّة‬ ‫إنّه من الصعب القول وإفهام ما اختربتُه وما َح َد َ‬
‫جذرايً‪ .‬فلو ُم ُّ‬
‫ت اآلن أو بعد مائة عام‪ ،‬فستبقى تلك‬ ‫غريين ّ‬ ‫رؤييت يسوع يعاين من آالمه‪ .‬لقد كان منظراً ّ‬
‫كنت أف ّكر يف آالم يسوع‪ّ ،‬أما اآلن فقد رأيتُها‪ ،‬لذا‬
‫الرؤاي جب ّدهتا وأتثريها مطبوعة يف خميّليت‪ .‬قبل ذلك ُ‬
‫أحسست به ذاك املساء الختباري‬
‫ُ‬ ‫تكفيين كلمة أو نظرة إىل صورة لكي أأت ّمل من جديد ذلك األمل الذي‬
‫حّت ولو مل يذ ّكرين به شيء‪ ،‬فذكراه تعصر قليب‪.‬‬
‫فظاعة تعذيبه واختباري ضيق أملها وهي مفجوعة‪ّ ،‬‬

‫تبدأ مرمي ابلكالم وأصمت أان‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 156 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -31‬ال تتخلوا أبداً عن محاية الصالة)‬

‫‪1944 / 03 / 28‬‬

‫تقول مرمي‪:‬‬
‫ِ‬
‫انتباهك وانتباه القراء إىل‬ ‫«لن أطيل كالمي ألن ِ‬
‫ك تعبة جداً‪ ،‬اي ابنيت املسكينة‪ .‬إنين فقط ألفت‬
‫عادة يوسف الثابتة وكذلك عاديت إعطاء األولوية دائماً للصالة‪ .‬فاجلفاء والعجلة واهلم واالنشغاالت‬
‫كلها ال تعيق الصالة أبداً‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬إهنا عوامل م ِ‬
‫ساعدة‪ .‬الصالة دائماً ملكة اهتماماتنا‬ ‫ُ‬
‫وسلواان ونوران وأملنا‪ .‬وإذا كانت السلوى يف ساعات احلزن‪ ،‬ففي ساعات السعادة تصبح ترتيلة‪ .‬إهنا‬
‫الصديقة الصدوقة الوفية لروحنا‪ .‬إهنا حترران من األرض‪ ،‬من املنفى وتسمو بنا إىل أعايل السماء‪ ،‬إىل‬
‫الوطن‪.‬‬

‫مل أكن الوحيدة اليت أمحل هللا يف‪ ،‬ومل يكن يشغلين سوى التطلع إىل أحشائي ألعبد قدس‬
‫األقداس‪ ،‬إّنا يوسف أيضاً كان يشعر ابحتاده ابهلل يف الصالة‪ ،‬ألن صالتنا كانت عبادة حقيقية لكل‬
‫كياننا الذي كان يذوب يف هللا يف عبادته وتلقي عناقه بعد ذلك‪.‬‬

‫كنت أمحل األزيل‪ ،‬مل أكن أتصور نفسي معفاة من الرتدد إبجالل إىل‬ ‫انظروا إيل‪ ،‬أان اليت ُ‬
‫اهليكل‪ .‬فالقداسة األكثر مسواً ال تعفي من الشعور ابلعدمية أمام هللا‪ ،‬وبتواضع هذا العدم‪ ،‬ألنه هو‬
‫يسمح لنا به أبوشعنا متواصلة جملده‪.‬‬

‫هل أنتم ضعفاء‪ ،‬مساكني‪ ،‬ومفعمون أخطاء؟ تضرعوا إىل قداسة الرب‪" :‬قدوس‪ ،‬قدوس‪،‬‬
‫قدوس!" ادعوا هذا القدوس املبارك إىل جندة بؤسكم‪ .‬سوف أييت وميألكم بقداسته‪ .‬هل أنتم قديسون‬
‫وأغنياء ابالستحقاقات يف عينيه‪ ،‬فهذه القداسة الالمتناهية ستجعل قداستكم تنمو أكثر وابستمرار‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 157 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫املالئكة‪ ،‬مع كوهنم كائنات تفوق ضعف البشرية‪ ،‬ال يتوقفون حلظة عن ترتيل "قدوس"‪ ،‬ومجاهلم فائق‬
‫الطبيعة ينمو ويزداد يف كل تضرع إىل قداسة إهلنا‪ .‬فاقتدوا ابملالئكة‪.‬‬

‫ال تتخلوا أبداً عن محاية الصالة اليت تتكسر عليها أسلحة الشيطان ومكر العامل وشهوات‬
‫اجلسد وكربايء الروح‪ .‬ال تُلقوا أبداً هذه األسلحة اليت تفتح السماء وُمت ِطر النِعم والربكات‪.‬‬

‫األرض يف حاجة إىل محام من الصلوات لتتطهر من األخطاء اليت جتلب قصاصات هللا‪ .‬ومبا‬
‫أن نفوس الصالة قليلة جداً‪ ،‬فيجب عليها أن تصلي كثرياً كي تعوض عن تقصري اآلخرين‪ .‬جيب‬
‫عليهم مضاعفة صلواهتم احلارة ليصلوا إىل القدر الالزم للحصول على النعمة‪ .‬تصبح الصالة حية حارة‬
‫عندما تبلغ نبعها يف احلب والتضحية‪.‬‬

‫ضي لدى هللا وله استحقاقاته‪،‬‬ ‫ِ‬


‫ومر ّ‬‫أن تتألّمي اي ابنيت وتتّحد آالمك آبالمي وآالم يسوعي‪ ،‬هذا رائع ْ‬
‫لك أن تعطيين قبلة؟ قبّلي إذن جراح ابين‪ ،‬اسكيب‬ ‫تك مشاطرتنا عزيزة على قليب ج ّداً‪ .‬ولكن هل ِ‬‫فإ ّن حمب ِ‬
‫ّ‬
‫تك‪ .‬إ ّن اإلحساس أبمل السياط واألشواك وعذاب املسامري والصليب‪ ،‬يعاودين يف نفسي‪.‬‬ ‫عليه عطر حمب ِ‬
‫ّ‬
‫بكل التو ّددات املمنوحة ليسوعي‪ّ .‬إهنا أكثر من القبالت املمنوحة يل‪ .‬مثّ تعايل‪.‬‬
‫ألحس ّ‬
‫ُّ‬ ‫ولكنّين كذلك أعود‬
‫ك‪...‬‬ ‫أان ملكة السماء ولكنّين سأظل أم ِ‬
‫ّ ّ‬
‫وإنّين لسعيدة!»‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 158 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫كراي)‬
‫‪( -32‬وصول مرمي إىل بيت ز ّ‬
‫‪1944 / 04 / 01‬‬

‫إنين يف بلدة جبلية‪ .‬اجلبال فيها غري شاهقة‪ ،‬ولكنها ليست تالالً كذلك‪ .‬هلا قمم وأخاديد‬
‫جبال حقيقية كاليت نراها على سـلسـلة جبـال "أبنني" "‪( "Apennins‬سلسلة جبال على طول‬
‫إيطاليا بطول ‪ 1300‬كم)‪ .‬النبااتت فيها كثيفة ورائعة‪ .‬فيها الكثري من املياه اليت حتافظ على احلقول‬
‫خضراء والبساتني املليئة ابلتفاح منتجة‪ ،‬وكذلك أشجار التني مع الكروم حول البيوت‪ .‬إنه الربيع بدون‬
‫شك‪ ،‬ذلك أن العناقيد أصبحت كبرية مثل حبات البيقية‪ ،‬وبراعم أشجار التفاح قد بدأَت تتفتح وهي‬
‫تبدو اآلن خضراء‪ ،‬وعلى األغصان العليا من أشجار التني هناك مثار أخ َذت متام شكلها‪ .‬ومث احلقول‪،‬‬
‫فإهنا ليست سوى سجاد طري أبلف لون‪ .‬ترعى القطعان فيها أو تراتح‪ ،‬وهي تبدو كبقع بيضاء على‬
‫زمرد العشب‪.‬‬

‫متضي مرمي مبطيتها صعوداً يف طريق ال أبس حبالتها‪ ،‬يفرتض أهنا الطريق الرئيسية ملدخل البلدة‪.‬‬
‫إهنا تصـعد اآلن ألن البلدة اليت تبدو مبظهر منتظـم إىل حد ما تقع يف األعلى‪ .‬والذي يعلمين عادة‬
‫فلست متيقنة‬
‫ُ‬ ‫يقول يل‪« :‬هذا املكان هو حربون (اخلليل)» كنتم حتدثونين عن ‪ Montana‬أما أان‬
‫وال أعلم إذا ما كانت حربون هي البلدة كلها أم التجمع السكين فقط‪ .‬فلن أحتدث عنها إذن إال يف‬
‫حدود معرفيت‪.‬‬

‫ها هي مرمي تدخل القرية‪ .‬الوقت مساء‪ :‬نساء على األبواب يراقنب القادمة الغريبة ويتحدثن‬
‫عنها فيما بينهن‪ .‬يتبعنها أبعينهن‪ ،‬ومل يتأكدن إال حني رأينها تقف أمام أحد أمجل البيوت الواقعة‬
‫وسط البلدة‪ .‬من األمام هناك حديقة‪ ،‬ومن اخللف واجلوانب حييط به بستان معتّن به جيداً‪ .‬بعد‬
‫ذلك أييت حقل يصعد وينزل حسب تضاريس اجلبل‪ ،‬وينتهي بدوحة‪ .‬وبعد ذلك مل أعد أعرف ماذا‬
‫يوجد‪ .‬هذه األمالك حماطة بسياج من العليق وشجريات الورد الربي‪ .‬ال أميز محلها جيداً‪ ،‬فزهور وأوراق‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 159 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫تلك األدغال متشاهبة كثرياً‪ ،‬ومبا أن الثمار مل تكتمل بعد على األغصان‪ ،‬فمن السهل الوقوع يف اخلطأ‪.‬‬
‫يف الواجهة األمامية من املنزل‪ ،‬من الناحية املواجهة للبلدة‪ ،‬حييط ابألمالك جدار أبيض تعرش عليه‬
‫أغصان ورود حقيقية‪ ،‬ال حتمل وروداً يف الوقت احلايل‪ ،‬ولكنها مزينة ابلرباعم واألزرار‪ .‬ويف الوسط بوابة‬
‫حديدية مغلقة‪ .‬من كل ذلك ميكن االستدالل على أنه منزل أحد أعيان البلدة أو أحد أثرايئها‪ .‬فكل‬
‫شيء يشري فعالً‪ ،‬إذا مل يكن إىل الثراء‪ ،‬فعلى األقل إىل اليسر بكل أتكيد‪ .‬إنه منتظم للغاية‪.‬‬

‫ترتجل مرمي من على مطيتها‪ ،‬وتدنو من البوابة‪ .‬تنظر من خالل القضبان فال ترى أحداً‪ .‬فتأخذ‬
‫ابلبحث عن وسيلة تعلن بواسطتها عن وجودها‪ .‬وكانت امـرأة صغرية القد أكثر فضوالً من األخرايت‬
‫وقد تبعتها‪ ،‬فتدهلا على تركيبة غريبة تستخدم كجرس‪ ،‬وهي عبارة عن قطعيت معدن مثبتتني على حمور‪،‬‬
‫عند حتريك احملور بواسطة احلبل تتصادمان الواحدة ابألخرى فتصدران صواتً يشبه صوت اجلرس أو‬
‫صوت صنج‪.‬‬

‫تشد مرمي احلبل‪ ،‬إّنا بلطف شديد حبيث يرن اجلهاز رنة خفيفة مل يسمعها أحد‪ .‬فتدنو العجوز‬
‫صغرية القد‪ ،‬وهي عبارة عن أنف وذقن وبينهما لسان يساوي عشرة‪ ،‬وتتعلق ابحلبل وتشد‪ ،‬تشد‪،‬‬
‫ِ‬
‫يسمعونك؟ اعلَمي أن‬ ‫تشد ُحم ِدثة ضجة توقظ امليت‪« .‬هذا ما جيب فعله‪ ،‬وإال فكيف ستجعلينهم‬
‫أليصاابت عجوز‪ ،‬وكذلك زكراي‪ ،‬وهو يف الوقت احلاضر أصم أبكم فوق البيعة‪ .‬كذلك اخلدام شيوخ‪،‬‬
‫هل تعرفني ذلك؟ أمل جتيئي أبداً؟ هل تعرفني زكراي؟ هل ِ‬
‫أنت‪»...‬‬

‫إنقاذاً ملرمي من هذا الطوفان من االستفسارات واألسئلة‪ ،‬يُقبِل عجوز صغري يتعثر‪ .‬رمبا كان‬
‫البستاين أو أحد الفالحني‪ ،‬فهو حيمل يف يده معزقة ويعلق يف حزامه ساطوراً صغرياً‪ .‬يفتح فتدخل‬
‫مرمي وهي تشكر العجوز الصغرية ولكن‪ ...‬وا أسفاه! دون أن جتيبها‪ .‬اي خليبة أمل هذه الفضولية!‬

‫حال دخوهلا تقول مرمي‪« :‬أان مرمي بنت يواكيم وحنة من الناصرة‪ ،‬نسيبة أصحاب املنزل‪».‬‬
‫ينحين العجوز ويؤدي التحية ويبدأ ابهلتاف‪« :‬سارة! سارة!» مث يفتح البوابة لِي ِ‬
‫دخل احلمار‬‫ُ‬
‫الذي بقي خارجاً‪ ،‬ألن مرمي‪ ،‬كي تتخلص من العجوز الصغرية املزعجة تنزلق إىل الداخل بسرعة‪،‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 160 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫دخل املطية‪« :‬آه! سعادة كبرية‬ ‫ويغلِق البستاين البوابة بسرعة مشاهبة يف وجه الثراثرة‪ ،‬مث يقول بينما ي ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يف هذا املنزل‪ ،‬وكذلك غم كبري! السماء َمنَ َحت العاقر ولداً‪ ،‬فليتبارك تعاىل! إال أن زكراي عاد منذ‬
‫ك علِ ِ‬
‫مت بذلك؟‬ ‫سبعة أشهر من أورشليم أب َكم‪ ،‬يتحدث إىل اآلخرين بواسطة اإلشارة أو الكتابة‪ .‬ألعل ِ َ‬
‫عنك مع سارة‪ ،‬وقد كانت‬ ‫تطلبك وسط هذه السعادة وهذا الغم! غالباً ما تتحدث ِ‬ ‫ِ‬ ‫كم كانت سيديت‬
‫طلبت من زكراي أن أييت‬
‫لكنت ُ‬ ‫تقول‪" :‬لو كانت مرمي الصغرية معي أيضاً! لو أهنا ما تزال يف اهليكل‪ُ ،‬‬
‫هبا‪ ،‬ولكن الرب شاء أن تكون اآلن عروسة ليوسف الناصري‪ .‬هي وحدها تستطيع مؤاسايت يف هذه‬
‫احملنة وتساعدين يف االبتهال إىل هللا‪ ،‬فهي طيبة وصاحلة جداً‪ ،‬واجلميع يف اهليكل يبكون لغياهبا‪ .‬يف‬
‫مسعت‬
‫ذهبت مع زكراي آخر مرة إىل أورشليم ألشكر هللا على منحه إايي ابناً‪ُ ،‬‬ ‫ُ‬ ‫العيد املاضي‪ ،‬عندما‬
‫معلماهتا يقلن يل‪’ :‬يبدو اهليكل وكأنه فقد شاروبيم اجملد منذ أن توقف صوت مرمي عن الرتدد بني‬
‫ِ‬
‫أرشدك‪».‬‬ ‫هذه اجلدران’"‪ .‬سارة! سارة! إن زوجيت ثقيلة السمع قليالً‪ ،‬ولكن تعايل‪ ،‬تعايل‪ ،‬سوف‬

‫بدل سارة‪ ،‬تظهر يف أعلى سلم جناح يف طرف املنزل‪ ،‬امرأة متقدمة أكثر يف السن‪ ،‬متلؤها‬
‫التجاعيد‪ ،‬والشعر يكسوه املشيب‪ .‬هذا الشعر الذي يفرتض أنه كان أسود قامتاً ألن حاجبيها ورموشها‬
‫ما تزال سوداء قامتة‪ ،‬وهي كانت مسراء داكنة‪ ،‬فلون وجهها يشري إىل ذلك بوضوح‪ .‬ومحلها الظاهر‬
‫جداً رغم رحابة ثياهبا يتعارض بشكل غريب مع شيخوختها احلالية‪ .‬إهنا تنظر وتشري بيدها‪ .‬لقد‬
‫تعرفَت على مرمي‪ .‬ترفع ذراعيها إىل السماء مع هتاف «اوه!» وبدهشة وسرور‪ ،‬تسرع قدر استطاعتها‬ ‫َّ‬
‫أخ َذت تركض خبفة كظبية‪ ،‬وتصل إىل أسفل الدرج‬ ‫ملالقاة مرمي‪ .‬ومرمي كذلك‪ ،‬الرزينة دائماً مبشيتها‪َ ،‬‬
‫بنفس الوقت مع أليصاابت‪ .‬وتضم مرمي إىل قلبها اببتهاج نسيبتها اليت تبكي فرحاً لرؤيتها‪.‬‬

‫تظالن متعانقتني برهة‪ ،‬مث تنفك أليصاابت من العناق مع «آه!» ميتزج فيها األمل ابلفرح‪ ،‬وحتمل‬
‫يدها إىل بطنها املنتفخ‪َّ .‬تفض وجهها الذي ابت يتلون ابألصفر واألمحر بشكل متناوب‪ .‬متد مرمي‬
‫بدأَت ترتنح كما لو أهنا كانت تشعر بسوء‪ .‬ولكن أليصاابت‪ ،‬بعد‬ ‫واخلادم أيديهما ليسنداها‪ ،‬ألهنا َ‬
‫أن ظلت دقيقة وكأهنا َّتتلي بنفسها‪ ،‬ترفع وجهاً مشعاً لدرجة أنه يبدو وكأنه يعود شاابً‪ .‬تنظر إىل‬
‫مرمي إبجالل وهي تبتسم كما لو كانت تـرى مالكاً‪ ،‬مث تنحين بتحيـة عميقـة وهي تقـول‪« :‬مبـاركة ِ‬
‫أنت‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 161 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يف النساء! مبـاركة مثرة ِ‬
‫بطنك! (تلفظهما هكذا‪ ،‬مجلتني منفصلتني متاماً)‪ .‬كيف يل أن أتيت أم ري إيل‪،‬‬
‫ك قال يل روح‬ ‫صوتك‪ ،‬وعندما قَـبَّلتُ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خادمتك؟ فها إن اجلنني قد ارتكض يف بطين لدى مساعه‬ ‫أان‬
‫ِ‬
‫إلميانك أبنه مستطاع لدى هللا ما يبدو غري‬ ‫الرب يف أعماق قليب احلقائق السامية جداً‪ .‬مغبوطة ِ‬
‫أنت‬
‫لك من قِبَل الرب‬‫فيك ما قيل ِ‬ ‫إميانك‪ ،‬سيتم ِ‬
‫ِ‬ ‫ك‪ ،‬بفضل‬ ‫مستطاع للروح البشرية! مباركة ِ‬
‫أنت ألن ِ‬
‫أنت من أجل اخلالص الذي ستنجبينه ألبناء يعقوب! مباركة ِ‬
‫أنت‬ ‫ونبوءات األنبياء هلذا الزمان! مباركة ِ‬
‫محلت القداسة البين الذي أُحس به يقفز كجدي بسبب الفرح الذي خيتربه يف أحشائي! هذا‬ ‫ك ِ‬ ‫ألن ِ‬
‫س بنفسه حمرراً من اخلطيئة‪ ،‬مدعواً ليكون السابق‪ ،‬مقدساً قبل الفداء بواسطة القدوس الذي‬ ‫أح َّ‬
‫ألنه َ‬
‫ِ‬
‫فيك!»‬

‫مرمي‪ ،‬بدمعتني كلؤلؤتني تنهمران من عينيها الضاحكتني ابجتاه فمها الذي يبتسم ووجهها املرتفع‬
‫حنو السماء وكذلك ذراعاها‪ ،‬يف الوضع الذي سيتخذه كثرياً يسوع فيما بعد‪ ،‬هتتف‪« :‬تُـ َع ِظم نفسي‬
‫وصلَت إلينا‪ .‬ويف النهاية‪ ،‬عند اآلية‪« :‬عضد إسرائيل فتاه‪ »...‬تُصالِب‬ ‫ِ‬
‫الرب‪ ».‬وتُكمل الرتتيلة كما َ‬
‫يديها على صدرها‪ ،‬جتثو منحنية إىل األرض يف عبادة هلل‪.‬‬

‫يتوارى اخلادم بكل لباقة‪ ،‬عندما يرى أن أليصاابت مل تعد تشعر بسوء‪ ،‬وهي تبث أفكارها ملرمي‪.‬‬
‫ويعود من البستان برفقة عجوز جليل ذي شعر أبيض وحلية‪ ،‬وهو حييي مرمي من بعيد حبركات كبرية‬
‫وأصوات حلقية‪.‬‬

‫«لقد وصل زكراي» تقول أليصاابت وهي تلمس كتف العذراء املستغرقة يف صالهتا «زوجي زكراي‬
‫أبكم‪ .‬لقد عاقَـبه هللا ألنه مل يؤمن‪ .‬سوف أقص ِ‬
‫عليك فيما بعد حكايته‪ ،‬إّنا اآلن أرجو العفو من هللا‬ ‫َ‬
‫أتيت ِ‬
‫أنت املمتلئة نعمة‪».‬‬ ‫ك ِ‬ ‫ألن ِ‬

‫تنهض مرمي وتذهب ملالقاة زكراي‪ ،‬وتنحين أمامه إىل األرض‪ ،‬وتقبل طرف الرداء األبيض الذي‬
‫َ‬
‫ط عند اخلصر بشريط عريض موشى‪.‬‬ ‫يتسربله حّت األرض‪ .‬إنه ثوب فضفاض جداً وقد ُربِ َ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 162 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ِ‬
‫يرحب هبا زكراي حبركات‪ ،‬وميضيا معاً ملوافاة أليصاابت‪ .‬مث يدخلون مجيعهم إىل قاعة رحبة‬
‫ومنظمة بشكل جيد جداً حيث ُجيلِسان مرمي ويقدمان هلا كأساً من احلليب الطازج ‪-‬إنه ما يزال‬
‫يرغو‪ -‬مع بعض الكعك الصغري‪.‬‬

‫ظهر أخرياً بيديها اللتني يكسومها الطحني‪ ،‬والشعر الذي‬


‫متلي أليصاابت أوامرها للخادمة اليت تَ َ‬
‫أكسبه الطحني العالق فيه بياضاً أكثر مما هو عليه يف احلقيقة؛ قد تكون يف ذلك احلني تصنع اخلبز‪.‬‬
‫مث تطلب إىل خادم آخر‪ ،‬مسعتها تناديه صموئيل‪ ،‬أن حيمل صندوق مرمي إىل غرفة عينتها له‪ .‬كل‬
‫واجبات ربة بيت جتاه ضيفة لديها‪.‬‬

‫ويف هذه األثناء كانت مرمي جتيب على أسئلة يطرحها زكراي كتابة بواسطة مسرب على لوح مطلي‬
‫أيقنت كذلك أن‬
‫كت من األجوبة أنه حيدثها عن يوسف‪ ،‬ويسأهلا عن وضعها كعروسة‪ .‬و ُ‬ ‫ابلشمع‪ .‬أدر ُ‬
‫يتلق أية إشارة نورانية فائقة الطبيعة عن وضع مرمي كأم املاسيا‪ .‬وها هي أليصاابت تدنو من‬
‫زكراي مل َّ‬
‫زوجها وتضع يدها حبنان على كتفه كما ملداعبة عفيفة‪ ،‬وهي تقول له‪« :‬مرمي أيضاً هي أم‪ .‬افرح‬
‫لسعادهتا‪ ».‬ولكنها مل تضف شيئاً‪ ،‬تنظر إىل مرمي وكذلك مرمي تنظر إليها دون أن تدعوها لقول املزيد‪.‬‬
‫وتصمت‪.‬‬

‫أحسست به لرؤييت يهوذا ينتحر‪.‬‬


‫ُ‬ ‫مين اهللع الذي‬
‫انتز َعت ّ‬
‫ما أعذهبا رؤاي! لقد َ‬

‫أيت مرمي تبكي وهي منحنية على حجر ال َدهن‪ ،‬على جسد الفادي‬ ‫أمس مساء‪ ،‬قبل أن أانم‪ ،‬ر ُ‬
‫وج َعلَتين‬
‫الذي ال حراك فيه‪ .‬كانت إىل ميينه وظهرها ملدخل املغارة الضريح‪ .‬أضاءَت نور املشاعل وجهها َ‬
‫أرى وجهها املسكني الذي اجتاحه األمل وغَ َم َرته الدموع‪ .‬كانت متسك بيد يسوع‪ ،‬متسحها‪ ،‬تدفئها على‬
‫مترر يدها على‬
‫كالً مبفرده رغم كوهنا جامدة‪ .‬كانت ّ‬
‫خ ّديها مثّ تقبّلها وتبسط أصابعها‪ ...‬كانت تقبّل أصابعه ّ‬
‫وجهه وتنحين لتقبّل فمه املفتوح وعينيه شبه املغمضتني وكذلك جبينه اجملروح‪ .‬ونور املشاعل املائل لالمحرار‬
‫املنهك أكثر ح ّدة‪ ،‬وفظاعة العذاب الذي تلقاه أكثر وضوحاً وكذلك حقيقة موته‪.‬‬
‫كل اجلسد َ‬
‫يربز جراح ّ‬
‫أتملي هكذا طاملا بقي فكري ّنرياً‪ .‬مثّ نبَّهين نعاسي كي أصلي وأختذ وضعية النوم الصحيحة‪.‬‬
‫بقيت يف ّ‬
‫ُ‬
‫تتحركي‪ ،‬انظري فقط وستكتبني غداً‪».‬‬
‫األم قالت يل‪« :‬ال ّ‬
‫وهنا ابلضبط ب َدأَت الرؤاي املذكورة أعاله‪ ،‬ولكن ّ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 163 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫عدت‬
‫استيقظت يف السادسة والنصف صباحاً ُ‬
‫ُ‬ ‫كل شيء من جديد يف احللم‪ .‬وعندما‬
‫أيت ّ‬
‫وأثناء نومي ر ُ‬
‫واستطعت أن أسأل إذا كان من املفروض‬
‫ُ‬ ‫كتبت وأان أرى‪ .‬مثّ أتيتم‬
‫كل ما رأيتُه مساء أمس ويف احللم‪ُ .‬‬
‫ألرى ّ‬
‫كراي‪.‬‬
‫متفرقة عن إقامة مرمي يف بيت ز ّ‬
‫كل ما سوف يلي‪ّ .‬إهنا لوحات صغرية ّ‬
‫أن أكتب ّ‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 164 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -33‬مرمي تبوح ابالسم ألليصاابت)‬

‫‪1944 / 04 / 02‬‬

‫يبدو أن الوقت صباح‪ ،‬وأرى مرمي َّتيط يف الردهة‪ .‬وأليصاابت تروح وجتيء‪ ،‬تعتين بشؤون‬
‫املنزل‪ .‬كلما دخلَت ال تتواىن أبداً يف التوجه إىل مرمي لتمرر يدها على رأسها األشقر م ِ‬
‫داعبَة إايها‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ويربز لونه األشقر أكثر وهي قرب اجلدران املظللة حتت شعاع مجيل من الشمس اليت تدخل من الباب‬
‫املطل على احلديقة‪.‬‬

‫بدأَتهُ يف الناصرة‪ -‬والذي تعمل على إضفاء‬


‫تنحين أليصاابت لرتى شغل مرمي ‪-‬التطريز الذي َ‬
‫اجلمال عليه‪.‬‬

‫تقول مرمي‪« :‬عندي أيضاً كتان أغزله‪».‬‬


‫« ِ‬
‫البنك؟»‬

‫كت «عندما مل أكن‬


‫«ال‪ ،‬لقد كان لدي عندما مل أكن أفكر بعد‪ »...‬مل تكمل مرمي ولكنين أدر ُ‬
‫أفكر بعد أبنين سأكون أم هللا‪».‬‬

‫«ولكن اآلن جيب أن تستخدميه له‪ .‬هل هو مجيل؟ انعم؟ فاألطفال كما تعلمني حباجة إىل‬
‫مرهفة جداً‪».‬‬
‫ثياب َ‬
‫«أعرف ذلك‪».‬‬

‫أردت أن أأتكد من أهنا ليست خديعة من الروح الشرير‪.‬‬‫بدأت‪ ...‬متأخرة‪ ،‬ألنين ُ‬


‫كنت قد ُ‬ ‫«أان ُ‬
‫مت كثرياً‪ .‬أان‬
‫وعلى الرغم من‪ ...‬فقد اعرتاين فرح عظيم ال ميكنه أن يتأتى من الشيطان‪ .‬مث‪ ...‬أتل ُ‬
‫عجوز حّت أكون يف مثل هذه احلال‪ .‬لقد أتلمت كثرياً‪ .‬و ِ‬
‫أنت‪ ،‬أفال تتألمني؟‪»...‬‬ ‫ُ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 165 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫كنت أحسن حاالً من اآلن‪».‬‬
‫«أان‪ ،‬ال‪ ،‬مل أشعر يوماً مدى حيايت أنين ُ‬
‫فأنت ِ‬
‫لست خاضعة‬ ‫اختارك لتكوين أمه‪ .‬إذن ِ‬
‫ِ‬ ‫فيك‪ ،‬إذا كان هللا قد‬ ‫«أي نعم! ِ‬
‫أنت‪ ...‬ال عيب ِ‬
‫آلالم حواء‪ .‬مث إن الذي حتبلني به قدوس هو‪».‬‬

‫«خييل إيل أن يف قليب أجنحة وليس ثقالً‪ .‬خييل إيل أين أمحل يف داخلي كل الزهور وكل العصافري‬
‫اليت تغرد يف الربيع‪ ،‬وكذلك لذة العسل وكل الشمس‪ ...‬آه! كم أان سعيدة!»‬
‫«مباركة ِ‬
‫أنت! فأان أيضاً منذ اللحظة اليت ر ِ‬
‫أيتك فيها‪ ،‬مل أعد أشعر بثقل وال تعب وال أمل‪ .‬يبدو‬
‫وحمررة من شقاء اجلسد كامرأة‪ .‬فبعد أن قفز ابين من الفرح لدى‬
‫أصبحت شابة َّ‬
‫ُ‬ ‫َّدت و‬
‫يل أنين قد جتد ُ‬
‫ِ‬
‫صوتك‪َ ،‬س َك َن مسروراً‪ .‬يبدو يل أنين أمحله يف أحشائي كما يف مهد حي‪ ،‬وأنين أراه انئماً‬ ‫مساعه‬
‫مشبعاً وسعيداً‪ ،‬يتنفس كعصفور يسرتيح مطمئناً حتت جناح أمه‪ ...‬فاآلن سأبدأ عملي‪ ،‬مل يعد يتعبين‪.‬‬
‫إين ال أرى بوضوح‪ ،‬ولكن‪»...‬‬
‫ِ‬
‫والبنك‪ .‬فأان رشيقة وأرى بوضوح‪».‬‬ ‫عنك أليصاابت! فأان أفكر أن أغزل وأن أنسج ِ‬
‫لك‬ ‫«دعي ِ‬

‫«ولكن جيب أن تفكري ِ‬


‫اببنك‪»...‬‬
‫ِ‬
‫واببنك‪ ،‬ومث أفكر بيسوعي‪».‬‬ ‫«آه! لدي متسع من الوقت!‪ ...‬أفكر أوالً ِ‬
‫بك‬

‫لقد كانت العبارة عذبة للغاية‪ ،‬وصوت مرمي كان يتهلل وهي تلفظ هذا االسم‪ ،‬مث تتألأل عيناها‬
‫بدموع فرح مشرقة بينما هي تنظر إىل السماء املضيئة والالزوردية‪ ،‬هذا ما يفوق القدرات البشرية‪.‬‬
‫يبدو أن النشوة قد استولت عليها ومل تعد تعي سوى القول‪« :‬يسوع‪».‬‬

‫فتقول أليصاابت‪« :‬اي له من اسم مجيل! اسم ابن هللا‪ ،‬خملصنا!»‬

‫«آه! أليصاابت!» وتتحول مالمح مرمي لتبدو حزينة‪ ،‬حزينة‪ ،‬ومتسك يدي نسيبتها اليت‬
‫امتألت من روح الرب عند قدومي‪ ،‬وتنب ِ‬
‫أت مبا‬ ‫ِ‬ ‫تُصالِبهما على بطنها املنتفخ «قويل يل ِ‬
‫أنت اي من‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 166 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫جيهله العامل‪ .‬قويل يل‪ :‬ماذا على ولدي أن يفعل ليخلص العامل؟ األنبياء‪ ...‬آه! َمن األنبياء الذين‬
‫يتكلمون عن املخلص! اسحق‪ ...‬هل تذكرين اسحق؟ "إنه رجل اآلالم‪ ،‬فبكدماته ُشفينا حنن‪ .‬لقد‬
‫وجرِح بسبب ما اقرتفنا من اآلاثم‪ ...‬أراد الرب أن ابآلالم‪ ...‬وبعد احلكم ُرفِع‪ "...‬عن أي َرفع‬ ‫ِ‬
‫طُعن ُ‬
‫يتكلم؟ إنه يدعى َمحَالً وأان أفكر‪ ...‬حبَ َمل الفصح‪َ ،‬محَل موسى‪ ،‬لذا فأان أقابله ابحلية اليت َرفَـ َعها موسى‬
‫على صليب‪ .‬أليصاابت!‪ ...‬أليصاابت!‪ ...‬ماذا سيفعلون اببين؟ كيف عليه أن يتأمل ليخلص العامل؟»‬
‫وتبكي مرمي‪.‬‬

‫ـك صحيح‪ ،‬ولكنـه أيضـاً ابن هللا‪ .‬وهللا سوف‬ ‫تؤاسـيها أليصاابت‪« :‬ال تبكي اي مـرمي‪ .‬إنـه ابن ِ‬
‫أنت أمه‪ .‬وإذا ظَ َهَر كثريون فيما بعد غليظي القلب جتاهه‪ ،‬فسيكون هناك كثريون‬ ‫وبك ِ‬‫يفكر اببنه ِ‬
‫كك معه‪ِ ،‬‬
‫أنت‪ :‬النبع الذي منه ينبع‬ ‫ابنك ويبار ِ‬
‫حيبونه‪ .‬كثريون!‪ ...‬عرب قرون وقرون‪ ،‬سيتطلع العامل حنو ِ‬
‫ابنك! إنه مرتفع إىل درجة امللك على كل اخلليقة‪ .‬فكري هبذا اي مرمي‪ .‬ملك‪ :‬ألنه‬ ‫الفداء‪ .‬ومصري ِ‬
‫سيفتدي كل ما كان قد ُخلِق‪ ،‬وهلذا سيصبح امللك الكوين‪ .‬وأيضاً سيكون حمبوابً على األرض عرب‬
‫األزمنة‪ .‬ابين سيسبق ِ‬
‫ابنك وحيبه‪ .‬وهذا ما قاله املالك لزكراي وهو قد كتَـبَه يل‪ ...‬آه! اي له من أمل أن‬
‫أراه صامتاً‪ ،‬زوجي زكراي! ولكنين أرجو‪ ،‬لدى والدة ابين‪ ،‬أن يتحرر األب أيضاً من القصاص الذي‬
‫أنت اي عرش قدرة هللا وسبب فرح العامل‪ .‬ولكي أانل ذلك أقدم‪ ،‬ابلقدر الذي‬ ‫وقع عليه‪ .‬صلي معي ِ‬
‫أستطيعه‪ ،‬وليدي للرب‪ .‬إنه له فعالً وقد أعاره خلادمته ليهبها الفرح بسماع من يدعوها "أماً"‪ .‬وتلك‬
‫هي الشهادة ملا فَـ َعلَهُ هللا من أجلي‪ .‬أريد تسميته "يوحنا"‪ .‬أليس ابين نعمة أم هو صدفة؟ أوليس هللا‬
‫صنَ َع ي ذلك؟»‬
‫هو الذي َ‬
‫سيمنحك هذه النعمة‪ .‬سأصلي‪ِ ...‬‬
‫معك‪».‬‬ ‫ِ‬ ‫«أان واثقة متاماً أبن هللا‬

‫«أحزن كثرياً لرؤييت إايه أب َكم!‪ »...‬وتبكي أليصاابت‪« .‬وعندما يكتب ألنه ال يستطيع الكالم‪،‬‬
‫خييل إيل أن هناك جباالً وحبوراً بيين وبني زكراي‪ .‬فبعد سنوات كثرية من الكالم العذب يبقى فمه اآلن‬
‫صامتاً‪ .‬اآلن بشكل خاص حيث ال شيء أمجل من الكالم عما سيحصل‪ .‬أمتَنِع حّت عن الكالم‬
‫لكي ال أراه ُجي ِهد نفسه ابحلركات ليجيبين‪ .‬لقد بكيت كثرياً! لقد انتظر ِ‬
‫تك طويالً! البلدة تنظر‪ ،‬تثرثر‬ ‫ُ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 167 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وتنتقد‪ .‬هكذا هو العامل! وعندما يكون هناك حزن أو فرح فاحلاجة تكون ماسة للتفهم وليس لالنتقاد‪.‬‬
‫ِ‬
‫أصبحت معي‪ .‬أحس‬ ‫اآلن يبدو يل أن احلياة ستكون أفضل بكاملها‪ .‬أحس ابلفرح ميألين منذ أن‬
‫أبن اختباري سيمر وسأصبح قريباً سعيدة متاماً‪ .‬سيكون هذا‪ ،‬أليس كذلك؟ إين مذعنة لكل شيء‪.‬‬
‫ولكن ليت هللا يصفح عن زوجي! للتمكن من مساعه يصلي كما يف السابق!»‬

‫تالطفها مرمي وتواسيها‪ ،‬مث‪ ،‬ولكي تسليها‪ ،‬تدعوها إىل نزهة يف احلديقة املشمسة‪ .‬وتذهبان معاً‬
‫حتت عريشة منصوبة جيداً‪ ،‬وتَ ِ‬
‫صالن إىل برج ريفي َّاَّتَ َذت طيور احلمام أعشاشاً يف جتاويفه‪.‬‬

‫تنثر مرمي احلبوب وهي تضحك‪ ،‬وطيور احلمام تتهافت عليها مع اهلديل وتطري حوهلا بشكل‬
‫دائري‪ .‬وتقف على رأسها وكتفيها وذراعيها مادة مناقريها الوردية اللتقاط احلبوب من جتاويف يديها‪،‬‬
‫انقرة بلطف شفيت العذراء الورديتني وأسناهنا اليت تلمع يف الشمس‪َُّ .‬ترِج مرمي حبوابً شقراء من كيس‬
‫َّهم‪.‬‬
‫معها وتضحك وسط هذه املنافسة العامرة على النـ َ‬
‫ك أكثر مين‪ ،‬أان‬ ‫ِ‬
‫وجودك معنا بضعة أايم وهي حتب ِ‬ ‫تقول أليصاابت‪« :‬كم حتب ِ‬
‫ك! مل ميض على‬
‫اليت أعتين هبا بشكل دائم‪».‬‬

‫تستمر النزهة إىل أن تصال إىل سياج مغلق يف هناية البستان حيث توجد عشرون عنزة مع‬
‫جدائها‪.‬‬

‫أنت عائد من املرعى؟» تقول مرمي وهي تداعب راعياً صغرياً‪.‬‬


‫«هل َ‬
‫«نعم‪ ،‬فأي قال يل‪" :‬اذهب إىل البيت ألن املطر سينهمر قريباً وهناك حيواانت ستضع صغارها‪،‬‬
‫فاهتم بتأمني العشب اليابس هلا واجعل مهد قش قريباً منها؛ ها هو آت‪ ».‬ويشري إىل ما وراء غابة‬
‫أييت منها ثغاء مرتعش‪.‬‬
‫تُ ِ‬
‫داعب مرمي جدايً أشقر كطفل حيتك هبا‪ ،‬وتشرب مع أليصاابت حليباً طازجاً حلبه الراعي‬
‫الصغري وقدمه هلما‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 168 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يصل القطيع برفقة راع ضخم مثل دب‪ ،‬إّنا يبدو أنه رجل طيب‪ ،‬فقد كان حيمل على كتفيه‬
‫عنزة تئن‪ ،‬ويضعها على األرض بلطف ويقول مفسراً‪« :‬سوف تلد ومل تعد تستطيع السري إال بصعوبة‪،‬‬
‫ومشيت بسرعة ألصل هبا يف الوقت املناسب‪ ».‬مث يقود الولد العنزة اليت تتعثر‬
‫ُ‬ ‫فح َملتُها على كتفي‬
‫َ‬
‫متألمة‪ ،‬إىل احلظرية‪.‬‬

‫جتلس مرمي على صخرة تلعب مع احلمالن واجلداء وهي تُـ َق ِرب زهر النفل من أفواهها الوردية‪.‬‬
‫ويرفع جدي أبيض وأسود قائمتيه األماميتني ويضعهما على كتفيها ويشم شعرها فتقول له مرمي وهي‬
‫لك قطعة خبز‪ .‬اهدأ اآلن‪».‬‬ ‫تضحك‪« :‬هذا ليس خبزاً‪ ،‬غداً سأجلب َ‬
‫أخ َذت أليصاابت اليت استعادت هدوءها تضحك‪.‬‬
‫وَ‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 169 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -34‬مرمي تتحدث عن ابنها)‬

‫‪1944 / 04 / 02‬‬

‫أرى مرمي تغزل بسرعة حتت العريشة حيث ينمو العنب‪ .‬املفروض أن وقتاً قد مضى ألن مثار‬
‫بدأَت أتخذ لوهنا األمحر على الشجر‪ ،‬والنحل يطن قرب مثر التني الذي نضج‪.‬‬
‫التفاح َ‬
‫أضحت أليصاابت ضخمة جداً وثقلت مشيتها‪ .‬ومرمي تنظر إليها حبنان‪ .‬وحّت مرمي نفسها‬ ‫لقد َ‬
‫نض َجت‬
‫عندما تنهض لتلم املغزل الواقع بعيداً تبدو مكورة من اجلانبني وقد تبدلت تعابري وجهها‪ .‬لقد َ‬
‫أكثر‪ ،‬فقد كانت شابة صغرية وهي اآلن امرأة‪.‬‬

‫بدأ النهار مييل‪ ،‬وتدخل املرأاتن إىل الداخل حيث أُشعِلت املصابيح‪ .‬ويف انتظار العشاء مرمي‬
‫تنسج‪.‬‬
‫«ولكن أال ِ‬
‫يتعبك حقاً هذا؟» تسأل أليصاابت وهي تشري إبصبعها إىل عمل النسيج‪.‬‬

‫«ال‪ ،‬اطمئين‪».‬‬

‫«أما أان فهذه احلرارة تتعبين‪ .‬مل أكن أعاين‪ ،‬ولكن احلمل اآلن أصبح ثقيـالً على ُكليَ َيت‬
‫العجوزتني‪».‬‬

‫فلست أرى ساعة‬


‫ُ‬ ‫«تشجعي‪ ،‬فقريباً ستلدين ابلسالمة‪ .‬وكم ستكونني سعيدة آنئذ! أما أان‬
‫أموميت‪ .‬ابين! يسوعي! كيف سيكون؟»‬
‫«مجيالً ِ‬
‫مثلك اي مرمي‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 170 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«آه! ال! بل أمجل! هو هللا وأان خادمته‪ .‬ولكن قصدي من القول كان‪" :‬هل سيكون أشقراً أم‬
‫أمسراً؟ هل ستكون عيناه كسماء ساكنة أم مثل أايئل اجلبال؟ إين أتصوره أمجل من الشاروبيم‪ ،‬بشعر‬
‫ذهيب وعينني بلون حبر اجلليل عندما تبدأ النجوم ترتفع يف أفق السماء‪ ،‬وفم صغري وأمحر مثل رمانة‬
‫ان َفلَ َقت على أمها‪ ،‬ووجنتني ورديتني متاماً مثل هذه الوردة الشاحبة‪ ،‬ويدين كأهنما يف ُكم زنبقة‪ ،‬ومها‬
‫صغرياتن للغاية‪ ،‬ومجيلتان للغاية‪ ،‬وقدمني صغريتني تكادان تكوانن على قدر ملء جتويف الكف‬
‫وانعمتني لطيفتني وخممليتني‪ ،‬بل مها أكثر نعومة من تويج زهرة‪ .‬انظري‪ ،‬إنين أ ِ‬
‫ُسقط الفكرة اليت أكوهنا‬
‫عنه على كل اجلماالت اليت توحيها يل األرض‪ .‬وأمسع صوته‪ .‬عندما يبكي‪ ،‬صغريي‪ ،‬سيبكي قليالً‬
‫الوهن‪ ،‬وسوف يسبب ذلك أملاً كبرياً ألمه اليت لن تستطيع‪ ...‬آه! ال‪ ،‬لن تستطيع‬ ‫فقط من اجلوع أو َ‬
‫رؤيته يبكي دون أن يطعن قلبها‪ .‬سيكون صراخه مثل الثغاء الذي يصلنا من هذا احلمل الصغري املولود‬
‫حديثاً وهو يفتش عن ضرع أمه‪ ،‬ولكي ينام يبحث عن دفء جزهتا‪ .‬ضحكته متأل قليب املتعلق بوليدي‬
‫نشوة مساوية‪ .‬سأصبح عاشقة له‪ ،‬ألنه إهلي‪ ،‬وحيب له كعاشقة لن يتعارض مع تكريسي ذايت للبتولية‪.‬‬
‫ستكون ضحكته مثل هديل زغلول محام صغري سعيد ُمشبَع وراض يف دفء عشه‪ .‬أفكر يف خطواته‬
‫األوىل‪ ...‬عصفور ينطنط على حقل مزهر‪ .‬واحلقل سيكون قلب أمه الذي حيمي قدميه الورديتني‬
‫الصغريتني بكل حبه لكي ال يواجه أي شيء ميكنه أن جيعله يتأمل‪ .‬كم أحب ولدي! ابين! ويوسف‬
‫أيضاً سوف حيبه!»‬

‫«ولكن جيب أن َّتربي يوسف بذلك!»‬

‫كنت أرغب أن تُعلِمه السماء بذلك ألن‬


‫تتجهم مرمي وتتنهد‪« .‬كان ينبغي يل أن أخربه‪ُ ...‬‬
‫احلديث يف هذا صعب جداً‪».‬‬

‫«هل تريدينين أن أكلمه؟ أن أجعله أييت من أجل ختان يوحنا؟‪»...‬‬

‫كت هلل مهمة إعالمه مبصريه السعيد كمري ابن هللا‪ .‬وهو سيتدبر األمر‪ .‬قال يل‬
‫«ال‪ ،‬فلقد تر ُ‬
‫الروح هذا املساء‪" :‬اصميت‪ ،‬اتركي يل املهمة‪ ،‬سوف أبر ِ‬
‫رك"‪ .‬وهو سيفعل‪ ،‬فاهلل ال يكذب أبداً‪ ،‬إنه‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 171 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اختبار كبري‪ ،‬إّنا ميكن اجتيازه مبعونة األزيل‪ .‬وال جيوز ألحد سو ِاك‪ِ ،‬‬
‫أنت اي من ابح ِ‬
‫لك الروح بذلك‪،‬‬
‫أن يَعلَم من فمي بعطف الرب حيال خادمته‪».‬‬

‫التزمت الصمت دائماً حّت حيال زكراي الذي كان سيفرح كثرياً‪ .‬إنه اآلن يعتقد أن‬
‫ُ‬ ‫«أان قد‬
‫ِ‬
‫أمومتك طبيعية‪».‬‬

‫أردت ذلك من قبيل احليطة واحلذر‪ .‬فأسرار هللا مقدسة‪ .‬مالك الرب مل يبح لزكراي‬
‫«أعلَم‪ ،‬ولقد ُ‬
‫أبموميت اإلهلية‪ .‬كان ابستطاعته أن يفعل لو أراد هللا ذلك‪ ،‬ذلك أن هللا كان يَعلَم أن زمن جتسد كلمته‬
‫ِ‬
‫خصوبتك املتأخرة‬ ‫يف أحشائي وشيك‪ .‬ولكن هللا أخفى هذه الفرحة املشعة عن زكراي الذي رفض‬
‫أنت هذا السر احلي يف‪ ...‬وهو مل‬‫عرفت ِ‬
‫أيت‪ ،‬لقد ِ‬ ‫ابعتبارها مستحيلة‪ .‬إنين أمتثل إلرادة هللا‪ .‬وكما ر ِ‬
‫يالحظ شيئاً‪ .‬وطاملا مل يقع حجاب شكه مبا خيص قدرة هللا‪ ،‬فسيعيش بعيداً عن النور فائق الطبيعة‪».‬‬

‫تتنهد أليصاابت وتلتزم الصمت‪.‬‬

‫يدخل زكراي‪ ،‬يقدم لفائف ملرمي‪ ،‬إهنا ساعة الصالة قبل العشاء‪ ،‬ومرمي هي اليت تصلي بصوت‬
‫مرتفع بدل زكراي‪ .‬مث جيلسون إىل املائدة‪.‬‬

‫«عندما ترحلني من هنا‪ ،‬كم سنفتقد من يتلو لنا الصلوات!» تقول أليصاابت وهي تنظر إىل‬
‫زوجها األبكم‪.‬‬

‫أنت آنذاك اي زكراي‪».‬‬


‫فتجيب مرمي‪« :‬سوف تصلي َ‬
‫أصبحت غري أهل لذلك منذ‬
‫ُ‬ ‫يهز رأسه ويكتب‪« :‬لن أستطيع الصالة عن اآلخرين‪ ،‬لقد‬
‫شككت فيها بقدرة هللا‪».‬‬
‫ُ‬ ‫اللحظة اليت‬

‫«زكراي‪ ،‬سوف تصلي‪ ،‬فاهلل غفور ويسامح‪».‬‬

‫ميسح العجوز دمعة ويتنهد‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 172 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫بعد العشاء‪ ،‬تعود مرمي إىل أعمال النسيج‪ ،‬فتقول هلا أليصاابت‪« :‬هذا يكفي! إن ِ‬
‫ك جتهدين‬
‫ِ‬
‫نفسك كثرياً‪».‬‬
‫«إن زمن الوالدة وشيك اي أليصاابت‪ ،‬وأريد أن أصنع ِ‬
‫البنك جهازاً يليق بسابق امللك الذي‬
‫من أصل داود‪».‬‬

‫يكتب زكراي‪« :‬ممن سيولد؟ وأين؟»‬


‫جتيب مرمي‪« :‬حيث قال األنبياء ِ‬
‫ومن اليت خيتارها هللا األزيل‪ .‬كل ما يصنعه ربنا‪ ،‬تعاىل‪ ،‬هو‬
‫جيد‪».‬‬
‫يكتب زكراي‪« :‬يف بيت حلم إذن! قضاء يهوذا! سوف نذهب لتكرميه أيتها املرأة‪ .‬و ِ‬
‫أنت أيضاً‬
‫ستأتني إىل بيت حلم مع يوسف‪».‬‬

‫َّتفض مرمي رأسها فوق شغلها‪« :‬سوف آيت‪».‬‬

‫وهبذا تنتهي الرؤاي‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 173 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -35‬جيب أن جتعلنا عطية هللا أفضل على الدوام)‬

‫‪1944 / 04 / 02‬‬

‫تقول مرمي‪:‬‬
‫«أوىل مظاهر حب القريب متارس جتاه القريب‪ .‬فال خييل ِ‬
‫إليك أن ذلك تالعب ألفاظ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫للمحبة غاية مضاعفة‪ .‬هللا والقريب‪ .‬حمبة القريب تتضمن تلك اليت ّنارسها جتاه أنفسنا‪ .‬أما‬
‫إذا أحببنا أنفسنا أكثر من اآلخرين فال نعود ُحمبني بل نكون هبذا أاننيني‪.‬‬

‫حّت يف األمور املباحة‪ ،‬جيب أن يكون لنا فيها قَدر من القداسة جيعلنا نقدم احتياجات القريب‬
‫على احتياجاتنا‪ .‬كونوا مطمئنني اي أوالدي‪ :‬فاهلل يعوض النفوس الكرمية بوسائل صالحه الكلية القدرة‪.‬‬
‫جعلَين آيت إىل اخلليل ملساعدة نسيبيت يف احلالة اليت ُوِج َدت فيها‪ .‬ومع عزمي على العون‬
‫هذا اليقني َ‬
‫البشري ابندفاعي للعطاء إىل أبعد احلدود‪ ،‬أضاف هللا على عادته عطية العون فائق الطبيعة الذي مل‬
‫يكن ليخطر يل على ابل‪.‬‬

‫قدس استقامة مسعاي بتقديس مثرة أحشاء أليصاابت‪ ،‬ومع‬ ‫أذهب لتقدمي العون املادي‪ ،‬وهللا ي ِ‬
‫ُ‬
‫هذا التقديس الذي قَدَّس املعمدان مسبقاً َس َّك َن اآلالم اجلسدية البنة حواء املسنة واليت محَلَت يف سن‬
‫غري عادية‪.‬‬

‫أليصاابت‪ ،‬املرأة اليت متلك اإلميان اجلريء‪ ،‬واليت استسلَ َمت بثقة إلرادة هللا‪ ،‬استَ َحقت إدراك‬
‫السر الكامن يف‪َ .‬كلَّ َمها الروح بواسطة ارتكاض اجلنني يف أحشائها‪ .‬لقد نَطَق املعمدان حبديثه األول‬
‫وح َدته‬
‫فصلَته عن أمه القديسة وبنفس الوقت َّ‬ ‫كمبشر ابلكلمة من خالل أشرعة األوردة واجلسد اليت َ‬
‫معها‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 174 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وأان مل أرفض أن أقول هلا‪ ،‬وهي اجلديرة واليت جتلى هلا النور‪ ،‬عن مزييت كأم الرب‪ .‬ذلك أن‬
‫كنت أمحله يف داخلي‪ ،‬ومبا أنين مل‬
‫رفضي كان سيؤثر يف حجب التسبيح الواجب هلل‪ ،‬التسبيح الذي ُ‬
‫َسر به للنبااتت والزهور والنجوم‪ ،‬للشمس وغناء العصافري‬
‫كنت أ ُ‬
‫أكن أستطيع البوح به ألحد‪ ،‬فقد ُ‬
‫الشجي‪ ،‬للنعاج الوديعة والنور الذهيب الذي يطبع قبالته علي عندما يهبط من السماء‪ ،‬وكذلك خلرير‬
‫كنت أر َغب يف أن يعرف العامل‬‫اجلداول‪ .‬ولكن صالة اثنني أعذب وأفضل من الصالة منفردين‪ُ .‬‬
‫أبكمله مصريي‪ ،‬ليس من أجلي‪ ،‬إّنا لنتحد معاً يف تسبيح ري‪.‬‬

‫احليطة واحلذر منعاين من البوح ابحلقيقة لزكراي‪ .‬فهذا كان سيُعتََرب جتاوزاً لعمل هللا‪ .‬فحّت ولو‬
‫كنت ابلنسـبة لـه عروسـة وأمـاً‪ ،‬إال أنين أبقى دائماً خادمته‪ ،‬وال ينبغي بسبب حبه الكبري أن أمسح‬‫ُ‬
‫لنفسي أبن أقوم مقامه‪ ،‬وأن أَّتذ قراراً جيعلين يف مرتبة أعلى منه‪ .‬لقد تنبَّـ َهت أليصاابت بقداستها‬
‫وص َمتَت‪ ،‬ذلك أن من يكن قديساً يكن دائماً خاضعاً ومتواضعاً‪.‬‬ ‫لألمر َ‬
‫جيب أن جتعلنا عطية هللا دائماً أفضل‪ .‬وكلما تلقينا منه العطااي كلما وجب علينا العطاء‪ ،‬إذ‬
‫كلما تلقينا كلما كان هو فينا ومعنا وكان ينبغي لنا أن جنتهد يف االقرتاب من كماله‪ .‬وهذا هو السبب‬
‫جعلَين أرجئ عملي الشخصي إىل مرحلة اتلية وأعمل ألليصاابت‪.‬‬ ‫احلقيقي الذي َ‬
‫مل أدع جماالً للخوف من عدم إجياد الوقت أن يسيطر علي‪ ،‬فاهلل سيد الزمن‪ .‬وعندما نضع‬
‫رجاءان يف هللا نستفيد من عنايته نفسها يف أموران املادية‪ .‬األاننية ال تستعجل شيئاً‪ ،‬بل تؤخر كل‬
‫شيء‪ ،‬واحملبة ال تؤخر شيئاً‪ ،‬بل تستعجل كل اإلجنازات‪ .‬اح َفظوا ذلك جيداً وعلى الدوام‪.‬‬

‫اي هلذا السالم يف بيت أليصاابت! فلو مل تراودين فكرة يوسف وفكرة ابين الذي عليه افتداء‬
‫كنت أمسع أصوات‬ ‫ِ‬
‫لكنت سعيدة‪ .‬ولكن ها إن الصليب قد بدأ يُسقط ظالله على حيايت‪ ،‬و ُ‬ ‫العامل‪ُ ،‬‬
‫كنت أُدعى‪ :‬مرمي‪ .‬واملرارة كانت متتزج دائماً ابلعذوبة اليت كان هللا يسكبها يف‬
‫األنبياء كاألجراس‪ُ ...‬‬
‫قليب‪ .‬واستَ َمرت يف تزايد مطرد حّت موت ابين‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 175 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ولكن اي ماراي‪ ،‬عندما يدعوان هللا إىل مصري أن نكون ضحااي من أجل جالله‪ ،‬آه! ما أروع أن‬
‫يقوي الضعفاء وجيعلهم قادرين على‬
‫طحن مثل احلبوب ُتت حجر الرحى لنجعل من أملنا اخلبز الذي ّ‬
‫نُ َ‬
‫كسب السماء‪.‬‬

‫ِ‬
‫يكفيك هذا اآلن‪ِ ،‬‬
‫فأنت متعبة وسعيدة‪ .‬اسرتحيي مع بركيت‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 176 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -36‬والدة املعمدان)‬

‫‪1944 / 04 / 03‬‬

‫َوسط األشياء ال ُـمن ِّفرة اليت يق ّدمها لنا العامل يف هذا الوقت هتبط رؤاي السالم هذه من السماء – وال‬
‫املستمرة مع‬
‫ّ‬ ‫مهب الريح يف قلب هذه املواجهات‬
‫شة تنب يف ّ‬
‫أدري كيف ميكن أن يتأتّى ذلك ألنّين مثل ق ّ‬
‫يف‪.‬‬
‫حي ّ‬
‫لكل ما هو ّ‬
‫الشرور البشريّة املناقضة ّ‬
‫ما يزال املكان بيت أليصاابت‪ ،‬يف ليلة صيف مجيلة ال تزال مضاءة ابلشمس املائلة للغروب‪،‬‬
‫حيث قوس القمر يبدو كفاصلة فضية موضوعة على قطعة جوخ كبرية من الالزورد الداكن‪.‬‬

‫نشر عطرها القوي‪ ،‬والنحل يُنهي اجلوالت األخرية لطريانه‪ ،‬وكقطرات ذهب‬‫شجريات الورد تَ ُ‬
‫يطن يف أجواء املساء احلار والساكن‪ .‬من احلقول هتب رائحة قوية من العشب اليابس حتت الشمس‪،‬‬
‫ورائحة خبز ميكن القول أبنه طازج‪ ،‬خارج لتوه من الفرن‪ ،‬وقد تكون متأتية كذلك من الغسيل الكثري‬
‫املنشور هنا وهناك ليجف‪ ،‬والذي ما زالت سارة تطويه‪.‬‬

‫أمس َكت بذراعها‪ ،‬تروحان وجتيئان على مهل حتت العريشة‬


‫تتمشى مرمي هبدوء مع نسيبتها اليت َ‬
‫نصف املضيئة‪.‬‬

‫عني مرمي تراقب كل شيء‪ ،‬وبينما هتتم أبليصاابت ترى سارة وهي تعمل على طي قطعة نسيج‬
‫طويلة رفَـ َعتها من فوق سياج‪ ،‬فتقول لنسيبتها‪« :‬انتظريين‪ ،‬اجلسي هنا‪ ».‬ومتضي ملساعدة اخلادمة‬
‫العجوز يف شد القماش لتسوية الثنيات‪ ،‬وأثناء طيها تقول اببتسامة‪« :‬ما تزال آاثر الشمس فيها‪ ،‬فهي‬
‫ِ‬
‫غسلك إايه‪ ،‬أصبح أمجل مما كان عليه سابقاً‪.‬‬ ‫دافئة‪ ».‬ولكي ترضي املرأة تقول‪« :‬هذا النسيج‪ ،‬بعد‬
‫ليس هناك من يتقن كل شيء هكذا ِ‬
‫مثلك‪».‬‬

‫تذهب سارة مزهوة وهي حتمل النسيج املعطر‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 177 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫تعود مرمي إىل أليصاابت وتقول هلا‪« :‬بضع خطوات أخرى‪ ،‬فهي مفيدة ِ‬
‫لك‪».‬‬

‫ولكن‪ ،‬مبا أن أليصاابت مل تكن ترغب ابلتحرك تقول هلا‪« :‬لنذهب فقط لتفقد طيور احلمام‬
‫إذا كانت كلها يف أعشاشها‪ ،‬وإذا كان املاء يف مشارهبا نظيفاً‪ ،‬مث نعود إىل البيت‪.‬‬

‫فرتض أن تكون طيور احلمام هي املفضلة لدى أليصاابت‪ .‬وعندما تكون أمام الربج الريفي‬ ‫يُ ََ‬
‫الصغري‪ ،‬فإهنا تكون كلها جمتمعة‪ :‬اإلانث على األعشاش والذكور أمامها دون حراك‪ ،‬وعندما ترى‬
‫عزى حلالتها فإنه يسيطر عليها‬ ‫املرأتني هتدل لتحييهما‪ .‬أليصاابت تتأثر كثرياً هلذا‪ .‬أما الوهن الذي يُ َ‬
‫ت‪ ...‬اي حلمامايت املسكينة! ِ‬
‫فأنت‬ ‫ويوحي هلا مبخاوف جتعلها تبكي‪ .‬إهنا تتكئ على نسيبتها‪« :‬إن ُم ُّ‬
‫امتلكت أعظم فرحة ميكن المرأة أن‬ ‫كنت ستبقني‪ ،‬فال يعود يهمين أن أموت‪ .‬لقد‬ ‫لن تبقي‪ ،‬لو ِ‬
‫ُ‬
‫أذعنت أبال أعرفها‪ .‬وحّت املوت فال ميكنين أن أتشكى منه إىل الرب‪ .‬إنه‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫كنت قد‬
‫متتلكها‪ ،‬فرحة ُ‬
‫َمتَ َّجد امسه‪ ،‬قد َغ َمَرين بفيض صالحه‪ .‬إّنا هناك زكراي‪ ...‬وكذلك سيكون الطفل‪ .‬األول عجوز وسيجد‬
‫نفسه مثل التائه يف الصحراء دون امرأته‪ ،‬واآلخر طفل مسكني سـيكون مثل زهـرة ُح ِك َم عليها ابملوت‬
‫برداً‪ ،‬ألنه سـيفقد أمـه‪ .‬اي له من طفـل مسـكني دون عطف أمـه وحناهنا!‪»...‬‬
‫منحك هللا فرح األمومة‪ ،‬ولن ِ‬
‫حيرمك منها وهي يف أوجها‪ .‬ستكون‬ ‫ِ‬ ‫«ولكن ملاذا هذا احلزن؟ لقد‬
‫ليوحنا الصغري كل قبالت أمه ولزكراي كل عناايت زوجته األمينة الوفية حّت الشيخوخة املتقدمة جداً‪.‬‬
‫إنكما غصنان من شجرة واحدة‪ ،‬ولن ميوت غصن اتركاً اآلخر يف وحدته‪».‬‬

‫كربت كثرياً لكي يكون يل ابن‪ .‬واآلن وقد حان موعد قدومه‬ ‫ِ‬
‫«أنت طيبة وتواسينين‪ ،‬ولكين قد ُ‬
‫إىل العامل‪ ،‬فأان خائفة‪».‬‬
‫ِ‬
‫آالمك‪،‬‬ ‫«آه! ال‪ ،‬فيسوع هنا! وحيث يكون يسوع جيب أن ينتفي اخلوف‪ .‬لقد خفف ابين‬
‫كما ِ‬
‫قلت‪ ،‬عندما كان مثل الزر مل يكد يتشكل‪ .‬واآلن وقد ّنا أكثر فأكثر وهو يف أحشائي كائن‬
‫حي كامل ‪-‬أحس بقلبه ينبض قرب صدري‪ ،‬ولدي انطباع أين أمتلك عصفوراً صغرياً يف عش ينبض‬
‫بك اآلن كل خطر‪ .‬جيب أن تؤمين بذلك‪».‬‬‫قلبه الصغري خبفة‪ -‬وهو سيجن ِ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 178 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ك تفكرين ِ‬
‫ببيتك‪ ،‬إّنا ابقي قليالً‬ ‫ت فال ترتكي زكراي حاالً‪ .‬أعرف أن ِ‬
‫«نعم أؤمن‪ ،‬ولكن إذا ُم ُّ‬
‫أيضاً ملساعدة زوجي يف أايم حزنه األوىل‪».‬‬
‫ِ‬
‫لفرحك وفرحه‪ ،‬ولن أذهب إال حينما تصبحني قوية وسعيدة‪ .‬ولكن‬ ‫ألفرح‬
‫«سوف أبقى‪ ،‬إّنا َ‬
‫ابقي هادئة مطمئنة‪ ،‬اي أليصاابت‪ ،‬كل شيء سيكون على ما يرام‪ .‬يف ساعة ِ‬
‫أملك لن ينقص البيت‬
‫ِ‬
‫وزهورك سيُعتَّن هبا وكذلك طيور احلمام‪ .‬وسوف‬ ‫شيء‪ .‬زكراي سوف َّتدمه اخلادمة األكثر عطفاً‪،‬‬
‫تعودين لتجدي هذه وتلك مبتَ ِه َجة ومجيلة لتحتفل بعودة معلمتها السعيدة‪ .‬لندخل اآلن‪ ،‬أر ِاك‬
‫شاحبة‪»...‬‬

‫«نعم‪ ،‬يبدو أن أملي يتضاعف‪ .‬قد يكون الوقت حان‪ .‬مرمي‪ ،‬صلي ألجلي‪».‬‬
‫ِ‬
‫آالمك فَـَرحاً‪».‬‬ ‫ِ‬
‫سأساعدك بصاليت إىل أن تتفتح‬ ‫«‬

‫تدخل السيداتن بتمهل إىل البيت‪.‬‬

‫تتوجه أليصاابت إىل حجرهتا‪ ،‬ومرمي‪ِ ،‬حبَ َذق ونفاذ بصرية‪ ،‬تعطي األوامر وهتيئ لكل ما ميكن‬
‫توقعه وتواسي زكراي ال َقلِق‪.‬‬

‫سمع أصوات غريبة لنساء دعني‬ ‫يف البيت حيث يسهر اجلميع يف هذه الليلة‪ ،‬وحيث تُ َ‬
‫للمساعدة‪ ،‬تبقى مرمي متيقظة كاملنارة يف ليلة عاصفة‪ .‬البيت كله يدور حوهلا‪ ،‬وهي تسهر على كل‬
‫شيء بلطف وابتسامة‪ .‬إهنا تصلي‪ ،‬عندما ال يطلبها أحد ألمر أو آلخر َّتتلي للصالة‪ .‬إهنا يف احلجرة‬
‫اليت جيتمعون فيها دائماً لألكل والعمل‪ .‬زكراي معها‪ ،‬وهو يتنهد ويَدور قلقاً‪ .‬يصليان معاً‪ ،‬مث تستمر‬
‫مرمي ابلصالة حّت يف الوقت الذي يتعب فيه العجوز‪ ،‬فيأخذ كرسياً وجيلس قرب الطاولة صامتاً وحاملاً‪،‬‬
‫وهي تصلي‪ .‬وعندما تراه مستغرقاً يف النوم واضعاً رأسه على ذراعيه املتصالبتني واملستندتني إىل الطاولة‪،‬‬
‫تنزع حذاءها لكي تقلل قدر اإلمكان من اجللبة ومتشي حافية‪ .‬فكان الصوت الذي ُحت ِدثه أقل من‬
‫صوت فراشة تطري يف غرفة‪ .‬أتخذ معطف زكراي وتغطيه به بكل لطف حّت إنه استمر يف النوم يف‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 179 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫حرارة الصوف اليت حتميه من برودة الليل اليت تدخل على شكل هبات من الباب املفتوح يف أغلب‬
‫األحيان‪ .‬مث تعود لتصلي‪ .‬وعندما تعلو صيحات الوالدة تركع وتفتح ذراعيها وتصلي حبرارة أكرب‪.‬‬

‫دخل سـارة وتشري إليها أبن َّتـرج‪ .‬وَّترج مرمي حافية إىل احلديقة‪ .‬فتقول هلا‪« :‬معلميت‬
‫تَ ُ‬
‫ِ‬
‫تطلبك‪».‬‬

‫«ها أنذا آتية» ومتشي مرمي طول البيت وتصعد السلم‪ ...‬وكأهنا مالك أبيض يدور يف الليل‬
‫اهلادئ واملرصع ابلنجوم‪ .‬وتدخل عند أليصاابت‪.‬‬

‫«آه! مرمي! مرمي! اي له من أمل! مل أعد أحتمل‪ .‬مرمي! اي هلذا األمل الذي جيب أن نقاسيه لنصبح‬
‫أمهات!»‬

‫تالطفها مرمي حبنان وتقبلها‪.‬‬


‫«مرمي! مرمي! دعيين أضع يدي على ِ‬
‫بطنك!»‬

‫أتخذ مرمي اليدين اجملعدتني واملنتفختني وتضعهما على بطنها املستدير ومتسك هبما بشدة بني‬
‫يديها املصقولتني واخلفيفتني‪ .‬واآلن وقد بقيتا وحدمها تتكلم هبدوء‪« :‬يسوع هنا‪ ،‬وهو يرى ويدرك‪.‬‬
‫ثقي أليصاابت‪ .‬إن قلبه القدوس خيفق بقوة أكرب ألنه يعمل يف هذه اللحظة ِ‬
‫خلريك‪ .‬أمسَعهُ خيفق كما‬
‫كنت أمسكه بني يدي‪ .‬إين أدرك الكلمات اليت يقوهلا يل الطفل من خالل هذا اخلفقان‪ .‬يقول يل‬
‫لو ُ‬
‫يف هذه اللحظة‪" :‬قويل للمرأة أبال َّتاف‪ .‬قَدر قليل من األمل بعد‪ .‬مث عند شروق الشمس‪ ،‬وسط‬
‫زهرات كثريات تنتظر هذا الشعاع الصباحي لتتفتح على أعوادها ستكون يف بيتها الزهرة األمجل‪،‬‬
‫سيكون يوحنا‪ ،‬سابِقي"‪».‬‬

‫وتضع أليصاابت وجهها على بطن مرمي وتبكي هبدوء‪.‬‬

‫تبقى مرمي على هذا الوضع بعض الوقت ألنه كان يبدو هلا أن األمل خيف‪ ،‬يتالشى ويَسكن‪.‬‬
‫تشري للجميع أبن ميكثوا هادئني‪ ،‬وتبقى واقفة‪ ،‬بيضاء ومجيلة للغاية يف شعاع مصباح الزيت الضعيف‪،‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 180 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫كنت‬
‫مثل مالك يسهر على األمل‪ .‬إهنا تصلي‪ .‬أراها حترك شفتيها‪ .‬حّت لو مل أكن أرامها تتحركان ُ‬
‫سأُد ِرك أهنا تصلي من خالل التعبري عن النشوة واالخنطاف البادي على وجهها‪.‬‬

‫مير الوقت‪ ،‬ويعاود األمل أليصاابت‪ .‬تقبلها مرمي اثنية‪ .‬وتنزل بسرعة يف شعاع القمر وتركض لرتى‬
‫إذا كان العجوز ما يزال انئماً‪ .‬فلقد كان انئماً ويئن وهو حيلم‪ .‬تقوم مرمي حبركة تنم عن شفقة وتعود‬
‫إىل الصالة‪.‬‬

‫مير بعض الوقت‪ ،‬يستيقظ العجوز ويلقي نظرة دهشة كما لو أنه مل يتذكر جيداً ملاذا هو هنا‪.‬‬
‫مث يتذكر ويقوم حبركة تعجب بصوت حلقومي‪ .‬مث يَكتُب‪« :‬أمل يولد بعد؟» تشري مرمي أبن ال‪ .‬فيكتب‬
‫زكراي‪« :‬اي آلالمها‪ ،‬مسكينة زوجيت! هل تقوم دون أن متوت؟»‬

‫أتخذ مرمي بيد العجوز وتطمئنه‪« :‬عند الفجر‪ ،‬بعد قليل‪ ،‬سيولد الطفل‪ .‬كل شيء سيكون‬
‫على ما يرام‪ .‬أليصاابت قوية‪ .‬كم سيكون مجيالً هذا اليوم ‪-‬فالنهار سيبزغ بعد قليل‪ -‬الذي فيه سريى‬
‫ابنك هو البشري بذلك‪».‬‬
‫لك‪ ،‬و َ‬‫حياتك! إهنا نِ َعم عظيمة حيفظها هللا َ‬
‫َ‬ ‫بنك النور! أمجل يوم يف‬
‫ا َ‬
‫يهز زكراي رأسه حبزن ويشري إىل فمه األبكم‪ .‬كان يريد قول أشياء كثرية ولكنه مل يستطع‪.‬‬

‫جائك‪ .‬إنه‬
‫سيعطيك هللا الفرح كامالً‪ .‬وهو تعاىل يستجيب ألبعد من ر َ‬ ‫َ‬ ‫تُد ِرك مرمي وجتيب‪« :‬‬
‫قلبك‪" :‬أان أؤمن"‪ ،‬قُلها مع كل خفقة‬
‫يريد هذا اإلميان الكامل ليغسل االرتياب القدمي‪ .‬قُل معي يف َ‬
‫قلبك‪ .‬فكنوز هللا تنفتح ملن يؤمن به وبصالحه ال ُـمقتَ ِدر‪».‬‬
‫من َ‬
‫فتحته مرمي‪ .‬الفجر ينشر نوره األبيض على األرض‬
‫بدأ النور يتسرب عرب الباب املو َارب الذي َ‬
‫الرطبة‪ .‬فقد كانت رائحة األرض ورطوبة اخلضرة قوية‪ .‬وبدأت أوىل زقزقات العصافري اليت تتنادى من‬
‫سمع‪.‬‬‫غصن إىل آخر تُ َ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 181 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ويتوجه الرجل العجوز ومرمي إىل عتبة الباب‪ .‬إهنما شاحبان بعد ليلة دون نوم‪ ،‬ونور الفجر‬
‫يظ ِهرُمها أكثر شحوابً‪ .‬تلبس مرمي حذاءها وتذهب إىل أسفل الدرج وتُ ِ‬
‫نصت‪ .‬حينئذ تظهر امرأة تشري‬ ‫ُ‬
‫وتعود‪ .‬ال شيء بعد‪.‬‬

‫تذهب مرمي إىل حجرة لتعود منها حاملة حليباً ساخناً تقدمه للعجوز‪ .‬مث تذهب لتفقد طيور‬
‫احلمام وتعود لتغيب يف هذه احلجرة‪ .‬رمبا هي املطبخ‪َ .‬جتول وتتفقد‪ .‬تبدو وكأهنا قد انمت نوماً كافياً‬
‫ورائعاً‪ ،‬لذا فهي حيوية جداً وهادئة‪.‬‬

‫يزرع زكراي املكان جيئة وذهاابً‪ ،‬بعصبية‪ ،‬يذهب ويعود عرب احلديقة‪ .‬تنظر إليه مرمي إبشفاق‪ .‬مث‬
‫تعود لتدخل من جديد إىل نفس احلجرة‪ .‬تركع أمام نوهلا وتصلي من صميم قلبها‪ ،‬ذلك أن أانت اليت‬
‫يف الفراش قد أصبَ َحت أكثر حدة‪ .‬وتنحين إىل األرض لتصلي إىل األزيل‪ .‬يدخل زكراي فرياها ساجدة‬
‫هكذا فيبكي‪ ،‬مسكني هو هذا العجوز‪ .‬تنهض مرمي من جديد وأتخذه بيده‪ .‬تبدو وكأهنا أم هلذه‬
‫الشيخوخة املنعزلة‪ ،‬تسكب عليها السلوان‪.‬‬

‫يظالن هكذا‪ ،‬الواحد قرب اآلخر حتت الشمس اليت تضفي على جو الصباح لون الورد‪ ،‬إىل‬
‫لك من أب سعيد! إنه صيب ندي مثل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن يَِر ُ‬
‫دمها النبأ السعيد‪« :‬لقد ُولد! لقد ُولد! إنه صيب! اي َ‬
‫لك الفرح أيها األب املبارك من الرب ألنه‬
‫الوردة‪ ،‬مجيل مثل الشمس‪ ،‬قوي‪ ،‬شديد‪ ،‬وعذب مثل أمه‪َ .‬‬
‫والبنك املولود من‬ ‫لك‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫قد ُول َد لك ابن تُقدمه إىل هيكله‪ .‬اجملد هلل الذي َمنَ َح الذرية هلذا البيت! الربكة َ‬
‫امسك إىل أجيال وأجيال عرب األنسال‪ ،‬ولتحافظ على االحتاد ابلرب‬ ‫صلبك! ولتتمكن ذريته من دميومة َ‬ ‫َ‬
‫األزيل‪».‬‬

‫تُبا ِرك مرمي الرب بدموع الفرح‪ .‬مث يتقبل اإلثنان الطفل احملمول إىل أبيه ليباركه‪ .‬ومل يذهب زكراي‬
‫للقاء أليصاابت‪ .‬يتقبل الطفل الذي يصرخ كالتائه‪ ،‬ولكنه ال يذهب للقاء زوجته‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 182 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫مرمي هي اليت تذهب حاملة حبنان الطفل الذي ما أن حتمله حّت يصمت فجأة‪ .‬والعرابة اليت‬
‫ت فجأة عندما َمحَلَته‪ .‬انظري‬ ‫ِ‬
‫ص َم َ‬
‫تتبعها تالحظ ذلك فتقول ألليصاابت‪« :‬اي امرأة‪ ،‬إن ابنك قد َ‬
‫كيف ينام هادائً مطمئناً‪ .‬وهللا أعلم أنه قوي وكثري احلركة‪ .‬واآلن انظري إليه كأنه زغلول محام صغري‪».‬‬

‫تضع مـرمي املولود جبانب أمه وتالطفها مبسح شعرها الرمادي وإعادة ترتيبه‪ .‬وتقول هلا هبدوء‪:‬‬
‫«الوردة قد ولِ َدت‪ .‬و ِ‬
‫أنت ما ز ِ‬
‫لت على قيد احلياة‪ .‬وزكراي سعيد‪».‬‬ ‫ُ‬
‫«هل يتكلم؟»‬
‫«ليس بعد‪ ،‬إّنا فليكن رجاؤك ابلرب‪ .‬اسرتحيي اآلن‪ .‬سأبقى ِ‬
‫معك‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 183 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -37‬يتفتح األمل مثل زهرة ملن يتكئ برأسه على صدري الوالدي)‬

‫‪1944 / 04 / 03‬‬

‫تقول مرمي‪:‬‬

‫َّس املعمدان‪ ،‬فهو مل يعف أليصاابت من احلكم على حواء "ابألمل‬ ‫«إذا كان وجودي قد قَد َ‬
‫كنت مستثناة من‬
‫تلدين البنني" الصادر من األزيل حبقها‪ .‬أان وحدي بال عيب وبغري احتاد بشري‪ ،‬لذا ُ‬
‫كنت "بدون خطيئة" كان ينبغي يل أن‬
‫الوضع‪ .‬احلزن واألمل مها مثرة اخلطيئة‪ .‬ومع ذلك فأان اليت ُ‬‫آالم َ‬
‫كنت ال ُـمشا ِركة يف الفداء‪ .‬ومع ذلك مل أعرف حدة معاانة الوالدة‪ .‬ال‪ ،‬مل‬
‫أعرف األمل واحلزن ألنين ُ‬
‫أعرف هذا األمل‪.‬‬

‫ولكن ثقي اي ابنيت‪ ،‬فإنه مل ولن يوجد أبداً أمل مربح يشبه أمل والديت كشهيدة ألمومة روحية متت‬
‫على أقسى سرير‪ :‬سرير صلييب على قدم صليب ابين الذي ميوت‪ .‬ومن هي األم املرغمة على الوالدة‬
‫هبذه الطريقة‪ ،‬وعلى مزج أمل أحشائها اليت تتمزق لسماع حشرجة ابنها احملتضر ابلتمزق الداخلي‬
‫الضطرارها جتاوز هول وجوب قوهلا‪" :‬أُحبكم‪ ،‬تعالوا إيل‪ ،‬أان أمكم "‪ ،‬لقتلة ابنها الذي ُولِ َد ِمن احلب‬
‫األمسى الذي مل تر السماء مثله‪ ،‬من احتاد حب إله وعذراء‪ ،‬بقبلة انر‪ ،‬بعناق النور‪ ،‬الذين أصبحوا‬
‫وج َعلوا من أحشاء امرأة اتبوت عهد هللا‪.‬‬
‫مجيعهم جسداً َ‬
‫لقد قالت أليصاابت‪" :‬كم من اآلالم كي أصبح أماً!" إهنا آالم فظيعة‪ ،‬ولكنها ال شيء ابملقارنة‬
‫مع آالمي‪.‬‬
‫"دعيين أضع يدي على ِ‬
‫بطنك" آه! لو كنتم يف آالمكم تطلبون ذلك مين على الدوام!‬

‫أان حاملة يسوع األزلية‪ .‬لقد أقام يف أحشائي كما رأيتِ ِه العام املاضي مثل نزيل يف بيت القرابن‪.‬‬
‫أيت إيل جيده‪ .‬من يتكئ علي يلمسه‪ .‬من يتوجه إيل يُ َكلِمه‪ .‬أان ثوبه وهو روحي‪ .‬إنه متحد ي‬ ‫من ِ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 184 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اآلن أكثر‪ ،‬أكثر حّت من األشهر التسعة اليت ّنا خالهلا يف أحشائي‪ ،‬ابين متحد ي أان أمه‪ .‬وكل أمل‬
‫يَس ُكن‪ ،‬وكل أمل يتفتح‪ ،‬وكل نعمة تتدفق ملن أييت إيل ويضع رأسه على صدري‪.‬‬

‫نسين أوالدي الذين يتألمون‬ ‫إين أصلي من أجلكم‪ .‬فغبطة كوين يف السماء أعيش يف نور هللا مل تُ ِ‬
‫على األرض‪ .‬وأصلي‪ .‬السماء أبكملها تصلي ألن السماء حتب‪ .‬السماء هي احملبة احلية‪ .‬واحملبة ترأف‬
‫بكم‪ .‬إّنا حّت ولو مل يوجد غريي فستكون مع ذلك صالة كافية الحتياجات من يرجو هللا‪ ،‬ألنين ال‬
‫أتوقف عن الصالة ألجلكم مجيعاً‪ :‬قديسني وفاسدين‪ .‬للقديسني ألمنحهم الفرح‪ ،‬وللفاسدين ألمنحهم‬
‫التوبة اليت َُّتَلِص‪.‬‬

‫تعالوا! تعالوا اي أبناء آالمي‪ .‬أنتظركم عند أسفل الصليب ألُنعِم عليكم‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 185 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -38‬ختـ ـ ــان املعمـ ـ ـ ـ ـ ــدان)‬

‫‪1944 / 04 / 04‬‬

‫أرى البيت وكأن فيه عيداً‪ .‬إنه يوم اخلتان‪ .‬حترص مرمي على أن يبدو كل شيء مجيالً يف مظهره‬
‫ومرتباً‪ .‬فالغرف تتألأل ابلضياء‪ ،‬وكذلك األقمشة اجلميلة واملفروشات احللوة‪ ،‬إنه رونق وروعة‪ .‬يوجد‬
‫كثري من الناس‪.‬‬

‫مرمي تتنقل‪ ،‬رشيقة بني اجلموع‪ ،‬هبية يف ثوهبا األبيض الرائع اجلمال‪.‬‬

‫أليصاابت وقورة كامرأة ُم ِسنة مهيبة‪ ،‬تستمتع مبتعة العيد‪ .‬الطفل على صدرها وقد شبع من‬
‫احلليب‪.‬‬

‫حان موعد اخلتان‪.‬‬

‫البنك‪».‬‬
‫امسك َ‬‫شخت ومن األفضل أن يُعطى َ‬
‫َ‬ ‫فأنت قد‬
‫يقول الرجال‪« :‬سنسميه زكراي‪َ .‬‬
‫تصرخ األم‪« :‬أبداً‪ .‬فامسه هو يوحنا‪ .‬جيب أن يكون امسه شهادة ل ُقدرة هللا‪».‬‬

‫«ولكن منذ مّت واسم يوحنا هذا يف عائلتنا؟»‬

‫سمى يوحنا‪».‬‬
‫«ال يهم‪ .‬جيب أن يُ َّ‬

‫امسك‪ ،‬أليس كذلك؟»‬


‫أنت تريد أن حيمل َ‬
‫لك اي زكراي؟ َ‬
‫«ما هو قو َ‬
‫يُشري زكراي بِال‪ .‬مث َأيخذ اللوح ويَكتب‪" :‬امسه يوحنا"‪ .‬وما أن يُنهي كتابة هذا حّت ينطَلِق لسانه‬
‫أغد َق بنعمته الكبرية علي أان أبيه‪ ،‬وعلى أمه‪ ،‬وعلى هذا الصغري خادمه‬ ‫ويضيف‪« :‬مبا أن هللا قد َ‬
‫اجلديد الذي سيمضي حياته ابلفعل يف متجيد الرب‪ ،‬وسيكون امسه عظيماً يف األجيال القادمة ويف‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 186 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫عيين هللا‪ ،‬ألن مهمته ستكون هداية القلوب إىل الرب العلي‪ .‬هكذا قال املالك وأان مل أؤمن به‪ .‬ولكين‬
‫امتألت من النور‪ .‬إنه بيننا وأنتم ال ترونه‪ .‬مصريه أن يبقى جمهوالً ألن نفوس الناس‬
‫ُ‬ ‫اآلن أان أؤمن وقد‬
‫وحي ِول قلوب أبرار إسرائيل حنوه‪ .‬آه! طوىب ملن سيؤمنون‬ ‫ُمث َقلة وانئمة‪ .‬ولكن ابين سرياه وسيتكلم عنه ُ‬
‫ـديت‬
‫زرت وافت َ‬‫ك َ‬ ‫أنت أيها اإلله األزيل‪ ،‬لتكن مباركاً اي إلـه إسرائيل ألن َ‬
‫به ويؤمنون دائماً بكلمة الرب‪ .‬و َ‬
‫وعدت بفم األنبياء القديسني منذ األزمنة‬
‫َ‬ ‫ـالك له ُخمَلِصاً قادراً من آل داود خادمه‪ .‬كما‬
‫شعبك إبرس َ‬
‫َ‬
‫عهدك‬
‫َ‬ ‫ك ال تنسى‬‫رمحتك آلابئنا وتُظ ِهر أن َ‬
‫َ‬ ‫القدمية أن حترران من أعدائنا ومن أيدي ُمبغضينا‪ .‬لتمنح‬
‫وحمررين من أيدي األعداء ابلقداسة‬ ‫خندمك دون خوف َّ‬ ‫َ‬ ‫املقدس كما عاهدت أابان إبراهيم‪ :‬أن هتبنا أن‬
‫حبضورك كل أايم حياتنا‪ .‬وهكذا حّت النهاية‪».‬‬
‫َ‬ ‫والرب‬

‫أخ َذهم الذهول‪ :‬لالسم‪ ،‬للمعجزة‪ ،‬وللكالم الذي تفوه به زكراي‪.‬‬


‫أما احلضور فقد َ‬
‫ما أن نَطَ َق زكراي كلمته األوىل حّت زغردت أليصاابت فرحاً‪ ،‬وبكت‪ ،‬بينما عانـَ َقتها مرمي بفرح‪.‬‬
‫ُِ‬
‫محل الطفل إىل مكان آخر من أجل اخلتان‪ .‬وعندما أُعيد كان يوحنا الصغري يصرخ مبلء صوته‪.‬‬
‫فص َمت‬
‫أخ َذته وهدهدته َ‬
‫حّت حليب أمه مل يُهدئه‪ .‬كان يتخبط مثل الصوص‪ .‬فما كان من مرمي إال أن َ‬
‫وس َكن‪.‬‬
‫َ‬
‫فتقول سارة‪« :‬عجباً‪ ،‬انظروا! إنه ال يصمت إال حينما حتمله!»‬

‫َميضي الناس على مهل‪ .‬وال يبقى يف الغرفة سوى مرمي حتمل الطفل بني ذراعيها وأليصاابت‬
‫املفع َمة فرحاً‪.‬‬
‫َ‬
‫دخل زكراي ويغلق الباب‪ .‬ينظر إىل مرمي والدموع يف عينيه‪ .‬يريد التكلم ولكنه يؤثر الصمت‪.‬‬
‫يَ ُ‬
‫ك‬ ‫يتقدم‪ ،‬يركع أمام مرمي ويقول هلا‪« :‬ابركي خادم الرب البائس‪ .‬ابركيه ِ‬
‫فأنت تستطيعني ذلك ألن ِ‬
‫وآمنت بكل ما قيل يل‪.‬‬ ‫اكتشفت خطيئيت‬ ‫ِ‬
‫أحشائك‪ .‬كلمة الرب قالت يل ذلك عندما‬ ‫حتملينه يف‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أنت هيكلي األول حيث الكاهن األول الذي أصبَ َح‬ ‫فيك إله يعقوب‪ِ ،‬‬ ‫أر ِاك وقَ َدرِك السعيد‪ .‬أعبد ِ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫ومحلت له املخلص‪.‬‬ ‫أنت اي من ِ‬
‫نلت نعمة للعامل‬ ‫اآلن مد ِركاً يستطيع اآلن الصالة لألزيل‪ .‬مباركة ِ‬
‫ُ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 187 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ك‬‫بقدومك كل النِعم‪ ،‬ألن ِ‬
‫ِ‬ ‫ك قد ِ‬
‫جلبت لنا‬ ‫عظمتك‪ ،‬فإن ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خلادمك إن مل يلحظ من الوهلة األوىل‬ ‫اغفري‬
‫ذهبت‪ ،‬اي ممتلئة نعمة‪ ،‬يصنع هللا العجائب‪ ،‬ومقدسة هي اجلدران اليت تدخلينها‪ ،‬مقدسة هي‬ ‫أينما ِ‬
‫ك َمتنَحني النِعم اي أم هللا‬
‫اآلذان اليت تسمع صوتك‪ ،‬واألجساد اليت تلمسينها‪ .‬مقدسة القلوب ألن ِ‬
‫تعاىل‪ ،‬العذراء اليت تكلم عنها األنبياء واملنتَظَرة لتمنح املخلص لشعب هللا‪».‬‬

‫تبتسم مرمي مضطرمة ابلتواضع وتقول‪« :‬التسبيح للرب‪ ،‬له وحده‪ .‬فمنه‪ ،‬ال مين أتيت كل نعمة‪.‬‬
‫حياتك‪ ،‬لتستحق ملكوته الذي سيفتح ابين‬ ‫َ‬ ‫منحك نعمته لتحبه وَّتدمه ابلكمال بقية أايم‬
‫َ‬ ‫وهو الذي‬
‫صل من‬‫أنت اي من تستطيع أن تصلي اآلن أمام قدس األقداس‪ِ ،‬‬ ‫أبوابه لآلابء واألنبياء وأبرار الرب‪ .‬و َ‬
‫أجل خادمة العلي‪ ،‬ألن كوين أم ابن هللا‪ ،‬فهو قَ ْدر السعادة‪ ،‬أما كوين أم الفادي‪ ،‬فهو قَ ْدر اآلالم‬
‫صل ألجلي‪ ،‬أان اليت أحس ساعة بعد ساعة بتعاظم ثِقل األمل‪ .‬وهذا ما جيب أن أمحله حياة‬ ‫الفظيعة‪ِ .‬‬
‫كنت ال أرى التفاصيل‪ ،‬إال أنين أحس أنه ِمحل أثقل مما لو كان العامل كله موضوعاً على‬ ‫أبكملها‪ .‬وإذا ُ‬
‫َكتِ َف َّي كامرأة‪ ،‬وأنه ينبغي يل أن أرفعه إىل السماء‪ .‬أان‪ ،‬أان وحدي‪ ،‬املرأة املسكينة! ابين! َولَدي! آه!‬
‫ابنك وهدهدته يتوقف عن البكاء‪ .‬ولكن هل سأستطيع هدهدة ابين‬ ‫محلت َ‬‫يف الوقت احلاضر‪ ،‬إن ُ‬
‫صل ألجلي اي كاهن الرب‪ .‬قليب يرتعد مثل زهرة يف قلب زوبعة‪ .‬أَنظُر إىل الناس‬ ‫ألسكن أمله؟‪ِ ...‬‬
‫ظهر‪ ،‬العدو‪ ،‬بـل فعلياً أعداء هللا ويسوع ابين‪»...‬‬
‫وأُحبهم‪ ،‬ولكن خلف وجوههم أراه يَ َ‬
‫وتبدأ الرؤاي ابلتالشي مع رؤية شحوب مرمي ودموعها حيث تتألق نظرهتا‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 188 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -39‬هيِّئُوا أنفسكم الستقبال النور)‬

‫‪1944 / 04 / 04‬‬

‫تقول مرمي‪:‬‬

‫«يَغفر هللا ملن يعرف خطأه ويندم عليه ويعرتف بتواضع وبقلب صادق‪ .‬إنه ال يغفر وحسب‪:‬‬
‫اضع والصادق! جتاه من يؤمن به ويتكل عليه! أزيلوا من‬ ‫إنه يكافئ‪ .‬آه! كم هو طيب ري جتاه املتو ِ‬
‫نفوسكم كل ما من شأنه أن يعيقها وجيعلها خامدة‪ .‬هيئوها لتستقبل النور‪ .‬كاملنارة يف الظالم‪ .‬سيكون‬
‫لكم مرشداً ومؤاسياً مقدساً‪.‬‬

‫يبق وحيداً وال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬


‫الصداقة مع هللا‪ ،‬غبطة الذين ُخيلصون له‪ ،‬غّن ال يعادله شيء‪ ،‬من ميتلكك ال َ‬
‫أنت الصداقة املقدسة‪ ،‬ألن األمل كان مصري اإلله املتأنس‪،‬‬‫ك ال تلغي األمل‪ ،‬اي من ِ‬ ‫حيس مرارة اليأس‪ .‬إن ِ‬
‫ك متزجني فيه الضياء‬ ‫ك جتعلني هذا األمل حلواً يف مرارته‪ ،‬فإن ِ‬
‫وميكنه أن يكون مصري اإلنسان‪ .‬ولكن ِ‬
‫واملالطفة اللتني‪ ،‬مثل ملسة مساوية‪ ،‬ترتقيان ابلصليب‪.‬‬

‫وعندما مينحنا الصالح اإلهلي نعمة‪ ،‬فلنستخدم اخلري الذي نتلقاه لتمجيد هللا‪ .‬وال نكن جمانني‬
‫جنعل من الغرض النافع سالحاً ضاراً‪ ،‬أو مثل السفهاء الذين حيولون غناهم إىل شقاء‪.‬‬

‫كثري هو األمل الذي تعطينيه أيها االبن خلف الوجه الذي يكشف يل عن العدو الذي ينقض‬
‫على يسوعي‪ .‬أمل عظيم! أرغب يف أن أكون للجميع نبع النِعم‪ .‬ولكن الكثريين منكم يرفضون النعمة‪.‬‬
‫تطلبون "النِعم" ولكن بنفس ال حتوي النِعمة‪ .‬وكيف ستنجدكم النِعمة إذا كنتم أعداءها؟‬

‫السر العظيم للجمعة املقدسة يقرتب‪ .‬كل شيء يف اهليكل يُذكِر به َ‬


‫وحيتَفل به‪ .‬إّنا ينبغي لكم‬
‫أن حتتفلوا به وتتذكروه يف قلوبكم‪ ،‬وأنتم تقرعون صدوركم مثل الذين كانوا انزلني من اجللجلة وتقولون‪:‬‬
‫ابمسك خلصنا" وكذلك‪" :‬أيها اآلب اغفر لنا" وأخرياً‪:‬‬
‫َ‬ ‫"إنه حقاً ابن هللا املخلص" وأيضاً‪" :‬اي يسوع‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 189 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أتيت إيل فستربأ نفسي‪ ،‬وال أريد‪ ،‬ال ولن أريد اخلطيئة لكي‬
‫غفرت يل و َ‬
‫لست أهالً‪ ،‬ولكن لو َ‬
‫"ري أان ُ‬
‫جتاهك‪".‬‬
‫َ‬ ‫ال أعود إىل الشر والكره‬

‫صلوا اي أبنائي بكلمات ابين‪ .‬قولوا معه لآلب من أجل أعدائكم‪" :‬أيها اآلب اغفر هلم"‪ .‬اندوا‬
‫اآلب الذي َخَر َج منكم مغتاظاً بسبب أخطائكم‪ ":‬أبيت‪ ،‬أبيت‪ ،‬ملاذا تركتين؟ أان خاطئ ولكن إذا تركتين‬
‫َّكلوا على الوحيد الذي يستطيع أن حيفظ خريكم‬ ‫فسأهلك‪ .‬عد أيها اآلب القدوس ألخلص"‪ .‬ات ِ‬
‫ُ‬
‫األبدي‪ ،‬روحكم‪ ،‬يف مأمن من ضرابت الشيطان‪" :‬أيها اآلب‪ ،‬بني يديك أست ِ‬
‫ودع روحي"‪.‬‬ ‫َ َ‬
‫آه! إذا استودعتم روحكم بكل تواضع وقلب ُِحمب بني يدي هللا‪ ،‬فإنه يقودكم كما يقود األب‬
‫ابنه وال يسمح أبن يَغبنه شيء‪ .‬يسوع يف حشرجاته صلى ليُـ َعلِمكم الصالة‪.‬‬
‫أُذَكِركم به يف أايم اآلالم هذه‪ .‬و ِ‬
‫أنت اي ماراي‪ِ ،‬‬
‫أنت اي من ترين يف فرح األمومة وكم أنتشي هبا‪،‬‬
‫امتلكت هللا من خالل آالم متزايدة ابستمرار‪ .‬لقد نزل إيل من‬ ‫أعيدي إىل ذاكر ِ‬
‫تك هذه الفكرة‪ :‬لقد‬
‫ُ‬
‫يت‬
‫مبدأ حياة هللا‪ ،‬ومثل شجرة عمالقة كرب حّت المس السماء بقمتها واجلحيم أبساساته‪ .‬حينها تلق ُ‬
‫دت التمزقات الوحشية‪،‬‬‫وع َد ُ‬
‫أيت َ‬
‫على صدري اجلثة اهلامدة للجسد الذي من جسدي‪ ،‬حيث ر ُ‬
‫ملست قلبه الذي كان قد ُِ‬
‫اخرتق بطعنة ليستنفذ األمل حّت آخر قطرة من دمه‪».‬‬ ‫و ُ‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 190 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -40‬تقدمة املعمدان إىل اهليكل)‬

‫‪ 05‬و ‪1944 / 04 / 06‬‬

‫هذا ما رأيتُه يف ليلة األربعاء ‪ -‬اخلميس من األسبوع العظيم املقدس‪:‬‬

‫من عربة فاخرة ُربِطَت إليها مطية مرمي أيضاً‪ ،‬أرى زكراي يهبط مع أليصاابت ومرمي اليت حتمل‬
‫يوحنا الصغري وكذلك صموئيل ومعه احلَ َمل وطري احلمام يف قفص‪ .‬ينزلون مجيعهم قرب اإلسطبل حيث‬
‫ينبغي أن يقف عادة كل احلجاج القادمني إىل اهليكل ليضعوا مطاايهم‪.‬‬

‫تنادي مرمي رجالً قصري القامة‪ ،‬هو املالك لإلسطبل وتسأله إذا ما كان انصري قد وصل يف‬
‫األمس أو يف الساعات األوىل من صبيحة اليوم‪« .‬ال أحد سيديت‪ ».‬جييب العجوز القصري‪ .‬تُد َهش‬
‫مرمي ولكنها ال تضيف شيئاً‪.‬‬

‫جتعل صموئيل يفك محارها وتلحق بزكراي وأليصاابت‪ ،‬تعلل أتخري يوسف‪« :‬قد يكون أمر ما‬
‫أخره‪ ،‬ولكنه سيأيت اليوم حتماً‪ ».‬مث تعود فتأخذ الطفل الذي كانت قد أعطته ألليصاابت‪ ،‬ويتوجهون‬
‫إىل اهليكل‪.‬‬

‫يتلقى زكراي ترحيب احلراس وحتيات وهتاين الكهنة اآلخرين‪ .‬زكراي اليوم متألق بثيابه الكهنوتية‬
‫وفرحه كأب سعيد‪ ،‬حّت كأنه بطريرك‪ .‬أعتقد أن إبراهيم كان يشبهه يوم ابتهاجه بتقدمي اسحق للرب‪.‬‬

‫أرى طقوس تقدمة اإلسرائيلي اجلديد وتطهري األم‪ .‬إنه أكثر أهبة من تقدمة مرمي‪ ،‬ألن يوحنا‬
‫ابن كاهن‪ ،‬والكهنة حيتفلون بشكل أكثر فخامة‪ .‬إهنم يهرعون أبعداد وينهمكون حول جمموعة النساء‬
‫الصغرية واملولود اجلديد‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 191 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ويدنو بعض الناس أيضاً على سبيل الفضول‪ ،‬وأمسع التعليقات‪ .‬ومبا أن مرمي كانت حتمل الطفل‬
‫أثناء توجههم إىل املكان املعتاد فقد ظَ َّن الناس أهنا أمه‪ .‬ولكن امرأة تقول‪« :‬هذا مستحيل‪ ،‬أفال ترون‬
‫أهنا حامل؟ عُمر الطفل ال يتجاوز أايماً وهي ما تزال حامالً‪».‬‬

‫فرتض أهنا‬
‫يقول آخر‪« :‬مع ذلك‪ ،‬ال يوجد غريها ميكنها أن تكون األم‪ ،‬فاألخرى عجوز‪ .‬يُ ََ‬
‫إحدى القريبات‪ ،‬إّنا ال ميكنها أن تكون أماً وهي يف هذه السن‪».‬‬

‫«فلنتبعهم‪ ،‬وسوف نرى من هو ال ُـم ِحق‪».‬‬

‫كمل مراسم التطهري هي أليصاابت اليت تُـ َق ِدم احلَ َمل‬


‫ويتزايد الذهول عندما يالحظ أن اليت تُ ِ‬
‫ُ َ‬
‫الذي يثغو إىل احملرقة وطري احلمام إىل املعصية‪.‬‬

‫«إهنا هي األم‪ ،‬أرأيت؟»‬

‫«ال!»‬

‫«نعم‪».‬‬

‫يتهامس الناس وهم ال يزالون غري مصدقني‪ُ .‬حي ِدثون أصوااتًكثرية حّت إن «بشت» بلهجة آمرة‬
‫تصدر عن جمموعة كهنة حيضرون املراسم‪ .‬يصمت الناس برهة ولكن اهلمس يعود بشكل أقوى عندما‬
‫دخل به إىل اهليكل لتقدمه للرب‪.‬‬ ‫أتخذ أليصاابت املتألقة‪ ،‬إبابء مقدس‪ ،‬الطفل وتَ ُ‬
‫«إهنا هي حقاً!»‬

‫«األم هي اليت تقوم ابلتقدمة دائماً‪».‬‬

‫«اي هلا من معجزة! هل حدث مثلها قط؟»‬


‫«تُرى‪ ،‬ماذا سيكون من أمر هذا الطفل الذي أ ِ‬
‫ُعط َي هلذه املرأة يف مثل هذه السن املتقدمة؟»‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 192 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«مباذا ينبئ ذلك؟»‬

‫جييب أحدهم وقد وصل وهو يَ َلهث‪« :‬أال تعلمون؟ إنه ابن زكراي الكاهن من نسل هارون‪،‬‬
‫هذا الذي أصبح أبكماً عندما كان يقدم البخور يف قدس األقداس‪».‬‬

‫«اي هلذا السر! واآلن هو يتكلم من جديد! والدة ابنه حلت عقدة لسانه!»‬

‫«تُرى ما يكون الروح الذي َكلَّ َمه وجعل لسانه ميتاً ليعوده على االحتفاظ ابلصمت يف ما خيص‬
‫أسرار هللا؟»‬

‫«اي له من سر! أية حقيقة ُك ِش َفت لزكراي؟»‬

‫«هل ابنه هو ماسيا الذي تنتظره إسرائيل؟»‬

‫«لقد ُولِ َد يف اليهودية وليس يف بيت حلم وال من عذراء فال ميكن أن يكون ماسيا‪».‬‬

‫«من هو إذن؟»‬

‫أما اإلجابة فقد بَِقيَت يف سر هللا وأما الناس فقد ظلوا يف فضوهلم‪.‬‬

‫وحيتَ ِفل الكهنة اآلن ابألم واالبن معاً‪ .‬أما الوحيدة اليت مل ينتبه إليها‬
‫تنتهي الطقوس الدينية‪َ ،‬‬
‫أحد واليت حتاشاها اجلميع عند مالحظة حاهلا‪ ،‬هي مرمي‪.‬‬

‫ما أن تنتهي التهاين حّت ميضي أغلب الناس‪ ،‬كل يف طريقه‪ ،‬وترغب مرمي يف العودة إىل النَّزل‬
‫لرتى ما إذا كان يوسف قد وصل‪ .‬إنه مل يصل بعد‪ .‬وتبقى مرمي شاردة الذهن تعرتيها خيبة أمل‪.‬‬

‫معك حّت الساعة السادسة‪ .‬ولكن جيب أن نرحل بعدها‬ ‫هتتم أليصاابت حلاهلا‪« :‬ميكننا البقاء ِ‬
‫لنصل إىل البيت قبل العشية‪ .‬إنه ما يزال صغرياً وال حيتمل البقاء إىل ما بعد هبوط الليل‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 193 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وجتيب مرمي وهي ما تزال حتافظ على هدوئها‪ ،‬إّنا حزينة‪« :‬سأبقى يف إحدى ساحات اهليكل‪،‬‬
‫لست أدري ولكنين سأفعل شيئاً‪».‬‬
‫سأذهب للقاء معلمايت‪ُ ...‬‬
‫يتدخل زكراي ابقرتاح حيظى ابملوافقة الفورية ابعتباره حالً جيداً‪« :‬فلنذهب إىل بيت أهل زبدى‪،‬‬
‫ِ‬
‫يصطحبك إىل‬ ‫عنك يوسف هناك‪ ،‬وإن مل ِ‬
‫أيت‪ ،‬فسيكون من السهل إجياد من‬ ‫فمن املؤكد أن يبحث ِ‬
‫اجلليل‪ .‬ففي هذا البيت يوجد صيادون من جنيسارت يف حركة ذهاب وإايب دائمة ِمن وإىل هناك‪.‬‬

‫يَرَكبون مطية مرمي وميضون إىل بيت أهل زبدى‪ ،‬وهم أصالً الذين استضافوا مرمي ويوسف قبل‬
‫أربعة أشهر‪.‬‬

‫أخ َذت هتدهد‬‫متضي الساعات مسرعة ويوسف مل يظهر بعد‪ .‬تسيطر مرمي على حمنتها أبن َ‬
‫للصغري‪ ،‬إّنا كان انشغال البال ابدايً عليها‪ ،‬كأن حتاول إخفاء حالتها بعدم نزع معطفها رغم احلرارة‬
‫اليت أسالت عرق اجلميع‪.‬‬

‫سمع ضربة قوية على الباب تُعلِن عن قدوم يوسف‪ .‬يسطع وجه مرمي مستعيداً صفاءه‪.‬‬
‫أخرياً تُ َ‬
‫حيييها يوسف بعد أن تتقدم هي أوالً وحتييه ابحرتام‪« :‬بركة الرب حتل ع ِ‬
‫ليك اي مرمي!»‬

‫وصلت! ذلك أن زكراي وأليصاابت كاان‬


‫َ‬ ‫ك‬
‫وعليك كذلك اي يوسف‪ ،‬والتسبيح للرب ألن َ‬
‫« َ‬
‫سيذهبان ليصال بيتهما قبل حلول الليل‪».‬‬

‫كنت أان يف قاان أقضي بعض أعمايل‪ ،‬ومل أعلَم سوى‬ ‫ِ‬
‫«لقد وصل مرسالك إىل الناصرة بينما ُ‬
‫رت بدون توقف‪ ،‬فقد أخرين احلمار بفقدانه نعالً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫فانطلقت يف احلال‪ .‬ولكن مبا أنين س ُ‬
‫ُ‬ ‫أمس مساء‬
‫ساحميين‪».‬‬

‫أنت لبقائي طويالً بعيدة عن الناصرة! ولكن انظر‪ :‬لقد كاان سعيدين جداً لكوين‬
‫«بل ساحمين َ‬
‫أردت أن أسعدمها ببقائي معهما حّت اآلن‪».‬‬
‫معهما‪ ،‬لذا ُ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 194 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«حسناً ِ‬
‫فعلت اي امرأة‪ .‬والطفل‪ ،‬أين هو الطفل؟»‬

‫يدخالن إىل الغرفة حيث توجد أليصاابت اليت ترضع ابنها قبل الرحيل‪ .‬يهنئ يوسف أهل‬
‫الطفل لكونه شديداً عتيداً‪ .‬فرتفعه أليصاابت عن صدرها لرتيه ليوسف‪ ،‬ولكنه يصرخ ويتخبط كما لو‬
‫كان أحدهم يسلخه‪ ،‬فيضحك اجلميع من احتجاجه‪ ،‬حّت أهل زبدى الذين أسرعوا يف إحضار‬
‫الفواكه الطازجة للجميع‪ ،‬واحلليب واخلبز مع صحن مسك‪ ،‬يضحكون وينضمون إىل حديث اآلخرين‪.‬‬

‫مرمي تتكلم قليالً‪ .‬إهنا جتلس يف إحدى الزوااي هادئة صامتة‪ ،‬ويداها على صدرها حتت املعطف‪،‬‬
‫حّت وهي تشرب فنجان احلليب وأتكل عنقود العنب الذهيب مع القليل من اخلبز‪ ،‬إهنا تتكلم قليالً‬
‫وال تتحرك أبداً‪ .‬إهنا تنظر إىل يوسف مبزيج من املعاانة والقلق‪ .‬وهو كذلك كان ينظر إليها‪ ،‬وبعد برهة‬
‫أنت تعبة؟ هل تتألمني؟ ِ‬
‫فأنت شاحبة وحزينة‪».‬‬ ‫ينحين على كتفها ويسأهلا‪« :‬هل ِ‬

‫«إين أتـأمل البتعـادي عن يوحنـا الصغري‪ .‬فأنـا أحبـه كثرياً‪ ،‬ولقد ضممته إىل قليب منذ والدته‬
‫تقريباً‪»...‬‬

‫مل يطرح يوسف أسئلة أخرى‪.‬‬

‫حان موعد رحيل زكراي‪ .‬تتوقف العربة قرب الباب ويدنو اجلميع‪ .‬تتعانق النسيبتان حبنان‪ .‬تقبل‬
‫مرمي الطفل قبالت كثرية قبل أن تعود أمه لتضمه إىل صدرها وهي َجتلُس يف عربتها‪ .‬مث حتيي زكراي‬
‫صالً حتت أنوار بعد ظهرية‬‫طالبة منه بركته‪ ،‬وعندما جتثو أمام الكاهن ينزلق املعطف ويظهر شكلها ُم َف َّ‬
‫يوم صيف كاشفة‪ .‬مل أعلم إذا ما كان يوسف قد الحظ ذلك يف تلك اللحظة اليت كان فيها منهمكاً‬
‫بوداع أليصاابت‪ ...‬وتبتعد العربة‪.‬‬
‫ويدخل يوسف مع مرمي اليت تعود إىل مكاهنا يف الزاوية نصف املضاءة‪« .‬إذا ِ‬
‫كنت المتانعني يف‬
‫السفر ليالً‪ ،‬فإنين أقرتح الرحيل عند الغَ َسق‪ .‬فاحلرارة يف النهار شديدة‪ ،‬بينما الليل ابرد وهادئ‪ .‬أقول‬
‫ضك كثرياً للشمس‪ .‬ابلنسبة يل‪ ،‬ال يهمين التعرض للقيظ‪ ،‬إّنا ِ‬
‫أنت‪»...‬‬ ‫أجلك لكي ال أعر ِ‬‫هذا من ِ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 195 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«كما تريد اي يوسف‪ .‬نعم‪ ،‬أعتقد أن السفر ليالً أفضل‪».‬‬

‫«البيت مرتب جيداً وكذلك احلديقة‪ .‬سرتين الزهور كم هي مجيلة! سوف تصلني يف الوقت‬
‫املناسب لتجدي كل شيء مزهراً‪ .‬شجرة التفاح والتني والكروم حمملة ابلثمار أكثر من أي وقت مضى‪،‬‬
‫أخ َذت الثمار‬
‫رت لوضع دعامات هلا لكثرة احلمل على أغصاهنا‪ ،‬وقد َ‬ ‫أما شجرة الرمان فقد اضطُِر ُ‬
‫أشكاهلا كما مل َنر مثيالً هلا يف مثل هذا الوقت‪ .‬ومث شجرة الزيتون‪ ...‬سوف حتصلني على زيت وافر‪.‬‬
‫عجز‪ ،‬ومل تفقد زهرة واحدة‪ ،‬بل إن كل زهرة فيها أضحت اآلن زيتونة صغرية‪.‬‬ ‫لقد أزهرت بشكل م ِ‬
‫ُ‬ ‫ََ‬
‫وعندما ستنضج ستغطي الشجرة بآللئ سوداء‪ .‬وال يوجد يف الناصرة كلها من ميتلك حديقة هبذا‬
‫غريك‪ .‬حّت األهل ُد ِهشوا هبا‪ .‬وحلفا قال إهنا معجزة‪».‬‬
‫اجلمال ِ‬

‫عنايتك هبا هي اليت َج َعلَتها كذلك‪».‬‬


‫« َ‬
‫فعلت أان؟ بعض العناية ابلشجر وبعض املاء للزهر‪...‬‬ ‫«آه! ال! اي يل من رجل مسكني! ماذا ُ‬
‫أوصلتُه للداخل‬ ‫ِ‬
‫عملت لك سبيالً‪ ،‬فلن تضطري للخروج بغية احلصول على املاء‪ .‬لقد َ‬ ‫ُ‬ ‫أتعلمني؟ لقد‬
‫وجعلت له فسقية‪ .‬لقد جررتُه من النبع املوجود فوق زيتونة متيا‪ .‬إن مياهه نظيفة‬ ‫ُ‬ ‫إىل جانب املغارة‪،‬‬
‫وصنعت قناة صغرية مغطاة‪ .‬واآلن تصل املياه وتغين مثل قيثارة‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫وغزيرة‪ .‬جررُهتا بواسطة جمرى صغري‪،‬‬
‫ِ‬
‫لرؤيتك تذهبني إىل نبع البلدة لتعودي ُحم َّملة جبرار مليئة ماء‪».‬‬ ‫كنت أأتمل‬
‫لقد ُ‬
‫فأنت طيب!»‬
‫لك اي يوسف‪َ ،‬‬
‫«شكراً َ‬
‫يصمت العروسان اآلن لتعبهما حّت إن يوسف قد انم بينما مرمي تصلي‪.‬‬

‫حيل الليل‪ .‬يصر املضيفون على أن أيكال قبل الرحيل‪ .‬فيأكل يوسف خبزاً ومسكاً بينما مل أتكل‬
‫مرمي سوى الفواكه مع شرهبا احلليب‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 196 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫مث هو الرحيل‪ .‬ميتطيان محاريهما‪ .‬وكما أثناء الذهاب‪ ،‬يضع يوسف صندوق مرمي أمامه‪ ،‬وقبل‬
‫أن تصعد مرمي يتفقد السرج إذا ما كان موضوعاً جيداً‪ .‬أالحظ أن يوسف ينظر إىل مرمي وهي تصعد‬
‫أخ َذت أوىل النجوم تتألأل يف السماء‪.‬‬
‫فوق السرج‪ ،‬ولكنه مل يقل شيئاً‪ .‬يبدأ السفر يف اللحظة اليت َ‬
‫يُس ِرعان ابجتاه األبواب لبلوغها قبل احتمال إقفاهلا‪ .‬وعندما َخي ُرجان من أورشليم ويسلكان‬
‫الطريق الرئيسية املتجهة إىل اجلليل‪ ،‬تظهر النجوم بكثرة على امتداد السماء كلها‪ .‬أما يف القرية فقد‬
‫سمع سوى تغريد عندليب وصوت حوافر احلمارين اليت تضرب إبيقاع‬ ‫َخيَّم صمت مطبق‪ .‬مل يعد يُ َ‬
‫أرض الطريق اليت أصبَ َحت قاسية بفعل جفاف الصيف‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 197 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫أقل قداسة ملا َمنَ َحهُ هللا نوره)‬


‫‪( -41‬لو كان يوسف ّ‬
‫‪ 05‬و ‪1944 / 04 / 06‬‬

‫تقول مرمي‪:‬‬

‫« ّإهنا ليلة اخلميس املق ّدس‪ .‬ستبدو هذه الرؤاي للكثريين خارجة عن املوضوع‪ .‬ولكن ِ‬
‫أملك كعاشقة‬ ‫ّ‬
‫حّت بوجود رؤاي عذبة‪ّ .‬إهنا كاحلرارة املنتشرة من الشعلة‪ ،‬هي من‬
‫ويستمر ّ‬ ‫ليسوع املصلوب هو يف ِ‬
‫قلبك‬
‫ّ‬
‫النار كذلك‪ ،‬إالّ ّأهنا مل تعد انراً‪ .‬فالنار هي الشعلة وليست احلرارة املنتشرة حوهلا‪ .‬إ ّن أيّة رؤاي ِّ‬
‫مطوبة أو‬
‫ِ‬
‫حياتك ذاهتا‪ :‬إنّه ابلفعل‪ ،‬أكرب‬ ‫مطهرة لن أتيت لتنزع من ِ‬
‫قلبك هذا األمل‪ .‬انظري إليه كشيء مثني أكثر من‬ ‫ِّ‬
‫نعمة ميكن أن مينحها هللا ملن يؤمن اببنه‪ .‬مثّ إن رؤايي يف سالمها تتوافق بشكل جيّد مع إحياء ذكرى هذا‬
‫األسبوع‪.‬‬

‫بدأَت من أورشليم عندما انتَـبَه إىل حاليت‪ ،‬ودامت أايماً‬


‫إن يوسف قد انل أيضاً عذاابته اليت َ‬
‫كما دامت ليسوع ويل‪ .‬روحياً‪ ،‬مل تكن أقل أملاً‪ .‬إن قداسة يوسف عروسي وحدها هي اليت حافَظَت‬
‫عرف عنها َعرب األجيال إال القليل‪.‬‬ ‫على هذه احلالة بشكل الئق وسري حبيث مرت دون أن يُ َ‬
‫آه! أوىل آالمنا! من ميكنه التحدث عن الشدة الداخلية الصامتة؟ من يستطيع التكلم عن أملي‬
‫لدى مالحظيت أن السماء مل تكن قد َّبرَرتين إبظهارها السر ليوسف؟ السر الذي كان جيهله‪ .‬وقد‬
‫كت ذلك برؤية احرتامه يل ببساطة كالعادة‪ .‬فلو كان يعلم أنين أمحل كلمة هللا يف داخلي لكان َعبَ َد‬
‫أدر ُ‬
‫صر يف ممارستها‪،‬كما أين مل أكن‬ ‫هذه الكلمة يف أحشائي بطقوس عبادة خمصصة هلل‪ ،‬ومل يكن ليـ َق ِ‬
‫ُ‬
‫كنت أمحله كما كان اتبوت العهد‬ ‫ألرفض تقبلها ال ألجلي‪ ،‬إّنا ألجل َمن كان يسكن يف‪ ،‬الذي ُ‬
‫حيمل لوحي الوصااي وآنية املن‪.‬‬

‫من ميكنه وصف معركيت ضد الفتور الذي كان حياول إرهاقي ليقنعين أبن رجائي ابلرب ابطل؟‬
‫كنت أحس ابلشك ميسكين من كتفي ويطيل جمساته‬ ‫آه! أظنها كانت محلة هوجاء من الشيطان! ُ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 198 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ليأسر نفسي ومينعها من الصـالة‪ .‬الشـك اخلطري جداً‪ ،‬القـاتل للروح‪ .‬إنه قاتل‪ ،‬ذلك أنه اإلصابة‬
‫ال َـمَرضيَّة األوىل واليت تسمى "اليأس"‪ ،‬حيث جيب أن يتصرف الروح يف مواجهتها بكل قواه لكي ال‬
‫تصل النفس إىل اهلالك وفقدان هللا‪.‬‬

‫من ميكنه التحدث بدقة عن أمل يوسف وأفكاره واضطراب عواطفه؟ إنه مثل قارب صغري وسط‬
‫عاصفة هوجاء‪ ،‬وكان قد َو َج َد نفسه يف زوبعة من األفكار املتناقضة وردود فعل‪ ،‬كانت الواحدة منها‬
‫أكثر أملاً وشراسة من األخرى‪ .‬لقد كان يف الظاهر رجالً خمدوعاً من قبل زوجته‪ ،‬فكان يرى اهنيار‬
‫مسعته الطيبة واحرتام العامل معاً بسببها‪ ،‬كان يرى نفسه مشاراً إليه ابلبَـنَان وموضوع إشفاق البلدة‪.‬‬
‫الفعلة‪.‬‬‫وكان يرى احلب واالحرتام اللذين كان يكنُّهما يل ميواتن أمام بـيِنة ِ‬
‫ََ‬
‫أشرقَت أكثر من اليت يل‪ .‬وأشهد لذلك حبيب كعروسة‪ ،‬إذ أر َغب يف أن‬ ‫وهنا تألألت قداسته و َ‬
‫حتبوا يوسف‪ ،‬هذا الرجل احلكيم وال َفطن‪ ،‬الصبور والصاحل‪ ،‬الذي مل يكن غريباً عن سر الفداء الذي‬
‫استخد َم أمله وذاته هلذا‪ ،‬وذلك إبنقاذ املخلص دافعاً الثمن تضحيته‪،‬‬‫َ‬ ‫ارتَـبَط به بشكل وثيق ألنه‬
‫ُرجم فتموت معي‬ ‫صَّرف بشرايً أبن يشي ي كزانية أل َ‬‫وبقداسته العظيمة‪ :‬فلو كان أقل قداسة لكان تَ َ‬
‫مثرة خطيئيت‪ .‬لو كان أقل قداسة ملا كان هللا قد َمنَ َحه النور لريشده يف مثل هذا االختبار‪.‬‬

‫إّنا يوسف كان قديساً‪ .‬وكان روحه الكلي الطهر حييا يف هللا‪ .‬فاحملبة كانت متأججة فيه وقوية‪.‬‬
‫ومبحبته أن َق َذ لكم املخلص‪ ،‬اترة بعدم الوشاية ي إىل الشيوخ‪ ،‬واترة برتكه كل شيء وفق طاعة سريعة‪،‬‬
‫ليَحمل يسوع إىل مصر أايماً مل تكن كثرية‪ ،‬ولكنها فظيعة بشدهتا‪ ،‬لقد كانت أايم آالم يوسف وآالمي‪،‬‬
‫كنت أُد ِرك معاانته وال أستطيع انتزاعها مطلقاً‬
‫تلك األايم األوىل اليت كان ينبغي يل أن أعاين فيها‪ ،‬فقد ُ‬
‫ألبقى وفية ألمر هللا القائل يل‪" :‬اصميت!"‪.‬‬

‫عندما رأيتُه‪ ،‬حال وصولنا إىل الناصرة‪ ،‬يرتكين بعد حتية مقتضبة‪ ،‬حانياً ظهره‪ ،‬حّت ليبدو وكأنه‬
‫َعرتف لكم‪ ،‬أبنائي‪ ،‬أن‬ ‫ِ‬
‫شاخ يف وقت قليل‪ ،‬إذا صح التعبري‪ ،‬وعندما مل أيت إيل يف املساء كعادته‪ ،‬أ َ‬
‫قليب املفطور قد عاىن من أمل حاد‪ُ .‬حمتَـبَسة ووحيدة يف البيت حيث كل شيء يذكرين ابلبشارة والتجسد‪،‬‬
‫وحيث كل شيء يعيد إىل قليب ذكرى يوسف املتحد ي يف بتولية ال عيب فيها‪ ،‬كان ينبغي يل أن‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 199 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أقاوم الفتور ووساوس الشيطان‪ ،‬وأن أرجو وأرجو وأرجو؛ وأن أصلي وأصلي وأصلي؛ وأن أغفر وأغفر‬
‫وأغفر ليوسف ريبته ومترده َكبَ ٍ‬
‫ار اغتاظ‪.‬‬

‫أبنائي‪ :‬عليكم ابلرجاء والصالة والصفح للحصول على تدخل هللا ونيل حظوة لديه‪ .‬وأنتم أيضاً‬
‫عليكم أن تعيشوا آالمكم‪ ،‬فإن خطاايكم قد استَ َح َّقتها‪ .‬وأان أ َُعلِمكم كيف تتجاوزوهنا وحتولوهنا إىل‬
‫فرح‪ ،‬أُرجوا دوّنا حساب‪ ،‬صلوا دوّنا شك‪ ،‬واغفروا ليُغ َفر لكم‪ .‬ومغفرة هللا‪ ،‬اي أبنائي‪ ،‬ستكون هي‬
‫السالم الذي تتوقون إليه‪.‬‬

‫لن أقول لكم أي شيء آخر يف الوقت احلاضر سوى أنه بعد انتصار القيامة سيكون الصمت‪.‬‬
‫انس َكبَت كانت من‬ ‫دمعة‬ ‫فكل‬ ‫ودموعه‪.‬‬ ‫احاته‬
‫ر‬ ‫ج‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫د‬ ‫وع‬ ‫ته‬‫أان‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ع‬ ‫امس‬ ‫فاديكم‪،‬‬ ‫له‬ ‫حتم‬ ‫ما‬ ‫على‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ق‬ ‫ِ‬
‫أشف‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أجلكم‪ ،‬وجراحاته تَـ َقبَّـلَها من أجلكم‪ .‬وأية رؤاي أخرى متحي أمام تلك اليت تذكركم ابلفداء الذي‬
‫َح َّق َقه لكم‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 200 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -42‬مرمي الناصريّة تتفاهم مع يوسف)‬

‫‪1944 / 05 / 31‬‬

‫بعد ثالثة ومخسني يوماً‪ ،‬تعود األُم للظهور يف هذه الرؤاي اليت طَلَبَت مين أن أدوهنا يف هذا‬
‫الكتاب‪ .‬وعاد الفرح ليُولَد يف من جديد‪ ،‬ألن رؤية مرمي تعين امتالك الفرح‪.‬‬

‫إذاً فأان أرى حديقة الناصرة الصغرية‪ .‬مرمي تغزل يف ظل شجرة تفاح وارفة وحمملة زايدة ابلثمار‬
‫بدأَت ابالمحرار حّت لتحسبها خدود أطفال مدورة ووردية‪.‬‬ ‫اليت َ‬
‫ولكن لون مرمي مل يكن كتلك األلوان اجلميلة‪ .‬فلون خديها الذي كان يف اخلليل قد اختفى‪.‬‬
‫ووجهها شاحب مثل العاج‪ ،‬والشفتان فقط ترمسان عليه قوساً من املرجان الشاحب‪ .‬وحتت جفنيها‬
‫لست أرى عينيها ألن رأسها منحن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املنخفضني ظالن ُمظلمان‪ ،‬وحافة عينيها منتفخة كما بعد بكاء‪ُ .‬‬
‫نصب على الشغل وأكثر منه على أفكار حزينة‪ ،‬ذلك أنين أمسَعها تتنهد كمن يعاين‬‫وكل انتباهها ُم َ‬
‫ويتأمل يف قلبه‪ .‬كان ثوهبا ذا لون أبيض أبكمله‪ ،‬فقد كان من الكتان األبيض ألن الطقس حار جداً‬
‫رغم أن رطوبة الزهور النقية توحي أبنه الصباح‪ .‬رأسها مكشوف والشمس اليت تداعب أوراق شجر‬
‫التفاح اليت حتركها نسمات خفيفة جداً‪ ،‬واليت تتسلل حمدثة خيوط نور على األرض البنية املخصصة‬
‫للزهور‪ ،‬وترسم دوائر مضيئة على الرأس األشقر وعلى الشعر الذي يبعث انعكاسات ذهب خالص‪.‬‬

‫سمع سوى صوت خرير ساقية تنساب‬


‫صدر من البيت أي صوت‪ ،‬وكذلك من اجلوار‪ .‬مل يُ َ‬
‫مل يَ ُ‬
‫يف فسقية يف عمق احلديقة‪.‬‬

‫تنتَ ِفض مرمي لدى مساعها طرقاً قوايً على ابب البيت اخلارجي‪ .‬تضع مغزهلا ومردهنا جانباً وتنهض‬
‫لتذهب وتفتح‪ .‬ورغم كون ثوهبا فضفاضاً‪ ،‬إال أنه مل ُخيْ ِ‬
‫ف استدارة احلوض متاماً‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 201 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫جتد نفسها وجهاً لوجه أمام يوسف‪ .‬تشحب حّت الشفتني‪ .‬ويف هذه األثناء يبدو وجهها‬
‫كخبز الذبيحة بسبب هروب الدم منه‪ .‬تنظر مرمي بعني تستفسر حبزن‪ ،‬بينما كانت نظرة يوسف‬
‫ِ‬
‫مستغفرة‪ .‬يلوذان ابلصمت ومها ينظران إىل بعضهما‪ .‬مث تفتح مرمي فمها‪« :‬أيف هذه الساعة اي يوسف؟‬
‫هل أنت حباجة إىل شيء ما؟ ماذا تريد قوله يل؟ تعال‪».‬‬

‫يدخل يوسف ويُغلِق الباب‪ .‬مل يتكلم بعد‪.‬‬

‫«تكلم اي يوسف‪ ،‬ماذا تريد؟»‬

‫عفوك»‪ .‬وينحين كأنه يريد أن جيثو‪ .‬ولكن مرمي اليت ما تزال متحفظة من ملسه‪ُ ،‬مت ِسك به‬
‫« ِ‬
‫بعزم من كتفيه ومتنعه من ذلك‪.‬‬

‫وأخذ لون وجه مرمي يتبدل‪ ،‬فتارة هو أمحر وأخرى شاحب كما كان قبالً‪« :‬عفوي؟ ليس هناك‬
‫لك اي يوسف‪ ،‬ليس لدي سوى الشكر على كل ما فعلته هنا أثناء غياي‪ ،‬وكذلك على‬ ‫شيء أغفره َ‬
‫احلب الذي تكنه يل‪».‬‬

‫ينظر إليها يوسف وترتقرق دمعتان كبرياتن يف حجريت عينيه العميقتني‪ ،‬وتبقيان كما على حافة‬
‫نح ِدران على اخلدين واللحية‪.‬‬
‫آنية‪ ،‬مث تَ َ‬
‫لست أهالً ألن يكون يل مثل‬ ‫ِ‬
‫عرفت و ُ‬
‫تزعز َعت ثقيت بك‪ ،‬أما اآلن فقد ُ‬
‫«ساحميين اي مرمي‪ ،‬فلقد َ‬
‫متك يف قليب‪ .‬اهت ِ‬
‫متك دون عدل ألنين مل أسألك لتقويل‬ ‫لك‪ .‬لقد اهت ِ‬
‫صرت يف حمبيت ِ‬
‫هذا الكنز‪ .‬لقد قَ َّ ُ‬
‫لك كحيب لنفسي‪»...‬‬‫يل احلقيقة‪ .‬لقد أخطأت حبسب شريعة هللا‪ ،‬وذلك بعدم حيب ِ‬
‫ُ‬
‫«آه! ال! أنت مل تُـ َق ِ‬
‫صر أبداً!»‬ ‫َ‬
‫أنت‪ ...‬مل أمسح ِ‬
‫لك‬ ‫«بلى اي مرمي‪ .‬لو كنت ُّاهتِمت مبثل هذا اجلرم لكنت دافعت عن نفسي‪ .‬و ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أسأت‬ ‫ِ‬ ‫نفسك ألنين كنت على وشك أن أَّتذ قراراً دون سؤ ِ‬
‫ِ‬
‫أخطأت جتاهك أبن ُ‬ ‫ُ‬ ‫الك‪ .‬لقد‬ ‫ُ‬ ‫ابلدفاع عن‬
‫بك ينتقص من قدر ِك‪ .‬وأان مل‬
‫إليك ابلريبة‪ .‬ال شيء سوى الشك‪ .‬وهذه إساءة اي مرمي‪ .‬فمن يشك ِ‬ ‫ِ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 202 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫عانيت من األمل‪ ...‬ثالثة أايم من الندم‪ ،‬ساحميين اي‬
‫ُ‬ ‫أعرفك كما كان ينبغي يل أن أفعل‪ .‬ولكن لِما قد‬
‫ِ‬
‫مرمي‪».‬‬

‫منك أن تساحمين على ما سببتُه‬


‫أساحمك عليه‪ .‬بل ابألحرى أان اليت أطلب َ‬
‫َ‬ ‫«ما من شيء لدي‬
‫لك من األمل‪».‬‬
‫َ‬
‫«آه! نعم‪ ،‬اي له من أمل! اي هلذا األمل! انظري‪ .‬لقد قيل يل هذا الصباح أبن شيئاً بدأ يظهر على‬
‫صدغي‪ ،‬وجتاعيد على وجهي‪ .‬لقد كربت يف أايم أكثر من عشر سنوات‪ .‬ملاذا ِ‬
‫كنت اي مرمي متواضعة‬ ‫ُ‬
‫ورضيت أبن أشك ِ‬
‫فيك؟»‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عروسك‪،‬‬ ‫أخفيت ِ‬
‫جمدك عين‪ ،‬أان‬ ‫ِ‬ ‫ك‬‫لدرجة أن ِ‬

‫مل يكن يوسف جاثياً ولكنه منحن لدرجة أنه يبدو كذلك‪ ،‬وتضع مرمي يدها الصغرية على رأسه‬
‫ت أن أحبَل‬‫وهي تبتسم‪ .‬تبدو وكأهنا حتله من خطاايه‪ .‬تقول‪« :‬لو مل يكن تواضعي كامالً ملا استحقق ُ‬
‫ب‬
‫أطعت‪ ...‬فاهلل هو من طَلَ َ‬
‫ُ‬ ‫مبن ننتظر‪ ،‬من أييت ليمحو خطيئة الكربايء اليت دمرت اإلنسان‪ .‬مث أان‬
‫أجلك‪ ،‬من أجل األمل الذي اختََربتَه‪ .‬إّنا مل يكن لدي خيار‬
‫مين هذه الطاعة اليت كلفتين كثرياً‪ ...‬من َ‬
‫سوى الطاعة‪ .‬أان خادمة هللا‪ ،‬واخلدام ال يناقشون األوامر اليت يتلقوهنا‪ .‬بل هم ينفذوهنا‪ ،‬اي يوسف‪،‬‬
‫ولو أبكتهم دماً‪ ».‬تبكي مرمي وهي تقول ذلك‪ .‬تبكي هبدوء لدرجة أن يوسف املنحين مل يلحظ ذلك‬
‫إال حينما َس َقطَت دمعة على األرض‪.‬‬

‫عندها يرفع رأسه ‪-‬وألول مرة أراه يفعل ذلك‪ -‬ويشد على يدي مرمي الصغريتني بني يديه‬
‫القويتني ويقبل أطراف أانملها الناعمة اليت تربز مثل براعم الدراق من بني قبضيت يدي يوسف‪.‬‬

‫«اآلن جيب أن نتدبر األمر‪ ،‬ألن‪ »...‬ومل يضف يوسف شيئاً ولكنه ينظر إىل جسم مرمي اليت‬
‫جتلس حاالً لكي ال تبقى عُرضة للنظرات اليت ترتكز عليها‪« .‬جيب أن نسرع‪ .‬سآيت إىل هنا‪ ...‬سنُتم‬
‫الزواج‪ ...‬األسبوع القادم‪ ،‬أموافِقة ِ‬
‫أنت؟»‬

‫خادمتك‪».‬‬
‫َ‬ ‫أنت رأس البيت وأان‬
‫«كل ما تفعله اي يوسف جيد‪َ .‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 203 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫بارَكة بني كل‬‫ـم‬‫ل‬‫ا‬ ‫أحشائك‪ .‬و ِ‬
‫أنت‬ ‫ِ‬ ‫يف‬ ‫ينمو‬ ‫الذي‬ ‫إلهلي‬ ‫املغبوط‬ ‫اخلادم‬ ‫أان‬ ‫‪.‬‬ ‫ِ‬
‫خادمك‬ ‫«ال‪ ،‬بل أان‬
‫ُ َ‬
‫نساء إسرائيل‪ .‬هذا املساء سأخرب األهل‪ .‬وفيما بعد‪ ...‬حينما أصبح هنا‪ ،‬سنعمل على هتيئة كل شيء‬
‫جمليئه‪ ...‬آه! كيف سأستطيع استقبال إهلي يف بييت؟ هللا بني يدي؟ سأموت من الفرح!‪ ...‬لن أجرؤ‬
‫على ملسه أبداً!‪»..‬‬

‫«سوف تستطيع كما سأستطيع أان ذلك‪ ،‬بنعمة هللا‪».‬‬


‫ك ِ‬
‫أنت‪ .‬أما أان فَـَر ُجل مسكني‪ ،‬ليس يف أبناء هللا من هو مسكني أكثر مين!»‬ ‫«أما ِ‬
‫أنت فإن ِ‬

‫«يسوع أييت من أجلنا حنن املساكني ليجعلنا أغنياء ابهلل‪ .‬سيأيت إلينا حنن اإلثنني ألننا مساكني‬
‫حصلَت على امللك الذي تنتظره‪،‬‬ ‫أكثر من كل الناس‪ ،‬وحنن نعلم ذلك‪ .‬افرح اي يوسف فذرية داود َ‬
‫وقد أصبَح بيتنا أكثر فخامة من قصر سليمان امللكي‪ ،‬فهنا ستكون السماء‪ ،‬وسنشارك هللا سر السالم‬
‫الذي َسيُـ َعلِمه للعامل فيما بعد‪ .‬سينمو بيننا وستكون أذرعنا مهداً للفادي الذي يكرب‪ .‬ومن َعَرقنا وتعبنا‬
‫سنوفر له اخلبز‪ ...‬آه! يوسف! سوف نسمع صوت هللا ينادينا "اباب"‪" ،‬ماما"! آه!‪ »...‬وتبكي مرمي‬
‫فرحاً بدموع سعيدة للغاية!‬

‫ينس ِدل ُم َش ِكالً‬


‫جيثو يوسف اآلن على ركبتيه ويبكي خافياً رأسه يف ثوب مرمي الفضفاض الذي َ‬
‫ثنيات على بالط الغرفة الصغرية البسيط‪.‬‬

‫وهنا تنتهي الرؤاي‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 204 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫مهمة اإلعالن لكم عن ُخ َّدامه)‬


‫للرب ّ‬
‫‪( -43‬اتركوا ّ‬
‫‪1944 / 05 / 31‬‬

‫تقول مرمي‪:‬‬

‫كنت سأنتظر‬ ‫«ال يؤولن أحد شحوي بطريقة خاطئة‪ .‬مل يكن نتيجة خوف بشري‪ ،‬فبشرايً ُ‬
‫كنت أعاين من أمل يوسف‪ .‬حّت فكرة إدانته يل مل جتعلين‬ ‫الرجم‪ .‬وهذا مل يكن يف يوم َم َبعث خويف‪ .‬بل ُ‬ ‫َّ‬
‫حبد ذاهتا أضطَ ِرب‪ .‬إّنا ما مل يكن يروق يل فقط هو أنه بوقوفه عند فكرة إدانيت كان قد أ َ‬
‫َخ َّل ابحملبة‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬عندما شاهدتُه قفز دمي‪ .‬لقد كانت حلظة خيطئ ابر فيها حبق العدل‪ ،‬وذلك ابإلخالل ابحملبة‪.‬‬
‫وأن خيل ابر ابحملبة وهو الذي مل خيل أبداً يف السابق‪ ،‬هو ما سبب يل أشد العذاب‪.‬‬

‫كنت أستحق أن أمحل يف‬


‫قلت ليوسف‪ ،‬ملا ُ‬ ‫لو مل أكن أحتلى ابلتواضع إىل أبعد حدوده‪ ،‬كما ُ‬
‫تنازَل‪ ،‬وهو اإلله‪ ،‬ليصبح إنساانً ليزيل الكربايء من اجلنس البشري‪ .‬لقد جع ِ‬
‫لتك تَـَرين‬ ‫أحشائي الذي َ‬
‫أردت لفت انتباه العامل البعيد جداً عن الشروط األساسية‬
‫هذا املشهد الذي مل يورده أي إجنيل ألنين ُ‬
‫إلرضاء هللا وتقبل حضوره املتواصل يف قلبه‪.‬‬

‫اإلميان‪ .‬لقد َآمن يوسف إمياانً أعمى بكلمة رسول السماء‪ .‬مل يكن يطلب سوى اإلميان ألنه‬
‫كان ُمقتنعاً بشكل جاد أن هللا صاحل وأنه‪ ،‬وهو الذي رجا الرب‪ ،‬فال ميكن أن يبتليه الرب أبمل أن‬
‫خيونه قريبه وخيدعه ويهزأ به‪ .‬مل يكن يطلب سوى اإلميان ي‪ ،‬ألنه‪ ،‬كرجل شريف‪ ،‬مل يكن يستطيع‬
‫جمرد التفكري بدون أمل أن ال يفعل اآلخرون ذلك‪ .‬كان يعيش مبوجب الشريعة‪ ،‬والشريعة تقول‪" :‬أحبِب‬
‫كنفسك"‪ .‬فنحن حنب أنفسنا لدرجة االعتقاد أبننا كاملون حّت حينما ال نكون كذلك‪ .‬ملاذا‬‫َ‬ ‫يبك‬
‫قر َ‬
‫نتوقف إذن عن حمبة القريب جملرد فكرة أنه غري كامل؟‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 205 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫احملبة املطلقة‪ .‬احملبة اليت تعرف أن تَص َفح‪ ،‬واليت تريد أن تَص َفح‪ .‬تَص َفح مسبقاً أبن تربر يف‬
‫قلبها أخطاء القريب‪ .‬تَص َفح مباشرة إبجياد كل الظروف ِ‬
‫املخففة للمخطئ‪.‬‬

‫التواضع ال ُـمطلَق مثل احملبة‪ .‬معرفة أننا مقصرون‪ ،‬حّت مبجرد فكرة بسيطة‪ ،‬وعدم االتصاف‬
‫أخطأت"‪ .‬فكل العامل‪ ،‬ما عدا هللا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ابلكربايء األكثر ضرراً من اخلطيئة السابقة أبن نرفض القول‪" :‬أان‬
‫خيطئ‪ .‬من الذي أو من اليت تستطيع القول‪" :‬أان ال أخطئ أبداً؟" والتواضع أكثر صعوبة كذلك‪ .‬فهو‬
‫الذي يعرف أن يكتم روائع هللا فينا‪ ،‬عندما يكون من غري املفيد أن نعلنها لتمجيده هبا‪ .‬لكي ال نقلل‬
‫من قيمة القريب الذي مل يتلق هذه املواهب اخلاصة من هللا‪ .‬لو أراد ذلك‪ ،‬آه لو أراد ذلك فاهلل يَظ َهر‬
‫دت من أجلها‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بنفسه يف خادمه! فإن أليصاابت قد رأتين كما أان‪ ،‬وعروسي عرفين والغاية اليت ُوج ُ‬
‫وذلك عندما حان الوقت ليعرف‪.‬‬

‫دعوا هلل مهمة اإلعالن لكم عن خدامه‪ .‬إنه حباجة ألن يكون ذلك حبب‪ .‬إذ إنه يهيئ كل‬
‫خليقة لرسالة خاصة‪ ،‬هي جمد جديد يضاف إىل جمده الالمتناهي‪ ،‬ألهنا الشهادة عن طبيعة اإلنسان‬
‫كما أراده هللا‪ :‬كمال اثنوي يعكس األصل‪ .‬اب ُقوا يف الظل ويف الصمت‪ ،‬اي من حظيتم ابلنعمة‪،‬‬
‫لتستطيعوا مساع الكلمات الوحيدة اليت هي "احلياة"‪ ،‬لتستطيعوا استحقاق أن تسطع الشمس بشكل‬
‫أزيل فوقكم وفيكم‪.‬‬

‫خدامك‪ ،‬اسطَع على هؤالء‬


‫َ‬ ‫أنت فرح‬
‫آه! أيها النور األكثر من مغبوط‪ ،‬الذي تُدعى هللا‪ ،‬اي َمن َ‬
‫وحدك الذي إذ‬
‫َ‬ ‫أنت‬
‫حونك‪َ ،‬‬
‫فيك بتواضعهم وهم يسب َ‬ ‫إليك‪ ،‬الذين يبتَ ِهجون َ‬
‫اخلدام الذين ينتمون َ‬
‫ملكك‪».‬‬
‫َ‬ ‫تُشتِت املتكربين إّنا تَرفَع املتواضعني الذين حيب َ‬
‫ونك إىل هباء‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 206 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -44‬منشور اإلحصاء)‬

‫‪1944 / 05 / 04‬‬

‫لت أرى بيت الناصرة‪ :‬الغرفة الصغرية حيث تتناول مرمي عادة طعامها‪ .‬إهنا يف هذه األثناء‬ ‫ما ز ُ‬
‫ُم َنه ِمكة بشغل من القماش األبيض‪ .‬وتضع شغلها جانباً لتذهب وتُشعِل املصباح‪ ،‬فالليل يُرخي‬
‫كت أن‬ ‫ِ‬
‫سدوله‪ ،‬والنور املخضر املتسلل من الباب املواَرب على احلديقة مل يعد كافياً‪ .‬وتُغلق الباب‪ .‬أدر ُ‬
‫َمحلَها أصبَح متقدماً جداً‪ .‬ولكنها ما تزال مجيلة جداً‪ .‬مشيتها َسلِ َسة‪ ،‬وسلوكها رشيق‪ .‬وال شيء من‬
‫ظهر عادة على امرأة توشك أن تضع وليدها‪ .‬الوجه فقط قد تغري‪.‬‬ ‫التثاقل الذي يَ َ‬
‫اآلن هي "امرأة"‪ ،‬بينما يف السابق‪ ،‬يف زمن البشارة كانت شابة فتية‪ ،‬ذات وجه هادئ وديع‪:‬‬
‫وجه طفل بريء‪ .‬ومنذ أن كانت يف منزل أليصاابت‪ ،‬يف حلظات والدة املعمدان‪ ،‬أصبَح وجهها أكثر‬
‫صفاء‪ ،‬فقد نضج مجاهلا‪ .‬أما اآلن‪ ،‬فإنه الوجه الساكن إّنا املطبوع بطابع الوقار اللطيف المرأة بلغت‬
‫كماهلا ابألمومة‪.‬‬

‫َّحت بعذوبة‬
‫لقد أصبَ َحت مرمي اآلن حبق "املرأة" املمتلئة وقاراً ونعمة‪ .‬حّت ابتسامتها‪ ،‬فقد تفت َ‬
‫مهيبة‪ .‬كم هي مجيلة!‬

‫دخل من الباب اخلارجي وليس من ابب‬ ‫دخل يوسف‪ .‬يبدو أنه عائد من البلدة‪ ،‬ألنه يَ ُ‬ ‫يَ ُ‬
‫املشغَل‪ .‬ترفع مرمي رأسها وتبتسم له‪ ،‬كذلك يوسف يبادهلا االبتسامة‪ ،‬إال أنه يبدو ُم َتعباً قلقاً‪ .‬تالحظ‬
‫تنهض وأتخذ املعطف الذي ينزعه يوسف وتضعه على كرسي‪.‬‬ ‫مرمي ذلك‪ ،‬وتتساءل ماذا هناك‪ .‬مث َ‬
‫جيلس يوسف قرب الطاولة‪ .‬يسند عليها مرفقه‪ ،‬ورأسه مستند إىل يده‪ ،‬بينما هو يتلمس حليته‬
‫ابليد األخرى قلقاً‪.‬‬

‫عنك؟»‬
‫جيعلك تعاين؟ هل أستطيع التخفيف َ‬
‫َ‬ ‫ألديك ما‬
‫تسأله مرمي‪َ « :‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 207 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ِ‬
‫ألجلك‪».‬‬ ‫« ِ‬
‫أنت عزائي على الدوام اي مرمي‪ ،‬ولكن مهي يف هذه املرة كبري‪...‬‬

‫«ألجلي أان‪ ،‬اي يوسف؟ ماذا هناك؟»‬

‫ألصقوا منشوراً على ابب الكنيس‪ .‬إنه أمر إبحصاء كل الفلسطينيني‪ .‬جيب الذهاب‬
‫لقد َ‬
‫لالكتتاب يف مكان األصل‪ .‬فيجب علينا حنن أن نذهب إىل بيت حلم‪»...‬‬

‫«آه!» تقاطعه مرمي وهي تضع يدها على صدرها‪.‬‬


‫«هذا ِ‬
‫يثريك‪ ،‬أليس كذلك؟ إنه قاس‪ ،‬أان أعرف‪».‬‬

‫«ال اي يوسف‪ ،‬ليس هذا‪ .‬إنين أفكر‪ ...‬أفكر يف الكتاب املقدس‪ :‬راشيل أم بنيامني وزوجة‬
‫يعقوب اليت منها سيولَد الكوكب‪ :‬املخلص‪ .‬راشيل مدفونة يف بيت حلم‪ ،‬وقد ُكتِب‪" :‬و ِ‬
‫أنت اي بيت‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫منك خيرج ال َـملِك"‪ .‬ال َـملِك املوعود به لذرية داود‬ ‫حلم إفراات‪ِ ،‬‬
‫أنت األصغر يف قضاء يهوذا‪ ،‬ولكن ِ‬
‫سيُولَد هناك‪»...‬‬

‫«أتعتقدين‪ ...‬أتعتقدين أن الزمن قد حان؟ آه! كيف سنعمل؟» يوسف حائر متاماً‪ .‬إنه ينظر‬
‫إىل مرمي نظرة إشفاق‪.‬‬

‫تالحظ مرمي ذلك فتبتسم‪ .‬إهنا تبتسم لنفسها أكثر منها له‪ ،‬ابتسامة تبدو وكأهنا تقول‪« :‬إنه‬
‫أشفقي عليه اي نفسي واجعليه حياكم‬‫رجل ابر ولكنه إنسان‪ .‬يرى األمور كإنسان‪ .‬يفكر كإنسان‪ِ .‬‬
‫األمور ابلروح‪ ».‬ولكن صالحها وطيبتها يدفعاهنا لطمأنته‪ .‬إهنا ال تكذب‪ ،‬ولكنها تسعى إىل تسليته‬
‫قلقك؟ إنه‬
‫النتشالك من َ‬
‫َ‬ ‫يف كربته‪« .‬ال أعرف اي يوسف‪ .‬املوعد قريب‪ ،‬ولكن أال ميكن للرب أتخريه‬
‫قادر على كل شيء‪ ،‬فال َّتف‪».‬‬

‫«ولكن السفر؟‪ ...‬من يدري أي ازدحام سيكون! هل سنجد مأوى الئقاً؟ هل سنجد الوقت‬
‫ِ‬
‫اضطررت للوالدة هناك فما العمل؟ ال بيت لنا‪ ...‬ومل نعد نعرف أحداً‪»...‬‬ ‫للعودة؟ وإذا‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 208 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«ال َّتف‪ ،‬فإن كل شيء سيسري على ما يرام‪ .‬إن هللا جيعل احليوان الذي على وشك الوالدة‬
‫جيد ملجأ‪ .‬أفرتيده أن جيعل مسيحه ال جيد مأوى؟ فلنثق به‪ .‬أليس كذلك؟ فلنتوكل عليه دائماً‪ .‬وكلما‬
‫كمثل طفلني فلنضع يدينا يف يده كأب‪ .‬وهو‬ ‫كانت التجربة كبرية كلما توجبت زايدة الثقة واالتكال‪ .‬و ِ‬
‫أوصلَنا إىل هنا حبب‪ .‬إنه أب‪ ،‬وهو األفضل بني‬ ‫يرشدان‪ .‬فلنرتك أنفسنا متاماً بني يديه‪ .‬انظُر كيف َ‬
‫اآلابء‪ ،‬أفال يعريان انتباهه؟ فلنكن أبناءه وخدامه ولنتمم مشيئته‪ .‬ال ميكن أن يصيبنا أي مكروه‪ .‬حّت‬
‫هذا املنشور هو وفق مشيئته‪ .‬إذ من يكون قيصر إذن؟ إنه أداة يف يدي هللا‪ .‬منذ اللحظة اليت قرر‬
‫َّد مسبقاً األحداث كي يُولَد مسيحه يف بيت حلم‪ .‬إهنا املدينة‬
‫اآلب فيها الصفح عن اإلنسان‪ ،‬فقد َحد َ‬
‫األصغر يف يهوذا‪ ،‬ومل تكن بعد موجودة‪ ،‬ومع ذلك فمجده كان قد أُعلِن آنذاك‪ .‬كان جيب أن يتحقق‬
‫هذا اجملد‪ .‬فكالم هللا ال يعرف الكذب ‪-‬وسيكذب إن ُولِد املسيح يف أي مكان آخر‪ -‬وها هو أحد‬
‫ب بعيداً عن هنا‪ ،‬وقد َغزاان‪ ،‬وهو يريد أن يعرف عدد التابعني له‪ ،‬اآلن ابلذات‪،‬‬ ‫ِ‬
‫السالطني قد نُص َ‬
‫بينما العامل يف سالم‪ ...‬آه! ما قيمة تعبنا القليل إذا ما فكران بروعة حلظة السالم هذه‪ ،‬اي يوسف؟‬
‫فكر ابألمر‪ :‬زمن تنتفي فيه البغضاء من العامل! هل توجد ساعة أكثر سعادة لبزوغ "النجمة"‪ ،‬حيث‬
‫النور إهلي والفاعلية فداء؟ آه! ال َّتف اي يوسف‪ .‬إذا مل تكن الطرقات آمنة‪ ،‬وإذا كان احلشد جيعل‬
‫السفر صعباً‪ ،‬فاملالئكة ستدافع عنا وحترسنا‪ .‬ليس ألجلنا‪ ،‬بل ألجل َملِكها‪ .‬وإذا مل جند ملجأ فستأوينا‬
‫حتت أجنحتها‪ .‬لن يصيبنا أذى‪ .‬ال ميكن أن حيدث شيء‪ :‬فاهلل معنا‪».‬‬

‫ينظُر إليها يوسف ويستمع إليها بنشوة‪ .‬تزول أخاديد جبهته‪ ،‬وتعود االبتسامة‪ .‬ينتصب دون‬
‫أنت اي مشس نفسي! ِ‬
‫أنت املباركة تعرفني أن تري كل شيء بنور‬ ‫سأم ودون حزن‪ .‬يبتسم‪« .‬مباركة ِ‬
‫متألك! فال نضيعن الوقت إذن‪.‬علينا الرحيل أبقصى سرعة و‪ ...‬العودة أبسرع وقت ألن‬ ‫النعمة اليت ِ‬
‫كل شيء هنا جاهز ل ــ‪ ...‬ل ــ‪»...‬‬

‫«البننا اي يوسف‪ .‬هكذا جيب أن يبدو يف نظر العامل‪ ،‬تذكر‪ .‬لقد أحاط اآلب قدومه بسرية‪،‬‬
‫وليس لنا حنن أن ّنيط اللثام‪ .‬هو‪ ،‬يسوع‪ ،‬سيفعل ذلك عندما حيني الوقت‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 209 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ال ميكن وصف مجال وجه ونظرة وقوام وصوت مرمي عندما تقول‪" :‬يسوع"‪ ...‬إهنا النشوة‪.‬‬
‫وعلى منظر هذه النشوة تنتهي الرؤاي‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 210 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫حنب مبا يتجاوز اإلحساس واملنفعة)‬


‫حنب يعين إرضاء من ّ‬
‫‪( -45‬أن ّ‬
‫‪1944 / 05 / 04‬‬

‫تقول مرمي‪:‬‬

‫«لن أضيف الشيء الكثري‪ ،‬فكالمي أصبَح ِعربة‪.‬‬

‫إين ألفت انتباه العروسات إىل نقطة هامة‪ .‬ارتباطات كثرية قد احنَلَّت بسبب خطأ النساء اللوايت‬
‫دودة‪ ،‬وعزاء للزوج‪ .‬إن الرجل ال‬
‫ال يتحلني هبذا احلب الذي هو كل شيء‪ :‬لطف‪ ،‬عطف‪ ،‬رعاية َو َ‬
‫ترهقه املعاانة اجلسمانية اليت ترهق كاهل املرأة‪ ،‬إّنا يرهقه ثقل كل اهلموم املعنوية‪ :‬ضرورة العمل‪،‬‬
‫القرارات احلامسة‪ ،‬املسؤولية جتاه كل السلطات الشرعية وجتاه عائلته ذاهتا‪ ...‬آه! كم من األشياء ال‬
‫ترهق الرجل! وكم هو كذلك حباجة إىل السلوان! أما األاننية فتكمن يف أن تزيد املرأة على كاهل الرجل‬
‫ال ُـم َتعب وال ُـمحبَط وال ُـمنتَـ َقص قدره وال َـمهموم‪ ،‬ثِقل شكاواها غري اجملدية وأحياانً غري الصحيحة وغري‬
‫العادلة‪ .‬كل ذلك ألهنا أاننية‪ .‬فهي ال حتب‪.‬‬

‫احلب ليس البحث عن إرضاء األحاسيس أو االهتمامات الشخصية‪ .‬إّنا احلب هو إرضاء من‬
‫حنب بتجاوز اإلحساس واملنفعة‪ ،‬هو أن ّننَح روحه املساعدة اليت حتتاجها ليستطيع احملافظة على‬
‫جناحيه مفتوحتني يف مساوات الرجاء والسالم‪.‬‬

‫مت عنها سابقاً‪ ،‬ولكين أحل عليها‪ :‬الثقة ابهلل‪ .‬فالثقة‬ ‫نقطة أخرى ألفت انتباهكم إليها‪ .‬لقد تكل ُ‬
‫تلخص يف ذاهتا كل الفضائل اإلهلية‪ .‬والتحلي ابلثقة يعين التحلي ابإلميان‪ .‬التحلي ابلثقة يفرتض‬
‫الرجاء‪ .‬التحلي ابلثقة يعين اختبار احلب‪ .‬ففي حب شخص والرجاء واإلميان به تكمن الثقة‪ .‬وغري‬
‫هذا فال‪ .‬هللا يستحق مثل هذه الثقة اليت جيب أن تكون ثقتنا حنن‪ .‬فإذا كنا َّننَحها ألانس مساكني‪،‬‬
‫قادرين على عدم االستجابة‪ ،‬فلماذا حنجبها عن هللا الذي ال يـ َق ِ‬
‫صر معنا أبداً؟‬ ‫ُ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 211 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫الثقة هي أيضاً تواضع‪ .‬يقول املتكرب‪" :‬أان أكتفي بذايت‪ .‬أان ال أثق هبذا ألنه عاجز‪ ،‬كاذب‬
‫ومغرور" أما املتواضع فيقول‪" :‬أان أثق به‪ .‬وملاذا ال أثق به؟ ملاذا ينبغي يل أن أفكر أبنين أفضل منه؟"‬
‫وإبدراك أكثر يتكلم هكذا عن هللا‪" :‬ملاذا ينبغي يل أال أثق مبن هو صاحل؟ ملاذا ينبغي يل أن أفكر أنين‬
‫أستطيع االكتفاء بذايت؟" هللا يعطي ذاته للمتواضع ولكنه يَبتَعِد عن املتكرب‪.‬‬

‫الثقة هي أيضاً طاعة‪ .‬وهللا حيب املطيع‪ .‬والطاعة تعين أن نتعرف على بعضنا كأبناء له وأن‬
‫نعرف هللا أابً لنا‪ .‬وال يستطيع األب سوى أن حيب عندما يكون أابً حقيقياً‪ .‬وهللا هو أبوان احلقيقي‪،‬‬
‫وهو أب كامل‪.‬‬

‫النقطة الثالثة اليت أريدكم أن تتأملوا هبا‪ ،‬وهي ترتكز دائماً على الثقة‪ .‬ال ميكن أن حيدث شيء‬
‫فأنت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أنت خاضع للسلطة؟ َ‬ ‫فأنت كذلك ألن هللا قد َمسَح به‪ .‬هل َ‬ ‫أنت قادر؟ َ‬ ‫دون إذن هللا‪ .‬هل َ‬
‫كذلك ألن هللا قد َمسَح به‪.‬‬

‫تك شراً‪ .‬فسيكون ذلك دائماً "شرَك" حّت ولو كان‬


‫در َ‬ ‫ِ‬
‫ْاع َمل إذاً أيها القادر على أال ترتكب ب ُق َ‬
‫بك‬
‫زت احلدود فإنه يضر َ‬
‫جتاو َ‬
‫يف البداية شر اآلخرين‪ .‬ألنه إن َمسَح هللا فال يسمح بكل شيء‪ ،‬وإذا ما َ‬
‫أنت جمرد فاعل‪ ،‬اجتَ ِهد يف أن جت َعل من هذا الظرف الذي هو ظ َ‬
‫رفك‬ ‫انحيتك‪ ،‬اي من َ‬
‫َ‬ ‫مك‪ .‬من‬ ‫وحيط َ‬
‫إليك احلماية السماوية‪ .‬وال تَ َلعن أبداً‪ .‬دع ذلك هلل‪ .‬فله‪ ،‬هو رب كل الناس‪ ،‬له‬
‫مغناطيساً جيذب َ‬
‫وحده أن يُبا ِرك أو يَ َلعن خملوقاته‪.‬‬

‫اذهيب بسالم‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 212 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -46‬السـ ـ ـ ــفر إىل بيت حلم)‬

‫‪1944 / 05 / 05‬‬

‫أرى طريقاً عريضة‪ ،‬هناك مجع غفري‪ .‬محري ذاهبة ُحم َّملَة أمتعة وأانساً‪ .‬ومحري عائدة‪ .‬والناس‬
‫ال ُـممتَطية َهت ِمز مطاايها‪ ،‬ومن يسري منهم على أقدامه حيث اخلطى ألن الطقس ابرد‪.‬‬

‫اهلواء نقي وجاف‪ ،‬السماء صافية‪ ،‬إال أن كل شيء يبدو ابملظهر الدقيق ليوم شتوي حقيقي‪.‬‬
‫أحرقَته رايح الشتاء‪ .‬ويف تلك املراعي تبحث‬
‫القرية العارية تبدو أوسع‪ .‬عشب املراعي قصري وقد َ‬
‫القطعان عن القليل من الغذاء‪ ،‬وتطلب الشمس اليت تولد ببطء‪ .‬يلتصق خرفاهنا الواحد ابآلخر ألهنا‬
‫هي أيضاً تشعر ابلربد‪ .‬تثغو رافعة أفواهها انظرة إىل الشمس كأهنا تقول هلا‪« :‬بسرعة‪ ،‬بسرعة‪ ،‬كم‬
‫ظهر على األرض متوجات تبدو أكثر فأكثر وضوحاً‪ .‬إنه منظر هضبة حقيقي‪ .‬هناك‬ ‫الطقس ابرد!» وتَ َ‬
‫منخفضات عشبية ومنحدرات بوداين صغرية وقِمم‪ .‬والطريق متر يف الوسط وتتجه إىل اجلنوب الشرقي‪.‬‬

‫مرمي على محارها الرمادي متدثرة مبعطفها السميك‪ .‬ويف مقدمة السرج‪ ،‬كما كان األمر يوم‬
‫السفر إىل اخلليل‪ ،‬الصندوق احملتوي على احلاجات األكثر ضرورة‪ .‬ويوسف إىل جانبها يسري ممسكاً‬
‫متعبَة؟»‬ ‫ِ‬
‫ابللجام سائالً إايها بني الفينة واألخرى «هل أنت َ‬
‫أنت ابألحرى الذي متشي‬
‫فتنظر إليه مرمي مبتسمة وتقول‪« :‬ال»‪ .‬ويف املرة الثالثة تضيف‪َ « :‬‬
‫تعبت‪».‬‬
‫دميك‪ ،‬قد تكون َ‬ ‫على ق َ‬
‫وجدت محاراً آخر لكان من املمكن‬
‫ُ‬ ‫«آه! أان‪ ،‬ابلنسبة يل هذا ال يهم‪ .‬ولكنين أفكر‪ ،‬لو أنين‬
‫أن تكوين مراتحة أكثر وكنا استطعنا الذهاب بشكل أسرع‪ .‬ولكنين مل أجد‪ .‬كل الناس حباجة للمطااي‬
‫يف هذا الوقت‪ .‬إّنا تشجعي! فقريباً سنصل إىل بيت حلم‪ .‬فوراء هذا اجلبل توجد إفراات‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 213 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يظالن صامتني‪ .‬والعذراء‪ ،‬عندما ال تعود تتكلم‪ ،‬يبدو أهنا َّتتلي يف صالة داخلية‪ .‬تبتسم‬
‫بلطف لفكرة تراودها‪ ،‬وعندما تتطلع إىل اجلموع يبدو أهنا ال متيز بني رجل وامرأة‪ ،‬عجوز أو راع‪ ،‬غين‬
‫أو فقري‪ ،‬إّنا هي ترى ما يف ذاهتا فقط‪.‬‬

‫يسأهلا يوسف‪« :‬هل تشعرين ابلربد؟» ذلك ألن الريح هتب‪.‬‬

‫«ال‪ ،‬شكراً‪».‬‬

‫إال أن يوسف ال يقتَنِع فيجس ِرجليها اللتني تتدليان على كشح احلمار‪ِ ،‬رجليها اللتني تنتعالن‬
‫صندالً ومها ال تكادان تتجاوزان ثوهبا الطويل‪ .‬رمبا َو َج َدمها ابردتني‪ ،‬فهو يهز رأسه‪ ،‬وأيخذ غطاء‬
‫(حرام) كان حيمله َورابً على كتفيه‪ ،‬ويغطي به ساقي مرمي حّت صدرها بشكل تب َقى فيه يداها يف‬
‫الدفء متاماً حتت الغطاء واملعطف‪.‬‬

‫يلتقيان بَِر ٍاع يقطع الطريق مع قطيعه الذي ينقله من مرعى على اليمني إىل آخر على اليسار‪.‬‬
‫فينحين يوسف ليهمس يف أذنه بشيء ما‪ .‬جييبه الراعي إبشارة تدل على املوافقة‪ .‬فيأخذ يوسف احلمار‬
‫وحيلب نعجة كبرية ضرعاها‬
‫ويقوده خلف القطيع إىل املرعى حيث أيخذ الراعي من خرجه وعاء كبرياً َ‬
‫مليئان‪ ،‬ويعطي الوعاء ليوسف الذي يقدمه إىل مرمي‪.‬‬

‫كرمك‪ .‬سوف أصلي‬


‫لطيبتك و َ‬
‫َ‬ ‫أنت‬
‫تك‪ ،‬و َ‬
‫أنت حملب َ‬
‫فتقول مرمي‪« :‬ليبارككما هللا‪ ،‬أنتما اإلثنني‪َ ،‬‬
‫أجلك‪».‬‬
‫من َ‬
‫«أأتتيان من بعيد؟»‬

‫جييب يوسف‪« :‬من الناصرة»‪.‬‬

‫وجهت ُكما؟»‬
‫«وإىل أين َ‬
‫«إىل بيت حلم»‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 214 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫زوجتك؟»‬
‫َ‬ ‫«إنه لَ َسفر طويل ابلنسبة إىل امرأة يف هذه احلال‪ .‬أهي‬

‫«نعم إهنا زوجيت»‪.‬‬

‫«أيوجد من حتالن عنده؟»‬

‫«ال»‪.‬‬

‫«األمر يبعث على القلق‪ ،،‬فبيت حلم مكتظة أبانس أتوا من كل صوب لالكتتاب أو للذهاب‬
‫لست أدري إذا كنتما َستَجدان مأوى‪ .‬هل تعرفان املكان؟»‬
‫إىل أمكنة أخرى لنفس املسعى‪ُ .‬‬
‫«ليس كثرياً‪».‬‬

‫مك‪ ...‬من أجلها (ويقصد مرمي) اقصدا النَّزل‪ .‬سيكون ممتلئاً‪ .‬ولكنين أحدده‬ ‫«إذاً!‪ ...‬سأ ِ‬
‫ُعل َ‬ ‫َ‬
‫لكما ليكون مبثابة نقطة عالمة‪ .‬إنه يف الساحة الكربى‪ .‬تذهبان إليها من الطريق الرئيسية‪ .‬ال ميكن‬
‫أن َّتطئا‪ .‬هناك نبع ماء قرب النَّزل الكبري واملنخفض ذي البوابة الكبرية‪ .‬سيكون مكتظاً‪ .‬وإذا مل َِجتدا‬
‫مكاانً يف النَّزل ويف البيوت‪ ،‬فامضيا خلف النَّزل ابجتاه القرية‪ .‬هناك إسطبالت يف اجلبل يستخدمها‬
‫الباعة املتوجهون إىل أورشليم ليضعوا فيها حيواانهتم عندما ال جيدون مكاانً يف النَّزل‪ .‬إهنا إسطبالت‬
‫يف اجلبل‪ ،‬تدركان ذلك‪ :‬إهنا رطبة‪ ،‬ابردة‪ ،‬وبدون أبواب‪ ،‬ولكنها تبقى ملجأ‪ ،‬ألن املرأة‪ ...‬ال تستطيع‬
‫البقاء يف الطريق‪ .‬قد َِجتدا هناك مكاانً فيه قش لتناما‪ ،‬وكذلك مكاانً للحمار‪ .‬ولريافقكما هللا‪».‬‬

‫افقك السالمة»‪.‬‬
‫ليهبك هللا الفرح»‪ .‬ويقول يوسف بدوره‪« :‬ولرت َ‬
‫ُجتيب مرمي‪َ « :‬‬
‫املنخ َفض‬
‫املنح َدر الشديد الذي اجتازاه‪ .‬و َ‬
‫منخ َفض أكرب من َ‬‫ظهر َ‬
‫ويعاودان سلوك طريقهما‪ .‬ويَ َ‬
‫حماط من األعلى ومن األسفل مبنحدرات‪ ،‬وهناك بيوت وأيضاً بيوت‪ ،‬إهنا بيت حلم‪.‬‬
‫«ها حنن على أرض داود اي مرمي‪ .‬اآلن ستسرتحيني‪ .‬إن ِ‬
‫ك تبدين يل مرهقة جداً‪»...‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 215 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫كنت أفكر‪ ...‬أفكر‪ »...‬ومتسك مرمي بيد يوسف وتقول له اببتسامة مشرقة‪« :‬أعتقد‬
‫«ال‪ُ .‬‬
‫حقيقة أن األوان قد حان‪».‬‬

‫«اي إله الرمحة! كيف سنتصرف؟»‬

‫«ال َّتف اي يوسف‪ .‬ال تستسلم لالنفعال‪ .‬انظُر كم أان هادئة!»‬

‫«ولكن‪ ...‬هل تتألمني كثرياً؟»‬

‫«آه! ال‪ .‬فأان ممتلئة فرحاً‪ .‬إنه لََفرح عظيم ومجيل ال يُقاوم‪ ،‬لدرجة أن قليب خيفق بشدة‪ ،‬بشدة‬
‫ويقول يل‪" :‬إنه يُولَد! يُولَد!" يقوهلا مع كل خفقة‪ .‬إنه صغريي الذي يدق على ابب قليب ويقول يل‪:‬‬
‫ألعطيك قبلة هللا"‪ .‬اي له ِمن فرح اي يوسف!»‬
‫ِ‬ ‫"ماما ها أان ذا‬

‫ولكن يوسف ليس فَ ِرحاً‪ .‬إنه يفكر بضرورة إجياد ملجأ وحيث اخلطى‪ .‬يطرق الباب تلو الباب‪،‬‬
‫يسأهلم املأوى‪ .‬ال فائدة فالكل مشغول‪ .‬ي ِ‬
‫صالن إىل النَّزل‪ .‬إنه مكتظ‪ ،‬حّت حتت األروقة الريفية اليت‬ ‫َ‬
‫حتيط بباحة الدار الكبرية‪ ،‬أبانس ُخييِمون‪.‬‬

‫يرتك يوسف مرمي على احلمار داخل الدار‪ ،‬وخيرج يفتش يف البيوت األخرى‪ .‬مث يعود خائباً‪ .‬ال‬
‫يوجد مكان‪ .‬وغسق الشتاء املبكر بدأ ينشر شراعه‪ .‬يتوسل يوسف إىل صاحب النَّزل‪ ،‬يتوسل إىل‬
‫مسافرين‪ .‬إهنم رجال بكامل صحتهم وهي امرأة على وشك الوالدة‪ .‬ليكن لديهم رمحة‪ .‬ال شيء‪.‬‬
‫يَنظُر إليه أحد الفريسيني األغنياء ابحتقار َسافِر‪ ،‬وعندما تدنو مرمي يبتعد عنها كما لو كانت مصابة‬
‫ابلربص‪ .‬فينظر إليه يوسف وقد امحر وجهه من الغيظ‪ ،‬فتضع مرمي يدها على قبضة يوسف لتهدئته‬
‫وتقول‪« :‬ال تلح‪ ،‬فلنذهب‪ .‬هللا سوف يتدبر األمر‪».‬‬

‫َخي ُرجان ويسريان مبحاذاة جدار النَّزل‪ .‬يسلكان درابً مرتاكبة فيما بينها وبني بيوت فقرية‪ .‬يدوران‬
‫حول النَّزل‪ .‬يبحثان حّت جيدا أحد الكهوف‪ ،‬إهنا ابألحرى أقبية أكثر منها إسطبالت لكثرة اخنفاضها‬
‫ورطوبتها‪ .‬وما كان مقبوالً منها قد ُشغِل‪ .‬يوسف ُم َنهك‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 216 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يهتف عجوز من اخللف‪« :‬أو هيه! أيها اجلليلي! هناك يف أقصى املكان حتت تلك األطالل‪،‬‬
‫صل إليه أحد‪».‬‬
‫يوجد كوخ قد ال يكون َو َ‬
‫يدنوان من ذاك الكوخ‪ .‬إنه يف احلقيقة جحر‪ .‬فوسط أنقاض منزل ِ‬
‫متهدم‪ ،‬هناك ملجأ‪ ،‬توجد‬ ‫ُ‬
‫وراءه مغارة‪ ،‬هي حفرة يف اجلبل أكثر منها مغارة‪ ،‬ميكن القول أبهنا أساسات لبناء قدمي كان مسقوفاً‬
‫أبشياء مدعومة جبذوع شجر غليظة بعض الشيء‪.‬‬

‫لكي يـََرى بشكل أوضح‪ ،‬حيث إن النور فيها خافِت‪ُ ،‬خيرِج يوسف بعض الصوفان (مادة خترج‬
‫من قلب الشجر‪ ،‬رخوة‪ ،‬تَق َدح فيها النار) وقداحة‪ ،‬ويُشعِل مصباحاً صغرياً ُخي ِرجه من اخلرج الذي كان‬
‫دخل‪ .‬يستقبله خوار ابلتحية‪« .‬تعايل اي مرمي‪ ،‬إهنا فارغة إال من ثور‪ ».‬ويبتسم يوسف‬ ‫يتمنطق به‪ ،‬ويَ ُ‬
‫«أفضل من ال شيء!»‬
‫َِ‬
‫ترجتل مرمي وتدخل‪.‬‬

‫يـُثَـبِت يوسف املصباح على مسمار يف أحد اجلذوع املستخدمة كدعامة‪ .‬أما ال ُقبة فقد كانت‬
‫مغطاة خبيوط العنكبوت‪ ،‬واألرض من الرتاب املداس ومصدعة بثقوب وحصى وفضالت وغائط‬
‫ومفروشة بسوق التنب‪ .‬ويف الداخل ثور يتلفت وينظر بعينيه الكبريتني واهلادئتني‪ ،‬بينما يتدىل العلف‬
‫وح َجران كبريان يف زاوية قرب صدع يشري السواد الذي يغطي هذه الزاوية‬ ‫من فمه‪ .‬هناك مقعد كبري َ‬
‫إىل أهنا مكان إشعال النار‪.‬‬

‫تدنو مرمي من الثور‪ ،‬وقد كانت تشعر ابلربد‪ ،‬فتضع يديها على عنقه لتشعر ابلدفء‪ .‬خيور‬
‫أدرَك‪ ،‬حّت عندما أزاحه يوسف إىل مكان أبعد ليأخذ من القش كمية‬ ‫الثور ويستسلم‪ .‬يبدو أنه قد َ‬
‫أكرب إىل املعلَف فيجعل منه سريراً ملرمي‪ .‬واملعلَف مضاعف‪ :‬املكان الذي أيكل منه الثور‪ ،‬وآخر أعلى‪،‬‬
‫العلَف‪ ..‬هذا ما أخذه يوسف وقد تركه الثور يفعل‪ .‬كما هيأ‬ ‫وهو مبثابة رف توجد عليه املؤونة من َ‬
‫مكاانً آخر للحمار التَّعِب واجلائع والذي َ‬
‫ابشَر فوراً ابألكل‪ .‬مث يكتشف يوسف دلواً مقلوابً وكثري‬
‫البعج‪ ،‬وخيرج إىل حيث مير يف اخلارج هنر‪ ،‬ليعود ابملاء للحمار‪ .‬مث يستحوذ على حزمة ُم َش َّكلَة من‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 217 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫األغصان موضوعة يف إحدى الزوااي وحياول كنس األرض‪ .‬يفرش بعدها القش ويصنع منه سريراً جانب‬
‫الثور‪ ،‬يف الزاوية األكثر جفافاً واألكثر محاية‪ .‬ولكنه جيد القش رطباً فيتنهد ويُشعِل النار‪ ،‬وبصرب‬
‫الراهب‪ ،‬أيخذ جيفف القش قبضة إثر قبضة‪ ،‬إبمساكه إايه قريباً من النار‪.‬‬

‫جتلس مرمي على مقعد متعبة‪ ،‬تنظر وتبتسم‪ .‬ها قد انتهى‪ .‬جتلس مرمي براحة على القش الطري‬
‫مسندة كتفيها على جذع‪ .‬ويكمل يوسف‪ ...‬األاثث‪ ،‬وذلك مبد معطفه الذي يقوم مقام اخليمة‪،‬‬
‫على الفتحة املستخدمة كمدخل‪ .‬إنه مأوى نسيب جداً‪ .‬بعدها يقدم خبزاً وجبناً للعذراء ويعطيها املاء‬
‫من قُربَة معه لتشرب‪ .‬بعد ذلك يقول هلا‪« :‬انمي اآلن وسأسهر أان لكي ال تنطفئ النار‪ .‬يوجد حطب‬
‫حلسن احلظ‪ .‬أنمل أن يدوم اشتعاهلا‪ .‬وسأدخر الزيت للمصباح‪.‬‬

‫تطيع مرمي وتتمدد‪ ،‬ويغطيها يوسف مبعطفها ذاته واحلرام الذي كان يغطي قدميها‪.‬‬

‫أنت‪ ...‬ستشعر ابلربد‪».‬‬


‫«ولكن‪َ ،‬‬
‫«ال اي مرمي‪ ،‬سأبقى قرب النار‪ .‬حاويل أن تسرتحيي‪ .‬وغداً ستسري األمور بشكل أفضل‪».‬‬

‫ظهر أبهنا تصلي‪ .‬ويوسف ينزوي يف ركنه على مقعد مع دقاق‬ ‫ِ‬
‫تُغمض مرمي عينيها دون أن تَ َ‬
‫احلطب إىل جانبه‪ ،‬ال يوجد منها إال القليل‪ .‬ال أعتقد أهنا ستدوم طويالً‪.‬‬

‫كانت املواقع على الشكل التايل‪ :‬مرمي إىل اليمني‪ ،‬وكتفاها صوب الباب‪ ،‬وهي نصف خمبأة‬
‫س القرفصاء‪ ،‬وتقال للحيوان فقط) يف املهاد؛ ويوسف‬‫جبذع شجرة وجبسم الثور الذي أقعى (أي َجلَ َ‬
‫إىل اليسار يتجه صوب الباب‪ ،‬وابلتايل فهو ابلورب‪ ،‬ووجهه صوب النار وكتفاه حنو مرمي‪ .‬وهو يدور‬
‫بني الفينة والفينة لينظر إليها ويراها مستكينة كما لو كانت انئمة‪ .‬كان يست ِ‬
‫خدم األغصان قليالً‪،‬‬ ‫َ‬
‫قليالً‪ ،‬ويرميها واحدة فواحدة يف النار لكي ال تنطفئ ولتضيء ولكي يدوم هذا القليل من احلطب‪ .‬مل‬
‫يبق سوى ضوء النار‪ ،‬وهو طوراً حيوايً وطوراً خيبو‪ ،‬إذ إن زيت املصباح يكاد ينفذ‪ ،‬ويف شبه العتمة‬
‫تند ِمج‬
‫هذه ميكن التفريق فقط بني بياض الثور ووجه ويدي يوسف‪ .‬أما الباقي فلم يكن سوى كتلة َ‬
‫يف كتلة الظل‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 218 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫تقول مـرمي‪« :‬لن يقال لكم املزيد‪ ،‬فالرؤاي تتح ّدث عن نفسها‪ .‬ولكم أن تستَخلِصوا منها ِع َرب احملبّة‬
‫سهرت أان يف انتظار يسوع‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫والتواضع والطهارة اليت تنجم عنها‪ .‬اسرتحيي‪ ،‬اسرتحيي ِ‬
‫وأنت تسهرين كما‬
‫سوف أييت حامالً ِ‬
‫لك السالم‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 219 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -47‬ميـالد يس ـ ــوع ربن ـ ـ ــا)‬

‫‪1944 / 05 / 06‬‬

‫لت أرى داخل هذا امللجأ احلجري الفقري‪ ،‬حيث َو َج َد يوسف ومرمي مالذاً يُشا ِركون به‬
‫ما ز ُ‬
‫احليواانت املصري‪.‬‬

‫النار اخلفيفة تغفو مثل حارسها‪ .‬ترفع مرمي رأسها هبدوء من فراشها وتنظر فرتى يوسف وقد‬
‫تدىل رأسه على صدره كما لو كان يفكر‪ ،‬واعتَـ َق َدت أن التعب قد تغلب على إرادته الطيبة ابلبقاء‬
‫وجتلُس ُحم ِدثَة ِمن الضجة ما يقل عن الذي حتدثه فراشة على زهرة‪،‬‬‫متيقظاً‪ ،‬وتبتسم ابتسامة لطيفة‪َ ،‬‬
‫مث جتثو‪ .‬إهنا تصلي اببتسامة مشرقة على وجهها‪ .‬تصلي ويداها ممدوداتن‪ ،‬ليس ابلضبط على شكل‬
‫ظهر عليها التعب من هذا الوضع الشاق‪ .‬مث‬‫صليب‪ ،‬إّنا كفاها متجهتان إىل األمام حنو األعلى‪ .‬ومل يَ َ‬
‫العلَف يف صالة عميقة جداً‪ .‬صالة طويلة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫سجد فيُالمس وجهها َ‬ ‫تَ ُ‬
‫يتنبه يوسف فيجد النار شبه مطفأة واإلسطبل يف شبه ظلمة‪ .‬يرمي قبضة من القش فتعود النار‬
‫الذع‪ ،‬إنه برد الليلة الشتوية‬ ‫لتتأجج‪ ،‬مث يضيف أغصاانً أكثر غالظة‪ ،‬مث أكثر غالظة‪ ،‬ذلك أن الربد ِ‬
‫الساكنة الذي خيرتق كل األمكنة يف هذه األنقاض‪ .‬يوسف املسكني القريب من الباب ‪-‬لِنُ َس ِم الفتحة‬
‫فرتض أنه جتمد من الربد‪ .‬يـُ َق ِرب يديه من النار وينزع حذاءه ليُدين‬
‫اليت حياول سدها مبعطفه هكذا‪ -‬يُ ََ‬
‫قدميه منها كذلك‪ .‬وعندما تشتعل النار بشكل جيد ويسطَع نورها‪ ،‬يلتَ ِفت فال يرى شيئاً وال حّت‬
‫فينهض ببطء ويدنو من املرقد‪.‬‬
‫العلَف العامت‪َ .‬‬
‫بياض وشاح مرمي الذي ميتد انصعاً على َ‬
‫يسأهلا‪« :‬أال تنامني اي مرمي؟» ويكرر السؤال ثالث مرات إىل أن تتنبه وجتيبه‪« :‬إنين أصلي‪».‬‬
‫« ِ‬
‫ألست حتتاجني شيئاً؟»‬

‫«ال اي يوسف‪».‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 220 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«حاويل أن تنامي قليالً‪ ،‬أن تسرتحيي على األقل‪».‬‬

‫«سأحاول‪ ،‬ولكن الصالة ال تتعبين‪».‬‬

‫«سالماً اي مرمي‪».‬‬

‫«سالماً اي يوسف‪».‬‬

‫تعود مرمي إىل وضعيتها‪ .‬أما يوسف فَلِكي ال يغلب عليه النوم جيثو قرب النار ويصلي‪ .‬يصلي‬
‫ويداه تغطيان وجهه‪ .‬ال يرفعهما إال حينما يريد تلقيم النار ومث يعود إىل صالته احلارة‪ .‬خييم اهلدوء فال‬
‫تنزلِق‬
‫يُسمع شيء سوى طقطقة اخلشب وصوت حوافر احلمار اليت تضرب األرض بني الفينة والفينة‪َ .‬‬
‫ُحزمة من ضوء القمر َع َرب صدع من السقف وتبدو وكأهنا صفيحة فضية غري مادية تبحث عن مرمي‪.‬‬
‫تتطاول رويداً رويداً مع تصاعُد القمر إىل أن تَبلُغ إليها‪ .‬وها هي على رأس اليت تصلي‪ ،‬حتيطها هبالة‬
‫من البياض ِ‬
‫الناصع الزاهي‪.‬‬

‫ترفع مرمي رأسها وكأهنا تنادي السماء‪ ،‬وجتثو من جديد‪ .‬آه! كم هو مجيل هذا املكان! وترفع‬
‫تسمع؟‬
‫رأسها الذي يبدو مشرقاً بضوء القمر األبيض‪ ،‬وتتجلى اببتسامة ال بشرية‪ .‬ماذا ترى؟ ماذا َ‬
‫وتسمعه وَّتتَِربه يف ساعة أمومتها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ماذا َّتتَرب؟ ما من أحد غريها ميكنه أن يقول ما الذي كانت تراه َ‬
‫الساطعة‪ .‬أتنبه إىل أن األنوار حوهلا تنمو‪ ،‬تنمو وتنمو حّت لكأهنا هابطة من السماء‪ ،‬وتنبَعِث من‬
‫األشياء الفقرية احمليطة هبا‪ ،‬بل إهنا تنبَعِث منها هي بشكل خاص‪.‬‬

‫ثوهبا الالزوردي الداكن يغدو اآلن ذا لون أزرق ونعومة مساوية‪ ،‬وجهها ويداها تبدو قد أصبَ َحت‬
‫بلون الزوردي‪ ،‬كما لو أهنا حتت وهج سفري (أو زفري‪ ،‬وهو حجر كرمي) واسع ساطع‪ .‬هذا اللون‬
‫يذكرين‪ ،‬ولو بشكل أقل‪ ،‬ابلذي اكتشفتُه يف رؤاي الفردوس املقدس وكذلك يف رؤاي وصول اجملوس‪.‬‬
‫إهنا تنتشر دائماً ابطراد على األشياء وتكسوها وتطهرها وتنقل إليها أتلقها‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 221 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ينبَعِث النور ابطراد من جسم مرمي‪ ،‬ومتتص نور القمر حّت لكأهنا جتذب إليها كل ما أييت من‬
‫فرتض فيها إعطاء هذا النور للعامل‪ .‬وهذا النور اإلهلي‬
‫السماء‪ .‬مع ذلك فهي مسـتودع النـور‪ ،‬وهي اليت يُ َ‬
‫املقاوم والذي ال يقاس والذي سيُعطَى للعامل‪ ،‬يعلن عن نفسه بفجر وقرع أجراس‬ ‫املشع واألزيل‪ ،‬غري َ‬
‫وإيقاظ نور جوقة جزيئات ضوئية تكرب ومتتد مثل مد صاعد‪ ،‬صاعد بتالفيف عظيمة من البخور‪،‬‬
‫وهتبط مثل سيل جارف ينتشر كالشراع…‬

‫ال ُقبة املغطاة ابلصدوع وخيوط العنكبوت‪ ،‬واألنقاض بربوزاهتا‪ ،‬تبدو متوازنة بشكل عجائيب‪،‬‬
‫إهنا سوداء داخنة منفردة‪ ،‬ومع ذلك تبدو قُـبة قاعة ملكية‪ ،‬كل حجر فيها سبيكة فضة‪ ،‬وكل صدع‬
‫ملعان خزف‪ ،‬وكل نسيج عنكبوت مظلة عرش مرصعة ابلفضة واملاس‪ .‬وعظاءة كبرية مسرتخية بني‬
‫حجرين كبريين‪ ،‬تبدو وكأهنا عقد زمرد نسيَتهُ هنا إحدى امللكات؛ سرب من الوطواط اخلامل يبث‬
‫العلَف املتديل من املذود العايل مل يعد عشباً‪ ،‬إّنا خيوط من الفضة ترتعش يف‬
‫نور العقيق الثمني‪ .‬و َ‬
‫ِ‬
‫مسرتسل‪.‬‬ ‫اهلواء برشاقة شعر طويل‬

‫املذود السفلي‪ ،‬خبشبه السميك‪ ،‬أصبَ َح سبيكة فضة بُنية‪ .‬اجلدران مغطاة حبرير مقصب حيث‬
‫خيتفي بياض احلرير حتت توشية الآللئ البارزة‪ .‬أما األرض‪ ...‬تُرى ماذا أصبَ َحت األرض اآلن؟ كريستال‬
‫مضيء بنور أبيض‪ .‬تبدو النتوءات كأهنا ورود مضيئة مرمية على األرض تعبرياً عن اإلجالل؛ والثقوب‬
‫كؤوس مثينة ينبَعِث منها األريج والعطور‪.‬‬

‫تتوهج األنوار ابستمرار حّت مل تعد تتحملها عني‪ .‬وتغيب العذراء فيها كأهنا غارقة يف ِوشاح‬
‫نور متوهج‪ ...‬لتنبَعِث منه وهي األُ ّم‪.‬‬

‫أيت مرمي مع ابنها املولود بني يديها‪ ،‬وليداً صغرياً‬


‫نعم‪ ،‬عندما أصبَ َحت عيناي تتحمالن النور‪ ،‬ر ُ‬
‫وردايً ربيالً يتحرك ويتخبط بيديه السمينتني ِمثل برعم وردة‪ ،‬ورجلني صغريتني تتماشيان مع قلب وردة‪.‬‬
‫يصيح بصوت َِ‬
‫مرجتف متاماً مثل صوت َمحَل مولود حديثاً‪ ،‬فاحتاً فاه األمحر مثل توت الغابة‪ُ ،‬مظ ِهراً‬
‫الطم سقف حلقه الوردي‪ ،‬حيرك رأسه الصغري األشقر لدرجة َّتاله معها دون شعر‪،‬‬ ‫لسانه الصغري ي ِ‬
‫ُ‬
‫رأس صغري مدور‪ ،‬حتمله أمه يف ابطن أحد كفيها بينما هي تنظر إىل ابنها وتعيده‪ ،‬ابكية وضاحكة‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 222 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫معاً‪ ،‬مث تنحين لتطبع عليه قبلة‪ ،‬ليس على الرأس الربيء‪ ،‬بل يف منتصف الصدر الذي يكمن حتته قلبه‬
‫جرح يوماً‪ .‬وأمه تضمد مسبقاً هذا‬
‫الصغري الذي خيفق وخيفق من أجلنا‪ ...‬هنا يَس ُكن القلب الذي سيُ َ‬
‫اجلرح بقبلة املنزهة عن العيب الطاهرة‪.‬‬

‫الثور الذي أي َقظَه النور يَهب حمداثً جلجلة كبرية حبوافره وخيور‪ .‬واحلمار يرفع رأسه وينهق‪ .‬لقد‬
‫ضل التفكري أبهنما أرادا حتية خالقهما ابألصالة عن نفسيهما وابلنيابة عن‬‫أيقظهما النور‪ ،‬إال أنين أُفَ ِ‬
‫ُ‬
‫كل احليواانت‪.‬‬

‫نسلِخاً عن‬
‫ويوسف أيضاً‪ ،‬وَك َمن هو يف حالة اخنطاف‪ ،‬كان يصلي حبرارة أكرب حبيث كان ُم َ‬
‫كل ما حييط به‪ ،‬ويهتز حني يرى النور يتسرب بني أصابعه اليت يغطي هبا وجهه‪ .‬يكشف عن وجهه‪،‬‬
‫يرفع رأسه ويدور‪ .‬الثور الواقف حيجب مرمي عنه‪ ،‬ولكنها تناديه‪« :‬يوسف‪ ،‬تعال‪».‬‬

‫يهرع إليها‪ ،‬مث يتوقف أمام املشهد مشدوهاً من جالله‪ ،‬يكاد يقع على ركبتيه يف املكان الذي‬
‫َ‬
‫هو فيه‪ .‬إال أن مرمي تلح‪« :‬هلم اي يوسف‪ ».‬وتستَنِد بيدها اليسرى على القش حاملة ابليد اليمّن‬
‫تنهض وتتوجه صوب يوسف الذي كان ميشي برتدد مأخوذاً بني رغبة‬ ‫الطفل الذي تضمه إىل قلبها‪َ ،‬‬
‫التقدم واخلوف من كونه غري جدير بذلك‪.‬‬

‫املفرش‪ ،‬وينظر واحدمها إىل اآلخر ومها يبكيان من السعادة‪ .‬تقول‬


‫ويلتقي العروسان عند هناية َ‬
‫مرمي‪« :‬هلم نُ ِ‬
‫قدم يسوع لآلب‪».‬‬
‫وبينما جيثو يوسف‪ ،‬وتنتَ ِ‬
‫صب مرمي واقفة بن العارضتني اللتني حتمالن ال ُقبة‪ ،‬وترفع مولودها بني‬
‫مشيئتك‪ .‬ومعه‬
‫َ‬ ‫لك َكلِ َميت‪ .‬ها أان ذا ألمتم‬
‫قلت َ‬ ‫ِ‬
‫يديها وتقول‪« :‬ها أان ذا‪ .‬من أجله‪ ،‬أيها اإلله‪ ،‬قد ُ‬
‫مشيئتك‬
‫َ‬ ‫ـبداك أيها الرب‪ .‬فلتتم فينا يف كل ساعة وكل ظرف‬ ‫أان مرمي ويوسف عروسي‪ .‬هـا حنن ع َ‬
‫ك‪ ».‬مث تنحين مرمي وتقول‪« :‬خذه اي يوسف‪ ».‬وتعطيه الولد‪.‬‬ ‫جملدك وحب َ‬
‫َ‬

‫لست أهالً!» وكان اخلوف ميأل يوسف وهو يتالشى أمام فكرة وجوب‬
‫«أان! يل أان! آه! ال! ُ‬
‫ملس هللا‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 223 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أنت تستَ ِحق ذلك حبق‪ .‬ما ِمن أحد يستحق ذلك أكثر َ‬
‫منك‪.‬‬ ‫إال أن مرمي تلح وهي تبتسم‪َ :‬‬
‫اختارك هللا‪ .‬خذه اي يوسف‪ ،‬أمسكه ريثما أحبث عن األقمطة‪».‬‬
‫َ‬ ‫فَِألجل هذا‬

‫يوسف أمحر كاألرجوان‪ ،‬ميد يديه وأيخذ برعم اجلسد الصغري الذي يصرخ ألنه يشعر ابلربد‪.‬‬
‫أيخذه بني ذراعيه ويف نيته أن حيمله إبجالل بعيداً عنه‪ ،‬لكن ذلك مل يَ ُدم‪ ،‬فقد ضمه إىل قلبه وان َف َجر‬
‫ابلبكاء‪« :‬آه! ري! وإهلي!» وينحين ليقبل قدميه الصغريتني فيحس هبما ابردتني‪ ،‬فيَجلِس على األرض‬
‫ويضمه إىل صدره‪ ،‬وبثوبه الكستنائي وبيديه يبذل كل ما يف وسعه ليغطيه ويدفئه وليحميه من صقيع‬
‫الليل‪ .‬لقد أراد أن يذهب إىل جهة النار‪ ،‬ولكن هناك تيار هواء يدخل من الباب‪ .‬من األفضل البقاء‬
‫حيث هو‪ .‬بل األفضل أن يذهب بني احليوانني اللذين سيحميانه من تيار اهلواء ومينحانه القليل من‬
‫الدفء‪ .‬ويذهب ليقف بني الثور واحلمار وظهره إىل الباب‪ ،‬وينحين على املولود اجلديد ليجعل له من‬
‫صدره كوخاً‪ ،‬جدرانه رأس رمادي أبذنني طويلتني ووجه كبري أبيض ومنخرين يدخنان وعينني طيبتني‬
‫رطبتني‪.‬‬

‫سحب الفوط واألقمطة وتذهب قرب النار لتدفئها‪ .‬مث تذهب صوب‬ ‫تفتح مرمي الصندوق وتَ َ‬
‫يوسف لتَـلُف الصغري ابألقمشة ال ُـم َس َّخنة مث حتمي رأسه الصغري بوشاحها وتقول‪« :‬أين سنضعه‬
‫اآلن؟»‬

‫ينظُر يوسف حوله ويفكر‪ ...‬مث يقول‪« :‬انتَ ِظري‪ ،‬لِنُبعِد احليوانني قليالً مع َعلَفهما‪ ،‬ولِنُن ِزل‬
‫العلَف سيكون له‬ ‫القش من املذود العايل ولنضعه هنا يف الداخل‪ .‬حافة املذود ستحميه من اهلواء‪ ،‬و َ‬
‫مبثابة الوسادة‪ ،‬والثور يدفئه بِنَـ َفسه‪ .‬الثور أفضل فهو أكثر صرباً وهدوءاً‪ ».‬ويباشر يوسف العمل بينما‬
‫مرمي هتدهد طفلها وهي تضمه إىل قلبها ُمسنِ َدة خدها على رأسه الصغري لتدفئه‪.‬‬

‫يذكي يوسف النار دون تبديد احلطب ليحصل على هلب مجيل‪ .‬إنه يُ َدفئ القش وجيففه قليالً‪،‬‬
‫حيصل على كمية كافية ُم َكدَّسة ليصنع منها فراشاً‬
‫قليالً ويضعه على صدره ليمنع عنه الربد‪ .‬مث‪ ،‬حني َ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 224 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ليجعل منه َمهداً‪ .‬مث يقول‪« :‬لقد أصبَ َح جاهزاً‪ ،‬واآلن يلزمنا غطاء‬
‫للطفل‪ ،‬يذهب إىل املذود ويرتبه َ‬
‫حيميه ِمن َوخز القش ولكي نغطيه‪»...‬‬

‫فتقول مرمي‪ُ « :‬خذ معطفي‪».‬‬

‫«ستشعرين ابلربد‪».‬‬

‫لست أشعر ابلربد أبداً‪ .‬إّنا‬


‫«آه! هذا ال يهم! فالغطاء خشن جداً‪ ،‬واملعطف انعم ودافئ‪ .‬أان ُ‬
‫هو فال يعانني بعد‪».‬‬

‫أيخذ يوسف املعطف الفضفاض من الصوف اللني األزرق الداكن ويرتبه مضاعفاً على القش‬ ‫ُ‬
‫مع ثنية تتدىل خارج املذود‪ .‬أول سرير للمخلص أصبَ َح جاهزاً‪.‬‬

‫واألم‪ ،‬مبشيتها الناعمة املتموجة‪ ،‬حتمله وتضعه فيه‪ ،‬وتغطيه بثنية املعطف اليت جتعلها كذلك‬
‫حول رأسه العاري ال ُـمنغَ ِرس يف القش وهو ابلكاد حممي من الوخز بوشاح مرمي الرقيق‪ .‬ومل يبق دون‬
‫غطاء سوى الوجه الصغري السمني مثل القبضة‪ ،‬واإلثنان منحنيان على املذود ومها متألِقان يَنظُران إليه‬
‫وهو ينام ألول مرة‪ .‬فدفء األقمطة والقش يوقف بكاءه وجيلب النوم لعيين يسوع العذب‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 225 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫افتديت املرأة أبموميت اإلهليّة)‬


‫ُ‬ ‫‪( -48‬أان‪ ،‬مرمي‪ ،‬قد‬

‫‪1944 / 05 / 06‬‬

‫تقول مرمي‪:‬‬
‫ِ‬
‫يغمرك يوم‬ ‫لك السالم‪ ،‬هل تذكرين ذاك السالم الذي كان‬‫ك أبن سيأيت بنفسه حامالً ِ‬
‫«لقد وعدتُ ِ‬
‫امليالد؟ عندما رأيتِين مع طفلي؟ عندها كان زمن السالم ابلنسبة ِ‬
‫لك‪ّ .‬أما اآلن فزمن اآلالم هو‪ِ .‬‬
‫وأنت مع‬
‫كل نعمة لنا وللقريب‪ .‬يسوع اإلنسان عاد بعد عذاب اآلالم‬
‫ذلك تَعلَمني هذا‪ :‬ابألمل نكسب السالم و ّ‬
‫شر اآلن سالمه‬
‫الفظيعة يسوع اإلله‪ .‬لقد عاد هو السالم‪ .‬السالم يف السماء من حيث أتى ومن حيث يَن ُ‬
‫على الذين حيبّونه يف العامل‪ .‬ولكنّه يف ساعات اآلالم‪ ،‬كان‪ ،‬وهو سالم العامل‪ ،‬حمروماً من هذا السالم‪ .‬مل يكن‬
‫ليتأ ّمل لو كان ميتلكه‪ ،‬وكان ينبغي له أن يتأملّ‪ ،‬وأن يتأ ّمل ابلكامل‪.‬‬

‫افتديت املرأة أبموميت اإلهلية‪ .‬ولكن ذلك مل يكن سوى بداية فداء املرأة‪ .‬فَِ َربفضي كل‬
‫ُ‬ ‫أان‪ ،‬مرمي‪،‬‬
‫استبعدت كل إشباع جسدي‪ ،‬مستحقة بذلك نعمة هللا‪ .‬إّنا مل يكن‬ ‫ُ‬ ‫اتصال بشري بنذري البتولية‪،‬‬
‫ذلك كافياً‪ .‬فخطيئة حواء كانت فعالً كشجرة أبغصان أربعة‪ :‬الكربايء‪ ،‬الطمع‪ ،‬الشراهة‪ ،‬والفجور‪.‬‬
‫وكان ينبغي أن تُقطَع هذه األغصان األربعة قبل أن تُـ َع َّقم الشجرة حّت جذورها‪.‬‬

‫لست‬
‫اضعت أمام مجيع الناس‪ُ .‬‬ ‫انتصرت على الكربايء‪ .‬لقد تو ُ‬‫ُ‬ ‫فَبِتَواضعي حّت أعماق ذايت‬
‫أتكلم عن تواضعي أمام هللا‪ ،‬فإنه فريضة إليه تعاىل واجبة على مجيع خملوقاته‪ .‬وَكلِ َمتُهُ كان ميتلكها‪.‬‬
‫حتملتُها من‬
‫رت بكل صنوف اهلوان اليت َّ‬ ‫وقد كان ينبغي يل‪ ،‬أان املرأة‪ ،‬أن أحصل عليها‪ .‬ولكن هل فَ َّك ِ‬
‫َ‬
‫الناس وبدون الدفاع عن نفسي أبية طريقة؟‬

‫حّت يوسف الذي كان ابراً مستقيماً‪ ،‬أدانين يف قلبه‪ .‬أما اآلخرون‪ ،‬غري الربرة فقد أخطأوا‬
‫ابلنميمة على محلي‪ ،‬وأتت إشاعة كالمهم مثل سيل ُمر يتحطم على شريف كامرأة‪ .‬هذه كانت أوىل‬
‫اإلهاانت اليت ال ُحتصى واليت خبَّأَهتا يل حيايت كأم ليسوع وللجنس البشري‪ .‬مهانة الفقر‪ ،‬إذالل‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 226 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫الالجئة‪ ،‬مهانة اهتامات األهل واألصدقاء الذين كانوا جيهلون احلقيقة فاهتموا سلوكي كأم جتاه يسوع‬
‫ابلضعف‪ ،‬عندما أصبَ َح شاابً‪ ،‬إهاانت خالل سنوات الكرازة الثالث‪ ،‬إهاانت فظيعة ال توصف ساعة‬
‫اجللجلة‪ ،‬إهاانت إىل حد معرفة أنه مل يكن لدي ما أشرتي به م ِ‬
‫وضعاً وطيوابً لدفن ابين‪.‬‬ ‫َ‬
‫ت مسبقاً عن ابين‪.‬‬
‫ت على جشع األبوين األوّلني أبن تنازل ُ‬
‫لقد انتصر ُ‬

‫كرهة على ذلك‪ ،‬حّت ولو كانت تنتمي بقلبها إىل‬ ‫ال تتخلى أم عن ابنها قط إن مل تكن ُم َ‬
‫الوطن‪ ،‬إىل احلب الزوجي أو إىل هللا ذاته‪ ،‬فإهنا تتوتر ضد هذا التفريق‪ .‬هذا طبيعي‪ .‬فالولد ينمو يف‬
‫األحشاء الوالدية‪ ،‬وال ميكن أبداً أن يُقطَع متاماً الرابط الذي جيعل شخصه متحداً بشخصها‪ .‬حّت‬
‫صب‬ ‫صب ينطلق من قلب األم‪َ ،‬ع َ‬ ‫حينما تُقطَع القناة احليوية للحبل السري‪ ،‬فإنه يبقى دائماً هناك َع َ‬
‫صب املادي والذي يتفرع على قلب االبن‪ .‬ويتم اإلحساس‬ ‫الع َ‬
‫روحي‪ ،‬أكثر حيوية وأكثر حساسية من َ‬
‫به يتمطى حّت حيدث األمل إذا كان حب هللا أو حب إنسان أو الواجب الوطين يبعد االبن عن أمه‪.‬‬
‫ع املوت االبن عن أمه‪.‬‬ ‫وينسحق وهو يتمزق إذا ما انتَـَز َ‬
‫حصلت فيها عليه‪ .‬قدمتُه هلل‪ ،‬منحتُكم إايه‪ .‬وأان قد‬
‫ُ‬ ‫لت عن ابين منذ اللحظة اليت‬
‫وأان قد تناز ُ‬
‫انسلخت عن مثرة أحشائي ألصلح خطيئة حواء عن الثمرة املختَـلَسة من هللا‪.‬‬
‫ُ‬
‫انتصرت على الشراهة‪ ،‬شراهة املعرفة وشراهة املتعة بقبويل عدم معرفة إال ما يريدين هللا أن‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫آمنت دون البحث عن أي شيء‪.‬‬ ‫أعرفه‪ ،‬دون سؤال نفسي أو سؤاله عن غري ما قيل يل‪ .‬لقد ُ‬
‫وطأت جسدي بقدمي‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫رفضت كل إشباع حسي‪ .‬وقد‬‫ُ‬ ‫انتصرت على شراهة املتعة إذ‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫اجلسد أداة الشيطان‪ ،‬فوضعتُه مع الشيطان حتت كعيب لكي أجعل منهما يل ُسلماً َِ‬
‫أقرتب به من‬
‫السماء‪ .‬فالسماء هديف! حيث يوجد هللا‪ ،‬جوعي الوحيد‪ ،‬اجلوع الذي ال يُعتََرب شراهة‪ ،‬بل ضرورة‬
‫بارَكة من هللا الذي ال يريد أن يرى فينا شهية إال له وحده‪.‬‬
‫ُم َ‬
‫َّهم‪ .‬ابلفعل‪ ،‬إن كل رذيلة ال تُكبَح‬
‫صلَت حد النـ َ‬
‫انتصرت على الفجور‪ ،‬وهو الشراهة اليت َو َ‬
‫ُ‬
‫تقود إىل رذيلة أكرب‪ .‬فشراهة حواء الـمدانَة قادهتا إىل الفجور‪ .‬مل ي ِ‬
‫كفها أن تُشبِع ذاهتا فقط‪ ،‬فأرادت‬‫َ‬ ‫ُ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 227 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وعلَّ َمتهُ لشريكها‪ .‬أما أان فقد قَـلَ ُ‬
‫بت املفاهيم‪ ،‬وبدل‬ ‫عرفَت الفجور َ‬‫دفع خطيئتها حّت اإلفراط‪ .‬لقد َ‬
‫بت دائماً حنو القمم‪ ،‬شريكي الذي‬ ‫ُجَّر إىل األسفل فقد َس َح ُ‬
‫صعدت على الدوام‪ .‬وبدل أن أ َ‬
‫ُ‬ ‫اهلبوط‬
‫جعلت منه مالكاً‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كان رجالً نزيهاً وقد‬

‫مشيئتك‬
‫َ‬ ‫أسرعت يف التجرد بقويل‪" :‬لتـكن‬
‫ُ‬ ‫حصلت على هللا ومعه غناه الالمتناهي‪،‬‬
‫ُ‬ ‫منذ أن‬
‫ألجله وبِِه"‪ .‬عفيف هو ذاك الذي ميلك السيطرة ليس فقط على اجلسد‪ ،‬ولكن على األفكار‬
‫والعواطف‪ .‬كان علي أن أكون عفيفة ألحيل إىل ال شيء قلة حياء اجلسد والقلب والروح‪ .‬مل أَّتل‬
‫عن هذه السيطرة عندما مل أقل عن ابين الذي كان يل وحدي على األرض كما كان هلل وحده يف‬
‫السماء‪" :‬هذا يل‪ ،‬فأان أريده"‪.‬‬

‫حصلت عليه‬
‫ُ‬ ‫مع ذلك مل يكن هذا كافياً ليُعيد للمرأة السالم املفقود حبواء‪ .‬هذا السالم قد‬
‫لكم عند أقدام الصليب‪ ،‬وذلك عند رؤييت الذي رأيتُه يولد‪ ،‬ميوت‪ .‬عند شعوري أبحشائي تتمزق مع‬
‫غت من كل أنوثة‪ :‬مل أعد جسداً‪ ،‬بل مالكاً‪ .‬فمرمي‪ ،‬العذراء‬ ‫صرخات ابين الذي كان حيتضر‪ .‬لقد أُف ِر ُ‬
‫املتحدة ابلروح كعروسة ماتت يف تلك اللحظة‪ .‬وبَِقيَت أُم النعمة‪ ،‬تلك اليت‪ ،‬آبالمها املربحة‪ ،‬أجنَبَت‬
‫أعدت تكريسها‪ ،‬امرأة ليلة امليالد‪ ،‬انلت عند أقدام الصليب‬ ‫ُ‬ ‫لكم النعمة وأعطتكم إايها‪ .‬األنثى اليت‬
‫الوسيلة اليت تُصبِح هبا خليقة السماوات‪.‬‬

‫فعلت ذلك ألجلكن برفضي كل إشباع حّت املقدس منه‪ .‬ومنكن أننت اللوايت حتولنت‬ ‫لقد ُ‬
‫جعلت منكن‪ ،‬شريطة رغبتكن بذلك‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫بواسطة حواء إىل إانث ال تزيد رفعة عن شريكات احليواانت‪،‬‬
‫القمة من أجلكن‪ .‬لقد محلتكن مثل يوسف إىل األعايل‪ .‬صخرة اجللجلة‬ ‫قديسات هللا‪ .‬لقد بلغت هذه ِ‬
‫ُ‬
‫نلت قوة الدفع‪ ،‬ألمحل إىل السماوات نفس املرأة املكرسة اجلديدة‪،‬‬
‫ابلنسبة يل هي جبل الزيتون‪ .‬هناك ُ‬
‫ألغيت ِمن ذايت حّت آخر أثر ِمن حواء‪،‬‬
‫بنفس الوقت مع جسدي‪ ،‬الذي متجد حبمله كلمة هللا‪ ،‬و ُ‬
‫آخر جذر من تلك الشجرة ذات األغصان السامة األربعة‪ ،‬واجلذر املنغرس يف األحاسيس اليت قادت‬
‫البشرية إىل السقوط‪ ،‬واليت تعض أحشاءكن حّت هناية الدهور وحّت آخر امرأة‪ .‬فَ ِمن املكان الذي‬
‫أأتلق فيه إبشعاع احلب أانديكن وأدلكن على الدواء لتنتصرن على ذواتكن‪ :‬نعمة ري ودم ابين‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 228 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫القوة أثناء اإلمااتت‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫األول ليسوع لتكون لك ّ‬ ‫وأنت‪َ ،‬كل َميت‪ ،‬أرحيي نفسك يف نور هذا الفجر ّ‬
‫يدك هنا‪ ،‬هنا حيث يتم الوصول عن طريق األمل‪ ،‬ألنّنا نر ِ‬
‫يدك‬ ‫اجلسدية اليت لن تكوين معفاة منها‪ .‬ألنّنا نر ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫هنا حيث كلّما كان َُتَ ُّمل األمل أكثر بغية احلصول على النعمة للعامل كلّما كان االرتقاء أعلى…‬

‫اذهيب بسالم‪ ،‬أان ِ‬


‫معك‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 229 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -49‬ع ـبـ ـ ــادة الـ ـ ـ ـ ـ ــرعــاة)‬

‫‪1944 / 05 / 07‬‬

‫أكتُب حبضور يسوع معلّمي‪ .‬إنه هنا من أجلي‪ ،‬فقط من أجلي‪ .‬لقد عاد بعد غياب طويل‪ ،‬فقط‬
‫من أجلي‪ .‬ستقولون‪« :‬ولكن كيف؟ لقد ِ‬
‫كنت ترين وتسمعني ملدة شهر تقريباً‪ ،‬فلماذا إذن تقولني أنه عاد‬
‫مرات كثرية شفهيّاً وكتابيّاً‪.‬‬ ‫ِ‬
‫من أجلك بعد غياب طويل؟» فأُجيب ما قلتُه ّ‬
‫هناك فرق بني أن أرى (الرؤى)‪ ،‬وأن أمسع (اإلمالءات)‪ ،‬وهناك أختالف بني أن أرى وأمسع من أجل‬
‫اآلخرين‪ ،‬وأن أرى وأمسع لنفسي‪ ،‬حصراً لنفسي‪ .‬يف احلالة األوىل أان ِ‬
‫شاهدة ومرِّددة ملا أرى وأمسع‪ ،‬ولكن‬
‫إذا كانت هذه األشياء متنحين الفرح فذلك ّأهنا على الدوام هي األشياء اليت تسبّب لكم فرحاً عظيماً‪ .‬وهو‬
‫ُعرب أبحسن‬‫أحس به متاماً‪ .‬ولكنّين ال أعرف أن أ ِّ‬
‫عما ّ‬ ‫خارجي‪ .‬الكلمات تُ ِّ‬
‫عرب بشكل سيّئ ّ‬ ‫ّ‬ ‫يف احلقيقة فرح‬
‫من ذلك‪ .‬اخلالصة‪ ،‬أريد القول إ ّن فرحي يشبه فرح من يقرأ كتاابً مجيالً أو يشاهد مسرحيّة مجيلة‪ ،‬فيتأثّر‬
‫ويتذوقها ويُعجب للتناغم الذي فيها ويف ّكر‪« :‬كم هو مجيل لو أكون مكان هذه الشخصيّة!» بينما يف‬ ‫هبا ّ‬
‫احلالة الثانية‪ ،‬عندما يكون االستماع والرؤية لذايت أان‪ ،‬حينئذ تكون هذه الشخصيّة هي أان‪ .‬فالكلمة اليت‬
‫أمسع هي يل‪ ،‬والوجه الذي أرى هو يل‪ .‬فاألمر هو أنّين أان وهو‪ .‬أان ومرمي‪ .‬أان ويوحنّا‪ .‬أحياء حقيقيّون‪،‬‬
‫واقعيّون‪ ،‬قريبون ج ّداً‪ .‬ليس قباليت كما لو أنّين أشاهد فيلماً‪ ،‬إ ّّنا جبانب سريري‪ ،‬يتن ّقلون يف الغرفة أو‬
‫يستندون إىل املفروشات أو جيلسون أو يقفون كأشخاص أحياء‪ّ ،‬إهنم ضيويف‪ .‬وهذا ما هو خمتلف متاماً عن‬
‫كل هذا كان «يل أان»‪.‬‬
‫الرؤاي من أجل اجلميع‪ .‬فقصارى القول‪ّ :‬‬
‫الصويف األبيض‪ ،‬بياضه‬
‫ّ‬ ‫العادي من النسيج‬
‫ّ‬ ‫وحّت أمس منذ بعد الظهر‪ ،‬يسوع هنا‪ ،‬بثوبه‬
‫فاليوم‪ّ ،‬‬
‫ي شديد‬
‫قريب من العاج‪ ،‬وهو خمتلف متاماً بثقله ولونه‪ ،‬عن الثوب الناصع‪ ،‬وهو يبدو من كتّان غري ما ّد ّ‬
‫البياض لدرجة ُتسبه معها مصنوعاً من خيوط النور اليت تغطّيه يف السماء‪ .‬إنّه هنا بيديه اجلميلتني‪ ،‬الطويلتني‬
‫والنحيفتني‪ ،‬ببياض عاج قدمي‪ ،‬بوجهه الوسيم الطويل والشاحب حيث تتألّق عيناه امله ِ‬
‫يمنتان والعذبتان‬
‫املشع ابألشقر األصهب‪ .‬إنّه هنا بشعره‬
‫ّ‬ ‫كأهنما من السفري الداكن بني حاجبني كثيفني بلون الكستناء‬‫و ّ‬
‫اجلميل الطويل األشقر والناعم‪ ،‬األكثر حيويّة يف األجزاء املضاءة واألكثر تعتيماً يف أعماق الطيّات‪ .‬إنّه‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 230 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫إيل أكتُب عنه‪ ،‬كما كان يفعل يف فيارجييو ‪ ...Viareggio‬وكما مل يفعل‬
‫هنا! إنّه هنا! يبتسم يل وينظر ّ‬
‫وحّت شبه أيس عندما‬
‫كل هذا احلزن الذي أصبَ َح حرارة مرتفعة‪ّ ،‬‬
‫منذ األسبوع العظيم املق ّدس‪ ،‬مسبّباً يل ّ‬
‫واستطعت‬
‫ُ‬ ‫األقل حيث رأيتُه‬
‫مت منه‪ ،‬أمل حرماين من العيش على ّ‬ ‫أضيف إىل األمل الذي انتابين لكوين ُح ِر ُ‬
‫تويف أهلي‪ .‬آه! من مل خيترب ذلك ال‬
‫القول‪« :‬هنا استَـنَد‪ ،‬وهنا احنَن ليضع يده على رأسي‪ ».‬وهنا حيث ّ‬
‫بكل هذه اهلبات‪ .‬إنّنا نَعلَم جيّداً ّأهنا هبات‬
‫يستطيع إدراكه! ال‪ ،‬ما من سبب يدعو للمطالبة ابالستمتاع ّ‬
‫توهب لنا‪ .‬نعرف ذلك جيّداً‪ .‬وكلّما أُعطيَت‬ ‫جمّانيّة‪ ،‬ال نستح ّقها وال نستطيع املطالبة ابستمراريّتها عندما َ‬
‫اإلهلي الذي يهبنا‬
‫ّ‬ ‫لنا كلّما تالشينا يف التواضع‪ ،‬عارفني بؤسنا ال ُـمنَـ ِّفر يف مقابل اجلمال الالمتناهي والغَن‬
‫ذاته‪.‬‬

‫وأمه؟ أال ترغب امرأة يف رؤية زوجها؟‬


‫ولكن ماذا تقول أيّها األب؟ أفال يرغب االبن يف رؤية أبيه ّ‬
‫وعندما حيجبهم املوت أو غياب طويل عن أنظارهم أفال جيدون عزاء يف ممارسة حياهتم حيث عاشوا؟ وإذا‬
‫احلب؟‬
‫ألهنم فقدوا كذلك املكان حيث شاركهم الغائب ّ‬
‫اضطروا ملغادرة املكان‪ ،‬أفال يتألّمون أملاً مضاعفاً ّ‬
‫ّ‬
‫إيل كثرياً‬
‫ب ّ‬ ‫أح ّ‬
‫أعز‪ ،‬إنّه َ‬
‫هل يالمون على معاانهتم من هذا األمل؟ ال‪ .‬وأان؟ أليس يسوع هو أيب وعروسي؟ إنّه ّ‬
‫لت فيها موت والديت‪ .‬لقد‬ ‫ُتم ُ‬
‫من أب ومن عروس! ولطاملا هو كذلك‪ ،‬فاح ُكموا حبسب الطريقة اليت َّ‬
‫جتاوزت هذا املوقف‬
‫ُ‬ ‫كنت أحبّها رغم طبيعتها‪ .‬ولكن رأيتم كيف‬
‫بكيت ألنّين ُ‬
‫ّمت‪ ،‬فهل تعلمون؟ وكذلك ُ‬
‫أتل ُ‬
‫ّمت‪ ،‬وأأت ّمل اآلن أكثر‬
‫ب من ّأمي‪ .‬جيب أن أقول ذلك‪ .‬لقد أتل ُ‬‫وأح ّ‬
‫أل ّن يسوع كان هنا‪ ،‬وقد كان أغلى َ‬
‫كنت‬
‫ملوت ّأمي الذي مضى عليه مثانية أشهر‪ ،‬ومل أشعر حينذاك أبمل مثله‪ .‬هذا ألنّين يف الشهرين األخريين ُ‬
‫أي وقت‬
‫حّت أشعُر أكثر من ّ‬
‫وحّت اآلن يكفي أن يرتكاين حلظة ّ‬
‫بدون يسوع الذي يل‪ ،‬دون مرمي اليت يل‪ّ ،‬‬
‫األايم غري البشريّة‪.‬‬
‫البشري ال ُـم ّر هلذه ّ‬
‫ّ‬ ‫مضى حبزين كيتيمة مريضة‪ ،‬وأعود ألغرق يف األمل‬

‫حّت ولو‬
‫أكتُب ُتت أنظار يسوع‪ ،‬إذاً فأان ال أُابلغ وال أُغالط‪ .‬هذا يف األصل ليس أسلويب‪ .‬ولكن ّ‬
‫كتبت هذا يف هذا املكان حيث ال عادة‬
‫كان ذلك أسلويب‪ ،‬فسيستحيل أن أفعل ذلك ُتت هذا النَّظَر‪ُ .‬‬
‫علي‬
‫ألن أفعل‪ ،‬إذ ابلنسبة لرؤى مرمي فأان ال أقاطعها إبظهار ذايت املسكينة‪ .‬إنّين أعرف مسبقاً أنّه يتوجب ّ‬
‫متابعة إظهار أجمادها‪ .‬أَفَـلَم تكن أمومتها يف ّ‬
‫كل األحيان إكليل جمد؟ أان مريضة ج ّداً والكتابة تُسبّب يل‬
‫متاعب َمجّة‪ .‬إنّين كتلة أشالء بشريّة‪ .‬ولكن عندما يتعلّق األمر ابلتعريف هبا لتصبح حمبوبة أكثر‪ ،‬فأان ال‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 231 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يهم! فلتكن مرمي‬
‫ألوي على شيء‪ .‬أأشعُر أبمل يف كتفي؟ أيضعُف قليب؟ أيؤملين رأسي؟ أترتفع حراريت؟ ال ّ‬
‫معروفة‪ ،‬كلّية اجلمال واحلنان‪ ،‬كما أراها بصالح هللا وصالحها‪ ،‬وهذا يكفيين‪.‬‬

‫فيما بعد أرى امتداداً واسعاً للقرية‪ .‬والقمر يف مست الرأس‪ ،‬وكان يسري هبدوء يف مساء مرصعة‬
‫ابلنجوم اليت ظَ َهَرت وكأهنا أحجار ماس مغروسة يف مظلة عرش كبرية من املخمل األزرق الداكن‪ .‬ويف‬
‫وسطها يضحك القمر بوجهه األبيض الذي تتدفق منه أهنار من األنوار احلليبية‪ ،‬تضفي على املشهد‬
‫صبغة بيضاء‪ .‬واألشجار اليت تعرت من أوراقها بَ َدت أكرب وعامتة يف هذا البياض‪ ،‬بينما اجلدران اليت‬
‫الحت هنا وهناك تشبه اللنب‪ .‬وبيت صغري يف البعيد يبدو وكأنه كتلة من املرمر األبيض‪ .‬إىل اليمني‬
‫أرى مكاانً مغلقاً من جهتني بسياج من العليق‪ ،‬ومن اجلهتني األخريني جبدار منخفض عريض‪ .‬وذاك‬
‫ين قسم منه بناء والقسم اآلخر من‬ ‫ِ‬
‫اجلدار حيمل سقفاً‪ُ ،‬مشكالً نوعاً من العنابر داخل السور‪ ،‬وقد بُ َ‬
‫اخلشب القابل ألن يُ َنزع يف الصيف ليتحول إىل رواق‪ .‬من هذا املكان ينطلق بني الفينة واألخرى ثغاء‬
‫متقطع وخمتصر‪ .‬قد تكون النعاج حتلم أو حتسب أنه قد اقرتب بزوغ الفجر بسبب ضوء القمر‪ .‬إنه‬
‫نور ُمف ِرط يف شدته وهو يزداد وكأن الكوكب يقرتب من األرض أو يتوهج بسبب حريق ُم َبهم‪.‬‬

‫يتقدم أحد الرعاة إىل العتبة‪ ،‬يرفع يده إىل مستوى جبهته ليحمي عينيه وينظر إىل اجلو‪ .‬يبدو‬
‫أن ال بد من االحتماء من نور القمر‪ ،‬ولكنه قوي لدرجة أنه يُب ِهر‪ ،‬خاصة ذاك الذي ينبَعِث من زريبة‪،‬‬
‫هي يف العادة مظلمة‪ .‬كل شيء هادئ‪ ،‬ولكن هذا النور مدهش‪ .‬ينادي الراعي رفاقه‪ ،‬يتوجهون مجيعاً‬
‫صوب الباب‪ .‬حشد من الرجال ذوي الشعر الكثيف ومن أعمار خمتلفة‪ ،‬فمنهم املراهق ومنهم األشيب‪،‬‬
‫والكل يـُ َعلِق على هذا احلدث الغريب‪ ،‬واألصغر سناً منهم خائفون‪ ،‬خاصة َولَد عمره اثين عشر عاماً‪،‬‬
‫فقد أخذ يبكي جالباً لنفسه سخرية الشيوخ‪.‬‬

‫ك حقاً أبله‪ .‬أال ترى أن اجلو يف سكون؟ أمل َتر أبداً‬ ‫أنت خائف؟ إن َ‬ ‫مم َ‬
‫يقول له أكربهم‪َّ « :‬‬
‫ك سرتى أموراً‬ ‫ك مثل صوص حتت قرقة حاضنة؟ ولكن َ‬ ‫عمرك حتت رداء أم َ‬
‫قضيت َ‬ ‫َ‬ ‫ضوء قمر؟ هل‬
‫كنت‬
‫كنت أصعد‪ ،‬ذلك أين ُ‬ ‫كنت ذاهباً ذات مرة ابجتاه جبال لبنان‪ ،‬بل أبعد أيضاً‪ .‬و ُ‬
‫كثرية‪ .‬أان مثالً‪ُ ،‬‬
‫أيت نوراً حسبته إيليا عائداً بعربته النارية‪،‬‬
‫كنت آنذاك غنياً‪ ...‬وذات ليلة ر ُ‬
‫شاابً ال يُتعبين السري‪ ،‬وقد ُ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 232 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫"ح َدث كبري سيقع يف العامل"‪ .‬ابلنسبة‬ ‫ِ‬
‫وكانت السماء متوهجة‪ ،‬وعجوز ‪-‬والعجوز كان هو‪ -‬قال يل‪َ :‬‬
‫حييت فسرتى‪»...‬‬
‫لنا كان احلَ َدث وصول جنود روما‪ .‬آه! إن َ‬

‫نسالً‬
‫إال أن الراعي الصغري مل يعد يسمعه‪ .‬يبدو أنه مل يعد خائفاً‪ .‬ابلفعل‪ ،‬ها هو يرتك العتبة ُم َ‬
‫وخي ُرج إىل احلظرية املوجودة جانب‬
‫من خلف ظهر أحد الرعاة مفتول العضالت حيث كان حيتمي‪َ ،‬‬
‫العنرب‪ .‬ينظر إىل اجلو ويسري كال ُـمروبَص (الذي يسري أثناء نومه) أو كما لو كان خاضعاً لتنومي‬
‫مغناطيسي من قِبَل شيء يسيطر عليه كلياً‪ .‬ويف حلظة يصرخ‪« :‬آه!» ويتصلب يف مكانه‪ ،‬ذراعاه‬
‫مفتوحتان قليالً‪ ،‬واآلخرون ينظر واحدهم إىل اآلخر بتعجب‪.‬‬

‫يقول أحدهم‪« :‬ماذا أصاب هذا األبله؟»‬

‫ويقول اآلخر‪« :‬سأعيده غداً إىل أمه‪ .‬ال حاجة ي إىل جمنون حيرس النعاج‪».‬‬

‫لنر‪ ،‬قبل أن حنكم‪ .‬اندوا اآلخرين النيام‬


‫عندئذ يقول العجوز الذي تكلم سابقاً‪« :‬لنذهب‪ ،‬و َ‬
‫وهاتوا عصيكم‪ .‬قد يكون هناك حيوان شرير أو قُطاع طُرق‪»...‬‬

‫يعودون‪ ،‬ينادون الرعاة اآلخرين وخيرجون مجيعاً مبشاعل وهراوات‪ ،‬ويلحقون ابلصيب‪.‬‬

‫يـُ َهم ِهم وهو يبتسم‪« :‬هنا‪ ،‬هنا‪ ،‬فوق الشجرة‪ ،‬انظروا هذا النور القادم‪ ،‬كأنه يتقدم شعاع قمر‪.‬‬
‫ها هو يقرتب‪ .‬كم هو مجيل!»‬

‫«أان ال أرى سوى نور قوي قليالً‪».‬‬

‫«أان أيضاً‪».‬‬

‫ويقول اآلخرون‪« :‬أان أيضاً‪».‬‬

‫فيقول آخر‪ ،‬وقد عرفتُهُ‪ ،‬إنه الراعي الذي قَدَّم احلليب ملرمي‪« :‬ال‪ .‬إين أرى شيئاً يشبه اجلسم‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 233 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ويهتف الولد‪« :‬إنه‪ ...‬إنه مالك! ها هو يهبط ويدنو‪ ...‬إىل األرض! اركعوا أمام مالك هللا!»‬

‫سقطون ووجوههم إىل األرض‪.‬‬ ‫بجل يصدر عن جمموعة الرعاة الذين ي ِ‬ ‫وم َّ‬
‫ُ‬ ‫هتاف‪« :‬آه!» طويل ُ‬
‫ويبدون متأثرين ابلظهور على قَدر كِ َرب سنهم‪ .‬أما األكثر شباابً فقد َرَكعوا ونَظَروا إىل املالك الذي‬
‫يقرتب ابستمرار‪ ،‬إىل أن يتوقف يف اجلو ابسطاً جناحيه الكبريين‪ ،‬بياض الآللئ يف بياض القمر الذي‬
‫يـُغَلِفه‪ ،‬فوق جدار السور‪.‬‬

‫«ال َّتافوا‪ ،‬فأان ال أمحل لكم سوءاً‪ ،‬بل إنين أمحل إليكم نبأ فرح عظيم لشعب إسرائيل ولكل‬
‫شعوب األرض‪ ».‬وكان الصوت املالئكي مثل قيثارة متناغمة ترافق أصوات الشحارير‪.‬‬

‫«اليوم ُولِ َد املخلص يف مدينة داود‪ ».‬عند هذه الكلمات يبسط املالك جناحيه أكثر ويرفرف‬
‫ظهر وابل من شرارات الذهب واألحجار الكرمية تتدفق منه‪ .‬وقوس قزح حقيقي‬‫كما ابرتعاش الفرح‪ .‬ويَ َ‬
‫كان يرسم قوس نصر فوق احلظرية الفقرية‪.‬‬

‫«‪...‬املخلص الذي هو املسيح‪ ».‬ويتألق املالك بنور أكثر بريقاً‪ .‬وجناحاه املتوقفتان اآلن‬
‫واملبسوطتان صوب السماء يبدوان كشراعني اثبتني فوق سفري البحر‪ ،‬يبدوان كشعلتني تتصاعدان‬
‫حارتني‪.‬‬

‫«‪...‬املسيح‪ ،‬الرب!» ويطوي املالك جناحيه النورانيني ويكتسي شبه رداء من املاس فوق ثوب‬
‫من الآللئ‪ ،‬وينحين كما للعبادة بِيَ َدين مضمومتني إىل القلب‪ ،‬والوجه الذي يتالشى منحنياً على‬
‫الصدر يف ظل قمة اجلناحني املطويني‪ .‬مل يعد يُرى منه سوى شكل متطا ِول ُ‬
‫ومنري‪ .‬ويَظل اثبتاً طيلة‬
‫فرتة‪ :‬اجملدلة ‪.Gloria‬‬

‫ولكن ها هو يتحرك‪ ،‬يُعا ِود فتح جناحيه ويرفع وجهه حيث يتدفق النور اببتسامة فردوسية‬
‫ويقول‪:‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 234 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«من هذه العالمات ستعرفونه‪" :‬يف إسطبل فقري‪ ،‬خلف بيت حلم ستجدون طفالً مقمطاً‬
‫ومضجعاً يف مذود للبهائم‪ ،‬ألنه مل يوجد سقف يف مدينة داود أيوي املاسيا"‪ ».‬ولدى قوله هذا يصبح‬
‫مظهر املالك جاداً‪ ،‬بل حزيناً‪.‬‬

‫مجهَرة تُقبِل من السماء ‪-‬آه! اي هلا من َمج َهرة!‪ -‬مجهور مالئكة يشبهونه‪ ،‬مرقاة مالئكة‬ ‫ولكن َ‬
‫بشر وهم يرفرفون‬ ‫ينزلون اببتهاج‪ ،‬حيجبون القمر بنورهم الفردوسي‪ .‬يتجمعون حول املالك الـم ِ‬
‫ُ‬
‫أبجنحتهم‪ ،‬وينشرون عطوراً‪ ،‬بتناغم موسيقي تتداخل فيه أمجل أصوات اخلليقة كلها‪ ،‬ولكنها مرتقية‬
‫إىل كمال الرخامة‪ .‬إذا كان اللون هو سعي املادة لتصبح نوراً‪ ،‬فهنا النغم هو سعي املوسيقى لِتُـ َعِرب‬
‫للناس عن مجال هللا‪ ،‬ومساع هذا النغم هو التعرف على اجلنة حيث كل شيء هو تناغم احلب املمنوح‬
‫من هللا والذي ينتَ ِشر ليمتع الطوابويني ويرتد منهم إىل هللا ليقول له‪« :‬حنن حنبك!»‬

‫تنتَ ِشر «اجملدلة» املالئكية مبوجات متتد أكثر فأكثر على القرية اهلادئة‪ ،‬وكذلك النور‪ .‬أما‬
‫العصافري فقد توحد غناؤهم لتحية ابكورة النور هذه‪ ،‬والنعاج تُطلِق ثغاءها هلذه الشمس السابقة‬
‫ألواهنا‪ .‬أما أان فكما راودتين الفكرة يف املغارة سابقاً عن الثور واحلمار‪ ،‬كذلك أود هنا االعتقاد أبن‬
‫احليواانت حتيي خالقها القادم ليحبها كإنسان‪ ،‬وابألكثر كإله‪.‬‬

‫يتضاءل اإلنشاد‪ ،‬وكذلك األنوار‪ ،‬بينما تصعد املالئكة إىل السماوات‪ ...‬ويعود الرعاة إىل‬
‫ذواهتم‪.‬‬

‫«هل َِمسعتُم؟»‬

‫«أنذهب لنرى؟»‬

‫«واحليواانت؟»‬

‫«آه! لن يصيبها شيء‪ .‬فلنذهب مطيعني لكلمة هللا!‪»...‬‬

‫«ولكن أين سنذهب؟»‬


‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 235 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اآلن يتكلم الراعي الذي كان قد أعطى احلليب ملرمي‪« :‬أمل يـَ ُقل إنه ُولِد اليوم وإنه مل جيد له‬
‫مت ألجلها‪ .‬لقد دللتُها على مكان‬ ‫أيت املرأة وقد أتل ُ‬
‫مكاانً يف بيت حلم؟ إذاً تعالوا‪ ،‬أان أعرف‪ .‬لقد ر ُ‬
‫أعطيت الرجل حليباً ليقدمه هلا‪ ...‬إهنا فتية ومجيلة‪ .‬املفروض‬‫ُ‬ ‫َّرت أهنا لن جتد مأوى‪ ،‬وقد‬‫هلا ألنين قَد ُ‬
‫أهنا طيبة كاملالك الذي َكلَّ َمنا‪ .‬هلموا‪ ،‬هلموا‪ .‬فلنأخذ حليباً وجبناً ومحالانً وجلود نعاج مدبوغة‪ .‬إهنم‬
‫لست أجرؤ على ذكر امسه! وعلى التفكري‬ ‫فقراء جداً و‪ ...‬من يدري كم يعاين من الربد هذا الذي ُ‬
‫مت إىل أمه كما إىل زوجة مسكينة!‪...‬‬‫كذلك أبنين تكل ُ‬

‫عنرب‪َ ،‬خي ُرجون منه بعد قليل‪ ،‬منهم من حيمل آنية حليب‪ ،‬ومنهم من حيمل جبناً‬
‫ميضون إىل َ‬
‫مدوراً مغلفاً ضمن شبكة‪ ،‬ومنهم من حيمل سالالً ومحَالً يثغو‪ ،‬ومنهم جلود نعاج مصنوعة‪.‬‬

‫وض َعت َمحَالً منذ شهر‪ ،‬حليبها ممتاز‪ ،‬سوف ينفعهما‬


‫يقول راعي احلليب‪« :‬أان سآخذ نعجة َ‬
‫إن كانت املرأة يف حاجة إليه‪ .‬كانت تبدو يل طفولية‪ ،‬وشاحبة جداً!‪ ...‬لون اليامسني يف ضوء القمر‪».‬‬
‫مث يقودهم‪.‬‬

‫العنرب والسور‪ .‬ميضون عن طريق ال َـمسالِك الريفية‬


‫ميضون حتت أنوار القمر واملشاعل بعد إقفال َ‬
‫صلون إىل اإلسطبل عرب طريق‬ ‫عرب أسوار من العليق العارية بفعل الشتاء‪ .‬يدورون حول بيت حلم‪ ،‬وي ِ‬
‫َ‬
‫َّتتلف عن تلك اليت َسلَ َكتها مرمي‪ ،‬لقد أتوا من الوجهة املعاكسة‪ .‬وهكذا مل ميروا ابملغارات األكثر‬
‫ترتيباً‪ ،‬ولكنهم جيدون مباشرة املأوى الذي يبحثون عنه‪ .‬يقرتبون من الفتحة‪.‬‬

‫ادخل!»‬
‫« ُ‬
‫«أان ال أجرؤ‪».‬‬

‫أنت‪».‬‬
‫ادخل َ‬
‫« ُ‬
‫«ال‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 236 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«انظُر على األقل‪».‬‬

‫ك أكثر صالحاً ِمنا‪ ،‬فانظُر‪».‬‬


‫أيت املالك أوالً‪ ،‬هذا يعين أن َ‬
‫أنت اي ليفي‪ ،‬قد ر َ‬
‫« َ‬
‫عاملوه يف البداية كمجنون‪ ...‬ولكنهم اآلن حباجة إليه‪ ،‬ألن الفّت جيرؤ‬
‫يف احلقيقة‪ ،‬كانوا قد َ‬
‫على ما ال جيرؤون عليه ُهم‪.‬‬

‫يرتدد الفّت أوالً‪ ،‬ولكنه يقرر بعدئذ‪ .‬يدنو من املأوى‪ ،‬يُبعِد املعطف قليالً‪ ...‬ويتوقف مشدوهاً‪.‬‬

‫يسألونه بصوت منخفض قلقني‪« :‬ماذا ترى؟»‬

‫«إنين أرى امرأة فتية ومجيلة‪ ،‬ورجالً منحنياً على مذود‪ ،‬وأَمسَع‪ ...‬أَمسَع طفالً يبكي‪ ،‬واملرأة تقول‬
‫له بصوت‪ ...‬آه! اي له من صوت!»‬

‫«ماذا تقول؟»‬
‫الدتك! ال ِ‬
‫تبك اي بين!" إهنا تقول‪" :‬آه! ليتين‬ ‫«إهنا تقول‪" :‬يسوع‪ ،‬اي صغريي! يسوع اي حب و َ‬
‫"أنت تشعر‬ ‫لك‪ :‬خذ احلليب اي صغريي! ولكنين مل أحصل عليه بعد!" إهنا تقول‪َ :‬‬ ‫أستطيع القول َ‬
‫متكنها من‬ ‫تسمعك تبكي هكذا! دون ُّ‬
‫َ‬ ‫ك أن‬
‫ملك بوخزه‪ .‬اي له من أمل ألم َ‬
‫ابلربد اي حبييب‪ ،‬القش يؤ َ‬
‫دموعك‪ ".‬إهنا تُـ َقبِله‬
‫َ‬ ‫مساعك ورؤية‬
‫َ‬ ‫"َن اي روحي! إن قليب لينفطر لدى‬ ‫عنك‪ ".‬إهنا تقول‪َ :‬‬
‫التخفيف َ‬
‫وتُ َدفئ قدميه الصغريتني بيديها‪ .‬إهنا تنحين وَّتفض يديها على املذود‪».‬‬

‫لوجودك!»‬
‫َ‬ ‫« ِ‬
‫اند! نبههم‬

‫أنت الذي قُدتَنا وتَع ِرفها‪».‬‬


‫«أان ال‪ .‬بل ابألحرى َ‬
‫يفتح الراعي فمه ويقتصر على حننحة قوية ُحمداثً صواتً‪.‬‬

‫يلتَ ِفت يوسف ويُقبِل صوب الباب‪« :‬من أنتم؟»‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 237 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«حنن رعاة حنمل لكم الغذاء والصوف‪ .‬أتينا لتقدمي فروض العبادة للمخلص‪».‬‬

‫ادخلوا‪».‬‬
‫« ُ‬
‫ِ‬
‫املشاعل‪ .‬والكبار منهم يدفعون الصغار أمامهم‪.‬‬ ‫دخلون إىل اإلسطبل الذي أضيء بنور‬
‫يَ ُ‬
‫تلتَ ِفت مرمي وتبتسم‪ ،‬مث تقول‪« :‬تعالوا‪ ،‬هلموا!» وتدعوهم ابليد واببتسامتها‪ ،‬ومتسك ابلولد‬
‫الذي رأى املالك وتسحبه إليها قرب املذود‪ .‬وينظر الولد مشرقاً فرحاً‪.‬‬

‫ويتقدم اآلخرون الذين دعاهم يوسف حاملني هداايهم‪ .‬ويضعوهنا عند أقدام مرمي مع كلمات‬
‫صرة ومتأثِرة‪ .‬مث ينظرون برفق إىل الطفل الذي يبكي ويبتسمون متأثرين وسعداء‪.‬‬
‫خمتَ َ‬
‫يقول أحدهم‪ ،‬وهو األكثر شجاعة‪ِ « :‬‬
‫إليك أيتها األم‪ ،‬إنه انعم ونظيف‪ ،‬لقد صنعتُه للطفل‬
‫لك‪ .‬ضعي ِ‬
‫ابنك يف هذا الصوف الناعم الدافئ‪ ».‬ويقدم هلا جلد‬ ‫الذي سيولد لنا قريباً‪ ،‬ولكين أقدمه ِ‬
‫نعجة‪ ،‬جلداً مجيالً ذا جزة صوف طويل وانصع البياض‪.‬‬

‫ترفع مرمي يسوع وتلفه به‪ ،‬وتُريه للرعاة الذين يركعون على قَش األرض وينظرون إليه بنشوة‪.‬‬

‫مث يتشجعون ويقرتح أحدهم‪« :‬جيب إعطاؤه جرعة حليب‪ ،‬أو األفضل جرعة ماء وعسل‪ .‬إّنا‬
‫ليس لدينا عسل‪ .‬هذا ما نعطيه عادة للمواليد اجلدد‪ ،‬فعندي سبعة أوالد وأصبَ َحت يل خربة يف‬
‫ذلك‪»...‬‬
‫« ِ‬
‫هاك احلليب‪ ،‬خذي سيديت‪».‬‬

‫«لكنه ابرد‪ ،‬ينبغي أن يكون ساخناً‪ .‬أين إيلي؟ فالنعجة معه‪».‬‬

‫من املفروض أن يكون إيلي هو رجل احلليب‪ ،‬ولكنه ليس هنا‪ ،‬فقد ظل واقفاً خارجاً وينظر‬
‫من خالل صدع‪ ،‬وقد اته يف ظلمة الليل‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 238 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«من قا َدكم إىل هنا؟»‬

‫«مالك قال لنا أن أنيت‪ ،‬وإيلي قادان‪ ،‬ولكن أين هو اآلن؟»‬

‫ثغاء النعجة يفضح أمره‪.‬‬

‫إليك‪».‬‬
‫«تقدم إننا حباجة َ‬
‫اعرتته اخلشية من أن يكون األكثر لفتاً لالنتباه‪.‬‬
‫دخل مع النعجة وقد ََ‬
‫يَ ُ‬
‫ك لََر ُجل طيب‪».‬‬
‫أنت؟» وتبتسم مرمي قائلة له‪« :‬إن َ‬
‫فيقول يوسف وقد تعرف عليه‪« :‬أهذا َ‬
‫َحيلبون النعجة‪ ،‬وبِطََرف فوطة مبللة ابحلليب ال ُـمزبِد متسح مرمي شفيت الصغري الذي يبدأ مص‬
‫هذه العذوبة الدمسة‪ .‬يبتسم اجلميع‪ ،‬ويبتسمون أكثر عندما يغفو يسوع يف دفء الصوف وطرف‬
‫الوشاح ما يزال بني شفتيه‪.‬‬

‫«ولكن ال ميكن أن تبقوا هنا‪ ،‬فاملكان ابرد ورطب‪ ،‬ومث‪ ...‬مع رائحة احليواانت هذه‪ ،‬ال ميكن‬
‫أن يُع َقل هذا‪ ...‬و‪ ...‬ال يُع َقل هذا من أجل املخلص‪».‬‬

‫فتجيب مرمي بتنهيدة كبرية‪« :‬أعرف ذلك‪ ،‬إّنا ليس لنا مكان يف بيت حلم‪».‬‬
‫«تشجعي اي امرأة‪ .‬سوف نبحث ِ‬
‫لك عن منزل‪».‬‬

‫ويقول رجل احلليب إيلي‪« :‬سأُ َكلِم سيديت‪ .‬إهنا طيبة وستستقبلكم حّت ولو اضطَُّرت للتنازل‬
‫لكم عن غرفتها‪ .‬سأُ َكلِمها عند طلوع النهار‪َّ .‬‬
‫إن بيتها مليء‪ ،‬ولكنها ستجد لكم فيه مكاانً‪».‬‬

‫«للصغري على األقل‪ .‬فأان ويوسف ال يهم إن بقينا هكذا على األرض‪ .‬إّنا من أجل الصغري‪»...‬‬

‫ُح ِدث أانساً كثريين مبا قيل لنا‪ .‬لن ينقصكم‬


‫«ال تغتمي اي امرأة‪ ،‬فأان أفكر يف ذلك‪ .‬سوف أ َ‬
‫شيء‪ .‬أما اآلن فتقبلوا منا ما ميكن أن يقدمه لكم فقران‪ .‬إننا رعاة‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 239 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يقول يوسف‪« :‬حنن أيضاً فقراء وال ميكننا تعويضكم‪».‬‬

‫«آه! حنن ال نريد! حّت ولو كنتم قادرين‪ ،‬فنحن ال نريد ذلك! الرب قد كافَأَان‪ ،‬لقد َو َع َد‬
‫ابلسالم لكل الناس‪ .‬كان املالئكة يقولون‪" :‬السالم للناس ذوي اإلرادة احلسنة"‪ .‬أما لنا حنن فقد‬
‫وج َهلَة‪ ،‬صحيح‪،‬‬ ‫الولَد هو املخلص‪ ،‬املسيح‪ ،‬الرب‪ .‬حنن فقراء َ‬
‫أعطاانه ألن املالك قال لنا إن هذا َ‬
‫ولكننا نَعلَم أن األنبياء قالوا إن املخلص سيكون أمري السالم‪ .‬وقد قال لنا أبن نقدم فروض العبادة‬
‫أنت أيتها‬ ‫له‪ ،‬فَمنَحنا بذلك سالمه‪ .‬اجملد هلل يف أعايل السماوات‪ ،‬واجملد ملن هو مسيحه! ومبارَكة ِ‬
‫َ‬ ‫َ َ‬
‫حتمليه! ُمرينا كملكة‪ ،‬فنحن‬ ‫كنت مستَ ِح َّقة ألن ِ‬
‫ك ِ‬ ‫أحشائك! ِ‬
‫أنت قديسة ألن ِ‬ ‫ِ‬ ‫املرأة اليت محَلتِ ِه يف‬
‫ِ‬
‫ألجلك؟»‬ ‫ِ‬
‫خبدمتك‪ .‬ماذا ميكننا فعله‬ ‫سوف نسعد‬
‫«ِ‬
‫أحبوا ابين واحفظوا دائماً هذه األفكار يف قلوبكم‪».‬‬
‫لك أهل تودين إخبارهم أبن ِ‬
‫ابنك قد‬ ‫ألجلك ِ‬
‫أنت؟ أليس ِ‬ ‫ِ‬ ‫«ولكن أال رغبة ِ‬
‫لك يف شيء‬
‫ُولِد؟»‬

‫«نعم يل أهل‪ .‬ولكنهم بعيدون عن هنا‪ ،‬إهنم يف اخلليل‪»...‬‬

‫أذهب إليهم‪َ .‬من ُهم؟»‬


‫يقول إيلي‪« :‬أان َ‬
‫«زكراي الكاهن‪ ،‬ونسيبيت أليصاابت‪».‬‬

‫«زكراي‪ ،‬آه! أان أعرفه جيداً‪ .‬إنين أذهب إىل جباله صيفاً‪ ،‬فهناك توجد مر ٍاع خصبة ومجيلة‪ ،‬وأان‬
‫صديق راعيه‪ .‬عندما أرى أن األمور هنا قد ترتبت سأمضي إىل زكراي‪».‬‬

‫لك اي إيلي‪».‬‬
‫«شكراً َ‬
‫«عفواً‪ .‬إنه لَ َشرف كبري يل‪ ،‬أان الرعي املسكني‪ ،‬أن أذهب ألحتدث إىل الكاهن وأقول له‪" :‬لقد‬
‫َولِ َد املخلص"‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 240 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫نسيبتك تقول‪ :‬إن يسوع قد ُولِد‪ .‬وتود لو أتيت إىل بيت‬
‫َ‬ ‫«ال‪ .‬بل ستقول له‪" :‬إن مرمي الناصرية‬
‫حلم"‪».‬‬

‫«سوف أقول له هذا‪».‬‬

‫رك‪ ،‬سأذكركم مجيعاً‪»...‬‬


‫ليكافئك هللا على ذلك‪ .‬سأذ ُك َ‬
‫َ‬ ‫«و‬
‫«سوف ُحتَ ِدثني ِ‬
‫ابنك عنا؟»‬

‫«نعم‪».‬‬

‫«أان إيلي‪».‬‬

‫«أان ليفي‪».‬‬

‫«وأان صموئيل‪».‬‬

‫«وأان يوان‪».‬‬

‫«وأان اسحق‪».‬‬

‫«وأان طوبيا‪».‬‬

‫«وأان يواناثن‪».‬‬

‫«وأان دانيال‪».‬‬

‫«وأان مسعان‪».‬‬

‫«وأان امسي يوحنا‪».‬‬

‫«أما أان فأُدعى يوسف وأخي بنيامني‪ ،‬وحنن توأمان‪».‬‬


‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 241 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«سوف أتذكر أمساءكم‪».‬‬

‫«جيب أن نذهب‪ ...‬لكننا سنعود‪ ...‬وسنأيت آبخرين للعبادة!‪»...‬‬

‫«كيف نعود إىل احلظرية اتركني هذا الصغري؟»‬

‫أظهَرهُ لنا!»‬
‫«اجملد هلل الذي َ‬
‫ويقول ليفي اببتسامة مالئكية‪« :‬دعينا نـُ َقبِل ثوبه‪».‬‬

‫ترفع مرمي يسوع هبدوء مع بقائها جالسة على القش وتُـ َق ِدم القدمني الصغريتني امللفوفتني‬
‫ابلقماش ليقبلومها‪ .‬وقد كان ال ُـملتَحون أول من مسحوا دموعهم‪ ،‬فاجلميع تقريباً تدمع عيوهنم‪ .‬وعندما‬
‫يضطرون للذهاب خيرجون سائرين للخلف اتركني قلوهبم قرب املذود‪.‬‬

‫هكذا تنتهي الرؤاي ابلنسبة يل‪ :‬مرمي جالسة على القش والطفل على صدرها‪ ،‬أما يوسف الذي‬
‫يستَنِد مبرفقيه على حافة املذود فينظر ويتعبد‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 242 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫كل الصفات الالزمة ليكونوا عابدي الكلمة)‬


‫‪( -50‬عند الرعاة توجد ّ‬
‫‪1944 / 05 / 07‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫ك متعبة ج ّداً‪ ،‬ولكن اصربي قليالً أيضاً‪ّ .‬إهنا أمسية مخيس اجلسد‪ .‬إبمكاين‬ ‫«اليوم‪ ،‬أان من يتكلّم‪ .‬إنّ ِ‬
‫ثتك عن الق ّديسني‬‫ثك عن اإلفخارستيا وعن الق ّديسني الذين أصبحوا رسل العبادة هلا‪ ،‬كما ح ّد ِ‬ ‫أن أح ّد ِ‬
‫َ ُُ‬
‫ثك عن أمر آخر وعن فئة أخرى من عابدي‬ ‫الذين كانوا رسل القلب األقدس‪ّ .‬إال أنّين أريد اآلن أن أح ّد ِ‬
‫ُُ‬
‫املتجسد‪.‬‬
‫ّ‬ ‫رواد هذه العبادة‪ّ .‬إهنم الرعاة‪ ،‬أوائل عابدي جسدي ككلمة هللا‬ ‫جسدي الذين ُهم ابلنسبة إليه ّ‬
‫مرة‪ ،‬وقد قيل كذلك عن طريق كنيسيت‪ :‬إ ّن الق ّديسني األبرار هم شهداء املسيح‬ ‫لقد ُ ِ‬
‫قلت لك ذلك ّ‬
‫األوائل‪ .‬واآلن أقول ِ‬
‫لك إن‪:‬‬

‫الرعاة هم أوائل عابدي جسد هللا‪ .‬ففيهم توجد كل املميزات الالزمة ليكونوا عابدي جسدي‪،‬‬
‫النفوس اإلفخارستية‪:‬‬

‫إميان متيقن‪ :‬لقد آمنوا بكالم املالك بشكل سريع وأعمى‪.‬‬

‫السـ ـ ـ ـخ ـ ـ ــاء‪ :‬إهنم يقدمون كل ما يكنزونه للرب‪.‬‬

‫التواض ـ ـ ـ ــع‪ :‬يتقربون من األشخاص األكثر فقراً بشرايً منهم‪ ،‬ببساطة وحبركات ال ذل فيها‬
‫ويُعلِنون أنفسهم خداماً هلم‪.‬‬

‫الــرغب ـ ـ ــة‪ :‬وما مل يستطيعوا تقدميه منهم تفننوا يف أتمينه سريعاً وبنخوة ُشجاعة‪.‬‬

‫سرعة الطاعة‪ :‬ترغب مرمي يف إخبار زكراي‪ ،‬فيذهب إيلي فوراً ومل يؤجل ذلك إىل وقت الحق‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 243 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أنت ِ‬
‫قلت‪" :‬يرتكون قلوهبم هناك"‪ ،‬فجاء‬ ‫ال ـ ـ ـحـ ـ ـ ــب‪ :‬أخرياً مل يستطيعوا االبتعاد عن املذود‪ ،‬و ِ‬
‫التعبري مالئماً‪.‬‬

‫ولكن أال ينبغي التصرف هكذا حّت مع سري؟ ‪.Sacrement‬‬

‫َظهر املالك نفسه أوالً‪ ،‬ومن الذي استحق اختبار‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬


‫شيء آخر‪ ،‬أقوله لك وحدك‪ :‬الحظي ملن أ َ‬
‫مشاعر املودة عند مرمي‪ .‬إنه الفّت ليفي‪ .‬فاهلل يُظ ِهر نفسه ملن ميتلك نفس طفل‪ ،‬كما يُظ ِهر له أسراره‪.‬‬
‫إنه يسمح له بسماع الكلمات اإلهلية وكلمات مرمي‪ .‬ومن ميتلك نفس طفل ميتلك كذلك جرأة ليفي‬
‫املقدسة ويقول‪" :‬دعيين أُقَـبِل ثوب يسوع"‪ .‬يقوهلا ملرمي‪ ،‬ألن مرمي هي اليت تعطيكم يسوع دائماً‪ ،‬هي‬
‫حاملة اإلفخارستيا‪ ،‬هي كأس القرابن احلي‪.‬‬

‫من يذهب إىل مرمي جيدين‪ .‬ومن يطلبين منها ينلين بواسطتها‪ .‬فابتسامة أمي حني تَطلُب منها‬
‫يسوعك‪ ،‬وألحبه"‪ ،‬جتعل السماء تشع أبلق حي وسعيد على قدر ما‬ ‫ِ‬ ‫إحدى املخلوقات‪" :‬أعطيين‬
‫متلك هي من الفرح‪.‬‬

‫قويل هلا إذن‪" :‬اجعليين أُقَـبِّل ثوب يسـوع‪ ،‬اجعليين أُقَـبِّل جراحه‪ ".‬وجتاسري كذلك أكثر وقويل هلا‪:‬‬
‫ألغرف منه الغبطة‪".‬‬ ‫ِ‬
‫"أرحيي رأسي على قلب يسوعك ُ‬
‫تعايل واسرتحيي‪ ،‬مثل يسوع يف املهد بني يسوع ومرمي‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 244 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫كراي)‬
‫‪( -51‬زايرة ز ّ‬
‫‪1944 / 05 / 08‬‬

‫كت أنين يف البيت‬


‫شاهدت لقاء اجملوس مع يسوع وسجودهم له‪ .‬أدر ُ‬
‫ُ‬ ‫أرى غرفة طويلة‪ ،‬حيث‬
‫أقامت العائلة املقدسة‪ .‬وأشاهد وصول زكراي‪.‬‬
‫الذي استضافهم‪ ،‬وحيث َ‬
‫مل تكن أليصاابت بصحبته‪ .‬لقد َهَر َعت صاحبة املنزل خارجاً الستقبال الضيف الذي وصل‪.‬‬
‫انس َحبَت بتحفظ‪ .‬يفتح يوسف ويهتف بتعجب فرحاً لرؤيته‬ ‫وقادته قرب ابب منخفض وقَـَر َعت مث َ‬
‫زكراي‪ ،‬ي ِ‬
‫دخله إىل الغرفة الصغرية الضيقة وكأهنا دهليز‪« :‬مرمي تُ ِ‬
‫رضع الصغري اآلن‪ ،‬انتظر قليالً‪ ،‬اجلس‪،‬‬ ‫ُ‬
‫أنت متعب‪ ».‬وجيلس الضيف على السرير وجيلس بقربه‪ .‬أَمسَع يوسف الذي يسأله عن أخبار‬ ‫حتماً َ‬
‫يوحنا‪ ،‬فيجيبه زكراي‪« :‬إنه يكرب شديداً مثل مهر‪ .‬إال أنه يعاين اآلن من أسنانه‪ ،‬هلذا مل نشأ اصطحابه‪،‬‬
‫فالطقس ابرد جداً‪ ،‬وكذلك أليصاابت مل أتت ألهنا ال تستطيع تركه دون رضاعة‪ .‬إهنا متأسفة ولكن‬
‫الطقس قاس جداً!»‬

‫جييب يوسف‪« :‬ابلفعل‪ ،‬الطقس ابرد جداً‪».‬‬

‫«الرجل الذي أرسلتُماه يل قال إنكما مل جتدا لكما منزالً أثناء الوالدة‪ .‬من يدري مقدار ما‬
‫عانيتُما‪».‬‬

‫«نعم‪ ،‬يف احلقيقة قد عانينا كثرياً‪ .‬ولكننا كنا خائ َفني أكثر منا متأل َمني‪ .‬كنا خائ َفني من أن‬
‫يؤدي ذلك إىل إيذاء الطفل‪ ...‬لقد اضطرران إىل املكوث يف مكاننا يف األايم األوىل‪ ،‬مل يكن ينقصنا‬
‫شيء‪ ،‬ألن الرعاة محلوا البشرى إىل أهل بيت حلم‪ ،‬وكثريون منهم محلوا لنا اهلدااي‪ .‬ولكن الذي كان‬
‫ينقصنا هو بيت‪ ،‬غرفة يف حالة جيدة‪ ،‬وسرير‪ ...‬وكان يسوع يبكي كثرياً‪ ،‬خاصة يف الليل‪ ،‬بسبب‬
‫كنت أُشعِل النار قليالً‪ ،‬قليالً جداً ألن الدخان كان يهيج السعال‬
‫الرايح اليت تدخل من كل اجلهات‪ُ .‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 245 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫لدى الطفل‪ ،‬وكان الربد مستمراً‪ .‬كان هناك حيواانن مينحانه القليل جداً من الدفء خاصة من اجلهة‬
‫اليت تندفع منها الريح‪ .‬مل يكن لدينا ماء ساخن لنغسله‪ ،‬وال مالبس جافة للتغيري له‪ .‬آه! لقد عاىن‬
‫ميكنك أن تتخيل مدى معاانهتا وهي أمه‪.‬‬
‫َ‬ ‫كنت أعاين‪...‬‬‫كثرياً! ومرمي أتلَّ َمت لرؤيته يعاين‪ ،‬وأان أيضاً ُ‬
‫أت مهداً مرحياً‬
‫كنت هي ُ‬
‫كانت تعطيه حليبها ودموعها‪ ،‬حليبها وحبها‪ ...‬أما اآلن فاحلال هنا أفضل‪ُ .‬‬
‫ض َعت عليه فراشاً وثرياً‪ .‬إال أنه يف الناصرة! آه! لو كان ُولِد هناك‪ ،‬لكان الوضع‬
‫جداً‪ ،‬وكانت مرمي قد َو َ‬
‫خمتلفاً كثرياً!»‬

‫«ولكن كان ينبغي أن يُولَد املسيح يف بيت حلم‪ .‬فاألنبياء كانوا قد أعلَنوا ذلك‪».‬‬

‫لدى مساعهما يتكلمان تدخل مرمي‪ .‬كانت ترتدي الصوف األبيض ابلكامل‪ .‬فهي قد نـََز َعت‬
‫الثياب الداكنة اليت كانت ترتديها أثناء السفر ويف املغارة‪ .‬وهي ترتدي اآلن ثوابً أبيضاً أبكمله كما‬
‫رأيتُها يف مرات أخرى‪ .‬كان رأسها عارايً وهي حتمل يسوع انئماً بني ذراعيها‪ ،‬وقد شبع من حليبها‪،‬‬
‫وهو يف أقمطته البيضاء‪.‬‬

‫ينهض زكراي ابحرتام وينحين إبجالل‪ ،‬مث يدنو وينظر إىل يسوع مع أمسى عالئم االحرتام‪ .‬إنه‬
‫ينحين ليس لرؤيته بشكل أفضل‪ ،‬إّنا لكي يـُ َعِرب عن والئه‪ .‬تُـ َق ِدمه مرمي له وأيخذه زكراي بِ ِسمات عبادة‬
‫كثرية حّت لَيبدو وكأنه حيمل بيت القرابن املقدس‪ .‬إنه ابحلقيقة حيمل القرابن بني ذراعيه‪ ،‬القرابن‬
‫ال ُـم َقدَّم الذي ستتم التضحية به عندما سيُمنَح للناس غذاء حب وفداء‪.‬‬
‫يعيد زكراي يسوع ملرمي‪ ،‬وجيلسون مجيعاً ويعيد زكراي ذكر السبب الذي من أجله مل ِ‬
‫أتت أليصاابت‪،‬‬
‫البنك املبارك‪ ،‬وقد محلتُها ِ‬
‫لك‪.‬‬ ‫وكم هي متأثرة لذلك‪« .‬لقد هيَّأَت خالل األشهر األخرية غيارات ِ‬
‫إهنا يف العربة حتت‪».‬‬

‫ينهض‪َ ،‬خي ُرج‪ ،‬مث يعود حامالً صرة كبرية وأخرى صغرية‪ ،‬يساعده يوسف يف فتح الصرة الكبرية‬
‫َ‬
‫واألخرى‪ ،‬وخيرج هداايه منهما‪ :‬غطاء صوف انعماً منسوجاً يدوايً‪ ،‬بياضات وثياابً صغرية‪ .‬ومن الصرة‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 246 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫الثانية ُخيرِج عسالً وطحيناً أبيض انصعاً وزبدة وتفاحاً ملرمي وفطائر َع َجنَتها و َخبَـَزهتا أليصاابت‪ ،‬وأشياء‬
‫أخرى كثرية تنم عن عاطفة أمومة من النسيبة العارفة للجميل جتاه األم الفتية‪.‬‬

‫ُسر كثرياً برؤيتها‪،‬‬


‫كنت سأ َ‬
‫لك كذلك‪ُ ...‬‬‫«ستقول ألليصاابت إنين ممتنة هلا كثرياً وأان ممتنة َ‬
‫ِ‬
‫ولكنين أُقَدر ظروفها‪ .‬وكذلك ُ‬
‫كنت أر َغب كثرياً رؤية يوحنا الصغري‪»...‬‬

‫«سرتاينه يف الربيع‪ ،‬سوف أنيت لنراكم‪».‬‬

‫فيقول يوسف‪« :‬الناصرة بعيدة جداً‪».‬‬

‫«الناصرة؟ ولكن عليكم البقاء هنا‪ .‬جيب أن ينمو املاسيا يف بيت حلم‪ .‬إهنا مدينة داود‪ ،‬والباري‬
‫تعاىل َج َعلَه أييت بواسطة إرادة قيصر ليولد يف أرض داود‪ ،‬أرض يهوذا املقدسة‪ .‬فلماذا أتخذانه إىل‬
‫عامل اليهود الناصريني‪ .‬جيب أن يكون هذا الطفل يف املستقبل خملص‬ ‫الناصرة؟ وأنتما تعلَمان كيف ي ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫شعبه‪ ،‬كما جيب أال َحتتَ ِقر العاصمة ملكها ألنه َخي ُرج من منطقة َحيتَ ِقرها‪ .‬وأنتما تعرفان مثلي كم اجملمع‬
‫شديد احلساسية‪ ،‬وكم أبناء الطبقات الرئيسية الثالث متحذلقون‪ ...‬ومث‪ ،‬هنا ستكونون قريبني مين‬
‫فأستطيع مساعدتكم قليالً‪ ،‬وأمتكن من وضع كل ما أملك‪ ،‬ليس فقط مادايً‪ ،‬بل إّنا كل املميزات‬
‫املعنوية اليت يل‪ ،‬يف خدمة هذا املولود اجلديد‪ .‬وعندما يصبح يف سن اإلدراك سأكون سعيداً أبن أكون‬
‫معلماً له مثل ابين ألانل احلق‪ ،‬عندما أكرب‪ ،‬أبن يباركين‪ .‬جيب أن نفكر يف َعظَ َمة مصريه‪ ،‬وأنه هلذا‬
‫السبب جيب أن يـُ َقدَّم للعامل بكل االمتيازات اليت جتعله يسيطر على املوقف بسهولة‪ .‬وهو‪ ،‬بكل‬
‫أتكيد‪ ،‬سيمتلك احلكمة‪ ،‬إّنا الفائدة الوحيدة اليت جينيها من كون أحد الكهنة هو معلمه‪ ،‬هي أن‬
‫ذلك جيعله مقبوالً بسهولة لدى الفريسيني املتطلِبني والكتبة‪ .‬وهذا يسهل عليه رسالته‪».‬‬

‫تنظر مرمي إىل يوسف‪ ،‬وكذلك يوسف ينظر إىل مرمي‪ .‬ومن فوق رأس الطفل الربيء الذي ينام‬
‫متورد اخلدين وال يلوي على شيء‪ ،‬كان تبادل األسئلة الصامت‪ .‬وهذه األسئلة كانت مطبوعة ابحلزن‪،‬‬
‫فمرمي تفكر ببيتها الصغري ويوسف يفكر بعمله‪ .‬وهنا جيب البدء من الصفر يف بناء كل شيء يف مكان‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 247 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫كانوا فيه منذ أايم جمهولني‪ .‬وهنا ال يوجد أي شيء من احلاجيات العزيزة والثمينة اليت بَِقيَت هناك‬
‫صنِ َعت بكثري من احلب للصغري‪.‬‬‫واليت ُ‬
‫مث تقول مرمي‪« :‬ولكن كيف العمل؟ فلقد تركنا كل شيء هناك‪ .‬يوسف قد َع ِمل كثرياً من أجل‬
‫ليعمل يف النهار من أجل اآلخرين‬
‫يعمل من أجله ليالً َ‬
‫يسوعي دون أن يوفر جهداً أو ماالً‪ .‬لقد كان َ‬
‫ليكسب ما يشرتي به من اخلشب أحاله ومن الصوف أنعمه ومن الكتان أنصعه بياضاً ليهيئ ما يليق‬
‫بيسوعي‪ .‬وكذلك رمم وقام أبعمال البناء ليضفي على البيت ترتيباً جديداً حبيث تتسع غرفيت للمهد‬
‫الذي سيبقى حّت يكرب يسوع فتتسع فيما بعد للسرير‪ ،‬ذلك أن يسوع سيبقى معي إىل أن يتجاوز‬
‫سن الفتوة‪».‬‬

‫«إبمكان يوسف أن ميضي فيجلب كل ما تركتموه‪».‬‬

‫أنت تعلم اي زكراي أننا فقراء ولسنا ّنلك سوى البيت والشغل‪ ،‬وكالمها يساعداننا‬
‫«وأين سنضعه؟ َ‬
‫يف كسب ما نُ َسِري به أمور معيشتنا دون أن جنوع‪ .‬وهنا قد جند عمالً‪ ...‬ولكن جيدر بنا أن نفكر‬
‫ابملنزل‪ .‬فهذه املرأة الطيبة ال ميكنها أن تستضيفنا كل العمر؛ وأان ال ميكنين أن أفرض على يوسف‬
‫تضحيات أكثر من تلك اليت َر ِض َي أن يتحملها حّت اآلن من أجلي‪».‬‬

‫«آه! أان! ابلنسـبة يل ال يهم‪ .‬فأان أفكر فقط يف أمل مرمي‪ ،‬يف معاانهتا لعدم متكنها من العيش يف‬
‫بيتها‪»...‬‬

‫وترقرقَت دمعتان كبرياتن يف عيين مرمي‪.‬‬


‫َ‬
‫«أظن أن هذا البيت‪ ،‬من املفروض أن يكون عزيزاً على قلبها للغاية‪ ،‬كالفردوس‪ ،‬بسبب املعجزة‬
‫اليت متت فيه‪ ...‬إنين قليل الكالم ولكنين أُد ِرك الكثري! وإن مل يكن هذا فلن يشغل ابيل أي أمر ألنين‬
‫كنت أعمله وأتدبر كل األمور‪ .‬هذا إذا مل تكن مرمي تتأمل‬
‫قوي البنية وفيت وقادر على عمل ضعف ما ُ‬
‫قلت إن التصرف هبذا الشكل هو اجليد والسليم‪ ...‬فبالنسبة يل‪ ...‬ها أنذا‪ .‬وسأعمل‬ ‫كثرياً‪ ...‬وإذا َ‬
‫لك األصح‪ .‬يكفيين أن يكون األكثر نفعاً ليسوع‪».‬‬ ‫ما يبدو َ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 248 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وستَ ِجدان الدواعي‪».‬‬ ‫ِ‬
‫«إن هذا سيخدم مصلحته ابلتأكيد‪ .‬فَكرا فيه َ‬
‫تعرتض مرمي قائلة‪« :‬ويقال كذلك إن ماسيا سيدعى انصرايً‪»...‬‬

‫«هذا صحيح‪ ،‬ولكن على األقل‪ ،‬طاملا مل يبلغ بعد سن الرشد‪ ،‬فدعوه يكرب يف اليهودية‪ .‬فلقد‬
‫قال النيب‪" :‬و ِ‬
‫أنت اي بيت حلم إفراات‪ ،‬ستكونني األعظم‪ ،‬ألنه ِ‬
‫منك َخي ُرج املخلص"‪ .‬ومل يتحدث عن‬
‫لست أدري ألي سبب‪ .‬ولكن موطنه هو هذا‪».‬‬ ‫ِ‬
‫الناصرة‪ .‬قد تكون هذه التسمية قد أُطل َقت عليه ُ‬
‫ونعطيك احلق‪ .‬ولكن اي له‬
‫َ‬ ‫كالمك‪...‬‬
‫َ‬ ‫قلت أيها الكاهن‪ ،‬وحنن‪ ...‬حنن‪ِ ...‬أبََمل نسمع‬
‫أنت َ‬‫« َ‬
‫كت مدى‬ ‫أصبحت أماً؟» وتبكي مرمي هبدوء‪ .‬وقد أدر ُ‬
‫ُ‬ ‫من أمل!‪ ...‬مّت سأرى ذلك البيت الذي فيه‬
‫غمها‪ .‬آه! نعم لقد أدركتُه!‬

‫وابلنسبة يل تنتهي الرؤاي عند بكاء مرمي‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 249 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫املكرسة)‬
‫‪( -52‬يوسف حيمي كذلك النفوس َّ‬

‫‪1944 / 05 / 08‬‬

‫بعد ذلك تقول يل مرمي‪:‬‬

‫ِ‬
‫روحك‬ ‫ك سوف ترينين أبكي بشكل أشد أيضاً‪ .‬فأان اآلن أرفع‬ ‫«لقد أدركتِ ِه‪ ،‬أان أعلَم‪ ،‬ولكن ِ‬
‫جبعلك تَرين قداسة يوسف‪ .‬لقد كان رجالً‪ ،‬يعين أنه مل يكن ميتلك سوى قداسته كمساعد لروحه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كنت‬
‫كمنزهة عن اخلطيئة‪ .‬مل أكن أعرف أين ُ‬ ‫ابلنسبة يل‪ ،‬فقد كانت يل كل نِ َعم هللا ضمن ظرويف َّ‬
‫كذلك‪ ،‬إّنا يف قرارة نفسي كانت منابع نشاط‪ ،‬وكذلك كان هناك ما يهبين قوى روحية‪ .‬أما هو فلم‬
‫يكن منزهاً عن اخلطيئة‪ ،‬بل كان حيمل يف ذاته اإلنسانية بعبئها الثقيل‪ ،‬وكان عليه مع كل هذا الثقل‬
‫أن يرتقي إىل الكمال‪ ،‬فكان ذلك يكلفه جهداً متواصالً مع استخدام كل مقدراته ليحصل على إرادة‬
‫الوصول إىل الكمال‪ ،‬وأن يكون مقبوالً لدى هللا‪.‬‬

‫آه! اي عروسي القديس! قديس يف كل شيء حّت األكثر تواضعاً يف الوجود‪ .‬قديس لعفته‬
‫املالئكية‪ ،‬قديس لنزاهته كإنسان‪ ،‬قديس لصربه وحرارته يف العمل‪ ،‬لصفائه الثابت دائماً‪ ،‬لزهده‪ ،‬لكل‬
‫شيء‪ .‬وتتألأل قداسته كذلك يف هذا احلَ َدث‪ .‬يقول له كاهن‪" :‬حيسن أن تقيم هنا"‪ .‬وعلى الرغم من‬
‫معرفته املسبقة ابلتعب الكبري الذي ينتظره‪ ،‬يقول‪" :‬ابلنسبة يل‪ ،‬ال يهم‪ .‬أفكر يف معاانة مرمي‪ .‬وإن مل‬
‫فلست أقلق بشأن نفسي‪ ،‬يكفي أن يكون هذا يف مصلحة يسوع"‪ .‬يسوع‪ ،‬مرمي‪ُ :‬حباه‬ ‫ُ‬ ‫يكن هذا‪،‬‬
‫كرس نفسه ابلكامل كخادم هلذا احلب‪.‬‬ ‫املالئكيان‪ .‬مل حيب غريمها على األرض‪ ،‬عروسي القديس‪ ،‬وقد َّ‬

‫لقد ُجعِ َل شفيعاً للعائالت املسيحية وللعمال وكذلك لفئات كثرية‪ .‬إّنا ينبغي أن ال يكون‬
‫املكرسة هلل كذلك‪ .‬ومن ذا الذي‪ ،‬بني‬
‫شفيعاً للمحتضرين واألزواج والعمال فقط‪ ،‬بل لكل النفوس َّ‬
‫كرس نفسه مثله خلدمة إهله‪ ،‬راضياً بكل‬ ‫ِ‬
‫املكرسني ذواهتم يف هذا العامل خلدمة هللا‪ ،‬مهما يكن‪ ،‬قد َّ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 250 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫شيء‪ ،‬متنازالً عم كل شيء‪ ،‬متحمالً كل شيء‪ ،‬متمماً كل شيء بسرعة وفرح وعن طيب خاطر على‬
‫الدوام كما فَـ َع َل هو ذلك؟ ال يوجد أحد‪.‬‬

‫جعلتك تالحظينه‪ ،‬بل أمران‪ .‬زكراي كان كاهناً ويوسف مل يكن كذلك‪ ،‬إّنا‬ ‫ِ‬ ‫وهناك أمر آخر‬
‫انظري كم كان روحه‪ ،‬وهو الذي مل يكن كاهناً‪ ،‬متجهاً صوب السماء أكثر من الكاهن‪ .‬زكراي يفكر‬
‫بشرايً‪ ،‬ويـُ َف ِسر ما ُكتِب كذلك بشرايً‪ ،‬وهذه ليست املرة األوىل اليت يفعلها فيها‪ ،‬إنه ينقاد كثرياً للحس‬
‫البشري اجليد‪ .‬لقد عوقب لذلك‪ ،‬ولكنه عاد فوقع يف املطب ذاته‪ ،‬حّت ولو كان أقل جسامة‪ .‬لقد‬
‫كنت أان طاعناً يف السن وزوجيت عاقراً؟" ويقول اآلن‪:‬‬ ‫قال بشأن والدة يوحنا‪" :‬كيف يكون هذا إذا ُ‬
‫"لتمهيد الطريق أمام يسوع جيب أن ينمو هنا"‪ .‬وعلى هذا األساس من الكربايء الذي يظل عند الطبقة‬
‫الراقية‪ ،‬يفكر أنه يستطيع هو أن يكون ذا منفعة ليسوع‪ .‬ليس ذا منفعة كما يريدها يوسف بكونه‬
‫خادماً لـه‪ ،‬إّنا بكونه معلمـاً لـه‪ ...‬لقد َغ َفَر هللا لـه ِحلُسن نيته‪ ،‬ولكن هل كان "املعلم" يف حاجة إىل‬
‫معلِ ِمني؟‬

‫لت أن أجعله يرى النور يف النبوءات‪ .‬ولكنه كان يظن نفسه أعلَم مين‪ ،‬وقد واءَ َم‬‫لقد حاو ُ‬
‫ِ‬
‫جعلتك‬ ‫داخلَته بطريقته‪ .‬لقد كان إبمكاين اإلصرار وإفحامه‪ .‬ولكن ‪-‬وهنا املالحظة الثانية اليت‬
‫ُم َ‬
‫تالحظينها‪ -‬ولكين احرتمت الكاهن بسبب مقامه وليس بسبب ِعلمه‪.‬‬

‫قلت "عادة" ألن ذلك يكون حينما يكون‬ ‫ِ‬


‫تُنار بصرية الكاهن عادة من قبَل هللا بشكل دائم‪ُ .‬‬
‫كاهناً حقيقياً‪ .‬فليس الثوب هو الذي جيعل شخصيته مقدسة‪ ،‬بل النَّفس‪ .‬للحكم على كاهن أنه‬
‫كاهن حقيقي‪ ،‬جيب احلكم على ما خيرج من نفسه‪ .‬فكما قال يسوعي‪ :‬من النَّفس َّترج األشياء اليت‬
‫فسد‪ :‬اليت تُظ ِهر ابلكامل طريقة تصرف شخص‪ .‬لذا فحني يكون أحدهم كاهناً‬ ‫قدس أو اليت تُ ِ‬‫تُ ِ‬
‫حقيقياً فإنه يكون ُم َلهماً دائماً من هللا‪ .‬بينما اآلخرون الذين هم غري ذلك فيجب أن حنمل هلم حمبة‬
‫فائقة الطبيعة وأن نصلي ألجلهم‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 251 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫جعلك يف خدمة هذا الفداء ولست أُحل‪ .‬كوين سعيدة بتأل ِ‬
‫مك ليزداد عدد الكهنة‬ ‫ِ‬ ‫ولكن ابين قد‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫يرشدك‪ ،‬آمين وأطيعي نصائحه‪.‬‬ ‫احلقيقيني‪ .‬بينما ِ‬
‫أنت‪ ،‬فلتتكئي على كلمة من‬

‫الطاعة تُ ِنقذ دائماً‪ ،‬حّت ولو كانت النصيحة اليت نتلقاها غري كاملة من مجيع جهاهتا‪ .‬لقد ر ِ‬
‫أيت‬
‫صَر على ذبح أطفال بيت حلم‬ ‫ذلك‪ :‬لقد أطعنا وكنا يف ذلك سعيدين‪ .‬يف احلقيقة إن هريودس قد اقتَ َ‬
‫وحميطها‪ ،‬ولكن أمل يكن ابستطاعة الشيطان أن جيعله ميد سيل جرائمه إىل أبعد من ذلك كثرياً‪ ،‬وأن‬
‫يدفع كل الشخصيات ذوات النفوذ يف فلسطني إىل جرمية مشاهبة حملو مستقبل َملِك اليهود؟ كان‬
‫يستطيع ذلك‪ .‬وقد كان هذا ممكن احلدوث يف األزمنة األوىل للمسيح‪ ،‬عندما لََفتَت املعجزات انتباه‬
‫اجلموع ونظر ذوي النفوذ‪ .‬فلو حدث ذلك‪ ،‬كيف كنا سنستطيع اجتياز كل فلسطني لنأيت من الناصرة‬
‫املضطهدون‪ ،‬والسفر مع مولود صغري وأثناء‬ ‫َ‬ ‫البعيدة إىل مصر‪ ،‬األرض اليت كان يلجأ إليها اليهود‬
‫هيجان االضطهاد؟ لقد كان اهلروب من بيت حلم أسهل حّت ولو كانت املعاانة بنفس الدرجة‪.‬‬
‫فالطاعة تُ ِنقذ دائماً‪ .‬تذكري ذلك‪ .‬واحرتام الكاهن هو على الدوام عالمة الكمال املسيحي‪.‬‬

‫الويل ‪-‬وقد قاهلا يسوع‪ -‬الويل للكهنة الذين يفقدون الشعلة الرسولية! والويل ملن يظن نفسه‬
‫ويوزعون اخلبز احلقيقي النازل من السماء‪ .‬وهذا‬ ‫يقدسون ِ‬‫ذا سلطة على احتقارهم! ففعلياً هم الذين ِ‬
‫االحتكاك جيعلهم قديسني‪ ،‬مثل كأس مقدسة‪ ،‬حّت ولو مل تكن شخصيتهم كذلك‪ .‬إهنم يستجيبون‬
‫هلل يف ذلك‪ .‬أما أنتم فال تنظروا إال إىل مقامهم وال هتتموا ابلباقي‪ .‬ال تكونوا أكثر تشدداً من ربكم‬
‫يسوع‪ ،‬الذي يرتك السماء أبمر منهم وينزل لريفَع أبيديهم‪ .‬تعلموا منه‪ ،‬وإذا كانوا عمياانً‪ ،‬إذا كانوا‬
‫صماً‪ ،‬إذا كانت نفوسهم مشلولة‪ ،‬وأفكارهم مريضة‪ ،‬وإذا كانوا مصابني جبذام األخطاء اليت تتناىف‬ ‫ُ‬
‫ورسالتهم‪ ،‬وإذا كانوا لعازر يف القرب‪ ،‬فاطلبوا يسوع ليشفيهم ويرد هلم احلياة‪.‬‬

‫بصالتك و ِ‬
‫أملك أيتها النفوس الضحية‪ .‬فإن إنقاذ نفس يعين هتيئة مكان للذات يف‬ ‫ِ‬ ‫اطلبيه‬
‫السماء سلفاً‪ .‬إّنا إنقاذ نفس كهنوتية يعين إنقاذ عدد كبري من النفوس‪ ،‬ألن كل كاهن قديس هو‬
‫كالشبكة اليت ِ‬
‫جتتذب النفوس إىل هللا‪ .‬وإنقاذ كاهن يعين تقديسه‪ ،‬تقديسه من جديد يعين جعله‬
‫شبَ َكة روحانية‪ .‬وكل غنيمة له تضيف إىل إكليلكم األبدي بريق نور جديد‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 252 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اذهيب بسالم‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 253 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -53‬تقدمة يسوع إىل اهليكل)‬

‫‪1944 / 02 / 01‬‬

‫أرى شخصني ِ‬
‫يغادران منزالً متواضعاً جداً‪ .‬أُماً فتية جداً هتبط من سلم خارجي صغري‪ ،‬وبني‬
‫ذراعيها طفل ابلقماط األبيض‪.‬‬

‫فت عليها‪ ،‬إهنا أُمنا‪ .‬إهنا ذاهتا شاحبة‪ ،‬شقراء‪ ،‬رشيقة ولطيفة جداً يف كل حتركاهتا‪ .‬إهنا‬
‫لقد تعر ُ‬
‫ترتدي ثوابً أبيضاً ومعطفاً الزوردايً فاحتاً يلفها‪ ،‬وعلى رأسها وشاح أبيض‪ .‬وهي حتمل طفلها بعناية‬
‫فائقة‪ .‬وعند أسفل السلم الصغري ينتظرها يوسف إىل جانب محار رمادي‪ .‬وكان يرتدي ثوابً كستنائياً‬
‫صل إىل جانب احلمار‪ ،‬ينقل‬ ‫فاحتاً ومعطفاً ابللون ذاته‪ .‬وقد كان ينظُر إىل مرمي ويبتسم هلا‪ .‬وعندما تَ ِ‬
‫اللجام إىل اليد اليسرى وأيخذ منها الطفل النائم هبدوء للحظة‪ ،‬ريثما تستقر مرمي جيداً على السرج‪،‬‬
‫مث يعيد إليها يسوع‪ ،‬وينطلقان‪.‬‬

‫يسري يوسف إىل جانب مرمي وهو ميسك بلجام املطية جاعالً إايها تسري بشكل سوي ودون‬
‫أن تكبو‪ .‬ومرمي تضم يسوع إىل صدرها خشية أن يؤذيه الربد‪ ،‬وهي تلفه بِطيَّة معطفها‪ .‬يتكلم الزوجان‬
‫قليالً جداً‪ ،‬ولكنهما يبتسمان لبعضهما يف أغلب األحيان‪.‬‬

‫الطريق ليست ّنوذجية‪ ،‬وهي متتد عرب قرية َعَّراها الشتاء‪ .‬يقابلهما بعض املسافرين أو‬
‫يقاطعوهنما‪ ،‬ولكن ذلك اندر احلدوث‪.‬‬

‫ظهر بعض املنازل‪ ،‬وجدران تُ َس ِور املدينة‪ ،‬يدخل العروسان من أحد األبواب‪ ،‬مث يشرعان‬
‫مث تَ َ‬
‫ابملسري يف شوارع املدينة غري املنتظمة‪ .‬يصبح السري أكثر صعوبة‪ ،‬إ ْن بسبب حركة السري اليت جتعل‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 254 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫املطية تقف يف كل حلظة‪ ،‬وإ ْن بسبب احلجارة والتشققات اليت تعرتضها فتسبِب اهتزازات مستمرة‬
‫تزعج مرمي والطفل‪.‬‬

‫الطريق ليست مستوية‪ ،‬إهنا تصعد قليالً‪ ،‬وهي ضيقة بني املنازل العالية ذات املداخل الضيقة‬
‫جداً واملنخفضة والنوافذ القليلة جداً على الشارع‪ .‬يف األعلى تظهر السماء بني البيوت والسطوح قِطَ َعاً‬
‫الزوردية متعددة‪ ،‬ويف األسفل يف الشارع‪ ،‬هناك أانس يصرخون ويتقابلون وآخرون يسريون أو يركبون‬
‫حمملة‪ ،‬وآخرون يسريون خلف قافلة ِمجال مزدمحة‪ .‬ويف أحد األمكنة متر دورية‬ ‫احلمري أو جيرون محرياً َّ‬
‫من اجلنود الرومان ُحم ِدثة الكثري من َجلَبَة النِعال والسالح‪ ،‬مث حيتجبون خلف قنطرة جتتاز شارعاً ضيقاً‬
‫وكثري احلجارة‪.‬‬

‫ينعطف يوسف إىل اليسار ليسلك طريقاً أعرض وأمجل‪ .‬أرى السور ذا الشرفات الذي أعرفه‬
‫يف آخر الشارع‪.‬‬

‫ترتجل مرمي قرب الباب حيث يوجد نوع من املالجئ للحمري‪ .‬أقول "ملجأ" ألنه عبارة عن‬
‫َّ‬
‫عنرب أو ابألحرى ملجأ مغطى ومفروش ابلقش‪ ،‬توجد فيه أواتد متصلة حبلقات لربط ذوات األربع‪.‬‬
‫يعطي يوسف أحد الغلمان بعض الدراهم فيجري لشراء بعض العلف‪ ،‬مث يسحب دلواً من املاء من‬
‫بئر بدائي يف إحدى الزوااي ليقدمه للحمار‪.‬‬

‫مث يلحق مبرمي ليدخال معاً داخل سور املعبد‪ .‬يتوجهان ابدئ ذي بدء صوب رواق يتواجد فيه‬
‫أولئك الناس الذين ضرهبم يسوع ابلسوط فيما بعد بشكل عنيف‪ :‬ابئعو اليمام واحلمالن والصيارفة‪.‬‬
‫يشرتي يوسف زوج محام أبيض‪ .‬مل يبدل أبداً عملة مما يشري إىل أنه أصبَ َح لديه كل ما يَ َلزم‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 255 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يتوجه يوسف ومرمي صوب ابب جانيب‪ ،‬يُرتقى إليه بثماين درجات‪ ،‬كذلك كانت كل األبواب‬
‫حبيث إن كتلة اهليكل كانت مرتفعة عن األرض احمليطة‪ .‬هلذا الباب ردهة كبرية تشبه املداخل الرئيسية‬
‫لبيوتنا يف املدينة‪ ،‬تقريباً لألذهان‪ ،‬ولكنها أكرب وأكثر زينة‪ .‬وعلى اليمني واليسار يوجد هنا نوعان من‬
‫اهلياكل‪ ،‬أي أن مستطيلني مبنيان‪ ،‬ومل أحلظ يف البداية ما الفائدة منهما‪ .‬إهنما مثل حوضني قليلي‬
‫العمق حيث ينخفض الداخل عن احلافة اخلارجية املرتفعة بضعة سنتيمرتات‪.‬‬

‫لست أدري إذا كان يوسف هو الذي طَلَب‪ :‬ذلك أن كاهناً يهرع إليهما‪ .‬تُ ِ‬
‫قدم له مرمي طريي‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫احلمام املسكينني‪ ،‬فأدركت آنذاك مصريمها وأشحت بوجهي‪ .‬أ ِ‬
‫ُالحظ تزيينات الباب الثقيل جداً‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والسقف والبهو‪ .‬يبدو يل مع ذلك أنين أرى بطرف عيين الكاهن يرش مرمي ابملاء‪ .‬ينبغي أن يكون‬
‫هذا ماء إذ إنين مل َأر بقعاً على ثوهبا‪ .‬مث إن مرمي اليت أعطت الكاهن‪ ،‬مع طريي احلمام‪ ،‬قبضة دراهم‬
‫نسيت قول ذلك) تدخل مع يوسف إىل اهليكل‪ ،‬ابملعّن الصحيح‪ ،‬يصحبهما الكاهن‪.‬‬
‫ُ‬ ‫(لقد‬

‫أَنظُر إىل كل اجلهات‪ .‬إنه مكان مليء ابلتزيينات‪ ،‬منحواتت رؤوس مالئكة‪ ،‬أغصان وتزيينات‬
‫على طول العواميد وعلى اجلدران والسقف‪ .‬أما النور فيدخل من خالل نوافذ طويلة وغريبة الشكل‪،‬‬
‫نح ِرف‪ ،‬أظنه ملنع املطر من التسرب‬
‫ضيقة وطبيعية بدون زجاج‪ ،‬ومتوضعة على اجلدار بشكل ُم َ‬
‫للداخل‪.‬‬

‫تصل مرمي إىل مكان معني تقف عنده‪ ،‬وعلى بضعة أمتار منها توجد درجات أخرى يف أعالها‬
‫نوع آخر من اهلياكل‪ ،‬ويليه إنشاء آخر‪.‬‬

‫كنت داخل األبنية احمليطة ابهليكل‬


‫كنت أظن نفسي يف اهليكل‪ :‬على العكس‪ ،‬لقد ُ‬
‫أتنبه إىل أنين ُ‬
‫كنت أظنه‬
‫ابملعّن الصحيح‪ ،‬أي قدس األقداس حيث ال ميكن ألحد الدخول سوى الكهنة‪ .‬وما ُ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 256 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اهليكل‪ ،‬مل يكن سوى ردهة ُمغلَ َقة وهي حتيط ابهليكل حيث يوجد اتبوت العهد من جهاته الثالث‪.‬‬
‫لست معمارية أو مهندسة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫قت يف التعبري‪ ،‬ذلك أنين ُ‬
‫كنت قد ُوف ُ‬‫لست أدري ما إذا ُ‬
‫ُ‬

‫تُـ َق ِدم مرمي الطفل الذي استي َق َ‬


‫ظ وهو جييل نظره الربيء حوله‪ ،‬وينظر إىل الكاهن بدهشة‪ ،‬نظرة‬
‫طفل مل يتجاوز األايم املعدودة‪ .‬فيأخذه هذا األخري بني ذراعيه ويرفعه بذراعني ممدودتني ووجهه صوب‬
‫َّر َجات‪ .‬مث ينتهي الطقس الديين ويُعاد الطفل إىل أمه وميضي‬
‫اهليكل وهو واقف أمام هيكل فوق الد َ‬
‫نح ٍن ويسري بصعوبة‬
‫الكاهن‪ .‬كان هناك أانس فضوليون ينظرون‪ ،‬يربز من بينهم عجوز قصري القامة ُم َ‬
‫جتاوَز الثمانني‪ .‬فيدنو من مرمي ويطلب منها‬
‫فرتض أنه طَ َعن كثرياً يف السن‪ ،‬أظنه َ‬
‫متكئاً على عكاز‪ ،‬يُ ََ‬
‫أن تعطيه الطفل للحظة‪ .‬وتليب مرمي طلبه ِ‬
‫مبتسمة‪.‬‬

‫كنت‪ ،‬على الدوام‪ ،‬أعتَ ِقد أنه من السلك الكهنويت‪ ،‬ولكنه يف احلقيقة على‬ ‫إنه مسعان‪ ،‬وقد ُ‬
‫عكس ذلك‪ ،‬إنه جمرد مؤمن بسيط‪ ،‬وميكن َّتمني ذلك من ثوبه‪ .‬أيخذ الطفل ويـُ َقبِله‪ .‬يبتسم لـه يسوع‬
‫مبالمح الرضيع غري الواضحة‪ .‬يبدو أنه يتأمله بفضول‪ ،‬ألن العجوز القصري القامة يبكي ويضحك يف‬
‫صعة تَلِج جتاعيده لتَس ُقط على حليته الطويلة البيضاء‬
‫الوقت ذاته‪ ،‬ودموعه تُ َش ِكل على وجهه رسوماً ُمَر َّ‬
‫اليت ميد يسوع يديه إليها‪ .‬هو يسوع‪ ،‬ولكنه يظل الطفل الصغري الذي يثري انتباهه كل شيء يتحرك‬
‫أمامه‪ ،‬وجيعله ميسك به بشكل عفوي لريى ما هو‪ .‬يبتسم يوسف ومرمي وكذلك األشخاص املوجودون‬
‫الذين يثنون على مجال الطفل‪.‬‬

‫إنين أمسَع كلمات العجوز القديس‪ ،‬وأرى نظرة الدهشة على حميا يوسف وأتثُّر مرمي وتفاعالت‬
‫ومند ِهشون من كالم العجوز‪ ،‬والبعض‬‫اجلمع الصغري من األشخاص املوجودين‪ ،‬فالبعض متأثِرون َ‬
‫اآلخر يضحكون ضحكة جنونية‪ .‬ومن بني هؤالء يوجد رجال ملتحون وأعضاء متغطرسون من اجملمع‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 257 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اليهودي الذين يهزون رؤوسهم‪ .‬إهنم ينظرون إىل مسعان بشفقة ساخرة‪ ،‬فال بد أهنم يعتقدون دون شك‬
‫أن سنه الكبري قد أفقده عقله‪.‬‬

‫اخرتقَت‬ ‫ِ‬
‫وَّتبو ابتسامة مرمي بشحوب ابلغ حني يُعلن هلا مسعان عن األمل‪ .‬ورغم معرفتها‪ ،‬فقد ََ‬
‫كلماته نفسها‪ ،‬وتقرتب من يوسف أكثر لتجد عزاء هلا؛ وتضم ابنها إىل صدرها بشغف‪ .‬وكنفس‬
‫فإهنا تشفق على آالم مرمي‬ ‫فإهنا ترتوي بكلمات حنة اليت لفانوئيل‪ ،‬واليت لكوهنا امرأة مثلها‪َّ ،‬‬ ‫عطشى‪َّ ،‬‬
‫وتَعِدها أبن األزيل َسيُـلَ ِطف ساعة األمل إبعطائه هلا قوة فائقة الطبيعة‪« :‬أيتها املرأة‪ ،‬إن الذي َمنَ َح شعبه‬
‫صر الرب يوماً يف مد يد العون لنساء‬ ‫دموعك‪ .‬مل يـ َق ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إعطائك مالكه ليمسح‬ ‫املخلص‪ ،‬لن يبخل يف‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫مينحك إهلنا قلباً ذهبياً نقياً جداً ملقاومة‬ ‫أنت أكثر من يهوديت وايئيل‪ ،‬فسوف‬ ‫إسرائيل العظيمات‪ ،‬و ِ‬
‫أنت أيها الصغري اذكرين ساعة‬
‫حبر اآلالم الذي به ستصبحني أعظم امرأة يف اخلليقة كلها‪ ،‬األم‪ .‬و َ‬
‫انبعاثك‪».‬‬
‫َ‬

‫وهنا تتوقف الرؤاي ابلنسبة يل‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 258 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬
‫‪ِ -54‬‬
‫(الع َرب اليت تنبثق من املشهد السابق)‬

‫‪1944 / 02 / 02‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫« ِع َرباتن تالئمان اجلميع قد انبثَـ َقتا عن الوصف الذي أعطيتيه‪.‬‬


‫ِ‬
‫العربة األوىل‪ :‬ال تنكشف احلقيقة للكاهن الغارق يف الطقوس وروحه غائبة‪ ،‬إّنا هي تنكشف‬
‫للمؤمن البسيط‪.‬‬

‫املكرس لكل ما‬


‫كان ينبغي للكاهن املتصل دائماً ابأللوهة‪ ،‬امللتزم ابلعناية بكل ما يرتبط ابهلل‪َّ ،‬‬
‫هو سام ابلنسبة لكائن بشري‪ ،‬أن يرى فوراً ماهية الطفل الذي قُ ِدم إىل اهليكل يف ذلك الصباح‪.‬‬
‫ولكن لكي يستطيع أن يراه كان ال بد له من روح متيقظة‪ ،‬وليس فقط ثوابً يغطي روحاً قد تكون‬
‫ميتة‪ ،‬أو أقله انئمة‪ .‬إن روح هللا قادر لو أراد أن يُدوي أو ُحي ِرك مثل الربميل أو اهلزة األرضية حّت الروح‬
‫األكثر انغالقاً‪ .‬يستطيع ذلك‪ .‬ولكن مبا أنه يف العادة روح نظام‪ ،‬ومبا أنه نظام هللا يف مجيع الناس وفق‬
‫لست أقول حيث يُقابِل استحقاقاً كافياً الستقبال فيضه ‪-‬إذ‬ ‫طريقته ابلتفاعل‪ ،‬فإنه ينتشر ويتكلم‪ُ ،‬‬
‫أنت فلن تتمتعي أبنواره‪ -‬ولكن حيثما‬ ‫سيكون عدد احلاصلني على هذه النعمة ضئيل جداً‪ ،‬وكذلك ِ‬
‫َِجيد ما يكفي من "اإلرادة الطيبة" الستقطاب هذا الفيض‪.‬‬

‫ظهر هذه اإلرادة الطيبة؟ حبياة‪ ،‬على قدر اإلمكان‪ ،‬متأتية أبكملها من هللا‪ ،‬ابإلميان‬‫كيف تَ َ‬
‫والطاعة والطهارة واحملبة واجلود والصالة‪ ،‬ليس ابملمارسات الظاهريّة بل ابلصالة‪ .‬فالفرق بني الليل‬
‫والنهار أقل من الفرق بني املمارسات والصالة‪ .‬إن الصالة هي احتاد الروح مع هللا حيث خنرج منها‬
‫ِ‬
‫ومصممني على أن نكون دائماً أكثر احتاداً ابهلل‪ .‬أما املمارسات الظاهرية فهي عادة معينة‬ ‫منتعِشني‬
‫ذات أهداف خمتلفة ولكنها دائماً أاننية‪ .‬تبقيكم كما أنتم أو حّت بزايدة خطيئة كذب وَك َسل‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 259 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫كانت لسمعان هذه اإلرادة الطيبة‪ .‬مل تستثنيه احلياة من املضايق وال التجارب‪ ،‬ولكنه مل يفقد‬
‫إرادته الطيبة‪ .‬تقلبات السنني مل تُ ِنقص أو تُـَزع ِزع إميانه ابلرب وبوعوده‪ ،‬وكذلك مل تَكبَح إرادته الطيبة‬
‫عن أن يبقى أكثر استحقاقاً هلل على الدوام‪ .‬وقبل أن تُغ َمض عينا خادم هللا األمني عن نور الشمس‬
‫َرس َل هللا‬
‫يف انتظار انفتاحهما على مشس هللا املشعة يف السماوات املنفتحة لصعودي بعد الشهادة‪ ،‬أ َ‬
‫له شعاعاً من روحه الذي قاده إىل اهليكل لريى النور ذاته اآليت إىل العامل‪.‬‬

‫صديق كامل هو‬ ‫"يقوده الروح القدس"‪ .‬هكذا يقول اإلجنيل املقدس‪ .‬آه! لو يعرف الناس أي َ‬
‫الروح القدس! أي م ِ‬
‫رشد! أي معلم! لو كانوا حيبونه ويناشدون ُحب الثالوث األقدس هذا‪ ،‬نور النور‬ ‫ُ‬
‫هذا‪ ،‬انر النار هذا‪ ،‬وهذا الذكاء‪ ،‬هذه احلكمة! كم سيصبحون أكثر اطالعاً على ما هو ضروري أن‬
‫يعرفوه!‬

‫انظري اي ماراي‪ ،‬انظروا اي أبنائي‪ .‬لقد انتَظََر مسعان حياة بطوهلا قبل أن "يرى النور"‪ ،‬قبل أن‬
‫"من غري اجملدي أن أواظب‬ ‫يعرف أن وعد هللا قد مت‪ .‬ولكنه مل يشك يوماً‪ ،‬كما مل يقل يوماً لنفسه‪ِ :‬‬
‫ب‪ ،‬فنال أن "يرى" ما مل يره الكاهن وأعضاء اجملمع اليهودي املتكربون‬
‫على الرجاء والصالة"‪ ،‬ولقد واظَ َ‬
‫والعميان‪ :‬ابن هللا‪ ،‬املاسيا‪ ،‬املخلص يف جسد هذا الطفل الذي َمنَ َحهُ دفئاً وابتسامة‪ .‬لقد انل ابتسامة‬
‫هللا كمكافأة أوىل على حياته الشريفة والتقية عرب شفيت‪ ،‬شفيت طفل‪.‬‬

‫يف‪ ،‬أان املولود حديثاً‪ ،‬املاسيا‪ .‬وهذا‪ ،‬وإن‬ ‫ِ‬


‫العربة الثانية‪ :‬أقوال حنة‪ .‬هي األخرى نبية‪ ،‬وقد رأت َّ‬
‫تكن قد ُمنِ َحت نعمة النبوة‪ ،‬أمر طبيعي ابلنسبة هلا‪ .‬ولكن امسعي‪ ،‬بل امسعوا ما تقوله ألمي مدفوعة‬
‫اَّتذوا منه منارة لروحكم اليت ترجتف يف زمن الظلمات هذا‪ ،‬إابن عيد النور‪.‬‬‫ابإلميان واحملبة‪ .‬و َِّ‬

‫ِ‬
‫دموعك‪،‬‬ ‫"إن الذي أعطى خملصاً ال ميكن أن تنقصه القدرة على أن يهب مالكه ليمسح‬
‫ب ذاته كي يتالشى عمل الشيطان يف النفوس‪ .‬أفَال ميكنه اآلن التغلب‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫قد‬ ‫هللا‬ ‫أن‬ ‫ا‬
‫و‬ ‫ر‬ ‫دموعكم"‪ِ .‬‬
‫فك‬
‫َ‬
‫َ َ‬
‫على الشياطني الذين ينهكونكم؟ أال يستطيع مسح دموعكم أبن جيعل الشياطني هترب ويعيد سالم‬
‫مسيحه؟ فلماذا ال تطلبون منه ذلك إبميان؟ إبميان حقيقي ال يـَُرد‪ ،‬تتالشى أمامه‪ ،‬مع ابتسامة‪ ،‬قسوة‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 260 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫هللا الذي أغظتموه خبطاايكم الكثرية جداً‪ ،‬على الرغم من أن املغفرة أتيت حاملة معها العون الذي هو‬
‫نتيجتها وبركتها‪ ،‬اليت هي قوس قزح هذه األرض الغارقة يف طوفان دم أردمتوه أنتم؟‬

‫ب الناس ابلطوفان‪ ،‬قال لنفسه ولشيخه الوقور (نوح)‪" :‬لن ألعن‬ ‫ق‬
‫َ‬ ‫عا‬ ‫أن‬ ‫بعد‬ ‫اآلب‪،‬‬ ‫ا‪:‬‬‫و‬‫ر‬ ‫ِ‬
‫فك‬
‫َ‬
‫األرض بعد بسبب الناس ألن مشاعر وأفكار القلب البشري تنحدر حنو الشر منذ الشباب‪ .‬لن أعاقِب‬
‫رسل الطوفان‪ ،‬إّنا أنتم فكم مرة قلتم‬ ‫وظل أميناً لكلمته ومل يعد ي ِ‬‫فعلت"‪َّ .‬‬
‫ُ‬ ‫أي كائن حي كما قد ُ‬
‫ألنفسكم وقلتم هلل‪" :‬لو َخلصنا هذه املرة‪ ،‬لو َُّتلِصنا فلن نفتعل احلروب أبداً‪ ،‬قطعياً"‪ .‬ومن مث أََمل‬
‫أرهب؟ وكم مرة كنتم كاذبني وبدون احرتام للرب ولكلمتكم؟ ومع ذلك فالرب‬ ‫تفعلوا دائماً ما هو َ‬
‫ميدكم مبعونته‪ ،‬مرة أخرى إذا ما دعاه مجع كبري من املؤمنني إبميان وحبب ال يقاوم‪.‬‬

‫أنتم مجيعاً‪ ،‬اي من عددكم ضئيل جداً لِتُـ َع ِدلوا كفة ميزان اجلموع اليت تُذكي غضب هللا على‬
‫الدوام‪ ،‬ظلوا ُخملِصني هلل ابلرغم من هتديدات الساعة احلاضرة الرهيبة اليت تزداد من حلظة ألخرى‪ .‬ارموا‬
‫أرس َل املخلص إىل العامل‪ .‬ال َّتافوا‪.‬‬
‫بقلقكم أمام أقدام هللا‪ ،‬وهو سيعرف أن يرسل لكم مالكه كما َ‬
‫صَر دائماً على أحابيل الشيطان الذي‪ ،‬بشراسة الناس وأحزان احلياة‪،‬‬ ‫ظلوا متحدين ابلصليب‪ .‬فلقد انتَ َ‬
‫يعمل على جرف القلوب اليت ال يعرف أن أيخذها بطريقة أخرى إىل اليأس‪ ،‬يعين إىل االبتعاد عن‬
‫هللا‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 261 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -55‬هدهدة العذراء)‬

‫‪1944 / 11 / 28‬‬

‫يغين‬
‫مسعت صواتً نقيّاً ّ‬
‫كنت ال أزال يف سحابة النوم عندما ُ‬
‫حلمت هذا الصباح ُحلماً ممتعاً‪ .‬فقد ُ‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫الكالسيكية‪.‬‬
‫ميالدايً لكثرة ما بدت بطيئة وأبسلوب ما قبل ّ‬
‫ّ‬ ‫بلطف أغنية هدهدة بطيئة‪ ،‬قد ُتسبها نشيداً‬
‫عت هذا املوضوع وهذا الصوت الذي َمنَ َحين سعادة متنامية‪ ،‬وأعاد يل صفاء ذهين بتأثري متاوجه‬ ‫لقد تتبّ ُ‬
‫األم هي اليت‬
‫لك اي مرمي‪ ،‬اي ممتلئة نعمة!» إذ كانت ّ‬‫قلت‪« :‬السالم ِ‬ ‫كت‪ُ .‬‬
‫استيقظت وأدر ُ‬
‫ُ‬ ‫العذب‪ .‬أخرياً‬
‫لك كذلك‪ .‬تعايل وكوين سعيدة!»‬‫نشد بشكل أقوى بعد أن قالت يل‪« :‬وسالمي ِ‬ ‫وأخ َذت تُ ِ‬
‫نشد‪َ ،‬‬ ‫تُ ِ‬

‫رأيتُها يف منزل بيت حلم‪ ،‬يف الغرفة اليت تشغلها‪ ،‬أثناء هدهدة يسوع لينام‪ .‬وكان يف الغرفة نول‬
‫احلياكة وأعمال خياطة مرمي‪ .‬يبدو أن مرمي قد قَطَ َعت عملها لرتضع الطفل وتُـغَِري قمطه‪ ،‬ذلك أن‬
‫عمره قد بلغ أشهراً‪ ،‬ستة أو مثانية أشهر ليس أكثر على ما أظن‪ .‬وقد كان يف حسباهنا أن تعود إىل‬
‫العمل بعد أن ينام الطفل‪.‬‬

‫كان الوقت مساء‪ .‬والغسق املتقدم متاماً كان قد جعل السماء ساكنة وموشاة بندف ذهبية‪.‬‬
‫كانت قطعان تعود إىل حظائرها وهي ما تزال أتكل آخر أعشاب حقل مزهر وتثغو رافعة فمها‪.‬‬

‫أتخر الطفل يف النوم‪ .‬يبدو أنه مضطرب كما لو كانت أسنانه تؤمله أو هي من آالم الطفولة‬
‫األوىل‪.‬‬

‫كتبت النشيد‪ ،‬قدر استطاعيت‪ ،‬يف ظلمة هذه الساعة اليت ابلكاد‪ ،‬ابلكاد صباحية‪ ،‬على‬‫ُ‬
‫قصاصة ورق‪ ،‬واآلن أعيد كتابته هنا‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 262 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫املذهبَة اليت تبدو كقطعان الرب‪ .‬يف احلقل املمتلئ ابلزهور قطيع آخر ينظر‪ .‬ولكن‬
‫«أيتها الغيوم َّ‬
‫أنت‪َ .‬ن‪َ ،‬ن‪َ ،‬ن‪،‬‬
‫كنت أملك كل القطعان اليت على األرض‪ ،‬فاحلَ َمل األغلى ابلنسبة إيل هو دائماً َ‬
‫لو ُ‬
‫َن‪ ...‬وال تعد تبكي…‬

‫عيناك‬
‫حدقتاك العذبتان‪ ،‬آه! ال تدعهما تدمعان‪َ .‬‬
‫َ‬ ‫ألف جنمة متأللئة هناك يف السماء تنظر‪.‬‬
‫اللتان ُمها ِمن السفري مها جنمتا قليب‪ .‬ودم َ‬
‫وعك أملي! آه! ال ِ‬
‫تبك بعد‪َ .‬ن‪َ ،‬ن‪َ ،‬ن‪َ ،‬ن‪ ...‬وال تعد‬
‫تبكي…‬

‫أنت الربيء‪ ،‬لتستمتع‬


‫لك َ‬‫كل املالئكة املتألقة اليت يف الفردوس‪َ ،‬ج َعلَت من أنفسها إكليالً َ‬
‫لك‬
‫لك لتقول َ‬‫ك‪ .‬تريد املاما‪ ،‬املاما‪ ،‬املاما‪ ...‬اليت هي هنا حو َ‬
‫ك تبكي وتريد أم َ‬ ‫بوجهك‪ .‬ولكن َ‬
‫َ‬
‫"دودو"‪ ،‬دودو‪ ،‬دودو‪ ،‬دو‪َ ...‬ن‪َ ،‬ن‪َ ،‬ن‪َ ،‬ن‪ ...‬وال تعد تبكي…‬

‫تدعك تبكي‪ .‬إن‬


‫َ‬ ‫ها هي السماء الوردية‪ ،‬إنه الفجر يعود‪ .‬واملاما مل تسرتح بعد لكي ال‬
‫أمنحك مع‬
‫َ‬ ‫ظت تقول "ماما" فأجيب "ابين"‪ .‬وعندما أُقَـبِ َ‬
‫لك فاحلب واحلياة مها ما سوف‬ ‫استي َق َ‬
‫احلليب‪َ .‬ن‪َ ،‬ن‪َ ،‬ن‪َ ،‬ن‪ ...‬وال تعد تبكي…‬

‫سأجعلك تنام حتت‬


‫َ‬ ‫كنت حتلم ابلسماء‪ .‬تعال‪ ،‬تعال!‬
‫ك حّت ولو َ‬
‫ال تستطيع أن تبقى دون أم َ‬
‫جانبك‪َ .‬ن‪َ ،‬ن‪َ ،‬ن‪َ ،‬ن‪ ...‬وال‬
‫َ‬ ‫َّتش شيئاً! فأان إىل‬
‫مهدك‪ .‬ال َ‬
‫وسادتك‪ ،‬وذراعاي َ‬
‫َ‬ ‫وشاحي‪ .‬صدري‬
‫تعد تبكي…‬

‫فأنت حياة قليب‪ .‬إنه ينام‪ ...‬وكأين به زهرة موضوعة على الصدر‪ .‬إنه‬
‫معك دائماً‪َ ،‬‬‫سأكون َ‬
‫ينام‪ ...‬توخوا اهلدوء التام! قد يكون يرى األب القدوس‪ ...‬وهذه الرؤاي متسح دموع يسوعي العذب‪...‬‬
‫ينام‪ ،‬ينام‪ ،‬ينام‪ ،‬ينام‪ ،‬ومل يعد يبكي‪»...‬‬

‫رف هذا املشهد غري معقول‪ .‬فهو ليس سوى أُم هتدهد لطفلها‪ .‬ولكن أي أُم وأي‬ ‫أقول إن ظُ َ‬
‫َّصور أية نعمة وأي ُحب وأية طهارة وأية مساء يتضمنهم هذا املشهد الصغري الكبري‬ ‫طفل! فيمكن إذاً الت ُّ‬
‫واللذيذ الذي جمرد ذكراه ُمتتعين‪ ،‬والذي يبقى‪ ،‬لتثبت حقيقته‪ ،‬النـَّغَم الذي أُرِدده أل ِ‬
‫ُمسعكم إايه أنتم‬ ‫َ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 263 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫لست أمتَلِك احلنجرة الفضية والصوت النقي الذي ملرمي‪ ،‬صوت العذراء اخلام!‪ ...‬بل‬
‫أيضاً‪ ،‬إال أنين ُ‬
‫إنين أبدو مثل أكورديون َخ ِرب‪ .‬ال يهم‪ .‬سوف أبذل قصارى جهدي‪ .‬اي هلا من مسرحية رعوية مجيلة‬
‫تغين حول مغارة امليالد!‬

‫َخ َذته على‬


‫كانت األم يف البداية تؤرجح املهد اخلشيب ببطء‪ .‬مث حني رأت أن يسوع مل يهدأ‪ ،‬أ َ‬
‫ركبتيها وهي جالسة قرب النافذة املفتوحة جانب املهد‪ ،‬وأخذت تؤرجحه هبدوء على إيقاع النشيد‪.‬‬
‫كرَرت النشيد واألرجحة مرتني حّت أغمض يسوع الصغري عينيه‪ ،‬وهو يدير وجهه صوب صدر أمه‪،‬‬ ‫َّ‬
‫وينام هكذا طامراً وجهه الصغري يف دفء صدرها‪ ،‬يده مستندة على صدر أمه قرب خده الوردي‪،‬‬
‫قامت مرمي حبيطة‬‫واألخرى مستسلمة على ثديها‪ .‬ووشاح مرمي كان يغطي مولودها الصغري املقدس‪ .‬مث َ‬
‫ض َعت يسوع يف املهد‪ .‬غَطته بقطع خفيفة‪ ،‬ومدت وشاحاً يقيه من الذابب واهلواء‪،‬‬ ‫وو َ‬
‫ال متناهية َ‬
‫وجلَ َست تتأمل كنزها النائم‪.‬‬
‫َ‬
‫ك الطفل‬‫أوش َ‬
‫كانت يدها على قلبها واألخرى مستندة على املهد مستعدة لألرجحة إذا ما َ‬
‫على االستيقاظ‪ ،‬وكانت تبتسم‪ ،‬مشرقة‪ ،‬منحنية قليالً على املهد‪ ،‬بينما كان الظالم والسكون يهبطان‬
‫على األرض‪ ،‬وخييمان على الغرفة البتولية الصغرية‪.‬‬

‫اي له من سالم! اي له من مجال! إنين مفتونة!‬

‫ألهنا ال‬
‫أبهنا ال جدوى منها ضمن جمموع بقيّة الرؤى ّ‬ ‫ابلعظَ َمة‪ ،‬وقد ُحي َكم عليها ّ‬
‫ليست رؤاي توحي َ‬
‫تُظ ِهر شيئاً لـه خصوصيّته‪ .‬أان أعرف ذلك‪ّ .‬إال ّأهنا ابلنسبة يل نعمة حقيقيّة‪ .‬فأان أُقَـيِّمها على هذا األساس‪،‬‬
‫األم‪ .‬أظنّها من هذا‬
‫كأهنا ُختلَق من جديد بيدي ّ‬
‫احلب هدوءاً ونقاء و ّ‬
‫تبعث يف نفسي اليت خيرتقها ّ‬ ‫إذ ّإهنا َ‬
‫وأما اآلخرون‪ ،‬علماء‬ ‫ِ‬
‫ال ُـمنطَلَق ستعجبكم أنتم أيضاً‪ .‬إنّنا صغار ج ّداً‪ .‬وهذا أفضل! بذلك نُعجب يسوع‪ّ .‬‬
‫بكل هذا‪ .‬أليس كذلك؟‬ ‫كانوا أم ُم َع َّقدين‪ ،‬فليف ّكروا مبا حيلوا هلم‪ ،‬معتربين ّإايان "طفوليّني" فليس لنا أن ّ‬
‫هنتم ّ‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 264 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -56‬سجود اجملوس الثالثة)‬

‫‪1944 / 02 / 28‬‬

‫الذي خيطرين داخليّاً يقول يل‪:‬‬

‫«مسّي هذه التأمالت اليت ستحصلني عليها واليت سوف أق ّدمها ِ‬


‫إليك‪" :‬أانجيل اإلميان" إذ إهنّا‪،‬‬
‫ابلنسبة ِ‬
‫إليك وإىل اآلخرين‪ ،‬ستأيت لتضع قدرة اإلميان ومثاره يف النور‪ ،‬وتثبّتكم يف إميانكم ابهلل‪».‬‬

‫أرى بيت حلم صغرية وبيضاء أبكملها‪ ،‬جمتمعة مثل فراخ صيصان جائعة حتت ضوء النجوم‪.‬‬
‫هناك شارعان رئيسيان يتقاطعان عمودايً‪ ،‬الواحد قادم ِمن ما قبل البلدة‪ ،‬وهي الطريق الرئيسية اليت‬
‫متتد إىل ما بعد املدينة‪ ،‬واآلخر يقطع املدينة عرضياً ولكنه ال يتجاوزها‪ .‬وطُُرق أخرى صغرية تقطع‬
‫هذه البلدة الصغرية دون أي أثر ملخطط إمجايل كما يُستَ َدل من ذلك‪ ،‬ولكنها تتكيف مع األرض‬
‫خمتلفة املستوايت‪ ،‬والبيوت املوزعة هنا وهناك حسب ظروف األرض وأهواء البنائني‪ ،‬فمنها ما يتجه‬
‫إىل اليمني ومنها إىل اليسار‪ ،‬وأخرى تنحرف حسب الطريق اليت حتدها فتضطرها إىل الظهور مبظهر‬
‫الشريط الذي ميتد بتعرجات بدل أن تكون طريقاً مستقيمة تصل مكاانً آبخر دون احنراف‪ .‬وبني‬
‫مرحلة وأخرى هناك ساحة قد تكون سوقاً أو ينبوع ماء‪ ،‬أو رمبا بقيَت مساحات بينية ال ميكن البناء‬
‫صبَت كيفما اتفق‪.‬‬ ‫عليها‪ ،‬وذلك بسبب األبنية اليت انتَ َ‬
‫يف املكان الذي يبدو يل وجوب التوقف عنده بشكل خاص‪ ،‬هناك ابلتحديد واحدة من‬
‫الساحات غري املنتَظَمة‪ .‬كان ينبغي أن تكون مربعة أو أقله مستطيلة‪ .‬إّنا هي على شكل شبه منحرف‬
‫غريب الشكل تستطيع معه القول أبنه مثلث حاد الزوااي منحرف من الرأس‪ .‬الضلع األول‪ ،‬أي قاعدة‬
‫املثلث بناء عريض ومنخفض‪ ،‬إنه البناء األكرب يف البلدة‪ .‬من اخلارج له جدار أملس وعار ابلكاد‬
‫فُتِ َحت فيه بوابتان‪ ،‬ومها اآلن مغلقتان متاماً‪ .‬يف الداخل‪ ،‬على العكس‪ ،‬توجد نوافذ كثرية يف الطابق‬
‫األول تطل على فناء دار مربع الشكل‪ ،‬بينما يف األرضي هناك أروقة حتيط بساحات مفروشة ابلقش‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 265 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫والفضالت مع فسقيات إلرواء األحصنة واحليواانت األخرى‪ .‬وعلى أعمدة األروقة القروية توجد‬
‫كت أنه نَزل‬
‫حلقات لربط احليواانت‪ ،‬وعلى أحد اجلوانب هناك َع َنرب كبري إليواء القطعان واملطااي‪ .‬فأدر ُ‬
‫بيت حلم‪.‬‬

‫وعلى طرفني آخرين من نفس االمتداد هناك منازل كبرية وبيوت صغرية‪ ،‬منها ما أُحلَِقت به‬
‫لحق‪ ،‬ألن بينها ما و ِاجهته تطل على الساحة‪ ،‬ومنها ما هو خلفي‪ .‬على اجلانب‬
‫حديقة‪ ،‬ومنها ما مل تُ َ‬
‫اآلخر األكثر ضيقاً‪ ،‬يف املقابل‪ ،‬خان القوافل‪ ،‬وهناك منزل وحيد له سلم خارجي صغري يف منتصف‬
‫الواجهة‪ ،‬ينفذ إىل الطابق األول‪ .‬وهي مجيعها مغلقة ألن الوقت ليل‪ ،‬وال يوجد إنسان يف الطريق‬
‫بسبب الوقت‪.‬‬

‫أراها تتنامى‪ ،‬تلك الضياء الليلية‪ ،‬اهلابطة من السماء‪ ،‬مرصعة ابلنجوم اجلميلة جداً‪ ،‬من مساء‬
‫الشرق احليوية والكبرية‪ ،‬حّت لتبدو قريبة جداً وأن من السهل الوصول إليها وملسها‪ ،‬هذه الزهور اليت‬
‫رفعت عيين ألحتقق من مصدر ازدايد النور هذا‪ ،‬وإذا بنجمة حبجم‬‫تلمع على خممل القبة السماوية‪ُ .‬‬
‫غري عادي‪ ،‬مثل قمر صغري‪ ،‬تتقدم يف مساء بيت حلم‪ ،‬فتبدو ابقي النجوم وكأهنا تتوارى لتفسح هلا‬
‫اجملال لتمر‪ ،‬مثل الوصيفات يف خدمة امللكة‪ ،‬وكذلك كان ألقها يفوقها مجيعاً وجيعلها َّتتفي‪ .‬من هذه‬
‫الكرة اليت تبدو كسفري ضخم ُمنار من الداخل بشمس‪ ،‬ينبَعِث ذَنَب ُمنري‪ ،‬تذوب فيه‪ ،‬حتت هيمنة‬
‫نور السفري‪ ،‬ألوان الزبرجد األشقر واألخضر وألق عني الـهر (حجر كرمي كثري األلوان) األغبش وأنوار‬
‫الياقوت الدموية‪ ،‬وتوهجات اجلمز العذبة (اجلمز هو أكسيد السيليكون املتبلور‪ ،‬وهو من األحجار‬
‫الكرمية)‪ .‬كل األحجار الكرمية اليت على وجه األرض كانت تذوب يف هذا َّ‬
‫الذنَب الذي جيتاز السماء‬
‫حبركة سريعة ومتماوجة كما لو كان حياً‪ .‬ولكن اللون الذي يهيمن هو هذا اللون الذي يبدو وكأنه‬
‫يهطل من كرة النجمة‪ :‬اللون الفردوسي للسفري الشاحب الذي يهبط ليضفي لون الالزورد الفضي‬
‫على املنازل والطرقات وأرض بيت حلم‪ ،‬مهد املخلص‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 266 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫مل تعد اآلن املدينة الفقرية اليت مل تكن ابلنسبة لنا سوى جتمع طرقات‪ ،‬بل هي أصبَ َحت مدينة‬
‫خيالية من حكاايت الساحرات حيث كل شيء من الفضة‪ ،‬أما ماء النبع والفسقيات فمثل املاس‬
‫السائل‪.‬‬

‫مع ألق السطوع األكثر حيوية‪ ،‬توقَّـ َفت النجمة فوق املنزل الصغري املوجود يف الناحية الضيقة‬
‫من الساحة الصغرية‪ .‬مل يرها سكان املنزل‪ ،‬وال حّت سكان بيت حلم ألهنم مجيعاً نيام يف البيوت املغلقة‪.‬‬
‫حينئذ َسَّر َعت النجمة خفقان نورها‪ ،‬واهتز ذيلها وزاد أترجحه ُم َش ِكالً أنصاف دوائر يف السماء اليت‬
‫ُنريت بكاملها بفعل شبكة النجوم هذه اليت َج َذبَتها‪ ،‬شبكة األحجار الكرمية هذه اليت تنعكس على‬ ‫أَ‬
‫بقية النجوم أبلف لون‪ ،‬كما لتشاركها كلمة فرحة‪.‬‬

‫لقد َسبح البيت الصغري يف انر هذه اجلواهر السائلة‪ .‬سطح الشرفة الصغرية‪ ،‬السلم الصغري ذو‬
‫األحجار الداكنة‪ ،‬الباب الصغري‪ ،‬لقد كان كله عبارة عن سبيكة فضة خالصة موشاة بغبار ماس‬
‫وجواهر‪ .‬مل يكن ألي قصر ملكي ولن يكون سلم خارجي مماثل هلذا املعد ليستقبل ُخطى املالئكة‪،‬‬
‫لتستخدمه األم اليت هي أم هللا‪ .‬فقدماها قدما عذراء منزهة عن كل عيب تستطيعان أن تدوسا هذا‬
‫البياض املشرق‪ ،‬قدماها املعداتن لتدوسا درجات عرش هللا‪.‬‬

‫ولكن العذراء ال تعرف شيئاً عن هذه الروعة الفاتنة‪ .‬إهنا تسهر قرب مهد ابنها وتصلي‪ .‬ويف‬
‫جتاوَز ذلك الذي َمجَّلَت به النجمة األشياء‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫نفسها أتلق َ‬

‫مسرجة وأخرى تُقاد ابليد‪ ،‬مجال بِ َسنَم وأخرى بِ َسنَ َ‬


‫مني‪.‬‬ ‫من الطريق الرئيسية تتقدم قافلة‪ :‬أحصنة َّ‬
‫املصطدمة حبجارة سيل يشبه صوت مياه جارية‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫بعضها ُممتَطى والبعض اآلخر ُحم َّمل‪ .‬صوت حوافرها‬
‫عند وصوهلا إىل املكان‪ ،‬توقف اجلميع‪ .‬وحتت إشعاع النجمة بدت القافلة بتألق خيايل‪ .‬زينات املطااي‬
‫وموحداً الربيق الصرف للمعادن‪،‬‬ ‫الفاخرة جداً‪ ،‬ثياب الفرسان‪ ،‬الوجوه‪ ،‬احلمولة‪ ،‬الكل يتألق مذكِياً ِ‬
‫ابتس َمت أفواههم ألن‬‫للجلود‪ ،‬للحرائر‪ ،‬لألحجار الكرمية وللفرو‪ ،‬مع بريق النجمة‪َ .‬شعَّت عيوهنم و َ‬
‫أتلقاً آخر قد أُض ِرم يف قلوهبم‪ :‬ألق فرح فائق الطبيعة‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 267 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫بينما يتوجه اخلدام صوب خان القوافل مع احليواانت‪ ،‬يرتجل ثالثة أشخاص من القافلة من‬
‫على مطاايهم الفخمة اليت يقودها خادم إىل مكان آخر ويتوجهون إىل البيت على أقدامهم‪ .‬هنا‪،‬‬
‫يسجدون‪ ،‬جباههم إىل األرض‪ُ ،‬م َقبِلني الرتاب‪ .‬إهنم أشخاص ثالثة من ذوي النفوذ كما تشري‬
‫مالبسهم الفاخرة جداً‪ .‬أحدهم‪ ،‬وهو ذو بشرة داكنة‪ ،‬ما أن تَـَر َّجل من على َمجَل حّت تَـلَ َّفح بكامله‬
‫بثوب فاخر من احلرير األبيض‪ ،‬بينما جبينه ُممَنطَق حبلقة من املعدن الثمني‪ ،‬وعلى خصره نطاق مثني‬
‫يتدىل منه خنجر أو سيف وقد َزيـَّنَت مقبضه أحجار كرمية‪ .‬واالثنان اآلخران‪ ،‬وقد ترجال من على‬
‫حصانني رائعني‪ ،‬فقد كان أحدمها يرتدي لباساً خمططاً مجيالً للغاية ويغلب عليه اللون األصفر‪ .‬هذا‬
‫اللباس مصنوع مثل "بُرنُس" طويل مزين بقبعة وحببل‪ ،‬ويبدو كل شيء مصنوعاً من الصياغة السلكية‬
‫الذهبية على قدر ما كان مزيناً ابحلواشي الذهبية‪ .‬وأما الثالث فإنه يرتدي قميصاً من احلرير منتفخاً‬
‫يَربُز عن بنطال طويل وعريض حمصور عند القدمني‪ ،‬وهو يتلفح بوشاح انعم جداً‪ ،‬وهو يبدو كحديقة‬
‫حقيقية مزهرة بقدر ما كانت زاهية تلك األلوان اليت كان ُمَزيَّناً هبا ابلكامل‪ ،‬وعلى رأسه عمامة مثبتة‬
‫بسلسلة مرصعة بفصوص ماس‪.‬‬

‫قرع اخلدام ويُفتَح‬


‫بعد تبجيل البيت الذي يقطن فيه املخلص‪ ،‬ينهضون ويقصدون اخلان حيث يَ َ‬
‫هلم‪.‬‬

‫هنا تتوقّف الرؤاي‪.‬‬

‫تُعا ِود بعد ثالث ساعات مبشهد سجود اجملوس ليسوع‪.‬‬

‫هو النهار‪ .‬مشس مجيلة تتألق يف مساء بعد الظهر‪ .‬أحد خدام اجملوس الثالثة جيتاز الساحة‬
‫ويرتقي سلم البيت الصغري‪ .‬يدخل‪ .‬خيرج‪ .‬ويعود إىل النَّزل‪.‬‬

‫َخي ُرج اجملوس الثالثة‪ ،‬وكل منهم يتبعه خادمه اخلاص‪ .‬جيتازون الساحة‪ .‬يلتفت املارة القليلون‬
‫جداً لينظروا إىل الشخصيات املهيبة الذين ميرون ببطء شديد وفخامة‪ .‬كانت ربع ساعة قد مرت بني‬
‫جميء اخلادم وجميء الثالثة‪ ،‬مما أعطى سكان البيت الفرصة لالستعداد الستقبال الضيوف‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 268 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫إهنم يرتدون ثياابً فاخرة أكثر من الليلة السابقة‪ .‬فاحلرائر تتألأل‪ ،‬واألحجار الكرمية تلمع‪ ،‬خصلة‬
‫كبرية من الريش النفيس قد نُثَِرت عليها حراشف أكثر قيمة تربق على رأس الذي حيمل العمامة‪.‬‬

‫َحي ِمل أحد اخلدام صندوقاً ُمطَعَّماً ابلنقوش املعدنية من الذهب املشغول‪ .‬والثاين حيمل كأساً‬
‫مشغولة بشكل انعم جداً‪ ،‬مغطى بغطاء من الذهب املنقوش‪ .‬أما الثالث فيحمل نوعاً من اجلِرار كبرية‬
‫فرتض أن تكون‬ ‫وقصرية‪ ،‬وهي من الذهب كذلك‪ ،‬وهلا غطاء بشكل هرمي‪ ،‬ويف قمته ماسة مصقولة‪ .‬يُ ََ‬
‫تلك األشياء ثقيلة‪ ،‬ذلك أن اخلدام يعانون من َمحلِها‪ ،‬خاصة ذاك الذي حيمل الصندوق‪.‬‬

‫يرتقي الثالثة السلم ويدخلون‪ .‬يَلِجون غرفة من جهة الطريق تطل على ما خلف البيت‪،‬‬
‫فاحلديقة اخللفية تُرى من خالل انفذة مفتوحة للشمس‪ .‬تُفتَح أبواب من اجلدارين اآلخرين‪ ،‬ينظر منها‬
‫أصحاب املنزل‪ .‬رجل وامرأة وأوالد أربعة أبعمار خمتلفة‪.‬‬

‫مرمي جالسة والطفل على صدرها‪ ،‬ويوسف واقف إىل جانبها‪ .‬إال أهنا عندما ترى اجملوس الثالثة‬
‫يدخلون تقف وتنحين‪ .‬إهنا ترتدي األبيض‪ ،‬وهي مجيلة جداً بثوهبا األبيض الذي يكسوها من أسفل‬
‫العنق حّت القدمني‪ ،‬ومن الكتفني حّت الكفني الناعمني‪ ،‬مجيلة جداً ورأسها ُم َكلَّل بضفائر شقراء‪،‬‬
‫ووجهها قد أضفى عليه املوقف املؤثر لوانً وردايً زاهياً‪ ،‬وعيناها تبتسمان بنعومة‪ ،‬وفمها الذي يُفتَح‬
‫لِيُ َحيي‪« :‬هللا معكم‪ ».‬ويبقى اجملوس الثالثة حائِرين للحظة‪ .‬مث يتقدمون‪ ،‬وجيثون عند قدميها ويرجوهنا‬
‫أن جتلس‪.‬‬

‫ُهم ال‪ .‬مل َجيلِسوا رغم دعوة مرمي ويظلون جاثني على ركبهم متكئني على أعقاهبم‪ .‬وخلفهم جيثو‬
‫ضعوا أمامهم األغراض اليت كانوا حيملوهنا‪.‬‬
‫العتَـبَة مباشرة‪ ،‬وقد َو َ‬
‫كذلك اخلدام الثالثة‪ .‬إهنم خلف َ‬
‫وينتظرون‪.‬‬

‫يتأمل احلكماء الثالثة الطفل‪ .‬يبدو يل أن عمره يرتاوح بني تسعة أشهر وسنة‪ ،‬وذلك حسب‬
‫وعيه وقوته‪ .‬يستند على صدر أمه‪ .‬يبتسم ويناغي مثل عصفور صغري‪ .‬إنه يرتدي األبيض مثل أمه‪،‬‬
‫مع صندل صغري يف قدميه‪ .‬ثوب صغري بسيط َّترج منه قدماه اللتان تتحركان‪ ،‬اليدان الربيلتان اللتان‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 269 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫تريدان اإلمساك بكل شيء‪ ،‬وخاصة الوجه الصغري الفائق اجلمال حيث تلمع عيناه الالزورديتان‬
‫الداكنتان‪ ،‬والفم الذي يشكل غمازتني على جانبيه عندما يبتسم ويكشف عن أوىل أسنانه الصغرية‪.‬‬
‫شعره القصري ييبدو مثل غبار الذهب لشدة ملعانه ونعومته‪.‬‬

‫يتكلم كبري احلكماء ابمسهم مجيعاً‪ ،‬فيشرح ملرمي أهنم يف ليلة من ليايل كانون األول املاضي رأوا‬
‫جنماً جديداً أضاء يف السماء بتألق غري عادي‪ .‬ومل تكن اخلرائط السماوية قد َمحَلَت يوماً هذا النجم‬
‫يف رسوماهتا كما مل تُ ِشر إليه‪ .‬ومل يكن امسه معروفاً‪ ،‬بل مل يكن له اسم مطلقاً‪ .‬لقد ُخلِ َق من قلب هللا‪،‬‬
‫أزهَر ليُعلِن للعامل حقيقة مباركة‪ ،‬سراً من هللا‪ .‬ولكن الناس مل يكرتثوا له ألن نفوسهم كانت غارقة يف‬ ‫وَ‬
‫الوحل‪ .‬مل يرفعوا أنظارهم إىل هللا ومل يكونوا يعرفون قراءة الكالم الذي يسطره‪- :‬فليكن مباركاً إىل‬
‫األبد‪ -‬مع جنوم النار على قبة السماء‪.‬‬

‫وجهدوا يف إدراك صوته‪ ،‬زاهدين عن طيب خاطر ابلقليل من النوم الذي مينحونه‬ ‫ُهم‪ ،‬قد رأوه‪َ ،‬‬
‫ألعضائهم‪ ،‬انسني األكل‪ ،‬غارقني يف دراسة األبراج وارتباطات النجوم‪ ،‬الزمن‪ ،‬الفصول وحساابت‬
‫وسر النجم‪ ،‬امسه‪« :‬ماسيا»‪ .‬سره‪« :‬إنه هو‬ ‫األزمنة القدمية؛ والرتتيبات النجومية هذه ابحت هلم ابسم ِ‬
‫ماسيا اآليت إىل العامل»‪ .‬وقد قَطَعوا املسافات ليَسجدوا له دون معرفة الواحد منهم ابآلخرين‪ .‬وبعد أن‬
‫َع َربوا جباالً واجتازوا صحارى وودايانً وأهناراً‪ ،‬وسافروا ليالً‪ ،‬اجتهوا صوب فلسطني ألن النجم كان‬
‫يسري هبذا االجتاه‪ .‬ومن أصقاع ثالثة خمتلفة من العامل كان كل منهم يسري هبذا االجتاه‪ ،‬إىل أن التقوا‬
‫معاً قرب البحر امليت‪ .‬لقد مجعتهم إرادة هللا هناك‪ ،‬ومعاً ساروا متفامهني‪ ،‬وعلى الرغم من أن كالً‬
‫منهم يتكلم بلغته اخلاصة‪ ،‬فقد كان يُد ِرك ويتمكن من التكلم بلغات البالد اليت جيتازها مبعجزة من‬
‫األزيل‪.‬‬

‫َذ َهبوا معاً ابجتاه أورشليم‪ ،‬ألن ماسيا كان ينبغي أن يكون ملك أورشليم‪ ،‬ملك اليهود‪ .‬إال أن‬
‫النجم اختفى يف مساء تلك املدينة‪ .‬لقد أحسوا بقلوهبم تن َف ِطر أملاً وكانوا يتفحصون أعماق ذواهتم ملعرفة‬
‫ما إذا كانوا فَـ َقدوا عطف هللا واحرتامه‪ .‬ولكن بعد التأكد من سالمة ضمائرهم ونواايهم‪ ،‬ذَ َهبوا للقاء‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 270 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫امللك هريودس ليسألوه عن القصر الذي ُولِد فيه ملك اليهود الذي أتوا ليَسجدوا له‪ .‬وامللك‪ ،‬بعد أن‬
‫َمجَ َع رؤساء الكهنة والكتبة‪ ،‬سأهلم أين ميكن أن يولد املاسيا‪ .‬فأجابوه‪« :‬يف بيت حلم قضاء يهوذا‪».‬‬

‫ظهر هلم بعد أن جتاوزوا املدينة املقدسة‪ ،‬ويف املساء السابق‬


‫ساروا ابجتاه بيت حلم‪ ،‬وعاد النجم يَ َ‬
‫كان قد ازداد أتلقاً‪ .‬كانت السماء قد أُضيئَت بنور وهاج‪ ،‬مث توقَّف النجم جامعاً نور ابقي النجوم يف‬
‫فأدركوا أنه يف هذا املكان يوجد املولود اإلهلي‪ .‬وها هم اآلن يسجدون له‪،‬‬ ‫إشعاعه فوق هذا البيت‪َ .‬‬
‫ويقدمون له هداايهم املتواضعة‪ ،‬وفوق كل شيء‪ ،‬قلوهبم اليت مل تتوقف عن محد هللا على نعمته اليت‬
‫َوَهبَهم إايها‪ ،‬وعن حمبة ابنه الذي يرون فيه اإلنسانية املقدسة‪ .‬ومن مث سيعودون ليخربوا امللك هريودس‬
‫ألنه هو أيضاً كان يرغب يف السجود له‪.‬‬

‫إليك الذهب الذي يليق ِمبَلِك أن يقتنيه‪ ،‬هذا هو البخور الذي يليق إبله‪ ،‬وهذا‪ ،‬اي أيتها األُم‬
‫« ِ‬
‫ابنك املولود‪ ،‬الذي هو إله وكذلك إنسان‪ ،‬سوف يَع ِرف جبسده وحياته كإنسان املرارة‬ ‫هو الـمر‪ ،‬ألن ِ‬
‫ُ‬
‫وقانون املوت الذي ال ميكن حتاشيه‪ .‬وحنن‪ ،‬مبحبتنا‪ ،‬كنا نود عدم البوح هبذه الكلمات‪ ،‬كما نريد‬
‫التفكري أبن جسده أزيل مثل روحه‪ .‬ولكن‪ ،‬أيتها املرأة‪ ،‬إذا كانت خرائطنا وخاصة نفوسنا مل َّتطئ‪،‬‬
‫ابنك‪ ،‬هو املخلص‪ ،‬مسيح هللا‪ ،‬وهلذا السبب ينبغي له‪ ،‬ليُ َخلِص األرض‪ ،‬أن حيمل خطااي‬ ‫فإنه‪ ،‬أي ِ‬
‫العامل اليت إحدى عقوابهتا املوت‪ .‬وهذا الراتنج هو لتلك الساعة‪ ،‬لكي ال يعرف جسده تفسخ الفساد‪،‬‬
‫وحيافظ على سالمته حّت القيامة‪ .‬ولكي يذكران هبذه اهلبات وخيلص خدامه أبن مينحهم ملكوته‪ .‬ويف‬
‫الوقت احلاضر‪ ،‬لكي حنصل على التقديس‪ ،‬فلتُـ َق ِدم األُم ابنها الصغري إىل ُحبنا‪ ،‬وبتقبيلنا قدميه فلتحل‬
‫علينا الربكة السماوية‪».‬‬

‫جتاوَزت اخلوف الذي سببه كالم احلكماء‪ ،‬وأخ َفت خلف ابتسامة منها حزن الدعوة‬ ‫مرمي‪ ،‬اليت َ‬
‫املأمتية‪ ،‬تُـ َق ِدم الطفل‪ ،‬وتضعه بني ذراعي أكربهم سناً الذي يقبله ويتقبل مداعباته مث يدفعه إىل اآلخرين‪.‬‬

‫يبتسم يسوع ويلعب بسالسل وأهداب الثالثة‪ .‬إنه يَنظُر بفضول إىل صندوق اجملوهرات املفتوح‬
‫واملليء مبادة صفراء براقة‪ .‬ويضحك لرؤيته الشمس تشكل قوس قزح مبالمستها ماسة غطاء ال ُـمر‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 271 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫مث يُعيد الثالثة الطفل إىل أمه ويَ َنهضون‪ ،‬وتَ َنهض مرمي كذلك‪ .‬أيمر أصغر اجملوس سناً خادمه‬
‫ابخلروج‪ ،‬وينحنون كل من جهته‪ ،‬ويتكلم الثالثة قليالً‪ .‬ال يستطيعون اَّتاذ قرار مغادرة هذا البيت‪.‬‬
‫ظهر يف عيوهنم دموع التأثر‪ .‬يف النهاية يتوجهون صوب الباب يرافقهم يوسف ومرمي‪.‬‬ ‫فتَ َ‬
‫أراد الطفل النزول وإعطاء يده الصغرية لألكرب سناً بني الثالثة‪ .‬مث ميشي ويده يف يد أمه واألخرى‬
‫يف يد اجملوس الذي ينحين لريافقه‪ُ .‬خطى يسوع ما تزال ُخطى طفل غري واثقة‪ ،‬ويضحك بينما يضرب‬
‫بقدمه الشريط املضيء الذي تُ َش ِكله الشمس على األرض‪.‬‬

‫العتَـبَة ‪-‬مع العلم أن الغرفة على مدى طول املنزل‪ -‬أيخذ اجملوس الثالثة فرصة‬
‫لدى وصوهلم إىل َ‬
‫أخرية وجيثون وهم يـُ َقبِلون قدمي يسوع‪ .‬ومرمي املنحنية على الطفل أتخذ يده الصغرية وتقودها يف إشارة‬
‫بركة على رأس كل من اجملوس‪ .‬إهنا إشارة صليب خطتها أصابع يسوع الصغرية اليت قادهتا مرمي‪.‬‬

‫مث يهبط الثالثة السلم‪ .‬لقد أصبَ َحت القافلة هنا جاهزة وتنتظر‪ .‬رصيعات جلامات األحصنة‬
‫وجتَ َّمع الناس يف الساحة الصغرية لرؤية هذا املشهد غري املألوف‪.‬‬
‫تتألأل حتت الشمس املائلة للمغيب‪َ .‬‬

‫يضحك يسوع وهو يصفق بيديه الصغريتني‪ .‬ترفعه أمه وهي متكئة على درابزين الشرفة العريض‪،‬‬
‫ومتسكه ويدها على صدره لتقيه من السقوط‪ .‬وينزل يوسف مع الثالثة وميسك ابلركاب لكل منهم‪،‬‬
‫بينما ميتطون احلصان أو اجلمل‪.‬‬

‫أصبَ َح اآلن اجلميع‪ ،‬خدام ومعلمون‪ ،‬جاهزين على مطاايهم‪ .‬تُعطَى إشارة االنطالق‪ ،‬وينحين‬
‫الثالثة حّت يالمسوا أعناق مطاايهم يف حتية ُمبالَغ فيها‪ ،‬وينحين يوسف‪ ،‬ومرمي كذلك وهي أتخذ‬
‫بقيادة يد يسوع يف حركة وداع وبركة‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 272 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫(أتمالت يف إميان اجملوس)‬


‫‪ُّ -57‬‬

‫‪1944 / 02 / 28‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬
‫«واآلن؟ ماذا أقول ِ‬
‫لك اآلن أيتها النفوس اليت تشعر أبن إمياهنا ميوت؟‬

‫مل يكن لدى حكماء الشرق هؤالء ما يؤكد هلم احلقيقة‪ .‬ال شيء فائق الطبيعة‪ ،‬مل يكن هلم‬
‫سوى حساابهتم الفلكية وعملهم الفكري التأملي الذي َج َعلَته حياهتم النزيهة كامالً‪ .‬ومع ذلك فقد‬
‫كان لديهم اإلميان‪ .‬اإلميان بكل شيء‪ .‬اإلميان ابلعلم‪ ،‬اإلميان بضمائرهم واإلميان ابجلود اإلهلي‪ .‬ابلعلم‬
‫اعتَـ َقدوا بداللة النجم اجلديد الذي مل يكن ممكناً أن يكون إال "ذاك" الذي تنتظره البشرية منذ قرون‪:‬‬
‫املاسيا‪ .‬ابلضمري حصلوا على اإلميان ابلصوت ذاته الذي بتلقيه "األصوات" السماوية قال هلم‪" :‬إهنا‬
‫هي النجمة اليت حتدد جميء املاسيا"‪ .‬وبصالحهم كان هلم اإلميان أبن هللا مل خيدعهم‪ ،‬ومبا أن نواايهم‬
‫ساع َدهم هللا بكل الوسائل لبلوغ هدفهم‪.‬‬
‫كانت سليمة‪ ،‬فقد َ‬
‫ولقد جنحوا‪ُ ،‬هم وحدهم من بني عدد كبري من الناس الذين يدرسون الدالالت‪ ،‬لقد فَ ِهموا‬
‫هذه اإلشارة‪ ،‬ألهنم وحدهم الذين كانت يف نفوسهم الرغبة املتلهفة ملعرفة كلمات هللا بِنِيَّة مستقيمة‪،‬‬
‫حيث كانوا يفكرون يف أعماقهم أن يـُ َق ِدموا هلل دون أتخري كل تسبيح ومتجيد وإكرام‪.‬‬

‫مل يكونوا يفتشون عن منفعة شخصية‪ .‬وأكثر من ذلك فلقد حتملوا مشقات السفر ومصاريفه‬
‫دون أن يطلبوا أي تعويض بشري‪ .‬لقد طَلَبوا فقط أن يذكرهم هللا وخيلصهم يف األبدية‪ .‬كما وأهنم مل‬
‫يفكروا أبية مكافأة بشرية يف املستقبل‪ ،‬وكذلك حني قرروا السفر مل يكن لديهم أية اهتمامات بشرية‪.‬‬
‫أما أنتم فكنتم َستُبدون ألف عذر‪ :‬كيف العمل ألقوم برحلة طويلة كهذه يف بلدان وبني شعوب بلغات‬
‫خمتلفة؟ هل يصدقونين أم يسجنونين كجاسوس؟ ماذا سيَـ َقدَّم يل من عون الجتياز الصحارى واألهنار‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 273 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫واجلبال؟ واحلرارة؟ ورايح اهلضاب العالية؟ واحلرارة اليت هتيمن على مناطق املستنقعات؟ واألهنار الفائضة‬
‫بسبب األمطار؟ والغذاء املختلف؟ واللغات املختلفة؟ و‪ ...‬و‪ ...‬و‪ " ...‬وهكذا تفكرون‪ ،‬بينما هم‬
‫"أنت أيها اإلله‪ ،‬تقرأ ما يف قلوبنا وترى إىل أية‬
‫مل يفكروا هبذه الطريقة‪ .‬لقد قالوا جبرأة صادقة مقدسة‪َ :‬‬
‫ألقنومك الثاين املتجسد جملد‬
‫َ‬ ‫يديك‪ .‬امنَحنا الفرح فائق البشر بسجودان‬
‫هناية نسري‪ .‬نضع أنفسنا ين َ‬
‫العامل"‪.‬‬

‫كان هذا كافياً‪ .‬و َغذوا السري من األصقاع البعيدة‪ .‬سالسل جبال منغولية ال حيلق فوقها سوى‬
‫ب كلمات سرية على صفحات الثلج‬ ‫النسور والعقبان حيث كلمهم هللا جبلبة الرايح والعواصف‪ ،‬وَكتَ َ‬
‫اليت ال هناية هلا‪ .‬من األراضي اليت يولد فيها النيل وجيري‪ ،‬وريد الربوع السماوية إىل قلب البحر األبيض‬
‫املتوسط الالزوردي‪ .‬فما استطاعت قمم وال غاابت وال رمال حميطات جافة‪ ،‬وهي أكثر خطورة من‬
‫احمليطات املائية‪ ،‬الوقوف يف وجه مسريهتم‪ .‬والنجمة تلمع يف لياليهم‪ ،‬مانعة عنهم النوم‪ .‬عندما يبحث‬
‫أحدان عن هللا فينبغي للعادات احليوانية أن تتخلى عن ضيق الصدر واملطالب الفائقة البشر‪.‬‬

‫قادهم النجم من الشمال‪ ،‬من الشرق ومن اجلنوب‪ ،‬ومبعجزة إهلية تقدم أمام الثالثة ليصل هبم‬
‫إىل النقطة ذاهتا‪ .‬وكذلك مبعجزة أخرى جيمعهم بعد مسريات طويلة يف نفس املكان‪ .‬ومبعجزة أخرى‬
‫أيضاً مينحهم نعمة الفهم واإلفهام كما يف الفردوس حيث اللغة واحدة‪ :‬لغة هللا‪ .‬سابِِقني بذلك حكمة‬
‫العنصرة‪.‬‬

‫اضعِني ألهنم حقيقة عظماء‪،‬‬


‫لقد اجتاحتهم حلظة خوف واحدة عندما غاب النجم‪ .‬عندئذ‪ ،‬متو ِ‬
‫َ‬
‫مل يفكروا أن ما جرى كان بسبب شرور الناس‪ ،‬وأن سكان أورشليم الفاسدين ال يستحقون رؤية‬
‫تفحصوا ذواهتم مرجتفني‬
‫النجم‪ .‬بل لقد فكروا أبهنم هم أنفسهم فَـ َقدوا عطف هللا واحرتامه‪ ،‬وقد َّ‬
‫واندمني وهم مستعدون لطلب الغفران‪.‬‬

‫ولكن ضمائرهم طمأَنَتهم‪ .‬فنفوسهم اليت تعودت التأمل‪ ،‬وضمائرهم حساسة جداً‪ .‬ولقد َ‬
‫ص َفت‬
‫ابالنتباه املتواصل‪ ،‬بتأمل ابطين ُمَرَّكز َج َع َل ِمن ابطنهم مرآة تعكس أدق آاثر األحداث اليومية‪ .‬لقد‬
‫سمع صوته‪ ،‬ال أقول ألقل اهلفوات‪ ،‬إّنا جملرد نظرة بسيطة صوب‬ ‫جعلوا منها معلِمة‪ ،‬صواتً يـنَـبِه وي ِ‬
‫ُ ُ‬ ‫ََ‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 274 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫االحنراف أو اخلطأ حبق ما هو إنساين‪ ،‬مبا خيص جماراة األان‪ .‬وكذلك حني يقفون يف مواجهة هذه‬
‫املعلمة‪ ،‬هذه املرآة اجلادة الواضحة‪ ،‬فإهنم يعرفون أهنا ال تكذب‪ ،‬فهي تطمئنهم اآلن ويستعيدون‬
‫شجاعتهم‪.‬‬

‫"آه! ما أعذب معرفة أن ال شيء فينا خمالف إلرادة هللا! والعلم أبنه ينظر بعطف إىل نفس‬
‫االبن البار ويباركها‪ .‬من هذا الشعور أييت ّنو اإلميان والثقة والرجاء‪ ،‬وقدرة النفس والصرب‪ .‬يف هذه‬
‫األثناء هي العاصفة‪ .‬ولكنها ستمضي ألن هللا حيبين ويعرف أنين أحبه ولن يبخل مبد يد العون يل مرة‬
‫يوجه بسلطان مطلق‬ ‫أخرى"‪ .‬هكذا يتكلم الذين ميتلكون السالم‪ ،‬السالم املتأيت من ضمري مستقيم ِ‬
‫قلت إهنم كانوا "متواضعني ألهنم يف احلقيقة عظماء"‪ .‬أما يف حياتكم‬
‫كل حركة من تصرفاهتم‪ .‬لقد ُ‬
‫فعلى العكس؛ ماذا حيدث؟ جتد أحدهم‪ ،‬ليس ألنه عظيم‪ ،‬بل ألنه عنيف ويستمد قدرته من تضافر‬
‫أتثريه مع عبادتكم الغبية لألصنام‪ ،‬تراه لذلك ليس متواضعاً على اإلطالق‪ .‬كذلك جتد من البؤساء‬
‫املساكني َمن‪ ،‬بفعل كونه كبري خدام شخصية هلا وزهنا‪ ،‬أو حاجب مكتب شخصية ما‪ ،‬أو موظفاً يف‬
‫دائرة حكومية‪ ،‬أو أحد أتباع من يوفر له مكانة معينة‪ ،‬يتخذ وضعية نصف آهلة‪ ،‬وأمثاله يبعثون على‬
‫الشفقة!‪...‬‬

‫ُهم‪ ،‬احلكماء الثالثة‪ ،‬كانوا فعالً عظماء‪ .‬بفضيلتهم فائقة الطبيعة يف املقام األول‪ ،‬ومث بضمريهم‪،‬‬
‫وأخرياً بثرائهم‪ .‬إال أهنم يَعتَِربون أنفسهم الشيء‪ :‬غباراً على غبار األرض ابلنسبة هلل تعاىل الذي خيلق‬
‫العوامل اببتسامة وينثرها مثل احلبوب مع أطواق من النجوم‪ ،‬ليُشبِع هبا نظر املالئكة‪.‬‬

‫ولكن إذا كانوا يعتَِربون أنفسهم ال شيء جتاه هللا تعاىل الذي َخلَ َق الكوكب الذي يعيشون‬
‫العظَ َمة لألعمال اليت بال حدود‪،‬‬
‫عليه‪ ،‬وقد َمنَ َحه تنوعاً غري عادي برتتيبه‪ ،‬وهو النحات الالمتناهي يف َ‬
‫فهنا‪ ،‬بلمسة إصبع َمنَ َحه إكليالً من هضاب انعمة وهناك هيكل قباب وقمم تبدو مثل فقرات العمود‬
‫الفقري لألرض‪ ،‬وهذا اجلسم الذي بغري قياس والذي ميتلك األهنار كأوردة والبحريات كأحواض‬
‫واحمليطات كقلب والغاابت كثوب والغيوم كوشاح‪ ،‬واجملمدات املتبلورة كزينة والزمرد والفريوز وعني اهلر‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 275 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫واحلومة (زمرد مصري) من كل شكل كأحجار كرمية‪ ،‬ومجيعها مثل جوقة كبرية ترتل مع الغاابت والرايح‬
‫التسابيح لرهبا‪.‬‬

‫الع َدم أمام حضور هللا الذي منه أتتيهم احلكمة‬ ‫ولكنهم‪ ،‬بكل حكمتهم‪ ،‬يشعرون أبنفسهم مثل َ‬
‫والذي َمنَ َحهم نَظراً أكثر نفوذاً من عيوهنم لريوا احلقائق‪ :‬عيون النفس اليت تعرف القراءة يف األشياء‪،‬‬
‫قراءة الكلمات اليت مل تكتبها يد إنسان‪ ،‬إّنا فِكر هللا هو الذي نـَ َق َشها‪.‬‬

‫ولكنهم يَعون تالشيهم كمالكي الكنوز‪ :‬فهي ذرات إذا ما قوِرنَت بكنوز مالك الكون الذي‬
‫ينشر املعادن واألحجار الكرمية يف النجوم والكواكب‪ ،‬وثروات ال تنفذ يف قلوب الذين حيبونه‪.‬‬

‫ولدى وصوهلم أمام منزل متواضع يف أكثر مدن يهوذا وضاعةً‪ ،‬مل يهزوا رؤوسهم قائلني‪" :‬غري‬
‫معقول"‪ .‬ولكنهم حينون ظهورهم‪ ،‬جيثون‪ ،‬ويتواضعون‪ ،‬خاصة يف قلوهبم‪ ،‬ويسجدون‪ .‬فهنا‪ ،‬خلف هذا‬
‫اجلدار الوضيع يتواجد هللا‪ .‬هذا اإلله الذي تضرعوا إليه دائماً وهم ال جيسرون مطلقاً على التأمل يف‬
‫أن حيصلوا‪ ،‬ولو من بعيد‪ ،‬على إمكانية رؤيته‪ ،‬ولكنهم يبتهلون إليه من أجل خري اجلنس البشري‪،‬‬
‫و"خريهم" األبدي‪ .‬آه إهنم كانوا يتمنون فقط إمكانية رؤيته ومعرفته وأن يكون يف حياهتم حيث ال‬
‫يعود فجر وال غسق‪.‬‬

‫إنه هنا‪ ،‬خلف هذا اجلدار الوضيع‪ .‬بدون شك‪ ،‬إن قلبه الطفويل الذي هو مع ذلك قلب هللا‪،‬‬
‫حيس خبفقات قلوب هؤالء الثالثة الذين يصرخون جاثني على غبار الطريق‪" :‬قدوس‪ ،‬قدوس‪ ،‬قدوس‪،‬‬
‫مبارك الرب إهلنا‪ ،‬اجملد له يف أعايل السموات‪ ،‬والسالم خلدامه‪ .‬اجملد‪ ،‬اجملد‪ ،‬اجملد والربكة‪ ".‬هذا ما‬
‫كانوا يطلبونه بقلب يرتعش ابحلب‪ .‬وأثناء الليل والصباح الذي تاله‪ ،‬يتهيئون ابلصالة األكثر حرارة‬
‫لالتصال ابإلله الطفل‪ .‬ومل يذهبوا إىل هذا اهليكل الذي هو صدر العذراء الذي حيمل القرابن اإلهلي‬
‫كما تذهبون أنتم إليه ونفوسكم مفعمة ابالهتمامات البشرية‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 276 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫إهنم ينسون النوم والطعام‪ ،‬وإذا ما ارتدوا أمجل الثياب‪ ،‬فهذا ليس على سبيل الغرور اإلنساين‪،‬‬
‫إّنا لتبجيل ملك امللوك‪ .‬ففي بالط امللوك يدخل الوجهاء مرتدين أفخر الثياب‪ ،‬إذن ملاذا ال يذهبون‬
‫هم أيضاً لرؤية هذا امللك بثياب العيد؟ وأي عيد ابلنسبة إليهم أهم من هذا العيد؟‬

‫آه! يف بالدهم البعيدة جداً جداًكان ينبغي أن يتربجوا للناس املساوين هلم ليعايدوهم ويكرموهم‪.‬‬
‫فمن العدل إذن أن يرموا عند أقدام امللك األعظم الربفري واجلواهر‪ ،‬احلرائر والريش الثمني‪ ،‬أن يضعوا‬
‫صنَـ َعه هو‪ -‬حّت‬‫عند قدميه الصغريتني العذبتني نُ ُسج األرض وجواهرها وريشها ومعادهنا ‪-‬كل ما َ‬
‫ب منهم هذا الطفل أن‬ ‫تسجد أشياء األرض هذه‪ ،‬هي أيضاً‪ ،‬خلالقها‪ .‬وسوف يكونون سعداء لو طَلَ َ‬
‫يتمددوا على األرض ليكونوا سجادة حية خلطواته الطفولية وأن يسري فوقها‪ ،‬وهو الذي تَـَرَك النجوم‬
‫من أجلهم‪ ،‬غباراً‪ ،‬غباراً‪ ،‬غباراً‪.‬‬

‫إهنم متواضعون وكرماء‪ ،‬مطيعون "ألصواته" تعاىل‪ ،‬تلك األصوات اليت أ ََمَرت أن ُحت َمل اهلدااي‬
‫للملك املولود حديثاً‪ ،‬فحملوا أبنفسهم هذه اهلدااي‪ .‬مل يقولوا‪" :‬إنه غين وال حاجة به إليها‪ .‬إنه إله وال‬
‫يعرف املوت"‪ .‬لقد أطاعوا‪ .‬وكانوا ُهم أول من يغيثون فَقر املخلص‪ .‬كم سيكون هذا الذهب مفيداً‬
‫للذين سيكونون يف الغد فارين! وكم سيكون ال ُـمر ذا مغزى كبري ملن سيُحكم عليه قريباً ابملوت! وكم‬
‫سيكون هذا البخور درءاً لـه من نتانة فسق الناس اليت حتتدم حول طهارته الالمتناهية ويتنشَّقها‪.‬‬

‫إهنم متواضعون‪ ،‬كرماء‪ ،‬مطيعون وحمرتمون الواحد من اآلخر‪ :‬فالفضائل تَلِد دائماً فضائل‬
‫أخرى‪ .‬بعد تلك اليت تتوجه إىل هللا أتيت اليت تتوجه إىل القريب‪ .‬إنه االحرتام الذي يصبح حمبة‪ .‬لقد‬
‫أُسنِد الكالم ابسم اجلميع إىل أكربهم سناً‪ ،‬فيتقبل كذلك هو أوالً قبلة الرب ويقوده من يده‪ .‬ذلك‬
‫أن ابستطاعة اآلخرين أن يروه فيما بعد‪ ،‬أما هو فإنه مسن‪ .‬ال بل إن اليوم الذي يعود فيه إىل هللا‬
‫قريب جداً‪ .‬وسوف يرى املسيح بعد موته املفجع وسيتبعه ضمن عِداد املخلَّصني‪ ،‬عندما يعود إىل‬
‫السماء‪ .‬ولكنه لن يراه اثنية على هذه األرض‪ ،‬لذا‪ ،‬وكزاد لرحلته‪ ،‬تبقى له حرارة اليد الصغرية اليت‬
‫استسلَ َمت ليده املتجعدة‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 277 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫مل يكن أحد من اآلخرين حيسده‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬فقد كان احرتامهم لذاك املسن يتنامى‪.‬‬
‫لقد استحق ذلك أكثر منهم‪ ،‬وعلى مدى فرتة زمنية طويلة‪ ،‬واإلله الطفل يعلم ذلك‪ .‬مل تكن كلمة‬
‫اآلب قد ُِمس َعت بعد‪ ،‬ولكن حركته كلمة‪ .‬فلتكن مباركة كلمته املنزهة اليت حددت الكبري كمفضل‬
‫لديه‪.‬‬

‫ولكن‪ ،‬اي أبنائي‪ ،‬هناك عرباتن أيضاً ميكن استخراجهما من هذه الرؤاي‪.‬‬

‫سلوك يوسف الذي يعرف البقاء يف "مكانه"‪ ،‬حاضراً كحارس وحافظ للطهارة والقداسة‪،‬‬
‫يوجه الكالم‪ .‬يسعد يوسف‬ ‫ولكنه ال يغتَ ِ‬
‫صب حقاً‪ .‬إهنا مرمي‪ ،‬مع يسوعها‪ ،‬اليت تتقبل اهلدااي‪ ،‬وإليها َّ‬
‫البار‪ .‬ويبقى ابراً على الدوام‪،‬‬
‫من أجلها وال يهتم لكونه شخصية اثنوية‪ .‬إن يوسف رجل ابر‪ .‬إنّه ّ‬
‫حّت يف مثل هذه الساعة‪ .‬فأخبرة االحتفال مل تصعد إىل دماغه‪ .‬إنه يظل متواضعاً ومستقيماً وابراً‪.‬‬

‫سعيد هو ابهلدااي‪ .‬إّنا ليس من أجله‪ .‬ولكنه يفكر أن إبمكانه‪ ،‬بواسطة هذه اهلدااي‪ ،‬توفري‬
‫حياة أسهل لزوجته وللطفل‪ .‬ليست لدى يوسف رغبة ابلثراء‪ ،‬فهو عامل‪ ،‬وسيظل يعمل‪ .‬إّنا ليوفِر‬
‫"هلما"‪ ،‬حلُبَّيه‪ ،‬قليالً من اليسر والراحة‪ .‬ال هو وال اجملوس يَعلَمون أن هذه اهلدااي ستنفع يف اهلرب‬
‫وحياة املنفى حيث سيتبدد هذا الثراء مثل غيوم تطاردها الرايح‪ ،‬وكذلك يف العودة إىل الوطن‪ .‬إذاً فَـ ُهم‬
‫سيفقدون كل شيء‪ .‬العمالء واألاثث‪ ،‬لن جيدوا سوى جدران بيتهم اليت محاها هللا‪ ،‬إذ يف هذا املكان‬
‫قد احتد ابلعذراء و َّاَّتَ َذ لنفسه جسداً‪.‬‬

‫إن يوسف متواضع‪ ،‬فحّت مع كونه حارس هلل ولتلك اليت هي أُم هللا وعروسته تعاىل‪ ،‬فقد‬
‫َّدت إرث داود من ممتلكاهتم‬ ‫ك ِ‬
‫ابلركاب ألتباع هللا هؤالء‪ .‬إنه جنار فقري ألن قسوة العامل قد بَد َ‬ ‫َأم َس َ‬
‫امللكية‪ .‬ولكنه يبقى من أصل ملوكي‪ ،‬وله طباع امللوك‪ .‬فمن أجله أيضاً قيل‪" :‬إنه متواضع ألنه يف‬
‫احلقيقة عظيم"‪.‬‬

‫وم َعِربة‪.‬‬ ‫ِ ِ‬
‫آخر عربة‪ ،‬وهي عذبة ُ‬
‫إهنا مرمي اليت أتخذ بيد يسوع الذي مل يكن يعرف بعد أن يبارك‪ ،‬وتقودها يف احلركة املقدسة‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 278 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫دائماً هي مرمي اليت أتخذ بيد يسوع وتقودها‪ ،‬حّت اآلن كذلك‪ .‬اآلن يعرف يسوع أن يبارك‪،‬‬
‫ومثبَطَة عزائمها‪ ،‬ألن الربكة ال تفيد‪ .‬إنكم تنقضون بركيت‪ .‬وتعود‬ ‫ِ‬
‫املخرتقَة تَعبَة ُ‬
‫إّنا أحياانً تسقط يده ََ‬
‫لتسقط كذلك لعدم استحقاقكم ألنكم تلعنونين‪ .‬حينئذ حتتوي مرمي هذا السخط وهي تُـ َقبِل هذه‬
‫اليد‪ .‬آه! اي لقبلة أمي! من يستطيع مقاومة هذه القبلة؟ مث أتخذ أصابعها الناعمة قبضيت حبب آمر‬
‫وترغمين على أن أُاب ِرك‪ .‬فأان ال أستطيع أن أرد أمي‪ ،‬إّنا جيب العبور من خالهلا لتجعلوها احملامية‬
‫عنكم‪.‬‬

‫إهنا َملِ َكيت قبل أن تكون ملكتكم‪ ،‬وحبها لكم ميتلك من الغفراانت ما ال يعرفه حيب نفسه‪.‬‬
‫وهي‪ ،‬بدون كالم‪ ،‬بآللئ دموعها ودعوة صلييب الذي َج َعلَتين أرسم إشارته يف اهلواء‪ ،‬تُرافِع عنكم‬
‫"أنت املخلِص‪ ،‬فخلِص!"‬
‫وحتثين‪َ :‬‬
‫هذا هو‪ ،‬اي أبنائي "إجنيل اإلميان" يف رؤاي مشهد اجملوس‪ .‬أتملوا واقتدوا من أجل خريكم‪.‬‬

‫اجلمعة ‪ 3‬آذار (مارس) ‪1944‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫ِ‬
‫رغبتك بزايرة األماكن املق ّدسة‬ ‫كنت تقولني إنّ ِ‬
‫ك متوتني دون رؤية إشباع‬ ‫«اكتيب هذا فقط‪ .‬منذ أايم ِ‬
‫ّ‬
‫قدستُها بوجودي‪ّ .‬أما اآلن‪ ،‬وبعد عشرين قرانً من االنتهاكات‪ ،‬حبقد‬ ‫تتح ّقق‪ .‬إنّ ِ‬
‫ك تَـ َرينَها‪ ،‬وكما كانت حني َّ‬
‫فأنت يف الوقت احلاضر ترينها‪ ،‬بينما الذي يذهب إىل فلسطني ال‬ ‫أو حبب‪ ،‬فلم تعد أبداً كما كانت‪ .‬إذاّ‪ِ ،‬‬
‫ّ‬
‫يراها‪ .‬ال ُتزين‪.‬‬

‫عين‪ ،‬بعضها يبدو ِ‬


‫لك بال طعم أبداً‪ ،‬اآلن‪ ،‬بينما‬ ‫أمر آخر‪ :‬تشتكني من أن ال ُكتُب اليت تتح ّدث ّ‬
‫وجدت نفسك فيها‪ .‬فكيف تريدين أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كنت يف السابق ُتبّينها كثرياً‪ .‬وهذا أيضاً أييت من الظروف اليت‬
‫أنت؟ هذا االنطباع‬‫لك ِ‬‫لك األعمال اإلنسانية أكثر كماالً‪ ،‬بينما أان أهتم يف إظهار حقيقة الوقائع ِ‬‫ظهر ِ‬‫تَ َ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫البشري لألمكنة‬
‫ّ‬ ‫قوة اجلملة األصليّة‪ .‬الوصف‬
‫تشوه دائماً ّ‬
‫حّت مع الرتمجات اجليّدة‪ّ .‬إهنا ّ‬‫ميكن أن حيدث ّ‬
‫كما للوقائع هو "ترمجة"‪ ،‬وألجل ذلك‪ ،‬هو دائماً انقص‪ ،‬غري دقيق‪ ،‬ليس يف الكالم والوقائع وحسب‪ ،‬بل‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 279 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يعرب عنها فيها‪ .‬كذلك عندما أهب أحداً‬
‫خاصة وأ ّن العقالنيّة قد َخ َّربَت احلياة اليت ّ‬
‫إ ّّنا يف املشاعر كذلك‪ّ .‬‬
‫مرضي‪ ،‬ومن ِّفر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫مقصراً‪ ،‬غري‬
‫كل وصف آخر يبدو ابرداً‪ّ ،‬‬ ‫أن يرى ويعرف‪ ،‬فإ ّن ّ‬
‫اثلثاً‪ :‬إنّه يوم اجلمعة‪ ،‬أريد أن تعيشي آالمي من جديد‪ .‬أريد ذلك ِ‬
‫منك اليوم‪ ،‬أن تعيشيها من جديد‬
‫كك‪».‬‬ ‫ِ‬
‫وجسدك‪ .‬هذا يكفي‪ُ .‬تملي اآلالم بسالم وحب‪ .‬أابر ِ‬ ‫ِ‬
‫نفسك‬ ‫يف‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 280 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -58‬اهل ـ ــروب إل ــى مص ـ ــر)‬

‫‪1944 / 05 / 09‬‬

‫أرى ابلروح املشهد التايل‪:‬‬

‫الوقت ليل‪ .‬ويوسف يغفو على وسادته يف غرفته الصغرية انئماً نوماً هادائً‪ ،‬نوم َمن يراتح بعد‬
‫عمل كثري أجنََزهُ بشرف وعناية‪.‬‬

‫أراه يف عتمة الغرفة اليت يتخللها خيط نور قمري يَلِج من فتحة يف النافذة غري املغلقة جيداً‪ ،‬بل‬
‫هي ابلكاد منفرجة‪ ،‬كما لو كان يوسف يشعر ابلدفء يف هذا املكان الصغري‪ ،‬أو كما لو كان هو‬
‫يريد هذا اخليط من النور ليستطيع ضبط نفسه مع الفجر فينهض سريعاً‪ .‬إنه ينام على جنب ويبتسم‬
‫لست أدري ألية رؤاي أو أي حلم‪ .‬إن االبتسامة ما لَبِثَت أن َّ‬
‫حتولَت إىل َجَزع‪ .‬يتنهد عميقاً‬ ‫يف نومه ُ‬
‫كما لو كان كابوساً‪ ،‬مث يـَ ُهب من النوم قافزاً‪.‬‬

‫جيلس على السرير‪ ،‬يفرك عينيه وينظر حوله‪ .‬ينظر إىل النافذة من حيث يدخل خيط النور‪.‬‬
‫الظلمة دامسة‪ ،‬ولكنه يتوصل إىل الثوب املمدد يف أسفل السرير‪ ،‬ويرتديه فوق قميص أبيض أبكمام‬
‫قصرية كان يلبسه وهو ما يزال جالساً على السرير‪ .‬يكشف الغطاء ويُن ِزل قدميه إىل األرض ويبحث‬
‫عن صندله ويلبسه ويربط شريطه‪ .‬ينهض ويتوجه صوب الباب املقابل لسريره‪ ،‬وليس الذي إىل جانبه‬
‫ويؤدي إىل الغرفة اليت استَقبَلوا فيها اجملوس‪ .‬يقرع هبدوء‪ ،‬ابلكاد تك ‪ -‬تك أبطراف أصابعه‪.‬‬

‫أدرَك أنه ُدعِ َي إىل الدخول‪ ،‬ذلك أنه يفتح الباب حبذر ويعيد إغالقه دون جلبة‪.‬‬
‫قد يكون َ‬
‫وقبل أن يتوجه إىل الباب يشعل مصباح زيت صغرياً بشعلة واحدة ليستنري به‪ .‬يدخل إىل غرفة أكرب‬
‫قليالً من غرفته حيث يوجد مرقد منخفض وإىل جانبه مهد‪ ،‬وفيها قنديل مضاء‪ ،‬حبيث تبدو شعلته‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 281 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وم َذ َّهبة‪ ،‬تسمح ابلرؤية دون‬
‫الصغرية اليت ترتاقص يف زاوية منها وكأهنا جنمة صغرية‪ ،‬منرية‪ ،‬ضعيفة ُ‬
‫إزعاج نوم النائم‪.‬‬

‫ولكن مرمي ال تنام‪ .‬إهنا جتثو إىل جانب املهد بثوهبا الناصع وتصلي‪ ،‬تسهر على يسوع الذي‬
‫ينام هبدوء‪ .‬يسوع الذي ما يزال ابلعمر الذي رأيتُه به يف رؤاي اجملوس‪ .‬إنه طفل يف ما يقارب السنة‪،‬‬
‫صب‪ ،‬وهو غارق يف الوسادة‪ ،‬ويده املغلقة على‬ ‫مجيل وردي وأشقر ذو رأس صغري مجيل وشعر ُم َق َّ‬
‫عنقه‪.‬‬

‫يسأهلا يوسف بصوت منخفض مندهشاً‪« :‬أال تنامني؟ ملاذا؟ أوليس يسوع يف حالة جيدة؟»‬

‫أتيت اي يوسف؟» تتكلم مرمي‬


‫«آه! ال! إنه جيد‪ .‬أان أصلي‪ .‬ولكنين سأانم بعد ذلك‪ .‬ملاذا َ‬
‫وهي جاثية كما كانت‪.‬‬

‫يتكلم يوسف بصوت منخفض جداً‪ ،‬لكي ال يوقظ الطفل‪ ،‬إّنا حبماس‪« :‬جيب أن نرحل من‬
‫هنا‪ ،‬وفوراً‪ .‬أعدي الصندوق والكيس‪ ،‬وضعي فيهما كل ما تستطيعني‪ ،‬وسأجهز الباقي‪ .‬سأمحل أكثر‬
‫ما ميكنين محله‪ ...‬وسنهرب مع الفجر‪ ،‬بل حّت قبل ذلك‪ .‬إّنا جيب أن أحتدث إىل صاحبة املنزل‪»...‬‬

‫«ولكن ملاذا هذا اهلروب؟»‬

‫"خذ الصيب وأمه واهرب إىل‬ ‫ِ‬


‫«سأشرح لك فيما بعد‪ .‬إنه من أجل يسوع‪ .‬مالك قال يل‪ُ :‬‬
‫مصر"‪ .‬فال تضيعي الوقت‪ .‬سأجهز كل ما أستطيع‪».‬‬

‫ال حاجة للقول ملرمي أبن ال تضيع الوقت‪ .‬فما أن َِمس َعتهُ يتكلم عن املالك‪ ،‬عن يسوع وعن‬
‫أدرَكت أن خطراً حييق اببنها‪ .‬ف َق َفَزت واقفة ووجهها أكثر شحوابً كالشمع‪ ،‬واضعة يدها‬
‫الفرار‪ ،‬حّت َ‬
‫على صدرها بقلق‪ .‬وبَ َدأَت تسري بسرعة وخفة‪ ،‬وترتب الثياب يف الصندوق ويف كيس كبري َمدَّته على‬
‫سريرها الذي مل ُميس‪ .‬إهنا قلقة ولكنها مل تفقد دقة التفكري‪ ،‬إهنا تقوم بكل شيء بعجلة إّنا برتتيب‪.‬‬
‫ومن وقت آلخر‪ ،‬بينما متر قرب املهد تنظر إىل الطفل النائم غري عامل بشيء‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 282 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫وبني الفينة والفينة ي ِ‬
‫دخل يوسف رأسه من الباب املنفرج قليالً ليسأهلا‪« :‬هل ِ‬
‫أنت يف حاجة إىل‬ ‫ُ‬
‫مساعدة؟»‬

‫وجتيبه مرمي دائماً‪« :‬ال‪ ،‬شكراً‪».‬‬

‫فقط عندما امتأل الكيس وأصبَ َح ثقيالً‪ ،‬اندت يوسف ليساعدها يف إغالقه ورفعه عن السرير‪.‬‬
‫ولكن يوسف ال يريد أن يساعده أحد‪ ،‬ويتصرف منفرداً حبمله الصرة الطويلة وأخذها إىل غرفته‪.‬‬

‫تسأله مرمي‪« :‬هل علي أخذ األغطية الصوفية؟»‬

‫«خذي كل ما ميكن أخذه‪ ،‬ألن الباقي سنخسره‪ .‬إّنا خذي كل ما تستطيعني‪ .‬سوف ينفع‬
‫ألن‪ ...‬ألننا سوف نضطر إىل البقاء بعيداً مدة طويلة‪ ،‬اي مرمي!‪»...‬‬

‫أثناء قوله هذا يبدو يوسف حزيناً جداً‪ ،‬أما مرمي فيمكننا تصور ما هي عليه‪ .‬إهنا تطوي‪ ،‬وهي‬
‫تتنهد‪ ،‬أغطيتها وأغطية يوسف الذي يربطها حببل‪.‬‬

‫أخذت ثالثة محري‪ ،‬فلن‬


‫ُ‬ ‫«سوف نرتك البُسط واحلُصر»‪ ،‬قاهلا وهو يربط األغطية‪« .‬حّت ولو‬
‫ومن ِهكة‪ ،‬قسماً منها عرب اجلبال والقسم اآلخر‬ ‫أستطيع أن أ َِ‬
‫ُمحلها كثرياً‪ ،‬ألننا سنقطع مسافات طويلة ُ‬
‫أخذت‬
‫ُ‬ ‫يف الصحارى‪ .‬غطي يسوع جيداً ألن الليايل ستكون ابردة جداً يف اجلبال والصحارى‪ .‬لقد‬
‫معي هدااي اجملوس‪ ،‬فستنفعنا هناك‪ .‬سوف أدفع كل ما معي ألشرتي احلمارين‪ .‬لن نتمكن من إرسال‬
‫الثمن من هناك‪ ،‬لذا فسأدفع نقداً‪ .‬سأذهب قبل الفجر‪ .‬أَعلَم أين أجدمها‪ .‬أما ِ‬
‫أنت فأهني جتهيز كل‬
‫وخي ُرج‪.‬‬
‫شيء‪َ ».‬‬

‫تلملم مرمي أشياء أخرى‪ ،‬وبعد أن تنظر إىل يسوع‪َّ ،‬ترج وتعود وبيدها ثياب صغرية تبدو أهنا‬
‫ما تزال رطبة‪ ،‬قد تكون َغ َسلَتها يف الليل‪ ،‬تطويها وتلفها ضمن قطعة قماش وتضعها مع الباقي‪ .‬ال‬
‫شيء بعد‪ .‬تلتفت فرتى يف إحدى الزوااي لعبة صغرية ليسوع‪ :‬نعجة صغرية منحوتة من اخلشب‪.‬‬
‫تلتقطها مرمي وهي تبكي وتُـ َقبِلها‪ .‬فاخلشب حيمل آاثر أسنان يسوع الصغرية‪ ،‬واألذانن عليهما آاثر‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 283 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫عض كثرية‪ ،‬تداعب مرمي هذه اللعبة املنحوتة من اخلشب األبيض واليت ال قيمة مادية هلا‪ ،‬ولكن قيمتها‬
‫ابلنسبة هلا كبرية جداً‪ ،‬ذلك أهنا تروي قصة عطف يوسف على يسوع وحتكي هلا عن الطفل‪ ،‬فتضمها‬
‫إىل بقية األغراض يف الصندوق املقفل‪.‬‬

‫اآلن حتماً مل يعد ينقص شيء‪ .‬فقط يسوع يف مهده‪ .‬تفكر مرمي أبنه ينبغي إعداد الطفل جيداً‪.‬‬
‫تذهب إىل املهد وحتركه قليالً إليقاظ الصغري‪ .‬ولكنه يئن للحظة مث يدور ويتابع نومه‪ ،‬تداعب مرمي‬
‫بلطف خصالت شعره‪ ،‬يفتح يسوع فمه ليتثاءب‪ .‬تنحين مرمي وتقبل خده‪ .‬يستيقظ يسوع‪ ،‬يفتح‬
‫عينيه‪ .‬يرى أمه ويبتسم‪ ،‬مث ميد يديه إىل صدرها‪.‬‬

‫الدتك‬
‫ك جاهز دوماً لرتضع من و َ‬
‫ك‪ .‬نعم احلليب‪ .‬قبل املوعد املعتاد‪ ...‬ولكن َ‬‫«نعم اي ُحب أُم َ‬
‫اي َمحَلي املقدس الصغري!»‬

‫يبتسم يسوع ويلهو بتحريك قدميه الصغريتني خارج األغطية‪ ،‬وخافقاً بيديه بنوع من الفرح‬
‫الطفويل الذي خيلب النَّظَر‪ .‬يسند قدميه على بطن أمه ويتقوس ليسند رأسه على صدرها‪ .‬مث يعود‬
‫فريمي بنفسه إىل اخللف ويضحك ممسكاً ابحلبال اليت تقفل ثوب مرمي يف حماولة لفتحها‪ .‬إنه يبدو‬
‫مجيالً جداً بقميصه الكتاين‪ ،‬ربيالً وردايً مثل زهرة‪.‬‬

‫تنحين مرمي‪ ،‬وبينما هي هكذا من وراء املهد لرعايته‪ ،‬تبكي وتضحك يف الوقت ذاته‪ ،‬يف حني‬
‫يناغي الطفل بكلمات ليست كالكلمات‪ ،‬كلمات كل األطفال‪ ،‬حيث ّنيز بوضوح فقط كلمة‬
‫"ماما"‪ .‬وينظر إليها مندهشاً لرؤيتها تبكي‪ .‬ميد يده إىل الدموع املتأللئة‪ ،‬اليت جتوب خدي مرمي‬
‫وتبللهما‪ ،‬وهو يداعبها‪ ،‬مث‪ ،‬وبسلوكه العذب هذا‪ ،‬يعود ليستند على صدر أمه مشدوداً إليه وهو‬
‫يداعبه بيده الصغرية‪.‬‬

‫تُـ َقبِل مرمي شعره‪ ،‬وأتخذه وجتلس لتلبسه‪ .‬ها هو قد لبس الثوب الصويف الصغري وصندالً صغرياً‬
‫يف قدميه‪ .‬تُـ َق ِدم لـه ثديها فريضع يسوع حليب أمه بشهية‪ ،‬وعندما يبدو لـه أن اليميين مل يعد يدر إال‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 284 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫القليل من احلليب‪ ،‬ينتقل إىل اليساري ويبتسم‪ ،‬وبعد أن يفعل ذلك ينظر إىل والدته‪ .‬مث ينام ورأسه‬
‫على صدر مرمي‪ ،‬وخده الوردي املدور على ثدي أمه‪.‬‬

‫تَ َنهض مرمي من جديد هبدوء وتضعه على مفرش سريرها‪ .‬تغطيه مبعطفها‪ .‬تذهب إىل املهد‬
‫وتطوي األغطية الصغرية‪ ،‬وتتساءل ما إذا كان ينبغي هلا أن أتخذ الفراش الصغري‪ .‬إنه صغري جداً!‬
‫إبمكاهنا أخذه‪ .‬وتضعه مع الوسادة قرب األمتعة اليت هي اآلن على الصندوق‪ .‬وتبكي فوق املهد‬
‫املضطهدة اببنها!‬
‫َ‬ ‫الفارغ‪ .‬مسكينة هي هذه األم‬
‫ِ‬
‫أخذت أغطيته ومرقده الصغري؟ إننا ال‬ ‫أنت جاهزة؟ ويسوع كذلك؟ هل‬ ‫يعود يوسف‪« :‬هل ِ‬
‫نستطيع محل املهد‪ ،‬إّنا فليكن له فراشه على األقل‪ ،‬هذا الصغري املسكني الذي يسعون إىل قتله‪».‬‬

‫تصرخ مرمي‪« :‬يوسف!» بينما تتعلق بذراعه‪.‬‬

‫«نعم اي مرمي‪ ،‬إىل قتله! هريودس يريد قتله‪ ...‬ألنه خائف منه‪ ...‬من أجل سلطانه امللكي خياف‬
‫لست أدري ماذا سيفعل عندما يعلم أنه َهَرب‪ .‬ولكن حينئذ‬‫الوحش الدنس من هذا الربيء‪ُ .‬‬ ‫ُ‬ ‫هذا‬
‫لست أظن أن انتقامه أثناء البحث سوف ميتد إىل اجلليل‪ .‬إنه من الصعب جداً‬
‫سوف نكون بعيدين‪ُ .‬‬
‫ساع َده‬
‫ومن حنن ابلتحديد‪ .‬إال إذا َ‬ ‫اكتشاف كوننا جليليني‪ ،‬وأصعب من ذلك أننا من الناصرة‪َ ،‬‬
‫الشيطان ليشكره على كونه خادمه األمني‪ .‬إّنا‪ ...‬إذا ما حصل هذا‪ ...‬فسيساعدان هللا من جهته‪.‬‬
‫ال تبكي اي مرمي‪ .‬أن أر ِاك تبكني يعذبين أكثر من وجوب الرحيل إىل املنفى بكثري‪».‬‬

‫لست أبكي من أجلي وال من أجل املمتلكات القليلة اليت أفقدها‪ .‬بل‬‫«سـاحمين اي يوسف! ُ‬
‫نفسك دون عمل‪ ،‬دون بيت!‬ ‫َ‬ ‫اضطررت حّت اآلن أن تضحي كثرياً! واآلن ستجد‬
‫َ‬ ‫أجلك‪ ...‬لقد‬
‫من َ‬
‫لك من املتاعب اي يوسف!»‬
‫كم أسبب َ‬
‫«كم؟ ال اي مرمي‪ِ .‬‬
‫أنت ال تسببني يل شيئاً أبداً‪ .‬بل إن ِ‬
‫ك تعزينين دائماً‪ .‬ال تفكري ابلغد‪ .‬إننا‬
‫ّنلك كنوز اجملوس‪ .‬سوف يساعدوننا يف البداية‪ .‬مث سأجد عمالً‪ .‬فالعامل الشريف والقدير يدبر شؤونه‬
‫حاالً‪ .‬ر ِ‬
‫أيت هنا‪ .‬مل أكن أجد الوقت الكايف إلجناز األعمال كلها‪».‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 285 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫حنينك إىل الوطن؟»‬
‫َ‬ ‫يشفيك من‬
‫َ‬ ‫«أعرف‪ ،‬ولكن َمن‬
‫لك الغايل جداً على ِ‬
‫قلبك؟»‬ ‫حنينك إىل منز ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يشفيك من‬ ‫«و ِ‬
‫أنت َمن‬

‫كنت أملكه هناك‪».‬‬


‫«إنه يسوع‪ .‬فبامتالكه يكون يل ما ُ‬
‫كنت أمتّن العودة إليها منذ أشهر‪ .‬إنين‬
‫«وأان كذلك‪ ،‬ابمتالكي يسوع‪ ،‬فإين أمتلك بلديت اليت ُ‬
‫أمتلك إهلي‪ .‬أترين‪ ،‬إنين مل أفقد شيئاً مما هو غال على قليب فوق كل شيء‪ .‬وحّت ولو اضطرران إىل‬
‫عدم رؤية هذه السماء وهذه احلقول‪ ،‬وتلك األغلى‪ ،‬حقول اجلليل‪ ،‬فسيكون لنا كل شيء‪ ،‬ألننا‬
‫ّنتلكه‪ ،‬هو‪ .‬تعايل اي مرمي‪ ،‬فالفجر بدأ يبزغ‪ ،‬وقد حان الوقت للسالم على ال ُـمضيفة وحتميل أمتعتنا‪.‬‬
‫سيسري كل شيء بشكل جيد‪».‬‬

‫تَ َنهض مرمي ُمطيعة‪ ،‬وتتدثر مبعطفها‪ ،‬بينما جيهز يوسف الصرة األخرية وحيملها وهو خيرج‪.‬‬

‫ترفع مرمي الطفل بلطف‪ .‬وتلفه بوشاح وتضمه إىل قلبها‪ .‬تنظر إىل اجلدران اليت آوهتم شهوراً‬
‫وتتلمسها بيدها‪ .‬مغبوط املنزل الذي استحق أن حتبه مرمي وتباركه!‬

‫عرب الغرفة الصغرية اليت كانت ليوسف‪ ،‬وتدخل إىل الغرفة األخرى‪ .‬تُـ َقبِلها صاحبة املنزل‬
‫ََّت ُرج‪ ،‬تَ ُ‬
‫وتُ َسلِم عليها وقد اهنَ َمَرت دموعها‪ .‬وترفع طرف الوشاح وتُـ َقبِل الطفل النائم هبدوء من جبهته‪ .‬ويهبطون‬
‫السلم اخلارجي الصغري‪.‬‬

‫كانت اخليوط األوىل لنور الفجر تسمح فقط بتمييز األشياء‪ .‬ويف شبه العتمة هذه تُرى املطااي‬
‫ُخريَني سرجان‪ .‬يهتم يوسف برتتيب الصندوق‬ ‫الثالث‪ .‬على األقوى منها ُحتَ َّمل األمتعة‪ ،‬وعلى األ َ‬
‫والصرر بشكل جيد على بردعة احلمار األول‪ .‬أرى عدة النجارة موضوعة ومربوطة على أعلى الكيس‪.‬‬
‫ومن جديد وداع ودموع‪ ،‬مث متتطي مرمي احلمار بينما صاحبة املنزل حتمل يسوع قرب عنقها وتُـ َقبِله‬
‫للمرة األخرية قبل إعادته إىل أمه‪ .‬وميتطي يوسف كذلك صهوة محاره بعد أن يربطه ابلذي حيمل‬
‫األمتعة ليتفرغ لإلمساك بلجام محار مرمي‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 286 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يبدأ اهلروب بينما كانت بيت حلم ما تزال حتلم مبشهد اجملوس اخلارق‪ ،‬وتنام بسكينة غافلة عما‬
‫ينتظرها‪.‬‬

‫هذه كانت هناية الرؤاي‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 287 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫كل األمساء)‬ ‫َّ‬


‫‪( -59‬كان األمل رفيقنا األمني‪ ،‬وقد اختَ َذ خمتلف األشكال و ّ‬
‫‪1944 / 05 / 09‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬
‫وابإلذن من العلماء املتشددين‪ -‬فقد سب َق وأرينا ِك م ِ‬
‫شاهد‬ ‫«وهكذا أيضاً هذه اجملموعة من الرؤى‪ِ - .‬‬
‫َ‬ ‫ََ‬
‫وعاص َرت وتَـلَت جميئي إىل هذا العامل‪ ،‬ذلك ليس ألجلها هي ؛ فهي معروفة مبا فيه الكفاية‪ ،‬إ ّّنا‬ ‫َ‬ ‫مما َسبَـ َقت‬
‫تبدلَت مبا طرأ عليها من إضافات عرب القرون‪ ،‬ودائماً بسبب هذا األسلوب‬ ‫خاص أل ّن معالِمها قد َّ‬
‫بشكل ّ‬
‫حقيقي ما كان أمجل لو تُ ِرك على‬‫ّ‬ ‫يتم متجيد هللا بشكل أفضل‪َ ،‬جت َعل غري‬
‫البشري يف رؤية األمور اليت‪ ،‬لكي ّ‬
‫ّ‬
‫حقيقته ‪-‬ألجل هذا كان ذاك مغفوراً‪ -‬ذلك أ ّن إنسانيّيت وإنسانيّة مرمي ال تكون منقوصة‪ ،‬وكذلك ألوهيت‬
‫وحب الثالوث األقدس‪ ،‬هبذه الطريقة يف رؤية األمور على حقيقتها‪ ،‬إ ّّنا على العكس‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫وعظَ َمة اآلب‬
‫َ‬
‫يناك هذه‬ ‫فاستحقاقات والديت وتواضعي الكامل تتألّق‪ ،‬وكذلك صالح الرب األزيل الكلّي القدرة‪ .‬وإ ّّنا أر ِ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫نحك هذا كقاعدة‬ ‫عليك وعلى اآلخرين‪ ،‬وم ِ‬ ‫املشاهد إلمكانية تطبيق املعَن الفائق الطبيعة الذي ينبعث منها ِ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫حياة‪.‬‬

‫الوصااي العشر هي الشريعة‪ ،‬وإجنيلي هو العقيدة اليت جتعل تلك الشريعة أكثر وضوحاً وأكثر‬
‫حتبُّباً التِباعها‪ .‬فهذه الشريعة وهذه العقيدة كافيتان لتجعال من الناس قديسني‪.‬‬

‫إنكم متورطون جداً إبنسانيتكم اليت تُسيِطر عليكم بشكل ُمبالَغ فيه‪ ،‬واليت تسيطر أيضاً على‬
‫روحكم حبيث ال تستطيعون اتباع طُُرقه اليت يعينها لكم‪ ،‬وتَـ َقعون‪ ،‬أو ابألحرى تتوقفون ُمثبَطة عزائمكم‪.‬‬
‫تقولون ألنفسكم وللذين يريدونكم أن ترتقوا برواية أمثال اإلجنيل‪" :‬ولكن يسوع‪ ،‬ولكن مرمي‪ ،‬إّنا‬
‫يوسف (وهكذا لكل القديسني) مل يكونوا مثلنا‪ ،‬لقد كانوا أقوايء‪ .‬لقد تعزوا مباشرة يف آالمهم‪ ،‬وحّت‬
‫يف هذا القليل من األمل الذي حتملونه مل يكونوا حيسون ابألهواء‪ ،‬لقد كانوا آنئذ كائنات غريبة عن‬
‫األرض"‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 288 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫هذا القليل ِمن األمل! يف مأمن ِمن األهواء!‬

‫األمل‪ ،‬ابلنسبة لنا‪ ،‬كان الصديق الويف‪ ،‬ولقد َّاَّتَ َذ كل األمساء ومجيع األشكال على اختالف‬
‫أنواعها‪" .‬األهواء"‪ ،‬ال تستخدموا كلمات غري ُمالئِمة يف تسمية الرذائل اليت تضللكم "أبهواء"‪ .‬بل‬
‫مسوها‪ ،‬وبصراحة‪" ،‬رذائل"‪ ،‬وعالوة على ذلك‪ ،‬رئيسية‪.‬‬

‫وهذه أيضاً‪ ،‬ال ميكن اعتبار أننا كنا جنهلها‪ .‬فلقد كانت لنا عيون وآذان لنرى ونسمع‪ ،‬وكان‬
‫الشيطان جيعل هذه الرذائل تلمع أمامنا وحولنا إبظهارها ابلفعل بكل قذارهتا‪ ،‬كما كان أيضاً جيربنا‬
‫بتلميحاته‪ .‬ولكن مبا أن اإلرادة كانت تَ َنزع يف النية إىل أن نكون َمرضيني لدى هللا‪ ،‬فهذه القذارة وهذه‬
‫ض َعه الشيطان نصب عينيه‪ ،‬فقد أدت إىل التأثري‬ ‫ِ‬
‫التلميحات‪ ،‬بدالً من أن ُحتَقق هدفها الذي َو َ‬
‫العكسي‪ .‬وكلما كان َجيد يف مطاردتنا‪ ،‬كنا نلتجئ إىل نور هللا ابلنفور من الظلمات املوحلة اليت كان‬
‫يقدمها لعيون جسدان وروحنا‪.‬‬

‫أما األهواء‪ ،‬ابملعّن الفلسفي هلا‪ ،‬فلم نكن جنهلها فينا‪ .‬لقد ُكنا حنب‪ ،‬بل هنوى وطننا‪ ،‬بلدتنا‬
‫اجتاحتنا مشاعر احلنني إىل منزلنا وأهلنا وأصدقائنا‪.‬‬
‫الصغرية الناصرة‪ ،‬أكثر من كل مدن فلسطني‪ .‬لقد َ‬
‫فلماذا مل يكن ينبغي لنا أن خنتربها؟ إال أننا مل جنعل من أنفسنا عبيداً هلا‪ ،‬ذلك أن ال شيء ميكنه أن‬
‫يكون معلماً لنا غري هللا‪ .‬ولكننا َج َع ْلنا منها رفاقاً صاحلني‪.‬‬

‫صَر َخت عندما عادت إىل الناصرة‪ ،‬بعد حوايل أربع سنوات‪ ،‬صرخة فرح وهي تدخل إىل‬ ‫أمي َ‬
‫َّعم" اليت قالتها كانت قد فَـتَ َحت أحشاءها لتستَقبِل بذرة هللا‬
‫بيتها‪ ،‬وأخذت تُـ َقبِل اجلدران حيث "النـ َ‬
‫فيها‪ .‬ويوسف صافَ َح بفرح أهله وأوالد إخوته املتزايدين عدداً وحجماً؛ ولقد استمتَ َع مبالحظته مواطنيه‬
‫مت من خيانة يهوذا وكأهنا‬ ‫كنت حساساً للصداقات‪ ،‬فتأل ُ‬ ‫صدوه مباشرة لكفاءته‪ .‬وأان ُ‬ ‫وقد تذكروه وقَ َ‬
‫لب وجداين‪ .‬وأكثر من ذلك‪ ،‬فال أمي وال يوسف َج َعال حب البيت يتقدم على إرادة هللا‪.‬‬ ‫ص ٌ‬‫َ‬
‫وأان مل أمسك الكلمات‪ ،‬عندما كان يتوجب علي قوهلا‪ ،‬الكلمات القابلة ألن جتلب يل حقد‬
‫يف َك َفادي‪ ،‬إّنا كغين‪.‬‬
‫كنت أعلَم أن الفضة كانت كافية لربطه يف؛ ليس َّ‬
‫اليهود أو عداوة يهوذا‪ .‬لقد ُ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 289 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫كنت فعالً قادراً على‬
‫أردت ‪-‬وقد ُ‬‫وأان الذي َكثـََّر اخلبزات‪ ،‬قد كان إبمكاين جعل الفضة تفيض لو ُ‬
‫كنت قد َد َعوُهتم‪.‬‬
‫جئت ألحقق إشباعات بشرية ألحد‪ ،‬وخاصة للذين ُ‬ ‫ذلك‪ -‬إال أنين مل أكن قد ُ‬
‫كنت سأكونه‪ ،‬وأي عادل‬ ‫ِ‬
‫كنت أُبَشر ابلتضحية‪ ،‬ابلتجرد‪ ،‬حبياة العفة وابلتواضع األصيل‪ .‬فأي معلم ُ‬
‫ُ‬
‫عطيت أحداً فضة ألمتلق طمعه وأحاسيسه ابعتبارها الطريقة الوحيدة للتمسك به؟‬
‫كنت أ ُ‬
‫ابر‪ ،‬لو ُ‬
‫يف مملكيت يصبح املرء "عظيماً" حينما جيعل نفسه "صغرياً"‪ ،‬والذي يريد أن يصبح "عظيماً" يف‬
‫العظَ َمة الدنيوية‬
‫عيون العامل‪ ،‬فهو غري قادر على التملك يف مملكيت؛ إنه قش لفراش الشياطني‪ .‬ذلك أن َ‬
‫تناقض شريعة هللا‪.‬‬

‫يدعو العامل "عظماء" أولئك الذين يعرفون أن يستحوذوا ألنفسهم على مراكز جيدة بوسائل‬
‫صلوا إىل هذه املراكز يستخدمون القريب سلماً يدوسونه أبرجلهم‬ ‫هي غالباً غري مشروعة‪ .‬ولكي ي ِ‬
‫َ‬
‫لريتقوا هم‪ .‬يسمي العامل "عظماء" أولئك الذين يَعرفون أن يَقتُلوا لكي َميلِكوا‪ ،‬أن يَقتُلوا معنوايً أو‬
‫جسدايً‪ :‬الذين يَغتَصبون املراكز أو جيتاحون البالد ويغتنون هم أنفسهم بتجريد اآلخرين من ثرواهتم‬
‫"فالعظَ َمة" ال تنسجم مع‬‫اخلاصة أو اجلماعية‪ .‬وغالباً ما َمينَح العامل لقب "عظماء" جملرمني‪ .‬ال‪َ .‬‬
‫الصالح والرب‪ ،‬يف الشرف ويف احلب واالستقامة‪ .‬انظروا إىل عظمائكم‪ ،‬أية فاكهة‬ ‫اإلجرام‪ .‬إهنا تُقيم يف َّ‬
‫مسمومة يقدمون لكم‪ ،‬إهنم يقطفوهنا ابلفساد الشيطاين من حديقتهم الداخلية!‬

‫الرؤاي األخرية ‪-‬مبا أنين أريد التحدث عنها دون التوقف عن الكالم يف أمور أخرى لن جيدي‬
‫نفعاً عرضها على عامل ال يريد مساع احلقيقة اليت َّتصه‪ -‬هذه الرؤاي األخرية تُـ َو ِضح نقطة خاصة َوَرَدت‬
‫تكرَرت مرتني‪" :‬قُم‪ُ ،‬خذ الصيب وأمه وارحل إىل مصر" (‪" )13 / 2‬قُم‪،‬‬ ‫مرتني يف إجنيل مّت‪ ،‬مجلة َّ‬
‫أيت أن مرمي كانت وحدها يف غرفتها مع‬ ‫خذ الصيب وأمه وارجع إىل أرض إسرائيل" (‪ )20 / 2‬ور ِ‬
‫ُ‬
‫الطفل‪.‬‬

‫هامجَها كثرياً أولئك الذين‪ ،‬لكوهنم وحالً ونتانة‪ ،‬ال يتقبلون أن يستطيع خملوق بشري مثلهم‬
‫لقد َ‬
‫فس َدة للغاية‪،‬‬
‫أن يكون كنفاً ونوراً‪ ،‬بتولية مرمي بعد الوالدة وعفة يوسف‪ .‬لقد احنَطوا بنفسهم ال ُـم َ‬
‫بنفسهم املذلولة للجسد لدرجة أهنم أصبَحوا عاجزين عن التفكري أبن إنساانً يستطيع احرتام امرأة أبن‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 290 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يرى فيها الروح ال اجلسد‪ ،‬وأن يرتقي لدرجة احلياة يف جو فائق الطبيعة‪ ،‬راغباً ليس يف ما هو جسدي‪،‬‬
‫بل يف ما هو إهلي‪.‬‬

‫املتنكرين للجمال الفائق‪ ،‬هلذه الديدان العاجزة عن أن تصبح فراشات‪ ،‬هلذه الزواحف‬ ‫إذاً‪ ،‬هلؤالء ِ‬
‫استمرت عذراء‪،‬‬‫املتمرغة يف لعاب الشهوات‪ ،‬العاجزة عن إدراك مجال الزنبقة‪ ،‬أان أقول إن مرمي كانت و َّ‬
‫اقرتنَت بيوسف‪ ،‬كما أن روحها فقط هي اليت َّاحتَ َدت بروح هللا‪ ،‬وبِِفعله‬ ‫وإن النفس وحدها هي اليت ََ‬
‫َحبَـلَت ابلوحيد الذي َمحَلَت به‪ :‬أان‪ ،‬يسوع املسيح‪ ،‬االبن الوحيد هلل وملرمي‪.‬‬

‫أزهَراً فيما بعد بسبب احرتام الطوابوية اليت هي أمي إىل حد العشق‪ .‬إهنا‬
‫هذا ليس تقليداً َ‬
‫حقيقة وقد عُ ِرفَت منذ األزمنة األوىل‪.‬‬

‫مل يولد مّت يف القرون التالية‪ .‬بل لقد كان معاصراً ملرمي‪ .‬ومّت مل يكن جاهالً مسكيناً‪ ،‬أو‬
‫صالً للضرائب (جابياً) كما تسمونه اآلن‪،‬‬ ‫مستوحشاً ساذجاً وقابالً لتصديق أية قصة‪ .‬لقد كان ُحم ِ‬
‫َ‬
‫سمع ويُد ِرك ومييز احلقيقة من الباطل‪ .‬فمّت مل‬
‫عشاراً كما كنا نسميه آنذاك‪ .‬وكان يَع ِرف أن يَنظُر ويَ َ‬
‫يعلم ابألمور عن طريق قيل عن قال‪ ،‬وإّنا عن طريق أشخاص َمشَلَتهم األحداث‪ .‬لقد استقى معلوماته‬
‫من فم مرمي حيث ُحبه للمعلم وللحقيقة َدفَـ َعه ليطلب املعلومات منها شخصياً‪.‬‬

‫ال أظن هؤالء الناكرين حلصانة مرمي يفكرون أبهنا استطاعت الكذب‪ .‬فأهلي أنفسهم كانوا‬
‫يستطيعون تكذيبها لو كان هلا أبناء آخرون‪ .‬فيعقوب ويوضاس ومسعان ويوسف كانوا هم أيضاً‬
‫معاصرين ملّت‪ .‬لقد كان من السهل على هذا األخري أن يُقابِل الرواايت‪ ،‬لو كانت ُوِج َدت عدة‬
‫أتك"‪ .‬بل قال‪" :‬خذ الصيب وأمه"‪ .‬وكان قَبلَها قد قال‪:‬‬
‫رواايت‪ .‬ذلك أن مّت مل يقل أبداً‪" :‬قم خذ امر َ‬
‫"عذراء خمطوبة ليوسف" و "يوسف عروسها"‪.‬‬

‫فال أيتينين هؤالء الناكرون ليقولوا يل إهنا كانت طريقة كالم اليهود كما لو أن عبارة "امرأة"‬
‫تنكرون للطهارة‪ .‬من العبارات األوىل للكتاب املقدس نقرأ مرات‬‫كانت َّتل ابلشرف‪ .‬ال‪ ،‬أيها الـم ِ‬
‫ُ‬
‫ف امرأته"‪ .‬ذلك أن قبل إمتام الزواج ابلدخول تسمى "خمطوبة"‬ ‫"‪...‬وعَر َ‬
‫َ‬ ‫كثرية‪ ،‬ويف فصول خمتلفة‪:‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 291 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫‪ Compagne‬وفيما بعد "زوجة (امرأة)" ‪ .Femme‬وقد كان هكذا ابلنسبة لزوجات أبناء آدم‪.‬‬
‫ابنتيك" قيل ذلك للوط‪ .‬ويف‬
‫زوجتك و َ‬
‫َ‬ ‫زوجتك" و "خذ‬
‫َ‬ ‫كذلك لسارة املسماة "زوجة ابراهيم"‪" ،‬سارة‬
‫سفر راعوت ُكتِب‪" :‬املؤابية زوجة حملون"‪ ،‬ويف سفر امللوك األول‪" :‬كان أللقانة زوجتان"‪ .‬وأيضاً‬
‫"وعرف ألقانة حنة زوجته"‪ .‬وأيضاً‪" :‬فيبارك العايل ألقانة وزوجته"‪ .‬وكذلك يف سفر امللوك قيل‪:‬‬
‫"بتشابع زوجة أوراي احليت أصبَ َحت زوجة داود وأجنَبَت له ولداً"‪ .‬وماذا نقرأ يف سفر طوبيا‪ ،‬سفر‬
‫ص َل‬
‫الالزورد الذي ترتله الكنيسة يف أعراسكم لتنصحكم أبن تتقدسوا يف الزواج؟ نقرأ‪" :‬إذ حني َو َ‬
‫طوبيا برفقة زوجته وابنه"‪ .‬وأيضاً‪" :‬جنح طوبيا يف اهلرب مع زوجته وابنه"‪.‬‬
‫املعاصرة‪ِ ،‬‬
‫املعاصرة لذاك‬ ‫ويف األانجيل‪ ،‬أي يف زمن املسيح حيث ابلنتيجة كان يكتَب ابللغة ِ‬
‫ُ‬
‫الوقت‪ ،‬وحيث ابلنتيجة مل يكن هناك جمال الحتمال إمكانية اخلطأ يف الكتابة‪ ،‬فلقد قيل ابلتحديد‬
‫فرتك امرأته ألخيه"‪.‬‬
‫يف الفصل الثاين والعشرين من إجنيل مّت‪..." :‬وتزوج األول ومات ومل يكن له نسل َ‬
‫ويف مرقس‪ ،‬الفصل العاشر‪" :‬من طَلَّق امرأته"‪ .‬ولوقا يدعو أليصاابت "امرأة زكراي" أربع مرات متتالية‪،‬‬
‫ويف الفصل الثامن‪" :‬حنة امرأة قوزى"‪.‬‬

‫كما تَـَرون‪ ،‬فهذه التسمية مل تكن لفظاً حمظوراً على الذين يتبعون طرق الرب‪ ،‬أو لفظاً جنساً‬
‫جيب عدم نطقه‪ ،‬وأكثر من ذلك عدم كتابته حيث يكون املوضوع خيص هللا وأعماله البديعة‪ .‬واملالك‬
‫بقوله‪" :‬الطفل وأمه"‪ ،‬يبني لكم أن مرمي كانت األم احلقيقية ليسوع دون أن تكون امرأة (زوجة) يوسف‪.‬‬
‫وستبقى أبداً عروسة يوسف العذراء‪.‬‬

‫هذه هي العِربة األخرية من هذه الرؤى‪ .‬إهنا هالة نور تتألق على رأس مرمي ويوسف‪ ،‬العذراء‬
‫الع ِطر‬
‫عت بينهما وأان ال أمسع غري الكالم َ‬
‫ترعر ُ‬
‫اليت مل ُمتس والرجل العفيف البار‪ ،‬الزنبَـ َقتني اللتني َ‬
‫والطاهر‪.‬‬

‫مزق مرمي ال ُـمنتَـ َزعة من بيتها ووطنها‪،‬‬ ‫ِ‬


‫لك‪ ،‬اي يوحنّاي الصغري‪ ،‬أستطيع أن أتكلّم عن األمل الذي ّ‬
‫أملك‪ ،‬فأان ال أريد سوى ذلك‪ .‬إنّه أعظم من‬ ‫ولكن ذلك ال حيتاج إىل كالم‪ ،‬تعرفني ماذا يعين ذلك‪ .‬أعطيين ِ‬
‫ّ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 292 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أي شيء تعطينيه‪ .‬اليوم يوم اجلمعة‪ ،‬ماراي‪ :‬ف ّكري آبالمي وآالم مرمي يف اجللجلة لتستطيعي محل صلي ِ‬
‫بك‪.‬‬ ‫ّ‬
‫السالم وحبنا يب َقيان ِ‬
‫معك‪».‬‬ ‫ّ َ‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 293 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -60‬العائلة املق ّدسة يف مصر)‬


‫‪1944 / 01 / 25‬‬

‫َّسة‪ .‬إهنا يف مصر‪ .‬ال ميكن الشك يف ذلك‪ ،‬فأان أرى الصحراء وأحد‬
‫الرؤاي العذبة للعائلة املقد َ‬
‫األهرامات‪.‬‬

‫موشَّحاً ابلبياض‪ ،‬هو عبارة عن طابق أرضي فقط‪ ،‬بيتاً متواضعاً ألانس فقراء جداً‪.‬‬
‫إين أرى بيتاً َ‬
‫جدرانه ابلكاد مطلية ومكسوة بطبقة واحدة من الكلس‪ .‬هلذا املنزل الصغري ابابن؟‪ ،‬الواحد إىل جانب‬
‫دخالن لغرفتني وحيدتني مل أدخلهما بعد‪ .‬السكن وسط أرض صغرية رملية مسورة‬ ‫اآلخر‪ ،‬إهنما َم َ‬
‫بقصب مغروس يف األرض ليشكل دفاعاً واهياً ضد اللصوص‪ .‬إنه ال يفيد إال ضد كلب أو قطة‬
‫شاردة‪ .‬ولكن‪ ،‬ابلفعل‪ ،‬من ذا الذي خيطر له على ابل أن يسرق مكاانً يبدو جلياً أن ال أثر للغّن‬
‫فيه؟‬

‫على سور القصب َعَّر َشت بعض النبااتت املتسلِقة‪ ،‬جاعلة السور أكثر مساكة وأقل بؤساً‪،‬‬
‫وتبدو يل أهنا من اللبالب املتواضع‪ .‬يف طرف واحد فقط توجد شجرية ايمسني مزهرة ودغل من الورد‬
‫فمعتَّن هبا بصرب رغم كوهنا قاحلة وجافة ومتواضعة‪ ،‬لتصبح حديقة‬
‫من النوعية الصغرية‪ .‬أما األرض ُ‬
‫صغرية‪ .‬أرى خضراوات هزيلة جداً يف بعض املساكب الصغرية يف الوسط حتت شجرة ضخمة مل‬
‫أستطع متييز نوعيتها‪ ،‬وهي تظلل األرض احملروقة ابلشمس‪ ،‬وكذلك املنزل‪ .‬ولقد ُربِطَت إىل هذه‬
‫الشجرة عنزة بيضاء وسوداء وهي تقضم وجترت أوراق بعض األغصان امللقاة على األرض‪.‬‬

‫وهنا على حصرية ممدودة على األرض كان الطفل يسوع‪ .‬يبدو يل ابن سنتني إىل سنتني ونصف‬
‫على األكثر‪ .‬يلعب بقطع خشبية منحوتة تشبه النعاج أو اخليل مع شرائط من اخلشب األبيض‪ .‬وهو‬
‫حياول بيديه الربيلتني الصغريتني وضع هذه األطواق اخلشبية يف رقاب احليواانت‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 294 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫إنه طيب ابسم‪ .‬إنه مجيل جداً‪ .‬رأس صغري ذو شعر ذهيب مقصب مبجمله‪ ،‬عيناه متقداتن‬
‫المعتان الزورديتان غامقتان‪ ،‬من الطبيعي أال يكون التعبري دقيقاً‪ ،‬ولكنين أعرف لون عيين يسوع‪:‬‬
‫إهنما قطعتا سفري عامتتان مجيلتان جداً‪ .‬وهو يرتدي قميصاً طويالً ذا لون أبيض‪ ،‬يستخدمه كجلباب‪،‬‬
‫تصل أكمامه حّت املرفق‪ .‬هو اآلن حايف القدمني‪ ،‬وحذاؤه الصغري على احلصرية وقد حتول بني يديه‬
‫إىل لعبة‪ ،‬وهو يقطره حبيواانته اليت جتره ابلسري كما لو كانت عربة صغرية‪ .‬إنه صندل بسيط جداً‪ :‬نعل‬
‫وسريان (رابطان)‪ ،‬أحدمها من الرأس واآلخر من الكعب‪ .‬والذي من الرأس يتفرع فيما بعد يف مكان‬
‫ما‪ ،‬فيدخل قسم منه يف فتحة من سري (رابط) العقب ليشتبك مع القسم اآلخر مشكالً حلقة حول‬
‫عنق القدم‪.‬‬

‫على مسافة قريبة منه كانت السيدة العذراء‪ ،‬وهي كذلك يف ظل الشجرة‪ ،‬تنسج على نول‬
‫ريفي وتراقب الطفل‪ .‬أرى يديها الناعمتني البيضاوين تروحان وجتيئان مع رمي املكوك على اللحمة‪،‬‬
‫والقدم احملتذية بصندل حترك الدواسة‪ .‬إهنا ترتدي جلباابً بنفسجياً مائالً إىل الوردي مثل لون زهرة‬
‫اخلبيزة‪ .‬رأسها عار‪ ،‬وبذلك أستطيع مالحظة شعرها األشقر املفروق إىل خصلتني على رأسها مث‬
‫جتدالن بشكل بسيط وتنزالن بلطف على العنق‪ .‬أكمام ثوهبا طويلة وضيقة‪ .‬ال زينة أخرى غري مجاهلا‬
‫وتعبري وجهها العذب‪ ،‬لون بشرهتا‪ ،‬لون شعرها وعينيها‪ ،‬شكل وجهها‪ ،‬كل شيء كما أراه يف العادة‪.‬‬
‫وهي تبدو هنا شابة يف العشرين من عمرها‪ .‬بعد قليل تَ َنهض وتنحين على الطفل تُلبِسه حذاءه وتربط‬
‫فوه) الطفل بكالم فتجيبه‪،‬‬ ‫له السري (الرابط) بعناية‪ .‬مث تداعبه وتطبع قبلة على رأسه وعينيه‪ .‬يُتعتِع (يت َّ‬
‫ولكنين مل أفهم الكالم‪ .‬مث تعود إىل نوهلا لتمد قطعة قماش على السداة واللحمة وأتخذ الكرسي الذي‬
‫كانت جتلس عليه إىل داخل املنزل‪ .‬ويتبعها الطفل بِنَظَره دون إزعاجها عندما ترتكه وحيداً‪.‬‬

‫يبدو أن العمل قد انتهى ألن املساء قد حل‪ .‬ابلفعل‪ ،‬فإن الشمس تغيب على الرمال العارية‪،‬‬
‫وكأن حريقاً حقيقياً جيتاح السماء كلها خلف اهلرم البعيد‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 295 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫تعود مرمي لتأخذ يسوع من يده وتُن ِهضه ِمن على احلصرية‪ .‬والطفل يطيع دون مقاومة‪ .‬وبينما‬
‫دخلها إىل البيت‪ ،‬كان هو يركض‪ ،‬يهرول بساقيه الصغريتني ابجتاه‬ ‫تلملم األم األلعاب واحلصرية وتُ ِ‬
‫العنزة الصغرية‪ ،‬ويلف ذراعيه حول عنقها‪ .‬تثغو العنزة وحتك ثغرها بكتفي يسوع‪.‬‬

‫تعود مرمي مرة أخرى وهي تضع وشاحاً طويالً على رأسها وحتمل بيديها جرة‪ .‬أتخذ يسوع بيده‬
‫ويتوجهان معاً صوب الواجهة األخرى للمنزل ومها يدوران حوله‪.‬‬

‫أتبَـعُهما وأان أنظر إبعجاب إىل هذه اللوحة‪ .‬السيدة العذراء اليت تضبط خطواهتا على خطوات‬
‫الطفل‪ ،‬والطفل الذي يهرول إىل جانبها‪ .‬فأرى األعقاب الوردية اليت تصعد وهتبط على رمال الدرب‪،‬‬
‫مع الظرف اخلاص مبسرية األطفال‪ .‬أشري هنا إىل أن اجللباب ال يصل إىل القدمني‪ ،‬ولكنه يصل فقط‬
‫إىل منتصف بطة الساق‪ .‬إنه شديد النظافة‪ ،‬بسيط جداً‪ ،‬حمصور عند اخلصر حببل أبيض‪.‬‬

‫أرى السياج يف واجهة البيت األمامية مقطوعاً حباجز ريفي ُم َشبَّك‪ .‬تفتحه مرمي وَّترج إىل‬
‫الشارع‪ .‬إنه شارع فقري يف طرف مدينة أو بلدة تتصل ابلريف‪ .‬إنه درب رملي فيه منزل صغري فقري‬
‫آخر مثل هذا مع حديقة صغرية متواضعة‪ .‬ال أرى فيه أحداً‪ .‬تنظر مرمي إىل جهة املدينة‪ ،‬وليس ابجتاه‬
‫القرية‪ ،‬كما لو كانت تنتظر أحداً‪ ،‬مث تتجه صوب بركة أو بئر موجود على مسافة بضعة عشر مرتاً إىل‬
‫األعلى وتضفي عليه بعض النخالت ظالً مستديراً‪ .‬كما أرى األرض يف هذا املكان مغطاة بعشب‬
‫أخضر‪.‬‬

‫وهنا أرى رجالً يصل عرب الطريق األمامية‪ ،‬وهو ليس كبرياً جداً ولكنه قوي‪ .‬أتعرف عليه‪ ،‬إنه‬
‫يوسف وهو يبتسم‪ .‬إنه أكثر شباابً مما رأيته عليه يف رؤاي الفردوس‪ .‬يبدو يف سن ال يتجاوز األربعني‪.‬‬
‫شعر اللحية كثيف وأسود‪ ،‬البشرة مسراء برونزية والعينان قامتتان؛ وجه نزيه ورضي‪ ،‬وجه يوحي ابلثقة؛‬
‫لدى رؤيته مرمي ويسوع حيث اخلطى‪ ،‬كان حيمل على كتفه األيسر منشاراً ومسحجاً‪ ،‬ويف يده أدوات‬
‫أخرى من أدوات مهنته‪ ،‬تبدو خمتلفة عن أدوات هذا العصر‪ ،‬إّنا ليس كثرياً‪ .‬يبدو كأنه عائد من عمل‬
‫لدى شخص ما‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 296 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يرتدي ثوابً بلون يرتاوح بني لون البندق ولون الكستناء‪ ،‬هو ليس طويالً جداً ‪-‬يصل إىل ما‬
‫فوق الكاحل بقليل‪ -‬واألكمام تصل إىل املرفق‪ .‬يتمنطق حبزام جلدي كما يبدو يل‪ .‬إهنا هيئة عامل‬
‫حقيقي‪ .‬وحيتذي صندالً تتقاطع سيوره (أربطته) عند الكاحلني‪.‬‬

‫تبتسم مرمي‪ ،‬ويُطلِق الطفل صرخات فرح وميد يده احلرة‪ .‬وعندما يلتقي الثالثة ينحين يوسف‬
‫ليقدم للصيب مثرة تبدو من شكلها ولوهنا أهنا تفاحة‪ .‬مث ميد ذراعيه‪ .‬فيرتك الصيب أمه ويتلملم بني‬
‫ذراعي يوسف حانياً رأسه يف جتويف كتفه وأيخذ يقبله ويتلقى منه القبالت‪ .‬حركة مفعمة ابلعاطفة‬
‫ال ُـممتِعة‪.‬‬

‫أسر َعت أبخذ األدوات من يوسف لترتكه حراً يف معانقة الطفل‪.‬‬


‫لقد فاتين القول أبن مرمي قد َ‬
‫لينهض ويستعيد األدوات‬
‫مث يعود يوسف‪ ،‬الذي كان قد قَرفَص ليكون على مستوى يسوع‪َ ،‬‬
‫بيده اليسرى‪ ،‬أما بذراعه اليمّن فيشد يسوع الصغري إىل صدره القوي‪ ،‬ويتوجه صوب البيت‪ ،‬بينما‬
‫متضي مرمي إىل النبع مللء اجلرة‪.‬‬
‫لدى دخوله من سور البيت‪ ،‬ين ِزل يوسف الطفل إىل األرض وي ِ‬
‫دخل نول مرمي مث َحيلب العنزة‪.‬‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫ويسوع يراقب هذه العمليات ابنتباه‪ ،‬وينظر إىل يوسف الذي ي ِ‬
‫دخل العنزة إىل حتصينة مبنية يف إحدى‬‫ُ‬
‫زوااي البيت‪.‬‬

‫يُقبِل الليل‪ ،‬وأرى لون الغسق األمحر الذي يتخذ صبغة بنفسجية فوق الرمال‪ ،‬حيث يبدو اجلو‪،‬‬
‫بفعل احلرارة‪ ،‬وكأنه يهتز‪ .‬ويبدو اهلرم كذلك أكثر قتامة‪.‬‬

‫يَلِج يوسف غرفة يف البيت‪ ،‬من املفروض أن تكون مشغالً ومطبخاً وغرفة طعام معاً‪ .‬أعتَ ِقد أن‬
‫األخرى قد ُخصصت لالسرتاحة‪ .‬ولكنين مل أدخل إليها‪ .‬هناك على األرض موقد مشتعل‪ ،‬ودائماً يف‬
‫هذه الغرفة‪ ،‬توجد طاولة جنارة‪ ،‬وطاولة صغرية وكراسي صغرية ورفوف ُو ِض َعت عليها بعض األواين‬
‫وقنديال زيت‪ .‬ويف إحدى زواايها نول مرمي‪ .‬إهنا مرتبة جداً جداً ونظيفة جداً جداً‪ .‬إنه مسكن فقري‬
‫جداً ولكنه نظيف للغاية‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 297 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ظت أن يسوع‪ ،‬وكذلك مرمي‬ ‫الح ُ‬
‫الحظتُه‪ :‬يف كل الرؤى املتعلقة حبياة يسوع البشرية َ‬ ‫هذا ما َ‬
‫ويوسف ويوحنا‪ ،‬يرتدون دائماً ثياابً حبالة جيدة ونظيفة‪َ ،‬شعرهم معتّن به دون ُمبالَغَة‪ ،‬الثياب بسيطة‪،‬‬
‫والتسرحية بسيطة‪ ،‬إّنا بصفاء جيعلهم متميزين‪.‬‬

‫تعود مرمي مع اجلرة‪ .‬ويُغلَق الباب مع الليل الذي يهبط بسرعة‪ .‬تُنار الغرفة بقنديل يُشعِله يوسف‬
‫ويضعه على طاولة النجارة حيث ينحين ليعمل أيضاً أعماالً بسيطة بينما هتيئ مرمي العشاء‪ .‬والنار‬
‫كذلك تضيء الغرفة‪ .‬ويسوع ُميعِن النظر يف ما يعمله يوسف مسنداً يديه على الطاولة رافعاً رأسه‪.‬‬

‫صلون‪.‬‬ ‫صلوا‪ .‬طبعاً ُهم ال يرمسون إشارة الصليب‪ ،‬ولكنهم يُ َ‬ ‫مث َجيلسون إىل الطاولة بعد أن يُ َ‬
‫أجهلُها متاماً‪.‬‬
‫صلي ومرمي ُجتيب‪ .‬ولكين مل أفهم شيئاً‪ .‬قد يكون مزموراً‪ ،‬إال أنه يُتلى بلغة َ‬‫يوسف يُ َ‬
‫مث َجيلسون‪ .‬القنديل اآلن على الطاولة‪ .‬أتخذ مرمي يسوع إىل صدرها وتسقيه حليب العنزة‪.‬‬
‫هي تغمس فيه قطعاً من خبز أسود يف ظاهره وداخله‪ .‬قد يكون خبز شيلم أو خبز شعري‪ ،‬ذلك ألنه‬
‫صدر أصوااتً كثرية‪ .‬أيكل يوسف اخلبز مع اجلنب‪ ،‬قليل من اجلنب مع كثري من اخلبز‪ .‬مث‬ ‫خبز أمسر وي ِ‬
‫ُ‬
‫ُجتلِس مرمي يسوع على كرسي صغري يف مواجهتها‪ ،‬وجتلب خضاراً مطهوة ‪-‬يبدو يل أهنا مطهوة ابملاء‬
‫ومبَـ َّهرة كما نفعلها حنن عادة‪ -‬أتكل منها بعد أن يسكب يوسف‪ .‬أما يسوع فيأكل تفاحته هبدوء‬ ‫ُ‬
‫ويبتسم ُمظ ِهراً أسنانه الصغرية البيضاء‪ .‬تنتهي الوجبة بزيتون أو بلح‪ُ :‬‬
‫لست أُدرك جيداً؛ فالزيتون زاه‬
‫جداً‪ ،‬والبلح قاس جداً‪ .‬ال وجود للنبيذ‪ .‬إهنا وجبة أانس فقراء‪ .‬إال أن السالم الذي يتم تنفسه يف هذه‬
‫الغرفة عظيم جداً‪ .‬ال ميكن لرؤية مسكن ثري ألحد امللوك أن حتقق يل متعة كهذه‪ .‬اي له ِمن ِوفاق‬
‫متآلف متناغم!‬
‫مل يتكلّم يسوع هذا املساء ومل يشرح يل املشهد‪ .‬إنه يعلّمين من خالل الرؤاي اليت يهبنيها‪ ،‬وهذا ك ّل‬
‫شيء‪ .‬فليكن مباركاً على الدوام وهبذا الشكل‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 298 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫اعى النظام)‬
‫‪( -61‬يف هذا البيت يُر َ‬
‫‪1944 / 01 / 26‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫«األمور اليت تَـرينَها هي درس يعطى ِ‬


‫لك ولآلخرين‪ .‬درس يف التواضع ويف اخلضوع ويف الوفاق‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫الكامل‪ ،‬درس مقرتح لكل العائالت املسيحية وبشكل خاص للعائالت املسيحية يف هذا الزمن اخلاص‬
‫واألليم‪.‬‬

‫لقد ر ِ‬
‫أيت بيتاً متواضعاً فقرياً‪ .‬واملؤمل يف األمر أنه منزل فقري يف بلد غريب‪.‬‬

‫كثريون ُهم املؤمنون "املقبولون" الذين يطالبون حبياة مادية سهلة‪ ،‬تَقيهم أدىن املعاانة‪ ،‬حياة‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫صلون ويتناولون من أجل‬ ‫صلون ويتقبلونين يف اإلفخارستيا‪ ،‬ألهنم يُ َ‬
‫ُم َزدهرة وسعيدة‪ ،‬وذلك فقط ألهنم يُ َ‬
‫احتياجاهتم "اخلاصة" وليس من أجل احتياجات النفوس امللِحة وجمد هللا‪( ،‬ابلفعل‪ ،‬إنه لَ ِمن النادر‬
‫ُ‬
‫جداً أال نكون أاننيني يف صلواتنا)‪.‬‬

‫يوسف ومرمي كاان ميتلكانين أان‪ ،‬اإلله احلقيقي‪ ،‬كابن هلما‪ .‬ومع ذلك مل يكن هلما حّت حد‬
‫اإلشباع املتواضع لكوهنما فقريين جداً‪ ،‬بينما يف وطنهما‪ ،‬يف بلدمها‪ ،‬كاان معروفني‪ ،‬أو على األقل كان‬
‫هلما بيت صغري "خيصهما"‪ ،‬ومل يكن ألحد صلة يف مسألة سكنهما؛ يف بلدمها كان من السهل عليهما‬
‫أتمني العمل وسبل العيش‪ ،‬ألهنما كاان معروفني‪ ،‬وبسبيب أان أصبحا ِ‬
‫الجئَني يف مناخ خمتلف ويف بلد‬ ‫ََ‬
‫خمتلف‪ ،‬بلد كئيب جداً إذا ما قوِرن بِ ُقرى اجلليل اللطيفة‪ ،‬وكذلك مع لغة وعادات خمتلفة‪ ،‬ووسط‬
‫أانس ال يعرفوهنما‪ ،‬ولديهم تلك الريبة املعتادة اليت لدى الشعوب جتاه الالجئني واجملهولني‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 299 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫لقد ُح ِرموا من مفروشات بيتهم الصغري املرحية والعزيزة‪ ،‬من كثري كثري من األشياء الصغرية‬
‫املتواضعة والضرورية‪ ،‬اليت مل تكن لتبدو كذلك هناك‪ ،‬بينما هنا‪ ،‬مع هذا العوز الذي حييط هبم‪ ،‬تبدو‬
‫مجيلة جداً‪ ،‬مثل تلك الكماليات اليت تضفي على البيوت الفارهة عذوبة خاصة‪ .‬إهنما يشعُران ابحلنني‬
‫تذهب إىل تلك األشياء املتواضعة هناك‪ ،‬وإىل البستان الصغري‪ ،‬أو‬ ‫إىل وطنهما وإىل بيتهما‪ ،‬وأفكارمها َ‬
‫إىل ما قد ال َحيسب لـه أحد حساابً‪ ،‬إىل الكرمة والتينة وإىل املزروعات األخرى املفيدة‪ .‬إهنما يف عوز‬
‫أتمني الغذاء اليومي‪ ،‬والثياب والنار‪ ،‬خاصة يل أان الطفل الذي ال ميكن إطعامي مما هو جائز هلما‪.‬‬
‫وفوق كل ذلك آالم كثرية يف القلب‪ ،‬ابحلنني‪ ،‬وابلرتقب ملا ينتظرمها غداً‪ ،‬يف ريبة الناس املتعنتة هبما‪،‬‬
‫خاصة يف الفرتات األوىل‪ ،‬إذ ال أحد يقبل بسهولة عروض عمل ِمن جمهولني‪.‬‬

‫مشرتك‬ ‫ِ‬
‫ومع ذلك فقد رأيت كيف يهيمن يف هذا املسكن الصفاء واالبتسامة والوائم‪ ،‬وبتآلف َ‬
‫جتري حماولة جعله أكثر مجاالً‪ ،‬حّت البستان الفقري‪ ،‬لكي يصبح كل شيء مشاهباً للبيت الذي تُِرك‪،‬‬
‫بل وحّت أكثر راحة‪ .‬مل تكن هناك سوى فكرة واحدة‪ :‬تلك اليت من أجلي‪ ،‬أان املقدس‪ ،‬أن تصبح‬
‫األرض الغريبة أقل بؤساً ابلنسبة يل أان اآليت من هللا‪ .‬إنه حب املؤمنني واألهل الذي يتبدى أبلف‬
‫اهتمام؛ ها هي العنزة اليت تَـتَطلَّب إضافة ساعات كثرية من العمل‪ ،‬واللُّ َعب الصغرية املنحوتة من القطع‬
‫اخلشبية الزائدة‪ ،‬والفواكه املشرتاة يل وحدي‪ ،‬بينما مها َحيرمان نفسيهما من لقمة غذاء‪.‬‬

‫كنت حمبوابً من هللا‪ ،‬من هللا اآلب السماوي‪ ،‬ومن هللا االبن‬
‫أيها األب األرضي احلبيب‪ ،‬كم َ‬
‫الذي أصبح خملصاً على األرض!‬

‫يف هذا البيت ال يوجد أانس عصبيو املزاج‪ ،‬شديدو احلساسية‪ ،‬ذوو مالمح شرسة‪ ،‬وال وجود‬
‫ملالمات متبادلة كذلك‪ ،‬وال حّت جتاه هللا الذي ال يُسبِغ عليهما وضعاً مادايً جيداً‪ .‬فيوسف ال يُلقي‬
‫ين هبا‪ ،‬ومرمي من جهتها ال تلوم يوسف لعدم معرفته‬ ‫ِ‬
‫ابلالئمة على مرمي لكوهنا السبب يف اخلسائر اليت ُم َ‬
‫توفري وضع جيد أفضل هلا‪ .‬إهنما يتحاابن بقداسة وهذا كل ما يف األمر‪ .‬وال اهتمام ألحدمها مبصلحته‬
‫الشخصية‪ ،‬إّنا ابملصلحة املشرتكة‪ .‬فاحلب احلقيقي ال يعرف األاننية‪ .‬واحلب احلقيقي عفيف على‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 300 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫الدوام‪ ،‬حّت ولو مل يكن كامالً يف هذا اجملال بقدر حب عروسني بتولني‪ ..‬فالعفة املتحدة ابحملبة جتر‬
‫وحتَ ِقق لشخصني حيبان بعضهما بعفاف‪ ،‬الكمال الزوجي‪.‬‬ ‫وراءها موكباً من الفضائل األخرى ُ‬

‫ُحب أمي ويوسف كان كامالً‪ .‬لقد كان َحي ِمل على اكتساب الفضائل األخرى‪ ،‬وخاصة حمبة‬
‫املبارك يف كل حني‪ ،‬حّت ولو كانت إرادته املقدسة تضين اجلسد والقلب؛ فلقد كان الروح عند‬ ‫هللا َ‬
‫هذين القديسني أكثر حيوية ويسود على كل شيء‪ .‬لقد كان ذلك الروح هو الذي جيعلهما يـُ َع ِظمان‬
‫الرب بشكره على اختياره إايمها كحا ِرسني البنه األزيل‪.‬‬

‫يف هذا املنزل كانت الصالة‪ .‬ضمن البيوت احلالية‪ ،‬الصالة قليلة الوجود جداً‪ .‬يف مطلع النهار‬
‫ويف الغسق‪ ،‬يف بداية العمل ولدى اجللوس إىل املائدة‪ ،‬فال خيطر على ابل أحد الرب الذي أَذن بيوم‬
‫ابرَك أتعابكم وأَذن أبن يـُ َوفَّر لكم هذا‬
‫جديد أو أَذن إبمكانية الوصول إىل مساء جديد‪ ،‬الرب الذي َ‬
‫الطعام وهذه النار وهذه الثياب وهذا السقف‪ ،‬وكذلك كل هذه األشياء الضرورية يف وضعكم البشري‪.‬‬
‫فكل شيء "جيد" على الدوام حني أييت من هللا الصاحل‪ .‬حّت ولو كانت هذه اخلريات فقرية وقليلة‪،‬‬
‫فاحلب هو الذي مينحها الطعم والقيمة‪ ،‬احلب الذي جيعلكم تَـَرون يف اخلالق األزيل األب الذي حيبكم‪.‬‬

‫شف‪ .‬وكان سيبقى كذلك حّت ولو مل يكن املال قليالً‪ .‬لقد كانت غاية‬ ‫يف هذا البيت كان التق ّ‬
‫الطعام استمرار احلياة‪ ،‬ومل تكن يوماً إلشباع الشراهة وجشع النهم وشهوات الشرهني الذين يبتلعون‬
‫األطعمة حّت التخمة ويبذرون ممتلكاهتم على منتجات ابهظة الثمن دون أن يفكروا يف الذين ال جيدون‬
‫كفايتهم أو يضطرون ألن ُحيَرموا منها‪ ،‬دون التفكري أبهنم يف اعتداهلم ميكنهم أن يوفروا على الكثريين‬
‫أمل اجلوع‪.‬‬

‫يف هذا البيت العمل حمبوب‪ .‬إنه حمبوب حّت ولو كان املال موجوداً بوفرة‪ .‬ألن يف العمل يطيع‬
‫الدبَِقة تُطوق‬
‫اإلنسان أوامر هللا‪ ،‬ويهرب من الرذيلة اليت مثل العشقة (نبات ُم َع ِرش يشبه اللبالب) َ‬
‫وَّتنق العاطلني عن العمل الذين يشبهون أكواماً هامدة‪ .‬الغذاء جيد‪ ،‬والراحة لذيذة والقلب يرضى‬
‫عندما نعمل جيداً‪ ،‬كما تُـ َقدَّر حلظة االسرتاحة بني عمل وآخر‪ .‬والرذيلة يف مجيع أوجهها ال ميكنها‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 301 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫الدخول إىل بيت أو يف روح من حيب العمل‪ .‬ومبا أهنا ال تنبت فيهما فإن العطف ينمو وكذلك التقدير‬
‫واالحرتام املتبادل‪ .‬ويف مناخ الطهارة تتعاظم التساميات احلنونة اليت َّتلق يف املستقبل عائالت تُ ِزهر‬
‫فيها القداسة‪.‬‬

‫يف هذا البيت يسود التواضع‪ .‬وأي درس يف التواضع للمتكربين منكم‪ .‬فَ ِمن وجهة نظر بشرية‬
‫كان لدى مرمي ألف ألف سبب لتتكرب وجتعل قرينها يسجد هلا‪ .‬فهناك الكثري من النساء اللوايت يفعلن‬
‫ذلك ألن ثقافتهن أوسع وعائلتهن أكثر نبالً وثروهتن تفوق ثروة أزواجهن‪ .‬أما مرمي‪ ،‬وهي عروسة وأم‬
‫هللا‪ ،‬فهي َّتدم قرينها‪ ،‬وال تطلب أن َُّت َدم‪ ،‬وكذلك هي تَ ُكن له الكثري من العاطفة‪ .‬ويوسف الذي‬
‫َو َج َده هللا أهالً هو سيد هذا البيت‪ ،‬وهو األهل حبق ليكون رأس البيت ويتقبل من هللا حراسة الكلمة‬
‫يسهر ابهتمام ابلغ على َّتفيف وطأة األتعاب واألشغال‬
‫املتجسد وعروسة الروح األزيل‪ ،‬ومع ذلك فهو َ‬
‫عن مرمي‪ .‬إنه يتحمل أعباء البيت األكثر تواضعاً ليوفر على مرمي العناء‪ ،‬ومث‪ ،‬كما يستطيع وابلقدر‬
‫الذي يستطيع‪ ،‬حياول إرضاءها‪ ،‬ويتفنن يف جعل املسكن عملياً أكثر‪ ،‬وأن جيعل احلديقة الصغرية أكثر‬
‫هبجة ابلزهور‪.‬‬

‫يف هذا البيت ُحيرتَم الرتتيب فائق الطبيعة والوجداينّ واملادّيّ‪ .‬هللا هو السيد املطلَق وله العبادة‬
‫ُ‬
‫واحلب‪ .‬وهذا هو الرتتيب الفائق الطبيعة‪ .‬يوسف هو سيد العائلة وله يـُ َقدَّم العطف واالحرتام والطاعة‪.‬‬
‫وهذا هو الرتتيب الوجداين‪ .‬والبيت عطية من هللا وكذلك الثياب واملفروشات‪ ،‬ويف كل هذه األمور‬
‫ظهر عناية هللا‪ ،‬هذا اإلله الذي َمينَح النِعاج صوفها والطيور ريشها واحلقول خضرهتا‪ ،‬وكذلك مينَح‬ ‫تَ َ‬
‫العلف للحيواانت الداجنة‪ ،‬واحلبوب واألوراق للطيور‪ ،‬وهو الذي ينسج ثياب زانبق الوادي‪ .‬فاملأوى‬
‫وامللبس واملفروشات نتلقاها كلها ابمتنان وحنن نبا ِرك اليد اإلهلية اليت وفرهتا‪ ،‬وذلك مبعاملتها ابحرتام‬
‫كعطااي من عند الرب‪ ،‬دون النظر إليها ابمشئزاز لكوهنا متواضعة‪ ،‬ودون َّتريبها مستغلني العناية اإلهلية‪.‬‬
‫وهذا هو الرتتيب املادي‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 302 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫شهد جمرايت‬ ‫ِ‬
‫املتبادلَة يف حوار الناصرة‪ ،‬وال كلمات الصالة‪ ،‬إال أن َم َ‬
‫مل تدركي معّن الكلمات َ‬
‫األمور أعطى درساً عظيماً‪ .‬فتأملوا فيه أنتم اي من تعانون كثرياً من تقصريكم أمام هللا يف الكثري من‬
‫صر هبا العروسان القديسان اللذان مها أمي وأي‪.‬‬ ‫األمور‪ ،‬ومنها أيضاً تلك اليت مل يـ َق ِ‬
‫ُ‬
‫وأنت تف ّكرين خبطواته الطفوليّة الصغرية‪.‬‬ ‫أنت فكوين سعيدة يف تذ ّك ِ‬
‫رك يسوع الصغري‪ .‬ابتسمي ِ‬ ‫أما ِ‬
‫ّ‬
‫فبعد قليل سوف ترينه يسري ُتت وطأة صليبه‪ ،‬وستكون رؤاي الدموع‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 303 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -62‬الدرس األول يف العمل ليسوع)‬

‫‪1944 / 03 / 21‬‬

‫ظهر‪ ،‬لطيفاً مثل شعاع مشس يف يوم ممطر‪ ،‬طفالً عمره حوايل اخلمس سنوات‪ ،‬إنه‬ ‫أرى يسوع يَ َ‬
‫أشقر وفاتن بثوبه البسيط األزرق السماوي الذي يصل إىل منتصف بطات الساقني الربيلتني‪ .‬وهو‬
‫يلعب يف احلديقة الصغرية ابلرتاب‪ .‬هو جيمعه أكواماً يزرع فيها أغصاانً صغرية وكأنه جيعل منها غابة‬
‫صغَّرة؛ وجيعل دروابً ابستخدام احلصى‪ ،‬مث أراه يريد صنع حبرية صغرية عند أسفل تلك التالل الصغرية‪.‬‬
‫ُم َ‬
‫ولكي يتوصل إىل ذلك أيخذ طبقاً يَدفُن قاعه يف األرض حّت احلافة‪ ،‬مث يسكب فيه املاء بواسطة‬
‫وعاء يـُغَ ِطسه يف بركة للغسيل أو لري احلديقة‪ .‬ولكنه ال يتوصل إال إىل ترطيب ثوبه وخباصة األكمام‪.‬‬
‫فاملاء يتسرب من الطبق املثقوب أو رمبا املشقوق و‪ ...‬تبقى البحرية جافة‪.‬‬

‫ظهر يوسف عند العتبة‪ ،‬ويبقى بعض الوقت ينظر صامتاً إىل عمل الطفل ويبتسم‪ .‬إنه لَ َمشهد‬
‫يَ َ‬
‫مبهج يبعث على االبتسام‪ .‬مث لكي يضع حداً لتبلله يناديه‪ .‬فيلتفت يسوع‪ ،‬وحني يـََرى يوسف يركض‬
‫حنوه ويداه ممدوداتن‪ .‬ميسح يوسف بطرف ثوبه القصري اليدين الصغريتني املتسختني ويـُ َقبِل يسوع‪.‬‬
‫ويدور بني االثنني حوار عذب‪.‬‬

‫أخ َذ يسوع يشرح عمله ولعبته والصعوابت اليت تعرتضه أثناء التنفيذ‪ .‬كان يريد صنع حبرية مثل‬ ‫َ‬
‫َخذاه إليها‪ ).‬أراد صنع ّنوذج‬
‫حبرية جنسارت (مما يقودين إىل االعتقاد أبهنما قد كلماه عنها أو رمبا أ َ‬
‫مصغر عنها ليلعب‪ .‬هنا كانت طرباي وهناك جمدلة وأبعد قليالً كفرانحوم‪ .‬وهذه الطريق متر بقاان وتقود‬
‫إىل الناصرة‪ .‬كان يريد وضع بعض املراكب يف البحرية‪ :‬هذه األوراق هي مراكب للوصول إىل طرف‬
‫الشاطئ الثاين‪ .‬إّنا املاء يهرب…‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 304 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫كان يوسف ينظر إبمعان ويهتم كما لو كان األمر جاداً‪ .‬مث يقرتح عليه صنع حبرية صغرية يف‬
‫الغد‪ ،‬ولكن ليس بطبق َش ِرم (مثقوب)‪ ،‬إّنا بربكة خشبية كان يوسف قد علمه صنعها‪ .‬ففي هذه‬
‫ب له أدوات عمل صغرية مصنوعة خصيصاً له لكي يستطيع تعلم استخدامها‬ ‫األثناء متاماً كان قد َجلَ َ‬
‫دوّنا تعب‪.‬‬

‫دك‪».‬‬
‫فيقول يسوع وهو يبتسم‪« :‬وهكذا سأساع َ‬

‫«هكذا ستساعدين وستصبح جناراً ماهراً‪ .‬تعال لرتاها‪».‬‬

‫دخالن إىل املشغَل‪ .‬ويريه يوسف مطرقته الصغرية ومنشاراً صغرياً ومفكات كذلك صغرية مع‬
‫يَ ُ‬
‫مسحج صغري‪ ،‬مجيعها كانت موضوعة على طاولة جنارة صغرية‪ ،‬طاولة تُ ِ‬
‫ناسب طول يسوع الصغري‪.‬‬

‫«انظر‪ :‬من أجل عملية النشر‪ ،‬يوضع اخلشب مع ضغطه هبذه الطريقة‪ ،‬مث يؤخذ املنشار هبذا‬
‫األسلوب مع االنتباه لكيال يالمس األصابع‪ ،‬ويتم النشر‪ .‬حاول‪»...‬‬

‫يبدأ الدرس‪ .‬ويعلو يسوع امحرار بفعل اجلهد الذي يبذله‪ ،‬يضغط على شفتيه‪ ،‬ينشر ابنتباه مث‬
‫يسحج القطعة اخلشبية الصغرية اليت وإن كانت متعرجة قليالً‪ ،‬فإهنا تبدو لـه مجيلة‪ ،‬ويثين عليه يوسف‬
‫ويعلمه العمل بصرب وحب‪.‬‬

‫تعود مرمي‪ .‬ابلتأكيد كانَت قد َخَر َجت من البيت‪ .‬تقف يف الباب وتنظر‪ .‬مل يـََرايها ألهنما يديران‬
‫خدم املسحج واحلنان الذي حييطه به‬ ‫ظهريهما للباب‪ .‬تبتسم مرمي وهي ترى محاس يسوع الذي يست ِ‬
‫َ‬
‫يوسف أثناء تدريبه‪.‬‬

‫ولكن كان ينبغي ليسوع أن حيس هبذه االبتسامة‪ .‬فيلتفت ويرى أمه ويركض إليها مع قطعته‬
‫اخلشبية نصف املسحوجة ويريها إايها‪ .‬تُظ ِهر مرمي ليسوع إعجاابً وتنحين لتقبله وترفع له شعره املشعث‬
‫نصت بكل عطف إىل يسوع الذي يَعِدها أبن يصنع هلا مقعداً صغرياً ليوفر هلا‬ ‫ومتسح عرق وجهه‪ ،‬وتُ ِ‬
‫راحة أكثر أثناء عملها‪ .‬ويقف يوسف قرب طاولة النجارة الصغرية‪ ،‬يداه على خاصرتيه‪ ،‬ينظر ويبتسم‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 305 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫تسرب إىل أعماقي كل سالم هذه‬
‫رت أول درس يف العمل ليسوعي الصغري‪ ،‬وقد َّ‬
‫ض ُ‬‫لقد َح َ‬
‫العائلة املقدسة‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 306 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫النمو بصخب)‬
‫‪( -63‬مل أشأ التخلّص من قواعد ّ‬
‫‪1944 / 03 / 21‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫ألهنا حماطة بعطف هذين‬ ‫ِ‬


‫واسيتك‪ ،‬اي روحي‪ ،‬برؤاي عن طفوليت الصغرية السعيدة يف فقرها‪ّ ،‬‬ ‫«لقد‬
‫يسني َع ِر ُ‬
‫فهما العامل‪.‬‬ ‫يسني‪ ،‬أعظم ق ّد َ‬
‫الق ّد َ‬
‫قيل إن يوسف كان مربياً يل‪ .‬ابلطبع‪ ،‬ولكونه رجالً مل يستطع إرضاعي مثل مرمي اليت غذتين‬
‫ك ذاته يف العمل ليوفر يل اخلبز واألغذية املقوية‪ .‬كان لديه جتاهي حنان أم حقيقية‪.‬‬
‫حبليبها‪ ،‬إال أنه أهلَ َ‬
‫مت منه ‪-‬ومل يكن لدى أي صيب على اإلطالق معلم أفضل منه‪ -‬كل ما جيعل من الطفل‬ ‫لقد تعل ُ‬
‫رجالً‪ ،‬رجالً عليه كسب قوته‪.‬‬

‫وإن يكن ذكائي كابن هللا كامالً‪ ،‬إال أنه ينبغي التفكري واالعتقاد أبنين مل أشأ التخلص من‬
‫خضعت‬
‫ُ‬ ‫قواعد النمو بصخب‪ .‬هببوطي إذن بكمال فكري اإلهلي إىل مستوى اإلدراك البشري‪ ،‬فقد‬
‫مت بسرعة‪ ،‬فهذا ال‬
‫كنت ابلتايل قد تعل ُ‬
‫إىل االحتياج إىل معلم‪ ،‬إىل أن يكون لدي معلم إنسان‪ .‬وإن ُ‬
‫وضعت نفسي حتت تصرف رجل‪ ،‬وال ينفي كذلك فضل هذا الرجل يف إمداد فكري‬ ‫ُ‬ ‫ينفي عين أنين‬
‫الصغري ابملعارف الضرورية للحياة‪.‬‬

‫لن أنسى األوقات العذبة اليت قضيتها إىل جانب يوسف الذي قادين‪ ،‬وكأننا نلعب‪ ،‬ألن أُصبح‬
‫قادراً على العمل‪َ ،‬مل ولَن أنساها حّت وأان يف السماء اآلن‪ .‬وعندما أعود ألرى أي الشكلي واحلديقة‬
‫الصغرية واملشغل املليء ابلدخان‪ ،‬يبدو يل أنين أرى أمي هتل اببتسامتها اليت جتعل املسكن رائعاً‬
‫وتُفعِمين سروراً‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 307 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫كم على العائالت أن تتعلم من كمال هذين العروسني اللذين يتحاابن كما مل يتحاب اثنان‬
‫غريمها!‬

‫لقد كان يوسف هو السيد‪ .‬مل تُناقَش سلطته يف العائلة‪ ،‬بل مل تكن قابلة للمناقشة‪ .‬فكانت‬
‫أمامها تنحين سلطة عروس وأم هللا‪ ،‬وكان ابن هللا خيضع هلا‪ .‬كل ما كان يوسف يقرر عمله كان جيداً‪،‬‬
‫دون مناقشة‪ ،‬وال معارضة وال مقاومة‪ .‬لقد كانت كلمته الشرع الصغري املتبع عندان‪ .‬ورغم ذلك‪ ،‬اي‬
‫لتواضعه! إنه ال يسيء استخدام السلطة مطلقاً‪ ،‬وال حّت كانت لديه إرادة غري صائبة مستمدة من‬
‫السلطة‪ .‬وكانت العروسة مستشارته اللطيفة‪ ،‬وهي وإن كانت بتواضعها العميق تَعتَرب نفسها خادمة‬
‫قرينها‪ ،‬فقد كان هو يستفيد من حكمة املمتلئة نعمة‪ ،‬ومن النور الذي يقوده يف كل الظروف‪.‬‬

‫كنت أان أّنو مثل زهرة حتميها شجراتن كبرياتن وا ِرفَتان‪ ،‬بني حبني يتشابكان فوق رأسي‬
‫و ُ‬
‫ليحمياين وحيباين‪.‬‬

‫وطوال فرتة شباي اليت كانت جتعلين أجهل العامل‪ ،‬مل أكن أفتقد اجلنة‪ ،‬فاهلل اآلب والروح اإلهلي‬
‫مل يكوان غائبني‪ ،‬ألن مرمي كانت ممتلئة منهما‪ ،‬واملالئكة كانت تقطن هناك ألن ما من شيء كان‬
‫يبعدها عن هذا البيت‪ .‬ميكنين القول إن أحدها كان متجسداً‪ ،‬إنه يوسف‪ .‬ذلك أن نفسه كانت‬
‫مالئكية متحررة من ثقل اجلسد‪ ،‬وكان اهتمامه منصباً فقط على خدمة هللا ومهامه‪ ،‬وعلى حبه كما‬
‫حيبه السريافيم‪ .‬نظرة يوسف! هادئة نقية‪ ،‬مثل نور جنمة جتهل شهوات األرض‪ .‬لقد كان راحتنا وقوتنا‪.‬‬

‫يتصور الكثريون أنين مل أأتمل كبشر عندما انطََفأَت نظرة هذا القديس الذي كان يسهر على‬
‫كنت هلذا السبب مل‬
‫كنت إهلاً وأعلَم أن مصري يوسف ستكون تلك السعادة‪ ،‬وإن ُ‬ ‫بيتنا‪ .‬حّت وإن ُ‬
‫أكتئب من رحيله‪ ،‬وهو الذي‪ ،‬بعد إقامة قصرية يف اليمبس سيفتَتِح السماء كإنسان‪ ،‬مع ذلك فقد‬
‫بكيت يف املنزل الذي ُح ِرَم من وجوده العطوف‪ُ .‬‬
‫بكيت الصديق املختفي‪ .‬أفما كان ينبغي يل البكاء‬ ‫ُ‬
‫غفوت عليه صغرياً جداً‬
‫ُ‬ ‫على هذا القديس الذي كان قريباً مين جداً‪ ،‬وعلى هذا القلب الذي طاملا‬
‫والذي أحاطَين حببه طوال سنني كثرية؟‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 308 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أخرياً‪ ،‬أُظ ِهر لألهل كيف عرف يوسف‪ ،‬دون االستعانة مبؤهل تربوي‪ ،‬أن جيعل مين عامالً‬
‫ماهراً‪.‬‬

‫بلغت السن اليت جتعلين قادراً على استخدام األدوات‪ ،‬حّت بدأ ال يرتكين أتعفن يف‬ ‫ما إن ُ‬
‫ساعد األول يف تشجيعي على هذا العمل‪.‬‬ ‫البطالة‪ ،‬لقد كان يدفعين إىل العمل جاعالً من حيب ملرمي امل ِ‬
‫ُ‬
‫إعداد حاجات تستفيد منها املاما‪ ،‬هكذا كان يـَُرِسخ يف ذهين االحرتام الواجب لألم الذي من املفروض‬
‫أن يكون لدى كل ابن‪ .‬وعلى هذا األساس من االحرتام واحلب‪ ،‬كان يَستَنِد يف تنشئة َجنَّار املستقبل‪.‬‬

‫أين هي اآلن العائالت اليت ُحتَبِب العمل لشباهنا الصغار‪ ،‬لتعلمهم إرضاء أهلهم؟ األوالد اآلن‬
‫طغاة يف البيت‪ .‬يَنمون قساة‪ ،‬ال ُمبالني‪ ،‬يتصرفون جبلف مع أهلهم‪ ،‬يعتربوهنم خداماً هلم‪ ،‬بل عبيداً‪.‬‬
‫ال حيبوهنم‪ ،‬ونصيبهم من حبهم قليل‪ .‬فبجعلكم من أبنائكم ذوي طبع حاد ومزاج عصيب تنفصلون‬
‫عنهم بتغيب خمجل‪.‬‬

‫إهنم أبناء كل العامل‪ .‬إال أهنم ال ينتمون إليكم اي أهل القرن العشرين‪ .‬إهنم يف األغلب أبناء املربية‬
‫واملعلمة وينتمون إىل الكلية إذا كنتم أغنياء‪ .‬أو إىل الرفاق والشارع واملدرسة إذا كنتم فقراء‪ .‬مل يعودوا‬
‫لكم‪ .‬أننت أيتها األمهات‪ ،‬تلدهنم فقط وانتهى األمر‪ .‬وأنتم أيها اآلابء ال يشكلون ابلنسبة إليكم سوى‬
‫مهاً إضافياً‪ .‬ولكن االبن ليس فقط كائناً من جسد‪ .‬إنه فِكر وقلب وروح‪ .‬كونوا على يقني إذاً أن ال‬
‫أحد غري األب واألم له احلق وعليه واجب هتذيب هذا الفكر وهذا القلب وهذا الروح‪.‬‬

‫لقد ُوِج َدت العائلة وال بد من وجودها‪ .‬فال توجد نظرية أو تطور يستطيع أن يقف يف وجه‬
‫هذه احلقيقة دون التسبب ابخلراب‪ .‬فمن عائلة تتفكك‪ ،‬ال ميكن أن يتأتى يف املستقبل غري رجال‬
‫فسدين على الدوام ويتسببون أبعظم اخلراب‪ .‬واحلق أقول لكم إنه من األفضل أن ال يعود‬ ‫ونساء م ِ‬
‫ُ‬
‫هناك زواج وال أطفال على األرض من أن توجد عائالت أقل ارتباطاً كما هي احلال يف قبائل القردة‪،‬‬
‫عائالت ال تكون مدارس للفضيلة والعمل واحلب والدين‪ ،‬بل فوضى يعيش فيها كل لذاته مثل مسننات‬
‫مغلوطة تنتهي مجيعها ابلتهشم‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 309 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫حطموا‪ِ ،‬‬
‫فككوا‪ .‬ومثار هذا التفكك‪ ،‬يف أكثر اجملتمعات قداسة‪ ،‬تروهنا وتطالكم‪ .‬استمروا إذاً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫إذا أردمت‪ .‬ولكن ال تتذمروا إذا أصبَ َحت األرض جحيماً‪ ،‬أو جحر وحوش تفرتس العائالت والدول‪.‬‬
‫وإذا كنتم تريدون ذلك‪ :‬فليكن لكم‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 310 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -64‬مرمي معلّمة يسوع ويوضاس ويعقوب)‬

‫‪1944 / 10 / 29‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫كل ما سرتينه‬
‫سين طفوليت‪ .‬و ّ‬
‫«تعايل اي حمبوبيت الصغرية وانظري‪ .‬ويدك يف يدي‪ ،‬عودي إىل الوراء‪ ،‬إىل ّ‬
‫درج كذلك رؤاي إقامة العائلة يف مصر‪ .‬سوف‬
‫درجاً ضمن إجنيل طفوليت‪ ،‬حيث أو ّد أن تُ َ‬
‫ينبغي أن يكون ُم َ‬
‫األول يف عمل يسوع الطفل‪ ،‬مثّ املشهد الذي‬‫توردينها حسب الرتتيب التايل‪ :‬العائلة يف مصر‪ ،‬مثّ الدرس ّ‬
‫سن الرشد (موعده اليوم ‪ )11 / 25‬ويف النهاية مشهد يسوع بني أحبار‬ ‫ِ‬
‫َستَصفينه اآلن‪ ،‬بعد ذلك مشهد ّ‬
‫يك مشهد اليوم هكذا بدون سبب‪ .‬بل على‬ ‫ولست أر ِ‬
‫ُ‬ ‫اهليكل يف عيد الفصح الثاين عشر ابلنسبة لـه‪.‬‬
‫سين حيايت األوىل‪ ،‬وكذلك على العالقات مع أهلي‬ ‫ِ‬
‫ختص ّ‬
‫العكس‪ ،‬فإنّك ستلقني األضواء على تفاصيل ّ‬
‫ِ‬
‫أعماقك‬ ‫ُتسني سـالم بيت الناصرة يعـرب إىل‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫واألقارب‪ّ .‬إهنا هديّيت لك يف عيد امتالكي ّإايك‪ ،‬أنت اليت ّ‬
‫عندما ترينه‪ .‬اكتيب‪».‬‬

‫أرى الغرفة اليت يتناولون فيها الطعام عادة وحيث تقوم مرمي أبعمال النسيج أو اخلياطة‪ .‬هذه‬
‫سمع فيه صوت عمله النشيط واجملد‪ .‬أما هنا فعلى العكس‬ ‫الغرفة هي اجملاورة ملشغل يوسف الذي يُ َ‬
‫يسود هدوء وسكون‪َّ .‬تيط مرمي شرائط قماش صويف‪ .‬وهي اليت نَ َس َجتها بنفسها ابلتأكيد‪ .‬إن عرض‬
‫القطعة منها حوايل النصف مرت‪ ،‬وطوهلا ضعف ذلك‪ .‬ومن املفروض أهنا ُم َعدَّة من أجل معطف‬
‫ليوسف‪ .‬من الباب املفتوح على احلديقة‪ ،‬تُـَرى األسيجة اليت ينتَ ِشر عليها األقحوان بلون الالزورد‬
‫لست أعرف العبارة اخلاصة هبا يف علم‬
‫البنفسجي الذي يسمى عموماً "ماري" أو "مساء ذات جنوم" ُ‬
‫النبات‪ .‬إهنا مزهرة‪ ،‬فينبغي إذن أن يكون اخلريف‪ .‬ومع ذلك فاألوراق ما زالت حتتفظ ابخضرارها‬
‫اجلميل الكثيف‪ ،‬والنحالت اليت أُسنِ َدت خليتاها إىل اجلدار املشمس‪ ،‬تطري وهي تطن وترقص يف‬
‫ضوء الشمس‪ ،‬من الكرمة إىل التينة مث إىل شجرة رمان مليئة ابلثمار املكورة وقد انشقت بسبب زايدة‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 311 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫النضج ُمظ ِهَرة كما عقوداً من الياقوت السكري املصفوف بداخل علبة مصاغ محراء وخضراء ويف جزء‬
‫منها صفراء‪.‬‬

‫يلعب يسوع حتت األشجار مع طفلني يف مثل سنه تقريباً‪ :‬شعرمها جمعد وليسا أشقرين‪ .‬أحدمها‬
‫أمسر حبق‪ :‬رأس َمحَل أسود يزيد إظهار بياض بشرة الوجه املدور حيث عينان بلون الالزورد الضارب‬
‫إىل البنفسجي‪ ،‬مجيلتان جداً‪ .‬والثاين شعره أقل جتعداً‪ ،‬كستنائي داكن‪ ،‬عيناه كستناويتان‪ .‬لون بشرته‬
‫أكثر مسرة ولكنه مييل إىل الوردي عند اخلدين‪ .‬ويبدو يسوع برأسه األشقر بني الشعرين الداكنني وكأن‬
‫له آنئذ هالة مضيئة‪ .‬إهنم يلعبون معاً مرحني بعرابت صغرية توجد عليها‪ ...‬بضائع متنوعة‪ :‬أوراق‪،‬‬
‫حصى‪ ،‬شرائط وقطع خشبية‪ .‬يلعبون لعبة الباعة‪ .‬ويسوع هو الزبون الذي يشرتي احتياجات والدته‪،‬‬
‫حيمل هلا آانً حاجة وآانً أخرى‪ .‬ومرمي تتقبل مشرتايته اببتسامة‪.‬‬

‫بعد ذلك يقرتح أحد الولدين تغيري اللعبة‪« :‬لنقم ابهلجرة عرب مصر‪ .‬يسوع سيكون موسى‪ ،‬أان‬
‫أنت‪ ...‬مرمي‪».‬‬
‫هارون‪ ،‬و َ‬
‫«ولكنين صيب!»‬

‫أنت مرمي‪ ،‬ولرتقص أمام العجل الذهيب الذي سيكون هذا القفري‪».‬‬
‫«ال يهم! ومع ذلك فلتكن َ‬
‫«أان ال أرقص‪ .‬أان رجل وال أريد أن أكون امرأة‪ .‬مث أان مؤمن وال أريد الرقص أمام الصنم‪».‬‬

‫هنا يتدخل يسوع‪« :‬ال نلعنب هذا املشهد‪ .‬ولنخرت غريه‪ :‬حلظة اختيار يشوع كخليفة ملوسى‪.‬‬
‫وسيُسر يوضاس لكونه رجالً وخليفيت‪،‬‬
‫وهكذا ال يعود ملشكلة خطيئة عبادة األصنام الشنيعة وجود‪َ ،‬‬
‫ألست مسروراً لذلك؟»‬
‫َ‬
‫يدك أن متوت‪،‬‬
‫لك حينئذ أن متوت‪ ،‬ألن موسى ميوت بعدها‪ ،‬وال أر َ‬
‫«نعم‪ ،‬يسوع‪ ،‬إّنا ينبغي َ‬
‫أنت اي من حتبين كثرياً‪».‬‬
‫َ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 312 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«ينبغي جلميعنا أن ّنوت‪ ...‬إّنا أان‪ ،‬قبل أن أموت‪ ،‬سأابرك إسرائيل‪ .‬وإن مل يكن أمامي‬
‫غريكما‪ ،‬فحني أابرككما أابرك إسرائيل كلها‪».‬‬

‫االقرتاح مقبول‪ ،‬ولكن هناك مسألة تطرح نفسها‪ :‬بعد أن يكون شعب إسرائيل قد مشى طويالً‬
‫جداً‪ ،‬هل يكون ما يزال ميتلك العربـات اليت خرج هبا من مصـر؟ هنا َّتتلف اآلراء‪ ،‬فيهرع اجلميع إىل‬
‫مرمي‪« :‬أمي‪ ،‬أان أقول أبن اإلسرائيليني كانوا ال يزالون ميتلكون العرابت‪ ،‬يعقوب يقول ال‪ ،‬أما يوضاس‬
‫فال يعرف من منا يقول احلق‪ .‬فهل تعرفني ِ‬
‫أنت ذلك؟»‬

‫«نعم اي بين‪ ،‬فقد كانت العرابت ما تزال مع الشعب املهاجر‪ .‬وكان كلما توقف جيري‬
‫اإلصالحات عليها‪ .‬وقد كان األكثر ضعفاً يركبون العرابت‪ ،‬وعليها ُحت َّمل املواد الغذائية‪ ،‬وكل األشياء‬
‫الضرورية لشعب كثري العدد‪ .‬إال اتبوت العهد فهو الوحيد الذي كان حيمله بشر‪ .‬وكل ما عداه على‬
‫العرابت‪».‬‬

‫ُحيَل اخلالف‪ ،‬وميضي األطفال إىل آخر احلديقة‪ ،‬ومن هناك يتوجهون صوب البيت وهم يرتلون‬
‫املزامري‪ .‬يسوع يف املقدمة وهو يـَُرتِل املزامري بصوته الفضي‪ .‬وخلفه يسري يوضاس ويعقوب حاملني عربة‬
‫نقل صغرية مغطاة متثل اتبوت العهد‪ .‬ولكن مبا أهنم كانوا مضطرين إىل لعب دور الشعب إىل جانب‬
‫َد َور ْي يشوع وهارون‪ ،‬فقد نـََزعا حزاميهما َوربَطا العرابت الصغرية بساقيهما‪ ،‬وساروا هكذا جادين‬
‫كممثلني حقيقيني‪ .‬ميشون حتت العريشة كلها‪ ،‬وميرون إىل جانب ابب الغرفة حيث توجد مرمي‪ ،‬ويقول‬
‫يسوع‪« :‬ماما‪ ،‬حيي اتبوت العهد الذي مير‪ ».‬تقف مرمي مبتسمة وتنحين ابجتاه ابنها الذي مير متأللئاً‬
‫يف هالة من الشمس‪.‬‬

‫مث جيتاز يسوع املنحدر الذي هو مبثابة احلدود للبيت‪ ،‬أو ابألحرى للحديقة‪ .‬وهناك‪ ،‬فوق‬
‫اطب‪ ...‬إسرائيل‪ .‬ينطق أبوامر ووعود هللا‪ ،‬ويـُ َق ِدم يشوع كقائد ويدعوه إليه‪ ،‬فيصعد‬
‫وخي ِ‬
‫املغارة يقف ُ‬
‫يوضاس بدوره إىل املنحدر فيشجعه ويباركه‪ .‬مث أيخذ لوحاً (ورقة تني كبرية) ويكتب النشيد ويتلوه‪،‬‬
‫ليس كله‪ ،‬إّنا جزءاً ال أبس به‪ ،‬ويبدو وكأنه يتلوه من الورقة‪ .‬بعدئذ يودع يشوع الذي يعانقه وهو‬
‫يبكي‪ ،‬ويصعد إىل األعلى‪ ،‬ابلتحديد إىل قمة املنحدر‪ .‬هناك يبارك إسرائيل كلها‪ ،‬أي الولدين‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 313 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫الساجدين إىل األرض‪ ،‬مث يتمدد على العشب القصري‪ ،‬يغمض عينيه و‪ ...‬ميوت‪ .‬كانت مرمي قد‬
‫ظلت عند العتبة مبتسمة‪ ،‬إال أهنا عندما تشاهده ممدداً بال حراك‪ ،‬تصيح‪« :‬يسوع‪ ،‬يسوع‪ ،‬اهنض! ال‬
‫ك ال تريد أن تر َاك ميتاً!»‬
‫تبق هكذا! فأم َ‬

‫ينهض يسوع مبتسماً‪ ،‬يركض حنو مرمي ويقبلها‪ ،‬ويصل يعقوب ويوضاس ويناال نصيبيهما أيضاً‬‫َ‬
‫من مالطفة مرمي‪.‬‬

‫يسأل يعقوب‪« :‬كيف إبمكان يسوع أن يتذكر كل هذا النشيد الطويل جداً والصعب جداً‪،‬‬
‫وكل هذه التربيكات؟»‬

‫تبتسم مرمي وجتيب ببساطة‪« :‬إن لديه ذاكرة ممتازة‪ ،‬وهو شديد االنتباه والرتكيز عندما أقرأ‪».‬‬

‫«وأان أيضاً أنتبه جيداً يف املدرسة‪ ،‬إال أنين ال ألبث أن أانم ابلرغم من الضوضاء‪ ...‬إذاً‪ ،‬ألن‬
‫أتعلم أبداً؟»‬

‫«سوف تتعلم‪ ،‬كن مطمئناً‪».‬‬

‫قرع الباب‪ ،‬فيجتاز يوسف احلديقة والغرفة بسرعة ويفتح‪« ،‬السالم لكما‪ ،‬حلفا ومرمي!»‬
‫يُ َ‬
‫لك السالم والربكة‪».‬‬
‫«و َ‬

‫إنه أخو يوسف مع زوجته‪ .‬ويف الشارع تقف عربة ريفية ُربِ َ‬
‫ط إليها محار قوي‪.‬‬

‫«هل كان سفركما مرحياً؟»‬

‫«رائعاً‪ .‬واألوالد؟»‬

‫«إهنم يف احلديقة مع مرمي‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 314 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ولكن الولدين يركضان آنئذ ليُ َسلِما على والدهتما‪ ،‬وكذلك تصل مرمي ممسكة يسوع بيدها‪.‬‬
‫وتتعانق القريبتان‪.‬‬

‫«هل كاان لطيفني؟»‬

‫«عاقِلَني جداً ولطيفني‪ .‬هل كل األهل خبري؟»‬

‫«اجلميع خبري‪ ،‬ويرسلون لكم من قاان كل هذه اهلدااي‪ .‬عنباً وتفاحاً وجبناً وعسالً و‪ ...‬يوسف؟‬
‫أخ َذت‬
‫كنت تريده ليسوع‪ .‬إنه على العربة يف هذه السلة الضخمة املُكورة‪ ».‬و َ‬ ‫دت متاماً ما َ‬
‫وج ُ‬
‫لقد َ‬
‫زوجة حلفا تضحك‪ ،‬وتنحين على يسوع الذي ينظر إليها وهو ُحيَملِق‪ .‬تُـ َقبِله من عينيه الالزورديتني‬
‫لك؟ احزر‪».‬‬
‫وتقول له‪« :‬هل تعرف ماذا عندي َ‬
‫يفكر يسوع وال جيد إجابة‪ .‬أشك يف أنه فَـ َعلَها متعمداً ليمنح يوسف فرحة جعلها تبدو مفاجأة‬
‫لـه‪ .‬ابلفعل‪ ،‬يعود يوسف حامالً سلة مكورة‪ .‬يضعها على األرض أمام يسوع‪ ،‬يقطع احلبل الذي يثبت‬
‫فرتش من القش النظيف‪.‬‬
‫ظهر انئمة على ُم ََ‬
‫الغطاء‪ .‬يزحيه‪ ...‬ونعجة صغرية بيضاء‪ ،‬ندفة رغوة حقيقية تَ َ‬
‫ت‬
‫وما كان من يسوع إال «آه!» بدهشة وافتتان‪ .‬وكاد يتهافت على احليوان الصغري عندما التَـ َف َ‬
‫إىل يوسف املنحين إىل األرض‪ ،‬فهرع إليه يعانقه ويقبله ويشكره‪.‬‬

‫ينظر أبناء العم إىل الدابة الصغرية إبعجاب‪ .‬تستيقظ‪ ،‬وبينما هي ترفع فمها الصغري الوردي‬
‫تثغو ابحثة عن أمها‪ََّ .‬ت ُرج من السلة وتُـ َقدَّم هلا قبضة نفل‪ ،‬تقضمها وهي جتيل حوهلا عينيها العذبتني‪.‬‬

‫فطفق يسوع يقول‪« :‬يل أان! يل أان! شكراً اي أي!»‬

‫تعجبك كثرياً؟»‬
‫َ‬ ‫«أهي‬

‫«آه! كثرياً! بيضاء نظيفة‪ ...‬رخلة (أنثى احلَ َمل)‪ ...‬آه!» ويضع ذراعيه حول عنق النعجة‪.‬‬
‫ويضع رأسه األشقر على رأس الدابة الصغرية ويبقى هكذا سعيداً‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 315 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫بت اثنتني‪ ،‬إّنا سوداوين‪ .‬فأنتما لستما مرتبني مثل يسوع‪،‬‬
‫يقول حلفا لولديه‪« :‬ولكما أيضاً َجلَ ُ‬
‫ولو كانتا بيضاوين فلن تعرفا أن حتافظا عليهما نظيفتني‪ .‬سوف تكوانن قطيعكما‪ ،‬حتافظان عليهما‬
‫معاً‪ ،‬وهكذا لن تبقيا تتسكعان يف الشوارع كالشقيني وترشقان احلجارة‪».‬‬

‫ويركض الولدان إىل العربة لرياي النعجتني السوداوين ال البيضاوين‪.‬‬

‫يبقى يسوع مع نعجته‪ ،‬حيملها إىل احلديقة‪ ،‬ويقدم هلا ماء لتشرب‪ ،‬وتتبعه كما لو كانت تعرفه‬
‫منذ زمن‪ .‬ويشرع يسوع يناديها بعد أن أطلَ َق عليها اسم "ثلج" والنعجة جتيبه وهي تثغو فَ ِر َحة‪.‬‬

‫قدم مرمي هلم اخلبز والزيتون واجلنب‪ ،‬وجتلب كذلك إبريق شراب‬ ‫جيلس الضيوف إىل الطاولة‪ ،‬وتُ ِ‬
‫لست أعلم‪ :‬أرى السائل زاهياً‪ ،‬زاهياً متاماً‪ .‬يتحادثون فيما بينهم بينما يلعب‬‫التفاح أو نبيذ العسل‪ُ ،‬‬
‫األوالد ابلنعجات الثالث اليت أراد يسوع ضمها ليقدم إىل األخريني املاء ويطلق عليهما األمساء‪:‬‬
‫ونعجتك "شعلة" ألن هلا لون‬
‫َ‬ ‫نعجتك يوضاس سوف نسميها "جنمة" ألن هلا إشارة على جبهتها‪.‬‬ ‫َ‬
‫أنواع من شعالت اخللنجات املائتة‪»...‬‬

‫«مفهوم‪».‬‬

‫حللت مشكلة‬
‫ُ‬ ‫دخل الكبار يف نقاش‪ ،‬وها هو حلفا يتكلم‪« :‬آمل أن أكون بذلك قد‬ ‫يَ ُ‬
‫قلت لنفسي‪" :‬أخي يريد نعجة ليسوع‬ ‫ت اي يوسف من أوحى يل ابلفكرة‪ُ .‬‬ ‫ك أن َ‬
‫مشاجرات األوالد‪ .‬إن َ‬
‫ليلهيه قليالً‪ .‬سآخذ اثنتني هلذين الولدين فأضبطهما قليالً وأختصر األخذ والرد مع بقية األهايل فيما‬
‫جنحت يف‬
‫ُ‬ ‫الرَكب املسحوجة‪ .‬فقليالً يف املدرسة وقليالً مع النعجتني وأكون قد‬ ‫خيص الرؤوس و ُّ‬
‫أنت أيضاً إرسال يسوع هذه السنة إىل املدرسة‪ .‬فلقد بـَلَ َغ السن‪».‬‬
‫عليك َ‬
‫ضبطهما"‪ .‬إّنا َ‬
‫فتقاطعه مرمي قائلة‪« :‬لن أرسل يسوع أبداً إىل املدرسة» فيندهش اجلميع لرؤيتها تتكلم هكذا‪،‬‬
‫وتتكلم قبل يوسف‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 316 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫خيضـع المتحـان سـن‬
‫«ملاذا؟ على الصيب أن يدرس ليكون أهالً‪ ،‬عندما حيني الوقت‪ ،‬أن َ‬
‫الرشد‪»...‬‬

‫«سوف يتعلم الصيب‪ ،‬ولكنه لن يذهب إىل املدرسة‪ .‬هذا قرار‪».‬‬

‫«ستكونني الوحيدة يف إسرائيل اليت تتصرف هكذا‪».‬‬

‫«سأكون الوحيدة‪ ،‬ومع ذلك سأتصرف هكذا‪ .‬أليس كذلك اي يوسف؟»‬

‫عر َعت مرمي يف اهليكل‪،‬‬


‫«يف احلقيقة‪ ،‬إن يسوع ليس يف حاجة إىل أن يذهب إىل املدرسة‪ .‬لقد تَـَر َ‬
‫كحرب حقيقي يف معرفة الشريعة‪ .‬سوف تكون معلمته‪ .‬إهنا إراديت كذلك‪».‬‬ ‫وهي اآلن َ‬
‫«إنكما تفسدان هذا الصيب‪».‬‬

‫ميكنك قول ذلك‪ .‬إنه أفضل طفل يف الناصرة‪ .‬هل مسعتَه يوماً يبكي أو يتصرف بنزوة أو‬
‫َ‬ ‫«ال‬
‫يرفض إطاعة أمر أو يقلل من احرتام أحد؟»‬

‫«من هذه الناحية‪ ،‬ال‪ .‬ولكن هذا سوف حيصل إذا ما استمر إفساده‪».‬‬

‫فسد األطفال هكذا‪ ،‬بل إّنا حنفظهم إىل جانبنا‪ .‬إننا حنبهم بذكاء وبقلب طيب‪.‬‬ ‫«لسنا نُ ِ‬
‫وهكذا حنن حنب يسوعنا‪ ،‬ومبا أن مرمي مثقفة أكثر من معلم املدرسة‪ ،‬فهي اليت ستكون معلمة يسوع‪».‬‬

‫«وعندما يبلغ سن الرجولة‪ ،‬سيكون امرأة صغرية َّتيفه ذاببة‪».‬‬

‫لست‬
‫«ال‪ .‬لن يكون كذلك‪ .‬فمرمي امرأة قوية وهي تعرف أن تربيه تربية رجولية‪ .‬وأان أيضاً ُ‬
‫ضعيفاً‪ ،‬وأستطيع أن أعطيه أمثلة يف الرجولة‪ .‬فيسوع ال عيب فيه جسدايًّ أو فكرايً‪ .‬سوف ينمو إذن‬
‫مستقيماً وقوايًّ جبسده وروحه‪ .‬كن مطمئناً اي حلفا‪ ،‬فلن يسيء إىل شرف العائلة‪ .‬على كل حال هذا‬
‫قرار‪ ،‬وكفى‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 317 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أنت‪»...‬‬
‫«مرمي قَـَّرَرت‪ ،‬و َ‬
‫«وإن يكن ذلك صحيحاً؟ أليس مجيالً أن يكون لشخصني يتحاابن نفس التفكري‪ ،‬واإلرادة‬
‫ذاهتا‪ ،‬وابلتبادل يتبّن األول وجهة نظر فيتقبلها اآلخر؟ إذا ما أرادت مرمي أموراً خمالفة للصواب‬
‫فسأقول‪" :‬ال"‪ .‬إّنا األمور اليت تطلبها مليئة حكمة‪ ،‬لذا فأان أؤكدها وأتقبلها بل أتبناها‪ .‬حنن متحاابن‬
‫مثل أول يوم لنا‪ ،‬وسنظل هكذا ما حيينا‪ .‬أليس كذلك اي مرمي؟»‬

‫«نعم اي يوسف؛ وإذا ما مات أحدان دون اآلخر‪ ،‬وأرجو أال حيدث ذلك‪ ،‬فلنحب بعضنا‬
‫كذلك‪».‬‬
‫ي ِ‬
‫داعب يوسف رأس مرمي كما لو أهنا ما زالت طفلة وهي تنظر إليه بعني وادعة وعطوفة‪.‬‬‫ُ‬
‫كنت قادرة على التعليم! يف املدرسة يتعلم‬
‫تتدخل زوجة األخ‪« :‬إنكما على صواب‪ .‬آه! لو ُ‬
‫أوالدان ما هو خري وما هو شرير‪ ،‬بينما يف البيت يتعلمون ما هو خري فقط‪ .‬ولكنين ال أعرف‪ ...‬إذا‬
‫كانت مرمي‪»...‬‬

‫ُسعد حني أستطيع‬ ‫ِ‬


‫«ماذا تريدين اي عزيزيت؟ ال تنزعجي من قوهلا‪ .‬تعرفني أنين أحبك وأ َ‬
‫ِ‬
‫إرضاءك‪».‬‬

‫كنت أقول‪ ...‬يعقوب ويوضاس يكربان يسوع قليالً‪ .‬ومها يذهبان اآلن إىل املدرسة‪ ...‬إّنا‬
‫« ُ‬
‫كنت أر َغب‪...‬‬
‫فيما يتعلق مبعرفتهما!‪ ...‬فعلى العكس‪ ،‬إن يسوع قد أصبَ َح يعرف الشريعة جيداً!‪ُ ...‬‬
‫أو ابألحرى هل ترغبني أن حيضرا أيضاً مع يسوع عندما تُ َد ِرسينه؟ أظنهما سيصبحان أفضل وأكثر‬
‫ثقافة‪ .‬إهنم أبناء عم يف األصل‪ ،‬وحيبون بعضهم كإخوة‪ ...‬وسأكون أان سعيدة جداً!‪»...‬‬
‫ِ‬
‫زوجك‪ ،‬فأان على استعداد‪ ،‬إذ إن الكالم لواحد أو لثالثة‬ ‫«إذا شاء يوسف ذلك‪ ،‬وكذلك‬
‫سواء‪ .‬وإعادة كل الكتاب شيء ُمفرِح‪ .‬فليأتيا‪».‬‬

‫األوالد الثالثة الذين كانوا قد دخلوا هبدوء‪َِ ،‬مسعوا وابتوا ينتظرون القرار‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 318 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ِ‬
‫جيعالنك متلني اي مرمي‪».‬‬ ‫يقول حلفا‪« :‬سوف‬

‫«ال! فمعي مها طيبان على الدوام‪ .‬ألن تكوان لطيفني إذا ما علمتُكما؟»‬

‫يركض االثنان إىل جانبها‪ ،‬أحدمها إىل ميينها واآلخر إىل يسارها‪ ،‬ويضعان ذراعيهما حول‬
‫عنقها‪ ،‬ورأسيهما على كتفيها ويعداهنا أمجل الوعود‪.‬‬

‫ك لن تندم‪ .‬سوف أيتيان يومياً يف‬


‫«دعهما جيرابن‪ ،‬اي حلفا‪ ،‬ودعين كذلك أحاول‪ .‬أعتقد أن َ‬
‫الساعة السادسة‪ .‬هذا يكفي‪ ،‬ثق متاماً‪ .‬أان أعرف فن التعليم دون تعب‪ ،‬فاألوالد نستميلهم ونلهيهم‬
‫مهم‪ ،‬وأن حنبهم‪ ،‬وأن نكون حمبوبني منهم‪ ،‬فنحصل منهم على كل شيء‪.‬‬ ‫فه ُ‬
‫يف الوقت ذاته‪ .‬علينا أن نَ َ‬
‫وسوف حتبانين‪ ،‬أليس كذلك؟»‬

‫فتأيت اإلجابة قبلتني كبريتني‪.‬‬

‫«أترى؟»‬

‫«أرى‪ .‬ومل يبق ما أقوله سوى "شكراً"‪ .‬أما يسوع فماذا سيقول حني يرى أمه هتتم ابآلخرين؟‬
‫ماذا تقول اي يسوع؟»‬

‫ويسمعوهنا والذين يبنون‬


‫«أقول ما قيل ابلنسبة للحكمة‪" :‬مغبوطون الذين جيلسون بقرهبا َ‬
‫ُسكناهم قرب ُسكناها"‪ .‬ومغبوط هو من يكون صديق أمي‪ ،‬وأكون سعيداً إذا كان َمن أُحبهم‬
‫أصدقاءها‪».‬‬

‫تلك هناية الرؤاي‪.‬‬

‫ويقول يسوع‪:‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 319 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«وأصبَ َحت مرمي معلميت ومعلمة يعقوب ويوضاس‪ .‬هلذا كنا حنب بعضنا كإخوة أكثر من القرابة‪،‬‬
‫متحدين ابلعلم والرتبية مثل أغصان ثالثة جلذع واحد‪ .‬أمي ليس هناك َحرب مثيالً هلا يف إسرائيل‪ .‬أمي‪،‬‬
‫هذه العذبة‪ ،‬كرسي احلكمة والعلم احلقيقي‪ ،‬كانت تُلقننا دروساً يف حياة الدنيا ويف حياة السماء‪.‬‬
‫ب الدلو على سر هللا يف وجه‬ ‫ِ‬
‫كنت تلميذها‪ ،‬ال أختلف عن ابين عمي‪ .‬وقد قُل َ‬
‫أقول "تُلقننا" ألنين ُ‬
‫فضول الشيطان‪ ،‬كي يُصان هكذا حتت مظاهر حياة مشرتكة‪.‬‬
‫هل متتع ِ‬
‫ت هبذا املشهد اللذيذ؟ ابقي اآلن بسالم‪ .‬يسوع معك‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 320 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪ُ( -65‬تضري ثياب سن الرشد ليسوع)‬

‫‪1944 / 11 / 25‬‬

‫سن الرشد!»‬ ‫ببلوغك ّ‬


‫َ‬ ‫كنت أقول لـه‪« :‬كم يسـعدين أن أرى االحتفال‬ ‫حصلت منـه على وعـد‪ُ .‬‬
‫ُ‬ ‫لقد‬
‫السر‪ .‬سوف تُصنِّفني‬
‫ش َّوش ّ‬
‫وهو يقول‪« :‬سوف أ ِ‬
‫ُريك ذلك حني نتم ّكن من أن نكون "فيما بيننا" دون أن يُ َ‬
‫هذه الرؤاي بعد رؤاي أمي‪ ،‬معلّميت املدرسية ومعلّمة يوضاس ويعقوب اليت أر ِ‬
‫يتك ّإايها سابقاً‪ .‬سوف ترتّبينها‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بني هذا املشهد ومشهد املناقشة يف اهليكل‪».‬‬

‫‪1944 / 12 / 19‬‬

‫أرى مرمي منحنية فوق وعاء أو ابألحرى "جاط" من الفخار‪ .‬إهنا متزج شيئاً ُخيَلِف دخاانً يف‬
‫اهلواء البارد والساكن‪ ،‬والذي ميأل حديقة الناصرة‪.‬‬

‫املفروض أن الوقت شتاء‪ .‬إذ ما عدا شجرات الزيتون‪ ،‬فقد كانت مجيع األشجار عارية‪ ،‬هياكل‬
‫عظمية حقيقية‪ .‬ويف األجواء مساء صافية جداً‪ ،‬حّت الشمس حلوة‪ ،‬إّنا هي ال تلطف ريح الشتاء اليت‬
‫هتز األغصان العارية وجتعلها تتخبط فيما بينها‪ ،‬كما جتعل أوراق الزيتون اخلضراء الرمادية تتماوج‪.‬‬

‫ترتدي السيدة العذراء ثوابًكستنائياً مييل إىل السواد‪ ،‬وقد َعلَّ َقت يف اجلهة األمامية قماشاً مسيكاً‬
‫على شكل مئزر حيمي الثياب‪َُّ .‬ترِج من اإلجانة (وعاء خشيب لغسيل الثياب) العصا اليت كانت ُحت ِرك‬
‫هبا املحتوى‪ ،‬وأرى نقطة بلون أمحر مجيل تسقط‪ .‬تالحظ مرمي ذلك‪ ،‬فتبلل إصبعها ابلنقاط اليت تَسقط‬
‫ُ‬
‫وجترب اللون على املئزر‪ .‬إهنا تبدو راضية‪.‬‬

‫أثناء عملها تدخل مرمي زوجة حلفا‪ ،‬قادمة من َمشغَل يوسف‪ ،‬فتتصافحان وتتحاداثن‪.‬‬

‫تسأل زوجة حلفا‪« :‬هل جنح؟»‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 321 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«آمل ذلك‪».‬‬
‫ك ِ‬
‫أنت‬ ‫«لقد أتكد يل أن هذا اللون هو نفسه الصباغ املستعمل يف روما‪ .‬لقد أُعطي يل ألن ِ‬
‫فرتض أنك ُمتَق ِمقني‬ ‫ِ‬
‫اليت تقومني هبذه األشغال‪ .‬ويقال إن يف روما ذاهتا ال يوجد من يُوشي مثلك‪ .‬يُ ََ‬
‫عينيك و ِ‬
‫أنت تقومني بذلك العمل‪»...‬‬ ‫ِ‬

‫تبتسم مرمي وتقوم حبركة برأسها وكأهنا تقول‪« :‬هذا ال شيء على اإلطالق!»‬
‫تَنظُر زوجة حلفا قبل أن تُـ َق ِدم إىل مرمي شلل الصوف األخرية‪ .‬اي لغز ِ‬
‫لك هلا! تبدو وكأهنا َشعر‬
‫ك تعملني كل شيء بدرجة الكمال‪ ...‬وبسرعة فائقة! هل ستكون هذه‬ ‫لشدة دقتها وانتظامها‪ .‬إن ِ‬
‫األخرية أفتَح؟»‬

‫«نعم‪ ،‬فهي للثوب‪ .‬أما املعطف فداكن أكثر‪».‬‬

‫تعمل املرأاتن يف الوعاء‪ ،‬مث َُّت ِرجان الشلل اليت أصبَ َحت بلون األرجوان اجلميل‪ ،‬وتُس ِرعان‬
‫لتغطيسها يف حوض ماء ابرد جداً حتت نبع صغري يسيل ماؤه ُحم ِداثً صوت ضحكات بسيط‪ ،‬تغسالن‪،‬‬
‫تغسالن مث متددان الشلل على قصبات عُلِ َقت بني غصين شجرة‪.‬‬

‫تقول زوجة حلفا‪« :‬سوف جتف جيداً وبسرعة يف هذا اهلواء‪».‬‬


‫فتقول القديسة مرمي‪« :‬هلمي بنا ّنضي إىل يوسف‪ ،‬فالنار مشتعلة هناك‪ ،‬و ِ‬
‫أنت قد تكونني‬
‫ِ‬
‫أشكرك‪».‬‬ ‫ك إايي‪ .‬لقد ِ‬
‫أهنيت العمل بسرعة وأبقل تعب؟‬ ‫ب ِ‬
‫ردت‪ .‬لقد ِ‬
‫كنت طيبة جداً مبساعدت ِ‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫جانبك‪ ،‬فهذا عيد‪ .‬مث‪ ...‬كل هذا الشغل من أجل يسوع‪.‬‬ ‫«آه! مرمي‪ ،‬مل أفعل شيئاً! َكوين إىل‬
‫ِ‬
‫ساعدتك من أجل احتفاله ببلوغ‬ ‫وهو عزيز علي جداً‪ِ ،‬‬
‫ابنك!‪ ...‬يبدو يل أنين أان أيضاً أمه‪ ،‬إذا ما‬
‫سن الرشد‪».‬‬

‫دخل املرأاتن إىل املـَشغَل العابق برائحة اخلشب املسحوج اخلاصة مبشاغل النجارين‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تَ‬
‫َ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 322 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫تتوقف الرؤاي قليالً‪.‬‬

‫‪ ...‬تعود أثناء انطالق يسوع ابن االثنيت عشرة سنة إىل أورشليم‪.‬‬

‫ص َل إىل كتفها‪،‬‬
‫يبدو مجيالً جداً وقد ّنا جيداً‪ ،‬حّت لتحسبه األخ األصغر ألمه الشابة‪ .‬لقد َو َ‬
‫وشعره األشقر اجملعد مل يعد قصرياًكما يف ِسين حياته األوىل‪ ،‬ولكنه يتدىل إىل ما حتت أذنيه‪ ،‬فتحسبه‬
‫خوذة من الذهب منقوشة بكاملها بتقصيباته املشرقة‪.‬‬

‫كان يرتدي األمحر‪ .‬لون الياقوت األمحر الزاهي اجلميل‪ .‬ثوابً طويالً يصل إىل الكاحلني‪ ،‬وال‬
‫يَكشف سوى عن قدمني تنتعالن صندالً‪ .‬الثوب جيعل احلركة حرة أبكمامه الطويلة والعريضة‪ .‬وعند‬
‫العنق وأطراف األكمام واألرداف كانت هناك تزيينات منسوجة‪ ،‬لوانً على لون‪ ،‬مجيلة جداً‪...‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 323 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -66‬االنطالق من الناصرة لالحتفال ببلوغ يسوع سن الرشد)‬

‫‪1944 / 12 / 20‬‬

‫دخل مع أمه إىل غرفة ‪-‬ماذا أمسيها؟‪ -‬غرفة الطعام يف الناصرة‪.‬‬


‫أرى يسوع يَ ُ‬
‫يسوع َولَد مجيل‪ ،‬ابن اثنيت عشرة سنة‪ ،‬كبري‪ ،‬متني جداً‪ ،‬قوي دون بدانة‪.‬‬

‫إنه يبدو أكرب من عمره احلقيقي بسبب بنيته‪ .‬وهو اآلن كبري لدرجة أنه أصبَ َح على مستوى‬
‫كتفي أمه‪ .‬إنه ما زال حيتفظ بوجهه املدور الوردي كما كان أايم طفولته‪ ،‬وجهه الذي َحنف بفعل‬
‫الشباب وسن الرجولة‪ ،‬وأصبَ َح بال لون شاحباً بعض الشيء‪ ،‬وابلكاد مصبوغاً ابألصفر الوردي‪.‬‬

‫عيناه‪ ،‬عيناه كذلك ما تزاالن كعيين طفولته‪ .‬عينان كبرياتن مفتوحتان جيداً مع وميض فرح‬
‫ممزوج بنظرة جادة‪ .‬لن يعودا فيما بعد مفتوحتني كما مها اآلن‪ ...‬سيُغلقهما اجلفنان نصف إغالق‬
‫ليَحجبا فساد العامل العظيم عن الطهر والقداسة‪ .‬ولـن تعودا كذلك إال أثناء اجرتاح املعجزات‪ ،‬فتفتَحان‬
‫وتضيئان حّت أكثر من اآلن‪ ...‬لطرد الشياطني واملوت‪ ،‬لشفاء مرضى اجلسد والروح‪ .‬ومع ذلك لن‬
‫تعودا هبذا الوميض من الفرح املمزوج ابلنظرة اجلادة‪ ...‬فاملوت واخلطيئة كاان قريبني جداً منه ومعهما‬
‫اليقني املعاش بعدم جدوى تضحيته بسبب املقاومة اإلرادية من البشر‪ .‬مل يكن كذلك سوى يف بعض‬
‫ُ‬
‫صة حتيط به‪ ،‬خاصة مع كائنات نقية‪ ،‬بشكل‬ ‫َّ‬
‫من أوقات الفرح النادرة بسبب وجوده مع نفوس ُخمَل َ‬
‫خاص األطفال حيث جتعل تلك اإلحاطة نَظََره املقدس املليء ابلطيبة والصالح يُش ِرق فرحاً‪.‬‬

‫لكنه اآلن مع أمه يف بيته‪ ،‬قُبالة القديس يوسف الذي يبتسم حبب‪ ،‬وكذلك ابين عمه اللذين‬
‫ينظران إليه إبعجاب‪ ،‬ومرمي زوجة عمه حلفا اليت تداعبه‪ ...‬إنه سعيد‪ .‬ذلك أن يسوعي يف حاجة إىل‬
‫احلب ليكون سعيداً‪ .‬وها هو اآلن ميتلك هذا احلب‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 324 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫إنه يرتدي ثوابً انعماً من الصوف األمحر األرجواين الفاتح‪ ،‬أملس ليناً منسوجاً بكامله من‬
‫قماش انعم امللمس مكتظ عند العنق ومن األمام‪ ،‬وعند أطراف األكمام الطويلة والفضفاضة من‬
‫الثوب الطويل إىل األرض وشي (نقش)‪ ،‬ليس على شكل حاشية إضافية‪ ،‬بل إّنا منسوج بلون داكن‬
‫ظهر منه سوى القدمني اللتني تنتعالن صندالً جديداً متقن الصنع‪،‬‬ ‫على الثوب األمحر الزاهي الذي ال يَ َ‬
‫فرتض أن يكون الثوب من صنع أمه‪ ،‬ألن زوجة‬ ‫ِ‬
‫فهو مل يعد ذلك النعل العادي بشريطيه املتصالبَني‪ .‬يُ ََ‬
‫حلفا تنظر إليه إبعجاب ومتدحه‪ .‬لقد أصبَ َح شعره األشقر اجلميل داكناً أكثر مما كان عليه عندما‬
‫كان يسوع فّت صغرياً‪ ،‬مع انعكاسات حناسية يف التالفيف اليت حتدثها تقصيباته وهو يتدىل إىل ما‬
‫حتت أذنيه‪ .‬مل يعد شعر الطفولة اجملعد والقصري واخلفيف‪ .‬ومل يصبح بعد شعر البالغ املتماوج املتديل‬
‫إىل كتفيه حيث ينتهي بلفائف انعمة‪ ،‬إال أنه مييل إىل ذاك اللون وذاك الشكل‪.‬‬

‫مسكة بيسرى يسوع‪ .‬تبدو وكأهنا‬ ‫تقول مرمي‪« :‬هو ذا ابننا»‪ .‬ويف الوقت ذاته ترفَع ُميناها امل ِ‬
‫ُ‬
‫تُـ َق ِدمه للجميع وتؤكد أبوة ذلك البار الذي يبتسم‪ .‬وتضيف‪« :‬ابركه اي يوسف قبل االنطالق إىل‬
‫ِ‬
‫أورشليم‪ ،‬مل تكن الربكة الشعائرية ضرورية عند ذهابه إىل املدرسة‪ ،‬أول خطوة يف احلياة‪ .‬بينما اآلن‪،‬‬
‫كتك‪( ...‬وخيتنق‬
‫وهو يذهب إىل اهليكل ليُعلَن على املأل بلوغه السن‪ ،‬فباركه وابركين معه‪ .‬ذلك أن بر َ‬
‫صوت مرمي بنشيج) متنحه القوة ومتنحين الشجاعة لالنفصال عنه عما قريب‪»...‬‬
‫«سوف يكون يسوع ِ‬
‫لك على الدوام‪ ،‬اي مرمي‪ .‬فالشكليات لن تبدل شيئاً من عالقاتنا‪ ،‬ولن‬
‫امحك على ابننا العزيز جداً على قلبينا‪ .‬فما ِمن إنسان يستحق أن يقوده يف احلياة أكثر ِ‬
‫منك‪ ،‬اي‬ ‫أز ِ‬
‫قديسيت‪».‬‬

‫تنحين مرمي وأتخذ يد يوسف وتقبلها‪ .‬إهنا عروسته‪ .‬وكم هي عطوفة وحمرتمة لشريك حياهتا!‬

‫يتقبل يوسف بوقار ابدرة االحرتام واحلب هذه‪ ،‬ولكنه بعدئذ يرفع اليد اليت قبلتها ويضعها على‬
‫مبارَكة ويسوع معك‪ .‬تعاليا اي فرحي الوحيدين‪ ،‬اي شريف‬ ‫كوين‬ ‫‪،‬‬ ‫رأس عروسته قائالً هلا‪« :‬نعم‪ ،‬أابر ِ‬
‫كك‬
‫َ‬
‫وهدف حيايت‪ ».‬يبدو يوسف مبظهر احتفايل‪ .‬وحني ميد ذراعيه‪ ،‬وكفاه ابجتاه األرض‪ ،‬على الرأسني‬
‫املنحنيني‪ ،‬األشقرين املتشاهبني والقديسني‪ ،‬ينطق بكلمات الربكة‪« :‬ليحفظكما الرب ويبارككما‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 325 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ِ‬
‫لنمض‪ .‬إنه‬ ‫ولريأف بكما ومينحكما السالم‪ .‬وليمنحكما الرب بركته‪ ».‬مث يقول‪« :‬لقد آن األوان‪.‬‬
‫الوقت املناسب للسفر‪».‬‬

‫أتخذ مرمي غطاء كبرياً بلون أمحر رماين داكن‪ ،‬وتغطي به جسد ابنها‪ .‬كم هي تداعبه أثناء‬
‫قيامها بذلك!‬

‫َخي ُرج اجلميع‪ ،‬ويغلقون األبواب‪ ،‬ويسريون‪ .‬هنالك مسافرون آخرون يتوجهون إىل املكان ذاته‪.‬‬
‫خارج البلدة‪ ،‬تنفصل النساء عن الرجال‪ .‬بينما يذهب األوالد مع من يرغبون‪ ،‬ويسوع يبقى مع والدته‪.‬‬

‫يسري املسافرون‪ ،‬وهم يف أغلب األحيان يـَُرتِلون املزامري عرب القرى اجلميلة جداً‪ ،‬يف أحلى يوم‬
‫من أايم الربيع‪ .‬رطوبة احلقول والقمح‪ ،‬واالخضرار حيث بدأَت الزهور تتفتح‪ .‬تراتيل الرجال عرب احلقول‬
‫وعلى الطرقات‪ .‬تغريد العصافري اليت تتحاب بني األوراق‪ .‬السواقي الصافية حيث تنظر زهور األهنار‬
‫إىل نفسها يف مرآهتا‪ِ .‬محالن تقفز إىل جانب أمهاهتا‪ ...‬سالم وهبجة حتت أمجل مساء يف نيسان‬
‫(أبريل)‪.‬‬

‫هكذا تنتهي الرؤاي‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 326 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -67‬امتحان رشد يسوع يف اهليكل)‬

‫‪1944 / 12 / 21‬‬

‫اهليكل يف أايم العيد‪ .‬تدخل اجلموع وَّترج من أبواب السور‪ ،‬جيتازون الساحات والردهات‬
‫واألروقة‪ ،‬خيتفون يف هذا البناء أو ذاك املقام على مستوايت خمتلفة حيث تنتشر ُكتَل اهليكل‪.‬‬
‫ها هم مجاعة يسوع يدخلون كذلك وهم يرتلون املزامري بصوت خافت‪ .‬مجيع الرجال أوالً ِ‬
‫ومن‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫لست أدري‪.‬‬
‫مث النساء‪ .‬وقد انضم إليهم أانس آخرون‪ ،‬من الناصرة رمبا أو رمبا أصدقاء من أورشليم‪ُ .‬‬
‫بعد السجود إليه تعاىل‪- ،‬ليتين أُد ِرك جيداً أين يفعل الرجال ذلك‪( -‬وتقف النساء يف مكان‬
‫أخفض قليالً)‪ ،‬يرتك يوسف املكان مع ابنه وجيتاز الساحات من جديد‪ ،‬إّنا ابالجتاه املعاكس‪ .‬يدور‬
‫لست أفهم جيداً هل كان يوجد يف اهليكل جمامع؟ مث‬ ‫ِ‬
‫يف املكان ويَلج قاعة كبرية هلا مظهر ُجمَ َّمع‪ُ .‬‬
‫يتحدث إىل الوي‪ ،‬ويغيب هذا األخري خلف ستار خمطط ليعود بعد ذلك مع كهنة مسنني‪ .‬أظنهم‬
‫كهنة‪ .‬إّنا هم ابلتأكيد معلمون يف علوم الشريعة‪ ،‬فهم إذاً مكلفون ابمتحان املؤمنني‪.‬‬

‫يـُ َق ِدم يوسف يسوع‪ ،‬وكاان قبالً قد احننيا احنناءة كبرية أمام عشرة أحبار اَّتذوا أماكنهم بوقار‬
‫على كراسي خشبية مرتفعة‪ .‬فيقول‪« :‬هو ذا ابين‪ .‬لقد بـَلَ َغ منذ ثالثة أقمار واثين عشر يوماً السن‬
‫الذي حيدده الشرع لبلوغ سن الرشد‪ .‬ولكنين أر َغب يف أن يصبح راشداً حبسب تعاليم إسرائيل‪ .‬أرجوكم‬
‫األخذ بعني االعتبار أن بنيته تُظ ِهر أنه َخَر َج من الطفولة ومل يعد صغرياً‪ .‬وأرجوكم امتحانه برفق وعدل‬
‫لتَح ُكموا مبا أؤكد هنا‪ ،‬أان أبوه‪ ،‬أبنه حقيقي‪ .‬لقد هيأتُه هلذه الساعة الستحقاق كونه ابن الشريعة اليت‬
‫سيتلقاها‪ .‬إنه يعرف األحكام والتقاليد والقرارات وعادات القرطاس والطالسم‪ .‬إنه جييد تالوة الصلوات‬
‫والتربيكات اليومية‪ .‬فهو يستطيع إذن‪ ،‬مبعرفته للشريعة ذاهتا ولفروعها الثالثة‪" :‬هيالسيا" و "ميدراسك"‬
‫و "آكادا"‪ ،‬أن يتصرف كرجل‪ .‬ألجل ذلك أرغب يف التحرر من مسؤولية تصرفاته وأخطائه‪ .‬فليكن‬
‫منذ اآلن مسؤوالً وفق األحكام‪ ،‬وأيخذ على عاتقه تبعات تقصريه هبا‪ .‬امتَ ِحنوه‪».‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 327 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫امسك؟»‬
‫«سوف نفعل‪ .‬اقرتب أيها الصيب‪ .‬ما َ‬
‫«امسي يسوع بن يوسف الناصري‪».‬‬

‫«انصري‪ ...‬هل تعرف القراءة إذن؟»‬

‫ب منها وما اختبأ بني الكلمات ذاهتا‪».‬‬ ‫ِ‬


‫«نعم أيها احلاخام‪ ،‬أعرف قراءة الكلمات‪ ،‬ما ُكت َ‬
‫«ما الذي تريد قوله؟»‬

‫«أريد القول أبنين أُد ِرك كذلك معّن املثل أو الرمز املسترت خلف الظاهر‪ ،‬مثل اللؤلؤة اليت ال‬
‫تُرى‪ ،‬لكنها موجودة ضمن الصدفة الضخمة املغلقة‪».‬‬

‫«إجابة غري مألوفة‪ ،‬وهي حكيمة جداً‪ .‬اندراً ما نسمع ذلك من ابلغ‪ ،‬ومث من طفل‪ ...‬وفوق‬
‫كل ذلك انصري!»‬

‫لقد شد انتباه العشرة حّت مل تعد عيوهنم حتيد حلظة عن هذا الطفل األشقر اجلميل الذي ينظر‬
‫إليهم واثقاً من نفسه‪ ،‬إّنا دون جماهبة‪ ،‬ولكن دون خوف‪.‬‬
‫«إنك تش ِرف معلمك الذي هو‪ ،‬بكل أتكيد‪ِ ،‬‬
‫عامل كبري‪».‬‬ ‫َ‬ ‫َ َُ‬
‫«حكمة هللا تستوطن قلبه املستقيم‪».‬‬

‫أسعدك أابً هلكذا ابن!»‬


‫َ‬ ‫«ولكن امسعوا! ما‬

‫يوسف الذي يف صدر القاعة يبتسم وينحين‪.‬‬

‫يُدفَع ليسوع بلفائف ثالث خمتلفة‪ ،‬ويقال له‪« :‬اقرأ ما يف اللفافة ذات الشريط الذهيب‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 328 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يفتح يسوع اللفافة ويقرأ‪ .‬إهنا الوصااي العشر‪ .‬إّنا بعد الكلمات األوىل أيخذ منه أحد احلُكام‬
‫أكمل غيباً‪ ».‬فيتلوها يسوع بثقة كبرية حّت لتحسبه يقرأها‪ .‬وكان يف كل مرة ينطق‬ ‫اللفافة قائالً‪ِ « :‬‬
‫اسم الرب ينحين احنناءة كبرية‪.‬‬

‫«من َعلَّ َم َ‬
‫ك هذا؟ وملاذا تقوم به؟»‬

‫«ألن هذا االسم قدوس‪ ،‬وجيب أن نلفظه مصحوابً بكل دالالت االحرتام الداخلية منها‬
‫واخلارجية‪ .‬فإذا كان املاثلون أمام ملك‪ ،‬هو ليس كذلك إال لزمن قليل‪ ،‬ينحنون‪ ،‬وهو ليس سوى‬
‫غبار‪ .‬فأمام ملك امللوك‪ ،‬رب إسرائيل العايل‪ ،‬احلاضر حّت ولو مل يره سوى الروح‪ ،‬جيب أن تنحين كل‬
‫املخلوقات التابعة له خبضوع أزيل‪».‬‬

‫ابنك على يد هيليل أو مجالئيل‪ .‬إنه انصري‪...‬‬


‫ننصحك أيها الرجل أبن تتلمذ َ‬ ‫َ‬ ‫أحسنت!‬
‫َ‬ ‫«‬
‫ولكن إجاابته ِ‬
‫تؤمل أبن يُصبِح َحرباًكبرياً جديداً‪».‬‬

‫«لقد بـَلَ َغ ابين السن‪ ،‬وهو سيفعل ما يشاء‪ .‬ابلنسبة إيل‪ ،‬إذا ما أراد ذلك بشكل جاد فلن‬
‫أمانع‪».‬‬

‫ابنتك‬
‫ابنك و َ‬
‫أنت فقط‪ ،‬إّنا َ‬
‫قلت‪ " :‬تذكر تقديس األعياد‪ .‬ولكن ليس َ‬ ‫«امسع أيها الصيب‪ .‬لقد َ‬
‫وخادمتك كذلك‪ ،‬وحّت احليواانت القيِمة قيل بعدم شغلها أايم السبت"‪ .‬إذاً قل يل‪ :‬إذا‬ ‫َ‬ ‫وخادمك‬
‫َ‬
‫سمح ابستخدام مثرة أحشائها‪ ،‬أم‬‫ض َعت نعجة َمحَالً يوم السبت‪ ،‬فهل يُ َ‬
‫ابضت دجاجة بيضة أو إذا َو َ‬
‫ابألحرى جيب اعتباره ُمن َكراً؟»‬

‫«أَعلَم أن حاخامني كثريين ‪-‬آخرهم سياماي‪ ،‬وهو ما يزال حياً‪ -‬يؤكدون أن بيضة يوم السبت‬
‫مل حترتم األحكام‪ .‬ولكنين أظن أن اإلنسان خيتلف عن احليوان أو الذي يقوم بعمل حيواين كالوضع‪.‬‬
‫مت نفسي إلجباره على العمل حتت‬ ‫استخد ُ‬
‫َ‬ ‫مت حيواانً على الشغل‪ ،‬أحتمل أان خطيئته ألنين‬
‫فلو أر َغ ُ‬
‫ض َعت نعجة يوم السبت ألن‬
‫ضغط السوط‪ .‬إّنا لو ابضت دجاجة بيضة ّنت يف مبيضها‪ ،‬أو إذا َو َ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 329 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫األوان قد حان لريى َمحَلَها النور‪ ،‬فال؛ إن هذا العمل ليس خطيئة ال يف ذاته وال يف عيين هللا‪ ،‬إذ ال‬
‫البيضة وال احلَ َمل اللذين أتيا يوم السبت قد تلطخا ابخلطيئة‪».‬‬

‫«ملاذا إذاً؟ طاملا كل عمل يتم أثناء السبت هو خطيئة؟»‬

‫ض َعها لكل‬‫مهما حبسب قوانني َو َ‬‫«ألن احلَ ْمل والوالدة متعلقان مباشرة إبرادة هللا الذي نَظَّ ُ‬
‫خليقته‪ .‬فالدجاجة ال تقوم بغري الطاعة هلذا القانون الذي حيدد مسبقاً عدد الساعات بعد التشكل‬
‫اليت ستكون البيضة بعدها كاملة وجاهزة لإلابضة‪ .‬وكذلك النعجة ال تقوم بغري الطاعة هلذا القانون‬
‫صنَ َع كل شيء‪ .‬لقد رتب اخلالق أن تطيع النعاج غرائزها مرتني يف العام‪ ،‬مرة‬ ‫ِ‬
‫املوضوع من قبَل الذي َ‬
‫عندما تُقبِل بسمة الربيع إىل احلقول املزهرة‪ ،‬وأخرى عندما تفقد األشجار أوراقها‪ ،‬ويعصر الربد صدر‬
‫البشر‪ ،‬وذلك كي تعطي يف املرحلة التالية احلليب واللحم واجلنب املغذي يف األشهر األكثر تعباً بسبب‬
‫ض َعت نعجة محلها عندما حيني الوقت‪ ،‬فيمكن‬ ‫جين احملاصيل‪ ،‬أو األكثر قفراً بسبب الصقيع‪ .‬فإذا َو َ‬
‫اعتبار وليدها مقدساً حّت للهيكل ألنه مثرة طاعة للخالق‪».‬‬

‫«ابلنسبة يل‪ ،‬فأان أتوقف عن امتحانه ألن حكمته تفوق حكمة البالغني‪».‬‬

‫«ال‪ .‬فلقد قال كذلك إنه قادر على فهم الرموز أيضاً‪ ،‬فلنستمع إليه‪».‬‬

‫ليتل لنا مزموراً والتربيكات والصلوات‪».‬‬


‫« ُ‬
‫«وأيضاً األحكام‪».‬‬

‫اتل "املدراش" ‪( ».Les midrasciot‬طريقة تعلم الشرائع‪ ،‬ومنها كلمة مدرسة)‬


‫«نعم ُ‬
‫يعرض يسوع برابطة جأش جمموعة من «ال تفعل هذا‪ ...‬ال تقم بذاك‪ »...‬ولو كان ينبغي لنا‬
‫حتمل كل هذه القيود‪ ،‬حنن املتمردين‪ ،‬أؤكد لكم أن ال أحد سيخلص…‬

‫«يكفي‪ .‬افتح اللفافة ذات الشريط األخضر‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 330 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫شرع ابلقراءة‪.‬‬
‫يفتح يسوع ويَ َ‬
‫«بعد ذلك‪ ،‬بعد ذلك‪».‬‬

‫يطيع يسوع‪.‬‬

‫لك وجود رمز‪».‬‬


‫«يكفي‪ ،‬اقرأ واشرح لو بدا َ‬
‫«يف كالم الكتاب املقدس اندراً ما ال يوجد‪ ،‬إّنا حنن الذين ال ُحن ِسن اكتشافه وتطبيقه‪ .‬أقرأ‪:‬‬
‫أخرب شافان الكاتب امللك وقال‪ :‬لقد‬ ‫ِ‬
‫سفر امللوك الرابع‪ ،‬الفصل الثاين والعشرون‪ ،‬اآلية العاشرة‪" :‬و ََ‬
‫دفع إيل حلقيا الكاهن سفراً وقرأته أمام امللك‪ .‬فلما َِمس َع امللك كالم شريعة الرب مزق ثيابه مث أعطى‪...‬‬
‫"»‬

‫«جتاوز األمساء‪».‬‬

‫«"هذا األمر‪ :‬اذهبوا واسألوا الرب يل وللشعب وجلميع يهوذا من جهة كالم هذا السفر الذي‬
‫ُوِجد‪ ،‬ألنه عظيم هو غضب الرب الذي اضطََرم علينا ألجل أن آابءان مل يسمعوا لكالم هذا السفر‬
‫ليعملوا بكل ما ُكتِب علينا‪»"...‬‬

‫«هذا يكفي‪ .‬لقد جرى هذا منذ قرون كثرية قبلنا‪ .‬فما الرمز الذي جتده يف جمرايت هذه األخبار‬
‫التارخيية القدمية؟»‬

‫«أرى أن ال حند يف زمن ما هو أزيل‪ .‬فأزيل هو هللا وكذلك نفسنا‪ .‬وأزلية هي العالقات بني هللا‬
‫والنفس‪ .‬وما أوجب آنذاك العقوابت هو ذاته يوجبها اآلن‪ .‬ونتائج اخلطأ تبقى ذاهتا‪».‬‬

‫«ما الذي تريد قوله؟»‬

‫«مل تعد إسرائيل تعرف احلكمة املتأتية من هللا‪ .‬فمنه‪ ،‬وليس من البشر املساكني‪ ،‬جيب طَلَب‬
‫النور‪ ،‬وما ِمن نور بدون الربارة واالستقامة واإلخالص هلل‪ .‬إذاً‪ :‬حنن خنطئ وهللا يف غضبه يُعاقِب‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 331 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«أمل يعد لدينا ِعلم؟ ولكن ماذا تقول أيها الصيب؟ واألحكام الستمائة والثالثة عشر؟»‬

‫«توجد أحكام ولكنها ليست سوى حرب على ورق‪ .‬حنن نعرفها ولكننا ال نضعها موضع‬
‫التطبيق‪ .‬إذن فنحن ال نعرفها‪ .‬والرمز هو ذاك‪ :‬كل إنسان يف كل زمن هو يف حاجة إىل سؤال الرب‬
‫ملعرفة مشيئته فيلتزم هبا لكي ال جيلب لنفسه غضبه‪».‬‬

‫الولَد كامل‪ .‬حّت فخ السؤال املخادع مل يهز إجابته‪ .‬فلنأخذه إىل اجملمع احلقيقي‪».‬‬
‫«َ‬
‫ينتقلون إىل قاعة أوسع وأكثر زينة‪ .‬وهنا أول ما قاموا به هو قص شعره‪ .‬وأيخذ يوسف‬
‫التقصيبات‪ .‬مث يقومون بتزنري ثوبه األمحر حبزام طويل يلف خصره عدة مرات‪ .‬مث يعلقون له راايت‬
‫على جبهته وذراعيه وعلى معطفه‪ ،‬مثبتني إايها أبنواع من الداببيس‪ .‬مث يرتلون مزامري بينما ميجد‬
‫يوسف الرب بصالة طويلة ويستنزل كل الربكات على االبن‪.‬‬

‫ينتهي االحتفال وخيرج يسوع مع يوسف ليعودا إىل املكان الذي أتيا منه‪ ،‬حيث جيتمع رجال‬
‫العائلة ويشرتون َمحَالً ليُـ َقدَّم‪ ،‬ومن مث مع التقدمة املذبوحة يالقون النساء‪.‬‬

‫تُقبِل مرمي يسوعها حّت لتحسبها مل تره منذ سنوات‪ .‬إهنا تنظر إليه اآلن وهو يرتدي الثوب‬
‫وشعره شعر رجل‪ ،‬إهنا تداعبه‪.‬‬

‫خيرجون مجيعاً‪ .‬تلك هي النهاية‪.‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 332 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -68‬نقاش يسوع مع علماء اهليكل)‬

‫‪1944 / 01 / 28‬‬

‫أرى يسوع مراهقاً‪ ،‬مرتدايً جلباابً‪ ،‬يبدو يل من الكتان األبيض يصل حّت القدمني‪ ،‬وملتحفاً‬
‫فوقه بقطعة مستطيلة محراء زاهية‪ .‬رأسه عار وشعره طويل يصل إىل منتصف أذنيه وهو داكن أكثر مما‬
‫رأيته عليه عندما كان صغرياً‪ .‬إنه صيب قوي‪ ،‬حجمه كبري ابلنسبة إىل سنه‪ ،‬ولكن وجهه هو حبق وجه‬
‫طفويل‪.‬‬

‫ينظر إيل ويبتسم ماداً ذراعيه‪ .‬إهنا ابتسامة تشبه تلك اليت رأيتُها عندما أصبَ َح ابلِغاً‪ :‬عذبة مع‬
‫لست أرى شيئاً آخر يف هذه اآلونة‪ .‬إنه يستَنِد على جدار صغري على طريق‬ ‫كوهنا جادة‪ .‬إنه وحيد‪ُ .‬‬
‫ضيقة صاعدة ‪ -‬هابطة‪ ،‬طريق حجرية ينخفض وسطها فتتحول أايم الشتاء إىل جمرى ماء‪ .‬وهي اآلن‬
‫جافة ألن النهار مجيل‪.‬‬

‫يتهيأ يل أنين أقرتب من اجلدار وأنظر إىل ما حوله وما حتته كما يفعل يسوع‪ .‬أرى جمموعة منازل‬
‫متجمعة دوّنا ترتيب‪ .‬منها ما هو عال‪ ،‬ومنها ما هو منخفض‪ ،‬وتتجه إىل كافة االجتاهات‪ .‬هذا يشبه‬
‫‪-‬التشبيه فقري ولكنه صحيح متاماً‪ -‬قبضة حصى بيضاء ملقاة على أرض قامتة‪ .‬الطرق والدروب فيها‬
‫تشمخ أشجار بني اجلدران‪ .‬منها ما هي مزهرة ومنها ما‬
‫تظهر كأوردة وسط هذا البياض‪ .‬وهنا وهناك َ‬
‫فرتض أنه الربيع‪.‬‬
‫هي مكسوة أبوراق جديدة‪ .‬يُ ََ‬
‫إىل اليسار‪ ،‬ابلنسبة إيل أان اليت أنظر‪ ،‬هناك جتمع سكين كبري قائم على ثالثة صفوف من‬
‫يشمخ يف وسطها بناء شاهق‪ ،‬عظيم وثري جداً‪،‬‬ ‫األرصفة املغطاة ابألبنية‪ .‬مث أبراج وساحات وأروقة َ‬
‫ذو قبب مدورة تلمع يف الشمس كما لو كانت مغطاة مبعدن‪ ،‬رمبا حناس أو ذهب‪ .‬وكل ذلك حماط‬
‫بسور ذي شرفات على شكل ‪ M‬كما لو كانت حصناً‪ .‬ويشرف على هذا التجمع الكبري برج ابرز‬
‫أعلى منه‪ ،‬يتطاول فوق طريق ضيقة‪ ،‬حتسبه حارساً صارماً‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 333 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ُحي ِدق يسوع هبذا املكان‪ ،‬مث يعود ليسند ظهره من جديد إىل اجلدار‪ ،‬كما كان سابقاً‪ ،‬مث ينظر‬
‫إىل أكمة صغرية مقابلة للتجمع‪ ،‬أكمة مغطاة ابلبيوت حّت قاعدهتا‪ ،‬وما بعد القاعدة عار‪ .‬أرى طريقاً‬
‫تنتهي هناك بقوس تليها طريق مرصوفة ابحلجارة الرابعية غري املنتظمة واجملتمعة بشكل سيئ‪ .‬احلجارة‬
‫ليست كبرية جداً مثل حجارة الطريق القنصلية الرومانية‪ ،‬ولكنها ابألحرى تشبه احلجارة الكالسيكية‬
‫(لست أدري إذا ما كانت قائمة بعد) ولكنها جمموعة بشكل‬ ‫ُ‬ ‫ألرصفة فيارجييو ‪ Viareggio‬القدمية‬
‫شرعت أحبث يف تلك األكمة عن سبب‬ ‫ُ‬ ‫سيئ‪ .‬إهنا طريق سيئة‪ .‬أصبَ َح وجه يسوع جاداً لدرجة أنين‬
‫أضعت يسوع‪ .‬فعالً‪،‬‬
‫ُ‬ ‫هذه الكآبة‪ .‬ولكنين مل أجد شيئاً مميزاً‪ .‬إنه مرتَـ َفع عار‪ ،‬وهذا كل شيء‪ .‬ابملقابل‬
‫وغفوت مع هذه الرؤاي‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ستدرت مل يعد هناك‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عندما ا‬

‫استيقظت مع ذكرى هذه الرؤاي يف القلب‪ ،‬وبعد استعادة قليل من القوة واهلدوء‪ ،‬ذلك‬
‫ُ‬ ‫عندما‬
‫وجدت نفسي يف مكان مل أره من قبل‪ ،‬فيه ساحات وينابيع وبيوت أو ابألحرى‬ ‫ُ‬ ‫أن الناس مجيعهم نيام‪،‬‬
‫هي أجنحة أكثر مما هي بيوت‪ .‬إهنا تبدو ابلفعل أجنحة أكثر منها بيواتً‪ .‬هناك مجع غفري يرتدون‬
‫هت إىل أنين داخل هذا التجمع الذي‬ ‫نظرت حويل‪ ،‬تنب ُ‬
‫الزي اليهودي القدمي‪ ،‬وأصوات كثرية‪ .‬وعندما ُ‬
‫كان يسوع ينظر إليه‪ .‬أرى ابلفعل السور ذا الشرفات الذي حييط هبا‪ ،‬والربج الذي يشبه اخلفري‪،‬‬
‫وكذلك البناء الضخم الذي ينتصب يف الوسط‪ ،‬والذي تستند إليه األروقة اجلميلة جداً والواسعة‪،‬‬
‫حيث توجد مجوع كثرية منهم َمن يهتم أبمر ومنهم َمن يهتم آبخر‪.‬‬

‫هت إىل أنين داخل أسوار هيكل أورشليم‪ .‬أرى فريسيني بثياهبم الطويلة املتماوجة‪ ،‬وكهنة‬
‫تنب ُ‬
‫أبثواب كتان مع صفيحة من معدن مثني على قمة الصدر وعلى اجلبهة ويف أماكن أخرى‪ ،‬وهي تلمع‬
‫هنا وهناك على األثواب الفضفاضة البيضاء احملصورة عند اخلصر حبزام مثني‪ .‬مث هناك آخرون أبقل‬
‫زركشة يفرتض أهنم ينتمون إىل السلك الكهنويت وهم حماطون بتالميذ أصغر سناً‪ .‬أرى أهنم علماء يف‬
‫الشريعة‪.‬‬

‫أجد نفسي اتئهة وسط كل هذه الشخصيات دون أن أعلم سبب وجودي بينهم‪ .‬أدنو من‬
‫جمموعة من األحبار حيث بَ َدأَت مناقشة الهوتية‪ ،‬وتقرتب كذلك مجوع غفرية‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 334 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫بني العلماء هناك جمموعة على رأسهم مجالئيل مع عجوز شبه أعمى يسانده أثناء املناقشة‪،‬‬
‫وأمسعه يناديه هيليل‪ ،‬ويبدو أنه أستاذ أو قريب جلمالئيل‪ ،‬ألن هذا األخري يعامله بثقة واحرتام‪ .‬جملموعة‬
‫أرحب من جمموعة أخرى‪ ،‬وهي األكثر عدداً‪ ،‬ويقودها سياماي‪ ،‬وتتصف ابلتشدد‬ ‫مجالئيل نظرة َ‬
‫البغيض والرجعي‪ ،‬وهي اليت يُ َسلِط عليها اإلجنيل الضوء‪.‬‬

‫مجالئيل‪ ،‬حتيط به جمموعة هامة من التالميذ يتحدث عن جميء ماسيا‪ ،‬معتمداً على نبوءة‬
‫دانيال ليدعم مقولة أنه جيب أن يكون ماسيا قد ُولِد‪ .‬ابلفعل‪ ،‬منذ ما يزيد عن العشر سنوات تقريباً‬
‫اكتَ َملَت األسابيع السبعون احملددة‪ .‬إذا ما بُ ِدئ ابلعد منذ حلظة إعادة بناء اهليكل‪ .‬وجياهبه سياماي‬
‫مؤكداً أنه لو كان صحيحاً أن اهليكل قد أعيد بناؤه‪ ،‬فليس أقل صحة أن استعباد إسرائيل مستمر يف‬
‫التزايد‪ ،‬وأن السالم الذي كان مفرتضاً أن جيلبه ذاك الذي أمساه األنبياء "أمري السالم" بعيد جداً عن‬
‫التحقق يف العامل‪ ،‬وخاصة يف أورشليم املضطهدة من قبل عدو جيرؤ على بسط سيطرته حّت سور‬
‫اهليكل‪ ،‬حيث يُش ِرف برج أنطونيا املليء ابجلنود الرومان اجلاهزين ليقمعوا ابلسيف كل انتفاضة وطنية‪.‬‬

‫متتد املناقشة املليئة ابجلدل العقيم‪ .‬كل معلم يُظ ِهر ِعلمه‪ ،‬ليس لكسب اجلولة ضد منافسه بقدر‬
‫ما يكون ذلك لفرض إعجاب السامعني به‪ .‬ولقد كانت هذه النية جلية‪.‬‬

‫من جمموعة املؤمنني املرتاصة يربز صوت طفويل ندي‪« :‬احلق إىل جانب مجالئيل‪».‬‬

‫يتحرك اجلمع وجمموعة األحبار ليبحثوا عن الذي قاطعهم‪ .‬إّنا ال حاجة إىل البحث‪ ،‬فهو ال‬
‫ظهر ويقرتب من جمموعة احلاخامني‪ .‬أتعرف على يسوعي املراهق‪ .‬إنه واثق من نفسه‬
‫خيتبئ‪ .‬ها هو يَ َ‬
‫وصريح‪ ،‬وعيناه تشعان ذكاء‪.‬‬

‫أنت؟»‬
‫يسألونه‪« :‬من َ‬
‫أتيت أمتم ما تفرضه الشريعة‪».‬‬
‫«أان ابن إلسرائيل‪ُ ،‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 335 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫إجابَته اجلريئة الواثقة جعلتهُ جذاابً ويستحق ابتسامات االستحسان واحلفاوة‪ .‬فاهتَموا‬
‫ابإلسرائيلي الصغري‪.‬‬

‫امسك؟»‬
‫«ما َ‬
‫«يسوع الناصري‪».‬‬

‫تقل احلفاوة عند مجاعة سياماي‪ .‬ولكن مجالئيل‪ ،‬وحبفاوة أكثر‪ ،‬يتابع النقاش بنفس الوقت مع‬
‫هيليل‪ .‬أو ابألحرى هو مجالئيل الذي يقول للعجوز ابحرتام‪« :‬سل الصيب‪».‬‬

‫أتكيدك؟»‬
‫َ‬ ‫عالم تبين‬
‫فيسأله هيليل‪َ « :‬‬
‫كل إجابة ألوجز وأجعلها أكثر وضوحاً)‪.‬‬
‫(سوف أضع االسم يف مطلع ّ‬
‫يسوع‪« :‬على النبوءة اليت ال ميكن أن َّتطئ ابلزمن‪ .‬وعلى الدالالت اليت رافَـ َقتها عندما حان‬
‫موعد حتقيقها‪ .‬صحيح أن قيصر يسيطر علينا‪ ،‬ولكن العامل كان مستكيناً جداً وفلسطني هادئة جداً‬
‫عندما انتهت األسابيع السبعون‪ ،‬حّت أمكن لقيصر أن أيمر إبجراء إحصاء يف ممالكه‪ .‬مل يكن ليستطيع‬
‫ذلك لو أن حرابً كانت مشتعلة يف إمرباطوريته‪ ،‬أو أن ثورة كانت قائمة يف فلسطني‪ .‬ومبا أن الزمن‬
‫كان قد مت هكذا فستتم الفرتة األخرى‪ ،‬األسابيع اإلثنان والستون وزايدة واحد منذ إكمال بناء اهليكل‪،‬‬
‫لكي يكرس املاسيا وتتحقق تتمة النبوءة يف الشعب الذي مل يقبله‪ .‬هل ميكنكم الشك يف ذلك؟ هل‬
‫ضع متاماً يف مساء بيت حلم قضاء يهوذا‪ ،‬وأن‬ ‫تذكرون النجم الذي رآه حكماء الشرق‪ ،‬والذي تَـ َو َّ‬
‫النبوءات والرؤى منذ يعقوب وما تاله حتدد هذا املكان كمختار الستقبال والدة املاسيا ابن ابن ابن‬
‫يعقوب َعرب داود الذي كان من بيت حلم؟ أال تذكرون بلعام؟ "جنم يولد من يعقوب"‪ .‬حكماء الشرق‬
‫الذين فَـتَ َحت الطهارة واإلميان عيوهنم وآذاهنم قد رأوا النجم وعرفوا امسه‪" :‬ماسيا"‪ ،‬وأتوا ليسجدوا للنور‬
‫الذي أضاء العامل‪».‬‬

‫ينظر إليه سياماي ممتقعاً‪« :‬أتقول إن ماسيا قد ُولِد يف زمن النجم يف بيت حلم إفراات؟»‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 336 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫قلت ذلك‪».‬‬
‫يسوع‪« :‬لقد ُ‬
‫سياماي‪« :‬إذاً فَـلَم يعد له وجود‪ .‬أال تعلم أيها الصيب أن هريودس قد قَـتَ َل األطفال الذكور من‬
‫أنت الذي تعرف الكتاب جيداً وجيب أن تعرف هذا‬ ‫ابن يوم حّت سنتني يف بيت حلم وما حييط هبا؟ َ‬
‫جيداً‪" :‬صراخ يعلو‪ ...‬راحيل تبكي على بنيها"‪ .‬وداين بيت حلم وتالهلا تَـ َقبَّـلَت عويل راحيل املائتة‪،‬‬
‫وبقي هذا العويل ميلؤها‪ .‬وقد َرَّد َدته األمهات على أطفاهلن املقتولني‪ .‬وبينهن بكل أتكيد كانت أم‬
‫ماسيا‪».‬‬

‫أنت َّتطئ أيها العجوز‪ .‬فبكاء راحيل قد تبدَّل بـ ـ "أوشعنا"‪ .‬ألن راحيل اجلديدة اليت‬
‫يسوع‪َ « :‬‬
‫َولَ َدت "ابن اآلالم" َمنَ َحت للعامل االبن املفضل لآلب السماوي‪ ،‬ابن ميينه‪ ،‬الذي اختري ليجمع‬
‫الشعوب حتت سيادته وحيررها من العبودية الرهيبة‪».‬‬

‫سياماي‪« :‬وكيف ذلك إذا كان قد قُتِل؟»‬

‫والرب اإلله‪ ،‬أال يستطيع إنقاذ‬


‫ّ‬ ‫ب عن إيليا؟ لقد ُرفِع يف عربة من انر‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يسوع‪« :‬أمل تقرأ ما ُكت َ‬
‫عمانوئيل ليكون ماسيا شعبه؟ وهو الذي شق البحر أمام موسى ليصل إىل إسرائيل أرضه بقدمني‬
‫لك‪:‬‬
‫جافتني؟ أمل يكن ابستطاعته أن أيمر املالئكة فتنقذ ابنه‪ ،‬مسيحه من وحشيةّ اإلنسان؟ احلق أقول َ‬
‫املسيح حيّ بينكم وعندما أتيت ساعته سوف يَظهَر بقدرته‪ ».‬وعندما قال يسوع تلك الكلمات اليت‬
‫أَشرت إليها‪ ،‬كان صوته ُجي ِ‬
‫لجل وميأل املكان‪ ،‬عيناه تلمعان أكثر من املعتاد‪ ،‬ومبا أنه كان متأثراً ابلقدرة‬‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫والوعد فقد َمد ذراعه ويده اليمّن كما للقسم‪ .‬إنه طفل ولكنه وقور وقار رجل كهل‪.‬‬

‫هيليل‪« :‬من لََّقنَ َ‬


‫ك هذا الكالم أيها الصيب؟»‬

‫يسوع‪« :‬روح هللا‪ .‬ليس يل معلم بشري‪ .‬وما تسمعونه من شفيت ما هو إال كالم هللا‪».‬‬

‫إبميانك‪ ،‬ونفسي‬
‫َ‬ ‫هيليل‪« :‬تعال بيننا ألر َاك عن قرب أيها الصيب! لقد أُنعِش رجائي ابحتكاكه‬
‫نفسك‪».‬‬
‫َ‬ ‫تستضيء بشمس‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 337 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫س يسوع على كرسي مرتفع بني مجالئيل وهيليل‪ ،‬وأتوا إليه بلفافات ليقرأها ويشرحها‪ .‬إنه‬ ‫وأُجلِ‬
‫َ‬
‫امتحان يف القانون والشريعة‪ .‬فتدافَـ َعت اجلموع لتستمع‪.‬‬

‫عز اي شعيب‪ .‬حتدثوا إىل قلب أورشليم‪ ،‬واسوها فإن عبوديتها‬


‫ويقرأ يسوع بصوته الطفويل‪"« :‬تَ َّ‬
‫ظهر جمد الرب‪»"...‬‬ ‫ِ‬
‫قد انتهت‪ ...‬صوت صارخ يف الربية‪ :‬أعدوا طريق الرب‪ ...‬حينئذ يَ َ‬
‫سياماي‪« :‬انظر أيها الناصري! هنا جيري الكالم عن العبودية اليت انتهت‪ .‬ومل نكن يف يوم‬
‫ك هتذي!»‬ ‫عبيداًكما حنن اآلن‪ .‬وكذلك الكالم عن سابق‪ .‬أين هو؟ إن َ‬
‫أمثالك‪ .‬وإال فلن ترى‬
‫أنت و َ‬ ‫أنت أكثر من اآلخرين‪َ ،‬‬
‫يدعوك َ‬‫َ‬ ‫لك َّ‬
‫إن السابق‬ ‫يسوع‪« :‬أقول َ‬
‫عنك الرؤية واإلنصات‪».‬‬
‫جمد الرب ولن تفهم كالم هللا‪ ،‬ألن الدانءة والكربايء والنفاق حيجبون َ‬
‫سياماي‪« :‬أهكذا تتكلم مع معلم؟»‬

‫يسوع‪« :‬هكذا أتكلم وهكذا سوف أتكلم حّت املمات‪ .‬ذلك أن فوق مصلحيت هي مصلحة‬
‫لك أيها احلاخام إن العبودية اليت يتكلم عنها النيب واليت أتكلم‬
‫وحب احلقّ الذي أان ابنه‪ .‬وأُضيف َ‬ ‫الرب ّ‬‫ّ‬
‫أنت‪ .‬إّنا على‬
‫أنت‪ ،‬وامللك كذلك ليس الذي تفكر فيه َ‬ ‫عنها أان أيضاً ليست تلك اليت تظنها َ‬
‫العكس‪ ،‬فباستحقاقات ماسيا يتحرر اإلنسان من عبودية الشر الذي يفصله عن هللا‪ ،‬وشخصية املسيح‬
‫تنطَبِع على النفوس ال ُـم َحَّررة من كل نري واخلاضعة مللكه األزيل‪ .‬كل األمم تنحين‪ ،‬اي ذرية داود‪ ،‬أمام‬
‫منك والصائرة شجرة تغطي األرض كلها وترتفع إىل السماء‪ .‬كل فم يف السماء وعلى‬ ‫البذرة املولودة َ‬
‫ميجد امسه‪ ،‬وكل ركبة جتثو أمام املقدَّس من هللا‪ ،‬أمري السالم‪ ،‬ذلك الذي تنتشي منه كل نفس‬ ‫األرض ِ‬
‫تَعِبة وتشبع به كل نفس جائعة‪ ،‬القائد القدوس الذي يقيم رابطة بني السماء واألرض‪ ،‬ليست كتلك‬
‫ُجنَزت مع آابء إسرائيل عندما أخرجهم هللا من مصر‪ ،‬مبعاملتهم كعبيد‪ ،‬إّنا بطبع فكرة األبوة‬ ‫اليت أ ِ‬
‫السماوية‪ ،‬يف نفوس البشر مع النعمة املتدفقة حديثاً فيهم ابستحقاقات الفادي الذي به يَعرف الرب‬
‫هدم ولن يُ َد َّمر‪».‬‬
‫األخيار‪ ،‬وهيكل هللا لن يُ َ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 338 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫سياماي‪« :‬ولكن ال جتدف أيها الصيب! تذكر دانيال‪ .‬إنه يقول إن بعد موت املسيح سيدمر‬
‫هدم! احرتم األنبياء!»‬
‫أنت جتزم أن هيكل هللا لن يُ َ‬
‫على يد شعب وقائد أييت هلذا الغرض‪ ،‬و َ‬
‫أنت مل تعرفه ولن تعرفه ألن الرغبة‬
‫لك إنه يوجد َمن هو أعظم من األنبياء و َ‬ ‫يسوع‪« :‬احلق أقول َ‬
‫لك أن كل ما قُلتُه حق‪ .‬لن يعرف اهليكل احلقيقيّ املوت‪ .‬ولكنه مثل الذي‬ ‫تنقصك‪ .‬وأؤكد َ‬
‫َ‬ ‫يف معرفته‬
‫يقدسه يقوم من املوت إىل احلياة األبدية‪ ،‬ويف هناية العامل َحي َىي يف السماء‪».‬‬

‫هيليل‪« :‬امسع أيها الصيب‪ .‬يقول حجاي‪ ..." :‬وأييت الذي تتمناه األمم مجيعاً‪ .‬وسيكون جمد‬
‫ذاك البيت األخري أعظم من األول"‪ .‬هل ُحيتَ َمل أن يكون اهليكل الذي أراد احلديث عنه هو نفسه‬
‫أنت؟»‬
‫الذي تتكلم عنه َ‬
‫استقامتك تُ َسِري َك يف طريق النور‪ ،‬وأان‬
‫َ‬ ‫يسوع‪« :‬نعم‪ ،‬اي معلم‪ ،‬هو هذا ما كان يريد قوله‪ .‬إن‬
‫فيك‪».‬‬
‫ك إسرائيلي ال غش َ‬ ‫أيتيك السالم ألن َ‬
‫لك‪ :‬عندما تتم تضحية املسيح َ‬ ‫أقول َ‬
‫مجالئيل‪« :‬قل يل اي يسوع‪ .‬السالم الذي يتكلم عنه األنبياء‪ ،‬كيف ميكن الرجاء به إذا كانت‬
‫احلرب ستقوم لتُ َد ِمر هذا الشعب؟ تكلم وأَنِرين أيضاً‪».‬‬

‫ضروا ليلة والدة املسيح؟ ما َرتَّـلَته مجوع‬


‫يسوع‪« :‬أال تذكر أيها املعلم ما قاله أولئك الذين َح َ‬
‫املالئكة‪" :‬السالم للناس ذوي اإلرادة احلسنة"‪ .‬ولكن إرادة هذا الشعب ليست حسنة ولن يكون لـه‬
‫سالم‪ .‬سوف يتنكر مللكه العادل املخلص‪ ،‬ألنه ينتظر ملكاً يرتدي القدرة البشرية بينما هو ملك‬
‫الروح‪ .‬هذا الشعب لن حيبه ألن املسيح سيكرز مبا ال يروق لـه‪ .‬لن حيارب املسيح أعداء جمهزين‬
‫بعرابت وخيل‪ ،‬إّنا أعداء النفس الذين ينحدرون بقلب اإلنسان املخلوق للرب‪ ،‬إىل املتعة الدنيا‪.‬‬
‫وليس هذا هو النصر الذي ينتظره منه شعب إسرائيل‪ .‬سيأيت ملكك‪ ،‬اي أورشليم‪ ،‬راكباً "أاتانً‬
‫وجحشاً"‪ ،‬يعين أبرار إسرائيل والوثنيني‪ .‬ولكن اجلحش‪ ،‬أقول لكم‪ ،‬يكون أكثر وفاء له ويتبعه سابقاً‬
‫األاتن‪ ،‬وينمو على طريق احلق واحلياة‪ .‬سوف تفقد إسرائيل السالم بسبب سوء إرادهتا وتتأمل يف ذاهتا‬
‫على مدى قرون ابلذي َج َعل ملكها يتأمل جاعالً إايه بسببهم رجل اآلالم الذي يتكلم عنه اشعيا‪».‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 339 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫فمك أيها الناصري يتفوه أبقوال صبيانية وجتديفات‪ ،‬أجبين‪ :‬أين هو السابق؟ مّت‬
‫سياماي‪َ « :‬‬
‫حصلنا عليه؟»‬

‫رسل مالكي‪ ،‬فيهيئ الطريق أمامي‪ ،‬ويف احلال‬ ‫يسوع‪« :‬إنه موجود‪ .‬أمل يقل مالخي‪" :‬ها أان ذا م ِ‬
‫ُ‬
‫أييت إىل هيكله السيد الذي تلتمسونه ومالك العهد الذي ترغبون به حبرارة"؟ إذاً فالسابق أييت مباشرة‬
‫قبل املسيح‪ .‬ولقد أصبَ َح هنا كاملسيح‪ .‬فلو كان الفارق سنوات بني الذي يهيئ الطريق للرب واملسيح‬
‫لتعرقَـلَت كل الطرق واحنََرفَت‪ .‬هللا يعرف ذلك وقد قرر أن يسبق السابق املعلم بساعة واحدة فقط‪.‬‬
‫لك أقول‪ :‬سيفتَح‬ ‫عندما ترون هذا السابق ستستطيعون القول‪" :‬إن رسالة املسيح قد ابتدأت"‪ .‬و َ‬
‫وألمثالك‪ .‬ذلك‬
‫َ‬ ‫لك‬
‫املسيح أعيناً كثرية وآذاانً كثرية عندما أييت يف طرقه‪ .‬ولكنها لن تكون تلك اليت َ‬
‫أنكم ستَ ِهبونه املوت مقابل احلياة اليت حيملها إليكم ولكن‪ ،‬حينئذ‪ ،‬سيكون الفادي على عرشه وعلى‬
‫هيكله أعظم من هذا اهليكل وأمسى من اتبوت العهد احملتَ َجز يف قدس األقداس‪ ،‬وأرفع من اجملد الذي‬
‫حيميه الشريوبيم‪ .‬واللعنة ل َقتَلة هللا‪ ،‬واحلياة سوف تتدفق لألمم من جراحاته األلف واأللف‪ .‬ذلك أنه‪،‬‬
‫اي أيها املعلم الذي جيهله‪ ،‬أكرر ذلك‪ ،‬ليس ملك مملكة بشرية‪ ،‬بل إّنا هو ملك روحي‪ ،‬وأتباعه‬
‫سيكونون فقط الذين يعرفون حببهم أن يولَدوا من جديد ابلروح‪ ،‬ومثل يوانن‪ ،‬بعد الوالدة األوىل‪،‬‬
‫يولدون من جديد على شواطئ أخرى‪ ،‬أتباع هللا عرب الوالدة اجلديدة ابلروح اليت ستأيت بواسطة املسيح‬
‫الذي يهب احلياة احلقيقية للبشرية‪».‬‬

‫سياماي ومن حوله‪« :‬هذا الناصري شيطان!»‬

‫هيليل وأتباعه‪« :‬ال‪ .‬بل إن هذا الصيب هو نيب هللا‪ .‬ابق معنا أيها الصغري‪ .‬ستنقل شيخوخيت‬
‫علمك وستكون معلم شعب هللا‪».‬‬
‫َ‬ ‫كل معارفها إىل‬
‫لك‪ :‬لو كان أمثالك ُكثُر ألتى اجملد إلسرائيل‪ .‬ولكن ساعيت مل ِ‬
‫أتت‪.‬‬ ‫يسوع‪« :‬احلق أقول َ‬
‫وأصوات السماء تكلمين‪ ،‬وجيب أن أتلقاها يف الوحدة والعزلة حّت أتيت ساعيت‪ .‬حينئذ سوف أتوجه‬
‫إىل أورشليم بشفيت ودمي‪ ،‬وسيكون مصريي مصري األنبياء الذين َر َمجَتهم وقَـتَـلَتهم‪ .‬ولكن أعلى مين‬
‫يوجد الرب اإلله الذي أخضع له أان ليجعل مين مرقاة جمده ابنتظار أن جيعل هو من العامل مرقاة لقدم‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 340 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫املسيح‪ .‬انتظروين يف ساعيت‪ .‬سوف تَسمَع هذه احلجارة صويت من جديد وترتعد عند كلميت األخرية‪ .‬طوىب‬
‫للذين يسمعون هللا من خالل هذا الصوت وبواسطته يؤمنون به‪ .‬هلؤالء َمينَح املسيح ُملكه الذي حتلم‬
‫خادمك اي‬
‫َ‬ ‫به أاننيتكم بشرايً بكليته‪ ،‬بينما هو مساوي‪ .‬خبصوص قدوم هذا امللك‪ ،‬أان أقول‪" :‬ها هو‬
‫مشيئتك‪َ .‬ح ِققها كاملة‪ ،‬فأان أحترق إلمتامها‪».‬‬
‫َ‬ ‫رب اآليت ليتمم‬

‫هنا تنتهي رؤاي يسوع بوجهه املتأجج حبرارة روحية‪ ،‬متجهاً صوب السماء فاحتاً يديه واقفاً وسط‬
‫األحبار املذهولني‪.‬‬

‫‪1944 / 01 / 29‬‬

‫رت كتابتهما عند استيقاظي‪.‬‬


‫قر ُ‬ ‫ِ‬
‫كنت قد ّ‬
‫بكل أتكيد‪ ،‬و ُ‬
‫يهمانكم ّ‬‫علي هنا أن أُح ّدثكم عن أمرين ّ‬
‫َّ‬
‫ولكن مبا أ ّن هناك ما هو أهم فسأكتبهما فيما بعد‪.‬‬

‫كنت أو ّد قوله منذ البداية‪:‬‬


‫هذا ما ُ‬

‫استطعت معرفة أمساء هيليل ومجالئيل وسياماي‪ .‬إنّه الصوت الذي أمسّيه‬
‫ُ‬ ‫كنتم اليوم تسألونين كيف‬
‫ابحلس من صوت يسوع واآلخرين‬‫ّ‬ ‫أقل إدراكاً‬
‫"الصوت الثاين" وهو الذي يقول يل هذه األمور‪ .‬إنّه صوت ّ‬
‫ُكررها‪ ،‬تسمعها مسامعي الروحية كما لو كانت أصوااتً بشريّة‪.‬‬‫الذين ُميلون علي‪ .‬هذه األصوات‪ ،‬قُلتُها وأ ِّ‬
‫ّ‬
‫أمسعها عذبة أو مغتاظة‪ ،‬ضاحكة أو حزينة‪ ،‬متاماً كأ ّن أحداً يكلّمين عن قرب‪ .‬بينما هذا "الصوت الثاين"‬
‫قلت‪" :‬يف" روحي‪ ،‬ومل أقل "إىل" روحي‪.‬‬
‫داخلي يتكلّم يف روحي‪ُ .‬‬
‫ّ‬ ‫حس‬
‫على العكس‪ ،‬فهو مثل نور‪ ،‬مثل ّ‬
‫هذا هو ابلتحديد‪.‬‬

‫كنت أدنو من جمموعة الرجال الذين يتجادلون دون معرفـة من يكون هذا الشخص‬
‫وهكذا حينما ُ‬
‫الداخلي" قال يل‪:‬‬
‫ّ‬ ‫العظيم الذي‪ ،‬إىل جانب أنّه عجوز‪ ،‬كان يتكلّم بكثري من احلرارة‪ .‬هذا "الصوت‬
‫تساءلت َمن يكون هؤالء‪،‬‬
‫ُ‬ ‫أشك هبذا أبداً‪ .‬وعندما‬
‫«مجالئيل‪ ،‬هيليل»‪ .‬نعم‪ّ ،‬أوالً مجالئيل مثّ هيليل‪ .‬ال ّ‬
‫الظل‪ ،‬متاماً حني انداه مجالئيل ابمسه‪ .‬وهكذا‬ ‫الداخلي الشخص الثالث‪ ،‬ثقيل ّ‬ ‫ّ‬ ‫ح ّدد يل جهاز املراقبة‬
‫الداخلي هذا يُف ِهمين كيف ُ‬
‫كنت‬ ‫ّ‬ ‫يسي‪ .‬واليوم‪ ،‬جهاز املراقبة‬
‫الفر ّ‬
‫استطعت معرفة ذاك الذي كان له مظهر ّ‬
‫ُ‬
‫أرى الكون بعد موته (األحداث بعد انقضائها)‪ .‬وغالباً يف الرؤى‪ ،‬هو الذي يُف ِهمين كثرياً من التفاصيل اليت‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 341 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫استطعت التعبري جيّداً‪.‬‬
‫ُ‬ ‫كنت قد‬ ‫الضروري أن أُد ِركها‪ُ .‬‬
‫لست أدري ما إذا ُ‬ ‫ّ‬ ‫أفهمها من ذايت‪ ،‬ومن‬‫ال ميكن أن َ‬
‫ولكين سأدع هذا جانباً أل ّن يسوع بدأ يُ َكلِّمين‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 342 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -69‬أمل مرمي لدى اختفاء يسوع)‬

‫‪1944 / 02 / 22‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬
‫ِ‬
‫مرشدك‬ ‫«حمبوبيت الصغرية‪ ،‬اصربي‪ .‬فاألمر يتعلّق بشيء آخر‪ .‬ولنعاجل هذا الشيء اآلخر إلرضاء‬
‫نه َكة‪ ،‬ألنّين‪...‬‬ ‫ِ‬
‫وإمتام العمل‪ .‬أريد أن يكون العمل منتهياً غداً‪ ،‬أربعاء الرماد‪ .‬أريدك أن تنهي هذا العمل ُم َ‬
‫ِ‬
‫أجعلك تتألّمني معي‪.‬‬ ‫أريد أن‬

‫كنت يف عمر اثنيت عشرة سنة يف مناقشة‬


‫لنعد إىل الوراء‪ ،‬إىل الوراء كثرياً‪ .‬لنعد إىل اهليكل حيث ُ‬
‫حّت إىل الدروب املؤ ّدية إىل أورشليم‪ ،‬ومنها إىل اهليكل‪.‬‬
‫فيه‪ .‬لنعد ّ‬

‫ترين أمل مرمي حينما اجتَ َم َعت مجاعات الرجال والنساء ورأت أنين مل أكن مع يوسف‪ .‬مل حتتد‬
‫وتتهم عروسها اهتامات قاسية‪ .‬كل النساء كن فعلن ذلك‪ .‬كن فعلنها ألقل من ذلك أيضاً‪ ،‬انسيات‬
‫أن الرجل هو رب العائلة‪.‬‬

‫لكن األمل الذي ارتسم على وجه مرمي قد اخرتق قلب يوسف أكثر من أي اهتام‪ .‬فمرمي ال‬
‫تستسلم ملشاهد دراماتيكية‪ .‬نساء أخرايت كن ستفعلن ذلك من أجل أمور أقل كثرياً‪ ،‬وذلك للفت‬
‫االنتباه واستدرار العطف‪ .‬ولكن األمل الذي حتتويه جلي جداً‪ ،‬وكذلك الرعشة اليت استولَت عليها‪،‬‬
‫وشحوب وجهها‪ ،‬وعينيها احململقتني املؤثرتني أكثر من مشهد البكاء والصراخ‪.‬‬

‫مل تعد تشعر ابلتعب واجلوع‪ ،‬مع أن الشوط كان طويالً‪ ،‬وكان قد مضى وقت مل تكن قد‬
‫تناولَت خالله شيئاً! لكنها ترتك كل شيء‪ ،‬املنامة اليت هتيأت والغذاء الذي سيوزع‪ .‬تعود على أعقاهبا‪.‬‬
‫َ‬
‫إنه املساء‪ ،‬والليل بدأ يهبط‪ .‬ال يهم‪ ،‬فكل خطوة تُدنِيها من أورشليم‪ .‬تُوقِف القوافل واحلجاج وتسأهلم‪.‬‬
‫وكان يوسف يتبعها ويساعدها‪ .‬بعد يوم كامل من املسري املعاكس‪ ،‬يبدأ البحث ال َقلِق َعرب املدينة‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 343 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أين‪ ،‬أين ميكن أن يكون يسوعها؟ وهللا يسمح أبن ال تعرف أين تبحث عين على مدى‬
‫ساعات طويلة‪ .‬البحث عن طفل يف اهليكل مل يكن له معّن‪ .‬ماذا ميكن لطفل أن يفعل يف اهليكل؟‬
‫على األكثر‪ ،‬لو اته يف املدينة‪ ،‬ولو كانت خطواته الصغرية قد قادته إىل اهليكل جمدداً‪ ،‬لكان قد بكى‬
‫طالباً أمه‪ ،‬وكان بذلك سيلفت انتباه الناس والكهنة‪ ،‬الذين كانوا سيفكرون يف البحث عن األهل ويف‬
‫وضع إعالانت على األبواب‪ .‬ولكن ال إعالانت‪ .‬وال أحد يف املدينة يعرف شيئاً عن هذا الصيب‪.‬‬
‫مجيل؟ أشقر؟ قوي؟ ولكن هناك الكثري مما ميكن قوله عنه! وهذا قليل جداً إلمكانية التأكيد‪" :‬رأيته‪،‬‬
‫كان هنا أو هناك"!‬

‫بعد ثالثة أايم‪ ،‬وهي ترمز إىل قلقها املستقبلي ملدة ثالثة أايم‪ ،‬ها هي مرمي على وشك أن َّتور‬
‫قواها‪ ،‬فتدخل اهليكل‪ ،‬وتقطع الساحات والردهات‪ .‬ال شيء‪ .‬تركض األم املسكينة وتركض إىل حيث‬
‫سمع صواتً طفولياً‪ ،‬ذلك أن حّت احلِمالن حني تثغو كانت تبدو هلا صوت من تبحث عنه‪ .‬لكن‬ ‫تَ َ‬
‫سمع خلف َمجع من الرجال الصوت احملبوب يقول‪" :‬هذه‬ ‫ت‬
‫َ‬ ‫مرمي‬ ‫هي‬ ‫ها‬ ‫م‪.‬‬ ‫يسوع ال يبكي‪ .‬إنه يـعلِ‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫احلجارة ترتعد‪ "...‬فَـتُحاول شق طريق هلا عرب اجلَّمع‪ ،‬وتنجح أخرياً‪ .‬ها هو االبن‪ ،‬الذراعان مفتوحتان‬
‫صب وسط العلماء‪.‬‬ ‫وهو منتَ ِ‬

‫أخر َجها هذه املرة عن حتفظها‪ .‬تركض ابجتاه‬ ‫قد‬ ‫الغم‬ ‫أن‬ ‫إال‬ ‫العادة‪،‬‬ ‫يف‬ ‫ويقظة‬ ‫رة‬‫ذ‬‫مرمي العذراء ح ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫لت بنا هذا؟ إننا منذ‬
‫ابنها‪ ،‬تعانقه وهي ترفعه عن كرسيه وتضعه على األرض‪ .‬تصرخ‪" :‬آه! ملاذا فَـ َع َ‬
‫ك من التعب‪ .‬ملاذا اي يسوع؟"‬ ‫ثالثة أايم نغذ السري يف البحث عنك‪ .‬أمك ماتت ِمن الغم و َ ِ‬
‫أبوك أُهن َ‬ ‫َ َ‬
‫من يعرف ال يُسأل "ملاذا‪ .‬الـ "ملاذا" ألسلوبه يف التصرف‪ .‬املدعوون ال يُسألون "ملاذا" ألهنم‬
‫كنت‬
‫كنت "مدعواً" لرسالة و ُ‬‫كنت أعرف‪ُ .‬‬ ‫كنت احلكمة و ُ‬‫يرتكون كل شيء ويتبعون صوت هللا‪ .‬لقد ُ‬
‫أُمتمها‪ .‬ففوق األب واألم األرضيني هناك هللا األب اإلهلي‪ .‬مصاحله تتعدى مصاحلنا‪ ،‬عواطفه متر قبل‬
‫أهنيت تعليمي لألحبار بعربة ملرمي ملكة العلماء‪ .‬مل تعد تنساها‬
‫كل ما عداها‪ .‬ذاك هو ما قلته لوالديت‪ُ .‬‬
‫أبداً‪ .‬شعاع مشس عاد إىل قلبها‪ ،‬وعلى الرغم من إمساكها بيدي متواضعاً وطائعاً‪ ،‬إال أن كلمايت قد‬
‫ُح ِفظَت يف قلبها‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 344 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أيـام كثرية مشمسة أو غائمة ستمر حتت السماء خالل السنوات اإلحدى والعشرين اليت‬
‫سأقضيها على األرض‪ .‬كثري من املسرات وكثري من األحزان والبكاء ستمر الواحد تلو اآلخر يف قلبها‬
‫خالل اإلحدى والعشرين سنة التالية‪ ،‬ولكنها مل تعد تسأل‪" :‬ملاذا اي بين فعلت بنا هذا؟"‬

‫تعلموا هذه األمثولة‪ ،‬أنتم أيضاً أيها الناس ال ُـمتَـ َعج ِرفون‪.‬‬
‫ك ِ‬
‫لست يف وضع يسمح أبن تعملي أكثر‪».‬‬ ‫ُعلِّم أان عن الرؤاي وأُنريها‪ ،‬ألنّ ِ‬
‫أردت أن أ َ‬
‫لقد ُ‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 345 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -70‬وفاة الق ّديس يوسف)‬

‫‪1944 / 02 / 05‬‬

‫الكراسة‪ ،‬وابلتحديد هذه اإلمالءات حول الدايانت اخلاطئة يف الزمن احلاضر‪ ،‬تَلِج‬
‫ُصحح ّ‬
‫بينما أان أ ّ‬
‫الرؤاي إبحلاح يف أعماقي‪ ،‬فأكتبها أثناء رؤيتها‪.‬‬

‫أرى داخل مشغل جنّار‪ .‬يبدو يل أن جدارين منه مها حافّيت صخرة‪ ،‬كما لو أن مغارة طبيعية قد‬
‫استُ ِغلَّت يف بناء غرف املنزل‪.‬‬

‫إهنما ابلضبط اجلانبان الشمايل والغري اللذان نرامها هكذا‪ ،‬بينما اجلانبان اآلخران‪ ،‬اجلنوي‬
‫والشرقي‪ ،‬مطليان ابجلص مثل جدراننا‪.‬‬

‫خد َمت كموقد بدائي‪ ،‬حيث يوجد قِدر فيه‬ ‫يف اجلدار الشمايل توجد حفرة يف الصخر است ِ‬
‫ُ‬
‫احرتق يف هذا املكان على مدى سنوات‪ ،‬فقد‬ ‫لست أدري جيداً‪ .‬أما اخلشب الذي ََ‬ ‫طالء أو غراء‪ُ .‬‬
‫َس َّوَد اجلانب الذي أصبَ َح يبدو مطلياً ابلقطران‪ .‬إىل جانبها ثقب مت فوقه بناء نوع من اآلجر املستدير‬
‫يف حماولة ليقوم مقام املدخنة فيشفط دخان اخلشب‪ .‬ولكن الظاهر أنه فشل يف حتقيق وظيفته‪ ،‬ذلك‬
‫اسوَّدت من الدخان‪ ،‬وحّت هذه اللحظة توجد غيمة من الدخان تنتشر يف‬ ‫أن اجلوانب األخرى قد َ‬
‫الغرفة‪.‬‬

‫يسوع يعمل على طاولة جنارة‪ .‬إنه يسحج ألواحاً خشبية‪ ،‬يسندها خلفه على اجلدار‪ .‬مث أيخذ‬
‫كرسياً حمصوراً بني فكي ملزمة‪ ،‬حيرره‪ ،‬ينظر إىل العمل إن كان حمكماً‪ ،‬خيتربه ابلكوس املثلث يف كل‬
‫لست أدري‪ .‬فأان ال أرى‬
‫االجتاهات‪ .‬مث يذهب إىل املوقد يَغمس يف القدر عصاً صغرية أو فرشاة ُ‬
‫القدر‪ ،‬وهي عبارة عن عصا صغرية‪.‬‬ ‫سوى القطعة الظاهرة من ِ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 346 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ثوب يسوع بين داكن‪ .‬جلبابه قصري وأكمامه مرفوعة‪ ،‬بل مثنية إىل أعلى من املرفق‪ .‬ومن األمام‬
‫يضع مئزراً يفرك به أصابعه عندما تلمس القدر ليمسحها‪ .‬إنه وحيد ويعمل بنشاط‪ ،‬إّنا هبدوء‪ .‬فال‬
‫حركة بغري ترتيب‪ ،‬وال خروج عن الصرب‪ .‬إنه دقيق ودؤوب يف عمله‪ .‬ال شيء جيعل أعصابه تتوتر‪ :‬ال‬
‫قدة يف اخلشب مل تسحج‪ ،‬وال الربغي (يبدو يل) يقع مرتني من الطاولة‪ ،‬وال الدخان الذي يضايق‬ ‫عُ َ‬
‫عينيه‪.‬‬

‫نصت‪ .‬ويف‬‫يرفَع رأسه بني احلني واحلني لينظر صوب اجلنوب حيث يوجد ابب مغلق‪ ،‬كما لي ِ‬
‫ُ‬
‫حلظة يت َقدَّم ويفتح ابابً يف اجلانب الشرقي يفضي إىل الشارع‪ .‬أرى زاوية زقاق ترابية‪ .‬حتسبه ينتظر‬
‫أحداً‪ .‬مث يعود إىل العمل‪ .‬هو ليس حزيناً ولكنه جاد‪ .‬يُغلِق املدخل ويعود إىل العمل‪.‬‬

‫وبينما هو ُم َنه ِمك يف صنع ما يبدو يل أنه قطع دائرة عجلة (إطار)‪ ،‬تدخل والدته من ابب يف‬
‫اجلدار اجلنوي‪ .‬تدخل مسرعة‪ ،‬راكضة صوب يسوع‪ .‬إهنا ترتدي ثوابً الزوردايً داكناً‪ ،‬وال شيء يغطي‬
‫رأسها‪ .‬جلباهبا بسيط وحمصور عند اخلصر حببل من اللون ذاته‪ .‬تنادي بلهفة ابنها‪ ،‬وتضع يديها على‬
‫ذراعه حبركة توحي ابلتوسل املمزوج ابألمل‪ .‬يالطفها يسوع بوضع ذراعه على كتفها ويشجعها‪ ،‬مث ميضي‬
‫معها اتركاً العمل‪ ،‬انزعاً ال ِـم َئزر‪.‬‬

‫أظنكم تريدون أيضاً معرفة ما دار بينهما من كالم‪ .‬إنه قليل جداً من جانب مرمي‪« :‬آه! يسوع!‬
‫تعال‪ ،‬تعال‪ .‬إنه على غري ما يرام!» تقول ذلك بينما شفتاها ترتعشان ودموعها تلمع يف عينيها‬
‫احلمراوين املتعبتني‪ .‬أما يسوع فال يقول سوى‪« :‬ماما!» ولكن هذه الكلمة تتضمن كل شيء‪.‬‬

‫دخالن إىل غرفة جماورة تضحك فيها الشمس الداخلة إليها من خالل ابب مفتوح على‬ ‫يَ ُ‬
‫احلديقة الصغرية املليئة ابالخضرار ال ُـمنري‪ ،‬حيث تطري طيور احلمام وسط الغسيل املنشور ليجف‪.‬‬
‫الغرفة فقرية ولكنها مرتبة جيداً‪ .‬وعلى سرير فيها منخفض‪ُ ،‬و ِض َعت عليه فرشات صغرية (أقول فرشات‬
‫صغرية ذلك أهنا أشياء مسيكة وانعمة‪ ،‬إّنا هو فليس سريراً كأسرتنا) يتمدد يوسف ُمسنِداً رأسه على‬
‫عدة وسادات‪ .‬إنه حيتضر‪ .‬نرى ذلك بوضوح على وجهه ذي الشحوب املزرورق وعينه اليت َّتبو‪،‬‬
‫وكذلك على صدره الالهث وجسده الذي يتالشى بكليته‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 347 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أخ َذت تفركها‪،‬‬ ‫تقف مرمي إىل يساره‪ ،‬ومتسك يده مت ِ‬
‫صلبة اجللد املزرورقة حّت األظافر‪ .‬و َ‬
‫َُ َ‬
‫تلمع على الصدغني املتجعدين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫تالطفها‪ ،‬وتقبلها‪ ،‬ومتسح بقطعة قماش العرق الذي يُ َشكل خطوطاً َ‬
‫والدمعة اليت تتألأل يف زاوية العني‪ .‬ترطب شفتيه بقطعة مبللة بسائل يبدو يل أنه نبيذ أبيض‪.‬‬
‫يقف يسوع إىل ميينه‪ ،‬وبرشاقة وانتباه يرفَع جسده اخلائر على الوسادات مبساعدة مرمي‪ .‬ي ِ‬
‫الطف‬‫ُ‬
‫احملتضر على جبهته وحياول إنعاشه‪.‬‬

‫تبكي مرمي هبدوء وبدون صوت‪ ،‬ولكنها تبكي‪ .‬تسيل الدموع على خديها الشاحبني حّت ثوهبا‬
‫الالزوردي الداكن‪ ،‬فتبدو كأحجار سفري متأللئة‪.‬‬

‫يَنتَعِش يوسف ويتفرس بيسوع‪ .‬يعطيه يده كما ليقول له شيئاً‪ ،‬وليجد يف هذا التَّماس اإلهلي‬
‫القوة لالختبار األخري‪ .‬ينحين يسوع على تلك اليد ويقبلها‪ .‬يبتسم يوسف‪ .‬مث يستدير لينظر ويبحث‬
‫عن مرمي ويبتسم هلا أيضاً‪ .‬تركع مرمي جبانب السرير‪ ،‬حتاول أن تبتسم‪ ،‬ولكنها َّتفق وَّتفض رأسها‪.‬‬
‫يضع يوسف يده على رأسها مبالطفة عفيفة تبدو وكأهنا بركة‪.‬‬

‫سمع سوى طريان احلمام وهديله‪ ،‬وحفيف األوراق‪ ،‬وخرير املياه‪ ،‬ويف الغرفة تَـنَـ ُّفس احملتضر‪.‬‬
‫ال يُ َ‬
‫وجيلِس مرمي قائالً هلا فقط‪« :‬ماما‪ ».‬مث يعود إىل مكانه‪،‬‬
‫يدور يسوع حول السرير‪ ،‬أيخذ كرسياً ُ‬
‫ع دموعي‪ .‬مث ينحين يسوع‬ ‫وأيخذ يوسف بني يديه‪ .‬كان املشهد حقيقياً لدرجة أن حزن مرمي قد انتَـَز َ‬
‫على رأس احملتضر ويتمتم له مبزمور‪ .‬ولكنين‪ ،‬يف الوقت احلاضر‪ ،‬ال أستطيع القول أي مزمور هو‪.‬‬

‫إنه يبدأ هكذا‪:‬‬

‫فيك رجائي…‬ ‫وضعت َ‬


‫ُ‬ ‫«"ارمحين اي رب ألنين‬
‫من أجل القديسني الذين على األرض َح ِقق كل رغبايت…‬
‫سأُابرك الرب الذي ميدين بنصائحه…‬
‫الرب معي مجيع أايم حيايت‪ .‬إنه على مييين لكي ال أتزعزع…‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 348 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫كذلك قليب يبتهج ولساين يتهلل؛ وجسدي كذلك يسرتيح يف الرجاء‪.‬‬
‫ك الفساد‪.‬‬
‫ك لن هتمل نفسي يف مقام األموات ولن تسمح أبن يرى صفي َ‬ ‫ألن َ‬
‫وجهك"‪».‬‬
‫َ‬ ‫ستدلين على طريق احلياة ومتألين حبوراً برؤية‬

‫يعود يوسف لينتَعِش كلية‪ .‬ويبتسم ليسوع بنظرة أكثر حيوية ويشد على أصابعه‪ .‬ويرد يسوع‬
‫اببتسامة على ابتسامة يوسف‪ ،‬ومبالطفة على ضغط أصابعه‪ .‬ومنحنياً فوق أبيه املزعوم‪ ،‬ي ِ‬
‫كمل هبدوء‪:‬‬ ‫ُ‬
‫مساكنك اي رب‪.‬‬
‫َ‬ ‫َحب‬ ‫«"ما أ َ‬
‫تشتاق وتذوب نفسي إىل داير الرب‪.‬‬
‫العصفور جيد له مأوى واليمامة عشاً لفراخها‪ .‬من يل مبذاحبك اي رب‪.‬‬
‫فيك َّقوهتم‪.‬‬
‫بيتك‪ ...‬طوىب للذين جيدون َ‬ ‫طوىب لساكين َ‬
‫إليك‪ ،‬جيتازون وادي الدموع إىل املكان الذي اخرتتَه‪.‬‬ ‫فإن يف قلوهبم مراقي َ‬
‫مسيحك‪»"...‬‬
‫َ‬ ‫امسع أيها الرب صاليت‪...‬انظر اي هللا والتَ ِفت إىل وجه‬

‫الحظ أنه‬
‫جيهش يوسف وينظر إىل يسوع وحيرك شفتيه كما ليباركه‪ ،‬ولكنه ال يستطيع‪ .‬من ال ُـم َ‬
‫يُد ِرك ولكنه ال يستطيع الكالم‪ ،‬ولكنه مع ذلك سعيد من خالل نظرته املليئة ابحلياة والثقة بيسوعه‪.‬‬

‫ويتابع يسوع‪:‬‬

‫ورددت سيب يعقوب…‬‫َ‬ ‫أرضك‪،‬‬


‫َ‬ ‫رضيت اي رب عن‬‫َ‬ ‫«"آه!‬
‫خالصك‪.‬‬
‫َ‬ ‫وهب لنا‬‫رمحتك َ‬
‫َ‬ ‫أ ِران اي رب‬
‫أريد أن أمسَع ما يتكلم به الرب اإلله يف داخلي‪ .‬ابلتأكيد إنه يتكلم ابلسالم لشعبه وألصفيائه‬
‫والذين مييلون بقلوهبم إليه‪.‬‬
‫وجمدك يسكن األرض‪ ...‬الرمحة واحلق تالقيا والعدل والسالم تالمثا‪.‬‬
‫َ‬ ‫خالصك قريب‪...‬‬
‫َ‬ ‫نعم‪.‬‬
‫ت والعدل تطلع من السماء‪.‬‬ ‫احلق من األرض نـَبَ َ‬
‫نعم‪ .‬الرب مينح اخلري وأرضنا تعطي مثارها‪ .‬العدل يَسلك أمامه ويضع يف الطريق خطواته‪»".‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 349 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫آزرت يف قدوم هذه الساعة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫بت من أجلها‪ .‬لقد َ‬
‫أيت هذه الساعة أيها األب وقد تَع َ‬
‫«لقد ر َ‬
‫لك ذلك‪ ».‬يُضيف يسوع ذلك وهو ميسح دمعة فرح تنسكب ببطء على‬ ‫سيكافئك‪ .‬أقول َ‬
‫َ‬ ‫والرب‬
‫خد يوسف‪.‬‬

‫مث يُتابِع‪:‬‬

‫«"أيها الرب اذكر داود وكل عنائه‪.‬‬


‫َدخل َخباء بييت‪ ،‬لن أعلو إىل سرير مضجعي‪ ،‬لن أعطي لعيين َو َسناً‬‫َقس َم للرب‪ ،‬لن أ ُ‬
‫كيف أ َ‬
‫وال أجفاين نوماً وال لروحي اسرتخاء إال أن أجد للرب مقاماً‪ ،‬مسكناً إلله يعقوب‪.‬‬
‫عهدك املقدس‪.‬‬
‫أنت واتبوت َ‬ ‫احتك‪َ ،‬‬
‫قُم أيها الرب إىل ر َ‬
‫(تُد ِرك مرمي وتذوب يف الدموع)‬

‫أصفياؤك‪.‬‬
‫َ‬ ‫كهنتك الرب و ُلريَِن‬
‫َ‬ ‫لِيَلبس‬
‫مسيحك‪.‬‬
‫َ‬ ‫عبدك ال حتجب عنا وجه‬ ‫من أجل داود َ‬
‫عرشك‪.‬‬
‫َ‬ ‫بطنك على‬
‫أقس َم الرب لداود ولن خيلف ألُجلسن من مثرة َ‬ ‫َ‬
‫الرب اختاره إلقامته‪.‬‬
‫هناك أنبت لداود قدرة‪ ،‬أهيئ ملسيحي سراجاً ُمشتَعِالً‪»".‬‬

‫ك الرب برعاية مسيحه‬


‫صَ‬‫كنت يل أابً ابراً وقد َخ َّ‬ ‫ِ‬
‫لك اي أَبَت ابمسي وابسم والديت‪ .‬لقد َ‬
‫«شكراً َ‬
‫لك قلب حمبة‪ .‬اذهب‬
‫كنت املنارة املشتعلة لـه ولثمرة أحشاء مقدسة‪ ،‬كان َ‬
‫واتبوت عهده املقدس‪ .‬لقد َ‬
‫لك‬
‫َّب الرب كل شيء لكي ال تبقى وحيدة‪ .‬أقول َ‬ ‫أرملتك دون عون‪ ،‬لقد َرت َ‬
‫َ‬ ‫بسالم اي أي‪ ،‬لن تكون‬
‫احتك‪».‬‬
‫اذهب بسالم إىل مقر ر َ‬
‫مرمي تبكي ُمن َكبَّة على األغطية (كأهنا معاطف) املمدودة على جسد يوسف الذي عاد يربد‪.‬‬
‫ويسوع يسارع يف أداء اخلدمات األخرية‪ ،‬إذ إن تنفسه بدأ يضعف‪ ،‬وغشاوة ظَ َهَرت على عينيه‪.‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 350 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫«"طوىب للرجل الذي خيشى الرب ويضع سروره كله يف طاعته…‬
‫عدله يدوم إىل جيل فجيل‪ .‬وسط املستقيمني يقف يف الظلمات‪ ،‬وهو الرحيم واخلَِري والعادل…‬
‫ِذكر الصديق إىل األبد‪ ...‬عدله أزيل‪ .‬قدرته ترتفع إىل اجملد…"»‬

‫سبقوك إىل اجملد الذي‬


‫َ‬ ‫ألصحبك وذوي الوقار الذين‬
‫َ‬ ‫«ستنال هذا اجملد اي أي‪ .‬سآيت قريباً‬
‫روحك بكالمي‪».‬‬
‫َ‬ ‫ينتظرك‪ .‬فليبتهج‬
‫َ‬

‫«"من يسرتح حبضور الرب تعاىل يَعش حتت محاية إله السماء"‪».‬‬

‫«هذا هو مقرَك اي أي‪».‬‬

‫«"لقد َحَّرَرين من شراك الصيادين ومن كالم السوء‪.‬‬


‫لك وحتت أجنحته تَعتَصم‪.‬‬
‫بريشه يظل َ‬
‫لك حقه ملجأً‪ ،‬فال َّتشى من هول الليل…‬ ‫يكون َ‬
‫طرقك‪.‬‬
‫ليحفظوك يف مجيع َ‬
‫َ‬ ‫بك‬
‫يصيبك سوء‪ ...‬ألنه يوصي مالئكته َ‬‫َ‬ ‫ال‬
‫رجلك‪.‬‬
‫على أيديهم حيملونك لئال تصطدم حبجر َ‬
‫تطأ الصل واألفعى‪ ،‬وتدوس الشبل والتنني‪.‬‬
‫وحيميك‪»".‬‬
‫َ‬ ‫رك‬
‫خيربك أبنه سيحر َ‬
‫رجاءك يف الرب َ‬
‫َ‬ ‫ألن‬

‫دك بعد هذه‬‫معك يف احملنة األخرية‪ .‬سيمج َ‬


‫لك ويكون َ‬ ‫صوتك سيستجيب َ‬ ‫َ‬ ‫رفعت إليه‬
‫ك َ‬ ‫«وألن َ‬
‫يك‪.‬‬
‫وسيدخلك يف احلياة األخرى ابجملد الذي منذ اآلن يعز َ‬
‫َ‬ ‫يك منذ هذه احلياة جمده‪.‬‬ ‫احلياة أبن يُر َ‬
‫وأيخذك معه على رأس كل األبرار‬
‫َ‬ ‫ليحتضنك يف ِعناق إهلي‬
‫َ‬ ‫لك أبنه هو الذي سيأيت سريعاً‬ ‫وأكرر َ‬
‫إىل حيث هي ُم َعدَّة إقامة ِص ِديقي هللا األب املبارك ابلنسبة يل‪.‬‬

‫اسبقين لتقول لألبرار إن اجملد قد حل يف األرض‪ ،‬وإن ملكوت السماوات سيُفتَح هلم قريباً‪.‬‬
‫افقك بركيت‪».‬‬
‫اذهب اي أي ولرت َ‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 351 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫يَرفَع يسوع صوته ليصل إىل روح يوسف الذي غاص يف ضباب املوت‪ .‬النهاية وشيكة‪ .‬مل يعد‬
‫العجوز يتنفس إال بصعوبة‪ .‬تالطفه مرمي‪ .‬جيلس يسوع على حافة السرير وحييط بذراعيه احملتضر الذي‬
‫خيور وينطفئ هبدوء‪ ،‬وجيذبه إليه‪.‬‬

‫املشهد مليء بسالم َوقور‪ُ .‬ميَ ِدد يسوع العجوز ويُعانِق مرمي اليت تدنو يف تلك اللحظة األخرية‬
‫من يسوع‪ ،‬والقلق ميزقها‪.‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 352 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫ربت مرمي أملاً حاداً)‬


‫‪( -71‬بوفاة يوسف‪ ،‬اختَ ََ‬
‫‪1944 / 02 / 05‬‬

‫يقول يسوع‪:‬‬

‫«كل النساء اللوايت يُصنب أبمل مربح أ َُعلِمهن أن يقتدين مبرمي ابحتادها بيسوع يف ترملها‪.‬‬
‫ُخيطئ كل من يفكر أبن مرمي مل تتأمل أبحزان قلبها‪ .‬والديت قد َّ‬
‫أتلمَت‪ ،‬اعلَموا ذلك‪ ،‬بقداسة‪،‬‬ ‫َ‬
‫ألن كل ما فيها كان مقدساً‪ ،‬إ ّّنا بعمق‪.‬‬

‫وكذلك خيطئ من يعتقد أن حب مرمي لعروسها كان ابألحرى فاتراً‪ ،‬ألن وحدة الروح هي اليت‬
‫كانت تربطهما‪ .‬فإن مرمي كانت حتب يوسف بشدة‪ .‬لقد َكَّر َست له ثالثني عاماً من حياة الوفاء‪.‬‬
‫فكان يوسف ابلنسبة إليها‪ :‬أابً وعروساً وأخاً وصديقاً ونصرياً‪.‬‬

‫اآلن تشعر أبهنا وحيدة‪ ،‬كالغصن الغض املقطوع من جذع الكرمة الذي به ترتبط حياته‪ .‬فكان‬
‫ضَربَته الصاعقة‪ .‬إنه اآلن يَتشتَّت‪ .‬قبل ذلك كان االحتاد‪ ،‬حيث كل فرد من العائلة يستند‬
‫بيتها كالذي َ‬
‫على اآلخرين‪ .‬أما اآلن فها هو اجلدار الرئيسي يهوي‪ ،‬أوىل الضرابت اليت َحلَِقت هبذه العائلة‪ ،‬نبأ‬
‫االنفصال القريب جداً عن احملبوب يسوع‪ .‬فإرادة األزيل اليت أرادهتا عروسة وأ َُّماً تفرض عليها اآلن‬
‫الرتمل واالبتعاد عن ابنها‪ .‬ومرمي‪ ،‬وسط دموعها‪ ،‬تنطق إحدى مقوالهتا الرائعة‪" :‬نعم"‪" .‬نعم اي رب‪،‬‬
‫لك"‪.‬‬
‫ليكن يل حبسب قو َ‬
‫ص َقت ي لتنال القوة‪ .‬كانت دائماً تلتصق ابهلل يف الساعات األكثر خطورة‬ ‫ويف تلك الساعة التَ َ‬
‫يف حياهتا‪ :‬يف اهليكل عندما ُد ِعيَت للزواج‪ ،‬يف الناصرة عندما ُد ِعيَت لألمومة‪ ،‬ويف الناصرة أيضاً وسط‬
‫دموع ترملها‪ ،‬وكذلك يف الناصرة وسط عذاب االنفصال عن ابنها‪ ،‬وعلى اجللجلة يف أمل مشهد مويت‬
‫املربح‪.‬‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 353 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫تعلموا هذه األمثولة‪ ،‬أنتم اي من تبكون‪ ،‬أنتم اي من متوتون‪ ،‬أنتم اي من تعيشون لتموتوا‪ .‬اجتَ ِهدوا‬
‫يف أن تَستَ ِحقوا الكلمات اليت قُلتُها ليوسف‪ ،‬فتكون لكم السالم ساعة احتضاركم‪ .‬احفظوا هذه‬
‫فتجاسروا‬ ‫ذلك‬ ‫ا‬‫و‬‫ق‬ ‫العربة‪ ،‬أنتم اي من متوتون لتستحقوا يسوع قريباً منكم يواسيكم‪ .‬حّت ولو مل تَستَ ِ‬
‫ح‬
‫َ‬
‫وحباً وعلى‬ ‫ِ‬
‫على منادايت إىل جواركم‪ .‬سوف آيت‪ ،‬ويداي ممتلئتان ن َعماً وتعزايت‪ ،‬وقليب يفيض مغفرة ُ‬
‫شفيت كلمات الصفح والتشجيع‪.‬‬

‫يَفقد املوت كل قسوته عندما يكون بني يدي‪ .‬ثِقوا بذلك‪ .‬ال ميكنين إلغاء املوت‪ ،‬ولكنين‬
‫أجعله لطيفاً ابلنسبة ملن ميوت وهو مستسلم يل‪.‬‬

‫يديك أستودع روحي"‪ .‬لقد‬


‫لقد قال املسيح ذلك‪ ،‬لكم مجيعاً‪ ،‬وهو على الصليب‪" :‬ري‪ ،‬بني َ‬
‫قاهلا أثناء احتضاره وهو يـُ َف ِكر بنزاعاتكم وأبخطائكم وهبلعكم ومبخاوفكم وبرغباتكم يف الغفران‪ .‬لقد‬
‫متزقاً روحياً أكثر منه جسدايً لكي تكون نزاعات الذين ميوتون‬ ‫ممزق قبل أن َّترتقه احلربة ُّ‬
‫قاهلا وقلبه َّ‬
‫وهم يفكرون به ُملَطَّفة ابلرب وأن ينتقل الروح من املوت إىل احلياة‪ ،‬من األمل إىل السعادة األبدية‪.‬‬
‫هي ذي عربة اليوم‪ ،‬كوين صاحلة‪ ،‬ال ختايف‪ ،‬فسالمي لن يتوقّف عن التدفّق ِ‬
‫إليك من خالل أحاديثي‬
‫كممرضة‪ .‬اسرتحيي بيننا‬ ‫َّ‬ ‫ِ‬
‫والتأمل‪ .‬تعايل‪ .‬ضعي نفسك مكان يوسف الذي اختَ َذ صدر يسوع كوسادة ومرمي ّ‬ ‫ّ‬
‫ِمثل طفل يف مهده‪».‬‬
‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 354 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫اجلزء األول‬

‫‪( -72‬خالصة احلياة اخلفية)‬

‫‪1944 / 06 / 10‬‬

‫تقول مرمي‪:‬‬
‫«قبل أن ترفعي هذه الدفاتر‪ ،‬سأضم بركيت إليها‪ .‬واآلن إذا ِ‬
‫أردت أن تضيفي قليالً من الصرب‪،‬‬
‫ميكنك أن حتصلي على اجملموعة الكاملة حلياة يسوع اخلاصة‪ .‬من البشارة حّت حلظة خروجه من‬ ‫ِ‬
‫الناصرة ليبشر ابإلجنيل‪ .‬فليست ِ‬
‫لديك األحاديث فقط‪ ،‬بل إّنا كذلك أهم األحداث اليت رافَـ َقت‬ ‫َ‬
‫حياة يسوع العائلية‪.‬‬

‫السنوات األوىل‪ ،‬الطفولة‪ ،‬املراهقة وشباب ابين‪ ،‬وكل شيء ُحمَدَّد حبوادث خمتصرة‪ ،‬يف إطار‬
‫حياته اليت تَ ِ‬
‫صفها األانجيل‪ .‬فهناك هو املعلم‪ .‬وهنا هو اإلنسان‪ ،‬إنَّه هللا الذي تو َ‬
‫اض َع حملبته لإلنسان‪.‬‬
‫اجرت َح املعجزات حّت يف أمور احلياة العادية‪ .‬فَـ َعلَها ي أان اليت أحس نفسي حممولة إىل الكمال‬
‫والذي ََ‬
‫ابالحتكاك ابالبن الذي تكون يف أحشائي‪ .‬فَـ َعلَها يف بيت زكراي بتقديسه املعمدان‪ ،‬بتسهيله وضع‬
‫أليصاابت‪ ،‬وإبعادته النطق واإلميان لزكراي‪ .‬فَـ َعلَها بيوسف حني فَـتَ َح روحه على نور حقيقة سامية‬
‫لدرجة مل يكن ليتمكن من إدراكها بوسائله وحدها حّت ولو كان ابراً‪ .‬وبعدي‪ ،‬كان يوسف هو الذي‬
‫ابتَـ َه َج هبذا الوابل من اخلريات‪ .‬الحظي أية طريق يسلك يف املسلك الروحي منذ اللحظة اليت أتى فيها‬
‫إىل بييت حّت اهلرب إىل مصر‪.‬‬

‫يف البدء كان جمرد رجل ابر يف زمنه‪ .‬مث‪ ،‬وعلى مراحل متتالية أصبَ َح رجل املسيحية البار على‬
‫ص َل على اإلميان ابملسيح واستسلَ َم بسكون هلذا اإلميان‪ .‬فَ ِكروا يف هذه اجلملة يف‬‫اإلطالق‪ .‬لقد َح َ‬
‫بداية الرحلة من الناصرة إىل بيت حلم‪" :‬ماذا سنفعل؟" فالرجل يرى األمور كلها وفق خماوفه البشرية‬
‫صل إىل الرجاء‪ .‬ويف املغارة قبل ميالد يسوع يقول‪" :‬غداً سيكون كل شيء‬ ‫ومهومه البشرية‪ .‬مث يتو َّ‬
‫أفضل"‪ .‬ويسوع الذي قَ ِد َم َمنَ َحهُ الشجاعة مع هذا الرجاء الذي هو أحد أمجل هبات هللا‪ .‬وعندما‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 355 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫الرجاء إىل اإلقدام‪ .‬لقد كان دائماً يستسلم لقياديت لإلجالل الذي‬
‫تقدس ابحتكاكه به‪ ،‬انتَـ َق َل من َّ‬
‫كان يغذيه حيايل‪ .‬وها هو اآلن ميسك بزمام األمور املادية وتلك اليت يف مرتبة أعلى‪ .‬وهو الذي كان‪،‬‬
‫كرب العائلة‪ ،‬يتخذ القرار يف حال وجود ظروف خاصة‪ .‬وليس هذا فقط‪ ،‬إّنا يف ساعة حمنة اهلرب‪،‬‬
‫بعد أن أُشبِ َعت قداسته خالل تلك األشهر من االحتاد ابلطفل اإلهلي‪ ،‬فقد كان هو الذي يعزيين يف‬
‫حمنيت ويقول يل‪" :‬حّت ولو اضطرران ألن نفقد كل شيء‪ ،‬فسنظل ّنتلك دائماً كل شيء‪ ،‬ألننا ّنتلكه‬
‫هو"‪.‬‬

‫جيرتح معجزاته‪ :‬يَ ِهب النعمة للرعاة‪ .‬فاملالك يذهب إىل حيث يوجد الراعي الذي هيَّأه‬ ‫يسوع َِ‬
‫لقاؤه العابر ي هلذه النعمة‪ ،‬مث حيمله إىل واهب النِعم خلالصه األبدي‪ .‬فحيثما مير كان جي َِرتح املعجزات‪،‬‬
‫يف املنفى أو حينما عاد إىل موطنه الصغري‪ ،‬الناصرة‪ .‬إذ حيثما يتواجد تنتشر القداسة كبقعة زيت على‬
‫قطعة قماش‪ ،‬ويكون اهلواء معطراً ابلزهور‪ .‬من يدنو منه أو يلمسه‪ ،‬ما مل يكن شيطاانً‪ ،‬كان يرتكه وكله‬
‫رغبة يف أن يصبح قديساً‪.‬‬

‫حيثما توجد هذه اللهفة تكون أساس احلياة األزلية‪ ،‬ألن الذي يريد أن يكون صاحلاً ميكنه‬
‫ذلك‪ ،‬والصالح يفضي عادة إىل ملكوت هللا‪.‬‬

‫ضح خمتلف املراحل‪ ،‬مراحل الدعوة إلنسانيّة ابين املق ّدسة منذ‬ ‫لديك تفاصيل تو ِّ‬
‫ها قد أصبحت ِ‬
‫ََ‬
‫مرشدك ذلك)‪ .‬لقد كان إبمكاننا‬‫ِ‬ ‫وحّت غسقها‪ .‬مي ِ‬
‫كنك مجعها لتش ّكل لوحة كاملة (إذا ارأتى‬ ‫فجر حياته ّ‬
‫ِ‬
‫ملصلحتك اي‬ ‫ِ‬
‫نعطيك ّإايها كلّها دفعة واحدة‪ ،‬ولكن العناية اإلهلية رأت تصرفنا هبذا الشكل أفضل‪،‬‬ ‫أن‬
‫متنحك الدواء للجراحات اليت ِ‬
‫عليك تل ّقيها‪ .‬فلقد‬ ‫ِ‬ ‫لك كانت‬ ‫ُعطيت ِ‬‫ِ‬
‫فكل البياانت اليت أ َ‬
‫نفسي العزيزة‪ّ ،‬‬
‫غرة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫تؤخذي على حني ّ‬ ‫أعطيناك ّإايها مسبقاً لكي ال َ‬

‫ولكن األمر ليس كذلك‪ .‬فالعاصفة تُ ِربز اإلنسانيّة النائمة ُتت‬


‫الربد‪ّ ،‬‬
‫يُقال إ ّن ال شيء حيمينا أثناء ََ‬
‫املياه الروحيّة‪ ،‬ولكنّها تعيد أيضاً إىل السطح بذور العقيدة فائقة الطبيعة الواقعة يف قلوبكم‪ ،‬واليت تنتظر‬
‫متاماً ساعة العاصفة هذه لتربز من جديد وتقول لكم‪" :‬حنن أيضاً هنا‪ .‬فَ ِّكروا بنا"‪ .‬وأكثر من ذلك اي روحي‬
‫العزيزة‪( ،‬بشأن ترتيب تتابُع الرؤى) فقد كانت هناك حكمة عطوفة‪ ،‬ويف الوقت ذاته احرتاس من العناية‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 356 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫ُتصلي على بعض الرؤى وتسمعي بعض‬ ‫كنت ستستطيعني ِ‬ ‫اإلهلية‪ .‬إذ كيف ِ‬
‫نه َكة‪ ،‬مثل الساعة‪ ،‬أن َ‬‫وأنت ُم َ‬ ‫ّ‬
‫ِ‬
‫منحناك‬ ‫ِ‬
‫رسالتك "لسان حال"‪ .‬فلقد‬ ‫ِ‬
‫جتعلك غري قادرة على إجناز‬ ‫جرحني منها لدرجة‬ ‫ِ‬
‫البياانت؟ كنت ستُ َ‬
‫ِ‬
‫إعطاءك الرؤى‬ ‫قلبك‪ ،‬وقد عملنا ذلك بطيبة‪ .‬وقد ُتاشينا‬‫هذه االتّصاالت يف البداية لنتحاشى سحق ِ‬
‫آالمك‪ ،‬واليت كان من املمكن أن تزيدها ح ّدة‪ .‬لسنا قساة اي ماراي‪ .‬إنّنا‬ ‫ِ‬ ‫واحملاداثت اليت ال تنسجم مع‬
‫آالمك‪ .‬يكفي أن تثقي بنا‪ .‬يكفي أن‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إرعابك وزايدة‬ ‫ِ‬
‫تعزيتك وليس إىل‬ ‫نتصرف دائماً أبسلوب يؤ ّدي إىل‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫روحك‪.‬‬ ‫حّت مع النعم السماويّة لنثبّت‬
‫كل شيء"‪ .‬إنّنا أنيت ّ‬
‫تقويل مع يوسف‪" :‬لو بقي يل يسوع يبقى يل ّ‬
‫أعدك ابلعزاء نفسه الذي انله يوسف‪ .‬عزاء فائق الطبيعة‪ .‬أل ّن اجلميع‬ ‫أعدك بِنِعم وتعزية بشرية‪ .‬بل ِ‬
‫أان ال ِ‬
‫ّ‬
‫يعرفون ذلك‪.‬‬

‫تتبخر بسرعة الربق بوجود املرابني الذين َخينقون الالجئ املسكني أثناء البحث‬
‫هدااي اجملوس َّ‬
‫عن سقف وعن احلد األدىن من املفروشات الالزمة للحياة‪ ،‬وعن الغذاء الذي ال بد منه‪ .‬ومل يكن لنا‬
‫سوى هذا املورد يف انتظار إجياد عمل‪.‬‬

‫الطائفة العربية جاهزة دائماً ملساعدة الذين خيصوهنا‪ ،‬ولكن الطائفة اليت التقيناها يف مصر كانت‬
‫مضطهدين‪ ،‬إذاً فَـ ُهم فقراء مثلنا‪ ،‬حنن الذين أتينا لننضم إليهم‪ .‬لقد أردان‬
‫َ‬ ‫يف جمملها تتألف من الجئني‬
‫الس َكن يف‬
‫االحتفاظ جبزء من هذا املورد ليسوع‪ ،‬ليسوعنا البالغ‪ ،‬وقد استطعنا توفريها من مصاريف َّ‬
‫مصر‪ ،‬وفرانها حلني العودة إىل الوطن‪ ،‬وقد كانت ابلكاد تكفي إلصالح البيت واملشغل يف الناصرة‬
‫لدى عودتنا‪ .‬إن األزمنة َّتتلف‪ ،‬ولكن جشع البشر هو ذاته على الدوام‪ ،‬يَغتَنِم ِشدَّة اآلخرين ليستغلهم‬
‫بشكل خمجل‪.‬‬

‫ال‪ .‬إن وجود يسوع معنا مل يوفر لنا خريات مادية‪ .‬كثريون منكم يُطالِبون هبذه اخلريات عندما‬
‫يكونون ابلكاد متحدين قليالً بيسوع‪ .‬إنكم تنسون أنه قال‪" :‬احبَثوا عن اخلريات الروحية"‪ .‬وكل ما‬
‫عداها أيتيكم يف أوانه‪ .‬إن هللا حيسب حساب الغذاء للناس كما للطيور‪ ،‬ذلك أنه يَعلَم أنكم يف حاجة‬
‫إىل الغذاء‪ ،‬ألن نفوسكم يف حاجة إىل دعم اجلسد الذي حييط هبا‪ .‬ولكن اطلبوا منه أوالً نعمته‪ .‬اطلبوا‬
‫ص َل يوسف بشرايً من احتاده بيسوع‬ ‫أوالً احتياجات الروح‪ .‬وكل ما سواها يُعطَى لكم زايدة‪ .‬لقد َح َ‬
‫على مضايقات ومتاعب واضطهاد وجوع‪ ،‬وال شيء سوى ذلك‪ .‬ولكن‪ ،‬مبا أنه كان متعلقاً بيسوع‬
‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬
‫‪Page 357 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬
‫أردت أن أوصلكم إىل النقطة‬
‫وحده فقد كان كل ذلك يتحول إىل سالم روحي‪ ،‬إىل فرح فائق الطبيعة‪ُ .‬‬
‫ص َل إليها عروسي عندما قال‪" :‬حّت ولو اضطرران ألن ال يبقى لدينا شيء‪ ،‬فإننا سوف نبقى‬
‫اليت َو َ‬
‫ّنتلك كل شيء ألننا ّنتلك يسوع"‪.‬‬
‫ِ‬
‫انتماؤك هو ليسوع؟‬ ‫تضمحل‪ .‬ولكن اي ماراي!‪ ...‬هل‬ ‫أع ِرف أ ّن القلب يتحطّم والروح يتك ّدر واحلياة‬
‫ّ‬
‫هل تريدين أن تكوين لـه؟ لدرجة أن متويت كما مات يسوع؟ اي صغرييت‪ ،‬العزيزة على قليب كثرياً‪ ،‬ابكي ولكن‬
‫يتحمل الشهيد هذا العذاب‪.‬‬
‫ظلّي شجاعة واثبري‪ .‬الشهادة ليست يف شكل العذاب‪ ،‬إ ّّنا يف اجلَلَد الذي به ّ‬
‫ميكن للشهادة أن تكون ابلسالح‪ ،‬إ ّّنا ابإلمكان كذلك أن تكون أبمل وجداينّ إذا كان اهلدف الذي نصبو‬
‫حب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كل ما تفعلينه فإلخوتك تفعلينه‪ ،‬من أجل ّ‬ ‫التحمل‪ .‬و ّ‬
‫تتحملني أل ّن ابين يهبك نعمة ّ‬
‫إليه واحداً‪ .‬إنّك ّ‬
‫كل شيء من‬ ‫ِ‬
‫املسيح الذي يريد جمدهم‪ .‬هنا تكمن شهادتك‪ .‬ظلّي وفيّة هلا‪ .‬وافقي على ّأال تريدي فعل ّ‬
‫نفسك وتسيطري على‬‫ِ‬ ‫القوة لتقودي‬ ‫ِ‬
‫قوي ج ّداً لتستطيعي أيضاً إجياد ّ‬
‫ذاتك‪ .‬فيكفي ‪-‬إذ إ ّن الضغط ّ‬
‫طبيعتك إبيقاف الدموع‪ -‬يكفي أن تقويل ليسوع‪" :‬ساعدين"‪ .‬فما ال تستطيعني فعله‪ ،‬يفعله هو ِ‬
‫فيك‪.‬‬ ‫ِ‬
‫مينعك ِمن أن تَري‬
‫حّت ولو كان األمل‪ ،‬ومهما كان عظيماً‪ِ ،‬‬
‫استمري فيه‪ .‬دائماً فيه‪ .‬ال تف ّكري يف اخلروج منه ّ‬
‫ّ‬
‫أنت‪ .‬فستكونني دوماً يف يسوع‪.‬‬ ‫ِ‬
‫نفسك أين ِ‬

‫حّت اللحظة‬ ‫ِ‬ ‫أابر ِ‬


‫كك‪ .‬قويل معي‪" :‬اجملد لآلب واالبن والروح القدس"‪ .‬وليكن هذا نداءك على الدوام ّ‬
‫الرب ِ‬
‫معك دائماً‪».‬‬ ‫اليت تقولني ذلك يف السماء‪ .‬لتكن نعمة ّ‬

‫‪ ---‬هناية اجلزء األول ‪---‬‬


‫‪( ---------------‬عودة إىل الفهرس) ‪---------------‬‬
‫‪www.sites.google.com/site/valtortamaria‬‬
‫‪valtorta.maria@gmail.com‬‬

‫قصيدة اإلنسان ‪ -‬اإلله ‪ /‬ماريا فالتورتا (الجزء األول)‬


‫‪Page 358 of 358‬‬ ‫آخر تحديث ‪25.03.17 :‬‬

You might also like