Professional Documents
Culture Documents
العدد 26
العدد 26
عدنان بوشان قراءة في القانون رقم 91.91المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعامالت والعمال المنزليين
أوسامة اوعيسى التمثيلية النقابية في مدونة الشغل :إشكالية المفهوم ؟
محمد أنور مسعود مسطرة الفصل التأديبي لألجير بين القانون المغربي و المقارن
عادل مسعود عبدربه الحماية القانونية للمرأة العاملة في التشريع الليبي
محمد اشهيهب الحماية القانونية لليد العاملة األجنبية :الجهود التشريعية و المؤسساتية
صديق عزيز قراءة في عملية التوظيف بموجب العقد المنظمة من طرف األكاديميات الجهوية للتربية و التكوين
هشام بلحسن التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية وأي دور لمحكمة النقض
عدنان بوشان مدى مشروعية اقتطاع اإلدارة من أجور الموظفين المضربين
محمد البشير وحمان التأديب في مدونة الشغل
مصطفى الفوركي نزاعات الشغل الجماعية بين الواقع و القانون
محمد الجاي مدى مالئمة مدونة الشغل للمواثيق الدولية للشغل
يونس شكران دور االجتهاد القضائي االجتماعي في تطوير نظام اثبات حوادث الشغل و األمراض المهنية
مليجي الصحراوي -التعليق على القرار رقم 1602ملف اجتماعي عدد 91/1256حول فقدان االجير للوعي في مكان العمل ووفاته داخل المستشفى
لكية احلقوق-جامعة احلسن ا ألول -د:عبد القادرالتعاليت لكية احلقوق-جامعة احلسن ا ألول- د :أأبوبكر همم
سطات سطات
لكية احلقوق-جامعة احلسن ا ألول -د :نورادلين النارصي لكية احلقوق-جامعة احلسن ا ألول- عبد الكرمي عباد
سطات سطات
الرحامن لكية احلقوق -جامعة محمد اخلامس- لكية احلقوق-جامعة محمد اخلامس -د:عبد د :همدي منري
السوييس -الرابط الرشقاوي السوييس -الرابط
لكية احلقوق-جامعة محمد ا ألول-وجدة د:احلسني بلحسايين لكية احلقوق -جامعة محمد ا ألول-وجدة د :بنارص حايج
لكية احلقوق –جامعة محمد ا ألول-وجدة د:اسامة عبد الرحامن لكية احلقوق-جامعة محمد ا ألول-وجدة د :امحد العاليل
لكية احلقوق-جامعة محمد ا ألول-وجدة د :ادريس الفاخوري لكية احلقوق-جامعة محمد ا ألول-وجدة دة :زينب اتغيا
لكية احلقوق-جامعة محمد اخلامس -سال لكية احلقوق-جامعة محمد ا ألول -وجدة دة :فاطمة حداد دة :اندية قايدي
لكية احلقوق-جامعة ابن زهر-ااكدير لكية احلقوق – جامعة احلسن الثاين – د:هشام البخفاوي د :عزادلين بنس يت
ادلار البيضاء
لكية احلقوق -جامعة س يدي محمد بن د :عبد الرحمي مشيعة لكية احلقوق-جامعة موالي اسامعيل- د:محمد خبنيف
مكناس عبد هللا -فاس
الادارة العلمية
(لكية احلقوق-جامعة احلسن ا ألول -سطات) د :رايض خفري
(لكية احلقوق-جامعة احلسن ا ألول -سطات) د :طارق مصدق
2
كلمة افتتاحية
يعتبر قانون الشغل او القانون الاجتماعي كما يطلق عليه الفقهاء المشارقة من بين
اهم القوانين الوضعية التي تمس أكبر شر يحة في المجتمع ,وما لها من أهمية بالغة
العربية او الأجنبية ارتأينا ان نخرج هذا العدد الذي يحمل بين دفتيه مجموعة من
الأبحاث و المقالات التي سعت الى الإحاطة ببعض الجوانب من هذا القانون
من حماية للطبقة الشغيلة سواء على مستوى القوانين الوطنية و الدولية مرورا بحق
المرأة في الشغل ومدى حماية المشرع لها ,ثم التمثيليات النقابية و دورها في حماية
بوسائل فض هذه المنازعات ومدى ملائمة قانون الشغل المغربي للمواثيق الدولية
للشغل.
3
محتو يات العدد
قراءة في القانون رقم 91.91المتعلق بتحديد شروط الشغل والتشغيل المتعلقة بالعامالت
عدنان بوشان والعمال المنزليين
أوسامة اوعيسى التمثيلية النقابية في مدونة الشغل :إشكالية المفهوم ؟
محمد أنور مسعود مسطرة الفصل التأديبي لألجير بين القانون المغربي و المقارن
عادل مسعود عبدربه الحماية القانونية للمرأة العاملة في التشريع الليبي
محمد اشهيهب الحماية القانونية لليد العاملة األجنبية :الجهود التشريعية و المؤسساتية
صديق عزيز قراءة في عملية التوظيف بموجب العقد المنظمة من طرف األكاديميات الجهوية للتربية و التكوين
هشام بلحسن التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية وأي دور لمحكمة النقض
عدنان بوشان مدى مشروعية اقتطاع اإلدارة من أجور الموظفين المضربين
محمد البشير وحمان التأديب في مدونة الشغل
مصطفى الفوركي نزاعات الشغل الجماعية بين الواقع و القانون
محمد الجاي مدى مالئمة مدونة الشغل للمواثيق الدولية للشغل
يونس شكران دور االجتهاد القضائي االجتماعي في تطوير نظام اثبات حوادث الشغل و األمراض المهنية
مليجي الصحراوي محمور العمل القضائي :
-التعليق على القرار رقم 1602ملف اجتماعي عدد 91/1256حول فقدان االجير للوعي في مكان العمل
ووفاته داخل المستشفى
4
5
قراءة في القانون رقم 91.91المتعلق بتحديد شروط
الشغل والتشغيل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين.
عدنان بوشان
باحث في العلوم القانونية
تقديم:
بعد مرور ثلاثة عشرة سنة من الانتظار خرج إلى العلن مؤخرا القانون رقم 91.91المتعلق بتحديد
شروط التشغ يل والشغل المتعلقة بالعاملات والعمال المنزليين ،بناء على ما جاء بالمادة الرابعة من مدونة
الشغل ،وقد جاء هذا القانون في 12مادة موزعة على خمسة أبواب.
إن خروج هذا القانون إلى حيز الوجود ليكتسي أهمية كبرى ،خاصة في ظل الوضعية التي تعرفها بعض
العاملات و العمال المنزليين دون السن القانوني للتشغيل ،والذين غالبا ما يستثنون من تطبيق أحكام
مدونة الشغل كعاملات المنازل وعمال البستنة والحراسة وشؤون البيت ،الأمر الذي بات يفرض ليس
فقط التدخل التشر يعي بل ضرورة الأخذ بعين الاعتبار التزامات المغرب الدولية باعتباره مصادقا على
كل من الاتفاقية الدولية رقم 981بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفور ية
للقضاء عليها ،والاتفاقية رقم 938بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام ،فهل فعلا أخد هذا القانون في
الاعتبار هذين الوضعين؟ هو تساؤل سنحاول الإجابة عنه من خلال اتباع التقسيم الذي اعتمده القانون
نفسه في قراءة بسيطة لهذا القانون.
6
المحور الأول :أحكام عامة
لقد تطرق القانون رقم 91.91في الباب الأول منه إلى تحديد تعر يف لأطراف العلاقة الشغلية،
وموضوع هذه العلاقة وذلك حتى يسهل تحديد مجال تطبيق هذا القانون ،فما المقصود بكل من العاملة أو
العامل المنزلي و المشغلة أو المشغل وما هي الفئات التي تخضع لنطاق تطبيق هذا القانون والفئات التي
تستثنى من الخضوع لأحكامه ؟.
أولا :التعار يف
إن أول ما يحسب لهذا القانون استخدامه مصطلح "العاملة أو العامل المنزلي" بصيغة المؤنث والمذكر
في نفس الوقت ،عوضا عن مصطلح "خدم البيوت" الذي استخدمه مشرع مدونة الشغل في المادة
الرابعة ،والذي لاقى انتقادا من طرف البعض لما يشكله من تعبير عن استعباد الإنسان لأخيه الإنسان،
هذا وقد عرفت الاتفاقية الدولية رقم 981بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين ،العامل المنزلي بالقول
"أي شخص مستخدم في العمل المنزلي في إطار علاقة استخدام" ،كما اعتبرت الاتفاقية أنه لا يعتبر
عاملا منزليا الشخص الذي يؤدي عملا منزليا من حين إلى آخر ،أو على نحو متقطع فهل كان للقانون
رقم 91.91نفس التوجه في تحديد تعر يف للعاملات و العمال المنزليين؟.
حاول هذا القانون من خلال المادة الأولى منه أن يسير في نفس اتجاه المعايير الدولية ،فأعطى
تعر يفا للعاملة أو العامل المنزلي مفاده أن العاملة أو العامل المنزلي هو " الذي يقوم بصفة دائمة
واعتيادية مقابل أجر ،بإنجاز أشغال مرتبطة بالبيت أو بالأسرة كما هي محددة في المادة 1من هذا
القانون سواء عند مشغل واحد أو أكثر" ،وهو ما يفيد أن عمل العامل المنزلي ينبغي أن يكون متصفا
بوصفي الدوام والاعتياد ،وإذا كان مصطلح الدوام يفيد الاستمرار ية فإن مصطلح الاعتياد يفيد تكرار
العمل ولو بشكل متقطع ،وذلك حتى لا يدخل في حظيرة العمال المنزليين ،الأشخاص الذين يقومون
بأعمال مؤقتة التي يستغرق شغلها بضع ساعات في الشهر.
كما وقف هذا القانون على تعر يف المشغلة أو المشغل وقد أحسن المشرع باعتماده لهذا المصطلح بدلا
من مصطلح "صاحب البيت" الذي عبر عنه هذا القانون في صيغته كمشروع ،بل زاد حسنا بتعبيره
بصيغة المؤنث عن طرفي العلاقة الشغلية ،وقد تم تعر يف المشغلة أو المشغل بكونه "كل شخص ذاتي
يستأجر عمل عاملة أو عامل منزلي لإنجاز الأشغال المنصوص عليها في المادة 1أو أحدها" ،و يؤخذ على
هذا التعر يف استخدامه لمصطلحات مدنية من قبيل "الاستئجار" و"الإنجاز" وحبذا لو تم استخدام
مصطلحات مثل "الإشتغال" و "أداء".
وقد أضاف هذا القانون عن ما كان مضمنا فيه كمشروع ،تعر يفا للعمل المنزلي باعتباره ذلك العمل
المنجز لدى أسرة أو عدة أسر ،وعليه فإن العمل المنزلي قد يشمل بالإضافة إلى الأشغال المنصوص عليها
7
في المادة الثانية من هذا القانون ،بعض الأشغال الأخرى التي ترتبط بالأسرة على اعتبار أن الأشغال
المحددة بالمادة الثانية جاءت على سبيل المثال لا الحصر.
من خلال كل ما سبق يتضح أن هذا القانون نحى نفس التوجه الذي سار عليه المشرع في مدونة
الشغل ،حيث لم يعمد إلى إعطاء تعر يف لعقد الشغل وإنما اكتفى بتعر يف أطراف هذا العقد ،وإذا
كانت مدونة الشغل قد وقفت على أهم عنصر في عقد الشغل وهو عنصر التبعية فإن القانون محل هذه
القراءة لم يشر إلى هذا العنصر خلال تعر يفه لأطراف العقد.
ثانيا :مجال التطبيق
بدل أن يعمد القانون رقم 91.91إلى تحديد الفئات التي ستستفيد من مقتضياته ،عمد إلى التعر يف
بأطراف العلاقة الشغلية ،وبالعمل المنزلي ،وتحديد الأشغال التي تدخل في نطاقه على سبيل المثال لا
الحصر ،وهو بذلك حدد نطاق تطبيق هذا القانون من خلال الاعتماد على التعار يف.
وبذلك فإن الخضوع لنطاق تطبيق هذا القانون لا يتطلب فقط في العاملة أو العامل المنزلي أداء العمل
بصفة دائمة واعتيادية مقابل أجر سواء عند مشغلة أو مشغل واحد أو أكثر ،بل لابد أن يكون هذا
العمل عملا منزليا ،يدخل ضمن الأشغال التي حددتها المادة الثانية على اعتبار أن الأشغال التي حددتها
المادة الثانية جاءت على سبيل المثال لا الحصر ،أو يدخل ضمن التعر يف الذي حدده المشرع للعمل
المنزلي بشكل عام.
وقد أشارت المادة الأولى من القانون في صيغته كمشروع إلى ارتباط الأشغال المشار إليها في المادة
الثانية فقط بالبيت كالتنظيف والطبخ وحراسة البيت والبستنة ،إلا أنه يمكن كذلك أن ترتبط بشخص
صاحب البيت أو ذو يه من خلال الاعتناء بالأطفال أو بفرد من أفراد البيت بسبب سنه ،أو عجزه أو
مرضه أو كونه من ذوي الاحتياجات الخاصة ،وقد عمل القانون في صيغته الأخيرة إلى التنبه إلى
ذلك باعتماده لمصطلح الأشغال المرتبطة بالبيت أو بالأسرة.
هذا وقد استثنى القانون محل هذه القراءة من نطاق تطبيق أحكامه ،كل عامل يتم وضعه رهن إشارة
المشغل من قبل مقاولة التشغيل المؤقت ،على اعتبار أنه يكون في خدمة شخص اعتباري وبالتالي لا
تربطه بالمشغل أي علاقة تعاقدية ،كما أن المادة 614من مدونة الشغل حصرت حالات اللجوء إلى هذا
النوع من العقود ،و يخرج من نطاق تطبيق هذا القانون كذلك البوابون في البنايات المعدة للسكنى نظرا
لخضوعهم لنظام خاص بهم ،وكذلك الحال بالنسبة للعمال الذين ينجزون أشغالا لفائدة المشغل بصفة
مؤقتة نظرا لتعارض ذلك مع صفة الدوام والاعتياد التي تميز عمل العاملات و العمال المنزليين.
8
المحور الثاني :شروط التشغيل والشغل
نظرا ل كون القانون رقم 91.91سيكون تشر يعا مواز يا لمدونة الشغل ،وخاصا بتنظيم تشغيل فئة
العاملات والعمال المنزليين المستثنين من تطبيق هذه المدونة ،فإن مقتضياته ينبغي أن تتسم بالشمولية
والوضوح ،مع ضرورة الأخذ بعين الاعتبار طبيعة الأشغال التي يقوم بها العمال المنزليين ،ومكان
قيامهم بهذه الأشغال.
أولا :شروط التشغيل
خصص هذا القانون الباب الثاني لشروط تشغيل العاملات و العمال المنزليين ،والذي جاء في عشر
مواد ،تطرق من خلالها إلى كيفية إبرام عقد الشغل ،وشروط هذا الإبرام والتزامات الأطراف إبان
هذا الإبرام ،إلا أنه أغفل أهم المراحل التي قد يصل إليها العقد وهي انتهاؤه وأسباب هذا الإنهاء
ومسطرته.
لقد تم تحديد سن التشغيل في 98سنة كحد أدنى لا يجوز للمشغل النزول عنه ،غير أن المشرع وكأنه
لم يستسغ الانتقادات التي تم توجيهها للقانون في صيغته الأولية كمشروع باعتماده لسن 94سنة كحد
أدنى ،حيت عمل على فتح الباب أمام إمكانية تشغيل الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم ما بين 94و
98سنة وذلك خلال فترة إنتقالية مدتها خمس سنوات تبتدئ من تاريخ دخول هذا القانون حيز
التنفيذ ،ومادام أن الحد الأدنى لسن الاستخدام كما حددته الاتفاقية رقم 938يتمثل في 91سنة فإن
القانون قد جاء أكثر حماية مما ورد بالاتفاقية ،على اعتبار أن الإشتغال بالمنازل خاصة الأعمال التي
تتعلق بالتنظيف والطبخ وكذا رعاية الأطفال ،تبقى أعمال يصعب تصور قيام طفل لا يتجاوز سنه 98
سنة الاضطلاع بها بالشكل المطلوب الذي يرضي المشغلة أو المشغل ،بل إن البيئة الاجتماعية للبيت
والأسرة المغربية ،قد يكون لها تأثير على الصحة النفسية والسلوك الأخلاقي للطفل ،خاصة إذا علمنا أن
المادة الأولى أعطت للمشغل تشغيل العاملات و العمال المنزلين في أكثر من عمل واحد من الأعمال
المشار إليها في المادة الثانية ،بل يمكن لمجموعة من المشغلين الاستفادة من خدمات عامل منزلي واحد
ودون سن الثامنة عشر.
و حتى يتم إبرام عقد الشغل بالشكل المطلوب فإن المادة الثالثة من القانون جعلت المشغل يضطلع
بهذا الدور ،من خلال السهر على إفراغ تراضي الطرفين الذي يجب أن تتوفر فيه الشروط المنصوص
عليها في قانون الالتزامات والعقود ،حيث يتم إفراغ هذا التراضي في عقد شغل محدد المدة أو غير محدد
المدة الذي سيتم تحديد نموذج له بنص تنظيمي ،وهو ما يفيد أن العقد لا يمكن أن يكون إلا كتابيا
ومصادق الإمضاء من طرف السلطة المختصة ،حيت يعمل المشغل على تسليم نظير من العقد للعاملة أو
العامل المنزلي مع احتفاظه بنظير منه ،فيما يقوم على ايداع النظير الثالث لدى مفتشية الشغل ،ولمفتش
9
الشغل كنوع من الرقابة القبلية أن يثير انتباه الطرفين في حالة وجود مقتضيات مخالفة لأحكام هذا
القانون قصد العمل على مراجعتها وتعديل العقد ،وقد أغفل القانون إمكانية تسليم نسخة أخرى لولي أمر
العامل المنزلي الذي لم يبلغ بعد سن 98سنة ،على الرغم من أنه نص على ضرورة توفره على إذن
مكتوب من ولي أمره لإبرام عقد الشغل.
و تعزيزا للدور الحمائي وتماشيا مع الاتفاقية الدولية رقم 981بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال
والإجراءات الفور ية للقضاء عليها المصادق عليها من طرف المغرب ،فإن المادة السادسة من القانون
تمنع أي تشغيل للعاملات والعمال المنزليين يكون ليلا ،كما يمنع تشغيلهم في الأماكن المرتفعة غير
الآمنة ،وفي حمل الأجسام الثقيلة ،وفي استعمال التجهيزات والأدوات والمواد الخطيرة ،وفي كل
الأشغال التي تشكل مخاطر بينة قد تضر بصحتهم أو سلامتهم أو بسلوكهم الأخلاقي ،أو قد يترتب عنها
ما قد يخل بالآداب العامة ،غير أن هذه الحماية تم قصرها فقط على العاملات والعمال المنزليين الذين
تتراوح أعمارهم مابين 94و 98سنة فقط دون غيرهم.
كما يمنع تسخير العاملة و العامل المنزلي لأداء الشغل قهرا أو جبرا ،غير أن هذا القانون لم يبين
الإجراءات الضرور ية والفور ية الممكن القيام بها بخصوص الممارسات التي يوجد فيها بعض العاملات
والعمال المنزليين ،أو يمكن الوقوف عليها إبان تطبيق مقتضيات هذا القانون.
ثانيا :شروط الشغل
لقد تطرق القانون محل هذه القراءة ضمن شروط الشغل ،إلى مدة الشغل و الراحة الأسبوعية والعطلة
السنو ية وأيام العطل ،بالإضافة للأجر والذي خصه بباب خاص به.
ومادام أن هذا القانون سيكون تشر يعا مواز يا لمدونة الشغل ومستقلا عنها كليا فإن تمتع عمال المنازل
بالحقوق الأساسية في العمل يقتضي الإشارة إلي هذه الحقوق بشكل واضح وصريح ،وقد أغفل القانون
مجموعة من هذه الحقوق كعدم تحديده لساعات العمل الإضافية والتعو يض عنها وإغفاله لإجازة
الأمومة ،كما لم يبين مدى أحقية العمال المنزليين في الحر ية النقابية والحق في التنظيم النقابي وحق
المفاوضة الجماعية كما هو مقرر بالاتفاقية رقم 981بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين.
وإذا كان لعمال المنازل الحق في الحماية الاجتماعية طبقا للقانون رقم 91.98المتعلق بالتعو يض عن
حوادث الشغل وظهير نظام الضمان الاجتماعي فإننا لم نجد أي نص بالقانون يربط ما بين عمال
المنازل وهذه الحماية.
لقد حددت المادة الثالثة عشرة من هذا القانون مدة العمل في 68ساعة في الأسبوع وفي 64ساعة
بالنسبة للعاملات والعمال المنزليين المتراوحة أعمارهم مابين 94و 98سنة يتم توز يعها باتفاق الطرفين،
الأمر الذي يتماشى والاتفاقية 938بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام.
10
وإذا ما حاولنا مقارنة بعض المقتضيات التي جاء بها القانون بما هو منصوص عليه بمدونة الشغل
بالنسبة لباقي الأجراء ،نجد أن البعض منها جاء موافقا لما هو مكرس ضمن الكتاب الثاني من مدونة
الشغل ،خاصة ما يتعلق بالراحة الأسبوعية والراحة في أيام الأعياد المؤدى عنها ،مع استثناء العطل ولو
أن ع نوان الباب الثالث من هذا القانون أشار إلى العطل في حين تم التنصيص في متنه على الأعياد
الوطنية والدينية فقط ،بالإضافة إلى مدة العطلة السنو ية المؤدى عنها والاستراحة الخاصة بالرضاعة ،على
أن القانون لم يبين مدى اعتبار هذه الراحة مؤدى عنها من عدمه ،وسيطرح الإشكال بلا شك في
الحالة التي يقيم فيها العامل المنزلي مع المشغل وكيفية استفادته من هذه المقتضيات ،وهي نقطة لم
يتطرق إليها القانون.
أما بخصوص بعض التغيبات القانونية فقد أشار القانون إلى نفس التغيبات التي نظمتها مدونة الشغل
في المواد 141و ،126وما يلاحظ أنها موافقة لما جاء بمدونة الشغل باستثناء ز يادة هذا القانون
لثلاث أيام عن التغيب بسبب زواج العامل المنزلي ،لتصير المدة سبعة أيام مؤذاة الأجر عن أربعة أيام
منها فقط.
كما تطرق القانون للأجر واعتبره مبلغا نقديا لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار مزايا الإطعام
والمسكن تدخل ضمن مكونات هذا الأجر ،في مقابل ألا يقل هذا المبلغ النقدي عن ستين بالمائة من
الحد الأدنى القانوني للأجر المطبق في قطاعات الصناعة والتجارة والمهن الحرة ،وهو ما يؤكد بشكل
ضمني اعتبار هذا القانون للإطعام والمسكن بمثابة أربعين بالمائة من الحد الأدنى القانوني لأجر العامل
المنزلي ،ولا شك أن المشرع قد أخد بعين الاعتبار في تحديده للأجر في حدود ستين بالمائة إمكانية
اشتغال العاملة أو العامل المنزلي لدى أكثر من مشغلة أو مشغل.
هذا وإذا كان القانون قد أغفل كيفية إنهاء عقد شغل العامل المنزلي وأسباب هذا الإنهاء ،فإنه قد
تطرق من خلال المادة 19إلى استحقاق العامل المنزلي لتعو يض عند فصله ،غير أنه اشترط على هذا
العامل أن يكون قضى ما لا يقل عن سنة متواصلة من الشغل الفعلي لدى نفس المشغل ،وهي مدة
طو يلة قد تدفع بعض المشغلين إلى التحايل من خلال فصل العامل المنزلي قبل مرور تلك المدة
وتعو يضه بعامل آخر ،وكان الأجدر بالمشرع جعل هذه المدة في ستة أشهر كما هو الشأن بالنسبة للمادة
11من مدونة الشغل.
المحور الثالث :المراقبة والعقوبات
جاء الباب الخامس من القانون رقم 91.91كآخر باب ليؤكد على الجانب الجزري لهذا القانون
حيث تناول من خلاله الدور الرقابي لجهاز مفتش الشغل ،والعقوبات الممكن أن تطال كل مخالف
لأحكام هذا القانون.
11
أولا :المراقبة
في ظل الانتقادات التي توجه بين الفين والآخر للضعف الذي يعرفه جهاز تفتيش الشغل ،سواء من
خلال تعدد الوظائف والمهام الموكولة بهذا الجهاز والنصوص القانونية المكلف بمراقبة تطبيقها ،أو من
خلال الأعداد القليلة التي تضطلع بهذه المهام ،نجد هذا القانون محل هذه القراءة قد أولى مهمة أخرى
هي السهر على مراقبة تطبيق أحكام هذا القانون إلى جهاز تفتيش الشغل ،الأمر الذي سيؤدي لا محال
إلى التأثير على فعالية المراقبة.
وقد تم حصر نطاق تدخل مفتش الشغل بموجب المادة 11من القانون في القيام بتلقي الشكايات
من طرف أطراف العلاقة الشغلية ،والسهر على إجراء عملية التصالح بين الطرفين ،وهو ما يبين أن
القانون يخلط بين المهام التصالحية لمفتش الشغل والمهام الرقابية التي تفترض وقوف مفتش الشغل على
المخالفات التي قد يقترفها المشغلين في حق العمال المنزلين ،كتشغيل المشغل لعمال منزليين في أشغال
تشكل مخاطر قد تضر بصحتهم أو سلامتهم أو سلوكهم الأخلاقي.
ثانيا :العقوبات
عمل القانون رقم 91.91على حصر العقوبات الزجر ية التي تطال كل مخالف لأحكام هذا القانون
في ثلاث مواد ،وقد جعل من الغرامة عقوبة أصلية والتي يمكن أن تتضاعف أوتتحول إلى الحبس في
حالة العود بالنسبة للمخالفات المشار إليها في المادة .13
و إذا كان مشرع مدونة الشغل قد جعل للغرامة حدا أدنى وأقصى يتمثل في 344و 34.444درهم
فإن هذا القانون قد رفع من الحد الأدنى ليصل به إلى 144درهم ،هذا وقد جرم القانون مجموعة من
الأفعال التي قد تقترف من طرف المشغل أو أي شخص آخر كتشغيل العمال المنزليين دون سن 94
سنة أو التوسط في تشغيلهم بصفة اعتيادية بمقابل ،كما تم تجريم الأفعال التي تستهدف شروط الشغل
كعدم تقيد المشغل بإلزامية إتاحة الراحة الأسبوعية أو امتنع من تمتيع العامل المنزلي بحقه في العطلة
السنو ية أو الامتناع عن أداء الأجر أو التماطل في أدائه.
خاتمة:
إن ما يمكن أن نختم به هذه القراءة القول بأنه إذا كان يصعب تنظيم علاقة شغلية ما بين طرفين
يجمعه ما مكان الشغل فقط ،فكيف الحال بالنسبة لأطراف يجمعهما مكان الشغل وفي نفس الوقت هو
بيت الأسرة ،ولا شك أن تنظيم هذه العلاقة بادرة طيبة ستمكن القضاء من العمل على تطبيق
مقتضيات هذا القانون بدلا من القواعد العامة في انتظار ما ستفرزه الممارسة العملية والعمل القضائي.
12
لائحة المراجع المعتمدة:
ال كتب:
محمد سعيد جرندي ،الدليل العملي لمدونة الشغل ،الجزء الأول،مطبعة صناعة الكتاب ،الطبعة
الأولى .1494
محمود جمال الدين زكي ،عقد العمل في القانون المصري ،مطابع الهيئة المصر ية العامة للكتاب،
الطبعة الثانية.9181،
الاتفاقيات الدولية:
الاتفاقية رقم 981بشأن العمل
الاتفاقية رقم 981بشأن حظر أسوء أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفور ية للقضاء عليها.
النصوصو القانونية:
قانون رقم 41.11يتعلق بمدونة الشغل.
تقارير:
رأي المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي حول مشروع قانون 91.91بتحديد شروط
13
التمثيلية النقابية في مدونة الشغل :إشكالية المفهوم ؟
أسامة أوعيسى
حاصل على ماستر قانون الأعمال
بكلية العلوم القانونية والاقتصادية و الاجتماعية – أكدال-
لقد أخد التشر يع المغربي بفكرة النقابات الأكثر تمثيلا و ذلك على غرار منظمتي الشغل الدولية
والعربية ,إذ ظهر مفهوم النقابات الأكثر تمثيلا لأول مرة في التشر يع المغربي بمقتضى ظهير 12يوليوز
1
و نص على نفس المقتضى الفصل الأول من 9121المنظم للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي
المرسوم رقم 1 -26 -433المؤرخ في 18شتنبر 9126و المتعلق بتعين المستشارين لدى القسم
2
الاجتماعي في المحاكم الابتدائية
و هكذا بالنظر إلى الدور الذي تقوم به التمثيلية النقابية عمل المشرع المغربي على تنظيم النقابات الأكثر
3
و يكون بالتالي تجاوز إشكالية التمثيلية النقابية و التي تمثيلا بمقتضى المادة 611من مدونة الشغل
تطرح خصوصا عند تعيين ممثلي العمال على مستوى منظمة الشغل الدولية و منظمة العمل العربية ,
1إذ ينص على أن المجلس اإلداري للصندوق المذكور يتألف من أربعة و عشرين عضوا رسميا منهم ثمانية ممثلون للدولة و ثمانية ممثلون لألجراء
و ثمانية ممثلون للمؤاجرين و أن األعضاء الممثلين للمؤاجرين و األجراء يعينون لمدة ثالث سنوات بقرار من وزير الشغل بناء على اقتراح
المنظمة األكثر تمثيال.
2حيث نص أن " :هؤالء المستشارين يعينون بقرار مشترك لوزير العدل و وزير الشغل و انه يقع اختيارهم بخصوص كل محكمة من الئحة
تحتوي على كل صنف باقتراح من المنظمات المهنية األكثر تمثيلية "
3لقد خصص المشرع المغربي الباب الثالث من مدونة الشغل للنقابات المهنية
14
4
التي لم تعطي لنا تعر يف لمفهوم التمثيلية النقابية و إنما وضعت معايير لتحديد النقابات هذه المادة
الأكثر تمثيلا ,كما أنه من جهة أخرى ينبغي الإشارة إلى أن المشرع المغربي في مدونة الشغل لم يستعمل
لا لفظ "النقابة" و لا لفظ " الاتحاد النقابي " و إنما استعمل عبارة " المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا "
.و يستشف من مقتضيات المادة 611أن المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا هي التي لها الحق في تمثيل
الأجراء ,من خلال عدد مندوبيها ,و قدرتها التعاقدية و استقلاليتها في مواجهة السلطة الحكومية و
و للإحاطة أكثر بمفهوم التمثيلية النقابية كان لابد من الوقوف أكثر على هذه المعايير المعتمدة لتحديد
النقابات الأكثر تمثيلا " المحور الأول " و إلقاء الضوء على اختصاصات و مزايا النقابات الأكثر تمثيلا
كان من نتائج الخروج عن مبدأ المساواة القانونية بين النقابات المهنية المتعددة و إعمال مفهوم النقابة
الأكثر تمثيلا بروز إشكالية تتمثل في ضرورة وضع معايير دقيقة من شأنها تحديد النقابات المهنية التي
يمكن إضفاء هذه الصفة عليها .فالتمثيلية النقابية قد تكون على عدة مستو يات سواء على المستوى الوطني,
القطاعي ,الإقليمي ,المهني ,أو على مستوى المقاولة أو المؤسسة ...فإشكالية وضع معايير قانونية لتحديد
النقابات الأكثر تمثيلا لم تثر في القانون المغربي كمسألة قانونية إلا عند الإقدام على تكوين الوفد المغربي
4و في ظل غياب أي معايير للتمثيلية النقابية على مستوى ظهير ,7591كان منتظرا أن تحسم مدونة الشغل في هذا المفهوم من خالل اعتماد
مجموعة من المعايير لتحديد النقابات األكثر تمثيال
5ذ .أبو المجد عبد الجليل :النقابات بالمغرب – مقاربة قانونية في ضوء التشريع المقارن – مطبعة النجاح الجديدة ،الدار البيضاء ،الطبعة األولي
8002ص 48
6إذ يمكن القول أن الشكاوى التي رفعتها كل من المركزيتين النقابيتين MTGUسنة 7595و 7591و كذا TDGسنة 7514ضد الحكومة
المغربية شكلت فرصة سانحة لبداية حوار و تفكير جدي في الموضوع.
15
وإذا كان ظهير 94يوليوز 9112لم يتضمن أي إشارة لمفهوم النقابات الأكثر تمثيلا فالمشرع المغربي
تدخل ليحسم الأمر و بالتالي ملء الفراغ الذي كان يشكو منه الحقل القانوني في مجال التمثيلية النقابية
بمقتضى المادة 611من مدونة الشغل التي نصت على أنه لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا على
-الحصول على %4على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين العمومي و
الخاص.
لتحديد المنظمة النقابية الأكثر تمثيلا على مستوى المقاولة أو المؤسسة يتعين الأخذ بعين الاعتبار بما يلي :
-الحصول على نسبة %31على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين على صعيد المقاولة أو
المؤسسة.
-القدرة التعاقدية.
فيتضح لنا من خلال المادة 611أن مدونة الشغل أخذت بمستو يين لتحديد مفهوم النقابات الأكثر
تمثيلا :المستوى الوطني " أولا " و مستوى المقاولة " ثانيا ".
لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني نجد أن المشرع اعتمد معيار يين و هي معايير كمية و
-الحصول على نسبة %4على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين العمومي و
الخاص
16
-الاستقلال الفعلي للنقابة.
-9الحصول على نسبة %4على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين العمومي و
الخاص
فالمعيار الكمي يتجلى أساسا في نتائج الانتخابات المهنية و الذي يتمثل في الحصول على نسبة %4على الأقل
من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين العمومي و الخاص ,فنحن هنا أمام تقييم عام
للتمثلية النقابية أي القطاعيين معا ,و يطرح هذا المعيار العديد من الإشكاليات يمكن إجمالها فيما يلي :
-إن هذا المعيار لا يمكن من تقييم التمثيلية النقابية سوى على الصعيد الوطني و الدولي بحيث لا يمكن
من حسم التمثيلية على مستو يات القطاعات أو فروع الأنشطة الاقتصادية المختلفة أو على مستوى المقاولة
-فالانتخابات المهنية في نظر بعض الفقه يظل معيار غير كاف لأن النص القانوني الخاص بانتخاب
مندوبي الأجراء داخل المؤسسات الخاضعة لقانون الشغل لا نجد فيه أي أثر للوائح النقابية بل اكتفى
7
بمجرد الإحالة على اللوائح الخاصة بالمرشحين المستقلين عن النقابات
-إن نسبة %4المعتمدة من انتخاب مجموع مندوبي الأجراء قد تجعلنا أمام نقابات أكثر تمثيلية خاصة
8
مما يطرح مشكل على المستوى الوطني ,فهي تبقى نسبة ضئيلة جدا و قد تفوز بها أكثر من نقابة
التمثيلية على مستوى المنظمات الدولية و الجهو ية ,لدى يرى بعض الفقه أن المشرع المغربي كان عليه أن
يحدد النقابات الأكثر تمثيلا داخل النقابات التي تحصل على أعلى نسبة و يظل سقف اعتبار النقابة
7د .أحمد العواني :مفهوم النقابة أو النقابات األكثر تمثيلية في القانون الوضعي المغربي للشغل ,مقال منشور بالمجلة المغربية للقانــون االجتماعي
العدد , 2التاريخ غير مدكور
8جاءت انتخابات مندوبي األجراء في االنتخابات المهنية لسنة 2179كالتالي :
-االتحاد المغربي للشغل %71.71 :
-الكونفدرالية الديموقراطية للشغل % 7..1 :
-االتحاد العام للشغالين % 1..1 :
-االتحاد الوطني للشغل % 1..7 :
الفيدرالية الديمقراطية للشغل %.... :
المنظمة الديمقراطية للشغل % 7..1 :
نقابات أخرى % ..71 :
" منشورات وزارة التشغيل و الشؤون االجتماعية برسم سنة .17.
17
9
و إذا الأكثر تمثيلا هو النسبة المحددة و بالتالي نكون إزاء نقابات أكثر تمثيلا ل كن بينها أعلى تمثيلية
كان اتجاه أخر من الفقه يعتبر أن هذه النسبة من شأنها أن تعزز فقط المنظمات النقابية التقليدية
بالمغرب ,فإننا نرى من وجهة نظرنا أن نسبة %4لا هي بالمرتفعة و لا بالمنخفضة و ليس من شأنها أن
تهمش موقع المنظمات النقابية الفتية خاصة و قد أفرزت نتائج بعض الانتخابات المهنية تصاعد موجة
الأجراء الغير المنتمين لأية نقابة إذ نجد أن الحصة الأكبر ظلت للأجراء الغير المنقبين في الانتخابات
-المشرع المغربي قد حدد نسبة موحدة لتحديد النقابة الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني شمل القطاعين
العام و الخاص ,بغض النظر عن التمييز بين عدد مندوبي الأجراء في كل قطاع على حدى ,إذ حسب
11
الأمر هنا يطرح إشكالين ,فمن جهة يلاحظ أن العمل النقابي يجد مكانه الطبيعي في بعض الفقه
الدفاع عن مصالح الأجراء في القطاع الخاص أكثر منه في القطاع العام بحكم ظروف العمل و
خصوصياته في القطاع الأول قياسا على الثاني ,مما يدفع بالحركة النقابية لبدل جهد أكبر في البحث عن
موقعها في المقاولات الخاصة منه في الإدارات و المؤسسات العمومية ,لدرجة قد تغيب معها في
القطاع العام و هو الأمر الذي يدفع إلى المطالبة بإعادة النظر في مسألة توحيد نسبة التمثيلية في القطاعين
9أحمد بودراع " :تطبيق االتفاقيات الدولية للشغل في إطار الممارسة المغربية " أطروحة لنيل دكتوراه في القطاع العام ,جامعة محمد الخامس
الرباط ,كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية ,السنة الجامعية 2112-2117ص 18
10بالرجوع لالنتخابات المهنية لسنة 2112نصادف تبوء األجراء غير المنتمين ب 77914مندوبا و هو ما لوحظ في االنتخابات المهنية لسنة
2115إذ تبوء األجراء الغير المنتمون ب 72999مندوبا و حتى في االنتخابات المهنية األخيرة لسنة 2179نجد تبوء األجراء غير المنتمين ب
78424مندوبا
" نتائج انتخابات مندوبو األجراء يونيو 2179منشورات وزارة التشغيل و الشؤون االجتماعية "
11وفاء بنفضول المجدوبي :تنظيم عالقات الشغل عن طريق المفاوضة الجماعية ,أطروحة لنيل دكتورة الدولة في الحقوق ,جامعة محمد
الخامس كلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية -أكدال , -السنة الجامعية -2119ص 14و ما بعد
12محمد الشرقاني :النظام القانوني للمفاوضة الجماعية " الحوار االجتماعي " الطبعة 2178ص 789
18
فإضافة إلى الحصول على %4على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين في القطاعين
العمومي و الخاص نجد مدونة الشغل اعتمدت معيار أخر لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا على الصعيد
الوطني و هو معيار الاستقلال الفعلي للنقابة و القدرة التعاقدية للنقابة ,فالاستقلال الفعلي للنقابة يعتبر
من المعايير النوعية التي أخذت به مجموعة من التشر يعات المقارنة كالتشر يع الفرنسي ,على خلاف القدرة
يعتبر معيار الاستقلالية النقابية إحدى المعايير المعتمدة دوليا لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا ,فالمقصود
بالاستقلالية هنا ,استقلال النقابة المهنية اتجاه المشغل و السلطة العمومية ,و هذا المعيار بدوره يثير
-إن معيار" الاستقلال الفعلي للنقابة " قد جاء فضفاضا يتعذر ضبطه سواء فيما يتعلق بمصداقية ذلك
الاستقلال من خلال كلمة الفعلي أو فيما يتعلق بالجهة المراد الاستقلال عنها ,هل المشغل أم السلطة
العامة أم الأحزاب السياسية أو النقابات الأخرى نفسها ,و يمكن أن نقول نفس الأمر بخصوص
المشرع الفرنسي فيما يخص هذا المعيار إذ بالرجوع للفصل L-2121-1نجده استعمل عبارة "
" L'indépendance
13
أو من السلطة الحكومية -إن النقابات المهنية قد تحصل على دعم مالي أو مادي من صاحب العمل
مما يثير هنا مسألة الاستقلالية ,خصوصا أن منظمة الشغل الدولية تعتبر أنه من الضروري الحفاظ في
13لقد اعتبر االجتهاد القضائي الفرنسي أن تقديم المساعدة المادية للنقابة من طرف رب العمل يؤدي الى خضوعها ألهوائه و توجيهاته
Cass soc 31 janvier 1973 Bull civ numéro 50
19
كل دولة على حر ية و استقلالية التمثيلية النقابية لتمكين هذه الأخيرة من القيام بمهامها الاقتصادية و
الاجتماعية على الخصوص في إطار استقلالية عن التغييرات السياسية التي من شأنها أن تقع . 14
-من الصعب الم نقل من المستحيل ,إتباث الاستقلالية النقابية و الالتزام بها في بلد كالمغرب ,إذ
باستثناء الاتحاد المغربي للشغل الذي تتسم مواقفه بنوع من الاستقلالية فان باقي المركز يات النقابية
مرتبطة حزبيا بحزب من الأحزاب وقادتها يتولون مراكز قيادية في هذه الأحزاب بشكل يصعب معه
-كما أنه من جهة أخرى كيف يمكن تقيم مدى الاستقلال الفعلي لنقابة معينة ,فهل سيخضع للسلطة
التقدير ية للوزارة المكلفة بالتشغيل؟ خصوصا أنه يمكن القول أن هذا سيضعها في مأزق كبير إزاء
-إذا كانت النقابات المغربية قد استطاعت أن تستقل عن الأجهزة الحكومية المكلفة بالشغل إلى أقصى
الحدود ,و ذلك من خلال تقليص تدخل هذه الأخيرة ,سواء على مستوى التأسيس أو على مستوى
التسيير أو التنظيم ,أو على مستوى الحل ,بشكل يحترم مبدأ الحر ية النقابية ,فإنها لم تستطع تحقيق
استقلال فعلي عن الأحزاب السياسية ,إذا رغم مغالاة النقابات و المسؤولين النقابيين في تأكيد ذلك
على عدة مستو يات ,و في كل الخطابات الرسمية ,ومن خلال فصل العمل النقابي الممارس من لدنها
عن كل نشاط سياسي بشكل تام ,و هو الأمر الذي لم يستسغه العديد من الفقهاء الذين عبروا عن
صور ية هذا الاستقلال إما بالنظر إلى الصيرورة التار يخية للوجود النقابي المغربي ,و الذي يتضح منها
بجلاء الارتباط الوثيق بين النقابات و الأحزاب ,و إما بالنظر إلى واقع الممارسة النقابية التي لا تكاد
14
Résolution de la conférence internationale du travail concernant l’ indépendance du mouvement syndical
adopté le 26 juin 1952
15أحمد بودراع " :إشكالية تحديد النقابات األكثر تمثيال في القانون المغربي و القانون الدولي " مقال منشور بمجلة القانون المغربي العدد , 9
أكتوبر 2112ص 18
20
تخلوا من مساندة سياسية أو بالأحرى كتلة سياسية معينة ,بل أن هذه المساندة تصل إلى حد الانخراط
17
,الذي أكد في تحمل المسؤولية ضمن حزب من الأحزاب .16و قد عبر عن هذه الحقائق بعض الفقه
أن النقابات العمالية بالمغرب تحوم حول الأحزاب السياسية ,سواء كانت جزء منها أو زعمت أنها
مستقلة و أكثر من ذلك أنها من العمال و إليهم تنتسب الشيء الذي يجعل معيار الاستقلالية بالمغرب
نجد أن المشرع المغربي اعتبر القدرة التعاقدية للنقابة كمعيار ثالث لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا على
المستوى الوطني و جدير بالذكر هنا أن المشرع المغربي في مشروع مدونة الشغل لسنة 9111لم يكن
18
يعتمد معيار القدرة التعاقدية بل معيار أخر و يتعلق الأمر هنا ب"مستوى الاشتراكات المؤذاة فعلا "
الذي أخد به المشرع الفرنسي ,و إن كنا نرى أن هذا المعيار كان من شأنه أن يطرح العديد من
الإشكاليات فيما يتعلق بالطر يقة و الجهة التي ستشرف على الاشتراكات خصوصا أن هذا يتعارض مع
الضمانات الممنوحة للنقابة فيما يتعلق بالاستقلال المالي إلى غير ذلك من الإشكالات ...فنحن من
وجهة نظرنا نعتبر هذا المعيار أكثر مصداقية من معيار الاشتراكات المؤذاة فعلا.
فمعيار القدرة التعاقدية للمقاولة قد يقدر بالاتفاقيات الجماعية المبرمة على المستوى الوطني ,القطاعي ,أو
على مستوى المقاولة أو المؤسسة مما من شأنه أن يعكس لنا الكثافة النقابية و مساهمتها في تحسين و
تطوير قانون الشغل الإتفاقي .و يمكن أن نبرز قدرة النقابة التعاقدية من خلال مجمل الصلاحيات
16محسن ماني :الممثل النقابي في ضوء مدونة الشغل ,رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون و المقاولة " كلية العلوم القانونية و االقتصادية و
االجتماعية مكناس 2171-2115ص 29
17ذ .الحسين و القيد :الوجيز في القانون االجتماعي المغربي ,الطبعة األولى , 2112ص 29
18راجع بهذا الخصوص :
Abdellah Boudahrain , Le droit du travail au Maroc Tome II Société d'édition et de diffusion Al Madariss
2005, P. 366
21
المخولة لها و الأهداف المرسومة لها بمقتضى مدونة الشغل ,فإذا كان أصل هذه الأخيرة ينطلق من
ضمان الحدود الدنيا لفائدة الأجراء ,فهذا لا يعني أن الأمر يتوقف عندها بل يمكن تجاوز مجمل أحكامها
بمقتضى الأنظمة الأساسية أو عقو د الشغل أو الاتفاقيات الجماعية أو الأنظمة الداخلية التي تتضمن
أكثر إفادة للأجير .و بالتالي فالتمثيلية النقابية يمكن أن تلعب أدوار جد ايجابية على مستوى النهوض
بأوضاع الأجراء من خلال إبرام اتفاقية جماعية أو ثنائية مع المشغلين ,تتجاوز بكثير مقتضيات المدونة ,
و هو أمر يتطلب قدرة على المحاورة و الإقناع متميزة بطبيعتها و أيضا امتلاك وسائل ضغط معينة ,من
أجل حث المشغل على الاستجابة للمطالب النقابية و تجسيدها على أرض الواقع من خلال اتفاقيات
مكتوبة . 19
كما تبرز أهمية قدرة النقابة التعاقدية من خلال مجمل المواقف التي تبديها منها الاستشارات التي تطلب
منها ,خاصة التي تطلبها السلطة الحكومية من أجل إصدار النصوص التنظيمية هذا إلى جانب العقود و
وهكذا يمكن القول أن هذا المعيار يختزل موضوعية في طياته ,و ذلك من خلال القدرة على قياس
هذا ا لمعيار بشكل مكتف و متنوع و سهل ,إذ يكفي مجمل الاتفاقيات الجماعية و الثنائية التي أبرمتها
و على هذا الأساس يمكن القول أن المشرع المغربي أحسن صنعا عندما وضع ثلاث معايير لتحديد
النقابات الأكثر تمثيلية على المستوى الوطني و على مستوى المقاولة و إن كان نعتبر من وجهة نظرنا أن
معيار " الاستقلال الفعلي للنقابة " يمكن تجاوز بحيث أن هذه الاستقلالية مسألة مفترضة سواء عند
محسن ماني :الممثل النقابي في ضوء مدونة الشغل ,رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون و المقاولة " كلية العلوم القانونية و االقتصادية و 19
22
تأسيس المنظمة النقابية أو عند ممارسة نشاطها بل أكثر من ذلك فمدونة الشغل أشارت إلى مسألة
20
منها و هو نفس النهج الذي تسير فيه منظمة الشغل الدولية ,خلافا للمعيار الاستقلالية في المادة 312
الأول الذي يمكن الفصل فيه بشكل حازم و حاسم .فمدا عن المعايير المعتمدة لتحديد النقابات الأكثر
لقد حدد المشرع المغربي في الفقرة الثانية من المادة 611معيار يين لتحديد المنظمات النقابية الأكثر
-الحصول على نسبة %31على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين على صعيد المقاولة أو
المؤسسة
باستقرائنا للفقرة الثانية من هذه المادة فأول ملاحظة تثير انتباهنا هي أن المشرع اكتفى بمعيار يين فقط
,و يكون بالتالي قلص من المعايير المعتمدة لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا على صعيد المقاولة أو المؤسسة
,فنجد المشرع اعتمد معيار نتائج الانتخابات المهنية كما هو الشأن عند تحديد النقابات الأكثر تمثيلا على
المستوى الوطني إلى جانب معيار القدرة التعاقدية و تم تجاوز معيار الاستقلالية النقابية ,ل كن يبقى
السؤال المطروح هنا على ماذا تعتمد هذه القدرة التعاقدية على مستوى المقاولة ؟ و ما غايتها ؟ و هل
تهدف إلى إبرام الاتفاقيات الجماعية خصوصا أن مدونة الشغل تعطي هذا الحق للنقابات الأكثر تمثيلا
فقط ؟
20يمنع على المنظمات المهنية للمشغلين ولألجراء أن تتدخل في شؤون بعضها البعض ،سواء بصفة مباشرة أو غير مباشرة فيما يخص تكوينها
وتسييرها وإدارتها .يعتبر من بين أعمال التدخل المشار إليها في الفقرة أعاله ،كل إجراء يرمي إلى إنشاء نقابات لألجراء يهيمن عليها المشغل أو
من ينوب عنه ،أو منظمة من منظمات المشغلين ،أو يهدف إلى تقديم دعم مالي أو غيره لهذه النقابات ،قصد وضعها تحت مراقبة المشغل أو
منظمة من منظمات المشغلين .
23
-9الحصول على نسبة %31على الأقل من مجموع عدد مندوبي الأجراء المنتخبين على صعيد المقاولة أو
المؤسسة
فالمشرع هنا حافظ على معيار نتائج الانتخابات المهنية لإضفاء صفة النقابة الأكثر تمثيلا ,فنعتبر من
وجهة نظرنا أن نسبة %31تبقى نسبة مرتفعة و بالتالي تبقى مسألة بلوغها نوعا ما صعبة خاصة في
المقاولات التي تعرف تعدد النقابات داخلها هذا من جهة ,و من جهة أخرى حتى و لو افترضنا بلوغ
هذه النسبة ,فإننا لن نكون أمام تعددية نقابية كون أن نسبة %31لا يمكن الحصول عليها لأكثر من
نقابتين على خلاف نسبة %4المعتمدة لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا على الصعيد الوطني التي تعتبر
نسبة مرنة .و بناءا عليه تكون المادة 611من م.ش ,في فقرتها الثانية ,قد أخلت بمبدأ التعددية
النقابية ,طالما أننا هنا أمام ثنائية نقابية و ليس تعددية نقابية.
كما أننا نؤكد على تشدد المشرع المغربي من خلال فرض هذه النسبة لاعتبارات عدة ,في مقدمتها
واقع الممارسة الثقافية و النقابية لدى الفئة الشغيلة بالمغرب ,و المتسمة بنوع من الضعف بحيث إن
أغلب مندوبو الأجراء يفضلون الترشح بصفة مستقلة بعيدا عن أي اسم نقابي ,و هو ما كان يفرض نوع
أما على مستوى المعيار الثاني المتمثل في القدرة التعاقدية ,الذي اعتمده المشرع المغربي لتحديد النقابات
الأكثر تمثيلا على صعيد المقاولة و على الصعيد الوطني ,فأول سؤال يمكن طرحه في هذا الصدد ,هو ما
الغاية من وجود هذا المعيار على الصعيد الوطني من جهة و على صعيد المقاولة من جهة أخرى ؟
فالغاية من هذا التمييز تتجلى أساسا من خلال نوعية التعاقدات التي تجيريها هذه التمثيلية النقابية سواء
على الصعيد الوطني أو على صعيد المقاولة ,و بالتالي فان اعتماد نفس المعيار لتحديد النقابات الأكثر
24
تمثيلا على صعيد المقاولة و على الصعيد الوطني ,لا يعني وحدته كما الشأن في التشر يع الفرنسي الذي
21
,و إنما يتم التميز فيه بين يجعل من التمثيلية النقابية على الصعيد الوطني هي كذلك على صعيد المقاولة
نوعية و مجال هذه التعاقدات التي أجرتها النقابة ,فللقول بتمثيلية هذه الأخيرة على صعيد المقاولة يتم
النظر إلى مجمل الاتفاقيات و المفاوضات التي أجرتها على صعيد المقاولة ,أما على الصعيد الوطني فيتم
النظر إلى قدرتها التعاقدية بصفتها نقابة أكثر تمثيلا على الصعيد الوطني هذا إلى جانب كونها أكثر
كفاءة لإبرام اتفاقيات متعددة بالنظر إلى المجالات التي يكون حضورها و استشارتها فيها ضرور يا.
و هكذا يمكن القول أن المشرع المغربي في مدونة الشغل و بخلاف التشر يعات المقارنة – التشر يع
الفرنسي -وضعت معايير هامة و أساسية لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا و تتمثل هذه المعايير في :
و كخلاصة القول يكون المشرع المغربي قد عمل من خلال مدونة الشغل على سد الفراغ التشر يعي الذي
كان حاصلا في ظل ظهير 9112باعتماده معايير مضبوطة لتحديد المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا,
وطنيا و على صعيد المقاولة هذه الأخيرة التي لها عدة اختصاصات و مزايا سنتناولها في المطلب الموالي :
إن النقابات الأكثر تمثيلا باعتبارها تعكس تمثيلا حقيقيا للأجراء ,فان جل التشر يعات بما في ذلك
التشر يع المغربي منحتها مجموعة من الاختصاصات ,إذ أن هذه الأخيرة تتمتع في ظروف محدودة بمجموعة
21
Mialon Marie-France : Les relations collectives dans l’ entreprise. LG. D.J Edition 1999 . P 41
25
من الامتيازات تملك بمقتضاها صلاحية ممارسة بعض المهام سواء على المستوى الدولي " أولا " أو على
تحظى النقابات الأكثر تمثيلا على المستوى الدولي بمجموعة من الاختصاصات و المزايا يمكن إجمالها فيما
يلي:22
23
الذي يعد -تحظى النقابات الأكثر تمثيلا بميزة الحضور و المشاركة في أشغال المؤتمر الدولي للشغل
أهم وأبرز المنتديات الدولية المعنية بالسياسات العمالية إذ تجتمع وفود الدول الأعضاء في المنظمة
الدولية من كل عام في شهر يونيو لمناقشة تقرير المدير العام للمنظمة ،والمعلومات والتقارير المعنية بتنفيذ
الاتفاقيات و معايير العمل الدولية ،وذلك كبنود دائمة في كل اجتماع و اعتماد معايير العمل الدولية،
-كما تحظى النقابات الأكثر تمثيلا بميزة الحضور و المناقشة في أشغال مؤتمر العمل العربي لمنظمة العمل
العربية إذ تجتمع الدول الأعضاء في منظمة العمل العربية مرة كل سنة من شهر مارس أو أبر يل بمقر
المنظمة بجمهور ية مصر العربية أو في بلد عربي آخر وافق على استضافة أشغال المؤتمر هذا و يتم تسيير و
تنظيم مؤتمر العمل العربي وفق نفس مبادئ وطرق اشتغال مؤتمر الدولي للعمل.
22بالل العشيري :النقابات المهنية بالمغرب – دراسة مقارنة , -دار أبي رقراق للطباعة و النشر ,الطبعة األولى ,2172ص44
23
La charte de l OIT par son article 3 , paragraphe 5 dispose que « les membres s’engagent à designer les
délègues et conseillers non techniques non gouvernementaux d’accord avec les organisations professionnels les
plus représentatives soit des employeurs soit des travailleurs » à la conférence international du travail.
26
-تنخرط النقابات الأكثر تمثيلا في ال كونفدرالية النقابية الدولية التي تتمتع بوضع استشاري لدى هيئة
الأمم المتحدة و تعمل بشكل وثيق مع منظمة الشغل الدولية وعدة وكالات متخصصة تابعة لهيئة
الأمم المتحدة.
لقد عمل المشرع المغربي من خلال مدونة الشغل على تنظيم النقابات الأكثر تمثيلا من خلال مادة
فريدة تحدث فيها عن المعايير المعتمدة لاكتساب صفة منظمة نقابية الأكثر تمثيلا ,و باستقراء مدونة
الشغل نجدها أولت للمنظمات النقابية الأكثر تمثيلا مجموعة من المزايا و الاختصاصات يمكن إجمالها
-النقابات الأكثر تمثيلا الحاصلة على أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات المهنية على مستوى
المقاولة أو المؤسسة لها الحق في تعيين من بين أعضاء المكتب النقابي بالمقاولة أو المؤسسة ممثلا أو ممثلين
نقابيين لها ,و حسب المادة 624من مدونة الشغل ,فان عدد الممثلين النقابيين يتراوح ما بين ممثل
واحد و 4ممثلين.
-في إطار دعم النهوض بالمفاوضة الجماعية والتشجيع على إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية ,فمن جهة الأجراء
فقط المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا التي لها الحق في إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية حسب المادة 946
24
إذ يتم تعيين 2 من مدونة الشغل ,تم أنها حسب المادة 949تدخل في تشكيل مجلس المفاوضة الجماعية
25
و تتمثل مهام هذا المجلس أساسا في تقديم اقتراحات من أجل ممثلين عن المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا
قد تم تنظيم هذا المجلس بمقتضى المواد من 303إلى 301من مدونة الشغل 24
مرسوم رقم 972.18.2صادر في 79من ذي القعدة 25 " 7829ديسمبر " 2118بتحديد عدد أعضاء مجلس طب الشغل والوقاية من 25
األخطار المهنية و طريقة تعيينهم و كيفية تسيير المجلس ,جريدة رسمية عدد 9215بتاريخ 27دو القعدة 2 " 7829يناير " 2119الصفحة 298
27
تنمية المفاوضة الجماعية ,و تقديم اقتراحات بشأن تشجيع إبرام اتفاقيات الشغل الجماعية وتعميمها ،و إبداء
الرأي حول تفسير بنود اتفاقية شغل جماعية كلما طلب منه ذلك.
-كما أن المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا تعتبر عضوا في مجلس طب الشغل و الوقاية من المخاطر المهنية
المحدث بمقتضى المادة 331من مدونة الشغل ,إذ يتم تعيين 94ممثلين عن المنظمات المهنية للمشغلين
26
و تتجلى مهام مجلس طب الشغل والوقاية من المخاطر المهنية في الأكثر تمثيلا ،تنتدبهم هذه المنظمات
تقديم اقتراحات وآراء من أجل النهوض بمفتشية طب الشغل ،والمصالح الطبية للشغل ،وفي كل ما يخص
-كما أن المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا يعهد إلى استشارتها بشأن مقاولات التشغيل المؤقتة كما تدخل في
تكوين اللجنة المختصة المتعلقة بمقاولات التشغيل المؤقتة إذ يتم تعيين 4ممثلين عن المنظمات النقابية للأجراء
إذن و كنتيجة لما سبق يمكن القول أن المشرع المغربي بمقتضى مدونة الشغل أعطى للتمثيلية النقابية أهمية
خاصة لم تكن تحضا بها في ظل ظهير , 9112و أصبحت هذه الأخيرة تتمتع بعدة مهام دوليا و كذا وطنيا
من خلال المهام الاستشار ية للنقابات الأكثر تمثيلا في مختلف المجالس المحدثة بمقتضى مدونة الشغل.
و قبل الانتقال للحديث عن الدور الذي تلعبه التمثيلية النقابية في تفعيل الحوار الاجتماعي كان لابد من
الخروج بمفهوم للتمثيلية النقابية في ظل غياب تعر يف لهذا المفهوم في مدونة الشغل التي أشارت فقط إلى
المعايير المعتمدة لتحديد النقابات الأكثر تمثيلا كما سبق الإشارة إلى ذلك ,إذ أن بعض الفقه المغربي اعتبر أن
26مرسوم رقم 829.18.2صادر في 79من دي القعدة 25 " 7829ديسمبر "2118بتحديد عدد أعضاء مجلس المفاوضة الجماعية و كيفية
تعيينهم و طريقة تسيير المجلس ,جريدة رسمية عدد 9215بتاريخ 27دو القعدة 2 " 7829يناير " 2119الصفحة 9
27مرسوم رقم 898.18.2صادر في 79من دي القعدة 25 " 7829ديسمبر "2118بتحديد تكوين و طريقة عمل اللجنة المختصة المتعلقة
بمقاوالت التشغيل المؤقت ,جريدة رسمية عدد 9215بتاريخ 27دو القعدة 2 " 7829يناير " 2119الصفحة 1
28
" المقصود بالنقابات الأكثر تمثيلا كل النقابات التي تعكس تمثيلا حقيقيا لعمال المهنة لتكتسب بفعل هدا
الوجود الحقيقي بين الأجراء اعتراف القانون بها ,اعتبارها منظمات مؤهلة لتمثيل المهنة في مواجهة السلطات
29
مسطرة الفصل التأديبي للأجير بين القانون المغربي و المقارن
مقدمة:
يعتبر قانون الشغل أهم قانون يحمي مصالح الأجير الطرف الضعيف في علاقات الشغل ،لذا فقانون
الشغل هو مجموعة من القواعد القانونية التي تكون قائمة بين المشغلين والأجراء الذين يشتغلون تحت
إشرافهم ورقابتهم مقابل أجر،ل كن حينما يتعلق الامر بفصل الأجير عن عمله يتعلق الامر هنا إما
لأسباب اقتصادية لا يمكن حلها إلا عبر مدة طو يلة أو عندما يختل الأجير لشرط من شروط
العمل التي اشترطها عليه مشغله أو تأخر أو تهاون في عمله أو لعدة أسباب أخرى ،فيتعرض الأجير
ففي ظل التطورات التي عرفها الشغل و سيادة التكنولوجيا الصناعية وحلولها محل القوة اليدو ية،
فإن الحصول على منصب شغل أصبح أكثر صعوبة وتعقيدا لا من حيت الخبرات المطلوبة في الأجير
أو من حيت التنافسية ال كبيرة حول كل منصب شغل من قبل أعداد كبيرة من العاطلين ،أضف
إلى ذلك التوجهات المتنامية ل كبر يات الشركات العالمية ولصغارها في تسريح أعداد كبيرة من العمال
في إطار مساعيها لإعادة الهيكلة المنبنية على التقليص من النفقات لأقصى حد ممكن لضمان نسب
عالية من التنافسية و تحقيق الإستمرار ية في جني الأرباح ،ونظرا لخطورة هذه العقوبة التأدبية على
الحياة المهنية للأجير فقد أحاطها المشرع المغربي بجملة من الضمانات طر يقا إجرائيا واجب الإتباع
لتوقيع عقوبة الفصل عن العمل سيكون دا وقع كبير على الأجير و يأخد الفصل الذي يتعرض له
30
الاجير صورتين الصورة الأولى صورة الفصل التأديبي الذي يتخده المشغل في حق الأجير المرتكب
لخطأ جسيم و الصورة التانية الفصل التعسفي الذي يقوم فيه المشغل بفصل الأجير حتى ولو لم
يرتكب أي خطأ.
وعلى هذا الأساس لماذا يتعرض الأجير للفصل من العمل.؟ و ما طبيعة الخطأ المرتكب من طرف
هذا الأخير الذي يجعله يفقد عمله من طرف مشغله.؟ وإلى أي حد توفق المشرع المغربي في بسط
للإجابة عن هذه الأسئلة المطروحة ارتأيت ان اتناول هذا الموضوع وفق التصميم التالي:
سأحاول من خلال هذين المبحثين بسط أهم القواعد و الإجراءات الواجب احترامها في حالة الفصل لارتكاب
الأجير لخطإ جسيم ،مع إلقاء نظرة مقارنة لأوجه مقاربة التشر يعات المغاربية لمختلف نقاط الفصل التأديبي.
من البديهي أن يتعرض الأجراء للفصل جراء أي خطأ من طرفهم ذاخل أورقة العمل كالسرقة و
افشاء السر المهني و التحرش الجنسي ...وهو ما يطلق عليه في قانون الشغل بالخطأ الجسيم (المطلب
الأول) ،ل كن المشرع المغربي قد أحسن صنعا حينما غل يد المشغل من اتخاذ قرار فصل الأجير
عن العمل جراء ارتكابه لأي خطأ كان وهو ما تحتم عليه اتباع مسطرتين عامة (المطلب الثاني)
31
المطلب الاول :الخطا الجسيم كسبب أساسي لإقاع الفصل التأديبي في حق الأجير
جرت العادة على أن إذا أخل الأجير بواجباته المهنية بعدم أداء العمل المطلوب منه بكل عناية أو ارتكب فعلا
يتعارض مع ما توجبه قواعد حسن النية أثناء تنفيذ التزاماته التعاقدية أو خالف مقتضيات النظام العام أو
عارض أوامر مشغله أو أي شخص أخرله سلطة القيام بذلك أو منع الأجراء الأخرين من أداء عملهم مثلا كأن
يقوم باحتجاجات ذاخل مقر العمل وخارجه ،فإن ذلك يرتب مسؤولية تجاه مشغله ويسمح لهذا الأخير بأعمال
سلطته التأدبية المبنية على نظر ية التبعية القانونية التي ينتج مباشرة عن عقد الشغل ،ومن أجل ضمان إستقرار
علاقة الشغل وازدهارها عمل المشرع على تركيز الحر ية المطلقة للمؤاجر ولم يتركهم يستعملوا هذه السلطة وقت ما
شاءوا.
وتندرج أنواع العقوبات المخولة للمشغل إيقاعها على الأجير المخطأ تبعا لطبيعة وحجم الخطأ غير الجسيم
المرتكب من طرف الأجير حسب ما نصت على ذلك المادة 32و 38من مدونة الشغل وفضلا
عن هذه العقوبات التأديبية فإن المشغل له سلطة فصل الأجير فصلا تأديبيا في حال ارتكاب هذا
وقد ذهبت العديد من التشر يعات إلى مساءلة الأجير عن خطأه وإذا كان ناتجا عن إهمال منه
باعتباره ملزما ببذل ما يمكنه من تبصر وحيطته وهو ما نصت عليه المادة 289/18من قانون العمل
المصري الجديد وهو ما يأخذ به كذلك في ظل القانون اللبناني من خلال المادة 434التي تقضي بأن
الأجير لا يكون مسؤولا عن خطإه فقط بل يسأل عن إهماله وقلة تبصره وعدم حيطته.29
أما في إطار التشر يع المغربي فرغم انه لم يعطي تعر يفا للخطأ الجسيم إلا أنه حدد بعض الحالات
اعتبرها نماذج عن الأخطاء الجسيمة أوردها في المادة 31من مدونة الشغل على سبيل المثال لا
فادح "....وبقراءة الخطأ المنصوص في المادة 31من مدونة الشغل خاصة الفقرة 91منها ومقارنة
بالأخطاء الجسيمة 96التي نص عليها الفصل السادس من ظهير 68نجد أن المشرع في المدونة قيد
بعض الأخطاء التي كانت عامة ومنها الحكم الصادر عن المحاكم العادية ،وحصر السبب في ارتكاب
جنحة ماسة بالشرف و الأمانة و الأداب العامة على أن يصدر بشأنها حكم نهائي وسالب الحر ية.
وما يلاحظ من جديد في مدونة الشغل أن المشرع ربط بعض الأفعال بالنتائج التي يمكن أن تترتب
عنها في تكييف أخطاء على أنها جسيمة أي أنها ترتبط بالنتيجة التي أدت إليها ومدى خطورتها،
بحيت مثلا يجب أن ينتج عن إفشاء السر المهني ضرر للمقاولة أو أن عدم مراعاة حفظ الصحة و
السلامة أدى إلى خسارة وترتب عنه ضرر بتجهيزات ومعدات المؤسسة ،وقد أضافت المدونة بعض
الأخطاء التي اعتبرتها جسيمة كتعاطي مادة مخذرة و التحر يض على الفساد ،وهذا التوجه الجديد
كذلك قد يطرح إشكالات على مستوى التطبيق إذ قد يحصل التحر يض على الفساد من زميل
للأجيرة وليس للمشغل الصفة في رفع الدعوة ،ويمكن أن يكون التحر يض على الفساد من أجير
لمشغلته ،إلا أن الأكثر شيوعا هو التحر يض من قبل المشغل ضد الأجيرة نظرا لمركزه وسلطته،ففي
حالة مغادرة الأجيرة للعمل بعد أن تبين تحر يضها على الفساد يكون الفعل تعسفيا وموجبا
للتعو يض،إن الفصل التأديبي باعتباره فعلا مشروعا يفقد الأجير ل كثير من حقوقه وامتيازاته ،لذلك
حرص المشرع على إحاطته بمجموعة من الضمانات ،فأين تكمن هذه الضمانات؟ هذا ما سأتصدى له
33
شهدت مسطرة لفصل عن العمل العديد من التطورات في ظل مدونة الشغل الجديدة بالمقارنة مع ما كان عليه
الوضع في ظل النظام النمودجي الذي كان الفصل 4منه هو المنظم لمسطرة الفصل عن العمل في قطاعات
الصناعة و التجارة و المهن الحرة ،أما فصل العمال في قطاع الزراعة فكانت تؤطره مقتضيات قانونية خاصة
(مرسوم 4فبراير )9121وكذلك الشأن بالنسبة لمستخدمي مقاولات القطاع العام (الفصل 16من مرسوم
96نونبر .)9143إذ أنه بعد مصادقة المغرب على الإتفاقية الدولية للشغل رقم 918بموجب ظهير 9113و
المنظمة لمسطرة خاصة ،دقيقة وجديدة للفصل عن العمل سعى المغرب إلى جعل تشر يعه الذاخلي مطابقا لتلك
الإتفاقية ،من خلال إدراج أهم مقتضياتها في المادة 41وما بعدها من مدونة الشغل لإحاطة الفصل التأديبي
بجملة من الإجراءات الواجب على المشغل احترامها وإلا اعتبر الفصل تعسفيا.
وقد نظمت المسطرة العامة للفصل التأديبي التي تهم عموم الأجراء مدونة الشغل في موادها
(.)41_46_43_41ونظرا لما يتمتع به المشغل من سلطة تأديبية فإنه إذا تبث له كون الأجير
ارتكب خطأ جسيم فإن له حق فصله عن العمل ،ونظرا لخطورة هذه العقوبة على الأجير الذي يجد
نفسه دون عمل تدخل المشرع و أنشأ قاعدة تتمحور في أن المشغل الراغب في الفصل التأديبي عليه
قبل اتخاد هذا القرار التقييد ببعض الإجراءات الشكلية التي نصت عليها المدونة في المواد 41_41
ونميز في إطار هذه الإجراءات بين مرحلتين مرحلة الإستماع إلى الأجير(الفقرة الأولى)،ومرحلة
في هذا الإطار نصت مدونة الشغل في الفصل 41على وجوب أن تتاح للأجير فرصة الدفاع عن
نفسه قبل فصله وذلك بالإستماع إليه من طرف المشغل أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء
34
او الممثل النقابي بالمقاولة الذي يختاره الأجير بنفسه وذلك ذاخل أجل لا يتعدى 8أيام من التاريخ
الذي تبين فيه ارتكاب الفعل المنسوب إليه و يحرر محضر في الموضوع من قبل إدارة المقاولة يوقعه
الطرفان وتسلم نسخة منه إلى الأجير وإذا رفض أحد الطرفين إجراء أو إتمام المسطرة يتم اللجوء إلى
مفتش الشغل.30ولقد كان موقف المشرع المغربي إ يجابيا عند تخو يله للأطراف المتنازعة فرصة لمحاولة
فض النزاع حبيا ،خاصة ما يمكن أن ينجم عن هذا الحوار و الإستماع من تفهم المشغل لحقيقة
الوضع وأيضا للظروف الدافعة بالأجير لإرتكاب الفعل المنسوب إليه.وذلك على غرار المشرع
الفرنسي الذي لم يقف عند حدود إلزام المشغل بالإشعار بالطرد بل ألح على ضرورة إجراء حوار بين
الطرفين قبل اتخاذ أي قرار بالطرد وهكذا ألزمت المادة 96_911المشغل أو ممثله الذي ينوي تسريح
الأجير قبل اتخاذ أي قرار باستدعاء المعني لإجراء المقابلة الأولية بين المشغل و الأجير المعني بعد
مرور 1أيام من تاريخ توصل الأجير بالإستدعاء ،وقد نص القانون الفرنسي على اللقاء الذي يجر يه
صاحب العمل مع الأجير ليستعرض فيه المشغل على الأجير الأخطاء التي ارتكبها ويتلقى منه
الإجابات ،وتعتبر مسطرة الإستماع إلى الأجير هي جوهر المسطرة لأن لقاء المشغل بالأجير يمكن أن
يوضح له أمورا كانت غائبة عليه وأنه في إطار دفاع الأجير عن نفسه يمكن أن يقدم لمشغله جميع
بعد تبوت ارتكاب الأجير للخطأ الجسيم وبعد سلوك مسطرة الإستماع إليه وتمكنيه من الدفاع عن نفسه بحضور
ممثل العمال وتحرير محضر بذلك يوقع عليه الطرفان يتم اللجوء مباشرة إلى ما يسمى بمسطرة تسليم مقرر الفصل
إلى الأجير.
يمكن أن أعرف مقرر الفصل بأنه محرر كتابي يكون على شكل رسالة أومقرر يسلمه المشغل للأجير يبين له فيه
الأسباب التي أدت إلى فصله عن العمل،وكذلك جعلها المشرع الوسيلة التي يعلم بها بموجبها الأجير بفصله عن
العمل ،وهو ما أكده المجلس الأعلى في قراره ..."9911الغاية من اشتراط المشرع أن يكون الطرد برسالة
مضمونة الوصول أو تسليم الأجير نسخة يدا بيد هو علمه بالطرد وسببه"...
"...يجب أن يتضمن مقرر فصل الأجير للأسباب المبررة لإتخاذه،وتاريخ الإستماع إليه،مرفقا بالمحضر
المشار إليه في المادة 41أعلاه.31"..وعليه نجد أن المشرع قد أوجب من خلال هذه المادة على رب
العمل أن يتضمن في مقررالفصل الموجه للأجير الأسباب و المبررات التي تجعله يتخد ذلك القرار
بفصله عن العمل كما يجب أن يتضمن ذلك المقرر تاريخ الإستماع للأجير وذلك في إطار المادة 41
و يجب ذكر كل الأخطاء المنسوبة إليه بدقة حتى تتمكن المحكمة من بسط رقابتها على السلطة التأديبية
للمشغل ،ومسألة التنصيص على الأخطاء المنسوبة للأجير في مقرر الفصل حرص عليها القضاء
المغربي حتى قبل صدور المدونة ويتجسد ذلك من خلال ما أكد عليه المجلس وذلك خلال قراره
الصادر بتاريخ 9111/44/93عدد 914الذي جاء فيه...":فإن رسالة الفصل التي يوجهها رب
العمل بصورة للأجير يجب أن تتضمن بصفة واضحة أسباب الطرد وتار يخه ."...وفي الأخير يجب أن
تتضمن من خلال التنصيص على أجال تسعين يوما في المقرر حتى يتمكن الأجير من رفع دعواه ضد
ز يادة على ذلك يجب إرفاق مقرر الفصل بصورة من محضر الإستماع المشار إليه في المادة 41من
مدونة الشغل.
كان المشرع المغربي ينص في إطار النظام النموذجي على أن المشغل أو المؤاجر ملزم بتسليم مقرر الفصل للأجير
يدا بيد مع إرسالية له مرة تانية بواسطة البريد المضمون مع إشعار بالتوصل وهو ما تراجع عنه في ظل مدونة
الشغل (قانون )41-11رغبة منه في تبسيط الإجراءات حيت اكتفى المشرع بإحدى الوسيلتين أي إما تسليم
المقرر يدا بيد أو رسالة بواسطة البريد المضمون مع إشعار بالتوصل وبإلقاء نظرة على التشر يعات المقارنة نجد أن
المشرع الجزائري كذالك نص على أن العامل الذي يتعرض للتسريح التأديبي يجب أن يتم إبلاغه بصفة رسمية
وكتابية بقرار الفصل سواء كان ذلك الفصل بإشعار مسبق وتعو يض التسريح أو بدونهما وذلك ما نصت عليه
الفقرة التانية من الفصل 1/23من قانون رقم 99-14و التي جاء فيها...":يجب أن تنص هذه الإجراءات
وكما نلاحظ أن المشرع أوجب على المشغل أن يوجه نسخة من المقرر إلى العنوان المكلف بتفتيش
الشغل دون أن يلزمه باتباع طر يقة خاصة للتيليغ و بخصوص أجال إصدار مقرر الفصل نلاحظ أن
المشرع المغربي لم يحدد أجالا معينة يتوجب على المشغل أن يتقيد بها لإصدار قراره بفصل الأجير
من العمل ،ونقصد هنا الأجال بين ارتكاب الفعل أو الخطأ الجسيم من طرف الأجير وبين وقت
إصدار مقرر الفصل ،وهذا عكس ما ذهب إليه المشرع الفرنسي حيت نص في مادته 96-9على أن
رسالة الفصل يجب أن توجه إلى الأجير في أجل أقصاه شهر بعد تاريخ إجراء أول حول الفصل.
أخرى وسيلة تبين مدى احترام المشغل لشكليات الفصل ،وإذا كان المبدأ أو القاعدة هو احترام
شكليات مسطرة الفصل بكاملها حتى يكون الفصل مستوف لشروطه القانونية،إلا أن هناك بعض
الإستثناءات يمكن من خلالها أوتوفير شروطها أن يعفى المشغل من تبليغ مقرر الفصل وهي حالة
المغادرة التلقائية للعمل من قبل الأجير وكذا حالة المرأة الحامل المنصوص عليها في المادة 911من
مدونة الشغل التي سنقف عندها لدى دراستنا لمسطرة الفصل الخاصة بالمرأة الحامل.
بتصريح المادة 61من مدونة الشغل وخاصة الفقرة الأخيرة منها والتي تنص على أنه":تخضع لمراقبة
السلطة القضائية القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسته للسلطة التأديبية
ورغم ذلك وبعد سنة 9129اتجه المجلس الأعلى في اتجاه مخالف للمدونة ،حيت بدأ يتخذ قرارات
مخالفة تماما للقرار السابق تزكية لمبدأ الحماية الممنوحة للأجير بمقتضى القانون وفرضت الرقابة على
فالقرار عدد 411أكد أن المحكمة لا يمكن أن تناقش إلا أسباب الطرد الواردة في الرسالة نفس
التوجه سار عليه المشرع بعد صدور مدونة الشغل سنة 1446حيت أكد في قراره 696على أن
المحكمة في جميع الأحوال لا تكون ملزمة بمناقشة كل الأخطاء الواردة برسالة الفصل والتي نسبتها
المشغلة لأجيرها ،ل كن يتعين عليها التقييد بها و يكفيها اعتماد إحداها فقط متى كان جسيما لتبرير
الطرد فرسالة الفصل أو الإعفاء كما هو على لسان الفقيه هي التي ترسم حدود و إطار النزاع بين
38
واستناذا لما سبق يمكن أن نؤكد على أن الرقابة القضائية على مقرر الفصل هي مقيدة بدورها وليس
مطلقة وهذا التقييد بها يظل يفرضه المشرع نفسه سواء من خلال الفصل 4من تانظام النموذجي
إن المقصود بالأجير "المحمي" هو ذلك الذي أفرد له المشرع قواعد قانونية خاصة وذلك إما لصفة فيه أو بغض
النظر لوضعية صحية يوجد عليها ،وإذا هذه الحماية في ظل التشر يع القديم قد همت مندوب الأجراء والأجيرة
الحامل ،فإن ما يلاحظ في ظل مدونة الشغل هو أن هذه الحماية امتدت أيضا لتشمل طبيب الشغل
بدوره.وعلى اعتبار هذا الأخير ة الأول يوجدان في وضعية خاصة بالمقاولة فمندوب الأجراء باعتباره المدافع
عن الأجراء قد يتعرض للمضايقات من طرف المشغل الذي يسعى عادة إلى الحفاظ على السلطة التأديبية التي
يتمتع بها بعيدا عن أي عقبات قد تحد من سلطته ،أما طبيب الشغل فباعتباره ملزما بأداء مهمته بكل استقلال
وحر ية وأن لا يراعي في ذلك إلا اعتبارات خاصة بمهنته فإنه يتعرض بدوره للمقتضيات من طرف
المشغل.وبالنسبة للأجيرة الحامل فاعتبارا لحالتها الجسمانية و الصحية خلال تلك الفترة أفرد لها المشرع حماية
خاصة.
وعلى هذا المنوال سأتناول الحالات التي نصت عليها مدونة الشغل في (الفقرة أولى) ومعالجة
إشكاليات الفصل التأديبي بالنسبة لبعض المقاولات وفق الأنظمة الأساسية أو بمقتضى الإتفاق في
(الفقرة تانية)
39
جاءت مدونة الشغل تنبه المشرع للتفوهة التي أوجبته المادة 393من أن يكون كل إجراء تأديبي يعتزم المشغل
أو رئيس المصلحة الطبية المشتركة بين المقاولات اتخاذه في حق طبيب الشغل موضوع قرار يوافق عليه العون
والواضح أن المشرع قد سوى بين جميع حالات الإجراءات التأديبية سواء كان موضوعه الفصل أم
مجرد إنذار أو توبيخ أو نقل واشترط فيها جميعا وجوب موافقة العون المكلف بتفتيش الشغل على
الأجراء المزمع اتخاده أيضا استشارة الطبيب مفتش الشغل وقد ذهب بعض الفقه إلى القول أن
جزاء خرق هذه المقتضيات سيجعل لا محالة الأجراء المتخد غير مبرر ويمكن إلغاؤه أو اعتباره فصلا
:9مندوب الأجراء
أوجب المشرع على جميع المؤسسات التي تشغل اعتياديا مالا يقل عن عشرة أجراء دائمين أن تنشئ نظاما تمتيليا
للأجراء في شخص مندوب الأجراء والذين تتمثل مهمتهم وحسب المادة 6من مدونة الشغل":في تقديم جميع
الشكايات الفردية المتعلقة بظروف الشغل الناتجة عن تطبيق تشر يع الشغل أو عقد الشغل واتفاقية الشغل أو
النظام الذاخلي إلى المشغل وإذا لم تقع الإستجابة لها مباشرة أحيلت تلك الشكايات إلى العون المكلف بتفتيش
الشغل إذا استمر الخلاف بشأنها ونظرا لهذا الدور الحساس الذي يقوم به مندوب الأجراء ذاخل المقاولة فقد
أوجب المشرع لفصله عن العمل إتباع مسطرة خاصة جدا تفاديا لكل ما من شأنه أن يؤدي إلى التعسف في
وهكذا بمقتضى الفصل 91من ظهير 9141/94/11المتعلق بتمثيلية الأجراء ذاخل المؤسسات
الصناعية و التجار ية و الفلاحية و المنجمية وأجراء الإنتخابات ألزم المشرع رب العمل بأن يكون
40
كل نقل أو طرد مؤقت أو نهائي أونهائي تقرره مدير ية المؤسسة بشأن كل مندوب من المستخدمين
رسميا أو نائب الأجراء يجب عرضه فورا على نظر العون المكلف بتفتيش الشغل الذي يبدي رأيه
معللا بالأسباب ،أما مدونة الشغل فتجاوزت الجدل الذي أثارثه المادة 91السالفة الذكر حول مدى
اعتبار رأي مفتش الشغل إلزاميا أو اختيار يا،بأن أقرت من خلال ما نصت عليه المادة 612من
مدونة الشغل ":يجب أن يكون كل إجراء تأديبي،يعتزم المشغل اتخاده في حق مندوب الأجراء أصليا
أو نائبا،موضوع مقرر يوافق عليه العون المكلف بتفتيش الشغل "..إلزامية الموافقة الصر يحة لمفتش
الشغل على مقرر الفصل مما يفيد بمفهوم المخالفة أن أي تجاوز لهذه الموافقة سيجعل الفصل غير
مبرر،و يفتح الباب أمام المحكمة لتقدير وجود عناصر التعسف في إنهاء عقد الشغل.
:1الممثل النقابي
منح القانون للنقابة الأكثر تمثيلا و التي حصلت على عدد أكبر من الأصوات في الإنتخابات المهنية الأخيرة
داخل المقاولة أو المؤسسة الحق في تعيين ممثلين نقابيين لها من بين أعضاء المكتب النقابي وتنحصر مهمة الممتل
النقابي حسب المادة 629من مدونة الشغل فيما يلي...":تقديم الملف المطلبي للمشغل أو من ينوب عنه و
الدفاع عن المطالب الجماعية و أجراء المفاوضات حولها و المساهمة في إبرام الإتفاقية الجماعية.33"..
و بخصوص مسطرة فصل الممثل النقابي الذي تبت أنه ارتكب خطأ جسيما فإن المشغل يسلك معه
نفس المسطرة المقررة بخصوص فصل مندوب الأجراء ،وهو ما نصت عليها المادة 621على اعتبار
الممثل النقابي أجيرا محميا يستفيد من نفس الحماية التي يستفيد منها مندوب الأجراء ،أما بالنسبة
للمشرع التونسي فقد سار في نفس اتجاه نظيره المغربي من خلال تأكيده على ضرورة سلوك هذا
الإجراء الذي ورد بالفصل 944من مجلة الشغل التونسية..":كلما اعتزم المؤجر طرد عضو رسمي أو
عرض ذلك على تفقدية الشغل المختصة تربيا و يكون ذلك بالنسبة لأعضاء اللجنة الإستشار ية للمؤسسة
بعد أخذه رأي هذه الأخيرة ويبدي مفتقد الشغل رأيه معللا في أجل لا يتجاوز 94أيام من تاريخ
تعهده و يعتبر تعسفيا إذا تم دون احترام الإجراءات المنصوص عليها بالفقرة الأولى من هذا
34
الفصل"....
ونشير في الأخير أن هذه المسطرة الخاصة بفصل الأجراء عن وجوب اتباع المسطرة العامة المقررة
بمقتضى المواد 41وما بعدها من مدونة الشغل ولا سيما ما يتعلق بالإستماع إلى الأجير وإتاحة
الفرصة له للدفاع عن نفسه قبل اتخاد أي قرار،وبالتالي نعتقد وفي إطار التنسيق بين مسطرتين أن
المسطرة العامة تطبق أولا تم بعد ذلك تطبق في حقه المسطرة الخاصة ما دام أن صفته كمندوب
أجراء لا تنفي عن صفته كأجير وبالتالي عدم حرمانه من حقه في الدفاع عن نفسه كما هو منصوص
يجب الإشارة هنا أنه بخصوص المقتضيات الواردة بمدونة الشغل الجاري بها العمل حاليا هو أنه إذا زادت
غيبة الأجيرة الحامل 14يوما وإن كان ذلك بسبب مرضها الذي نتج عن العمل أو النفاس وتجاوزت مدة
الغياب 984يوما ولو أتبتتها شواهذ طبية فإنه يمكن للمشغل أن يعتبرها في حكم المستقلية من عملها طبقا للمادة
121من المدونة ما لم يكن قد وقع اتفاق بينهما لإستفاذتها من عطلة غير مدفوعة الأجر لمدة سنة لتربية
مولودها إضافة إلى أنه حتى في حالة تبوت ارتكابها لخطأ جسيم فالمشرع ألزم المشغل بعدم تبليغه الأجيرة قرار
الفصل أثناء فترة التوقف فهل ذلك يعني إعفاءها من مسطرة الإستماع.؟
المواد 41وما يليها من المدونة ،وهذا ما تمت الإشارة إليه كاستثناء على مبدأ تسليم مقرر الفصل.
الفقرة التانية :مسطرة الفصل بالنسبة لبعض المقاولات بمقتضى الأنظمة الأساسية أو بمقتضى
الإتفاق
أفرد المشرع قوانين لبعض المقاولات نظرا للإختلاف الذي يوجد بينهما سواء من حيت تنظيمها أو من حيت
الأهداف التي أنشأت من أجلها واعتبر هذه القوانين الضابط المنظم للعلاقة فيما بينها وبين أجراءها وإذا كان
ال كتير منها قد تم نسخه بمقتضى مدونة الشغل فإنه بالرجوع للمادة 3من المدونة نجدها تنص على ما يلي..":تظل
فئات الأجراء التي ذكرها_9:أجراء المقاولات و المؤسسات العمومية التابعة للدولة المحلية _1البحارة _3
الصحفيون المهنيون_6،أجراء المقاولات المنجمية _1أجراء الصناعة السينمائية _4البوابون في البنايات المعدة
للسكن خاضعة لأحكام الأنظمة الأساسية المطبقة عليها و التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تقل عما
تنص عليه مدونة الشغل من ضمانات ،تخضع الفئات المذكورة أعلاه لأحكام هذا القانون في كل ما لم يرد
النص عليه في الأنظمة الأساسية المطبقة عليها "...مما يعني أن الأنظمة الأساسية للفئات المشار إليها أعلاه لم
تنسخ و أن العمل بها لا يزال سار يا و أنه في نفس الوقت تطبق عليهم المدونة فقط في كل ما لم ينص عليه من
نظامه الأساسي ،و بالتالي كان لابد من إعطاء لمحة سر يعة عن القانون المنظم لبعض تلك الفئات.
فيحكمها مرسوم 9141/91/91الذي نص في فصله الرابع والخامس على أن الإعفاءات لا يمكن أن تتم إلا
بالنسبة للبحارة:
43
فهم يخضعون للقانون البحري هذا الأخير نص في فصله 149مكرر على أن فسخ عقد الإستخدام المبرم لمدة
غير محدودة يباشر في موانئ المغرب بإ يحاز من أحد المتعاقدين عند انصرام أجل سابق الإعلام المحدد.
فهم يخضعون لظهير 9144/91/16بشأن النظام الأساسي لمستخدمي القاولات المنجمية هذا الأخير تطرق
للإعفاء في جزئه الرابع المتعلق بالعقوبات و الإعفاءات و الإستقالة ولا سيما الفصل 1منه و الذي حدد
العقوبات ونص على أنها يجب أن تبلغ كتابة مع بيان الأسباب و أن جميع العقوبات باسثثناء التوبيخ و التوفيق
لا تصبح نافذة المفعول في حالة النزاع إلا بعد دراستها من طرف الفرع المختص للجنة النظام الأساسي و
المستخدمين
فهم يخضعون لظهير 9111/41/11المتعلق بالنظام الأساسي للصحافين ومن خلال إلقاء نظرة على مقتضيات
هذا الظهير الذي يتضمن 11مادة فقط نلاحظ أن المشرع لم يخصص أية قواعد شكلية خاصة بإعفائهم و إنما
فالقانون المنظم لهم هو ظهير 9122/94/48المتعلق بتعهد البنايات وتخصيص مساكين البوابين المعدة للسكن
والملاحظ بشأن هذا الظهير أيضا أنه لم ينظم أية مسطرة شكلية للفصل وإنما أحال هو الأخر بمقتضى الفصل
91منه على التشر يع الخاص بالشغل و بأن هذا الأخير هو المطبق على البوابين.
وهكذا نلاحظ أن المشرع شرع مساطر وقوانين خاصة هذه الفئات السالفة الذكر التي تنظمهم وتبين
لكل شخص من هذه الفئات أن يلتزم بما يطبق عليه ،وإذا كان هذا ما شرحته وتطرقت له بالتفصيل
44
الذي يتعلق بالأسباب المبررة للفصل التاديبي ومسطرته في المبحت الأول سأشرح كذلك مدى
إن قراءة في مدى توفق المشرع المغربي في توفير الحماية القانونية للأجير قد يتعرض للفصل يفرض التطرق
للإشكالات التي تطرحها مسألة إلزامية مسطرة الفصل التأديبي،هذه الإشكالات التي تناولها كل من الفقه و
القضاء المغربيين عبر مجموعة من الأراء الفقهية و الإجتهادات القضائية،هذا ما سأحاول تناوله من خلال
المطلبين التاليين:
قبل التطرق إلى مختلف الإتجاهات الفقهية التي أثارت النقاشات التي أفرزتها مسطرة الفصل التأديبي،حري بي
أن أذكر ما جاء في الفقرة الأخيرة من المادة 41من مدونة الشغل التي تنص على ما يلي..":إذا رفض أحد
الطرفين إجراء أو إتمام هذه المسطرة يتم اللجوء إلى مفتش الشغل.35"..ومعنى ذلك أن المشرع لم يرتب أي جزاء
والحال أن الفقرة الأولى قد جاءت بصيغة الوجوب وألزمت المشغل بإتاحة الفرصة للأجير من أجل الدفاع
عن نفسه و الإستماع إليه،وأن ما يؤكد صيغة الوجوب هو ما نصت عليه مقتضيات المادة 46التي تنص على
أنه..":يجب أن يتضمن مقرر فصل الأجير الأسباب المبررة لإتخاده وتاريخ الإستماع إليه مرفقا بالمحضر المشار
إليه في المادة ،41وبناء عليه أستنتج أن صيغة النص جاءت معيبة لوجود تناقض بين الفقرة الأولى من المادة
41التي جاءت بصيغة من الوجوب و الفقرة الأخيرة حيت خولت إمكانية لجوء الأطراف إلى مفتش الشغل
في حالة إذا رفض أحد الأطراف إجراء أو إتمام هذه المسطرة،وسيستشف من ذلك أنها لم ترتب أي جزاء
والحال أن هناك تناقضا بين الفقرة الأولى و الفقرة الأخيرة من المادة المذكورة.
الإتجاه الأول :إتجاه معتدل مرن يتجاوز إجراءات المسطرة إلى البحت في طبيعة الخطأ المرتكب من
قبل الأجير،و يعتبر الطرد من قبل التعبير عن إرادة منفرذة ،وأن مقرر الفصل قد يصدر بشكل
كتابي أو شفوي ،فمن وجهة نظر أصحاب هذا الإتجاه أن المشرع لم يجعل الكتابة ركنا لوجوب الإشعار
بالطرد وإنما هي شرط الإتبات فقط ،حيت يمكن تعو يضها بوسيلة أخرى ،إذ أن العبرة من سلوك
الإتجاه التاني :هو اتجاه متمسك بحرفية النص و يقول على أن المشرع لم يضع هذه المقتضيات عبثا
وإنما جاءت بشكل إلزامي وذلك من خلال بعض العبارات التي ساقها مثل :يجب_لا يمكن_ وغيرها
مما جاء في المواد 41و 43و 46و ،41من مدونة الشغل رغبة من المشرع في حماية حقوق الأجير
حيت أنه إن لم تكن هناك رسالة طرد فلن يكون هناك تحديد للوقائع ولا للأسباب مما يفسح المجال
لرب العمل ليتعسف في طرد الأجير ،و بالتالي فإن خرق المشغل للمسطرة يجعل من طرد الأجير
طردا تعسفيا ،وهكذا يرهن هذا الإتجاه حماية الأجير بمدى احترام مسطرة الفصل التأديبي.
الإتجاه التالث :استقر هذا الإتجاه على وجوب الإشعار بالطرد في كل الأحوال سواء ارتكب الأجير
خطأ جسيم أم لا ،ما عدا إذا تعدر ذلك لسبب قاهر بالرغم مما لاحظه ممثلوا هذا الإتجاه من
والواقع أنه لا يمكن إنكار أن بعض الأخطاء التي قد يرتكبها الأجير قد تكون من الحدة بحيت تلحق
أضرار خطيرة بالمؤسسة التي يعمل فيها ،ومع ذلك فإن المشغل إذا أغفل أحيانا احترام المسطرة التي
تستلزمها مدونة الشغل في موادها السابقة إما عن جهل أوعدم اهتمام فإنه يواجه من طرف المحكمة
46
بكونه خرق المسطرة فيعتبر الفصل الذي أوقعه على الأجير تعسفيا ،رغم أنه من الحيف اعتبار هذا
الطرد تعسفيا
أما بخصوص القضاء فسيتم معالجته من خلال تلاث فقرات:موقف محاكم الموضوع في(الفقرة الأولى) و
موقف المجلس الأعلى سابقا و الذي هو محكمة النقض حاليا في(الفقرة التانية) وبعض مواقف القضاء المقارن
في(الفقرة التالثة)
إن الرقابة القضائية على إجراءات الفصل التأديبي التي تشمل في إطارها مرحلة الإستماع إلى الأجير المرشح
للفصل عن العمل وكذا مرحلة تسليم مقرر الفصل تعتبر مبدأ أساسي نصت عليه عدة نصوص قانونية كالإتفاقية
الدولية رقم 918والقانون الفرنسي وكذلك مدونة الشغل المغربية ،والهذف من هذه الرقابة هو الحد من سلطة
المشغل في فصل الأجير بكل حر ية إلا أن بعض الفقه يرى بأن هذه الرقابة غير فعالة في حين أن القضاء
الإجتماعي المغربي أو القضاء المقارن أولى هذه الرقابة كامل عنايته واهتمامه ،وعلى الرغم من أن المشرع لم
يرتب أي جزاء في حالة عدم احترام رب العمل للإجراءات الواجبة الإتباع قبل فصل الأجير إلأ أنه من
المعلوم أن كل قاعدة قانونية لا يجب أن تكون مقرونة حتما بالجزاء حتى يضمن لها التطبيق و الإحترام،بل إن
الجزاء يرتبه القاضي في نطاق القواعد العامة أو الخاصة للمسؤولية إذا ظهر له تضررر أحد الأطراف من جراء
ومن هذا المنطلق فإن الجهة التي يتم اللجوء إليها من طرف الأجير عندما يواجه بالطرد بداية هي
المحاكم الإبتدائية ،حيت يكون على القاضي الإبتدائي تقدير و التأكد من مدى جسامة الخطأ الذي
47
ارتكبه الأجير ومدى واقعيته ومدى ملائمة الجزاء له من جهة ،تم هل هو من ضمن ما نصت عليه
في ظل النظام النموذجي الذي كان معمولا به في السابق أثارت مسألة اعتبار مقرر الفصل شرط صحة أم
مجرد وسيلة إتبات جدلا كبيرا،فكان توجه المجلس الأعلى قبل سنة 9126يذهب في اتجاه اعتبار مقرر الفصل
وسيلة إثبات ،توجه ستتغير معالمه بعد ذلك إلى اعتبار المقرر شرط صحة،وذلك من خلال قراره عدد 311
الصادر بتاريخ 9124/41/14و الذي جاء فيه" :المحكمة كانت على صواب حين صرحت أن طرد أي عامل
يستوجب إتباع المسطرة حيت أشار إلى وجوب إعلام الأجير ومفتش الشغل وأنها في نطاق سلطة تقدير الحجج
الموكولة إليها،اعتبرت أن ليس في وثائق الملف ما يتبت أن الطاعنة قد طبقت المسطرة بل اعتبرت أن الفصل
يكون تعسفيا في عدم بيان أسبابه وبأن المؤاجر لم يتوصل بأي إشعار عن فصله،و بعد توصله به يعتبر المشغل
فاسخا للعقد فسخا تعسفيا"هذا بخصوص موقف المجلس الأعلى ،أما بخصوص موقف القضاء المقارن فسأتطرق
لقد سار القضاء التونسي على نفس نهج القضاء المغربي حيت أكد على إلزامية مسطرة الفصل التأديبي حيت
اعتبر الفصل تعسفيا حتى ولوثبت الخطأالجسيم في حق الأجير إذا جاء قرار الفصل غير مراعي للإجراءات
المنصوص عليها في القانون والتي يوليها القضاء أهمية كبرى وجعل رقابة مشددة على مدى احترام يطبيق
مقتضيات هذه المسطرة وهكذا ذهبت محكمة التعقيب التونسية في قرارها عدد 999186الصادر بتاريخ
9188/94/19إلى"أن يشكيل المجلس 1أعضاء عوض 4أعضاء فيه إخلال من شأنه حرمان العامل من
48
كما اعتبرت محكمة التعقيبي من خلال قرارها " 93119أن طرد العاملة دون استدعائها للمثول أمام
المجلس التأديبي الذي أصدر قراره في غيابها بإعفائها من العمل بمثابة طرد تعسفي.
نخلص إلى اعتماد القضاء التونسي لإجبار ية احترام إجراءات مسطرة الفصل التأديبي وأن أي
إخلال بأي جزء منها يؤدي إلى اعتبار الفصل تعسفيا ويستوجب التعو يض.
أما إلى القضاء الفرنسي الرائد في مجال السهر على احترام النصوص القانونية المخولة للحماية القانونية
للأجراء باعتبارهم الطرف الأضعف في علاقات الشغل فقد أكد بدوره على مدى إلزامية احترام
مسطرة الفصل التأديبي وعدم الإخلال بها حماية لحقوق الأجراء ،إلا أن القضاء الفرنسي لا يعتبر
الإخلال بالمسطرة موجبا لتكييف الفصل على أنه فصل تعسفي وإنما على أنه فصل غير نظامي أو غير
قانوني.
خاتمة
وفي خلاصة القول يمكن القول بأن الأجير الطرف الضعيف في علاقات الشغل يتعرض للطرد من
طرف مشغله سواء ارتكب لخطأ جسيم أو لم يرتكب أي خطأ،لهذا السبب تذخل المشرع المغربي
وفرض قيودا على المشغلين كي لا يطبقوا على الأجراء تعسف غير قانوني وطرده من العمل ،وعليه
فقد توفق المشرع في فرض سيطرته على المشغلين اللذين يتجاوزون حدودهم أحيانا،فرغم هذه
الإمتيازات التي منحها المشرع للأجراء نجد العديد من المؤاجرين عاطلين عن العمل بسبب الفصل
الذي يتعرض له الأجراء عادة من طرف المشغلين لعدة أسباب وعلى هذا الأساس هل توفق المشرع
المغربي أيضا في إ يجاد حل للأجراء اللذين يتعروضون للطرد لأسباب اقتصادية من طرف المشغلين.؟
49
الحماية القانونية للمرأة العاملة في التشر يع الليبي
مقدمة
عرفت ليبيا خلال العقود الأخيرة تحولات أساسية مست مختلف المجالات الاقتصادية
والاجتماعية والثقافية ،بحيث أصبح الوضع المتجدد للنساء داخل المجتمع يؤهلهن للقيام بأدوار إ يجابية
وكان من الطبيعي أن يرافق ذلك ظهور العديد من الإشكالات الاجتماعية والقانونية ذات
الطبيعة المغايرة لتلك التي تتعلق بالرجل ،والتي فرضتها طبيعة المرأة وظروفها وشروط عملها ،وهي
إشكالات كانت كفيلة بأن تدفع المشرع الليبي إلى تنظيم عمل المرأة ووضع الضوابط والضمانات التي
تكفل حمايتها وحماية أمومتها ،ومراعاة طبيعتها الخاصة انطلاقا من دورها كزوجة وأم ،على الرغم من
أن مثل هذه الأحكام والضوابط التي تلائم خصوصيتها تتمتع بها المرأة العاملة وحدها دون الرجل،
36.
بالإضافة إلى الحقوق الأخرى المقررة لجميع العمال والأجراء
وانطلاقا من أهمية المرأة التي تعد شر يكا أساسيا في تحقيق أهداف التنمية وتطوير المجتمع ،فقد
جامعة الكويت- ،محمد سالمة جبر :الحماية الدولية والوطنية للمرأة العاملة ،مجلة الحقوق العدد الثاني ،السنة ،22
36
،2115ص298:
50
ومن هنا يتبين لنا بأن موضوع المرأة العاملة ،قد حضي باهتمام كبير من طرف فقهاء
وسعيا من المشرع الليبي نحو توفير أكبر قدر ممكن من الحماية والضمانات الممكنة للمرأة
العاملة ،عمد إلى إفراد مجموعة من المقتضيات التي ترمي بالدرجة الأولى إلى توفير الضمانات القانونية
التي تحقق للمرأة العاملة العيش ال كريم وتحفظ لها حقوقها في العمل بما يمنع مظاهر التمييز بينها وبين
الرجل سواء تعلق الأمر بطبيعة ونوع العمل ،أو بالأجر ،إقرارا من المشرع لمبدأ المساواة بينها وبين
الرجل ،أو على مستوى الحقوق الشخصية كحق الأجيرة في الزواج وتكوين أسرة ،إضافة إلى حظر
الأشغال التي تفوق طاقتها الجسمانية ،والتي من شأنها أن تشكل خطرا عليها وعلى صحتها الجسدية أو
النفسية ،و يضمن لها من جهة أخرى العديد من المزايا والاجازات التي على رأسها إجازة الأمومة
إشكالية الدراسة
على الرغم من الضمانات القانونية التي حملتها فصول قانون العمل الليبي والتي تهدف إلى توفير
الحماية للمرأة العاملة وصيانة حقوقها ،إلا أن هذه النصوص قد تبقى في بعض أحكامها قاصرة عن
مسايرة الواقع العملي التطبيقي ،نظير ما تتعرض له المرأة العاملة من انتهاكات تطال حريتها وحقوقها،
إلى أي حد استطاع المشرع الليبي توفير الضمانات القانونية التي تمنح للمرأة العاملة العمل في
أحسن الظروف؟
51
المبحث الأول :مظاهر الحماية القانونية لكيان المرأة العاملة
لا يستطيع أحد أن يجادل في أهمية دور المرأة في المجتمع ،وانطلاقا من ذلك سيتم توضيح مدى
تمكن المشرع الليبي من توفير الضمانات القانونية ،وأوجه الحماية الكاملة للمرأة الأجيرة من خلال النظر
إليها كشر يكة في التنمية المجتمعية دون المساس بحقها في العمل إلى جانب الرجل؟
حرص المشرع الليبي على توفير أكبر قدر ممكن من الضمانات الممكنة لليد العاملة النسائية في
علاقتها بالمشغل وضمان العيش ال كريم لها ،وفي هذا الإطار اتجه من خلال قانون العمل إلى سن
مجموعة من المقتضيات التي ترمي بالدرجة الاولى إلى توفير ضمانات قانونية تحمي العاملة ،بأن أقر
المساواة وعدم التمييز ،كما يراعي في ذات الوقت طبيعتها الأنثو ية بالحيلولة بينها وبين الأشغال الشاقة،
التي قد تفوق طاقتها وقدرتها الجسدية ،أو تتطلب منها جهدا كبيرا من شأنه أن يسبب لها مشاقا وتعبا
انطلاقا من ايمانه ال كبير برفع أوجه التمييز عن المرأة ،خاصة بعد توقيعه على اتفاقية القضاء على جميع
37
أشكال التمييز ضد المرأة .
وانطلاقا مما سبق فإننا سنتحدث عن الحماية المقررة للمرأة العاملة في كونها أنثى من خلال
العظمي حق لكل المواطنين ذكورا واناثا يقوم على مبدا المساواة بين الرجل والمرأة دون تمييز ،"....راجع في ذلك الفصل الثاني من قانون العمل الليبي 37 -جاء في الفصل الثاني من قانون العمل الليبي "العمل في الجماهيرية
رقم 72لسنة . 2171وتجدر االشارة هنا بأن منظمة العمل الدولية سبق لها ارساء مبدأ تكافؤ الفرص في المعاملة بين الرجل والمرأة في ميدان العمل دون تمييز وألول مرة في اعالن فيالدلفيا الذي أعتمد سنة 7588وأصبح
جزءا من دستور المنظمة .راجع في ذلك عصام الحموي " الحماية القانونية للمرأة العاملة في القانون الوضعي :دراسة مقارنة "،الطبعة االولي ،دار المطبوعات الحديثة للنشر والتوزيع ،بيروت /لبنان 2115الصفحه .92
52
أولا :مبدأ المساواة في التشغيل والأجر
بخصوصيتها اهتم المشرع الليبي بعمل المرأة وأقر لها حماية تناسب أوضاعها سواء تعلق الأمر
كأنثى غير متزوجة أو متزوجة ،وخاصة فيما يتعلق بحمايتها من ظروف العمل القاسية ،كما كفل لها
المساواة في الحقوق والمعاملة بينها وبين الرجل ،فضلا عن المساواة في الأجر وهو ما نصت عليه المادة
16من قانون العمل الليبي .وفي هذا الإطار نشير أن المشرع الليبي يستجيب دوما ً للاتفاقيات
.39
الدولية 38و يضمنها في القوانين الداخلية
يعتبر صدور قانون العمل الجديد إحدى مظاهر ملائمة تشر يع العمل الليبي مع الاتفاقيات الدولية
المصادق عليها من طرف ليبيا ،وذلك استجابة منه للمعايير الدولية في مجال التشغيل ،والتي عمد من
خلالها على إيراد مجموعة من المقتضيات القانونية لضمان حق العمل لجميع الموطنين.
حيث كرس المشرع المساواة بين الرجل والمرأة في ميدان العمل دون أي تمييز بينهما انطلاقا من
أن الأصل في النصوص القانونية أنها تسري على الرجال والنساء دون تمييز ،وفي هذا الإطار جاءت
المادة الأولى من قانون العمل الجديد رقم ( )91لسنة 1494لترسم طبيعة العلاقات في ميدان العمل
وجعلها علاقات طبيعية حرة تقوم على أساس المساواة والتخلص من الرق والعبودية "..علاقات العمل
بين المواطنين في الجماهير ية العربية الليبية العظمى علاقات حرة غايتها التخلص من عبودية الأجر وإقرار
الشراكة في الوحدة الاقتصادية التي ينشئونها ،"...كما جاءت المادة الثانية منه لتنص صراحة على
محاربة التمييز في العمل بكافة أشكاله سواء تعلق الأمر بالجنس أو اللون أو الدين "...مرتبا في نفس
اتفاقية العمل الدولية رقم 711لسنة 7597بشأن مساواة العمال و العامالت في األجر ،االتفاقية رقم 777لسنة 7594بشأن حظر التمييز في االستخدام والمهنة ،االتفاقية رقم 799والتوصية رقم 799لسنة 7547بشأن 38 -
تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة بين الجنسين.
عبدالغني عمرو الرويمض39، ليبيا ،2172 ،ص -.298القانون االجتماعي ،الجزء االول عالقات العمل الفردية ،الطبعة الثامنة ،دار الكتب الوطنية بنغازي
53
الإطار لغرامات مالية على من يخالف هذه النصوص طبقا للمادة 919منه وهي غرامة لا تقل قيمتها
40
عن ألف دينار.
من خلال ما سبق يتضح جليا أن المشرع الليبي قد لامس روح المواثيق الدولية الرامية إلى إلغاء التمييز
بين الرجل والمرأة وحماية حقوقها ،خاصة بعد مصادقته على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تنص
بمنع التمييز في ميدان العمل وإلغاء كل أشكال التمييز بين الجنسين ،منها الاتفاقية العربية رقم ( )1لسنة
9124بشأن المرأة العاملة التي أكدت بدورها على ضرورة المساواة بين الرجل والمرأة ،وأقرت وجوب
تعتبر الحقوق الشخصية للمرأة العاملة إحدى المكتسبات التي كرستها المواثيق الدولية ،وحتى
القوانين الوطنية ،فنصت بذلك على منع كل شرط يقضي بفصل المرأة العاملة بسبب الزواج أو اختيار
يعتبر الحق في الزواج من الحقوق الأساسية للإنسان بصفة عامة ،والمرأة بصفة خاصة باعتباره
حقا من الحقوق الشخصية اللصيقة بطبيعتها الفيز يولوجية ،فيمنع بذلك على المشغل المساس به في
مراحل العقد ،وهكذا نصت اتفاقيات منع جميع أشكال التمييز ضد المرأة على اتخاذ جميع التدابير
41
المناسبة لحظر الفصل من الخدمة والتمييز في العمل على أساس الحالة الزوجية.
54
ول كن رغم الأهمية التي يكتسيها الزواج في المجتمع الإنساني ،إلا أن حق كل إنسان في
الانضمام إليه قد تعرض للانتهاك وعدم الاحترام ،إذ أن شرط عدم الزواج أصبح من بين الشروط
المفروضة على بعض العاملات بمناسبة إبرامها لعقود العمل ،ومخالفة هذا الشرط يعد سببا لفسخ عقد
العمل من طرف بعض المؤسسات المشغلة ،مما يكرس التمييز وعدم المساواة بسبب الحالة الزوجية عند
فالمؤاجر يفضل ولأسباب اقتصادية التعاقد مع أجيرة عازبة ،وذلك نظرا ل كون وضعية المرأة
العاملة المتزوجة تؤثر على تنفيذ عقد العمل ،وهذا ما يدفع المؤاجر إلى إدخال بند عدم الزواج في عقد
ووعيا من مؤتمر العمل الدولي بأهمية المساواة بين الجنسين ومنع التمييز على أساس الحالة الزوجية
42
بشأن العمال ذوي المسؤوليات العائلية ،وتقضي هذه الاتفاقية بضرورة أصدر الاتفاقية رقم 911
ممارسة كلا الجنسين لعملهم دون أي تمييز بسبب المسؤوليات العائلية حيث جاء في ديباجتها أنه رغم
المعايير الدولية التي صدرت عن المنظمة الدولية بشأن المساواة ،إلا أنها لا تغطي صراحة التمييز المبني
على أساس المسؤوليات العائلية ،مما تقرر معه اعتماد هذه الاتفاقية لتحقيق تكافؤ الفرص والمساواة في
وتعد النساء العاملات من أهم المستفيدات من هذه الاتفاقية لأن المرأة العاملة وخاصة في
المجتمعات العربية تتحمل أعباء الأبناء والزوج ،لذلك فإن تطبيق مقتضيات هذه الاتفاقية في ظل غياب
42
7542 4 77 792
55
نص قانوني صريح في التشر يع الليبي يمنع على رب العمل إدراج شرط يقضي بعد زواج المرأة العاملة،
43
يعد في غاية الأهمية لضمان استمرارها في العمل.
يعتبر الحق في اختيار المرأة للمظهر الشخصي من بين الحقوق التي تدخل ضمن كيانها ،ل كن
و بخصوص المشرع الليبي لا يوجد ما يوحي بالتطر ّق إلى مثل هذا الحق بشكل صريح ضمن مواد
ونصوص قانون العمل الجديد للعام 1494وتحديدا ضمن مواد الفصل الثالث ،سوى كونه تطرق
بشكل ضمني إلى ما مفاده تكريس حقوق المرأة الأجيرة واعتبار فصلها لسبب يعود الى كينونتها
الفيز يولوجية كامرأة فصلا تعسفيا يستحق التعو يض ،رغم أن القانون القديم (قانون العمل رقم 18
لسنة ) 9124قد أفاد وبشكل صريح عدم أحقية صاحب العمل بفسخ العقد دون سابق إنذار أو
تعو يض للمرأة العاملة إلا في عشر حالات قانونية حصر ية لم يدخل ضمنها الحقوق الشخصية كالزواج
والمظهر والاسم ،وفي هذا ورد في المادة 19من قانون العمل القديم للعام 9124ما يلي "..لا يجوز
لصاحب العمل فسخ العقد دون سابق انذار أو مكافأة أو تعو يض إلا في الحالات الحصر ية التالية :إذا
لم يراع التعليمات اللازم اتباعها ،إذا تغيب بدون عذر قانوني،.......اذا اعتدى على صاحب العمل أو
وأمام غياب مقتضى قانوني صريح ضمن قانون العمل الليبي يمكن الاهتداء إلى المواثيق الدولية التي
تعد ضمانة أساسية في حماية حق المرأة في اختيار المظهر والاسم الذي يليق بها.
43
56
إن حماية الأم العاملة أمرا ذا أهمية بالغة ،إذا كنا نريد فعلا تحقيق مبدأ المساواة وإعطاء الفرصة لها في
العمل دون المساس بوظيفة الأمومة التي تتميز بها ،وبالتالي المحافظة على تكاثر النسل بكيفية سليمة.
ومن هنا حاولت التشر يعات قدر الإمكان التوفيق بين هاتين المصلحتين مصلحة الأم العاملة من
44
من جهة أخرى ،وذلك كله في إطار تحقيق المساواة في الواقع لا تلغي وجود جهة ،ومصلحة المشغل
ومن أبسط مظاهر الحماية التي يمكن أن تطال الأم الأجيرة أن تمنح لها إجازة الوضع خلال
الأسابيع الأخيرة من فترة الحمل وعند الوضع وخلال الأسابيع التي تليه مباشرة ،لأن العمل خلال هذه
وانطلاقا من هذه المكانة الهامة للمرأة العاملة نصت الاتفاقية رقم 983المتعلقة بحماية الأمومة
صراحة على حماية حق المرأة في الأمومة ،وحماية حقها في العمل في ظروف صحية سليمة كفيلة بحمايتها
هي وجنينها ،قبل أن تتجه التشر يعات العربية إلى العمل على ضمان حقوق المرأة الحامل من تعسف
وفي هذا نجد أن المشرع الليبي ،من خلال مقتضيات قانون العمل الجديد قد حرص بدوره
على صيانة تلك الحقوق والمكتسبات سواء تلك المتعلقة بسلامتها وسلامة جنينيها (المطلب الأول) ،أو
44
57
المطلب الأول :الحفاظ على صحة وسلامة الحمل والجنين
إذا كان يفترض في الأجير حضور نفسي وبدني أثناء تأدية عمله سواء أكان رجلا أم امرأة،
فإن الأمر يكتسي بعض الخصوصية فيما يتعلق بالمرأة العاملة الحامل ،نظير الخصوصية الفيز يولوجية
الطارئة التي ستؤهلها للأمومة ،وهي خصوصية حت ّمت على المجتمع الدولي وكذا التشر يعات الوطنية إلى
سن العديد من القواعد الحمائية الخاصة بالمرأة الحامل في إطار نظرة حقوقية تزاوج بين حق المرأة العاملة
وحق الجنين وسلامته ،وحق المشغل على السواء ،والذي قد يعرض معها المرأة العاملة لبعض المخاطر
الصحية الانجابية ويحميها من بعض المواد ال كيميائية ،التي تشكل ضررا على صحتها وصحة جنينها في
الأشهر الأولى أو الأخيرة للحمل ،ولهذه الغاية سعت منظمة العمل الدولية إلى وضع البنود العامة،
الخاصة بحماية الاجيرة خلال فترة الحمل بنصها المباشر على حماية صحتها وصحة جنينها ،وفي هذا نجد
الاتفاقية رقم 3بشأن استخدام النساء قبل الوضع وبعده ،قد نصت على ضرورة السهر على حماية المرأة
الأجيرة أثناء فترة الحمل وبعده ،كون الحالة الصحية للأجيرة الحامل ستتطلب حتما رعاية أشد وأدق،
من أجل حماية وظيفة الانجاب والمولود المرتقب من أي ضرر أو تشو يه ،الأمر الذي يدفعنا بالتالي إلى
لقد ألزم المشرع الليبي من خلال المواد الخاصة بتشغيل النساء والأحداث ،بعض المقتضيات التي من
في الأعمال التي لا تتناسب وطبيعتها مع ضرورة تخفيض ساعات العمل بالنسبة لهن في بعض المهن
والأعمال التي تحددها اللجنة الشعبية العامة ،كما اضافت المادة 11ما يلي " :للمرأة الحق في اجازة
امومة بمقابل مدتها أربعة عشر أسبوعا عند تقديمها شهادة طبية تبين التاريخ المحتمل للولادة ،وتتضمن
58
هذه الاجازة فترة الزامية بعد الوضع لا تقل عن ستة أسابيع ،وتمتد اجازة الامومة الى ستة عشر
اسبوعا ً اذا أنجبت أكثر من طفل ،ولا يجوز انهاء عمل المرأة أثناء حملها أو أثناء تغيبها في اجازة أمومة
إلا لأسباب مبررة لا تمت بصلة الى الحمل أو الولادة ومضاعفاتها أو الإرضاع ،كما يكون للمرأة العاملة
في خلال الثمانية عشر شهرا التالية لتاريخ الوضع ،الحق في التمتع بفترة أو فترات توقف عن العمل خلال
ساعات العمل لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة من أجل ارضاع طفلها على أن تعتبر ساعات
حرص المشرع الليبي على توفير أقصى حماية للمرأة العاملة أثناء فترة الحمل وما بعدها ،فقد أسّس
للعديد من النصوص الحمائية التي تستبعد أي إجراء تعسفي تجاهها من طرف المشغل ،خاصة فيما يتعلق
بالفصل من العمل طبقا لما جاءت به الفقرة الثانية من المادة 11التي نصت بالقول " ...لا يجوز إنهاء
عمل المرأة أثناء حملها أو أثناء تغيبها في اجازة الامومة إلا لأسباب م ُبر ّرة لا تمت بصلة إلى الحمل أو
وإذا وقع الفصل اثناء فترة توقف عقد العمل المنصوص عليها في المادتان 11/16من قانون
العمل فإنه يكون باطلا وتستحق عن ذلك التعو يضات المخولة لها قانونا.
59
ونظرا للحالة النفسية والصحية للحامل ،فقد منح المشرع الليبي للعاملة الحامل على وجه الاستثناء
العديد من الامتيازات أثناء ممارستها عملها انطلاقا من المقتضيات التي اوردتها المادتان 11/16من
دأبت التشر يعات الدولية والوطنية إلى تنظيم الحالة القانونية للمرأة العاملة التي تتقمص أحيانا
دور الأم ،بعد حملها ووضعها لمولودها بهدف الحفاظ على وظيفة الإنجاب وحماية المرأة والمولود من
أي ضرر أو تشو يه ،قد ينعكس سلبا على المجتمع ككل ،وذلك حتى تتمكن المرأة الأجيرة من القيام
الدولية والتشر يعات الوطنية ،التي نصت جميعها على ضرورة تمتيع الأجيرة خلال فترة الوضع بإجازة
إجبار ية ،سواء في الأسابيع الأخيرة للحمل أو عند الوضع والأسابيع التي تليه ،والتي يطلق عليها إجازة
حتى لا تكون الوظيفة الطبيعية والاجتماعية للمرأة عائقا في متابعة عملها المأجور أو سببا لفقدانها لهذا
العمل ،فقد بات من الضروري تأسيس تنظيم قانوني يرمي إلى المحافظة على صحة المرأة العاملة ،وصحة
مولودها حتى تتمكن من القيام بوظيفتها كأم وكعاملة ،ومن أجل هذا الغرض حرصت جل التشر يعات
60
على تمتيع العاملة بإجازة قبل الوضع ،نظير ما قد يشكله هذا العمل من خطورة على صحة المرأة
والمولود ،45وفي هذا ذهبت اتفاقية الشغل رقم( )3إلى القول بعدم السماح للمرأة بالعمل خلال
الاسابيع الستة التالية لوضع مولودها ،مع اعطائها حق الانقطاع عن العمل ،شر يطة تقديمها شهادة
طبية تثبت عدم قدرتها على احتمال العمل اثناء حملها ،ووجود احتمال كبير في وضعها في غضون
الستة اسابيع الموالية ،كما نصت المادة الثانية من الاتفاقية رقم 943على احقية اجازة الأمومة لكل
عاملة تنطبق عليها بنود الاتفاقية 943م ُبر ّرة بشهادة طبية تبين التاريخ المحتمل للوضع على أن لا تقل
إضافة إلى الحقوق السابقة التي منحها المشرع الليبي للمرأة الأجيرة سواء أثناء حملها أو بعد
وضعها لمولودها ،هناك حماية أخرى نص عليها قانون العمل الليبي الجديد وتتعلق بالخصوص في حق
العاملة في إرضاع مولودها وتربيته خلال فترة العمل ،انطلاقا من أهمية الأمومة السليمة التي تستوجب
الاعتناء بالمولود في جميع مراحله وفقا للظروف الصحية والنفسية السليمة .إضافة لما للرضاعة من أثار
إ يجابية على صحة المولود باعتبارها حقا من حقوقه الطبيعية لارتباطها بحقه في الحياة والصحة والنمو.
وجدير بالذكر أن قانون العمل الليبي الجديد حسب ما جاءت به صراحة المادتان 14 ،11منه
والتي جاء فيها " ...كما يكون للمرأة العاملة في خلال الثمانية عشر شهرا التالية لتاريخ الوضع ،واستئناف
العمل الحق في التمتع بفترة من فترات توقف عن العمل خلال الساعات الرسمية ،لا تقل في مجموعها
عن ساعة واحدة بغية ارضاع طفلها ،...و يجب على جهات العمل التي تقوم بتشغيل نساء ذوات
راجع في ذلك أحمد جرادات العيسوي "الحماية القانونية للمرأة العاملة بين التشريعات العربية والدولية"،ورقة عمل مقدمة إلى مؤتمر المرأة العربية وتحديات القرن ،جامعة عين شمس ،مصر 2171صفحة 4572 -
61
اطفال أن تخصص لهن أماكن لحضانة أطفالهن وإرضاعهم ،و يجوز أن تشترك أكثر من جهة عمل
قائمة المراجع
محمد سلامة جبر :الحماية الدولية والوطنية للمرأة العاملة ،مجلة الحقوق العدد الثاني ،السنة ،13جامعة
عصام الحموي "الحماية القانونية للمرأة العاملة في القانون الوضعي :دراسة مقارنة "،الطبعة الاولي ،
عبدالغني عمرو الرويمض ،القانون الاجتماعي ،الجزء الاول علاقات العمل الفردية ،الطبعة الثامنة،
عمرو بنعلي ،حظر التمييز ضد المرأة في مدونة الشغل_ دراسة مقارنة_ ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات
العليا المعمقة في القانون الخاص ،جامعة محمد الأول ،كلية الحقوق وجدة ،السنة الجامعية
.1441/1448
أحمد جرادات العيسوي "الحماية القانونية للمرأة العاملة بين التشر يعات العربية والدولية" ،ورقة عمل
مقدمة إلى مؤتمر المرأة العربية وتحديات القرن ،جامعة عين شمس ،مصر .1494
62
الحماية القانونية لليد العاملة الأجنبية :الجهود النشر يعية والمؤسساتية
محمد اشهيهب
تقديم
مما لا شك فيه أن الحق في الشغل من الحقوق الأساسية لكل إنسان ،حيث نجد المادة
13من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أنه " لكل شخص حق في العمل وحر ية اختيار عمله
،"...وهذا ما جعل المشرع الدستوري ارتقى بهذا الحق إلى مصاف الحقوق الدستور ية ،وفي هذا
الإطار نجد هذا الحق منظم بمقتضى قوانين داخلية فضلا عن اتفاقيات دولية ثنائية الأطراف وكذا
ذات الأطراف المتعددة ،كل ذلك ينطوي تحت ما يسمى بالقانون الدولي الخاص بالشغل.
وبالرجوع إلى المنظومة التشر يعية المغربية نجد في أول الأمر كانت تنظم علاقات الشغل في
إطار نصوص متناثرة ومتفرقة بعد أن يتم تجميع ذلك في مدونة الشغل بمقتضى قانون 41-11كاستجابة
لإرادة سياسية وتشر يعية لمحاولة ملائمة التشر يع الداخلي مع ما تنص عليه المواثيق الدولية خاصة إذا
علمنا أن المغرب صادق على العديد من الاتفاقيات الدولية بهذا الخصوص ،وفي نفس السياق فإن
القانون الدولي للشغل يعتبر بما لا يدع مجالا للشك مصدرا أساسيا للتشر يع ،فضلا على أنه مقياس
لمقارنة التطور الحاصل في مجال إقرار الحقوق الأساسية للعمل خاصة وأن المغرب صادق على أزيد من
63
خمسين ( )14اتفاقية تعتبر من الإتفاقيات الأساسية لمنظمة العمل الدولية ،إذ تساءل البعض عن
القيمة القانونية للقانون الدولي للشغل على ضوء القانون الداخلي خاصة فيما يتعلق بالحماية القانونية لليد
العاملة الأجنبية.
وتجدر الإشارة إلى أن التطور الإقتصادي والتكنولوجي الذي عرفه العالم المعاصر فرض على
الدول ومنها المغرب ترك باب الإنعزالية والإنزواء ومواكبة هذا التطور والذي سينعكس لا محال سلبا
أو إ يجابا وذلك بسبب التغييرات وإحداث مجموعة من القوانين والتشر يعات الحديثة ،ولن يتحقق ذلك
بمنأى عن فتح هذه الدول أبوابها لإستقطاب اليد العاملة و تصديرها إن صح التعبير ،وهذا ما فرض
على المغرب بحكم موقعه الإستراتيجي العمل على وضع تشر يعات لضمان الإستقرار خاصة في العلاقة
الشغلية ،وهو ما تحقق من خلال صدور مدونة الشغل والتي جاءت في العديد من مقتضياتها منسجمة
وملائمة مع الإتفاقيات الدولية ،كما أنها خصصت الباب الرابع والخامس منها لتنظيم تشغيل المغاربة
وتجدر الإشارة إلى أن المغرب ليس بلد لتصدير اليد العاملة فقط ،ل كنه في المقابل يعد من
البلدان المستقطبة للعمال الأجانب خاصة في السنين الأخيرة والتي عرفت تزايدا كبيرا من المهاجرين
من شمال إفر يقيا وسور يا خاصة نظرا للأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتردية ،حيث
أصبح هؤلاء الأجانب يفضلون الاستقرار بالمغرب سواء المهاجرون بصفة شرعية أم غير قانونية وأصبح
البحث عن عمل ل كسب قوت يومهم أمرا ملحا ومن أهم المتطلبات الأساسية ،وقد عمل المغرب على
تنظيم عملية استثنائية لتسو ية وضعية الأجانب المقيمين بصفة غير قانونية مؤخرا.
ولا تفوتنا الإشارة ونحن نتحدث عن هجرة اليد العاملة إلى أن المغرب أبرم " اتفاقية اليد
العاملة "سنة 9143مع فرنسا ،وكذا المصادقة على اتفاقية مع هولندا بخصوص استقدام اليد العاملة
64
المغربية في 96ماي ، 9141كما تم إطلاق مشروع تحسين إدارة هجرة اليد العاملة وحماية حقوق
العمال – 6يونيو – 1496الذي تموله الفيدرالية السويسر ية بهدف النهوض بالحكامة الجيدة لهجرة اليد
العاملة وحماية حقوق العمال المهاجرين ،كما تمت المصادقة على عدة اتفاقيات صادرة عن منظمة العمل
وفي نفس المضمار فإن الحماية القانونية لليد العاملة الأجنبية لن تتحقق من خلال وضع
تشر يعات داخلية تهم مجال التشغيل وكذا المصادقة على اتفاقيات دولية في هذا المجال بل عبر وضع
تشر يعات داخلية للحماية الاجتماعية وهو ما عمل المشرع المغربي عل تحقيقه من خلال ظهير 9121
المتعلق بالضمان الإجتماعي وغيره من النصوص المنظمة للحماية الإجتماعية خاصة للأجانب المقيمين
في المغرب وكذا المغاربة المهاجرين ،كما عمل المغرب على المصادقة على عدة اتفاقيات بخصوص الحماية
الاجتماعية من قبيل اتفاقية الضمان الاجتماعي بين المغرب والدانمرك والبروتوكول الملحق بها الموقعين
الضمان الإجتماعي بين المغرب وألمانيا ،1449وكذا نفس الاتفاقية مع فرنسا 9441وغيرهم من
الدول.
إن الحماية القانونية لليد العاملة الأجنبية تنبني على جهود تشر يعية ومؤسساتية كبيرة ومكثفة
يمكن القول أنها قد تعطي أكلها لتحقيق نوع من العدالة الإجتماعية خاصة إذا علمنا أن المغرب يعتبر
طرفا نشيطا في المصادقة على الإتفاقيات الدولية حتى يلائم التشر يع الداخلي مع التشر يعات الدولية بما
يساهم في الرقي بالمجتمع وازدهاره وما لذلك من انعكاسات على احترام مبادئ حقوق الإنسان.
وتبرز أهمية موضوع الحماية القانونية لليد العاملة الأجنبية :الجهود التشر يعية والمؤسساتية من
خلال ما يقوم به المغرب من مجهودات جبارة على مستوى سن القوانين ووضع ضوابط وإبرام
65
اتفاقيات دولية لتدبير وضعية اليد العاملة الوطنية والأجنبية ،هذا فضلا عن تدخل الممل كة عن طر يق
مؤسسات وطنية لتدبير الوضعية القانونية لهؤلاء العمال الأجانب وكذا الوطنيين.
ومن هنا تبرز إشكالية الموضع والمتجسدة في إلى أي حد توفق القانون الدولة الخاص في تدبير
وضعية اليد العاملة الأجنبية ؟ وهل تسعى الدول إلى سن تشر يعات والمصادقة على اتفاقيات لحماية
حقوق هذه الفئة ،أم أن ذلك مجرد تلميع الصورة الوطنية والزعم بملاءمة التشر يعات الوطنية مع
الإتفاقيات الدولية بعيدا عن الأهداف النبيلة المتمثلة في حماية هذه الفئة الضعيفة ؟
لمعاجة هذه الإشكالات وأخرى سوف نحاول الحديث في المحور الأول :الجهود التشر يعية
لحماية اليد العاملة الأجنبية من خلال الوقوف على النقط الآتية :
سعي الدول إلى سن تشر يعات داخلية لتدبير وضعية اليد العاملة الأجنبية.
سعي الدول إلى إبرام اتفاقيات ثنائية وأخرى متعددة الأطراف لتدبير الوضعية
على أن نعرج في المحور الثاني لمناقشة مدى توفق الجهود المؤسساتية في حماية هذه الفئة ،إن
مدى تدخل المؤسسات الوطنية في تدبير الوضعية القانونية لليد العاملة الأجنبية .
66
النقطة الأولى :دور الإتفاقيات الدولية والهيآت المؤسساتية في دعم حقوق اليد العاملة في بلدان
المهجر
يعتبر الشغل من أهم حقوق الإنسان بل هو يأتي من حيث الأهمية المباشرة بعد الحق في
الحياة ،إذ قال مونتسكيو في هذا الصدد " ليس الإنسان فقير لأنه لا يملك شيئا ول كن لأنه لا يشتغل".
ويبقى العمل في الحقل الإجتماعي بصفة عامة ذلك الجهد سواء بدنيا كان أو عقليا الذي يبذله
الإنسان بمقتضى الإتفاق مع الغير في مجال نشاط مهني مشروع بمقابل أو بعوض لمصلحة هذا الغير
ومما لا شك فيه أن الحق في الشغل ما فتئ يحتل الصدارة ضمن مطالب المنظمات النقابية،
حتى ارتقي إلى مصاف الحقوق الدستور ية بل إلى مستوى الحق الدولي مع صدور الإعلانات والمواثيق
الدولية المتعلقة بحقوق الطبقة الشغيلة وحقوق الإنسان عامة ،وهذا ما يفسر تنظيم التشر يعات الداخلية
وما تج در الإشارة إليه أن الإتفاقيات الدولية المتعلقة بالشغل سواء الصادرة عن الأمم
المتحدة أو عن منظمة العمل الدولية وتلك الصادرة عن منظمة العمل العربية ،تتضمن مقتضيات هامة
لحماية الطبقة العاملة تحت ما يسمى بالقانون الدولي الخاص بالشغل ،فهذه الإتفاقيات تتضمن كذلك
أحكام خاصة بالعمال الأجانب كل ذلك إيمانا منها بالضغوطات والإكراهات التي سيواجهها هؤلاء
الأجانب في بلاد المهجر ،وحتى يتحقق نوع من المساواة ونوع من الإنصاف وعدم التمييز بين العمال
الوطنيين والعمال الأجنبيين تم وضع عدة اتفاقيات لحماية هذه الفئة ومن بين هذه الإتفاقيات نجد :
بالرجوع إلى المادة 13نجده ينص على أنه لكل شخص الحق في العمل وله الحر ية في اختياره بشروط
67
عادلة وأجر مساو للعمل الذي يكفل له ولأسرته عيشة لائقة بكرامة الإنسان ،وكما نص كذلك عل
أنه لكل شخص بصفته عضوا في المجتمع الحق في الضمان الإجتماعي وترك هامشا ومساحة واسعة
للتشر يعات الوطنية لتنظيم التمتع بهذه الحقوق بما ينسجم مع النظام العام وخصوصية البلد ،ولا يجيز
بأي شكل من الأشكال حرمان الأفراد سواء المواطنين أو المهاجرين من هذه الحقوق.
وبالرجوع للعهديين الدوليين نجدهما كذلك يؤكدان كذلك على الحق في العمل والذي يشمل الحق
في أن تتاح للفرد مواطنا كان أم غير مواطن إمكانية كسب رزقه بعمل يختار و يقبله بحر ية وفرض على
الدول التزاما بضمان تمتع الأفراد بهذا الحق ،وفي هذا الصدد يمكن القول بأن تنظيم التشر يعات لشرط
عدم المنافسة وإجازة تضمينه في عقد الشغل مما يترتب عليه حرمان العامل أو الأجير مؤقتا من مزاولة
عمل قد ينافس فيه صاحب العمل بعد انتهاء العقد إذا ما كانت طبيعة العمل تتيح للأجير التعرف على
أسرار مهنية تتنافى كليا مع ما جاء به العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والثقافية والإجتماعية،
فضلا عما قيل فإن هذا العهد نص على إلزامية تمتع جميع الأشخاص بظروف عمل تكفل السلامة
والصحة وبشروط مرضية تكفل لهم الحق في الحصول على أجر منصف دون تمييز بين الأجانب
والمواطنين.
ونصه كذلك على الحق في تكوين نقابات والإنضمام إليها ،وقد تم تكرار هذا الحق في
أكثر من وثيقة دولية وعلى الرغم مصادقة أغلبية الدول على هذين العهدين إلا أنه ليست كل
الدول تلتزم بكفالة هذا الحق للعمالة المهاجرين ،هذا بالإضافة إلى تنصيص العهد على حق الأفراد
نظرا لما كان يعرفه العالم من أشكال التمييز في جميع المجالات خاصة الإقتصادية
68
والإجتماعية منها ،ونظرا لتزايد هجرة اليد العاملة من دول الجنوب إلى دول الشمال وما نتج عن
ذلك من أشمال التمييز العنصري ،فقد تم إصدار هذه الإتفاقية والتي أكدت على التزام الدول
الأطراف بحضر التمييز العنصري والقضاء عليه بكافة أشكاله وبضمان حق كل إنسان دون تمييز
بسسب العرق ،اللون أو الجنس في الحقوق الإقتصاديو والثقافية والإجتماعية ،ولا سيما الحق في
العمل وفي حر ية اختيار نوع العمل بشروط مرضية وعادلة والحق في تكوين نقابات والإنتماء إليها،
فضلا عن حق التمتع بخدمات الصحة العامة والرعاية الطبية والضمان الإجتماعي ...
وتجدر الإشارة إلى أن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ضد المرأة أكدت على
ذلك خاصة في ميدان العمل وحق التمتع بنفس فرص التوظيف ،والحق في المساواة في الأجر والحق
في الضمان الإجتماعي وصحة وسلامة ظروف العمل وهذا ما عملت عليه جل التشر يعات إن لم نقل
كلها.
بادئ ذي بدء يجب القول أن هذه الإتفاقية جاءت لتؤكد المبادئ التي نص عليها الإعلان العالمي
لحقوق الإنسان والعهديين الدوليين والإتفاقيات الدولية الخاصة بالقضاء على جميع أشكال التمييز كما أن
هذه الإتفاقية تصب في مصلحة الحلقة الضعيفة في العلاقة الشغلية ،ألا وهي العمال المهاجرين مع
الأخذ بعين الإعتبار العمال غير النظاميين والذين يتم استغلالهم من طرف المشغلين واستخدامهم
ومن الملاحظات الأساسية على هذه الإتفاقية تلك المتعلقة بعدد الدول المصادقة عليها والتي لا
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الإتفاقية تعرف العامل المهاجر بأنه " كل شخص سيزاول أو يزاول أو ما
69
برح يزاول نشاط مقابل اجر في دولة ليس من رعاياها " ،ومن الملاحظات كذلك أن هذه الإتفاقية
تميز بين العمال المهاجرين في وضع نظامي وأخرين في وضع غير نظامي ،وقد يقول قائل بأن هذه
الإتفاقية جاءت بنوع من التمييز العنصري ،ل كننا نقول بأن هذا لا يدخل ضمن أي شكل من أشكال
التمييز العنصري الذي نصت عليه إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ،وإنما جاء هذا التمييز
فقط ل كي يشجع على الهجرة النظامية وإعطاء حقوق إضافية للعمال المهاجرين النظاميين دون المساس
وكما هو الشأن بالنسبة للإتفاقيات السالفة الذكر فإن هذه الإتفاقية نصت على حق العمال
المهاجرين في التمتع بالحقوق الأساسية ،بل الأكثر من ذلك والجديد فيها أنها نصت على عدم جواز
تعرض العمال المهاجرين وأفراد أسرهم لإجراءات الفصل – الطرد -الجماعي ،وأن ينظر ويبث في
كل قضية على حدة ،فضلا عن عدم سجن العامل المهاجر المخل بإلتزاماته التعاقدية من جهة ،ومن جهة
أخرى فإن هذه الإتفاقية تكفل حق العمال المهاجرين في المشاركة في الإجتماعات وأنشطة تقابات
العمال بقصد حماية مصالحهم إضافة إلى الإنضمام بحر ية إلى أي نقابة عمالية مع احترام القيود التي
وفيما يتعلق بالضمان الإجتماعي فإن هذه الإتفاقية تنص على تمتع العمال المهاجرين في دولة
وعليه فإن اتفاقية حماية حقوق كل العمال المهاجرين وأفراد اسرهم تكفل حقوقا واسعة
للعمال المهاجرين مستندة في ذلك على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود والإتفاقات اللاحقة،
الإتفاقية رقم 41المتعلقة بالعمل الجبري والإلزامي والتي منعت على المشغل أن يمارس أي
70
شكل من أشكال التهديد على العامل من أجل إرغامه على القيام بعمل معين غير متفق عليه في العقد
إن اهتمام منظمة العمل الدولية بالدفاع عن العمال ومصالحهم وتنظيم شروط العمل لم يكن يتم بمعزل
عن اهتماها بفئة من العمال الأكثر تعرضا للغستغلال والتمييز ،لهذا وجهت المنظمة عنليتها بوضع قواعد
تحمي العمال المهاجرين فهذه الإتفاقية تلزم الدول الأطراف باتخاذ الإجراءات المناسبة لمكافحة
الدعايات المظللة فيم ا يتعلق بالهجرة إلى الخارج والهجرة الوافدة ،كما تلزم عند الضرورة الدول
الأطراف بالتحقق من الحالة الصحية للعمال المهاجرين وأفراد اسرهم ،فضلا عن ضمان تمتع هؤلاء
الاجراء برعاية طبية كافية وظروف صحية جيدة عند مغادرتهم لبلدانهم ،كما أنها تتيح للوافدين النظاميين
معاملة لا تقل عن المعاملة التي تتيحها لمواطنيها فيما يتعلق بالأجور وعضو ية النقايات والضمان
الإجتماعي.
فقد تم التركيز على هذه الإتفاقية نظرا لتعليق أغلبية التشر يعات استفادة هاته الفئة من العمال على
صدور قانون خاص بهم ،الشيء الذي لم يتحقق في أغلب الدول لحد الآن على الرغم من مصادقتها على
هذه الإتفاقية.
وهذه الإتفاقية تعنى بهذه الفئة من العمال وقد جاءت نتيجة لطبيعة عمل هذه الفئة وما لها من مساهمة
في الإقتصاد العالمي تشمل ز يادة فرص العمل بأجر للعمال ،وجاء في مقتضيات هذه الإتفاقية إلزامية
الدولة باتخاذ التدابير اللازمة التي تضمن نجاعة وتعزيز حماية حقوق الإنسان لجميع الأجراء بالمنازل،
وتحقيق الحقوق الأساسية في العمل فيما يتعلق خاصة بالحر ية النقابية والقضاء على جميع اشكال التمييز
71
والعمل الجبري ،وأن يتمتع العمال بالمنازل بحماية فعالة من جميع أشكال الإساءة والمضايقات والعنف
وأن يتمتعوا شانهم شأن العمال بشروط استجدام عادلة ومرضية وظروف عمل لائق.
وقد نصت الإتفاقية على أن يتضمن عقد العمل جميع المعلومات الواجب توافرها حتى تكون
هاته الفئة على علم بشروط وظروف استخدامهم وعلى نحو يضمن لهم كرامتهم.
من خلال ماسبق يمكن القول بأن القانون الدولي الخاص بالشغل عمل على وضع مقتضيات
قانونية غاية في الأهمية لحماية الطبقة العاملة على المستوى الدولي سواء العمال المواطنين أو المهاجرين ،إذ
عمل في هذا الإطار القانون الدولي للشغل على بذل جهود تشر يعية لتمتيع هؤلاء العمال من الحقوق
الأساسية فضلا عن الحقوق الإضافية ،وتم ترجمة ذلك من خلال إبرام عدة اتفاقيات دولية ومعاهدات
وجدير بالذكر أن هناك عدة مؤسسات دولية تعنى بحماية حقوق العمال وتعمل على بذل العديد من
المجهودات لتمتيع هذه الفئة الهشة من الحماية اللازمة خاصة العمال الأجانب .هكذا نجد على المستوى
الأوربي من بين أكثر المنظمات الإقليمية فعالية "المجلس الأوربي" والذي نظم عدة اتفاقيات أوربية
لحماية حقوق العمال من ضمنها "الاتفاقية الأوربية حول الوضعية القانونية للعمال المهاجرين" لسنة
،9122و"الميثاق الاجتماعي" لسنة 9149الذي يركز على الحق في العمل ،حق المفاوضة الجماعية ،حق
الضمان الاجتماعي ،حق المساعدة الطبية والاجتماعية ،حق الحماية الاجتماعية والاقتصادية للعائلة ،ثم
أما على المستوى الأمريكي فنجد منظمة الدول الأمريكية خاصة في إطار الاتفاقية الأمريكية
لحقوق الإنسان التي تتمتع بآلية مراقبة وتنفيذ تشبه آلية الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان ،وكذا على
المستوى الافر يقي نجد منظمة الوحدة الافر يقية والميثاق الافر يقي لحقوق الإنسان لسنة 9189الذي
72
ينص في بعض بنوده على حماية حقوق العمال كحق العمل وحق الأجر؛ هذا فضلا عن وكالات
الاستخدام الخاصة والتي تقوم بالعمل على حسن سير سوق العمل وحماية العمال من التجاوزات ،كما
تعمل على القيام بعناية العمال الذين يلجئون إلىخدماتها ،توخيا لتعزيز تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة
في الحصول على عمل ومزاولة مهن معينة ،وقد تم اعتماد وكالات الاستخدام الخاصة من طرف المؤتمر
النقطة الثانية :سعي التشر يعات الدولية لحماية اليد العاملة الوطنية
القاعدة والأصل أن الأجير حر في الاشتغال من عدمه ،وهذا المبدأ مقرر بالنسبة للمشغل كذلك،
حيث بإمكانه قبول أو رفض من يتقدمون للإشتغال لديه سواء كانوا مواطنين أو أجانب ،شر يطة أن
تكون دوافع الرفع مبنية على اعتبارات مهنية وليس الاعتبارات التميز ية المحظورة قانونا والتي أسلفنا الذكر
حولها .وحماية لليد العاملية الوطنية من مزاحمة زميلتها الأجنبية فرض المشرع قيودا على تشغيل الأجراء
الأجانب ،وسنعود للحديث عن هذه الفئة فيما يتعلق بتشغيل الأجانب في المغرب.
في هذا الإطار نجد المشرع المغربي وإيمانا منه بإقامة وإقرار الحماية اللازمة للأجراء المغاربة ببلاد
المهجر بذل مجهودات جبارة لإقرار الحماية اللازمة لهؤلاء إن على مستوى التشر يع أو على مستوى
المؤسسات العاملة بهذا الإطار شأنه شأن باقي التشر يعات الدولية ،هكذا وبعد أن كانت علاقة الشغل
منظمة في إطار نصوص متناثرة ومتفرقة فقد عمل المشرع الاجتماعي على تجميع هذه النصوص في
مدونة خاصة بالشغل بموجب قانون ،11.41والتي خصصت الباب الرابع من الكتاب الرابع منها
لتشغيل الأجراء المغاربة بالخارج من المادة 191إلى المادة ،191حيث ألزمت المادة 191على
الأجراء المغاربة المتوجهين إلى دولة أجنبية قصد الاشتغال بها أن يتوفروا على عقود شغل مؤشر عليها
من طرف المصالح المختصة لدى الدولة المهاجر إليها وكذا من فبل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل
73
بالمغرب ،في إطار إقرار الحماية لرعاياها ألزم التشر يع المغربي مطابقة تلك العقود مع الاتفاقيات المتعلقة
باليد العاملة المبرم ة مع تلك الدول ،كما تعمل السلطة الحكومية المكلفة بالشغل على اختيار المهاجرين بناء
على أهليتهم المهنية والصحية وتقوم بكل الاجراءات الإدار ية لتوجيههم إلى بلد الاستقبال بتنسيق مع
وبعد تعليق استفادتهم من أحكام المدونة على صدور قانون خاص فقد أوجب المشرع في المادة
191من م ش على المشغل الذي يغادر التراب الوطني صحبة خادم منزلي لمدة أقصاها 4أشهر أن
يتعهد بتحمل نفقات إرجاعه إلى وطنه وعند الاقتضاء مصار يف استشفائه في حالة مرضه أو تعرضه
لحادث .كما قرر عقوبة زجر ية في حالة مخالفة أحكام هذا الباب.
وفي إطار الحديث عن حماية اليد العاملة الوطنية فقد عمل المغرب على المصادقة على عدة
اتفاقيات دولية في جال الشغل ،وقد جاءت هذه المصادقة لاعتبارين أساسيين ،أولهما ملاءمة التشر يع
الداخلي مع هذه الاتفاقيات ،وثانيهما حماية اليد العاملة الوطنية من جهة ،وحماية العمال الأجتنب من
جهة أخرى بما يضمن حماية حقوق الإنسان ،ومن هذه الاتفاقيات نجد "اتفاقية القضاء على جميع
أشكال الميز العنصري" لسنة 9144المنشورة بالجريدة الرسمية سنة 9124تحت عدد ،1188والاتفاقية
رقم 914المتعلقة بإدارة الشغل ودوره ووظائفه وتنظيمه ،والتي تمت المصادقة عليها سنة 1499
والمنشورة في الجريدة الرسمية تحت عدد ،1181واتفاقية "حماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد
أسرهم" المعتمدة من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 9114حيث صادق عليها المغرب سنة
1499ونشرت بالجريدة الرسمية تحت عدد 4491في يناير 1491؛ من خلال هذه الاتفاقية يظهر لنا
أن المشرع المغربي ينحو في اتجاه حماية الأجراء المغاربة بالخارج ،وذلك لأهمية وحجم ظاهرة الهجرة التي
تشمل ملايين الناس وتمس عددا كبيرا من الدول في المجتمع الدولي ،وإدراكا منها لأثر تدفق موجات
74
العمال المهاجرين على الدو ل المعنية ،ورغبة منها في إرساء قواعد يمك أن تسهم في التوفيق بين مواقف
الدول عن طر يق قبول مبادئ أساسية تتعلق بمعاملة العمال المهاجرين ،كما تأخذ هذه الاتفاقية بعين
الاعتبار حالة الضعف التي يوجد فيها العمال المهاجرين لعدة اعتبارات ،هذا فضلا على أن الهجرة غير
النظامية تكون أجسم بالنسبة لهؤلاء الأجراء ،إذ أن بعض المشغلين يجدون في ذلك ما يغريهم بالبحث
عن هذا النوع من اليد العاملة يغية جني فوائد المنافسة غير العادلة والمشروعة ،لذلك صادق المغرب على
إن الجهود التشر يعية المغربية لم تقف عند هذا الحد ،بل عمل المغرب على المصادقة على اتفاقية
أخرى متعلقة بالعمال المهاجرين مؤخرا وهي الاتفاقية التي لم يصادق عليها منذ زمن بعيد والمتمثلة في
الاتفاقية رقم 12لسنة ،9161وقد تم نشرها بالجريدة الرسمية تحت عدد 4122بيوليوز ،1496هذه
الاتفاقية تضمنت قواعد هامة ترمي إلى حماية الحلقة الأضعف في العلاقة الشغلية ،إذ نادت بتمتيع
وفي إطار حماية الأجراء المغاربة في بلد المهجر ،فبالإضافة إلى إبرام اتفاقيات متعددة الأطراف
كالاتفاقية رقم 6المتعلقة بشأن عمل النساء ليلا لسنة ،9191والاتفاقية رقم 96لسنة 9119بشأن
تطبيق الراحة الأسبوعية في المنشآت الصناعية ،ثم اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 918لسنة 9188
المتعلقة بإنهاء الاستخدام (الشغل أو العمل) بمبادرة من صاحب العمل والتي عملت المدونة على
استنساخ المادة 6منها بمقتضى المادة ،31حيث أوردت مجموعة من المقتضيات التي حاولت من خلالها
تحقيق نوع من التوازن بين حق المشغل في الإنهاء واحترام حقوق الأجراء الأساسية.
فضلا عن هذه الاتفاقيات المتعددة الأطراف ،فقد أبرم المغرب اتفاقيات ثنائية قصد تنظيم
مواطنيه حينما ينتقلون للعمل فوق تراب بلد آخر ،ومن ذلك الاتفاقية المتعلقة "بانتقال اليد العاملة"
75
المبرمة مع ألمانيا في ماي ،9143وفرنسا بيونيو ،9143والاتفاقية بين المغرب وبلجيكا المتعلقة بتشغيل
العمال المغاربة بها سنة ،9146وكذا اتفاقية مع هولندا في يناير ،9141فضلا عن اتفاق إداري سنة
9111بين حكومة المغرب واسبانيا يتعلق بالعمال الموسمين المغاربة باسبانيا .وكذلك الاتفاقية الثنائية بين
المغرب واسبانيا سنة 1499التي تحدد كيفية اختيار المرشحين للهجرة ،وتنص على استفادتهم من
الحقوق الواردة بقانون الشغل المطبق ببلد العمل خاصة شروط العمل ،السلامة ،الأجور والعطل
المؤدى عنه ،كما صادقت الحكومة مؤخرا على مشروع قانون يحدد شروط الشغل والتشغيل الخاصة
من خلال ما سبق يتضح أن المغرب على علم يقين بما قد يتعرض إليه المغاربة المقيمين بالخارج
من استغلالات من طرف أرباب العمل ،لذلك كثف من الجهود التشر يعية المتمثلة خاصة في إصدار
مدونة الشغل وإبرام اتفاقيات ثنائية مع الدول المستقطبة لليد العاملة المغربية وكذا المصادقة على
اتفاقيات دولية .إلا أن ما يثير الانتباه أن هذه الاتفاقيات كلها تتضمن حماية للأجير وحده ،ونعتقد أن
ذلك راجع بالأساس إلى الاعتقاد السائد منذ زمن بعيد بأن الأجير هو الأجدر بالحماية باعتباره طرفا
ضعيفا في العلاقة الشغلية أمام قوة المقاولة ،ل كن في السنوات الأخيرة أصبح هاجس التشر يعات
ينصب على الاهتمام اللازم بالأجراء والمقاولات على حد سواء ،نظرا للدور الذي يلعبه الطرفان في
مجال التنمية الاقتصادية وتحقيق الحكامة في التشغيل إن على المستوى الدولي أو الوطني.
النقطة الثالثة :الجهود التشر يعية لحماية الأجراء المغاربة بالخارج على مستوى الضمان
الإجتماعي
76
إلى أي حد يتمتع العامل المغربي بالحق في الضمان الإجتماعي في البلد الأجنبي
؟
تعتبر حماية الأجراء من صميم اهتمامات مشرعي العالم والمشرع المغربي بدوره سن قانونا لهذه
الحماية بموجب ظهير ،9121إلا أن ما يعاب على هذا الأخير غياب تام في مقتضياته لنظام الحماية
الاجتماعية للأجراء المغاربة بالخارج ،على خلاف ما هو عليه الأمر بالنسبة لأنظمة الضمان الاجتماعي
إن القصور التشر يعي المغربي بخصوص الحماية الاجتماعية للأجراء بالخارج يواز يه استفادة هؤلاء
من الاتفاقيات التي يبرمها المغرب في هذا الشأن ،حيث تجد هذه الحماية سندها في المادة 11من
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة ،9168عندما نصت على أنه "لكل شخص عضو في المجتمع حق
في الضمان الاجتماعي" .وقد كانت غاية المغرب من إبرام الاتفاقيات المتعلقة بمجال الضمان
الاجتماعي وضع لبنات أساسية للاستفادة واستحقاق العامل المغربي وأفراد أسرته من منافع الضمان
الاجتماعي المضمنة في التشر يعات الوطنية لهذه الدول دون تمييز بين مواطني هذه الأخيرة والعمال
إن استفادة الأجراء المغاربة من جل الاتفاقيات الدولية يبقى معلقا على شروط تشكل حيفا في
حق هؤلاء العمال وجورا على حق الضمان الاجتماعي برمته ،خصوصا وأن هؤلاء الأجراء المهاجرين
في ذات السياق يثار الإشكال بخصوص ما مدى تمتيع الأجراء المغاربة بالخارج بحق الضمان
الاجتماعي؟
77
الاجتماعي في بلد الإقامة ،فيما سنعرج (ثانيا) للحديث عن نطاق تطبيق الضمان الاجتماعي بالخارج.
يعتبر مبدأ إقليمية نظام الضمان الاجتماعي شرطا قاسيا يقلص استحقاق الأجراء المهاجرين من
منافع هذا النظام ،ومن بين الدول التي أقرت هذا الشرط نجد فرنسا حيث كان شرط الإقامة فيها عند
باذئ الأمر ضيق النطاق (يشمل التأمين الشخصي وفيما بعد الإعانات العائلية) ،إلا أنه في سنة 9113
إن حرمان الأجير المغربي غير المتوفر على إقامة من الانخراط والاستفادة من نظام الضمان
الاجتماعي جعل البعض ينادي بعدم تطبيق هذا الشرط على إطلاقه ،حيث يجب أن تؤخذ بعين
الاعتبار بعض الفئات الخاصة (المرضى والشيوخ) ،علاوة على أن شرط الإقامة يتعارض وبعض
المواثيق الدولية ونخص بالذكر منها الاتفاقية رقم 998المتعلقة بالمساواة في المعاملة بين المواطنين وغير
المواطنين في ميدان الضمان الاجتماعي ،ويتضح ذلك من خلال مادتها 6التي نصت على أنه فيما
يتعلق بالتعو يضات فإن المساواة في المعاملة يجب أن تتضمن دون شرط الإقامة ،غير أن المغرب لم
يصادق على هذه الاتفاقية مما يترتب عنه عدم استفادة عماله من مقتضيات المادة الانف ذكرها.
ومما يجدر التنبيه عليه كون المقصود بالإقامة هي الإقامة الاعتيادية وليست القانونية ،فأغلب
التشر يعات الأوربية تستوجبها ومنها التشر يع الفرنسي الذي يحددها في أكثر من 4أشهر من كل سنة،
ولا تقف الإقامة الفعلية الاعتيادية عند حد الأجير بل تتعداه إلى ذو يه ،فمثلا التعو يضات العائلية
وعلى نقيض المشرع الفرنسي ،فإن نظيره الهولندي لطف من حدة شرط الإقامة الفعلية ،وسمح
للأجير المهاجر بإمكانية صرف أداءاته الاجتماعية عند الإقامة خارج هولندا إذا وجدت اتفاقية ثنائية
78
حول هذا الأمر مع بلد المؤمن العامل ،شر يطة ألا تتعدى هذه الإقامة الخارجية 3أشهر ،هذا دون
إغفال أن التشر يع الهولندي يبسط رقابته على الأداءات و التعو يضات المستحقة للعامل المغربي الذي
استقر بالمغرب سواء كان متقاعدا أو ليس كذلك وذلك بموجب اتفاقية أبرمتها هولندا مع المغرب سنة
،1444ل كن هذه الاتفاقية أخذت منعطفا جديدا حينما قدم وزير الشؤون الاجتماعية والشغل
الهولندي يوم 96أكتوبر 1496مشروع قانون لإلغاء هذه الاتفاقية حيث اتخذ الوزير الهولندي عدة
إجراءات للحد من تصدير التعو يضات الاجتماعية نحو الخارج ،من بينها توقيف أداء تعو يضات الأطفال
القاطنين بالمغرب ابتداء من ،1491وحذف التغطية الصحية أثناء العطلة في المغرب ،وخفض
أما بخصوص الشرط الثاني فيتعلق بالمدة الدنيا من التأمين ،حيث يشترط للاستفادة من
المعاشات (كمعاش الشيخوخة ومعاش الزمانة) تجميع عدد من الاشتراكات يوازي المدة المتطلبة
للاستفادة ،إلا أن الإشكال يطرح بخصوص ما إذا كان الأجير المغربي المهاجر اشتغل بعدة دول في
أوربا ولم يتمكن من التوفر على المدة الدنيا من كل تشر يع على حده ،جوابا على هذا الإشكال فالاتفاق
الأوربي المتوسطي المؤسس لشراكة بين المغرب من جهة والمجموعة الأوربية والدول الأعضاء فيها من
جهة ثانية يمنح العمال المغاربة صلاحية تجميع فترات التأمين أو التشغيل أو الإقامة المستوفاة بمختلف
الدول الأعضاء فيها ،لاسيما فيما يتعلق بمعاشات وإيرادات الشيخوخة والعجز.
أما ثالث شرط فيتجسد في الجنسية حيث يشترط للاستحقاق بعض المعاشات أن يكون الأجير
حاملا لجنسية البلد الذي يشتغل به ،ففي فرنسا مثلا تُع َلق الاستفادة من المعاشات والتعو يضات ذات
الطابع الإسهامي (التعو يض الخاص بالشغالين الأجراء الطاعنين في السن) ،وكذا تعو يض ربات الأسرة
79
هذا بخصوص شروط الاستفادة من الضمان الاجتماعي ببلد الإقامة ،فماذا عن نطاق تطبيقه؟
تهدف أنظمة الضمان الاجتماعي إلى تغطية الأفراد الذين هم بحاجة لهذه الحماية الاجتماعية،
لذلك فنطاق تطبيقه يشمل المجال الشخصي والمادي وكذا المخاطر موضوع الضمان ،فبالرجوع لاتفاقية
الضمان الاجتماعي التي تربط المغرب باسبانيا والتي دخلت حيز التنفيذ فاتح أكتوبر من سنة 9181
نجد أن مجال التطبيق المادي لهذه الاتفاقية يشمل التشر يع المتعلق بالنظام العام للضمان الاجتماعي
الاسباني وكذا التشر يع المتعلق بالأنظمة الخاصة (العلاجات الصحية مثلا) ،أما عن مجال تطبيق
الاتفاقية الشخصي فنلاحظ على أنها وسعت من دائرة المستفيدين بحيث تضمنت الأجراء الأجانب
اللاجئين وعديمي الجنسية علاوة على العمال المغاربة الخاضعين أو الذين خضعوا للتشر يعات المتعلقة
أما فيما يخص المنافع المشمولة بنظام الضمان الاجتماعي فيستفيد العمال المغاربة المشتغلون
باسبانيا من التعو يض على كل من المرض؛ الأمومة؛ معاشات الشيخوخة والعجز ؛ منحة الوفاة؛
أما بخصوص اتفاقية الضمان الاجتماعي التي تجمع المغرب ببلجيكا ،فقد دخلت حيز التنفيذ
بتاريخ 49غشت ،9129وتمت مراجعتها عدة مرات كانت آخرها سنة ،1446وما يلاحظ على هذه
الاتفاقية أنها أضافت البطالة للمخاطر موضوع الضمان التي تقدم ذكرها في الاتفاقية الاسبانية حيث
تخضع هذه البطالة للتشر يع المتعلق بالبطالة غير الطوعية علاوة على مجموعة من التشر يعات تندرج ضمن
مجال التطبيق المادي لهذه الاتفاقية من قبيل التشر يع المتعلق بمعاش التقاعد والمتوفى عنهم للعمال
الأجراء ؛ وكذا التشر يع المتعلق بالتأمين عن المرض و الإصابة بالعجز الذي قد يتعرض له العمال
والبحارة العاملين في السفن التجار ية ،والتشر يع المتعلق بمعاش العجز لعمال المناجم والمشبهين بهم؛ ثم
80
إن الاتفاقيات المبرمة في مجال الضمان الاجتماعي تهدف في مجملها إلى صيانة الحقوق المكتسبة
للجالية المغربية من أجل تحقيق المساواة في المعاملة ومن تم إلغاء المقتضيات التشر يعية التميز ية.
النقطة الرابعة :سعي التشر يعات إلى حماية اليد العاملة الأحنبية
لما كان الحق في العمل من أبرز الحقوق الإنسانية ولذي نصت جل المواثيق الدولية ،فإن هذا
الحق لا يقتصر على أفراد الدولة أي مواطنيها وإنما يتعداه لحماية اليد العاملة الأجنبية ،لذلك نجد جميع
التشر يعات عملت على تنظيم تشغيل الأجراء الأجانب بمقتضيات خاصة ،وهو نفس النهج الذي سار
عليه تشر يعنا الاجتماعي حيث خصص الباب الخامس من الكتاب الرابع من مدونة الشغل لتشغيل
هذه الفئة ،وذلك من خلال وضعه لقواعد آمرة لا يمكن مخالفتها من خلال المواد 194إلى المادة
، 119حيث ألزم كل مشغل يرغب في تشغيل أجير أجنبي أن يحصل على ترخيص بذلك من قبل
السلطة الحكومية المكلفة بالشغل على شكل تأشيرة توضع على عقد الشغل ،وأضافت المادة 192من م
ش إلزامية مطابقة عقد شغل الأجانب بالنموذج الذي تحدده هذه السلطة ،وقد تم تحديد هذا النموذج
فعلا بموجب قرار لوزير التشغيل والتكوين المهني رقم 314.41في فبراير 1441وتم تتميمه في نونبر من
نفس السنة ،وهذا يدل على الجهود التشر يعية المبذولة في هذا المجال من طرف التشر يع المغربي لحماية
الأجراء الأجانب من كل تعسف أو استغلال يمكن أن يمارس على هذه الفئة الموصوفة بالهشة
والضعيفة ،والملاحظ أن المشرع جعل الكتابة كشرط للانعقاد تحت طائلة بطلان العقد ،وقد سبق
وما تجدر الإشارة إليه أن القرار الوزاري حدد البيانات التي يجب تضمينها في عقد الشغل بالنسبة
للأج انب دون إمكانية الز يادة فيها أو النقصان ،مما يصبح معه التساؤل مشروعا بخصوص تضمين عقد
الشغل لبيان يتعلق بسر ية الأجر مثلا؟ كماهو حال عقد شغل المدرب إير يك غيريتس الذي تضمن بيان
81
عدم ال كشف عن الراتب.
وبعيدا عن كل ذلك فقد ألزمت المادة 198من م ش على المشغل في حالة رفض منح الرخصة
المنصوص عليها في المادة 194من م ش بتحمل مصار يف عودة الأجير إلى بلده ،وقد نصت المادة
114من ذات القانون على مراعاة أحكام الاتفاقيات الدولية المتعددة الأطراف أو الثنائية المنشورة
قانونا ،بل الأكثر من ذلك فقد وضع المشرع عقوبات مالية للمشغلين الذين يشغلون أجيرا أجنبيا لا
يتوفر على الرخصة المذكورة أو في حالة عدم مطابقة عقده مع المنصوص عليه في المادة 192من م
ش.
وجدير بالذكر أن المغرب صادق على اتفاقيات دولية متعددة الأطراف وأخرى ثنائية تتعلق بحماية
الأجراء بصفة عامة ،وبالأجراء الأجانب أو المهاجرين بصفة خاصة ،وما قيل عن الأجراء المغاربة
بالخارج يقال أو ينطبق على اليد العاملة الأحنبية بالمغرب ،كل ذلك في إطار قواعد القانون الدولي
الخاص بالشغل إيمانا من المشرع الدولي بوضعية هاته الفئة والعمل على إقرار قواعد حمائية لها ومساواتها
باليد العاملة الوطنية ،ويتضح ذلك جليا من خلال إطلال مشروع إدارة هجرة اليد العاملة وحماية
حقوق العمال مؤخرا ب 6يونيو ،1496والذي تم تمو يله من طرف الفيدرالية السويسر ية بهدف
النهوض بالحكامة الجيدة لهجرة اليد العاملة وحماية حقوق العمال الأجانب.
وفي هذا الإطار يتضح أن المشرع المغربي حاول التأسيس لنوع من التوازن بين اليد العاملة
الأجنبية والأجراء الوطنيين من خلال فرض التأشيرة والتي يمكن من خلالها مراقبة تأثير تشغيل
الأجانب بالمغرب ليتسنى لها تصحيح الوضع من خلال إعادة التوازن كلما تطلب الأمر ذلك.
وتجدر الإشارة إلى أن ما هو منصوص عليه قانونا يبقى مجرد حبر على ورق إلى حد بعيد حيث
يؤكد الواقع العملي أن عددا كبيرا من الأجراء يشتغلون دون الحصول على تأشيرة من السلطة الحكومية،
82
بالإضافة إلى عدم تطبيق عدد مهم من الاتفاقيات الدولية من طرف عدة دول فيما يتعلق بفئة الأجراء
النقطة الخامسة :الحماية القانونية للأجراء الأجانب بالمغرب على مستوى الضمان
الإجتماعي
ما هي الجهود التشر يعية المبذولة من طرف المغرب لحماية العمال الأجانب على مستوى الضمان
الإجتماعي ؟
إذا كانت حماية الأجير المغربي في بلاد المهجر في قلب اهتمامات المشرع المغربي من خلال
إبرامه لعدة اتفاقيات سواء متعددة أو ثنائية الأطراف المتعلقة بالضمان الإجتماعي ،فإن هاجسه
كذلك ينصب على ملائمة تشر يعه الداخلي مع تلك المعاهدات ،لذلك نجد المغرب عمل على إبرام
وعليه فإن المغرب ومراعات لما قد ينشأ للعامل الأجنبي من حقوق قبل الهجرة فقد تم الإقرار
بمبدأ استمرار الحقوق المكتسبة في العلاقات الدولية في مجال الضمان الإجتماعي وذلك عن طر يق
السماح بجمع فترات التأمين أو الشغل أو الإقامة المقضية في ظل تشر يعات الأطراف المتعاقدة وفي
هذا الإطار أبرمت إتفاقية الضمان الإجتماعي 9182بين المغرب وتونس والتي قضت في فصلها
الثالث بأن الشغالين والأجراء الذين يمارسون بكيفية اعتيادية خدمة على التراب الوطني لأي من
الطرفين المتعاقدين يخضعون لتشر يع هذا الطرف ولو كانوا يقيموا على التراب الوطني للطرف
المتعاقد ،بما يعني أن ذلك أن الأجراء التونسيون بالمغرب تسري عليهم أحكام التشر يع المغربي المتعلق
بالضمان الإجتماعي لظهير ،9121ويستفيدون مما يستفيد منه الأجراء المغاربة سيما وأن الفصل
الرابع من ذات الإتفاقية يشير إلى أن الجرايات والمنافع الأخرى النقدية لا يمكن إنقاصها ولا
83
تعليقها ولا حذفها بحجة أن المستفيد منها يقيم على التراب الوطني للطرف الآخر المتعاقد.
إن هاجس الدول في حماية رعاياها في بلد المهجر جعلت المغرب وألمانيا يبرمان إتفاقية ثنائية
متعلقة بالضمان الإجتماعي لسنة 9186والتي تم نشرها بالجريدة الرسمية 1ماي ،1441والتي
تضمنت حماية أكثر بالمقارنة مع سابقتها حيث جاء ضمن مقتضياتها أن هذه الإتفاقية تطبق على
مواطني أي من الطرفين المتعاقدين ،واللاجئين ثم عديمي الجنسية ،كما أضافت المادة الرابعة منها على
أن هؤلاء الأشخاص يكون وضعهم القانوني مشابها للوضع القانوني لمواطني أي من الدولتين
المتعاقدتين.
ل كن هذه الإتفاقية أقرنتن الإستفادة من ذلك بشرط الأقامة من خلال الفصل الخامس
حيث لا يطبق تشر يع أي من الدولتين الذي ينيط إكتساب الحق في الإعانات النقدية ...شر يطة
أن يكون المعني بالأمر مقيما على التراب الوطني لهذه الدولة ،ولا يطبق على الاشخاص المشار إليهم
في الفصل الثالث والمقيمين أو الذين يقضون بضعة أيام على التراب الوطني للدولة الأخرى ،ونرى
أن هذا الشرط مجحف في حق الأجير الأجنبي مما سيساهم في حرمان فئة هامة من العمال
الأجانب ،كما أن هذا الشرط يخدم البلد الألماني أكثر من المغرب نظرا للعدد الهائل من اليد العاملة
المغربية بألمانيا.
وعلى كل حال فإن الأجراء الألمان بالمغرب يسري عليهم ما ينطبق على الاجراء المغاربة فيما
يتعلق بالضمان الإجتماعي إستنادا لأحكام هذه الإتفاقية بإعتبارها قانونا دوليا إتفاقيا بين البلدين.
فتكريسا لمبدأ المساواة في المعاملة لرعايا الطرفين المتعاقدين ،حرصا المغرب والبرتغال على إبرام
إتفاقية الضمان الإجتماعي سنة 9118والتي تم نشرها بالجريدة الرسمية 6يناير .1449كل ذلك
رغبة منهما في ضمان حقوق رعاياهما في مجال الضمان الإجتماعي ومقتضى هذه الإتفاقية تحمل
84
الأشخاص الذين يوجدون فوق تراب أحد الطرفين – العمال البرتغاليون في مقامنا هذا – لإلتزامات
تشر يع الضمان الإجتماعي أي ظهير ،9121وبالمقابل يستفدون من مقتضيات هذا النظام بنفس
الشروط المطبقة على الأجراء المغاربة ،ولا يحق للأجراء الأجانب أن يحتجوا بالمقتضيات السار ية
وبالرجوع للإتفاقية المبرمة بين كندا والمغرب سنة 9118المنشورة بالجريدة الرسمية في دجنبر
1444وعزما منهما على التعاون في ميدان الضمان الإجتماعي ،وتأكيدا منهما لمبدأ المساواة في
المعاملة بين كافة الأشخاص الخاضعين أو اللذين سبق لهم أن لتشر يع أحد البلدين فيما يتعلق
بالضمان الإجتماعي ،ورغبة منهما في المحافظة على أحسن للحقوق التي إكتسبها أو سيكتسبها المؤمن
لهم الإجتماعيون بكلا البلدين في مجال التأمين عن الشيخوخة والعجز ،أو المتوفى عنهم وكذا التأمين
عن الحياة ،فقد تم إقرار إبرام هذه الإتفاقية لتعزيز الحماية اللازمة لهاته الفئة وعليه فإنه حسب هذه
الإتفاقية تسري على ال كنديين بالمغرب ما يسري على المغاربة فيما يخص الضمان الإجتماعي ،وهو
نفس ما قضت به الإتفاقية المبرمة بين المغرب وإسبانيا سنة 9121والتي تم نشرها بالجريدة الرسمية
سنة . 9186
وقد صدر مؤخرا بالجريدة الرسمية قانون 96.61الموافق بموجبه على إتفاقية الضمان الإجتماعي
الموقعة ببروكسيل في 98فبراير 1496بين المغرب وبلجيكا وقد تم نشره بالجريدة الرسمية ب 94
مارس ، 1491فهذه الإتفاقية جاءت بمقتضيات هامة في إطار الجهود التشر يعية المغربية المبذولة
لتعزيز حماية اليد العاملة بالخارج ،وكذا ضمان حقوق الاجراء الأجانب بالمغرب حيث تقضي
بإستفادة الأجانب من الحقوق التي يستفيد منها المواطنين المغاربة فيما يخص الضمان الإجتماعي،
كما يتمتع المغاربة ببلجيكا بنفس الإمتيازات حيث يتساوون في الحقوق والإلتزامات الناتجة عن
85
تطبيق نظام الضمان الإجتماعي في بلد المهجر.
وفي الأخير لا يسعنا سوى القول بأن الدول العربية ومنها المغرب تسعى إلى وضع نظام للضمان
الإجتماعي ذا نطاق واسع يضمن الحماية المتطلبة للمغاربة والأجانب على حد سواء ،وذلك من
خلال المصادقة على عدة إتفاقيات دولية بهذا الخصوص ،غير أنه وعلى الرغم من أن الدول
المتقدمة بالقارة العجوز تدعي أنها صاحبة الدمقراطية وأنها ضامنة للحقوق والحر يات بسياج متين
وحصن حصين إلا أنه يلاحظ تراجع من قبلها على احترام المواثيق الدولية فيما يتعلق بالحق في
لئن كان العمال يشكلون فئة كبيرة داخل المجتمع ،فإن الاهتمام بها أمر لا مفر منه ،وهو ما
جعل جل التشر يعات بما فيها الدولية والوطنية على إقرار قواعد حمائية لهؤلاء ،كما فصلنا ذلك سابقا،
ل كن هذه الجهود التشر يعية لن ترى النور إذا لم تكن هناك مؤسسات ساهرة على تطبيقها ومراقبة
تنفيذها وهو ما تم فعلا من خلال خلق عدة مؤسسات ووكالات ومكاتب أساسها وعقيدتها حماية اليد
العاملة الأجنبية ونخص بالذكر في هذا الإطار منظمة العمل الدولية التي تم تأسيسها سنة 9191والتي
تعنى بقضايا العمال والشغل والتي تتكون من ثلاث هياكل يعتبر أسمى جهاز فيها المؤتمر الدولي للشغل
والذي يتولى تنظيم مشاكل الشغل على المستوى الدولي ،و المجلس الإداري الذي يعد جهازا تنفيذيا
للمنظمة ثم مكتب الشغل الدولي والذي يتولى القيام بعدة صلاحيات منها على الخصوص جمع ونشر
المعلومات المتعلقة بالقضايا العمالية ،والسهر على تطبيق الدول الأعضاء في المنظمة للاتفاقيات
والتوصيات التي تقررها ومساعدة الدول على وضع تشر يعات الشغل بما من شأنه حماية اليد العاملة،
86
وتتجلى أهمية هذا المكتب في دعم ومساندة الدول على تنظيم منتديات ولقاءات وندوات في مجال
التشغيل.
بالإضافة إلى منظمة العمل الدولية نجد منظمة العمل العربية كمؤسسة دولية تهدف إلى تنسيق
الجهود العربية في ميدان العمل ،وتوحيد التشر يعات العمالية وظروف وشروط العمل بها وتتكون هذه
المؤسسة كذلك من عدة هيئات منها مؤتمر العمل العربي ،المجلس الإداري ثم مكتب العمل العربي
والذي يقوم تقريبا بنفس المهام التي يقوم بها المكتب الدولي للشغل ،بالإضافة إلى بعض الأجهزة
المساعدة.
وغني عني البيان أن الوزارات المكلفة بالتشغيل تبذل مجهودات جبارة لإقرار الحماية الضرور ية
لفئة العمال من خلال القيام بتنظيم ملتقيات مفتوحة تهم مجال الشغل وذلك بتعاون مع عدة
مؤسسات سواء وطنية أو دولية ،وفي هذا الإطار فإنه سيتم تنظيم المنتدى الدولي الثالث للسياسات
العمومية في مجال التشغيل الذي سينعقد يومي 3/1ماس 1494في مراكش بشراكة مع مكتب
وفي نفس المضمار فقد وضعت وزارة التشغيل إستراتيجية لذلك حيث أحدثت لجنة وزار ية
للتشغيل برئاسة رئيس الحكومة تضطلع بمهمة تدقيق الإجراءات العملية لإنعاش الشغل وتعزيز البرامج
النشيطة في ذلك وتحسين حكامته ،كما نجد من ضمن هيئاتها مصلحة خاصة بالعمال المهاجرين.
ومن المؤسسات التي تقوم بدور مهم في حماية اليد العاملة خاصة الأجنبية نجد وكالات التشغيل
سواء العمومية أو الخصوصية وما لها من دور فعال في إطار الوساطة أو التقريب بين طالبي الشغل
والمشغلين .وفي المغرب نجد من بين أهم الفاعلين الرئيسيين في مجال التشغيل فضلا عن وزارة
التشغيل ،الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل وال كفاءات من ضمن اختصاصاتها دراسة عروض التشغيل
87
الصادرة من البلدان الأجنبية واستكشاف جميع فرص توظيف المواطنين الراغبين في الهجرة إلى
الخارج هذا فضلا عن إنشاء المجلس الأعلى لإنعاش التشغيل بمقتضى مدونة الشغل بدل المجلس الأعلى
لليد العاملة ،وعلى المستوى الإقليمي تم إحداث لجان جهو ية وإقليمية لإنعاش التشغيل وغيرها من
المؤسسات التي تعمل في مجال التشغيل كوكالات التشغيل الخصوصية والوكالة الفنية ثم وكالات
التشغيل المؤقت ،والتي تم تنظيمها من خلال المواد 6111إلى 144من مدونة الشغل.
ولا تفوتنا الإشارة ونحن نتحدث عن الجهود المؤسساتية المبذولة لحماية اليد العاملة إلى كل من
مفتشية الشغ ل والقضاء باعتبارهما مؤسستين فعاليتين ومراقبتين وضامنتين لتنفيذ ما تلتزم به الدول في
مجال التشغيل ،حيث أن قانون الشغل وحده لا يمكنه أن يحقق هدفه المتمثل في حماية الأجير الطرف
الضعيف في العلاقة الشغلية إلا إذا كان مدعما بجهاز أو مؤسسة تضمن احترام قواعده والتطبيق الفعلي
لأحكامه وهذا ما جعل المغرب كغيره من الدول يعمل على إحداث هيئة تفتيش الشغل وتخصيصها
بنظام أساسي خاص بها ،ولضمان نجاعة هذه المؤسسة فقد أسند له مهمة قانونية وتقنية متمثلة خاصة
في مراقبة تطبيق أحكام الشغل (المادة 131من م.ش) ،ومعاينة أي عرقلة لسير العمل وتحرير
المحاضر بشأنها حس مقتضيات المادة 31من م.ش وغيرها من المواد ،هذا كله فضلا عن الدور
البارز والمتجسد في المهام التصالحية والتحكيمية بين الأجراء والمشغلين كيفما كانت جنسيتهم بمقتضى
المواد 632و 131و 119من م.ش ،بالإضافة إلى المهام الإدار ية.
إن هذه المهام والصلاحيات المختلفة التي تتمتع بها هذه المؤسسة من شانها أن تكون كفيلة
بتحقيق نوع من التوازن في العلاقة الشغلية وإقرار حماية لليد العاملة من كل تعسف او استغلال من
طرف المشغلين ،وذلك من خلال دخول المفتشين لكل مؤسسة خاضعة للمراقبة دون سابق إعلام،
والإطلاع على جميع الوثائق التي يلزم القانون المشغل بمسكها ثم إنجاز تقارير في حالة مخالفة الأحكام
88
التشر يعية حسب المادة 131من م.ش .
وجدير بالذكر إلى أن أي قانون كيفما كانت درجة رقيه و تقدمه فإنه لابد له من مؤسسة
قضائية تنقله من حالة السكون إلى الحركة وهذا ما تلاحظه على المستوى الدولي حيث أن جميع
التشر يعات تشتمل على محاكم اجتماعية أو أقسام اجتماعية داخل المحاكم يتم اللجوء إليها عند حدوث
من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية في العلاقة الشغلية لابد من التعاون والتنسيق بين مفتشية
الشغل والمؤسسة القضائية حسب ما تنص عليه المادة 1من اتفاقية تفتيش العمل رقم ،89باعتبار
هذه المفتشية حارسة لأحكام المدونة ليس في المغرب فقط بل في جميع بلدان العالم ،إذ لا يجب أن
تظل معزولة في ممارسة مهامها عن باقي السلطات وعلى رأسها القضاء باعتباره المسؤول عن حماية حقوق
الأجراء الفردية والجماعية وتحقيق الأمن القضائي والقانوني وكذا تحقيق ما يسمى بالأمن التعاقدي بين
في هذا الإطار يمكن طرح التساؤل حول مدى إمكانية اعتماد الاتفاقيات الدولية من طرف
المحكمة تلقائيا ولو لم يطلب الأطراف ذلك ،لاسيما عند غياب نص داخلي في الموضوع ،أو إعمالا للمبدأ
المنصوص عليه في المادة 99من م.ش القاضي بتطبيق " المقتضيات الأكثر فائدة للأجراء أو المؤاجرين
،"...وخاصة عندما يتعلق الأمر بحق أساسي من حقوق الإنسان كأعمال تمس بكرامة العامل ،فيما
يتعلق بهذا ال إشكال نرى أن المحكمة لا تطبق أحكام الإتفاقيات الدولية حتى إذا ما طلب ذلك أحد
الأطراف فما بالك في حالة عدم طلب ذلك ،ونرى أن ذلك راجع لعدة اعتبارات منها على الخصوص
عدم تقديم دفوعات من هذا القبيل وكذا غياب التخصص لدى القضاة في القانون الدولي للشغل.
89
النقطة السابعة :مدى قابليىة الأجانب للتأطير النقابي
لعل تكريس مبدأ الحر ية النقابية وتوسيع نطاقه وحمايته كان ولا زال من أهم انشغلات منظمة
العمل الدولية ،حيث اعتبرت هذا المبدأ أحد المبادئ الرئيسية التي نشا من أجلها ،وفي هذا الإطار
أقرت مؤتمرات العمل الدولية عدة صكوك نظمت شؤون الحركية النقابية بدأت بالإتفاقية رقم 99
لسنة 9119بشان الحق النقابي للعمال الزراعيين ،ثم إتفاقية رقم 86لسنة 9162إلى أن تم خلق لجنة
خاصة بالحر ية النقابية وإصدار الإتفاقية رقم 82المتعلقة بالحر ية النقابية وحماية الحق النقابي وكذا
الإتفاقية رقم 18المتعلقة بحق التنظيم والمفاوضة الجماعية ،وقد تم ضمان الحق في الإنخراط في أي
منظمة نقابية بمقتضى جل دساتير الدول -الفصل 3و 1من الدستور المغربي -وكذا في القوانين
الداخلية.
فبالرجوع إلى مدونة الشغل المغربية نجدها تنص على تأسيس النقابات المهنية بكل حر ية وكذا
حق الأجراء في الإنضمام إلى النقابة التي تختارها بكل حر ية حسب المادة 318منها ،كما أكدت على
ل كم ما تجب الإشارة إليه أن المغرب لم يصادق بعد على الإتفاقية رقم 82و كذا 18لسنة
وإذا كان كان يحق للأجير الأجنبي الإنخراط في النقابة فقد ارتأى مشرع المدونة أن يشترط
الجنسية المغربية في الأعضاء المكلفين بإدارة النقابة وتسييرها حسب المادة 694من مدونة الشغل،
وإن هذه اللإلزا مية تأتي من ناحية الحفاظ على الهو ية المغربية للنقابة بل إن المشرع من خلال
مقتضيات المادة 644أعطى الإمكانية للنقابات المهنية أن تنخرط في منظمات نقابية دولية للأجراء أو
90
المشغلين ،ومن التشر يعات التي تنص على شرط الجنسية الوطنية لتأسيس النقابات العمالية نجد قانون
فالملاحظ أن العديد من الدول لم تصادق على هاتين الإتفاقيتين كما أن أغلبية الدول تنص في
تشر يعاتها على حر ية الأجراء في الإنضمام إلى النقابات المهنية أو الإنسحاب ممنها ل كنها تجعل تأسيسها
وإدارتها حكرا على أبناء الوطن ،ولا يمكن إعتبار ذلك تمييزا عنصر يا في رأينا ما دامت هذه التشر يعات
تحاول الحفاظ على هويتها الوطنية علما أن هذه النقابات تهدف إلى المساهمة في التحضير للسياسة
الوطنية في ميادين مختلفة ،وحتى لا يتم الخروج عن هذه الأهداف والدفاع عن مصالح منخرطيها فقد
91
قراءة في عملية التوظيف بموجب العقد المنظمة من طرف
الأكاديميات الجهو ية للتربية و التكوين
صديق عزيز
باحث في القانون الخاص
أعلنت وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني بموجب مذكرة عدد 94/844بتاريخ 9
نونبر 1494عن تنظيم مبار يات للتوظيف بموجب عقود ،تسهر على تنز يلها و مواكبة جميع
إجراءاتها و عملياتها الأكاديميات الجهو ية للتربية و التكوين بجهات الممل كة .و تأتي هذه
العملية ،حسب الوزارة الوصية للحد من ظاهرة الاكتظاظ بالأقسام الذي وصل لمستو يات
غير مسبوقة ،و كذا من أجل توفير موارد بشر ية إضافية في ظل خصاص حاد ناتج عن
تصاعد عمليات النزوح الجماعي القسري نحو التقاعد المبكر(.)9
أولا :السياق العام:
إن تنظيم مبار يات التوظيف بموجب عقود بالإدارات العمومية ليس وليد صدفة،
بل أملته التوجهات الاستراتيجية للدولة في مجال إصلاح الإدارة ،في ظل مناخ عالمي
هيمن عليه التوجه نحو تفو يض الخدمات الإدار ية للقطاع الخاص و السعي لجعل الإدارة
في خدمة التنمية(.)2
فحسب الفصل 916من الدستور... " :تخضع المرافق العمومية لمعايير الجودة
والشفافية والمحاسبة والمسؤولية ،وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية التي أقرها
الدستور" .و بين ارتباط النشاط الإداري بمبادئ الحكامة الجيدة بحث حثيث عن سبل
92
و يرجع الحديث عن التشغيل بموجب عقود لمنشور 49-11بتاريخ 2غشت 9149
المتعلق بالتوظيف بعقد ،و الذي سمح للإدارات العمومية بالتوظيف بناء على عقود
خاضعة للقانون العام ،بشرط ألا تتوفر هذه الإدارات على أنظمة أساسية خاصة بموظفيها.
و يرى الأستاذ عبد الخالق العلاوي ( )3أن هذا النوع من التشغيل استند آنذاك على
أسس قانونية هشة لاعتماده طر يقة لشغل الوظائف العمومية بواسطة منشور في حين أنه
مجال متروك للقانون .و كان من الأجدى إصدار قانون ينظم عملية التشغيل بموجب عقد
عبر بوابة البرلمان على غرار المشرع الفرنسي الذي أرسى قانونيا للتوظيف بموجب عقد ،من
العمومية .و كذا المشرع الجزائري الذي حدد حالات التوظيف بموجب عقد في القانون
،43.44بمثابة القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية الصادر بتاريخ 91يوليوز .1444
و يجد التوظيف بموجب العقد سنده كذلك في توصيات المناظرة الوطنية حول
إصلاح الإدارة المنظمة سنة 1441و التي ركزت على ضرورة :
إسناد بعض الأنشطة المزاولة على مستوى سلالم الإدارة للقطاع الخاص في
إطار تعاقدي.
عنها الحكومة السابقة ،على ضرورة تثمين الرأسمال البشري من خلال تقو ية الإطار
93
المؤسساتي و تطوير منظومة الموارد البشر ية .وذلك باعتماد مناهج حديثة للوظائف و
ال كفاءات ،و على رأسها التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية.
و من بين الأسس القانونية للتوظيف بموجب العقد ،نجد ما نص عليه الفصل 4
مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية ( 16فبراير )9118على أنه ":يمكن
للإدارات العمومية عند الاقتضاء أن تشغل أعوانا بموجب عقود ،وفق الشروط و
ال كيفيات المحددة بموجب مرسوم .لا ينتج عن هذا التشغيل ،في أي حال من الأحوال
حق الترسيم في أطر الإدارة ".ولم يصدر هذا المرسوم التطبيقي إلا بتاريخ 1غشت 1494
المتعلقة بتنظيم مبار يات للتوظيف بموجب عقود ،تجعلنا نقف عند الغياب التام للمراجع
القانونية التي استندت عليها وزارة التر بية الوطنية في إصدار هذه الأخيرة .فكان من
الموافق 91ماي ،1444ثم الفصل 4مكرر من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية .فحتى هذا المرسوم الأخير لم ينزع هالة
الغموض و الضبابية عن الية التعاقد في ميدان التوظيف ،حيث هناك تركيز فقط على
الأثر الأساسي لهذا النوع من التشغيل ،و المتمثل في عدم إمكانية ترسيم العون المتعاقد في
أسلاك الوظيفة العمومية .وذلك دون التفصيل في باقي العناصر الأساسية المكونة لنظام
94
التوظيف بالتعاقد ،و في مقدمتها التأسيس للآليات و القواعد ،و الضمانات المجسدة لمبدأ
مبينة في المذكرة الوزار ية ،نسجل الطابع الانفرادي الذي تم التنصيص به عليها ،بمعزل عن
إرادة المتعاقد مع الإدارة .الشيء الذي يجعلنا نتساءل عن مداخل التأطير القانوني لعقد
التوظيف الذي يجمع الأكاديمية الجهو ية للتربية و التكوين و العون المتعاقد الناجح في مباراة
كما نسجل عدم وضوح عبارة "الوسائل المتاحة " لتبليغ الأكاديمية قرار تعو يض
الأساتذة المتعاقدين المتخلفين عن الالتحاق بمقر عملهم ،هل سيكتفى بالقواعد العامة للتبليغ
الواردة في قانون المسطرة المدنية؟ أم سيسمح للتبليغ بالوسائل الحديثة ( التبليغ الال كتروني
أسال تحديد نوع العقد المبرم بين الأكاديمية الجهو ية للتربية و التكوين و الأستاذ
المتعاقد ال كثير من المداد ،و تناسلت حوله العديد من الأسئلة حول التأطير القانوني السليم
لهذا النوع من العقد .فبين من يؤكد أنه من العقود الخاضعة للقانون الخاص ،و بين من
يرى أنه من العقود الإدار ية الخاضعة للقانون العام .سنحاول هنا ،استجلاء أهم العناصر
التي تسمح بإلقاء المزيد من الضوء على التكييف القانوني الصحيح لعقد التوظيف السالف
الذكر.
يرى أحد الباحثين أن عقد التوظيف المبرم بين الأكاديمية الجهو ية للتربية و التكوين
و الأستاذ المتعاقد يدخل في إطار عقود الإذعان ،التي يفرض فيها أحد المتعاقدين شروطه
95
المعدة سلفا على الطرف الاخر بعيدا عن المناقشة أو منطق التفاوض ،و في غياب تام
لسلطان الإرادة .و مرد ذلك " ...حاجة المواطنين الماسة للتعليم العمومي ،وكذا ارتفاع
عدد العاطلين الحاصلين على الشهادات و قلة مناصب الشغل" ( )1والمحدد لتوجه الوزارة
و مما لاشك فيه أن عقود الإذعان و بالرغم من اتسارع رقعة انتشارها نتيجة التطور
تتميز بخصائص معينة حددها الأستاذ عبد الحق لارتباطها بعنصر الاحتكار ،حيث
أن يكون احد طرفي العقد في مركز اقتصادي متغلب نظرا لما يتمتع به من
أن يتعلق بسلع او مرافق تعتبر من الضرور يات الأولية بالنسبة للمستهلك أو
المنتفع.
و هناك من يرى أن عقد التوظيف المبرم بين الأكاديمية الجهو ية للتربية و التكوين و
الأستاذ المتعاقد هو عقد شغل خاضع لقواعد القانون الخاص( .)2وأساسهم القانوني يتمثل
في الفصل 723من قانون الالتزامات والعقود ،الذي ينص على" أن إجارة الخدمة أو
العمل عقد يلتزم بمقتضاه أحد طرفيه بأن يقدم للآخر خدماته الشخصية لأجل محدد ،أو
من أجل أداء عمل معين ،في نظير أجر يلتزم هذا الآخر بدفعه له ,".....فالمشرع المغربي
هنا لم يعط تعر يفا دقيقا لعقد الشغل بعناصره الكاملة و ترك الأمر لفقهاء القانون.
فالأكاديمية تمثل المشغل ،و هذا الأخير حسب المادة 4من مدونة الشغل المغربية
هو ..." :كل شخص طبيعي أو اعتباري ،خاصا كان أو عاما ،يستأجر خدمات شخص
96
ذاتي واحد أو أكثر" .ل كن بالرجوع لمدونة الشغل في المادة الأولى نجد أنها تنص على
أنه ":تسري أحكام هذا القانون على الأشخاص المرتبطين بعقد شغل ،أيا كانت طرق
تنفيذه ،وطبيعة الأجر المقرر فيه ،وكيفية أدائه ،و أيا كان نوع المقاولة التي ينفذ العقد
والاستغلالات الفلاحية و الغابو ية وتوابعها .كما تسري على المقاولات والمؤسسات التابعة
للدولة والجماعات المحلية ،إذا كانت تكتسي طابعا صناعيا أو تجار يا أو فلاحيا ،وعلى
التعاونيات والشركات المدنية ،والنقابات والجمعيات والمجموعات على اختلاف أنواعها .كما
تسري أحكام هذا القانون على المشغلين الذين يزاولون مهنة حرة ،وعلى قطاع الخدمات،
وبشكل عام على الأشخ اص الذين ارتبطوا بعقد شغل ،ولا يدخل شغلهم في نطاق أي
نشاط من النشاطات المشار إليها أعلاه .".كما تنص المادة الثانية من مدونة الشغل على
- 9الأشخاص الذين يضعون أنفسهم في مقاولة ما ،رهن إشارة الزبناء ل كي يقدموا
إليهم مختلف الخدمات ،سواء كان ذلك بتكليف من رئيس المقاولة أو برضاه؛
- 1الأشخاص الذين عهدت إليهم مقاولة واحدة بمباشرة مختلف البيوعات وبتلقي
مختلف الطلبات ،إذا كان هؤلاء الأشخاص يمارسون مهنتهم في محل سلمته لهم المقاولة،
إذا افترضنا أن عقود الشغل التي أبرمتها الأكاديميات تخضع للقانون الخاص ،فإنها
ملزمة بأن تنزل منزلة الخواص من حيث التفاوض على شروط العقد ،وحقوق و
التزامات كل طرف من أطراف العقد .على أساس أن عقد الشغل في أصله هو عقد
97
رضائي ،بالإضافة إلى تحديد القضاء العادي كجهة مختصة للبت في المنازعات التي تنشأ بينها
و بين الأعوان المتعاقدين .فخصوصية عقد الشغل تجعله يكتسي طابعا حمائيا للطرف
ورغم كون عقد الشغل المحدد المدة يؤسس للاستقرار بين طرفي العقد ، ،لا نجد
ذلك في العقود غير المحددة المدة ،بالرغم من تنظيم المشرع لهذه الأخيرة بشكل أدق على
اعتبار أنها هي الأصل و العقود محددة المدة استثناء ،فبالرجوع للمذكرة الوزار ية المنظمة
للتوظيف بموجب عقود ،نجد أنها تنص على أن العقد يبرم بين الطرفين لمدة محددة في
سنتين قابلة للتجديد .ل كن ما يجب التأكيد عليه هنا ،أن المادة 94من مدونة الشغل
نصت على الحالات التي ينبغي إبرام عقد شغل محدد المدة فيها على سبيل الحصر ،وذلك
وفق ما يلي:
" -إحلال أجير محل أجير آخر في حالة توقف عقد شغل هذا الأخير ،ما لم يكن
يمكن إبرام عقد الشغل محدد المدة في بعض القطاعات والحالات الاستثنائية التي
تحدد بموجب نص تنظيمي بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية
للأجراء ال أكثر تمثيلا أو بمقتضى اتفاقية شغل جماعية ".و بالرجوع للمرسوم رقم
98
عقود بالإدارات العمومية ،نقف عند تنصيص المشرع على لجوء الإدارة العمومية كلما
اقتضت ضرورة المصلحة إلى تشغيل بموجب عقود إما لخبراء لإنجاز مشار يع أو دراسات
أو تقديم استشارات أو خبرات أو القيام بمهام محددة يتعذر القيام بها من قبل هذه
الأخيرة بإمكاناتها الذاتية .و إما إلى تشغيل أعوان للقيام بوظائف ذات طابع مؤقت أو
عرضي )8(.وذلك لمدة أقصاها سنتين قابلة للتمديد لسنتين .الشيء الذي يجعلنا نتساءل
عن كيفية تجديد عقد الشغل ،هل سنحترم مقتضيات المادة 33من مدونة الشغل()1؟
أم المادة 99من المرسوم رقم 224.91.1الصادر بتاريخ 1غشت 1494و المحدد
لشروط و كيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية ؟أم الشروط الواردة
فالأساتذة المتعاقدون هنا سيشغلون وظائف التدريس ،و التي تكتسي في غاياتها
طابعا دائما لارتباطها بمرفق عمومي ذي طابع اجتماعي يبتغي تحقيق المصلحة العامة و من
كما أنهم سيستفيدون خلال مسارهم المهني من الترقية في الرتبة و الدرجة و فق
نفس القواعد المطبقة على الموظفين الرسميين .و بالنسبة للأجرة سيتقاضى الأستاذ المتعاقد
كذلك أجرة شهر ية جزافية مماثلة للأجرة التي يتقاضاها الأستاذ المرتب في الدرجة الثانية
(السلم .)94الشيء الذي يدفعنا للتساؤل عن أوجه الاختلاف الحقيقية هنا بين الأستاذ
الرسمي و المتعاقد ،حيث أنه بالرغم من أنه غير مرسم فهو مرتب في درجة و رتبة ،و
المتعاقدين ستكون طبيعة العلاقة القائمة بين الطرفين علاقة تبعية قانونية ٬باعتبارها أحد
99
أهم عناصر عقد الشغل و أساسها القانوني .حيث سيخضع الأجير(الأستاذ المتعاقد) في
نظامية و ليست علاقة تبعية أو علاقة تعاقدية ( ،)99و يرتب على ذلك أن النظام القانوني
الذي سيخضع له العون المتعاقد محدد سلفا ،لا يمكن تعديله باعتبار أساسه تدابير خاصة
أتت في صورة عقد ،و ل كنها ذات طابع نظامي بعيدا عن منطق المناقشات أو التفاوض
و مما يبعد عقد التوظيف هنا عن دائرة عقد الشغل الخاضع لقواعد القانون الخاص،
وجود مجموعة من المؤشرات و العناصر المعتبرة في فلك وسائل القانون العام .و من
الضروري تجاوز الاجتهاد الخاص الذي تقدمه بعض الإدارات العمومية كتكييف لعقود
نص عليه قرار لمحكمة النقض عدد 38 التوظيف التي تبرمها مع الأفراد ،نذكر هنا ما
أحد المراقبين الماليين أثار مسألة تعلقت برفضه التأشيرة على قرار ترقية الموظفين التابعين
لبعض المعاهد و المدارس الفلاحية ملاحظا وجود غموض في وضعيتهم إزاء قانون
الوظيفة العمومية ،وبعد عدة نقاشات مع الجهات المعنية تم الاهتداء إلى إدماج الموظفين
المعنيين ضمن أطر وزارة الفلاحة مراعاة للوضعية المواز ية التي كانت لهم ،إلا أنها فوجئت
بأن وزير الفلاحة طلب منها التوقيع على عقدة سماها بعقد خاضع للقانون العام( عقد
الشغل) يبتدئ من فاتح يناير 1442لمدة سنة قابلة للفسخ تحت شرط وحيد هو الإعلام
100
فالطبيعة الاستثنائية لعقد التوظيف المبرم بين الأكاديمية و الأستاذ المتعاقد تقتضيه
طبيعة نظام الوظيفة العمومية المغربية كنظام مسار مهني بامتياز ،الشيء الذي يحيلنا على
العقود الإدار ية التي تنطوي على امتيازات السلطة العامة ،و التي لا مثيل لها في علاقات
عقود إدار ية محددة بالقانون ،و هي بقوة القانون كذلك ل كون موضوعها
يتعلق بالمرفق العمومي .جاء في قرار لمحكمة النقض عدد 288بتاريخ 96نونبر 9114أن
الصفقة " تعتبر عقدا إدار يا بنص القانون ،و بالتالي لا حاجة للبحث عن وجود شروط
غير مألوفة في العقد المتعلق بالصفقات المبرمة لصالح الإدارة للقول بأن الأمر لا يتعلق
عقود إدار ية لم يتدخل المشرع لتحديد طبيعتها و نظامها ،ل كن القضاء حدد
فما هي محددات تكييف هذا العقد على أساس أنه من العقود الإدار ية؟ بالرجوع
للمذكرة الوزار ية عدد 94/844بتاريخ 9نونبر 1494المتعلقة بتنظيم مبار يات للتوظيف
بموجب عقود من طرف الأكاديميات ،نجد أنها أكدت في العنصر الثامن المرتبط بحقوق
وواجبات الأساتذة المتعاقدين مع الأكاديميات ،أنه يتم التوظيف بموجب عقد بين
الأكاديمية بصفتها مؤسسة عمومية و المترشح الناجح بصفة نهائية في المباراة الخاصة بمسطرة
هذا النوع من التوظيف .و هذا هو المحدد الأول للقول بكون عقد التوظيف هذا عقد
إداري ،على اعتبار أحد طرفيه من أشخاص القانون العام حسب الثابت من الاجتهاد
القضائي .فقد جاء في قرار للمجلس الأعلى محكمة النقض حاليا الغرفة الإدار ية عدد 146
101
بتاريخ 1443/91/99أن " العقد يعتبر إدار يا إذا كان أحد طرفيه مؤسسة عامة تقوم
بتسيير المرفق العام" )94( .كما جاء في حكم لإدار ية مراكش عدد 944بتاريخ
1443/6/34أنه ":تعد عقودا إدار ية تلك التي تبرمها وزارة الأوقاف في إطار المرفق
الذي تضطلع بتسييره و تنظم في إطاره رحلات الحج للمواطنين المغاربة و يرجع
المحدد الثاني يتعلق باتصال العقد هنا بنشاط المرفق العام .جاء في حكم لإدار ية
الرباط رقم 131بتاريخ ":1446/3/1وحيث ينبغي التسليم بداية بأن العقد الإداري هو
ذلك العقد الذي يكون أحد طرفيه على الأقل شخصا معنو يا عاما و يكون الهدف منه
ضمان تنفيذ مرفق عمومي أو تسييره ،وأنه من أجل تقرير الصبغة الإدار ية للعقد المبرم من
طرف شخص معنوي عام في غير حالة العقود الإدار ية المسماة ،فقد اجمع الفقه و القضاء
على استعمال معيار المرفق العام في العقد المذكور و هو المعيار الذي يتم البحث عنه في
مضمون محله ،و الذي ينبغي أن يجسد تلك الحاجة العامة التي يكون إشباعها داخلا ضمن
إحدى المهام ال مسندة للشخص المعنوي العام المتعاقد أو تكون لازمة لأداء المرفق لمهامه
المحدد الثالث يتمثل في احتواء عقد التوظيف على شروط استثنائية ،تعكس أساليب
القانون العام باعتبارها شروطا غير مألوفة في نطاق القانون الخاص .جاء في قرار للمجلس
الأعلى محكمة النقض حاليا عدد 648بتاريخ ": 9111/99/1وحيث يتضح من تصفح
العقد أن الفصل 6ينص على بعض المقتضيات غير المألوفة في العقود العادية .ذلك أن
الفصل المذكور يخول مدير الصندوق الوطني للقرض الفلاحي الحق في التعاقد المبرم مع
المستأنف و إرجاعه إلى إدارته الأصلية دون تحمل أي تعو يض ،وحيث أنه من الواضح أن
الإدارة سل كت وسائل القانون العام في تعاملها مع المتعاقد معها لأن الشرط المشار إليه
102
ليس من نفس الشروط و المقتضيات التي توجد عادة في عقود القانون الخاص (".)91
ومن قبيل هذه الشروط نذكر عدم المساواة في المراكز القانونية للمتعاقدين ،و ظهور
الأكاديمية هنا بوضع متميز يخول لها الفسخ الأحادي لعقد التوظيف بإرادتها المنفردة و
قبول المتعاقد لمقر العمل المؤقت لما تبقى من هذه السنة الدراسية .و كذا تعيينه الجديد
ضمن النفوذ الترابي المحدد من طرف الأكاديمية منظمة المباراة .الشيء الذي يعكس هنا
حدود العلاقة النظامية بين المتعاقد و الإدارة ،بالإضافة إلى سلطة توقيع الجزاء على
و هذا هو المعيار المميز للعقد الإداري ،حيث أكد قرار للمجلس الأعلى محكمة
النقض حاليا عدد 9618بتاريخ 1أكتوبر 9112أنه... ":إذا كان شرط المؤسسة
العمومية قائما بالنسبة للطرفين و إدارة المرفق العام و توفر عناصر المنفعة العامة ماثلة ،فإن
الأمر يتعلق على شرط أساسي اخر لا يمكن إغفاله و هو أن تكون شروط غير مألوفة
تخول أحد الطرفين اللجوء إلى جزاء معين في حالة إخلال الطرف الاخر بالتزاماته
التعاقدية( " .)14و جاء في حكم صادر عن إدار ية أكادير عدد 1491/34بتاريخ
يعتبر إدار يا متى توفر فيه شرطان لازمان أولهما أن يكون احد طرفي العقد شخصا من
أشخاص القانون العام و أو من يقوم مقامه ،وثانيهما أن يتعلق العقد بتسيير مرفق عام و أن
و مادام الأمر كذلك ،فإن الجهة القضائية المختصة نوعيا بالبت في المنازعات الناتجة
عن تنفيذ عقد التوظيف بين الأكاديمية و الأستاذ المتعاقد هي القضاء الإداري .وذلك
استنادا إلى مقتضيات المادة الثامنة من القانون 69.14المحدث للمحاكم الإدار ية( ،)11و
لاستجماع عقد التوظيف في هذه الحالة للعناصر الثلاثة التي سبق تناولها.
103
وتجدر الإشارة إلى أن هناك عقود أو اتفاقات تبرمها أشخاص القانون العام ،و تكون
خاضعة للقانون العاد ي .وقد وردت الأعمال التي يمكن أن تكون موضوع اتفاقات أو
عقود خاضعة للقانون العادي في الملحق رقم 9بالمرسوم المنظم للصفقات العمومية(،)13
الشيء الذي سيغير من طبيعة المركز القانوني لأطراف التعاقد من حيث التراضي على
شروط و مكونات العقد ،وكذا خلال تحديد الجهة القضائية المختصة للبت في النزاعات
رابعا :بعض الإشكالات المرتبطة بنتفيذ عقد التوظيف بين الأكاديمية و الأستاذ
المتعاقد:
من المعلوم أن العقد يمثل شر يعة المتعاقدين ،وذلك بصريح المادة 134من قانون
الالتزامات و العقود التي تنص على أن ":الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم
مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها ،ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات
المنصوص عليها في القانون" .و يفترض في هذه الأخيرة أن تنفذ بحسن نية من طرف
الأطراف المتعاقدة( .)16و يقتضي ذلك أن يقوم الأستاذ المتعاقد بتنفيذ التزاماته ،و على
رأسها القيام بمهام التدريس في مقابل استفادته من مجموعة من الحقوق و في مقدمتها الحق
في الأجرة ،و التي ستصرف من ميزانية الأكاديمية .ل كن سيثار إشكال قانوني بمناسبة قيام
الأستاذ المتعاقد بمهامه على الوجه الصحيح ،و تأخر الإدارة في أداء أجرته الشهر ية لعدم
استكمال الاجراءات المسطر ية اللازمة لذلك .مما يفرض على الأكاديمية الوفاء بمستحقاته
أو قضاء .فقد قضت إدار ية الرباط في حكم لها بتاريخ إما رضاء أو قانونا()11
9111/1/34تحت عدد ... " :214لا يمكن للمتعاقد مع الإدارة أن يتحمل وزر
الإجرا ءات و الشكليات الإدار ية المعقدة من أجل الحصول على مستحقاته ،مما يبرر الحكم
بالتعو يض عن الضرر اللاحق من جراء التأخر في الأداء( ".)14فهل ستصبح الإدارة هنا
104
في حالة مطل () 12و تثار مسؤوليتها العقدية؟ و هل يحق للمتعاقد المطالبة بالتعو يض عن
التماطل أيضا؟ و هل ينبغي عليه توجيه إنذار إلى الأكاديمية يتضمن مطالبته بأداء
مستحقاته الثابتة بموجب بنود العقد داخل أجل معقول؟ ،و فق ما جاء في الفصل 111
من قانون الالتزامات و العقود الذي نص على أنه ":يصبح المدين في حالة مط ل بمجرد
حلول الأجل المقرر في السند المنشئ للالتزام .فإن لم يعين للالتزام أجل ،لم يعتبر المدين في
حالة مط ل ،إلا بعد أن يوجه إليه أو إلى نائبه القانوني إنذار صريح بوفاء الدين ،و يجب أن
- 1تصر يحا بأنه إذا انقضى هذا الأجل فإن الدائن يكون حرا في أن يتخذ ما يراه
و يجب أن يحصل هذا الإنذار كتابة ،ويسوغ أن يحصل ولو ببرقية أو برسالة مضمونة
أو بالمطالبة القضائية ولو رفعت إلى قاض غير مختص ".فقد جاء في حكم لإدار ية الرباط
طالما أن المدعى عليها امتنعت عن أداء دين حال بعدما أنجزت المدعية التزاماتها ،فتكون
بذلك مقتضيات الفصلين 116و 111من ق.ل.ع قابلة للتطبيق ،ويتعين الحكم لفائدة
كما تثار هنا إشكالية حدود سلطة الإدارة في تعديل بنود العقد في ضوء النظر يات
التي استقر عليها الاجتهاد القضائي الإداري و في مقدمتها نظر ية الظروف الطارئة .أما فيما
يتعلق بنهاية عقد التوظيف فينبغي أن نميز بين النهاية الطبيعية و غير الطبيعية(:)11
105
الانقضاء الطبيعي :بحيث تكون النهاية طبيعية إذا تم تنفيذ ما ترتب على العقد )9
الانقضاء غير الطبيعي :حيث ينتهي العقد قبل الأوان إما بشكل اتفاقي أو )1
و بالرجوع لمقتضيات المذكرة الوزار ية ،نجد أنها أغفلت الحديث عن إنهاء العقد
المبرم بي ن الأكاديمية و الأستاذ المتعاقد .و قد يكون ذلك مدرجا ضمن بنود العقد ل كن
عدم نشر الوزارة لنسخة من هذا العقد للعموم ،يجعل صعبا التنبأ بشكل هذا الإنهاء.
كيفيات التشغيل بموجب عقود بالإدارات العمومية ،نصت المادة 14على أنه " :يحق
لرئيس الإدارة المعنية إنهاء عقد التشغيل خلال سر يانه ،شر يطة إخبار الخبير أو العون
المتعاقد بذلك شهرا على الأقل قبل التاريخ المقرر لإنهاء العقد .ويستفيد الخبير أو العون ،في
هذه الحالة ،إذا قضى مدة لا تقل عن 91شهرا من الخدمة الفعلية بالإدارة المعنية ،من
فأشكال إنهاء عقد التوظيف تتعدد ،و قد جاء في حكم لإدار ية مراكش عدد 81
بتاريخ ..." 1443/6/94لا مانع يمنع الإدارة من الالتجاء إلى القضاء الإداري بشان فسخ
العقد مادامت ترى في ذلك ضمانة للطرفين أفضل مما هو مقرر لفائدتها بمقتضى بنود
العقد .)34("....و في حكم اخر لإدار ية الدار البيضاء بتاريخ 1443/1/1تحت عدد
": 146للجهة الإدار ية أن تنهي العقد في أي وقت تشاء دون وقوع خطأ من المتعاقد إذا
اقتضى الصالح العام بشرط تعو يض المتعاقد تعو يضا كاملا" )39( .
106
وبالتالي فالمتعاقد قد يجد إشكالا أثناء الرغبة في إنهاء عقد التوظيف لولوج وظيفة أو
شغل اخر ،فهل ستراعى مقتضيات المادتين 33و 36من مدونة الشغل؟ وماهي وضعية
الأستاذ المتعاقد أثناء رغبته في ممارسة الإضراب؟ هل سيكون خاضعا لمقتضيات أخرى
غير تلك المنصوص عليها في المادة 31من مدونة الشغل؟ و ما هي حدود الإنهاء التعسفي
لعقد التوظيف()31؟ ثم لو أرادت الوزارة الوصية إخضاع هذه العقود لقواعد القانون
الخاص ،لماذا لا يتم التنصيص على ذلك صراحة في صلب المذكرة الوزار ية أو في بنود
العقد؟ على أساس أن التكييف القانوني السليم للعقد يؤدي إلى ضمان تنفيذه و ترتيب اثاره
أسئلة كثيرة و غيرها تطفو إلى سطح النقاش العمومي في علاقة الأكاديميات الجهو ية
للتربية و التكوين بالأساتذة المتعاقدين ،حيث يصعب تصور القيام بمهام التدريس في
غياب التكوين اللازم و العدة البيداغوجية و الديداكتيكية ،نظرا لحساسية القطاع المرتبط
عقود ،التي أصدرتها وزارة التربية الوطنية و التكوين المهني إلى تطبيقات و ممارسات قد
تحيد عن مراعاة مبدأ الأمن الوظيفي .و في ذلك تساؤل و مساءلة للأسباب الحقيقية
المترجمة لتخلي الدولة عن التزاماتها الاجتماعية ،و في مقدمتها الارتقاء بجودة المدارس
العمومية.
107
الهوامش
خاصة مع انهيار المعيار العضوي في تحديد نشاطات الإدارة و ما يرافقه من تنازع للاختصاص بين ()2
القضاء العادي و القضاء الإداري .للمزيد حول هذا الموضوع راجع د .ميشيل روسي المنازعات الإدار ية بالمغرب
لمزيد من التفصيل حول هذه الإشكالية يراجع مقال الأستاذ عبد الخالق العلاوي :طرق التوظيف في ()2
الوظيفة العمومية على ضوء القانون 14.418المغير للنظام الأساسي العام للوظيفة العمومية منشور بالمجلة المغربية للإدارة
ذ.عبد الخالق العلاوي :طرق التوظيف في الوظيفة العمومية على ضوء القانون 14.418المغير للنظام ()8
الأساسي العام للوظيفة العمومية منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد 999يوليوز غشت 1493ص .49
ذ .المعاشي محمد التوظيف بموجب العقود المحددة :تهديد لمبدأ استقرار العمل في غياب ()9
د .عبد الحق الصافي دروس في القانون المدني ص 94و 92 ()9
لم تنسخ المادة 184من مدونة الشغل صراحة المقتضيات القانونية الخاصة بعقد إجارة الخدمة عقد الشغل ()1
وعقد المقاولة من قانون الالتزامات والعقود؛ فإذا كانت مقتضيات قانون الالتزامات والعقود تعتبر منسوخة في الحدود التي
تتعارض فيها مع مقتضيات مدونة الشغل ،من منطلق استعمال قاعدة النسخ ،أي في كل مرة تبين فيها تناقض بين القاعدتين،
تطبيقا للفصل 626من قانون الالتزامات والعقود ،فإن وجود مطابقة بصيغ مختلفة ،أو اختلاف يهدف الإضافة أو الحذف،
يجعل من عملية تدقيق علاقة قانون الالتزامات والعقود بمدونة الشغل ضرورة ملحة بما يرفع كل لبس أو غموض على النصين معا.
المادة 1من المرسوم رقم 224.91.1الصادر بتاريخ 1غشت 1494و المحدد لشروط و كيفيات التشغيل ()4
تنص المادة 33من مدونة الشغل على ما يلي " :ينتهي عقد الشغل المحدد المدة بحلول الأجل المحدد للعقد ،أو ()5
يستوجب قيام أحد الطرفين بإنهاء عقد الشغل محدد المدة ،قبل حلول أجله ،تعو يضا للطرف الآخر ،ما لم يكن الإنهاء
مبررا ،بصدور خطأ جسيم عن الطرف الآخر ،أو ناشئا عن قوة قاهرة.
يعادل التعو يض المشار إليه في الفقرة الثانية أعلاه ،مبلغ الأجور المستحقة عن الفترة المتراوحة ما بين تاريخ إنهاء العقد
108
يتم إبرام العقد حسب المذكرة الوزار ية لمدة سنتين يخضع المتعاقد خلال السنة الأولى لتقييمين للمردودية ()71
المهنية ،و يتم تجديد العقد لسنة قابلة للتجديد بصفة تلقائية بعد سنتي التدريب و بعد اجتياز امتحان التأهيل المهني بنجاح والذي
للمزيد من التفاصيل عن العلاقة النظامية يراجع د .عبد الخالق العلاوي القاضي الإداري و مفهوم التوظيف ()77
بناء على الشهادات ،تعليق على حكم إدار ية الرباط عدد 348بتاريخ 13ماي 1493منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية
ذ .عبد الخالق العلاوي :طرق التوظيف في الوظيفة العمومية على ضوء القانون 14.418المغير للنظام ()72
الأساسي العام للوظيفة العمومية منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد 999يوليوز غشت 1493ص 14و
.12
قرار منشور بمجلة القضاء الإداري العدد السابع السنة الرابعة صيف خر يف 1491ص .941 ()72
د .محمد الأعرج القانون الإداري المغربي الجزء الأول منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية 1499/26ص ()78
.134
قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى في ذكراه الأربعين 9112ص 264 ()79
ذ .احمد بوعشيق الدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدار ية الجزء الثاني منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية ()79
والتنمية ص 388
ذ .احمد بوعشيق الدليل العملي للاجتهاد القضائي في المادة الإدار ية الجزء الثاني منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية ()71
والتنمية ص .311
حكم اورده د .محمد الأعرج القانون الإداري المغربي الجزء الأول منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية ()74
1499/26ص .169
قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 14-61ص 914 ()75
قرار منشور بمجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 16/13ص 342 ()21
جكم منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد 944-941يوليوز أكتوبر 1491ص 182 ()27
تنص المادة 8من القانون رقم 69.14المحدث بموجبه محاكم إدار ية على أنه " تختص المحاكم الإدار ية ،مع ()22
مراعاة أحكام المادتين 1و 99من هذا القانون ،بالبت ابتدائيا في طلبات إلغاء قرارات السلطات الإدار ية بسبب تجاوز السلطة وفي
النزاعات المتعلقة بالعقود الإدار ية ودعاوي التعو يض عن الأضرار التي تسببها أعمال ونشاطات أشخاص القانون العام ،ماعدا
الأضرار التي تسببها في الطر يق العام مركبات أيا كان نوعها يمل كها شخص من أشخاص القانون العام.
وتختص المحاكم الإدار ية كذلك بالنظر في النزاعات الناشئة عن تطبيق النصوص التشر يعية والتنظيمية المتعلقة بالمعاشات ومنح الوفاة
المستحقة للعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي إدارة مجلس المستشارين 1وعن
تطبيق النصوص التشر يعية والتنظيمية المتعلقة بالانتخابات والضرائب ونزع المل كية لأجل المنفعة العامة ،وبالبت في الدعاوي المتعلقة بتحصيل
الديون المستحقة للخزينة العامة والنزاعات المتعلقة بالوضعية الفردية للموظفين والعاملين في مرافق الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات العامة
109
وموظفي إدارة مجلس النواب وموظفي مجلس المستشارين ،وذلك كله وفق الشروط المنصوص عليها في هذا القانون .وتختص المحاكم الإدار ية
أيضا بفحص شرعية القرارات الإدار ية وفق الشروط المنصوص عليها في المادة 66من هذا القانون".
وردت الأعمال التي يمكن أن تكون موضوع عقود أو اتفاقات خاضعة للقانون العادي على سبيل الحصر في ()22
الملحق رقم 9من المرسوم رقم 1.91.361بتاريخ 8جمادى الأولى 14( 9636مارس )1493المتعلق بالصفقات العمومية":
الأعمال المنجزة بين مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة والإدارات العمومية؛
التوكيلات القانونية؛
الاستشارات الطبية؛
الاستشارات أو البحوث القانونية أو العلمية أو الأدبية التي ،باعتبار طبيعتها وصفة أصحابها ،لا تسمح أن تكون موضوع
صفقات؛
أعمال التكوين المؤدية إلى الحصول على شهادة والتي تقوم بها الجامعات أو مؤسسات معاهد التعليم العمومي؛
نقل البعثات المغربية المؤطرة للحجاج المغاربة إلى الحج عبر رحلات جو ية؛
اقتناء الصويرات لشراء المحروقات وز يوت التشحيم وإصلاح حظيرة سيارات الدولة؛
تأمين الموظفين أو الشخصيات المأذون لها في التنقل جوا بمناسبة مأمور يات رسمية؛
نقل المدعوين من داخل الممل كة المغربية أو من المغرب إلى الخارج أو من الخارج إلى المغرب؛
110
نقل الأثاث والمعدات ومواد البناء ومنتجات الصناعة التقليدية وال كتب والمؤلفات الموجهة إلى المراكز الثقافية المغربية
بالخارج؛
ينص الفصل 139من من قانون الالتزامات و العقود المغربي " :كل تعهد يجب تنفيذه بحسن نية. ()28
وهو لا يلزم بما وقع التصريح به فحسب ،بل أيضا بكل ملحقات الالتزام التي يقررها القانون أو العرف أو الانصاف وفقا
بسبب التأخر في الوفاء به وذلك ولو لم يكن هناك أي سوء نية من جانب المدين".
د .محمد الأعرج القانون الإداري المغربي الجزء الأول منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية حكم أشار إليه ()29
1499/26ص 141
ينص الفصل 116من قانون الالتزامات و العقود على أنه " :يكون المدين في حالة م َ ْط ل ،إذا تأخر عن تنفيذ ()21
حكم أورته الأستاذة حليمة بن حفو في مقال لها تحت عنوان ":حماية مستحقات المقاولة في منازعات الصفقات ()24
العمومية" منشور بمجلة القضاء الإداري عدد 2السنة الرابعة صيف خر يف 1491ص .88
ينص الفصل 261من قانون الالتزامات و العقود " :إجارة الصنعة وإجارة الخدمة تنقضيان: ()25
أولا :بانتهاء الأجل المقرر أو بأداء الخدمة أو الصنع الذي كان محلا للعقد؛
ثالثا :باستحالة التنفيذ الناشئة إما بسبب حادث فجائي أو قوة قاهرة وإما بسبب وفاة مؤجر الصنعة أو الخدمة ،مع مراعاة ما
يقضي به القانون من استثناءات بالنسبة إلى الحالة الأخيرة ،ولا تنفسخ الإجارتان بموت السيد أو رب العمل
د .محمد الأعرج القانون الإداري المغربي الجزء الأول منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية حكم أشار إليه ()21
1499/26ص .122
د .محمد الأعرج القانون الإداري المغربي الجزء الأول منشورات المجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية حكم أشار إليه ()27
1499/26ص 121
تنص المادة 61من مدونة الشغل " :إذا أنهى الأجير عقد الشغل بصفة تعسفية ،ثم تعاقد مع مشغل جديد، ()22
أصبح هذا المشغل متضامنا معه في تحمل المسؤولية عن الضرر اللاحق بالمشغل السابق ،وذلك في الأحوال التالية :
111
- 3إذا استمر في تشغيل أجير بعد أن علم أنه ما زال مرتبطا بمشغل آخر بموجب عقد شغل.
تنتفي مسؤولية المشغل الجديد في الحالة الأخيرة ،إذا علم بالأمر بعد إنهاء عقد الشغل بصفة تعسفية من طرف
الأجير ،إما بحلول أجله إذا كان محدد المدة ،أو بانصرام أجل الإخطار إذا كان غير محدد المدة.
تخضع لمراقبة السلطة القضائية القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسة سلطته التأديبية".
112
التحكيم في نزاعات الشغل الجماعية وأي دور لمحكمة النقض ؟
هشام بلحسن
طالب باحث بماستر الوسائل البديلة لفض
النزاعات بكلية الحقوق بفاس
خلافا لنزاعات الشغل الفردية والتي أسند المشرع اختصاص النظر والفصل فيها للقضاء بعد فشل محاولة
الصلح ،فان نزاعات الشغل الجماعية وهي تلك الخلافات الناشئة بسبب الشغل التي يكون أحد أطرافها
منظمة نقابية للأجراء أو جماعة من الأجراء ،و يكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية مهنية لهؤلاء
الأجراء ،أو النزاعات التي يكون أحد أطرافها مشغل واحد ،أو عدة مشغلين ،أو منظمة مهنية
للمشغلين و يكون هدفها الدفاع عن مصالح الشغل أو المشغلين أو المنظمة المهنية للمشغلين المعنيين .
ونظرا لخ صوصية هذه النزاعات التي لا تتعلق بمصالح الأجير ،بل لها أيضا ارتباط وثيق بالاقتصاد
الوطني من خلال ضمان استمرار المقاولات والشركات .
وقد اعتمد بالدرجة الأولى على أليات التسو ية الودية وذلك من خلال الفصل 119من مدونة
الشغل والتي جاء فيها أن كل خلاف بسبب الشغل من شأنه أن يؤدي الى نزاع جماعي أن يعرض على
محاولة للتصالح أمام مندوب أو مفتش الشغل وذلك قبل عرضه على اللجنة الاقليمية أو الوطنية للبحث
والمصالحة ،وان كان هذا الأمر يبقى ظاهر يا فقط لأنه في الحالة التي يقرر فيه الأجير رفع دعوى أمام
القضاء __ وان كان الأمر يتعلق بنزاع جماعي __ فباسمه الخاص فان هذا النزاع يتحول الى نزاع
فردي.
وبعد فشل كل الجهود والمحاولات من أجل فض هذا النزاع وعدم توصل أطرافه الى حل متفق عليه،
يبقى الخيار بيدي الأجراء والذي لا يخرج عن احتمالين اما خوض الاضراب بمعنى دخول الأجراء
في اضراب م فتوح عن العمل الى غاية تسو ية وضعيتهم القانونية ،أو احالة النزاع الى التحكيم من أجل
الفصل فيه بعد موافقة الأطراف ،وفي هذا الخيار الأخير تقوم اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة برئاسة
وزير الشغل باحالة النزاع الجماعي على التحكيم وذلك خلال 68ساعة من تاريخ فشل الصلح أمام اللجنة
الوطنية مرفقا بالمحضر المحرر من قبلها الذي يحدد الأسباب التي جعلت أطراف النزاع لايصلون الى
حل للنزاع ،و يعهد حسب المادة 148من مدونة الشغل اجراءات التحكيم في هذه النزاعات الى محكم
يختاره الأطراف باتفاقه ،وذلك ضمن قائمة الحكام التي تصدر بقرار من وزير الشغل التي يضعها
113
اعتمادا على اقتراحات منظمات المشغلين أو نقابات الأجراء الأكثر تمثيلا ،وفي حالة عدم توافق
الأطراف علىى محكم معين فان وزير الشغل يقوم بتعيينه من ضمن الائحة المذكورة التي تتم مراجعتها مرة
واحدة كل ثلاث سنوات .
ويبث الحكم في النزاع اعتمادا على محضر لجنة المصالحة ومعطيات النزاع وله أن يطلب من الأفراد
تقديم كل المستندات والمعلومات كيفما كان نوعها ليستنير بها ،كما يمكنه الاستعانة بخبراء أو أي
شخص أخر يرى فائدة من تدخله .و يجب على المحكم اصدار قراره داخل أجل لا يتعدى أربعة أيام من
تاريخ مثول الأطراف أمامه كما يجب عليه أن يعلل قراره ويبلغه للأطراف داخل أجل 16ساعة من
تاريخ صدوره .وتطرح في هذا الصدد مجموعة من الاشكاليات التي تتعلق بضيق الوقت الممنوح للمحكم
من أجل اصدار قراره ،الاستماع الى الأطراف ،تعيين الخبراء .مما قد ينعكس سلبا على جودة قرار
المحكم و يجعلها في كثير من الأحيان عرضة للطعن .
وتبرز خصوصية نزاعات الشغل الجماعية على مستوى قرارات المحكم وبالضبط الجهة التي يقدم أمامها
هذا الطعن ،فاذا كان الأصل أن يقدم هذا الطعن أمام احدى محاكم الموضوع وعلى صعيد المحكمة
الابتدائية من أجل احترام مبدأ التدرج القضائي فان مدونة الشغل قد خرجت عن هذه القاعدة
وأسندت مهمة مراقبة القرارات التحكيمية الى الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض ،بصفتها غرفة
تحكيمية حسب الفصل 124من مدونة الشغل الا أنها حصرت صلاحيتها في الطعن الذي يرتكز على
الشطط في استعمال السلطة أو خرق القانون ،وبهذا يكون قانون الشغل قد انتصر لصالح الطرف
القوي (المشغل) على حساب الطرف الضعيف (الأجير) من خلال حرمانه من تعدد درجات
التقاضي المكفولة دستور يا .
و يقدم هذا الطعن من طرف من صدر ضده الحكم ،وذلك بواسطة رسالة مضمونة مع الاشعار
بالتوصل تتضمن أسباب الطعن تحت طائلة عدم القبول الى الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض داخل
أجل 91يوما من تاريخ صدور الحكم التحكيمي ،والتي يجب أن تصدر قراراها داخل أجل ثلاثن يوما
من تقديم الطعن أمامها وتبليغه للأطراف داخل أجل 16ساعة من تاريخ صدوره .والغرفة
الاجتماعية تبث في هذا الطعن بصفتها غرفة تحكيمية على مرحلتين مختلفتين :
المرحلة الأولى :حيث تبث كجهة طعن فقط ،فاما أن تأيد الحكم التحكيمي الذي أصدره المحكم
فيصبح نهائيا ،واما أن تقرر نفده فتحيل القضية على محكم جديد يتولى الفصل فيه بمقتضى حكم اخر.
المرحلة الثان ية :تيث كهيئة تحكيمية وذلك عندما يتم الطعن في الحكم التحكيمي للمحكم الجديد الذي
أحالت عليه محكمة النقض الأطراف حيث تعين مستشارا مقررا من أعضائها بهدف اجراء بحث
تكيميلي ثم تصدر حكم نهائي غير قابل للطعن أمام أي جهة أخرى خلال الثلاثين يوما الموالية لتاريخ
114
صد ور قرار النقض الثاني وتعتبر هذه الحالة الثانية _ البث كغرفة تحكيمية _ من أهم مستجدات
مدونة الشغل وتمثل خروجا عن المبدأ العام المتجسد في كون محكمة النقض محكمة قانون تقتصر مهمتها
على مراقبة مدى احترام مخنلف المحاكم للضوابط القانونية ،وذلك بجعلها محكمة واقع تفصل في النزاع
بحكم نهائي غير قابل لأي طعن حسب المادة 184من مدونة الشغل .
115
مدى مشروعية اقتطاع الإدارة من أجور الموظفين المضربين
عدنان بوشان
باحت في قانون الشغل والعلاقات المهنية
مقدمة :
يكتسي قطاع الوظيفة العمومية أهمية بالغة خاصة بالنسبة للدول النامية نظرا لاستقطابه لفئات عريضة
من الموظفين ،كما أن المرفق العمومي له أهميته باعتباره يقدم مصلحة عامة ترتبط بحاجيات المجتمع،
وهو ما جعل القانون الدولي يعمل على إقرار حق الموظفين العموميين في التنظيم النقابي وفي ممارسة حق
الإضراب ،رغم عدم تخصيص أية اتفاقية دولية لموضوع الإضراب كما هو الحال بالنسبة لحق المفاوضة
الجماعية والتنظيم النقابي والتمثيلية العمالية.
وإذا كان دستور فرنسا لسنة 9164أول دستور يعترف بحق الإضراب كحق دستوري ،فإن المغرب
هو الآخر قد اعترف بالإضراب للموظفين العموميين من خلال أول دستور له سنة ،469141وأمام
غياب طال أمده للقانون التنظيمي للإضراب الذي سيحدد شروط وكيفيات ممارسة هذا الحق ،نجد
الممارسة العملية لهذا الحق قد أفرزت مجموعة من الإشكالات ،فبعد أن تم الانتقال بالنقاش من تجريم
الإضراب إلى القول بالمشروعية والحسم فيها ،صار النقاش اليوم حول نطاق و حدود هذا الحق بما لا
يجعل منه حقا مرهقا يؤثر على استمرار ية المرفق العام في أداء خدماته.
الأمر الذي جعل الإدارة المغربية وبدعم من القضاء الإداري تفرض مجموعة من الضوابط
والإجراءات تهدف من خلالها تنظيم ممارسة الإضراب حتى لا يصطدم واستمرار ية المرفق العام ،وهو
ما يطرح السؤال عن مدى دستور ية التدخل الإداري في تنظيم الإضراب ،وعن مدى دستور ية
المراسيم والقرارات والمذكرات الوزار ية التي صدرت وتصدر لتقييد ممارسة حق الإضراب ،ومن بين
هذه الإجراءات طبعا الاقتطاع من أجور الموظفين المضربين ،فمن أين يستمد هذا الإجراء مصدره
خاصة إذا علمنا أن الحق الذي يقابله يجد مصدره من الفصل 11من الدستور المغربي لسنة 1499؟.
هي إشكالية سنحاول جاهدين مقاربتها من خلال التقسيم التالي :
116
المطلب الثاني :أي أساس قانوني للاقتطاع من أجور المضربين
117
وإن خير دليل على صعوبة التوفيق بين المصالح المهنية للموظفين المضربين وبين المصلحة العامة التي
تقتضي استمرار ية المرفق العام في أداء خدماته للجمهور هو عجز السلطة التشر يعية ولحد الساعة عن إخراج
القانون التنظيمي إلى حيز الوجود.
الأمر الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الإدارة لفرض مجموعة من الشروط و الإجراءات التي
تتوخى من خلالها تأمين وضمان السير العادي للمرفق العام ،وذلك طبعا تحت مراقبة القضاء الإداري،
وهو ما يفرض التساؤل حول مدى اعتبار اقتطاع الادارة من أجور المضربين إجراء لتنظيم ممارسة
الإضراب أو أن الأمر فقط ذر يعة لغرض الحد من الحق في الإضراب ؟
إن كل من المجلس الدستوري بفرنسا ومجلس الدولة الفرنسي لما أعطيا إمكانية وضع شروط
وإجراءات لتنظيم ممارسة الحق في الإضراب إنما أرادا من ذلك محاولة خلق توازن ما بين متناقضين
ممارسة حق مضمون دستور يا و استمرار ية المرفق العام.48
وإن من بين الشروط والإجراءات التي عمد القضاء الفرنسي إلى الأخذ بها في هذا الإطار ضرورة أن
يكون الاضراب مسبوقا بإخطار يقدم للإدارة قبل خمسة أيام كاملة من البدء في الإضراب وهو ما
يعطي للإدارة فرصة تدبير شؤونها سواء بالدخول في مفاوضات مع الموظفين بشأن مطالبهم المهنية أو
الاستعداد لتدبير المرفق العام أثناء مدة الإضراب ،بل فرض كذلك وجوب أن يكون الاضراب قد
تمت الدعوة إليه من طرف التنظيم النقابي الأكثر تمثيلا على المستوى الوطني أو المستوى المهني أو
المرفق المهني.49
50
لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره إجراء تنظيميا لممارسة إن مجمل القول أن الاقتطاع
أيدي الموظفين وحثهم على التراجع عن الإضراب وإنما هو إجراء تأديبي غايته الضرب على
المكتسبات النضالية للتنظيمات النقابية ،بل هو إجراء تمييزي لا زال يستمر العمل به فقد كانت
سلطات الحماية أيام الاستعمار تؤيد المضربين الفرنسيين في إضرابهم ،ما دام دو طابع مهني وتحرم
الموظفين المغاربة من أجورهم عن فترة الاضراب.51
الفقرة الثانية :هل الاضراب تغيب غير مشروع عن العمل
غالبا ما تحتج الإدارة لتبرير الاقتطاع من أجور المضربين بأن الإضراب تغيب غير مشروع عن
52
المتعلق بالاقتطاعات من رواتب موظفي وأعوان الوظيفة ،وذلك بالاستناد إلى القانون رقم 89.91
118
الدولة والجماعات المحلية المتغيبين عن العمل بصفة غير مشروعة ،والمرسوم الصادر بتطبيق هذا
القانون ،53وهو ما يطرح السؤال حول مدى إمكانية اعتبار الإضراب تغيب غير مشروع عن العمل
وهل هو فعلا تغيب عن العمل بغض النظر عن مشروعيته من عدمها ؟
لقد تناول قانون الوظيفة العمومية حالات التغيب القانونية وبطبيعة الحال ليس من بينها الإضراب،
لأنه ليس تغيبا ،54بل هو حق مكفول ومضمون دستور يا ،يبقى الهدف منه تطوير الظروف والأوضاع
المهنية للموظفين ،وعلى اعتبار أن الحق هو مصلحة مشروعة يحميها القانون ،55فلا يمكن القول باعتباره
تغيبا مادام أن هذا الأخير يعد عملا سلبيا.
فإذا كان الاضراب ليس تغيبا كيف يمكن القول باعتباره تغيبا غير مشروع؟
جاء في المادة الأولى من مرسوم 94ماي 1444المتعلق بتحديد شروط وكيفيات تطبيق القانون رقم
،91.89أن رواتب الموظفين تخضع للاقتطاع متى تبت غيابهم عن العمل بدون ترخيص أو مبرر
مقبول ،فهل الإضراب كحق دستوري يحتاج إلى ترخيص ،إن حق الإضراب كحق أصيل لا يقتضي
طلبا من قبل صاحب الشأن ولا يلزم لنشوئه صدور قرار من الإدارة بالترخيص كما هو الشأن لبعض
الحقوق السياسية الأخرى ،56وإذا ما فرضنا ذلك فإن غالبا ما يقوم التنظيم النقابي بإخطار الإدارة
بالإضراب ليس باعتباره تغيبا عن العمل وإنما باعتباره حقا دستور يا ،فهل يمكن القول بأن الإضراب
لا يعتبر مبررا مقبولا للدفع به للإدارة عن فترة ممارسته؟
إن المبرر مقبولا كان أو غير مقبول لا يكون إلا إذا فرضنا وجود الموظف في حالة تغيب عن
العمل ،وما دام أن الموظف إنما يمارس حقه النقابي بل هو أساس هذا الحق ألا وهو الإضراب ،فهو
بذلك بعيد عن أي إجراء تأديبي أو تمييزي ،قد يمس وضعيته الإدار ية بصفة عامة ،57وما دام أن
الإضراب لا يمكن أن يجمع بين صفتي الحق الدستوري والتغيب عن العمل غير المشروع ،فما هو أساس
اقتطاع الإدارة من أجور المضربين ؟.
.
119
المطلب الثاني :أي أساس قانوني للاقتطاع من أجور المضربين
إن الإضراب كحق دستوري لا يمكن بأي حال من الأحوال اعتباره تغيبا عن العمل ،كما لا يمكن
الاستناد إلى قواعد تنظم العلاقات التعاقدية في تأسيس الإدارة للاقتطاعات من أجور المضربين ،وإذا
كان الفراغ الذي لا زال يعيشه التنظيم القانوني للحق في الإضراب ،خلق توترا في العلاقة ما بين
الإدارة والموظفين ،فإن على القضاء الإداري أن يحاول التأسيس لقواعد جديدة تناسب الطبيعة
القانونية لهذه العلاقة.
120
حديث عن الحق في الإضراب وضرورة اخراج القانون التنظيمي ،إلى حديث عن ضمان استمرار ية
المرفق العام لخدمة المرتفقين.
وفي انتظار أن يجد المشرع المغربي الصيغة النهائية لمشروع القانون التنظيمي يبقى أملنا في إعمال المشرع
60
بعد إهمال طال أمده لمقتضيات الفصل 11من الدستور المغربي مقتضيات الفصل 84من الدستور
(الفصل 96سابقا).
121
شأنه كذلك إعطاء قوة إضافية للإضراب باعتباره السلاح الوحيد للأجراء والموظفين في تحقيق مطالبهم
المهنية.65
122
و هو ما سارت عليه المحكمة الإدار ية بالرباط في قرار لها سنة ،1493الذي جاء فيه " ....ما دامت
هذه الشكلية مقررة لصالح الموظف لتفادي عنصر المفاجأة في الاقتطاع وتخو يل المعني به فرصة
التحضير لنتائج النقص الذي تتعرض له أجرته الشهر ية تبعا لالتزاماته المالية المترتبة عليه ،فتكون شكلية
جوهر ية تمس بشرعية القرار المخالف لها ،وحيث إنه في ظل نفي الطاعن سبق توجيه أي استفسار إليه
قبل مباشرة الاقتطاع مع منازعته الجدية في الاخلال بهذا الإجراء الشكلي الجوهري ....مما يكون معه
ما أثاره الطاعن بخصوص مخالفة الادارة لعيب الشكل صحيحا من هذه الناحية ،ويتعين إلغاء قرار
الاقتطاع المطعون فيه لهذه العلة مع ترتيب الآثار القانونية على ذلك".67
خاتمة :
إن خير ما يمكن أن نختم به هذه الدراسة المتواضعة لموضوع هم ويهم فئة عريضة من الموظفين
العموميين الذين حجر عليهم في ممارسة حقهم الدستوري في الإضراب ،من خلال الاقتطاع من
أجورهم ليس كإجراء تنظيمي للإضراب وإنما تأديبي يهدف إلى تعطيل هذا الحق ،هو مطالبة المشرع
المغربي بإعمال مقتضيات الفصل 84من الدستور ،بالعمل على إخراج القانون التنظيمي للإضراب قبل
انتهاء الولاية التشر يعية الأولى التي لم يتبقى لها ال كثير ،وقد لا يكون لهذا القانون طبعا أن يستجيب
لكل الطموحات سواء التي تنشدها الشغيلة أو الموظفين أو حتى الإدارة والقضاء كذلك ،ل كن يبقى
خروجه أفيد من بقاء الحال على ما عليه.
123
الهوامش :
1
بعض الدول منعت الإضراب على الموظفين العموميين باعتباره من الأمور التي تمس أمن
الدولة ومصلحة المواطنين ،هذا المنع الذي قصرته دول أخرى على بعض الفئات من الموظفين
فقط.
1 محمد الشرقاني ،مدى مشروعية الإضراب العمالي بالمغرب ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا
في القانون الخاص ،جامعة محمد الخامس ،كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية
الرباط ،9119/9114 ،ص 14.
3
بلال العشيري ،مدى مشروعية إضراب الموظفين العموميين بالمغرب ،سلسلة الندوات
والأيام الدراسية العدد ،11المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ،1441 ،ص 366.
6
حيت جاء في أحد قرارات القضاء الفرنسي أن الإضراب الذي تمت الدعوة إليه على
المستوى الوطني والذي اشتركت فيه السيدة poinsardالمعاونة المؤقتة في المستشفى قد سبقه
تقديم إخطار وعليه فإن السيدة المذكورة لا تعتبر محلا لتوقيع عقوبة تأديبية
1
كان الأجدر أن تعمد الإدارة المغربية إلى الاقتطاع من أجور الموظفين ليس الذين يمارسون
حقهم الدستوري ،وإنما الذين تجدهم في المرفق العام دون طائل ،منهمكين في تبادل الكلام
عن أمور منزلية أو ر ياضية أو سياسية أو فنية دون الاهتمام بخدمة المرتفقين ،فاستمرار ية
المرفق العام لا تعني فتح أبوابه مدار الأسبوع فقط ،وإنما أداء الوظيفة الموكولة له بالشكل
المطلوب
124
1
عبد العزيز العتيقي ،الإضراب والاقتطاعات من الأجرة سؤال المشروعية ،منشورات
المرشد التضامني ،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ،1441/1448 ،ص 38.
94
ادريس العلوي العبدلاوي ،المدخل لدراسة القانون ،نظر ية الحق ،الجزء الثاني،الطبعة
الثانية ،9121 ،ص 31
99
حكم المحكمة الإدار ية بالرباط عدد 968الصادر بتاريخ ،1444/2/1منشور بمنشورات
المرشد التضامني ،مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء ،1441/1448 ،ص 38.
91
ينص الفصل الرابع عشر من النظام الأساسي للوظيفة العمومية على أنه " يمارس الموظف
الحق النقابي ضمن الشروط المنصوص عليها في التشر يع الجاري به العمل .ولا ينتج عن الانتماء
أو عدم الانتماء إلى نقابة ما أية تبعة فيما يرجع لتوظيف المستخدمين الخاضعين لهذا القانون
الأساسي العام وترقيتهم وتعينهم ،أو فيما يخص وضعيتهم الإدار ية بصفة عامة".
93
محمد الشرقاني ،مرجع سابق ،ص 14.
96 حسن صحيب ،بعض إشكالات ممارسة الإضراب في القطاع العام بالمغرب ،سلسلة الندوات
والأيام الدراسية العدد ،11المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ،1441 ،ص 324
91
ينص هذا الفصل على أنه "تعرض مشار يع القوانين التنظيمية المنصوص عليها في هذا
الدستور وجوبا قصد المصادقة عليها من قبل البرلمان ،في أجل لا يتعدى مدة الولاية التشر يعية
الأولى التي تلي صدور الأمر بتنفيذ هذا الدستور".
94
الفصل الثاني من النظام الأساسي العام للوظيفة العمومية.
92
ابراهيم كومغار ،القانون الإداري،مطبعة آنفو ،فاس،الطبعة الثانية ،1494 ،ص 12.
98
محمد الشرقاني ،مرجع سابق ،ص 134.
91
جعلت مدونة الشغل من فترة الإضراب سببا لتوقف عقد الشغل من خلال المادة ،31
وهو ما يجعل المدونة قد تناولت أثر الاضراب على عقد الشغل ،ما يفرض التساؤل عن
دستور ية هذا المقتضى ما دام الدستور أعطى الاختصاص بهذا التنظيم للقانون التنظيمي لا
القانون العادي.
14
محمد ر ياض دغمان ،النظام العام في علاقات العمل ،المؤسسة الحديثة للكتاب ،لبنان،
الطبعة الاولى111./118 ،1496 ،
19
حكم صادر عن المحكمة الادار ية بمكناس بتاريخ ،1449/42/91عدد 1443/43غ ،منشور
بالمجلة المغربية للإدارة والتنمية عدد ،61ص 924.
125
11
حكم المحكمة الإدار ية بالربط رقم 3321بتاريخ 1493/99/12ملف رقم 141/1/1493
غير منشور.
126
التأديب في مدونة الشغل
والاجتماعية سلا
مقدمــــــــــــة
إن الحق في الشغل ضرورة من ضرورات الحياة و عاملا أساسيا في تنمية الشعوب و وسيلة مشروعة
للحصول على مقابل مادي لتوفير الحاجيات الضرور ية للأجير و أسرته ،لهذا دأبت مختلف التشر يعات و
فعلاقة الشغل التي تربط المشغل و الأجير في إطار القانون الخاص تختلف عما هي عليه في إطار القانون
العام بين الإدارة و الموظف ،فهذا الأخير تربطه بالإدارة علاقة نظامية أساسها النظام الأساسي العام
للوظيفة العمومية ،أما الأول فتربطه بالمشغل علاقة تعاقدية يكون أساسها العقد ،إتباعا لقاعدة "العقد
شر يعة المتعاقدين" ،ل كن نظرا للوضعية اللامتكافئة التي تطبع عقد الشغل بين مشغل يملك النفوذ المادي
و الاجتماعي و بين أجراء مستعدين لتقديم كل ما يمل كون من أجل ضمان العيش ،تدخل المشرع
لحماية هذه الفئة بمقتضى مدونة الشغل الجديدة ،خصوصا فيما يتعلق بالجانب التأديبي موضوع دراستنا،
127
لأجل ذلك عمل المشرع المغربي على تكييف النظام القانوني المغربي الخاص بالشغل مع التشر يعات
المقارنة ،من أجل الحفاظ على التوازنات الاقتصادية و الاجتماعية ،على اعتبار أن القطاع الخاص
يشمل فئة عريضة من المجتمع ،مما يستدعي التدخل من أجل ضبط العلاقة ما بين المشغل و الأجير.
و تتجلى لنا أهمية الموضوع من خلال جانبين ،الأول ينطلق من قناعات شخصية تتجلى في كون تأديب
الأجير يشكل أحد الإشكاليات التي تستدعي البحث فيها من أجل الوقوف على الضمانات التي يقدمها
أما الجانب الثاني فهو موضوعي علمي يتمثل في مساهمة متواضعة من خلال الدراسة و التحليل لكافة
و لمعالجة موضوعنا هذا ارتأينا الإحاطة به من خلال عناصر مضمونه و هدفه و المتعلق أساسا بتحقيق
المحاكمة العادلة في تأديب الأجراء ،وهي الإشكالية التي سوف نقوم بمقاربتها من خلال الوقوف على
النظام التأديبي في مدونة الشغل (المبحث الأول) و ذلك قصد الاطلاع على الأخطاء المحددة للعقوبة
التأديبية و على أساس معرفة السلطة التي تتخذ العقوبة التأديبية ،هذا من جانب ،و من جانب أخر أن
تأديب الأجير يتطلب توفر مجموعة من الضمانات القانونية التي تميز المرحلتين الإدار ية و القضائية
(المبحث الثاني).
128
سوف نتعرض في هذا المبحث إلى الأخطاء المحركة للعقوبة التأديبية و أنواع العقوبات التي من الممكن
أن يتعرض لها الأجراء و ذلك ضمن المطلب الأول ،و سلطة المشغل في اتخاذ العقوبة التأديبية من
خلال التعرف على مصادر هذه السلطة و نطاق تطبيقها ضمن المطلب الثاني.شئ
إن مضمون التبعية القانونية التي تحكم علاقة الشغل و الأجير تعني خضوع هذا الأخير للسلطة التنظيمية
و التأديبية ،ل كن سلطة المشغل في فرض الجزاءات مقيدة بما هو وارد في لائحة الجزاءات عند
وجودها ،و كذلك بالقيود القانونية التي ينصص عليها القانون ،و لمقاربة هذا المطلب ارتأينا التطرق إلى
تحديد الخطأ التأديبي ضمن الفقرة الأولى على أساس مناقشة أنواع العقوبات التأديبية ضمن الفقرة
الثانية.
يمكن تعر يف الخطأ الموجب للعقوبة التأديبية بأنه كل خطأ يرتكب داخل المؤسسة أو حتى خارجها و
الذي يترتب عنه مسؤولية الأجير تجاه مشغله و بالتالي قد تتسبب له في الطرد و الذي يكون غالبا نتيجة
القيام بعمل أو امتناع عن عمل و يشكل إخلالا من الأجير بأحد التزاماته الملقاة علي عاتقه في إطار
عقد الشغل أم قد تتسبب للأجير في عقوبات أقل وقعا كالإنذار أو التوبيخ… الخ.
و يميز المشرع في تصنيفه للخطأ بين الخطأ الجسيم و الخطأ غير الجسيم:
فبالنسبة للخطأ غير الجسيم لم يعطي المشرع المغربي كغيره من التشر يعات تعر يفا محدد له و إن كان قد
حدد آثاره على مستوى العقوبة الواجبة التطبيق على الأجير المرتكب لذلك الخطأ ،و من ثمة فان وجود
الخطأ غير الجسيم المبيح لتأديب الأجير مسألة تندرج ضمن السلطة التقدير ية لمحاكم الموضوع.
129
أما بالنسبة للخطأ الجسيم ،فالمشرع المغربي كذلك لم يتعرض لتعر يف محدد له ،و إن كان قد أورد أمثلة
وقد عرفت محكمة النقض الفرنسية الخطأ الجسيم بأنه الخطأ الذي يجعل من المستحيل استمرار علاقة
وبالرجوع إلى مضمون المادة 31من مدونة الشغل ،يلاحظ أن المشرع قد استغنى عن بعض الأخطاء
الجسيمة كانعدام ال كفاءة و جاء بأخرى لم يكن منصوصا عليها من قبل ،مثل التحر يض على الفساد
كما يلاحظ أيضا أن المشرع ميز بين الأخطاء التي ترتكب داخل المؤسسة وتلك التي ترتكب خارجها ،و
أ-ارتكاب جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة صدر بشأنها حكم نهائي سالب للحر ية
من اجل الوقوف على الجنح الماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة لابد من الرجوع إلى المدونة
الجنائية و انطلاقا من مقتضياتها نقرر السرقة و خيانة الأمانة والنصب هي جرائم تمس بالشرف و
بالأمانة و نقرر أن الفساد و أفعال الشدود الجنسي هي جرائم مخلة بالآداب العامة السائدة داخل
و يجب ل كي تعتبر الجنحة المرتكبة خطأ جسيم يبرر طرد الأجير أن يصدر بشأنها حكم نهائي و هدا
الأخير هو الحكم الذي لا يقبل طرق الطعن سواء عادية أو الغير عادية .
130
بنص الفصل 662من القانون الجنائي على ما يلي " كل مدير أو مساعد أو عامل في مصنع إدا أفشى أو
حاول إفشاء أسرار المصنع الذي يعمل به سواء كان دلك الإفشاء إلى أجنبي ا والى مغربي مقيم في بلد
أجنبي يعاقب بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات و غرامة من مائتين الى عشرة الآلاف درهم إدا
أفشى هده الأسرار إلى مغربي مقيم في المغرب فعقوبته الحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين و غرامة من
رغم أن المشرع المغربي فد عاقب جنائيا على إفشاء الأسرار بواسطة الفصل 662ق.ج فإنه لم يشترط
في هده الحالة متابعة الأجير أمام القضاء الزجري و إصدار حكم نهائي عليه كما فعل بالنسبة للحالة السابقة
و إنما يكفي للمشغل ل كي يفصل الأجير بسبب ارتكابه لخطا جسيم أن يتب ثان هدا الأخير قد أفشى
إلى الغير سرا مهنيا يتعلق بالشغل و إن هدا الإفشاء قد تضررت منه المقاولة خلافا لما قرره النص
ا-السرقة :
في هده الحالة للمشغل أن يثبت الركن المادي لفعل السرقة التي تمي داخل المؤسسة ولو لم يكن هناك
متابعة جنائية و له أن يعتمد في دلك كافة الوسائل الإثبات لأن الأمر يتعلق بواقعة مادية .
و إدا صدر الحكم بالإدانة على الأجير في الموضوع فإن هدا الحكم يعتبر حجة كافية تعتمد أمام القضاء
الاجتماعي من أجل تبر يرا لفصل بسبب ارتكاب خطأ جسيم يبرر الفصل من المؤسسة .
يقصد بها أن يختلس الأجير أو يبدد بسوء نية إضرارا بالمشغل أمتعة أو نقود أو بضائع أو سندات…
131
إن قيام الأجير بهدا الفعل الغير الأخلاقي يترتب عنه فصله من المقاولة لأن هدا الفعل المرتكب هو
فعل كيفه المشرع بالجريمة المعاقب عليها جنائيا قبل تكييفه بالخطأ الجسيم في المادة الاجتماعية الدي
يرتب كل أثاره بعد تبوثه ولو لم تكن هناك متابعة جنائية في الموضوع.
السكر حالة غير طبيعية تنتج عادة عن تناول الخمر و هو عبارة عن وضع يفقد الأجير معه قواه العقلية و
توازن جسده فيتلفظ بأقوال و يقوم بأفعال تخل بالنظام و الاستقرار داخل المؤسسة.
فالمشرع لم يشر في النظام النموذجي الملغى إلى تعاطي المخدرات لأن هده الظاهرة لم تكن متفشية كما هو
ويمكن القول إلى أن السكر العلني بالإضافة انه يمثل خطأ جسيم في مجالنا هدا فهو معاقب عليه بنص
جنائي .
المقصود هنا أن يعتدي الأجير بالضرب على أي شخص أخر يوجد داخل المقاولة قد يكون أجير أخر أو
المشغل نفسه أو احد نوابه أو احد الزبائن ما دام أن القاعدة أعلاه جاءت مطلقة لم تحدد المعتدى عليه
.
ففي حالة تبادل الضرب مع أجير أخر فإن الخطأ الجسيم لا يمكن أن ينسب إلا إلى المتسبب أو البادئ
أما الأجير الأخر الذي كان في حالة دفاع عن النفس فلا يمكن أن تكييف مشاركته في الضرب
أما السبب الفادح هو توجيه إهانة تحط من ال كرامة إلى شخص ما داخل المقاولة و هو فعل معاقب
132
و-التغييب بدون مبرر لأكتر من أربعة أو ثمانية أنصاف يوم خلال أثنى عشر شهرا
يجب على الأجير إن يقوم بالشغل المطلوب منه قانونيا أو إتفاقيا فقط خلال الوقت المحدد في العقد و
إلا خلال الوقت الذي حدده المشرع أو يقضي به العرف السائد في المهنة .
وقد حدد المشرع ساعات الشغل اليومية أو الأسبوعية كما حدد مختلف العطل المؤدى عنها الأجر .
فلا يمكن للأجير أن يتغيب عن العمل الذي كان له مبرر مقبول .ومن باب المبرر المقبول كإصابة
الأجير بحادث شغل أو مرض مهني أو عادي مبرر بشهادة طبية صادرة عن طبيب مختص .
ولقد نصت المادة 31م.ش انه يعد خطأ جسيما ادا تغيب الأجير عن العمل لأكثر من أربعة أيام أو
و عليه فإن التغييب لأقل من المدة المشار إليها لا يعدا خطأ جسيما .
ز-إلحاق ضرر جسيم بالتجهيزات أو الآلات أو المواد الأولية عمدا أو نتيجة إهمال فادح.
من خلال المادة 11م.ش و الفصلين 264و 269من ق.ل.ع يتضح انه من القواعد العامة التي تحرم
الإضرار بالغير بشأن ما يوضع تحت يد الأجير داخل المقاولة و حتى خارجها من أشياء في مل كية
المشغل يجب عليه أن يحافظ عليها كما يحافظ على الأشياء التي يمل كها ,فيده هنا يد أمانة و الأمانة لا
يمكن خيانتها.
كما قرر المشرع في المادة 31م.ش إن إخلال الأجير بالالتزام بالمحافظة على التجهيزات أو الآلات أو
المواد الأولية هو خطأ جسيم بشرط أن يترتب على هدا الإخلال ضرر جسيم و أن يكون دلك
133
بخلاف الأخطاء السابقة التي تعتبر جسيمة بنص في القانون فإن المعتبر في هده الحالة بالذات هو
النتيجة المترتبة على الخطأ و الممثلة في إحداث ضرر جسيم للمشغل بغض النظر عن طبيعة دلك الخطأ
فهو يتعارض مع توجه المشرع الذي يعتدي في مجال الفصل بالخطأ الجسيم المرتكب من جانب الأجير
ط -عدم مراعىات التعليمات اللازم إتباعها لحفظ السلامة في الشغل و سلامة المؤسسة ترتب عنه
هناك العديد من المؤسسات الصناعية التي تمارس أنشطة خطيرة أو على الأقل تستخدم مواد أو على
الأقل تستخدم مواد أو تستفيد من الآلات خطيرة على صحة وسلامة من يوجد داخلها و أحيانا حتى
خارجها ومن هده الناحية كثيرا ما تعطي للأجراء في بعض المؤسسات الصناعية تعليمات صارمة يجب
أن يلتزموا بها حفاظا على سلامتهم و على سلامة الغير .
من ابرز خصائص حوادث الشغل التي يحكمها ظهير 4فبراير 9143إن الخطأ الجسيم لا يمنع الأجير
المصاب من الحصول على تعو يض .دلك أن المشرع اقتصر على منح المحكمة سلطة تقدير ية تسمح لها
يعتبر تخليق المقاولة من القواعد التي راهنت عليها مدونة الشغل و هكذا فلقد نصت المادة 19من م.ش
على انه يجب على الأجير أن يمتثل للنصوص المنظمة لأخلاقيات المهنة وكذلك جاءت المادة 16من
134
م.ش تنص على انه يجن مراعاة حسن السلوك و الأخلاق الحميدة أن يسهر على أن تسود الآداب
وتحقيقا لهده الغاية قرر المشرع أن التحر يض على الفساد هو خطا جسيم سواء بالنسبة للأجير (م31
و هكذا فقد اعتبر المشرع التحر يض على الفساد داخل مقر الشغل خطأ جسيما دون ربطه بأي شرط
أخر.
ك-استعمال أي نوع من أنواع العنف و الاعتداء البدني الموجب ضد الأجير أو المشغل أو من ينوب
سبق للمشرع أن اعتبر في إطار تعداد الأخطاء الجسيمة المضمن بالمادة 31من م.ش إن مجرد
الاعتداء بالضرب على أيا كان داخل المقاولة يعد خطأ جسيما يبرر فصل الأجير .
وقد عاد المشرع ثانية فقرر أن استعمال أي نوع من أنواع العنف و الاعتداء البدني الموجه ضد أجير
أخر أو المشغل أو من ينوب عنه لعرقلة سير المقاولة يعد خطأ جسيم يبرر فصل الأجير الذي ارتكب
الفعل بشرط أن يقوم مفتش الشغل بمعاينة عرقلة سير المؤسسة و تحرير محضر بشأن دلك.
إن الاستعانة بمفتش الشغل في هده الحالة الخاصة بالذات إنما ترمي إلى حماية الأجراء الذي قد يكونون
ضحايا الادعاءات الكاذبة مع العلم أن خرق هدا الأجراء يجعل الفصل غير مشروع.
لقد تطرقت مدونة الشغل إلى العقوبات التأديبية في المادة 32و التي تنص "يمكن للمشغل اتخاذ
135
أ-الإنذار :إن الإنذار هز اخف العقوبات التأديبية التي يمكن للمشغل إيقاعها من ضمن سلطاته,وهو
إجراء تأديبي يقصد منه تنبيه الأجير إلى المخالفات التي ارتكبها وتهديده بتوقيع عقوبة اشد في حالة يكرر
نفس المخالفة’.
غير انه من باب احترام حقوق الأجراء في التأديب إن يتم الإنذار بشكل كتابي و غير شفوي لأن في
هده الحالة الأخيرة يقع عبئ الإتباث على المشغل و هو نفس الاتجاه الذي صار معه المشرع الأردني
ب-التوبيخ :هو عقوبة اشد من الإندار يوقعه المشغل على الأجير و يعتبر مظهر من المظاهر البارزة
لرابطة التبعية التي تربط المشغل بالأجير و تكشف عما للمشغل من حق الرقابة و الإشراف على الأجير
فيما يتعلق بأداء عمله و بالتالي فإن مضمون الجزاء هو زجر الأجير المرتكب للخطأ من جهة و إلى حفظ
ج-التوبيخ الثاني أو التوقف عن الشغل لمدة لا تتعدى 8أيام :هو عقوبة يوقعها المشغل على الأجير ادا
ارتكب خطأ غير جسيم و يمكن أن تكون على شكل توبيخ ثاني بعد أن توصل لتوبيخ أول ا وان يوقع
المشغل توقيفا مؤقتا عن ممارسة العمل مع حرمانه من الأجر خلالها بسبب المخالفة التي وقعت منه ,و
عقوبة التوقف عن الشغل حددها المشرع في الفصل 32من مدونة الشغل و أجازت لدلك مدة لا
تتعدى ثمانية أيام عن المخالفة الواحدة فلا ينبغي توقيف الأجير لمدة مفتوحة
.د-التوبيخ الثالث أو النقل إلى مصلحة أو مؤسسة أخرى عند الاقتضاء مع مراعاة سكنى الأجير :في
هده الحالة فإن المشرع قد وضع للأجير حماية في حالة توقيع العقوبات التأديبية المتمثل في نقله على
المشغل ان يراعي سكنى الأجير حتى لا يحصل له ضرر من جراء الجزاء التأديبي هدا وقد أكد المشرع
الحماية في الفقرة الأخيرة من الفصل ألمدكور و دلك بتمتيع الأجير بحقه في الدفاع عن نفسه بالاستماع
136
إليه من طرف المشغل أو من ينوب عليه بحضور مندوب العمال أو الممثل النقابي بالمؤسسة الذي
يختاره الأجير بنفسه و دلك داخل اجل لا يتعدى 8أيام ابتدءا من التاريخ الذي تبين فيه ارتكاب
الفعل المنسوب إليه و لقد أكد المشرع في المادة 38من مدونة الشغل انه على المشغل أن يتبع مبدأ
التدرج في العقوبة و إمكانية المشغل بعد استنفاد هده العقوبات داخل السنة أن يقوم بفصل الأجير و
أما فيما يخص التنقل من مصلحة إلى أخرى أو من مؤسسة إلى أخرى فهده العقوبة تدخل في الرتبة
الرابعة و هي تمس الأجير في تغييره من جهة إلى أخرى وهي من السلطات القيادية للمؤاجر التي تجد
أساسها في إخلال الأجير بالالتزامات أو مخالفته أوامر رؤسائه إلا أن هده القيادة يجب أن تكون في
أما فيما يخص العقوبات التأديبية المترتبة عن ارتكاب الأجير لخطأ جسيم فلقد جاءت المادة 31من
مدونة الشغل على ما يلي " يعتبر بمثابة أخطاء جسيمة يمكن إن تؤدي إلى الفصل وهي الأخطاء ا لتالية
-ارتكاب جنحة ماسة بالشرف أو الأمانة أو الآداب العامة صدر بشأنها حكم نهائي وسالب للحر ية
-السرقة
-خيانة الأمانة
-السكر العلني
-الاعتداء بالضرب
137
-السب الفادح
-التغييب بدون مبرر لأكثر من أربعة أيام أو ثمانية أنصاف يوم خلال الاثنى عشر شهرا
-إلحاق ضرر جسيم بالتجهيزات أو الآلات أو المواد الأولية عمدا أو نتيجة إهمال فادح
-عدم مراعاة التعليمات ألازم إتباعها لحفظ السلامة في الشغل و سلامة المؤسسة ترتب عنها خسارة
جسيمة
-استعمال أي نوع من أنواع العنف و الاعتداء البدني الموجه ضد أجير أو مشغل أو من ينوب عنه
في هده الحالة الأخيرة يقوم مفتش الشغل بمعاينة عرقلة سير المؤسسة و تحرير محضر بشأنها
إن الإحاطة بهذا المطلب يتطلب التركيز على السلطة التأديبية للمشغل(الفقرة الأولى),على أساس
على خلاف جل القواعد القانونية التي يعتبر القانون أهم مصادرها ؛فإن مساهمة المشرع في قيام قانون
وتبقى الأنظمة الداخلية للمقاولة و الإتفاقيات الجماعية للشغل أهم مصدر من مصادر السلطة التأديبية.
138
إن دور القانون كمصدر من مصادر السلطة التأديبية تمثلت في إقرار المغرب بالظهير
98يونيو9134الدي حد من حر ية المؤاجرين في اللجوء إلى العقوبات المالية ضد الأجراء إلا عند مخالفتهم
وبصدور مدونة الشغل الجديدة تم تضمينها لبعض المقتضيات القانونية التي تحد من سلطة المشغل في
توقيع الجزاءات التأديبية؛كما تم الإقرار بحق الأجراء في الدفاع عن أنفسهم و الإستعانة بمندوبي
ر الأساسية التي يستمد منها المشغل سلطته التأديبية؛وبإلقاء نظرة على جل الأنظمة الداخلية للمقاولات
يتضح جليا بأن هده الأنظمة صيغت بطر يقة عامة و غير واضحة ولا تحدد بدقة لائحة للأخطاء المرتكبة
من طرف الأجراء ولا تصنيفها؛كما لا تضع ترتيبا للجزاءات بحسب كل مخالفة ولا مساطر لتوقيع هده
الجزاءات.
ومن تما فإن لغياب المشرع على الحقل التأديبي نجد أن هده الأنظمة صادرة عن إرادة منفردة لرب
العمل؛ولا يتم فيها التشاور في شأن وضعها مع مندوبي الأجراء أو ممثليهم النقابين.
هدا وتعتبر الإتفاقيات الجماعية للشغل الجماعية من المصادر المؤطرة لسلطة التأديب ؛على إعتبار أن مثل
هده الإتفاقيات تعنى بتنظيم علاقات الشغل داخل المقاولة و ما يدخل في مفهوم السلطة التأديبية
المشغل؛ووضع لائحة بالمخالفات المرتكبة من طرف الأجراء و كدا الجزاءات التي تلحقهم من جراءها.
غبر أن الملاحظ على الإتفاقيات الجماعية بالمغرب على ندرتها لم تعطي المجال التأديبي ما يستحقه من
139
إن موضوع السلطة التأديبة تنحصر في المعاقبة على الأخطاء التي يرتكبها العمال و التي تمس بسير الحسن
للمؤسسة.
ولايشترط في الخطأ الموجب للعقوبة للتأديب أن يؤدي الى الإضرار بالغير بل يكفي ان يشكل إخلالا
بمقتضيات النظام الداخلي (مثلا الأجير الدي يدخن)في أماكن الشغل يعتبر مرتكبا لخطأ موجب
للعقاب حتى ولو لم يترتب عن الفعل الخاطىءو المخالف للنظام الداخلي ضرر للمشغل.
وعلى خلاف الجزاءات التأديبية التي تعتبر –مبدئيا-سهلة التحديد (الإندار –التوبيخ-الطردالمؤقت-
التوقيف…).؛فإن تحديد قائمة بالأخطاء التي يمكن ان يرتكبها الأجراء تبدو معقدة لصعوبة تصور كل
السلوكات الخاطئة التي قد يقترفها العمال؛ كما أن ما يوصف بسلوك خاطىءبل جسيم في مقاولة ما
(التدخين في مؤسسة لتعبئة قنينات الغاز)قد لا يعتبر كدلك في مقاولة أخرى .
الأصل أن رب العمل أو المؤاجر هو الممارس الحقيقي للسلطة التأديبية ؛إلا أن تطور المقاولات و
إتساع حجمها وعدم إمكانية تصور الإتصال المباشر بين رئيس المقاولة وبين أعضاء الأجراء في هدا النوع
من المؤسسات ؛ تما تفو يض ممارسة السلطة التأديبية لبعض رؤساء الغرف أو لبعض للجن.
وبالرجوع للمشرع المغربي نجده في الفصل 4من النظام النمودجي (الملغي)كان ينص على أنه يتوجب
على الأجراء الإمتثال لرئيسهم المباشر و يجب على المؤاجر و مساعديه اي كانت مهنتهم التأدب مع
الأجراء.
وبتحليل هدا الفصل يتضح بأن المشرع لم يحدد بدقة الممارس الحقيقي للسلطة التأديبية و تركها مشاعة
بين الرئيس المباشر و المؤاجر و مساعديه؛وهو الأمر الدي قد يولد خطورة على حقوق الأجراء دلك أن
140
ترك اتخاد القرارات التأديبية لروؤساء المباشرين؛يجعل قراراتهم مطبوعة في غالب الأحيان بروح
ل كن بالرجوع إلى مدونة الشغل الجديدة نجدها تحد قليلا من هدا التوسع وهو الإتجاه الدي نؤيده من
حيث تركيز السلطة التأديبية على المشغل وحده دون مساعديه؛مثلا المادة 32منها تنص "يمكن للمشغل
اتخاد إحدى العقوبات التأديبية في حق الأجير لارتكابه خطأ غير جسيم"؛و المادة 38كدلك التي
تنص على أن "يتبع المشغل العقوبات التأديبية مبدأ التدرج في العقوبة…"؛والمادة 43منها التي جاءت
فيها "يسلم مقرر العقوبات التأديبية الوارة في المادة 32أعلاه أو المقرر الفصل إلى الأجير المعني بالأمر
يدا بيد مقابل وصل أو بواسطة رسالة مضمونة مع إشعاره داخل أجل ثماني وأربعين ساعة من تاريخ
و بتالي فإن المشرع من خلال مونة الشغل قد حدد المسؤول الفعلي في تأديب الأجراء و دلك من
خلال إلزام المشغل عبئ الإثبات عند وجود مبرر مقبول للفصل كما يقع عليه كدلك عبئ الإثبات
عندما يدعي مغادرة الأجير لشغله؛على الرغم من كون هدا التصنيف غير كاف ودلك في الحالات
التي يتم فيها تفو يض بعض الصلاحيات للرؤساء المباشرين للعمال أو مندوبيهم.
أما فيما يتعلق بلخاضعين للسلطة التأديبية فهي تتحدد في كل الأشخاص المنتمين للمؤسسة سواء أكانو
عمالا عاديين أو أطر عليا أو مستخدمين أو كانو يرتبطون بالمقاولة بعقد شغل.
كما يخضع كدلك كل الأجراء الموجودين في فترة تدريب أو إختبار و كدا الأجراء الدين يرتبطون
المبحث الثاني :الضمانات القانونية للأجير بين المرحلة الإدار ية والمرحلة القضائية
141
قدم المشرع المغربي للأجير ضمانات تنقسم بين المرحلة الإدار ية (المطلب الاول) ،والمرحلة القضائية
(المطلب الثاني)
عملت مجموعة من التشر يعات المقارنة ،وكذا المشرع المغربي على حماية الأجير من تعسف المشغل في
سلطته التأديبية ،خصوصا في حالة ارتكاب الأجير لخطأ جسيم يوقع عليه الفصل من مهامه ،بحيث
يعتبر الفصل من الشغل أكبر خطر يهدد الأجير خلال حياته المهنية ،ووعيا من مشرعي قانون الشغل
في مختلف الدول بهذه الخطورة ،فقد ثم إحاطة الأجير بضمانات تحول دون فصله بشكل تعسفي ،ولم
يخرج المشرع المغربي بدوره عن هذا المنحى إذ أحاط الأجير بمجموعة من الضمانات ،وبمثابة شروط
إلزامية بالنسبة للمشغل يجب القيام بها قبل اتخاذ مقرر الفصل ،وهذه الضمانات منصوص عليها من
المواد 41إلى 41من مدونة الشغل ( الفقرة الأولى) كما قيد المشرع من سلطة المشغل بضرورة تدخل
بعد توقيع المشرع المغربي على الاتفاقية الدولية رقم 918لمنظمة العمل الدولية بتاريخ 2أكتوبر ،9113
فقد ادمج مجموعة من المقتضيات القانونية المنصوص عليها في الاتفاقية الأنفة الذكر بمدونة الشغل ،ومن
تنص المادة 41من مدونة الشغل على مايلي" :يجب قبل فصل الأجير ان تتاح له فرصة الدفاع عن
نفسه بالإستماع إليه من طرف المشغل ،أو من ينوب عنه بحضور مندوب الأجراء ،او الممثل النقابي
142
الذي يختاره الأجير بنفسه ،وذلك داخل أجل لا يتعدى 8أيام ابتداء من تاريخ الذي تبين فيه
حيث يتضح أن المشغل استعمل صيغة الوجوب على المشغل بضرورة إتاحة فرصة للأجير للدفاع عن
نفسه قبل الإقدام على فصله ،من أجل إقناع المشغل بالعدول عن قراره وخاصة في حالة ما إذا كان
خطأ الأجير بسيط لم يلحق ضرر يذكر بالمقاولة ،وكذالك كأن ينفي التهمة الموجهة إليه ،أو بان يرد
وهكذا عبر القضاء في عدة قرارات له على أنه لا ينظر إلى الأخطاء المنسوبة إلى الأجير ل كون المشغل
لم يحترم الشروط الشكلية لفصله ،وفي هذا السياق جاء في قرار لمحكمة الاستئناف بالدار
البيضاء"…حيث أنه لا يوجد بالملف ما يفيد احترام المشغلة لمقتضيات الفصول 41و 43و 46من
مدونة الشغل المتعلق بإتاحة الفرصة للأجير قصد الدفاع عن نفسه قبل الإقدام على فصله…" وحيث
أن هذه المقتضيات تعتبر قواعد أمرة وردت بصيغة الوجوب وان عدم احترمها يجعل الفصل الذي
تعرض له الأجير فصلا تعسفيا ورغم منح المشرع ضمانة الاستماع إليه من اجل الدفاع عن نفسه ،إلا
أنه أي المشرع لم يحدد كيفية استدعاء الأجير ،هل برسالة كتابية أم بخطاب شفوي؟ بمعنى هل المشغل
فعلى عكس المشرع الفرنسي الذي نص على ان الاستدعاء يتم كتابة عن طر يق رسالة مضمونة أو رسالة
تسلم إلى المعني بالأمر شخصيا وصل استلام ،كما أن بعض الفقه المغربي ساير نهج التشر يع الفرنسي
بالقول " إن أول إجراء على المشغل احترامه هو إبلاغ الأجير المتهم بالإخلال بالتزاماته بماهو منسوب
143
وحدد المشرع النطاق الزمني للاستماع للأجير في أجل لا يتعدى 8أيام تبدأ من تاريخ اكتشاف المؤاجر
للأفعال المنسوبة إلى الأجير ،وهنا يطرح التساؤل في حالة عدم قيام المشغل بإجراء الاستماع للأجير
يرى جانب من الفقه المغربي ،بان عدم إستماع المشغل للأجير داخل أجل 8أيام ،يسقط حقه في
تحر يك إجراءات التاديب الواردة في المادة 41من مدونة الشغل ،لأن عدم تحر يك المسطرة هو دليل
على اقتناع المشغل بعدم ارتكاب الأجير لأي فعل أو لعدم أهمية المخالفة المرتكبة التي لا تصل لدرجة
توقيع جزاء تأديبي ،وهذا ما أكده قرار محكمة الاستئناف بالرباط رقم 1441/91/9418الصادر
بتاريخ 1444/94/92والذي جاء فيه :إن عدم الاستماع للأجير داخل اجل 8أيام من تاريخ إرتكاب
الخطأ الجسيم يشكل خرقا لمقتضيات المادة 44من مدونة الشغل ،ذلك أنه متى استطالت الفترة الزمنية
من تاريخ إرتكاب الخطأ الجسيم وتاريخ الاستماع إليه لمدة تفوق 8أيام فإن ذلك يعتبر دليل لعدم اقتناع
المشغل بعدم ارتكاب الأجير لأي فعل يستحق عليه المساءلة التأديبية ،و يعتبر في هذه الحالة قد تنازل
عن حقه في الفسخ ،وأن عدم تحر يك إجراءات التأديب داخل أجل 8أيام يسقط حقه في المتابعة.
وإن تطبيق مسطرة الاستماع تقتضي توافق الطرفين على إجرائها ،ذلك انه في حالة رفض أحد الطرفين
حث المشرع المغربي بمقتضى المادة 43من م.ش ،على ضرورة تبليغ الأجير المراد فصله مقرر العقوبة
التأديبية الواردة في الفصل 32من م ش أو مقرر الفصل يدا بيد مقابل وصل ،او بواسطة رسالة
مضمونة مع الإشعار بالتوصل داخل أجل 68ساعة من تاريخ اتخاذ المقرر المذكور وذلك من أجل
إحاطة الأجير علما بالأسباب المنسوبة إليه المبررة لاتخاذ قرار الفصل في حقه ،ويتبنى المشرع الفرنسي
144
نفس الإجراء المنصوص عليه فب المادة 43من م ش ،إذ تنص المادة L1232-6من القانون
الجديد لسنة ،1448عندما يقرر المشغل فصل الأجير ،يبلغ قراره بواسطة رسالة مضمونة الوصول،
وتتضمن الرسالة الأسباب التي اعتمد عليها المشغل ،ولا يمكن بعث الرسالة قبل مرور يومين من اللقاء
المسبق بين المشغل والأجير ،إلا ان مسألة تبليغ رسالة الفصل إلى الأجير ليس امر سهلا ،بل في كثير
من الاوقات تعترض هذه العملية صعوبات ،وفي الوقع ينبغي التمييز في هذه الحالة بين عدم تبليغ رسالة
الفصل الناتج عما يمكن اعتباره سوء نية الاجير كأن يمتنع او يتهرب من تسلمها ،وبين عدم التبليغ الناتج
عن تقصير المشغل ،وبالتالي فالأمر لا يخلو من الحالات التالية :فإدا رجع الاشعار بالتوصل بملاحظة
"مرفوض" او "انتقل إلى عنوان اخر" أو "لا يمكن بهذا العنوان" ،فالتبليغ يمكن اعتباره قانونا لأن صيغة
"مرفوض" ،تفيد أن التبليغ قانوني ،وان عبارة "انتقل إلى عنوان اخر" او لا يمكن بهذا العنوان" ،تفيد
انه غير عنوانه ومن ثم فهو يتحمل نتيجة إغفاله لذلك ،اما إذا أرجع الإشعار بالتوصل بملاحظة "غير
مطلوب" أو ان "المكان مغلق" ،فإن تبليغ الإنذار بهذا الشكل لا يعتبر تبليغا قانونيا ويمكن للمشغل ان
يلجأ إلى وسيلة ناجعة أكثر ومن أبرزها توجيه الإنذار استنادا على أوامر رئيس المحكمة .
وبالرجوع إلى المادة 43من م ش نجد ان المشرع أكد بصريح العبارة على تبليغ مقرر الفصل داخل
أجل 68ساعة من تاريخ اتخاذ المقرر المذكور ،لهذا فلا يؤخد بالتبليغ الذي لم يحترم هذه المدة القانونية،
وهذا ما أقره المجلس الاعلى من خلال قرار له والذي جاء فيه :حيث أن المشغل بعث برسالة الفصل
بعد فواث أجل 68ساعة من فصله أي بعد مدة 16يوما من تاريخ فصله لهذا فالمحكمة لم تكن في
حاجة لمناقشة الأخطاء المنسوبة للأجير ما دام المشغل لم يحترم المسطرة القانونية.
145
الفقرة الثانية :دور مندوب الأجراء ومفتش الشغل
استحدث المشرع في إطار القانون الإجتماعي مؤسسة تمثيلية هامة للأجراء داخل المقاولة من المواد
634إلى 643من مدونة الشغل وبذلك يكون إنتخاب مندوب الأجراء امر إلزميا داخل المقولات،
ومن بين المهام التي يقوم بها هي ربط الاتصال بين الأجراء من جهة والمشغلين من جهة ثانية بصدد
القضايا الاجتماعية والقانونية ،المطروحة داخل المؤسسة وكدا مهمة الدفاع عن صالح لزملائه عن العمل
هدا ما قد يعرضه للمضايقات من قبل المشغل لهذه الاعتبارات عمل المشرع المغربي على اتخاد تدابير
في البداية نشير إلى أن مفتشية الشغل تعتبر احد المصالح الخارجية للوزارة المكلفة بالشغل وأعوان
التفتيش هم بالأساس موظفون تابعون لوزارة الشغل ،وقد ألزم المشرع بمقتضى المادة 46من م ش
المشغل بتوجيه نسخة من مقرر الفصل إلى العون المكلف بتفتيش الشغل ،وذلك لحماية الاجير من
تعسف المشغل في إنهاء عقد الشغل غير محدد المدة ،إذ يقوم عون تفتيش الشغل بمراقبة مدى التزام
المشغل بمسطرة الفصل في إطار مهمته الرقابية بالسهر على تطبيق الأحكام التشر يعية والتنظيمية المتعلقة
بالشغل ،لهذا فإن مفتش الشغل يقوم عند توجيه نشخة من مقرر الفصل إليه ،بالتحقق من تضمين
مقرر الفصل للأسباب المبررة لاتخاده ،حيث ينظر في مدى موضوعية هذه الأسباب وتناسبها مع
الجزاء المراد توقيعه على الأجير ،إذ في حالة تبين له ان الاخطاء بسيطة ولا ترقى إلى درجة تستوجب
فصل الأجير فإنه يحاول في إطار مهامه التصالحية التوفيق والمصالحة بين طرفي النزاع وذلك ضمانا
146
كما يعمل العون المكلف بتفتيش الشغل على مراقبة مدى احترام المشغل لمسطرة الاستماع ،وذلك من
خلال مقرر الفصل الذي يجب أن يتضمن تاريخ الاستماع إلى الأجير ،وان يرفق بمحضر جلسة الاستماع
الذي يتضمن حيثيات هذه الجلسة ،إذ يستطيع مفتش الشغل من خلال هذا المحضر أن يقيم مدى
احترام المشغل لحق دفاع الأجير في تفسير ودحض الأخطاء المنسوبة إليه ،ومنح المشرع لمفتش الشغل
دورا تقرير يا في مسطرة تأديب بعض الفئات من الأجراء نظرا لطبيعة عملهم أو لوضعهم الصحي
كالتأديب الذي قد يتعرض له مندوب الأجراء حيث ألزم المشرع المشغل بالحصول على موافقة مفتش
الشغل ،وذلك طبقا لمقتضيات المادة 612من م ش ،و يعتبر هذا الإجراء من النظام العام حيث
يؤدي مخالفته إلى بطلان مقرر الفصل واعتباره تعسفيا ،وهذا ما أقره المجلس الأعلى في أحد قراراته
الذي جاء فيه " أن كل نقل وكل طرد مؤقت أو نهائي تقرره المؤسسة بشأن كل مندوب من
المستخدمين يجب عرضه فورا إلى العون المكلف بتفتيش الشغل الذي يبدي رأيا معللا بأسباب ،وانه
في حالة الخطأ الجسيم يجوز لرئيس المؤسسة طرد المندوب طردا مؤقتا ريثما يصر مفتش الشغل رأيه"
وتجدر الإشارة أن موافقة مفتش الشغل على مقرر فصل مندوب الأجراء لا تعفي المشغل من سلوك
مسطرة الفصل العادية المنصوص عليها من المواد 41إلى 41من مدونة الشغل ،فإذن مفتش الشغل
الرقابة القضائية على فصل الأجير هي التي تتولاها المحاكم بمختلف درجاتها ضمانا لحسن سير العدالة،
وتحقيق الإنصاف لأطراف العلاقة الشغيلة .ومن هنا سوف نتطرق في (الفقرة الأولى) للإختصاص
وطرق الطعن في المقررات التأديبية ،ونعالج في (الفقرة الثانية) الرقابة على الشروط الشكلية
147
الفقرة الأولى :الاختصاص وطرق الطعن في المقررات التأديبية
لقد تم تنظيم إجراءات الدعوى في القضايا الاجتماعية من خلال مقتضيات قانون المسطرة المدنية،
فقد افرد لها المشرع الباب الرابع من القسم الخامس المتعلق بالمساطر الخاصة( .الفصول من 141إلى
غاية الفصل 116من قانون المسطرة المدنية) .ويتبين من خلال هذه النصوص الواردة في قانون
المسطرة المدنية .أن الإجراءات المسطر ية التي تتبعها المحكمة الإجتماعية عند رفع دعوى التعو يض عن
الطرد التعسفي أمامها من طرف الأجير خاصة ما أتت به مدونة الشغل من جديد بمقتضى مسطرة
الصلح التمهيدي.
وهناك حالة استثنائية في حالة الفصل الجماعي لأسباب اقتصادية إلا أنه قد يدفع أحد الأطراف أمام
المحكمة بعدم الإختصاص النوعي خاصة إذا كان أحد الأطراف يمثل الدولة فيتمسك بمقتضيات المادة
93من القانون المحدث للمحاكم الإدار ية ،وقد تضم المحكمة الابتدائية هذا الدفع إلى الجوهر وتعمل
محكمة الإستئناف على تأييده كما هو الحال في القرار عدد 614إذا تقضى لمجلس القرار الإستئنافي بعد
أن عابت الطاعنة على القرار المطعون فيه خرق المادة 93من قانون المحاكم الإدار ية ذلك أنها أثارت
ابتدائيا الدفع بعدم الاختصاص للبث في الطلب المعروض على أنظار المحكمة الابتدائية مشيرة أن
الاختصاص يعود للمحكمة الإدار ية بالدار البيضاء إلا أن الحكم الابتدائي رد الدفع بعدم الاختصاص
النوعي بعلة أن محكمة القضاء الشامل هي المختصة للبث في الطلب كما أن محكمة الاستئناف تبنت
حيثيات الحكم الابتدائي حين ضمت الدفع إلى الموضوع وخولت لنفسها الاختصاص خلافا لما تنص
عليه الفقرة الثانية من المادة 93من القانون المحدث للمحاكم الإدار ية مما يتعين معه الحكم بنقض القرار.
وكان جواب المجلس الأعلى عن ما عابت الطاعنة على القرار" :حيث تبث صحة ما عاتبه الوسيلة على
القرار المطعون فيه ذلك أن الطاعنة كانت قد أتارث خلال مراحل الدعوى عدم الاختصاص النوعي
148
بالنسبة للمحكمة الابتدائية وأن المحكمة الإدار ية هي المختصة تبعا للفصلين 91و 93من قانون المحاكم
إلى الموضوع وتبنت محكمة الاستئناف تعليلها والحال أن مقتضيات المادة 93من قانون المحاكم الإدار ية
تقضي بالبث في الدفع المشار بالاختصاص النوعي بمقتضى حكم مستقل دون ضمه إلى الموضوع ما يبقى
حسب مقتضيات المادة 41من مدونة الشغل" :يجب تحت طائلة سقوط الحق ،رفع دعوى الفصل
أمام المحكمة المختصة في أجل تسعين يوما من تاريخ توصل الأجير بمقرر الفصل" وحدد المشرع هذه
المدة واعتبرها من النظام العام ،بحيث لا يجوز مخالفتها ،خلافا لما كان عليه الأمر في ظهير
9168/94/13بحيث كان ينص في فصله السادس على أنه " و يجوز للأجير في ظرف شهر واحد
ابتداء من يوم توصله بالرسالة المذكورة أو تسليمه نسخة منها أن يرفع قضية إلى محكمة الشغل مدعما
مطلبه برسالة الطراء" إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه حول مفهوم الأجل الذي حدده هذا النص في
بمعنى أن الأجير الذي لا يقدم دعواه داخل ذلك الأجل يسقط حقه في تقديم الدعوى؟
لقد انقسم الفقه في الجواب على هذا الإشكال إلى اتجاهين رئيسيين:
الإتجاه الأول :يرى أن الأجل المنصوص عليه في الفصل المذكور أعلاه ينبغي على الأجير احترامه
لإقامة دعواه وإلا سقط حقه في الطعن في مقرر الفصل ،ومبرراته في هذا القول أن المشرع خول
للأجير الحق بالطعن في تصرف المشغل متى اعتبره تعسفيا فنص على حق الأجير في إقامة دعواه إلى
149
القضاء ،ل كنه حدد له أجل شهر لممارسة هذا الحق وإلا سقط ،وهذا التفسير يتفق مع تفسير الفقرة
من ق.ل.ع والذي ينص على أن "التوصل الذي يعطيه العامل لرب العمل عند فسخ أو انقضاء عقده
بتصفية كل حساباته اتجاهه يجوز نقضه خلال ثلاثين يوما التالية لتوقيعه ……
الاتجاه الثاني :يرى أنه يمكن للأجير أن يقسم دعواه بعد صدور أجل الشهر المنصوص عليه في الفصل
4من النظام النموذجي دون أن يرتب عليه المشرع أي جزاء ،بحيث يمكن لإقامة دعوى الفصل بعد
انصرام أجل الشهر ،والقضاء المغربي في تلك الفترة قد سار مع هذا الاتجاه بحيث صدر قرار عن
المجلس الأعلى يقضي فيه " ل كن حيث أن القرار المطعون فيه كان على صواب عندما رد على الفرع
الأول من الوسيلة بأن عدم تسجيل الأجير دعواه في أجل شهر من توصله برسالة الطرد ،لا يسقط
حقه لعدم تنصيص الفصل 4من قرار 9168-94 – 13على ذلك سيما وأن الفصل المذكور لا يرتب
جزاء على عدم تسجيل الدعوى داخل أجل الشهر الذي ينص عليه مما يكون معه الوسيلة بفرعيها غير
إلا أن الإشكال الذي طرح أجل الشهر المنصوص عليه في الظهير النموذجي قد حلته مدونة الشغل
والتي نصت على أجل 14يوما من تاريخ توصل الأجير بمقرر الفصل وذلك تحت سقوط الحق.
ويبدو أن أجل 14يوما التي جاءت به المدونة هو أجل الحماية للأجير بحيث يعتبر مدة كافية من أجل
أن يطعن في مقرر الفصل ،وإن كانت ترى إحدى الباحثات عكس هذا ،بقولها "أن القانون السابق هو
أكثر حماية للأجير من المدونة لأن أجل 14يوما يجب أن يراعي تحت طائلة سقوط الحق ،ولم يعد
للأجير حق رفع الدعوى بعد 14يوما…… "..وتعتبر هذه الباحثة "أن المشرع قد سلب حقا من حقوق
150
الفقرة الثانية :الرقابة القضائية على الشروط الشكلية والموضوعية للمقرر التأديبي.
يفرض القضاء رقابته على القرارات التي يتخذها المشغل في إطار ممارسة سلطته التأديبية ،و يعتبر قرار
الفصل من اخطر هذه القرارات ،وذلك حماية للأجراء من تعسف المشغل للشروط الشكلية
والموضوعية للفصل ،التي تضفي مشروعية على قرار الفصل وكذلك مراقبة مدى تناسب الجزاء مع
و يؤدي انحراف المشغل عن المقتضيات القانونية المنظمة لفصل الأجراء اعتبار الفصل تعسفيا وغير
مبرر مما نتج عنه مجموعة من الآثار ،لهذا فسوف نعمل على دراسة أوجه الرقابة القضائية.
قيد المشرع المغربي سلطة المشغل التأديبية برقابة السلطة القضائية ،التي تتولاها المحاكم بمختلف درجتها
وذلك ضمانا لحسن سير العدالة ،حماية الأجير من تعسف المشغل في استعمال هذه السلطة ،وتتمحور
هذه الرقابة حول الشروط الشكلية والموضوعية للفصل ،حيث يعمل القضاة على مراقبة مدى احترام
المشغل لهذه الشروط ،كما يقوم القضاة بالملائمة بين الأفعال المرتكبة والجزاءات الموقعة من طرف
لهذا فسوف نتطرق لرقابة القضاء على احترام الشروط الشكلية والموضوعية للفصل ،سلطة القضاء في
الملائمة بين الأفعال المرتكبة والعقوبات المطبقة من طرف المشغل التي قيد سلطة المشرع في فصل أجره
بمجموعة من الإجراءات الشكلية وذلك حماية للأجير من تعسف مشغله وضمانا لاستقرار عقد شغل
هذه ومن جملة الإجراءات التي يتعين على المشغل احترامها ،إخطار الأجير بقرار الفصل وذلك حتى لا
يفاجئ بهذا القرار وكذا من اجل منحه أجلا للبحث عن عمل خر حيث يستفيد أثناء أجل الإخطار
151
كما يقوم القضاء بمراقبة مدى احترام المشغل لمسطرة الفصل التأديبي المنصوص عليها في المواد 41إلى
41من مدونة الشغل ،وهذا ما ذهب إليه القرار الصادر عن المجلس الأعلى .الذي جاء فيه.
" حيث أنه من استقراء المواد 49و 41و 43و 46و 41يتجلى بان تضييق مسطرة الفصل ملقاة على
كامل المشغل باعتباره صاحب المبادرة في فصل الأجير بادعائه ارتكاب للخطأ الجسيم وبالتالي فدور
فمسطرة الفصل تعتبر من أهم الضمانات التي وضعها المشرع لحماية الأجير من تعسف المشغل ،إذا يجب
على المشغل قبل الإقدام على فصله أن يتيح له فرصة للدفاع عن نفسه خاصة إذا كان يرى أن الأفعال
المنسوبة إليه غير حقيقية أو ،لا تشكل خطورة كبيرة على مصلحة المقاولة ،إذا يعتبر فصل الأجير بدون
الاستماع إليه فصلا تعسفيا وهذا ما أكده القرار الصادر عن محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ،إذا قام
مشغل بفصل أجيره بدعوى ارتكابه خطا جسيم ،ولم يقم قبل فصل الأجير بسلوكك مسطرة الفصل
المنصوص عليها في المادة 41وما يليها من مدونة الشغل ،وذلك بتمكين الأجير من الدفاع عن نفسه ،مما
ونص المشرع في الفقرة الأخيرة من المادة 41من م.ش أنه في حالة رفض احد طرفي عقد شغل
إجراء أو إتمام مسطرة الاستماع ،فإنه يتم اللجوء إلى مفتش الشغل ،وعند اتخاذ المشرع القرار بفصل
الأجير فعليه أن يحيطه علما بالأخطاء المنسوبة إليه وذلك عن طر يق تسليمه مقرر الفصل مباشرة يدا
بيد أو بواسطة البريد المضمون ،إذا يؤدي خرق هذا الإجراء إلى اعتبار الفصل تعسفيا من قبل
القضاء ،وهذا ما ذهب إليه المجلس الأعلى في أحد قراراته الذي جاء فيه" يجب على المشغل أن يخطر
العامل بالخطأ الذي يستوجب طرده عن طر يق البريد المضمون ويسلم منه يدا بيد ،وان المشغلة المطلوبة
152
في النقض أقرت بأنها لم توجه إنذار أو إشعار بالفصل للطاعنة ،وكان على المحكمة عندما تبين لها المشغلة
لم تحترم هذا الإجراء أن تعتبر الطرد تعسفيا ،وان ترتب عنه آثاره…).
ويتعين على المشغل أن يضمن قرار الفصل الأسباب المبررة لاتخاذه بكل وضح ودقة لان الأجير لا
يسال إلى على ضوء ما جاء في مقرر الفصل وهذا ما أكده احد القرارات الصادرة عن المجلس الأعلى
إذا اقر انه على المحكمة أن تتقيد بالأسباب التي وردت في الإنذار كما أن من جملة الإجراءات الشكلية
التي تتم مراقبتها من طرف القضاء ،رسالة الرجوع إلى العمل في حالة ادعاء المشغل للمغادرة التلقائية
للأجير فإذا لم يقدم المشغل للمحكمة ما يفيد سلوك مسطرة الرجوع ،فإن المحكمة تعتبر الفصل تعسفيا
لهذا فعدم احترام الإجراءات الشكلية للفصل تجعل الفصل تعسفيا ،وتعفي القاضي من النظر في حقيقة
وجدية الأسباب المنسوبة للأجير ،فخرق الجانب الشكلي كاف لاعتبار الطرد تعسفي وهذا ما أكد
المجلس الأعلى في قراره عدد . 121يجب على الأجير أن يتمسك بالدفع بخرق الإجراءات الشكلية
ويثيره أمام المحكمة ،لأنها لا يمكن أن تثير ذلك من تلقاء نفسها ،لان مسطرة الفصل ليست من النظام
العام ،وهذا ما حسم فيه المجلس ورفع حدا للجدل الفقهي الذي ثار حول طبيعة مسطرة الفصل ،هل
تعتبر من النظام العام أم لا؟ فلقد ذهب المجلس الأعلى في أحد قراراته إلى اعتبار مسطرة الفصل
ليست من النظام العام لأنها لا تتعلق بمصلحة الأجير لهذا يجب عليه أن يثيرها أمام المحكمة ،ونفس
من أوجه الرقابة القضائية على الشروط الموضعية للفصل ،يقوم القاضي في إطار مهمته الرقابية بالنظر في
الأسباب المدرجة في مقرر الفصل التي يستند عليها المشغل كمبرر لفصل أجره ليرى مدى الوصف
القانوني الذي يضفيه المشغل على الأخطاء المنسوبة للأجير ،فالقضاء غير ملزم بالتكييف الذي يقرره
153
المشغل ،بل هو الذي يحدد الخطأ يعتبر جسيما أم لا ،وهذا ما قضى به المجلس الأعلى في أحد قراراته.
وقد منح المشرع المغربي للمشغل الحق في نزال عقوبات تأديبية في حق الأجير الذي ارتكب أخطاء
غير جسيمة التي من شأنها أن تخل بنظام المؤسسة ،ل كن يجب عليه ملائمة العقوبات مع الأخطاء
المرتكبة من طرف الأجير ،واحترام مبدأ التدرج في تطبيق العقوبات إذ يتوجب عليه أن لا يطبق
العقوبة الأشد بعد استنفاذ العقوبات الأخف ،وذلك ضمانا لاستقرار عقد الشغل وحماية الأجير من
البطالة وذلك طبقا للمادة 38من م .ش يتبع المشغل بشان العقوبات التأديبية مبدأ التدرج في
العقوبة ،ويمكن له بعد استنفاذ هذه العقوبات داخل السنة أن يقوم بفصل الأجير ،و يعتبر الفصل في
و يفرض القضاء رقابته على المشغل لاحترام مبدأ التدرج في العقوبة وهذا ما أكده القرار الصادر عن
محكمة الاستئناف بالدار البيضاء ويذهب الاجتهاد القضائي إلى أن المحكمة لا تستعمل سلطتها في تقدير
جسامة الخطأ إلا إذا كان الخطأ غير ووارد في الأخطاء الجسيمة الواردة في المادة 31م.ش وهذا ما
أما فيما يخص إثبات الخطأ المنسوب للأجير فإنه يقع على عاتق المشغل طابق للفقرة الثانية من المادة
43من م.ش" يقع على عاتق المشغل عبء إثبات وجود مبرر مقبول للفصل…" وإذا لم يستطع المشغل
إثباته في حق الأجير فالفصل تعسفي وهذا ما قضت به المحكمة الابتدائية بالرباط وهو ما أكدته محكمة
الاستئناف بالدار البيضاء في قرار الذي جاء فيه ) ،حيث ان مشغلة ادعت ارتكاب أجيرها لخطأ
جسيم يتمثل في رفضه الامتثال لأوامر مدير الشركة وتوجيه السب والشتم لرؤسائه المباشرين في العمل،
ل كن بالرجوع إلى ملف القضائية لم تجد المحكمة ما ثبت ذلك ،والمشغلة لم تقدم الدليل على ارتكاب
154
الأجير للأخطاء المنسوبة إليه تبقى المشغلة قد أنهت عقد الشغل بدون مبرر ،وما أقدمت عليه يكتسي
طابعا تعسفيا…"
لهذا ففصل الأجير بدون وجود سبب حقيقي وجدي يبرر الفصل ،وعدم قدرة المشغل على إثبات
الأفعال المنسوبة للأجير تجعل الفصل تعسفيا وغير مبرر ،وعلى المحكمة أن تعلل قرارها لأنها تخضع لرقابة
المجلس الأعلى.
إذا كان للقضاء سلطة البحث في مشروعية قرار الفصل ،وكذا إعادة تكييف الأخطاء المنسوبة للأجير،
فإنه يطرح التساؤل حول سلطة القضاء في مراقبة مدى الملائمة بين الخطأ المقترف من طرف الأجير
درج قضاة الموضوع على تخو يل أنفسهم سلطة الملائمة بين الخطأ المقترف من طرف الأجير والعقوبة
الموقعة من طرف أنفسهم سلطة الملائمة بين الخطأ المقترف من طرف الأجير والعقوبة الموقعة من
طرف المؤاجر ،وهذا ما نجده في الحكم الصادر عن المحكمة الابتدائية بالرباط الذي جاء فيه" ما دامت
المدعية قد حملت على الإذن بالتغيب لز يارة الطبيب… فإن خروجها وعودتها من تلك الز يارة لا يعد في
الأمر الذي يتعين معه التصريح بأن الإجراء التاديبي الصادر في حق المدعية ،وهو عقوبة التوقيف عن
العمل لمدة ثلاثة ايام مع الحرمان من الأجرة عن نفس المدة… لا يرتكز على أي أساس ويتعين
التصريح بإلغائه "،ذهبت في نفس التوجه كل من المحكمة الابتدائية بفاس وابتدائية القنيطرة .
155
ل كن نجد أن المجلس الأعلى كمحكمة قانون ،ينكر على قضاء الموضع هذه السلطة و يقر أن تقدير العقوبة
يدخل في صميم اختصاص المشغل ،الذي له الحق في تقدير للأخطاء المرتكبة من طرف الأجير وتحديد
العقوبات المناسبة لها ،وليس لقضاة الموضوع سلطة التدخل لإلغائها ،وهذا ما جاء في احد قرارات
المجلس الأعلى " المحكمة اعتبرت مقرر ب العمل القاضي بنقل العامل كعقوبة تأديبية قضت بإلغائهن
أما الفقه فقد نادى بتخو يل قضاة الموضوع سلطة ملائمة العقو بة مع الأخطاء المقترفة مع المخالفة المقترفة
من طرف الأجير ،ذ يذهب الأستاذ عبد اللطيف خالفي ":أنه لأي عقل أن نعاقب الأجير المقترف
لخطا يسير بعقوبة الفصل مثلا ،دون أن نسمح بتدخل القضاء لإعادة الأمور إلى نصابها ،بدعوى أن
الأستاذ محمد سعيد بناني نفس التوجه إذ يحث على ضرورة أن يمارس القضاء رقابته على مدى التناسب
بين الأخطاء والعقوبة ونحن نرى ان هذا التوجه حري بالتأييد وندعو بدورنا أن يتم الاعتراف لقضاء
الموضوع بسلطة الملائمة بين الخطأ والعقوبة التأديبية ،لأن من شان ذلك أن يعزز حماية الأجير من
لهذا فالقضاء رغم المعيقات التي تواجهه فانه يقوم بدور فعال في مراقبة القرارات التي يتخذها المشغل
في إطار ممارسة السلطة التأديبية ،وذلك من اجل الموازاة بين حق المشغل في تأديب الأجير ومصلحة
هذا الأجير في استمرار عقد عمله للمحافظة على أجره كمورد للرزق له ولأسرته لهذا نجده في سبيل ذلك
يوسع من مفهوم التعسف في استعمال الحق ،ويتشدد في ضرورة احترام المشغل لمختلف الإجراءات
المسطر ية المنصوص عليها في مدونة الشغل ،ويتحقق من موضوعية الأسباب المدرجة في مقرر الفصل
156
إذا يقوم بتكييفها وتقييم مدى تناسبها مع العقوبات الموقعة من طرف المشغل ،وأي مخالفة لهذه
الفروض تجعل الفصل تعسفيا وغير مبرر ،مما يترتب عليه مجموعة من الآثار في مواجهة الشغل.
خاتمــــــــــــــــــــــــــــة
وختاما يمكن القول أن المشرع المغربي ولا العمل القضائي لم يترك الحر ية المطلقة للمشغل في استعمال
الحق أن سلطته دائما تبقى مقيدة .بالقانون والقضاء الذي يجسد رقابته سواء على شروط الشكلية أو
الموضوعية وذلك من أجل احترام مبادئ المحاكمة العادلة عن طر يق المحافظة على المعادلة الثلاثية وهي
حماية الأجير ،وحقوق المشغل ،حماية اقتصادية ،التي تهدف إلى استقرار علاقة الشغل ،كما ألزم المشرع
المشغل سلوك المسطرة خاصة وضرور ية حتى في ارتكاب الأجير خطأ جسيم يتبين من خلال
مقتضيات المدونة الجديدة لم تكفل الأجير جميع حقوقه وإنما جاءت لتكريس حقوق أكثر أصحاب
المؤسسات وذلك قصد توفير المناخ الملائم لجلب المستثمرين وخاصة أجانب منهم.
خصوصا وأن الفصل الأجير سيظل محل جدل ونقاشا بين مختلف الفاعلين.
157
—————————————————
المراجع المعتمدة:
كتب
محمد كشبور،إنهاء عقد الشغل ،مطبعة النجاح الجديدة ،طبعة 1448
عبد ال كريم الطالب,الشرح العملي لقانون المسطرة المدنية,المطبعة الوطنية بمراكش1449.
احمد عبد ال كريم أبو شنب شرح قانون العمل الجديد –الأردن-مكتبة الثقافة للنشر و التوز يع ,
1441
عبد اللطيف خالفي الوسيط في مدونة الشغل ل علاقة الشغل الفردية) 1446
محمد سعيد بناني قانون الشغل بالمغرب في مواد مدونة الشغل( علاقات الشغل الفردية الجزء
الثاني 1442
رسائل جامعية
رشيد الزعيم الفصل لخطأ جسيم على ضوء مدونة الشغل رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا
المعمقة 1442
نوال السعدي :فصل الأجير للخطا الجسيم من منظور القضاء ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات
محمد التباع :الضمانات القانونية لفصل الأجراء في قانون الشغل المغربي ،رسالة لنيل الماستر في
158
بشرى العلوي :الفصل التعسفي للأجير على ضوء العمل القضائي ،رسالة لنيل دبلوم الجامعي
159
نزاعات الشغل الجماعية بين الواقع والقانون
مصطفى الفوركي
دكتور في الحقوق
مقدمة
في قانون مدونة الشغل تُعر ّف نزاعات الشغل الجماعية بكونها كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي
يكون أحد أطرافها منظمة نقابية أو جماعية من الأجراء و يكون هدفها الدفاع عن مصالح جماعية مهنية
لهؤلاء الأجراء .كما تُعد نزاعات الشغل الجماعية كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد
أطرافها مشغل واحد أو عدة مشغلين أو منظمة مهنية للمشغلين و يكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل
تُسو ّى هذه النزاعات وفقا لمسطرة التصالح والتحكيم المنصوص عليها ،إذ تبدأ محاولة التصالح على
مستوى مفتشية الشغل ،وإذا لم تسفر هذه المحاولة عن أي اتفاق يتم اللجوء إلى اللجنة الإقليمية للبحث
والمصالحة التي يترأسها عامل العمالة أو الإقليم وتتكون من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية
للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا .أما إذا لم يُحل النزاع على مستوى هذه اللجنة فيتم
إحالته إلى اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة التي تُحدث لدى السلطة الحكومية المكلفة بالشغل ،يترأسها
الوزير المكلف بالشغل أو من ينوب عنه وتتكون بالتساوي من ممثلين عن الإدارة والمنظمات المهنية
ويرفع إليها النزاع في حالة إذا امتد نزاع الشغل الجماعي إلى عدة عمالات أو أقاليم أو إلى مجموع التراب
الوطني أو في حالة إذا لم يحصل أي اتفاق بين أطراف النزاع أمام اللجنة الإقليمية للبحث والمصالحة.
160
وما أكثر نزاعات الشغل الجماعية برفوف المحاكم والتي ما زال العمال ومنذ سنين ينتظرون فيها أن
ينصفهم القانون
من هم أطراف نزاع الشغل الجماعي وما هو محل النزاع الجماعي ؟ و ماهي المعايير التي على اساسها نميز
النزاع الجماعي عن النزاع الفردي ؟ وما هي الوسائل التي تسوى بها نزاعات الشغل ؟ وما مدى فعاليتها
؟
161
التصميم
162
الفصل الاول :ماهية نزاعات الشغل الجماعية
قبل التطرق الى اطراف نزاعات الشغل الجماعية وهي المتمثلة في المعيار العضوي والمعيار العددي لابد
أوضحت المادة 161من مدونة الشغل( "نزاعات الشغل الجماعية" ،هي كل الخلافات الناشئة بسبب
الشغل ،والتي يكون أحد أطرافها منظمة نقابية أو جماعية من الأجراء،و يكون هدفها الدفاع عن مصالح
كما تعد نزاعات الشغل الجماعية كل الخلافات الناشئة بسبب الشغل والتي يكون أحد أطرافها مشغل
واحد ،أو عدة مشغلين ،أو منظمة مهنية للمشغلين ،و يكون هدفها الدفاع عن مصالح المشغل أو المشغلين
وما عرفت به مدونة الشغل في المادة 161يتعين اذن توفر عنصرين اثنين حتى يمكن اعتبار النزاع
جماعيا وهو:
أن يكون أحد الاطراف مجموعة من العمال مؤطرين تأطيرا قانونيا في شكل نقابة أو تأطيرا واقعيا أي
مجموعة من العمال و العنصر الثاني هو أن يكون هدف العمال الدفاع عن مصالحهم المشتركة][2
و جاء في قرار صادر عن المجلس الاعلى في الملف عدد 1214بتاريخ 9114/41/16قائلا :ل كن
خلافا لما في الوسائل ,فان الامر يتعلق بنزاع فردي بين عمال تعرضوا للطرد من طرف مشغلهم ’ و انه
لايهم المجموعة عمال متظمين في اطار نقابة او جمعية مهنية أو بفعل الواقع ,كما لا توجد مصلحة جماعية
163
يسعون الى تحقيقها ,والمحكمة حين ردت الدفع بقولها :حيث أنه من المتفق عليه ان النزاع الجماعي
أولا :ان يكون أحد أطراف النزاع مجموعة من العمال مؤطرة تأطيرا قانونيا كنقابة مثلا او واقعيا و يعني
ثانيا :أن يمثل النزاع مصلحة جماعية لهؤلاء العمال يستهدف تعديل ماهو متفق عليه او منصوص عليه
ومن هدا المنطلق نتسائل هل هناك حد ادنى للعمال حتى يعتبر النزاع جماعيا ؟
ان المادة 161من مدونة الشغل التي أعطت تعر يفا لنزاعات الشغل الجماعية لم تحدد حدا أدنى من
الاجراء لوجود نزاع جماعي بل فرضت بالضرورة أن يكون احد الاطراف مجموعة من العمال مؤطرين
المهنية للمشغلين من جهة ' ومنظمة ان أطراف النزاع الجماعي هم المشغل أو المشغلون أو المنظمة
وما يلاحظ عن هذا التعر يف أن تحديد مشغل واحد أو عدة مشغلين لا يثير أي إشكال عند تحديد
احد طرفي النزاع ل كن الإشكال يثار عند تحديد الطرف الآخر للنزاع الجماعي'
أن أجير واحد لا يمكن أن يكون طرفا في نزاع جماعي إذا كانت للتشر يعات و كذا الفقه يعتبر
عكس المشغل ' فان الاختلاف برز في التشر يعات المقارنة و الفقه حول مسالة العضو ية في النقابة]'[5
164
وهناك من اعتبر عدد الأجراء فقط ' علما أن المشرع المغربي ومن خلال المادة 161من مدونة الشغل
لم يأخذ بالمعيار العضوي ولم يحدد المقصود من "جماعة الأجراء" التي يمكن أن تكون طرفا في النزاع
حسب المعيار العضوي يعتبر النزاع جماعيا إذا كان احد طرفيه هو التنظيم النقابي المعبر عن مصالح
جماعية للأجراء بصرف النظر عن كون الطرف الأخر خاضعا لتنظيم أم لا
ونقصد بذلك المشغل أو المشغلين المسيرين للمقاولة أو المؤسسة مكان وقوع المنازعة الجماعية .و يخرج عن
نطاق النزاع الجماعي أي مجموعة من الأجراء غير منضو ية في نقابة' حتى ولو كان هؤلاء الأجراء يمثلون
ونفس الاتجاه سار فيه جانب من الفقه الدي دهب الى ان النزاع الجماعي هو دلك النزاع الناتج عن
تدبير فردي او جماعي من طرف المشغل ,يكون من شأنه المساس بالمصلحة الجماعية لمجموعة من
يعتمد المعيار العددي على التمييز بين النزاع الفردي و النزاع الجماعي من خلال الآثار التي يرتبها كل
أجير واحد في مواجهة مشغله 'و تنحصر أثاره منهما فالنزاع الفردي هو النزاع الذي لا يهم سوى
أما النزاع الجماعي فهو الذي يتعلق فقط تجاه الأجير المعني الذي يتأثر مركزه في علاقته مع مشغله
بمجموع الأجراء أو بفر يق منهم و تكون أثاره و نتائجه جماعية ,و قد تبنى المشرع من خلال المادة 161
165
من مدونة الشغل هذا المعيار عندما سوى بين أن يكون الأجراء منضوين في تنظيم نقابي أو أن
يرى بعض الفقه أنه بالمقارنة مع مجموعة الأجراء بحيث يجب ان يكون العدد مؤثرا في سير أو عدم سير
المقاولة بانتظام عند توقف هؤلاء عن العمل .هذا الأمر متروك لهيئات المصالحة والتحكيم للنظر فيه ,لما
تتمتع به من صلاحيات لتحديد مدى حجم و أهمية الأجراء طرف النزاع الجماعي ,مادام المشرع المغربي
إلا أن المعيار المتعلق بأطراف النزاع الجماعي لا يعد كافيا بمفرده لتميز بين النزاع الفردي والنزاع الجماعي
بل لا بد من معرفة موضوع النزاع أو محله ومدى علاقته بالمصلحة المهنية لفئة الأجراء طرف
النزاع].[8
أن محل الالتزام هو الذي ينشئه محل العقد الذي هو العملية القانونية التي تراضى الطرفان على تحقيقها (
كالبيع ،الإ يجار ،التأمين ) ،أما محل الالتزام فهو ما يتعهد به المدين في مواجهة الدائن و هذا الأداء
قد يكون نقل حق عيني لصالح الدائن ،و قد يكون قيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل ومثال
الالتزام بإعطاء نقل أو إنشاء حق عيني ،كالتزام البائع بنقل حق عيني كحق الرهن أو حق الارتفاق
فمحل النزاع الجماعي في قانون الشغل فيتكون من تعدد المواضيع و المصلحة المهنية الجماعية
تعتمد معظم التشر يعات و معها الفقه معيار محل النزاع الجماعي كضابط للتميز بين النزاع الفردي
والنزاع الجماعي وان كان هناك اختلاف حول طر يقة الاستغلال فالاتجاه الأول يسير نحو حصر و
تعداد المواضيع التي تعتبر محلا للنزاع الجماعي دون سواها معتبرا أن النزاع الجماعي هو دلك النزاع
166
الذي يكون على علاقة بالقضايا المهنية مثل الشغل المنجز او المطلوب انجازه ونوعية الحقوق و
الالتزامات
الثابتة للأجراء و المشغلين في اطار العلاقة الشغلية بالنسبة لمختلف المهن للأجراء و المشغلين وكدا
الاتحادات التي تمثلها الا ان ما يلاحظ ان حصر مواضيع النزاع الجماعي للتمييز بين هدا الاخير و النزاع
الفردي يحتوي على مجموعة من نقاط الضعف نظرا لتداخل النزاعين في مجال واحد وهو علاقات الشغل
التي يترتب عنها النزاع الفردي كما يترتب عنها النزاع الجماعي مع ان حصر المواضيع التي تعتبر محلا للنزاع
الجماعي تعتريها صعوبة كبرى نظرا لتطور هده المشاكل وتجددها باستمرار][9
'فبدا ان معيار اخر قد يكون لازما لتحقيق مهمة الفصل بين النزاع الفردي و الجماعي و تتمتل في
المصلحة المهنية الجماعية المشتركة .دلك ان منح نزاع ما صفة نزاع جماعي لابد من افتراض مجموعة من
الأطراف لها مصالح متباينة في هدا النزاع فهناك المشغلون الدين يرغبون في تحقيق الأرباح و هناك
ان هذا المعيار يربط النزاع بالمصلحة ,فيعتبر النزاع جماعيا اذا كان موضوعه المطالبة بمصلحة جماعية
للعمال و يعتبره فرديا اذاكان موضوعه لايتعلق بمصلحة جماعية وانما بمجرد مصلحة فردية واذاكان
الامر كذلك ,فان التساؤل يثار عن ماهية هذه المصلحة المهنية الجماعية والمشتركة والتي تقوم بهذا الدور
ال كبير في التمييز بين النزاع الفردي والنزاع الجماعي وتسمح بالتالي بتحديد مفهوم هدا الاخير هل هي
المصلحة الجماعية الخاصة ببعض الاجراء ام هي مجموع المصالح الفردية الخاصة بمجموع الاجراء؟
وفقا لذلك تعتبر مصلحة جماعية المصلحة التي تهم مجموعة من الاشخاص غير معروفين حاليا ولا مستقبلا
,بل يجب ان يطبق المبدا على أي شخص يكون في مثل وضع هؤلاء الاجراء ,وكمثال على ذلك اذا
167
تناول موضوع النزاع ز يادة في الاجر فهذه اللز يادة تهم جميع الاجراء الحاليين والمستقبلين واعتبارا
لذلك يصبح النزاع جماعيا] [10وخلافا لذلك أي اذاتناول نزاع معين مجموعة من الاجراء المعروفين
والمحددة اسماؤهم ومطالبهم كما في حال اقدام مجموعة من الاجراء على المطالبة بدفع اجورهم اوتصفية
غيلر ان احد الفقهاء ذهب الى القول انه يجب لاعتبار النزاع جماعيا ان يمس المصلحة الجماعية
والمشتركة لجميع الاجراء اولفئة منهم ,وتتحقق هذه المصلحة الجماعية اذا كان حل الن من شانه ان
يمس المركز القانوني الفردي لجميع اجراء المقاولة اولفر يق منهم على الاقل سواء تعلق الامر بتغيير القوانين
او المراسيم ,او الانظمة او العقود الجماعية او الانظمة الداخلية ,وتنفيذها او كنزاعات متعلقة بالحر ية
النقابية 3اوبالاجور اوبشروط العمل اوبنزاعات متعلقة بالمفاوضات او اعادة النظر في العقود
الجماعية اوممارسة حق الاضراب او مشكلة الاغلاق أي النزاعات التي تخرق فيها الامتيازات
واخيرا فبعد محاولة تمييزنا لنزاع الشغل الفردي عن الجماعي ,معتمدين بذلك على عنصرين وهما اطراف
النزاع وموضوعه يتضح لنا ان المشرع المغربي تاثر بذلك وافرد لكل واحدمنهما نظاما خاصا لتسويته][12
محدودة بالنسبة لاجير واحد في الغالب فان نزاعات اذاكانت نزاعات الشغل الفردية تخلف اثارا
الشغل الجماعية تخلف اثارا واسعة وذلك بالنسبة للعديد من العمال الدين يصبحون بسبب النزاع القائم
متوقفين عن العمل وقد يتم طردهم من عملهم وذلك نتيجة لاغلاق المؤسسة التي كانوا يعملون بها ’
وتتجلى الاثار السلبية لنزاعات الشغل الجماعية كذلك في عدم تسويتها في تعرض العمال الذين فقدوا
مناصبهم للبطالة الشىء الذي يؤثر بدون شك على عائلات هؤلاء العمال وعلى مستقبل ابنائهم لاسيما
168
وان النسبة ال كبيرة من الاجراء في المغرب غير متخرجين من مراكز تكوينية وبالتالي لايعملون بشواهد
مهنية تسمح لهم في اطار الحركية المهنية الحصول على مناصب عمل في مؤسسات اخرى بسهولة
ولاتتجلى الاثار السلبية لنزاعات الشغل الجماعية في الميدان الاجتماعي فحسب وانما تتجلى كذلك في
الميدان الاقتصادي وذلك نظرا لما تخلفه هذه النزاعات من اضرار مالية بالنسبة للمقاولات الشىء
الذي قد يجعل ديون هذه المقاولات تتكاثر نتيجة لتوقفها عن دفع ديونها اضف الى كل هده
الاثارتهديد السلم الاجتماعي] [13نتيجة لاضراب العمال ولاسيما اذا كان هذا الاضراب قد حصل
في مدن اقتصادية اواستراتيجية ,وقد يمتد هذا الاضراب الى مقاولات موجودة في مدن اخرى ومن
هذه الناحية وبهذه الصورة تهدد نزاعات الشغل الجماعية الاستقرار الاقتصادي والامني والاجتماعي
والسياسي][14
تتجلى اهمية التحكيم كوسيلة لتسو ية المنازعات في كونه يشكل اداة قانونية لحسمها بشكل متميز عما
تقتضيه المساطر القضائية التقليدية و يضمن تلافي مايوجه عادة للجهاز القضائي من انتقادات بخصوص
وسنحاول العمل من خلال هذا المبحث على دراسة مرحلة اللجوء الى التحكيم (مطلب اول) والجهة
169
ان نزاعات الشغل الجماعية تعد من اهم المخاطر التي تهدد السير العادي لمقاولات الانتاج ومن خلالها
الاقتصاد الوطني برمته ,لذلك تعمل مختلف التشر يعات المقارنة ,ومنها التشر يع المغربي على ايجاد
وبالرجوع الى مدونة الشغل ,فانه اذا لم يتم التوصل الى اي حل كفيل بتسو ية النزاع الجماعي امام اللجنة
الاقليمية للبحث والمصالحة وامام اللجنة الوطنية للبحث والمصالحة او اذا بقي الخلاف بشان بعض
النقاط قائما اوفي حال تخلف احد الاطراف عن الحضور ,يمكن لاحدى اللجان المعنية احالة النزاع
الجماعي الى مسطرة التحكيم بعد استصدار مواقفة الاطراف .حيث يحيل رئيس اللجنة المعنية عند
الاقتضاء الى الحكم خلال ثمانية واربعين ساعة الموالية لتحضير المحضر ,الملف المتعلق بموضوع النزاع
ويرى جانب من الفقه] [16ان المشرع المغربي من خلال اخذه باختيار ية اللجوء الى التحكيم في
فعلى مستوى عدم الانسجام في الاختيارات يرى هذا الجانب] [17انه من غير المستساغ ان يختار
المشرع اسلوب الزامية تحر يك اجراءات الصلح التي تنص على انه يتم الشروع في محاولته فورا ,سواء
بمبادرة من الطرف الراغب في التعجيل ,اوبمبادرة من عون التفتيش او من المندوب المكلف بالشغل
لدى العمالة او الاقليم ,حيث اذا لم تسفر هذه المحاولة عن اى اتفاق ,فان النزاع الجماعي يرفع الى
اللجنة الاقليمية للبحث والمصالحة وعند فشلها يحال مباشرة على اللجنة الوطنية فاذا فشلت هذه الاخيرة
في الوصول بطرفي النزاع الجماعي الى اتفاق يمكن لها وبعد موافقة الاطراف احالة النزاع على التحكيم ,
كان هذا الجانب يامل ان ينص عليه المشرع على غرار مستو يات المصالحة ان يحال النزاع الجماعي
الذي تفشل اجراءات الصلح في حله .مباشرة الى التحكيم ,دون ان يتوقف ذلك على موافقة طرفي
170
النزاع ,على اعتبار ان تحر يك اجراءات الصلح يكون معناه عرض النزاع الجماعي على التحكيم بعد
اما على مستوى عدم التوافق في نهج اختيار ية اللجوء الى التحكيم ,فقد ذهب هذا الجانب من الفقه الى
ان هذا الاختيار لايتفق مع الخطورة التي تتسم بها نزاعات الشغل الجماعية ,التي من شانها المساس
بالسلم الاجتماعي والاقتصادي داخل المقاولة ,فاذا لم تلزم الاطراف او السلطة الحكومية المكلفة
بالشغل بتحر يك مسطرة التحكيم لحل النزاعات الجماعية فان هذا يعني فتح المجال امام الاطراف لسلوك
وسائل العنف المتمثلة في الاضراب من جهة الاجراء والاغلاق من جهة المشغلين مع ما يسبب ذلك
ان مسالة تشكيل الجهة المنوط بها نظر نزاعات الشغل الجماعية ,على درجة كبيرة من الاهمية لان هذا
التشكيل يوجه الى حد ما ,وبصورة مستبقة المسار الذي ستاخذه اجراءات التسو ية من جهة ولانه
يقوم بدور مهم في نجاح اوفشل هذه الاجراءات من جهة ثانية فتشكيل هيئة تسو ية نزاعات الشغل
الجماعية يعطي من ناحية مؤشرا على الموقف الذي تتخذه السلطة العامة في الدولة من هذا النظام ,ومن
ناحية ثانية يبين نطاق وحدود تدخلها في العلاقة بين اطراف النزاعات الجماعية ومدى الدور المتروك
فيما يتعلق بالهيئة التي يسند لها اختصاص نظر نزاعات الشغل الجماعية تحكيما ,فاننا نجد التشر يع
الهيئة ,و الاجراءات التي تتم امامها مما يؤدي الى تقييد حر ية الاطراف ما لم يتفقوا على اللجوء الى
171
وقد ذهب المشرع المغربي على غرار المشرع الفرنسي اثناء اختياره للتشكيل الفردي للجهة المنوط بها
نظر النزاع الجماعي تحكيما ,حيث يعود اختصاص النظر في النزاع الى حكم يختاره الاطراف باتفاقهم
من ضمنه قائمة احكام تصدر بقرار للوزير المكلف بالشغل ,تكون محل مراجعة مرة كل ثلاث سنوات
اعتمادا على اقتراحات المنضمات المهنة للمشغلين والمنظمات النقابية للاجراء الاكثر تمثيلية وبذل تكون
تشكل المصالحة وسيلة من وسائل تسو ية المنازعات الجماعية ,وتعد بذلك المرحلة الاولى ومن مراحل
التسو ية السلمية لهذا النوع من النزاعات فلا يلجأ الى غيرها من الوسائل الا بعد استنفاذ اجراءاتها .وهي
تعد اداة لتفادي هذه النزاعات أكثر مما هي اداة لحلها ,فبوادرها تضهر بالخصوص عند بروز المعالم
الاولى للنزاع الجماعي وقبل لجوء طرفيه الى وسائل العنف المتمثلة في الاضراب و الاغلاق
أولى المشرع المغربي شأنه في ذلك شأن باقي التشر يعات أهمية للاجراءات المسطر ية أمام جهات
المصالحة ,محاولا طبعها بعامل السرعة ,و التنصيص على مواعيد قصيرة سواء للقيام بالاجراءات او
النظر للنزاع.
حسب المادة 113من مدونة الشغل فان محاولة التصالح قد تبتدئ اما بمبادرة من الطرف الراغب في
172
تخول مجمل التر يعات المقارنة حق اتخاذ المبادرة في تحر يك اجراءات التسو ية لاحد الاطراف النزاع ,
وقد حذا المشرع المغربي حذو هذه التشر يعات ,حيث يظهر ذلك جليا من خلال مقتضيات المادة
113من مدونة الشغل التي جاء فيها ,انه يتم الشروع فورا في محاولة التصالح بمبادرة من احد طرفي
النزاع الراغب في التعجيل في نظر النزاع الجماعي صلحا وذلك بموجب مقال يورد فيه نقط الخلاف .
حيث يتم اتخاذ هذه المبادرة من قبل الطرف الاكثر استعجالا واستقلالا عن الطرف الاخر.
وتجدر الاشارة الى ان المادة 161من مدونة الشغل التي عرفت النزاع الجماعي بانه ذلك الذي يكون
اطرافه منظمة نقابية للاجراء ,او جماعة من الاجراء بالاضافة الى مشغل او عدة مشغلين ,او
منظمتهم المهنية ,انطلاقا من هذا التعر يف القانوني لاطراف النزاع الجماعي ,يمكننا القول ان لهؤلاء
الى جانب الحق الذي خوله المشرع المغربي للاطراف في تحر يك مسطرة المصالحة نجده ايضا يقر
للسلطة الحكومية المكلفة بالشغل نفس صلاحيات اطراف النزاع الجماعي في تحر يك اجراءات المصالحة
والسلطة الحكومية المكلفة بالشغل تكون اما ممثلة في شخص العون المكلف بالتفتيش اذا كان الخلاف
الجماعي منحصرا في مقاولة واحدة ,واما في شخص المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة او الاقليم اذا
و يعتبر جانب من الفقه التشاور مع الاطراف المعنية بالنزاع الجماعي ضرورة تضمن نجاح المصالحة فهذه
الاخيرة تقوم على التقريب بين وجهة نظر كل طرف من اطراف النزاع الجماعي ,لذلك يرى هذا
الاتجاه انه بالرغم من الحق الخالص للعون المكلف تفتيش الشغل و كذلك المندوب المكلف بالشغل
173
على مستوى العمالة او الاقليم ,في الشروع الفوري في اجراء المصالحة فان ذلك يتعين ان يتم بتشاور مع
الاطراف المعنية بالنزاع ضمانا لحضورها جلسة المصالحة وبلورة لفرص نجاحها
عمد المشرع المغربي الى البت في نزاعات الشغل الجماعية على وجه السرعة ,حتى لايستعسرايجاد حل
كفيل بحفظ مصالح الاطراف المعنية والحفاظ على الامن والنظام الاجتماعي والاقتصادي على
مستوى المقاولة ,بل حتى على المستوى الوطني ,فكان المشرع بذلك مسايرا لجل التشر يعات المقارنة
التي سعت الى خلق قواعد مسطر ية تتسم بالبساطة وتطبعها خاصية السرعة ,ويمكن اجمال هذه القواعد
المسطر ية في كل من :الاستدعاء وأجله (فقرة اولى) و مشاركة الاطراف بصفة شخصية في المناقشات
اذا كانت التشر يعات المقارنة تسعى دائما الى ان تحضى هيئات تسو ية نزاعات الشغل الجماعية
بثقة أطراف هذه النزاعات على اعتبار ان الثقة فيها تعتبر عنصرا مهما من عناصر نجاحه في اداء مهمتها .
فان هذه التشر يعات ,وفي سبيل تحقيق هذا المسعى تهتم ببعض القواعد التي تحكم اجراءات نظر
النزاعات الجماعية والتي تهدف الى كسب ثقة الاطراف المهنية بها .وفي ذات الوقت تهدف الى عملية
تسهيل الوصول الى حل النزاع .ومن ضمن هذه القواعد التنصيص على ما يترجم الطابع السر يع
لاجراءات التسو ية على اعتبار ان هذه السرعة تسمح بتطو يق الخلاف او النزاع .وتحول دون
استفحاله][20
174
ومن أجل تفعيل الطابع السر يع لاجراءات تسو ية نزاعات الشغل الجماعية تنص مقتضيات مدونة
الشغل] [21على انه بمجرد ممارسة حق المبادرة في تحر يك مسطرة التسو ية عن طر يق المصالحة سواء من
لدن احد اطراف النزاع او بمبادرة من المندوب المكلف بالشغل لدى العمالة او الاقليم او من طرف
العون المكلف بتفتيش الشغل في المقاولة .او في حالة فشل المسطرة امام الجهازين الاخيرين و رفع
النزاع الى اللجنة الاقليمية للبحث و المصالحة في حال امتد النزاع ليشمل عدة اقاليم او عمالات .ا والى
مجموع التراب الوطني في حال لم يحصل اي اتفاق بين اطراف النزاع امام اللجنة الاقليمية للبحث و
المصالحة فان جميع هذه الجهات المخول لها بموجب القانون نظر النزاع الجماعي صلحا .و عليها ان
تستدعي على وجه السرعة اطراف النزاع بواسطة برقية ,وذلك في اجل اقصاه ثمانية وأربعين ساعة من
تاريخ رفع النزاع الى اي منها] . [22اذ ينبغي عليها بذل الجهد الازم داخل اجل لايجب ان يتعدى
اذا استدعي احد الطرفين بالشكل المنصوص عليه قانونا من اجل المثول امام اللجنة الاقليمية للبحث و
المصالحة دون ان ينيب عنه ممثله القانوني ,فان رئيس اللجنة المذكورة يحرر تقريرا في هذا الخصوص و
يوجه الى وزير الشغل الذي يحيله الى النيابة العامة فيعاقب في حالة الادانة بغرامة تتراوح بين عشرة
وبذلك فان مدونة الشغل تسهر على طبع تسو ية نزاعات الشغل الجماعية بالسرعة و الفعالية من خلال
نصها على مدة معقولة لنظر النزاع و الانتهاء منه مكرسة موقف منظمة الشغل الدولية في هذا
الاتجاه][25
175
المشرع المغربي أكد على الحضور الشخصي لهؤلاء الاطراف لمناقشة التسو ية على اعتبار ان الهدف
الرئيسي هو الوصول بأطراف النزاع الى حل مرض والى اتفاق يضع حدا للنزاع .وهذه النتيجة
لايمكن الوصول اليها الا اذا كان الطرفان حاضرين و بصفة شخصية جلسات الجهة المنوط بها النظر في
النزاع
وبذلك فان مشاركة اطراف النزاع الشخصية تجعل من اجراءات تسو ية النزاع اكثر فاعلية حيث يفسح
المجال لجهة التسو ية للإلمام بكافة حيثيات النزاع الجماعي كما يجعل الاطراف اقل تعصبا بل قد يصل
بهم الامر الى تقديم تنازلات احيانا ,وعلى خلاف ذلك فان الانابة قد تؤدي الى اطالة امد النزاع
نظرا لتمسك النائب القانوني بتعليمات موكله التي لايمكن الرجوع عنها الا بعد استشارة هذا الاخير
خاتمة
اخيرا لابد لنا ان نشير على انه في حالة ما ادت فشل طرفا النزاع في حله عن طر يق المفاوضات .او
عن طر يق تدخل طرف ثالث اجنبي عن النزاع .فان هدا الاخير من شأنه ان يدفع بالطرفين او
الاطراف الى الدخول في تجربة القوة ,تاخد شكل اضراب عن الشغل من قبل الاجراء ,وشكل
اغلاق من جانب المشغلين و دلك باعتبارهما وسيلتين فعليتين لحل النزاعات الجماعية للشغل ,على
لم يبقى لنا سوى ان نشير الى انه عندما تشتد حدة النزاع بين المشغل و نقابة الاجراء فان الطرفين
يتحملان خسائر مهمة تتمثل في تضرر رب العمل جراء الاضراب وفقدان الزبناء أما العمال فيفقدون
مهنهم جراء الاغلاق بسبب الخسائر التي لحقت المقاولة لذلك يجب قبل احتدام النزاع حله بالوسائل
176
لائحة المراجع
ال كتب
الحاج ال كوري :مدونة الشغل الجديدة احكام عقد الشغل .مطبعة الامة الطبعة الاولى
1446الرباط ص 346
أحمد بوهرو :نزاعات الشغل الجماعية وفق المدونة الجديدة للشغل :المفاهيم ،أنماط التسو ية،
أحمد حسن البرعي :علاقات العمل الجماعية في القانون المصري الجزء الثاني عقد العمل
المشترك
– عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل .الجزء الثاني .علاقات الشغل الجماعية .
–سعيد بناني .قانون الشغل بالمغرب .علاقات الشغل الجماعية .مطبعة دار النشر المغربية .
طبعة 9181
الرسائل و الاطروحات
العلوي هاشم ْ :القضاء الاجتماعي بالمغرب ْ رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون
امال ازداد .التحكيم في نزاعات الشغل .رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون
177
المقالات
–بشرى العلوي – الطرق البديلة لحل نزاعات الشغل الجماعية – مجلة المحاكم المغربية – عدد
948
ادريس جلام .الوسائل البديلة لحل النزاعات و علاقتها بالقضاء .مجلة المحاكم المغربية عدد
–العربي لحلو :الموارد البشر ية و السلم الاجتماعي داخل المقاولة .جريدة الايام عدد 19
]– http://www.startimes2.com/review/1645.htm[1
] – [2بشرى العلوي – الطرق البديلة لحل نزاعات الشغل الجماعية – مجلة المحاكم المغربية – عدد 948
ص 18
] – [3قرار منشور بمجلة المحاكم المغربية عدد 9111 / 44ص 936 :
] – [4أحمد بوهرو :نزاعات الشغل الجماعية وفق مدونة الشغل الجديدة – مطبعة القلم – سنة 1446
ص 11 :
] – [5أحمد حسن البرعي :علاقات العمل الجماعية في القانون المصري الجزء IIص 914
] – [6عبد اللطيف خالفي :الوسيط في مدونة الشغل .الجزء الثاني .الطبعة الاولى . 1444ص
91
] – [7العلوي هاشم ْ :القضاء الاجتماعي بالمغرب ْ الجزء الثاني ،ص 44 :وما بعدها
178
]–[8أحمد بوهرو :مرجع سابق .ص 94
] – [10سعيد بناني .قانون الشغل بالمغرب .علاقات الشغل الجماعية .مطبعة دار النشر المغربية .
] – [12امال ازداد .التحكيم في نزاعات الشغل .رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في
] – [13العربي لحلو :الموارد البشر ية و السلم الاجتماعي داخل المقاولة .جريدة الايام عدد 19بتاريخ
فبراير 1441
] – [14الحاج ال كوري :مدونة الشغل الجديدة احكام عقد الشغل .مطبعة الامة الطبعة الاولى
1446الرباط ص 346
] – [18ادريس جلام .الوسائل البديلة لحل النزاعات و علاقتها بالقضاء .مجلة المحاكم المغربية عدد
179
] – [19المواد 113و 118و 111و 144من مدونة الشغل
] – [21انضر المواد . 116 . 113لفقرة الأولى من المادة .118و الفقرة الاخيرة من المادة 144
] – [25التي ترى انه كلما طال امد النزاع كلما اصبح من الصعب التقريب بين وجهة نظر كل من
180
مدى ملائمة مدونة الشغل للمواثيق الدولية للشغل
محمد الجاي
مقدمة:
عرف التشر يع في ال كثير من المجتمعات في عصور مبكرة ،واعتبرته النظم الحاكمة وسيلة لبسط سلطاتها
والتعبير عن هيمنتها بهدف ضبط سلوك الأفراد وتنظيمهم ،فاعتبر نتيجة لذلك مظهرا من مظاهر
سيادتها الإقليمية.
وعلى هذا النحو فقد ظل التشر يع وعلى مدة زمنية طو يلة وليد المجتمع بظروفه وعلاقاته ونظمه ومبادئه،
نابعا من حضارة الدولة وخصوصية ثقافتها وطبيعة واقعها ،وهو ما يعبر عن ارتكاز التشر يع على الذاتية
الحضار ية والثقافية للمجتمع ،فعن طر يقه أي التشر يع يثبت المجتمع به ذاتيته ويتأكد به استقلاليته
و يعبر عن حضارته.
غير أنه نظرا لما يشهده العالم حاليا من تحولات عميقة بفعل الثورة الهائلة في مجال قنوات الاتصال بين
دول العالم في كافة المجالات ،وخاصة في المجال الاقتصادي بفعل النظام العالمي الجديد “العولمة” ،فقد
أدى ذلك إلى نشر قيم عالمية جديدة وتغيير في شكل العلاقات الدولية على كافة المستو يات ،وقد أفرز
ذلك شكلا من أشكال التكتل وتركيز القوة الاقتصادية في العالم في نطاق دائرة محدودة من الدول،
مارست نفوذها في منظمة التجارة العالمية ،لفرض قواعد موحدة تحكم العلاقات التجار ية بين مختلف
181
دول العالم ،وذلك كله من تجليات العولمة التي برزت الدعوة إلى مبادئها التي تركز على القيم والمفاهيم
المشتركة التي تجمع بين البشر وتسعى إلى نشر نموذج ثقافي وحضاري واقتصادي موحد.
ولقد أفرزت العولمة ،تحقيقا لهذه الأهداف ،العديد من الاتفاقيات الدولية في شتى المجالات ،تلزم
جميعها التشر يعات الوطنية للدول الموقعة عليها بما تحتو يه من أحكام ،لا تقتصر على المبادئ العامة فقط
بل تمتد إلى الأحكام التفصيلية ،بغية تحقيق توحيد تشر يعي دولي في الموضوعات التي تتناولها هذه
الاتفاقيات.
وهكذا بدأت المجتمعات تنتقل من التشر يعات الوطنية الإقليمية التي تعبر عن إرادة الشعوب عبر
هيئاتها الوطنية ،إلى تشر يعات عالمية كونية تعبر عن إرادة المجتمعات الدولية عبر منظماتها العالمية ،وإن
كان هذا في حقيقته ما هو إلا مظهر من مظاهر السيطرة والقوة التي تتمتع بها الدول الصناعية ال كبرى
في مجال التشر يع ــ شأنه في ذلك شأن باقي المجالات الأخرى ــ والتي لا تهدف في عمقها إلا لطمس
وعلى العموم فإن ميدان الشغل يبقى أهم مجال تناولته المنظمات العالمية عن طر يق الاتفاقيات الدولية،
ونذكر على الخصوص الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية ،وكذا المواثيق الدولية الصادرة عن
هيئة الأمم المتحدة كالإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة ،9168والعهدين الدوليين للحقوق المدنية
182
وباعتبار المغرب عضوا نشطا في هذه المنظمات كما يؤكد ذلك دستور الممل كة ،ونظرا لالتزامه بكل ما
تقتضيه هذه المواثيق وبملاءمة تشر يعه الوطني معها ،فإن موضوع ملاءمة مدونة الشغل المغربية مع هذه
فكما هو معلوم أن المغرب أصدر سنة 1443مدونة للشغل جاء في أول ديباجتها “إن تشر يع العمل
هذا ،تتحدد معالمه بتوافقه مع المبادئ الأساسية التي يحددها الدستور ،وبتطابقه مع المعايير العالمية ،كما
تنص عليها مواثيق هيأة الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة والتي لها صلة بالعمل”.
كما جاء في آخرها أنه “تشمل الحقوق التي يصونها هذا القانون و يضمن ممارستها داخل المقاولة
وخارجها ،الحقوق الواردة في اتفاقيات العمل الدولية المصادق عليها من جهة ،ومن جهة أخرى،
وعليه يمكن القول أن صدور المدونة شكل مناسبة للحد من الشوائب والثغرات التي كانت تسود
النصوص القانونية المتفرقة المنظمة لعلاقات الشغل بدءا بجعل نصوص هذه المدونة مواكبة لما هو
منصوص عليه في الاتفاقيات والمواثيق الدولية ذات الصلة بعلاقة الشغل ،من خلال احترام مبادئ
حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ،واحترام الاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل
الدولية ومنظمة العمل العربية وتعزيز شروط النهوض بظروف وتوفير الصحة والسلامة في أماكن
العمل.
كما عملت مدونة الشغل على إعادة تنظيم العلاقة الرابطة بين الأجير والمشغل من خلال تحديد حقوق
فشكلت بذلك مدونة الشغل إطارا تشر يعيا مهما يسعى إلى تحفيز المقاولات على الاستثمار واستقرار
الشغل والعلاقات المهنية على أساس الثقة المتبادلة بين أطراف عملية الإنتاج.
183
وإذا كانت المدونة قد وضعت مجموعة هائلة من المقتضيات راعت من خلالها المصالح الاقتصادية
للمشغل المشغلة ،فإن الملاحظ أن هذا الاهتمام (حماية المقاولة) كان شبه غائب من أهداف التشر يع
الدولي للشغل ،فإذا رجعنا مثلا للاتفاقيات الدولية الصادرة عن منظمة العمل الدولية نجد جلها تتعلق
ونعتقد أن ذلك راجع بالأساس إلى الاعتقاد السائد منذ بداية القرن العشرين بأن الأجدر بالحماية هو
الأجير باعتباره طرفا ضعيفا في العلاقة الشغلية أمام قوة المقاولة .غير أنه مع التحولات التي عرفها
العالم حديثا في الميدان الاقتصادي وما خلفته الأزمات الاقتصادية من آثار سلبية في العالم ،فإنه أعيد
النظر في حقيقة تلك العلاقة ،وأصبح التوجه الحديث هو أن المقاولة والأجراء جديرين على السواء
بالحماية التشر يعية .وأصبح الاعتقاد راسخا بأهمية دور المقاولة في كل تنمية اقتصادية.
فإذا كان الأجير يسعى إلى الحفاظ على مصدر لقمة عيشه وحماية حقوقه المترتبة عن عقد الشغل
انطلاقا من مبدأ الاستقرار في العمل ،فإن هاجس المشغل يتجه أساسا نحو تحقيق الربح وحماية
المكتسبات الاقتصادية للمشغل ،كغاية أي مشروع تجاري انطلاقا من مبدأ المرونة في الشغل ،بين
هذين الهاجسين الاجتماعي والاقتصادي حاول المشرع المغربي من خلال نصوص هذه المدونة تحقيق
نوع من التوازن بينهما .وعليه فإن دراستنا ستركز بشكل كبير على مدى ملاءمة نصوص المدونة للمواثيق
الدولية المهتمة بمجال الشغل في إطار مظاهر تحقيق التوازن بين مصالح الطرفين ،أخذا بعين الاعتبار
إذا ثبت هذا ،فإن إشكالية البحث يمكن صياغتها إذن كالتالي :كيف عمل المشرع المغربي على ملاءمة
أحكام المدونة مع المواثيق الدولية المهتمة بالشغل في إطار تحقيق التوازن بين المصالح الاقتصادية
والاجتماعية؟
184
لمعالجة هذه الإشكالية ارتأينا تناول موضوعنا من خلال مبحثين اثنين :نتناول فيهما مدى ملاءمة
المدونة مع المواثيق الدولية للشغل فيما يتعلق بحماية المصالح الاقتصادية للمشغل(المبحث الأول) ،
185
التصميم
المبحث الأول :ملاءمة مقتضيات مدونة الشغل المقررة لصالح المشغل مع المواثيق الدولية
المطلب الأول :ملاءمة المقتضيات المنظمة لتدبير مدة الشغل للتشر يع للدولي
الفقرة الأولى :مدة الشغل العادية بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل
الفقرة الثاني :مدة الشغل الاستثنائية بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل
أولا :التجاوز :الاستثنائي لمدة الشغل العادية
المطلب الثاني :مقتضيات إنهاء العلاقة الشغلية بإرادة المشغل
الفقرة الأولى :ملاءمة المقتضيات المتعلقة بالفصل بسبب كفاءة الأجير أو سلوكه
أولا :على مستوى مجال التطبيق
ثانيا :على مستوى تضييق حالات اللجوء إلى الإنهاء
ثالثا :على مستوى مدة الإخطار
رابعا :على مستوى التعو يض عن الفصل
الفقرة الثانية :ملاءمة المقتضيات المتعلقة بالفصل لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية
أولا :على مستوى استشارة ممثلي العمال
ثانيا :على مستوى استشارة ممثل السلطة المختصة
المبحث الثاني :ملاءمة مقتضيات مدونة الشغل للمواثيق الدولية المقررة لصالح الأجراء
المطلب الأول :المقتضيات الضامنة للحقوق الأساسية لكافة الأجراء
الفقرة الأولى :الحقوق الفردية للأجراء بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل
أولا :منع العمل الجبري
ثانيا :منع التمييز
لفقرة الثانية :الحقوق الجماعية للأجراء بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل
أولا :على مستوى الحر ية النقابية
186
المبحث الأول :مدى ملاءمة مقتضيات مدونة الشغل المقررة لصالح المشغل مع المواثيق الدولية
لا شك أن الصعوبة تثار بمجرد البحث عن حماية المصالح الاقتصادية للمشغل ضمن المواثيق الدولية
المهتمة بالشغل ،وذلك راجع كما سبقت الإشارة إلى الاعتقاد السائد قديما ،بأن الأجير هو الأجدر
بالحماية أمام قوة المشغل ،فكانت أغلب المواثيق الدولية تعنى بحماية الأجير فقط ،غير أنه ومع ذلك يمكن
“تلمس” بعض الاتفاقيات الدولية التي تطرقت للموضوع ولو عرضا عند حديثها عن حقوق الأجير،
وذلك كما هو الشأن بالنسبة لحق المشغل في تدبير الشغل داخل مقاولته (المطلب الأول) وحقه أيضا
في إنهاء العلاقة الشغلية مع الأجير بإرادته المنفردة (المطلب الثاني) .فلنرى إذن كيف تطرقت إليهما
المطلب الأول :ملاءمة المقتضيات المنظمة لتدبير مدة الشغل للتشر يع للدولي
لقد أصبح لزاما على المشرع أن يوفر مرونة كبيرة للمشغل من أجل تدبير مدة الشغل ،وذلك مراعاة
للمحيط والظروف التي تشتغل فيها المقاولة .وبالرجوع لمدونة الشغل نجدها بعيدة عن ملاءمة التشر يع
الدولي للشغل ،فتدبير مدة الشغل حددته المدونة بشكل دقيق ولم تتركه للتفاوض بشأنه مع الفرقاء
الاجتماعيين ،حيث حددت المدة العادية للشغل (فقرة أولى) وكذا المدة الاستثنائية له (فقرة ثانية).
الفقرة الأولى ــ مدة الشغل العادية بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل
إن أول ما يثير الانتباه في مدونة الشغل كونها ميزت في مادتها 986بخصوص مدة الشغل بين
القطاعات الفلاحية وغير الفلاحية .حيث حددتها في القطاع الأول في مدة 1614ساعة في السنة،
تجزأ على فترات حسب المتطلبات الضرور ية للمزروعات .أما القطاعات غير الفلاحية فحددت فيها مدة
187
نصت المادة 9/981من المدونة على أنه يمكن للمشغل ،للوقاية من الأزمات الدور ية العابرة وبعد
استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم ،توز يع المدة السنو ية الإجمالية
للشغل على السنة حسب حاجيات المقاولة شر يطة ألا تتجاوز مدة العمل العادية عشر ساعات في اليوم.
في حين حددت منظمة العمل الدولية بمقتضى الاتفاقية رقم 9الصادرة سنة 9191بشأن تحديد
ساعات العمل في المنشآت الصناعية هذه المدة في ثمان ( )8ساعات يوميا وبثمان وأربعين ( )68ساعة
في الأسبوع كحد أقصى (المادة 1من الاتفاقية 9وأيضا المادة 3من الاتفاقية رقم 34لمنظمة العمل
هذا ولم يفت المدونة أن أكدت على أن تخفيض ساعات الشغل سواء في النشاطات الأولى أو الثانية
لا يجب أن يؤثر على قيمة الأجر العادي للأجير (المادة )986خصوصا وأن منظمة العمل الدولية
سمحت بتخفيض مدة الشغل الأسبوعية إلى حدود 64ساعة إذا سمح بذلك النظام الاقتصادي للبلد.
وكذا التفاقية رقم 49لمنظمة العمل الدولية بشأن تخفيض ساعات العمل في قطاع النسيج ،والاتفافية
رقم 931بشأن تخفيظ ساعات العمل وفترات الراحة في قطاع النقل البري ،والتوصية رقم 2بشأن
وتجدر الإشارة إلى أن مدونة الشغل تطرقت إلى بعض أشكال تدبير مدة الشغل وتوز يعها ،ويتعلق
الأمر بالشغل بالتناوب وبالتعاقب كتدبيرين استثنائيين ــ فقط ــ بالنسبة للمقاولات التي تحتم عليها
188
ويراد “بالشغل بالتناوب” حسب المادة ،982الطر يقة التي ينظم بها الشغل ،بحيث يتسنى للمؤسسة أن
تبقى مفتوحة في جميع أيام الأسبوع ،من غير أن تتجاوز ،مدة شغل كل أجير ،الحد الأقصى القانوني
لمدة الشغل.
أما “الشغل بالتعاقب” ،فيراد به الطر يقة التي ينظم بها الشغل ،بحيث تؤديه فرق شغل تتعاقب الواحدة
تلو الأخرى ،على أساس أن الأجراء لا يقضون جميعا فترة راحتهم في وقت واحد خلال نفس اليوم.
وحسب المادة 988من المدونة فإنه يمنع في حالة تنظيم الشغل بين فرق متتابعة ،أن تتجاوز المدة المقررة
لكل فرقة ثماني ساعات في اليوم ،وهذه المدة جاءت متلائمة مع مقتضيات المادة 1فقرة ج والمادة 6
الفقرة الثانية ــ مدة الشغل الاستثنائية بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل
لقد أعطت المدونة للمشغل أن ينظم ساعات الشغل بطر يقة مختلفة عما رأيناه أعلاه ،وذلك بشكل
استثنائي ووفق ضوابط محددة ومضبوطة ،حيث يمكنه تجاوزها (أولا) وكذا الإنقاص منها (ثانيا).
يمكن حسب المادة 981من المدونة ،في حالة توقف الشغل جماعيا في مؤسسة أو في جزء منها
لأسباب عارضة أو لقوة قاهرة ،تمديد فترة الشغل اليومية لاستدراك ساعات الشغل الضائعة ،وذلك
189
–أن تفوق مدة التمديد ساعة في اليوم؛
استثناء الز يادة عن الثماني ساعات في باقي أيام الأسبوع بموافقة السلطة العامة المختصة أو باتفاق بين
منظمات المشغلين وممثلي الأجراء ،على ألا يزيد هذا التجاوز عن أكثر من ساعة واحدة في اليوم،
وذلك متى كانت ساعات العمل محددة في أقل من ثمان ساعات بموجب قانون أو عرف أو اتفاق بين
منظمات أصحاب العمل والعمال أو بين ممثليهم (البند ب من المادة 1من الاتفاقية رقم ).9
الز يادة في مدة الشغل العادية في حالة العمل بالتناوب ،شر يطة ألا يزيد متوسط ساعات العمل على
مدى ثلاثة أسابيع أو أقل ،عن ثمان ساعات في اليوم و 68ساعة في الأسبوع (البند ج من المادة 1
في حالة القوة القاهرة أو في حالة وقوع حادث أو ترجيح حدوثه أو الاضطرار للقيام بأشغال عاجلة
تتعلق بالآلات أو المصنع ،بشرط أن تكون الز يادة متناسبة مع ما يستلزم لتفادي حدوث اضطراب
عموما يمكن القول أن مدونة الشغل لا تزال بعيدة كل البعد عن توجهات منظمة العمل الدولية فيما
سمحت المادة 981من المدونة للمشغل ،بعد استشارة مندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند
وجودهم ،أن يقلص من مدة الشغل العادية ولفترة متصلة أو منفصلة لا تتجاوز ستين ( )44يوما في
السنة ،وذلك عند حدوث أزمة اقتصادية عابرة لمقاولته أو لظروف طارئة خارجة عن إرادته.
190
إذا كان التقليص من مدة الشغل العادية تزيد مدته عن الفترة المحددة أعلاه ،وجب الاتفاق بين
المشغل ومندوبي الأجراء والممثلين النقابيين بالمقاولة عند وجودهم حول الفترة التي سيستغرقها هذا
التقليص.
وفي حالة عدم التوصل إلى أي اتفاق ،لا يسمح بالتقليص من مدة الشغل العادية إلا بإذن يسلمه عامل
في حين لم يتطرق التشر يع الدولي للشغل لمسألة الانقاص الاستثنائي من مدة الشغل لأسباب اقتصادية
تمر بها المقاولة ،وهذا يعد تقدم لمدونة الشغل في هذه المسألة وتنبه لصعوبات صارت تطرق وبإلحاح في
من أهم المقتضيات التي تضمنها مدونة الشغل المغربية لصالح المشغل (ولصالح الأجير في نفس الوقت)
تلك التي أعطتها إمكانية إنهاء العلاقة الشغلية من جانب المشغل ،كلما ارتأى ذلك شر يطة توافر
فالعلاقة الشغلية القائمة على أساس عقد الشغل ليست دائمة بين المشغل والأجير ،بل يمكن إنهاءها من
جانب المشغل في مجموعة من الحالات ،فقد يكون إما لأسباب اقتصادية تواجه المقاولة فتضطر
للاستغناء عن الأجراء وإما لأسباب تعود للأجير نفسه بحيث لم تعد كفاءته تستجيب لمتطلبات
المقاولة ،أو بسلوكه الذي يهدد مصالحها… وإلى غير ذلك من الأسباب الأخرى.
وأول ما يلاحظ بخصوص تعامل المدونة مع موضوع إنهاء علاقة الشغل ،تكريسها للمبادئ والأحكام
الواردة في اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 918لسنة 9188المتعلقة بموضوع “إنهاء الاستخدام
191
وهكذا استنسخت المادة 31من المدونة مضمون المادة 6من هذه الاتفاقية عندما نصت على أنه” يمنع
فصل الأجير دون مبرر مقبول إلا إذا كان المبرر مرتبطا بكفاءته أو بسلوكه… أو تحتمه ضرورة سير
المقاولة…” وبمفهوم المخالفة فإنه يحق للمشغل فصل الأجير إذا كان ذلك مرتبطا بكفاءته أو بسلوكه أو
على العموم فقد تطرقت الاتفاقية الدولية رقم 918وأوردت فيها مجموعة من المقتضيات حاولت من
خلالها تحقيق نوع من التوازن بين حق المشغل في إنهاء العلاقة الشغلية وضرورة احترامه لحقوق الأجير
وعليه سنعرض في هذا المطلب إلى مدى تطابق المدونة مع اتفاقيات منظمة العمل الدولية سواء فيما
يتعلق بالفصل بسبب كفاءة الأجير أو سلوكه (فقرة أولى) أما فيما يتعلق بفصله بسبب الصعوبات
الفقرة الأولى :ملاءمة المقتضيات المتعلقة بالفصل بسبب كفاءة الأجير أو سلوكه
لقد تطرقت مدونة الشغل لموضوع فصل الأجير بسبب كفاءته أو سلوكه في الباب الخامس (توقف
عقد الشغل وإنهاؤه) من الكتاب الأول (الاتفاقيات المتعلقة بالشغل) ،فما مدى تطابق هذه الأحكام
بالرغم من كون المادة الثانية من الاتفاقية الدولية رقم 918تنص اصلا على أن المقتضيات الواردة
فيها تطبق على كل أصناف الأجراء ،فإنها أعطت للدول الموقعة إمكانية استثناء:
192
الأجراء المرتبطين بالعقود محددة المدة ،مع التزام هذه الدول بتوفير الضمانات الكافية ضد اللجوء لهذه
وبالرجوع لمدونة الشغل نجدها قد استثنت العقود محددة المدة ،وذلك عندما خصت إنهاء العلاقة
الشغلية للأجراء المرتبطين بعقود محددة المدة بأحكام خاصة تختلف عن تلك التي تطبق على العقود غير
محددة المدة ،فجاء في المادة 33منها أنه “يستوجب قيام أحد الطرفين بإنهاء عقد الشغل محدد المدة،
قبل حلول أجله ،تعو يضا للطرف الآخر ،ما لم يكن الإنهاء مبررا ،بصدور خطإ جسيم عن الطرف
وبالتالي فإن المدونة قد استفادت من بنود الاتفاقية التي تسمح باستثناء العلاقات القائمة على عقود
نصت الاتفاقية رقم 918على مجموعة من الحالات يمنع فيها على المشغل إنهاء علاقة الشغل قبل أوانها،
تحت طائلة اعتبار الفصل تعسفيا وهذه الحالات هي نفسها المحددة في المادة 34من مدونة الشغل،
– 2المساهمة في أنشطة نقابية خارج أوقات الشغل ،أو أثناء تلك الأوقات ،برضى المشغل أو عملا
– 3طلب الترشيح لممارسة مهمة مندوب الأجراء ،أو ممارسة هذه المهمة ،أو ممارستها سابقا؛
193
– 4تقديم شكوى ضد المشغل ،أو المشاركة في دعاوى ضده ،في نطاق تطبيق مقتضيات هذا القانون؛
– 5العرق ،أو اللون ،أو الجنس ،أو الحالة الزوجية ،أو المسؤوليات العائلية ،أو العقيدة ،أو الرأي
6ــ التغيب المؤقت عن العمل (المادة 4من الاتفاقية /المادة 121من المدونة).
وأضافت المدونة في المادة 34حالة جديدة لم تشر إليها الاتفاقية وهي حالة الإعاقة ،إذا لم يكن من
شأنها أن تحول دون أداء الأجير المعاق لشغل يناسبه داخل المقاولة ،وهو ما تم التنبه اليه بموجب
الاتفاقية المصادق عليها من طرف المغرب شهر مارس من سنة 1442المتعلقة بحقوق الاشخاص
المعاقين.
وبالتالي فإن هناك تطابق تام بين المدونة والاتفاقية الدولية في تحديد الحالات غير المبررة للإنهاء
المشروع.
وهو ما سيكون موضوع نقاش في المبحث الثاني بمناسبة الحديث عن حقوق الأجير المعاق.
جاء في المادة 99من الاتفاقية 918أن المشغل عليه أن يحترم مهلة معقولة لإخطار الأجير الذي
سيطرد بسبب كفاءته أو أن يعوضه عنها ،وذلك حتى تتاح له فرصة البحث عن عمل آخر .أما في حالة
الخطأ الجسيم فإنه لا يعقل أن يلزم المشغل بإمهال الأجير وإعطائه فرصة الاستمرار بالشغل لمدة معينة،
هذه المقتضيات نفسها ورد النص عليها في المواد 63و 19ثم 49من المدونة .بمناسبة تنظيم المشرع
لأجل الإخطار ونص على أنه لا يمكن أن يقل عن 8ايام وحدد تاريخ بدايته وحالات توقفه ومدة
رخصة التغيب التي يتمتع بها الأجير داخل أجل الإخطار للبحث عن شغل وكيفية تحديد هذه المدة
194
وعبء اثبات وجود المبرر المقبول للفصل أو مغادرة الأجير شغله.
انسجاما مع مقتضيات الاتفاقية الدولية 918خصوصا في المادة رقم 91منها ،ضمنت المدونة للأجير
المفصول بصفة قانونية وفق الضوابط المسطرة أعلاه :تعو يضا عن الفصل (م )13والتعو يض عن
الإخطار (م ).11
غير أن أهم ملاحظة يمكن تسجيلها في هذا الصدد هو أن المدونة اشترطت بمقتضى المادة 11أن
يكون الأجير قد قضى مدة ستة أشهر على الأقل حتى يمكنه الاستفادة من هذه التعو يضات ،وذلك
على عكس توجهات الاتفاقية رقم 918التي ضمنت هذه التعو يضات لكل أجير مهما قضى من وقت
قصير في الشغل ،بقولها في المادة “ 91يكون لأي عامل مسرح… الحق في…”.
وبالتالي هناك مطابقة بين مدونة الشغل من خلال المواد التي أفردتها لمعالجة آثار الفصل وانتهاء عقد
الشغل عموما والمادة 91من الإتفاقية 918بخصوص أساس حساب هذه التعو يضات الذي هو
الأقدمية وقيمة الأجر كما يسجل أن هناك تقدم للمدونة المغربية على هذا المستوى
الفقرة الثانية :ملاءمة المقتضيات المتعلقة بالفصل لأسباب تكنولوجية أو هيكلية أو اقتصادية
تطرقت مدونة الشغل لهذا الفصل في المواد من 44إلى ،29في حين أن الاتفاقية رقم 918تطرقت
إليه في الجزء الثالث منها تحت عنوان “أحكام تكميلية تتعلق بإنهاء الاستخدام لأسباب اقتصادية أو
وعلى العموم فإن حق المشغل في تسريح الأجراء بعد مواجهته لهذه الصعوبات في ظل المدونة مرتبط
بضرورة احترامه لبعض الضوابط القانونية ،فما مدى ملاءمتها للتشر يع الدولي للشغل وعلى الخصوص
195
أولا ــ على مستوى استشارة ممثلي العمال
فرضت المادة 93من الاتفاقية أن يزود المشغل ممثلي العمال في الوقت المناسب بالمعلومات المتصلة
بذلك ،وخاصة عن أسباب تسر يحهم ،وعدد وفئات الأجراء المعنيين ،وكذلك عن الفترة التي سيتم فيها
التسريح.
إضافة إلى ذلك عليه إتاحة الفرصة لممثلي العمال ،وبأسرع ما يمكن ،فرصة استشارتهم بشأن التدابير
اللازمة لتجنب أو تخفيض حالات التسريح إلى أدنى حد ممكن ،والتدابير اللازمة لتخفيف الآثار
الضارة لأي تسريح على العمال المعنيين ،وخاصة إ يجاد أعمال جديدة لهم.
هذا بخصوص الاتفاقية ،أما بالنسبة للمدونة فقد اشترطت بدورها كل هذه الإجراءات ،غير أن
الملاحظ أنها اشترطت إلى جانب هذا شرطا ضرور يا ،وهو أن تكون المقاولة تشغل اعتياديا عشرة
أجراء أو أكثر.
لم تحدد الاتفاقية المقصود بهذه السلطة المختصة ،وتركت ذلك إلى كل دولة على حدة ،وهكذا حددته
مدونة الشغل في “عامل العمالة أو الإقليم” .غير أن ما يلاحظ في هذا الصدد أن الاتفاقية تتحدث عن
مجرد “استشارة” ممثل السلطة وتقديم المعلومات عن عملية التسريح الجماعي للعمال (المادة ،)96في حين
أن المدونة تتحدث عن “إذن” هذه السلطة كشرط من شروط التسريح (المادة ).42
كخلاصة بالنسبة لمدى ملاءمة المدونة للتشر يع الدولي للشغل ــ وعلى الخصوص اتفاقيات منظمة العمل
الدولية ــ في موضوع إنهاء عقد الشغل ،يمكن القول عموما أن هناك نسبة كبيرة من مقتضيات المدونة
متلائمة مع الاتفاقية رقم ،918باستثناء بعض الحالات التي وقفنا عليها حيث كان هناك تعارض
طفيف في تنظيم بعض الجزئيات رغم خطورت آثارها تارة على مصالح الأجير كما هو الشأن بالنسبة
196
لشرط قضاء الأجير فترة ستة أشهر في الشغل حتى يمكنه الاستفادة من تعو يضات عن الفصل ،وتارة
أخرى على مصالح المشغل كما هو الشأن بالنسبة لاشتراط الحصول على إذن العامل لسلوك مسطرة
التسريح الجماعي ،فهو شرط تعجيزي لا يمكن لأي عامل أن يمنحه ،مراعاة منه للأوضاع الأمنية
المبحث الثاني :ملاءمة مقتضيات مدونة الشغل للمواثيق الدولية المقررة لصالح الأجراء
إذا كان المبحث الأول قد خصصناه لمدى ملاءمة مقتضيات مدونة الشغل للمواثيق الدولية ذات
الصلة بالشغل ،فيما يتعلق بالاعتراف للمشغل بحماية مصالحه الاقتصادية ،فإن هذا المبحث سنخصصه
تعتبر الطبقة العاملة المحور الرئيسي للنهوض بالحياة الاقتصادية داخل المقاولات ،والمساهمة في تنميتها
وتطورها وتحقيق رهان استمرارها على المستوى الداخلي والخارجي ،ولا يمكن تحقيق هذا المبتغى إلا
باحترام مجموعة من الضوابط القانونية للسعي وراء تحقيق التوازن بين الحقوق الاقتصادية لرئيس المقاولة
وبين الحقوق الاجتماعية للأجراء وذلك سعيا لتحقيق السلم والاستقرار الاجتماعيين وعدالة متوازنة
لقد جاءت مدونة الشغل متناغمة مع مجموعة من الاتفاقيات الدولية لإقرار مجموعة من الحقوق للأجراء
سواء منها تلك التي تهم كافة الأجراء (المطلب الأول ) أو تلك الخاصة بفئة معينة منهم (المطلب
الثاني).
لقد عمد المنتظم الدولي إلى حماية الأجير من كل المظاهر الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ،حيث
عمل بصفة مطردة على ز يادة الوعي بضرورة توفير حماية للأجراء العاملين في مختلف المجالات ،وذلك
197
عبر مجموعة من الاتفاقيات التي حاولت توفير حماية نوعية لكل الأجراء أيا كان جنسهم أو مكان
تواجدهم ،بغية دعم مركزهم القانوني على المستوى الوطني ،إلا أنه يبدو أن هذه الجهود لا بد من
مضاعفاتها لحمل الدول على تسر يع وثيرة ملاءمة نصوصها القانونية مع الأحكام الواردة في الاتفاقيات
الدولية المتعلقة بالشغل ،الأمر الذي انعكس إ يجابا على التشر يعات الوطنية منها التشر يع المغربي ،الذي
حاول ملاءمة الأحكام الخاصة بالشغل مع المبادئ المقررة في القانون الدولي المنظم لهذا الموضوع ،إلا
أنه ومع ذلك توجد جوانب قصور عديدة لم تشملها مدونة الشغل الجديدة بأي حماية.
ولقد ارتأينا أن نتطرق بخصوص المقتضيات الضامنة لحقوق الأجراء في فقرتين تتعلق بالحقوق الفردية
الفقرة الأولى :الحقوق الفردية للأجراء بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل
صدر عن منظمة العمل الدولية مجموعة من الاتفاقيات ،همت( الراحة الأسبوعية ،والعطلة السنو ية،
والأجر ،ومفتشية الشغل ،كما عملت المنظمة على ضمان مبدئي الحر ية والمساواة في الشغل ،ز يادة على
إلا انه نظرا لتعدد هده الاتفاقيات و الحقوق المضمنة بها سنقتصر على التطرق لاتفاقيتين أو بالاحر
حقيين يعتبران من أسمى ما تم التوصل إليه في تشر يع الشغل الدولي وقد تبنتهما مدونة الشغل إثر
مصادقة المغرب على هاتين الاتفاقيتين ويتعلق الأمر بمنع العمل الجبري (أولا) وعدم التمييز (ثانيا).
وضعت منظمة العمل الدولية اتفاقيتين اثنتين تمنعان السخرة والعمل الجبري ،وهما الاتفاقيتين رقم 11
و.941
198
وقد حددت الاتفاقية رقم 11المقصود بالسخرة في مادتها الثانية ”:يقصد بتعبير العمل الجبري أو
الإلزامي ،كل أعمال أو خدمات تغتصب من أي شخص تحت التهديد بأي عقوبة ،ولم يتطوع هذا
ولا يتضمن مفهوم العمل الجبري في منطوق هده الاتفاقية أي أعمال أو خدمات تغتصب بموجب
قوانين الخدمات العسكر ية الإلزامية أو الأعمال التي تغتصب في حالة الطوارئ أو الأعمال التي تفرض
ويمثل الأطفال دون سن 92سنة ربع مجموع ضحايا العمل الجبري وكدا العمال المهاجرين إما دوليا أو
داخل بلدهم ودلك نظرا لصعوبة توجههم إلى العدالة ‘خاصة أولئك الدين يوجدون في وضع الهجرة
غير النظامية.
وقد احترم المغرب هذا المنع عند إعداده لمدونة الشغل ،وذلك في المادة العاشرة ،ورغبة من المشرع في
احترام هذا المنع نص في المادة 91على مقتضيات زجر ية ،تتمثل في معاقبة المشغل بغرامة من 11444
إلى 34444درهم ،وفي حالة العود تضاعف الغرامة ،ز يادة على الحكم بحبس تتراوح مدته ما بين 4
منع التمييز أو المساواة في الاستخدام تعني” منح فرص متكافئة دون تمييز بين الناس بسبب عرقهم أو
جنسهم ،أو دينهم ،أو لغتهم أو انتمائهم السياسي أو لأي سبب أخر”.
ومن أجل التخلص من التمييز وضعت منظمة العمل ثلاث اتفاقيات ،صادق المغرب على اثنين فقط
هما:
–اتفاقية المساواة في الأجر رقم 944لعام ،9119التي تقرر أن من الواجب أن ينطبق على جميع
199
العمال مبدأ مساواة الرجال والنساء في المكافأة على العمل المتساوي.
–اتفاقية التمييز في الاستخدام والمهنة رقم 999لعام ،9118وهي تدعو إلى وضع سياسات مناسبة
للظروف الوطنية ،وتعزيز المساواة في الفرص والمعاملة فيما يتعلق بالاستخدام والمهنة ،بغية القضاء على
وبالرجوع إلى مدونة الشغل يتضح من الديباجة أن المشرع حاول سد ثغرات التشر يع السابق للشغل
المتجاهل لمبدأ المساواة ،وكدا اتفاقيات منظمة العمل الدولية ،في الموضوع فحاول التأكيد على هدا المبدأ
وعلى الاستثناءات الواردة عليه من خلال نصوص متفرقة أهمها المادة التاسعة التي نصت على أنه يمنع
كل تمييز بين الأجراء من حيت السلالة أو اللون أو الجنس أو الإعاقة أو الحالة الزوجية أو العقيدة أو
الرأي السياسي أو الانتماء النقابي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي يكون من شأنه خرق أو
تحر يف مبدأ تكافؤ الفرص ،أو عدم المعاملة بالمثل في مجال التشغيل .وكذا المواد 941و 924والمادة
364التي نصت على منع كل تمييز في الأجر بين الجنسين إذا تساوت قيمة الشغل الذي يؤديانه.
الفقرة الثانية :الحقوق الجماعية للأجراء بين المدونة والتشر يع الدولي للشغل
لعل من أبرز حسنات مدونة الشغل أنها أعادت الاعتبار للبعد الجماعي لعلاقات الشغل ،وراعت مواقع
جميع المكونات المكونات البشر ية بالمقاولة من مشغل وممثلين للأجراء سواء كانوا ممثلين نقابيين أو
وواضح من مراجعة أحكام المدونة أن منحاها العام يتجه من جهة أولى نحو تعزيز مكانة النقابة خاصة
على المستوى الوطني نسبيا على مستوى المقاولة ،ومن جهة ثانية على مستوى مجالات الاستشارة ومن
جهة ثالثة نحو خلق إطارات قانونية تمثيلية جديدة وإنعاش إطارات ظل العمل العمل بها معطلا في
200
أولا :على مستوى الحر ية النقابية
إن العمل النقابي يحكمه مبدأ الحر ية النقابية ،لذلك يملك كل أجير حق الانخراط في العمل النقابي عن
طر يق انضمامه إلى إحدى النقابات كما وقع عليها اختياره ،فهو حق له لا يمكن لأحد أن يجادله فيه،
وقد عملت التشر يعات المقارنة والاتفاقيات الدولية على كفالة حر ية الانضمام إلى التجمعات النقابية
لكل الأفراد الذين يمارسون نشاطا مهنيا معينا وهو ما أكدته مدونة الشغل ،ففي الفقرة الثانية من المادة
318من المدونة جاء ما يلي“ :يمكن للمشغلين والأجراء أن ينخرطوا بحر ية في النقابات المهنية التي وقع
عليها اختيارهم”.
كما يمكن للنقابات المهنية أن تتكتل ،وتتشاور فيما بينها بكل حر ية ،لتدارس مصالحها المشتركة والدفاع
عنها ،كما يمكن لها ،أن تنخرط في منظمات نقابية دولية للأجراء أو للمشغلين وهذا ما أكدته كل من
المادتين 311و 644من مدونة الشغل .و يعتبر شرط الاتحاد أو التشابه أو الارتباط بمهنة أو حرفة
معينة ،هو الشرط الوحيد اللازم لممارسة حق الانخراط النقابي قياسا إلى ما جاء في الفقرة الأولى من
المادة 318من مدونة الشغل ،التي أشارت إلى أن حر ية وحق تأسيس النقابات المهنية يكون من
طرف أشخاص يتعاطون حرفة أو مهنة واحدة أو مهنا أو حرفا متشابهة أو مرتبطة ببعض ،وبالرجوع إلى
الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الحر ية النقابية نجدها تدافع عن نفس المبدأ وتكفل حر ية الانتماء أو
فالاتفاقية رقم 82الخاصة بالحر ية النقابية وحماية حق كما اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في
يوليوز ،9168تنص في بابها المعنوي بالحر ية النقابية على حق العمال وأصحاب العمل في الانضمام إلى
المنظمات النقابية ودون أي ترخيص مسبق من طرف أي جهة معينة ،وذلك حسب المادة 1من
الاتفاقية ،كما كفلت نفس الاتفاقية لمنظمات العمال وأصحاب العمل حق الانضمام إلى الاتحادات
201
العمالية وحق الانتساب إلى منظمات دولية للعمال وأصحاب العمل وذلك في المادة منها
فلا يجوز إذن فرض قيود على حق الانضمام أو الانتساب إلى النقابات المهنية سوى تلك المنصوص
عليها في منظمة العمل الدولية والمواثيق الدولية ذات العلاقة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر
في 9168ينص على حق الأفراد في الانضمام إلى النقابات ،وقد وضعت اتفاقية العمل الدولية رقم
فمن حق كل فرد إذن الانضمام إلى ما يختاره من نقابات ،وذلك في حدود ما تفرضه قواعد التنظيم
المعنى ،وقد حثت الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي وضعتها الأمم
المتحدة سنة ،9111الدول الأطراف فيها بأن تكفل وتحفظ هذا الحق ومثلها فعلت الاتفاقية الدولية
بشأن الحقوق المدنية والسياسية التي وضعتها الأمم المتحدة سنة 9111وكذلك الاتفاقية الدولية لإزالة
كافة أشكال التمييز العنصري التي وضعتها الأمم المتحدة عام ،9141والميثاق الأوربي لحقوق الإنسان
أعطى بدوره الحق لكل الأفراد في تكوين النقابات والانضمام إليها وذلك في المادة 99منه.
تعتبر المفاوضات الجماعية آلية من الآليات القانونية المساهمة بشكل كبير في استقرار علاقات الشغل
وقد عرفت مدونة الشغل المغربية في القانون رقم 41-11المفاوضة الجماعية بأنها الحوار الذي يجري
بين ممثلي المنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا أو الاتحادات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا من جهة،
وبين مشغل أو عدة مشغلين أو ممثلي المنظمات المهنية للمشغلين من جهة أخرى.
202
وعلى مستوى الفقه فقد عرفها البعض بأنها عبارة تستعمل لوصف الحوار والتفاوض بين عنصري
الإنتاج أو ممثليهم ،بشأن أي موضوع يتعلق بشروط وأوضاع الشغل والتشغيل أو بأية مواضيع أخرى
فحين عرفها البعض الآخر بأنها تفترض مواجهة لمصالح متعارضة يدافع عنه كل طرف من خلال ممثله
الذي يمتلك سلطة تقديم التنازلات ،ومن خلال التنازلات المتبادلة تأمل الوصول إلى تجاوز الخلافات
الأساسية.
وهناك جانب آخر من الفقه قد عرفها بأنها وسيلة سلمية كما أنها جماعية تتم في إطار تنظيم قانوني معين،
وتسعى للوصول لأهداف معروفة بما يحقق في النهاية مصلحة العمل والعمال أيضا.
والواضح أن التعر يف الذي جاءت به المدونة أنه يكاد يكون مطابقا للتعر يف الذي أوردته الاتفاقية
الدولية لمنظمة العمل الدولية رقم 169حول تنمية المفاوضة الجماعية الصادرة سنة 9189من خلال
مادته الثانية ،وقريبا من هذا التعر يف نص المشرع المصري في المادة 964من قانون العمل المصري
على أن المفاوضة الجماعية هي الحوار والمناقشات التي تجري بين المنظمات النقابية العمالية وبين أصحاب
سنخصص هذا المطلب للحديث عن مدى تلاءم المدونة مع الاتفاقيات الخاصة بفئة معينة من الأجراء،
غير أننا سنتناول في هذا المطلب بعض هده الفئات فقط مقتصرين على الأحداث (فقرة أولى ) والمرأة
203
الأجيرة (فقرة ثانية ) والأجير المعاق في (فقرة ثالثة)
وضعت منظمة العمل الدولية عددا هاما من الاتفاقيات الرامية إلى حماية الطفل من كل أشكال
الاستغلال.
ولقد صادق المغرب على اتفاقيتين ،هما الاتفاقية رقم 938المتعلقة بالحد الأدنى لسن الاستخدام،
والاتفاقية رقم 981المتعلقة بحظر أسوأ أشكال عمل الأطفال والإجراءات الفور ية للقضاء عليها.
فالاتفاقية رقم ،938نصت على التزام الدولة المصادقة على وضع حد أدنى للتشغيل ،مع الإشارة إلى
وهذا ما اتبعته المدونة من خلال المادة ،963بحيث حددت هذا السن في 91سنة كاملة.
كما أن الاتفاقية نصت على أنه لا يجوز أن يقل الحد الأدنى عن 98سنة إذا كان العمل يحتمل أن
وهذه المسالة نصت عليها أيضا المدونة من خلال المادة ،989وقد حدد المشرع المغربي هذه الأعمال
عبر نص تنظيمي.
وقد وضعت المدونة تدابير زجر ية من أجل مواجهة خرق هذه المقتضيات وذلك في المادة ،919وهذا
أما الاتفاقية رقم 981فقد حددت أسوأ أشكال العمل التي يحظر تشغيل الأطفال فيها.
204
–كافة أشكال الرق أو الممارسة الشبيهة بالرق ،كبيع الأطفال والاتجار بهم وعبودية الدين ،والقنانة
–الأعمال التي يرجح أن تؤدي بفعل طبيعتها أو بفعل الظروف التي تزاول فيها( الإضرار بصحة
وهذا ما نص عليه المشرع المغربي في المادة 989من مدونة الشغل التي تنص على ”:يمنع تشغيل
الأحداث دون 98سنة ،والنساء والأجراء والمعاقين في الأشغال التي تشكل مخاطر بالغة عليهم ،أو
فمصطلح الآداب العامة يمكن أن تدخل فيه أسوأ أشكل العمل المشار إليها في الاتفاقية رقم .981
وإذا كانت المقتضيات المشار إليها أعلاه ،تحملنا على التصفيق للمشرع المغربي ،فإنه يحق لنا التساؤل عن
205
فكل ما وضعته المدونة هو الإشارة إلى أن شروط التشغيل والشغل المتعلقة بخدم البيوت ،سيحددها
وهكذا فإن قانون الشغل يكرس معانات الخادمات من خلال إحجامه عن إقرار قواعد قانونية مانعة
وزاجرة لهذا النوع من الشغل ،ثم من خلال إقصائه لهن من نطاق تطبيق هذا القانون.
وهكذا فإن المشرع أعفى مشغلي القاصرات من الالتزامات التي كان يجب أن تقرر لفائدة خادمات
–مدة العمل ،والراحة الأسبوعية ،العطلة السنو ية ،بحيث أن الخادمات يشتغلن ما بين 1ساعات
و 94ساعة في اليوم ،كما أن أيام الأعياد ونهاية الأسبوع ،تمثل أيام العمل الشاق بالنسبة لهن.
206
كما أن عمل الخادمات الصغيرات يشكل في الحقيقة عملا إجبار يا ،مما يجعلنا أمام تعارض صريح مع
صادق المغرب على ثلاثة اتفاقيات ،خاصة بتشغيل النساء ،وهذه الاتفاقيات هي الاتفاقية رقم 6
الخاصة بمنع بتشغيل النساء ليلا ،والمعدلة بمقتضى الاتفاقية رقم 69الصادرة سنة ،9136ثم الاتفاقية
رقم 61والمتعلقة باستخدام النساء للعمل تحت سطح الأرض في المناجم بمختلف أنواعها.
وبالإطلاع على هذه النصوص يتضح لنا ،أن المشرع المغربي بخصوص اشتغال النساء ليلا ،لم يصل حد
المنع ،بل قام فقط بتنظيم هذا العمل بمقتضيات من شأنها حماية المرأة فقط ،وذلك في المواد من 921
إلى .921ز يادة على نص تنظيمي يحدد الشروط الواجب توافرها.لتسهيل تشغيل النساء في شغل ليلي:
–توفير وسائل النقل من محل إقامتهن إلى مقرات الشغل ذهابا وإيابا ،في حالة عدم توفر وسائل النقل
العمومي.
–تمتعهن براحة لا تقل عن نصف ساعة بعد كل أربع ساعات من العمل المتواصل تدخل مدة هذه
بالنسبة لاشتغالهن تحت سطح الأرض :فإن المشرع المغربي منع هذا النوع من العمل على النساء،
وذلك من خلال المادة ،921وهذا موافق لما جاء في المادة الثانية من الاتفاقية رقة .61
والملاحظ أن الاتفاقية ،أجازت وضع قوانين أو لوائح وطنية تسمح باشتغال نساء معينات في المناجم
مثل:
207
أ -النساء اللاتي تشغلن مناصب في الإدارة ولا تؤدين أعمال يدو ية.
ج -النساء اللاتي تقضين أثناء دراستهن فترة تدريب في أقسام المناجم الواقعة تحت سطح الأرض.
د -أي نساء أخر يات يتعين عليهن النزول أحيانا إلى أقسام المناجم الواقعة تحت سطح الأرض لأداء
لقد جاءت مدونة الشغل التي أشارت لأول مرة في تاريخ التشر يع الاجتماعي المغربي إلى خصوصية
وضع الأجير المعاق خاصة بعد أحداث كتابة الدولة المكلفة بالأشخاص المعاقين ،إذ أن من المقتضيات
الإ يجابية في مدونة الشغل الجديدة هي التنصيص على حقوق إ يجابية بالنسبة للمعاقين سواء بفتح المجال
أمام تشغيلهم ،والتأكيد على أن الإعاقة لا يمكن أن تكون سببا في الفصل من العمل.
وهكذا فقد نص المشرع على أن كل تمييز بين الأجراء من حيث الإعاقة يكون من شأنه خرق أو
تحر يف مبدأ تكافؤ الفرص أو عدم المعاملة بالمثل في مجال التشغيل أو الفصل من التشغيل وذلك إذا
كان من بين طالبي الشغل أجيرا معاقا .كما ألزم المشرع المشغل الذي يعتزم تشغيل أجير معاق بان يقدم
208
تصر يحا بذلك إلى مفتش الشغل وذلك حتى يتسنى لهذا الأخير إجراء المراقبة اللازمة بخصوص
ظروف شغل ذلك الأجير .ولم تكتف المدونة بذلك بل قررت أيضا ضرورة عرض الأجير المعاق على
فحص طبي قبل تشغيله حتى لا يسند إليه شغل يفوق طاقته وقدراته.
أما من حيث ظروف التشغيل ،فيتمتع الأجير المعاق بمقتضيات حمائية عديدة سواء فيما يتعلق بنوعية
فذهبت المدونة إلى منع تشغيل الأجراء المعاقين في أشغال تعرضهم لأضرار تزيد من حدة إعاقتهم .كما
نصت أيضا على ضرورة تجهيز أماكن الشغل بالولوجيات اللازمة لتسهيل قيام الأجراء المعاقين بشغلهم
وأن توفر لهم كل الشروط الصحية والسلامة المهنية .حيث منعت تشغيل الأجراء المعاقين في المقالع
وفي الأشغال الجوفية التي تؤدى في أغوار المناجم .وفي كل الأشغال التي من شأنها أن تشكل
مخاطر بالغة عليهم أو تفوق طاقتهم أو قد يترتب عنها ما قد يخل بالآداب العامة.
وهذا ما أكدته الاتفاقية الدولية للأشخاص المعاقين لسنة 1442التي وقعها المغرب والتي تعترف للدول
الأطراف بحق الأشخاص ذوي الإعاقة في العمل ،على قدم المساواة معا لآخرين؛ ويشمل هذا الحق
إتاحة الفرصة لهم ل كسب الرزق في عمل يختارونه أو يقبلونه بحر ية في سوق عمل وبيئة عمل منفتحتين
أمام الأشخاص ذوي الإعاقة وشاملتين لهم ويسهل انخراطهم فيهما .وتحمي الدول الأطراف إعمال الحق
في العمل وتعززه ،بما في ذلك حق أولئك الذين تصيبهم الإعاقة خلال عملهم ،وذلك عن طر يق اتخاذ
209
الخطوات المناسبة ،بما في ذلك سن التشر يعات ،لتحقيق عدة أهداف منها ما يلي:
حظر التمييز على أساس الإعاقة فيما يختص بجميع المسائل المتعلقة بكافة أشكال العمالة ،ومنها
شروط التوظيف والتعيين والعمل ،واستمرار العمل ،والتقدم الوظيفي ،وظروف العمل
الآمنة والصحية.
حماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في ظروف عمل عادلة وملائمة ،على قدم المساواة مع الآخرين،
بما في ذلك تكافؤ الفرص وتقاضي أجر متساو لقاء القيام بعمل متساوي القيمة ،وظروف
كفالة تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من ممارسة حقوقهم الع ُمالية والنقابية على قدم المساواة
مع الآخرين.
تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة من الحصول بصورة فعالة على البرامج العامة للتوجيه التقني والمهني،
تعزيز فرص العمل والتقدم الوظيفي للأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل ،فضلا عن تقديم
المساعدة على إ يجاد العمل والحصول عليه والمداومة عليه والعودة إليه.
210
تعزيز فرص العمل الحر ّ ،ومباشرة الأعمال الحرة ،وتكوين التعاونيات ،والشروع في الأعمال
التجار ية الخاصة.
تشجيع عمالة الأشخاص ذوي الإعاقة في القطاع الخاص من خلال انتهاج سياسات واتخاذ تدابير
كفالة توفير ترتيبات تيسير ية معقولة للأشخاص ذوي الإعاقة في أماكن العمل.
تشجيع اكتساب الأشخاص ذوي الإعاقة للخبرات المهنية في سوق العمل المفتوحة؛
تعزيز برامج إعادة التأهيل المهني والوظيفي ،والاحتفاظ بالوظائف ،والعودة إلى العمل لصالح الأشخاص
ذو الإعاقة.
211
خاتمة
من خلال ما سبق يظهر لنا أن المشرع المغربي ،احترم العديد من المقتضيات الواردة في الاتفاقيات
المصادق عليها ،كما خلصنا إلى إمكانية تمتيع الأجراء بالحقوق الواردة في هذه الاتفاقيات حتى و لو لم
يتم التنصيص عليها في المدونة ،ما دام أن المشرع اعتبر الاتفاقيات المصادق عليها في حكم نصوص
المدونة.
غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما محل الاتفاقيات غير المصادق عليها ،وبالأخص الاتفاقية رقم
–بالنسبة للاتفاقية رقم :82بالرغم من أن المشرع احترم العديد من الضمانات الواردة فيها ،فإنه ما
يزال هناك مسألة عالقة تحتاج إلى حل ،ونقصد مسألة الحق في الإضراب ،فهذا الحق تمت الإشارة
–بالنسبة للاتفاقية رقم :948تتكلم هذه الاتفاقية عن الحق في الحصول عن تعو يض البطالة.
فهذه الاتفاقيات تشكل أهمية بالغة كان على المشرع المغربي المصادقة عليها.
212
لائحة المراجع
المراجع العامة
محمد الشرقاني ،علاقات الشغل بين تشر يع الشغل ومشروع مدونة الشغل ،الطبعة الأولى ،1496/1493مطبعة سجلماسة
مكناس،
عمر تيزاوي ،مدونة الشغل بين متطلبات المقاولة وحقوق الأجراء ،الطبعة الأولى يونيو 1499
المقالات
عبد الهادي بوطالب ،المقاولات العملاقة تحكم العالم مقال منشور في كتاب “العالم ليس سلعة” منشورات
بشرى العلوي ،تعامل مدونة الشغل مع الاتفاقيات الدولية ،مقال منشور بالمجلة الال كترونية لندوات محاكم
محمد لهيني إشكالية القيمة القانونية للقانون الدولي للعمل على ضوء مدونة الشغل الجديدة مقال منشور بالمجلة
ورقة أعدت من طرف وزارة العدل أهم مستجدات مدونة الشغل الجديدة منشورة في رسالة المحاماة العدد
،11نونبر 1446
التقرير الرابع ,مكتب العمل الدولي جنيف ,تعزيز إجراءات لوضع حد للعمل الجبري .الدورة 1496, 943
عبد العزيز مباح ,الحق النقابي بالمغرب قراءة نقدية في ظهير 94يوليوز بشأن النقابات مطبعة فضالة الطبعة 3
سنة 1443
فريدة اليوموري أحكام المفاوضة الجماعية “المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية ” سنة 1444
تقرير حول ندوة ملائمة التشر يعات الوطنية في الشغل مع المعايير الدولية المنظمة يوم 1499/46/46
بالرباط نظمتها وزارة التشغيل والتكوين المهني بتعاون مع منظمة العمل الدولية
تقرير ندوة فكر ية تحت شعار ” من أجل ملائمة مدونة الشغل مع الدستور وتشر يعات المنظمة العالمية للشغل
والالتزام بالتطبيق الفعلي والسليم للقانون “ ،منظمة من طرف المنظمة الديمقراطية للشغل وذلك يوم الأربعاء 6يونيو
1496بالرباط
213
دور الإجتهاد القضائي الاجتماعي في تطوير نظام إثبات حوادث الشغل
و الأمراض المهنية
يونس شكران
مقدمة:
إن نظام الإثبات في إطار حوادث الشغل و الأمراض المهنية ،مر عبر مراحل كان الفاعل
الجوهري فيها هو الإجتهاد القضائي الإجتماعي بدءا بتقرير مسؤولية المشغل طبقا لقواعد المسؤولية المدنية
المرتكزة على إثبات الخطأ والضرر والعلاقة السببية ،مرورا بالتكييف القضائي لمسؤولية المشغل الذي جعل هذه
المسؤولية مفترضة ،تستند إلى نظر ية المخاطر المهنية التي يتحمل فيها المشغل المسؤولية ،ما لم يثبت أنه فعل ما
كان ضرور يا لدفع الخطر ،وبأن الضرر راجع إلى قوة قاهرة أو حادث فجائي ،أو يعزى إلى خطأ الأجير،
وصولا إلى مرحلة التشر يع الخاص التي في ظلها جعل المشرع مسؤولية المشغل بدون خطأ حيث أعفى الأجير
المصاب من إثبات الخطأ من جانب مشغله ،كما منع على هذا الأخير التنصل من مسؤوليته بناء على خطأ
وإذا كانت مسؤولية المشغل لا تقتضي إلا عنصرين واجبي الإثبات ،وهما الضرر والعلاقة السببية ،فهذا لا
يعني اختفاء عنصر الخطأ كليا ،وإنما يتخذ هذا الأخير في حالة خاصة كعنصر مهم واجب الإثبات ،ومؤثر في
مقدار التعو يض ،وذلك في حالتين الخطأ العمدي والخطأ غير المقبول.
وتطو ير نظام الإثبات في حوادث الشغل جاء عبر الإجتهاد القضائي بابتكاره أسلوب جديد وهو قرينة الإسناد،
التي نجحت إلى حد ما في قلب عبء الإثبات ،وجعله على عاتق المشغل ،ل كن يؤخذ على هذه القرينة أنها
بسيطة قابلة لإثبات العكس ،لأنها تفتح الباب أمام المشغل أو مؤمنه للتنصل من مسؤوليتهما إذا ما أثبتوا أن
214
الحادثة راجعة إلى سبب خارجي تماما عن الشغل ،وبعجز قرينة الإسناد في تحقيق حماية أكثر للأجير ،افرز
الإجتهاد القضائي قرينة التبعية والتي بواسطتها يتم افتراض خضوع الأجير ليس بالنظر إلى تواجده في مكان
ووقت الشغل ،وإنما إلى قيامه بتنفيذ أوامره وتعليماته ،ولو كان ذلك خارج النطاق الزمني والمكاني للشغل ،
وبذلك تهدف إلى تيسير الإثبات من خلال دعهما لمضمون قرينة الإسناد ،بشكل يؤدي إلى اتساع نطاقها لا
إلى تقييدها .ومن جهة أخرى تم تدعيم نظام الإثبات في حوادث الشغل بأسلوب آخر وهو القرينة المادية و
القرينة السببية ،والتي تعفي الأجير من إقامة الدليل على التحقق المادي للحادثة.
لذلك إذا كان القانون المتعلق بحوادث شغل و الأمراض المهنية 98/91يعتبر استثناء من القواعد العامة
للمسؤولية ،فإن المشرع المغربي حصر نطاق تطبيقه في وقائع معينة ،وبالتالي فإن كل حادثة تسببت في ضرر
للأجير أثناء وقت ومكان الشغل لا تتصف بصبغة حادثة شغل التي يحميها القانون المذكور إلا إذا تم إثبات
توفر شروط معينة في هذه الحادثة سنها المشرع و طورها الإجتهاد القضائي ،من هنا برزت أهمية تطوير
الإجتهاد القضائي لنظام إثبات حوادث الشغل و الأمراض المهنية لإفتقاد الإثبات عبر القواعد العامة للدقة
واصطدامه مع خصوصية الإثبات في حوادث الشغل ،بحيث من هنا نطرح التساؤل والإشكال الجوهري
المتمثل في ماهي الأسس الواقعية و العناصر المادية التي يعتمد عليها الإجتهاد القضائي في إثبات حوادث
الشغل ؟ ،و كيف استطاع الإجتهاد القضائي تطوير نظام إثبات حوادث الشغل و الأمراض المهنية ؟ و ما
هي الوسائل التي يعتمدها الإجتهاد القضائي لاعتبار حادثة ما حادثة شغل؟ هل يلقى على عاتق الأجير عبء
الإثبات؟ أم أن الإجتهاد القضائي يستند على قرينة الإسناد و التبعية القابلة أو غير القابلة لإثبات العكس؟ أم
لهذا و للإجابة على الإشكال الجوهري و الأسئلة الفرعية سنعمد الى دراستها و معالجتها وفق ثلاثة ركائز
سنعمل على رصد و تحليل دور الاجتهاد القضائي في إثبات عنصر الحادثة في أولا ،كما سنعمد في ثانيا على
215
دراسة مدى استناد الاجتهاد القضائي على إثبات عنصر الضرر ،على أساس مناقشة دور الاجتهاد القضائي في
إن إثبات أن الحادثة حادثة شغل يقتضي إثبات أن عنصر الحادثة يتوفر على عناصر معينة ،هذه الأخيرة ثار
خلاف فقهي و اختلاف التوجهات القضائية حول أهميتها ،ل كن الإجتهاد القضائي ابتدع عناصر أصبح
مستقر عليها لإعتبار الحادثة حادثة شغل رغم عدم دقتها ،لذا يتعين أن نحدد عناصر الحادثة ثم نقوم بتقييم
تلك العناصر والذي سيفرز لنا أسلوبا جديدا في إطار الإثبات في حوادث الشغل وهو القرينة.
حدد الاجتهاد القضائي عناصر الحادثة أو الفعل الضار في السبب الخارجي ،وعنصر العنف ثم عنصر
الفجأة أو المباغتة ،ل كن ثار خلاف فقهي و قضائي حول أهميتها ،وهذا راجع إلى عدم احتواء التشر يع المنظم
لحوادث الشغل الى تعر يف دقيق لحادثة شغل والذي من شأنه لم يسهل الإثبات على من يدعي أن الحادثة
التي وقعت له هي حادثة شغل ،والمادة 3من القانون 98/91تنص على انه » :تعتبر حادثة شغل كل
حادثة ،كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر ،للمستفيد من أحكام هذا القانون ،سواء كان أجيرا أو يعمل بأية
صفة تبعية كانت وفي أي محل كان إما لحساب مشغل واحد أو عدة مشغلين ،وذلك بمناسبة أو بسبب الشغل
أو عند القيام به ،ولو كانت هذه الحادثة ناتجة عن قوة قاهرة أو كانت ظروف الشغل قد تسببت في مفعول
هذه القوة أو زادت في خطورتها إلا إذا أثبت المشغل أو مؤمنه طبقا للقواعد العامة للقانون أن مرض المصاب
و يقصد بالضرر في مفهوم هذا القانون كل إصابة جسدية أو نفسية تسببت فيها حادثة الشغل وأسفرت عن عجز
i
جزئي أو كلي ،مؤقت أو دائم ،للمستفيد من أحكامه» .
216
68 ».ونهج المشرع المصري نفس النهج بقوله » :كل واقعة تحدث أثناء العمل أو بسببه ،تعد الإصابة الناتجة
لهذا فإن ما جاء في هذه النصوص أقرب من أن يكون بيانا لطبيعة علاقة الإرتباط بين الحادث والنشاط
المهني ،وتعر يف عام لحادثة الشغل يفتقد للدقة وتبيان عناصرها،وعدم تعر يف حادث شغل بدقة هو نهج
كل تشر يعات الدول المختلفة لصعوبة دمج مختلف الإجتهادات القضائية و الفقهية في تعر يف موحد شمولي
في تعر يف حادثة الشغل ،قام القضاء المغربي بوضع تعر يف لحادثة شغل وأمام عدم دقة المشرع
فاعتبرها» :ما يصيب جسم الإنسان فجأة بفعل عنيف وبسبب خارجي » وهو نفس التعر يف الذي أتى به
الفقه والقضاء الفرنسي حيث جاء يقول في تعر يفه لحادثة شغل » :الواقعة التي تلحق بالعامل على إثرها أضرار
69
جسد ية وتتميز بالمباغتة والعنف وتجد مصدرها في سبب خارجي»
وانطلاقا من هذا التعر يف القضائي يمكن القول أنه لإثبات أن حادثة ما تعتبر حادثة شغل وضع الإجتهاد
القضائي مجموعة من العناصر يجب إثبات توافرها تتمثل في :عنصر السبب الخارجي العنف الفجأة ،لهذا نقوم
بتحديد مفهوم كل عنصر على حدة و مدى أهميته في مجال الإثبات ،و كيف ابتدع الإجتهاد القضائي هذه
العناصر التي أصبح مستقر عليها رغم عدم دقتها هي الأخرى ،ل كن على الأقل تساعد القضاء في إثبات حادثة
الشغل.
68
69
217
وهو كما اعتبره الفقه والقضاء الفرنسي القوة التي لا ترجع إلى التركيب العضوي للمضرور ،أي إلى تكوينه
70
الطبيعي.
إذا كان الأمر كذلك فإنه يصعب عمليا إثبات الصفة الخارجية للحادث خاصة في الحالات التي تكون فيها
الإصابة غير ظاهرة وإن كانت مؤكدة في وجودها ،مما دفع القضاء إلى خلق اجتهادات قضائية أكثر مرونة
» إذا كانت فكرة حادث العمل تتطلب وجود مساس مادي بالجسد بمعنى إصابة ناتجة عن تدخل عامل
خارجي فإن هذا الشرط يتحقق إذا ثبت أن الإصابة ترجع إلى الجهد ،حتى ولو كان هذا الجهد قد بذل في
71
تنفيذ عمل عادي اتصل بنشاط العامل» .
72
أن »الجهد يماثل الحادث» وبالنسبة لبعض الفقه المغربي، وفي نفس الاتجاه تعتبر بعض الأحكام القضائية
اعتبر السبب الخارجي بمثابة كل سبب لا يعود إلى البيئة الجسمية للمصاب واعتبر هذا الفقه أن هذا العنصر
عن التكوين البيولوجي للمصاب ،والعامل المادي قد يكون أداة من أدوات الشغل ،أو فعل الحيوان ،أو
أما العامل المعنوي فقد يتمثل في الإصابة بصدمة نفسية بمثابة حادثة شغل كالصدمة التي اعترت سائق الشاحنة
73
بعد أن داسه أحد المارة فأرداه قتيلا وبعد أن نظر إلى جثته ،رأى مخه مشتتا على الأرض "
70
71
72
73
218
وهكذا إذا كان سبب الإصابة راجع على عامل داخلي للمصاب ،كإصابته بالمرض أو كونه عرضة سهلة
للأمراض ،فإنه لا يمكن أن يستفيد من الحماية التي يقررها القانون ،98/91لعدم وجود سبب خارجي ،و
بالتالي استناد الإجتهاد القضائي على العنصر الخارجي أصبح مستقر عليه لاعتبار الحادثة حادثة شغل.
ب)العنصر الثاني :عنصر العنف :إن عنصر العنف كما هو الشأن بالنسبة للعنصر الأول يتخذ صورة النشاط
المادي أو العنف المعنوي ،بالنسبة للنشاط المادي كبتر عضو من أعضاء الجسم من قبل الآلة وإصابة الأجير
بحروق أو الانزلاق الذي يؤدي الى ال كسر ،أما بالنسبة للعنف المعنوي كإصابة العامل بانهيار عصبي أو أزمة
وهكذا فقد توسع الاجتهاد القضائي في مفهوم هذا العنصر ولا يكتفي فقط تحقق عنصر العنف ببروز آثار مادية
على جسم المصاب ،بل إن الإ ضطرابات العصبية وما ينتج عنها في القوى العقلية أو النفسية تدخل كذلك في
74
مفهوم العنف الذي يقتضيها تعر يف حادثة شغل.
ج) العنصر الثالث :عنصر الفجأة :المقصود بهذا العنصر هو أن تكون الحادثة قد وقعت في فترة وجيزة يمكن
تحديد وقت وقوعها بكل دقة وحصر المكان الذي وقعت فيه بالضبط ،ولا يقصد هنا الحادثة التي نتجت عنها
وباعتماد الاجتهاد القضائي على هذا العنصر فإن وجود عنصر المباغتة في الحادثة ،وحصول ضرر ،يجعل
المصاب يستفيد من قرينة الإسناد أي إسناد الضرر للحادثة ،وبالتالي اعتبارها بمثابة حادثة شغل ،وهذا العنصر
75
والقضاء المصري يشهد على أهمية هذا العنصر بقوله في تعر يف الحادثة أنها :فإنه يعد أساسا للتمييز بينها ،
74
219
» الواقعة التي تتحقق بغتة بفعل قوة خارجية » وفي نفس الإتجاه يعتبر القضاء الفرنسي » :أن الظهور المفاجئ في
وقت ومكان العمل لإصابة جسدية يكون في حد ذاته حادثة عمل ما لم يقم الدليل على نسبتها إلى سبب أجنبي
76
تماما عن العمل» .
وهذا الاتجاه هو ما سار عليه الاجتهاد القضائي المغربي و الفرنسي اللذان يصرحان انه مادامت الجروح ظهرت
77
بغثة بفعل عنيف أثناء العمل ،فالمفروض فيها أن تكون ناتجة عن حادثة شغل.
فكرة القرينة والتي ابتدعها الإجتهاد القضائي الفرنسي لم تظهر إلا بعد عجز وعدم دقة العناصر التي تطرقنا إليها
سابقا وهي السبب الخارجي والعنف والفجأة ،في تحديد مفهوم حادثة شغل وكونها لا تعطي حماية أكبر للأجير
وإنما تلقي على عاتقه إثبات صعب في غالب الأحيان ،وكون القرينة إفراز لعدم جدوى تلك العناصر فمن المفيد
أن نبين سلبيات وعدم دقة كل عنصر على حدة حتى نتمكن من فهم فكرة القرينة كمعيار لتحديد حادثة شغل،
فبالنسبة للعنصر الأول أي السبب الخارجي ،فإن ما يلاحظ عند الاطلاع على بعض القرارات القضائية سواء
في المغرب أو في فرنسا ،أنه غالبا ما لا تلتزم تلك القرارات بعناصر تعر يف حادثة شغل التي وضعها الاجتهاد
القضائي ،ذلك أنها تعتبر بعض الحوادث بمثابة حوادث شغل رغم افتقارها لعنصر السبب الخارجي و أكثر من
ذلك تعتبر الفعل الضار الذي لا يعرف له سبب بمثابة حادثة شغل ،ومن هذه القرارات قرار محكمة النقض
75
76
77
220
» الوفاة التي لم يعرف سببها والحاصلة للأجير في مكان ووقت العمل وهو يقوم بشغله العادي تعد بمثابة حادثة
78
شغل.» .
ونفس الاتجاه يسير فيه القضاء الفرنسي في اعتبار عنصر السبب الخارجي عنصرا غير أساسي ويستفاد ذلك من
إحدى قرارات محكمة النقض الفرنسية حين اعتبرت » :إن الشعور المفاجئ لإصابة جسدية يكون في حد ذاته
79
حادث عمل» .
تأسيسا على هذه القرارات القضائية وغيرها ،نستنتج أن العنصر الأجنبي غير مؤثر في تكييف الفعل الضار بأنه
حادثة شغل ،وليس كذلك عنصرا مميزا بين حادثة شغل والمرض المهني ،وهذا الموقف هو الذي تبناه غالبية
الفقه الفرنسي لأن القضاء الفرنسي هو بدوره أقصى هذا العنصر في تحديد حادثة شغل.
من تم سيكون القضاء في كل من فرنسا و المغرب قد نجحا في قلب عبء الإثبات لصالح الأجير حيث تم
إعفاؤه من إثبات الصفة الخارجية للفعل الضار ،حيث بمقتضى ذلك يستفيد من قرينة الإسناد ،هذه الأخيرة
التي تعتبر كل إصابة تحققت في وقت ومكان العمل تعد حادثة شغل ما لم يقم الدليل على عكس ذلك أي أن
80
الحادث يجد مصدره في ظروف أجنبية تماما عن العمل.
وفي حالة عدم إثبات الدليل العكسي فإن الأجير يقرر له الحق في التعو يض ،وفي هذا الإطار ذهبت محكمة
النقض الفرنسية إلى القول » :طالما أن الإصابة ظهرت بمناسبة العمل فإن الموظف يستفيد من قرينة الإسناد
81
ما لم يقم الدليل على عكس ذلك»
78
79
80
81
221
وبالنسبة لعنصر العنف فإنه هو كذلك لم يعد أساسيا لتكييف الفعل الضار على انه حادثة شغل ،ذلك أنه
يم كن أن نكون أمام حادثة شغل رغم افتقاره لصفة العنف كما هو الشأن عند إصابة الطيار بأزمة قلبية،
82
فالاجتهاد القضائي يعتبر هذه الحادثة بمثابة حادثة شغل رغم عدو وجود عنصر العنف فيها.
وصورة أخرى يضربها الفقه لتصوير هذه الحالة وهي الإصابة بالتيفوس إثر لدغة حشرة حدثت أثناء العمل
فهي حادثة شغل رغم انتفاء عنصر العنف فيها ،وحالة أخرى عرضت أمام القضاء الفرنسي وكان موقفه هو:
» أن الآلام التي يشعر بها مهندس على إثر شربه ماء يحتوي على جرثوم والتي تسبب له أضرارا أقام على إثرها
83
مدة طو يلة في المستشفى ليغادره مصابا بعجز جزئي دائم يعتبر بمثابة حادثة شغل»
بذلك تتقوى حماية المصاب بحادثة حيث يعفى من إثبات عنصر العنف والذي يشكل عائقا في الحصول على
التعو يض في الحالات التي لا تتصف فيها الحوادث التي يتعرض لها بصفة العنف رغم الأضرار البليغة التي قد
تنتج عنها ،وهذا ما حدا ببعض الفقه إلى اعتبار هذا العنصر غير لازم لافتقاره إلى الدقة وذلك بقوله » :إذا
كان هناك ضرر قد يتحقق فجأة ووجدت علاقة ارتباط كاف بين ظهوره ونشاط المضرور ،فلماذا يحرم ضحيته
84
من الاستفادة من أحكام الحماية الاجتماعية في مواجهة إصابات العمل» .
وفيما يخص العنصر الأخير أي عنصر الفجأة ،فإن بعض الفقه يعتبره لازما خاصة في التمييز بين حادثة شغل
والمرض المهني ل كن في مقابل ذلك نجد رأيا آخر يسير في اتجاه مغاير وذلك بقوله » :إن اتخاذ القضاء من
الظروف الزمنية لتحقيق الواقعة مصدر الإصابة معيارا للتميز بين الحادث والمرض أدى إلى نتائج عملية لا تتفق
85
والمنطق القانوني.
82
83
84
85
222
و يبرر هذا التصور غياب العدالة في اشتراط عنصر الفجأة الذي يضيق من حماية المصاب ،كونه أنه من
الأمراض ما تتصف أو تظهر فجأة ،وكذلك هناك من الحوادث التي لا تظهر فجأة وإنما مع وقت طو يل ،مما
يعني معه عدم صلاحية عنصر الفجأة ك عنصر مميزا بين حادث شغل والمرض المهني لأنه إذا كان صحيحا أن
عنصر المباغتة يعد أساسيا فيما مضى فإن التطور الصناعي والاجتماعي أثبت عدم جدية وعدم دقة عنصر
الفجأة.
لذلك أن التمييز بين حادثة شغل والمرض المهني على أساس عنصر الفجأة لا يجب أن يكون ،لأن ذلك يلقي
على عاتق الأجير المصاب عبء إثبات صعب في كثير من الأحوال مما يهدد مصالحه للضياع.
ومن تم فإن المنطق والعدالة تفرض تعو يض المصاب متى حدثت له الإصابة بسبب المهنة اعتمادا على قرينة
الإسناد التي ابتدعها القضائي الفرنسي وسمحت بإعطاء حماية أكبر للأجير وإعفاءه من إثبات كل العناصر
وهذه القرينة بسيطة قابلة لإثبات العكس فهي تقتضي أن الحادثة مصدر الإصابة التي تقع في وقت ومكان
العمل يتم إسنادها إلى العمل ،ولا يمكن دحض ذلك إلا بإثبات غياب العلاقة بين الحادثة وعمل المصاب،
وعلى هذا يذهب القضاء الفرنسي بقوله » :كل حادثة تقع في وقت ومكان العمل يجب اعتبارها بمثابة حادثة
86
شغل إلا إذا أقيم الدليل على عكس ذلك أي إلى نسبتها إلى سبب أجنبي تماما عن العمل» .
من خلال ذلك فالأجير غير ملزم بإثبات الحادثة ،حيث يستفيد من قرينة الإسناد ،ل كن هذه الأخيرة كما
يتضح ليست قاطعة بل قابلة للدحض بمعنى أنه يمكن للمشغل أو لمؤمنه أن يتنصلا من مسؤوليتهما إذا تم إثبات
أن الحادثة راجعة إلى سبب خارجي تمام عن العمل ،وقضت محكمة النقض الفرنسية أن إثبات غياب الفعل
86
223
الضار غير كاف لدحض القرينة ،و الدليل العكسي لا يمكن قبوله إلا إذا تم تبيان أن سبب الحادثة راجع إلى
87
سبب أجنبي تماما عن العمل.
وبدوره القضاء المغربي يسير في نفس الإ تجاه الذي يعتمد على العناصر السالفة الذكر وهذا ما يمكن ملاحظته
واستنتاجه في بعض قرارات محكمة النقض التي اعتبرت أن … » :الوفاة التي لم يعرف لها سببها والحاصلة
لأجير في مكان الشغل وهو يقوم بشغله العادي تعد حادثة شغل»
وفي قرار آخر اعتبرت أن » :العامل الذي يدخل سيارته إلى المرآب طبقا لتعليمات صاحب عمله والذي وجد
ميتا داخل سيارته بعدما أوقفها داخل هذا المرآب يعتبر أنه قد أصيب في حادثة شغل ،لأنه لازال يوجد وقت
إصابته تحت التبعية القانونية التي تربطه بصاحب العمل من جهة أولى ومن جهة ثانية لأن أسباب الوفاة لم
يكن بالإمكان تحديدها ،وفي هذا الاتجاه يذهب بعض الفقه المغربي إلى أن « الحادث الذي يصاب به الأجير
أثناء قيامه بعمله أو بمناسبة قيامه به يعد حادث شغل ما لم يثبت عكس ذلك ،إما إثبات أن الأجير المصاب
88
عرضة سهلة ل لأمراض وإما إثبات أن وضعيته المرضية هي التي كانت سببا في إصابته« .
لذلك أن وجود هاتين الحالتين التي تؤدي إلى نقض قرينة الإسناد يفتح الباب أمام المشغل أو مؤمنه ليتنصلا
من مسؤوليتهما.
متى علمنا بأهمية عنصر الضرر بالنسبة للأجير المصاب في الحصول على التعو يض ل كون هذا الأخير يعتبر مناط
تحقق المسؤولية عن حوادث الشغل ،فلا يمكن من الناحية القانونية تكييف حادث ما ،يتعرض له الأجير
أثناء قيامه بالشغل ،أو من جراء قيامه به ،على أساس أنه حادث شغل ،يستحق عنه التعو يض ،إلا إذا نتج
87
45 88
224
عنه ضرر للأجير المصاب ،وهذا أمر بديهي مادام أن الأجير الذي قد يتعرض لحادثة بالمفهوم الدارج لها،
ول كنه لم يلحقه أي ضرر ،ففي هذه الحالة ،لا نكون أمام حادثة بالمفهوم القانوني وذلك لانتفاء عنصر الضرر،
ونموذج الذي نضر به في هذا المجال ،الأجير الذي يسقط في مكان العمل أو يصاب بصعقة كهربائية ولا
يصاب بأي أذى يذكر ،ومتى كان الأجير أمام هذه الحالة فلا يمكن له التمسك بالاستفادة من مقتضيات
التشر يع الخاص بالتعو يض عن حوادث الشغل وذلك لتخلف شرط من شروط ذلك التعو يض.
أما في الحالة المعاكسة ،والمتمثلة في إلحاق ضرر بالأجير من جراء حادثة شغل ،كأن تظهر عليه جروح ،أو
كسر ،على إثر سقوطه ،فإنه في هذه الحالة يعوض استنادا إلى مقتضيات القانون ،98/91وبرجوعنا إلى
مقتضيات الفصل 28من ق.ل.ع .يتضح لنا أن الضرر في مجال المسؤولية المدنية قد يكون ماديا أو معنو يا،
علما بأن الضرر المادي قد يمس جسم الإنسان ،وقد يمس ذمته المالية ،انطلاقا من مضمون هذا الفصل يتبادر
إلى ذهننا تساؤل له أهمية بالغة نود طرحه في هذا المجال ،هل كل ضرر يلحق الأجير يخوله الاستفادة من
مقتضيات القانون ، 98/91أم هناك أضرار حددها المشرع على سبيل الحصر ،هي وحدها ال كفيلة للاستفادة
السالف الذكر؟
وعند تفحصنا لمقتضيات هذا القانون ،لا نجد جوابا مباشرا لهذه الإشكالية ،ل كن هذا لا يمنعنا من الإستنتاج
ضمنيا من بعض المقتضيات الخاصة بالتعو يض ،أن الأضرار التي يعوض عنها في إطار هذا القانون هي :الضرر
الذي يصيب جسم الأجير ،والضرر الذي يستلزم نيل إصلاح أجهزة استبدال أو تقويم الأعضاء..
.وهي التي سنتناولها بالدراسة في الفقرة الأولى بينما سنخصص الفقرة الثانية ل كيفية إثبات عنصر الضرر
225
لاشك و أن عنصر الضرر عنصر جوهري في تعو يض الأجير جراء حادثة شغل ل كن هذا الضرر يجب أن
أن يكون الضرر الذي يستلزم نيل أو إصلاح أجهزة الاستبدال أو تقويم الأعضاء ،أما الضرر الذي يصيب
الحيوان رغم كونه في مل كية الأجير مثلا فهو غير معني بالتعو يض ،و الإجتهاد القضائي سار على هذا المنحى
.
عرفه الاجتهاد الفقهي الفرنسي على أنه » :يتمثل في مساس مادي بالخلايا ،وبالأنسجة التي تدخل في التركيب
الداخلي أو الخارجي للجسم ،وقد تتمثل في مساس بالأداء الوظيفي لعضو من أعضائه » .فاستنادا ،لهذا التعر يف
طبيا هذا الضرر ،سواءا تحقق بالفعل،أو سيتحقق حتما في من جراء حادثة شغل إذا ما أراد الحصول على
89
المستقبل.
وهذا هو المنحى الذي سل كه المشرع المغربي ويتضح هذا بالخصوص في كون إصابة الجسم البشري ،هي مناط
تطبيق المقتضيات المنصوص عليها في القانون 98/91على الفعل الضار ،الذي قد يتسبب فيها وهذا دون إعطاء
أو لمحل الإصابة أو لنسبة العجز الذي قد ينتج عنها ،وكذلك لا يعتد بخطورة الإصابة ،أو بكونها هينة ،أو
كذلك في ما إذا كانت قد أدت إلى توقف الأجير المصاب عن العمل ،أم لا ،وكمثال على هذه الحالة الأخيرة
89
226
الأجير المتضرر من جراء إصابة شغل نتيجة جروح خفيفة اضطرته إلى تلقي العلاج الطبي دون توقف عن
العمل ،ومتى كان الأجير أمام هذه الحالة ،وقع على عاتق المشغل التحمل
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال هو كون الضرر الجسدي الناتج عن حادثة شغل والمتمثل في المساس
المادي بالخلايا والأنسجة التي تدخل في التركيب الداخلي أو الخارجي للجسم فإنها لا تطرح لنا أي إشكال
قانوني ،سواء عندما يتعلق الأمر بالإثبات ،إذ من السهولة بمكان التثبت منها بواسطة المعاينة أو التشريح …
(جروح ،كسور …) وسواء تعلق الأمر في البحث أو ال كشف عن أسباب الضرر الحقيقة والمتمثلة في
المساس بالأداء الوظيفي لعضو من أعضاء الجسم ،ول كن في بعض الأحيان قد تثار صعوبة التوصل إلى سبب
الضرر ولو بواسطة التشريح … وفي هذه الحالة لا يوجد بديل من الاستعانة بقرينة الإسناد التي بموجبها تجتمع
للضرر عناصر إصابة العمل طالما أن الواقعة التي ظهر على إثرها غير مشكوك في تحققها.
وكما تجدر الإشارة أيضا إلى أن هناك نوع من الضرر الجسدي،الذي يتجسد في فقد القدرة على الأداء الوظيفي
الطبيعي ،بحيث يستحيل معها من الناحية التشر يعية ال كشف عن أصله ،كما يستحيل أيضا معها افتراض وجود
مثل ذلك الأصل ،وأحسن مثال يجسد لنا هذه الحالة :الإضطرابات التي قد تنتج على حوادث الشغل،
90
ف بالنسبة للقضاء الفرنسي فموقفه واضح إذ يقرر التعو يض عن اختلال القوى العقلية باعتبارها حادثة شغل
ومحكمة النقض الفرنسية لا تولي أية أهمية في مجال قرينة الإسناد ،بحيث أنها لا تفرق بين الإصابة التي تتمثل في
وتلك التي تتمثل في اختلال الأداء الوظيفي الطبيعي لعضو من أعضائه ،فالإصابة متى مساس مادي بالجسم
90
91
227
ظهرت بغتة كيفما كانت طبيعتها ودرجة خطورتها في وقت ومكان العمل تؤدي طبقا لقرينة الإسناد إلى
كما يعد ضررا كذلك الضرر المادي الذي ينتج عن تشو يه جسم الأجير ،وبالتالي المساس بسمته الجمالية
وحسب الإجتهاد القضائي فإن الأجير يعوض ل كن بشرط أن يعكس هذا التشو يه على قدرته على العمل،
92
وخصوصا متى كان عمله يكمن في الاتصال المستمر بالزبائن.
والسؤال الذي نود طرحه في هذا المجال هو هل ل كي يعوض عن الضرر ،لابد وأن يتعلق بجسم الإنسان ،أم
للإجابة عن هذه الإشكالية لابد من التمييز ما بين حادث الطر يق التي حددتها المادة الرابعة من القانون
98/91في الزمان والمكان ،تأخذ صفة حادثة شغل ذلك من حيث ما تخوله للمصاب من تعو يضات حسب
مقتضيات هذا القانون ،بالإضافة إلى أنها تعطيه إمكانية الرجوع على الغير المتسبب فيها وذلك وفقا لمقتضيات
أما بالنسبة للحالة الثانية وهي حالة ما إذا كان الغير هو المتسبب في حادثة الشغل فإن الأجير المصاب في هذه
الحالة يملك الحق في الرجوع على هذا الغير وفقا للقواعد العامة للمسؤولية من أجل الحصول على تعو يض يغطي
92
228
أما في الحالة المعاكسة والمناقضة للحالتين السالفتين الذكر حيث يكون فيها الفعل الضار بحادثة شغل ،نتجت
بسبب العمل أو بمناسبة القيام به ،وسواء تسبب فيها المشغل أو أحد تابعيه ،ففي هذه الحالة ،يكون التعو يض
جزافيا.
وهذا لم يمنع المشرع المغربي ،وهو بصدد تناوله للضرر الذي يصيب جسم المصاب ،أن يلحق به حالة
أكثر أهمية نظرا لما تكتسي ه في الواقع العملي من دور مهم ،وتتمثل هذه الحالة في أجهزة استبدال أو تقويم
الأعضاء حيث كان موقفه صر يحا من خلال مقتضيات المادة 69من القانون ، 98/91التي بموجبها » :يخول
للمصاب الحق في نيل وإصلاح وتجديد أجهزة استبدال أو تقويم الأعضاء التي تفرض الحادثة استعمالها ،وكذا
الحق في إصلاح أو تعو يض الأجهزة التي فرضت استعمالها عاهة سابقة ولو كانت غير ناتجة عن حادثة من
حوادث الشغل ،والتي أفسدتها الحادثة أو سببت ضياعها أو جعلتها غير صالحة للاستعمال.
و يحدد بمرسوم يتخذ باقتراح من السلطتين الحكوميتين المكلفتين بالتشغيل وبالصحة نوع الأجهزة وقيمتها
ما يمكن أن نخلص إليه انطلاقا من هذه المادة كونها لا تخلو من إ يجابيات ،والمتمثلة في تخو يلها للأجير المتضرر
من جراء حادثة شغل الحق في تعو يض الأجهزة التي تفضي عنها الحادثة ،أو تنال من قدرتها باستبدالها ،أو
بتقويمها بأجهزة أخرى ،كالأسنان والأرجل والأيدي الصناعية ،ل كن مع كل ذلك فإن هذا النص لا يخلو
أيضا من سلبيات ،إذ مما يؤخذ عليه ،كونه يربط تقديم الحق في التعو يض المستحق للأجير المتضرر ،ببعض
الحواجز ،من ذلك مثلا ضرورة اقتران الضرر المتمثل في تلف الأجهزة المشار إليه في المادة أعلاه بضرر
جسدي.
ومن بين الصور التي نضربها لتصوير مثل هذه الحالة ،افتراض كون الأجير سقط في مكان الشغل نتيجة زلة
قدم ولم تلحقه أضرار في جسمه ،وإنما تكسرت على إثرها أسنانه الإصطناعية ،تحطمت نظارته ،فمتى كان
229
الأجير أمام هذه الحالة فإنه لا يستحق أي تعو يض ،لأن الفعل الضار المتمثل في السقوط والخالي من الإصابة
الجسمية لا يعتبر حادثة شغل في المعنى المألوف ،وهذا ما تسير عليه محكمة النقض الفرنسية ،أما عن الإجتهاد
القضائي المغربي فيظل موقفه غامضا لحد الآن وذلك راجع إلى افتقاره لإجتهادات تجسد هذه الحالات.
ل كن وفقا لقواعد العدل و الإنصاف يحبذ التعو يض عن هذه الأجهزة إذا أصيبت لوحدها ،بغض النظر عن
وجود أو عدم وجود ضرر جسدي ،ل كون إعمال هذه القاعدة ،كونها لا تتعارض وليس فيها أي تحر يف
للفعل الضار ،بل يعتبر من العدالة بمكان عدم الاعتداد باقتران تلف تلك الأجهزة الإصطناعية بالضرر
الجسدي.
وهذا فيه مصلحة للأجير المتضرر ،إذ يحقق له الحماية اللازمة باعتباره الطرف الضعيف في العلاقة التعاقدية،
ل كن تطبيقه يجب ألا يكون مطلا بل معلقا على شرط ،وهو كون الأجير يستعمل الجهاز المقوم لما أعد له
والإستدلال الذي يمكن أن ن ستدل به في تقرير الحق في التعو يض ،هو أنه باعتبار الجهاز الإصطناعي المقوم
والمساعدة لعضو من الأعضاء في جسم الإنسان ،بمثابة هذا العضو الأصلي ،فإذا أصيب الأجير بحادثة شغل
ترتب عنها تلف الجهاز الإصطناعي دون الإصابة بضرر جسدي ،فإنه مع ذلك يجب اعتبار ضياع هذا الجهاز
بمثابة ضرر في جسمه ،لأنه لولا هذا الجهاز ،لكان من الممكن أن تكسر الرجل الطبيعية.
ل كي يستفيد الأجير المتضرر من جراء الضرر الحاصل به بسبب حادثة شغل ،من التعو يضات التي
يخولها له القانون ،98/91يسعى القضاء في هذا المجال لإثبات الضرر بالخبرة الطبية الضرور ية ،باعتبار الضرر
واقعة مادية ،يدخل أمر تقديرها واستخلاصها للسلطة التقدير ية لقاضي الموضوع ،وإذا كان من السهولة بمكان
التوصل إلى هذا النوع من الإثبات ،فإن هناك حالات يستعصى فيها إثبات عنصر الضرر بالنظر إلى ظروف
230
العمل ،وفي هذه الحالة لا يجد القضاء مانعا من الاستعانة بالقرائن مساعدة منه للأجير في ذلك الإثبات ،مثلا
إذا تعرض الأجير لحادثة شغل ونتج مباشرة عنها ضرر ،افترض معها القضاء أن الحادثة هي التي تسببت فيه،
وهذا الاقتران يعد في حكم القضاء إعمالا لتقنية القرينة ،وهذه الخبرة تعتبر في هذا المثال بسيطة ،بمعنى أنها
تقبل الدحض العكسي من جانب المشغل أو مؤمنه ،متى أثبتوا أن الحادثة ترجع إلى سبب آخر خارج عن
الشغل.
وفي هذا الصدد سبق لمحكمة النقض الفرنسية أن صرحت مرارا بما يلي … » :كل إصابة تلحق بالعامل إثر
93
الحادث تتحقق بسبب أو بمناسبة العمل يجب اعتبارها ،ما لم يثبت خلافه ،أثرا لهذا الحادث» .
ومن أهم القرارات التي صدرت عن محكمة النقض الفرنسية قرار جاء فيه … » :إن وفاة العامل بعد شهور
بغتة أثناء العمل بأعراض آلام حادة بينما كان يبدو قبل ذلك في تمام صحته ،تعتبر حادثة شغل ،مادامت
94
أسباب الوفاة قد ظلت مجهولة ،ولم يقم الدليل على أنها ترجع إلى حالة مرضية ذات تطور بطيء» .
و يعتبر هذا القرار في حقيقته تراجعا من جانب محكمة النقض الفرنسية ،حيث اشترطت ل كي تعتبر مثل هذه
الواقعة حادثة شغل ،أن تكون هنالك إصابة جسدية مصاحبة للشعور بالأذى ،ثم التثبت منه طبيا.
ومن أهم القرارات التي صدرت بهذا الخصوص كذلك قرار جاء فيه … » :إن وفاة العامل الذي أوجد
95
الجزء العلوي من جسده غارقا في برميل يحتوي على خليط من الزيت والماء حادثة شغل»
لذلك فإن محكمة النقض قد ألغت الحكم الصادر عن محكمة الإستئناف والتي ألقت على عاتق أرملة الأجير
عبء الإثبات خلافا لما تقضي به قرينة الإسناد ،وفي نفس الاتجاه جاء قرار محكمة النقض » :إن كل ضرر
93
94
95
231
يحصل من جراء حادثة تقع بسبب الشغل أو بمناسبة القيام به ،يجب اعتباره ناتجا عن حادثة شغل إلا إذا أقيم
96
الدليل على خلاف ذلك»
وجاء في قرار آخر بنفس الإتجاه ما نصه » :إن وفاة الأجير التي تحصل بسبب سكتة قلبية أثناء الشغل
يفترض أنها ناتجة عن حادثة شغل ولهدم هذه القرينة ،فإنه يجب على المؤاجر أو على مؤمنه أن يثبت مرضا
97
سابقا للمصاب وأن يقيم الدليل على أن الأزمة القلبية لم يتسبب فيها الشغل»
ل كن في الحالة المعاكسة فإن إصابة الأجير من جراء حادثة شغل أو بمناسبته ،ولم تظهر الأضرار مباشرة بعد
الحادث ،بل استغرقت مدة طو يلة ففي هذه الحالة عكس الحالة السابقة التي رأيناها ،فإن القرينة أعلاه تنقلب
لمصلحة المشغل أو مؤمنه ،بحيث على الأجير المتضرر أن يقيم الدليل على علاقة هذا الضرر بالحادثة ،وفي هذا
» لا يمكن تطبيق بالتعو يض عن حوادث الشغل ،إذا لم تتمكن أرملة العامل المصاب بحادثة شغل الذي
98
توفي بعد أشهر عديدة من برء جرحه أن تقيم الدليل على وجود علاقة سببية بين الحادثة والوفاة» .
لذلك فان الإجتهاد القضائي المغربي و المقارن رغم تضاربهما في بعض القرارات بخصوص الاستناد على
عنصر الضرر كأساس لاعتبار الحادثة حادثة شغل ،ل كن ساهمت مختلف القرارات القضائية في تطوير نظام
96
97
98
232
كل حادثة يتعرض لها الأجير لا يمكن اعتبارها بمثابة حادثة ،إلا إذا ثبت أن هناك علاقة بين هذه
الحادثة والشغل ،نظرا للطابع الإستثنائي للقانون ، 98/91وجاءت المادة 3من القانون المذكور بالقول انه » :
تعتبر حادثة شغل كل حادثة ،كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر ،للمستفيد من أحكام هذا القانون ،سواء
كان أجيرا أو يعمل بأية صفة تبعية كانت وفي أي محل كان إما لحساب مشغل واحد أو عدة مشغلين ،وذلك
بمناسبة أو بسبب الشغل أو عند القيام به ،ولو كانت هذه الحادثة ناتجة عن قوة قاهرة أو كانت ظروف الشغل
قد تسببت في مفعول هذه القوة أو زادت في خطورتها إلا إذا أثبت المشغل أو مؤمنه طبقا للقواعد العامة
و يقصد بالضرر في مفهوم هذا القانون كل إصابة جسدية أو نفسية تسببت فيها حادثة الشغل وأسفرت عن عجز
ومن هنا جاءت أهمية تحديد معيار ثابت للعلاقة بين الحادثة والشغل من جهة وبين الحادثة والضرر من جهة
أخرى ،فبالنسبة للحالة الأولى استطاع القضاء الفرنسي أن يبتدع معيار قرينة الإسناد ل كن عدم كفاية هذه
الأخيرة في بعض الحالات جعل القضاء الفرنسي يبتدع قرينة أخرى وهي قرينة التبعية والتي جاءت لتدعم
بالنسبة للحالة الثانية اهتدى القضاء المذكور وتبعه في نفس المسار القضاء المغربي إلى وضع معيار لتحديد
العلاقة بين الضرر والحادثة وهذا الأخير يتمثل في القرينة السببية ،وقبل الحديث عن هذه الأخيرة ،لابد من
233
إن إثبات عنصر الحادثة وعنصر الضرر لا يكفيان لوحدهما لاعتبار أن حادثة ما حادثة شغل ،بل لابد من
إثبات كذلك العلاقة بين الحادثة وظروف الشغل أي الطبيعة المهنية للحادثة ،فعلى أي أساس إذن تتحدد هذه
العلاقة؟
أ :قرينة الإسناد
إذا كانت المادة الأولى من القانون الفرنسي لسنة ،9818نصت على أن حادثة شغل هي كل واقعة تحدث
بفعل أو بمناسبة العمل ،فإن القضاء الفرنسي من خلال محكمة النقض فسرت هذا النص على أنه ل كي تتحقق
وعلى المستوى الفقهي نجد نفس الشيء ،و يبرر ذلك أن وقوع حادثة شغل في مكان ووقت العمل يلزم
المشغل بالتعو يض لأنه لم يتخذ الإ حتياطات اللازمة للحفاظ على سلامة وأمن العمال في مكان العمل وأثناء
99
تأديتهم لعملهم ،لذا يبقى هذا التفسير منطقيا عند هذا الفقه.
ومن هنا برزت أهمية المكان والزمان لتحديد ارتباط الواقعة مصدر الإصابة بالعمل ،وكل واقعة تحققت في
وقت ومكان العمل تعد بمثابة حادثة شغل سواء كان الشغل هو السبب المباشر فيها أو سببا غير مباشر ،أو أنه
لم يعرف له سبب ،وعلى هذا فقرينة الإسناد تعني كل إصابة تحققت في وقت ومكان العمل يجب اعتبارها
إذن الإرتباط بين الحادثة والشغل على أساس الإفتراض وكما عبر عنه بعض الفقه ،تصور ذهني للواقع بالنظر
100
إلى المألوف والراجح.
99
100
234
من تم أصبح عنصر الوقت والمكان عنصر الإستدلال على تحقق قرينة الإسناد والضحية هو الذي يقع عليه
عبء إثباتهما ،ومن هنا جاءت ضرورة تحديد مفهوم كل عنصر على حدة.
لقد اعتبر القضاء أن وقت العمل لا يقصد به فقط الزمن الذي تقتضيه تأدية العمل وإنما كذلك الفترة التي
تلي انتهاء ساعة العمل ،وأثناء قيام الأجير بتسليم أدواته وفترة قبل بدء العمل و الدقائق التي كان يتسلم فيها
عمله كما جاء في إحدى قرارات محكمة باريس التي اعتبرت بمثابة حادثة شغل وقعت على الساعة 91,34وهو
ونفس الشيء فعل فيما يخص مكان العمل فقد توسع في مفهومه ليشمل الأمكنة الملحقة والتابعة لجهات
المواقف لمحكمة النقض » :أن النهر الذي حدثت فيه الواقعة التي نتجت عنها الوفاة كان ملصقا لمكان العمل،
بحيث أمكن للعامل الوصول إليه لعدم وجود سياج يفصل بينه ومكان العمل أو على الأقل تعليمات مكتوبة
102
في أمكنة ظاهرة أو تحذر من الاقتراب من النهر»
إذا كانت وقت ومكان العمل يجب أن يفهم ككل مكان يقوم فيه العمل بأداء حاجيات الاستعمال وأداء
ومكان العمل لاعتبار حادثة ما بحادثة شغل ،فالواقع يعطينا حالات قد يتخلف فيها عنصر من العنصرين
101
102
235
)9الحادثة التي تقع في مكان العمل ول كن خارج أوقات العمل وهي الحالة التي تحدث فيها الحادثة قبل بدء
أو بعد انتهاء العمل والأجير يوجد تحت توجيهات المشغل ،بعد منتصف النهار حيث يقوم الأجير بأخذ وجبة
كما نجد كذلك حوادث تقع أثناء وقت العمل ول كن خارج مكان العمل كمثال على ذلك عندما يذهب
الأجير إلى مقهى المؤسسة ،كما نجد كذلك حوادث تقع خارج مكان ووقت العمل وهذا النوع من الحوادث
يطرح فيها الإثبات صعوبة بالغة لأنه صعب تحديد ما إذا كانت الحادثة بمثابة حادثة شغل للاستفادة من قرينة
الإسناد ،وضمن هذا النوع نجد حالة الأجراء الذين يعملون خارج المؤسسة.
)1الحادثة التي وقعت أثناء وقت ومكان العمل يفترض أنها حادثة شغل أي أن الأجير المصاب يستفيد من
قرينة الإسناد إلى إسناد الحادثة إلى العمل كي تكتسي صفة حادثة شغل لأن الأجير رغم ذلك يبقى ملزما
بإثبات كونه يتواجد أثناء إصابته بالحادثة في مكان ووقت العمل ،و بالتالي ففعالية القرينة كوسيلة إثبات تبقى
103
رهينة بالإثبات الذي يقع على المصاب.
ل كن معيار وقت ومكان العمل أصبح معيارا غير كافي ،كونه جد ضيق لا يعطي كل الحالات التي يصاب
فيها الأجير بحادثة شغل وهذا ينعكس على نظام الإثبات إذ يجعله ضيقا ولا يحمي المصاب في بعض الحالات،
قرينة الإسناد بمفهومها هذا معيارا غير كافيا مما جعل القضاء يرتكز على قرينة أخرى هي قرينة التبعية.
103
236
قرينة التبعية أسلوب جديد اعتمده الاجتهاد القضائي بعد عجز قرينة الإسناد لوحدها في تحقيق الحماية
اللازمة للمضرور ،وأقرها القضاء الفرنسي لمواجهة بعض الحالات التي لا تتحقق فيها عناصر قرينة الإسناد من
هكذا ذهبت محكمة النقض في إحدى قراراتها » :أن المبعوث في مهمة له الحق في التمتع بالحماية الاجتماعية
أثناء الفترة الزمنية التي يستغرقها تنفيذ المهمة المكلف بها ،و يجب اعتباره قائما بتنفيذ مهمة ما لم يقم الدليل على
104
أنه استرد كامل استقلاله»
يتضح أن محكمة النقض استطاعت أن توسع من مضمون قرينة الإسناد و هكذا فأهمية قرينة التبعية تتجلى في
دعم المضمون
الموضوعي لقرينة الإسناد ،وليس استغناء عن هذه الأخيرة لأن الأجير الذي ينفذ أوامر المشغل في أداء
مهمة خارج وقت ومكان العمل يستفيد من قرينة الإسناد خلال الفترة الزمنية التي يستغرقها في أداء تلك
المهمة ما لم يثبت أنه كان أثناء تعرضه للإصابة أنه يقوم بعمل من أعماله الشخصية أو الطبيعية والتي لا علاقة
لها بالعمل من تم فقرينة التبعية تقوي مضمون قرينة الإسناد وتعطي لهذه الأخيرة مفهوما واسعا.
ل كن يجب التمييز بين مفهومين لقرينة التبعية فهناك مفهوم تقليدي حيث تم افتراض أن الأجير خاضع
لتوجيهات وإشراف المشغل أثناء وقت ومكان العمل ،هذا المفهوم يهدف إلى تيسير الإثبات ول كن إلى تقييد
الحماية الاجتماعية لأنها تسمح بإثبات العكس وبهذا المفهوم فإن حادثة شغل تكتسب صفة المهنية عندما
تتحقق في وقت ومكان العمل إضافة إلى وجود علاقة التبعية بين الأجير و المشغل مما يعني أن قرينة التبعية
تؤدي دورا مستقلا عن قرينة الإسناد ،في تحديد العلاقة بين الحادثة والعمل.
104
237
ل كن المفهوم الحديث لقرينة التبعية لا يعني ما سبق ذكره ،وإنما يتم افتراض خضوع الأجير لسلطة المشغل و
في مكان ووقت العمل وإنما إلى قيامه بتنفيذ أوامره وتعليماته ولو كان ذلك خارج النطاق الزمني والمكاني
للعمل ،وبذلك يهدف المفهوم الجديد إلى تيسير الإثبات من خلال دعمه لمضمون قرينة الإسناد بشكل يؤدي
إلى اتساع نطاقه لا إلى تقييدها لذا فقرينة التبعية بهذا المفهوم تؤدي دورا غير مباشر لتحديد العلاقة بين الحادثة
والعمل.
بموجب المادتين الثالثة و الرابعة من القانون 98/91فللإستفادة من التعو يض عن حوادث شغل لا بد ربط
العلاقة بين الحادثة و الإصابة و القانون 98/91بقي قاصرا على وضع ضوابط محددة لإثبات هذه العلاقة
ل كن الإجتهاد القضائي الاجتماعي من خلال تكييفاته للوقائع ،عمل على خلق قرائن أصبح مستقر عليها في
لدراسة هذه الفقرة يستلزم منا تقسيمها إلى نقطتين جوهريتين حيث نتناول في النقطة الأولى القرينة المادية
إذا كان القضاء قد حاول أن يحدد الخصائص القانونية للوقاية التي تعد مصدرا للحادثة فإنه قد أعفى المؤمن
عليه من عبء إقامة الدليل على تحققها ،إذ أن ظهور الإصابة في وقت ومكان العمل يؤدي إلى افتراض
238
وجودها ،وكنتيجة بديهية لهذا فإعفاء الأجير من عبء الإثبات لا يقتصر على التحقق المادي للحادث
105
« القرينة المادية » بل يتجاوز هذا الإعفاء حتى إلى العلاقة السببية بين الحادثة والضرر.
106
وهذا ما يحدو بجانب من الفقه الفرنسي أمام هذه النتيجة إلى القول بأن القرينة المادية ،تضم القرينة .
السببية وتستغرقها
فإذا سلمنا القول بكون الأجير المتضرر معفى من إقامة الدليل على تحقق الحادثة استنادا إلى القرينة المادية،
بينما القول أن اقتران الإصابة بزمان ومكان الحادثة يعتبر في ذاته حادثة شغل ،أو حادث يفترض نسبته إلى
الشغل.
من هذا نستخلص أن الأمر يتعلق هنا بقرار حقيقي ،خاص بسبب الإصابة الثابتة ،أو بمعنى آخر أنه يعطي
لواقعة التحقق من وجود الإصابة وظهورها في وقت ومكان العمل أهمية سببية مغالى فيها وخصوصا متى علمنا
أنها لا تأخذ بعين الاعتبار ببعض المعطيات المتمثلة في عناصر الواقع ،هذه الأخيرة التي لها قيمة استدلالية لا
إن هذا المنحى الذي يسل كه الإ جتهاد القضائي الفرنسي في هذا الصدد ،يبين عن القفزة التي خطاها والتي
طرأت على المبادئ التي يقيم عليها أحكامه ،فقرينة السببية في صياغتها الأولية كانت تعتمد في إثبات العلاقة ما
بين الإصابة والحادث على عناصر ثابتة ومؤكدة تتصل بالتحقق المادي للحادث،بحيث اعتبر أن » كل إصابة
تلحق بالعامل إثر حادث ،تحقق بسبب أو بمناسبة العمل ،يجب اعتباره مالم يثبت العكس أثرا لهذا الحادث.
107
»
105
106
107
239
فقرينة السببية كانت تستند كما سبق أن رأينا على واقعة الاقتران الزمني والمكاني للحادث والإصابة ،وبالتالي
فالاحتمال الراجح والمألوف في هذا الصدد ،يؤدي بنا إلى افتراض قيام علاقة ما بين ظهور الإصابة وتحقق
الحادث ،وهذا يفيد أن هناك التزام يلقى على الأجير مفاده ال كشف على الوجود المادي لواقعة لها خصائص
الحادث حتى يكون هذا الاقتران حقيقة مؤكدة ،ل كن أمام العراقيل والصعوبات التي تواجه الأجير في تحقيق
مثل هذا الالتزام ،حدا بالقضاء الفرنسي إلى استنباط التحقق المادي للحادث انطلاقا من ظروف الواقع التي
يكشف عنها المضرور ،بحيث أنه متى تبث انطلاقا من هذه الظروف أن الحادثة محتملة الوقوع ،فإن إثبات
تحققها المادي يعتبر قد تم بحيث » كل إصابة يعتبر العمل حتى المألوف سببا أو مناسبة لها يفترض ما لم يتم
108
إثبات العكس أنها ناتجة عن حادث عمل»
ما يستخلص من هذا الحكم القضائي ،هو أن القضاء الفرنسي ،ومن أجل التحقق من إثبات الحادثة يستعين في
هذا المجال بالقرينة المادية التي تؤدي إلى إعفاء الأجير من إقامة الدليل على التحقق المادي للحادث ،هذه
الأخيرة تستند وكما رأينا إلى الافتراض ،والعناصر التي يقوم عليها هذا الافتراض يثبت الواقع العملي بأنها لا
هذا ما يبين إذن القصور الذي يعتري النتائج التي يمكن أن يتوصل إليها القضاء باستعانته بالقرينة المادية من
أجل إثبات الحادثة ،وبالتالي فأحكامه في هذا المجال لا تكون مطلقة ،بل نسبية ،وذلك بالنظر إلى كون القرينة
109
المادية تبنى لا على احتمالات راجحة و يقينية بل على احتمالات مشكوك فيها يغلب عليها طابع الظن.
إن الحماية التي يوفرها المشرع المغربي للأجير المتضرر من جراء حادثة شغل كرسها القانون 98/91هذا القانون
وككل التشر يعات الخاصة بالتعو يض تعطي أهمية بالغة لعنصر الضرر ،وكما سبقت الإشارة إليه لا يستفيد
108
109
240
الأجير الذي تعرض للحادث ولم يصب بأي أذى من أي تعو يض ،ول كن هذا لا يبين أن عنصر الضرر وحده
يكفي للاستفادة من التعو يض ،بل لابد من ربط الضرر بحادثة شغل ،وبمعنى آخر ضرورة تحقق العلاقة
السببية بين الحادثة والضرر ،التي تصيب جسم الأجير مباشرة على إثر الإصابة.
كما أن هن اك أيضا حالات معاكسة ،يصعب بل ويستحيل من خلالها إثبات العلاقة السببية بين الضرر
* إما لعدم معرفة الظروف التي وقعت فيها الحادثة ،والنموذج الذي يجسد هذه الحالة كأن يسقط أحد
البحارة من أعلى السفينة إلى البحر ليلا فيموت غرقا لا يعرف ما إذا كان الأمر يتعلق بحادثة شغل أم بانتحار.
* إما لوجود أسباب متعددة من وراء الفعل الضار ،والمثال الذي يجسد هذه الحالة ،كأن يكون
* إما لعدم ظهور الأضرار مباشرة بعد الحادثة ،وخير مثال على هذه الحالة هو خروج الأجير سالما عند
110
حصول الحادثة ،ثم يشتكي بعد مرور وقت من الزمن على وقوعها ،من وجود أضرار في جسمه.
ولما كان من المنطقي أن الحماية التي يوفرها قانون الشغل لابد وأن تكون لها حدود بحيث يعرف المشغل ما له
وما عليه ،فالمنطق القانوني يفرضان تحمل المشغل مسؤوليته في حدود نتائج الأضرار التي تلحق بأجرائه ،من
جراء الحوادث التي لها علاقة بالشغل ،دون باقي الأضرار الأخرى ،والتي لها أسباب لا علاقة لها بالحادثة.
فالرغبة في تحديد المسؤولية هو الذي حدا بالقضاء الفرنسي ،وتبعه في ذلك القضاء المغربي ،إلى وضع معيار
يهتدي إليه لتحديد هذه العلاقة السببية بكل يسر وسهولة ،وفي هذا الإطار نجد المحاكم المغربية و الفرنسية تميز
110
241
بين نوعين من الضرر ،ضرر مباشر والذي ينت ج عن الحادثة مباشرة ،وفي المقابل ضرر غير مباشر بمعنى أنه لا
9الضرر بالمباشر :إن هذه الحالة والتي لا تثير أي إشكال فيما يخص الإثبات والمتعلقة بحصول ضرر للأجير
مباشرة ،وفور وقوع الحادثة ،بحيث هناك تلازم ما بين وقت الحادثة وحصول الضرر ،فإن المحاكم في هذه
والتساؤل المطروح في هذا المجال هو هل من اللازم إثبات العلاقة السببية طبقا للقاعدة القائلة بها البينة على
المدعي ،أو يكتفي بوقوع الحادثة فقط من أجل استنباط العلاقة السببية؟
فالمنحى الذي سار فيه الإجتهاد القضائي المغربي منذ صدور ظهير 11يونيو 9112هو منحى الإجتهاد
القضائي الفرنسي ،بحيث يأخذ بقرينة السببية ،مستعملا نفس العبارات التي كانت توردها محكمة النقض
الفرنسية مرارا في قراراتها » :أن كل ضرر يحصل من جراء الحادثة تقع بسبب الشغل أو بمناسبة القيام به،
111
يجب اعتباره ناتجا عن حادثة شغل إلا إذا أقيم الدليل على عكس ذلك»
ومن الملاحظ أن الإ جتهاد القضائي المغربي مازال يأخذ بهذه القرينة ،كما تدل على ذلك القرارات الصادرة
عن محكمة النقض بهذا الخصوص ،هذه القرارات التي تجد سندها في المنحى الذي نحاه المشرع المغربي
وذلك بتحميله المسؤولية عن كل ضرر لحق الأجير من جراء حادثة نتجت عن الشغل بحيث يفترض مع كل
ضرر لحق الأجير أنه يرجع مباشرة للحادثة وهذا ما يعبر عنه بقرينة الإسناد هذه الأخيرة لا تعتبر قاطعة ،بمعنى
111
242
آخر ل كي يتنصل المشغل من المسؤولية عليه أن يقيم الدليل على عكس ذلك ،وذلك كان يثبت بأن الضرر
الذي يعتقد أنه موال لوقوع الحادثة هو سابق لوقعها ،وفي هذا الصدد قضىت محكمة النقض » :بان وفاة
الأجير التي تحصل بسبب سكتة قلبية أثناء الشغل يفترض أنها ناتجة عن حادثة شغل و لهدم هذه
« القرينة فإنه يجب على المؤاجر أو على مؤمنه ،أن يثبت مرضا سابقا للمصاب ،وأن يقيم الدليل على أن
112
الأزمة القلبية لم يتسبب فيها الشغل »
كما قضىت نفس المحكمة » :بأن التكثف في عدسة العين الذي يظهر بعد ساعات على إصابتها من جراء انكسار
حجرة ،يعتبر ناتجا عن حادثة شغل بالرغم من أن الخبرة الطبية لم تستطع تأكيد أصل هذه الإصابة ،وعلى
113
المؤاجر أو مؤمنه أن يقيم الدليل على أن هذا التكثف مترتب عن سبب أجنبي عن الحادثة» .
و من خلال هذين القرارين نخلص إلى التأكيد على أن الإجتهاد القضائي المغربي استطاع تطوير نظام إثبات
حوادث الشغل عبر اجتهاداته ،بحيث ما يزال ثابتا في موقفه والذي يتمثل في كونه يعفي الأجير ،كطرف
ضعيف في العلاقة التعاقدية من عبء إثبات العلاقة السببية بين حادثة شغل والضرر ،ول كن هذا التوجه
ليس على إطلاقه بحيث أعطى في نفس الوقت للمشغل عبء إقامة الدليل العكسي ل كي يتنصل من مسؤوليته،
و يعتبر هذا الموقف منطقيا متى علمنا أنه قد تكون هناك استعد ادات الأجير المرضية أو الأمراض السابقة لوقوع
الحادثة التي تعتبر من بين الوسائل ،التي يستطيع المشغل التمسك بها للوصول إلى هذا الإثبات ،فلا يعقل أن
وقد سبق للقضاء المغربي أن عرض عليه هذا النوع من القضايا ،وكان موقفه في هذا الصدد جريئا ،ويتمثل في
كون المشغل يتحلل من المسؤولية كلما أثبت الاستعداد المرضي عند الأجير ،وأن الحادثة لم تكن السبب الذي
112
113
243
وعلى هذا المنوال قضت محكمة استئناف الرباط في حكمها الصادر بتاريخ 92أبر يل 9116على » أنه تعتبر
ناتجة عن حادثة شغل وفاة الأجير المصاب بداء السل والتي حدثت إثنا عشر يوما بعد إصابة هذا الأخير في
ظهره ،على إثر حادثة شغل وأنه كان على المؤاجر أن يثبت في الوقت المناسب أن وفاة هذا الأجير كانت
114
ستحصل ولو لم يصب في حادثة شغل» .
كما قضت محكمة النقض الفرنسية بتاريخ 99فبراير 9111نقض حكم محكمة الإستئناف بالرباط الصادر في 13
ماي 9113لأن هذه المحكمة الأخيرة لم تمنح أرملة الأجير الذي أصيب في رأسه في ساحة المؤسسة وهو
يؤدي أجور العمال ،إيرادا بدعوى أن وفاة زوجها نجمت عن نز يف داخلي في المخ تطور خفية على إثر إصابة
سابقة في مباراة من مبار يات ال كرة المستطيلة ،وقد صرحت محكمة النقض في تعليلها لنقضها أنه » :مادامت
حادثة شغل المتمثلة في ارتطام رأس المصاب بوجه الأجير الآخر قد كشفت عندما اختفى إلى حد وقوعها
115
وأنها هي التي عجلت بتطوره ،تطورا قضى على المصاب فإنه يجب اعتبار هذه الوفاة ناتجة عن حادثة شغل».
وسيرا في هذا الإتجاه الذي كرسته محكمة النقض الفرنسية نجد محكمة الإستئناف بالرباط في حكمها الصادر
91مارس 9144تعتبر » :أن وفاة الأجير المصاب بداء السكري التي تحدث بضعة أيام على إثر إصابته بحادثة
شغل في رأسه تكون ناتجة عن هذه الحادثة نظرا لضعف أوعية الجمجمة بسبب هذا المرض الذي سبب نز يفا
116
دمو يا داخليا» .
وقد اتجهت محكمة النقض على غرار المحاكم الأدنى درجة ،وما يوضح ذلك هو كونه قضى برفض نقض حكم
محكمة الاستئناف بالرباط في قراره في 34دجنبر 9141ل كون المحكمة المذكورة قضت» بكون إصابة عظام
114
115
116
244
الرجل تكون ناتجة عن حادثة شغل حتى ولو كان هناك داء ناتج عن إصابة سابقة ،وبرزت حكمها بكون
117
الحادثة هي التي كشفت عن هذا أداء الذي اختفى إلى حد وقوعها» .
وإذا أردنا تقييم مسلك الإجتهاد القضائي في هذا الصدد وجدناه ينبني على أساس مقبول ومنطقي مفاده أن
الأجير يستفيد من مقتضيات قانون حوادث الشغل و الأمراض المهنية متى نتج الضرر عن حادثة شغل ،ولو
تداخلت معه أسباب أخرى بحيث أن جميع الأسباب على درجة واحدة من الأهمية ،تطبيقا لنظر ية تكافؤ
الأسباب ،وهذه النظر ية تعتبر وجيهة بحيث أنها تعتبر آخر هذه الأسباب وهي وقوع الحادثة ،لما ظهرت
الأسباب الأخرى الخفية ،باعتبارها آخر هذه الأسباب ،وبإمكان المشغل التنصل من مسؤوليته متى أثبت أن
إذا كان الأجير المتضرر من جراء حادثة شغل يستفيد من قرينة الإسناد متى اقترن ظهور الضرر بتحقيق حادثة
شغل ،وبالتالي يعفى من عبء الإثبات ،فإن هناك حالة معاكسة لا يظهر فيها الضرر مباشرة بعد وقوع الحادثة
بل يختفي ولا يظهر إلا بعد فترة زمنية ،ففي هذه الحالة والتي تثير إشكالا على مستوى الإثبات ،فالأجير لا
يستفيد من قرينة الإسناد ،وهذا أمر بديهي متى علمنا أنه إذا كان من الممكن إرجاع سبب الضرر إلى الحادثة
فمن غير المستبعد ،بعد مرور فترة زمنية أن ينتج عن أسباب أخرى لاحقة لوقوعها.
وبالتالي يتعذر اللجوء إلى استعمال قرينة الإسناد متى كان الضرر غير مباشر ،لذلك يتحمل الأجير المتضرر أو
ذوي حقوقه في حالة وفاته إثبات العلاقة بين الحادثة والضرر ،و بحكم مركز الأجير كطرف ضعيف في العلاقة
التعاقدية فقد أعطى المشرع اللجوء إلى كافة وسائل الإثبات الدامغة ،كالشهادة الطبية والخبرة المضادة ،كذا
117
245
في هذا الصدد قررت محكمة الإستئناف بالرباط في حكمها الصادر في 98أبر يل » :9113أنه لا يمكن تطبيق
مقتضيات التشر يع المغربي الخاص بالتعو يض عن حوادث الشغل إذا لم تتمكن أرملة الأجير المصاب بحادثة
118
شغل الذي توفي بعد أشهر عديدة من برء جرحه أن تقيم الدليل على وجود علاقة سببية بين الحادثة والوفاة »
كما قررت نفس المحكمة بتاريخ 2فبراير » :9113أنه إذا توفي المصاب بعجز يقدر ب %8بعد أربعة عشر شهرا
من وقوع حادثة شغل ،وقامت أرملته تطالب بالإيراد عن الوفاة ،مدعمة طلبها بشهادة لفيفية وضعت بعد مرور
عشرة أشهر عن الوفاة فإن تصر يحات الشهود الواردة في الشهادة اللفيفية تشكل مجرد آراء شخصية غير دامغة،
119
لأنها لم تصدر عن أهل الفن والخبرة ولا تشكل بالتالي دليلا قاطعا عن العلاقة السببية بين الحادثة والوفاة»
وموقف المشرع المغربي والذي تجسده هذه القرارات يعتبر منطقيا ومعقولا بل بحيث لا يعقل إعمال قرينة
الإسناد ،كلما كان الضرر غير مباشر وذلك راجع بالخصوص إلى كون ظهور الضرر بعد وقوع الحادثة لفترة
زمنية طالت أم قصرت ،لا يمكن معه التسليم بكون الضرر ناتج عن الحادثة والسبب في ذلك راجع إلى أنه من
المحتمل أن تتدخ ل أسباب أخرى بعد الحادثة تتسبب في الضرر ،وعليه فمن الواعي ومن العدل أن يلتزم الأجير
أو ذوي حقوقه في حالة وفاته بإقامة الدليل على كون الضرر يرتبط بالحادثة ،بعلاقة وطيدة ومتماسكة.
120
بأنه لفسخ العلاقة السببية بين الضرر والحادثة يكفي أن وهذا ما حدا بجانب من الفقه الفرنسي إلى القول
يدخل العلاقة سببا أجنبيا ،وبالتالي فعلى الأجير من أجل الإستفادة من التعو يض أن يثبت بالإضافة إلى
علاقة الضرر بالحادثة ،أيضا كون الضرر لم يحصل لهذا السبب الأجنبي ،وانطلاقا من هذا المبدأ نجد الإجتهاد
القضائي يقضي كلما نتجت وفاة المصاب بحادثة شغل في وقت العلاج الذي استلزمه هذه الحادثة ،بحيث يضع
اعتبار المشغل مسؤولا عن الوفاة ،كذلك نظرا ل كونها تشكل مع الحادثة وحدة غير قابلة للتجزئة فإن المشغل لا
118
119
120
246
يكون مسؤولا عن تفاقم جرح المصاب بسبب رفضه للعلاج ،أو عن الوفاة التي تحدث بسبب أجنبي عن
الحادثة.
فهكذا نقضت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر عن غرفتها المدنية بتاريخ 94فبراير 9114حكم محكمة
استئناف بتاريخ 19شتنبر 9116لأن هذه الأخيرة لم تعتد برفض الأجير لتلقي العلاج بالرغم ،بساطة
الإصابة ،وقد صرحت محكمة النقض » :أن الأجير الذي جرح في أصبعه ورفض استئصال الداحوس الناتج
عن الجرح بواسطة عملية خفيفة بعد تنبه مؤاجره و الطبيب على المضاعفات التي قد
121
قد عرض أصبعه إلى الخطر حينما ظل يشتغل غير مكترث ،بكل ما يتسرب إليه تنجم عن هذا الرفض »
يكون
لذلك قررت محكمة النقض عدم تحميل المشغل بالعواقب الناتجة عن قطع الأصبع مادامت أسباب أخرى منها
رفض المصاب للعلاج وتسرب المكروبات إلى الجرح قد ساهمت في حصول الضرر ،وقياما على هذه الحالة نجد
محكمة النقض المذكورة في قرارها الصادر عن غرفتها الإجتماعية بتاريخ 11غشت 9111ترفض الأخذ
بقرينة إسناد الضرر للحادثة التي يجرح فيها الأجير يوم 13غشت ويموت متأثرا بالتيطانوس يوم 4أكتوبر مع أنه
لم يوقف شغله ولم يطالب بأي علاج ،كما قررت محكمة الإستئناف بالرباط في قرارها الصادر بتاريخ 98
أكتوبر 9111أنه:
» إذا انتحر الأجير المصاب بعجز دائم جزئي ناتج عن حادثة شغل فإنه لا توجد في هذه الحالة قرينة إسناد
122
الضرر للحادثة وعلى ذوي حقوقه أن يقيموا الدليل على وجود علاقة سببية بين الحادثة والإنتحار»
121
122
247
لذلك يتمظهر من خلال مختلف الإجتهادات القضائية للقضاء الإجتماعي في فرنسا و المغرب تطوير نظام
الإثبات في قضايا حوادث الشغل من طرف الإجتهادات القضائية ،بحيث أصبح القضاء مستقر عليها في ظل
القصور التشر يعي و صعوبة سن وسائل إثبات دقيقة لإثبات حوادث الشغل و الأمراض المهنية .
الملاحظ أن الإجتهاد القضائي غطى على القصور التشر يعي و عدم دقة وسائل الإثبات العامة و عدم قدرتها
عل ى مواكبة تطور الوقائع بحيث هذا القصور خول للقضاء الحق الضمني لإصدار اجتهادات قضائية نابعة من
الواقع وحسب النوازل المعروضة أمامه ،طور من خلالها نظام إثبات حوادث الشغل و الأمراض المهنية .
لذلك أصبح القضاء الاجتماعي يذهب في اتجاه القضاء الأنكلوساكسوني يستند على الفلسفة الواقعية لإصدار
قرارات قضائية استطاع من خلالها خلق وسائل أصبح مستقر عليها تتجه في مصلحة الأجير بالدرجة الأولى،
وأصبح الإجتهاد القضائي من خلالها آلية لتطوير نظام إثبات حوادث الشغل و الأمراض المهنية نظرا
لخصوصيته و صعوبة الإستناد على القواعد العامة مخافة ضياع حقوق الأجراء.
ل كن يبقى التساؤل المطروح هل تطوير الإجتهاد القضائي لنظام إثبات حوادث الشغل و الأمراض المهنية
يمكن من خلاله تطوير التشر يع عبر سن ما استقر عليه الإجتهاد القضائي أم أنه لصعوبة هذا الطرح يكفي
الاستقرار على الإجتهادات القضائية من طرف القضاء الاجتماعي دون سنها في تشر يع حوادث الشغل و
248
خاتمة:
ما يمكن أن نخلص إليه ،أن نظام الإثبات في إطار حوادث الشغل ،تم تطو يره عبر الإجتهاد القضائي و هنا
يمكن لنا القول أن الإ جتهاد القضائي هو بالفعل مصدر رسمي من مصادر القانون و آلية واقعية لتطوير الترسانة
التشر يعية فاستطاع الإجتهاد القضائي الاجتماعي بواقعيته ابتكار أسلوب جديد في الإثبات وهو قرينة
الإسناد و قرينة التبعية و القرينة المادية و السببية بالإضافة الى الأخد بمعيار الضرر المباشر و الغير المباشر ،هذه
الوسائل المبتكرة ساهمت في تطوير نظام إثبات حوادث الشغل و الأمراض المهنية ونجحت إلى حد ما في قلب
عبء الإثبات ،وجعلته رهين بهذه الوسائل ،فرغم ما يؤخذ على أن قرينة الإسناد تبقى بسيطة قابلة لإثبات
العكس ،لأنها تفتح الباب أمام المشغل أو مؤمنه للتنصل من مسؤوليتهما إذا ما أثبتوا أن الحادثة راجعة إلى
سبب خارجي تماما عن العمل ،ل كن عند عجز قرينة الإسناد في تحقيق حماية أكثر للأجير ،ابتدع الاجتهاد
القضائي مرة أخرى قرينة التبعية والتي بواسطتها يتم افتراض خضوع الأجير ليس بالنظر إلى تواجده في مكان
ووقت العمل ،وإنما إلى قيامه بتنفيذ أوامره ،وتعليماته ولو كان ذلك خارج النطاق الزمني والمكاني للعمل،
وبذلك تهدف إلى تيسير الإثبات من خلال دعهما لمضمون قرينة الإسناد ،بشكل يؤدي إلى اتساع نطاقها لا
إلى تقييدها ،ومن جهة أخرى تم تدعيم نظام الإثبات في حوادث الشغل بأسلوب آخر وهو القرينة المادية،
وبالرغم من تطو ير نظام الإثبات في حوادث الشغل عبر الاجتهاد القضائي ،فإنه غالبا ما يصطدم بصعوبة
تحقيق الحماية اللازمة للمضرور ،ذلك أن المشغلين يقبلون على مؤسسات التأمين للتأمين على حوادث الشغل
حتى يتجنبوا المبالغ الباهظة والتي قد لا تتحملها ميزانية مؤسساتهم ،فإن شركات التأمين هذه تستغل هذا الميدان،
ليس لتحقيق الحماية الاجتماعية للأجير ،والتي دأب الفقه والقضاء و الحركة النقابية إلى تحقيقها منذ قرون ،و
إنما لتحقيق الربح على حساب بؤس المصابين وحرمانهم من أبسط الحقوق.
249
ذلك أن هذه المؤسسات تعمل على مماطلة المصاب للحصول على الإيراد ،برفضها لنتائج الخبرة الطبية ،ونسبة
250
251
التعليق على القرار رقم 1441ملف اجتماعي عدد 81/1124حول
فقدان الاجير للوعي في مكان العمل ووفاته داخل المستشفى
مليجي الصحراوي
سنحاول التعليق على القرار رقم 1441الصادر عن المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا ) بتاريخ
94شتنبر 9114ملف اجتماعي عدد .123 81/1124
تتلخص الوقائع في أن المرحوم صالح الوادي سقط مغشيا عليه و هو يعمل في فندق سفير و نقل
إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه في نفس اليوم ,و بعد إحالة التصريح بالحادثة على المحكمة الابتدائية
أصدرت حكمها في الملف عدد 1303/86باعتبار الحادثة حادثة شغل و قضت لورثة الضحية بالإيراد
,و بعد استئناف الحكم من طرف كل من شركة التامين العربية و المشغل أصدرت محكمة الاستئناف
بمراكش قرارها عدد 233بتاريخ 25يناير 1989بإلغاء الحكم الابتدائي و الحكم من جديد برفض
الطلب .طعن الورثة في القرار و عابوا عليه انعدام الأساس القانوني ذلك أن موروثهم كان يعمل بصفة
طبيعية لصالح فندق سفير و هذا ما أكده التقرير الطبي في 07فبراير 1981و أن وفاته كانت بسبب
النز يف بعد سقوطه و أنه بعد 7سنوات يأتي تقرير مقتضب للدكتور المنصوري اعتمد على الوثائق
الط بية دون معاينة المرحوم يخلص فيه إلى أنه لا علاقة لوفاة موروثهم بانزلاقه كما أن القرار لم يبين
لماذا استبعد الخبرات السابقة مما يجعله منعدم الأساس القانوني .
وقد ثبت صدق ما نعته الوسيلة على القرار ,وأنه من الثابت و مما لا جدال فيه أن الضحية سقط مغميا
علي ه و هو يعمل عند مشغله فندق سفير حيث لفظ أنفاسه بعد نقله للمستشفى و من تم فان الحادثة
تعتبر حادثة شغل و لو كانت نتيجة عن نز يف دموي أصيب به الضحية قبل سقوطه على الأرض
اللهم إلا إذا برهن المؤاجر انه كان عرضة سهلة للأمراض قبل إصابته .و أن محكمة الاستئناف عندما
اعتبرت الحادثة ليست حادثة شغل بمجرد كون التقرير الطبي أثبت أن الوفاة كانت نتيجة عن النز يف و
ليس عن السقوط من غير أن يثبت المؤاجر أو مؤمنه أن الضحية كان عرضة سهلة للأمراض و من غير
أن تتأكد من ذلك جعلت قرارها منعدم الأساس القانوني مما يتعين نقضه .
- 123مجلة قرارات المجلس األعلى في المادة االجتماعية ,1996-1962منشورات المجلس األعلى في ذكراه األربعين سنة
,1997ص .79
252
و لهذه الأسباب قضى المجلس الأعلى بنقض قرار محكمة الاستئناف بمراكش و بإحالة الملف على
نفس المحكمة لتبت فيه من جديد طبقا للقانون و هي مؤلفة من هيئة أخرى و بتحميل المطلوبتين الصائر
.
سنحاول البحث و التركيز في هذا التعليق على العلاقة السببية بين الحادثة و الشغل أي الطابع المهني
للحادثة في نقطة أولى ,و على العلاقة السببية بين الحادثة و الضرر في نقطة ثانية.
النقطة الأولى :العلاقة السببية بين الشغل و الحادثة أو الطبيعة المهنية للحادثة:
124
لا يعتبر كل فعل ضار يتعرض له الأجير الذي يستفيد من مقتضيات القانون 18.12
حادثة للشغل ,إذا لا بد ل كي يطالب هذا الأخير بتطبيق أحكام هذا القانون ,من وجود علاقة ما بين
الشغل و الحادثة نظرا للطابع الاستثنائي للمسؤولية الملقاة على عاتق المشغل و الأسس التي تنبني عليها
هذه المسؤولية من جهة أخرى.ولذلك فان هذه العلاقة غالبا ما يصعب تحديدها لانعدام وجود خط
يفصل ما بين الضرر المسمى بحادثة شغل و الضرر العادي ,وحتى لا يبقى تردد فيما إذا كان الفعل
الضار الذي يعتبر حادثة شغل هو الضرر الحاصل من جراء الشغل أو الضرر الذي ما كان يقع لو لم
يقم الأجير بعمله ,فقد نص المشرع المغربي في المادة 3من القانون 18.12على أنه ":تعتبر حادثة
شغل كل حادثة ,كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر ,للمستفيد من أحكام هذه القانون ,سواء كان
أجيرا أو يعمل بأي صفة تبعية كانت و في أي محل كان إما لحساب مشغل واحد أو عدة مشغلين ,
وذلك بمناسبة أو بسبب الشغل أو عند القيام به ,و لو كانت هذه الحادثة ناتجة عن قوة قاهرة ,أو
كانت ظروف الشغل قد تسببت في مفعول هذه القوة أو زادت من خطورتها إلا إذا اثبت المشغل أو
مؤمنه طبقا للقواعد العامة للقانون أن مرض المصاب كان سببا مباشرا في وقوع الحادثة .
و يقصد بالضرر في مفهوم هذا القانون كل إصابة جسدية أو نفسية تسببت فيها حادثة الشغل و
أسفرت عن عجز جزئي أو كلي ,مؤقت أو دائم ,للمستفيد من أحكامه " .وبهذا النص يكون المشرع
- 124الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.14.190بتاريخ 29دجنبر ,2014الجريدة الرسمية عدد , 6328بتاريخ 22
يناير ,2015ص . 489
253
المغربي قد استخدم صيغة مرنة تترك مجالا ,و حر ية كبيرة للمحاكم و للاجتهاد القضائي في تكييف الفعل
الضار الذي يقع بمناسبة القيام بالشغل أو بسببه بأنه حادثة شغل أم لا.
ثار جدال فقهي لمعرفة ما إذا كانت العلاقة بين الشغل و الحادثة تستند إلى نظر ية المخاطر المهنية
أم إلى نظر ية التبعية القانونية .125فالنظر ية الأولى تقوم على المبدأ القائل بأن الغنم بالغرم ,و اعتبرت
المشغل مسؤولا عن الحوادث التي يتعرض لها أجراءه لأنه يجني الفائدة التي تدرها عليه المهنة ,و من
هنا جعلت هذه النظر ية العلاقة بين الشغل و الحادثة قائمة على الفوائد التي تجنيها المقاولة من مهنة
الأجير ,بحيث يصبح التعو يض الذي يجب على المشغل دفعه للمصاب أو ذوي حقوقه داخلا ضمن
المخاطر التي تتحملها المقاولة في مقابل ما يعود عليها من نفع ,و بذلك فقد بنيت العلاقة ما بين الشغل و
الحادثة في هذه النظر ية على أساس المخاطر الناتجة عن النفع .أما النظر ية الثانية فهي نظر ية التبعية
القانونية التي تعتد بما إذا كان الشغل قد أنجز بأمر من المشغل أو تحت رقابته أو إشرافه و توجيهه لأن
التبعية القانونية من المميزات الأساسية لعقد الشغل ,و بالتالي فإن التعو يض عن حوادث الشغل ما هو
إلا أثر من الآثار الناتجة عن تنفيذ عقد الشغل ,و أن المشغل مسؤول عن الأضرار التي تحدث للأجير
مادام يقوم بعمله تحت إشرافه و رقابته و توجيهه ,وبذلك لا تبنى هذه النظر ية العلاقة بين الشغل و
الحادثة على النفع الذي تجنيه المؤسسة من الشغل ,و ل كن على أساس المخاطر الناتجة عن سلطة المشغل
في الإشراف و التوجيه و إعطاء الأوامر أو ما يعبر عنه بالتبعية القانونية ,التي نرى أنها أولى بالتطبيق
على نازلة القرار الذي نحن بصدد التعليق عليه ,فالأجير لما حل بالفندق و باشر القيام بالشغل المنوط
به تنفيذا لأوامر المشغل و تحت رقابة و توجيه هذا الأخير أو من يقوم مقامه فإنه يكون مسؤولا عن
الضرر الذي تعرض له الأجير المتوفى و دفع الإيرادات و التعو يضات الواردة في القانون 12.18
لذوي حقوقه .و قد صرحت محكمة النقض الفرنسية في قرارها الصادر في 20أبر يل " 1912بأنه
يجب أن تعتبر بمثابة حادثة للشغل الحادثة التي تقع للأجير بمناسبة ممارسته لمهامه التي يفرضها عليه عقد
الشغل المبرم بينه وبين المؤاجر". 126
- 125أستاذنا الدكتور آمال جالل " مسؤولية المؤاجر عن حوادث الشغل و األمراض المهنية "نشر كلية الحقوق بالرباط ,الطبعة
األولى ,1977ص . 203
126
-أستاذنا الدكتور آمال جالل ,المرجع السابق ,ص . 206
254
و يعتبر الاجتهاد القضائي المغربي شأنه شأن نظيره الفرنسي أن الحادثة التي يتعرض لها الأجير و
هو في وقت و مكان العمل حادثة شغل نظرا لوجود هذا الأخير في علاقة التبعية التي تربطه بالمشغل ,
و في هذا الصدد تتوسع المحاكم في إعطاء الفعل الضار و صف حادثة شغل لأن المادة 3من القانون
12.18لا تعتد بسبب الحادثة من جهة ,و تترك لها سلطة تقدير ية لتفسير الحادثة التي تصيب الأجير
بمناسبة القيام بالشغل من جهة أخرى ,بحيث متى ثبت لها أن الحادثة حصلت في وقت و مكان
العمل إلا و مالت إلى اعتبارها تكتسي طابعا مهنيا أي حادثة شغل ,حتى إن عبارة " وقت و مكان
العمل " أصبحت من العبارات المألوفة التي كثيرا ما ترد في أحكام المحاكم ,و لا يحصر الاجتهاد
القضائي المغربي هذه المسالة في الحوادث التي تتسبب فيها الآلة أو أدوات الشغل فقط ,بل يعممها على
الحوادث مهما كان سببها ,اذ يعتبر الفعل الضار الحاصل في و وقت و مكان العمل حادثة شغل ،و
قد ورد في القرار الصادر عن المجلس الأعلى بتاريخ 5فبراير " 1969بما أن محكمة الاستئناف ثبت
لديها أن الحادثة وقعت في مكان و وقت العمل ,فإنها صادفت الصواب عندما اعتبرتها حادثة شغل
". 127
من خلال ما تقدم يتضح أن الاجتهاد القضائي يعتمد على علاقة التبعية لتحديد العلاقة بين
الشغل و الحادثة ,متى أنجز الشغل في وقت و مكان العمل و بمناسبته ,و كان الأجير خاضعا لتوجيه و
إشراف مشغله منفذا لأوامره ,أي خاضعا للتبعية القانونية ,لذا فإننا نسلم بسهولة أنه كان يخضع إلى
هذه التبعية ,فإذا ما أصيب بحادثة شغل ,فإن المشغل مسؤول عن هاته الأضرار و أن عليه أو على
مؤمنه دفع التعو يضات و الإيرادات المنصوص عليها لفائدة الأجير أو لذوي حقوقه في حالة وفاته .
يهدف قانون 12.18إلى تعو يض الضرر الحاصل من جراء حادثة الشغل ,و ككل القوانين
الخاصة بالتعو يض يهتم القانون المذكور بالضرر اهتماما كبيرا إذ أن حاثة الشغل لا تؤخذ بعين الاعتبار
إلا إذا كانت السبب في حصول هذا الضرر بحيث أن الأجير إذا ما تعرض لحادثة و هو يقوم بعمله و
خرج منها سالما معافى ,غير مصاب بأذى فإنه لا يمكنه مطالبة مشغله بشيء .على أنه إذا كان لا بد
من وجود ضرر للمطالبة بالتعو يض ,فإنه يجب القول أن و جود الضرر و حده لا يكفي ,بل لابد أن
127
-أورده أستاذنا الدكتور آمال جالل ,بالمرجع السابق ص .207
255
128
أي أنه لا بد يكون هذا الأخير ناتجا عن حادثة التي هي عبارة عن فعل ضار يصيب الأجير فجأة
من وجود علاقة سببية بين الحادثة و بين الضرر الذي يصيب جسم الأجير و في أغلب الأحيان فان
إثبات هذه العلاقة يتم بدون صعوبة إذا ما اكتسى الفعل الضار صفة حادثة شغل و ترتب عليه
حصول أضرار للأجير في جسمه مباشرة على إثر الإصابة .
فذا خلفت حادثة الشغل ضررا حصل للمصاب بكيفية فور ية و مباشرة ,فإن المحاكم تأخذ بصدد
هذا الضرر المباشر بقرينة الإسناد و العزو ية و اللزومية ,و التي بمقتضاها يعزى الضرر أو يسند إلى
حادثة الشغل .ل كن هل لابد من إقامة الدليل على أن السبب في حصول الضرر هو الحادثة طبقا
للقاعدة القائلة بان البينة على المدعي ,أم يكتفي بوقوع الحادثة فقط من أجل استخراج العلاقة السببية
بينها و بين الضرر .
129
يأخذ بقرينة منذ السنوات الأولى لتطبيق ظهير 25يونيو 1927نجد الاجتهاد القضائي المغربي
الإسناد مستعملا نفس العبارات التي كانت توردها محكمة النقض الفرنسية مرارا في قراراتها التي
تصرح " بأن كل ضرر يحصل من جراء حادثة تقع بسبب الشغل أو بمناسبة القيام به يجب اعتباره
130
و هذه القرينة التي يأخذ بها الاجتهاد ناتجا عن حادثة شغل إلا إذا أقيم الدليل على عكس ذلك "
131
القضائي المغرب يستفاد من قرارات المجلس الأعلى كما في القرار الصادر بتاريخ 24مارس 1964
الذي يتمسك بنفس العبارات التي توردها محكمة النقض الفرنسية ,يمكن تبريرها انطلاقا من الاتجاه
الذي أعطاه المشرع المغربي للقانون 12.18و خصوصا مقتضيات المادة 3منه التي تقضي بأنه " تعتبر
حادثة شغل كل حادثة ,كيفما كان سببها يترتب عنها ضرر ,للمستفيد من أحكام هذه القانون ,سواء
كان أجيرا أو يعمل بأي صفة تبعية كانت و في أي محل كان إما لحساب مشغل واحد أو عدة مشغلين
,وذلك بمناسبة أو بسبب الشغل أو عند القيام به ... ,إلا إذا اثبت المشغل أو مؤمنه طبقا للقواعد
العامة للقانون أن مرض المصاب كان سببا مباشرا في وقوع الحادثة . " ...فقد أراد المشرع المغربي أن
يحمل المشغل الأضرار التي تقع للأجير من جراء الحادثة التي تقع بسبب الشغل الذي أمره بالقيام به
بحيث أ ن كل ضرر ينجم مباشرة عن هذه الحادثة يفترض أنه مرتبط بها ,و على المشغل أن يقيم الدليل
- 128للتوسع أكثر في العناصر المكونة للحادثة راجع أستاذنا الدكتور آمال جالل ,المرجع السابق الفقرة رقم 159ص 183و ما
بعدها.
129
-المرجع السابق الفقرة 177الصفحة 219و ما بعدها.
- 130القرار الصادر عن محكمة النقض الفرنسية بغرفها مجتمعة بتاريخ 17ابريل ,1921أورده ألستاذنا الدكتور آمال جالل,
بالمرجع السابق ص 219
131
-أورده أستاذنا الدكتور آمال جالل ,بالمرجع السابق ص الصفحة .219
256
على عكس ذلك بأن يثبت بأن الضرر الذي يعتقد أنه موال لوقوع الحادثة هو سابق لوقوعها مثلا أو أنه
بالرغم من كونه ظهر مع الحادثة فإن له سببا آخر أجنبيا عن هذه الأخيرة .
و في هذا الصدد قضى المجلس الأعلى في قراره بتاريخ 27يونيو " 1961بأن وفاة الأجير التي حصلت
بسبب سكتة قلبية أثناء الشغل يفترض أنها ناتجة عن حادثة الشغل ,و لهدم هذه القرينة فإنه يجب على
المؤاجر أو على مؤمن أن يثبت مرضا سابقا للمصاب و أن يقيم الدليل على أن الأزمة القلبية لم يتسبب
132
كما في نازلة الحال لدينا فعلى المشغل أو مؤمنه إثبات أن النز يف سابق عن السقوط فيها الشغل "
المفاجئ للأجير و ليس ملازما له ,و أن وفاة هذا الأخير كانت بسبب النز يف و ليس بسبب السقوط
العنيف ,و أن النز يف ناتج عن استعدادات مرضية سابقة و ليس عن ظروف و ضغوط الشغل ,وأن
الأجير كان سيموت في جميع الأحوال حتى و لو لم يحضر إلى الفندق و لاأدائه لعمله .مع الإشارة
إلى أن أي منهما لم يطالب بتشريح الجثة و أن ذوي الحقوق لم يعارضوا في ذلك ,بل اكتفيا بعد 7
سنوات من الوفاة بتقرير منجز من طرف الطبيب المنصوري دون معاينة المرحوم .
و يرى -أستاذنا الدكتور امال جلال -بأن موقف الاجتهاد القضائي المغربي و على رأسه المجلس
الأعلى يعفي الأجير أو ذوي حقوقه في حالة وفاته من إثبات العلاقة السببية بين حادثة الشغل و الضرر
و يحمل على عاتق المشغل أو مؤمنه عبئ إثبات العكس و إثبات استعدادات الأجير المرضية السابقة
أو الأمراض السابقة لوقوع الحادثة التي غالبا ما يتمسك بها المشغل للدليل على أن الإصابة ناتجة عنها و
ليس عن حادثة الشغل .و قد قدر للاجتهاد القضائي المغربي أن ينظر في قضايا من هذا النوع تتعلق
مثلا بالإصابات الناتجة عن الفتق أو داء السل بحيث كان موقفه واضحا إذ قضى بأن المشغل أو مؤمنه
لا يمكنه أن يتحلل من أداء التعو يض إلا إذا اثبت أن الضرر يشكو منه المصاب يجد مصدره في
الاستعداد المرضي لهذا الأخير و أن الحادثة لم تكن السبب الذي سمح باندلاع هذا الضرر .و في هذا
الصدد قضت محكمة استئناف الرباط في حكمها الصادر بتاريخ 17ابر يل " 1954أنه تعتبر ناتجة عن
حادثة شغل وفاة الأجير المصاب بداء السل و التي حدثت 12يوما بعد إصابة هذا الأخير في ظهره
على حادثة شغل ,و أنه كان على المؤاجر أن يثبت في الوقت المناسب أن وفاة هذا الأجير كانت
133
,فمن باب أولى الوفاة التي حصلت مباشرة بعد سقوط ستحصل و لو لم يصب في حادثة شغل "
الأجير مغشيا عليه و هو يعمل في الفندق و نقله إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه هناك كما في نازلة
الحال التي بين أيدينا.
132
-أورده أستاذنا الدكتور آمال جالل ,بالمرجع السابق ص .220
133
-أورده أستاذنا الدكتور آمال جالل ,بالمرجع السابق ص .221
257
كما نحا المجلس الأعلى منحى المحاكم المغربية الدنيا إذ رفض في قراره الصادر في 30دجنبر
134
نقض حكم محكمة استئناف الرباط لأن المحكمة المذكورة اعتبرت أن إصابة عظام الرجل 1965
تكون ناتجة عن حادثة شغل حتى و لو كان هناك داء من هذا النوع ناتج عن إصابة سابقة ما دامت
الحادثة هي التي كشفت عن هذا الداء الذي اختفى إلى حد وقوعها .
فهذا الاتجاه الذي يسير فيه الاجتهاد القضائي المغربي و الذي يبدو معقولا و مقبولا -حسب
أستاذنا الفاضل -يمكن تبريره بأن المحاكم تطبق مقتضيات القانون 12.18متى تبين لها أن رابطة
السببية هي كافية لهذا التطبيق و لو كانت عرضية .فكما هو الشأن بالنسبة للمسؤولية المدنية ,فان المحاكم
لا تفحص أمام أسباب متعددة للضرر أي هذه الأسباب كان رئيسيا و أيها كان فرعيا ,و لذلك فهي
تكتفي بالتصريح بأن الفعل المختلف حوله و هو حادثة الشغل ,هو أحد أسباب الضرر ,علما بأن
الأسباب الأخرى تعد على درجة واحدة من حيث أهميتها .و عليه فهي تطبق نظر ية تكافؤ الأسباب
حماية الأجير و لذوي حقوقه ,و هذه النظر ية تعد منطقية نظرا ل كونها تعتبر أن آخر هذه الأسباب ,
وهي وقوع الحادثة ,هي التي سمحت للأسباب السابقة بأن تتدخل ,و لذلك لا يعقل أن تكون قيمة
هذه الحادثة أقل من قيمة الأسباب الأخرى ,لأنه لولا وقوع هذه الأخيرة لتأخرت الاستعدادات
المرضية للمصاب عن الظهور أو لما اندلعت إطلاقا .و عليه فانه من العدالة أن يعتبر ضرر المصاب ناتجا
عن الحادثة التي هي آخر سبب من أسباب الضرر ,و على المشغل أو مؤمنه أن يقيم الدليل على أن
الضرر لا يجد مصدره في الحادثة و إنما في سبب آخر هو أجنبي عنها .
من خلال ما تقدم نرى أن موقف كل من المحكمة الابتدائية ,و المجلس الأعلى ( محكمة النقض
حاليا) كان سليما لما اعتبر أن حادثة سقوط الأجير أثناء عمله حيث لفظ أنفاسه حادثة شغل ولو كانت
ناتجة عن نز يف .و أن محكمة الاستئناف قد خرقت القانون لما اعتبرت الحادثة ليست حادثة شغل لمجرد أن
الوفاة كانت نتيجة نز يف و ليس للسقوط على الأرض ,و من غير أن يثبت المشغل أو مؤمنه أن الضحية كان
عرضة سهلة للأمراض قبل إصابته بالنز يف الدموي ,ومن غير أن تتأكد من ذلك جعلت قرارها منعدم
الأساس القانوني مما عرضه للنقض .
134
-أورده أستاذنا الدكتور آمال جالل ,بالمرجع السابق ص .222
258
259